تفسير ابن كثير الجزء الخامس

‫ملتقى أهل الحديث‬
‫‪www.ahlalhdeeth.com‬‬
‫تفسير القران العظيم‬

‫للمام الحافظ عماد الدين ‪ ،‬أبو الفداء‬
‫اسماعيل بن كثير القرشى الدمشقي‬
‫المتوفى سنة ‪‍ 774‬‬
‫ه‬
‫الجزء الثاني‬
‫من سورة النساء إلى سورة النحل‬
‫ملتقى أهل الحديث‬ ‫ُ‬
‫سورة النساء‬
‫قال العوفي عن ابن عباس‪ :‬نزلت سورة النساء بالمدينة‪ .‬وكككذا‬
‫روى ابن مردويه‪ ,‬عن عبد الله بككن الزبيككر وزيككد بككن ثككابت‪ ,‬وَروى‬
‫من طريق عبد الله بن لهيعة‪ ,‬عن أخيه عيسى‪ ,‬عككن عكرمككة عككن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬لما نزلت سورة النسكاء قكال رسكول اللكه صكلى‬
‫الله عليه وسلم‪» :‬ل حبس« وقال الحكاكم فكي مسكتدركه‪ :‬حكدثنا‬
‫أبو العباس محمد بن يعقككوب‪ ,‬حككدثنا أبككو البخككتري عبككد اللككه بككن‬
‫محمد بن شاكر‪ ,‬حدثنا محمد بن بشر العبككدي‪ ,‬حككدثنا مسككعر بككن‬
‫كدام عن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عككن أبيككه‪,‬‬
‫عن عبد اللككه بككن مسككعود رضككي اللككه عنككه قككال‪ :‬إن فككي سككورة‬
‫النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها }إن الله‬
‫لية‪ ,‬و }إن تجتنبككوا كبككائر مككا تنهككون عنككه{‬‫ل يظلم مثقال ذرة{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬و }إن الله ل يغفر أن يشرك بكه ويغفككر مككا دون ذلككك لمككن‬ ‫ا َ‬
‫لية‪} ,‬ومككن يعمككل‬ ‫يشاء{ و}لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك{ ا َ‬
‫سوءا ً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا ً رحيمككًا{ ثككم‬
‫قال‪ :‬هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمككن سككمع مككن أبيككه فقككد‬
‫اختلف في ذلك‪ ,‬وقال عبد الرزاق‪ :‬أخبرنككا معمككر عككن رجككل عككن‬
‫‪1‬‬
‫ابن مسعود قال‪ :‬خمس آيات من النساء لهن أحب إلي من الدنيا‬
‫جميعا ً }إن تجتنبوا كبككائر مككا تنهككون عنككه نكفككر عنكككم سككيئاتكم{‬
‫وقوله‪} :‬وإن تك حسنة يضككاعفها{ وقككوله‪} :‬إن اللككه ل يغفككر أن‬
‫يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمككن يشككاء{ وقككوله‪} :‬ومككن يعمككل‬
‫سوءا ً أو يظلم نفسه ثم يسكتغفر اللكه يجكد اللكه غفككورا ً رحيمكًا{‪,‬‬
‫وقوله‪} :‬والذين آمنوا بكالله ورسكله ولككم يفرقككوا بيككن أحكد منهككم‬
‫أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان اللكه غفكورا ً رحيمكًا{ رواه ابكن‬
‫جرير‪ .‬ثم َروى من طريق صالح المري عن قتادة عن ابككن عبككاس‬
‫قال‪ :‬ثماني آيات نزلت في سورة النساء هي خير لهذه المة مما‬
‫طلعككت عليككه الشككمس وغربككت‪ ,‬أولهككن }يريككد اللككه ليككبين لكككم‬
‫ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليككم حكيككم{‬
‫والثانية }والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات‬
‫أن تميلوا ميل ً عظيمًا{ والثالثة }يريد الله أن يخفف عنكم وخلككق‬
‫النسان ضعيفًا{ ثككم ذكككر قككول ابككن مسككعود سككواء كك يعنككي فككي‬
‫الخمسة الباقية ك وروى الحاكم من طريق أبي نعيككم عككن سككفيان‬
‫بن عيينة‪ ,‬عن عبيد الله بن أبي يزيد‪ ,‬عن ابن أبي مليكة‪ :‬سككمعت‬
‫ابن عباس يقول‪ :‬سلوني عن سورة النساء فككإني قككرأت القككرآن‬
‫وأنا صغير‪ .‬ثم قال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشككيخين‪ ,‬ولككم‬
‫يخرجككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاه‪.‬‬
‫حيكككككككككككككم ِ‬
‫ن الّر ِ‬ ‫سكككككككككككككم ِ الّلكككككككككككككهِ الّر ْ‬
‫حمـككككككككككككك ِ‬ ‫بِ ْ‬
‫َ‬
‫خل َك َ‬
‫ق‬ ‫حكد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫مككن ن ّْف ك ٍ‬ ‫م ّ‬ ‫خل ََقك ُك ْ‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫س ات ُّقوا ْ َرب ّك ُ ُ‬
‫** أي َّها الّنا ُ‬
‫ذي‬ ‫ه ال ّك ِ‬
‫سككآًء َوات ُّقككوا ْ الل ّك َ‬
‫جككال ً ك َِثيككرا ً وَن ِ َ‬‫مككا رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬‫ث ِ‬ ‫جهَككا وَب َك ّ‬
‫من ْهَككا َزوْ َ‬
‫ِ‬
‫م َرِقيبككككا ً‬ ‫ككككك ْ‬‫ن عَل َي ْ ُ‬ ‫ه َ‬
‫كككككا َ‬ ‫ن الّلكككك َ‬ ‫م إِ ّ‬‫حككككا َ‬ ‫ن ِبككككهِ َوالْر َ‬ ‫سككككآَءُلو َ‬ ‫تَ َ‬
‫يقول تعالى آمرا ً خلقه بتقواه‪ ,‬وهي عبادته وحده ل شريك لككه‪,‬‬
‫ومنبها ً لهم على قدرته التي خلقهم بهككا مككن نفككس واحككدة‪ ,‬وهككي‬
‫آدم عليه السلم }وخلق منها زوجها{ وهككي حككواء عليهككا السككلم‬
‫خلقت من ضلعه اليسر‪ ,‬مككن خلفككه وهككو نككائم‪ ,‬فاسككتيقظ فرآهككا‬
‫فأعجبته‪ ,‬فأنس إليها وأنست إليه‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن مقاتل‪ ,‬حدثنا وكيع عن أبي هلل عككن قتككادة‪ ,‬عككن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قككال‪ :‬خلقككت المككرأة مككن الرجككل فجعككل نهمتهككا فككي‬
‫‪2‬‬
‫الرجككل وخلككق الرجككل مككن الرض فجعككل نهمتككه فككي الرض‪,‬‬
‫فاحبسوا نساءكم‪ .‬وفي الحديث الصحيح‪» :‬إن المرأة خلقككت مككن‬
‫ضلع‪ ,‬وإن أعوج شيء في الضلع أعله‪ ,‬فإن ذهبت تقيمه كسرته‪,‬‬
‫وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج«‪ .‬وقوله‪} :‬وبث منهما‬
‫رجال ً كثيرا ً ونساء{ أي وذرأ منهما أي من آدم وحواء رجال ً كككثيرا ً‬
‫ونسككاء‪ ,‬ونشككرهم فككي أقطككار العككالم علككى اختلف أصككنافهم‬
‫وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم‪ ,‬ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر‪ .‬ثككم‬
‫قال تعالى‪} :‬واتقوا الله الذي تساءلون بككه والرحككام{ أي واتقككوا‬
‫اللككه بطككاعتكم إيككاه‪ .‬قككال إبراهيككم ومجاهككد والحسككن }الككذي‬
‫تساءلون به{ أي كما يقال‪ :‬أسألك بالله وبالرحم‪ ,‬وقال الضحاك‪:‬‬
‫واتقككوا اللككه الككذي تعاقككدون وتعاهككدون بككه‪ ,‬واتقككوا الرحككام أن‬
‫تقطعوها ولكن بروها وصلوها‪ ,‬قاله ابن عباس وعكرمككة ومجاهككد‬
‫والحسن والضحاك والربيككع وغيككر واحككد وقككرأ بعضككهم‪ :‬والرحككام‬
‫بالخفض على العطككف علككى الضككمير فككي بكه أي تسككاءلون بككالله‬
‫وبالرحام‪ ,‬كما قال مجاهد وغيره‪ .‬وقككوله‪} :‬إن اللككه كككان عليكككم‬
‫رقيبًا{ أي هو مراقب لجميع أحولكم وأعمالكم‪ ,‬كما قال‪} :‬واللككه‬
‫على كل شيء شهيد{‪ .‬وفي الحديث الصككحيح »اعبككد اللككه كأنككك‬
‫تراه‪ ,‬فإن لم تكن تراه‪ ,‬فإنه يككراك« وهككذا إرشككاد وأمككر بمراقبككة‬
‫الرقيب‪ .‬ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة‬
‫ليعطف بعضهم على بعض‪ ,‬ويحننهم على ضعفائهم‪ .‬وقد ثبت في‬
‫صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضككر وهككم‬
‫مجتابو الّنمار ك أي من عريهم وفقرهم ك قام فخطككب النككاس بعككد‬
‫صلة الظهر فقال في خطبته‪} :‬يا أيهككا النككاس اتقككوا ربكككم الككذي‬
‫خلقكم من نفس واحدة{‪ ,‬حتى ختم ا َ‬
‫لية‪ .‬وقال‪} :‬يككا أيهككا الككذين‬
‫آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس مككا قككدمت لغككد{‪ ,‬ثككم حضككهم علككى‬
‫الصدقة فقال‪» :‬تصدق رجل من دينككاره‪ ,‬مككن درهمككه‪ ,‬مككن صككاع‬
‫بره‪ ,‬من صاع تمره« وذكر تمام الحديث‪ ,‬وهكذا رواه أحمد وأهككل‬
‫السنن عن ابن مسعود في خطبككة الحاجككة‪ ,‬وفيهككا ثككم يقككرأ ثلث‬
‫آيكككات هكككذه منهكككا }يكككا أيهكككا النكككاس اتقكككوا ربككككم{ ا َ‬
‫ليكككة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ْ‬
‫ب وَل َ ت َكأك ُل ُوَا ْ‬ ‫َ‬
‫ث ب ِككالط ّي ّ ِ‬ ‫خِبي ك َ‬ ‫م وَل َ ت َت َب َكد ُّلوا ْ ال ْ َ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫مك َ‬ ‫ىأ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬‫** َوآُتوا ْ ال ْي ََتا َ‬
‫طوا ْ‬ ‫س ُ‬ ‫خْفت َ‬ ‫أ َموال َهم إل َ َ‬
‫م أل ّ ت ُْق ِ‬ ‫ن ِ ُ ْ‬ ‫حوبا ً ك َِبيرا ً * وَإ ِ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ىأ ْ‬ ‫ْ َ ُ ْ ِ َ‬
‫ث وَُرب َككاعَ‬ ‫َ‬
‫ى وَث ُل َ‬ ‫مث َْنك‬‫سككآِء َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬
‫ب لك ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما طا َ‬ ‫حوا َ‬ ‫ْ‬ ‫ى َفانك ِ ُ‬ ‫ِفي ال ْي ََتا َ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ى أ َل ّ‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫د‬‫ك أَ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ن‬‫كا‬
‫ك‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫حدةً أ َو ما مل َك َكت أ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م أ َل ّ ت َعْدُِلوا ْ‬ ‫خْفت ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫يءٍ‬ ‫شك ْ‬ ‫م عَككن َ‬ ‫ن ل َك ُك ْ‬ ‫ة فَِإن ط ِب ْك َ‬ ‫حل َ ً‬‫ن نِ ْ‬ ‫صد َُقات ِهِ ّ‬ ‫سآَء َ‬ ‫ت َُعوُلوا ْ * َوآُتوا ْ الن ّ َ‬
‫ريئا ً‬ ‫مككككككككككككك ِ‬ ‫ه ن َْفسكككككككككككككا ً فَك ُُلكككككككككككككوهُ هَِنيئا ً ّ‬ ‫مْنككككككككككككك ُ‬ ‫ّ‬
‫يأمر تعالى بدفع أمككوال اليتككامى إليهككم إذا بلغككوا الحلككم كاملككة‬
‫موفرة‪ ,‬وينهى عن أكلها وضككمها إلككى أمككوالهم‪ ,‬ولهككذا قككال‪} :‬ول‬
‫تتبدلوا الخبيث بالطيب{ قال سككفيان الثككوري عككن أبككي صككالح‪ :‬ل‬
‫تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلل الككذي قككدر لككك‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير‪ :‬ل تتبدلوا الحرام من أموال النككاس بككالحلل‬
‫من أمككوالكم‪ ,‬يقككول‪ :‬ل تبككذروا أمككوالكم الحلل وتككأكلوا أمككوالهم‬
‫الحرام‪ .‬وقال سعيد بن المسيب والزهري‪ :‬ل تعط مهككزول ً وتأخككذ‬
‫سمينًا‪ .‬وقال إبراهيم النخعي والضحاك‪ :‬ل تعط زائفا ً وتأخذ جيككدًا‪.‬‬
‫وقال السدي‪ :‬كان أحدهم يأخذ الشاة السككمينة مككن غنككم اليككتيم‪,‬‬
‫ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول‪ :‬شاة بشاة‪ ,‬ويأخككذ الككدرهم‬
‫الجيد ويطرح مكانه الزيف ويقول درهم بدرهم‪ .‬وقوله }ول تأكلوا‬
‫أموالهم إلى أموالكم{ قال مجاهد وسككعيد بككن جككبير ومقاتككل بككن‬
‫حيككان والسككدي وسككفيان بككن حسككين‪ :‬أي ل تخلطوهككا فتأكلوهككا‬
‫جميعًا‪ .‬وقوله‪} :‬إنه كان حوبكا ً كككبيرًا{ قككال ابككن عبككاس‪ :‬أي إثمكا ً‬
‫كبيرا ً عظيمًا‪ .‬وروى ابن مردويه عن أبي هريرة قال‪ :‬سئل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عن قككوله }حوب كا ً كككبيرًا{ قككال‪» :‬إثم كا ً‬
‫كبيرًا« ولكن في إسناده محمد بن يوسف الك ُكد َْيمي وهككو ضككعيف‬
‫وروي هكذا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بككن جككبير والحسككن وابككن‬
‫سيرين وقتادة ومقاتل بن حيان والضككحاك وأبككي مالككك وزيككد بككن‬
‫أسلم وأبي سنان مثل قول ابن عباس وفي الحديث المروي فككي‬
‫سنن أبكي داود »اغفككر لنكا حوبنككا وخطايانككا«‪ .‬وروى ابككن مردويكه‬
‫بإسناده إلى واصل مولى أبككي عيينككة عككن ابككن سككيرين عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم‪» :‬يككا أبككا أيككوب إن طلق أم أيككوب كككان حوب كًا« قككال ابككن‬
‫سيرين‪ :‬الحوب الثم‪ ,‬ثم قال ابن مردويه‪ :‬حدثنا عبد الباقي حدثنا‬
‫وذة بن خليفة‪ ,‬حدثنا عوف عككن أنككس أن‬ ‫بشر بن موسى‪ ,‬حدثنا هَ ْ‬
‫‪4‬‬
‫أبككا أيككوب أراد طلق أم أيككوب‪ ,‬فاسككتأذن النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فقال‪» :‬إن طلق أم أيوب لحوب« فأمسكها‪ ,‬ثم روى ابككن‬
‫مردويه والحاكم في مستدركه مككن حككديث علككي بككن عاصككم عككن‬
‫حميد الطويل‪ ,‬سمعت أنس بن مالك أيضا ً يقول‪ :‬أراد أبككو طلحككة‬
‫أن يطلق أم سليم امرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪» :‬إن‬
‫طلق أم سليم لحوب« فكككف‪ .‬والمعنككى‪ :‬إن أكلكككم أمككوالهم مككع‬
‫أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فككاجتنبوه‪ .‬وقككوله‪} :‬وإن خفتككم أل‬
‫تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى{‪ ,‬أي‬
‫إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمككة وخككاف أن ل يعطيهككا مهككر مثلهككا‬
‫فليعدل إلى ما سواها من النسككاء‪ ,‬فككإنهن كككثير ولككم يضككيق اللككه‬
‫عليه‪ .‬وقال البخاري‪ :‬حدثنا إبراهيم بن موسككى حككدثنا هشككام عككن‬
‫ابن جريج‪ ,‬أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشككة‪ :‬أن رجل ً‬
‫كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق‪ ,‬وكككان يمسكككها عليككه‪ ,‬ولككم‬
‫يكن لها من نفسه شككيء فنزلككت فيككه }وإن خفتككم أل تقسككطوا{‬
‫أحسبه قال‪ :‬كانت شريكته في ذلك العككذق وفككي مككاله‪ .‬ثككم قككال‬
‫البخاري‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الله‪ .‬حككدثنا إبراهيككم بككن سككعد‬
‫عن صالح بن كيسككان عككن ابككن شككهاب قككال‪ :‬أخككبرني عككروة بككن‬
‫الزبيككر أنككه سككأل عائشككة عككن قككول اللككه تعككالى‪} :‬وإن خفتككم أل‬
‫تقسطوا في اليتامى{‪ ,‬قالت‪ :‬يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون فككي‬
‫حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها‪ ,‬فيريد وليهككا أن‬
‫يتزوجها بغيككر أن يقسككط فككي صككداقها فيعطيهككا مثككل مككا يعطيهككا‬
‫غيره‪ ,‬فنهوا أن ينكحوهن إل أن يقسطوا إليهن‪ .‬ويبلغوا بهن أعلى‬
‫سنتهن في الصداق‪ ,‬وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهككم مككن النسككاء‬
‫سواهن‪ .‬قال عروة‪ :‬قككالت عائشككة‪ :‬وإن النككاس اسككتفتوا رسككول‬
‫لية فأنزل الله }ويسككتفتونك‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه ا َ‬
‫ليككة الخككرى‬‫فككي النسككاء{‪ ,‬قككالت عائشككة‪ :‬وقككول اللككه فككي ا َ‬
‫}وترغبون أن تنكحوهن{ رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كككانت قليلككة‬
‫المال والجمال‪ ,‬فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها مككن‬
‫يتامى النساء إل بالقسط من أجككل رغبتهككم عنهككن إذا كككن قليلت‬
‫المال والجمال‪ .‬وقوله‪} :‬مثنى وثلث ورباع{ أي انكحوا ما شككئتم‬
‫من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين وإن شاء ثلثكًا‪ ,‬وإن شككاء‬
‫أربعًا‪ .‬كما قال الله تعككالى‪} :‬جاعككل الملئكككة رسكل ً أولككي أجنحككة‬
‫‪5‬‬
‫مثنى وثلث ورباع{ أي منهم من له جناحان‪ ,‬ومنهم من له ثلثككة‪,‬‬
‫ومنهم من له أربعة‪ ,‬ول ينفي مككا عككدا ذلككك فككي الملئكككة لدللككة‬
‫الدليل عليه‪ ,‬بخلف قصر الرجال على أربع‪ ,‬فمن هككذه ا َ‬
‫ليككة كمككا‬
‫قال ابن عباس وجمهور العلماء‪ ,‬لن المقام مقام امتنان وإباحككة‪,‬‬
‫فلو كان يجوز الجمع بين أككثر مكن أربكع لكذكره‪ .‬قكال الشكافعي‪:‬‬
‫وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عككن اللككه‬
‫أنه ل يجوز لحد غير رسول الله صلى الله عليككه وسكلم أن يجمككع‬
‫بين أكثر من أربع نسوة‪ ,‬وهككذا الككذي قككاله الشككافعي رحمككه اللككه‬
‫مجمع عليه بين العلماء إل ما حكي عن طائفككة مككن الشككيعة‪ ,‬أنككه‬
‫يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع‪ .‬وقال بعضككهم‪ :‬بل حصككر‪.‬‬
‫وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسككلم فككي‬
‫جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت فككي الصككحيحين‪ ,‬وأمككا‬
‫إحككدى عشككرة كمككا جككاء فككي بعككض ألفككاظ البخككاري‪ :‬وقككد علقككه‬
‫البخاري وقد روينا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫تزوج بخمس عشرة امككرأة‪ ,‬ودخككل منهككن بثلث عشككرة‪ ,‬واجتمككع‬
‫عنككده إحككدى عشككرة‪ ,‬ومككات عككن تسككع‪ .‬وهككذا عنككد العلمككاء مككن‬
‫خصائصه دون غيره من المة لمكا سكنذكره مكن الحكاديث الدالكة‬
‫على الحصر فكي أربكع‪ ,‬ولنكذكر الحكاديث فكي ذلكك‪ ,‬قكال المكام‬
‫أحمد‪ :‬حدثنا إسماعيل ومحمد بككن جعفككر قككال‪ :‬حككدثنا معمككر عككن‬
‫الزهري‪ ,‬قال ابن جعفر في حديثه‪ :‬أنبأنككا ابككن شككهاب عككن سككالم‬
‫عن أبيه أن غيلن بككن سككلمة الثقفككي أسككلم وتحتككه عشككر نسككوة‬
‫فقال له النبي صلى الله عليه وسلم »اختر منهن أربعًا« فلما كان‬
‫في عهد عمر طلق نساءه‪ ,‬وقسم ماله بين بنيه‪ ,‬فبلكغ ذلكك عمكر‬
‫فقال‪ :‬إني لظن الشيطان فيما يسترق من السمع سككمع بموتككك‬
‫فقذفه في نفسك‪ ,‬ولعلك ل تمكككث إل قليل‪ .‬وايككم اللككه لككتراجعن‬
‫لمرن بقبرك فيرجم‬ ‫نساءك ولترجعن في مالك أو لورثهن منك و َ‬
‫كما رجم قبر أبي رغككال‪ .‬وهكككذا رواه الشككافعي والترمككذي وابككن‬
‫ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرهم‪ ,‬من طرق عن إسماعيل بككن‬
‫علية وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثككوري‬
‫وعيسى بن يونس‪ ,‬وعبد الرحمن بن محمككد المحككاربي‪ ,‬والفضككل‬
‫بن موسى وغيرهم مككن الحفككاظ‪ ,‬عككن معمككر بإسككناده مثلككه إلككى‬
‫قوله‪» :‬اختر منهن أربعًا« وباقي الحديث في قصة عمر من أفراد‬
‫‪6‬‬
‫ضّعفة لما علككل بككه البخككاري هككذا‬ ‫م َ‬
‫أحمد‪ ,‬وهي زيادة حسنة وهي ُ‬
‫الحديث فيما حكاه عنه الترمذي حيث قال بعد روايته لككه سككمعت‬
‫البخككاري يقككول‪ :‬هككذا الحككديث غيككر محفككوظ‪ .‬والصككحيح مككا روى‬
‫دثت عن محمد بن سويد الثقفي أن‬ ‫ح ّ‬
‫شعيب وغيره عن الزهري‪ُ .‬‬
‫غيلن بن سلمة ك فذكره‪ .‬قال البخاري‪ :‬وإنما حديث الزهري عككن‬
‫سالم‪ ,‬عن أبيه أن رجل ً من ثقيككف طلككق نسككاءه فقككال لككه عمككر‪:‬‬
‫لتراجعن نساءك أو لرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغككال‪ .‬وهككذا‬
‫التعليل فيه نظر‪ ,‬والله أعلم ك وقككد رواه عبككد الككرزاق عككن معمككر‬
‫ل‪ .‬قككال‬ ‫ل‪ .‬وهكذا رواه مالك عن الزهككري مرس ك ً‬ ‫عن الزهري مرس ً‬
‫أبو زرعة‪ :‬وهو أصح‪ .‬وقككال الككبيهقي‪ :‬ورواه عقيككل عككن الزهككري‪:‬‬
‫بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سككويد‪ .‬وقككال أبككو حككاتم‪ :‬وهككذا‬
‫وهم إنما هو الزهري‪ ,‬عن محمد بن سويد‪ .‬بلغنككا أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم ك فذكره‪ .‬قال البيهقي‪ :‬ورواه يككونس وابككن‬
‫عيينة عككن الزهككري عككن محمككد بككن أبككي سككويد وهككذا كمككا عللككه‬
‫البخاري وهذا السناد الذي قدمناه من مسند المام أحمد‪ ,‬رجككاله‬
‫ثقات على شرط الشيخين ثم قد روي من غير طريككق معمكر بككل‬
‫والزهري‪ .‬قال البيهقي‪ :‬أخبرنا أبككو عبككد اللككه الحككافظ‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫علي الحافظ‪ ,‬حدثنا أبككو عبككد الرحمككن النسككائي‪ ,‬حككدثنا أبككو ب َُريككد‬
‫عمرو بن يزيد الجرمي‪ ,‬أخبرنا سيف بن عبيد الله حدثنا سرار بن‬
‫مجشر‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن نافع وسالم‪ ,‬عككن ابككن عمككر أن غيلن بككن‬
‫سلمة كان عنده عشر نسوة فأسلم وأسلمن معككه‪ ,‬فككأمره النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعًا‪ .‬هكذا أخرجه النسككائي‬
‫في سننه‪ ,‬قال أبو علي بن السكن‪ :‬تفرد به سرار بن مجشر وهو‬
‫ثقة‪ .‬وكذا وثقه ابن معين قال أبو علي‪ :‬وكككذا رواه السككميدع بككن‬
‫واهككب عككن سككرار‪ .‬قككال الككبيهقي‪ :‬وروينككا مككن حككديث قيككس بككن‬
‫الحارث أو الحارث بن قيس‪ ,‬وعروة بن مسعود الثقفي وصككفوان‬
‫بن أمية يعني حديث غيلن بن سلمة‪ .‬فككوجه الدللككة أنككه لككو كككان‬
‫يجوز الجمع بين أكثر من أربع لسككوغ لكه رسككول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة وقد أسلمن معه فلما أمره‬
‫بإمساك أربع وفراق سائرهن دل على أنه ل يجوز الجمع بين أكثر‬
‫من أربع بحال‪ ,‬فإذا كان هذا في الدوام‪ ,‬ففي السككتئناف بطريككق‬
‫الولى والحرى‪ ,‬والله سككبحانه وتعككالى أعلككم بالصككواب‪) ,‬حككديث‬
‫‪7‬‬
‫آخر في ذلك( روى أبو داود وابن مككاجه فككي سككننهما مككن طريككق‬
‫مْيضككة بككن الشككمردل‬ ‫ح َ‬‫محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلككى عككن ُ‬
‫وعند ابن ماجه بنت الشمردل‪ ,‬حكى أبو داود أن منهم مكن يقككول‬
‫الشمرذل بالذال المعجمة عن قيس بن الحارث‪ ,‬وعنككد أبككي داود‬
‫في رواية الحارث بككن قيككس بككن عميككرة السككدي قككال‪ :‬أسككلمت‬
‫وعندي ثمان نسوة فذكرت للنبي صلى اللككه عليككه وسككلم فقككال‪:‬‬
‫»اختر منهن أربعًا«‪ ,‬وهذا السناد حسن‪ :‬ومجككرد هككذا الختلف ل‬
‫يضر مثله لما للحديث من الشواهد‪) .‬حديث آخكر فكي ذلكك( قكال‬
‫الشافعي في مسنده‪ :‬أخككبرني مككن سككمع ابككن أبككي الزنككاد يقككول‬
‫سكهيل بككن عبككد الرحمككن عككن عككوف بككن‬ ‫أخبرني عبد المجيد بككن ُ‬
‫الحارث عن نوفل بن معاوية الديلي رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬أسلمت‬
‫وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪:‬‬
‫»اختر أربعا ً أيتهن شئت وفككارق الخككرى« فعمككدت إلككى أقككدمهن‬
‫صحبة عجوز عككاقر معككي منككذ سككتين سككنة فطلقتهككا‪ .‬فهككذه كلهككا‬
‫شواهد بصحة ما تقدم من حديث غيلن كما قككاله الككبيهقي رحمككه‬
‫الله‪ .‬وقوله‪} :‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم{‪,‬‬
‫أي فإن خشيتم من تعككداد النسككاء أن ل تعككدلوا بينهككن‪ ,‬كمككا قككال‬
‫تعالى‪} ,‬ولن تستطيعو أن تعدلوا بين النساء ولو حرصككتم{ فمككن‬
‫خاف من ذلك فليقتصر على واحككدة أو علككى الجككواري السككراري‬
‫فإنه ل يجب قسم بينهن‪ ,‬ولكن يستحب فمن فعل فحسككن‪ ,‬ومككن‬
‫ل فل حرج‪ ,‬وقوله‪} :‬ذلك أدنى أل تعولوا{ قال بعضهم ذلك أدنككى‬
‫أل تكثر عيالكم‪ ,‬قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينككة والشككافعي‬
‫رحمهم الله‪ ,‬وهو مأخوذ من قوله تعككالى‪} :‬وإن خفتككم عيلككة{ أي‬
‫فقرا ً }فسوف يغنيكم الله مككن فضككله إن شككاء{ وقككال الشككاعر‪:‬‬
‫فمككا يككدري الفقيككر مككتى غناهومككا يككدري الغنككي مككتى يعيككل‬
‫وتقول العرب‪ :‬عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقكر ولكككن فككي هككذا‬
‫التفسككير ههنككا نظككر‪ ,‬فككإنه كمككا يخشككى كككثرة العائلككة مككن تعككداد‬
‫الحرائر كذلك يخشى مككن تعككداد السككراري أيضكا ً والصككحيح قككول‬
‫الجمهور }ذلك أدنككى أل تعولككوا{ أي ل تجككوروا‪ ,‬يقككال‪ :‬عككال فككي‬
‫الحكككم إذا قسككط وظلككم وجككار‪ ,‬وقككال أبككو طككالب فككي قصككيدته‬
‫المشككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككهورة‪:‬‬
‫‪8‬‬
‫بميزان قسط ل يخيككس شككعيرةله شككاهد مككن نفسككه غيككر عككائل‬
‫وقال هشيم عن أبي إسحاق قال‪ :‬كتكب عثمككان بكن عفكان إلكى‬
‫أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيككه‪ :‬إنككي لسككت بميككزان ل أعككول‪.‬‬
‫رواه ابن جرير‪ ,‬وقد روى ابن أبي حككاتم وأبككو حككاتم ابككن مردويككه‬
‫وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن شعيب عن عمر بن محمد بن زيككد عككن عبككد اللككه‬
‫بن عمر عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪} :‬ذلك أدنى أل تعولككوا{ قككال‪» :‬ل تجكوروا« قكال‬
‫ابن أبي حاتم‪ :‬قال أبي‪ ,‬هذا حديث خطأ‪ ,‬والصككحيح‪ :‬عككن عائشككة‬
‫موقوف‪ ,‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬وروي عككن ابككن عبككاس وعائشكة‬
‫ومجاهككد وعكرمككة والحسككن وأبككي مالككك وأبككي رزيككن والنخعككي‬
‫والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني وقتككادة والسككدي ومقاتككل‬
‫بن حيان أنهم قالوا‪ :‬ل تميلوا‪ ,‬وقككد استشككهد عكرمككة رحمككه اللككه‬
‫ببيت أبي طالب الذي قدمناه‪ ,‬ولكن مكا أنشكده كمكا هكو المكروي‬
‫في السيرة‪ ,‬وقد رواه ابككن جريككر ثككم أنشككده جيككدا ً واختككار ذلككك‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وآتوا النساء صدقاتهن نحلكة{ قكال علكي بكن أبكي‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬النحلة المهر‪ ,‬وقال محمد بن إسحاق عككن‬
‫الزهري عن عروة عن عائشة‪ :‬نحلة فريضة‪ ,‬وقال مقاتكل وقتككادة‬
‫وابن جريج‪ :‬نحلة أي فريضة‪ .‬زاد ابن جريككج‪ :‬مسككماة‪ ,‬وقككال ابككن‬
‫زيد‪ :‬النحلة في كلم العرب‪ :‬الواجب‪ ,‬يقول‪ :‬ل تنكحهككا إل بشككيء‬
‫واجب لها‪ ,‬وليس ينبغي لحد بعد النبي صلى الله عليككه وسككلم أن‬
‫ينكح امرأة إل بصداق واجب‪ ,‬ول ينبغي أن يكون تسككمية الصككداق‬
‫كككذبا ً بغيككر حككق‪ ,‬ومضككمون كلمهككم‪ :‬أن الرجككل يجككب عليككه دفككع‬
‫الصداق إلى المرأة حتمًا‪ ,‬وأن يكون طيب النفس بذلك كما يمنككع‬
‫المنيحة ويعطي النحلككة طيبكا ً بهككا كككذلك يجككب أن يعطككي المككرأة‬
‫صداقها طيبا ً بذلك فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شككيء‬
‫منه فليأكله حلل ً طيبًا‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬فإن طبن لكم عن شيء منه‬
‫نفسا ً فكلوه هنيئا ً مككريئًا{ قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أحمككد بككن‬
‫سنان‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عككن السكدي عكن‬
‫يعقوب بن المغيرة بن شعبة عككن علككي قككال‪ :‬إذا اشككتكى أحككدكم‬
‫شيئا ً فليسأل امرأته ثلثة دراهم أو نحو ذلك فليبتع بهككا عس كل ً ثككم‬
‫‪9‬‬
‫ليأخذ ماء السماء فيجتمع هنيئا ً مريئا ً شفاء مبارك كًا‪ .‬وقككال هشككيم‬
‫عن سيار عن أبيصالح قال‪ :‬كان الرجل إذا زوج ابنته أخذ صككداقها‬
‫دونها فنهاهم الله عن ذلك‪ ,‬ونزل }وآتوا النساء صدقاتهن نحلة{‬
‫رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا محمككد‬
‫بككن إسككماعيل الحمسككي‪ ,‬حككدثنا وكيككع عككن سككفيان عككن عميككر‬
‫الخثعمي عن عبد الملك بن المغيرة الطككائفي عككن عبككد الرحمككن‬
‫بن الب َْيلماني قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليكه وسكلم }وآتكوا‬
‫النساء صدقاتهن نحلة{ قالوا‪ :‬يا رسول الله فمككا العلئق بينهككم ؟‬
‫قال‪» :‬ما تراضى عليه أهلوهم« وقد روى ابن مردويه من طريككق‬
‫حجاج بن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرحمككن بككن‬
‫الب َْيلماني عن عمر بن الخطاب قال‪ :‬خطبنا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪» :‬أنكحككوا اليككامى كك ثلثككا ككك« فقككام إليككه رجككل‬
‫فقال‪ :‬يا رسول اللككه مككا العلئق بينهككم ؟ قككال‪» :‬ماتراضككى عليككه‬
‫أهلكككوهم« ابكككن الب َْيلمكككاني ضكككعيف ثكككم فيكككه انقطكككاع أيضكككًا‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬‫م قَِياما ً َواْرُزُقوهُ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫م ال ِّتي َ‬
‫جع َ َ‬ ‫وال َك ُ ُ‬ ‫م َ‬‫سَفَهآَء أ ْ‬ ‫** وَل َ ت ُؤُْتوا ْ ال ّ‬
‫ذا‬ ‫ى إِ َ‬‫حت ّ َ‬‫ى َ‬ ‫م َ‬ ‫معُْروفا ً * َواب ْت َُلوا ْ ال ْي ََتا َ‬ ‫م قَوْل ً ّ‬ ‫م وَُقوُلوا ْ ل َهُ ْ‬ ‫سوهُ ْ‬ ‫ِفيَها َواك ْ ُ‬
‫شككدا ً فَككادفَعوا ْ إل َيهك َ‬
‫م وَل َ‬ ‫وال َهُ ْ‬‫مك َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ ُ ِ ِْ ْ‬ ‫م ُر ْ‬ ‫من ْهُك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫ن آن َ ْ‬ ‫ح فَإ ِ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ب َل َُغوا ْ الن ّ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫مككن‬ ‫ف وَ َ‬ ‫س كت َعِْف ْ‬ ‫ن غَن ِي ّكا ً فَل ْي َ ْ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫دارا ً أن ي َك ْب َُروا ْ وَ َ‬ ‫سَرافا ً وَب ِ َ‬ ‫هآ إ ِ ْ‬ ‫ت َأك ُُلو َ‬
‫دوا ْ‬ ‫ش كه ِ ُ‬‫م فَأ َ ْ‬‫وال َهُ ْ‬ ‫مك َ‬
‫ذا دفَعتم إل َيه َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ف فَإ ِ َ َ ْ ُ ْ ِ ْ ِ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ل ِبال ْ َ‬ ‫ن فَِقيرا ً فَل ْي َأ ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫سككككككككككككككيبا ً‬ ‫ى ِبككككككككككككككالل ّهِ َ‬ ‫عَل َي ِْهكككككككككككككك ْ‬
‫ح ِ‬ ‫م وَك ََفكككككككككككككك َ‬
‫ينهى سبحانه وتعالى عككن تمكيككن السككفهاء مككن التصككرف فككي‬
‫الموال التي جعلها الله للناس قيامًا‪ ,‬أي تقوم بهككا معايشككهم مككن‬
‫التجككارات وغيرهككا ومككن ههنككا يؤخككذ الحجككر علككى السككفهاء وهككم‬
‫أقسام‪ ,‬فتارة يكون الحجر للصغر‪ ,‬فإن الصغير مسكلوب العبكارة‪,‬‬
‫وتارة يكون الحجر للجنون‪ ,‬وتارة لسوء التصرف لنقص العقككل أو‬
‫الدين‪ ,‬وتارة للفلس‪ ,‬وهككو مككا إذا أحككاطت الككديون برجككل وضككاق‬
‫ماله عن وفائها‪ ,‬فككإذا سككأل الغرمككاء الحككاكم الحجككر عليككه‪ ,‬حجككر‬
‫عليه‪ ,‬وقال الضحاك عن ابن عباس‪ ,‬في قوله }ول تؤتوا السفهاء‬
‫أموالكم{ قال‪ :‬هم بنوك والنساء‪ ,‬وكذا قال ابن مسككعود والحكككم‬
‫بن عيينة والحسن والضحاك‪ :‬هم النسككاء والصككبيان‪ ,‬وقكال سككعيد‬
‫‪10‬‬
‫بن جبير‪ :‬هم اليتامى‪ ,‬وقال مجاهد وعكرمة وقتككادة‪ :‬هككم النسكاء‪,‬‬
‫وقال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا هشككام بككن عمككار‪ ,‬حككدثنا‬
‫صدقة بن خالد‪ ,‬حدثنا عثمان بن أبي العاتكككة عككن علككي بككن يزيككد‬
‫عن القاسم عن أبي أمامة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه‬
‫وسلم »وإن النساء السفهاء إل التي أطككاعت قيمهككا« ورواه ابككن‬
‫مردويه مطول ً وقال ابن أبي حاتم‪ :‬ذكر عن مسككلم بككن إبراهيككم‪,‬‬
‫سريح‪ ,‬عن معاوية بن قرة‪ ,‬عككن أبككي هريككرة }ول‬ ‫حدثنا حرب بن ُ‬
‫تؤتوا السفهاء أموالكم{ قال‪ :‬هم الخكدم‪ ,‬وهكم شكياطين النكس‪,‬‬
‫وقوله‪} :‬وارزقوهم فيهككا واكسككوهم وقولككوا لهككم قككول ً معروفكًا{‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ ,‬يقول‪ :‬ل تعمد إلى مالككك‬
‫وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر‬
‫إلى ما في أيديهم ولكن أمسككك مالككك وأصككلحه وكككن أنككت الككذي‬
‫تنفق عليهم من كسككوتهم ومككؤونتهم ورزقهككم‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬حدثنا شعبة عن فككراس‪,‬‬
‫عن الشعبي‪ ,‬عن أبي بردة‪ ,‬عن أبي موسككى‪ ,‬قككال‪ :‬ثلثككة يككدعون‬
‫الله فل يستجيب لهكم‪ :‬رجكل ككانت لكه امكرأة سكيئة الخلكق فلكم‬
‫يطلقها‪ ,‬ورجل أعطى ماله سفيهًا‪ ,‬وقد قال‪} :‬ول تؤتككوا السككفهاء‬
‫أموالكم{‪ ,‬ورجل كان له على رجل دين فلككم ُيشكِهد عليككه‪ ,‬وقككال‬
‫مجاهد‪} :‬وقولوا لهم قول ً معروفًا{‪ ,‬يعني في البر والصلة‪ ,‬وهككذه‬
‫لية الكريمة تضككمنت الحسككان إلككى العائلككة ومككن تحككت الحجككر‬ ‫ا َ‬
‫بالفعككل مككن النفككاق فككي الكسككاوي والرزاق والكلم الطيككب‬
‫وتحسين الخلق‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬وابتلوا اليتامى{ قال ابن عباس‬
‫ومجاهد والحسن والسدي ومقاتل بن حيان‪ :‬أي اختبروهم }حككتى‬
‫إذا بلغوا النكاح{ قككال مجاهككد‪ :‬يعنككي الحلككم‪ ,‬قككال الجمهككور مككن‬
‫العلماء البلوغ فككي الغلم تككارة يكككون بككالحلم‪ ,‬وهككو أن يككرى فككي‬
‫منامه ما ينزل به الماء الدافق الذي يكون منه الولد‪ ,‬وفككي سككنن‬
‫أبي داود عن علي قال‪ :‬حفظت من رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »ل يتم بعد احتلم ول صمات يوم إلى الليل« وفي الحديث‬
‫لخر عن عائشة وغيرها من الصحابة رضي الله عنهم عككن النككبي‬ ‫ا َ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬رفككع القلككم عككن ثلثككة‪ ,‬عككن الصككبي‬
‫حككتى يحتلككم‪ ,‬وعككن النككائم حككتى يسككتقيظ‪ ,‬وعككن المجنككون حككتى‬
‫يفيق«‪ ,‬أو يستكمل خمس عشرة سنة وأخذوا ذلكك مكن الحكديث‬
‫‪11‬‬
‫الثابت في الصحيحين عن ابككن عمككر‪ ,‬قككال‪ :‬عرضككت علككى النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم ُأحد وأنا ابن أربع عشككرة فلككم يجزنككي‪,‬‬
‫وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني‪ ,‬فقككال‬
‫عمر بن عبد العزيز لمككا بلغككه هككذا الحككديث‪ :‬إن هككذا الفككرق بيككن‬
‫الصغير والكبير واختلفوا في إنبات الشككعر الخشككن حككول الفككرج‪,‬‬
‫وهي الشعرة‪ ,‬هل تدل على بلوغ أم ل ؟ على ثلثة أقوال‪ ,‬يفككرق‬
‫في الثككالث بيككن صككبيان المسككلمين فل يككدل علككى ذلككك لحتمككال‬
‫المعالجة‪ ,‬وبين صبيان أهل الذمة فيكون بلوغا ً فككي حقهككم لنككه ل‬
‫يتعجل بها إلى ضرب الجزية عليه‪ .‬فل يعالجها‪ ,‬والصحيح أنها بلوغ‬
‫في حق الجميع لن هذا أمر جبلككي يسككتوي فيككه النككاس واحتمككال‬
‫المعالجة بعيد‪ ,‬ثم قد دلت السككنة علككى ذلككك فككي الحككديث الككذي‬
‫رواه المام أحمد عن عطية القرظي رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬عرضنا‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة‪ ,‬فكان من أنبت قتل‬
‫ومن لم ينبت خلى سبيله‪ ,‬فكنت فيمن لككم ينبككت فخلككي سككبيلي‪,‬‬
‫وقد أخرجه أهككل السككنن الربعككة بنحككوه‪ ,‬وقككال الترمككذي‪ :‬حسككن‬
‫صحيح وإنما كان كذلك لن سعد بن معاذ كان قدحكم فيهم بقتككل‬
‫المقاتلة وسبي الذرية‪ ,‬وقال أبو عبيد القاسم بن سلم في كتككاب‬
‫الغريب‪ :‬حدثنا ابن علية عن إسككماعيل بكن أميكة‪ ,‬عككن محمككد بككن‬
‫يحيى بن حبان‪ ,‬عن عمر‪ ,‬أن غلما ً ابتهر جارية في شككعره‪ ,‬فقككال‬
‫عمر رضي الله عنه‪ :‬انظروا إليه فلم يوجد أنبت فدرأ عنككه الحككد‪,‬‬
‫قال أبو عبيد‪ :‬ابتهرها أي قذفها‪ ,‬والبتهار أن يقول فعلت بها وهككو‬
‫كاذب‪ ,‬فإن ككان صكادقا ً فهككو البتيكار‪ ,‬قككال الكميككت فكي شكعره‪:‬‬
‫قبيكككككح بمثلكككككي نعكككككت الفتاةإمكككككا ابتهكككككارا ً وإمكككككا ابتيكككككارا ً‬
‫وقككوله عككز وجككل‪} :‬فككإن آنسككتم منهككم رشككدا ً فككادفعوا إليهككم‬

‫أموالهم{ قال سعيد بكن جكبير‪ :‬يعنككي صككلحا ً فككي دينهككم وحفظكا ً‬
‫لموالهم‪ .‬وكذا روي عن ابن عباس والحسن البصري وغيككر واحككد‬
‫من الئمة وهكذا قال الفقهاء‪ :‬متى بلغ الغلم مصلحا ً لدينه ومككاله‬
‫انفك الحجر عنه فيسلم إليه مكاله الكذي تحكت يكد وليكه بطريقكه‪,‬‬
‫وقوله‪} :‬ول تأكلوها إسرافا ً وبكدارا ً أن يككبروا{ ينهكى تعكالى عكن‬
‫أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضككرورية }إسككرافا ً وبككدارًا{ أي‬
‫مبادرة قبل بلوغهم‪ ,‬ثم قال تعالى‪} :‬ومن كان غنيكا ً فليسكتعفف{‬
‫‪12‬‬
‫من كان في غنى عن مال اليككتيم فليسككتعفف عنككه ول يأكككل منككه‬
‫شيئًا‪ ,‬وقال الشعبي‪ :‬هو عليه كالميتككة والككدم }ومككن كككان فقيككرا ً‬
‫فليأكل بالمعروف{ قال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا الشككج‪ ,‬حككدثنا عبككد‬
‫الله بن سليمان‪ ,‬حدثنا هشام عن أبيككه عككن عائشككة‪} ,‬ومككن كككان‬
‫غنيا ً فليستعفف{ نزلت في مال اليتيم‪ ,‬وحدثنا الشج وهارون بككن‬
‫إسحاق قال‪ :‬حدثنا عبكدة بكن سكليمان عكن هشكام عكن أبيكه عكن‬
‫عائشة‪} :‬ومن كان فقيككرا ً فليأكككل بككالمعروف{ نزلككت فككي والككي‬
‫اليتيم الذي يقككوم عليككه ويصككلحه إذا كككان محتاجكا ً أن يأكككل منككه‪,‬‬
‫وحدثنا أبي‪ ,‬حككدثنا محمكد بكن سكعيد الصككبهاني‪ ,‬حكدثنا علككي بككن‬
‫لية في‬ ‫مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت‪ :‬أنزلت هذه ا َ‬
‫والي اليتيم }ومن كان غنيا ً فليستعفف ومككن كككان فقيككرا ً فليأكككل‬
‫بالمعروف{ بقدر قيامه عليه‪ .‬ورواه البخاري عن إسحاق عن عبد‬
‫اللككه بككن نميككر عككن هشككام بككه‪ ,‬قككال الفقهككاء‪ :‬لككه أن يأكككل أقككل‬
‫المرين‪ :‬أجرة مثله أو قدر حاجته‪ ,‬واختلفوا هككل يككرد إذا أيسككر ؟‬
‫على قولين )أحدهما( ل‪ ,‬لنه أكل بأجرة عمله وكان فقيككرًا‪ ,‬وهككذا‬
‫لية أباحت الكل من غير‬ ‫هو الصحيح عند أصحاب الشافعي‪ ,‬لن ا َ‬
‫بدل‪ ,‬قال أحمد‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬حدثنا حسككين عككن عمككرو بككن‬
‫شعيب عن أبيه‪ ,‬عن جده‪ :‬أن رجل ً سأل رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬ليس لي مال ولي يتيم ؟ فقال‪» :‬كل من مككال‬
‫يتيمك غير مسرف ول مبذر ول متأثل مال ً ومن غير أن تقي مالك‬
‫ك أو قال ك تفدي مالك بماله« شك حسين‪ ,‬وقال ابككن أبككي حككاتم‪:‬‬
‫حدثنا أبككو سككعيد الشككج‪ ,‬حككدثنا أبككو خالككد الحمككر‪ ,‬حككدثنا حسككين‬
‫المكتب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جككده قككال‪ :‬جككاء رجككل‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬إن عندي يتيما ً عنككده مككال‬
‫وليس عنده شيء مككا‪ .‬آكككل مككن مككاله ؟ قككال‪» :‬بككالمعروف غيككر‬
‫مسرف« ورواه أبو دواد والنسائي وابن ماجه من حككديث حسككين‬
‫المعلم به وروى ابن حبان في صحيحه وابن مردويه في تفسككيره‬
‫من حديث يعلى بن مهدي عن جعفر بن سليمان عككن أبككي عككامر‬
‫الخزاز‪ ,‬عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن جابر أن رجل ً قال‪ :‬يا رسول اللككه‬
‫فيم أضرب يتيمي ؟ قال‪» :‬مككا كنككت ضككاربا ً منككه ولككدك غيككر واق‬
‫ل« وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا الحسن بن‬ ‫مالك بماله ول متأثل منه ما ً‬
‫يحيى‪ ,‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬أخبرنا الثوري عن يحيى بن سككعيد عككن‬
‫‪13‬‬
‫القاسم بن محمد قال‪ :‬جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال‪ :‬إن فككي‬
‫حجري أيتاما ً وإن لهم إبل ً ولي إبككل‪ ,‬وأنككا أمنككح فككي إبلككي وأْفقككر‪,‬‬
‫فماذا يحل لي مككن ألبانهككا ؟ فقككال‪ :‬إن كنككت تبغككي ضككالتها وتهنككأ‬
‫جرباها وتلوط حوضها وتسقي عليها فاشرب غير مضر بنسل‪ ,‬ول‬
‫ناهك في الحلب‪ ,‬ورواه مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد بككه‪,‬‬
‫وبهذا القككول وهككو عككدم أداء البككدل‪ ,‬يقككول عطككاء بككن أبككي ربككاح‬
‫وعكرمككة وإبراهيككم النخعككي وعطيككة العككوفي والحسككن البصككري‪.‬‬
‫)والثاني( نعم‪ ,‬لن مال اليككتيم علككى الحظككر‪ ,‬وإنمككا أبيككح للحاجككة‬
‫فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر عنككد الحاجككة‪ ,‬وقككد قككال ابككن‬
‫أبي الدنيا‪ :‬حدثنا ابن خيثمة‪ ,‬حكدثنا وكيكع عكن سكفيان وإسكرائيل‪,‬‬
‫عن أبي إسحاق‪ ,‬عن حارثة بن مضرب قال‪ :‬قال عمر رضي اللككه‬
‫عنه‪ :‬إني أنزلت نفسي مككن هككذا المككال بمنزلككة والككي اليككتيم‪ ,‬إن‬
‫اسككتغنيت اسككتعففت‪ ,‬وإن احتجككت استقرضككت‪ ,‬فككإذا أيسككرت‬
‫قضكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككيت‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال سعيد بن منصور‪ :‬حككدثنا أبككو الحككوص‪ ,‬عككن‬
‫أبي إسحاق‪ ,‬عن البراء قال‪ :‬قال عمر رضي الله عنه‪ :‬إني أنزلت‬
‫نفسي من مال الله بمنزلة والي اليكتيم‪ ,‬إن احتجكت أخكذت منكه‪,‬‬
‫فإذا أيسرت رددته‪ ,‬وإن استغنيت استعففت‪ ,‬إسناد صككحيح وروى‬
‫البيهقي عن ابن عباس نحو ذلك‪ ,‬وهكذا رواه ابن أبككي حككاتم مككن‬
‫طريق علي بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس في قوله‪} :‬ومككن كككان‬
‫فقيرا ً فليأكل بالمعروف{ يعنككي القككرض‪ ,‬قككال وروي عككن عبيككدة‬
‫وأبي العالية‪ ,‬وأبكي وائل‪ ,‬وسكعيد بكن جكبير فكي إحكدى الروايكات‬
‫ومجاهد والضحاك والسدي نحو ذلككك‪ ,‬وروي مككن طريككق السككدي‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس في قوله }فليأكككل بككالمعروف{ قككال‪:‬‬
‫يأكل بثلث أصابع‪ ,‬ثم قال‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان‪ ,‬حدثنا ابن مهدي‬
‫عن سفيان عن الحكم عن مقسككم عككن ابككن عبككاس }ومككن كككان‬
‫فقيرا ً فليأكل بالمعروف{ قال‪ :‬يأكل من ماله يقككوت علككى يككتيمه‬
‫حتى ل يحتاج إلى مال اليتيم‪ ,‬قال وروي عن مجاهد وميمككون بككن‬
‫مهككران فككي إحككدى الروايككات والحكككم نحككو ذلككك‪ ,‬وقككال عككامر‬
‫الشعبي‪ :‬ل يأكل منه إل أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة فإن‬
‫أكل منه قضاه‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم وقال ابن وهب‪ :‬حدثنا نافع بن‬
‫أبي نعيم القارى قال‪ :‬سألت يحيى بن سعيد النصاري وربيعة عن‬
‫‪14‬‬
‫ليككة‪,‬‬‫قول اللكه تعككالى‪} :‬ومككن كككان فقيككرا ً فليأكككل بككالمعروف{ ا َ‬
‫فقال‪ :‬ذلك في اليتيم إن كان فقيرا ً أنفق عليككه بقككدر فقككره‪ ,‬ولككم‬
‫يكن للولي منه شيء‪ ,‬وهذا بعيد من السياق‪ ,‬لنه قال }ومن كان‬
‫غنيا فليستعفف{ يعني من الولياء‪} .‬ومن كان فقيككرًا{ أي منهككم‬
‫ليكة‬ ‫}فليأكل بكالمعروف{ أي بكالتي هكي أحسكن كمكا قكال فكي ا َ‬
‫الخرى }ول تقربوا مككال اليككتيم إل بككالتي هككي أحسككن حككتى يبلككغ‬
‫أشده{ أي ل تقربوه إل مصلحين له‪ ,‬فإن احتجتم إليه أكلتككم منككه‬
‫بالمعروف وقوله‪} :‬فإذا دفعتم إليهم أموالهم{ يعني بعككد بلككوغهم‬
‫الحلم وإيناسكم الرشد منهم فحينئذ ٍ سككلموا إليهككم أمككوالهم فككإذا‬
‫دفعتم إليهم أموالهم }فأشهدوا عليهم{ وهذا أمر من اللكه تعكالى‬
‫للولياء أن يشككهدوا علككى اليتككام إذا بلغككوا الحلككم وسككلموا إليهككم‬
‫أموالهم لئل يقع من بعضهم جحود وإنكار لما قبضه وتسككلمه‪ ,‬ثككم‬
‫قال‪} :‬وكفى بالله حسيبًا{ أي وكفى بالله محاسبا ً وشهيدا ً ورقيبا ً‬
‫على الولياء في حال نظرهم لليتام وحال تسليمهم للموال هككل‬
‫هي كاملة موفرة أو منقوصككة مبخوسككة مدخلككة‪ ,‬مككروج حسككابها‪,‬‬
‫مدلس أمورها ؟ اللكه عكالم بككذلك كلكه ‪ ,‬ولهكذا ثبككت فكي صكحيح‬
‫مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬يككا أبككا ذر إنككي‬
‫أراك ضعيفا ً وإني أحب لك ما أحب لنفسي ل تككأمرن علككى اثنيككن‬
‫ول تليكككككككككككككككككككككن مكككككككككككككككككككككال يكككككككككككككككككككككتيم«‪.‬‬
‫ب‬ ‫صكي ٌ‬ ‫سككآِء ن َ ِ‬‫ن وَِللن ّ َ‬ ‫ن َوالقَْرُبكو َ‬ ‫دا ِ‬ ‫واِلك َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ما ت َكَر َ‬ ‫م ّ‬ ‫ب ّ‬ ‫ل َنصي ِ ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫** ّللّر َ‬
‫مْفُروضككا ً *‬ ‫ل من َ‬
‫صيبا ً ّ‬ ‫ه أوْ ك َث َُر ن َ ِ‬ ‫ما قَ ّ ِ ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن َوالقَْرُبو َ‬ ‫دا ِ‬ ‫وال ِ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫م ّ‬ ‫ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ن َفكاْرُزُقوهُ ْ‬ ‫كي ُ‬ ‫سكا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ى َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ى َوالي ََتكا َ‬ ‫ة أوْلوا الُقْرب َ َ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ضَر الِق ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن‬ ‫مك ْ‬ ‫ن ل َكوْ ت ََرك ُككوا ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ش ال ّك ِ‬ ‫خك َ‬ ‫معُْروفكا ً * وَل ْي َ ْ‬ ‫م قَكوْل ً ّ‬ ‫ه وَُقول ُككوا ْ ل َهُك ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ديدا ً‬ ‫سك ِ‬‫ه وَل ْي َُقوُلوا ْ قَوْل ً َ‬ ‫م فَل ْي َت ُّقوا ّ الل ّ َ‬ ‫خاُفوا ْ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ضَعافا ً َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ذ ُّري ّ ً‬ ‫خل ِْفهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ب ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫طككون ِهِ ْ‬ ‫ما ي َأك ُُلو َ‬ ‫ى ظ ُْلما ً إ ِن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ْي ََتا َ‬ ‫وا َ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫* إِ ّ‬
‫سككككككككككككككككككككِعيرا ً‬ ‫ن َ‬ ‫صككككككككككككككككككككل َوْ َ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫َنككككككككككككككككككككارا ً وَ َ‬
‫قال سعيد بككن جككبير وقتككادة‪ :‬كككان المشككركون يجعلككون المككال‬
‫للرجال الكبار ول يورثون النساء ول الطفككال شككيئًا‪ ,‬فككأنزل اللككه‪:‬‬
‫ليككة‪ ,‬أي الجميككع‬ ‫}للرجال نصيب مما ترك الوالدان والقربككون{ ا َ‬
‫فيه سواء في حكم الله تعالى‪ ,‬يسككتوون فككي أصككل الوراثككة‪ ,‬وإن‬
‫‪15‬‬
‫تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل منهم بما يدلي بككه إلككى الميككت‬
‫من قرابة‪ ,‬أو زوجية‪ ,‬أو ولء‪ ,‬فإنه لحمة كلحمة النسب‪ .‬وقد روى‬
‫ابن مردويه من طريق ابن هراسة عن سككفيان الثككوري عككن عبككد‬
‫جة إلى رسككول‬ ‫الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال‪ :‬جاءت أم ك ُ ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول الله إن لي ابنتين قككد‬
‫مات أبوهما وليس لهما شيء‪ ,‬فأنزل الله تعالى‪} :‬للرجال نصيب‬
‫ليككة‪ ,‬وسككيأتي هككذا الحككديث عنككد‬ ‫مما ترك الوالدان والقربككون{ ا َ‬
‫آيككتي الميككراث بسككياق آخككر‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬وقككوله }وإذا حضككر‬
‫ليككة‪ ,‬قيككل‪ :‬المككراد وإذا حضككر قسككمة الميككراث ذوو‬ ‫القسككمة{ ا َ‬
‫القربى ممن ليس بوارث }واليتكامى والمسكاكين{ فليرضكخ لهكم‬
‫من التركة نصيب‪ ,‬وإن ذلك كان واجبا ً في ابتككداء السككلم‪ ,‬وقيككل‬
‫يسككتحب‪ .‬واختلفككوا هككل هككو منسككوخ أم ل علككى قككولين‪ ,‬فقككال‬
‫عبيكد اللكه الشكجعي عكن‬ ‫البخاري‪ :‬حدثنا أحمد بن حميكد‪ ,‬أخبرنكا ُ‬
‫سفيان عن الشيباني عككن عكرمككة عككن ابككن عبككاس‪} :‬وإذا حضككر‬
‫القسمة أولوا القربى واليتامى والمسككاكين{‪ .‬قككال‪ :‬هككي محكمككة‬
‫وليست بمنسوخة‪ .‬تابعه سعيد عن ابن عباس‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬حدثنا الحسين‪ ,‬حدثنا عباد بن العككوام عككن الحجككاج‬
‫عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال‪ :‬هي قائمة يعمككل بهككا‪,‬‬
‫وقال الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فككي هككذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫هي واجبة على أهل الميراث ما طابت بككه أنفسككهم‪ ,‬وهكككذا روي‬
‫عن ابن مسعود وأبي موسى وعبككد الرحمككن بككن أبككي بكككر وأبككي‬
‫العالية والشعبي والحسككن‪ ,‬وقككال ابككن سككيرين وسككعيد بككن جككبير‬
‫ومكحول وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي ربككاح والزهككري ويحيككى‬
‫بن يعمر‪ :‬إنها واجبة‪ ,‬وروى ابن أبي حاتم عن أبككي سككعيد الشككج‪,‬‬
‫عن إسماعيل ابن علية عن يونس بن عبيد عن ابن سككيرين قككال‪:‬‬
‫ولي عبيدة وصية فأمر بشاة فذبحت فككأطعم أصككحاب هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫لية لكان هذا من مالي‪ ,‬وقال مالككك فيمككا يككروى‬ ‫وقال‪ :‬لول هذه ا َ‬
‫عنه من التفسير في جزء مجموع عن الزهري‪ :‬أن عككروة أعطككى‬
‫من مال مصعب حين قسككم مككاله‪ ,‬وقككال الزهككري‪ :‬هككي محكمككة‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬عن عبد الكريم عن مجاهد قال‪ :‬هي حككق واجككب مككا‬
‫طككككككككككككككككككككككابت بككككككككككككككككككككككه النفككككككككككككككككككككككس‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫ذكككككر مككككن ذهككككب إلككككى أن ذلككككك أمككككر بالوصككككية لهككككم‬
‫قال عبد الرزاق‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬أخبرني ابككن أبككي مليكككة‪ :‬أن‬
‫أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق والقاسم بككن محمككد‬
‫أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ,‬قسم ميراث أبيه‬
‫عبد الرحمن وعائشة حية‪ ,‬قال‪ :‬فلم يدع في الككدار مسكككينا ً ول ذا‬
‫قرابة إل أعطاه من ميراث أبيككه‪ ,‬قككال‪ :‬وتل }وإذا حضككر القسككمة‬
‫أولوا القربى{‪ ,‬قال القاسم‪ :‬فذكرت ذلك لبن عباس‪ ,‬فقككال‪ :‬مككا‬
‫ليكة فككي‬‫أصاب‪ ,‬ليس ذلك له إنما ذلك إلككى الوصكية وإنمككا هكذه ا َ‬
‫الوصكككية يريكككد الميكككت يوصكككي لهكككم‪ ,‬رواه ابكككن أبكككي حكككاتم‪.‬‬
‫ذكككككككر مككككككن قككككككال هككككككذه ا َ‬

‫ليككككككة منسككككككوخة بالكليككككككة‬
‫قال سفيان الثوري‪ ,‬عن محمككد بككن السككائب الكلككبي‪ ,‬عككن أبككي‬
‫صالح‪ ,‬عن ابن عبككاس رضككي اللككه عنهمككا }وإذا حضككر القسككمة{‬
‫قال‪ :‬منسوخة‪ ,‬وقال إسماعيل بن مسلم المكي عككن قتككادة عككن‬
‫ليككة }وإذا حضككر القسككمة‬ ‫عكرمة عن ابن عباس‪ ,‬قال في هككذه ا َ‬
‫ليككة الككتي بعككدها }يوصككيكم اللككه فككي‬ ‫أولككوا القربككى{ نسككختها ا َ‬
‫أولدكم{‪ .‬وقال العوفي عن ابن عباس رضككي اللككه تعككالى عنهمككا‬
‫لية }وإذا حضر القسمة أولوا القربى{ كككان ذلككك قبككل‬ ‫في هذه ا َ‬
‫أن تنزل الفرائض‪ ,‬فأنزل الله بعد ذلك الفرائض فككأعطى كككل ذي‬
‫حككق حقككه‪ ,‬فجعلككت الصككدقة فيمككا سككمى المتككوفى‪ ,‬رواهككن ابككن‬
‫مردويه‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد بن الصككباح‪,‬‬
‫حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس فككي قككوله‪} :‬وإذا حضككر القسككمة أولككوا القربككى واليتككامى‬
‫والمساكين{ نسختها آية الميراث فجعل لكل إنسككان نصككيبه ممككا‬
‫ترك الوالدان والقربون ممككا قككل منككه أو كككثر‪ .‬وحككدثنا أسككيد بككن‬
‫عاصم‪ ,‬حدثنا سعيد بن عامر عن همام‪ ,‬حدثنا قتادة عن سعيد بن‬
‫المسيب أنه قال‪ :‬إنها منسوخة‪ ,‬كانت قبل الفرائض كان ما تككرك‬
‫الرجككل مككن مككال أعطككى منككه اليككتيم والفقيككر والمسكككين وذوي‬
‫القربى إذا حضروا القسمة ثم نسخ بعككد ذلككك نسككختها المككواريث‬
‫فألحق الله بكل ذي حق حقه‪ ,‬وصارت الوصككية مككن مككاله يوصككي‬
‫بها لذوي قرابته حيث شاء‪ .‬وقال مالك‪ ,‬عن الزهككري‪ ,‬عككن سككعيد‬
‫بن المسيب‪ :‬هي منسوخة‪ ,‬نسككختها المككواريث والوصككية‪ .‬وهكككذا‬
‫‪17‬‬
‫روي عن عكرمة وأبي الشعثاء والقاسككم بككن محمككد وأبككي صككالح‬
‫وأبي مالك وزيد بن أسلم والضحاك وعطككاء الخراسككاني ومقاتككل‬
‫بن حيان وربيعة بن أبي عبد الرحمن أنهككم قككالوا‪ :‬إنهككا منسككوخة‪,‬‬
‫وهذا مذهب جمهور الفقهاء والئمة الربعة وأصحابهم‪ ,‬وقد اختككار‬
‫ليككة عنككده }وإذا‬‫ابن جرير ههنا قول ً غريبا ً جدا ً وحاصله أن معنى ا َ‬
‫حضر القسككمة{ أي وإذا حضككر قسككمة مككال الوصككية أولككو قرابككة‬
‫الميت }فارزقوهم منه وقولوا{ لليتككامى والمسككاكين إذا حضككروا‬
‫}قول ً معروفًا{ هذا مضمون ما حاوله بعد طول العبارة والتكرار‪,‬‬
‫وفيه نظر‪ ,‬والله أعلم‪ .‬وقال العوفي عن ابن عبككاس }وإذا حضككر‬
‫القسمة{ هي قسمة الميراث‪ ,‬وهكككذا قككال غيككر واحككد‪ ,‬والمعنككى‬
‫على هذا ل على ما سلكه ابن جرير رحمه الله‪ ,‬بل المعنى أنه إذا‬
‫حضككر هككؤلء الفقككراء مككن القرابككة الككذين ل يرثككون واليتككامى‬
‫والمساكين قسمة مال جزيل‪ ,‬فإن أنفسهم تتوق إلى شككيء منككه‬
‫إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ‪ ,‬وهم يائسون ل شيء يعطونه‪ ,‬فككأمر‬
‫الله تعالى وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء مككن الوسككط‬
‫يكون برا ً بهم وصدقة عليهم‪ ,‬وإحسانا ً إليهم وجبرا ً لكسرهم‪ .‬كمككا‬
‫قال الله تعالى‪} :‬كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصككاده{‬
‫وذم الذين ينقلون المال خفية خشككية أن يطلككع عليهككم المحاويككج‬
‫وذوو الفاقة‪ .‬كما أخبر عن أصحاب الجنككة }إذ أقسككموا ليصككرمنها‬
‫مصككبحين{ أي بليككل‪ .‬وقككال }فككانطلقوا وهككم يتخككافتون * أن ل‬
‫يدخلنها اليوم عليكم مسكين{ فك ك }دمككر اللككه عليهككم وللكككافرين‬
‫أمثالها{ فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكككه‪ ,‬ولهككذا‬
‫جاء في الحديث »ما خالطت الصدقة مال ً إل أفسككدته« أي منعهككا‬
‫يكون سبب محق ذلككك المككال بالكليككة‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬وليخككش‬
‫لية‪ .‬قال علككي بككن أبككي طلحككة عككن‬ ‫الذين لو تركوا من خلفهم{ ا َ‬
‫ابن عباس‪ :‬هذا في الرجل يحضره الموت‪ ,‬فيسمعه رجل يوصككي‬
‫بوصية تضر بورثته‪ ,‬فأمر الله تعالى الككذي يسككمعه أن يتقككي اللككه‬
‫ويوفقه ويسدده للصواب‪ .‬فينظر لورثته كما كككان يحككب أن يصككنع‬
‫بورثته إذاخشي عليهم الضكيعة‪ ,‬وهككذا قكال مجاهكد وغيكر واحكد‪,‬‬
‫وثبت في الصحيحين أن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم لمككا‬
‫دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده‪ ,‬قال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬إني ذو‬
‫مال ول يرثني إل ابنة‪ ,‬أفأتصككدق بثلككثي مككالي ؟ قككال »ل«‪ .‬قككال‪:‬‬
‫‪18‬‬
‫فالشطر ؟ قال »ل«‪ .‬قال‪ :‬فالثلث ؟ قال‪» :‬الثلث‪ ,‬والثلث كثير«‪.‬‬
‫ثم قال رسول الله صلى اللكه عليكه وسكلم »إنككك أن تككذر ورثتككك‬
‫أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس« وفي الصحيح عن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬لو أن الناس غضككوا مككن الثلكث إلكى الربككع‪ ,‬فككإن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »الثلث‪ ,‬والثلث كثير« قال‬
‫الفقهاء‪ :‬إن كان ورثة الميت أغنياء‪ ,‬استحب للميككت أن يسككتوفي‬
‫في وصككيته الثلككث‪ ,‬وإن كككانوا فقككراء اسككتحب أن ينقككص الثلككث‪,‬‬
‫لية فليتقوا الله في مباشككرة أمككوال اليتككامى }ول‬ ‫وقيل‪ :‬المراد با َ‬
‫يأكلوها إسرافا ً وبدارا ً أن يكككبروا{‪ ,‬حكككاه ابككن جريككر مككن طريككق‬
‫العوفي عن ابن عباس‪ ,‬وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد‬
‫في أكل أموال اليتامى ظلمًا‪ ,‬أي كما تحب أن تعامل ذريتككك مككن‬
‫بعدك‪ ,‬فعامل الناس في ذراريهم إذا وليتهم‪ ,‬ثككم أعلمهككم أن مككن‬
‫أكل أموال اليتامى ظلمًا‪ ,‬فإنما يأكل في بطنككه نككارا ً‪ ¹‬ولهككذا قككال‬
‫}إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ً إنما يككأكلون فككي بطككونهم‬
‫نارا ً وسيصلون سعيرًا{ أي إذا أكلوا أموال اليتامى بل سبب فإنما‬
‫يأكلون نارا ً تتأجج في بطونهم يوم القيامة ‪ 0‬وفي الصحيحين مككن‬
‫حديث سليمان بن بلل عن ثور بن زيككد‪ ,‬عككن سككالم أبككي الغيككث‪,‬‬
‫عككن أبككي هريككرة أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪:‬‬
‫»اجتنبوا السبع الموبقات« قيل‪ :‬يا رسول اللكه‪ ,‬ومككا هككن ؟ قككال‪:‬‬
‫»الشرك بالله‪ ,‬والسحر‪ ,‬وقتل النفس التي حككرم اللككه إل بككالحق‪,‬‬
‫وأكككل الربككا‪ ,‬وأكككل مككال اليككتيم‪ ,‬والتككولي يككوم الزحككف‪ ,‬وقككذف‬
‫المحصنات الؤمنات الغافلت« وقال ابن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪,‬‬
‫حدثنا عبيدة‪ ,‬أخبرنا أبو عبد الصككمد عبككد العزيككز بككن عبككد الصككمد‬
‫مي‪ ,‬حدثنا أبو هارون العبككدي عككن أبككي سككعيد الخككدري‪ ,‬قككال‪:‬‬ ‫العَ ّ‬
‫قلنا‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬ما رأيت ليلة أسري بككك ؟ قككال »انطلككق بككي‬
‫إلى خلق من خلق الله كثير‪ .‬رجال كل رجككل منهككم لككه مشككفران‬
‫كمشفري البعير‪ ,‬وهو موكل بهم رجال يفكككون لحككاء أحككدهم‪ ,‬ثككم‬
‫ي أحككدهم حككتى يخككرج مككن‬ ‫يجاء بصخرة من نككار فتقككذف فككي ف ك ّ‬
‫أسفله‪ ,‬ولهم جوار وصراخ‪ ,‬قلككت‪ :‬يكا جبريككل‪ ,‬مكن هكؤلء ؟ قكال‪:‬‬
‫هؤلء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا‪ ,‬إنما يأكلون في بطككونهم‬
‫نارا ً وسيصلون سعيرًا« وقال السدي‪ :‬يبعث آكل مال اليككتيم يككوم‬
‫القيامة ولهب النار يخرج من فيككه ومككن مسككامعه وأنفككه وعينيككه‪,‬‬
‫‪19‬‬
‫يعرفه كل من رآه بأكككل مككال اليككتيم‪ .‬وقككال ابككن مردويككه‪ :‬حككدثنا‬
‫إسحاق بن إبراهيم بن زيد‪ ,‬حدثنا أحمد بن عمرو‪ ,‬حدثنا عقبة بككن‬
‫مكرم‪ ,‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬حدثنا زياد بن المنككذر عككن نككافع بككن‬
‫الحارث‪ ,‬عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قككال‬
‫» يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفككواههم نككارًا« قيككل‬
‫»يا رسول الله‪ ,‬من هم ؟ قال »ألم تككر أن اللككه قككال }إن الككذين‬
‫لية«‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم عككن أبككي‬ ‫يأكلون أموال اليتامى ظلمًا{ ا َ‬
‫زرعة‪ ,‬عن عقبة بن مكرم‪ ,‬وأخرجه ابكن حبكان فكي صكحيحه عكن‬
‫أحمد بن علي بن المثنى عن عقبة بن مكرم‪ .‬وقال ابككن مردويككه‪:‬‬
‫حدثنا عبد الله بن جعفر‪ ,‬حدثنا أحمد بن عصككام‪ ,‬حككدثنا أبككو عككامر‬
‫العبدي‪ ,‬حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري‪ ,‬عن عثمكان بككن محمككد‪,‬‬
‫عن المقبري‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قككال رسككول اللككه صكلى اللككه‬
‫عليه وسلم »أحرج مال الضككعيفين المككرأة واليككتيم« أي أوصككيكم‬
‫باجتناب مالهما‪ ,‬وتقدم في سورة البقككرة مككن طريككق عطككاء بككن‬
‫السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ليككة‪ ,‬انطلككق‬‫لما نزلت }إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلم كًا{ ا َ‬
‫من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه مككن شككرابه‪,‬‬
‫فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد‪ ,‬فاشتد ذلككك‬
‫عليهم‪ ,‬فذكروا ذلك لرسول الله صكلى اللكه عليكه وسكلم‪ ,‬فككأنزل‬
‫الله }ويسألونك عن اليتامى قككل إصككلح لهككم خيككر{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫فخلطككككككوا طعككككككامهم بطعككككككامهم وشككككككرابهم بشككككككرابهم‪.‬‬
‫ن‬ ‫كك ّ‬ ‫ن َفكِإن ُ‬ ‫حكظ ال ُن ْث َي َْيك ِ‬

‫ل َ ّ‬ ‫مْثك ُ‬ ‫م ِللكذ ّك َرِ ِ‬ ‫كك ْ‬ ‫ي أ َوْل َدِ ُ‬ ‫ه فِ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صيك ُ ُ‬ ‫** ُيو ِ‬
‫ف‬ ‫صكك ُ‬ ‫حد َةً فَل ََها الن ّ ْ‬ ‫ت َوا ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ك وَِإن َ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫ن ث ُل َُثا َ‬‫ن فَل َهُ ّ‬ ‫سآًء فَوْقَ اث ْن َت َي ْ ِ‬ ‫نِ َ‬
‫م‬ ‫ه وَل َد ٌ فَِإن ل ّك ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬‫ك ِإن َ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫م ّ‬‫س ِ‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫حدٍ ّ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫َولب َوَي ْهِ ل ِك ُ ّ‬
‫يك ُن ل ّه ول َد وورث َ َ‬
‫ه‬
‫مك ِ‬ ‫خ كوَةٌ فَل ُ ّ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ن ل َك ُ‬ ‫ث فَ كِإن ك َككا َ‬ ‫م كهِ الث ّل ُك ُ‬‫واهُ فَل ُ ّ‬ ‫ه أب َ َ‬‫َ ْ ُ َ ٌ َ َ ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م لَ‬ ‫م وَأبنككاؤُك ُ ْ‬ ‫ن آب َككآؤُك ُ ْ‬ ‫صككي ب ِهَككآ أوْ د َي ْك ٍ‬ ‫صكي ّةٍ ُيو ِ‬ ‫مككن ب َعْكدِ وَ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن عَِليم كا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ك َككا َ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫ن الل ّكهِ إ ِ ّ‬ ‫م َ‬
‫ة ّ‬ ‫ض ً‬‫ري َ‬ ‫م ن َْفعا ً فَ ِ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫م أقَْر ُ‬ ‫ن أي ّهُ ْ‬ ‫ت َد ُْرو َ‬
‫كيمككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ً‬ ‫ح ِ‬‫َ‬
‫ليككة الككتي هككي خاتمككة هككذه‬ ‫لية الكريمككة والككتي بعككدها وا َ‬ ‫هذه ا َ‬
‫ليككات‬ ‫السورة هن آيات علم الفرائض‪ ,‬وهككو مسككتنبط مككن هككذه ا َ‬
‫‪20‬‬
‫الثلث ومن الحاديث الواردة في ذلك ممككا هككو كالتفسككير لككذلك‪.‬‬
‫ولنذكر منها مككا هككو متعلككق بتفسككير ذلككك‪ .‬وأمككا تقريككر المسككائل‬
‫ونصككب الخلف والدلككة‪ ,‬والحجككاج بيككن الئمككة‪ ,‬فموضككعه كتككب‬
‫الحكام‪ ,‬والله المستعان‪ .‬وقد ورد الككترغيب فككي تعلككم الفككرائض‬
‫وهذه الفرائض الخاصة مككن أهككم ذلككك‪ ,‬وقككد روى أبككو داود وابككن‬
‫ماجه من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الفريقي عككن عبككد‬
‫الرحمن بن رافع التنوخي‪ ,‬عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه‪,‬‬
‫أن رسول الله صكلى اللكه عليككه وسكلم قكال‪» :‬العلككم ثلثككة‪ ,‬ومككا‬
‫سوى ذلككك فهككو فضككل‪ :‬آيككة محكمككة‪ ,‬أو سككنة قائمككة‪ ,‬أو فريضككة‬
‫عادلة« وعن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »يا أبا هريرة تعلموا الفرائض وعلمككوه فككإنه نصككف العلككم‪,‬‬
‫وهو ينسى‪ ,‬وهو أول شيء ينزع من أمتي« رواه ابن مككاجه وفككي‬
‫إسناده ضعف‪ .‬وقد روي من حديث ابن مسعود وأبي سعيد‪ ,‬وفي‬
‫مى الفرائض نصف العلككم‪,‬‬ ‫كل منهما نظر‪ .‬قال ابن عيينة‪ :‬إنما س ّ‬
‫لنه يبتلى به الناس كلهم‪ .‬وقال البخاري عنككد تفسككير هككذه ا َ‬
‫ليككة‪:‬‬
‫حدثنا إبراهيم بن موسى‪ .‬حدثنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال‪:‬‬
‫أخبرني ابن المنكدر عن جابر بن عبككد اللككه قككال‪ :‬عككادني رسككول‬
‫الله صلى الله عليككه وسككلم وأبككو بكككر فككي بنككي سككلمة ماشككيين‪,‬‬
‫فوجدني النبي صلى الله عليه وسككلم ل أعقككل شككيئًا‪ ,‬فككدعا بمككاء‬
‫فتوضأ منه‪ ,‬ثم رش علي فأفقت فقلت‪ :‬ما تأمرني أن أصككنع فككي‬
‫مالي يا رسول الله ؟ فنزلت }يوصيكم اللككه فككي أولدكككم للككذكر‬
‫مثل حظ النثيين{ وكذا رواه مسلم والنسائي مككن حككديث حجككاج‬
‫بن محمد العككور عككن ابككن جريككج بككه‪ ,‬ورواه الجماعككة كلهككم مككن‬
‫حككديث سككفيان بككن عيينككة عككن محمككد بككن المنكككدر عككن جككابر‪.‬‬
‫)حديث آخر عن جابر في سبب نزول ا َ‬
‫ليككة( قككال أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫زكريا بن عدي‪ ,‬حدثنا عبيد الله هو ابن عمرو الرقي‪ ,‬عن عبد الله‬
‫بن محمد بن عقيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬قال‪ :‬جاءت امرأة سعد بككن الربيككع‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬فقككالت‪ :‬يككا رسككول اللككه‬
‫هاتان ابنتا سعد بن الربيع‪ ,‬قتل أبوهما معك في يوم أحككد شككهيدًا‪,‬‬
‫وإن عمهما أخذ مالهما فلم يكدع لهمكا مكال‪ ,‬ول ينكحكان إل ولهمكا‬
‫مال‪ ,‬قال‪ :‬فقال »يقضكي اللكه فكي ذلكك« فنزلكت آيكة الميكراث‪,‬‬
‫فأرسل رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم إلككى عمهمككا فقككال‪:‬‬
‫‪21‬‬
‫»أعط ابنتي سعد الثلثين‪ ,‬وأمهما الثمن‪ ,‬وما بقي فهو لك«‪ .‬وقككد‬
‫رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طككرق عككن عبككد اللككه بككن‬
‫محمككد بككن عقيككل بككه‪ ,‬قككال الترمككذي‪ :‬ول يعككرف إل مككن حككديثه‪.‬‬
‫ليككة الخيككرة مككن‬ ‫والظاهر أن حديث جابر الول إنما نزل بسبب ا َ‬
‫هذه السورة كما سيأتي‪ ,‬فإنه إنمككا كككان لككه إذ ذاك أخككوات‪ ,‬ولككم‬
‫يكن له بنات‪ ,‬وإنما كان يورث كللككة‪ ,‬ولكككن ذكرنككا الحككديث ههنككا‬
‫تبعا ً للبخاري رحمه الله فإنه ذكره ههنا‪ ,‬والحديث الثاني عن جابر‬
‫أشككككككككبه بنككككككككزول هككككككككذه ا َ‬
‫ليككككككككة‪ ,‬واللككككككككه أعلككككككككم‪.‬‬
‫فقككوله تعككالى‪} :‬يوصككيكم اللككه فككي أولدكككم للككذكر مثككل حككظ‬
‫النككثيين{ أي يككأمركم بالعككدل فيهككم‪ ,‬فككإن أهككل الجاهليككة كككانوا‬
‫يجعلككون جميككع الميككراث للككذكور دون النككاث‪ ,‬فككأمر اللككه تعككالى‬
‫بالتسوية بينهم في أصل الميراث‪ ,‬وفككاوت بيككن الصككنفين‪ ,‬فجعككل‬
‫للذكر مثل حظ النثيين‪ ,‬وذلك لحتياج الرجل إلككى مؤونككة النفقككة‬
‫والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمككل المشككاق‪ ,‬فناسككب أن‬
‫يعطى ضعفي ما تأخذه النكثى‪ ,‬وقكد اسككتنبط بعكض الذكيككاء مكن‬
‫قوله تعالى‪} :‬يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ النككثيين{‬
‫أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها‪ ,‬حيككث أوصككى الوالككدين‬
‫بأولدهم‪ ,‬فعلم أنه أرحم بهم منهم‪ ,‬كما جاء في الحديث الصككحيح‬
‫وقد رأى امرأة من السبي فرق بينها وبيككن ولككدها‪ ,‬فجعلككت تككدور‬
‫علككى ولكدها‪ ,‬فلمكا وجككدته مككن السكبي أخككذته فألصكقته بصكدرها‬
‫وأرضككعته‪ .‬فقككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم لصككحابه‬
‫»أترون هذه طارحة ولككدها فككي النككار وهككي تقككدر علككى ذلككك« ؟‬
‫قالوا‪ :‬ل يارسول الله‪ .‬قككال »فككوالله للككه أرحككم بعبككاده مككن هككذه‬
‫بولدها« وقال البخاري ههنا‪ :‬حدثنا محمد بن يوسككف عككن ورقككاء‪,‬‬
‫عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ابن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬كككان المككال‬
‫للولد‪ ,‬وكانت الوصية للوالككدين‪ ,‬فنسككخ اللككه مككن ذلككك مككا أحككب‪,‬‬
‫فجعل للذكر مثل حظ النثيين‪ ,‬وجعككل للبككوين لكككل واحككد منهمككا‬
‫السدس والثلث‪ ,‬وجعكل للزوجكة الثمكن والربكع‪ ,‬وللكزوج الشكطر‬
‫والربع‪ .‬وقال العوفي عن ابككن عبككاس قككوله }يوصككيكم اللككه فككي‬
‫أولدكم للذكر مثل حظ النثيين{ وذلك لما أنزلت الفككرائض الككتي‬
‫فرض الله فيها مككا فككرض للولككد الككذكر والنككثى والبككوين‪ ,‬كرههككا‬
‫الناس أو بعضهم وقالوا‪ :‬تعطى المككرأة الربككع أو الثمككن‪ ,‬وتعطككى‬
‫‪22‬‬
‫البنت النصف‪ ,‬ويعطى الغلم الصغير‪ ,‬وليس من هؤلء أحد يقاتل‬
‫القوم‪ ,‬ول يحوز الغنيمة‪ ,‬اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ينساه‪ ,‬أو نقول له فيغير‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬يككا‬
‫رسول الله تعطى الجارية نصف مككا تككرك أبوهككا‪ ,‬وليسككت تركككب‬
‫الفرس ول تقاتل القككوم‪ ,‬ويعطككى الصككبي الميككراث وليككس يغنككي‬
‫شيئا ً وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ل يعطون الميككراث إل لمككن‬
‫قاتل القوم ويعطونه الكبر فالكبر‪ .‬رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‬
‫أيضًا‪ .‬وقوله }فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا مككا تككرك{ قككال‬
‫بعض الناس‪ :‬قوله }فوق{ زائدة‪ ,‬وتقديره فإن كن نسككاء اثنككتين‪,‬‬
‫كما في قوله }فاضربوا فوق العناق{ وهذا غير مسلم ل هنككا ول‬
‫هناك‪ .‬فإنه ليس في القرآن شيء زائد ل فائدة فيه‪ ,‬وهذا ممتنككع‪,‬‬
‫ثم قوله }فلهن ثلثا ما ترك{ لو كان المراد ما قالوه لقال‪ :‬فلهمككا‬
‫ثلث ما ترك وإنما استفيد كون الثلثين للبنكتين مكن حككم الخكتين‬
‫في ا َ‬
‫لية الخيككرة‪ ,‬فككإنه تعككالى حكككم فيهككا للخككتين بككالثلثين‪ .‬وإذا‬
‫ورثت الختان الثلثين فلن ترث البنتان الثلككثين بككالطريق الولككى‪.‬‬
‫وقد تقدم في حديث جابر أن النبي صلى الله عليكه وسكلم‪ ,‬حككم‬
‫لبنتي سعد بن الربيع بالثلثين‪ ,‬فككدل الكتككاب والسككنة علككى ذلككك‪,‬‬
‫وأيضا ً فإنه قال }وإن كانت واحدة فلها النصف{ فلو كان للبنككتين‬
‫النصف لنص عليه أيضًا‪ ,‬فلما حكم به للواحدة على انفرادهككا‪ ,‬دل‬
‫علككى أن البنككتين فككي حكككم الثلث‪ ,‬واللككه أعلككم‪ .‬وقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}ولبويه لكل واحد منهما السدس{ إلى آخره‪ ,‬البككوان لهمككا فككي‬
‫الرث أحوال )أحككدها( أن يجتمعككا مككع الولد فيفككرض لكككل واحككد‬
‫منهما السدس‪ ,‬فإن لم يكككن للميككت إل بنككت واحككدة‪ ,‬فككرض لهككا‬
‫النصف‪ ,‬وللبوين لكل واحد منهما السدس ‪ ¹‬وأخككذ الب السككدس‬
‫لخر بالتعصيب‪ ,‬فيجمع له والحالة هذه بيككن الفككرض والتعصككيب‪.‬‬ ‫ا َ‬
‫)الحال الثاني( أن ينفرد البوان بككالميراث‪ ,‬فيفككرض للم والحالككة‬
‫هذه الثلث‪ ,‬ويأخذ الب الباقي بالتعصيب المحض‪ ,‬ويكون قد أخككذ‬
‫ضعفي ما فرض للم‪ ,‬وهو الثلثان‪ ,‬فلو كان معهما ك والحالة هككذه‬
‫ك زوج أو زوجككة أخككذ الككزوج النصككف والزوجككة الربككع‪ .‬ثككم اختلككف‬
‫العلمككاء مككاذا تأخككذ الم بعككد فككرض الككزوج والزوجككة‪ ,‬علككى ثلثككة‬
‫أقوال‪) :‬أحدها( أنها تأخذ ثلث الباقي فكي المسكألتين‪ ,‬لن البكاقي‬
‫كأنه جميع الميراث بالنسبة إليهما‪ .‬وقد جعككل اللككه لهككا نصككف مككا‬
‫‪23‬‬
‫جعل للب‪ .‬فتأخذ ثلث الباقي ويأخككذ الب ثلككثيه‪ ,‬هككذا قككول عمككر‬
‫وعثمان‪ ,‬وأصح الروايتين عن علي‪ ,‬وبه يقككول ابككن مسككعود وزيككد‬
‫بككن ثككابت‪ ,‬وهككو قككول الفقهككاء السككبعة والئمككة الربعككة وجمهككور‬
‫العلماء‪) .‬والثاني( أنها تأخذ ثلث جميع المال لعمككوم قككوله }فككإن‬
‫لم يكن له ولد وورثه أبواه فلمه الثلث{ فككإن ا َ‬
‫ليككة أعككم مككن أن‬
‫يكون معها زوج أو زوجة أو ل‪ ,‬وهو قككول ابككن عبككاس‪ .‬وروي عككن‬
‫علي ومعككاذ بككن جبككل نحككوه‪ .‬وبككه يقككول شككريح وداود الظككاهري‪.‬‬
‫واختاره أبو الحسين محمد بن عبد اللككه بككن اللبككان البصككري فككي‬
‫كتابه اليجاز في علم الفرائض وهذا فيه نظر‪ ,‬بل هو ضعيف‪ ,‬لن‬
‫لية إنما هو إذا استبد بجميع التركة‪ ,‬وأما هنا فيأخككذ الككزوج‬‫ظاهر ا َ‬
‫أو الزوجة الفرض ويبقى الباقي كأنه جميع التركة فتأخذ ثلثه كمككا‬
‫تقدم )والقول الثكالث( أنهككا تأخكذ ثلكث جميكع المكال فككي مسكألة‬
‫الزوجة خاصة‪ ,‬فإنها تأخذ الربع وهو ثلثة من اثنككي عشككر‪ ,‬وتأخككذ‬
‫الم الثلث وهو أربعة‪ ,‬فيبقى خمسة للب‪ ,‬وأما في مسألة الككزوج‬
‫فتأخذ ثلث الباقي لئل تأخذ أكثر من الب لككو أخككذت ثلككث المككال‪,‬‬
‫فتكون المسألة من ستة‪ :‬للزوج النصف ثلثككة وللم ثلككث البككاقي‬
‫بعد ذلك وهو سهم‪ ,‬وللب الباقي بعد ذلك(وهو سككهمان‪ .‬ويحكككى‬
‫هذا عن ابن سيرين‪ ,‬وهو قول مركب من القولين الولين‪ ,‬موافق‬
‫كل ً منهما فككي صككورة وهككو ضككعيف أيضكًا‪ ,‬والصككحيح الول‪ ,‬واللككه‬
‫أعلم‪) .‬والحال الثككالث مككن أحككوال البككوين( وهككو اجتماعهمككا مككع‬
‫الخوة‪ ,‬سواء كانوا من البوين أو مككن الب أو مككن الم‪ ,‬فككإنهم ل‬
‫يرثون مع الب شيئًا‪ ,‬ولكنهم مع ذلك يحجبون الم عن الثلث إلى‬
‫السدس‪ ,‬فيفرض لها مع وجودهم السككدس‪ ,‬فككإن لككم يكككن وارث‬
‫سواها وسوى الب‪ ,‬أخذ الب الباقي‪ .‬وحكم الخوين فيما ذكرنككاه‬
‫كحكم الخوة عند الجمهور‪ .‬وقد روى البيهقي مككن طريككق شككعبة‬
‫مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه دخل على عثمككان‪ ,‬فقككال‪ :‬إن‬
‫الخوين ل يردان الم عن الثلث‪ ,‬قال الله تعككالى‪} :‬فككإن كككان لككه‬
‫إخككوة{ فككالخوان ليسككا بلسككان قومككك إخككوة‪ ,‬فقككال عثمككان‪ :‬ل‬
‫أستطيع تغييكر مكا ككان قبلكي‪ ,‬ومضكى فكي المصكار وتكوارث بكه‬
‫الناس‪ .‬وفي صحة هذا الثر نظر‪ ,‬فإن شعبة هذا تكلم فيككه مالككك‬
‫بن أنس‪ ,‬ولو كان هذا صحيحا ً عن ابن عباس لذهب إليككه أصككحابه‬
‫الخصاء به‪ ,‬والمنقول عنهم خلفه‪ ,‬وقد روى عبد الرحمن بن أبي‬
‫‪24‬‬
‫الزناد عن خارجة بن زيد عن أبيه أنه قال‪ :‬الخوان تسمى إخككوة‪,‬‬
‫وقد أفردت لهذه المسألة جزءا ً على حدة‪ .‬وقال ابككن أبككي حككاتم‪:‬‬
‫حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا عبد العزيز بن المغيرة‪ ,‬حدثنا يزيد بن زريككع عككن‬
‫سعيد‪ ,‬عن قتادة قوله }فإن كان له إخوة فلمه السدس{ أضروا‬
‫بالم ول يرثون‪ ,‬ول يحجبها الخ الواحد من الثلث ويحجبها ما فوق‬
‫ذلك‪ ,‬وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهككم عككن الثلككث أن‬
‫أباهم يلي إنكاحهم‪ ,‬ونفقته عليهكم دون أمهكم‪ ,‬وهكذا كلم حسكن‪.‬‬
‫لكن روي عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه كان يككرى أن السككدس‬
‫الذي حجبوه عن أمهم يكون لهم ‪ ¹‬وهذا قول شاذ رواه ابن جريككر‬
‫في تفسيره فقال‪ :‬حدثنا الحسن بككن يحيككى‪ ,‬حككدثنا عبككد الككرزاق‪,‬‬
‫أخبرنا معمر عن ابن طككاوس‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫السككدس الككذي حجبتككه الخككوة الم لهككم‪ ,‬إنمككا حجبككوا أمهككم عنككه‬
‫ليكون لهم دون أبيهككم‪ ,‬ثككم قككال ابككن جريككر‪ :‬وهككذا قككول مخككالف‬
‫لجميع المة‪ .‬وقد حدثني يونس‪ ,‬أخبرنا سفيان‪ ,‬أخبرنا عمكرو عكن‬
‫الحسن بن محمد‪ ,‬عن ابن عباس أنه قال‪ :‬الكللة مككن ل ولككد لككه‬
‫ول والككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككد‪.‬‬
‫وقوله }من بعد وصية يوصككي بهككا أو ديككن{ أجمككع العلمككاء مككن‬
‫السلف والخلف علكى أن الكدين مقكدم علكى الوصكية وذلكك عنكد‬
‫ليككة الكريمككة‪ .‬وقككد روى أحمككد‬ ‫إمعان النظككر يفهككم مككن فحككوى ا َ‬
‫والترمذي وابن ماجه وأصحاب التفاسير من حككديث أبككي إسككحاق‬
‫عن الحارث بن عبد الله العور‪ ,‬عن علي بككن أبككي طككالب‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫إنكم تقرؤون }من بعد وصية يوصي بها أو دين{ وإن رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية‪ ,‬وإن أعيككان بنككي‬
‫الم يتوارثون دون بني العلت‪ ,‬يرث الرجل أخاه لبيككه وأمككه دون‬
‫أخيه لبيه‪ .‬ثم قال الترمذي‪ :‬ل نعرفه إل من حديث الحارث‪ ,‬وقككد‬
‫تكلم فيه بعكض أهكل العلكم‪) .‬قلكت( لككن ككان حافظكا ً للفكرائض‬
‫معتنيكككككككككا ً بهكككككككككا وبالحسكككككككككاب‪ ,‬فكككككككككالله أعلكككككككككم‪.‬‬
‫وقوله }آباؤكم وأبناؤكم ل تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا{ أي إنما‬
‫لباء والبناء‪ ,‬وساوينا بين الكل فككي أصككل الميككراث علككى‬ ‫فرضنا ل َ‬
‫خلف ما كان عليه المر في الجاهلية وعلى خلف مككا كككان عليككه‬
‫المر في ابتداء السلم من كون المككال للولككد وللبككوين الوصككية‪,‬‬
‫كما تقدم عن ابن عباس‪ ,‬إنما نسككخ اللككه ذلككك إلككى هككذا ففككرض‬
‫‪25‬‬
‫لهؤلء ولهؤلء بحسبهم‪ ,‬لن النسككان قككد يككأتيه النفككع الككدنيوي أو‬
‫الخروي أو هما من أبيه ما ل يأتيه من ابنه‪ ,‬وقد يكون بككالعكس‪,‬‬
‫ولذا قال }آباؤكم وأبناؤكم ل تككدرون أيهككم أقككرب لكككم نفعكًا{ أي‬
‫لخر‪,‬‬‫كأن النفع متوقع ومرجو من هذا كما هو متوقع ومرجو من ا َ‬
‫فلهذا فرضنا لهذا وهذا‪ ,‬وساوينا بين القسمين في أصل الميراث‪,‬‬
‫واللكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه أعلكككككككككككككككككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقوله }فريضككة مككن اللككه{ أي هككذا الككذي ذكرنككاه مككن تفصككيل‬
‫الميراث وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض‪ ,‬هو فككرض مككن اللككه‬
‫حكم به وقضاه‪ ,‬والله عليم حكيم الذي يضع الشياء فككي محالهككا‪,‬‬
‫ويعطي كل ّ ما يستحقه بحسبه‪ ,‬ولهكذا قكال }إن اللكه ككان عليمكا ً‬
‫حكيمككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككًا{‪.‬‬
‫ف ما تر َ َ‬
‫ن‬ ‫ن وَل َكد ٌ فَ كِإن ك َككا َ‬ ‫ن ل ّهُ ك ّ‬‫م ي َك ُك ْ‬ ‫ن لّ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬‫ك أْزَوا ُ‬ ‫ص ُ َ ََ‬ ‫م نِ ْ‬ ‫** وَل َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ب ِهَككآ أوْ د َي ْك ٍ‬ ‫صككي َ‬ ‫صي ّةٍ ُيو ِ‬ ‫من ب َعْدِ وَ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ت ََرك ْ َ‬ ‫م ّ‬‫م الّرب ُعُ ِ‬ ‫ن وَل َد ٌ فَل َك ُ ُ‬ ‫ل َهُ ّ‬
‫م وَل َكد ٌ‬ ‫ن ل َك ُك ْ‬ ‫م وَل َكد ٌ فَكِإن ك َككا َ‬ ‫ن ل ّك ُك ْ‬ ‫م ي َك ُك ْ‬ ‫م ِإن ل ّ ْ‬ ‫ما ت ََرك ْت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن الّرب ُعُ ِ‬ ‫وَل َهُ ّ‬
‫ن‬ ‫ن وَِإن َ‬ ‫فَل َهن الث ّمن مما ترك ْتم من بعد وصية توصون بهآ أ َ‬
‫كا َ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َْ ِ َ ِ ّ ٍ ُ ُ َ َِ‬ ‫ُ ُ ِ ّ ََ ُ ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مككا‬ ‫من ْهُ َ‬
‫حكدٍ ّ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ت فَل ِك ُك ّ‬ ‫خك ٌ‬ ‫خ أو ْ أ ْ‬ ‫هأ ٌ‬ ‫مكَرأةٌ وَل َك ُ‬ ‫ة أو ا ْ‬ ‫ث ك َل َل َك ً‬ ‫ل ي ُككوَر ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫مككن ب َعْ كدِ‬ ‫ث ِ‬ ‫كآُء ِفي الث ّل ُك ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك فَهُ ْ‬ ‫من ذ َل ِ َ‬ ‫كان ُوَا ْ أك ْث ََر ِ‬ ‫س فَِإن َ‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫صي ّ ً‬‫ضآّر وَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن غَي َْر ُ‬ ‫ى ب َِهآ أوْ د َي ْ ٍ‬ ‫ص َ‬ ‫صي ّةٍ ُيو َ‬ ‫وَ ِ‬
‫يقول تعالى‪ :‬ولكم أيها الرجال نصف ما ترك أزواجكم إذا متككن‬
‫من غير ولد‪ ,‬فإن كان لهن ولد‪ ,‬فلكم الربككع ممككا تركككن مككن بعككد‬
‫الوصية أو الدين‪ .‬وقد تقدم أن الدين مقدم علكى الوصككية‪ ,‬وبعككده‬
‫الوصية ثم الميراث‪ ,‬وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء وحكم أولد‬
‫البنين وإن سفلوا حكم أولد الصكلب ثكم قكال }ولهكن الربكع ممكا‬
‫تركتم{ إلى آخره وسواء في الربكع أو الثمكن الزوجكة والزوجتكان‬
‫الثنتان والثلث والربع يشتركن فيه‪ .‬وقوله‪} :‬من بعد وصية{ الخ‬
‫الكلم عليككه كمككا تقككدم‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬وإن كككان رجككل يككورث‬
‫كللة{ الكللة مشتقة من الكليل‪ ,‬وهو الذي يحيككط بككالرأس مككن‬
‫جوانبه‪ ,‬والمراد هنا من يرثككه مككن حواشككيه ل أصككوله ول فروعككه‪,‬‬
‫كما روى الشعبي عن أبككي بكككر الصككديق أنككه سككئل عككن الكللككة‪,‬‬
‫فقال‪ :‬أقول فيها برأيي‪ ,‬فإن يكن صوابا ً فمن الله‪ ,‬وإن يكن خطككأ‬
‫‪26‬‬
‫فمني ومن الشيطان‪ ,‬والله ورسككوله بككريئان منككه‪ ,‬الكللككة مككن ل‬
‫ولد له ول والد‪ ,‬فلما ولي عمر قال‪ :‬إنككي لسكتحي أن أخككالف أبككا‬
‫بكر في رأي رآه‪ ,‬رواه ابن جرير وغيره‪ .‬وقال ابن أبي حككاتم فككي‬
‫تفسيره‪ :‬حدثنا محمككد بككن عبككد اللككه بككن يزيككد عككن سككفيان‪ ,‬عككن‬
‫سليمان الحول‪ ,‬عن طككاوس‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت ابككن عبككاس يقككول‪:‬‬
‫كنت آخر الناس عهدا ً بعمر‪ ,‬فسمعته يقول‪ :‬القككول مككا قلككت ومككا‬
‫قلت وما قلت‪ ,‬قال‪ :‬الكللة مككن ل ولككد لككه ول والككد وهكككذا قككال‬
‫علي وابن مسعود وصح عن غير وجككه عككن ابككن عبككاس وزيككد بككن‬
‫ثابت‪ ,‬وبه يقول الشعبي والنخعي والحسن وقتادة وجابر بككن زيككد‬
‫والحكم‪ ,‬وبه يقول أهل المدينة وأهل الكوفة والبصرة‪ ,‬وهككو قككول‬
‫الفقهككاء السكبعة والئمكة الربعكة وجمهككور السككلف والخلكف‪ ,‬بكل‬
‫جميعهم‪ ,‬وقد حكككى الجمككاع عليككه غيككر واحككد‪ ,‬وورد فيككه حككديث‬
‫مرفوع‪ ,‬قال أبو الحسين بن اللبان وقد روي عككن ابككن عبككاس مككا‬
‫يخالف ذلك‪ ,‬وهو أنه من ل ولككد لككه‪ ,‬والصككحيح عنككه الول‪ ,‬ولعككل‬
‫الراوي ما فهم عنه ما أراد‪ .‬وقوله تعككالى‪} :‬ولككه أخ أو أخككت{ أي‬
‫من أم كما هككو فككي قككراءة بعككض السككلف‪ ,‬منهككم سككعد بككن أبككي‬
‫وقاص‪ ,‬وكذا فسرها أبو بكر الصديق فيما رواه قتادة عنه }فلككل‬
‫واحد منهما السدس فإن ككانوا أكككثر مكن ذلكك فهككم شككركاء فككي‬
‫الثلث{ وإخوة الم يخالفون بقية الورثة من وجككوه )أحككدها( أنهككم‬
‫يرثون مع من أدلوا بككه‪ ,‬وهككي الم‪) .‬الثككاني( أن ذكككورهم وإنككاثهم‬
‫في الميككراث سككواء‪) .‬الثككالث( أنهككم ل يرثككون إل إن كككان ميتهككم‬
‫يورث كللة‪ ,‬فل يرثون مع أب ول جد ول ولد ول ولد ابن‪) .‬الرابع(‬
‫أنهم ل يزادون على الثلث‪ ,‬وإن كككثر ذكككورهم وإنككاثهم‪ .‬قككال ابككن‬
‫أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا يككونس‪ ,‬حككدثنا ابككن وهككب‪ ,‬أخبرنككا يككونس عككن‬
‫الزهري‪ ,‬قال‪ :‬قضى عمر أن ميراث الخوة من الم بينهككم للككذكر‬
‫مثل النثى‪ ,‬قال الزهككري‪ :‬ول أرى عمككر قضككى بككذلك حككتى علككم‬
‫لية هككي الككتي‬‫بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬لهذه ا َ‬
‫قال الله تعالى فيها }فإن كانوا أكثر مككن ذلككك فهككم شككركاء فككي‬
‫الثلث{ واختلف العلماء في المسألة المشتركة‪ ,‬وهي زوج وأم أو‬
‫جدة واثنان من ولد الم وواحككد أو أكككثر مككن ولككد البككوين‪ ,‬فعلككى‬
‫قول الجمهور للزوج النصف‪ ,‬وللم أو الجدة السككدس ولولككد الم‬
‫الثلككث ويشككاركهم فيككه ولككد الب والم بمككا بينهككم مككن القككدر‬
‫‪27‬‬
‫المشترك وهو إخوة الم‪ ,‬وقد وقعت هذه المسألة في زمن أميككر‬
‫المؤمنين عمككر‪ ,‬فككأعطى الككزوج النصككف‪ ,‬والم السككدس‪ ,‬وجعككل‬
‫الثلث لولد الم‪ ,‬فقال له أولد البوين‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ,‬هب أن‬
‫أبانككا كككان حمككارًا‪ ,‬ألسككنا مككن أم واحككدة ؟ فشككرك بينهككم وصككح‬
‫التشريك عنه وعن عثمان‪ ,‬وهو إحدى الروايتين عن ابككن مسككعود‬
‫وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم‪ ,‬وبه يقككول سككعيد بككن‬
‫المسيب وشريح القاضي ومسروق وطاوس ومحمككد بككن سككيرين‬
‫وإبراهيم النخعي وعمككر بككن عبككد العزيككز والثككوري وشككريك‪ ,‬وهككو‬
‫مذهب مالك والشافعي وإسحاق بن راهويه‪ ,‬وكان علككي بككن أبككي‬
‫طالب ل يشرك بينهم‪ ,‬بل يجعل الثلث لولد الم‪ ,‬ول شيء لولد‬
‫البوين‪ ,‬والحالة هذه لنهككم عصككبة‪ .‬وقككال وكيككع بككن الجككراح‪ :‬لككم‬
‫يختلف عنككه فككي ذلككك‪ .‬وهككذا قككول أبككي بككن كعككب وأبككي موسككى‬
‫الشعري‪ .‬وهو المشهور عككن ابككن عبككاس‪ .‬وهككو مككذهب الشككعبي‬
‫وابن أبككي ليلككى وأبككي حنيفككة وأبككي يوسككف ومحمككد بككن الحسككن‬
‫والحسن بن زياد وزفر بن الُهذيل والمام أحمد بككن حنبككل ويحيككى‬
‫بككن آدم ونعيككم بككن حمككاد وأبككي ثككور وداود بككن علككي الظككاهري‪,‬‬
‫واختاره أبو الحسككين بككن اللبككان الفرضككي رحمككه اللكه فككي كتككابه‬
‫صى بها أو دين غير مضككار{ أي‬ ‫اليجاز‪ .‬وقوله‪} :‬من بعد وصية يو َ‬
‫لتكون وصيته على العدل ل علككى الضككرار والجككور والحيككف بككأن‬
‫در اللككه لككه مككن‬
‫يحرم بعض الورثة أو ينقصه‪ ,‬أو يزيده على مككا قك ّ‬
‫الفريضة‪ ,‬فمن سعى في ذلك‪ ,‬كان كمن ضككاد اللككه فككي حكمتككه‪,‬‬
‫وقسمته‪ .‬ولهذا قال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا أبككو النضككر‬
‫الدمشقي الفراديسي‪ ,‬حدثنا عمر بن المغيككرة عككن داود بككن أبككي‬
‫هند‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫قال »الضرار في الوصية من الكبائر« وكذا رواه ابككن جريككر مككن‬
‫طريككق عمككر بككن المغيككرة هككذا‪ ,‬وهككو أبككو حفككص بصككري سكككن‬
‫المصيصككة‪ ,‬قككال أبككو القاسككم ابككن عسككاكر‪ :‬ويعككرف بمفككتي‬
‫المساكين‪ ,‬وروى عنه غير واحد من الئمككة‪ ,‬وقككال فيككه أبككو حككاتم‬
‫الرازي‪ :‬هو شيخ‪ ,‬وقال علي بككن المككديني هككو مجهككول ل أعرفككه‪,‬‬
‫لكن رواه النسائي في سككننه عككن علككي بككن حجككر عككن علككي بككن‬
‫مسهر‪ ,‬عن داود بن أبي هند‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس موقوفا ً‬
‫»الضرار في الوصية من الكبائر« وكذا رواه ابن أبككي حككاتم عككن‬
‫‪28‬‬
‫أبي سعيد الشج‪ ,‬عن عائذ بن حبيب‪ ,‬عن داود بن أبي هند‪ ,‬ورواه‬
‫ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ عككن داود‪ ,‬عككن عكرمككة‪,‬‬
‫عن ابن عبككاس موقوفكًا‪ ,‬وفككي بعضككها‪ :‬ويقككرأ ابككن عبككاس }غيككر‬
‫مضار{‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬والصحيح الموقوف‪ ,‬ولهذا اختلككف الئمككة‬
‫في القرار للوارث‪ ,‬هل هو صحيح أم ل ؟ على قككولين )أحككدهما(‬
‫ل يصح لنه مظنة التهمة أن يكون قد أوصككى لككه بصككيغة القككرار‪.‬‬
‫وقد ثبت في الحككديث الصككحيح أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم قككال »إن اللككه قككد أعطككى كككل ذي حككق حقككه فل وصككية‬
‫لوارث«‪ .‬وهذا مذهب مالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة‪ ,‬والقككول‬
‫القديم للشافعي رحمهم الله‪ ,‬وذهكب فكي الجديكد إلكى أنكه يصكح‬
‫القرار‪ .‬وهو مذهب طاوس وعطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز‬
‫وهو اختيار أبي عبد الله البخاري في صحيحه‪ ,‬واحتج بأن رافع بن‬
‫خديج أوصى أن ل تكشف الفزارية عمككا أغلككق عليككه بابهككا‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫وقال بعض الناس ل يجوز إقراره لسوء الظن به للورثة‪ ,‬وقد قال‬
‫النبي صلى الله عليكه وسكلم »إيككاكم والظككن‪ ,‬فككإن الظككن أككذب‬
‫الحديث« وقال الله تعالى‪} :‬إن اللككه يككأمركم أن تككؤدوا المانككات‬
‫إلى أهلها{ فلم يخص وارثا ً ول غيره‪ ,‬انتهى مككاذكره‪ .‬فمككتى كككان‬
‫القرار صحيحا ً مطابقا ً لما في نفس المر‪ ,‬جرى فيه هذا الخلف‪,‬‬
‫ومتى كان حيلة ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة ونقصككان بعضككهم‪,‬‬
‫لية الكريمككة }غيككر مضككار وصككية‬ ‫فهو حرام بالجماع وبنص هذه ا َ‬
‫مككككن اللككككه‪ ,‬واللككككه عليككككم حليككككم{‪ .‬ثككككم قككككال تعككككالى‪(:‬‬
‫مككن‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫سول َ ُ‬

‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫من ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫دود ُ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ح ُ‬‫ك ُ‬ ‫** ت ِل ْ َ‬
‫ص الل ّك َ‬
‫ه‬ ‫مككن ي َعْ ك ِ‬ ‫م * وَ َ‬ ‫ظي ُ‬ ‫ك ال َْفوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ن ِفيَها وَذ َل ِ َ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن‬
‫مِهيك ٌ‬‫ب ّ‬ ‫ذا ٌ‬‫عك َ‬‫ه َ‬ ‫خاِلكدا ً ِفيَهكا وََلك ُ‬ ‫ه َنكارا ً َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫دود َهُ ُيكد ْ ِ‬
‫ح ُ‬‫ه وَي َت َعَد ّ ُ‬‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫أي هذه الفككرائض والمقككادير الككتي جعلهككا اللككه للورثكة بحسككب‬
‫قربهم من الميت واحتيككاجهم إليككه وفقككدهم لككه عنككد عككدمه‪ ,‬هككي‬
‫حدود الله‪ ,‬فل تعتدوها ول تجاوزوها‪ ,‬ولهذا قال }ومككن يطككع اللككه‬
‫ورسوله{ أي فيها فلم يزد بعض الورثة ولم ينقككص بعضككها بحيلككة‬
‫ووسيلة‪ ,‬بل تركهم علككى حكككم اللككه وفريضككته وقسككمته }يككدخله‬
‫جنات تجري من تحتها النهار خالككدين فيهككا وذلككك الفككوز العظيككم‬
‫‪29‬‬
‫ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نككارا ً خالككدا ً فيهككا ولككه‬
‫عذاب مهين{ أي لكونه غير ما حكم الله به وضاد الله في حكمه‪,‬‬
‫وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسككم اللككه وحكككم بككه‪ ,‬ولهككذا‬
‫يجازيه بالهانة في العذاب الليم المقيم ك قال المام أحمد‪ :‬حدثنا‬
‫عبد الرزاق‪ ,‬حدثنا معمر عن أيوب عن أشعث بن عبككد اللككه‪ ,‬عككن‬
‫شهر بن حوشب‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم »إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة‪ ,‬فإذا‬
‫أوصى حككاف فككي وصككيته فيختككم بشككر عملككه فيككدخل النككار‪ ,‬وإن‬
‫الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سككبعين سككنة‪ ,‬فيعككدل فككي وصككيته‬
‫فيختم له بخير عمله فيدخل الجنكة« قكال‪ :‬ثكم يقكول أبكو هريكرة‪,‬‬
‫اقرؤوا إن شئتم }تلك حدود الله ك إلى قوله ك عذاب مهين{ قككال‬
‫دة بككن‬‫أبو داود في باب الضرار في الوصية من سككننه‪ :‬حككدثنا عَب ْك َ‬
‫داني‪ ,‬حككدثنا‬ ‫حك ّ‬
‫عبد الله‪ ,‬أخبرنا عبد الصمد‪ ,‬حدثنا نصر بن علككي ال ُ‬
‫الشعث بن عبد الله بن جابر الحداني‪ ,‬حدثني شككهر بككن حوشككب‬
‫أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »إن‬
‫الرجل ليعمكل أو المكرأة بطاعكة اللكه سكتين سكنة ثكم يحضكرهما‬
‫ي‬
‫الموت‪ ,‬فُيضاّران في الوصية‪ ,‬فتجب لهما النار« وقككال قككرأ علك ّ‬
‫أبو هريرة من ههنا }من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ككك‬
‫حتى بلغ ك ذلك الفوز العظيم{ وهكككذا رواه الترمككذي وابككن مككاجه‬
‫من حديث ابن عبد اللككه بككن جككابر الحككداني بككه‪ ,‬وقككال الترمككذي‪:‬‬
‫حسككككن غريككككب‪ ,‬وسككككياق المككككام أحمككككد أتككككم وأكمككككل‪.‬‬
‫ة‬‫ن أ َْرَبع ك ً‬ ‫دوا ْ عَل َي ْهِك ّ‬‫ش كه ِ ُ‬‫ست َ ْ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫سآئ ِك ُ ْ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ة ِ‬‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال َْفا ِ‬ ‫َ‬ ‫** َوالل ِّتي ي َأ ِْتي‬
‫ت أ َْو‬ ‫شهدوا ْ فَأ َ‬
‫مو ْ ُ‬‫ن ال ْ َ‬
‫ى ي َت َوَّفاهُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ح‬‫َ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫يو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫ن ِفي ال ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫م فَِإن َ ِ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ْ‬ ‫سِبيل ً * َوالل ّ َ‬
‫مككا فَكِإن َتاب َككا‬ ‫ذوهُ َ‬ ‫م َفآ ُ‬ ‫منك ُك ْ‬ ‫ن ي َأت َِيان ِهَككا ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ل َهُ َ ّ‬‫ل الل ّ ُ‬‫جع َ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫حيمككككا ً‬ ‫وابككككا ً ّر ِ‬ ‫َ‬
‫ن تَ ّ‬ ‫ه ك َككككا َ‬ ‫ن الل ّكككك َ‬ ‫مككككآ إ ِ ّ‬ ‫ضككككوا ْ عَن ْهُ َ‬ ‫حا فَأعْرِ ُ‬ ‫صككككل َ َ‬‫وَأ ْ‬
‫كان الحكم في ابتداء السلم أن المككرأة إذا ثبككت زناهككا بالبينككة‬
‫العادلككة‪ ,‬حبسككت فككي بيككت فل تمكككن مككن الخككروج منككه إلككى أن‬
‫تموت‪ ,‬ولهذا قككال }واللتككي يككأتين الفاحشككة{ يعنككي الزنككا }مككن‬
‫نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم‪ ,‬فإن شككهدوا فأمسكككوهن‬
‫ل{‬ ‫فككي الككبيوت حككتى يتوفككاهن المككوت أو يجعككل اللككه لهككن سككبي ً‬
‫‪30‬‬
‫فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك‪ ,‬قال ابن عبككاس رضككي‬
‫الله عنه‪ :‬كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النككور‪ ,‬فنسككخها‬
‫بالجلد أو الرجم‪ ,‬وكذا ُروى عن عكرمة‪ ,‬وسعيد بن جبير والحسن‬
‫وعطاء الخراساني وأبي صالح وقتادة وزيد بككن أسككلم والضككحاك‪,‬‬
‫أنها منسوخة‪ ,‬وهو أمككر متفككق عليككه كك قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن جعفر‪ ,‬حدثنا سعيد عن قتادة‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬عككن حطككان‬
‫بن عبد الله الرقاشي‪ ,‬عن عبادة بن الصامت‪ ,‬قككال‪ :‬كككان رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي‪ ,‬أثر عليككه‪ ,‬وكككرب‬
‫لذلك‪ ,‬وت ََرّبد وجهه‪ ,‬فككأنزل اللككه عككز وجككل عليككه ذات يككوم‪ ,‬فلمككا‬
‫سري عنه‪ ,‬قال‪» :‬خككذوا عنككي قككد جعككل اللككه لهككن سككبي ً‬
‫ل‪ ,‬الككثيب‬
‫بالثيب‪ ,‬والبكر بالبكر‪ ,‬الثيب جلككد مككائة ورجككم بالحجككارة‪ ,‬والبكككر‬
‫جلد مائة ثم نفي سنة«‪ ,‬وقككد رواه مسككلم وأصككحاب السككنن مككن‬
‫طرق عن قتادة‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬عن حطان‪ ,‬عن عبادة بن الصككامت‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه »خذوا عنككي خككذوا عنككي‪,‬‬
‫ل‪ ,‬البكككر بككالبكر جلككد مككائة وتغريككب عككام‪,‬‬ ‫قد جعل الله لهن سككبي ً‬
‫والثيب بالثيب جلككد مككائة والرجككم« وقككال الترمككذي‪ :‬هككذا حككديث‬
‫حسن صككحيح‪ .‬وهككذا رواه أبكو داود الطيالسككي عكن مبككارك ابكن‬
‫فضالة‪ ,‬عككن الحسككن‪ ,‬عككن حطككان بككن عبككد اللككه الرقاشككي‪ ,‬عككن‬
‫عبادة‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم كككان إذا نككزل عليككه‬
‫الوحي‪ ,‬عرف ذلك في وجهككه‪ ,‬فلمككا أنزلككت }أو يجعككل اللككه لهككن‬
‫ل{ فلما ارتفع الوحي قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬ ‫سبي ً‬
‫»خذوا خذوا قد جعل الله لهن سبيل‪ ,‬البكر بالبكر جلد مائة ونفككي‬
‫سنة‪ ,‬والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة«‪ .‬وقككد روى المككام‬
‫أحمد أيضا ً هذا الحديث عن وكيع بككن الجككراح‪ ,‬حككدثنا الفضككل بككن‬
‫حَريث‪ ,‬عن سككلمة بككن المحبككق‪,‬‬ ‫دلهم عن الحسن عن قبيصة بن ُ‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »خككذوا عنككي خككذوا‬
‫ل‪ ,‬البكر بالبكر جلد مائة ونفككي سككنة‪,‬‬ ‫عني‪ ,‬قد جعل الله لهن سبي ً‬
‫والثيب بالثيب جلد مائة والرجم«‪ .‬وكذا رواه أبو داود مطككول ً مككن‬
‫حديث الفضل بن دلهم‪ ,‬ثم قال‪ :‬وليس هو بالحافظ‪ ,‬كككان قصككابا ً‬
‫بواسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككط‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا محمد بن أحمككد بككن‬
‫إبراهيم حدثنا عباس بن حمدان‪ ,‬حدثنا أحمد بن داود حدثنا عمككرو‬
‫‪31‬‬
‫بن عبد الغفار‪ ,‬حدثنا إسماعيل بن أبككي خالككد عككن الشككعبي‪ ,‬عككن‬
‫مسروق‪ ,‬عن أبي كعب‪ ,‬قال‪ :‬قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم »البكككران يجلككدان وينفيككان‪ ,‬والثيبككان يجلككدان ويرجمككان‪,‬‬
‫والشيخان يرجمان« هذا حككديث غريككب مككن هككذا الككوجه ك ك وروى‬
‫الطبراني من طريق ابن لهيعة عن أخيككه عيسككى بككن لهيعكة‪ ,‬عككن‬
‫عكرمة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬لمككا نزلككت سككورة النسككاء‪ ,‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »ل حبس بعد سككورة النسككاء«‪.‬‬
‫وقد ذهب المام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث‪,‬‬
‫وهو الجمككع بيككن الجلككد والرجككم فككي حككق الككثيب الزانككي‪ ,‬وذهككب‬
‫الجمهور إلى أن الككثيب الزانككي إنمككا يرجككم فقككط مككن غيككر جلككد‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬لن النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم رجككم مككاعزا والغامديككة‬
‫واليهوديين‪ ,‬ولم يجلدهم قبككل ذلككك‪ ,‬فككدل علككى أن الرجككم ليككس‬
‫بحتم‪ ,‬بككل هككو منسككوخ علككى قككولهم‪ ,‬واللككه أعلككم وقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}واللككذان يأتيانهككا منكككم فآذوهمككا{ أي واللككذان يأتيككان الفاحشككة‬
‫فآذوهمككا‪ ,‬قككال ابككن عبككاس رضككي اللككه عنهمككا وسككعيد بككن جككبير‬
‫وغيرهمككا‪ :‬أي بالشككتم والتعييككر والضككرب بالنعككال‪ ,‬وكككان الحكككم‬
‫كذلك‪ ,‬حتى نسخه اللكه بالجلككد أو الرجككم‪ ,‬وقكال عكرمككة وعطكاء‬
‫والحسن وعبد الله بن كثير‪ :‬نزلت فككي الرجككل والمككرأة إذا زنيككا‪.‬‬
‫وقككال السككدي‪ :‬نزلكت فكي الفتيككان مكن قبكل أن يكتزوجوا‪ .‬وقكال‬
‫مجاهد‪ :‬نزلت في الرجلين إذا فعل ك ل يكنى‪ ,‬وكأنه يريد اللواط ك ك‬
‫والله أعلم‪ ,‬وقد روى أهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو‪,‬‬
‫عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسككلم »مككن رأيتمككوه يعمككل عمككل قككوم لككوط‪ ,‬فككاقتلوا الفاعككل‬
‫والمفعول به«‪ .‬وقوله‪} :‬فإن تابا وأصككلحا{ أي أقلعككا ونزعككا عمككا‬
‫كانا عليه وصلحت أعمالهمككا وحسككنت‪} ,‬فأعرضككوا عنهمككا{ أي ل‬
‫تعنفوهما بكلم قبيح بعد ذلك‪ ,‬لن التائب من الذنب كمن ل ذنككب‬
‫له }إن الله كان توابا ً رحيمًا{‪ .‬وقد ثبت في الصحيحين »إذا زنككت‬
‫أمة أحدكم‪ ,‬فليجلدها الحد ول يثرب عليها« أي ثككم ل يعيرهككا بمككا‬
‫صككككنعت بعككككد الحككككد الككككذي هككككو كفككككارة لمككككا صككككنعت‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫ن‬
‫م ي َُتوب ُككو َ‬ ‫جَهال َكةٍ ث ُك ّ‬‫سكوََء ب ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة عََلى الل ّهِ ل ِل ّ ِ‬ ‫ما الت ّوْب َ ُ‬ ‫** إ ِن ّ َ‬
‫كيم كا ً *‬ ‫ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ه عَِليم كا ً َ‬ ‫ن الل ّك ُ‬ ‫م وَك َككا َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ك ْ‬‫ب الل ّك ُ‬ ‫ك ي َُتو ُ‬ ‫ب فَأوَْلـئ ِ َ‬ ‫ري ٍ‬‫ِ‬ ‫من قَ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م‬‫حكد َهُ ُ‬ ‫ضكَر أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ى إِ َ‬‫َ‬ ‫حت ّك‬
‫ت َ‬ ‫سكي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مل ُككو َ‬‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬‫ة ل ِل ّك ِ‬
‫ت الت ّوْب َك ُ‬ ‫سك ِ‬ ‫وَل َي ْ َ‬
‫ك‬ ‫م ك ُّفككاٌر أ ُوَْلـكئ ِ َ‬‫هك ْ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫موت ُككو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن وَل َ ال ّك ِ‬ ‫ت ال َ َ‬ ‫ل إ ِن ّككي ت ُب ْك ُ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ذابا ً أ َِليمكككككككككككككككا ً‬ ‫عككككككككككككككك َ‬ ‫م َ‬ ‫أعَْتكككككككككككككككد َْنا ل َُهككككككككككككككك ْ‬
‫َ‬
‫يقول سبحانه وتعالى‪ :‬إنما يتقبل الله التوبة ممن عمككل السككوء‬
‫بجهالة ثم يتوب ولو قبل معاينة الملك روحه قبككل الغرغككرة‪ .‬قككال‬
‫مجاهد وغير واحد‪ :‬كل من عصى الله خطأ أو عمككدًا‪ ,‬فهككو جاهككل‬
‫حتى ينزع عن الذنب‪ ,‬وقال قتادة عن أبي العالية أنه كككان يحككدث‬
‫أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كككانوا يقولككون‪ :‬كككل‬
‫ذنب أصابه عبد فهو جهالة‪ ,‬رواه ابككن جريككر‪ .‬وقككال عبككد الككرزاق‪:‬‬
‫أخبرنا معمر عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬اجتمككع أصككحاب رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم فرأوا أن كل شككيء عصككي اللككه بككه‪ ,‬فهككو جهالككة‬
‫عمدا ً كان أو غيره‪ .‬وقال ابن جريج‪ :‬أخبرني عبد الله بن كثير عن‬
‫مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حيككن عملهككا قككال‬
‫ابن جريج‪ :‬وقال لي عطاء بن أبي ربككاح‪ ,‬نحككوه‪ .‬وقككال أبككو صككالح‬
‫عن ابن عباس‪ :‬من جهالته عمل السوء‪ ,‬وقال علي بن أبي طلحة‬
‫عن ابن عباس }ثم يتوبون مككن قريككب{ قككال‪ :‬مككا بينككه وبيككن أن‬
‫ينظر إلى ملك الموت‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬ما كككان دون المككوت فهككو‬
‫قريب‪ .‬وقال قتادة والسدي‪ :‬ما دام في صكحته‪ ,‬وهكو مكروي عكن‬
‫ابن عباس‪ .‬وقال الحسن البصري }ثم يتوبون من قريب{‪ ,‬مككالم‬
‫يغرغككككككر‪ .‬وقككككككال عكرمككككككة‪ :‬الككككككدنيا كلهككككككا قريككككككب‪.‬‬
‫ذككككككككككككككككر الحكككككككككككككككاديث فكككككككككككككككي ذلكككككككككككككككك‬

‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا علي بن عياش‪ ,‬وعصام بن خالككد‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫حدثنا ابن ثوبان عن أبيه‪ ,‬عن مكحول‪ ,‬عن جبير بن نفير‪ ,‬عن ابن‬
‫عمر‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قكال »إن اللكه يقبكل توبكة‬
‫العبد مككالم يغرغككر« رواه الترمككذي وابككن مككاجه مككن حككديث عبككد‬
‫الرحمن بن ثابت بن ثوبان به‪ ,‬وقال الترمذي‪ :‬حسن غريب‪ .‬ووقع‬
‫في سنن ابن ماجه‪ ,‬عن عبد الله بن عمرو وهو وهم إنما هو عبككد‬
‫اللكككككككككككه بكككككككككككن عمكككككككككككر بكككككككككككن الخطكككككككككككاب‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫)حديث آخر( عن ابن عمر قككال ابككن مردويككه‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫معمر‪ ,‬حدثنا عبدالله بن الحسن الخراساني‪ ,‬حدثنا يحيى بككن عبككد‬
‫الله البابلتي‪ ,‬حدثنا أيوب بن نهيك الحلبي‪ ,‬سمعت عطاء بككن أبككي‬
‫رباح‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عبد الله بن عمر‪ ,‬سككمعت رسككول اللكه صكلى‬
‫الله عليه وسلم يقول »ما من عبد مؤمن يتوب قبل الموت بشهر‬
‫إل قبل الله منه وأدنى من ذلك‪ ,‬وقبككل مككوته بيككوم وسككاعة يعلككم‬
‫اللكككككه منككككككه التوبككككككة والخلص إليككككككه إل قبككككككل منككككككه«‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال أبو داود الطيالسي‪ :‬حدثنا شعبة عككن إبراهيككم‬
‫بن ميمونة‪ ,‬أخبرني رجل من ملحان يقال له أيوب قككال‪ :‬سككمعت‬
‫عبد الله بن عمر يقول‪ :‬من تاب قبل موته بعام تيب عليككه‪ ,‬ومككن‬
‫تاب قبل موته بشهر تيب عليه‪ ,‬ومن تاب قبل مككوته بجمعككة تيككب‬
‫عليه‪ ,‬ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليككه‪ ,‬ومككن تككاب قبككل مككوته‬
‫بساعة تيب عليه‪ ,‬فقلت له‪ :‬إنما قال الله }إنما التوبة علككى اللككه‬
‫للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون مككن قريككب{ فقككال‪ :‬إنمككا‬
‫أحدثك ما سمعته من رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪ .‬وهكككذا‬
‫رواه أبو داود الطيالسي وأبو عمكر الحوضكي وأبكو عكامر العقكدي‬
‫عككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن شككككككككككككككككككككككككككككككككككككككعبة‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد‪ :‬حككدثنا حسككين بككن محمككد حككدثنا‬
‫محمد بككن مطككرف‪ ,‬عككن زيككد بككن اسككلم‪ ,‬عككن عبككد الرحمككن بككن‬
‫الب َْيلماني‪ ,‬قال‪ :‬اجتمع أربعة من أصككحاب النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬أحدهم‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫لخر‪:‬‬ ‫يقول »إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم«‪ ,‬فقال ا َ‬
‫أنت سمعت هذا من رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم ؟ قككال‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال‪ :‬وأنا سمعت رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم يقككول‬
‫»إن اللكه يقبكل توبكة العبككد قبكل أن يمكوت بنصككف يكوم«‪ ,‬فقككال‬
‫الثالث‪ :‬أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسككلم ؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬وأنا سمعت رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫يقول »إن الله يقبككل توبككة العبككد قبككل أن يمككوت بضككحوة«‪ ,‬قككال‬
‫الرابع‪ :‬أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليككه وسككلم ؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬وأنا سمعت رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫يقول »إن الله يقبل توبة العبكد مكالم يغرغكر بنفسكه«‪ .‬وقكد رواه‬
‫‪34‬‬
‫سعيد بن منصور عن الككدراوردي‪ ,‬عككن زيككد بككن أسككلم‪ ,‬عككن عبككد‬
‫الرحمكككككككن بكككككككن الب َْيلمكككككككاني‪ ,‬فكككككككذكر قريبكككككككا ً منكككككككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا إسحاق بكن إبراهيكم‬
‫بن زيد‪ ,‬حدثنا عمران بن عبد الرحيككم‪ ,‬حككدثنا عثمككان بككن الهيثككم‪,‬‬
‫حدثنا عوف عن محمد بن سككيرين‪ ,‬عككن أبككي هريككرة‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »إن الله يقبل توبة عبككده مككالم‬
‫يغرغككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككر«‪.‬‬
‫أحككككككككككككككاديث فككككككككككككككي ذلككككككككككككككك مرسككككككككككككككلة‬

‫قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن بشار‪ ,‬حدثنا ابن أبي عدي عككن عككوف‪,‬‬
‫عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬بلغني أن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قال»إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر«‪ ,‬هذا مرسل حسن عن‬
‫الحسن البصري رحمه الله‪ .‬وقد قال ابن جرير أيضا ً رحمككه اللككه‪:‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ,‬حدثني أبي عن قتادة‪ ,‬عككن‬
‫العلء بن زياد‪ ,‬عن أبي أيوب بشير بككن كعككب أن نككبي اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم قككال »إن اللككه يقبككل توبككة العبككد مككالم يغرغككر«‪,‬‬
‫وحدثنا ابن بشار‪ ,‬حدثنا عبد العلى عككن سككعيد‪ ,‬عككن قتككادة‪ ,‬عككن‬
‫عبادة بن الصامت أن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪,‬‬
‫فكككككككككككككككككككككككككككككككككككككذكر مثلكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫)أثر آخر( قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن بشار‪ ,‬حدثنا أبككو داود‪ ,‬حككدثنا‬
‫عمران عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كنا عنككد أنككس بككن مالككك وثككم أبككو قلبككة‪,‬‬
‫فحككدث أبككو قلبككة فقككال‪ :‬إن اللككه تعككالى لمككا لعككن إبليككس سككأله‬
‫النظرة‪ ,‬فقال‪ :‬وعزتك وجللك ل أخرج من قلب ابككن آدم مككا دام‬
‫فيه الروح‪ ,‬فقال الله عز وجل‪ :‬وعزتي ل أمنعه التوبة ما دام فيككه‬
‫الروح‪ .‬وقد ورد هككذا فككي حككديث مرفككوع رواه المككام أحمككد فككي‬
‫مسنده من طريق عمرو بككن أبككي عمككرو وأبككي الهيثككم العتككواري‪,‬‬
‫كلهما عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قال »قال‬
‫إبليس‪ :‬وعزتك ل أزال أغويهم ما دامت أرواحهم فككي أجسككادهم‪,‬‬
‫فقككال اللككه عككز وجككل‪ :‬وعزتككي وجللككي ل أزال أغفككر لهككم مككا‬
‫استغفروني« فقد دلت هذه الحاديث على أن من تككاب إلككى اللككه‬
‫عز وجل وهو يرجو الحياة‪ ,‬فإن توبته مقبولككة‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‬
‫}فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما ً حكيمًا{ وأما متى وقككع‬
‫‪35‬‬
‫الياس من الحياة‪ ,‬وعاين الملككك‪ ,‬وحشككرجت الككروح فككي الحلككق‬
‫وضاق بها الصدر‪ ,‬وبلغت الحلقوم‪ ,‬وغرغرت النفس صككاعدة فككي‬
‫الغلصم‪ ,‬فل توبككة مقبولككة حينئذ‪ ,‬ولت حيككن منككاص‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫}وليست التوبة للكذين يعملكون السككيئات حكتى إذا حضكر أحكدهم‬
‫لن{ وهذا كما قال تعالى‪} :‬فلما رأوا بأسنا‬ ‫الموت قال إني تبت ا َ‬
‫ليتين‪ ,‬وكما حكم تعككالى بعككدم توبككة أهككل‬ ‫قالوا آمنا بالله وحده{ ا َ‬
‫الرض إذا عاينوا الشمس طالعككة مككن مغربهككا فككي قككوله تعككالى‪:‬‬
‫}يوم يأتي بعض آيات ربك ل ينفع نفسا ً إيمانها لم تكن آمنت مككن‬
‫لية‪ ,‬وقوله }ول الذين يموتككون‬ ‫قبل‪ ,‬أو كسبت في إيمانها خيرًا{ ا َ‬
‫وهم كفار{ يعني أن الكافر إذا مات على كفره وشككركه ل ينفعككه‬
‫ندمه ول توبته‪ ,‬ول يقبككل منككه فديككة ولككو بملككء الرض‪ .‬قككال ابككن‬
‫عباس وأبككو العاليككة والربيككع بككن أنككس }ول الككذين يموتككون وهككم‬
‫كفار{ قالوا‪ :‬نزلت في أهل الشككرك‪ .‬وقككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫سليمان بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثني أبي عن مكحول أن عمر بككن نعيككم حككدثه عككن أسككامة بككن‬
‫سلمان أن أبا ذر حدثهم أن رسول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم‪,‬‬
‫قال »إن الله يقبل توبة عبده أو يغفر لعبده مالم يقككع الحجككاب«‪.‬‬
‫قيل‪ :‬وما وقوع الحجاب ؟ قال »أن تخرج النفس وهي مشركة«‪,‬‬
‫ولهذا قال الله تعالى‪} :‬أولئك أعتدنا لهم عذابا ً أليم كًا{ أي موجع كا ً‬
‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككككديدا ً مقيمككككككككككككككككككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫سككآَء ك َْرهكا ً وَل َ‬ ‫ل ل َك ُك َ‬ ‫َ‬

‫م أن ت َرِث ُككوا ْ الن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫حك ّ‬ ‫من ُككوا ْ ل َ ي َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫** ي َككا أي ّهَككا ال ّك ِ‬
‫ذي‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مب َي ّن َكةٍ‬ ‫ش كة ٍ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ب َِفا ِ‬ ‫ن إ ِل ّ أن ي َكأِتي َ‬ ‫موهُ ّ‬ ‫مآ آت َي ْت ُ ُ‬ ‫ض َ‬‫ِ‬ ‫ن ل ِت َذ ْهَُبوا ْ ب ِب َعْ‬ ‫ضُلوهُ ّ‬ ‫ت َعْ ُ‬
‫شكْيئا ً‬ ‫ى أن ت َك َْرهُككوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫سك َ‬ ‫ن فَعَ َ‬ ‫مككوهُ ّ‬ ‫ف فَِإن ك َرِهْت ُ ُ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫شُروهُ ّ‬ ‫عا ِ‬ ‫وَ َ‬
‫خيرا ً ك َِثيرا ً * وإ َ‬
‫ج‬ ‫ن َزوْ ٍ‬ ‫مك َككا َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ل َزوْ ٍ‬ ‫دا َ‬ ‫ست ِب ْ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ن أَرد ْت ّ ُ‬ ‫َِ ْ‬ ‫ه ِفيهِ َ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جع َ َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ب ُهَْتانكا ً وَإ ِْثمكا ً‬ ‫ذون َ ُ‬ ‫خك ُ‬ ‫شكْيئا ً أ َت َأ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ذوا ْ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫طارا ً فَل َ ت َأ ُ‬ ‫ن قِن ْ َ‬ ‫داهُ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫َوآت َي ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ضك ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫كم‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫ض وَأ َ‬ ‫ى ب َعْ ٍ‬ ‫م إ ِل َ‬ ‫ى ب َعْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ه وَقَد ْ أفْ َ‬ ‫ذون َ ُ‬ ‫خ ُ‬‫ف ت َأ ُ‬ ‫مِبينا ً * وَك َي ْ َ‬ ‫ّ‬
‫مككا قَكد ْ‬ ‫سككآِء إ ِل ّ َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫مك َ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬
‫ح آب َككاؤُك ْ‬ ‫َ‬
‫ما ن َكك َ‬ ‫ْ‬
‫حوا َ‬ ‫ً‬
‫ميَثاقا غَِليظا * وَل َ َتنك ِ ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫سكككككِبيل ً‬ ‫سكككككآَء َ‬ ‫ً‬
‫مْقتكككككا وَ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫شككككك ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن َفا ِ‬ ‫ككككككا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ف إ ِّنككككك ُ‬ ‫َ‬
‫سكككككل َ‬ ‫َ‬
‫قال البخاري‪ :‬حدثنا محمد بن مقاتل‪ ,‬حدثنا أسباط بككن محمككد‪,‬‬
‫حدثنا الشيباني عن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬كك قككال الشككيباني‪:‬‬
‫‪36‬‬
‫وذكره أبو الحسن السوائي‪ ,‬ول أظنه ذكره إل عن ابككن عبككاس ك ك‬
‫}يا أيها الذين آمنوا ل يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا{ قال‪ :‬كانوا‬
‫إذا مات الرجل‪ ,‬كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها‪,‬‬
‫وإن شاؤوا زوجوها‪ ,‬وإن شاؤوا لم يزوجوهككا‪ ,‬فهككم أحككق بهككا مككن‬
‫لية }يا أيها الذين آمنوا ل يحل لكككم أن ترثككوا‬ ‫أهلها‪ ,‬فنزلت هذه ا َ‬
‫النسككاء كرهككًا{ هكككذا رواه البخككاري وأبككو داود والنسككائي وابككن‬
‫مردويه وابن أبي حاتم من حديث أبي إسككحاق الشككيباني واسككمه‬
‫سليمان بن أبي سليمان‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬وعن أبي الحسن السوائي‬
‫واسمه عطاء‪ ,‬كوفي أعمى‪ ,‬كلهمككا عككن ابككن عبككاس بمككا تقككدم‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بكن ثكابت المكروزي‪ ,‬حككدثني‬
‫علي بن حسين عن أبيه‪ ,‬عن يزيد النحوي‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬قال }ل يحككل لكككم أن ترثككوا النسككاء كره كا ً ول تعضككلوهن‬
‫لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إل أن يأتين بفاحشة مبينككة{ وذلككك أن‬
‫الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه‬
‫صداقها‪ ,‬فأحكم الله تعالى عن ذلك‪ ,‬أي نهى عككن ذلككك‪ ,‬تفككرد بككه‬
‫أبو داود‪ ,‬وقد رواه غير واحد عن ابن عباس بنحو ذلك‪ .‬فقال وكيع‬
‫عن سفيان‪ ,‬عن علي بكن بذيمكة‪ ,‬عكن مقسكم‪ ,‬عكن ابكن عبكاس‪:‬‬
‫كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها‪ ,‬فجاء رجل فألقى‬
‫عليها ثوبا ً كان أحق بها‪ ,‬فنزلت }يا أيها الككذين آمنككوا ل يحككل لكككم‬
‫أن ترثوا النساء كرهًا{‪ .‬وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‬
‫في قوله }يا أيها الذين آمنوا ل يحل لكم أن ترثوا النسككاء كره كًا{‬
‫قال‪ :‬كان الرجل إذا مات وترك جارية‪ ,‬ألقككى عليهككا حميمككه ثككوبه‬
‫فمنعها من الناس فككإن كككانت جميلككة تزوجهككا‪ ,‬وإن كككانت دميمككة‬
‫حبسها حتى تموت فيرثها‪ ,‬وروى العككوفي عنككه‪ :‬كككان الرجككل مككن‬
‫أهل المدينة إذا مات حميم أحدهم‪ ,‬ألقى ثوبه على امرأته‪ ,‬فورث‬
‫نكاحها‪ ,‬ولم ينكحها أحككد غيككره‪ ,‬وحبسككها عنككده حككتى تفتككدي منككه‬
‫بفدية‪ ,‬فأنزل الله }يا أيها الذين آمنوا ل يحل لكم أن ترثوا النساء‬
‫ليككة‪ :‬كككان أهككل يككثرب إذا مككات‬‫كرهًا{‪ .‬وقال زيد بن أسلم فككي ا َ‬
‫الرجل منهكم فكي الجاهليكة‪ ,‬ورث امرأتكه مكن يكرث مكاله‪ ,‬وككان‬
‫يعضلها حتى يرثها‪ ,‬أو يزوجها من أراد‪ ,‬وكككان أهككل تهامككة يسككيء‬
‫الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها‪ ,‬ويشككترط عليهككا أن ل تنكككح إل‬
‫من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها‪ ,‬فنهككى اللككه المككؤمنين‬
‫‪37‬‬
‫عن ذلك‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم‪ .‬وقككال أبككو بكككر بككن مردويككه‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن أحمد بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا موسى بن إسحاق‪ ,‬حدثنا علككي‬
‫بن المنذر‪ ,‬حدثنا محمد بن فضيل‪ ,‬عن يحيى بن سعيد‪ ,‬عن محمد‬
‫بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف‪ ,‬عن أبيككه‪ ,‬قككال‪ :‬لمككا تككوفي أبككو‬
‫قيس بن السلت‪ ,‬أراد ابنه أن يتزوج امرأته‪ ,‬وكان لهم ذلككك فككي‬
‫الجاهلية‪ ,‬فأنزل الله }ل يحل لكم أن ترثوا النسككاء كرهككًا{ ورواه‬
‫ابن جرير من حديث محمد بن فضيل به‪ .‬ثم روى من طريق ابككن‬
‫جريج قال‪ :‬أخبرني عطاء أن أهل الجاهلية كككانوا إذا هلككك الرجككل‬
‫وترك امرأة‪ ,‬حبسها أهلكه علكى الصككبي يككون فيهكم‪ ,‬فنزلككت }ل‬
‫ليككة‪ .‬وقككال ابككن جريككج‪ :‬قككال‬ ‫يحل لكم أن ترثككوا النسككاء كرهكًا{ ا َ‬
‫مجاهد‪ :‬كان الرجل إذا توفي‪ ,‬كككان ابنككه أحككق بككامرأته ينكحهككا إن‬
‫شاء إذا لم يكن ابنها‪ ,‬أو ينكحها من شاء أخاه أو ابن أخيككه‪ .‬وقككال‬
‫ابن جريج‪ :‬قال عكرمة‪ :‬نزلت في كبيشة بنت معن بن(عاصم من‬
‫الوس‪ ,‬توفي عنها أبو قيس بن السلت‪ ,‬فجنح عليها ابنه‪ ,‬فجاءت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقالت‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬ل أنككا‬
‫ليككة‪ .‬وقككال‬‫ورثت زوجي‪ ,‬ول أنا تركت فأنكح‪ ,‬فككأنزل اللككه هككذه ا َ‬
‫السدي عن أبي مالك‪ :‬كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجهككا‪,‬‬
‫جاء وليه فألقى عليها ثوبًا‪ ,‬فإن كان له ابن صككغير‪ ,‬أو أخ‪ ,‬حبسككها‬
‫حتى يشب‪ ,‬أو تموت فيرثها‪ ,‬فإن هي انفلتت فأتت أهلها ولم يلق‬
‫عليها ثوبًا‪ ,‬نجت‪ ,‬فأنزل الله }ل يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا{‪.‬‬
‫لية‪ :‬كان الرجل يكون فككي حجككره اليتيمككة‬ ‫وقال مجاهد في هذه ا َ‬
‫هككو يلككي أمرهككا‪ ,‬فيحبسككها رجككاء أن تمككوت امرأتككه فيتزوجهككا أو‬
‫يزوجها ابنه‪ ,‬رواه ابككن أبككي حككاتم‪ .‬ثككم قككال‪ :‬وروي عككن الشككعبي‬
‫وعطككاء بككن أبككي ربككاح وأبككي مجلككز والضككحاك والزهككري وعطككاء‬
‫لية تعككم مكا ككان‬ ‫الخراساني ومقاتل بن حيان‪ ,‬نحو ذلك‪ .‬قلت‪ :‬فا َ‬
‫يفعله أهل الجاهلية وما ذكره مجاهد‪ ,‬ومن وافقككه‪ ,‬وكككل مككا كككان‬
‫فيه نككوع مككن ذلككك‪ ,‬واللككه أعلككم‪ .‬وقككوله }ول تعضككلوهن لتككذهبوا‬
‫ضاّروهن في العشككرة‪ ,‬لتككترك لككك مككا‬ ‫ببعض ما آتيتموهن{ أي ل ت ُ َ‬
‫أصدقتها أو بعضه أو حقا ً من حقوقها عليك‪ ,‬أو شيئا ً من ذلك على‬
‫وجه القهر لها والضطهاد‪ .‬وقككال علككي بككن أبككي طلحككة عككن ابككن‬
‫عباس في قوله }ول تعضككلوهن{ يقككول‪ :‬ول تقهروهككن }لتككذهبوا‬
‫ببعض مككا آتيتمككوهن{ يعنككي الرجككل‪ ,‬تكككون لكه امككرأة وهككو ككاره‬
‫‪38‬‬
‫لصحبتها‪ ,‬ولهككا عليككه مهككر فيضككرها لتفتككدي‪ ,‬وكككذا قككال الضككحاك‬
‫وقتادة‪ ,‬واختاره ابن جرير‪ ,‬وقال ابن المبارك وعبد الرزاق‪ :‬أخبرنا‬
‫معمر‪ ,‬قال أخبرني سماك بن الفضككل عككن ابككن الب َْيلمككاني‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫ليتان‪ ,‬إحداهما في أمر الجاهلية‪ ,‬والخرى فككي أمككر‬ ‫نزلت هاتان ا َ‬
‫السلم‪ .‬قال عبد الله بن المبارك‪ :‬يعنككي قككوله }ل يحككل لكككم أن‬
‫ترثوا النساء كرهًا{ في الجاهلية‪} ,‬ول تعضككلوهن{ فككي السككلم‪.‬‬
‫وقوله }إل أن يأتين بفاحشة مبينة{ قال ابن مسعود وابن عبككاس‬
‫وسككعيد بككن المسككيب والشككعبي والحسككن البصككري ومحمككد بككن‬
‫سيرين وسككعيد بككن جككبير ومجاهككد وعكرمككة وعطككاء الخراسككاني‬
‫والضحاك وأبو قلبة وأبو صالح والسدي وزيد بن أسلم وسعيد بن‬
‫أبي هلل‪ :‬يعني بذلك الزنا‪ ,‬يعني إذا زنت فلككك أن تسككترجع منهككا‬
‫الصداق الذي أعطيتها‪ ,‬وتضاجرها حتى تتركه لككك‪ ,‬وتخالعهككا‪ ,‬كمككا‬
‫قككال تعككالى فككي سككورة البقككرة‪} :‬ول يحككل لكككم أن تأخككذوا ممككا‬
‫لية‪ ,‬وقال ابن‬ ‫آتيتموهن شيئا ً إل أن يخافا أن ل يقيما حدود الله{ ا َ‬
‫عباس وعكرمة والضكحاك‪ :‬الفاحشكة المبينكة النشكوز والعصكيان‪,‬‬
‫واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله الزنا والعصيان‪ ,‬والنشوز وبككذاء‬
‫اللسان‪ ,‬وغير ذلك‪ .‬يعني أن هذا كله يبيح مضككاجرتها حككتى تككبرئه‬
‫من حقها أو بعضه ويفارقها‪ ,‬وهككذا جيككد‪ ,‬واللككه أعلككم‪ .‬وقككد تقككدم‬
‫فيما رواه أبو داود منفردا ً به من طريق يزيد النحوي عن عكرمككة‬
‫عن ابن عباس في قوله }ل يحل لكم أن ترثككوا النسككاء كره كا ً ول‬
‫تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إل أن يأتين بفاحشة مبّينككة{‬
‫قال‪ :‬وذلك أن الرجل كان يرث امككرأة ذي قرابتككه فيعضككلها حككتى‬
‫تموت‪ ,‬أو ترد إليه صداقها‪ ,‬فككأحكم اللككه عككن ذلككك‪ ,‬أي نهككى عككن‬
‫ذلككك‪ .‬قككال عكرمككة والحسككن البصككري‪ :‬وهككذا يقتضككي أن يكككون‬
‫السياق كله كان في أمككر الجاهليككة‪ ,‬ولكككن نهككي المسككلمون عككن‬
‫فعله في السلم‪ ,‬وقال عبد الرحمكن بكن زيكد‪ :‬ككان العضكل فكي‬
‫قريككش بمكككة ينكككح الرجككل المككرأة الشككريفة‪ ,‬فلعلهككا ل تككوافقه‬
‫فيفارقها على أن ل تتزوج إل بإذنه‪ ,‬فيككأتي بالشككهود فيكتككب ذلككك‬
‫عليها ويشهد‪ ,‬فإذا خطبها الخاطب فككإن أعطتككه وأرضككته أذن لهككا‬
‫وإل عضككلها قككال‪ :‬فهككذا قككوله }ول تعضككلوهن لتككذهبوا ببعككض مككا‬
‫لية‪ ,‬وقال مجاهد فككي قككوله }ول تعضككلوهن لتككذهبوا‬ ‫آتيتموهن{ ا َ‬
‫ببعض ما آتيتموهن{ هو كالعضل في سورة البقرة‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫‪39‬‬
‫}وعاشككروهن بككالمعروف{ أي طيبككوا أقككوالكم لهككن‪ ,‬وحسككنوا‬
‫أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها‪ ,‬فافعل أنت‬
‫بها مثله‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬ولهن مثككل الككذي عليهككن بككالمعروف{‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »خيركككم خيركككم لهلككه‪,‬‬
‫وأنا خيركم لهلي« وكان من أخلقه صككلى اللككه عليككه وسككلم أنككه‬
‫جميل العشرة دائم البشر‪ ,‬يداعب أهله‪ ,‬ويتلطف بهككم ويوسككعهم‬
‫نفقته‪ ,‬ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشككة أم المككؤمنين‬
‫رضي الله عنها‪ ,‬يتككودد إليهككا بككذلك‪ ,‬قككالت‪ :‬سككابقني رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم فسبقته‪ ,‬وذلككك قبككل أن أحمككل اللحككم‪ ,‬ثككم‬
‫سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني‪ ,‬فقال »هذه بتلك« ويجتمككع‬
‫نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعككض الحيككان‪ ,‬ثككم تنصككرف‬
‫كل واحدة إلى منزلها‪ ,‬وكان ينام مع المرأة من نسائه في شككعار‬
‫واحد‪ ,‬يضع عن كتفيه الرداء وينام بالزار‪ ,‬وكان إذا صككلى العشككاء‬
‫يدخل منزله يسمر مككع أهلككه قليل ً قبككل أن ينككام‪ ,‬يؤانسككهم بككذلك‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد قال الله تعككالى }لقككد كككان لكككم فككي‬
‫رسككول اللككه أسككوة حسككنة{ وأحكككام عشككرة النسككاء ومككا يتعلككق‬
‫بتفصككككيل ذلككككك موضككككعه كتككككب الحكككككام‪ ,‬وللككككه الحمككككد‪.‬‬
‫وقوله تعالى }فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهككوا شككيئا ً ويجعككل‬
‫الله فيه خيرا ً كثيرًا{ أي فعسى أن يكككون صككبركم مككع إمسككاككم‬
‫لخرة‪ ,‬كما قال ابن‬ ‫لهن وكراهتهن فيه‪ ,‬خير كثير لكم في الدنيا وا َ‬
‫ليككة‪ :‬هككو أن يعطككف عليهككا فيككرزق منهككا ولككدًا‪,‬‬ ‫عباس فككي هككذه ا َ‬
‫ويكون في ذلك الولد خير كثير‪ ,‬وفي الحديث الصككحيح »ل يفككرك‬
‫مكككؤمن مؤمنكككة إن سكككخط منهكككا خلقكككا ً رضكككي منهكككا آخكككر«‪.‬‬
‫وقككوله تعككالى‪} :‬وإن أردتككم اسككتبدال زوج مكككان زوج وآتيتككم‬
‫إحداهن قنطارا ً فل تأخذوا منه شيئا ً أتأخككذونه بهتانكا ً وإثمكا ً مبينكًا{‬
‫أي إذا أراد أحككدكم أن يفككارق امككرأة ويسككتبدل مكانهككا غيرهككا فل‬
‫يأخذ مما كان أصدق الولى شيئا ً ولو كان قنطارا ً من المال‪ ,‬وقككد‬
‫قدمنا في سورة آل عمران الكلم علككى القنطككار بمككا فيككه كفايككة‬
‫لية دللة على جواز الصككداق بالمككال‬ ‫عن إعادته ههنا‪ .‬وفي هذه ا َ‬
‫الجزيل‪ ,‬وقد كان عمر بن الخطاب نهى عككن كككثرة الصككداق‪ ,‬ثككم‬
‫رجع عن ذلك‪ ,‬كما قال المام أحمد‪ :‬حدثنا إسماعيل‪ ,‬حدثنا سلمة‬
‫‪40‬‬
‫بن علقمة عن محمد بن سككيرين‪ ,‬قككال‪ :‬نككبئت عككن أبككي العجفككاء‬
‫السلمي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عمر بككن الخطككاب يقككول‪ :‬أل ل ت َّغلككوا فككي‬
‫صداق النساء‪ ,‬فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند اللككه‪,‬‬
‫كان أولكم بها النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ما أصدق رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم امككرأة مككن نسككائه ول أصككدقت امككرأة مككن‬
‫بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية‪ ,‬وإن كان الرجل ليبتلككى بصككدقة‬
‫امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه وحتى يقككول‪ :‬كلفكت إليككك‬
‫علق القربة‪ ,‬ثم رواه المام أحمككد وأهككل السككنن مككن طككرق عككن‬
‫سككيب‬ ‫م َ‬
‫محمككد بككن سككيرين عككن أبككي العجفككاء واسككمه هككرم بككن ُ‬
‫البصككككري‪ ,‬وقككككال الترمككككذي‪ :‬هككككذا حككككديث حسككككن صككككحيح‪.‬‬
‫)طريق أخرى عن عمر( قال الحافظ أبو يعلى‪ :‬حدثنا أبو خيثمة‪,‬‬
‫حدثنا يعقوب بن إبراهيككم‪ ,‬حككدثنا أبككي عككن ابككن إسككحاق‪ ,‬حككدثني‬
‫محمد بن عبد الرحمن عن المجالد بن سعيد‪ ,‬عككن الشككعبي‪ ,‬عككن‬
‫مسروق‪ ,‬قال‪ :‬ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله‬
‫دق النسككاء‪.‬‬ ‫صك ُ‬
‫عليه وسلم ثم قال‪ :‬أيها الناس‪ ,‬مككا إكثككاركم فككي ُ‬
‫وقككد كككان رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم وأصككحابه وإنمككا‬
‫دقات فيمكا بينهكم أربعمكائة درهكم‪ ,‬فمكا دون ذلكك‪ ,‬ولكو ككان‬ ‫ص ُ‬
‫ال ّ‬
‫الكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامككة لككم تسككبقوهم إليهككا‪ .‬فل‬
‫أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمككائة درهككم‪ .‬قككال‪:‬‬
‫ثم نزل‪ ,‬فاعترضته امرأة من قريش فقككالت‪ :‬يككا أميككر المككؤمنين‪,‬‬
‫نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫نعم‪ ,‬فقالت‪ :‬أما سمعت مككا أنككزل اللككه فككي القككرآن ؟ قككال‪ :‬وأي‬
‫ذلك ؟ فقالت‪ :‬أما سمعت الله يقككول }وآتيتككم إحككداهن قنطككارًا{‬
‫لية ؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬اللهم غفرًا‪ ,‬كل الناس أفقه من عمر‪ .‬ثم رجع‬ ‫ا َ‬
‫فركككب المنككبر فقككال‪ :‬إنككي كنككت نهيتكككم أن تزيككدوا النسككاء فككي‬
‫صداقهن على أربعمائة درهم‪ ,‬فمن شاء أن يعطككي مككن مككاله مككا‬
‫أحب‪ .‬قال أبو يعلككى‪ :‬وأظنككه قككال‪ :‬فمككن طككابت نفسككه فليفعككل‪,‬‬
‫إسككككككككككككككككككككككناده جيككككككككككككككككككككككد قككككككككككككككككككككككوي‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال ابن المنذر‪ :‬حدثنا إسككحاق بككن إبراهيككم عككن‬
‫عبد الرزاق‪ ,‬عن قيس بن ربيع‪ ,‬عككن أبككي حصككين‪ ,‬عككن أبككي عبككد‬
‫الرحمن السلمي‪ ,‬قال‪ :‬قال عمر بن الخطاب‪ :‬ل تغالوا في مهككور‬
‫النساء‪ ,‬فقككالت امككرأة‪ :‬ليككس ذلككك لككك يككا عمككر‪ ,‬إن اللككه يقككول‪:‬‬
‫‪41‬‬
‫}وآتيتم إحداهن قنطارًا{ كك مككن ذهككب ك ك قككال‪ :‬وكككذلك هككي فككي‬
‫قراءة عبد الله بن مسعود‪} ,‬فل يحل لكم أن تأخذوا منككه شككيئًا{‪,‬‬
‫فقكككككال عمكككككر‪ :‬إن امكككككرأة خاصكككككمت عمكككككر فخصكككككمته‪.‬‬
‫)طريق أخككرى عككن عمككر فيهككا انقطككاع( قككال الزبيككر بككن بكككار‪:‬‬
‫حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن جككدي قككال‪ :‬قككال عمككر بككن‬
‫صككة كك‬
‫الخطاب‪ :‬ل تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنككت ذي الغُ ّ‬
‫يعني يزيد بن الحصين الحارثي ك فمن زاد‪ ,‬ألقيت الزيادة في بيت‬
‫المال‪ .‬فقالت امرأة من صفة النساء طويلة‪ ,‬في أنفها فطس‪ :‬ما‬
‫ذاك لككك‪ .‬قككال‪ :‬ولككم ؟ قككالت‪ :‬لن اللككه قككال }وآتيتككم إحككداهن‬
‫لية‪ ,‬فقال عمر‪ :‬امرأة أصابت ورجل أخطككأ ولهككذا قككال‬ ‫قنطارًا{ ا َ‬
‫منكرا ً }وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعككض{ أي وكيككف‬
‫تأخذون الصداق من المرأة وقد أفضيت إليها وأفضت إليك ؟ قال‬
‫ابن عباس ومجاهد والسدي وغير واحد‪ :‬يعني بذلك الجماع ك وقككد‬
‫ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬قككال‬
‫للمتلعنين بعد فراغهما من تلعنهما »الله يعلم أن أحدكما كاذب‪.‬‬
‫فهل منكمككا تككائب ؟« قالهككا ثلثكًا‪ ,‬فقككال الرجككل‪ :‬يككا رسككول اللككه‬
‫مالي ؟ ك يعني ما أصدقها كك قككال »ل مككال لككك‪ .‬إن كنكت صككدقت‬
‫عليها فهو بما استحللت من فرجهككا‪ ,‬وإن كنككت كككذبت عليهككا فهككو‬
‫أبعد لك منها«‪ .‬في سنن أبي داود وغيره عن بصرة بن أكتككم أنككه‬
‫تزوج امرأة بكرا ً فككي خككدرها‪ ,‬فككإذا هككي حامككل مككن الزنككا‪ ,‬فككأتى‬
‫رسول الله صككلى اللككه عليككه وسكلم فككذكر ذلككك لككه‪ ,‬فقضككى لهككا‬
‫بالصككداق‪ ,‬وفككرق بينهمككا‪ ,‬وأمككر بجلككدها‪ ,‬وقككال »الولككد عبككد لككك‪.‬‬
‫فالصداق في مقابلة البضع« ولهككذا قككال تعككالى }وكيككف تأخككذونه‬
‫وقككككككككككد أفضككككككككككى بعضكككككككككككم إلككككككككككى بعككككككككككض{‪.‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬وأخذن منكم ميثاقا ً غليظًا{ روي عن ابككن عبككاس‬
‫ومجاهد وسعيد بن جككبير‪ ,‬أن المككراد بككذلك العقككد‪ .‬وقككال سككفيان‬
‫الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس في قوله }وأخككذن‬
‫منكم ميثاقا ً غليظًا{ قال‪ :‬إمسككاك بمعككروف أو تسككريح بإحسككان‪.‬‬
‫قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬وروي عككن عكرمككة ومجاهككد وأبككي العاليككة‬
‫والحسن وقتادة ويحيككى بككن أبككي كككثير والضككحاك والسككدي‪ ,‬نحككو‬
‫ذلك‪ .‬وقال أبو جعفر الرازي عن الربيككع بككن أنككس فككي ا َ‬
‫ليككة‪ :‬هككو‬
‫قوله »أخذتموهن بأمانة الله‪ ,‬واسككتحللتم فروجهككن بكلمككة اللككه«‬
‫‪42‬‬
‫فإن كلمة الله هي التشهد في الخطبة‪ ,‬قككال‪ :‬وكككان فيمككا أعطككى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به‪ ,‬قال له »جعلت أمتككك‬
‫ل تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنكك عبكدي ورسكولي« رواه ابكن‬
‫أبي حاتم‪ ,‬وفي صحيح مسلم عن جابر في خطبة حجة الككوداع أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها »واستوصككوا بالنسككاء خيككرا ً‬
‫فإنكم أخذتموهن بأمانة اللككه واسككتحللتم فروجهككن بكلمككة اللككه«‪.‬‬
‫لية‪ ,‬يحرم‬ ‫وقال تعالى‪} :‬ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء{ ا َ‬
‫لباء تكرمة لهم‪ ,‬وإعظامكا ً واحترامكا ً أن توطككأ‬ ‫الله تعالى زوجات ا َ‬
‫من بعده‪ ,‬حتى إنها لتحرم عن البن بمجرد العقد عليها‪ ,‬وهذا أمر‬
‫مجمع عليككه‪ .‬قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا مالككك بككن‬
‫إسماعيل‪ ,‬حدثنا قيس بن الربيع حدثنا أشعث بن سوار عن عككدي‬
‫بن ثابت‪ ,‬عن رجل من النصار‪ ,‬قال‪ :‬لما توفي أبو قيككس كك يعنككي‬
‫ابن السككلت كك وكككان مككن صككالحي النصككار‪ ,‬فخطككب ابنككه قيككس‬
‫امرأته‪ ,‬فقالت‪ :‬إنما أعدك ولدا ً وأنت من صككالحي قومككك‪ ,‬ولكككن‬
‫آتي رسول الله صلى الله عليككه وسككلم فأسككتأمره فككأتت رسككول‬
‫الله صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬فقككالت‪ :‬إن أبككا قيككس تككوفي‪ ,‬فقككال‬
‫»خيرًا« ثم قالت‪ :‬إن ابنه قيسا ً خطبني‪ ,‬وهو من صككالحي قككومه‪.‬‬
‫وإنما كنت أعده ولدا ً فما ترى ؟ فقال لهككا »ارجعككي إلككى بيتككك«‪,‬‬
‫ليككة‪ ,‬وقككال‬ ‫قال‪ :‬فنزلت }ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء{ ا َ‬
‫ابن جرير‪ :‬حككدثنا القاسككم‪ ,‬حككدثنا حسككين‪ ,‬حككدثنا حجككاج عككن ابككن‬
‫جريج‪ ,‬عككن عكرمككة فككي قككوله }ول تنكحككوا مككا نكككح آبككاؤكم مككن‬
‫النساء إل ما قد سلف{ قال‪ :‬نزلت فككي أبككي قيككس بككن السككلت‬
‫خلف على أم عبيد الله بنت صككخرة‪ ,‬وكككانت تحككت السككلت أبيككه‬
‫وفي السود بن خلف‪ ,‬وكان خلف على ابنة أبككي طلحككة بككن عبككد‬
‫العزى بن عثمان بن عبد الدار‪ ,‬وكان عند أبيه خلف‪ ,‬وفككي فاختككة‬
‫ابنة السود بن المطلب بن أسد كانت عند أمية بن خلف‪ ,‬فخلككف‬
‫لبككاء‬‫عليها صفوان بن أمية‪ .‬وقد زعككم السككهيلي أن نكككاح نسككاء ا َ‬
‫كان معمول ً به في الجاهلية‪ ,‬ولهذا قككال }إل مككا قككد سككلف{ كمككا‬
‫قال }وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد سككلف{ قككال‪ :‬وقككد فعككل‬
‫ذلك كنانة بن خزيمة‪ ,‬تزوج بامرأة أبيككه‪ ,‬فأولككدها ابنككه النضككر بككن‬
‫كنانة‪ ,‬قال‪ :‬وقد قال صلى الله عليه وسككلم »ولككدت مككن نكككاح ل‬
‫من سفاح« قال‪ :‬فدل على أنكه ككان سككائغا ً لهككم ذلككك‪ ,‬فككإن أراد‬
‫‪43‬‬
‫أنهم كانوا يعدونه نكاحا ً فيما بينهككم‪ .‬فقككد قككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن عبد الله المخرمي‪ ,‬حدثنا قككراد‪ ,‬حككدثنا ابككن عيينككة عككن‬
‫عمرو‪ ,‬عن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬كككان أهككل الجاهليككة‬
‫يحرمون ما حرم الله إل امرأة الب والجمع بيككن الخككتين‪ ,‬فككأنزل‬
‫الله تعالى }ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النسككاء{ }وأن تجمعككوا‬
‫بين الختين{‪ ,‬وهكذا قال عطاء وقتادة‪ ,‬ولكن فيما نقله السهيلي‬
‫من قصة كنانة نظر‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬وعلى كل تقدير فهكو حكرام فكي‬
‫لية‪ ,‬مبشع غاية التبشع‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬إنه كان فاحشة‬ ‫هذه ا َ‬
‫ل{ وقال }ولتقربوا الفواحش ما ظهر منهككا ومككا‬ ‫ومقتا ً وساء سبي ً‬
‫ل{ فككزاد‬ ‫بطن{ وقال }ول تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبي ً‬
‫ههنا }ومقتًا{ أي بغضا ً أي هو أمر كككبير فككي نفسككه‪ ,‬ويككؤدي إلككى‬
‫مقت البن أباه بعد أن يتزوج بامرأته‪ ,‬فإن الغككالب أن مككن تككزوج‬
‫بامرأة يبغض من كان زوجها قبله‪ ,‬ولهذا حرمت أمهات المككؤمنين‬
‫على المة لنهن أمهات لكككونهن زوجككات النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫لباء بالجماع‪ ,‬بل حبه‬ ‫وسلم وهو كالب‪ ,‬بل حقه أعظم من حق ا َ‬
‫مقدم على حب النفوس صلوات الله وسلمه عليه ‪ .‬وقال عطككاء‬
‫بن أبي ربككاح فككي قككوله }ومقتكًا{ أي يمقككت اللككه عليككه‪} ,‬وسككاء‬
‫ل{ أي وبئس طريقا ً لمن سلكه من الناس‪ ,‬فمن تعاطكاه بعكد‬ ‫سبي ً‬
‫هذا فقد ارتد عن دينه‪ ,‬فيقتل ويصير مككاله فيئا ً لككبيت المككال‪ .‬كمككا‬
‫رواه المام أحمد وأهل السنن من طككرق عككن الككبراء بككن عككازب‪,‬‬
‫عن خاله أبي بردة ك وفي رواية‪ :‬ابن عمر‪ ,‬وفي رواية‪ :‬عن عمه ك‬
‫أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تككزوج امككرأة‬
‫أبيه من بعككده أن يقتلككه ويأخككذ مككاله‪ .‬وقككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫هشيم‪ ,‬حدثنا أشعث عن عدي بككن ثككابت‪ ,‬عككن الككبراء بككن عككازب‪,‬‬
‫قال‪ :‬مر بي عمي الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقلت له‪ :‬أي عم أيككن بعثككك النككبي ؟ قككال‪:‬‬
‫بعثنككي إلككى رجككل تككزوج امككرأة أبيككه فككأمرني أن أضككرب عنقككه‪.‬‬
‫)مسألة( وقد أجمع العلماء على تحريم من وطئهككا الب بتزويككج‬
‫أو ملك أو شبهة‪ ,‬واختلفوا فيمن باشرها بشككهوة دون الجمككاع‪ ,‬أو‬
‫نظر إلى ما ل يحل له النظر إليه منها لو كانت أجنبية‪ ,‬فعن المام‬
‫أحمد رحمه الله أنهككا تحككرم أيضكا ً بككذلك‪ ,‬وقككد روى الحككافظ ابككن‬
‫عساكر في ترجمة خديكج الحمصكي مكولى معاويكة قكال‪ :‬اشكترى‬
‫‪44‬‬
‫لمعاوية جارية بيضاء جميلة‪ ,‬فأدخلها عليه مجككردة وبيككده قضككيب‪,‬‬
‫فجعل يهوي به إلى متاعها‪ ,‬ويقول‪ :‬هذا المتاع‪ ,‬لككو كككان لككه متككاع‬
‫اذهب بها إلى يزيد بن معاوية‪ ,‬ثم قال‪ :‬ل‪ ,‬ادع لي ربيعة بن عمرو‬
‫جرسي‪ ,‬وكان فقيهًا‪ ,‬فلمككا دخكل عليككه قكال‪ :‬إن هكذه أتيككت بهكا‬ ‫ال ُ‬
‫مجردة فرأيت منها ذاك وذاك‪ ,‬وإني أردت أن أبعث بها إلى يزيد‪,‬‬
‫فقال‪ :‬ل تفعل يا أمير المؤمنين فإنها ل تصلح له‪ ,‬ثم قال‪ :‬نعم مككا‬
‫رأيت‪ ,‬ثم قال ادع لككي عبككد اللككه بككن مسككعدة الفككزاري‪ ,‬فككدعوته‬
‫وكان آدم شديد الدمة‪ ,‬فقال‪ :‬دونك هككذه بيككض بهككا ولككدك‪ ,‬قكال‪:‬‬
‫وكان عبد الله بن مسعدة هذا وهبه رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم لبنته فاطمة فربته‪ ,‬ثم أعتقته‪ ,‬ثم كان بعد ذلك مع معاوية‬
‫مككككككن النككككككاس علككككككى علككككككي رضككككككي اللككككككه عنككككككه‪.‬‬
‫م‬ ‫خككال َت ُك ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مككات ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ّ‬ ‫وات ُك ُ ْ‬ ‫خك َ‬ ‫م وَأ َ َ‬ ‫م وَب ََنات ُك ُ ْ‬ ‫مَهات ُك ُ ْ‬
‫** حرمت عَل َيك ُ ُ‬
‫مأ ّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ ّ َ ْ‬
‫وات ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫مكك َ‬ ‫كم ّ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫ضعْن َك ُ ْ‬ ‫م الل ِّتي أْر َ‬ ‫مَهات ُك ُ ُ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ال ُ ْ‬ ‫خ وَب ََنا ُ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫وَب ََنا ُ‬
‫ُ‬
‫مككن‬ ‫م ّ‬ ‫جككورِك ُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م الل ّت ِككي فِككي ُ‬ ‫م وََرب َككائ ِب ُك ُ ُ‬ ‫سككآئ ِك ُ ْ‬ ‫ت نِ َ‬ ‫مهَككا ُ‬ ‫ضككاعَةِ وَأ ّ‬ ‫الّر َ‬
‫ح‬ ‫جن َككا َ‬ ‫ن فَل َ ُ‬ ‫م ب ِهِ ك ّ‬ ‫خل ْت ُك ْ‬ ‫كون ُككوا ْ د َ َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ن فَ كِإن ل ّك ْ‬ ‫م ب ِهِ ّ‬ ‫خل ْت ُ ْ‬ ‫م الل ِّتي د َ َ‬ ‫سآئ ِك ُ ُ‬ ‫نّ َ‬
‫َ‬ ‫ل أ َبنائ ِك ُم ال ّذين م َ‬
‫ن‬ ‫خت َي ْ ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫مُعوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫م وَأن ت َ ْ‬ ‫صل َب ِك ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫حل َئ ِ ُ ْ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫مك َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صكَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫حيمكا ً * َوال ْ ُ‬ ‫ن غَُفككورا ً ّر ِ‬ ‫ه ك َككا َ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫ف إِ ّ‬ ‫س كل َ َ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫إ َل ّ َ‬
‫مككا وََراءَ‬ ‫م ّ‬ ‫ككك ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م وَأ ُ ِ‬ ‫ب الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ك َِتا َ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫سآِء إ ِل ّ َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مت َعْت ُ ْ‬ ‫س كت َ ْ‬ ‫مككا ا ْ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫سككافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن غَي َْر ُ‬ ‫صِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م أن ت َب ْت َُغوا ْ ب ِأ ْ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫به منهن َفآتوهُ ُ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫ضي ْت ُ ْ‬
‫ما ت ََرا َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ح عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ة وَل َ ُ‬ ‫ض ً‬‫ري َ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫جوَرهُ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ ِ ُْ ّ‬
‫كيمكككككا ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ن عَِليمكككككا ً َ‬ ‫ككككككا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلككككك َ‬ ‫ضكككككةِ إ ِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫مكككككن ب َْعكككككدِ ال َْف ِ‬ ‫ِ‬
‫لية الكريمة هي آية تحريم المحارم من النسب وما يتبعه‬ ‫هذه ا َ‬
‫من الرضاع والمحارم بالصهر‪ ,‬كما قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أحمد‬
‫بن سنان‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بن حبيب‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قككال‪ :‬حرمككت عليكككم سككبع نسككبا ً‬
‫وسبع صهرًا‪ ,‬وقرأ }حرمت عليكككم أمهككاتكم وبنككاتكم وأخككواتكم{‬
‫لية ‪ ¹‬وحدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد‪ ,‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬حككدثنا‬ ‫ا َ‬
‫سفيان عن العمش‪ ,‬عن إسماعيل بن رجاء عن عمير‪ ,‬مولى ابن‬
‫عباس‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬يحرم من النسب سككبع ومككن الصككهر‬
‫سبع‪ ,‬ثم قرأ }حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمككاتكم‬
‫‪45‬‬
‫وخالتكم وبنات الخ وبنككات الخككت{ فهككن النسككب‪ .‬وقككد اسككتدل‬
‫جمهور العلماء على تحريم المخلوقة من ماء الزاني عليه بعمككوم‬
‫قوله تعالى‪} :‬وبناتكم{ فإنها بنت‪ ,‬فتككدخل فككي العمككوم كمككا هككو‬
‫مككذهب أبككي حنيفككة ومالككك وأحمككد بككن حنبككل‪ ,‬وقككد حكككي عككن‬
‫الشافعي شيء في إباحتهككا لنهككا ليسككت بنتكا ً شككرعية‪ ,‬فكمككا لككم‬
‫تدخل في قوله تعالى‪} :‬يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ‬
‫النثيين{ فإنها ل ترث بالجماع‪ ,‬فكذلك ل تككدخل فككي هككذه ا َ‬
‫ليككة‪,‬‬
‫والله أعلم‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬وأمهاتكم اللتككي أرضككعنكم وأخككواتكم‬
‫من الرضاعة{ أي كما يحرم عليك أمك التي ولدتك‪ ,‬كذلك يحككرم‬
‫عليك أمك التي أرضعتك‪ ,‬ولهذا ثبت فككي الصككحيحين مككن حككديث‬
‫مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمككد بككن عمككرو بككن‬
‫حزم‪ ,‬عن عمرة بنت عبد الرحمن‪ ,‬عككن عائشككة أم المككؤمنين‪ ,‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليكه وسكلم قكال »إن الرضكاعة تحكّرم مكا‬
‫تحّرم الولدة«‪ ,‬وفي لفظ لمسلم »يحرم من الرضاعة مككا يحككرم‬
‫من النسب«‪ ,‬وقال بعض الفقهاء‪ :‬كككل مككا يحككرم بالنسككب يحككرم‬
‫بالرضاعة إل في أربع صور‪ ,‬وقال بعضهم‪ :‬ست صور هي مذكورة‬
‫في كتب الفروع والتحقيكق أنكه ل يسكتثنى شكيء مكن ذلكك‪ ,‬لنكه‬
‫يوجد مثل بعضها من النسب‪ ,‬وبعضها إنما يحرم من جهككة الصككهر‬
‫فل يرد على الحديث شيء أصل ً البتة‪ ,‬ولله الحمد وبككه الثقككة‪ .‬ثككم‬
‫اختلف الئمة في عدد الرضعات المحرمة‪ ,‬فذهب ذاهبون إلى أنه‬
‫يحرم مجرد الرضاع لعموم هذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وهككذا قككول مالككك‪ ,‬ويككروى‬
‫عن ابن عمر‪ ,‬وإليه ذهب سكعيد بكن المسكيب وعكروة بكن الزبيكر‬
‫والزهري‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ل يحرم أقل من ثلث رضعات‪ ,‬لمككا ثبككت‬
‫في صحيح مسككلم مككن طريككق هشككام بككن عككروة عككن أبيككه‪ ,‬عككن‬
‫عائشة‪ ,‬أن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬قككال‪» :‬ل تحككرم‬
‫المصة ول المصتان« وقال قتادة‪ ,‬عن أبي الخليل‪ ,‬عككن عبككد اللككه‬
‫بن الحارث‪ ,‬عن أم الفضل‪ ,‬قككالت‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليكككه وسكككلم »ل تحكككرم الرضكككعة ول الرضكككعتان‪ ,‬والمصكككة ول‬
‫المصتان«‪ ,‬وفي لفظ آخر »ل تحرم الملجة ول الملجتان« رواه‬
‫مسككلم‪ .‬وممككن ذهككب إلككى هككذا القككول‪ :‬المككام أحمككد بككن حنبككل‬
‫وإسحاق بن راهويه‪ ,‬وأبو عبيككد وأبكو ثكور‪ ,‬وهككو مككروي عككن علكي‬
‫وعائشة وأم الفضل وابن الزبير وسككليمان بككن يسككار وسككعيد بككن‬
‫‪46‬‬
‫جبير رحمهم الله‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ل يحرم أقل من خمس رضعات‪,‬‬
‫لما ثبت في صحيح مسلم من طريق مالك عن عبد الله بككن أبككي‬
‫مرة‪ ,‬عن عائشة رضككي اللككه عنهككا‪ ,‬قككالت‪ :‬كككان فيمككا‬ ‫بكر‪ ,‬عن عَ ْ‬
‫أنزل من القرآن »عشر رضعات معلومككات يحرمككن« ثككم نسككخن‬
‫بخمس معلومات‪ ,‬فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهككن فيمككا‬
‫يقرأ من القرآن‪ ,‬وروى عبد الرزاق عن معمر‪ ,‬عن الزهككري‪ ,‬عككن‬
‫عروة‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬نحو ذلك‪ .‬وفي حديث سككهلة بنككت سككهيل‪ ,‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهككا أن ترضككع سككالما ً مككولى‬
‫أبي حذيفة خمس رضعات‪ ,‬وكانت عائشة تأمر من يريد أن يدخل‬
‫عليها أن يرضع خمس رضعات‪ ,‬وبهذا قال الشافعي وأصحابه‪ ,‬ثككم‬
‫ليعلم أنه ل بد أن تكون الرضاعة فككي سككن الصككغر دون الحككولين‬
‫على قول الجمهور‪ .‬وكمككا قككدمنا الكلم علككى هككذه المسككألة فككي‬
‫سورة البقرة عند قوله }يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد‬
‫أن يتم الرضاعة{ ثم اختلفوا هل يحرم لبن الفحول‪ ,‬كما هو قول‬
‫جمهور الئمة الربعة وغيرهم‪ ,‬أو إنما يختص الرضاع بككالم فقككط‪,‬‬
‫ول ينتشر إلى ناحية الب‪ ,‬كمككا هككو قككول لبعككض السككلف ؟ علككى‬
‫قولين‪ ,‬تحرير هذا كله في كتاب الحكام الكبير‪ .‬وقككوله }وأمهككات‬
‫نسائكم وربائبكم اللتي في حجوركم مككن نسككائكم اللتككي دخلتككم‬
‫بهن‪ ,‬فإن لم تكونوا دخلتم بهن فل جناح عليكككم{‪ ,‬أمككا أم المككرأة‬
‫فإنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها‪ ,‬سواء دخل بها أو لككم يككدخل‪,‬‬
‫وأما الربيبة وهي بنت المرأة فل تحككرم بمجككرد العقككد علككى أمهككا‬
‫حتى يدخل‪ ,‬فإن طلككق الم قبككل الككدخول بهككا جككاز لككه أن يككتزوج‬
‫بنتها‪ ,‬ولهذا قال }وربائبكم اللتي في حجوركم من نسائكم اللتي‬
‫دخلتم بهن‪ ,‬فككإن لككم تكونككوا دخلتككم بهككن فل جنككاح عليكككم{ فككي‬
‫تزويجهن‪ ,‬فهذا خاص بالربككائب وحككدهن‪ .‬وقككد فهككم بعضككهم عككود‬
‫الضمير إلى المهات والربائب‪ ,‬فقال‪ :‬ل تحرم واحدة مككن الم ول‬
‫البنت بمجرد العقد على الخرى حتى يدخل بها‪ ,‬لقككوله }فككإن لككم‬
‫تكونوا دخلتم بهن فل جناح عليكم{‪ .‬وقال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا ابككن‬
‫بشار‪ ,‬حدثنا ابن أبي عدي وعبد العلى عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫خلس بن عمرو‪ ,‬عن علي رضي الله تعالى عنه‪ ,‬في رجككل تككزوج‬
‫امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها‪ ,‬أيتزوج أمها ؟ قككال‪ :‬هككي بمنزلككة‬
‫الربيبة‪ ,‬وحدثنا ابن بشار‪ ,‬حدثنا يحيى بكن سكعيد عكن قتكادة‪ ,‬عكن‬
‫‪47‬‬
‫سعيد بن المسيب‪ ,‬عن زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬إذا طلق الرجل امرأته‬
‫قبل أن يدخل بها فل بأس أن يتزوج أمها‪ .‬وفي رواية عككن قتككادة‪,‬‬
‫عن سعيد‪ ,‬عن زيد بن ثابت‪ ,‬أنه كان يقول‪ :‬إذا ماتت عنده فأخككذ‬
‫ميراثها كره أن يخلف على أمها‪ ,‬فككإذا طلقهككا قبككل أن يككدخل بهككا‬
‫فإن شاء فعل‪ .‬وقال ابن المنذر‪ :‬حدثنا إسحاق عكن عبكد الكرزاق‪,‬‬
‫عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني أبو بكككر بككن حفككص عككن مسككلم بككن‬
‫عككويمر الجككدع‪ ,‬أن بكككر بككن كنانككة أخككبره أن أبككاه أنكحككه امككرأة‬
‫بالطائف‪ ,‬قال‪ :‬فلم أجامعها حتى توفى عمي عن أمها‪ ,‬وأمها ذات‬
‫مال كثير‪ ,‬فقال أبي‪ :‬هل لك في أمها ؟ قال‪ :‬فسألت ابن عبككاس‬
‫وأخبرته الخبر‪ ,‬فقال‪ :‬انكح أمها ؟ قال‪ :‬وسألت ابن عمككر‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫ل تنكحها‪ ,‬فأخبرت أبي بما قال‪ ,‬فكتككب إلككى معاويككة فككأخبره بمككا‬
‫قال‪ ,‬فكتب معاوية‪ :‬إني ل أحل ما حككرم اللككه‪ ,‬ول أحككرم مككا أحككل‬
‫الله‪ ,‬وأنت وذاك والنسككاء سككواها كككثير‪ .‬فلككم ينككه ولككم يككأذن لككي‬
‫فانصرف أبي عن أمهككا فلككم ينكحهككا‪ .‬وقككال عبككد الككرزاق‪ :‬أخبرنككا‬
‫معمر عن سماك بن الفضل عن رجل عككن عبككد اللككه بككن الزبيككر‪,‬‬
‫قال‪ :‬الربيبة والم سواء ل بأس بهككا إذا لككم يككدخل بككالمرأة‪ ,‬وفككي‬
‫إسناده رجل مبهم لم يسم‪ .‬وقال ابن جريج‪ :‬أخبرني عكرمككة بككن‬
‫خالد أن مجاهدا ً قال له }وأمهككات نسككائكم وربككائبكم اللتككي فككي‬
‫حجوركم{ أراد بهما الدخول جميعًا‪ ,‬فهذا القول كمككا تككرى مككروي‬
‫عن علي وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبيككر ومجاهككد وسككعيد بككن‬
‫جككبير وابككن عبككاس‪ ,‬وقككد توقككف فيككه معاويككة‪ .‬وذهككب إليككه مككن‬
‫الشافعية أبو الحسن أحمككد بككن محمككد بككن الصككابوني فيمككا نقلككه‬
‫الرافعي عن العبادي‪ .‬وقد روي عن ابككن مسككعود مثلككه‪ ,‬ثككم رجككع‬
‫عنه‪ ,‬قال الطبراني‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري‪ ,‬حككدثنا عبككد‬
‫الرزاق عن الثوري‪ ,‬عن أبي فروة‪ ,‬عن أبي عمرو الشيباني‪ ,‬عككن‬
‫ابن مسعود‪ :‬أن رجل ً من بني كمخ من فزارة تككزوج امككرأة فككرأى‬
‫أمها فأعجبته‪ .‬فاستفتى ابن مسعود‪ ,‬فأمره أن يفارقها ثككم تككزوج‬
‫أمها‪ ,‬فتزوجهككا وولككدت لككه أولدًا‪ ,‬ثككم أتككى ابككن مسككعود المدينككة‪,‬‬
‫فسئل عن ذلك‪ ,‬فأخبر أنها ل تحل له‪ ,‬فلما رجع إلى الكوفة قككال‬
‫للرجل‪ :‬إنها عليك حرام ففارقها‪ .‬وجمهور العلماء على أن الربيبة‬
‫ل تحرم بالعقد على الم بخلف الم‪ ,‬فإنهككا تحككرم بمجككرد العقككد‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا جعفر بن محمد ابككن هككارون بككن عَكْزرة‪,‬‬
‫‪48‬‬
‫حدثنا عبد الوهاب عن سعيد‪ ,‬عككن قتككادة‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬أنه كان يقول‪ :‬إذا طلق الرجل المرأة قبككل أن يككدخل بهككا‬
‫أو ماتت لم تحل له أمها‪ ,‬وروي أنه قال‪ :‬إنها مبهمة‪ ,‬فكرهها‪ .‬ثككم‬
‫قال‪:‬وروي عن ابن مسعود وعمران بن حصين ومسروق وطاوس‬
‫وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وابن سيرين وقتادة والزهككري‬
‫نحو ذلك‪ .‬وهذا مذهب الئمة الربعككة والفقهككاء السككبعة‪ ,‬وجمهككور‬
‫الفقهككاء قككديما ً وحككديثًا‪ ,‬وللككه الحمككد والمنككة ك ك قككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫والصواب قول من قال‪ :‬الم من المبهمات‪ ,‬لن الله لككم يشككترط‬
‫معهن الدخول كما اشترطه مع أمهات الربائب‪ ,‬مع أن ذلك أيضككا ً‬
‫إجماع من الحجة التي ل يجوز خلفها فيما جاءت به متفقة عليككه‪.‬‬
‫وقد روي بذلك أيضا ً عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر غيككر أن‬
‫في إسناده نظككرًا‪ ,‬وهككو مككا حككدثني بككه المثنككى‪ ,‬حككدثنا حبككان بككن‬
‫موسى‪ ,‬حدثنا ابن المبارك‪ ,‬أخبرنا المثنى بن الصككباح عككن عمككرو‬
‫بن شعيب‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن جده عن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قال »إذا نكح الرجككل المككرأة فل يحككل لككه أن يككتزوج أمهككا‪ ,‬دخككل‬
‫بالبنت أو لم يدخل‪ ,‬وإذا تزوج بالم فلم يدخل بها ثم طلقها‪ ,‬فككإن‬
‫شاء تزوج البنة«‪ ,‬ثم قال‪ :‬وهذا الخككبر وإن ككان فككي إسككناده مككا‬
‫فيه‪ ,‬فإن في إجماع الحجة علككى صككحة القككول بككه مسككتغنى عككن‬
‫الستشهاد على صحته بغيره‪ .‬وأما قوله تعالى‪} :‬وربائبكم اللتككي‬
‫في حجوركم{ فالجمهور على أن الربيبة حرام سككواء كككانت فككي‬
‫حجر الرجل‪ ,‬أو لم تكن في حجككره‪ ,‬قككالوا‪ :‬وهككذا الخطككاب خككرج‬
‫مخرج الغالب فل مفهوم له‪ ,‬كقوله تعككالى‪} :‬ول تكرهككوا فتيككاتكم‬
‫على البغاء إن أردن تحصنا{‪ .‬وفي الصحيحين أن أم حبيبة قككالت‪:‬‬
‫يا رسول الله أنكح أختي بنت أبي سفيان‪ ,‬وفي لفظ لمسلم عزة‬
‫بنت أبي سفيان‪ ,‬قال »أو تحبين ذلكك« ؟ قكالت‪ :‬نعكم لسكت لكك‬
‫بمخلية‪ ,‬وأحب من شاركني في خير أختي‪ ,‬قال »فإن ذلك ل يحل‬
‫لي«‪ .‬قالت‪ :‬فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنككت أبككي سككلمة‪ ,‬قككال‬
‫»بنت أم سلمة« ؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال »إنها لو لم تككن ربيبكتي فكي‬
‫حجري ما حلت لي‪ ,‬إنها لبنت أخي من الرضككاعة‪ ,‬أرضككعتني وأبككا‬
‫سلمة ثويبة‪ ,‬فل تعرضن علككي بنككاتكن ول أخككواتكن« وفككي روايككة‬
‫للبخاري »إني لو لم أتزوج أم سلمة ما حلت لي«‪ ,‬فجعل المناط‬
‫في التحريم مجرد تزوجه أم سلمة‪ ,‬وحكم بككالتحريم لككذلك‪ ,‬وهككذا‬
‫‪49‬‬
‫هككو مككذهب الئمككة الربعككة والفقهككاء السككبعة وجمهككور الخلككف‬
‫والسلف وقد قيككل‪ :‬بككأنه ل تحككرم الربيبككة إل إذا كككانت فككي حجككر‬
‫الرجل‪ ,‬فإذا لم تكن كذلك فل تحرم‪ .‬وقال ابن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا‬
‫أبو زرعة‪ ,‬حككدثنا إبراهيككم بككن موسككى‪ ,‬أنبأنككا هشككام كك يعنككي ابككن‬
‫يوسف ك عككن ابككن جريككج‪ ,‬حككدثني إبراهيككم بككن عبيككد بككن رفاعككة‪,‬‬
‫أخبرني مالك بككن أوس بككن الحككدثان‪ ,‬قككال‪ :‬كككانت عنككدي امككرأة‬
‫فتوفيت‪ ,‬وقد ولككدت لككي فوجككدت عليهككا‪ ,‬فلقينككي علككي بككن أبككي‬
‫طالب فقال‪ :‬مكا لكك ؟ فقلكت‪ :‬تكوفيت المكرأة‪ .‬فقكال علكي‪ :‬لهكا‬
‫ابنة ؟ قلت‪ :‬نعم وهي بالطائف‪ .‬قال‪ :‬كانت فككي حجككرك ؟ قلككت‪:‬‬
‫ل‪ ,‬هي بالطائف قال‪ :‬فانكحها‪ ,‬قلت‪ :‬فككأين قككول اللككه }وربككائبكم‬
‫اللتي في حجوركم{ ؟ قال‪ :‬إنها لم تكن في حجرك إنما ذلكك إذا‬
‫كانت في حجرك‪ ,‬هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بككن أبككي طككالب‬
‫على شرط مسلم‪ ,‬وهو قول غريب جدًا‪ ,‬وإلى هذا ذهب داود بككن‬
‫علي الظاهري وأصحابه‪ .‬وحكاه أبو القاسككم الرافعككي عككن مالككك‬
‫رحمه الله‪ ,‬واختاره ابن حزم‪ ,‬وحكى لي شيخنا الحككافظ أبككو عبككد‬
‫الله الذهبي أنه عرض هككذا علككى الشككيخ المككام تقككي الككدين ابككن‬
‫تيمية رحمه الله‪ ,‬فاستشكله وتوقف في ذلك‪ ,‬والله أعلككم‪ .‬وقككال‬
‫ابن المنذر‪ ,‬حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا الثرم عن أبي عبيككدة‬
‫قوله }اللتي في حجوركم{‪ ,‬قال‪ :‬في بيوتكم‪ ,‬وأمككا الربيبككة فككي‬
‫ملك اليمين فقد قال المام مالك بن أنكس‪ ,‬عككن ابكن شككهاب‪ :‬أن‬
‫عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وبنتها من ملككك اليميككن‪ ,‬توطككأ‬
‫إحداهما بعد الخرى ؟ فقال عمككر‪ :‬مككا أحككب أن أخبرهمككا جميع كا ً‬
‫يريد أن أطأهما جميعا ً بملك يميني‪ ,‬وهذا منقطع‪ .‬وقال سككنيد بككن‬
‫داود في تفسيره‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن طارق بن عبد الرحمن‪,‬‬
‫عن قيس‪ ,‬قال‪ :‬قلت لبن عباس‪ :‬أيقع الرجل على امككرأة وابنتهككا‬
‫مملوكين له ؟ فقال‪ :‬أحلتهما آية وحرمتهما آية‪ ,‬ولم أكككن لفعلككه‪.‬‬
‫وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله‪ :‬ل خلف بين العلماء‬
‫أنه ل يحل لحد أن يطأ امككرأة وبنتهككا مككن ملكك اليميككن‪ ,‬لن اللككه‬
‫حرم ذلك في النكاح‪ ,‬قال }وأمهات نسائكم وربائبكم اللتككي فككي‬
‫حجوركم من نسائكم{ وملك اليمين عندهم تبع للنكاح إل ما روي‬
‫عن عمر وابن عباس‪ ,‬وليس على ذلك أحد مككن أئمككة الفتككوى ول‬
‫من تبعهم‪ .‬وروى هشام عككن قتككادة‪ :‬بنككت الربيبككة وبنككت ابنتهككا ل‬
‫‪50‬‬
‫تصلح وإن كانت أسفل ببطون كثيرة‪ ,‬وكككذا قككال قتككادة عككن أبككي‬
‫العالية‪ ,‬ومعنى قوله }اللتككي دخلتككم بهككن{ أي نكحتمككوهن‪ ,‬قككاله‬
‫ابن عباس وغير واحد‪ .‬وقال ابن جريج عككن عطككاء‪ :‬هككو أن تهككدى‬
‫إليه فيكشف ويفتش ويجلس بين رجليها‪ .‬وقلت‪ :‬أرأيككت إن فعككل‬
‫ذلك في بيت أهلها ؟ قال‪ :‬هو سواء‪ ,‬وحسبه قد حككرم ذلككك عليككه‬
‫ابنتها‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬وفي إجماع الجميع على أن خلككوة الرجككل‬
‫بامرأة ل يحّرم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسككها ومباشككرتها أو‬
‫قبل النظر إلى فرجها بشككهوة مككا يككدل علككى أن معنككى ذلككك هككو‬
‫الوصككككككككككككككككككككول إليهككككككككككككككككككككا بالجمككككككككككككككككككككاع‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم{ أي وحرمككت‬
‫عليكم زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلبكم‪ ,‬يحترز بككذلك‬
‫عن الدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهليككة‪ .‬كمككا قككال تعككالى‪:‬‬
‫}فلما قضى زيد منها وطرا ً زوجناكها لكيل يكككون علككى المككؤمنين‬
‫لية‪ ,‬وقال ابككن جريككج‪ :‬سككألت عطككاء‬ ‫حرج في أزواج أدعيائكم{ ا َ‬
‫عن قوله }وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم{‪ .‬قال‪ :‬كنا نحدث ك ك‬
‫والله أعلم ك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نكككح امككرأة زيككد‪,‬‬
‫قال المشركون بمكة في ذلككك‪ ,‬فككأنزل اللككه عككز وجككل‪} :‬وحلئل‬
‫أبنككائكم الككذين مككن أصككلبكم{ ونزلككت }ومككا جعككل أدعيككاءكم‬
‫أبناءكم{‪ ,‬ونزلت }ما كان محمد أبا أحد من رجالكم{‪ ,‬وقال ابككن‬
‫أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو زرعة‪ ,‬حدثنا محمككد بككن أبككي بكككر المقككدمي‪,‬‬
‫حدثنا الجرح بن الحارث عن الشعث‪ ,‬عن الحسن بككن محمككد‪ :‬أن‬
‫ليات مبهمات }وحلئل أبنائكم{ }وأمهككات نسككائكم{‪ ,‬ثككم‬ ‫هؤلء ا َ‬
‫قال‪ :‬وروي عن طاوس وإبراهيم والزهككري ومكحككول‪ ,‬نحككو ذلككك‪.‬‬
‫)قلت( معنى مبهمات أي عامة في المدخول بها وغيككر المككدخول‪,‬‬
‫فتحرم بمجرد العقد عليها‪ ,‬وهذا متفق عليه‪ ,‬فإن قيل‪ :‬فمككن أيككن‬
‫تحرم امرأة ابنه من الرضاعة كما هو قول الجمهور‪ ,‬ومن النككاس‬
‫من يحكيه إجماعا ً وليس من صلبه‪ ,‬فالجواب من قوله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم »يحرم مككن الرضككاع مككا يحككرم مككن النسككب« وقككوله‬
‫لية‪ .‬أي وحرم‬ ‫تعالى‪} :‬وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد سلف{ ا َ‬
‫عليكم الجمع بين الختين معا ً في التزويج‪ ,‬وكذا في ملككك اليميككن‬
‫إل ما كان منكم في جاهليتكم فقد عفونا عنه وغفرناه‪ .‬فدل على‬
‫أنه ل مثنوية فيما يستقبل ول اسككتثناء فيمككا سككلف‪ ,‬كمككا قككال }ل‬
‫‪51‬‬
‫يذوقون فيها الموت إل الموتة الولى{ فدل على أنهم ل يككذوقون‬
‫فيها الموت أبدًا‪ ,‬وقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين والئمككة‬
‫قديما ً وحديثا ً على أنه يحرم الجمع بين الختين فكي النككاح‪ ,‬ومكن‬
‫أسككلم وتحتككه أختككان‪ ,‬خي ّككر فيمسككك إحككداهما ويطلككق الخككرى ل‬
‫محالة‪ .‬قال المام أحمد‪ :‬حدثنا موسى بن داود‪ ,‬حدثنا ابككن لهيعككة‬
‫جْيشاني‪ ,‬عن الضحاك بن فيروز‪ ,‬عن أبيككه‪ ,‬قككال‪:‬‬ ‫عن أبي وهب ال َ‬
‫أسلمت وعندي امرأتان أختككان‪ ,‬فككأمرني النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم أن أطلق أحداهما‪ .‬ثككم رواه المككام أحمككد والترمككذي وابككن‬
‫ماجه من حديث ابن لهيعة‪ ,‬وأخرجه أبو داود والترمذي أيضككا ً مككن‬
‫جْيشككاني‪ ,‬قككال‬‫حديث يزيد بن أبي حبيب‪ ,‬كلهما عن أبي وهككب ال َ‬
‫الترمككذي واسككمه ديلككم بككن الهوشككع‪ .‬عككن الضككحاك بككن فيككروز‬
‫الديلمي‪ ,‬عن أبيه به‪ ,‬وفي لفظ للترمذي ‪ .‬فقال النبي صلى اللككه‬
‫عليه وسلم »اختر أيتهما شئت«‪ ,‬ثككم قككال الترمككذي‪ :‬هككذا حككديث‬
‫حسن‪ .‬وقد رواه ابن ماجه أيضا ً بإسناد آخر فقال‪ :‬حدثنا أبككو بكككر‬
‫بن أبي شيبة‪ ,‬حدثنا عبد السلم بن حرب عن إسحاق بن عبد الله‬
‫جْيشاني عن أبي خراش الرعينككي‪,‬‬ ‫بن أبي فروة‪ ,‬عن أبي وهب ال َ‬
‫قال‪ :‬قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أختان‬
‫تزوجتهما في الجاهلية‪ ,‬فقال »إذا رجعت فطلق إحداهما« قلككت‪:‬‬
‫فيحتمل أن أبا خراش هككذا هككو الضككحاك بككن فيككروز‪ ,‬ويحتمككل أن‬
‫يكككون غيككره‪ ,‬فيكككون أبككو وهككب قككد(رواه عككن اثنيككن عككن فيككروز‬
‫الديلمي‪ ,‬والله أعلم‪ .‬وقال ابن مردويه‪ :‬حدثنا عبد الله بككن يحيككى‬
‫بن محمد بن يحيى‪ ,‬حدثنا أحمد بن يحيى الخولني‪ ,‬حدثنا هيثم بن‬
‫خارجة‪ ,‬حدثنا يحيى بن إسحاق عن إسحاق بن عبد اللككه بككن أبككي‬
‫فروة‪ ,‬عن ُرَزيق بن حكيم‪ ,‬عن كثير بن مرة‪ ,‬عن الككديلمي‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬إن تحتي أختين‪ ,‬قال »طلككق أيهمككا شككئت«‪,‬‬
‫فالديلمي المذكور أول ً هو الضحاك بككن فيككروز الككديلمي قككال أبككو‬
‫زرعة الدمشقي‪ :‬كان يصحب عبد الملك بن مككروان‪ ,‬والثككاني هككو‬
‫أبو فيروز الديلمي رضي الله عنه‪ ,‬وكان من جملة المراء بككاليمن‬
‫الذين وَُلوا قتل السود العنسي المتنبىء لعنككه اللككه‪ ,‬وأمككا الجمككع‬
‫بين الختين في ملك اليمين فحرام أيضا ً لعموم ا َ‬
‫ليككة‪ .‬وقككال ابككن‬
‫أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبككو زرعككة‪ ,‬حككدثنا موسككى بككن إسككماعيل‪ ,‬حككدثنا‬
‫حماد بن سلمة عن قتادة‪ ,‬عن عبد الله بن أبي عنبة أو عتبككة عككن‬
‫‪52‬‬
‫ابن مسعود أنه سئل عن الرجل يجمع بين الختين‪ ,‬فكرهه فقككال‬
‫له ك يعني السككائل‪ :‬يقككول اللككه تعككالى‪} :‬إل مككا ملكككت أيمككانكم{‬
‫فقال له ابن مسعود رضي الله تعالى عنككه‪ :‬وبعيككرك ممككا ملكككت‬
‫يمينك‪ .‬وهذا هو المشهور عن الجمهور والئمككة الربعككة وغيرهككم‪,‬‬
‫وإن كان بعض السلف قد توقف في ذلك‪ .‬قال المام مالككك‪ ,‬عككن‬
‫ابن شهاب‪ ,‬عن قبيصة بن ذؤيب‪ :‬أن رجل ً سأل عثمان بككن عفككان‬
‫عن الختين في ملك اليميككن‪ ,‬هككل يجمككع بينهمككا ؟ فقككال عثمككان‪:‬‬
‫أحلتهما آية وحرمتهما آية‪ ,‬وما كنت لصنع ذلك‪ ,‬فخرج من عنككده‪,‬‬
‫فلقي رجل ً من أصحاب النبي صلى الله عليككه وسككلم فسككأله عككن‬
‫ذلك‪ ,‬فقال‪ :‬لو كان لي من المر شيء ثم وجدت أحدا ً فعل ذلككك‬
‫ل‪ .‬قككال مالككك‪ :‬قككال ابككن شككهاب‪ :‬أراه علككي بككن أبككي‬ ‫لجعلته نكككا ً‬
‫طالب‪ .‬قال‪ :‬وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك‪ .‬قال ابن عبككد‬
‫البر النمري رحمه الله في كتاب الستذكار‪ :‬إنما كنكى قبيصككة بكن‬
‫ذؤيب عن علي بككن أبككي طككاب لصككحبته عبككد الملكك بككن مككروان‪,‬‬
‫وكانوا يستثقلون ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪ ,‬ثم قككال‬
‫أبو عمر‪ :‬حدثني خلف بن أحمد قراءة عليه‪ :‬أن خلف بن مطككرف‬
‫حدثهم‪ :‬حدثنا أيوب بن سليمان وسككعيد بككن سككليمان ومحمككد بككن‬
‫عمر بن لبابة‪ ,‬قالوا‪ :‬حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم‪ ,‬حككدثنا‬
‫أبو عبد الرحمن المقري عن موسى بككن أيككوب الغككافقي‪ ,‬حككدثني‬
‫عمي إياس بن عامر‪ ,‬قال‪ :‬سألت علي بن أبي طالب فقلككت‪ :‬إن‬
‫لي أختين مما ملكت يميني‪ ,‬اتخذت إحككداهما سككرية فولككدت لككي‬
‫أولدا ً ثم رغبت في الخرى فمككا أصككنع ؟ فقككال علككي رضككي اللككه‬
‫عنككه‪ :‬تعتككق الككتي كنككت تطككأ ثككم تطككأ الخككرى‪ ,‬قلكت‪ :‬فككإن ناسكا ً‬
‫يقولون‪ :‬بل تزوجها ثم تطأ الخرى‪ ,‬فقال علي‪ :‬أرأيككت إن طلقهككا‬
‫زوجها أو مات عنها‪ ,‬أليس ترجع إليك ؟ لن تعتقها أسلم لككك‪ .‬ثككم‬
‫أخذ علي بيدي فقال لي‪ :‬إنه يحرم عليككك ممككا ملكككت يمينككك مككا‬
‫يحرم عليك في كتاب الله عز وجل من الحرائر إل العدد‪ ,‬أو قال‪:‬‬
‫إل الربع‪ ,‬ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب اللككه‬
‫من النسب‪ ,‬ثم قال أبو عمر‪ :‬هككذا الحككديث رحلككة‪ ,‬لككو لككم يصككب‬
‫الرجل من أقصى المغرب أو المشرق إلى مكة غيككره لمككا خككابت‬
‫رحلته‪ .‬قلت‪ :‬وقد روي عن علي نحو مككا روي عككن عثمككان‪ .‬وقككال‬
‫أبو بكر بن مردويككه‪ :‬حككدثنا محمككد بككن أحمككد بككن إبراهيككم‪ ,‬حككدثنا‬
‫‪53‬‬
‫محمككد بككن العبككاس‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن عبككد اللككه بككن المبككارك‬
‫المخرمي‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن بن غزوان‪ ,‬حدثنا سفيان عن عمككرو‬
‫بن دينار‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬قال لي علي بن أبككي‬
‫طالب‪ :‬حرمتهمككا آيككة وأحلتهمككا آيككة كك يعنككي الخككتين كك قككال ابككن‬
‫ي قرابككة‬
‫ي قرابككتي منهككن ول يحرمهككن عل ك ّ‬ ‫عبككاس‪ :‬يحرمهككن عل ك ّ‬
‫بعضككهن مككن بعككض‪ ,‬يعنككي المككاء وكككانت الجاهليككة يحرمككون مككا‬
‫تحرمون إل امرأة الب والجمكع بيكن الخكتين‪ .‬فلمكا جكاء السكلم‬
‫أنزل الله }ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سككلف{‬
‫}وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد سلف{ يعني فككي النكككاح‪ ,‬ثككم‬
‫قال أبو عمر‪ :‬روى المام أحمد بن حنبل‪ ,‬حدثنا محمد بككن سككلمة‬
‫عن هشام‪ ,‬عن ابن سككيرين‪ ,‬عككن ابككن سككيرين‪ ,‬قككال‪ :‬يحككرم مككن‬
‫الماء ما يحرم من الحرائر إل العدد‪ ,‬وعن ابن مسككعود والشككعبي‬
‫نحو ذلك‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وقد روي مثل قول عثمان عن طائفة من‬
‫السلف منهم ابن عباس‪ ,‬ولكنهم اختلف عليهم‪ ,‬ولككم يلتفككت إلككى‬
‫ذلك أحد من فقهاء المصار والحجككاز ول العككراق ول مككا وراءهمككا‬
‫من المشرق ول بالشام ول المغكرب‪ ,‬إل مكن شكذ عكن جمككاعتهم‬
‫باتباع الظاهر ونفي القياس‪ ,‬وقد ترك من يعمل ذلك مككا اجتمعنككا‬
‫عليه‪ ,‬وجماعة الفقهاء متفقون على أنه ل يحل الجمع بين الختين‬
‫بملك اليمين في الوطء كما ل يحل ذلك فككي النكككاح‪ .‬وقككد أجمككع‬
‫المسلمون على أن معنى قوله }حرمت عليكم أمهككاتكم وبنككاتكم‬
‫لية‪ ,‬أن النكاح وملك اليمين في هؤلء كلهن‬ ‫وأخواتكم{ إلى آخر ا َ‬
‫سواء‪ ,‬فكذلك يجب أن يكككون نظككرا ً وقياسكا ً الجمككع بيككن الخككتين‬
‫وأمهات النساء والربائب‪ .‬وكذلك هو عند جمهورهم‪ ,‬وهككم الحجككة‬
‫المحجوج بها من خالفها وشذ عنها‪ .‬وقككوله تعككالى‪} :‬والمحصككنات‬
‫من النساء إل ما ملكت أيمانكم{ أي وحرم عليكم مككن الجنبيككات‬
‫المحصنات‪ ,‬وهن المزوجات }إل ما ملكت أيمانكم{‪ ,‬يعني إل مككا‬
‫ملكتموهن بالسبي فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن‪ ,‬فككإن‬
‫لية نزلت في ذلك‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬أخبرنككا‬ ‫ا َ‬
‫سفيان هو الثوري عن عثمان البكتي‪ ,‬عككن أبكي الخليككل‪ ,‬عكن أبكي‬
‫سعيد الخدري‪ ,‬قال‪ :‬أصبنا نساء من سبي أوطككاس‪ ,‬ولهككن أزواج‪,‬‬
‫فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج‪ ,‬فسألنا النبي صككلى اللككه عليككه‬
‫لية }والمحصنات مككن النسككاء إل مككا ملكككت‬ ‫وسلم‪ ,‬فنزلت هذه ا َ‬
‫‪54‬‬
‫أيمانكم{ فاستحللنا بها فروجهن‪ ,‬وهكذا رواه الترمذي عن أحمككد‬
‫بن منيع عن هشككيم‪ ,‬ورواه النسككائي مككن حككديث سككفيان الثككوري‬
‫وشعبة بن الحجاج‪ ,‬ثلثتهم عن عثمان البتي‪ ,‬ورواه ابن جرير مككن‬
‫حديث أشعث بن سككوراي عككن عثمككان البككتي‪ ,‬ورواه مسككلم فككي‬
‫صحيحه من حديث شعبة عن قتادة‪ ,‬كلهما عن أبي الخليل صككالح‬
‫بن أبي مريم‪ ,‬عن أبي سعيد الخككدري‪ ,‬فككذكره‪ ,‬وهكككذا رواه عبككد‬
‫الرزاق عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عككن أبككي الخليككل‪ ,‬عككن أبككي سككعيد‬
‫الخدري به‪ .‬وقد روي من وجككه آخككر عككن أبككي الخليككل‪ ,‬عككن أبككي‬
‫علقمة الهاشمي‪ ,‬عن أبي سعيد الخدري‪ ,‬قال المام أحمد‪ :‬حدثنا‬
‫ابن أبي عدي عن سعيد‪ ,‬عن قتككادة‪ ,‬عككن أبككي الخليككل‪ ,‬عككن أبككي‬
‫علقمة‪ ,‬عن أبي سعيد الخدري أن أصحاب رسول الله صلى اللككه‬
‫عليككه وسككلم أصككابوا سككبايا يككوم أوطككاس‪ ,‬لهككن أزواج مككن أهككل‬
‫الشرك‪ ,‬فكأن أناسا ً مككن أصككحاب رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫لية في ذلك‬ ‫وسلم كفوا وتأثموا من غشيانهن‪ ,‬قال‪ :‬فنزلت هذه ا َ‬
‫}والمحصككنات مككن النسككاء إل مككا ملكككت أيمككانكم{ وهكككذا رواه‬
‫مسلم وأبو داود والنسائي من حديث سككعيد بككن أبككي عروبككة‪ ,‬زاد‬
‫مسلم‪ :‬وشعبة‪ ,‬ورواه الترمذي من حديث همام بن يحيى‪ ,‬ثلثتهم‬
‫عن قتادة بإسناده نحوه‪ .‬وقال الترمككذي‪ :‬هككذا حككديث حسككن‪ ,‬ول‬
‫أعلم أن أحدا ً ذكر أبا علقمة في هذا الحديث إل ما ذكر همام عن‬
‫قتككادة ككك كككذا قككال ككك وقككد تككابعه سككعيد وشككعبة‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫وقد روى الطبراني من حككديث الضككحاك عككن ابككن عبككاس‪ :‬أنهككا‬
‫نزلت في سبايا خيبر‪ ,‬وذكر مثككل حككديث أبككي سككعيد‪ ,‬وقككد ذهككب‬
‫جماعة من السلف إلى أن بيع المة يكون طلقكا ً لهككا مككن زوجهككا‬
‫لية‪ ,‬وقال ابكن جريكر‪ :‬حكدثنا ابكن مثنكى‪ ,‬حكدثنا‬ ‫أخذا ً بعموم هذه ا َ‬
‫محمد بن جعفر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم أنه سئل عن‬
‫المة تباع ولها زوج ؟ قال‪ :‬كككان عبككد اللككه يقككول‪ :‬بيعهككا طلقهككا‪.‬‬
‫لية }والمحصنات من النساء إل مككا ملكككت أيمككانكم{‬ ‫ويتلو هذه ا َ‬
‫وكذا رواه سفيان عن منصور ومغيرة والعمش عن إبراهيككم عككن‬
‫ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬بيعها طلقها وهو منقطع‪ ,‬ورواه سفيان الثوري‬
‫عن خالد‪ ,‬عن أبي قلبة‪ ,‬عن ابن مسككعود‪ ,‬قككال‪ :‬إذا بيعككت المككة‬
‫ولها زوج‪ ,‬فسيدها أحق ببضعها‪ .‬ورواه سعيد عن قتادة‪ ,‬قككال‪ :‬إن‬
‫أبي بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عباس‪ ,‬قالوا‪ :‬بيعها طلقهككا‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثني يعقوب ابن علية عن خالككد‪ ,‬عككن عكرمككة‪,‬‬
‫عن ابن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬طلق المككة سككت‪ :‬بيعهككا طلقهككا‪ ,‬وعتقهككا‬
‫طلقها‪ ,‬وهبتها طلقها‪ ,‬وبراءتهككا طلقهككا‪ ,‬وطلق زوجهككا طلقهككا‪,‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬أخبرنا معمككر عككن الزهككري عككن ابككن المسككيب‬
‫ن ذوات الزواج حرم الله‬ ‫قوله }والمحصنات من النساء{ قال‪ :‬هُ ّ‬
‫نكاحهن إل ما ملكككت يمينككك‪ ,‬فبيعهككا طلقهككا‪ .‬قككال معمككر‪ :‬وقككال‬
‫الحسن مثل ذلك‪ ,‬وهكذا رواه سعيد بن أبككي عروبككة‪ ,‬عككن قتككادة‪,‬‬
‫عن الحسككن فككي قككوله }والمحصككنات مككن النسككاء إل مككا ملكككت‬
‫أيمانكم{ قال إذا كان لها زوج‪ ,‬فبيعهككا طلقهككا‪ .‬وروى عككوف عككن‬
‫الحسن‪ :‬بيع المة طلقها‪ ,‬وبيعككه طلقهككا‪ ,‬فهككذا قككول هككؤلء مككن‬
‫السلف‪ ,‬وقد خالفهم الجمهور قديما ً وحككديثًا‪ ,‬فككرأوا أن بيككع المككة‬
‫ليس طلقا ً لها لن المشككتري نككائب عككن البككائع‪ ,‬والبككائع كككان قككد‬
‫أخرج عن ملكه هذه المنفعة وباعها مسلوبة عنها‪ ,‬واعتمككدوا فككي‬
‫ذلك على حديث بريككرة المخككرج فككي الصككحيحين وغيرهمككا‪ ,‬فككإن‬
‫عائشة أم المؤمنين اشترتها ونجّزت عتقهككا‪ ,‬ولككم ينفسككخ نكاحهككا‬
‫من زوجها مغيث‪ ,‬بل خيرها رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫بين الفسخ والبقاء‪ ,‬فاختارت الفسخ وقصتها مشككهورة‪ ,‬فلككو كككان‬
‫بيع المة طلقها كما قال هؤلء ما خيرهككا النككبي صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم‪ ,‬فلما خيرهككا دل علككى بقككاء النكككاح‪ ,‬وأن المككراد مككن ا َ‬
‫ليككة‬
‫المسكككبيات فقكككط‪ ,‬واللكككه أعلكككم‪ .‬وقكككد قيكككل‪ :‬المكككراد بقكككوله‬
‫}والمحصككنات مككن النسككاء{ يعنككي العفككائف حككرام عليكككم حككتى‬
‫تملكوا عصمتهن بنكاح وشهود ومهور وولككي‪ ,‬واحككدة أو اثنككتين أو‬
‫ثلثا ً أو أربعًا‪ ,‬حكاه ابن جرير عن أبي العاليككة وطككاوس وغيرهمككا‪.‬‬
‫وقال عمر وعبيدة }والمحصنات من النساء{ ما عدا الربع حككرام‬
‫عليككككككككككككككم إل مكككككككككككككا ملككككككككككككككت أيمكككككككككككككانكم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬كتاب الله عليكم{ أي هككذا التحريككم كتككاب كتبككه‬
‫الله عليكم‪ ,‬فالزموا كتابه‪ ,‬ول تخرجوا عن حدوده‪ ,‬والزموا شرعه‬
‫وما فرضه‪ .‬وقال عبيدة وعطاء والسككدي فككي قككوله }كتككاب اللككه‬
‫عليكم{ يعني الربع‪ .‬وقال إبراهيم }كتاب الله عليككم{ يعنكي مكا‬
‫حرم عليكم‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم{ أي ما عككدا‬
‫من ذكرن من المحارم‪ ,‬هن لكم حلل‪ ,‬قاله عطككاء وغيككره‪ .‬وقككال‬
‫عبيدة والسدي }وأحل لكم ما وراء ذلكم{ مككا دون الربككع‪ ,‬وهككذا‬
‫‪56‬‬
‫بعيد‪ ,‬والصحيح قول عطاء كما تقدم‪ .‬وقال قتادة‪} :‬وأحل لكم مككا‬
‫لية هي التي احتج بها‬ ‫وراء ذلكم{ يعني ما ملكت أيمانكم‪ ,‬وهذه ا َ‬
‫من احتج على تحليل الجمع بين الختين‪ ,‬وقول من قال‪ :‬أحلتهمككا‬
‫آية وحرمتهما آية‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬أن تبتغككوا بككأموالكم محصككنين‬
‫غير مسافحين{ أي تحصلوا بأموالكم من الزوجككات إلككى أربككع‪ ,‬أو‬
‫السراري ما شئتم بالطريق الشرعي‪ ,‬ولهذا قال }محصككنين غيككر‬
‫مسككافحين{‪ .‬وقككوله تعككالى‪} :‬فمككا اسككتمتعتم بككه منهككن فككآتوهن‬
‫أجورهن فريضة{ أي كما تستمتعون بهككن فككآتوهن مهككورهن فككي‬
‫مقابلة ذلك‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكككم‬
‫إلككى بعككض{ وكقككوله تعككالى‪} :‬وآتككوا النسككاء صككدقاتهن نحلككة{‪,‬‬
‫وكقوله }ول يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا{ وقد استدل‬
‫لية على نكاح المتعة‪ ,‬ول شك أنه كان مشروعا ً فككي‬ ‫بعموم هذه ا َ‬
‫ابتداء السلم‪ ,‬ثم نسخ بعد ذلك‪ ,‬وقد ذهب الشافعي وطائفة مككن‬
‫العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ مرتين‪ .‬وقال آخرون‪ :‬أكثر من ذلككك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنما أبيح مرة ثم نسخ مرة‪ ,‬ثم نسخ‪ ,‬ولككم يبككح بعككد‬
‫ذلككك‪ .‬وقككد روي عككن ابككن عبككاس وطائفككة مككن الصككحابة القككول‬
‫بإباحتها للضرورة‪ ,‬وهو وراية عن المام أحمد‪ ,‬وكككان ابككن عبككاس‬
‫وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرؤون }فمككا اسككتمتعتم‬
‫بككه منهككن إلككى أجككل مسككمى فككآتوهن أجككورهن فريضككة{‪ ,‬وقككال‬
‫مجاهد‪ :‬نزلت في نكاح المتعة‪ ,‬ولكن الجمهككور علككى خلف ذلككك‪.‬‬
‫والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علككي بككن أبككي‬
‫طالب‪ ,‬قال‪ :‬نهى رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم عككن نكككاح‬
‫المتعة‪ ,‬وعن لحوم الحمر الهلية يوم خيبر‪ .‬ولهذا الحككديث ألفككاظ‬
‫مقررة هي في كتاب الحكام‪ .‬وفي صحيح مسلم عككن الربيككع بككن‬
‫سبرة بن معبد الجهني‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬أنه غككزا مككع رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم يوم فتح مككة‪ ,‬فقكال »يككا أيهككا النكاس إنككي كنكت‬
‫أذنت لكم في الستمتاع من النساء‪ ,‬وإن الله قد حككرم ذلككك إلككى‬
‫يوم القيامة‪ ,‬فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله‪ ,‬ول تأخذوا‬
‫مما آتيتموهن شيئًا« وفي رواية لمسككلم‪ :‬فككي حجككة الككوداع‪ ,‬ولككه‬
‫ألفاظ موضعها كتككاب الحكككام‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬ول جنككاح عليكككم‬
‫لية على نكاح‬ ‫فيما تراضيتم به من بعد الفريضة{ من حمل هذه ا َ‬
‫المتعة إلى أجل مسمى‪ ,‬قال‪ :‬فل جناح عليككم إذا انقضكى الجكل‬
‫‪57‬‬
‫أن تراضوا على زيادة به‪ ,‬وزيككادة للجعككل‪ ,‬قككال السككدي‪ :‬إن شككاء‬
‫أرضاها من بعد الفريضة الولى‪ ,‬يعني الجككر الككذي أعطاهككا علككى‬
‫تمتعه بها قبل انقضاء الجل بينهما‪ ,‬فقال‪ :‬أتمتككع منككك أيضكا ً بكككذا‬
‫وكذا‪ ,‬فازاد قبل أن يستبرىء رحمها يوم تنقضي المدة‪ ,‬وهو قوله‬
‫تعالى‪} :‬ول جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة{‪ .‬قال‬
‫السدي‪ :‬إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل‪ ,‬وهي منككه بككريئة‬
‫وعليها أن تستبرىء ما في رحمها‪ ,‬وليس بينهما ميراث‪ ,‬فل يككرث‬
‫واحد منهما صاحبه‪ ,‬ومن قال بهذا القول الول جعل معناه كقوله‬
‫ليككة‪ ,‬أي إذا فرضككت لهككا صككداقا ً‬ ‫}وآتوا النساء صدقاتهن نحلككة{ ا َ‬
‫فأبرأتك منه أو عن شيء منه‪ ,‬فل جناح عليك ول عليها في ذلككك‪.‬‬
‫وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا محمككد بككن العلككى‪ ,‬حككدثنا المعتمككر بككن‬
‫سليمان عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬زعم الحضرمي أن رجككال ً كككانوا يفرضككون‬
‫المهر‪ ,‬ثم عسى أن يدرك أحدهم العسرة‪ ,‬فقال‪ :‬ول جناح عليكم‬
‫أيها الناس فيما تراضيتم به من بعككد الفريضككة‪ .‬يعنككي إن وضككعت‬
‫لك منه شيئا ً فهو لك سائغ‪ .‬واختار هككذا القككول ابككن جريككر‪ .‬وقككال‬
‫علي بن أبي طلحة عن ابن عباس }ول جناح عليكم فيما تراضيتم‬
‫به من بعد الفريضككة{ والتراضككي أن يوفيهككا صككداقها ثككم يخيرهكا‪,‬‬
‫يعني في المقام أو الفراق‪ .‬وقككوله تعككالى‪} :‬إن اللككه كككان عليمكا ً‬
‫حكيمًا{ مناسب ذكر هذين الوصفين بعد شككرع هككذه المحرمككات‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫من َككا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫صكَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫م ط َكوْل ً أن َينك ِك َ‬ ‫منك ُك ْ‬‫سكت َط ِعْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬‫من ل ّ ْ‬ ‫** وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫م ب ِِإي َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫من فَت ََيات ِك ُ ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫مان ُ ُ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬‫ما َ‬‫ن ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فَ ِ‬
‫ن‬ ‫بعضككك ُم مككن بعككض َفككانكحوهُن بككإذ ْن أ َهْل ِهككن وآتككوهُ ُ‬
‫جككوَرهُ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ّ َ ُ‬ ‫ّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ّ‬ ‫َْ ُ‬
‫َ‬
‫ذآ‬ ‫ن ف َ كإ ِ َ‬ ‫دا ٍ‬ ‫خك َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫خك َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ت وَل َ ُ‬ ‫حا ٍ‬ ‫سككافِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت غَي ْكَر ُ‬ ‫ص كَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ب ِككال ْ َ‬
‫أ ُحصن فَإ َ‬
‫ن‬‫مك َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صكَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫مككا عَل َككى ال ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن نِ ْ‬ ‫شةٍ فَعَل َي ْهِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ب َِفا ِ‬ ‫ن أت َي ْ َ‬ ‫ْ ِ ّ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م َوالّلكك ُ‬
‫ه‬ ‫ككك ْ‬ ‫خي ٌْر ل ّ ُ‬ ‫صب ُِروا ْ َ‬ ‫م وَأن ت َ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ي ال ْعَن َ َ‬ ‫ش َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ب ذ َل ِ َ‬‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫م‬
‫حيككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫غَُفكككككككككككككككككككككككككككككككككككككوٌر ّر ِ‬
‫ل{ أي سككعة وقككدرة‬ ‫يقول تعالى‪} :‬ومن لم يستطع منكككم طككو ً‬
‫}أن ينكح المحصنات المؤمنات{ أي الحرائر العفائف المؤمنككات‪.‬‬
‫وقال ابن وهب‪ :‬أخبرني عبد الجبار عن ربيعة }ومككن لككم يسككتطع‬
‫منكم طول ً أن ينكح المحصنات{ قال ربيعة‪ :‬الطول الهوى‪ ,‬يعنككي‬
‫‪58‬‬
‫ينكح المة إذا كان هواه فيها‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم وابن جريككر‪ ,‬ثككم‬
‫أخذ يشنع على هذا القككول ويككرده }ملكككت أيمككانكم مككن فتيككاتكم‬
‫المؤمنككات{ أي فككتزوجوا مككن المككاء المؤمنككات اللتككي يملكهككن‬
‫المؤمنون‪ ,‬ولهذا قال }من فتياتكم المؤمنات{‪ ,‬قككال ابككن عبككاس‬
‫وغيره‪ :‬فلينكح من إماء المؤمنين‪ ,‬وكذا قال السككدي ومقاتككل بككن‬
‫حيان‪ .‬ثم اعترض بقوله }والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعككض{‬
‫أي هو العالم بحقككائق المككور وسككرائرها‪ ,‬وإنمككا لكككم أيهككا النككاس‬
‫الظاهر من المور ‪ ¹‬ثم }فانكحوهن بإذن أهلهككن{ فككدل علككى أن‬
‫السيد هو ولي أمته ل تزوج إل بإذنه‪ ,‬وكذلك هو ولككي عبككده ليككس‬
‫له أن يتزوج بغير إذنه‪ ,‬كما جاء في الحديث »أيما عبد تزوج بغيككر‬
‫إذن مواليه فهو عاهر« أي زان‪ .‬فإن كان مالك المة امرأة زوجها‬
‫من يزوج المككرأة بإذنهككا لمككا جككاء فككي الحككديث »ل تككزوج المككرأة‬
‫المرأة ول المرأة نفسككها‪ ,‬فككإن الزانيككة هككي الككتي تككزوج نفسككها«‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وآتوهن أجورهن بالمعروف{ أي وادفعوا مهورهن‬
‫بككالمعروف‪ ,‬أي عككن طيككب نفككس منكككم‪ ,‬ول تبخسككوا منككه شككيئا ً‬
‫استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬محصككنات{‬
‫أي عفائف عن الزنكا ل يتعكاطينه‪ ,‬ولهكذا قكال }غيكر مسكافحات{‬
‫وهكن الزوانكي اللتكي ل يمنعكن مكن أرادهكن بالفاحشكة كك وقكوله‬
‫تعالى‪} :‬ول متخذات أخدان{‪ ,‬قال ابن عبككاس‪ :‬المسككافحات هككن‬
‫الزواني المعلنات‪ ,‬يعنككي الزوانككي اللتككي ل يمنعككن أحككدا ً أرادهككن‬
‫بالفاحشة‪ .‬و }متخذات أخدان{ يعنككي أخلء‪ ,‬وكككذا روي عككن أبككي‬
‫هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني ويحيى بككن‬
‫أبي كثير ومقاتل بن حيان والسككدي‪ ,‬قككالوا‪ :‬أخلء‪ .‬وقككال الحسككن‬
‫البصككري‪ :‬يعنككي الصككديق‪ .‬وقككال الضككحاك أيضككا ً }ول متخككذات‬
‫أخدان{ ذات الخليل الواحد المقرة به‪ ,‬نهى الله عكن ذلكك‪ .‬يعنكي‬
‫تزويجهككككككككككككككا مككككككككككككككا دامككككككككككككككت كككككككككككككككذلك‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصككف مككا‬
‫على المحصنات من العذاب{ اختلف القككراء فككي أحصككن‪ ,‬فقككرأه‬
‫بعضهم بضككم الهمككزة وكسككر الصككاد مبنككي لمككا لككم يسككم فككاعله‪,‬‬
‫وقرىء بفتح الهمزة والصاد فعل لزم‪ ,‬ثم قيل‪ :‬معنككى القراءتيككن‬
‫واحد‪ ,‬واختلفوا فيه علككى قككولين )أحككدهما( أن المككراد بالحصككان‬
‫ههنا السلم‪ ,‬وروي ذلككك عككن عبككد اللككه بككن مسككعود وابككن عمككر‬
‫‪59‬‬
‫وأنس والسود بن يزيد وزر بن حككبيش وسككعيد بككن جككبير وعطككاء‬
‫وإبراهيم النخعككي والشككعبي والسككدي‪ ,‬وروى نحككوه الزهككري عككن‬
‫عمر بن الخطاب وهو منقطع‪ ,‬وهككذا هككو القككول الككذي نككص عليككه‬
‫الشافعي في رواية الربيع‪ ,‬قال‪ :‬وإنما قلنا ذلك‪ ,‬استدلل ً بالسككنة‪,‬‬
‫وإجماع أكثر أهل العلم‪ .‬وقدروى ابن أبككي حككاتم فككي ذلككك حككديثا ً‬
‫مرفوعًا‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد‪ ,‬حدثنا أحمككد بككن‬
‫عبد الرحمن بن عبد الله‪ ,‬حدثنا أبي عن أبيه‪ ,‬عن أبي حمزة‪ ,‬عن‬
‫جابر‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن‪ ,‬عن علي بككن أبككي طككالب‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم }فككإذا أحصككن{ قككال‬
‫»إحصانها إسلمها وعفافها« وقال‪ :‬المراد به ههنا التزويككج‪ .‬قككال‪:‬‬
‫وقال علي‪ :‬اجلدوهن‪ ,‬ثم قال ابن أبي حككاتم‪ :‬وهككو حككديث منكككر‪.‬‬
‫)قلت( وفي إسناده ضعف‪ ,‬وفيه من لم يسم‪ ,‬ومثلككه ل تقككوم بككه‬
‫حجة‪ .‬وقال القاسككم وسككالم‪ :‬إحصككانها إسككلمها وعفافهككا‪ .‬وقيككل‪:‬‬
‫المراد به ههنا التزويج‪ ,‬وهككو قككول ابككن عبككاس ومجاهككد وعكرمككة‬
‫وطاوس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم‪ .‬ونقله أبو علي‬
‫الطبري في كتابه اليضاح عن الشافعي‪ ,‬فيما رواه أبو الحكم بككن‬
‫عبد الحكم عنه‪ .‬وقد روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد أنه قككال‪:‬‬
‫إحصان المة أن ينكحها الحر‪ ,‬وإحصان العبد أن ينكح الحرة‪ ,‬وكذا‬
‫روى ابككن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس‪ ,‬رواهمككا ابككن جريككر فككي‬
‫تفسيره‪ .‬وذكره ابن أبي حاتم عن الشعبي والنخعي‪ .‬وقيل‪ :‬معنى‬
‫القراءتين متباين‪ .‬فمن قرأ‪ :‬أحصن بضم الهمزة فمراده التزويككج‪,‬‬
‫ومن قرأ بفتحها فمراده السلم‪ .‬اختاره أبو جعفر بككن جريككر فككي‬
‫تفسككيره وقككرره ونصككره‪ ,‬والظهككر ك ك واللككه أعلككم ككك أن المككراد‬
‫ليككة يككدل عليككه حيككث يقككول‬‫بالحصان ههنا التزويككج‪ ,‬لن سككياق ا َ‬
‫سبحانه وتعالى‪} :‬ومن لم يستطع منكم طول ً أن ينكح المحصنات‬
‫المؤمنات فممككا ملكككت أيمككانكم مككن فتيككاتكم المؤمنككات{ واللككه‬
‫لية الكريمة سياقها كلها في الفتيات المؤمنات فتعين أن‬ ‫أعلم‪ .‬وا َ‬
‫المراد بقوله‪} :‬فإذا أحصن{ أي تزوجن‪ ,‬كمككا فسككره ابككن عبككاس‬
‫ومن تبعه‪ ,‬وعلى كل من القولين إشكال علككى مككذهب الجمهككور‪,‬‬
‫وذلك أنهم يقولون‪ :‬إن المة إذا زنت فعليها خمسون جلدة‪ ,‬سواء‬
‫ليككة‬‫كككانت مسككلمة أو كككافرة‪ ,‬مزوجككة أو بكككرا‪ ,‬مككع أن مفهككوم ا َ‬
‫يقتضي أنه لحد على غير المحصككنة ممككن زنككى مككن المككاء‪ .‬وقككد‬
‫‪60‬‬
‫اختلفككت أجككوبتهم عككن ذلككك‪ ,‬فأمككا الجمهككور فقككالوا‪ :‬لشككك أن‬
‫المنطوق مقككدم علككى المفهككوم‪ .‬وقككد وردت أحككاديث عامككة فككي‬
‫لية‪ .‬فمن ذلك مككا‬ ‫إقامة الحد على الماء‪ ,‬فقدمناها على مفهوم ا َ‬
‫رواه مسلم فكي صكحيحه عكن علكي رضكي اللكه عنكه أنكه خطكب‬
‫فقال‪ :‬يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحككد مككن أحصككن منهككم‬
‫ومن لم يحصن‪ ,‬فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت‪,‬‬
‫فككأمرني أن أجلككدها‪ ,‬فككإذا هككي حديثككة عهككد بنفككاس فخشككيت إن‬
‫جلدتها أن أقتلها‪ ,‬فذكرت ذلك لنبي الله صكلى اللكه عليكه وسكلم‬
‫فقال‪» :‬أحسنت اتركها حتى تماثل«‪ ,‬وعند عبد الله بن أحمد عككن‬
‫دها خمسين« وعن أبي هريككرة‬ ‫ح ّ‬
‫غير أبيه »فإذا تعالت من نفسها ُ‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقككول‪» :‬إذا زنككت‬
‫أمة أحدكم فتبين زناها‪ ,‬فليجلككدها الحككد‪ ,‬ول يككثرب عليهككا‪ ,‬ثككم إن‬
‫زنت الثانية‪ ,‬فليجلدها الحد‪ ,‬ول يثرب عليهككا‪ ,‬ثككم إن زنككت الثالثككة‬
‫فتبين زناها‪ .‬فليبعها ولو بحبل من شعر« ولمسلم »إذا زنت ثلثككا ً‬
‫فليبعهككا فككي الرابعككة«‪ ,‬وروى مالككك عككن يحيككى بككن سككعيد عككن‬
‫سككليمان بككن يسككار عككن عبككد اللككه بككن عيككاش بككن أبككي ربيعككة‬
‫المخزومي قال‪ :‬أمرني عمر بن الخطاب فككي فتيككة مككن قريككش‪,‬‬
‫فجلككدنا ولئد مككن ولئد المككارة خمسككين خمسككين فككي الزنككا‪.‬‬
‫)الجواب الثاني( جواب مككن ذهككب إلككى أن المككة إذا زنككت ولككم‬
‫تحصن فل حد عليها‪ ,‬وإنما تضككرب تأديبكا ً وهككو المحكككي عككن ابككن‬
‫عباس رضي الله عنه‪ .‬وإليه ذهب طاوس وسككعيد بككن جككبير وأبككو‬
‫عبيد القاسم بن سلم وداود بككن علككي الظكاهري فككي روايكة عنككه‬
‫لية‪ ,‬وهو من مفاهيم الشككرط‪ ,‬وهككو حجككة عنككد‬ ‫وعمدتهم مفهوم ا َ‬
‫أكثرهم فقدم على العموم عندهم‪ ,‬وحديث أبككي هريككرة وزيككد بككن‬
‫خالد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سككئل‬
‫عن المة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال‪» :‬إن زنككت فحككدوها‪ ,‬ثككم إن‬
‫زنت فاجلدوها‪ ,‬ثم بيعوها ولو بضفير«‪ .‬قككال ابككن شككهاب‪ :‬لأدري‬
‫بعد الثالثة أو الرابعة وأخرجاه في الصحيحين‪ .‬وعنككد مسككلم قككال‬
‫ابن شهاب‪ :‬الضفير الحبل‪ .‬قالوا‪ :‬فلم يؤقت فيككه عككدد كمككا أقككت‬
‫في المحصنة‪ ,‬وكما وقت في القرآن بنصف مككا علككى المحصككنات‬
‫لية والحديث بذلك‪ ,‬والله أعلكم كك‬ ‫من العذاب‪ ,‬فوجب الجمع بين ا َ‬
‫وأصرح مككن ذلككك مككا رواه سككعيد بككن منصككور عككن سككفيان‪ ,‬عككن‬
‫‪61‬‬
‫مسعر‪ ,‬عن عمرو بن مرة‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »ليس على أمككة حككد‬
‫حتى تحصن ك أو حتى تزوج ك فإذا أحصنت بزوج فعليهككا نصككف مككا‬
‫على المحصنات« وقد رواه ابن خزيمة عن عبد اللككه بككن عمككران‬
‫العابدي عن سفيان به مرفوعًا‪ ,‬وقال رفعه خطأ إنما هو من قول‬
‫ابن عباس‪ .‬وكذا رواه البيهقي مككن حككديث عبككد اللككه بككن عمككران‬
‫ي وعمككر قضككايا‬ ‫وقال مثل ما قاله ابن خزيمة‪ .‬قالوا‪ :‬وحككديث علك ٍ‬
‫أعيان‪ ,‬وحديث أبي هريرة عنه أجوبككة‪) :‬أحككدها( أن ذلككك محمككول‬
‫على المة المزوجككة جمعكا ً بينككه وبيككن هككذا الحككديث‪) .‬الثككاني( أن‬
‫لفظة الحد في قوله »فليجلدها الحد« مقحمة مككن بعككض الككرواة‬
‫بدليل الجواب الثالث‪ ,‬وهو أن هذا من حديث صحابيين وذلك مككن‬
‫رواية أبي هريرة فقط‪ ,‬وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم مككن‬
‫رواية واحد‪ ,‬وأيضا ً فقد رواه النسائي بإسككناد علككى شككرط مسككلم‬
‫من حديث عباد بن تميم عن عمه‪ ,‬وكان قد شهد بككدرا ً أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬إذا زنت المة فاجلدوها‪ ,‬ثككم إذا‬
‫زنت فاجلدوها‪ ,‬ثم إذا زنت فاجلككدوها‪ ,‬ثككم إذا زنككت فبيعوهككا ولككو‬
‫بضفير« )الرابع( أنه ل يبعد أن بعض الرواة أطلق لفظة الحد في‬
‫الحديث على الجلد‪ ,‬لنككه لمككا كككان الجلككد اعتقككد أنككه حككد‪ ,‬أو أنككه‬
‫أطلق لفظة الحد على التأديب‪ ,‬كما أطلق الحد علككى ضككرب مككن‬
‫زنى من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ‪ ,‬وعلككى جلككد مككن‬
‫زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائة‪ ,‬وإنما ذلككك تعزيككر وتككأديب‬
‫عند من يراه كأحمد وغيره من السلف‪ .‬وإنما الحككد الحقيقككي هككو‬
‫جلد البكر مائة‪ .‬ورجم الثيب أو اللئط‪ ,‬والله أعلم‪ .‬وقد روى ابككن‬
‫جرير في تفسيره‪ :‬حككدثنا ابككن المثنككى‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن جعفككر‪,‬‬
‫حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جككبير يقككول‪ :‬ل‬
‫تضكرب المكة إذا زنكت مكا لكم تكتزوج‪ ,‬وهكذا إسكناد صكحيح عنكه‪,‬‬
‫ومذهب غريب إن أراد أنها ل تضرب المة أصل ً لحدًا‪ ,‬وكككأنه أخككذ‬
‫لية ولم يبلغه الحكديث‪ ,‬وإن أراد أنهكا لتضكرب حكدًا‪ ,‬ول‬ ‫بمفهوم ا َ‬
‫ينفي ضربها تأديبا ً فهو كقول ابن عباس رضي الله عنه ومن تبعككه‬
‫فككككككككككككككككي ذلككككككككككككككككك‪ ,‬واللككككككككككككككككه أعلككككككككككككككككم‪.‬‬
‫ليككة دلككت علككى أن المككة المحصككنة تحككد‬ ‫)الجواب الثككالث( أن ا َ‬
‫نصف حد الحرة‪ ,‬فأما قبككل الحصككان فعمومككات الكتككاب والسككنة‬
‫‪62‬‬
‫شككاملة لهككا فككي جلككدها مككائة‪ ,‬كقككوله تعككالى‪} :‬الزانيككة والزانككي‬
‫ل واحد منهما مائة جلدة{ وكحديث عبادة بككن الصككامت‬ ‫فاجلدوا ك ٍ‬
‫»خذوا عني‪ ,‬خذوا عني‪ ,‬قد جعل الله لهن سبيل ً البكر بالبكر جلككد‬
‫مائة وتغريب عام‪ ,‬والثيب بككالثيب جلككد مككائة ورجمهككا بالحجككارة«‬
‫والحديث في صحيح مسلم وغير ذلك من الحاديث‪ .‬وهككذا القككول‬
‫هو المشهور عن داود بن علي الظاهري وهو فككي غايككة الضككعف‪,‬‬
‫لن الله تعالى إذا كان أمر بجلد المحصككنة مككن المككاء بنصككف مككا‬
‫على الحرة من العذاب‪ ,‬وهو خمسون جلدة‪ ,‬فكيف يكون حكمهككا‬
‫قبل الحصان أشد منه بعد الحصان وقاعككدة الشككريعة فككي ذلككك‬
‫عكس ما قال ؟ وهككذا الشككارع عليككه السككلم سككأله أصككحابه عككن‬
‫المة إذا زنت ولم تحصن‪ ,‬فقال‪ :‬اجلدوها‪ ,‬ولككم يقككل‪ :‬مككائة‪ ,‬فلككو‬
‫كان حكمها كما زعم داود لوجب بيان ذلك لهم‪ ,‬لنهم إنمككا سككألوا‬
‫عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الحصان فككي المككاء‪ ,‬وإل‬
‫فما الفائدة في قولهم‪ :‬ولم تحصن لعدم الفرق بينهما لو لم تكككن‬
‫لية نزلت‪ ,‬لكن لما علموا حكم أحككد الحكميككن سككألوا عككن حكككم‬ ‫ا َ‬
‫لخر فبينه لهم‪ ,‬كما في الصحيحين أنهم لما سككألوه عككن الصككلة‬ ‫ا َ‬
‫عليه فذكرها لهم‪ ,‬ثم قال »والسلم ما قد علمتم« وفي لفظ لما‬
‫أنزل الله قوله‪} :‬يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسككلموا تسككليمًا{‬
‫قالوا‪ :‬هذا السلم عليك قكد عرفنكاه‪ ,‬فكيكف الصكلة عليكك وذككر‬
‫الحكككككككككككككديث وهككككككككككككككذا هكككككككككككككذا السكككككككككككككؤال‪.‬‬
‫لية جواب أبي ثور وهو أغرب مككن‬ ‫)الجواب الرابع( عن مفهوم ا َ‬
‫قول داود من وجوه‪ ,‬وذلككك أنككه يقككول‪ :‬فككإذا أحصككن فككإن عليهككن‬
‫نصف ما على المحصنات المزوجات وهككو الرجككم‪ ,‬وهككو ل ينصككف‬
‫فيجككب أن ترجككم المككة المحصككنة إذا زنككت‪ ,‬وأمككا قبككل الحصككان‬
‫لية‪ ,‬وخالف الجمهور في‬ ‫فيجب جلدها خمسين‪ ,‬فأخطأ في فهم ا َ‬
‫الحكم‪ ,‬بل قد قال أبو عبد الله الشافعي رحمه الله‪ :‬ولككم يختلككف‬
‫المسلمون في أن ل رجم على مملوك في الزنا‪ ,‬وذلككك لن ا َ‬
‫ليككة‬
‫دلككت علككى أن عليهككن نصككف مككا علككى المحصككنات مككن العككذاب‪,‬‬
‫واللف واللم في المحصنات للعهد‪ ,‬وهن المحصنات المككذكورات‬
‫لية‪} :‬ومن لم يستطع منكم طول ً أن ينكككح المحصككنات‬ ‫في أول ا َ‬
‫المؤمنات{ والمراد بهن الحككرائر فقككط مككن غيككر تعككرض لتزويككج‬
‫غيره‪ ,‬وقوله‪} :‬نصف ما على المحصنات من العذاب{ يكدل علكى‬
‫‪63‬‬
‫أن المراد من العذاب الذي يمكككن تنصكيفه وهكو الجلككد ل الرجككم‪,‬‬
‫والله أعلم‪ .‬وقد روى أحمد نصا ً في رد مذهب أبي ثور من روايككة‬
‫الحسن بن سعيد عن أبيه‪ :‬إن صككفّية كككانت قككد زنككت برجككل مككن‬
‫الحمس‪ ,‬فولككدت غلمكًا‪ ,‬فادعككاه الزانككي‪ ,‬فاختصككما إلككى عثمككان‪,‬‬
‫فرفعهما إلى علي بن أبي طالب‪ ,‬فقال علي‪ :‬أقضي فيهما بقضاء‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬الولد للفراش‪ ,‬وللعاهر الحجر‪,‬‬
‫وجلدهما خمسين خمسين‪ ,‬وقيل‪ :‬بل المراد من المفهككوم التنككبيه‬
‫بالعلى على الدنى أي إن الماء على النصككف مككن الحككرائر فككي‬
‫الحد وإن كن محصنات وليس عليهن رجم أصل ً ل قبل النكككاح ول‬
‫بعده‪ ,‬وإنما عليهن الجلد في الحالتين بالسككنة‪ ,‬قككال ذلككك صككاحب‬
‫الفصاح‪ ,‬وذكر هذا عن الشافعي فيما رواه ابن عبد الحكككم عنككه‪,‬‬
‫لثككار‪ ,‬وهككو بعيككد مككن لفككظ‬ ‫وقد ذكره البيهقي في كتاب السنن وا َ‬
‫لية ل من سككواها فكيككف‬ ‫لية‪ ,‬لنا إنما استفدنا تنصيف الحد من ا َ‬ ‫ا َ‬
‫يفهم منها التنصيف فيمككا عككداها وقككال‪ :‬بككل أريككد بأنهككا فككي حككال‬
‫الحصان ل يقيم الحد عليها إل المام ول يجوز لسيدها إقامة الحد‬
‫عليها والحالة هذه وهو قول في مككذهب أحمككد رحمككه اللككه‪ ,‬فأمككا‬
‫قبل الحصان فله ذلك‪ ,‬والحد في كل الموضعين نصف حد الحرة‪,‬‬
‫لية ما يدل عليككه‪ ,‬ولككول هككذه‬ ‫وهذا أيضا ً بعيد لنه ليس في لفظ ا َ‬
‫لم ندر ما حكم الماء في التنصيف‪ ,‬ولوجب دخككولهن فككي عمككوم‬
‫لية في تكميل الحد مائة‪ ,‬أو رجمهن كما ثبت فكي الكدليل عليكه‪,‬‬ ‫ا َ‬
‫وقد تقدم عن علي أنه قال‪ :‬أيها الناس أقيموا الحد على أرقككائكم‬
‫من أحصن منهم ومن لم يحصن‪ ,‬وعموم الحاديث المتقدمة ليس‬
‫فيها تفصيل بين المزوجة وغيرها لحديث أبي هريرة الذي احتج به‬
‫الجمهور‪» :‬إذا زنت أمة أحدكم‪ ,‬فتبين زناهككا‪ ,‬فليجلككدها الحككد‪ ,‬ول‬
‫يككثرب عليهككا« ملخككص ا َ‬
‫ليككة‪ :‬أنهككا إذا زنككت أقككوال‪ :‬أحككدها تجلككد‬
‫خمسين قبل الحصان وبعده‪ .‬وهل تنفى ؟ فيه ثلثة أقوال‪ :‬أحدها‬
‫إنها تنفى عنككه‪ .‬والثككاني ل تنفككى عنككه مطلقكا ً والثككالث أنهككا تنفككى‬
‫نصككف سككنة وهككو نصككف نفككي الحككرة‪ ,‬وهككذا الخلف فككي مككذهب‬
‫الشافعي‪ ,‬وأما أبو حنيفة فعنده أن النفي تعزيككر ليككس مككن تمككام‬
‫الحد‪ ,‬وإنما هو رأي المام إن شاء فعله وإن شاء تركككه فككي حككق‬
‫الرجال والنساء‪ ,‬وعند مالك أن النفي إنما هو علككى الرجككال وأمككا‬
‫النساء فل‪ ,‬لن ذلك مضاد لصيانتهن وما ورد شيء من النفي في‬
‫‪64‬‬
‫الرجككال ول النسككاء‪ .‬نعككم حككديث عبككادة وحككديث أبككي هريككرة أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قضى فيمن زنككى ولككم يحصككن‬
‫بنفككي عككام وبإقامككة الحككد عليككه‪ ,‬رواه البخككاري وذلككك مخصككوص‬
‫بالمعنى وهو أن المقصود من النفككي الصككون‪ ,‬وذلككك مفقككود فككي‬
‫نفي النساء‪ ,‬والله أعلم‪ .‬والثاني أن المة إذا زنت تجلككد خمسككين‬
‫بعد الحصان وتضرب تأديبا ً غير محدود بعدد محصككور‪ ,‬وقككد تقككدم‬
‫ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها ل تضرب قبل الحصان‪,‬‬
‫وإن أراد نفيككه فيكككون مككذهبا ً بالتأويككل وإل فهككو كككالقول الثككاني‪.‬‬
‫لخر أنها تجلد قبل الحصان مائة‪ ,‬وبعده خمسين‪ ,‬كما هككو‬ ‫القول ا َ‬
‫المشككهور عككن داود وأضككعف القككوال‪ :‬أنهككا تجلككد قبككل الحصككان‬
‫خمسين‪ ,‬وترجم بعده‪ ,‬وهو قول أبي ثور وهو ضعيف أيضًا‪ ,‬واللككه‬
‫سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬ذلككك لمككن خشككي‬
‫العنت منكم{ أي إنما يباح نكاح المكاء بالشكروط المتقدمكة لمكن‬
‫خاف على نفسه الوقوع في الزنا‪ ,‬وشق عليه الصبر عن الجماع‪,‬‬
‫وعنككت بسككبب ذلكك كلكه‪ ,‬فلكه حينئذ أن يككتزوج بالمكة‪ ,‬وإن تكرك‬
‫تزوجها وجاهد نفسه فككي الكككف عككن الزنككا فهككو خيككر لككه لنككه إذا‬
‫تزوجها جككاء أولده أرقككاء لسككيدها إل أن يكككون الككزوج عربي ّكًا‪ ,‬فل‬
‫تكون أولده منها أرقاء في قول قديم للشافعي‪ ,‬ولهذا قال }وأن‬
‫ليككة الكريمككة‪,‬‬‫تصبروا خير لكم واللككه غفككور رحيككم{ ومككن هككذه ا َ‬
‫استدل جمهور العلماء في جواز نكاح المككاء علككى أنككه ل بككد مككن‬
‫عدم الطول لنكاح الحرائر ومن خوف العنت لما في نكاحهن مككن‬
‫مفسككدة رق الولد‪ ,‬ولمككا فيهككن مككن الككدناءة فككي العككدول عككن‬
‫الحرائر إليهن‪ ,‬وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصككحابه فككي اشككتراط‬
‫المرين‪ ,‬فقالوا‪ :‬متى لم يكن الرجل مزوجا ً بحككرة‪ ,‬جككاز لككه نكككاح‬
‫المة المؤمنة والكتابية أيضا ً سواء كان واجككدا ً لطككول حككرة أم ل‪,‬‬
‫وسواء خاف العنت أم ل‪ ,‬وعمدتهم فيمككا ذهبككواإليه قككوله تعككالى‪:‬‬
‫}والمحصنات من الذين أوتككوا الكتككاب مككن قبلكككم{ أي العفككائف‬
‫لية عامة وهذه أيضا ً ظاهرة فككي‬ ‫وهو يعم الحرائر والماء‪ ,‬وهذه ا َ‬
‫الدللكككككة علكككككى مكككككا قكككككاله الجمهكككككور‪ ,‬واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫ب‬ ‫م وَي َت ُككو َ‬ ‫مككن قَب ْل ِك ُك ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّك ِ‬
‫سكن َ َ‬‫م ُ‬ ‫م وَي َهْكدِي َك ُ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫ه ل ِي ُب َي ّ َ‬‫ريد ُ الل ّ ُ‬‫** ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫ري كد ُ‬‫ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُك ْ‬
‫م وَي ُ‬ ‫ري كد ُ أن ي َت ُككو َ‬ ‫ِ‬ ‫ه يُ‬‫م * َوالل ّك ُ‬ ‫كي ك ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ك ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ه َأن‬ ‫ريكد ُ الل ّك ُ‬ ‫ظيمكا ً * ي ُ ِ‬ ‫مي ْل ً عَ ِ‬‫ميل ُككوا ْ َ‬ ‫ت أن ت َ ِ‬
‫َ‬
‫وا ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ش كه َ َ‬ ‫ن ي َت ّب ِعُككو َ‬
‫ذي َ‬ ‫ال ّك ِ‬
‫ضكككككككككِعيفا ً‬ ‫ن َ‬ ‫سكككككككككا ُ‬ ‫لن َ‬ ‫خل ِكككككككككقَ ا ِ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫ف عَن ْك ُككككككككك ْ‬ ‫خّفككككككككك َ‬ ‫يُ َ‬
‫يخبر تعالى أنه يريد أن يبين لكم أيهككا المؤمنككون مككا أحككل لكككم‬
‫وحرم عليكم مما تقدم ذكره في هذه السورة وغيرها‪} ,‬ويهكديكم‬
‫سنن الذين من قبلكم{ يعني طرائقهككم الحميككدة واتبككاع شككرائعه‬
‫التي يحبها ويرضاها‪} ,‬ويتككوب عليكككم{ أي مككن الثككم والمحككارم‪,‬‬
‫}واللككه عليككم حكيككم{ أي فككي شككرعه وقككدره وأفعككاله وأقككواله‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميل ً عظيمًا{ أي‬
‫يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزنككاة أن تميلككوا عككن‬
‫الحق إلى الباطل ميل ً عظيمكا ً }يريككد اللككه أن يخفككف عنكككم{ أي‬
‫في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقككدره لكككم‪ ,‬ولهككذا أبككاح المككاء‬
‫بشروط‪ ,‬كما قال مجاهد وغيره }وخلق النسان ضعيفًا{ فناسككبه‬
‫التخفيف لضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته‪ .‬وقككال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل‪ ,‬حدثنا وكيع عن سفيان‪ ,‬عن ابككن‬
‫طاوس‪ ,‬عن أبيه }وخلق النسككان ضككعيفًا{ أي فككي أمككر النسككاء‪.‬‬
‫وقال وكيع‪ :‬يذهب عقله عندهن‪ .‬وقال موسى الكليم عليه السلم‬
‫لنبينا محمد صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬ليلككة السككراء حيككن مككر عليككه‬
‫راجعا ً من عند سدرة المنتهى‪ ,‬فقال له‪ :‬ماذا فرض عليكم‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫أمرني بخمسين صلة في كل يوم وليلة‪ ,‬فقال له‪ :‬ارجع إلى ربك‬
‫فاسأله التخفيف‪ ,‬فإن أمتك ل تطيق ذلك‪ ,‬فإني قد بلككوت النككاس‬
‫قبلك على ما هو أقل من ذلك فعجزوا‪ ,‬وإن أمتك أضعف أسماعا ً‬
‫وأبصارا ً وقلوبًا‪ ,‬فرجع‪ ,‬فوضع عشرًا‪ .‬ثككم رجككع إلككى موسككى فلككم‬
‫يكككككككزل ككككككككذلك حكككككككتى بقيكككككككت خمسكككككككًا‪ ,‬الحكككككككديث‪.‬‬
‫ل إ ِل ّ َأن ت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫ن‬ ‫كو َ‬ ‫م ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬‫وال َك ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َأك ُل ُوَا ْ أ ْ‬
‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫** َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫حيما ً‬ ‫َ‬
‫م َر ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬
‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م وَل َ ت َْقت ُل ُوَا ْ أن ُْف َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ض ّ‬ ‫عن ت ََرا ٍ‬ ‫جاَرةً َ‬ ‫تِ َ‬
‫ك‬ ‫ن ذ َِلك َ‬ ‫ككا َ‬ ‫صكِليهِ َنكارا ً وَ َ‬ ‫ف نُ ْ‬ ‫سكوْ َ‬ ‫ك عُد َْوانا ً وَظ ُْلما ً فَ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬‫من ي َْفعَ ْ‬ ‫* وَ َ‬
‫م‬‫ه ن ُك َّف كْر عَن ْك ُك ْ‬ ‫ن عَن ْك ُ‬ ‫مككا ت ُن ْهَ كوْ َ‬ ‫جت َن ُِبوا ْ ك َب َككآئ َِر َ‬‫سيرا ً * ِإن ت َ ْ‬ ‫عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬
‫ريمككككككككككككا ً‬ ‫خل ً ك َ ِ‬ ‫مككككككككككككد ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫خل ْك ُ ْ‬‫م وَُنككككككككككككد ْ ِ‬ ‫سككككككككككككي َّئات ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫‪66‬‬
‫ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم‬
‫بعضا ً بالباطل‪ ,‬أي بأنواع المكاسب التي هي غيككر شككرعية كككأنواع‬
‫الربا والقمار‪ ,‬وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيككل‪ ,‬وإن‬
‫ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما‬
‫يريد الحيلة على الربا‪ ,‬حتى قال ابن جريككر‪ :‬حككدثني ابككن المثنككى‪,‬‬
‫حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬حدثنا داود عن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس فككي‬
‫الرجل يشتري من الرجل الثككوب فيقككول‪ :‬إن رضككيته أخككذته‪ ,‬وإل‬
‫رددته ورددت معه درهمًا‪ ,‬قال‪ :‬هو الذي قال اللككه عككز وجككل فيككه‬
‫}ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل{ وقال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا‬
‫علي بن حرب الموصلي‪ ,‬حدثنا ابن فضككيل عككن داود الودي‪ ,‬عككن‬
‫عامر‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبد الله في ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪ :‬إنهككا محكمككة مككا‬
‫نسخت ول تنسخ إلى يوم القيامة‪ .‬وقال علي بن أبي طلحككة عككن‬
‫ابن عباس‪ :‬لما أنزل الله }يا أيها الككذين آمنككوا ل تككأكلوا أمككوالكم‬
‫بينكم بالباطل{ قال المسلمون‪ :‬إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنككا‬
‫بيننا بالباطل‪ ,‬والطعام هككو أفضكل أموالنككا‪ ,‬فل يحككل لحككد منكا أن‬
‫يأكل عند أحد‪ ,‬فكيف للناس ؟ فأنزل الله بعككد ذلككك }ليككس علككى‬
‫لية‪ ,‬وكذا قال قتادة‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬إل أن تكككون‬ ‫العمى حرج{ ا َ‬
‫تجككارة عككن تككراض منكككم{ قرىككء تجككارة بككالرفع وبالنصككب وهككو‬
‫استثناء منقطككع‪ ,‬كككأنه يقككول‪ :‬ل تتعككاطوا السككباب المحرمككة فككي‬
‫اكتساب الموال‪ ,‬ولكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تككراض‬
‫من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها فككي تحصككيل المككوال‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬ول تقتلوا النفككس الككتي حككرم اللككه إل بككالحق{‪,‬‬
‫وكقوله }ل يذوقون فيهككا المككوت إل الموتكة الولككى{‪ .‬ومككن هككذه‬
‫لية الكريمة احتج الشافعي علككى أنككه ل يصككح الككبيع إل بككالقبول‪,‬‬ ‫ا َ‬
‫لنه يدل على التراضككي نصكا ً بخلف المعاطككاة‪ ,‬فإنهككا قككد ل تككدل‬
‫على الرضى ول بد‪ ,‬وخالف الجمهور في ذلككك مالككك وأبككو حنيفككة‬
‫وأحمككد وأصككحابهم‪ ,‬فككرأوا أن القككوال كمككا تككدل علككى التراضككي‬
‫فكككذلك الفعككال تككدل فككي بعككض المحككال قطع كًا‪ ,‬فصككححوا بيككع‬
‫المعاطاة مطلقًا‪ ,‬ومنهم من قال‪ :‬يصح في المحقرات وفيما يعده‬
‫الناس بيعا ً وهو احتياط نظر مكن محققكي المككذهب‪ ,‬واللكه أعلكم‪.‬‬
‫وقال مجاهد }إل أن تكون تجارة عن تراض منكم{ بيعا ً أو عطككاء‬
‫يعطيه أحد أحدًا‪ ,‬ورواه ابن جرير‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬وحككدثنا وكيككع‪ ,‬حككدثنا‬
‫‪67‬‬
‫أبي عن القاسم‪ ,‬عن سليمان الجعفي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عككن ميمككون بككن‬
‫مهران‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »الككبيع عككن‬
‫تراض والخيار بعد الصككفقة‪ ,‬ول يحككل لمسككلم أن يغككش مسككلمًا«‬
‫هذا حديث مرسل‪ .‬ومن تمام التراضي إثبات خيار المجلس‪ ,‬كمككا‬
‫ثبت في الصحيحين أن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‬
‫»البيعككان بالخيككار مككالم يتفرقككا« وفككي لفككظ البخككاري »إذا تبككايع‬
‫الرجلن فكل واحد منهما بالخيار مالم يتفرقا«‪ ,‬وذهب إلى القول‬
‫بمقتضككى هككذا الحككديث أحمككد والشككافعي وأصككحابهما وجمهككور‬
‫السلف والخلف‪ ,‬ومن ذلك مشروعية خيار الشرط بعد العقد إلى‬
‫ثلثة أيام بحسب ما يتبين فيه حال البيع ولو إلى سنة في القريككة‬
‫ونحوها‪ ,‬كما هو المشككهور عككن مالككك رحمككه اللككه‪ ,‬وصككححوا بيككع‬
‫المعاطاة مطلقا ً وهو قول في مذهب الشافعي‪ ,‬ومنهم من قككال‪:‬‬
‫يصح بيع المعاطككاة فككي المحقككرات فيمككا يعككده النككاس بيعكا ً وهككو‬
‫اختيار طائفة من الصحاب كما هو متفق عليه‪ ,‬وقوله }ول تقتلككوا‬
‫أنفسكككم{ أي بارتكككاب محككارم اللككه‪ ,‬وتعككاطي معاصككيه‪ ,‬وأكككل‬
‫أموالكم بينكم بالباطل }إن الله كان بكم رحيمًا{ أي فيما أمركم‬
‫به ونهاكم عنه‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا حسن بن موسى‪ ,‬حككدثنا‬
‫ابن لهيعة‪ ,‬حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس‪ ,‬عن‬
‫عبد الرحمن بن جبير‪ ,‬عن عمرو بن العككاص رضككي اللككه عنككه أنككه‬
‫قال لما بعثه النبي صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬عككام ذات السلسككل‪,‬‬
‫قال‪ :‬احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد‪ ,‬فأشفقت إن اغتسككلت‬
‫أن أهلك‪ ,‬فتيممت ثم صليت بأصكحابي صكلة الصكبح‪ ,‬قكال‪ :‬فلمكا‬
‫قدمنا على رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬ذكككرت ذلككك لككه‪,‬‬
‫فقال »يكا عمكرو صكليت بأصكحابك وأنكت جنكب« قكال‪ :‬قلكت‪ :‬يكا‬
‫رسول الله‪ ,‬إني احتلمت في ليلة باردة شككديدة الككبرد‪ ,‬فأشككفقت‬
‫إن اغتسلت أن أهلككك‪ ,‬فككذكرت قككول اللككه عككز وجككل }ول تقتلككوا‬
‫أنفسكم إن الله كان بكككم رحيمكًا{ فكتيممت ثككم صكليت‪ ,‬فضككحك‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا‪ ,‬وهكككذا رواه أبككو‬
‫داود من حديث يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حككبيب بككه‪ .‬ورواه‬
‫أيضا ً عن محمد بن أبكي سكلمة‪ ,‬عكن ابكن وهكب‪ ,‬عكن ابكن لهيعكة‬
‫وعمر بن الحارث‪ ,‬كلهما عن يزيد بن أبي حبيب‪ ,‬عن عمران بككن‬
‫أبي أنس‪ ,‬عن عبد الرحمككن بككن جككبير المصككري‪ ,‬عككن أبككي قيككس‬
‫‪68‬‬
‫مولى عمرو بن العاص عنه‪ ,‬فككذكر نحككوه‪ ,‬وهككذا كك واللككه أعلككم كك‬
‫أشبه بالصواب‪ .‬وقال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا عبد الرحمككن بككن‬
‫محمد بن حامد البلخي‪ ,‬حدثنا محمد بن صالح بككن سككهل البلخككي‪,‬‬
‫حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري‪ ,‬حدثنا يوسف بن خالككد‪ ,‬حككدثنا‬
‫زياد بن سعد عن عكرمة‪ ,‬عن ابككن عبككاس أن عمككرو بككن العككاص‬
‫صلى بالناس وهو جنب‪ ,‬فلما قدموا على رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم ذكروا ذلك له فدعاه فسأله عن ذلك‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ ,‬خفت أن يقتلنككي الككبرد‪ ,‬وقككد قككال اللككه تعككالى‪} :‬ول تقتلككوا‬
‫لية‪ ,‬فسكت عنه رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬ ‫أنفسكم{ ا َ‬
‫لية الكريمككة مككن حككديث العمككش‬ ‫ثم أورد ابن مردويه عند هذه ا َ‬
‫عن أبي صالح‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »من قتل نفسه بحديدة‪ ,‬فحديككدته فكي يكده‪ ,‬يجكأ بهكا‬
‫بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا ً مخلدا ً فيها أبككدًا‪ ,‬ومككن قتككل‬
‫نفسه بسم فسمه في يده‪ ,‬يتحساه فككي نككار جهنككم خالككدا ً مخلككدا ً‬
‫دى من جبل فقتل نفسه‪ ,‬فهو مترد في نار جهنم‬ ‫فيها أبدا ً ومن تر ّ‬
‫خالدا ً فيها أبدًا« وهذا الحديث ثابت في الصككحيحين‪ ,‬وكككذلك رواه‬
‫أبو الزناد عن العرج‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬عن النبي صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم بنحوه‪ ,‬وعن أبي قلبة عن ثككابت بككن الضككحاك رضككي اللككه‬
‫عنه‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من قتل نفسه‬
‫بشيء عذب به يوم القيامة« وقد أخرجه الجماعة في كتبهم مككن‬
‫طريق أبي قلبة‪ .‬وفي الصحيحين من حديث الحسن عككن جنككدب‬
‫بن عبد الله البجلي‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫»كان رجل ممن كان قبلكم وكان به جرح فأخككذ سكككينا ً نحككر بهككا‬
‫يده‪ ,‬فمارقأ الدم حتى مات‪ ,‬قال اللككه عككز وجككل »عبككدي بككادرني‬
‫بنفسه‪ ,‬حرمت عليه الجنة« ولهذا قال تعالى‪} :‬ومككن يفعككل ذلككك‬
‫عدوانا ً وظلمًا{ أي ومن يتعككاطى مككا نهككاه اللككه عنككه معتككديا ً فيككه‬
‫ظالم كا ً فككي تعككاطيه أي عالم كا ً بتحريمككه متجاسككرا ً علككى انتهككاكه‬
‫لية‪ ,‬وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد‪ ,‬فليحذر‬ ‫}فسوف نصليه نارًا{ ا َ‬
‫منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شككهيد‪ .‬وقككوله تعككالى‪:‬‬
‫ليككة‪ ,‬أي‬ ‫}إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكككم سككيئاتكم{ ا َ‬
‫لثككام الككتي نهيتككم عنهككا‪ ,‬كفرنككا عنكككم صككغائر‬‫إذا اجتنبتككم كبككائر ا َ‬
‫الذنوب وأدخلناكم الجنككة‪ ,‬ولهككذا قككال }ونككدخلكم مككدخل ً كريمكًا{‬
‫‪69‬‬
‫وقككال الحككافظ أبككو بكككر الككبزار‪ :‬حككدثنا مؤمككل بككن هشككام‪ ,‬حككدثنا‬
‫إسماعيل بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا خالد بن أيوب عككن معاويككة بككن قككرة‪,‬‬
‫عن أنس‪ ,‬قال‪ :‬الذي بلغنا عن ربنا عز وجل‪ ,‬ثم لم نخرج لككه عككن‬
‫كل أهل ومال أن تجككاوز لنككا عمككا دون الكبككائر‪ ,‬يقككول اللككه‪} :‬إن‬
‫لية‪ ,‬وقد وردت‬ ‫تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم{ ا َ‬
‫لية الكريمة‪ ,‬فلنككذكر منهككا مككا تيسككر‪ ,‬قككال‬ ‫أحاديث متعلقة بهذه ا َ‬
‫المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا هشككيم عككن مغيككرة عككن أبككي معشككر‪ ,‬عككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬عن قَْرثع الضبي‪ ,‬عن سلمان الفارسككي‪ ,‬قككال‪ :‬قككال لككي‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم »أتدري ما يوم الجمعة ؟« قلت‪ :‬هككو‬
‫اليوم الذي جمع الله فيه أباكم‪ ,‬قال»لكن أدري ما يوم الجمعة‪ ,‬ل‬
‫يتطهر الرجل فيحسككن طهككوره‪ ,‬ثككم يككأتي الجمعككة فينصككت حككتى‬
‫يقضي المام صلته إل كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة‬
‫ما اجتنبت المقتلة«‪ ,‬وقد روى البخاري من وجه آخر عن سككلمان‬
‫نحوه‪ .‬وقال أبو جعفر بن جرير‪ :‬حدثني المثنى‪ ,‬حككدثنا أبككو صككالح‪,‬‬
‫حدثنا الليككث‪ ,‬حككدثني خالككد عككن سككعيد بككن أبككي هلل‪ ,‬عككن نعيككم‬
‫المجمر‪ ,‬أخبرني صهيب مولى العُْتواري‪ ,‬أنه سمع أبا هريككرة وأبككا‬
‫سعيد يقولن‪ :‬خطبنا رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم يومكًا‪,‬‬
‫فقال‪» :‬والذي نفسي بيده« ثلث مرات‪ ,‬ثم أكب فأكب كل رجل‬
‫منا يبكي ل نكدري مكاذا حلكف عليكه‪ ,‬ثكم رفكع رأسكه وفكي وجهكه‬
‫البشر‪ ,‬فكان أحب إلينا من حمر النعم‪ ,‬فقال‪» :‬ما من عبد يصلي‬
‫الصككلوات الخمككس‪ ,‬ويصككوم رمضككان‪ ,‬ويخككرج الزكككاة‪ ,‬ويجتنككب‬
‫الكبككائر السككبع‪ ,‬إل فتحككت لككه أبككواب الجنككة‪ ,‬ثككم قيككل لككه‪ :‬ادخككل‬
‫بسلم«‪ ,‬وهكذا رواه النسائي والحاكم في مسكتدركه مككن حككديث‬
‫الليث بن سعد به‪ ,‬ورواه الحاكم أيضا ً وابن حبان في صحيحه من‬
‫حديث عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث‪ ,‬عن سعيد بن أبي‬
‫هلل بككه ثككم قككال الحككاكم‪ :‬صككحيح علككى شككرط الشككيخين‪ ,‬ولككم‬
‫)تفسير هذه السبع( وذلك بما ثبت فككي الصككحيحين مككن حككديث‬
‫سليمان بن بلل عن ثور بن زيد‪ ,‬عن سالم أبي الغيككث‪ ,‬عككن أبككي‬
‫هريرة‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قال »اجتنبوا السبع‬
‫الموبقات«‪ .‬قيل‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬وما هككن ؟ قككال »الشككرك بككالله‪,‬‬
‫وقتل النفس التي حرم الله إل بالحق‪ ,‬والسحر‪ ,‬وأكل الربا‪ ,‬وأكل‬
‫‪70‬‬
‫مال اليتيم‪ ,‬والتولي يككوم الزحككف‪ ,‬وقككذف المحصككنات المؤمنككات‬
‫الغككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككافلت«‪.‬‬
‫)طريق أخرى عنه( قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا فهد بن‬
‫عوف‪ ,‬حدثنا أبو عوانة عن عمرو بن أبككي سككلمة‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬عككن‬
‫أبي هريرة‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬قككال »الكبككائر‬
‫سبع‪ :‬أولها الشراك بالله‪ ,‬ثم قتل النفس بغير حقها‪ ,‬وأكل الربككا‪,‬‬
‫وأكككل مككال اليككتيم إلككى أن يكككبر‪ ,‬والفككرار مككن الزحككف‪ ,‬ورمككي‬
‫المحصنات‪ ,‬والنقلب إلى العككراب بعككد الهجككرة«‪ ,‬فككالنص علككى‬
‫هذه السكبع بكأنهن كبككائر‪ ,‬ل ينفكي مكا عكداهن إل عنككد مككن يقككول‬
‫بمفهوم اللقب‪ ,‬وهو ضعيف عند عدم القرينة ول سيما عنككد قيككام‬
‫الدليل بالمنطوق على عدم المفهوم‪ ,‬كما سنورده مككن الحككاديث‬
‫المتضمنة من الكبائر غير هذه السبع‪ ,‬فمن ذلككك مككا رواه الحككاكم‬
‫في مستدركه حيث قككال‪ :‬حككدثنا أحمككد بككن كامككل القاضككي إملء‪,‬‬
‫حدثنا أبو قلبة عبد الملك بن محمد‪ ,‬حدثنا معاذ بن هانيء‪ ,‬حككدثنا‬
‫حرب بن شداد‪ ,‬حدثنا يحيى بككن أبككي كككثير عككن عبككد الحميككد بككن‬
‫سنان‪ ,‬عن عبيد بن عمير‪ ,‬عن أبيه يعنككي عميككر بككن قتككادة رضككي‬
‫الله عنه‪ ,‬أنه حدثه وككانت لكه صكحبة أن رسكول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم قال في حجة الوداع »أل إن أولياء الله المصلون مككن‬
‫يقم الصلوات الخمس التي كتبت عليه‪ ,‬ويصوم رمضان ويحتسب‬
‫صومه‪ ,‬يرى أنه عليه حق‪ ,‬ويعطككي زكككاة مككاله يحتسككبها ويجتنككب‬
‫الكبائر التي نهى اللكه عنهكا«‪ ,‬ثكم إن رجل ً سكأله فقكال‪ :‬يارسكول‬
‫الله‪ ,‬ما الكبائر ؟ فقال »تسع‪ :‬الشرك بالله‪ ,‬وقتككل نفككس مككؤمن‬
‫بغير حق‪ ,‬وفرار يوم الزحف‪ ,‬وأكل مال اليتيم وأكل الربا‪ ,‬وقككذف‬
‫المحصنة‪ ,‬وعقوق الوالدين المسلمين‪ ,‬واسككتحلل الككبيت الحككرام‬
‫قبلتكككم أحيككاء وأموات كًا‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬ل يمككوت رجككل ل يعمككل هككؤلء‬
‫الكبائر‪ ,‬ويقيم الصلة ويؤتي الزكاة إل كان مككع النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم في دار أبوابها مصاريع من ذهب«‪ ,‬هكذا رواه الحككاكم‬
‫ل‪ ,‬وقد أخرجه أبو داود والترمذي مختصرا ً مككن حككديث معككاذ‬ ‫مطو ً‬
‫بن هانيء به‪ .‬وكذا رواه ابن أبي حككاتم مككن حككديثه مبسككوطًا‪ ,‬ثككم‬
‫قال الحاكم‪ :‬رجاله كلهم يحتج بهم في الصحيحين إل عبد الحميككد‬
‫بن سنان‪) .‬قلككت( وهككو حجككازي ل يعككرف إل بهككذا الحككديث‪ ,‬وقككد‬
‫ذكره ابن حبان في كتاب الثقات‪ .‬وقال البخاري‪ :‬في حديثه نظر‪,‬‬
‫‪71‬‬
‫وقد رواه ابن جرير عن سليمان بن ثابت الجحدري‪ ,‬عن سلم بككن‬
‫سلم‪ ,‬عن أيوب بن عتبة‪ ,‬عن يحيى بن أبي كككثير‪ ,‬عككن عبيككد بككن‬
‫عمير‪ ,‬عن أبيه فككذكره‪ ,‬ولككم يككذكر فككي السككناد عبككد الحميككد بككن‬
‫سككككككككككككككككككككككنان‪ ,‬واللككككككككككككككككككككككه أعلككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫)حديث آخر في معنى ما تقدم( قال ابن مردويه‪ :‬حدثنا عبد الله‬
‫بن جعفر حدثنا أحمد بن يونس‪ ,‬حدثنا يحيى بن عبد الحميد‪ ,‬حدثنا‬
‫عبد العزيز بن مسلم بن الوليد‪ ,‬عككن المطلككب بككن عبككد اللككه بككن‬
‫حنطب‪ ,‬عن ابن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬صعد النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫المنككبر‪ ,‬فقككال »ل أقسككم‪ ,‬ل أقسككم«‪ ,‬ثككم نككزل فقككال‪» :‬أبشككروا‬
‫أبشروا‪ ,‬من صلى الصلوات الخمس واجتنب الكبائر السبع‪ ,‬نودي‬
‫من أبواب الجنككة‪ :‬ادخككل«‪ .‬قككال عبككد العزيككز‪ :‬ل أعلمككه‪ .‬إل قككال‪:‬‬
‫»بسلم«‪ .‬وقال المطلب‪ :‬سمعت من سككأل عبككدالله بككن عمككرو‪,‬‬
‫أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسكلم يكذكرهن ؟ قكال‪ :‬نعكم‬
‫»عقكككوق الوالكككدين‪ ,‬وإشكككراك بكككالله‪ ,‬وقتكككل النفكككس‪ ,‬وقكككذف‬
‫المحصنات‪ ,‬وأكل مال اليتيم‪ ,‬والفرار من الزحككف‪ ,‬وأكككل الربككا«‪.‬‬
‫)حديث آخر في معناه( قال أبو جعفككر بككن جريككر فككي التفسككير‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب‪ ,‬حدثنا ابن علية‪ ,‬حدثنا زياد بن مخراق عككن طيسككلة‬
‫بن مياس‪ ,‬قال‪ :‬كنت مع النجككدات فأصككبت ذنوبكا ً ل أراهككا إل مككن‬
‫الكبائر‪ ,‬فلقيت ابن عمر‪ ,‬فقلت له‪ :‬إنككي أصككبت ذنوبكا ً ل أراهككا إل‬
‫من الكبائر‪ ,‬قال‪ :‬ما هي ؟ قلت‪ :‬أصبت كذا وكذا‪ .‬قال‪ :‬ليس مككن‬
‫الكبائر‪ .‬قلت‪ :‬وأصبت كذا وكككذا‪ .‬قككال ليككس مككن الكبككائر‪ .‬قككال كك‬
‫بشككي لككم يسككمه طيسككلة ك ك قككال‪ :‬هككي تسككع وسككأعدهن عليككك‬
‫»الشراك بالله‪ ,‬وقتل النفككس بغيككر حقهككا والفككرار مككن الزحككف‪,‬‬
‫وقذف المحصنة‪ ,‬وأكل الربا وأكل مال اليككتيم ظلمكًا‪ .‬وإلحككاد فككي‬
‫المسجد الحرام والذي يستسحر‪ ,‬وبككاء الوالككدين مككن العقككوق«‪.‬‬
‫قال زياد‪ :‬وقال طيسلة‪ :‬لمكا رأى ابكن عمكر فرقكي قكال‪ :‬أتخكاف‬
‫النار أن تدخلها ؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬وتحب أن تدخل الجنة ؟ قلككت‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال‪ :‬أحي والداك ؟ قلت‪ :‬عندي أمي‪ .‬قال‪ :‬فوالله لئن أنككت‬
‫ألنككت لهككا الكلم‪ ,‬وأطعمتهككا الطعككام لتككدخلن الجنككة مككا اجتنبككت‬
‫الموجبكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككات‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال ابن جرير‪ :‬حدثنا سليمان بن ثابت الجحدري‬
‫الواسطي‪ ,‬حدثنا سلم بن سلم‪ ,‬حدثنا أيوب بن عتبة عن طيسككلة‬
‫‪72‬‬
‫بن علي النهدي‪ ,‬قال‪ :‬أتيككت ابككن عمككر وهككو فككي ظككل أراك يككوم‬
‫عرفة وهو يصب المككاء علككى رأسككه ووجهككه‪ ,‬قلككت‪ :‬أخككبرني عككن‬
‫الكبائر ؟ قال‪ :‬هي تسكع قلكت‪ :‬مكا هكي ؟ قكال‪» :‬الشكراك بكالله‬
‫وقذف المحصنة« قككال‪ :‬قلككت‪ :‬قبككل القتككل ؟ قككال‪ :‬نعككم ورغمككا‪,‬‬
‫وقتل النفس المؤمنة‪ ,‬والفرار من الزحف‪ ,‬والسحر‪ ,‬وأكككل الربككا‪,‬‬
‫وأكل مككال اليككتيم‪ ,‬وعقككوق الوالككدين المسككلمين‪ ,‬وإلحككاد بككالبيت‬
‫الحرام قبلتكم أحيككاء وأموات كًا« هكككذا رواه مككن هككذين الطريقيككن‬
‫موقوفًا‪ .‬وقد رواه علي بن الجعد عن أيوب بن عتبة‪ ,‬عن طيسككلة‬
‫بن علي‪ ,‬قال‪ :‬أتيت ابن عمر عشية عرفة‪ ,‬وهو تحت ظل أراكككة‪,‬‬
‫وهو يصب الماء على رأسه فسألته عن الكبائر ؟ فقككال‪ :‬سككمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪» :‬هن سبع« قككال‪ :‬قلككت‪:‬‬
‫وما هن ؟ قال »الشراك بالله وقذف المحصنة« قال‪ :‬قلت‪ :‬قبككل‬
‫الدم ؟ قكال‪ :‬نعكم‪ ,‬ورغمكًا‪ ,‬وقتكل النفكس المؤمنكة‪ ,‬والفكرار مكن‬
‫الزحف‪ ,‬والسحر وأكل الربا‪ ,‬وأكل مال اليتيم‪ ,‬وعقككوق الوالككدين‪,‬‬
‫وإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتًا«‪ .‬وهكككذا رواه الحسككن‬
‫بن موسى الشيب عن أيوب بن عتبة اليماني وفيه ضككعف‪ ,‬واللككه‬
‫أعلكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا زكريا بن عدي‪ ,‬حدثنا بقيككة‬
‫عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان أن أبارهم السمعى حككدثهم‬
‫عن أبي أيوب قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »مككن‬
‫عبد الله ل يشرك بككه شككيئًا‪ ,‬وأقككام الصككلة وآتككى الزكككاة‪ ,‬وصككام‬
‫رمضان‪ ,‬واجتنب الكبائر فله الجنة ك أو دخل الجنة ك« فسأله رجل‬
‫ما الكبائر ؟ فقال »الشرك بككالله‪ ,‬وقتكل نفككس مسكلمة‪ ,‬والفكرار‬
‫يوم الزحف« ورواه أحمد أيضًا‪ ,‬والنسائي من غير وجه عن بقيككة‪.‬‬
‫)حديث آخر( روى ابن مردويه في تفسيره من طريككق سككليمان‬
‫بن داود اليماني ك وهو ضعيف ك عككن الزهككري‪ ,‬عككن أبككي بكككر بككن‬
‫محمد بن عمرو بن حزم‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن جككده‪ ,‬قككال‪ :‬كتككب رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم إلككى أهككل اليمككن كتابكا ً فيككه الفككرائض‬
‫والسنن والديات‪ ,‬وبعث به مكع عمكرو بكن حكزم قكال‪ :‬وككان فكي‬
‫الكتاب »إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة‪ :‬إشراك بالله‪ ,‬وقتل‬
‫النفس المؤمنة بغير حق‪ ,‬والفرار فككي سككبيل اللككه يككوم الزحككف‪,‬‬
‫‪73‬‬
‫وعقوق الوالككدين‪ ,‬ورمككي المحصككنة‪ ,‬وتعلككم السككحر‪ ,‬وأكككل الربككا‬
‫وأكككككككككككككككككككككككل مككككككككككككككككككككككال اليككككككككككككككككككككككتيم«‪.‬‬
‫)حديث آخر فيه ذكككر شككهادة الككزور(‪ :‬قككال المككام أحمككد حككدثنا‬
‫عبيد الله بن أبي بكر‪ ,‬قككال‪:‬‬ ‫محمد بن جعفر‪ ,‬حدثنا شعبة‪ ,‬حدثني ُ‬
‫سمعت أنس بن مالك‪ :‬قككال‪ :‬ذكككر رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم الكبائر‪ ,‬أو سئل عن الكبائر‪ ,‬فقككال »الشككرك بككالله‪ ,‬وقتككل‬
‫النفس‪ ,‬وعقوق الوالدين«‪ ,‬وقال‪ :‬أل أنبئكم بأكبر الكبككائر ؟ قككال‪:‬‬
‫قول الزور ك أو شهادة الزور ك« قال شعبة‪ :‬أكككبر ظنككي أنككه قككال‪:‬‬
‫شهادة الزور‪ .‬أخرجاه من حديث شعبة به‪ .‬وقد رواه ابن مردويككه‬
‫مكككككن طريقيكككككن آخريكككككن غريكككككبين عكككككن أنكككككس بنحكككككوه‪.‬‬
‫)حديث آخر( أخرجه الشيخان من حديث عبد الرحمككن بككن أبككي‬
‫كرة عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسككلم »أل أنككبئكم‬ ‫بَ ْ‬
‫بأكبر الكبككائر ؟ قلنككا‪ :‬بلككى يارسككول اللككه‪ .‬قككال »الشككراك بككالله‪,‬‬
‫وعقوق الوالدين« وكان متكئًا‪ ,‬فجلس فقال »أل وشككهادة الككزور‪,‬‬
‫أل وقككول الككزور« فمككازال يكررهككا حككتى قلنككا‪ :‬ليتككه سكككت‪.‬‬
‫)حديث آخر فيه ذكر قتل الولد( وهو ثابت فككي الصككحيحين عككن‬
‫عبد الله بن مسعود قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أي الذنب أعظم ؟‬
‫وفي رواية أكبر قال »أن تجعل لله ندا ً وهو خلقك«‪ .‬قلت‪ :‬ثم أي‬
‫؟ قال »أن تقتل ولدك خشكية أن يطعكم معكك«‪ .‬قلكت‪ :‬ثكم أي ؟‬
‫قال »أن تزاني حليلة جارك« ثم قرأ }والذين ل يككدعون مككع اللككه‬
‫إلهككككككا ً آخككككككر ككككككك إلككككككى قككككككوله ككككككك إل مككككككن تككككككاب{‪.‬‬
‫)حديث آخر فيه ذكر شرب الخمر( قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا‬
‫يونس بن عبد العلى‪ ,‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬حدثني ابن صخر أن رجل ً‬
‫حدثه عن عمارة بن حزم أنه سمع عبد الله بن عمرو بككن العككاص‬
‫وهو بالحجر بمكة‪ ,‬وسأله رجل عن الخمر فقال‪ :‬والله إن عظيما ً‬
‫عند الله الشيخ مثلي يكككذب فككي هككذا المقككام علككى رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فذهب فسأله‪ ,‬ثم رجع فقككال‪ :‬سككألته عككن‬
‫الخمر‪ ,‬فقال »هي أكبر الكبائر‪ ,‬وأم الفواحش من شككرب الخمككر‬
‫ترك الصلة ووقع على أمه وخالته وعمته« غريب من هذا الككوجه‪.‬‬
‫)طريق أخرى( رواها الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث عبد‬
‫العزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح عن سالم بن عبككد‬
‫اللككه‪ ,‬عككن أبيككه أن أبككا بكككر الصككديق رضككي اللككه عنككه وعمككر بككن‬
‫‪74‬‬
‫الخطاب وأناسا ً من أصحاب رسول الله صلى الله عليككه وسككلم ر‬
‫ضي الله عنهم أجمعين‪ ,‬جلسوا بعد وفاة رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم فذكروا أعظم الكبككائر‪ ,‬فلككم يكككن عنككدهم مككا ينتهككون‬
‫إليه‪ ,‬فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أسأله عن ذلك‪,‬‬
‫فككأخبرني أن أعظككم الكبككائر شككرب الخمككر‪ ,‬فككأتيتهم فككأخبرتهم‪,‬‬
‫فكأنكروا ذلكك‪ ,‬فوثبكوا إليكه حكتى أتكوه فكي داره‪ ,‬فكأخبرهم أنهكم‬
‫تحدثوا عند رسول الله صلى الله عليككه وسككلم أن ملككا ً مككن بنككي‬
‫إسرائيل أخذ رجل ً فخيره بين أن يشرب خمرًا‪ ,‬أو يقتل نفسككًا‪ ,‬أو‬
‫ُيزاني أو يأكل لحم خنزير أو يقتله‪ ,‬فاختار شرب الخمر‪ ,‬وإنه لمككا‬
‫شربها لم يمتنع من شيء أراده منه‪ ,‬وإن رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم قال لنا مجيبا ً »ما من أحد يشرب خمككرا ً إل لككم تقبككل‬
‫له صلة أربعين ليلة‪ ,‬ول يمككوت أحككد وفككي مثككانته منهككا شككيء إل‬
‫حككرم اللكه عليككه الجنككة‪ ,‬فككإن مككات فككي أربعيككن ليلكة مككات ميتككة‬
‫جاهلية« هذا حديث غريب من هككذا الككوجه جككدًا‪ ,‬وداود بككن صككالح‬
‫هذا هو التمار المدني مولى النصار‪ ,‬قال المام أحمككد‪ :‬ل أرى بككه‬
‫بأسككًا‪ .‬وذكككره ابككن حبككان فككي الثقككات ولككم أر أحككدا ً جرحككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( عن عبد الله بن عمرو وفيه ذكر اليمين الغمككوس‪.‬‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬حدثنا شعبة عن فككراس‪,‬‬
‫عن الشعبي‪ ,‬عن عبد الله بن عمرو عككن النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم أنه قال »أكبر الكبائر الشراك بالله‪ ,‬وعقككوق الوالككدين‪ ,‬أو‬
‫قتل النفس ك شعبة الشاك كك واليميككن الغمككوس« ورواه البخككاري‬
‫والترمككذي والنسككائي مككن حككديث شككعبة‪ ,‬وزاد البخككاري وشككيبان‬
‫كلهمكككككككككككككككا عكككككككككككككككن فكككككككككككككككراس بكككككككككككككككه‪.‬‬
‫)حديث آخر في اليمين الغموس( قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪,‬‬
‫حدثنا أبو صالح كاتب الليث‪ ,‬حدثنا الليث بككن سككعد‪ ,‬حككدثنا هشككام‬
‫بن سعد‪ ,‬عن محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفذ الككتيمي‪ ,‬عككن أبككي‬
‫أمامة النصاري‪ ,‬عن عبد الله بن أنيس الجهني‪ ,‬عن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم قال »أكككبر الكبكائر الشكرك بككالله‪ ,‬وعقككوق‬
‫الوالدين‪ ,‬واليمين الغمككوس‪ ,‬ومككا حلككف حككالف بككالله يميككن صككبر‬
‫فأدخل فيها مثل جناح البعوضة إل كانت وكتة في قلبككه إلككى يككوم‬
‫القيامككة«‪ ,‬وهكككذا رواه أحمككد فككي مسككنده وعبككد بككن حميككد فككي‬
‫تفسيره‪ ,‬كلهما عن يونس بن محمد المؤدب عن الليث بن سككعد‬
‫‪75‬‬
‫به‪ ,‬وأخرجه الترمذي عن عبد بن حميد به‪ ,‬وقككال‪ :‬حسككن غريككب‪,‬‬
‫وأبو أمامة النصاري هذا هو ابن ثعلبة ول يعرف اسمه‪ ,‬وقككد روى‬
‫عن أصحاب النبي صكلى اللكه عليكه وسكلم أحكاديث‪ .‬قكال شكيخنا‬
‫الحافظ أبو الحجاج المككزي‪ :‬وقككد رواه عبككد الرحمككن بككن إسككحاق‬
‫المدني عن محمد بن زيد‪ ,‬عن عبد الله بن أبي أمامة‪ ,‬عككن أبيككه‪,‬‬
‫عن عبد الله بن أنيس‪ ,‬فزاد عبد الله بن أبي أمامة‪) .‬قلت( هكككذا‬
‫وقككع فككي تفسككير ابككن مردويككه وصككحيح ابككن حبككان مككن طريككق‬
‫عبدالرحمن بن إسحاق كمككا ذكككره شككيخنا فسككح اللككه فككي أجلككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( عن عبككد اللككه بككن عمككرو فككي التسككبب إلككى شككتم‬
‫الوالدين‪ ,‬قال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا عمككرو بككن عبككد اللككه الودي‪,‬‬
‫حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان‪ ,‬عن سعد بن إبراهيم‪ ,‬عككن حميككد‬
‫بن عبد الرحمن‪ ,‬عن عبدالله بن عمرو‪ ,‬رفعه سككفيان إلككى النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ووقفه مسكعر علككى عبككد اللككه بككن عمككرو‪,‬‬
‫قال »من الكبككائر أن يشككتم الرجككل والككديه‪ ,‬قككالوا‪ :‬وكيككف يشككتم‬
‫الرجككل والككديه ؟ قككال »يسككب الرجككل أبككا الرجككل‪ ,‬فيسككب أبككاه‪,‬‬
‫ويسب أمه‪ ,‬فيسب أمه« أخرجه البخاري عككن أحمككد بككن يككونس‪,‬‬
‫عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بككن عككوف‪ ,‬عككن‬
‫أبيه‪ ,‬عن عمه حميد بن عبد الرحمن بن عوف عككن عبككد اللككه بككن‬
‫عمرو‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »إن من أكككبر‬
‫الكبائر أن يلعن الرجل والديه« قالوا‪ :‬وكيف يلعن الرجل والديه ؟‬
‫قال »يسب الرجل أبا الرجل‪ ,‬فيسككب أبككاه ويسككب أمككه‪ ,‬فيسككب‬
‫أمه« وهكذا رواه مسلم من حديث سفيان وشعبة ويزيد بن الهاد‪,‬‬
‫ثلثتهم عن سعد بن إبراهيم به مرفوع كا ً بنحككوه‪ ,‬وقككال الترمككذي‪:‬‬
‫صحيح‪ ,‬وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قككككككال »سككككككباب المسككككككلم فسككككككوق‪ ,‬وقتككككككاله كفككككككر«‪.‬‬
‫)حديث آخر في ذلك( قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بككن‬
‫إبراهيم ُدحيم‪ ,‬حدثنا عمرو بن أبي سلمة‪ ,‬حدثنا زهيككر بككن محمككد‬
‫عن العلء بن عبد الرحمن‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن أبككي هريككرة‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »من أكبر الكبائر عرض الرجككل‬
‫المسلم‪ ,‬والسّبتان والسّبة« هكذا روي هذا الحديث‪ ,‬وقككد أخرجككه‬
‫أبو داود في كتاب الدب من سككننه عككن جعفككر بككن مسككافر‪ ,‬عككن‬
‫عمرو بن أبي سلمة‪ ,‬عن زهير بن محمد عن العلء عن أبيه‪ ,‬عككن‬
‫‪76‬‬
‫أبي هريرة‪ ,‬عككن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال »مككن أكككبر‬
‫الكبائر استطالة المرء في عككرض رجككل مسككلم بغيككر حككق‪ ,‬ومككن‬
‫الكبائر السبتان بالسبة« وكذا رواه ابن مردويككه مككن طريككق عبككد‬
‫الله بن العلء بن َزْبر‪ ,‬عن العلء‪ ,‬عن أبيكه عكن أبكي هريكرة‪ ,‬عكن‬
‫النككككككبي صككككككلى اللككككككه عليككككككه وسككككككلم فككككككذكر مثلككككككه‪.‬‬
‫)حديث آخر في الجمع بين الصلتين من غير عذر( قال ابن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا نعيم بن حماد‪ ,‬حككدثنا معتمككر بككن سككليمان‬
‫عن أبيه‪ ,‬عن حنش‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬عن النبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال »من جمع بين صلتين من غير عذر فقد أتى‬
‫بابا ً من أبواب الكبائر« وهكذا رواه أبو عيسى الترمككذي عككن أبككي‬
‫سلمة يحيى بن خلف عن المعتمر بن سليمان به‪ ,‬ثم قال‪ :‬حنككش‬
‫هو أبو علي الرحبي‪ ,‬وهو حسين بن قيس‪ ,‬وهو ضعيف عنككد أهككل‬
‫الحديث‪ ,‬ضعفه أحمد وغيره‪ .‬وروى ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا الحسككن‬
‫بن محمد بن الصباح‪ ,‬حدثنا إسماعيل ابن علية عن خالككد الحككذاء‪,‬‬
‫عن حميد بن هلل‪ ,‬عن أبي قتادة يعني العدوي‪ ,‬قال‪ُ :‬قرىء علينا‬
‫كتاب عمر‪ :‬من الكبائر جمككع بيككن الصككلتين كك يعنككي بغيككر عكذر كك‬
‫والفرار من الزحف‪ ,‬والنهبة‪ ,‬وهذا إسناد صحيح‪ .‬والغككرض أنككه إذا‬
‫كان الوعيد فيمن جمع بين الصلتين كككالظهر والعصككر‪ ,‬تقككديما ً أو‬
‫تأخيرًا‪ ,‬وكذا المغرب والعشاء هما من شأنه أن يجمع بسككبب مككن‬
‫السباب الشرعية‪ ,‬فإذا تعاطاه أحد بغير شيء من تلككك السككباب‬
‫يكون مرتكبا ً كبيرة‪ ,‬فما ظنككك بككترك الصككلة بالكليككة‪ ,‬ولهككذا روى‬
‫مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‬
‫»بين العبد وبين الشرك ترك الصلة«‪ .‬وفي السنن مرفوع كا ً عنككه‬
‫عليه الصلة والسلم أنه قال »العهككد الككذي بيننككا وبينهككم الصككلة‪,‬‬
‫من تركها فقد كفر«‪ ,‬وقكال »مككن تككرك صكلة العصكر فقككد حبكط‬
‫عمله«‪ ,‬وقال »من فاتته صلة العصر فكأنمككا وتككر أهلككه ومككاله«‪.‬‬
‫)حديث آخر( فيه اليأس مككن روح اللككه‪ ,‬والمككن مككن مكككر اللككه‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أحمد بن عمرو بككن أبككي عاصككم النبيككل‪,‬‬
‫حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا شبيب بن بشر عن عكرمة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كككان متكئًا‪ ,‬فككدخل عليككه رجككل‬
‫فقال‪ :‬ما الكبككائر فقككال »الشككرك بككالله‪ ,‬واليككأس مككن روح اللككه‪,‬‬
‫والقنوط من رحمة الله‪ ,‬والمن من مكر الله‪ ,‬وهذا أكبر الكبائر«‬
‫‪77‬‬
‫وقد رواه البزار عن عبد الله بن إسحاق العطار‪ ,‬عن أبككي عاصككم‬
‫النبيل‪ ,‬عن شبيب بن بشر‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابككن عبككاس أن رجل ً‬
‫قال‪ :‬يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال »الشراك بالله واليككأس مككن‬
‫روح الله‪ ,‬والقنوط من رحمة الله عز وجل« وفككي إسككناده نظككر‪,‬‬
‫والشبه أن يكون موقوفًا‪ ,‬فقد روي عن ابككن مسككعود نحككو ذلككك‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬حدثنا يعقككوب بككن إبراهيككم‪ ,‬حككدثنا هشككيم‪ ,‬أخبرنككا‬
‫مطرف عن وبرة بن عبد الرحمن عن أبي الطفيل قال‪ :‬قال ابككن‬
‫مسككعود‪ :‬أكككبر الكبككائر الشككراك بككالله‪ ,‬واليككأس مككن روح اللككه‪,‬‬
‫والقنوط من رحمة اللكه‪ ,‬والمكن مكن مككر اللكه‪ ,‬وككذا رواه مكن‬
‫حديث العمش وأبي إسحاق عن وبرة عن أبي الطفيل عككن عبككد‬
‫الله به‪ ,‬ثم رواه من طرق عدة عن أبي الطفيل عن ابن مسككعود‬
‫وهككككككككككككككو صككككككككككككككحيح إليككككككككككككككه بل شككككككككككككككك‪.‬‬
‫)حديث آخر( فيككه سككوء الظككن بككالله‪ .‬قككال ابككن مردويككه‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن إبراهيم بن بندار‪ ,‬حدثنا أبو حاتم بكر بككن عبككدان‪ ,‬حككدثنا‬
‫محمد بن مهاجر‪ ,‬حدثنا أبو حذيفة البخاري عن محمد بككن عجلن‪,‬‬
‫عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر أنه قال‪ :‬أكبر الكبائر سوء الظن بالله عككز‬
‫وجككككككككككككككل‪ ,‬حككككككككككككككديث غريككككككككككككككب جككككككككككككككدًا‪.‬‬
‫)حديث آخر( فيه التعرب بعد الهجرة قد تقدم في روايككة عمككرو‬
‫بن أبي سلمة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن أبي هريرة مرفوعا ً قال ابن مردويه‪:‬‬
‫حدثنا سليمان بن أحمد‪ ,‬حدثنا أحمد بن رشدين‪ ,‬حدثنا عمككرو بككن‬
‫خالد الحراني‪ ,‬حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب‪ ,‬عن محمد‬
‫حْثمة عن أبيه‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت النككبي صككلى اللككه‬ ‫بن سهل بن أبي َ‬
‫عليه وسكلم يقككول »الكبكائر سكبع‪ ,‬أل تسككألوني عنهكن ؟ الشككرك‬
‫بالله‪ ,‬وقتل النفس والفرار يوم الزحف‪ ,‬وأكل مككال اليككتيم‪ ,‬وأكككل‬
‫الربا‪ ,‬وقذف المحصنة‪ ,‬والتعرب بعد الهجرة«‪ ,‬وفي إسناده نظر‪,‬‬
‫ورفعه غلط فاحش‪ ,‬والصواب ما رواه ابن جرير‪ :‬حدثنا تميككم بككن‬
‫المنتصر‪ ,‬حدثنا يزيد‪ ,‬أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن سهل‬
‫حْثمة‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬قككال‪ :‬إنككي لفككي هككذا المسككجد‪ ,‬مسككجد‬ ‫بن أبي َ‬
‫الكوفة‪ ,‬وعلي رضي الله عنه يخطب الناس على المنبر يقول‪ :‬يككا‬
‫أيها الناس‪ ,‬الكبائر سبع فأصاخ النكاس‪ ,‬فأعادهكا ثلث مكرات‪ ,‬ثكم‬
‫قال‪ :‬لم ل تسألوني عنهككا ؟ قككالوا‪ :‬يكا أميككر المكؤمنين‪ ,‬مككا هككي ؟‬
‫قككال‪ :‬الشككراك بككالله‪ ,‬وقتككل النفككس الككتي حككرم اللككه‪ ,‬وقككذف‬
‫‪78‬‬
‫المحصنة‪ ,‬وأكل مككال اليككتيم‪ ,‬وأكككل الربككا‪ ,‬والفككرار يككوم الزحككف‪,‬‬
‫والتعرب بعد الهجرة‪ .‬فقلت لبي‪ :‬يا أبككت‪ ,‬التعككرب بعككد الهجككرة‪,‬‬
‫كيف لحق ههنا ؟ قال يا بني وما أعظم من أن يهاجر الرجل حتى‬
‫إذا وقع سهمه فككي الفيككء‪ ,‬ووجككب عليككه الجهككاد‪ ,‬خلككع ذلككك مككن‬
‫عنقككككككككككه‪ ,‬فرجككككككككككع أعرابيككككككككككا ً كمككككككككككا كككككككككككان‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا هاشككم‪ ,‬حككدثنا أبككو معاويككة‬
‫يعني شيبان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عككن هلل بككن يسككاف‪ ,‬عككن سككلمة بككن‬
‫قيس الشجعي‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فككي‬
‫حجة الوداع »أل إنما هن أربع أن ل تشركوا بالله شيئًا‪ ,‬ول تقتلككوا‬
‫النفس التي حرم الله إل بالحق‪ ,‬ول تزنوا‪ ,‬ول تسرقوا« قال‪ :‬فما‬
‫أنا بأشح عليهن مني إذ سمعتهن من رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم ثكم رواه أحمكد أيضكا ً والنسكائي وابكن مردويكه مكن حكديث‬
‫منصككككككككككككككككككككور بإسككككككككككككككككككككناده مثلككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( تقدم من رواية عمر بن المغيرة عن داود بككن أبككي‬
‫هند‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال »الضككرار فككي الوصككية مككن الكبككائر« والصككحيح مككا رواه‬
‫غيره عن داود‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال ابككن أبككي حككاتم‪:‬‬
‫وهككككككو الصككككككحيح عككككككن ابككككككن عبككككككاس مككككككن قككككككوله‪.‬‬
‫)حديث آخر في ذلك( قال ابن جريككر‪ :‬حككدثنا أبككو كريككب‪ ,‬حككدثنا‬
‫أحمد بن عبد الرحمن‪ ,‬حدثنا عباد بن عباد‪ ,‬عن جعفر بككن الزبيككر‪,‬‬
‫عن القاسم عن أبي أمامة‪ ,‬أن أناسا ً من أصحاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ذكروا الكبائر وهو متكىء‪ ,‬فقالوا‪ :‬الشرك بالله‪ ,‬وأكل‬
‫مككال اليككتيم‪ ,‬وفككرار مككن الزحككف‪ ,‬وقككذف المحصككنة‪ ,‬وعقككوق‬
‫الوالككدين‪ ,‬وقككول الككزور‪ ,‬والغلككول‪ ,‬والسككحر‪ ,‬وأكككل الربككا‪ ,‬فقككال‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬فككأين تجعلككون }الككذين‬
‫ل{« إلككى آخككر ا َ‬
‫ليككة‪ .‬فككي‬ ‫يشككترون بعهككد اللككه وأيمككانهم ثمنكا ً قلي ً‬
‫إسككككككككككككككناده ضككككككككككككككعف‪ ,‬وهككككككككككككككو حسككككككككككككككن‪.‬‬
‫)ذكككككككككككر أقككككككككككوال السككككككككككلف فككككككككككي ذلككككككككككك(‬

‫قد تقدم ما روي عن عمر وعلي رضككي اللككه عنهمككا فككي ضككمن‬
‫الحاديث المذكورة‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثني يعقوب بككن إبراهيككم‪,‬‬
‫حدثنا ابن علية عن ابن عون‪ ,‬عن الحسككن‪ ,‬أن أناس كا ً سككألوا عبككد‬
‫‪79‬‬
‫الله بن عمرو بمصر‪ ,‬فقالوا‪ :‬نرى أشياء من كتاب اللكه عككز وجككل‬
‫أمر أن يعمل بها ل يعمل بها‪ ,‬فأردنا أن نلقى أمير المككؤمنين فككي‬
‫ذلك‪ ,‬فقدم وقدموا معه‪ ,‬فلقيه عمر رضي الله عنككه فقككال‪ :‬مككتى‬
‫قدمت ؟ فقال‪ :‬منذ كذا وكذا‪ .‬قال‪ :‬أبإذن قدمت ؟ قال‪ :‬فل أدري‬
‫كيف رد عليه‪ .‬فقال‪ :‬يككا أميككر المككؤمنين‪ ,‬إن ناس كا ً لقككوني بمصككر‬
‫فقالوا‪ :‬إنا نرى أشياء في كتاب اللككه أمككر أن يعمككل بهككافل يعمككل‬
‫بهككا‪ ,‬فككأحبوا أن يلقككوك فككي ذلككك‪ .‬قككال‪ :‬فككاجمعهم لككي‪ .‬قككال‪:‬‬
‫فجمعتهم له‪ .‬قال ابن عون‪ :‬أظنككه قككال‪ :‬فككي بهككو‪ ,‬فأخككذ أدنككاهم‬
‫رجل ً فقال‪ :‬أنشككدك بككالله وبحككق السككلم عليككك‪ ,‬أقككرأت القككرآن‬
‫كله ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فهل أحصيته في نفسك ؟ فقككال‪ :‬اللهككم ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو قال‪ :‬نعم‪ ,‬لخصمه‪ .‬قال‪ :‬فهل أحصيته في بصرك ؟ فهل‬
‫أحصيته في لفظك ؟ هل أحصيته في أمرك ؟ ثم تتبعهم حتى أتى‬
‫على آخرهم قال‪ :‬فثكلت عمر أمه‪ ,‬أتكلفونه أن يقيم الناس علككى‬
‫كتاب الله‪ ,‬قد علم ربنككا أنككه سككتكون لنككا سككيئات‪ ,‬قككال‪ :‬وتل }إن‬
‫ليككة‪ .‬ثككم قككال‪:‬‬‫تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم{ ا َ‬
‫هل علم أهل المدينة ؟ أو قال‪ :‬هل علم أحد بما قككدمتم ؟ قككالوا‪:‬‬
‫ل‪ .‬قال‪ :‬لو علموا لوعظت بكككم‪ ,‬إسككناد حسككن ومتككن حسككن وإن‬
‫كان من رواية الحسن عن عمككر‪ ,‬وفيهككا انقطككاع إل أن مثككل هككذا‬
‫اشتهر‪ ,‬فتكفككي شككهرته‪ .‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أحمككد بككن‬
‫سنان‪ ,‬حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري‪ ,‬حككدثنا علككي بككن صككالح عككن‬
‫عثمان بن المغيرة‪ ,‬عن مالك بن جوين‪ ,‬عن علي رضي الله عنه‪.‬‬
‫قال‪ :‬الكبككائر الشككراك بككالله‪ ,‬وقتككل النفككس‪ ,‬وأكككل مككال اليككتيم‪,‬‬
‫وقككذف المحصككنة‪ ,‬والفككرار مككن الزحككف‪ ,‬والتعككرب بعككد الهجككرة‪,‬‬
‫والسحر‪ ,‬وعقوق الوالدين‪ ,‬وأكل الربككا‪ ,‬وفككراق الجماعككة‪ ,‬ونكككث‬
‫الصفقة‪ .‬وتقدم عن ابن مسعود أنه قككال‪ :‬أكككبر الكبككائر الشككراك‬
‫بالله‪ ,‬واليأس من روح الله‪ ,‬والقنوط من رحمة الله‪ ,‬والمككن مككن‬
‫مكر الله عز وجل‪ .‬وروى ابن جرير من حديث العمش عككن أبككي‬
‫الضحى‪ ,‬عن مسروق والعمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬كلهما‬
‫عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬الكبائر من أول سككورة النسككاء إلككى ثلثيككن‬
‫آية منها‪ ,‬ومن حديث سفيان الثوري وشعبة عككن عاصككم بككن أبككي‬
‫النجود‪ ,‬عن زر بن حبيش‪ ,‬عن ابن مسعود قال‪ :‬الكبككائر مككن أول‬
‫سورة النساء إلككى ثلثيككن آيككة منهككا ثككم تل }إن تجتنبككوا كبككائر مككا‬
‫‪80‬‬
‫لية‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا المنككذر بككن شككاذان‪,‬‬ ‫تنهون عنه{ ا َ‬
‫حدثنا يعلى بن عبيد‪ ,‬حدثنا صالح بككن حيككان عككن ابككن بريككدة‪ ,‬عككن‬
‫أبيه‪ ,‬قككال‪ :‬أكككبر الكبككائر الشككرك بككالله‪ ,‬وعقككوق الوالككدين‪ ,‬ومنككع‬
‫فضكككول المكككاء بعكككد الكككري‪ ,‬ومنكككع طكككروق الفحكككل إل بجعكككل‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن النبي صلى اللككه عليككه وسككلم أنككه قككال »ل‬
‫يمنع فضل الماء ليمنع به الكل«‪ ,‬وفيهما عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال »ثلثة ل ينظر الله إليهم يوم القيامككة‪ ,‬ول يزكيهككم‪,‬‬
‫ولهم عذاب أليم‪ :‬رجل على فضل ماء بالفلة يمنعه ابن السبيل«‬
‫وذكر تمام الحديث‪ .‬وفي مسند المام أحمد من حديث عمرو بككن‬
‫شعيب‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن جده مرفوعا ً »من منع فضككل المككاء وفضككل‬
‫الكل منعه الله فضله يوم القيامة«‪ .‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا‬
‫الحسكين بكن محمكد بكن شكنبة الواسكطي‪ ,‬حكدثنا أبكو أحمكد عكن‬
‫سفيان‪ ,‬عن العمككش‪ ,‬عككن مسككلم‪ ,‬عككن مسككروق‪ ,‬عككن عائشككة‪,‬‬
‫قالت‪ :‬ما أخذ على النساء من الكبائر‪ ,‬قال ابن أبككي حككاتم‪ :‬يعنككي‬
‫قوله تعالى‪} :‬على أن ل يشركن بككالله شككيئا ً ول يسككرقن{ ا َ‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا ابن علية‪ ,‬حدثنا‬
‫زياد بن مخراق عن معاوية بن قككرة‪ ,‬قككال‪(:‬أتينككا أنككس بككن مالككك‬
‫فكان فيما حدثنا قال‪ :‬لم أر مثل الذي بلغنككا عككن ربنككا تعككالى لككم‬
‫هنيهة ثككم قككال‪ :‬واللككه لمككا‬‫نخرج له عن كل أهل ومال‪ ,‬ثم سكت ُ‬
‫كلفنا ربنا أهون من ذلك لقد تجاوز لنككا عمككا دون الكبككائر فمككا لنككا‬
‫ليككككة‪.‬‬‫ولهككككا‪ ,‬وتل }إن تجتنبككككوا كبككككائر مككككا تنهككككون عنككككه{ ا َ‬
‫أقكككككككككككوال ابكككككككككككن عبكككككككككككاس فكككككككككككي ذلكككككككككككك‬

‫روى ابن جرير من حديث المعتمكر بككن سكليمان عكن أيبكه‪ ,‬عكن‬
‫طاوس‪ ,‬قال‪ :‬ذكروا عنككد ابككن عبككاس الكبككائر فقككالوا‪ :‬هككي سككبع‪,‬‬
‫فقال‪ :‬هي أكثر من سبع وسبع‪ ,‬قال‪ :‬فل أدري كم قالها من مرة‪,‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا قبيصككة‪ ,‬حككدثنا سككفيان عككن‬
‫ليث عن طاوس‪ ,‬قال‪ :‬قلت لبن عباس‪ :‬ما السبع الكبائر ؟ قككال‪:‬‬
‫هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع‪ .‬ورواه ابن جرير عن ابن‬
‫حميد‪ ,‬عن جرير‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن طاوس قال‪ :‬جككاء رجككل إلككى ابككن‬
‫عباس فقال‪ :‬أرأيت الكبائر السبع التي ذكرهككن اللككه ؟ قككال‪ :‬هككن‬
‫إلى السبعين أدنى منهككن إلككى سككبع‪ ,‬وقككال عبككد الككرزاق‪ :‬أخبرنككا‬
‫‪81‬‬
‫معمر عن طاوس عن أبيه قال‪ :‬قيل لبن عبككاس‪ :‬الكبككائر سككبع ؟‬
‫قال‪ :‬هن إلى السبعين أقرب‪ ,‬وكذا قال أبو العالية الرياحي رحمه‬
‫الله‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا المثنى‪ ,‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬حككدثنا شككبل‬
‫عن قيس بن سعد‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ :‬أن رجل ً قال لبن عبككاس‪:‬‬
‫كم الكبائر سبع ؟ قال‪ :‬هن إلى سبعمائة أقككرب منهككا إلككى سككبع‪,‬‬
‫غير أنه ل كبيرة مع اسككتغفار‪ ,‬ول صككغيرة مككع إصككرار‪ ,‬وكككذا رواه‬
‫ابن أبي حاتم من حديث شبل به‪ ,‬وقال علي بن أبككي طلحككة عككن‬
‫ابن عباس فكي قكوله‪} :‬إن تجتنبكوا كبكائر مكا تنهكون عنكه{ قكال‪:‬‬
‫الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضككب أو لعنككة أو عككذاب‪ ,‬رواه‬
‫ابن جرير‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا علككي بككن حككرب الموصككلي‪,‬‬
‫حدثنا ابن فضيل‪ ,‬حدثنا شبيب عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبكاس‪ ,‬قكال‪:‬‬
‫الكبائر كل ماوعد الله عليه النار كبيرة‪ ,‬وكذا قال سعيد بككن جككبير‬
‫والحسن البصري‪ .‬وقكال ابككن جريككر‪ :‬حكدثني يعقككوب‪ ,‬حكدثنا ابكن‬
‫علية‪ ,‬أخبرنا أيككوب عككن محمككد بككن سككيرين‪ ,‬قككال‪ :‬نككبئت أن ابككن‬
‫عباس كان يقول‪ :‬كل ما نهى الله عنه كبيرة‪ ,‬وقد ذكرت الطرفة‪,‬‬
‫قال‪ :‬هي النظرة‪ ,‬وقال أيضًا‪ :‬حدثنا أحمككد بككن حككازم‪ ,‬أخبرنككا أبككو‬
‫نعيم‪ ,‬حدثنا عبدالله بن معدان عن أبي الوليككد‪ ,‬قككال‪ :‬سككألت ابككن‬
‫عباس عن الكبائر‪ ,‬فقال كل شيء عصككي اللككه فيككه فهككو كككبيرة‪.‬‬
‫)أقككككككككككككككككككككككككككككككككككوال التككككككككككككككككككككككككككككككككككابعين(‬
‫قال ابن جرير‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا ابككن عليككة عككن‬
‫ابن عككون‪ ,‬عككن محمككد‪ ,‬قككال‪ :‬سككألت عبيككدة عككن الكبككائر فقككال‪:‬‬
‫الشراك بالله‪ ,‬وقتل النفس التي حرم الله بغير حقها‪ ,‬وفرار يوم‬
‫الزحف‪ ,‬وأكل مال اليتيم بغير حقه‪ ,‬وأكككل الربككا‪ ,‬والبهتككان‪ .‬قككال‪:‬‬
‫ويقولككون‪ :‬أعرابيككة بعككد هجككرة‪ ,‬قككال ابككن عككون‪ :‬فقلككت لمحمككد‪:‬‬
‫فالسحر ؟ قال‪ :‬إن البهتان يجمككع شككرا ً كككثيرًا‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫حدثني محمد بن عبيككد المحككاربي‪ ,‬حككدثنا أبككو الحككوص سككلم بككن‬
‫سليم‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن عبيد بككن عميككر‪ ,‬قككال‪ :‬الكبككائر سككبع‪,‬‬
‫ليس منهن كبيرة إل وفيها آية من كتاب الله‪ ,‬الشراك بالله منهن‬
‫}ومن يشرك بككالله فكأنمككا خككر مككن السككماء فتخطفككه الطيككر أو‬
‫لية‪ ,‬و }إن الذين يأكلون أمككوال اليتككامى ظلم كا ً‬ ‫تهوي به الريح{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬و }الككذين يككأكلون الربككا ل‬ ‫إنما يأكلون فككي بطككونهم نككارًا{ ا َ‬
‫‪82‬‬
‫يقومككون إل كمككا يقككوم الككذي يتخبطككه الشككيطان مككن المككس{‬
‫}والذين يرمون المحصككنات الغككافلت المؤمنككات{‪ ,‬والفككرار مككن‬
‫ليككة‪,‬‬‫الزحف }يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الككذين كفككروا زحف كًا{ ا َ‬
‫والتعرب بعد الهجرة }إن الذين ارتدوا على أدبارهم مككن بعككد مككا‬
‫تككبين لهككم الهككدى{‪ ,‬وقتككل المككؤمن }ومككن يقتككل مؤمنكا ً متعمككدا ً‬
‫لية‪ ,‬وكذا رواه ابن أبي حاتم أيضا ً في‬ ‫فجزاؤه جهنم خالدا ً فيها{ ا َ‬
‫حديث أبي إسحاق عن عبيد بككن عميككر بنحككوه‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫حدثنا المثنى‪ ,‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫عطاء يعني ابن أبي رباح‪ ,‬قال‪ :‬الكبائر سبع‪ :‬قتككل النفككس‪ ,‬وأكككل‬
‫مال اليتيم‪ ,‬وأكل الربا‪ ,‬ورمي المحصنة‪ ,‬وشهادة الككزور‪ ,‬وعقككوق‬
‫الوالدين‪ ,‬والفرار من الزحككف‪ .‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫زرعة‪ ,‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة‪ ,‬حدثنا جريككر عككن مغيككرة‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫كان يقال‪ :‬شتم أبي بكككر وعمككر رضككي اللككه عنهمككا مككن الكبككائر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصككحابة‪,‬‬
‫وهو رواية عن مالك بن أنس رحمه الله‪ .‬وقال محمد بن سككيرين‪:‬‬
‫ما أظن أحدا ً ينتقص أبا بكر وعمر وهككو يحككب رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬رواه الترمذي‪ .‬وقال ابن أبي حككاتم أيضكًا‪ :‬حككدثنا‬
‫يونس‪ ,‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬أخبرني عبدالله بن عياش‪ ,‬قال زيككد بككن‬
‫أسلم في قول الله عز وجل }إن تجتنبككوا كبكائر مككا تنهككون عنككه{‬
‫من الكبائر‪ :‬الشرك بالله‪ ,‬والكفككر بآيككات اللككه ورسككله‪ ,‬والسككحر‪,‬‬
‫وقتل الولد‪ ,‬ومككن دعككى للككه ولككدا ً أو صككاحبة كك ومثككل ذلككك مككن‬
‫العمال والقول الذي ل يصلح معه عمل‪ .‬وأما كل ذنب يصلح معه‬
‫دين‪ ,‬ويقبل معه عمل‪ ,‬فإن الله يغفر السيئات بالحسككنات‪ .‬وقككال‬
‫ابن جرير‪ :‬حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬حدثنا يزيد‪ ,‬حدثنا سعيد عن قتككادة‬
‫}إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه{ ا َ‬
‫ليككة‪ :‬إنمككا وعككد اللككه المغفككرة‬
‫لمن اجتنب الكبائر ‪ ¹‬وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‬
‫»اجتنبوا الكبائر‪ ,‬وسددوا‪ ,‬وأبشروا« وقككد روى ابككن مردويككه مككن‬
‫طرق عن أنس وعن جابر مرفوعكا ً »شككفاعتي لهككل الكبككائر مككن‬
‫أمتي«‪ ,‬ولكن في إسناده من جميع طرقه ضعف‪ ,‬إل ما رواه عبد‬
‫الرزاق‪ :‬أخبرنا معمر عن ثابت‪ ,‬عن أنس‪ ,‬قال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »شفاعتي لهككل الكبككائر مككن أمككتي« فككإنه‬
‫إسناد صحيح على شرط الشيخين‪ .‬وقد رواه أبو عيسى الترمككذي‬
‫‪83‬‬
‫منفردا ً به من هذا الوجه عن عباس العنبري‪ ,‬عن عبد الرزاق‪ ,‬ثككم‬
‫قال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ,‬وفكي الصكحيح شكاهد لمعنكاه وهكو‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الشفاعة »أترونهككا للمككؤمنين‬
‫المتقيككن ؟ ل ولكنهككا للخككاطئين المتلككوثين« وقككد اختلككف علمككاء‬
‫الصول والفروع في حد الكبيرة‪ ,‬فمن قائل‪ :‬هي ما عليه حد فككي‬
‫الشرع‪ ,‬ومنهم من قال‪ :‬هي ما عليه وعيد مخصوص مككن الكتككاب‬
‫والسنة‪ ,‬وقيل غير ذلك‪ .‬قال أبو القاسككم عبككد الكريككم بككن محمككد‬
‫الرافعي في كتابه الشرح الكبير الشهير في كتاب الشهادات منه‪:‬‬
‫ثم اختلف الصحابة رضي الله عنهم‪ ,‬فمن بعدهم في الكبائر وفي‬
‫الفرق بينها وبين الصغائر‪ ,‬ولبعض الصحاب فككي تفسككير الكككبيرة‬
‫وجوه )أحدها( أنها المعصية الموجبة للحد‪) .‬والثاني( أنها المعصية‬
‫التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة‪ ,‬وهككذا أكككثر‬
‫ما يوجد لهم‪ ,‬وهو إلى الول أميل‪ ,‬لكن الثاني أوفككق لمككا ذكككروه‬
‫عند تفسير الكبائر‪) .‬والثككالث( قككال إمككام الحرميككن فككي الرشككاد‬
‫وغيككره‪ :‬كككل جريمككة تنككبىء بقلككة اكككتراث مرتكبهككا بالككدين ورقككة‬
‫الديانة‪ ,‬فهي مبطلة للعدالككة‪) .‬والرابككع( ذكككر القاضككي أبككو سككعيد‬
‫الهككروي أن الكككبيرة كككل فعككل نككص الكتككاب علككى تحريمككه وكككل‬
‫معصية توجب في جنسها حدا ً من قتل أو غيره‪ ,‬وترك كل فريضة‬
‫مأمور بها على الفور والكذب في الشهادة والرواية واليمين‪ ,‬هككذا‬
‫ما ذكروه على سبيل الضبط‪ ,‬ثم قال‪ :‬وفصككل القاضككي الرويككاني‬
‫فقال‪ :‬الكبائر سبع‪ :‬قتككل النفككس بغيككر الحككق‪ ,‬والزنككا‪ ,‬واللواطككة‪,‬‬
‫وشرب الخمر‪ ,‬والسرقة‪ ,‬وأخذ المككال غصككبًا‪ ,‬والقككذف‪ ,‬وزاد فككي‬
‫الشككامل علككى السككبع المككذكورة‪ :‬شككهادة الككزور‪ ,‬وأضككاف إليهككا‬
‫صاحب العدة‪ :‬أكل الربا والفطار فككي رمضككان بل عككذر‪ ,‬واليميككن‬
‫الفاجرة‪ ,‬وقطع الرحم‪ ,‬وعقككوق الوالككدين‪ ,‬والفككرار مككن الزحككف‪,‬‬
‫وأكل مال اليتيم‪ ,‬والخيانة في الكيل والوزن‪ ,‬وتقديم الصلة على‬
‫وقتهككا‪ ,‬وتأخيرهككا عككن وقتهككا بل عككذر‪ ,‬وضككرب المسككلم بل حككق‪,‬‬
‫والكذب على رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم عمككدًا‪ ,‬وسككب‬
‫أصحابه‪ ,‬وكتمان الشهادة بل عككذر‪ ,‬وأخككذ الرشككوة‪ ,‬والقيككادة بيككن‬
‫الرجال والنساء‪ ,‬والسعاية عنككد السككلطان‪ ,‬ومنككع الزكككاة‪ .,‬وتككرك‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر مككع القككدرة‪ ,‬ونسككيان القككرآن‬
‫بعد تعلمه‪ ,‬وإحراق الحيوان بالنار‪ ,‬وامتناع المككرأة مككن زوجهككا بل‬
‫‪84‬‬
‫سبب‪ ,‬واليأس مككن رحمككة اللككه‪ ,‬والمككن مككن مكككر اللككه‪ ,‬ويقككال‪:‬‬
‫الوقيعة في أهل العلكم‪ ,‬وحملكة القكرآن‪ ,‬وممكا يعكد مكن الكبكائر‪:‬‬
‫الظهككار‪ ,‬وأكككل لحككم الخنزيككر والميتككة إل عككن ضككرورة‪ ,‬ثككم قككال‬
‫الرافعي‪ :‬وللتوقف مجككال فككي بعككض هككذه الخصككال‪ .‬قلككت‪ :‬وقككد‬
‫صنف الناس في الكبائر مصنفات منها مكا جمعكه شككيخنا الحككافظ‬
‫أبو عبد الله الذهبي الذي بلغ نحوا ً مككن سككبعين كككبيرة‪ ,‬وإذا قيككل‪:‬‬
‫إن الكبيرة ما توعد عليها الشارع بالنار بخصوصها‪ ,‬كمككا قككال ابككن‬
‫عباس وغيره وما ت ُت ُّبع ذلك‪ ,‬اجتمع منه شيء كككثير‪ ,‬وإذا قيككل كككل‬
‫مكككككا نهكككككى اللكككككه عنكككككه فككككككثير جكككككدًا‪ ,‬واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫ب‬ ‫صككي ٌ‬ ‫ل نَ ِ‬ ‫ض ّللّر َ‬

‫جككا ِ‬ ‫ى ب َعْ ك َ ٍ‬
‫ضك ُ ْ َ‬
‫م عَل َ‬ ‫ه ب ِهِ ب َعْ َ‬‫ل الل ّ ُ‬‫ض َ‬ ‫ما فَ ّ‬ ‫من ّوْا ْ َ‬
‫** وَل َ ت َت َ َ‬
‫ه‬
‫ض كل ِ ِ‬‫مككن فَ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سأُلوا ْ الل ّ َ‬
‫ن َوا ْ‬ ‫سب ْ َ‬‫ما اك ْت َ َ‬
‫م ّ‬ ‫ب ّ‬ ‫صي ٌ‬ ‫سآِء ن َ ِ‬‫سُبوا ْ وَِللن ّ َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫م ّ‬‫ّ‬
‫يٍء عَِليمككككككككككا ً‬ ‫شكككككككككك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ككككككككككك ّ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫كككككككككككا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلكككككككككك َ‬ ‫إِ ّ‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهككد‪,‬‬
‫قال‪ :‬قالت أم سلمة‪ :‬يارسول الله‪ ,‬يغككزو الرجككال ول نغككزو‪ ,‬ولنككا‬
‫نصف الميراث‪ ,‬فأنزل الله }ول تتمنوا ما فضككل اللككه بككه بعضكككم‬
‫على بعض{‪ .‬ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر‪ ,‬عن سككفيان‪ ,‬عككن‬
‫ابككن أبككي نجيككح‪ ,‬عككن مجاهككد‪ ,‬عككن أم سككلمة أنهككا قككالت‪ :‬قلككت‪:‬‬
‫يارسول الله‪ ,‬فذكره‪ ,‬وقال‪ :‬غريب‪ .‬ورواه بعضككهم عككن ابككن أبككي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهككد أن أم سككلمة قككالت‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬فككذكره‪.‬‬
‫ورواه ابككن أبككي حككاتم وابككن جريككر‪ ,‬وابككن مردويككه والحككاكم فككي‬
‫مستدركه من حديث الثوري عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهككد قككال‪:‬‬
‫قالت أم سككلمة‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬ل نقاتككل فنستشككهد‪ ,‬ول نقطككع‬
‫لية‪ ,‬ثم أنزل اللككه }أنككي ل أضككيع عمككل عامككل‬ ‫الميراث‪ ,‬فنزلت ا َ‬
‫لية‪ ,‬ثم قال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬وكككذا روى‬ ‫منكم من ذكر أو أنثى{ ا َ‬
‫سفيان بن عيينككة عككن ابككن أبككي نجيككح بهككذا اللفككظ‪ ,‬وروى يحيككى‬
‫القطان ووكيع بن الجراح عن الثككوري‪ ,‬عككن ابككن أبككي نجيككح‪ ,‬عككن‬
‫مجاهد‪ ,‬عكن أم سكلمة قككالت‪ :‬قلكت‪ :‬يكا رسككول اللكه‪ ,‬وروي عكن‬
‫مقاتل بن حيان وخصيف نحو ذلككك‪ ,‬وروى ابككن جريككر مككن حككديث‬
‫ابن جريج عن عكرمة ومجاهد أنهما قككال‪ :‬أنزلككت فككي أم سككلمة‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬أخبرنا معمككر عككن شككيخ مككن أهككل مكككة‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫‪85‬‬
‫نزلككت هككذه ا َ‬
‫ليككة فككي قككول النسككاء‪ :‬ليتنككا الرجككال‪ ,‬فنجاهككد كمككا‬
‫يجاهدون‪ ,‬ونغزو في سبيل الله عككز وجككل‪ .‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‬
‫أيضًا‪ :‬حدثنا أحمد بن القاسككم بككن عطيككة‪ ,‬حككدثني أحمككد بككن عبككد‬
‫الرحمن‪ ,‬حدثني أبي حدثني أبي‪ ,‬حدثنا الشعث بككن إسككحاق عككن‬
‫جعفر يعني ابن أبي المغيرة‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابككن عبككاس‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت‪:‬‬ ‫في ا َ‬
‫يا رسول الله‪ ,‬للذكر مثل حظ النككثيين‪ ,‬وشكهادة امرأتيككن برجكل‪,‬‬
‫فنحن في العمل هكذا‪ ,‬إن عملت امرأة حسككنة كتبككت لهككا نصككف‬
‫لية }ول تتمنوا{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬فككإنه عككدل منككي‬ ‫حسنة‪ ,‬فأنزل الله هذه ا َ‬
‫لية‪ :‬فككإن الرجككال قككالوا‪ :‬نريككد أن‬ ‫وأنا صنعته‪ .‬وقال السدي في ا َ‬
‫يكون لنا من الجر الضعف على أجر النساء‪ ,‬كما لنا فككي السككهام‬
‫سهمان‪ ,‬وقالت النساء‪ :‬نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الشككهداء‪,‬‬
‫فإنا ل نستطيع أن نقاتل‪ ,‬ولو كتب علينا القتال لقاتلنا‪ ,‬فككأبى اللككه‬
‫ذلك ولكن قال لهم‪ .‬سلوني من فضلي‪ ,‬قال‪ :‬ليس بعرض الككدنيا‪,‬‬
‫وقد روي عن قتادة نحو ذلك‪ .‬وقال علي بن أبي طلحة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬ول يتمنى الرجككل فيقككول‪ :‬ليككت لككو أن لككي‬ ‫عباس في ا َ‬
‫مال فلن وأهله‪ ,‬فنهى الله عن ذلك‪ ,‬ولكن ليسأل الله من فضله‬
‫وقال الحسن ومحمد بن سيرين وعطاء والضحاك‪ ,‬نحو هذا ‪ ¹‬وهو‬
‫لية ول يرد على هذا ما ثبت فككي الصككحيح »ل حسككد‬ ‫الظاهر من ا َ‬
‫إل في اثنتين‪ :‬رجل آتاه الله مال ً فسلطه علككى هلكتككه فككي الحككق‬
‫فيقول رجل‪ :‬لو أن لي مثل ما لفلن لعملت مثله فهما في الجككر‬
‫ليككة‪ ,‬وذلككك أن الحككديث‬ ‫سواء«‪ ,‬فإن هذا شيء غير ما نهت عنه ا َ‬
‫لية نهت عن تمنككي عيككن نعمككة‬ ‫حض على تمني مثل نعمة هذا‪ ,‬وا َ‬
‫هذا‪ ,‬فقال }ول تتمنوا ما فضل الله بككه بعضكككم علككى بعككض{ أي‬
‫في المور الدنيوية‪ ,‬وكككذا الدينيككة أيض كًا‪ ,‬لحككديث أم سككلمة وابككن‬
‫عباس‪ .‬وهكذا قال عطاء بن أبي رباح‪ :‬نزلت في النهي عن تمني‬
‫ما لفلن‪ ,‬وفككي تمنككي النسككاء أن يكككن رجككال ً فيغككزون‪ ,‬رواه ابككن‬
‫جرير‪ ,‬ثم قال }للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنسككاء نصككيب ممككا‬
‫اكتسبن{ أي كل له جزاء على عمله بحسبه إن خيككرا ً فخيككر‪ ,‬وإن‬
‫شرا ً فشر‪ ,‬هذا قول ابن جرير‪ ,‬وقيل‪ :‬المراد بذلك فككي الميككراث‪,‬‬
‫أي كل يرث بحسبه‪ ,‬رواه الترمذي عن ابن عبككاس‪ ,‬ثككم أرشككدهم‬
‫إلى ما يصلحهم‪ ,‬فقال }واسككئلوا اللككه مككن فضككله{ ل تتمنككوا مككا‬
‫‪86‬‬
‫فضلنا به بعضكم على بعككض‪ ,‬فككإن هككذا أمككر محتككوم‪ ,‬والتمنككي ل‬
‫يجدي شيئًا‪ ,‬ولكن سلوني من فضلي أعطكم‪ ,‬فإني كريم وهككاب‪,‬‬
‫وقد روى الترمذي وابن مردويه من حديث حماد بن واقد‪ ,‬سمعت‬
‫إسرائيل عن أبي إسحاق‪ ,‬عككن أبككي الحككوص‪ ,‬عككن عبككد اللككه بككن‬
‫مسعود‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »سككلوا اللككه‬
‫من فضله‪ ,‬فإن الله يحككب أن يسككأل‪ ,‬وإن أفضككل العبككادة انتظككار‬
‫الفككرج« ثككم قككال الترمككذي‪ :‬كككذا رواه حمككاد بككن واقككد‪ ,‬وليككس‬
‫بالحافظ‪ ,‬ورواه أبو نعيم عن إسرائيل‪ ,‬عن حكيككم بككن جككبير‪ ,‬عككن‬
‫رجل‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وحديث أبي نعيم أشبه أن‬
‫يكون أصح‪ ,‬وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع عن إسككرائيل‪,‬‬
‫ثم رواه من حديث قيس بن الربيع عن حكيم بن جبير‪ ,‬عن سكعيد‬
‫بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »سلوا الله من فضله‪ ,‬فإن الله يحب أن يسأل‪ ,‬وإن أحككب‬
‫عباده إليه الذي يحب الفرج«‪ ,‬ثم قال }إن الله كككان بكككل شككيء‬
‫عليمكًا{ أي هككو عليككم بمككن يسككتحق الككدنيا فيعطيككه منهككا‪ ,‬وبمككن‬
‫لخككرة فيقيضككه‬ ‫يسككتحق الفقككر فيفقككره‪ ,‬وعليككم بمككن يسككتحق ا َ‬
‫لعمالهككا‪ ,‬وبمككن يسككتحق الخككذلن فيخككذله عككن تعككاطي الخيككر‬
‫وأسكككبابه‪ ,‬لهكككذا قكككال }إن اللكككه ككككان بككككل شكككيء عليمكككًا{‪.‬‬
‫ت‬‫ن عََقد َ ْ‬
‫ذي َ‬‫ن َوال ّ ِ‬‫ن َوالقَْرُبو َ‬‫دا ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫وال ِ َ‬ ‫ما ت ََر َ‬‫م ّ‬
‫ي ِ‬ ‫وال ِ َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫** وَل ِك ُ ّ‬
‫شكهيدا ً‬ ‫ه ك َككا َ َ‬ ‫َ‬
‫يٍء َ ِ‬‫شك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ى ُ‬
‫كك ّ‬ ‫ن عَلك َ‬ ‫ن الّلك َ‬
‫م إِ ّ‬‫صككيب َهُ ْ‬
‫م نَ ِ‬‫م فَككآُتوهُ ْ‬‫مككان ُك ُ ْ‬
‫أي ْ َ‬
‫قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح وقتادة وزيد‬
‫بن أسلم والسدي والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم‪ ,‬فككي قككوله‬
‫}ولكل جعلنا موالي{ أي ورثة‪ ,‬وعن ابككن عبككاس فككي روايككة‪ :‬أي‬
‫عصبة‪ ,‬قال ابن جرير‪ :‬والعرب تسمي ابن العم مككولى‪ ,‬كمككا قككال‬
‫الفضككككككككككككككككككككككل بككككككككككككككككككككككن عبككككككككككككككككككككككاس‪:‬‬
‫مهل ً بنككي عمنككا مهل ً موالينككال يظهككرن لنككا مككا كككان مككدفونا‬
‫قال‪ :‬ويعني بقوله }مما تككرك الوالككدان والقربككون{‪ ,‬مككن تركككة‬

‫والديه وأقربيه من الميراث‪ ,‬فتأويككل الكلم‪ :‬ولكلكككم أيهككا النككاس‬
‫جعلنا عصبة يرثونه ممككا تككرك والككداه وأقربككوه مككن ميراثهككم لككه‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫وقككوله تعككالى‪} :‬والككذين عقككدت أيمككانكم فككآتوهم نصككيبهم{ أي‬
‫والذين تحالفتم باليمان المؤكدة أنتم وهم‪ ,‬فككآتوهم نصككيبهم مككن‬
‫الميراث كمككا وعككدتموهم فككي اليمككان المغلظككة‪ ,‬إن اللككه شككاهد‬
‫بينكككم فككي تلككك العهككود والمعاقككدات‪ ,‬وقككد كككان هككذا فككي ابتككداء‬
‫السلم‪ ,‬ثككم نسككخ بعككد ذلككك وأمككروا أن يوفككوا لمككن عاقككدوا‪ ,‬ول‬
‫لية معاقدة‪ .‬قال البخككاري‪ :‬حككدثنا الصككلت‬ ‫ينشئوا بعد نزول هذه ا َ‬
‫بن محمد‪ ,‬حدثنا أبو أسامة عن إدريس‪ ,‬عن طلحككة بككن مصككرف‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس }ولكككل جعلنككا مككوالي{ قككال‪:‬‬
‫ورثككة‪} ,‬والككذين عقككدت أيمككانكم{ كككان المهككاجرون لمككا قككدموا‬
‫المدينة يرث المهككاجري النصككاري دون ذوي رحمككه للخككوة الككتي‬
‫آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم‪ ,‬فلما نزلت }ولكككل جعلنككا‬
‫مككوالي{ نسككخت‪ ,‬ثككم قككال }والككذين عقككدت أيمككانكم فككآتوهم‬
‫نصككبيهم{ مككن النصككر والرفككادة والنصككيحة وقككد ذهككب الميككراث‬
‫ويوصى له‪ ,‬ثم قككال البخككاري‪ :‬سككمع أبككو أسككامة إدريككس‪ ,‬وسككمع‬
‫إدريس عن طلحة‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا أبككو سككعيد الشككج‪,‬‬
‫حدثنا أبو أسامة‪ ,‬حدثنا إدريس الودي‪ ,‬أخبرني طلحة بن مصككرف‬
‫عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪ ,‬فكي قككوله }والكذين عقككدت‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬كان المهككاجرون حيككن قككدموا المدينككة يككرث‬ ‫أيمانكم{ ا َ‬
‫المهاجري النصاري دون ذوي رحمككه بككالخوة الككتي آخككى رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بينهم‪ ,‬فلما نزلت }ولكل جعلنا مككوالي‬
‫مما ترك الوالدان والقربون{ نسخت‪ ,‬ثم قكال‪} :‬والككذين عقككدت‬
‫أيمانكم فآتوهم نصيبهم{‪ ,‬وحدثنا الحسن بن محمككد بككن الصككباح‪,‬‬
‫حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬قكال‪} :‬والكذين عقكدت أيمكانكم فكآتوهم نصكيبهم{ فككان‬
‫الرجل قبل السككلم يعاقككد الرجككل ويقككول‪ :‬ترثنككي وأرثككك‪ ,‬وكككان‬
‫الحياء يتحالفون‪ ,‬فقال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم »كككل‬
‫حلف كان في الجاهلية أو عقد أدركه السككلم فل يزيككده السككلم‬
‫إل شككدة‪ ,‬ول عقككد ول حلككف فككي السككلم« فنسككختها هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫}وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعككض فككي كتككاب اللككه{‪ ,‬ثككم قككال‪:‬‬
‫وروي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والحسن وابن المسككيب‬
‫وأبككي صككالح وسككليمان بككن يسككار والشككعبي وعكرمككة والسككدي‬
‫والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان‪ ,‬أنهم قالوا‪ :‬هم الحلفاء‪ .‬وقككال‬
‫‪88‬‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا عفان‪ ,‬حدثنا شريك عن سماك‪ ,‬عككن عكرمككة‪,‬‬
‫عن ابن عباس ك ورفعه ك قال‪ :‬ما كان من حلف في الجاهليككة لككم‬
‫يزده السلم إل حدة شدة«‪ .‬وقال ابن جريككر‪ :‬حككدثنا أبككو كريككب‪,‬‬
‫حدثنا وكيع عن شريك‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬وحككدثنا أبككو كريككب‪,‬‬
‫حدثنا مصعب بن المقدام عن إسرائيل بن يونس‪ ,‬عن محمككد بككن‬
‫عبد الرحمن مولى آل طلحة‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبككاس‪ :‬قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »ل حلف في السلم‪ ,‬وكل‬
‫حلف كان في الجاهلية فلم يزده السلم إل شدة‪ ,‬وما يسرني أن‬
‫لي حمر النعم وأني نقضت الحلككف الككذي كككان فككي دار النككدوة«‪,‬‬
‫هذا لفظ ابككن جريككر‪ .‬وقككال ابككن جريككر أيضكًا‪ :‬حككدثنا يعقككوب بككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬حدثنا ابن علية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري‪,‬‬
‫عن محمد بن جبير بن مطعككم‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬عككن عبككد الرحمككن بككن‬
‫عوف‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قككال »شككهدت حلككف‬
‫المطيبين وأنا غلم مع عمومككتي‪ ,‬فمككا أحككب أن لككي حمككر النعككم‪,‬‬
‫وإني أنكثه« قال الزهري‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫»لككم يصككب السككلم حلف كا ً إل زاده شككدة« قككال »ول حلككف فككي‬
‫السلم«‪ ,‬وقككد ألككف النككبي صككلى اللككه عليككه وسكلم بيككن قريككش‬
‫والنصار‪ .‬وهكذا رواه المام أحمد عن بشر بن المفضل‪ ,‬عن عبد‬
‫الرحمن بن إسككحاق‪ ,‬عككن الزهككري بتمككامه‪ ,‬وحككدثني يعقككوب بككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬حدثنا هشيم‪ ,‬أخككبرني مغيككرة عككن أبيككه‪ ,‬عككن شككعبة بككن‬
‫التوأم‪ ,‬عن قيس بن عاصم‪ :‬أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن الحلف‪ ,‬قال‪ :‬فقال »ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكككوا‬
‫به‪ ,‬ول حلف في السلم« وهكذا رواه أحمد عككن هشككيم‪ ,‬وحككدثنا‬
‫أبو كريب‪ ,‬حدثنا وكيع عن داود بن أبي عبد الله‪ ,‬عن ابككن جككدعان‬
‫عن جدته‪ ,‬عن أم سلمة‪ ,‬أن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫قال »ل حلف في السلم‪ ,‬وما كان مككن حلككف فككي الجاهليككة لككم‬
‫يزده السلم إل شدة«‪ .‬وحدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا يككونس بككن بكيككر‬
‫عن محمد بن إسحاق‪ ,‬عن عمرو بن شعيب‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عككن جككده‪,‬‬
‫قال‪ :‬لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عكام الفتكح‪,‬‬
‫قام خطيبا ً في الناس فقال »يا أيها الناس ما كان من حلككف فككي‬
‫الجاهلية لم يزده السككلم إل شككدة‪ ,‬ول حلككف فككي السككلم« ثككم‬
‫‪89‬‬
‫رواه من حديث حسككين المعلككم وعبككد الرحمككن بككن الحككارث عككن‬
‫عمرو بن شعيب به‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبدالله بككن محمككد‪,‬‬
‫حدثنا ابن نمير وأبو أسامة عن زكريا‪ ,‬عن سعد ابن إبراهيم‪ ,‬عككن‬
‫أبيه‪ ,‬عن جبير بن مطعم‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللكه صكلى اللكه عليككه‬
‫وسلم »ل حلف في السلم وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده‬
‫السلم إل شدة«‪ .‬وهكذا رواه مسلم عن عبد الله بن محمد وهكو‬
‫أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده مثلككه‪ ,‬ورواه أبككو داود عككن عثمككان‪,‬‬
‫عن محمد بن أبي شيبة‪ ,‬عككن محمككد بككن بشككر وابككن نميككر وأبككي‬
‫أسامة‪ ,‬ثلثتهم عن زكريا وهو ابن أبي زائدة بإسناده مثلككه‪ ,‬ورواه‬
‫ابن جرير من حديث محمد بن بشر به‪ .‬ورواه النسائي من حديث‬
‫إسحاق بن يوسف الزرق عن زكريا‪ ,‬عن سعد بككن إبراهيككم‪ ,‬عككن‬
‫نافع بن جبير بن مطعم‪ ,‬عن أبيه بككه‪ .‬وقككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة عن أبيككه‪ ,‬عككن شككعبة بككن التككوأم‪ ,‬عككن‬
‫قيس بن عاصم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلككف‬
‫فقال »ما كان حلككف فككي الجاهليككة فتمسكككوا بككه‪ ,‬ول حلككف فككي‬
‫السلم« وكذا رواه شعبة عن مغيرة وهو ابن مقسم عن أبيه به‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق عككن داود بككن الحصككين‪ ,‬قككال‪ :‬كنككت أقككرأ‬
‫على أم سعد بنت سعد بن الربيع مع ابن ابنهككا موسككى بككن سككعد‬
‫وكانت يتيمة في حجر أبي بكككر‪ ,‬فقككرأت عليهككا }والككذين عاقككدت‬
‫أيمانكم{ فقالت‪ :‬ل ولكن }والذين عقدت أيمككانكم{ قككالت‪ :‬إنمككا‬
‫نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى أن يسككلم‪ ,‬فحلككف‬
‫أبو بكر أن ل يورثه‪ ,‬فلما أسلم حين حمل على السلم بالسككيف‪,‬‬
‫أمر الله أن يؤتيه نصيبه‪ ,‬رواه ابن أبي حككاتم‪ ,‬وهككذا قككول غريككب‪,‬‬
‫والصحيح الول‪ ,‬وأن هذا كان في ابتداء السلم يتوارثون بالحلف‬
‫ثم نسخ وبقي تأثير الحلف بعد ذلك‪ ,‬وإن كانوا قد أمروا أن يوفوا‬
‫بالعهود والعقود‪ ,‬والحلف الذي كانوا قد تعاقدوه قبل ذلك‪ ,‬وتقدم‬
‫في حكديث جكبير بكن مطعكم وغيككره مككن الصككحابة‪ :‬ل حلكف فككي‬
‫السلم‪ ,‬وأيما حلف كان في الجاهلية لم يككزده السككلم إل شككدة‪,‬‬
‫وهذا نص في الرد على من ذهب إلى التوارث بالحلف اليوم‪ ,‬كما‬
‫هكو مكذهب أبكي حنيفكة وأصكحابه‪ ,‬وروايكة عكن أحمكد بكن حنبكل‪,‬‬
‫والصحيح قول الجمهور ومالك والشككافعي وأحمككد فككي المشككهور‬
‫عنه‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬ولكل جعلنككا مككوالي ممككا تككرك الوالككدان‬
‫‪90‬‬
‫والقربون{ أي ورثة من قراباته مككن أبككويه وأقربيككه‪ ,‬هككم يرثككونه‬
‫دون سائر الناس‪ ,‬كما ثبككت فككي الصككحيحين عككن ابككن عبككاس أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قككال »ألحقككوا الفككرائض بأهلهككا‬
‫ى رجل ذكر« أي اقسموا الميراث على أصحاب‬ ‫فما بقي فهو لول َ‬
‫الفروض الذين ذكرهم الله في آيتي الفرائض‪ ,‬فما بقي بعككد ذلككك‬
‫فأعطوه للعصبة‪ .‬وقوله }والذين عقدت أيمانكم{ أي قبككل نككزول‬
‫لية فآتوهم نصيبهم‪ ,‬أي من الميراث‪ ,‬فأيما حلف عقككد بعككد‬ ‫هذه ا َ‬
‫ليككة نسككخت الحلككف فككي‬ ‫ذلك فل تأثير لككه‪ ,‬وقككد قيككل‪ :‬إن هككذه ا َ‬
‫المستقبل وحكم الحلف الماضي أيضكًا‪ ,‬فل تككوارث بككه‪ ,‬كمككا قككال‬
‫ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبكو سكعيد الشكج‪ ,‬حكدثنا أبكو أسكامة‪ ,‬حكدثنا‬
‫إدريس الودي‪ ,‬أخبرني طلحة بن مصككرف عككن سككعيد بككن جككبير‪,‬‬
‫عن ابن عباس‪} :‬فآتوهم نصيبهم{‪ ,‬قال‪ :‬مككن النصككرة والنصككيحة‬
‫والرفادة ويوصي له وقد ذهب الميراث‪ .‬ورواه ابن جرير عن أبككي‬
‫كريب عن أبي أسامة‪ ,‬وكذ روي عن مجاهد وأبي مالك نحو ذلككك‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‪ :‬قككوله }والككذين عقككدت‬
‫أيمانكم{ قال‪ :‬كان الرجل يعاقد الرجل أيهمككا مككات ورثككه ا َ‬
‫لخككر‪,‬‬
‫فأنزل الله تعالى }وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعككض فككي كتككاب‬
‫اللككه مككن المككؤمنين والمهككاجرين إل أن تفعلككوا إلككى أوليككائكم‬
‫معروفًا{ يقول‪ :‬إل أن يوصوا لوليائهم الككذين عاقكدوا وصكية فهكو‬
‫لهم جائز من ثلث مال الميت‪ ,‬وهككذا هككو المعككروف‪ ,‬وهكككذا نككص‬
‫غير واحد من السلف أنها منسوخة بقوله }وأولوا الرحام بعضهم‬
‫أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إل أن تفعلوا‬
‫إلى أوليائكم معروفًا{ وقال سعيد بن جبير‪} :‬فككآتوهم نصككيبهم{‪,‬‬
‫أي من الميراث‪ ,‬قككال‪ :‬وعاقككد أبككو بكككر مككولى فككورثه‪ ,‬رواه ابككن‬
‫لية في الككذين‬ ‫جرير‪ .‬وقال الزهري عن ابن المسيب‪ :‬نزلت هذه ا َ‬
‫كانوا يتبنون رجال ً غير أبنائهم ويورثونهم‪ ,‬فأنزل الله فيهم‪ ,‬فجعل‬
‫لهم نصيبا ً في الوصية‪ ,‬ورد الميراث إلى الموالي فككي ذي الرحككم‬
‫والعصككبة‪ ,‬وأبككى اللككه أن يكككون للمككدعين ميككراث ممككن ادعككاهم‬
‫وتبناهم‪ ,‬ولكن جعل لهم نصيبا ً من الوصية‪ ,‬رواه ابككن جريككر‪ ,‬وقككد‬
‫اختار ابن جرير أن المراد بقوله فآتوهم نصيبهم‪ ,‬أي مككن النصككرة‬
‫والنصيحة والمعونة‪ ,‬ل أن المراد }فآتوهم نصيبهم{ من الميككراث‬
‫لية منسوخة‪ ,‬ول أن ذلك كان حكما ً ثم نسخ بل إنمككا‬ ‫حتى تكون ا َ‬
‫‪91‬‬
‫لية على الوفاء بككالحلف المعقككود علككى النصككرة والنصككيحة‬ ‫دلت ا َ‬
‫فقط‪ ,‬فهي محكمة ل منسوخة‪ ,‬وهذا الككذي قككاله فيككه نظككر‪ ,‬فككإن‬
‫من الحلف ما كان على المناصرة والمعاونة‪ ,‬ومنه مككا كككان علككى‬
‫الرث كما حكاه غير واحد من السلف‪ ,‬وكما قال ابن عباس‪ :‬كان‬
‫المهاجري يككرث النصككاري دون قرابككاته وذوي رحمككه حككتى نسككخ‬
‫لية محكمككة غيككر منسككوخة ؟ واللككه‬ ‫ذلك‪ ,‬فكيف يقولون إن هذه ا َ‬
‫ض‬ ‫ضه ُ ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ما فَ ّ‬ ‫ن عََلى الن ّ َ‬ ‫ل قَ ّ‬ ‫جا ُ‬

‫ى ب َْعكك ٍ‬ ‫م عَل َ‬ ‫ه ب َعْ َ‬ ‫سآِء ب ِ َ‬ ‫مو َ‬
‫َ‬
‫وا ُ‬ ‫** الّر َ‬
‫َ‬
‫مككا‬ ‫ت ل ّل ْغَي ْك ِ‬
‫ب بِ َ‬ ‫حافِظ َككا ٌ‬ ‫ت َ‬ ‫ت َقان َِتا ٌ‬ ‫حا ُ‬ ‫صال ِ َ‬‫م َفال ّ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مآ أن َْفُقوا ْ ِ‬ ‫وَب ِ َ‬
‫ن فِككي‬ ‫جُروهُك ّ‬ ‫ن َواهْ ُ‬ ‫ن فَعِظ ُككوهُ ّ‬ ‫شككوَزهُ ّ‬ ‫ن نُ ُ‬‫خككاُفو َ‬ ‫ه َوالل ّت ِككي ت َ َ‬ ‫ظ الل ّ ُ‬ ‫حِف َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫ن اللك َ‬ ‫سكِبيل ً إ ِ ّ‬‫ن َ‬ ‫م فَل َ ت َب ُْغوا عَلي ْهِك ّ‬ ‫ن أطعْن َك ُ ْ‬ ‫ن فَإ ِ ْ‬ ‫ضرُِبوهُ ّ‬ ‫جِع َوا ْ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬‫ال َ‬
‫ن عَل ِّيكككككككككككككككككككككككا ً ك َِبيكككككككككككككككككككككككرا ً‬ ‫ككككككككككككككككككككككككا َ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى‪} :‬الرجال قوامككون علكى النسككاء{ أي الرجككل قيكم‬
‫على المرأة‪ ,‬أي هو رئيسككها وكبيرهككا والحككاكم عليهككا ومؤدبهككا إذا‬
‫اعوجت‪} ,‬بمككا فضككل اللككه بعضككهم علككى بعككض{ أي لن الرجككال‬
‫أفضل من النساء‪ ,‬والرجل خير مككن المككرأة‪ ,‬ولهككذا كككانت النبككوة‬
‫مختصة بالرجال‪ ,‬وكذلك الملككك العظككم لقككوله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسكلم »لككن يفلكح قكوم ولكوا أمرهككم امكرأة« رواه البخكاري مكن‬
‫حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيككه‪ ,‬وكككذا منصككب القضككاء‬
‫وغير ذلك‪} ,‬وبما أنفقوا من أموالهم{ أي مككن المهككور والنفقككات‬
‫والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن فككي كتككابه وسككنة نككبيه صككلى‬
‫الله عليككه وسككلم‪ ,‬فالرجككل أفضككل مككن المككرأة فككي نفسككه‪ ,‬ولككه‬
‫الفضل عليها والفضال‪ ,‬فناسب أن يكككون قيمككا عليهككا‪ ,‬كمككا قككال‬
‫ليككة‪ ,‬وقككال علككي بككن أبككي‬ ‫الله تعالى‪} :‬وللرجال عليهن درجككة{ ا َ‬
‫طلحككة عككن ابككن عبككاس }الرجككال قوامككون علككى النسككاء{ يعنككي‬
‫أمراء‪ ,‬عليها أن تطيعكه فيمككا أمرهككا بككه مككن طككاعته‪ ,‬وطككاعته أن‬
‫تكون محسككنة لهلككه حافظككة لمككاله‪ ,‬وكككذا قككال مقاتككل والسككدي‬
‫والضحاك‪ .‬وقال الحسن البصري‪ :‬جاءت امكرأة إلكى النكبي صكلى‬
‫الله عليه وسلم تشكو أن زوجها لطمها‪ ,‬فقال رسول اللككه صككلى‬
‫اللكه عليكه وسكلم »القصككاص«‪ ,‬فككأنزل اللكه عكز وجككل }الرجكال‬
‫‪92‬‬
‫ليككة‪ ,‬فرجعككت بغيككر قصككاص‪ ,‬ورواه ابككن‬ ‫قوامون على النسككاء{ ا َ‬
‫جرير وابن أبي حاتم مككن طككرق عنككه‪ ,‬وكككذلك أرسككل هككذا الخككبر‬
‫قتادة وابن جريج والسدي‪ ,‬أورد ذلك كله ابن جريككر‪ ,‬وقككد أسككنده‬
‫ابن مردويه من وجه آخر فقال‪ :‬حككدثنا أحمككد بككن علككي النسككائي‪,‬‬
‫حككدثنا محمككد بككن عبككد اللككه الهاشككمي‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن محمككد‬
‫الشعث حدثنا موسككى بككن إسككماعيل بككن موسككى بككن جعفككر بككن‬
‫محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي عن جدي‪ ,‬عن جعفر بن محمد‪ ,‬عككن أبيككه‪,‬‬
‫عن علي‪ ,‬قال‪ :‬أتى رسول الله صلى الله عليه وسككلم رجككل مككن‬
‫النصار بامرأة له‪ ,‬فقالت‪ :‬يا رسول الله إن زوجها فلن بككن فلن‬
‫النصاري وإنه ضربها فأثر في وجهها‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم »ليس له ذلك« فأنزل الله تعككالى }الرجككال قوامككون‬
‫على النساء{ أي في الدب‪ ,‬فقال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »أردت أمرا ً وأراد الله غيره«‪ .‬وقال الشعبي في هذه ا َ‬
‫لية‬
‫}الرجال قوامون على النساء بمافضل اللككه بعضككهم علككى بعككض‬
‫وبما أنفقوا من أموالهم{ قال‪ :‬الصداق الذي أعطاها‪ ,‬أل ترى أنككه‬
‫لو قذفها ل عنها‪ ,‬ولو قذفته جلدت‪ .‬وقوله تعكالى‪} ,‬فالصكالحات{‬
‫أي مككن النسككاء }قانتككات{ قككال ابككن عبككاس وغيككر واحككد‪ :‬يعنككي‬
‫مطيعات لزواجهن }حافظات للغيب{ وقككال السككدي وغيككره‪ :‬أي‬
‫تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله‪ .‬وقوله }بما حفظ اللككه{‬
‫أي المحفوظ من حفظه الله‪ .‬قال ابن جرير حدثني المثني‪ ,‬حدثنا‬
‫أبو صالح‪ ,‬حدثنا أبو معشر‪ ,‬حدثنا سعيد بككن أبككي سككعيد المقككبري‬
‫عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »خير‬
‫النساء امرأة إذا نظككرت إليهككا سككرتك‪ ,‬وإذا أمرتهككا أطاعتككك‪ ,‬وإذا‬
‫غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك« قال‪ :‬ثككم قككرأ رسككول اللككه‬
‫لية }الرجال قوامككون علككى النسككاء{‬ ‫صلى الله عليه وسلم هذه ا َ‬
‫إلى آخرها‪ ,‬ورواه ابن أبي حاتم عن يككونس بككن حككبيب‪ ,‬عككن أبككي‬
‫داود الطيالسي‪ ,‬عن محمد بككن عبككد الرحمككن بككن أبككي ذئب‪ ,‬عككن‬
‫سعيد المقبري به‪ ,‬مثله سواء‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا يحيى بككن‬
‫عبيككد اللككه بككن أبككي جعفككر‪ :‬أن ابككن‬
‫إسحاق‪ ,‬حدثنا ابن لهيعة عككن ُ‬
‫قارظ أخبره أن عبد الرحمككن بككن عككوف قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم »إذا صككلت المككرأة خمسككها‪ ,‬وصككامت‬
‫شهرها‪ ,‬وحفظت فرجها‪ ,‬وأطاعت زوجها‪ ,‬قيل لها‪ :‬ادخلككي الجنككة‬
‫‪93‬‬
‫من أي البواب شئت« تفرد بككه أحمككد مككن طريككق عبككد اللككه بككن‬
‫قارظ عن عبد الرحمن بن عوف‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬واللتي تخككافون‬
‫نشوزهن{ أي والنساء اللتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن‪,‬‬
‫والنشوز هو الرتفاع‪ ,‬فالمرأة الناشز هي المرتفعككة علككى زوجهككا‪,‬‬
‫التاركة لمره‪ ,‬المعرضة عنه‪ ,‬المبغضة لككه‪ ,‬فمككتى ظهككر لككه منهككا‬
‫أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب اللككه فككي عصككيانه‪ ,‬فككإن‬
‫الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته وحرم عليها معصككيته لمككا‬
‫له عليها من الفضل والفضال‪ ,‬وقد قكال رسكول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم »لو كنت آمرا ً أحدا ً أن يسجد لحد‪ ,‬لمرت المككرأة أن‬
‫تسجد لزوجها من عظككم حقككه عليهككا«‪ ,‬وروى البخككاري عككن أبككي‬
‫هريرة رضي الله عنككه‪ ,‬قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه صكلى اللكه عليككه‬
‫وسككلم »إذا دعككا الرجككل امرأتككه إلككى فراشككه فككأبت عليككه لعنتهككا‬
‫الملئكة حككتى تصككبح«‪ ,‬ورواه مسككلم‪ ,‬ولفظككه »إذا بككاتت المككرأة‬
‫هاجرة فككراش زوجهككا لعنتهككا الملئكككة حككتى تصككبح«‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫تعكككالى‪} :‬واللتكككي تخكككافون نشكككوزهن فعظكككوهن{‪ .‬وقكككوله‬
‫}واهجروهن في المضاجع{ قال علككي بككن أبككي طلحككة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ :‬الهجر هو أن ل يجامعها‪ ,‬ويضاجعها علككى فراشككها ويوليهككا‬
‫ظهره‪ ,‬وكذا قال غير واحد‪ .‬وزاد آخرون منهم السككدي والضككحاك‬
‫وعكرمة وابن عباس في روايككة‪ :‬ول يكلمهككا مككع ذلككك ول يحككدثها‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة أيضا ً عن ابككن عبككاس‪ :‬يعظهككا فككإن هككي‬
‫قبلت وإل هجرها في المضجع‪ ,‬ول يكلمها من غير أن يذر نكاحهككا‪,‬‬
‫وذلك عليها شديد‪ .‬وقال مجاهككد والشككعبي وإبراهيككم ومحمككد بككن‬
‫كعب ومقسم وقتادة‪ :‬الهجر هو أن ل يضاجعها‪ .‬وقد قال أبو داود‪:‬‬
‫حدثنا موسى بن إسماعيل‪ ,‬حدثنا حماد بككن سككلمة عككن علككي بككن‬
‫حرة الرقاشي‪ ,‬عن عمه أن النككبي صككلى اللككه عليككه‬ ‫زيد‪ ,‬عن أبي ُ‬
‫وسلم قال »فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضككاجع« قككال‬
‫حماد‪ :‬يعني النكاح‪ .‬وفي السنن والمسككند عككن معاويككة بككن حيككدة‬
‫القشيري أنه قال‪ :‬يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليككه ؟ قككال‬
‫»أن تطعمها إذا طعمت‪ ,‬وتكسوها إذا اكتسيت‪ ,‬ول تضرب الوجه‪,‬‬
‫ول تقبح‪ ,‬ول تهجر إل في الككبيت«‪ .‬وقككوله‪} :‬واضككربوهن{‪ ,‬أي إذا‬
‫لم يرتدعن بالموعظة ول بالهجران‪ ,‬فلكم أن تضربوهن ضربا ً غير‬
‫مبرح‪ ,‬كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النككبي صككلى اللككه‬
‫‪94‬‬
‫عليه وسلم أنه قال في حجككة الككوداع »واتقككوا اللككه فككي النسككاء‪,‬‬
‫فإنهن عنككدكم عككوان‪ ,‬ولكككم عليهككن أن ل يككوطئن فرشكككم أحككدا ً‬
‫تكرهككونه‪ ,‬فككإن فعلككن ذلككك فاضككربوهن ضككربا ً غيككر مككبرح‪ ,‬ولهككن‬
‫عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف« وكذا قال ابككن عبككاس وغيككر‬
‫واحد‪ :‬ضربا ً غير مبرح‪ ,‬قال الحسككن البصككري‪ :‬يعنككي غيككر مككؤثرو‬
‫قال الفقهاء‪ :‬هو أن ل يكسر فيها عضوا ً ول يؤثر فيها شيئًا‪ ,‬وقككال‬
‫علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‪ :‬يهجرهككا فككي المضككجع‪ ,‬فككإن‬
‫أقبلت وإل فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا ً غير مبرح‪ ,‬ول تكسر‬
‫لها عظمًا‪ ,‬فإن أقبلت وإل فقد أحل اللكه لكك منهكا الفديكة‪ .‬وقكال‬
‫سفيان بن عيينة عن الزهري‪ ,‬عن عبد الله بن عبد الله بن عمككر‪,‬‬
‫ذباب قككال‪ :‬قككال النككبي صككلى اللككه‬ ‫عن إياس بن عبد الله بن أبي ُ‬
‫عليه وسلم »ل تضربوا إماء الله« فجاء عمر رضي الله عنككه إلككى‬
‫رسول الله صكلى اللكه عليكه وسكلم فقكال‪» :‬ذئرت النسكاء علككى‬
‫أزواجهن‪ ,‬فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضككربهن‪,‬‬
‫فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكككون‬
‫أزواجهن‪ ,‬فقال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم »لقككد أطككاف‬
‫بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم« رواه‬
‫أبو داود والنسائي وابن ماجه‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حككدثنا سككليمان‬
‫بككن داود يعنككي أبككا داود الطيالسككي‪ ,‬حككدثنا أبككو عوانككة عككن داود‬
‫الودي‪ ,‬عن عبد الرحمن السلمي‪ ,‬عن الشعث بككن قيككس‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫ضفت عمر رضككي اللككه عنككه‪ ,‬فتنككاول امرأتككه فضككربها‪ ,‬فقككال‪ :‬يككا‬
‫أشعث‪ ,‬احفظ عني ثلثا ً حفظتها عن رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ :‬ل تسأل الرجل فيم ضرب امرأتككه‪ ,‬ول تنككم إل علككى وتككر‪,‬‬
‫ونسي الثالثة‪ ,‬وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث‬
‫عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة‪ ,‬عن داود الودي به‪ .‬وقككوله‬
‫ل{ أي إذا أطككاعت‬ ‫تعككالى‪} :‬فككإن أطعنكككم فل تبغككوا عليهككن سككبي ً‬
‫المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله لككه منهككا‪ ,‬فل‬
‫سبيل له عليها بعد ذلك‪ ,‬وليس له ضربها ول هجرانها‪ .‬وقوله }إن‬
‫الله كان عليا ً كبيرًا{ تهديد للرجال إذا بغوا على النسككاء مككن غيككر‬
‫سبب‪ ,‬فإن الله العلككي الكككبير وليهككن‪ ,‬وهككو ينتقككم ممككن ظلمهككن‬
‫وبغككككككككككككككككككككككككككككككككككككى عليهككككككككككككككككككككككككككككككككككككن‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫كمكا ً مك َ‬
‫ن‬
‫مك ْ‬ ‫كمكا ً ّ‬‫ح َ‬ ‫ن أهِْلكهِ وَ َ‬‫ّ ْ‬ ‫ح َ‬‫مككا َفكاب ْعَُثوا ْ َ‬ ‫شَقاقَ ب َي ْن ِهِ َ‬
‫م ِ‬ ‫خْفت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬‫** وَإ ِ ْ‬
‫خِبيككرا ً‬
‫ن عَِليمككا ً َ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫مآ إ ِ ّ‬ ‫ق الل ّ ُ‬
‫ه ب َي ْن َهُ َ‬ ‫لحا ي ُوَفّ ِ‬
‫ص َ ً‬‫دآ إ ِ ْ‬
‫ري َ‬ ‫أهْل َِهآ ِإن ي ُ ِ‬
‫ذكر الحال الول وهو إذا كان النفور والنشوز مككن الزوجككة‪ .‬ثككم‬
‫ذكر الحال الثاني وهو إذا كان النفور(من الزوجين‪ ,‬فقككال تعككالى‪:‬‬
‫}وإن خفتككم شككقاق بينهمككا فككابعثوا حكمكا ً مككن أهلككه وحكمكا ً مككن‬
‫أهلها{ وقال الفقهككاء‪ :‬إذا وقككع الشككقاق بيككن الزوجيككن‪ ,‬أسكككنهما‬
‫الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما ويمنع الظككالم منهمككا مككن‬
‫الظلم‪ ,‬فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما‪ ,‬بعككث الحككاكم ثقككة‬
‫من أهل المرأة وثقة من قوم الرجل ليجتمعا فينظرا في أمرهمككا‬
‫ويفعل مككا فيككه المصككلحة ممككا يريككانه مككن التفريككق أو التوفيككق‪,‬‬
‫وتشوف الشارع إلى التوفيق‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬إن يريدا إصلحا ً‬
‫يوفق الله بينهما{ وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‪ :‬أمككر‬
‫الله عز وجل أن يبثعوا رجل ً صالحا ً من أهل الرجككل‪ .,‬ورجل ً مثلككه‬
‫من أهل المرأة‪ ,‬فينظران أيهمككا المسككيء‪ ,‬فككإن كككان الرجككل هككو‬
‫المسككيء حجبككوا عنككه امرأتككه وقصككروه علككى النفقككة‪ ,‬وإن ككانت‬
‫المرأة هي المسيئة‪ ,‬قصروها على زوجهككا ومنعوهككا النفقككة‪ ,‬فككإن‬
‫اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا‪ ,‬فأمرهما جائز‪ ,‬فإن رأيككا أن‬
‫لخككر‪ ,‬ثككم مككات أحككدهما‪ ,‬فككإن‬ ‫يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره ا َ‬
‫الذي رضي يرث الذي لم يرض ول يرث الكاره الراضي‪ ,‬رواه ابن‬
‫أبي حاتم وابن جرير‪ ,‬وقال عبككد الككرزاق‪ :‬أخبرنككا معمككر عككن ابككن‬
‫طاوس‪ ,‬عن عكرمة بن خالككد‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬بعثككت أنككا‬
‫ومعاوية حكمين‪ ,‬قال معمر‪ :‬بلغني أن عثمان بعثهما وقككال لهمككا‪:‬‬
‫إن رأيتما أن تجمعا جمعتما‪ ,‬وإن رأيتمككا أن تفرقككا ففرقككا‪ ,‬وقككال‪:‬‬
‫أنبأنا ابن جريج‪ ,‬حدثني ابن أبي مليكككة أن عقيككل بككن أبككي طككالب‬
‫تزوج فاطمة بنككت عتبككة بككن ربيعككة ؟ فقككالت‪ :‬تصككير إلككي وأنفككق‬
‫عليك‪ ,‬فكان إذا دخل عليها قالت‪ :‬أين عتبة بن ربيعككة وشككيبة بككن‬
‫ربيعة ؟‪ ,‬فقال‪ :‬على يسارك فكي النكار إذا دخلكت‪ ,‬فشكدت عليهكا‬
‫ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك‪ ,‬فضحك‪ ,‬فأرسل ابن عبككاس‬
‫ومعاوية‪ ,‬فقال ابن عباس‪ ,‬لفرقن بينهما‪ ,‬فقال معاوية‪ :‬مككا كنككت‬
‫لفرق بين شيخين من بنككي عبككد منككاف‪ ,‬فأتياهمككا فوجككداهما قككد‬
‫أغلقا عليهما أبوابهما فرجعا‪ ,‬وقال عبد الرزاق‪ ,‬أخبرنا معمككر عككن‬
‫‪96‬‬
‫أيوب‪ ,‬عن محمد بن سيرين‪ ,‬عن عبيدة قال‪ :‬شهدت عليا ً وجككاءته‬
‫امرأة وزوجها مع كل واحد منهما فئام من الناس ‪ ,‬فككأخرج هككؤلء‬
‫حكما وهؤلء حكمًا‪ ,‬فقال علي للحكمين‪ :‬أتدريان ما عليكمككا ؟ إن‬
‫عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما‪ ,‬فقالت المرأة‪ :‬رضيت بكتككاب‬
‫الله لي وعلي‪ ,‬وقال الزوج‪ :‬أمككا الفرقككة فل‪ ,‬فقككال علككي‪ :‬كككذبت‬
‫والله ل تبرح حتى ترضى بكتاب الله عككز وجككل لككك وعليككك‪ ,‬رواه‬
‫ابن أبي حاتم‪ ,‬ورواه ابن جريككر عككن يعقككوب عككن ابككن عليككة عككن‬
‫أيوب‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬عن علي مثله‪ ,‬ورواه من وجه‬
‫آخر عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة عن علي بككه‪ ,‬وقككد أجمككع جمهككور‬
‫العلماء على أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة حتى قككال إبراهيككم‬
‫النخعي‪ :‬إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهمككا بطلقككة أو بطلقككتين أو‬
‫ثلث فعل‪ ,‬وهو رواية عن مالك‪ ,‬وقال الحسن البصري‪ :‬الحكمككان‬
‫يحكمان في الجمع ل في التفرقة‪ ,‬وكذا قال قتادة وزيد بن أسلم‪,‬‬
‫وبه قال أحمد بن حنبل وأبككو ثككور وداود‪ ,‬ومأخككذهم قككوله تعككالى‪:‬‬
‫}إن يريدا إصلحا ً يوفق الله بينهما{ ولم يككذكر التفريككق‪ ,‬وأمككا إذا‬
‫كانكا وكيليكن مكن جهكة الزوجيكن فكإنه ينفكذ حكمهمكا فكي الجمكع‬
‫والتفرقة بل خلف‪ ,‬وقككد اختلككف الئمككة فككي الحكميككن‪ ,‬هككل همككا‬
‫منصوبان من جهة الحاكم‪ ,‬فيحكمان وإن لككم يككرض الزوجككان ‪ .‬أو‬
‫هما وكيلن من جهة الزوجين ؟ على قولين والجمهور على الول‪,‬‬
‫لقوله تعالى‪} :‬فابعثوا حكما ً من أهله وحكما ً من أهلها{ فسماهما‬
‫حكمين ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه‪ ,‬وهذا‬
‫لية‪ ,‬والجديد من مذهب الشككافعي وهككو قككول أبككي حنيفككة‬ ‫ظاهر ا َ‬
‫وأصحابه‪ ,‬الثاني منهما بقككول علككي رضككي اللككه عنككه للككزوج حيككن‬
‫قال‪ :‬أماالفرقة فل‪ ,‬قال‪ :‬كذبت حتى تقر بما أقرت به‪ ,‬قالوا‪ :‬فلو‬
‫كانا حاكمين لماافتقر إلى إقرار الزوج‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬قككال الشككيخ‬
‫أبو عمر بن عبد البر‪ :‬وأجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلككف‬
‫لخر‪ ,‬وأجمعوا علككى أن قولهمككا نافككذ فككي‬ ‫قولهما فل عبرة بقول ا َ‬
‫الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان‪ ,‬واختلفككوا هككل ينفككذ قولهمككا فككي‬
‫التفرقة‪ ,‬ثم حكي عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضا ً من غيككر‬
‫توكيككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككل‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫ذي‬ ‫سكانا ً وَِبك ِ‬‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬‫واِلكد َي ْ ِ‬‫شكْيئا ً وَِبال ْ َ‬ ‫كوا ْ ِبكهِ َ‬ ‫شكرِ ُ‬ ‫ه وَل َ ت ُ ْ‬ ‫دوا ْ الّلك َ‬ ‫** َواعُْبك ُ‬
‫ب‬‫جن ُك ِ‬ ‫جككارِ ال ْ ُ‬
‫ى َوال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫جككارِ ِذي الُقْربَ َك َ‬ ‫ن َوال ْ َ‬‫كي ِ‬‫سككا ِ‬
‫م َ‬ ‫ى َوال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ى َوال ْي َت َككا َ‬ ‫ْ‬
‫الُقْرب َ َ‬
‫ه لَ‬ ‫ن الل ّك َ‬‫م إِ ّ‬‫مككان ُك ُ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َك ْ‬ ‫مككا َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫س كِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ب َواب ْك ِ‬‫جن ْ ِ‬ ‫ب ِبال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫خكككككككككككورا ً‬ ‫خت َكككككككككككال ً فَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مكككككككككككن ك َكككككككككككا َ‬ ‫ب َ‬ ‫حككككككككككك ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده ل شريك له‪ ,‬فككإنه هككو الخككالق‬
‫لنككات والحككالت‪,‬‬ ‫الرازق المنعم المتفضل على خلقه فككي جميككع ا َ‬
‫فهككو المسككتحق منهككم أن يوحككدوه ول يشككركوا بككه شككيئا ً مككن‬
‫مخلوقاته‪ ,‬كما قال النبي صلى الله عليككه وسككلم لمعككاذ بككن جبككل‬
‫»أتدري ما حق الله على العباد ؟ قال‪ :‬الله ورسككوله أعلكم‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫»أن يعبدوه ول يشركوا به شيئًا«‪ ,‬ثم قال‪» :‬أتدري ما حكق العبكاد‬
‫على الله إذا فعلوا ذلك ؟ أن ل يعذبهم« ثم أوصى بالحسان إلككى‬
‫الوالدين‪ ,‬فإن الله سبحانه جعلهما سببا لخروجك من العككدم إلككى‬
‫الوجود وكثيرا ً ما يقرن الله سككبحانه بيككن عبككادته والحسككان إلككى‬
‫الوالدين‪ ,‬كقوله }أن اشكر لي ولوالديك{‪ ,‬وكقوله }وقضى ربككك‬
‫أل تعبدوا إل إياه وبالوالككدين إحسككانا{ ثككم عطككف علككى الحسككان‬
‫إليهما الحسان إلى القرابات من الرجكال والنسكاء كمكا جكاء فكي‬
‫الحديث »الصدقة على المسكين صدقة‪ ,‬وعلى ذي الرحم صككدقة‬
‫وصلة«‪ ,‬ثم قال تعالى‪} :‬واليتامى{ وذلك لنهم فقدوا مككن يقككوم‬
‫بمصالحهم ومن ينفق عليهم فككأمر اللككه بالحسككان إليهككم والحنككو‬
‫عليهم ثم قال }والمساكين{ وهككم المحاويككج مككن ذوي الحاجككات‬
‫الذين ل يجدون ما يقوم بكفايتهم‪ ,‬فأمر الله سبحانه بمسككاعدتهم‬
‫بمكا تتكم بكه كفكايتهم وتكزول بكه ضكرورتهم وسكيأتي الكلم علكى‬
‫الفقير والمكسين في سورة بككراءة‪ ,‬وقككوله }والجككار ذي القربككى‬
‫والجار الجنب{ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عبكاس‪} :‬والجكار‬
‫ذي القربى{‪ ,‬يعني الذي بينك وبينه قرابة‪} ,‬والجار الجنب{ الذي‬
‫ليس بينك وبينه قرابة‪ ,‬وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وميمون بن‬
‫مهران والضحاك وزيد بن أسلم مقاتل بن حيان وقتادة‪ ,‬وقال أبككو‬
‫إسحاق عن نوف البكالي فككي قككوله‪ :‬والجككار ذي القربككى ‪ :‬يعنككي‬
‫الجار المسلم‪ ,‬والجار الجنب يعني اليهودي و النصراني‪ ,‬رواه ابن‬
‫جرير وابن أبي جاتم‪ ,‬وقال جابر الجعفي عن الشككعبي عككن علككي‬
‫وابن مسعود‪ :‬والجار ذي القربى يعني المرأة وقال مجاهككد أيضككا ً‬
‫‪98‬‬
‫في قوله‪ :‬والجار الجنككب يعنككي الرفيككق فككي السككفر‪ ,‬وقككد وردت‬
‫الحاديث بالوصايا بالجار‪ ,‬فلنذكر منها ما تيسر وبككالله المسككتعان‪.‬‬
‫)الحديث الول( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا محمد بن جعفككر‪ ,‬حككدثنا‬
‫شعبة عن عمر بن محمد بن زيد أنه سمع أباه محمدا ً يحدث عككن‬
‫عبد الله بن عمككر‪ :‬أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‬
‫»مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنككه سككيورثه« أخرجككاه‬
‫في الصحيحين من حديث عمر بن محمد بن زيد بن عبد اللككه بككن‬
‫عمكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككر بكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫)الحديث الثاني( قال المام أحمكد‪ :‬حكدثنا سكفيان عكن داود بككن‬
‫مرو‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه‬ ‫شابور‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن عبد الله بن عَ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم »مازال جبريل يوصيني بالجار حككتى ظننككت‬
‫أنه سيورثه« وروى أبو داود والترمذي نحوه من حديث سفيان بن‬
‫عيينة‪ ,‬عن بشير أبي إسككماعيل‪ ,‬زاد الترمككذي‪ :‬وداود بككن شككابور‪,‬‬
‫كلهما عن مجاهد به‪ ,‬ثم قككال الترمككذي‪ :‬حسككن غريككب مككن هككذا‬
‫الوجه‪ ,‬وقد روى عن مجاهد عائشة وأبي هريرة عن النككبي صككلى‬
‫اللكككككككككككككككككككككككه عليكككككككككككككككككككككككه وسكككككككككككككككككككككككلم‪.‬‬
‫)والحديث الثالث( قال أحمككد أيض كًا‪ :‬حككدثنا عبككد اللككه بككن يزيككد‪,‬‬
‫أخبرنا حيوة‪ ,‬أخبرنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمككن‬
‫حُبلي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عككن النككبي صككلى‬ ‫ال ُ‬
‫الله عليه وسلم أنه قال‪» :‬خير الصحاب عند الله خيرهم لصاحبه‬
‫وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره« ورواه الترمذي عككن أحمككد‬
‫بن محمد‪ ,‬عن عبد الله بن المبارك‪ ,‬عن حيوة بن شريح به‪ ,‬وقال‬
‫حسككككككككككككككككككككككككككككككككككككن غريككككككككككككككككككككككككككككككككككككب‪.‬‬
‫)الحديث الرابع( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪,‬‬
‫حدثنا سفيان عن أبيه‪ ,‬عن عباية بن رفاعة‪ ,‬عن عمر‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »ل يشككبع الرجككل دون جككاره«‪,‬‬
‫تفككككككككككككككككككككككككرد بككككككككككككككككككككككككه أحمككككككككككككككككككككككككد‪.‬‬
‫)الحديث الخامس( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا علككي بككن عبكد اللكه‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان‪ ,‬حدثنا محمد بن سعد النصاري‪,‬‬
‫سمعت أبا ظبية الكلعي‪ ,‬سمعت المقداد بن السود يقككول‪ :‬قككال‬
‫رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم لصككحابه »مككا تقولككون فككي‬
‫الزنا ؟« قككالوا حككرام حرمككه اللككه ورسككوله فهككو حككرام إلككى يككوم‬
‫‪99‬‬
‫القيامة‪ ,‬فقال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬لن يزنككي‬
‫الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بككامرأة جككاره«‪ ,‬قككال‬
‫»ما تقولون في السككرقة ؟« قككالوا‪ :‬حرمهككا اللككه ورسككوله‪ ,‬فهككي‬
‫حرام‪ ,‬قال »لن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسككر عليككه مككن‬
‫أن يسرق من جاره« تفرد به أحمد‪ ,‬وله شاهد في الصحيحين من‬
‫حديث ابن مسعود‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أي الذنب أعظم ؟ قال‪:‬‬
‫»أن تجعل لله ندا ً وهو خلقككك« قلككت‪ :‬ثككم أي ؟ قككال‪» :‬أن تقتككل‬
‫ولدك خشككية أن يطعككم معككك«‪ .‬قلككت ثككم أي ؟ قككال »أن تزانككي‬
‫حليلكككككككككككككككككككككككككككككككككككة جكككككككككككككككككككككككككككككككككككارك«‪.‬‬
‫)الحديث السادس( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيككد‪ ,‬حككدثنا هشككام‬
‫عن حفصة‪ ,‬عن أبي العالية‪ ,‬عن رجل من النصككار قككال‪ :‬خرجككت‬
‫من أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فإذا بككه قككائم ورجككل‬
‫معه مقبل عليه‪ ,‬فظننت أن لهما حاجة‪ ,‬قال النصككاري‪ :‬لقككد قككام‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي لرسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم من طككول القيككام‪ ,‬فلمككا انصككرف قلككت‪ :‬يككا‬
‫رسول ا لله‪ ,‬لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلككت أرثككي لككك مككن‬
‫طول القيام‪ .‬قال‪» :‬ولقد رأيته ؟« قلت‪ :‬نعككم‪ .‬قككال »أتككدري مككن‬
‫هو ؟«‪ .‬قلت‪ :‬ل‪ ,‬قال »ذاك جبريل‪ ,‬ما زال يوصككيني بالجككار حككتى‬
‫ظننت أنه سيورثه« ثم قال »أما إنك لو سكلمت عليكه لكرد عليكك‬
‫السككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككلم«‪.‬‬
‫)الحديث السابع( قال عبد بن حميد في مسنده‪ :‬حدثنا يعلى بككن‬
‫عبيد‪ ,‬حدثنا أبو بكر يعني المدني‪ ,‬عن جابر بن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬جاء‬
‫رجل من العوالي ورسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬وجبريككل‬
‫عليه السلم‪ ,‬يصليان حيث يصلى على الجنائز‪ ,‬فلما انصرف قككال‬
‫الرجل‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬من هكذا الرجكل الككذي رأيكت معككك ؟ قكال‬
‫»وقد رأيته ؟« قال‪ :‬نعم‪ .‬قال »لقد رأيت خيرا كثيرًا‪ ,‬هذا جبريككل‬
‫ما زال يوصيني بالجار حتى رأيت أنه سيورثه«‪ ,‬تفرد به مككن هككذا‬
‫الكككككككككككوجه وهكككككككككككو شكككككككككككاهد للكككككككككككذي قبلكككككككككككه‪.‬‬
‫)الحديث الثامن( قال أبو بكر البزار‪ :‬حدثنا عبيد الله بككن محمككد‬
‫أبو الربيع الحككارثي‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن إسككماعيل بككن أبككي فككديك‪,‬‬
‫أخككبرني عبككد الرحمككن بككن الفضككل عككن عطككاء الخراسككاني‪ ,‬عككن‬
‫الحسن‪ ,‬عن جابر بن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫‪100‬‬
‫عليه وسلم »الجيران ثلثة‪ :‬جار له حق واحد‪ ,‬وهو أدنككى الجيككران‬
‫حقًا‪ ,‬وجار له حقان‪ ,‬وجار له ثلثككة حقككوق‪ ,‬وهككو أفضككل الجيككران‬
‫حقًا‪ ,‬فأما الذي له حق واحككد فجككار مشككرك ل رحككم لككه‪ ,‬لككه حككق‬
‫الجوار‪ ,‬وأما الذي له حقان فجار مسككلم‪ ,‬لككه حككق السككلم وحككق‬
‫الجوار‪ ,‬وأماالذي له ثلثككة حقككوق فجككار مسككلم ذو رحككم لككه حككق‬
‫الجوار وحق السلم وحق الرحم« قال البزار‪ :‬ل نعلككم أحككدا ً روى‬
‫عككككن عبككككد الرحمككككن بككككن الفضككككل إل ابككككن أبككككي فككككديك‪.‬‬
‫)الحديث التاسع( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر حككدثنا‬
‫شعبة عن أبي عمران‪ ,‬عن طلحة بن عبد الله‪ ,‬عككن عائشككة‪ ,‬أنهككا‬
‫سألت رسول الله صلى الله عليه وسككلم فقككالت‪ :‬إن لككي جككارين‬
‫فإلى أيهما أهدي ؟ قال »إلى أقربهما منك بابككا«‪ ,‬ورواه البخككاري‬
‫مككككككككككككككككن حككككككككككككككككديث شككككككككككككككككعبة بككككككككككككككككه‪,‬‬
‫)الحديث العاشر( روى الطبراني وأبو نعيككم عككن عبككد الرحمككن‪,‬‬
‫فزاد‪ :‬قال‪ :‬إن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم توضككأ فجعككل‬
‫الناس يتمسحون بوضوئه‪ ,‬فقال »ما يحملكم على ذلك« ؟ قالوا‪:‬‬
‫حب الله ورسوله‪ .‬قال »من سره أن يحب الله ورسوله فليصدق‬
‫الحكككككككديث إذا حكككككككدث‪ ,‬وليكككككككؤد المانكككككككة إذا ائتمكككككككن«‪.‬‬
‫)الحديث الحادي عشر( قال أحمد‪ :‬حدثنا قتيبة‪ ,‬حدثنا ابن لهيعة‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »إن أول خصككمين‬
‫يوم القيامككة جككاران« وقككوله تعككالى‪} :‬والصككاحب بككالجنب{ قككال‬
‫الثوري‪ ,‬عن جابر الجعفي‪ ,‬عن الشعبي‪ ,‬عن علي وابككن مسككعود‪,‬‬
‫قال‪ :‬هي المرأة‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬وروي عن عبد الرحمن بككن‬
‫أبي ليلى وإبراهيم النخعي والحسن وسعيد بككن جككبير فككي إحككدى‬
‫الروايات‪ ,‬نحو ذلك‪ ,‬وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة‪ :‬هو‬
‫الرفيق في السفر‪ ,‬وقككال سككعيد بككن جككبير‪ :‬هككو الرفيككق الصككالح‪,‬‬
‫وقال زيد بن أسلم‪ :‬هو جليسك في الحضر ورفيقك فككي السككفر‪,‬‬
‫وأما ابن السبيل‪ ,‬فعن ابككن عبككاس وجماعككة‪ :‬هككو الضككيف‪ ,‬وقككال‬
‫مجاهد وأبو جعفر الباقر والحسن والضحاك ومقاتل‪ :‬هو الذي يمر‬
‫عليككك مجتككازا ً فككي السككفر‪ ,‬وهككذا أظهككر‪ ,‬وإن كككان مككراد القككائل‬
‫بالضيف المار في الطريق‪ ,‬فهما سواء‪ ,‬وسيأتي الكلم على أبنككاء‬
‫السككبيل فككي سككورة بككراءة‪ ,‬وبككالله الثقككة وعليككه التكلن‪ .‬وقككوله‬
‫تعالى‪} :‬وما ملكت أيمانكم{ وصية بالرقكاء‪ ,‬لن الرقيكق ضكعيف‬
‫‪101‬‬
‫الحيلة أسير في أيدي الناس‪ ,‬فلهذا ثبت أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم جعل يوصي أمته في مككرض المككوت‪ ,‬يقككول »الصككلة‬
‫الصلة وما ملكككت أيمككانكم« فجعككل يرددهككا حككتى مككا يفيككض بهككا‬
‫لسانه‪ ,‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا إبراهيم بككن أبككي العبككاس‪ ,‬حككدثنا‬
‫بقية‪ ,‬حدثنا َبحير بن سعد عن خالد بن معككدان‪ ,‬عككن المقككدام بككن‬
‫معد يكرب‪ ,‬قال‪ :‬قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »مككا‬
‫أطعمككت نفسككك فهككو لككك صككدقة‪ ,‬ومككا أطعمككت ولككدك فهككو لككك‬
‫صدقة‪ ,‬وما أطعمت زوجتك فهولك صدقة‪ ,‬ومككا أطعمككت خادمككك‬
‫فهو لك صدقة« ورواه النسائي من حديث بقية‪ ,‬وإسناده صككحيح‪,‬‬
‫وللكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه الحمكككككككككككككككككككككككككككككككككككككد‪.‬‬
‫وعن عبد اللككه بككن عمككرو أنككه قككال لقهرمككان لككه‪ :‬هككل أعطيككت‬
‫الرقيق قوتهم ؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فانطلق فأعطهم‪ ,‬فإن رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬كفككى بككالمرء إثم كا ً أن يحبككس عمككن‬
‫يملك قوتهم« رواه مسلم‪ .‬وعن أبي هريرة عن النبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم قال‪» :‬للمملوك طعامه وكسوته‪ ,‬ول يكلف من العمل‬
‫إل ما يطيق« رواه مسلم أيضا ً وعن أبي هريرة‪ ,‬عن النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ,‬قال »إذا أتى أحككدكم خككادمه بطعككامه فككإن لككم‬
‫يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين‪ ,‬أو أكلة أو أكلتين‪ ,‬فإنه ولككي‬
‫حره وعلجه« أخرجاه‪ ,‬ولفظه للبخاري ولمسككلم »فليقعككده معككه‬
‫ل‪ ,‬فليضع فككي يككده أكلككة أو‬ ‫فليأكل‪ ,‬فإن كان الطعام مشفوها ً قلي ً‬
‫أكلتين«‪ .‬وعن أبي ذر رضي الله عنه‪ .,‬عن النبي صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال »هم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحككت أيككديكم‪ ,‬فمككن‬
‫كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل‪ ,‬وليلبسككه ممككا يلبككس‪ ,‬ول‬
‫تكلفوهم ما يغلبهم‪ ,‬فإن كلفتمككوهم فككأعينوهم« أخرجككاه‪ ,‬وقككوله‬
‫تعالى‪} :‬إن الله ل يحب من كان مختال فخككورًا{‪ ,‬أي مختككال فككي‬
‫نفسه‪ ,‬معجبا متكبرا ً فخورا على الناس‪ ,‬يرى أنه خيككر منهككم فهككو‬
‫في نفسه كبير‪ ,‬وهو عنككد اللككه حقيككر‪ ,‬وعنككد النككاس بغيككض‪ ,‬قككال‬
‫مجاهد في قوله }إن الله ل يحب من كان مختككال{ يعنككي متكككبرا ً‬
‫}فخورًا{ يعني ي َعُد ّ ما أعطى‪ ,‬وهو ل يشكر الله تعالى يعني يفخر‬
‫على الناس بما أعطاه الله من نعمه‪ ,‬وهو قليل الشكر للككه علككى‬
‫ذلك‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثني القاسككم‪ ,‬حككدثنا الحسككين‪ ,‬حككدثنا‬
‫محمد بن كثير‪ ,‬عن عبد الله بن واقد أبي رجككاء الهككروي‪ ,‬قككال‪ :‬ل‬
‫‪102‬‬
‫تجككد سككيء الملكككة إل وجككدته مختككال فخككورًا‪ ,‬وتل }ومككا ملكككت‬
‫لية‪ ,‬ول عاقا ً إل وجدته جبارا ً شقيًا‪ ,‬وتل }وبرا ً بوالككدتي‬ ‫أيمانكم{ ا َ‬
‫ولم يجعلني جبارا شقيًا{‪ ,‬وروى ابككن أبككي حككاتم عككن العككوام بككن‬
‫حوشب مثله في المختال الفخككور‪ ,‬وقكال‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫نعيم عن السود بن شيبان‪ ,‬حدثنا يزيد بن عبد اللككه بككن الشككخير‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال مطرف‪ :‬كان يبلغني عككن أبككي ذر حككديث كنككت أشككتهي‬
‫لقاءه‪ ,‬فلقيته‪ ,‬فقلت‪ :‬يا أبا ذر‪ ,‬بلغني أنككك تزعككم أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم حدثكم »إن الله يحب ثلثة ويبغض ثلثة« ؟‬
‫فقال‪ :‬أجل‪ ,‬فل إخالني‪ ,‬أكذب على خليلي ثلثا ؟ قلت‪ :‬من الثلثة‬
‫الذين يبغض الله ؟ قال‪ :‬المختال الفخور‪ .‬أوليس تجككدونه عنككدكم‬
‫ليككة }إن اللككه ل يحككب مككن كككان‬ ‫في كتاب الله المنزل‪ ,‬ثم قككرأ ا َ‬
‫مختال فخورًا{‪ ,‬وحدثنا أبي‪ ,‬حككدثنا موسككى بككن إسككماعيل‪ ,‬حككدثنا‬
‫جكم‪ ,‬قكال‪ :‬قلكت‪:‬‬ ‫وهيب بن خالد‪ ,‬عن أبي تميمة عن رجل من ب َل ْهُ َ‬
‫يا رسكول اللكه‪ ,‬أوصكني‪ ,‬قكال »إيكاك وإسكبال الزار فكإن إسكبال‬
‫الزار مككككككن المخيلككككككة‪ ,‬وإن اللككككككه ل يحككككككب المخيلككككككة«‪.‬‬
‫** ال ّذين يبخُلون ويأ ْ‬

‫ه‬‫م الل ّك ُ‬ ‫مككآ آت َككاهُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل وَي َك ْت ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫رو‬ ‫م‬
‫َ ََ ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ َ َْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫فُقو َ‬ ‫ن ي ُن ْ ِ‬‫ذي َ‬‫مِهينا ً * َوال ّ ِ‬ ‫ذابا ً ّ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ضل ِهِ وَأعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫ِ‬
‫شككي ْ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَل َ ِبال ْي َوْم ِ ال َ ِ‬
‫ن‬ ‫طا ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫من ي َك ُ ِ‬ ‫خرِ وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫س وَل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫رَِئكآَء الّنا ِ‬
‫ر‬
‫خك ِ‬ ‫من ُككوا ْ ب ِككالل ّهِ َوال ْي َكوْم ِ ال َ ِ‬ ‫م ل َوْ آ َ‬ ‫ذا عَل َي ْهِ ْ‬‫ما َ‬‫رينا ً * وَ َ‬ ‫سآَء قِ ِ‬ ‫رينا ً فَ َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه َ قَ ِ‬
‫ه ب ِهككككم عَِليمككككا ً‬ ‫كككككا َ ّ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م الّلكككك ُ‬ ‫مككككا َرَزقَُهكككك ُ‬ ‫وَأن َْفُقككككوا ْ ِ‬
‫ن اللكككك ُ ِ‬ ‫م ّ‬
‫يقككول تعككالى ذام كا ً الككذين يبخلككون بككأموالهم أن ينفقوهككا فيمككا‬
‫أمرهم الله به من بر الوالدين والحسان إلى القككارب‪ ,‬واليتككامى‪,‬‬
‫والمسككاكين‪ ,‬والجككار ذي القربككى‪ ,‬والجككار الجنككب‪ ,‬والصككاحب‬
‫بالجنب‪ ,‬وابن السبيل‪ ,‬وما ملكت أيمانكم من الرقاء‪ ,‬ول يدفعون‬
‫حق الله فيها‪ ,‬ويأمرون الناس بالبخل أيضًا‪ ,‬وقد قال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »وأي داء أدوأ من البخككل«‪ .‬وقككال‪» :‬إيككاكم‬
‫والشح‪ ,‬فإنه أهلككك مككن كككان قبلكككم أمرهككم بالقطيعككة فقطعككوا‪,‬‬
‫وأمرهككككككككككككككككككم بككككككككككككككككككالفجور ففجككككككككككككككككككروا«‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ويكتمككون مككا آتككاهم اللككه مككن فضككله{ فالبخيككل‬
‫جحود لنعمككة اللككه ل تظهككر عليككه ول تككبين‪ ,‬ل فككي مككأكله ول فككي‬
‫‪103‬‬
‫ملبسه ول في إعطائه وبذله‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬إن النسككان لربككه‬
‫لكنود * وإنه على ذلك لشككهيد{ أي بحككاله وشككمائله }وإنككه لحككب‬
‫الخير لشديد{ وقال ههنا }ويكتمون مككا آتككاهم اللككه مككن فضككله{‬
‫ولهذا توعدهم بقوله‪} :‬وأعتدنا للكافرين عذابا ً مهينًا{ والكفككر هككو‬
‫الستر والتغطية‪ ,‬فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمهككا ويجحككدها‬
‫فهو كافر لنعم الله عليه‪ ,‬وفككي الحكديث »إن اللكه إذا أنعكم نعمكة‬
‫علككى عبككد أحككب أن يظهككر أثرهككا عليككه«‪ ,‬وفككي الككدعاء النبككوي‬
‫»واجعلنا شاكرين لنعمتك‪ ,‬مثنين بها عليك قابليها‪ ,‬وأتممها علينا«‬
‫لية على بخل اليهود بإظهككار العلككم‬ ‫وقد حمل بعض السلف هذه ا َ‬
‫الذي عندهم من صكفة محمكد صكلى اللكه عليكه وسكلم وكتمكانهم‬
‫ذلك‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬وأعتدنا للكافرين عذابا ً مهينًا{‪ ,‬رواه ابن‬
‫إسحاق عن محمد بن أبي محمد‪ ,‬عن عكرمة أو سعيد بككن جككبير‪,‬‬
‫عككن ابككن عبككاس‪ ,‬وقككاله مجاهككد و غيككر واحككد‪ ,‬ول شككك أن ا َ‬
‫ليككة‬
‫محتملة لذلك‪ ,‬والظاهر أن السياق فككي البخككل بالمككال‪ ,‬وإن كككان‬
‫البخل بككالعلم داخل ً فككي ذلككك بطريككق الولككى‪ ,‬فككإن السككياق فككي‬
‫ليككة الككتي بعككدها وهككي‬ ‫النفاق على القارب والضككعفاء‪ ,‬وكككذلك ا َ‬
‫قوله }الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس{ فككإنه ذكككر الممسكككين‬
‫المذمومين وهم البخلء‪ ,‬ثم ذكر الباذلين المرائين الذين يقصدون‬
‫بإعطائهم السككمعة وأن يمككدحوا بككالكرم‪ ,‬ول يريككدون بككذلك وجككه‬
‫الله‪ ,‬وفي حديث الثلثة الذين هم أول من تسجر بهم النككار وهككم‪:‬‬
‫العالم‪ ,‬والغككازي‪ ,‬والمنفككق المككراؤون بأعمككالهم‪» ,‬يقككول صككاحب‬
‫المال‪ :‬ما تركككت مككن شككيء تحككب أن ينفككق فيككه إل أنفقككت فككي‬
‫سبيلك‪ ,‬فيقول الله‪ :‬كذبت إنما أردت أن يقال‪ :‬جككواد فقككد قيككل«‬
‫أي فقد أخذت جزاءك في الككدنيا وهككو الككذي أردت بفعلككك‪ ,‬وفككي‬
‫الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قال لعدي بن حاتم‬
‫»إن أباك رام أمرا ً فبلغه«‪ .‬وفي حديث آخر‪ :‬أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم سئل عن عبد الله بن جدعان‪ :‬هككل ينفعككه إنفككاقه‬
‫وإعتاقه ؟ فقال‪» :‬ل‪ ,‬إنه لم يقل يوم كا ً مككن الككدهر رب اغفككر لككي‬
‫خطيئتي يوم الككدين«‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬ول يؤمنككون بككالله ول‬
‫باليوم الخككر{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬أي إنمككا حملهككم علككى صككنيعهم هككذا القبيككح‬
‫وعدولهم عن فعل الطاعة على وجهها الشيطان‪ ,‬فإنه سول لهككم‬
‫‪104‬‬
‫وأملى لهم‪ ,‬وقارنهم فحسن لهم القبائح‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬ومن‬
‫يكككن الشككيطان لككه قرينككا ً فسككاء قرينككًا{‪ ,‬ولهككذا قككال الشككاعر‪:‬‬
‫عن المرء ل تسأل وسل عن قرينهفكككل قريككن بالمقككارن يقتككدي‬
‫لخر وأنفقككوا‬ ‫ثم قال تعالى‪} :‬وماذا عليهم لوآمنوا بالله وباليوم ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬أي وأي شككيء يضككرهم لككو آمنككوا بككالله‬ ‫مما رزقهككم اللككه{ ا َ‬
‫وسككلكوا الطريككق الحميككدة‪ ,‬وعككدلوا عككن الريككاء إلككى الخلص‬
‫لخرة لمككن أحسككن عم ً‬
‫ل‪,‬‬ ‫واليمان بالله ورجاء موعوده في الدار ا َ‬
‫وأنفقوا مما رزقهم الله فككي الوجككوه الككتي يحبهككا اللككه ويرضككاها‪,‬‬
‫وقوله }وكان اللككه بهككم عليمكًا{ أي وهككو عليككم بنيككاتهم الصككالحة‬
‫والفاسدة‪ ,‬وعليم بمككن يسككتحق التوفيككق منهككم فيككوفقه‪ ,‬ويلهمككه‬
‫رشده‪ ,‬ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه‪ ,‬وبمن يستحق الخذلن‬
‫والطرد عن الجناب العظم اللهي الذي من طرد عن بككابه‪ ,‬فقككد‬
‫لخكككرة‪ ,‬عيكككاذا ً بكككالله مكككن ذلكككك‪.‬‬
‫خكككاب وخسكككر فكككي الكككدنيا وا َ‬
‫مككن‬ ‫ت ِ‬ ‫عْفَها وَي ُؤْ ِ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سن َ ً‬

‫ح َ‬ ‫ل ذ َّرةٍ وَِإن ت َ ُ‬
‫ك َ‬ ‫مث َْقا َ‬‫م ِ‬‫ه ل َ ي َظ ْل ِ ُ‬
‫ن الل ّ َ‬‫** إ ِ ّ‬
‫ظيما ً * فَك َي ْ َ‬ ‫ل ّدن َ‬
‫ك‬‫جئ ْن َككا ب ِك َ‬
‫ش كِهيدٍ وَ ِ‬ ‫مة ٍ ب ِ َ‬‫لأ ّ‬ ‫من ك ُ ّ‬‫جئ َْنا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ف إِ َ‬ ‫جرا ً عَ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُْ ُ‬
‫ل َلكك ْ‬
‫و‬ ‫سككو َ‬ ‫صوُا ْ الّر ُ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ وَعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مئ ِذٍ ي َوَد ّ ال ّ ِ‬‫شِهيدا ً * ي َوْ َ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫هـ ُ‬
‫ى َ‬ ‫عَل َ‬
‫َ‬
‫ديثا ً‬
‫حككككككك ِ‬ ‫ه َ‬‫ن الّلككككككك َ‬ ‫مكككككككو َ‬ ‫ض وَل َ ي َك ْت ُ ُ‬ ‫م الْر ُ‬ ‫سكككككككوّىَ ب ِِهككككككك ُ‬ ‫تُ َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا‪ :‬إنكه ل يظلكم أحكدا ً مكن خلقكه يكوم القيامكة‬
‫مثقال حبة خردل ول مثقال ذرة‪,‬بككل يوفيهككا لككه ويضككاعفها لككه إن‬
‫ليككة‪,‬‬ ‫كانت حسنة‪ ,‬كما قال تعككالى‪} :‬ونضككع المككوازين القسككط{ ا َ‬
‫ي إنها إن تك مثقككال‬ ‫وقال تعالى مخبرا ً عن لقمان أنه قال‪} :‬يا بن ّ‬
‫حبة من خردل فتكن في صخرة أو فككي السككموات أو فككي الرض‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬يومئذ يصدر الناس أشتاتا ً ليروا‬ ‫يأت بها الله{ ا َ‬
‫أعمالهم‪ ,‬فمن يعمل مثقال ذرة خيككرا ً يككره * ومككن يعمككل مثقككال‬
‫ذرة شرا ً يره{ وفي الصككحيحين مككن حككديث زيككد بككن أسككلم عككن‬
‫عطاء بن يسار‪ ,‬عن أبي سعيد الخككدري‪ ,‬عككن رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل‪ ,‬وفيه »فيقككول اللككه‬
‫عز وجل ارجعوا فمن وجككدتم فككي قلبككه مثقككال حبككة خككردل مككن‬
‫إيمان‪ ,‬فأخرجوه من النار« وفي لفظ‪» :‬أدنى أدنككى أدنككى مثقككال‬
‫‪105‬‬
‫ذرة من إيمان‪ ,‬فككأخرجوه مككن النككار فيخرجككون خلقكا ً كككثيرًا« ثككم‬
‫يقول أبو سعيد‪ :‬اقرؤوا إن شئتم }إن اللككه ل يظلككم مثقككال ذرة{‬
‫لية‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حدثنا عيسى بن‬ ‫ا َ‬
‫يونس عن هارون بن عنترة‪ ,‬عن عبد الله بن السائب‪ ,‬عن زاذان‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال عبد الله بن مسعود‪ :‬يككؤتى بالعبككد والمككة يككوم القيامككة‬
‫لخرين‪ :‬هذا فلن بن فلن‪ ,‬من‬ ‫فينادي مناد على رؤوس الولين وا َ‬
‫كان له حق فليأت إلى حقككه فتفككرح المككرأة أن يكككون لهككا الحككق‬
‫على أبيها أو أمها أو أخيها أو زوجهككا‪ ,‬ثككم قككرأ }فل أنسككاب بينهككم‬
‫يومئذ ول يتساءلون{ فيغفر الله من حقه ما يشككاء ول يغفككر مككن‬
‫حقوق الناس شيئًا‪ ,‬فينصككب للنككاس فينككادى‪ :‬هككذا فلن بككن فلن‪,‬‬
‫من كان له حق فليأت إلى حقه‪ .‬فيقول‪ :‬رب فنيت الدنيا من أيككن‬
‫أوتيهم حقوقهم ؟ فيقول‪ :‬خذوا من أعماله الصالحة فككأعطوا كككل‬
‫طلبته‪ ,‬فإن كان وليا ً لله ففضل لكه مثقكال ذرة‬ ‫ذي حق حقه بقدر ُ‬
‫ضاعفها الله له حتى يدخله بهككا الجنككة ثككم قككرأ علينككا }إن اللككه ل‬
‫يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها{ قال‪ :‬ادخل الجنككة وإن‬
‫كان عبدا ً شقيا ً قال الملك‪ :‬رب فنيت حسناته وبقي طالبون كثير‪,‬‬
‫فيقول‪ :‬خذوا من سيئاتهم فأضككعفوها إلككى سككيئاته ثككم صكككوا لككه‬
‫صكا ً إلى النار‪ ,‬ورواه ابن جرير من وجه آخر عن زاذان بككه نحككوه‬
‫ولبعض هذا الثر شاهد في الحديث الصحيح وقال ابن أبي حككاتم‪:‬‬
‫حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا أبو نعيككم‪ ,‬حككدثنا فضككيل يعنككي ابككن مككرزوق عككن‬
‫لية فككي‬ ‫عطية العوفي حدثني عبد الله بن عمر‪ ,‬قال‪ :‬نزلت هذه ا َ‬
‫العراب }من جاء بالحسنة فله عشككر أمثالهككا{ قككال رجككل‪ :‬فمككا‬
‫للمهاجرين يا أبا عبد الرحمن ؟ قال‪ :‬ما هو أفضل مككن ذلككك }إن‬
‫الله ل يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويككؤت مككن لككدنه‬
‫أجرا ً عظيما{‪ ,‬وحدثنا أبو زرعة‪ ,‬حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير‪,‬‬
‫حدثني عبد الله بن لهيعة‪ ,‬حدثني عطاء بكن دينكار عكن سكعيد بكن‬
‫جبير في قوله‪} :‬وإن تك حسنة يضاعفها{ فأما المشرك فيخفككف‬
‫عنه العذاب يوم القيامة ول يخرج من النار أبككدًا‪ ,‬وقككد اسككتدل لككه‬
‫بالحديث الصحيح أن العباس قككال‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬إن عمككك أبككا‬
‫طالب كان يحوطك وينصرك‪ ,‬فهل نفعته بشيء ؟ قال »نعككم هككو‬
‫في ضحضاح من نار‪ ,‬ولول أنا لكان في الدرك السفل من النككار«‬
‫وقد يكون هذا خاصا ً بأبي طالب مككن دون الكفككار بككدليل مككا رواه‬
‫‪106‬‬
‫أبو داود الطيالسي في مسنده‪ :‬حدثنا عمككران‪ ,‬حككدثنا قتككادة عككن‬
‫أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »إن الله ل يظلككم‬
‫لخرة‪,‬‬ ‫المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا وُيجزى بها في ا َ‬
‫وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم يكن لككه‬
‫حسنة« وقال أبو هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة‬
‫والضحاك في قوله‪} :‬ويؤت من لدنه أجرا ً عظيمًا{‪ :‬يعني الجنككة‪,‬‬
‫نسأل الله رضاه والجنة‪ ,‬وقال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا عبككد الصككمد‪,‬‬
‫حدثنا سليمان يعني ابككن المغيككرة‪ ,‬عككن علككي بككن زيككد‪ ,‬عككن أبككي‬
‫عثمان‪ ,‬قال‪ :‬بلغني عن أبي هريرة أنه قال‪ :‬بلغني أن الله تعككالى‬
‫يعطي عبده المكؤمن بالحسكنة الواحكدة ألكف ألكف حسكنة‪ ,‬قكال‪:‬‬
‫فُقضي أني انطلقت حاجا ً أو معتمرًا‪ ,‬فلقيته فقلككت‪ :‬بلغنككي عنككك‬
‫حديث أنك تقول‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‬
‫»يجزى العبد بالحسنة ألف ألف حسنة« فقلككت‪ :‬ويحكككم مككا أحككد‬
‫أكثر مني مجالسة لبككي هريككرة‪ ,‬ومككا سككمعت هككذا الحككديث منككه‬
‫فتحملت أريد أن الحقه فوجدته قد انطلككق حاجكًا‪ ,‬فككانطلقت إلككى‬
‫الحج في طلب هذا الحديث فلقيته فقلت‪ :‬يا أبككا هريككرة‪ :‬إن اللككه‬
‫يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة قال‪ :‬يا أبككا عثمككان‪ ,‬ومككا تعجككب‬
‫من ذا والله يقول }من ذا الذي يقرض الله قرضا ً حسنا ً فيضاعفه‬
‫لخككرة إل‬‫له أضعافا ً كثيرة{ ويقول }وما متاع الحيككاة الككدنيا فككي ا َ‬
‫قليل{ والذي نفسي بيده لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول »إن الله ليضاعف الحسنة ألفككي ألككف حسككنة« قككال‪ :‬وهككذا‬
‫حديث غريب‪ ,‬وعلي بن زيد بن جدعان عنده مناكير‪ ,‬ورواه أحمككد‬
‫أيضا ً فقال‪ :‬حدثنا مبارك بن فضالة عككن علككي بككن زيككد‪ ,‬عككن أبككي‬
‫عثمان النهدي‪ ,‬قال أتيت أبا هريرة‪ ,‬فقلت له‪ :‬بلغنككي أنكك تقككول‪:‬‬
‫إن الحسكنة تضكاعف ألكف ألكف حسكنة ! قكال‪ :‬ومكا أعجبكك مكن‬
‫ذلك ؟ فوالله لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪» :‬إن‬
‫الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة«‪ ,‬ورواه ابن أبي حاتم من‬
‫وجه آخر فقال‪ :‬حدثنا أبو خلد وسليمان بككن خلد المككؤدب‪ ,‬حككدثنا‬
‫محمد الرفاعي عن زياد بن الجصاص‪ ,‬عككن أبككي عثمككان النهككدي‪,‬‬
‫قال‪ :‬لم يكن أحد أكثر مجالسككة منككي لبككي هريككرة‪ ,‬فقككدم قبلككي‬
‫حاجا ً وقدمت بعده‪ ,‬فإذا أهل البصرة يأثرون عنه أنه قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »إن الله يضاعف الحسنة ألككف‬
‫‪107‬‬
‫ألف حسنة« فقلت‪ :‬ويحكم ما كان أحد أكثر مجالسككة منككي لبككي‬
‫هريرة‪ ,‬وما سمعت منه هذا الحديث‪ ,‬فهممت أن ألحقككه فوجككدته‬
‫قد انطلق حاجًا‪ ,‬فانطلقت إلى الحج أن ألقككاه فككي هككذا الحككديث‪,‬‬
‫ورواه ابن أبككي حككاتم مككن طريككق أخككرى فقككال‪ :‬حككدثنا بشككر بككن‬
‫مسلم‪ ,‬حدثنا الربيع بن روح‪ ,‬حدثنا محمد بككن خالككد الككذهبي‪ ,‬عككن‬
‫زياد الجصاص‪ ,‬عن أبي عثمان قال‪ :‬قلت‪ :‬يككا أبككا هريككرة سككمعت‬
‫إخواني بالبصرة يزعمون أنك تقككول‪ :‬سككمعت رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم يقول »إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسككنة«‬
‫فقال أبو هريرة‪ :‬والله بل سمعت نبي الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫يقول‪» :‬إن الله يجزي بالحسككنة ألفككي ألككف حسككنة« ثككم تل هككذه‬
‫لخرة إل قليككل{ وقككوله تعككالى‪:‬‬ ‫لية }وما متاع الحياة الدنيا في ا َ‬
‫ا َ‬
‫}فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هككؤلء شككهيدًا{‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عككن هككول يككوم القيامككة وشككدة أمككره وشككأنه‪,‬‬
‫فكيف يكون المر والحال يوم القيامة حيككن يجيككء مككن كككل أمككة‬
‫بشهيد‪ ,‬يعني النبياء عليهم السلم‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬وأشككرقت‬
‫الرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بككالنبيين والشككهداء{ ا َ‬
‫ليككة ‪¹‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬ويوم نبعث في كل أمة شهيدا ً عليهم من أنفسهم{‬
‫لية‪ ,‬وقال البخاري‪ :‬حدثنا محمد بن يوسككف‪ ,‬حككدثنا سككفيان عككن‬ ‫ا َ‬
‫العمش‪ ,‬عن إبراهيم عن عبيدة‪ ,‬عن عبد الله بن مسككعود‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم »اقرأ علي« فقلت‪ :‬يككا‬
‫رسول الله آقرأ عليك‪ ,‬وعليك أنككزل ؟ »قككال نعككم إنككي أحككب أن‬
‫أسمعه من غيري« فقككرأت سككورة النسككاء حككتى أتيككت إلككى هككذه‬
‫لية‪} :‬فكيف إذا جئنا من كل أمة بشككهيد وجئنككا بككك علككى هككؤلء‬ ‫ا َ‬
‫لن« فككإذا عينككاه تككذرفان‪ ,‬ورواه هككو‬‫شككهيدًا{ فقككال »حسككبك ا َ‬
‫ومسلم أيضا ً من حديث العمش به‪ ,‬وقد روي من طرق متعككددة‬
‫عن ابن مسعود فهو مقطوع به عنه ورواه أحمد من طريككق أبككي‬
‫حيان وأبي رزين عنه‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو بكر بككن أبككي‬
‫الككدنيا‪ ,‬حككدثنا الصككلت بككن مسككعود الجحككدري‪ ,‬حككدثنا فضككيل بككن‬
‫سليمان‪ ,‬حدثنا يونس بن محمككد بككن فضككالة النصككاري عككن أبيككه‪,‬‬
‫قال‪ :‬وكان أبي ممككن صككحب النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ :‬إن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أتككاهم فككي بنككي ظفككر‪ ,‬فجلككس علككى‬
‫الصخرة التي في بني ظفر اليوم‪ ,‬ومعكه ابككن مسكعود ومعكاذ بكن‬
‫‪108‬‬
‫جبل وناس من أصحابه‪ ,‬فأمر النبي صلى الله عليككه وسككلم قككارئا ً‬
‫لية }فكيف إذا جئنا من كل أمة بشككهيد‬ ‫فقرأ حتى أتى على هذه ا َ‬
‫وجئنا بك على هؤلء شهيدا{ فبكى رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم حتى اضطرب لحياه وجنباه‪ ,‬فقككال‪» :‬يككا رب‪ ,‬هككذا شككهدت‬
‫على من أنا بين ظهريه‪ ,‬فكيف بمكن لكم أره«‪ ,‬وقكال ابكن جريكر‪:‬‬
‫حدثني عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان‪ ,‬عن المسككعودي‪,‬‬
‫عن جعفر بن عمرو بن حريث‪ ,‬عن أبيككه‪ ,‬عككن عبككد اللككه هككو ابككن‬
‫مسعود في هذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »شككهيد عليهككم مككا دمككت فيهككم‪ ,‬فككإذا تككوفيتني كنككت أنككت‬
‫الرقيب عليهم«‪ .‬وأما ما ذكره أبو عبد الله القرطبي في التككذكرة‬
‫حيث قال‪ :‬باب ما جاء في شهادة النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫على أمته‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬أخبرنا رجل من النصار عككن‬
‫المنهال بن عمرو أنه سمع سعيد بككن المسككيب يقككول‪ :‬ليككس مككن‬
‫يوم إل تعرض فيه على النبي صلى الله عليككه وسككلم أمتككه غككدوة‬
‫وعشية‪ ,‬فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم‪ ,‬فلذلك يشهد عليهم‪ ,‬يقول‬
‫الله تعالى‪} :‬فكيف إذا جئنا من كل أمككة بشككهيد وجئنككا بككك علككى‬
‫هؤلء شهيدًا{ فككإنه أثككر وفيكه انقطكاع‪ ,‬فككإن فيككه رجل ً مبهمكا ً لكم‬
‫يسم‪ ,‬وهككو مككن كلم سككعيد بككن المسككيب لككم يرفعككه‪ ,‬وقككد قبلككه‬
‫القرطبي فقال بعد إيراده‪ :‬قد تقدم أن العمال تعرض على اللككه‬
‫لبككاء والمهككات يككوم‬ ‫كككل يككوم اثنيككن وخميككس‪ ,‬وعلككى النبيككاء وا َ‬
‫الجمعة‪ ,‬قال‪ :‬ول تعارض‪ ,‬فإنه يحتمل أن يخككص نبينككا بمككا يعككرض‬
‫عليه كل يوم‪ ,‬ويوم الجمعة مع النبياء عليه وعليهم أفضل الصلة‬
‫والسلم‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬يومئذ يود الذين كفروا وعصككوا الرسككول‬
‫لككو تسككوى بهككم الرض ول يكتمككون اللككه حككديثًا{ أي لككو انشككقت‬
‫وبلعتهم مما يرون من أهوال الموقف وما يحككل بهككم مككن الخككزي‬
‫والفضيحة والتوبيخ‪ ,‬كقوله‪} :‬يوم ينظككر المككرء مككا قككدمت يككداه{‬
‫لية‪ ,‬وقوله‪} :‬ول يكتمون الله حديثًا{ إخبار عنهم بأنهم يعككترفون‬ ‫ا َ‬
‫بجميع ما فعلوه ول يكتمون منه شيئًا‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابككن‬
‫حميد‪ ,‬حدثنا حكام‪ ,‬حككدثنا عمككرو عككن مطككرف‪ ,‬عككن المنهككال بككن‬
‫عمرو‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل إلى ابككن عبككاس فقككال‬
‫له‪ :‬سمعت الله عز وجل يقول ك يعني إخبارا ً عن المشكركين يكوم‬
‫ليكة‬‫القيامة أنهم قالوا ك }والله ربنا ما كنا مشركين{ وقككال فكي ا َ‬
‫‪109‬‬
‫الخرى‪} :‬ول يكتمون الله حككديثًا{ فقككال ابككن عبككاس‪ :‬أمككا قككوله‪:‬‬
‫}والله ربنا ما كنا مشركين{ فإنهم لما رأوا أنه ل يدخل الجنككة إل‬
‫أهل السلم‪ ,‬قككالوا‪ :‬تعككالوا فلنجحككد‪ ,‬فقككالوا }واللككه ربنككا مككا كنككا‬
‫مشركين{ فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم }ول‬
‫يكتمون الله حديثًا{‪ ¹‬وقال عبد الرزاق‪ :‬أخبرنككا معمككر عككن رجككل‪,‬‬
‫عن المنهال بن عمرو‪ ,‬عن سعيد بن جكبير‪ ,‬قكال‪ :‬جكاء رجكل إلكى‬
‫ي في القككرآن‪ ,‬قككال‪ :‬مككا هككو ؟‬ ‫ابن عباس فقال‪ :‬أشياء تختلف عل ّ‬
‫أشك في القرآن ؟ قككال‪ :‬ليككس هككو بالشككك‪ ,‬ولكككن اختلف قككال‪:‬‬
‫فهات ما اختلف عليك من ذلك‪ ,‬قككال أسككمع اللككه يقككول }ثككم لككم‬
‫تكن فتنتهم إل أن قالوا والله ربنككا مككا كنككا مشككركين{ وقككال }ول‬
‫يكتمون الله حديثًا{ فقد كتموا‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬أما قككوله‪} :‬ثككم‬
‫لم تكن فتنتهم إل أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين{ فككإنهم لمككا‬
‫رأوا يوم القيامة أن الله ل يغفر إل لهككل السككلم ويغفككر الككذنوب‬
‫ول يتعككاظمه ذنككب أن يغفككره ول يغفككر شككركا ً جحككد المشككركون‪,‬‬
‫فقالوا }والله ربنا ما كنا مشركين{ رجاء أن يغفر لهم‪ ,‬فختم الله‬
‫على أفواههم‪ ,‬وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كككانوا يعملككون‪ ,‬فعنككد‬
‫ذلك }يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسككوى بهككم الرض ول‬
‫يكتمون الله حديثًا{وقال جويبر عن الضحاك‪ :‬إن نككافع بككن الزرق‬
‫أتى ابن عباس فقال‪ :‬يا ابن عباس‪ ,‬قول الله تعالى‪} :‬يككومئذ يككود‬
‫الذين كفروا وعصوا الرسكول لككو تسكوى بهككم الرض ول يكتمككون‬
‫الله حديثًا{ وقوله‪} :‬والله ربنا ما كنككا مشككركين{‪ ,‬فقككال لككه ابككن‬
‫عباس‪ :‬إني أحسبك قمت من عند أصككحابك‪ ,‬فقلككت‪ :‬ألقككى علككى‬
‫ابن عباس متشابه القرآن‪ ,‬فككإذا رجعككت إليهككم فككأخبرهم أن اللككه‬
‫تعالى جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد‪ ,‬فيقول المشركون‪:‬‬
‫إن الله ل يقبل مككن أحككد شككيئا ً إل ممككن وحككده‪ ,‬فيقولككون‪ :‬تعكالوا‬
‫نجحد‪ :‬فيسكألهم فيقولككون }واللكه ربنكا مكا كنكا مشككركين{ قكال‪:‬‬
‫فيختككم اللكه علككى أفككواههم ويسككتنطق جككوارحهم فتشككهد عليهككم‬
‫جوارحهم أنهم كانوا مشككركين‪ .‬فعنككد ذلككك يتمنككون لككو أن الرض‬
‫سكككويت بهكككم }ول يكتمكككون اللكككه حكككديثًا{ رواه ابكككن جريكككر‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫مككوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ى ت َعْل َ ُ‬ ‫حت ّك َ‬ ‫كاَرىَ َ‬ ‫س َ‬
‫م ُ‬ ‫صل َةَ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َْقَرُبوا ْ ال ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م‬ ‫ن ك ُن ْت ُك ْ‬ ‫س كُلوا ْ وَإ ِ ْ‬ ‫ى ت َغْت َ ِ‬‫َ‬ ‫حت ّك‬‫ل َ‬ ‫س كِبي ٍ‬
‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫جُنب كا ً إ ِل ّ عَككاب ِ‬ ‫ن وَل َ ُ‬ ‫مككا ت َُقول ُككو َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سكت ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ط أو ْ ل َ‬ ‫مكن الَغكآئ ِ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫من ْكك ْ‬ ‫حكد ٌ ّ‬
‫جكآَء أ َ‬ ‫سكَفرٍ أوْ َ‬ ‫ى َ‬ ‫ى أوْ عَل َ‬ ‫ض َ‬‫مْر َ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫جككوهِك ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫حوا ب ِوُ ُ‬ ‫سك ُ‬ ‫م َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ص كِعيدا طّيب كا َفا ْ‬ ‫ً‬ ‫موا َ‬ ‫ْ‬ ‫م ُ‬‫مآًء فَت َي َ ّ‬
‫دوا َ‬ ‫ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫َ‬
‫سآَء فَل ْ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ن عَُفكككككككككوّا ً غَُفكككككككككورا ً‬ ‫َ‬
‫ككككككككككا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلككككككككك َ‬ ‫م إِ ّ‬‫وَأْيكككككككككدِي َك ُ ْ‬
‫ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن فعل الصككلة فككي حككال‬
‫السكر الذي ل يدري معه المصلي ما يقول‪ ,‬وعككن قربككان محالهككا‬
‫التي هي المساجد للجنب‪ ,‬إل أن يكون مجتازا ً من باب إلككى بككاب‬
‫من غير مكث‪ ,‬وقد كككان هككذا قبككل تحريككم الخمككر‪ ,‬كمككا دل عليككه‬
‫الحككديث الككذي ذكرنككاه فككي سككورة البقككرة عنككد قككوله تعككالى‪:‬‬
‫لية‪ .‬فإن رسول الله صلى اللككه‬ ‫}يسألونك عن الخمر والميسر{ ا َ‬
‫عليه وسلم تلها على عمر‪ ,‬فقال »اللهم بين لنا في الخمككر بيان كا ً‬
‫لية تلها عليه فقال »اللهم بين لنكا فكي‬ ‫شافيًا«‪ ,‬فلما نزلت هذه ا َ‬
‫الخمر بيانا ً شافيًا« فكانوا ل يشربون الخمر في أوقات الصككلوات‬
‫فلمككا نككزل قككوله‪} :‬يككا أيهككا الككذين آمنككوا إنمككا الخمككر والميسككر‬
‫والنصككاب والزلم رجككس مككن عمككل الشككيطان فككاجتنبوه لعلكككم‬
‫تفلحون{ إلى قوله تعالى‪} :‬فهل أنتم منتهون{ فقال عمر‪ :‬انتهينا‬
‫انتهينككا‪ .‬وفككي روايككة إسككرائيل عككن أبككي إسككحاق عككن عمككرو بككن‬
‫شرحبيل عن عمر بن الخطككاب فككي قصككة تحريككم الخمككر‪ ,‬فككذكر‬
‫لية التي في النساء }يا أيها الذين آمنككوا ل‬ ‫الحديث وفيه‪ :‬فنزلت ا َ‬
‫تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون{ فكان منادي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قككامت الصككلة ينككادي‪ :‬أن ل‬
‫يقربن الصلة سكران‪ ,‬لفظ أبي داود‪ .‬ذكروافي سبب نزول هككذه‬
‫لية ما رواه ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا يككونس بككن حككبيب‪ ,‬حككدثنا أبككو‬ ‫ا َ‬
‫داود‪ ,‬حدثا شعبة‪ ,‬أخبرني سماك بن حرب قال‪ :‬سككمعت مصككعب‬
‫ي أربككع آيككات‪ ,‬صككنع رجككل‬ ‫بن سعد يحدث عن سعد قال‪ :‬نزلت فك ّ‬
‫من النصار طعاما ً فدعا أناسا ً من المهاجرين وأناسا ً من النصككار‪,‬‬
‫ى بعيككر‬ ‫حك َ‬ ‫فأكلنا وشربنا حتى سكككرنا‪ ,‬ثككم افتخرنككا‪ ,‬فرفككع رجككل ل َ ْ‬
‫ففزر به أنف سعد‪ ,‬فكان سعد مفزور النككف‪ ,‬وذلككك قبككل تحريككم‬
‫الخمككر‪ ,‬فنزلككت }يككا أيهككا الككذين آمنككوا ل تقربككوا الصككلة وأنتككم‬
‫لية‪ ,‬والحككديث بطككوله عنككد مسككلم مككن روايككة شككعبة‪,‬‬ ‫سكارى{ ا َ‬
‫ورواه أهككل السككنن إل ابككن مككاجه مككن طككرق عككن سككماك بككه‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫)سبب آخر( قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا محمد بن عمار‪ ,‬حدثنا عبد‬
‫الرحمن بن عبد الله الدشتكي‪ ,‬حككدثنا أبككو جعفككر عككن عطككاء بككن‬
‫السائب‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن السلمي‪ ,‬عن علي بن أبي طككالب‪,‬‬
‫قال‪ :‬صنع لنا عبد الرحمن بن عككوف طعام كا ً فككدعانا وسككقانا مككن‬
‫الخمر‪ ,‬فأخذت الخمر منا‪ ,‬وحضككرت الصككلة فقككدموا فلن كًا‪ ,‬قككال‬
‫فقرأ‪ :‬قل يا أيهككا الكككافرون مككا أعبككد مككا تعبككدون ونحككن نعبككد مككا‬
‫تعبدون‪ ,‬فأنزل الله }يا أيها الككذين آمنككوا ل تقربككوا الصككلة وأنتككم‬
‫سكارى حتى تعلموا ما تقولون{ هكذا رواه ابن أبككي حككاتم‪ ,‬وكككذا‬
‫رواه الترمذي عن عبد بن حميد‪ ,‬عن عبد الرحمككن الدشككتكي بككه‪,‬‬
‫وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وقد رواه ابن جرير عن محمد بن بشار‪ ,‬عن‬
‫عبككد الرحمككن بككن مهككدي‪ ,‬عككن سككفيان الثككوري‪ ,‬عككن عطككاء بككن‬
‫السائب‪ ,‬عن أبككي عبككد الرحمككن‪ ,‬عككن علككي‪ :‬أنككه كككان هككو وعبككد‬
‫الرحمن ورجل آخر‪ ,‬شربوا الخمر فصلى بهم عبد الرحمككن فقككرأ‬
‫}قل يا أيها الكككافرون{ فخلككط فيهككا‪ ,‬فنزلككت }ل تقربككوا الصككلة‬
‫وأنتم سكارى{ وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حككديث الثككوري‬
‫به‪ ,‬ورواه ابن جرير أيضا ً عن ابن حميككد‪ ,‬عككن جريككر‪ ,‬عككن عطككاء‪,‬‬
‫عن أبكي عبكد الرحمكن السكلمي‪ ,‬قكال‪ :‬ككان علكي فكي نفكر مكن‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسككلم فككي بيككت عبككد الرحمككن بككن‬
‫عوف‪ ,‬فطعموا فأتاهم بخمر فشربوا منهككا‪ ,‬وذلككك قبككل أن يحككرم‬
‫الخمككر‪ ,‬فحضككرت الصككلة فقككدموا عليكا ً فقككرأ بهككم }قككل يككا أيهككا‬
‫الكافرون{ فلم يقرأها كما ينبغي‪ ,‬فأنزل الله عككز وجككل }يككا أيهككا‬
‫الذين آمنككوا ل تقربككوا الصككلة وأنتككم سكككارى{ ثككم قككال‪ :‬حككدثني‬
‫المثنى‪ ,‬حدثنا الحجككاج بككن المنهككال‪ ,‬حككدثنا حمككاد عككن عطككاء بككن‬
‫السككائب‪ ,‬عككن عبككد الرحمككن بككن حككبيب وهككو أبككو عبككد الرحمككن‬
‫السلمي‪ :‬أن عبد الرحمن بككن عككوف صككنع طعامكا ً وشككرابًا‪ ,‬فككدعا‬
‫نفككرا ً مككن أصككحاب النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم فصككلى بهككم‬
‫المغرب‪ ,‬فقرأ‪ :‬قل يككا أيهككا الكككافرون ل أعبككد مككا تعبككدون‪ ,‬وأنتككم‬
‫عابدون ما أعبد‪ ,‬وأنا عابد ما عبدتم‪ ,‬لكم دينكم ولي ديككن‪ ,‬فككأنزل‬
‫لية }يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتككم‬ ‫الله عز وجل هذه ا َ‬
‫سكارى حتى تعلموا ما تقولون{ وقال العوفي عن ابن عباس في‬
‫لية‪ :‬إن رجال ً كانوا يككأتون الصككلة وهككم سكككارى قبككل أن يحككرم‬ ‫ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬رواه‬ ‫الخمر‪ ,‬فقال الله }ل تقربوا الصككلة وأنتككم سكككارى{ ا َ‬
‫‪112‬‬
‫ابن جرير‪ ,‬وكذا قال أبو رزيككن ومجاهككد‪ .‬وقككال عبككد الككرزاق عككن‬
‫معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬كانوا يجتنبون السكر عند حضككور الصككلوات ثككم‬
‫نسخ بتحريم الخمر‪ .‬وقال الضحاك في ا َ‬
‫ليككة‪ :‬لككم يعككن بهككا سكككر‬
‫الخمر وإنما عنى بها سكر النوم‪ ,‬رواه ابن جرير وابن أبككي حككاتم‪,‬‬
‫ثم قال ابن جرير‪ :‬والصواب أن المراد سكر الشراب‪ ,‬قككال‪ :‬ولككم‬
‫يتوجه النهي إلى السكران الككذي ل يفهككم الخطككاب‪ ,‬لن ذاك فككي‬
‫حكم المجنون‪ ,‬وإنما خوطب بالنهي الثمكل الكذي يفهكم التكليكف‪,‬‬
‫وهذا حاصل ما قاله‪ ,‬وقد ذكره غير واحد من الصوليين‪ ,‬وهككو أن‬
‫الخطاب يتوجه إلى من يفهم الكلم دون السكران الذي ل يككدري‬
‫ما يقككال لكه فككإن الفهكم شككرط التكليككف‪ ,‬وقككد يحتمككل أن يكككون‬
‫المككراد التعريككض بككالنهي عككن السكككر بالكليككة لكككونهم مككأمورين‬
‫بالصلة في الخمسة الوقات من الليل والنهار‪ ,‬فل يتمكن شككارب‬
‫الخمر من أداء الصلة في أوقاتها دائمًا‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬وعلككى هككذا‬
‫فيكون كقوله تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حككق تقككاته ول‬
‫تموتن إل وأنتم مسلمون{ وهو المر لهككم بالتككأهب للمككوت علككى‬
‫السلم والمداومة على الطاعة لجل ذلك‪ .‬وقككوله }حككتى تعلمككوا‬
‫ما تقولون{ هذا أحسن ما يقككال فككي حككد السكككران أنككه الككذي ل‬
‫يدري ما يقول‪ ,‬فإن المخمور فيه تخليط في القراءة وعدم تدبره‬
‫وخشوعه فيها‪ .‬وقد قال المام أحمككد‪ :‬حككدثنا عبككد الصككمد‪ ,‬حككدثنا‬
‫أبي‪ ,‬حدثنا أيوب عن أبي قلبة‪ ,‬عن أنس‪ ,‬قال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »إذا نعككس أحككدكم وهككو يصككلي فلينصككرف‬
‫فلينم حتى يعلم ما يقول« انفككرد بككإخراجه البخككاري دون مسككلم‪,‬‬
‫ورواه هككو والنسككائي مككن حككديث أيككوب بككه‪ .‬وفككي بعككض ألفككاظ‬
‫الحديث »فلعله يذهب يستغفر فيسب نفسكه« وقكوله‪} :‬ول جنبكا ً‬
‫إل عابري سبيل حتى تغتسلوا{ قال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا محمككد‬
‫بن عمار‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن الدشتكي‪ ,‬أخبرنا أبككو جعفككر الككرازي‬
‫عن زيد بن أسلم‪ ,‬عن عطاء بن يسار‪ ,‬عن ابن عباس فككي قككوله‪:‬‬
‫}ول جنبا ً إل عابري سبيل حتى تغتسلوا{ قال ل تككدخلوا المسككجد‬
‫وأنتم جنب‪ ,‬إل عابري سبيل‪ ,‬قكال‪ :‬تمكر بكه مككرًا‪ ,‬ول تجلكس‪ ,‬ثككم‬
‫قال‪ :‬وروي عن عبد الله بن مسعود‪ ,‬وأنس‪ ,‬وأبي عبيدة‪ ,‬وسككعيد‬
‫بن المسيب‪ ,‬وأبي الضحى‪ ,‬وعطاء‪ ,‬ومجاهد‪ ,‬ومسروق‪ ,‬وإبراهيم‬
‫النخعي‪ ,‬وزيد بن أسلم‪ ,‬وأبي مالك‪ ,‬وعمرو بن دينار‪ ,‬والحكم بككن‬
‫‪113‬‬
‫عتيبة‪ ,‬وعكرمة‪ ,‬والحسن البصري‪ ,‬ويحيككى بككن سككعيد النصككاري‪,‬‬
‫وابن شهاب‪ ,‬وقتادة نحو ذلككك‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا المثنككى‪,‬‬
‫حدثنا أبو صالح‪ ,‬حدثني الليث‪ ,‬حدثنا يزيد بن أبي حبيب‪ ,‬عن قول‬
‫الله عز وجل }ول جنبا ً إل عككابري سككبيل{ أن رجككال ً مككن النصككار‬
‫كانت أبوابهم في المسجد‪ ,‬فكانت تصيبهم الجنابة ول ماء عندهم‪,‬‬
‫فيردون الماء ول يجدون ممرا ً إل في المسككجد‪ ,‬فككأنزل اللككه }ول‬
‫جنبا ً إل عابري سبيل{ ويشهد لصحة ما قاله يزيد بككن أبككي حككبيب‬
‫رحمه الله‪ ,‬ما ثبت في صحيح البخاري‪ :‬أن رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم قال »سدوا كككل خوخككة فككي المسككجد إل خوخككة أبككي‬
‫بكر« وهذا قاله في آخر حياته صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬علمكا ً منككه‬
‫أن أبا بكر رضي الله عنه سيلي المر بعده‪ ,‬ويحتاج إلككى الككدخول‬
‫في المسجد كثيرا ً للمكور المهمكة فيمكا يصكلح للمسكلمين‪ ,‬فككأمر‬
‫بسد البواب الشارعة إلى المسجد‪ ,‬إل بابه رضي الله عنه‪ ,‬ومككن‬
‫روى إل باب علي‪ ,‬كما وقع في بعض السنن فهو خطأ‪ ,‬والصككواب‬
‫لية احتج كثير من الئمة على أنه‬ ‫ما ثبت في الصحيح‪ .‬ومن هذه ا َ‬
‫يحرم على الجنب المكث في المسجد‪ ,‬ويجككوز لككه المككرور‪ ,‬وكككذا‬
‫الحككائض والنفسككاء أيضكًا‪ ,‬فككي معنككاه‪ ,‬إل أن بعضككهم قككال‪ :‬يمنككع‬
‫مرورهما لحتمال التلويث‪ ,‬ومنهم من قال‪ :‬إن أمنككت كككل واحككدة‬
‫منهما التلويث في حال المرور‪ ,‬جككاز لهمككا المككرور‪ ,‬وإل فل‪ .‬وقككد‬
‫ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال لككي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »ناوليني الخمرة من المسجد«‬
‫فقلت‪ :‬إني حائض‪ ,‬فقال »إن حيضتك ليست في يدك« ولككه عككن‬
‫أبككي هريككرة مثلككه‪ ,‬ففيككه دللككة علككى جككواز مككرور الحككائض فككي‬
‫المسجد‪ ,‬والنفساء في معناهككا‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬وروى أبككو داود مككن‬
‫حديث أفلت بن خليفكة العكامري‪ ,‬عكن جسكرة بنكت دجاجكة‪ ,‬عكن‬
‫عائشة‪ ,‬قالت‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »إنككي ل‬
‫أحل المسجد لحائض ول جنب«‪ ,‬قال أبو مسلم الخطابي‪ :‬ضككعف‬
‫هذا الحديث جماعة وقالوا‪ :‬أفلت مجهول‪ ,‬لكككن رواه ابككن مككاجه‪,‬‬
‫مككن حككديث أبككي الخطككاب الهجككري‪ ,‬عككن محككدوج الككذهلي‪ ,‬عككن‬
‫جسرة‪ ,‬عن أم سلمة‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسككلم بككه‪ ,‬قككال‬
‫أبككو زرعككة الككرازي‪ :‬يقولككون‪ :‬جسككرة‪ ,‬عككن أم سككلمة‪ ,‬والصككحيح‬
‫جسرة عن عائشة‪ ,‬فأما ما رواه أبو عيسى الترمذي‪ :‬مككن حككديث‬
‫‪114‬‬
‫سالم بن أبي حفصة عن عطية‪ ,‬عككن أبككي سككعيد الخككدري‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »يكا علكي ل يحكل لحكد أن‬
‫يجنب‪ ,‬في هذا المسككجد غيككري وغيككرك« فككإنه حككديث ضككعيف ل‬
‫يثبت‪ ,‬فإن سالما ً هذا متروك‪ ,‬وشيخه عطية ضعيف‪ ,‬واللكه أعلككم‪.‬‬
‫لية‪ .‬قال ابن أبككي حكاتم‪ :‬حككدثنا المنكذر‬ ‫)حديث آخر( في معنى ا َ‬
‫بن شاذان‪ ,‬حدثنا عبيد الله بن موسى‪ ,‬أخبرني ابن أبي ليلى عككن‬
‫المنهال‪ ,‬عن زر بن حبيش‪ ,‬عن علي }ول جنبا ً إل عابري سككبيل{‬
‫قال‪ :‬ل يقرب الصلة‪ ,‬إل أن يكون مسافرا ً تصيبه الجنابة‪ ,‬فل يجد‬
‫الماء فيصلي‪ ,‬حتى يجد الماء‪ ,‬ثم رواه من وجه آخر عن المنهككال‬
‫بن عمرو‪ ,‬عن زر‪ ,‬عن علي بن أبي طككالب‪ ,‬فككذكره‪ .‬قككال‪ :‬وروي‬
‫عن ابن عباس في إحدى الروايات‪ ,‬وسككعيد بككن جككبير والضككحاك‪,‬‬
‫نحو ذلك‪ .‬وقد روى ابن جرير‪ ,‬من حديث وكيع‪ ,‬عن ابن أبي ليلككى‬
‫عن المنهال‪ ,‬عن عباد بككن عبككد اللككه‪ ,‬أو عككن زر بككن حككبيش عككن‬
‫علي‪ ,‬فذكره‪ .‬ورواه مككن طريككق العككوفي وأبككي مجلككز‪ :‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬فذكره‪ .‬ورواه عن سعيد بن جبير‪ ,‬وعن مجاهد‪ ,‬والحسككن‬
‫بن مسلم‪ ,‬والحكم بن عتيبة‪ ,‬وزيد بن أسلم‪ ,‬وابنككه عبككد الرحمككن‬
‫مثل ذلك‪ .‬وروى من طريق ابن جريج عن عبد الله بن كثير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كنا نسمع أنه في السفر‪ .‬ويستشككهد لهككذا القككول بالحككديث الككذي‬
‫جدان‪,‬‬ ‫رواه أحمد وأهل السنن من حديث أبي قلبة عن عمر بن ب ُ ْ‬
‫عن أبي ذر‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »الصعيد‬
‫الطيب طهور المسلم‪ ,‬وإن لم تجد الماء عشر حجج‪ ,‬فإذا وجككدت‬
‫الماء فأمسه بشككرتك‪ ,‬فككإن ذلككك خيككر« ثككم قككال ابككن جريككر بعككد‬
‫حكايته القولين‪ :‬والولى قول من قال }ول جنبا ً إل عابري سبيل{‬
‫أي إل مجتازي طريق فيه‪ ,‬وذلك أنككه قككد بيككن حكككم المسككافر إذا‬
‫عدم الماء وهو جنب‪ ,‬في قوله }وإن كنتم مرضى أو على سفر{‬
‫إلى آخره‪ ,‬فكان معلوما ً بذلك أن قوله }ول جنبا ً إل عابري سككبيل‬
‫حتى تغتسلوا{ لو كان معنيا ً به المسككافر‪ ,‬لككم يكككن لعككادة ذكككره‬
‫في قوله }وإن كنتم مرضى أو على سككفر{ معنككى مفهككوم‪ ,‬وقككد‬
‫ليككة‪ :‬يككا‬‫مضى حكم ذكره قبل ذلك‪ ,‬فإذا كان ذلك كذلك فتأويككل ا َ‬
‫أيها الذين آمنوا ل تقربككوا المسككاجد للصككلة مصككلين فيهككا‪ ,‬وأنتككم‬
‫سكارى‪ ,‬حتى تعلمككوا مككا تقولككون‪ ,‬ول تقربوهككا أيضكا ً جنبكًا‪ ,‬حككتى‬
‫تغتسلوا‪ ,‬إل عككابري سككبيل‪ ,‬قككال‪ :‬والعككابر السككبيل‪ :‬المجتككاز مككرا ً‬
‫‪115‬‬
‫وقطعًا‪ ,‬يقال منه‪ :‬عبرت هذا الطريق‪ ,‬فأنككا أعككبره عككبرا وعبككورًا‪,‬‬
‫ومنه يقال عبر فلن النهر‪ ,‬إذا قطعكه وجككاوزه‪ ,‬ومنككه قيككل للناقكة‬
‫القوية على السفار‪ ,‬هي عبر السفار لقوتها على قطككع السككفار‪,‬‬
‫لية‪ ,‬وكككأنه‬‫وهذا الذي نصره‪ ,‬هو قول الجمهور‪ ,‬وهو الظاهر من ا َ‬
‫تعالى نهى عن تعاطي الصلة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها‪,‬‬
‫وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة‪ ,‬وهي الجنابة المباعككدة‬
‫للصلة‪ ,‬ولمحلها أيضًا‪ ,‬والله أعلم‪ .‬وقوله }حككتى تغتسككلوا{ دليككل‬
‫لما ذهب إليه الئمة الثلثة‪ ,‬أبو حنيفة ومالك والشافعي‪ ,‬أنه يحرم‬
‫على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسكل أو يكتيمم‪ ,‬إن عكدم‬
‫الماء‪ ,‬أو لم يقدر على اسككتعماله بطريقككه‪ ,‬وذهككب المككام أحمككد‪:‬‬
‫إلى أنه متى توضأ الجنب‪ ,‬جاز له المكث في المسككجد‪ ,‬لمككا روى‬
‫هو وسعيد بن منصور في سننه بسككند صككحيح‪ :‬أن الصككحابة كككانوا‬
‫يفعلون ذلك‪ .‬قال سعيد بن منصور في سننه‪ :‬حككدثنا عبككد العزيككز‬
‫بن محمد‪ ,‬هو الدراوردي‪ ,‬عن هشام بن سعد‪ ,‬عن زيد بن أسككلم‪,‬‬
‫عن عطاء بن يسار‪ ,‬قال‪ :‬رأيكت رجككال ً مكن أصكحاب رسككول اللكه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬يجلسون فككي المسككجد وهككم مجنبككون‪ ,‬إذا‬
‫توضؤوا وضوء الصلة‪ .‬وهذا إسناد على شرط مسلم‪ ,‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقوله }وإن كنتم مرضى أو على سككفر أو جككاء أحككد منكككم مككن‬
‫الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا ً طيبًا{ أما‬
‫المرض المبيح للتيمم‪ ,‬فهو الذي يخاف معه من اسككتعمال المككاء‪,‬‬
‫فوات عضو أو شينه أو تطويل البرء‪ ,‬ومن العلماء من جوز التيمم‬
‫بمجرد المرض‪ ,‬لعموم ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪,‬‬
‫صْيف عككن‬ ‫خ َ‬‫حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل‪ ,‬حدثنا قيس‪ ,‬عن ُ‬
‫مجاهد في قوله }وإن كنتم مرضى{ قال‪ :‬نزلككت فككي رجككل مككن‬
‫النصار‪ ,‬كان مريضا ً فلم يستطع أن يقكوم فيتوضكأ‪ ,‬ولكم يككن لكه‬
‫خادم فيناوله‪ ,‬فأتى النبي صلى الله عليككه وسككلم فككذكر ذلككك لككه‪,‬‬
‫لية‪ ,‬هذا مرسل والسفر معروف‪ ,‬ول فككرق فيككه‬ ‫فأنزل الله هذه ا َ‬
‫بين الطويل والقصككير‪ ,‬وقككوله }أو جككاء أحككد منكككم مككن الغككائط{‬
‫الغائط هو المكان المطمئن من الرض‪ ,‬كنى بككذلك عككن التغككوط‪,‬‬
‫وهككو الحككدث الصككغر‪ ,‬وأمككا قككوله }أو لمسككتم النسككاء{ فقرىككء‬
‫لمستم ولمستم‪ ,‬واختلف المفسرون والئمة في معنى ذلك على‬
‫قولين‪) :‬أحدهما(‪ :‬أن ذلك كناية عن الجماع‪ ,‬لقككوله تعككالى‪} :‬وإن‬
‫‪116‬‬
‫طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف‬
‫ما فرضتم{ وقال تعالى }يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنككات‬
‫ثم طلقتموهن من قبل أن تمسككوهن فمككا لكككم عليهككن مككن عككدة‬
‫تعتدونها{ قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حككدثنا وكيككع‪,‬‬
‫عن سفيان‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪,‬‬
‫في قوله }أو لمستم النساء{ قال‪ :‬الجماع‪ .‬وروي عن علي وأبي‬
‫بن كعب ومجاهد وطاوس والحسن وعبيككد بككن عميككر وسككعيد بككن‬
‫جبير والشعبي وقتككادة ومقاتككل بككن حيككان‪ ,‬نحككو ذلككك‪ ,‬وقككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثني حميد بن مسعدة‪,‬حدثنا يزيد بن زريككع‪ ,‬حككدثنا شككعبة‬
‫عن أبي بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬ذكروا اللمس‪ ,‬فقال ناس‬
‫مككن المككوالي‪ :‬ليككس بالجمككاع‪ ,‬وقككال نككاس مككن العككرب‪ :‬اللمككس‬
‫الجماع‪ ,‬قال‪ :‬فأتيت ابن عباس فقلت لككه‪ :‬إن ناسكا ً مككن المككوالي‬
‫والعرب اختلفككوا فككي اللمككس‪ ,‬فقككالت المككوالي‪ :‬ليككس بالجمككاع‪,‬‬
‫وقالت العرب‪ :‬الجمككاع‪ ,‬قككال‪ :‬فمككن أي الفريقيككن كنككت ؟ قلككت‪:‬‬
‫غلب فريق الموالي‪ .‬إن اللمككس والمككس‬ ‫كنت من الموالي‪ ,‬قال‪ُ :‬‬
‫والمباشرة‪ :‬الجماع‪ ,‬ولكن الله يكني مككا شككاء بمككا شككاء‪ ,‬ثككم رواه‬
‫عن ابن بشار‪ ,‬عن غندر‪ ,‬عن شعبه بككه نحككوه‪ ,‬ثككم رواه مككن غيككر‬
‫وجه‪ ,‬عن سعيد بن جبير نحوه‪ .‬ومثله قال‪ :‬حدثني يعقككوب‪ ,‬حككدثنا‬
‫هشيم‪ ,‬قال حدثنا أبو بشر‪ :‬أخبرنا سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪,‬‬
‫قال‪ :‬اللمس والمس والمباشككرة‪ :‬الجمككاع ولكككن اللككه يكنككي بمككا‬
‫يشككاء‪ ,‬حككدثنا عبككد الحميككد بككن بيككان‪ ,‬أنبأنككا إسككحاق الزرق‪ ,‬عككن‬
‫سفيان‪ ,‬عن عاصم الحول‪ ,‬عن بكر بن عبد الله‪ ,‬عن ابن عبككاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬الملمسة‪ :‬الجماع‪ ,‬ولكن اللككه كريككم يكنككي بمككا يشككاء‪ ,‬وقككد‬
‫صح من غير وجه‪ ,‬عن عبد الله بن عباس‪ ,‬أنه قال ذلك‪ ,‬ثككم رواه‬
‫ابن جرير‪ :‬عن بعض من حكاه ابن أبي حاتم عنهككم‪ ,‬ثككم قككال ابككن‬
‫جرير وقال آخرون‪ :‬عنى الله تعالى بذلك كل لمس بيد أو بغيرهككا‬
‫من أعضاء النسان‪ ,‬وأوجبوا الوضوء علكى ككل مكن مكس بشكيء‬
‫من جسده شيئا ً من جسدها مفضيا ً إليه‪ ,‬ثم قال‪ :‬حدثنا ابن بشار‪,‬‬
‫حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن مخككارق‪ ,‬عككن طككارق‪ ,‬عككن‬
‫عبد الله بن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬اللمس ما دون الجماع‪ ,‬وقككد رواه مككن‬
‫طرق متعددة‪ ,‬عن ابن مسعود بمثله‪ ,‬وروى من حديث العمككش‪,‬‬
‫عن إبراهيم‪ ,‬عن أبي عبيدة‪ ,‬عن عبد الله بن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬القبلة‬
‫‪117‬‬
‫من المس وفيها الوضوء‪ .‬وروى الطبراني بإسناده‪ ,‬عن عبككد اللككه‬
‫بن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬يتوضأ الرجل من المباشرة ومن اللمككس بيككده‪,‬‬
‫ليككة }أو لمسككتم النسككاء{ هككو‬ ‫ومن القبلة‪ ,‬وكان يقول في هذه ا َ‬
‫الغمز‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثني يونس‪ ,‬أخبرنا ابككن وهككب‪ ,‬أخككبرني‬
‫عبيد الله بن عمر‪ ,‬عن نافع‪ :‬أن ابككن عمككر كككان يتوضككأ مككن قبلككة‬
‫المرأة‪ ,‬ويرى فيها الوضوء‪ ,‬ويقول‪ :‬هي مككن اللمككاس‪ .‬وروى ابككن‬
‫أبي حاتم وابن جرير أيضًا‪ :‬مككن طريككق شككعبة عككن مخككارق‪ ,‬عككن‬
‫طارق‪ ,‬عن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬اللمس ما دون الجمككاع‪ ,‬ثككم قككال ابككن‬
‫أبي حاتم‪ :‬وروي عككن ابككن عمككر‪ ,‬وعبيككدة‪ ,‬وأبككي عثمككان النهككدي‪,‬‬
‫وأبي عبيدة يعني ابن عبد الله بن مسعود‪ ,‬وعامر الشعبي‪ ,‬وثابت‬
‫بن الحجاج‪ ,‬وإبراهيم النخعي‪ ,‬وزيد بن أسككلم‪ ,‬نحككو ذلككك‪) ,‬قلككت(‬
‫وروى مالك‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن سالم بن عبد اللككه بككن عمككر‪ ,‬عككن‬
‫أبيه‪ ,‬أنه كان يقول‪ :‬قبلة الرجل امرأته وجسه بيده من الملمسة‪,‬‬
‫فمن قبكل امرأتككه أوجسككها بيكده‪ ,‬فعليككه الوضكوء‪ ,‬وروى الحككافظ‬
‫أبوالحسن الدار قطني في سننه‪ :‬عن عمر بن الخطاب نحو ذلك‪,‬‬
‫ولكن روينا عنه من وجه آخر‪ :‬أنه كان يقبل امرأته ثككم يصككلي ول‬
‫يتوضأ‪ ,‬فالرواية عنه مختلفة‪ ,‬فيحمل ما قاله في الوضوء إن صككح‬
‫عنه‪ ,‬على الستحباب‪ ,‬والله أعلم‪ .‬والقككول بوجككوب الوضككوء مككن‬
‫المس‪ ,‬هو قول الشافعي وأصحابه‪ ,‬ومالك‪ ,‬والمشهور عن أحمككد‬
‫بن حنبل رحمهم الله‪ ,‬قال ناصر هذه المقالة‪ :‬قد قرىء في هككذه‬
‫لية لمستم ولمستم‪ ,‬واللمس يطلككق فككي الشككرع علككى الجككس‬ ‫ا َ‬
‫باليد‪ ,‬قال تعالى‪} :‬ولو نزلنا عليككك كتاب كا ً فككي قرطككاس فلمسككوه‬
‫بأيديهم{ أي جسوه‪ ,‬وقككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫لماعز حين أقر بالزنا‪ ,‬يع كّرض لككه بككالرجوع عككن القككرار‪» :‬لعلككك‬
‫قبلت أو لمست«‪ ,‬وفي الحديث الصحيح »واليككد زناهككا اللمككس«‪,‬‬
‫ل يوم إل ورسول الله صلى الله‬ ‫وقالت عائشة رضي الله عنها‪ :‬ق ّ‬
‫عليككه وسككلم يطككوف علينككا‪ ,‬فيقبككل ويلمككس‪ ,‬ومنككه مككا ثبككت فككي‬
‫الصحيحين‪ ,‬أن رسول الله صلى اللكه عليكه وسكلم نهكى عكن بيكع‬
‫الملمسة‪ ,‬وهو يرجع إلى الجس باليد‪ ,‬على كل التفسيرين‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫ويطلق في اللغة على الجس باليد‪ ,‬كما يطلق على الجمككاع‪ ,‬قككال‬
‫الشككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاعر‪:‬‬
‫وألمسكككككككككت كفكككككككككي كفكككككككككه أطلكككككككككب الغنكككككككككى‬
‫‪118‬‬
‫واستأنسوا أيضا ً بالحديث الذي رواه أحمد‪ ,‬حككدثنا عبككد اللككه بككن‬
‫مهدي‪ ,‬وأبو سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زائدة‪ ,‬عككن عبككد الملككك بككن عميككر‪,‬‬
‫وقال أبو سعيد‪ :‬حدثنا عبد الملك بن عمير‪ ,‬عن عبد الرحمككن بككن‬
‫أبي ليلى‪ ,‬عن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬إن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫أتاه رجل فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬ما تقول فككي رجككل لقككي امككرأة ل‬
‫يعرفها‪ ,‬فليس يأتي الرجل من امرأته شيئا ً إل أتاه منهككا‪ ,‬غيككر أنككه‬
‫ليككة }أقككم الصككلة‬ ‫لم يجامعها‪ ,‬قال‪ :‬فأنزل الله عككز وجككل هككذه ا َ‬
‫طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يككذهبن السككيئات ذلككك‬
‫ذكرى للذاكرين{‪ ,‬قككال‪ :‬فقككال لككه رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »توضأ ثم صك ّ‬
‫ل« قككال معككاذ‪ :‬فقلككت‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬ألككه‬
‫خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ فقككال »بككل للمككؤمنين عامككة«‪ ,‬ورواه‬
‫الترمككذي مككن حككديث زائدة بككه‪ ,‬وقككال‪ :‬ليككس بمتصككل‪ ,‬ورواه‬
‫النسائي‪ :‬من حديث شعبة‪ ,‬عن عبككد الملككك بككن عميككر‪ ,‬عككن عبككد‬
‫ل‪ ,‬قالوا‪ :‬فأمره بالوضككوء‪ ,‬لنككه لمككس‬ ‫الرحمن بن أبي ليلى‪ ,‬مرس ً‬
‫المرأة ولم يجامعها‪ ,‬وأجيب بأنه منقطع بين ابن أبي ليلى ومعككاذ‪,‬‬
‫فإنه لم يلقه‪ ,‬ثم يحتمل أنه إنمكا أمكره بالوضكوء والصكلة للتوبكة‪,‬‬
‫كما تقدم في حديث الصكديق‪» :‬مكا مكن عبكد يكذنب ذنبكا ً فيتوضكأ‬
‫ويصلي ركعتين إل غفر الله له« الحديث‪ ,‬وهو مذكور فككي سككورة‬
‫آل عمران‪ ,‬عند قوله }ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬ثككم‬
‫قال ابن جرير‪ :‬وأولى القولين في ذلك بالصواب قككول مككن قككال‪:‬‬
‫عنى الله بقككوله‪} :‬أو لمسككتم النسككاء{ الجمككاع‪ ,‬دون غيككره مككن‬
‫معاني اللمس‪ ,‬لصككحة الخككبر عككن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم أنه قّبل بعض نسائه‪ ,‬ثم صلى ولم يتوضأ‪ ,‬ثم قككال‪ :‬حككدثني‬
‫بككذلك إسكماعيل بكن موسكى السكدي‪ ,‬قككال‪ :‬أخبرنككا أبككو بككر بككن‬
‫عياش‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن حبيب بن أبككي ثككابت‪ ,‬عككن عككروة‪ ,‬عككن‬
‫عائشة‪ ,‬قالت‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسككلم يتوضككأ‪ ,‬ثككم‬
‫يقبل ثم يصلي‪ ,‬ول يتوضأ‪ ,‬ثم قال‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حككدثنا وكيككع‪,‬‬
‫عن العمش‪ ,‬عن حبيب‪ ,‬عن عروة‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قّبل بعض نسائه‪ ,‬ثم خرج إلى الصلة ولككم‬
‫يتوضأ‪ ,‬قلت‪ :‬من هككي إل أنككت ؟ فضككحكت‪ ,‬وهكككذا رواه أبككو داود‬
‫والترمذي‪ ,‬وابن ماجه‪ ,‬عن جماعة من مشايخهم‪ ,‬عن وكيع به‪ ,‬ثم‬
‫قال أبو داود‪ :‬روي عن الثوري أنه قككال‪ :‬مككا حككدثنا حككبيب إل عككن‬
‫‪119‬‬
‫عروة المزنككي‪ ,‬وقككال يحيككى القطككان لرجككل‪ :‬احككك عنككي أن هككذا‬
‫الحديث شبه ل شيء‪ ,‬وقكال الترمكذي‪ :‬سكمعت البخكاري يضكعف‬
‫هذا الحديث‪ ,‬وقال‪ :‬حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة‪ ,‬وقككد‬
‫وقع في رواية ابن ماجه‪ :‬عن أبي بكر بككن أبككي شككيبة‪ ,‬وعلككي بككن‬
‫محمد الطنافسي‪ ,‬عن وكيع‪ ,‬عككن العمككش‪ ,‬عككن حككبيب بككن أبككي‬
‫ثابت‪ ,‬عن عروة بن الزبير‪ ,‬عن عائشككة‪ ,‬وأبلككغ مككن ذلككك مككا رواه‬
‫المام أحمد في مسنده‪ :‬من حديث هشام بككن عككروة‪ ,‬عككن أبيككه‪,‬‬
‫عن عائشة‪ ,‬وهذا نص في كونه عروة بن الزبير‪ ,‬ويشهد له قككوله‪:‬‬
‫من هي إل أنككت فضككحكت‪ ,‬لكككن روى أبككو داود عككن إبراهيككم بككن‬
‫مخلد الطالقاني‪ ,‬عن عبد الرحمن بن مغراء‪ ,‬عن العمش‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫حدثنا أصحاب لنا‪ ,‬عن عروة المزني‪ ,‬عن عائشككة‪ ,‬فككذكره‪ ,‬واللككه‬
‫ة عككن‬ ‫شكب ّ َ‬‫أعلم‪ .‬وقال ابن جرير أيضكًا‪ :‬حككدثنا أبككو زيككد‪ ,‬عمككر بككن َ‬
‫شهاب بن عباد‪ ,‬حدثنا مندل بن علي‪ ,‬عن ليككث‪ ,‬عككن عطككاء‪ ,‬عككن‬
‫عائشة وعن أبي روق‪ ,‬عن إبراهيم التيمي‪ ,‬عن عائشة رضي الله‬
‫عنها‪ ,‬قالت‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلة بعد‬
‫الوضوء‪ ,‬ثم ل يعيد الوضوء‪ ,‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬حككدثنا‬
‫سفيان عن أبي روق الهمداني‪ ,‬عن إبراهيم الككتيمي‪ ,‬عككن عائشككة‬
‫رضي الله عنها‪ ,‬أن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم قب ّككل ثككم‬
‫صككلى ولككم يتوضككأ‪ ,‬رواه أبككو داود والنسككائي‪ ,‬مككن حككديث يحيككى‬
‫القطان‪ ,‬زاد أبو داود‪ :‬وابن مهدي‪ ,‬كلهما عن سفيان الثوري بككه‪.‬‬
‫ثم قال أبو داود والنسائي‪ :‬لم يسمع إبراهيم التيمي مككن عائشككة‪,‬‬
‫ثم قال ابن جرير أيضًا‪ :‬حدثنا سعيد بن يحيى الموي‪ ,‬حككدثنا أبككي‪,‬‬
‫حدثنا يزيد بن سنان‪ ,‬عن عبد الرحمن الوزاعككي‪ ,‬عككن يحيككى بككن‬
‫أبي كثير‪ ,‬عن أبي سلمة‪ ,‬عن أم سلمة‪ ,‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم‪ ,‬ثم ل يفطر ول يحككدث وضككوءًا‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا حفص بككن غيككاث‪ ,‬عككن حجككاج‪,‬‬
‫عن عمرو بن شعيب‪ ,‬عن زينب السهمية‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬عن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬أنه كككان يقبككل ثككم يصككلي ول يتوضككأ‪ .‬وقككد‬
‫رواه المام أحمد‪ ,‬عن محمد بن فضيل‪ ,‬عن حجاج بن أرطأة‪ ,‬عن‬
‫عمرو بن شعيب‪ ,‬عككن زينككب السككهمية‪ ,‬عككن عائشككة‪ ,‬عككن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسككلم بككه‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬فككإن لككم تجككدوا مككاء‬
‫لية‪ :‬أنككه‬ ‫فتيمموا صعيدا ً طيبًا{ استنبط كثير من الفقهاء من هذه ا َ‬
‫‪120‬‬
‫ل يجوز التيمم لعادم الماء إل بعد طلب المككاء‪ ,‬فمككتى طلبككه فلككم‬
‫يجده‪ ,‬جاز له حينئذ التيمم‪ ,‬وقككد ذكككروا كيفيككة الطلككب فككي كتككب‬
‫الفروع‪ ,‬كما هو مقرر في موضعه‪ ,‬كمككا هككو فككي الصككحيحين مككن‬
‫حديث عمران بن حصين‪ :‬أن رسول الله صكلى اللكه عليكه وسكلم‬
‫رأى رجل ً معتزل ً لم يصل في القوم‪ ,‬فقال »يا فلن مككا منعككك أن‬
‫تصلي مع القوم‪ ,‬ألست برجل مسلم« قال‪ :‬بلى يككا رسككول اللككه‪,‬‬
‫ولكن أصابتني جنابة ول ماء‪ ,‬قال »عليككك بالصككعيد فككإنه يكفيككك«‬
‫ولهذا قال تعككالى‪} :‬فككإن لككم تجككدوا مككاء فككتيمموا صككعيدا ً طيب كًا{‬
‫فالتيمم في اللغة‪ ,‬هو القصد‪ ,‬تقول العرب‪ :‬تيممك اللككه بحفظككه‪,‬‬
‫أي قصكككككدك‪ ,‬ومنكككككه قكككككول امرىكككككء القيكككككس شكككككعرًا‪:‬‬
‫ولمككا رأت أن المنيككة وردهككاوأن الحصككى مككن تحككت أقككدامها‬
‫داميتيممت العيككن الككتي عنككد ضككارجيفيء عليهككا الفيككء عرمضككها‬
‫طككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككامي‬
‫والصعيد قيل‪ :‬هو كل مككا صككعد علككى وجككه الرض‪ ,‬فيككدخل فيككه‬
‫التراب والرمل والشجر والحجر والنبات‪ ,‬وهو قول مالككك‪ ,‬وقيككل‪:‬‬
‫ما كان من جنس التراب‪ ,‬كالرمل والزرنيخ والنورة‪ ,‬وهذا مككذهب‬
‫أبي حنيفة‪ ,‬وقيل‪ :‬هو التراب فقط‪ ,‬وهو مذهب الشككافعي وأحمككد‬
‫بن حنبل وأصحابهما‪ ,‬واحتجوا بقوله تعالى‪} :‬فتصبح صعيدا ً زلقًا{‬
‫أي ترابا ً أملس طيبًا‪ ,‬وبما ثبت في صحيح مسلم‪ ,‬عن حذيفككة بككن‬
‫اليمان‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »فضلنا علككى‬
‫الناس بثلث‪ :‬جعلت صفوفنا كصفوف الملئكة‪ ,‬وجعلت لنا الرض‬
‫كلها مسجدًا‪ ,‬وجعلت تربتها لنكا طهكورا ً إذا لكم نجكد المكاء« وفكي‬
‫لفظ »وجعل ترابها لنا طهورا ً إذا لم نجد المككاء« قككالوا‪ :‬فخصككص‬
‫الطهورية بالتراب‪ ,‬في مقام المتنان‪ ,‬فلو كان غيره يقوم مقككامه‬
‫لذكره معه‪ ,‬والطيب ههنا قيل‪ :‬الحلل‪ ,‬وقيل‪ :‬الذي ليس بنجككس‪,‬‬
‫كما رواه المام أحمد وأهل السنن‪ ,‬إل ابن ماجه مككن حككديث أبككي‬
‫جدان‪ ,‬عن أبككي ذر‪ ,‬قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬‫قلبة‪ ,‬عن عمرو بن ب ُ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم »الصعيد الطيككب طهككور المسككلم‪ ,‬وإن لككم‬
‫يجد الماء عشر حجج‪ ,‬فإذا وجده فليمسه بشرته فإن ذلككك خيككر«‬
‫وقال الترمككذي‪ :‬حسكن صككحيح‪ ,‬وصكححه ابككن حبككان أيضكًا‪ ,‬ورواه‬
‫الحافظ أبككو بكككر الككبزار فككي مسككنده‪ ,‬عككن أبككي هريككرة وصككححه‬
‫‪121‬‬
‫الحافظ أبو الحسككن القطكان‪ ,‬وقكال ابكن عبكاس‪ :‬أطيككب الصككعيد‬
‫تككراب الحككرث‪ ,‬رواه ابككن أبككي حككاتم‪ ,‬ورفعككه ابككن مردويككه فككي‬
‫تفسيره‪ ,‬وقوله‪} :‬فامسحوا بوجوهكم وأيديكم{ التيمم بككدل عككن‬
‫الوضوء في التطهر به‪ ,‬ل أنككه بككدل منككه فككي جميككع أعضككائه‪ ,‬بككل‬
‫يكفي مسح الوجه واليدين فقككط بالجمككاع‪ ,‬ولكككن اختلككف الئمككة‬
‫في كيفية التيمم على أقوال‪ :‬أحككدها وهككو مككذهب الشككافعي فككي‬
‫الجديككد‪ :‬أنككه يجككب أن يمسككح الككوجه واليككدين إلككى المرفقيككن‬
‫بضربتين‪ ,‬لن لفظ اليدين يصدق إطلقهما على ما يبلغ المنكبين‪,‬‬
‫وعلى ما يبلغ المرفقين‪ ,‬كما في آية الوضوء‪ ,‬ويطلق ويككراد بهمككا‬
‫ما يبلغ الكفين‪ ,‬كما في آيكة السكرقة }فكاقطعوا أيكديهما{ قكالوا‪:‬‬
‫وحمل ما أطلق ههنا على ما قيككد فككي آيككة الوضككوء أولككى لجككامع‬
‫الطهورية‪ ,‬وذكر بعضهم‪ :‬ما رواه الدارقطني عن ابن عمككر‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »الككتيمم ضككربتان‪ :‬ضككربة‬
‫للوجه‪ ,‬وضككربة لليككدين إلككى المرفقيككن« ولكككن ل يصككح‪ ,‬لن فككي‬
‫أسانيده ضعفاء‪ ,‬ل يثبككت الحككديث بهككم‪ ,‬وروى أبككو داود عككن ابككن‬
‫عمر‪ ,‬في حديث‪ ,‬أن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬ضككرب‬
‫بيديه على الحكائط ومسكح بهمكا وجهكه‪ ,‬ثكم ضكرب ضكربة أخكرى‬
‫فمسح ذراعيه‪ ,‬ولكن في إسككناده محمككد بككن ثككابت العبككدي‪ ,‬وقككد‬
‫ضعفه بعض الحفاظ‪ ,‬ورواه غيره من الثقات‪ ,‬فوقفوه علكى فعككل‬
‫ابن عمر‪ ,‬قال البخاري وأبو زرعة وابن عدي‪ :‬وهو الصواب‪ ,‬وقال‬
‫البيهقي‪ :‬رفع هذا الحديث منكككر‪ ,‬واحتككج الشككافعي بمككا رواه عككن‬
‫إبراهيم بن محمد‪ ,‬عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية‪ ,‬عن‬
‫العرج‪ ,‬عن ابن الصمة‪ :‬أن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫تيمم فمسح وجهه وذراعيه‪ .‬وقال ابن جريككر‪ :‬حككدثني موسككى بككن‬
‫سهل الرملي‪ ,‬حدثنا نعيم بن حماد‪ ,‬حدثنا خارجة بن مصعب‪ ,‬عككن‬
‫عبد الله بن عطاء‪ ,‬عن موسى بن عقبككة‪ ,‬عككن العككرج‪ ,‬عككن أبككي‬
‫جهيككم‪ ,‬قككال‪ :‬رأيككت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم يبككول‪,‬‬
‫ي حككتى فككرغ‪ ,‬ثككم قككام إلككى الحككائط‬
‫فسلمت عليه‪ ,‬فلككم يككرد علك ّ‬
‫فضرب بيككديه عليكه‪ ,‬فمسككح بهمككا وجهكه‪ ,‬ثكم ضككرب بيكديه علكى‬
‫الحائط فمسككح بهمككا يككديه إلككى المرفقيككن‪ ,‬ثككم رد علككي السككلم‪.‬‬
‫والقككول الثككاني‪ :‬أنككه يجككب مسككح الككوجه واليككدين إلككى الكفيككن‬
‫بضربتين‪ ,‬وهو قككول الشككافعي فككي القككديم‪ .‬والثككالث‪ :‬أنككه يكفككي‬
‫‪122‬‬
‫مسح الككوجه والكفيككن بضككربة واحككدة‪ .‬قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن جعفر‪ ,‬حدثنا شعبة عن الحكككم‪ ,‬عككن ذر‪ ,‬عككن ابككن عبككد‬
‫الرحمن بن أبزى‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬أن رجل ً أتى عمر‪ ,‬فقال‪ :‬إنككي أجنبككت‬
‫فلم أجد ماء‪ ,‬فقال عمر ل تصل‪ ,‬فقال عمككار‪ :‬أمككا تككذكر يككا أميككر‬
‫المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلكم نجكد مكاء‪ ,‬فأمكا أنكت‬
‫فلم تصل‪ ,‬وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت‪ ,‬فلما أتينككا النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك لككه‪ ,‬فقككال »إنمككا كككان يكفيككك‪,‬‬
‫وضرب النبي صلى الله عليككه وسككلم بيككده الرض‪ ,‬ثككم نفككخ فيهككا‬
‫ومسح بها وجهه وكفيه« وقككال أحمككد أيضكًا‪ :‬حككدثنا عفككان‪ ,‬حككدثنا‬
‫أبان‪ ,‬حدثنا قتادة‪ ,‬عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبككزى‪,‬‬
‫عن أبيه‪ ,‬عن عمار‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في‬
‫الككككككككككككتيمم »ضككككككككككككربة للككككككككككككوجه والكفيككككككككككككن«‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال أحمد‪ :‬حدثنا عفان‪ ,‬حدثنا عبككد الواحككد‪ ,‬عككن‬
‫سليمان العمش‪ ,‬حدثنا شقيق‪ ,‬قككال‪ :‬كنككت قاعككدا ً مككع عبككد اللككه‬
‫وأبي موسى‪ ,‬فقال أبو موسى لعبد الله‪ :‬لو أن رجل ً لم يجد الماء‬
‫لم يصل ؟ فقال عبد الله‪ :‬ل‪ ,‬فقال أبو موسى‪ :‬أمككا تككذكر إذ قككال‬
‫عمار لعمر‪ :‬أل تذكر إذ بعثني رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫وإياك في إبل‪ ,‬فأصابتني جنابة فتمرغت في التراب‪ ,‬فلما رجعككت‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته‪ ,‬فضحك رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وقككال »إنمككا كككان يكفيككك أن تقككول هكككذا‪,‬‬
‫وضرب بكفيه إلى الرض‪ ,‬ثكم مسكح كفيكه جميعكًا‪ ,‬ومسكح وجهكه‬
‫مسحة واحدة بضربة واحدة« ؟ فقال عبد الله‪ :‬ل جرم‪ ,‬مككا رأيككت‬
‫ليككة فككي‬‫عمر قنع بذاك‪ ,‬قال‪ :‬فقال له أبو موسى‪ :‬فكيككف بهككذه ا َ‬
‫سورة النساء }فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا ً طيبًا{ ؟ قككال‪ :‬فمككا‬
‫درى عبد الله ما يقول‪ ,‬وقال‪ :‬لو رخصنا لهم فككي الككتيمم لوشككك‬
‫أحدهم إذا برد الماء على جلككده أن يككتيمم‪ :‬وقككال تعككالى فككي آيككة‬
‫المككائدة }فامسككحوا بوجككوهكم وأيككديكم منككه{ اسككتدل بككذلك‬
‫الشافعي‪ ,‬على أنه ل بد في الككتيمم‪ ,‬أن يكككون بككتراب طككاهر‪ ,‬لككه‬
‫غبار يعلق بالوجه واليدين منه شيء‪ ,‬كما روى الشككافعي بإسككناده‬
‫المتقدم عن ابن الصمة‪ :‬أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو‬
‫يبول‪ ,‬فسلم عليه فلم يرد عليه‪ ,‬حتى قام إلى جككدار فحتككه بعصككا‬
‫كانت معه‪ ,‬فضرب بيده عليه‪ ,‬ثم مسككح وجهككه وذراعيككه‪ ,‬وقككوله‪:‬‬
‫‪123‬‬
‫}ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج{ أي في الدين الذي شككرعه‬
‫لكم }ولكن يريد ليطهركم{ فلهذا أباح لكم‪ ,‬إذا لم تجككدوا المككاء‪,‬‬
‫أن تعككدلوا إلككى الككتيمم بالصككعيد‪} ,‬وليتككم نعمتككه عليكككم لعلكككم‬
‫تشكرون{ ولهذا كانت هذه المة مخصوصككة بمشككروعية الككتيمم‪,‬‬
‫دون سائر المم‪ ,‬كما ثبت في الصحيحين‪ ,‬عن جابر بن عبككد اللككه‬
‫رضي الله عنهما‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»أعطيت خمسا ً لم يعطهن أحككد قبلككي‪ ,‬نصككرت بككالرعب مسككيرة‬
‫شهر‪ ,‬وجعلت لي الرض مسجدا ً وطهورًا‪ ,‬فأيما رجككل مككن أمككتي‬
‫أدركته الصككلة فليصككل« وفككي لفككظ »فعنككده طهككوره ومسككجده‪,‬‬
‫وأحلت لي الغنائم ولم تحل لحد قبلي‪ ,‬وأعطيت الشفاعة‪ ,‬وكككان‬
‫النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة« وتقدم في حديث‬
‫حذيفة عنككد مسككلم »فضككلنا علككى النككاس بثلث‪ ,‬جعلككت صككفوفنا‬
‫كصفوف الملئكة‪ ,‬وجعلت لنككا الرض مسكجدا ً وتربتهكا طهككورا ً إذا‬
‫ليككة الكريمككة‪} :‬فامسككحوا‬ ‫لم نجد الماء« وقال تعالى فككي هككذه ا َ‬
‫بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا ً غفورًا{ أي ومن عفوه عنكم‬
‫وغفرانه لكم أن شرع التيمم‪ ,‬وأباح لكم فعل الصلة به إذا فقدتم‬
‫ليككة الكريمككة‬‫الماء‪ ,‬توسعة عليكم ورخصة لكككم‪ ,‬وذلككك أن هككذه ا َ‬
‫فيها تنزيه الصككلة‪ ,‬أن تفعككل علككى هيئة ناقصككة‪ ,‬مككن سكككر حككتى‬
‫يصحو المكلف ويعقل ما يقول‪ ,‬أو جنابككة حككتى يغتسككل‪ ,‬أو حككدث‬
‫حتى يتوضأ‪ ,‬إل أن يكون مريضا ً أو عادما ً للماء‪ ,‬فإن الله عز وجل‬
‫قد أرخص في الككتيمم‪ ,‬والحالككة هككذه رحمككة بعبككاده ورأفككة بهككم ‪,‬‬
‫وتوسكككككككككعة عليهكككككككككم‪ ,‬وللكككككككككه الحمكككككككككد والمنكككككككككة‪.‬‬
‫)ذكر سبب نزول مشروعية التيمم( وإنمككا ذكرنككا ذلككك ههنككا لن‬
‫لية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة‪ ,‬وبيانه‬ ‫هذه ا َ‬
‫أن هذه نزلت قبل تحّتم تحريم الخمر‪ ,‬والخمر إنما حرم بعد أحككد‬
‫بيسير يقال‪ :‬فككي محاصككرة النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم لبنككي‬
‫النضير‪ ,‬وأما المائدة فإنها من أواخككر مككا نككزل ول سككيما صككدرها‪,‬‬
‫فناسب أن يذكر السبب ههنا‪ ,‬وبالله الثقة‪ .‬قال أحمد‪ :‬حككدثنا ابككن‬
‫نمير عن هشام‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عائشة أنهككا اسككتعارت مككن أسككماء‬
‫قلدة فهلكت‪ ,‬فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال ً فككي‬
‫طلبها فوجدوها‪ ,‬فأدركتهم الصلة وليس معهككم مككاء فصككلوا بغيككر‬
‫وضوء‪ ,‬فشكوا ذلك إلى رسول الله‪ ,‬فأنزل الله آية التيمم‪ ,‬فقككال‬
‫‪124‬‬
‫أسيد بن الحضير لعائشة‪ :‬جزاك الله خيرًا‪ ,‬فككو اللككه مككا نككزل بككك‬
‫أمكككر تكرهينكككه إل جعكككل اللكككه لكككك وللمسكككلمين فيكككه خيكككرًا‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال البخاري‪ :‬حدثنا عبد اللككه بككن يوسككف‪ ,‬أنبأنككا‬
‫مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيككه‪ ,‬عككن عائشككة‪ ,‬قككالت‪:‬‬
‫خرجنا مع رسول الله صلى الله عليككه وسككلم فككي بعككض أسككفاره‬
‫حتى إذا كنككا بالبيككداء أو بككذات الجيككش‪ ,‬انقطككع عقككد لككي‪ ,‬قأقككام‬
‫رسول الله صلى الله عليكه وسكلم علكى التماسكه‪ ,‬وأقكام النكاس‬
‫معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء‪ ,‬فأتى الناس إلى أبي بكككر‬
‫فقالوا‪ :‬أل ترى إلى ما صنعت عائشة‪ ,‬أقامت برسكول اللكه صكلى‬
‫الله عليه وسلم وبالناس وليسككوا علككى مككاء وليككس معهككم مككاء ؟‬
‫فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على‬
‫فخذي قد نام‪ ,‬فقال‪ :‬حبست رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫والنككاس وليسككوا علككى مككاء وليككس معهككم مككاء ؟ قككالت عائشككة‪:‬‬
‫فعاتبني أبو بكر‪ ,‬وقال ما شاء الله أن يقكول‪ ,‬وجعكل يطعكن بيكده‬
‫في خاصرتي ول يمنعني من التحرك إل مكككان رأس رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم على(فخذي فقككام رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم حيككن أصككبح علككى غيككر مككاء فككأنزل اللككه آيككة الككتيمم‪,‬‬
‫فتيمموا‪ ,‬فقال أسيد بن الحضير‪ :‬ما هي بأول بركتكككم يككا آل أبككي‬
‫بكر‪ ,‬قالت‪ :‬فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته‪ ,‬وقككد‬
‫رواه البخاري أيضا ً عن قتيبة وإسماعيل‪ ,‬ورواه مسلم عككن يحيككى‬
‫بككككككككككككككككن يحيككككككككككككككككى عككككككككككككككككن مالككككككككككككككككك‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمككد‪ :‬حككدثنا يعقككوب‪ ,‬حككدثنا أبككي عككن‬
‫صالح قال‪ ,‬قال ابن شهاب‪ :‬حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن‬
‫عباس‪ ,‬عن عمار بن ياسر‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫عرس بأولت الجيش ومعه زوجته عائشة‪ ,‬فانقطع عقككد لهككا مككن‬
‫جزع ظفار‪ ,‬فحبس الناس ابتغاء عقدها‪ ,‬وذلك حتى أضككاء الفجككر‪,‬‬
‫وليس مع الناس ماء‪ ,‬فككأنزل اللككه علككى رسككوله رخصككة التطهيككر‬
‫بالصعيد الطيب‪ ,‬فقام المسلمون مع رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فضربوا بأيديهم إلى الرض‪ ,‬ثم رفعوا أيككديهم ولككم يقبضككوا‬
‫من التراب شيئًا‪ ,‬فمسككحوا بهككا وجككوههم وأيككديهم إلككى المنككاكب‪,‬‬
‫لبكاط‪ .‬وقككد رواه ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا أبككو‬ ‫ومن بطون أيديهم إلككى ا َ‬
‫كريب‪ ,‬حدثنا صيفي‪ ,‬عن ابن أبككي ذئب‪ ,‬عككن الزهككري‪ ,‬عككن عبيككد‬
‫‪125‬‬
‫الله‪ ,‬عن أبي اليقظان‪ ,‬قال‪ :‬كنا مع رسول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم فهلك عقككد لعائشككة‪ ,‬فأقككام رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم حتى أضاء الفجر‪ ,‬فتغيظ أبو بكر على عائشة‪ ,‬فنزلت عليه‬
‫رخصة المسح بالصعيد الطيككب‪ ,‬فككدخل أبككو بكككر فقككال لهككا‪ :‬إنككك‬
‫لمباركة نزلت فيك رخصة‪ ,‬فضربنا بأيدينا ضربة لوجوهنا‪ ,‬وضككربة‬
‫لبكككككككككككككاط‪.‬‬‫ليكككككككككككككدينا إلكككككككككككككى المنكككككككككككككاكب وا َ‬
‫)حديث آخر( قال الحافظ أبو بكر بن مردويه‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫أحمد بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث‪ ,‬حككدثنا محمككد‬
‫سوّية‪ ,‬حدثني الهيثم بككن ُرزيككق‬ ‫بن مرزوق‪ ,‬حدثنا العباس بن أبي َ‬
‫المالكي من بنككي مالككك بكن كعكب بكن سكعد وعككاش مككائة وسككبع‬
‫عشرة سنة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن السلع بككن شككريك‪ ,‬قككال‪ :‬كنككت أرحككل‬
‫ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصكابتني جنابكة فكي ليلكة‬
‫باردة‪ ,‬وأراد رسول الله صلى الله عليككه وسككلم الرحلككة‪ ,‬فكرهككت‬
‫أن أرحكل ناقكة رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم وأنكا جنكب‪,‬‬
‫وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمككرض‪ ,‬فككأمرت رجل ً‬
‫مككن النصككار فرحلهككا‪ ,‬ثككم رضككفت أحجككارا ً فأسككخنت بهككا مككاء‬
‫فاغتسلت‪ ,‬ثم لحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصككحابه‪,‬‬
‫فقال‪» :‬يا أسلع ما لي أرى رحلتك تغيرت« قلت‪ :‬يككا رسككول اللككه‬
‫لم أرحلها‪ ,‬رحلهكا رجكل مكن النصكار‪ ,‬قكال »ولكم« ؟ قلكت‪ :‬إنكي‬
‫أصابتني جنابككة فخشككيت القككر علككى نفسككي‪ ,‬فككأمرته أن يرحلهككا‪,‬‬
‫ورضفت أحجارا ً فأسخنت بها ماء فاغتلست به‪ ,‬فأنزل الله تعالى‪:‬‬
‫}ل تقربوا الصلة وأنتم سكككارى حككتى تعلمككوا مككا تقولككون{ إلككى‬
‫قوله }إن الله كان عفوا ً غفككورًا{ وقككد روي مككن وجككه آخككر عنككه‪.‬‬
‫ضكل َل َ َ‬ ‫ن ال ْك ِت َك‬ ‫** أ َل َم تر إَلى ال ّكذي ُ‬

‫ة‬ ‫ن ال ّ‬ ‫شكت َُرو َ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫كا ِ‬ ‫َ‬ ‫صككيبا ً ّ‬
‫مك‬ ‫ن أوت ُككوا ْ ن َ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ ََ َِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ى ب ِككالل ّهِ‬ ‫م وَك ََفك َ‬ ‫دائ ِك ُ ْ‬
‫م ب ِأعْك َ‬ ‫ه أعْل َك ُ‬ ‫ل * َوالل ّك ُ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ضّلوا ْ ال ّ‬ ‫ن أن ت َ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫م عَككن‬ ‫ن ال ْك َل ِك َ‬ ‫حّرفُككو َ‬ ‫دوا ْ ي ُ َ‬ ‫ن هَككا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّك ِ‬ ‫مك َ‬ ‫صككيرا ً * ّ‬ ‫ى ِبالل ّهِ ن َ ِ‬ ‫ً‬
‫وَل ِي ّا وَك ََف َ‬
‫عن َككا ل َي ّكا ً‬
‫مٍع وََرا ِ‬ ‫سك َ‬‫م ْ‬ ‫معْ غَي ْكَر ُ‬ ‫س َ‬ ‫صي َْنا َوا ْ‬ ‫معَْنا وَعَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ضعِهِ وَي َُقوُلو َ‬ ‫وا ِ‬ ‫مَ َ‬
‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ع‬
‫م ْ‬ ‫سك َ‬‫معَْنا وَأطعْن َككا َوا ْ‬ ‫سك ِ‬ ‫م َقالوا َ‬ ‫ن وَلوْ أن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬
‫م وَطْعنا ِفي ال ّ‬ ‫سن َت ِهِ ْ‬‫ب ِأل ِ‬
‫َ‬
‫م فَل َ‬ ‫ه ب ِك ُْفرِهِك ْ‬ ‫م الل ّك ُ‬ ‫م وَل َك ِككن ل ّعَن َهُك ُ‬ ‫م وَأقْكوَ َ‬ ‫خي ْككرا ً ل ّهُك ْ‬‫ن َ‬ ‫َوان ْظ ُْرَنا ل َك َككا َ‬
‫ن إ ِل ّ قَِليل ً‬ ‫مُنكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫‪126‬‬
‫يخبر تعالى عن اليهود ك عليهككم لعكائن اللكه المتتابعككة إلكى يككوم‬
‫القيامة ك أنهم يشترون الضللة بالهدى‪ ,‬ويعرضون عما أنككزل اللككه‬
‫على رسوله‪ ,‬ويتركون ما بأيديهم مككن العلككم عككن النبيكاء الوليككن‬
‫في صفة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ليشتروا به ثمن كا ً قليل ً مككن‬
‫حطام الدنيا‪} ,‬ويريدون أن تضلوا السبيل{ أي يودون لو تكفكرون‬
‫بما أنزل عليكم أيها المؤمنون وتتركون ما أنتم عليككه مككن الهككدى‬
‫والعلم النافع‪} ,‬والله أعلم بأعدائكم{ أي هو أعلم بهم ويحككذركم‬
‫منهم‪} ,‬وكفى بالله وليا ً وكفى بالله نصيرًا{ أي كفى به وليا ً لمككن‬
‫لجأ إليه ونصيرا ً لمن استنصره‪ .‬ثم قال تعالى‪} :‬من الذين هادوا{‬
‫»مككن« فككي هككذا لبيككان الجنككس كقككوله }فككاجتنبوا الرجككس مككن‬
‫الوثان{‪ ,‬وقوله }يحرفون الكلم عن مواضعه{ أي يتأولون الكلم‬
‫على غير تأويله‪ ,‬ويفسرونه بغير مراد الله عز وجككل قصككدا ً منهككم‬
‫وافتراء }ويقولون سمعنا وعصينا{ أي يقولون سمعنا ما قلتككه يككا‬
‫محمد ول نطيعك فيه‪ ,‬هكذا فسره مجاهد وابن زيد‪ ,‬وهو المككراد‪,‬‬
‫وهذا أبلغ في كفرهم وعنادهم وأنهم يتولون عن كتاب الله بعككدما‬
‫عقلوه وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الثم والعقوبة‪ ,‬وقككوله‬
‫}واسككمع غيككر مسككمع{ أي اسككمع مككا نقككول‪ ,‬ل سككمعت‪ ,‬رواه‬
‫الضحاك عككن ابككن عبككاس‪ ,‬وقككال مجاهككد والحسككن‪ :‬واسككمع غيككر‬
‫مقبول منك‪ ,‬قال ابن جريككر‪ :‬والول أصككح‪ ,‬وهككو كمككا قككال‪ :‬وهككذا‬
‫استهزاء منهم واستهتار‪ ,‬عليهم لعنة اللككه‪} ,‬وراعنككا ليكا ً بألسككنتهم‬
‫وطعنا في الدين{ أي يوهمون أنهم يقولون‪ :‬راعنا سمعك بقولهم‬
‫راعنا‪ ,‬وإنما يريدون الرعونة بسبهم النبي‪ ,‬وقد تقدم الكلم علككى‬
‫هذا عند قوله }يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا راعنا وقولككوا انظرنككا{‬
‫ولهذا قال تعالى عن هؤلء اليهود الذين يريدون بكلمهم خلف ما‬
‫يظهرونه }لي ّا ً بألسنتهم وطعنا ً فككي الككدين{‪ ,‬يعنككي بسككبهم النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثم قككال تعككالى‪} :‬ولككو أنهككم قككالوا سككمعنا‬
‫وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا ً لهككم وأقككوم ولكككن لعنهككم اللككه‬
‫ل{ أي قلككوبهم مطككرودة عككن الخيككر‬ ‫بكفرهككم فل يؤمنككون إل قلي ً‬
‫مبعدة منه‪ ,‬فل يدخلها مككن اليمككان شككيء نككافع لهككم‪ ,‬وقككد تقككدم‬
‫الكلم على قوله تعالى‪} :‬فقليل ً مككا يؤمنككون{ والمقصككود أنهككم ل‬
‫يؤمنكككككككككككككككككككككون إيمانكككككككككككككككككككككا ً نافعكككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫** يا أ َيهآ ال ّذي ُ‬
‫مككن‬ ‫م ّ‬ ‫معَك ُ ْ‬‫ما َ‬ ‫دقا ً ل ّ َ‬ ‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫ما ن َّزل َْنا ُ‬‫مُنوا ْ ب ِ َ‬‫بآ ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َّ‬
‫مككا ل َعَن ّككآ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قَب َ‬
‫ى أد َْبارِهَككآ أوْ ن َل ْعَن َهُك ْ‬
‫م كَ َ‬ ‫َ‬ ‫جوها ً فَن َُرد ّهَككا عَل َك‬ ‫س وُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل أن ن ّط ْ ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ل َ ي َغِْف كُر أن‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫مْفعُككول ً * إ ِ ّ‬ ‫مكُر الل ّكهِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ت وَك َككا َ‬ ‫سكب ْ ِ‬
‫ب ال ّ‬ ‫حا َ‬‫صك َ‬‫أ ْ‬
‫ك ب ِككالل ّهِ فََقكدِ‬ ‫شكرِ ْ‬ ‫مككن ي ُ ْ‬ ‫شككآُء وَ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ك لِ َ‬‫ن ذ َل ِ َ‬‫دو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫شَر َ‬
‫ك ب ِهِ وَي َغِْفُر َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ظيمككككككككككككككككككككككا ً‬ ‫افْت َككككككككككككككككككككككَرىَ إ ِْثمككككككككككككككككككككككا ً عَ ِ‬
‫يقول تعالى آمككرا ً أهككل الكتككاب باليمككان بمككا نككزل علككى عبككده‬
‫ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم مككن الكتككاب العظيككم الككذي‬
‫فيه تصديق الخبار التي بأيديهم من البشككارات‪ ,‬ومتهككددا ً لهككم إن‬
‫لككم يفعلككوا بقككوله‪} :‬مككن قبككل أن نطمككس وجوه كا ً فنردهككا علككى‬
‫أدبارها{ قال بعضهم‪ :‬معناه من قبل أن نطمس وجوهًا‪ ,‬فطمسها‬
‫هو ردها إلى الدبار وجعل أبصارهم من ورائهم‪ ,‬ويحمتل أن يكون‬
‫المراد‪ :‬من قبل أن نطمس وجوها ً فل نبقي لهككا سككمعا ً ول بصككرا ً‬
‫ول أثرًا‪ ,‬ومع ذلك نردها إلى ناحية الدبار‪ .‬قككال العككوفي عككن ابككن‬
‫لية وهي }من قبل أن نطمس وجوهًا{ وطمسككها أن‬ ‫عباس في ا َ‬
‫تعمى }فنردهككا علككى أدبارهكا{ يقككول‪ :‬نجعكل وجكوههم مككن قبكل‬
‫أقفيتهم‪ ,‬فيمشون القهقككرى‪ ,‬ونجعككل لحككدهم عينيككن مككن قفككاه‪,‬‬
‫وكذا قال قتادة وعطية العوفي‪ ,‬وهذا أبلغ فككي العقوبككة والنكككال‪,‬‬
‫وهو مثل ضككربه اللككه لهككم فككي صككرفهم عككن الحككق وردهككم إلككى‬
‫سككُبل الضككللة‪,‬‬ ‫الباطككل‪ ,‬ورجككوعهم عككن المحجككة البيضككاء إلككى ُ‬
‫يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم‪ ,‬وهذا كمككا قككال بعضككهم‬
‫في قوله }إنا جعلنككا فككي أعنككاقهم أغلل ً فهككي إلككى الذقككان فهككم‬
‫ليككة‪ :‬إن هككذا مثككل ضككربه‬ ‫مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدًا{ ا َ‬
‫الله لهم في ضللهم‪ ,‬ومنعهم عن الهدى‪ .‬قككال مجاهككد‪ :‬مككن قبككل‬
‫أن نطمس وجوهًا‪ ,‬يقول‪ :‬عن صراط الحق فنردها علككى أدبارهككا‪,‬‬
‫أي فككي الضككلل‪ .‬قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬وروي عككن ابككن عبككاس‬
‫والحسن نحو هذا‪ .‬قال السدي‪ :‬فنردها على أدبارها‪ ,‬فنمنعها عككن‬
‫الحق‪ ,‬قال‪ :‬نرجعها كفارا ً ونردهم قككردة‪ ,‬وقككال ابكن زيككد‪ :‬نردهككم‬
‫إلى بلد الشام من أرض الحجاز‪ .‬وقد ذكر أن كعب الحبار أسككلم‬
‫لية‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو كريككب حككدثنا جككابر‬ ‫حين سمع هذه ا َ‬
‫بن نوح عن عيسى بن المغيرة‪ ,‬قال‪ :‬تذاكرنا عند إبراهيككم إسككلم‬
‫كعككب‪ ,‬فقككال‪ :‬أسككلم كعككب زمككان عمككر‪ ,‬أقبككل وهككو يريككد بيككت‬
‫‪128‬‬
‫المقدس‪ ,‬فمر على المدينككة‪ ,‬فخككرج إليككه عمككر فقككال‪ :‬يككا كعككب‪,‬‬
‫أسككلم‪ .‬فقككال‪ :‬ألسككتم تقككرأون فككي كتككابكم }مثككل الككذين حملككوا‬
‫التوراة ك إلى ك أسفارًا{ وأنا قد حملت التوراة‪ ,‬قال‪ :‬فككتركه عمككر‬
‫ثم خرج حتى انتهى إلى حمص‪ ,‬فسمع رجل ً من أهلها حزين كا ً وهككو‬
‫يقول‪} :‬يا أيها الككذين أوتككوا الكتككاب آمنككوا بمككا نزلنككا مصككدقا ً لمككا‬
‫لية‪ ,‬قال‬ ‫معكم من قبل أن نطمس وجوها ً فنردها على أدبارها{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬ثككم رجككع فككأتى‬ ‫كعب‪ :‬يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه هذه ا َ‬
‫أهله في اليمن‪ ,‬ثم جاء بهم مسككلمين‪ .‬وقككد رواه ابككن أبككي حككاتم‬
‫بلفظ آخر من وجه آخر فقال‪ :‬حدثنا أبي ‪ ,‬حدثنا ابن نفيككل‪ ,‬حككدثنا‬
‫حل َْبس‪ ,‬عن أبككي إدريككس عككائذ اللككه‬ ‫عمرو بن واقد عن يونس بن َ‬
‫الخولني‪ ,‬قال‪ :‬كان أبو مسلم الجليلي معلم كعككب‪ ,‬وكككان يلككومه‬
‫في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قال‪ :‬فبعثه إليه‬
‫لينظر أهو هو ؟ قال كعب‪ :‬فركبت حتى أتيككت المدينككة‪ ,‬فككإذا تككال‬
‫يقرأ القرآن يقول }يككا أيهككا الككذين أوتككوا الكتككاب آمنككوا بمككا نزلنككا‬
‫مصككدقا ً لمككا معكككم مككن قبككل أن نطمككس وجوه كا ً فنردهككا علككى‬
‫أدبارها{ فبادرت الماء فاغتسلت‪ ,‬وإني لمككس وجهككي مخافككة أن‬
‫أطمس ثم أسلمت‪ .‬وقوله }أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السككبت{‬
‫يعني الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الصطياد وقد مسككخوا‬
‫قردة وخنازير‪ ,‬وسيأتي بسط قصتهم في سورة العراف‪ .‬وقككوله‬
‫ل{ أي إذا أمر بأمر فإنه ل يخالف ول يمككانع‪.‬‬ ‫}وكان أمر الله مفعو ً‬
‫ثم أخبر تعالى أنه }ل يغفر أن يشرك به{‪ .‬أي ل يغفر لعبككد لقيككه‬
‫وهو مشرك به‪} ,‬ويغفككر مككا دون ذلككك{‪ ,‬أي مككن الككذنوب }لمككن‬
‫يشككاء{‪ ,‬أي مككن عبككاده‪ ,‬وقككد وردت أحككاديث متعلقككة بهككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫الكريمككككككككككة فلنككككككككككذكر منهككككككككككا مككككككككككا تيسككككككككككر‪:‬‬
‫)الحديث الول( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد بككن هككارون‪ ,‬حككدثنا‬
‫صدقة بن موسى‪ ,‬حدثنا أبو عمران الجوني عن يزيد بككن بككاَبنوس‬
‫عككن عائشككة‪ ,‬قككالت‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»الدواوين عند الله ثلثة‪ :‬ديكوان ل يعبكأ اللكه بكه شكيئًا‪ ,‬وديكوان ل‬
‫يترك الله منه شيئًا‪ ,‬وديوان ل يغفره اللككه‪ ,‬فأمككا الككديوان الككذي ل‬
‫يغفره الله فالشرك بالله‪ ,‬قال الله عز وجل‪} :‬إن الله ل يغفر أن‬
‫لية‪ ,‬وقال }إنه من يشرك بالله فقد حرم اللككه عليككه‬ ‫يشرك به{ ا َ‬
‫الجنة{‪ ,‬وأما الديوان الذي ل يعبأ الله به شيئًا‪ ,‬فظلم العبد نفسككه‬
‫‪129‬‬
‫فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه أو صككلة تركهككا‪ ,‬فككإن اللككه‬
‫يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء‪ ,‬وأما الديوان الككذي ل يككترك اللككه منككه‬
‫شيئا ً فظلككم العبككاد بعضككهم بعضكًا‪ ,‬القصككاص ل محالكة« تفككرد بكه‬
‫أحمكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككد‪.‬‬
‫)الحديث الثاني( قال الحافظ أبو بكر البزار في مسككنده‪ :‬حككدثنا‬
‫أحمد بن مالك‪ ,‬حدثنا زائدة بن أبي الّرقاد‪ ,‬عن زياد النميري‪ ,‬عن‬
‫أنس بن مالك‪ ,‬عن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال »الظلككم‬
‫ثلثة‪ :‬فظلم ل يغفره الله‪ ,‬وظلم يغفره الله‪ ,‬وظلم ل يتركه اللككه‪,‬‬
‫فأما الظلم الذي ل يغفره الله فالشرك‪ ,‬وقال }إن الشرك لظلم‬
‫عظيم{‪ ,‬وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لنفسككهم فيمككا‬
‫بينهم وبين ربهم‪ ,‬وأما الظلم الذي ل يتركه فظلككم العبككاد بعضككهم‬
‫بعضكككككككا ً حكككككككتى يكككككككدين لبعضكككككككهم مكككككككن بعكككككككض«‪.‬‬
‫)الحديث الثالث( قال المام أحمككد‪ :‬حككدثنا صككفوان بككن عيسككى‪,‬‬
‫حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون‪ ,‬عن أبي إدريككس‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت‬
‫معاوية يقول‪ :‬سمعت رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم يقككول‬
‫»كل ذنب عسى الله أن يغفره إل الرجل يموت كافرًا‪ ,‬أو الرجككل‬
‫يقتل مؤمنا ً متعمككدًا« ورواه النسككائي عككن محمككد بككن مثنككى عككن‬
‫صكككككككككككككككفوان بكككككككككككككككن عيسكككككككككككككككى بكككككككككككككككه‪.‬‬
‫)الحديث الرابع( قال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا هاشككم بككن القاسككم‪,‬‬
‫حدثنا عبد الحميد‪ ,‬حدثنا شهر‪ ,‬حدثنا ابن غنم أن أبا ذر حككدثه عككن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪,‬قال »إن الله يقكول‪ :‬يكا عبكدي‬
‫ما عبدتني ورجوتني‪ ,‬فإني غافر لك على ما ككان منكك‪ ,‬يكا عبكدي‬
‫إنك إن لقيتنككي بقككراب الرض خطيئة مككا لككم تشككرك بككي‪ ,‬لقيتككك‬
‫بقرابهككككا مغفككككرة« تفككككرد بككككه أحمككككد مككككن هككككذا الككككوجه‪.‬‬
‫)الحديث الخامس( قال المام أحمد‪ :‬حكدثنا عبكد الصكمد‪ ,‬حكدثنا‬
‫أبي‪ ,‬حدثنا حسين عن ابن بريدة أن يحيى بككن يعمككر حككدثه أن أبككا‬
‫السود الديلي حدثه أن أبا ذر حدثه قال‪ :‬أتيت رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم فقال »ما من عبد قككال‪ :‬ل إلككه إل اللككه ثككم مككات‬
‫على ذلك‪ ,‬إل دخل الجنة‪ ,‬قلت‪ :‬وإن زنى وإن سككرق ؟ قككال‪ :‬وإن‬
‫زنى وإن سرق‪ .‬قلت‪ :‬وإن زنى وإن سككرق ؟ قككال وإن زنككى وإن‬
‫سرق ثلثًا‪ ,‬ثم قال في الرابعة‪ :‬علككى رغككم أنككف أبككي ذر«‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهككو يقككول‪ :‬وإن رغككم أنككف أبككي ذر‪,‬‬
‫‪130‬‬
‫وكان أبو ذر يحدث بهذا ويقول‪ :‬وإن رغككم أنككف أبككي ذر‪ .‬أخرجككاه‬
‫مكككككككككككككككن حكككككككككككككككديث حسكككككككككككككككين بكككككككككككككككه‪.‬‬
‫)طريق أخرى( لحديث أبكي ذر‪ .‬قكال أحمكد‪ :‬حكدثنا أبكو معاويكة‪,‬‬
‫حدثنا العمش عن زيد بن وهب‪ ,‬عن أبي ذر‪ ,‬قككال‪ :‬كنككت أمشككي‬
‫مع النبي صلى الله عليه وسلم فككي حككرة المدينككة عشككاء‪ ,‬ونحككن‬
‫ننظر إلى أحد‪ ,‬فقال »يا أبا ذر« قلت‪ :‬لبيك يا رسول اللككه‪ .‬قككال‪:‬‬
‫»ما أحب أن لي أحدا ً ذاك عندي ذهب كا ً أمسككي ثالثككة وعنككدي منككه‬
‫دينار إل دينارا ً أرصده يعني لدين‪ ,‬إل أن أقككول بككه فككي عبككاد اللككه‬
‫هكذا«‪ ,‬وحثا عن يمينه وبين يديه وعن يسككاره‪ ,‬قككال‪ :‬ثككم مشككينا‪,‬‬
‫فقال »يا أبا ذر‪ ,‬إن الكثرين هم القلون يوم القيامة‪ ,‬إل من قككال‬
‫هكذا وهكذا«‪ ,‬فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره‪ ,‬قال‪ :‬ثم‬
‫مشينا‪ ,‬فقال »يا أبا ذر كما أنت حتى آتيككك« قككال‪ :‬فككانطلق حككتى‬
‫توارى عني‪ ,‬قال‪ :‬فسمعت لغطًا‪ ,‬فقلت‪ :‬لعل رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم عككرض لككه‪ ,‬قككال‪ :‬فهممككت أن أتبعككه‪ ,‬ثككم ذكككرت‬
‫قوله‪ :‬ل تبرح حتى آتيك‪ ,‬فككانتظرته حككتى جككاء‪ ,‬فككذكرت لكه الككذي‬
‫سمعت‪ ,‬فقال »ذاك جبريل أتاني فقككال‪ :‬مككن مككات مككن أمتككك ل‬
‫يشرك بالله شيئا ً دخل الجنة« قلت‪ :‬وإن زنى وإن سككرق ؟ قككال‪:‬‬
‫»وإن زنككى وإن سككرق«‪ ,‬أخرجككاه فككي الصككحيحين مككن حككديث‬
‫العمش به‪ ,‬وقد رواه البخاري ومسلم أيض كًا‪ ,‬كلهمككا عككن قتيبككة‪,‬‬
‫عن جرير بن عبد الحميد‪ ,‬عن عبد العزيز بن رفيككع‪ ,‬عككن زيككد بككن‬
‫وهب‪ ,‬عن أبي ذر‪ ,‬قال‪ :‬خرجت ليلة من الليالي فإذا رسككول اللككه‬
‫صلى اللككه عليككه وسككلم يمشككي وحككده ليككس معككه إنسككان‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد‪ ,‬قككال‪ :‬فجعلككت أمشككي فككي‬
‫ظل القمر‪ ,‬فالتفت فرآني‪ ,‬فقككال »مككن هككذا ؟« فقلككت‪ :‬أبككو ذر‪,‬‬
‫جعلني الله فككداك‪ .‬قككال »يككا أبككا ذر تعككال«‪ .‬قككال‪ :‬فمشككيت معككه‬
‫ساعة‪ ,‬فقككال »إن المكككثرين هككم المقلككون يككوم القيامككة‪ ,‬إل مككن‬
‫أعطاه الله خيرا ً فنفخ فيه عن يمينككه وشككماله وبيككن يككديه ووراءه‬
‫وعمل فيه خيرًا« قال فمشككيت معككه سككاعة‪ ,‬فقككال لككي »إجلككس‬
‫ههنا«‪ ,‬فأجلسني في قاع حوله حجارة‪ ,‬فقككال لككي »إجلككس ههنككا‬
‫حتى أرجع إليك«‪ .‬قال‪ :‬فككانطلق فككي الحككرة حككتى ل أراه‪ ,‬فلبككث‬
‫عني فأطال اللبث‪ ,‬ثم إني سككمعته وهككو مقبككل وهككو يقككول »وإن‬
‫زنى وإن سرق« قال‪ :‬فلما جاء لم أصبر حتى قلت‪ :‬يا نككبي اللككه‪,‬‬
‫‪131‬‬
‫جعلني الله فداك من تكلم فككي جككانب الحككرة‪ ,‬مككا سككمعت أحككدا ً‬
‫يرجع إليك شيئًا‪ ,‬قال »ذاك جبريل عرض لككي مككن جككانب الحككرة‪,‬‬
‫فقال‪ :‬بشر أمتك أنه من مات ل يشرك بككالله شككيئا ً دخككل الجنككة‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا جبريل‪ ,‬وإن سرق وإن زنى‪ ,‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قلت‪ :‬وإن سككرق‬
‫وإن زنى‪ ,‬قال‪ :‬نعم‪ :‬قلت‪ :‬وإن سرق وإن زنى ؟ قككال‪ :‬نعككم‪ ,‬وإن‬
‫شكككككككككككككككككككككككككككككككككككرب الخمكككككككككككككككككككككككككككككككككككر«‪.‬‬
‫)الحديث السادس( قال عبد بن حميد في مسككنده‪ :‬حككدثنا عبيككد‬
‫الله بن موسى عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير‪ ,‬عن جابر‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يككا رسككول‬
‫الله‪ ,‬ما الموجبتان‪ ,‬قال‪» :‬من مات ل يشرك بالله شيئا ً وجبت له‬
‫الجنة‪ ,‬ومن مات يشرك بالله شيئا ً وجبت لككه النككار«‪ ,‬وذكككر تمككام‬
‫الحككككككككديث تفككككككككرد بككككككككه مككككككككن هككككككككذا الككككككككوجه‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا الحسككن بككن‬
‫عمرو بن خلد الحرانككي‪ ,‬حككدثنا منصككور بككن إسككماعيل القرشككي‪,‬‬
‫ذي‪ ,‬أخبرني عبد اللككه بككن عبيككدة عككن‬ ‫حدثنا موسى بن عبيدة الّرب ِ ِ‬
‫جابر بن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»ما من نفس تموت ل تشرك بالله شيئا ً إل حلت لها المغفرة‪ ,‬إن‬
‫شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها }إن الله ل يغفككر أن يشككرك بككه‬
‫ويغفر مكا دون ذلكك لمكن يشكاء{‪ ,‬ورواه الحكافظ أبكو يعلكى فكي‬
‫مسنده من حديث موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيككدة‪,‬‬
‫عن جابر‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال »ل تككزال المغفككرة‬
‫على العبد ما لم يقع الحجاب« قيل‪ :‬يا نككبي اللككه ومككا الحجككاب ؟‬
‫قال »الشراك بالله ك قال ك ما من نفس تلقى اللككه ل تشككرك بككه‬
‫شيئا ً إل حلت لها المغفرة من الله تعالى‪ ,‬إن يشاء أن يعككذبها وإن‬
‫يشاء أن يغفر لها« ثم قرأ نبي اللككه }إن اللككه ل يغفككر أن يشككرك‬
‫بكككككككه‪ ,‬ويغفكككككككر مكككككككا دون ذلكككككككك لمكككككككن يشكككككككاء{‪.‬‬
‫)الحديث السابع( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬حككدثنا زكريككا‬
‫عن عطية‪ ,‬عن أبي سعيد الخدري‪ ,‬قال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم »من مات ل يشرك بالله شيئا ً دخل الجنة« تفككرد‬
‫بكككككككككككككككككه مكككككككككككككككككن هكككككككككككككككككذا الكككككككككككككككككوجه‪.‬‬
‫)الحديث الثامن( قال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا حسككن بككن موسككى‪,‬‬
‫حدثنا ابن لهيعة‪ ,‬حدثنا أبو قبيل عن عبد اللككه بككن ناشككر مككن بنككي‬
‫‪132‬‬
‫ص أهل الشككام يقككول‪ :‬سككمعت أبككا‬ ‫هم قا ّ‬ ‫سريع‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أباَر ْ‬
‫أيوب النصاري يقول‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬خرج‬
‫ذات يوم إليهم‪ ,‬فقال لهم‪ :‬إن ربكم عز وجل خيرني بيككن سككبعين‬
‫ألفا ً يدخلون الجنة عفوا ً بغير حساب وبيككن الخككبيئة عنككده لمككتي‪,‬‬
‫فقال له بعض أصحابه‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬أيخبككأ ذلككك ربككك ؟ فككدخل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خككرج وهككو يكككبر فقككال »إن‬
‫ربي زادني مع كل ألف سبعين ألفا ً والخبيئة عنده« قال أبو رهم‪:‬‬
‫يا أبا أيوب‪ :‬وما تظن خبيئة رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫فأكله الناس بأفواههم‪ ,‬فقالوا‪ :‬وما أنت وخبيئة رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم ؟ فقال أبو أيككوب‪ :‬دعككوا الرجككل عنكككم أخككبركم‬
‫عككن خككبيئة رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم كمكا أظكن‪ ,‬بكل‬
‫كالمستيقن إن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسككلم أن يقككول‬
‫»من شهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ,‬وأن محمككدا ً عبككده‬
‫ورسككككككوله مصككككككدقا ً لسككككككانه قلبككككككه أدخلككككككه الجنككككككة«‪.‬‬
‫)الحديث التاسع( قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا المؤمككل‬
‫بن الفضل الحراني‪ ,‬حدثنا عيسى بككن يككونس )ح( وأخبرنككا هاشككم‬
‫ي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بككن يككونس‬ ‫بن القاسم الحراني فيما كتب إل ّ‬
‫نفسه عن واصل بن السائب الرقاشي‪ ,‬عن أبي سورة ابككن أخككي‬
‫أبي أيوب النصاري‪ ,‬عن أبي أيككوب‪ ,‬قككال‪ :‬جككاء رجككل إلككى النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬إن لي ابن أخ ل ينتهي عن الحككرام‪.‬‬
‫قال »وما دينه ؟« قال‪ :‬يصلي ويوحد الله تعالى‪ .‬قال »اسككتوهب‬
‫منه دينه‪ ,‬فكإن أبكى فكابتعه منكه« فطلكب الرجكل ذاك منكه فكأبى‬
‫عليه‪ ,‬فأتى النبي صلى الله عليه وسككلم فككأخبره‪ ,‬فقككال »وجككدته‬
‫شحيحا ً في دينه« قككال‪ :‬فنزلككت }إن اللككه ل يغفككر أن يشككرك بككه‬
‫ويغفككككككككككر مككككككككككا دون ذلككككككككككك لمككككككككككن يشككككككككككاء{‪.‬‬
‫)الحككديث العاشككر( قككال الحككافظ أبككو يعلككى‪ :‬حككدثنا عمككرو بككن‬
‫الضحاك حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا مستور أبو همككام الهنككائي‪ ,‬حككدثنا ثككابت‬
‫عن أنس‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬ما تركت حاجة ول ذا حاجة إل قد أتيت‪ ,‬قال‬
‫»أليس تشهد أن ل إله إل الله‪ ,‬وأن محمككدا ً رسككول اللككه ؟« ثلث‬
‫مككرات ؟ قككال‪ :‬نعككم‪ ,‬قككال »فككإن ذلككك يككأتي علككى ذلككك كلككه«‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫)الحديث الحادي عشر( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو عامر‪ ,‬حككدثنا‬
‫عكرمة بن عمار عن ضمضم بن جوش اليمككامي‪ ,‬قككال‪ :‬قككال لككي‬
‫أبو هريرة‪ :‬يا يمامي ل تقولن لرجل‪ :‬والله ل يغفر اللككه لككك‪ ,‬أو ل‬
‫يدخلك الجنة أبدًا‪ .‬قلت‪ :‬يا أبا هريرة‪ ,‬إن هذه كلمككة يقولهككا أحككدنا‬
‫لخيه وصاحبه إذا غضب قال‪ :‬ل تقلها‪ ,‬فإني سككمعت رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول »كان في بني إسككرائيل رجلن‪ :‬كككان‬
‫لخر مسرفا ً على نفسه‪ ,‬وكانككا‬ ‫أحدهما مجتهدا ً في العبادة‪ ,‬وكان ا َ‬
‫لخر علككى ذنككب فيقككول‪ :‬يككا‬ ‫متآخيين‪ ,‬وكان المجتهد ل يزال يرى ا َ‬
‫ي رقيبا ً قال‪ :‬إلى أن رآه‬ ‫هذا أقصر‪ ,‬فيقول‪ :‬خلني وربي أبعثت عل ّ‬
‫يوما ً على ذنب استعظمه‪ ,‬فقال له‪ :‬ويحككك‪ ,‬أقصككر ! قككال‪ :‬خلنككي‬
‫ي رقيبا ً ؟ فقال والله ل يغفر الله لك أو ل يدخلك‬ ‫وربي‪ ,‬أبعثت عل ّ‬
‫الله الجنة أبدًا‪ ,‬قككال‪ :‬فبعككث اللككه إليهمككا ملكككا فقبككض أرواحهمككا‪,‬‬
‫واجتمعا عنده‪ ,‬فقال للمذنب‪ :‬اذهب فادخل الجنة برحمتي‪ ,‬وقككال‬
‫لخر‪ :‬أكنت عالمًا‪ ,‬أكنت على ما في يدي قادرا ً ؟ اذهبوا بككه إلككى‬ ‫ل َ‬
‫النار‪ :‬قال‪» :‬فوالذي نفس أبي القاسم بيده لتكلم بكلمككة أوبقككت‬
‫دنيككاه وآخرتككه«‪ ,‬ورواه أبككو داود مككن حككديث عكرمككة بككن عمككار‪,‬‬
‫حككككككككككدثني ضمضككككككككككم بككككككككككن جككككككككككوش بككككككككككه‪.‬‬
‫)الحديث الثاني عشر( قال الطبراني‪ :‬حدثنا أبو شيخ عن محمككد‬
‫بن الحسن بن عجلن الصبهاني‪ ,‬حدثنا سككلمة بككن شككبيب‪ ,‬حككدثنا‬
‫إبراهيم بن الحكم بن أبان‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبككاس‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬قككال اللككه عككز وجككل‪:‬‬
‫»من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت لككه ول أبككالي‪,‬‬
‫مككككككككككككا لككككككككككككم يشككككككككككككرك بككككككككككككي شككككككككككككيئًا«‪.‬‬
‫)الحديث الثالث عشر( قال الحافظ أبو بكر البزار والحافظ أبككو‬
‫يعلى‪ :‬حدثنا هدبة بن خالد‪ ,‬حدثنا سهل بن أبكي حكازم عكن ثكابت‪,‬‬
‫عن أنس‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من وعده‬
‫الله على عمل ثوابكًا‪ ,‬فهككو منجككزه لككه‪ ,‬ومككن توعككده علككى عمككل‬
‫عقابًا‪ ,‬فهو فيه بالخيار« تفردا به‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حكدثنا بحكر‬
‫بن نصر الخولني‪ ,‬حدثنا خالد يعني ابن عبد الرحمن الخراسككاني‪,‬‬
‫حدثنا الهيثم بن حماد عن سلم بن أبي مطيككع عككن بكككر بككن عبككد‬
‫الله المزني‪ ,‬عن ابن عمكر‪ ,‬قكال‪ :‬كنكا أصكحاب النكبي صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم ل نشك في قاتل النفس‪ ,‬وآكككل مككال اليككتيم‪ ,‬وقككاذف‬
‫‪134‬‬
‫لية }إن اللكه ل يغفكر‬ ‫المحصنات‪ ,‬وشاهد الزور‪ ,‬حتى نزلت هذه ا َ‬
‫أن يشرك به ويغفر ما دون ذلككك لمككن يشككاء{ فأمسككك أصككحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم عككن الشككهادة‪ ,‬ورواه ابككن جريككر مككن‬
‫حديث الهيثم بن حماد به وقال ابككن أبككي حككاتم أيضكًا‪ :‬حككدثنا عبككد‬
‫الملك بن أبي عبد الرحمن المقري‪ ,‬حككدثنا عبككد اللككه بككن عاصككم‪,‬‬
‫حدثنا صالح يعني المري‪ ,‬حدثنا أبو بشر عن أيوب‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عككن‬
‫ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬كنا ل نشك فيمن أوجب الله له النار في الكتككاب‪,‬‬
‫لية }إن الله ل يغفر أن يشككرك بككه ويغفككر‬ ‫حتى نزلت علينا هذه ا َ‬
‫ما دون ذلك لمن يشاء{ قال‪ :‬فلما سمعناها كففنككا عككن الشككهادة‬
‫وأرجينا المور إلى الله عز وجل‪ .‬وقككال الككبزار‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫سككريج‬‫عبد الرحيم‪ ,‬حدثنا شيبان بن أبي شككيبة‪ ,‬حككدثنا حككرب بككن ُ‬
‫عن أيوب‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ :‬قال‪ :‬كنا نمسك عن الستغفار‬
‫لهل الكبائر حتى سمعنا نبينا صلى اللككه عليككه وسككلم يقككول }إن‬
‫الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمككن يشككاء{ وقككال‪:‬‬
‫»أخرت شفاعتي لهل الكبائر من أمتي يوم القيامككة«‪ ,‬وقككال أبككو‬
‫جّبر عن عبد الله بن عمككر أنككه‬ ‫م َ‬
‫جعفر الرازي عن الربيع‪ ,‬أخبرني ُ‬
‫قال‪ :‬لما نزلت }قككل يككا عبككادي الككذين أسككرفوا علككى أنفسككهم ل‬
‫لية‪ ,‬قام رجل فقككال‪ :‬والشككرك‬ ‫تقنطوا من رحمة الله{ إلى آخر ا َ‬
‫بالله يا نبي الله ؟ فكره ذلك رسول الله صكلى اللكه عليككه وسكلم‬
‫فقال‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشككرك بككه ويغفككر مككا دون ذلككك لمككن‬
‫يشاء‪ ,‬ومن يشرك بالله فقد افترى إثما ً عظيمًا{ رواه ابن جريككر‪,‬‬
‫وقد رواه ابن مردويه من طرق عن ابككن عمككر‪ ,‬وهككذه ا َ‬
‫ليككة الككتي‬
‫في سورة تنزيل مشروطة بالتوبة‪ ,‬فمككن تككاب مككن أي ذنككب وإن‬
‫تكرر منه‪ ,‬تاب الله عليه‪ ,‬ولهذا قال }قل يا عبادي الذين أسككرفوا‬
‫على أنفسككهم ل تقنطككوا مككن رحمككة اللككه إن اللككه يغفككر الككذنوب‬
‫جميعًا{ أي بشرط التوبة‪ ,‬ولو لم يكن كذلك لككدخل الشككرك فيككه‪,‬‬
‫ول يصح ذلك لنه تعالى قد حكم ههنا بأنه ل يغفر الشرك‪ ,‬وحكككم‬
‫بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء‪ ,‬أي‪ :‬وإن لم يتب صاحبه فهذه أرجى‬
‫من تلك من هذا الوجه‪ ,‬والله أعلككم‪ .‬وقككوله }ومككن يشككرك بككالله‬
‫فقد افترى إثما ً عظيمًا{ كقوله }إن الشرك لظلم عظيم{ وثبككت‬
‫في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬أي‬
‫الذنب أعظم ؟ قال‪» :‬أن تجعل لله ندا ً وهكو خلقكك« وذككر تمكام‬
‫‪135‬‬
‫الحديث‪ ,‬وقال ابن مردويه‪ :‬حككدثنا إسككحاق بككن إبراهيككم بككن زيككد‪,‬‬
‫حدثنا أحمد بن عمرو‪ ,‬حدثنا إبراهيم بن المنذر‪ ,‬حدثنا معن‪ ,‬حككدثنا‬
‫سعيد بن بشير عن قتادة‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬عككن عمككران بككن حصككين‪:‬‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »أخبركم بككأكبر الكبككائر‬
‫الشككرك بككالله« ثككم قككرأ }ومككن يشككرك بككالله فقككد افككترى إثم كا ً‬
‫عظيمًا{‪ ,‬وعقوق الوالدين‪ .‬ثم قرأ }أن اشكر لي ولو الككديك إلككي‬
‫المصككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككير{‪.‬‬
‫كو َ‬ ‫َ‬
‫شككآُء وَل َ‬ ‫مككن ي َ َ‬ ‫كي َ‬ ‫ه ي َُز ّ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بَ ِ‬ ‫سه ُ ْ‬‫ن أن ُْف َ‬ ‫ن ي َُز ّ َ‬ ‫ذي َ‬‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫** أل َ ْ‬
‫ه‬
‫ى ب ِك ِ‬ ‫ب وَك ََفك َ‬ ‫ن عَل َككى الل ّكهِ الك َكذِ َ‬ ‫ف ي َْفت َُرو َ‬ ‫كي َ‬ ‫ن فَِتيل ً * انظ ُْر َ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُظ ْل َ ُ‬
‫إْثما ً مبينا ً * أ َل َم تر إل َككى ال ّكذي ُ‬
‫ن‬ ‫من ُككو َ‬ ‫ب ي ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ْك ِت َككا ِ‬ ‫مك َ‬ ‫صككيبا ً ّ‬ ‫ن أوت ُككوا ْ ن َ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ ََ ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ك ََفُروا هَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ت َوالطا ُ‬ ‫ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ك ِ‬ ‫مك َ‬ ‫ؤلِء أهْ كد َىَ ِ‬ ‫ذي َ‬‫ن ل ِل ِ‬ ‫ت وَي َُقولو َ‬ ‫غو ِ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ِبال ِ‬
‫جد َ ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه فََلن ت َ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫من ي َلعَ ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن ل َعَن َهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سِبيل ً * أ ُوَْلـئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫آ َ‬
‫صككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككيرا ً‬ ‫نَ ِ‬
‫لية وهي قككوله }ألككم تككر إلككى‬ ‫قال الحسن وقتادة‪ :‬نزلت هذه ا َ‬
‫الذين يزكون أنفسهم{ في اليهود والنصارى حين قالوا‪ :‬نحن أبناء‬
‫الله وأحباؤه وقال ابن زيد‪ :‬نزلككت فككي قككولهم‪} :‬نحككن أبنككاء اللككه‬
‫وأحباؤه{‪ ,‬وفككي قككولهم }لككن يككدخل الجنككة إل مككن كككان هككودا ً أو‬
‫نصارى{‪ ,‬وقال مجاهد‪ :‬كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الككدعاء‬
‫والصلة يؤمونهم ويزعمون أنهم ل ذنب لهككم‪ ,‬وكككذا قككال عكرمككة‬
‫وأبو مالك‪ ,‬وروى ذلك ابن جرير‪ ,‬وقككال العككوفي عككن ابككن عبككاس‬
‫في قوله }ألم تَر إلى الككذين يزكككون أنفسككهم{ وذلككك أن اليهككود‬
‫قالوا‪ :‬إن أبناءنا توفوا وهككم لنككا قربككة وسيشككفعون لنككا ويزكوننككا‪,‬‬
‫ليككة‪,‬‬ ‫فأنزل الله على محمد }ألم تَر إلى الذين يزكون أنفسهم{ ا َ‬
‫رواه ابن جرير‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫مصفى‪ ,‬حدثنا ابن حمير عن ابن لهيعة‪ ,‬عن بشير بن أبككي عمككرو‪,‬‬
‫عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كككان اليهككود يقومككون صككبيانهم‬
‫يصلون بهم‪ ,‬ويقربون قربككانهم ويزعمككون أنهككم ل خطايككا لهككم ول‬
‫ذنوب‪ ,‬وكذبوا‪ ,‬قال الله‪ :‬إنككي ل أطهككر ذا ذنككب بككآخر ل ذنككب لككه‪,‬‬
‫وأنزل الله }ألم تَر إلى الكذين يزككون أنفسكهم{ ثكم قكال‪ :‬وروي‬
‫عن مجاهد وأبي مالككك والسككدي وعكرمككة والضككحاك‪ ,‬نحككو ذلكك‪,‬‬
‫‪136‬‬
‫وقال الضحاك‪ :‬قالوا‪ :‬ليككس لنككا ذنككوب كمككا ليككس لبنائنككا ذنككوب‪,‬‬
‫فأنزل الله }ألم تكَر إلككى الككذين يزكككون أنفسككهم{ فيهككم‪ ,‬وقيككل‪:‬‬
‫نزلت في ذم التمادح والتزكية‪ ,‬وقد جاء في الحديث الصحيح عند‬
‫مسلم عن المقداد بن السود قال‪ :‬أمرنا رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم أن نحثو في وجوه المككداحين الككتراب‪ ,‬وفككي الحككديث‬
‫لخر المخرج في الصحيحين مككن طريككق خالككد الحككذاء عككن عبككد‬ ‫ا َ‬
‫الرحمن بن أبي بكرة‪ ,‬عن أبيه‪ :‬أن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬سمع رجل ً يثني علككى رجككل‪ ,‬فقككال »ويحككك قطعككت عنككق‬
‫صاحبك«‪ ,‬ثم قال‪» :‬إن كان أحدكم مادحا ً صاحبه ل محالة‪ ,‬فليقل‬
‫أحسبه كذا‪ ,‬ول يزكي على الله أحدًا«‪ .‬وقال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫معتمر عن أبيه عن نعيم بن أبي هند قال‪ :‬قال عمر بن الخطككاب‪:‬‬
‫من قال‪ :‬أنا مؤمن فهو كافر ومن قال هو عالم فهككو جاهككل ومككن‬
‫قال هو في الجنة فهو في النككار‪ ,‬ورواه ابككن مردويككه مككن طريككق‬
‫موسى بن عبيدة عن طلحة بن عبيد الله بن كريككز عككن عمككر أنككه‬
‫قال‪ :‬إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه فمن قال إنككه‬
‫مؤمن فهو كافر‪ ,‬ومن قال‪ :‬هو عالم فهو جاهككل‪ ,‬ومككن قككال‪ :‬إنككه‬
‫في الجنة فهكو فكي النككار‪ ,‬وقككال المككام أحمكد‪ :‬حكدثنا محمكد بكن‬
‫جعفر‪ ,‬حدثنا شعبة وحجاج‪ ,‬أنبأنا شعبة عن سعد بن إبراهيم‪ ,‬عككن‬
‫معبد الجهني‪ ,‬قال‪ :‬كان معاوية قلما يحدث عن النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسككلم قككال‪ :‬وكككان قلمككا يكككاد أن يككدع يككوم الجمعككة هككؤلء‬
‫الكلمات أن يحدث بهن عن النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم يقككول‬
‫»من يرد الله به خيرا ً يفقهه في الدين‪ ,‬وإن هذا المال حلو خضر‪,‬‬
‫فمن يأخذه بحقكه يبكارك لكه فيكه‪ ,‬وإيكاكم والتمكادح فكإنه الذبكح«‬
‫وروى ابن ماجه منه »إياكم والتمادح فإنه الذبح« عن أبي بكر بن‬
‫أبي شيبة عن غندر عن شعبة به‪ ,‬ومعبد هذا هو ابن عبد اللككه بككن‬
‫عويم البصري القدري‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا يحيككى بككن إبراهيككم‬
‫المسعودي‪ ,‬حدثنا أبي عن أبيه‪ ,‬عن جده‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن قيس‬
‫بن مسلم‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد الله بككن مسككعود‪:‬‬
‫إن الرجل ليغدو بدينه ثم يرجع وما معه منه شيء‪ ,‬يلقككى الرجككل‬
‫ليس يملك له نفعا ً ول ضرًا‪ ,‬فيقكول لكه‪ :‬إنكك واللكه كيكت وكيكت‪,‬‬
‫ل من حاجته بشيء‪ ,‬وقد أسخط اللككه‪ ,‬ثككم‬ ‫ح َ‬‫فلعله أن يرجع ولم ي َ ْ‬
‫ليككة‪ ,‬وسككيأتي الكلم‬ ‫قرأ }ألم تَر إلككى الككذين يزكككون أنفسككهم{ ا َ‬
‫‪137‬‬
‫على ذلك مطول ً عند قوله تعككالى }فل تزكككوا أنفسكككم هككو أعلككم‬
‫بمن اتقى{ ولهكذا قكال تعكالى‪} :‬بكل اللكه يزككي مكن يشكاء{ أي‬
‫المرجع في ذلكك إلككى اللكه عكز وجككل لنكه أعلكم بحقككائق المكور‬
‫ل{ أي ول يترك لحككد‬ ‫وغوامضها‪ ,‬ثم قال تعالى‪} :‬ول يظلمون فتي ً‬
‫مككن الجككر مككا يككوازن مقككدار الفتيككل‪ ,‬قككال ابككن عبككاس ومجاهككد‬
‫وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة وغير واحد مكن السكلف‪ :‬هكو مكا‬
‫يكون في شق النواة‪ .‬وعن ابن عبككاس أيضكًا‪ :‬هككو مككا فتلككت بيككن‬
‫أصابعك‪ ,‬وكل القولين متقارب‪ .‬وقوله }انظر كيف يفككترون علككى‬
‫الله الكذب{ أي في تزكيتهم أنفسككهم ودعككواهم أنهككم أبنككاء اللككه‬
‫وأحباؤه‪ ,‬وقولهم }لن يدخل الجنة إل من كان هككودا ً أو نصككارى{‪,‬‬
‫وقولهم }لن تمسنا النار إل أياما ً معدودات{ واتكالهم على أعمال‬
‫لباء ل تجزي عن البناء‬ ‫آبائهم الصالحة‪ ,‬وقد حكم الله أن أعمال ا َ‬
‫شيئا ً في قوله }تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم{‬
‫لية‪ ,‬ثم قال }وكفى به إثما ً مبينًا{ أي وكفى بصنيعهم هككذا كككذبا ً‬ ‫ا َ‬
‫وافتراء ظاهرًا‪ .‬وقوله }ألم تَر إلى الذين أوتوا نصيبا ً مككن الكتككاب‬
‫يؤمنون بالجبت والطاغوت{ أما الجبت‪ ,‬فقال محمد بن إسككحاق‪,‬‬
‫عن حسككان بككن فككائد‪ ,‬عككن عمككر بككن الخطككاب أنككه قككال‪ :‬الجبككت‬
‫السحر‪ ,‬والطاغوت الشيطان‪ .‬وهكذا روي عككن ابككن عبككاس وأبككي‬
‫العاليككة ومجاهككد وعطككاء وعكرمككة وسككعيد بككن جككبير والشككعبي‬
‫والحسككن والضككحاك والسككدي‪ ,‬وعككن ابككن عبككاس وأبككي العاليككة‬
‫ومجاهككد وعطككاء وعكرمككة وسككعيد بككن جككبير والشككعبي والحسككن‬
‫وعطية‪ :‬الجبت الشيطان‪ ,‬وزاد ابن عبككاس‪ :‬بالحبشككية وعككن ابككن‬
‫عباس أيضًا‪ :‬الجبت الشرك‪ .‬وعنه‪ :‬الجبت الصنام‪ .‬وعن الشعبي‪:‬‬
‫الجبت الكاهن‪ ,‬وعن ابن عباس‪ :‬الجبككت حيككي بككن أخطكب‪ ,‬وعككن‬
‫مجاهد‪ :‬الجبت كعب بن الشرف‪ ,‬وقال العلمة أبو نصر إسماعيل‬
‫بن حماد الجككوهري فككي كتككابه الصككحاح‪ :‬الجبككت كلمككة تقككع علككى‬
‫الصككنم والكككاهن والسككاحر ونحككو ذلككك‪ .‬وفككي الحككديث »الطيككرة‬
‫والعيافة والط ّْرق من الجبت«‪ .‬قال‪ :‬وليس هذا من محض العربية‬
‫ي‪.‬‬ ‫لجتماع الجيم والتاء فككي كلمكة واحكدة مكن غيكر حككرف ذ َوْ ل َِقك ّ‬
‫وهذا الحديث الذي ذكره وراه المككام أحمككد فككي مسككنده‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬حدثنا عككوف عككن حيككان أبككي العلء‪ ,‬حككدثنا‬
‫قطن بن قبيصة عن أبيه وهو قبيصة بن مخككارق أنككه سككمع النككبي‬
‫‪138‬‬
‫صلى الله عليه وسككلم قككال »إن العيافككة والطككرق والطيككرة مككن‬
‫الجبت« وقال عوف‪ :‬العيافة زجر الطير‪ ,‬والطرق الخط يخط في‬
‫الرض‪ ,‬والجبت‪ ,‬قال الحسن‪ :‬إنه الشيطان‪ .‬وهكذا رواه أبككو داود‬
‫في سننه‪ ,‬والنسائي وابن أبي حككاتم فككي تفسككيريهما مككن حككديث‬
‫عوف العرابي به‪ .‬وقد تقككدم الكلم علككى الطككاغوت فككي سككورة‬
‫البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حكدثنا أبكي‪,‬‬
‫حدثنا إسحاق بن الضيف‪ ,‬حدثنا حجاج عن ابن جريج‪ ,‬أخبرني أبككو‬
‫الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله أنه سئل عن الطواغيت‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫هككم كهككان تنككزل عليهككم الشككياطين‪ .‬وقككال مجاهككد‪ :‬الطككاغوت‬
‫الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه‪ ,‬وهككو صككاحب أمرهككم‪.‬‬
‫وقال المام مالك‪ :‬الطاغوت هو كككل مككا يعبككد مككن دون اللككه عككز‬
‫وجل‪ .‬وقوله }ويقولون للذين كفروا هؤلء أهدى من الككذين آمنككوا‬
‫ل{ أي يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم‪ ,‬وقلككة دينهككم‪,‬‬ ‫سبي ً‬
‫وكفرهم بكتاب الله يأيديهم‪ .‬وقد روى ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا محمد‬
‫بن عبكد اللكه بكن يزيكد المقكري‪ ,‬حكدثنا سكفيان عكن عمكرو‪ ,‬عكن‬
‫عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬جاء حيي بن أخطب وكعب بككن الشككرف إلككى أهككل‬
‫مكة فقالوا لهم‪ :‬أنتم أهل الكتاب وأهل العلم‪ ,‬فأخبرونا عنا وعككن‬
‫محمد‪ ,‬فقالوا‪ :‬ما أنتم ومككا محمككد‪ ,‬فقككالوا‪ :‬نحككن نصككل الرحككام‪,‬‬
‫وننحر الكوماء‪ ,‬ونسقي الماء على اللبككن‪ ,‬ونفككك الُعنككاة‪ ,‬ونسككقي‬
‫الحجيج‪ ,‬ومحمد صنبور قطع أرحامنا‪ ,‬واتبعككه سككراق الحجيككج بنككو‬
‫ل‪ ,‬فككأنزل‬‫غفار‪ ,‬فنحن خير أم هو ؟ فقالوا‪ :‬أنتم خيككر وأهككدى سككبي ً‬
‫لية‪ ,‬وقد روي هذا مككن غيككر‬ ‫الله }ألم تَر إلى الذين أوتوا نصيبًا{ ا َ‬
‫وجه عن ابن عبككاس وجماعككة مككن السككلف‪ .‬وقككال المككام أحمككد‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬لما قدم كعب بن الشرف مكة قكالت قريكش‪ :‬أل تكرى هكذا‬
‫الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منككا ونحككن أهككل الحجيككج‬
‫وأهل السدانة‪ ,‬وأهل السقاية ؟ قال‪ :‬أنتم خير‪ ,‬قككال فنزلككت }إن‬
‫شانئك هو البتر{ ونزل }ألم تَر إلى الذين أوتوا نصيبا ً من الكتاب‬
‫ك إلى ك نصيرًا{ وقال ابن إسحاق‪ :‬حككدثني محمككد بككن أبككي محمككد‬
‫عن عكرمة‪ ,‬أو عن سعيد بككن جككبير عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬كككان‬
‫حّزبوا الحراب من قريش وغطفان وبني قريظككة حيككي بككن‬ ‫الذين َ‬
‫أخطب وسلم بن أبي الحقيق أبو رافع والربيع بن الربيع بككن أبككي‬
‫‪139‬‬
‫الحقيق وأبو عمار وحوح بن عامر وهوذة بككن قيككس‪ ,‬فأمككا وحككوح‬
‫وأبو عمار وهوذة فمن بني وائل‪ ,‬وكان سائرهم من بنككي النضككير‪,‬‬
‫فلما قكدموا علكى قريكش قكالوا‪ :‬هكؤلء أحبكار يهكود وأهكل العلكم‬
‫بالكتب الول فاسألوهم أدينكككم خيككر أم ديككن محمككد ؟ فسككألوهم‬
‫فقالوا‪ :‬بل دينكم خيككر مككن دينككه وأنتككم أهككدى منككه وممككن اتبعككه‪,‬‬
‫فأنزل الله عزو وجل }ألم تَر إلى الذين أوتوا نصيبا ً من الكتككاب{‬
‫إلى قوله عز وجل }وآتيناهم ملكا ً عظيمًا{ وهذا لعن لهم وإخبككار‬
‫لخككرة لنهككم إنمككا ذهبككوا‬ ‫بأنهم ل ناصككر لهككم فككي الككدنيا ول فككي ا َ‬
‫يستنصرون بالمشركين‪ ,‬وإنما قالوا لهككم ذلككك‪ ,‬ليسككتميلوهم إلككى‬
‫نصرتهم‪ ,‬وقد أجابوهم وجاءوا معهم يوم الحزاب حتى حفر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق‪ ,‬فكفى اللككه‬
‫شرهم }ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ً وكفككى اللككه‬
‫المككككككؤمنين القتككككككال وكككككككان اللككككككه قويككككككا ً عزيككككككزًا{‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫س ن َِقيككرا ً * أ ْ‬ ‫ن الن ّككا َ‬ ‫ك فَ كِإذا ً ل ّ ي ُؤْت ُككو َ‬
‫مل ْك ِ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫مك َ‬ ‫ب ّ‬ ‫صككي ٌ‬‫م نَ ِ‬ ‫م ل َهُ ْ‬‫** أ ْ‬
‫م‬ ‫هي َ‬ ‫ضل ِهِ فََقد ْ آت َي َْنآ آ َ‬
‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫ه ِ‬‫م الل ّ ُ‬‫مآ آَتاهُ ُ‬ ‫ى َ‬ ‫ن الّنا َ َ‬
‫س عَل َ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬‫ح ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ه‬
‫ن ب ِك ِ‬ ‫مك َ‬ ‫نآ َ‬‫مك ْ‬‫م ّ‬ ‫ظيم كا ً * فَ ِ‬
‫من ْهُك ْ‬ ‫مْلك كا ً عَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ة َوآت َي ْن َككاهُ ْ‬ ‫حك ْ َ‬
‫مك َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫سكككككِعيرا ً‬ ‫م َ‬‫جهَّنككككك َ‬ ‫ه وَك ََفككككك َ‬
‫ى بِ َ‬ ‫صكككككد ّ عَْنككككك ُ‬ ‫مكككككن َ‬ ‫م ّ‬ ‫من ُْهككككك ْ‬‫وَ ِ‬
‫يقول تعالى‪ :‬أم لهم نصيب من الملك‪ ,‬وهذا اسككتفهام إنكككاري‪,‬‬
‫أي ليس لهم نصيب من الملك ثم وصفهم بالبخل‪ ,‬فقال‪} :‬فإذا ً ل‬
‫يؤتون الناس نقيرًا{‪ ,‬أي لنهككم لككو كككان لهككم نصككيب فككي الملككك‬
‫والتصرف لما أعطوا أحدا ً من الناس ول سيما محمدا ً صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم شيئًا‪ ,‬ول ما يمل النقير وهو النقطككة الككتي فككي النككواة‬
‫لية كقوله تعالى‪} :‬قككل لككو‬ ‫في قول ابن عباس والكثرين‪ .‬وهذه ا َ‬
‫أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا ً لمسكككتم خشككية النفككاق{ أي‬
‫خوف أن يذهب ما بأيديكم مع أنه ل يتصور نفككاده وإنمككا هككو مككن‬
‫بخلكم وشحكم‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬وكككان النسككان قتككورًا{ أي‬
‫ل‪ ,‬ثم قال }أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله{‬ ‫بخي ً‬
‫يعني بذلك حسدهم النبي صلى الله عليككه وسككلم علككى مككا رزقككه‬
‫الله من النبوة العظيمة‪ ,‬ومنعهم من تصديقهم إيككاه حسككدهم لككه‪,‬‬
‫لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل‪ .‬وقال الطبراني‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن عبد الله الحضرمي‪ ,‬حدثنا يحيى الحمكاني‪ ,‬حككدثنا قيكس‬
‫‪140‬‬
‫بن الربيع عن السدي‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ابن عبككاس فككي قككوله }أم‬
‫لية‪ ,‬قال ابن عباس‪ :‬نحن الناس دون النككاس‪,‬‬ ‫يحسدون الناس{ ا َ‬
‫قال الله تعالى‪} :‬فقد آتينا آل إبراهيم الكتككاب والحكمككة وآتينككاهم‬
‫ملكا ً عظيمًا{ أي فقد جعلنا في أسباط بني إسككرائيل‪ ,‬الككذين هككم‬
‫مككن ذريككة إبراهيككم النبككوة وأنزلنككا عليهككم الكتككب وحكمككوا فيهككم‬
‫بالسنن‪ ,‬وهي الحكمة‪ ,‬وجعلنا منهم الملوك ومع هذا }فمنهم مككن‬
‫آمن به{‪ ,‬أي بهذا اليتاء وهذا النعام‪} ,‬ومنهم من صككد عنككه{ أي‬
‫كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه‪ ,‬وهو منهككم ومككن‬
‫جنسهم أي من بني إسرائيل‪ .‬فقد اختلفوا عليهككم‪ ,‬فكيككف بككك يككا‬
‫محمد ولست من بني إسرائيل ؟ وقال مجاهد‪} :‬فمنهم من آمككن‬
‫به{‪ ,‬أي بمحمد صلى الله عليه وسلم‪} ,‬ومنهككم مككن صككد عنككه{‪,‬‬
‫فالكفرة منهم أشد تكذيبا ً لك‪ ,‬وأبعد عمككا جئتهككم بككه مككن الهككدى‪,‬‬
‫والحق المبين‪ ,‬ولهذا قال متوعدا ً لهم }وكفى بجهنم سككعيرًا{ أي‬
‫وكفى بالنار عقوبة لهم علككى كفرهككم وعنككادهم ومخككالفتهم كتككب‬
‫اللكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه ورسكككككككككككككككككككككككككككككككككككككله‪.‬‬
‫جُلود ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ت ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ض َ‬‫ما ن َ ِ‬ ‫م َنارا ً ك ُل ّ َ‬ ‫صِليهِ ْ‬ ‫ف نُ ْ‬‫سو ْ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ ِبآَيات َِنا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫** إ ِ ّ‬
‫كيم كا ً *‬ ‫ح ِ‬‫زيككزا ً َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ب إِ ّ‬ ‫ذا َ‬‫ذوُقوا ْ ال ْعَ َ‬ ‫ها ل ِي َ ُ‬‫جُلودا ً غَي َْر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ب َد ّل َْناهُ ْ‬
‫حت ِهَككا‬ ‫مككن ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬
‫سن ُد ْ ِ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ظككل ّ‬ ‫م ِ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫مط َهّكَرةٌ وَن ُكد ْ ِ‬ ‫ج ّ‬‫م ِفيهَككآ أْزَوا ٌ‬ ‫ن ِفيَهآ أب َككدا ً ل ّهُك ْ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫الن َْهاُر َ‬
‫ظ َِليل ً‬
‫يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنككم مككن كفككر بآيككاته وصككد‬
‫لية‪ ,‬أي نككدخلهم نككارا ً‬ ‫عن رسله‪ ,‬فقال }إن الذين كفروا بآياتنا{ ا َ‬
‫دخككول ً يحيككط بجميككع أجرامهككم وأجزائهككم‪ ,‬ثككم أخككبر عككن دوام‬
‫عقوبتهم ونكالهم‪ ,‬فقال }كلمككا نضككجت جلككودهم بككدلناهم جلككودا ً‬
‫غيرها ليذوقوا العذاب{ قال العمش عن ابن عمككر‪ :‬إذا احككترقت‬
‫جلودهم بدلوا جلودا ً غيرها بيضاء أمثال القراطيس‪ ,‬رواه ابن أبي‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪:‬‬ ‫حاتم‪ ,‬وقال يحيى بن يزيد الحضككرمي أنككه بلغككه فككي ا َ‬
‫يجعل للكافر مائة جلد‪ ,‬بين كل جلككدين لككون مككن العككذاب‪ ,‬ورواه‬
‫ابن أبي حاتم‪ .‬وقال ابن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا علككي بككن‬
‫محمد الطنافسي‪ ,‬حدثنا حسين الجعفككي عككن زائدة‪ ,‬عككن هشكام‪,‬‬
‫‪141‬‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪ :‬تنضككجهم‬ ‫عن الحسن قوله‪} :‬كلما نضجت جلودهم{ ا َ‬
‫في اليوم سبعين ألكف مكرة‪ .‬قكال حسكين‪ :‬وزاد فيكه فضكيل عكن‬
‫هشام عن الحسن }كلما نضجت جلودهم{ كلما أنضجتهم فأكلت‬
‫لحومهم قيل لهم عودوا فعادوا‪ .‬وقال أيضًا‪ :‬ذكككر عككن هشككام بككن‬
‫عمار‪ ,‬حدثنا سعيد بن يحيى ك يعنككي سكعدان كك حكدثنا نكافع مككولى‬
‫يوسف السلمي البصري‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬قرأ رجككل‬
‫لية }كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلككودا ً غيرهككا{‬ ‫عند عمر هذه ا َ‬
‫فقال عمر‪ :‬أعككدها علككي‪ ,‬فأعادهككا‪ ,‬فقككال معككاذ بككن جبككل‪ :‬عنككدي‬
‫ت‬‫تفسيرها تبدل في ساعة مككائة مككرة‪ .‬فقككال عمككر‪ :‬هكككذا سككمع ُ‬
‫رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬وقككد رواه ابككن مردويككه عككن‬
‫محمد بن أحمد بن إبراهيم‪ ,‬عن عبدان بن محمككد المككروزي‪ ,‬عككن‬
‫هشام بن عمار به‪ .‬ورواه من وجه آخر بلفكظ آخكر‪ ,‬فقكال‪ :‬حكدثنا‬
‫محمككد بككن إسككحاق عككن عمككران‪ ,‬حككدثنا إبراهيككم بككن محمككد بككن‬
‫الحارث‪ ,‬حدثنا شيبان بن فروخ‪ ,‬حدثنا نافع أبو هرمز‪ ,‬حككدثنا نككافع‬
‫ليككة‪} :‬كلمككا نضككجت‬ ‫عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬تل رجل عند عمر هككذه ا َ‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬فقال عمر‪ :‬أعدها علي‪ ,‬وثم كعب‪ ,‬فقال أنككا‬ ‫جلودهم{ ا َ‬
‫لية قرأتها قبل السككلم قككال‪ :‬فقككال هاتهككا يككا‬ ‫عندي تفسير هذه ا َ‬
‫كعب فإن جئت بها كما سمعت من رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم صككدقناك‪ ,‬وإل لككم ننظككر إليهككا‪ ,‬فقككال‪ :‬إنككي قرأتهككا قبككل‬
‫السلم‪ :‬كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا ً غيرهككا فككي السككاعة‬
‫الواحدة عشرين ومائة مرة‪ .‬فقال عمر‪ :‬هكذا سمعت من رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقككال الربيككع بككن أنككس‪ :‬مكتككوب فككي‬
‫الكتاب الول‪ :‬أن جلد أحدهم أربعون ذراعًا‪ ,‬وسنه تسعون ذراعًا‪,‬‬
‫وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه‪ ,‬فكإذا أكلكت النكار جلكودهم بكدلوا‬
‫جلودا ً غيرها‪ .‬وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا‪ ,‬قال المام‬
‫أحمد‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬حدثنا أبو يحيى الطويل عن أبي يحيى القتككات‪,‬‬
‫عن مجاهد‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬عن النبي صلى الله عليككه وسككلم قككال‬
‫»يعظم أهل النار في النار حتى إن بيككن شككحمة أذن أحككدهم إلككى‬
‫عاتقه مسيرة سبعمائة عام‪ ,‬وإن غلظ جلككده سككبعون ذرع كًا‪ ,‬وإن‬
‫ضرسه مثل أحد« تفككرد بككه أحمككد مككن هككذا الككوجه وقيككل المككراد‬
‫بقوله‪} :‬كلما نضجت جلودهم{ أي سككرابيلهم‪ ,‬حكككاه ابككن جريككر‪,‬‬
‫وهو ضعيف لنككه خلف الظككاهر‪ .‬وقككوله‪} :‬والككذين آمنككوا وعملككوا‬
‫‪142‬‬
‫الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتهككا النهككار خالككدين فيهككا‬
‫أبدًا{ هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها‬
‫النهار في جميككع فجاجهككا‪ ,‬ومحالهككا وأرجائهككا حيككث شككاءوا وأيككن‬
‫أرادوا وهم خالدون فيها أبدا ً ل يحولون ول يزولون ول يبغون عنها‬
‫ل‪ .‬وقوله‪} :‬لهم فيها أزواج مطهرة{ أي من الحيككض والنفككاس‬ ‫حو ً‬
‫والذى والخلق الرذيلة‪ ,‬والصفات الناقصة‪ ,‬كما قال ابن عبككاس‪:‬‬
‫مطهرة من القذار والذى‪ .‬وكذا قككال عطككاء والحسككن والضككحاك‬
‫والنخعي وأبو صالح وعطية والسدي‪ .‬وقال مجاهككد‪ :‬مطهككرة مككن‬
‫البككول والحيككض والنخككام والككبزاق والمنككي والولككد‪ .‬وقككال قتككادة‪:‬‬
‫مطهرة من الذى والمآثم‪ ,‬ول حيض ول كلككف‪ .‬وقككوله }ونككدخلهم‬
‫ل{ أي ظل ً عميقا ً كثيرا ً غزيرا ً طيبا ً أنيقًا‪ .‬قال ابككن جريككر‪:‬‬ ‫ظل ً ظلي ً‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬وحدثنا ابن المثنى‪ ,‬حدثنا ابن‬
‫جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي‬
‫هريرة‪ ,‬عن النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬قككال »إن فككي الجنككة‬
‫لشجرة يسككير الراكككب فككي ظلهككا مككائة عككام ل يقطعهككا‪ :‬شككجرة‬
‫الخلكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككد«‪.‬‬
‫ى أ َهْل ِهَككا وَإ ِ َ‬ ‫ماَنا ِ َ‬ ‫** إن الل ّه يأ ْمرك ُ َ‬

‫ن‬
‫م ب َي ْك َ‬
‫مت ُك ْ‬‫حك َ ْ‬‫ذا َ‬ ‫ت إ ِل َ‬ ‫دوا ْ ال َ‬
‫م أن ُتؤ ّ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ‬ ‫ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ه ك َككا َ‬‫ن الل ّك َ‬ ‫م ب ِكهِ إ ِ ّ‬‫مككا ي َعِظ ُك ُك ْ‬ ‫ن الل ّك َ‬
‫ه ن ِعِ ّ‬ ‫ل إِ ّ‬‫موا ْ ِبال ْعَد ْ ِ‬
‫حك ُ ُ‬
‫س أن ت َ ْ‬
‫الّنا ِ‬
‫صكككككككككككككككككككككككككككككككككككيرا ً‬ ‫ميعا ً ب َ ِ‬‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككك ِ‬ ‫َ‬
‫يخبر تعالى أنككه يككأمر بككأداء المانككات إلككى أهلهككا‪ .‬وفككي حككديث‬
‫الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قككال »أد‬
‫المانة إلى من ائتمنككك‪ ,‬ول تخككن مككن خانككك« رواه المككام أحمككد‬
‫وأهل السنن‪ ,‬وهذا يعم جميع المانات الواجبة على النسككان مككن‬
‫حقوق الله عز وجل على عباده من الصلوات والزكوات والصككيام‬
‫والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه ول يطلككع عليككه‬
‫العباد‪ ,‬ومن حقوق العباد بعضهم على بعككض كككالودائع وغيككر ذلككك‬
‫مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلع بينة علككى ذلككك‪,‬‬
‫فأمر الله عز وجل بأدائها‪ ,‬فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخككذ منككه‬
‫ذلك يوم القيامة‪ ,‬كما ثبت في الحككديث الصككحيح أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم قال »لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتككص‬
‫‪143‬‬
‫للشاة الجماء من القرناء«‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا محمككد بككن‬
‫إسماعيل الحمسي‪ ,‬حدثنا وكيع عككن سككفيان‪ ,‬عككن عبككد اللككه بككن‬
‫السائب‪ ,‬عن زاذان‪ ,‬عن عبد الله بن مسككعود‪ ,‬قككال‪ :‬إن الشككهادة‬
‫تكفر كل ذنب إل المانة‪ ,‬يؤتى بالرجل يوم القيامة‪ ,‬وإن كان قتل‬
‫في سبيل الله‪ ,‬فيقال‪ :‬أد أمانتك‪ ,‬فيقول فأنى أؤديهكا وقكد ذهبكت‬
‫الدنيا ؟ فتمثل له المانة في قعر جهنم فيهوي إليها فيحملها علكى‬
‫لبككدين‪ .‬قككال‬‫عاتقه‪ ,‬قال‪ :‬فتنزل عن عاتقه فيهوي على أثرها أبد ا َ‬
‫زاذان‪ :‬فأتيت البراء فحدثته‪ ,‬فقال‪ :‬صدق أخي‪} :‬إن الله يككأمركم‬
‫أن تؤدوا المانات إلى أهلها{‪ .‬وقال سفيان الثوري عككن ابككن أبككي‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪ :‬هككي مبهمككة للككبر‬ ‫ليلى‪ ,‬عن رجل عن ابن عباس في ا َ‬
‫جلة للبر والفاجر وقككال‬ ‫س َ‬
‫م ْ‬‫والفاحر‪ ,‬وقال محمد بن الحنفية‪ :‬هي ُ‬
‫أبو العالية المانة ما أمروا به ونهككوا عنككه‪ .‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‪.‬‬
‫حدثنا أبو سعيد‪ ,‬حكدثنا حفكص بكن غيكاث عكن العمكش عكن أبكي‬
‫الضحى عن مسروق‪ ,‬قككال‪ :‬قككال أبككي بككن كعككب‪ :‬مككن المانككة أن‬
‫المككرأة ائتمنككت علككى فرجهككا‪ .‬وقككال الربيككع بككن أنككس‪ :‬هككي مككن‬
‫المانات فيما بينك وبين الناس‪ .‬وقال علي بن أبي طلحة عن ابن‬
‫عباس }إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها{‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫يدخل فيه وعظ السلطان النساء يعني يوم العيد‪ ,‬وقككد ذكككر كككثير‬
‫لية نزلت في شأن عثمان بن طلحكة بككن‬ ‫من المفسرين أن هذه ا َ‬
‫أبي طلحة واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن‬
‫عبد الدار بككن قصككي بككن كلب القرشككي العبككدري حككاجب الكعبككة‬
‫المعظمة‪ ,‬وهو ابكن عكم شكيبة بكن عثمكان بكن أبكي طلحكة الكذي‬
‫صارت الحجابة في نسله إلى اليوم‪ ,‬أسلم عثمان هذا في الهدنككة‬
‫بين صلح الحديبية‪ ,‬وفتح مكة‪ ,‬هككو وخالككد بككن الوليككد وعمككرو بككن‬
‫العاص‪ ,‬وأما عمه عثمان بن طلحة بن أبي طلحة‪ ,‬فكان معه لواء‬
‫المشركين يوم أحككد‪ ,‬وقتككل يككومئذ كككافرًا‪ ,‬وإنمككا نبهنككا علككى هككذا‬
‫النسب لن كثيرا ً من المفسرين قد يشتبه عليه هذا بهذا‪ ,‬وسككبب‬
‫نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليككه وسككلم مفتككاح‬
‫الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه‪ .‬وقال محمد بن إسحاق في غككزوة‬
‫الفتح‪ :‬حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله‬
‫بن أبي ثور‪ ,‬عن صفية بنت شيبة‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليككه‬
‫وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت‪ ,‬فطاف‬
‫‪144‬‬
‫به سبعا ً على راحلته يستلم الركن بمحجن فكي يكده‪ ,‬فلمككا قضكى‬
‫طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبكة ففتحكت لكه‪,‬‬
‫فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان‪ ,‬فكسكرها بيكده ثكم طرحهكا‪,‬‬
‫ن لككه النككاس فككي المسككجد‪,‬‬ ‫ثم وقف على باب الكعبة وقككد اسككتك ّ‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬فحدثني بعض أهل العلم أن رسككول صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم قام على باب الكعبة‪ ,‬فقككال »ل إلككه إل اللككه وحككده ل‬
‫شريك له‪ ,‬صدق وعده‪ ,‬ونصر عبده‪ ,‬وهزم الحزاب وحده‪ ,‬أل كل‬
‫مككأثرة أو دم أو مككال يكدعى فهكو تحكت قككدمي هكاتين‪ ,‬إل سككدانة‬
‫البيت وسقاية الحاج« وذكر بقية الحديث في خطبككه النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم يومئذ إلى أن قال‪ :‬ثم جلككس رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم فككي المسككجد‪ ,‬فقككام إليككه علككي بككن أبككي طككالب‬
‫ومفتاح الكعبة في يده‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬اجمع لنا الحجابة مع‬
‫السقاية صلى الله عليك‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫»أين عثمان بن طلحة ؟« فدعي له‪ ,‬فقال له »هككاك مفتاحككك يككا‬
‫عثمان‪ ,‬اليوم يوم وفككاء وبككر« قككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثني القاسككم‪,‬‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬نزلت في‬ ‫حدثنا الحسين عن حجاج‪ ,‬عن ابن جريج في ا َ‬
‫عثمان بن طلحة‪ ,‬قبض منه رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫مفتاح الكعبة فدخل في البيت يوم الفتككح‪ ,‬فخككرج وهككو يتلككو هككذه‬
‫ليكة‪ ,‬فكدعا‬ ‫لية }إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلكى أهلهكا{ ا َ‬ ‫ا َ‬
‫عثمان إليه فدفع إليه المفتاح‪ ,‬قال‪ :‬وقال عمر بككن الخطككاب لمككا‬
‫خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة وهو يتلككو هككذه‬
‫ا َ‬
‫لية }إن الله يأمركم أن تككؤدوا المانككات إلككى أهلهككا{ فككداه أبككي‬
‫وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك‪ .‬حدثنا القاسككم‪ ,‬حككدثنا الحسككين‪,‬‬
‫حدثنا الزنجي بن خالد عن الزهري قال‪ :‬دفعه إليه وقال‪ :‬أعينككوه‪.‬‬
‫وروى ابن مردويه مككن طريككق الكلككبي عككن أبككي صككالح عككن ابككن‬
‫عباس في قوله عز وجل }إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلككى‬
‫أهلها{ قال‪ :‬لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسككلم مكككة دعككا‬
‫عثمان بن طلحة‪ ,‬فلما أتاه قال »أرني المفتككاح« فأتككاه بككه‪ ,‬فلمككا‬
‫بسط يده إليه قام إليه العباس‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬بككأبي أنككت‬
‫وأمي‪ ,‬اجمعه لي مع السكقاية‪ ,‬فككف عثمكان يكده‪ ,‬فقكال رسكول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »أرني المفتاح يا عثمان« فبسككط يككده‬
‫يعطيه‪ ,‬فقال العباس مثل كلمته الولككى‪ ,‬فكككف عثمككان يككده‪ .‬ثككم‬
‫‪145‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »يا عثمان إن كنككت تككؤمن‬
‫لخر فهاتني المفتاح« فقال‪ :‬هاك بأمانككة اللككه‪ ,‬قككال‬ ‫بالله واليوم ا َ‬
‫فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح بككاب الكعبككة‪ ,‬فوجككد‬
‫فككي الكعبككة تمثككال إبراهيككم عليككه الصككلة والسككلم معككه قككداح‬
‫يستقسككم بهككا‪ ,‬فقككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »مككا‬
‫للمشركين قاتلهم الله‪ ,‬وما شأن إبراهيم وشأن القداح« ثككم دعككا‬
‫بجفنة فيها ماء‪ ,‬فأخذ ماء فغمسه فيه‪ ,‬ثم غمس به تلك التماثيل‪,‬‬
‫وأخرج مقام إبراهيم وكان في الكعبة‪ ,‬فألزقه في حككائط الكعبككة‪,‬‬
‫ثم قال‪» :‬يا أيها الناس هذه القبلة«‪ ,‬قال‪ :‬ثككم خككرج رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم فطكاف فكي الكبيت شكوطا ً أو شكوطين ثكم‬
‫نزل عليه جبريل فيما ذكر لنا بككرد المفتككاح ثككم قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم }إن اللككه يككأمركم أن تككؤدوا المانككات إلككى‬
‫لية‪ ,‬وهككذا مككن المشككهورات أن هككذه ا َ‬
‫ليككة‬ ‫أهلها{ حتى فرغ من ا َ‬
‫نزلت في ذلك‪ ,‬وسواء كانت نزلت في ذلككك أو ل‪ ,‬فحكمهككا عككام‪,‬‬
‫ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفيككة‪ :‬هككي للككبر والفككاجر‪ ,‬أي‬
‫هي أمر لكل أحد‪ ,‬وقككوله‪} :‬وإذا حكمتككم بيككن النككاس أن تحكمككوا‬
‫بالعدل{ أمر منه تعالى بككالحكم بالعككدل بيككن النككاس‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫ليككة‬‫محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بككن حوشككب‪ :‬إن هككذه ا َ‬
‫إنما نزلت في المراء‪ ,‬يعنكي الحككام بيككن النككاس‪ ,‬وفككي الحكديث‬
‫»إن الله مع الحاكم ما لم يجر فإذا جار وكلككه اللككه إلككى نفسككه«‪,‬‬
‫وفي الثر »عدل يوم كعبادة أربعين سنة«‪ ,‬وقوله‪} :‬إن الله نعمككا‬
‫يعظكم به{ أي يأمركم به من أداء المانات والحكككم بالعككدل بيككن‬
‫الناس وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشككاملة‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬إن الله كان سميعا ً بصككيرًا{ أي سككميعا ً لقككوالكم‪,‬‬
‫بصيرا ً بأفعالكم‪ ,‬كما قال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككو زرعككة‪ ,‬حككدثنا‬
‫يحيى بن عبد الله بن بكير‪ ,‬حدثنا عبد الله بن لهيعة عن يزيككد بككن‬
‫أبي حبيب‪ ,‬عن أبي الخير‪ ,‬عن عقبة بن عامر‪ ,‬قال‪ :‬رأيت رسككول‬
‫ليكة }سكميعا ً بصكيرًا{‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم وهو ي ُْقري هذه ا َ‬
‫يقول‪ :‬بكل شيء بصير‪ ,‬وقد قال ابن أبي حاتم‪ :‬أخبرنا يحيككى بككن‬
‫عبدك القزويني‪ ,‬أنبأنا المقري يعني أبا عبد الرحمن عبد اللككه بككن‬
‫يزيد‪ ,‬حدثنا حرملة يعني ابن عمران التجيبي المصري‪ ,‬حدثني أبككو‬
‫ليككة }إن اللككه يككأمركم أن‬ ‫يونس‪ ,‬سمعت أبككا هريككرة يقككرأ هككذه ا َ‬
‫‪146‬‬
‫تؤدوا المانات إلى أهلها{ إلى قوله‪} :‬إن الله نعما يعظكم بككه إن‬
‫الله كان سميعا ً بصيرًا{ ويضع إبهامه على أذنه‪ ,‬والتي تليهككا علككى‬
‫عينه ويقول‪ :‬هكذا سمعت رسول الله يقرؤها ويضع إصبعيه‪ .‬قككال‬
‫أبو زكريا‪ :‬وصفه لنا المقري‪ ,‬ووضع أبو زكريا إبهامه اليمنى علككى‬
‫عينه اليمنى‪ ,‬والتي تليها علككى الذن اليمنككى‪ ,‬وأرانككا فقككال‪ :‬هكككذا‬
‫وهكككذا‪ .‬رواه أبككو داود وابككن حبككان فككي صككحيحه‪ ,‬والحككاكم فككي‬
‫مستدركه‪ ,‬وابن مردويه في تفسيره من حديث أبي عبد الرحمككن‬
‫المقري بإسناده نحوه‪ .‬وأبو يونس هذا مولى أبكي هريكرة واسككمه‬
‫سكككككككككككككككككككككككليم بكككككككككككككككككككككككن جكككككككككككككككككككككككبير‪.‬‬
‫ر‬ ‫** يا أ َيها ال ّذين آمنوا ْ أ َطيعوا ْ الل ّه وأ َطيعوا ْ الرسككو َ ُ‬

‫مك ِ‬ ‫ل وَأوْل ِككي ال ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ َ ِ ُ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫م‬‫ل ِإن ك ُن ْت ُك ْ‬ ‫سككو ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫دوهُ إ ِلى الل كهِ َوالّر ُ‬ ‫يٍء فَُر ّ‬‫ش ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م فَِإن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َتكككأِويل ً‬ ‫سككك ُ‬
‫ح َ‬ ‫خْيكككٌر وَأ ْ‬ ‫خكككرِ ذ َِلككك َ‬
‫ك َ‬ ‫ن ِبكككالل ّهِ َوال َْيكككوْم ِ ال َ ِ‬ ‫مُنكككو َ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫قال البخاري‪ :‬حدثنا صدقة بن الفضل‪ ,‬حكدثنا حجكاج بكن محمكد‬

‫العور عن ابن جريج‪ ,‬عن يعلى بن مسلم‪ ,‬عككن سككعيد بككن جككبير‪,‬‬
‫عككن ابككن عبككاس }أطيعككوا اللككه وأطيعككوا الرسككول وأولككي المككر‬
‫منكم{ قال‪ :‬نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيككس بككن عككدي إذ‬
‫بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية‪ ,‬وهكككذا أخرجككه‬
‫بقية الجماعة إل ابن ماجة من حديث حجاج بن محمد العككور بككه‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن غريب‪ ,‬ول نعرفه إل من حككديث ابككن‬
‫جريج‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حككدثنا أبككو معاويككة عككن العمككش‪ ,‬عككن‬
‫سعد بن عبيدة‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن السككلمي‪ ,‬عككن علككي‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫بعث رسول الله صلى الله عليككه وسككلم سككرية واسككتعمل عليهككم‬
‫رجل ً من النصار‪ ,‬فلما خرجوا وجد عليهم في شيء‪ ,‬قككال‪ :‬فقككال‬
‫لهم‪ :‬أليككس قككد أمركككم رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم أن‬
‫تطيعككوني ؟ قككالوا‪ :‬بلككى‪ .‬قككال‪ :‬اجمعككوا لككي حطبكًا‪ ,‬ثككم دعككا بنككار‬
‫م القككوم‬ ‫فأضرمها فيه‪ ,‬ثم قال‪ :‬عزمت عليكم لتدخلنها‪ ,‬قككال‪ :‬فهك ّ‬
‫أن يدخلوها قال‪ :‬فقال لهم شاب منهم‪ :‬إنما فررتككم إلككى رسككول‬
‫الله من النار‪ ,‬فل تعجلوا حتى تلقوا رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم‪ ,‬فككإن أمركككم أن تككدخلوها فادخلوهككا‪ ,‬قككال‪ :‬فرجعككوا إلككى‬
‫‪147‬‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم فككأخبروه‪ ,‬فقككال لهككم »لككو‬
‫دخلتموهككا مككا خرجتككم منهككا أبككدًا‪ ,‬إنمككا الطاعككة فككي المعككروف«‪,‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حككديث العمككش بككه‪ .‬وقككال أبككو داود‪:‬‬
‫دد‪ ,‬حدثنا يحيى عن عبيد الله‪ ,‬حدثنا نافع عككن عبككد اللككه‬ ‫حدثنا مس ّ‬
‫بن عمر عن رسول اللكه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬قككال »السككمع‬
‫والطاعككة علككى المككرء المسككلم فيمككا أحككب وكككره‪ ,‬مككا لككم يككؤمر‬
‫بمعصية‪ ,‬فككإذا أمككر بمعصككية فل سككمع ول طاعككة« وأخرجككاه مككن‬
‫حديث يحيى القطان‪ .‬وعن عبادة بن الصامت قال‪» :‬بايعنا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم علككى السككمع والطاعككة‪ ,‬فككي منشككطنا‬
‫ومكرهنا‪ ,‬وعسرنا ويسرنا‪ ,‬وأثرة علينا‪ .‬وأن ل ننككازع المككر أهلككه‪,‬‬
‫قككال‪» :‬إل أن تككروا كفككرا ً بواح كا ً عنككدكم فيككه مككن اللككه برهككان«‪,‬‬
‫لخر عن أنس أن رسول اللككه صككلى اللككه‬ ‫أخرجاه‪ ,‬وفي الحديث ا َ‬
‫عليه وسلم قال‪» :‬اسمعوا وأطيعوا‪ ,‬وإن أمر عليكم عبككد حبشككي‬
‫كأن رأسه زبيبة«‪ ,‬رواه البخاري‪ .‬وعن أبي هريرة رضي الله عنككه‬
‫دع‬‫ج ّ‬ ‫قال‪ :‬أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع‪ ,‬وإن كان عبدا ً حبشيا ً ُ‬
‫م َ‬
‫الطراف‪ ,‬رواه مسلم‪ .‬وعن أم الحصين أنها سمعت رسككول اللككه‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم يخطككب فككي حجككة الككوداع يقككول‪» :‬ولككو‬
‫استعمل عليكم عبد يقودكم بكتككاب اللككه‪ ,‬اسككمعوا لككه وأطيعككوا«‬
‫رواه مسلم‪ ,‬وفككي لفككظ لككه »عبككدا ً حبشككيا ً مجككدوعًا« وقككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثني علي بن مسككلم الطوسككي‪ ,‬حككدثنا ابككن أبككي فككديك‪,‬‬
‫حدثني عبد الله بن محمد بن عروة عن هشام بن عروة عكن أبكي‬
‫صالح السمان‪ ,‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪» :‬سيليكم بعدي ولة‪ ,‬فيليكم البّر بككبره والفككاجر‬
‫بفجوره‪ ,‬فاسمعوا لهم وأطيعوا فككي كككل مككا وافككق الحككق وصككلوا‬
‫وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساؤوا فلكم وعليهم«‪ .‬وعن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه‪ .‬أن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫قال‪» :‬كانت بنو إسرائيل تسوسهم النبياء كلمككا هلككك نككبي خلفككه‬
‫نبي‪ ,‬وإنه ل نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون« قالوا‪ :‬يا رسككول‬
‫الله‪ ,‬فمككا تأمرنككا ؟ قككال »أوفككوا ببيعككة الول فككالول‪ ,‬وأعطككوهم‬
‫حقهم‪ ,‬فإن اللككه سككائلهم عمككا اسككترعاهم«‪ ,‬أخرجككاه‪ .‬وعككن ابككن‬
‫عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪» :‬من رأى من أميره شيئا ً فكرهه فليصبر‪ ,‬فإنه ليككس أحككد‬
‫‪148‬‬
‫يفارق الجماعة شككبرا ً فيمككوت إل مككات ميتككة جاهليككة«‪ ,‬أخرجككاه‪.‬‬
‫وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪ :‬يقككول‬
‫» من خلع يدا ً من طاعة لقي الله يوم القيامككة ل حجككة لككه‪ ,‬ومككن‬
‫مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية« رواه مسككلم‪ .‬وروى‬
‫مسلم أيضا ً عن عبد الرحمككن بككن عبككد رب الكعبككة‪ ,‬قككال‪ :‬دخلككت‬
‫المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة‬
‫والناس حوله مجتمعون عليه‪ ,‬فأتيتهم فجلست إليه‪ ,‬فقال‪ :‬كنا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزل ً فمنا مككن‬
‫يصلح خباءه‪ ,‬ومنا من ينتضل‪ ,‬ومنا من هككو فككي جشككره‪ ,‬إذ نككادى‬
‫منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬الصلة جامعة‪ ,‬فاجتمعنا‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقكال‪» :‬إنكه لكم يككن نكبي‬
‫من قبلي إل كان حقا ً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمككه لهككم‪,‬‬
‫وينذرهم شر ما يعلمه لهككم‪ ,‬وإن أمتكككم هككذه جعككل عافيتهككا فككي‬
‫أولها‪ ,‬وسيصيب آخرها بلء‪ ,‬وأمور تنكرونهككا‪ ,‬وتجيككء فتككن يرفككق‬
‫بعضها بعضًا‪ ,‬وتجيككء الفتنككة فيقككول المككؤمن‪ :‬هككذه مهلكككتي‪ ,‬ثككم‬
‫تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن‪ :‬هذه هككذه‪ ,‬فمككن أحككب أن‬
‫يزحزح عن النار ويككدخل الجنككة‪ ,‬فلتككأته منيتككه وهككو يككؤمن بككا للككه‬
‫لخر‪ ,‬وليأت إلى الناس الككذي يحككب أن يككؤتى إليككه‪ ,‬ومككن‬ ‫واليوم ا َ‬
‫بايع إماما ً فأعطاه صفقة يده وثمككرة قلبككه‪ ,‬فليطعككه إن اسككتطاع‪,‬‬
‫لخكر«‪ ,‬قكال‪ :‬فكدنوت منكه‬ ‫فإن جاء آخكر ينكازعه فاضكربوا عنكق ا َ‬
‫فقلت‪ :‬أنشدك بالله‪ ,‬آنت سمعت هذا من رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه‪ ,‬وقال‪ :‬سمعته أذنككاي‪,‬‬
‫ووعاه قلبي‪ ,‬فقلت لككه‪ :‬هككذا ابككن عمككك معاويككة يأمرنككا أن نأكككل‬
‫أموالنا بيننا بالباطل‪ ,‬ونقتل أنفسنا‪ ,‬واللككه تعككالى يقككول‪} :‬يككا أيهككا‬
‫الذين آمنوا ل تأكلوا أمككوالكم بينكككم بالباطككل إل أن تكككون تجككارة‬
‫عن تراض منكم ول تقتلوا أنفكسم إن الله كان بكم رحيمًا{ قال‪:‬‬
‫فسكت ساعة‪ ,‬ثم قال‪ :‬أطعه في طاعة الله‪ ,‬واعصه في معصككية‬
‫الله‪ ,‬والحاديث في هذا كثيرة‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫الحسين‪ ,‬حدثنا أحمد بن الفضل‪ ,‬حدثنا أسككباط عككن السككدي فككي‬
‫قوله‪} :‬أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولككي المككر منكككم{ قككال‪:‬‬
‫بعث رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم سككرية عليهككا خالككد بككن‬
‫الوليد وفيها عمار بن ياسر‪ ,‬فسككاروا قبككل القككوم الككذين يريككدون‪,‬‬
‫‪149‬‬
‫عرسككوا وأتككاهم ذو العيينككتين فككأخبرهم‪,‬‬ ‫فلمككا بلغككوا قريب كا ً منهككم ّ‬
‫فأصبحوا قد هربوا غير رجل فأمر أهله فجمعوا متاعهم‪ ,‬ثكم أقبكل‬
‫يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالكد‪ ,‬فسكأل عكن عمكار‬
‫بن ياسر فأتاه فقال‪ :‬يا أبا اليقظان‪ ,‬إني قد أسلمت وشككهدت أن‬
‫ل إله إل الله‪ ,‬وأن محمدا ً عبده ورسوله‪ ,‬وإن قككومي لمككا سككمعوا‬
‫بكم هربوا‪ ,‬وإني بقيت فهل إسلمي نافعي غدًا‪ ,‬وإل هربت ؟ قال‬
‫عمار‪ :‬بل هو ينفع فأقم‪ ,‬فأقام‪ ,‬فلما أصبحوا أغار خالككد فلككم يجككد‬
‫أحدا ً غير الرجل‪ ,‬فأخذه وأخذ ماله‪ ,‬فبلغ عمارا ً الخبر‪ ,‬فأتى خالدا ً‬
‫فقال‪ :‬خل عن الرجل فإنه قد أسلم وإنه فككي أمككان منككي‪ ,‬فقككال‬
‫خالد‪ :‬وفيم أنت تجير ؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية علككى أميككر‪ ,‬فاسككتبا‬
‫عند رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فقككال خالككد‪ :‬أتككترك هككذا‬
‫العبد الجدع يسبني‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »يككا‬
‫خالد ل تسب عمارا ً فإنه من يسب عمارا ً يسبه الله‪ ,‬ومن يبغضككه‬
‫يبغضه الله‪ ,‬ومكن يلعكن عمكارا ً يلعنكه اللكه« فغضكب عمكار فقكام‬
‫فتبعه خالد فأخذ بثوبه فاعتذر إليككه فرضككي عنككه فككأنزل اللككه عككز‬
‫وجل قوله }أطيعوا الله وأطيعككوا الرسككول وأولككي المككر منكككم{‬
‫ل‪ ,‬ورواه‬ ‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عككن السككدي مرس ك ً‬
‫ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي صككالح‬
‫عن ابن عباس فككذكره بنحككوه واللككه أعلككم‪ .‬وقككال علككي بككن أبككي‬
‫طلحة عن ابككن عبككاس }وأولككي المككر منكككم{ يعنككي أهككل الفقككه‬
‫والدين‪ ,‬وكذا قال مجاهد وعطككاء والحسككن البصككري وأبككو العاليككة‬
‫}وأولي المر منكم{ يعني العلماء والظاهر والله أعلم أنها عامككة‬
‫في كل أولي المككر مككن المككراء والعلمككاء كمككا تقككدم‪ .‬وقككد قككال‬
‫تعالى‪} :‬لول ينهاهم الربانيون والحبكار عكن قككولهم الثككم وأكلهكم‬
‫السحت{ وقال تعالى }فاسألوا أهل الككذكر إن كنتككم ل تعلمككون{‬
‫وفي الحديث الصحيح المتفق عليه عككن أبككي هريككرة عككن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنه قال »من أطاعني فقككد أطككاع اللككه‬
‫ومن عصاني فقد عصى الله‪ ,‬ومككن أطككاع أميككري فقككد أطككاعني‪,‬‬
‫ومن عصى أميككري فقككد عصككاني«‪ ,‬فهككذه أوامككر بطاعككة العلمككاء‬
‫والمككراء‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى }أطيعككوا اللككه{ أي اتبعككوا كتككابه‬
‫}وأطيعوا الرسككول{ أي خككذوا بسككنته }وأولككي المككر منكككم{ أي‬
‫‪150‬‬
‫فيما أمروكم به من طاعة الله ل في معصية اللككه‪ ,‬فككإنه ل طاعككة‬
‫لمخلوق في معصية الله كمكا تقككدم فكي الحكديث الصكحيح »إنمككا‬
‫الطاعة في المعروف«‪ ,‬وقال المكام أحمكد‪ :‬حكدثنا عبكد الرحمكن‬
‫حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي مراية عن عمران بن حصين عككن‬
‫النبي صلى الله عليه وسككلم قككال »ل طاعككة فككي معصككية اللككه«‪.‬‬
‫وقوله }فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللككه والرسككول{ قككال‬
‫مجاهد وغير واحد من السلف أي إلى كتككاب اللككه وسككنة رسككوله‪.‬‬
‫وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شككيء تنككازع النككاس فيككه مككن‬
‫أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسككنة‬
‫كما قال تعالى }وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله{ فما‬
‫حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحككق‪ ,‬ومككاذا بعككد‬
‫الحق إل الضلل‪ ,‬ولهذا قال تعالى }إن كنتم تؤمنون بالله واليككوم‬
‫لخككر{ أي ردوا الخصككومات والجهككالت إلككى كتككاب اللككه وسككنة‬ ‫ا َ‬
‫رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم }إن كنتم تؤمنككون بككالله‬
‫لخر{ فدل على أن من لم يتحاكم في محككل النككزاع إلككى‬ ‫واليوم ا َ‬
‫الكتاب والسنة ول يرجع إليهمككا فككي ذلكك فليككس مؤمنكا ً بككالله ول‬
‫لخر‪ ,‬وقوله }ذلك خير{ أي التحاكم إلى كتاب الله وسككنة‬ ‫باليوم ا َ‬
‫ل{ أي‬ ‫رسوله‪ ,‬والرجوع إليهما في فصل النزاع خير }وأحسن تأوي ً‬
‫وأحسن عاقبة ومآل كما قاله السدي وغيككر واحككد‪ .‬وقككال مجاهككد‪:‬‬
‫وأحسككككككككككككككن جككككككككككككككزاء وهككككككككككككككو قريككككككككككككككب‪.‬‬
‫ل‬‫مككآ ُأنككزِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫مآ أ ُن ْزِ َ‬‫مُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬

‫** أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ‬
‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ ََ ِ‬
‫َ‬
‫م كُروَا ْ أن‬ ‫ُ‬ ‫موَا ْ إ ِل َككى الط ّككا ُ‬ ‫َ‬
‫ت وَقَ كد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫حككاك َ ُ‬ ‫ن أن ي َت َ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ك ُ‬
‫ِ‬ ‫ك يُ‬ ‫مككن قَب ْل ِك َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ل ل َُهكك ْ‬ ‫ذا ِقي َ‬ ‫ضل َل ً ب َِعيدا ً * وَإ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬‫ن أن ي ُ ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ي َك ُْفُروا ْ ب ِهِ وَي ُ‬
‫َ‬ ‫مآ َأنَز َ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫صك ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫من َككافِِقي َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ل َرأي ْك َ‬ ‫سككو ِ‬ ‫ه وَإ ِل َككى الّر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ى َ‬ ‫َ‬
‫ت ََعال َوْا ْ إ ِل َ‬
‫َ‬ ‫فإ َ َ‬ ‫دودا ً * فَك َي ْ َ‬ ‫عن َ‬
‫م‬ ‫م ث ُك ّ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت أي ْك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مككا قَكد ّ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫صككيب َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫م ّ‬ ‫صاب َت ْهُ ْ‬
‫ذآ أ َ‬ ‫ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّك ِ‬‫سانا ً وَت َوِْفيقا ً * أوَلـ كئ ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أَرد َْنآ إ ِل ّ إ ِ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫حل ُِفو َ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫جآُءو َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫م ِفك َ‬ ‫م وَُقكل ل ُّهك ْ‬ ‫عظ ُْهك ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ض عَن ُْهك ْ‬ ‫م َفكأعْرِ ْ‬ ‫ما ِفي قُُلكوب ِهِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫م َقككككككككككككككككككككككوْل ً ب َِليغككككككككككككككككككككككا ً‬ ‫َ‬
‫سككككككككككككككككككككككهِ ْ‬ ‫أن ُْف ِ‬
‫هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي اليمان بما أنزل الله‬
‫على رسوله وعلى النبياء القدمين‪ ,‬وهو مع ذلك يريد أن يتحككاكم‬
‫‪151‬‬
‫في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله‪ ,‬كمككا ذكككر‬
‫لية أنها في رجككل مككن النصككار ورجككل مككن‬ ‫في سبب نزول هذه ا َ‬
‫اليهود تخصاما‪ ,‬فجعل اليهككودي يقككول‪ :‬بينككي وبينككك محمككد‪ ,‬وذاك‬
‫يقول‪ :‬بينككي وبينكك كعكب بكن الشككرف‪ ,‬وقيكل‪ :‬فككي جماعكة مكن‬
‫المنافقين ممن أظهككروا السككلم‪ ,‬أرادوا أن يتحككاكموا إلككى حكككام‬
‫لية أعم من ذلك كله‪ ,‬فإنها ذامة لمن‬ ‫الجاهلية‪ ,‬وقيل غير ذلك‪ ,‬وا َ‬
‫عدل عن الكتاب والسنة‪ .‬وتحاكموا إلى ما سككواهما مككن الباطككل‪,‬‬
‫وهو المراد بالطاغوت ههنا‪ ,‬ولهذا قال }يريدون أن يتحاكموا إلككى‬
‫الطككاغوت{ إلككى آخرهككا‪ .‬وقككوله }ويصككدون عنككك صككدودًا{ أي‬
‫يعرضون عنك إعراضا ً كالمستكبرين عن ذلك‪ ,‬كما قال تعالى عن‬
‫المشركين‪} :‬وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللكه قككالوا بككل نتبككع مككا‬
‫وجدنا عليه آباءنا{ وهؤلء بخلف المؤمنين الذين قككال اللكه فيهككم‬
‫}إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحككم بينهكم‬
‫أن يقولككككككككككككوا سككككككككككككمعنا وأطعنككككككككككككا{ ا َ‬
‫ليككككككككككككة‪.‬‬
‫ثم قال تعالى في ذم المنافقين‪} :‬فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما‬
‫قدمت أيككديهم{ أي فكيككف بهككم إذا سككاقتهم المقككادير إليككك فككي‬
‫مصائب تطرقهم بسككبب ذنككوبهم‪ ,‬واحتككاجوا إليككك فككي ذلككك }ثككم‬
‫جاؤوك يحلفون بكالله إن أردنكا إل إحسكانا ً وتوفيقكًا{ أي يعتكذرون‬
‫إليك ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك‪ ,‬وتحاكمنا إلى أعدائك إل‬
‫الحسان والتوفيق‪ ,‬أي المداراة والمصككانعة ل اعتقككادا ً منككا صككحة‬
‫تلك الحكومة‪ ,‬كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله }فترى الذين فككي‬
‫قلككوبهم مككرض يسككارعون فيهككم يقولككون نخشككى كك إلككى قككوله كك‬
‫فيصككبحوا علككى مككا أسككروا فككي أنفسككهم نككادمين{‪ .‬وقككد قككال‬
‫الطبراني‪ :‬حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحوطي‪ ,‬حدثنا أبو اليمان‪,‬‬
‫حدثنا صفوان بن عمر عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كان أبككو‬
‫برزة السلمي كاهنا ً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيككه‪ ,‬فتنككافر‬
‫إليه ناس من المسلمين‪ ,‬فأنزل الله عز وجل }ألم تر إلى الككذين‬
‫يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ك إلى قوله ك‬
‫إن أردنكككككككككككككككككا إل إحسكككككككككككككككككانا ً وتوفيقكككككككككككككككككًا{‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪} :‬أولئك الككذين يعلككم اللككه مككا فككي قلككوبهم{ هككذا‬
‫الضرب من النككاس هككم المنككافقون‪ ,‬واللككه يعلككم مككا فككي قلككوبهم‬
‫وسيجزيهم على ذلك‪ ,‬فككإنه ل تخفككى عليككه خافيككة‪ ,‬فككاكتف بككه يككا‬
‫‪152‬‬
‫محمككد فيهككم‪ ,‬فككإنه عككالم بظككواهرهم وبككواطنهم‪ .‬ولهككذا قككال لككه‬
‫}فأعرض عنهم{ أي ل تعنفهم على ما في قلوبهم }وعظهم{ أي‬
‫وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر‪} ,‬وقل لهم فككي‬
‫أنفسهم قول ً بليغ كًا{ أي وانصككحهم فيمككا بينككك وبينهككم بكلم بليككغ‬
‫رادع لهككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫م كوَا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫م ِإذ ظ ّل َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَل َوْ أن ّهُ ك ْ‬ ‫طاعَ ب ِإ ِذ ْ ِ‬‫ل أ ِل ّ ل ِي ُ َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫سل َْنا ِ‬‫مآ أْر َ‬ ‫** وَ َ‬
‫دوا ْ‬ ‫َ‬
‫جك ُ‬ ‫ل ل َوَ َ‬ ‫سككو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫س كت َغَْفَر ل َهُ ك ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫ست َغَْفُروا ْ الل ّ َ‬‫ك َفا ْ‬ ‫جآُءو َ‬ ‫م َ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫أن ُْف َ‬
‫جَر‬ ‫شكك َ‬ ‫مككا َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬‫ى يُ َ‬ ‫حت ّ َ‬
‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫حيما ً * فَل َ وََرب ّ َ‬ ‫وابا ً ّر ِ‬ ‫ه تَ ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫سِليما ً‬ ‫َ‬
‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫ت وَي ُ َ‬ ‫ما قَ َ‬
‫ضي ْ َ‬ ‫م ّ‬‫حَرجا ً ّ‬ ‫م َ‬ ‫سه ِ ْ‬‫ي أن ُْف ِ‬ ‫دوا ْ فِ َ‬
‫ج ُ‬‫م ل َ يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫يقول تعالى‪} :‬وما أرسككلنا مككن رسككول إل ليطككاع{ أي فرضككت‬
‫طاعته على من أرسله إليهم‪ .‬وقوله }بإذن الله{ قال مجاهد‪ :‬أي‬
‫ل يطيع أحد إل بإذني‪ ,‬يعني ل يطيعهم إل من وفقته لذلك‪ ,‬كقككوله‬
‫}ولقككد صككدقكم اللككه وعككده إذ تحسككونهم بككإذنه{ أي عككن أمككره‬
‫وقككدره ومشككيئته وتسككليطه إيككاكم عليهككم‪ .‬وقككوله }ولككو أنهككم إذ‬
‫ليككة‪ ,‬يرشككد تعككالى العصكاة والمككذنبين إذا وقكع‬ ‫ظلموا أنفسهم{ ا َ‬
‫منهم الخطككأ والعصككيان أن يككأتوا إلككى الرسككول صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم‪ ,‬فككإنهم إذا‬
‫فعلككوا ذلككك تككاب اللككه عليهككم ورحمهككم وغفككر لهككم‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫}لوجدوا الله توابا ً رحيمًا{ وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبككو نصككر‬
‫بن الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كنت جالسا ً عند قبر النبي صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬فجككاء أعرابككي‬
‫فقال‪ :‬السلم عليك يا رسول الله‪ ,‬سمعت الله يقول }ولككو أنهككم‬
‫إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهككم الرسككول‬
‫لوجدوا الله توابا ً رحيمًا{ وقد جئتك مستغفرا ً لذنبي مستشفعا ً بك‬
‫إلككككككككككككى ربككككككككككككي‪ .‬ثككككككككككككم أنشككككككككككككأ يقككككككككككككول‪:‬‬
‫يككا خيككر مككن دفنككت بالقككاع أعظمهفطككاب مككن طيبهككن القككاع وا‬
‫لكمنفسي الفداء لقبر أنت ساكنهفيه العفاف وفيه الجود والكككرم‬
‫‪153‬‬
‫ثم انصرف العرابي‪ ,‬فغلبتنككي عينككي فرأيككت النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم في النوم‪ ,‬فقال يا عتبي‪ ,‬الحككق العرابككي فبشككره أن‬
‫اللكككككككككككككككككه قكككككككككككككككككد غفكككككككككككككككككر لكككككككككككككككككه«‪.‬‬
‫وقوله }فل وربك ل يؤمنون حتى يحكمككوك فيمككا شككجر بينهككم{‬
‫يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه ل يؤمن أحد حتى يحكم‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع المور‪ ,‬فما حكم به فهو‬
‫الحق الذي يجككب النقيككاد لككه باطنكا ً وظككاهرًا‪ ,‬ولهككذا قككال }ثككم ل‬
‫يجدوا في أنفسهم حرج كا ً ممككا قضككيت ويسككلموا تسككليمًا{ أي إذا‬
‫حكموك يطيعونك في بواطنهم فل يجدون في أنفسهم حرجا ً مما‬
‫حكمت به‪ ,‬وينقادون له فككي الظككاهر والبككاطن‪ ,‬فيسككلمون لككذلك‬
‫تسليما ً كليا ً من غير ممانعة ول مدافعة ول منازعككة‪ ,‬كمككا ورد فككي‬
‫الحديث »والذي نفسي بيده‪ ,‬ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا ً‬
‫لم جئت به«‪ .‬وقال البخاري‪ :‬حدثنا علي بن عبد الله‪ ,‬حدثنا محمد‬
‫بن جعفر‪ ,‬حدثنا معمر عن الزهري‪ ,‬عن عروة‪ ,‬قال‪ :‬خاصم الزبير‬
‫سريج من الحرة‪ ,‬فقككال النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬ ‫رجل ً في ْ‬
‫»اسق يا زبير ثم أرسكل المكاء إلكى جكارك« فقكال النصكاري‪ :‬يكا‬
‫رسول الله أن كان ابن عمتك‪ ,‬فتلون وجه رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬ثم قال‪» :‬اسق يا زبير‪ ,‬ثم احبس المككاء حككتى يرجككع‬
‫إلى الجدر‪ ,‬ثم أرسل الماء إلكى جكارك«‪ .‬واسكتوعى النكبي صكلى‬
‫اللككه عليككه وسككلم للزبيككر حقككه فككي صككريح الحكككم حيككن أحفظككه‬
‫النصاري‪ ,‬وكان أشار عليهما صلى الله عليه وسلم بأمر لهما فيه‬
‫ليككة إل نزلككت فككي ذلككك }فل‬ ‫سعة‪ ,‬قال الزبير‪ :‬فما أحسب هذه ا َ‬
‫لية‪ .‬هكذا رواه‬ ‫وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم{ ا َ‬
‫البخاري ههنا‪ ,‬أعني في كتاب التفسككير مككن صككحيحه مككن حككديث‬
‫معمر‪ ,‬وفي كتاب الشكرب مككن حككديث ابكن جريككج ومعمككر أيضكًا‪,‬‬
‫وفي كتاب الصلح من حديث شعيب بن أبككي حمككزة‪ ,‬ثلثتهككم عككن‬
‫الزهري‪ ,‬عن عروة‪ ,‬فذكره‪ ,‬وصورته صورة الرسال‪ ,‬وهو متصككل‬
‫فككي المعنككى‪ ,‬وقككد رواه المككام أحمككد مككن هككذا الككوجه فصككرح‬
‫بالرسال‪ ,‬فقال‪ :‬حدثنا أبككو اليمككان‪ ,‬حككدثنا شككعيب عككن الزهككري‪,‬‬
‫أخبرني عروة بن الزبير أن الزبيككر كككان يحككدث أنككه كككان(يخاصككم‬
‫رجل ً من النصار قد شهد بدرا ً إلى النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫في شراج الحرة‪ ,‬كانا يسقيان بها كلهما‪ ,‬فقال النبي صككلى اللككه‬
‫‪154‬‬
‫عليه وسلم للزبير »اسق ثم أرسل إلى جارك« فغضب النصاري‬
‫وقال‪ :‬يا رسول الله أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثم قال‪» :‬اسق يككا زبيككر ثككم احبككس المككاء‬
‫حتى يرجع إلى الجدر« فاستوعى النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫للزبير‪ :‬حقه‪ ,‬وكان النبي صلى الله عليككه وسككلم قبككل ذلككك أشككار‬
‫علككى الزبيككر بككرأي أراد فيككه سككعة لككه وللنصككاري‪ ,‬فلمككا أحفككظ‬
‫النصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم‪ ,‬قكال عكروة‪ :‬فقكال‬
‫لية نزلت إل في ذلك }فل وربككك ل‬ ‫الزبير‪ :‬والله ما أحسب هذه ا َ‬
‫يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‪ ,‬ثم ل يجدوا فككي أنفسككهم‬
‫حرجا ً مما قضيت ويسلموا تسليمًا{‪ ,‬هكذا رواه المام أحمد‪ ,‬وهو‬
‫منقطع بين عروة وبين أبيه الزبيككر‪ ,‬فككإنه لككم يسككمع منككه‪ ,‬والككذي‬
‫يقطع به أنه سمعه من أخيه عبد الله‪ ,‬فإن أبا محمد عبد الرحمككن‬
‫بن أبي حاتم‪ ,‬رواه كذلك في تفسيره‪ ,‬فقال‪ :‬حدثنا يونس بن عبد‬
‫العلى‪ ,‬حدثنا ابن وهب‪ ,‬أخبرني الليث ويونس عككن ابككن شككهاب‪,‬‬
‫أن عروة بن الزبير حدثه أن عبد الله بن الزبير حككدثه عككن الزبيككر‬
‫بن العوام‪ ,‬أنه خاصم رجل ً من النصككار قككد شككهد بككدرا ً مككع النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فككي‬
‫شراج الحرة كانا يسقيان به كلهما النخل‪ ,‬فقال النصاري‪ :‬سرح‬
‫الماء يمر‪ ,‬فأبى عليه الزبير‪ ,‬فقال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪» :‬اسق يا زبير ثكم أرسككل إلككى جكارك« فغضكب النصككاري‬
‫وقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله‬
‫ق يككا زبيككر ثككم احبككس المككاء‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثم قال‪» :‬اس ِ‬
‫حتى يرجع إلى الجدر« واسككتوعى رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم للزبير حقه‪ ,‬وكان رسول الله صلى الله عليككه وسككلم قبككل‬
‫ذلك أشار على الزبير بككرأي أراد فيككه السككعة لككه وللنصككار‪ ,‬فلمككا‬
‫أحفظ النصاري رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬اسككتوعى‬
‫للزبير حقه في صريح الحكم‪ ,‬فقال الزبير‪ :‬ما أحسككب هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫إل في ذلك }فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شككجر بينهككم‬
‫ثم ل يجدوا فككي أنفسككهم حرجكا ً ممككا قضككيت ويسككلموا تسككليمًا{‬
‫وهكككذا رواه النسككائي مككن حككديث ابككن وهككب بككه‪ .‬ورواه أحمككد‬
‫والجماعة كلهم من حديث الليث به‪ .‬وجعله أصحاب الطراف في‬
‫‪155‬‬
‫مسند عبد الله بن الزبير‪ .‬وكذا ساقه المام أحمد في مسند عبككد‬
‫الله بن الزبير‪ .‬والله أعلم‪ .‬والعجب كل العجب مككن الحككاكم أبككي‬
‫عبد الله النيسابوري فإنه روى هذا الحديث من طريككق ابككن أخككي‬
‫ابن شهاب عن عمه عككن عككروة‪ ,‬عككن عبككد اللككه بككن الزبيككر‪ ,‬عككن‬
‫الزبير‪ ,‬فذكره‪ ,‬ثم قال‪ :‬صحيح السناد‪ ,‬ولم يخرجاه‪ .‬فإني ل أعلم‬
‫أحدا ً قام بهذا السناد عن الزهري بذكر عبد اللككه بككن الزبيككر غيككر‬
‫ابن أخيه وهو عنه ضككعيف‪ ,‬وقككال الحككافظ أبككو بكككر بككن مردويككه‪:‬‬
‫حدثنا محمد بككن علككي أبككو دحيككم‪ ,‬حككدثنا أحمككد بككن حككازم‪ ,‬حككدثنا‬
‫الفضل بن دكين‪ ,‬حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار‪ ,‬عككن سككلمة‬
‫رجل من آل أبي سلمة‪ ,‬قال‪ :‬خاصم الزبير رجل ً إلى النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم فقضى للزبير‪ ,‬فقال الرجل‪ :‬إنمككا قضككى لككه لنككه‬
‫ابن عمته‪ ,‬فنزلت‪} :‬فل وربك ل يؤمنككون{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وقككال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا عمرو بن عثمان‪ ,‬حككدثنا أبككو حيككوة‪ ,‬حككدثنا‬
‫سعيد بن عبد العزيز‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عككن سككعيد بككن المسككيب فككي‬
‫قوله }فل وربك ل يؤمنون{ قككال‪ :‬نزلككت فككي الزبيككر بككن العككوام‬
‫وحاطب بن أبي بلتعة‪ ,‬اختصما في ماء‪ ,‬فقضى النككبي صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم أن يسقي العلى ثم السفل‪ ,‬هذا مرسككل ولكككن فيككه‬
‫فكككككككككككككككككككائدة تسكككككككككككككككككككمية النصكككككككككككككككككككاري‪.‬‬
‫)ذكر سبب آخر غريب جدًا( ك قال ابن أبكي حككاتم‪ :‬حكدثنا يكونس‬
‫بن عبد العلى قراءة‪ ,‬أخبرنا ابككن وهككب‪ ,‬وأخككبرني عبككد اللككه بككن‬
‫لهيعة عن أبي السود‪ ,‬قال‪ :‬اختصم رجلن إلى رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم فقضى بينهمككا‪ ,‬فقككال المقضككي عليككه‪ :‬ردنككا إلككى‬
‫عمككر بككن الخطككاب‪ ,‬فقككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»نعم«‪ ,‬انطلقا إليه‪ ,‬فلما أتيا إليه‪ ,‬فقال الرجل‪ :‬يككا ابككن الخطككاب‬
‫قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا‪ .‬فقال‪ :‬ردنككا‬
‫إلى عمر بن الخطاب‪ ,‬فردنككا إليككك‪ :‬فقككال‪ :‬أكككذاك ؟ قككال‪ :‬نعككم‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما‪ .‬فخرج إليها‬
‫مشتمل ً على سيفه فضرب الذي قال‪ :‬ردنا إلى عمر فقتله‪ ,‬وأدبر‬
‫لخر فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول‬ ‫ا َ‬
‫الله‪ ,‬قتل عمر والله صككاحبي‪ ,‬ولككول أنككي أعجزتككه لقتلنككي‪ ,‬فقككال‬
‫رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪» :‬مككا كنككت أظككن أن يجككترىء‬
‫عمر على قتل مككؤمن« فككأنزل اللككه }فل وربككك ل يؤمنككون حككتى‬
‫‪156‬‬
‫لية‪ ,‬فهدر دم ذلك الرجل وبرىء عمر من قتله‪ ,‬فكره‬ ‫يحكموك{ ا َ‬
‫الله أن يسن ذلككك بعككد‪ ,‬فككأنزل }ولككو أنككا كتبنككا عليهككم أن اقتلككوا‬
‫لية‪ ,‬وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعككة عككن‬ ‫أنفسكم{ ا َ‬
‫أبي السود به‪ ,‬وهو أثر غريب مرسل‪ ,‬وابككن لهيعكة ضككعيف واللكه‬
‫)طريككق أخككرى( كك قككال الحككافظ أبككو إسككحاق إبراهيككم بككن عبككد‬
‫الرحمن بككن إبراهيكم بككن دحيكم فككي تفسكيره‪ :‬حككدثنا شكعيب بكن‬
‫شعيب‪ ,‬حدثنا أبو المغيرة‪ ,‬حدثنا عتبة بن ضمرة‪ ,‬حككدثني أبككي أن‬
‫رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليككه وسككلم فقضككى للمحككق‬
‫على المبطل‪ ,‬فقال المقضي عليه‪ :‬ل أرضى‪ ,‬فقال صككاحبه‪ :‬فمككا‬
‫تريد ؟ قال‪ :‬أن نذهب إلى أبي بكككر الصككديق‪ ,‬فككذهبا إليككه‪ ,‬فقككال‬
‫الذي قضي له‪ :‬قد اختصمنا إلككى النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫فقضى لي‪ ,‬فقال أبو بكر‪ :‬أنتمككا علككى مككا قضككى بككه رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فأبى صاحبه أن يرضى‪ ,‬فقال‪ :‬نككأتي عمككر‬
‫بن الخطاب‪ ,‬فقال المقضي له‪ :‬قد اختصمنا إلى النبي صلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فقضى لي عليه‪ ,‬فكأبي أن يرضككى‪ ,‬فسكأله عمكر بكن‬
‫الخطاب فقال كذلك‪ ,‬فدخل عمر منزله وخرج والسيف فككي يككده‬
‫قد سله‪ ,‬فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله‪ ,‬فككأنزل }فل‬
‫وربككككككككككككككككككككك ل يؤمنككككككككككككككككككككون{ ا َ‬
‫ليككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫ما‬ ‫م ّ‬‫من دَِيارِك ُ ْ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خُر ُ‬‫م أ َوِ ا ْ‬

‫سك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن اقْت ُل ُوَا ْ أن ُْف َ‬
‫** ول َو أ َنا ك َتبنا عَل َيه َ‬
‫مأ ِ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫َ ْ ّ ََْ‬
‫خي ْككرا ً‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫ن ب ِكهِ ل َك َككا َ‬ ‫مككا ُيوعَظ ُككو َ‬ ‫م فَعَُلوا ْ َ‬ ‫م وَل َوْ أن ّهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ل ّ‬ ‫فَعَُلوهُ إ ِل ّ قَِلي ٌ‬
‫ظيمككا ً *‬ ‫َ‬ ‫م وَأ َ َ‬
‫جككرا ً عَ ِ‬ ‫مككن ل ّد ُّنكككآ أ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫شككد ّ ت َث ِْبيتككا ً * وَِإذا ً ل َت َي َْنككاهُ ْ‬ ‫ل ُّهكك ْ‬
‫ك‬ ‫ل فَأ ُوَْلـ كئ ِ َ‬ ‫سككو َ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫من ي ُط ِِع الل ّك َ‬ ‫ست َِقيما ً * وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صَراطا ً ّ‬ ‫م ِ‬ ‫وَل َهَد َي َْناهُ ْ‬
‫مكع ال ّكذي َ‬
‫دآءِ‬ ‫ن َوال ّ‬
‫ش كه َ َ‬ ‫ديِقي َ‬ ‫صك ّ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ن الن ّب ِّييك َ‬
‫مك َ‬ ‫ه عَل َي ْهِككم ّ‬ ‫م الل ّك ُ‬ ‫ن أن ْعَك َ‬‫ِ َ‬ ‫َ َ‬
‫مك َ ّ‬ ‫ُ‬
‫ى‬ ‫ن الل كهِ وَك ََف ك َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ضك ُ‬‫ك ال َْف ْ‬‫ك َرِفيقا ً * ذ َل ِ َ‬ ‫ن أوَلـئ ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫َوال ّ‬
‫ِبكككككككككككككككككككككككككككككككككككككالل ّهِ عَِليمكككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ً‬
‫يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه مككن‬
‫المناهي لما فعلككوه‪ ,‬لن طبككاعهم الككرديئة مجبولككة علككى مخالفككة‬
‫المر‪ ,‬وهذا من علمه تبارك وتعالى بمككا لككم يكككن أو كككان‪ ,‬فكيككف‬
‫كان يكككون‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬ولككو أنككا كتبنككا عليهككم أن اقتلككوا‬
‫‪157‬‬
‫لية‪ ,‬قال ابن جرير‪ :‬حككدثني المثنككى‪ ,‬حككدثني إسككحاق‪,‬‬ ‫أنفسكم{ ا َ‬
‫حدثنا أبو زهير عن إسماعيل‪ ,‬عن أبي إسحاق السبيعي‪ ,‬قال‪ :‬لما‬
‫لية‪ ,‬قال رجل‪ :‬لو‬ ‫نزلت }ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم{ ا َ‬
‫أمرنا لفعلنا‪ ,‬والحمد لله الذي عافانا‪ ,‬فبلغ ذلك النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فقال‪» :‬إن من أمتي لرجال ً اليمان أثبت في قلوبهم‬
‫من الجبال الرواسي«‪ ,‬ورواه ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا جعفر بن منير‪,‬‬
‫حدثنا روح‪ ,‬حدثنا هشام عن الحسن بإسناده عن العمككش‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫لما نزلت }ولو أنككا كتبنككا عليهككم أن اقتلككوا أنفسكككم{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‬
‫أناس من أصحاب النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ :‬لككو فعككل ربنككا‬
‫لفعلنا‪ ,‬فبلغ النبي صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬فقككال‪» :‬لليمككان أثبككت‬
‫في قلوب أهله من الجبال الرواسي«‪ .‬وقال السدي‪ :‬افتخر ثككابت‬
‫بن قيس بن شماس ورجل من اليهود‪ ,‬فقال اليهودي‪ :‬واللككه لقككد‬
‫كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسككنا‪ ,‬فقككال ثككابت‪ :‬واللكه لككو كتككب‬
‫ليككة‪ .‬ورواه‬ ‫علينا }أن اقتلوا أنفسكم{ لفعلنا ‪ ¹‬فككأنزل اللككه هككذه ا َ‬
‫ابن أبي حاتم حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا محمود بن غيلن‪ ,‬حككدثنا بشككر بككن‬
‫السري‪ ,‬حدثنا مصعب بن ثابت عن عمه عككامر بككن عبككد اللككه بككن‬
‫الزبير قال‪ :‬لما نزلت }ولو أنا كتبنا عليهككم أن اقتلككوا أنفسكككم أو‬
‫اخرجوا من دياركم ما فعلككوه إل قليككل منهككم{ قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪» :‬لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم« وحككدثنا‬
‫أبي‪ ,‬حدثنا أبو اليمان‪ ,‬حدثنا إسماعيل بن عياش عن صككفوان بككن‬
‫عمرو‪ ,‬عن شريح بن عبيد‪ ,‬قككال‪ :‬لمككا تل رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫لية }ولو أنككا كتبنككا عليهككم أن اقتلككوا أنفسكككم{‬‫عليه وسلم هذه ا َ‬
‫لية‪ ,‬أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه بيككده إلككى عبككد‬ ‫ا َ‬
‫الله بن رواحة‪ ,‬فقال‪» :‬لو أن الله كتب ذلك لكان هككذا مككن أولئك‬
‫القليل« يعني ابن رواحة‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬ولو أنهككم فعلككوا مككا‬
‫يوعظون به{ أي ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركككوا مككا ينهككون‬
‫عنككه }لكككان خيككرا ً لهككم{ أي مككن مخالفككة المككر وارتكككاب النهككي‬
‫لتينككاهم مككن‬ ‫}وأشد تثبيتًا{‪ ,‬قال السدي‪ :‬أي وأشد تصديقا ً }وإذا ً َ‬
‫لككدنا{ أي مككن عنككدنا }أجككرا ً عظيم كًا{ يعنككي الجنككة }ولهككديناهم‬
‫لخرة‪ ,‬ثكم قكال تعكالى‪} :‬ومكن‬ ‫صراطا ً مستقيمًا{ أي في الدنيا وا َ‬
‫يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم مككن النككبيين‬
‫والصديقين والشهداء والصكالحين وحسكن أولئك رفيقكًا{‪ .‬أي مكن‬
‫‪158‬‬
‫عمل بما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنككه ورسككوله فككإن اللككه‬
‫عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقا ً للنبياء ثم لمن بعككدهم‬
‫في الرتبة وهم الصديقون‪ ,‬ثم الشهداء والصالحون الذين صككلحت‬
‫سرائرهم وعلنيتهم ثم أثنى عليهم تعككالى فقككال‪} :‬وحسككن أولئك‬
‫رفيقًا{ وقال البخاري‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب‪ ,‬حدثنا‬
‫إبراهيم بن سعد عن أبيه‪ ,‬عن عروة‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬قالت‪ :‬سككمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪» :‬ما مككن نككبي يمككرض ِإل‬
‫لخرة« وكان في شكواه التي قبض فيهككا أخككذته‬ ‫خير بين الدنيا وا َ‬
‫بحة شككديدة فسككمعته يقككول‪» :‬مككع الككذين أنعكم اللككه عليهككم مككن‬
‫خّيككر‪ ,‬وكككذا‬
‫النبيين والصديقين والشهداء والصالحين« فعلمت أنه ُ‬
‫رواه مسلم من حديث شعبة عن سعد بن ِإبراهيم به‪ .‬وهذا معنى‬
‫قوله صلى الله عليه وسككلم فككي الحككديث ا َ‬
‫لخككر »اللهككم الرفيككق‬
‫العلكككى« ثلثكككا ً ثكككم قضكككى‪ ,‬عليكككه أفضكككل الصكككلة والتسكككليم‪.‬‬
‫)ذككككككككر سكككككككبب نكككككككزول هكككككككذه ا َ‬

‫ليكككككككة الكريمكككككككة(‬
‫قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن حميد‪ ,‬حدثنا يعقوب القمي عن جعفككر‬
‫بن أبي المغيرة‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجككل مككن النصككار‬
‫ِإلى رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم وهككو محككزون‪ ,‬فقككال لككه‬
‫النبي صلى الله عليككه وسكلم‪» :‬يككا فلن مككا لككي أراك محزونكا ً ؟«‬
‫فقال‪ :‬يا نبي الله شيء فكرت فيككه‪ ,‬فقككال‪ :‬مككا هككو ؟ قكال‪ :‬نحكن‬
‫نغدو عليك ونككروح ننظككر ِإلككى وجهككك ونجالسككك وغككدا ً ترفككع مككع‬
‫النبيين فل نصل ِإليك‪ ,‬فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شككيئًا‪,‬‬
‫ليككة }ومككن يطككع اللككه والرسككول فككأولئك مككع‬ ‫فأتاه جبريل بهذه ا َ‬
‫لية‪ ,‬فبعث النككبي صككلى اللككه‬ ‫الذين أنعم الله عليهم من النبيين{ ا َ‬
‫عليه وسلم فبشره‪ .‬وقد روي هذا الثر مرسل ً عن مسروق‪ ,‬وعن‬
‫عكرمة‪ ,‬وعامر الشعبي وقتادة‪ ,‬وعككن الربيككع بككن أنككس وهككو مككن‬
‫أحسنها سندًا‪ ,‬قال ابن جرير‪ :‬حدثنا المثنى‪ ,‬حدثنا ابن أبككي جعفككر‬
‫لية‪ ,‬وقال‪:‬‬ ‫عن أبيه عن الربيع قوله‪} :‬ومن يطع الله والرسول{ ا َ‬
‫ِإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا‪ :‬قد علمنا أن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة‬
‫ممن اتبعه وصكدقه‪ ,‬وكيككف لهكم ِإذا اجتمعكوا فكي الجنكة أن يكرى‬
‫ليككة‪ ,‬فقككال‪ :‬يعنككي‬‫بعضهم بعضًا‪ .‬فأنزل الله في ذلك‪ ,‬يعني هذه ا َ‬
‫‪159‬‬
‫رسككول اللككه »ِإن العليككن ينحككدرون ِإلككى مككن هككو أسككفل منهككم‪,‬‬
‫فيجتمعون في رياض فيذكرون ما أنعم الله عليهككم ويثنككون عليككه‪,‬‬
‫وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون‬
‫به‪ ,‬فهم في روضة يحككبرون ويتنعمككون فيكه«‪ ,‬وقكد روي مرفوعكا ً‬
‫من وجه آخر‪ ,‬فقال أبو بكر بككن مردويككه‪ :‬حككدثنا عبككد الرحيككم بككن‬
‫محمد بن مسلم‪ ,‬حدثنا ِإسماعيل بن أحمد بككن أسككيد‪ ,‬حككدثنا عبككد‬
‫الله بن عمران‪ ,‬حدثنا فضيل بن عياض عن منصور‪ ,‬عن ِإبراهيككم‪,‬‬
‫عن السود‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬قالت‪ :‬جاء رجككل إلككى النككبي صككلى اللككه‬
‫ي مكن نفسكي‪,‬‬ ‫عليه وسلم فقال‪ :‬يكا رسكول اللكه‪ِ ,‬إنكك لحكب ِإلك ّ‬
‫ي من أهلي‪ ,‬وأحب ِإلي من ولدي‪ ,‬وِإني لكون في البيت‬ ‫وأحب إل ّ‬
‫فككأذكرك فمككا أصككبر حككتى آتيككك فككأنظر ِإليككك‪ ,‬وِإذا ذكككرت مككوتي‬
‫وموتك‪ ,‬عرفت أنك ِإذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين‪ ,‬وِإن دخلت‬
‫الجنة خشيت أن ل أراك‪ ,‬فلككم يككرد عليككه النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم حتى نزلت عليككه }ومككن يطككع اللككه والرسككول فككأولئك مككع‬
‫الككذين أنعككم اللككه عليهككم مككن النككبيين والصككديقين والشككهداء‬
‫والصالحين وحسن أولئك رفيقكًا{‪ .‬وهكككذا رواه الحككافظ أبككو عبككد‬
‫الله المقدسي في كتابه في صفة الجنة من طريق الطبراني عن‬
‫أحمككد بككن عمككرو بككن مسككلم الخلل‪ ,‬عككن عبككد اللككه بككن عمككران‬
‫العابدي به‪ ,‬ثم قال‪ :‬ل أرى بإسناده بأسًا‪ ,‬والله أعلككم‪ .‬وقككال ابككن‬
‫مردويه أيضًا‪ :‬حدثنا سليمان بن أحمد‪ ,‬حدثنا العبككاس بككن الفضككل‬
‫السفاطي‪ ,‬حدثنا أبو بكر بككن ثككابت ابككن عبككاس المصككري‪ ,‬حككدثنا‬
‫خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن عامر الشككعبي‪ ,‬عككن‬
‫ابن عباس‪ :‬أن رجل ً أتى النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم فقككال‪ :‬يككا‬
‫رسول الله إني لحبك حتى إني لذكرك في المنككزل فيشككق ذلككك‬
‫علي‪ ,‬وأحب أن أكون معك في الدرجة‪ ,‬فلم يرد عليه النبي صلى‬
‫ليككة‪ .‬وقككد رواه‬ ‫الله عليه وسلم شيئًا‪ ,‬فأنزل الله عز وجككل هككذه ا َ‬
‫ابن جريككر عككن ابككن حميككد عككن جريككر عككن عطككاء‪ ,‬عككن الشككعبي‬
‫ل‪ ,‬وثبت في صكحيح مسكلم مكن حكديث هقكل بكن زيكاد عكن‬ ‫مرس ً‬
‫الوزاعككي‪ ,‬عككن يحيككى بككن أبككي كككثير‪ ,‬عككن أبككي سككلمة بككن عبككد‬
‫الرحمن‪ ,‬عن ربيعة بن كعب السلمي أنككه قككال‪ :‬كنككت أبيككت عنككد‬
‫النبي صلى الله عليكه وسكلم فكأتيته بوضكوئه وحكاجته‪ ,‬فقكال لكي‬
‫»سل«‪ ,‬فقلت‪ :‬يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنككة‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫‪160‬‬
‫»أو غير ذلك ؟« قلت‪ :‬هو ذاك‪ .‬قال‪» :‬فأعني على نفسك بكككثرة‬
‫السكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككجود«‪.‬‬
‫لمام أحمد‪ :‬حدثنا يحيى بن ِإسحاق‪ ,‬أخبرنا ابن لهيعة عن‬ ‫وقال ا ِ‬
‫عبيد الله بن أبي جعفر‪ ,‬عن عيسى بن طلحة‪ ,‬عن عمرو بن مرة‬
‫الجهني‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يككا‬
‫رسول الله‪ ,‬شهدت أن ل إله إل الله‪ ,‬وأنك رسككول اللككه‪ ,‬وصككليت‬
‫الخمس‪ ,‬وأديت زكاة مالي‪ .‬وصمت شهر رمضككان‪ ,‬فقككال رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬من مات على ذلك كككان مككع النككبيين‬
‫والصديقين والشهداء يوم القيامة وهكذا ك ونصب أصبعيه ك ما لككم‬
‫يعق والديه« تفرد به أحمككد‪ .‬قككال المككام أحمككد أيض كًا‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫سعيد مولى أبي هاشم‪ ,‬حدثنا ابن لهيعة عن زبككان بككن فككائد‪ ,‬عككن‬
‫سهل بن معاذ بن أنس‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬أن رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال‪» :‬من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع‬
‫النبيين والصديقين والشهداء الصككالحين‪ ,‬وحسككن أولئك رفيق كا ً ِإن‬
‫شاء الله« وروى الترمذي مكن طريكق سكفيان الثكوري‪ ,‬عكن أبكي‬
‫حمزة‪ ,‬عن الحسن البصري‪ ,‬عن أبي سعيد‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬التككاجر الصككدوق الميككن مككع النككبيين‬
‫والصديقين والشهداء« ثم قال‪ :‬هذا حديث حسن ل نعرفه إل مككن‬
‫هذا الوجه‪ ,‬وأبو حمككزة اسككمه عبككد اللككه بككن جككابر شككيخ بصككري‪,‬‬
‫وأعظككم مككن هككذا كلككه بشككارة مككا ثبككت فككي الصككحيح والمسككانيد‬
‫وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة مككن الصككحابة‪ ,‬أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم سككئل عككن الرجككل يحككب القككوم ولمككا‬
‫يلحق بهم‪ ,‬فقال‪» :‬المرء مع مككن أحككب«‪ ,‬قككال أنككس‪ :‬فمككا فككرح‬
‫المسلمون فرحهم بهذا الحديث‪ .‬وفي رواية عككن أنككس أنككه قككال‪:‬‬
‫إني لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وأحب أبا بكر وعمر‬
‫رضي اللككه عنهمككا‪ ,‬وأرجككو أن اللككه يبعثنككي معهككم وإن لككم أعمككل‬
‫لمام مالك بن أنس‪ ,‬عن صككفوان بككن سككليم‪ ,‬عككن‬ ‫كعملهم‪ ,‬قال ا ِ‬
‫عطاء بن يسار عن أبي سككعيد الخككدري‪ ,‬قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪» :‬إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغككرف مككن‬
‫فوقهم‪ ,‬كما تراءون الكككوكب الككدري الغككابر فككي الفككق المشككرق‬
‫أوالمغرب‪ ,‬لتفاضل ما بينهم« قالوا‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬تلككك منككازل‬
‫النبياء ل يبلغها غيرهم‪ ,‬قال »بلى‪ ,‬والذي نفسي بيده رجال آمنوا‬
‫‪161‬‬
‫با لله وصدقوا المرسلين«‪ ,‬أخرجككاه فككي الصككحيحين مككن حككديث‬
‫لمام أحمد‪ ,‬حككدثنا فككزارة‪ ,‬أخككبرني‬ ‫مالك واللفظ لمسلم‪ ,‬ورواه ا ِ‬
‫فليح عن هلل يعني ابككن علككي‪ ,‬عككن عطككاء‪ ,‬عككن أبككي هريككرة أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬إن أهل الجنككة ليككتراءون‬
‫في الجنة كما تراءون ك أو ترون ك الكوكب الدري الغابر في الفق‬
‫الطككالع فككي تفاضككل الككدرجات«‪ .‬قككالوا‪ :‬يككا رسككول اللككه أولئك‬
‫النبيون ؟ قككال‪» :‬بلككى‪ ,‬والككذي نفسككي بيككده‪ ,‬رجككال آمنككوا بككا للككه‬
‫وصدقوا المرسلين« قال الحافظ الضياء المقدسي‪ :‬هذا الحككديث‬
‫علكككككككككى شكككككككككرط البخكككككككككاري‪ ,‬واللكككككككككه أعلكككككككككم‪.‬‬
‫وقككال الحككافظ أبككو القاسككم الطككبراني فككي معجمككه الكككبير‪:‬‬
‫حدثناعلي بن عبد العزيز‪ ,‬حدثنا محمد بن عمار الموصككلي‪ ,‬حككدثنا‬
‫عفيف بن سالم عن أيوب‪ ,‬عن عتبة‪ ,‬عككن عطككاء عككن ابككن عمككر‪,‬‬
‫قال‪ :‬أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يسككأله فقككال لككه رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬سككل‬
‫واستفهم« فقال‪ :‬يا رسككول اللككه فضككلتم علينككا بالصككور واللككوان‬
‫والنبوة‪ ,‬ثم قال‪ :‬أفرأيت إن آمنت بماآمنت به وعملت بما عملككت‬
‫به‪ ,‬إني لكائن معك في الجنة‪ ,‬قال رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم‪» :‬نعم‪ ,‬والذي نفسي بيده‪ ,‬إنه ليضككيء بيككاض السككود فككي‬
‫الجنة من مسيرة ألف عام« ثم قال رسول الله صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم‪» :‬من قال‪ :‬ل إله إل الله‪ ,‬كان له بها عهككد عنكد اللكه‪ ,‬ومكن‬
‫قال‪ :‬سبحان الله وبحمده‪ ,‬كتب له بهككا مككائة ألككف حسككنة وأربعككة‬
‫وعشرون ألف حسنة« فقال رجل‪ :‬كيف نهلك بعد هذا يككا رسككول‬
‫الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم »إن الرجككل ليككأتي‬
‫يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لثقلككه فتقككوم النعمككة مككن‬
‫نعم الله‪ ,‬فتكاد أن تستنفد ذلك كله إل أن يتغمككده اللككه برحمتككه«‬
‫لنسان حين من الدهر لم يكن‬ ‫ليات }هل أتى على ا ِ‬ ‫ونزلت هذه ا َ‬
‫شيئا ً مذكورا ً ك إلى قوله ك نعيما ً وملكا ً كبيرًا{ فقال الحبشككي‪ :‬وإن‬
‫ي لتريان ما ترى عيناك في الجنة ؟ فقككال رسككول اللككه صككلى‬ ‫عين ّ‬
‫الله عليه وسلم‪» :‬نعم« فاستبكى حتى فاضككت نفسككه‪ ,‬قككال ابككن‬
‫عمر‪ :‬فلقد رأيت رسول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم يكدليه فكي‬
‫حفرته بيديه‪ ,‬فيه غرابة ونكارة وسنده ضعيف‪ ,‬ولهذا قال تعككالى‪:‬‬
‫} ذلك الفضل من الله{ أي من عند الله برحمته وهو الذي أهلهم‬
‫‪162‬‬
‫لذلك ل بأعمالهم }وكفى بالله عليمًا{ أي هو عليم بمككن يسككتحق‬
‫الهدايكككككككككككككككككككككككككككككككككة والتوفيكككككككككككككككككككككككككككككككككق‪.‬‬
‫ميعكا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ت أوِ ان ِْفكُروا ْ َ‬
‫ج ِ‬ ‫م َفانِفُروا ْ ث َُبا ٍ‬ ‫حذ َْرك ُ ْ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫* وإن منك ُم ل َمن ل ّيبط ّئ َن فَإ َ‬
‫ه‬ ‫م الل ّك ُ‬ ‫ل قَد ْ أن ْعَ ك َ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫صيب َ ٌ‬‫م ِ‬ ‫م ّ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬‫نأ َ‬ ‫ّ ِ ْ‬ ‫َُ‬ ‫َِ ّ ِ ْ ْ َ‬
‫َ‬ ‫شكِهيدا ً * وَل َئ ِ‬ ‫م أ َك ُك‬
‫ن اللككه‬ ‫َ‬ ‫مك‬‫ل ِ‬ ‫ضك ٌ‬‫م فَ ْ‬ ‫صككاب َك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫نأ‬
‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫معَهُك ْ‬ ‫ن ّ‬ ‫ْ‬ ‫ي إ ِذ ْ ل َك ْ‬ ‫ّ‬ ‫عَل َ‬
‫م فَكأ َُفوَز‬ ‫معَهُك ْ‬ ‫ت َ‬ ‫كنك ُ‬ ‫مكوَد ّةٌ ي ََليت َن ِككي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م وَب َي ْن َ ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬‫ن ك َأن ل ّ ْ‬
‫َ‬
‫ل َي َُقول َ ّ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫ل ِفي َ‬ ‫ظيما ً * فَل ْي َُقات ِ ْ‬ ‫وزا ً عَ ِ‬ ‫فَ ْ‬
‫ل في سبيل الل ّه فَيْقت ْ َ‬ ‫ِبال َ ِ‬
‫ف ن ُكؤِْتي ِ‬
‫ه‬ ‫س كو ْ َ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫ل أو ي َغْل ِك ْ‬ ‫ِ ُ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫من ي َُقات ِ ْ ِ‬ ‫خَرةِ وَ َ‬
‫ظيمككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ً‬ ‫َ‬
‫جككككككككككككككككككككككككككككككككككككرا ً عَ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر مككن عككدوهم‪ ,‬وهككذا‬
‫يستلزم التأهب لهم بإعداد السلحة والعدد‪ ,‬وتكثير العككدد بككالنفير‬
‫في سبيل الله }ثبات{ أي جماعة بعد جماعككة وفرقككة بعككد فرقككة‬
‫وسرية بعد سرية‪ ,‬والثباب جمع ثبة‪ ,‬وقد تجمككع الثبككة علككى ثككبين‪,‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‪ :‬قككوله‪} :‬فككانفروا ثبككات{‬
‫أي عصبا ً يعني‪ ,‬سرايا متفرقين }أو انفروا جميع كًا{ يعنككي كلكككم‪,‬‬
‫وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والسدي وقتادة والضككحاك وعطككاء‬
‫الخراسكككككاني ومقاتكككككل بكككككن حيكككككان وخصكككككيف الجكككككزري‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وإن منكم لمن ليبطئن{ قال مجاهد وغير واحد‪:‬‬
‫نزلككت فككي المنككافقين‪ ,‬وقككال مقاتككل بككن حيككان‪} :‬ليبطئن{ أي‬
‫ليتخلفن عن الجهاد‪ ,‬ويحتمل أن يكون المراد أنككه يتباطككأ هككو فككي‬
‫نفسه‪ ,‬ويبطىء غيره عن الجهاد كما كككان عبككد اللككه بككن أبككي بككن‬
‫سلول ك قبحه الله ك يفعل‪ ,‬يتككأخر عككن الجهككاد ويثبككط النككاس عككن‬
‫الخروج فيه‪ .‬وهذا قول ابن جريج وابككن جريككر‪ ,‬ولهككذ قككال تعككالى‬
‫إخبارا ً عن المنافق أنه يقول‪ :‬إذا تأخر عن الجهاد }ف كِإن أصككابتكم‬
‫مصيبة{ أي قتل وشهادة وغلب العدو لكم لما للكه فككي ذلكك مككن‬
‫ي إذ لم أكن معهككم شككهيدًا{ أي إذ‬ ‫الحكمة } قال قد أنعم الله عل ّ‬
‫لم أحضر معهم وقعة القتال يعد ذلك من نعم الله عليه‪ ,‬ولم يككدر‬
‫مكككا فكككاته مكككن الجكككر فكككي الصكككبر أو الشكككهادة إن قتكككل‪.‬‬
‫}ولئن أصابكم فضل من الله{ أي نصر وظفر وغنيمة }ليقككولن‬
‫كأن لم تكن بينكم وبينه مودة{ أي كأنه ليس من أهل دينككم }يكا‬
‫‪163‬‬
‫ليتني كنت معهم فأفوز فوزا ً عظيمًا{ أي بأن يضككرب لككي بسككهم‬
‫معهكككم فأحصكككل عليكككه‪ .‬وهكككو أككككبر قصكككده وغايكككة مكككراده‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪} :‬فليقاتل{ أي المؤمن النككافر }فككي سككبيل اللككه‬
‫لخرة{ أي يككبيعون دينهككم بعككرض‬ ‫الذين يشككرون الحيككاة الككدنيا بككا َ‬
‫قليل من الككدنيا‪ ,‬ومككا ذلككك ِإل لكفرهككم وعككدم إيمككانهم‪ ,‬ثككم قككال‬
‫تعالى‪} :‬ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسككوف نككؤتيه‬
‫أجرا ً عظيمًا{ أي كل من قاتل في سبيل الله سواء قتككل أو غلككب‬
‫عند الله مثوبة عظيمككة وأجككر جزيككل‪ ,‬كمككا ثبككت فككي الصككحيحين‪:‬‬
‫وتكفككل اللككه للمجاهككد فككي سككبيله إن توفككاه أن يككدخله الجنككة أو‬
‫يرجعه إلى مسكنه الذي خككرج منككه بمككا نككال مككن أجككر أو غنيمككة‪.‬‬
‫ل‬ ‫جككا ِ‬‫ن الّر َ‬ ‫مك َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضعَِفي َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬‫ل الل ّهِ َوال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫م ل َ ت َُقات ُِلو َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫** وَ َ‬
‫هـ كذِهِ ال َْقْري َك ِ‬
‫ة‬ ‫ن َ‬ ‫مك ْ‬‫جن َككا ِ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ن َرب ّن َككآ أ َ ْ‬‫ن ي َُقول ُككو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّك ِ‬‫دا ِ‬‫سآِء َوال ْوِل ْ َ‬ ‫َوالن ّ َ‬
‫صككيرا ً‬ ‫من ل ّد ُن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك نَ ِ‬ ‫ل ل َّنا ِ‬ ‫جع َ ْ‬‫ك وَل ِي ّا ً َوا ْ‬ ‫من ل ّد ُن ْ َ‬ ‫ل ل َّنا ِ‬ ‫جع َ ْ‬‫ظال ِم ِ أهْل َُها َوا ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ِفككي‬ ‫ن ك ََفُروا ْ ي َُقككات ُِلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫مُنوا ْ ي َُقات ُِلو َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫* ال ّ ِ‬
‫ن‬ ‫ن ك َككا َ‬ ‫ش كي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ك َي ْكد َ ال ّ‬‫ن إِ ّ‬ ‫طا ِ‬ ‫ش كي ْ َ‬ ‫ت فََقات ِل ُوَا ْ أ َوْل ِي َككاَء ال ّ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ضكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككِعيفا ً‬ ‫َ‬
‫يحرض تعالى عباده المؤمنين علكى الجهكاد فكي سكبيله‪ ,‬وعلكى‬
‫السكعي فكي اسكتنقاذ المستضكعفين بمككة مكن الرجكال والنسكاء‬
‫والصبيان المتبرمين من المقككام بهككا‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬الككذين‬
‫يقولون ربنا أخرجنا من هذه القريككة{ يعنككي مكككة‪ ,‬كقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}وكأين من قرية هي أشد قوة مككن قريتككك الككتي أخرجتككك{‪ ,‬ثككم‬
‫وصفها بقوله‪} :‬الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا ً واجعككل لنككا‬
‫مككن لككدنك نصككيرًا{ أي سككخر لنككا مككن عنككدك وليكا ً وناصككرًا‪ ,‬قككال‬
‫البخاري‪ :‬حدثنا عبد الله بن محمد‪ ,‬حدثنا سككفيان عككن عبيككد اللككه‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت ابن عباس قال‪ :‬كنت أنكا وأمكي مكن المستضكعفين‪.‬‬
‫حدثنا سليمان بن حرب‪ ,‬حدثنا حماد بن زيد عككن أيككوب‪ ,‬عككن ابككن‬
‫مليكة أن ابن عباس تل }إل المستضككعفين مككن الرجككال والنسككاء‬
‫والولككدان{ قككال‪ :‬كنككت أنككا وأمككي ممككن عككذر اللككه عككز وجككل‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪} :‬الككذين آمنككوا يقككاتلون فككي سككبيل اللككه والككذين‬
‫كفروا يقاتلون في سبيل الطككاغوت{ أي المؤمنككون يقككاتلون فككي‬
‫‪164‬‬
‫طاعة الله ورضوانه‪ ,‬والكافرون يقاتلون في طاعة الشيطان‪ ,‬ثككم‬
‫هيج تعالى المككؤمنين علككى قتككال أعككدائه بقككوله‪} :‬فقككاتلوا أوليككاء‬
‫الشكككككككيطان إن كيكككككككد الشكككككككيطان ككككككككان ضكككككككعيفًا{‬
‫ص كل َةَ َوآت ُككوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫مككوا ْ ال ّ‬ ‫م وَأِقي ُ‬ ‫م ك ُّفوَا ْ أي ْدِي َك ُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن ِقي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫** أل َ ْ‬
‫س‬ ‫ن الن ّككا َ‬ ‫ش كو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ْهُك ْ‬ ‫ريكقٌ ّ‬ ‫ذا فَ ِ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫م ال ِْقت َككا ُ‬ ‫ب عَل َي ْهِك ُ‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬ ‫كاةَ فَل َ ّ‬ ‫الّز َ‬
‫ول‬ ‫ل ل َك ْ‬ ‫ت عَل َي ْن َككا ال ِْقت َككا َ‬ ‫م ك َت َب ْ َ‬ ‫ة وََقاُلوا ْ َرب َّنا ل ِ َ‬ ‫شي َ ً‬ ‫خ ْ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫شي َةِ الل ّهِ أ َوْ أ َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫ن‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫خي ْكٌر ل ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫كا‬
‫ك‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫خرتنا إل َى أ َ‬ ‫ّ‬ ‫أَ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ت وَلكوْ كنت ُك ْ‬ ‫م كو ْ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ما ت َكوُنوا ي ُكد ِْركك ُ‬ ‫ن فِتيل * أي ْن َ َ‬ ‫َ‬ ‫مو َ‬ ‫ى وَل َ ت ُظل ُ‬ ‫ات َّق َ‬
‫عندِ الل ّهِ وَِإن‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫هـذِهِ ِ‬ ‫ة ي َُقوُلوا ْ َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫صب ْهُ ْ‬ ‫شي ّد َةٍ وَِإن ت ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ِفي ب ُُرو ٍ‬
‫مككا‬ ‫عنكدِ الل ّكهِ فَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مك ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫ل ك ُك ّ‬ ‫ك قُ ك ْ‬ ‫عنكدِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫هـذِهِ ِ‬ ‫ة ي َُقوُلوا ْ َ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬
‫م َ‬ ‫صب ْهُ ْ‬ ‫تُ ِ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫س كن َ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫مك ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫صككاب َ َ‬ ‫مككآ أ َ‬ ‫ديثا ً * ّ‬ ‫حك ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َْفَقُهو َ‬ ‫دو َ‬ ‫كا ُ‬ ‫ؤلِء ال َْقوْم ِ ل َ ي َ َ‬ ‫ل َِهـ ُ‬
‫سكل َْنا َ‬ ‫ك مكن سكيئ َة فَمكن نْفسك َ َ‬ ‫َ‬
‫س‬‫ك ِللّنكا ِ‬ ‫ك وَأْر َ‬ ‫ّ ِ‬ ‫َ ّ ٍ ِ‬ ‫صكاب َ َ ِ‬ ‫مآ أ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫فَ ِ‬
‫شككككككككككككككهيدا ً‬ ‫ى ِبككككككككككككككالل ّهِ َ‬
‫ِ‬ ‫سككككككككككككككول ً وَك ََفكككككككككككككك َ‬ ‫َر ُ‬
‫كان المؤمنون في ابتداء السلم وهم بمكككة مككأمورين بالصككلة‬
‫والزكككاة‪ ,‬وإن لككم تكككن ذات النصككب‪ ,‬وكككانوا مككأمورين بمواسككاة‬
‫الفقراء منهككم وكككانوا مككأمورين بالصككفح والعفككو عككن المشككركين‬
‫والصككبر إلككى حيككن‪ ,‬وكككانوا يتحرقككون ويككودون لككو أمككروا بالقتككال‬
‫ليشتفوا من أعدائهم ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبا ً لسباب كثيرة‬
‫منها‪ :‬قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عككدد عككدوهم‪ ,‬ومنهككا‪ :‬كككونهم‬
‫كانوا في بلدهم‪ ,‬وهو بلد حككرام‪ ,‬أشككرف بقككاع الرض‪ ,‬فلككم يكككن‬
‫المر بالقتككال فيككه ابتككداء كمككا يقككال‪ ,‬فلهككذا لككم يككؤمر بالجهككاد إل‬
‫بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار‪ ,‬ومع هذا لما أمروا بما‬
‫كانوا يككودونه‪ ,‬جككزع بعضككهم منككه‪ ,‬وخككافوا مواجهككة النككاس خوفكا ً‬
‫شديدا ً }وقالوا ربنا لم كتبت علينككا القتككال لككول أخرتنككا إلككى أجككل‬
‫قريب{ أي لول أخرت فرضكه إلكى مكدة أخكرى‪ ,‬فكإن فيكه سكفك‬
‫ليككة كقككوله تعككالى‪:‬‬ ‫الككدماء‪ ,‬ويتككم الولد‪ ,‬وتككأيم النسككاء‪ ,‬وهككذه ا َ‬
‫}ويقول الذين آمنوا لول نزلت سورة فإذا أنزلككت سككورة محكمككة‬
‫ليات‪ ,‬قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا علككي بككن‬ ‫وذكر فيها القتال{ ا َ‬
‫الحسين‪ ,‬حدثنا محمد بن عبككد العزيككز بككن أبككي رزمككة وعلككي بككن‬
‫زنجة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علي بككن الحسككن عككن الحسككين بككن واقككد‪ ,‬عككن‬
‫‪165‬‬
‫عمرو بن دينار‪ ,‬وعن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬أن عبد الرحمن بن‬
‫عوف وأصحابا ً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكككة‪ ,‬فقككالوا‪:‬‬
‫يا نبي الله‪ ,‬كنا في عزة ونحن مشككركون‪ ,‬فلمككا آمنككا صككرنا أذلككة‪,‬‬
‫قال‪» :‬إني أمرت بالعفو فل تقاتلوا القوم«‪ ,‬فلما حككوله اللككه إلككى‬
‫المدينة‪ ,‬أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله }ألم تر إلككى الككذين قيككل‬
‫لية‪ ,‬ورواه النسائي والحاكم وابن مردويه من‬ ‫لهم كفوا أيديكم{ ا َ‬
‫حديث علي بن الحسن بن شقيق به‪ ,‬وقال أسباط‪ ,‬عككن السككدي‪:‬‬
‫لم يكن عليهم إل الصلة والزكاة‪ ,‬فسألوا اللككه أن يفككرض عليهككم‬
‫القتال‪ ,‬فلما فرض عليهم القتال }إذا فريق منهم يخشون النككاس‬
‫كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينككا القتككال لككول‬
‫أخرتنا إلى أجل قريب{ وهو الموت‪ .‬قال الله تعككالى‪} :‬قككل متككاع‬
‫لخرة خير لمن اتقى{‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬إن هككذه ا َ‬
‫ليككة‬ ‫الدنيا قليل وا َ‬
‫نزلت في اليهود‪ ,‬رواه ابن جرير‪ ,‬وقوله‪} :‬قككل متككاع الككدنيا قليككل‬
‫لخرة خير لمن اتقى{ أي آخككرة المتقككي خيككر مككن دنيككاه‪} .‬ول‬ ‫وا َ‬
‫ل{ أي من أعمككالكم بككل توفونهككا أتككم الجككزاء‪ ,‬وهككذه‬ ‫تظلمون فتي ً‬
‫لخرة وتحريض لهككم علككى‬ ‫تسلية لهم عن الدنيا وترغيب لهم في ا َ‬
‫الجهاد‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي حدثنا يعقككوب بككن إبراهيككم‬
‫الدورقي‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬حدثنا حمككاد بككن زيككد عككن‬
‫هشام‪ ,‬قال‪ :‬قرأ الحسن }قل متاع الدنيا قليل{ قككال‪ :‬رحككم اللككه‬
‫عبدا ً صحبها على حسكب ذلكك‪ ,‬ومكا الكدنيا كلهكا أولهكا وآخرهكا إل‬
‫كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه‪ .‬وقال ابن‬
‫معيكككككككككككن ككككككككككككان أبكككككككككككو مصكككككككككككهر ينشكككككككككككد‪:‬‬
‫ول خيككر فككي الككدنيا لمككن لككم يكككن لهمككن اللككه فككي دار المقككام‬
‫نصككيبفإن تعجككب الككدنيا رجككال ً فإنهامتككاع قليككل والككزوال قريككب‬
‫وقوله تعالى‪} :‬أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتككم فككي بككروج‬
‫مشيدة{ أي أنتم صائرون إلى الموت ل محالة ول ينجو منككه أحككد‬
‫ليككة‪ ,‬وقككال تعككالى‪:‬‬‫منكم‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬كل من عليها فككان{ ا َ‬
‫}كل نفس ذائقة المككوت{‪ ,‬وقككال تعككالى‪} :‬وماجلعنككا لبشككر مككن‬
‫قبلك الخلد{ والمقصود أن كل أحد صككائر إلككى المككوت ل محالككة‪,‬‬
‫ول ينجيه من ذلك شيء سواء جاهككد أو لككم يجاهككد‪ ,‬فككإن لككه أجل ً‬
‫محتومًا‪ ,‬ومقامكا ً مقسككومًا‪ ,‬كمككا قككال خالككد بككن الوليككد حيككن جككاء‬
‫‪166‬‬
‫الموت على فراشه‪ :‬لقد شهدت كذا وكذا موقفًا‪ ,‬ومككا مككن عضككو‬
‫من أعضائي إل وفيه جرح من طعنة أو رمية‪ ,‬وها أنا أمككوت علككى‬
‫فراشي‪ ,‬فل نامت أعيككن الجبنككاء‪ ,‬وقككوله‪} :‬ولككو كنتككم فككي بككروج‬
‫مشيدة{ أي حصينة منيعككة عاليككة رفيعككة‪ ,‬وقيككل‪ ,‬هككي بككروج فككي‬
‫السماء قال السدي‪ ,‬وهككو ضككعيف‪ ,‬والصككحيح أنهككا المنيعككة‪ ,‬أي ل‬
‫يغني حذر وتحصن من الموت‪ ,‬كمككا قككال زهيككر بككن أبككي سككلمى‪:‬‬
‫ومككن هككاب أسككباب المنايككا ينلنهولككو رام أسككباب السككماء بسككلم‬
‫ثم قيل‪ :‬المشيدة هي المشيدة كما قككال‪ :‬وقصككر مشككيد وقيككل‪:‬‬

‫بككل بينهمككا فككرق‪ ,‬وهككو أن المشككيدة بالتشككديد هككي المطولككة‪,‬‬
‫وبالتخفيف هي المزينة بالشيد وهككو الجككص وقككد ذكككر ابككن جريككر‬
‫وابن أبي حاتم ك ههنا كك حكايككة مطولككة عككن مجاهككد‪ ,‬أنككه ذكككر أن‬
‫امرأة فيمن كان قبلنا أخذها الطلق‪ ,‬فأمرت أجيرها أن يأتيها بنار‪,‬‬
‫فخرج فإذا هو برجل واقف على الباب‪ ,‬فقال‪ :‬ما ولدت المككرأة ؟‬
‫فقال‪ :‬جاريككة‪ ,‬فقككال‪ :‬أمككا إنهككا سككتزني بمككائة رجككل ثككم يتزوجهككا‬
‫أجيرها ويكون موتهككا بككالعنكبوت‪ .‬قككال‪ :‬فكككر راجعكًا‪ ,‬فبعككج بطككن‬
‫الجاريككة بسكككين فشككقه ثككم ذهككب هاربكًا‪ ,‬وظككن أنهككا قككد مككاتت‪,‬‬
‫فخاطت أمهككا بطنهككا فككبرئت وشككبت وترعرعككت ونشككأت أحسككن‬
‫امرأة ببلدتها‪ ,‬فذهب ذاك الجير ما ذهككب ودخككل البحككور فككاقتنى‬
‫أموال ً جزيلة‪ ,‬ثم رجع إلى بلده وأراد التزوج‪ ,‬فقككال لعجككوز‪ :‬أريككد‬
‫أن أتزوج بأحسن امرأة بهذه البلدة‪ ,‬فقالت ليس ههنا أحسن من‬
‫فلنة‪ ,‬فقككال‪ :‬اخطبيهككا علككي‪ ,‬فككذهبت إليهككا فأجككابت‪ ,‬فككدخل بهككا‬
‫فككأعجبته إعجاب كا ً شككديدًا‪ ,‬فسككألته عككن أمككره ومككن أيككن مقككدمه‪,‬‬
‫فأخبرها خبره وما كان مككن أمككره فككي الجاريككة‪ ,‬فقككالت‪ :‬أنككا هككي‬
‫وأرته مكان السكين‪ ,‬فتحقككق ذلككك‪ ,‬فقككال‪ :‬لئن كنككت إياهككا فلقككد‬
‫أخبرني باثنتين ل بد منهما )إحداهما( أنك قككد زنيككت بمككائة رجككل‪,‬‬
‫فقالت‪ :‬لقد كان شيء من ذلك ولكن ل أدري مككا عككددهم فقككال‪:‬‬
‫هم مائة‪) :‬والثاني( أنك تموتين بالعنكبوت فاتخذ لها قصككرا ً منيع كا ً‬
‫شاهقا ً ليحرزها مككن ذلككك‪ ,‬فبينمككا هككم يومكا ً فككإذا بككالعنكبوت فككي‬
‫السقف فأراها‪ ,‬فقككالت‪ :‬أهككذه هككي الككتي تحككذرها علككي‪ ,‬واللككه ل‬
‫يقتلها إل أنا‪ ,‬فأنزلوها من السقف‪ ,‬فعمدت إليهككا فوطئتهككا بإبهككام‬
‫رجلها فقتلتها‪ ,‬فطار من سمها شيء فوقككع بيككن ظفرهككا ولحمهككا‬
‫‪167‬‬
‫واسودت رجلها‪ ,‬فكان في ذلك أجلها‪ ,‬فماتت‪ ,‬ونككذكر ههنككا قصككة‬
‫صككاحب الحضككر وهككو السككاطرون لمككا احتككال عليككه سككابور حككتى‬
‫حصره فيه وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين‪ ,‬وقالت العرب فككي‬
‫ذلككككككككككككككككككككككك أشككككككككككككككككككككككعارا ً منهككككككككككككككككككككككا‪:‬‬
‫وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجككلة تجبى إليككه والخابورشككاده مرمككرا ً‬
‫وجلله كلكسا ً فللطيكر فكي ذراه وككورلم تهبكه أيكدي المنكون فبكاد‬
‫الككككككككككككككككملك عنككككككككككككككه فبككككككككككككككابه مهجككككككككككككككور‬
‫ولما دخل على عثمان جعل يقول‪ :‬اللهككم اجمككع أمككة محمككد ثككم‬
‫تمثكككككككككككككككككككككل بقكككككككككككككككككككككول الشكككككككككككككككككككككاعر‪:‬‬
‫أرى المكككوت ل يبقكككي عزيكككزا ً ولكككم يكككدعلعاد ملذا ً فكككي البلد‬
‫ومربعككايبيت أهككل الحصككن والحصككن مغلقويككأتي الجبككال فككي‬
‫شكككككككككككككككككككككككككككككككككككماريخها معكككككككككككككككككككككككككككككككككككا‬
‫قال ابن هشام‪ :‬وكان كسرى سابور ذو الكتاف قتل الساطرون‬

‫ملك الحضككر‪ ,‬وقككال ابككن هشككام‪ :‬إن الككذي قتككل صككاحب الحضككر‬
‫سابور بن أردشير بن بابك أول ملوك بنككي ساسككان‪ ,‬وأذل ملككوك‬
‫الطوائف‪ ,‬ورد الملك إلى الكاسرة‪ ,‬فأما سكابور ذو الكتككاف فهكو‬
‫من بعد ذلك بزمن طويل‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬ذككره السكهيلي‪ ,‬قكال ابكن‬
‫هشام‪ :‬فحصره سنتين وذلك لنه كان أغكار علككى بلد سكابور فككي‬
‫غيبته وهو في العراق‪ ,‬وأشككرفت بنككت السككاطرون وكككان اسككمها‬
‫النضيرة‪ ,‬فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج‪ ,‬وعلى رأسككه تككاج‬
‫مككن ذهككب مكلككل بالزبرجككد واليككاقوت واللؤلككؤ‪ ,‬فدسككت إليككه أن‬
‫تتزوجني إن فتحت لككك بككاب الحصككن‪ ,‬فقككال‪ :‬نعككم‪ ,‬فلمككا أمسككى‬
‫ساطرون شرب حككتى سكككر وكككان ل يككبيت إل سكككران‪ ,‬فأخككذت‬
‫مفاتيح باب الحصن من تحت رأسه فبعثت بها مع مولى لها ففتككح‬
‫الباب‪ ,‬ويقال‪ :‬دلتهم على طلسم كان فككي الحصككن ل يفتككح حككتى‬
‫تؤخذ حمامة ورقاء فتخضب رجلها بحيض جارية بكككر زرقككاء‪ ,‬ثككم‬
‫ترسل‪ ,‬فإذا وقعت على سور الحصككن سككقط ذلككك ففتككح البككاب‪,‬‬
‫ففعككل ذلككك‪ ,‬فككدخل سككابور‪ ,‬فقتككل سككاطرون واسككتباح الحصككن‬
‫وخربه‪ ,‬وسار بها معه وتزوجها‪ ,‬فبينما هي نائمة على فراشها ليل ً‬
‫إذ جعلت تتململ ل تنام‪ ,‬فدعا لها بالشمع ففتككش فراشككها فوجككد‬
‫‪168‬‬
‫فيه ورقة آس‪ ,‬فقال لها سابور‪ :‬هذا الذي أسهرك فما كككان أبككوك‬
‫يصككنع بككك ؟ قككالت‪ :‬كككان يفككرش لككي الككديباج ويلبسككني الحريككر‪,‬‬
‫ويطعمني المخ‪ ,‬ويسككقيني الخمككر‪ ,‬قككال الطككبري‪ :‬كككان يطعمنككي‬
‫المخ والزبد‪ ,‬وشهد أبكار النحل‪ ,‬وصفو الخمر! وذكر أنه كان يرى‬
‫مخ ساقها‪ ,‬قال‪ :‬فكان جزاء أبيك ما صنعت به ؟! أنت إلككي بككذاك‬
‫أسرع‪ ,‬ثم أمر بهكا فربطككت قككرون رأسككها بككذنب فككرس‪ ,‬فرككض‬
‫الفككرس حككتى قتلهككا‪ ,‬وفيككه يقككول عككدي بككن زيككد العبككادي أبيككاته‬
‫المشككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككهورة‪.‬‬
‫أيها الشامت المعير بالدهككر أأنت المبرأ الموفورأم لككديك العهككد‬
‫الوثيق من اليككام بل أنت جاهل مغرورمن رأيت المنككون خلككد أم‬
‫منككذا عليككه مككن أن يضككام خفيرأيككن كسككرى كسككرى الملككوك‬
‫أنوشروان أم أين قبله سابوروبنو الصككفر الكككرام ملككوك الككككروم‬
‫لككم يبككق منهككم مككذكوروأخو الحضككر إذ بنككاه وإذ دجلككةتجبى إليككه‬
‫والخابورشاده مرمرا ً وجلله كلكسا ً فللطير في ذراه وكككورلم يهبككه‬
‫ريب المنون فبادالملك عنككه فبككابه مهجوروتككذكر رب الخورنككق إذ‬
‫شرفيوما ً وللهدى تفكيرسره ماله وكككثرة مككا يملكككوالبحر معرضكا ً‬
‫والسديرفارعوى قلبه وقال فما غبككطة حي إلى الممات يصككيرثم‬
‫أضككحوا كككأنهم ورق جففككألوت بككه الصككبا والككدبورثم بعككد الفلح‬
‫والملككك والمككككة وارتهككم هنككاك القبككور وقككوله‪} :‬وإن تصككبهم‬
‫حسنة{ أي خصب ورزق من ثمكار وزروع وأولد ونحككو ذلككك‪ ,‬هككذا‬
‫معنى قول ابن عباس وأبي العالية والسدي }يقولوا هذه من عند‬
‫اللككه وإن تصككبهم سككيئة{ أي قحككط وجككدب ونقككص فككي الثمككار‬
‫والزروع أو موت أولد أو إنتاج أو غير ذلك كما يقككوله أبككو العاليككة‬
‫والسدي }يقولوا هذه من عندك{ أي مككن قبلككك وبسككبب اتباعنككا‬
‫لك واقتدائنا بدينك‪ ,‬كما قال تعالى عن قوم فرعون }فإذا جاءتهم‬
‫الحسنة قالوا لنا هككذه‪ ,‬وإن تصككبهم سككيئة يطيككروا بموسككى ومككن‬
‫معه{ وكما قال تعالى‪} :‬ومن الناس من يعبد اللككه علككى حككرف{‬
‫لية‪ ,‬وهكذا قال هؤلء المنافقون الذين دخلوا في السلم ظاهرا ً‬ ‫ا َ‬
‫وهم كككارهون لككه فككي نفككس المككر‪ ,‬ولهككذا إذا أصككابهم شككر إنمككا‬
‫يسندونه إلى اتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقال السككدي‪:‬‬
‫وإن تصككبهم حسككنة‪ ,‬قككال‪ :‬والحسككنة الخصككب‪ ,‬تنتككج مواشككيهم‬
‫وخيولهم‪ ,‬ويحسن حالهم وتلد نساؤهم الغلمان‪ ,‬قكالوا }هكذه مكن‬
‫‪169‬‬
‫عند الله وإن تصبهم سيئة{ والسيئة الجدب والضرر في أموالهم‪,‬‬
‫تشاءموا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقالوا }هككذه مككن عنككدك{‬
‫يقولون‪ :‬بتركنا ديننا واتباعنا محمدا ً أصابنا هككذا البلء‪ ,‬فككأنزل اللككه‬
‫عز وجل }قل كل من عند الله{ فقوله‪ :‬قل كل من عند الله‪ ,‬أي‬
‫الجميع بقضاء الله وقدره‪ ,‬وهو نافذ فككي الككبر والفككاجر والمككؤمن‬
‫والكافر‪ .‬قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ ,‬قل كل من عنككد‬
‫الله‪ ,‬أي الحسنة والسيئة‪ .‬وكككذا قككال الحسككن البصككري‪ .‬ثككم قككال‬
‫تعالى منكرا ً على هؤلء القائلين هذه المقالة الصادرة عككن شككك‬
‫وريب‪ ,‬وقلة فهم وعلم وكثرة جهل وظلككم }فمككا لهككؤلء القككوم ل‬
‫يكادون يفقهون حديثًا{ ذكككر حككديث غريككب يتعلككق بقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}قل كل من عند الله{ قال الحافظ أبو بكر البزار‪ :‬حدثنا السكككن‬
‫بن سعيد‪ ,‬حدثنا عمر بن يككونس‪ ,‬حككدثنا إسككماعيل بككن حمككاد عككن‬
‫مقاتل بن حيان‪ ,‬عن عمرو بن شعيب‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عككن جككده‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫كنا جلوسا ً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبككل أبككو بكككر‬
‫وعمر في قبيلتين من الناس وقد ارتفعت أصككواتهما‪ ,‬فجلككس أبككو‬
‫بكر قريبا ً من النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وجلس عمر قريبا ً مككن‬
‫أبي بكر‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪» :‬لككم ارتفعككت‬
‫أصواتكما ؟« فقال رجل‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬قال أبو بكككر‪ :‬يككا رسككول‬
‫الله الحسنات من الله والسيئات من أنفسنا ‪ ¹‬فقككال رسككول اللككه‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬فمككا قلككت يككا عمككر ؟« فقككال‪ :‬قلككت‬
‫الحسنات والسيئات من الله ‪ ¹‬فقال رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪» :‬إن أول من تكلم فيه جبريككل وميكائيككل ‪ ¹‬فقككال ميكائيككل‬
‫مقالتك يا أبا بكر ‪ ¹‬وقال جبريل مقالتك يا عمر« فقككال‪» :‬نختلككف‬
‫فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الرض‪,‬‬
‫فتحاكما إلى إسرافيل فقضى بينهم أن الحسككنات والسككيئات مككن‬
‫الله«‪ .‬ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال‪» :‬احفظا قضائي بينكما‪,‬‬
‫لو أراد الله أن ل يعصى لما خلق إبليس« قال شيخ السلم تقككي‬
‫الدين أبو العباس بن تيميككة‪ :‬هككذا حككديث موضككوع مختلككق باتفككاق‬
‫أهل المعرفة‪ .‬ثم قككال تعككالى مخاطبكا ً لرسككوله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم والمراد جنس النسككان ليحصككل الجككواب }مككا أصككابك مككن‬
‫حسنة فمن الله{ أي من فضل اللككه ومنككه ولطفكه ورحمتككه}ومككا‬
‫أصابك من سيئة فمن نفسك{ أي فمن قبلك‪ ,‬ومكن عملكك أنكت‪,‬‬
‫‪170‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬ومككا أصككابكم مككن مصككيبة فبمككا كسككبت أيككديكم‬
‫ويعفو عن كثير{ قال السدي والحسن البصري وابن جريككج وابككن‬
‫ليككة }فمككن‬ ‫زيككد }فمككن نفسككك{ أي بككذنبك‪ .‬وقككال قتككادة فككي ا َ‬
‫نفسك{ عقوبة لك يا ابن آدم بذنبك‪ .‬قال وذكر لنا أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪» :‬ل يصيب رجل ً خدش عككود ول عككثرة قككدم‪,‬‬
‫ول اختلج عرق إل بذنب‪ ,‬وما يعفو الله أكثر« وهككذا الككذي أرسككله‬
‫قتادة قد روي متصل ً في الصحيح »والككذي نفسككي بيككده ل يصككيب‬
‫المؤمن هم ول حزن‪ ,‬ول نصب‪ ,‬حتى الشوكة يشاكها إل كفر الله‬
‫عنه بها من خطاياه« وقال أبو صالح }وما أصابك من سيئة فمككن‬
‫نفسك{ أي بذنبك وأنا الذي قدرتها عليك‪ ,‬رواه ابن جريككر‪ ,‬وقككال‬
‫ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أحمد بن عمار‪ ,‬حدثنا سككهل يعنككي بككن بكككار‪,‬‬
‫حدثنا السود بن شيبان‪ ,‬حدثني عقبة بن واصل ابن أخي مطككرف‬
‫عن مطرف بن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬ما تريدون من القككدر أمككا تكفيكككم‬
‫لية التي في سورة النساء }وإن تصبهم حسنة يقولكوا هكذه مكن‬ ‫ا َ‬
‫عند الله‪ ,‬وإن تصككبهم سككيئة يقولككوا هككذه مككن عنككدك{ ؟ أي مككن‬
‫نفسك والله ما وكلوا إلى القدر وقد أمروا وإليككه يصككيرون‪ ,‬وهككذا‬
‫كلم متين قوي في الرد على القدريككة والجبريككة أيض كًا‪ .‬ولبسككطه‬
‫ل{ أي تبلغهككم‬ ‫موضع آخر‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬وأرسلناك للناس رسككو ً‬
‫شرائع الله وما يحبه الله ويرضاه‪ ,‬وما يكرهه ويأباه }وكفى بككالله‬
‫شهيدًا{ أي على أنه أرسلك وهو شهيد أيضا ً بينك وبينهككم‪ ,‬وعككالم‬
‫بمككا تبلغهككم إيككاه وبمككا يككردون عليككك مككن الحككق كفككرا ً وعنككادًا‪.‬‬
‫س كل َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬

‫ك‬ ‫مككآ أْر َ‬ ‫ى فَ َ‬
‫مككن ت َكوَل َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ل فََق كد ْ أط َككاعَ الل ّك َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن ي ُط ِِع الّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫** ّ‬
‫ة‬
‫طآئ َِفكك ٌ‬‫ت َ‬ ‫ك ب َي ّ َ‬‫عندِ َ‬
‫ن ِ‬‫مَْ‬ ‫ذا ب ََرُزوا ْ ِ‬ ‫ة فَإ ِ َ‬‫طاعَ ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫حِفيظا ً * وَي َُقوُلو َ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ل‬‫ككك ْ‬ ‫م وَت َوَ ّ‬ ‫ض عَن ْهُ ْ‬‫ن فَأعْرِ ْ‬ ‫ما ي ُب َي ُّتو َ‬ ‫ب َ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ذي ت َُقو ُ‬ ‫م غَي َْر ال ّ ِ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ى ِبكككككككككككككالل ّهِ وَ ِ‬
‫كيل ً‬ ‫ّ‬
‫عَلكككككككككككككى اللكككككككككككككهِ وَك ََفككككككككككككك َ‬
‫َ‬
‫يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأن‬
‫من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله‪ ,‬وما ذاك إل‬
‫لنه ما ينطق عككن الهككوى إن هككو إل وحككي يككوحى‪ .‬قككال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان‪ ,‬حدثنا أبو معاوية عككن العمككش‪ ,‬عككن‬
‫أبي صالح‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللكه عليكه‬
‫‪171‬‬
‫وسلم‪» :‬من أطاعني فقد أطاع اللككه‪ ,‬ومككن عصككاني فقككد عصككى‬
‫الله‪ ,‬ومن أطككاع الميككر فقككد أطككاعني‪ ,‬ومككن عصككى الميككر فقككد‬
‫عصاني« وهذا الحكديث ثكابت فككي الصكحيحين عكن العمكش بكه‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظًا{ أي ما عليك منه‬
‫إن عليك إل البلغ فمن اتبعككك سككعد ونجككا‪ ,‬وكككان لككك مككن الجككر‬
‫نظير ما حصل له‪ ,‬ومن تولى عنك خاب وخسر وليس عليككك مككن‬
‫أمره شيء‪ ,‬كما جاء في الحديث »مككن يطككع اللككه ورسككوله فقككد‬
‫رشكككد‪ ,‬ومككن يعككص اللككه ورسكككوله فكككإنه ل يضكككر إل نفسككه«‪.‬‬
‫وقككوله‪} :‬ويقولككون طاعككة{ يخككبر تعككالى عككن المنككافقين بككأنهم‬
‫يظهرون الموافقة والطاعة }فإذا بككرزوا مككن عنككدك{ أي خرجككوا‬
‫وتواروا عنك }بيت طائفة منهم غيككر الككذي تقككول{ أي استسككروا‬
‫ليل ً فيما بينهم بغير ما أظهروه لك‪ ,‬فقال تعالى‪} :‬والله يكتب مككا‬
‫يبيتون{ أي يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين الذين‬
‫هم موكلون بالعباد‪ ,‬والمعنى في هذا التهديد أنه تعالى يخككبر بككأنه‬
‫عالم بما يضمرونه ويسرونه فيما بينهم‪ ,‬وما يتفقون عليه ليل ً من‬
‫مخالفة الرسول صلى اللككه عليككه وسككلم وعصككيانه وإن كككانوا قككد‬
‫أظهروا له الطاعة والموافقككة‪ ,‬وسككيجزيهم علككى ذلككك‪ ,‬كمككا قككال‬
‫ليككة‪ ,‬وقككوله‪:‬‬‫تعالى‪} :‬ويقولككون آمنككا بككالله وبالرسككول وأطعنككا{ ا َ‬
‫}فأعرض عنهم{ أي اصفح عنهم واحلم عليهككم ول تؤاخككذهم‪ ,‬ول‬
‫تكشف أمورهم للناس‪ ,‬ول تخف منهككم أيضكا ً }وتوكككل علككى اللككه‬
‫ل{ أي كفى به وليا ً وناصرا ً ومعينا ً لمن توكل عليه‬ ‫وكفى بالله وكي ً‬
‫وأنكككككككككككككككككككككككككككككككككككككاب إليكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫َ‬
‫دوا ْ ِفي ك ِ‬
‫ه‬ ‫جك ُ‬ ‫عنكدِ غَي ْكرِ الل ّكهِ ل َوَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ن وَل َوْ َ‬ ‫ن ال ُْقْرآ َ‬ ‫** أفَل َ ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫ذاعُككوا ْ ب ِك ِ‬
‫ه‬ ‫ف أَ َ‬ ‫خ كو ْ ِ‬ ‫ن أ َوِ ال ْ َ‬‫مك ِ‬
‫ن ال ْ‬ ‫مك َ‬‫مٌر ّ‬
‫ذا جآَءهُ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫لفا ً ك َِثيرا ً * وَإ ِ َ َ‬ ‫خت ِ َ‬‫ا ْ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ّك ِ‬‫مك ُ‬ ‫م ل َعَل ِ َ‬ ‫من ْهُ ك ْ‬‫م كرِ ِ‬ ‫ى أوْل ِككي ال ْ‬ ‫َ‬
‫ل وَإ ِل ك َ‬ ‫سككو ِ‬‫دوهُ إ ِل َككى الّر ُ‬ ‫وَل َكوْ َر ّ‬
‫ن‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ل َت ّب َعْت ُ ُ‬ ‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬‫م وََر ْ‬‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫م وَل َوْل َ فَ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬‫طون َ ُ‬ ‫ست َن ْب ِ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫إ ِل ّ قَِليل ً‬
‫يقول تعالى آمرا ً لهم بتدبر القرآن وناهيا ً لهم عن العراض عنه‬
‫وعن تفهم معانيه المحكمة وألفككاظه البليغككة‪ ,‬ومخككبرا ً لهككم أنككه ل‬
‫اختلف فيه ول اضطراب‪ ,‬ول تعارض لنه تنزيل من حكيككم حميككد‬
‫‪172‬‬
‫فهو حق من حككق‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬أفل يتككدبرون القككرآن أم‬
‫على قلوب أقفالها{‪ ,‬ثم قال‪} :‬ولو كان من عند غير الله{ أي لو‬
‫كان مفتعل ً مختلقًا‪ ,‬كما يقككوله مككن يقككول مككن جهلككة المشككركين‬
‫والمنافقين في بواطنهم لوجدوا فيه اختلفًا‪ ,‬أي اضطرابا ً وتضككادا ً‬
‫كثيرًا‪ ,‬أي وهذا سالم من الختلف‪ ,‬فهو من عنككد اللككه‪ ,‬كمككا قككال‬
‫تعالى مخبرا ً عن الراسخين في العلم حيث قالوا }آمنا به كل من‬
‫عند ربنا{ أي محكمه ومتشككابهه حككق‪ ,‬فلهككذا ردوا المتشككابه إلككى‬
‫المحكككم فاهتككدوا‪ ,‬والككذين فككي قلككوبهم زيككغ ردوا المحكككم إلككى‬
‫المتشابه فغووا‪ ,‬ولهذا مدح تعالى الراسكخين وذم الزائغيكن‪ ,‬قككال‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا أنس بن عياض‪ ,‬حدثنا أبو حازم‪ ,‬حككدثنا عمككرو‬
‫بن شعيب‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن جده قال‪ :‬لقد جلست أنا وأخي مجلسككا ً‬
‫ما أحب أن لي به حمر النعم‪ ,‬أقبلت أنككا وأخككي وإذا مشككيخة مككن‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علكى بكاب مكن أبكوابه‪,‬‬
‫فكرهنا أن نفرق بينهم‪ ,‬فجلسنا حجرة إذ ذكككروا آيككة مككن القككرآن‬
‫فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسككلم مغضككبا ً حككتى احمككر وجهككه يرميهككم بككالتراب ويقككول‪:‬‬
‫»مهل ً يككا قككوم بهككذا أهلكككت المككم مككن قبلكككم‪ ,‬بككاختلفهم علككى‬
‫أنبيائهم‪ ,‬وضربهم الكتب بعضها ببعض‪ ,‬إن القرآن لم ينزل يكككذب‬
‫بعضه بعضًا‪ ,‬إنما نزل يصدق بعضه بعضًا‪ ,‬فما عرفتم منه فاعملوا‬
‫به‪ ,‬وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه« وهكذا رواه أيضا ً عككن أبككي‬
‫معاوية‪ ,‬عن داود بن أبي هند‪ ,‬عن عمرو بن شعيب‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫جده‪ ,‬قال‪ :‬خككرج رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم ذات يككوم‬
‫والناس يتكلمون في القدر‪ ,‬فكأنما يفقأ فككي وجهككه حككب الرمككان‬
‫من الغضب‪ ,‬فقال لهم‪» :‬مالكم تضربون كتاب الله بعضه ببعككض‪,‬‬
‫بهذا هلك من كان قبلكم« قال‪ :‬فما غبطت نفسككي بمجلككس فيككه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أشككهده مككا غبطككت نفسككي‬
‫بذلك المجلس أني لم أشهده‪ ,‬ورواه ابككن مككاجه مككن حككديث داود‬
‫بكككككككككككككن أبكككككككككككككي هنكككككككككككككد بكككككككككككككه نحكككككككككككككوه‪.‬‬
‫وقال أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬حككدثنا حمككاد بككن زيككد‬
‫عن أبي عمران الجوني‪ ,‬قال‪ :‬كتب إلى عبد الله بن ربككاح يحككدث‬
‫عن عبد الله بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬هجرت إلى رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم يومًا‪ ,‬فإنا لجلوس إذ اختلف اثنان فككي آيككة‪ ,‬فككارتفعت‬
‫‪173‬‬
‫أصككواتهما‪ ,‬فقككال‪» :‬إنمككا هلكككت المككم قبلكككم بككاختلفهم فككي‬
‫الكتاب«‪ .‬ورواه مسلم والنسكائي مكن حكديث حمكاد بكن زيكد بكه‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬وإذا جاءهم أمر من المن أو الخوف أذاعوا بككه{ إنكككار‬
‫علككى مككن يبككادر إلككى المككور قبككل تحققهككا فيخككبر بهككا ويفشككيها‬
‫وينشرها‪ ,‬وقد ل يكون لهككا صككحة‪ .‬وقككد قككال مسككلم فككي مقدمككة‬
‫صحيحه‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ ,‬حدثنا علي بن حفص‪ ,‬حككدثنا‬
‫شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن‪ ,‬عن حفص بن عاصم‪ ,‬عككن أبككي‬
‫هريرة‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قال‪» :‬كفى بالمرء كككذبا ً‬
‫أن يحدث بكل ما سمع« وكذا رواه أبو داود في كتككاب الدب مككن‬
‫سننه عن محمد بن الحسين بن أشكاب‪ ,‬عن علي بن حفص عككن‬
‫شككعبة مسككندًا‪ ,‬ورواه مسككلم أيضكا ً مككن حككديث معككاذ بككن هشككام‬
‫العنبري وعبككد الرحمككن بككن مهككدي‪ ,‬وأخرجككه أبككو داود أيض كا ً مككن‬
‫حديث حفص بن عمرو النمري‪ ,‬ثلثتهم عن شعبة‪ ,‬عن خبيب‪ ,‬عن‬
‫ل‪ ,‬وفككي الصككحيحين‪ ,‬عككن المغيككرة بككن‬ ‫حفص بن عاصم به مرس ك ً‬
‫شعبة‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬نهى عن قيل وقككال‪,‬‬
‫أي الذي يكثر من الحديث عما يقككول النككاس مككن غيككر تثبككت‪ ,‬ول‬
‫تدبر‪ ,‬ول تبين‪ .‬وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪» :‬بئس مطيككة الرجككل زعمككوا«‪ .‬وفككي الصككحيح »مككن‬
‫حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكككاذبين« ولنككذكر ههنككا‬
‫حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته حين بلغه أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬طلق نسككاءه‪ ,‬فجككاء مككن منزلككه حككتى‬
‫دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك‪ ,‬فلم يصبر حككتى اسككتأذن‬
‫على النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فاسككتفهمه أطلقككت نسككاءك‬
‫فقال »ل« فقلت‪ :‬الله أكبر وذكككر الحككديث بطككوله‪ .‬وعنككد مسككلم‬
‫فقلت‪ :‬أطلقتهن ؟ فقال »ل« فقمت على بكاب المسكجد فنكاديت‬
‫بأعلى صوتي‪ ,‬لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه‪,‬‬
‫لية }وإذا جاءهم أمر من المن أو الخوف أذاعوا بككه‬ ‫ونزلت هذه ا َ‬
‫ولككو ردوه إلككى الرسككول وإلككى أولككي المككر منهككم لعلمككه الككذين‬
‫يسككتنبطونه منهككم{ فكنككت أنككا اسككتنبطت ذلككك المككر‪ ,‬ومعنككى‬
‫يستنبطونه أي يسككتخرجونه مككن معككادنه‪ ,‬يقككال‪ :‬اسككتنبط الرجككل‬
‫العيككن إذا حفرهككا واسككتخرجها مككن قعورهككا‪ .‬وقككوله‪} :‬ل تبعتككم‬
‫ل{‪ ,‬قال علي بككن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس‪:‬‬ ‫الشيطان إل قليل ً‬
‫‪174‬‬
‫يعني المؤمنين‪ .‬وقككال عبككد الككرزاق‪ ,‬عككن معمككر‪ ,‬عككن قتككادة‪} :‬ل‬
‫ل{ يعنككي كلكككم‪ ,‬واستشككهد مككن نصككر هككذا‬ ‫تبعتم الشيطان إل قلي ً‬
‫القول بقككول الطرمككاح بككن حكيككم فككي مككدح يزيككد بككن المهلككب‪(:‬‬
‫أشكككككم نكككككديّ ككككككثير النواديقليكككككل المثكككككالب والقادحكككككة‬
‫يعنكككككككككي ل مثكككككككككالب لكككككككككه ول قادحكككككككككة فيكككككككككه‪.‬‬
‫ن‬‫مِني َ‬ ‫ض ال ْ ُ‬
‫م كؤ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حكّر‬ ‫ك وَ َ‬ ‫سك َ‬ ‫ف إ ِل ّ ن َْف َ‬ ‫ل الل ّكهِ ل َ ت ُك َل ّك ُ‬ ‫سكِبي ِ‬‫ل ِفي َ‬ ‫** فََقات ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫شد ّ ب َأسا ً وَأ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كيل ً‬ ‫شد ّ َتن ِ‬ ‫هأ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ َوالل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫ف ب َأ َ‬ ‫ه أن ي َك ُ ّ‬ ‫سى الل ّ ُ‬ ‫عَ َ‬
‫ع‬
‫ش كَف ْ‬ ‫مككن ي َ ْ‬ ‫من ْهَككا وَ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫صككي ٌ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫ن ل ّك ُ‬‫ة ي َك ُك ْ‬ ‫سكن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ة َ‬ ‫شكَفاعَ ً‬ ‫شكَفعْ َ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫* ّ‬
‫مِقيتكا ً *‬ ‫يٍء ّ‬ ‫شك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ى كُ ّ‬ ‫ن الل ّ ُ َ‬
‫ه عَل َ‬ ‫كا َ‬‫من َْها وَ َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ه ك ِْف ٌ‬ ‫ن لّ ُ‬‫ْ‬ ‫ة ي َك ُ‬‫سي ّئ َ ً‬‫ة َ‬ ‫شَفاعَ ً‬ ‫َ‬
‫ه ك َككا َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ى‬ ‫ن عَل ك َ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫دوهَككآ إ ِ ّ‬ ‫من َْهآ أوْ ُر ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫حّيوا ْ ب ِأ ْ‬ ‫حي ّةٍ فَ َ‬ ‫حّييُتم ب ِت َ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ة‬
‫مكك ِ‬ ‫ى َيككوْم ِ ال ِْقَيا َ‬ ‫معَن ّك ُ ْ َ‬
‫م إ ِل َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ل َي َ ْ‬ ‫ه ل إ َِلـ َ‬ ‫سيبا ً * الل ّ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ديثا ً‬ ‫ل َ ريككككككب فيككككككه ومكككككك َ‬
‫حكككككك ِ‬ ‫ن الل ّككككككهِ َ‬ ‫مكككككك َ‬ ‫صككككككد َقُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫يأمر تعالى عبده ورسوله محمكدا ً صكلى اللكه عليكه وسكلم بكأن‬
‫يباشر القتال بنفسه‪ ,‬ومن نكل عنه فل عليه منه‪ ,‬ولهككذا قككال }ل‬
‫تكلف إل نفسك{ قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا محمككد بككن‬
‫عمككرو بككن نبيككح‪ ,‬حككدثنا حكككام‪ ,‬حككدثنا الجككراح الكنككدي عككن أبككي‬
‫إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى المائة مككن‬
‫العدو فيقاتل فيكون ممن قال الله فيه‪} :‬ول تلقككوا بأيككديكم إلككى‬
‫التهلكة{ ؟ قال‪ :‬قد قال الله تعالى لنبيه‪} :‬فقاتل في سبيل اللككه‬
‫ل تكلف إل نفسك وحككرض المككؤمنين{‪ .‬ورواه المككام أحمككد عككن‬
‫سليمان بن داود‪ ,‬عن أبي بكر بن عياش‪ ,‬عن أبي إسككحاق‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قلت للبراء‪ :‬الرجل يحمل على المشركين‪ ,‬أهو ممككن ألقككى بيككده‬
‫إلى التهلكة ؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬إن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسككلم‬
‫وقال‪} :‬فقاتل في سبيل الله ل تكلف إل نفسك{ إنمككا ذلككك فككي‬
‫النفقة وكذا رواه ابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش وعلي‬
‫بن صالح‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن البراء بككه‪ .‬ثككم قككال ابككن مردويككه‪:‬‬
‫حدثنا سليمان بن أحمد‪ ,‬حدثنا أحمد بن النضككر العسكككري‪ ,‬حككدثنا‬
‫مسلم بن عبد الرحمن الجرمككي‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن حميككر‪ ,‬حككدثنا‬
‫سفيان الثوري عن أبي إسحاق‪ ,‬عن البراء‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلككت علككى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم }فقاتل فككي سككبيل اللككه ل تكلككف إل‬
‫‪175‬‬
‫لية‪ ,‬قال لصحابه‪» :‬وقد أمرنككي ربككي‬ ‫نفسك وحرض المؤمنين{ ا َ‬
‫بالقتككككككككككككال فقككككككككككككاتلوا« حككككككككككككديث غريككككككككككككب‪.‬‬
‫وقككوله‪} :‬وحككرض المككؤمنين{ أي علككى القتككال ورغبهككم فيككه‬
‫وشجعهم عليه‪ ,‬كما قال لهم صلى الله عليه وسلم يوم بككدر وهككو‬
‫يسوي الصفوف‪» :‬قوموا إلككى جنككة عرضككها السككموات والرض«‬
‫وقد وردت أحاديث كثيرة في الككترغيب فككي ذلككك‪ ,‬فمككن ذلككك مككا‬
‫رواه البخاري عن أبي هريرة قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪» :‬من آمن بالله ورسوله‪ ,‬وأقام الصلة وآتككى الزكككاة‪,‬‬
‫وصام رمضان‪ ,‬كان حقكا ً علككى اللككه أن يككدخله الجنككة‪ ,‬هككاجر فككي‬
‫سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولككد فيهككا«‪ .‬قككالوا‪ :‬يككا رسككول‬
‫الله أفل نبشر الناس بذلك ؟ فقككال‪» :‬إن فككي الجنككة مككائة درجككة‬
‫أعدها الله للمجاهدين في سبييل الله‪ ,‬بين كل درجككتين كمككا بيككن‬
‫السماء والرض‪ ,‬فإذا سألتم الله فاسألوه الفككردوس فككإنه وسككط‬
‫الجنة‪ ,‬وأعلى الجنككة‪ ,‬وفككوقه عككرش الرحمككن‪ ,‬ومنككه تفجككر أنهككار‬
‫الجنة« وري من حديث عبادة ومعاذ وأبي الدرداء‪ ,‬نحو ذلك‪ .‬وعن‬
‫أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬يككا‬
‫أبا سعيد‪ ,‬من رضي بالله ربا ً وبالسلم دين كًا‪ ,‬وبمحمككد صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم رسول ً ونبيًا‪ ,‬وجبت له الجنككة«‪ ,‬قككال‪ :‬فعجككب لهككا أبككو‬
‫ي يا رسول اللككه‪ ,‬ففعككل‪ ,‬ثككم قككال رسككول‬ ‫سعيد‪ ,‬فقال‪ :‬أعدها عل ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم‪» :‬وأخككرى يرفككع اللككه العبككد بهككا مككائة‬
‫درجة في الجنة‪ ,‬ما بين كل درجككتين كمككا بيككن السككماء والرض«‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما هي يا رسول اللككه ؟ قككال‪» :‬الجهككاد فككي سككبيل اللككه«‪,‬‬
‫رواه مسلم‪ .‬وقوله‪} :‬عسى الله أن يكف بأس الذين كفككروا{ أي‬
‫بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على منككاجزة العككداء‪.‬‬
‫ومدافعتهم عككن حككوزة السككلم وأهلككه‪ ,‬ومقككاومتهم ومصككابرتهم‪.‬‬
‫ل{ أي هككو قككادر عليهككم‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬والله أشد بأسا ً وأشد تنكي ً‬
‫لخرة كما قال تعالى‪} :‬ذلك ولككو يشككاء اللككه ل نتصككر‬ ‫في الدنيا وا َ‬
‫منهكككككككم ولككككككككن ليبلكككككككو بعضككككككككم ببعكككككككض{ ا َ‬
‫ليكككككككة‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منهككا{ أي مككن‬
‫يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلككك‪} ,‬ومككن‬
‫يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منهككا{ اي يكككون عليككه وزر مككن‬
‫ذلك المر الذي ترتب على سعيه ونيته‪ ,‬كما ثبت في الصحيح عن‬
‫‪176‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬أنه قال‪» :‬اشفعوا تككؤجروا‪ ,‬ويقضككي‬
‫الله على لسان نبيه ما شاء«‪ ,‬وقال مجاهد بكن جكبر‪ :‬نزلكت هكذه‬
‫لية في شفاعات الناس بعضهم لبعض‪ .‬وقكال الحسكن البصككري‪:‬‬ ‫ا َ‬
‫قال الله تعالى‪} :‬من يشفع{ ولم يقل من يشّفع‪ ,‬وقوله‪} :‬وكككان‬
‫الله على كل شيء مقيتًا{‪ .‬قال ابن عباس وعطاء وعطية وقتادة‬
‫ومطر الوارق }مقيتكًا{ أي حفيظكًا‪ .‬وقككال مجاهككد‪ :‬شككهيدًا‪ ,‬وفككي‬
‫رواية عنه‪ :‬حسيبًا‪ .‬وقال سعيد بن جبير والسدي وابن زيد‪ :‬قديرًا‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن كثير‪ :‬المقيت الواصب‪ ,‬وقال الضككحاك المقيككت‬
‫الرزاق‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا عبككد الرحيككم بككن‬
‫مطرف‪ ,‬حدثنا عيسى بن يونس عن إسماعيل عن رجل‪ .‬عن عبد‬
‫الله بن رواحة‪ ,‬وسأله رجل عن قول الله تعالى‪} :‬وكان الله على‬
‫كككل شككيء مقيتككا{ قككال‪ :‬مقيككت لكككل إنسككان بقككدر عملككه‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منهككا أو ردوهككا{ أي إذا‬
‫سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضككل ممككا سككلم‪ ,‬أو ردوا عليككه‬
‫بمثل ما سكلم‪ ,‬فالزيككادة مندوبككة‪ ,‬والمماثلككة مفروضككة‪ ,‬قككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثنا موسى بن سهل الرملي‪ ,‬حدثنا عبد الله بككن السككري‬
‫النطاكي‪ ,‬حدثنا هشام بككن لحككق عككن عاصككم الحككول‪ ,‬عككن أبككي‬
‫عثمان النهدي‪ ,‬عن سلمان الفارسي‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجككل إلككى النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬السلم عليك يا رسكول اللكه‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫»وعليك السلم ورحمة الله«‪ ,‬ثم جاء آخر فقال‪ :‬السلم عليك يككا‬
‫رسول الله ورحمة الله ‪ ¹‬فقال لككه رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪» :‬وعليك السلم ورحمة الله وبركاته«‪ ¹‬ثم جاء آخر فقككال‪:‬‬
‫السككلم عليككك يككا رسككول اللككه ورحمككة اللككه وبركككاته‪ ,‬فقككال لككه‪:‬‬
‫»وعليك«‪ ,‬فقال له الرجل‪ :‬يا نككبي اللككه‪ ,‬بككأبي أنككت وأمككي‪ ,‬أتككاك‬
‫ي‬
‫فلن وفلن فسلما عليككك فككرددت عليهمككا أكككثر ممككا رددت علك ّ‬
‫فقال‪» :‬إنك لم تدع لنا شيئًا‪ ,‬قال الله تعككالى‪} :‬وإذا حييتككم بتحيككة‬
‫فحيوا بأحسن منها أو ردوها{ فرددناها عليككك«‪ ,‬وهكككذا رواه ابككن‬
‫أبي حاتم معلقًا‪ ,‬فقال‪ :‬ذكر عن أحمد بن الحسن الترمككذي حككدثنا‬
‫عبد الله بن السري أبو محمد النطاكي‪ ,‬قال أبككو الحسككن‪ ,‬وكككان‬
‫رجل ً صالحًا‪ :‬حدثنا هشام بن لحق فذكره بإسناده مثله‪ ,‬ورواه أبو‬
‫بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا عبد البكاقي بكن قكانع‪ ,‬حكدثنا عبكد اللكه بكن‬
‫‪177‬‬
‫أحمد بن حنبككل‪ ,‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا هشككام بككن لحككق أبككو عثمككان‬
‫فككككذكره مثلككككه‪ ,‬ولككككم أره فككككي المسككككند‪ ,‬واللككككه أعلككككم‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث دللة على أنه ل زيادة في السككلم علككى هككذه‬
‫الصفة‪ ,‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪ ,‬إذ لو شككرع أكككثر مككن‬
‫ذلك لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقال المككام أحمككد‪:‬‬
‫حدثنا محمد بككن كككثير أخككو سككليمان عككن كككثير‪ ,‬حككدثنا جعفككر بككن‬
‫سليمان بن عككوف‪ ,‬عككن أبككي رجككاء العطككاردي‪ ,‬عككن عمككران بككن‬
‫حصين أن رجل ً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫السلم عليكم يا رسول الله فرد عليه ثم جلس فقككال‪» :‬عشككر«‪,‬‬
‫ثم جاء آخر فقال‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله يا رسول اللككه‪ ,‬فككرد‬
‫عليه ثم جلس‪ ,‬فقال‪» :‬عشككرون«‪ ,‬ثككم جككاء آخككر فقككال‪ :‬السككلم‬
‫عليكم ورحمة الله وبركاته‪ ,‬فرد عليه‪ ,‬ثم جلس فقال‪» :‬ثلثون«‪,‬‬
‫وكذا رواه أبو داود عن محمد بن كثير وأخرجه الترمذي والنسائي‬
‫والبزار من حديثه‪ ,‬ثم قال الترمذي‪ :‬حسن غريب من هذا الككوجه‪.‬‬
‫وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حنيككف‪ ,‬وقككال الككبزار‪:‬‬
‫قد روي هذا عككن البنككي صككلى اللككه عليككه وسككلم مككن وجككوه هككذا‬
‫أحسككنها إسككنادا ً وقككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا علككي بككن حككرب‬
‫الموصلي‪ ,‬حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسككن بككن‬
‫صالح‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬مككن سككلم‬
‫عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسيًا‪ ,‬ذلككك بككأن اللككه‬
‫يقول‪ :‬فحيوا بأحسن منها أو ردوها‪ ,‬وقككال قتككادة‪ :‬فحيككوا بأحسككن‬
‫منها‪ ,‬يعني للمسلمين‪ ,‬أو ردوها يعني لهل الذمككة‪ ,‬وهككذا التنزيككل‬
‫فيه نظر كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن ممككا‬
‫حياه به‪ ,‬فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلم‪ ,‬رد عليه مثككل‬
‫ما قال‪ ,‬فأما أهل الذمة فل يبدؤون بالسلم ول يككزادون‪ ,‬بككل يككرد‬
‫عليهم بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر‪ ,‬أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪» :‬إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحككدهم‪:‬‬
‫السام عليكم‪ ,‬فقل‪ :‬وعليك« في صحيح مسلم عككن أبككي هريككرة‪,‬‬
‫أن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪» :‬ل تبككدءوا اليهككود‬
‫والنصارى بالسككلم وإذا لقيتمككوهم فككي طريككق فاضككطروهم إلككى‬
‫أضيقه«‪ .‬وقال سفيان الثوري‪ ,‬عن رجككل‪ ,‬عككن الحسككن البصككري‪,‬‬
‫قال‪ :‬السلم تطوع والرد فريضة‪ ,‬وهذا الذي قال هو قول العلماء‬
‫‪178‬‬
‫قاطبة‪ ,‬أن الرد واجب على من سكلم عليكه‪ ,‬فيكأثم إن لكم يفعكل‪,‬‬
‫لنه خالف أمر الله في قوله‪ :‬فحيوا بأحسككن منهككا أو ردوهككا وقككد‬
‫جاء في الحديث الذي رواه )أبو داود بسنده إلى أبي هريرة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »والككذي نفسككي بيككده‪ ,‬ل‬
‫تدخلوا الجنة حتى تؤمنواو ول تؤمنوا حتى تحابوا أفل أدلكككم علككى‬
‫أمككككر إذا فعلتمككككوه تحككككاببتم ؟ أفشككككوا السككككلم بينكككككم«(‪.‬‬
‫وقككوله‪ } :‬اللككه ل إلككه إل هككو{ إخبككار بتوحيككده وتفككرده باللهيككة‬
‫لجميع المخلوقات وتضككمن قسككما ً لقككوله‪} :‬ليجمعنكككم إلككى يككوم‬
‫القيامة ل ريب فيه{ وهذه اللم موطئة للقسم‪ ,‬فقوله الله ل إلككه‬
‫لخرين فككي صككعيد واحككد‪,‬‬ ‫إل هو خبر وقسم أنه سيجمع الولين وا َ‬
‫فيجازي كل عامل بعمله‪ ,‬وقوله تعككالى‪} :‬ومككن أصككدق مككن اللككه‬
‫حديثًا{ أي ل أحد أصدق منه في حديثه وخبره ووعده ووعيده‪ ,‬فل‬
‫إلكككككككككككككككككككه إل هكككككككككككككككككككو ول رب سكككككككككككككككككككواه‪.‬‬
‫س كب ُوَا ْ‬ ‫** فَمككا ل َك ُكم فككي ال ْمنككافقين فئ َتي كن والل ّك َ‬

‫مككا ك َ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫س كه ُ ْ‬ ‫ه أْرك َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ِ ِ َ ِ َْ ِ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬
‫سِبيل ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫جد َ ل ُ‬ ‫ه فَلن ت َ ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ن أن ت َهْ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫أت ُ ِ‬
‫م‬ ‫من ْهُ ك ْ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫خك ُ‬ ‫وآًء فَل َ ت َت ّ ِ‬ ‫سك َ‬ ‫ن َ‬ ‫كون ُككو َ‬ ‫ما ك ََف كُروا ْ فَت َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫دوا ْ ل َوْ ت َك ُْفُرو َ‬ ‫* وَ ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫م َواقْت ُل ُككوهُ ْ‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خك ُ‬ ‫ن ت َوَل ّكوْا ْ فَ ُ‬ ‫ل الل ّهِ فَإ ِ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫جُروا ْ ِفي َ‬ ‫ى ي َُها ِ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫أوْل َِيآَء َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫صككيرا ً * إ ِل ّ ال ّك ِ‬ ‫م وَل ِي ّكا ً وَل َ ن َ ِ‬ ‫من ْهُ ك ْ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫خك ُ‬ ‫م وَل َ ت َت ّ ِ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جككدت ّ ُ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫حي ْك ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫صَر ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫جآُءوك ُ ْ‬ ‫ميَثاقٌ أوْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ى قَوْم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن إ ِل‬ ‫صلو َ‬ ‫يَ ِ‬
‫َأن يَقات ُِلونك ُ َ‬
‫م‬ ‫م عَل َي ْك ُك ْ‬ ‫سكل ّط َهُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫شككآَء الل ّك ُ‬ ‫م وَل َكوْ َ‬ ‫مه ُ ْ‬ ‫م أوْ ي َُقككات ُِلوا ْ قَكوْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫مككا‬ ‫م فَ َ‬ ‫س كل َ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫م وَأل َْقكوْا ْ إ ِل َي ْك ُك ُ‬ ‫م ي َُقات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫ن اعْت ََزُلوك ُ ْ‬ ‫م فَإ ِ ِ‬ ‫فَل ََقات َُلوك ُ ْ‬
‫ن َأن‬ ‫دو َ‬ ‫ريكك ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ريكك َ‬ ‫خ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س كت َ ِ‬ ‫سككِبيل ً * َ‬ ‫م َ‬ ‫م عَل َي ِْهكك ْ‬ ‫ككك ْ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ل الّلكك ُ‬ ‫جَعكك َ‬ ‫َ‬
‫سككوا ْ فِي ِهَككا فَ كِإن‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما ُرد ّوَا ْ إ َِلى ال ِْفت ْن ِةِ أْرك ِ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫مه ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ قَوْ َ‬ ‫م وَي َأ َ‬ ‫مُنوك ُ ْ‬ ‫ي َأ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خكك ُ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫م وَي َك ُّفككوَا ْ أْيككدِي َهُ ْ‬ ‫سككل َ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ككك ُ‬ ‫م وَي ُل ُْقككوَا ْ إ ِل َي ْ ُ‬ ‫م ي َعْت َزُِلككوك ُ ْ‬ ‫ّلكك ْ‬
‫مِبينا ً‬ ‫ُ‬
‫طانا ً ّ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬ ‫جعَل َْنا ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأوَْلـئ ِك ُ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫ث ث ِِقْفت ُ ُ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫َواقْت ُُلوهُ ْ‬
‫يقول تعالى منكرا ً على المؤمنين في اختلفهم فككي المنككافقين‬
‫على قولين‪ :‬واختلف في سككبب ذلككك فقككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫بهز‪ ,‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال عدي بن ثابت‪ ,‬أخبرني عبككد اللككه بككن يزيككد‬
‫عن زيد بن ثابت‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلككى‬
‫أحد فرجع ناس خرجوا معه‪ ,‬فكان أصحاب رسول الله صلى اللككه‬
‫‪179‬‬
‫عليه وسلم فيهم فرقتين‪ :‬فرقة تقول‪ :‬نقتلهكم‪ ,‬وفرقكة تقكول‪ :‬ل‪,‬‬
‫هم المؤمنون‪ ,‬فأنزل الله }فما لكم في المنافقين فئتيككن{ فقككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬إنها طيبة وإنها تنفككي الخبككث‬
‫كما ينفي الكير خبث الحديد« أخرجاه في الصحيحين مككن حككديث‬
‫شعبة‪ ,‬وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في وقعة أحد أن عبككد‬
‫الله بن أبي بن سككلول رجككع يككومئذ بثلككث الجيككش‪ ,‬رجككع بثلثمككائة‬
‫وبقي النبي صلى الله عليه وسككلم فككي سككبعمائة‪ ,‬وقككال العككوفي‬
‫عن ابن عباس‪ :‬نزلت في قوم ككانوا بمككة قكد تكلمكوا بالسكلم‪,‬‬
‫وكانوا يظاهرون المشركين‪ ,‬فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهككم‬
‫فقككالوا‪ :‬إن لقينككا أصككحاب محمككد فليككس علينككا منهككم بككأس‪ ,‬وإن‬
‫المؤمنين لما أخبروا أنهككم قككد خرجككوا مككن مكككة‪ ,‬قككالت فئة مككن‬
‫المؤمنين‪ :‬اركبوا إلى الجبناء فككاقتلوهم‪ ,‬فككإنهم يظككاهرون عليكككم‬
‫عدوكم‪ ,‬وقالت فئة أخككرى مككن المككؤمنين‪ :‬سككبحان اللككه‪ ,‬أو كمككا‬
‫قالوا‪ :‬أتقتلون قوما ً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به مككن أجككل أنهككم‬
‫لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم‪ ,‬نستحل دماءهم وأموالهم ؟ فكانوا‬
‫كذلك فئتين‪ ,‬والرسول عندهم ل ينهى واحككدا ً مككن الفريقيككن عككن‬
‫شيء‪ ,‬فنزلت }فمككا لكككم فككي المنككافقين فئتيككن{ رواه ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ ,‬وقد روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهككد‬
‫والضحاك وغيرهم قريب من هذا‪ ,‬وقال زيككد بككن أسككلم عككن ابككن‬
‫لسعد بن معاذ‪ :‬أنها نزلت في تقككاول الوس والخككزرج فككي شككأن‬
‫عبد الله بن أبي‪ ,‬حين استعذر من رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم على المنبر في قضية الفك‪ ,‬وهذا غريب‪ ,‬وقيل غيككر ذلككك‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬والله أركسهم بمككا كسككبوا{ أي ردهككم وأوقعهككم‬
‫في الخطأ‪ ,‬قال ابن عباس }أركسهم{ أي أوقعهم‪ ,‬وقككال قتككادة‪:‬‬
‫أهلكم وقال السككدي‪ :‬أضككلهم‪ ,‬وقككوله‪} :‬بمككا كسككبوا{ أي بسككبب‬
‫عصككيانهم ومخككالفتهم الرسككول واتبككاعهم الباطككل }أتريككدون أن‬
‫تهدوا من أضل الله ومن يضككلل اللككه فلككن تجككد لككه سككبيل{ أي ل‬
‫طريق له إلى الهدى ول مخلص له إليه‪ ,‬وقوله‪} :‬ودوا لو تكفرون‬
‫كما كفروا فتكونون سواء{ أي هم يودون لكككم الضككللة لتسككتووا‬
‫أنتم وإياهم فيها وما ذاك إل لشدة عدواتهم وبغضككهم لكككم ولهككذا‬
‫قال‪} :‬فل تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا فككي سككبيل اللككه فككإن‬
‫تولوا{ أي تركككوا الهجككرة‪ ,‬قككاله العككوفي عككن ابككن عبككاس‪ ,‬وقككال‬
‫‪180‬‬
‫السدي‪ :‬أظهروا كفرهم }فخذوهم واقتلوهم حيث وجككدتموهم ول‬
‫تتخذوا منهككم وليكا ً ول نصككيرًا{ أي ل توالككوهم ول تستنصككروا بهككم‬
‫على أعداء الله ما داموا كذلك‪ ,‬ثم استثنى الله من هؤلء‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫}إل الذين يصلون إلككى قككوم بينكككم وبينهككم ميثككاق{ أي إل الككذين‬
‫لجأوا وتحيزوا إلى قوم بينكم وبينهم مهادنة‪ ,‬أو عقد ذمة فككاجعلوا‬
‫حكمهم كحكمهم‪ ,‬وهذا قول السدي وابككن زيككد وابككن جريككر‪ ,‬وقككد‬
‫روى ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا أبو سككلمة‪ ,‬حككدثنا حمككاد بككن‬
‫سلمة عن علي بن زيد بن جدعان‪ ,‬عككن الحسككن أن سككراقة بككن‬
‫مالك المدلجي حدثهم قال‪ :‬لما ظهر النبي صلى الله عليه وسككلم‬
‫على أهل بدر وأحد وأسلم من حككولهم‪ ,‬قككال سككراقة‪ :‬بلغنككي أنككه‬
‫يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج‪ ,‬فأتيته فقلككت‪:‬‬
‫أنشدك النعمة‪ ,‬فقالوا‪ :‬صه‪ ,‬فقال النبي صكلى اللكه عليككه وسكلم‪:‬‬
‫»دعوه‪ ,‬ما تريد ؟« قال‪ :‬بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي وأنا‬
‫أريد أن توادعهم‪ ,‬فإن أسلم قومك أسلموا ودخلككوا فككي السككلم‪,‬‬
‫وإن لم يسلموا لم تخشن قلوب قومك عليهم‪ ,‬فأخذ رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسكلم بيككد خالكد بكن الوليككد فقككال‪» :‬اذهككب معكه‬
‫فافعل ما يريد« فصالحهم خالد على أل يعينككوا علككى رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسكملوا معهكم‪ ,‬فكأنزل‬
‫الله }ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فل تتخذوا منهككم‬
‫أوليككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاء{‪.‬‬
‫ورواه ابن مردويه من طريق حماد بن سلمة‪ ,‬وقال‪ :‬فأنزل اللككه‬
‫}إل الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق{ فكان من وصككل‬
‫إليهم كان معهم على عهدهم‪ ,‬وهككذا أنسككب لسككياق الكلم‪ ,‬وفككي‬
‫صحيح البخاري في قصة صلح الحديبية‪ :‬فكان من أحب أن يككدخل‬
‫في صلح قريش وعهدهم‪ ,‬ومن أحب أن يككدخل فككي صككلح محمككد‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم وأصككحابه وعهككدهم‪ ,‬وقككد روي عككن ابككن‬
‫عباس أنه قال‪ :‬نسخها قوله‪} :‬فإذا انسلخ الشهر الحككرم فككاقتلوا‬
‫المشكككككككككككركين حيكككككككككككث وجكككككككككككدتموهم{ ا َ‬
‫ليكككككككككككة‪.‬‬
‫لية‪ ,‬هؤلء قوم آخرون‬ ‫وقوله‪} :‬أو جاؤوكم حصرت صدروهم{ ا َ‬
‫من المستثنين من المر بقتالهم وهم الذين يجئيون إلى المصككاف‬
‫وهم حصرة صدروهم أي ضيقة صككدروهم مبغضككين أن يقككاتلوكم‪,‬‬
‫ول يهون عليهم أيضا ً أن يقاتلوا قومهم معكككم بككل هككم ل لكككم ول‬
‫‪181‬‬
‫عليكم }ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم{ أي مككن لطفككه‬
‫بكم أن كفهم عنكم }فإن اعتزلوكم فلككم يقككاتلوكم وألقككوا إليكككم‬
‫ل{ أي‬ ‫السلم{ أي المسككالمة }فمككا جعككل اللككه لكككم عليهككم سككبي ً‬
‫فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك ‪ ,‬وهؤلء كالجماعة‬
‫الذين خرجوا يوم بككدر مككن بنككي هاشككم مككع المشككركين فحضككروا‬
‫القتال وهم كارهون كالعباس ونحوه ولهذا نهى النككبي صككلى اللككه‬
‫عليككه وسككلم يككومئذ عككن قتككل العبككاس وأمككر بأسككره‪ ,‬وقككوله‪:‬‬
‫}سككتجدون آخريككن يريككدون أن يككأمنوكم ويككأمنوا قككومهم{ ا َ‬
‫هؤلء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم‪ ,‬ولكن نية هؤلء غير نية‬
‫أولئك‪ ,‬فإن هؤلء قوم منافقون يظهرون للنككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم ولصككحابه السككلم ليككأمنوا بككذلك عنككدهم علككى دمككائهم‬
‫وأموالهمم وذراريهم‪ ,‬ويصانعون الكفار في الباطن تعبدون معهككم‬
‫ما يعبدون ليأمنوا بذلك عندهم وهم فككي البككاطن مككع أولئك‪ ,‬كمككا‬
‫ليككة‪,‬‬ ‫قال تعالى‪} :‬وإذا خلككوا إلككى شككياطينهم قككالوا إنككا معكككم{ ا َ‬
‫وقال ههنا }كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها{ أي انهمكككوا فيهككا‪,‬‬
‫وقال السدي‪ :‬الفتنة ك ههنا ك الشرك‪ ,‬وحكى ابن جرير عن مجاهد‬
‫أنها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فيسلمون رياء ثككم يرجعككون إلككى قريككش فيرتكسككون فككي‬
‫الوثان‪ ,‬يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنككا‪ ,‬فككأمر بقتككالهم إن لككم‬
‫يعتزلوا ويصلحوا ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬فككإن لككم يعككتزلوكم ويلقككوا‬
‫إليكم السلم{ المهادنة والصلح‪} ,‬ويكفوا أيديهم{ أي عن القتككال‪,‬‬
‫}فخكككذوهم{ أسكككراء‪} ,‬واقتلكككوهم حيكككث ثقفتمكككوهم{ أي أيكككن‬
‫لقيتموهم‪} ,‬وأولئكككم جعلنككا لكككم عليهككم سككلطانا ً مبينكًا{ أي بينكا ً‬
‫واضكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككحًا‪.‬‬
‫طئا ً‬‫خ َ‬ ‫منا ً َ‬

‫مؤ ْ ِ‬‫ل ُ‬ ‫من قَت َ َ‬ ‫طئا ً وَ َ‬
‫خ َ‬ ‫منا ً إ ِل ّ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ُ‬ ‫ن َأن ي َْقت ُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫** وَ َ‬
‫ص كد ُّقوا ْ فَ كِإن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ٌ َ‬
‫ى أهْل ِكهِ إ ِل ّ أن ي َ ّ‬ ‫ة إ ِل ك َ‬ ‫س كل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫من َةٍ وَدِي َ ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ريُر َرقَب َةٍ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫فَت َ ْ‬
‫ن‬ ‫من َكةٍ وَِإن ك َككا َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ريُر َرقَب َكةٍ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن فَت َ ْ‬
‫ح‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م وَهُوَ ْ‬ ‫من قَوْم ٍ عَد ُوّ ل ّك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ة إل َى أ َ‬
‫ري كُر َرقَب َك ٍ‬
‫ة‬ ‫ِ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫م ٌ ِ َ‬ ‫سل ّ َ‬‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ميَثاقٌ فَدِي َ ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫من قَوْم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ن الل ّكهِ وَك َككا َ‬ ‫مك َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ن ت َوْب َ ً‬‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ فَ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫ة فَ َ‬‫من َ ً‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫‪182‬‬
‫خاِلككدا ً‬‫م َ‬ ‫جَزآؤُهُ َ‬
‫جهَن ّ ُ‬ ‫مدا ً فَ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬‫منا ً ّ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫من ي َْقت ُ ْ‬ ‫كيما ً * وَ َ‬ ‫ه عَِليما ً َ‬
‫ح ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ظيمكككا ً‬ ‫َ‬
‫ذابا ً عَ ِ‬ ‫ه وَأعَكككد ّ ل َككك ُ‬
‫ه عَككك َ‬ ‫ه عَل َي ْكككهِ وَل َعَن َككك ُ‬‫ب الل ّككك ُ‬ ‫ِفيهَكككا وَغَ ِ‬
‫ضككك َ‬
‫يقول تعالى‪ :‬ليس لمككؤمن أن يقتككل أخككاه المككؤمن بككوجه مككن‬
‫الوجوه‪ ,‬وكما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود‪ :‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬ل يحل دم امرىء مسلم يشهد أن ل‬
‫إله إل الله‪ ,‬وأني رسول اللككه‪ ,‬إل بإحككدى ثلث‪ :‬النفككس بككالنفس‪,‬‬
‫والككثيب الزانككي‪ ,‬والتككارك لككدينه المفككارق للجماعككة« ثككم إذا وقككع‬
‫شيء من هككذه الثلث‪ ,‬فليككس لحككد مككن آحككاد الرعيككة أن يقتلككه‪,‬‬
‫وإنما ذلك إلى المام أونائبه‪ ,‬وقوله‪} :‬إل خطأ{ قالوا‪ :‬هو استثناء‬
‫منقطككككككككككككككككككككع‪ ,‬كقككككككككككككككككككككول الشككككككككككككككككككككاعر‪:‬‬
‫الككككككككبيض لككككككككم تظعككككككككن بعيككككككككدا ً ولككككككككم تطككككككككأ‬
‫على الرض إل ربط برد مرحل ولهذا شواهد كثيرة‪ .‬واختلف فككي‬
‫سبب نزول هذه‪ ,‬فقال مجاهد وغير واحد‪ :‬نزلككت فككي عيككاش بككن‬
‫أبي ربيعة أخي أبي جهل لمه وهي أسماء بنت مخرمة‪ ,‬وذلك أنه‬
‫قتل رجل ً يعككذبه مككع أخيككه علككى السككلم وهككو الحككارث بككن يزيككد‬
‫الغامدي‪ ,‬فأضمر له عيككاش السككوء‪ ,‬فأسككلم ذلككك الرجككل وهككاجر‬
‫وعياش ل يشعر‪ ,‬فلما ككان يككوم الفتككح رآه فظكن أنكه علككى دينكه‬
‫لية‪ ,‬قال عبد الرحمن بن زيد‬ ‫فحمل عليه فقتله‪ ,‬فأنزل الله هذه ا َ‬
‫بن أسلم‪ :‬نزلت في أبي الككدرداء لنككه قتككل رجل ً وقككد قككال كلمككة‬
‫اليمان حين رفع عليه السيف‪ ,‬فأهوى به إليه فقككال كلمتككه‪ ,‬فلمككا‬
‫ذكر ذلك للنبي صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬قككال‪ :‬إنمككا قالهككا متعككوذا ً‬
‫فقال له‪ :‬هل شققت عن قلبه ؟ وهذه القصة فككي الصككحيح لغيككر‬
‫أبككككككككككككككككككككككككككككككككككككي الككككككككككككككككككككككككككككككككككككدرداء‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬ومن قتل مؤمنا ً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسككلمة‬
‫إلى أهله{ هذان واجبككان فككي قتككل الخطككأ‪ ,‬أحككدهما الكفككارة لمككا‬
‫ارتكبه من الذنب العظيم وإن كان خطأ‪ ,‬ومككن شككرطها أن تكككون‬
‫عتق رقبة مؤمنة فل تجزىء الكافرة‪ ,‬وحكى ابككن جريككر عككن ابككن‬
‫عباس والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري أنهم قككالوا‪ :‬ل‬
‫يجزىء الصغير حتى يكون قاصدا ً لليمان‪ ,‬وروي من طريككق عبككد‬
‫الرزاق عن معمر‪,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬في حرف‪ ,‬فتحرير رقبة مؤمنة‬
‫ل يجزىء فيها صبي‪ ,‬واختار ابككن جريككر أنككه إن كككان مولككودا ً بيككن‬
‫أبوين مسلمين أجزأ وإل فل‪ ,‬والذي عليه الجمهور أنككه مككتى كككان‬
‫‪183‬‬
‫مسلما ً صح عتقه عككن الكفككارة سككواء كككان صككغيرا ً أو كككبيرا ً قككال‬
‫المام أحمد‪ :‬أنبأنا عبد الرزاق‪ ,‬أخبرنا معمر عن الزهري عن عبككد‬
‫الله بن عبد الله‪ ,‬عن رجككل مككن النصككار‪ :‬أنككه جككاء بأمككة سككوادء‪,‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ :‬إن علي عتق رقبة مؤمنككة‪ ,‬فككإن كنككت تككرى‬
‫هذه مؤمنة أعتقتها‪ ,‬فقال لها رسول الله‪» :‬أتشهدين أن ل إلككه إل‬
‫الله ؟« قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪» :‬أتشهدين أنككي رسكول اللكه ؟« قكالت‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال‪» :‬أتككؤمنين بككالبعث بعككد المككوت ؟« قككالت‪ :‬نعككم‪ .‬قككال‪:‬‬
‫»أعتقها«‪ .‬وهذا إسككناد صككحيح وجهالككة الصككحابي ل تضككره‪ ,‬وفككي‬
‫موطأ مالك ومسند الشافعي وأحمد وصككحيح مسككلم وسككنن أبككي‬
‫داود والنسائي من طريككق هلل بككن أبككي ميمونككة عككن عطككاء بككن‬
‫يسار‪ ,‬عن معاوية بن الحكم‪ :‬أنه لما جاء بتلككك الجاريككة السككوادء‪,‬‬
‫قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬أين الله ؟ قالت‪ :‬في‬
‫السماء‪ .‬قال‪» :‬من أنا« قالت‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫قال‪» :‬أعتقها‪ ,‬فإنها مؤمنة« وقوله‪} :‬ودية مسلمة إلى أهله{ هككو‬
‫الواجب الثاني فيمككا بيككن القاتككل و أهككل القتيككل عوضكا ً لهككم عمككا‬
‫فاتهم من قتليهم‪ ,‬وهذه الدية إنما تجب أخماسًا‪ ,‬كما رواه المككام‬
‫أحمد وأهل السنن من حديث الحجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير‪,‬‬
‫عن خشف بن مالك‪ ,‬عن ابن مسككعود‪ ,‬قككال‪ :‬قضككى رسككول اللككه‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم فككي ديككة الخطكأ عشككرين بنككت مخككاض‪,‬‬
‫وعشككرين بنككي مخككاض ذكككورًا‪ ,‬وعشككرين بنككت لبككون‪ ,‬وعشككرين‬
‫جذعة‪ ,‬وعشككرين حقككة‪ ,‬لفككظ النسككائي قككال الترمككذي‪ :‬ل نعرفككه‬
‫مرفوعا ً إل من هذا الوجه‪ ,‬وقد روي عكن عبكد اللكه موقوفكًا‪ ,‬كمكا‬
‫روي عككن علككي وطائفككة‪ ,‬وقيككل‪ :‬يجككب أرباعكا ً وهككذه الديككة علككى‬
‫العاقلة ل في ماله‪ ,‬قال الشافعي رحمه الله‪ :‬لم أعلم مخالف كا ً أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلككة وهككو‬
‫أكثر من حديث الخاصة‪ ,‬وهذا الذي أشار إليه رحمه الله قككد ثبككت‬
‫في غير ما حديث‪ ,‬فمن ذلككك مككا ثبككت فككي الصككحيحين عككن أبككي‬
‫هريرة قال‪ :‬اقتتلت امرأتان مككن هككذيل فرمككت إحككداهما الخككرى‬
‫بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبككد أو أمككة‪ ,‬وقضككى بديككة‬
‫المرأة على عاقلتها وهذا يقتضككي أن حكككم عمككد الخطككأ المحككض‬
‫في وجوب الدية‪ ,‬لكن هذا تجككب فيككه الديككة أثلثكا ً لشككبهة العمككد‪,‬‬
‫‪184‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال‪ :‬بعث رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى‬
‫السلم فلم يحسككنوا أن يقولككوا أسككلمنا‪ ,‬فجعلككوا يقولككون‪ :‬صككبأنا‬
‫صبأنا فجعل خالد يقتهلم فبلغ ذلك رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬فرفع يديه وقال »اللهم إنككي أبككرأ إليككك ممككا صككنع خالككد«‬
‫وبعككث عليكا ً فككودى قتلهككم ومككا أتلككف مككن أمككوالهم حككتى ميلغككة‬
‫الكلب‪ ,‬وهذا الحديث يؤخذ منه أن خطأ المام أو نائبه يكككون فككي‬
‫بيكككككككككككككككككككككككككككككككككككككت المكككككككككككككككككككككككككككككككككككككال‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬إل أن يصدقوا{ أي فتجب فيه الدية مسلمة إلككى أهلككه‬
‫إل أن يتصدقوا بها فل تجب‪ ,‬وقوله‪} :‬فإن كان من قوم عدو لكككم‬
‫وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة{ أي إذا كان القتيككل مؤمنكا ً ولكككن‬
‫أولياؤه من الكفار أهل حرب‪ ,‬فل دية لهككم‪ ,‬وعلككى القاتككل تحريككر‬
‫رقبة مؤمنككة ل غيككر‪ ,‬وقككوله‪} :‬وإن كككان مككن قككوم بينكككم وبينهككم‬
‫لية‪ ,‬أي فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنككة فلهككم‬ ‫ميثاق{ ا َ‬
‫دية قتيلهم‪ ,‬فإن كان مؤمنا فدية كاملة‪ ,‬وكذا إن كان كككافرا ً أيضكا ً‬
‫عند طائفة من العلماء‪ ,‬وقيل‪ :‬يجب في الكافر نصف دية المسلم‬
‫وقيل‪ :‬ثلثها كما هو مفصل في كتككاب الحكككام ويجككب أيضكا ً علككى‬
‫القاتككل تحريككر رقبككة مؤمنككة }فمككن لككم يجككد فصككيام شككهرين‬
‫متتابعين{ أي ل إفطار بينهما بل يسرد صومهما إلى آخرهما‪ ,‬فإن‬
‫أفطككر مككن غيككر عككذر مككن مككرض أو حيككض أو نفككاس اسككتأنف‪,‬‬
‫واختلفوا في السفر هل يقطع أم ل‪ ,‬على قككولين‪ ,‬وقككوله‪} :‬توبككة‬
‫من الله وكان الله عليما ً حكيما{ أي هذه توبة القاتل خطأ إذا لككم‬
‫يجككد العتككق صكام شككهرين متتككابعين ‪ ,‬واختلفككوا فيمككن ل يسككتطع‬
‫الصيام‪ ,‬هكل يجكب عليكه إطعكام سكتين مسككينا ً كمكا فكي كفكارة‬
‫الظهار‪ ,‬على قككولين أحككدهما‪ :‬نعككم كمككا هككو منصككوص عليككه فككي‬
‫كفارة الظهار‪ ,‬وإنما لم يذكر ههنا‪ ,‬لن هذا مقككام تهديككد وتخويككف‬
‫وتحذير فل يناسب أن يذكر فيككه الطعككام لمككا فيككه مككن التسككهيل‬
‫والترخيص‪ ,‬والقول الثاني ل يعدل إلى الطعام‪ ,‬لنه لو كان واجب كا ً‬
‫لما أخر بيانه عن وقت الحاجة }وكان الله عليما حيكمًا{ قد تقدم‬
‫تفسككككككككككككككككككككككيره غيككككككككككككككككككككككر مككككككككككككككككككككككرة‪,‬‬
‫ثم لما بين تعالى حكم القتل الخطأ شرع في بيككان حكككم القتككل‬
‫لية‪ ,‬وهذا تهديد شككديد‬ ‫العمد‪ ,‬فقال‪} :‬ومن يقتل مؤمنا ً متعمدًا{ ا َ‬
‫‪185‬‬
‫ووعيد أكيد لمككن تعككاطى هككذا الككذنب العظيككم الككذي هككو مقككرون‬
‫بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله‪ ,‬حيككث يقككول سككبحانه‬
‫في سورة الفرقان }والذين ل يدعون مع الله إلها ً آخر ول يقتلون‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬قككل تعككالوا‬ ‫النفس التي حرم الله إل بالحق{ ا َ‬
‫ليككات‬‫أتل ما حرم ربكم عليكم أن ل تشككركوا بككه شككيئًا{ اليككة‪ ,‬وا َ‬
‫والحاديث في تحريم القتل كثيرة جككدًا‪ ,‬فمككن ذلككك مككا ثبككت فككي‬
‫الصحيحين عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪» :‬أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء«‪ ,‬وفككي‬
‫لخر الذي رواه أبو داود من رواية عمككرو بككن الوليككد بككن‬ ‫الحديث ا َ‬
‫عبدة المصري عن عبادة بن الصامت‪,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪» :‬ل يزال المؤمن معنقا ً صالحا ً ما لم يصككب دم كا ً‬
‫حرامًا‪ ,‬فإذا أصاب دما ً حراما ً بلح« وفي حديث آخر »لزوال الككدنيا‬
‫لخككر »ومككن‬ ‫أهون عند الله من قتل رجل مسلم«‪ ,‬وفي الحديث ا َ‬
‫أعان على قتل المسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتككوب‬
‫بين عينيه‪ :‬آيس من رحمة الله« وقد كان ابن عبككاس يككرى أنككه ل‬
‫توبة لقاتل المؤمن عمدًا‪ ,‬وقال البخاري‪ :‬حدثنا آدم‪ ,‬حدثنا شككعبة‪,‬‬
‫حدثنا المغيرة بن النعمان‪ ,‬قال‪ :‬سككمعت ابككن جككبير قككال‪ :‬اختلككف‬
‫فيها أهل الكوفة‪ ,‬فرحلت إلكى ابكن عبكاس فسكألته عنهكا‪ ,‬فقكال‪:‬‬
‫لية }ومن يقتل مؤمنكا ً متعمككدا ً فجككزاؤه جهنككم{ هككي‬ ‫نزلت هذه ا َ‬
‫آخككر مككا نككزل‪ ,‬ومككا نسككخها شككيء‪ ,‬وكككذا رواه هككو أيضكا ً ومسككلم‬
‫والنسائي من طرق عن شعبة به‪ .‬ورواه أبككو داود عككن أحمككد بككن‬
‫حنبل عن ابن مهدي‪ ,‬عن سفيان الثوري‪ ,‬عن مغيرة بن النعمككان‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس فككي قككوله }مككن يقتككل مؤمنكا ً‬
‫متعمدا ً فجزاؤه جهنم{ فقال‪ :‬ما نسخها شيء‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫حدثنا بن بشار‪ ,‬حدثنا ابن عون‪ ,‬حدثنا شعبة عن سعيد بككن جككبير‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال عبد الرحمن بن أبزا سئل ابن عباس عن قككوله‪} :‬ومككن‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬لم ينسخها شيء‪ ,‬وقال في هككذه‬ ‫يقتل مؤمنا ً متعمدًا{ ا َ‬
‫لية }والذين ل يدعون مع الله إلها ً آخر{ إلى آخرها‪ ,‬قال‪ :‬نزلككت‬ ‫ا َ‬
‫في أهل الشرك‪ .‬وقال ابن جريككر أيض كا ً حككدثنا ابككن حميككد‪ ,‬حككدثنا‬
‫جرير عن منصور‪ ,‬حدثني سككعيد بككن جككبير أو حككدثني الحكككم عككن‬
‫سعيد بن جبير ‪ ,‬قال‪ :‬سألت ابن عباس عككن قككوله‪} :‬ومككن يقتككل‬
‫مؤمنا ً متعمدا ً فجزاؤه جهنم{ قال‪ :‬إن الرجككل إذا عككرف السككلم‬
‫‪186‬‬
‫وشرائع السلم‪ ,‬ثم قتل مؤمنا ً متعمدًا‪ ,‬فجزاؤه جهنم ول توبة له‪,‬‬
‫فذكرت ذلك لمجاهد فقال‪ :‬إل مككن نككدم‪ .‬حككدثنا ابككن حميككد وابككن‬
‫وكيع قال‪ :‬حدثنا جرير عن يحيى الجابر عن سالم بن أبككي الجعككد‪,‬‬
‫قال‪ :‬كنا عند ابن عباس بعدما كف بصره‪ ,‬فأتككاه رجككل فنككاداه‪ :‬يككا‬
‫عبد الله بن عباس‪ ,‬ما ترى في رجل قتل مؤمنا ً متعمكدا ً ؟ فقكال‪:‬‬
‫جزاؤه جهنم خالدا ً فيها‪ ,‬وغضب الله عليه ولعنككه وأعككد لككه عككذابا ً‬
‫عظيمًا‪ .‬قال‪ :‬أفرأيت إن تاب وعمل صالحا ً ثم اهتدى ؟ قككال ابككن‬
‫عباس‪ :‬ثكلته أمه وأنى له التوبة والهدى ؟ والذي نفسي بيده لقد‬
‫سمعت نبيكم صككلى اللككه عليككه وسككلم يقككول‪» :‬ثكلتككه أمككه قاتككل‬
‫مؤمن متعمدا ً جاء يككوم القيامككة أخككذه بيمينككه أو بشككماله تشككخب‬
‫أوداجه من قبل عرش الرحمن‪ ,‬يلزم قاتله بشماله وبيده الخككرى‬
‫م قتلني« وايم الككذي نفككس عبككد‬ ‫رأسه‪ ,‬يقول‪ :‬يا رب‪ ,‬سل هذا في َ‬
‫لية فما نسككختها مككن آيككة حككتى قبككض‬ ‫الله بيده‪ ,‬لقد أنزلت هذه ا َ‬
‫نبيكم صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ومككا نككزل بعككدها مككن برهككان‪ ,‬وقككال‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬حككدثنا شككعبة‪ ,‬سككمعت يحيككى‬
‫بن المجبر يحدث عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أن رجل ً‬
‫أتى إليه فقال‪ :‬أرأيت رجل ً قتل رجل ً عمدا ً ؟ فقال‪ :‬جككزاؤه جهنككم‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬لقككد نزلككت مككن آخككر مككا نككزل‪ ,‬مككا نسككخها‬ ‫خالدا ً فيها‪ ,‬ا َ‬
‫شيء حتى قبض رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬ومككا نككزل‬
‫وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قككال‪ :‬أرأيككت إن تككاب‬
‫وآمككن وعمككل صككالحا ً ثككم اهتككدى ؟ قككال‪ :‬وأنككى لككه بالتوبككة‪ ,‬وقككد‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪» :‬ثكلته أمه رجل‬
‫قتل رجل ً متعمدا ً يجىء يوم القيامة آخذا ً قاتله بيمينه أو بيساره ك ك‬
‫أو آخذا ً رأسه بيمينه أو بشككماله كك تشككخب أوداجككه دمكا ً مككن قبككل‬
‫م قتلني« وقد رواه النسائي‬ ‫العرش‪ ,‬يقول ‪ :‬يا رب‪ ,‬سل عبدك في َ‬
‫عن قتيبة وابن ماجه‪ ,‬عن محمد بن الصباح عن سفيان بن عيينة‪,‬‬
‫عن عمار الدهني ويحيى الجابر وثابت الثمالي عن سالم بككن أبككي‬
‫الجعد‪ ,‬عن ابن عباس فذكره‪ ,‬وقد روي هذا عن ابككن عبككاس مككن‬
‫طرق كثيرة وممن ذهب إلى أنه ل توبة لككه مككن السككلف زيككد بككن‬
‫ثابت وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وأبو سلمة بككن عبككد الرحمككن‬
‫وعبيد بن عمير والحسن وقتادة والضككحاك بككن مزاحككم نقلككه ابككن‬
‫أبي حاتم‪ ,‬وفي الباب أحاديث كثيرة ‪ ,‬فمن ذلك ما رواه أبككو بكككر‬
‫‪187‬‬
‫بن مردويه الحافظ فككي تفسككيره‪ :‬حككدثنا دعلككج بككن أحمككد‪ ,‬حككدثنا‬
‫محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشككنجي)ح(‪ ,‬وحككدثنا عبككد اللككه بككن‬
‫جعفر‪ ,‬وحدثنا إبراهيم بن فهد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيككد بككن عبيككدة حككدثنا‬
‫معتمر بن سليمان عن أبيككه‪ ,‬عككن العمككش‪ ,‬عككن أبككي عمككرو بككن‬
‫شرحبيل بإسناده عن عبد الله بن مسعود عككن النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم قال‪» :‬يجىء المقتول متعلقا ً بقاتله يوم القيامة آخككذا‬
‫م قتلنككي ؟ قككال‪,‬‬ ‫رأسه بيده الخككرى فيقككول يككا رب سككل هككذا فيك َ‬
‫فيقول‪ :‬قتلته لتكون العزة لك‪ ,‬فيقول‪ :‬فإنها لي‪ ,‬قال ويجىء آخر‬
‫م قتلني ‪ .‬قال فيقول‪ :‬قتلته‬ ‫متعلقا ً بقاتله فيقول‪ :‬رب سل هذا في َ‬
‫لتكون العزة لفلن‪ ,‬قال‪ :‬فإنها ليست له بككؤ بككإثمه‪ ,‬قككال‪ :‬فيهككوي‬
‫فككي النككار سككبعين خريفكًا« وقككد رواه النسككائي عككن إبراهيككم بككن‬
‫المستمر العوفي‪ ,‬عن عمرو بن عاصم‪ ,‬عن معتمككر بككن سككليمان‬
‫بكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا صفوان بن عيسككى‪ ,‬حككدثنا‬
‫ثور بن يزيد عن أبي عون‪ ,‬عن أبي إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت معاويككة‬
‫رضككي اللككه عنككه يقككول‪ :‬سككمعت النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫يقول ‪:‬كل ذنب عسى الله أن يغفككره إل الرجككل يمككوت كككافرًا‪ ,‬أو‬
‫الرجل يقتل مؤمنا ً متعمككدًا« وكككذا رواه النسككائي عككن محمككد بككن‬
‫المثنى‪ ,‬عن صفوان بن عيسى به‪ ,‬وقال ابن مردويككه‪ :‬حككدثنا عبككد‬
‫الله بن جعفر‪ ,‬حدثنا سمويه‪ ,‬حدثنا عبد العلى بن مسككهر‪ ,‬حككدثنا‬
‫صدقة بن خالد‪ ,‬حدثنا خالد بن دهقان‪ ,‬حدثنا ابن أبي زكريككا‪ ,‬قككال‬
‫سككمعت أم الككدرداء تقككول‪ :‬سككمعت أبككا الككدرداء يقككول‪ :‬سككمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪» :‬كل ذنب عسى الله أن‬
‫يغفره إل مككن مككات مشككركًا‪ ,‬أو مككن قتككل مؤمنكا ً متعمككدًا« وهككذا‬
‫غريب جدا ً من هككذا الككوجه‪ ,‬والمحفككوظ حككديث معاويككة المتقككدم‪,‬‬
‫فالله أعلم‪ ,‬ثم روى ابن مردويه من طريككق بقيككة بككن الوليككد عككن‬
‫نافع بن يزيد‪ :‬حدثني ابن جكبير النصكاري عكن داود بكن الحصكين‪,‬‬
‫عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬عن النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪:‬‬
‫»من قتل مؤمنا ً متعمدا ً فقد كفككر بككالله عككز وجككل« وهككذا حككديث‬
‫منكر أيضكًا‪ ,‬فإسككناده تكلككم فيككه جككدًا‪ ,‬قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫النضر‪ ,‬حدثنا سليمان بن المغيرة‪ ,‬حككدثنا حميككد‪ ,‬قككال‪ :‬أتككاني أبككو‬
‫العالية أنا وصاحب لي‪ ,‬فقال لنككا‪ :‬هلمككا فأنتمككا أشككب سككنا ً منككي‪,‬‬
‫‪188‬‬
‫وأوعى للحديث مني‪ ,‬فانطلق بنا إلى بشر بككن عاصككم‪ ,‬فقككال لككه‬
‫أبو العالية‪ :‬حككدث هككؤلء بحككديثك‪ ,‬فقككال‪ :‬حككدثنا عقبككة بككن مالككك‬
‫الليثي قال‪ :‬بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت‬
‫على قوم‪ ,‬فشد مع القوم رجل فاتبعه رجل مككن السككرية شككاهرا ً‬
‫سيفه‪ ,‬فقال الشاد من القوم‪ :‬إني مسككلم فلككم ينظكر فيمككا قككال‪,‬‬
‫قال‪ :‬فضربه فقتله‪ ,‬فنمي الحككديث إلككى رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فقال فيه قول ً شديدًا‪ ,‬فبلغ القاتل‪ ,‬فبينا رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل‪ :‬والله مككا قككال الككذي‬
‫قال إل تعوذا ً من القتل‪ ,‬قال‪ :‬فأعرض رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته‪ ,‬ثم قال أيض كًا‪:‬‬
‫يا رسول الله ما قال الذي قال إل تعوذا ً من القتل‪ ,‬فككأعرض عنككه‬
‫وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته ثككم لككم يصككبر حككتى قككال‬
‫الثالثة‪ :‬والله يا رسول الله ما قال الذي قال إل تعوذا ً مككن القتككل‪,‬‬
‫فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة في‬
‫وجهه‪ ,‬فقككال‪» :‬إن اللككه أبككى علككى مككن قتككل مؤمنكا ً ثلثكًا« ورواه‬
‫النسائي من حديث سليمان بن المغيرة‪ ,‬والذي عليه الجمهور من‬
‫سلف المة وخلفها أن القاتل لككه توبككة فيمككا بينككه وبيككن اللككه عككز‬
‫وجل‪ ,‬فإن تاب وأناب‪ ,‬وخشع وخضع وعمل عمل ً صالحا ً بدل اللككه‬
‫سيئاته حسنات‪ ,‬وعوض المقتول من ظلمته وأرضاه عن ظلمته‪,‬‬
‫قال الله تعالى‪} :‬والذين ل يدعون مع الله إلها ً آخر ك إلى قككوله ك ك‬
‫ليكة‪ ,‬وهكذا خكبر ل يجككوز‬ ‫إل من تاب وآمن وعمككل عمل ً صكالحًا{ ا َ‬
‫ليككة علككى المككؤمنين‬ ‫نسخه وحمله على المشركين وحمككل هككذه ا َ‬
‫خلف الظكككاهر‪ ,‬ويحتكككاج حملكككه إلكككى دليكككل‪ ,‬واللكككه أعلكككم‪.‬‬
‫وقال تعككالى‪} :‬قككل يككا عبككادي الككذين أسككرفوا علككى أنفسككهم ل‬
‫لية‪ ,‬وهذا عككام فككي جميككع الككذنوب مككن‬ ‫تقنطوا من رحمة الله{ ا َ‬
‫كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك‪ ,‬كل من تاب أي‬
‫من أي ذلك تاب الله عليه‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬إن اللككه ل يغفككر أن‬
‫ليككة عامككة فككي‬ ‫يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشككاء{ فهككذه ا َ‬
‫جميع الذنوب ما عكدا الشكرك‪ ,‬وهكي مكذكورة فكي هكذه السكورة‬
‫لية وقبلها لتقوية الرجاء‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬وثبت في‬ ‫الكريمة بعد هذه ا َ‬
‫الصحيحين خبر السرائيلي الذي قتل مائة نفس ثككم سككأل عالم كا ً‬
‫هل لي مككن توبككة ؟ فقككال‪ :‬ومككن يحككول بينككك وبيككن التوبككة ؟ ثككم‬
‫‪189‬‬
‫أرشده إلى بلد يعبد اللككه فيككه‪ ,‬فهككاجر إليككه فمككات فككي الطريككق‪,‬‬
‫فقبضته ملئكة الرحمة كما ذكرناه غيككر مككرة‪ ,‬وإذا كككان هككذا فككي‬
‫بني إسرائيل فلن يككون فكي هكذه المكة التوبكة مقبولكة بطريكق‬
‫لصككار والغلل الككتي كككانت‬ ‫الولى والحرى‪ ,‬لن اللككه وضككع عنككا ا َ‬
‫عليهككككككككم وبعككككككككث نبينككككككككا بالحنيفيككككككككة السككككككككمحة‪.‬‬
‫لية الكريمة وهي قوله تعالى‪} :‬ومن يقتل مؤمنا ً متعمدًا{‬ ‫فأما ا َ‬
‫لية‪ ,‬فقد قال أبو هريككرة وجماعككة مككن السككلف‪ :‬هككذا جككزاؤه إن‬ ‫ا َ‬
‫جازاه‪ ,‬وقد رواه ابن مردويه بإسناده مرفوعكا ً مكن طريكق محمككد‬
‫بن جامع العطار عن العلء بن ميمون العنبري‪ ,‬عن حجاج السود‪,‬‬
‫عن محمد بن سككيرين‪ ,‬عككن أبككي هريككرة مرفوعكا ً ولكككن ل يصككح‪,‬‬
‫ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه‪ ,‬وكذا كل وعيككد‬
‫على ذنب‪ ,‬لكن قد يكون كذلك معارض من أعمككال صككالحة تمنككع‬
‫وصول ذلك الجزاء إليه على قككولي أصككحاب الموازنككة والحبككاط‪,‬‬
‫وهذا أحسن ما يسككلك فككي بككاب الوعيككد‪ ,‬واللككه أعلككم بالصككواب‪,‬‬
‫وبتقدير دخول القاتل في النار‪ ,‬أما علككى قككول ابككن عبككاس ومككن‬
‫وافقه أنككه ل توبككة لكه‪ ,‬أو علككى قككول الجمهككور حيككث ل عمككل لكه‬
‫صالحا ً ينجو به فليككس بمخلككد فيهككا أبككدًا‪ ,‬بككل الخلككود هككو المكككث‬
‫الطويل‪ ,‬وقد تواترت الحاديث عن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة مككن‬
‫إيمان«‪ ,‬وأما حديث معاوية »كككل ذنككب عسككى اللككه أن يغفككره إل‬
‫الرجككل يمككوت كككافرًا‪ ,‬أو الرجككل يقتككل مؤمن كا ً متعمككدًا« فعسككى‬
‫للترجي‪ ,‬فإذا انتفى الترجي في هككاتين الصككورتين ل تنفككي وقككوع‬
‫ذلك في أحدهما وهو القتل لما ذكرنا من الدلككة‪ ,‬وأمككا مككن مككات‬
‫كافرا ً فالنص أن الله ل يغفر له البتة‪ ,‬وأما مطالبة المقتول القاتل‬
‫لدميين‪ ,‬وهي ل تسقط بالتوبككة‪,‬‬ ‫يوم القيامة فإنه حق من حقوق ا َ‬
‫ولكن ل بد من ردها إليهم ول فرق بين المقتول والمسروق منككه‪,‬‬
‫لدمييككن‪ ,‬فككإن الجمككاع‬‫والمغصوب منه والمقذوف وسائر حقوق ا َ‬
‫منعقد على أنها ل تسقط بالتوبة‪ ,‬ولكنه ل بد من ردها إليهككم فككي‬
‫صحة التوبة‪ ,‬فإن تعذر ذلك فل بد من المطالبة يوم القيامة‪ ,‬لكككن‬
‫ل يلزم من وقوع المطالبة وقككوع المجككازاة‪ ,‬إذ قككد يكككون للقاتككل‬
‫أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها‪ ,‬ثككم يفضككل لككه أجككر‬
‫يدخل به الجنة أو يعوض الله المقتول بمككا يشككاء مككن فضككله مككن‬
‫‪190‬‬
‫قصور الجنة ونعيمها‪ ,‬ورفع درجته فيها ونحو ذلك والله أعلككم‪ ,‬ثككم‬
‫لخرة‪ ,‬فأما فككي الككدنيا‬ ‫لقاتل العمد أحكام في الدنيا وأحكام في ا َ‬
‫فتسلط أولياء المقتول عليه‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬ومن قتل مظلوما ً‬
‫لية‪ ,‬ثم هم مخيرون بين أن يقتلككوا‪ ,‬أو‬ ‫فقد جعلنا لوليه سلطانًا{ ا َ‬
‫يعفوا‪ ,‬أو يأخذوا دية مغلظة أثلث كًا‪ ,‬ثلثككون حقككة‪ ,‬وثلثككون جذعككة‪,‬‬
‫وأربعون خلفة‪ ,‬كما هو مقرر في كتككاب الحكككام‪ ,‬واختلككف الئمككة‬
‫هل تجب عليه كفككارة عتككق رقبككة‪ ,‬أو صككيام شككهرين متتككابعين أو‬
‫إطعام‪ ,‬على أحد القولين كما تقدم في كفارة الخطأ‪ ,‬على قولين‬
‫فالشافعي وأصحابه وطائفة من العلماء يقولون نعم‪ ,‬يجب عليككه‪,‬‬
‫لنه إذا وجبت عليه الكفارة في الخطأ فلن تجب عليه في العمككد‬
‫أولى‪ ,‬فطردوا هذا في كفكارة اليميككن الغمكوس واعتككذروا بقضكاء‬
‫الصلة المتروكة عمدا ً كما أجمعوا علككى ذلككك فككي الخطككأ‪ ,‬وقككال‬
‫أصحابه‪,‬المام أحمد وآخرون‪ :‬قتل العمد أعظم مككن أن يكفككر فل‬
‫كفارة فيه‪ ,‬وكذا اليمين الغموس ول سبيل لهككم إلككى الفككرق بيككن‬
‫هككاتين الصككورتين وبيككن الصككلة المتروكككة عمككدًا‪ ,‬فككإنهم يقولككون‬
‫بوجوب قضائها إذا تركت عمدًا‪ ,‬وقد احتج من ذهككب إلككى وجككوب‬
‫الكفارة في قتل العمد بمككا رواه المككام أحمككد حيككث قككال‪ :‬حككدثنا‬
‫عارم بن الفضل‪ ,‬حدثنا عبد الله بن المبارك عن إبراهيم بككن أبككي‬
‫عبلة‪ ,‬عن الغريف بن عياش عن واثلة بن السقع‪ ,‬قال‪ :‬أتى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم فقالوا‪ :‬إن صاحبا ً لنا قككد‬
‫أوجب‪ ,‬قال‪» :‬فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضككوا ً منككه‬
‫من النار« وقال أحمد‪ :‬حدثنا إبراهيم بن إسحاق‪ ,‬حدثنا ضمرة بن‬
‫ربيعة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريككف الككديلمي‪ ,‬قككال‪ :‬أتينككا‬
‫واثلة بن السقع الليثي فقلنا له حدثنا حككديثا ً سككمعته مككن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قال‪ :‬أتينا رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم في صاحب لنا قد أوجب‪ ,‬فقككال‪» :‬أعتقككوا عنككه يعتككق اللككه‬
‫بكل عضو منه عضوا ً منه من النار« وكذا رواه أبو داود والنسككائي‬
‫من حديث إبراهيم بن أبي عبلة به‪ ,‬ولفظ أبككي داود عككن الغريككف‬
‫الديلمي قال‪ :‬أتينا واثلة بن السقع فقلنا له‪ :‬حدثنا حديثا ً ليس فيه‬
‫زيادة ول نقصان فغضب فقال‪ :‬إن أحدكم ليقككرأ ومصككحفه معلككق‬
‫في بيته فيزيد وينقص‪ ,‬قلنا‪ :‬إنما أردنا حككديثا ً سككمعته مككن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬أتينا رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫‪191‬‬
‫وسلم في صاحب لنا قد أوجب‪ ,‬يعني النار بالقتل‪ ,‬فقال‪» :‬أعتقوا‬
‫عنككه يعتككق اللككه بكككل عضككو منككه عضككوا ً منككه مككن النككار«‪.‬‬
‫ل الل ّهِ فَت َب َي ُّنوا ْ وَل َ ت َُقوُلككوا ْ‬ ‫مُنوا ْ إ ِ َ‬ ‫َ‬

‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ضَرب ْت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ض ال ْ َ‬
‫حي َككاةِ ال كد ّن َْيا‬ ‫ن عَ كَر َ‬ ‫منا ً ت َب ْت َُغو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫س َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫م ال ّ‬‫ى إ ِل َي ْك ُ ُ‬ ‫م ْ َْ‬
‫ن ألَق َ‬ ‫لِ َ‬
‫م‬‫ه عَل َي ْك ُك ْ‬
‫ن الّلك ُ‬ ‫مك ّ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫مككن قَب ْك ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ك ُن ْت ُك ْ‬ ‫م ك َِثيكَرةٌ ك َكذ َل ِ َ‬ ‫مغَككان ِ ُ‬ ‫فَعِن ْد َ الل ّهِ َ‬
‫خِبيكككككككرا ً‬ ‫ن َ‬ ‫مُلكككككككو َ‬ ‫مكككككككا ت َعْ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ه ك َكككككككا َ‬ ‫ن الل ّككككككك َ‬ ‫فَت َب َي ّن ُكككككككوا ْ إ ِ ّ‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا يحيى بكن أبكي بكيكر وخلكف بكن الوليكد‬
‫وحسككين بككن محمككد قككالوا‪ :‬حدثناإسككرائيل عككن سككماك‪ ,‬عككن‬
‫عكرمة‪,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬مر رجل مككن بنككي سككليم بنفككر مككن‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرعى غنما ً له فسلم عليهككم‪,‬‬
‫فقالوا‪ :‬ل يسلم علينا إل ليتعككوذ منككا‪ ,‬فعمككدوا إليككه فقتلككوه‪ ,‬وأتككوا‬
‫ليكة }يكا أيهكا‬ ‫بغنمه النبي صلى اللكه عليكه وسكلم‪ ,‬فنزلكت هكذه ا َ‬
‫الذين آمنوا{ إلى آخرها‪ ,‬ورواه الترمذي في التفسير عن عبد بككن‬
‫حميد‪ ,‬عن عبد العزيز بن أبي رزمة‪ ,‬عككن إسككرائيل بككه‪ ,‬ثككم قككال‪:‬‬
‫هذا حديث حسن صحيح‪ ,‬وفي الباب عككن أسككامة بككن زيككد‪ ,‬ورواه‬
‫الحاكم من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل به‪ ,‬ثم قككال‪:‬‬
‫صحيح السناد‪ ,‬ولم يخرجاه‪ ,‬ورواه ابن جرير من حديث عبيد الله‬
‫بن موسى وعبد الرحيم بككن سككليمان‪ ,‬كلهمككا عككن إسككرائيل بككه‪,‬‬
‫وقال فكي بعكض كتبكه غيكر التفسكير‪ ,‬وقكد رواه مكن طريكق عبكد‬
‫الرحمن فقط‪ ,‬وهذا خبر عندنا صحيح سنده‪ ,‬وقد يجككب أن يكككون‬
‫لخرين سقيما ً لعلل منها‪ :‬أنه ل يعرف له مخرج عن‬ ‫على مذهب ا َ‬
‫سماك إل من هكذا الكوجه‪ ,‬ومنهكا أن عكرمكة فكي روايتكه عنكدهم‬
‫لية عندهم مختلف فيه فقال‬ ‫نظر‪ ,‬ومنها أن الذي نزلت فيه هذه ا َ‬
‫بعضهم‪ :‬نزلت في محلم بن جثامة‪ ,‬وقال بعضهم‪ :‬أسامة بن زيد‪,‬‬
‫وقيل غير ذلك‪ ,‬قلت‪ :‬وهكذا كلم غريكب وهكو مكردود مكن وجكوه‪:‬‬
‫أحدها أنه ثابت عن سماك حككدث بككه عنككه غيككر واحككد مككن الئمككة‬
‫الكبار‪ ,‬الثاني أن عكرمة محتج به في الصحيح‪ ,‬الثالث أنككه مككروي‬
‫من غير هذاالوجه عن ابن عباس‪ ,‬كما قال البخككاري‪ :‬حككدثنا علككي‬
‫بن عبد الله‪ ,‬حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار‪,‬عن عطاء‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس }ول تقولوا لمن ألقى إليكم السككلم لسككت مؤمن كًا{ قككال‪:‬‬
‫‪192‬‬
‫قال ابن عباس كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫السلم عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته‪ ,‬فككأنزل اللككه فككي ذلككك }ول‬
‫تقولوا لمن ألقى إليكم السكلم لسكت مؤمنكًا{ قكال ابككن عبكاس‪:‬‬
‫عرض الدنيا تلك الغنيمة‪ ,‬وقرأ ابن عباس }السلم{‪ ,‬وقال سعيد‬
‫بن منصور‪ :‬حدثنا منصور عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن عطاء بن يسار‪,‬‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬لحق المسلمون رجل ً في غنيمة لككه‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫السلم عليكم‪ ,‬فقتلوه وأخذوا غنيمتككه‪ ,‬فنزلككت }ول تقولككوا لمككن‬
‫ألقى إليكم السلم لست مؤمنًا{‪ .‬وقد رواه ابن جريككر وابككن أبككي‬
‫حاتم من طريق سفيان بن عيينة بككه‪ ,‬وقككد فككي ترجمككة‪ :‬أن أخككاه‬
‫فزارًا‪ ,‬هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬عن أمككر أبيككه‬
‫بإسلمهم وإسلم قومهم‪ ,‬فلقيته سكرية لرسكول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬في عماية الليل‪ ,‬وكان قد قال لهم إنككه مسككلم‪ ,‬فلككم‬
‫يقبلوا منه فقتلوه فقال أبوه‪ :‬فقدمت على رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فأعطاني ألف دينار ودية أخرى وسيرني‪ ,‬فنزل قوله‬
‫تعالى‪} :‬يا أيهككا الككذين آمنككوا إذا ضككربتم فككي سككبيل اللككه{ ا َ‬
‫ليككة‪.‬‬
‫وأما قصة محلم بن جثامة‪ ,‬فقال المام أحمد رحمه الله‪ :‬حككدثنا‬
‫يعقوب‪ :‬حدثني أبي عن محمد بن إسحاق‪ ,‬حدثنا يزيد بن عبد الله‬
‫بن قسيط عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد رضي الله عنككه‪,‬‬
‫قال‪ :‬بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسككلم إلككى إضككم فخرجككت‬
‫في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعككي‪ ,‬ومحلككم‬
‫بن جثامة بن قيس‪ ,‬فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم‪ ,‬مر بنا عككامر‬
‫بن الضبط الشجعي على قعود له‪ ,‬معه متيع له ووطب من لبن‪,‬‬
‫فلما مر بنا سلم علينا‪ ,‬فأمسكنا عنه‪ ,‬وحمل عليه محلم بن جثامة‬
‫فقتله‪ ,‬لشيء كان بينه وبينه‪ ,‬وأخذ بعيره ومتيعه‪ ,‬فلما قدمنا على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا }يا أيها‬
‫الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله ك إلى قوله تعالى ككك خككبيرًا{‬
‫تفرد به أحمد‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن وكيع‪ ,‬حككدثنا جريككر عككن‬
‫ابن إسحاق‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬بعث رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثًا‪ ,‬فلقيهم عامر بككن الضككبط‬
‫فحياهم بتحية السلم‪ ,‬وكانت بينهككم إحنككة فككي الجاهليككة‪ ,‬فرمككاه‬
‫محلم بسهم فقتله‪ ,‬فجاء الخبر إلى رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬فتكلم فيه عيينة والقرع‪ :‬فقال القرع يا رسول الله‪ ,‬سككر‬
‫‪193‬‬
‫اليوم وغر غدًا‪ ,‬فقال عيينة‪ :‬ل والله حتى تذوق نساؤه مككن الثكككل‬
‫ماذاق نسائي‪ ,‬فجاء محلم في بردين فجلس بين يدي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ليستغفر له‪ ,‬فقال رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »ل غفر الله لك«‪ ,‬فقام وهككو يتلقككى دمككوعه بككبرديه‪,‬‬
‫فما مضت له سابعة حتى مات ودفنككوه‪ ,‬فلفظتككه الرض‪ ,‬فجككاؤوا‬
‫إلى النبي صلى اللككه عليككه وسككلم فككذكروا ذلككك لككه‪ ,‬فقككال‪» :‬إن‬
‫الرض تقبل من هو شر من صاحبكم‪ ,‬ولكن الله أراد أن يعظكم«‬
‫ثم طرحوه بين صدفي جبل وألقوا عليه الحجارة فنزلت }يككا أيهككا‬
‫الكككذين آمنكككوا إذا ضكككربتم فكككي سكككبيل اللكككه فتكككبينوا{ ا َ‬
‫وقال البخاري‪ :‬قال حبيب بن أبككي عمككرة عككن سككعيد‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد‪» :‬إذا‬
‫كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فقتلتككه‪ ,‬فكككذلك كنكت‬
‫تخفي إيمانك بمكة من قبل« هكذا ذكره البخاري معلقا ً مختصرًا‪,‬‬
‫وقد روي مطول ً موصككو ً‬
‫ل‪ ,‬فقككال الحككافظ أبككو بكككر الككبزار‪ :‬حككدثنا‬
‫حماد بن علي البغدادي‪ ,‬حدثنا جعفر بن سلمة‪ ,‬حدثنا أبو بكككر بككن‬
‫علي بن مقدم‪ ,‬حدثنا حبيب بن أبي عمككرة عككن سككعيد بككن جككبير‪,‬‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية‬
‫فيها المقداد بن السككود‪ ,‬فلمككا أتككوا القككوم وجككدوهم قككد تفرقككوا‪,‬‬
‫وبقي رجل له مال كثير لم يبرح‪ ,‬فقال‪ :‬أشككهد أن ل إلككه إل اللككه‪,‬‬
‫وأهوى عليه المقداد فقتله‪ ,‬فقككال لكه رجكل مككن أصككحابه‪ :‬أقتلكت‬
‫رجل شهد أن ل إله إل الله ؟ والله لذكرن ذلك للنككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فلما قدموا على رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قككالوا‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬إن رجل ً شككهد أن ل إلككه إل اللككه‪ ,‬فقتلككه‬
‫المقداد‪ ,‬فقال‪» :‬ادعوا لي المقداد‪ ,‬يا مقداد‪ :‬أقتلت رجل ً يقول ل‬
‫إله إل الله‪ ,‬فكيف لك بل إله إل الله غدا ً ؟« قال‪ :‬فأنزل الله‪} :‬يككا‬
‫أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتككبينوا ول تقولككوا لمككن‬
‫ألقى السلم لست مؤمنا ً تبتغون عككرض الحيككاة الككدنيا فعنككد اللككه‬
‫مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا{‪ ,‬فقككال‬
‫رسول الله صلى الله عليككه وسككلم للمقككداد‪» :‬كككان رجككل مككؤمن‬
‫يخفي إيمانه مع قككوم كفككار فككأظهر إيمككانه فقتلتككه‪ ,‬وكككذلك كنككت‬
‫تخفي إيمانك بمكة قبل« وقككوله‪} :‬فعنككد اللككه مغككانم كككثيرة{ أي‬
‫خير مما رغبتم فيه عرض الحياة الككدنيا الككذي حملكككم علككى قتككل‬
‫‪194‬‬
‫مثل هذا الذي ألقى إليكم السلم‪ ,‬وأظهر لكككم اليمككان فتغككافلتم‬
‫عنه واتهمتموه بالمصانعة والتقية لتبتغوا عرض الحياة الدنيا‪ ,‬فمككا‬
‫عنكككد اللكككه مكككن الكككرزق الحلل خيكككر لككككم مكككن مكككال هكككذا‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم{ أي قد كنتم مككن‬
‫قبل هذه الحال كهذا الذي يسككر إيمككانه ويخفيككه مككن قككومه‪ ,‬كمككا‬
‫تقدم في الحديث المرفوع آنف كًا‪ ,‬وكمككا قككال تعككالى‪} :‬واذكككروا إذ‬
‫لية‪ ,‬وهذا مذهب سككعيد بككن‬ ‫أنتم قليل مستضعفون في الرض{ ا َ‬
‫جبير لما رواه الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير‬
‫في قوله‪} :‬كذلك كنتم من قبل{ تخفون إيمانكم في المشركين‪,‬‬
‫ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج‪ :‬أخبرني عبد اللككه بككن كككثير عككن‬
‫سعيد بككن جككبير فككي قككوله‪} :‬كككذلك كنتككم مككن قبككل{ تسككتخفون‬
‫بإيمانكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه‪ ,‬وهذا اختيار ابن جريككر‪,‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ ,‬وذكر عن قيس‪ ,‬عككن سككالم‪ ,‬عككن سككعيد بككن‬
‫جبير‪ :‬قوله }كذلك كنتم من قبل{ لم تكونوا مؤمنين }فمككن اللككه‬
‫عليكم{ أي تاب عليكم فحلف أسامة ل يقتل رجل ً يقول‪ :‬ل إله إل‬
‫الله بعد ذلك الرجل‪ ,‬وما لقي مككن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فيه‪ ,‬وقوله‪} :‬فتبينوا{ تأكيككد لمككا تقككدم‪ ,‬وقككوله‪} :‬إن اللككه‬
‫كان بما تعلمون خبيرًا{ قال سعيد بككن جككبير‪ :‬هككذا تهديككد ووعيككد‪.‬‬
‫ُ‬
‫ضكككَرِر‬ ‫ن غَي ْكككُر أوْل ِكككي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مكككؤْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫َ‬ ‫مككك‬
‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عككك ُ‬‫وي ال َْقا ِ‬ ‫ِ‬ ‫** ل ّ ي َ ْ‬
‫سكككت َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الّلكك ُ‬
‫ه‬ ‫م فَ ّ‬
‫ضكك َ‬ ‫سككهِ ْ‬ ‫م وَأن ُْف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫ل الّلككهِ ِبككأ ْ‬
‫م َ‬ ‫سككِبي ِ‬‫ن ِفككي َ‬ ‫دو َ‬ ‫هكك ُ‬ ‫جا ِ‬
‫م َ‬‫َوال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ككل ّ وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫ة وَ ُ‬ ‫ج ً‬
‫ن د ََر َ‬ ‫دي َ‬‫ع ِ‬ ‫م عََلى ال َْقا ِ‬ ‫سه ِ ْ‬
‫م وَأن ُْف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬‫ن ب ِأ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ظيمكا ً *‬ ‫عكدي َ‬
‫جككرا ً عَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَل َككى ال َْقا ِ ِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫ل الل ّك ُ‬ ‫ض َ‬‫ى وَفَ ّ‬ ‫سن َ َ‬‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫حيمكككا ً‬ ‫ه غَُفكككورا ً ّر ِ‬ ‫ن الل ّككك ُ‬ ‫ة وَك َكككا َ‬ ‫مككك ً‬ ‫ح َ‬‫مغِْفكككَرةً وََر ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫من ْككك ُ‬ ‫ت ّ‬ ‫جكككا ٍ‬ ‫د ََر َ‬
‫قال البخككاري‪ :‬حككدثنا حفككص بككن عمككر‪ ,‬حككدثنا شككعبة عككن أبككي‬
‫إسحاق عككن الككبراء‪ ,‬قككال لمككا نزلككت }ل يسككتوي القاعككدون مككن‬
‫المؤمنين{ دعا رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم زيككدا ً فكتبهككا‪,‬‬
‫فجككاء ابككن أم مكتككوم فشكككا ضككرارته‪ ,‬فككأنزل اللككه }غيككر أولككي‬
‫الضرر{‪ ,‬حدثنا محمد بن يوسف عن إسككرائيل عككن أبككي إسككحاق‬
‫عن البراء‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت }ل يستوي القاعككدون مككن المككؤمنين{‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسككلم ادع فلنكًا‪ ,‬فجككاءه ومعككه الككدواة‬
‫‪195‬‬
‫واللوح والكتف‪ ,‬فقال اكتب }ل يستوي القاعككدون مككن المككؤمنين‬
‫والمجاهدون في سبيل{ وخلف النبي صلى الله عليه وسككلم ابككن‬
‫أم مكتوم‪ ,‬فقككال يككا رسككول اللككه‪ ,‬أنككا ضككرير‪ ,‬فنزلككت مكانهككا }ل‬
‫يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في‬
‫سبيل الله{ قال البخككاري أيضكًا‪ :‬حككدثنا إسككماعيل بككن عبككد اللككه‪,‬‬
‫حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسككان‪ ,‬عككن ابككن شككهاب‪,‬‬
‫حدثني سهل بن سعد الساعدي أنككه رأى مككروان بككن الحكككم فككي‬
‫المسجد‪ ,‬قال‪ :‬فأقبلت حتى جلست إلى جنبه‪ ,‬فأخبرنا أن زيد بككن‬
‫ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملككى علككي }ل‬
‫يستوي القاعدون مككن المككؤمنين والمجاهككدون فككي سككبيل اللككه{‬
‫فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها علي‪ ,‬قال‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬واللككه‬
‫لو أستطيع الجهاد لجاهدت‪ ,‬وكان أعمى‪ ,‬فأنزل الله على رسككوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وكان فخذه على فخذي فثقلت علي خفت‬
‫أن ترض فخدي‪ ,‬ثم سري عنه‪ ,‬فأنزل اللككه }غيككر أولككي الضككرر{‬
‫تفرد به البخاري دون مسلم‪ ,‬وقد روي من وجه آخككر عنككد المككام‬
‫أحمد عن زيد فقال‪ :‬حدثنا سليمان بن داود‪ ,‬أنبأنا عبد الرحمن بن‬
‫أبي الزناد‪ ,‬عن خارجة بن زيد‪ ,‬قال‪ :‬قال زيد بن ثابت‪ :‬إنكي قاعككد‬
‫إلى جنب النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم إذ أوحككي إليككه وغشككيته‬
‫السكينة‪ ,‬قال‪ :‬فرفع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة‪ ,‬قال‬
‫زيد‪ :‬فل والله ما وجدت شيئا ً قط أثقل من فخذ رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ثم سري عنه‪ ,‬فقال‪ :‬اكتب يا زيد‪ ,‬فأخككذت كتف كًا‪,‬‬
‫فقال‪ :‬اكتب }ل يستوي القاعككدون مككن المككؤمنين والمجاهككدون{‬
‫إلى قككوله‪} :‬أجككرا ً عظيمككا{ فكتبككت ذلككك فككي كتككف‪ ,‬فقككام حيككن‬
‫سمعها ابن أم مكتوم وكان رجل ً أعمى‪ ,‬فقام حيككن سككمع فضككيلة‬
‫المجاهدين‪ ,‬وقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬وكيككف بمككن ل يسككتطيع الجهككاد‬
‫ومن هو أعمى وأشباه ذلك ؟ قال زيد‪ :‬فوالله ما قضى كلمه ك أو‬
‫ماهو إل أن قضى كلمه ك غشككيت النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫السكينة‪,‬فوقعت فخذه على فخذي‪ ,‬فوجدت من ثقلها كما وجدت‬
‫في المرة الولى‪ ,‬ثم سككري عنككه‪ ,‬فقككال‪ :‬اقككرأ فقككرأت عليككه }ل‬
‫يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون{ فقال النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم }غير أولي الضرر{‪ ,‬قككال زيككد‪ :‬فألحقتهككا‪,‬فككوالله‬
‫كأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف‪ ,‬ورواه أبككو داود‬
‫‪196‬‬
‫عن سعيد بن منصور‪ ,‬عن عبد الرحمن بن أبي الزنككاد‪ ,‬عككن أبيككه‪,‬‬
‫عكككن خارجكككة بكككن زيكككد بكككن ثكككابت‪ ,‬عكككن أبيكككه‪ ,‬بكككه نحكككوه‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬أنبأنا معمككر‪ ,‬أنبأنككا الزهككري‪ ,‬عككن قبيصككة بككن‬
‫ذؤيب‪ ,‬عن زيد بن ثابت قال‪ :‬كنت أكتب لرسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم فقكال‪» :‬اكتكب }ل يسكتوي القاعككدون مككن المككؤمنين‬
‫والمجاهدون في سبيل الله{ فجاء عبد الله بن أم مكتوم‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫يا رسول الله‪ ,‬إني أحككب الجهككاد فككي سككبيل اللككه ولكككن بككي مككن‬
‫الزمانة ما قد ترى‪ ,‬قد ذهب بصري‪ ,‬قال زيد‪ :‬فثقلت فخذ رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثككم‬
‫سري عنه‪ ,‬ثم قال‪» :‬اكتب ل يستوي القاعدون من المؤمنين غير‬
‫أولي الضرر والمجاهدون في سبيل اللكه«‪ ,‬ورواه ابكن أبكي حكاتم‬
‫وابن جرير وقككال عبككد الككرزاق‪ :‬أخبرنككا ابككن جريككج‪ ,‬أخككبرني عبككد‬
‫الكريم هو ابككن مالككك الجككزري‪ ,‬أن مقسككما ً مككولى عبككد اللككه بككن‬
‫الحارث أخبره أن ابككن عبككاس أخككبره }ل يسككتوي القاعككدون مككن‬
‫المؤمنين{ عن بدر والخارجون إلى بككدر‪ ,‬انفككرد بككه البخككاري دون‬
‫مسلم‪ ,‬وقد رواه الترمذي من طريق حجاج‪ ,‬عن ابن جريككج‪ ,‬عككن‬
‫عبككد الكريككم‪ ,‬عككن مقسككم‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪} :‬ل يسككتوي‬
‫القاعدون من المؤمنين غير أولي الضككرر{ عككن بككدر والخككارجون‬
‫إلى بدر‪ ,‬ولما نزلت غزوة بدر‪ ,‬قال عبد الله بككن حجككش وابككن أم‬
‫مكتوم‪ :‬إنا أعميان يا رسول اللككه‪ ,‬فهككل لنككا رخصككة ؟ فنزلككت }ل‬
‫يستوي القاعدون من المؤمنين غيككر أولككي الضككرر{ وفضككل اللككه‬
‫المجاهككدين علككى القاعككدين درجككة فهككؤلء القاعككدون غيككر أولككي‬
‫الضككرر‪} ,‬وفضككل اللهالمجاهككدين علككى القاعككدين أجككرا ً عظيمككا‬
‫درجات منه{ على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضككرر‪ ,‬هككذا‬
‫لفظ الترمذي‪ .‬ثم قال‪ :‬هذا حديث حسن غريب من هككذا ا لككوجه‪,‬‬
‫فقوله‪} :‬ل يستوي القاعدون مككن المككؤمنين{ كككان مطلقكًا‪ ,‬فلمككا‬
‫نزل بوحي سريع }غير أولككي الضككرر{‪ ,‬صككار ذلككك مخرجكا ً لككذوي‬
‫العذار المبيحة لترك الجهاد(مككن العمككى والعككرج والمككرض‪ ,‬عككن‬
‫مساواتهم للمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم‪ .‬ثم أخككبر‬
‫تعالى بفضيلة المجاهدين على القاعدين‪ ,‬قال ابككن عبككاس‪} :‬غيككر‬
‫أولي الضرر{‪ ,‬وكذا ينبغي أن يكون‪ ,‬كما ثبت في صحيح البخككاري‬
‫من طريق زهير بن معاوية‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن أنس‪ ,‬أن رسككول اللككه‬
‫‪197‬‬
‫صلى الله عليه وسلم قككال‪» :‬إن بالمدينككة أقوامكا ً مككا سككرتم مككن‬
‫مسير ول قطعتم من واد إل وهم معكم فيه‪ ,‬قالوا‪ :‬وهم بالمدينككة‬
‫يا رسول الله ؟ قال‪ :‬نعم حبسهم العذر«‪ ,‬وهكذا رواه أحمككد عككن‬
‫محمد بن أبي عدي‪ ,‬عككن حميككد‪ ,‬عككن أنككس بككه‪ ,‬وعلقككه البخككاري‬
‫مجزومكًا‪ ,‬ورواه أبككو داود عككن حمككاد بككن سككلمة عككن حميككد‪ ,‬عككن‬
‫موسى بن أنس بن مالك‪ ,‬عن أبيككه‪ ,‬عككن النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال‪» :‬لقد تركتم بالمدينة أقواما ً ما سككرتم مككن مسككير ول‬
‫أنفقتم من نفقة ول قطعتم من واد إل وهككم معكككم فيككه«‪ ,‬قككالوا‪:‬‬
‫وكيف يكونككون معنككا فيككه يككا رسككول اللككه ؟ قككال‪» :‬نعككم حبسككهم‬
‫العكككذر« لفكككظ أبكككي داود‪ ,‬وفكككي هكككذا المعنكككى قكككال الشكككاعر‪:‬‬
‫يككا راحليككن إلككى الككبيت العككتيق لقدسككرتم جسككوما ً وسككرنا نحككن‬
‫أرواحاإنا أقمنا على عذر وعن قدرومن أقام على عذر فقككد راحككا‬
‫وقوله‪} :‬وكل ً وعد اللككه الحسككنى{ أي الجنككة والجككزاء الجزيككل‪.‬‬
‫وفيه دللة على أن الجهاد ليس بفرض عين‪ ,‬بل هككو فككرض علككى‬
‫الكفاية‪ .‬قال تعالى‪} :‬وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجككرا ً‬
‫عظيمًا{ ثم أخبر سبحانه بما فضلهم به من الدرجات‪ ,‬فككي غككرف‬
‫الجنككان العاليككات‪ ,‬ومغفككرة الككذنوب والككزلت‪ ,‬وحلككول الرحمككة‬
‫والبركات‪ ,‬إحسانا ً منه وتكريمًا‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬درجات منه ومغفككرة‬
‫ورحمكككككككككة وككككككككككان اللكككككككككه غفكككككككككورا ً رحيمكككككككككًا{‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬إن في الجنة مائة درجة أعككدها اللككه‬
‫للمجاهككدين فككي سككبيله‪ ,‬مككا بيككن كككل درجككتين كمككا بيككن السككماء‬
‫الرض«‪ .‬وقال العمش عن عمرو بن مرة‪ ,‬عن أبي عبيككدة‪ ,‬عككن‬
‫عبد الله بن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫»من رمى بسهم فله أجره درجة« فقككال رجككل‪ :‬يككا رسككول اللككه‪,‬‬
‫وما الدرجة ؟ فقال‪» :‬أما إنها ليست بعتبة أمك‪ .‬ما بين الككدرجتين‬
‫مكككككككككككككككككككككككككككككككككككككائة عكككككككككككككككككككككككككككككككككككككام{‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫م ُ‬
‫كنت ُك ْ‬ ‫م قَككاُلوا ْ ِفيك َ‬‫س كه ِ ْ‬
‫ي أن ُْف ِ‬‫م َ‬ ‫ة ظ َككال ِ ِ‬
‫ملئ ِك َك ُ‬‫م ال ْ َ‬‫ن ت َوَفّككاهُ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫** إ ِ ّ‬
‫َقاُلوا ْ ك ُنا مستضعفين في الرض َقال ْوا ْ أ َل َم تك ُ َ‬
‫ة‬‫سكعَ ً‬ ‫ض الّلكهِ َوا ِ‬ ‫ن أْر ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْْ ِ‬ ‫ّ ُ ْ َ ْ َ ِ َ ِ‬
‫صككيرا ً * إ ِل ّ‬ ‫م ِ‬‫ت َ‬ ‫سككآَء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَّنكك ُ‬ ‫م َ‬ ‫مككأَواهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جُروا ْ ِفيَهككا فَأ ُوَْلـككئ ِ َ‬ ‫فَت َُهككا ِ‬
‫‪198‬‬
‫ة‬‫حيل َك ً‬ ‫ن ِ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫سكت َ ِ‬ ‫ن ل َيَ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫سككآِء َوال ْوِل ْك َ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫ضعَِفي‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ن الل ّك ُ‬ ‫م وَك َككا َ‬‫ه أن ي َعُْفوَ عَن ْهُ ْ‬
‫ك عَسى الل ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سِبيل ً * فَأ ُوَْلـئ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫وَل َ ي َهْت َ ُ‬
‫غم كا ً‬ ‫مَرا َ‬‫ض ُ‬ ‫ل الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫عَُفوّا ً غَُفورا ً * وَ َ‬
‫جد ْ ِفي الْر ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫جْر ِفي َ‬ ‫من ي َُها ِ‬
‫م‬ ‫سككول ِهِ ث ُك ّ‬‫جرا ً إ ِل َككى الل ّكهِ وََر ُ‬ ‫مهَككا ِ‬ ‫مككن ب َي ْت ِكهِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬‫من ي َ ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫سع َ ً‬ ‫ك َِثيرا ً وَ َ‬
‫حيم كا ً‬‫ه غَُفككورا ً ّر ِ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّك ُ‬‫ى الل ّهِ وَك َككا َ‬ ‫عل َ‬ ‫جُرهُ َ‬ ‫ت فََقد ْ وَقَعَ أ ْ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ي ُد ْرِك ْ ُ‬
‫قال البخاري‪ :‬حدثنا عبد اللككه بككن يزيككد المقرىككء‪ ,‬حككدثنا حيككوة‬
‫وغيره‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو السود‪ ,‬قككال‪ :‬قطككع‬
‫على أهل المدينة بعث‪ ,‬فاكتتبت فيه‪ ,‬فلقيككت عكرمككة مككولى ابككن‬
‫عباس فأخبرته‪ ,‬فنهاني عن ذلك أشككد النهككي‪ ,‬قككال‪ :‬أخككبرني ابككن‬
‫عبككاس أن ناس كا ً مككن المسككلمين كككانوا مككع المشككركين يكككثرون‬
‫سوادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬يأتي السهم‬
‫يرمى به فيصيب أحدهم‪ ,‬فيقتله أو يضككرب عنقككه فيقتككل‪ ,‬فككأنزل‬
‫الله }إن الذين توفككاهم الملئكككة ظككالمي أنفسككهم{‪ ,‬وراه الليككث‬
‫عن أبي السود‪ .‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أحمككد بككن منصككور‬
‫الرمادي‪ ,‬حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن شككريك‬
‫المكي‪ ,‬حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫كككان قككوم مككن أهككل مكككة أسككلموا وكككانوا يسككتخفون بالسككلم‪,‬‬
‫فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم‪ ,‬فأصيب بعضهم بفعل بعض‪.‬‬
‫قال المسلمون‪ :‬كان أصحابنا هؤلء مسلمين وأكرهوا فاسككتغفروا‬
‫ليكة‪.‬‬ ‫لهم‪ ,‬فنزلت }إن الذين توفاهم الملئكة ظكالمي أنفسكهم{ ا َ‬
‫لية ل عذر‬ ‫قال عكرمة‪ :‬فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه ا َ‬
‫لهككم‪ .‬قككال‪ :‬فخرجككوا‪ ,‬فلحقهككم المشككركون‪ ,‬فككأعطوهم التقيككة‪,‬‬
‫ليككة‪ .‬قككال‬ ‫لية }ومن الناس من يقككول آمنككا بككالله{ ا َ‬ ‫فنزلت هذه ا َ‬
‫ليككة فككي شككباب مككن قريككش ككانوا تكلمككوا‬ ‫عكرمة‪ :‬نزلككت هككذه ا َ‬
‫بالسلم بمكة منهم علي بن أمية بن خلف وأبو قيككس بككن الوليككد‬
‫بن المغيرة وأبو العاص بن منّبه بن الحجككاج والحككارث بككن زمعككة‪,‬‬
‫قال الضحاك‪ :‬نزلت في ناس من المنككافقين تخلفككوا عككن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بمكة وخرجوا مع المشككركين يككوم بككدر‬
‫لية الكريمة عامة في كل من‬ ‫فأصيبوا فيمن أصيب‪ ,‬فنزلت هذه ا َ‬
‫أقام بيككن ظهرانككي المشككركين‪ ,‬وهككو قككادر علككى الهجككرة وليككس‬
‫متمكنا ً من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما ً بالجماع‪,‬‬
‫لية‪ ,‬حيث يقول تعالى‪} :‬إن الككذين توفككاهم الملئكككة‬ ‫وبنص هذه ا َ‬
‫‪199‬‬
‫ظككالمي أنفسككهم{ أي بككترك الهجككرة }قككالوا فيككم كنتككم{ أي لككم‬
‫مكثتم ها هنا وتركتم الهجرة }قالوا كنا مستضعفين فككي الرض{‬
‫أي ل نقدر على الخروج من البلد‪ ,‬ول الذهاب فككي الرض }قككالوا‬
‫لية‪ ,‬وقال أبو داود‪ :‬حدثنا محمككد بككن‬ ‫ألم تكن أرض الله واسعة{ ا َ‬
‫داود بن سككفيان‪ ,‬حككدثني يحيككى بككن حسككان‪ ,‬أخبرنككا سككليمان بككن‬
‫موسى أبككو داود‪ ,‬حككدثنا جعفككر بككن سككعد بككن سككمرة بككن جنككدب‪,‬‬
‫حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة‪ ,‬عن سككمرة‬
‫بن جندب‪ ,‬أما بعد‪ ,‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪» :‬مككن‬
‫جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله«‪ ,‬وقككال السككدي‪ :‬لمككا أسككر‬
‫العباس وعقيل ونوفل قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫للعباس‪» :‬افد نفسك وابن أخيك« فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬ألم نصل‬
‫إلككى قبلتككك‪ ,‬ونشككهد شككهادتك‪ ,‬قككال »يككا عبككاس‪ ,‬إنكككم خاصككمتم‬
‫فخصمتم«‪ ,‬ثم تل عليه هذه الية }ألككم تكككن أرض اللككه واسككعة{‬
‫ا َ‬
‫ليككككككككككككككة‪ ,‬وراه ابككككككككككككككن أبككككككككككككككي حككككككككككككككاتم‪.‬‬
‫ليككة‪ ,‬هككذه عككذر مككن اللككه‬‫وقوله‪} :‬إل المستضعفين{ إلى آخر ا َ‬
‫لهؤلء في ترك الهجرة‪ ,‬وذلك أنهم ل يقدرون علككى التخلككص مككن‬
‫أيدي المشركين‪ ,‬ولو قدروا مككا عرفككوا يسككلكون الطريككق‪ ,‬ولهككذا‬
‫ل{‪ ,‬قككال مجاهككد‬ ‫قككال‪} :‬ل يسككتطيعون حيلككة ول يهتككدون سككبي ً‬
‫وعكرمككككككككككككة والسككككككككككككدي‪ :‬يعنككككككككككككي طريقككككككككككككًا‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فأولئك عسككى اللكه أن يعفككو عنهككم{ أي يتجككاوز‬
‫من الله عنهم بترك الهجرة‪ ,‬عسى من الله موجبككة‪} ,‬وكككان اللككه‬
‫عفوا ً غفورًا{‪ ,‬قال البخاري‪ :‬حككدثنا أبككو نعيككم‪ ,‬حككدثنا شككيبان عككن‬
‫يحيى‪ ,‬عن أبي سلمة‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬بينا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال‪ :‬سمع الله لمن حمككده‪ ,‬ثككم‬
‫قال قبل أن يسجد »اللهم أنج عياش بككن أبككي ربيعككة‪ ,‬اللهككم أنككج‬
‫سككلمة بككن هشككام‪ ,‬اللهككم أنككج الوليككد بككن الوليككد‪ ,‬اللهككم أنككج‬
‫المستضعفين من المؤمنين‪ ,‬اللهم اشدد وطأتك على مضر‪ ,‬اللهم‬
‫اجعلهكككككككككككككا سكككككككككككككنين كسكككككككككككككني يوسكككككككككككككف«‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا أبو معمر المقري‪ ,‬حككدثني‬
‫عبد الوارث‪ ,‬حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسككيب‪ ,‬عككن أبكي‬
‫هريرة‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده بعد ما سلم‬
‫وهككو مسككتقبل القبلككة‪ ,‬فقككال‪» :‬اللهككم خلككص الوليككد بككن الوليككد‪,‬‬
‫‪200‬‬
‫وعياش بكن أبكي ربيعكة‪ ,‬وسكلمة بكن هشكام‪ ,‬وضكعفة المسكلمين‬
‫الذين ل يستطيعون حيلككة ول يهتككدون سككبيل ً مككن أيككدي الكفككار«‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا المثنى‪ ,‬حدثنا حجاج‪ ,‬حدثنا حماد عن علككي‬
‫بن زيد عن عبد الله أو إبراهيم بن عبككد اللككه القرشككي‪ ,‬عككن أبككي‬
‫هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسكلم ككان يكدعو فكي دبكر‬
‫صلة الظهر »اللهم خلص الوليد‪ ,‬وسلمة بن هشككام‪ ,‬وعيككاش بككن‬
‫أبككي ربيعككة وضككعفة المسككلمين مككن أيككدي المشككركين الككذين ل‬
‫يستطيعون حيلة ول يهتككدون سككبيل«‪ ,‬ولهككذا الحككديث شككاهد فككي‬
‫الصحيح من غير هذا الوجه كما تقدم‪ .‬وقال عبد الرزاق‪ :‬أنبأنا ابن‬
‫عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن عبككاس يقككول‪:‬‬
‫كنت أنككا وأمككي مككن المستضككعفين مككن النسككاء والولككدان‪ .‬وقككال‬
‫البخاري‪ :‬أنبأنا أبو النعمان‪ ,‬حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبككي‬
‫مليكة‪ ,‬عن ابن عباس }إل المستضكعفين{ قكال‪ :‬كنكت أنكا وأمكي‬
‫ممككككككككككككن عككككككككككككذر اللككككككككككككه عككككككككككككز وجككككككككككككل‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬ومن يهكاجر فكي سكبيل اللكه يجكد فكي الرض مراغمكا ً‬
‫كثيرا ً وسعة{‪ ,‬هككذا تحريككض علككى الهجككرة وترغيككب فككي مفارقككة‬
‫المشركين وأن المؤمن حيثمككا ذهككب وجككد عنهككم مندوحككة وملجككأ‬
‫يتحصن فيككه‪ ,‬والمراغككم مصككدر تقككول العككرب‪ :‬راغككم فلن قككومه‬
‫مراغمككككككا ً ومراغمككككككة‪ ,‬قككككككال النابغككككككة بككككككن جعككككككدة‪:‬‬
‫كطكككككككككود يلذ بأرككككككككككانهعزيز المراغكككككككككم والمهكككككككككرب‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬المراغككم التحككول مككن أرض إلككى أرض‪ .‬وكككذا‬
‫روي عككن الضككحاك والربيككع بككن أنككس والثككوري‪ .‬وقككال مجاهككد‪:‬‬
‫}مراغما ً كثيرًا{ يعني متزحزحا ً عما يكره‪ .‬وقال سفيان بن عيينة‪:‬‬
‫مراغما ً كثيرا ً يعني بروجًا‪ ,‬والظاهر ك والله أعلم ك أنه المنككع الككذي‬
‫صن به ويراغم به العداء‪ .‬قوله }وسعة{ يعنككي الككرزق‪ ,‬قككاله‬ ‫ُيتح ّ‬
‫غير واحد منهم قتككادة حيككث قككال‪ :‬فككي قككوله‪} :‬يجككد فككي الرض‬
‫مراغما ً كثيرة وسعة{ أي من الضللة إلى الهدى‪ ,‬ومن القلة إلككى‬
‫الغنى‪ ,‬وقوله‪} :‬ومن يخرج من بيته مهاجرا ً إلى الله ورسككوله ثككم‬
‫يدركه الموت فقد وقع أجره على الله{ أي ومن يخرج من منزله‬
‫بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق فقد حصل له عند الله ثككواب‬
‫مككن هككاجر‪ ,‬كمككا ثبككت فككي الصككحيحين وغيرهمككا مككن الصككحاح‬
‫‪201‬‬
‫والمسانيد والسككنن مككن طريككق يحيككى بككن سككعيد النصككاري عككن‬
‫محمد بن إبراهيم التيمي‪ ,‬عن علقمة بن وقاص الليثي‪ ,‬عن عمككر‬
‫بن الخطاب‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪» :‬إنمككا‬
‫العمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى‪ ,‬فمن كانت هجرته إلككى‬
‫الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله‪ ,‬ومككن كككانت هجرتككه إلككى‬
‫دنيا يصيبها‪ ,‬أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى مككا هككاجر إليككه«‪ .‬وهككذا‬
‫عام في الهجرة وفي جميع العمككال‪ .‬ومنككه الحككديث الثككابت فككي‬
‫الصحيحين في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفس كًا‪ ,‬ثككم أكمككل‬
‫بذلك العابد المائة ثم سأل عالمًا‪ :‬هككل لكه مككن توبككة ؟ فقككال لكه‪,‬‬
‫ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلككده‬
‫إلى بلد آخر يعبد الله فيه‪ .‬فلما ارتحل من بلده مهاجرا ً إلى البلككد‬
‫لخر أدركه المككوت فككي أثنككاء الطريككق‪ ,‬فاختصككمت فيككه ملئكككة‬ ‫ا َ‬
‫الرحمة وملئكة العذاب‪ ,‬فقال هؤلء‪ :‬إنه جككاء تائب كًا‪ ,‬وقككال هككؤلء‬
‫إنه لم يصل بعد‪ ,‬فأمروا أن يقيسوا ما بيككن الرضككين فككإلى أيهمككا‬
‫كان أقرب فهو منها‪ ,‬فأمر الله هذه أن تقترب من هذه‪ ,‬وهذه أن‬
‫تبعد فوجدوه أقرب إلى الرض الككتي هكاجر إليهككا بشكبر‪ ,‬فقبضككته‬
‫ملئكة الرحمة‪ .‬وفي رواية أنه لما جاءه المككوت نككاء بصككدره إلككى‬
‫الرض الككككككككككككككككككككتي هككككككككككككككككككككاجر إليهككككككككككككككككككككا‪.‬‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬حدثنا محمد بن إسحاق‬
‫عن محمد بن إبراهيم‪ ,‬عن محمد بن عبد الله بن عتيك‪ ,‬عككن أبيكه‬
‫عبد الله بن عتيككك‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم يقول‪» :‬من خرج من بيته مجاهدا ً في سبيل الله‪ ,‬ثم قككال‪:‬‬
‫ك وأين المجاهدون في سبيل الله ك فخر عن دابته فمات فقد وقع‬
‫أجره على الله‪ ,‬أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره علككى اللككه‪ ,‬أو‬
‫مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله ك يعني بحتف أنفككه علككى‬
‫فراشه‪ ,‬والله إنها لكلمة مككا سككمعتها مككن أحككد مككن العككرب قبككل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ك ومن قتل قعصا ً فقد استوجب‬
‫الجنة«‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو زرعة‪ ,‬حدثنا عبككد الرحمككن‬
‫بن عبد الملك بن شيبة الحزامي‪ ,‬حدثني عبد الرحمن بن المغيرة‬
‫الخزامي‪ ,‬عن المنذر بن عبدالله عن هشام بن عروة عن أبيه‪ ,‬أن‬
‫الزبير بن العوام قال‪ :‬هككاجر خالككد بككن حككزام إلككى أرض الحبشككة‬
‫فنهشته حية في الطريق فمات فنزلت فيه }ومن يخرج من بيتككه‬
‫‪202‬‬
‫مهاجرا ً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقككد وقككع أجككره علككى‬
‫الله وكان الله غفورا ً رحيمًا{‪ ,‬قال الزبير‪ ,‬فكنككت أتككوقعه وأنتظككر‬
‫قدومه وأنا بأرض الحبشة‪ ,‬فما أحزننككي شككيء حككزن وفككاته حيككن‬
‫بلغتني‪ ,‬لنه قل أحد ممن هاجر من قريش إل ومعككه بعككض أهلككه‪,‬‬
‫أو ذوي رحمه‪ ,‬ولم يكن معي أحد من بني أسككد بككن عبككد العككزى‪,‬‬
‫ول أرجو غيره‪ ,‬وهذا الثككر غريككب جككدًا‪ ,‬فككإن هككذه القصككة مكيككة‪,‬‬
‫لية مدنية‪ ,‬فلعله أراد أنها أنزلت تعم حكمه مع غيره‬ ‫ونزول هذه ا َ‬
‫وإن لكككككم يككككككن ذلكككككك سكككككبب النكككككزول‪ ,‬واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا سليمان بن داود مولى عبككد اللككه بككن‬
‫جعفر‪ ,‬حدثنا سهل بن عثمان‪ ,‬حككدثنا عبككد الرحمككن بككن سككليمان‪,‬‬
‫حدثنا أشعث هو ابن سوار‪ ,‬عن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس رضككي‬
‫الله تعالى عنهما‪ ,‬قال‪ :‬خرج ضمرة بككن جنككدب إلككى رسككول اللككه‬
‫صلى اللككه عليككه وسككلم فمككات فككي الطريككق قبككل أن يصككل إلككى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فنزلت }ومن يخككرج مككن بيتككه‬
‫لية‪ ,‬وحككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا عبككدالله بككن‬‫مهاجرا ً إلى الله ورسوله{ ا َ‬
‫رجاء‪ ,‬أنبأنا إسرائيل عككن سككالم‪ ,‬عككن سككعيد بككن جككبير‪ ,‬عككن أبككي‬
‫ضمرة بن العيص الزرقي الذي كان مصككاب البصككر وكككان بمكككة‪,‬‬
‫فلما نزلكت }إل المستضكعفين مكن الرجكال والنسكاء والولكدان ل‬
‫يستطيعون حيلة{ فقلت‪ :‬إني لغني‪ ,‬وإني لذو حيلة‪ ,‬فتجهككز يريككد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتنعيم‪ ,‬فنزلككت هككذه‬
‫لية }ومن يخرج من بيته مهاجرا ً إلككى اللككه ورسككوله ثككم يككدركه‬ ‫ا َ‬
‫المكككككككككككككككككككككككككككككككككككوت{ ا َ‬
‫ليكككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا الحسن بن عروبة البصككري‪ ,‬حككدثنا حيككوة‬
‫بن شريح الحمصي حدثنا بقية بككن الوليككد‪ ,‬حككدثنا ابككن ثوبككان عككن‬
‫أبيه‪ ,‬حدثنا مكحول عن عبد الرحمن بن غنم الشككعري‪ ,‬أنبأنككا أبككو‬
‫مالك‪ ,‬قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪» :‬إن‬
‫اللككه قككال‪ :‬مككن انتككدب خارج كا ً فككي سككبيلي غازيكا ً ابتغككاء وجهككي‪,‬‬
‫وتصديق وعدي‪ ,‬وإيمانا ً برسلي فهو في ضمان على اللككه‪ ,‬إمككا أن‬
‫يتوفاه بالجيش فيدخله الجنة‪ ,‬وإما أن يرجع في ضمان اللككه‪ ,‬وإن‬
‫طالب عبدا ً فنغصه حتى يرده إلى أهله مككع مككا نككال مككن أجككر‪ ,‬أو‬
‫غنيمة‪ ,‬ونال من فضل الله فمات‪ ,‬أو قتككل‪ ,‬أو رفصككته فرسككه‪ ,‬أو‬
‫بعيره‪ ,‬أو لدغته هامة‪ ,‬أو مات على فراشه بكأي حتكف شكاء اللكه‪,‬‬
‫‪203‬‬
‫فهو شهيد«‪ .‬وروى أبو داود من حديث بقية مككن فضككل اللككه إلككى‬
‫آخره‪ ,‬وزاد بعد قوله‪ :‬فهو شهيد‪ ,‬وإن له الجنة‪ .‬وقال الحافظ أبككو‬
‫يعلى‪ :‬حدثنا إبراهيككم بككن زيككاد سكَبلن‪ ,‬حككدثنا أبككو معاويككة‪ ,‬حككدثنا‬
‫محمد بن إسحاق عن حميد بن أبككي حميككد‪ ,‬عككن عطككاء بككن يزيككد‬
‫الليثي‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪» :‬من خككرج حاجكا ً فمككات‪ ,‬كتككب لككه أجككر الحككاج إلككى يككوم‬
‫القيامة‪ ,‬ومن خرج معتمرا ً فمات‪ ,‬كتب له أجر المعتمر إلككى يككوم‬
‫القيامة‪ ,‬ومن خرج غازي كا ً فككي سككبيل اللككه فمككات‪ ,‬كتككب لككه أجككر‬
‫الغازي إلى يوم القيامككة«‪ .‬وهككذا حككديث غريككب مككن هككذا الككوجه‪.‬‬
‫ذا ضربتم فككي الرض فَل َيكس عَل َيك ُكم جنككا َ‬
‫ن‬‫مك َ‬ ‫صكُروا ْ ِ‬‫ح أن ت َْق ُ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫** وَإ ِ َ َ َ ْ ُ ْ ِ‬
‫َ‬
‫ككاُنوا ْ ل َك ُك ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬‫ري َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ككافِ ِ‬ ‫ن ك ََفكُروَا ْ إ ِ ّ‬‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫م أن ي َْفت ِن َك ُ ُ‬‫خْفت ُ ْ‬
‫ن ِ‬‫صل َةِ إ ِ ْ‬
‫ال ّ‬
‫مِبينكككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ً‬ ‫عكككككككككككككككككككككككككككككككككككككد ُوّا ً ّ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى‪} :‬وإذا ضربتم في الرض{ أي سككافرتم فككي البلد‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضككربون‬
‫لية‪ .‬وقككوله‪} :‬فليككس عليكككم‬ ‫في الرض يبتغون من فضل الله{ ا َ‬
‫جناح أن تقصروا من الصلة{ أي تخففوا فيها إما من كميتهككا بككأن‬
‫ليككة‪ ,‬واسككتدلوا‬ ‫تجعل الرباعية ثنائية كما فهمه الجمهور من هذه ا َ‬
‫بها على قصر الصلة في السفر علككى اختلفهككم فككي ذلكك‪ ,‬فمككن‬
‫قائل‪ :‬ل بد أن يكون سفر طاعة مككن جهككاد‪ ,‬أو حككج‪ ,‬أو عمككرة‪ ,‬أو‬
‫طلب علم‪ ,‬أو زيارة‪ ,‬وغيككر ذلككك‪ ,‬كمككا هككو مككروي عككن ابككن عمككر‬
‫وعطاء ويحكى عن مالك في رواية عنه نحوه‪ ,‬لظكاهر قكوله‪} :‬إن‬
‫خفتككم أن يفتنكككم الككذين كفككروا{‪ ,‬ومككن قككائل‪ :‬ل يشككترط سككفر‬
‫القربككة‪ ,‬بككل ل بككد أن يكككون مباح كًا‪ ,‬لقككوله‪} :‬فمككن اضككطر فككي‬
‫لية‪ ,‬كمككا أبككاح لككه تنككاول الميتككة مككع‬ ‫مخمصة غير متجانف لثم{ ا َ‬
‫الضطرار بشرط أن ل يكون عاصيا ً بسفره‪ ,‬وهذا قول الشككافعي‬
‫وأحمد وغيرهما من الئمة‪ ,‬وقد قال أبو بكر بن أبي شككيبة‪ ,‬حككدثنا‬
‫وكيع‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل فقال‪ :‬يا رسككول‬
‫اللككه‪ ,‬إنككي رجككل تككاجر أختلككف إلككى البحريككن‪ ,‬فككأمره أن يصككلي‬
‫ركعتين‪ ,‬وهذا مرسل‪ ,‬ومن قائل‪ :‬يكفي مطلق السفر سواء كككان‬
‫مباحا ً أو محظورا ً حتى لككو خككرج لقطككع الطريككق وإخافككة السككبيل‬
‫‪204‬‬
‫ترخص لوجود مطلق السفر‪ ,‬وهذا قول أبي حنيفة والثوري وداود‬
‫ليككككككككككككة وخككككككككككككالفهم الجمهككككككككككككور‪.‬‬ ‫لعمككككككككككككوم ا َ‬
‫وأما قوله تعالى‪} :‬إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا{ فقد يكون‬
‫ليككة‪ ,‬فككإن فككي مبككدأ‬ ‫هذا خرج مخككرج الغككالب حككال نككزول هككذه ا َ‬
‫السلم بعد الهجرة كككان غككالب أسككفارهم مخوفككة‪ ,‬بككل مككا كككانوا‬
‫ينهضون إل إلى غزو عككام‪ ,‬أو فككي سككرية خاصككة‪ .‬وسككائر الحيككان‬
‫حرب للسلم وأهله‪ ,‬والمنطوق إذا خرج مخككرج الغككالب أو علككى‬
‫حادثة فل مفهككوم لككه‪ ,‬كقككوله تعككالى‪} :‬ول تكرهككوا فتيككاتكم علككى‬
‫البغكاء إن أردن تحصكنًا{‪ ,‬وكقكوله تعكالى‪} :‬وربكائبكم اللتكي فكي‬
‫ليككة‪ ,‬وقككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا ابككن‬ ‫حجككوركم مككن نسككائكم{ ا َ‬
‫إدريس‪ ,‬حدثنا ابن جريج عن ابن أبي عمار‪ ,‬عن عبد الله بن بابيه‪,‬‬
‫عن يعلى بن أمية‪ ,‬قالت‪ :‬سألت عمر بن الخطاب قلت له‪ :‬قوله‪:‬‬
‫}وليس عليكم جناح أن تقصروا من الصككلة إن خفتككم أن يفتنكككم‬
‫الذين كفروا{ وقد أمن الناس ؟ فقال لي عمر رضككي اللككه عنككه‪:‬‬
‫عجبت مما عجبت منه‪ ,‬فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عن ذلك‪ ,‬فقال‪» :‬صدقة تصدق الله بها عليكم فككاقبلوا صككدقته«‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم وأهل السنن مكن حكديث ابككن جريككج عكن عبكد‬
‫الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار به‪ .‬وقال الترمذي‪ :‬هككذا حككديث‬
‫حسن صحيح‪ .‬وقال علي بن المديني‪ :‬هككذا حككديث حسككن صككحيح‬
‫من حديث عمر‪ ,‬ول يحفظ إل من هذا الككوجه ورجككاله معروفككون‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي شيبة‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬حدثنا مالك بن مغككول‬
‫عن أبي حنظلة الحذاء‪ ,‬قال‪ :‬سألت ابن عمر عككن صككلة السككفر‪,‬‬
‫فقال‪ :‬ركعتان‪ ,‬فقلككت‪ :‬أيككن قككوله‪} :‬إن خفتككم أن يفتنكككم الككذين‬
‫كفروا{ ونحن آمنون ؟ فقال‪ :‬سنة رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككلم‪.‬‬
‫وقال ابن مردويه‪ :‬حدثنا عبد الله بكن محمكد بكن عيسكى‪ ,‬حكدثنا‬
‫علي بن محمد بن سعيد‪ :‬حدثنا منجاب‪ ,‬حكدثنا شكريك عكن قيكس‬
‫بن وهب‪ ,‬عن أبي الوداك‪ ,‬قال‪ :‬سألت ابن عمر عن ركعككتين فككي‬
‫السفر فقال‪ :‬هي رخصة نزلت من السماء‪ ,‬فككإن شككئتم فردوهككا‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي شيبة‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬حدثنا ابن عون‬
‫عن ابن سيرين‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬صلينا مع رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحككن آمنككون ل نخككاف بينهمككا‬
‫‪205‬‬
‫ركعتين ركعتين‪ .‬وهكذا رواه النسائي عن محمد بن عبككد العلككى‪,‬‬
‫عن خالد الحذاء‪ ,‬عن عبد الله بن عون به‪ .‬قال أبو عمككر بككن عبككد‬
‫البر‪ :‬وهكذا رواه أيوب وهشام ويزيككد بككن إبراهيككم التسككتري عككن‬
‫محمد بن سيرين‪ ,‬عن ابن عبككاس رضكي اللكه عنهمككا‪ ,‬عككن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم مثله قلت وهكككذا رواه الترمككذي والنسككائي‬
‫جميعا ً عن قتيبة‪ ,‬عن هشيم‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عككن زاذان‪ ,‬عككن محمككد‬
‫بن سيرين‪ ,‬عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليككه وسككلم خككرج‬
‫من المدينة إلى مكة ل يخاف إل رب العالمين‪ ,‬فصلى ركعتين‪ ,‬ثم‬
‫قال الترمذي‪ :‬صحيح‪ ,‬وقال البخاري‪ :‬حدثنا أبو معمر‪ ,‬حككدثنا عبككد‬
‫الوارث‪ ,‬حدثنا يحيى بن أبي إسككحاق‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت أنسكا ً يقككول‪:‬‬
‫خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكككة‬
‫فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة‪ ,‬قلت أقمتككم‬
‫بمكككككككككة شككككككككيئا ً ؟ قككككككككال‪ :‬أقمنككككككككا بهككككككككا عشككككككككرًا‪.‬‬
‫وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن يحيى بن أبي إسحاق‬
‫الحضرمي به‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬حككدثنا سككفيان عككن‬
‫أبي إسحاق‪ ,‬عن حارثة بن وهب الخزاعي‪ ,‬قال‪ :‬صليت مع النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى أكككثر مككا ككان النككاس‪,‬‬
‫وآمنه ركعيتن‪ .‬ورواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن أبككي‬
‫إسحاق السبيعي عنه به‪ ,‬ولفظ البخاري‪ :‬حدثنا أبككو الوليككد‪ ,‬حككدثنا‬
‫شعبة‪ ,‬أنبأنا أبو إسحاق‪ ,‬سمعت حارثة بن وهب‪ ,‬قككال‪ :‬صككلى بنككا‬
‫رسول الله صلى الله عليككه وسككلم آمككن مككا كككان بمنككى ركعككتين‪,‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬حدثنا مسدد‪ ,‬حدثنا يحيى‪ ,‬حدثنا عبيد الله‪ ,‬أخبرني‬
‫نافع عن عبد الله بن عمر‪ ,‬قال‪ :‬صليت مع رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم ركعتين‪ ,‬وأبي بكر وعمر وعثمان صدرا ً من إمارته‪ ,‬ثم‬
‫أتمها‪ ,‬وكذا رواه مسلم من حديث يحيككى بككن سككعيد القطككان بككه‪.‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬حدثنا قتيبة‪ ,‬حدثنا عبد الواحد عن العمش‪ ,‬حككدثنا‬
‫إبراهيم سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول‪ :‬صلى بنككا عثمككان بككن‬
‫عفان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات‪ ,‬فقيل في ذلك لعبككد اللككه‬
‫بن مسعود رضي الله عنه فاسترجع‪ ,‬ثم قال‪ :‬صككليت مككع رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم بمنككى ركعككتين وصككليت مككع أبككي بكككر‬
‫بمنى ركعتين‪ ,‬وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعككتين‪ ,‬فليككت‬
‫حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان‪ .‬ورواه البخاري أيضا ً مككن‬
‫‪206‬‬
‫حديث الثوري عن العمش به وأخرجه مسلم من طرق عنه منهككا‬
‫عككككككككككككككككن قتيبككككككككككككككككة كمككككككككككككككككا تقككككككككككككككككدم‪.‬‬
‫فهذه الحاديث دالة صريحا ً علككى أن القصككر ليككس مككن شككرطه‬
‫وجود الخوف‪ ,‬ولهذا قككال مككن قككال مككن العلمككاء‪ :‬إن المككراد مككن‬
‫القصر ههنا إنما هككو قصككر الكيفيككة ل الكميككة‪ ,‬وهككو قككول مجاهككد‬
‫والضحاك والسككدي كمكا سكيأتي بيككانه‪ ,‬واعتضككدوا أيضكا ً بمكا رواه‬
‫المام مالك عن صككالح بككن كيسككان‪ ,‬عككن عككروة بككن الزبيككر‪ ,‬عككن‬
‫عائشة رضي الله عنها أنها قالت‪ :‬فرضت الصلة ركعتين ركعككتين‬
‫في السككفر والحضككر‪ ,‬فككأقرت صككلة السككفر‪ ,‬وزيككدت فككي صككلة‬
‫الحضر‪ ,‬وقد روى هذا الحديث البخاري عن عبككد اللككه بككن يوسككف‬
‫التنيسي‪ ,‬ومسلم عن يحيككى بككن يحيككى‪ ,‬وأبككو داود عككن القعنككبي‪,‬‬
‫والنسائي عن قتيبة‪ ,‬أربعتهم عن مالك به‪ ,‬قالوا‪ :‬فككإذا كككان أصككل‬
‫الصلة في السفر هي الثنتين‪ ,‬فكيف يكككون المككراد بالقصككر ههنككا‬
‫قصر الكمية‪ ,‬لن ما هو الصل ل يقال فيه‪} :‬فليس عليكككم جنككاح‬
‫أن تقصروا من الصلة{ وأصرح من ذلك دللة على هككذا مككا رواه‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا وكيع وسفيان وعبد الرحمن عن زبيككد اليككامي‪,‬‬
‫عن عبد الرحمن بن أبي ليلى‪ ,‬عككن عمككر رضككي اللككه عنككه‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫صككلة السككفر ركعتككان‪ ,‬وصككلة الضككحى ركعتككان‪ ,‬وصككلة الفطككر‬
‫ركعتان‪ ,‬وصلة الجمعة ركعتان تمام غير قصر‪ ,‬على لسان محمككد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وهكذا رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان‬
‫في صحيحه من طرق عن زبيد اليامي به‪ ,‬وهذا إسناد على شرط‬
‫مسكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككلم‪.‬‬
‫وقد حكم مسلم في مقدمككة كتككابه بسككماع ابككن أبككي ليلككى عككن‬
‫عمر‪ ,‬وقككد جككاء مصككرحا ً بكه فككي هككذا الحككديث وفككي غيككره‪ ,‬وهككو‬
‫الصككواب إن شككاء اللككه‪ ,‬وإن كككان يحيككى بككن معيككن وأبككو حككاتم‬
‫والنسائي قد قالوا‪ ,‬إنه لم يسمع منه‪ ,‬وعلى هذا أيضكًا‪ :‬فقككد وقككع‬
‫في بعض طرق أبي يعلى الموصلي من طريق الثوري عككن زبيككد‪,‬‬
‫عن عبد الرحمن بن أبي ليلى‪ ,‬عن الثقة‪ ,‬عن عمر‪ ,‬فذكره‪ ,‬وعنككد‬
‫ابن ماجه من طريق يزيد بن أبي زياد بككن أبككي الجعككد عككن زبيككد‪,‬‬
‫عن عبد الرحمن‪ ,‬عن كعب بن عجرة‪ ,‬عن عمر‪ ,‬فالله أعلم‪ .‬وقككد‬
‫روى مسككلم فككي صككحيحه وأبككو داود والنسككائي وابككن مككاجه مككن‬
‫حككديث أبككي عوانككة الوضككاح بككن عبككد اللكه اليشكككري‪ ,‬زاد مسكلم‬
‫‪207‬‬
‫والنسائي‪ :‬وأيوب بن عككائد‪ ,‬كلهمككا عككن بكيككر بككن الخنككس‪ ,‬عككن‬
‫مجاهد‪ ,‬عن عبد الله بكن عبكاس‪ ,‬قككال‪ :‬فككرض اللكه الصككلة علككى‬
‫لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في الحضر أربع كًا‪ ,‬وفككي‬
‫السفر ركعتين‪ ,‬وفي الخوف ركعة‪ ,‬فكما يصلى في الحضر قبلهككا‬
‫وبعدها فكذلك يصككلى فككي السككفر‪ .‬ورواه ابككن مككاجه مككن حككديث‬
‫أسامة بن زيد عن طاوس نفسه‪ ,‬فهذا ثابت عن ابن عباس رضي‬
‫الله عنهما‪ ,‬ول ينافي ما تقدم عن عائشة رضككي اللككه عنهككا‪ ,‬لنهككا‬
‫أخبرت أن أصل الصلة ركعتان‪ ,‬ولكن زيد في صلة الحضر‪ ,‬فلما‬
‫استقر ذلك‪ ,‬صح أن يقال‪ :‬إن فرض صلة الحضر أربع‪ ,‬كمككا قككاله‬
‫ابن عباس ك والله أعلم ك لكن اتفككق حككديث ابككن عبككاس وعائشككة‬
‫على أن صلة السفر ركعتان‪ ,‬وأنها تامة غيككر مقصككورة‪ ,‬كمككا هككو‬
‫مصرح به في حديث عمر رضي الله عنه‪ ,‬وإذا كان كذلك فيكككون‬
‫المراد بقوله تعالى‪} :‬فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلة{‬
‫قصر الكيفية كما في صككلة الخككوف‪ ,‬ولهككذا قككال‪} :‬إن خفتككم أن‬
‫لية‪ ,‬ولهككذا قككال بعككدها‪} :‬وإذا كنككت فيهككم‬ ‫يفتنكم الذين كفروا{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬فبين المقصود من القصر ههنككا‪ ,‬وذكككر‬ ‫فأقمت لهم الصلة{ ا َ‬
‫صفته وكيفيته‪ ,‬ولهذا لما عقد البخاري كتاب صلة الخككوف صكدره‬
‫بقككوله تعككالى‪} :‬وإذا ضككربتم فككي الرض فليككس عليكككم جنككاح أن‬
‫تقصروا من الصلة{ إلككى قككوله‪} :‬إن اللككه أعككد للكككافرين عككذابا ً‬
‫مهينًا{‪ ,‬وهكذا قال جويبر عن الضحاك في قوله‪} :‬فليككس عليكككم‬
‫جناح أن تقصروا من الصلة{ قال‪ :‬ذاك عند القتال يصلي الرجككل‬
‫الراككككككككككب تككككككككككبيرتين حيكككككككككث ككككككككككان وجهكككككككككه‪.‬‬
‫وقال أسباط عن السككدي فككي قككوله‪} :‬وإذا ضككربتم فككي الرض‬
‫ليككة‪ ,‬إن‬ ‫فليس عليكم جناح أن تقصككروا مككن الصككلة إن خفتككم{ ا َ‬
‫الصلة إذا صليت ركعتين في السفر‪ ,‬فهي تمككام التقصككير ل يحككل‬
‫إل أن يخاف من الككذين كفككروا أن يفتنككوه عككن الصككلة فالتقصككير‬
‫ركعة‪ .‬وقال ابن أبي نجيح عن مجاهككد‪} :‬فليككس عليكككم جنككاح أن‬
‫تقصككروا مككن الصككلة{ يككوم كككان النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫وأصحابه بعسفان‪ ,‬والمشركون بضجنان‪ ,‬فتوافقوا‪ ,‬فصككلى النككبي‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم بأصككحابه صككلة الظهككر أربككع ركعككات‬
‫بركوعهم‪ ,‬وسجودهم‪ ,‬وقيامهم معا ً جميعكا ً فهككم بهككم المشككركون‬
‫أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم‪ ,‬روى ذلك ابن أبي حككاتم‪ ,‬ورواه‬
‫‪208‬‬
‫ابن جرير عن مجاهد والسدي وعن جابر وابن عمر‪ ,‬واختككار ذلككك‬
‫أيضا ً فإنه قال بعدما حكاه من القوال فككي ذلككك‪ :‬وهككو الصككواب‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم‪ ,‬حدثنا‬
‫ابن أبي فديك‪ ,‬حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب‪ ,‬عككن أميككة بككن‬
‫عبد الله بن خالد بن أسيد أنه قال لعبد الله بن عمر‪ :‬إنا نجد فككي‬
‫كتاب الله قصر صلة الخوف‪ ,‬ول نجد قصر صلة المسافر‪ ,‬فقال‬
‫عبد الله‪ :‬إنا وجدنا نبينا صلى الله عليكه وسككلم يعمككل عمل ً عملنككا‬
‫به‪ ,‬فقد سمى صلة الخوف مقصورة وحمككل ا َ‬
‫ليككة عليهككا ل علككى‬
‫قصر صلة المسافر‪ ,‬وأقره ابن عمر على ذلك‪ ,‬واحتج على قصر‬
‫الصلة في السفر بفعل الشارع ل بنص القرآن‪ ,‬وأصرح مككن هككذا‬
‫ما رواه ابن جرير أيضًا‪ :‬حككدثنا أحمككد بككن الوليككد القرشككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫محمد بن جعفر‪ ,‬حدثنا شعبة عن سماك الحنفي قال‪ :‬سألت ابككن‬
‫عمر عن صلة السفر‪ ,‬فقال‪ :‬ركعتان تمام غير قصر‪ ,‬إنما القصككر‬
‫في صلة المخافككة‪ ,‬فقلككت‪ :‬ومككا صككلة المخافككة ؟ فقككال‪ :‬يصككلي‬
‫المام بطائفة ركعة‪ ,‬ثم يجيككء هككؤلء إلككى مكككان هككؤلء‪ ,‬ويجيككء‬
‫هؤلء إلى مكان هؤلء‪ ,‬فيصلي بهم ركعة‪ ,‬فيكون للمام ركعتككان‪,‬‬
‫ولكككككككككككككككل طائفككككككككككككككة ركعككككككككككككككة ركعككككككككككككككة‪.‬‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫مع َ ك َ‬ ‫م ّ‬ ‫من ْهُ ك ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫طآئ َِف ك ٌ‬ ‫صل َةَ فَل ْت َُق ك ْ‬ ‫ّ‬ ‫م ال‬ ‫ت ل َهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م فَأقَ ْ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫كن َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫** وَإ ِ َ‬
‫ت َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬‫طآئ َِفك ٌ‬ ‫م وَل ْت َأ ِ‬ ‫من وََرآئ ِك ُ ْ‬ ‫كوُنوا ْ ِ‬ ‫دوا ْ فَل ْي َ ُ‬ ‫ج ُ‬‫س َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م فَإ ِ َ‬ ‫حت َهُ ْ‬ ‫سل ِ َ‬‫خذ ُوَا ْ أ ْ‬ ‫وَل ْي َأ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م وَد ّ‬ ‫حت َهُ ْ‬ ‫س كل ِ َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫حكذ َْرهُ ْ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫ك وَل ْي َأ ُ‬
‫خك ُ‬ ‫مع َ ك َ‬ ‫صكّلوا ْ َ‬ ‫صكّلوا ْ فَل ْي ُ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫خَرىَ ل َ ْ‬ ‫أُ ْ‬
‫َ‬ ‫ال ّذين ك ََفروا ْ ل َو تغُْفُلون عَ َ‬
‫م‬ ‫ن عَل َي ْك ُك ْ‬ ‫ميل ُككو َ‬ ‫م فَي َ ِ‬ ‫مت ِعَت ِك ُك ْ‬‫م وَأ ْ‬ ‫حت ِك ُ ْ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫َ‬
‫مط َكرٍ أوْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كنت ُك ْ‬ ‫مككن ّ‬ ‫ذى ّ‬ ‫مأ ً‬ ‫ن ب ِك ُك ْ‬ ‫كا َ‬ ‫م ِإن َ‬ ‫ح عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫جَنا َ‬ ‫حد َةً وَل َ ُ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫مي ْل َ ً‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫ه أعَ كد ّ ل ِلكككافِ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حذ َْرك ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫م وَ ُ‬ ‫حت َك ْ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫ضعُوَا أ ْ‬ ‫ى أن ت َ َ‬ ‫ض َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ّ‬
‫مهينكككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ً‬ ‫عككككككككككككككككككككككككككككككككككككك َ ً‬
‫ذابا ّ ِ‬ ‫َ‬
‫صلة الخوف أنواع كثيرة‪ ,‬فإن العدو تككارة يكككون تجككاه القبلككة‪,‬‬
‫وتارة يكون في غير صككوبها‪ ,‬والصككلة تككارة تكككون رباعيككة‪ ,‬وتككارة‬
‫تكون ثلثية كالمغرب‪ ,‬وتارة تكون ثنائية كالصككبح وصككلة السككفر‪,‬‬
‫ثم تارة يصكلون جماعكة‪ ,‬وتكارة يلتحكم الحكرب فل يقكدرون علكى‬
‫الجماعة‪ ,‬بككل يصككلون فككرادى مسككتقبلي القبلككة وغيككر مسككتقبليها‬
‫ورجال ً وركبانًا‪ ,‬ولهككم أن يمشككوا والحالككة هككذه ويضككربوا الضككرب‬
‫‪209‬‬
‫المتتابع في متن الصلة‪ .‬ومن العلماء مككن قككال‪ :‬يصككلون والحالككة‬
‫هذه ركعة واحدة لحديث ابن عباس المتقدم‪ ,‬وبه قككال أحمككد بككن‬
‫حنبل‪ .‬قال المنذري في الحواشي‪ :‬وبه قال عطاء وجابر والحسن‬
‫ومجاهد والحكم وقتادة وحماد وإليه ذهب طاوس والضحاك‪ ,‬وقككد‬
‫حكى أبو عاصم العبادي عن محمد بن نصر المروزي‪ :‬أنه يككرى رد‬
‫الصبح إلى ركعة في الخوف‪ ,‬وإليه ذهككب ابككن حككزم أيضكًا‪ .‬وقككال‬
‫إسككحاق بككن راهككويه‪ :‬أمككا عنككد المسككايفة فيجزيككك ركعككة واحككدة‬
‫تومىء بها إيماء‪ ,‬فإن لككم تقككدر فسككجدة واحككدة لنهككا ذكككر اللككه‪,‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬تكفي تكبيرة واحدة‪ ,‬فلعله أراد ركعككة واحككدة‪ .‬كمككا‬
‫قاله المام أحمد بن حنبل وأصحابه‪ ,‬وبككه قككال جككابر بككن عبككدالله‬
‫وعبد الله بن عمر وكعب وغير واحد من الصحابة والسدي‪ ,‬ورواه‬
‫ابن جرير‪ ,‬ولكن الذي حكوه إنما حكوه على ظاهره في الجككتزاء‬
‫بتكبيرة واحدة‪ ,‬كما هو مككذهب إسككحاق ابككن راهككويه وإليككه ذهككب‬
‫المير عبد الوهاب بن بخت المكي حتى قال‪ :‬فإن لم يقككدر علككى‬
‫التكبيرة فل يتركها في نفسه يعني بالنية‪ .‬رواه سعيد بككن منصككور‬
‫في سننه عن إسماعيل بككن عيككاش‪ ,‬عككن شككعيب بككن دينككار عنككه‪,‬‬
‫فكككككككككككككككككككككككككككككككككككككالله أعلكككككككككككككككككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫ومن العلماء من أباح تأخير الصلة لعذر القتال والمنككاجزة‪ ,‬كمككا‬
‫أخر النبي صلى اللكه عليككه وسكلم يكوم الحكزاب الظهكر والعصكر‬
‫فصلهما بعد الغروب‪ ,‬ثم صلى بعدهما المغرب‪ ,‬ثم العشاء‪ ,‬وكما‬
‫قال بعدها يوم بني قريظة حين جهز إليهم الجيش‪ :‬ل يصلين أحككد‬
‫منكككم العصككر إل فككي بنككي قريظككة‪ ,‬فككأدركتهم الصككلة فككي أثنككاء‬
‫الطريق‪ ,‬فقال منهم قائلون‪ :‬لم يرد منككا رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم إل تعجيل المسككير‪ ,‬ولككم يككرد منككا تككأخير الصككلة عككن‬
‫وقتها‪ ,‬فصلوا الصلة لوقتها في الطريق‪ ,‬وأخر آخرون منهم صلة‬
‫العصر فصلوها في بني قريظة بعكد الغكروب‪ ,‬ولكم يعنكف رسكول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أحدا ً من الفريقيككن‪ ,‬وقككد تكلمنككا علككى‬
‫هذا في كتاب السيرة وبينا أن الذين صككلوا العصككر لوقتهككا أقككرب‬
‫لخككرون معككذروين‬ ‫إلى إصابة الحق فككي نفككس المككر‪ ,‬وإن كككان ا َ‬
‫أيضًا‪ ,‬والحجة ههنا فككي عككذرهم فككي تككأخير الصككلة لجككل الجهككاد‬
‫والمبادرة إلى حصار الناكثين للعهد من الطائفة الملعونككة اليهككود‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫وأما الجمهور فقالوا‪ :‬هذا كله منسوخ بصكلة الخكوف‪ ,‬فإنهكا لكم‬
‫ن في‬ ‫تكن نزلت بعد‪ ,‬فلما نزلت نسخ تأخير الصلة لذلك‪ ,‬وهذا بي ٌ‬
‫حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه الشككافعي رحمككه اللككه وأهككل‬
‫السنن‪ ,‬ولكن يشكل عليه مككا حكككاه البخككاري فككي صككحيحه حيككث‬
‫قكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككال‪:‬‬
‫)باب الصلة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو( قكال الوزاعكي‪:‬‬
‫إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلة‪ ,‬صلوا إيماء كل امرىء‬
‫لنفسه‪ ,‬فإن لم يقدروا على اليماء‪ ,‬أخروا الصككلة حككتى ينكشككف‬
‫القتال‪ ,‬أو يككأمنوا فيصككلوا ركعككتين‪ ,‬فككإن لككم يقككدروا صككلوا ركعككة‬
‫وسجدتين‪ ,‬فإن لككم يقككدروا فل يجزئهككم التكككبير ويؤخرونهككا حككتى‬
‫يأمنوا‪ ,‬وبه قال مكحول‪ .‬وقال أنس بككن مالككك‪ :‬حضككرت مناهضككة‬
‫حصن تستر عند إضاءة الفجر‪ ,‬واشتد اشتعال القتال‪ ,‬فلم يقدروا‬
‫على الصلة‪ ,‬فلم نصل إل بعد ارتفاع النهككار فصككليناها ونحككن مككع‬
‫أبي موسى‪ ,‬ففتح لنا‪ ,‬قال أنس‪ :‬وما يسرني بتلككك الصككلة الككدنيا‬
‫وما فيهككا انتهككى مككا ذكككره‪ ,‬ثككم أتبعككه بحككديث تككأخير الصككلة يككوم‬
‫الحزاب‪ ,‬ثم بحديث أمره إياهم أن ل يصككلوا العصككر إل فككي بنككي‬
‫قريظككككككة‪ ,‬وكككككككأنه كالمختككككككار لككككككذلك‪ ,‬واللككككككه أعلككككككم‪.‬‬
‫ولمن جنح إلى ذلك له أن يحتج بصنيع أبي موسى وأصحابه يوم‬
‫فتح تستر فإنه يشتهر غالبًا‪ ,‬ولكن كان ذلككك فككي إمككارة عمككر بككن‬
‫الخطاب‪ ,‬ولم ينقل أنه أنكر عليهككم ول أحككد مككن الصككحابة‪ ,‬واللككه‬
‫أعلم‪ ,‬قال هؤلء‪ :‬وقد كانت صلة الخوف مشككروعة فككي الخنككدق‬
‫لن غزوة ذات الرقاع كانت قبل الخندق في قول الجمهور علماء‬
‫السير والمغازي‪ ,‬وممن نص على ذلك محمد بن إسحاق وموسى‬
‫بن عقبة والواقكدي ومحمككد بككن سكعد ككاتبه وخليفكة بككن الخيككاط‬
‫وغيرهم‪ .‬وقال البخككاري وغيككره‪ :‬كككانت ذات الرقككاع بعككد الخنككدق‬
‫لحككديث أبككي موسككى ومككا قككدم إل فككي خيككبر‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫والعجب كل العجب أن المزني وأبا يوسف القاضي وإبراهيم بن‬
‫إسماعيل بن علية‪ ,‬ذهبوا إلى أن صلة الخوف منسككوخة بتككأخيره‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ,‬الصلة يوم الخندق وهذا غريككب جككدًا‪ ,‬وقككد‬
‫ثبتت الحاديث بعد الخندق بصككلة الخككوف‪ ,‬وحمككل تككأخير الصككلة‬
‫يومئذ على ما قاله مكحول والوزاعي أقوى وأقرب‪ ,‬والله أعلككم‪.‬‬
‫فقوله تعالى‪} :‬وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلة{ أي إذا صليت‬
‫‪211‬‬
‫بهم إماما ً في صلة الخككوف‪ ,‬وهككذه حالككة غيككر الولككى‪ ,‬فككإن تلككك‬
‫قصرها إلى ركعة كما دل عليه الحديث ك ك فككرادى ورجككال ً وركبان كا ً‬
‫مستقبلي القبلة وغير مستقبليها‪ ,‬ثم ذكر حال الجتمككاع والئتمككام‬
‫بإمام واحككد‪ ,‬ومككا أحسككن مككا اسككتدل بككه مككن ذهككب إلككى وجككوب‬
‫لية الكريمة حيث اغتفرت أفعككال كككثيرة لجككل‬ ‫الجماعة من هذه ا َ‬
‫الجماعة‪ ,‬فلول أنها واجبة لما ساغ ذلككك‪ ,‬وأمككا مككن اسككتدل بهككذه‬
‫لية على أن صلة الخوف منسوخة بعككد النككبي صككلى اللككه عليككه‬ ‫ا َ‬
‫وسلم لقوله‪} :‬وإذا كنت فيهم{ فبعده تفككوت هككذه الصككفة‪ ,‬فككإنه‬
‫استدلل ضعيف‪ ,‬ويرد عليه مثل قول مانعي الزكاة الذين احتجككوا‬
‫بقوله‪} :‬خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم‬
‫إن صلتك سكن لهم{ قالوا‪ :‬فنحن ل ندفع زكاتنا بعده صلى اللككه‬
‫عليه وسلم إلككى أحككد‪ ,‬بككل نخرجهككا نحككن بأيككدينا علككى مككن نككراه‪,‬‬
‫وندفعها إل إلى من صلته أي دعاؤه سكن لنا‪ ,‬ومع هذا رد عليهككم‬
‫الصحابة‪ ,‬وأبوا عليهم هذا الستدلل‪ ,‬وأجبروهم علككى أداء الزكككاة‬
‫وقتلكككككككككككككككوا مكككككككككككككككن منعهكككككككككككككككا منهكككككككككككككككم‪.‬‬
‫لية الكريمة أول ً قبل ذكر صفتها‪ .‬قككال‬ ‫ولنذكر سبب نزول هذه ا َ‬
‫ابن جرير‪ :‬حدثني ابن المثنى‪ ,‬حدثني إسحاق‪ ,‬حدثنا عبككدالله بككن‬
‫هاشم‪ ,‬أنبأنا سيف عن أبي روق‪ ,‬عن أبي أيوب‪ ,‬عن علككي رضككي‬
‫الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬سأل قوم من بني النجار رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم فقالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬إنككا نضككرب فككي الرض فكيككف‬
‫نصلي ؟ فككأنزل اللككه عككز وجككل }وإذا ضككربتم فككي الرض فليككس‬
‫عليكم جناح أن تقصروا من الصلة{ ثم انقطع الوحي‪ ,‬فلمكا ككان‬
‫بعد ذلك بحول‪ ,‬غزا النبي صلى الله عليككه وسككلم فصككلى الظهككر‪,‬‬
‫فقال المشركون‪ :‬لقد أمكنكم محمد وأصككحابه مككن ظهككورهم هل‬
‫شددتم عليهم ؟ فقال قائل منهم‪ :‬إن لهم أخرى مثلها في أثرهككا‪,‬‬
‫قال‪ :‬فأنزل اللكه عكز وجككل بيكن الصكلتين }إن خفتككم أن يفتنككم‬
‫ليتين‪ ,‬فنزلكت صكلة الخكوف‪ ,‬وهكذا سكياق غريكب‬ ‫الذي كفروا{ ا َ‬
‫جدًا‪ ,‬ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزرقي واسمه زيد‬
‫بن الصامت رضي الله عنه عند المام أحمد وأهل السككنن‪ ,‬فقككال‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬حككدثنا الثككوري عككن منصككور‪ ,‬عككن‬
‫مجاهد‪ ,‬عن أبي عياش الزرقي‪ ,‬قال‪ :‬كنا مككع رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم بعسفان‪ ,‬فاستقبلنا المشككركون عليهككم خالككد بككن‬
‫‪212‬‬
‫الوليد‪ ,‬وهم بيننا وبين القبلة‪ ,‬فصككلى بنككا رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم الظهر‪ ,‬فقالوا‪ :‬لقد كانوا على حال لككو أصككبنا غرتهككم‪,‬‬
‫لن صككلة هككي أحككب إليهككم مككن أبنككائهم‬ ‫ثم قككالوا‪ :‬تككأتي عليهككم ا َ‬
‫ليككات بيككن الظهككر والعصككر‬ ‫وأنفسهم‪ ,‬قال‪ :‬فنككزل جبريككل بهككذه ا َ‬
‫}وإذا كنت فيهم فأقمت لهكم الصكلة{ قكال‪ :‬فحضككرت‪ ,‬فككأمرهم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم فأخككذوا السككلح‪ ,‬قككال‪ :‬فصككفنا‬
‫خلفه صفين‪ ,‬قال‪ :‬ثم ركع فركعنا جميعًا‪ ,‬ثم رفككع فرفعنككا جميع كًا‪,‬‬
‫لخككرون‬ ‫ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه وا َ‬
‫لخككرون فسككجدوا‬ ‫قيام يحرسونهم‪ ,‬فلما سجدوا وقككاموا‪ ,‬جلككس ا َ‬
‫في مكانهم‪ ,‬ثم تقدم هؤلء إلى مصكاف هككؤلء‪ ,‬وجكاء هككؤلء إلكى‬
‫مصاف هؤلء ثم ركع فركعوا جميعًا‪ ,‬ثم رفككع فرفعككوا جميع كًا‪ ,‬ثككم‬
‫لخككرون‬ ‫سجد النبي صلى الله عليه وسككلم والصككف الككذي يليككه وا َ‬
‫لخرون فسككجدوا‪ ,‬ثككم سككلم‬ ‫قيام يحرسونهم‪ ,‬فلما جلسوا جلس ا َ‬
‫عليهم‪ ,‬ثم انصرف‪ ,‬قال‪ :‬فصككلها رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسكككلم مرتيكككن‪ :‬مكككرة بعسكككفان‪ ,‬ومكككرة بكككأرض بنكككي سكككليم‪.‬‬
‫ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن منصور بككه نحككوه‪ ,‬وهكككذا‬
‫رواه أبو داود عن سعيد بن منصور‪ ,‬عككن جريككر بككن عبككد الحميككد‪,‬‬
‫والنسائي من حديث شعبة‪ ,‬وعبد العزيككز بككن عبككد الصككمد‪ ,‬كلهككم‬
‫عن منصور به‪ ,‬وهذا إسناد صحيح وله شواهد كثيرة‪ ,‬فمن ذلك ما‬
‫رواه البخاري حيث قال‪ :‬حدثنا حيوة بن شكريح‪ ,‬حككدثنا محمككد بكن‬
‫حرب عن الزبيدي‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن عبككد اللككه بككن عبككد اللككه بككن‬
‫عتبة‪ ,‬عن ابن عباس رضي الله عنهما‪ ,‬قال‪ :‬قام النبي صلى اللككه‬
‫عليه وسلم وقام الناس معه‪ ,‬فكبر وكبروا معه‪ ,‬وركع وركع نككاس‬
‫منهم‪ ,‬ثم سجد وسجدوا معه‪ ,‬ثم قام للثانية فقككام الككذين سككجدوا‬
‫وحرسوا إخوانهم‪ ,‬وأتت الطائفككة الخككرى فركعككوا وسككجدوا معككه‬
‫والناس كلهم في الصلة‪ ,‬ولكن يحرس بعضهم بعض كًا‪ .‬وقككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثنا ابن بشار‪ ,‬حكدثنا معكاذ بكن هشكام‪ ,‬حكدثني أبكي عكن‬
‫قتادة‪ ,‬عن سليمان بن قيس اليشكري أنه سأل جابر بن عبد اللكه‬
‫عن إقصار الصلة أي يوم أنزل أو أي يوم هو‪ ,‬فقال جابر‪ :‬انطلقنا‬
‫نتلقى عيرا ً لقريش آتية من الشام حتى إذا كنا بنخلككة‪ ,‬جككاء رجككل‬
‫من القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يككا محمككد‬
‫هل تخافني ؟ قككال‪» :‬ل« قككال فمككن يمنعككك منككي ؟ قككال‪» :‬اللككه‬
‫‪213‬‬
‫يمنعني منك« قال‪ :‬فسل السككيف‪ ,‬ثككم تهككدده وأوعككده‪ ,‬ثككم نككادى‬
‫بالترحل وأخذ السلح‪ ,‬ثم نودي بالصلة فصلى رسول الله صككلى‬
‫اللككه عليككه وسككلم بطائفككة مككن القككوم وطائفككة أخككرى تحرسككهم‪,‬‬
‫فصلى بالذين يلونه ركعتين‪ ,‬ثم تأخر الذين يلككونه علككى أعقككابهم‪,‬‬
‫لخرون فصلى بهم ركعتين‪,‬‬ ‫فقاموا في مصاف أصحابهم‪ ,‬ثم جاء ا َ‬
‫لخرون يحرسككونهم‪ ,‬ثككم سككلم فكككانت للنككبي صككلى اللككه عليككه‬ ‫وا َ‬
‫وسلم أربع ركعات‪ ,‬وللقوم ركعتين ركعتين‪ ,‬فيومئذ أنزل الله فككي‬
‫إقصككككككار الصككككككلة وأمككككككر المككككككؤمنين بأخككككككذ السككككككلح‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد فقال‪ :‬حدثنا سريج‪ ,‬حدثنا أبو عوانة عن أبككي‬
‫بشر‪ ,‬عن سليمان بن قيس اليشكككري‪ ,‬عككن جككابر بككن عبككد اللككه‪,‬‬
‫قال‪ :‬قاتل رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم محككارب خصككفة‪,‬‬
‫فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم بالسككيف‪ ,‬فقككال‪ :‬مككن يمنعككك منككي ؟‬
‫قال‪» :‬الله«‪ ,‬فسقط السيف من يده‪ ,‬فأخككذه رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬فقال‪» :‬ومن يمنعك مني ؟« قال‪ :‬كن خير آخككذ‪.‬‬
‫قال‪» :‬أتشهد أن ل إله إل الله وأني رسول الله« ؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬ولكن‬
‫أعاهدك أن ل أقاتلك ول أكون مع قككوم يقاتلونككك‪ ,‬فخلككى سككبيله‪,‬‬
‫فأتى قككومه فقككال‪ :‬جئتكككم مككن عنككد خيككر النككاس‪ ,‬فلمككا حضككرت‬
‫الصلة‪ ,‬صلى رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم صككلة الخككوف‪,‬‬
‫فكككان النككاس طككائفتين‪ :‬طائفككة بككإزاء العككدو‪ ,‬وطائفككة صككلوا مككع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬فصككلى بالطائفككة الككذين معككه‬
‫ركعتين وانصرفوا‪ ,‬فكانوا مكان الطائفة الذين كانوا بككإزاء العككدو‪,‬‬
‫ثم انصرف الذين كانوا بإزاء العدو فصلوا مككع رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم ركعتين‪ ,‬فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أربع ركعات‪ ,‬وللقوم ركعكتين ركعكتين‪ ,‬تفكرد بكه مكن هكذا الكوجه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان‪ ,‬حدثنا أبو قطن عمرو‬
‫بن الهيثم‪ ,‬حدثنا المسعودي عن يزيد الفقير‪ ,‬قال‪ :‬سألت جابر بن‬
‫عبد الله عن الركعتين في السفر أقصرهما ؟ فقال‪ :‬الركعتان في‬
‫السفر تمام‪ ,‬إنما القصر واحدة عند القتال‪ ,‬بينما نحن مع رسككول‬
‫الله صلى الله عليككه وسككلم فككي قتككال‪ ,‬إذ أقيمككت الصككلة‪ ,‬فقككام‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فصككف طائفككة‪ ,‬وطائفككة وجههككا‬
‫قبل العدو‪ ,‬فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين‪ ,‬ثم الذين خلفوا‬
‫‪214‬‬
‫انطلقوا إلى أولئك فقاموا مقامهم ومكككانهم نحككو ذا‪ ,‬وجككاء أولئك‬
‫فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهككم ركعككة‬
‫وسجد بهم سجدتين‪ ,‬ثم إن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫جلس وسلم‪ ,‬وسلم الذين خلفككه‪ ,‬وسككلم أولئك‪ ,‬فكككانت لرسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ركعتين‪ ,‬وللقوم ركعككة ركعككة‪ ,‬ثككم قككرأ‬
‫}وإذا كنكككككت فيهكككككم فكككككأقمت لهكككككم الصككككككلة{ ا َ‬
‫ليكككككة‪.‬‬
‫وقال المام أحمككد‪ :‬حككدثنا محمككد بككن جعفككر‪ ,‬حككدثنا شككعبة عككن‬
‫الحكم‪ ,‬عن يزيد الفقير‪ ,‬عن جككابر بككن عبككد اللككه أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬صلى بهم صلة الخككوف‪ ,‬فقككام صككف بيككن‬
‫يديه وصف خلفه‪ ,‬فصلى بالذين خلفه ركعة وسككجدتين‪ ,‬ثككم تقكدم‬
‫هؤلء حتى قاموا في مقام أصحابهم‪ ,‬وجاء أولئك حتى قاموا فككي‬
‫مقام هؤلء‪ ,‬فصلى بهم رسول الله صلى الله عليككه وسككلم ركعككة‬
‫وسجدتين ثم سلم‪ ,‬فكانت للنبي صلى الله عليه وسككلم ركعككتين‪,‬‬
‫ولهم ركعة‪ ,‬ورواه النسائي من حديث شعبة‪ ,‬ولهذا الحديث طرق‬
‫عن جابر‪ ,‬وهو في صحيح مسلم من وجككه آخككر بلفككظ آخككر‪ ,‬وقككد‬
‫رواه عن جابر جماعة كثيرون فككي الصككحيح والسككنن والمسككانيد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا نعيككم بككن حمككاد‪ ,‬حككدثنا‬
‫عبدالله بن المبارك‪ ,‬أنبأنا معمر عن الزهري‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫قككال‪} :‬وإذا كنككت فيهككم فككأقمت لهككم الصككلة{ قككال‪ :‬هككي صككلة‬
‫الخوف‪ ,‬صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين‬
‫ركعككة‪ ,‬والطائفككة الخككرى مقبلككة علككى العككدو‪ ,‬وأقبلككت الطائفككة‬
‫الخرى التي كانت مقبلة على العدو فصلى بهم رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ركعة أخرى ثم سلم بهم‪ ,‬ثككم قككامت كككل طائفككة‬
‫منهم فصلت ركعة ركعة‪ ,‬وهذا الحديث رواه الجماعكة فكي كتبهكم‬
‫من طريق معمر به‪ ,‬ولهذا الحديث طرق كثيرة عن الجماعة مككن‬
‫الصحابة‪ ,‬وقد أجاد الحافظ أبو بكر بن مردويككه فككي سككرد طرقككه‬
‫وألفاظه‪ ,‬وكذا ابن جرير‪ ,‬ولنحرره في كتككاب الحكككام الكككبير‪ ,‬إن‬
‫شاء الله وبه الثقة‪ .‬وأما المر بحمككل السككلح فككي صككلة الخككوف‬
‫فمحمول عند طائفة من العلماء على الوجوب لظاهر ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وهككو‬
‫أحد قككولي الشككافعي‪ ,‬ويككدل عليككه قككول اللككه تعككالى‪} :‬ول جنككاح‬
‫عليكككم إن كككان بكككم أذى مككن مطككر أو كنتككم مرضككى أن تضككعوا‬
‫‪215‬‬
‫أسلحتكم وخذوا حذركم{ أي بحيث تكونون على أهبة إذا احتجتككم‬
‫إليها لبسككتموها بل كلفككة }إن اللككه أعككد للكككافرين عككذابا ً مهينكًا{‪.‬‬
‫جُنكوب ِك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صل َةَ َفاذ ْك ُُروا ْ الل ّ َ‬

‫م‬ ‫ى ُ‬ ‫ه قَِيامكا وَقُعُككودا وَعَلك َ‬ ‫م ال َ ّ‬‫ضي ْت ُ ُ‬‫ذا قَ َ‬ ‫** فَإ ِ َ‬
‫ذا اط ْ ْ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫ت عَل َككى ال ْ ُ‬
‫م كؤ ْ ِ‬ ‫ص كل َةَ ك َككان َ ْ‬
‫ّ‬ ‫ن ال‬ ‫ص كل َةَ إ ِ ّ‬‫ّ‬ ‫موا ْ ال‬ ‫م فَ كأِقي ُ‬ ‫مأَننت ُ ْ‬‫َ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫ن َفككإ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫كوُنوا ْ ت َأل َ ُ‬ ‫موُْقوتا ً * وَل َ ت َهُِنوا ْ ِفي اب ْت َِغآِء ال َْقوْم ِ ِإن ت َ ُ‬ ‫ك َِتابا ً ّ‬
‫ه عَِليما ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ما ل َ ي َْر ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫جو َ‬ ‫ن وَت َْر ُ‬‫ما ت َأَلمو َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫مو َ‬ ‫ي َأل َ ُ‬
‫كيمككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ً‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫يأمر اللكه تعكالى بككثرة الكذكر عقيكب صكلة الخكوف وإن ككان‬
‫مشروعا ً مرغبا ً فيه أيضا ً بعد غيرها‪ ,‬ولكن ههنا آكد لما وقككع فيهككا‬
‫من التخفيف في أركانها‪ ,‬ومن الرخصة في الذهاب فيها واليككاب‪,‬‬
‫وغير ذلك مما ليس يوجد في غيرها‪ ,‬كما قال تعكالى فككي الشكهر‬
‫الحرم‪} :‬فل تظلموا فيهن أنفسكم{ وإن كان هذا منهيا ً عنككه فككي‬
‫غيرها‪ ,‬ولكن فيها آكد لشدة حرمتها وعظمتها‪ ,‬ولهذا قككال تعككالى‪:‬‬
‫}فإذا قضيتم الصلة فاذكروا الله قيامكا ً وقعككودا ً وعلككى جنككوبكم{‬
‫أي في سائر أحوالكم‪ ,‬ثم قككال تعككالى‪} :‬فككإذا اطمككأننتم فككأقيموا‬
‫الصككلة{ أي فككإذا أمنتككم وذهككب الخككوف‪ ,‬وحصككلت الطمأنينككة‬
‫}فككأقيموا الصككلة{ أي فأتموهككا وأقيموهككا كمككا أمرتككم بحككدودها‪,‬‬
‫وخشكككككوعها‪ ,‬وركوعهكككككا‪ ,‬وسكككككجودها‪ ,‬وجميكككككع شكككككؤونها‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬إن الصلة كانت علككى المككؤمنين كتاب كا ً موقوت كًا{‬
‫قال ابن عباس‪ :‬أي مفروضًا‪ ,‬وقال أيضًا‪ :‬إن للصككلة وقتكا ً كككوقت‬
‫الحككج‪ ,‬وكككذا روي عككن مجاهككد وسككالم بككن عبككد اللككه وعلككي بككن‬
‫الحسككين ومحمككد بككن علككي والحسككن ومقاتككل والسككدي وعطيككة‬
‫العوفي‪ .‬قال عبد الرزاق‪ :‬عن معمر عن قتادة }إن الصلة كككانت‬
‫على المؤمنين كتابا ً موقوتًا{ قال‪ :‬ابكن مسكعود‪ :‬إن للصكلة وقتكا ً‬
‫كوقت الحج وقال زيد بن أسلم }إن الصلة كانت على المككؤمنين‬
‫كتابا ً موقوتًا{ قال‪ :‬منجما ً كلما مضى نجم جككاء نجككم‪ ,‬يعنككي كلمككا‬
‫مضكككككككككككككككى وقكككككككككككككككت جكككككككككككككككاء وقكككككككككككككككت‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ول تهنوا فككي ابتغككاء القككوم{ أي ل تضككعفوا فككي‬
‫طلب عدوكم‪ ,‬بل جدوا فيهم وقاتلوهم‪ ,‬واقعدوا لهككم كككل مرصككد‬
‫}إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كمككا تككألمون{ أي كمككا يصككيبكم‬
‫‪216‬‬
‫الجراح والقتل كذلك يحصل لهم‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬إن يمسسكككم‬
‫قرح فقد مس القوم قرح مثله{‪ ,‬ثم قال تعككالى‪} :‬وترجككون مككن‬
‫الله مال يرجون{ أي أنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم‪ ,‬وإيككاهم مككن‬
‫للم‪ ,‬ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد‬ ‫الجراح وا َ‬
‫كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسككان رسككوله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم وهو وعد حق‪ ,‬وخبر صدق‪ ,‬وهم ل يرجون شككيئا ً مككن ذلككك‪,‬‬
‫فأنتم أولى بالجهاد منهم وأشد رغبة فيه‪ ,‬وفككي إقامككة كلمككة اللككه‬
‫وإعلئها‪} ,‬وككان اللكه عليمكا ً حكيمكًا{ أي هككو أعلكم وأحكككم فيمكا‬
‫يقدره ويقضيه وينفذه ويمضيه من أحكامه الكونية والشرعية وهو‬
‫المحمكككككككككككككككود علكككككككككككككككى ككككككككككككككككل حكككككككككككككككال‪.‬‬
‫ك الل ّك ُ‬
‫ه‬ ‫مككآ أ ََرا َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ِ‬ ‫كا‬‫ك‬‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ب ِبال ْ‬ ‫َ‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ك ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫** إ ِّنآ أ َن َْزل َْنا إ ِل َ‬
‫ن غَُفككورا ً‬ ‫ه كككا َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللك َ‬ ‫سكت َغِْفرِ الل ّكهِ إ ِ ّ‬ ‫صككيما ً * َوا ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫خككآئ ِِني َ‬ ‫ن ل ّل ْ َ‬ ‫وَل َ ت َك ُ ْ‬
‫ختككانو َ‬
‫ب‬ ‫حك ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫س كه ُ ْ‬ ‫ن أن ُْف َ‬ ‫ن يَ ْ َ ُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫جادِ ْ‬ ‫حيما ً * وَل َ ت ُ َ‬ ‫ّر ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مك َ‬ ‫ن ِ‬ ‫خُفو َ‬ ‫س كت َ ْ‬ ‫س وَل َ ي َ ْ‬ ‫ن الن ّككا ِ‬ ‫مك َ‬ ‫ن ِ‬ ‫خُفو َ‬ ‫س كت َ ْ‬ ‫وانا ً أِثيما ً * ي َ ْ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫َ‬
‫مككا‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ك ُ‬ ‫ل وَك َككا َ‬ ‫ن الَق كوْ ِ‬‫ْ‬ ‫مك َ‬ ‫ى ِ‬ ‫ما ل َ ي َْر َ‬ ‫م إ ِذ ْ ي ُب َي ُّتو َ‬ ‫ّ‬
‫ض َ‬ ‫ن َ‬
‫حيطا ً * َ َ‬
‫معَهُ ْ‬ ‫اللهِ وَهُوَ َ‬
‫حي َككاةِ ال كد ّن َْيا‬ ‫م فِككي ال ْ َ‬ ‫م عَن ْهُ ك ْ‬ ‫جاد َل ْت ُ ْ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫هـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫م ِ‬‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫َ‬
‫كيل ً‬‫م وَ ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِك ْ‬ ‫مككن ي َك ُككو ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م كة ِ أ ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫م ي َكوْ َ‬ ‫ه عَن ْهُك ْ‬ ‫ل الل ّك َ‬ ‫جادِ ُ‬ ‫من ي ُ َ‬ ‫فَ َ‬
‫يقول تعالى‪ :‬مخاطبا ً لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم }إنككا‬
‫أنزلنا إليك الكتاب بالحق{ أي هو حق من الله‪ ,‬وهو يتضمن الحق‬
‫في خبره وطلبه‪ ,‬وقوله‪} :‬لتحكم بين الناس بما أراك الله{ احتج‬
‫به من ذهب من علماء الصول إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم‬
‫ليككة‪ ,‬وبمككا ثبككت فككي الصككحيحين مككن‬ ‫له أن يحكم بالجتهاد بهذه ا َ‬
‫رواة هشام بن عروة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن زينب بنت أم سككلمة‪ ,‬عككن أم‬
‫سلمة أن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬سككمع جلبككة خصككم‬
‫بباب حجرته‪ ,‬فخرج إليهم فقال‪» :‬أل إنمككا أنككا بشككر وإنمككا أقضككي‬
‫بنحو مما أسمع‪ ,‬ولعل أحدكم أن يكككون ألحككن بحجتككه مككن بعككض‬
‫فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة مككن النككار‬
‫فليحملها أو ليذرها« وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬حكدثنا أسكامة‬
‫بن زيد عن عبد الله بن رافع‪ ,‬عككن أم سككلمة‪ ,‬قككالت‪ :‬جككاء رجلن‬
‫من النصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسككلم فككي‬
‫‪217‬‬
‫مواريث بينهما قد درست‪ ,‬ليس عندهما بينككة‪ ,‬فقككال رسككول اللككه‬
‫ي وإنما أنا بشر‪ ,‬ولعككل‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪» :‬إنكم تختصمون إل ّ‬
‫بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض‪ ,‬وإنما أقضي بينكككم علككى‬
‫نحو مما أسمع‪ ,‬فمن قضيت لككه مككن حككق أخيككه شككيئا ً فل يأخككذه‪,‬‬
‫فإنما أقطع له قطعة من النار يككأتي بهككا إسككطاما ً فككي عنقككه يككوم‬
‫القيامة« فبكككى الككرجلن‪ ,‬وقككال كككل منهمككا‪ :‬حقككي لخككي‪ ,‬فقككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسككما‪,‬‬
‫ثم توخيا الحق بينكما ثم استهما‪ ,‬ثم ليحلككل كككل منكمككا صككاحبه«‬
‫وقد رواه أبو داود من حديث أسامة بن زيككد بككه‪ ,‬وزاد »إنككي إنمككا‬
‫أقضككككي بينكمككككا بككككرأي فيمككككا لككككم ينككككزل علككككي فيككككه«‪.‬‬
‫وقد روى ابن مردويه من طريككق العككوفي عككن ابككن عبككاس‪ :‬أن‬
‫نفرا ً من النصار غزوا مع رسول الله صلى الله عليككه وسككلم فككي‬
‫بعض غزواته‪ ,‬فسرقت درع لحدهم‪ ,‬فأظن بها رجل من النصككار‪,‬‬
‫فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليككه وسككلم فقككال‪ :‬إن‬
‫طعمة بن أبيرق سرق درعي‪ ,‬فلما رأى السارق ذلككك عمككد إليهككا‬
‫فألقاها في بيت رجل بريء‪ ,‬وقال لنفر من عشككيرته‪ :‬إنككي غيبككت‬
‫الدرع وألقيتها في بيت فلن وستوجد عنككده‪ ,‬فككانطلقوا إلككى نككبي‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ليل ً فقالوا‪ :‬يا نبي الله إن صاحبنا بريء‬
‫وإن صاحب الدرع فلن‪ ,‬وقد أحطنككا بككذلك علمكًا‪ ,‬فأعككذر صككاحبنا‬
‫على رؤوس النككاس‪ ,‬وجككادل عنككه‪ ,‬فككإنه إن لككم يعصككمه اللككه بككك‬
‫يهلك‪ ,‬فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فبرأه وعذره علكى‬
‫رؤوس الناس‪ ,‬فأنزل الله }إنا أنزلنا إليكك الكتكاب بككالحق لتحكككم‬
‫بين الناس بما أراك الله ول تكن للخائنين خصيما ً * واستغفر اللككه‬
‫إن اللككه كككان غفككورا ً رحيمككا ً * ول تجككادل عككن الككذين يختككانون‬
‫أنفسككككككككككككككككككككككككككككككككككهم{ ا َ‬
‫ليككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪ :‬للذين أتكوا رسككول اللكه صكلى اللكه عليككه وسكلم‬
‫مستخفين بالكذب }يستخفون من الناس ول يستخفون من الله{‬
‫ليككتين‪ ,‬يعنككي الككذين أتككوا رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬ ‫ا َ‬
‫مستخفين يجادلون عن الخائنين‪ ,‬ثم قال عز وجل‪} :‬ومككن يعمككل‬
‫لية‪ ,‬يعني الككذين أتككوا رسككول اللككه صككلى‬ ‫سوءا ً أو يظلم نفسه{ ا َ‬
‫الله عليه وسلم مستخفين بالكذب ثم قال‪} :‬ومن يكسب خطيئة‬
‫أو إثما ً ثككم يككرم بككه بككريئا ً فقككد احتمككل بهتانكا ً وإثمكا ً مبينكًا{ يعنككي‬
‫‪218‬‬
‫السارق والذين جادلوا عن السارق‪ ,‬وهذا سياق غريب‪ ,‬وكذا ذكككر‬
‫مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه ا َ‬
‫إنها نزلت فككي سككارق بنككي أبيككرق علككى اختلف سككياقاتهم وهككي‬
‫متقاربككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقككد روى هككذه القصككة محمككد بككن إسككحاق مطولككة‪ ,‬فقككال أبككو‬
‫لية من جامعه‪ ,‬وابن جرير فككي‬ ‫عيسى الترمذي عند تفسير هذه ا َ‬
‫تفسككيره‪ :‬حككدثنا الحسككن بككن أحمككد بككن أبككي شككعيب أبككو مسككلم‬
‫الحراني‪ ,‬حدثنا محمد بن سلمة الحراني‪ ,‬حدثنا محمد بن إسككحاق‬
‫عن عاصم بن عمر بن قتادة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن جده قتادة بن النعمان‬
‫رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬كان أهل بيت منا يقال لهم بنككو أبيككرق بشككر‬
‫وبشير ومبشر‪ ,‬وكككان بشككير رجل ً منافقكا ً يقككول الشككعر يهجككو بككه‬
‫أصحاب رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬ثككم ينحلككه لبعككض‬
‫العرب‪ ,‬ثم يقول‪ :‬قال فلن كذا وكذاو وقال فلن كذا وكككذا‪ ,‬فككإذا‬
‫سمع أصحاب رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم ذلككك الشككعر‬
‫قالوا‪ :‬والله ما يقول هذا الشعر إل هذا الرجل الخبيث أو كما قال‬
‫الرجل‪ ,‬وقالوا ابن البيرق‪ :‬قالها‪ ,‬قككالوا‪ :‬وكككانوا أهككل بيككت حاجككة‬
‫وفاقة في الجاهلية والسلم‪ ,‬وكان الناس إنما طعككامهم بالمدينككة‬
‫التمر والشعير‪ ,‬وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من‬
‫الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه‪ ,‬وأما العيككال‬
‫فإنما طعامهم التمر والشعير‪ ,‬فقدمت ضافطة من الشككام فابتككاع‬
‫عمي رفاعة بن زيد حمل ً من الدرمك فجعله في مشربة له‪ ,‬وفي‬
‫المشربة سلح ودرع وسيف‪ ,‬فعدي عليه من تحت البيت‪ ,‬فنقبككت‬
‫المشربة‪ ,‬وأخذ الطعام والسلح‪ .‬فلما أصككبح أتككاني عمككي رفاعككة‬
‫فقال‪ :‬يا ابن أخككي‪ ,‬إنككه قككد عككدي علينككا فككي ليلتنككا هككذه‪ ,‬فنقبككت‬
‫مشككربتنا‪ ,‬فككذهب بطعامنككا وسككلحنا‪ ,‬قككال‪ :‬فتحسسككنا فككي الككدار‬
‫وسألنا‪ ,‬فقيل لنا‪ :‬قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلككة ول‬
‫نرى فيما نرى إل على بعض طعامكم‪ ,‬قال‪ :‬وكان بنو أبيرق قككالوا‬
‫ك ونحن نسأل في الدار ك‪ :‬والله ما نرى صاحبكم إل لبيد بن سككهل‬
‫رجل ً منا له صلح وإسلم‪ ,‬فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال‪ :‬أنككا‬
‫أسرق ؟! والله ليخالطنكم هككذا السككيف أو لتككبينن هككذه السككرقة‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬إليك عنا أيها الرجل فما أنككت بصككاحبها‪ ,‬فسككألنا فككي الككدار‬
‫حتى لم نشك أنهم أصحابها‪ ,‬فقال لي عمي‪ :‬يا ابن أخي لو أتيككت‬
‫‪219‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فككذكرت ذلككك لككه‪ ,‬قككال قتككادة‪:‬‬
‫فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‪ :‬إن أهل بيككت منككا‬
‫أهل جفاء عمدوا إلككى عمككي رفاعككة بككن زيككد فنقبككوا مشككربة لككه‪,‬‬
‫وأخذوا سلحه وطعامه فليككردوا علينككا سككلحنا‪ ,‬فأمككا الطعككام‪ ,‬فل‬
‫حاجة لنا فيه‪ ,‬فقال النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬سككآمر فككي‬
‫ذلك«‪ ,‬فلما سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجل ً منهم يقال له أسير بن‬
‫عمرو فكلموه في ذلك‪ ,‬فاجتمع فككي ذلككك أنككاس مككن أهككل الككدار‬
‫فقالوا‪ :‬يارسول الله‪ ,‬إن قتادة بن النعمان وعمه‪ ,‬عمدا إلككى أهككل‬
‫بيت منا أهل إسلم وصككلح يرمككونهم بالسككرقة مككن غيككر بينككة ول‬
‫ثبت‪ ,‬قال قتادة‪ :‬فككأتيت النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم فكلمتككه‪,‬‬
‫فقال‪» :‬عمدت إلى أهل بيت ذكككر منهككم إسككلم وصككلح‪ ,‬ترميهككم‬
‫بالسككرقة علككى غيككر بينككة ول ثبككت‪ ,‬قككال‪ :‬فرجعككت ولككوددت أنككي‬
‫خرجت من بعض مالي ولككم أكلككم رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم فككي ذلككك‪ ,‬فأتككاني عمككي رفاعككة فقككال‪ :‬يككا ابككن أخككي مككا‬
‫صنعت ؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليككه وسكلم‪,‬‬
‫فقال‪ :‬الله المستعان‪ ,‬فلم نلبث أن نزل القرآن }إنككا أنزلنككا إليككك‬
‫الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بمككا أراك اللككه ول تكككن للخككائنين‬
‫خصيمًا{ يعني بني أبيرق‪} ,‬واستغفر اللككه{ أي ممككا قلككت لقتككادة‬
‫}إن اللككه كككان غفككورا ً رحيمككًا‪ ,‬ول تجككادل عككن الككذين يختككانون‬
‫أنفسهم{ ك إلى قوله ك }رحيمًا{ أي لو استغفروا اللككه لغفككر لهككم‬
‫}ومن يكسب إثما ً فإنما يكسبه علكى نفسكه كك إلكى قكوله كك إثمكا ً‬
‫مبينًا{ قولهم للبيد }ولول فضل الله عليك ورحمته ك إلككى قككوله كك‬
‫فسوف نؤتيه أجرا ً عظيمًا{ فلمككا نككزل القككرآن أتككى رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم بالسلح فرده إلى رفاعة‪ ,‬فقال قتادة‪ :‬لمككا‬
‫أتيت عمي بالسلح وكان شيخا ً قد عسى أو عشككي كك الشككك مككن‬
‫أبي عيسى ك في الجاهلية وكنككت أرى إسككلمه مككدخول ً لمككا أتيتككه‬
‫بالسلح قال‪ :‬يا ابن أخي هو في سبيل اللككه‪ ,‬فعرفككت أن إسككلمه‬
‫كان صحيحًا‪ ,‬فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين‪ ,‬فنزل على‬
‫سلفة بنت سعد بككن سككمية‪ ,‬فككأنزل اللككه تعككالى‪} :‬ومككن يشككاقق‬
‫الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نككوله‬
‫ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا‪ ,‬إن اللكه ل يغفكر أن يشكرك‬
‫به و يغفر ما دون ذلك لمككن يشككاء ومككن يشككرك بككالله فقككد ضككل‬
‫‪220‬‬
‫ضلل ً بعيدًا{ فلما نزل على سلفة بنت سككعد‪ ,‬هجاهككا حسككان بككن‬
‫ثابت بأبيات مككن شككعر فأخككذت رحلككه فوضككعته علككى رأسككها ثككم‬
‫خرجت به‪ ,‬فرمته في البطح‪ ,‬ثم قالت‪ :‬أهديت لي شككعر حسككان‬
‫ما كنت تأتيني بخير‪ ,‬لفظ الترمذي ثم قال الترمككذي‪ :‬هككذا حككديث‬
‫غريككب‪ ,‬ل نعلككم أحككدا ً أسككنده غيككر محمككد بككن سككلمة الحرانككي‪.‬‬
‫ورواه يونس بن بكير وغيككر واحككد عككن محمككد بككن إسككحاق عككن‬
‫عاصم بن عمر بن قتادة مرسل ً لم يذكروا فيه عن أبيه عن جككده‪,‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم عن هاشم بن القاسم الحراني عن محمد بن‬
‫سلمة به ببعضه‪ .‬ورواه ابن المنذر في تفسيره‪ :‬حدثنا محمككد بككن‬
‫إسككماعيل يعنككي الصككائغ‪ ,‬حككدثنا الحسككن بككن أحمككد بككن شككعيب‬
‫الحراني‪ ,‬حدثنا محمد بن سلمة‪ ,‬فذكره بطوله‪ .‬ورواه أبككو الشككيخ‬
‫الصبهاني في تفسيره عن محمد بن عياش بن أيوب والحسن بن‬
‫يعقكككككككوب‪ ,‬كلهمكككككككا عكككككككن الحسكككككككن بكككككككن أحمكككككككد‬
‫ابن أبي شعيب الحراني عن محمد بن سككلمة بككه‪ ,‬ثككم قككال فككي‬
‫آخره‪ :‬قال محمد بن سلمة‪ :‬سككمع منككي هككذا الحككديث يحيككى بككن‬
‫معيككن وأحمككد بككن حنبككل وإسككحاق بككن إسككرائيل‪ ,‬وقككد روى هككذا‬
‫الحديث الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في كتابه المستدرك عككن‬
‫ابن عباس الصم‪ ,‬عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي‪ ,‬عن يككونس‬
‫بن بكير‪ ,‬عن محمد بن إسحاق بمعناه أتم منككه وفيككه الشككعر‪ ,‬ثككم‬
‫قككال‪ :‬وهككذا حككديث صككحيح علككى شككرط مسككلم‪ ,‬ولككم يخرجككاه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬يستخفون من النككاس ول يسككتخفون مككن اللككه{‬
‫لية‪ ,‬هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من‬ ‫ا َ‬
‫الناس لئل ينكروا عليهككم‪ ,‬ويجككاهرون اللككه بهككا‪ ,‬لنككه مطلككع علككى‬
‫سرائرهم وعالم بما في ضككمائرهم‪ ,‬ولهككذا قككال‪} :‬وهككو معهككم إذ‬
‫يبيتون مال يرضكى مكن القكول وككان اللكه بمكا يعملكون محيطكًا{‬
‫تهديد لهم ووعيد‪ .‬ثم قال تعالى‪} :‬ها أنتم هؤلء جادلتم عنهم في‬
‫لية‪ ,‬أي هب أن هؤلء انتصروا في الدنيا بما أبدوه‬ ‫الحياة الدنيا{ ا َ‬
‫أو أبدي لهم عند الحكام الذين يحكمككون بالظككاهر وهككم متعبككدون‬
‫بذلك‪ ,‬فماذا يكون صنيعهم يوم القيامة بين يدي الله تعككالى الككذي‬
‫يعلم السر وأخفى ؟ ومن ذا الذي يتوكل لهم يككومئذ يككوم القيامككة‬
‫ل‪ ,‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫في ترويج دعواهم ؟ أي ل أحد يومئذ يكون لهم وكي ً‬
‫ل{‪.‬‬‫}أم مكككككككككككككككككن يككككككككككككككككككون عليهكككككككككككككككككم وكي ً‬
‫‪221‬‬
‫َ‬
‫ه‬‫جكدِ الل ّك َ‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫سكت َغِْفرِ الل ّك َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ث ُك ّ‬‫سك ُ‬ ‫م ن َْف َ‬ ‫وءا ً أوْ ي َظ ْل ِك ْ‬ ‫س َ‬‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫من ي َعْ َ‬ ‫** وَ َ‬
‫ن‬ ‫س كهِ وَك َككا َ‬ ‫ى ن َْف ِ‬ ‫سب ُ ُ َ‬ ‫ما ي َك ْ ِ‬ ‫ب إ ِْثما ً فَإ ِن ّ َ‬ ‫من ي َك ْ ِ‬ ‫حيما ً * وَ َ‬ ‫غَُفورا ً ّر ِ‬
‫ه عَل ك َ‬ ‫خطيئ َ ً َ‬
‫س ْ‬
‫ريئا ً‬ ‫م ي َكْرم ِ ب ِكهِ ب َك ِ‬ ‫ة أوْ إ ِْثما ً ث ُ ّ‬ ‫ب َ َِ‬ ‫س ْ‬‫من ي َك ْ ِ‬ ‫كيما ً * وَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه عَِليما ً َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه‬‫مت ُك ُ‬ ‫ح َ‬‫ك وََر ْ‬ ‫ل الل ّكهِ عَل َي ْك َ‬ ‫ضك ُ‬ ‫مِبينكا ً * وَل َكوْل َ فَ ْ‬ ‫ل ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ّ‬ ‫م َ‬ ‫فََقدِ ا ْ‬
‫حت َ َ‬
‫َ‬ ‫ة منهكك َ‬
‫مككا‬ ‫م وَ َ‬ ‫سككهُ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ أن ُْف َ‬ ‫ضككّلو َ‬ ‫مككا ي ُ ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ضككّلو َ‬ ‫م أن ي ُ ِ‬ ‫طآئ َِفكك ٌ ّ ْ ُ ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫مكك ْ‬ ‫ل َهَ ّ‬
‫مككا‬ ‫ك َ‬ ‫مكك َ‬ ‫ة وَعَل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫ه عَل َي ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫يٍء وََأنَز َ‬ ‫ش ْ‬‫من َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ضّرون َ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ظيمككككا ً‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫ل الّلككككهِ عَل َْيكككك َ‬ ‫ضكككك ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫كككككا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن ت َعَْلكككك ُ‬ ‫ككككك ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫َلكككك ْ‬
‫يخبر تعالى عن كرمه وجوده أن كل من تككاب إليككه‪ ,‬تككاب عليككه‬
‫من أي ذنب كان‪ .‬فقال تعالى‪} :‬ومن يعمل سوءا ً أو يظلم نفسككه‬
‫ثم يستغفر الله يجد الله غفورا ً رحيمًا{ قال علي بن أبككي طلحككة‪,‬‬
‫ليككة‪ :‬أخككبر اللككه عبككاده بعفككوه‬ ‫عن ابن عباس أنه قال فككي هككذه ا َ‬
‫وحلمه وكرمه‪ ,‬وسعة رحمته‪ ,‬ومغفرته فمن أذنب ذنبا ً صغيرا ً كان‬
‫أو كبيرا ً }ثم يستغفر الله يجد الله غفورا ً رحيمًا{ ولو كانت ذنوبه‬
‫أعظم من السموات والرض والجبال‪ ,‬رواه ابن جرير‪ ,‬وقككال ابكن‬
‫جرير أيضًا‪ :‬حدثنا محمد بككن مثنككى‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن أبككي عككدي‪,‬‬
‫حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي وائل‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد الله‪ :‬كان بنو‬
‫إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبا ً أصبح قد كتب كفككارة ذلككك الككذنب‬
‫على بابه‪ ,‬وإذا أصككاب البككول منككه شككيئا ً قرضككه بككالمقراض فقككال‬
‫رجل‪ :‬لقد آتى الله بني إسرائيل خيرًا‪ ,‬فقال عبد الله رضككي اللككه‬
‫عنه‪ :‬ما آتاكم الله خير مما آتاهم‪ ,‬جعل الماء لكككم طهككورًا‪ ,‬وقككال‬
‫تعالى‪} :‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلمككوا أنفسككهم ذكككروا اللككه‬
‫فاستغفروا لذنوبهم{‪ ,‬وقال‪} :‬ومن يعمككل سككوءا ً أو يظلككم نفسككه‬
‫ثم يسكتغفر اللكه يجكد اللكه غفكورا ً رحيمكًا{‪ ,‬وقكال أيضكًا‪ :‬حكدثني‬
‫يعقوب‪ ,‬حدثنا هشيم عن ابن عون‪ ,‬عن حبيب بن أبي ثابت‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفككل فسككألته عككن امككرأة فجككرت‬
‫فحبلت‪ ,‬فلما ولدت قتلت ولككدها‪ ,‬قككال عبككد اللككه بككن مغفككل‪ :‬لهككا‬
‫النار‪ ,‬فانصرفت وهي تبكي فدعاها ثم قال‪ :‬ما أرى أمرك إل أحككد‬
‫أمرين }ومن يعمل سوءا ً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله‬
‫غفككككورا ً رحيمككككًا{ قككككال‪ :‬فمسككككحت عينهككككا ثككككم مضككككت‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرحمكن بكن مهكدي‪ ,‬حكدثنا شكعبة‬
‫عن عثمان بن المغيرة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت علي بن ربيعة من بني أسد‬
‫يحدث عن أسماء أو ابن أسماء من بني فككزارة‪ ,‬قككال‪ :‬قككال علككي‬
‫رضي الله عنه‪ :‬كنت إذا سمعت من رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم شيئا ً نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه‪ .‬وحدثني أبو بكر كك‬
‫وصدق أبو بكر ك قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬ما‬
‫من مسلم يذنب ذنبًا‪ ,‬ثم يتوضأ ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر اللككه‬
‫ليتين }ومن يعمل سوءا ً أو‬ ‫لذلك الذنب‪ ,‬إل غفر له« وقرأ هاتين ا َ‬
‫ليككة‪} ,‬والككذين إذا فعلككوا فاحشككة أو ظلمككوا‬ ‫يظلككم نفسككه{ ا َ‬
‫لية‪ .‬وقد تكلمنا على هذا الحككديث وعزينككاه إلككى مككن‬ ‫أنفسهم{‪ ,‬ا َ‬
‫رواه من أصحاب السنن‪ ,‬وذكرنككا مككا فككي سككنده مككن مقككال فككي‬
‫مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه‪ ,‬وقد تقدم بعض ذلككك فككي‬
‫سككككككككككككككككككككورة آل عمككككككككككككككككككككران أيضككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من وجه آخر عن علي فقال‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن محمد بن زياد‪ ,‬حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحرانككي‪,‬‬
‫حدثنا دواد بن مهران الدباغ حدثنا عمر بن يزيد عككن أبككي إسككحاق‬
‫عن عبد خير عن علي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا بكر ك هو الصديق ك يقول‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليككه وسككلم يقككول‪» :‬مككا مككن عبككد‬
‫أذنب فقام فتوضأ فأحسن الوضوء‪ ,‬ثم قام فصكلى واسككتغفر مكن‬
‫ذنبه‪ ,‬إل كان حقا ً على الله أن يغفكر لكه« لن اللكه يقكول‪} :‬ومكن‬
‫لية‪ ,‬ثككم رواه مككن طريككق أبككان بككن‬ ‫يعمل سوءا ً أو يظلم نفسه{ ا َ‬
‫أبي عياش عن أبي إسحاق السبيعي‪ ,‬عن الحارث‪ ,‬عن علي‪ ,‬عن‬
‫الصديق‪ ,‬بنحوه‪ ,‬وهذا إسككناد ل يصككح‪ .‬وقككال ابككن مردويككه‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن علي بن دحيم‪ ,‬حدثنا أحمد بن حازم‪ ,‬حدثنا موسككى بككن‬
‫مروان الرقي حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن تمام بن نجيح‬
‫حدثني كعب بن ذهل الزدي قال‪ :‬سمعت أبا الدرداء يحدث قككال‪:‬‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلسنا حوله‪ ,‬وكانت لككه‬
‫حاجة فقام إليها وأراد الرجوع‪ ,‬ترك نعليه في مجلسه أو بعض مكا‬
‫عليه‪ ,‬وأنه قام فترك نعليه‪ ,‬قال أبو الدرداء‪ :‬فأخذ ركوة مككن مككاء‬
‫فاتبعته فمضى ساعة ثم رجع ولم يقض حاجته‪ ,‬فقال‪» :‬إنه أتككاني‬
‫آت من ربككي فقككال‪ :‬إنككه }مككن يعمككل سككوءا ً أو يظلككم نفسككه ثككم‬
‫يستغفر الله يجد الله غفورا ً رحيمًا{ فأردت أن أبشككر أصككحابي«‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫قال أبو الدرداء‪ :‬وكانت قد شقت على النككاس ا َ‬
‫ليككة الككتي قبلهككا‬
‫}ومن يعمل سوءا ً يجز به{ فقلت‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬وإن زنككى وإن‬
‫سرق‪ ,‬ثم استغفر ربه غفز له ؟ قال »نعم«‪ .‬ثم قلت الثانية‪ ,‬قال‬
‫»نعم«‪ .‬قلت الثالثة‪ ,‬قال »نعم« وإن زنى وإن سرق ثكم اسككتغفر‬
‫الله‪ ,‬غفر الله له على رغم أنف أبي الككدرداء«‪ .‬قككال‪ :‬فرأيككت أبككا‬
‫الدرداء يضرب أنف نفسه بأصبعه‪ ,‬هذا حديث غريب جدا ً من هككذا‬
‫الككككككوجه بهككككككذا السككككككياق‪ ,‬وفككككككي إسككككككناده ضككككككعف‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬ومككن يكسككب إثمكا ً فإنمككا يكسككبه علككى نفسككه{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬يعني أنككه ل يغنككي‬ ‫كقوله تعالى‪} :‬ول تزر وازرة وزر أخرى{ ا َ‬
‫أحد عن أحد‪ ,‬وإنما على كل نفس ما عملت ل يحمل عنها غيرهككا‪,‬‬
‫ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬وكككان اللككه عليم كا ً حكيم كًا{ أي مككن علمككه‬
‫وحكمته‪ ,‬وعدله ورحمته كان ذلك‪ ,‬ثم قال‪} :‬ومن يكسككب خطيئة‬
‫لية‪ ,‬يعني كما اتهم بنو أبيككرق بصككنيعهم‬ ‫أو إثما ً ثم يرم به بريئًا{ ا َ‬
‫القبيح ذلككك الرجككل الصككالح وهككو لبيككد بككن سككهل كمككا تقككدم فككي‬
‫لخككرون‪ ,‬وقككد‬ ‫الحديث أو زيد بن السمين اليهودي على مككا قككاله ا َ‬
‫كان بريئا ً وهم الظلمة الخونة‪ ,‬كما أطلع اللككه علككى ذلككك رسككوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثكم هكذا التقريكع وهكذا التوبيكخ عكام فيهكم‬
‫وفي غيرهم ممن اتصف بصفتهم فارتكب مثككل خطيئتهككم‪ ,‬فعليككه‬
‫مثكككككككككككككككككككككككككككككككككككل عقكككككككككككككككككككككككككككككككككككوبتهم‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬ولول فضل الله عليك ورحمته لهمككت طائفككة منهككم أن‬
‫يضلوك وما يضلون إل أنفسهم ومككا يضككرونك مككن شككيء{ وقككال‬
‫المام ابن أبي حاتم‪ :‬أنبأنا هاشم بن القاسم الحرانككي فيمككا كتككب‬
‫إلي‪ ,‬حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق‪ ,‬عن عاصم بككن‬
‫عمر بن قتادة النصاري‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عككن جككده قتككادة بككن النعمككان‪,‬‬
‫وذكر قصة بني أبيرق‪ ,‬فأنزل الله }لهمت طائفة منهم أن يضلوك‬
‫وما يضلون إل أنفسهم وما يضرونك من شككيء{ يعنككي أسككيد بككن‬
‫عروة وأصحابه‪ ,‬يعني بذلك لما أثنوا على بني أبيرق ولموا قتككادة‬
‫بن النعمان في كونه اتهمهم وهم صلحاء برآء‪ ,‬ولم يكن المر كما‬
‫أنهوه إلى رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬ولهككذا أنككزل اللككه‬
‫فصل القضية وجلءها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم امتن‬
‫عليه بتأييده إياه في جميع الحوال‪ ,‬وعصمته له‪ ,‬ومككا أنككزل عليككه‬
‫من الكتاب وهو القرآن والحكمة‪ ,‬وهي السنة }وعلمك مالم تكن‬
‫‪224‬‬
‫تعلم{ أي قبل نككزول ذلككك عليككك‪ ,‬كقككوله‪} :‬وكككذلك أوحينككا إليككك‬
‫روحا ً من أمرنا ماكنت تدري ما الكتاب{ إلى آخر السككورة‪ ,‬وقككال‬
‫تعالى‪} :‬وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إل رحمة من ربككك{‬
‫ولهكككككذا قكككككال‪} :‬وككككككان فضكككككل اللكككككه عليكككككك عظيمكككككًا{‪.‬‬
‫ف أ َْو‬ ‫مْعككُرو ٍ‬
‫َ‬
‫صككد َقَةٍ أوْ َ‬ ‫مَر ب ِ َ‬
‫خير في ك َِثير من نجواهُم إل ّ م َ‬
‫نأ َ‬ ‫ٍ ّ ّ ْ َ ْ ِ َ ْ‬ ‫** ل ّ َ ْ َ ِ‬
‫ف‬ ‫س كو ْ َ‬ ‫ت الل ّكهِ فَ َ‬ ‫ضككا ِ‬
‫مْر َ‬ ‫ك اب ْت َغَككآَء َ‬ ‫ل ذ َل ِك َ‬
‫من ي َْفعَك ْ‬ ‫س وَ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ح ب َي ْ َ‬ ‫صل َ ٍ‬‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫ن ل َك ُ‬
‫ه‬ ‫مككا ت َب َي ّك َ‬
‫مككن ب َعْ كدِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫من ي ُ َ‬ ‫ظيما ً * وَ َ‬ ‫جرا ً عَ ِ‬ ‫ن ُؤِْتيهِ أ ْ‬
‫م‬‫جهَن ّك َ‬‫صكل ِهِ َ‬ ‫ى وَن ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ن ُكوَل ّهِ َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫م كؤ ْ ِ‬ ‫ال ْهُد َىَ وَي َت ّب ِكعْ غَي ْكَر َ‬
‫مككا ت َكوَل َ‬ ‫مِني َ‬ ‫سكِبي ِ‬
‫صككككككككككككككككككككككككككككككككككيرا ً‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككآَء ْ‬ ‫وَ َ‬
‫يقول تعالى‪} :‬ل خير في كثير من نجواهم{ يعنككي كلم النككاس‬
‫}إل مككن أمككر بصككدقة أو معككروف أو إصككلح بيككن النككاس{ أي إل‬
‫نجوى من قال ذلك‪ ,‬كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مردويككه‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا محمد بن سليمان بككن‬
‫الحارث‪ ,‬حدثنا محمد بن يزيد بن حنيس‪ ,‬قال‪ :‬دخلنا على سككفيان‬
‫الثوري نعوده‪ ,‬فدخل علينا سعيد بن حسان المخزومي ‪ ,‬فقال له‬
‫سفيان الثوري‪ :‬الحديث الذي كنككت حككدثتنيه عككن أم صككالح‪ ,‬رّدده‬
‫علي‪ ,‬فقال‪ :‬حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبككة‪,‬‬
‫قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬كلم ابن آدم كلككه‬
‫عليه ل له إل ذكر الله عككز وجككل‪ ,‬أو أمككر بمعككروف‪ ,‬أو نهككي عككن‬
‫منكر« فقال سفيان‪ :‬أو ما سمعت الله في كتككابه يقككول‪} :‬لخيككر‬
‫في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بيككن‬
‫الناس{ ؟ فهو هذا بعينه‪ ,‬أو ما سككمعت اللككه يقككول‪} :‬يككوم يقككوم‬
‫الروح والملئكة صككفا ً ل يتكلمككون إل مككن أذن لككه الرحمككن وقككال‬
‫صككوابا{ فهككو هككذا بعينككه‪ ,‬أو مككا سككمعت اللككه يقككول فككي كتككابه‪:‬‬
‫}والعصر إن النسان لفي خسر{ الخ ؟ فهو هذا بعينه‪ ,‬وقككد روى‬
‫هذا الحديث الترمذي وابن ماجه من حككديث محمككد بككن يزيككد بككن‬
‫خَنيس عن سعيد بككن حسككان بككه‪ ,‬ولككم يككذكر أقككوال الثككوري إلككى‬ ‫ُ‬
‫آخرها‪ ,‬ثم قال الترمذي‪ :‬حككديث غريككب‪ ,‬ل يعككرف إل مككن حككديث‬
‫خَنيكككككككككككككككككككككككككككككككككككككس‪.‬‬ ‫ابكككككككككككككككككككككككككككككككككككككن ُ‬
‫‪225‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا يعقككوب‪ ,‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا صككالح بككن‬
‫كيسان‪ ,‬حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شككهاب أن حميككد‬
‫بن عبد الرحمككن بككن عككوف أخككبره أن أمككه أم كلثككوم بنككت عقبككة‬
‫أخبرته أنها سككمعت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ :‬يقككول‬
‫»ليكس الككذاب الكذي يصكلح بيكن النكاس فينمكي خيكرًا‪ ,‬أو يقكول‬
‫خيرًا«‪ ,‬وقالت لم أسمعه يرخص في شيء ممككا يقككوله النككاس إل‬
‫فككي ثلث‪ :‬فككي الحككرب والصككلح بيككن النككاس‪ ,‬وحككديث الرجككل‬
‫امرأته‪ ,‬وحديث المرأة زوجها‪ ,‬قال‪ :‬وكككانت أم كلثككوم بنككت عقبككة‬
‫من المهاجرات اللتي بايعن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫وقد رواه الجماعة سوى ابككن مككاجه مككن طككرق عككن الزهككري بككه‬
‫نحوه‪ .‬قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو معاوية عن العمش‪ ,‬عن عمرو‬
‫مكرة‪ ,‬عكن سكالم بكن أبكي الجعككد‪ ,‬عكن أم الكدرداء‪ ,‬عكن أبككي‬ ‫بن ُ‬
‫الدرداء‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬أل أخبركم‬
‫بأفضل من درجة الصككيام‪ ,‬والصككلة‪ ,‬والصككدقة ؟« قككالوا‪ :‬بلككى يككا‬
‫رسول الله‪ .‬قال‪» :‬إصلح ذات البين«‪ ,‬قال‪» :‬وفسككاد ذات الككبين‬
‫هي الحالقة«‪ .‬ورواه أبو داود والترمذي مككن حككديث أبككي معاويكة‪,‬‬
‫وقال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وقال الحافظ أبو بكر البزار‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن عبد الرحيم‪ ,‬حدثنا سريج بن يونس‪ ,‬حدثنا عبد الرحمككن‬
‫بن عبد الله بن عمر حككدثنا أبككي عككن حميككد‪ ,‬عككن أنككس أن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال لبي أيككوب »أل أدلككك علككى تجككارة ؟«‬
‫قال‪ :‬بلى يا رسول الله‪ .‬قال »تسعى فككي إصككلح بيككن النككاس إذا‬
‫تفاسدوا‪ ,‬وتقارب بينهم إذا تباعدوا« ثم قال البزار وعبد الرحمككن‬
‫بن عبد الله العمري‪ :‬ليككن‪ ,‬وقككد حككدث بأحككاديث لككم يتككابع عليهككا‪,‬‬
‫ولهذا قال‪} :‬ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله{ أي مخلصا ً فككي‬
‫ذلك محتسبا ً ثواب ذلك عند الله عز وجل‪} ,‬فسككوف نككؤتيه أجككرا ً‬
‫عظيمًا{ أي ثوابكا ً جككزيل ً كككثيرا ً واسككعًا‪ (.‬وقككوله‪} :‬ومككن يشككاقق‬
‫الرسول من بعد ما تبين له الهككدى{ أي ومككن سككلك غيككر طريككق‬
‫الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فصككار فككي‬
‫شق‪ ,‬والشرع في شق‪ ,‬وذلك عن عمد منه بعد ما ظهر له الحككق‬
‫وتككككككككككككككككبين لككككككككككككككككه واتضككككككككككككككككح لككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬ويتبع غير سبيل المؤمنين{ هككذا ملزم للصككفة الولككى‪,‬‬
‫ولكن قد تكون المخالفة لنص الشككارع‪ ,‬وقكد تككون لمكا اجتمعكت‬
‫‪226‬‬
‫عليه المة المحمدية فيمككا علككم اتفككاقهم عليككه تحقيقكًا‪ ,‬فككإنه قككد‬
‫ضككمنت لهككم العصككمة فككي اجتمككاعهم مككن الخطككأ تشككريفا ً لهككم‬
‫وتعظيما ً لنبيهم‪ ,‬وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة فككي ذلككك‪ ,‬قككد‬
‫ذكرنا منها طرفا ً صالحا ً في كتاب أحاديث الصككول‪ ,‬ومككن العلمككاء‬
‫من ادعى تواتر معناها‪ ,‬والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في‬
‫ليككة‬‫الحتجككاج علككى كككون الجمككاع حجككة تحككرم مخككالفته هككذه ا َ‬
‫الكريمة بعد التروي والفكر الطويل‪ ,‬وهو من أحسن الستنباطات‬
‫وأقواها‪ ,‬وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدللككة منهككا‬
‫على ذلك‪ ,‬ولهذا توعد تعككالى علككى ذلكك بقككوله‪} :‬نككوله مككا تككولى‬
‫ونصله جهنم وساءت مصيرًا{ أي إذا سلك هذه الطريككق جازينككاه‬
‫على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا ً له‪ ,‬كما قال‬
‫تعالى‪} :‬فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم مككن حيككث‬
‫ل يعلمون{‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم{‪ ,‬وقككوله‪:‬‬
‫لخككرة‪,‬‬ ‫}ونذرهم في طغيانهم يعمهون{ وجعل النار مصيره فككي ا َ‬
‫لن من خرج عككن الهككدى لككم يكككن لككه طريككق إل إلككى النككار يككوم‬
‫لية‪,‬‬‫القيامة‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬احشروا الذين ظلموا وأزواجهم{ ا َ‬
‫وقال تعالى‪} :‬ورأى المجرمون النار فظنككوا أنهككم مواقعوهككا ولككم‬
‫يجكككككككككككككككككككككدوا عنهكككككككككككككككككككككا مصكككككككككككككككككككككرفًا{‪.‬‬
‫شككآءُ‬ ‫مككن ي َ َ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ن ذ َل ِك َ‬ ‫دو َ‬ ‫مككا ُ‬ ‫ك ب ِهِ وَي َغِْف كُر َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ه ل َ ي َغِْفُر َأن ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫** إ ِ ّ‬
‫دوِنككهِ إ ِل ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ضل َل ً ب َِعيدا ً * ِإن ي َد ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فََقد ْ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬ ‫مك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خ كذ َ ّ‬ ‫ل لت ّ ِ‬ ‫ه وَقَككا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ريدا ً * ل ّعَن َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫طانا ً ّ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫عو َ‬ ‫إ َِناثا ً وَِإن ي َد ْ ُ‬
‫ن‬ ‫م فَل َي ُب َت ّك ُك ّ‬ ‫مَرن ّهُ ك ْ‬ ‫م َول ُ‬ ‫من ّي َن ّهُ ك ْ‬‫م وَل ُ َ‬ ‫ض كل ّن ّهُ ْ‬ ‫مْفُروضا ً * وَل ُ ِ‬ ‫صيبا ً ّ‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫عَبادِ َ‬ ‫ِ‬
‫ن وَل ِي ّا ً‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫طا َ‬ ‫خذِ ال ّ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫خل ْقَ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م فَل َي ُغَي ُّر ّ‬ ‫مَرن ّهُ ْ‬ ‫ن الن َْعام ِ وَل ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫آ َ‬
‫مككا‬ ‫م وَ َ‬ ‫مّنيهِك ْ‬ ‫م وَي ُ َ‬ ‫مِبينكا ً * ي َعِكد ُهُ ْ‬ ‫سكَرانا ً ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫سكَر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن الل ّكهِ فََقكد ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫دو‬ ‫من ُ‬ ‫ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن إ ِل ّ غُكُرورا ً * أوَْلـ كئ ِ َ‬ ‫ش كي ْ َ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫جك ُ‬ ‫م وَل َ ي َ ِ‬ ‫جهَن ّك ُ‬ ‫م َ‬ ‫م كأَواهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫طا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ي َعِد ُهُ ْ‬
‫ت‬ ‫جن ّككا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫س كن ُد ْ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صككال ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حيصا ً * َوال ّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫عَن َْها َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫صد َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حّقا ً وَ َ‬ ‫ن ِفيَهآ أَبدا ً وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫تَ ْ‬
‫ن الّلككككككككككككككككككككككككككككككككككككهِ ِقيل ً‬ ‫مكككككككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬ ‫ِ‬
‫لية الكريمة‪ ,‬وهي قوله‪} :‬إن الله ل‬ ‫قد تقدم الكلم على هذه ا َ‬
‫لية‪ ,‬وذكرنا ما يتعلق بهككا‬ ‫يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك{ ا َ‬
‫‪227‬‬
‫من الحاديث في صدر هذه السورة‪ ,‬وقككد روى الترمككذي‪ :‬حككديث‬
‫ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علقة عن أبيه‪ ,‬عن علي رضككي اللككه‬
‫ليككة }إن اللككه‬‫ي من هذه ا َ‬ ‫عنه أنه قال‪ :‬ما في القرآن آية أحب إل ّ‬
‫لية‪ ,‬ثم قال‪ :‬هككذا حسككن غريككب‪ .‬وقككوله‪:‬‬ ‫ل يغفر أن يشرك به{ ا َ‬
‫}ومن يشرك بككالله فقككد ضككل ضككلل ً بعيككدًا{ أي فقككد سككلك غيككر‬
‫الطريق الحق‪ ,‬وضل عن الهدى وبعد عن الصواب‪ ,‬وأهلكك نفسكه‬
‫لخككرة‪.‬‬ ‫لخككرة‪ ,‬وفككاتته سككعادة الككدنيا وا َ‬ ‫وخسككرها فككي الككدنيا وا َ‬
‫وقوله‪} :‬إن يدعون من دونه إل إناثًا{ قال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا‬
‫أبي‪ ,‬حدثنا محمككود بككن غيلن‪ ,‬أنبأنككا الفضككل بككن موسككى‪ ,‬أخبرنككا‬
‫الحسن بن واقد عن الربيع بن أنس‪ ,‬عن أبي العالية‪ ,‬عن أبي بككن‬
‫كعب قال‪ :‬مع كل صنم جنية‪ ,‬وحدثنا أبي‪ ,‬حدثنا محمد بككن سككلمة‬
‫الباهلي عن عبد العزيز بن محمد‪ ,‬عن هشام يعني ابن عروة‪ ,‬عن‬
‫أبيه‪ ,‬عن عائشككة }إن يككدعون مككن دونككه إل إناثكًا{ قككالت‪ :‬أوثانكًا‪.‬‬
‫وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بككن الزبيككر ومجاهككد‬
‫وأبي مالك والسدي ومقاتل بن حيان‪ ,‬نحو ذلك‪ .‬وقال جويبر عككن‬
‫لية‪ ,‬قال المشركون إن الملئكة بنككات اللككه‪ ,‬وإنمككا‬ ‫الضحاك في ا َ‬
‫نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى‪ ,‬قال‪ :‬فاتخذوهن أربابًا‪ ,‬وصوروهن‬
‫جواري فحكموا وقلككدوا‪ ,‬وقككالوا‪ :‬هككؤلء يشككبهن بنككات اللككه الككذي‬
‫نعبده‪ ,‬يعنون الملئكككة‪ ,‬وهككذا التفسككير شككبيه بقككول اللككه تعككالى‪:‬‬
‫ليات‪ ,‬وقال تعككالى‪} :‬وجعلككوا الملئكككة‬ ‫}أفرأيتم اللت والعزى{ ا َ‬
‫ليكة‪ ,‬وقكال‪} :‬وجعلكوا بينككه وبيككن‬ ‫الذين هم عباد الرحمكن إناثكًا{ ا َ‬
‫ليتين وقال علي بن أبي طلحة والضككحاك عككن ابككن‬ ‫الجنة نسبًا{ ا َ‬
‫عباس }إن يدعون من دونككه إل إناثكًا{ قككال‪ :‬يعنككي مككوتى‪ .‬وقككال‬
‫مبارك‪ ,‬يعني ابن فضككالة‪ ,‬عككن الحسككن‪ :‬إن يككدعون مككن دونككه إل‬
‫إناثًا‪ .‬قال الحسككن‪ :‬النككاث كككل شككيء ميككت ليككس فيككه روح‪ ,‬إمككا‬
‫خشبة يابسة وإما حجر يابس‪ .‬ورواه ابن أبككي حككاتم وابككن جريككر‪,‬‬
‫وهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككو غريكككككككككككككككككككككككككككككككككككككب‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬وإن يككدعون إل شككيطانا ً مريككدًا{ أي هككو الككذي أمرهككم‬
‫بذلك وحسنه وزينه لهم‪ ,‬وهم إنما يعبدون إبليس في نفس المر‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬ألم أعهد إليكم يا بني آدم أل تعبدوا الشككيطان{‬
‫لية‪ .‬وقال تعالى إخبارا ً عن الملئككة أنهكم يقولكون يكوم القيامكة‬ ‫ا َ‬
‫‪228‬‬
‫عن المشركين الذين ادعوا عبادتهم في الدنيا }بل كككانوا يعبككدون‬
‫الجكككككككككككككن أككككككككككككككثرهم بهكككككككككككككم مؤمنكككككككككككككون{‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬لعنه الله{ أي طرده وأبعده من رحمتككه‪ ,‬وأخرجككه مككن‬
‫جواره‪ ,‬وقككال‪} :‬لتخككذن مككن عبككادك نصككيبا ً مفروضكًا{ أي معينكا ً‬
‫مقدرا ً معلومكًا‪ .‬قككال مقاتككل بككن حيككان‪ :‬مككن كككل ألككف‪ ,‬تسككعمائة‬
‫وتسعة وتسعون إلى النار‪ ,‬وواحد إلى الجنة‪} ,‬ولضلنهم{ أي عن‬
‫الحق‪} ,‬ولمنينهم{ أي أزين لهككم تككرك التوبككة‪ ,‬وأعككدهم المككاني‪,‬‬
‫وآمرهككم بالتسككويف والتككأخير‪ ,‬وأغرهككم مككن أنفسككهم‪ ,‬وقككوله‪:‬‬
‫لمرنهم فليبتكن آذان النعام{‪ .‬قال قتككادة والسككدي وغيرهمككا‪:‬‬ ‫}و َ‬
‫يعني تشقيقها وجعلها سمة وعلمة للبحيككرة والسككائبة والوصككيلة‪,‬‬
‫لمرنهم فليغيككرن خلككق اللككه{‪ ,‬قككال ابككن عبككاس‪ :‬يعنككي بككذلك‬ ‫}و َ‬
‫خصي الدواب‪ ,‬وقد روي عن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسككيب‬
‫وعكرمة وأبي عياض وقتادة وأبي صككالح والثككوري‪ ,‬وقككد ورد فككي‬
‫حديث النهي عن ذلك‪ ,‬وقال الحسككن بككن أبككي الحسككن البصككري‪:‬‬
‫يعني بذلك الوشم‪ ,‬وفي صككحيح مسككلم‪ ,‬النهككي عككن الوشككم فككي‬
‫الوجه‪ ,‬وفي لفظ‪ :‬لعن الله من فعل ذلك‪ ,‬وفي الصحيح عككن ابككن‬
‫مسعود أنه قال‪ :‬لعن الله الواشمات والمستوشكمات والنامصكات‬
‫والمتنمصات‪ ,‬والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عككز وجككل‪,‬‬
‫ثم قال‪ :‬أل ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسككلم وهككو‬
‫في كتاب الله عز وجل‪ ,‬يعني قوله‪} :‬وما آتاكم الرسككول فخككذوه‬
‫وما نهاكم عنه فانتهوا{‪ .‬وقال ابن عباس في رواية عنككه ومجاهككد‬
‫وعكرمككة وإبراهيككم النخعككي والحسككن وقتككادة والحكككم والسككدي‬
‫لمرنهم فليغيرن خلككق‬ ‫والضحاك وعطاء الخراساني في قوله‪} :‬و َ‬
‫الله{ يعني دين الله عز وجل‪ ,‬هذا كقككوله‪} :‬فككأقم وجهككك للككدين‬
‫حنيفا ً فطرت الله التي فطر النككاس عليهككا ل تبككديل لخلككق اللككه{‬
‫على قول من جعككل ذلككك أمككرًا‪ ,‬أي ل تبككدلوا فطككرة اللككه ودعككوا‬
‫الناس على فطرتهم‪ ,‬كما ثبت فككي الصككحيحين عككن أبككي هريككرة‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللكه عليكه وسكلم‪» :‬ككل مولكود يولكد‬
‫على الفطرة فأبواه يهودانه‪ ,‬أو ينصرانه‪ ,‬أو يمجسككانه‪ ,‬كمككا تولككد‬
‫البهيمة بهيمة جمعاء هككل تجككدون بهككا مككن جككدعاء« وفككي صككحيح‬
‫مسلم عن عياض بن حمار‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه‬
‫‪229‬‬
‫وسلم‪» :‬قال الله عز وجل‪ :‬إنككي خلقكت عبككادي حنفكاء‪ ,‬فجكاءتهم‬
‫الشياطين فاجتالتهم عن دينهم‪ ,‬وحرمت عليهم ما أحللككت لهككم«‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪} :‬ومكن يتخكذ الشكيطان وليكا ً مكن دون اللكه فقكد‬
‫لخرة‪ ,‬وتلك خسارة ل‬ ‫خسر خسرانا ً مبينًا{ أي فقد خسر الدنيا وا َ‬
‫جبر لها ول استدراك لفائتها‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬يعدهم ويمنيهككم ومككا‬
‫يعدهم الشيطان إل غرورًا{ وهذا إخبار عن الواقع‪ ,‬فإن الشيطان‬
‫لخككرة‪ ,‬وقككد‬‫يعد أولياءه ويمنيهم بأنهم هم الفائزون فككي الككدينا وا َ‬
‫كككذب وافككترى فككي ذلككك‪ ,‬ولهككذا قككال اللككه تعككالى‪} :‬ومككا يعككدهم‬
‫الشيطان إل غرورًا{‪ ,‬كما قال تعالى مخبرا ً عن إبليس يوم المعاد‬
‫}وقكال الشكيطان لمككا قضكي المككر إن اللكه وعكدكم وعككد الحككق‬
‫ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان ك إلى قوله ككك‬
‫وإن الظككككككككككككالمين لهككككككككككككم عككككككككككككذاب أليككككككككككككم{‪.‬‬
‫وقككوله‪} :‬أولئك{ أي المستحسككنون لككه فيمككا وعككدهم ومنككاهم‬
‫}مأواهم جهنم{ أي مصككيرهم ومككآلهم يككوم القيامككة }ول يجككدون‬
‫عنها محيصًا{ أي ليس لهم عنها مندوحككة ول مصككرف‪ ,‬ول خلص‪,‬‬
‫ول مناص‪ ,‬ثم ذكر تعالى حال السعداء والتقياء ومالهم في مآلهم‬
‫مككن الكرامككة التامككة‪ ,‬فقككال تعككالى‪} :‬والككذين آمنككوا وعملككوا‬
‫الصاحات{ أي صدقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من‬
‫الخيرات‪ ,‬وتركوا ما نهككوا عنككه مككن المنكككرات }سككندخلهم جنككات‬
‫تجري من تحتها النهار{ أي يصرفونها حيككث شككاؤوا وأيككن شككاؤوا‬
‫}خالدين فيها أبدًا{ أي بل زوال ول انتقككال }وعككد اللككه حق كًا{ أي‬
‫هذا وعد من الله‪ ,‬ووعد اللككه معلككوم حقيقككة أنككه واقككع ل محالككة‪,‬‬
‫ولهذا أكده بالمصدر الدال على تحقيق الخبر‪ ,‬وهو قوله حق كًا‪ ,‬ثككم‬
‫ل{ أي ل أحككد أصككدق منككه‬ ‫قال تعالى‪} :‬ومن أصككدق مككن اللككه قي ً‬
‫ل‪ ,‬أي خبرا ً ل إله هو ول رب سواه‪ ,‬وكان رسول الله صلى الله‬ ‫قو ً‬
‫عليه وسلم يقول في خطبته‪» :‬إن أصدق الحديث كلم الله‪ ,‬وخير‬
‫الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وشككر المكور محكدثاتها‪,‬‬
‫وكل محدثة بدعككة‪ ,‬وكككل بدعككة ضككللة‪ ,‬وكككل ضككللة فككي النككار«‪.‬‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫** ل ّيس بأ َمان ِيك ُم ول أ َمان ِي أ َ‬

‫ج كَز ب ِكهِ‬
‫س كوًَءا ي ُ ْ‬‫ل ُ‬ ‫من ي َعْ َ‬
‫ب َ‬ ‫ِ‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ ْ َ‬
‫ن‬
‫مكك َ‬‫ل ِ‬‫مكك ْ‬ ‫صككيرا ً * وَ َ‬
‫مككن ي َعْ َ‬ ‫ن الّلككهِ وَل ِّيككا ً وَل َ ن َ ِ‬ ‫دو ِ‬
‫مككن ُ‬‫ه ِ‬ ‫جككد ْ َلكك ُ‬
‫وَل َ ي َ ِ‬
‫‪230‬‬
‫ُ‬ ‫من ذ َك َرٍ أ َوْ أ ُن ْث َ‬
‫ة وَل َ‬ ‫جّنكك َ‬‫ن ال ْ َ‬‫خُلو َ‬ ‫ك ي َد ْ ُ‬‫ن فَأوَْلـئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ى وَهُوَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا َ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫هك َ‬ ‫ه للكه وَ ُ‬ ‫جَهك ُ‬
‫م وَ ْ‬ ‫سكل َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫مك ْ‬‫م ّ‬‫ن ِدينكا ً ِ‬ ‫سك ُ‬‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مك ْ‬ ‫ن ن َِقيرا ً * وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُظ ْل َ ُ‬
‫خِليل ً * َولل ّك ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫هيك َ‬ ‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫خذ َ الل ّك ُ‬ ‫حِنيفا ً َوات ّ َ‬‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫مل ّ َ‬
‫ة إ ِب َْرا ِ‬ ‫ن وات ّب َعَ ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫حيط كا ً‬ ‫م ِ‬ ‫يٍء ّ‬ ‫شك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُك ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ك ُ‬ ‫كا َ‬‫ما ِفي الْرض وَ َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫قال قتادة‪ :‬ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخككروا‪ ,‬فقككال‬
‫أهل الكتاب‪ :‬نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولككى بككالله‬
‫منكم‪ ,‬وقال المسلمون‪ :‬نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النبيين‪,‬‬
‫وكتابنا يقضي على الكتب الككتي كككانت قبلككه‪ ,‬فككأنزل اللككه }ليككس‬
‫بأمانيكم ول أماني أهل الكتاب من يعمل سككوءا ً يجككز بككه{ }ومككن‬
‫لية‪ ,‬ثم أفلج الله‬ ‫أحسن دينا ً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن{ ا َ‬
‫لديان‪ ,‬وكككذا روي عككن‬ ‫حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل ا َ‬
‫السككدي ومسككروق والضككحاك وأبككي صككالح وغيرهككم‪ ,‬وكككذا روى‬
‫ليككة‪:‬‬ ‫العوفي عن ابن عباس رضي الله عنككه أنككه قككال فككي هككذه ا َ‬
‫تخاصم أهل الديان‪ ,‬فقال أهل التوارة‪ :‬كتابنا خيككر الكتككب‪ ,‬ونبينككا‬
‫خير النبياء‪ ,‬وقال أهل النجيل مثل ذلككك‪ ,‬وقككال أهككل السككلم‪ :‬ل‬
‫ديككن إل السككلم‪ ,‬وكتابنككا نسككخ كككل كتككاب‪ ,‬ونبينككا خككاتم النككبيين‪,‬‬
‫وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا فقضى الله بينهككم‪,‬‬
‫وقال‪} :‬ليس بأمانيكم ول أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا ً يجز‬
‫ليككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬ ‫بككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه{ ا َ‬
‫وخير بين الديان فقال‪} :‬ومن أحسن دينا ً ممن أسلم وجهه الله‬
‫ل{‪ .‬وقككال‬ ‫وهككو محسككن{ إلككى قككوله‪} :‬واتخككذ اللككه إبراهيككم خلي ً‬
‫مجاهككد‪ :‬قككالت العككرب‪ :‬لككن نبعككث ولككن نعككذب‪ ,‬وقككالت اليهككود‬
‫والنصارى }لن يدخل الجنة إل من كان هودا ً أو نصارى{‪ ,‬وقككالوا‪:‬‬
‫ليككة أن‬ ‫}لن تمسنا النار إل أياما ً معدودات{ والمعنككى فككي هككذه ا َ‬
‫الككدين ليككس بككالتحلي ول بككالتمني‪ ,‬ولكككن مككا وقككر فككي القلككوب‬
‫وصدقته العمال‪ ,‬وليس كككل مككن ادعككى شككيئا ً حصككل لككه بمجككرد‬
‫دعواه‪ ,‬ول كل من قال إنه هو على الحق سمع قوله بمجرد ذلك‪,‬‬
‫حتى يكون له من الله برهان‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬ليككس بأمككانيكم‬
‫ول أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا ً يجز به{ أي ليككس لكككم ول‬
‫لهم النجاة بمجرد التمني ؟ بل العبرة بطاعة الله سككبحانه واتبككاع‬
‫ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام‪ ,‬ولهذا قال بعده }من يعمككل‬
‫سوءا ً بجز به{‪ ,‬كقوله‪} :‬فمن يعمل مثقككال ذرة خيككرا ً يككره‪ ,‬ومككن‬
‫‪231‬‬
‫لية لما نزلت شق‬ ‫يعمل مثقال ذرة شرا ً يره{ وقد روي أن هذه ا َ‬
‫ذلكككككككككككك علكككككككككككى ككككككككككككثير مكككككككككككن الصكككككككككككحابة‪.‬‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الله بن نمير‪ ,‬حككدثنا إسككماعيل عككن‬
‫أبي بكر بن أبي زهير‪ ,‬قال‪ :‬أخككبرت أن أبككا بكككر رضككي اللككه عنككه‬
‫لية }ليكس بأمككانيكم ول‬ ‫قال‪ :‬يا رسول الله كيف الفلح بعد هذه ا َ‬
‫أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا ً يجككز بككه{ فكككل سككوء عملنككاه‬
‫جزينا به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪» :‬غفر الله لك يا أبككا‬
‫بكر‪ ,‬ألست تمرض‪ ,‬ألست تنصب‪ ,‬ألست تحككزن‪ ,‬ألسككت تصككيبك‬
‫اللواء ؟« قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪» :‬فهو مما تجزون به«‪ .‬ورواه سعيد بن‬
‫منصور عن خلف بن خليفة‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد به‪ ,‬ورواه‬
‫الحاكم من طريق سفيان الثوري عن إسماعيل بككه‪ .‬وقككال المككام‬
‫أحمد‪ :‬حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن زياد الجصككاص‪ ,‬عككن علككي‬
‫بن زيد‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت أبككا بكككر يقككول‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬من يعمل سوءا ً يجككز بككه‬
‫في الدنيا« وقال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا محمد بككن هشككيم بككن‬
‫جهيمة‪ ,‬حدثنا يحيى بن أبي طالب‪ ,‬حدثنا عبد الوهككاب بككن عطككاء‪,‬‬
‫حدثنا زياد الجصاص عن علي بن زيد‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬قككال عبكد‬
‫الله بن عمر‪ :‬انظروا المكان الذي فيه عبد الله بن الزبير مصلوبا ً‬
‫فل تمرن عليه‪ ,‬قال‪ :‬فسها الغلم فإذا عبد الله بن عمر ينظر إلى‬
‫واما ً‬‫ابن الزبير فقال‪ :‬يغفر الله لك ثلثًا‪ ,‬أما والله ما علمتك إل ص ّ‬
‫قواما ً وصال ً للرحم‪ ,‬أما والله إني لرجو مع مساوي ما أصككبت أن‬
‫ل يعذبك الله بعدها‪ ,‬قال‪ :‬ثم التفت إلككي فقككال‪ :‬سككمعت أبككا بكككر‬
‫الصديق يقول‪ :‬قكال رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم‪» :‬مكن‬
‫يعمل سوءا ً في الدنيا يجز به« ورواه أبو بكر الككبزار فككي مسككنده‬
‫عن الفضل بن سهل‪ ,‬عككن عبككد الوهككاب بككن عطككاء بككه مختصككرًا‪,‬‬
‫وقككال فككي مسككنده ابككن الزبيككر‪ :‬حككدثنا إبراهيككم بككن المسككتمر‬
‫العروقي‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن بن سليم بن حيان‪ ,‬حدثني أبككي عككن‬
‫جدي حيان بن بسطام‪ ,‬قال‪ :‬كنت مع ابن عمر فمر بعبد اللككه بككن‬
‫خكبيب‪ ,‬سكمعت‬ ‫الزبير وهو مصلوب‪ ,‬فقال‪ :‬رحمة اللكه عليكك أبكا ُ‬
‫أباك يعني الزبير‪ ,‬يقول‪ :‬قال رسول الله صلى اللكه عليكه وسكلم‪:‬‬
‫لخككرة« ثككم قككال‪ :‬ل نعلمككه‬ ‫»من يعمل سوءا ً يجز به في الككدنيا وا َ‬
‫يكككككككروى عكككككككن الزبيكككككككر إل مكككككككن هكككككككذا الكككككككوجه‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫وقال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا أحمد بن كامل‪ ,‬حدثنا محمد بككن‬
‫سعد العككوفي‪ ,‬حككدثنا روح بككن عبككادة‪ ,‬حككدثنا موسككى بككن عبيككدة‪,‬‬
‫حدثني مولى بن سباع‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن عمر يحدث عن أبي بكر‬
‫الصديق قال‪ :‬كنت عند النبي صلى الله عليه وسككلم فنزلككت هككذه‬
‫لية }ومن يعمل سوءا ً يجز به ول يجد له مككن دون اللككه ولي كا ً ول‬ ‫ا َ‬
‫نصيرًا{ فقال رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪» :‬يككا أبككا بكككر أل‬
‫أقككرئك آيككة أنزلككت علككي ؟« قلككت‪ :‬بلككى يككا رسككول اللككه‪ .‬قككال‪:‬‬
‫فاقرأنيها فل أعلم إل أني قككد وجككدت انفصككاما ً فككي ظهككري حككتى‬
‫تمطيت لها‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬مالك يا أبا‬
‫بكر ؟« قلت‪ :‬بأبي أنت وأمي يا رسول الله‪ ,‬وأينا لم يعمل السوء‬
‫وإنا لمجزيون بكل سوء عملنككاه ؟ فقككال رسككول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم‪» :‬أمككا أنككت يككا أبككا بكككر وأصككحابك المؤمنككون‪ ,‬فككإنكم‬
‫تجزون بذلك في الدنيا حككتى تلقككوا اللككه ليككس لكككم ذنككوب‪ ,‬وأمككا‬
‫لخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة«‪ ,‬وكككذا رواه‬ ‫ا َ‬
‫الترمذي عن يحيى بن موسى وعبد بن حميد عككن روح بكن عبكادة‬
‫به‪ .‬ثم قال‪ :‬وموسى بن عبيدة يضعف‪ ,‬ومولى بن سباع مجهككول‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا القاسم قككال‪ :‬حككدثنا الحسككين قككال‪ :‬حككدثنا‬
‫حجاج عن ابن جريج قال‪ :‬أخبرني عطاء بن أبككي ربككاح قككال‪ :‬لمككا‬
‫نزلت هذه الية قال أبو بكر‪ :‬جاءت قاصمة الظهر‪ ,‬فقككال رسككول‬
‫الله صلى الله عليككه وسككلم‪» :‬إنمككا هككي المصككيبات فككي الككدنيا«‪.‬‬
‫)طريق أخرى عن الصديق( قال ابن مردويككه‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫أحمد بن إسحاق العسكري‪ ,‬حدثنا محمد بن عامر السعدي‪ ,‬حدثنا‬
‫يحيى بن يحيى‪ ,‬حدثنا فضيل بن عياض عككن سككلمان بككن مهككران‪,‬‬
‫عن مسلم بن صبيح‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو بكر الصديق‪ :‬يككا‬
‫لية }من يعمل سوءا ً يجز به ؟{ فقككال‬ ‫رسول الله‪ ,‬ما أشد هذه ا َ‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬المصككائب والمككراض‬
‫والحككككككككككككككزان فككككككككككككككي الككككككككككككككدينا جككككككككككككككزاء«‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال ابن جريككر‪ :‬حككدثني عبككد اللككه بككن أبككي زيككاد‬
‫وأحمد بن منصور‪ ,‬قال‪ :‬أنبأنا زيد بن الحباب‪ ,‬حدثنا عبد الملك بن‬
‫الحسن المحاربي‪ ,‬حدثنا محمد بن زيد بن قنفذ عن عائشككة‪ ,‬عككن‬
‫أبي بكر قال‪ :‬لما نزلت }من يعمل سوءا ً يجز به{ قككال أبككو بكككر‪:‬‬
‫‪233‬‬
‫يا رسول الله‪ ,‬كل ما نعمل نؤاخذ به ؟ فقال‪» :‬يككا أبككا بكككر أليككس‬
‫يصككككككككككيبك كككككككككككذا وكككككككككككذا‪ ,‬فهككككككككككو كفككككككككككارة«‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال سعيد بن منصككور‪ :‬أنبأنككا عبككد اللككه بككن وهككب‪,‬‬
‫أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه أن يزيد بن أبي‬
‫يزيد حدثه عن عبيد بن عمير‪ ,‬عككن عائشككة أن رجل ً تل هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫}من يعمل سوءا ً يجز به{ فقال‪ :‬إنا لنجزى بكل ما علمناه‪ ,‬هلكنا‬
‫إذًا‪ ,‬فبلغ ذلك رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم فقككال‪» :‬نعككم‬
‫يجزى به المؤمن في الدنيا في نفسه فككي جسككده فيمككا يككؤذيه«‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا سكلمة بككن‬
‫بشير‪ ,‬حدثنا هشيم عن أبي عامر‪ ,‬عن ابن أبي مليكة‪ ,‬عن عائشة‬
‫قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬إني لعلم أشد آية في القرآن‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫»ما هي يا عائشة ؟« قلت‪ :‬من يعمل سوءا ً يجز به‪ ,‬فقككال‪» :‬هككو‬
‫ما يصيب العبد المؤمن حتى النكبة ينكبها« ورواه ابككن جريككر مككن‬
‫حديث هشيم به‪ .‬ورواه أبو داود من حديث أبككي عككامر صككالح بككن‬
‫رسككككككككككككككككككككككتم الخككككككككككككككككككككككزاز بككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال أبو داود الطيالسي‪ :‬حدثنا حمككاد بككن سككلمة‬
‫لية }مككن‬ ‫عن علي بن زيد‪ ,‬عن أمية أنها سألت عائشة عن هذه ا َ‬
‫يعمل سوءا ً يجز به{‪ ,‬فقالت‪ :‬ما سألني أحد عككن هككذه ا َ‬
‫ليككة منككذ‬
‫سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬سألت رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقال‪» :‬يا عائشة هككذه مبايعككة اللككه للعبككد‬
‫مما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضككعها فككي‬
‫كمه‪ ,‬فيفزع لها‪ ,‬فيجدها في جيبككه حككتى إن المككؤمن ليخككرج مككن‬
‫ذنككككككوبه‪ ,‬كمككككككا أن الككككككذهب يخككككككرج مككككككن الكيككككككر«‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قككال ابككن مردويككه‪ :‬حككدثنا محمككد بككن أحمككد بككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬حدثنا أبككو القاسككم‪ ,‬حككدثنا سككريج بككن يككونس‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫معاوية عن محمد بن إسماعيل‪ ,‬عن محمد بن زيككد بككن المهككاجر‪,‬‬
‫عن عائشة قالت‪ :‬سئل رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم عككن‬
‫لية }من يعمل سوءا ً يجز به{‪ ,‬قال‪» :‬إن المؤمن يؤجر في‬ ‫هذه ا َ‬
‫كل شيء حتى في القبض عند الموت« وقال المام أحمد‪ :‬حككدثنا‬
‫حسين عن زائدة‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن عائشة قككالت‪ :‬قككال‪:‬‬
‫رسول الله‪ :‬إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن لككه مككا يكفرهككا‪ ,‬ابتله‬
‫اللككككككككككككككه بككككككككككككككالحزن ليكفرهككككككككككككككا عنككككككككككككككه‪.‬‬
‫‪234‬‬
‫)حديث آخر( قال سعيد بن منصور‪ ,‬عن سفيان بككن عيينككة‪ ,‬عككن‬
‫عمر بن عبككد الرحمككن بككن محيصككن‪ ,‬سككمع محمككد بككن قيككس بككن‬
‫مخرمة يخبر أن أبا هريرة رضي الله عنكه قكال‪ :‬لمكا نزلكت }مكن‬
‫يعمل سوءا ً يجز به{ شق ذلك على المسلمين‪ ,‬فقال لهم رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم‪» :‬سككددوا وقككاربوا‪ ,‬فككإن فككي كككل مككا‬
‫يصاب به المسلم كفارة حككتى الشككوكة يشككاكها والنكبككة ينكبهككا«‪,‬‬
‫هكككذا رواه أحمككد عككن سككفيان بككن عيينككة‪ ,‬ومسككلم والترمككذي‬
‫والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به‪ ,‬ورواه ابن مردويككه مككن‬
‫حديث روح ومعتمر‪ ,‬كلهما عن إبراهيم بن يزيد‪ ,‬عن عبد الله بن‬
‫ليككة }ليككس‬ ‫إبراهيم‪ ,‬سمعت أبا هريككرة يقككول‪ :‬لمككا نزلككت هككذه ا َ‬
‫بأمانيكم ول أماني أهل الكتاب مككن يعمككل سككوءا ً يجككز بككه{ بكينككا‬
‫ليككة مككن شككيء‪ ,‬قككال‪:‬‬ ‫وحزنا‪ ,‬وقلنا‪ :‬يارسول الله ما أبقت هككذه ا َ‬
‫»أما والذي نفسي بيده إنها لكما أنزلككت‪ ,‬ولكككن أبشككروا وقككاربوا‬
‫وسددوا‪ ,‬فإنه ل يصيب أحدا ً منكم مصيبة في الككدنيا إل كفككر اللككه‬
‫بها من خطيئته حتى الشككوكة يشككاكها أحككدكم فككي قككدمه« وقككال‬
‫عطاء بن يسار‪ ,‬عن أبي سعيد وأبي هريرة‪ :‬أنهمككا سككمعا رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول‪» :‬ما يصيب المسككلم مككن نصككب‬
‫ول وصب ول سقم ول حككزن حككتى الهككم يهمككه إل كفككر اللككه مككن‬
‫سكككككككككككككككككككككككككككككككككيئاته« أخرجكككككككككككككككككككككككككككككككككاه‪.‬‬
‫)حككديث آخككر( قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا يحيككى عككن سككعد بككن‬
‫إسككحاق‪ ,‬حككدثتني زينككب بنككت كعككب بككن عجككرة عككن أبككي سككعيد‬
‫الخدري‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫فقككال‪ :‬أرأيككت هككذه المككراض الككتي تصككيبنا‪ ,‬مككا لنككا بهككا ؟ قككال‪:‬‬
‫كفارات‪ .‬قال أبي‪ :‬وإن قلت قال‪ :‬حتى الشوكة فما فوقهككا‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫فدعا أبي على نفسه أنه ل يفارقه الوعك حككتى يمككوت فككي أن ل‬
‫يشغله عن حج ول عمرة ول جهاد في سبيل الله ول صلة مكتوبة‬
‫في جماعة‪ ,‬فما مسه إنسان إل وجد حره حتى مككات رضككي اللككه‬
‫عنككككككككككككككككه‪ ,‬تفككككككككككككككككرد بككككككككككككككككه أحمككككككككككككككككد‪.‬‬
‫)حديث أخر( روى ابن مردويه من طريق حسين بككن واقككد عككن‬
‫الكلبي‪ ,‬عن أبي صالح‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬قيل‪ :‬يا رسككول اللككه‬
‫}من يعمل سوءا ً يجز به{‪ ,‬قال‪» :‬نعم ومن يعمل حسنة يجز بهككا‬
‫عشرًا« فهلك من غلب واحدته عشراته‪ .‬وقال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا‬
‫‪235‬‬
‫ابن وكيع‪ ,‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬حدثنا حماد بن سلمة عككن حميككد‬
‫عن الحسن }من يعمككل سككوءا ً يجككز بككه{ قككال‪ :‬الكككافر‪ ,‬ثككم قككرأ‬
‫}وهل نجازي إل الكفور{‪ ,‬وهكذا روي عن ابن عباس وسكعيد بككن‬
‫جبير أنهما فسرا السوء ههنا بالشرك أيضًا‪ .‬وقككوله‪} :‬ول يجككد لككه‬
‫من دون الله وليا ً ول نصيرًا{ قال علي بن أبككي طلحككة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عبككاس‪ :‬إل أن يتككوب فيتككوب اللككه عليككه‪ ,‬رواه ابككن أبككي حككاتم‪,‬‬
‫والصحيح أن ذلك عام في جميع العمال لما تقدم من الحككاديث‪,‬‬
‫وهككككككككذا اختيككككككككار ابككككككككن جريككككككككر‪ ,‬واللككككككككه أعلككككككككم‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن{‬
‫لية‪ ,‬لما ذكر الجزاء على السيئات وأنه ل بككد أن يأخككذ مسككتحقها‬ ‫ا َ‬
‫لخرة والعيككاذ بككا‬‫من العبد إما في الدنيا وهو الجود له‪ ,‬وإما في ا َ‬
‫لخككرة‪ ,‬والصككفح والعفككو‬ ‫لله من ذلك‪ ,‬ونسأله العافية في الدنيا وا َ‬
‫والمسامحة‪ ,‬شرع في بيككان إحسككانه وكرمككه ورحمتككه فككي قبككول‬
‫العمال الصالحة من عباده‪ ,‬ذكرانهم وإناثهم بشرط اليمان‪ ,‬وأنه‬
‫سيدخلهم الجنة ول يظلمهم من حسناتهم ول مقدار النقيككر‪ ,‬وهككو‬
‫النقرة التي في ظهر نواة التمرة وقككد تقككدم الكلم علككى الفتيككل‬
‫وهو الخيط في شق النواة‪ ,‬وهذا النقيككر وهمككا فككي نككواة التمككرة‪,‬‬
‫وكذا القطمير وهواللفافكة الكتي علكى نكواة التمكرة‪ ,‬والثلثكة فكي‬
‫القكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككرآن‪,‬‬
‫ثم قال تعالى‪} :‬ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله{ أخلككص‬
‫العمل لربه عز وجل فعمل إيمانكا ً واحتسككابًا‪} ,‬وهككو محسككن{ أي‬
‫اتبع في عمله ما شرعه الله له‪ ,‬وما أرسل به رسوله مككن الهككدى‬
‫ودين الحق‪ ,,‬وهذان الشرطان ل يصككح عمككل عامككل بككدونهما‪ ,‬أي‬
‫يكون خالصا ً صوابا ً والخككالص أن يكككون للككه‪ ,‬والصككواب أن يكككون‬
‫متابعا ً للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة‪ ,‬وباطنه بككالخلص‪ ,‬فمككتى‬
‫فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد‪ ,‬فمككتى فقككد الخلص كككان‬
‫منافقا ً وهم الذين يراءون الناس‪ ,‬ومككن فقككد المتابعككة كككان ضككال ً‬
‫ل‪ ,‬ومككتى جمعهمككا كككان عمككل المككؤمنين الككذين يتقبككل عنهككم‬ ‫جاه ً‬
‫ليككة‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪:‬‬ ‫أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سككيئاتهم‪ ,‬ا َ‬
‫}واتبع ملة إبراهيم حنيفًا{ وهم محمد وأتباعه إلككى يككوم القيامككة‪.‬‬
‫كما قال تعككالى‪} :‬إن أولككى النككاس بككإبراهيم للككذين اتبعككوه وهككذا‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬ثم أوحينا إليككك أن اتبككع ملككة إبراهيككم‬ ‫النبي{ ا َ‬
‫‪236‬‬
‫حنيفا ً وما كان من المشركين{ والحنيف هو المككائل عككن الشككرك‬
‫قصدًا‪ ,‬أي تاركا ً له عن بصيرة‪ ,‬ومقبل على الحق بكليتككه ل يصككده‬
‫عنكككككككككككككه صكككككككككككككاد‪ ,‬ول يكككككككككككككرده عنكككككككككككككه راد‪.‬‬
‫ل{ وهذا من بككاب الككترغيب فككي‬ ‫وقوله‪} :‬واتخذ الله إبراهيم خلي ً‬
‫اتباعه‪ ,‬لنه إمام يقتدى به حيككث وصككل إلككى غايككة مككا يتقككرب بككه‬
‫العباد له‪ ,‬فإنه انتهى إلككى درجككة الخلككة الككتي هككي أرفككع مقامككات‬
‫المحبة‪ ,‬وما ذاك إل لكثرة طاعته لربه‪ ,‬كما وصفه بككه فككي قككوله‪:‬‬
‫}وإبراهيم الذي وفككى{‪ ,‬قككال كككثير مككن علمككاء السككلف‪ :‬أي قككام‬
‫بجميع ما أمر بككه فككي كككل مقككام مككن مقامككات العبككادة‪ ,‬فكككان ل‬
‫يشغله أمر جليل عن حقير‪ ,‬ول كبير عن صغير وقال تعككالى‪} :‬وإذ‬
‫ليككة‪ .‬وقككال تعككالى‪} :‬إن‬‫ابتلككى إبراهيككم ربككه بكلمككات فككأتمهن{ ا َ‬
‫إبراهيم كان أمة قانتا ً لله حنيفا ً ولككم يككك مككن المشككركين{ ا َ‬
‫لية بعدها‪ ,‬وقال البخاري‪ :‬حدثنا سليمان بن حرب‪ ,‬حدثنا شككعبة‬ ‫وا َ‬
‫عن حبيب بككن أبككي ثككابت‪ ,‬عككن سككعيد بككن جككبير‪ ,‬عككن عمككرو بككن‬
‫ميمون‪ ,‬قال‪ :‬إن معاذا ً لما قككدم اليمككن صككلى بهككم الصككبح‪ ,‬فقككرأ‬
‫}واتخذ الله إبراهيم خليل{ فقال رجل‪ :‬من القوم‪ :‬لقد قرت عين‬
‫أم إبراهيم‪ ,‬وقد ذكر ابن جرير في تفسيره عن بعضهم‪ :‬أنككه إنمككا‬
‫سماه الله خليل ً من أجل أنه أصككاب أهككل نككاحيته جككدب‪ ,‬فارتحككل‬
‫إلى خليل له من أهككل الموصككل‪ ,‬وقككال بعضككهم مككن أهككل مصككر‪:‬‬
‫ليمتار طعاما ً لهله من قبله فلم يصب عنككده حككاجته‪ ,‬فلمككا قككرب‬
‫من أهله قّر بمفازة ذات رمل‪ ,‬فقال‪ :‬لككو ملت غككرائري مككن هككذا‬
‫الرمل لئل يغتم أهلككي برجككوعي إليهككم بغيككر ميككرة‪ ,‬وليظنككوا أنككي‬
‫أتيتهم بما يحبون‪ ,‬ففعل ذلك فتحول مكا فكي الغككرائر مكن الرمكل‬
‫دقيقكًا‪ ,‬فلمكا صكار إلكى منزلكه نكام‪ ,‬و قكام أهلكه ففتحكوا الغكرائر‬
‫فوجدوا دقيقا ً فعجنوا منه وخبزوا‪ ,‬فاستيقظ فسألهم عن الككدقيق‬
‫الذي خبزوا‪ ,‬فقالوا‪ :‬من الدقيق الككذي جئت بككه مككن عنككد خليلككك‪,‬‬
‫ل‪ ,‬وفي صككحة‬ ‫فقال‪ :‬نعم هو من عند خليلي الله‪ ,‬فسماه الله خلي ً‬
‫هذا ووقوعه نظر‪ ,‬وغككايته أن يكككون خككبرا ً إسككرائيليا ً ل يصككدق ول‬
‫يكذب‪ ,‬وإنما سمي خليل الله لشدة محبة ربه عككز وجككل‪ ,‬لككه لمككا‬
‫قام به من الطاعة التي يحبها ويرضاها‪ ,‬ولهذا ثبت في الصحيحين‬
‫من رواية أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لما خطبهم في آخر خطبة خطبها‪ ,‬قال‪» :‬أما بعد‪ ,‬أيها الناس فلككو‬
‫‪237‬‬
‫ل‪ ,‬لتخذت أبا بكر بن أبككي قحافككة‬ ‫كنت متخذا ً من أهل الرض خلي ً‬
‫ل‪ ,‬ولكن صاحبكم خليل الله« وجاء من طريق جندب بككن عبككد‬ ‫خلي ً‬
‫الله البجلي وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بككن مسككعود‬
‫ل«‬ ‫ل‪ ,‬كمككا اتخككذ إبراهيككم خلي ً‬
‫عن النبي قال‪» :‬إن الله اتخذني خلي ً‬
‫وقال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسككلم‪,‬‬
‫حدثنا إسماعيل بككن أحمككد بككن أسككيد‪ ,‬حككدثنا إبراهيككم بككن يعقككوب‬
‫الجوزجاني بمكة‪ ,‬حدثنا عبد الله الحنفي‪ ,‬حككدثنا زمعككة أبككو صككالح‬
‫عن سلمة بن وهران‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬جلككس‬
‫ناس من أصحاب رسول الله ينتظرونه‪ ,‬فخرج حتى إذا دنككا منهككم‬
‫سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم‪ ,‬وإذا بعضككهم يقككول‪ :‬عجككب‪ ,‬إن‬
‫الله اتخذ من خلقه خليل ً فإبراهيم خليله‪ ,‬وقال آخر‪ :‬ماذا بككأعجب‬
‫من أن اللكه كلكم موسكى تكليمكًا‪ ,‬وقكال آخكر‪ :‬فعيسكى روح اللكه‬
‫وكلمته‪ ,‬وقال آخر‪ :‬آدم اصطفاه الله فخرج عليهم فسلم‪ ,‬وقككال‪:‬‬
‫»قد سمعت كلمكم وتعجبكم إن إبراهيم خليل الله‪ ,‬وهككو كككذلك‪,‬‬
‫وموسى كليمه‪ ,‬وعيسى روحه وكلمتككه‪ ,‬وآدم اصككطفاه اللككه وهككو‬
‫كذلك‪ ,‬وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم قككال‪ :‬أل وإنككي حككبيب‬
‫الله‪ ,‬ول فخر وأنا أول شافع وأول مشفع‪ ,‬ول فخككر وأنككا أول مككن‬
‫يحرك حلقة الجنة فيفتح الله ويككدخلنيها ومعككي فقككراء المككؤمنين‪,‬‬
‫لخرين يوم القيامككة ول فخككر« وهككذا‬ ‫ول فخر‪ ,‬وأنا أكرم الولين وا َ‬
‫حديث غريب من هذا الوجه ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرهككا‪,‬‬
‫وقال قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال‪ :‬أتعجبون من أن‬
‫تكون الخلة لبراهيم‪ ,‬والكلم لموسككى‪ ,‬والرؤيككة لمحمككد صككلوات‬
‫الله وسلمه عليهم أجمعين‪ ,‬رواه الحاكم في المسككتدرك‪ ,‬وقككال‪:‬‬
‫صحيح على شرط البخاري‪ ,‬ولم يخرجاه‪ ,‬وكذا روي عن أنس بككن‬
‫مالككك وغيككر واحككد مككن الصككحابة والتككابعين والئمككة مككن السككلف‬
‫والخلف وقال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا يحيككى بككن عبككدك القزوينككي‪,‬‬
‫حدثنا محمد يعني سعيد بن سككابق‪ ,‬حككدثنا عمككرو يعنككي ابككن أبككي‬
‫قيس عن عاصم عن أبي راشد‪ ,‬عن عبيككد بككن عميككر‪ ,‬قككال‪ :‬كككان‬
‫إبراهيم عليكه السككلم يضكيف النككاس‪ ,‬فخكرج يومكا ً يلتمككس أحكدا ً‬
‫يضيفه فلم يجد أحككدا ً يضككيفه‪ ,‬فرجككع إلككى داره فوجككد فيهككا رجل ً‬
‫قائمًا‪ ,‬فقال‪ :‬يا عبد الله ما أدخلك داري بغير إذني ؟ قال‪ :‬دخلتهككا‬
‫بإذن ربها‪ ,‬قال‪ :‬ومن أنت ؟ قال‪ :‬أنككا ملككك المككوت أرسككلني ربككي‬
‫‪238‬‬
‫ل‪ ,‬قككال‪ :‬مككن‬ ‫إلى عبد من عباده‪ ,‬أبشره بككأن اللككه قككد اتخككذه خلي ً‬
‫هو ؟ فوالله إن أخبرتني بككه‪ ,‬ثككم كككان بأقصككى البلد َ‬
‫لتينككه‪ ,‬ثككم ل‬
‫أبرح له جارا ً حتى يفرق بيننا الموت‪ ,‬قال‪ :‬ذلك العبككد أنككت‪ .‬قككال‪:‬‬
‫أنا ؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬قال فيكم اتخكذني ربكي خليل ً ؟ قكال‪ :‬إنكك تعطكي‬
‫الناس ول تسألهم وحدثنا أبي‪ ,‬حكدثنا محمكود بكن خالكد السكلمي‪,‬‬
‫حدثنا الوليد عن إسحاق بن يسككار‪ ,‬قككال‪ :‬لمككا اتخككذ اللككه إبراهيككم‬
‫خليل ً ألقى في قلبه الوجل حتى أن خفقان قلبه ليسمع مككن بعيككد‬
‫كما يسمع خفقان الطير في الهواء وهكذا جاء فككي صككفة رسككول‬
‫الله صلى الله عليككه وسككلم أنككه كككان يسككمع لصككدره أزيككز كككأزيز‬
‫المرجكككككككككل إذا اشكككككككككتد غليانهكككككككككا مكككككككككن البككككككككككاء‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬وللكه مككا فككي السككموات ومككا فككي الرض{ أي الجميككع‬
‫ملكه وعبيده وخلقه وهككو المتصككرف فككي جميككع ذلككك‪ ,‬ل راد لمككا‬
‫قضى‪ ,‬ول مقعب لما حكم‪ ,‬ول يسأل عما يفعل لعظمتككه وقككدرته‬
‫وعدله وحكمته ولطفه ورحمته‪ .‬وقككوله‪} :‬وككان اللككه بكككل شككيء‬
‫محيطًا{ أي علمه نافذ في جميع ذلككك ل تخفككى عليككه خافيككة مككن‬
‫عباده‪ ,‬ول يعككزب عككن علمككه مثقككال ذرة فككي السككموات ول فككي‬
‫الرض ول أصغر من ذلك ول أكبر‪ ,‬ول تخفى عليه ذرة لما تككراءى‬
‫للنكككككككككككككككككككككاظرين ومكككككككككككككككككككككا تكككككككككككككككككككككوارى‪.‬‬
‫م‬ ‫ى عَل َي ْك ُك ْ‬ ‫َ‬

‫ما ي ُت ْل ك َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ِفيهِ ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ي ُْفِتيك ُ ْ‬ ‫سآِء قُ ِ‬ ‫ك ِفي الن ّ َ‬ ‫ست َْفُتون َ َ‬
‫** وَي َ ْ‬
‫ن‬ ‫ب ل َهُ ك ّ‬ ‫مككا ك ُت ِك َ‬‫ن َ‬ ‫سككآِء اّللت ِككي ل َ ت ُؤْت ُككون َهُ ّ‬ ‫مى الن ّ َ‬ ‫ب فِككي ي َت َككا َ‬ ‫ِفي ال ْك َِتا ِ‬
‫مككوا ْ‬ ‫َ‬ ‫وترغَبو َ‬
‫ن وَأن ت َُقو ُ‬ ‫دا ِ‬ ‫ن ال ْوِل ْك َ‬‫مك َ‬ ‫ن ِ‬‫ضكعَِفي َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬‫حككوهُ ّ‬ ‫ن أن َتنك ِ ُ‬ ‫ََْ ُ َ‬
‫ن ب ِكهِ عَِليمكا ً‬ ‫ه ك َككا َ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫خي ْكرٍ فَكإ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مك ْ‬ ‫ما ت َْفعَل ُككوا ْ ِ‬
‫ط وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ى ِبال ِْق ْ‬ ‫ل ِل ْي ََتا َ‬
‫م َ‬
‫قال البخاري‪ :‬حدثنا عبيد بن إسماعيل‪ ,‬حدثنا أبككو أسككامة قككال‪:‬‬
‫حدثنا هشام بككن عككروة عككن أبيككه‪ ,‬عككن عائشككة رضككي اللككه عنهككا‬
‫}ويستفتونك في النسككاء قككل اللككه يفككتيكم فيهككن كك إلككى قككوله كك‬
‫وترغبون أن تنكحككوهن{ قككالت عائشككة‪ :‬هككو الرجككل تكككون عنككده‬
‫اليتيمة هو وليها ووارثهككا‪ ,‬فأشككركته فككي مككاله حككتى فككي العككذق‪,‬‬
‫فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجل ً فيشككركه فككي مككاله بمككا‬
‫لية‪ ,‬وكذلك رواه مسلم عككن أبككي‬ ‫شركته‪ ,‬فيعضلها‪ ,‬فنزلت هذه ا َ‬
‫كريب‪ ,‬وعن أبي بكر بن أبي شيبة‪ ,‬كلهما عن أسامة‪ ,‬وقكال ابككن‬
‫‪239‬‬
‫أبي حاتم‪ :‬قرأت على محمد بن عبد الله بن عبككد الحكككم‪ ,‬أخبرنككا‬
‫ابن وهككب‪ ,‬أخككبرني يككونس عككن ابككن شككهاب‪ ,‬أخككبرني عككروة بككن‬
‫الزبير‪ ,‬قالت عائشة‪ :‬ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى اللككه‬
‫ليكة فيهكن‪ ,‬فكأنزل اللكه }ويسكتفتونك فكي‬ ‫عليه وسلم بعد هكذه ا َ‬
‫ليككة‪,‬‬‫النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتككاب{ ا َ‬
‫لية الولكى الككتي‬ ‫قال‪ :‬والذي ذكر الله أنه يتلى عليه في الكتاب‪ ,‬ا َ‬
‫قال الله }وإن خفتم أن ل تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طككاب‬
‫لكم من النساء{ وبهذا السناد عن عائشة قالت‪ :‬وقول اللككه عككز‬
‫وجل‪} :‬وترغبككون أن تنكحككوهن{ رغبككة أحككدكم عككن يككتيمته الككتي‬
‫تكككون فككي حجككره حيككن تكككون قليلككة المككال والجمككال‪ ,‬فنهككوا أن‬
‫ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إل بالقسككط‬
‫من أجل رغبتهم عنهن‪ ,‬وأصله ثككابت فككي الصككحيحين مككن طريككق‬
‫يونس بن يزيد اليلي به والمقصود أن الرجل إذا كان فككي حجككره‬
‫يتيمة يحل له تزويجها‪ ,‬فتارة يرغب في أن يتزوجهككا‪ ,‬فككأمره اللككه‬
‫أن يمهرها أسوة بأمثالها من النساء‪ ,‬فإن لككم يفعككل فليعككدل إلككى‬
‫ليككة‬‫غيرها من النساء‪ ,‬فقد وسع الله عز وجل‪ ,‬وهذا المعنى في ا َ‬
‫الولككى الككتي فككي أول السككورة‪ ,‬وتككارة ل يكككون لككه فيهككا رغبككة‬
‫لدمامتها عنده أو في نفس المر‪ ,‬فنهاه الله عز وجككل أن يعضككلها‬
‫عن الزواج خشية أن يشركوه في ماله الذي بينه وبينها‪ ,‬كما قال‬
‫ليككة‪ ,‬وهككي قككوله‪} :‬فككي‬ ‫علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فككي ا َ‬
‫لية‪ ,‬كان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمككة‬ ‫يتامى النساء{ ا َ‬
‫فيلقي عليها ثوبه‪ ,‬فإذا فعل ذلك لككم يقككدر أحككد أن يتزوجهككا أبككدا ً‬
‫فإن كانت جميلة وهويها‪ ,‬تزوجهكا وأككل مالهكا‪ ,‬وإن ككانت دميمكة‬
‫منعها الرجال أبدا ً حتى تموت‪ ,‬فإذا ماتت ورثهككا فحككرم اللككه ذلككك‬
‫ونهى عنه‪ (.‬وقال في قوله‪} :‬والمستضعفين من الولدان{ كككانوا‬
‫في الجاهلية ل يورثون الصغار ول البنات‪ ,‬وذلك قوله‪} :‬ل تؤتوهن‬
‫ما كتب لهن{ فنهى الله عككن ذلككك وبيككن لكككل ذي سككهم سككهمه‪,‬‬
‫فقال‪} :‬للذكر مثل حظ النثيين{ صغيرا ً أو كبيرًا‪ ,‬وكذا قال سعيد‬
‫بن جبير وغيككره وقككال سككعيد بككن جككبير فككي قككوله‪} :‬وأن تقومككوا‬
‫لليتككامى بالقسككط{ كمككا إذا كككانت ذات جمككال ومككال نكحتهككا‬
‫واستأثرت بهككا‪ ,‬كككذلك إذا لككم تكككن ذات مككال ول جمككال فانكحهككا‬
‫واستأثر بها‪ .‬وقوله‪} :‬وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليمًا{‬
‫‪240‬‬
‫تهييجا ً على فعل الخيرات وامتثال ً للوامر‪ ,‬وإن الله عز وجل عالم‬
‫بجميككككع ذلككككك‪ ,‬وسككككيجزي عليككككه أوفككككر الجككككزاء وأتمككككه‪.‬‬
‫َ‬ ‫مَرأ َةٌ َ‬

‫مككآ‬ ‫ح عَل َي ْهِ َ‬
‫جن َكا ْ َ‬ ‫شوزا ً أوْ إ ِعَْراضا ً فَل َ ُ‬ ‫من ب َعْل َِها ن ُ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خافَ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫** وَإ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ح وَِإن‬ ‫شك ّ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ت الن ُْف ك ُ‬ ‫ضَر ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صل ْ ُ‬
‫صْلحا ً َوال ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫حا ب َي ْن َهُ َ‬‫صل ِ َ‬
‫أن ي ُ ْ‬
‫طيعُوَا ْ‬ ‫سككت َ ِ‬ ‫خِبيرا ً * وََلن ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سُنوا ْ وَت َت ُّقوا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫ل فَت َكذ َُرو َ‬ ‫مي ْك ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ميل ُككوا ْ ك ُك ّ‬
‫م فَل َ ت َ ِ‬ ‫صت ُ ْ‬ ‫حَر ْ‬ ‫سآِء وَل َوْ َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫أن ت َعْدُِلوا ْ ب َي ْ َ‬
‫حيم كا ً * وَِإن‬ ‫ن غَُفككورا ً ّر ِ‬ ‫ه ك َككا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حوا ْ وَت َت ُّقوا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫معَل َّقةِ وَِإن ت ُ ْ‬ ‫كال ْ ُ‬‫َ‬
‫كيمككا ً‬ ‫سككعا ً َ‬ ‫ن الّلكك ُ‬ ‫سككعَت ِهِ وَ َ‬ ‫ه ك ُل ّ ّ‬ ‫ن الّلكك ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫كككا َ‬ ‫مككن َ‬ ‫ي َت ََفّرَقككا ي ُْغكك ِ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً ومشرعا ً من حكال الزوجيكن تكارة فكي حكال‬
‫نفور الرجل عن المرأة‪ ,‬وتارة في حال اتفككاقه معهككا‪ ,‬وتككارة فككي‬
‫حال فراقه لها‪ ,‬فالحالة الولى ما إذا خافت المرأة من زوجهككا أن‬
‫ينفر عنها أو يعرض عنها‪ ,‬فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضككه مككن‬
‫نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقها عليه‪ ,‬ولككه أن يقبككل‬
‫ذلك منها فل حرج عليها في بككذلها ذلككك لككه‪ ,‬ول عليككه فككي قبككوله‬
‫منهككا‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬فل جنككاح عليهمككا أن يصككلحا بينهمككا‬
‫صككلحًا{‪ ,‬ثككم قككال‪} :‬والصككلح خيككر{ أي مككن الفككراق‪ ,‬وقككوله‪:‬‬
‫}وأحضرت النفككس الشككح{ أي الصككلح عنككد المشككاحة خيككر مككن‬
‫الفراق‪ ,‬ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم على فراقهككا فصككالحته علككى أن يمسكككها وتككترك‬
‫يومهكككا لعائشكككة‪ ,‬فقبكككل ذلكككك منهكككا وأبقاهكككا علكككى ذلكككك‪.‬‬
‫)ذكر الرواية بذلك( قال أبو داود الطيالسي‪ :‬حدثنا سككليمان بككن‬
‫معاذ عن سماك بن حرب‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫خشككيت سككودة أن يطلقهككا رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫فقالت‪ :‬يارسول اللككه‪ ,‬ل تطلقنككي واجعككل يككومي لعائشككة ففعككل‪,‬‬
‫لية }وإن امرأة خافت من بعلهككا نشككوزا ً أو إعراضككا‬ ‫ونزلت هذه ا َ‬
‫لية‪ .‬قال ابكن عبكاس فمكا اصكطلحا عليكه مكن‬ ‫فل جناح عليهما{ ا َ‬
‫شيء فهو جائز‪ .‬ورواه الترمذي عن محمد بككن المثنككى‪ ,‬عككن أبككي‬
‫داود الطيالسي به‪ ,‬وقال‪ :‬حسككن غريككب‪ .‬قككال الشككافعي‪ :‬أخبرنككا‬
‫مسلم عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ابن عبككاس أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع نسوة وكككان يقسككم لثمككان‪.‬‬
‫‪241‬‬
‫وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عائشككة‬
‫قالت‪ :‬لما كبرت سودة بنكت زمعكة وهبكت يومهكا لعائشكة‪ ,‬فككان‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيككوم سككودة‪ .‬وفككي صككحيح‬
‫البخككاري مككن حككديث الزهككري عككن عككروة عككن عائشككة نحككوه‪.‬‬
‫وقال سعيد بن منصور‪ :‬أنبأنا عبد الرحمككن بككن أبككي الزنككاد عككن‬
‫هشام‪ ,‬عن أبيه عروة‪ ,‬قال‪ :‬أنزل الله في سودة وأشككباهها }وإن‬
‫امرأة خافت من بعلها نشوزا ً أو إعراضًا{ وذلككك أن سككودة كككانت‬
‫امرأة قد أسنت‪ ,‬ففزعت أن يفارقها رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم وضنت بمكانها منه‪ ,‬وعرفت مككن حككب رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه‪ ,‬فككوهبت يومهككا مككن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لعائشة‪ ,‬فقبل ذلك رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسككلم‪ .‬قككال الككبيهقي وقككد رواه أحمككد بككن يككونس عككن‬
‫ل‪ ,‬وهذه الطريقة رواهككا الحككاكم فككي‬ ‫الحسن بن أبي الزناد موصو ً‬
‫مستدركة فقال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه‪ ,‬أخبرنككا الحسككن‬
‫بن على بن زياد‪ ,‬حدثنا أحمد بن يككونس‪ ,‬حككدثنا عبككد الرحمككن بككن‬
‫أبي الزناد عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عككن عائشككة أنهككا قككالت‬
‫له‪ :‬يا ابن أختي‪ ,‬كان رسول الله صلى الله عليه وسككلم ل يفضككل‬
‫بعضنا على بعض في مكثه عندنا‪ ,‬وكان قككل يككوم إل وهككو يطككوف‬
‫علينا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلككى مككن هككو‬
‫يومها فيبيت عندها‪ ,‬ولقككد قككالت سككودة بنككت زمعككة حيككن أسككنت‬
‫وفزعت أن يفارقها رسول الله صككلى اللكه عليككه وسككلم يارسككول‬
‫الله‪ ,‬يومي هذا لعائشة‪ ,‬فقبل ذلك رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬قالت عائشة‪ :‬ففي ذلك أنزل الله }وإن امرأة خافت مككن‬
‫بعلها نشوزا ً أو إعراضًا{ وكذلك رواه أبو داود عن أحمد بن يونس‬
‫به‪ ,‬والحاكم في مستدركه‪ ,‬ثم قال‪ :‬صحيح السناد‪ ,‬ولم يخرجككاه‪.‬‬
‫وقد رواه ابككن مردويككه مككن طريكق أبككي بلل الشكعري عكن عبكد‬
‫الرحمن بن أبي الزناد به نحوه ومن رواية عبد العزيككز بككن محمككد‬
‫الككدراوردي عككن هشككام بككن عككروة بنحككو مختصككرًا‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫وقال أبككو العبككاس محمككد بككن عبككد الرحمككن الككدغولي فككي أول‬
‫معجمه‪ :‬حدثنا محمد بن يحيى‪ ,‬حككدثنا مسككلم بككن إبراهيككم‪ .‬حككدثنا‬
‫هشام الدستوائي‪ ,‬حدثنا القاسم بن أبككي بككزة‪ ,‬قككال‪ :‬بعككث النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إلككى سككودة بنككت زمعككة بطلقهككا‪ ,‬فلمككا أن‬
‫‪242‬‬
‫أتاها جلست له على طريق عائشة‪ ,‬فلما رأته قككالت لككه‪ :‬أنشككدك‬
‫بالذي أنزل عليك كلمه واصطفاك على خلقه لما راجعتني‪ ,‬فككإني‬
‫قد كبرت ول حاجة لي في الرجال‪ ,‬لكن أريد أن أبعث مع نسككائك‬
‫يوم القيككام‪ ,‬فراجعهككا فقككالت‪ :‬فككإني جعلككت يككومي وليلككتي لحبككة‬
‫رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬وهككذا غريككب مرسككل‪ .‬وقككال‬
‫البخاري‪ :‬حدثنا محمد بن مقاتل‪ ,‬أنبأنا عبد اللككه‪ ,‬أنبأنككا هشككام بككن‬
‫عروة عن أبيه‪ ,‬عن عائشة }وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ً أو‬
‫إعراضًا{ قال‪ :‬الرجل تكون عنده المرأة المسنة ليككس بمسككتكثر‬
‫منها يريد أن يفارقها فتقول‪ :‬أجعلك من شأني فككي حككل‪ ,‬فنزلككت‬
‫هككككككككككككككككككككككككككككككككككككككذه ا َ‬
‫ليككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬حدثنا أبي عن هشام بن عروة‪ ,‬عن‬
‫أبيه‪ ,‬عن عائشة}وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ً أو إعراضا ً فل‬
‫جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ً والصلح خير{ قالت‪ :‬هذا فككي‬
‫المرأة تكون عند الرجل‪ ,‬فلعله ل يكون بمستكثر منهككا‪ ,‬ول يكككون‬
‫لها ولد ويكون لها صحبة فتقول‪ :‬ل تطلقنككي وأنككت فككي حككل مككن‬
‫شأني‪ .‬حدثني المثنى‪ ,‬حككدثنا حجككاج بككن منهككال‪ ,‬حككدثنا حمككاد بككن‬
‫سلمة عن هشام‪ ,‬عن عروة‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬في قككوله‪} :‬وإن امككرأة‬
‫خافت من بعلها نشوزا ً أو إعراضًا{ قككالت‪ :‬هككو الرجككل يكككون لككه‬
‫امرأتان‪ :‬إحداهما قد كبرت‪ ,‬أو هي دميمككة‪ ,‬وهككو ل يسككتكثر منهككا‬
‫فتقول‪ :‬ل تطلقني وأنت في حل من شأني‪ ,‬وهككذا الحككديث ثككابت‬
‫في الصحيحين من غير وجه عن هشام بن عروة‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬عككن‬
‫عائشكككككة‪ ,‬بنحكككككو مكككككا تقكككككدم‪ ,‬وللكككككه الحمكككككد والمنكككككة‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن حميد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير عككن‬
‫أشعث عن ابن سيرين قككال‪ :‬جككاء رجككل الككى عمككر بككن الخطككاب‬
‫ليككة‬‫فسأله عن آية‪ ,‬فكرهه فضربه بالدرة‪ ,‬فسأله آخر عن هككذه ا َ‬
‫}وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ً أو إعراضًا{ ثم قال عن مثككل‬
‫هذا فاسألوا‪ ,‬ثم قال‪ :‬هذه المرأة تكون عنككد الرجككل قككد خل مككن‬
‫سنها‪ ,‬فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها‪ ,‬فما اصطلحا عليه من‬
‫شيء فهو جائز‪ .‬وقال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا علككي بككن الحسككين‬
‫الهسنجاني‪ ,‬حدثنا مسدد‪ ,‬حدثنا أبو الحوص عن سماك بن حرب‪,‬‬
‫عن خالد بن عرعرة‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجككل إلككى علككي بككن أبككي طككالب‪,‬‬
‫فسأله عن قول الله عز وجل }وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ً‬
‫‪243‬‬
‫أو إعراضا ً فل جناح عليهما{‪ ,‬قال علي‪ :‬يكون الرجل عنده المرأة‬
‫فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو كبرهككا‪ ,‬أو سككوء خلقهككا‪ ,‬أو قككذذها‬
‫فتكره فراقه‪ ,‬فإن وضعت له من مهرها شيئا ً حل له‪ ,‬وإن جعلككت‬
‫لكككككككككككككككه مكككككككككككككككن أيامهكككككككككككككككا فل حكككككككككككككككرج‪.‬‬
‫وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن شككعبة عككن حمككاد بككن سككلمة‬
‫وأبي الحوص‪ ,‬ورواه ابن جرير من طريق إسرائيل‪ ,‬أربعتهم عككن‬
‫سماك به‪ .‬وكذا فسرها ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهككد بككن‬
‫جبير والشعبي وسعيد بن جبير وعطاء وعطيكة العككوفي ومكحكول‬
‫والحسن والحكم بن عتيبة وقتادة وغير واحد من السلف والئمة‪,‬‬
‫ليككة هككذا‪ ,‬واللككه أعلككم‪,‬‬‫ول أعلم في ذلك خلفا ً أن المراد بهككذه ا َ‬
‫وقال الشافعي‪ :‬أنبأنا ابن عيينة عن الزهري‪ ,‬عن ابن المسيب أن‬
‫بنت محمد بن مسلم كانت عند رافع بن خديج‪ ,‬فكككره منهككا أمككرا ً‬
‫إما كبرا ً أو غيره‪ ,‬فأراد طلقها فقالت‪ :‬ل تطلقني واقسم لي مككا‬
‫بدا لك‪ ,‬فأنزل الله عز وجل }وإن امرأة خافت من بعلهككا نشككوزا ً‬
‫لية‪ ,‬وقد رواه الحاكم في مستدركه من طريق عبككد‬ ‫أو إعراضًا{ ا َ‬
‫الرزاق عن معمر‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن سعيد بن المسيب وسككليمان‬
‫بككككككككن يسككككككككار بككككككككأطول مككككككككن هككككككككذا السككككككككياق‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي‪ :‬حدثنا سعيد بن أبي عمرو‪ ,‬حكدثنا‬
‫أبو محمد أحمد بن عبد اللككه المزنككي‪ ,‬أنبأنككا علككي بككن محمككد بككن‬
‫عيسككى‪ ,‬أنبأنككا أبككو اليمككان‪ ,‬أخككبرني شككعيب بككن أبككي حمككزة عككن‬
‫الزهري‪ ,‬أخبرني سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن السككنة‬
‫ليتين اللتين ذكر اللككه فيهمككا نشككوز الرجككل وإعراضككه‬ ‫في هاتين ا َ‬
‫عن امرأتككه فككي قككوله‪} :‬وإن امككرأة خككافت مككن بعلهككا نشككوزا ً أو‬
‫ليككتين‪ ,‬أن المككرء إذا نشككز عككن امرأتككه وآثككر‬ ‫إعراضًا{ إلى تمام ا َ‬
‫عليها‪ ,‬فإن من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها أو تسككتقر عنككده‬
‫على ما كانت من أثرة في القسم من ماله ونفسه صلح لككه ذلككك‬
‫وكان صلحها عليه كذلك‪ ,‬ذكر سعيد بن المسيب وسليمان الصككلح‬
‫الذي قال الله عز وجل }فل جناح عليهما أن يصلحا بينهما صككلحا ً‬
‫والصلح خير{ وقد ذكر لي أن رافع بن خديج النصاري وكككان مككن‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كككانت عنككده امككرأة حككتى إذا‬
‫كبرت تزوج عليها فتاة شابة‪ ,‬وآثر عليها الشابة‪ ,‬فناشككدته الطلق‬
‫فطلقها تطليقة‪ ,‬ثم أمهلها حتى إذا كككادت تحككل راجعهككا‪ ,‬ثككم عككاد‬
‫‪244‬‬
‫فآثر عليها الشابة فناشدته الطلق‪ ,‬فقال لها‪ :‬ماشئت‪ ,‬إنما بقيككت‬
‫لك تطليقة واحدة‪ ,‬فإن شئت استقررت على ما ترين من الثككرة‪,‬‬
‫وإن شئت فارقتك‪ ,‬فقككالت‪ :‬ل بككل أسككتقر علككى الثككرة فأمسكككها‬
‫على ذلك‪ ,‬فكان ذلك صلحهما ولم ير رافع عليه إثما ً حين رضككيت‬
‫أن تستقر عنده على الثرة فيما آثر به عليها‪ ,‬وهكذا رواه بتمامككة‬
‫عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه عن أبي اليمككان‪ ,‬عككن شككعيب‪,‬‬
‫عن الزهري‪ ,‬عن سعيد بن المسيب وسككليمان بككن يسككار فككذكره‬
‫بطكككككككككككككككككككككوله‪ ,‬واللكككككككككككككككككككككه أعلكككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬والصلح خير{ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‪:‬‬
‫يعني التخيير أن يخير الككزوج لهككا بيككن القامككة والفككراق خيككر مككن‬
‫ليككة أن‬‫تمككادي الككزوج علككى أثككرة غيرهككا عليهككا‪ ,‬والظككاهر مككن ا َ‬
‫صلحهما على ترك بعض حقها للزوج وقبول الزوج ذلككك خيككر مككن‬
‫المفارقة بالكلية‪ ,‬كما أمسك النبي صلى الله عليككه وسككلم سككودة‬
‫بنت زمعة علككى أن تركككت يومهككا لعائشككة رضككي اللككه عنهككا ولككم‬
‫يفارقها‪ ,‬بل تركها من جملة نسائه وفعله ذلك لتتأسى به أمته في‬
‫مشككروعية ذلككك وجككوازه‪ ,‬فهككو أفضككل فككي حقككه عليككه الصككلة‬
‫والسلم‪ ,‬ولمككا كككان الوفككاق أحككب الككى اللككه مككن الفككراق‪ .‬قككال‪:‬‬
‫}والصلح خير{ بل الطلق بغيض إليه سبحانه وتعالى‪ ,‬ولهككذا جككاء‬
‫في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه‪ ,‬جميع كا ً عككن كككثير بككن‬
‫عبيد‪ ,‬عن محمد بن خالد‪ ,‬عن معروف بن واصل‪ ,‬عن محارب بن‬
‫دثار‪ ,‬عن عبد الله بن عمر‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه‬
‫وسلم‪» :‬أبغض الحلل إالى الله الطلق«‪ .‬ثككم رواه أبككو داود عككن‬
‫أحمد بن يونس‪ ,‬عن معروف عن محارب‪ ,‬قال‪ :‬قال رسككول اللككه‬
‫صكككككلى اللكككككه عليكككككه وسكككككلم فكككككذكر معنكككككاه مرسككككك ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرًا{ وإن‬
‫تتجشموا مشقة الصككبر علككى مككا تكرهككون منهككن وتقسككموا لهككن‬
‫أسوة أمثالهن‪ ,‬فإن الله عالم بذلك وسككيجزيكم علككى ذلككك أوفككر‬
‫الجزاء‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النسككاء ولككو‬
‫حرصتم{ أي لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء مككن‬
‫جميع الوجوه‪ ,‬فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة‪ ,‬فل بد من‬
‫التفككاوت فككي المحبككة والشككهوة والجمككاع كمككا قككاله ابككن عبككاس‬
‫وعبيدة السلماني ومجاهد والحسن البصري والضحاك بن مزاحم‪,‬‬
‫‪245‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو زرعة‪ ,‬حدثنا ابن أبككي شككيبة‪ ,‬حككدثنا‬
‫حسين الجعفي عن زائدة‪ ,‬عن عبد العزيز بن رفيع‪ ,‬عن ابككن أبككي‬
‫ليككة }ولككن تسككتطيعوا أن تعككدلوا بيككن‬ ‫مليكة‪ ,‬قككال‪ :‬نزلككت هككذه ا َ‬
‫النساء ولو حرصتم{ في عائشة‪ ,‬يعني أن النبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم كان يحبها أكثر من غيرها‪ ,‬كما جاء في الحديث الككذي رواه‬
‫المام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بككن سككلمة عككن أيككوب‪,‬‬
‫عن أبي قلبة‪ ,‬عن عبككد اللككه بككن يزيككد‪ ,‬عككن عائشككة قككالت‪ :‬كككان‬
‫رسككول اللككه يقسككم بيككن نسككائه فيعككدل‪ ,‬ثككم يقككول‪» :‬اللهككم هككذا‬
‫قسمي فيما أملك‪ ,‬فل تلمني فيماتملك ول أملككك« يعنككي القلككب‪,‬‬
‫هذا لفظ أبي داود‪ ,‬وهذا إسناد صحيح‪ ,‬لكككن قككال الترمككذي‪ :‬رواه‬
‫ل‪ ,‬قكال‪:‬‬‫حماد بن زيد وغير واحد عن أيكوب عكن أبكي قلبكة مرسك ً‬
‫وهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككذا أصكككككككككككككككككككككككككككككككككككككح‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬فل تميلوا كل الميل{ أي فإذا ملتم إلككى واحككدة منهككن‬
‫فل تبالغوا في الميل بالكلية }فتذروها كالمعلقة{ أي فتبقى هككذه‬
‫الخرى معلقة‪ .‬قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسككن‬
‫والضحاك والربيع بن أنس والسدي ومقاتككل بككن حيككان‪ :‬معناهككا ل‬
‫ذات زوج ول مطلقة‪ .‬وقال أبو داود الطيالسككي‪ :‬أنبأنككا همككام عككن‬
‫قتادة‪ ,‬عن النضر بن أنس ؟ عن بشير بن نهيك عككن أبككي هريككرة‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬مككن كككانت لككه‬
‫امرأتان فمال إلى إحداهما‪ ,‬جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط«‪,‬‬
‫وهكذا رواه المام أحمد وأهل السنن من حديث همككام بككن يحيككى‬
‫عن قتككادة بككه‪ .‬وقككال الترمككذي‪ :‬إنمككا أسككنده همككام ورواه هشككام‬
‫الدستوائي عن قتادة‪ ,‬قككال‪ :‬كككان يقككال‪ :‬ول يعككرف هككذا الحككديث‬
‫مرفوعا ً إل من حديث همكام‪ .‬وقكول‪} :‬وإن تصكلحوا وتتقكوا فكإن‬
‫الله كان غفورا ً رحيم كًا{ أي وإن أصككلحتم فككي أمككوركم وقسككمتم‬
‫بالعدل فيما تملكون واتقيتم الله في جيمع الحوال غفر الله لكككم‬
‫ما كان من ميل إلككى بعككض النسككاء دون بعككض‪ ,‬ثككم قككال تعككالى‪:‬‬
‫}وإن يتفرقا يغن للككه كل ً مككن سككعته وكككان اللككه واسككعا ً حكيمكًا{‬
‫وهذه هي الحالة الثالثة‪ ,‬وهي حالة الفراق وقكد أخكبر اللكه تعكالى‬
‫أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيهكا عنكه بكأن يعوضكه اللكه‬
‫من هو خير له منها‪ ,‬ويعوضها عنه بمن هو خيككر لهككا منككه‪} ,‬وكككان‬
‫‪246‬‬
‫الله واسعا ً حكيمًا{ أي واسع الفضل عظيم المن حكيما ً في جيمع‬
‫أفعكككككككككككككككككككاله وأقكككككككككككككككككككداره وشكككككككككككككككككككرعه‪.‬‬
‫ن ُأوت ُككوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫صي َْنا ال ّ ِ‬ ‫ض وَل ََقد ْ وَ ّ‬ ‫** َولل ّهِ َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬
‫ال ْكتاب من قَبل ِك ُم وإياك ُ َ‬
‫ما ِفي‬ ‫ن لل ّهِ َ‬ ‫ه وَِإن ت َك ُْفُروا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫ن ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ْ ْ َ ِّ ْ‬ ‫َِ َ ِ‬
‫مككا فِككي‬ ‫ميككدا ً * َولل ّكهِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه غَن ِي ّا ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما ِفي الْرض وَ َ‬
‫ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫شكأ ي ُكذ ْهِب ْك ُ ْ‬ ‫كيل ً * ِإن ي َ َ‬ ‫ى ب ِككالل ّهِ وَ ِ‬ ‫ض وَك ََفك َ‬ ‫ما فِككي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ‬ ‫أَ‬
‫ن‬ ‫مككن ك َككا َ‬ ‫ديرا ً * ّ‬ ‫ى ذ َل ِك َ‬
‫ك قَ ك ِ‬ ‫َ‬
‫ه عَل َ‬ ‫ُ‬ ‫ن الل ّ‬‫َ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ري‬
‫ِ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫بآ‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫و‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫ميعا ً‬ ‫سكك ِ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللكك ُ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ وَكا َ‬ ‫َ‬
‫ب الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ّ‬
‫ب الد ّن َْيا فَِعند َ اللهِ ث َ‬
‫َ‬ ‫ريد ُ ث َ َ‬
‫وا َ‬ ‫يُ ِ‬
‫صككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككيرا ً‬ ‫بَ ِ‬
‫يخبر تعالى أنككه مالككك السككموات والرض وأنككه الحككاكم فيهمككا‪,‬‬
‫ولهذا قال‪} :‬ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب مككن قبلكككم وإيككاكم{‬
‫أي وصيناكم بما وصيناهم به من تقوى الله عز وجل بعبادته وحده‬
‫ل شريك له‪ .‬ثم قال‪} :‬وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما‬
‫ليكة كمكا قكال تعكالى إخبكارا ً عكن موسكى أنكه قكال‬ ‫في الرض{ ا َ‬
‫لقومه }إن تكفروا أنتم ومكن فكي الرض جيمعكا ً فككإن اللكه لغنككي‬
‫حميد{‪ .‬وقال‪} :‬فكفروا وتولوا واستغنى الله واللككه غنككي حميككد{‬
‫أي غنككي عككن عبككاده‪) ,‬حميككد( أي محمككود فككي جميككع مككا يقككدره‬
‫ويشرعه‪ ,‬قوله‪ } :‬ولله ما في السككموات ومككا فككي الرض وكفككى‬
‫ل{ أي هو القائم علككى كككل نفككس بمككا كسككبت‪ ,‬الرقيككب‬ ‫بالله وكي ً‬
‫الشهيد على كل شيء‪ .‬وقوله‪} :‬إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت‬
‫بآخرين وكان الله على ذلككك قككديرًا{ أي هككو قككادر علككى إذهككابكم‬
‫وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه‪ ,‬وكمككا قككال‪} :‬وإن تتولككوا يسككتبدل‬
‫قوما ً غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم{ وقال بعض السلف‪ :‬ما أهككون‬
‫العباد على الله إذا أضاعوا أمره‪ .‬وقال تعككالى‪} :‬إن يشككأ يككذهبكم‬
‫ويأت بخلق جديد* وما ذلك علككى اللككه بعزيككز{ أي ومككا هككو عليككه‬
‫بممتنع‪ ,‬وقوله‪} :‬من كان يريد ثواب الدنيا فعند اللككه ثككواب الككدنيا‬
‫لخرة{ أي يامن ليككس لككه همككة إل الككدنيا‪ ,‬اعلككم أن عنككد اللككه‬ ‫وا َ‬
‫لخرة‪ ,‬وإذا سألته من هذه أغناك وأعطككاك وأقنككاك‪,‬‬ ‫ثواب الدنيا وا َ‬
‫كما قال تعالى‪} :‬فمن الناس من يقول ربناآتنا في الدنيا ومكا لكه‬
‫لخرة من خلق * ومنهم من يقول ربنا آتنا في الكدنيا حسكنة‬ ‫في ا َ‬
‫‪247‬‬
‫لخككرة حسككنة وقنككا عككذاب النككار * أولئك لهككم نصككيب ممككا‬ ‫وفي ا َ‬
‫لخككرة نككزد لككه‬‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬من كان يريد حككرث ا َ‬ ‫كسبوا{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬من كان يريككد العاجلككة عجلنككا لككه‬ ‫في حرثه{ ا َ‬
‫فيها ما نشاء لمن نريد ك إلى قككوله ك ك انظككر كيككف فضككلنا بعضككهم‬
‫لية‪ ,‬وقد زعم ابن جرير أن المعنككى فككي هككذه ا َ‬
‫ليككة‬ ‫على بعض{ ا َ‬
‫}من كان يريككد ثككواب الككدنيا{ أي مككن المنككافقين الككذين أظهككروا‬
‫اليمان لجل ذلك }فعند اللكه ثككواب الككدنيا{ وهككو مككا حصككل مككن‬
‫لخككرة{ أي وعنككد اللككه‬ ‫المغانم وغيرها مع المسلمين‪ ,‬وقوله‪} :‬وا َ‬
‫لخرة وهو ما ادخره لهم من العقوبة في نار جهنم وجعلهككا‬ ‫ثواب ا َ‬
‫كقوله‪} :‬من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ك إلى قوله ك وباطل ما‬
‫لية معناها ظككاهر‪ ,‬وأمككا تفسككيره‬ ‫كانوا يعملون{ ولشك أن هذه ا َ‬
‫لية الولى بهذا ففيه نظر‪ ,‬فككإن قكوله‪} :‬فعنككد اللكه ثككواب الكدنيا‬ ‫ا َ‬
‫لخرة أي بيده هككذا‬ ‫لخرة{ ظاهر في حصول الخير في الدنيا وا َ‬ ‫وا َ‬
‫وهذا‪ ,‬فل يقتصرن قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط‪ ,‬بل لتكن‬
‫لخككرة‪ ,‬فككإن‬ ‫همته سامية إلى نيل المطالب العاليككة فككي الككدنيا وا َ‬
‫مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع‪ ,‬وهو الله الككذي ل إلككه‬
‫إل هو الذي قد قسم السككعادة والشككقاوة بيككن النككاس فككي الككدنيا‬
‫لخرة‪ ,‬وعدل بينهم فيما علمه فيهم ممككن يسككتحق هككذا وممككن‬ ‫وا َ‬
‫يسكككتحق هكككذا‪ .‬ولهكككذا قكككال‪} :‬وككككان اللكككه سكككميعا ً بصكككيرًا{‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬

‫ى‬
‫دآِء للهِ وَلوْ َعَلكك َ‬ ‫ط ُ‬
‫شه َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن ِبال ِْق ْ‬ ‫مي َ‬‫وا ِ‬‫كوُنوا ْ قَ ّ‬
‫مُنوا ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ى‬ ‫ن غَن ِي ّا ً أ َوْ فََقيككرا ً فَككالل ّ ُ َ‬ ‫ن ِإن ي َك ُ ْ‬ ‫ن َوالقَْرِبي َ‬
‫أ َنُفسك ُ َ‬
‫م أوِ ال ْ َ‬
‫ه أوْل ك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وال ِد َي ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ضوا ْ فَإ ِ ّ‬
‫ووا ْ أوْ ت ُعْرِ ُ‬ ‫ما فَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ ال ْهَوَىَ أن ت َعْدُِلوا ْ وَِإن ت َل ْ ُ‬ ‫ب ِهِ َ‬
‫خِبيككككككككككككككككككككككرا ً‬ ‫ن َ‬ ‫مُلككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫مككككككككككككككككككككككا ت َعْ َ‬ ‫بِ َ‬
‫يككأمر تعككالى عبككاده المككؤمنين أن يكونككوا قككوامين بالقسككط أي‬
‫ل‪ ,‬ول تأخذهم في اللككه لومككة‬ ‫بالعدل‪ ,‬فل يعدلوا عنه يمينا ً ول شما ً‬
‫لئم ول يصرفهم عنككه صككارف‪ ,‬وأن يكونككوا متعككاونين متسككاعدين‬
‫متعاضككدين متناصككرين فيككه‪ ,‬وقككوله‪} :‬شككهداء للككه{ كمككا قككال‪:‬‬
‫}وأقيموا الشهادة لله{ أي ليكن أداؤهككا ابتغككاء وجككه اللكه‪ ,‬فحينئذ‬
‫تكون صحيحة عادلة حقا ً خالية من التحريككف والتبككديل والكتمككان‪,‬‬
‫ولهذا قال }ولو على أنفسكم{ أي اشهد الحق ولككو عككاد ضككررها‬
‫‪248‬‬
‫عليك‪ ,‬وإذا سئلت عن المر فقل الحككق فيككه ولككو عككادت مضككرته‬
‫عليك‪ ,‬فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجا ً ومخرجكا ً مككن كككل أمككر‬
‫يضككيق عليككه‪ .‬وقككوله‪} :‬أو الوالككدين والقربيككن{ أي وإن كككانت‬
‫الشهادة على والديك وقرابتك فل تراعهم فيهككا بككل اشككهد بككالحق‬
‫وإن عككاد ضككررها عليهككم‪ ,‬فككإن الحككق حككاكم علككى كككل أحككد‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬إن يكن غنيا ً أو فقيككرا ً فككالله أولككى بهمككا{ أي ل ترعككاه‬
‫لغناه ول تشفق عليه لفقره‪ ,‬الله يتولهما بل هو أولى بهما منككك‬
‫وأعلم بما فيه صلحهما‪ .‬وقوله‪} :‬فل تتبعوا الهوى أن تعككدلوا{ أي‬
‫فل يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل‬
‫في أموركم وشؤونكم‪ ,‬بل الزموا العدل على أي حككال كككان‪ ,‬كمككا‬
‫قال تعالى‪} :‬ول يجرمنكم شنآن قوم على أن ل تعدلوا اعدلوا هو‬
‫أقرب للتقوى{‪ ,‬ومن هذا القبيل قول عبد الله بن رواحة لما بعثه‬
‫النكبي صكلى اللكه عليكه وسكلم يخكرص علكى أهكل خيكبر ثمكارهم‬
‫وزروعهم‪ ,‬فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم‪ ,‬فقال‪ :‬والله لقد جئتكككم‬
‫من عند أحب الخلق إلككي‪ ,‬ولنتككم أبغككض إلككي مككن أعككدادكم مككن‬
‫القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه‪ ,‬وبغضككي لكككم علككى أن ل‬
‫أعككدل فيكككم‪ ,‬فقككالوا‪ :‬بهككذا قككامت السككموات والرض‪ ,‬وسككيأتي‬
‫الحديث مسندا ً في سككورة المككائدة إن شككاء اللككه تعككالى‪ .‬وقككوله‪:‬‬
‫}وإن تلككووا أو تعرضككوا{ قككال مجاهككد وغيككر واحككد مككن السككلف‪:‬‬
‫تلووا‪ ,‬أي تحرفوا الشهادة وتغيروهككا‪ ,‬واللكي هكو التحريككف وتعمككد‬
‫الكذب‪ ,‬قال تعالى‪} :‬وإن منهم لفريقا ً يلوون ألسككنتهم بالكتككاب{‬
‫لية‪ ,‬والعراض هو كتمان الشككهادة وتركهككا‪ ,‬قككال تعككالى‪} :‬ومككن‬ ‫ا َ‬
‫يكتمها فإنه آثم قلبه{ وقال النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم »خيككر‬
‫الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها« ولهذا توعدهم اللككه‬
‫بقوله‪} :‬فإن الله كان بما تعملون خكبيرًا{ أي وسككيجازيكم بكذلك‪.‬‬
‫ذي ن َّز َ َ‬ ‫َ‬

‫ى‬‫ل عَل ك َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫سول ِهِ َوال ْك َِتا ِ‬‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ وََر ُ‬
‫مُنوا ْ آ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫** َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مككن ي َك ُْف كْر ب ِككالل ّهِ وَ َ‬
‫مل َئ ِك َت ِك ِ‬ ‫مككن قَب ْك ُ‬
‫ل وَ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ب ال ّذِيَ أ ََنز َ‬ ‫سول ِهِ َوال ْك َِتا ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ضككككل َل ً ب َِعيككككدا ً‬‫ل َ‬ ‫ضكككك ّ‬ ‫خككككرِ فََقككككد ْ َ‬‫سككككل ِهِ َوال ْي َككككوْم ِ ال َ ِ‬
‫وَك ُت ُب ِككككهِ وَُر ُ‬
‫يأمر تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميككع شككرائع اليمككان‬
‫وشعبه وأركانه ودعائمه وليس هذا من باب تحصيل الحاصل‪ ,‬بككل‬
‫‪249‬‬
‫من باب تكميل الكامككل وتقريككره وتثككبيته والسككتمرار عليككه‪ ,‬كمككا‬
‫يقول المؤمن في كل صلة }اهدنا الصراط المستقيم{ أي بصرنا‬
‫فيه وزدنا هدى وثبتنا عليككه‪ ,‬فككأمرهم باليمككان بككه وبرسككوله‪ ,‬كمككا‬
‫قال تعالى‪} :‬ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله{‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫}والكتاب الذي نزل على رسوله{ يعني القرآن‪} ,‬والكتاب الككذي‬
‫أنزل من قبل{ وهذا جنس يشمل جميع الكتككب المتقدمككة‪ ,‬وقككال‬
‫في القرآن‪ :‬نزل لنه نزل مفرقا ً منجما ً علكى الوقكائع بحسكب مكا‬
‫يحتاج إليه العباد في معاشهم ومعادهم‪ ,‬وأمككا الكتككب المتقدمككة‪,‬‬
‫فكانت تنزل جملة واحدة‪ ,‬لهذا قال تعالى‪} :‬والكتاب الككذي أنككزل‬
‫من قبككل{‪ ,‬ثككم قككال تعككالى‪} :‬ومككن يكفككر بككالله وملئكتككه وكتبككه‬
‫لخر فقككد ضككل ضككلل ً بعيككدًا{ أي فقككد خككرج عككن‬ ‫ورسله واليوم ا َ‬
‫طريكككككق الهكككككدى وبعكككككد عكككككن القصكككككد ككككككل البعكككككد‪( .‬‬
‫م‬ ‫دوا ْ ك ُْفرا ً ل ّ ْ‬ ‫دا ُ‬ ‫م اْز َ‬ ‫م ك ََفُروا ْ ث ُ ّ‬ ‫مُنوا ْ ث ُ ّ‬‫مآ َ‬ ‫م ك ََفُروا ْ ث ُ ّ‬ ‫مُنوا ْ ث ُ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫** إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن ل َهُ ك ْ‬ ‫ن ب ِكأ ّ‬ ‫مَنافِِقي َ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫سِبيل ً * ب َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م وَل َ ل ِي َهْدِي َهُ ْ‬ ‫ه ل ِي َغِْفَر ل َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ي َك ُ ْ‬
‫ذون ال ْك َككافري َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫م كؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫مككن ُ‬ ‫ن أوْل ِي َككآَء ِ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫خ ُ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ذابا ً أِليما ً * ال ّ ِ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ميعا ً * وَقَد ْ ن َّز َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن العِّزةَ لل ّهِ َ‬ ‫م ال ْعِّزةَ فَإ ِ ّ‬ ‫عند َهُ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫أي َب ْت َُغو َ‬
‫دوا ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ست َهَْزأ ب ِهَككا فَل َ ت َْقعُ ك ُ‬ ‫ت الل ّهِ ي ُك ََفُر ب َِها وَي ُ ْ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫معْت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن إِ َ‬‫بأ ْ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫جككا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مث ْل ُهُ ْ‬
‫م ِإذا ً ّ‬ ‫ث غَي ْرِهِ إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬‫ضوا ْ ِفي َ‬ ‫خو ُ‬ ‫ى يَ ُ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ميعككككككككا ً‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَّنكككككككك َ‬ ‫ن ِفككككككككي َ‬ ‫ري َ‬ ‫كككككككككافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال َ‬ ‫مَنككككككككافِِقي َ‬ ‫ْ‬
‫ال ُ‬
‫يخبر تعالى عمن دخل في اليمان‪ ,‬ثم رجع عنكه‪ ,‬ثكم عكاد فيكه‪,‬‬
‫ثم رجع واستمر على ضلله وازداد حككتى مككات‪ ,‬فككإنه ل توبككة بعككد‬
‫موته ول يغفر الله له ول يجعل له مما هو فيه فرجكا ً ول مخرجكا ً‬
‫ول طريقا ً إلى الهدى‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬لككم يكككن اللككه ليغفككر لهككم ول‬
‫ل{‪ .‬قال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي حككدثنا أحمككد بككن‬ ‫ليهديهم سبي ً‬
‫عبدة‪ ,‬حدثنا حفص بن جميع عن سككماك‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس في قوله تعككالى‪} :‬ثككم ازدادوا كفككرًا{ قككال‪ :‬تمككادوا علككى‬
‫كفرهم حتى ماتوا‪ ,‬وكذا قككال مجاهككد‪ .‬وروى ابككن أبككي حككاتم مككن‬
‫طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي‪ ,‬عن علي رضي الله عنككه‪,‬‬
‫لية }إن الذين آمنوا ثم‬ ‫أنه قال‪ :‬يستتاب المرتد ثلثًا‪ ,‬ثم تل هذه ا َ‬
‫كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا ً لم يكن الله ليغفككر لهككم‬
‫‪250‬‬
‫ل{‪ ,‬ثككم قككال‪} :‬بشككر المنككافقين بككأن لهككم عككذابا ً‬ ‫ول ليهديهم سبي ً‬
‫أليمًا{ يعني أن المنافقين من هذه الصفة‪ ,‬فإنهم آمنوا ثككم كفككروا‬
‫فطبع على قلوبهم‪ ,‬ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء مككن‬
‫دون المؤمنين‪ ,‬بمعنى أنهم معهم في الحقيقة يوالونهم ويسككرون‬
‫إليهم بالمودة‪ ,‬ويقولون لهم إذا خلوا بهم‪ :‬إنما نحككن معكككم‪ ,‬إنمككا‬
‫نحن مستهزئون‪ ,‬أي بالمؤمنين‪ ,‬في إظهارنا لهككم الموافقككة‪ ,‬قككال‬
‫اللككه تعككالى منكككرا ً عليهككم فيمككا سككلكوه مككن مككوالة الكككافرين‬
‫}أيبتغون عندهم العزة{‪ ,‬ثم أخبر الله تعالى بككأن العككزة كلهككا لككه‬
‫ليككة‬‫وحده ل شريك لككه ولمككن جعلهككا لككه‪ ,‬كمككا قككال تعككالى فككي ا َ‬
‫الخرى }من كان يريد العزة فللككه العككزة جميعكًا{‪ .‬وقككال تعككالى‪:‬‬
‫} ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكككن المنككافقين ل يعلمككون{‪,‬‬
‫والمقصككود مككن هككذا التهييككج علككى طلككب العككزة مككن جنككاب اللككه‬
‫والقبال على عبوديته والنتظام في جملة عباده المككؤمنين الككذين‬
‫لهم النصرة في الحياة الدنيا‪ ,‬ويوم يقوم الشهاد‪ ,‬ويناسب هنا أن‬
‫نذكر الحديث الذي رواه المام أحمككد‪ :‬حككدثنا حسككين بككن محمككد‪,‬‬
‫حدثنا أبو بكر بن عياش بن حميد الكندي‪ ,‬عن عبككادة بككن نسككيء‪,‬‬
‫عن أبي ريحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬من انتسب‬
‫إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا ً وفخرًا‪ ,‬فهو عاشرهم في النار«‬
‫تفرد به أحمد‪ ,‬وأبو ريحانة هذا هو أزدي‪ ,‬ويقال أنصككاري‪ ,‬واسككمه‬
‫شمعون‪ ,‬بالمعجمة‪ ,‬فيما قككاله البخككاري‪ ,‬وقككال غيككره‪ :‬بالمهملككة‪,‬‬
‫وقوله‪} :‬وقد نزل عليكم في الكتككاب أن إذا سككمعتم آيككات اللككه‬
‫يكفر بها ويستهزأ بها فل تقعدوا معهم حككتى يخوضككوا فككي حككديث‬
‫غيره إنكم إذا ً مثلهككم{‪ ,‬أي إنكككم إذا ارتكبتككم النهككي بعككد وصككوله‬
‫إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفككر فيككه بآيككات‬
‫اللكككه ويسكككتهزأ وينتقكككص بهكككا وأقررتمكككوهم علكككى ذلكككك‪ ,‬فقكككد‬
‫شككاركتموهم فككي الككذي هككم فيككه‪ ,‬فلهككذا قككال تعككالى‪} :‬إنكككم إذا ً‬
‫مثلهم{ في المأثم‪ ,‬كما جاء في الحككديث »مككن كككان يككؤمن بككالله‬
‫لخر‪ ,‬فل يجلس علككى مككائدة يككدار عليهككا الخمككر« والككذي‬ ‫واليوم ا َ‬
‫لية من النهي في ذلك هو قككوله تعككالى فككي‬ ‫أحيل عليه في هذه ا َ‬
‫سورة النعام‪ ,‬وهي مكية }وإذا رأيت الككذين يخوضككون فككي آياتنككا‬
‫لية التي‬ ‫لية‪ ,‬قال مقاتل بن حيان‪ :‬نسخت هذه ا َ‬ ‫فأعرض عنهم{ ا َ‬
‫‪251‬‬
‫في سورة النعام‪ ,‬يعني نسخ قوله‪} :‬إنكككم إذا مثلهككم كك لقككوله ك ك‬
‫وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكككرى لعلهككم‬
‫يتقون{‪ .‬وقوله‪} :‬إن الله جامع المنككافقين والكككافرين فككي جهنككم‬
‫جميعًا{ أي كما أشركوهم في الكفر كذلك يشارك الله بينهم فككي‬
‫الخلود في نار جهنم أبدا ً ويجمككع بينهككم فككي دار العقوبككة والنكككال‬
‫والقيككككود والغلل وشككككراب الحميككككم والغسككككلين ل الككككزلل‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ككك ْ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َقال ُوَا ْ أل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م فَت ْ ٌ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫كا َ‬‫م فَِإن َ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َت ََرب ّ ُ‬‫ذي َ‬ ‫** ال ّ ِ‬
‫حوِذ ْ عَل َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ككك ْ‬ ‫سككت َ ْ‬‫م نَ ْ‬ ‫ب َقككال ُوَا ْ أَلكك ْ‬ ‫صككي ٌ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كككافِ ِ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬‫كككا َ‬ ‫م وَِإن َ‬ ‫ككك ْ‬ ‫مع َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ل‬‫جَعكك َ‬ ‫مةِ وََلككن ي َ ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫حك ُ ُ‬ ‫ن َفالل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫من َعْك ُ ْ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫سكككككككككِبيل ً‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مكككككككككؤْ ِ‬ ‫ن عَل َكككككككككى ال ْ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ه ل ِل ْك َكككككككككافِ ِ‬ ‫الل ّككككككككك ُ‬
‫يخككبر تعككالى عككن المنككافقين أنهككم يتربصككون بككالمؤمنين دوائر‬
‫السوء بمعنى ينتظرون زوال دولتهم وظهور الكفر عليهم وذهككاب‬
‫ملتهم‪} ,‬فككإن كككان لكككم فتككح مككن اللككه{ أي نصككر وتأييككد وظفككر‬
‫وغنيمة }قالوا ألم نكن معكم{ أي يتوددون إلككى المككؤمنين بهككذه‬
‫المقالة‪} ,‬وإن كان للكافرين نصيب{ أي إدالة على المؤمنين في‬
‫بعض الحيان كما وقع يوم أحد‪ ,‬فإن الرسل تبتلككى ثككم يكككون لهككا‬
‫العاقبة }قالوا ألم نسككتحوذ عليكككم ونمنعكككم مككن المككؤمنين{ أي‬
‫ساعدناكم في الباطن‪ ,‬وما ألوناهم خبككال ً وتخككذيل ً حككتى انتصككرتم‬
‫عليهككم‪ ,‬وقككال السككدي‪ :‬نسككتحوذ عليكككم نغلككب عليكككم‪ ,‬كقككوله‪:‬‬
‫}استحوذ عليهم الشيطان{ وهذا أيضا ً تككودد منهككم إليهككم‪ ,‬فككإنهم‬
‫كانوا يصانعون هؤلء وهؤلء ليحظوا عندهم ويككأمنوا كيككدهم‪ ,‬ومككا‬
‫ذاك إل لضعف إيمانهم وقلة إيقككانهم‪ ,‬قككال تعككالى‪} :‬فككالله يحكككم‬
‫بينكككم يككوم القيامككة{ أي بمككا يعلمككه منكككم أيهككا المنككافقون مككن‬
‫البككواطن الككرديئة فل تغككتروا بجريككان الحكككام الشككرعية عليكككم‬
‫ظاهرا ً فككي الحيككاة الككدنيا‪ ,‬لمككا لككه فككي ذلككك مككن الحكمككة‪ ,‬فيككوم‬
‫القيامة ل تنفعكم ظواهركم بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويحصل‬
‫مكككككككككككككككككككككككا فكككككككككككككككككككككككي الصكككككككككككككككككككككككدور‪.‬‬
‫ل{ قككال‬ ‫وقوله‪} :‬ولن يجعل الله للكافرين علككى المككؤمنين سككبي ً‬
‫عبد الرزاق‪ :‬أنبأنا الثوري عن العمش‪ ,‬عن ذر‪ ,‬عن سبيع الكندي‪,‬‬
‫ليككة‬ ‫قال‪ :‬جاء رجل إلى علي بن أبككي طككالب فقككال‪ :‬كيككف هككذه ا َ‬
‫‪252‬‬
‫ل{ فقككال علككي‬ ‫}ولن يجعل اللككه للكككافرين علككى المككؤمنين سككبي ً‬
‫رضي الله عنه‪ :‬أدنه أدنكه‪ ,‬فككالله يحكككم بينكككم يككوم القيامككة ولككن‬
‫ل‪ ,‬وكككذا روى ابككن جريككج‬ ‫يجعل الله للكافرين على المؤمنين سككبي ً‬
‫عن عطاء الخراساني‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬ولن يجعل اللككه للكككافرين‬
‫ل‪ ,‬قال‪ :‬ذاك يككوم القيامككة‪ ,‬وكككذا روى السككدي‬ ‫على المؤمنين سبي ً‬
‫عن أبي مالك الشجعي‪ ,‬يعني يوم القيامة‪ .‬وقال السككدي‪ :‬سككبيل ً‬
‫أي حجة‪ ,‬ويحتمل أن يكون المعنى ولن يجعل الله للكافرين على‬
‫ل‪ ,‬أي فككي الككدنيا بككأن يسككلطوا عليهككم اسككتيلء‬ ‫المككؤمنين سككبي ً‬
‫استئصال بالكلية‪ ,‬وإن حصل لهم ظفككر فككي بعككض الحيككان علككى‬
‫لخككرة‪ ,‬كمككا قككال‬ ‫بعض الناس‪ ,‬فإن العاقبة للمتقين فككي الككدنيا وا َ‬
‫تعالى‪} :‬إنا لننصر رسلنا والذين آمنككوا فككي الحيككاة الككدنيا{ ا َ‬
‫وعلى هذا يكون ردا ً على المنافقين فيما أملوه ورجوه وانتظككروه‬
‫من زوال دولة المؤمنين‪ ,‬وفيما سلكوه مككن مصككانعتهم الكككافرين‬
‫خوفككا ً علككى أنفسككهم منهككم إذا هككم ظهككروا علككى المككؤمنين‬
‫فاستأصلوهم‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬فترى الككذين فككي قلككوبهم مككرض‬
‫يسارعون فيهم كك إلككى قككوله كك نككادمين{ وقككد اسككتدل كككثير مككن‬
‫لية الكريمة على أصح قولي العلماء‪ ,‬وهو المنع من‬ ‫العلماء بهذا ا َ‬
‫بيع العبد المسلم للكافر‪ ,‬لما في صحة ابتيككاعه مككن التسككليط لككه‬
‫عليه والذلل‪ ,‬ومن قال منهم بالصحة‪ ,‬يأمره بإزالة ملكه عنه في‬
‫الحال لقوله تعالى‪} :‬ولككن يجعككل اللكه للكككافرين علكى المككؤمنين‬
‫ل{‪.‬‬‫سكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككبي ً‬
‫موَا ْ إ ِل َككى‬‫ذا قَككا ُ‬ ‫م وَإ ِ َ‬‫خككادِعُهُ ْ‬ ‫ه وَهُ كوَ َ‬ ‫ن الل ّك َ‬‫عو َ‬

‫خككادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫من َككافِِقي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫** إ ِ ّ‬
‫ه إ ِل ّ قَِليل ً *‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫س وَل َ ي َكذ ْك ُُرو َ‬
‫ن الن ّككا َ‬ ‫ى ي ُكَرآُءو َ‬ ‫موا ْ ك ُ َ َ‬
‫سككال َ‬ ‫صل َةِ َقا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ل الل ّك ُ‬
‫ه‬ ‫ض كل ِ ِ‬
‫مككن ي ُ ْ‬ ‫ؤلِء وَ َ‬ ‫هـ ك ُ‬ ‫ؤلِء وَل َ إ ِل َككى َ‬ ‫هـ ُ‬
‫ى َ‬ ‫َ‬
‫ك ل َ إ ِل َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ن ب َي ْ َ‬ ‫مذ َب ْذ َِبي َ‬
‫ّ‬
‫سككككككككككككككككِبيل ً‬ ‫ه َ‬‫جككككككككككككككككد َ َلكككككككككككككككك ُ‬ ‫فََلككككككككككككككككن ت َ ِ‬
‫قد تقدم في أول سورة البقككرة قككوله تعككالى‪} :‬يخككادعون اللككه‬
‫والذين آمنكوا{‪ ,‬وقكال ههنكا‪} :‬إن المنكافقين يخكادعون اللكه وهكو‬
‫خككادعهم{ ولشككك أن اللككه ل يخككادع‪ ,‬فككإنه العككالم بالسككرائر‬
‫والضمائر‪ ,‬ولكن المنافقين لجهلهم وقلة علمهم وعقلهم يعتقدون‬
‫أن أمرهم كمككا راج عنككد النككاس وجككرت عليهككم أحكككام الشككريعة‬
‫‪253‬‬
‫ظاهرًا‪ ,‬فكذلك يكون حكمهم عنككد اللككه يككوم القيامككة وأن أمرهككم‬
‫يروج عنده كما أخبر تعالى عنهككم أنهككم يككوم القيامككة يحلفككون لككه‬
‫أنهم كانوا على الستقامة والسداد‪ ,‬ويعتقدون أن ذلككك نككافع لهككم‬
‫عنده‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬يوم يبعثهم الله جميعا ً فيحلفككون لككه كمككا‬
‫ليككة‪ ,‬وقككوله‪} :‬هككو خككادعهم{ أي هككو الككذي‬ ‫يحلفككون لكككم{ ا َ‬
‫يستدرجهم في طغيانهم وضللهم‪ ,‬ويخذلهم عن الحككق والوصككول‬
‫إليه في الدنيا‪ ,‬وكذلك يوم القيامة‪ ,‬كما قال تعككالى‪} :‬يككوم يقككول‬
‫المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبككس مككن نككوركم كك‬
‫إلى قوله ك وبئس المصير{ وقد ورد في الحديث »من سمع سمع‬
‫الله به‪ ,‬ومن راءى راءى الله به«‪ .‬وفي حديث آخر»إن الله يككأمر‬
‫بالعبد إلى الجنة فيما يبدو للناس ويعدل به إلى النار« عياذا ً بككالله‬
‫مككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن ذلككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك‪.‬‬
‫لية‪ ,‬هككذه صككفة‬ ‫وقوله‪} :‬وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى{ ا َ‬
‫المنافقين في أشرف العمال وأفضلها وخيرها‪ ,‬وهككي الصككلة إذا‬
‫قاموا إليها‪ ,‬قاموا وهككم كسككالى عنهككا‪ ,‬لنهككم ل نيككة لهككم فيهككا ول‬
‫إيمان لهم بها ول خشية‪ ,‬ول يعقلون معناها كما روى ابن مردويككه‬
‫من طريق عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عككن عطككاء‬
‫بن أبي رباح عن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬يكككره أن يقككوم الرجككل إلككى‬
‫الصلة وهو كسلن‪ ,‬ولكن يقوم إليها طلككق الككوجه عظيككم الرغبككة‬
‫شديد الفرح‪ ,‬فإنه يناجي الله وإن الله تجاهه يغفككر لكه ويجيبككه إذا‬
‫لية }وإذا قاموا إالى الصككلة قككاموا كسككالى{‬ ‫دعاه‪ ,‬ثم يتلو هذه ا َ‬
‫وروي من غير هذا الكوجه عكن ابكن عبكاس نحكوه‪ ,‬فقكوله تعكالى‪:‬‬
‫}وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى{ هذه صفة ظككواهرهم كمككا‬
‫قال‪} :‬ول يأتون الصككلة إل وهككم كسككالى{ ثككم ذكككر تعككالى صككفة‬
‫بواطنهم الفاسدة‪ ,‬فقال‪} :‬يراءون النككاس{ أي ل إخلص لهكم ول‬
‫معاملة مع الله بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة‪ ,‬ولهككذا‬
‫يتخلفون كثيرا ً عن الصلة التي ل يرون فيها غالبا ً كصككلة(العشككاء‬
‫في وقت العتمة‪ ,‬وصلة الصبح في وقت الغلككس‪ ,‬كمككا ثبككت فككي‬
‫الصحيحين أن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪» :‬أثقككل‬
‫الصلة على المنافقين صلة العشاء وصلة الفجر‪ ,‬ولو يعلمون ما‬
‫فيهما لتوهما ولو حبوًا‪ ,‬ولقد هممت أن آمككر بالصككلة فتقككام‪ ,‬ثككم‬
‫آمر رجل ً فيصلي بالناس‪ ,‬ثم أنطلق معي برجال ومعهم حزم مككن‬
‫‪254‬‬
‫حطب إلى قوم ل يشهدون الصلة فأحرق عليهم بيككوتهم بالنككار«‪.‬‬
‫وفي رواية »والذي نفسي بيده‪ ,‬لككو علككم أحككدهم أنككه يجككد عرقكا ً‬
‫سمينا ً أو مرماتين حسنتين‪ ,‬لشهد الصككلة‪ ,‬ولككول مككا فككي الككبيوت‬
‫مككككككن النسككككككاء والذريككككككة لحرقككككككت عليهككككككم بيككككككوتهم«‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلككى‪ :‬حككدثنا محمككد بككن أبككي بكككر المقككدمي‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن دينار عن إبراهيم الهجري‪ ,‬عن أبي الحوص‪ ,‬عككن‬
‫عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬مككن‬
‫أحسككن الصككلة حيككث يككراه النككاس وأسككاءها حيككث يخلككو‪ ,‬فتلككك‬
‫استهانة استهان بها ربه عز وجل«‪ .‬وقوله‪} :‬و ل يككذكرون اللككه إل‬
‫ل{ أي في صلتهم ل يخشعون ول يدرون مككا يقولككون بككل هككم‬ ‫قلي ً‬
‫في صلتهم ساهون لهون‪ ,‬وعما يراد بهم مككن الخيككر معرضككون‪,‬‬
‫وقد روى المام مالك عن العلء بن عبد الرحمككن‪ ,‬عككن أنككس بككن‬
‫مالك‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪» :‬تلككك صككلة‬
‫المنافق‪ ,‬تلك صلة المنافق‪ ,‬تلككك صككلة المنككافق‪ ,‬يجلككس يرقككب‬
‫الشمس حتى إذا كانت بين قرنككي الشككيطان‪ ,‬قككام فنقككر أربع كا ً ل‬
‫ل«‪ ,‬وكككذا رواه مسككلم والترمككذي والنسككائي‬ ‫يذكر الله فيها إل قلي ً‬
‫من حديث إسماعيل بن جعفر المدني عن العلء بن عبد الرحمككن‬
‫بكككككككككه‪ ,‬وقكككككككككال الترمكككككككككذي‪ :‬حسكككككككككن صكككككككككحيح‪.‬‬
‫وقككوله‪} :‬مذبككذبين بيككن ذلككك ل إلككى هككؤلء ول هككؤلء{ يعنككي‬
‫المنككافقين محيريككن بيككن اليمككان والكفككر‪ ,‬فل هككم مككع المككؤمنين‬
‫ظاهرا ً وباطنا ً ول مع الكافرين ظاهرا ً وباطن كًا‪ ,‬بككل ظككواهرهم مككع‬
‫المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين‪ ,‬ومنهم من يعتريه الشك‪ ,‬فتككارة‬
‫يميل إلى هؤلء وتارة يميل إلى أولئك }كلما أضاء لهم مشوا فيه‬
‫لية‪ ,‬وقال مجاهد }مذبذبين بين ذلككك ل‬ ‫وإذا أظلم عليهم قاموا{ ا َ‬
‫إلى هؤلء{ يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسككلم }ول إلككى‬
‫هؤلء{ يعني اليهود‪ .‬وقال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا محمككد بككن المثنككى‪,‬‬
‫حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬حدثنا عبيد الله عن نافع‪ ,‬عككن ابككن عمككر‪ ,‬عككن‬
‫النبي صلى الله عليه وسككلم قككال‪» :‬مثككل المنككافق كمثككل الشككاة‬
‫العائرة بين الغنمين‪ ,‬تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مككرة ول تككدري‬
‫أيتهما تتبع«‪ ,‬تفرد به مسلم‪ ,‬وقد رواه عن محمد بن المثنى مككرة‬
‫أخرى‪ ,‬عن عبد الوهاب فوقف به على ابن عمر ولم يرفعه‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا به عبد الوهاب مرتين‪ ,‬كذلك قلت‪ ,‬وقككد رواه المككام أحمككد‬
‫‪255‬‬
‫عن إسحاق بن يوسف عككن عبيككد اللككه‪ ,‬وكككذا رواه إسككماعيل بككن‬
‫عياش وعلي بن عاصم عن عبيككد اللككه‪ ,‬عككن نككافع عككن ابككن عمككر‬
‫مرفوعًا‪ ,‬وكذا رواه عثمان بن محمد بن أبي شيبة عن عبدة‪ ,‬عككن‬
‫عبد الله به مرفوعًا‪ ,‬ورواه حماد بن سلمة عن عبيككد اللككه أو عبككد‬
‫الله بن عمر‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر مرفوعًا‪ .‬وراه أيضا ً صخر بن‬
‫جويرية عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬عن النبي صلى الله عليككه وسككلم‬
‫بمثله‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا خلف بن الوليد‪ ,‬حدثنا الهذيل بككن‬
‫بلل عن ابن عبيد أنه جلس ذات يوم بمكككة وعبككد اللككه بككن عمككر‬
‫معه‪ ,‬فقال أبي‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬إن مثل‬
‫المنافق يوم القيامة كالشككاة بيككن الربيضككين مككن الغنككم‪ ,‬إن أتككت‬
‫هؤلء نطحتها‪ ,‬وإن أتت هؤلء نطحتها« فقال له ابن عمر‪ :‬كذبت‪,‬‬
‫فأثنى القوم على أبي خيرا ً أو معروفًا‪ ,‬فقال ابككن عمككر‪ :‬مككا أظككن‬
‫صاحبكم إل كما تقولون‪ ,‬ولكني شاهدي الله إذ قال‪ :‬كالشاة بيككن‬
‫الغنميككككن‪ ,‬فقككككال‪ :‬هككككو سككككواء‪ ,‬فقككككال‪ :‬هكككككذا سككككمعته‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬حدثنا المسعودي عن أبككي جعفككر‬
‫محمد بن علي‪ ,‬قال‪ :‬بينما عبيد بن عمير يقص وعنده عبد الله بن‬
‫عمر‪ ,‬فقال عبيككد بككن عميككر‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم‪» :‬مثككل المنككافق كالشككاة بيككن ربيضككين‪ ,‬إذا أتككت هككؤلء‬
‫نطحتها‪ ,‬وإذا أتت هؤلء نطحتها«‪ ,‬فقال ابن عميككر‪ :‬ليككس كككذلك‪,‬‬
‫إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »كشاة بيككن غنميككن«‪,‬‬
‫قال‪ :‬فاحتفظ الشيخ وغضب‪ ,‬فلما رأى ذلك ابككن عمككر قككال‪ :‬أمككا‬
‫إنككككككي لككككككو لككككككم أسككككككمعه لككككككم أردد ذلككككككك عليككككككك‪.‬‬
‫)طريقة أخرى عن ابن عمككر( كك قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا عبككد‬
‫الرزاق‪ ,‬أخبرنا معمر عن عثمان بن بودويه‪ ,‬عن يعفككر بككن زوذي‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت عبيد بن عمير وهككو يقككص يقككول‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪» :‬مثل المنافق كمثل الشككاة الرابضككة بيككن‬
‫الغنمين«‪ ,‬فقال ابن عمر‪ :‬ويلكم ل تكذبوا على رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬إنما قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫»مثل المنافق كمثل الشككاة العككائرة بيككن الغنميككن«‪ ,‬ورواه أحمككد‬
‫أيضا ً من طرق عن عبيد بن عمير‪ ,‬عن ابن عمكر‪ ,‬ورواه ابكن أبكي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا عبيد الله بن موسى‪ ,‬أخبرنا إسككرائيل عككن‬
‫أبي إسحاق‪ ,‬عن أبي الحوص‪ ,‬عن عبد الله هو ابن مسعود‪ ,‬قال‪:‬‬
‫‪256‬‬
‫مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلثة نفر انتهوا إلى واد‪ ,‬فوقع‬
‫لخر حتى إذا أتى على نصف الككوادي نككاداه‬ ‫أحدهم فعبر‪ ,‬ثم وقع ا َ‬
‫الذي علكى شكفير الكوادي‪ :‬ويلكك أيككن تككذهب إلكى الهلككة‪ ,‬ارجكع‬
‫عودك على بدئك‪ ,‬وناداه الذي عبر‪ :‬هلم إلى النجاة‪ ,‬فجعل ينظككر‬
‫إلى هذا مرة وإلى هذا مرة‪ ,‬قككال‪ :‬فجككاءه سككيل فككأغرقه‪ ,‬فالككذي‬
‫عبر هو المؤمن‪ ,‬والذي غرق المنافق }مذبذبين بيككن ذلككك ل إلككى‬
‫هككككككؤلء ول إلككككككى هككككككؤلء{ والككككككذي مكككككككث الكككككككافر‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا بشر‪ ,‬حدثنا يزيد‪ ,‬حدثنا شكعبة عكن قتككادة‬
‫}مذبذبين بين ذلككك ل إلككى هككؤلء ول إلككى هككؤلء{ يقككول‪ :‬ليسككوا‬
‫بمؤمنين مخلصين‪ ,‬ول مشركين مصرحين بالشرك‪ ,‬قال‪ :‬وذكر لنا‬
‫أن نككبي اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم كككان يضككرب مثل ً للمككؤمن‬
‫وللمنافق وللكافر كمثل رهط ثلثة دفعوا إلى نهر فوقككع المككؤمن‬
‫فقطع‪ ,‬ثم وقع المنككافق حككتى إذا كككاد يصككل إلككى المككؤمن‪ ,‬نككاداه‬
‫الكافر‪ ,‬أن هلم إلي فإني أخشى عليك‪ ,‬ونككاداه المككؤمن‪ :‬أن هلككم‬
‫إلي فإن عندي وعندي يحظى له ما عنده‪ ,‬فما زال المنافق يتردد‬
‫بينهما حتى أتى أذى فغرقه‪ ,‬وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة‬
‫حتى أتى عليه الموت وهو كذلك‪ ,‬قال‪ :‬وذكر لنا أن نبي الله صلى‬
‫اللككه عليككه وسككلم كككان يقككول‪» :‬مثككل المنككافق كمثككل ثاغيككة بيككن‬
‫غنمين‪ ,‬رأت غنما ً على نشز فأتتها وشامتها فلككم تعككرف‪ ,‬ثككم رأت‬
‫غنما ً على نشز فأتتها فشامتها فلككم تعككرف«‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪:‬‬
‫ل{ أي ومن صرفه عككن طريككق‬ ‫}ومن يضلل الله فلن تجد له سبي ً‬
‫الهدى }فلن تجد له وليا ً مرشدًا{ ‪ ,‬ول منقككذ لهككم ممككا هككم فيككه‪,‬‬
‫فإنه تعالى ل معقب لحكمه ول يسككأل عمككا يفعككل وهككم يسككألون‪.‬‬
‫كافري َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن أوْل َِيآَء ِ‬‫ذوا ْ ال ْ َ ِ ِ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫أ َتريدو َ‬
‫ن فِككي‬ ‫من َككافِِقي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫مِبينكا ً * إ ِ ّ‬ ‫طانا ً ّ‬ ‫سل ْ َ‬‫م ُ‬ ‫جعَُلوا ْ لل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن أن ت َ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫ن ت َككاُبوا ْ‬ ‫ذي َ‬‫صككيرا ً * إ ِل ّ ال ّك ِ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫جكد َ ل َهُك ْ‬‫ن الّنارِ وَل َككن ت َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سَف ِ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫الد ّْر ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫مع َ ال ْ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫م لل ّهِ فَأوَْلـئ ِ َ‬ ‫صوا ْ ِدين َهُ ْ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫موا ْ ِبالل ّهِ وَأ ْ‬ ‫حوا ْ َواعْت َ َ‬
‫ص ُ‬ ‫صل َ ُ‬
‫وَأ ْ‬
‫ف يؤْت الل ّه ال ْمؤْمِني َ‬
‫م‬‫ذاب ِك ُ ْ‬ ‫ه ب ِعَك َ‬ ‫ل الل ّك ُ‬ ‫ما ي َْفعَ ُ‬‫ظيما ً * ّ‬ ‫جرا ً عَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ُ ِ َ‬ ‫سو ْ َ ُ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫كرا ً عَِليمككككككا ً‬ ‫شككككككا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّكككككك ُ‬ ‫م وَك َككككككا َ‬ ‫من ْت ُكككككك ْ‬‫م َوآ َ‬ ‫شككككككك َْرت ُ ْ‬ ‫ِإن َ‬
‫‪257‬‬
‫ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أوليككاء مككن‬
‫دون المؤمنين يعني مصاحبتهم ومصادقتهم‪ ,‬ومناصحتهم وإسككرار‬
‫المودة إليهم‪ ,‬وإفشاء أحوال المككؤمنين الباطنككة إليهككم‪ ,‬كمككا قككال‬
‫تعالى‪} :‬ل يتخككذ المؤمنككون الكككافرين أوليككاء مككن دون المككؤمنين‬
‫ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إل أن تتقكوا منهكم تقكاة‬
‫ويحذركم اللككه نفسككه{ أي يحككذركم عقككوبته فككي ارتكككابكم نهيككه‪,‬‬
‫ولهذا قال ههنا‪} :‬أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا ً مبينًا{ أي‬
‫حجة عليكم في عقوبته إياكم‪ .‬قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪,‬‬
‫حدثنا مالك بن إسماعيل‪ ,‬حدثنا سفيان بن عيينككة عككن عمككرو بككن‬
‫دينار‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس قوله‪} :‬سلطانا ً مبينًا{ قال كككل‬
‫سلطان في القرآن حجة‪ ,‬وهذا إسكناد صكحيح‪ ,‬وككذا قكال مجاهكد‬
‫وعكرمة وسعيد بن جككبير ومحمككد بككن كعككب القرظككي والضككحاك‬
‫والسككككككككككككككدي والنضككككككككككككككر بككككككككككككككن عربككككككككككككككي‪.‬‬
‫ثم أخبرنا تعالى } إن المنافقين في الدرك السككفل مككن النككار{‬
‫أي يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ‪ .‬قككال الوالككبي عككن ابككن‬
‫عباس }في الدرك السفل من النار{ أي في أسفل النككار‪ ,‬وقككال‬
‫غيره‪ :‬النار دركات كما أن الجنة درجات‪ ,‬وقال سفيان الثوري عن‬
‫عاصم‪ ,‬عن ذكوان أبي صالح‪ ,‬عن أبي هريرة }إن المنافقين فككي‬
‫الدرك السفل من النار{ قال في توابيت ترتككج عليهككم‪ :‬كككذا رواه‬
‫ابن جرير عن ابن وكيع‪ ,‬عن يحيى بن يمان‪ ,‬عككن سككفيان الثككوري‬
‫به‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان‪ ,‬عن عبيد اللككه بككن‬
‫موسى‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن أبي صالح‪ ,‬عن أبي هريرة‪,‬‬
‫}إن المنافقين في الدرك السفل من النار{ قال‪ :‬الدرك السفل‬
‫بيوت لها أبواب تطبق عليهم‪ ,‬فتوقد من تحتهم ومن فوقهم‪ .‬قككال‬
‫ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن بشار‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬حدثنا سككفيان عككن‬
‫سلمة بن كهيل‪ ,‬عن خيثمة‪ ,‬عن عبد الله يعنكي ابكن مسكعود }إن‬
‫المنافقين في الدرك السفل من النار{ قال‪ :‬في توابيت من نككار‬
‫تطبق عليهم أي مغلقة مقفلة‪ ,‬ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد‬
‫الشج‪ ,‬عن وكيع‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن سككلمة‪ ,‬عككن خيثمككة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫مسعود }إن المنافقين في الدرك السفل مككن النككار{ قككال‪ :‬فككي‬
‫توابيت من حديد مبهمة عليهم‪ ,‬ومعنكى قكوله‪ :‬مبهمكة‪ ,‬أي مغلقكة‬
‫مقفلكككككككككككككة ل يهتكككككككككككككدى لمككككككككككككككان فتحهكككككككككككككا‪.‬‬
‫‪258‬‬
‫وروى ابن أبي حاتم‪ ,‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا أبو سلمة‪ ,‬حدثنا حماد بن‬
‫سلمة‪ ,‬أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبككد الرحمككن أن ابككن‬
‫مسعود سئل عن المنافقين‪ ,‬فقال‪ :‬يجعلون فككي تككوابيت مككن نككار‬
‫تطبق عليهم في أسفل درك من النار }ولن تجد لهم نصككيرًا{ أي‬
‫ينقذهم مما هم فيه ويخرجهم من أليم العذاب‪ ,‬ثم أخبر تعالى أن‬
‫من تاب منهم في الككدنيا‪ ,‬تككاب عليككه وقبككل نككدمه إذا أخلككص فككي‬
‫توبته وأصلح عمله‪ ,‬واعتصم بربه في جميككع أمككره‪ ,‬فقككال تعككالى‪:‬‬
‫}إل الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم للككه{ أي‬
‫بدلوا الرياء بالخلص فينفعهم العمل الصككالح وإن قككل‪ ,‬قككال ابككن‬
‫أبي حاتم‪ :‬حدثنا يونس بن عبككد العلكى قككراءة‪ ,‬أنبأنكا ابكن وهككب‪,‬‬
‫أخبرني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر‪ ,‬عن خالككد بككن أبككي‬
‫عمران‪ ,‬عن عمران عن عمرو بككن مككرة‪ ,‬عككن معككاذ بككن جبككل أن‬
‫رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪» :‬أخلككص دينككك يكفككك‬
‫القليل من العمل«‪} .‬فأولئك مع المؤمنين{ أي في زمرتهككم يككوم‬
‫القيامة }وسوف يؤت الله المؤمنين أجرًاعظيمًا{ ثم قككال تعككالى‬
‫مخبرًاعن غناه عما سواه‪ ,‬وأنه إنمكا يعكذب العبكاد بكذنوبهم فقكال‬
‫تعالى‪} :‬ما يفعل الله بعككذابكم إن شكككرتم وآمنتككم{ أي أصككلحتم‬
‫العمل وآمنتم بالله ورسوله }وكككان اللككه شككاكرا ً عليمكًا{ أي مككن‬
‫شكر شكر له‪ ,‬ومن آمن قلبه بكه علمكه وجكازاه علكى ذلكك أوفكر‬
‫الجكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككزاء‪.‬‬
‫ن الل ّك ُ‬
‫ه‬ ‫مككن ظ ُل ِك َ‬
‫م وَك َككا َ‬ ‫ل إ ِل ّ َ‬‫ن ال َْقوْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سوَِء ِ‬ ‫جهَْر ِبال ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫ب الل ّ ُ‬ ‫** ل ّ ي ُ ِ‬
‫ح ّ‬
‫َ‬ ‫خْيرا ً أ َوْ ت ُ ْ‬
‫ن‬‫س كوٍَء فَ كإ ِ ّ‬ ‫خُفوهْ أوْ ت َعُْفككوا ْ عَككن ُ‬ ‫دوا ْ َ‬‫ميعا ً عَِليما ً * ِإن ت ُب ْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ديرا ً‬ ‫ً‬
‫ن عَُفككككككككككككككككوّا َقكككككككككككككككك ِ‬ ‫ه كككككككككككككككككا َ‬ ‫َ‬ ‫اللكككككككككككككككك َ‬ ‫ّ‬
‫لية يقول‪ :‬ل يحب الله‬ ‫قال ابن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس في ا َ‬
‫أن يدعو أحد على أحد إل أن يكون مظلوما ً فإنه قد أرخص له أن‬
‫يدعو على من ظلمه وذلك قوله‪} :‬إل من ظلككم{ وإن صككبر فهككو‬
‫خير له وقال أبو داود حدثنا عبد الله بككن معككاذ حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫سفيان‪ ,‬عن حككبيب‪ ,‬عككن عطككاء‪ ,‬عككن عائشككة‪ ,‬قككالت‪ :‬سككرق لهككا‬
‫شيء فجعلت تدعو عليه‪ ,‬فقال النبي صلى اللككه عليككه وسككلم »ل‬
‫تسبخي عنه« وقال الحسن البصري‪ :‬ل يدع عليككه‪ ,‬وليقككل‪ :‬اللهككم‬
‫‪259‬‬
‫أعني عليه‪ ,‬واستخرج حقي منه‪ ,‬وفي رواية عنه قال‪ :‬قكد أرخكص‬
‫لكككه أن يكككدعو علكككى مكككن ظلمكككه مكككن غيكككر أن يعتكككدي عليكككه‪.‬‬
‫وقال عبد الكريم بن مالك الجزري فككي هككذه ا َ‬
‫ليككة‪ :‬هككو الرجككل‬
‫يشتمك فتشتمه‪ ,‬ولكككن إن افككترى عليككك فل تفككتر عليككه‪ ,‬لقككوله‪:‬‬
‫}ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل{‪ .‬وقككال أبككو‬
‫داود‪ :‬حدثنا القعنبي‪ ,‬حدثنا عبد العزيز بن محمككد عككن العلء‪ ,‬عككن‬
‫أبيه‪ ,‬عن أبي هريرة أن رسول الله صلى اللكه عليكه وسكلم قككال‪:‬‬
‫»المستّبان ما قال‪ ,‬فعلى البادىء منهمككا مككا لككم يعتككد المظلككوم«‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬أنبأنا المثنى بن الصباح عككن مجاهككد فككي قككوله‬
‫}ل يحب الله الجهر بالسوء من القول إل من ظلم{ قككال‪ :‬ضككاف‬
‫لفلم يؤد إليه حق ضيافته‪ ,‬فلما خرج أخبر الناس فقككال‪:‬‬ ‫رجل رج ً‬
‫ضفت فلنا ً فلم يؤد إلي حق ضيافتي‪ ,‬قال‪ :‬فذلك الجهككر بالسككوء‬
‫لخر إليكه حكق ضكيافته‪ .‬وقكال‬ ‫من القول إل من ظلم حتى يؤدي ا َ‬
‫ابن إسحاق‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد }ل يحككب اللككه الجهككر‬
‫بالسوء مككن القككول إل مككن ظلككم{ قككال‪ :‬قككال‪ :‬هككو الرجككل ينككزل‬
‫بالرجل فل يحسن ضككيافته‪ ,‬فيخككرج فيقككول‪ :‬أسككاء ضككيافتي ولككم‬
‫يحسن‪ ,‬وفي رواية‪ :‬هو الضيف المحول رحله‪ ,‬فإنه يجهر لصككاحبه‬
‫بالسوء من القول‪ ,‬وكذا روي عن غير واحد عن مجاهد نحككو هككذا‪,‬‬
‫وقد روى الجماعة سوى النسائي والترمذي من طريق الليث بككن‬
‫سعد‪ ,‬والترمذي من حديث ابن لهيعة‪ ,‬كلهمككا عككن يزيككد بككن أبككي‬
‫حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عككامر‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قلنا‪ :‬يارسول الله‪ ,‬إنك تبعثنا فننزل بقوم فل يقرونا‪ ,‬فما ترى في‬
‫ذلك ؟ فقال‪» :‬إذا نزلتم بقككوم فككأمروا لكككم بمككا ينبغككي للضككيف‪,‬‬
‫فاقبلوا منهم‪ ,‬وإن لم تفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي‬
‫لهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككم«‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت أبا‬
‫الجودي يحدث عن سعيد بن مهاجر عن المقدام بن أبككي كريمككة‪,‬‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪» :‬أيما مسلم ضاف قوما ً‬
‫فأصبح الضيف محرومًا‪ ,‬فإن حقا ً على كل مسلم نصره حتى يأخذ‬
‫بقرى ليلته من زرعه وماله« تفرد به أحمد من هذا الككوجه‪ ,‬وقككال‬
‫أحمد أيضًا‪ :‬حدثنا يحيى بن سككعيد عككن شككعبة‪ ,‬عككن منصككور‪ ,‬عككن‬
‫الشعبي‪ ,‬عن المقدام بن أبي كريمة‪ ,‬سمع رسول الله صلى اللككه‬
‫‪260‬‬
‫عليه وسلم يقول‪» :‬ليلككة الضككيف واجبككة علككى كككل مسككلم‪ ,‬فككإن‬
‫أصبح بفنائه محروما ً كان دينا ً له عليه‪ ,‬فإن شاء اقتضاه وإن شككاء‬
‫تركه«‪ .‬ثم رواه أيضًاعن غندر عن شعبة‪ .‬وعن زياد بككن عبككد اللككه‬
‫البكائي عن وكيع وأبككي نعيككم‪ ,‬عككن سككفيان الثككوري‪ ,‬ثلثتهككم عككن‬
‫منصور به‪ ,‬وكذا رواه أبو داود من حديث أبي عوانككة عككن منصككور‬
‫ومن هككذه الحكاديث وأمثالهككا‪ ,‬ذهكب أحمككد وغيكره إلككى وجككوب‬
‫الضيافة‪ ,‬ومن هككذا القبيككل الحككديث الككذي رواه الحككافظ أبككو بكككر‬
‫البزار‪ :‬حدثنا عمرو بن علي حدثنا صفوان بن عيسى‪ ,‬حدثنا محمد‬
‫بن عجلن عن أبيه‪ ,‬عن أبي هريرة أن رجل ً أتى النبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬إن لي جارا ً يؤذيني‪ ,‬فقال لككه »أخككرج متاعككك‬
‫فضعه على الطريق«‪ ,‬فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريككق‪,‬‬
‫فكل من مر به قال‪ :‬مالك ؟ قال‪ :‬جككاري يككؤذيني‪ ,‬فيقككول‪ :‬اللهككم‬
‫العنه‪ ,‬اللهم أخزه‪ ,‬قال‪ :‬فقال الرجل‪ :‬ارجع إلى منزلككك‪ ,‬واللككه ل‬
‫أوذيك أبدًا‪ ,‬وقد رواه أبو داود في كتاب الدب عن أبي توبة الربيع‬
‫بن نافع‪ ,‬عن سليمان بن حيان أبي خالككد الحمككر عككن محمككد بككن‬
‫عجلن به‪ ,‬ثم قال البزار‪ :‬ل نعلمه يروي عن أبككي هريككرة إل بهككذا‬
‫السناد‪ ,‬ورواه أبو جحيفة وهب بن عبد الله عن النبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬ويوسف بن عبد الله بن سلم عن النككبي صككلى اللككه‬
‫عليكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه وسكككككككككككككككككككككككككككككككككككككلم‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬إن تبدوا خيرا ً أو تخفوه أو تعفككوا عككن سككوء فككإن اللككه‬
‫كان عفوا ً قديرًا{ أي إن تظهروا أيها الناس خيككرا ً أو أخفيتمككوه أو‬
‫عفوتم عمن أساء إليكم‪ ,‬فإن ذلك مما يقربكم عنككد اللككه ويجككزل‬
‫ثوابكم لديه‪ ,‬فإن من صفاته تعالى أن يعفو عن عباده مككع قككدرته‬
‫على عقابهم‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬فإن الله كان عفوا ً قديرًا{‪ ,‬ولهككذا ورد‬
‫في الثر أن حملة العرش يسبحون الله‪ ,‬فيقول بعضهم‪ :‬سبحانك‬
‫على حلمك بعد علمك‪ ,‬ويقول بعضهم‪ :‬سبحانك على عفككوك بعككد‬
‫قدرتك‪ ,‬وفي الحديث الصحيح »ما نقص مال مككن صككدقة‪ ,‬ول زاد‬
‫اللككككه عبككككدا ً بعفككككو إل عككككزًا‪ ,‬ومككككن تواضككككع للككككه رفعككككه«‪.‬‬
‫‪261‬‬
‫** إن ال ّذين يك ُْفرون بالل ّه ورسل ِه ويري كدو َ‬
‫ن الل ّك ِ‬
‫ه‬ ‫ن أن ي َُفّرقُككوا ْ ب َي ْك َ‬ ‫ِ َ َ ُ َ ِ ِ َُ ُ ِ َُ ِ ُ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ذوا ْ‬ ‫َ‬
‫خك ُ‬‫ن أن ي َت ّ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ك ُ‬
‫ِ‬ ‫ض وَي ُ‬
‫ٍ‬ ‫ض وَن َك ُْف كُر ب ِب َعْ ك‬
‫ٍ‬ ‫ن ب ِب َعْ‬
‫م ُ‬‫ن ن ُؤْ ِ‬‫سل ِهِ َويُقوُلو َ‬ ‫وَُر ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫حّقكا ً وَأعْت َكد َْنا ل ِ َل ْك َككافِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ال ْك َككافُِرو َ‬ ‫ك هُ ك ُ‬‫سكِبيل ً * أوَْلـكئ ِ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬‫ب َي ْ َ‬
‫م‬ ‫من ْهُ ْ‬‫حدٍ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ي َُفّرُقوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫سل ِهِ وَل َ ْ‬ ‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫مِهينا ً * َوال ّ ِ‬‫ذابا ً ّ‬ ‫عَ َ‬
‫حيمكككا ً‬ ‫ه غَُفكككورا ً ّر ِ‬ ‫ف يكككؤِْتيه ُ‬ ‫أ ُوَْلـكككئ ِ َ‬
‫ن الل ّككك ُ‬ ‫م وَك َكككا َ‬ ‫جكككوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫سكككوْ َ ُ‬ ‫ك َ‬
‫يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله‪ ,‬من اليهود والنصككارى‬
‫حيث فرقوا بين اللككه ورسككله فككي اليمككان فككآمنوا ببعككض النبيككاء‬
‫وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة‪ ,‬ومككا ألفككوا عليككه آبككاءهم ل‬
‫عن دليل قادهم إلى ذلك‪ ,‬فإنه ل سبيل لهم إلى ذلك‪ ,‬بككل بمجككرد‬
‫الهوى والعصبية‪ ,‬فاليهود ك عليهم لعككائن اللككه ك ك آمنككوا بالنبيككاء إل‬
‫عيسى ومحمد عليهما الصلة والسككلم‪ ,‬والنصككارى آمنككوا بالنبيككاء‬
‫وكفككروا بخككاتمهم وأشككرفهم محمككد صككلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫ي بعد يوشككع خليفككة موسككى بككن عمككران‪,‬‬ ‫والسامرة ل يؤمنون بنب ّ‬
‫والمجوس يقال إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهككم يقككال لككه زرادشككت‪,‬‬
‫ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم‪ ,‬والله أعلككم‪ ,‬والمقصككود‬
‫أن من كفر بنبي من النبياء فقد كفر بسائر النبيككاء فككإن اليمككان‬
‫واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الرض‪ ,‬فمككن رد نبككوته للحسككد‬
‫أو العصبية أو التشهي‪ ,‬تبين أن إيمككانه بمككن آمككن بككه مككن النبيككاء‬
‫ليس إيمانا ً شرعيًا‪ ,‬إنما هو عن غرض وهوى وعصبية‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫تعالى‪} :‬إن الذين يكفرون{ با لله ورسككله فوسككمهم بككأنهم كفككار‬
‫بالله ورسله‪ ,‬ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله أي في اليمان‪,‬‬
‫}ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلككك‬
‫ل{ أي طريقا ً ومسلكًا‪ ,‬ثم أخككبر تعككالى عنهككم فقككال‪} :‬أولئك‬ ‫سبي ً‬
‫هم الكافرون حقًا{ أي كفرهم محقق ل محالة بمن ادعوا اليمان‬
‫به‪ ,‬لنه ليس شرعيا ً إذ لو كككانوا مككؤمنين بككه لكككونه رسككول اللككه‪,‬‬
‫لمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليل ً وأقوى برهان كا ً منككه‪ ,‬أو نظككروا‬ ‫َ‬
‫حككككككككككككككككق النظككككككككككككككككر فككككككككككككككككي نبككككككككككككككككوته‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬وأعتدنا للكافرين عذابا ً مهين كًا{ أي كمككا اسككتهانوا بمككن‬
‫كفروا به‪ ,‬إما لعدم نظرهم فيما جككاءهم بككه مككن اللككه وإعراضككهم‬
‫عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما ل ضرورة بهم إليه‪ ,‬وإمككا‬
‫بكفرهم به بعد علمهككم بنبككوته‪ ,‬كمككا كككان يفعلككه كككثير مككن أحبككار‬
‫اليهود في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيككث حسككدوه‬
‫‪262‬‬
‫على ما آتاه الله مككن النبككوة العظيمككة وخككالفوه وكككذبوه وعككادوه‬
‫وقككاتلوه‪ ,‬فسككلط اللككه عليهككم الككذل الككدنيوي الموصككول بالككذل‬
‫الخروي }وضككربت عليهككم الذلككة والمسكككنة وبككاؤوا بغضككب مككن‬
‫لخرة‪ .‬وقوله‪} :‬والذين آمنوا بالله ورسككله ولككم‬ ‫الله{ في الدنيا وا َ‬
‫يفرقوا بين أحد منهم{ يعنككي بككذلك أمككة محمككد صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله وبكككل نككبي بعثككه اللككه‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬آمن الرسول بما أنزل إليه من ربككه والمؤمنككون‬
‫كل آمن با لله{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬ثم أخككبر تعككالى بككأنه قككد أعككد لهككم الجككزاء‬
‫الجزيل والثواب الجليل والعطككاء الجميككل‪ ,‬فقككال‪} :‬أولئك سككوف‬
‫يؤتيهم أجورهم{ على ما آمنوا بكالله ورسكله }وككان اللكه غفكورا ً‬
‫رحيمكككككًا{ أي لكككككذنوبهم‪ ,‬أي إن ككككككان لبعضكككككهم ذنكككككوب‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ل ال ْكتكاب َ‬ ‫ك أَ‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫** يسأ َ‬
‫مآِء فََقكد ْ‬ ‫سك َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫مك‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫تابك‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫هك‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫نك‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫هك‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫خكذ َت ْهُ ُ‬ ‫جهْكَرةً فَأ َ‬ ‫ك فََقككال ُوَا ْ أرِن َككا الل ّكهِ َ‬ ‫مككن ذ َِلك َ‬ ‫ى أك ْب َكَر ِ‬ ‫سك َ‬ ‫مو َ‬ ‫سكأُلوا ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ْ‬
‫م الب َي ّن َككا ُ‬ ‫جككآَءت ْهُ ُ‬ ‫مككا َ‬ ‫مككن ب َعْ كدِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ْ‬
‫ذوا العِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ات ّ َ‬‫م ثُ ّ‬ ‫مه ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ة ب ِظل ِ‬ ‫عَق ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬ ‫مِبينكا ً * وََرفَعَْنكا َفكوْقَهُ ُ‬ ‫طانا ً ّ‬ ‫سكل ْ َ‬ ‫ى ُ‬ ‫سك َ‬ ‫مو َ‬ ‫ك َوآت َي َْنكا ُ‬ ‫عكن ذ َِلك َ‬ ‫فَعََفوَْنا َ‬
‫دوا ْ‬ ‫م ل َ ت َعْ ك ُ‬ ‫جدا ً وَقُل َْنا ل َهُ ك ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫خُلوا ْ ال َْبا َ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫م وَقُل َْنا ل َهُ ُ‬ ‫ميَثاقِهِ ْ‬ ‫طوَر ب ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ميَثاقكككككككا ً غَِليظكككككككا ً‬ ‫م ّ‬ ‫من ْهُككككككك ْ‬ ‫خكككككككذ َْنا ِ‬ ‫ت وَأ َ َ‬ ‫سكككككككب ْ ِ‬ ‫فِكككككككي ال ّ‬
‫قال محمد بن كعككب القرظككي والسككدي وقتككادة‪ :‬سككأل اليهككود‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم أن ينككزل عليهككم كتابكا ً مككن‬
‫السماء كما نزلت التوراة على موسى مكتوبككة‪ ,‬قككال ابككن جريككج‪:‬‬
‫سألوه أن ينزل عليهككم صككحفا ً مككن اللككه مكتوبككة إلككى فلن وفلن‬
‫وفلن بتصككديقه فيمككا جككاءهم بككه‪ ,‬وهككذا إنمككا قككالوه علككى سككبيل‬
‫التعنت والعناد والكفر واللحاد‪ ,‬كما سأل كفار قريش قبلهم نظير‬
‫ذلك كما هو مذكور في سورة سبحان }وقالوا لن نؤمن لك حككتى‬
‫ليككات‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬فقككد‬ ‫تفجر لنككا مككن الرض ينبوعكًا{ ا َ‬
‫سككألوا موسككى أكككبر مككن ذلكك فقككالوا أرنككا اللككه جهككرة فأخككذتهم‬
‫الصاعقة بظلمهم{ أي بطغيانهم وبغيهم‪ ,‬وعتوهم وعنادهم‪ ,‬وهككذا‬
‫مفسر في سورة البقرة حيث يقول تعالى‪} :‬وإذ قلتم يككا موسككى‬
‫لككن نككؤمن لككك حككتى نككرى اللككه جهككرة فأخككذتكم الصككاعقة وأنتككم‬
‫تنظكككرون ثكككم بعثنكككاكم مكككن بعكككد مكككوتكم لعلككككم تشككككرون{‪.‬‬
‫‪263‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ثم اتخذوا العجل من بعدما جاءتهم البينككات{ أي‬
‫ليات الباهرة والدلة القاهرة على يد موسككى‬ ‫من بعدما رأوا من ا َ‬
‫عليه السلم في بلد مصر‪ ,‬وما كككان مككن إهلك عككدوهم فرعككون‬
‫وجميع جنوده في اليم‪ ,‬فما جاوزوه إل يسيرًا‪ ,‬حتى أتوا على قوم‬
‫يعكفون على أصنام لهم فقالوا لموسى }اجعل لنا إلهكا ً كمككا لهككم‬
‫ليتين‪ ,‬ثم ذكر تعالى قصة اتخاذهم العجككل مبسككوطة فككي‬ ‫آلهة{ ا َ‬
‫سورة العراف‪ ,‬وفي سورة طه‪ ,‬بعد ذهاب موسككى إلككى مناجككاة‬
‫الله عز وجل‪ ,‬ثم لما رجع وكان مككا كككان‪ ,‬جعككل اللككه تككوبتهم مككن‬
‫الذي صنعوه وابتدعوه‪ ,‬أن يقتل مككن لككم يعبككد العجككل منهككم مككن‬
‫عبده‪ ,‬فجعل يقتل بعضهم بعضًا‪ ,‬ثم أحياهم الله عككز وجككل‪ ,‬وقككال‬
‫الله تعالى‪} :‬فعفونا عككن ذلككك وآتينككا موسككى سككلطانا ً مبينكًا{ ثككم‬
‫قال‪} :‬ورفعنا فوقهم الطور بميثككاقهم{ وذلككك حيككن امتنعككوا مككن‬
‫اللتزام بأحكام التوراة‪ ,‬وظهر منهم إباء عمككا جككاءهم بككه موسككى‬
‫عليه السلم‪ ,‬ورفع الله على رؤوسككهم جب ً‬
‫ل‪ ,‬ثككم ألزمككوا فككالتزموا‬
‫وسجدوا‪ ,‬وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسككهم‪ ,‬خشككية أن يسككقط‬
‫عليهم‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلككة وظنككوا‬
‫أنه واقع بهم خذوا مككا آتينككاكم بقككوة{ ا َ‬
‫ليككة‪} ,‬وقلنككا لهككم ادخلككوا‬
‫الباب سجدًا{ أي فخالفوا ما أمروا به من القككول والفعككل‪ ,‬فككإنهم‬
‫أمروا أن يدخلوا باب بيت القدس سجدا ً وهككم يقولككون حطككة‪ ,‬أي‬
‫اللهم حط عنا ذنوبنا في تركنا الجهاد ونكولنا عنه‪ ,‬حككتى تهنككا فككي‬
‫التيه أربعين سنة‪ ,‬فدخلوا يزحفون علكى أسكتاههم وهكم يقولكون‪:‬‬
‫حنطة في شعرة }وقلنا لهم ل تعدوا فككي السككبت{ أي وصككيناهم‬
‫بحفظ السبت والتزام ما حرم الله عليهم‪ ,‬مككا دام مشككروعا ً لهككم‬
‫}وأخذنا منهم ميثاقا ً غليظًا{ أي شديدًا‪ ,‬فخالفوا وعصككوا وتحيلككوا‬
‫على ارتكاب ما حرم الله عز وجل‪ ,‬كما هككو مبسككوط فككي سككورة‬
‫العراف عند قككوله‪} :‬واسككألهم عككن القريككة الككتي كككانت حاضككرة‬
‫ليككات‪ ,‬وسككيأتي حككديث صككفوان بككن عسككال فككي سككورة‬ ‫البحر{ ا َ‬
‫سبحان عند قوله‪} :‬ولقد آتينا موسككى تسككع آيككات بينككات{ وفيككه‪:‬‬
‫وعليككككككم خاصكككككة يهكككككود أن ل تعكككككدوا فكككككي السكككككبت‪.‬‬
‫‪264‬‬
‫ر‬
‫م الن ْب ِي َككآَء ب ِغَي ْك ِ‬ ‫ت الل ّهِ وَقَت ْل ِهِ ك ُ‬ ‫هم َبآَيا ِ‬ ‫م وَك ُْفرِ ِ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ضه ِ ْ‬‫ما ن َْق ِ‬ ‫** فَب ِ َ‬
‫ن إ ِل ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م فَل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫ه عَل َي َْها ب ِك ُْفرِهِ ْ‬ ‫ل ط َب َعَ الل ّ ُ‬ ‫ف بَ ْ‬ ‫م قُُلوب َُنا غُل ْ ٌ‬ ‫حقّ وَقَوْل ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫م إ ِن ّككا‬ ‫ظيمكا ً * وَقَكوْل ِهِ ْ‬ ‫م ب ُهَْتانا ً عَ ِ‬ ‫مْري َ َ‬‫ى َ‬ ‫م عَل َ‬
‫م وَقَوْل ِه ْ َ‬
‫ِ‬ ‫قَِليل ً * وَب ِك ُْفرِهِ ْ‬
‫ص كل َُبوهُ‬ ‫مككا َ‬ ‫ما قَت َُلوهُ وَ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَت َل َْنا ال ْ َ‬
‫ه‬
‫م ب ِك ِ‬ ‫مككا ل َهُ ك ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ك ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫خت َل َُفوا ْ ِفيهِ ل َِفي َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫كن ُ‬
‫شب ّ َ‬ ‫وََلـ ِ‬
‫ن‬ ‫ه إ ِل َي ْهِ وَك َككا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ما قَت َُلوهُ ي َِقينا ً * َبل ّرفَعَ ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِل ّ ات َّباعَ الظ ّ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫مككوْت ِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ب ِهِ قَب ْ َ‬ ‫من َ ّ‬‫ب إ ِل ّ ل َي ُؤْ ِ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬‫كيما ً * وَِإن ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزا ً َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫شكككككككككهيدا ً‬ ‫م َ‬ ‫ن عَل َي ِْهككككككككك ْ‬ ‫ككككككككككو ُ‬ ‫مكككككككككةِ ي َ ُ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫وََيكككككككككوْ َ‬
‫ِ‬
‫وهذه من الذنوب التي ارتكبوها‪ ,‬ممككا أوجككب لعنتهككم وطردهككم‬
‫وإبعادهم عن الهدى‪ ,‬وهو نقضهم المواثيككق والعهككود الككتي أخككذت‬
‫عليهم‪ ,‬وكفرهم بآيات الله‪ ,‬أي حججه وبراهينه‪ ,‬والمعجزات الككتي‬
‫شاهدوها على يد النبياء عليهكم السكلم‪ ,‬قكوله‪} :‬وقتلهكم النبيكاء‬
‫بغير حق{ وذلك لكثرة إجرامهم واجترائهم على أنبياء الله‪ ,‬فإنهم‬
‫قتلوا جمعا ً غفيككرا ً مككن النبيككاء عليهككم السككلم‪ .‬وقككولهم‪} :‬قلوبنككا‬
‫غلف{ قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسككدي‬
‫وقتادة وغير واحد‪ :‬أي في غطاء‪ ,‬وهذا كقول المشركين }وقككالوا‬
‫لية‪ ,‬وقيل معناه أنهم ادعككوا أن‬ ‫قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه{ ا َ‬
‫قلككوبهم غلككف للعلككم‪ ,‬أي أوعيككة للعلككم قككد حككوته وحصككلته‪ ,‬رواه‬
‫الكلبي عن أبي صككالح‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬وقككد تقككدم نظيككره فككي‬
‫سورة البقرة‪ ,‬قال الله تعككالى‪} :‬بككل طبككع اللككه عليهككا بكفرهككم{‬
‫فعلى القكول الول ككأنهم يعتكذرون إليكه بكأن قلكوبهم ل تعكي مكا‬
‫يقول‪ ,‬لنها في غلف وفي أكنة‪ ,‬قال الله‪ :‬بكل هكي مطبكوع عليهكا‬
‫بكفرهم وعلى القول الثاني‪ :‬عكس عليهم ما ادعوه من كل وجه‪,‬‬
‫وقد تقدم الكلم على مثل هذا في سورة البقرة }فل يؤمنككون إل‬
‫ل{ أي تمرنككت قلككوبهم علككى الكفككر والطغيككان‪ ,‬وقلكة اليمككان‬ ‫قلي ً‬
‫}وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا ً عظيمًا{ قككال علككي بككن أبككي‬
‫طلحكة عكن ابكن عبكاس‪ :‬يعنكي أنهكم رموهكا بالزنكا‪ ,‬وككذلك قكال‬
‫السدي وجويبر ومحمد بن إسككحاق وغيككر واحككد‪ ,‬وهككو ظككاهر مككن‬
‫لية‪ ,‬أنهككم رموهككا وابنهككا بالعظككائم‪ ,‬فجعلوهككا زانيككة وقككد حملككت‬ ‫ا َ‬
‫بولدها مككن ذلككك‪ ,‬زاد بعضككهم‪ :‬وهككي حككائض فعليهككم لعككائن اللككه‬
‫المتتابعة إلى يوم القيامة‪ ,‬وقولهم‪} :‬إنا قتلنا المسيح عيسككى بككن‬
‫مريككم رسككول اللككه{ أي هككذا الككذي يككدعي لنفسككه هككذا المنصككب‬
‫‪265‬‬
‫قتلناه‪ ,‬وهذا منهم من باب التهكم والستهزاء‪ ,‬كقككول المشككركين‬
‫}يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون{ وكان من خبر اليهود‪,‬‬
‫عليهم لعكائن اللكه وسكخطه وغضكبه وعقكابه‪ ,‬أنكه لمكا بعكث اللكه‬
‫عيسى بن مريم بالبينات والهدى حسدوه على ما آتاه الله تعككالى‬
‫مككن النبككوة والمعجككزات البككاهرات الككتي كككان يككبريء بهككا الكمككه‬
‫والبرص ويحيي الموتى بإذن الله‪ ,‬ويصور من الطيككن طككائرًا‪ ,‬ثككم‬
‫ينفخ فيه‪ ,‬فيكون طائرا ً يشاهد طيرانه بإذن اللككه عككز وجككل‪ ,‬إلككى‬
‫غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراهككا علككى يككديه‪,‬‬
‫ومع هذا كذبوه وخالفوه وسككعوا فككي أذاه بكككل مككا أمكنهككم حككتى‬
‫جعل نبي الله عيسى عليه السلم‪ ,‬ل يساكنهم في بلدة‪ ,‬بل يكككثر‬
‫السياحة هو وأمه عليهما السلم‪ ,‬ثم لم يقنعهم ذلك‪ ,‬حككتى سككعوا‬
‫إلى ملك دمشق في ذلك الزمان‪ ,‬وكككان رجل ً مشككركا ً مككن عبككدة‬
‫الكواكب‪ ,‬وكان يقال لهل ملته اليونان‪ ,‬وأنهوا إليككه أن فككي بيككت‬
‫المقدس رجل ً يفتن الناس ويضلهم‪ ,‬ويفسد علككى الملككك رعايككاه‪,‬‬
‫فغضب الملك من هذا وكتب إلى نائبه بالمقدس أن يحتككاط علككى‬
‫هذا المذكور‪ ,‬وأن يصلبه ويضع الشككوك علككى رأسككه‪ ,‬ويكككف أذاه‬
‫عن الناس‪ ,‬فلما وصل الكتاب امتثككل والككي بيككت المقككدس ذلككك‪,‬‬
‫وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيككه عيسككى عليككه‬
‫السلم‪ ,‬وهو في جماعة من أصككحابه اثنككي عشككر أو ثلثككة عشككر‪,‬‬
‫وقيل سبعة عشر نفرًا‪ ,‬وكان ذلك يككوم الجمعككة بعككد العصككر ليلككة‬
‫السككبت‪ ,‬فحصككروه هنالككك‪ .‬فلمككا أحككس بهككم وأنككه ل محالككة مككن‬
‫دخولهم عليه أو خروجه إليهككم‪ ,‬قككال لصككحابه‪ :‬أيكككم يلقككى عليككه‬
‫شبهي وهو رفيقي في الجنة ؟ فانتدب لككذلك شككاب منهككم فكككأنه‬
‫استصغره عن ذلك‪ ,‬فأعادها ثانية وثالثككة‪ ,‬وكككل ذلككك ل ينتككدب إل‬
‫ذلك الشاب‪ ,‬فقال‪ :‬أنت هو‪ ,‬وألقى الله عليككه شككبه عيسككى حككتى‬
‫كأنه هو‪ ,‬وفتحت روزنة من سككقف الككبيت‪ ,‬وأخككذت عيسككى عليككه‬
‫السلم سنة من النوم‪ ,‬فرفع إلى السككماء وهككو كككذلك‪ ,‬كمككا قككال‬
‫الله تعالى‪} :‬إذ قال الله يككا عيسككى إنككي متوفيككك ورافعككك إلككي{‬
‫لية‪ ,‬فلما رفع خرج أولئك النفككر‪ ,‬فلمككا رأى أولئك ذلككك الشككاب‪,‬‬ ‫ا َ‬
‫ظنوا أنه عيسكى‪ ,‬فأخككذوه فكي الليككل وصكلبوه‪ ,‬ووضككعوا الشككوك‬
‫على رأسه‪ ,‬وأظهر اليهود أنهم سكعوا فككي صككلبه‪ ,‬وتبجحككوا بككذلك‬
‫وسلم لهم طوائف من النصارى‪ ,‬ذلككك لجهلهككم وقلككة عقلهككم‪ ,‬مككا‬
‫‪266‬‬
‫عدا من كان في البيت مع المسككيح‪ ,‬فككإنهم شككاهدوا رفعككه‪ .‬وأمككا‬
‫الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود‪ ,‬أن المصلوب هو المسيح بككن‬
‫مريم‪ ,‬حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلككك المصككلوب وبكككت‪,‬‬
‫ويقال إنه خاطبها‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬وهذا كله من امتحككان اللككه عبككاده‪,‬‬
‫لمككككككا لككككككه فككككككي ذلككككككك مككككككن الحكمككككككة البالغككككككة‪.‬‬
‫وقد أوضح الله المر وجله وبينه‪ ,‬وأظهره في القككرآن العظيككم‪,‬‬
‫الككذي أنزلككه علككى رسككوله الكريككم‪ ,‬المؤيككد بككالمعجزات والبينككات‬
‫والككدلئل الواضككحات‪ ,‬فقككال تعككالى‪ :‬وهككو أصككدق القككائلين ورب‬
‫العالمين‪ ,‬المطلع على السرائر والضمائر‪ ,‬الذي يعلككم السككر فككي‬
‫السموات والرض‪ ,‬العالم بما كان وما يكون وما لم يكن لككو كككان‬
‫كيف يكون }وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم{ أي رأوا شبهه‬
‫فظنوه إياه‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مككا‬
‫لهم به من علم إل اتباع الظن{ يعني بككذلك مككن ادعككى أنككه قتلككه‬
‫من اليهود‪ ,‬ومن سلمه إليهم من جهال النصارى‪ ,‬كلهم فككي شككك‬
‫من ذلك وحيرة وضلل وسعر‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬وما قتلككوه يقين كًا{ أي‬
‫وما قتلوه متيقنين أنه هو بل شاكين متوهمين }بل رفعه الله إليه‬
‫وكان الله عزيزًا{ أي منيع الجناب‪ ,‬ل يككرام جنككابه ول يضككام مككن‬
‫لذ ببابه‪} ,‬حكيمًا{ أي في جميككع مككا يقككدره ويقضككيه مككن المككور‬
‫الككتي يخلقهككا‪ ,‬ولككه الحكمككة البالغككة والحجككة الدامغككة والسككلطان‬
‫العظيم والمر القديم‪ .‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أحمد بككن سككنان‪,‬‬
‫حدثنا أبو معاوية عن العمش‪ ,‬عن المنهال بن عمرو‪ ,‬عككن سككعيد‬
‫بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬لما أراد الله أن يرفع عيسككى إلككى‬
‫السككماء‪ ,‬خككرج علككى أصككحابه وفككي الككبيت اثنككا عشككر رجل ً مككن‬
‫الحواريين‪ ,‬يعني فخرج عليهم من عين في البيت‪ ,‬ورأسككه يقطككر‬
‫ماء‪ ,‬فقال‪ :‬إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة‪ ,‬بعد أن آمككن‬
‫بي‪ ,‬قال‪ :‬ثم قال‪ :‬أيكم يلقى عليه شككبهي فيقتككل مكككاني ويكككون‬
‫معي في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم سنًا‪ ,‬فقال له‪ :‬اجلس‪,‬‬
‫ثم أعاد عليهم‪ ,‬فقام ذلك الشاب‪ ,‬فقال‪ :‬اجلس‪ ,‬ثم أعككاد عليهككم‪,‬‬
‫فقام الشاب‪ ,‬فقال‪ :‬أنا‪ ,‬فقال‪ :‬هككو أنككت ذاك‪ ,‬فككألقي عليككه شككبه‬
‫عيسى‪ ,‬ورفع عيسى مككن روزنككة فككي الككبيت إلككى السككماء‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه‪ ,‬فكفر به‬
‫بعضهم اثنتي عشرة مرة بعككد أن آمككن بككه‪ ,‬وافككترقوا ثلث فككرق‪,‬‬
‫‪267‬‬
‫فقالت فرقة‪ ,‬كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلككى السككماء وهككؤلء‬
‫اليعقوبية‪ ,‬وقالت فرقة‪ :‬كان فينا ابن الله ما شاء‪ ,‬ثككم رفعككه اللككه‬
‫إليه وهؤلء النسطورية‪ ,‬وقالت فرقة‪ :‬كان فينا عبد الله ورسككوله‬
‫ما شاء اللكه‪ ,‬ثككم رفعكه اللكه إليكه وهككؤلء المسكلمون فتظككاهرت‬
‫الكافرتان على المسلمة فقتلوها‪ ,‬فلم يزل السلم طامسكا ً حككتى‬
‫بعث الله محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وهككذا إسككناد صككحيح إلككى‬
‫ابن عباس‪ ,‬ورواه النسائي عن أبي كريب‪ ,‬عن أبي معاوية بنحوه‪,‬‬
‫وكذا ذكره غير واحد من السلف‪ ,‬أنه قال لهم‪ :‬أيكككم يلقككى عليككه‬
‫شكككككبهي فيقتكككككل مككككككاني‪ ,‬وهكككككو رفيقكككككي فكككككي الجنكككككة‪.‬‬
‫وقال ابن جريككر‪ :‬حككدثنا ابككن حميككد‪ ,‬حككدثنا يعقككوب القمككي عككن‬
‫هارون بن عنترة‪ ,‬عن وهب بن منبه قال‪ :‬أتى عيسى ومعه سبعة‬
‫عشر من الحواريين فككي بيكت فأحكاطوا بهكم‪ ,‬فلمككا دخلككوا عليكه‪,‬‬
‫صورهم الله عككز وجككل كلهككم علككى صككورة عيسككى‪ ,‬فقككالوا لهككم‪:‬‬
‫سحرتمونا ليبرزن لنا عيسككى‪ ,‬أو لنقتلنكككم جميع كًا‪ ,‬فقككال عيسككى‬
‫لصحابه‪ :‬من يشري نفسه منكم اليوم بالجنة ؟ فقال رجل منهم‪:‬‬
‫أنا‪ ,‬فخرج إليهم وقال‪ :‬أنا عيسككى وقككد صككوره اللككه علككى صككورة‬
‫عيسى‪ ,‬فأخذوه فقتلوه وصلبوه‪ ,‬فمن ثم شبه لهككم‪ ,‬فظنككوا أنهككم‬
‫قد قتلوا عيسى‪ ,‬وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى‪ ,‬ورفع اللككه‬
‫عيسككككى مككككن يككككومه ذلككككك‪ ,‬وهككككذا سككككياق غريككككب جككككدًا‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬وقد روي عككن وهككب نحككو هككذا القككول‪ ,‬وهككو مككا‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬حدثنا إسحاق‪ ,‬حككدثنا إسككماعيل بككن عبككد الكريككم‪,‬‬
‫حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا ً يقككول‪ :‬إن عيسككى بككن‬
‫مريم لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا‪ ,‬جزع مككن المككوت وشككق‬
‫عليه‪ ,‬فدعا الحواريين وصنع لهم طعامًا‪ ,‬فقال‪ :‬احضككروني الليلككة‪,‬‬
‫فإن لي إليكم حاجة‪ ,‬فلما اجتمعوا إليه من الليككل عشككاهم‪ ,‬وقككام‬
‫يخدمهم‪ ,‬فلما فرغوا من الطعام‪ ,‬أخككذ يغسككل أيككديهم‪ ,‬ويوضككئهم‬
‫بيده‪ ,‬ويمسح أيديهم بثيابه‪ ,‬فتعككاظموا ذلككك‪ ,‬وتكككارهوه فقككال‪ :‬أل‬
‫ي الليلكة شككيئا ً ممككا أصككنع‪ ,‬فليككس منككي‪ ,‬ول أنككا منككه‪,‬‬
‫مككن رد علك ّ‬
‫فأقروه حتى إذا فرغ من ذلك‪ ,‬قال‪ :‬أما ما صنعت بكم الليلة ممككا‬
‫خدمتكم على الطعككام‪ ,‬وغسككلت أيككديكم بيككدي‪ ,‬فليكككن لكككم بككي‬
‫أسوة‪ ,‬فككإنكم تككرون أنيخيركككم‪ ,‬فل يتعككاظم بعضكككم علككى بعككض‬
‫وليبذل بعضكم نفسه لبعض كما بذلت نفسي لكككم‪ ,‬وأمككا حككاجتي‬
‫‪268‬‬
‫الليلة التي أسككتعينكم عليهككا‪ ,‬فتككدعون اللككه لككي‪ ,‬وتجتهككدون فككي‬
‫الدعاء أن يؤخر أجلككي‪ ,‬فلمككا نصككبوا أنفسككهم للككدعاء‪ ,‬وأرادوا أن‬
‫يجتهدوا‪ ,‬أخذهم النوم حتى لم يسككتطيعوا دعككاء‪ ,‬فجعككل يككوقظهم‬
‫ويقول‪ :‬سبحان الله‪ ,‬أما تصبرون لي ليلة واحدة‪ ,‬تعينككوني فيهككا ؟‬
‫فقالوا‪ :‬والله ما ندري مالنا‪ ,‬لقككد كنككا نسككمر فنكككثر السككمر‪ ,‬ومككا‬
‫نطيق الليلة سككمرًا‪ ,‬ومككا نريككد دعككاء إل حيككل بيننككا وبينككه‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫يذهب الراعي وتفرق الغنم‪ ,‬وجعل يأتي بكلم نحو هككذا ينعككى بككه‬
‫نفسه‪ .‬ثم قال‪ :‬الحق ليكفككرن بككي أحككدكم قبككل أن يصككيح الككديك‬
‫ثلث مككرات‪ ,‬وليككبيعني أحككدكم بككدراهم يسككيرة وليككأكلن ثمنككي‪.‬‬
‫فخرجككوا وتفرقككوا‪ ,‬وكككانت اليهككود تطلبككه‪ ,‬وأخككذوا شككمعون أحككد‬
‫الحواريين وقالوا‪ :‬هذا من أصحابه‪ ,‬فجحد وقككال‪ :‬مككا أنككا بصككاحبه‪,‬‬
‫فتركوه‪ ,‬ثم أخذه آخرون‪ ,‬فجحد كذلك ثم سمع صوت ديك فبكككى‬
‫وأحزنه‪ ,‬فلمككا أصككبح أتككى أحككد الحككواريين إلككى اليهككود فقككال‪ :‬مككا‬
‫تجدون لي إن دللتكم على المسككيح ؟ فجعلككوا لككه ثلثيككن درهم كًا‪,‬‬
‫فأخككذها ودلهككم عليككه‪ ,‬وكككان شككبه عليهككم قبككل ذلككك‪ ,‬فأخككذوه‬
‫فاستوثقوا منه وربطوه بالحبل‪ ,‬وجعلوا يقودونه ويقولون له‪ :‬أنت‬
‫كنت تحيي الموتى‪ ,‬وتنهر الشيطان‪ ,‬وتبرىء المجنون‪ ,‬أفل تنجككي‬
‫نفسك من هذا الحبل ؟ ويبصككقون عليككه‪ ,‬ويلقككون عليككه الشككوك‪,‬‬
‫حتى أتوا به الخشككبة الككتي أرادوا أن يصككلبوه عليهككا‪ ,‬فرفعككه اللككه‬
‫إليه‪ ,‬وصلبوا ما شبه لهم‪ ,‬فمكث سبعًا‪ ,‬ثم إن أمه والمككرأة الككتي‬
‫كان يداويها عيسى عليه السلم‪ ,‬فأبرأها الله مككن الجنككون‪ ,‬جاءتككا‬
‫تبكيككان حيككث المصككلوب‪ ,‬فجاءهمككا عيسككى فقككال‪ :‬مككا تبكيككان ؟‬
‫فقالتا‪ :‬عليك‪ ,‬فقال‪ :‬إني قد رفعني الله إليه‪ ,‬ولم يصككبي إل خيككر‪,‬‬
‫وإن هذا شبه لهم‪ ,‬فأمري الحواريين يلقوني إلى مكان كذا وكككذا‪,‬‬
‫فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر‪ ,‬وفقدوا الككذي بككاعه ودل عليككه‬
‫اليهود‪ ,‬فسأله عن أصحابه‪ ,‬فقال‪ :‬إنه ندم على مككا صككنع فككاختنق‬
‫وقتل نفسه‪ ,‬فقال‪ :‬لو تاب لتاب الله عليككه‪ .‬ثككم سككألهم عككن غلم‬
‫تبعهم يقال له يحيى‪ ,‬فقال‪ :‬هو معكم‪ ,‬فانطلقوا‪ ,‬فإنه سيصبح كل‬
‫إنسان يحدث بلغة قومه فلينذرهم وليككدعهم‪ ,‬سككياق غريككب جككدًا‪.‬‬
‫ثككم قككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا ابككن حميككد‪ ,‬حككدثنا سككلمة عككن ابككن‬
‫إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬كان اسم ملك بني إسرائيل الذي بعث إلى عيسككى‬
‫ليقتله رجل ً منهم يقال له داود‪ ,‬فلما أجمعوا لذلك منه‪ ,‬لككم يفظككع‬
‫‪269‬‬
‫عبد من عباد الله بالموت فيما ذكككر لككي فظعككه‪ ,‬ولككم يجككزع منككه‬
‫جزعه‪ ,‬ولم يدع الله في صرفه عنه دعاءه‪ ,‬حتى إنكه ليقككول فيمككا‬
‫يزعمون‪ :‬اللهم إن كنت صارفا ً هذه الكأس عن أحككد مككن خلقككك‪,‬‬
‫فاصرفها عني‪ .‬وحتى إن جلده من كرب ذلك ليتفصد دمًا‪ ,‬فككدخل‬
‫المدخل الذي أجمعوا أن يدخلوا عليه فيككه ليقتلككوه هككو وأصككحابه‪,‬‬
‫وهم ثلثة عشر بعيسى عليككه السككلم‪ .‬فلمككا أيقككن أنهككم داخلككون‬
‫ل‪,‬‬‫عليككه‪ ,‬قككال لصككحابه مككن الحككواريين‪ ,‬وكككانوا اثنككي عشككر رج ً‬
‫فرطوس‪ ,‬ويعقوب بن زبككدي ويحنككس أخككو يعقككوب‪ ,‬وانككدراييس‪,‬‬
‫وفيلبككس‪ ,‬وابككن يلمككا‪ ,‬ومنتككا‪ ,‬وطومككاس‪ ,‬ويعقككوب بككن حلقايككا‪,‬‬
‫وتداوسيس‪ ,‬وقثانيا‪ ,‬ويودس زكريككا يوطككا‪ ,‬قككال ابككن حميككد‪ :‬قككال‬
‫سلمة‪ :‬قال ابن إسحاق‪ :‬وكان فيما ذكر لي رجل اسمه سرجس‪,‬‬
‫وكككانوا ثلثككة عشككر رجل ً سككوى عيسككى عليككه السككلم‪ ,‬جحككدته‬
‫النصارى‪ ,‬وذلك أنه هو الذي شبه لليهود مكككان عيسككى‪ ,‬قككال‪ :‬فل‬
‫أدري هكو مككن هككؤلء الثنككي عشككر‪ ,‬فجحكدوه حيككن أقكروا لليهككود‬
‫بصلب عيسى وكفروا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من‬
‫الخبر عنككه‪ ,‬فككإن كككانوا ثلثككة عشككر‪ ,‬فككإنهم دخلككوا المككدخل حيككن‬
‫دخلوا‪ ,‬وهم بعيسككى أربعككة عشككر‪ ,‬وإن كككانوا اثنككي عشككر‪ ,‬فككإنهم‬
‫دخلككككككككككوا المككككككككككدخل وهككككككككككم ثلثككككككككككة عشككككككككككر‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثني رجل كان نصرانيا ً فأسككلم‪ ,‬أن عيسككى‬
‫حين جاءه من الله إنككي رافعككك إلككي‪ ,‬قككال‪ :‬يامعشككر الحككواريين‪,‬‬
‫أيكم يحككب أن يكككون رفيقككي فككي الجنككة حككتى يشكّبه للقككوم فككي‬
‫صورتي فيقتلوه في مكاني ؟ فقال سرجس‪ :‬أنا ياروح الله‪ .‬قال‪:‬‬
‫فاجلس في مجلسي‪ ,‬فجلككس فيككه‪ ,‬ورفككع عيسككى عليككه السككلم‪,‬‬
‫فدخلوا عليه‪ ,‬فأخذوه فصلبوه‪ ,‬فكان هو الذي صلبوه‪ ,‬وشككبه لهككم‬
‫به‪ ,‬وكانت عدتهم حيككن دخلككوا مككع عيسككى معلومككة‪ ,‬وقككد رأوهككم‬
‫فأحصوا عدتهم‪ ,‬فلما دخلوا عليه ليأخذوه وجدوا عيسى وأصككحابه‬
‫فيما يرون‪ ,‬وفقدوا رجل ً من العدة‪ ,‬فهو الذي اختلفوا فيه‪ ,‬وكككانوا‬
‫ل يعرفون عيسى‪ ,‬حتى جعلوا ليودس زكريا يوطككا ثلثيككن درهم كا ً‬
‫على أن يدلهم عليه ويعرفهككم إيككاه‪ ,‬فقككال لهككم‪ :‬إذا دخلتككم عليككه‬
‫فإني سككأقبله‪ ,‬وهككو الككذي أقبككل فخككذوه‪ ,‬فلمككا دخلككوا‪ ,‬وقككد رفككع‬
‫عيسى ورأى سرجس في صورة عيسى‪ ,‬فلم يشك أنه هو‪ ,‬فأكب‬
‫عليه يقبله‪ ,‬فأخذوه فصلبوه‪ .‬ثم إن يودس زكريا يوحنا نككدم علككى‬
‫‪270‬‬
‫ما صنع فاختنق بحبل حتى قتل نفسه‪ ,‬وهو ملعون في النصككارى‪,‬‬
‫وقد كان أحد المعدودين من أصحابه‪ ,‬وبعض النصككارى يزعككم أنككه‬
‫يودس زكريا يوحنا‪ ,‬وهو الذي شبه لهم‪ ,‬فصلبوه وهو يقككول‪ :‬إنككي‬
‫لست بصاحبكم‪ ,‬أنا الذي دللتكم عليه‪ ,‬والله أعلككم أي ذلككك كككان‪.‬‬
‫وقال ابن جرير عن مجاهد‪ :‬صلبوا رجل ً شككبه بعيسككى ورفككع اللككه‬
‫عز وجككل عيسككى إلككى السككماء حيكًا‪ ,‬واختككار ابككن جريككر أن شككبه‬
‫عيسكككككككككى ألقكككككككككي علكككككككككى جميكككككككككع أصكككككككككحابه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وإن من أهككل الكتككاب إل ليككؤمنن بككه قبككل مككوته‬
‫ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا{ قككال ابككن جريككر‪ :‬اختلككف أهككل‬
‫التأويل في معنى ذلك }وإن من أهل الكتاب إل ليككؤمنن بككه قبككل‬
‫مككوته{ يعنككي قبككل مككوت عيسككى يككوجه ذلككك إلككى أن جميعهككم‬
‫يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال‪ ,‬فتصير الملل كلها واحدة‪ ,‬وهي‬
‫ملة السلم الحنيفية‪ ,‬دين إبراهيككم عليككه السككلم‪ .‬ذكككر مككن قككال‬
‫ذلك‪ :‬حدثنا ابن بشار‪ ,‬حدثنا عبد الرحمككن عككن سككفيان‪ ,‬عككن أبككي‬
‫حصين‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس }وإن من أهل الكتاب‬
‫إل ليؤمنن به قبل موته{‪ ,‬قال‪ :‬قبل موت عيسى بككن مريككم عليككه‬
‫السلم‪ .‬وقال العوفي عن ابن عباس مثل ذلككك‪ ,‬وقككال أبككو مالككك‬
‫في قوله‪} :‬إل ليؤمنن به قبل موته{ قال‪ :‬ذلك عند نزول عيسى‪,‬‬
‫وقبل موت عيسى بن مريم عليه السلم‪ ,‬ل يبقككى أحككد مككن أهككل‬
‫الكتاب إل آمن به وقال الضحاك عن ابككن عبككاس }وإن مككن أهككل‬
‫الكتككاب إل ليككؤمنن بككه قبككل مككوته{‪ :‬يعنككي اليهككود خاصككة‪ .‬وقككال‬
‫الحسن البصري‪ :‬يعني النجاشي وأصحابه‪ ,‬رواهما ابن أبي حككاتم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثني يعقوب‪ ,‬حدثنا أبو رجاء عن الحسن }وإن‬
‫من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته{ قال‪ :‬قبل موت عيسككى‬
‫والله إنه لحي عند الله‪ ,‬ولكن إذا نككزل آمنككوا بككه أجمعككون‪ .‬وقككال‬
‫ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا علي بككن عثمككان اللحقككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫جويرية بن بشير‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت رجل ً قككال للحسككن‪ :‬ياأبككا سككعيد‪,‬‬
‫قول الله عكز وجككل‪} :‬وإن مكن أهكل الكتكاب إل ليككؤمنن بكه قبككل‬
‫موته{‪ ,‬قال‪ :‬قبل مككوت عيسككى‪ ,‬إن اللككه رفككع إليككه عيسككى وهككو‬
‫باعثه قبل يوم القيامة مقاما ً يككؤمن بككه الككبر والفككاجر‪ .‬وكككذا قككال‬
‫قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ ,‬وغير واحد‪ ,‬وهذا القول هككو‬
‫الحق‪ ,‬كما سككنبينه بعككد بالككدليل القككاطع إن شكاء اللكه وبكه الثقككة‬
‫‪271‬‬
‫وعليه التكلن‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬وقال آخرون‪ :‬يعني بذلك }وإن من‬
‫أهل الكتاب إل ليؤمنن به{ بعيسى قبل موت صاحب الكتاب‪ ,‬ذكر‬
‫من كان يوجه ذلك إلى أنه علكم الحككق مككن الباطككل لن ككل مكن‬
‫نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتككبين لككه الحككق مككن الباطككل‬
‫لية‪ ,‬قككال‪:‬‬‫في دينه‪ .‬قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ ,‬في ا َ‬
‫ل يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى‪ .‬حككدثني المثنككى‪ ,‬حككدثنا شككبل‬
‫عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهككد‪ ,‬فككي قككوله‪} :‬إل ليككؤمنن بككه قبككل‬
‫موته{ كككل صككاحب كتككاب يككؤمن بعيسككى قبككل مككوته قبككل مككوت‬
‫صاحب الكتاب‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬لو ضربت عنقه لم تخرج نفسه‬
‫حتى يؤمن بعيسى‪ .‬حدثنا ابن حميككد‪ ,‬حككدثنا أبككو نميلككة يحيككى بككن‬
‫واضح‪ ,‬حدثنا حسين بن واقد عن يزيد النحوي‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬ل يموت اليهودي حتى يشهد أن عيسى عبد الله‬
‫ورسوله‪ ,‬ولو عجككل عليككه بالسككلح‪ ,‬حككدثني إسككحاق بككن إبراهيككم‬
‫وحبيب بن الشهيد‪ ,‬حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف‪ ,‬عككن سككعيد‬
‫بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس }وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبككل‬
‫موته{ قال‪ :‬هي في قراءة أبي قبل موتهم‪ ,‬ليككس يهككودي يمككوت‬
‫أبدا ً حتى يؤمن بعيسى‪ ,‬قيل لبن عباس‪ :‬أرأيت إن خّر مككن فككوق‬
‫ي‪ ,‬قيكل‪ :‬أرأيكت إن ضكربت عنكق‬ ‫بيت ؟ قال‪ :‬يتكلم بكه فكي الهكو ّ‬
‫أحدهم ؟ قال‪ :‬يلجلج بها لسككانه‪ ,‬وكككذا روى سككفيان الثككوري عككن‬
‫خصيف‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابككن عبككاس }وإن مككن أهككل الكتككاب إل‬
‫ليؤمنن به قبل موته{ قال‪ :‬ل يموت يهككودي حككتى يككؤمن بعيسككى‬
‫عليه السلم وإن ضرب بالسيف تكلم به‪ ,‬قال‪ :‬وإن هوى تكلم بككه‬
‫وهو يهوي‪ ,‬وكككذا روى أبكو داود الطيالسككي عكن شكعبة‪ ,‬عكن أبكي‬
‫هارون الغنوي‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪ ,‬فهككذه كلهككا أسككانيد‬
‫صحيحة إلى ابن عباس‪ ,‬وكذا صح عن مجاهد وعكرمة ومحمد بن‬
‫سيرين‪ ,‬وبه يقول الضحاك وجويبر‪ .‬وقال السدي وحكاه عن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬ونقل قراءة أبي بن كعب‪ :‬قبل موتهم‪ ,‬وقال عبد الككرزاق‪,‬‬
‫عن إسككرائيل‪ ,‬عككن فككرات القككزاز‪ ,‬عككن الحسككن فككي قككوله‪} :‬إل‬
‫ليؤمنن به قبل موته{ قال‪ :‬ل يموت أحد منهم حتى يؤمن بعيسى‬
‫قبل أن يموت‪ ,‬وهذا يحتمل أن يكون مراد الحسن ما تقككدم عنككه‪,‬‬
‫ويحتمل أن يكون مراده مككا أراده هككؤلء‪ ,‬قككال ابككن جريككر‪ ,‬وقككال‬
‫‪272‬‬
‫آخرون‪ :‬معنى ذلك وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن بمحمككد صككلى‬
‫اللكككككه عليكككككه وسكككككلم قبكككككل مكككككوت صكككككاحب الكتكككككاب‪.‬‬
‫)ذكككر مككن قككال ذلككك( حككدثني ابككن المثنككى‪ ,‬حككدثنا الحجككاج بككن‬
‫المنهككال‪ ,‬حككدثنا حمككاد عككن حميككد‪ ,‬قككال‪ :‬قككال عكرمككة‪ :‬ل يمككوت‬
‫النصراني ول اليهودي حتى يؤمن بمحمد صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قوله‪} :‬وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته{ ثم قال ابن‬
‫جرير‪ :‬وأولى هذه القوال بالصحة القول الول‪ ,‬وهككو أنككه ل يبقككى‬
‫أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلم إل آمن به قبل‬
‫موت عيسى عليه السلم‪ ,‬ول شك أن هذا الككذي قككاله ابككن جريككر‬
‫لي فككي تقريككر بطلن‬ ‫هككو الصككحيح‪ ,‬لنككه المقصككود مككن سككياق ا َ‬
‫ماادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه‪ ,‬وتسليم من سلم لهم مككن‬
‫النصارى الجهلة ذلك‪ ,‬فأخبر الله أنه لككم يكككن كككذلك‪ ,‬وإنمككا ش كّبه‬
‫لهم‪ ,‬فقتلوا الشبه وهم ل يتبينون ذلك‪ ,‬ثم إنه رفعه إليه‪ ,‬وإنه باق‬
‫حي‪ ,‬وإنككه سككينزل قبككل يككوم القيامككة‪ ,‬كمكا دلكت عليككه الحككاديث‬
‫المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريبًا‪ ,‬فيقتل مسيح الضللة‪,‬‬
‫ويكسر الصليب‪ ,‬ويقتل الخنزير‪ ,‬ويضع الجزية يعني ل يقبلهككا مككن‬
‫أحد من أهل الديان‪ ,‬بل ل يقبل إل السككلم أو السككيف‪ ,‬فككأخبرت‬
‫لية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ول يتخلف‬ ‫هذه ا َ‬
‫عن التصديق به واحد منهم‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬وإن من أهل الكتككاب إل‬
‫ليؤمنن به قبل موته{ أي قبل مككوت عيسككى عليككه السككلم الككذي‬
‫زعم اليهود ومن وافقههم من النصككارى أنككه قتككل وصككلب }ويككوم‬
‫القيامة يكون عليهم شهيدًا{ أي بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل‬
‫رفعه إلى السماء وبعد نزولككه إلككى الرض‪ .‬فأمككا مككن فسككر هككذه‬
‫لية بأن المعنى أن كككل كتككابي ل يمككوت حككتى يككؤمن بعيسككى أو‬ ‫ا َ‬
‫بمحمد عليهما الصلة والسلم‪ ,‬فهذا هو الواقع‪ ,‬وذلك أن كل أحككد‬
‫عند احتضاره ينجلي له ما كان جاهل ً به‪ ,‬فيؤمن به‪ ,‬ولكن ل يكون‬
‫ذلك إيمانا ً نافعا ً له‪ ,‬إذا كان قد شاهد الملك‪ ,‬كما قال تعككالى فككي‬
‫أول هذه السورة }وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا‬
‫لن{ ا َ‬
‫ليككككة‪.‬‬ ‫حضككككر أحككككدهم المككككوت قككككال إنككككي تبككككت ا َ‬
‫ليكتين‪,‬‬‫وقال تعالى }فلما رأوا بأسكنا قكالوا آمنكا باللكة وحكده{ ا َ‬
‫وهذا يدل على ضعف ما احتج بككه ابككن جريككر فككي رد هككذا القككول‬
‫ليكة هككذا‪ ,‬لكككان كككل مككن آمككن‬‫حيث قال‪ :‬ولو كان المككراد بهككذه ا َ‬
‫‪273‬‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم أو بالمسككيح ممكن كفكر بهمكا يكككون‬
‫على دينهما‪ ,‬وحينئذ ل يرثه أقرباؤه من أهككل دينككه‪ ,‬لنككه قككد أخككبر‬
‫الصادق أنه يؤمن به قبل موته‪ ,‬فهككذا ليككس بجيككد إذ ل يلككزم مككن‬
‫إيمانه أنه يصير بذلك مسلمًا‪ ,‬أل ترى قول ابن عباس‪ :‬ولككو تككردى‬
‫من شاهق أو ضرب بالسيف أو افترسه سبع‪ ,‬فإنه لبككد أن يككؤمن‬
‫ليمان في هذه الحال ليس بنافع ول ينقل صككاحبه عككن‬ ‫بعيسى‪ ,‬فا ِ‬
‫كفره لما قدمناه‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬ومككن تأمككل جيككدا ً وأمعككن النظككر‪,‬‬
‫اتضح له أنه هو الواقع‪ ,‬لككن ل يلكزم منكه أن يككون المكراد بهكذه‬
‫لية هذا‪ ,‬بل المراد بها الذي ذكرناه من تقرير وجود عيسى عليه‬ ‫ا َ‬
‫السلم وبقاء حياته في السماء وأنه سينزل إلى الرض قبككل يككوم‬
‫القيامة ليكذب هؤلء وهؤلء من اليهككود والنصككارى الككذين تبككاينت‬
‫أقوالهم فيه‪ ,‬وتصادمت وتعاكسككت وتناقضككت وخلككت عككن الحككق‪,‬‬
‫ففرط هؤلء اليهككود‪ ,‬وأفككرط هككؤلء النصككارى تنقصككة اليهككود بمككا‬
‫رموه به وأمه من العظائم‪ ,‬وأطراه النصارى بحيث ادعوا فيككه مككا‬
‫ليس فيه‪ ,‬فرفعوه في مقابلة أولئك عن مقككام النبككوة إلككى مقككام‬
‫الربوبية‪ ,‬تعالى عما يقول هؤلء وهؤلء علوا ً كبيرًا‪ ,‬وتنزه وتقككدس‬
‫ل إلككككككككككككككككككككككككككككككككككككه إل هككككككككككككككككككككككككككككككككككككو‪.‬‬
‫ذكر الحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم إلككى الرض مككن‬

‫السكككككككككككككككماء فكككككككككككككككي آخكككككككككككككككر الزمكككككككككككككككان‬
‫)قبل يوم القيامة وأنه يدعو إلى عبادة اللككه وحككده ل شككريك لككه(‬
‫قال البخاري رحمككه اللككه فككي كتككاب ذكككر النبيككاء مككن صككحيحه‬
‫المتلقى بالقبول‪ :‬نككزول عيسككى ابككن مريككم عليككه السككلم‪ ,‬حككدثنا‬
‫إسحاق بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬عن أبي صالح عككن‬
‫ابن شهاب‪ ,‬عن سعيد بن المسيب‪ ,‬عككن أبككي هريككرة‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬والذي نفسي بيده‪ ,‬ليوشكككن‬
‫ل‪ ,‬فيكسكر الصكليب‪ ,‬ويقتكل‬ ‫أن ينزل فيككم ابكن مريكم حكمكا ً عكد ً‬
‫الخنزير‪ ,‬ويضع الجزية ويفيككض المككال حككتى ل يقبلككه أحككد‪ ,‬وحككتى‬
‫تكون السجدة خيرا ً لهم من الدنيا وما فيها«‪ ,‬ثم يقول أبو هريككرة‬
‫اقرؤا إن شئتم }وإن من أهككل الكتككاب إل ليككؤمنن بككه قبككل مككوته‬
‫ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا{‪ ,‬وكذا رواه مسلم عن الحسككن‬
‫الحلواني وعبد بن حميد كلهما عن يعقوب به‪ ,‬وأخرجككه البخككاري‬
‫‪274‬‬
‫ومسككلم أيضكا ً مككن حككديث سككفيان بككن عيينككة‪ ,‬عككن الزهككري بككه‪.‬‬
‫وأخرجاه من طريق الليث عن الزهري به‪ ,‬ورواه ابن مردويه مككن‬
‫طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري‪ ,‬عن سعيد بن المسيب‪,‬‬
‫عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قكال رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم‪:‬‬
‫ل‪ ,‬يقتل الدجال‪ ,‬ويقتل‬ ‫»يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما ً عد ً‬
‫الخنزير‪ ,‬ويكسر الصكليب‪ ,‬ويضكع الجزيكة ويفيكض المكال‪ ,‬وتككون‬
‫السجدة واحككدة للكه رب العكالمين« قككال أبككو هريككرة‪ :‬اقككرءوا إن‬
‫شئتم }وإن مككن أهككل الكتككاب إل ليككؤمنن بككه قبككل مككوته{ مككوت‬
‫عيسكككى بكككن مريكككم‪ ,‬ثكككم يعيكككدها أبكككو هريكككرة ثلث مكككرات‪.‬‬
‫)طريق أخرى( عن أبي هريرة‪ ,‬قال المام أحمد‪ :‬حدثنا روح بككن‬
‫أبي حفصة عن الزهري‪ ,‬عن حنظلة بن علي السككلمي‪ ,‬عككن أبككي‬
‫ن عيسككى‬ ‫هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬ليهل ّ‬
‫بفج الروحككاء بالحككج أو العمككرة‪ ,‬أو ليثنينهمككا جميع كًا«‪ ,‬وكككذا رواه‬
‫مسلم منفردا ً به من حديث ابن عيينة‪ ,‬والليكث بكن سكعد ويكونس‬
‫بن يزيد‪ ,‬ثلثتهم عن الزهري به‪ .‬وقال أحمككد‪ :‬حككدثنا يزيككد‪ ,‬حككدثنا‬
‫سفيان هو ابن حسين عن الزهري‪ ,‬عن حنظلة‪ ,‬عككن أبككي هريككرة‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪» :‬ينككزل عيسككى بككن‬
‫مريم فيقتل الخنزير‪ ,‬ويمحو الصليب‪ ,‬وتجمع له الصككلة‪ ,‬ويعطككى‬
‫المال حتى ل يقبل‪ ,‬ويضع الخراج‪ ,‬وينزل الروحككاء فيحككج منهككا أو‬
‫يعتمر أو يجمعهما« قال‪ :‬وتل أبو هريرة }وإن من أهل الكتككاب إل‬
‫ليؤمنن به قبل مككوته{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬فزعككم حنظلككة أن أبككا هريككرة قككال‪:‬‬
‫يؤمن به قبل موت عيسى‪ ,‬فل أدري هذا كله حككديث النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسكلم أو شكيء قكاله أبكو هريكرة‪ ,‬وكككذا رواه ابكن أبكي‬
‫حاتم‪ ,‬عن أبيه عن أبي موسى محمككد بككن المثنككى‪ ,‬عككن يزيككد بككن‬
‫هككككارون‪ ,‬عككككن سككككفيان بككككن حسككككين عككككن الزهككككري بككككه‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال البخاري‪ :‬حدثنا ابن بكير‪ ,‬حككدثنا الليككث عككن‬
‫يونس‪ ,‬عن ابن شهاب عن نافع مولى أبي قتادة النصككاري أن أبكا‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪» :‬كيككف بكككم‬
‫إذا نزل فيكككم المسككيح بككن مريككم وإمككامكم منكككم« تككابعه عقيككل‬
‫والوزاعي‪ ,‬وهكذا رواه المام أحمد عن عبد الرزاق‪ ,‬عككن معمككر‪,‬‬
‫عن عثمان بن عمر‪ ,‬عن ابن أبكي ذئب‪ ,‬كلهمكا عكن الزهكري بكه‪.‬‬
‫وأخرجككه مسككلم مككن روايككة يككونس والوزاعككي وابككن ذئب بككه‪.‬‬
‫‪275‬‬
‫)طريق أخرى( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا عفان‪ ,‬حدثنا همام‪ ,‬أنبأنا‬
‫قتادة عن عبد الرحمن‪ ,‬عن أبي هريرة أن النبي صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال‪» :‬النبياء إخوة لعلت‪ ,‬أمهككاتهم شككتى‪ ,‬ودينهككم واحككد‪,‬‬
‫وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم‪ ,‬لنه لم يكن نبي بيني وبينككه‪,‬‬
‫وإنككه نككازل فككإذا رأيتمككوه فككاعرفوه‪ :‬رجككل مربككوع إلككى الحمككرة‬
‫والبياض‪ ,‬عليه ثوبان ممصران‪ ,‬كككأن رأسككه يقطككر وإن لككم يصككبه‬
‫بلل‪ ,‬فيدق الصليب‪ ,‬ويقتل الخنزير‪ ,‬ويضع الجزية‪ ,‬ويككدعو النككاس‬
‫لسككلم‪ ,‬ويهلككك‬ ‫إلى السلم ويهلك الله في زمانه الملل كلهككا إل ا ِ‬
‫الله في زمانه المسيح الدجال‪,‬ثككم تقككع المنككة علككى الرض حككتى‬
‫ترتع السود مع البل‪ ,‬والنمار مع البقر‪ ,‬والذئاب مع الغنم‪ ,‬ويلعب‬
‫الصككبيان بالحيككات ل تضككرهم‪ ,‬فيمكككث أربعيككن سككنة ثككم يتككوفى‪,‬‬
‫ويصلي عليه المسلمون« وكذا رواه أبو داود عن هدية بككن خالككد‪,‬‬
‫عن همام بن يحيككى ورواه ابككن جريككر ولككم يككورد عنككد هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫سواه‪ ,‬عن بشر بن معاذ‪ ,‬عن يزيد بن هارون‪ ,‬عن سعيد بككن أبككي‬
‫عروبة‪ ,‬كلهما عن قتادة‪ ,‬عن عبد الرحمن بن آدم وهككو مككولى أم‬
‫برثن صاحب السقاية‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬عن النبي صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فذكر نحوه‪ ,‬وقال‪ :‬يقاتل النككاس علككى السككلم‪ ,‬وقككد روى‬
‫البخاري عككن أبككي اليمككان‪ ,‬عككن شككعيب‪ ,‬عككن الزهككري‪ ,‬عككن أبككي‬
‫سلمة‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال سمعت رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم يقول‪» :‬أنا أولى النككاس بعيسككى بككن مريككم‪ ,‬والنبيككاء أولد‬
‫علت‪ ,‬ليس بيني وبينه نبي«‪ ,‬ثم رواه محمد بن سنان عككن فليككح‬
‫بن سليمان عن هلل بن علي‪ ,‬عن عبد الرحمن بككن أبككي عمككرة‪,‬‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسكلم‪» :‬أنككا‬
‫لخككرة‪ ,‬النبيككاء إخككوة‬ ‫أولى الناس بعيسى ابن مريم فككي الككدنيا وا َ‬
‫لعلت‪ ,‬أمهاتهم شتى‪ ,‬ودينهم واحد«‪ .‬وقال إبراهيككم بككن طهمككان‪,‬‬
‫عن موسى بن عقبة‪ ,‬عن صفوان بن سليم‪ ,‬عن عطاء بن بشككار‪,‬‬
‫عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قككال رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال مسلم في صحيحه‪ :‬حككدثني زهيككر بككن حككرب‪,‬‬
‫حدثنا يعلى بن منصور‪ ,‬حدثنا سليمان بن بلل‪ ,‬حككدثنا سككهيل عككن‬
‫أبيه‪ ,‬عن أبي هريرة أن رسول الله صلى اللكه عليكه وسكلم قككال‪:‬‬
‫»ل تقوم الساعة حككتى تنككزل الككروم بالعمككاق أو بككدابق‪ ,‬فيخككرج‬
‫إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الرض يومئذ‪ ,‬فإذا تصككافوا‪,‬‬
‫‪276‬‬
‫قككالت الككروم‪ :‬خلككوا بيننككا وبيككن الككذين سككبوا منككا نقككاتله‪ ,‬فيقككول‬
‫المسككلمون‪ :‬ل واللككه‪ ,‬ل نخلككي بينكككم وبيككن إخواننككا‪ ,‬فيقككاتلونهم‬
‫فيهككزم ثلككث ل يتككوب اللككه عليهككم أبككدًا‪ ,‬ويقتككل ثلككث هككم أفضككل‬
‫الشككهداء عنككد اللككه‪ ,‬ويفتككح الثلككث ل يفتنككون أبككدًا‪ ,‬فيفتحككون‬
‫قسككطنطينية‪ ,‬فبينمككا هككم يقسككمون الغنككائم قككد علقككوا سككيوفهم‬
‫بالزيتون‪ ,‬إذ صككاح فيهككم الشككيطان‪ :‬إن المسككيح قككد خلفكككم فككي‬
‫أهليكم‪ ,‬فيخرجون وذلك باطل‪ ,‬فإذا جاؤوا الشام خرج‪ ,‬فبينما هم‬
‫يعدون للقتال يسوون الصفوف‪ ,‬إذ أقيمت الصلة فينككزل عيسككى‬
‫بن مريم‪ ,‬فيؤمهم‪ ,‬فإذا رآه عدو الله‪ ,‬ذاب كما يككذوب الملككح فككي‬
‫الماء‪ ,‬فلو تركه لذاب حتى يهلك‪ ,‬ولكن يقتلكه اللكه بيكده‪ ,‬فيريهكم‬
‫دمككككككككككككككككككككككه فككككككككككككككككككككككي حربتككككككككككككككككككككككه«‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال أحمد‪ :‬حدثنا هشيم عككن العككوام بككن حوشككب‪,‬‬
‫عن جبلة بن سحيم‪ ,‬عن مؤثر بن غفارة‪ ,‬عككن ابككن مسككعود‪ ,‬عككن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬لقيككت ليلككة أسككري بككي‪,‬‬
‫إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السككلم‪ ,‬فتككذاكروا أمككر السككاعة‪,‬‬
‫فردوا أمرهم إلى إبراهيم‪ ,‬فقال‪ :‬ل علككم لككي بهككا‪ ,‬فككردوا أمرهككم‬
‫إلى موسى فقال‪ :‬ل علم لي بها‪ ,‬فردوا أمرهم إلى عيسى فقال‪:‬‬
‫ي ربي عككز وجككل‬ ‫أما وجبتها فل يعلم بها أحد إل الله‪ ,‬وفيما عهد إل ّ‬
‫أن الككدجال خككارج ومعككي قضككيبان‪ ,‬فككإذا رآنككي ذاب كمككا يككذوب‬
‫الرصاص‪ ,‬قال‪ :‬فيهلكككه اللككه إذا رآنككي‪ ,‬حككتى إن الحجككر والشككجر‬
‫يقول‪ :‬يامسلم إن تحتي كافرا ً فتعال فاقتله‪ ,‬قال‪ :‬فيهلكهككم اللككه‪,‬‬
‫ثم يرجع الناس إلى بلدهككم وأوطككانهم‪ ,‬فعنككد ذلككك يخككرج يككأجوج‬
‫ومأجوج وهم من كل حككدب ينسككلون‪ ,‬فيطئون بلدهككم‪ ,‬فل يككأتون‬
‫على شيء إل أهلكوه‪ ,‬ول يمرون على مككاء إل شككربوه‪ ,‬قككال‪ :‬ثككم‬
‫يرجع الناس يشكونهم‪ ,‬فدعوا الله عليهم فيهلكهم ويميتهككم حككتى‬
‫تجوى الرض من نتن ريحهم‪ ,‬وينككزل المطككر فيجككترف أجسككادهم‬
‫ي ربي عز وجل أن ذلككك إذا‬ ‫حتى يقذفهم في البحر‪ ,‬ففيما عهد إل ّ‬
‫كككان كككذلك‪ ,‬أن السككاعة كالحامككل المتككم‪ ,‬ل يككدري أهلهككا مككتى‬
‫تفاجئهم بولدهاليل ً أو نهارًا«‪ ,‬رواه ابن ماجه عن محمد بن بشككار‪,‬‬
‫عككن يزيككد بككن هككارون‪ ,‬عككن العككوام بككن حوشككب‪ ,‬بككه نحككوه‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد‬
‫بن سلمة‪ ,‬عن علي بن زيد‪ ,‬عن أبي نضرة‪ ,‬قال‪ :‬أتينا عثمككان بككن‬
‫‪277‬‬
‫أبي العاص في يوم جمعة لنعرض عليه مصحفا ً لنا على مصككحفه‪,‬‬
‫فلما حضرت الجمعة‪ ,‬أمرنا فاغتسلنا‪ ,‬ثم أتينا بطيب فتطيبنككا‪ ,‬ثككم‬
‫جئنا المسجد فجلسنا إلى رجل فحدثنا عن الدجال‪ ,‬ثم جاء عثمان‬
‫بن أبي العاص‪ ,‬فقمنا إليه فجلسككنا‪ ,‬فقككال‪ :‬سككمعت رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪» :‬يكون للمسلمين ثلثة أمصار‪ :‬مصر‬
‫بملتقى البحرين‪ ,‬ومصر بككالحيرة‪ ,‬ومصككر بالشككام‪ ,‬فيفككزع النككاس‬
‫ثلث فزعات‪ ,‬فيخرج الدجال في أعراض الناس‪ ,‬فيهزم من قبككل‬
‫المشرق‪ ,‬فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحريككن‪ ,‬فيصككير‬
‫أهلها ثلث فرق‪ :‬فرقة تقول نقيككم نشككامة ننظككر مككا هككو‪ ,‬وفرقككة‬
‫تلحق بالعراب‪ ,‬وفرقة تلحق بالمصكر الكذي يليهكم‪ ,‬ومكع الكدجال‬
‫سبعون ألفكا ً عليهككم السككيجان‪ ,‬وأكككثر مككن معككه اليهككود والنسككاء‪,‬‬
‫وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق‪ ,‬فيبعثون سككرحا ً لهككم‪ ,‬فيصككاب‬
‫سرحهم فيشتد ذلك عليهم‪ ,‬ويصيبهم مجاعة شديدة وجهككد شككديد‬
‫حتى إن أحدهم ليحككرق وتككر قوسككه فيككأكله‪ ,‬فبينمككا هككم كككذلك إذ‬
‫نادى مناد من السحر‪ :‬ياأيها الناس أتككاكم الغككوث »ثلث كًا« فيقككول‬
‫بعضهم لبعض‪ :‬إن هذا لصككوت رجككل شككبعان‪ ,‬وينككزل عيسككى بككن‬
‫مريم عليه السلم عند صككلة الفجككر‪ ,‬فيقككول لككه أميرهككم‪ :‬يككاروح‬
‫الله‪ ,‬تقدم صل‪ ,‬فيقككول‪ :‬هككذه المككة أمككراء بعضككهم علككى بعككض‪,‬‬
‫فيتقدم أميرهم فيصلي‪ ,‬حتى إذا قضى صلته أخذ عيسى حربتككه‪,‬‬
‫فيذهب نحو الدجال‪ ,‬فإذا رآه الكدجال ذاب كمكا يككذوب الرصكاص‪,‬‬
‫فيضع حربته بيككن ثنككدوته فيقتلككه‪ ,‬ويهككزم أصككحابه‪ ,‬فليككس يككومئذ‬
‫شيء يواري منهككم أحكدًا‪ ,‬حككتى إن الشككجرة تقككول‪ :‬يككامؤمن هكذا‬
‫كافر‪ ,‬ويقول الحجر‪ :‬يامؤمن هذا كافر« تفككرد بككه أحمككد مككن هككذا‬
‫الككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككوجه‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال أبو عبككد اللككه محمككد بككن يزيككد بككن مككاجه فككي‬
‫سننه‪ :‬حدثنا علي بن محمككد‪ ,‬حككدثنا عبكد الرحمكن المحككاربي عكن‬
‫إسماعيل بن رافع أبي رافع‪ ,‬عن أبي زرعككة الشككيباني يحيككى بككن‬
‫أبي عمرو‪ ,‬عن أبي أمامة الباهلي‪ ,‬قال‪ :‬خطبنا رسول الله صككلى‬
‫الله عليكه وسكلم فككان أككثر خطبتكه حكديثا ً حكدثناه عكن الكدجال‬
‫وحذرناه‪ ,‬فكان من قوله أن قال‪» :‬لم تكن فتنككة فككي الرض منككذ‬
‫ذرأ الله ذرية آدم عليه السلم أعظم من فتنككة الككدجال‪ ,‬وإن اللككه‬
‫لم يبعث نبيا ً إل حذر أمتككه الككدجال‪ ,‬وأنككا آخككر النبيككاء وأنتككم آخككر‬
‫‪278‬‬
‫المم‪ ,‬وهو خارج فيكم ل محالة‪ ,‬فإن يخرج وأنككا بيككن ظهرانيكككم‪,‬‬
‫فأنا حجيج كل مسلم‪ ,‬وإن يخرج مككن بعككدي فكككل حجيككج نفسككه‪,‬‬
‫وإن الله خليفتي في كل مسلم‪ ,‬وإنه يخرج من خلككة بيككن الشككام‬
‫ل‪ ,‬أل ياعبككاد اللككه‪ :‬أيهككا النككاس‬ ‫والعراق فيعيث يمينا ً ويعيككث شككما ً‬
‫فاثبتوا‪ ,‬وإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي‪ :‬إنه يبككدأ‬
‫فيقول‪:‬أنا نبي فل نبي بعدي‪ ,‬ثم يثني فيقول‪ :‬أنا ربكككم‪ ,‬ول تككرون‬
‫ربكم حتى تموتوا‪ ,‬وإنه أعور وإن ربكم عز وجل ليس بأعور‪ ,‬وإنه‬
‫مكتوب بين عينيه‪ :‬كافر‪ ,‬يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كككاتب‪ ,‬وإن‬
‫من فتنته أن معه جنة ونكارًا‪ ,‬فنككاره جنككة وجنتككه نككار‪ ,‬فمككن ابتلككي‬
‫بناره فليسككتغث بككالله‪ ,‬وليقككرأ فواتككح الكهككف فتكككون عليككه بككردا ً‬
‫وسلمًا‪ ,‬كما كانت النار بردا ً وسلما ً على إبراهيم‪ ,‬وإن مككن فتنتككه‬
‫أن يقول للعرابي‪ :‬أرأيت إن بعثت أمك وأباك‪ ,‬أتشهد أني ربك ؟‬
‫فيقول‪ :‬نعم‪ ,‬فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمككه‪ ,‬فيقككولن‪:‬‬
‫يابني اتبعه فإنه ربك‪ ,‬وإن من فتنته أن يسلط على نفككس واحككدة‬
‫فينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين‪ ,‬ثم يقول‪ :‬انظككر إلككى عبككدي‬
‫لن‪ ,‬ثم يزعم أن له ربا ً غيري‪ ,‬فيبعثه الله فيقككول‬ ‫هذا فإني أبعثه ا َ‬
‫له الخبيث‪ :‬من ربك ؟ فيقول‪ :‬ربي الله‪ ,‬وأنت عدو اللككه الككدجال‪,‬‬
‫والله ما كنت بعد أشد بصككيرة بككك منككي اليككوم« قككال أبككو حسككن‬
‫الطنافسي‪ :‬فحدثنا المحاربي‪ ,‬حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصككافي‬
‫عن عطية‪ ,‬عن أبي سعيد‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪» :‬ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة« قال أبكو سكعيد‪:‬‬
‫والله ما كنا نرى ذلك الرجل إل عمككر بككن الخطككاب‪ ,‬حككتى مضككى‬
‫لسكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككبيله‪.‬‬
‫ثم قال المحاربي‪ :‬رجعنا إلككى حككديث أبككي رافككع قككال‪ :‬وإن مككن‬
‫فتنته أن يأمر السككماء أن تمطككر فتمطككر‪ ,‬فيككأمر الرض أن تنبككت‬
‫فتنبككت‪ ,‬وإن مككن فتنتككه أن يمككر بككالحي فيكككذبونه‪ ,‬فل تبقككى لهككم‬
‫سائمة إل هلكت‪ ,‬وإن من فتنته أن يمر بككالحي فيصككدقونه فيككأمر‬
‫السماء أن تمطر فتمطر‪ ,‬ويأمر الرض أن تنبت فتنبت حتى تروح‬
‫مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت‪ ,‬وأعظمه وأمده خواصر‬
‫وأدره ضككروعًا‪ ,‬وأنككه ل يبقككى شككيء مككن الرض إل وطئه وظهككر‬
‫عليه‪ ,‬إل مكة والمدينة‪ ,‬فإنه ل يأتيهمككا مككن نقككب مككن نقابهمككا إل‬
‫لقيته الملئكة بالسيوف صلتة حتى ينزل عند الظريب الحمر عند‬
‫‪279‬‬
‫منقطع السبخة‪ ,‬فككترجف المدينككة بأهلهككا ثلث رجفككات‪ ,‬فل يبقككى‬
‫منافق ول منافقة إل خرج إليه‪ ,‬فينفى الخبث منها كما ينفي الكير‬
‫خبث الحديد‪ ,‬ويدعى ذلك اليككوم يككوم الخلص‪ .‬فقككالت أم شككريك‬
‫بنت أبي العكر‪ :‬يارسول الله‪ ,‬فككأين العككرب يككومئذ ؟ قككال‪» :‬هككم‬
‫قليل وجلهم يومئذ ببيت المقدس‪ ,‬وإمككامهم رجككل صككالح‪ ,‬فبينمككا‬
‫إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عيسى بككن مريككم عليككه‬
‫السلم‪ ,‬فرجع ذلك المام يمشي القهقككرى ليتقككدم عيسككى عليككه‬
‫السلم‪ ,‬فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول‪ :‬تقدم فصككل‪ ,‬فإنهككا‬
‫لك أقيمت‪ ,‬فيصلي بهم إمامهم‪ ,‬فإذا انصرف قال عيسى‪ :‬افتحوا‬
‫الباب‪ ,‬فيفتح‪ ,‬ووراءه الدجال معه سككبعون ألككف يهككودي كلهككم ذو‬
‫سيف محلى وساج‪ ,‬فإذا نظر إليه الدجال ذاب كمككا يككذوب الملككح‬
‫في الماء وينطلق هاربًا‪ ,‬فيقككول عيسككى‪ :‬إن لككي فيككك ضككربة لككم‬
‫تسبقني بها‪ ,‬فيدركه عنككد بككاب لككد الشككرقي فيقتلككه‪ ,‬ويهككزم اللككه‬
‫اليهود فل يبقى شيء مما خلق الله تعككالى يتككوارى بككه يهككودي إل‬
‫أنطق الله ذلك الشيء ل حجر ول شككجر ول حككائط ول دابككة ك ك إل‬
‫الغرقدة‪ ,‬فإنها من شجرهم ل تنطق ك إل قال‪ :‬ياعبد الله المسلم‪,‬‬
‫هذا يهودي فتعال اقتله‪ .‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪:‬‬
‫»وإن أيامه أربعون سنة السنة كنصككف السككنة‪ ,‬والسككنة كالشككهر‪,‬‬
‫والشهر كالجمعة‪ ,‬وآخر أيامه كالشررة‪ ,‬يصكبح أحكدكم علكى بكاب‬
‫لخر حتى يمسككي« فقيككل لككه‪ :‬كيككف نصككلي‬ ‫المدينة فل يبلغ بابها ا َ‬
‫يانبي الله في تلك اليككام القصككار ؟ قككال‪» :‬تقككدرون الصككلة كمككا‬
‫تقدرون في هذه اليام الطوال‪ ,‬ثم صلوا« قال رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪» :‬فيكون عيسى بن مريم في أمتي حكم كا ً عككد ً‬
‫ل‪,‬‬
‫وإماما ً مقسطًا‪ ,‬يدق الصليب ويذبح الخنزير‪ ,‬ويضع الجزية‪ ,‬ويترك‬
‫الصدقة‪ ,‬فل يسعى على شاة ول بعير‪ ,‬وترتفع الشحناء والتبككاغض‬
‫وتنزع حمة كل ذات حمة حككتى يككدخل الوليككد يككده فككي الحيككة فل‬
‫تضره‪ ,‬وتفر الوليدة السككد فل يضككلها‪ ,‬ويكككون الككذئب فككي الغنككم‬
‫كأنه كلبها‪ ,‬وتمل الرض من السلم كما يمل الماء‪ ,‬وتكون الكلمككة‬
‫واحدة فل يعبككد إل اللككه‪ ,‬وتضككع الحككرب أوزارهككا وتسككلب قريككش‬
‫ملكها‪ ,‬وتكون الرض لها نور الفضة وتنبت نباتهككا كعهككد آدم حككتى‬
‫يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم‪ ,‬ويجتمع النفر على‬
‫الرمانة فتشككبعهم‪ ,‬ويكككون الثككور بكككذا وكككذا مككن المككال‪ ,‬ويكككون‬
‫‪280‬‬
‫الفرس بالدريهمات« قيل‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬ومككا يرخككص الفككرس ؟‬
‫قال‪» :‬لتركب لحرب أبدًا« قيل له‪ :‬فما يغلي الثور ؟ قال‪ :‬يحرث‬
‫الرض كلها‪ ,‬وإن قبل خروج الدجال ثلث سككنوات شككداد‪ ,‬يصككيب‬
‫الناس فيها جوع شديد‪ ,‬ويأمر الله السماء فككي السككنة الولككى أن‬
‫تحبس ثلث مطرها‪ ,‬ويأمر الرض فتحبس ثلث نباتها‪ ,‬ثم يأمر الله‬
‫السماء في السككنة الثانيككة‪ ,‬فتحبككس ثلككثي مطرهككا‪ ,‬ويككأمر الرض‬
‫فتحبس ثلثي نباتها‪ ,‬ثم يككأمر اللككه عككز وجككل السككماء فككي السككنة‬
‫الثالثة فتحبكس مطرهكا كلكه‪ ,‬فل تقطكر قطكرة‪ ,‬ويكأمر الرض أن‬
‫تحبس نباتها كله فل تنبت خضراء‪ ,‬فل تبقى ذات ظلككف إل هلكككت‬
‫إل ما شاء الله« قيل‪ :‬فما يعيش الناس في ذلك الزمككان ؟ قككال‪:‬‬
‫»التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد‪ ,‬ويجري ذلككك عليهككم مجككرى‬
‫الطعككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككام«‪.‬‬
‫قال ابن ماجه‪ :‬سمعت أبككا الحسككن الطنافسككي يقككول‪ :‬سككمعت‬
‫عبد الرحمن المحاربي يقكول‪ :‬ينبغكي أن يكدفع هكذا الحكديث إلكى‬
‫المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتاب‪ ,‬هذا حككديث غريككب جككدا ً‬
‫من هذا الوجه‪ ,‬ولبعضه شواهد من أحاديث أخر‪ ,‬من ذلك ما رواه‬
‫مسلم‪ ,‬وحديث نافع وسالم عككن عبككد اللككه بككن عمككر وقككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى‬
‫يقول الحجر‪ :‬يامسلم هذا يهودي فتعال فاقتله« وله من طككر يككق‬
‫سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪» :‬ل تقككوم السككاعة حككتى يقاتككل المسككلمون‬
‫اليهود‪ ,‬فيقتلهم المسلمون حتى يختبىء اليهودي من وراء الحجككر‬
‫والشجر‪ ,‬فيقول الحجر والشجر‪ :‬يامسلم ياعبككد اللككه هككذا يهككودي‬
‫خلفككي فتعككال فككاقتله ككك إل الغرقككد فككإنه مككن شككجر اليهككود«‪.‬‬
‫ولنذكر حديث النواس بن سمعان ههنا لشبهه بهذا الحديث‪ .‬قال‬
‫مسلم بن الحجاج في صحيحه‪ :‬حدثنا أبو خيثمه زهيككر بككن حككرب‪,‬‬
‫حدثنا الوليد بن مسلم‪ ,‬حدثني عبككد الرحمككن بككن يزيككد بككن جككابر‪,‬‬
‫حدثني يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص‪ ,‬حدثني عبككد الرحمككن‬
‫بن جبير عن أبيه جبير بن نفير الحضكرمي أنككه سكمع النككواس بكن‬
‫سمعان الكلبي )ح( وحدثنا محمد بن مهران الرازي‪ ,‬حدثنا الوليد‬
‫بن مسلم‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر‬
‫الطائي‪ ,‬عن عبد الرحمن بن جبير‪ ,‬عككن أبيككه جككبير بككن نفيككر عككن‬
‫‪281‬‬
‫النواس بن سمعان‪ ,‬قال‪ :‬ذكر رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫الككدجال ذات غككداة‪ ,‬فخفكض فيكه ورفككع حكتى ظننككاه فكي طائفكة‬
‫النخككل‪ ,‬فلمككا رحنككا إليككه عككرف ذلككك فككي وجوهنككا‪ ,‬فقككال‪» :‬مككا‬
‫شأنكم ؟« قلنا‪ :‬يارسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضككت فيككه‪,‬‬
‫ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل‪ ,‬قال‪» :‬غير الدجال أخوفني‬
‫عليكم إن يخرج وأنا فيكم‪ ,‬فأنا حجيجه دونكم‪ ,‬وإن يخرج ولسككت‬
‫فيكم فامرؤ حجيككج نفسكه‪ ,‬واللكه خليفككتي علكى ككل مسكلم‪ .‬إنكه‬
‫شاب قطط‪ ,‬عينه طافية كأني أشبهه بعبد العزى بككن قطككن‪ ,‬مككن‬
‫أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف‪ ,‬إنه خككارج مككن خلكة‬
‫بين الشام والعراق‪ ,‬فعاث يمينا ً وعاث شما ً‬
‫ل‪ ,‬ياعباد الله فاثبتوا«‬
‫قلنا‪ :‬يارسول الله فما لبثه في الرض ؟ قال‪» :‬أربعون يومًا‪ ,‬يككوم‬
‫كسنة‪ ,‬ويوم كشهر‪ ,‬ويوم كجمعككة‪ ,‬وسككائر أيككامه كأيككامكم« قلنككا‪:‬‬
‫يارسول الله‪ ,‬وما إسراعه في الرض ؟ قال‪» :‬كالغيث اسككتدبرته‬
‫الريح فيأتي علكى قككوم فيكدعوهم فيؤمنككون بككه‪ ,‬ويسكتجيبون لكه‪,‬‬
‫فيأمر السماء فتمطككر‪ ,‬والرض فتنبككت‪ ,‬فككتروح عليهككم سككارحتهم‬
‫أطول ما ككانت ذرى‪ ,‬وأسككبغه ضكروعا ً وأمكده خواصكر‪ ,‬ثككم يكأتي‬
‫القوم فيدعوهم فيردون عليككه قككوله‪ ,‬فينصككرف عنهككم فيصككبحون‬
‫ممحلين ليس بأيديهم شيء مككن أمككوالهم‪ ,‬ويمككر بالخربككة فيقككول‬
‫لها‪ :‬أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل‪ ,‬ثم يدعوا رجل ً‬
‫ممتلئا ً شبابا ً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رميككة الغككرض‪ ,‬ثككم‬
‫يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك‪ ,‬فبينما هو كذلك إذ بعث اللككه‬
‫المسيح بن مريم عليه السلم‪ ,‬فينزل عند المنارة البيضاء شرقي‬
‫دمشق بين مهرودتين‪ ,‬واضعا ً كفيه على أجنحة ملكيككن‪ ,‬إذا طأطكأ‬
‫رأسه قطر‪ ,‬وإذا رفعه تحدر منه جمان اللؤلؤ‪ ,‬ول يحل لكافر يجد‬
‫ريح نفسه إل مات‪ ,‬ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه‪ ,‬فيطلبه حتى‬
‫يدركه بباب لد‪ ,‬فيقتله‪ ,‬ثككم يككأتي عيسككى عليككه السككلم قومكا ً قككد‬
‫عصمهم الله منه‪ ,‬فيمسح على وجوههم ويحككدثهم بككدرجاتهم فككي‬
‫الجنة‪ ,‬فبينما هو كذلك إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى‪ :‬إني قد‬
‫أخرجت عبادا ً لي ل يدان لحد بقتالهم‪ ,‬فحرز عبادي إلككى الطككور‪,‬‬
‫ويبعث الله يأجوج ومككأجوج وهككم مككن كككل حككدب ينسككلون‪ ,‬فيمككر‬
‫أولهككم علككى بحيككرة طبريككا فيشككربون مككا فيهككا‪ ,‬ويمككر آخرهككم‬
‫فيقولككون‪ :‬لقككد كككان بهككذه مككرة مككاء‪ ,‬ويحضككر نككبي اللككه عيسككى‬
‫‪282‬‬
‫وأصككحابه حككتى يكككون رأس الثككور لحككدهم خيككر مككن مككائة دينككار‬
‫لحدكم اليوم‪ ,‬فيرغب نككبي اللككه عيسككى وأصككحابه‪ ,‬فيرسككل اللككه‬
‫عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كمككوت نفككس واحككدة‬
‫ثم يهبط نبي الله عيسككى وأصككحابه إلككى الرض‪ ,‬فل يجككدون فككي‬
‫الرض موضع شبر إل مل زهمهم ونتنهم فيرغب نبي اللككه عيسككى‬
‫وأصحابه إلى الله‪ ,‬فيرسل الله‪ ,‬طيككرا ً كأعنككاق البخككت‪ ,‬فتحملهككم‬
‫فتطرحهم حيث شاء الله‪ ,‬ثم يرسل الله مطككرا ً ل يكككن منككه بيككت‬
‫مدر‪ ,‬ول وبر‪ ,‬فيغسل الرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للرض‪:‬‬
‫أخرجي ثمرك وردي بركتك‪ ,‬فيككومئذ تأكككل العصككابة مككن الرمانككة‬
‫ويستظلون بقحفها‪ ,‬ويبارك الله في الرسل حككتى إن اللقحككة مككن‬
‫البل لتكفي الفئام‪ ,‬فبينمككا هككم كككذلك إذ بعككث اللككه ريح كا ً طيبككة‪,‬‬
‫فتأخذهم تحت آباطهم‪ ,‬فيقبض الله روح كل مؤمن وكككل مسككلم‪,‬‬
‫ويبقى شرار الناس يتهارجون فيهككا تهككارج الحمككر‪ ,‬فعليهككم تقككوم‬
‫الساعة« ورواه المام أحمد وأهل السنن من حديث عبد الرحمن‬
‫بن يزيد بن جابر به‪ .‬وسنذكره أيضا ً من طريككق أحمككد عنككد قككوله‬
‫ليككة‪.‬‬ ‫تعالى في سورة النبياء‪} :‬حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج{ ا َ‬
‫)حديث آخر( قال مسلم في صحيحه أيضًا‪ :‬حدثنا عبيككد اللككه بككن‬
‫معاذ العنبري‪ ,‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت يعقوب بن عاصم بككن عككروة بككن مسككعود الثقفككي يقككول‪:‬‬
‫سمعت عبد الله بن عمرو‪ ,‬وجاءه رجككل فقككال‪ :‬مككا هككذا الحككديث‬
‫الذي تحدث به‪ ,‬تقول إن السككاعة تقككوم إلككى كككذا وكككذا ؟ فقككال‪:‬‬
‫سبحان الله‪ ,‬أو ل إله إل الله‪ ,‬أو كلمة نحوهما‪ ,‬لقككد هممككت أن ل‬
‫أحدث أحدا ً شيئا ً أبدًا‪ ,‬إنمككا قلككت‪ :‬إنكككم سككترون بعككد قليككل أمككرا ً‬
‫عظيمًا‪ :‬يحرق البيت ويكون ويكككون‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪» :‬يخرج الدجال في أمتي فيمكككث أربعيككن‪,‬‬
‫ل أدري يوما ً أو أربعين شهرا ً أو أربعين عامكًا‪ ,‬فيبعككث اللككه تعككالى‬
‫عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه‪ ,‬ثم يمكككث‬
‫الناس سبع سنين ليس بين اثنيككن عككداوة‪ ,‬ثككم يرسككل اللككه ريح كا ً‬
‫باردة من قبل الشام‪ ,‬فل يبقى علككى وجككه الرض أحككد فككي قلبككه‬
‫مثقال ذرة من خير ك أو إيمككان كك إل قبضككته‪ ,‬حككتى لككو أن أحككدكم‬
‫دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضككه« قككال‪ :‬سككمعتها مككن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »فيبقى شرار الناس فككي خفككة‬
‫‪283‬‬
‫الطيككر وأحلم السككباع‪ ,‬ل يعرفككون معروف كًا‪ ,‬ول ينكككرون منكككرًا‪,‬‬
‫فيتمثككل لهككم الشككيطان فيقككول‪ :‬أل تسككتجيبون ؟ فيقولككون‪ :‬فمككا‬
‫تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الوثان‪ ,‬وهم في ذلك دار رزقهم‪ ,‬حسككن‬
‫عيشهم‪ ,‬ثم ينفخ في الصور فل يسمعه أحد إل أصككغى ليت كا ً ورفككع‬
‫ليتًا‪ ,‬قال‪ :‬وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله‪ ,‬قككال‪ :‬فيصككعق‬
‫ويصعق الناس‪ ,‬ثم يرسل الله ك أو قال ك ك ينككزل اللككه مطككرا ً كككأنه‬
‫الطل ك أو قال الظل ك نعمان الشاك ك فتنبت منه أجسككاد النككاس‪,‬‬
‫ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظككرون‪ .‬ثككم يقككال‪ :‬أيهككا النككاس‬
‫هلموا إلى ربكم }وقفوهم إنم مسؤولون{ ثم يقال‪ :‬أخرجوا بعث‬
‫النار‪ ,‬فيقال‪ :‬مكن ككم ؟ فيقكال‪ :‬مككن ككل ألككف تسكعمائة وتسكعة‬
‫وتسعين‪ ,‬قال‪ :‬فذلك يوما ً يجعل الولدان شيبًا‪ ,‬وذلك يوم يكشككف‬
‫عن سككاق« ثككم رواه مسككلم والنسككائي فككي تفسككيره جميعكا ً عككن‬
‫محمد بن بشار‪ ,‬عن غندر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عككن نعمككان بككن سككالم بككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬أخبرنا معمككر‬
‫عن الزهري‪ ,‬عن عبد الله بن عبيد الله بن ثعلبككة النصككاري‪ ,‬عككن‬
‫عبد الله بن زيد النصاري‪ ,‬عككن مجمككع بككن جاريكة‪ ,‬قكال‪ :‬سكمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يقول »يقتل ابن مريم المسيح‬
‫الدجال بباب لد ك أو إلى جانب لد ك« ورواه أحمد أيضا ً عن سفيان‬
‫بن عيينة من حديث الليث والوزاعي‪ ,‬ثلثتهككم عككن الزهككري‪ ,‬عككن‬
‫عبد الله بن عبيد الله بن ثعلبة‪ ,‬عن عبككد الرحمككن بككن يزيككد‪ ,‬عككن‬
‫عمه مجمع بن جارية‪ ,‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫»يقتل ابن مريم الدجال بباب لد« وكذا رواه الترمككذي عككن قتيبككة‬
‫عن الليث به‪ ,‬وقال‪ :‬هذا حديث صككحيح‪ ,‬وقككال‪ :‬وفككي البككاب عككن‬
‫عمران بن حصين ونافع بن عتبة‪ ,‬وأبي بككرزة وحذيفككة بككن أسككيد‪,‬‬
‫وأبي هريرة وكيسان وعثمان بن أبي العاص وجككابر‪ ,‬وأبككي أمامككة‬
‫وابن مسعود وعبد الله بن عمرو وسمرة بن جندب والنككواس بككن‬
‫سمعان وعمرو بن عوف وحذيفككة بككن اليمككان رضككي اللككه عنهككم‪,‬‬
‫ومراده برواية هؤلء ما فيه ذكر الدجال وقتككل عيسككى بككن مريككم‬
‫عليه السلم له‪ ,‬فأما أحاديث ذكر الدجال فقط فكثيرة جدًا‪ ,‬وهي‬
‫أكثر من أن تحصى لنتشارها وكثرة روايتها في الصحاح والحسان‬
‫والمسككككككككككككككككككككانيد وغيككككككككككككككككككككر ذلككككككككككككككككككككك‪.‬‬
‫‪284‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬حدثنا سفيان عككن فككرات‪ ,‬عككن‬
‫أبي الطفيل عن حذيفككة بككن أسككيد الغفككاري‪ ,‬قككال‪ :‬أشككرف علينككا‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم مككن عرفككة ونحككن نتككذاكر‬
‫الساعة‪ ,‬فقال‪» :‬ل تقوم السكاعة حكتى تكروا عشكر آيكات‪ :‬طلكوع‬
‫الشمس من مغربها‪ ,‬والدخان‪ ,‬والدابة‪ ,‬وخككروج يككأجوج ومككأجوج‪,‬‬
‫ونككزول عيسككى بككن مريككم والككدجال‪ ,‬وثلثككة خسككوف‪ :‬خسككف‬
‫بالمشرق وخسف بالمغرب‪ ,‬وخسف بجزيرة العكرب‪ ,‬ونكار تخككرج‬
‫من قعر عدن تسوق ك أو تحشر ك الناس تبيت معهككم حيككث بككاتوا‪,‬‬
‫وتقيل معهم حيث قككالوا« وهكككذا رواه مسككلم وأهككل السككنن مككن‬
‫حديث فرات القزاز به‪ .‬ورواه مسلم أيضا ً من روايككة عبككد العزيككز‬
‫بن رفيع عن أبي الطفيل‪ ,‬عن أبي سريحة‪ ,‬عن حذيفككة بككن أسككيد‬
‫الغفاري موقوفًا‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬فهذه أحككاديث متككواترة عككن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم مككن روايككة أبككي هريككرة وابككن مسككعود‬
‫وعثمان بن أبي العاص‪ ,‬وأبي أمامكة والنككواس بككن سككمعان وعبكد‬
‫الله بن عمرو بن العاص ومجمع بن جارية وأبي سككريحة وحذيفككة‬
‫بن أسيد رضي الله عنهم‪ ,‬وفيها دللكة علككى صكفة نزولكه ومكككانه‬
‫من أنه بالشام بل بدمشق عند المنارة الشرقية‪ ,‬وأن ذلكك يكككون‬
‫عند إقامة صلة الصبح‪ ,‬وقككد بنيككت فككي هككذه العصككار فككي سككنة‬
‫إحدى وأربعين وسبعمائة منارة للجامع الموي بيضاء مككن حجككارة‬
‫منحوتة عوضا ً عن المنارة التي هدمت بسبب الحريككق المنسككوب‬
‫إلى صنيع النصارى ك عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة كك‬
‫وكان أكثر عمارتها من أمكوالهم‪ ,‬وقكويت الظنكون أنهكا هكي الكتي‬
‫ينزل عليها المسيح عيسى بن مريم عليه السلم‪ ,‬فيقتل الخنزيككر‬
‫ويكسر الصليب ويضع الجزية‪ ,‬فل يقبل إل السلم كما تقككدم فككي‬
‫الصحيحين‪ ,‬وهذا إخبار مككن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم بككذلك‬
‫وتقرير وتشريع وتسويغ له على ذلك في ذلك الزمان‪ ,‬حيث تنزاح‬
‫عللهم وترتفع شبههم من أنفسهم‪ ,‬ولهذا كلهم يككدخلون فككي ديككن‬
‫السلم متابعة لعيسى عليه السلم وعلى يديه‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪:‬‬
‫لية‪ ,‬وهككذه ا َ‬
‫ليككة‬ ‫}وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته{ ا َ‬
‫كقوله‪} :‬وإنه لعلم للساعة{ وقرىء )لعلككم( بالتحريككك أي أمككارة‬
‫ودليل على اقتراب الساعة‪ ,‬وذلك لنه ينزل بعككد خككروج المسككيح‬
‫الدجال فيقتله الله على يديه‪ ,‬كما ثبت فككي الصككحيح أن اللككه لككم‬
‫‪285‬‬
‫يخلق داء إل أنزل له شفاء‪ ,‬ويبعث الله في أيامه يأجوج ومككأجوج‬
‫فيهلكهككم اللكه تعكالى ببركككة دعكائه‪ ,‬وقكد قككال تعكالى‪} :‬حككتى إذا‬
‫فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقككترب الوعككد‬
‫الحككككككككككككككككككككككككككككككككككككق{ ا َ‬
‫ليككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫)صكككككككككككككفة عيسكككككككككككككى عليكككككككككككككه السكككككككككككككلم(‬

‫قد تقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم عن أبككي هريككرة »فككإذا‬
‫رأيتموه فاعرفوه‪ :‬رجل مربوع إلى الحمرة والبياض‪ ,‬عليككه ثوبككان‬
‫ممصران‪ ,‬كككأن رأسككه يقطككر وإن لككم يصككبه بلككل«‪ ,‬وفككي حككديث‬
‫النواس بن سمعان »فينزل عند المنارة البيضككاء شككرقي دمشككق‬
‫بين مهرودتين واضعا ً كفيه علكى أجنحكة ملكيكن‪ ,‬إذا طأطكأ رأسكه‬
‫قطر‪ ,‬وإذا رفعه تحدر منه مثككل جمككان اللؤلككؤ‪ ,‬ل يحككل لكككافر أن‬
‫يجد ريح نفسه إل مات‪ ,‬ونفسه ينتهي حيث انتهى طرفككه«‪ ,‬وروى‬
‫البخاري ومسلم من طريق الزهري‪ ,‬عن سعيد بن المسيب‪ ,‬عككن‬
‫أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬ليلككة‬
‫أسري بي لقيت موسى« قككال‪ :‬فنعتككه فككإذا رجككل أحسككبه‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫»مضطرب رجل الرأس كأنه مككن رجككال شككنوءة« قككال »ولقيككت‬
‫عيسى« فنعته النبي صلى الله عليه وسككلم فقككال‪» :‬ربعككة أحمككر‬
‫كأنه خرج من ديماس« يعني الحمام‪» ,‬ورأيت إبراهيم وأنككا أشككبه‬
‫ولده به« الحديث‪ ,‬وروى البخاري من حديث مجاهد عن ابن عمر‬
‫قال‪ :‬قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬رأيككت موسككى‬
‫وعيسى وإبراهيم‪ ,‬فأما عيسى فأحمر جعككد عريككض الصككدر‪ ,‬وأمككا‬
‫موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجككال الككزط«‪ ,‬ولككه ولمسككلم‬
‫من طريق موسى بن عقبة عن نافع‪ ,‬عككن ابككن عمككر‪ ,‬ذكككر النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يوما ً بين ظهراني النككاس المسككيح الككدجال‪,‬‬
‫فقال‪» :‬إن الله ليس بككأعور أل إن المسككيح الككدجال أعككور العيككن‬
‫اليمنى‪ ,‬كأن عينه عنبككة طافيككة‪ ,‬ولمسككلم عنككه مرفوعكا ً »وأرانككي‬
‫اللهعند الكعبة في المنام‪ ,‬وإذا رجل آدم كأحسن ما ترى مككن أدم‬
‫الرجال‪ ,‬تضرب لمته بين منكبيه‪ ,‬رجل الشعر‪ ,‬يقطكر رأسكه مكاء‪,‬‬
‫واضعا ً يديه على منكبي رجلين وهو يطككوف بككالبيت‪ ,‬فقلككت‪ :‬مككن‬
‫هذا ؟ قالوا‪ :‬هكو المسكيح بكن مريكم‪ ,‬ثكم رأيكت وراءه رجل ً جعكدا ً‬
‫قططًا‪ ,‬أعور العين اليمنى‪ ,‬كأشبه من رأيكت بكابن قطككن‪ ,‬واضكعا ً‬
‫‪286‬‬
‫يديه على منكبي رجل يطوف بككالبيت‪ ,‬فقلككت‪ :‬مككن هككذا ؟ قككالوا‪:‬‬
‫المسكككككيح الكككككدجال« تكككككابعه عبيكككككد اللكككككه عكككككن نكككككافع‪.‬‬
‫ثم رواه البخاري عن أحمد بن محمككد المكككي‪ ,‬عككن إبراهيككم بككن‬
‫سعد‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن سككالم‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬قككال‪ :‬ل واللكه مككا قككال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر‪ ,‬ولكن قككال‪» :‬بينمككا أنككا‬
‫نائم أطكوف بالكعبكة‪ ,‬فكإذا رجكل آدم سكبط الشكعر‪ ,‬يتهكادى بيكن‬
‫رجلين ينطف رأسه ماء ك أو يهراق رأسه ماء ك فقلت‪ :‬من هككذا ؟‬
‫فقالوا ابن مريم‪ ,‬فذهبت ألتفكت‪ ,‬فكإذا رجكل أحمكر جسكيم‪ ,‬جعكد‬
‫الراس‪ ,‬أعور عينه اليمنى‪ ,‬كأن عينه عنبة طافية‪ ,‬قلت‪ :‬من هذا ؟‬
‫قالو‪ :‬الدجال‪ ,‬وأقرب الناس به شبها ً ابككن قطككن« قككال الزهككري‪:‬‬
‫رجل من خزاعة هلككك فككي الجاهليككة‪ ,‬هككذه كلهككا ألفككاظ البخككاري‬
‫رحمه الله ‪ ,‬وقد تقدم في حديث عبد الرحمككن بككن آدم عككن أبككي‬
‫هريرة أن عيسى عليه السلم يمكث في الرض بعد نزوله أربعين‬
‫سنة‪ ,‬ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون وفي حديث عبد اللكه بكن‬
‫عمر عند مسلم أنه يمكث سبع سنين فيحتمل ك والله أعلككم ك ك أن‬
‫يكون المراد بلبثه في الرض أربعين سنة مجموع إقامته فيها قبل‬
‫رفعه‪ ,‬وبعد نزوله‪ ,‬فإنه رفع وله ثلث وثلثون سنة‪ ,‬في الصككحيح‪,‬‬
‫وقد ورد ذلك في حديث في صفة أهككل الجنككة أنهككم علككى صككورة‬
‫آدم وميلد عيسى ثلث وثلثين سنة‪ ,‬وأما مككا حكككاه ابككن عسككاكر‬
‫عن بعضهم أنه رفع وله مائة وخمسون سككنة فشككاذ غريككب بعيككد‪.‬‬
‫وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة عيسى بن مريككم‬
‫من تاريخه عن بعض السلف أنه يدفن مع النبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم في حجرته‪ ,‬فالله أعلم‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬ويوم القيامة يكون‬
‫عليهم شهيدًا{ قال قتادة‪ :‬يشهد عليهم أنه قد بلغهم الرسالة من‬
‫الله وأقر بعبودية الله عز وجل‪ ,‬وهذا كقوله تعالى في آخر سورة‬
‫المائدة }وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس ك إلككى‬
‫قكككككككككككككككوله كككككككككككككككك العزيكككككككككككككككز الحكيكككككككككككككككم{‪.‬‬
‫م‬‫ت ل َهُ ك ْ‬ ‫حل ّك ْ‬‫ت أُ ِ‬

‫م ط َي ّب َككا ٍ‬‫من َككا عَل َي ْهِ ك ْ‬ ‫حّر ْ‬ ‫دوا ْ َ‬‫ن هَككا ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّك ِ‬
‫مك َ‬‫** فَب ِظ ُل ْكم ٍ ّ‬
‫م الّرب َككا وَقَكد ْ ن ُهُككوا ْ عَن ْك ُ‬
‫ه‬ ‫خكذِهِ ُ‬ ‫ل الل ّكهِ ك َِثيككرا ً * وَأ َ ْ‬ ‫سكِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫م َ‬ ‫صد ّهِ ْ‬‫وَب ِ َ‬
‫َ‬
‫ذابا ً أِليما ً *‬ ‫َ‬
‫ل وَأعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬
‫ل الّنا ِ‬ ‫وا َ‬‫م َ‬
‫مأ ْ‬ ‫وَأك ْل ِهِ ْ‬
‫‪287‬‬
‫ل‬ ‫مككآ ُأن كزِ َ‬
‫ن بِ َ‬
‫من ُككو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫من ُككو َ‬ ‫م َوال ْ ُ‬ ‫من ْهُك ْ‬‫ن ِفي ال ْعِل ْكم ِ ِ‬ ‫خو َ‬ ‫س ُ‬‫ن الّرا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّلـك ِ‬
‫ن الّزك َككاةَ‬ ‫مؤْت ُككو َ‬‫صكل َةَ َوال ْ ُ‬‫ن ال ّ‬ ‫ميك َ‬ ‫مِقي ِ‬ ‫ك َوال ْ ُ‬ ‫مككن قَب ْل ِك َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مككآ ُأنكزِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫إ َِلي َ‬
‫ظيم كا ً‬ ‫ك س كنؤِْتيه َ‬ ‫ُ‬
‫جككرا ً عَ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫خ كرِ أوَْلـ كئ ِ َ َ ُ ِ ْ‬ ‫ن ب ِككالل ّهِ َوال ْي َكوْم ِ ال َ ِ‬
‫من ُككو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫يخبر تعالى أنه بسككبب ظلككم اليهككود بمككا ارتكبككوه مككن الككذنوب‬
‫العظيمة‪ ,‬حرم عليهم طيبات كان أحلها لهككم‪ ,‬كمككا قككال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري‪ ,‬حدثنا سفيان بككن‬
‫عيينة عن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬قرأ ابن عباس‪ :‬طيبات كككانت أحلككت لهككم‪,‬‬
‫وهذا التحريم قد يكون قدريا ً بمعنى أنه تعالى قيضككهم لن تككأولوا‬
‫في كتابهم‪ ,‬وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلل ً لهككم فحرموهككا علككى‬
‫أنفسهم تشديدا ً منهم على أنفسهم وتضييقا ً وتنطع كًا‪ ,‬ويحتمككل أن‬
‫يكون شرعيا ً بمعنكى أنكه تعكالى حكرم عليهكم فكي التكوراة أشكياء‬
‫كانت حلل ً لهم قبل ذلك‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬كل الطعككام كككان حل ً‬
‫لبني إسرائيل إل ما حرم إسرائيل على نفسه مككن قبككل أن تنككزل‬
‫لية‪ ,‬وأن المككراد أن الجميكع مكن‬ ‫التوراة{ وقد قدمنا الكلم على ا َ‬
‫الطعمة كانت حلل ً لهم من قبل أن تنزل التوراة ما عدا مككا كككان‬
‫حرم إسرائيل على نفسه من لحوم البل وألبانهككا‪ ,‬ثككم إنككه تعككالى‬
‫حرم أشياء كثيرة في التوراة كما قال في سورة النعام‪} :‬وعلككى‬
‫الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنككم حرمنككا عليهككم‬
‫شحومهما إل ما حملت ظهورهما أو الحوايككا أو مككا اختلككط بعظككم‬
‫ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون{ أي إنما حرمنككا عليهككم ذلككك‪,‬‬
‫لنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسككولهم‬
‫واختلفهم عليككه‪ ,‬ولهككذا قككال‪} :‬فبظلككم مككن الككذين هككادوا حرمنككا‬
‫عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا{ أي صدوا‬
‫الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق وهذه سجية لهم متصككفون‬
‫بها من قديم الدهر وحديثه‪ ,‬ولهذا كانوا أعداء الرسل وقتلوا خلقا ً‬
‫من النبياء‪ ,‬وكذبوا عيسى ومحمدا ً صلوات الله وسككلمه عليهمككا‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬وأخذهم الربا وقد نهوا عنه{ أي أن الله قد نهاهم عككن‬
‫الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من‬
‫الشككبه‪ ,‬وأكلككوا أمككوال النككاس بالباطككل‪ ,‬قككال تعككالى‪} :‬وأعتككدنا‬
‫للكافرين منهم عذابا ً أليمًا{‪ ,‬ثم قال تعالى‪} :‬لكن الراسخون في‬
‫العلم منهم{ أي الثابتون في الدين لهم قككدم راسككخة فككي العلككم‬
‫النككافع‪ .‬وقككد تقككدم الكلم علككى ذلككك فككي سككورة آل عمككران‬
‫‪288‬‬
‫}والمؤمنون{ عطف على الراسخين وخبره }يؤمنككون بمككا أنككزل‬
‫إليك وما أنزل من قبلك{ قال ابن عباس‪ :‬أنزلت في عبد الله بن‬
‫سلم وثعلبة بن سعية وأسد وزيد بن سعية وأسد بن عبيد‪ ,‬الككذين‬
‫دخلوا في السلم‪ ,‬وصدقوا بما أرسل الله به محمككدا ً صككلى اللككه‬
‫عليكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه وسكككككككككككككككككككككككككككككككككككككلم‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬والمقيمين الصلة{ هكذا هو في جميع مصاحف الئمة‪,‬‬
‫وكذا هو في مصككحف أبككي بككن كعكب‪ ,‬وذكككر ابككن جريككر أنهككا فككي‬
‫مصحف ابن مسعود والمقيمككون الصككلة‪ ,‬قككال‪ :‬والصككحيح قككراءة‬
‫الجميع ثم رد على من زعم أن ذلك مككن غلككط الكتككاب‪ ,‬ثككم ذكككر‬
‫اختلف الناس فقال بعضهم‪ :‬هو منصوب علككى المككدح‪ ,‬كمككا جككاء‬
‫في قوله‪} :‬والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأسككاء‬
‫والضراء وحين البأس{ قال‪ :‬وهذا سائغ في كلم العرب‪ ,‬كما قال‬
‫م العككداة وآفككة الجزرالنككازلين بكككل‬ ‫سك ّ‬‫ن قومي الذين همو ُ‬ ‫ل يبعد ّ‬
‫معكككككككككككككككككترك والطيبكككككككككككككككككون معاقكككككككككككككككككد الزر‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو مخفوض عطفا ً علككى قككوله‪} :‬بمككا أنككزل إليككك‬
‫ومككا أنككزل مككن قبلككك{ يعنككي وبككالمقيمين الصككلة‪ ,‬وكككأنه يقككول‪:‬‬
‫وبإقامة الصلة أي يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم‪ ,‬أو أن المككراد‬
‫بالمقيمين الصلة الملئكة وهذا اختيار ابككن جريككر‪ ,‬يعنككي يؤمنككون‬
‫بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالملئكة‪ ,‬وفي هذا نظر‪ ,‬والله‬
‫أعلم‪ .‬وقوله‪} :‬والمؤتون الزكاة{ يحتمككل أن يكككون المككراد زكككاة‬
‫الموال‪ ,‬ويحتمل زكككاة النفككوس‪ ,‬ويحتمككل المريككن‪ ,‬واللكه أعلكم‪,‬‬
‫لخر{ أي يصدقون بأنه ل إلككه إل اللككه‪,‬‬ ‫}والمؤمنون بالله واليوم ا َ‬
‫ويؤمنون بالبعث بعد الموت‪ ,‬والجزاء على العمال خيرها وشرها‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬أولئك{ هو الخككبر عمككا تقككدم }سككنؤتيهم أجككرا ً عظيمكًا{‬
‫يعنكككككككككككككككككككككككككككككككككككككي الجنكككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫حي ْن َككآ‬ ‫َ‬ ‫حي َْنآ إ ِل َ‬ ‫ك ك َمآ أ َ‬ ‫َ‬ ‫حي َْنآ إ ِل َ‬ ‫** إنآ أ َ‬
‫مككن ب َعْكدِهِ وَأوْ َ‬
‫ن ِ‬ ‫ح َوالن ّب ِّييك َ‬ ‫ٍ‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫ِّ‬
‫ى‬ ‫سك َ‬ ‫عي َ‬ ‫ط وَ ِ‬
‫س كَبا ِ‬‫ب َوال ْ‬ ‫حاقَ وَي َعُْقككو َ‬ ‫سك َ‬ ‫ل وَإ ْ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سك َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي ك َ‬ ‫ى إ ِب َْرا ِ‬ ‫َ‬
‫إ ِل َك َ‬
‫سككل ً َقككد ْ‬ ‫داُوود َ َزُبورا ً * وَُر ُ‬ ‫ن َوآت َي َْنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ن وَ ُ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ب وَُيون ُ َ‬ ‫وَأّيو َ‬
‫‪289‬‬
‫م الل ّك ُ‬
‫ه‬ ‫ك وَك َل ّك َ‬
‫م عَل َي ْك َ‬‫ص كه ُ ْ‬
‫ص ْ‬ ‫سل ً ل ّك ْ‬
‫م ن َْق ُ‬ ‫ل وَُر ُ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫م عَل َي ْ َ‬
‫ك ِ‬ ‫صَناهُ ْ‬
‫ص ْ‬‫قَ َ‬
‫س عَل َككى‬ ‫ن ِللن ّككا ِ‬‫ن ل ِئ َل ّ ي َك ُككو َ‬‫منذِِري َ‬‫ن وَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫سل ً ّ‬
‫مب َ ّ‬ ‫ى ت َك ِْليما ً * ّر ُ‬‫س َ‬‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫كيمككككا ً‬
‫ح ِ‬ ‫ً‬
‫زيككككزا َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن اللكككك ُ‬ ‫َ‬
‫ل وَكككككا َ‬ ‫سكككك ِ‬ ‫ة ب َْعككككد َ الّر ُ‬
‫جكككك ٌ‬‫ح ّ‬ ‫ّ‬
‫اللككككهِ ُ‬
‫قال محمد بن إسحاق‪ ,‬عن محمد بن أبي محمككد‪ ,‬عككن عكرمككة‬
‫أو سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬قككال سكككين وعككدي بككن‬
‫زيد‪ :‬يامحمد مككا نعلككم أن اللككه أنككزل علككى بشككر مككن شككيء بعككد‬
‫موسى‪ ,‬فأنزل الله في ذلك مككن قولهمككا‪} :‬إنككا أوحينككا إليككك كمككا‬
‫ليككات‪ .‬وقككال ابككن‬ ‫أوحينا إلى نوح والنبيين من بعككده{ إلككى آخككر ا َ‬
‫جرير‪ :‬حدثنا الحكارث‪ ,‬حكدثنا عبكد العزيكز‪ ,‬حكدثنا أبكو معشكر عكن‬
‫محمد بن كعب القرظي‪ ,‬قال‪ :‬أنزل الله }يسألك أهل الكتككاب أن‬
‫تنزل عليهم كتابا ً من السماء{ إلككى قككوله‪} :‬وقككولهم علككى مريككم‬
‫بهتانا ً عظيمًا{ قال‪ :‬فلما تلها عليهم يعني على اليهككود‪ ,‬وأخككبرهم‬
‫بأعمالهم الخبيثة‪ ,‬جحدوا كل ما أنزل اللككه وقككالوا‪ :‬مككا أنككزل اللككه‬
‫على بشر مككن شككيء‪ ,‬ول موسككى ول عيسككى ول علككى نككبي مككن‬
‫شيء‪ ,‬قال‪ :‬فحل حبوته‪ ,‬وقال‪ :‬ول على أحد‪ ,‬فأنزل الله عز وجل‬
‫}وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنككزل اللككه علككى بشككر مككن‬
‫شيء{ وفي هذا الذي قاله محمد بن كعككب القرظككي نظككر‪ ,‬فككإن‬
‫ليكة الكتي فكي‬ ‫لية الكتي فكي سكورة النعكام مكيكة‪ ,‬وهكذه ا َ‬ ‫هذه ا َ‬
‫سورة النساء مدنية‪ ,‬وهي رد عليهم لما سككألوا النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابكا ً مككن السككماء‪ ,‬قككال اللككه تعككالى‪:‬‬
‫}فقد سألوا موسى أكبر من ذلك{ ثككم ذكككر فضككائحهم ومعككايبهم‬
‫لن مككن الكككذب والفككتراء‪ ,‬ثككم ذكككر‬ ‫وما كانوا عليه وما هم عليه ا َ‬
‫تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليككه وسككلم‪,‬‬
‫كما أوحى إلى غيره مككن النبيككاء المتقككدمين‪ ,‬فقككال‪} :‬إنككا أوحينككا‬
‫إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين مككن بعككده{ إلككى قككوله‪} :‬وآتينككا‬
‫داود زبورًا{ والزبور اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلككى داود عليككه‬
‫السلم وسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلء النبياء عليهم من الله‬
‫أفضل الصلة والسلم‪ ,‬عند قصصهم من سككورة النبيككاء إن شككاء‬
‫اللكككككككككككككه وبكككككككككككككه الثقكككككككككككككة وعليكككككككككككككه التكلن‪.‬‬
‫وقككوله‪} :‬ورسككل ً قككد قصصككناهم عليككك مككن قبككل ورسككل ً لككم‬
‫لية‪ ,‬يعني في السككور المكيككة‬ ‫نقصصهم عليك{ أي من قبل هذه ا َ‬
‫وغيرها وهذه تسمية النبياء الذين نككص اللككه علككى أسككمائهم فككي‬
‫‪290‬‬
‫القرآن وهككم‪ :‬آدم وإدريككس ونككوح وهككود وصككالح وإبراهيككم ولككوط‬
‫وإسماعيل وإسحاق ويعقكوب ويوسكف وأيكوب وشكعيب وموسكى‬
‫وهارون ويونس وداود وسليمان وإليككاس واليسككع وزكريككا ويحيككى‬
‫وعيسى‪ ,‬وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين وسيدهم محمككد‬
‫صكككككككككككككككلى اللكككككككككككككككه عليكككككككككككككككه وسكككككككككككككككلم‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬ورسل ً لم نقصصهم عليك{ أي خلقا ً آخرين لككم يككذكروا‬
‫في القرآن‪ ,‬وقد اختلف في عدة النبيككاء والمرسككلين‪ ,‬والمشككهور‬
‫في ذلك حككديث أبككي ذر الطويككل‪ ,‬وذلككك فيمككا رواه ابككن مردويككه‬
‫رحمه الله في تفسيره حيث قال‪ :‬حدثنا إبراهيم بن محمككد حككدثنا‬
‫جعفر بن محمد بن الحسن والحسين بن عبد الله بن يزيككد‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني‪ ,‬حدثني أبي عن جدي‪,‬‬
‫عن أبي إدريس الخولني‪ ,‬عن أبككي ذر‪ ,‬قككال‪ :‬يارسككول اللككه‪ ,‬كككم‬
‫النبياء ؟ قال‪» :‬مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا«‪ .‬قلت‪ :‬يارسككول‬
‫الله‪ ,‬كم الرسل منهم ؟ قال‪» :‬ثلثمائة وثلثة عشككر جككم غفيككر«‪.‬‬
‫قلت يارسول الله‪ ,‬من كان أولهم ؟ قككال‪» :‬آدم« قلكت‪ :‬يارسكول‬
‫الله‪ ,‬نبي مرسل ؟ قال‪» :‬نعم خلقه الله بيككده‪ ,‬ثككم نفككخ فيككه مككن‬
‫ل« ثم قال‪» :‬يا أبككا ذر‪ ,‬أربعككة سككريانيون‪ :‬آدم‬ ‫روحه‪ ,‬ثم سواه قبي ً‬
‫وشككيث ونككوح وخنككوخ وهككو إدريككس‪ ,‬وهككو أول مككن خككط بككالقلم‪,‬‬
‫وأربعة من العرب‪ :‬هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر‪ ,‬وأول نككبي‬
‫مككن بنككي إسككرائيل موسككى وآخرهككم عيسككى‪ ,‬وأول النككبيين آدم‪,‬‬
‫وآخرهم نبيك« وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم بككن‬
‫حبان البستي في كتابه النواع والتقاسككيم‪ ,‬وقككد وسككمه بالصككحة‪,‬‬
‫وخككالفه أبككو الفككرج بككن الجككوزي فككذكر هككذا الحككديث فككي كتككابه‬
‫الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام هذا‪ ,‬ول شك أنه قد تكلم‬
‫فيه غير واحد من أئمككة الجككرح والتعككديل مككن أجككل هككذا الحككديث‬
‫وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن صحابي آخر فقككال ابككن‬
‫أبي حاتم‪ :‬حدثنا محمد بن عوف‪ ,‬حدثنا أبو المغيكرة‪ ,‬حكدثنا معكان‬
‫بن رفاعة عن علي بن يزيد‪ ,‬عن القاسم‪ ,‬عككن أبككي أمامككة‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يانبي الله‪ ,‬كم النبياء ؟ قال‪» :‬مائة ألف وأربعككة وعشككرون‬
‫ألفا ً والرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشر جما ً غفيرًا« معان بن‬
‫رفاعه السلمي ضعيف‪ ,‬وعلي بن يزيد ضعيف‪ ,‬والقاسم أبو عبككد‬
‫‪291‬‬
‫الرحمن ضعيف أيضًا‪ .‬وقال الحككافظ أبككو يعلككى الموصككلي‪ :‬حككدثنا‬
‫أحمد بن إسحاق أبو عبد الله الجوهري البصري‪ ,‬حككدثنا مكككي بككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬حدثنا موسى بن عبيدة الربذي عن يزيككد الرقاشككي‪ ,‬عككن‬
‫أنس‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬بعككث اللككه‬
‫ثمانية آلف نبي‪ :‬أربعة آلف إلى بني إسرائيل‪ ,‬وأربعككة آلف إلككى‬
‫سككائر النككاس« وهككذا أيض كا ً إسككناد ضككعيف‪ ,‬فيككه الربككذي ضككعيف‬
‫وشككككككيخه الرقاشككككككي أضككككككعف منككككككه واللككككككه أعلككككككم‪.‬‬
‫قال أبو يعلى‪ :‬حدثنا أبو الربيع‪ ,‬حكدثنا محمكد بكن ثككابت العبكدي‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن خالكد النصكاري عكن يزيكد الرقاشكي‪ ,‬عكن أنكس‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬كان فيمن خل مككن‬
‫إخواني من النبياء ثمانية آلف نبي‪ ,‬ثم كان عيسى بن مريكم‪ ,‬ثكم‬
‫كنت أنا« وقد رويناه عن أنس من وجه آخر‪ ,‬فأخبرنا الحككافظ أبككو‬
‫عبد الله الذهبي‪ ,‬أخبرنا أبو الفضل بن عساكر‪ ,‬أنبأنككا المككام بكككر‬
‫القاسم بن أبي سعيد الصفار‪ ,‬أخبرتنا عمة أبي عائشة بنت أحمككد‬
‫بن منصور بن الصفار‪ ,‬أخبرنا الشريف أبو السنانك هبككة اللككه بككن‬
‫أبي الصهباء محمد بن حيدر القرشككي‪ ,‬حككدثنا المككام السككتاذ أبككو‬
‫إسحاق السفراييني‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا المام أبو بكر أحمد بن إبراهيككم‬
‫السماعيلي‪ ,‬حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة‪ ,‬حدثنا أحمد بن‬
‫طارق‪ ,‬حدثنا مسلم بن خالد‪ ,‬حدثنا زياد بن سعد عككن محمككد بككن‬
‫المنكدر‪ ,‬عن صفوان بن سليم‪ ,‬عككن أنككس بككن مالككك‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬بعثككت علككى أثككر ثمانيككة آلف‬
‫نبي‪ ,‬منهم أربعة آلف نبي من بني إسرائيل« وهذا غريب من هذا‬
‫الوجه‪ ,‬وإسناده ل بككأس بككه‪ ,‬رجككاله كلهككم معرفككون إل أحمككد بككن‬
‫طارق هذا‪ ,‬فإني ل أعرفه بعدالة ول جككرح‪ ,‬واللككه أعلككم‪ .‬وحككديث‬
‫أبي ذر الغفككاري الطويككل فككي عككدد النبيككاء عليهككم السككلم‪ .‬قككال‬
‫محمد بن حسككين ا َ‬
‫لجككري‪ :‬حككدثنا أبككو بكككر جعفككر بككن محمككد بككن‬
‫الفريابي إملء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومككائتين‪ ,‬حككدثنا‬
‫إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني‪ ,‬حككدثنا أبككي عككن جككده‪ ,‬عككن‬
‫أبي إدريس الخولني‪ ,‬عككن أبككي ذر‪ ,‬قككال‪ :‬دخلككت المسككجد‪ ,‬فككإذا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم جككالس وحككده‪ ,‬فجلسككت إليككه‪,‬‬
‫فقلت‪ :‬يارسول الله‪ ,‬إنككك أمرتنككي بالصككلة‪ .‬قككال‪» :‬الصككلة خيككر‬
‫موضوع‪ ,‬فاسككتكثر أو اسككتقل« قككال‪ :‬قلككت‪ :‬يارسككول اللككه‪ ,‬فككأي‬
‫‪292‬‬
‫العمال أفضل ؟ قال‪» :‬إيمككان بككالله وجهككاد فكي سكبيله«‪ .‬قلكت‪:‬‬
‫يارسول اللككه‪ ,‬فككأي المككؤمنين أفضككل ؟ قككال‪» :‬أحسككنهم خلقكًا«‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يارسول اللككه‪ ,‬فككأي المسككلمين أسككلم ؟ قككال‪» :‬مككن سككلم‬
‫النككاس مككن لسككانه ويككده«‪ .‬قلككت‪ :‬يارسككول اللككه‪ ,‬فككأي الهجككرة‬
‫أفضل ؟ قال‪» :‬من هجر السيئات« قلت‪ :‬يارسول الله أي الصلة‬
‫أفضل ؟ قال‪» :‬طول القنوت« فقلت‪ :‬يارسول الله ‪ ,‬فأي الصيام‬
‫أفضل ؟ قال‪» :‬فرض مجزىء وعند اللككه أضككعاف كككثيرة« قلككت‪:‬‬
‫يارسول الله فأي الجهاد أفضل ؟ قال‪» :‬من عقر جواده وأهريككق‬
‫دمه«‪ .‬قلت‪ :‬يارسول الله‪ ,‬فككأي الرقككاب أفضككل ؟ قككال‪» :‬أغلهككا‬
‫ثمنا ً وأنفسها عند أهلها«‪ .‬قلت‪ :‬يارسول الله‪ ,‬فأي الصدقة أفضل‬
‫؟ قال‪» :‬جهد من مقل وسر إلى فقير«‪ .‬قلت‪ :‬يارسول الله‪ ,‬فأي‬
‫آية ما أنزل عليك أعظم ؟ قال »آية الكرسي«‪ ,‬ثم قال يا أبككا ذر‪,‬‬
‫وما السموات السككبع مككع الكرسككي إل كحلقككة ملقككاة بككأرض فلة‬
‫وفضل العرش على الكرسي كفضككل الفلة علككى الحلقككة« قككال‪:‬‬
‫لنبيككاء ؟ قككال »مككائة ألككف وأربعككة‬ ‫قلككت‪ :‬يارسككول اللككه‪ ,‬كككم ا َ‬
‫وعشرون ألفًا«‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يارسول الله‪ ,‬كم الرسل من ذلككك ؟‬
‫قال‪» :‬ثلثمائة وثلثة عشر جم غفير كثير طيب«‪ .‬قلت‪ :‬فمن كان‬
‫أولهم ؟ قال‪» :‬آدم« قلت‪ :‬أنبي مرسل ؟ قال‪» :‬نعم‪ ,‬خلقه الله«‬
‫بيده‪ ,‬ونفخ فيه من روحه‪ ,‬سواه قبيل«‪ ,‬ثم قال‪» :‬يا أبا ذر‪ ,‬أربعككة‬
‫سريانيون‪ :‬آدم وشيث وخنككوخ وهككو إدريككس‪ ,‬وهككو أول مككن خككط‬
‫بقلم‪ ,‬ونوح‪ ,‬وأربعة من العرب‪ :‬هود وشعيب وصالح ونبيككك بككا أبككا‬
‫ذر‪ ,‬وأول أنبيككاء بنككي إسككرائيل موسككى وآخرهككم عيسككى‪ ,‬وأول‬
‫الرسل آدم وآخرهم محمد« قال‪ :‬قلت‪ :‬يارسول اللككه‪ ,‬كككم كتككاب‬
‫أنزله الله ؟ قال‪» :‬مائة كتاب وأربعة كتب‪ ,‬أنزل الله علككى شككيث‬
‫خمسين صحيفة‪ ,‬وعلى خنوخ ثلثين صحيفة‪ ,‬وعلى إبراهيم عشر‬
‫صحائف‪ ,‬وأنزل على موسى مككن قبككل التككوراة عشككرة صككحائف‪,‬‬
‫وأنزل التوراة والنجيل والزبور والفرقككان« قكال‪ :‬قلككت‪ :‬يارسككول‬
‫الله‪ ,‬ما كانت صحف إبراهيم ؟ قككال »كككانت كلهككا يككا أيهككا الملككك‬
‫المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضككها علككى‬
‫بعض‪ ,‬ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم‪ ,‬فإني ل أردهككا ولككو‬
‫كانت من كككافر‪ ,‬وكككان فيهككا أمثككال‪ ,‬وعلككى العاقككل أن يكككون لككه‬
‫ساعات‪ :‬سككاعة ينككاجي فيهككا ربككه‪ ,‬وسككاعة يحاسككب فيهككا نفسككه‪,‬‬
‫‪293‬‬
‫وساعة يفكر في صنع الله‪ ,‬وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم‬
‫والمشككرب‪ ,‬وعلككى العاقككل أن ل يكككون ضككاغنا ً إل لثلث‪ :‬تككزود‬
‫لمعاد‪ ,‬أو مرمة لمعاش‪ ,‬أو لذة في غير محرم‪ ,‬وعلككى العاقككل أن‬
‫يكون بصيرا ً بزمانه‪ ,‬مقبل ً على شأنه‪ :‬حافظا ً للسانه‪ ,‬ومن حسب‬
‫كلمه من عمله قل كلمه إل فيمكا يعنيكه«‪ .‬قككال‪ :‬قلكت‪ :‬يارسكول‬
‫الله‪ ,‬فما كانت صحف موسى ؟ قككال »كككانت عككبرا ً كلهككا‪ ,‬عجبككت‬
‫لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح‪ ,‬عجبت لمن أيقككن بالقككدر ثككم هككو‬
‫ينصب‪ ,‬وعجبت لمن يرى الككدنيا وتقلبهككا بأهلهككا ثككم يطمئن إليهككا‪,‬‬
‫وعجبت لمن أيقن بالحساب غكدا ً ثككم هكو ل يعمككل«‪ .‬قكال‪ :‬قلكت‪:‬‬
‫يارسول الله‪ ,‬فهل في أيدينا شككيء ممككا ككان فككي أيككدي إبراهيككم‬
‫وموسى‪ ,‬وما أنزل الله عليك ؟ قال »نعم اقرأ يا أبا ذر }قد أفلح‬
‫من تزكى * وذكر اسم ربه فصكلى * بكل تكؤثرون الحيكاة الكدنيا *‬
‫لخككرة خيككر وأبقككى * إن هككذا لفككي الصككحف الولككى * صككحف‬ ‫وا َ‬
‫إبراهيككم وموسككى{«‪ .‬قككال‪ :‬قلككت‪ :‬يارسككول اللككه‪ ,‬أوصككني قككال‪:‬‬
‫أوصيك بتقوى الله فككإنه رأس أمككرك قككال‪ :‬قلككت يككا رسككول اللككه‬
‫زدني قككال »عليككك بتلوة القككرآن وذكككر اللككه فككإنه ذكككر لككك فككي‬
‫السماء ونور لك في الرض« قال‪ :‬قلت‪ :‬يارسول الله زدني‪ .‬قال‬
‫»إياك وكثرة الضحك‪ ,‬فككإنه يميككت القلككب ويككذهب بنككور الككوجه«‪,‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يارسول الله زدني‪ ,‬قال‪» :‬عليك بالجهاد فككإنه رهبانيككة‬
‫أمككتي«‪ .‬قلككت‪ :‬زدنككي‪ .‬قككال »عليككك بالصككمت إل مككن خيككر فككإنه‬
‫مطردة للشيطان‪ ,‬وعون لك على أمر دينك«‪ .‬قلت‪ :‬زدنككي قككال‪:‬‬
‫»انظر إلى من هو تحتك‪ ,‬ول تنظر إلى من هو فوقك‪ ,‬فككإنه أجككدر‬
‫لك أن ل تزدري نعمكة اللكه عليكك«‪ .‬قلكت‪ :‬زدنكي‪ .‬قككال‪» :‬أحبككب‬
‫المساكين وجالسهم‪ ,‬فإنه أجدر أن ل تككزدري نعمككة اللككه عليككك«‪.‬‬
‫قلت‪ :‬زدني قال‪» :‬صل قرابتك وإن قطعوك«‪ .‬قلت‪ :‬زدني‪ .‬قكال‪:‬‬
‫»قل الحق وإن كان مرًا« قلت‪ :‬زدنككي‪ .‬قككال »ل تخككف فككي اللككه‬
‫لومة لئم«‪ .‬قلت‪ :‬زدني‪ .‬قال »يردك عككن النككاس مككا تعككرف مككن‬
‫نفسك‪ ,‬ول تجد عليهم فيما تحب‪ ,‬وكفى بككك عيب كا ً أن تعككرف مككن‬
‫الناس ما تجهل من نفسك‪ ,‬أو تجد عليهم فيما تحب«‪ ,‬ثككم ضككرب‬
‫بيده صدري فقال‪» :‬يا أبكا ذر‪ ,‬ل عقكل كالتكدبير‪ ,‬ول ورع ككالكف‪,‬‬
‫ول حسككككككككككككككككككب كحسككككككككككككككككككن الخلككككككككككككككككككق«‪.‬‬
‫‪294‬‬
‫وروى المام أحمد عن أبي المغيرة‪ ,‬عن معان بككن رفاعككة‪ ,‬عككن‬
‫علي بن يزيد‪ ,‬عن القاسم‪ ,‬عن أبي أمامككة أن أبككا ذر سككأل النككبي‬
‫صكلى اللكه عليكه وسككلم‪ ,‬فكذكر أمككر الصكلة والصكيام والصككدقة‪,‬‬
‫وفضل آية الكرسي‪ ,‬ول حول ول قوة إل بالله‪ ,‬وأفضككل الشككهداء‪,‬‬
‫وأفضل الرقاب‪ ,‬ونبوة آدم وأنه مكلم‪ ,‬وعدد النبيككاء‪ ,‬والمرسككلين‬
‫كنحككككككككككككككككككككككككو مككككككككككككككككككككككككا تقككككككككككككككككككككككككدم‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن المام أحمككد‪ :‬وجككدت فككي كتككاب أبككي يخطككه‪:‬‬
‫حدثني عبككد المتعككالي بككن عبككد الوهككاب‪ ,‬حككدثنا يحيككى بككن سككعيد‬
‫الموي‪ ,‬حدثنا مجالد عن أبي الوداك‪ ,‬قككال‪ :‬قككال أبككو سككعيد‪ :‬هككل‬
‫تقول الخوارج بالدجال ؟ قال‪ :‬قلت‪:‬ل ‪ ,‬فقككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪» :‬إني خاتم ألف نبي أو أكثر‪ ,‬وما بعث نبي‬
‫يتبع إل وقد حذر أمته منه‪ ,‬وإني قد بين لي فيه ما لم يككبين لحككد‪,‬‬
‫وإنه أعور‪ ,‬وإن ربكم ليس بأعور‪ ,‬وعينه اليمنى عوراء جاحظككة ل‬
‫تخفى كأنها نخامة في حائط مجصص‪ ,‬وعينه اليسرى كأنها كوكب‬
‫دري‪ ,‬معه من كل لسان‪ ,‬ومعه صورة الجنة خضككراء يجككري فيهككا‬
‫الماء‪ ,‬وصورة النار سوداء تدخن«‪ ,‬وقد روينككاه فككي الجككزء الككذي‬
‫فيه رواية أبي يعلى الموصلي عن يحيى بن معيككن‪ :‬حككدثنا مككروان‬
‫بن معاوية‪ ,‬حدثنا مجالد عن أبي الككوداك‪ ,‬عككن أبككي سككعيد‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬إني أختم ألف ألف نككبي‬
‫أو أكثر‪ ,‬ما بعث اللككه مككن نككبي إلككى قككومه إل حككذرهم الككدجال«‪,‬‬
‫وذكر تمام الحديث‪ ,‬هذا لفظككه بزيككادة ألككف وقككد تكككون مقحمككة‪,‬‬
‫وسياق رواية المام أحمد أثبكت وأولكى بالصككحة‪ ,‬ورجكال إسككناد‬
‫هذا الحديث ل بأس بهم‪ ,‬وقد روي هذا الحديث مككن طريككق جككابر‬
‫بن عبد الله رضي الله عنه‪ ,‬قال الحككافظ أبككو بكككر الككبزار‪ :‬حككدثنا‬
‫عمرو بن علي‪ ,‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬حدثنا مجالد عككن الشككعبي‪,‬‬
‫عن جابر‪ ,‬قال‪ :‬قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬إنككي‬
‫لخاتم ألف نبي أو أكثر‪ ,‬وإنه ليس منهم نككبي إل وقككد أنككذر قككومه‬
‫الدجال‪ ,‬وإني قد بين لي ما لم يبين لحد منهككم‪ ,‬وإنككه أعككور‪ ,‬وإن‬
‫ربكككككككككككككككككككككككم ليككككككككككككككككككككككس بككككككككككككككككككككككأعور«‬
‫قوله‪} :‬وكلم الله موسى تكليمًا{ وهككذا تشككريف لموسككى عليككه‬
‫السلم بهذه الصفة‪ ,‬ولهذا يقال له‪ :‬الكليم‪ ,‬وقد قال الحككافظ أبككو‬
‫‪295‬‬
‫بكر بن مردوية‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان المالكي‪ ,‬حدثنا‬
‫مسيح بن حاتم‪ ,‬حدثنا عبد الجبار بن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫أبي بكر بن عياش فقال‪ :‬سمعت رجل ً يقككرأ }وكلككم اللككه موسككى‬
‫تكليمًا{‪ ,‬فقال أبو بكر‪ :‬ما قرأ هذا إل كافر‪ ,‬قرأت على العمككش‪,‬‬
‫وقرأ العمش على يحيى بن وثاب‪ ,‬وقرأ يحيى بن وثاب على أبي‬
‫عبد الرحمن السلمي‪ ,‬وقرأ أبو عبد الرحمن السككلمي علككى علككي‬
‫بن أبي طالب‪ ,‬وقرأ علي بن أبي طالب علككى رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم }وكلم الله موسككى تكليمكًا{ وإنمككا اشككتد غضككب‬
‫أبي بكر بن عياش رحمه الله على من قرأ كذلك‪ ,‬لنه حرف لفظ‬
‫القرآن ومعناه‪ ,‬وكان هذا من المعتزلككة الككذين ينكككرون أن يكككون‬
‫الله كلم موسى عليه السلم أو يكلم أحدا ً من خلقه‪ ,‬كمككا روينككاه‬
‫عككن بعكض المعتزلككة أنكه قككرأ علكى بعكض المشكايخ }وكلكم اللكه‬
‫موسى تكليمًا{ فقال له‪ :‬يا ابن اللخناء‪ ,‬كيف تصنع بقكوله تعكالى‪:‬‬
‫}ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه{ ؟ يعنككي أن هككذا ل يحتمككل‬
‫التحريف‪ ,‬ول التأويل‪ ,‬وقال ابن مردويه‪ :‬حدثنا محمد بن أحمد بن‬
‫إبراهيككم حككدثنا أحمككد بككن الحسككين بككن بهككرام‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫مرزوق‪ ,‬حدثنا هانىء بن يحيى عن الحسككن بككن أبككي جعفككر‪ ,‬عككن‬
‫قتادة‪ ,‬عن يحيى بن وثاب‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪» :‬لما كلككم اللككه موسككى كككان يبصككر دبيككب‬
‫النمككل علككى الصككفا فككي الليلككة الظلمككاء« وهككذا حككديث غريككب‪,‬‬
‫وإسناده ل يصح‪ ,‬وإذا صح موقوفا ً كان جيدًا‪ ,‬وقد روى الحاكم في‬
‫مستدركه وابن مردويه من حديث حميككد بككن قيككس العككرج‪ ,‬عككن‬
‫عبد الله بن الحارث‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪» :‬كان على موسى يككوم كلمككه ربككه جبككة صككوف‪,‬‬
‫وكساء صوف‪ ,‬وسراويل صوف‪ ,‬ونعلن من جلد حمار غير ذكي«‪.‬‬
‫وقال ابن مردويه بإسناده‪ ,‬عن جويككبر‪ ,‬عككن الضككحاك‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬قال‪ :‬إن الله ناجى موسى بمائة ألف كلمة وأربعيككن ألككف‬
‫لدمييككن‬ ‫كلمة في ثلثة أيام‪ ,‬وصايا كلها‪ ,‬فلما سمع موسككى كلم ا َ‬
‫مقتهم مما وقع في مسامعه من كلم الرب عز وجل‪ ,‬وهذا أيضككا ً‬
‫إسناد ضعيف‪ ,‬فإن جويبر أضعف‪ ,‬والضحاك لم يدرك ابككن عبككاس‬
‫رضي الله عنهما‪ .‬فأما الثر الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه‬
‫وغيرهما من طريق الفضل بن عيسى الرقاشي‪ ,‬عككن محمككد بككن‬
‫‪296‬‬
‫المنكدر‪ ,‬عن جابر بن عبد الله أنه قال‪ :‬لما كلم الله موسككى يككوم‬
‫الطور‪ ,‬كلمه بغير الكلم الذي كلمه يوم ناداه‪ ,‬فقككال لككه موسككى‪:‬‬
‫يارب هذا كلمك الذي كلمتني به‪ ,‬قال‪ :‬ل ياموسى‪ ,‬إنمككا كلمتككك‬
‫بقوة عشرة آلف لسان‪ ,‬ولي قوة اللسنة كلهككا‪ ,‬وأنككا أقككوى مككن‬
‫ذلك‪ ,‬فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل‪ ,‬قككالوا‪ :‬ياموسككى‪ ,‬صككف‬
‫لنا كلم الرحمن‪ .‬قال‪ :‬ل أستطيعه‪ .‬قككالوا‪ :‬فشككبه لنككا‪ .‬قككال‪ :‬ألككم‬
‫تسمعوا إلى صوت الصككواعق فككإنه قريككب منككه وليككس بككه‪ .‬وهككذا‬
‫إسككناد ضككعيف‪ ,‬فككإن الفضككل الرقاشككي هككذا ضككعيف بمككرة‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬أخبرنا معمر عن الزهري‪ ,‬عككن أبككي بكككر بككن‬
‫عبد الرحمن بن الحارث‪ ,‬عن جزء بن جابر الجثعمي‪ ,‬عككن كعككب‪,‬‬
‫قال‪ :‬إن الله لما كلككم موسككى باللسككنة كلهككا‪ ,‬فقككال لككه موسككى‪:‬‬
‫يارب‪ ,‬هذا كلمك ؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬ولو كلمتككك بكلمككي لككم تسككتقم لككه‪.‬‬
‫قال‪ :‬يارب‪ ,‬فهل من خلقك شيء يشبه كلمككك ؟ قككال‪ :‬ل‪ ,‬وأشككد‬
‫خلقي شبها ً بكلمي أشد ما تسمعون من الصواعق‪ ,‬فهذا موقوف‬
‫على كعب الحبار‪ ,‬وهككو يحكككي عككن الكتككب المتقدمككة المشككتملة‬
‫علككككى أخبككككار بنككككي إسككككرائيل وفيهككككا الغككككث والسككككمين‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬رسل ً مبشرين ومنذرين{ أي يبشرون مككن أطككاع ا للككه‬
‫واتبع رضوانه بالخيرات‪ ,‬وينذرون من خككالف أمككره وكككذب رسككله‬
‫بالعقاب والعذاب‪ ,‬وقوله‪} :‬لئل يكون للناس على اللككه حجككة بعككد‬
‫الرسل وكان الله عزيزا ً حكيمًا{ أي أنه تعالى أنزل كتبككه وأرسككل‬
‫رسله بالبشارة والنذارة‪ ,‬وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه‪,‬‬
‫لئل يبقى لمعتذر عذر‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬ولو أنكا أهلكنكاهم بعكذاب‬
‫من قبله لقالوا ربنا لول أرسلت إلينا رسول ً فنتبع آياتككك مككن قبككل‬
‫أن نذل ونخزى{‪ ,‬وكذا قوله‪} :‬ولول أن تصيبهم مصيبة بما قدمت‬
‫لية‪ .‬وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬قال‬ ‫أيديهم{ ا َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬ل أحد أغير من الله‪ ,‬من أجل‬
‫ذلك حرم الفواحش ما ظهر منهككا ومككا بطككن‪ ,‬ول أحككد أحككب إليككه‬
‫المدح من الله عز وجل‪ ,‬من أجل ذلك مدح نفسه‪ ,‬ول أحككد أحككب‬
‫إليككه العككذر مككن اللككه‪ ,‬مككن أجككل ذلككك بعككث النككبيين مبشككرين‬
‫ومنذرين«‪ ,‬وفي لفظ آخر »مككن أجككل ذلككك أرسككل رسككله وأنككزل‬
‫كتبككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه«‪( .‬‬
‫‪297‬‬
‫ل إل َي َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫شككهَ ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫مهِ َوال ْ َ‬ ‫ه ب ِعِل ْ ِ‬ ‫ك أنَزل َ ُ‬ ‫مآ أنَز َ ِ ْ‬ ‫شهَد ُ ب ِ َ‬‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫** لـك ِ ِ‬
‫ل الل ّكهِ قَ كد ْ‬ ‫س كِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ وَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫شِهيدا ً * إ ِ ّ‬ ‫ى ِبالل ّهِ َ‬ ‫وَك ََف َ‬
‫ه ل ِي َغِْفكَر‬ ‫ن الل ّك ُ‬ ‫ِ‬ ‫م ي َك ُك‬‫موا ْ ل َك ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ وَظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ضل َل َ ب َِعيدا ً * إ ِ ّ‬ ‫ضّلوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ِفيَهآ أب َككدا ً وَك َككا َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ريقَ َ‬ ‫ريقا ً * َ إ ِل ّ ط َ ِ‬ ‫م طَ ِ‬ ‫م وَل َ ل ِي َهْدِي َهُ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫من‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ل ِبال ْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫جآَءك ُ ُ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫سيرا ً * ي َأي َّها الّنا ُ‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ت‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سك َ‬ ‫مككا فِككي ال ّ‬ ‫ن لل ّكهِ َ‬ ‫م وَِإن ت َك ُْفكُروا ْ فَكإ ِ ّ‬ ‫خْيرا ً ل ّك ُك ْ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫م َفآ ِ‬ ‫ّرب ّك ُ ْ‬
‫كيمككككككككككككا ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ه عَِليمككككككككككككا ً َ‬ ‫ن الّلكككككككككككك ُ‬ ‫كككككككككككككا َ‬ ‫َوالْرض وَ َ‬
‫ِ‬
‫لما تضمن قوله تعالى‪} :‬إن ّككا أوحينككا إليككك{ إلككى آخككر السككياق‪,‬‬
‫إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم والرد على من أنكككر نبككوته مككن‬
‫المشركين وأهل الكتاب‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬لكككن اللككه يشككهد بمككا‬
‫أنزل إليك{ أي وإن كفر به من كفر به ممن كذبك وخالفك‪ ,‬فالله‬
‫يشككهد لككك بأنككك رسككوله الككذي أنككزل عليككه الكتككاب وهككو القككرآن‬
‫العظيم الذي }ل يأتيه الباطل من بين يككديه ول مككن خلفككه تنزيككل‬
‫من حكيم حميد{‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬أنزله بعلمه{ أي في علمككه الككذي‬
‫أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان‪ ,‬وما يحبككه‬
‫الله ويرضاه‪ ,‬وما يكرهه ويأباه‪ ,‬وما فيه مككن العلككم بككالغيوب مككن‬
‫الماضي والمستقبل‪ ,‬وما فيككه مككن ذكككر صككفاته تعككالى المقدسككة‬
‫التي ليعلمها نبي مرسل ول ملك مقرب إل أن يعلمه الله به‪ ,‬كما‬
‫قال تعالى‪} :‬وليحيطون بشيء مككن علمككه إل ّ بمككا شككاء{ وقككال‪:‬‬
‫}ول يحيطكككككككككككككككككككون بكككككككككككككككككككه علمكككككككككككككككككككًا{‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا علي بن الحسين‪ ,‬حككدثنا الحسككن بككن‬
‫سهل الجعفري وخزز بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمككران بككن عيينككة‪,‬‬
‫حدثنا عطاء بن السائب‪ ,‬قال‪ :‬أقرأني أبو عبككد الرحمككن السككلمي‬
‫القرآن‪ ,‬وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال‪ :‬قد أخذت علم الله‪,‬‬
‫فليس أحد اليوم أفضككل منككك إل بعمككل‪ ,‬ثككم يقككرأ قككوله‪} :‬أنزلككه‬
‫بعلمه والملئكة يشهدون وكفى بالله شهيدًا{‪ ,‬قككوله‪} :‬والملئكككة‬
‫يشكهدون{ أي بصكدق مككا جككاءك وأوحكى اليكك وأنككزل عليككك مكع‬
‫شهادة الله تعككالى بككذلك }وكفككى بككالله شكهيدًا{ قككال محمككد بككن‬
‫إسحاق‪ ,‬عن محمد بن أبي محمد‪ ,‬عن عكرمة أو سعيد بن جككبير‪,‬‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫جماعة من اليهود‪ ,‬فقال لهم‪» :‬إنككي لعلككم واللككه إنكككم لتعلمككون‬
‫‪298‬‬
‫أني رسول الله« فقالوا‪ :‬ما نعلم ذلك‪ .‬فأنزل الله عز وجل }لكن‬
‫اللككككه يشككككهد بمككككا أنككككزل إليككككك أنزلككككه بعلمككككه{ ا َ‬
‫ليككككة‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضككلوا ضككلل ً‬
‫بعيدًا{ أي كفروا في أنفسهم‪ ,‬فلم يتبعوا الحق‪ ,‬وسككعوا فككي صككد‬
‫الناس عن اتباعه والقتداء به‪ ,‬قد خرجوا عن الحككق وضككلوا عنككه‪,‬‬
‫وبعدوا منه بعدا ً عظيما ً شاسعًا‪ ,‬ثككم أخككبر تعككالى عككن حكمككه فككي‬
‫الكافرين بآياته وكتابه ورسوله‪ ,‬الظالمين لنفسهم بككذلك وبالصككد‬
‫عن سبيله وارتكاب مآثمه وانتهاك محارمه بأنه ل يغفككر لهككم }ول‬
‫يهكديهم طريقكًا{ أي سكبيل ً إلكى الخيكر }إل طريكق جهنكم{ وهكذا‬
‫ليه‪ ,‬ثم قال تعالى‪} :‬يككا أيهككا‬ ‫استثناء منقطع }خالدين فيها أبدًا{ ا َ‬
‫الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيككرا ً لكككم{ أي‬
‫قد جاءكم محمد صلوات الله وسككلمه عليكه بالهككدى وديككن الحككق‬
‫والبيان الشافي من الله عز وجل‪ ,‬فآمنوا بما جاءكم بككه واتبعككوه‪,‬‬
‫يكن خيرا ً لكم‪ .‬ثم قال‪} :‬وإن تكفروا فإن لله مككا فككي السككموات‬
‫والرض{ أي فهو غني عنكم وعن إيمانكم‪ ,‬ول يتضرر بكفرانكككم‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬وقال موسى إن تكفككروا أنتككم ومككن فككي الرض‬
‫جميعا ً فإن الله لغني حميد{ وقال ههنا‪} :‬وكككان اللككه عليم كًا{ أي‬
‫بمن يستحق منكم الهداية فيهدية‪ ,‬وبمن يستحق الغوايككة فيغككويه‪,‬‬
‫}حكيمككككًا{ أي فككككي أقككككواله وأفعككككاله وشككككرعه وقككككدره‪.‬‬
‫ح كقّ‬ ‫م وَل َ ت َُقوُلوا ْ عَل َككى الل ّكهِ إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫ب ل َ ت َغُْلوا ْ ِفي ِدين ِك ُ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫** ي َأ َهْ َ‬
‫م‬
‫مْري َ َ‬ ‫ى َ‬ ‫ه أ َل َْقا َ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَك َل ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫ها إ ِل َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬
‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ما‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫خْيرا ً ل ّك ُ ْ‬‫ة انت َُهوا ْ َ‬ ‫سل ِهِ وَل َ ت َُقوُلوا ْ ث َل َث َ ٌ‬ ‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫ه َفآ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ح ّ‬ ‫وَُرو ٌ‬
‫َ‬
‫مككا‬ ‫ماَوات وَ َ‬ ‫س َ‬‫ه وما ِفي ال ّ‬ ‫ه وَل َد ٌ ل ّ ُ‬
‫ن لَ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ه أن ي َ ُ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫حد ٌ ُ‬‫ه َوا ِ‬ ‫ه إ َِلـ ٌ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫كيل ً‬ ‫ى ِبكككككككككككككككككالل ّهِ وَ ِ‬ ‫ض وَك ََفككككككككككككككككك َ‬ ‫ِفكككككككككككككككككي الْر ِ‬
‫ينهى تعالى أهل الكتكاب عكن الغلككو والطككراء‪ ,‬وهككذا ككثير فككي‬
‫النصككارى‪ ,‬فككإنهم تجككاوزوا الحككد فككي عيسككى حككتى رفعككوه فككوق‬
‫المنزلة التي أعطاه الله إياهككا‪ ,‬فنقلككوه مككن حيككز النبككوة‪ ,‬إلككى أن‬
‫اتخذوه إلها ً من دون الله يعبدونه كما يعبككدونه‪ .‬بككل قككد غلككوا فككي‬
‫أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينككه‪ ,‬فككادعوا فيهككم العصككمة‪,‬‬
‫ل‪ ,‬أو ضككلل ً أو‬ ‫واتبعوهم في كل ما قالوه سككواء ككان حقكا ً أو بككاط ً‬
‫‪299‬‬
‫رشادًا‪ ,‬أو صحيحا ً أو كذبًا‪ ,‬ولهذا قال الله تعالى‪} :‬اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهبانهم أربابا ً من دون اللككه{ ا َ‬
‫ليككة‪ .‬وقككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫هشيم قال‪ :‬زعم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بككن عتبككة بككن‬
‫مسعود‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬عن عمر أن رسول الله صلى الله عليككه‬
‫وسلم قال‪» :‬ل تطروني كما أطرت النصككارى عيسككى بككن مريككم‪.‬‬
‫فإنما أنا عبد فقولوا‪ :‬عبد الله ورسوله«‪ .‬ثككم رواه هككو وعلككي بككن‬
‫المديني عن سفيان بن عيينة‪ ,‬عن الزهري كككذلك‪ ,‬ولفظككه »إنمككا‬
‫أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله« وقككال علككي بككن المككديني‪ :‬هككذا‬
‫حككديث صككحيح سككنده وهكككذا رواه البخككاري عككن الحميككدي‪ ,‬عككن‬
‫سفيان بن عيينة‪ ,‬عن الزهري به‪ ,‬ولفظه »فإنما أنككا عبككد فقولككوا‬
‫عبكككككككككككككككككككككد اللكككككككككككككككككككككه ورسكككككككككككككككككككككوله«‪.‬‬
‫وقال المام أحمككد‪ :‬حككدثنا حسككن بككن موسككى‪ ,‬حككدثنا حمككاد بككن‬
‫سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رجل ً قال يككا محمككد‬
‫يا سيدنا وابن سيدنا‪ ,‬وخيرنا وابن خيرنا ‪ ¹‬فقال رسول اللكه صكلى‬
‫اللككه عليككه وسككلم‪» :‬أيهككا النككاس عليكككم بقككولكم ول يسككتهويكم‬
‫الشيطان‪ ,‬أنا محمد بن عبد الله‪ ,‬عبد الله ورسوله‪ ,‬والله ما أحب‬
‫أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل« تفرد به من‬
‫هذا الوجه‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬ول تقولككوا علككى اللككه إل الحككق{ أي ل‬
‫تفتروا عليه وتجعلوا له صاحبة وولكدًا‪ ,‬تعكالى اللكه عكز وجكل عكن‬
‫ذلككك علككوا ً كككبيرًا‪ ,‬وتنككزه وتقككدس وتوحككد فككي سككؤدده وكبريككائه‬
‫وعظمته‪ ,‬فل إله إل هو‪ ,‬ول رب سواه‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬إنما المسككيح‬
‫عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريككم وروح منككه{‬
‫أي إنما هو عبد من عباد الله وخلق من خلقه‪ ,‬قال له‪ :‬كن فكككان‪,‬‬
‫ورسول من رسله وكلمتككه ألقاهككا إلككى مريككم‪ ,‬أي خلقككه بالكلمككة‬
‫التي أرسل بها جبريل عليه السلم إلى مريم فنفخ فيها من روحه‬
‫بإذن ربه عز وجككل‪ ,‬فكككان عيسككى بككإذنه عككز وجككل‪ ,‬وكككانت تلككك‬
‫النفخة التي نفخها في جيب درعهككا‪ ,‬فنزلككت حككتى ولجككت فرجهككا‬
‫بمنزلة لقاح الب والم‪ ,‬والجميع مخلوق الله عز وجل‪ ,‬ولهذا قيل‬
‫لعيسى‪ :‬إنه كلمة الله وروح منه‪ ,‬لنه لم يكككن لككه أب تولككد منككه‪,‬‬
‫وإنما هو ناشىء عن الكلمة التي قال له بهككا كككن فكككان‪ ,‬والككروح‬
‫التي أرسل بها جبريل قال الله تعالى‪} :‬ما المسيح ابككن مريككم إل‬
‫رسككول قككد خلككت مككن قبلككه الرسككل وأمككه صككديقة كانككا يككأكلن‬
‫‪300‬‬
‫الطعام{‪ .‬وقال تعالى‪} :‬إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقككه‬
‫من تراب ثم قال له كن فيكون{‪ .‬وقال تعككالى‪} :‬والككتي أحصككنت‬
‫فرجها فنفخنا فيه من روحنا وجعلناها وابنها آية للعككالمين{ وقككال‬
‫تعككالى‪} :‬ومريككم ابنككة عمككران الككتي أحصككنت فرجهككا{ إلككى آخككر‬
‫السورة‪ ,‬وقال تعالى إخبارا ً عن المسيح‪} :‬إن هككو ال عبككد أنعمنككا‬
‫عليكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه{ ا َ‬
‫ليكككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة }وكلمته ألقاها إلى مريم‬
‫وروح منه{ هو قوله‪ :‬كن فيككون{‪ .‬وقككال ابكن أبكي حككاتم‪ :‬حكدثنا‬
‫أحمد بن سنان الواسطي قال‪ :‬سمعت شاذ بن يحيككى يقككول فككي‬
‫قول الله }وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه{ قال‪ :‬ليس الكلمة‬
‫صارت عيسى ولكن بالكلمة صار عيسى‪ ,‬وهذا أحسن مما ادعككاه‬
‫ابن جرير في قوله‪} :‬ألقاها إلى مريم{ أي أعلمها بها‪ ,‬كما زعمه‬
‫ن الله يبشرك بكلمة منككه{‬ ‫في قوله‪} :‬إذ قالت الملئكة يامريم إ ّ‬
‫أي يعلمك بكلمة منه ويجعل ذلك كقوله تعالى‪} :‬وما كنككت ترجككو‬
‫أن يلقى إليك الكتاب إل رحمة من ربك{ بل الصحيح أنها الكلمككة‬
‫التي جاء بها جبريل إلى مريم‪ ,‬فنفخ فيها بإذن الله فكككان عيسككى‬
‫عليككه السككلم‪ .‬وقككال البخككاري‪ :‬حككدثنا صككدقة بككن الفضككل‪ ,‬حككدثنا‬
‫الوليد‪ ,‬حدثنا الوزاعي‪ ,‬حدثني عمير بن هانىء‪ ,‬حككدثنا جنككادة بككن‬
‫أبي أمية عن عبادة بن الصامت‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسككلم‬
‫قال‪» :‬من شهد أن ل إله إل الله‪ ,‬وحده ل شريك له‪ ,‬وأن محمككدا ً‬
‫عبده ورسوله‪ ,‬وأن عيسى عبد الله ورسككوله وكلمتككه ألقاهككا إلككى‬
‫مريم وروح منه‪ ,‬وأن الجنة حق والنار حق‪ ,‬أدخله الله الجنة على‬
‫مككككككككككككككككا كككككككككككككككككان مككككككككككككككككن العمككككككككككككككككل«‪.‬‬
‫وقال الوليد‪ :‬فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بككن جككابر عككن عميكر‬
‫بن هانىء‪ ,‬عن جنادة زاد»من أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيهككا‬
‫شاء«‪ ,‬وكذا رواه مسلم عن داود بن رشيد‪ ,‬عن الوليككد‪ ,‬عككن ابككن‬
‫جككابر بككه‪ ,‬ومككن وجككه آخككر عككن الوزاعككي بككه‪ ,‬فقككوله فككي ا َ‬
‫ليككة‬
‫والحديث »وروح منه« كقوله‪} :‬وسخر لكم ما في السموات ومككا‬
‫في الرض جميعا ً منككه{ أي مككن خلقككه ومككن عنككده وليسككت مككن‬
‫للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعه ك بككل هككي‬
‫لية الخرى‪ ,‬وقككد قككال مجاهككد فككي قككوله‪:‬‬ ‫لبتداء الغاية كما في ا َ‬
‫}وروح منه{ أي ورسول منه‪ ,‬وقال غيره‪ :‬ومحبككة منككه‪ ,‬والظهككر‬
‫‪301‬‬
‫الول وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة وأضيفت الروح إلككى اللككه‬
‫على وجه التشككريف‪ ,‬كمككا أضككيفت الناقككة والككبيت إلككى اللككه فككي‬
‫قوله‪} :‬هذه ناقة الله{ وفي قوله‪} :‬وطهر بيتي للطائفين{ وكمككا‬
‫روي في الحديث الصحيح‪» :‬فأدخل على ربي فككي داره« أضككافها‬
‫إليككه إضككافة تشككريف‪ ,‬وهككذا كلككه مككن قبيككل واحككد ونمككط واحككد‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬فآمنوا بالله ورسوله{ أي فصدقوا بأن الله واحككد أحككد‪,‬‬
‫ل ولككد لككه ول صككاحبة‪ ,‬واعلمككوا وتيقنككوا بككأن عيسككى عبككد اللككه‬
‫ورسوله‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬ول تقولوا ثلثة{ أي ل تجعلوا عيسى‬
‫لية‬ ‫وأمه مع الله شريكين‪ ,‬تعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرًا‪ ,‬وهذه ا َ‬
‫كالتي في سورة المائدة حيث يقول تعالى‪} :‬لقد كفر الذين قالوا‬
‫إن الله ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحككد{ وكمكا قككال فكي آخكر‬
‫السورة المذكورة‪} :‬وإذ قال الله ياعيسى ابن مريككم أأنككت قلككت‬
‫لية‪ ,‬وقال في أولها }لقد كفر الككذين قككالوا إن‬ ‫للناس اتخذوني{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬ك فالنصارى عليهم لعائن اللككه ك ك‬ ‫الله هو المسيح ابن مريم{ ا َ‬
‫مككن جهلهككم ليككس لهككم ضككابط‪ ,‬ول لكفرهككم حككد‪ ,‬بككل أقككوالهم‬
‫وضككللهم منتشككر‪ ,‬فمنهككم مككن يعتقككده إلهكًا‪ ,‬ومنهككم مككن يعتقككده‬
‫شريكًا‪ ,‬ومنهم مككن يعتقككده ولككدًا‪ ,‬وهككم طككوائف كككثيرة لهككم آراء‬
‫مختلفة‪ ,‬وأقوال غير مؤتلفة‪ .‬ولقد أحسن بعض المتكلميككن حيككث‬
‫ل‪.‬‬ ‫قال‪ :‬لو اجتمع عشرة من النصارى لفترقوا على أحد عشر قككو ً‬
‫ولقد ذكر بعض علمائهم المشاهير عندهم وهو سعيد بن بطريق‬
‫بترك السكندرية في حككدود سككنة أربعمككائة مككن الهجككرة النبويككة‪,‬‬
‫أنهم اجتمعوا المجمع الكبير الذي عقدوا فيه المانة الكبيرة الككتي‬
‫لهككم‪ ,‬وإنمككا هككي الخيانككة الحقيككرة الصككغيرة‪ ,‬وذلككك فككي أيككام‬
‫قسطنطين باني المدينة المشهورة‪ ,‬وأنهم اختلفوا عليه اختلفكا ً ل‬
‫ينضبط ول ينحصر‪ ,‬فكانوا أزيد من ألفيككن أسككقفًا‪ ,‬فكككانوا أحزاب كا ً‬
‫كثيرة‪ ,‬ككل خمسكين منهكم علكى مقالكة‪ ,‬وعشكرون علكى مقالكة‪,‬‬
‫ومائة على مقالة‪ ,‬وسبعون على مقالة‪ ,‬وأزيد مككن ذلككك وأنقككص‪.‬‬
‫فلما رأى منهم عصابة قد زادوا على الثلثمائة بثمانية عشككر نفككر‪,‬‬
‫وقد توافقوا على مقالككة‪ ,‬فأخككذها الملككك ونصككرها وأيككدها‪ ,‬وكككان‬
‫فيلسوفا ً داهية‪ ,‬ومحق ما عداها من القوال‪ ,‬وانتظم دست أولئك‬
‫الثلثمائة والثمانية عشر‪ ,‬وبنيت لهم الكنائس‪ ,‬ووضككعوا لهككم كتب كا ً‬
‫وقوانين‪ ,‬وأحدثوا فيها المانة التي يلقنونهككا الولككدان مككن الصككغار‬
‫‪302‬‬
‫ليعتقدوها ويعمدونهم عليها وأتباع هككؤلء هككم الملكانيككة‪ .‬ثككم إنهككم‬
‫اجتمعكوا مجمعكا ً ثانيكًا‪ ,‬فحكدث فيهكم اليعقوبيكة‪ ,‬ثكم مجمعكا ً ثالثكا ً‬
‫فحدث فيهم النسطورية‪ ,‬وكل هكذه الفككرق تثبكت القكانيم الثلثكة‬
‫في المسيح ويختلفون في كيفية ذلك‪ ,‬وفككي اللهككوت والناسككوت‬
‫على زعمهم هل اتحدا‪ ,‬أو ما اتحدا‪ ,‬أو امتزجككا‪ ,‬أو حككل فيككه علككى‬
‫ثلث مقالت وكل منهم يكفر الفرقة الخرى‪ ,‬ونحن نكفر الثلثككة‪,‬‬
‫ولهذا قال تعالى‪} :‬انتهوا خيرا ً لكم{ أي يكن خيرا ً لكم }إنما اللكه‬
‫ه واحد سبحانه أن يكون له ولد{ أي تعككالى وتقككدس عككن ذلككك‬ ‫إل ٌ‬
‫علوا ً كبيرا ً }لككه مككا فككي السككموات ومككا فككي الرض وكفككى بككالله‬
‫ل{ أي الجميع ملكه وخلقه‪ ,‬وجميع ما فيها عبيككده وهككم تحككت‬ ‫وكي ً‬
‫تدبيره وتصريفه‪ ,‬وهو وكيل على كل شيء‪ ,‬فكيف يكون له منهم‬
‫لية الخرى‪} :‬بديع السككموات والرض‬ ‫صاحبة وولد‪ ,‬كما قال في ا َ‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬وقالوا اتخذ الرحمن ولككدا ً‬ ‫أنى يكون له ولد{ ا َ‬
‫لقكككككد جئتكككككم شكككككيئا ً إدا ً كككككك إلكككككى قكككككوله كككككك فكككككردًا{‪.‬‬
‫ن‬‫مَقّرُبككو َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ن عَْبدا ً لل ّهِ وَل َ ال ْ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ح َأن ي َ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬

‫سَتنك ِ َ‬ ‫** ّلن ي َ ْ‬
‫ميع كا ً *‬ ‫ج ِ‬ ‫م إ َِليكهِ َ‬ ‫ش كُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫س كت َك ْب ِْر فَ َ‬
‫سي َ ْ‬ ‫عب َككاد َت ِهِ وَي َ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ف ع َك ْ‬‫ست َن ْك ِ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫م ّ‬ ‫م وََيزيد ُهُ ْ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ت فَي ُوَّفيهِ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬‫فَأ ّ‬
‫ذابا ً أ َُليم كا ً وَل َ‬ ‫م ع َك َ‬ ‫س كت َك ْب َُروا ْ فَي ُعَ كذ ّب ُهُ ْ‬‫س كَتنك َُفوا ْ َوا ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ضل ِهِ وَأ ّ‬ ‫فَ ْ‬
‫صككككككيرا ً‬ ‫ن الّلككككككهِ وَل ِّيككككككا ً وَل َ ن َ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫مككككككن ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ل َُهكككككك ْ‬‫دو َ‬ ‫جكككككك ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا إبراهيم بن موسككى‪ ,‬حككدثنا‬
‫هشام عن ابن جريج‪ ,‬عككن عطككاء‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ :‬قككوله‪} :‬لككن‬
‫يستنكف{ لككن يسككتكبر‪ .‬وقككال قتككادة‪ :‬لككن يحتشككم }المسككيح أن‬
‫يكون عبدا ً للككه ول الملئكككة المقربككون{ وقككد اسككتدل بعككض مككن‬
‫لية حيككث قككال‪} :‬ول‬ ‫ذهب إلى تفضيل الملئكة على البشر بهذه ا َ‬
‫الملئكة المقربون{ وليس لكه فكي ذلكك دللكة‪ ,‬لنكه إنمكا عطكف‬
‫الملئكة على المسيح‪ ,‬لن الستنكاف هو المتناع‪ ,‬والملئكة أقدر‬
‫على ذلك من المسيح‪ ,‬فلهذا قككال‪} :‬ول الملئكككة المقربككون{ ول‬
‫يلزم مككن كككونهم أقككوى وأقككدر علككى المتنككاع أن يكونككوا أفضككل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنما ذكروا لنهم اتخذوا آلهككة مككع اللككه كمككا اتخككذ المسككيح‪,‬‬
‫فأخبر تعالى أنهككم عبيككد مككن عبككاده وخلككق مككن خلقككه‪ ,‬كمككا قككال‬
‫‪303‬‬
‫تعالى‪} :‬وقالوا اتخذ الرحمككن ولككدا ً سككبحانه بككل عبككاد مكرمككون{‬
‫ليككات‪ ,‬ولهككذا قككال‪} :‬ومككن يسككتنكف عككن عبككادته ويسككتكبر‬ ‫ا َ‬
‫فسيحشرهم إليه جميعًا{ أي فيجمعهم إليه يوم القيامككة‪ ,‬ويفصككل‬
‫بينهم بحكمكه العكدل الكذي ل يجكور فيكه‪ ,‬ول يحيكف‪ ,‬ولهكذا قكال‪:‬‬
‫}فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيككوفيهم أجككورهم ويزيككدهم‬
‫من فضله{ أي فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصككالحة‪,‬‬
‫ويزيدهم على ذلك من فضككله وإحسككانه وسككعة رحمتككه وامتنككانه‪,‬‬
‫وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبككد اللككه‬
‫الكندي‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن عبككد اللككه مرفوع كًا‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪} :‬فيككوفيهم أجككورهم‬
‫ويزيدهم من فضله{ قال‪ :‬أجككورهم »أدخلهككم الجنككة« }ويزيككدهم‬
‫من فضله{ قال »الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهككم‬
‫المعروف في دنياهم{ وهككذا إسككناد ل يثبككت‪ ..‬وإذا روي عككن ابككن‬
‫مسعود موقوفًا‪ ,‬فهو جيد }وأما الذين اسككتنكفوا واسككتكبروا{ أي‬
‫امتنعوا من طاعة اللككه وعبككادته واسككتكبروا عككن ذلككك }فيعككذبهم‬
‫عذابا ً أليما ً ول يجدون لهم من دون الله ولي كا ً ول نصككيرًا{ كقككوله‪:‬‬
‫}إن الذين يستكبرون عن عبادتي سككيدخلون جهنككم داخريككن{ أي‬
‫صكككاغرين حقيريكككن ذليليكككن كمكككا ككككانوا ممتنعيكككن مسكككتكبرين‪.‬‬
‫م ن ُككورا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫م وَأن َْزل ْن َككآ إ ِل َي ْك ُك ْ‬‫مككن ّرب ّك ُك ْ‬‫ن ّ‬ ‫ها ٌ‬ ‫جآَءك ُ ْ‬
‫م ب ُْر َ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫** َيا أي َّها َالّنا ُ‬
‫مكةٍ‬ ‫ح َ‬
‫م ِفي َر ْ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫سي ُد ْ ِ‬‫موا ْ ب ِهِ فَ َ‬ ‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ َواعْت َ َ‬
‫ص ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مِبينا ً * فَأ ّ‬‫ّ‬
‫سككككككت َِقيما ً‬ ‫م ْ‬ ‫صككككككَراطا ً ّ‬ ‫م إ ِل َي ْككككككهِ ِ‬
‫ديهِ ْ‬ ‫ل وَي َهْكككككك ِ‬‫ضكككككك ٍ‬ ‫ه وَفَ ْ‬
‫من ْكككككك ُ‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫يقول تعالى مخاطبا جميع الناس ومخبرا بككأنه قككد جككاءهم منككه‬ ‫ً‬
‫برهان عظيم‪ ,‬وهو الدليل القاطع للعذر والحجة المزيلككة للشككبهة‪,‬‬
‫ولهذا قال‪} :‬وأنزلنا إليكم نورا ً مبينًا{ أي ضياء واضحا ً على الحق‪,‬‬
‫قككال ابككن جريككج وغيككره‪ :‬وهككو القككرآن }فأمككا الككذين آمنككوا بككالله‬
‫واعتصموا به{ أي جمعوا بين مقامي العبادة‪ ,‬والتوكككل علككى اللككه‬
‫فككي جميككع أمككورهم‪ ,‬وقككال ابككن جريككج‪ :‬آمنككوا بككالله واعتصككموا‬
‫بالقرأن‪ .‬رواه ابن جرير }فسيدخلهم في رحمة منككه وفضككل{ أي‬
‫يرحمهككم فيككدخلهم الجنككة‪ ,‬ويزيككدهم ثوابكا ً ومضككاعفة ورفعكا ً فككي‬
‫درجاتهم من فضله عليهم وإحسانه إليهم‪} ,‬ويهديهم إليه صككراطا ً‬
‫‪304‬‬
‫مسككتقيمًا{ أي طريقككا ً واضككحا ً قصككدا ً قوامككا ً لاعوجككاج فيككه ول‬
‫انحراف وهذه صفة المؤمنين في الدنيا وا َ‬
‫لخرة‪ ,‬فهككم فككي الككدنيا‬
‫على منهككاج السككتقامة وطريككق السككلمة فككي جميككع العتقككادات‬
‫لخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلككى‬ ‫والعمليات‪ ,‬وفي ا َ‬
‫روضات الجنات‪ .‬وفي حديث الحارث العككور‪ ,‬عككن علككي بككن أبككي‬
‫طالب رضي الله عنه‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسكلم أنكه قكال‪:‬‬
‫»القرآن صراط الله المسككتقيم‪ ,‬وحبككل اللككه المككتين« وقككد تقككدم‬
‫الحكككديث بتمكككامه فكككي أول التفسكككير‪ ,‬وللكككه الحمكككد والمنكككة‪.‬‬
‫س ل َك ُ‬
‫ه‬ ‫ك ل َي ْك َ‬ ‫مُرؤٌ هَل َك َ‬ ‫م ِفي ال ْك َل َل َةِ ِإن ا ْ‬ ‫ه ي ُْفِتيك ُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ك قُ ِ‬ ‫ست َْفُتون َ َ‬ ‫** ي َ ْ‬
‫ُ‬
‫ن ل ّهَككآ وَل َكد ٌ‬ ‫م ي َك ُك ْ‬ ‫ك وَهُوَ ي َرِث ُهَككآ ِإن ل ّك ْ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت فَل ََها ن ِ ْ‬ ‫خ ٌ‬ ‫هأ ْ‬ ‫وَل َد ٌ وَل َ ُ‬
‫جككال ً‬ ‫خكوَةً ّر َ‬ ‫ك وَِإن ك َككان ُوَا ْ إ ِ ْ‬ ‫مككا ت َكَر َ‬ ‫م ّ‬
‫ن ِ‬ ‫مككا الث ّل ُث َككا ِ‬‫ن فَل َهُ َ‬‫ِ‬ ‫كان ََتا اث ْن َت َي ْ‬ ‫فَِإن َ‬
‫لنث َيين يبين الل ّه ل َك ُ َ‬
‫ل‬ ‫ضّلوا ْ َوالل ّ ُ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫م أن ت َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ظا ُ َْ ِ َُّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬‫سآًء فَِللذ ّك َرِ ِ‬ ‫وَن ِ َ‬
‫م‬‫يٍء عَِليككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ْ‬ ‫َ‬
‫قال البخاري‪ :‬حدثنا سليمان بن حككرب‪ ,‬حككدثنا شككعبة عككن أبككي‬
‫إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬سمعت البراء قال‪ :‬آخر سورة نزلككت بككراءة‪ ,‬وآخككر‬
‫آي نزلكككككككككككككككككككككككككككككككت يسكككككككككككككككككككككككككككككككتفتونك‪.‬‬
‫وقال المام أحمككد‪ :‬حككدثنا محمككد بككن جعفككر‪ ,‬حككدثنا شككعبة عككن‬
‫محمد بن المنكدر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت جابر بن عبد الله قال‪ :‬دخل علي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض ل أعقل‪ ,‬فتوضأ ثككم‬
‫صب علي‪ ,‬أو قال‪ :‬صككبوا عليككه‪ ,‬فعقلكت فقلكت‪ :‬إنكه ل يرثنككي إل‬
‫كللة‪ ,‬فكيف الميراث ؟ فككأنزل اللككه آيككة الفككرائض‪ ,‬أخرجككاه فككي‬
‫الصحيحين من حديث شعبة‪ ,‬ورواه الجماعككة مككن طريككق سككفيان‬
‫بن عيينة عن محمد بن المنكدر‪ ,‬عن جابر به‪ ,‬وفي بعض اللفككاظ‬
‫فنزلت آية الميككراث }يسككتفتونك قككل اللككه يفككتيكم فككي الكللككة{‬
‫لية‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد‪ ,‬حدثنا‬ ‫ا َ‬
‫سفيان وقال أبو الزبير قال‪ :‬يعني جككابرا ً نزلككت فككي }يسككتفتونك‬
‫قل الله يفتيكم في الكللة{ وكككأن معنككى الكلم كك واللكه أعلكم كك‬
‫يستفتونك عن الكللة }قل الله يفتيكم{ فيها‪ ,‬فدل المذكور على‬
‫المتروك‪ .‬وقد تقدم الكلم على الكللة واشتقاقها‪ ,‬وأنهككا مككأخوذة‬
‫من الكليل الذي يحيط بككالرأس مككن جككوانبه ولهككذا فسككرها أكككثر‬
‫‪305‬‬
‫العلماء بمن يموت وليس له ولد ول والد ومن الناس مككن يقككول‪:‬‬
‫ليككة }إن امككرؤ هلككك‬ ‫الكللة من ل ولد له‪ ,‬كما دلككت عليككه هككذه ا َ‬
‫ليس له ولد{‪ ,‬وقد أشكل حكم الكللة على أمير المككؤمنين عمككر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه‪ ,‬كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال‪:‬‬
‫ثلث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ككان عهكد إلينككا‬
‫فيهن عهدا ً ننتهي إليه‪ :‬الجد والكللة وباب من أبواب الربكا‪ .‬وقكال‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا إسماعيل عن سعيد بن أبي عروبة‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫عن سالم بن أبي الجعد‪ ,‬عن معدان بككن أبككي طلحككة‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫عمر بن الخطاب‪ :‬ما سألت رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫عن شيء أكثر مما سككألته عككن الكللككة حككتى طعككن بإصككبعه فككي‬
‫صدري‪ ,‬وقال‪» :‬يكفيك آية الصيف التي في آخر سككورة النسككاء«‬
‫هكككذا رواه مختصككرًا‪ ,‬وأخرجككه مسككلم مطككول ً أكككثر مككن هككذا‪.‬‬
‫)طريق أخرى( قال المام أحمد‪ :‬حككدثنا أبككو نعيككم‪ ,‬حككدثنا مالككك‬
‫يعني ابن مغول يقول سمعت الفضل بن عمرو‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن‬
‫عمر قال‪ :‬سألت رسول الله صلى الله عليه وسككلم عككن الكللككة‪,‬‬
‫فقال‪» :‬يكفيك آية الصيف«‪ ,‬فقال‪ :‬لن أكون سألت رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم‪,‬‬
‫وهذا إسناد جيد إل أن فيه انقطاعا ً بين إبراهيم وبيككن عمككر‪ ,‬فككإنه‬
‫لم يدركه‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬حككدثنا أبككو بكككر‬
‫عن أبي إسحاق‪ ,‬عن البراء بن عازب قال‪ :‬جاء رجككل إلككى النككبي‬
‫صلى الله عليه وسككلم فسككأله عككن الكللككة‪ ,‬فقككال‪» :‬يكفيككك آيككة‬
‫الصيف«‪ ,‬وهذا إسناد جيد‪ ,‬رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي‬
‫بكر بن عياش به‪ ,‬وكأن المراد بآية الصيف أنها نزلككت فككي فصككل‬
‫الصيف‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬ولما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلكى‬
‫ن فيها كفايككة نسككي أن يسككأل النككبي صككلى اللككه عليككه‬ ‫تفهمها‪ ,‬فإ ّ‬
‫وسلم عن معناها‪ ,‬ولهذا قال‪ :‬فلن أكون سألت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم‪ .‬وقال‬
‫ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن وكيع‪ ,‬حدثنا جريككر الشككيباني عككن عمككرو بككن‬
‫مرة‪ ,‬عن سعيد بن المسيب‪ ,‬قال‪ :‬سأل عمر بككن الخطكاب النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عككن الكللككة‪ ,‬فقككال‪» :‬أليككس قككد بيككن اللككه‬
‫ذلككك« فنزلككت }يسككتفتونك{‪ ¹‬قكال قتككادة‪ :‬وذكككر لنككا أن أبككا بكككر‬
‫ليكة الكتي نزلكت فكي أول سككورة‬ ‫الصديق قال في خطبته أل إن ا َ‬
‫‪306‬‬
‫النساء في شأن الفرائض أنزلهككا اللككه فككي الولككد والوالككد‪ ,‬وا َ‬
‫ليككة‬
‫الثانية أنزلها في الككزوج والزوجككة والخككوة مككن الم‪ ,‬وا َ‬
‫ليككة الككتي‬
‫ختم بها سورة النساء أنزلها في الخوة والخوات من الب والم‪,‬‬
‫لية التي ختم بها سورة النفال أنزلها في أولي الرحام بعضهم‬ ‫وا َ‬
‫أولى ببعض في كتاب الله مما جرت الرحم من العصبة‪ ,‬رواه ابن‬
‫جريكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككر‪.‬‬
‫)ذككككككككككككككككككككر الكلم علكككككككككككككككككككى معناهكككككككككككككككككككا(‬

‫وبالله المستعان وعليه التكلن‪ .‬قوله تعككالى‪} :‬إن امككرؤ هلككك{‬
‫أي مات‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬كل شيء هالك إل وجهكه{ كككل شكيء‬
‫يفنى ول يبقى إل الله عز وجل‪ ,‬كمككا قكال‪} :‬ككل مككن عليهكا فككان‬
‫ويبقى وجككه ربككك ذو الجلل والكككرام{‪ .‬قككوله‪} :‬ليككس لككه ولككد{‬
‫تمسك به من ذهب إلى أنه ليس من شرط الكللة انتفككاء الوالككد‪,‬‬
‫بل يكفي في وجود الكللة انتفاء الولد وهككو روايككة عككن عمككر بككن‬
‫الخطاب‪ ,‬رواها ابن جرير عنككه بإسككناد صككحيح إليككه‪ ,‬ولكككن الككذي‬
‫يرجع إليه هو قول الجمهور وقضاء الصديق أنه الذي ل ولد لكه ول‬
‫والد‪ ,‬ويدل على ذلك قوله‪} :‬وله أخت فلها نصف مككا تككرك{ ولككو‬
‫كان معها أب لم ترث شيئا ً لنه يحجبها بالجمككاع‪ ,‬فككدل علككى أنككه‬
‫من ل ولد له بنص القرآن ول والد بككالنص عنككد التأمككل أيض كًا‪ ,‬لن‬
‫الخت ل يفرض لها النصف مع الوالد بل ليس لها ميرات بالكلية‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا الحكم بن نافع‪ ,‬حدثنا أبو بكر بككن عبككد‬
‫الله عن مكحول وعطية وحمزة وراشككد‪ ,‬عككن زيككد بككن ثككابت أنككه‬
‫سئل عن زوج وأخككت لب وأم‪ ,‬فككأعطى الككزوج النصككف والخككت‬
‫النصف‪ ,‬فكلم في ذلك فقال‪ :‬حضرت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قضى بذلك‪ ,‬تفرد به أحمد من هككذا الككوجه‪ ,‬وقككد نقككل ابككن‬
‫جرير وغيره عن ابن عبكاس وابكن الزبيكر أنهمككا كانكا يقككولن فككي‬
‫الميت‪ :‬ترك بنتا ً وأختا ً إنه ل شيء للخككت لقككوله }إن امككرؤ هلككك‬
‫ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك{ قال‪ :‬فإذا ترك بنتا ً فقد‬
‫ترك ولدا ً فل شيء للخت‪ ,‬وخالفهمككا الجمهككور فقككالوا فككي هككذه‬
‫لخر بالتعصككيب‬ ‫المسألة للبنت النصف بالفرض‪ ,‬وللخت النصف ا َ‬
‫ليككة نصككت أن يفككرض لهككا فككي هككذه‬ ‫لية‪ ,‬وهذه ا َ‬
‫بدليل غير هذه ا َ‬
‫الصورة وأمككا وراثتهككا بالتعصككيب فلمككا رواه البخككاري مككن طريككق‬
‫‪307‬‬
‫سليمان عن إبراهيم عن السود قال‪ :‬قضككى فينككا معككاذ بككن جبككل‬
‫على عهد رسككوال اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬النصككف للبنككت‬
‫والنصف للخت‪ ,‬ثم قال سليمان‪ :‬قضى فينا ولم يذكر علككى عهككد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وفي صحيح البخاري أيضا ً عككن‬
‫هزيل بن شرحبيل قال‪ :‬سئل أبو موسى الشعري عن ابنككة وابنككة‬
‫ابككن وأخككت‪ ,‬فقككال‪ :‬للبنككة النصككف‪ ,‬وللخككت النصككف‪ ,‬وأت ابككن‬
‫مسعود فسيتابعني‪ ,‬فسأل ابن مسعود فأخبره بقول أبي موسككى‬
‫فقال‪ :‬لقد ضللت إذا ً وما أنا من المهتدين‪ ,‬أقضي فيها بمككا قضككى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم النصف للبنت‪ ,‬ولبنت البككن السككدس‬
‫تكملة الثلثين وما بقي فللخت‪ ,‬فأتينا أبا موسككى فأخبرنككاه بقككول‬
‫ابكككن مسكككعود فقكككال‪ :‬ل تسكككألوني مكككادام هكككذا الحكككبر فيككككم‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬وهو يرثها إن لم يكككن لهككا ولككد{ أي والخ يككرث جميككع‬
‫مالها إذا ماتت كللة‪ ,‬وليس لها ولد أي ول والد‪ ,‬لنها لو كككان لهككا‬
‫والد لم يرث الخ شيئًا‪ ,‬فإن فرض أن معه من لككه فككرض صككرف‬
‫إليه فرضه كزوج أو أخ من أم‪ ,‬وصرف الباقي إلككى الخ لمككا ثبككت‬
‫في الصحيحين عن ابن عبككاس أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال‪» :‬ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقككت الفككرائض فلولككى‬
‫رجل ذكر«‪ .‬وقوله‪} :‬فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما تككرك{ أي‬
‫فإن كان لمن يموت كللة أختان‪ ,‬فرض لهما الثلثان وكككذا مككا زاد‬
‫على الختين في حكمهما‪ ,‬ومن ههنا أخككذ الجماعككة حكككم البنككتين‬
‫كما استفيد حكم الخوات من البنات في قوله‪} :‬فككإن كككن نسككاء‬
‫فككككككككوق اثنككككككككتين فلهككككككككن ثلثككككككككا مككككككككا تككككككككرك{‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬وإن كانوا إخوة رجال ً ونساء فللذكر مثل حظ النثيين{‬
‫هذا حكككم العصككبات مككن البنيككن وبنككي البنيككن والخككوة إذا اجتمككع‬
‫ذكورهم وإناثهم‪ ,‬أعطي الذكر مثككل حككظ النككثيين‪ ,‬وقككوله }يككبين‬
‫الله لكم{ أي يفرض لكم فرائضه‪ ,‬ويحد لكم حدوده‪ ,‬ويوضح لكم‬
‫شرائعه‪ .‬وقوله‪} :‬أن تضلوا{ أي لئل تضلوا عن الحق بعككد البيككان‬
‫} والله بكل شيء عليم{ أي هو عالم بعواقب المككور ومصككالحها‬
‫وما فيها من الخير لعباده‪ ,‬وما يسككتحقه كككل واحككد مككن القرابككات‬
‫بحسب قربه من المتوفى‪ .‬وقد قال أبو جعفر بككن جريككر‪ :‬حككدثني‬
‫يعقوب‪ ,‬حدثني ابن علية‪ ,‬أنبأنا ابن عككون عككن محمكد بككن سككيرين‬
‫قككال‪ :‬كككانوا فككي مسككير‪ ,‬ورأس راحلككة حذيفككة عنككد ردف راحلككة‬
‫‪308‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ورأس راحلككة عمككر عنككد ردف‬
‫راحلككة حذيفككة‪ ,‬قككال ونزلككت }يسككتفتونك قككل اللككه يفككتيكم فككي‬
‫الكللة{ فلقاها رسول الله صلى الله عليه وسككلم حذيفككة فلقاهككا‬
‫حذيفة عمر‪ ,‬فلما كان بعككد ذلككك سككأل عمككر عنهككا حذيفككة فقككال‪:‬‬
‫والله إنك لحمق إن كنت ظننت أنه لقانيها رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فلقيتكهككا كمككا لقانيهككا رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬والله ل أزيدك عليها شككيئا ً أبككدًا‪ ,‬قككال‪ :‬فكككان عمككر يقككول‪:‬‬
‫اللهم إن كنت بينتها له‪ ,‬فإنها لم تككبين لككي‪ ,‬كككذا رواه ابككن جريككر‪,‬‬
‫ورواه أيضا ً عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن‬
‫أيوب‪ ,‬عن ابن سيرين كذلك بنحوه‪ ,‬وهو منقطع بين ابككن سككيرين‬
‫وحذيفككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو بكر أحمككد بككن عمككرو الككبزار فككي مسككنده‪:‬‬
‫حدثنا يوسف بن حماد المعني ومحمد بن مرزوق قال‪ :‬حدثنا عبككد‬
‫العلى بن عبد العلى‪ ,‬حككدثنا هشككام بككن حسككان عككن محمككد بككن‬
‫سيرين‪ ,‬عن أبي عبيككدة بككن حذيقككة عككن أبيككه ؟ قككال‪ :‬نزلككت آيككة‬
‫الكللة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير له فوقف‬
‫النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬وإذا هككو بحذيفككة وإذا رأس ناقككة‬
‫حذيفة عند ردف راحلة النبي صلى الله عليه وسككلم فلقاهككا إيككاه‪,‬‬
‫فنظر حذيفة فإذا عمر رضي الله عنه فلقاها إيككاه فلمككا كككان فككي‬
‫خلفة عمر نظر عمر في الكللة‪ ,‬فدعا حذيفة فسأله عنهككا فقككال‬
‫حذيفة‪ :‬لقد لقانيها رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فلقيتكهككا‬
‫كما لقاني رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬واللككه إنككي لصككادق‬
‫والله ل أزيدك شيئا ً أبدًا‪ .‬ثم قال البزار‪ :‬وهذا الحديث ل نعلم أحدا ً‬
‫رواه إل حذيفة‪ ,‬ول نعلم له طريقا ً عن حذيفة إل هذا الطريق‪ ,‬ول‬
‫رواه عن هشام إل عبد العلى‪ ,‬وكذا رواه ابن مردويه من حككديث‬
‫عبد العلى‪ .‬وقال عثمان بن أبي شيبة‪ :‬حدثنا جرير عن الشككيباني‬
‫عن عمرو بن مرة‪ ,‬عن سعيد بن المسيب أن عمككر سككأل رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم كيف تورث الكللة ؟ قككال فككأنزل اللككه‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬فكأن عمر لم يفهككم‪ ,‬فقككال لحفصككة‪ :‬إذا‬ ‫}يستفتونك{ ا َ‬
‫رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسككلم طيككب نفككس فسككليه‬
‫عنها‪ ,‬فرأت منه طيب نفس فسألته عنها‪ ,‬فقال‪» :‬أبوك ذكككر لككك‬
‫هككذا‪ ,‬مككا أرى أبككاك يعلمهككا«‪ ,‬قككال‪ :‬فكككان عمككر يقككول مككا أرانككي‬
‫‪309‬‬
‫أعلمها‪ .‬وقد قال رسول الله ما قال‪ ,‬رواه ابككن مردويككه‪ ,‬ثككم رواه‬
‫من طريق ابن عيينة‪ ,‬وعن عمرو عن طاوس أن عمر أمر حفصة‬
‫أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عككن الكللككة فأملهككا عليهككا‬
‫في كتف‪ ,‬فقال‪» :‬مككن أمككرك بهككذا أعمكر ؟ مكا أراه يقيمهككا أومكا‬
‫تكفيه آية الصيف« وآية الصيف التي في النساء }وإن كككان رجككل‬
‫يورث كللة أو امرأة{ فلما سككألوا رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫لية التي هي خاتمة النساء‪ ,‬فألقى عمر الكتف‪ ,‬كذا‬ ‫وسلم نزلت ا َ‬
‫قككككككككال فككككككككي هككككككككذا الحككككككككديث وهككككككككو مرسككككككككل‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا عثام عن العمككش‪ ,‬عككن‬
‫قيس بن مسلم‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬أخذ عمر كتفا ً وجمع‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قككال‪ :‬لقضككين فككي‬
‫الكللة قضاء تحدث به النساء في خكدورهن‪ ,‬فخرجكت حينئذ حيكة‬
‫من البيت فتفرقوا‪ ,‬فقال‪ :‬لو أراد الله عز وجل أن يتم هككذا المككر‬
‫لتمه‪ ,‬وهذاإسناد صحيح‪ .‬وقال الحاكم أبو عبككد اللككه النيسككابوري‪:‬‬
‫حدثنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة‪ ,‬حدثنا الهيثم بككن‬
‫خالد‪ ,‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار‪ ,‬سمعت‬
‫محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة يحدث عن عمككر بككن الخطككاب‪,‬‬
‫قال‪ :‬لن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلث‬
‫أحب إلي من حمر النعم‪ :‬من الخليفككة بعككده ؟ وعككن قككوم قككالوا‪:‬‬
‫نقككر بالزكككاة فككي أموالنككا ول نؤديهككا إليكك‪ ,‬أيحكل قتككالهم ؟ وعكن‬
‫الكللككة‪ .‬ثككم قككال‪ :‬صككحيح السككناد علككى شككرط الشككيخين‪ ,‬ولككم‬
‫يخرجاه‪ .‬ثم روى بهذا السناد إلى سفيان بن عيينة‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫مرة عن مرة‪ ,‬عن عمر‪ ,‬قككال‪ :‬ثلث لن يكككون النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم بينهككن لنككا أحككب إلككي مككن الككدنيا ومككا فيهككا‪ :‬الخلفككة‪,‬‬
‫والكللككة‪ ,‬والربككا‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬صككحيح علككى شككرط الشككيخين ولككم‬
‫يخرجاه‪ ,‬وبهذا السناد إلى سفيان بن عيينة قال‪ :‬سمعت سليمان‬
‫الحول يحدث عن طاوس‪ ,‬قال‪ :‬سكمعت ابكن عبكاس قكال‪ :‬كنكت‬
‫آخر الناس عهدا ً بعمر‪ ,‬فسمعته يقول‪ :‬القول ما قلت‪ ,‬قلت‪ :‬ومككا‬
‫قلت ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬الكللة من ل ولككد لككه‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬صككحيح علككى‬
‫شرطهما‪ ,‬ولم يخرجاه وهكذا رواه ابن مردويه من طريككق زمعككة‬
‫بن صالح عن عمرو بن دينار‪ ,‬وسليمان الحول عن طككاوس‪ ,‬عككن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كنت آخر الناس عهدا ً بعمر بككن الخطككاب‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫‪310‬‬
‫اختلفت أنا وأبو بكر في الكللة والقول مككا قلككت‪ ,‬قككال‪ :‬وذكككر أن‬
‫عمر شرك بين الخوة للم والب وبين الخوة للم في الثلككث إذا‬
‫اجتمعوا‪ ,‬وخالفه أبو بكر رضي الله عنهما‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حككدثنا‬
‫ابن وكيع حدثنا محمد بن حميد العمري‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن الزهككري‪,‬‬
‫عن سعيد بن المسيب‪ ,‬أن عمككر كتككب فككي الجككد والكللككة كتاب كًا‪,‬‬
‫فمكث يستخير الله يقول‪ :‬اللهم إن علمت فيه خيرا ً فأمضه حككتى‬
‫إذا طعن‪ ,‬دعا بكتاب فمحى‪ ,‬ولم يدر أحد ما كتب فيه‪ ,‬فقال‪ :‬إني‬
‫كنت كتبت كتابا ً في الجد والكللة‪ ,‬وكنت أستخير الله فيه‪ ,‬فرأيت‬
‫أن أترككم على ماكنتم عليه‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬وقد روي عككن عمككر‬
‫رضي الله عنه أنه قال‪ :‬إني لستحي أن أخالف فيه أبا بكر‪ ,‬وكان‬
‫أبو بكر رضي الله عنه يقول‪ :‬هو ما عدا الولد والوالد‪ .‬وهذا الككذي‬
‫قاله الصديق عليه جمهور الصككحابة والتككابعين والئمككة فككي قككديم‬
‫الزمان وحديثه‪ ,‬وهو مذهب الئمة الربعة والفقهاء السبعة‪ ,‬وقول‬
‫علماء المصار قاطبة‪ ,‬وهو الذي يدل عليه القرآن‪ ,‬كما أرشد الله‬
‫أنه قد بين ذلك ووضحه في قوله‪} :‬يبين الله لكم أن تضلو واللككه‬
‫بكككككككككككل شككككككككككيء عليككككككككككم{‪ ,‬واللككككككككككه أعلككككككككككم‪.‬‬
‫سكككككككككككككككككككككككككككككككككككورة المكككككككككككككككككككككككككككككككككككائدة‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو النضر‪ ,‬حدثنا أبو معاوية شككيبان عككن‬
‫ليث‪ ,‬عن شهر بن حوشككب‪ ,‬عككن أسككماء بنككت يزيككد‪ ,‬قككالت‪ :‬إنككي‬
‫لخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬إذ‬ ‫َ‬
‫نزلت عليه المائدة كلها‪ ,‬وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة‪ .‬وروى‬
‫ابن مردويه من حديث صباح بن سهل‪ ,‬عن عاصم الحككول‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫حدثتني أم عمرو عن عمها أنه كككان فككي مسككير مككع رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فنزلت عليه سككورة المككائدة‪ ,‬فانككدق عنككق‬
‫الراحلة من ثقلها‪ .‬وقال أحمد أيضًا‪ :‬حدثنا حسن‪ ,‬حدثنا ابن لهيعة‪,‬‬
‫حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمككن الحبلككي‪ ,‬عككن عبككد‬
‫الله بن عمرو‪ ,‬قككال‪ :‬أنزلككت علككى رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم سورة المائدة وهككو راكككب علككى راحلتككه‪ ,‬فلككم تسككتطع أن‬
‫تحمله‪ ,‬فنزل عنها‪ ,‬تفرد به أحمد‪ .‬وقد روى الترمككذي عككن قتيبككة‪,‬‬
‫‪311‬‬
‫عن عبد الله بن وهب‪ ,‬عن حيي‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن‪ ,‬عككن عبككد‬
‫الله بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬آخر سورة أنزلت سورة المائدة والفتح‪ ,‬ثككم‬
‫قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ ,‬وقد روي عن ابككن عبككاس‬
‫أنه قال‪ :‬آخر سورة أنزلت }إذا جاء نصر الله والفتح{‪ .‬وقككد روى‬
‫الحاكم في مستدركه من طريق عبد الله بن وهككب بإسككناده نحككو‬
‫روايككة الترمككذي‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬صككحيح علككى شككرط الشككيخين‪ ,‬ولككم‬
‫يخرجاه‪ .‬وقال الحاكم أيضًا‪ :‬حدثنا أبو العباس محمد بككن يعقككوب‪,‬‬
‫حدثنا يحيى بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬قرىء على عبد الله بن وهب‪ ,‬أخككبرني‬
‫معاوية بن صككالح عككن أبككي الزاهريككة‪ ,‬عككن جككبير بككن نفيككر‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫حججت فدخلت على عائشة فقالت لي‪ :‬يا جككبير‪ ,‬تقككرأ المككائدة ؟‬
‫فقلت‪ :‬نعم‪ ,‬فقالت‪ :‬أما إنها آخر سورة نزلككت‪ ,‬فمككا وجككدتم فيهككا‬
‫من حلل فاستحلوه‪ ,‬وما وجدتم فيها من حرام فحرموه‪ ,‬ثم قال‪:‬‬
‫صحيح على شرط الشيخين‪ ,‬لم يخرجاه‪ ,‬ورواه المام أحمككد عككن‬
‫عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬عن معاوية بن صالح‪ ,‬وزاد‪ :‬وسككألتها عككن‬
‫خلق رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فقككالت‪ :‬القككرآن‪ .‬ورواه‬
‫النسككككككككككائي مككككككككككن حككككككككككديث ابككككككككككن مهككككككككككدي‪.‬‬
‫ما‬‫ة الن َْعام ِ إ ِل ّ َ‬ ‫م ُ‬‫م ب َِهي َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬‫حل ّ ْ‬‫مُنوا ْ أ َوُْفوا ْ ِبال ْعُُقودِ أ ُ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫** َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ريكد ُ *‬ ‫مككا ي ُ ِ‬‫م َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫م إِ ّ‬‫حُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صي ْدِ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫حّلي ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫م غَي َْر ُ‬ ‫ى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ي ُت ْل َ َ‬
‫م وَل َ ال ْهَد ْ َ‬
‫ي‬ ‫حَرا َ‬ ‫شهَْر ال ْ َ‬ ‫شَعآئ َِر الل ّهِ وَل َ ال ّ‬ ‫حّلوا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت ُ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫وانا ً‬ ‫ضكك َ‬ ‫م وَرِ ْ‬ ‫من ّرب ّهِ ْ‬ ‫ضل ً ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ن ال ْب َي ْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫وَل َ ال َْقلئ ِد َ َول آ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ع َك ِ‬ ‫دوك ُ ْ‬‫صك ّ‬ ‫ن قَ كوْم ٍ أن َ‬ ‫ش كَنآ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ّك ُك ْ‬ ‫جرِ َ‬‫دوا ْ وَل َ ي َ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫حل َل ْت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫دوا ْ وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى اْلبّر َوالت ّْقكوَىَ وَل َ ت َعَككاوَُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫حَرام ِ أن ت َعْت َ ُ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ب‬‫ديد ُ آل ْعَِقكككا ِ‬ ‫شككك ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّككك َ‬‫ه إِ ّ‬‫ن َوات ُّقكككوا ْ الل ّككك َ‬ ‫عَل َكككى ال ِث ْكككم ِ َوال ْعُكككد َْوا ِ‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي حدثنا نعيم بككن حمككاد‪ ,‬حككدثنا عبككد‬
‫الله بن المبارك‪ ,‬حدثنا مسعر‪ ,‬حككدثني معككن وعككوف‪ ,‬أو أحككدهما‪,‬‬
‫أن رجل ً أتى عبد الله بككن مسككعود‪ ,‬فقككال‪ :‬اعهككد إلككي‪ ,‬فقككال‪ :‬إذا‬
‫سمعت الله يقول }يا أيها الذين آمنوا{ فارعها سمعك‪ ,‬فإنه خير‬
‫يأمر به أو شر ينهى عنه‪ .‬وقال‪ :‬حككدثنا علككي بككن الحسككين‪ ,‬حككدثنا‬
‫‪312‬‬
‫عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم‪ ,‬حدثنا الوليد‪ ,‬حدثنا الوزاعككي عككن‬
‫الزهري‪ ,‬قال‪ :‬إذا قال الله }يا أيها الذين آمنككوا{ افعلككوا‪ ,‬فككالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم منهم‪ ,‬وحدثنا أحمد بن سنان‪ ,‬حككدثنا محمككد‬
‫بن عبيد‪ ,‬حدثنا العمش عن خيثمة قككال‪ :‬كككل شككيء فككي القككرآن‬
‫}يا أيها الذين آمنوا{ فهو في التوراة يا أيهككا المسككاكين‪ .‬فأمككا مككا‬
‫رواه عن زيد بن إسماعيل الصائغ البغككدادي‪ ,‬حككدثنا معاويكة يعنككي‬
‫ابككن هشككام‪ ,‬عككن عيسككى بككن راشككد‪ ,‬عككن علككي بككن بذيمككة‪ ,‬عككن‬
‫عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬ما في القككرآن آيككة }يككا أيهككا الككذين‬
‫آمنوا{ إل أن علي كا ً سككيدها وشككريفها وأميرهككا‪ ,‬ومككا مككن أصككحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أحد إل قد عوتب في القرآن إل علككي‬
‫بن أبي طالب‪ ,‬فإنه لم يعككاتب فككي شككيء منككه‪ ,‬فهككو أثككر غريككب‪,‬‬
‫ولفظكككككككه فيكككككككه نككككككككارة‪ ,‬وفكككككككي إسكككككككناده نظكككككككر‪.‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬عيسككى بككن راشككد هككذا مجهككول‪ ,‬وخككبره منكككر‪,‬‬
‫قلت‪ :‬وعلي بن بذيمة وإن كان ثقة إل أنه شيعي غال‪ ,‬وخبره في‬
‫مثل هذا فيه تهمة فل يقبل‪ ,‬وقوله‪ :‬فلم يبق أحد من الصككحابة إل‬
‫لمرة بالصككدقة‬ ‫عوتب في القرآن إل عليًا‪ ,‬إنما يشير به إلى ا َ‬
‫لية ا َ‬
‫بين يدي النجوى‪ ,‬فإنه قد ذكر غير واحد أنه لم يعمككل بهككا أحككد إل‬
‫علي‪ ,‬ونزل قوله }أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجككواكم صككدقات‬
‫لية‪ ,‬وفي كون هذا عتابككا ً نظككر‪,‬‬ ‫فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم{ ا َ‬
‫فإنه قد قيل‪ :‬إن المر كان ندبا ً ل إيجابًا‪ ,‬ثم قكد نسكخ ذلكك عنهكم‬
‫قبل الفعل‪ ,‬فلم يصدر من أحد منهم خلفه‪ ,‬وقوله‪ :‬عن علكي أنكه‬
‫لية التي في‬ ‫لم يعاتب في شيء من القرآن فيه نظر أيضًا‪ ,‬فإن ا َ‬
‫النفال التي فيها المعاتبة على أخذ الفداء‪ ,‬عمت جميع من أشككار‬
‫بأخذه ولم يسلم منها إل عمر بن الخطاب رضي الله عنككه‪ ,‬فعلككم‬
‫بهذا وبما تقدم ضعف هككذا الثككر‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬حدثنا عبككد اللككه بككن صككالح‪ ,‬حككدثنا الليككث‪ ,‬حككدثني‬
‫يونس قال‪ :‬قال محمد بن مسلم‪ :‬قرأت كتاب رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلكى نجكران‪,‬‬
‫وكان الكتاب عنككد أبككي بكككر بككن حككزم فيككه »هككذا بيككان مككن اللككه‬
‫ليككات منهككا‬ ‫ورسوله }يا أيها الذين آمنوا أوفككوا بككالعقود{ فكتككب ا َ‬
‫حككككككككتى بلككككككككغ }إن اللككككككككه سككككككككريع الحسككككككككاب{«‪.‬‬
‫‪313‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا أبككو سككعيد‪ ,‬حككدثنا يككونس بككن بكيككر‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن إسحاق‪ ,‬حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن‬
‫عمرو بن حزم عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬هذا كتككاب رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلككى اليمككن‬
‫يفقككه أهلهككا ويعلمهككم السككنة‪ ,‬ويأخككذ صككدقاتهم‪ ,‬فكتككب لككه كتابكا ً‬
‫وعهدًا‪ ,‬وأمره فيه بأمره‪ ,‬فكتب »بسم الله الرحمن الرحيككم‪ ,‬هككذا‬
‫كتاب من الله ورسوله }يا أيها الذين آمنككوا أوفككوا بككالعقود{ عهككد‬
‫من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حيككن‬
‫بعثه إلى اليمن‪ ,‬أمره بتقوى اللككه فككي أمككره كلككه‪ ,‬فككإن اللككه مككع‬
‫الكككككككككذين اتقكككككككككوا والكككككككككذين هكككككككككم محسكككككككككنون«‪.‬‬
‫قوله تعالى‪} :‬أوفككوا بككالعقود{ قككال ابككن عبككاس ومجاهككد وغيككر‬
‫واحد‪ :‬يعني بالعقود العهود‪ ,‬وحكى ابن جرير الجمككاع علككى ذلككك‪,‬‬
‫قال‪ :‬والعهود ما كانوا يتعاقدون عليككه مككن الحلككف وغيككره‪ .‬وقككال‬
‫علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله }يا أيها الككذين آمنككوا‬
‫أوفوا بالعقود{ يعني العهود‪ ,‬يعنككي مككا أحككل اللككه ومككا حككرم ومككا‬
‫فرض وما حد في القرآن كله‪ ,‬ول تغدروا ول تنكثوا‪ ,‬ثم شككدد فككي‬
‫ذلك فقال تعككالى‪} :‬والككذين ينقضككون عهككد اللككه مككن بعككد ميثككاقه‬
‫ويقطعون ما أمر اللككه بككه أن يوصككل{ إلككى قككوله }سككوء الككدار{‬
‫وقال الضحاك‪} :‬أوفوا بالعقود{ قال‪ :‬مككا أحككل اللككه وحككرم‪ ,‬ومككا‬
‫أخذ الله من الميثاق علككى مككن أقككر باليمككان بككالنبي والكتككاب أن‬
‫يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلل والحرام‪ .‬وقككال‬
‫زيد بن أسلم }أوفوا بالعقود{ قال‪ :‬هككي سككتة‪ :‬عهككد اللككه‪ ,‬وعقككد‬
‫الحلف‪ ,‬وعقد الشركة‪ ,‬وعقد الكبيع‪ ,‬وعقكد النككاح وعقكد اليميكن‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب‪ :‬هي خمسككة منهككا حلككف الجاهليككة‪ ,‬وشككركة‬
‫المفاوضة‪ .‬وقد استدل بعض من ذهب إلى أنه ل خيار في مجلس‬
‫لية }أوفوا بالعقود{ قال‪ :‬فهذه تدل على لزوم العقككد‬ ‫البيع بهذه ا َ‬
‫وثبككوته فيقتضكي نفكي خيكار المجلككس‪ ,‬وهكذا مكذهب أبككي حنيفككة‬
‫ومالك‪ ,‬وخالفهما في ذلككك الشككافعي وأحمككد والجمهككور‪ ,‬والحجككة‬
‫في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمككر قككال‪ :‬قككال رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »البيعككان بالخيككار مككالم يتفرقككا« وفككي‬
‫لفظ آخر للبخاري »إذا تبككايع الككرجلن فكككل واحككد منهمككا بالخيككار‬
‫مالم يتفرقا« وهذا صريح في إثبات خيار المجلس المتعقب لعقككد‬
‫‪314‬‬
‫البيع‪ ,‬وليس هذا منافيا ً للزوم العقد‪ ,‬بل هو من مقتضياته شككرعًا‪,‬‬
‫فكككككككككالتزامه مكككككككككن تمكككككككككام الوفكككككككككاء بكككككككككالعقود‪.‬‬
‫وقوله تعككالى‪} :‬أحلككت لكككم بهيمككة النعككام{ هككي البككل والبقككر‬
‫والغنكم‪ ,‬قكاله أبكو الحسكن وقتكادة وغيكر واحكد‪ ,‬قكال ابكن جريكر‪:‬‬
‫وكذلك هو عند العرب‪ ,‬وقد استدل ابككن عمككر وابككن عبككاس وغيككر‬
‫لية على إباحة الجنين إذا وجد ميتا ً في بطككن أمككه إذا‬ ‫واحد بهذه ا َ‬
‫ذبحككت‪ ,‬وقككد ورد فككي ذلككك حككديث فككي السككنن رواه أبككو داود‬
‫والترمذي وابن ماجه من طريق مجالد عن أبي الككوداك جككبير بككن‬
‫نوفل‪ ,‬عن أبي سعيد قال‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول الله ننحر الناقككة ونذبككح‬
‫البقرة أو الشاة في بطنها الجنين‪ ,‬أنلقيه أم نأكله ؟ فقال »كلككوه‬
‫إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه« وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪ ,‬قككال‬
‫أبو داود‪ :‬حدثنا محمككد بككن يحيككى بككن فككارس‪ ,‬حككدثنا إسككحاق بككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬حدثنا عتاب بن بشير‪ ,‬حدثنا عبيد الله بن أبي زياد القداح‬
‫المكي عن أبي الزبير‪ ,‬عن جابر بككن عبككد اللككه‪ ,‬عككن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قال »ذكاة الجنين ذكاة أمه« تفرد بككه أبككو‬
‫داود‪.‬‬
‫وقوله }إل ما يتلى عليكم{ قال علي بككن أبككي طلحككة عككن ابككن‬
‫عباس‪ :‬يعني بذلك الميتة والدم ولحم الخنزير‪ ,‬وقال قتادة‪ :‬يعنككي‬
‫بذلك الميتة ومالم يذكر اسم الله عليه والظاهر ك والله أعلم ك أن‬
‫المراد بذلك قوله }حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومككا‬
‫أهل لغير الله به والمنخنقة والموقكوذة والمترديكة والنطيحكة ومكا‬
‫أكل السبع{ فإن هذه وإن كانت مككن النعككام إل أنهككا تحككرم بهككذه‬
‫العوارض‪ ,‬ولهذا قال }إل ما ذكيتم وما ذبح علككى النصككب{ يعنككي‬
‫منها فإنه حرام ل يمكككن اسككتدراكه وتلحقككه‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪:‬‬
‫}أحلت لكم بهيمة النعام إل مككا يتلككى عليكككم{ أي إل مككا سككيتلى‬
‫عليككككككم مكككككن تحريكككككم بعضكككككها فكككككي بعكككككض الحكككككوال‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬غير محلي الصيد وأنتم حرم{ قال بعضككهم‪ :‬هككذا‬
‫منصوب على الحال والمراد بالنعككام مككا يعككم النسككي مككن البككل‬
‫والبقر والغنم‪ ,‬ويعم الوحشي كالظبككاء والبقككر والحمككر‪ ,‬فاسككتثنى‬
‫من النسي مككا تقككدم‪ ,‬واسككتثنى مككن الوحشككي الصككيد فككي حككال‬
‫الحرام‪ ,‬وقيل‪ :‬المراد أحللنا لكم النعام‪ ,‬إل ما استثني منها لمككن‬
‫التزم تحريم الصيد‪ ,‬وهو حرام لقوله }فمككن اضككطر غيككر بككاغ ول‬
‫‪315‬‬
‫عاد فإن الله غفور رحيم{ أي أبحنا تناول الميتة للمضطر بشككرط‬
‫أن يكون غير باغ ول متعد‪ ,‬وهكذا هنا أي كمككا أحللنككا النعككام فككي‬
‫جميع الحوال فحرموا الصيد في حال الحرام‪ ,‬فإن الله قد حكككم‬
‫بهذا‪ ,‬وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه‪ ,‬ولهذا قال الله‬
‫تعالى‪} :‬إن الله يحكم ما يريد{ ثككم قككال تعككالى‪} :‬يككا أيهككا الككذين‬
‫آمنوا ل تحلوا شعائر الله{ قال ابككن عبكاس‪ :‬يعنكي بكذلك مناسككك‬
‫الحج‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬الصفا والمروة‪ ,‬والهككدي والبككدن مككن شككعائر‬
‫الله‪ ,‬وقيل‪ :‬شعائر اللككه محككارمه‪ ,‬أي ل تحلككوا محككارم اللككه الككتي‬
‫حرمها تعالى‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬ول الشهر الحرام{ يعنككي بككذلك‬
‫تحريمه والعتراف بتعظيمه‪ ,‬وترك ما نهى اللكه عكن تعكاطيه فيكه‬
‫مككن البتككداء بالقتككال وتأكيككد اجتنككاب المحكارم‪ ,‬كمكا قكال تعكالى‪:‬‬
‫}يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير{ وقككال‬
‫ليككة‪ ,‬وفككي‬‫تعالى‪} :‬إن عدة الشهور عند الله اثنا عشككر شككهرًا{ ا َ‬
‫صحيح البخاري عكن أبكي بككرة أن رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم قال في حجة الوداع »إن الزمككان قككد اسككتدار كهيئتككه يككوم‬
‫خلق الله السموات والرض السنة اثنا عشككر شككهرًا‪ ,‬منهككا أربعككة‬
‫حككرم‪ ,‬ثلث متواليككات‪ :‬ذو العقككدة وذو الحجككة والمحككرم‪ ,‬ورجككب‬
‫مضككر الككذي بيككن جمككادى وشككعبان« وهككذا يككدل علككى اسككتمرار‬
‫تحريمهككا إلككى آخككر وقككت‪ ,‬كمككا هككو مككذهب طائفككة مككن السككلف‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي اللككه عنهمككا فككي‬
‫قوله تعالى‪} :‬ول الشهر الحككرام{ يعنككي ل تسككتحلوا القتككال فيككه‪,‬‬
‫وكذا قال مقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك الجزري‪ ,‬واختاره‬
‫ابن جرير أيضًا‪ ,‬وذهب الجمهور إلى أن ذلككك منسككوخ وأنككه يجككوز‬
‫ابتداء القتال فككي الشككهر الحككرم‪ ,‬واحتجككوا بقككوله تعككالى‪} :‬فككإذا‬
‫انسككلخ الشككهر الحككرم فككاقتلوا المشككركين حيككث وجككدتموهم{‬
‫والمراد أشهر التسيير الربعة‪ ,‬قالوا‪ :‬فلم يستثن شهرا ً حراما ً من‬
‫غيره‪ ,‬وقد حكى المام أبو جعفر الجماع علككى أن اللككه قككد أحككل‬
‫قتال أهل الشرك في الشهر الحككرم وغيرهككا مككن شككهور السككنة‪,‬‬
‫قال‪ :‬وكذلك أجمعوا علككى أن المشككرك لككو قلككد عنقككه أو ذراعيككه‬
‫بلحاء جميع أشجار الحرم لم يكن ذلك له أمانا ً مككن القتككل إذا لككم‬
‫يكن تقدم له عقد ذمة مككن المسككلمين أو أمككان‪ ,‬ولهككذه المسككألة‬
‫بحككككككث آخككككككر لككككككه موضككككككع أبسككككككط مككككككن هككككككذا‪.‬‬
‫‪316‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ول الهدي ول القلئد{ يعني ل تتركوا الهداء إلى‬
‫البيت الحرام‪ ,‬فإن فيه تعظيم شعائر الله‪ ,‬ول تتركوا تقليدها فككي‬
‫أعناقها لتتميز به عما عداها مككن النعككام‪ ,‬وليعلككم أنهككا هككدي إلككى‬
‫الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوء‪ ,‬وتبعث مككن يراهككا علككى التيككان‬
‫بمثلها‪ ,‬فإن من دعا إلى هدى كان له مككن الجككر مثككل أجككور مككن‬
‫اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء‪ ,‬ولهذا لما حككج رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬بات بذي الحليفككة وهككو وادي العقيككق‪,‬‬
‫فلما أصبح طككاف علككى نسككائه وكككن تسككعًا‪ ,‬ثككم اغتسككل وتطيككب‬
‫وصلى ركعتين‪ ,‬ثم أشعر هديه وقلده‪ ,‬وأهل للحج والعمرة‪ ,‬وكككان‬
‫هديه إبل ً كثيرة تنيف على الستين من أحسن الشكككال واللككوان‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬ذلك ومن يعظككم شككعائر اللككه فإنهككا مككن تقككوى‬
‫القلوب{ وقال بعض السلف إعظامهككا استحسككانها واستسككمانها‪,‬‬
‫قال علي بن أبي طالب‪ :‬أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫أن نستشكككككككرف العيكككككككن والذن‪ ,‬رواه أهكككككككل السكككككككنن‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حيان‪ :‬وقوله }ول القلئد{ فل تسككتحلوها وكككان‬
‫أهل الجاهلية إذا خرجكوا مككن أوطككانهم فككي غيكر الشكهر الحكرم‪,‬‬
‫قلدوا أنفسككهم بالشككعر والككوبر وتقلككد مشككركو الحككرم مككن لحككاء‬
‫شجره فيأمنون به‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم ثم قال‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫عمار‪ ,‬حدثنا سعيد بن سليمان‪ ,‬قال‪ :‬حككدثنا عبككاد بككن العككوام عككن‬
‫سفيان بن حسين‪ ,‬عن الحكم‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن ابن عبككاس رضككي‬
‫الله عنهما‪ ,‬قال‪ :‬نسخ من هكذه السكورة آيتكان آيكة القلئد وقكوله‬
‫}فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعككرض عنهككم{ وحككدثنا المنككذر بككن‬
‫شاذان حدثنا زكريا بن عدي حدثنا محمد بككن أبككي عككدي عككن ابككن‬
‫عوف قال‪ :‬قلت للحسن‪ :‬نسخ من المائدة شيء ؟ قال ل‪ ,‬وقككال‬
‫عطاء‪ :‬كانوا يتقلدون من شككجر الحككرم فيككأمنون فنهككى اللككه عككن‬
‫قطككككع شككككجره وكككككذا قككككال مطككككرف بككككن عبككككد اللككككه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ول آمين البيت الحكرام يبتغككون فضكل ً مككن ربهككم‬
‫ورضوانا{ أي ول تستحلوا قتال القاصدين إلككى بيككت اللككه الحككرام‬
‫الذي من دخله كان آمنا ً وكذا من قصده طالبا ً فضككل اللككه وراغبكا ً‬
‫في رضوانه فل تصدوه ول تمنعوه ول تهيجوه‪ .‬قال مجاهد وعطاء‬
‫وأبو العالية ومطرف بن عبد الله وعبككد اللككه بككن عبيككد بككن عميككر‬
‫والربيع بن أنس ومقاتل بن حيككان وقتككادة وغيككر واحككد فككي قككوله‬
‫‪317‬‬
‫}يبتغون فضل ً من ربهم{ يعني بذلك التجارة‪ ,‬وهذا كما تقدم فككي‬
‫قككوله }ليككس عليكككم جنككاح أن تبتغككوا فضككل مككن ربكككم{‪ .‬وقككوله‬
‫}ورضككوانًا{ قككال ابككن عبككاس‪ :‬يترضككون اللككه بحجهككم وقككد ذكككر‬
‫ليككة نزلككت فككي الحطككم بككن‬ ‫عكرمة والسدي وابن جرير أن هذه ا َ‬
‫هند البكري كان قد أغار على سرح المدينة فلمكا ككان مكن العكام‬
‫المقبل اعتمر إلى البيت فأراد بعككض الصككحابة أن يعترضككوا عليككه‬
‫في طريقككه إلككى الككبيت فككأنزل اللككه عككز وجككل }ول آميككن الككبيت‬
‫الحككككككرام يبتغككككككون فضككككككل ً مككككككن ربهككككككم ورضككككككوانًا{‪.‬‬
‫وقد حكى ابن جرير الجماع على أن المشرك يجوز قتله إذا لككم‬
‫يكككن لككه أمككان وإن أم الككبيت الحككرام أو بيككت المقككدس وأن هككذا‬
‫الحكم منسوخ في حقهم‪ ,‬والله أعلم ك فأمككا مككن قصككده باللحككاد‬
‫فيه والشرك عنده والكفككر بكه فهككذا يمنكع‪ ,‬قكال تعككالى‪} :‬يكا أيهككا‬
‫الذين آمنوا إنما المشركون نجس فل يقربوا المسجد الحرام بعككد‬
‫عامهم هذا{ ولهذا بعث رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم عككام‬
‫مر الصككديق علككى الحجيككج عليكا ً وأمككره أن ينككادي علككى‬ ‫تسع لما أ ّ‬
‫سبيل النيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة‪ ,‬وأن ل‬
‫يحج بعد العام مشرك‪ ,‬ول يطوف بالبيت عريكان‪ ,‬وقكال ابكن أبكي‬
‫مين البيت الحككرام{ يعنككي مككن‬ ‫طلحة‪ :‬عن ابن عباس قوله }ول آ ّ‬
‫توجه قبل الككبيت الحككرام فكككان المؤمنككون والمشككركون يحجككون‬
‫فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا ً من مككؤمن أو كككافر ثككم أنككزل‬
‫الله بعدها }إنما المشركون نجس فل يقربوا المسجد الحرام بعككد‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬مككا كككان للمشككركين أن يعمككروا‬ ‫عامهم هذا{ ا َ‬
‫مساجد الله{ وقال }إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليككوم‬
‫لخر{ فنفى المشركين من المسجد الحرام‪ .‬وقككال عبككد الككرزاق‬ ‫ا َ‬
‫حككدثنا معمككر عككن قتككادة فككي قككوله }ول القلئد ول آميككن الككبيت‬
‫الحرام{ قال‪ :‬منسوخ‪ ,‬كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته‬
‫يريد الحج تقلد من الشجر فلم يعككرض لككه أحككد‪ ,‬فككإذا رجككع تقلككد‬
‫قلدة من شعر فلم يعرض له أحد‪ ,‬وكان المشكرك يكومئذ ل يصكد‬
‫عن البيت‪ ,‬فأمروا أن ل يقاتلوا في الشهر الحرام ول عنككد الككبيت‬
‫فنسخها قوله }فاقتلوا المشركين حيكث وجكدتموهم{ وقكد اختكار‬
‫ابن جرير أن المراد بقوله }ول القلئد{ يعني إن تقلدوا قلدة من‬
‫‪318‬‬
‫منوهم‪ ,‬قال ولم تزل العرب تعير مككن أخفككر ذلككك‪ ,‬قككال‬ ‫الحرم فأ ّ‬
‫ألككككككككككككم تقتل الحرجيككككككككككككن إذ أعككككككككككككورا لكككككككككككككم‬
‫يمككران باليككدي اللحككاء المضككفرا وقككوله تعككالى‪} :‬وإذا حللتككم‬
‫فاصطادوا{ أي إذا فرغتم من إحرامككم وأحللتكم منكه فقكد أبحنكا‬
‫لكم ما كان محرما ً عليكم في حال الحرام من الصككيد وهككذا أمككر‬
‫بعد الحظر والصحيح الذي يثبت على السير‪ ,‬أنه يككرد الحكككم إلككى‬
‫ما كككان عليككه قبككل النهككي‪ ,‬فككإن كككان واجبكا ً رده واجبكا ً وإن كككان‬
‫مستحبا ً فمستحب أو مباحا ً فمباح‪ ,‬ومككن قككال إنككه علككى الوجككوب‬
‫ينتقض عليه بآيات كثيرة‪ ,‬ومن قككال إنككه للباحككة يككرد عليككه آيككات‬
‫أخرى‪ ,‬والذي ينتظم الدلككة كلهككا هككذا الككذي ذكرنككاه‪ ,‬كمككا اختككاره‬
‫بعض علماء الصول‪ ,‬والله أعلم‪ .‬وقوله }ول يجرمنكم شنآن قوم‬
‫أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا{ مككن القككراء مككن قككرأ‬
‫أن صككدوكم بفتككح اللككف مككن أن‪ ,‬ومعناهككا ظككاهر أي ل يحملنكككم‬
‫بغض قوم قد كانوا صككدوكم عككن الوصككول إلككى المسككجد الحككرام‬
‫وذلك عام الحديبية على أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهككم‬
‫ظلما ً وعدوانا ً بل احكموا بما أمركم الله به مككن العككدل فككي حككق‬
‫لية كما سككيأتي مككن قككوله }ول يجرمنكككم شككنآن‬ ‫كل أحد‪ ,‬وهذه ا َ‬
‫قوم على أن ل تعدلوا اعدلوا هو أقككرب للتقككوى{ أي ل يحملنكككم‬
‫بغض قوم على ترك العدل فإن العدل واجب علككى كككل أحككد فككي‬
‫كل أحد في كل حال‪ ,‬وقال بعض السلف‪ :‬ما عككاملت مككن عصككى‬
‫الله فيك بمثل أن تطيككع اللكه فيككه‪ .‬والعككدل بككه قككامت السككموات‬
‫والرض وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا سككهل بككن عفككان‪,‬‬
‫حدثنا عبد الله بن جعفر‪ ,‬عن زيد بن أسلم قال‪ :‬كان رسككول اللكه‬
‫صلى الله عليه وسلم بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشككركون‬
‫عن البيت وقد اشتد ذلك عليهم فمر بهككم أنككاس مككن المشككركين‬
‫من أهل المشرق يريدون العمرة فقال أصحاب النبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ :‬نصد هؤلء كما صدنا أصحابهم فأنزل الله هذه ا َ‬
‫والشنآن هو البغض قاله ابن عباس وغيره وهو مصدر مككن شككنأته‬
‫أشنؤه شنآنا ً بالتحريك‪ ,‬مثل قككولهم جمككزان ودرجككان ورقلن مككن‬
‫جمككز ودرج ورقككل‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬مككن العككرب مككن يسككقط‬
‫‪319‬‬
‫التحريك في شنآن فيقول شنان ولككم أعلككم أحككدا ً قككرأ بهككا‪ .‬ومنككه‬
‫قككككككككككككككككككككككككككككككككككككول الشككككككككككككككككككككككككككككككككككككاعر‪:‬‬
‫ومككككككككككا العيككككككككككش إل مككككككككككا تحككككككككككب وتشككككككككككتهي‬
‫وإن لم فيه ذو الشنان وفندا وقوله تعالى‪} :‬وتعككاونوا علكى الككبر‬
‫والتقككوى ول تعككاونوا علككى الثككم والعككدوان{ يككأمر تعككالى عبككاده‬
‫المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر‪ ,‬وترك المنكككرات‬
‫وهو التقوى وينهككاهم عككن التناصككر علككى الباطككل والتعككاون علككى‬
‫المآثم والمحارم‪ ,‬قال ابن جرير‪ :‬الثككم تككرك مككا أمككر اللككه بفعلككه‬
‫والعدوان مجاوزة ما حد الله في دينكم ومجككاوزة مككا فككرض اللككه‬
‫عليكم في أنفسكم وفي غيركككم‪ ,‬وقككد قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫هشيم‪ ,‬حدثنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنككس عككن جككده أنككس بككن‬
‫مالك قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »انصككر أخككاك‬
‫ظالما ً أو مظلومًا« قيل‪ :‬يا رسول الله هذا نصرته مظلوما ً فكيككف‬
‫أنصره إذا كان ظالما ً ؟ قال »تحجككزه وتمنعككه مككن الظلككم فككذاك‬
‫نصره« انفرد به البخاري من حديث هشيم به نحوه‪ ,‬وأخرجاه من‬
‫طريق ثابت عن أنس قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫»انصر أخاك ظالما ً أو مظلومًا« قيل‪ :‬يا رسككول اللكه هككذا نصككرته‬
‫مظلومًا‪ ,‬فكيف أنصره ظالم كا ً ؟ قككال »تمنعككه مككن الظلككم فككذاك‬
‫نصرك إياه« وقال أحمد‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬حدثنا سفيان بن سعيد‪ ,‬عككن‬
‫العمش‪ ,‬عن يحيى بن وثاب‪ ,‬عن رجل من أصحاب النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال »المؤمن الكذي يخكالط النكاس ويصكبر علكى‬
‫أذاهككم أعظككم أجككرا ً مككن الككذي ل يخككالط النككاس ول يصككبر علككى‬
‫أذاهم« وقد رواه أحمد أيضا ً في مسند عبد الله بككن عمككر‪ ,‬حككدثنا‬
‫حجاج‪ ,‬حدثنا شعبة عن العمش‪ ,‬عن يحيى بككن وثككاب‪ ,‬عككن شككيخ‬
‫من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪» :‬المؤمن الككذي‬
‫يخالط الناس ويصبر على أذاهككم خيككر مككن الككذي ل يخككالطهم ول‬
‫يصبر على أذاهم« وهكذا رواه الترمككذي مككن حككديث شككعبة وابككن‬
‫ماجه من طريق إسحاق بن يوسف كلهما عن العمش به‪ .‬وقال‬
‫الحافظ أبو بكر البزار‪ :‬حدثنا إبراهيم بن عبد اللككه بككن محمككد أبككو‬
‫شيبة الكككوفي‪ ,‬حككدثنا بكككر بككن عبككد الرحمككن‪ ,‬حككدثنا عيسككى بككن‬
‫المختار عن ابن أبي ليلى‪ ,‬عن فضيل بككن عمككرو‪ ,‬عككن أبككي وائل‪,‬‬
‫عن عبد الله قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »الككدال‬
‫‪320‬‬
‫على الخير كفاعله« ثم قال‪ :‬ل نعلمه يروى إل بهذا السناد‪ ,‬قلت‪:‬‬
‫وله شاهد في الصحيح »من دعا إلى هدىً كان له من الجر مثككل‬
‫أجور من اتبعه إلى يوم القيامة ل ينقص ذلك مككن أجككورهم شككيئًا‪,‬‬
‫ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل آثككام مككن اتبعككه إلككى‬
‫يوم القيامة ل ينقص ذلك مككن آثككامهم شككيئًا« وقككال أبككو القاسككم‬
‫الطبراني‪ :‬حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن زريق الحمصي‪,‬‬
‫حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا عمرو بن الحارث عككن عبككد اللكه بكن سكالم عكن‬
‫الزبيدي قال عباس بن يونس‪ :‬إن أبككا الحسككن نمككران بككن صككخر‪,‬‬
‫حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قككال »مككن مشككى مككع‬
‫ظككالم ليعينككه وهككو يعلككم أنككه ظككالم فقككد خككرج مككن السككلم«‪.‬‬
‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِ ِ‬

‫ه‬ ‫مآ أ ُهِ ّ‬ ‫زيرِ وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫خن ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫ة َوال ْد ّ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مي ْت َ ُ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫** ُ‬
‫مككا‬ ‫س كب ُعُ إ ِل ّ َ‬‫ل ال ّ‬ ‫مآ أ َك َك َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫طي َ‬ ‫ة َوالن ّ ِ‬ ‫مت ََرد ّي َ ُ‬ ‫موُْقوذ َةُ َوال ْ ُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫خن َِق ُ‬‫من ْ َ‬‫َوال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫سك ٌ‬ ‫م فِ ْ‬ ‫موا ْ ب ِككالْزل َم ِ ذ َل ِك ُك ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ست َْق ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ب وَأ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ح عََلى الن ّ ُ‬ ‫ما ذ ُب ِ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ذ َك ّي ْت ُ ْ‬
‫م‬‫ن ال ْي َكوْ َ‬ ‫ش كو ْ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ش كوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م فَل َ ت َ ْ‬ ‫من ِدين ِك ُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫م ي َئ ِ َ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫س كل َ َ‬‫م ال ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُك ُ‬ ‫ضككي ُ‬ ‫مت ِككي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫أك ْ َ‬
‫ه غَُفككوٌر‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫ف ل ِث ْكم ٍ فَ كإ ِ ّ‬ ‫جككان ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬‫صةٍ غَي َْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضط ُّر ِفي َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ِدينا ً فَ َ‬
‫م‬
‫حيككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫ّر ِ‬
‫يخككبر تعككالى عبككاده خككبرا ً متضككمنا ً النهككي عككن تعككاطي هككذه‬
‫المحرمات من الميتة‪ ,‬وهي ما مات من الحيوانات حتف أنفه مككن‬
‫غير ذكاة ول اصطياد‪ ,‬وما ذاك إل لما فيها من المضككرة لمككا فيهككا‬
‫من الدم المحتقن فهي ضارة للدين وللبدن‪ ,‬فلهذا حرمها الله عز‬
‫وجل‪ ,‬ويستثنى من الميتة السمك‪ ,‬فإنه حلل سككواء مككات بتذكيككة‬
‫أو غيرهككا‪ ,‬لمككا رواه مالككك فككي مككوطئه‪ ,‬والشككافعي وأحمككد فككي‬
‫مسنديهما‪ ,‬وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه فككي سككننهم‪,‬‬
‫وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن أبي هريرة أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر‪ ,‬فقال »هو الطهور‬
‫ماؤه الحل ميتته«‪ ,‬وهكذا الجراد‪ ,‬لما سيأتي من الحديث وقككوله‪:‬‬
‫}والدم{ يعني به المسفوح‪ ,‬كقوله }أو دما ً مسككفوحًا{ قككاله ابككن‬
‫عباس وسعيد بن جبير‪ ,‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا كثير بككن شككهاب‬
‫المذحجي‪ ,‬حدثنا محمد بن سعيد بن سابق‪ ,‬حدثنا عمرو يعني ابن‬
‫‪321‬‬
‫قيس عن سماك‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس أنككه سككئل عككن‬
‫الطحال فقال‪ :‬كلوه‪ ,‬فقالوا‪ :‬أنه دم‪ ,‬فقال‪ :‬إنما حرم عليكم الدم‬
‫المسفوح‪ ,‬وكذا رواه حماد بن سلمة عككن يحيككى بككن سككعيد‪ ,‬عككن‬
‫القاسم! عن عائشة ‪ ,‬قالت‪ :‬إنما نهى عن الدم السافح‪ ,‬وقد قال‬
‫أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي‪ :‬حككدثنا عبككد الرحمككن بككن‬
‫زيد بن أسلم عن أبيه‪ ,‬عن ابن عمككر مرفوع كًا‪ ,‬قككال قككال رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »أحل لنا ميتتان ودمان‪ ,‬فأما الميتتككان‪.‬‬
‫فالسككمك والجككراد‪ ,‬وأمككا الككدمان فالكبككد والطحككال«‪ ,‬وكككذا رواه‬
‫أحمد بن حنبل وابن ماجه والدارقطني والبيهقي مككن حككديث عبككد‬
‫الرحمن بن زيد بن أسككلم‪ ,‬وهككو ضككعيف‪ ,‬قككال الحككافظ الككبيهقي‪:‬‬
‫ورواه إسماعيل بككن أبككي إدريككس عككن أسككامة‪ ,‬وعبككد اللككه وعبككد‬
‫الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابن عمككر مرفوع كًا‪ ,‬قلككت‪ :‬وثلثتهككم‬
‫كلهم ضعفاء‪ ,‬ولكن بعضهم أصلح من بعض‪ ,‬وقد رواه سليمان بن‬
‫بلل أحد الثبات عن زيد بن أسلم‪ ,‬عن ابن عمككر فككوقفه بعضككهم‬
‫عليه‪ ,‬قال الحافظ أبو زرعة الرازي‪ :‬وهككو أصككح‪ ,‬وقككال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا علي بن الحسن‪ ,‬حدثنا محمد بن عبد الملك بككن أبككي‬
‫الشوارب‪ ,‬حدثنا بشير بن شريح عن أبي غككالب‪ ,‬عككن أبككي أمامككة‬
‫وهو صدي بن عجلن‪ ,‬قال‪ :‬بعثنككي رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم إلى قككومي أدعككوهم إلككى اللككه ورسككوله‪ ,‬وأعككرض عليهككم‬
‫شرائع السلم‪ ,‬فأتيتهم فبينما نحن كككذلك‪ ,‬إذ جككاؤوا بقصككعة مككن‬
‫دم فاجتمعوا عليها يأكلونها فقالوا‪ :‬هلم يا صدي فكل‪ ,‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحككرم هككذا عليكككم فككأقبلوا عليككه‪,‬‬
‫ليككة }حرمككت عليكككم الميتككة‬ ‫قالوا‪ :‬وماذاك ؟ فتلوت عليهم هذه ا َ‬
‫لية‪ ,‬ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويككه مككن حككديث ابككن‬ ‫والدم{ ا َ‬
‫أبي الشوارب بإسناده مثله‪ ,‬وزاد بعده هذا السياق قال‪ :‬فجعلككت‬
‫ي‪ ,‬فقلت‪ :‬ويحكم اسككقوني شككربة‬ ‫أدعوهم إلى السلم ويأبون عل ّ‬
‫ي عبككاءتي‪ ,‬فقككالوا‪ :‬ل‪,‬‬‫من ماء‪ ,‬فإني شككديد العطككش‪ ,‬قككال‪ :‬وعلك ّ‬
‫ولكن ندعك حتى تموت عطشًا‪ ,‬قال‪ :‬فاغتممت وضككربت برأسككي‬
‫في العباء‪ ,‬ونمت على الرمضاء في حر شككديد‪ ,‬قككال‪ :‬فأتككاني آت‬
‫في منامي بقدح من زجاج لم ير الناس أحسن منه‪ ,‬وفيه شككراب‬
‫لم ير الناس ألذ منككه‪ ,‬فككأمكنني منككه فشككربته‪ ,‬فلمككا فرغككت مككن‬
‫شككرابي اسككتيقظت فل واللككه مككا عطشككت‪ ,‬ول عريككت بعككد تيككك‬
‫‪322‬‬
‫الشربة‪ .‬ورواه الحاكم في مستدركه عن علي بن حماد‪ ,‬عن عبككد‬
‫الله بن أحمد بن حنبككل‪ ,‬حككدثني عبككد اللككه بككن سككلمة بككن عيككاش‬
‫العامري‪ ,‬حدثنا صدقة بن هرم عككن أبككي غككالب‪ ,‬عككن أبككي أمامككة‬
‫وذكر نحوه‪ ,‬وزاد بعد قوله‪ :‬بعد تيك الشربة‪ ,‬فسككمعتهم يقولككون‪:‬‬
‫أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تمجعوه بمذقة‪ ,‬فككأتوني بمذقككة‬
‫فقلككت‪ :‬ل حاجككة لككي فيهككا‪ ,‬إن اللككه أطعمنككي وسككقاني‪ ,‬وأريتهككم‬
‫بطني‪ ,‬فأسلموا عن آخرهم‪ ,‬ومكا أحسكن مكا أنشكد العشكى فكي‬
‫قصكككككككككيدته الكككككككككتي ذكرهكككككككككا ابكككككككككن إسكككككككككحاق‪:‬‬
‫وإيككاك والميتككات ل تقربنهككاول تأخككذن عظمككا ً حديككدا ً فتفصككدا‬
‫أي ل تفعل فعل الجاهلية‪ ,‬وذلكك أن أحكدهم ككان إذا جكاع يأخكذ‬
‫شيئا ً محددا ً من عظم ونحوه‪ ,‬فيفصد به بعيككره أو حيوان كا ً مككن أي‬
‫صنف كان‪ ,‬فيجمع ما يخرج منه مككن الككدم فيشككربه‪ ,‬ولهككذا حككرم‬
‫اللككككه الككككدم علككككى هككككذه المككككة‪ ,‬ثككككم قككككال العشككككى‪:‬‬
‫وذا النصككب المنصككوب ل تككأتينهول تعبككد الوثككان واللككه فاعبككدا‬
‫وقوله‪} :‬ولحككم الخنزيككر{ يعنككي إنسككيه ووحشككيه‪ ,‬واللحككم يعككم‬
‫جميع أجزائه حتى الشحم‪ ,‬ول يحتككاج إلككى تحككذلق الظاهريككة فككي‬
‫جمودهم ههنا‪ ,‬وتعسككفهم فككي الحتجككاج بقككوله‪} :‬فككإنه رجككس أو‬
‫فسقًا{ يعنون قوله تعالى‪} :‬إل أن يكون ميتة أو دما ً مسككفوحا ً أو‬
‫لحم خنزير فإنه رجس{ أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزيككر‬
‫حتى يعم جميع أجزائه‪ ,‬وهذا بعيد مككن حيككث اللغككة‪ ,‬فككإنه ل يعككود‬
‫الضمير إل إلى المضكاف دون المضكاف إليكه‪ ,‬والظهكر أن اللحكم‬
‫يعم جميع الجزاء كما هو المفهوم من لغة العككرب‪ ,‬ومككن العككرف‬
‫المطرد‪ ,‬وفي صككحيح مسككلم عككن بريككدة بككن الخصككيب السككلمي‬
‫رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »مككن‬
‫لعب بالنردشير‪ ,‬فكأنما صبغ يده فككي لحككم الخنزيككر ودمككه« فككإذا‬
‫كان هذا التنفيككر لمجككرد اللمككس‪ ,‬فكيككف يكككون التهديككد والوعيككد‬
‫الكيد على أكله والتغذي به‪ ,‬وفيه دللة على شمول اللحم لجميككع‬
‫الجزاء من الشحم وغيره ؟ وفي الصحيحين أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال »إن الله حرم بيككع الخمككر والميتككة والخنزيككر‬
‫والصنام« فقيل‪ :‬يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنهككا تطلككى‬
‫بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ فقال »ل‪ ,‬هو‬
‫‪323‬‬
‫حرام«‪ .‬وفي صككحيح البخككاري مككن حككديث أبككي سككفيان أنككه قككال‬
‫لهرقكككككل ملكككككك الكككككروم‪ :‬نهانكككككا عكككككن الميتكككككة والكككككدم‪.‬‬
‫وقوله }وما أهل لغير الله به{ أي ما ذبح فذكر عليككه اسككم غيككر‬
‫الله فهككو حككرام لن اللكه تعككالى أوجككب أن تذبككح مخلوقككاته علككى‬
‫اسمه العظيم‪ ,‬فمتى عدل بها عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من‬
‫صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك مككن سككائر المخلوقككات فإنهككا‬
‫حرام بالجماع‪ .‬وإنمككا اختلككف العلمككاء فككي مككتروك التسككمية إمككا‬
‫عمدا ً أو نسيانا ً كما سيأتي تقريره في سورة النعام وقد قال ابن‬
‫أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن السنجاني حككدثنا نعيككم بككن حمككاد‬
‫حدثنا ابن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيككل قككال‪ :‬نككزل‬
‫ل لغيككر اللككه‬‫آدم بتحريم أربع }الميتة والدم ولحم الخنزير‪ ,‬وما أه ّ‬
‫به{‪ ,‬وإن هذه الربعة الشياء لم تحل قط‪ ,‬ولككم تككزل حرامكا ً منككذ‬
‫خلق الله السموات والرض‪ ,‬فلما كانت بنككو إسككرائيل حككرم اللككه‬
‫عليهم طيبات أحلت لهككم بككذنوبهم‪ ,‬فلمككا بعككث اللككه عيسككى ابككن‬
‫مريم عليه السلم نزل بالمر الول الذي جاء بككه آدم وأحككل لهككم‬
‫ما سوى ذلك‪ ,‬فكذبوه وعصوه‪ ,‬وهذا أثكر غريكب‪ ,‬وقكال ابكن أبكي‬
‫حاتم أيضًا‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا أحمد بن يونس‪ ,‬حدثنا ربعي عن عبد‬
‫الله‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الجارود بن أبي سبرة‪ ,‬قككال‪ :‬هككو جككدي‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫كان رجل من بني رباح يقال له ابن وائل‪ ,‬وكان شاعرًا‪ ,‬نافر غالبا ً‬
‫أبا الفرزدق بماء بظهر الكوفة على أن يعقككر هككذا مككائة مككن إبلككه‬
‫وهذا مائة من إبله إذا وردت الماء‪ ,‬فلمككا وردت المككاء قامككا إليهككا‬
‫بسككيفيهما فجعل يكشككفان عراقيبهككا‪ ,‬قككال‪ :‬فخككرج النككاس علككى‬
‫الحمرات والبغال يريدون اللحم‪ ,‬قال‪ :‬وعلي بالكوفة‪ ,‬قال‪ :‬فخرج‬
‫علي على بغلة رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم البيضككاء وهككو‬
‫ينادي‪ :‬يا أيها الناس ل تأكلوا من لحومها‪ ,‬فإنها أهل بها لغير اللككه‪,‬‬
‫هذا أثر غريب‪ ,‬ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود‪ :‬حككدثنا هككارون‬
‫بن عبد الله‪ ,‬حدثنا ابككن حمككاد بككن مسككعدة عككن عككوف‪ ,‬عككن أبككي‬
‫ريحانة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬نهككى رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم عن معاقرة العراب‪ ,‬ثم قال أبو داود محمد بن جعفر هككو‬
‫غندر‪ :‬أوقفه على ابن عبككاس‪ ,‬تفككرد بككه أبككو داود‪ ,‬وقككال أبككو داود‬
‫أيضًا‪ :‬حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء‪ ,‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا جرير‬
‫بن حازم عن الزبير بن حريث‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت عكرمككة يقككول‪ :‬إن‬
‫‪324‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم نهككى عككن طعككام المتبككاريين أن‬
‫يؤكل‪ ,‬ثم قال أبو داود‪ :‬أكثر من رواه غير ابن جريككر ل يككذكر فيككه‬
‫ابكككككككككككن عبكككككككككككاس‪ ,‬تفكككككككككككرد بكككككككككككه أيضكككككككككككًا‪.‬‬
‫قوله‪} :‬والمنخنقة{ وهي التي تمككوت بككالخنق‪ ,‬إمككا قصككدا ً وإمككا‬
‫اتفاق كا ً بككأن تتخبككل فككي وثاقتهككا‪ ,‬فتمككوت بككه فهككي حككرام‪ ,‬وأمككا‬
‫}الموقككوذة{ فهككي الككتي تضككرب بشككيء ثقيككل غيككر محككدد حككتى‬
‫تموت‪ ,‬كما قال ابن عباس وغير واحد‪ :‬هي التي تضرب بالخشككبة‬
‫حتى يوقذها فتمككوت‪ ,‬قككال قتككادة‪ :‬كككان أهككل الجاهليككة يضككربونها‬
‫بالعصي حتى إذا ماتت أكلوها‪ .‬وفكي الصكحيح أن عكدي بكن حكاتم‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬إني أرمككي بككالمعراض الصككيد فأصككيب‪,‬‬
‫قال »إذا رميت بالمعراض فخزق فكله‪ ,‬وإن أصاب بعرضه فإنمككا‬
‫هو وقيذ فل تأكله« ففككرق بيككن مككا أصككابه بالسككهم أو بككالمعراض‬
‫ونحوه بحده‪ ,‬فأحله‪ ,‬وما أصكاب بعرضككه فجعلكه وقيككذا ً لككم يحلككه‪,‬‬
‫وهذا مجمع عليه عند الفقهككاء‪ ,‬واختلفككوا فيمككا إذا صككدم الجارحككة‬
‫الصيد فقتله بثقله‪ ,‬ولم يجرحه على قولين‪ ,‬هما قولن للشككافعي‬
‫رحمه الله )أحدهما( ل يحل كما في السهم والجامع أن كل ً منهمككا‬
‫ميت بغير جرح فهو وقيذ‪) .‬والثاني( إنه يحل لنه حكككم بإباحككة مككا‬
‫صاده الكلب ولم يستفصل‪ ,‬فدل على إباحة مككا ذكرنككاه‪ ,‬لنككه قككد‬
‫دخل في العموم‪ ,‬وقد قررت لهذه المسألة فص كل ً فليكتككب ههنككا‪.‬‬
‫)فصل( ك اختلف العلماء رحمهم الله تعالى فيما إذا أرسككل كلب كا ً‬
‫على صيد فقتله بثقلككه ولككم يجرحككه‪ ,‬أوصككدمه‪ :‬هككل يحككل أم ل ؟‬
‫على قولين )أحدهما( أن ذلك حلل لعمكوم قكوله تعكالى‪} :‬فكلكوا‬
‫مما أمسكن عليكم{‪ ,‬وكذا عمومات حديث عدي بن حككاتم‪ ,‬وهككذا‬
‫قول حكاه الصكحاب عككن الشكافعي رحمكه اللكه‪ ,‬وصككححه بعكض‬
‫المتأخرين منهم كالنووي والرافعي‪) .‬قلككت(‪ :‬وليككس ذلككك بظككاهر‬
‫مككن كلم الشككافعي فككي الم والمختصككر‪ ,‬فككإنه قككال فككي كل‬
‫الموضككعين‪ :‬يحتمككل معنييككن‪ ,‬ثككم وجككه كل ً منهمككا فحمككل ذلككك‬
‫الصحاب منه‪ ,‬فأطلقوا في المسألة قولين عنه‪ ,‬اللهم إل أنه فككي‬
‫ل‪ ,‬ولم يصرح بواحد منهما‪ ,‬ول جككزم‬ ‫بحثه للقول بالحل رشحه قلي ً‬
‫به‪ ,‬والقول بذلك ك أعني الحل ك نقله ابن الصباغ عككن أبككي حنيفككة‬
‫من رواية الحسن بن زياد عنه‪ ,‬ولم يذكر غير ذلك‪ .‬وأما أبو جعفر‬
‫بن جرير فحكاه في تفسيره عن سككلمان الفارسككي وأبككي هريككرة‬
‫‪325‬‬
‫وسعد بن أبي وقاص وابن عمر‪ ,‬وهككذا غريككب جككدًا‪ ,‬وليككس يوجككد‬
‫ذلك مصرحا ً به عنهم‪ ,‬إل أنه من تصرفه رحمه الله ورضككي عنككه‪.‬‬
‫)والقككول الثككاني( ك ك أن ذلككك ل يحككل‪ ,‬وهككو أحككد القككولين عككن‬
‫الشافعي رحمه الله واختاره المزني‪ ,‬ويظهر من كلم ابن الصباغ‬
‫ترجيحه أيضكًا‪ ,‬واللككه أعلككم‪ .‬ورواه أبككو يوسككف ومحمككد عككن أبككي‬
‫حنيفة‪ ,‬وهو المشهور عن المام أحمد بن حنبل رضككي اللككه عنككه‪,‬‬
‫وهذا القول أشبه بالصواب‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬لنه أجري علككى القواعككد‬
‫الصولية‪ ,‬وأمس بالصول الشرعية‪ ,‬واحتج ابن الصباغ له بحككديث‬
‫رافع بن خديج‪ ,‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬إنا ملقوا العككدو غككدًا‪ ,‬وليككس‬
‫معنا مدى‪ ,‬أفنذبح بالقصب ؟ قال »ما أنهر الدم وذكككر اسككم اللككه‬
‫عليه فكلوه« الحديث بتمامه‪ ,‬وهو في الصحيحين‪ .‬وهذا وإن كككان‬
‫واردا ً على سبب خاص‪ ,‬فالعبرة بعمككوم اللفككظ عنككد جمهككور مككن‬
‫العلماء في الصول والفروع‪ ,‬كما سككئل عليككه السككلم عككن البتككع‪,‬‬
‫وهو نبيذ العسل‪ ,‬فقال »كل شككراب أسكككر فهككو حككرام«‪,‬أفيقككول‬
‫فقيه‪ :‬إن هذا اللفظ مخصوص بشراب العسل‪ ,‬وهكككذا هككذا‪ ,‬كمككا‬
‫سألوه عن شيء من الذكاة‪ ,‬فقككال لهككم كلم كا ً عام كا ً يشككمل ذاك‬
‫المسؤول عنه وغيره لنه عليه السلم كان قد أوتي جوامع الكلم‪,‬‬
‫إذا تقرر هذا‪ ,‬فما صدمه الكلب أو غمه بثقله ليس مما أنهر دمككه‪,‬‬
‫فل يحل لمفهوم هذا الحديث‪ ,‬فإن قيككل‪ :‬هككذا الحككديث ليككس مككن‬
‫للة التي يذكى بها‪ ,‬ولككم‬ ‫هذا القبيل بشيء‪ ,‬لنهم إنما سألوه عن ا َ‬
‫يسألوه عن الشيء الذي يككذكى‪ ,‬ولهككذا اسككتثنى مككن ذلككك السككن‬
‫والظفر حيث قال‪» :‬ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك‪ ,‬أما‬
‫السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشككة« والمسككتثنى يككدل علككى‬
‫ل‪ ,‬فدل على أن المسككؤول‬ ‫جنس المستثنى منه‪ ,‬وإل لم يكن متص ً‬
‫للة‪ ,‬فل يبقى فيه دللة لما ذكرتم‪ ,‬فالجواب عن هذا بأن‬ ‫عنه هو ا َ‬
‫في الكلم ما يشكل عليكم أيضًا‪ ,‬حيث يقول »ما أنهر الدم وذكككر‬
‫اسم الله عليه فكلوه«‪ ,‬ولم يقككل‪ :‬فككاذبحوا بككه‪ ,‬فهككذا يؤخككذ منككه‬
‫للة التي يذكى بها‪ ,‬وحكم المذكى وأنه‬ ‫الحكمان معًا‪ ,‬يؤخذ حكم ا َ‬
‫ل بككد مككن إنهككار دمككه بآلككة ليسككت سككنا ً ول ظفككرًا‪ ,‬هككذا مسككلك‪.‬‬
‫)والمسككلك الثككاني(‪ :‬طريقككة المزنككي‪ ,‬وهككي أن السككهم جككاء‬
‫التصككريح فيككه بككأنه إن قتككل بعرضككه فل تأكككل‪ ,‬وإن خككزق فكككل‪,‬‬
‫والكلب جاء مطلقًا‪ ,‬فيحمل على ما قيد هناك مككن الخككزق لنهمككا‬
‫‪326‬‬
‫اشتركا في الموجب وهككو الصككيد فيجككب الحمككل هنككا وإن اختلككف‬
‫السبب كما وجب حمل مطلق العتكاق فكي الظهكار علكى تقييكده‬
‫باليمان في القتل‪ ,‬بل هذا أولى‪ ,‬وهذا يتوجه له علككى مككن يسككلم‬
‫لككه أصككل هككذه القاعككدة مككن حيككث هككي‪ ,‬وليككس فيهككا خلف بيككن‬
‫الصحاب قاطبة‪ ,‬فل بد لهم من جككواب عككن هككذا‪ ,‬ولككه أن يقككول‪:‬‬
‫هذا قتله الكلككب بثقلككه‪ ,‬فلككم يحككل قياسكا ً علككى مككا قتلككه السككهم‬
‫بعرضه‪ ,‬والجامع أن كل ً منهما آلة للصيد‪ ,‬وقد مككات بثقلككه فيهمككا‪,‬‬
‫لية‪ ,‬لن القياس مقدم على العموم‪ ,‬كمككا‬ ‫ول يعارض ذلك بعموم ا َ‬
‫هو مذهب الئمككة الربعككة والجمهككور‪ ,‬وهككذا مسككلك حسككن أيضكًا‪.‬‬
‫)مسككلك آخككر( ك ك وهككو أن قككوله تعككالى‪} :‬فكلككوا ممككا أمسكككن‬
‫عليكم{ عام فيما قتلن بجرح أو غيككره‪ ,‬لكككن هككذا المقتككول علككى‬
‫هذه الصورة المتنككازع فيهككا ل يخلككو إمككا أن يكككون نطيح كا ً أو فككي‬
‫حكمه‪ ,‬أو منخنقا ً أو في حكمه‪ ,‬وأيا ً مككا كككان‪ ,‬فيجككب تقككديم هككذه‬
‫لية على تلك الوجوه‪) :‬أحدها( أن الشككارع قككد اعتككبر حكككم هككذه‬ ‫ا َ‬
‫لية حالة الصيد حيث يقول لعدي بن حككاتم‪ :‬وإن أصككابه بعرضككه‪,‬‬ ‫ا َ‬
‫فإنما هو وقيذ فل تأكله‪ ,‬ولم نعلككم أحككدا ً مككن العلمككاء فصككل بيككن‬
‫لية‪ ,‬فقككال‪ :‬إن الوقيككذ معتككبر حالكة الصككيد‪,‬‬ ‫حكم وحكم من هذه ا َ‬
‫والنطيح ليككس معتككبرًا‪ ,‬فيكككون القككول بحككل المتنككازع فيككه خرقكا ً‬
‫للجماع ل قائل به‪ ,‬وهو محظور عند كككثير مككن العلمككاء‪) .‬الثككاني(‬
‫لية }فكلوا مما أمسكن عليكككم{ ليسككت علككى عمومهككا‬ ‫أن تلك ا َ‬
‫بالجماع بل مخصوصة بما صدن من الحيوان المأكول‪ ,‬وخرج من‬
‫عموم لفظها الحيوان غير المأكول بالتفككاق‪ ,‬والعمككوم المحفككوظ‬
‫مقككككككككككككككدم علككككككككككككككى غيككككككككككككككر المحفككككككككككككككوظ‪.‬‬
‫لخر( ك أن هذا الصيد والحالة هككذه فككي حكككم الميتككة‬ ‫)المسلك ا َ‬
‫سواء‪ ,‬لنه قد احتقن فيه الككدماء ومككا يتبعهككا مككن الرطوبككات‪ ,‬فل‬
‫تحكككككككككككككككل قياسكككككككككككككككا ً علكككككككككككككككى الميتكككككككككككككككة‪.‬‬
‫لخر( ك أن آية التحريم‪ ,‬أعني قوله‪} :‬حرمككت عليكككم‬ ‫)المسلك ا َ‬
‫الميتة{ إلى آخرها‪ ,‬محكمككة لككم يككدخلها نسككخ ول تخصككيص وكككذا‬
‫ينبغي أن تكون آية التحليل محكمة‪ ,‬أعني قوله تعالى‪} :‬يسألونك‬
‫ليككة‪ ,‬فينبغككي أن ل يكككون‬ ‫ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبككات{ ا َ‬
‫ل‪ ,‬وتكون السنة جاءت لبيان ذلك‪ ,‬وشككاهد ذلككك‬ ‫بينهما تعارض أص ً‬
‫قصة السهم‪ ,‬فإنه ذكر حكم ما دخل فككي هككذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وهككو مككا إذا‬
‫‪327‬‬
‫ل‪ ,‬لنككه مككن الطيبككات‪ ,‬ومككا دخككل فككي‬‫خزقه المعراض فيكون حل ً‬
‫لية‪ ,‬آية التحريم‪ ,‬وهو مككا إذا أصككابه بعككرض فل يؤكككل‪,‬‬ ‫حكم تلك ا َ‬
‫لنه وقيذ‪ ,‬فيكون أحد أفراد آيكة التحريككم‪ ,‬وهككذا يجكب أن يككون‬
‫حكم هذا سواء إن كان قد جرحه الكلب‪ ,‬فهو داخل في حكم آيككة‬
‫التحليل‪ ,‬وإن لم يجرحه بل صدمه أو قتله بثقله‪ ,‬فهو نطيح أو في‬
‫ل‪) ,‬فإن قيل(‪ :‬فلم ل فصل في حكم الكلككب‪,‬‬ ‫حكمه‪ ,‬فل يكون حل ً‬
‫فقال‪ :‬ما ذكرتم إن جرحه فهو حلل‪ ,‬وإن لم يجرحككه فهككو حككرام‪.‬‬
‫)فالجواب( أن ذلك نادر‪ ,‬لن من شأن الكلككب أن يقتككل بظفككره‬
‫أو نابه أو بهما معًا‪ ,‬وأما اصطدامه هو والصككيد فنككادر‪ ,‬وكككذا قتلككه‬
‫إياه بثقله‪ ,‬فلككم يحتككج إلككى الحككتراز مككن ذلككك لنككدوره أو لظهككور‬
‫حكمه عند من علم تحريم الميتة والمنخنقة والموقوذة والمترديككة‬
‫والنطيحة‪ .‬وأمككا السككهم والمعككراض فتككارة يخطىككء لسككوء رمككي‬
‫راميه‪ ,‬أو للهو أو لنحو ذلك‪ ,‬بل خطؤه أكثر من إصابته‪ ,‬فلهذا ذكر‬
‫ل‪ ,‬واللكه أعلككم‪ ,‬ولهككذا لمككا ككان الكلككب‪ ,‬مككن‬‫كل ً من حكميه مفص ً‬
‫شأنه أنه قد يأكل من الصيد ذكر حكم ما إذا أكل من الصيد فقال‬
‫»إن أكل فل تأكككل‪ ,‬فككإني أخككاف أن يكككون أمسكك علككى نفسكه«‬
‫وهذا صحيح ثابت في الصحيحين‪ ,‬وهو أيضا ً مخصوص مككن عمككوم‬
‫آية التحليل عند كثيرين‪ ,‬فقالوا‪ :‬ل يحل ما أكل منه الكلككب‪ ,‬حكككي‬
‫ذلك عن أبككي هريككرة وابككن عبككاس‪ ,‬وبككه قككال الحسككن والشككعبي‬
‫والنخعككي‪ ,‬وإليككه ذهككب أبككو حنيفككة وصككاحباه‪ ,‬وأحمككد بككن حنبككل‬
‫والشافعي في المشهور عنه‪ ,‬وروى ابن جريككر فككي تفسككيره عككن‬
‫علي وسعيد وسكلمان وأبكي هريكرة وابكن عمكر وابكن عبكاس‪ :‬إن‬
‫الصيد يؤكل وإن أكل منه الكلب‪ ,‬حتى قال سككعيد وسككلمان وأبككو‬
‫هريرة وغيرهم‪ :‬يؤكل ولو لم يبق منه إل بضعة‪ ,‬وإلى ذلككك ذهككب‬
‫مالك والشافعي في قوله القديم‪ ,‬وأومأ في الجديككد إلككى قككولين‪,‬‬
‫قال ذلك المام أبو نصر بككن الصككباغ وغيككره مككن الصككحاب عنككه‪.‬‬
‫وقد روى أبو داود بإسناد جيد قوي عن أبي ثعلبككة الخشككني عككن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قككال فككي صككيد الكلككب »إذا‬
‫أرسلت كلبك وذكرت اسم الله‪ ,‬فكل وإن أكل منه وككل مككا ردت‬
‫عليك يدك« ورواه أيضا ً النسائي من حديث عمرو بن شعيب عككن‬
‫أبيه‪ ,‬عن جده‪ :‬أن أعرابيا ً يقال له أبو ثعلبة قال‪ :‬يككا رسككول اللككه‪,‬‬
‫فذكر نحوه‪ ,‬وقال محمد بن جرير في تفسيره‪ :‬حدثنا عمككران بككن‬
‫‪328‬‬
‫بكار الكلعي‪ ,‬حدثنا عبد العزيز بككن موسككى هككو اللحككوني‪ ,‬حككدثنا‬
‫محمد بن دينار هو الطاحي عن أبي إياس وهككو معاويككة بككن قككرة‪,‬‬
‫عن سعيد بن المسيب‪ ,‬عن سككلمان الفارسككي‪ ,‬عككن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم قال »إذا أرسككل الرجككل كلبككه علككى الصككيد‬
‫فأدركه وقد أكل منه‪ ,‬فليأكل ما بقي« ثم إن ابن جرير علله بككأنه‬
‫قد رواه أبو قتادة وغيككره عككن سككعيد بككن المسككيب‪ ,‬عككن سككلمان‬
‫موقوفككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫دموا حديث عككدي علككى ذلككك‪ ,‬ورامككوا تضككعيف‬ ‫وأما الجمهور فق ّ‬
‫حديث أبي ثعلبة وغيره‪ ,‬وقد حمله بعض العلماء على أنه إن أكككل‬
‫بعد ما انتظر صاحبه فطال عليه الفصككل ولككم يجىككء‪ ,‬فأكككل منككه‬
‫لجوعه ونحوه فإنه ل بأس بذلك‪ ,‬لنه والحالة هككذه ل يخشككى أنككه‬
‫إنما أمسك على نفسككه بخلف مككا إذا أكككل منككه أول وهلككة‪ ,‬فككإنه‬
‫يظهككككر منككككه أنككككه أمسككككك علككككى نفسككككه‪ ,‬واللككككه أعلككككم‪.‬‬
‫فأما الجوارح مككن الطيككور فنككص الشككافعي علككى أنهككا كككالكلب‪,‬‬
‫لخرين‪ ,‬واختككار‬ ‫فيحرم ما أكلت منه عند الجمهور‪ ,‬ول يحرم عند ا َ‬
‫المزنككي مككن أصككحابنا أنككه ل يحككرم أكككل مككا أكلككت منككه الطيككور‬
‫والجوارح‪ ,‬وهو مككذهب أبككي حنيفككة وأحمككد‪ ,‬قككالوا‪ :‬لنككه ل يمكككن‬
‫تعليمها كما يعلم الكلب بالضرب ونحككوه‪ ,‬وأيضكا ً فإنهككا ل تعلككم إل‬
‫بأكلها من الصيد فيعفككى عككن ذلككك‪ ,‬وأيضكا ً فككالنص إنمككا ورد فككي‬
‫الكلب ل في الطير‪ .‬وقال الشككيخ أبككو علككي فككي »الفصككاح«‪ :‬إذا‬
‫قلنا‪ :‬يحرم ما أكل منه الكلب‪ ,‬ففككي تحريككم مككا أكككل منككه الطيككر‬
‫وجهان‪ ,‬وأنكر القاضككي أبككو الطيككب هككذا التفريككع والككترتيب لنككص‬
‫الشافعي رحمه الله‪ ,‬على التسوية بينهما‪ ,‬واللككه سككبحانه وتعككالى‬
‫دية‪ :‬فهي التي تقع من شاهق أو موضع عال‪ ,‬فتمككوت‬ ‫وأما المتر ّ‬
‫ديككة‬‫بذلك‪ ,‬فل تحل‪ ,‬قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ :‬المتر ّ‬
‫التي تسقط من جبل‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هي التي تتردى في بئر‪ .‬وقال‬
‫السكككدي‪ :‬هكككي الكككتي تقكككع مكككن جبكككل أو تكككتردى فكككي بئر‪.‬‬
‫وأما النطيحة‪ :‬فهي الككتي مككاتت بسككبب نطككح غيرهككا لهككا‪ ,‬فهككي‬
‫حككرام وإن جرحهككا القككرن وخككرج منهككا الككدم ولككو مككن مككذبحها‪,‬‬
‫والنطيحة فعيلة بمعنى مفعولة‪ ,‬أي منطوحة‪ ,‬وأكثر مككا تككرد هككذه‬
‫البنية في كلم العرب بدون تككاء التككأنيث‪ ,‬فيقولككون‪ :‬عيككن كحيككل‪,‬‬
‫‪329‬‬
‫وكف خضيب‪ ,‬ول يقولون‪ :‬كف خضيبة‪ ,‬ول عين كحيلة‪ ,‬وأما هككذه‬
‫فقال بعض النحاة‪ :‬إنما اسكتعمل فيهكا تكاء التكأنيث‪ ,‬لنهكا أجريكت‬
‫مجرى السماء كما في قولهم‪ :‬طريقة طويلة‪ ,‬وقال بعضهم‪ :‬إنما‬
‫أتي بتاء التأنيث فيها لتدل على التأنيث من أول وهلة بخلف عين‬
‫كحيكككل وككككف خضكككيب لن التكككأنيث مسكككتفاد مكككن أول الكلم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وما أكل السبع{ أي ما عدا عليها أسد أو فهككد أو‬
‫نمر أو ذئب أو كلب‪ ,‬فأكل بعضها فماتت بككذلك‪ ,‬فهككي حككرام وإن‬
‫كان قد سال منها الدم ولو من مككذبحها‪ ,‬فل تحككل بالجمككاع‪ ,‬وقككد‬
‫كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشككاة أو البعيككر أو‬
‫البقكككرة أو نحكككو ذلكككك‪ ,‬فحكككرم اللكككه ذلكككك علكككى المكككؤمنين‪.‬‬
‫وقوله }إل ما ذكيتم{ عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقككد‬
‫سبب موته‪ ,‬فأمكن تداركه بذكاة وفيه حياة مستقرة‪ ,‬وذلككك إنمككا‬
‫يعود على قوله }والمنخنقة والموقوذة والمترّديككة والنطيحككة ومككا‬
‫أكل السبع{ قال علي بن أبي طلحكة عكن ابككن عبكاس فككي قكوله‬
‫}إل ما ذكيتم{ يقول‪ :‬إل ما ذبحتم مككن هككؤلء وفيككه روح فكلككوه‪,‬‬
‫فهككو ذكككي‪ ,‬وكككذا روي عككن سككعيد بككن جككبير والحسككن البصككري‬
‫والسدي‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حدثنا حفص‬
‫لية قال‪:‬‬ ‫بن غياث‪ ,‬حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه‪ ,‬عن علي في ا َ‬
‫إن مصعت بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها‪ ,‬فكل‪ .‬وقككال‬
‫ابن جرير‪ :‬حدثنا القاسم‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬حدثنا هشيم وعباد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا حجاج عن حصككين‪ ,‬عككن الشككعبي‪ ,‬عككن الحككارث‪ ,‬عككن علككي‬
‫قال‪ :‬إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمترّدية والنطيحة‪ ,‬وهككي تحككرك‬
‫يدا ً أو رجل ً فكلها‪ ,‬وهكذا روي عن طاوس والحسن وقتادة وعبيككد‬
‫بن عمير والضحاك وغير واحد‪ :‬أن المذكاة مككتى تحركككت بحركككة‬
‫تدل على بقاء الحياة فيها بعككد الذبككح ‪ ,‬فهككي حلل‪ ,‬وهككذا مككذهب‬
‫جمهور الفقهاء‪ ,‬وبه قال أبو حنيفة والشككافعي وأحمككد بككن حنبككل‪.‬‬
‫قال ابن وهب‪ :‬سئل مالك عن الشاة الككتي يخككرق جوفهككا السككبع‬
‫حتى تخرج أمعاؤها‪ ,‬فقال مالك‪ :‬ل أرى أن تذكى‪ ,‬أي شيء يذكى‬
‫منها ؟ وقال أشهب‪ :‬سئل مالككك عككن الضككبع يعككدو علككى الكبككش‬
‫فيدق ظهره‪ ,‬أترى أن يذكى قبككل أن يمككوت فيؤكككل ؟ فقككال‪ :‬إن‬
‫حرة فل أرى أن يؤكككل‪ ,‬وإن كككان أصككاب أطرافككه‬ ‫س ْ‬
‫كان قد بلغ ال ّ‬
‫فل أرى بذلك بأسًا‪ ,‬قيل لكه‪ :‬وثكب عليكه فكدق ظهكره ؟ فقكال‪ :‬ل‬
‫‪330‬‬
‫يعجبني هذا ل يعيككش منككه‪ .‬قيككل لككه‪ :‬فالككذئب يعككدو علككى الشككاة‬
‫فيثقب بطنها ول يثقب المعاء ؟ فقال‪ :‬إذا شق بطنهككا فل أرى أن‬
‫لية عام فيما استثناه‬ ‫تؤكل‪ ,‬هذا مذهب مالك رحمه الله‪ .‬وظاهر ا َ‬
‫مالك رحمه الله من الصور الككتي بلككغ الحيككوان فيهككا إلككى حالككة ل‬
‫ليككة‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬ ‫يعيككش بعككدها فيحتككاج إلككى دليككل مخصككص ل َ‬
‫وفي الصحيحين عن رافع بن خديككج أنككه قككال‪ :‬قلككت‪ :‬يككا رسككول‬
‫الله‪ ,‬إنا لقو العدو غدا ً وليس معنا مدى‪ ,‬أفنذبح بالقصب ؟ فقككال‬
‫»ما أنهر الدم‪ ,‬وذكر اسم الله عليه‪ ,‬فكلوه‪ ,‬ليس السن والظفككر‪,‬‬
‫وسككأحدثكم عككن ذلككك‪ :‬أمككا السككن فعظككم‪ ,‬وأمككا الظفككر فمككدى‬
‫الحبشة«‪ .‬وفككي الحككديث الككذي رواه الككدارقطني مرفوع كًا‪ ,‬وفيككه‬
‫نظر‪ ,‬وروي عن عمر موقوفا ً وهو أصح »أل إن الذكاة في الحلككق‬
‫واللبة‪ ,‬ول تعجلوا النفككس أن تزهككق«‪ .‬وفكي الحككديث الككذي رواه‬
‫المام أحمد وأهل السككنن مككن روايككة حمككاد بككن سككلمة عككن أبككي‬
‫العشراء الدارمي عن أبيه قال‪ :‬قلت‪ :‬يككا رسكول اللكه‪ ,‬أمككا تكككون‬
‫الذكاة إل من اللبة والحلق ؟ فقال »لو طعنت فككي فخككذها لجككزأ‬
‫عنك«‪ ,‬وهو حديث صحيح‪ ,‬ولكنه محمككول علككى مككا ل يقككدر علككى‬
‫ذبحكككككككككككككككه فكككككككككككككككي الحلكككككككككككككككق واللبكككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقوله }وما ذبح على النصب{ قال مجاهككد وابككن جريككج‪ :‬كككانت‬
‫النصب حجارة حول الكعبة‪ ,‬قال ابن جريج‪ :‬وهي ثلثمائة وسككتون‬
‫نصبًا‪ ,‬كانت العككرب فككي جاهليتهككا يككذبحون عنككدها‪ ,‬وينضككحون مككا‬
‫أقبككل منهككا إلككى الككبيت بككدماء تلككك الككذبائح‪ ,‬ويشككرحون اللحككم‬
‫ويضعونه على النصب‪ ,‬وكذا ذكره غير واحد‪ ,‬فنهى الله المككؤمنين‬
‫عن هذا الصنيع‪ ,‬وحرم عليهم أكل هكذه الكذبائح الكتي فعلكت عنكد‬
‫النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عنككد النصككب‬
‫من الشرك الذي حرمه الله ورسوله‪ ,‬وينبغي أن يحمل هذا علككى‬
‫هكككذا‪ ,‬لنكككه قكككد تقكككدم تحريكككم مكككا أهكككل بكككه لغيكككر اللكككه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وأن تستقسككموا بككالزلم{ أي حكّرم عليكككم أيهككا‬
‫المؤمنككون الستقسككام بككالزلم‪ ,‬واحككدها زلككم وقككد تفتككح الككزاي‪,‬‬
‫فيقال‪ :‬زلم‪ ,‬وقد كانت العرب في جاهليتها يتعككاطون ذلككك‪ ,‬وهككي‬
‫لخككر‪ :‬ل‬‫عبارة عن قداح ثلثة‪ ,‬على أحدها مكتوب‪ :‬افعل‪ ,‬وعلككى ا َ‬
‫تفعل‪ ,‬والثالث غفككل ليككس عليككه شككيء‪ ,‬ومككن النككاس مككن قككال‪:‬‬
‫لخككر‪ :‬نهككاني ربككي‪,‬‬ ‫مكتككوب علككى الواحككد‪ :‬أمرنككي ربككي‪ ,‬وعلككى ا َ‬
‫‪331‬‬
‫والثالث غفل ليككس عليككه شككيء‪ ,‬فككإذا أجالهككا فطلككع سككهم المككر‬
‫فعله‪ ,‬أو النهي تركه‪ ,‬وإن طلع الفارغ أعككاد‪ ,‬والستقسككام مككأخوذ‬
‫من طلب القسم من هذه الزلم‪ ,‬هكذا قكرر ذلكك أبكو جعفكر بكن‬
‫جرير‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا الحسن بككن محمككد بككن الصككباح‪,‬‬
‫حدثنا الحجاج بن محمد‪ ,‬أخبرنا ابن جريج وعثمان بككن عطككاء عككن‬
‫عطاء‪ ,‬عن ابن عباس }وأن تستقسككموا بككالزلم{ قككال‪ :‬والزلم‬
‫قداح كانوا يستقسككمون بهككا فككي المككور‪ ,‬وكككذا روي عككن مجاهككد‬
‫وإبراهيم النخعي والحسن البصري ومقاتل بككن حيككان‪ .‬وقككال ابككن‬
‫عباس‪ :‬هي قداح كانوا يستقسمون بهككا المككور‪ .‬وذكككر محمككد بككن‬
‫إسحاق وغيره‪ :‬إن أعظم أصنام قريش صنم كككان يقككال لككه هبككل‬
‫منصوب على بئر داخل الكعبة‪ ,‬فيها توضع الهدايا‪ ,‬وأموال الكعبككة‬
‫فيه‪ ,‬وكان عنده سبعة أزلم مكتوب فيها مككا يتحككاكمون فيككه ممككا‬
‫أشكل عليهم‪ ,‬فما خرج لهم منها رجعوا إليه ولم يعدلوا عنه وثبت‬
‫في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لمككا دخككل الكعبككة‪,‬‬
‫وجد إبراهيم وإسماعيل مصورين فيها‪ ,‬وفي أيديهما الزلم فقككال‬
‫»قككاتلهم اللككه لقككد علمككوا أنهمككا لككم يستقسككما بهككا أبككدًا«‪.‬‬
‫وفي الصحيح‪ :‬أن سراقة بن مالككك بككن جعشككم‪ ,‬لمككا خككرج فككي‬
‫طلب النبي صلى الله عليه وسلم وأبككي بكككر‪ ,‬وهمككا ذاهبككان إلككى‬
‫المدينة مهاجرين‪ ,‬قال‪ :‬فاستقسمت بالزلم‪ ,‬هل أضككرهم أم ل ؟‬
‫فخرج الذي أكره ل تضرهم‪ .‬قككال‪ :‬فعصككيت الزلم واتبعتهككم‪ ,‬ثككم‬
‫إنه استقسم بها ثانية وثالثة‪ ,‬كل ذلك يخرج الذي يكره ل تضرهم‪,‬‬
‫وكان كذلك‪ ,‬وكان سراقة لم يسككلم إذ ذاك ثككم أسككلم بعككد ذلككك‪,‬‬
‫وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن يزيد عن رقية‪ ,‬عن عبككد‬
‫الملك بن عمير‪ ,‬عن رجاء بن حيوة‪ ,‬عن أبي الككدرداء‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »لن يلج الدرجات من تكهككن أو‬
‫استقسم أو رجع من سفر طائرًا«‪ .‬وقال مجاهد فككي قككوله }وأن‬
‫تستقسككموا بككالزلم{ قككال‪ :‬هككي سككهام العككرب‪ ,‬وكعككاب فككارس‬
‫والروم‪ ,‬كانوا يتقامرون‪ .‬وهذا الذي ذكككر عككن مجاهككد فككي الزلم‬
‫أنها موضوعة للقمككار‪ ,‬فيككه نظككر‪ ,‬اللهككم إل أن يقككال‪ :‬إنهككم كككانوا‬
‫يستعملونها في الستخارة تارة وفي القمككار أخككرى‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫فإن الله سبحانه قد قرن بينها وبين القمار وهو الميسر فقال في‬
‫آخر السورة‪} :‬يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسككر والنصككاب‬
‫‪332‬‬
‫والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما‬
‫يريد الشيطان أن يوقككع بينكككم العككداوة والبغضككاء كك إلككى قككوله كك‬
‫منتهون{‪ .‬وهكذا قال ههنا }وأن تستقسموا بالزلم ذلكم فسق{‬
‫أي تعاطيه فسككق وغككي وضككللة وجهالككة وشككرك‪ .‬وقككد أمككر اللككه‬
‫المؤمنين إذا ترددوا فككي أمككورهم أن يسككتخيروه بككأن يعبككدوه ثككم‬
‫يسككككككألوه الخيككككككرة فككككككي المككككككر الككككككذي يريككككككدونه‪.‬‬
‫كما روى المام أحمد والبخاري وأهككل السككنن مككن طريككق عبككد‬
‫الرحمن بن أبي الموالي عن محمد بن المنكدر‪ ,‬عن جابر بن عبد‬
‫اللككه‪ ,‬قككال‪ :‬كككان رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم يعلمنككا‬
‫الستخارة في المور كما يعلمنا السورة من القرآن‪ ,‬ويقككول »إذا‬
‫هم أحدكم بالمر فليركككع ركعككتين مككن غيككر الفريضككة‪ ,‬ثككم ليقككل‪:‬‬
‫اللهم إني أسككتخيرك بعلمككك‪ ,‬وأسككتقدرك بقككدرتك‪ ,‬وأسككألك مككن‬
‫فضلك العظيم‪ ,‬فإنك تقدر ول أقككدر وتعلككم ول أعلككم‪ ,‬وأنككت علم‬
‫الغيوب‪ ,‬اللهم إن كنت تعلم أن هذا المر ك ويسميه باسمه ك خيككر‬
‫لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري ك أوقال‪ :‬عاجل أمري‬
‫وآجله ك فاقدره لي‪ ,‬ويسره لي‪ ,‬ثم بارك لي فيه‪ ,‬اللهم وإن كنككت‬
‫تعلككم أنككه شككر لككي فككي دينككي ودنيككاي ومعاشككي وعاقبككة أمككري‪,‬‬
‫فاصرفني عنه‪ ,‬واصرفه عنككي‪ ,‬واقككدر لككي الخيككر حيككث كككان‪ ,‬ثككم‬
‫رضني به« لفظ أحمد‪ ,‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حككديث حسككن صككحيح‬
‫غريككككب‪ ,‬ل نعرفككككه إل مككككن حككككديث ابككككن أبككككي المككككوالي‪.‬‬
‫وقوله }اليوم يئس الذين كفروا من دينكم{ قال علككي بككن أبككي‬
‫طلحة عن ابن عباس‪ :‬يعني يئسوا أن يراجعككوا دينهككم‪ ,‬وكككذا روي‬
‫عن عطاء بن أبي ربككاح والسككدي ومقاتككل بككن حيككان‪ ,‬وعلككى هككذا‬
‫المعنى يرد الحديث الثابت في الصحيح‪ :‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال »إن الشيطان قد يئس أن يعبككده المصككلون فككي‬
‫جزيرة العرب‪ ,‬ولكن بالتحريش بينهم«‪ ,‬ويحتمل أن يكون المككراد‬
‫أنهم يئسوا من مشابهة المسلمين لمككا تميككز بككه المسككلمون مككن‬
‫هذه الصفات المخالفككة للشككرك وأهلككه‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى آمككرا ً‬
‫لعباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا في مخالفة الكفككار ول يخككافوا‬
‫أحدا ً إل الله‪ ,‬فقال }فل تخشوهم واخشون{ أي ل تخككافوهم فككي‬
‫مخالفتكم إياهم‪ ,‬واخشوني أنصككركم عليهككم وأبيككدهم‪ ,‬وأظفركككم‬
‫لخككرة‪.‬‬ ‫بهم‪ ,‬وأشف صدوركم منهم‪ ,‬وأجعلكم فوقهم في الككدنيا وا َ‬
‫‪333‬‬
‫وقوله }اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت‬
‫لكم السلم دينًا{ هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه المككة حيككث‬
‫أكمل تعالى لهم دينهم‪ ,‬فل يحتاجون إلى دين غيره‪ ,‬ول إلككى نككبي‬
‫غير نبيهم صلوات الله وسلمه عليه‪ ,‬ولهذا جعله الله تعالى خككاتم‬
‫النبياء وبعثه إلى النس والجن‪ ,‬فل حلل إل ما أحله‪ ,‬ول حرام إل‬
‫ما حرمه‪ ,‬ول دين إل مككا شككرعه‪ ,‬وككل شكيء أخككبر بكه فهككو حكق‬
‫وصدق ل كذب فيه ول خلف كما قال تعالى‪} :‬وتمككت كلمككة ربككك‬
‫ل{ أي صدقا ً في الخبار‪ ,‬وعدل ً في الوامككر والنككواهي‪,‬‬ ‫صدقا ً وعد ً‬
‫فلما أكمل لهكم الكدين‪ ,‬تمكت عليهكم النعمكة‪ ,‬ولهكذا قكال تعكالى‪:‬‬
‫}اليوم أكملت لكم دينكم وأتممككت عليكككم نعمككتي ورضككيت لكككم‬
‫السلم دينًا{ أي فارضوه أنتم لنفسكم‪ ,‬فككإنه الككدين الككذي أحبككه‬
‫الله ورضيه‪ ,‬وبعث به أفضككل الرسككل الكككرام‪ ,‬وأنككزل بككه أشككرف‬
‫كتبككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس قككوله }اليككوم أكملككت‬
‫لكم دينكم{ وهو السلم‪ ,‬أخبر الله نككبيه صكلى اللككه عليككه وسكلم‬
‫والمؤمنين أنه قد أكمل لهم اليمان‪ ,‬فل يحتاجون إلى زيادة أبككدًا‪,‬‬
‫وقد أتمه الله فل ينقصه أبدًا‪ ,‬وقككد رضككيه اللككه فل يسككخطه أبككدًا‪.‬‬
‫لية يوم عرفككة‪ ,‬ولككم ينككزل‬ ‫وقال أسباط عن السدي‪ :‬نزلت هذه ا َ‬
‫بعدها حلل ول حرام‪ ,‬ورجع رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫فمات قالت أسماء بنت عميس‪ :‬حججككت مككع رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم تلك الحجة فبينما نحن نسير إذ تجلى لككه جبريككل‪,‬‬
‫فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الراحلة‪ ,‬فلككم تطككق‬
‫الراحلة من ثقل ما عليها مككن القككرآن‪ ,‬فككبركت‪ ,‬فككأتيته فسككجيت‬
‫عليه بردا ً كان علي‪ .‬وقال ابن جرير وغير واحد‪ :‬مات رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمككانين يوم كًا‪ ,‬رواهمككا‬
‫ابن جرير‪ ,‬ثم قال‪ :‬حدثنا سفيان بن وكيع‪ ,‬حدثنا ابككن فضككيل عككن‬
‫هارون بن عنترة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬لمككا نزلككت }اليككوم أكملككت لكككم‬
‫دينكم{ وذلك يوم الحج الكبر‪ ,‬بكى عمكر‪ ,‬فقكال لكه النكبي صكلى‬
‫الله عليه وسلم »ما يبكيك ؟« قال‪ :‬أبكاني أنا كنا في زيككادة مككن‬
‫ديننككا‪ ,‬فأمككا إذا أكمككل فككإنه لككم يكمككل شككيء إل نقككص‪ ,‬فقككال‬
‫»صدقت« ويشهد لهذا المعنى الحككديث الثككابت »إن السككلم بككدأ‬
‫غريبككككككككًا‪ ,‬وسككككككككيعود غريبككككككككًا‪ ,‬فطككككككككوبى للغربككككككككاء«‪.‬‬
‫‪334‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا جعفر بن عون‪ ,‬حدثنا أبو العميس عككن‬
‫قيس بن مسلم‪ ,‬عن طارق بن شهاب قال‪ :‬جاء رجل مككن اليهككود‬
‫إلى عمر بن الخطاب فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ,‬إنكككم تقككرؤون آيككة‬
‫في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت‪ ,‬لتخذنا ذلك اليككوم عيككدًا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأي آية ؟ قال‪ :‬قككوله }اليككوم أكملككت لكككم دينكككم وأتممككت‬
‫عليكم نعمتي{ فقال عمر‪ :‬واللككه إنككي لعلككم اليككوم الككذي نزلككت‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬والساعة التي نزلت فيهككا‬
‫على رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪ :‬عشككية عرفككة فككي يككوم‬
‫جمعة‪ ,‬ورواه البخاري عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عككون‬
‫به‪ .‬ورواه أيضا ً مسلم والترمذي والنسككائي أيض كا ً مككن طككرق عككن‬
‫قيس بن مسلم به‪ .‬ولفككظ البخككاري عنككد تفسككير هككذه ا َ‬
‫ليككة مككن‬
‫طريق سفيان الثوري‪ ,‬عن قيس‪ ,‬عن طككارق قككال‪ :‬قككالت اليهككود‬
‫لعمر‪ :‬و الله إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لتخذناها عيككدًا‪ .‬فقككال‬
‫عمر‪ :‬إني لعلم حين أنزلت‪ ,‬وأين أنزلت‪ ,‬وأين رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم حيث أنزلت‪ :‬يوم عرفة‪ ,‬وأنككا واللككه بعرفككة‪ ,‬قككال‬
‫سفيان‪ :‬وأشك‪ ,‬كان يوم الجمعة أم ل }اليوم أكملت لكم دينكم{‬
‫لية‪ ,‬وشك سفيان رحمككه اللككه إن كككان فككي الروايككة‪ ,‬فهككو تككورع‬ ‫ا َ‬
‫حيث شك هل أخبره شيخه بذلك أم ل‪ ,‬وإن كككان شكككا ً فككي كككون‬
‫الوقوف في حجة الوداع كان يوم جمعة‪ ,‬فهذا ما أخاله يصدر عن‬
‫الثوري رحمه الله‪ ,‬فإن هذا أمر معلوم مقطوع به‪ ,‬لم يختلف فيه‬
‫أحد من أصحاب المغازي والسير‪ ,‬ول من الفقهاء وقد وردت فككي‬
‫ذلك أحاديث متواترة ل يشك في صككحتها‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬وقككد روي‬
‫هككككككذا الحككككككديث مككككككن غيككككككر وجككككككه عككككككن عمككككككر‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثني يعقككوب بككن إبراهيككم‪ ,‬حككدثنا ابككن عليككة‪,‬‬
‫أخبرنا رجاء بن أبي سلمة‪ ,‬أخبرنا عبادة بن نسككي‪ ,‬أخبرنككا أميرنككا‬
‫إسحاق‪ ,‬قال أبو جعفككر بككن جريككر وهككو إسككحاق بككن حرشككة عككن‬
‫قبيصة يعني ابن أبي ذئب‪ ,‬قال‪ :‬قال كعب‪ :‬لو أن غير هككذه المككة‬
‫ليكة‪ ,‬لنظكروا اليكوم الكذي أنزلكت فيكه عليهكم‪,‬‬ ‫نزلت عليهم هذه ا َ‬
‫فاتخذوه عيدا ً يجتمعون فيه‪ ,‬فقال عمر‪ :‬أي آية يككا كعككب ؟ فقككال‬
‫}اليوم أكملت لكم دينكم{‪ ,‬فقال عمككر‪ :‬قككد علمككت اليككوم الككذي‬
‫أنزلت‪ ,‬والمكان الذي أنزلت فيه‪ :‬نزلككت فككي يككوم الجمعككة ويككوم‬
‫عرفة‪ ,‬وكلهما بحمد الله لنا عيد‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو بكككر‪,‬‬
‫‪335‬‬
‫حدثنا قبيصة‪ ,‬حككدثنا حمككاد بككن سكلمة عككن عمككار هككو مككولى بنككي‬
‫هاشم‪ :‬أن ابن عبككاس قككرأ }اليككوم أكملككت لكككم دينكككم وأتممككت‬
‫عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينًا{ فقال يهككودي‪ :‬لككو نزلككت‬
‫لية علينا‪ ,‬لتخذنا يومها عيدًا‪ ,‬فقال ابن عباس‪ :‬فإنهككا نزلككت‬ ‫هذه ا َ‬
‫في يوم عيدين اثنين‪ :‬يوم عيد‪ ,‬ويوم جمعككة‪ .‬وقككال ابككن مردويككه‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن كامل‪ ,‬حدثنا موسى بككن هككارون‪ ,‬حككدثنا يحيككى بككن‬
‫الحماني‪ ,‬حدثنا قيس بن الربيع عن إسككماعيل بككن سككليمان‪ ,‬عككن‬
‫أبي عمر البزار‪ ,‬عن أبي الحنفية‪ ,‬عن علي قال‪ :‬نزلت هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسككلم وهككو قككائم عشككية عرفككة‬
‫}اليكككككككككككككوم أكملكككككككككككككت لككككككككككككككم دينككككككككككككككم{‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو عامر إسماعيل بكن عمكرو السككوني‪,‬‬
‫حدثنا هشام بن عمار‪ ,‬حدثنا ابككن عيككاش حككدثنا عمككرو بككن قيككس‬
‫السكوني‪ ,‬أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينتزع بهذه‬
‫لية }اليوم أكملت لكم دينكم{ حككتى ختمهككا‪ ,‬فقككال‪ :‬نزلككت فككي‬ ‫ا َ‬
‫يوم عرفة في يوم جمعة‪ .‬وروى ابن مردويه من طريق محمد بن‬
‫إسحاق عن عمرو بن موسى بن دحية‪ ,‬عككن قتككادة عككن الحسككن‪,‬‬
‫ليككة }اليككوم أكملككت لكككم دينكككم‬ ‫عككن سككمرة قككال‪ :‬نزلككت هككذه ا َ‬
‫وأتممت عليكم نعمتي ورضككيت لكككم السككلم دين كًا{ يككوم عرفككة‪,‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على الموقف‪ ,‬فأمككا مككا‬
‫رواه ابن جرير وابن مردويه والطبراني من طريق ابن لهيعة عككن‬
‫خالد بن أبي عمران‪ ,‬عن حنش بن عبد اللككه الصككغاني‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس قال‪ :‬ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يككوم الثنيككن‪ ,‬وخككرج‬
‫من مكة يوم الثنين‪ ,‬ودخل المدينة يوم الثنيككن‪ ,‬وفتككح بككدرا ً يككوم‬
‫الثنين‪ ,‬وأنزلت سورة المائدة يوم الثنين كك }اليككوم أكملككت لكككم‬
‫دينكم{‪ .‬ورفع الذكر يوم الثنين‪ .‬فإنه أثر غريب‪ ,‬وإسناده ضعيف‪,‬‬
‫وقد رواه المام أحمد‪ :‬حدثنا موسى بن داود‪ ,‬حدثنا ابن لهيعة عن‬
‫خالد بن أبي عمران‪ ,‬عن حنش الصغاني‪ ,‬عككن ابككن عبككاس قككال‪:‬‬
‫ولد النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم يككوم الثنيككن‪ ,‬واسككتنبىء يككوم‬
‫الثنين‪ ,‬وخرج مهاجرا ً من مكككة إلككى المدينككة يككوم الثنيككن‪ ,‬وقككدم‬
‫المدينة يوم الثنين‪ ,‬وتوفي يوم الثنين‪ ,‬ووضع الحجر السود يككوم‬
‫الثنين‪ ,‬هذا لفظ أحمد‪ ,‬ولم يذكر نزول المائدة يوم الثنين‪ ,‬فككالله‬
‫‪336‬‬
‫أعلم‪ ,‬ولعل ابن عباس أراد أنها نزلت يوم عيدين اثنين‪ ,‬كما تقدم‬
‫فاشكككككككككتبه علكككككككككى الكككككككككراوي‪ ,‬واللكككككككككه أعلكككككككككم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬وقد قيل‪ :‬ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس‪ ,‬ثم‬
‫روي من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله }اليككوم أكملككت‬
‫لكم دينكم{ يقول‪ :‬ليس ذلك بيوم معلوم عند النكاس‪ ,‬قكال‪ :‬وقكد‬
‫قيل‪ :‬إنها نزلككت علككى رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم فككي‬
‫مسيره إلى حجة الوداع‪ ,‬ثم رواه من طريككق أبككي جعفككر الككرازي‬
‫عن الربيع بن أنس‪ .‬قلت‪ :‬وقد روى ابن مردويه مككن طريككق أبككي‬
‫هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري‪ :‬أنها نزلت على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم حيككن قككال لعلككي »مككن كنككت‬
‫موله فعلي موله«‪ .‬ثككم رواه عككن أبككي هريككرة‪ ,‬وفيككه أنككه اليككوم‬
‫الثامن عشر من ذي الحجة يعني مرجعه عليكه السكلم مكن حجكة‬
‫الوداع‪ ,‬ول يصح هككذا ول هككذا بككل الصككواب الككذي ل شككك فيككه ول‬
‫مرية أنها أنزلت يوم عرفة‪ ,‬وكان يوم جمعة كمككا روى ذلككك أميككر‬
‫المؤمنين عمر بن الخطككاب وعلككي بككن أبككي طككالب‪ ,‬وأول ملككوك‬
‫السلم معاوية بن أبكي سكفيان‪ ,‬وترجمكان القكرآن عبكد اللكه بكن‬
‫عباس‪ ,‬وسمرة بككن جنككدب رضككي اللككه عنهككم‪ ,‬وأرسككله الشككعبي‬
‫وقتككادة بككن دعامككة وشككهر بككن حوشككب وغيككر واحككد مككن الئمككة‬
‫والعلمككككاء‪ ,‬واختككككاره ابككككن جريككككر الطككككبري رحمككككه اللككككه‪.‬‬
‫وقوله }فمن اضطر في مخمصكة غيكر متجككانف لثكم فكإن اللكه‬
‫غفور رحيم{ أي فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمككات‬
‫التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك‪ ,‬فله تناوله‪ ,‬و الله‬
‫غفور رحيم له لنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر وافتقاره إلككى‬
‫ذلك‪ ,‬فيتجاوز عنه‪ ,‬ويغفر له‪ ,‬وفي المسند وصحيح ابن حبان عككن‬
‫ابن عمر مرفوعا ً قال‪ :‬قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»إن الله يحب أن تؤتى رخصته كما يكره أن تؤتى معصيته« لفظ‬
‫ابن حبان‪ ,‬وفي لفظ لحمد »من لم يقبل رخصة اللككه كككان عليككه‬
‫من الثم مثل جبال عرفة« ولهذا قككال الفقهككاء‪ :‬قككد يكككون تنككاول‬
‫الميتة واجبا ً في بعض الحيان وهو ما إذا خككاف علككى نفسككه ولككم‬
‫يجد غيرها‪ ,‬وقد يكون مندوبًا‪ ,‬وقد يكون مباح كا ً بحسككب الحككوال‪,‬‬
‫واختلفوا هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق‪ ,‬أو له أن يشبع أو‬
‫يشبع ويتزود ؟ على أقوال كما هو مقرر في كتاب الحكام‪ ,‬وفيما‬
‫‪337‬‬
‫إذا وجد ميتة وطعام الغير أو صيدا ً وهو محرم‪ ,‬هل يتنككاول الميتككة‬
‫أو ذلك الصيد ويلزمه الجزاء أو ذلك الطعام ويضككمن بككدله‪ ,‬علككى‬
‫قولين هما قولن للشافعي رحمه اللككه‪ .‬وليككس مككن شككرط جككواز‬
‫تناول الميتككة أن يمضككي عليككه ثلثككة أيككام ل يجككد طعامكا ً كمككا قككد‬
‫يتوهمه كثير من العوام وغيرهم‪ ,‬بل متى اضطر إلى ذلك جاز له‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد‪ :‬حدثنا الوليد بن مسككلم‪ ,‬حككدثنا الوزاعككي‪,‬‬
‫حدثنا حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي‪ ,‬أنهم قالوا‪ :‬يا رسككول‬
‫الله‪ ,‬إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة‪ ,‬فمتى تحككل لنككا بهككا الميتككة ؟‬
‫فقككال »إذا لككم تصككطبحوا‪ ,‬ولككم تغتبقككوا‪ ,‬ولككم تحتفئوا بهككا بقل ً‬
‫فشأنكم بها« تفرد به أحمكد مكن هكذا الكوجه‪ ,‬وهكو إسكناد صكحيح‬
‫على شرط الصحيحين‪ ,‬وكذا رواه ابن جرير عن عبككد العلككى بككن‬
‫واصل عن محمد بن القاسم السدي عن الوزاعي به‪ ,‬لكككن رواه‬
‫بعضهم عن الوزاعي‪ ,‬عن حسان بن عطية‪ ,‬عن مسلم بن يزيككد‪,‬‬
‫عن أبي واقد به‪ .‬ومنهم من رواه عن الوزاعي‪ ,‬عن حسان‪ ,‬عككن‬
‫مرثد أو أبي مرثد عن أبي واقد به‪ .‬ورواه ابن جرير عن هنككاد بككن‬
‫السري‪ ,‬عن عيسى بن يونس‪ ,‬عن حسان‪ ,‬عن رجل قد سمي له‬
‫فذكره‪ ,‬ورواه أيضا ً عن هناد‪ ,‬عن ابن المبارك‪ ,‬عن الوزاعي‪ ,‬عن‬
‫ل‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا يعقوب بككن إبراهيككم‪ ,‬حككدثنا‬ ‫حسان مرس ً‬
‫ابن علية عن ابن عون‪ ,‬قال‪ :‬وجككدت عنككد الحسككن كتككاب سككمرة‬
‫فقرأته عليه‪ ,‬فكان فيه‪ :‬ويجزىء من الضطرار غبككوق أو صككبوح‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا هشككيم عككن الخصككيب بككن زيككد التميمككي‪,‬‬
‫حدثنا الحسن‪ :‬أن رجل ً سأل النبي صلى الله عليككه وسككلم فقككال‪:‬‬
‫متى يحل الحرام ؟ قال‪ :‬فقال »إلى متى يروى أهلككك مككن اللبككن‬
‫أو تجيء ميرتهم«‪ .‬حدثنا ابن حميد‪ ,‬حدثنا سلمة عن ابن إسحاق‪,‬‬
‫حدثني عمر بن عبد الله بن عروة‪ ,‬عن جده عروة بن الزبير‪ ,‬عككن‬
‫جدته‪ :‬أن رجل ً من العككراب أتككى النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫يستفتيه في الذي حرم الله عليككه‪ ,‬والككذي أحككل لككه‪ ,‬فقككال النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم »يحل لك الطيبات‪ ,‬ويحرم عليك الخبككائث‪,‬‬
‫إل أن تفتقر إلى طعام لك‪ ,‬فتأكل منه حتى تستغني عنه«‪ .‬فقككال‬
‫الرجل‪ :‬وما فقري الذي يحككل لككي ومككا غنككائي الككذي يغنينككي عككن‬
‫ذلك ؟ فقال النبي صلى اللككه عليككه وسككلم »إذا كنككت ترجككو غنككاء‬
‫تطلبه فتبلغ من ذلك شيئا ً فأطعم أهلك ما بدا لككك حككتى تسككتغني‬
‫‪338‬‬
‫عنه« فقال العرابي‪ :‬ما غنائي الذي أدعه إذا وجدته‪ ,‬فقال صككلى‬
‫الله عليه وسلم »إذا أرويت أهلك غبوق كا ً مككن الليككل‪ ,‬فككاجتنب مككا‬
‫حرم الله عليك من طعككام مالككك‪ ,‬فككإنه ميسككور كلككه فليككس فيككه‬
‫حكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككرام«‪.‬‬
‫ومعنككى قككوله »مككا لككم تصككطبحوا« يعنككي بككه الغككداء »ومككا لككم‬
‫تغتبقوا« يعنككي بككه العشككاء »أو تحتفئوا بقل فشككأنكم بهككا« فكلككوا‬
‫منها‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬يروى هذا الحرف‪ ,‬يعني قوله »أو تحتفئوا«‬
‫على أربعة أوجه‪ :‬تحفؤا بالهمزة‪ ,‬وتحتفيوا‪ :‬بتخفيف اليككاء والحككاء‪,‬‬
‫وتحتفوا بتشديد‪ ,‬وتحتفوا بالحاء وبالتخفيف‪ ,‬ويحتمككل الهمككز‪ ,‬كككذا‬
‫رواه فككككككككككككككككككككككككككككككككي التفسككككككككككككككككككككككككككككككككير‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال أبو داود‪ :‬حدثنا هككارون بككن عبككد اللككه‪ ,‬حككدثنا‬
‫الفضل بن دكين‪ ,‬حككدثنا وهككب بككن عقبككة العككامري‪ ,‬سككمعت أبككي‬
‫يحدث عن النجيع العامري أنه أتى رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فقال‪ :‬ما يحل لنا من الميتة ؟ قال »ما طعككامكم« ؟ قلنككا‪:‬‬
‫نصطبح ونغتبق‪ .‬قال أبو نعيم‪ :‬فسره لي عقبة‪ ,‬قدح غدوة وقككدح‬
‫عشية‪ ,‬قال‪ :‬ذاك وأبي الجوع‪ ,‬وأحل لهم الميتة على هذه الحككال‪.‬‬
‫تفككرد بككه أبككو داود وكككأنهم كككانوا يصككطبحون ويغتبقككون شككيئا ً ل‬
‫يكفيهم‪ ,‬فأحل لهم الميتة لتمام كفايتهم وقككد يحتككج بككه مككن يككرى‬
‫جواز الكل منها حتى يبلغ حد الشبع‪ ,‬ول يتقيد ذلك بسككد الرمككق‪,‬‬
‫)حديث آخر( ك قال أبو داود‪ :‬حدثنا موسى بككن إسكماعيل‪ ,‬حكدثنا‬
‫حماد‪ ,‬حدثنا سككماك عككن جككابر عككن سككمرة‪ :‬أن رجل ً نككزل الحككرة‬
‫ومعه أهله وولده‪ ,‬فقال له رجككل‪ :‬إن نككاقتي ضككلت‪ ,‬فككإن وجككدتها‬
‫فأمسكها‪ ,‬فوجدها ولم يجد صاحبها‪ ,‬فمرضت‪ ,‬فقالت لككه امرأتككه‪:‬‬
‫انحرها فأبى‪ ,‬فنفقت فقالت له امرأته‪ :‬اسلخها حتى تقدد شحمها‬
‫ولحمها فنأكله‪ ,‬قال‪ :‬ل حتى أسأل رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فأتاه فسأله‪ ,‬فقال »هل عندك غنى يغنيك ؟« قال‪ :‬ل‪ ,‬قال‬
‫»فكلوهككا« قككال‪ :‬فجككاء صككاحبها فككأخبره الخككبر‪ ,‬فقككال‪ :‬هل كنككت‬
‫نحرتها ؟ قال استحييت منك‪ ,‬تفرد بككه‪ ,‬وقككد يحتككج بككه مككن يجككوز‬
‫الكل والشبع والتزود منها مدة يغلب علككى ظنككه الحتيككاج إليهككا و‬
‫اللككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه أعلككككككككككككككككككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫‪339‬‬
‫وقوله‪} :‬غير متجانف لثم{ أي متعاط لمعصية اللككه‪ ,‬فككإن اللككه‬
‫لخككر‪ ,‬كمككا قككال فككي سككورة البقككرة‬ ‫قد أباح ذلك له وسكت عن ا َ‬
‫}فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم عليه إن اللككه غفككور رحيككم{‬
‫لية من يقول بككأن العاصككي بسككفره ل يككترخص‬ ‫وقد استدل بهذه ا َ‬
‫بشيء من رخص السككفر‪ ,‬لن الرخككص ل تنككال بالمعاصككي‪ ,‬واللككه‬
‫ن‬
‫مك َ‬ ‫م ّ‬ ‫مت ُك ْ‬‫ما عَل ّ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫م الط ّي َّبا ُ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬‫ح ّ‬ ‫ل أُ ِ‬
‫م قُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ذآ أ ُ ِ‬‫ما َ‬
‫ك َ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬
‫** ي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫س كك ْ َ‬‫م َ‬ ‫مككآ أ ْ‬ ‫م ّ‬‫ه فَك ُل ُككوا ْ ِ‬ ‫م الل ّك ُ‬ ‫مك ُك ُ‬‫ما عَل ّ َ‬ ‫م ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ن ت ُعَل ّ ُ‬
‫مون َهُ ّ‬ ‫مك َل ِّبي َ‬‫ح ُ‬ ‫وارِ ِ‬ ‫ج َ‬‫ال ْ َ‬
‫ب‬‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّهِ عَل َي ْهِ َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َواذ ْك ُُروا ْ ا ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫لية المتقدمة من الخبائث الضارة‬ ‫لما ذكر تعالى ما حرمه في ا َ‬
‫لمتناولها إما في بدنه أو في دينه أو فيهمككا‪ ,‬واسككتثنى مككا اسككتثناه‬
‫في حالة الضرورة كمككا قككال تعككالى‪} :‬وقككد فصككل لكككم مككا حككرم‬
‫عليكم إل ما اضطررتم إليه{ قال بعدها }يسألونك ماذا أحل لهككم‬
‫قل أحل لكم الطيبات{ كما في سورة العراف في صككفة محمككد‬
‫صلى اللككه عليككه وسككلم أنككه يحككل لهككم الطيبككات‪ ,‬ويحككرم عليهككم‬
‫الخبائث‪ ,‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو زرعة‪ ,‬حدثنا يحيى بككن عبككد‬
‫الله بن أبي بكير‪ ,‬حدثني عبد اللككه بككن لهيعككة‪ ,‬حككدثني عطككاء بككن‬
‫دينار عن سعيد بن جككبير‪ ,‬عككن عككدي بككن حككاتم وزيككد بككن مهلهككل‬
‫الطائيين‪ ,‬سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسككول‬
‫الله قد حرم الله الميتة‪ ,‬فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلككت }يسككألونك‬
‫ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات{ قككال سككعيد‪ :‬يعنككي الككذبائح‬
‫الحلل الطيبة لهم‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬الطيبات مككا أحككل لهككم مككن كككل‬
‫شيء أن يصيبوه وهو الحلل من الرزق‪ ,‬وقد سككئل الزهككري عككن‬
‫شرب البول للتداوي فقال‪ :‬ليس هو من الطيبات‪ ,‬رواه ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ ,‬وقال ابن وهككب‪ :‬سككئل مالككك عككن بيككع الطيككر الككذي يككأكله‬
‫النكككككككاس‪ ,‬فقكككككككال‪ :‬ليكككككككس هكككككككو مكككككككن الطيبكككككككات‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وما علمتم من الجوارح مكلككبين{ أي أحككل لكككم‬
‫الذبائح التي ذكر اسم الله عليها‪ ,‬والطيبات من الرزق‪ ,‬وأحل لكم‬
‫ما صدتموه بالجوارح‪ ,‬وهي الكلب والفهككود والصككقور وأشككباهها‪,‬‬
‫كما هو مذهب الجمهككور مككن الصككحابة والتككابعين والئمكة‪ ,‬وممككن‬
‫‪340‬‬
‫قال ذلك علي بن أبكي طلحكة عكن ابكن عبكاس فكي قكوله‪} :‬ومكا‬
‫علمتم من الجوارح مكلبين{ وهن الكلب المعلمة‪ ,‬والبازي‪ ,‬وكل‬
‫طيككر يعلككم للصككيد والجككوارح‪ ,‬يعنككي الكلب الضككواري والفهككود‬
‫والصقور وأشباهها‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪ ,‬ثم قال‪ :‬وروي عن خيثمة‬
‫وطاوس ومجاهد ومكحول ويحيى بن أبكي ككثير نحكو ذلكك‪ ,‬وروي‬
‫عن الحسن أنه قال‪ :‬الباز والصقر من الجوارح‪ ,‬وروي عككن علككي‬
‫بن الحسين مثله‪ ,‬ثم روي عن مجاهد أنه كككره صككيد الطيككر كلككه‪,‬‬
‫وقرأ قوله }وما علمتكم مكن الجكوارح مكلكبين{ قكال‪ :‬وروي عكن‬
‫سعيد بن جبير نحو ذلك‪ ,‬ونقله ابن جرير عكن الضكحاك والسككدي‪,‬‬
‫ثم قال‪ :‬حدثنا هناد‪ ,‬حدثنا ابن أبككي زائدة‪ ,‬أخبرنككا ابككن جريككج عككن‬
‫نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬أما ما صاد مككن الطيككر البككازات وغيرهككا‬
‫من الطير‪ ,‬فما أدركت فهو لك وإل فل تطعمككه‪ ,‬قلككت‪ :‬والمحكككي‬
‫عن الجمهور إن الصيد بالطيور كالصيد بالكلب لنه تكلككب الصككيد‬
‫بمخالبها كما تكلبه الكلب‪ ,‬فل فرق‪ ,‬وهككو مككذهب الئمككة الربعككة‬
‫وغيرهم واختاره ابن جرير‪ ,‬واحتج فككي ذلككك بمككا رواه عككن هنككاد‪,‬‬
‫حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد‪ ,‬عككن الشككعبي‪ ,‬عككن عككدي بككن‬
‫حاتم‪ ,‬قال‪ :‬سألت رسول الله صكلى اللكه عليكه وسكلم عكن صكيد‬
‫البازي فقال‪» :‬ما أمسك عليك فكل« واستثنى المام أحمد صككيد‬
‫الكلب السود‪ ,‬لنه عنده مما يجب قتله ول يحل اقتناؤه لمككا ثبككت‬
‫في صحيح مسكلم عكن أبكي ذر أن رسككول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسككلم قككال »يقطككع الصككلة الحمككار والمككرأة والكلككب السككود«‬
‫فقلت‪ :‬ما بال الكلب السود من الحمر ؟ فقال‪» :‬الكلب السككود‬
‫لخككر أن رسككول اللكه صكلى اللكه عليكه‬ ‫شيطان«‪ .‬وفي الحديث ا َ‬
‫وسلم أمر بقتل الكلب‪ ,‬ثم قال »مككا بككالهم وبككال الكلب‪ ,‬اقتلككوا‬
‫منها كل أسود بهيم« وسميت هذه الحيوانككات الككتي يصككطاد بهككن‬
‫جوارح من الجرح‪ ,‬وهككو الكسكب‪ ,‬كمككا تقككول العككرب‪ :‬فلن جككرح‬
‫أهلككه خيككرًا‪ ,‬أي كسككبهم خيككرًا‪ ,‬ويقولككون‪ :‬فلن ل جككارح لككه أي ل‬
‫كاسب له‪ ,‬وقال الله تعالى‪} :‬ويعلككم مككا جرحتككم بالنهككار{ أي مككا‬
‫كسككبتم مككن خيككر وشككر‪ ,‬وقككد ذكككر فككي سككبب نككزول هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫الشريفة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا حجاج بن حمزة‪,‬‬
‫حدثنا زيد بن حباب‪ ,‬حككدثني يككونس بككن عبيككدة‪ ,‬حككدثني أبككان بككن‬
‫صالح عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم رافككع‪ ,‬عككن أبككي رافككع‬
‫‪341‬‬
‫مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسككلم أمككر بقتككل الكلب‪ ,‬فقلككت‪ :‬فجككاء النككاس فقككالوا‪ :‬يككا‬
‫رسككول اللككه مككا يحككل لنككا مككن هككذه المككة الككتي أمككرت بقتلهككا ؟‬
‫فسكككت‪ ,‬فككأنزل اللككه }يسككألونك مككاذا أحككل لهككم قككل أحككل لكككم‬
‫لية‪ ,‬فقال النبي صلى‬ ‫الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين{ ا َ‬
‫الله عليه وسلم إذا أرسككل الرجككل كلبككه وسككمى‪ ,‬فأمسككك عليككه‪,‬‬
‫فليأكل ما لم يأكل« وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زيد‬
‫بن الحباب بإسناده عن أبككي رافككع قككال‪ :‬جككاء جبريككل إلككى النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ليستأذن عليه‪ ,‬فأذن له‪ ,‬فقال‪ :‬قد أذن لككك‬
‫يا رسول الله‪ ,‬قال‪ :‬أجل »ولكنا ل ندخل بيتا ً فيه كلككب« قككال أبككو‬
‫رافع‪ :‬فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة حتى انتهيت إلككى امككرأة‬
‫عندها كلب ينبح عليها‪ ,‬فتركته رحمة لها‪ ,‬ثم جئت إلى رسول الله‬
‫صلى اللككه عليككه وسككلم فككأخبرته‪ ,‬فككأمرني فرجعككت إلككى الكلككب‬
‫فقتلته‪ ,‬فجاؤوا فقالوا‪ :‬يا رسول الله ما يحككل لنككا مككن هككذه المككة‬
‫التي أمرت بقتلها ؟ قكال‪ :‬فسككت رسككول اللكه صكلى اللكه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬قال‪ :‬فأنزل الله عز وجل }يسككألونك مككاذا أحككل لهككم قككل‬
‫أحكككل لككككم الطيبكككات ومكككا علمتكككم مكككن الجكككوارح مكلكككبين{‪.‬‬
‫ورواه الحاكم في مستدركه من طريق محمككد بككن إسككحاق عككن‬
‫أبان بن صالح به‪ ,‬وقال‪ :‬صحيح‪ ,‬ولككم يخرجككاه‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬حدثنا الحسين‪ ,‬حدثنا حجككاج عككن ابككن جريككج‪ ,‬عككن‬
‫عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعككث أبككا رافككع فككي‬
‫قتل الكلب حتى بلغ العوالي‪ ,‬فجكاء عاصكم بكن عكدي وسكعد بكن‬
‫خيثمة وعويم بن ساعدة‪ ,‬فقالوا‪ :‬ماذا أحككل لنككا يككا رسككول اللككه ؟‬
‫لية‪ ,‬ورواه الحاكم من طريق سماك عككن عكرمككة‪ ,‬وكككذا‬ ‫فنزلت ا َ‬
‫قال محمد بن كعب القرظي في سبب نزول هذه ا َ‬
‫ليككة‪ :‬أنككه فككي‬
‫قتككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككل الكلب‪.‬‬
‫وقككوله تعككالى‪} :‬مكلككبين{ يحتمككل أن يكككون حككال ً مككن الفاعككل‬
‫ويحتمل أن يكون حال ً من المفعول‪ ,‬وهو الجوارح‪ ,‬أي وما علمتككم‬
‫من الجوارح في حال كككونهن مكلبككات للصككيد‪ ,‬وذلككك أن تقتنصككه‬
‫بمخالبها أو أظفارها‪ ,‬فيستدل بذلك والحالة هذه علككى أن الجككارح‬
‫إذا قتل الصيد بصدمته ل بمخلبه وظفره‪ ,‬أنه ل يحل له‪ ,‬كمككا هككو‬
‫أحد قولي الشافعي وطائفة من العلمكاء‪ ,‬ولهكذا قكال }تعلمكونهن‬
‫‪342‬‬
‫ممككا علمكككم اللككه{ وهككو أنككه إذا أرسككله استرسككل‪ ,‬وإذا أشككله‬
‫استشلى‪ ,‬وإذا أخذ الصيد أمسكه على صككاحبه حككتى يجيككء إليككه‪,‬‬
‫ول يمسكه لنفسه‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬فكلوا مما أمسكككن عليكككم‬
‫واذكروا اسم الله عليه{ فمتى كان الجارح معلم كا ً وأمسككك علككى‬
‫صاحبه‪ ,‬وكان قد ذكر اسم الله عليككه وقككت إرسككاله‪ ,‬حككل الصككيد‬
‫لية‬‫وإن قتله بالجماع‪ .‬وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه ا َ‬
‫الكريمة‪ ,‬كما ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ,‬إني أرسل الكلب المعلمة وأذكككر اسككم اللككه! فقككال‬
‫»إذا أرسكلت كلبكك المعلككم وذكككرت اسككم اللككه فكككل مككا أمسكك‬
‫عليك«‪ .‬قلت‪ :‬وإن قتلن ؟ قال »وإن قتلن مككا لككم يشككركها كلككب‬
‫ليس منها‪ ,‬فإنك إنما سميت على كلبككك ولككم تسككم علككى غيككره«‬
‫قلت له‪ :‬فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب ؟ فقال‪ :‬إذا رميككت‬
‫بالمعراض فخزق فكله‪ ,‬وإن أصابه بعككرض فككإنه وقيككذ فل تككأكله«‬
‫وفي لفظ لهما »وإذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله‪ ,‬فككإن أمسككك‬
‫عليك فأدركته حيًا‪ ,‬فككاذبحه وإن أدركتككه قككد قتككل ولككم يأكككل منككه‬
‫فكله‪ ,‬فإن أخذ الكلككب ذكككاته« وفككي روايككة لهمككا »فككإن أكككل فل‬
‫تأكككل‪ ,‬فككإني أخككاف أن يكككون أمسككك علككى نفسككه« فهككذا دليككل‬
‫للجمهور‪ ,‬وهو الصحيح مككن مككذهب الشككافعي‪ ,‬وهككو أنككه إذا أكككل‬
‫الكلب من الصكيد يحكرم مطلقكًا‪ ,‬ولكم يستفصكلوا كمكا ورد بكذلك‬
‫الحككديث‪ ,‬وحكككي عككن طائفككة مككن السككلف أنهككم قككالوا‪ :‬ل يحككرم‬
‫مطلقكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫ذككككككككككككككككككككككككر ا َ‬
‫لثكككككككككككككككككككككككار بكككككككككككككككككككككككذلك‬
‫قال ابن جرير‪ :‬حدثنا هناد‪ ,‬حدثنا وكيع عن شعبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن المسيب‪ ,‬قككال‪ :‬قككال سككلمان الفارسككي‪ :‬كككل وإن أكككل‬
‫ثلثيه ك يعني الصيد ك إذا أكل منه الكلب‪ ,‬وكذا رواه سعيد بككن أبككي‬
‫عروبة وعمر بن عامر عن قتادة‪ ,‬وكككذا رواه محمككد بككن زيككد عككن‬
‫سعيد بن المسيب عن سلمان‪ ,‬ورواه ابن جرير أيضا ً عككن مجاهككد‬
‫بن موسى‪ ,‬عن يزيد‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن بكككر بككن عبككد اللككه المزنككي‪,‬‬
‫والقاسم بن سلمان قال‪ :‬إذا أكككل الكلككب فكككل‪ ,‬وإن أكككل ثلككثيه‪,‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلككى‪ ,‬أخبرنككا ابككن وهككب‪,‬‬
‫أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه‪ ,‬عن حميككد بككن مالككك بككن خيثككم‬
‫‪343‬‬
‫الدؤلي أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلككب‪,‬‬
‫فقال‪ :‬كل وإن لم يبق منه إل حذية‪ ,‬يعني بضعة‪ ,‬ورواه شعبة عن‬
‫عبد ربه بن سعيد‪ ,‬عن بكير بن الشج‪ ,‬عككن سككعيد بككن المسككيب‪,‬‬
‫عكككن سكككعد بكككن أبكككي وقكككاص‪ ,‬قكككال‪ :‬ككككل وإن أككككل ثلكككثيه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن المثنى‪ ,‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬حدثنا داود‬
‫عن عامر‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬إذا أرسلت كلبك فأكل منه‪ ,‬فككإن‬
‫أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكله‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا محمككد بككن عبككد‬
‫العلى‪ ,‬حدثنا المعتمر قال‪ :‬سمعت عبد الله‪ ,‬وحدثنا هنككاد‪ ,‬حككدثنا‬
‫عبدة عن عبيد الله بن عمر‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن عبد الله بن عمر قال‪:‬‬
‫إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسككك عليككك‪,‬‬
‫أكل أو لم يأكل‪ ,‬وكذا رواه عبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب وغير‬
‫لثار ثابتة عن سلمان وسعد بن أبي وقككاص‬ ‫واحد عن نافع‪ ,‬فهذه ا َ‬
‫وأبككي هريككرة وابككن عمككر‪ ,‬وهككو محكككي عككن علككي وابككن عبككاس‪,‬‬
‫واختلف فيككه عككن عطككاء والحسككن البصككري‪ ,‬وهككو قككول الزهككري‬
‫وربيعة ومالك‪ ,‬وإليه ذهب الشافعي فككي القككديم وأومككأ إليككه فككي‬
‫الجديكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككد‪.‬‬
‫وقد روي من طريق سلمان الفارسي مرفوعًا‪ ,‬فقال ابن جرير‪:‬‬
‫حدثنا عمران بككن بكككار الكلعككي‪ ,‬حككدثنا عبككد العزيككز بككن موسككى‬
‫اللحوني‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن دينككار وهككو الطكاجي عككن أبككي إيككاس‬
‫معاوية بن قرة‪ ,‬عن سعيد بن المسككيب‪ ,‬عككن سككلمان الفارسككي‪,‬‬
‫عن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم قككال »إذا أرسككل الرجككل‬
‫كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه فليأكككل مككا بقككي« ثككم قككال‬
‫ابن جرير‪ :‬وفي إسناد هذا الحديث نظككر‪ ,‬وسككعيد غيككر معلككوم لككه‬
‫سماع من سلمان‪ ,‬والثقات يروونه من كلم سلمان غير مرفككوع‪,‬‬
‫وهذا الككذي قككاله ابككن جريككر صككحيح‪ ,‬لكككن قككد روي هككذا المعنككى‬
‫مرفوعا ً من وجوه أخر‪ ,‬فقككال أبككو داود‪ :‬حككدثنا محمككد بككن منهككال‬
‫الضرير‪ ,‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬حدثنا حبيب المعلككم عككن عمككرو بككن‬
‫شعيب‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن جده أن أعرابيا ً يقال لكه أبكو ثعلبكة قكال‪ :‬يكا‬
‫رسول الله‪ ,‬إن لي كلبا ً مكلبة‪ ,‬فأفتني فككي صككيدها‪ ,‬فقككال النككبي‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم »إن كككان لككك كلب مكلبككة‪ ,‬فكككل ممككا‬
‫أمسكن عليك« فقال‪ :‬ذكيا ً وغير ذكي‪ ,‬وإن أكل منه ؟ قال »نعككم‬
‫وإن أكل منه« فقال‪ :‬يارسول الله أفتني في قوسككي‪ ,‬قككال »كككل‬
‫‪344‬‬
‫ما ردت عليك قوسك« قال‪ :‬ذكيا ً وغير ذكككي ؟ »وإن تغيككب عنككك‬
‫ل أو تجد فيكه أثككر غيككر سكهمك« قكال‪ :‬أفتنكي فككي آنيكة‬ ‫ما لم يض ّ‬
‫المجوس إذا اضطررنا إليها‪ ,‬قال »اغسلها وكل فيهككا« هكككذا رواه‬
‫أبو داود‪ ,‬وقككد أخرجككه النسككائي‪ ,‬وكككذا رواه أبككو داود مككن طريككق‬
‫يونس بن سيف‪ ,‬عن أبي إدريس الخولني عن أبككي ثعلبككة‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »إذا أرسلت كلبك وذكككرت‬
‫اسم الله فكل وإن أكل منه‪ ,‬وكككل مككا ردت عليككك يككدك« وهككذان‬
‫إسنادان جيدان‪ ,‬وقد روى الثوري عن سماك بن حرب‪ ,‬عن عككدي‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »مككا كككان مككن كلككب‬
‫ضار أمسك عليك فكل« قلت‪ :‬وإن أكل ؟ قال »نعم«‪ .‬وروى عبد‬
‫الملك بن حبيب‪ :‬حدثنا أسد بن موسى عككن ابككن أبككي زائدة‪ ,‬عككن‬
‫الشعبي‪ ,‬عن عدي بمثله‪ ,‬فهذه آثار دالة على أنه يغتفر‪ ,‬وإن أكل‬
‫منه الكلب‪ ,‬وقد احتج بها من لم يحككرم الصككيد بأكككل الكلككب ومككا‬
‫أشبهه‪ ,‬كما تقدم عمن حكيناه عنهم‪ ,‬وقد توسط آخككرون فقككالوا‪:‬‬
‫إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم‪ ,‬وللعلة‬
‫التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم »فإن أكككل فل تأكككل‪,‬‬
‫فإني أخاف أن يكككون أمسكك علككى نفسكه« وأمككا إن أمسكككه ثككم‬
‫انتظر صاحبه فطال عليه وجاع فأكل منه لجوعه‪ ,‬فإنه ل يؤثر في‬
‫التحريم وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني‪ .‬وهذا تفريككق‬
‫حسكككككككككن‪ ,‬وجمكككككككككع بيكككككككككن الحكككككككككديثين صكككككككككحيح‪.‬‬
‫وقد تمنى الستاذ أبو المعالي الجويني فككي كتككابه »النهايككة« أن‬
‫لو فصل مفصل هذا التفصيل وقد حقككق اللككه أمنيتككه‪ ,‬وقككال بهككذا‬
‫القول والتفريق طائفة من الصككحاب منهككم‪ .‬وقككال آخككرون قككول ً‬
‫رابعا ً في المسألة وهو التفرقة بيككن أكككل الكلككب فيحككرم لحككديث‬
‫عدي‪ ,‬وبين أكل الصقور ونحوها فل يحرم لنه ل يقبككل التعليككم إل‬
‫بالكل‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا أسباط بن محمككد‪,‬‬
‫حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن حماد‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن ابن عباس‬
‫أنه قال في الطير‪ :‬إذا أرسلته فقتل فكل‪ ,‬فإن الكلكب إذا ضكربته‬
‫لم يعد وإن تعلم الطير أن يرجع إلى صاحبه وليككس يضكرب‪ ,‬فكإذا‬
‫أكل من الصيد ونتككف الريككش فكككل‪ ,‬وكككذا قككال إبراهيككم النخعككي‬
‫والشعبي وحماد بن أبي سليمان‪ ,‬وقد يحتج لهككؤلء بمككا رواه ابككن‬
‫أبي حاتم‪ ,‬حدثنا أبككو سككعيد‪ ,‬حككدثنا المحككاربي‪ ,‬حككدثنا مجالككد عككن‬
‫‪345‬‬
‫الشعبي‪ ,‬عن عدي بن حاتم قال‪ :‬قلت‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬إنككا قككوم‬
‫نصيد بالكلب والبزاة‪ ,‬فما يحككل لنككا منهككا ؟ قككال »يحككل لكككم مككا‬
‫علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله‪ ,‬فكلوا مما‬
‫أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليككه ثككم قككال مككا أرسككلت مككن‬
‫كلب وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسككك عليككك« قلككت‪ :‬وإن‬
‫قتل ؟ قككال »وإن قتككل مككالم يأكككل« قلككت‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬وإن‬
‫خالطت كلبنا كلبا ً غيرها ؟ قال »فل تأكل حتى تعلم أن كلبك هو‬
‫الذي أمسك«‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬إنا قوم نرمي فما يحل لنا ؟ قككال »مككا‬
‫ذكرت اسككم اللككه عليككه وخزقككت فكككل«‪ .‬فككوجه الدللككة لهككم أنككه‬
‫اشترط في الكلب أن ل يأكل‪ ,‬ولم يشترط ذلك في البزاة‪ ,‬فككدل‬
‫علكككككى التفرقكككككة بينهمكككككا فكككككي الحككككككم‪ ,‬واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فكلوا ممككا أمسكككن عليكككم واذكككروا اسككم اللككه‬
‫عليه{ أي عند إرساله له كما قال النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫لعدي بن حاتم »إذا أرسلت كلبك المعلم‪ ,‬وذكرت اسم الله‪ ,‬فكل‬
‫ما أمسك عليك« وفي حديث أبي ثعلبة المخككرج فككي الصككحيحين‬
‫أيضا ً »إذا أرسككلت كلبككك فككاذكر اسككم اللككه‪ ,‬وإذا رميككت بسككهمك‬
‫فاذكر اسم الله« ولهذا اشترط مككن اشككترط مككن الئمككة كالمككام‬
‫أحمد رحمه الله في المشهور عنه‪ ,‬التسمية عنكد إرسكال الكلكب‪,‬‬
‫ليككة وهككذا الحككديث‪ ,‬وهككذا القككول هككو‬ ‫والرمككي بالسككهم‪ ,‬لهككذه ا َ‬
‫ليككة المككر بالتسككمية عنككد‬‫المشهور عن الجمهور أن المراد بهذه ا َ‬
‫الرسال كما قال السدي وغيره‪ ,‬وقال علي بككن أبككي طلحككة عككن‬
‫ابن عباس في قوله }واذكروا اسم الله عليه{ يقول‪ :‬إذا أرسككلت‬
‫جارحك فقل‪ :‬باسم الله‪ ,‬وإن نسيت فل حرج‪ ,‬وقال بعض الناس‪:‬‬
‫ليككة المككر بالتسككمية عنككد الكككل‪ ,‬كمككا ثبككت فككي‬ ‫المككراد بهككذه ا َ‬
‫الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علككم ربيبككه عمككر‬
‫م الله وكل بيمينك وكل مما يليك«‪ .‬وفي‬ ‫بن أبي سلمة فقال »س ّ‬
‫صحيح البخاري عن عائشة أنهم قككالوا‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬إن قومكا ً‬
‫يأتوننا حديث عهدهم بكفر بلحمان ل ندري أذكر اسككم اللككه عليهككا‬
‫أم ل ؟ فقككككككككال »سككككككككموا اللككككككككه أنتككككككككم وكلككككككككوا«‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬حككدثنا هشككام عككن‬
‫بديل‪ ,‬عن عبد الله بن عبيد بن عمير‪ ,‬عن عائشة‪ :‬أن رسول اللككه‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم كككان يأكككل الطعككام فككي سككتة نفككر مككن‬
‫‪346‬‬
‫أصحابه‪ ,‬فجاء أعرابي فأكله بلقمتين‪ ,‬فقال النبي صلى الله عليككه‬
‫وسلم »أما إنه لو كان ذكر اسم اللككه لكفككاكم‪ ,‬فككإذا أكككل أحككدكم‬
‫طعاما ً فليذكر اسم الله‪ ,‬فإن نسي أن يذكر اسم اللككه فككي أولككه‪,‬‬
‫فليقل‪ :‬باسم الله أوله وآخره«‪ ,‬وهكذا رواه ابككن مككاجه عككن أبككي‬
‫بكر بن أبي شيبة‪ ,‬عن يزيد بن هارون به‪ ,‬وهذا منقطككع بيككن عبككد‬
‫الله بن عبيد بن عمير وعائشة فإنه لم يسككمع منهككا هككذا الحككديث‬
‫بدليل ما رواه المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬أخبرنا هشام يعني‬
‫ابن أبي عبد الله الدستوائي‪ ,‬عن بديل‪ ,‬عن عبد الله بن عبيد بككن‬
‫عمير‪ :‬أن امرأة منهم يقال لهككا أم كلثككوم حككدثته عككن عائشككة أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل طعاما ً في سككتة نفككر‬
‫من أصحابه‪ ,‬فجاء أعرابي جائع فأكله بلقمتين‪ ,‬فقال »أما إنككه لككو‬
‫ذكر اسم الله لكفاكم‪ ,‬فإذا أكل أحككدكم فليككذكر اسككم اللككه‪ ,‬فككإن‬
‫نسي اسم الله في أولككه‪ ,‬فليقككل باسككم اللككه أولككه وآخككره« رواه‬
‫أحمد أيضا ً وأبو داود والترمذي والنسائي من غير وجه عن هشككام‬
‫الدسكككككتوائي بكككككه‪ ,‬وقكككككال الترمكككككذي‪ :‬حسكككككن صكككككحيح‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك وقال أحمد‪ :‬حدثنا علي بن عبد الله‪ ,‬حدثنا يحيككى‬
‫بن سعيد‪ ,‬حدثنا جابر بن صبح‪ ,‬حككدثني المثنككى بككن عبككد الرحمككن‬
‫الخزاعي وصحبته إلى واسط‪ ,‬فكان يسمي في أول طعامه‪ ,‬وفي‬
‫آخر لقمة يقول‪ :‬باسم الله أوله وآخره‪ ,‬فقلت له‪ :‬إنك تسمي في‬
‫أول ما تأكككل‪ ,‬أرأيككت قولككك فككي آخككر مككا تأكككل باسككم اللككه أولككه‬
‫وآخره‪ ,‬فقال‪ :‬أخبرك أن جدي أمية بن مخشي وكان من أصحاب‬
‫النبي صلى اللككه عليككه وسكلم سككمعته يقككول‪ :‬إن رجل ً كككان يأكككل‬
‫والنبي ينظر فلم يسم حتى كان آخككر طعككامه لقمكة‪ ,‬قككال‪ :‬باسككم‬
‫الله أوله وآخره‪ ,‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم »والله ما زال‬
‫الشيطان يأكل معه حتى سمى‪ ,‬فلم يبق شككيء فككي بطنككه حككتى‬
‫قاءه« وهكذا رواه أبو داود والنسائي مككن حككديث جككابر بككن صككبح‬
‫الراسبي أبي بشر البصري‪ ,‬ووثقه ابن معين والنسائي‪ ,‬وقال أبككو‬
‫الفتككككككككككككح الزدي‪ :‬ل تقككككككككككككوم بككككككككككككه حجككككككككككككة‪.‬‬
‫)حككديث آخككر( ك ك قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا أبككو معاويككة‪ ,‬حككدثنا‬
‫العمش عن خيثمة عن أبي حذيفة ك قكال أبكو عبكد الرحمكن عبكد‬
‫الله بن المام أحمد واسمه سككلمة بككن الهيثككم بككن صككهيب كك مككن‬
‫أصحاب ابن مسعود‪ ,‬عن حذيفة‪ ,‬قككال‪ :‬كنككا إذا حضككرنا مككع النككبي‬
‫‪347‬‬
‫على طعام لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسككول اللككه فيضككع يككده‪ ,‬وإنككا‬
‫حضرنا معه طعامًا‪ ,‬فجاءت جارية كأنما تككدفع فككذهبت تضككع يككدها‬
‫في الطعام‪ ,‬فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيككدها‪ ,‬وجككاء‬
‫أعرابي كأنما يدفع فذهب يضع يده في الطعام فأخذ رسككول اللككه‬
‫بيده‪ ,‬فقكال رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم »إن الشكيطان‬
‫يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه‪ ,‬وإنه جاء بهذه الجارية‬
‫ليسككتحل بهككا‪ ,‬فأخككذت بيككدها‪ ,‬وجككاء بهككذا العرابككي ليسككتحل بككه‬
‫فأخذت بيده‪ ,‬والذي نفسككي بيككده إن يككده فككي يككدي مككع يككديهما«‬
‫يعني الشيطان‪ ,‬وكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي‪ ,‬من حككديث‬
‫العمكككككككككككككككككككككككككككككككككككككش بكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك روى مسلم وأهل السنن‪ ,‬إل الترمذي من طريككق‬
‫ابن جريج‪ ,‬عن أبي الزبير‪ ,‬عن جابر بن عبد الله عن النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪» :‬إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخككوله‬
‫وعند طعامه‪ ,‬قال الشككيطان ل مككبيت لكككم ول عشككاء‪ ,‬وإذا دخككل‬
‫ولم يذكر اسم الله عند دخوله‪ ,‬قككال الشككيطان‪ :‬أدركتككم المككبيت‪,‬‬
‫فككإذا لككم يككذكر اسككم اللككه عنككد طعككامه‪ ,‬قككال‪ :‬أدركتككم المككبيت‬
‫والعشكككككككككككككككككككاء« لفكككككككككككككككككككظ أبكككككككككككككككككككي داود‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد بن عبككد ربككه‪ ,‬حككدثنا‬
‫الوليد بن مسلم‪ ,‬عن وحشي بن حككرب عككن أبيككه‪ ,‬عككن جككده‪ ,‬أن‬
‫رجل ً قال للنبي صلى الله عليكه وسكلم‪ :‬إنكا نأككل ول نشكبع‪ .‬قكال‬
‫»فلعلكم تأكلون متفرقين اجتمعوا علككى طعككامكم واذكككروا اسككم‬
‫الله يبارك لكم فيه« ورواه أبو داود‪ ,‬وابن ماجه‪ ,‬من طريق الوليد‬
‫بككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن مسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككلم‪.‬‬
‫ل لّ ُ‬ ‫ل ل َك ُم الط ّيبات وط َعام ال ّذي ُ‬ ‫م أُ ِ‬

‫م‬‫ككك ْ‬ ‫حكك ّ‬‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫** ال ْي َوْ َ‬
‫ن‬ ‫مك َ‬‫ت ِ‬ ‫ص كَنا ُ‬
‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ت َوال ْ ُ‬ ‫من َككا ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مك َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫م َوال ْ ُ‬ ‫ل ل ّهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫وَط ََعا ُ‬
‫ذآ آتيتموهُ ُ‬ ‫ال ّذي ُ‬
‫ن غَي ْكَر‬‫صِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫جوَرهُ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫م إِ َ َ ْ ُ ُ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬
‫َ‬
‫مُلكك ُ‬
‫ه‬ ‫ط عَ َ‬ ‫حِبكك َ‬‫ن فََقد ْ َ‬ ‫ما ِ‬‫لي َ‬‫من ي َك ُْفْر ِبا ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫دا ٍ‬ ‫خ َ‬ ‫خذِيَ أ ْ‬ ‫ن وَل َ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫سافِ ِ‬ ‫م َ‬
‫ُ‬
‫ن لمككا ذكككر تعككالى مككا حرمككه علككى‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫وَهُوَ ِفي ال َ ِ‬
‫عباده المؤمنين‪ ,‬مككن الخبككائث ومككاأحله لهكم مككن الطيبككات‪ .‬قككال‬
‫بعده }اليوم أحل لكم الطيبات{ ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين‪,‬‬
‫من اليهود والنصارى فقال }وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم{‬
‫‪348‬‬
‫قال ابن عباس وأبككو أمامككة ومجاهككد وسكعيد بككن جككبير‪ ,‬وعكرمككة‬
‫وعطاء والحسن‪ ,‬ومكحول وإبراهيم النخعي‪ ,‬والسدي ومقاتل بن‬
‫حيككان‪ :‬يعنككي ذبككائحهم‪ ,‬وهككذا أمككر مجمككع عليككه بيككن العلمككاء‪ ,‬أن‬
‫ذبائحهم حلل للمسلمين‪ ,‬لنهم يعتقدون تحريم الذبكح لغيكر اللكه‪,‬‬
‫وليذكرون على ذبائحهم إل اسم الله‪ ,‬وإن اعتقدوا فيه تعككالى مككا‬
‫هككككككككككو منككككككككككزه عنككككككككككه‪ ,‬تعككككككككككالى وتقككككككككككدس‪.‬‬
‫وقد ثبت فككي الصككحيح‪ :‬عككن عبككد اللككه بككن مغفككل‪ ,‬قككال‪ :‬أدلككي‬
‫بجراب من شحم يوم خيبر فحضنته وقلككت‪ :‬ل أعطككي اليككوم مككن‬
‫هككذا أحككدًا‪ ,‬والتفككت فككإذا النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم يبتسككم‪,‬‬
‫فاستدل بككه الفقهككاء‪ ,‬علككى أنككه يجككوز تنككاول مككا يحتككاج إليككه مككن‬
‫الطعمة ونحوها من الغنيمة‪ ,‬قبل القسمة‪ ,‬وهذا ظككاهر‪ ,‬واسككتدل‬
‫به الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة‪ ,‬على أصككحاب مالككك فككي‬
‫منعهم‪ ,‬أكككل مككا يعتقككد اليهككود تحريمككه مككن ذبككائحهم‪ ,‬كالشككحوم‬
‫ونحوها مما حرم عليهم‪ ,‬فالمالكيككة ل يجككوزون للمسككلمين أكلككه‪,‬‬
‫لقوله تعالى‪} :‬وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم{ قككالوا‪ :‬وهككذا‬
‫ليس من طعامهم‪ ,‬واستدل عليهم الجمهككور بهككذا الحككديث‪ ,‬وفككي‬
‫ذلك نظر‪ ,‬لنه قضية عين‪ ,‬ويحتمل أن يكون شحمًا‪ ,‬يعتقدون حله‬
‫كشحم الظهككر والحوايككا ونحوهمككا‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬وأجككود منككه فككي‬
‫الدللة‪ ,‬ما ثبت فككي الصكحيح‪ ,‬أن أهكل خيكبر أهكدوا لرسكول اللكه‬
‫صلى الله عليه وسلم شاة مصلية‪ ,‬وقد سموا ذراعها وكان يعجبه‬
‫الذراع‪ ,‬فتنككاوله فنهككش منككه نهشككة فككأخبره الككذراع أنككه مسككموم‬
‫فلفظه‪ ,‬وأثر ذلك في ثنايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي‬
‫أبهره‪ ,‬وأكل معه منهكا بشكر بكن الككبراء بكن معككرور فمكات فقتكل‬
‫اليهودية التي سمتها‪ ,‬وكان اسمها زينككب‪ ,‬ووجككه الدللككة منككه أنككه‬
‫عككزم علككى أكلهككا ومككن معككه‪ ,‬ولككم يسككألهم هككل نزعككوا منهككا مككا‬
‫يعتقكككككككككككدون تحريمكككككككككككه مكككككككككككن شكككككككككككحمها أم ل‪.‬‬
‫لخككر‪ :‬أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬ ‫وفي الحككديث ا َ‬
‫أضافه يهودي‪ ,‬على خبز شكعير وإهالكة سكنخة‪ ,‬يعنكي ودككا ً زنخكًا‪,‬‬
‫وقال ابن أبي حككاتم‪ :‬قرىككء علككى العبككاس بككن الوليككد بككن مزيككد‪,‬‬
‫أخبرنا محمد بن شعيب‪ ,‬أخبرني النعمان بن المنذر‪ ,‬عن مكحككول‬
‫قال‪ :‬أنزل الله }ول تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه{ ثم نسخه‬
‫الرب عز وجل‪ ,‬ورحم المسلمين فقال }اليوم أحل لكم الطيبككات‬
‫‪349‬‬
‫وطعام الذين أوتككوا الكتككاب{ فنسككخها بككذلك‪ ,‬وأحككل طعككام أهككل‬
‫الكتاب‪ ,‬وفي هذا الذي قاله مكحول رحمه الله نظر‪ ,‬فإنه ل يلككزم‬
‫من إباحته طعام أهل الكتاب‪ ,‬إباحككة أكككل مككالم يككذكر اسككم اللككه‬
‫عليككه لنهككم يككذكرون اسككم اللككه علككى ذبككائحهم وقرابينهككم‪ ,‬وهككم‬
‫متعبدون بذلك‪ ,‬ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم مككن أهككل الشككرك‪,‬‬
‫ومن شابههم‪ ,‬لنهم ل يذكرون اسم اللككه علككى ذبككائحهم‪ ,‬بككل ول‬
‫يتوقفون فيما يأكلونه مكن اللحككم علككى ذككاة‪ ,‬بكل يككأكلون الميتككة‬
‫بخلف أهل الكتابين ومن شككاكلهم مككن السككامرة والصككابئة ومككن‬
‫يتمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من النبياء‪ ,‬على أحد قولي‬
‫العلماء ونصارى العرب‪ ,‬كبني تغلككب وتنككوخ وبهككرا وجككذام ولخككم‬
‫وعاملكككة ومكككن أشكككبههم‪ ,‬ل تؤككككل ذبكككائحهم عنكككد الجمهكككور‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير‪ :‬حدثنا يعقوب بككن إبراهيككم‪ ,‬حككدثنا ابككن‬
‫علية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن محمد بن عبيدة‪ ,‬قككال‪ :‬قككال علككي‪ :‬ل تككأكلوا‬
‫ذبككائح بنككي تغلككب‪ ,‬لنهككم إنمككا يتمسكككون مككن النصككرانية بشككرب‬
‫الخمر‪ ,‬وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف‪ .‬وقال سككعيد بككن‬
‫أبي عروبة‪ :‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن المسيب والحسن‪ ,‬أنهما كانا‬
‫ل يريان بأسًا‪ ,‬بذبيحة نصارى بنككي تغلككب‪ .‬وأمككا المجككوس‪ ,‬فككإنهم‬
‫وإن أخذت منهم الجزية تبعا ً وإلحاقا ً لهل الكتاب‪ ,‬فكإنهم ل تؤكككل‬
‫ذبككائحهم ول تنكككح نسككاؤهم‪ ,‬خلف كا ً لبككي ثككور إبراهيككم بككن خالككد‬
‫الكلبي‪ ,‬أحد الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبكل‪ .‬ولمكا‬
‫قال ذلك واشتهر عنه‪ ,‬أنكككر عليككه الفقهككاء ذلككك‪ ,‬حككتى قككال عنككه‬
‫المام أحمككد‪ :‬أبككو ثككور كاسككمه‪ ,‬يعنككي فككي هككذه المسككألة‪ ,‬وكككأنه‬
‫تمسك بعموم حديث روي مرسل ً عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال »سنوا بهم سنة أهل الكتاب« ولكن لم يثبت بهذا اللفظ‪,‬‬
‫وإنما الذي في صحيح البخاري‪ ,‬عن عبككد الرحمككن بككن عككوف‪ ,‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬أخذ الجزية من مجككوس هجككر‪,‬‬
‫ولو سلم صحة هذا الحديث‪ ,‬فعمومه مخصوص بمفهوم هذه ا َ‬
‫لية‬
‫}وطعام الذين أوتككوا الكتككاب حككل لكككم{ فككدل بمفهككومه مفهككوم‬
‫المخالفة على أن طعككام مككن عككداهم مككن أهككل الديككان‪ ,‬ل يحككل‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وطعامكم حل لهم{ أي ويحل لكككم أن تطعمككوهم‬
‫من ذبائحكم‪ ,‬وليس هذا إخبارا ً عككن الحكككم عنككدهم‪ ,‬اللهككم إل أن‬
‫يكون خبرا ً عما أمروا به‪ ,‬من الكل من كل طعام‪ ,‬ذكر اسم اللككه‬
‫‪350‬‬
‫عليككه‪ ,‬سككواء كككان مككن أهككل ملتهككم أو غيرهككا‪ ,‬والول أظهككر فككي‬
‫المعنككى‪ ,‬أي ولكككم أن تطعمككوهم مككن ذبككائحكم كمككا أكلتككم مككن‬
‫ذبائحهم‪ ,‬وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة‪ ,‬كمككا ألبككس‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لعبكد اللكه بككن أبككي ابكن سكلول‪,‬‬
‫حين مات ودفنه فيه‪ ,‬قالوا‪ :‬لنه كان قد كسا العبككاس حيككن قككدم‬
‫المدينة ثوبه‪ ,‬فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بذلك‪ ,‬فأمككا‬
‫الحديث الذي فيه »ل تصحب إل مؤمنًا‪ ,‬ول يأكل طعامك إل تقي«‬
‫فمحمكككككول علكككككى النكككككدب والسكككككتحباب‪ ,‬واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫وقككوله‪} :‬والمحصككنات مككن المؤمنككات{ أي وأحككل لكككم نكككاح‬
‫الحرائر العفائف من النساء المؤمنات‪ ,‬وذكر هذا توطئة لما بعده‪,‬‬
‫وهككو قككوله تعككالى‪} :‬والمحصككنات مككن الككذين أوتككوا الكتككاب مككن‬
‫قبلكم{ فقيكل أراد بالمحصكنات الحكرائر‪ ,‬دون المكاء‪ ,‬حككاه ابكن‬
‫جرير عن مجاهد‪ ,‬وإنما قال مجاهد‪ :‬المحصنات الحرائر‪ ,‬فيحتمككل‬
‫أن يكككون أراد مككا حكككاه عنككه‪ ,‬ويحتمككل أن يكككون أراد بككالحرة‬
‫العفيفة‪ ,‬كما قال في الروايككة الخككرى عنككه‪ ,‬وهككو قككول الجمهككور‬
‫ههنا‪ ,‬وهو الشبه‪ ,‬لئل يجتمع فيها أن تكون ذميككة‪ ,‬وهككي مككع ذلككك‬
‫غير عفيفة‪ ,‬فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في‬
‫ليككة أن المككراد مككن‬‫المثل‪» :‬حشفا ً وسككوء كيلككة« والظكاهر مككن ا َ‬
‫ليككة الخككرى‬‫المحصنات العفيفات عن الزنا‪ ,‬كما قال تعالى فككي ا َ‬
‫}محصككنات غيككر مسككافحات ول متخككذات أخككدان{ ثككم اختلككف‬
‫المفسرون والعلماء في قككوله تعككالى‪} :‬والمحصككنات مككن الككذين‬
‫أوتوا الكتاب من قبلكم{ هل يعم كل كتابية عفيفككة‪ ,‬سككواء كككانت‬
‫حرة أو أمة‪ ,‬حكاه ابن جرير عن طائفة من السككلف‪ ,‬ممككن فسككر‬
‫المحصنة بالعفيفة‪ ,‬وقيل‪ :‬المراد بأهل الكتاب ههنا السككرائيليات‪,‬‬
‫وهكككو مكككذهب الشكككافعي‪ .‬وقيكككل‪ :‬المكككراد بكككذلك الكككذميات دون‬
‫لخككر{‬ ‫الحربيات‪ ,‬لقوله‪} :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم ا َ‬
‫ا َ‬
‫لية‪ ,‬وقككد كككان عبككد اللككه بككن عمككر ل يككرى التزويككج بالنصككرانية‪,‬‬
‫ويقول‪ :‬ل أعلم شركا ً أعظم من أن تقككول إن ربهككا عيسككى‪ ,‬وقككد‬
‫قككال اللككه تعككالى‪} :‬ول تنكحككوا المشككركات حككتى يككؤمن{ ا َ‬
‫وقكال ابككن أبكي حكاتم‪ :‬حككدثنا أبكي‪ ,‬حككدثنا محمكد بكن حكاتم بككن‬
‫سليمان المؤدب‪ ,‬حدثنا القاسككم بككن مالككك يعنككي المزنككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫إسماعيل بن سميع عن أبي مالك الغفاري‪ ,‬قال نزلت هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫‪351‬‬
‫}ول تنكحوا المشركات حككتى يككؤمن{ قككال فحجككز النككاس عنهككن‬
‫لية التي بعدها }والمحصنات من الذين أوتوا الكتككاب‬ ‫حتى نزلت ا َ‬
‫من قبلكم{ فنكح الناس نساء أهل الكتاب‪ ,‬وقد تزوج جماعة من‬
‫ليككة‬‫الصحابة من نساء النصارى‪ ,‬ولم يروا بذلك بأسا ً أخذا ً بهككذه ا َ‬
‫الكريمة }والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم{ فجعلوا‬
‫هذه مخصصة للككتي فككي سككورة البقككرة }ول تنكحككوا المشككركات‬
‫حككتى يككؤمن{ إن قيككل بككدخول الكتابيككات فككي عمومهككا‪ ,‬وإل فل‬
‫معارضة بينها وبينها‪ ,‬لن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهكم عكن‬
‫المشركين في غير موضع‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬لم يكككن الككذين كفككروا‬
‫من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة{ وكقككوله‪:‬‬
‫}وقل للذين أوتوا الكتككاب والمييككن أأسككلمتم فككإن أسككلموا فقككد‬
‫اهتككككككككككككككككككككككككككككككككككككدوا{ ا َ‬
‫ليككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقككوله‪} :‬إذا آتيتمككوهن أجككورهن{ أي مهككورهن‪ ,‬أي كمككا هككن‬
‫محصنات عفائف فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس‪ ,‬وقككد أفككتى‬
‫جكابر بكن عبكد اللكه وعكامر الشكعبي وإبراهيكم النخعكي والحسكن‬
‫البصري‪ ,‬بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها أنه يفرق‬
‫بينهما‪ ,‬وترد عليه ما بذل لهكا مكن المهكر‪ ,‬رواه ابكن جريكر عنهكم‪.‬‬
‫وقككوله‪} :‬محصككنين غيككر مسككافحين ول متخككذي أخككدان{ فكمككا‬
‫شرط الحصان في النساء‪ ,‬وهي العفة عن الزنا‪ ,‬كككذلك شككرطها‬
‫في الرجال‪ ,‬وهو أن يكون الرجل أيضا ً محصنا ً عفيفًا‪ ,‬ولهذا قككال‪:‬‬
‫غير مسككافحين‪ ,‬وهككم الزنككاة الككذين ل يرتككدعون عككن معصككية ول‬
‫يكككردون أنفسكككهم عمكككن جكككاءهم‪ ,‬ول متخكككذي أخكككدان‪ ,‬أي ذوي‬
‫العشيقات الذين ل يفعلون إل معهن‪ ,‬كما تقدم في سورة النسككاء‬
‫سواء‪ ,‬ولهذا ذهب المام أحمد بككن حنبككل رحمككه اللككه إلككى أنككه ل‬
‫يصح نكاح المرأة البغككي حككتى تتككوب‪ ,‬ومككا دامككت كككذلك ل يصككح‬
‫تزويجها من رجل عفيف‪ ,‬وكذلك ل يصح عنده عقد الرجل الفاجر‬
‫على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هككو فيككه مككن الزنككا لهككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫وللحديث »ل ينكح الزانككي المجلككود إل مثلككه«‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬حدثنا سككليمان بككن حككرب‪ ,‬حككدثنا أبككو هلل‬
‫عن قتادة‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬قال عمر بن الخطاب‪ :‬لقككد هممككت‬
‫أن ل أدع أحككدا ً أصككاب فاحشككة فككي السككلم أن يككتزوج محصككنة‪,‬‬
‫فقال له أبي بن كعب‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ,‬الشرك أعظم من ذلككك‪,‬‬
‫‪352‬‬
‫وقككد يقبككل منككه إذا تككاب‪ ,‬وسككيأتي الكلم علككى هككذه المسككألة‬
‫مستقصككى عنككد قككوله‪} :‬الزانككي ل ينكككح إل زانيككة أو مشككركة‪,‬‬
‫والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك وحرم ذلك علككى المككؤمنين{‪,‬‬
‫ولهذا قال تعالى ههنا }ومن يكفر باليمان فقد حبككط عملككه وهككو‬
‫فكككككككككككككي ا َ‬
‫لخكككككككككككككرة مكككككككككككككن الخاسكككككككككككككرين{‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫جككوهَك ُ ْ‬ ‫سكُلوا ْ وُ ُ‬ ‫صككلةِ فاغْ ِ‬ ‫م إ ِل َككى ال ّ‬ ‫مت ُك ْ‬‫ذا قُ ْ‬ ‫من ُككوا ْ إ ِ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫م إ ِل َك‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫كى الك َعَْبيَ ك ِ‬ ‫جل َك ُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ؤو ِ‬ ‫حوا ْ ب ُِر ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫ق َوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫مَرافِ‬ ‫م إ َِلى ال ْ َ‬ ‫وَأي ْدِي َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ضى أ َوْ عَل َ‬ ‫جُنبا ً َفاط ّهُّروا ْ وَِإن ُ‬ ‫وَِإن ُ‬
‫حد ٌ‬ ‫جآَء أ َ‬ ‫سَفرٍ أوْ َ‬ ‫ى َ‬ ‫َ‬ ‫مْر َ َ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫م ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬
‫صِعيدا ً‬ ‫َ‬
‫موا ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫مآًء فَت َي َ ّ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫سآَء فَل َ ْ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫ست ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ط أو ْ ل َ َ‬ ‫ن ال َْغائ ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬‫من ْك ُ ْ‬‫ّ‬
‫ل عَل َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫كككم‬ ‫جَعكك َ‬ ‫ه ل ِي َ ْ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ديك ُ ْ‬‫م وَأي ْ ِ‬ ‫جوهِك ُ ْ‬ ‫حوا ْ ب ِوُ ُ‬ ‫س ُ‬‫م َ‬ ‫ط َّيبا ً َفا ْ‬
‫م‬ ‫ككك ْ‬ ‫م ل َعَل ّ ُ‬ ‫ككك ْ‬ ‫ه عَل َي ْ ُ‬ ‫مَتكك ُ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫م وَل ِي ُِتكك ّ‬ ‫ريككد ُ ل ِي ُط َهَّر ُ‬
‫ككك ْ‬ ‫كن ي ُ ِ‬ ‫ج وََلـكك ِ‬ ‫حككَر ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مكك ْ‬ ‫ّ‬
‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ُُرو َ‬
‫ن‬ ‫تَ ْ‬
‫قال كثيرون من السلف فككي قككوله‪} :‬إذا قمتككم إلككى الصككلة{‪:‬‬
‫يعنككي وأنتككم محككدثون‪ ,‬وقككال آخككرون‪ :‬إذا قمتككم مككن النككوم إلككى‬
‫الصلة‪ ,‬وكلهما قريب‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل المعنى أعككم مككن ذلككك‪,‬‬
‫لية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصككلة‪ ,‬ولكككن هككو فككي حككق‬ ‫فا َ‬
‫المحدث واجب‪ ,‬وفككي حككق المتطهككر نككدب‪ ,‬وقككد قيككل‪ :‬إن المككر‬
‫بالوضوء لكل صلة كان واجبا ً في ابتداء السلم‪ ,‬ثم نسككخ‪ ,‬وقككال‬
‫المام أحمد بككن حنبككل‪ :‬حككدثنا عبككد الرحمككن‪ ,‬حككدثنا سككفيان عككن‬
‫علقمة بن مرثد‪ ,‬عن سليمان بن بريدة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬كان النكبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلة‪ ,‬فلما كككان يككوم الفتككح‬
‫توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضكوء واحككد‪ ,‬فقككال لكه‬
‫عمر‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬إنك فعلت شيئا ً لككم تكككن تفعلككه‪ .‬قككال »إنككي‬
‫عمدا ً فعلته يا عمر«‪ ,‬وهكذا رواه مسلم وأهل السنن مككن حككديث‬
‫سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد‪ ,‬ووقع في سنن ابن ماجه عن‬
‫سفيان‪ ,‬عن محارب بن دثار بككدل علقمككة بككن مرثككد‪ ,‬كلهمككا عككن‬
‫سكككليمان بكككن بريكككدة بكككه‪ ,‬وقكككال الترمكككذي‪ :‬حسكككن صكككحيح‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا محمد بن عباد بن موسى‪ ,‬أخبرنا زياد بن‬
‫عبد الله بن الطفيل البكائي‪ ,‬حدثنا الفضل بن المبشر قال‪ :‬رأيت‬
‫جابر بككن عبككد اللككه يصككلي الصككلوات بوضككوء واحككد‪ ,‬فككإذا بككال أو‬
‫أحدث‪ ,‬توضأ ومسح بفضل طهوره الخفين‪ ,‬فقلت‪ :‬أبككا عبككد اللككه‪,‬‬
‫‪353‬‬
‫أشيء تصنعه برأيك ؟ قال‪ :‬بل رأيت النبي صلى الله عليه وسككلم‬
‫يصنعه‪ ,‬فأنا أصنعه كما رأيت رسول اللككه يصككنعه‪ ,‬وكككذا رواه ابككن‬
‫ماجه عن إسماعيل بن توبة‪ ,‬عن زيككاد البكككائي بككه‪ .‬وقككال أحمككد‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب‪ ,‬حدثنا أبي عن ابن إسحاق‪ ,‬حدثني محمد بن يحيككى‬
‫بن حبان النصاري‪ ,‬عن عبيد اللككه بككن عبككد اللككه بككن عمككر‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫أرأيت وضوء عبد اللككه بككن عمككر لكككل صككلة طككاهرا ً كككان أو غيككر‬
‫طاهر‪ ,‬عمن هو ؟ قال‪ :‬حدثته أسككماء بنككت زيككد بككن الخطككاب أن‬
‫عبد الله بن حنظلة بن الغسيل‪ ,‬حدثها أن رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلة طاهرا ً كان أو غير طاهر‪,‬‬
‫فلما شق ذلك عليككه أمككر بالسككواك عنككد كككل صككلة‪ ,‬ووضككع عنككه‬
‫الوضوء إل من حدث‪ ,‬فكان عبد الله يرى أن بككه قككوة علككى ذلككك‬
‫كان يفعله حتى مات‪ ,‬وهكذا رواه أبو داود عككن محمككد بككن عككوف‬
‫الحمصي عن أحمد بن خالد الذهبي‪ ,‬عن محمد بن إسككحاق‪ ,‬عككن‬
‫محمد بن يحيى بن حبان‪ ,‬عن عبيد الله بن عبد الله بن عمككر‪ ,‬ثككم‬
‫قال أبو داود‪ :‬ورواه إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق‪ ,‬فقال‬
‫عبيد الله بن عمر‪ :‬يعني كما تقدم في رواية المام أحمد‪ ,‬وأيا مككا‬
‫كان‪ ,‬فهو إسناد صككحيح‪ ,‬وقككد صككرح ابككن إسككحاق فيككه بالتحككديث‬
‫والسماع من محمد بن يحيى بن حبككان‪ ,‬فككزال محككذور التككدليس‪,‬‬
‫لكن قال الحافظ ابن عساكر‪ :‬رواه سلمة بن الفضككل وعلككي بككن‬
‫مجاهد عن ابن إسحاق‪ ,‬عن محمد بن طلحة بن يزيككد بككن ركانككة‪,‬‬
‫عن محمد بن يحيى بن حبان به‪ ,‬والله اعلم‪ ,‬وفي فعل ابككن عمككر‬
‫هذا ومداومته على إسباغ الوضوء لكل صلة دللة على اسككتحباب‬
‫ذلككككككككككك‪ ,‬كمككككككككككا هككككككككككو مككككككككككذهب الجمهككككككككككور‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة‪ ,‬حدثنا أزهككر‬
‫عن ابن عون‪ ,‬عن ابن سيرين‪ :‬أن الخلفككاء كككانوا يتوضككؤون لكككل‬
‫صلة‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا محمد بن المثنككى‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫جعفر‪ ,‬حدثنا شعبة‪ ,‬سمعت مسعود بككن علككي الشككيباني‪ ,‬سككمعت‬
‫عكرمة يقول‪ :‬كان علي رضي الله عنه يتوضأ عند كل صلة ويقرأ‬
‫لية‪ ,‬وحككدثنا‬‫لية }يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ ا َ‬ ‫هذه ا َ‬
‫ابن المثنى‪ ,‬حدثني وهب بن جرير‪ ,‬أخبرنا شعبة عككن عبككد الملككك‬
‫بن ميسرة‪ ,‬عن النزال بن سبرة قال‪ :‬رأيت عليا ً صلى الظهر ثككم‬
‫قعد للناس في الرحبة‪ ,‬ثم أتى بماء فغسل وجهه ويديه‪ ,‬ثم مسح‬
‫‪354‬‬
‫برأسه ورجليه‪ ,‬وقال‪ :‬هذا وضوء من لم يحدث‪ ,‬وحككدثني يعقككوب‬
‫بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا هشيم عن مغيرة عككن إبراهيككم‪ :‬أن عليكا ً اكتككال‬
‫من حب‪ ,‬فتوضككأ وضككوءا ً فيككه تجككوز‪ ,‬فقككال‪ :‬هككذا وضككوء مككن لككم‬
‫يحككدث‪ ,‬وهككذه طككرق جيككدة عككن علككي يقككوي بعضككها بعضككًا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضًا‪ :‬حدثنا ابن يسار‪ ,‬حدثنا ابن أبي عككدي عككن‬
‫حميد‪ ,‬عن أنس‪ ,‬قال‪ :‬توضأ عمر بن الخطككاب وضككوءا ً فيككه تجككوز‬
‫خفيفًا‪ ,‬فقال‪ :‬هذا وضوء من لم يحدث‪ ,‬وهذا إسناد صحيح‪ .‬وقككال‬
‫محمد بن سيرين‪ :‬كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلة‪ ,‬وأما ما رواه‬
‫أبككو داود الطيالسككي عككن أبككي هلل‪ ,‬عككن قتككادة‪ ,‬عككن سككعيد بككن‬
‫المسيب‪ ,‬أنه قال‪ :‬الوضوء من غير حدث اعتداء‪ ,‬فهو غريككب عككن‬
‫سعيد بن المسيب‪ ,‬ثم هو محمول على أن من اعتقد وجوبه فهككو‬
‫معتد‪ ,‬وأما مشروعيته استحبابا ً فقد دلت السنة على ذلككك‪ .‬وقككال‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا عبككد الرحمككن بككن مهككدي‪ ,‬حككدثنا سككفيان عككن‬
‫عمرو بن عامر النصاري‪ ,‬سمعت أنس بن مالك يقول‪ :‬كان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يتوضكأ عنكد ككل صكلة‪ ,‬قكال‪ :‬قلكت‪ :‬فكأنتم‬
‫كيف كنتم تصنعون ؟ قال‪ :‬كنا نصلي الصلوات كلها بوضككوء واحككد‬
‫مالم نحدث‪ ,‬وقد رواه البخاري وأهل السككنن مككن غيككر وجككه عككن‬
‫عمرو بن عامر به‪ ,‬وقال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا أبككو سككعيد البغككدادي‪,‬‬
‫حدثنا إسحاق بن منصور عن هزيم‪ ,‬عن عبد الرحمن بن زياد‪ ,‬هككو‬
‫الفريقي‪ ,‬عن عطيف‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم »من توضأ على طهر‪ ,‬كتككب لككه عشككر حسككنات«‬
‫ورواه أيضا ً من حديث عيسى بن يونس عككن الفريقككي‪ ,‬عككن أبككي‬
‫عطيف‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬فذكره‪ ,‬وفيككه قصككة‪ .‬وهكككذا رواه أبككو داود‬
‫والترمككذي وابككن مككاجه‪ ,‬مككن حككديث الفريقككي بككه نحككوه‪ .‬وقككال‬
‫الترمكككككككككككككذي‪ :‬وهكككككككككككككو إسكككككككككككككناد ضكككككككككككككعيف‪.‬‬
‫ليككة نزلككت إعلمكا ً مككن‬‫وقال ابن جرير‪ :‬وقد قال قوم‪ :‬إن هذه ا َ‬
‫الله أن الوضوء ل يجب إل عند القيام إلى الصلة دون غيرها مككن‬
‫العمال‪ ,‬وذلك لنه عليه السلم كان إذا أحدث امتنع من العمككال‬
‫كلها حتى يتوضأ‪ .‬حدثنا أبو كريككب‪ ,‬حككدثنا معاويككة بككن هشككام عككن‬
‫سفيان‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عبد الله بن أبي بكر بككن عمككرو بككن حككزم‪,‬‬
‫عن عبد الله بن علقمة بن وقاص‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسككلم إذا أراق البككول نكلمككه ول يكلمنككا‪ ,‬ونسككلم‬
‫‪355‬‬
‫عليه فل يرد علينا‪ ,‬حتى نزلت آية الرخصة }يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫ليكة‪ ,‬ورواه ابكن أبكي حكاتم عككن محمكد بككن‬ ‫قمتم إلكى الصككلة{ ا َ‬
‫مسلم عن أبي كريب به نحوه‪ ,‬وهو حديث غريب جدًا‪ ,‬وجابر هككذا‬
‫هكككككككككككو ابكككككككككككن زيكككككككككككد الجعفكككككككككككي ضكككككككككككعفوه‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬حدثنا مسدد‪ ,‬حدثنا إسككماعيل‪ ,‬حككدثنا أيككوب عككن‬
‫عبد الله بن أبي مليكة‪ ,‬عن عبد الله بككن عبككاس‪ :‬أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم خرج من الخلء فقدم إليككه طعككام‪ ,‬فقككالوا‪:‬‬
‫أل نأتيككك بوضككوء ؟ فقككال »إنمككا أمككرت بالوضككوء إذا قمككت إلككى‬
‫الصلة« وكذا رواه الترمذي عن أحمككد بككن منيككع‪ ,‬والنسككائي عككن‬
‫زياد بن أيوب عن إسماعيل وهو ابن علية به‪ .‬وقال الترمذي‪ :‬هذا‬
‫حكديث حسكن‪ ,‬وروى مسكلم عكن أبكي بككر بكن أبكي شكيبة‪ ,‬عكن‬
‫سفيان بن عيينة‪ ,‬عن عمرو بن دينككار‪ ,‬عككن سككعيد بككن الحككويرث‪,‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬كنا عند النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم فككأتى‬
‫الخلء ثم إنه رجع فأتي بطعام‪ ,‬فقيل‪ :‬يا رسككول اللكه أل تتوضككأ ؟‬
‫فقككككككككككككككال »لككككككككككككككم أصككككككككككككككل فأتوضككككككككككككككأ«‪.‬‬
‫وقوله }فاغسلوا وجوهكم{ قد استدل طائفة من العلماء بقوله‬
‫تعالى‪} :‬إذا قمتم إلى الصككلة فاغسككلوا وجككوهكم{ علككى وجككوب‬
‫النيككة فككي الوضككوء‪ ,‬لن تقككدير الكلم }إذا قمتككم إلككى الصككلة‬
‫فاغسلوا وجوهكم{ لها كما تقول العككرب‪ :‬إذا رأيككت الميككر فقككم‪,‬‬
‫أي له‪ .‬وقد ثبت في الصككحيحين حككديث »العمككال بالنيككات وإنمككا‬
‫لكل امرىء مانوى«‪ ,‬ويستحب قبل غسككل الككوجه أن يككذكر اسككم‬
‫الله تعالى على وضوئه‪ ,‬لما ورد في الحديث من طرق جيدة عككن‬
‫جماعة من الصحابة‪ ,‬عن النبي صلى اللكه عليكه وسكلم أنكه قكال‪:‬‬
‫»ل وضوء لمن لم يككذكر اسككم اللككه عليككه«‪ ,‬ويسككتحب أن يغسككل‬
‫كفيه قبل إدخالهما في الناء ويتأكد ذلك عند القيام من النوم‪ ,‬لما‬
‫ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال »إذا استيقظ أحدكم من نومه فل يدخل يده في النككاء‬
‫قبل أن يغسلها ثلثًا‪ ,‬فإن أحككدكم ل يككدري أيككن بككاتت يككده« وحككد‬
‫الوجه عند الفقهاء ما بين منابت شعر الككرأس‪ ,‬ول اعتبككار بالصككلع‬
‫ل‪ ,‬ومن الذن إلى الذن‬ ‫ول بالغمم إلى منتهى اللحيين والذقن طو ً‬
‫عرضا ً وفي النزعككتين والتحككذيف خلف‪ :‬هككل همككا مككن الككرأس أو‬
‫‪356‬‬
‫الوجه ؟ وفي المسترسل من اللحيككة عككن محككل الفككرض‪ ,‬قككولن‬
‫)أحككدهما( أنكه يجككب إفاضكة المكاء عليككه لنكه تقكع بكه المواجهكة‪.‬‬
‫وروى فككي حككديث أن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم رأى رجل ً‬
‫مغطيا ً لحيته فقال »اكشفها فإن اللحية من الوجه« وقال مجاهد‪:‬‬
‫هي من الوجه‪ ,‬أل تسمع إلككى قككول العككرب فككي الغلم‪ :‬إذا نبتككت‬
‫لحيته طلع وجهه‪ ,‬ويستحب للمتوضىء أن يخلككل لحيتككه إذا كككانت‬
‫كثيفة‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬حككدثنا إسككرائيل عككن‬
‫عامر بككن حمككزة‪ ,‬عككن شككقيق قككال‪ :‬رأيككت عثمككان يتوضككأ‪ ,‬فككذكر‬
‫الحديث‪ ,‬قال‪ :‬وخلل اللحية ثلثا ً حين غسل وجهه‪ ,‬ثم قال‪ :‬رأيككت‬
‫رسول الله صلى الله عليككه وسككلم فعككل الككذي رأيتمككوني فعلككت‪,‬‬
‫رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرزاق‪ ,‬وقال الترمككذي‪:‬‬
‫حسككككككككككككن صككككككككككككحيح‪ ,‬وحسككككككككككككنه البخككككككككككككاري‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع‪ ,‬حككدثنا أبككو المليككح‪,‬‬
‫حدثنا الوليد بن زوران‪ ,‬عن أنس بن مالك أن رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم كان إذا توضككأ‪ ,‬أخككذ كفكا ً مككن مككاء فككأدخله تحككت‬
‫حنكه يخلل به لحيته‪ ,‬وقال »هكذا أمرني به ربي عز وجل« تفككرد‬
‫به أبو داود‪ ,‬وقد روي هذا الككوجه مككن غيككر وجككه عككن أنككس‪ ,‬قككال‬
‫البيهقي‪ :‬وروينا في تخليل اللحية عن عمككار وعائشككة وأم سككلمة‪,‬‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثم عن علي وغيره‪ ,‬وروينككا فككي‬
‫الرخصة في تركه عن ابن عمر والحسن بن علي‪ ,‬ثم عن النخعي‬
‫وجماعة من التابعين‪ ,‬وقد ثبت عن النبي صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫من غير وجكه فككي الصككحاح وغيرهككا أنكه ككان إذا توضككأ تمضككمض‬
‫واستنشق‪ ,‬فاختلف الئمة في ذلك هل هما واجبككان فككي الوضككوء‬
‫والغسل كما هو مذهب أحمد بن حنبل رحمككه اللككه‪ ,‬أو مسككتحبان‬
‫فيهما كما هو مذهب الشافعي ومالك‪ ,‬لما ثبت في الحديث الككذي‬
‫رواه أهل السنن‪ ,‬وصححه ابن خزيمة عن رفاعة بن رافع الزرقي‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬للمسيء صلته »توضككأ كمككا‬
‫أمرك الله«‪ ,‬أو يجبان في الغسككل دون الوضككوء كمككا هككو مككذهب‬
‫أبي حنيفة‪ ,‬أو يجب الستنشاق دون المضمضة كما هو رواية عككن‬
‫المام أحمد‪ ,‬لما ثبت في الصككحيحين أن رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم قال »من توضأ فليستنشق«‪ ,‬وفككي روايككة »إذا توضككأ‬
‫‪357‬‬
‫أحدكم فليجعل فككي منخريككه مككن المككاء ثككم لينتككثر« والنتثككار هككو‬
‫المبالغكككككككككككككككككككة فكككككككككككككككككككي الستنشكككككككككككككككككككاق‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو سلمة الخزاعي‪ ,‬حدثنا سليمان بككن‬
‫بلل عن زيد بن أسلم‪ ,‬عن عطاء بن يسار‪ ,‬عككن ابككن عبككاس أنككه‬
‫توضأ فغسل وجهه‪ ,‬أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنثر‪ ,‬ثككم‬
‫أخذ غرفة فجعل بها هكذا‪ ,‬يعني أضافها إلى يده الخككرى‪ ,‬فغسككل‬
‫بها وجهه‪ ,‬ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يككده اليمنككى‪ ,‬ثككم أخككذ‬
‫غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى‪ ,‬ثككم مسككح رأسككه‪ ,‬ثككم أخككذ‬
‫غرفة من ماء ثم رش على رجلككه اليمنككى حككتى غسككلها‪ ,‬ثككم أخككذ‬
‫غرفة من ماء فغسكل بهكا رجلكه اليسككرى‪ ,‬ثكم قككال‪ :‬هكككذا رأيكت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني يتوضأ‪ .‬ورواه البخاري عن‬
‫محمد بن عبد الرحيم عن أبي سلمة منصور بن سككلمة الخزاعككي‬
‫وقوله }وأيديكم إلى المرافق{ أي مع المرافق كما قككال تعككالى‬
‫}ول تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كككان حوبكا ً كككبيرًا{ وقككد روى‬
‫الحافظ الككدارقطني وأبككو بكككر الككبيهقي مككن طريككق القاسككم بككن‬
‫محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل‪ ,‬عن جككده‪ ,‬عككن جككابر بككن‬
‫عبد الله قال‪ :‬كان رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم إذا توضككأ‬
‫أدار الماء على مرفقيه‪ ,‬ولكن القاسم هذا متروك الحديث‪ ,‬وجده‬
‫ضكككككككككككككككككككككعيف‪ ,‬واللكككككككككككككككككككككه أعلكككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫ويستحب للمتوضىء أن يشرع في العضككد فيغسككله مككع ذراعيككه‬
‫لما روى البخاري ومسلم من حديث نعيم المجمر‪ ,‬عن أبي هريرة‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم »إن أمككتي يككدعون‬
‫يوم القيامة غرا ً محجلين من آثار الوضوء‪ ,‬فمن استطاع منكم أن‬
‫يطيل غرته فليفعل« وفي صحيح مسلم عن قتادة عن خلككف بككن‬
‫خليفة‪ ,‬عن أبي مالك الشجعي‪ ,‬عن أبي حككازم‪ ,‬عككن أبككي هريككرة‬
‫قال‪ :‬سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول »تبلغ الحلية مككن‬
‫المؤمن حيث يبلغ الوضوء«‪ .‬وقوله تعالى }وامسحوا برءوسكككم{‬
‫اختلفككوا فككي هككذه البككاء‪ :‬هككل هككي لللصككاق ؟ وهككو الظهككر‪ ,‬أو‬
‫للتبعيض ؟ وفيه نظر‪ ,‬على قولين‪ .‬ومن الصوليين من قككال‪ :‬هككذا‬
‫مجمل فليرجع في بيانه إلى السنة‪ ,‬وقد ثبت في الصككحيحين مككن‬
‫طريق مالك عن عمرو بن يحيى المازني‪ ,‬عككن أبيككه أن رجل ً قككال‬
‫‪358‬‬
‫لعبد الله بن زيد بن عاصم‪ ,‬وهو جد عمرو بككن يحيككى‪ ,‬وكككان مككن‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬هل تستطيع أن تريني كيككف‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ؟ فقال عبد الله بككن‬
‫زيد‪ :‬نعككم فككدعا بوضككوء فككأفرغ علككى يككديه‪ ,‬فغسككل يككديه مرتيككن‬
‫مرتين‪ ,‬ثم مضمض واستنشق ثلثًا‪ ,‬وغسل وجهه ثلثكًا‪ ,‬ثكم غسكل‬
‫يديه مرتين إلى المرفقيككن‪ ,‬ثككم مسككح رأسككه بيككديه‪ ,‬فأقبككل بهمككا‬
‫وأدبر بدأ بمقدم رأسه‪ ,‬ثم ذهب بهما إلى قفككاه‪ ,‬ثككم ردهمككا حككتى‬
‫رجع إلى المكان الذي بدأ منه‪ ,‬ثم غسل رجليه‪ .‬وفي حككديث عبككد‬
‫خير عن علي في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫نحو هذا‪ ,‬وروى أبو داود عن معاوية والمقكداد بكن معكديكرب فكي‬
‫صفة وضوء رسول الله صلى الله عليككه وسككلم مثلككه‪ ,‬ففككي هككذه‬
‫الحاديث دللة لمن ذهب إلى وجوب تكميل مسح جميككع الككرأس‪,‬‬
‫كما هو مذهب المام مالك وأحمد بن حنبل ل سيما على قول من‬
‫زعككم أنهككا خرجككت مخككرج البيككان لمككا أجمككل فككي القككرآن‪.‬‬
‫وقد ذهب الحنفية إلى وجككوب مسككح ربككع الككرأس‪ ,‬وهككو مقككدار‬
‫الناصية‪ ,‬وذهب أصحابنا إلى أنه إنما يجككب مككا يطلككق عليككه اسككم‬
‫مسح ول يقدر ذلك بحككد‪ ,‬بككل لككو مسككح بعككض شككعرة مككن رأسككه‬
‫أجزأه‪ ,‬واحتج الفريقان بحككديث المغيككرة بككن شككعبة قككال‪ :‬تخلككف‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فتخلفت معه‪ ,‬فلما قضى حاجته قال‪:‬‬
‫هل معك ماء ؟ فككأتيته بمطهككرة فغسككل كفيككه ووجهككه‪ ,‬ثككم ذهككب‬
‫يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة‪ ,‬فأخرج يديه من تحككت الجبككة‪,‬‬
‫وألقى الجبة على منكبيه‪ ,‬فغسل ذراعيه ومسككح بناصككيته‪ ,‬وعلككى‬
‫العمامة وعلى خفيه‪ ,‬وذكر باقي الحديث وهو فككي صككحيح مسككلم‬
‫وغيره‪ ,‬فقال لهم أصحاب المام أحمككد‪ :‬إنمككا اقتصككر علككى مسككح‬
‫الناصية لنه كمل مسح بقية الرأس علككى العمامككة‪ ,‬ونحككن نقككول‬
‫بذلك وأنه يقع عن الموقع‪ ,‬كما وردت بككذلك أحككاديث كككثيرة وأنككه‬
‫كان يمسح على العمامة وعلى الخفين‪ ,‬فهككذا أولككى‪ ,‬وليككس لكككم‬
‫فيه دللة على جواز القتصار على مسح الناصية أو بعككض الككرأس‬
‫مكككككن غيكككككر تكميكككككل علكككككى العمامكككككة‪ ,‬واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫ثم اختلفوا في أنه هل يستحب تكرار مسح الرأس ثلثًا‪ ,‬كما هو‬
‫المشهور من مذهب الشافعي‪ ,‬أو يستحب مسحة واحدة كما هككو‬
‫مذهب أحمد بن حنبل ومن تابعه على قولين‪ ,‬فقال عبككد الككرزاق‪,‬‬
‫‪359‬‬
‫عن معمر عن الزهري‪ ,‬عن عطاء بن يزيد الليثي‪ ,‬عن حمران بن‬
‫أبان‪ ,‬قال‪ :‬رأيت عثمان بن عفككان توضككأ فككأفرغ علككى يككديه ثلثكًا‪,‬‬
‫فغسلهما ثم تمضمض واستنشق‪ ,‬ثم غسل وجهه ثلثا‪ ,‬ثككم غسككل‬
‫يده اليمنى إلى المرفق ثلثًا‪ ,‬ثككم غسككل اليسككرى مثككل ذلككك‪ ,‬ثككم‬
‫مسح برأسه‪ ,‬ثم غسل قدمه اليمنى ثلثًا‪ ,‬ثككم اليسككرى ثلثكا ً مثككل‬
‫ذلك‪ ,‬ثم قال‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضككأ نحككو‬
‫وضوئي هذا‪ ,‬ثككم قككال »مككن توضككأ نحككو وضككوئي هككذا‪ ,‬ثككم صككلى‬
‫ركعتين ل يحدث فيهما نفسه‪ ,‬غفر له ما تقدم من ذنبككه« أخرجككه‬
‫البخاري ومسلم في الصحيحين من طريق الزهري بككه نحككو هككذا‪.‬‬
‫وفي سنن أبي داود من روايككة عبككد اللككه بككن عبيككد اللككه بككن أبككي‬
‫مليكة‪ ,‬عن عثمان في صفة الوضوء‪ :‬ومسح برأسه مككرة واحككدة‪,‬‬
‫وكذا من رواية عبد خير عن علي مثله‪ .‬واحتج من استحب تكككرار‬
‫مسح الرأس بعموم الحديث الذي رواه مسككلم فككي صككحيحه عككن‬
‫عثمان رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ‬
‫ثلثكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ً ثلثكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬حدثنا الضحاك بن مخلد‪,‬‬
‫حدثنا عبد الرحمن بن وردان‪ ,‬حدثني أبو سلمة بن عبككد الرحمككن‪,‬‬
‫حدثني حمران قال‪ :‬رأيت عثمان بن عفان توضأ فذكر نحوه‪ ,‬ولم‬
‫يذكر المضمضة والستنشاق‪ ,‬قال فيه‪ :‬ثم مسككح رأسكه ثلثكًا‪ ,‬ثككم‬
‫غسل رجليه ثلثا ً ثم قال‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫توضأ هكذا‪ ,‬وقال »من توضأ هكذا كفككاه« تفككرد بككه أبككو داود‪ .‬ثككم‬
‫قال‪ :‬وأحاديث عثمان في الصحاح تدل على أنه مسح الرأس مرة‬
‫واحكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككدة‪.‬‬
‫قوله }وأرجلكم إلى الكعبين{ قرىء وأرجلكككم بالنصككب عطف كا ً‬
‫على فاغسلوا وجوهكم وأيديكم‪ .‬قكال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫زرعة‪ ,‬حدثنا أبو سلمة‪ ,‬حدثنا وهيب عن خالد‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن‬
‫ابن عباس أنه قرأها وأرجلكم‪ ,‬يقول‪ :‬رجعت إلككى الغسككل‪ ,‬وروي‬
‫عن عبد الله بن مسعود وعروة وعطاء وعكرمة والحسن ومجاهد‬
‫وإبراهيم والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان والزهككري وإبراهيككم‬
‫التبمي نحو ذلك‪ ,‬وهذه قككراءة ظككاهرة فككي وجككوب الغسككل‪ ,‬كمككا‬
‫قاله السلف‪ ,‬ومن ههنا ذهب من ذهب إلى وجككوب الككترتيب فككي‬
‫الوضككوء كمككا هككو مككذهب الجمهككور خلفكا ً لبككي حنيفككة حيككث لككم‬
‫‪360‬‬
‫يشترط الترتيب‪ ,‬بل لو غسككل قككدميه‪ ,‬ثككم مسككح رأسككه‪ ,‬وغسككل‬
‫لية أمرت بغسل هككذه العضككاء‪,‬‬ ‫يديه‪ ,‬ثم وجهه‪ ,‬أجزأه ذلك‪ ,‬لن ا َ‬
‫والواو ل تدل على الترتيب‪ ,‬وقد سلك الجمهور فككي الجككواب عككن‬
‫لية دلت علككى وجككوب غسككل‬ ‫هذا البحث طرقًا‪ ,‬فمنهم من قال‪ :‬ا َ‬
‫الوجه ابتداء عند القيام إلى الصلة‪ ,‬لنه مأمور بككه بفككاء التعقيككب‬
‫وهي مقتضية للترتيب‪ ,‬ولم يقل أحككد مككن النككاس بوجككوب غسككل‬
‫ل‪ ,‬ثم ل يجب الككترتيب بعككده‪ ,‬بككل القككائل اثنككان‪ :‬أحككدهما‬ ‫الوجه أو ً‬
‫لخككر يقككول‪ :‬ل يجككب‬ ‫ليككة‪ ,‬وا َ‬
‫بوجوب الترتيب كما هككو واقككع فككي ا َ‬
‫ليككة دلككت علككى وجككوب غسككل الككوجه ابتككداء‪,‬‬ ‫الترتيب مطلقكًا‪ ,‬وا َ‬
‫فككككوجب الككككترتيب فيمككككا بعككككده بالجمككككاع حيككككث ل فككككارق‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬ل نسلم أن الواو ل تدل على الككترتيب بككل هككي‬
‫دالة كما هو مذهب طائفة من النحاة وأهل اللغة وبعككض الفقهككاء‪,‬‬
‫ثم نقول بتقدير تسليم كونها ل تدل على الترتيب اللغوي هي دالة‬
‫على الترتيب شرعا ً فيما من شأنه أن يرتب‪ ,‬والككدليل علككى ذلككك‬
‫أنه صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت خرج مككن بككاب الصككفا‬
‫وهو يتلو قوله تعالى‪} :‬إن الصفا والمروة مككن شككعائر اللككه{‪ ,‬ثككم‬
‫قال »أبدأ بما بدأ الله به« لفظ مسككلم‪ ,‬ولفككظ النسككائي »ابككدؤوا‬
‫بما بدأ الله به« وهذا لفظ أمر‪ ,‬وإسناده صحيح‪ ,‬فدل على وجوب‬
‫البداءة بما بككدأ اللكه بككه«‪ ,‬وهككو معنكى كونهكا تككدل علكى الككترتيب‬
‫شكككككككككككككككككككككرعًا‪ ,‬و اللكككككككككككككككككككككه أعلكككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫ومنهم من قال لما ذكر الله تعالى هككذه الصككفة فككي هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫على هذا الترتيب‪ ,‬فقطع النظيككر عككن النظيككر‪ ,‬وأدخككل الممسككوح‬
‫بين المغسولين‪ ,‬دل ذلك على إرادة الترتيب‪ ,‬ومنهم مككن قككال‪ :‬ل‬
‫شك أنه قد روى أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عككن‬
‫أبيه‪ ,‬عن جده أن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم توضككأ مككرة‬
‫مرة‪ ,‬ثم قال »هذا وضوء ل يقبككل اللككه الصككلة إل بككه« قككالوا‪ :‬فل‬
‫يخلو إما أن يكون توضأ مرتبا ً فيجب الترتيب‪ ,‬أو يكون توضككأ غيككر‬
‫مرتككب فيجككب عككدم الككترتيب‪ ,‬ول قككائل بككه‪ ,‬فككوجب مككا ذكرنككاه‪.‬‬
‫وأما القراءة الخرى وهي قراءة مككن قككرأ‪ :‬وأرجلكككم بككالخفض‪,‬‬
‫فقد احتج بها الشككيعة فككي قككولهم بوجككوب مسككح الرجليككن‪ ,‬لنهككا‬
‫عندهم معطوفة على مسككح الككرأس‪ .‬وقككد روي عككن طائفككة مككن‬
‫السلف ما يوهم القول بالمسح فقال ابكن جريكر‪ :‬حكدثني يعقكوب‬
‫‪361‬‬
‫بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا ابن علية‪ ,‬حككدثنا حميككد قككال‪ :‬قككال موسككى بككن‬
‫أنس لنس ونحن عنده‪ :‬يا أبا حمككزة‪ ,‬إن الحجككاج خطبنككا بككالهواز‬
‫ونحككن معككه‪ ,‬فككذكر الطهككور فقككال‪ :‬اغسككلوا وجككوهكم وأيككديكم‪,‬‬
‫وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم‪ ,‬وإنه ليس شيء من بني آدم أقرب‬
‫من خبثه من قدميه‪ ,‬فاغسككلوا بطونهمككا وطهورهمككا وعراقيبهمككا‪,‬‬
‫فقككال أنككس‪ :‬صككدق اللككه‪ ,‬وكككذب الحجككاج‪ ,‬قككال اللككه تعككالى‪:‬‬
‫}وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم{ قال‪ :‬وكان أنس إذا مسح قدميه‬
‫بلهما‪ ,‬إسناد صحيح إليه‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حككدثنا علككي بككن سككهل‪,‬‬
‫حدثنا مؤمل‪ ,‬حدثنا حماد‪ ,‬حدثنا عاصم الحول عن أنس قال‪ :‬نزل‬
‫القرآن بالمسح والسنة بالغسل‪ ,‬وهذا أيضكا ً إسككناد صككحيح‪ .‬وقككال‬
‫ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا محمد بن قيس الخراساني عككن‬
‫ابن جريج‪ ,‬عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبككاس قككال‪:‬‬
‫الوضوء غسلتان ومسحتان‪ ,‬وكذا روى سعيد بن أبككي عروبككة عككن‬
‫قتادة‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا أبككو معمككر المنقككري‪,‬‬
‫حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهككران عككن‬
‫ابن عباس }وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين{ قال‪ :‬هو‬
‫المسح‪ ,‬ثم قال‪ :‬وروي عن ابن عمر وعلقمة وأبككي جعفككر محمككد‬
‫بن علي والحسن في إحدى الروايات‪ ,‬وجابر بن زيد ومجاهد فككي‬
‫إحككككككككككككككككككككدى الروايككككككككككككككككككككات‪ ,‬نحككككككككككككككككككككوه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا يعقوب‪ ,‬حدثنا ابن علية‪ ,‬حدثنا أيوب قال‪:‬‬
‫رأيت عكرمة يمسح على رجليككه‪ ,‬قككال‪ :‬وكككان يقككوله‪ .‬وقككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثني أبو السائب‪ ,‬حككدثنا ابككن إدريككس عككن داود بككن أبككي‬
‫هند‪ ,‬عن الشعبي قال‪ :‬نزل جبريل بالمسح‪ ,‬ثم قككال الشككعبي‪ :‬أل‬
‫ترى أن التيمم أن يمسح مككا كككان غسكل ً ويلغككي مككا كككان مسككحًا‪.‬‬
‫وحككدثنا ابككن أبككي زيككاد‪ ,‬أخبرنككا إسككماعيل قلككت لعككامر‪ :‬إن ناس كا ً‬
‫يقولكون‪ :‬إن جبريكل نكزل بغسكل الرجليكن ؟ فقكال‪ :‬نكزل جبريكل‬
‫بالمسح‪ ,‬فهككذه آثكار غريبكة جكدًا‪ ,‬وهككي محمولككة علكى أن المكراد‬
‫بالمسح هو الغسل الخفيف لما سككنذكره مككن السككنة الثابتككة فككي‬
‫وجوب غسل الرجلين‪ ,‬وإنما جاءت هذه القراءة بالخفض إما على‬
‫المجاورة وتناسب الكلم كما في قول العرب‪ :‬حجر ضككب خككرب‪,‬‬
‫وكقوله تعالى‪} :‬عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق{ وهككذا ذائع‬
‫شكككككككككككائع فكككككككككككي لغكككككككككككة العكككككككككككرب سكككككككككككائغ‪.‬‬
‫‪362‬‬
‫ومنهككم مككن قككال‪ :‬هككي محمولككة علككى مسككح القككدمين إذا كككان‬
‫عليهما الخفان‪ ,‬قاله أبو عبد الله الشافعي رحمه الله‪ .‬ومنهم من‬
‫قال‪ ,‬هي دالة على مسككح الرجليككن‪ ,‬ولكككن المككراد بككذلك الغسككل‬
‫الخفيف كما وردت به السنة‪ ,‬وعلككى كككل تقككدير فككالواجب غسككل‬
‫ليككة والحككاديث الككتي سككنوردها‪ ,‬ومككن‬ ‫الرجلين فرضا ً ل بككد منككه ل َ‬
‫أحسن ما يستدل على أن المسح يطلق على الغسل الخفيف مككا‬
‫رواه الحافظ البيهقي حيث قال‪ :‬أخبرنا أبو علي الروزبادي‪ ,‬حدثنا‬
‫أبو بكر محمد بن أحمككد بككن حمكويه العسككري‪ ,‬حككدثنا جعفككر بككن‬
‫محمد القلنسي‪ ,‬حدثنا آدم‪ ,‬حككدثنا شككعبة‪ ,‬حككدثنا عبككد الملككك بككن‬
‫ميسرة‪ ,‬سمعت النزال بن سبرة يحدث عن علي بن أبككي طككالب‬
‫أنه صلى الظهر‪ ,‬ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حككتى‬
‫حضرت صككلة العصككر‪ ,‬ثككم أتككى بكككوز مككن مككاء فأخككذ منككه حفنككة‬
‫واحدة‪ ,‬فمسح بها وجهه ويديه ورأسككه ورجليككه‪ ,‬ثككم قككام فشككرب‬
‫فضلته وهو قائم‪ ,‬ثم قال‪ :‬إن ناس كا ً يكرهككون الشككرب قائم كًا‪ ,‬وأن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كمككا صككنعت‪ ,‬وقككال »هككذا‬
‫وضوء من لم يحدث«‪ ,‬رواه البخاري في الصحيح عككن آدم ببعككض‬
‫معناه‪ .‬ومن أوجب من الشيعة مسككحهما كمكا يمسككح الخكف فقككد‬
‫ضل وأضل‪ ,‬وكذا من جككوز مسككحهما وجككوز غسككلهما فقككد أخطككأ‬
‫أيضًا‪ ,‬ومكن نقكل عكن أبكي جعفكر بكن جريكر أنكه أوجكب غسكلهما‬
‫لية‪ ,‬فلم يحقق مذهبه في ذلك‪ ,‬فككإن‬ ‫للحاديث‪ ,‬وأوجب مسحهمال َ‬
‫كلمه في تفسيره إنما يدل على أنه أراد أنه يجككب دلككك الرجليككن‬
‫من دون سائر أعضاء الوضوء‪ ,‬لنهما يليككان الرض والطيككن وغيككر‬
‫ذلك‪ ,‬فأوجب دلكهما ليككذهب مككا عليهمككا‪ ,‬ولكنككه عككبر عككن الككدلك‬
‫بالمسح‪ ,‬فاعتقد من لم يتأمل كلمه أنككه أراد وجككوب الجمككع بيككن‬
‫غسككل الرجليككن ومسككحهما‪ ,‬فحكككاه مككن حكككاه كككذلك‪ ,‬ولهككذا‬
‫يستشكله كثير من الفقهاء وهو معذور‪ ,‬فإنه ل معنى للجمككع بيككن‬
‫المسح والغسل‪ ,‬سواء تقدمه أو تأخر عليككه لنككدراجه فيككه‪ ,‬وإنمككا‬
‫أراد الرجل ما ذكرته‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬ثم تأملت كلمه أيض كا ً فككإذا هككو‬
‫يحاول الجمع بين القراءتين فككي قككوله }وأرجلكككم{ خفض كا ً علككى‬
‫المسح وهو الدلك‪ ,‬ونصبا ً على الغسل‪ ,‬فأوجبهما أخذا ً بالجمع بين‬
‫هكككككككككككككككككككككككككككككككككككككذه وهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككذه‪.‬‬
‫‪363‬‬
‫ذكككر الحككاديث الككواردة فككي غسككل الرجليككن وأنككه ل بككد منككه‬
‫قككد تقككدم حككديث أميككر المككؤمنين عثمككان وعلككي وابككن عبككاس‬
‫ومعاوية وعبد الله بن زيد بن عاصم والمقككداد بككن معككديكرب‪ ,‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل الرجلين في وضككوئه إمككا‬
‫مرة‪ ,‬وإمككا مرتيككن أو ثلث كًا‪ ,‬علككى اختلف روايككاتهم‪ ,‬وفككي حككديث‬
‫عمرو بن شعيب عن أبيكه عكن جكده‪ ,‬أن رسكول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم توضأ فغسل قدميه‪ ,‬ثم قال »هذا وضوء ل يقبل اللككه‬
‫الصكككككككككككككككككككككككككككككككككككلة إل بكككككككككككككككككككككككككككككككككككه«‪.‬‬
‫وفي الصحيحين من رواية أبي عوانة عن أبي بشر‪ ,‬عن يوسككف‬
‫بن ماهك‪ ,‬عن عبد الله بككن عمككرو قككال‪ :‬تخلككف عنككا رسككول اللكه‬
‫صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها‪ ,‬فأدركنككا وقككد أرهقتنككا‬
‫الصلة‪ ,‬صلة العصر‪ ,‬ونحككن نتوضككأ‪ ,‬فجعلنككا نمسككح علككى أرجلنككا‬
‫فنادى بأعلى صوته »أسككبغوا الوضككوء ويككل للعقككاب مككن النككار«‬
‫وكذلك هو في الصحيحين عن أبي هريرة‪ .‬وفي صحيح مسلم عن‬
‫عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال »أسبغوا الوضككوء‬
‫ويل للعقككاب مككن النككار« وروى الليككث بككن سككعد عككن حيككوة بككن‬
‫شريح‪ ,‬عن عقبة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث بن حككرز أنككه‬
‫سمع رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم يقككول »ويككل للعقككاب‬
‫وبطون القككدام مكن النكار« رواه الككبيهقي والحككاكم‪ ,‬وهكذا إسكناد‬
‫صحيح‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬حدثنا شعبة عن‬
‫أبي إسحاق أنه سمع سعيد بن أبي كرب أو شعيب بن أبككي كككرب‬
‫قال‪ :‬سمعت جابر بن عبككد اللككه وهككو علككى جبككل يقككول‪ :‬سككمعت‬
‫رسول الله صككلى اللككه عليككه وسكلم يقككول »ويككل للعراقيككب مككن‬
‫النار« وحدثنا أسود بن عامر‪ ,‬أخبرنا إسككرائيل عككن أبككي إسككحاق‪,‬‬
‫عن سعيد بن أبي كرب‪ ,‬عن جابر بككن عبككد اللككه قككال‪ :‬رأى النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في ِرجككل َرجككل مثككل الككدرهم لككم يغسككله‪,‬‬
‫فقال »ويل للعقاب من النار« ورواه ابن ماجه عن أبي بكككر بككن‬
‫أبي شيبة‪ ,‬عن أبي الحوص‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن سعيد به نحوه‪.‬‬
‫وكككذا رواه ابككن جريككر مككن حككديث سككفيان الثككوري وشككعبة بككن‬
‫الحجاج وغير واحد‪ ,‬عن أبي إسحاق السبيعي‪ ,‬عن سعيد بككن أبككي‬
‫كرب‪ ,‬عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسككلم مثلككه‪ .‬ثككم قككال‪:‬‬
‫حدثنا علي بن مسلم‪ ,‬حدثنا عبد الصككمد بككن عبككد الككوارث‪ ,‬حككدثنا‬
‫‪364‬‬
‫حفص عن العمش‪ ,‬عن أبي سككفيان‪ ,‬عككن جككابر أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليككه وسككلم رأى قوم كا ً يتوضككؤون لككم يصككب أعقككابهم‬
‫المككككككاء‪ ,‬فقككككككال »ويككككككل للعراقيككككككب مككككككن النككككككار«‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا خلف بن الوليد‪ ,‬حدثنا أيككوب بككن عقبككة‬
‫عن يحيى بن أبي كثير‪ ,‬عن أبي سلمة‪ ,‬عككن معيقيككب‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »ويل للعقاب من النار« تفككرد‬
‫بكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه أحمكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككد‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثني علي بن عبككد العلككى‪ ,‬حككدثنا المحككاربي‬
‫عن مطرح بن يزيد‪ ,‬عن عبيد الله بن زحككر‪ ,‬عككن علككي بككن يزيككد‪,‬‬
‫عن القاسم‪ ,‬عن أبي أمامة‪ ,‬قال قال رسول الله صلى الله عليككه‬
‫وسلم »ويل للعقاب مككن النككار«‪ .‬قككال‪ :‬فمككا بقككي فككي المسككجد‬
‫شريف ول وضككيع إل نظككرت إليككه يقلككب عرقككوبيه‪ ,‬ينظككر إليهمككا‪.‬‬
‫وحدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا حسين عن زائدة عككن ليككث‪ ,‬حككدثني عبككد‬
‫الرحمن بن سابط عككن أبككي أمامككة أو عككن أخككي أبككي أمامككة‪ :‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر قوما ً يصلون‪ ,‬وفي عقككب‬
‫أحدهم أو كعب أحدهم‪ ,‬مثل موضع الدرهم أو موضككع الظفككر لككم‬
‫يمسه الماء‪ ,‬فقال »ويل للعقاب من النار«‪ .‬قال‪ :‬فجعل الرجككل‬
‫إذا رأى فكككي عقبكككه شكككيئا ً لكككم يصكككبه المكككاء‪ ,‬أعكككاد وضكككوءه‪.‬‬
‫ووجه الدللة من هذه الحاديث ظاهرة‪ ,‬وذلك أنه لو كان فككرض‬
‫الرجلين مسحهما‪ ,‬أو أنه يجوز ذلك فيهما لمككا توعككد علككى تركككه‪,‬‬
‫لن المسح ل يستوعب جميع الرجل بل يجري فيه ما يجككري فككي‬
‫مسح الخف‪ ,‬وهكككذا وجككه هككذه الدللككة علككى الشككيعة المككام أبككو‬
‫جعفر بن جرير رحمه الله تعكالى‪ ,‬وقككد روى مسكلم فكي صكحيحه‬
‫من طريق أبي الزبير عن جابر‪ ,‬عن عمككر بككن الخطككاب‪ :‬أن رجل ً‬
‫توضأ فترك موضع ظفر على قدمه‪ ,‬فأبصره النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وقال »ارجكع فأحسككن وضكوءك«‪ .‬وقكال الحككافظ أبكو بككر‬
‫البيهقي‪ :‬أخبرنا أبو عبد الله الحافظ‪ ,‬أخبرنا أبو العباس محمد بككن‬
‫يعقكوب‪ ,‬حكدثنا محمكد بكن إسكحاق الصكنعاني‪ ,‬حكدثنا هكارون بكن‬
‫معروف‪ ,‬حدثنا ابن وهب‪ ,‬حدثنا جرير بن حازم أنه سمع قتادة بن‬
‫دعامة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أنس بن مالكك أن رجل ً جكاء إلكى النكبي صكلى‬
‫الله عليه وسلم قد توضأ وترك علككى قككدمه مثككل موضككع الظفككر‪,‬‬
‫فقككال لككه رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »ارجككع فأحسككن‬
‫‪365‬‬
‫وضوءك« وهكذا رواه أبو داود عن هارون بن معروف وابن مككاجه‬
‫عن حرملة بن يحيى‪ ,‬كلهما عن ابن وهب به‪ .‬وهككذا إسككناد جيككد‪,‬‬
‫رجاله كلهم ثقات‪ ,‬لكن قال أبو داود‪ :‬ليس هذا الحديث بمعروف‪,‬‬
‫لم يروه إل ابن وهب‪ .‬وحدثنا موسى بن إسككماعيل‪ ,‬حككدثنا حمككاد‪,‬‬
‫أخبرنا يونس وحميد عن الحسن‪ :‬أن رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسكككككككككككككلم‪ ,‬بمعنكككككككككككككى حكككككككككككككديث قتكككككككككككككادة‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا إبراهيم بن أبككي العبككاس‪ ,‬حككدثنا بقيككة‪,‬‬
‫حدثني يحيى بن سعد عن خالد بن معدان‪ ,‬عن بعض أزواج النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬رأى رجل ً يصكلي‪ ,‬وفكي ظهكر قككدمه لمعكة‬
‫قدر الدرهم لم يصبها الماء‪ ,‬فأمره رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم أن يعيككد الوضككوء‪ .‬ورواه أبككو داود مككن حككديث بقيككة‪ ,‬وزاد‪:‬‬
‫والصكككلة‪ .‬وهكككذا إسكككناد جيكككد قكككوي صكككحيح‪ ,‬واللكككه أعلكككم‪.‬‬
‫وفي حديث حمران عن عثمان في صفة وضوء النبي صلى اللككه‬
‫عليه وسلم أنه خلل بين أصككابعه‪ .‬وروى أهككل السككنن مككن حككديث‬
‫إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة‪ ,‬عككن أبيككه قككال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول الله أخبرني عن الوضوء‪ .‬فقككال »أسككبغ الوضككوء‪,‬‬
‫وخلل بين الصككابع‪ ,‬وبككالغ فككي الستنشككاق إل أن تكككون صككائمًا«‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حكدثنا عبكد اللكه بككن يزيككد أبكو عبكد الرحمكن‬
‫المقككري‪ ,‬حككدثنا عكرمككة بككن عمككار‪ ,‬حككدثنا شككداد بككن عبككد اللككه‬
‫الدمشقي قال‪ :‬قال أبو أمامة‪ :‬حدثنا عمرو بن عبسة قال‪ :‬قلككت‪:‬‬
‫يا رسول الله‪ ,‬أخبرني عن الوضوء‪ ,‬قال »مامنكم من أحد يقككرب‬
‫وضوءه ثم يتمضككمض ويستنشككق وينتككثر إل خرجككت خطايككاه مككن‬
‫فمه وخياشيمه‪ ,‬مع الماء حين ينتثر‪ ,‬ثككم يغسككل وجهككه كمكا أمككره‬
‫الله إل خرجت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء‪ ,‬ثم يغسل‬
‫يديه إلى المرفقين إل خّرت خطايا يديه مككن أطككراف أنككامله‪ ,‬ثككم‬
‫يمسح رأسه إل خّرت خطايا رأسه من أطراف شككعره مككع المككاء‪,‬‬
‫ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إل خّرت خطايا قدميه‬
‫من أطراف أصابعه مع الماء‪ ,‬ثم يقككوم فيحمككد اللككه ويثنككي عليككه‬
‫بالذي هو له أهل‪ ,‬ثم يركع ركعتين إل خرج من ذنوبه كيوم ولككدته‬
‫أمكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه«‪.‬‬
‫قال أبو أمامة‪ :‬يا عمرو‪ ,‬انظر ما تقول‪ ,‬سمعت هذا من رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أيعطى هذا الرجككل كلككه فككي مقككامه ؟‬
‫‪366‬‬
‫فقككال عمككرو بككن عبسككة‪ :‬يككا أبككا أمامككة‪ ,‬لقككد كككبرت سككني‪ ,‬ورق‬
‫عظمي‪ ,‬واقترب أجلي‪ ,‬وما بي حاجة أن أكذب علككى اللككه وعلككى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم أسمعه مككن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم إل مرة أو مرتين أو ثلثًا‪ ,‬لقد سككمعته سككبع‬
‫مكككككرات أو أككككككثر مكككككن ذلكككككك‪ ,‬وهكككككذا إسكككككناد صكككككحيح‪.‬‬
‫وهو في صحيح مسلم من وجه آخر‪ ,‬وفيه‪ :‬ثم يغسل قدميه كما‬
‫أمره الله‪ ,‬فدل علككى أن القككرآن يككأمر بالغسككل‪ .‬وهكككذا روى أبككو‬
‫إسحاق السبيعي عن الحارث‪ ,‬عن علي بن أبي طالب رضي اللككه‬
‫عنه أنه قال‪ :‬اغسلوا القدمين إلى الكعبين كما أمرتم‪ ,‬ومككن ههنككا‬
‫يتضح لك المراد من حككديث عبكد خيكر عككن علككي أن رسككول اللكه‬
‫صلى الله عليه وسلم رش على قدميه المككاء وهمككا فككي النعليككن‪,‬‬
‫فدلكهما‪ ,‬إنما أراد غسل ً خفيفًا‪ ,‬وهمككا فككي النعليككن‪ ,‬ول مككانع مككن‬
‫إيجاد الغسل والرجل في نعلها‪ ,‬ولكن في هذا رد على المتعمقين‬
‫والمتنطعيكككككككككككككككككن مكككككككككككككككككن الموسوسكككككككككككككككككين‪.‬‬
‫وهكذا الحككديث الككذي أورده ابككن جريككر علككى نفسككه‪ ,‬وهككو مككن‬
‫روايته عن العمش‪ ,‬عن أبي وائل‪ ,‬عن حذيفة قككال‪ :‬أتككى رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم‪ ,‬فبال قائما ً ثككم دعككا بمككاء‬
‫فتوضأ ومسح على نعليه‪ ,‬وهو حديث صحيح وقد أجاب ابن جريككر‬
‫عنه بأن الثقات الحفاظ رووه عن العمككش‪ ,‬عككن أبككي وائل‪ ,‬عككن‬
‫حذيفككة‪ ,‬قككال‪ :‬فبككال قائمكا ً ثككم توضككأ ومسككح علككى خفيككه‪ ,‬قلككت‪:‬‬
‫ويحتمل الجمع بينهما بأن يكون في رجليككه خفككان وعليهمككا نعلن‪,‬‬
‫وهكذا الحديث الذي رواه المام أحمد بن حنبل‪ :‬حدثنا يحيككى عككن‬
‫شعبة‪ ,‬حدثني يعلى عن أبيه‪ ,‬عن أوس بن أبي أوس‪ ,‬قال‪ :‬رأيككت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه‪ ,‬ثم قام‬
‫إلى الصككلة‪ .‬وقككد رواه أبككو داود عككن مسككدد وعبككاد بككن موسككى‪,‬‬
‫كلهما عن هشيم‪ ,‬عن يعلى بن عطككاء‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬عككن أوس بككن‬
‫أبي أوس قال‪ :‬رأيككت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم أتككى‬
‫سكككباطة قكككوم‪ ,‬فبكككال وتوضكككأ ومسكككح علكككى نعليكككه وقكككدميه‪.‬‬
‫وقد رواه ابن جرير من طريككق شككعبة ومككن طريككق هشككيم‪ ,‬ثككم‬
‫قال‪ :‬وهذا محمول على أنه توضأ كذلك وهو غير محككدث‪ ,‬إذ كككان‬
‫غير جائز أن تكون فرائض الله وسنن رسوله متنافية ومتعارضككة‪,‬‬
‫وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم المر بعمككوم غسككل القككدمين‬
‫‪367‬‬
‫في الوضوء بالماء بالنقل المستفيض القاطع عذر من انتهككى إليككه‬
‫وبلغه‪ ,‬ولمككا ككان القككرآن آمككرا ً بغسككل الرجليككن كمكا فككي قككراءة‬
‫النصب‪ ,‬وكما هو الواجب في حمككل قككراءة الخفككض عليككه‪ ,‬تككوهم‬
‫لية ناسخة لرخصة المسككح علككى الخفيككن‪,‬‬ ‫بعض السلف أن هذه ا َ‬
‫وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب‪ ,‬ولكن لم يصح إسناده‪ ,‬ثم‬
‫الثابت عنه خلفه‪ ,‬وليس كما زعموه‪ ,‬فإنه قد ثبت أن النبي صلى‬
‫ليككة الكريمككة‪.‬‬‫الله عليه وسلم مسح على الخفين بعد نزول هذه ا َ‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم‪ ,‬حدثنا زيككاد بككن عبككد‬
‫الله بن علثة عن عبد الكريم بن مالك الجزري‪ ,‬عن مجاهككد‪ ,‬عككن‬
‫جرير بن عبد الله البجلي قال‪ :‬أنا أسلمت بعد نزول المائدة‪ ,‬وأنككا‬
‫رأيت رسول الله صلى الله عليككه وسككلم يمسككح بعككدما أسككلمت‪,‬‬
‫تفرد به أحمد‪ .‬وفي الصحيحين من حديث العمش عككن إبراهيككم‪,‬‬
‫عن همام قال‪ :‬بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه‪ ,‬فقيل‪ :‬تفعل‬
‫هذا ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ,‬رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثككم‬
‫توضككأ ومسككح علككى خفيككه‪ ,‬قككال العمككش‪ :‬قككال إبراهيككم‪ :‬فكككان‬
‫يعجبهم هذا الحديث لن إسلم جرير كان بعد نزول المائدة‪ ,‬لفكظ‬
‫مسلم‪ .‬وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫ل‪ ,‬كما هو مقرر فككي‬ ‫مشروعية المسح على الخفين قول ً منه وفع ً‬
‫كتاب الحكام الكبير مككع مككا يحتككاج إلككى ذكككره هنككاك مككن تككأقيت‬
‫المسح أو عدمه‪ ,‬أو التفصيل فيه‪ ,‬كما هو مبسككوط فككي موضككعه‪.‬‬
‫وقد خالفت الروافض في ذلك بل مستند بل بجهل وضككلل‪ ,‬مككع‬
‫أنه ثابت في صحيح مسلم من رواية أمير المؤمنين علي بككن أبككي‬
‫طالب رضي الله عنه‪ ,‬كما ثبككت فككي الصككحيحين عنككه عككن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم النهي عككن نكككاح المتعككة وهككم يسككتبيحونها‪,‬‬
‫لية الكريمة دالة على وجوب غسل الرجلين مككع مككا‬ ‫وكذلك هذه ا َ‬
‫ثبت بالتواتر من فعل رسككول اللكه صكلى اللكه عليككه وسككلم علككى‬
‫لية الكريمة‪ ,‬وهم مخالفون لككذلك كلككه وليككس‬ ‫وفق ما دلت هذه ا َ‬
‫لهم دليل صحيح في نفس المر‪ ,‬ولله الحمد‪ ,‬وهكذا خالفوا الئمة‬
‫والسلف في الكعبين اللذين في القدمين فعندهم أنهما في ظهككر‬
‫القدم فعندهم في كل رجل كعب‪ ,‬وعند الجمهور أن الكعبين همككا‬
‫العظمان الناتئان عند مفصككل السككاق والقككدم‪ .‬قككال الربيككع‪ :‬قككال‬
‫الشافعي‪ :‬لم أعلم مخالفا ً في أن الكعبين اللذين ذكرهما الله في‬
‫‪368‬‬
‫كتابه في الوضوء هما الناتئان‪ ,‬وهما مجمع مفصل الساق والقدم‪,‬‬
‫هذا لفظه‪ ,‬فعند الئمة رحمهم الله‪ :‬في كل قدم كعبان‪ ,‬كمككا هككو‬
‫المعروف عند الناس‪ ,‬وكما دلت عليه السنة‪ ,‬ففي الصحيحين من‬
‫طريق حمران عككن عثمككان أنككه توضككأ فغسككل رجلكه اليمنككى إلككى‬
‫الكعكككككككككككككبين‪ ,‬واليسكككككككككككككرى مثكككككككككككككل ذلكككككككككككككك‪.‬‬
‫وروى البخاري تعليقكا ً مجزومكا ً بككه وأبككو داود وابككن خزيمككة فككي‬
‫صحيحه من رواية أبي القاسم الحسيني بن الحارث الجدلي‪ ,‬عككن‬
‫النعمان بن بشير قال‪ :‬أقبل علينككا رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم بككوجهه فقككال »أقيمككوا صككفوفكم كك ثلثككا كك واللككه لتقيمككن‬
‫صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم« قال‪ :‬فرأيت الرجككل يلكزق‬
‫كعبه بكعب صاحبه‪ ,‬وركبته بركبة صككاحبه‪ ,‬ومنكبككه بمنكبككه‪ ,‬لفككظ‬
‫ابن خزيمة‪ ,‬فليس يمكن أن يلزق كعبه بكعب صاحبه‪ ,‬إل والمككراد‬
‫لخككر‪ ,‬فككدل ذلككك‬ ‫به العظم الناتىء في الساق حتى يحاذي كعب ا َ‬
‫على ما ذكرناه من أنهمككا العظمككان النككاتئان عنككد مفصككل السككاق‬
‫والقدم كما هو مذهب أهل السككنة‪ ,‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا‬
‫أبي‪ ,‬حدثنا إسكماعيل بكن موسكى‪ ,‬أخبرنكا شكريك عكن يحيكى بكن‬
‫الحارث التيمي يعني الخابر‪ ,‬قال‪ :‬نظرت في قتلى أصككحاب زيككد‪,‬‬
‫فوجدت الكعب فوق ظهر القدم‪ ,‬وهذه عقوبة عوقب بها الشككيعة‬
‫بعككد قتلهككم‪ ,‬تنكيل بهككم فككي مخككالفتهم الحككق وإصككرارهم عليككه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكككم‬
‫من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا ً طيب كا ً‬
‫فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه{ كل ذلك قد تقككدم الكلم عليككه‬
‫في تفسير آية النساء‪ ,‬فل حاجة بنا إلى إعككادته لئل يطكول الكلم‪,‬‬
‫وقد ذكرنا سبب نزول آية التيمم هنككاك‪ ,‬لكككن البخككاري روى ههنككا‬
‫لية الكريمة فقككال‪ :‬حككدثنا يحيككى بككن سككليمان‪,‬‬ ‫حديثا ً خاصا ً بهذه ا َ‬
‫حدثنا ابن وهب‪ ,‬أخبرني عمرو بككن الحككارث أن عبككد الرحمككن بككن‬
‫القاسم حككدثه عككن أبيككه‪ ,‬عككن عائشككة قككالت‪ :‬سككقطت قلدة لككي‬
‫بالبيداء ونحن داخلون المدينة‪ ,‬فأناخ رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم ونزل‪ ,‬فثنى رأسه في حجري راقدًا‪ ,‬فأقبل أبو بكر فلكزني‬
‫لكزة شكديدة وقكال‪ :‬حبسكت النكاس فكي قلدة‪ ,‬فتمنيكت المكوت‬
‫لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني‪ ,‬وقككد أوجعنككي‪ ,‬ثككم‬
‫إن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم اسككتيقظ‪ ,‬وحضككرت الصككبح‪,‬‬
‫‪369‬‬
‫فالتمس الماء فلم يوجد‪ ,‬فنزلت }يككا أيهككا الككذين آمنككوا إذا قمتككم‬
‫ليككة‪ ,‬فقككال أسككيد بككن‬ ‫إلى الصلة فاغسلوا وجوهكم{ إلككى آخككر ا َ‬
‫الحضير‪ :‬لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إل بركة‬
‫لهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ما يريد الله ليجعل عليكم مككن حككرج{ أي فلهككذا‬
‫سهل عليكم ويسر ولم يعسر‪ ,‬بل أباح التيمم عنككد المككرض وعنككد‬
‫فقد الماء توسعة عليكم‪ ,‬و رحمة بكم وجعله في حككق مككن شككرع‬
‫له يقوم مقام الماء إل من بعض الوجوه كما تقدم بيانه‪ ,‬وكما هككو‬
‫مقككرر فككي كتككاب الحكككام الكككبير‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬ولكككن يريككد‬
‫ليطهركككم وليتككم نعمتككه عليكككم لعلكككم تشكككرون{ أي لعلكككم‬
‫تشكرون نعمككه عليكككم فيمككا شككرعه لكككم مككن التوسككعة والرأفككة‬
‫والرحمة والتسككهيل والسككماحة‪ ,‬وقككد وردت السككنة بككالحث علككى‬
‫الدعاء عقب الوضوء بأن يجعل فككاعله مككن المتطهريككن الككداخلين‬
‫لية الكريمة‪ ,‬كما رواه المام أحمد ومسلم وأهل‬ ‫في امتثال هذه ا َ‬
‫السنن عن عقبة بن عامر قال‪ :‬كانت علينا رعايككة البككل‪ ,‬فجككاءت‬
‫نوبتي فروحتها بعشي‪ ,‬فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قائما ً يحدث الناس‪ ,‬فككأدركت مككن قككوله »مككا مككن مسككلم يتوضككأ‬
‫فيحسن وضككوءه‪ ,‬ثككم يقككوم فيصككلي ركعككتين مقبل ً عليهمككا بقلبككه‬
‫ووجهه‪ ,‬إل وجبت له الجنة« قال‪ :‬قلت‪ :‬ما أجككود هككذا‪ ,‬فككإذا قككائل‬
‫بين يدي يقول‪ :‬التي قبلها أجود منهككا‪ ,‬فنظككرت فككإذا عمككر رضككي‬
‫الله عنه فقال‪ :‬إني قد رأيتك جئت آنفا ً قال» مككا منكككم مككن أحككد‬
‫يتوضأ فيبلغ أوفيسبغ الوضوء‪ ,‬يقول‪ :‬أشهد أن ل إلككه إل اللككه وأن‬
‫محمدا ً عبده ورسوله‪ ,‬إل فتحت له أبككواب الجنككة الثمانيككة‪ ,‬يككدخل‬
‫مكككككككككككن أيهكككككككككككا شكككككككككككاء« لفكككككككككككظ مسكككككككككككلم‪.‬‬
‫وقال مالك عن نهشل بن أبي صالح‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عككن أبككي هريككرة‬
‫أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال »إذا توضككأ العبككد‬
‫المسلم أو المؤمن فغسل وجهه‪ ,‬خرج من وجهه‪ ,‬كل خطيئة نظر‬
‫إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء‪ ,‬فإذا غسل يككديه خككرج‬
‫من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر المككاء‪,‬‬
‫فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجله مع الماء أو مككع‬
‫آخر قطر الماء‪ ,‬حتى يخرج نقي كا ً مككن الككذنوب« رواه مسككلم عككن‬
‫أبي الطاهر‪ ,‬عن ابن وهب‪ ,‬عن مالك به‪ ,‬وقال ابن جريككر‪ :‬حككدثنا‬
‫‪370‬‬
‫أبو كريب‪ ,‬حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان‪ ,‬عككن منصككور‪ ,‬عككن‬
‫سالم بن أبي الجعد‪ ,‬عن كعكب بككن مكرة قكال‪ :‬قكال رسكول اللكه‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم »مككا مككن رجككل يتوضككأ فيغسككل يككديه أو‬
‫ذراعيككه‪ ,‬إل خرجككت خطايككاه منهمككا‪ ,‬فككإذا غسككل وجهككه خرجككت‬
‫خطاياه من وجهه‪ ,‬فإذا مسح رأسكه خرجككت خطايككاه مككن رأسكه‪,‬‬
‫فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه« هذا لفظه‪ .‬وقد رواه‬
‫المام أحمد عن محمد بككن جعفككر‪ ,‬عككن شككعبة عككن منصككور‪ ,‬عككن‬
‫سالم‪ ,‬عن مرة بن كعب أو كعب بككن مككرة السككلمي‪ .,‬عككن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال »وإذا توضأ العبد فغسل يككديه خرجككت‬
‫خطاياه من بين يديه‪ ,‬وإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهككه‪,‬‬
‫وإذا غسل ذراعيه خرجت خطاياه من ذراعيككه‪ ,‬وإذا غسككل رجليككه‬
‫خرجت خطاياه من رجليه« قال شعبة‪ :‬ولم يذكر مسككح الككرأس ‪,‬‬
‫وهككككككككككككككككككككككذا إسككككككككككككككككككككككناد صككككككككككككككككككككككحيح‪,‬‬
‫وروى ابككن جريككر مككن طريككق شككمر بككن عطيككة عككن شككهر بككن‬
‫حوشب‪ ,‬عن أبي أمامة قال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »من توضأ فأحسن الوضوء ثككم قككام إلككى الصككلة‪ ,‬خرجككت‬
‫ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه« وروى مسلم في صحيحه‬
‫من حكديث يحيككى بكن أبككي كككثير‪ ,‬عكن زيككد بككن سككلم‪ ,‬عكن جككده‬
‫ممطور‪ ,‬عن أبي مالك الشعري أن رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قكال »الطهكور شكطر اليمكان‪ ,‬والحمكد للكه تمل الميككزان‪,‬‬
‫وسبحان الله واللككه أكككبر تمل مككا بيككن السككماء والرض‪ ,‬والصككوم‬
‫جنة‪ ,‬والصبر ضياء‪ ,‬والصدقة برهان‪ ,‬والقرآن حجككة لككك أو عليككك‪,‬‬
‫كل الناس يغدو فبككائع نفسككه فمعتقهككا أو موبقهككا«‪ .‬وفككي صككحيح‬
‫مسلم من رواية سماك بن حرب عن مصعب بن سككعد‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عمر قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »ل يقبككل اللككه‬
‫صككدقة مككن غلككول‪ ,‬ول صككلة بغيككر طهككور«‪ .‬وقككال أبككو داود‬
‫الطيالسي‪ :‬حدثنا شككعبة عككن قتككادة‪ ,‬سككمعت أبككا المليككح الهككذلي‬
‫يحدث عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬كنت مع رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫في بيت فسمعته يقول »إن الله ل يقبل صلة من غير طهور‪ ,‬ول‬
‫صدقة من غلول« وكذا رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه‬
‫مككككككككككككككككككككككن حككككككككككككككككككككككديث شككككككككككككككككككككككعبة‪.‬‬
‫‪371‬‬
‫م‬ ‫ذي َواث ََقك ُككم ب ِكهِ إ ِذ ْ قُل ْت ُك ْ‬ ‫ه ال ّك ِ‬‫ميث َككاقَ ُ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ة الل ّكهِ عَل َي ْك ُك ْ‬ ‫م َ‬‫** َواذ ْك ُُروا ْ ن ِعْ َ‬
‫دورِ * ي َككا أ َي ّهَككآ‬ ‫صك ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ب ِك َ‬ ‫ه عَِليك ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫معَْنا وَأط َعَْنا َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫َ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫شككَنآ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬‫جرِ َ‬ ‫ط وَل َ ي َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫دآءَ ِبال ِْق ْ‬ ‫شه َ َ‬ ‫ن لل ّهِ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫كوُنوا ْ قَ ّ‬ ‫مُنوا ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫قَوم عَل َ َ‬
‫ن الل ّك َ‬
‫ه‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ب ِللت ّْقوَىَ َوات ُّقككوا ْ الل ّك َ‬ ‫ى أل ّ ت َعْدُِلوا ْ اعْدُِلوا ْ هُوَ أقَْر ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ٍ‬
‫ت ل َُهككم‬ ‫حا ِ‬ ‫صككال ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن * وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ك ََفُروا ْ وَك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنآ أوَْلـئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫حا ُ‬ ‫صك َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م * َوال ّ ِ‬ ‫ظي ٌ‬
‫جٌر عَ ِ‬ ‫مغِْفَرةٌ وَأ ْ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫م ق َ كو ْ ٌ‬ ‫م إ ِذ ْ هَ ك ّ‬ ‫ة اللهِ عَلي ْك ْ‬ ‫م َ‬ ‫مُنوا اذ ْكُروا ن ِعْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حيم ِ * َيا أي َّهآ ال ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ال َ‬
‫ه وَعَل َككى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َوات ُّقككوا ْ الل ّك َ‬ ‫عنك ُك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ف أي ْكدِي َهُ ْ‬ ‫م فَك َ ّ‬ ‫م أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫طوا ْ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫أن ي َب ْ ُ‬
‫ن‬
‫مُنكككككككككككككككككككو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫كككككككككككككككككككك ِ‬ ‫الّلكككككككككككككككككككهِ فَل ْي َت َوَ ّ‬
‫يقول تعالى مذكرا ً عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهككم‬
‫هذا الدين العظيم‪ .‬وإرساله إليهم هذا الرسككول الكريككم ومككا أخككذ‬
‫عليهم من العهد والميثككاق فككي مبككايعته علككى متككابعته ومناصككرته‬
‫ومؤازرته‪ ,‬والقيام بدينه وإبلغه عنككه‪ ,‬وقبككوله منككه‪ ,‬فقككال تعككالى‪:‬‬
‫}واذكككروا نعمككة اللككه عليكككم وميثككاقه الككذي واثقكككم بككه إذ قلتككم‬
‫سمعنا وأطعنا{ وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون عليهككا رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عند إسلمهم كما قككالوا‪ :‬بايعنككا رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم علككى السككمع والطاعككة فككي منشككطنا‬
‫ومكرهنا وأثرة علينا‪ ,‬وأن ل ننازع المر أهلككه‪ ,‬وقككال اللككه تعككالى‪:‬‬
‫}ومالكم ل تؤمنون بالله والرسول يككدعوكم لتؤمنككوا بربكككم وقككد‬
‫أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين{‪ ,‬وقيل‪ :‬هذا تذكار لليهككود بمككا أخككذ‬
‫عليهم من المواثيق والعهود فككي متابعككة محمككد صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم والنقياد لشرعه‪ ,‬رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو تذكار بما أخذ تعالى مككن العهككد علككى ذريككة آدم حيككن‬
‫استخرجهم مكن صكلبه وأشكهدهم علكى أنفسكهم }ألسكتم بربككم‬
‫قالوا بلى شهدنا{ قاله مجاهككد ومقاتككل بككن حيككان‪ ,‬والقككول الول‬
‫أظهر‪ ,‬وهوالمحكي عن ابن عباس والسككدي واختككاره ابككن جريككر‪.‬‬
‫ثكم قككال تعكالى‪} :‬واتقككوا اللكه{ تأكيكد وتحريكض علككى مواظبككة‬
‫التقوى في كل حال‪ ,‬ثم أعلمهم أنه يعلم ما يختلككج فككي الضككمائر‬
‫من السكرار والخكواطر‪ ,‬فقكال }إن اللكه عليكم بكذات الصكدور{‪,‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنكوا كونككوا قكوامين للكه{ أي كونككوا‬
‫قوامين بالحق لله عككز وجككل‪ ,‬ل لجككل النككاس والسككمعة‪ ,‬وكونككوا‬
‫}شهداء بالقسط{ أي بالعدل ل بالجور‪ ,‬وقد ثبت في الصككحيحين‬
‫‪372‬‬
‫عن النعمان بن بشير أنه قال‪ :‬نحلني أبي نحل ً فقالت أمي عمككرة‬
‫بنت رواحة‪ :‬ل أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬فجاءه ليشهده على صدقتي‪ ,‬فقال »أكككل ولككدك‪ ,‬نحلككت‬
‫مثله ؟« قال‪ :‬ل ‪ ,‬فقال »اتقوا الله واعدلوا في أولدكككم«‪ .‬وقككال‬
‫»إني ل أشهد علككى جككور« قككال‪ :‬فرجككع أبككي فككرد تلككك الصككدقة‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ول يجرمنكم شنآن قككوم علككى أل تعككدلوا{ أي ل‬
‫يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهككم‪ ,‬بككل اسككتعملوا العككدل‬
‫في كل أحد صديقا ً كان أو عدوًا‪ ,‬ولهككذا قككال }اعككدلوا هككو أقككرب‬
‫للتقوى{ أي عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه‪ ,‬ودل الفعل على‬
‫المصدر الذي عككاد الضككمير عليككه‪ ,‬كمككا فككي نظككائره مككن القككرآن‬
‫وغيره‪ ,‬كما في قوله }وإن قيل لككم ارجعككوا فككارجعوا هكو أزكككى‬
‫لكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككم{‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬هو أقرب للتقوى من باب استعمال أفعل التفضككيل فككي‬
‫لخككر منككه شككيء‪ ,‬كمككا فككي قككوله‬ ‫المحل الذي ليس في الجانب ا َ‬
‫تعالى‪} :‬أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ً وأحسن مقيل{ وكقول‬
‫بعض الصحابيات لعمر‪ :‬أنت أفظ وأغلككظ مككن رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬ثم قال تعككالى‪} :‬واتقككوا اللككه إن اللككه خككبير بمككا‬
‫تعملككون{ أي وسككيجزيكم علككى مككا علككم مككن أفعككالكم الككتي‬
‫عملتموها‪ ,‬إن خيرا ً فخير‪ ,‬وإن شرا ً فشر‪ ,‬ولهذا قال بعككده }وعككد‬
‫اللككه الككذين آمنككوا وعملككوا الصككالحات لهككم مغفككرة{ أي لككذنوبهم‬
‫}وأجر عظيم{ وهوالجنككة الككتي هككي مككن رحمتككه علككى عبككاده‪ ,‬ل‬
‫ينالونها بأعمالهم بل برحمة منه وفضككل‪ ,‬وإن كككان سككبب وصككول‬
‫الرحمة إليهم أعمالهم‪ ,‬وهو تعككالى الككذي جعلهككا أسككبابا ً إلككى نيككل‬
‫رحمتككه وفضككله وعفككوه ورضككوانه فالكككل منككه ولككه‪ ,‬فلككه الحمككد‬
‫والمنكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫ثم قال‪} :‬والذين كفروا وكذبوا بآياتنككا أولئك أصككحاب الجحيككم{‬
‫وهذا من عدله تعالى‪ ,‬وحكمته وحكمه الذي ل يجور فيككه‪ ,‬بككل هككو‬
‫الحكم العدل الحكيم القدير‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬يككا أيهككا الككذين آمنككوا‬
‫اذكروا نعمة اللككه عليكككم إذ هككم قككوم أن يبسككطوا إليكككم أيككديهم‬
‫فكف أيديهم عنكم{‪ .‬قال عبد الرزاق‪ :‬أخبرنا معمر عن الزهككري‪,‬‬
‫ذكره عن أبي سلمة‪ ,‬عن جابر‪ :‬أن النبي صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫ل‪ ,‬وتفككرق النككاس فككي العضككاه يسككتظلون تحتهككا‪ ,‬وعلككق‬ ‫نزل منز ً‬
‫‪373‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم سككلحه بشككجرة‪ ,‬فجككاء أعرابككي إلككى‬
‫سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪,‬فأخككذه فسككله‪,‬ثككم أقبككل‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬من يمنعككك منككي ؟ قككال‪:‬‬
‫»الله عز وجل«‪ .‬قال العرابي‪ ,‬مرتين أو ثلثًا‪ :‬من يمنعك منككي ؟‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم يقول »الله«‪ .‬قال‪ :‬فشام العرابككي‬
‫السيف‪ ,‬فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه‪ ,‬فأخبرهم خككبر‬
‫العرابي‪ ,‬وهو جالس إلى جنبكه‪ ,‬ولكم يعكاقبه‪ ,‬وقكال معمكر‪ :‬ككان‬
‫قتادة يذكر نحو هذا‪ ,‬ويذكر أن قوما ً من العككرب أرادوا أن يفتكككوا‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا العرابككي‪ ,‬وتككأول‬
‫}اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسككطوا إليكككم أيككديهم{‬
‫لية‪ ,‬وقصة هككذا العرابككي وهككو غككورث بككن الحككارث ثابتككة فككي ا‬ ‫ا َ‬
‫لصككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككحيح‪.‬‬
‫لية }يا أيها الذين آمنككوا‬ ‫وقال العوفي‪ ,‬عن ابن عباس في هذه ا َ‬
‫اذكروا نعمة اللككه عليكككم إذ هككم قككوم أن يبسككطوا إليكككم أيككديهم‬
‫فكف أيديهم عنكم{ وذلك أن قوما ً من اليهود صنعوا لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ولصحابه طعاما ً ليقتلوهم‪ ,‬فأوحى الله إليه‬
‫بشأنهم‪ ,‬فلككم يككأت الطعككام وأمككر أصككحابه فككأتوه‪ ,‬رواه ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ .‬وقال أبو مالك‪ :‬نزلت في كعب بن الشرف وأصحابه حيككن‬
‫أرادوا أن يغدروا بمحمد وأصحابه في دار كعب بن الشرف‪ ,‬رواه‬
‫ابن أبي حاتم‪ .‬وذكر محمد بن إسحاق بن يسار ومجاهد وعكرمككة‬
‫وغير واحد‪ ,‬أنها نزلت في شأن بني النضككير حيككن أرادوا أن يلقككوا‬
‫على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى‪ ,‬لمككا جككاءهم‬
‫يستعينهم في دية العامريين‪ ,‬ووكلوا عمرو بن جحككاش ابككن كعككب‬
‫بذلك‪ ,‬وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجككدار‬
‫واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه‪ ,‬فأطلع اللككه النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم على ما تمالؤوا عليككه‪ ,‬فرجككع إلككى المدينككة‬
‫ليككة‪ .‬وقككوله تعككالى‪:‬‬‫وتبعه أصككحابه‪ ,‬فككأنزل اللككه فككي ذلككك هككذه ا َ‬
‫}وعلى الله فليتوكل المؤمنون{ يعني من توكل علككى اللككه كفككاه‬
‫الله ما أهمه‪ ,‬وحفظه من شر الناس وعصمه‪ ,‬ثم أمر رسول الله‬
‫صلى الله عليككه وسككلم أن يغككدو إليهككم‪ ,‬فحاصككرهم حككتى أنزلهككم‬
‫فكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككأجلهم‪.‬‬
‫‪374‬‬
‫شَر ن َِقيبا ً‬ ‫ي عَ َ‬ ‫م اث ْن َ ْ‬
‫منهُ ُ‬ ‫ل وَب َعَث َْنا ِ‬ ‫سَرآِئي َ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫ميَثاقَ ب َن ِ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫** وَل ََقد ْ أ َ َ‬
‫ل الل ّكه إنككي معك ُكم ل َئ ِ َ‬
‫م‬ ‫منت ُك ْ‬ ‫م الّزك َككاةَ َوآ َ‬ ‫صكل َةَ َوآت َي ْت ُك ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫مت ُك ُ‬ ‫ن أقَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن عَن ْك ُك ْ‬ ‫سككنا ً ل ُك َّفكَر ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ه قَْرضكا ً َ‬ ‫م الل ّك َ‬ ‫ضكت ُ ُ‬ ‫م وَأقَْر ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫سِلي وَعَّزْرت ُ ُ‬ ‫ب ُِر ُ‬
‫مككن ك ََف كَر ب َعْ كد َ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر فَ َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َن ّك ُ ْ‬‫م وَل ُد ْ ِ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م َلعّناهُ ْ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫ضِهم ّ‬ ‫ما ن َْق ِ‬ ‫ل * فَب ِ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫وآَء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫م فََقد ْ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ك ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫حظ ّككا‬ ‫سككوا ْ َ‬ ‫ض كعِهِ وَن َ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م عَككن ّ‬ ‫ن ال ْك َل ِك َ‬ ‫حّرُفو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سي َ ً‬ ‫م َقا ِ‬ ‫جعَل َْنا قُُلوب َهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ف‬ ‫م َفاعْ ُ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫م إ ِل ّ قَِليل ً ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫خآئ ِن َةٍ ّ‬ ‫ى َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما ذ ُك ُِروا ْ ب ِهِ وَل َ ت ََزا ُ‬
‫ل ت َطل ِعُ عَل َ‬ ‫م ّ‬ ‫ّ‬
‫ْ‬
‫ن َقكالوا إ ِّنكا‬‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ك ِ‬ ‫مك َ‬ ‫ن * وَ ِ‬ ‫سكِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫حك ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن اللك َ‬‫ّ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫صَف ْ‬‫م َوا ْ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مككا ذ ُك ِكُروا ْ ب ِكهِ فَأغَْري ْن َككا ب َي ْن َهُك ُ‬ ‫م ّ‬ ‫حظ ّكا ً ّ‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫م فَن َ ُ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫خذ َْنا ِ‬ ‫صاَرىَ أ َ‬ ‫نَ َ‬
‫مككا ك َككاُنوا ْ‬ ‫ه بِ َ‬‫م الل ّك ُ‬ ‫ف ي ُن َب ّئ ُهُ ك ُ‬‫سو ْ َ‬ ‫مة ِ و َ َ‬ ‫ى ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬ ‫َ‬ ‫داوَةَ َوال ْب َغْ َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ضآَء إ ِل َ‬
‫ن‬
‫صكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن َُعو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫لما أمر تعالى عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه الذي أخذه‬
‫عليهم على لسان عبده ورسوله محمككد صككلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫وأمرهم بالقيام بالحق‪ ,‬والشهادة بالعككدل‪ ,‬وذكرهككم نعمككه عليهككم‬
‫الظاهرة والباطنة فيما هداهم له من الحككق والهككدى‪ ,‬شككرع يككبين‬
‫لهم كيف أخذ العهود والمواثيككق علككى مككن كككان قبلهككم مككن أهككل‬
‫الكتابين‪ :‬اليهود والنصارى‪ ,‬فلما نقضوا عهككوده ومككواثيقه أعقبهككم‬
‫ذلك لعنا ً منه لهم‪ ,‬وطردا ً عن بكابه وجنككابه‪ ,‬وحجابكا ً لقلككوبهم عككن‬
‫الوصككول إلككى الهككدى وديككن الحككق‪ ,‬وهككو العلككم النككافع‪ ,‬والعمككل‬
‫الصالح‪ ,‬فقال تعالى‪} :‬ولقد أخذ الله ميثاق بنككي إسككرائيل وبعثنككا‬
‫منهككم اثنككي عشككر نقيب كًا{ يعنككي عرفككاء علككى قبككائلهم بالمبايعككة‬
‫والسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه‪ ,‬وقد ذكر ابككن عبككاس عككن‬
‫ابن إسحاق وغير واحد أن هذا كان لما توجه موسى عليه السككلم‬
‫لقتال الجبابرة‪ ,‬فأمر بأن يقيم نقبككاء مككن كككل سككبط نقيككب‪ ,‬قككال‬
‫محمد بن إسحاق‪ :‬فكان من سبط روبيل شامون بن ركون‪ ,‬ومن‬
‫سبط شمعون شافاط بن حري‪ ,‬ومن سبط يهوذا كالب بن يوفنا‪,‬‬
‫ومن سبط أتين ميخائيل بن يوسف‪ ,‬ومن سبط يوسف وهو سبط‬
‫إفرايم يوشع بن نون‪ ,‬ومن سبط بنيامين فلطككم بككن دفككون ومككن‬
‫سبط زبولون جدي بن شورى ومن سبط منشأ بن يوسككف جككدي‬
‫بن موسى ومن سبط دان خملئيككل بككن حمككل ومككن سككبط أشككار‬
‫ساطور بن ملكيل‪ ,‬ومن سبط نفثالي بحر بن وقسي‪ ,‬ومن سبط‬
‫يسكككككككككككككككاخر ليكككككككككككككككل بكككككككككككككككن مكيكككككككككككككككد‪.‬‬
‫‪375‬‬
‫وقد رأيككت فككي السككفر الرابككع مككن التككوراة تعككداد النقبككاء علككى‬
‫أسباط بني إسرائيل وأسماء مخالفة لم ذكره ابن إسككحاق‪ ,‬واللككه‬
‫أعلم‪ ,‬قال فيها‪ :‬فعلى بني روبيل اليصور بن سادون‪ ,‬وعلككى بنككي‬
‫شمعون شموال بن صورشكككي‪ ,‬وعلككى بنككي يهككوذا الحشككون بككن‬
‫عمياذاب‪ ,‬وعلى بني يساخر شال بن صاعون‪ ,‬وعلى بني زبولككون‬
‫الياب بن حالوب‪ ,‬وعلى بني إفرايم منشا بن عمنهور‪ ,‬وعلى بنككي‬
‫منشا حمليائيل بن يرصون‪ ,‬وعلى بني بنيامين أبيدن بن جككدعون‪,‬‬
‫وعلى بني دان جعيذر بن عميشذي‪ ,‬وعلى بنككي أشككار نحايككل بككن‬
‫عجران‪ ,‬وعلى بني كان السيف بن دعواييككل‪ ,‬وعلككى بنككي نفتككالي‬
‫أجككككككككككككككككككككككذع بككككككككككككككككككككككن عمينككككككككككككككككككككككان‪.‬‬
‫وهكذا لما بايع رسول الله صلى الله عليككه وسككلم النصككار ليلككة‬
‫العقبة‪ ,‬كان فيهم اثنا عشر نقيبًا‪ :‬ثلثة من الوس‪ :‬وهم أسيد بككن‬
‫الحضير‪ ,‬وسعد بن خيثمة‪ ,‬ورفاعة بن عبد المنذر‪ ,‬ويقال بدله أبككو‬
‫الهيثم بن التيهان رضي الله عنه‪ ,‬وتسعة مككن الخككزرج وهككم‪ :‬أبككو‬
‫أمامة أسعد بن زراة‪ ,‬وسككعد بككن الربيككع‪ ,‬وعبككد اللككه بككن رواحككة‪,‬‬
‫ورافككع بككن مالككك بككن العجلن‪ ,‬والككبراء بككن معككرور‪ ,‬وعبككادة بككن‬
‫الصامت‪ ,‬وسعد بن عبادة‪ ,‬وعبد الله بن عمرو بن حرام‪ ,‬والمنككذر‬
‫بن عمر بن حنيش رضي الله عنهم‪ ,‬وقد ذكرهم كعككب بككن مالككك‬
‫في شعر له‪ ,‬كمكا أورده ابكن إسكحاق رحمكه اللكه‪ ,‬والمقصكود أن‬
‫هؤلء كانوا عرفاء على قومهم ليلكتئذ عكن أمكر النككبي صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم لهم بذلك‪ ,‬وهم الككذين ولككوا المعاقككدة والمبايعككة عككن‬
‫قككومهم للنككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم علككى السككمع والطاعككة‪.‬‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا حسن بن موسى‪ ,‬حككدثنا حمككاد بككن زيككد‬
‫عن مجالد عن الشعبي‪ ,‬عن مسروق قال‪ :‬كنككا جلوس كا ً عنككد عبككد‬
‫الله بن مسعود وهو يقرئنككا القككرآن‪ ,‬فقككال لككه رجككل‪ :‬يككا أبككا عبككد‬
‫الرحمن‪ ,‬هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسككلم كككم يملككك‬
‫هذه المة من خليفة ؟ فقال عبد الله‪ :‬ما سككألني عنهككا أحككد منككذ‬
‫قدمت العراق قبلك‪ ,‬ثم قال‪ :‬نعم‪ ,‬ولقد سألنا رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم فقال »اثنا عشر كعدة نقباء بنككي إسككرائيل« هككذا‬
‫حككديث غريككب مككن هككذا الككوجه‪ ,‬وأصككل هككذا الحككديث ثككابت فككي‬
‫الصحيحين من حديث جابر بن سمرة‪ ,‬قال‪ :‬سككمعت النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم يقول »ل يزال أمر النككاس ماضككيا ً مككا وليهككم اثنككا‬
‫‪376‬‬
‫ل« ثم تكلم النبي صلى الله عليككه وسككلم بكلمككة خفيككت‬ ‫عشر رج ً‬
‫علي‪ ,‬فسألت أي ماذا قال النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم ؟ قككال‬
‫»كلهككم مككن قريككش« وهككذا لفككظ مسككلم‪ .‬ومعنككى هككذا الحككديث‬
‫البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا ً يقيم الحق ويعككدل فيهككم‪,‬‬
‫ول يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم‪ ,‬بل وقد وجككد منهككم أربعككة‬
‫على نسق وهم الخلفاء الربعة‪ :‬أبو بكر‪ ,‬وعمر‪ ,‬وعثمككان‪ ,‬وعلككي‪,‬‬
‫رضي الله عنهم‪ ,‬ومنهم عمر بن عبد العزيككز بل شككك عنككد الئمككة‬
‫وبعض بني العباس‪ ,‬ول تقوم الساعة حتى تكون وليتهم ل محالة‪,‬‬
‫والظككاهر أن منهككم المهككدي المبشككر بككه فككي الحككاديث الككواردة‬
‫بذكره‪ ,‬فذكر أنه يواطىء اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫واسم أبيه اسم أبيه‪ ,‬فيمل الرض عدل ً وقسككطا ً كمككا ملئت جككورا ً‬
‫وظلمًا‪ ,‬وليككس هككذا بككالمنتظر الككذي تتككوهم الرافضككة وجككوده ثككم‬
‫ظهوره من سرداب سامرا‪ ,‬فإن ذلك ليككس لككه حقيقككة ول وجككود‬
‫بالكلية‪ ,‬بككل هككو مككن هككوس العقككول السككخيفة‪ ,‬وتككوهم الخيككالت‬
‫الضعيفة‪ ,‬وليس المراد بهؤلء الخلفاء الثني عشككر الئمككة الثنككي‬
‫عشر الذين يعتقد فيهم الثنا عشرية من الروافض لجهلهككم وقلككة‬
‫عقلهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫وفي التوراة البشارة بإسماعيل عليه السلم‪ ,‬وإن الله يقيم من‬
‫صككلبه اثنككي عشككر عظيمككًا‪ ,‬وهككم هككؤلء الخلفككاء الثنككا عشككر‬
‫المذكورون فككي حككديث ابككن مسككعود وجككابر بككن سككمرة‪ ,‬وبعككض‬
‫الجهلككة ممككن أسككلم مككن اليهككود إذا اقككترن بهككم بعككض الشككيعة‬
‫يوهمونهم أنهم الئمة الثنا عشر‪ ,‬فيتشيع كثير منهم جهل ً وسككفها ً‬
‫لقلة علمهم وعلم من لقنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النككبي صككلى‬
‫اللكككككككككككككككككككككككه عليكككككككككككككككككككككككه وسكككككككككككككككككككككككلم‪.‬‬
‫وقوله تعككالى‪} :‬وقككال اللككه إنككي معكككم{ أي بحفظككي وكلءتككي‬
‫ونصري }لئن أقمتكم الصكلة وآتيتكم الزككاة وآمنتكم برسكلي{ أي‬
‫دقتموهم فيمككا يجيئونكككم بككه مككن الككوحي‪} ,‬وعزرتمككوهم{ أي‬ ‫صك ّ‬
‫نصرتموهم ووازرتموهم على الحق }وأقرضتم الله قرضا ً حسنًا{‬
‫وهو النفاق في سبيله وابتغاء مرضاته‪} ,‬لكفرن عنكم سيئاتكم{‬
‫أي ذنوبكم أمحوها وأسترها ول أؤاخذكم بهككا‪} ,‬ولدخلنكككم جنككات‬
‫تجري من تحتها النهككار{ أي أدفككع عنكككم المحككذور وأحصككل لكككم‬
‫المقصككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككود‪.‬‬
‫‪377‬‬
‫وقوله }فمن كفر بعد ذلك منكم فقككد ضكل سكواء السككبيل{ أي‬
‫فمن خالف هذا الميثاق بعد عقده وتوكيده وشده وجحده‪ ,‬وعامله‬
‫معاملة مككن ل يعرفككه‪ ,‬فقككد أخطككأ الطريككق الواضككح‪ ,‬وعككدل عككن‬
‫الهدى إلى الضلل‪ ,‬ثم أخبر تعالى عما حل بهم من العقوبككة عنككد‬
‫مخالفتهم ميثاقه ونقضهم عهككده‪ ,‬فقككال }فبمككا نقضككهم ميثككاقهم‬
‫لعناهم{ أي فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهككم لعنككاهم‪ ,‬أي‬
‫أبعككدناهم عككن الحككق وطردنككاهم عككن الهككدى‪} ,‬وجعلنككا قلككوبهم‬
‫قاسية{ أي فل يتعظككون بموعظككة لغلظهككا وقسككاوتها‪} ,‬يحرفككون‬
‫الكلم عن مواضعه{ أي فسدت فهومهم وساء تصرفهم في آيات‬
‫الله‪ ,‬وتأولوا كتابه على غير ما أنزله‪ ,‬وحملككوه علككى غيككر مككراده‪,‬‬
‫وقالوا عليه مالم يقل‪ ,‬عياذا ً بككالله مككن ذلككك‪} ,‬ونسككوا حظكا ً ممككا‬
‫ذكروا به{ أي وتركوا العمل به رغبة عنككه‪ .‬وقككال الحسككن‪ :‬تركككوا‬
‫عرى دينهم ووظائف الله تعالى التي ل يقبل العمل إل بهككا‪ ,‬وقككال‬
‫غيره‪ :‬تركوا العمل فصاروا إلى حالة رديئة‪ ,‬فل قلوب سككليمة‪ ,‬ول‬
‫فطر مستقيمة‪ ,‬ول أعمككال قويمكة‪} ,‬ول تككزال تطلككع علككى خائنكة‬
‫منهم{ يعني مكرهم وغدرهم لك ولصحابك‪ .‬وقال مجاهد وغيره‪:‬‬
‫يعني بذلك تمككالؤهم علككى الفتككك برسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم }فاعف عنهم واصفح{ وهذا هو عين النصككر والظفككر‪ ,‬كمككا‬
‫قال بعض السلف ما عاملت من عصى الله فيككك بمثككل أن تطيككع‬
‫الله فيه‪ ,‬وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق‪ ,‬ولعل اللككه أن‬
‫يهديهم‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬إن اللككه يحككب المحسككنين{ يعنككي بككه‬
‫ليككة )فككاعف عنهككم‬ ‫الصفح عمن أساء إليككك‪ .‬وقككال قتككادة‪ :‬هككذه ا َ‬
‫واصفح( منسوخة بقوله }قاتلوا الذين ل يؤمنكون بكالله ول بكاليوم‬
‫لخككككككككككككككككككككككككككككككككككككر{ ا َ‬
‫ليككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬ ‫ا َ‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ومن الذين قالوا إنا نصارى أخككذنا ميثككاقهم{ أي‬
‫ومن الذين ادعككوا لنفسككهم أنهككم نصككارى متككابعون المسككيح ابككن‬
‫مريم عليه السلم وليسوا كذلك‪ ,‬أخذنا عليهككم العهككود والمواثيككق‬
‫على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ومناصرته‪ ,‬ومؤازرته‪,‬‬
‫واقتفككاء آثككاره‪ ,‬وعلككى اليمككان بكككل نككبي يرسككله اللككه إلككى أهككل‬
‫الرض‪ ,‬ففعلوا كما فعل اليهود‪ ,‬خالفوا المواثيق‪ ,‬ونقضوا العهككود‪,‬‬
‫ولهككذا قككال تعكالى‪} :‬فنسككوا حظكا ً ممككا ذكككروا بكه فأغرينكا بينهككم‬
‫العككداوة والبغضككاء إلككى يككوم القيامككة{ أي فألقينككا بينهككم العككداوة‬
‫‪378‬‬
‫والبغضككاء لبعضككهم بعضكًا‪ ,‬ول يزالككون كككذلك إلككى قيككام السككاعة‪,‬‬
‫وككككذلك طكككوائف النصكككارى علكككى اختلف أجناسكككهم ل يزالكككون‬
‫متباغضين متعادين يكفر بعضهم بعضًا‪ ,‬ويلعن بعضهم بعضًا‪ ,‬فكككل‬
‫فرقككة تحككرم الخككرى‪ ,‬ول تككدعها تلككج معبككدها‪ ,‬فالملكيككة تكفككر‬
‫لريوسككية‪ ,‬كككل‬ ‫لخرون‪ ,‬وكككذلك النسككطورية وا َ‬ ‫اليعقوبية‪ ,‬وكذلك ا َ‬
‫طائفة تكفر الخرى في هذه الدنيا ويوم يقككوم الشككهاد‪ ,‬ثككم قككال‬
‫تعالى‪} :‬وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون{ وهذا تهديد ووعيد‬
‫أكيككد للنصككارى علككى مككا ارتكبككوه مككن الكككذب علككى اللككه وعلككى‬
‫رسوله‪ ,‬وما نسبوه إلى الرب عز وجل وتعالى وتقدس عن قولهم‬
‫علوا ً كبيرًا‪ ,‬من جعلهم له صاحبة وولدًا‪ ,‬تعالى الواحد الحد الفككرد‬
‫الصككمد الككذي لككم يلككد ولككم يولككد ولككم يكككن لككه كفككوا ً أحككد‪.‬‬
‫مككا ك ُن ْت ُك ْ‬
‫م‬ ‫م ّ‬‫م ك َِثيككرا ً ّ‬ ‫ن ل َك ُك ْ‬ ‫سككول َُنا ي ُب َي ّك ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جككآَءك ُ ْ‬ ‫ب قَد ْ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫** َيا أ َهْ َ‬
‫ب‬ ‫ن الل ّهِ ُنوٌر وَك َِتا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫جآءَك ُ ْ‬ ‫عن ك َِثيرٍ قَد ْ َ‬ ‫ب وَي َعُْفوا ْ َ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫خُفو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫ن‬‫م ِ‬ ‫م ّ‬ ‫جه ُ ْ‬‫خرِ ُ‬ ‫سل َم ِ وَي ُ ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سب ُ َ‬‫ه ُ‬ ‫وان َ ُ‬
‫ض َ‬
‫ن ات ّب َعَ رِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه َ‬‫دي ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫ن * ي َهْ ِ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ت إ ِلككى الّنككورِ ِبككإ ِذ ْن ِهِ وَي َْهكك ِ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫سككت َِقيم ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صككَرا ٍ‬ ‫ى ِ‬ ‫م إ ِلكك َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫مككا ِ‬ ‫الظل َ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عككن نفسككه الكريمككة أنككه قككد أرسككل رسككوله‬
‫محمدا ً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق إلككى جميككع أهككل‬
‫الرض‪ :‬عربهككم وعجمهككم‪ ,‬أميهككم وكتككابيهم‪ ,‬وأنككه بعثككه بالبينككات‬
‫والفرق بين الحق والباطككل‪ ,‬فقككال تعككالى‪} :‬يككا أهككل الكتككاب قككد‬
‫جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا ً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفككو‬
‫عن كثير{ أي يبين ما بدلوه وحرفوه وأولككوه‪ ,‬وافككتروا علككى اللككه‬
‫فيه‪ ,‬ويسكت عن كثير مما غيروه ول فائدة فككي بيككانه‪ .‬وقككد روى‬
‫الحاكم فككي مسككتدركه مككن حككديث الحسككين بككن واقككد عككن يزيككد‬
‫النحوي‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس رضككي اللككه عنككه‪ ,‬قككال‪ :‬مككن‬
‫كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث ل يحتسب قوله }يككا أهككل‬
‫الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كككثيرا ً ممككا كنتككم تخفككون مككن‬
‫الكتاب{ فكان الرجم مما أخفوه‪ ,‬ثم قككال‪ :‬صككحيح السككناد‪ ,‬ولككم‬
‫يخرجاه‪ .‬ثم أخبر تعالى عن القرآن العظيم الذي أنزله علككى نككبيه‬
‫الكريم فقال }قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهككدي بككه اللككه‬
‫من اتبع رضوانه سبل السلم{ أي طرق النجاة والسلمة ومناهككج‬
‫‪379‬‬
‫الستقامة‪} ,‬ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلككى‬
‫صككراط مسككتقيم{ أي ينجيهككم مككن المهالككك‪ ,‬ويوضككح لهككم أبيككن‬
‫المسالك فيصككرف عنهككم المحككذور‪ ,‬ويحصككل لهككم أحككب المككور‪,‬‬
‫وينفككككي عنهككككم الضككككللة‪ ,‬ويرشككككدهم إلككككى أقككككوم حالككككة‪.‬‬
‫مككن‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م قُ ك ْ‬ ‫مْري َك َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْك ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ن َقآل ُوَا ْ إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫** ل َّقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ن أ ََراد َ َأن ي ُهْل ِ َ‬
‫من‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫مل ِ ُ‬‫يَ ْ‬
‫خل ُك ُ‬
‫ق‬ ‫مككا ي َ ْ‬ ‫مككا ب َي ْن َهُ َ‬‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ميعا ً َولل ّهِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫ى‬
‫صككاَر َ‬ ‫ت ال ْي َهُككود ُ َوالن ّ َ‬ ‫ديٌر * وَقَككال َ ِ‬ ‫يٍء قَ ك ِ‬ ‫شك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ى كُ ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَل َ‬ ‫شآُء َوالل ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫كم ب ِكذ ُُنوب ِ ُ‬ ‫م ي ُعَكذ ّب ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن أب َْناُء الل ّهِ وَأ ِ‬ ‫َ‬
‫شكٌر‬ ‫م بَ َ‬ ‫ل أنت ُك ْ‬ ‫كم ب َك ْ‬ ‫ل فَل ِك َ‬‫حّباؤُهُ قُك ْ‬ ‫ح ُ‬‫نَ ْ‬
‫ت‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سك َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫شآءُ َولل ّهِ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫شآُء وَي ُعَذ ّ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫خل َقَ ي َغِْفُر ل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫صككككككككككككيُر‬ ‫م ِ‬ ‫مككككككككككككا وَإ ِل َي ْككككككككككككهِ ال ْ َ‬ ‫مككككككككككككا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬‫َوالْر ِ‬
‫يقككول تعككالى مخككبرا ً وحاكي كا ً بكفككر النصككارى فككي ادعككائهم فككي‬
‫المسيح ابن مريم‪ ,‬وهو عبد من عباد الله‪ ,‬وخلق من خلقه أنه هو‬
‫الله‪ ,‬تعالى الله عن قولهم علوا ً كبيرًا‪ ,‬ثم قال مخككبرا ً عككن قككدرته‬
‫على الشياء وكونها تحت قهره وسككلطانه }قككل فمككن يملككك مككن‬
‫الله شككيئا ً إن أراد أن يهلككك المسككيح ابككن مريككم وأمككه ومككن فككي‬
‫الرض جميعًا{ أي لو أراد ذلك‪ ,‬فمن ذا الككذي ككان يمنعكه منككه أو‬
‫من ذا الذي يقككدر علككى صككرفه عككن ذلككك‪ ,‬ثككم قككال }وللككه ملككك‬
‫السكككموات والرض ومكككا بينهمكككا يخلكككق مكككا يشكككاء{ أي جميكككع‬
‫الموجودات ملكه وخلقه‪ ,‬وهو القادر على ما يشاء‪ ,‬ل يسككأل عمككا‬
‫يفعل بقدرته وسلطانه وعدله وعظمتككه‪ ,‬وهككذا رد علككى النصككارى‬
‫عليهكككككم لعكككككائن اللكككككه المتتابعكككككة إلكككككى يكككككوم القيامكككككة‪.‬‬
‫ثم قال تعالى رادا ً على اليهود والنصارى فككي كككذبهم وافككترائهم‬
‫}وقككالت اليهككود والنصككارى نحككن أبنككاء اللككه وأحبككاؤه{ أي نحككن‬
‫منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه‪ ,‬وله بهم عناية‪ ,‬وهو يحبنككا‪ ,‬ونقلككوا‬
‫عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده إسككرائيل‪ :‬أنككت ابنككي بكككري‪,‬‬
‫فحملوا هذا على غير تكأويله وحرفكوه‪ ,‬وقكد رد عليهكم غيكر واحكد‬
‫ممن أسلم من عقلئهم وقالوا‪ :‬هذا يطلق عندهم على التشككريف‬
‫والكرام‪ ,‬كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهككم‪ :‬إنككي‬
‫ذاهب إلى أبي وأبيكم‪ ,‬يعني ربي وربكم‪ ,‬ومعلوم أنهم لككم يككدعوا‬
‫‪380‬‬
‫لنفسهم من النبككوة مككا ادعوهككا فككي عيسككى عليكه السككلم وإنمككا‬
‫أرادوا من ذلك معزتهم لديه وحظوتهم عنككده‪ ,‬ولهككذا قككالوا‪ :‬نحككن‬
‫أبناء الله وأحباؤه‪ ,‬قال الله تعالى رادا ً عليهككم }قككل فلككم يعككذبكم‬
‫بذنوبكم{ أي لو كنتم كما تدعون أبناءه وأحباءه‪ ,‬فلم أعد لكم نار‬
‫جهنككككككككم علككككككككى كفركككككككككم وكككككككككذبكم وافككككككككترائكم ؟‬
‫وقد قال بعكض شكيوخ الصكوفية لبعكض الفقهككاء‪ :‬أيككن تجككد فكي‬
‫القككرآن أن الحككبيب ل يعككذب حككبيبه‪ ,‬فلككم يككرد عليككه‪ ,‬فتل عليككه‬
‫لية }قل فلم يعذبكم بككذنوبكم{ وهككذا الككذي قككاله‬ ‫الصوفي هذه ا َ‬
‫حسن‪ ,‬وله شاهد في المسند للمام أحمد حيث قككال‪ :‬حككدثنا ابككن‬
‫أبي عدي عن حميد‪ ,‬عن أنس‪ ,‬قككال‪ :‬مككر النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم في نفر من أصحابه‪ ,‬وصبي فككي الطريككق‪ ,‬فلمككا رأت أمككه‬
‫القوم خشيت على ولدها أن يوطأ‪ ,‬فأقبلت تسككعى وتقككول‪ :‬ابنككي‬
‫ابني‪ ,‬وسعت فأخذته فقال القوم‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬مككا كككانت هككذه‬
‫لتلقي ولدها في النار‪ .‬قال‪ :‬فحفظهم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال »ل والله ما يلقي حبيبه في النار« تفرد به أحمد‪} ,‬بل أنتككم‬
‫بشككر ممككن خلككق{ أي لكككم أسككوة أمثككالكم مككن بنككي آدم‪ ,‬وهككو‬
‫سبحانه الحاكم في جميع عبككاده }يغفككر لمككن يشككاء ويعككذب مككن‬
‫يشككاء{ أي هككو فعككال لمككا يريككد‪ ,‬ل معقككب لحكمككه‪ ,‬وهككو سككريع‬
‫الحساب‪} ,‬ولله ملك السموات والرض ومككا بينهمككا{ أي الجميككع‬
‫ملكه وتحت قهره وسلطانه‪} ,‬وإليه المصير{ أي المرجع والمككآب‬
‫إليه‪ ,‬فيحكككم فككي عبككاده بمككا يشككاء‪ ,‬وهككو العككادل الككذي ل يجككور‪.‬‬
‫وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬وأتى رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم نعمان بن آصككا وبحككري بككن عمككرو وشككاس بككن عككدي‬
‫فكلموه‪ ,‬وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعككاهم إلككى‬
‫الله‪ ,‬وحذرهم نقمته‪ ,‬فقالوا‪ :‬ما تخوفنا يا محمد‪ ,‬نحن واللككه أبنككاء‬
‫الله وأحباؤه‪ ,‬كقول النصارى‪ ,‬فككأنزل اللككه فيهككم }وقككالت اليهككود‬
‫والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه{ إلى آخككر ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬رواه ابككن أبككي‬
‫حاتم وابن جرير‪ ,‬ورويا أيضا ً من طريق أسككباط عككن السككدي فككي‬
‫قول الله }وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء اللككه وأحبككاؤه{ أمككا‬
‫قككولهم‪} :‬نحككن أبنككاء اللككه{‪ .,‬فككإنهم قككالوا‪ :‬إن اللككه أوحككى إلككى‬
‫إسرائيل أن ولدك بكري من الولد‪ ,‬فيدخلهم النار‪ ,‬فيكونككون فيهككا‬
‫‪381‬‬
‫أربعين ليلة حتى تطهرهككم وتأكككل خطايككاهم‪ ,‬ثككم ينككادي منككاد‪ :‬أن‬
‫أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل‪ ,‬فأخرجوهم فذلك قولهم لن‬
‫تمسكككككككككككككنا النككككككككككككار إل أيامكككككككككككككا ً معكككككككككككككدودات‪.‬‬
‫ن‬‫مك َ‬‫ى فَت ْكَرةٍ ّ‬ ‫ن ل َك ُك ْ َ‬

‫م عَل ك َ‬ ‫سككول َُنا ي ُب َي ّك ُ‬ ‫جككآَءك ُ ْ‬
‫م َر ُ‬ ‫ب قَد ْ َ‬ ‫** َيا أ َهْ َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫الرس َ‬
‫شككيٌر‬ ‫جككاَءك ُ ْ‬
‫م بَ ِ‬ ‫شيرٍ وَل َ ن َك ِ‬
‫ذيرٍ فََق كد ْ َ‬ ‫من ب َ ِ‬‫جآَءَنا ِ‬ ‫ما َ‬‫ل أن ت َُقوُلوا ْ َ‬ ‫ّ ُ ِ‬
‫ديٌر‬‫يٍء َقكككككككك ِ‬ ‫شكككككككك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ككككككككك ّ‬ ‫ى ُ‬ ‫ذيٌر َوالّلكككككككك ُ َ‬
‫ه عَلكككككككك َ‬ ‫وََنكككككككك ِ‬
‫يقول تعالى مخاطبا ً أهل الكتاب من اليهككود والنصككارى بككانه قككد‬
‫أرسل إليهم رسوله محمدا ً صلى الله عليككه وسككلم خككاتم النككبيين‪,‬‬
‫الذي ل نبي بعده ول رسول‪ ,‬بل هو المعقب لجميعهم‪ ,‬ولهذا قال‪:‬‬
‫على فككترة مككن الرسككل‪ ,‬أي بعككد مككدة متطاولكة مككا بيككن إرسككاله‬
‫وعيسى بن مريم‪ ,‬وقد اختلفوا في مقدار هذه الفككترة كككم هككي ؟‬
‫فقال أبو عثمان النهدي وقتادة في رواية عنه‪ :‬كانت ستمائة سنة‪.‬‬
‫ورواه البخككاري عككن سككلمان الفارسككي‪ ,‬وعككن قتككادة‪ :‬خمسككمائة‬
‫وستون سنة‪ .‬وقال معمر‪ ,‬عن بعض أصحابه‪ :‬خمسمائة وأربعككون‬
‫سنة‪ .‬وقككال الضكاحك‪ :‬أربعمكائة وبضكع وثلثكون سككنة‪ .‬وذكككر ابكن‬
‫عساكر في ترجمة عيسى عليككه السككلم عككن الشككعبي أنككه قككال‪:‬‬
‫ومككن رفككع المسككيح إلككى هجككرة النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫تسعمائة وثلث وثلثون سنة‪ ,‬والمشهور هو القول الول‪ ,‬وهو أنها‬
‫ستمائة سنة‪ .‬ومنهم من يقول‪ :‬ستمائة وعشرون سنة‪ ,‬ول منافاة‬
‫لخككر أراد‬ ‫بينهما‪ ,‬فإن القائل الول أراد ستمائة سككنة شمسككية‪ ,‬وا َ‬
‫قمرية‪ ,‬وبين كل مائة سنة شمسية وبين القمريككة نحككو مككن ثلث‬
‫سنين‪ ,‬ولهذا قال تعالى في قصة أهل الكهف }ولبثوا في كهفهككم‬
‫ثلثمكككائة سكككنين وازدادوا تسكككعًا{ أي قمريكككة لتكميكككل ثلثمكككائة‬
‫الشمسية التي كانت معلومككة لهكل الكتككاب‪ ,‬وككانت الفككترة بيككن‬
‫عيسى بن مريم آخر أنبياء بني إسرائيل وبين محمد خاتم النككبيين‬
‫من بني آدم على الطلق‪ ,‬كما ثبت في صحيح البخاري عككن أبككي‬
‫هريرة أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪» :‬إن أولككى‬
‫الناس بابن مريم لنا ليس بيني وبينه نبي« وهذا فيه رد على مككن‬
‫زعم أنه بعث بعد عيسى نبي‪ ,‬يقال له خالد بن سنان‪ ,‬كمككا حكككاه‬
‫القضاعي وغيره‪ ,‬والمقصود أن الله بعث محمدا ً صلى اللككه عليككه‬
‫‪382‬‬
‫وسلم على فترة من الرسل‪ ,‬وطموس من السبل‪ ,‬وتغير الديان‪,‬‬
‫وكثرة عبادة الوثان والنيككران والصككلبان‪ ,‬فكككانت النعمككة بككه أتككم‬
‫النعم‪ ,‬والحاجة إليه أمر عمككم‪ ,‬فككإن الفسككاد كككان قككد عككم جميككع‬
‫البلد‪ ,‬والطغيان والجهل قككد ظهككر فككي سككائر العبككاد إل قليل ً مككن‬
‫المتمسكين ببقايككا مككن ديككن النبيككاء القككدمين‪ ,‬مككن بعككض أحبككار‬
‫اليهود وعباد النصارى والصابئين‪ (.‬كما قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫يحيى بن سعيد‪ ,‬حدثنا هشام‪ ,‬حدثنا قتادة عن مطرف‪ ,‬عن عياض‬
‫بن حماد المجاشعي رضككي اللككه عنككه أن النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم خطب ذات يوم‪ ,‬فقككال فككي خطبتككه »وإن ربككي أمرنككي أن‬
‫أعلمكم ما جهلتم ممككا علمنككي فككي يككومي هككذا‪ ,‬كككل مككال نحلتككه‬
‫عبككادي حلل‪ ,‬وإنككي خلقككت عبككادي حنفككاء كلهككم‪ ,‬وإن الشككياطين‬
‫أتتهم فأضلتهم عن دينهم‪ ,‬وحرمت عليهم ما أحللت لهم‪ ,‬وأمرتهم‬
‫أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا‪ ,‬ثم إن الله عككز وجككل نظككر‬
‫إلككى أهككل الرض فمقتهككم‪ :‬عربهككم وعجمهككم‪ ,‬إل بقايككا مككن بنككي‬
‫إسرائيل‪ ,‬وقال‪ :‬إنما بعثتك لبتليك وأبتلي بك‪ ,‬وأنزلت عليك كتابا ً‬
‫ن‪ ,‬ثم إن الله أمرنككي أن أحككرق‬ ‫ل يغسله الماء‪ ,‬تقرأه نائما ً ويقظا َ‬
‫قريشا ً فقلككت‪ :‬يككا رب إذن يثلغككوا رأسككي فيككدعوه خككبزة‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫اسككتخرجهم كمككا اسككتخرجوك‪ ,‬واغزهككم نغككزك‪ ,‬وأنفككق عليهككم‬
‫فسننفق عليك‪ ,‬وابعككث جيشكا ً نبعككث خمسكا ً أمثككاله‪ ,‬وقاتككل بمككن‬
‫أطاعك من عصاك‪ ,‬وأهل الجنة ثلثة‪ :‬ذو سلطان مقسككط موفككق‬
‫متصدق‪ ,‬ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم‪ ,‬ورجككل‬
‫عفيف فقير ذو عيال متصدق‪ ,‬وأهل النار خمسة‪ :‬الضككعيف الككذي‬
‫ل دين له‪ ,‬والذين هم فيكم تبع أو تبعا ً ك شك يحيى ك ل يبتغون أهل ً‬
‫ل‪ ,‬والخائن الذي ل يخفى له طمع وإن دق إل خانه‪ ,‬ورجل ل‬ ‫ول ما ً‬
‫يصبح ول يمسي إل وهو يخادعك عن أهلك ومالككك‪ ,‬وذكككر البخيككل‬
‫أو الكككككككككككككككككذاب‪ ,‬والشككككككككككككككككنظير الفككككككككككككككككاحش‪.‬‬
‫ثم رواه المام أحمد ومسلم والنسائي من غير وجه عن قتككادة‪,‬‬
‫عن مطرف بن عبد الله بن الشخير‪ ,‬وفي رواية شعبة عن قتككادة‬
‫التصريح بسماع قتادة هذا الحديث من مطرف‪ ,‬وقككد ذكككر المككام‬
‫أحمد في مسنده أن قتادة لم يسمعه مككن مطككرف وإنمككا سككمعه‬
‫من أربعة عنه‪ ,‬ثم رواه هو عن روح‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن حكيم الثرم‪,‬‬
‫عن الحسن قال‪ :‬حدثني مطككرف عككن عيككاض بككن حمككاد فككذكره‪.‬‬
‫‪383‬‬
‫ورواه النسائي من حديث غندر عن عوف العرابي به‪ .‬والمقصود‬
‫مككن إيككراد هككذا الحككديث قككوله »وإن اللككه نظككر إلككى أهككل الرض‬
‫فمقتهم عجمهم وعربهم إل بقايا مكن بنكي إسكرائيل« وفكي لفكظ‬
‫مسلم‪ :‬من أهل الكتاب وكان الدين قد التبككس علككى أهككل الرض‬
‫كلهم حتى بعث الله محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فهككدى الخلئق‬
‫وأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور‪ ,‬وتركهككم علككى المحجككة‬
‫البيضاء والشريعة الغراء‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬أن تقولوا مككا جاءنككا‬
‫مككن بشككير ول نككذير{ أي لئل تحتجككوا وتقولككوا ياأيهككا الككذين بككدلوا‬
‫دينهم وغيروه ما جاءنا من رسول يبشر بالخير وينككذر مككن الشككر‪,‬‬
‫فقد جاءكم بشككير ونككذير يعنككي محمككدا ً صككلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫}والله على كل شيء قدير{ قال ابن جرير‪ :‬معناه إني قادر على‬
‫عقككككككاب مككككككن عصككككككاني‪ ,‬وثككككككواب مككككككن أطككككككاعني‪.‬‬
‫ل‬ ‫جع َ ك َ‬ ‫م إ ِذ ْ َ‬ ‫ة الل ّكهِ عَل َي ْك ُك ْ‬ ‫مك َ‬ ‫مهِ َياقَوْم ِ اذ ْك ُكُروا ْ ن ِعْ َ‬ ‫ى ل َِقوْ ِ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫َ‬ ‫فيك ُ َ‬
‫ن*‬ ‫مي َ‬ ‫من ال َْعككال َ ِ‬ ‫حدا ً ّ‬ ‫تأ َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫مُلوكا ً َوآَتاك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫م أن ْب َِيآَء وَ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫ى‬ ‫َ‬ ‫م وَل َ ت َْرت َ ّ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ة ال ِّتي ك َت َ َ‬ ‫خُلوا الْر َ‬ ‫َياقَوْم ِ اد ْ ُ‬
‫دوا عَل ك َ‬ ‫س َ‬ ‫مَقد ّ َ‬ ‫ض ال ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫جب ّككاِري َ‬ ‫وم كا ً َ‬ ‫ن ِفيهَككا قَ ْ‬ ‫ى إِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن * َقاُلوا َيا ُ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫م فَت َن َْقل ُِبوا َ‬ ‫أد َْبارِك ُ ْ‬
‫ن*‬ ‫خُلككو َ‬ ‫دا ِ‬ ‫من َْها فَإ ِّنا َ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫من َْها فَِإن ي َ ْ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ى يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫حت ّ‬‫خل ََها َ‬ ‫وَإ ِّنا َلن ن ّد ْ ُ‬
‫خككاُفو َ‬
‫م‬ ‫خل ُككوا ْ عَل َي ْهِك ُ‬ ‫مككا اد ْ ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ َ‬ ‫م الل ّك ُ‬ ‫ن أن ْعَك َ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جل َ ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫كنت ُككم‬ ‫ن وَعَل َككى الل ّكهِ فَت َوَك ّل ُكوَا ْ ِإن ُ‬ ‫م غَككال ُِبو َ‬ ‫موهُ فَكإ ِن ّك ُ ْ‬ ‫خل ْت ُ ُ‬ ‫ذا د َ َ‬ ‫ب فَإ ِ َ‬ ‫ال َْبا َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫موا ْ ِفيَهككا َفككاذ ْهَ ْ‬ ‫دا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫خل ََهآ أَبدا ً ّ‬ ‫ن ن ّد ْ ُ‬ ‫ى إ ِّنا ل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫مو َ‬ ‫ن * َقاُلوا ْ َيا ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ك إ ِل ّ‬ ‫مل ِك ُ‬ ‫َ‬ ‫ن * قَككا َ‬ ‫هاهُن َككا َقا ِ‬ ‫ك فََقاِتل إ ِن ّككا َ‬ ‫ت وََرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ب إ ِن ّككي ل أ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫دو َ‬ ‫عك ُ‬ ‫أن َ‬
‫ل فَإ ِن َّهكا‬ ‫ن * َقكا َ‬ ‫سكِقي ْ َ‬ ‫ن ال َْقكوْم ِ ال َْفا ِ‬ ‫خكي َفكافُْرقْ ب َي ْن ََنكا وَب َْيك َ‬ ‫سكي وَأ َ ِ‬ ‫ن َْف ِ‬
‫ْ‬ ‫ن ِفي الْرض فَل َ ت َأ َ َ‬ ‫َ‬
‫س عَلى الَقوْم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ة ي َِتيُهو َ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ن َ‬ ‫م أْرب َِعي َ‬ ‫ة عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م ٌ‬‫حّر َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫سكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككِقي َ‬ ‫الَفا ِ‬ ‫ْ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران‬
‫عليه السلم فيما ذكر به قومه من نعم اللككه عليهككم وآلئه لككديهم‬
‫لخككرة‪ :‬لككو اسككتقاموا علككى طريقتهككم‬ ‫في جمعه لهم خير الدنيا وا َ‬
‫المستقيمة‪ ,‬فقال تعالى‪} :‬وإذ قال موسى لقومه يا قككوم اذكككروا‬
‫نعمة الله عليكم إذ جعككل فيكككم أنبيككاء{ أي كلمككا هلككك نككبي قككام‬
‫فيكم نبي من لدن أبيكم إبراهيم إلى مككن بعككده‪ ,‬وكككذلك كككانوا ل‬
‫يزال فيهم النبياء يدعون إلى اللكه ويحكذرون نقمتكه حكتى ختمككوا‬
‫بعيسى بن مريم عليه السلم‪ ,‬ثككم أوحككى اللكه إلكى خككاتم النبيكاء‬
‫‪384‬‬
‫والرسل على الطلق محمد بن عبد الله المنسوب إلى إسماعيل‬
‫بن إبراهيم عليه السلم‪ ,‬وهو أشرف مككن كككل مككن تقككدمه منهككم‬
‫صكككككككككككككككلى اللكككككككككككككككه عليكككككككككككككككه وسكككككككككككككككلم‪.‬‬
‫وقوله }وجعلكم ملوككًا{ قككال عبككد الككرزاق‪ ,‬عككن الثككوري‪ ,‬عككن‬
‫منصور‪ ,‬عن الحكم أو غيره‪ ,‬عن ابن عبككاس فككي قككوله‪ :‬وجعلكككم‬
‫ملوكًا‪ ,‬قال‪ :‬الخادم والمرأة والبيت‪ .‬وروى الحاكم فككي مسككتدركه‬
‫من حديث الثوري أيضا ً عن العمش‪ ,‬عن مجاهد عن ابككن عبككاس‬
‫قال‪ :‬المرأة والخادم }وآتكاكم مكا لكم يككؤت أحكدا ً مككن العكالمين{‬
‫قال‪ :‬الذين هم بين ظهرانيهم يومئذ‪ .‬ثم قال الحاكم‪ :‬صحيح علككى‬
‫شرط الشيخين‪ ,‬ولم يخرجاه‪ .‬وروى ميمون بن مهككران عككن ابككن‬
‫عباس قال‪ :‬كككان الرجككل مككن بنككي إسككرائيل إذا كككان لككه الزوجككة‬
‫والخادم والدار‪ ,‬سمي ملكًا‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا يونس بن عبكد‬
‫العلى‪ ,‬أنبأنا ابن وهب‪ ,‬أنبأنا أبو هانىء أنه سمع أبا عبد الرحمككن‬
‫الحنبلي يقول‪ :‬سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ,‬وسأله رجل‬
‫فقال‪ :‬ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال عبككد اللككه‪ :‬ألككك امككرأة‬
‫تأوي إليها ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ألك مسكن تسكنه ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأنت من الغنياء‪ .‬فقال‪ :‬إن لي خادمًا‪ .‬قال‪ :‬فككأنت مككن الملككوك‪.‬‬
‫وقال الحسن البصككري‪ :‬هككل الملككك إل مركككب وخككادم ودار‪ ,‬رواه‬
‫ابن جرير‪ ,‬ثم روي عن الحكم ومجاهد ومنصككور وسككفيان الثككوري‬
‫نحوا ً من هذا‪ .‬وحكاه ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهككران‪ .‬وقككال‬
‫ابن شوذب‪ :‬كان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له منزل وخادم‬
‫واستؤذن عليه‪ ,‬فهو ملك وقال قتادة‪ :‬كانوا أول من اتخذ الخككدم‪.‬‬
‫وقال السدي في قككوله }وجعلكككم ملوككًا{ قككال‪ :‬يملككك الرجككل‬
‫منكم نفسه وماله وأهله‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪:‬‬
‫ذكر عن ابن لهيعة‪ ,‬عككن دراج‪ ,‬عككن أبككي الهيثككم‪ ,‬عككن أبككي سككعيد‬
‫الخدري‪ ,‬عن رسول الله صكلى اللكه عليكه وسككلم قككال‪ :‬ككان بنككو‬
‫إسرائيل إذا كان لحدهم خككادم ودابككة وامككرأة‪ ,‬كتككب ملككًا‪ ,‬وهككذا‬
‫حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا الزبيككر بككن‬
‫بكار‪ ,‬حدثنا أبو ضكمرة أنكس بكن عيكاض‪ ,‬سكمعت زيكد بكن أسكلم‬
‫يقول‪ :‬وجعلكم ملوكا ً فل أعلم إل أنه قال‪ :‬قال رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم من كان له بيت وخادم فهككو ملككك‪ ,‬وهككذا مرسككل‬
‫غريب‪ ,‬وقال مالك‪ :‬بيككت وخككادم وزوجككة‪ .‬وقككد ورد فككي الحككديث‬
‫‪385‬‬
‫»من أصبح منكم معافى في جسده‪ ,‬آمنا ً في سربه‪ ,‬عنككده قككوت‬
‫يككككككومه‪ ,‬فكأنمككككككا حيككككككزت لككككككه الككككككدنيا بحككككككذافيرها«‪.‬‬
‫وقوله }وآتكاكم مكالم يكؤت أحكدا ً مكن العكالمين{ يعنكي عكالمي‬
‫زمككانكم‪ ,‬فككإنهم كككانوا أشككرف النككاس فككي زمككانهم مككن اليونككان‬
‫والقبط وسائر أصناف بني آدم‪ ,‬كما قال }ولقد آتينا بني إسرائيل‬
‫الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم مككن الطيبككات وفضككلناهم علككى‬
‫العالمين{ وقال تعالى إخبارا ً عن موسى لما قالوا }اجعل لنا إلها ً‬
‫كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلء متبر مككا هككم فيككه‬
‫وباطل ما كانوا يعملون * قال أغير الله أبغيكم إلها ً وهككو فضككلكم‬
‫على العالمين{ والمقصود أنهكم ككانوا أفضكل زمكانهم‪ ,‬وإل فهكذه‬
‫المة أشككرف منهككم‪ ,‬وأفضككل عنككد اللككه‪ ,‬وأكمككل شككريعة‪ ,‬وأقككوم‬
‫منهاجًا‪ ,‬وأكككرم نبيكًا‪ ,‬وأعظككم ملككًا‪ ,‬وأغككزر أرزاقكًا‪ ,‬وأكككثر أمككوال ً‬
‫وأولدًا‪ ,‬وأوسككع مملكككة‪ ,‬وأدوم عككزًا‪ .‬قككال اللككه تعككالى }وكككذلك‬
‫جعلناكم أمككة وسككطا ً لتكونككوا شككهداء علككى النككاس{‪ ,‬وقككد ذكرنككا‬
‫الحاديث المتواترة في فضل هذه المة وشرفها وكرمها عند اللككه‬
‫عند قوله تعالى‪} :‬كنتم خير أمة أخرجت للنككاس{ مككن سككورة آل‬
‫عمككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككران‪.‬‬
‫وروى ابن جرير عن ابن عباس وأبي مالك وسعيد بن جبير أنهم‬
‫قالوا في قوله }وآتاكم مالم يؤت أحدا ً من العالمين{‪ :‬يعنكي أمكة‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فكأنهم أرادوا أن هذا الخطككاب فككي‬
‫قوله }وآتاكم مالم يؤت أحدًا{ مع هذه المة‪ ,‬والجمهور على أنككه‬
‫خطاب من موسى لقومه‪ ,‬وهو محمول على عالمي زمككانهم كمككا‬
‫قدمنا‪ ,‬وقيل‪ :‬المراد وآتاكم ما لم يؤت أحدا ً مككن العككالمين‪ :‬يعنككي‬
‫بذلك ما كان تعالى نزله عليهم من المن والسككلوى‪ ,‬ويظللهككم بككه‬
‫من الغمام وغيكر ذلكك ممكا ككان تعكالى يخصكهم بكه مكن خكوارق‬
‫العكككككككككككككككككككككادات‪ ,‬فكككككككككككككككككككككالله أعلكككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مخككبرا ً عككن تحريككض موسككى عليككه السككلم لبنككي‬
‫إسككرائيل علككى الجهككاد والككدخول إلككى بيككت المقككدس الككذي كككان‬
‫بأيديهم في زمان أبيهم يعقوب‪ ,‬لما ارتحل هككو وبنككوه وأهلككه إلككى‬
‫بلد مصر أيام يوسف عليه السلم‪ ,‬ثم لم يزالوا بها حككتى خرجككوا‬
‫مع موسى‪ ,‬فوجدوا فيها قوما ً من العمالقة الجبارين قد استحوذوا‬
‫عليها وتملكوها‪ ,‬فأمرهم رسول الله موسى عليه السلم بالدخول‬
‫‪386‬‬
‫إليها وبقتال أعككدائهم وبشككرهم بالنصككرة والظفككر عليهككم‪ ,‬فنكلككوا‬
‫وعصوا وخالفوا أمره‪ ,‬فعوقبوا بالذهاب فككي الككتيه والتمككادي فككي‬
‫سيرهم حائرين ل يكدرون كيكف يتوجهكون فيكه إلكى مقصكد‪ ,‬مكدة‬
‫أربعين سنة عقوبة لهم على تفريطهم في أمر الله تعككالى‪ .‬فقككال‬
‫تعككالى مخككبرا ً عككن موسككى أنككه قككال‪ :‬يككا قككومي ادخلككوا الرض‬
‫المقدسة أي المطهرة‪ .‬وقال سفيان الثوري‪ ,‬عككن العمككش‪ ,‬عككن‬
‫مجاهد‪ ,‬عن ابن عباس في قوله‪ :‬ادخلككوا الرض المقدسككة‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫هي الطور وما حوله‪ ,‬وكذا قال مجاهد وغير واحككد‪ .‬وروى سككفيان‬
‫الثوري عن أبي سعيد البقال‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبككاس‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫هي أريحاء‪ ,‬وكذا ذكر عن غيككر واحككد مككن المفسككرين‪ ,‬وفككي هككذا‬
‫نظككر‪ ,‬لن أريحككاء ليسككت هككي المقصككودة بالفتككح‪ ,‬ول كككانت فككي‬
‫طريقهم إلى بيت المقدس‪ ,‬وقد قدموا من بلد مصر حيككن أهلككك‬
‫اللككه عككدوهم فرعككون‪ ,‬إل أن يكككون المككراد بأريحككاء أرض بيككت‬
‫المقدس‪ ,‬كما قاله السدي فيما رواه ابن جرير عنه‪ ,‬ل أن المككراد‬
‫بها هذه البلدة المعروفة في طرف الطور شرقي بيت المقككدس‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬التي كتب اللككه لكككم{ أي الككتي وعككدكموها اللككه‬
‫على لسان أبيكم إسرائيل أنه وراثة من آمككن منكككم‪} ,‬ول ترتككدوا‬
‫علككى أدبككاركم{ أي ول تنكلككوا عككن الجهككاد }فتنقلبككوا خاسككرين *‬
‫قالوا يا موسى إن فيها قوما ً جبارين وإنا لن ندخلها حككتى يخرجككوا‬
‫منها فإن يخرجوا منهكا فإنكا داخلكون{ أي اعتكذروا بكأن فكي هكذه‬
‫البلدة التي أمرتنا بدخولها وقتال أهلها قوما ً جبارين أي ذوي خلق‬
‫هائلة وقوى شديدة‪ ,‬وإنا ل نقككدر علككى مقككاومتهم ول مصككاولتهم‪,‬‬
‫ول يمكننا الدخول إليها ماداموا فيها‪ ,‬فككإن يخرجككوا منهككا دخلناهككا‪,‬‬
‫وإل فل طاقة لنا بهم‪ .‬وقد قال ابن جرير‪ :‬حدثني عبد الكريككم بككن‬
‫الهيثم‪ ,‬حدثنا إبراهيم بن بشار‪ ,‬حدثنا سفيان قال‪ :‬قال أبو سككعيد‪:‬‬
‫قال عكرمة‪ ,‬عن ابن عبككاس قككال‪ :‬أمككر موسككى أن يككدخل مدينككة‬
‫الجبككارين‪ ,‬قككال‪ :‬فسككار موسككى بمككن معككه حككتى نككزل قريبكا ً مككن‬
‫المدينة‪ ,‬وهي أريحاء‪ ,‬فبعث إليهم اثني عشر عينا ً مككن كككل سككبط‬
‫منهم عين‪ ,‬ليأتوه بخبر القوم‪ ,‬قال‪ :‬فككدخلوا المدينككة فككرأوا أمككرا ً‬
‫عظيما ً من هيئتهم وجسمهم وعظمهككم‪ ,‬فككدخلوا حائطكا ً لبعضككهم‪,‬‬
‫فجاء صاحب الحككائط ليجتنككي الثمككار مككن حككائطه‪ ,‬فجعككل يجتنككي‬
‫الثمار وينظر إلى آثارهم‪ ,‬فتبعهم فكلما أصاب واحدا ً منهككم أخككذه‬
‫‪387‬‬
‫فجعله فككي كمككه مككع الفاكهككة‪ ,‬حككتى التقككط الثنككي عشككر كلهككم‪,‬‬
‫فجعلهم في كمه مع الفاكهة‪ ,‬وذهب بهم إلى ملكهم فنككثرهم بيككن‬
‫يديه‪ ,‬فقال لهم الملك‪ :‬قد رأيتم شككأننا وأمرنككا‪ ,‬فككاذهبوا فككأخبروا‬
‫صككاحبكم‪ ,‬قككال‪ :‬فرجعككوا إلككى موسككى فككأخبروه بمككا عككاينوا مككن‬
‫أمرهم‪ ,‬وفي هذا السناد نظر وقال علي بن أبي طلحة‪ :‬عككن ابككن‬
‫ل‪ ,‬وهككم‬ ‫عباس لما نزل موسى وقومه‪ ,‬بعث منهم اثنككي عشككر رج ً‬
‫النقباء الذين ذكرهم الله‪ ,‬فبعثهم ليأتوه بخبرهم‪ ,‬فساروا فلقيهككم‬
‫رجل من الجبارين‪ ,‬فجعلهم في كسائه‪ ,‬فحملهككم حككتى أتككى بهككم‬
‫المدينة‪ ,‬ونادى في قومه فاجتمعوا إليه‪ ,‬فقالوا من أنتككم ؟ قككالوا‪:‬‬
‫نحن قوم موسى‪ ,‬بعثنا نأتيه بخككبركم‪ ,‬فككأعطوهم حبككة مككن عنككب‬
‫تكفي الرجل‪ ,‬فقالوا لهم اذهبوا إلى موسى وقككومه‪ ,‬فقولككوا لهككم‬
‫هذا قدر فاكهتهم‪ ,‬فرجعوا إلككى موسككى فككأخبروه‪ ,‬بمككا رأوا‪ ,‬فلمككا‬
‫أمرهم موسى عليه السلم‪ ,‬بالككدخول عليهككم وقتككالهم‪ ,‬قككالوا‪ :‬يككا‬
‫موسى اذهب أنت وربك فقاتل إنككا ههنككا قاعككدون‪ ,‬رواه ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ ,‬ثم قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا ابن أبككي مريككم‪ ,‬حككدثنا يحيككى بككن‬
‫أيوب‪ ,‬عن يزيد بن الهادي‪ ,‬حدثني يحيى بككن عبككد الرحمككن‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫رأيت أنس بن مالك‪ ,‬أخكذ عصككاه فكذرع فيهككا بشكيء ل أدري ككم‬
‫ذرع‪ ,‬ثم قاس بهككا فككي الرض خمسككين أو خمسكا ً وخمسككين‪ ,‬ثككم‬
‫قال‪ :‬هكذا طول العماليق‪ ,‬وقككد ذكككر كككثير مككن المفسككرين ههنككا‬
‫أخبارا ً من وضع بني إسرائيل فككي عظمككة خلككق هككؤلء الجبككارين‪,‬‬
‫وأن منهم عوج بن عنككق‪ ,‬ابككن بنككت آدم عليكه السككلم‪ ,‬وأنككه كككان‬
‫طوله ثلثة آلف ذراع وثلثمائة وثلثة وثلثككون ذراعكا ً وثلككث ذراع‪,‬‬
‫تحرير الحساب ‪ ,‬وهذا شيء يستحيى من ذككره‪ ,‬ثككم هكو مخكالف‬
‫لما ثبت في الصحيحين‪ ,‬أن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قال »إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعكًا‪ ,‬ثكم لكم يكزل الخلكق‬
‫لن« ثم ذكروا أن هذا الرجل كككان كككافرًا‪ ,‬وأنككه كككان‬ ‫ينقص حتى ا َ‬
‫ولد زنية‪ ,‬وأنه امتنككع مككن ركككوب سككفينة نككوح‪ ,‬وأن الطوفككان لككم‬
‫يصل إلى ركبته‪ ,‬وهذا كذب وافتراء‪ ,‬فإن الله تعالى ذكر أن نوح كا ً‬
‫دعككا علككى أهككل الرض مككن الكككافرين‪ ,‬فقككال }رب ل تككذر علككى‬
‫الرض من الكافرين ديارا{ وقككال تعككالى‪} :‬فأنجينككاه ومككن ومعككه‬
‫في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد البككاقين{ وقككال تعككالى‪} :‬ل‬
‫عاصم اليوم من أمر الله إل من رحم{ وإذا كان ابن نوح الكككافر‪,‬‬
‫‪388‬‬
‫غرق فكيف يبقى عوج بككن عنككق وهككو كككافر وولككد زنيككة ؟ هككذا ل‬
‫يسوغ في عقل ول شرع‪ .‬ثم في وجود رجككل يقككال لككه عككوج بككن‬
‫عنكككككككككككككككق نظكككككككككككككككر‪ ,‬واللكككككككككككككككه أعلكككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬قال رجلن من الذين يخافون أنعم الله عليهمككا{‬
‫أي فلما نكل بنو إسككرائيل عككن طاعككة اللككه ومتابعككة رسككول اللككه‬
‫موسى صلى الله عليه وسلم‪ ,‬حرضككهم رجلن للككه عليهمككا نعمككة‬
‫عظيمة‪ ,‬وهما ممن يخاف أمر الله ويخشى عقككابه‪ ,‬وقككرأ بعضككهم‬
‫}قال رجلن من الذين يخافون{ أي ممن لهم مهابة وموضع مككن‬
‫الناس‪ ,‬ويقال إنهما يوشع بككن نككون‪ ,‬وكككالب بككن يوقنككا‪ .‬قككاله ابككن‬
‫عباس ومجاهد وعكرمة‪ ,‬وعطية والسدي‪ ,‬والربيع بن أنس‪ ,‬وغيككر‬
‫واحد من السلف والخلف رحمهم الله فقال }ادخلوا عليهم البككاب‬
‫فككإذا دخلتمككوه فككإنكم غككالبون * وعلككى اللككه فتوكلككوا إن كنتككم‬
‫مؤمنين{ أي إن توكلتم على الله واتبعتم أمره‪ ,‬ووافقتم رسككوله‪,‬‬
‫نصركم الله على أعدائكم وأيككدكم وظفركككم بهككم‪ ,‬ودخلتككم البلككد‬
‫التي كتبها الله لكم‪ ,‬فلم ينفع ذاك فيهم شيئا ً }قالوا يا موسى إنككا‬
‫لن ندخلها أبدا ً ما داموا فيهككا فككاذهب أنككت وربككك فقككاتل إنككا ههنككا‬
‫قاعككدون{ وهككذا نكككول منهككم عككن الجهككاد‪ ,‬ومخالفككة لرسككولهم‪,‬‬
‫وتخلف عن مقاتلة العداء‪ ,‬ويقككال‪ :‬إنهككم لمككا نكلككوا عككن الجهككاد‪,‬‬
‫وعزموا على النصراف والرجوع إلى مصر‪ ,‬سجد موسى وهارون‬
‫عليهما السلم‪ ,‬قدام مل من بني إسرائيل‪ ,‬إعظاما ً لما همككوا بككه‪,‬‬
‫وشق يوشع بن نون وكالب بن يوقنا‪ ,‬ثيابهما‪ ,‬ولما قومهمككا علككى‬
‫ذلك‪ ,‬فيقال إنهم رجموهما‪ ,‬وجرى أمر عظيم‪ ,‬وخطر جليككل‪ ,‬ومككا‬
‫أحسن ما أجاب به الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر رسكول اللكه‬
‫صلى الله عليه وسلم حيكن استشكارهم فكي قتكال النفيككر‪ ,‬الككذين‬
‫جاؤوا لمنع العير‪ ,‬الذي كان مع أبككي سككفيان‪ ,‬فلمككا فككات اقتنككاص‬
‫العير‪ ,‬واقترب منهم النفير‪ ,‬وهم في جمع ما بين التسككعمائة إلككى‬
‫اللف في العدة‪ ,‬والبيض واليلب‪ ,‬فتكلم أبو بكر رضككي اللككه عنككه‬
‫فأحسن‪ ,‬ثم تكلم من تكلم من الصحابة من المهاجرين‪ ,‬ورسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول »أشيروا علي أيهككا المسككلمون«‬
‫وما يقول ذلك‪ ,‬إل ليستعلم ما عنككد النصككار‪ ,‬لنهككم كككانوا جمهككور‬
‫الناس يومئذ‪ ,‬فقال سعد بن معاذ‪ :‬كأنك تعرض بنا يا رسول اللككه‪,‬‬
‫فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر‪ ,‬فخضته لخضككناه‬
‫‪389‬‬
‫معك ما تخلف منا رجل واحد‪ ,‬وما نكره أن تلقى بنككا عككدونا غككدًا‪,‬‬
‫إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقر‬
‫سكر رسكول اللكه صكلى اللكه‬ ‫به عينك فسر بنا على برككة اللكه‪ ,‬ف ّ‬
‫عليكككككككه وسكككككككلم بقكككككككول سكككككككعد ونشكككككككطه ذلكككككككك‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن مردويككه‪ :‬حككدثنا علككي بككن الحسككين‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫حاتم الرازي‪ ,‬حدثنا محمد بن عبد الله النصاري‪ ,‬حدثنا حميد عككن‬
‫أنس أن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم لمككا سككار إلككى بككدر‬
‫استشار المسككلمين‪ ,‬فأشككار عليككه عمككر‪ ,‬ثككم استشككارهم فقككالت‬
‫النصار‪ :‬يا معشر النصار إياكم يريد رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قككالوا‪ :‬إذا ً ل نقككول لككه كمككا قككالت بنككو إسككرائيل لموسككى‪:‬‬
‫}اذهب أنت وربك فقاتل إنا ههنا قاعدون{ والذي بعثك بالحق لككو‬
‫ضربت أكبادها إلى برك الغماد لتبعناك‪ ,‬ورواه المككام أحمككد عككن‬
‫عبيدة بن حميد الطويل‪ ,‬عن أنس به‪ ,‬ورواه النسائي عككن محمككد‬
‫بن المثنى‪ ,‬عن خالد بن الحارث‪ ,‬عن حميد بككه‪ ,‬ورواه ابككن حبككان‬
‫عن أبي يعلى عن عبد العلى بن حماد‪ ,‬عكن معمكر بكن سكليمان‪,‬‬
‫عككككككككككككككككككككككككن حميككككككككككككككككككككككككد بككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقال ابن مردويه‪ :‬أنبأنا عبد الله بن جعفر‪ ,‬أنبأنككا إسككماعيل بككن‬
‫عبد الله‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا محمككد بككن شكعيب‬
‫عن الحكم بن أيوب‪ ,‬عن عبد الله بن ناسككخ‪ ,‬عككن عتبكة بكن عبيكد‬
‫السلمي‪ ,‬قال‪ :‬قال النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم لصككحابه »أل‬
‫تقاتلون« ؟ قالوا نعم‪ ,‬ول نقول كما قالت بنككو إسككرائيل لموسككى‬
‫}اذهب أنت وربك فقاتل إنككا ههنككا قاعككدون{ ولكككن اذهككب وربككك‬
‫فقاتل إنا معكم مقككاتلون‪ ,‬وكككان ممككن أجككاب يككومئذ المقككداد بككن‬
‫عمرو الكندي رضي الله عنه‪ ,‬كما قال المام أحمد‪ :‬حككدثنا وكيككع‪,‬‬
‫حدثني سفيان عن مخارق بن عبد الله الحمسي‪ ,‬عن طككارق هككو‬
‫ابن شهاب‪ ,‬أن المقداد قال لرسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫يوم بدر‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬إنا ل نقككول لككك كمككا قككالت بنككو إسككرائيل‬
‫لموسى }اذهب أنت وربك فقاتل إنا ههنا قاعدون{ ولكككن اذهككب‬
‫أنت وربك فقاتل إنا معكمككا مقككاتلون‪ ,‬هكككذا رواه أحمككد مككن هككذا‬
‫الوجه‪ ,‬وقد رواه من طريق أخرى فقال‪ :‬حككدثنا أسككود بككن عككامر‪,‬‬
‫حدثنا إسرائيل عن مخارق‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬قككال عبككد‬
‫الله بن مسعود رضي الله عنه‪ :‬لقد شهدت مككن المقككداد مشككهدا ً‬
‫‪390‬‬
‫ي مما عدل به‪ ,‬أتى رسول الله صكلى‬ ‫لن أكون أنا صاحبه أحب إل ّ‬
‫الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال‪ :‬واللككه يارسككول‬
‫الله ل نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسككى }اذهككب أنككت وربككك‬
‫فقاتل إنا ههنا قاعدون{ ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومككن‬
‫بين يديك ومن خلفك‪ ,‬فرأيت وجه رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككككككككككلم يشككككككككككرق لككككككككككذلك وسككككككككككر بككككككككككذلك‪.‬‬
‫وهكذا رواه البخاري في المغازي وفي التفسير مككن طككرق عككن‬
‫مخارق به‪ ,‬ولفظه في كتاب التفسككير عككن عبككد اللككه‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫المقداد يوم بدر‪ :‬يارسول الله‪ ,‬ل نقول لك كما قالت بنو إسرائيل‬
‫لموسى }اذهب أنت وربك فقاتل إنا ههنا قاعككدون{ ولكككن امككض‬
‫ونحن معك‪ .‬فكأنه سّري عن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫ثم قال البخاري‪ :‬رواه وكيع عن سفيان‪ ,‬عن مخارق‪ ,‬عن طككارق‪,‬‬
‫أن المقداد قال للنبي صكلى اللكه عليككه وسكلم وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬حدثنا يزيد‪ ,‬حدثنا سعيد عن قتككادة‪ ,‬قككال‪ :‬ذكككر لنككا أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لصحابه يوم الحديبية حيككن‬
‫صد المشركون الهدي‪ ,‬وحيل بينهم وبيككن مناسككهم »إنكي ذاهكب‬
‫بالهدي فناحره عند البيت« فقال له المقداد بن السود‪ :‬أما واللككه‬
‫ل نكون كالمل من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم }اذهب أنت وربك‬
‫فقاتل إنا ههنا قاعدون{ ولكن اذهب أنت وربك فقككاتل إنككا معكمككا‬
‫مقاتلون‪ ,‬فلما سمعها أصحاب رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫تتابعوا على ذلك‪ ,‬وهذا إن كان محفوظا ً يوم الحديبية فيحتمل أنككه‬
‫ككككككرر هكككككذه المقالكككككة يكككككومئذ كمكككككا قكككككاله يكككككوم بكككككدر‪.‬‬
‫ب إني ل أملك إل نفسي وأخي فافرق بيننا وبين‬ ‫وقوله‪} :‬قال ر ّ‬
‫القوم الفاسقين{ يعني لما نكل بنو إسككرائيل عككن القتككال غضككب‬
‫عليهم موسى عليه السلم‪ ,‬وقال داعيا ً عليهم }رب إنككي ل أملككك‬
‫إل نفسي وأ خي{ أي ليس أحد يطيعني منهككم فيمتثككل أمككر اللككه‬
‫ويجيب إلى ما دعوت إليه إل أنا وأخي هارون }فافرق بيننككا وبيككن‬
‫القوم الفاسقين{ قال العوفي عن ابن عباس‪ :‬يعنككي اقككض بينككي‬
‫وبينهم‪ ,‬وكذا قال علي بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عبككاس‪ ,‬وكككذا قككال‬
‫الضحاك‪ :‬اقض بيننا وبينهم‪ ,‬وافتح بيننا وبينهم‪ ,‬وقال غيره‪ :‬افككرق‬
‫افصكككككككل بيننكككككككا وبينهكككككككم‪ ,‬كمكككككككا قكككككككال الشكككككككاعر‬
‫يككككا رب فككككافرق بينككككه وبينيأشككككد مككككا فرقككككت بيككككن اثنيككككن‬
‫‪391‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فإنهككا محرمككة عليهككم أربعيككن سككنة يككتيهون فككي‬
‫لية‪ ,‬لما دعا عليهم موسى عليه السلم حين نكلكوا عكن‬ ‫الرض{ ا َ‬
‫الجهاد حكم الله بتحريم دخولها عليهم مدة أربعيككن سككنة فوقعككوا‬
‫في التيه يسيرون دائما ً ل يهتدون للخروج منككه وفيككه كككانت أمككور‬
‫عجيبة وخوارق كثيرة من تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسكلوى‬
‫عليهم‪ ,‬ومن إخراج الماء الجاري من صخرة صككماء تحمككل معهككم‬
‫على دابة‪ ,‬فإذا ضربها موسى بعصاه انفجرت من ذلك الحجر اثنتا‬
‫عشرة عينا ً تجري لكل شعب عين‪ ,‬وغير ذلك من المعجزات التي‬
‫أيد الله بها موسى بن عمران‪ .‬وهناك نزلت التوراة وشرعت لهكم‬
‫الحكام‪ ,‬وعملت قبة العهد ويقال لها‪ :‬قبة الزمان‪ ,‬قككال يزيككد بككن‬
‫هارون عن أصبغ بن زيد‪ ,‬عن القاسم بن أبي أيوب‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبير‪ :‬سألت ابن عباس عن قوله‪} :‬فإنها محرمككة عليهككم أربعيككن‬
‫لية قال‪ :‬فتاهوا في الرض أربعين سنة‬ ‫سنة يتيهون في الرض{ ا َ‬
‫يصبحون كل يوم يسيرون ليس لهم قرار‪ ,‬ثم ظلل عليهم الغمككام‬
‫في التيه‪ ,‬وأنزل عليهم المن والسلوى‪ ,‬وهككذا قطعككة مككن حككديث‬
‫الفتون‪ ,‬ثم كانت وفاة هارون عليه السككلم‪ ,‬ثككم بعككده بمككدة ثلث‬
‫سنين وفاة موسى عليه السلم‪ ,‬وأقام لله فيهككم يوشككع بككن نككون‬
‫عليه السلم‪ ,‬نبيا ً خليفة عن موسى بن عمران‪ ,‬ومككات أكككثر بنككي‬
‫إسرائيل هناك في تلك المدة‪ ,‬ويقال‪ :‬إنه لم يبق منهم أحد سككوى‬
‫يوشع وكالب‪ ,‬ومن ههنا قكال بعكض المفسكرين فككي قكوله }قكال‬
‫فإنهككا محرمككة عليهككم{ هككذا وقككف تككام‪ ,‬وقككوله }أربعيككن سككنة{‬
‫منصوب بقوله }يتيهون فككي الرض{ فلمكا انقضككت المكدة‪ ,‬خكرج‬
‫بهم يوشع بن نون عليه السلم‪ ,‬أو بمن بقي منهككم‪ ,‬وبسككائر بنككي‬
‫إسرائيل من الجيل الثاني‪ ,‬فقصد بهككم بيككت المقككدس فحاصككرها‪,‬‬
‫فكككان فتحهككا يككوم الجمعككة بعككد العصككر‪ ,‬فلمككا تضككيفت الشككمس‬
‫للغروب وخشي دخول السككبت عليهككم‪ ,‬قككال‪ :‬إنككك مككأمورة‪ ,‬وأنككا‬
‫مأمور‪ ,‬اللهم احبسها علي‪ .‬فحبسها الله تعالى حتى فتحهككا‪ ,‬وأمككر‬
‫الله يوشككع بككن نككون‪ ,‬أن يككأمر بنككي إسككرائيل حيككن يككدخلون بيككن‬
‫المقدس‪ ,‬أن يدخلوا بابها سجدًا‪ ,‬وهم يقولون‪ :‬حطة أي حككط عنككا‬
‫ذنوبنا‪ ,‬فبدلوا ما أمروا به‪ ,‬ودخلككوا يزحفككون علككى أسككتاههم وهككو‬
‫يقولون‪ :‬حبة في شعرة‪ ,‬وقد تقدم هككذا كلككه فككي سككورة البقككرة‪.‬‬
‫‪392‬‬
‫وقال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن أبككي عمككر‬
‫العبدي‪ ,‬حدثنا سفيان عن أبي سعد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبككاس‪,‬‬
‫رضي الله عنه‪ ,‬قوله }فإنها محرمة عليهككم أربعيككن سككنة يككتيهون‬
‫في الرض{ قال‪ :‬فتاهوا أربعين سنة‪ ,‬قال‪ :‬فهلك موسى وهارون‬
‫في التيه‪ ,‬وكل من جاوز الربعين سنة‪ ,‬فلما مضت الربعون سنة‪,‬‬
‫ناهضهم يوشع بن نون‪ ,‬وهو الذي قككام بككالمر بعككد موسككى‪ ,‬وهككو‬
‫الككذي افتتحهككا‪ ,‬وهككو الككذي قيككل لككه‪ ,‬اليككوم يككوم الجمعككة‪ ,‬فهمككوا‬
‫بافتتاحها ودنت الشمس للغروب‪ ,‬فخشي إن دخلت ليلككة السككبت‬
‫أن يسبتوا‪ ,‬فنادى الشمس‪ :‬إني مككأمور‪ ,‬وإنككك مككأمورة‪ ,‬فككوقفت‬
‫حتى افتتحها‪ ,‬فوجد فيها من الموال ما لم ير مثله قككط‪ ,‬فقربككوه‬
‫إلى النار فلم تأته‪ ,‬فقال فيكم الغلول‪ ,‬فدعا رؤوس السباط وهم‬
‫اثنككا عشككر رجل ً فبككايعهم والتصككقت يككد رجككل منهككم بيككده فقككال‪:‬‬
‫الغلول عندك فأخرجه‪ ,‬فأخرج رأس بقرة من ذهب لها عينان من‬
‫ياقوت وأسنان من لؤلؤ فوضعه مع القربان‪ ,‬فككأتت النككار فككأكلته‪,‬‬
‫وهكككككككذا السكككككككياق لكككككككه شكككككككاهد فكككككككي الصكككككككحيح‪.‬‬
‫وقد اختار ابن جرير أن قوله‪} :‬فإنها محرمة عليهم{ هو العامل‬
‫في أربعين سنة وأنهم مكثوا ل يدخلونها أربعين سنة‪ ,‬وهم تائهون‬
‫في البرية ل يهتدون لمقصد‪ ,‬قككال‪ :‬ثككم خرجككوا مككع موسككى عليككه‬
‫السلم‪ ,‬ففتح بهم بيت المقككدس‪ ,‬ثككم احتككج علككى ذلككك مككن قككال‬
‫بإجماع علماء أخبار الولين‪ ,‬أن عوج بن عنكق قتلكه موسكى عليكه‬
‫السلم‪ ,‬قال‪ :‬فلو كان قتله إياه قبل التيه‪ ,‬لما رهبت بنو إسككرائيل‬
‫من العماليق فدل على أنه كان بعد التيه‪ ,‬قال‪ :‬وأجمعوا علككى أن‬
‫بلعام بن باعورا أعان الجبارين بالككدعاء علككى موسككى‪ ,‬قككال‪ :‬ومككا‬
‫ذاك إل بعد التيه‪ ,‬لنهككم كككانوا قبككل الككتيه ل يخككافون مككن موسككى‬
‫وقومه‪ ,‬هذا استدلله‪ ,‬ثم قال‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا ابن عطيككة‪,‬‬
‫حدثنا قيس عن ابن أبي إسحاق‪ ,‬عككن سككعيد بككن جككبير‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬قال‪ :‬كانت عصا موسى عشرة أذرع‪ ,‬ووثبته عشرة أذرع‪,‬‬
‫وطوله عشرة أذرع‪ ,‬فوثب فأصاب كعب عوج فقتله‪ ,‬فكان جسرا ً‬
‫لهل النيل سنة‪ ,‬وروي أيضا ً عن محمد بككن بشككار‪ :‬حككدثنا مؤمككل‪,‬‬
‫حدثنا سفيان عن أبي إسحاق‪ ,‬عن نككوف هككو البكككالي قككال‪ :‬كككان‬
‫سككرير عككوج ثمانمككائة ذراع‪ ,‬وكككان طككول موسككى عشككرة أذرع‪,‬‬
‫‪393‬‬
‫وعصككاه عشككرة أذرع‪ ,‬ووثككب فككي السككماء عشككرة أذرع‪ ,‬فضككرب‬
‫عوجا ً فأصاب كعبه فسقط ميتا ً وكان جسرا ً للناس يمككرون عليككه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فل تأس على القوم الفاسقين{ تسككلية لموسككى‬
‫عليه السلم عنهككم‪ ,‬أي ل تأسككف ول تحككزن عليهككم فيمككا حكمككت‬
‫عليهم به‪ ,‬فإنهم مسككتحقون ذلككك‪ ,‬وهككذه القصككة تضككمنت تقريككع‬
‫اليهود‪ ,‬وبيان فضككائحهم ومخككالفتهم للككه ولرسككوله ونكككولهم عككن‬
‫طاعتهمككا فيمككا أمراهككم بككه مككن الجهككاد‪ ,‬فضككعفت أنفسككهم عككن‬
‫مصابرة العداء ومجالدتهم ومقاتلتهم‪ ,‬مع أن بين أظهرهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم وكليمككه وصككفيه مككن خلقككه فككي ذلككك‬
‫الزمكككككككككككككككككككككان‪ ,‬وهكككككككككككككككككككككو يعكككككككككككككككككككككدهم‬
‫بالنصككر والظفككر بأعككدائهم‪ ,‬هككذا مككع مككا شككاهدوا مككن فعككل اللككه‬
‫بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليككم‬
‫وهم ينظرون لتقر به أعينهم‪ ,‬وما بالعهد من قدم‪ ,‬ثم ينكلون عككن‬
‫مقاتلككة أهككل بلككد هككي بالنسككبة إلككى ديككار مصككر ل تككوازي عشككر‬
‫المعشار في عدة أهلها وعددهم‪ ,‬فظهرت قبائح صكنيعهم للخككاص‬
‫والعام‪ ,‬وافتضحوا فضيحة ل يغطيها الليل‪ ,‬ول يسترها الذيل‪ ,‬هككذا‬
‫ددون‪ ,‬وهككم البغضككاء إلككى‬ ‫وهم في جهلهم يعمهون وفي غيهم يتر ّ‬
‫الله وأعداؤه ويقولون مع ذلك‪ :‬نحن أبناء الله وأحباؤه‪ ,‬فقبح اللككه‬
‫وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود وألزمهم لعنة تصككحبهم‬
‫إلى النار ذات الوقود‪ ,‬ويقضي لهم فيها بتأييككد الخلككود‪ ,‬وقككد فعككل‬
‫ولككككككككككه الحمككككككككككد فككككككككككي جميككككككككككع الوجككككككككككود‪.‬‬
‫حقّ إ ِذ ْ قَّرب َككا قُْرَبانكا ً فَت ُُقب ّك َ‬ ‫َ‬

‫مككن‬ ‫ل ِ‬ ‫م ب ِككال ْ َ‬ ‫ي آد َ َ‬ ‫م ن َب َكأ اب ْن َك ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِك ْ‬ ‫** َوات ْك ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مكك َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما ي َت ََقب ّ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫ل لقْت ُل َن ّ َ‬ ‫خرِ َقا َ‬ ‫ن ال َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ي ُت ََقب ّ ْ‬ ‫ما وَل َ ْ‬ ‫حدِهِ َ‬ ‫أ َ‬
‫ط ي َكدِيَ إ ِل َي ْك َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫س ٍ‬ ‫مآ أن َا ْ ب َِبا ِ‬ ‫ك ل ِت َْقت ُل َِني َ‬ ‫ي ي َد َ َ‬ ‫ت إ ِل َ ّ‬ ‫سط َ‬ ‫ن * ل َِئن ب َ َ‬ ‫مت ِّقي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي أَ َ‬
‫مي‬ ‫ي أِريكد ُ أن ت َب ُككوَء ب ِكإ ِث ْ ِ‬ ‫ن * إ ِن ّك َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال ْعَككال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫لقْت ُل َ َ‬
‫كون من أ َ‬
‫ت‬ ‫ن * فَط َوّعَ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫جَزآءُ ال ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ب الّنارِ وَذ َل ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫حا‬ ‫ص َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ك فَت َ ُ َ ِ‬ ‫م َ‬‫وَإ ِث ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ث الل ّك ُ‬
‫ه‬ ‫ن * فَب َعَك َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫سك‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مك َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص كب َ َ‬‫ه فَأ ْ‬ ‫خيهِ فََقت َل َك ُ‬ ‫لأ ِ‬ ‫ه قَت ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ه ن َْف ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫ل َياوَي ْل ََتككا‬ ‫خيهِ َقككا َ‬ ‫سوَْءةَ أ َ ِ‬ ‫واِري َ‬ ‫َ‬ ‫ف يُ‬ ‫ه ك َي ْ َ‬ ‫ض ل ِي ُرِي َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ث ِفي الْر‬ ‫ح ُ‬ ‫غَُرابا ً ي َب ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ح‬ ‫صكب َ َ‬ ‫خككي فَأ ْ‬ ‫سكوَْءةَ أ َ ِ‬ ‫ب فَكأَوارِيَ َ‬ ‫ذا ال ْغُكَرا ِ‬ ‫هـ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫تأ ْ‬
‫َ‬
‫جْز ُ‬ ‫أعَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫ن الّنككككككككككككككككككككككككككككككككككككادِ ِ‬ ‫مكككككككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬ ‫ِ‬
‫‪394‬‬
‫يقول تعالى مبينا ً وخيم عاقبة البغي والحسككد والظلككم فككي خككبر‬
‫ابني آدم لصلبه في قول الجمهور‪ ,‬وهما قابيل وهابيككل كيككف عككدا‬
‫لخر فقتله‪ ,‬بغيا ً عليه وحسدا ً له‪ ,‬فيما وهبه الله من‬ ‫أحدهما على ا َ‬
‫النعمككة وتقبككل القربككان الككذي أخلككص فيككه للككه عككز وجككل‪ ,‬ففككاز‬
‫لثام والككدخول إلككى الجنككة‪ ,‬وخككاب القاتككل ورجككع‬ ‫المقتول بوضع ا َ‬
‫بالصفقة الخاسرة في الككدارين‪ ,‬فقككال تعككالى‪} :‬واتككل عليهككم نبككأ‬
‫ابني آدم بالحق{‪ ,‬أي اقصص على هككؤلء البغككاة الحسككدة إخككوان‬
‫الخنازير والقردة من اليهككود وأمثككالهم وأشككباههم خككبر ابنككي آدم‪,‬‬
‫وهما هابيل وقابيل‪ ,‬فيما ذكره غيككر واحككد مككن السككلف والخلككف‪.‬‬
‫وقوله }بالحق{ أي علككى الجليككة والمككر الككذي ل لبككس فيككه ول‬
‫كذب‪ ,‬ول وهم ول تبديل‪ ,‬ول زيادة ول نقصان‪ ,‬كقوله تعككالى‪} :‬إن‬
‫هذا لهو القصص الحق{‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬نحككن نقككص عيككك نبككأهم‬
‫بالحق{ وقال }ذلك عيسى ابككن مريككم قككول الحككق{‪ ,‬وكككان مككن‬
‫خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف‪ ,‬أن الله تعككالى‪:‬‬
‫لدم عليه السلم‪ ,‬أن يزوج بناته مككن بنيككه لضككرورة الحككال‪,‬‬ ‫شرع َ‬
‫ولكن قالوا‪ :‬كان يولد له في كككل بطككن ذكككر وأنككثى‪ ,‬فكككان يككزوج‬
‫لخككر‪ ,‬وكككانت أخككت هابيككل دميمككة‬ ‫أنثى هذاالبطن لككذكر البطككن ا َ‬
‫وأخت قابيل وضيئة‪ ,‬فككأراد أن يسككتأثر بهككا علككى أخيككه‪ ,‬فككأبى آدم‬
‫ذلك‪ ,‬إل أن يقربا قربانًا‪ ,‬فمن تقبل منه فهي له‪ ,‬فتقّبل من هابيل‬
‫ولم يتقبل من قابيل‪ ,‬فكان من أمرهما ما قصككه اللككه فككي كتككابه‪.‬‬
‫ذكككككككككككككككر أقككككككككككككككوال المفسككككككككككككككرين ههنككككككككككككككا‬

‫قال السدي فيما ذكر عن أبي مالك‪ ,‬وعن أبككي صككالح عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬وعن مرة عن ابن مسعود‪ ,‬وعن ناس من أصككحاب النككبي‬
‫لدم مولككود إل ولككد معككه‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬أنككه كككان ل يولككد َ‬
‫لخككر‪,‬‬ ‫جاريكة‪ ,‬فككان يككزوج غلم هكذا البطكن جاريكة هكذا البطكن ا َ‬
‫لخر‪ ,‬حتى ولد له ابنككان‬ ‫ويزوج جارية هذا البطن غلم هذا البطن ا َ‬
‫يقال لهما‪ :‬هابيل وقابيل وكككان قابيككل صككاحب زرع‪ ,‬وكككان هابيككل‬
‫صاحب ضرع‪ ,‬وكان قابيل أكبرهمككا‪ ,‬وكككان لككه أخككت أحسككن مككن‬
‫أخت هابيل‪ ,‬وأن هابيل طلب أن ينكككح أخككت قابيككل‪ ,‬فككأبى عليككه‪,‬‬
‫وقال هي أختي ولدت معي‪ ,‬وهي أحسن من أختك وأنككا أحككق أن‬
‫أتزوج بها‪ ,‬فأمره أبوه أن يزوجها هابيل فأبى‪ ,‬وأنهما قربككا قربانككا ً‬
‫‪395‬‬
‫إلى الله عز وجل أيهما أحق بالجارية‪ ,‬وكان آدم عليه السككلم قككد‬
‫غاب عنهما‪ ,‬أتى مكة ينظر إليها‪ ,‬قال الله عز وجل‪ :‬هل تعلككم أن‬
‫لي بيتا ً في الرض ؟ قال‪ :‬اللهم ل ‪ .‬قككال‪ :‬إن لككي بيت كا ً فككي مكككة‪,‬‬
‫فككأته‪ ,‬فقككال آدم للسككماء‪ :‬احفظككي ولككدي بالمانككة فككأبت‪ ,‬وقككال‬
‫للرض فأبت‪ ,‬وقال للجبال فأبت‪ ,‬فقال لقابيل‪ ,‬فقال‪ :‬نعم‪ ,‬تذهب‬
‫وترجع وتجد أهلك كما يسرك‪ ,‬فلما انطلق آدم قربا قربانًا‪ ,‬وكككان‬
‫قابيل يفخر عليه‪ ,‬فقال‪ :‬أنا أحق بها منك هي أختي وأنا أكبر منككك‬
‫وأنا وصي والدي‪ ,‬فلمككا قربككا قككرب هابيككل جذعككة سككمينة وقككرب‬
‫قابيل حزمككة سككنبل فوجككد فيهككا سككنبلة عظيمككة‪ ,‬ففركهككا وأكلهككا‬
‫فنزلت النار‪ ,‬فأكلت قربان هابيل وتركككت قربككان قابيككل‪ ,‬فغضككب‬
‫وقال‪ :‬لقتلنك حتى ل تنكح أختي‪ ,‬فقال هابيل إنما يتقبل الله مككن‬
‫المتقيكككككككككككككككككككن‪ ,‬رواه ابكككككككككككككككككككن جريكككككككككككككككككككر‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا الحسن بن محمككد بككن الصككباح حككدثنا‬
‫حجاج عن ابن جريج أخبرني ابن خيثم قال‪ :‬أقبلت مككع سككعيد بككن‬
‫جبير‪ ,‬فحدثني عن ابن عباس‪ ,‬قككال‪ :‬نهككي أن تنككح المككرأة أخاهكا‬
‫توأمها وأمر أن ينكحها غيره من إخوتها‪ ,‬وكككان يولككد لككه فككي كككل‬
‫بطن رجل وامرأة‪ ,‬فبينما هم كذلك إذ ولد له امككرأة وضكيئة وولككد‬
‫له أخرى قبيحة دميمة‪ ,‬فقال أخو الدميمة‪ :‬أنكحني أختك وأنكحك‬
‫أختي‪ ,‬فقال ل ‪ ,‬أنا أحق بأختي‪ ,‬فقربا قربانكا ً فتقبككل مككن صككاحب‬
‫الكبش ولم يتقبل من صاحب الزرع‪ ,‬فقتلككه‪ ,‬إسككناد جيككد‪ ,‬وحككدثنا‬
‫أبي‪ ,‬حدثنا أبو سلمة‪ ,‬حككدثنا حمككاد بككن سككلمة عككن عبككد اللككه بككن‬
‫عثمان بن خيثم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عككن ابككن عبككاس وقككوله }إذ‬
‫قربا قربانًا{ فقربككا قربانهمككا‪ ,‬فجككاء صككاحب الغنككم بكبككش أعيككن‬
‫أقككرن أبيككض‪ ,‬وصككاحب الحككرث بصككبرة مككن طعككامه‪ ,‬فقبككل اللككه‬
‫الكبش فخزنه في الجنة أربعين خريفًا‪ ,‬وهككو الكبككش الككذي ذبحككه‬
‫إبراهيكككككككككم عليكككككككككه السكككككككككلم‪ ,‬إسكككككككككناد جيكككككككككد‪,‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن بشار‪ ,‬حدثنا محمد بككن جعفككر‪ ,‬حككدثنا‬
‫عوف عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬إن ابنككي آدم‬
‫لخككر‪ ,‬كككان‬‫اللذين قربا قربانا ً فتقبل من أحدهما ولم يتقبككل مككن ا َ‬
‫لخر صاحب غنككم‪ ,‬وإنهمككا أمككرا أن يقربككا‬ ‫أحدهما صاحب حرث وا َ‬
‫قربانًا‪ ,‬وإن صككاحب الغنككم قككرب أكككرم غنمككه وأسككمنها وأحسككنها‬
‫طيبة بها نفسككه‪ ,‬وإن صككاحب الحككرث قككرب أشككر حرثككه الكككودن‬
‫‪396‬‬
‫والزوان‪ ,‬غير طيبة بها نفسككه‪ ,‬وإن اللككه عككز وجككل‪ ,‬تقبككل قربككان‬
‫صككاحب الغنككم ‪ ,‬ولككم يتقبككل قربككان صككاحب الحككرث‪ ,‬وكككان مككن‬
‫قصتهما ما قص الله في كتابه‪ ,‬قال‪ :‬وايككم اللككه إن كككان المقتككول‬
‫لشد الرجلين ولكن منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيككه‪ ,‬وقككال‬
‫إسماعيل بن رافع المدني القككاص‪ :‬بلغنككي أن ابنككي آدم لمككا أمككرا‬
‫بالقربان‪ ,‬كان أحدهما صاحب غنم وكان أنتج له حمل فككي غنمككه‪,‬‬
‫فأحبه حتى كان يؤثره بالليل‪ ,‬وكان يحمله على ظهككره مككن حبككه‪,‬‬
‫حتى لم يكن له مال أحب إليه منه‪ ,‬فلما أمر بالقربككان قربككه للككه‬
‫عز وجل فقبله الله منه‪ ,‬فما زال يرتع في الجنة حتى فدي به ابن‬
‫إبراهيككككككككم عليككككككككه السككككككككلم‪ ,‬رواه ابككككككككن جريككككككككر‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا النصككاري‪ ,‬حككدثنا القاسككم‬
‫بن عبد الرحمن‪ ,‬حدثنا محمد بن علي بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬قال آدم‬
‫عليه السلم لهابيل وقابيل‪ :‬إن ربي عهد إلي أنه كائن من ذريككتي‬
‫من يقرب القربان‪ ,‬فقربا قربانا ً حتى تقر عيني‪ ,‬إذا تقبل قربانكما‬
‫فقربا وكان هابيل صاحب غنم فقرب أكولة غنم خير مككاله‪ ,‬وكككان‬
‫قابيل صاحب زرع‪ ,‬فقرب مشاقة من زرعه‪ ,‬فانطلق آدم معهمككا‪,‬‬
‫ومعهمككا قربانهمككا‪ ,‬فصككعدا الجبككل‪ ,‬فوضككعا قربانهمككا ثككم جلسككوا‬
‫ثلثتهم آدم وهما ينظران إلى القربككان‪ ,‬فبعككث اللككه نككارا ً حككتى إذا‬
‫كانت فوقهما دنا منها عنق‪ ,‬فاحتمل قربككان هابيككل‪ ,‬وتككرك قربككان‬
‫قابيل‪ ,‬فانصرفوا‪ ,‬وعلم آدم أن قابيل مسخوط عليه‪ ,‬فقال‪ :‬ويلك‬
‫يا قابيل رد عليك قربانك‪ ,‬فقال قابيل أحببته فصليت على قربككانه‬
‫ودعوت له فتقبل قربككانه ورد علككي قربككاني‪ ,‬فقكال قابيكل لهابيككل‬
‫لقتلنك وأستريح منك‪ ,‬دعا لك أبوك فصكلى علكى قربانككك فتقبككل‬
‫منك‪ ,‬وكان يتوعده بالقتل إلى أن احتبس هابيككل ذات عشككية فككي‬
‫غنمه‪ ,‬فقال آدم‪ :‬يا قابيل‪ ,‬أين أخوك ؟ قال‪ :‬وبعثتنككي لككه راعيككا ل‬
‫أدري‪ ,‬فقكال آدم‪ :‬ويلككك يكا قابيككل‪ ,‬انطلككق فككاطلب أخكاك‪ ,‬فقكال‬
‫قابيل في نفسه‪ :‬الليلة أقتلكه‪ ,‬وأخكذ معكه حديكدة فاسكتقبله وهكو‬
‫منقلب‪ ,‬فقال‪ :‬يا هابيل تقبل قربانككك ورد علككي قربككاني لقتلنككك‪,‬‬
‫فقال هابيل‪ :‬قربت أطيب مككالي‪ ,‬وقربككت أنككت أخبككث مالككك وإن‬
‫الله ل يقبل إل الطيب إنما يتقبككل اللككه مككن المتقيككن‪ ,‬فلمككا قالهككا‬
‫غضب قابيل‪ ,‬فرفع الحديدة وضربه بها‪ ,‬فقال‪ :‬ويلك يا قابيل‪ ,‬أين‬
‫‪397‬‬
‫أنت من الله كيف يجزيك بعملك ؟ فقتله‪ ,‬فطرحه في حوبككة مككن‬
‫الرض‪ ,‬وحككككككككثى عليككككككككه شككككككككيئا ً مككككككككن الككككككككتراب‪.‬‬
‫وروى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتككاب الول‪ :‬أن‬
‫آدم أمر ابنه قابيككل أن ينكككح أختكه توأمكة هابيككل‪ ,‬وأمكر هابيككل أن‬
‫ينكح توأمة قابيل‪ ,‬فسلم لذلك هابيككل ورضككي‪ ,‬وأبككى ذلككك قابيككل‬
‫وكره تكرما ً عن أخت هابيل‪ ,‬ورغب بأخته عن هابيل وقككال‪ :‬نحككن‬
‫من ولدة الجنة‪ ,‬وهما من ولدة الرض‪ ,‬وأنا أحق بككأختي‪ ,‬ويقككول‬
‫بعض أهل العلككم بالكتككاب الول‪ :‬كككانت أخككت قابيككل مككن أحسككن‬
‫الناس‪ ,‬فضن بها على أخيه وأرادهككا لنفسككه واللككه أعلككم أي ذلككك‬
‫كان فقال له أبوه‪ :‬يا بني إنها ل تحل لك فأبى قابيل أن يقبل ذلك‬
‫من قول أبيه‪ ,‬قال له أبككوه‪ :‬يككا بنككي ق كّرب قربان كا ً ويقككرب أخككوك‬
‫هابيل قربانا ً فأيكما تقبل قربانه فهو أحق بهككا‪ ,‬وكككان قابيككل علككى‬
‫بذر الرض‪ ,‬وكان هابيل على رعاية الماشية‪ ,‬فقرب قابيككل قمح كا ً‬
‫وقرب هابيل أبكارا ً من أبكار غنمه‪ ,‬وبعضهم يقككول‪ :‬قككرب بقككرة‪,‬‬
‫فأرسل الله نارا ً بيضاء فأكلت قربان هابيل وتركت قربككان قابيككل‪,‬‬
‫وبككككذلك كككككان يقبككككل القربككككان إذا قبلككككه‪ ,‬رواه ابككككن جريككككر‪.‬‬
‫وروى العوفي عن ابككن عبككاس قككال‪ :‬مككن شكأنهما أنكه لكم يككن‬
‫مسكين يتصدق عليه وإنما كان القربان يقربه الرجل فبينا ابنا آدم‬
‫قاعدان‪ ,‬إذ قككال لككو قربنككا قربانكًا‪ ,‬وكككان الرجككل إذا قككرب قربانكا ً‬
‫فرضيه الله أرسل إليه نارا ً فتأكله‪ ,‬وإن لم يكن رضككيه اللكه خبكت‬
‫لخككر حراثكًا‪ ,‬وإن‬ ‫النار‪ ,‬فقربا قربانًا‪ ,‬وكككان أحككدهما راعيكا ً وكككان ا َ‬
‫لخر بعض زرعككه‪,‬‬ ‫صاحب الغنم قرب خير غنمه وأسمنها‪ ,‬وقرب ا َ‬
‫فجاءت النار فنزلت بينهما فأكلت الشاة وتركت الككزرع‪ ,‬وإن ابككن‬
‫آدم قال لخيه أتمشي في الناس وقككد علمككوا أنككك قربككت قربانكا ً‬
‫ي وأنت خير مني‬ ‫فتقبل منك ورد علي‪ ,‬فل والله ل ينظر الناس إل ّ‬
‫فقال‪ :‬لقتلنك‪ ,‬فقال له أخككوه‪ :‬مككا ذنككبي ؟ إنمككا يتقبككل اللككه مككن‬
‫المتقين‪ .‬رواه ابن جرير فهذا الثر يقتضي أن تقريب القربان كان‬
‫ل عن سبب ول عن تدارؤ في امرأة كما تقدم عككن جماعككة ممككن‬
‫تقدم ذكرهم وهو ظاهر القرآن }إذ قربا قربانا ً فتقبل من أحدهما‬
‫لخككر قككال لقتلنككك قككال إنمككا يتقبككل اللككه مككن‬ ‫ولككم يتقبككل مككن ا َ‬
‫المتقين{ فالسياق يقتضي أنه إنمككا غضككب عليككه وحسككده بقبككول‬
‫قربانه دونه‪ ,‬ثم المشهور عند الجمهور أن الذي قككرب الشككاة هككو‬
‫‪398‬‬
‫هابيل وأن الذي قككرب الطعككام هككو قابيككل وأنككه تقبككل مككن هابيككل‬
‫شاته‪ ,‬حتى قال ابككن عبككاس وغيككره إنهككا الكبككش الككذي فككدي بككه‬
‫الذبيح وهو مناسب‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬ولم يتقبل من قابيل‪ ,‬كذلك نككص‬
‫عليه غير واحككد مككن السككلف والخلككف وهوالمشككهور عككن مجاهككد‬
‫أيضًا‪ ,‬ولكن روى ابن جرير عنه أنه قال الذي قككرب الككزرع قابيككل‬
‫وهو المتقبل منه‪,‬وهذا خلف المشهور ولعله لم يحفظ عنه جيككدًا‪,‬‬
‫ومعنى قوله }إنما يتقبل الله من المتقين{ أي ممن اتقككى اللككه‬
‫في فعله ذلك‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا إبراهيككم بككن‬
‫العلء بن زيككد‪ ,‬حككدثنا إسككماعيل بككن عيككاش‪ ,‬حككدثني صكفوان بككن‬
‫عمرو عن تميم يعني ابن مالك المقري‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا الككدرداء‬
‫ي من‬ ‫يقول‪ :‬لن أستيقن أن الله قد تقبل لي صلة واحدة أحب إل ّ‬
‫الدنيا وما فيهككا إن اللككه يقككول }إنمككا يتقبككل اللككه مككن المتقيككن{‪.‬‬
‫وحدثنا أبي‪ ,‬حدثنا عبد الله بن عمران حدثنا إسككحاق بككن سككليمان‬
‫يعني الرازي عن المغيرة بن مسلم‪ ,‬عن ميمون بككن أبككي حمككزة‪,‬‬
‫قال‪ :‬كنت جالسا ً عند أبكي وائل فكدخل علينكا رجكل يقكال لكه أبكو‬
‫عفيف من أصحاب معاذ فقال له شقيق بن سلمة‪ :‬يككا أبككا عفيككف‬
‫أل تحدثنا عن معاذ بن جبككل ؟ قككال‪ :‬بلككى سككمعته يقككول‪ :‬يحبككس‬
‫الناس في بقيع واحد فينادي مناد‪ :‬أين المتقككون ؟ فيقومككون فككي‬
‫كنككف مككن الرحمككن ل يحتجككب اللككه منهككم ول يسككتتر‪.‬قلككت‪ :‬مككن‬
‫المتقون ؟ قال قوم اتقوا الشرك وعبادة الوثان وأخلصوا العبادة‬
‫فيمكككككككككككككككككككككرون إلكككككككككككككككككككككى الجنكككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫ي يدك لتقتلني ما أنككا بباسككط يككدي إليككك‬ ‫وقوله }لئن بسطت إل ّ‬
‫لقتلككك إنككي أخككاف اللككه رب العككالمين{ يقككول لككه أخككوه الرجككل‬
‫الصالح الذي تقبل الله قربانه لتقككواه‪ ,‬حيككن توعككده أخككوه بالقتككل‬
‫ي يدك لتقتلنككي مككا أنككا‬ ‫على غير ما ذنب منه إليه }لئن بسطت إل ّ‬
‫بباسط يدي إليك لقتلك{ أي ل أقابلك على صنيعك الفاسد بمثله‬
‫فككأكون أنككا وأنككت سككواء فككي الخطيئة }إنككي أخككاف اللككه رب‬
‫العالمين{ أي من أن أصنع كما تريد أن تصنع بل أصبر وأحتسككب‪,‬‬
‫قال عبد الله بن عمرو‪ :‬وايم اللككه إن كككان لشككد الرجليككن ولكككن‬
‫منعه التحرج يعني الورع‪ ,‬ولهذا ثبككت فككي الصككحيحين عككن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسككلم أنككه قككال »إذا تككواجه المسككلمان بسككيفهما‬
‫‪399‬‬
‫فالقاتل والمقتول في النار« قالوا‪ :‬يا رسول الله هذا القاتككل فمككا‬
‫بككال المقتككول ؟ قككال »إنككه كككان حريصككا ً علككى قتككل صككاحبه«‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا قتيبة بن سككعيد‪ ,‬حككدثنا ليككث بككن سككعد‬
‫عن عياش بن عباس‪ ,‬عن بكير بن عبد الله‪ ,‬عن بشككر بككن سككعيد‬
‫أن سعد بن أبي وقاص قال عنككد فتنككة عثمككان‪ :‬أشككهد أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال »إنهككا سككتكون فتنككة القاعككد فيهككا‬
‫خير من القائم‪ ,‬والقككائم خيككر مككن الماشككي‪ ,‬والماشككي خيككر مككن‬
‫ي‬
‫ي بيككتي فبسككط يككده إل ك ّ‬‫السككاعي« قككال‪ :‬أفرأيككت إن دخككل عل ك ّ‬
‫ليقتلني فقال »كن كابن آدم« وكذا رواه الترمذي عن قتيبككة بككن‬
‫سعيد وقال‪ :‬هذا حديث حسن‪ ,‬وفي الباب عن أبي هريرة وخباب‬
‫بن الرت وأبي بكر وابن مسعود وأبي واقد وأبي موسى وخرشككة‬
‫ورواه بعضهم عككن الليككث بككن سككعد وزاد فككي السككناد رج ً‬
‫ل‪ ,‬قككال‬
‫الحافظ ابن عساكر‪ :‬الرجل هو حسين الشجعي‪ ,‬قلت‪ :‬وقد رواه‬
‫أبو داود من طريقه فقككال‪ :‬حككدثنا يزيككد بككن خالككد الرملككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫الفضل عن عياش بن عباس‪ ,‬عن بكير عن بشككر بككن سككعيد‪ ,‬عككن‬
‫حسين بن عبد الرحمن الشجعي أنه سمع سككعد بككن أبككي وقككاص‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم فككي هككذا الحككديث قككال‪ :‬فقلككت‪:‬‬
‫يارسول الله أرأيككت إن دخككل بيككتي وبسككط يككده ليقتلنككي ؟ قككال‪:‬‬
‫فقال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »كككن كككابن آدم« وتل‬
‫ي يدك لتقتلني ما أنككا بباسككط يككدي إليككك لقتلككك‬ ‫}لئن بسطت إل ّ‬
‫إنككككككككككككي أخككككككككككككاف اللككككككككككككه رب العككككككككككككالمين{‪.‬‬
‫لية من هذه المككة‬ ‫قال أيوب السختياني‪ :‬إن أول من أخذ بهذه ا َ‬
‫ي يدك لتقتلني ما أنككا بباسككط يككدي إليككك لقتلككك‬ ‫}لئن بسطت إل ّ‬
‫إنككي أخككاف اللككه رب العككالمين{ لعثمككان بككن عفككان رضككي اللككه‬
‫عنه‪,‬رواه ابن أبككي حككاتم‪ .‬وقككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا ابككن حككزم‪,‬‬
‫حدثني أبوعمران الجوني عن عبد الله بن الصامت‪ ,‬عككن أبككي ذر‪,‬‬
‫قال‪ :‬ركب النبي صلى الله عليه وسلم حمارا ً أردفني خلفه وقككال‬
‫»يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد ل تستطيع أن تقككوم‬
‫من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع ؟« قال‪ :‬قال اللككه ورسككوله‬
‫أعلم‪ ,‬قال »تعفف« قال »يا أبا ذر أرأيت إن أصاب النككاس مككوت‬
‫شديد يكون البيت فيه بالعبد يعني القبر كيف تصنع ؟« قلت‪ :‬الله‬
‫ورسوله أعلم‪ ,‬قال‪} :‬اصبر{ قال »يا أبا ذر أرأيت إن قتل النككاس‬
‫‪400‬‬
‫بعضهم بعضًا‪ ,‬يعني حتى تغككرق حجككارة الزيككت مككن الككدماء كيككف‬
‫تصنع ؟« قال‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ ,‬قككال »اقعككد فككي بيتككك وأغلككق‬
‫عليك بابك« قال‪ :‬فإن لم أترك‪ ,‬قال »فأت من أنككت منهككم فكككن‬
‫منهم« قال‪ :‬فآخذ سلحي‪ ,‬قال »فإذا ً تشاركهم فيماهم فيه ولكن‬
‫إذا خشككيت أن يردعككك شككعاع السككيف فككألق طككرف ردائك علككى‬
‫وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك«‪ ,‬ورواه مسلم وأهككل السككنن سككوى‬
‫النسائي‪ ,‬من طرق عن أبككي عمككران الجككوني عككن عبككد اللككه بككن‬
‫الصامت به‪ ,‬ورواه أبو داود وابن ماجه من طريككق حمككاد بككن زيككد‬
‫عن أبي عمككران‪ ,‬عككن المشككعث بككن طريككف‪ ,‬عككن عبككد اللككه بككن‬
‫الصامت‪ ,‬عن أبي ذر بنحوه‪ ,‬قككال أبككو داود‪ :‬ولككم يككذكر المشككعث‬
‫في هذا الحديث غير حماد بن زيد‪ ,‬وقال ابن مردويه‪ :‬حدثنا محمد‬
‫بن علي بن دحيم‪ ,‬حدثنا أحمد بن حازم‪ ,‬حدثنا قبيصككة بككن عقبككة‪,‬‬
‫حدثنا سفيان عن منصور‪ ,‬عن ربعي‪ ,‬قال‪ :‬كنا فككي جنككازة حذيفككة‬
‫فسمعت رجل ً يقول‪ :‬سمعت هذا يقول في ناس‪ ,‬مما سمعت من‬
‫رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »لئن اقتتلتككم لنظككرن إلككى‬
‫أقصى بيت في داري فللجنه فلئن دخل علي فلن لقولن ها‪ ,‬بككؤ‬
‫بككككككككإثمي وإثمككككككككك فككككككككأكون كخيككككككككر ابنككككككككي آدم«‪.‬‬
‫وقوله }إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النككار‬
‫وذلك جزاء الظالمين{ قال ابن عباس ومجاهد والضككحاك وقتككادة‬
‫والسدي في قوله }إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك{ أي بإثم قتلي‬
‫وإثمك الذي عليك قبل ذلك‪ ,‬قاله ابن جرير‪ .‬وقال آخككرون‪ :‬يعنككي‬
‫بذلك إني أريد أن تبوء بخطيئتي فتتحمل وزرها وإثمك فككي قتلككك‬
‫إياي‪ ,‬وهذا قول وجدته عككن مجاهككد وأخشككى أن يكككون غلطكا ً لن‬
‫الصحيح من الرواية عنه خلفه‪ ,‬يعني ما رواه سفيان الثوري عككن‬
‫منصور عن مجاهد }إني أريد أن تبوء بككإثمي{ قككال‪ :‬بقتلككك إيككاي‬
‫}وإثمك{ قال‪ :‬بما كان منك قبل ذلك‪ ,‬وكذا رواه عيسى بن أبككي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد بمثله‪ ,‬وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد‬
‫}إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك{ يقول إني أريد أن يكككون عليككك‬
‫خطيئتكككككككككي ودمكككككككككي فتبكككككككككوء بهمكككككككككا جميعكككككككككًا‪.‬‬
‫)قلت( وقد يتوهم كثير من الناس هذا القول‪ ,‬ويذكرون في ذلك‬
‫حديثا ً ل أصل له »ما ترك القاتل علككى المقتككول مككن ذنككب« وقككد‬
‫روى الحافظ أبو بكر البزار حديثا ً يشبه هذا ولكن ليس بككه فقككال‪:‬‬
‫‪401‬‬
‫حدثنا عمرو بن علي‪ ,‬حدثنا عككامر بككن إبراهيككم الصككبهاني‪ ,‬حككدثنا‬
‫يعقوب بن عبد الله‪ ,‬حدثنا عتبة بن سعيد عككن هشككام بككن عككروة‪,‬‬
‫عن أبيه‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬قككالت‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »قتل الصبر ل يمر بذنب إل محاه« وهذا بهذا ل يصح‪ ,‬ولككو‬
‫صح فمعناه أن الله يكفر عن المقتول بألم القتككل ذنككوبه فأمككا أن‬
‫تحمل على القاتل فل‪ ,‬ولكن قد يتفكق هكذا فكي بعكض الشكخاص‬
‫وهو الغالب‪ ,‬فإن المقتول يطالب القاتل في العرصات‪ ,‬فيؤخذ له‬
‫من حسناته بقدر مظلمته فإن نفدت ولم يستوف حقه‪ ,‬أخككذ مككن‬
‫سككيئات المقتككول‪ ,‬فطرحككت علككى القاتككل‪ ,‬فربمككا ل يبقككى علككى‬
‫المقتول خطيئة إل وضعت على القاتل‪ ,‬وقككد صككح الحككديث بككذلك‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم كلهككا‪ ,‬والقتككل‬
‫مككككككككككن أعظمهككككككككككا وأشككككككككككدها واللككككككككككه أعلككككككككككم‪.‬‬
‫وأما ابن جرير فقال والصواب من القول فكي ذلكك أن يقكال إن‬
‫تأويله إني أريد أن تنصككرف بخطيئتككك فكي قتلككك إيكاي وذلكك هكو‬
‫معنى قوله }إني أريد أن تبوء بإثمي{ وأما معنى }وإثمككك{ فهككو‬
‫إثمه يعني قتله وذلك معصية الله عز وجل في أعمال سواه وإنما‬
‫قلنا ذلك هو الصواب لجماع أهل التأويل عليه وأن الله عككز وجككل‬
‫أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه وإذا كككان هككذا حكمككه‬
‫في خلقه فغير جائز أن تكون آثككام المقتككول مككأخوذا ً بهككا القاتككل‪,‬‬
‫وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثام معاصككيه الككتي‬
‫ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتيله‪ ,‬هذا لفظككه‪ ,‬ثككم أورد علككى هككذا‬
‫سؤال ً حاصله كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثككم قتلككه‬
‫وإثم نفسه مع أن قتله له محككرم‪ ,‬وأجككاب بمككا حاصككله أن هابيككل‬
‫أخبر عن نفسه بأنه ل يقاتككل أخككاه إن قككاتله‪ ,‬بككل يكككف عنككه يككده‬
‫طالبا ً إن وقع قتل أن يكون من أخيككه ل منككه‪ ,‬قلككت‪ :‬وهككذا الكلم‬
‫متضمن موعظة له لو اتعظ‪ ,‬وزجرا ً له لو انزجر‪ ,‬ولهذا قال }إني‬
‫أريد أن تبوء بإثمي وإثمك{ أي تتحمل إثمي وإثمك }فتكككون مككن‬
‫أصحاب النار وذلككك جككزاء الظككالمين{ وقككال ابككن عبككاس‪ :‬خككوفه‬
‫بالنكككككككككككار فلكككككككككككم ينتكككككككككككه ولكككككككككككم ينزجكككككككككككر‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فطوعت له نفسه قتل أخيككه فقتلككه فأصككبح مككن‬
‫الخاسرين{ أي فحسنت وسولت لككه نفسككه وشككجعته علككى قتككل‬
‫أخيه فقتله‪ ,‬أي بعد هذه الموعظككة وهككذا الزجككر‪ ,‬وقككد تقككدم فككي‬
‫‪402‬‬
‫الرواية عن أبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسككين أنككه‬
‫قتله بحديدة في يده‪ ,‬وقكال السكدي‪ ,‬عكن أبكي مالكك‪ ,‬وعكن أبكي‬
‫صالح‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬وعن مرة بككن عبككد اللككه‪ ,‬وعككن نككاس مككن‬
‫أصحاب النبي صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فطككوعت لككه نفسككه قتككل‬
‫أخيه‪ ,‬فطلبه ليقتله‪ ,‬فككراغ الغلم منككه فككي رؤوس الجبككال‪ ,‬فأتككاه‬
‫يوما ً من اليام وهو يرعى غنما ً له وهو نائم‪ ,‬فرفع صككخرة فشككدخ‬
‫بها رأسه فمات فتركه بالعراء‪ ,‬رواه ابن جريككر‪ .‬وعككن بعككض أهككل‬
‫الكتاب أنه قتله خنقا ً وعضا ً كما تقتل السباع‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬لما‬
‫أراد أن يقتله جعل يلوي عنقه‪ ,‬فأخككذ إبليككس دابككة ووضككع رأسككها‬
‫على حجر‪ ,‬ثم أخذ حجرا ً آخر فضرب به رأسها حتى قتلهككاو وابككن‬
‫آدم ينظر‪ ,‬ففعل بأخيه مثل ذلك‪ ,‬رواه ابن أبي حككاتم‪ ,‬وقككال عبككد‬
‫الله بن وهب‪ ,‬عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ ,‬عن أبيككه‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫أخذ برأسه ليقتله فاضكطجع لكه وجعككل يغمككز رأسكه وعظكامه ول‬
‫يدري كيف يقتله‪ ,‬فجاءه إبليس فقال‪ :‬أتريد أن تقتله ؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه‪,‬قال‪ :‬فأخذها فألقاها‬
‫عليه فشدخ رأسه‪ ,‬ثم جككاء إبليككس إلككى حككواء مسككرعا ً فقككال‪ :‬يككا‬
‫حواء إن قابيل قتل هابيككل‪ ,‬فقككالت لككه‪ :‬ويحككك وأي شككيء يكككون‬
‫القتل ؟ قال‪ :‬ل يأكل ول يشرب ول يتحرك‪ ,‬قككالت‪ :‬ذلككك المككوت‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهو الموت‪ ,‬فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم وهي تصككيح‪,‬‬
‫فقال‪ :‬مالك ؟ فلم تكلمككه‪ ,‬فرجككع إليهككا مرتيككن فلككم تكلمكه اللككه‪,‬‬
‫ي منهككا بككرآء‪ ,‬رواه ابككن‬ ‫فقال‪ :‬عليك الصيحة وعلى بناتك‪ ,‬وأنا وبن ّ‬
‫أبككككككككككككككككككككككككككككككككككككككي حككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاتم‪.‬‬
‫لخككرة‪ ,‬وأي‬ ‫وقككوله }فأصككبح مككن الخاسككرين{ أي فككي الككدنيا وا َ‬
‫خسارة أعظم من هذه ؟ وقد قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو معاويككة‬
‫ووكيع قال‪ :‬حدثنا العمش عن عبد الله بككن مككرة‪ ,‬عككن مسككروق‪,‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود قال‪ :‬قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »ل تقتل نفس ظلما ً إل كان على ابكن آدم الول كفكل مكن‬
‫دمها‪ ,‬لنه كان أول من سن القتل« وقككد أخرجككه الجماعككة سككوى‬
‫أبي داود مككن طككرق عككن العمككش بككه‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا‬
‫القاسم‪ ,‬حدثنا الحسين‪ ,‬حدثني حجاج قال‪ :‬قال ابككن جريككج‪ :‬قككال‬
‫مجاهد‪ :‬علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها مككن يككومئذ‬
‫ووجهه في الشمس حيثما دارت دار‪ ,‬عليككه فككي الصككيف حظيككرة‬
‫‪403‬‬
‫من نار‪ ,‬وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج‪ .‬قككال‪ :‬وقككال عبككد اللككه‬
‫بككن عمككرو‪ :‬إنككا لنجككد ابككن آدم القاتككل يقاسككم أهككل النككار قسككمة‬
‫صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم‪ ,‬وقال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا ابككن‬
‫حميد حدثنا سلمة عن ابن إسحاق‪ ,‬عن حكيم بن حكيم أنه حككدث‬
‫عن عبد الله بن عمرو أنه كان يقول‪ :‬إن أشقى الناس رجل ً لبككن‬
‫آدم الذي قتل أخاه‪ ,‬ما سفك دم في الرض منككذ قتككل أخككاه إلككى‬
‫يوم القيامة إل لحق به منه شر‪ ,‬وذلك أنككه أول مككن سككن القتككل‪,‬‬
‫وقال إبراهيم النخعي‪ :‬ما من مقتول يقتل ظلما ً إل كان على ابككن‬
‫آدم الول والشكككيطان كفكككل منكككه‪ ,‬ورواه ابكككن جريكككر أيضكككًا‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فبعث الله غرابكا ً يبحككث فككي الرض ليريككه كيككف‬
‫يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب‬
‫فأواري سوأة أخي فأصبح مككن النككادمين{ قككال السككدي بإسككناده‬
‫المتقدم إلى الصككحابة رضككي اللككه عنهككم‪ :‬لمككا مككات الغلم تركككه‬
‫بالعراء‪ ,‬ول يعلم كيف يدفن‪ ,‬فبعككث اللككه غرابيككن أخككوين فككاقتتل‪,‬‬
‫فقتل أحدهما صاحبه‪ ,‬فحفر له ثم حثى عليكه‪ ,‬فلمككا رآه قكال }يكا‬
‫ويلتى أعجزت أن أكون مثكل هككذا الغككراب فكأواري سكوأة أخككي{‬
‫وقال علي بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قككال‪ :‬جككاء غككراب إلككى‬
‫غراب ميت‪ ,‬فحثى عليه من التراب حتى واراه‪ ,‬فقال الككذي قتككل‬
‫أخاه }يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغكراب فكأواري سككوأة‬
‫أخي{‪ .‬وقال الضحاك‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ :‬مكككث يحمككل أخككاه فككي‬
‫جراب على عاتقه سنة حتى بعث الله الغرابيككن‪ ,‬فرآهمككا يبحثككان‪,‬‬
‫فقال }أعجزت أن أكون مثكل هكذا الغكراب{ فكدفن أخكاه‪ ,‬وقككال‬
‫ليث بن أبي سليم‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬كان يحمله على عاتقه مككائة سككنة‬
‫ميتا ً ل يدري مككا يصككنع بككه‪ ,‬يحملككه ويضككعه إلككى الرض حككتى رأى‬
‫الغراب يدفن الغراب‪ ,‬فقال }يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هككذا‬
‫الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين{ رواه ابككن جريككر‬
‫وابن أبي حاتم‪ ,‬وقال عطية العككوفي‪ :‬لمككا قتلككه نككدم فضككمه إليككه‬
‫حتى أروح‪ ,‬وعكفت عليه الطيور والسكباع تنتظككر مكتى يرمككي بكه‬
‫فتككككككككككككككككككككأكله‪ ,‬رواه ابككككككككككككككككككككن جريككككككككككككككككككككر‪.‬‬
‫وروى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الول‪ :‬لما‬
‫قتله سقط في يده‪ ,‬أي ولم يدر كيف يواريه‪ ,‬وذلك أنه كككان فيمككا‬
‫يزعمون أول قتيل في بنككي آدم‪ ,‬وأول ميككت }فبعككث اللككه غراب كا ً‬
‫‪404‬‬
‫يبحث في الرض ليريككه كيككف يككواري سككوأة أخيككه قككال يككا ويلككتى‬
‫أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح مككن‬
‫النادمين{‪ .‬قال‪ :‬وزعم أهل التوراة أن قابيل لما قتل أخاه هابيل‪,‬‬
‫قال له الله عز وجل‪ :‬يا قابيل أين أخوك هابيككل ؟ قككال‪ :‬مككا أدري‬
‫ما كنت عليه رقيبًا‪ ,‬فقال الله‪ :‬إن صككوت دم أخيككك لينككاديني مككن‬
‫لن‪ ,‬أنت ملعون في الرض التي فتحككت فاهككا فتلقككت دم‬ ‫الرض ا َ‬
‫أخيك من يدك‪ ,‬فإن أنت عملت في الرض فإنهككا ل تعككود تعطيككك‬
‫حرثهككككككا حككككككتى تكككككككون فزعككككككا ً تائهككككككا ً فككككككي الرض‪.‬‬
‫وقوله }فأصبح من النادمين{ قال الحسككن البصككري‪ :‬عله اللككه‬
‫بندامة بعد خسككران‪ ,‬فهككذه أقككوال المفسككرين فككي هككذه القصككة‪,‬‬
‫وكلهككم متفقككون علكى أن هككذين ابنككا آدم لصكلبه‪ ,‬كمككا هكو ظككاهر‬
‫القرآن‪ ,‬وكما نطق به الحديث في قككوله »إل كككان علككى ابككن آدم‬
‫الول كفل من دمها لنه أول من سن القتل« وهككذا ظككاهر جلككي‪,‬‬
‫ولكن قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن وكيع‪ ,‬حدثنا سهل بن يوسككف عككن‬
‫عمرو‪ ,‬عن الحسن هو البصري‪ ,‬قككال‪ :‬كككان الككرجلن اللككذان فككي‬
‫القرآن اللذان قال الله‪} :‬واتل عليهم نبككأ ابنككي آدم بككالحق{ مككن‬
‫بني إسرائيل‪ ,‬ولم يكونا ابني آدم لصلبه‪ ,‬وإنما كككان القربككان مككن‬
‫بني إسرائيل‪ ,‬وكان آدم أول مككن مككات‪ ,‬وهككذا غريككب جككدًا‪ ,‬وفككي‬
‫إسناده نظر‪ ,‬وقد قال عبد الرزاق‪ ,‬عن معمر عن الحسككن‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »إن ابني آدم عليه السككلم‬
‫ل‪ ,‬فخذوا بالخير منهمككا« ورواه ابككن المبككارك‪,‬‬ ‫ضربا لهذه المة مث ً‬
‫عن عاصم الحول‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه‬
‫ل‪ ,‬فخذوا من خيرهككم‬ ‫عليه وسلم »إن الله ضرب لكم ابني آدم مث ً‬
‫ودعككوا شككرهم«‪ ,‬وكككذا أرسككل هككذا الحككديث بكيككر بككن عبككد اللككه‬
‫المزني‪ ,‬روى ذلك كله ابن جرير‪ .‬وقال سالم بن أبي الجعككد‪ :‬لمككا‬
‫قتل ابن آدم أخاه مكث آدم مائة سككنة حزينكا ً ل يضككحك‪ ,‬ثككم أتككى‬
‫فقيل له‪ :‬حياك الله وبياك‪ ,‬أي أضحكك‪ ,‬رواه ابن جرير‪ ,‬ثم قككال‪:‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬حككدثنا سكلمة عككن غيككاث بككن إبراهيككم‪ ,‬عككن أبككي‬
‫إسحاق الهمداني قال‪ :‬قال علي بن أبي طالب لما قتككل ابككن آدم‬
‫أخكككككككككككككككككككككاه بككككككككككككككككككككككاه آدم فقكككككككككككككككككككككال‪:‬‬
‫تغيككككككرت البلد ومككككككن عليهككككككافلون الرض مغككككككبر قبيككككككح‬
‫تغيككككر كككككل ذي لككككون وطعموقككككل بشاشككككة الككككوجه المليككككح‬
‫‪405‬‬
‫فكككككككككككأجيب آدم عليكككككككككككه الصكككككككككككلة والسكككككككككككلم‪:‬‬
‫أبككككا هابيككككل قككككد قتل جميعًاوصككككار الحككككي بككككالميت الذبيككككح‬
‫وجكككاء بشكككّره قكككد ككككان منهعلكككى خكككوف فجكككاء بهكككا يصكككيح‬
‫والظاهر أن قابيل عوجل بالعقوبة‪ ,‬كما ذكره مجاهد وابككن جككبير‬
‫أنه علقت ساقه بفخذه إلى يوم القيامة‪ ,‬وجعككل اللككه وجهككه إلككى‬
‫الشمس حيث دارت عقوبة له وتنكيل ً بككه‪ ,‬وقككد ورد فككي الحككديث‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال »ما من ذنب أجدر أن يعجككل‬
‫لخرة مككن البغككي‬ ‫الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في ا َ‬
‫وقطيعة الرحم« وقد اجتمع في فعل قابيل هذا وهذا‪ ,‬فإنا لله وإنا‬
‫إليككككككككككككككككككككككككككككككككككككه راجعككككككككككككككككككككككككككككككككككككون‪.‬‬
‫ك ك َتبنا عَل َى بن ِي إسراِئي َ َ‬ ‫** م َ‬

‫ل ن َْفسكاَ ً ب ِغَي ْك ِ‬
‫ر‬ ‫من قَت َك َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل أن ّ ُ‬ ‫َ َ َ َ ِ ْ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ َ ْ َ‬ ‫ج ِ‬‫نأ ْ‬
‫َ‬
‫ِ ْ‬
‫هكا‬ ‫حَيا َ‬‫نأ ْ‬ ‫مك ْ‬ ‫ميعكا ً وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل الّنكا َ‬ ‫ما قَت َ َ‬‫ض فَك َأن ّ َ‬ ‫سادٍ ِفي الْر ِ‬ ‫س أو ْ ف َ َ‬ ‫ن َْف َ ٍ‬
‫ن ك َِثيرا ً‬ ‫َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫سل َُنا ِبال ّب َي َّنا ِ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ميعا ً وَل ََقد ْ َ‬
‫جآَءت ْهُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫حَيا الّنا َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫فَك َأن ّ َ‬
‫ن‬ ‫حككارُِبو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬‫جَزآُء ال ّ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن * إ ِن ّ َ‬ ‫سرُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض لَ ُ‬‫ِ‬ ‫ك ِفي الْر‬ ‫م ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫الل ّه ورسول َه ويسعون فككي الرض فَسككادا ً َأن يَقتل ُكوا ْ أ َو يصكل ّبوا ْ أوَ‬
‫ُ ّ َ ْ ُ َ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ََ ُ ُ ََ ْ َ ْ َ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ك له ُ ك ْ‬ ‫ض ذ َل ِك َ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫مك َ‬ ‫ف أوْ ُينَفكوْا ِ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫مك ْ‬ ‫جل ُهُككم ّ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت َُقط ّعَ أي ْ ِ‬
‫ن ت َككاُبوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م * إ ِل ّ ال ّك ِ‬ ‫ظي ك ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م ِفي ال َ ِ‬ ‫خْزيٌ ِفي الد ّن َْيا وَل َهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫حيكك ٌ‬ ‫ه غَُفككوٌر ّر ِ‬ ‫ن الّلكك َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫م َفككاعْل َ ُ‬ ‫ل أن ت َْقككدُِروا ْ عَل َي ِْهكك ْ‬ ‫مككن قَْبكك ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول تعالى‪ :‬من أجل قتل ابن آدم أخككاه ظلم كا ً وعككدوانا ً }كتبنككا‬
‫على بني إسرائيل{ أي شرعنا لهم وأعلمناهم }أنه من قتل نفسا ً‬
‫بغير نفس أو فساد فككي الرض فكأنمككا قتككل النككاس جميعكا ً ومككن‬
‫أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا{ أي مككن قتككل نفسكا ً بغيككر سككبب‬
‫مككن قصككاص أو فسككاد فككي الرض‪ ,‬واسككتحل قتلهككا بل سككبب ول‬
‫جناية‪ ,‬فكأنما قتل النككاس جميع كًا‪ ,‬لنككه ل فككرق عنككده بيككن نفككس‬
‫ونفس‪ ,‬ومن أحياها‪ ,‬أي حرم قتلها واعتقد ذلك‪ ,‬فقد سلم النككاس‬
‫كلهم منه بهذا العتبار‪ ,‬ولهذا قككال }فكأنمككا أحيككا النككاس جميع كًا{‬
‫وقال العمش وغيككره‪ ,‬عككن أبككي صككالح‪ ,‬عككن أبككي هريككرة‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫دخلت على عثمان يوم الككدار فقلككت‪ :‬جئت لنصككرك‪ ,‬وقككد طككاب‬
‫الضرب يا أمير المككؤمنين‪ ,‬فقككال‪ :‬يككا أبككاهريرة‪ ,‬أيسككرك أن تقتككل‬
‫الناس جميعا ً وإياي معهم ؟ قلككت‪ :‬ل‪ ,‬قككال‪ :‬فإنككك إن قتلككت رجل ً‬
‫‪406‬‬
‫واحدا ً فكأنما قتلت الناس جميعا ً فانصرف مأذونا ً لك مأجورا ً غيككر‬
‫مأزور‪ ,‬قال‪ :‬فانصرفت ولم أقاتل‪ ,‬وقال علي بن أبي طلحة‪ ,‬عككن‬
‫ابن عباس‪ :‬هو كما قال الله تعالى‪} :‬من قتل نفسا بغير نفككس أو‬
‫فساد في الرض فكأنما قتل الناس جميعا ً ومن أحياها فكأنما أحيا‬
‫الناس جميعًا{ وإحياؤها أل يقتل نفسككا حرمهككا اللككه‪ ,‬فككذلك الككذي‬
‫أحيا الناس جميعا ً يعني أنه من حككرم قتلهككا إل بحككق حيككي النككاس‬
‫منككه‪ ,‬وهكككذا قككال مجاهككد‪ :‬ومككن أحياهككا‪ ,‬أي كككف عككن قتلهككا‪.‬‬
‫وقال العوفي عن ابن عبككاس فككي قككوله‪} :‬فكأنمككا قتككل النككاس‬
‫جميعًا{‪ ,‬يقول‪ :‬من قتل نفسا ً واحدة حرمها اللككه‪ ,‬فهككو مثككل مككن‬
‫قتل الناس جميعًا‪ ,‬وقال سعيد بن جككبير‪ :‬مككن اسككتحل دم مسككلم‬
‫فكأنما استحل دماء الناس جميعكًا‪ ,‬ومككن حكرم دم مسكلم فكأنمككا‬
‫حرم دماء الناس جميعكًا‪ ,‬هككذا قككول وهككو الظهككر‪ ,‬وقككال عكرمككة‬
‫والعوفي عن ابن عباس‪ :‬من قتل نبيا ً أو إمام عككدل‪ ,‬فكأنمككا قتككل‬
‫الناس جميعًا‪ ,‬ومن شد ّ على عضد نبي أو إمام عدل فكأنمككا أحيككا‬
‫الناس جميعًا‪ ,‬رواه بان جرير‪ .‬وقال مجاهد في رواية أخرى عنككه‪:‬‬
‫من قتل نفسا ً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا‪ ,‬وذلك لن من‬
‫قتل النفس فله النار فهككو كمككا لككو قتككل النككاس كلهككم‪ ,‬قككال ابككن‬
‫جريج‪ ,‬عن العرج‪ ,‬عن مجاهككد فككي قككوله‪} :‬فكأنمككا قتككل النككاس‬
‫جميعًا{ من قتل النفس المؤمنة متعمدًا‪ ,‬جعل الله جزاءه جهنككم‪,‬‬
‫وغضب عليه ولعنه‪ ,‬وأعد له عذابا ً عظيمًا‪ ,‬يقول‪ :‬لككو قتككل النككاس‬
‫جميعا ً لم يزد على مثل ذلك العذاب‪ ,‬قال ابن جريج‪ :‬قال مجاهد‪:‬‬
‫}ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا{ قال‪ :‬من لككم يقتككل أحككدا ً‬
‫فقككككككككككككككككد حيكككككككككككككككي النكككككككككككككككاس منكككككككككككككككه‪,‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ :‬من قتل نفسا فكأنمككا قتككل‬
‫الناس‪ ,‬يعنككي فقككد وجككب عليككه القصككاص‪ ,‬فل فككرق بيككن الواحككد‬
‫والجماعة‪ ,‬ومن أحياها أي عفا عن قاتل وليه فكأنمككا أحيككا النككاس‬
‫جميعًا‪ ,‬وحكى ذلك عن أبيككه‪ ,‬رواه ابككن جريككر‪ ,‬وقككال مجاهككد فككي‬
‫رواية‪ :‬ومن أحياها‪ ,‬أي أنجاها من غككرق أو حككرق أو هلكككة‪ ,‬وقككال‬
‫الحسن وقتادة في قوله‪} :‬أنه من قتل نفسا ً بغير نفس أو فسككاد‬
‫في الرض فكأنما قتل الناس جميعًا{‪ ,‬هذا تعظيم لتعاطي القتل‪,‬‬
‫قال قتادة‪ :‬عظيم والله وزرها‪ ,‬وعظيككم واللككه أجرهككا‪ :‬وقككال ابككن‬
‫المبارك‪ ,‬عن سلم بن مسكككي‪ ,‬عككن سككليمان بككن علككى الربعككي‪,‬‬
‫‪407‬‬
‫قال‪ :‬قلت للحسن‪ :‬هككذه ا َ‬
‫ليككة لنككا يككا أبكا سكعيد كمككا كككانت لبنككي‬
‫إسرائيل ‪ ,‬فقال‪ :‬إي والذي ل إله غيره‪ ,‬كما كانت لبنككي إسككرائيل‬
‫وما جعل دماء بني إسككرائيل أكككرم علككى اللككه مككن دمائنككا‪ ,‬وقككال‬
‫الحسن البصري‪} :‬فكأنما قتل الناس جميعًا{‪ ,‬قال‪ :‬وزرًا‪} ,‬ومككن‬
‫أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا{‪ ,‬قال‪ :‬أجرًا‪ .‬وقال المككام أحمككد‪:‬‬
‫حدثنا حسن‪ ,‬حدثنا ابن لهيعة‪ ,‬حدثنا حيي بككن عبككد اللككه عككن أبككي‬
‫عبد الرحمن الحبلي‪ ,‬عن عبد الله بن عمرو قال‪ :‬جككاء حمككزة بككن‬
‫عبككد المطلككب إلككى رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم فقككال‪:‬‬
‫يارسول الله‪ ,‬اجعلني على شككيء أعيككش بككه‪ ,‬فقككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »يا حمزة نفس تحييها أحب إليك أم نفككس‬
‫تميتهككا ؟« قككال‪ :‬بككل نفككس أحييهككا‪ .‬قككال »عليككك بنفسككك«‪.‬‬
‫قككوله تعككالى‪} :‬ولقككد جككاءتهم رسككلنا بالبينككات{ أي بالحجككج‬
‫والبراهين والدلئل الواضحة‪} ,‬ثكم إن ككثيرا ً منهكم بعكد ذلكك فكي‬
‫الرض لمسرفون{ وهذا تقريع لهم وتوبيخ على ارتكابهم المحارم‬
‫بعد علمهم بها‪ ,‬كما كانت بنو قريظككة والنضككير وغيرهككم مككن بنككي‬
‫قينقاع ممن حككول المدينككة مككن اليهككود الككذين كككانوا يقككاتلون مككع‬
‫الوس والخزرج‪ ,‬إذا وقعت بينهم الحككروب فككي الجاهليككة‪ ,‬ثككم إذا‬
‫وضعت الحروب أوزارها‪ .‬فدوا من أسروه وودوا من قتلككوه‪ ,‬وقككد‬
‫أنكر الله عليهم ذلك فككي سككورة البقككرة حيككث يقككول }وإذ أخككذنا‬
‫ميثاقكم ل تسفكون دماءكم ول تخرجون أنفسكم من دياركم ثككم‬
‫أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلء تقتلككون أنفسكككم وتخرجككون‬
‫فريقا منككم مكن ديكارهم تظكاهرون عليهكم بكالثم والعكدوان وإن‬
‫يأتوكم أسارى تفككادوهم وهككو محككرم عليكككم إخراجهككم أفتؤمنككون‬
‫ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلككك منكككم إل‬
‫خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العككذاب ومككا‬
‫اللككككككككككككككه بغافككككككككككككككل عمككككككككككككككا تعملككككككككككككككون{‪.‬‬
‫وقوله }إنما جزاء الككذين يحككاربون اللككه ورسككوله ويسككعون فككي‬
‫الرض فسادا ً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطككع أيككديهم وأرجلهككم مككن‬
‫ليكككة‪ ,‬المحاربكككة هكككي المضكككادة‬ ‫خلف أو ينفكككوا مكككن الرض{ ا َ‬
‫والمخالفة‪ ,‬وهي صادقة على الكفر وعلى قطككع الطريككق وإخافككة‬
‫السبيل‪ ,‬وكذا الفساد فككي الرض يطلكق علكى أنككواع مكن الشككر‪,‬‬
‫حتى قال كثير من(السلف‪ ,‬منهككم سككعيد بككن المسككيب‪ :‬إن قبككض‬
‫‪408‬‬
‫الدراهم والدنانير من الفساد في الرض‪ .‬وقد قككال تعككالى‪} :‬وإذا‬
‫تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله ل‬
‫ليككة الكريمككة فككي‬‫يحب الفساد{ ثككم قككال بعضككهم‪ :‬نزلككت هككذه ا َ‬
‫المشركين‪ ,‬كما قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن حميد‪ ,‬حككدثنا يحيككى بككن‬
‫واضح‪ ,‬حدثنا الحسين بكن واقكد عكن يزيكد عكن عكرمكة والحسكن‬
‫البصري‪ ,‬قال }إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ك إلككى ك ك إن‬
‫لية في المشركين‪ ,‬فمن تاب منهم‬ ‫الله غفور رحيم{ نزلت هذه ا َ‬
‫من قبل أن تقدروا عليه‪ ,‬لم يكن عليه سبيل‪ ,‬وليست تحككرز هككذه‬
‫لية الرجل المسلم مكن الحكد إن قتكل‪ ,‬أو أفسككد فكي الرض‪ ,‬أو‬ ‫ا َ‬
‫حارب الله ورسوله‪ ,‬ثم لحككق بالكفككار قبككل أن يقككدروا عليككه‪ ,‬لككم‬
‫يمنعككه ذلككك أن يقككام عليككه الحككد الككذي أصككاب‪ ,‬ورواه أبككو داود‬
‫والنسائي من طريق عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪} :‬إنمككا جككزاء الككذين‬
‫يحاربون الله ورسوله ويسككعون فككي الرض فسككادًا{‪ ,‬نزلككت فككي‬
‫المشركين من تاب منهم قبل أن يقدر عليككه‪ ,‬لككم يمنعككه ذلككك أن‬
‫يقام عليه الحد الذي أصابه‪ .‬وقال علي بككن أبككي طلحككة عككن ابككن‬
‫عبككاس فككي قككوله‪} :‬إنمككا جككزاء الككذين يحككاربون اللككه ورسككوله‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬كان قوم من أهل الكتاب‬ ‫ويسعون في الرض فسادًا{ ا َ‬
‫بينهم وبين النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم عهككد وميثككاق‪ ,‬فنقضككوا‬
‫العهد وأفسدوا في الرض‪ ,‬فخيككر اللككه رسككوله إن شككاء أن يقتككل‬
‫وإن شاء أن يقطع أيكديهم وأرجلهككم مككن خلف‪ ,‬رواه ابككن جريككر‪.‬‬
‫وروى شعبة عن منصور عن هلل بن يسككاف‪ ,‬عككن مصككعب بككن‬
‫سككعد‪ ,‬عككن أبيككه قككال‪ :‬نزلككت فككي الحروريككة }إنمككا جككزاء الككذين‬
‫يحككاربون اللككه ورسككوله ويسككعون فككي الرض فسككادًا{ رواه ابككن‬
‫ليككة عامككة فككي المشككركين وغيرهككم‬ ‫مردويه‪ ,‬والصحيح أن هككذه ا َ‬
‫ممن ارتكب هذه الصفات ‪ ¹‬كما رواه البخاري ومسلم من حككديث‬
‫أبي قلبة واسمه عبد الله بن زيد الجرمي البصري عن أنككس بككن‬
‫مالك أن نفرا ً من عكل ثمانية‪ ,‬قدموا على رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم فبايعوه على السلم‪ ,‬فاسكتوخموا المدينكة‪ ,‬وسكقمت‬
‫أجسامهم فشكوا إلى رسول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم ذلكك‪,‬‬
‫فقككال »أل تخرجككون مككع راعينككا فككي إبلككه‪ ,‬فتصككيبوا مككن أبوالهككا‬
‫وألبانها« فقالوا‪ :‬بلى‪ ,‬فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا‪,‬‬
‫فقتلوا الراعي‪ ,‬وطردوا البل‪ ,‬فبلغ ذلككك رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫‪409‬‬
‫عليه وسلم فبعككث فككي آثككارهم فككأدركوا فجيككء بهككم‪ ,‬فككأمر بهككم‬
‫فقطعت أيديهم وأرجلهم‪ ,‬وسمرت أعينهم‪ ,‬ثم نبذوا في الشكمس‬
‫حتى ماتوا‪ ,‬لفظ مسلم‪ ,‬وفي لفظ لهما‪ :‬من عكل أو عرينة‪ ,‬وفي‬
‫لفكككظ‪ :‬وألقكككوا فكككي الحكككرة فجعلكككوا يستسكككقون‪ ,‬فل يسكككقون‪.‬‬
‫وفي لفظ لمسلم‪ :‬ولم يحسمهم‪ ,‬وعند البخاري قال أبككو قلبككة‪:‬‬
‫فهؤلء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم‪ ,‬وحاربوا اللككه ورسككوله‪,‬‬
‫ورواه مسلم من طريق هشيم عن عبد العزيز بن صهيب‪ ,‬وحميككد‬
‫عن أنس‪ ,‬فذكر نحككوه وعنككده فارتككدوا‪ ,‬وقككد أخرجككاه مككن روايككة‬
‫قتادة عن أنس بنحوه‪ ,‬وقال سعيد عن قتادة‪ :‬من عكككل وعرينككة‪,‬‬
‫وراه مسلم من طريق سليمان التيمي‪ ,‬عن أنس قال‪ :‬إنما سمل‬
‫النكبي صكلى اللكه عليكه وسكلم أعيكن أولئك‪ ,‬لنهكم سكملوا أعيكن‬
‫الرعاء‪ ,‬ورواه مسلم من حديث معاوية بن قككرة عككن أنككس قككال‪:‬‬
‫أتى رسول الله صلى الله عليه وسككلم نفككر مككن عرينككة فأسككلموا‬
‫وبايعوه‪ ,‬وقد وقع بالمدينة الدم وهوالبرسام‪ ,‬ثم ذكر نحو حككديثهم‬
‫وزاد‪ :‬عنككده شككباب مككن النصككار قريككب مككن عشككرين‪ ,‬فارسككا ً‬
‫فأرسلهم وبعث معم قائفا ً يقفو أثرهم وهككذه كلهككا ألفككاظ مسككلم‬
‫رحمكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه اللكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقال حماد بن سلمة‪ :‬حدثنا قتادة وثابت البناني وحميد الطويككل‬
‫عن أنس بن مالك أن ناسا ً من عرينككة قككدموا المدينككة فاجتووهككا‪,‬‬
‫فبعثهكم رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم فكي إبكل الصكدقة‪,‬‬
‫وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانهككا‪ ,‬ففعلككوا فصككحوا‪ ,‬فارتككدوا‬
‫عن السلم‪ ,‬وقتلوا الراعي‪ ,‬وساقوا البككل‪ ,‬فأرسككل رسككول اللككه‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم فككي آثككارهم فجيككء بهككم فقطككع أيككديهم‬
‫وأرجلهم من خلف‪ ,‬وسمر أعينهم وألقاهم في الحرة قال أنككس‪:‬‬
‫فلقد رأيت أحدهم يكدم الرض بفيه عطش كا ً حككتى مككاتوا‪ ,‬ونزلككت‬
‫لية‪ ,‬وقد رواه أبو داود‬ ‫}إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله{ ا َ‬
‫والترمذي والنسائي وابكن مردويككه وهككذا لفظكه‪ ,‬وقكال الترمكذي‪:‬‬
‫حسككككككككككككككككككككككككككككككككككككن صككككككككككككككككككككككككككككككككككككحيح‪.‬‬
‫وقد رواه ابن مردويه من طرق كثيرة عن أنس بن مالككك‪ ,‬منهككا‬
‫ما رواه من طريقين عن سلم بن أبي الصككهباء‪ ,‬عككن ثككابت‪ ,‬عككن‬
‫أنس بن مالك‪ ,‬قال‪ :‬ما ندمت على حديث‪ ,‬ما ندمت على حككديث‬
‫سألني عنه الحجككاج‪ ,‬قككال‪ :‬أخككبرني عككن أشككد عقوبككة عككاقب بهككا‬
‫‪410‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ .‬قال‪ :‬قلت قككدم علككى رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قوم من عرينككة مكن البحريكن‪ ,‬فشكككوا‬
‫إلى رسككول اللككه مككا لقككوا مككن بطككونهم‪ ,‬وقككد اصككفرت ألككوانهم‪,‬‬
‫وضمرت بطونهم‪ ,‬فأمرهم رسول الله صلى الله عليككه وسككلم أن‬
‫يأتوا إبل الصدقة فيشككربوا مككن أبوالهككا وألبانهككا‪ ,‬حككتى إذا رجعككت‬
‫إليهم ألوانهم وانخمصككت بطككونهم‪ ,‬عمككدوا إلككى الراعككي فقتلككوه‪,‬‬
‫واستاقوا البل‪ ,‬فأرسل رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم فككي‬
‫آثارهم فقطككع أيككديهم وأرجلهككم وسككمر أعينهككم‪ ,‬ثككم ألقككاهم فككي‬
‫الرمضككاء حككتى مكاتوا‪ .‬فككان الحجكاج إذا صككعد المنككبر يقككول‪ :‬إن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قطع أيدي قوم وأرجلهم‪ ,‬ثم‬
‫ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا بحال ذود من البل‪ ,‬فكان الحجاج‬
‫يحتككككككككككج بهككككككككككذا الحككككككككككديث علككككككككككى النككككككككككاس‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا علي بككن سككهل‪ ,‬حككدثنا الوليككد يعنككي ابككن‬
‫مسلم‪ ,‬حدثني سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أنس‪ ,‬قال كككانوا أربعككة نفككر‬
‫من عرينككة‪ ,‬وثلثككة نفككر مككن عكككل‪ ,‬فلمككا أتككي بهككم قطككع أيككديهم‬
‫وأرجلهم‪ ,‬وسمر أعينهم‪ ,‬ولم يحسمهم وتركهم يلتقمون الحجككارة‬
‫بالحرة‪ ,‬فككأنزل اللكه فكي ذلكك }إنمكا جككزاء الككذين يحكاربون اللكه‬
‫ورسككككككككككككككككككككككككككككككككككوله{ ا َ‬
‫ليككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا علي بن حككرب الموصككلي‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫مسعود يعني عبد الرحمن بن الحسككن الزجككاج‪ ,‬حككدثنا أبككو سككعيد‬
‫يعني البقال‪,‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬كككان رهككط مككن عرينككة أتككوا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم وبهككم جهككد‪ ,‬مصككفرة ألككوانهم‪,‬‬
‫عظيمة بطونهم‪ ,‬فأمرهم أن يلحقوا بالبككل فيشككربوا مككن أبوالهككا‬
‫وألبانهككا‪ ,‬ففعلككوا فصككفت ألككوانهم‪ ,‬وخمصككت بطككونهم‪ ,‬وسككمنوا‪,‬‬
‫فقتلوا الراعي‪ ,‬واستاقوا البل‪ ,‬فبعث النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في طلبهم‪ ,‬فأتي بهم‪ ,‬فقتل بعضهم‪ ,‬وسمر أعين بعضهم‪ ,‬وقطككع‬
‫أيدي بعضهم وأرجلهم‪ ,‬ونزلكت }إنمكا جكزاء الكذين يحكاربون اللكه‬
‫لية وقال أبو جعفر بن جرير‪ :‬حدثنا أبككو علككي‬ ‫ورسوله{ إلى آخر ا َ‬
‫بن سهل‪ ,‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ ,‬حدثنا يزيككد بككن لهيعككة عككن ابككن‬
‫أبي حبيب أن عبد الملك بن مككروان كتككب إلككى أنككس يسككأله عككن‬
‫ليكة نزلككت فكي أولئك‬ ‫لية‪ ,‬فكتب إليه أنس يخبره أن هكذه ا َ‬ ‫هذه ا َ‬
‫النفر العرنيين وهم من بجيلة‪ ,‬قال أنككس‪ :‬فارتككدوا عككن السككلم‪,‬‬
‫‪411‬‬
‫وقتلوا الراعي‪ ,‬واستاقوا البل‪ ,‬وأخافوا السككبيل‪ ,‬وأصككابوا الفككرج‬
‫الحرام‪ ,‬وقال حدثني يونس‪ ,‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬أخبرني عمككرو بككن‬
‫الحارث عن سعيد بن أبي هلل‪ ,‬عن أبي الزناد‪ ,‬عن عبد اللككه بككن‬
‫عبيد الله‪ ,‬عن عبد الله بككن عمككر أو عمككرو كك شككك يككونس كك عككن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم بككذلك‪ ,‬يعنككي بقصككة العرنييككن‪,‬‬
‫ونزلت فيهم آية المحاربة‪ ,‬ورواه أبككو داود والنسككائي مككن طريككق‬
‫أبككككي الزنككككاد‪ ,‬وفيككككه عككككن ابككككن عمككككر مككككن غيككككر شككككك‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا محمد بن خلف‪ ,‬حدثنا الحسككن بككن حمككاد‬
‫عن عمككرو بككن هاشككم‪ ,‬عككن موسككى بككن عبيككدة‪ ,‬عككن محمككد بككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬عن جرير‪ ,‬قال‪ :‬قدم على رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم قوم من عرينككة حفككاة مضككرورين‪ ,‬فككأمر بهككم رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم فلما صحوا واشتدوا‪ ,‬قتلوا رعاء اللقاح‪ ,‬ثككم‬
‫خرجوا باللقاح عامدين بها إلى أرض قككومهم‪ ,‬قككال جريككر فبعثنككي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فككي نفككر مككن المسككلمين حككتى‬
‫أدركناهم بعدما أشرفوا على بلد قومهم‪ ,‬فقدمنا بهم على رسول‬
‫الله صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬فقطككع أيككديهم وأرجلهككم مككن خلف‪,‬‬
‫وسمل أعينهم‪ ,‬فجعلوا يقولون‪ :‬المككاء‪ ,‬ورسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم يقول‪ :‬النار حكتى هلككوا‪ ,‬قكال‪ :‬وككره اللكه عكز وجككل‬
‫ليككة }إنمككا جككزاء الككذين يحككاربون‬ ‫سمل العين‪ ,‬فأنزل الله هذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬هككذا حككديث غريككب‪ ,‬وفككي إسككناده‬ ‫الله ورسوله{ إلى آخككر ا َ‬
‫الربذي وهككو ضككعيف‪ ,‬وفككي إسككناده فككائدة‪ ,‬وهككو ذكككر أميككر هككذه‬
‫السرية‪ ,‬وهو جرير بن عبد الله البجلي‪ ,‬وتقدم في صككحيح مسككلم‬
‫أن هذه السرية كككانوا عشككرين فارسكا ً مككن النصككار‪ ,‬وأمككا قككوله‪:‬‬
‫فكره الله سمل العين‪ ,‬فأنزل الله هككذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬فككإنه منكككر‪ ,‬وقككد‬
‫تقدم في صحيح مسلم أنهم سملوا أعين الرعاء‪ ,‬فكككان مككا فعككل‬
‫بهككككككككككككككم قصاصككككككككككككككًا‪ ,‬واللككككككككككككككه أعلككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقال عبد الزراق عن إبراهيم بككن محمككد السككلمي‪ ,‬عككن صككالح‬
‫مولى التوأمة‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال قدم على رسككول اللككه صككلى‬
‫ل‪ ,‬فككأمرهم‬ ‫الله عليه وسلم رجال مككن بنككي فككزارة قككد مككاتوا هككز ً‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم إلى لقاحه‪ ,‬فشربوا منها حتى صحوا‪,‬‬
‫ثم عمدوا إلى لقاحه فسرقوها‪ ,‬فطلبوا فأتي بهم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فقطع أيديهم وأرجلهم‪ ,‬وسمر أعينهم‪ .‬قال أبو هريرة‬
‫‪412‬‬
‫لية }إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسككوله{‪,‬‬ ‫ففيهم نزلت هذه ا َ‬
‫فترك النبي صلى الله عليه وسلم سمر العيككن بعككد‪ ,‬وروي مككن‬
‫وجكككككككككككه آخكككككككككككر عكككككككككككن أبكككككككككككي هريكككككككككككرة‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا الحسككين‬
‫بن إسحاق التستري‪ ,‬حدثنا أبو القاسم محمد بن الوليد عن عمرو‬
‫بن محمد المديني‪ ,‬حدثنا محمد بن طلحة عن موسككى بككن محمككد‬
‫بن إبراهيم التيمي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن أبي سلمة بن عبد الرحمككن عككن‬
‫سلمة بن الكوع قال‪ :‬كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلم يقال‬
‫له يسار‪ ,‬فنظر إليه يحسن الصككلة فككأعتقه‪ ,‬وبعثككه فككي لقككاح لككه‬
‫بالحرة فكان بها‪ ,‬قال‪ :‬فأظهر قككوم السككلم مككن عرينككة‪ ,‬وجككاؤوا‬
‫وهم مرضى موعوكون قد عظمت بطونهم قال‪ :‬فبعث بهم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى يسار‪ ,‬فكانوا يشربون من ألبككان البككل‬
‫حككتى انطككوت بطككونهم‪ ,‬ثككم عككدوا علككى يسككار فككذبحوه‪ ,‬وجعلككوا‬
‫الشوك في عينيه‪ ,‬ثم أطردوا البل‪ ,‬فبعث النبي صلى اللككه عليككه‬
‫وسكلم فككي آثكارهم خيل ً مكن المسكلمين‪ ,‬كككبيرهم كككرز بككن جكابر‬
‫الفهري‪ ,‬فلحقهم فجاء بهم إليككه فقطككع أيككديهم وأرجلهككم وسككمل‬
‫أعينهم‪ ,‬غريب جدًا‪ ,‬وقد روى قصة العرنييككن مككن حككديث جماعككة‬
‫من الصحابة منهم جابر وعائشة وغير واحد‪ ,‬وقككد اعتنككى الحككافظ‬
‫الجليل أبو بكر بن مردويه بتطريق هذا الحديث من وجككوه كككثيرة‬
‫جكككككككككككككككدا ً فرحمكككككككككككككككه اللكككككككككككككككه وأثكككككككككككككككابه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا محمد بن علككي بككن الحسككن بككن شككقيق‪,‬‬
‫سمعت أبي يقول‪ :‬سمعت أبا حمزة عن عبد الكريككم وسككئل عككن‬
‫أبوال البل فقال‪ :‬حدثني سعيد بككن جككبير عككن المحككاربين فقككال‪:‬‬
‫كان أناس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقككالوا‪ :‬نبايعككك‬
‫على السككلم‪ ,‬فبككايعوه وهككم كذبككة‪ ,‬وليككس السككلم يريككدون‪ ,‬ثككم‬
‫قالوا‪ :‬إنا نجتوي المدينة‪ ,‬فقال النبي صلى الله عليككه وسككلم هككذه‬
‫اللقاح تغدوا عليكم وتككروح‪ ,‬فاشككربوا مككن أبوالهككا وألبانهككا‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫فبينما هم كذلك إذ جاءهم الصريخ‪ ,‬فصرخ إلى رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم فقال‪ :‬قتلوا الراعي‪ ,‬واستاقوا النعم‪ ,‬فأمر النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس »أن يا خيل الله اركككبي«‬
‫قال‪ :‬فركبوا ل ينتظر فارس فارسًا‪ ,‬قال‪ :‬وركب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم على أثرهم‪ ,‬فلم يزالوا يطلبونهم حككتى أدخلككوهم‬
‫‪413‬‬
‫مأمنهم‪ ,‬فرجع صحابة رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم وقككد‬
‫أسروا منهم‪ ,‬فأتوا بهم النبي صلى اللكه عليككه وسكلم فكأنزل اللكه‬
‫لية‪ ,‬قال فكككان نفيهككم‬ ‫}إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله{ ا َ‬
‫أن نفككوهم حككتى أدخلككوهم مككأمنهم وأرضككهم‪ ,‬ونفككوهم مككن أرض‬
‫المسلمين‪ ,‬وقتل نبي الله صلى الله عليككه وسككلم منهككم وصككلب‪,‬‬
‫وقطع وسمر العين‪ ,‬قال‪ :‬فما مثل رسول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم قبككل ول بعككد‪ ,‬قككال‪ :‬ونهككى عككن المثلككة‪ ,‬وقككال »ول تمثلككوا‬
‫بشيء« قال‪ :‬وكان أنس يقول ذلك‪ ,‬غير أنه قال‪ :‬أحرقهككم بالنككار‬
‫بعد ما قتلهم‪ ,‬قككال‪ :‬وبعضككهم يقككول‪ :‬هككم نككاس مككن بنككي سككليم‪,‬‬
‫ومنهكككككككم مكككككككن عرينكككككككة‪ ,‬ونكككككككاس مكككككككن بجيلكككككككة‪.‬‬
‫وقد اختلف الئمة في حكككم هككؤلء العرنييككن‪ :‬هككل هككو منسككوخ‪,‬‬
‫لية‪ ,‬وزعمككوا أن فيهككا‬ ‫أومحكم ؟ فقال بعضهم‪ :‬هو منسوخ بهذه ا َ‬
‫عتابا ً للنبي صلى الله عليه وسلم كما في قوله }عفا الله عنك لم‬
‫أذنت لهم{ ومنهم من قال‪ :‬هككو منسككوخ بنهككي النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم عن المثلة‪ ,‬وهذا القول فيكه نظكر‪ ,‬ثكم قكائله مطكالب‬
‫ببيان تأخر الناسخ الذي ادعاه عن المنسوخ‪ ,‬وقككال بعضككهم‪ :‬كككان‬
‫هذا قبل أن تنزل الحدود‪ ,‬قاله محمد بن سيرين‪ ,‬وفيه نظر‪ ,‬فككإن‬
‫قصته متأخرة‪ ,‬وفي رواية جرير بن عبد الله لقصتهم ما يدل على‬
‫تأخرها‪ ,‬فإنه أسلم بعد نزول المائدة‪ ,‬ومنهم من قككال لككم يسككمل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم‪ ,‬وإنمككا عككزم علككى ذلككك حككتى‬
‫نزل القرآن فبين حكم المحككاربين‪ ,‬وهككذا القككول أيضكا ً فيككه نظككر‪,‬‬
‫فإنه قد تقدم في الحديث المتفككق عليككه أنككه سككمل‪ ,‬وفككي روايككة‬
‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككككمر أعينهككككككككككككككككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا علي بن سككهل‪ ,‬حككدثنا الوليككد بككن مسككلم‬
‫قال‪ :‬ذاكرت الليث بن سعد ما كان مككن سككمل النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم أعينهم‪ ,‬وتركه حسككمهم حككتى مككاتوا‪ ,‬فقككال‪ :‬سككمعت‬
‫لية على رسككول اللككه صككلى‬ ‫محمد بن عجلن يقول‪ :‬أنزلت هذه ا َ‬
‫الله عليه وسلم معاتبة في ذلك‪ ,‬وعلمه عقوبة مثلهككم مككن القتككل‬
‫والقطع والنفي‪ ,‬ولم يسمل بعدهم غيرهم قال‪ :‬وكان هككذا القككول‬
‫ذكر لبي عمرو يعنككي الوزاعككي‪ ,‬فككأنكر أن يكككون نزلككت معاتبككة‪,‬‬
‫وقال‪ :‬بل كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم ثككم نزلككت هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم‪ ,‬ورفع عنهم السمل‪ ,‬ثم قككد‬
‫‪414‬‬
‫ليككة جمهككور مككن العلمككاء فككي ذهككابهم إلككى أن‬ ‫احتج بعموم هذه ا َ‬
‫حكم المحاربة فككي المصككار وفككي السككبلن علككى السككواء لقككوله‬
‫}ويسككعون فككي الرض فسككادًا{ وهككذا مككذهب مالككك والوزاعككي‬
‫والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل‪ ,‬حتى قال مالككك فككي‬
‫الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتا ً فيقتله‪ ,‬ويأخذ ما معكه‪:‬‬
‫إن هذه محاربة‪ ,‬ودمككه إلككى السككلطان ل إلككى ولككي المقتككول‪ ,‬ول‬
‫اعتبار بعفوه عنه في إسقاط القتل‪.‬وقال أبكو حنيفكة وأصكحابه‪ :‬ل‬
‫تكون المحاربة إل في الطرقات‪ ,‬فأما في المصار فل‪ ,‬لنه يلحقه‬
‫الغككوث إذا اسككتغاث‪ ,‬بخلف الطريككق لبعككده ممككن يغيثككه ويعينككه‪.‬‬
‫وقوله تعالى }أن يقتلوا أويصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهككم مككن‬
‫خلف أو ينفوا من الرض{ قال ابن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس‬
‫لية‪ :‬من شهر السلح في فئة السككلم‪ ,‬وأخككاف السككبيل ثككم‬ ‫في ا َ‬
‫ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله وإن‬
‫شاء صلبه‪ ,‬وإن شاء قطع يده ورجله وكذا قال سعيد بن المسيب‬
‫ومجاهد وعطككاء والحسككن البصككري وإبراهيككم النخعككي والضككحاك‬
‫وروى ذلك كله أبو جعفر بن جرير وحكى مثله عن مالك بن أنككس‬
‫رحمه الله ومستند هذا القول أن ظاهر أو للتخيير كما في نظككائر‬
‫ذلك من القرآن كقوله في جزاء الصيد }فجزاء مثل ما قتككل مككن‬
‫النعم يحكم به ذوا عدل منكم هككديا ً بككالغ الكعبككة أو كفككارة طعككام‬
‫مساكين أو عدل ذلك صيامًا{ وكقوله فككي كفككارة الفديككة }فمككن‬
‫كان منكم مريضا ً أو به أذى من رأسه ففدية من صككيام أو صككدقة‬
‫أو نسك{ وكقككوله فككي كفككارة اليميككن }فكفككارته إطعككام عشككرة‬
‫مساكين مككن أوسككط مككا تطعمككون أهليكككم أوكسككوتهم أو تحريككر‬
‫رقبككة{ هككذه كلهككا علككى التخييككر فكككذلك فلتكككن هككذه ا َ‬
‫لية منزلة على أحوال‪ ,‬كمككا قككال أبككو عبككد‬ ‫وقال الجمهور‪ :‬هذه ا َ‬
‫اللكه الشككافعي‪ :‬أنبأنككا إبراهيككم بككن أبككي يحيككى عككن صككالح مككولى‬
‫التوأمة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس فككي قطككاع الطريككق‪ ,‬إذا قتلككوا وأخككذوا‬
‫المككال قتلككوا وصككلبوا‪ ,‬وإذا قتلككوا ولككم يأخككذوا المككال قتلككوا ولككم‬
‫يصلبوا‪ ,‬وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهككم مككن‬
‫خلف‪ ,‬وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الرض‪ ,‬وقد‬
‫رواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان‪ ,‬عن حجككاج‪ ,‬عككن‬
‫عطية عن ابن عباس بنحككوه‪ ,‬وعككن أبككي مخلككد وسككعيد بككن جككبير‬
‫‪415‬‬
‫وإبراهيم النخعي والحسككن وقتككادة والسككدي وعطككاء الخراسككاني‬
‫نحو ذلك‪ ,‬وهكذا قال غير واحد من السلف والئمة‪ ,‬واختلفوا‪ :‬هل‬
‫يصلب حيا ً ويترك حككتى يمككوت بمنعككه مككن الطعككام والشككراب‪ ,‬أو‬
‫بقتله برمح أو نحوه‪ ,‬أو يقتل أول ً ثم يصلب تنكيل وتشككديدا ً لغيككره‬
‫من المفسدين‪ ,‬وهككل يصككلب ثلثككة أيككام ثككم ينككزل أو يككترك حككتى‬
‫يسيل صديده ؟ في ذلككك كلككه خلف محككرر فككي موضككعه‪ ,‬وبككالله‬
‫الثقكككككككككككككككككككككككككككككككة وعليكككككككككككككككككككككككككككككككه التكلن‪.‬‬
‫ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير فككي تفسككيره‬
‫إن صح سنده فقال‪ :‬حدثنا علي بن سهل‪ ,‬حدثنا الوليد بن مسككلم‬
‫عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان‪ ,‬كتب إلككى أنككس‬
‫لية‪ ,‬فكتب إليه يخككبره أنهككا نزلككت فككي‬ ‫بن مالك يسأله عن هذه ا َ‬
‫أولئك النفر العرنييككن وهككم مككن بجيلككة‪ ,‬قككال أنككس‪ :‬فارتككدوا عككن‬
‫السلم‪ ,‬وقتلوا الراعي‪ ,‬واستاقوا البل‪ ,‬وأخافوا السبيل‪ ,‬وأصابوا‬
‫الفرج الحرام‪ ,‬قككال أنككس‪ :‬فسككأل رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم جبرائيل عليه السلم عن القضاء فيمن حككارب فقككال‪ :‬مككن‬
‫سرق مال ً وأخاف السبيل‪ ,‬فاقطع يككده بسككرقته ورجلككه بإخككافته‪,‬‬
‫ومككن قتككل فككاقتله‪ ,‬ومككن قتككل وأخككاف السككبيل واسككتحل الفككرج‬
‫الحككككككككككككككككككككككككككككككككككرام فاصككككككككككككككككككككككككككككككككككلبه‪.‬‬
‫وأما قككوله تعككالى‪} :‬أوينفككوا مككن الرض{ قككال بعضككهم‪ :‬هككو أن‬
‫يطلب حتى يقدر عليه فيقام عليه الحد أو يهرب من دار السككلم‪,‬‬
‫رواه ابن جرير عن ابن عباس‪ ,‬وأنس بن مالككك وسككعيد بككن جككبير‬
‫والضحاك والربيع بن أنس والزهري والليث بككن سككعد ومالككك بككن‬
‫أنس وقال آخرون‪ :‬هو أن ينفى من بلده إلى بلككد آخككر أو يخرجككه‬
‫السلطان أو نائبه من معاملته بالكلية وقال الشعبي‪ :‬ينفيه ك ك كمككا‬
‫ى مككن‬ ‫قال ابن هبيرة ك من عمله كله‪ .‬وقال عطاء الخراساني ينف َ‬
‫جند إلى جند سنين‪ ,‬ول يخرج من دار السككلم‪ ,‬وكككذا قككال سككعيد‬
‫بن جبير وأبو الشعثاء والحسككن والزهككري والضككحاك ومقاتككل بككن‬
‫حيان إنه ينفى ول يخرج من أرض السلم‪ ,‬وقال آخككرون‪ :‬المككراد‬
‫بالنفي ههنا السجن‪ ,‬وهو قول أبي حنيفككة وأصككحابه‪ ,‬واختككار ابككن‬
‫جرير أن المككراد بككالنفي ههنككا أن يخككرج مككن بلككده إلككى بلككد آخككر‬
‫فيسككككككككككككككككككككككككككككككككككككجن فيككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫‪416‬‬
‫لخرة عككذاب‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في ا َ‬
‫عظيم{ أي هذا الذي ذكرته من قتلهم ومن صلبهم وقطع أيككديهم‬
‫وأرجلهم من خلف ونفيهم‪ ,‬خزي لهم بين الناس في هذه الحيككاة‬
‫الدنيا مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة‪ ,‬وهككذا‬
‫يؤيد قول من قال‪ :‬إنها نزلت في المشككركين فأمككا أهككل السككلم‬
‫ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت رضككي اللككه عنككه قككال‪:‬‬
‫أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ علكى النسكاء‬
‫أل نشرك بكالله شككيئا‪ ,‬ول نسككرق ول نزنكي‪ ,‬ول نقتككل أولدنككا‪ ,‬ول‬
‫يعضه بعضنا بعضا‪ ,‬فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى‪ ,‬ومككن‬
‫أصاب من ذلك شككيئا فعككوقب فهككو كفككارة لككه‪ ,‬ومككن سككتره اللككه‬
‫فأمره إلى الله‪ :‬إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه‪ ,‬وعن علي قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من أذنب ذنبكا ً فككي الككدنيا‬
‫فعوقب به‪ ,‬فالله أعككدل مككن أن يثنككي عقككوبته علككى عبككده‪ ,‬ومككن‬
‫أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه‪ ,‬فككالله أكككرم مككن‬
‫أن يعككود عليككه فككي شككيء قككد عفككا عنككه«‪ .‬رواه المككام أحمككد‬
‫والترمذي وابن ماجه‪ ,‬وقال الترمككذي‪ :‬حسككن غريككب‪ .‬وقككد سككئل‬
‫الحككافظ الككدارقطني عككن هككذا الحككديث‪ ,‬فقككال‪ :‬روي مرفوعككا ً‬
‫وموقوفكككككككككككككًا‪,‬قكككككككككككككال ورفعكككككككككككككه صكككككككككككككحيح‪.‬‬
‫وقال ابن جرير في قوله‪} :‬ذلك لهم خزي في الدنيا{ يعني شر‬
‫لخرة‪} .‬ولهم في‬ ‫وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا قبل ا َ‬
‫لخرة عذاب عظيم{ أي إذا لم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا‬ ‫ا َ‬
‫لخرة مع الجزاء الذي جازيتهم به فككي الككدنيا‪ ,‬والعقوبككة‬ ‫لهم في ا َ‬
‫التي عاقبتهم بها فيها }عذاب عظيم{‪ ,‬يعني عذاب جهنم‪ ,‬وقككوله‬
‫تعالى‪} :‬إل الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن اللككه‬
‫غفككور رحيككم{ أمكا علكى قكول مككن قككال‪ :‬إنهككا فككي أهكل الشككرك‬
‫فظاهر‪ ,‬وأماالمحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القككدرة عليهككم‪,‬‬
‫فإنه يسككقط عنهككم انحتككام القتككل والصككلب وقطككع الرجككل‪ ,‬وهككل‬
‫ليككة يقتضككي‬ ‫يسقط قطع اليد أم ل ؟ فيه قولن للعلماء‪ ,‬وظاهر ا َ‬
‫سقوط الجميع‪ ,‬وعليه عمل الصككحابة‪ ,‬كمككا قككال ابككن أبككي حككاتم‪:‬‬
‫حدثنا أبو سعيد الشج‪,‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن مجالكد‪ ,‬عكن الشكعبي‬
‫قال‪ :‬كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة‪ ,‬وكان قد أفسد‬
‫في الرض وحارب‪ ,‬فكلم رجال ً من قريش منهم الحسن بن علي‬
‫‪417‬‬
‫وابن عباس وعبد الله بن جعفر‪,‬فكلموا عليا ً فيه فلم يؤمنه‪ ,‬فأتى‬
‫سعيد بن قيس الهمداني فخلفه في داره‪ ,‬ثم أتى عليًا‪ ,‬فقككال‪ :‬يككا‬
‫أمير المؤمنين‪ ,‬أرأيت من حارب الله ورسوله‪ ,‬وسعى في الرض‬
‫فسادًا‪ ,‬فقرأ حتى بلغ }إل الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهككم{‬
‫قال‪ :‬فكتب له أمانًا‪ ,‬قال سعيد بككن قيككس‪ :‬فككإنه حارثككة بككن بككدر‪,‬‬
‫وكذا رواه ابن جرير من غير وجه عن مجالد عن الشعبي به‪ ,‬وزاد‬
‫فقككككككككككككككككال حارثككككككككككككككككة بككككككككككككككككن بككككككككككككككككدر‪:‬‬
‫أل بلغككن همككدان أمككا لقيتهككاعلى النككأي ل يسككلم عككدو يعيبهككا‬
‫لعمككر أبيهككا إن همككدان تتقككي اللككه ويقضككي بالكتككاب خطيبهككا‬
‫وروى ابن جرير من طريق سككفيان الثككوري عككن السككدي‪ ,‬ومككن‬
‫طريق أشعث‪ ,‬كلهما عن عامر الشعبي قال‪ :‬جاء رجل من مككراد‬
‫إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمارة عثمان رضي الله عنه‬
‫بعدما صلى المكتوبة‪ ,‬فقال‪ :‬يا أبا موسى هذا مقام العائذ بك‪ ,‬أنككا‬
‫فلن بن فلن المرادي‪ ,‬وإني كنت حاربت اللككه ورسككوله وسككعيت‬
‫ي‪ ,‬فقككال أبككو‬‫في الرض فسادا‪ ,‬وإني تبت من قبل أن تقدروا علك ّ‬
‫موسى فقال‪ :‬إن هذا فلن بن فلن‪ ,‬وإنه كان حارب الله ورسوله‬
‫وسعى في الرض فسادًا‪ ,‬وإنه تاب من قبل أن نقككدر عليككه فمككن‬
‫لقيه فل يعرض له إل بخير‪ ,‬فإن يك صادقا ً فسبيل من صدق‪ ,‬وإن‬
‫يك كاذبا ً تدركه ذنوبه‪ ,‬فأقام الرجككل مككا شككاء اللككه‪ ,‬ثككم إنككه خككرج‬
‫فأدركه الله تعالى بذنوبه فقتله‪ ,‬ثم قال ابن جرير‪ :‬حككدثني علككي‪,‬‬
‫حدثنا الوليد بن مسلم قال‪ :‬قال الليث‪ :‬وكذلك حدثني موسى بن‬
‫إسحاق المدني‪ ,‬وهوالمير عندنا‪ ,‬أن عليا ً السدي حككارب وأخككاف‬
‫السبيل وأصاب الدم والمال فطلبككه الئمككة والعامككة‪ ,‬فككامتنع ولكم‬
‫لية }يا‬‫يقدروا عليه حتى جاء تائبًا‪ ,‬وذلك أنه سمع رجل ً يقرأ هذه ا َ‬
‫عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطككوا مككن رحمككة اللككه إن‬
‫الله يغفر الككذنوب جميعكا ً إنكه هكو الغفككور الرحيككم{ فوقككف عليككه‬
‫فقال‪ :‬يا عبد الله أعد قراءتها فأعادها عليه‪ ,‬فغمد سيفه‪ ,‬ثم جككاء‬
‫تائبا ً حتى قدم المدينة من السحر‪ ,‬فاغتسل ثم أتى مسجد رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح ثم قعد إلككى أبككي هريككرة‬
‫في أغمار أصحابه‪ ,‬فلما أسفروا عرفه الناس فقاموا إليككه فقككال‪:‬‬
‫ل سبيل لكم علي جئت تائبا ً من قبل أن تقكدورا علككي‪ ,‬فقككال أبكو‬
‫هريرة‪ :‬صدق‪ ,‬وأخذ بيده حتى أتى مككروان بككن الحكككم وهككو أميككر‬
‫‪418‬‬
‫على المدينة في زمن معاوية فقال‪ :‬هذا علي جاء تائب كا ً ول سككبيل‬
‫لكم عليه ول قتككل‪ ,‬فككترك مككن ذلككك كلككه‪,‬قككال وخككرج علككي تائبكا ً‬
‫مجاهدا ً في سبيل الله في البحر‪ ,‬فلقوا الروم فقربوا سفينته إلى‬
‫سفينة من سفنهم فاقتحم على الروم في سككفينتهم فهربككوا منككه‬
‫لخككككر‪ ,‬فمككككالت بككككه وبهككككم فغرقككككوا جميعككككًا‪.‬‬
‫إلككككى شككككقها ا َ‬
‫دوا ْ ِفككي‬ ‫سيل َ َ‬ ‫َ‬

‫جاهِ ُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ه َواب ْت َغُوَا ْ إ َِليهِ ال ْوَ ِ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫** َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫كي‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن لَ‬ ‫سبيل ِه ل َعل ّك ُم تْفل ِحون * إن ال ّذين ك ََفروا ْ ل َو أ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ ِ ِ َ ْ ُ ُ َ‬
‫م‬ ‫من ُْهكك ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ما ت ُُقب ّ َ‬ ‫مة ِ َ‬ ‫ب ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬ ‫ذا ِ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دوا ْ ب ِهِ ِ‬
‫ه ل ِي َْفت َ ُ‬‫مع َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مث ْل َ ُ‬
‫ميعا ً وَ ِ‬‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫جي َ‬
‫خارِ ِ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن الّنارِ وَ َ‬ ‫جوا ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن أن ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬
‫م * يُ ِ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫وَل َهُ ْ‬
‫م‬
‫مِقيككككككككككككككك ٌ‬ ‫ب ّ‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَككككككككككككككك َ‬ ‫من َْهكككككككككككككككا وَل َُهككككككككككككككك ْ‬ ‫ِ‬
‫يقول تعالى آمرا ً عباده المؤمنين بتقواه‪ ,‬وهي إذا قرنت بطاعته‬
‫كان المراد بها النكفاف عن المحارم وترك المنهيككات‪ ,‬وقككد قككال‬
‫بعدها }وابتغوا إليه الوسيلة{ قال سفيان الثوري‪ ,‬عن طلحة عككن‬
‫عطاء‪ ,‬عن ابن عبككاس‪ :‬أي القربككة‪ ,‬وكككذا قككال مجاهككد وأبككو وائل‬
‫والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحككد‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه‪ ,‬وقككرأ ابككن‬
‫زيد }أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة{ وهككذا الككذي‬
‫قاله هؤلء الئمة ل خلف بين المفسرين فيككه‪ .‬وأنشككد عليككه ابككن‬
‫جريكككككككككككككككككككككر قكككككككككككككككككككككول الشكككككككككككككككككككككاعر‪:‬‬
‫إذا غفككل الواشككون عككدنا لوصككلناوعاد التصككافي بيننككا والوسككائل‬
‫والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصككود‪ ,‬والوسككيلة‬
‫أيضا ً علم على أعلى منزلة فككي الجنككة وهككي منزلككة رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة‪ ,‬وهي أقككرب أمكنككة الجنككة‬
‫إلى العرش‪ ,‬وقد ثبت في صحيح البخاري مككن طريككق محمككد بككن‬
‫المنكدر عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »من قال حين يسمع النداء‪ :‬اللهككم رب هككذه الككدعوة‬
‫التامة‪ ,‬والصككلة القائمككة‪ ,‬آت محمككدا ً الوسككيلة والفضككيلة‪ ,‬وابعثككه‬
‫مقاما ً محمودا ً الذي وعدته‪ ,‬إل حلت له الشككفاعة يككوم القيامككة«‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك في صحيح مسلم مككن حككديث كعككب بككن علقمككة‪,‬‬
‫عن عبد الرحمن بن جبير‪ ,‬عن عبد الله بن عمرو بككن العككاص أنككه‬
‫‪419‬‬
‫سمع النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم يقككول »إذا سككمعتم المككؤذن‬
‫فقولوا مثل ما يقول‪ ,‬ثم صلوا علي‪ ,‬فكإنه مكن صكلى علكي صكلة‬
‫صلى الله عليه عشرًا‪ ,‬ثككم سككلوا لككي الوسككيلة‪ ,‬فإنهككا منزلككة فككي‬
‫الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله‪ ,‬وأرجو أن أكون أنا هو‪ ,‬فمككن‬
‫سككككككأل لككككككي الوسككككككيلة حلككككككت عليككككككه الشككككككفاعة«‪.‬‬
‫)حديث آخكر( كك قكال المكام أحمكد‪ :‬حكدثنا عبكد الكرزاق‪ ,‬أخبرنكا‬
‫سفيان عن ليث‪ ,‬عن كعب‪ ,‬عن أبي هريرة أن رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال»إذا صليتم علي فسلوا لي الوسككيلة«‪ .‬قيككل‪:‬‬
‫يا رسول الله‪ ,‬ومككا الوسككيلة ؟ قككال »أعلككى درجككة فككي الجنككة‪ ,‬ل‬
‫ينالها إل رجل واحد‪ ,‬وأرجو أن أكون أنا هو«‪ .‬ورواه الترمذي عككن‬
‫بندار‪ ,‬عن أبككي عاصككم‪ ,‬عككن سككفيان الثككوري‪ ,‬عككن ليككث بككن أبككي‬
‫سليم‪ ,‬عن كعب قال‪ :‬حدثني أبو هريرة‪ ,‬ثم قككال‪ :‬غريككب‪ ,‬وكعككب‬
‫ليس بمعروف‪ ,‬ل نعرف أحدا ً روى عنه غير ليككث بككن أبككي سككليم‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ,‬قال أبككو بكككر بككن‬
‫مردويه‪ :‬حدثنا عبد الباقي بن قانع‪ ,‬حدثنا محمد بن نصر الترمذي‪,‬‬
‫حدثنا عبد الحميككد بككن صككالح‪ ,‬حككدثنا ابككن شككهاب عككن ليككث‪ ,‬عككن‬
‫المعلى‪ ,‬عن محمد بن كعب‪ ,‬عن أبي هريكرة رفعكه‪ ,‬قكال »صكلوا‬
‫علي صلتكم وسلوا اللككه لككي الوسككيلة« فسككألوه‪ ,‬أو أخككبرهم أن‬
‫الوسيلة درجة فكي الجنككة ليككس ينالهكا إل رجككل واحككد‪ ,‬وأرجكو أن‬
‫أككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككون أنكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككا‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال الحافظ أبو القاسم الطبراني‪ :‬أخبرنككا أحمككد‬
‫بن علي البار‪ ,‬حدثنا الوليد بن عبدالملك الحراني‪ ,‬حككدثنا موسككى‬
‫بن أعين عن ابن أبي ذئب‪ ,‬عن محمد بن عمككرو بككن عطككاء‪ ,‬عككن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »سككلوا‬
‫الله لي الوسيلة‪ ,‬فإنه لم يسألها لي عبككد فككي الككدنيا إل كنككت لككه‬
‫شهيدا أو شفيعا ً يوم القيامة«‪ ,‬ثم قال الطبراني لم يروه عن ابن‬
‫أبكككي ذئب إل موسكككى بكككن أعيكككن‪ ,‬ككككذا قكككال‪ .‬وقكككد رواه ابكككن‬
‫مردويه‪:‬حدثنا محمد بن علكي بكن دحيكم‪ ,‬حكدثنا أحمكد بكن حكازم‪,‬‬
‫حدثنا عبيد الله بن موسى‪ ,‬حدثنا موسى بن عبيدة عن محمد بككن‬
‫عمكككككككرو بكككككككن عطكككككككاء‪ ,‬فكككككككذكر بإسكككككككناده نحكككككككوه‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك روى ابن مردويه بإسناده عككن عمككارة بككن غزيككة‪,‬‬
‫عن موسكى بكن وردان أنكه سكمع أبكا سكعيد الخكدري يقكول قكال‬
‫‪420‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم »إن الوسككيلة درجككة عنككد اللككه‬
‫ليس فوقها درجة‪ ,‬فسلوا الله أن يككؤتيني الوسككيلة علككى خلقككه«‪.‬‬
‫)حديث آخر( كك روى ابكن مردويكه أيضكا ً مكن طريقيكن عكن عبكد‬
‫الحميد بن بحر‪ ,‬حدثنا شريك‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عككن الحككارث عككن‬
‫علي‪ ,‬عن النبي صلى اللككه عليككه وسككلم قككال »فككي الجنككة درجككة‬
‫تدعى الوسيلة‪ ,‬فإذا سألتم اللككه فسككلوا لككي الوسككيلة« قككالوا‪ :‬يككا‬
‫رسول الله‪ ,‬من يسكككن معككك ؟ قككال‪» :‬علككي وفاطمككة والحسككن‬
‫والحسين« هذا حديث غريب منكر من هذا الوجه‪ ,‬وقال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا علي بن الحسين‪ ,‬حدثنا الحسن الدشتكي‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫زهير‪ ,‬حدثنا سعيد بن طريف عن علي بن الحسككين الزدي مككولى‬
‫سالم بن ثوبان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت علي بن أبي طالب ينادي على منبر‬
‫الكوفة‪ :‬يككا أيهككا النككاس إن فككي الجنككة لؤلككؤتين‪ :‬إحككداهما بيضككاء‪,‬‬
‫والخرى صفراء ‪ ,‬أما البيضاء فإنها إلى بطنككان العككرش‪ ,‬والمقككام‬
‫المحمود من اللؤلؤة البيضاء سبعون ألككف غرفككة‪ ,‬كككل بيككت منهككا‬
‫ثلثة أميال‪ ,‬وغرفها وأبوابها وأسككرتها وسكككانها مككن عككرق واحككد‪,‬‬
‫واسمها الوسيلة‪ ,‬هي لمحمد صلى الله عليككه وسككلم وأهككل بيتككه‪,‬‬
‫والصفراء فيها مثل ذلك هككي لبراهيككم عليككه السككلم وأهككل بيتككه‪,‬‬
‫وهككككككككككككككككذا أثككككككككككككككككر غريككككككككككككككككب أيضككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫وقوله }وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحككون{ لمككا أمرهككم بككترك‬
‫المحككارم وفعككل الطاعككات‪ ,‬أمرهككم بقتككال العككداء مككن الكفككار‬
‫والمشركين الخارجين عن الطريككق المسككتقيم‪ ,‬والتككاركين للككدين‬
‫القويم‪ ,‬ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين فككي سككبيله يككوم‬
‫القيامة من الفلح‪ ,‬والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة الككتي ل‬
‫لمنة الحسنة‬ ‫تبيد ول تحول ول تزول في الغرف العالية الرفيعة‪ ,‬ا َ‬
‫مناظرها‪ ,‬الطيبة مساكنها‪ ,‬التي من سكنها ينعم ل يبككأس‪ ,‬ويحيككى‬
‫ل يمككككككككوت‪ ,‬ل تبلككككككككى ثيككككككككابه ول يفنككككككككى شككككككككبابه‪,‬‬
‫ثم أخبر تعالى بما أعد لعدائه الكفار من العككذاب والنكككال يككوم‬
‫القيامة فقال }إن الذين كفروا لو أن لهككم مككا فككي الرض جميعكا ً‬
‫ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهككم ولهككم‬
‫عذاب أليم{ أي لو أن أحدهم جاء يوم القيامة بملء الرض ذهبككا ً‬
‫وبمثله ليفتدي بذلك من عكذاب اللكه الكذي قكد أحكاط بكه‪ ,‬وتيقكن‬
‫وصوله إليه ما تقبل ذلك منه‪ ,‬بل ل مندوحككة عنككه ول محيككص ول‬
‫‪421‬‬
‫مناص‪ ,‬ولهكذا قكال }ولهكم عكذاب أليكم{ أي موجكع }يريكدون أن‬
‫يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهكم عكذاب مقيكم{ كمككا‬
‫قال تعالى‪} :‬كلما أرادوا أن يخرجوا منهككا مككن غككم أعيككدوا فيهككا{‬
‫لية‪ ,‬فل يزالون يريدون الخروج ممككا هككم فيككه مككن شككدته وأليككم‬ ‫ا َ‬
‫مسه ول سبيل لهم إلى ذلك‪ ,‬وكلمككا رفعهككم اللهككب فصككاروا فككي‬
‫أعلككى جهنككم ضككربتهم الزبانيككة بالمقككامع الحديككد فيردوهككم إلككى‬
‫أسفلها }ولهم عذاب مقيم{ أي دائم مستمر ل خروج لهككم منهككا‪,‬‬
‫ول محيد لهم عنها‪ ,‬وقد قال حماد بن سلمة‪ ,‬عن ثابت‪ ,‬عن أنككس‬
‫بن مالك‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »يككؤتى‬
‫بالرجككل مككن أهككل النككار فيقككال لككه‪:‬يككا ابككن آدم‪ ,‬كيككف وجككدت‬
‫مضجعك ؟ فيقول‪ :‬شر مضجع‪ ,‬فيقال‪ :‬هل تفتككدي بقككراب الرض‬
‫ذهبا ً ؟ قال‪ :‬فيقول‪ :‬نعم يا رب‪ ,‬فيقول اللككه‪ :‬كككذبت‪ ,‬قككد سككألتك‬
‫أقككل مككن ذلككك فلككم تفعككل‪ ,‬فيككؤمر بككه إلككى النككار«‪ ,‬رواه مسككلم‬
‫والنسائي من طريق حماد بن سككلمة بنحككوه‪ ,‬وكككذا رواه البخككاري‬
‫ومسلم من طريق معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عككن قتككادة‬
‫عن أنس به‪ ,‬وكذا أخرجاه من طريق أبي عمران الجوني واسككمه‬
‫عبد الملك بن حبيب عن أنس بن مالككك بككه‪ ,‬ورواه مطككر الككوراق‬
‫عككن أنككس بككن مالككك‪ ,‬ورواه ابككن مردويككه مككن طريقككه عنككه‪.‬‬
‫ثم روى ابن مردويه من طريق المسعودي عن يزيد بككن صككهيب‬
‫الفقير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال »يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة« قال‪ :‬فقلت لجابر بككن‬
‫عبككد اللككه‪ :‬يقككول اللككه }يريككدون أن يخرجككوا مككن النككار ومككا هككم‬
‫لية }إن الذين كفروا لو أن لهم ما‬ ‫بخارجين منها{ قال‪ :‬اتل أول ا َ‬
‫في الرض جميعا ً ومثلككه معككه ليفتككدوا بككه{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬أل إنهككم الككذين‬
‫كفروا‪ .‬وقد روى المام أحمد ومسلم هذا الحديث‪ :‬من وجككه آخككر‬
‫عن يزيد الفقير‪ ,‬عن جككابر‪ ,‬وهككذا أبسككط سككياقًا‪ ,‬وقككال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثناالحسن بن محمد بن أبي شيبة الواسطي‪ ,‬حدثنا يزيككد‬
‫بن هارون‪ ,‬أخبرنا مبككارك بككن فضككالة‪ ,‬حككدثني يزيككد الفقيككر قككال‪:‬‬
‫جلسككت إلككى جككابر بككن عبككد اللككه وهككو يحككدث‪ ,‬فحككدث أن ناس كا ً‬
‫يخرجون من النار‪ ,‬قال‪ :‬وأنا يومئذ أنكر ذلك‪ ,‬فغضبت وقلككت‪ :‬مككا‬
‫أعجب من الناس‪ ,‬ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمككد تزعمككون‬
‫أن الله يخرج ناسا ً من النار‪ ,‬والله يقول }يريدون أن يخرجوا من‬
‫‪422‬‬
‫ليككة‪ ,‬فككانتهرني أصككحابه‪ ,‬وكككان‬ ‫النككار ومككا هككم بخككارجين منهككا{ ا َ‬
‫أحلمهم‪ ,‬فقال‪ :‬دعوا الرجل إنمككا ذلككك للكفككار‪ ,‬فقككرأ }إن الككذين‬
‫كفروا لو أن لهم ما في الرض جميعا ً ومثله معه ليفتككدوا بككه مككن‬
‫عذاب يككوم القيامككة{ حككتى بلككغ }ولهككم عككذاب مقيككم{ أمككا تقككرأ‬
‫القرآن ؟ قلت‪ :‬بلى قد جمعته‪ ,‬قال‪ ,‬أليس الله يقول }ومن الليل‬
‫فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما ً محمودًا{ فهو ذلك‬
‫المقام‪ ,‬فإن الله تعككالى يحتبككس أقوامكا ً بخطايككاهم فككي النككار مككا‬
‫شاء‪,‬ل يكلمهم فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم‪ ,‬قال‪ :‬فلم أعككد بعككد‬
‫ذلكككككككككككككككك إلكككككككككككككككى أن أككككككككككككككككذب بكككككككككككككككه‪.‬‬
‫ثم قال ابن مردويككه‪ :‬حككدثنا دعلككج بككن أحمككد‪ ,‬حككدثنا عمككرو بككن‬
‫ي‪ ,‬أخبرنككا العبككاس بككن‬ ‫حفككص السدوسككي‪ ,‬حككدثنا عاصككم بككن علك ّ‬
‫الفضل‪ ,‬حدثنا سعيد بن المهلككب‪ ,‬حككدثني طلككق بككن حككبيب قككال‪:‬‬
‫كنت من أشد الناس تكذيبا ً بالشفاعة حككتى لقيككت جككابر بككن عبككد‬
‫الله‪ ,‬فقرأت عليه كل آية أقدر عليها‪ ,‬يككذكر اللكه فيهككا خلككود أهككل‬
‫النار‪ ,‬فقال‪ :‬يا طلق‪ ,‬أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلككم بسككنة رسككول‬
‫الله مني ؟ إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون‪ ,‬ولكن هككؤلء‬
‫قوم أصابوا ذنوبا ً فعذبوا‪ ,‬ثم أخرجككوا منهككا‪ ,‬ثككم أهككوى بيككديه إلككى‬
‫متا ً إن لم أكن سمعت رسول الله صلى اللككه عليككه‬ ‫أذنيه فقال‪ :‬ص ّ‬
‫وسلم يقول »يخرجون من النككار بعككدما دخلككوا« ونحككن نقككرأ كمككا‬
‫قككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككرأت‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مك َ‬ ‫سَبا ن َك َككال ً ّ‬‫ما ك َ َ‬ ‫جَزآًء ب ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة َفاقْط َعُوَا ْ أي ْدِي َهُ َ‬‫سارِقَ ُ‬ ‫سارِقُ َوال ّ‬ ‫** َوال ّ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ح فَإ ِ ّ‬‫صل َ َ‬
‫مهِ وَأ ْ‬ ‫من ب َعْدِ ظ ُل ْ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫من َتا َ‬ ‫م * فَ َ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬‫ِ‬ ‫ه عَ‬‫الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫مْلك ُ‬ ‫حيكم * أ ََلكم تعَلك َ‬
‫ك‬ ‫ه ُ‬‫ه َلك ُ‬ ‫ن الّلك َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ْ َْ ْ‬ ‫ه غَُفكوٌر ّر ِ ٌ‬ ‫ن الّلك َ‬
‫ب عَل َْيكهِ إ ِ ّ‬ ‫ي َت ُككو ُ‬
‫ى‬ ‫شككآُء َوالل ّك ُ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ض ي ُعَذ ّ ُ‬
‫ه عَل ك َ‬ ‫شآُء وَي َغِْفُر ل ِ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫ديٌر‬‫يٍء َقككككككككككككككككككككككك ِ‬ ‫شككككككككككككككككككككككك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كككككككككككككككككككككككك ّ‬ ‫ُ‬
‫يقول تعالى حاكمكا ً وآمككرا ً بقطككع يككد السككارق والسككارقة‪ ,‬وروى‬
‫الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي‪ ,‬عن عامر بن شراحيل الشعبي‬
‫أن ابككن مسككعود كككان يقرؤهككا }والسككارق والسككارقة فككاقطعوا‬
‫أيمانهما{ وهذه قراءة شاذة‪ ,‬وإن كان الحكم عنككد جميككع العلمككاء‬
‫موافقا ً لها ل بها‪ ,‬بل هو مستفاد من دليل آخكر‪ ,‬وقكد ككان القطكع‬
‫‪423‬‬
‫معمول ً به في الجاهلية‪ ,‬فقرر في السككلم‪ ,‬وزيككدت شككروط أخككر‬
‫كمككا سككنذكره إن شككاء اللككه تعككالى‪ ,‬كمككا كككانت القسككامة والديككة‬
‫والقراض وغير ذلك من الشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما‬
‫كانت عليه وزيادات هي مككن تمككام المصككالح ويقككال‪ :‬إن أول مككن‬
‫قطع اليدي فككي الجاهليككة قريككش‪ ,‬قطعككوا رجل ً يقككال لككه‪ :‬دويككك‬
‫مولى لبني مليح بن عمرو من(خزاعة‪ ,‬كان قد سرق كنز الكعبككة‪,‬‬
‫ويقال‪ :‬سرقه قوم فوضعوه عنده‪ ,‬وقد ذهككب بعككض الفقهككاء مككن‬
‫أهل الظاهر إلى أنه مككتى سككرق السككارق شككيئا ً قطعككت يككده بككه‪,‬‬
‫ليكة }والسكارق والسككارقة‬ ‫سواء كان قليل ً أو كثيرا ً لعمككوم هكذه ا َ‬
‫فاقطعوا أيديهما{ فلم يعتبروا نصابا ً ول حككرزًا‪ ,‬بككل أخككذوا بمجككرد‬
‫السكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككرقة‪.‬‬
‫وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد المككؤمن عككن‬
‫نجككدة الحنفككي‪ ,‬قككال‪ :‬سككألت ابككن عبككاس عككن قككوله }والسككارق‬
‫والسارقة فككاقطعوا أيككديهما{ أخككاص أم عككام ؟ فقكال‪ :‬بكل عكام‪,‬‬
‫وهذا يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلء‪,‬‬
‫ويحتمل غير ذلك‪ ,‬فالله أعلم‪ .‬وتمسكوا بما ثبككت فككي الصككحيحين‬
‫عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم قككال»لعككن‬
‫الله السارق يسرق البيضة فتقطككع يككده‪ ,‬ويسككرق الحبككل فتقطككع‬
‫يده« وأما الجمهور‪ ,‬فاعتبروا النصاب فككي السككرقة وإن كككان قككد‬
‫وقع بينهم الخلف في قدره‪ ,‬فذهب ككل مككن الئمكة الربعكة إلككى‬
‫قول على حدة‪ ,‬فعند المام مالك بككن أنككس رحمككه اللككه النصككاب‬
‫ثلثة دراهم مضروبة خالصة‪ ,‬فمتى سرقها أو مككا يبلككغ ثمنهككا فمككا‬
‫فوقه‪ ,‬وجب القطع‪ ,‬واحتج في ذلك بمككا رواه عككن نككافع عككن ابككن‬
‫عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطككع فككي مجككن ثمنككه‬
‫ثلثة دراهم‪ ,‬أخرجاه في الصحيحين‪ ,‬قال مالك رحمه الله‪ :‬وقطع‬
‫عثمان رضي الله عنه في أترجة قومت بثلثة دراهككم‪ ,‬وهككو أحككب‬
‫ما سمعت في ذلك‪ ,‬وهذا الثر عن عثمان رضي الله عنه قد رواه‬
‫مالك عن عبد الله بن أبككي بكككر عككن أبيككه‪ ,‬عككن عمككرة بنككت عبككد‬
‫الرحمن أن سارقا ً سرق في زمن عثمان أترجة‪ ,‬فأمر بها عثمككان‬
‫أن تقوم فقومت بثلثة دراهم من صرف اثني عشر درهمًا‪ ,‬فقطع‬
‫عثمان يده‪ .‬قال أصحاب مالككك‪ :‬ومثككل هككذا الصككنيع يشككتهر‪ ,‬ولككم‬
‫ينكر‪ ,‬فمن مثله يحكى الجماع السكوتي‪ ,‬وفيه دللة على القطككع‬
‫‪424‬‬
‫في الثمار خلفا ً للحنفية‪ ,‬وعلى اعتبار ثلثة دراهم خلفا ً لهككم فككي‬
‫أنه ل بد من عشرة دراهم‪ ,‬وللشافعية في اعتبار ربع دينار‪ ,‬واللككه‬
‫وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن العتبار في قطع يد السارق‬
‫بربع دينار أو ما يساويه من الثمان أو العروض فصككاعدًا‪ ,‬والحجككة‬
‫في ذلك ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم من طريق الزهككري‬
‫عن عمرة‪ ,‬عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسككلم قككال »تقطككع يككد السككارق فككي ربككع دينككار فصككاعدًا«‬
‫ولمسلم من طريق أبي بكر بن محمد بككن عمككرو بككن حككزم‪ ,‬عككن‬
‫عمرة‪ ,‬عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليككه‬
‫وسلم قال‪» :‬ل تقطع يد السارق إل في ربع دينار فصككاعدًا« قككال‬
‫أصحابنا‪ :‬فهذا الحديث فاصل في المسألة‪ ,‬ونص فككي اعتبككار ربككع‬
‫الدينار ل ما ساواه‪ .‬قالوا‪ :‬وحككديث ثمككن المجككن‪ ,‬وأنككه كككان ثلثككة‬
‫دراهم ل ينافي هذا لنه إذ ذاك كككان الككدينار بككاثني عشككر درهم كًا‪,‬‬
‫فهي ثمن ربككع دينككار‪ ,‬فككأمكن الجمككع بهككذا الطريككق‪ ,‬ويككروى هككذا‬
‫المذهب عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفككان وعلككي بككن أبككي‬
‫طالب رضي الله عنهم‪ ,‬وبه يقول عمر بن عبد العزيز والليث بككن‬
‫سعد والوزاعي والشككافعي وأصككحابه‪ ,‬وإسككحاق بككن راهككويه فككي‬
‫روايككة عنككه‪ ,‬وأبككو ثككور وداود بككن علككي الظككاهري‪ ,‬رحمهككم اللككه‪.‬‬
‫وذهب المام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في رواية عنككه‪,‬‬
‫إلى أن كل واحد من ربع الدينار والثلثة دراهم مرد شرعي‪ ,‬فمن‬
‫سرق واحدا ً منهمككا أو مككا يسككاويه‪ ,‬قطككع عمل ً بحككديث ابككن عمككر‬
‫وبحديث عائشة رضي الله عنها‪ ,‬ووقع في لفظ عند المككام أحمككد‬
‫عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم قككال »اقطعككوا‬
‫في ربع دينار‪ ,‬ول تقطعككوا فيمككا هككو أدنككى مككن ذلككك« وكككان ربككع‬
‫الدينار يومئذ ثلثة دراهم‪ ,‬والدينار اثني عشكر درهمكًا‪ .‬وفكي لفككظ‬
‫للنسككائي »ل تقطككع يككد السككارق فيمككا دون ثمككن المجككن«‪ .‬قيككل‬
‫لعائشة‪ :‬ما ثمن المجن ؟ قككالت‪ :‬ربككع دينككار‪ ,‬فهككذه كلهككا نصككوص‬
‫دالكككة علكككى عكككدم اشكككتراط عشكككرة دراهكككم‪ ,‬واللكككه أعلكككم‪.‬‬
‫وأما المام أبو حنيفة وأصحابه أبو يوسككف ومحمككد وزفككر‪ ,‬وكككذا‬
‫سفيان الثوري‪ ,‬رحمهم الله‪ ,‬فإنهم ذهبوا إلى أن النصككاب عشككرة‬
‫دراهم مضروبة غير مغشوشكة‪ ,‬واحتجككوا بكأن ثمككن المجككن الككذي‬
‫‪425‬‬
‫قطع فيه السارق على عهد رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫كان ثمنه عشرة دراهم‪ .‬وقد روى أبو بكككر بككن أبككي شككيبة‪ :‬حككدثنا‬
‫ابن نمير وعبد العلى‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن إسككحاق عككن أيككوب بككن‬
‫موسى‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ابن عباس قككال‪ :‬ككان ثمككن المجككن علككى‬
‫عهد النبي صلى الله عليه وسلم عشككرة دراهككم‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬حككدثنا‬
‫عبد العلى عن محمد بن إسحاق‪ ,‬عن عمرو بن شعيب‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫عن جده قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »ل تقطع يد‬
‫السارق في دون ثمن المجن« وكان ثمن المجن عشككرة دراهككم‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬فهذا ابن عباس وعبد الله بن عمرو قد خالفا ابن عمر فككي‬
‫ثمن المجن‪ ,‬فالحتياط الخذ بالكثر‪ ,‬لن الحدود تككدرأ بالشككبهات‪.‬‬
‫وذهب بعض السلف إلى أنه تقطع يد السارق في عشرة دراهم‬
‫أو دينار أو ما يبلغ قيمته واحدا ً منهما‪ ,‬يحكى هذا عككن علككي وابككن‬
‫مسعود وإبراهيم النخعي وأبي جعفر البككاقر رحمهككم اللككه تعككالى‪.‬‬
‫وقككال بعككض السككلف‪ :‬ل تقطككع الخمككس إل فككي خمككس‪ ,‬أي فككي‬
‫خمسة دنانير أو خمسين درهمًا‪ ,‬وينقل هككذا عككن سككعيد بكن جكبير‬
‫رحمه الله‪ .‬وقككد أجككاب الجمهككور عمككا تمسككك بككه الظاهريككة مككن‬
‫حديث أبي هريرة »يسككرق البيضككة فتقطككع يككده‪ ,‬ويسككرق الحبككل‬
‫فتقطع يده« بأجوبة )أحدها( أنه منسوخ بحديث عائشة‪ ,‬وفي هذا‬
‫نظر‪ ,‬لنه ل بد من بيان التاريخ‪) .‬والثاني( أنه مؤول ببيضة الحديد‬
‫وحبل السككفن‪ ,‬قككاله العمككش فيمككا حكككاه البخككاري وغيككره عنككه‪.‬‬
‫)والثالث( أن هذه وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلككى‬
‫الكثير الذي تقطع فيه يككده‪ ,‬ويحتمككل أن يكككون هككذا خككرج مخككرج‬
‫الخبار عما كان المر عليه في الجاهلية حيث كانوا يقطعككون فككي‬
‫القليل والكثير‪ ,‬فلعن السارق الذي يبذل يده الثمينة فككي الشككياء‬
‫المهينة‪ ,‬وقد ذكروا أن أبا العلء المعري لمككا قككدم بغككداد‪ ,‬اشككتهر‬
‫عنه أنه أورد إشكال ً على الفقهاء في جعلهم نصاب السككرقة ربككع‬
‫دينار‪ ,‬ونظم في ذلك شككعرا ً دل علككى جهلككه وقلككة عقلككه‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫يككد بخمككس مئيككن عسككجد وديتمككا بالهككا قطعككت فككي ربككع دينككار‬
‫تنكككاقض مالنكككا إل السككككوت لهكككوأن نعكككوذ بمولنكككا مكككن النكككار‬
‫ولما قال ذلك واشككتهر عنكه تطلبكه الفقهككاء فهكرب منهككم‪ ,‬وقككد‬
‫أجابه الناس في ذلك‪ ,‬فكان جواب القاضي عبد الوهاب المككالكي‬
‫رحمه الله أن قككال‪ :‬لمككا كككانت أمينككة‪ ,‬كككانت ثمينككة‪ ,‬ولمككا خككانت‬
‫‪426‬‬
‫هانت‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬هذا من تمام الحكمككة والمصككلحة وأسككرار‬
‫الشريعة العظيمة‪ ,‬فإن في باب الجنايات ناسككب أن تعظككم قيمككة‬
‫اليد بخمسمائة دينار لئل يجنى عليها‪ .‬وفي باب السرقة ناسب أن‬
‫يكون القدر الكذي تقطكع فيككه ربكع دينككار‪ ,‬لئل يسككارع النككاس فكي‬
‫سرقة الموال‪ ,‬فهذا هو عين الحكمة عند ذوي اللباب ولهذا قال‪:‬‬
‫}جزاء بما كسبا نكال من الله والله عزيز حكيم{ أي مجازاة على‬
‫صنيعهما السيء في أخككذهما أمكوال النكاس بأيككديهم‪ ,‬فناسكب أن‬
‫يقطع ما استعانا به في ذلك نكال من الله‪ ,‬أي تنكيل ً من الله بهما‬
‫على ارتكاب ذلك‪} ,‬واللككه عزيككز{ أي فككي انتقككامه‪} ,‬حكيككم{ أي‬
‫فككككككككككي أمككككككككككره ونهيككككككككككه وشككككككككككرعه وقككككككككككدره‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪} ,‬فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتككوب‬
‫عليه إن الله غفور رحيم{ أي من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله‬
‫فإن الله يتوب عليه فما بينه وبينه‪ ,‬فأما أموال الناس فل بككد مككن‬
‫ردها إليهم أو بدلها عند الجمهور‪ ,‬وقال أبو حنيفة‪ :‬متى قطع وقككد‬
‫تلفت في يده فإنه ل يككرد بككدلها‪ ,‬وقككد روى الحككافظ أبككو الحسككن‬
‫الدارقطني من حديث‪ ...‬عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أتي بسارق قد سرق شملة‪ ,‬فقال‪ :‬مككا إخككاله سككرق‪,‬‬
‫فقال السارق‪ :‬بلى يا رسول الله‪ .‬قال »اذهبوا بككه فككاقطعوه‪ ,‬ثككم‬
‫احسموه‪ ,‬ثم ائتوني به« فقطع فككأتي بككه فقككال »تككب إلككى اللككه«‬
‫فقال‪ :‬تبت إلى الله‪ ,‬فقال »تاب الله عليك«‪ .‬وقد روي مككن وجككه‬
‫ل‪ ,‬ورجح إرساله علي بن المديني وابن خزيمكة رحمهمكا‬ ‫آخر مرس ً‬
‫اللكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وروى ابن ماجه من حديث ابن لهيعة‪ ,‬عن يزيد بككن أبككي حككبيب‪,‬‬
‫عن عبد الرحمن بن ثعلبة النصاري‪ ,‬عن أبيه أن عمر بككن سككمرة‬
‫بن حبيب بن عبد شمس‪ ,‬جاء إلى النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫فقككال‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬إنككي سككرقت جمل ً لبنككي فلن‪ ,‬فطهرنككي‬
‫فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا‪ :‬إنا افتقدنا جمل ً‬
‫لنا‪ ,‬فأمر به فقطعت يككده وهككو يقككول‪ :‬الحمككد للكه الككذي طهرنككي‬
‫منك‪ ,‬أردت أن تدخلي جسدي النار‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫كريب‪ ,‬حدثنا موسى بن داود‪ ,‬حدثنا ابن لهيعة عن يحيى بككن عبككد‬
‫الله‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن الحبلي‪ ,‬عن عبد الله بككن عمككرو قككال‪:‬‬
‫سرقت امرأة حليا ً فجاء الذين سرقتهم‪ ,‬فقككالوا‪ :‬يككا رسككول اللككه‪,‬‬
‫‪427‬‬
‫سرقتنا هذه المككرأة‪ ,‬فقكال رسككول اللكه صكلى اللكه عليكه وسككلم‬
‫»اقطعكوا يكدها اليمنكى« فقكالت المكرأة‪ :‬هكل مكن توبكة ؟ فقكال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »أنت اليوم من خطيئتككك كيككوم‬
‫ولدتك أمك«‪ ,‬قال‪ :‬فأنزل الله عز وجل }فمن تاب من بعد ظلمه‬
‫وأصكككلح فكككإن اللكككه يتكككوب عليكككه إن اللكككه غفكككور رحيكككم{‪.‬‬
‫وقد رواه المام أحمد بأبسط من هذا فقال‪ :‬حدثنا حسن‪ ,‬حكدثنا‬
‫ابككن لهيعككة‪ ,‬حككدثني يحيككى بككن عبككد اللككه عككن أبككي عبككد الرحمككن‬
‫الحبلي‪ ,‬عن عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فجاء بها إلى الذين سككرقتهم‪ ,‬فقككالوا‪:‬‬
‫يا رسول الله‪ ,‬إن هذه المرأة سرقتنا‪ .‬قال قومها‪ :‬فنحككن نفككديها‪,‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم »اقطعوا يككدها«‪ ,‬فقككالوا‪:‬‬
‫نحن نفديها بخمسمائة دينار‪ ,‬فقال »اقطعوا يدها« فقطعت يككدها‬
‫اليمنى‪ ,‬فقالت المرأة‪ :‬هل لككي مككن توبككة يككا رسككول اللككه ؟ قككال‬
‫»نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك«‪ ,‬فأنزل اللككه فككي‬
‫سورة المائدة }فمن تاب من بعد ظلمه وأصككلح فككإن اللككه يتككوب‬
‫عليه إن الله غفككور رحيككم{ وهككذه المككرأة هككي المخزوميككة الككتي‬
‫سرقت‪ ,‬وحديثها ثككابت فككي الصككحيحين مككن روايككة الزهككري عككن‬
‫عروة‪ ,‬عن عائشة أن قريشا ً أهمهم شككأن المككرأة الككتي سككرقت‪,‬‬
‫في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح‪ ,‬فقالوا‪ :‬من‬
‫يكلم فيهككا رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم ؟ فقككالوا‪ :‬ومككن‬
‫يجترىء عليه إل أسامة بن زيد حب رسول اللكه صكلى اللكه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬فأتى بها رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬فكلمككه فيهككا‬
‫أسامة بن زيد‪ ,‬فتلون وجككه رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫فقال »أتشككفع فككي حككد مككن حككدود اللككه عككز وجككل ؟« فقككال لككه‬
‫أسامة‪ :‬استغفر لي يا رسول الله‪ ,‬فلما كان العشي‪ ,‬قككام رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهلككه‪,‬‬
‫ثم قال »أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سككرق‬
‫فيهم الشريف تركوه‪ ,‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد‪,‬‬
‫وإنككي والككذي نفسككي بيككده لككو أن فاطمككة بنككت محمككد سككرقت‪,‬‬
‫لقطعت يدها«‪ ,‬ثم أمر بتلك المرأة التي سككرقت فقطعككت يككدها‪.‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬فحسنت توبتها بعد‪ ,‬وتزوجت وكانت تأتي بعد ذلككك‬
‫فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬وهككذا لفككظ‬
‫‪428‬‬
‫مسلم‪ .‬وفي لفظ له عككن عائشككة قككالت‪ :‬كككانت امككرأة مخزوميككة‬
‫تستعير المتاع وتجحده‪ ,‬فأمر النبي صلى الله عليككه وسككلم بقطككع‬
‫يككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككدها‪.‬‬
‫وعن ابن عمر قال‪ :‬كانت امرأة مخزوميككة تسككتعير متاع كا ً علككى‬
‫ألسنة جاراتها وتجحده‪ ,‬فأمر رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫بقطع يدها‪ ,‬رواه المككام أحمكد وأبككو داود والنسكائي وهكذا لفظكه‪,‬‬
‫وفي لفظ له أن امرأة كانت تستعير الحلككي للنككاس ثككم تمسكككه‪,‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم »لتتككب هككذه المككرأة إلككى‬
‫الله وإلى رسوله‪ ,‬وترد ما تأخذ على القوم«‪ ,‬ثم قال رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »قم يا بلل فخذ بيدها فاقطعها«‪ .‬وقد ورد‬
‫في أحكام السرقة أحاديث كثيرة مذكورة في كتاب الحكام‪ ,‬ولله‬
‫الحمككد والمنككة‪ ,‬ثككم قككال تعككالى‪} :‬ألككم تعلككم أن اللككه لككه ملككك‬
‫السموات والرض{ أي هو المالك لجميع ذلك‪ ,‬الحاكم فيه‪ ,‬الككذي‬
‫ل معقب لحكمه‪ ,‬وهو الفعال لما يريد }يغفر لمككن يشككاء ويعككذب‬
‫مككككككن يشككككككاء واللككككككه علككككككى كككككككل شككككككيء قككككككدير{‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّك ِ‬ ‫مك َ‬ ‫ن ِفي ال ْك ُْفكرِ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫حُزن َ‬ ‫ل ل َ يَ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫** ي َأي َّها الّر ُ‬
‫ن‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫سكك ّ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫من قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫مّنا ب ِأ َفْ‬ ‫َقال ُوَا ْ آ َ‬
‫مككن ب َعْ كدِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْك َل ِك َ‬ ‫حّرفُككو َ‬ ‫ك يُ َ‬ ‫م ي َأ ُْتو َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ل َِقوْم ٍ آ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ل ِل ْك َذِ ِ‬
‫ح كذ َُروا ْ‬ ‫مواضعِه يُقوُلون إ ُ‬
‫م ت ُؤْت َكوْهُ َفا ْ‬ ‫ذوهُ وَِإن ل ّك ْ‬ ‫خك ُ‬ ‫ذا فَ ُ‬ ‫هـ ك َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أوِتيت ُ ْ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫َ َ ِ ِ َ‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫ن َلك ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّك ِ‬ ‫شكْيئا ً أوَْلـكئ ِ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫مل ِ َ‬ ‫ه فََلن ت َ ْ‬ ‫ه فِت ْن َت َ ُ‬ ‫من ي ُرِدِ الل ّ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫يرد الل ّ َ‬
‫ة‬
‫خ كَر ِ‬ ‫م فِككي ال َ ِ‬ ‫خ كْزيٌ وَل َهُ ك ْ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫ه أن ي ُط َهَّر قُُلوب َهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ ِ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫جككآُءو َ‬ ‫ت فَ كِإن َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سك ْ‬ ‫ن ِلل ّ‬ ‫ب أك ّككاُلو َ‬ ‫ن ل ِل ْك َكذِ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬‫س ّ‬ ‫م* َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫شكْيئا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك َ‬ ‫ضّرو َ‬ ‫م فََلن ي َ ُ‬ ‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫م وَِإن ت ُعْرِ ْ‬ ‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫م أوْ أعْرِ ْ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫ن*‬ ‫طي َ‬ ‫سك ِ‬ ‫مْق ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حك ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫ط إِ ّ‬ ‫سك ِ‬ ‫م ِبال ِْق ْ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ك ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫من ب َعْدِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ي َت َوَل ّوْ َ‬ ‫م الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫م الت ّوَْراةُ ِفيَها ُ‬ ‫عن ْد َهُ ُ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫مون َ َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫ف يُ َ‬ ‫وَك َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫مآ أ ُوَْلـئ ِ َ‬
‫دى وَن ُككوٌر‬ ‫ن * إ ِن ّككآ أنَزل ْن َككا الت ّكوَْراةَ ِفيهَككا هُ ك ً‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ك ِبال ْ ُ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫يحك ُم بها النبيون ال ّذي َ‬
‫حب َككاُر‬ ‫ن َوال ْ‬ ‫دوا ْ َوالّرب ّككان ِّيو َ‬ ‫ن هَككا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫موا ْ ل ِل ّك ِ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِّّ َ‬ ‫َ ْ ُ َِ‬
‫شكوُا ْ‬ ‫خ َ‬ ‫دآَء فَل َ ت َ ْ‬ ‫ش كه َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب اللكهِ وَك َككاُنوا عَلي ْكهِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫مككن ك ِت َككا ِ‬ ‫حِفظوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫سكت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫بِ َ‬
‫مككآ‬ ‫حك ُككم ب ِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫مككن ل ّك ْ‬ ‫منكا ً قَِليل ً وَ َ‬ ‫شت َُروا ْ ِبآَياِتي ث َ َ‬ ‫ن وَل َ ت َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫شو‬ ‫خ َ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫الّنا َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ه فَأوَْلـكككككككككئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َأنكككككككككَز َ‬
‫ن‬
‫ككككككككككافُِرو َ‬ ‫هككككككككك ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ل الّلككككككككك ُ‬
‫‪429‬‬
‫ليككات الكريمككات فككي المسككارعين فككي الكفككر‪,‬‬ ‫نزلككت هككذه ا َ‬
‫الخارجين عن طاعة الله ورسككوله‪ ,‬المقككدمين آراءهككم وأهككواءهم‬
‫على شرائع الله عز وجل }مكن الكذين قكالوا آمنكا بكأفواههم ولكم‬
‫تككؤمن قلككوبهم{ أي أظهككروا اليمككان بألسككنتهم‪ ,‬وقلككوبهم خككراب‬
‫خاويككة منككه‪ ,‬وهككؤلء هككم المنككافقون }مككن الككذين هككادوا{ أعككداء‬
‫السلم وأهله‪ ,‬وهؤلء كلهم }سككماعون للكككذب{ أي مسككتجيبون‬
‫لككه‪ ,‬منفعلككون عنككه‪} ,‬سككماعون لقككوم آخريككن لككم يككأتوك{ أي‬
‫يستجيبون لقوام آخرين ل يأتون مجلسك يا محمد‪ ,‬وقيل‪ :‬المككراد‬
‫أنهم يتسككمعون الكلم وينهككونه إلككى قككوم آخريككن ممككن ل يحضككر‬
‫عندك من أعدائك }يحرفون الكلم من بعد مواضعه{ أي يتككأّولونه‬
‫علككى غيككر تككأويله‪ ,‬ويبككدلونه مككن بعككد مككاعقلوه‪ ,‬وهككم يعلمككون‪,‬‬
‫}يقولون إن أوتيتكم هكذا فخككذوه وإن لكم تؤتكوه فاحكذروا{ قيكل‪:‬‬
‫ل‪ ,‬وقالوا‪ :‬تعككالوا حككتى نتحككاكم‬ ‫نزلت في قوم من اليهود قتلوا قتي ً‬
‫إلى محمككد‪ ,‬فككإن حكككم بالديككة فككاقبلوه‪ ,‬وإن حكككم بالقصككاص فل‬
‫تسمعوا منه‪ ,‬والصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وكككانوا‬
‫قد بدلوا كتاب اللككه الككذي بأيككديهم مككن المككر برجككم مككن أحصككن‬
‫منهم‪ ,‬فحرفوه واصككطلحوا فيمككا بينهككم علككى الجلككد مككائة جلككدة‪,‬‬
‫والتحميككم والركككاب علككى حمككارين مقلككوبين‪ ,‬فلمككا وقعككت تلككك‬
‫الكائنة بعد الهجرة قالوا فيما بينهم‪ :‬تعالوا حتى نتحاكم إليه‪ ,‬فككإن‬
‫حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبيككن اللككه‪,‬‬
‫ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك‪ ,‬وإن حكم بككالرجم‬
‫فل تتبعكككككككككككككككككككككوه فكككككككككككككككككككككي ذلكككككككككككككككككككككك‪.‬‬
‫وقد وردت الحاديث في ذلك فقال مالككك‪ ,‬عككن نككافع‪ ,‬عككن عبككد‬
‫الله بن عمر رضي الله عنهما‪ :‬أن اليهود جاؤوا إلككى رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجل ً منهم وامرأة زنيا‪ ,‬فقكال‬
‫لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم »ما تجدون في التوراة في‬
‫شأن الرجم ؟« فقككالوا‪ :‬نفضككحهم ويجلككدون‪ ,‬قككال عبككد اللككه بككن‬
‫سككلم‪ :‬كككذبتم‪ ,‬إن فيهككا الرجككم‪ ,‬فككأتوا بككالتوراة‪ ,‬فككأتوا بككالتوراة‬
‫فنشروها‪ ,‬فوضع أحدهم يده على آية الرجم ‪ ¹‬فقرأ مككا قبلهككا ومككا‬
‫بعدها‪ ,‬فقال له عبد الله بن سلم‪ :‬ارفع يدك فرفع يككده‪ ,‬فككإذا آيكة‬
‫الرجم‪ ,‬فقالوا‪ :‬صدق يا محمد فيها آية الرجم‪ ,‬فككأمر بهمككا رسككول‬
‫الله صلى اللكه عليكه وسكلم فرجمككا‪ ,‬فرأيكت الرجكل يحنككي علكى‬
‫‪430‬‬
‫المرأة يقيها الحجارة‪ ,‬أخرجاه‪ ,‬وهذا لفظ البخاري وفي لفككظ لككه‪:‬‬
‫فقككال لليهككود »مككا تصككنعون بهمككا ؟« قككالوا‪ :‬نسككخم وجوههمككا‬
‫ونخزيهما‪ ,‬قال }فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صككادقين{ فجككاؤوا‬
‫فقالوا لرجل منهم ممن يرضون أعور‪ :‬اقرأ فقرأ حتى انتهى إلككى‬
‫موضع منها‪ ,‬فوضع يده عليككه فقككال‪ :‬ارفككع يككدك فرفككع‪ ,‬فككإذا آيككة‬
‫الرجم تلوح‪ ,‬قال‪ :‬يا محمد إن فيها آية الرجم ولكنا نتكككاتمه بيننككا‪,‬‬
‫فككككككككككككككككككككككأمر بهمككككككككككككككككككككككا فرجمككككككككككككككككككككككا‪.‬‬
‫وعند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسككلم أتككي بيهككودي‬
‫ويهودية قد زنيا‪ ,‬فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسككلم حككتى‬
‫جاء يهود فقال »ما تجدون في التوراة علككى مككن زنككى ؟« قككالوا‪:‬‬
‫نسككود وجوههمككا ونحممهمككا‪ ,‬ونحملهمككا ونخككالف بيككن وجوههمككا‬
‫ويطاف بهما‪ .‬قال }فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين{ قال‪:‬‬
‫فجاؤوا بها فقرؤوها حتى إذا مككر بآيككة الرجككم‪ ,‬وضككع الفككتى الككذي‬
‫يقرأ يده على آية الرجم‪ ,‬وقرأ ما بين يديها وما وراءها‪ ,‬فقككال لككه‬
‫مره‬ ‫عبد الله بن سلم وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ُ :‬‬
‫فليرفع يده فرفع يده‪ ,‬فإذا تحتها آيككة الرجككم‪ ,‬فككأمر بهمككا رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فرجما‪ .‬قال عبد اللككه بككن عمككر‪ :‬كنككت‬
‫فيمن رجمهما‪ ,‬فلقد رأيته يقيها مككن الحجككارة بنفسككه‪ .‬وقككال أبككو‬
‫داود‪ :‬حدثنا أحمد بن سعيدالهمداني‪ ,‬حدثنا ابن وهب‪ ,‬حدثنا هشام‬
‫بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قككال‪ :‬أتككى نفككر مككن‬
‫اليهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف‪ ,‬فأتاهم‬
‫في بيت المدارس‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أبا القاسم‪ ,‬إن رجل ً منا زنى بككامرأة‬
‫فاحكم‪ .‬قال‪ :‬ووضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسككلم وسككادة‬
‫فجلس عليها‪ ,‬ثم قال »ائتوني بالتوراة‪ ,‬فأتي بها‪ ,‬فنككزع الوسككادة‬
‫من تحته ووضع التوراة عليها‪ ,‬وقال »آمنت بك وبمن أنزلككك« ثككم‬
‫قال »ائتوني بأعلمكم« فأتي بفتى شاب ثم ذكر قصة الرجم نحو‬
‫حكككككككككككككككديث مالكككككككككككككككك عكككككككككككككككن نكككككككككككككككافع‪.‬‬
‫ت رجل ً من مزينة ممككن يتبككع العلككم ويعيككه‪,‬‬ ‫وقال الزهري‪ :‬سمع ُ‬
‫ونحن عند ابن المسككيب‪ ,‬عككن أبككي هريككرة قككال‪ :‬زنككى رجككل مككن‬
‫اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض‪ :‬اذهبوا إلى هذا النبي فإنه بعث‬
‫التخفيف‪ ,‬فإن أفتانا بفتيا دون الرجككم قبلناهككا واحتججنككا بهككا عنككد‬
‫الله‪ ,‬قلنا‪ :‬فتيا نبي من أنبيائك‪ .‬قال‪ :‬فأتوا النبي صككلى اللككه عليككه‬
‫‪431‬‬
‫وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أبا القاسم‪,‬‬
‫ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيككا ؟ فلككم يكلمهككم بكلمككة حككتى‬
‫أتى بيت مدارسهم‪ ,‬فقام على الباب فقال »أنشككدكم بككالله الكذي‬
‫أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنككى إذا‬
‫أحصن ؟« قالوا‪ :‬يحمم ويجبه ويجلد‪ ,‬والتجبيه أن يحمككل الزانيككان‬
‫على حمار وتقابككل أقفيتهمككا ويطككاف بهمككا‪ ,‬قككال‪ :‬وسكككت شككاب‬
‫منهم‪ ,‬فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت‪ ,‬ألككظ بككه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم النشدة‪ ,‬فقال‪ :‬اللهم إذ نشككدتنا‬
‫فإنا نجد في التوراة الرجم‪ ,‬فقال النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»فما أول ما ارتخصتم أمر الله« قال‪ :‬زنى ذو قرابة من ملك من‬
‫ملوكنا فأخر عنه الرجم‪ ,‬ثم زنى رجل في إثره من النككاس فككأراد‬
‫رجمه‪ ,‬فحككال قككومه دونككه وقككالوا‪ :‬ل نرجككم صككاحبنا حككتى تجيككء‬
‫بصاحبك فترجمه‪ ,‬فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم‪ ,‬فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم »فإني أحكم بما فككي التككوراة« فككأمر بهمككا‬
‫لية نزلت فيهككم }إنككا أنزلنككا‬ ‫فرجما‪ ,‬قال الزهري‪ :‬فبلغنا أن هذه ا َ‬
‫التوراة فيها هدى ونور يحكم بهككا النككبيون الككذين أسككلموا{ فكككان‬
‫النبي صلى اللككه عليككه وسككلم منهككم‪ ,‬رواه أحمككد وأبككو داود وهككذا‬
‫لفظككككككككككككككككككككككه‪ ,‬وابككككككككككككككككككككككن جريككككككككككككككككككككككر‪.‬‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬حدثنا العمش عن عبد اللككه‬
‫بن مرة‪ ,‬عن البراء بن عازب‪ ,‬قال‪ :‬مكّر علككى رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم يهككودي محمككم مجلككود‪ ,‬فككدعاهم‪ ,‬فقككال »أهكككذا‬
‫تجدون حد الزانككي فككي كتككابكم ؟« فقككالوا‪ :‬نعككم‪ ,‬فككدعا رجل ً مككن‬
‫علمائهم فقال »أنشدك بالذي أنزل التوراة علككى موسككى‪ ,‬أهكككذا‬
‫تجككدون حككد الزانككي فككي كتككابكم ؟« فقككال‪ :‬ل واللككه‪ ,‬ولككول أنككك‬
‫نشدتني بهذا لم أخبرك‪ ,‬نجد حد الزاني في كتابنككا الرجككم‪ ,‬ولكنككه‬
‫كنككا إذا أخككذنا الشككريف تركنككاه‪ ,‬وإذا أخككذنا‬ ‫كككثر فككي أشككرافنا ف ّ‬
‫الضعيف أقمنا عليه الحد‪ ,‬فقلنككا‪ :‬تعككالوا حككتى نجعككل شككيئا ً نقيمككه‬
‫على الشريف والوضككيع‪ ,‬فاجتمعنككا علككى التحميككم والجلككد‪ ,‬فقككال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم »اللهككم إنككي أول مككن أحيككا أمككرك إذ‬
‫أماتوه« قال‪ :‬فأمر به فرجم‪ ,‬قال‪ :‬فأنزل الله عز وجككل }يككا أيهككا‬
‫الرسككول ل يحزنككك الككذين يسككارعون فككي الكفككر{ إلككى قككوله‬
‫}يقولون إن أوتيتم هذا فخككذوه{ أي يقولككون‪ :‬ائتككوا محمككدا ً فككإن‬
‫‪432‬‬
‫أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه‪ ,‬وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا‪ ,‬إلككى‬
‫قوله }ومن لم يحكم بما أنزل الله فككأولئك هككم الكككافرون{ قككال‬
‫في اليهود‪ ,‬إلى قوله }ومن لم يحكم بما أنككزل اللككه فككأولئك هككم‬
‫الظالمون{ قال في اليهود }ومن لم يحكم بما أنزل الله فككأولئك‬
‫هم الفاسقون{ قال‪ :‬في الكفار كلها‪ ,‬انفرد بإخراجه مسككلم دون‬
‫البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه عن العمش‬
‫وقال المام أبو بكر عبد الله بن الزبيككر الحميككدي فككي مسككنده‪:‬‬
‫حدثنا سفيان بككن عيينككة‪ ,‬حككدثنا مجالككد بككن سككعيد الهمككداني عككن‬
‫الشعبي‪ ,‬عن جابر بن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬زنى رجككل مككن أهككل فككدك‪,‬‬
‫فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهككود بالمدينككة‪ ,‬أن سككلوا محمككدا ً‬
‫عن ذلك‪ ,‬فإذا أمركم بالجلد فخذوه عنككه‪ ,‬وإن أمركككم بككالرجم فل‬
‫تأخذوه عنه‪ ,‬فسألوه عن ذلك‪ ,‬فقال »أرسككلوا إلككي أعلككم رجليككن‬
‫فيكم« فجاؤوا برجل أعور يقال له ابن صوريا‪ ,‬وآخر‪ ,‬فقككال لهمككا‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم »أنتما أعلم مككن قبلكمككا« فقككال‪ :‬قككد‬
‫دعانا قومنا لذلك‪ ,‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما »أليككس‬
‫عندكما التوراة فيها حكم الله« قال‪ :‬بلى‪ ,‬فقال النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »فأنشدكم بالذي فلككق البحككر لبنككي إسككرائيل‪ ,‬وظلككل‬
‫عليكم الغمام‪ ,‬وأنجاكم مككن آل فرعككون‪ ,‬وأنككزل المككن والسككلوى‬
‫على بني إسرائيل‪ ,‬ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ فقال‬
‫لخر‪ :‬ما نشدت بمثله قككط‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬نجككد تككرداد النظككر‬ ‫أحدهما ل َ‬
‫زنية‪ ,‬والعتناق زنية‪ ,‬والتقبيل زنيككة‪ ,‬فككإذا شككهد أربعككة أنهككم رأوه‬
‫يبدى ويعيد‪ ,‬كما يدخل الميككل فككي المكحلككة‪ ,‬فقككد وجككب الرجككم‪,‬‬
‫فقال النبي صلى اللككه عليككه وسكلم »هككو ذاك« فككأمر بكه فرجككم‪,‬‬
‫فنزلت }فإن جاءوك فككاحكم بينهككم أو أعككرض عنهككم وإن تعككرض‬
‫عنهم فلن يضروك شككيئا ً وإن حكمككت فككاحكم بينهككم بالقسككط إن‬
‫الله يحب المقسككطين{‪ .‬ورواه أبككو داود وابككن ماجككة مككن حككديث‬
‫مجالكككككككككككككككككككككككد بكككككككككككككككككككككككه نحكككككككككككككككككككككككوه‪.‬‬
‫ولفظ أبي داود عن جابر‪ ,‬قال‪ :‬جاءت اليهود برجل وامرأة منهم‬
‫زنيا‪ ,‬فقككال »ائتككوني بككأعلم رجليككن منكككم« فككأتوه بككابني صككوريا‪,‬‬
‫فنشدهما »كيف تجدان أمر هككذين فككي التككوراة ؟« قككال‪ :‬نجككد إذا‬
‫شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثككل الميككل فككي المكحلككة‪,‬‬
‫‪433‬‬
‫رجما‪ ,‬قال »فما يمنعكككم أن ترجموهمككا ؟« قككال‪ :‬ذهككب سككلطاننا‬
‫فكرهنا القتل‪ ,‬فدعا رسول الله صلى الله عليككه وسككلم بالشككهود‪,‬‬
‫فجاء أربعة‪ ,‬فشهدوا أنهككم رأوا ذكككره مثككل الميككل فككي المكحلككة‪,‬‬
‫فأمر رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم برجمهمككا‪ ,‬ثككم رواه أبككو‬
‫ل‪ ,‬ولم يككذكر فيككه‪ :‬فككدعا‬ ‫داود عن الشعبي وإبراهيم النخعي مرس ً‬
‫بالشهود فشهدوا‪ .‬فهذه الحاديث دالة على أن رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬حكم بموافقة حكم التوراة‪ ,‬وليس هذا مككن بككاب‬
‫الكرام لهم بما يعتقككدون صككحته‪ ,‬لنهككم مككأمورون باتبككاع الشككرع‬
‫المحمدي ل محالة‪ ,‬ولكن هذا بوحي خاص من الله عز وجككل إليككه‬
‫بذلك‪ ,‬وسؤاله إيككاهم عككن ذلككك‪ ,‬ليقررهككم علككى مككا بأيككديهم ممككا‬
‫تواطؤوا على كتمانه وجحده وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة‪,‬‬
‫فلما اعككترفوا بككه مككع علمهككم علككى خلفككه بككان زيغهككم وعنككادهم‬
‫عككدولهم‬ ‫وتكذيبهم لما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم‪ ,‬و ُ‬
‫إلى تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كككان عككن هككوى‬
‫منهم‪ ,‬وشهوة لموافقة آرائهم ل لعتقككادهم صككحة مككا يحكككم بككه‪,‬‬
‫ولهذا قككالوا }إن أوتيتككم هككذا{ أي‪ :‬الجلككد والتحميككم‪ ,‬فخككذوه‪ ,‬أي‬
‫اقبلككوه‪} ,‬وإن لككم تؤتككوه فاحككذروا{ أي مككن قبككوله واتبككاعه‪.‬‬
‫وقال الله تعالى‪} :‬ومن يرد الله فتنته فلككن تملككك لككه مككن اللككه‬
‫شيئا ً أولئك الذين لم يككرد اللكه أن يطهككر قلككوبهم لهككم فككي الككدنيا‬
‫لخرة عذاب عظيم سماعون للكذب{ أي الباطل‬ ‫خزي ولهم في ا َ‬
‫}أكالون للسحت{ أي الحرام‪ ,‬وهو الرشوة‪ ,‬كما قاله ابن مسعود‬
‫وغير واحد‪ ,‬أي ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبككه وأنككى‬
‫يستجيب له‪ ,‬ثككم قككال لنككبيه }فككإن جككاءوك{ أي يتحككاكمون إليككك‬
‫}فاحكم بينهم أو أعككرض عنهككم وإن تعككرض عنهككم فلككن يضككروك‬
‫شيئًا{ أي فل عليك أن ل تحكم بينهم‪ ,‬لنهم ل يقصدون بتحاكمهم‬
‫إليك اتباع الحق بل ما يوافق أهواءهم‪ ,‬قال ابككن عبككاس ومجاهككد‬
‫وعكرمككة والحسككن وقتككادة والسككدي وزيككد بككن أسككلم وعطككاء‬
‫الخراساني والحسن وغير واحد‪ :‬هي منسوخة بقوله }وأن احكككم‬
‫بينهم بما أنزل الله{‪} ,‬وإن حكمككت فككاحكم بينهككم بالقسككط{ أي‬
‫بالحق والعدل‪ ,‬وإن كانوا ظلمة خكارجين عككن طريككق العككدل }إن‬
‫اللكككككككككككككككككككه يحكككككككككككككككككككب المقسكككككككككككككككككككطين{‪.‬‬
‫‪434‬‬
‫ثم قال تعالى منكككرا ً عليهككم فككي آرائهككم الفاسككدة‪ ,‬ومقاصككدهم‬
‫الزائغة في تركهم ما يعتقدون صحته مككن الكتككاب الككذي بأيككديهم‪,‬‬
‫الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسككك بككه أبككدًا‪ ,‬ثككم خرجككوا عككن‬
‫حكمه‪ ,‬وعدلوا إلى غيره ممككا يعتقككدون فككي نفككس المككر بطلنككه‬
‫وعدم لزومه لهم‪ ,‬فقال }وكيف يحكمونك وعنككدهم التككوراة فيهككا‬
‫حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين{ ثككم مككدح‬
‫التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمككران‪ ,‬فقككال‬
‫}إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسككلموا‬
‫للذين هادوا{ أي ل يخرجون عن حكمها ول يبدلونها ول يحرفونها‪,‬‬
‫}والربانيون والحبار{ أي وككذلك الربكانيون منهكم‪ ,‬وهكم العلمكاء‬
‫العباد‪ ,‬والحبار وهم العلماء }بما استحفظوا من كتككاب اللككه{ أي‬
‫بما استودعوا من كتاب الله الذي أمروا أن يظهككروه ويعملككوا بكه‪,‬‬
‫ن{ أي ل تخككافوا‬ ‫}وكانوا عليه شهداء فل تخشككوا النككاس واخشككو ِ‬
‫منهم وخافوا مني‪} ,‬ول تشتروا بآياتي ثمن كا ً قليل ومككن لككم يحكككم‬
‫بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون{ فيككه قككولن سككيأتي بيانهمككا‪.‬‬
‫ليكككككات الكريمكككككات‬ ‫سكككككبب آخكككككر فكككككي نكككككزول هكككككذه ا َ‬

‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا إبراهيم بن العباس‪ ,‬حدثنا عبككد الرحمككن‬
‫بن أبي الزناد عن أبيه‪ ,‬عن عبد الله بن عبد الله‪ ,‬عن ابن عبككاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬إن الله أنزل‪} :‬ومن لككم يحكككم بمككا أنككزل اللككه فككأولئك هككم‬
‫الكافرون وأولئك هم الظالمون وأولئك هم الفاسقون{‪ ,‬قال قال‬
‫ابن عباس‪ :‬أنزلها الله في الطائفتين من اليهود‪ ,‬وكككانت إحككداهما‬
‫قد قهرت الخرى في الجاهلية حتى ارتضككوا واصككطلحوا علككى أن‬
‫كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلككة فككديته خمسككون وسككقا‪ ,‬وكككل‬
‫قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق‪ ,‬فكانوا على ذلك‬
‫حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقتلت الذليلة من العزيزة‬
‫ل‪ ,‬فأرسلت العزيككزة إلككى الذليلككة أن ابعثككوا لنككا بمككائة وسككق‪,‬‬‫قتي ً‬
‫فقالت الذليلة‪ :‬وهل كان في حيين دينهما واحككد‪ ,‬ونسككبهما واحككد‪,‬‬
‫وبلدهما واحد‪ ,‬دية بعضهم نصف ديككة بعككض‪ ,‬إنمككا أعطينككاكم هككذا‬
‫ضككيما ً منكككم لنككا وفرق كا ً منكككم فأمككا إذ قككدم محمككد فل نعطيكككم‬
‫فكادت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم بينهم‪ ,‬ثم ذكرت العزيزة‪ ,‬فقالت‪ :‬واللككه مككا‬
‫‪435‬‬
‫محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم‪ ,‬ولقككد صككدقوا‪ ,‬مككا‬
‫أعطونا هذا إل ضيما ً منا وقهرا ً لهم فدسوا إلككى محمككد مككن يخككبر‬
‫لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه‪ ,‬وإن لم يعطكم حذرتم‬
‫فلم تحكموه‪ ,‬فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسككا ً‬
‫مككن المنككافقين ليخككبروا لهككم رأي رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬فلما جاؤوا رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬أخككبر اللككه‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهم كله وما أرادوا‪ ,‬فككأنزل اللككه‬
‫تعالى‪} :‬يا أيها الرسول ل يحزنككك الككذين يسككارعون فككي الكفككر{‬
‫إلى قوله }الفاسقون{ ففيهم والله أنزل‪ ,‬وإيككاهم عنككى اللككه عككز‬
‫وجل‪ ,‬ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزنككاد عككن أبيككه بنحككوه‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير حدثنا هناد بن السري وأبو كريب‪ ,‬قكال‪:‬‬
‫حدثنا يونس بككن بكيككر عككن محمككد بككن إسككحاق‪ ,‬حككدثني داود بككن‬
‫ليات التي في المككائدة‬ ‫الحصين عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬أن ا َ‬
‫قوله }فكاحكم بينهكم أو أعككرض عنهككم كك إلكى المقسكطين{ إنمككا‬
‫أنزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة‪ ,‬وذلك أن قتلى بني‬
‫النضير كان لهم شرف‪ ,‬تؤدى لهم الدية كاملة‪ ,‬وأن قريظككة كككانوا‬
‫يؤدى لهم نصف الدية‪ ,‬فتحاكموا في ذلك إلى رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬فأنزل الله ذلك فيهم‪ ,‬فحملهم رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم على الحق في ذلك‪ ,‬فجعل الدية في ذلك سككواء‪,‬‬
‫والله أعلككم أي ذلكك ككان‪ ,‬ورواه أحمككد وأبككو داود والنسكائي مككن‬
‫حككككككككككككككديث ابككككككككككككككن إسككككككككككككككحاق بنحككككككككككككككوه‪.‬‬
‫ثم قال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو كريب حدثنا عبيككد اللككه بككن موسككى‬
‫عن علي بن صالح‪ ,‬عككن سككماك‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬كانت قريظة والنضير‪ ,‬وكانت النضككير أشككرف مككن قريظككة‪,‬‬
‫فكككان إذا قتككل القرظككي رجل ً مككن النضككير قتككل بككه‪ ,‬وإذا قتككل‬
‫النضيري رجل ً من قريظة‪ ,‬ودي بمائة وسق من تمككر‪ ,‬فلمككا بعككث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضككير رجل ً مككن‬
‫قريظة‪ ,‬فقالوا‪ :‬ادفعوا إليه‪ ,‬فقالو‪ :‬بيننا وبينكم رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬فنزلت }وإن حكمككت فككاحكم بينهككم بالقسككط{‪,‬‬
‫ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في المسككتدرك مككن‬
‫حديث عبيد الله بن موسى بنحوه‪ ,‬وهكذا قال قتككادة ومقاتككل بككن‬
‫حبكككككككككككان وابكككككككككككن زيكككككككككككد وغيكككككككككككر واحكككككككككككد‪.‬‬
‫‪436‬‬
‫وقد روى العوفي وعلي بن أبي طلحة الوالبي عككن ابككن عبككاس‬
‫ليككات نزلككت فككي اليهككوديين اللككذين زنيككا‪ ,‬كمككا تقككدمت‬ ‫أن هككذه ا َ‬
‫الحاديث بذلك‪ ,‬وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقككت واحككد‪,‬‬
‫ليات في ذلك كله‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬ولهذا قال بعككد ذلككك‬ ‫فنزلت هذه ا َ‬
‫}وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين{ إلى آخرها‪,‬‬
‫وهككذا يقككوي أن سككبب النككزول قضككية القصككاص‪ ,‬واللككه سككبحانه‬
‫وتعالى أعلم‪ ,‬وقوله تعالى‪ } :‬ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك‬
‫هم الكافرون{ قال الككبراء بككن عككازب وحذيفككة بككن اليمككان وابككن‬
‫عباس وأبو مجلز وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد الله بن عبد‬
‫اللككه والحسككن البصككري وغيرهككم‪ :‬نزلككت فككي أهككل الكتككاب‪ ,‬زاد‬
‫الحسن البصري‪ :‬وهي علينا واجبة‪ ,‬وقال عبد الرزاق عن سككفيان‬
‫ليككات فككي بنككي‬ ‫الثوري‪ ,‬عن منصور عن إبراهيم‪ ,‬قال نزلت هذه ا َ‬
‫إسكككرائيل‪ ,‬ورضكككي اللكككه لهكككذه المكككة بهكككا‪ ,‬رواه ابكككن جريكككر‪.‬‬
‫وقال ابن جريككر أيضكًا‪ :‬حككدثنا يعقككوب‪ ,‬حككدثنا هشككيم أخككبر عبككد‬
‫الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل‪ ,‬عن علقمة ومسككروق‬
‫أنهما سأل ابن مسعود عن الرشوة‪ .‬فقككال‪ :‬مككن السككحت‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫وفي الحكم‪ ,‬قال‪ :‬ذاك الكفر‪ ,‬ثم تل‪} ,‬ومن لككم يحكككم بمككا أنككزل‬
‫الله فأولئك هم الكافرون{ وقككال السككدي }ومككن لككم يحكككم بمككا‬
‫أنزل الله فأولئك هم الكافرون{ يقول‪ :‬ومن لم يحكم بما أنزلككت‬
‫فتركه عمدا ً أو جار وهو يعلم‪ ,‬فهو من الكافرين‪ ,‬وقككال علككي بككن‬
‫أبي طلحة عن ابن عباس قوله }ومككن لككم يحكككم بمككا أنككزل اللككه‬
‫فأولئك هم الكافرون{ قال‪ :‬من جحد ما أنزل الله فقد كفر‪ ,‬ومن‬
‫أقّر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق‪ ,‬رواه ابن جريككر‪ ,‬ثككم اختككار‬
‫لية المراد بها أهل الكتاب‪ ,‬أو من جحد حكم الله المنزل في‬ ‫أن ا َ‬
‫الكتاب‪ ,‬وقال عبد الرزاق‪ ,‬عن الثوري‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن الشككعبي‪:,‬‬
‫ومككككن لككككم يحكككككم بمككككا أنككككزل اللككككه‪ ,‬قككككال للمسككككلمين‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حككدثنا ابككن المثنككى‪ ,‬حككدثنا عبككد الصككمد‪ ,‬حككدثنا‬
‫شعبة عن ابن أبي السفر‪ ,‬عن الشعبي }ومن لم يحكم بما أنككزل‬
‫الله فأولئك هم الكافرون{ قال‪ :‬هككذا فككي المسككلمين }ومككن لككم‬
‫يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون{ قال‪ :‬هككذا فككي اليهككود‬
‫}ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسككقون{ قككال‪ :‬هككذا‬
‫في النصارى‪ ,‬وكذا رواه هشيم والثوري‪ ,‬عن زكريا بن أبي زائدة‪,‬‬
‫‪437‬‬
‫عككن الشككعبي وقككال عبككد الككرزاق أيض كًا‪ :‬أخبرنككا معمككر عككن ابككن‬
‫طاوس‪ ,‬عن أبيككه قككال‪ :‬سككئل ابككن عبككاس عككن قككوله }ومككن لككم‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬هي به كفككر‪ ,‬قككال ابككن طككاوس‪ :‬وليككس كمككن‬ ‫يحكم{ ا َ‬
‫يكفر بالله وملئكته وكتبه ورسله‪ ,‬وقال الثوري‪ ,‬عككن ابككن جريككج‪,‬‬
‫عن عطاء أنه قال‪ :‬كفر دون كفر‪ ,‬وظلم دون ظلم‪ ,‬وفسككق دون‬
‫فسق‪ ,‬رواه ابن جرير‪ ,‬وقال وكيع‪ ,‬عن سعيد المكي‪ ,‬عن طاوس‬
‫}ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الككافرون{ قكال‪ :‬ليكس‬
‫بكفر ينقل عن الملة‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا محمككد بككن عبككد‬
‫الله بن يزيد المقككري‪ ,‬حككدثنا سككفيان بككن عيينككة‪ ,‬عككن هشككام بككن‬
‫حجير‪ ,‬عن طاوس‪ ,‬عن ابن عباس في قوله }ومن لم يحكككم بمككا‬
‫أنزل الله فأولئك هم الكافرون{ قال‪ :‬ليس بالكفر الككذي تككذهبون‬
‫إليه‪ ,‬ورواه الحاكم في مستدركه مككن حككديث سككفيان بككن عيينككة‪,‬‬
‫وقككككال‪ :‬صككككحيح علككككى شككككرط الشككككيخين‪,‬ولككككم يخرجككككاه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ن َوالن ْك َ‬ ‫ن ب ِككالعَي ْ ِ‬‫س َوال ْعَي ْك َ‬
‫س ب ِككالن ّْف ِ‬‫ن الن ّْف ك َ‬
‫م ِفيَهآ أ ّ‬ ‫** وَك َت َب َْنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫ص كد ّقَ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ص فَ َ‬‫ٌ‬ ‫صا‬
‫َ‬ ‫ح قِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫جُرو َ‬ ‫س ّ‬ ‫ن ِبال ّ‬‫س ّ‬ ‫ن َوال ّ‬‫ن ِبال ُذ ُ ِ‬‫ف َوال ُذ ُ َ‬ ‫ِبالن ْ ِ‬
‫ُ‬
‫ه فَأوَْلـكئ ِ َ‬
‫م‬‫هك ُ‬‫ك ُ‬ ‫ل الّلك ُ‬ ‫مكآ أنكَز َ‬ ‫ح ُ‬
‫ككم ب ِ َ‬ ‫مكن ّلك ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ه وَ َ‬‫ِبكهِ فَُهكوَ ك َّفكاَرةٌ ّلك ُ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫ال ظ ّكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككال ِ ُ‬
‫وهذا أيضا ً مما وبخت به اليهود وقرعوا عليككه‪ ,‬فككإن عنككدهم فككي‬
‫نص التوراة أن النفس بالنفس‪ ,‬وهككم يخككالفون حكككم ذلككك عمككدا ً‬
‫وعنادًا‪ ,‬ويقيدون النضري من القرظي‪ ,‬ول يقيككدون القرظككي مككن‬
‫النضري‪ ,‬بل يعدلون إلى الدية كما خالفوا حكم التوراة المنصوص‬
‫عندهم في رجم الزاني المحصن‪ ,‬وعدلوا إلى ما اصككطلحوا عليككه‬
‫من الجلد والتحميم والشهار ولهذا قال هناك }ومن لم يحكم بما‬
‫أنزل الله فأولئك هم الكافرون{ لنهككم جحككدوا حكككم اللككه قصككدا ً‬
‫منهم وعنادا ً وعمدًا‪ ,‬وقال ههنا }فأولئك هم الظالمون{ لنهم لككم‬
‫ينصفوا المظلوم مكن الظكالم فكي المككر الكذي أمكر اللكه بالعكدل‬
‫والتسوية بين الجميع فيه‪ ,‬فخالفوا وظلمككوا وتعككدوا علككى بعضكهم‬
‫بعضكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬حدثنا ابككن المبككارك عككن‬
‫يونس بن يزيكد‪ ,‬عكن علكي بكن يزيكد أخكي يكونس بكن يزيكد‪ ,‬عكن‬
‫‪438‬‬
‫الزهري‪ ,‬عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫قرأها }وكتبنككا عليهككم فيهككا أن النفككس بككالنفس والعيككن بككالعين{‬
‫نصب النفس ورفع العين‪ ,‬وكذا رواه أبو داود والترمككذي والحككاكم‬
‫فكككي مسكككتدركه مكككن حكككديث عبكككد اللكككه بكككن المبكككارك‪ ,‬وقكككال‬
‫الترمككذي(حسككن غريكب وقكال البخككاري تفكّرد ابكن المبككارك بهككذا‬
‫الحديث‪ ,‬وقد استدل كثير ممن ذهب من الصوليين والفقهاء إلى‬
‫أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي مقككررا ً ولككم ينسككخ‪ ,‬كمككا هككو‬
‫المشهور عن الجمهور‪ ,‬وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق السفراييني‬
‫ليككة حيككث كككان الحكككم‬ ‫عن نص الشافعي‪ ,‬وأكثر الصحاب بهذه ا َ‬
‫عندنا على وفقها في الجنايات عنككد جميككع الئمككة‪ .‬وقككال الحسككن‬
‫البصري‪ :‬هي عليهم وعلى الناس عامة‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم‪ :‬وقككد‬
‫حكى الشيخ أبو زكريا النووي في هذه المسألة ثلثة أوجكه‪ ,‬ثالثهككا‬
‫أن شرع إبراهيم حجة دون غيره‪ :‬وصحح منها عدم الحجية‪ ,‬نقلهككا‬
‫الشككيخ أبككو إسككحاق السككفراييني أقككوال ً عككن الشككافعي‪ ,‬وأكككثر‬
‫الصحاب ورجح أنه حجة عند الجمهور من أصككحابنا‪ ,‬فككالله أعلككم‪.‬‬
‫وقد حكككى المككام أبككو نصككر بككن الصككباغ رحمككه اللككه فككي كتككابه‬
‫لية على ما دلت‬ ‫»الشامل«‪ ,‬إجماع العلماء‪ ,‬على الحتجاج بهذه ا َ‬
‫عليه‪ ,‬وقد احتج الئمة كلهم على أن الرجل يقتل بككالمرأة بعمككوم‬
‫ليككة الكريمككة‪ ,‬وكككذا ورد فككي الحككديث الككذي رواه النسككائي‬ ‫هذه ا َ‬
‫وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في كتاب عمرو‬
‫لخككر‬‫بككن حككزم »أن الرجككل يقتككل بككالمرأة«‪ ,‬وفككي الحككديث ا َ‬
‫»المسلمون تتكافأ دماؤهم«‪ ,‬وهككذا قككول جمهككور العلمككاء‪ ,‬وعككن‬
‫أمير المؤمنين علي بن أبككي طككالب أن الرجككل إذا قتككل المككرأة ل‬
‫يقتل بها إل أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية‪ ,‬لن ديتها علككى‬
‫النصف من دية الرجل‪ ,‬وإليه ذهب أحمد فككي روايككة‪ ,‬وحكككي عككن‬
‫الحسن وعطاء وعثمان البستي‪ ,‬ورواية عككن أحمككد أن الرجككل إذا‬
‫قتل المرأة ل يقتل بهككا بكل تجكب ديتهكا‪ ,‬وهككذا احتكج أبككو حنيفكة‬
‫لية على أنه يقتل المسككلم بالكككافر‬ ‫رحمه الله تعالى بعموم هذه ا َ‬
‫الذمي‪ ,‬وعلى قتل الحر بالعبد‪ ,‬وقد خالفه الجمهككور فيهمككا‪ ,‬ففككي‬
‫الصحيحين عن أمير المككؤمنين علككي رضككي اللككه عنككه قككال‪ .‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »ل يقتككل مسككلم بكككافر« وأمككا‬
‫العبد ففيه عن السلف آثار متعددة أنهم لم يكونككوا يقيككدون العبككد‬
‫‪439‬‬
‫من الحر‪ ,‬ول يقتلون حرا ً بعبد‪ ,‬وجككاء فككي ذلككك أحككاديث ل تصككح‪,‬‬
‫وحكى الشافعي الجماع على خلف قول الحنفية في ذلك‪ ,‬ولكن‬
‫ل يلزم من ذلك بطلن قولهم إل بككدليل مخصككص ل َ‬
‫ليككة الكريمككة‪.‬‬
‫ويؤيككد ماقككاله ابككن الصككباغ مككن الحتجككاج بهككذه ا َ‬
‫ليككة الكريمككة‬
‫الحديث الثابت في ذلك‪ ,‬كما قال المام أحمككد‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫أبي عدي‪ ,‬حدثنا حميد عن أنس بككن مالككك أن الربيككع عمككة أنككس‪,‬‬
‫كسرت ثنية جارية‪ ,‬فطلبوا إلى القوم العفككو فككأبوا‪ ,‬فككأتوا رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال »القصاص«‪ ,‬فقككال أخوهككا أنككس‬
‫بن النضر‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬تكسككر ثنيككة فلنككة‪ ,‬فقككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »يا أنس كتاب الله القصاص« قككال فقككال‪:‬‬
‫ل والذي بعثك بككالحق ل تكسككر ثنيككة فلنككة‪ ,‬قككال‪ :‬فرضككي القككوم‬
‫فعفوا وتركوا القصاص‪ ,‬فقال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»إن من عباد الله من لككو أقسكم علككى اللكه لبككره« أخرجكاه فكي‬
‫الصحيحين‪ ,‬وقد رواه محمد بن عبد الله بن المثنى النصاري فككي‬
‫الجزء المشهور من حككديثه‪ ,‬عككن حميككد‪ ,‬عككن أنككس بككن مالككك أن‬
‫الربيع بنت النضر عمته لطمككت جاريككة فكسككرت ثنيتهككا‪ ,‬فعوضككوا‬
‫عليهم الرش فأبوا‪ ,‬فطلبوا الرش والعفو فأبوا‪ ,‬فأتوا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص‪ ,‬فجككاء أخوهككا أنككس بككن‬
‫النضككر فقككال‪ :‬يككا رسككول اصككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬أتكسككر ثنيككة‬
‫الربيع ؟ والذي بعثك بالحق ل تكسر ثنيتها‪ ,‬فقال النبي صلى اللككه‬
‫عليه وسلم »يا أنككس كتككاب اللككه القصككاص« فعفككا القككوم‪ ,‬فقككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »إن من عباد الله من لو أقسم‬
‫على الله لبككره« رواه البخككاري عككن النصككاري بنحككوه وروى أبككو‬
‫داود‪ :‬حدثنا أحمد بن حنبل‪ ,‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ,‬حدثنا أبككي عككن‬
‫قتادة‪ ,‬عن أبي نضككرة‪ ,‬عككن عمككران بككن حصككين أن غلمكا ً لنككاس‬
‫فقراء‪ ,‬قطع أذن غلم لناس أغنياء‪ ,‬فأتى أهلككه النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم فقالوا‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬إنككا أنككاس فقككراء‪ ,‬فلككم يجعككل‬
‫عليه شيئًا‪ ,‬وكذا رواه النسائي عن إسحاق بن راهككويه‪ ,‬عككن معككاذ‬
‫بن هشام الدستوائي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن قتادة بككه‪ .‬وهككذا إسككناد قككوي‪,‬‬
‫رجاله كلهككم ثقككات‪ ,‬وهككو حككديث مشكككل‪ ,‬اللهككم إل أن يقككال‪ :‬إن‬
‫الجاني كان قبل البلوغ فل قصككاص عليككه‪ ,‬ولعلككه تحمككل أرش مككا‬
‫نقكككص مكككن غلم الغنيكككاء عكككن الفقكككراء أو اسكككتعفاهم عنكككه‪.‬‬
‫‪440‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬والجروح قصاص{ قال علي بن أبي طلحة‪ ,‬عككن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬تقتل النفس بالنفس‪ ,‬وتفقأ العين بالعين‪ ,‬ويقطع‬
‫النف بالنف‪ ,‬وتنزع السن بالسن‪ ,‬وتقتص الجراح بككالجراح‪ ,‬فهككذا‬
‫يستوي فيه أحرار المسككلمين فيمككا بينهككم رجككالهم ونسككاؤهم‪ ,‬إذا‬
‫كككان عمككدا ً فككي النفككس ومككا دون النفككس‪ ,‬ويسككتوي فيككه العبيككد‬
‫رجالهم ونساؤهم فيما بينهم‪ ,‬إذا كان عمدا ً فككي النفككس ومككا دون‬
‫النفكككككككس‪ ,‬رواه ابكككككككن جريكككككككر وابكككككككن أبكككككككي حكككككككاتم‪.‬‬
‫قاعككككككككككككككككككككككككككككككككككككدة مهمككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‬
‫الجراح تارة تكون في مفصل‪ ,‬فيجككب فيككه القصككاص بالجمككاع‪,‬‬
‫كقطع اليد والرجل والكف والقدم ونحككو ذلككك‪ ,‬وأمككا إذا لككم تكككن‬
‫الجراح في مفصل بل فكي عظكم‪ ,‬فقكال مالكك رحمكه اللكه‪ :‬فيكه‬
‫القصاص إل في الفخذ وشبهها‪ ,‬لنه مخوف خطر‪ .‬وقال أبو حنيفة‬
‫وصاحباه‪ :‬ل يجب القصاص في شيء من العظام إل فككي السككن‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ل يجب القصاص في شيء مككن العظككام مطلقكًا‪,‬‬
‫وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابن عبككاس‪ ,‬وبككه يقككول عطككاء‬
‫والشعبي والحسن البصري والزهري وإبراهيم النخعي وعمككر بككن‬
‫عبد العزيز‪ ,‬وإليه ذهككب سككفيان الثككوري والليككث بككن سككعد‪ ,‬وهككو‬
‫المشهور من مذهب المام أحمد‪ ,‬وقد احتج أبو حنيفة رحمه اللككه‬
‫بحديث الربيع بنت النضر على مذهبه أنه ل قصاص فككي عظككم إل‬
‫في السن‪ ,‬وحديث الربيع ل حجة فيه لنه ورد بلفظ كسككرت ثنيككة‬
‫جارية‪ ,‬وجائز أن تكون سقطت من غيككر كسككر‪ ,‬فيجككب القصككاص‬
‫والحالة هذه بالجماع‪ ,‬وتممككوا الدللككة ممككا رواه ابككن مككاجه عككن‬
‫طريق أبي بكر بن عياش‪ ,‬عن دهشم بن قككران‪ ,‬عككن نمككران بككن‬
‫جارية‪ ,‬عن أبيه جارية بن ظفر الحنفي‪ :‬أن رجل ً ضرب رجل ً علككى‬
‫ساعده بالسيف من غير المفصل فقطعها‪ ,‬فاستعدى النبي صككلى‬
‫الله عليككه وسككلم فككأمر لككه بالديككة‪ ,‬فقككال‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬أريككد‬
‫القصاص‪ ,‬فقال‪ :‬خذ الديككة‪ ,‬بككارك اللككه لككك فيهككا‪ ,‬ولككم يقككض لككه‬
‫بالقصاص‪ ,‬وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر‪ :‬ليس لهككذا الحككديث‬
‫غير هذا السناد‪ ,‬ودهشم بن قران العكلي ضعيف‪ ,‬أعرابككي ليككس‬
‫حديثه مما يحتج به‪ ,‬ونمران بن جارية ضعيف‪ ,‬أعرابي أيضًا‪ ,‬وأبوه‬
‫جارية بن ظفر مذكور في الصحابة‪ ,‬ثم قككالوا‪ :‬ل يجككوز أن يقتككص‬
‫‪441‬‬
‫من الجراحة حتى تندمل جراحة المجنككي عليككه‪ ,‬فككإن اقتككص منككه‬
‫قبل الندمال ثم زاد جرحه‪ ,‬فل شيء له‪ ,‬والككدليل علككى ذلككك مككا‬
‫رواه المام أحمد عن عمرو بككن شكعيب‪ ,‬عكن أبيكه‪ ,‬عكن جكده أن‬
‫رجل ً طعن رجل ً بقرن في ركبته‪ ,‬فجاء إلى النبي صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فقككال‪ :‬أقككدني‪ ,‬فقككال »حككتى تككبرأ«‪ ,‬ثككم جككاء إليككه فقككال‪:‬‬
‫أقدني‪ ,‬فأقاده فقال‪ :‬يكا رسكول اللكه عرجكت‪ ,‬فقكال »قكد نهيتكك‬
‫فعصيتني‪ ,‬فأبعدك الله وبطل عرجك« ثم نهى رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم أن يقتص من جككرح حككتى يككبرأ صككاحبه‪ ,‬تفككرد بككه‬
‫أحمكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككد‪.‬‬
‫)مسككألة( فلككو اقتككص المجنككي عليككه مككن الجككاني فمككات مككن‬
‫القصاص‪ ,‬فل شيء عليه عند مالك والشافعي وأحمككد بككن حنبككل‪,‬‬
‫وهو قككول الجمهككور مككن الصككحابة والتككابعين وغيرهككم‪ .‬وقككال أبككو‬
‫حنيفة‪ :‬تجب الدية في مال المقتص‪ .‬وقال عامر الشعبي وعطككاء‬
‫وطاوس وعمر بن دينار والحارث العكلي وابكن أبكي ليلكى وحمكاد‬
‫بككن أبككي سككليمان‪ ,‬والزهككري والثككوري تجككب الديككة علككى عاقلككة‬
‫المقتص له‪ .‬وقال ابن مسعود وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينككة‬
‫وعثمان البستي‪ :‬يسقط عن المقتص له قدر تلك الجراحة‪ ,‬ويجب‬
‫البكككككككككككككككككككككككاقي فكككككككككككككككككككككككي مكككككككككككككككككككككككاله‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فمن تصدق به فهو كفارة له{ قال علي بن أبككي‬
‫طلحة عن ابن عباس‪} :‬فمن تصدق به{ يقول‪ :‬فمن عفا وتصدق‬
‫عليه فهو كفارة للمطلوب وأجر للطالب‪ .‬وقككال سككفيان الثككوري‪,‬‬
‫عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عبككاس‪ :‬فمككن‬
‫تصدق به فهو كفارة للجارح وأجر المجروح على اللككه عككز وجككل‪,‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪ ,‬ثم قال‪ :‬وروي عككن خيثمككة بككن عبككد الرحمككن‬
‫ومجاهد وإبراهيم في أحد قوليه وعككامر الشككعبي وجككابر بككن زيككد‬
‫نحككككككككككككككككككككككككككككككككككككككو ذلككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك‪.‬‬
‫)الوجه الثاني( ثم قال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا حمككاد بككن زاذان‪,‬‬
‫حدثنا حرمي يعني ابن عمارة‪ ,‬حدثنا شعبة عن عمككارة يعنككي ابككن‬
‫أبي حفصة‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن جابر بن عبد اللككه فككي قككول اللككه عككز‬
‫وجل }فمن تصدق به فهو كفارة له{ قال‪ :‬للمجككروح‪ ,‬وروى عككن‬
‫الحسن البصري وإبراهيم النخعي فككي أحككد قككوليه وأبككي إسككحاق‬
‫الهمداني نحو ذلك‪ ,‬وروى ابن جريككر عككن عككامر الشككعبي وقتككادة‬
‫‪442‬‬
‫مثله‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا يونس بن حكبيب‪ ,‬حكدثنا أبكو داود‬
‫الطيالسي‪ ,‬حدثنا شعبة عن قيس يعني ابن مسلم‪ ,‬قال‪ :‬سككمعت‬
‫طارق بن شهاب يحككدث عككن الهيثككم بككن العريككان النخعككي‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫رأيككت عبككد اللككه بككن عمككرو عنككد معاويكة أحمككر شككبيها ً بككالموالي‪,‬‬
‫فسألته عن قول الله }فمن تصدق به فهو كفارة له{ قال‪ :‬يهككدم‬
‫عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به‪ ,‬وهكذا رواه سفيان الثككوري عككن‬
‫قيس بن مسلم‪ ,‬وكذا رواه ابن جرير من طريق سككفيان وشككعبة‪.‬‬
‫وقال ابن مردويه‪ :‬حدثني محمد بن علي‪ ,‬حدثنا عبد الرحيم بككن‬
‫محمد المجاشعي‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن أحمككد بككن الحجككاج المهككري‪,‬‬
‫حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي‪ ,‬حدثنا معلى يعني ابككن هلل أنككه‬
‫سمع أبان بن ثعلب عن العريان بن الهيثم بككن السككود‪ ,‬عككن عبككد‬
‫الله بن عمرو‪ ,‬عن أبان بن ثعلككب‪ ,‬عككن الشككعبي‪ ,‬عككن رجككل مككن‬
‫النصار‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله }فمككن تصككدق‬
‫به فهو كفارة له{ قال‪» :‬هو الككذي تكسكر سكنه‪ ,‬أو تقطككع يكده أو‬
‫يقطع الشيء منه أو يجرح في بككدنه فيعفككو عككن ذلككك« كك قككال كك‬
‫فيحط عنه قدر خطاياه‪ ,‬فإن كككان ربككع الديككة فربككع خطايككاه‪ ,‬وإن‬
‫كان الثلث فثلث خطايككاه‪ ,‬وإن كككانت الديككة حطككت عنككه خطايككاه‬
‫كذلك«‪ .‬ثم قال ابن جرير‪ :‬حدثنا زكريا بككن يحيككى بككن أبككي زائدة‪,‬‬
‫حدثنا ابن فضيل عن يونس بن أبي إسحاق‪ ,‬عن أبي السفر قككال‪:‬‬
‫دفع رجل مككن قريككش رجل ً مككن النصككار‪ ,‬فانككدقت ثنيتككه‪ ,‬فرفعككه‬
‫النصاري إلى معاوية فلما ألح عليه الرجل‪ ,‬قال‪ :‬شأنك وصاحبك‪,‬‬
‫قال‪ :‬وأبو الدرداء عند معاوية‪ ,‬فقال أبو الككدرداء‪ :‬سككمعت رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول »ما من مسلم يصاب بشيء من‬
‫جسده فيهبه‪ ,‬إل رفعه الله به درجة وحط عنه بككه خطيئة« فقككال‬
‫النصاري‪ :‬أنت سمعته من رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم ؟‬
‫فقال‪ :‬سمعته أذناي ووعاه قلككبي‪ ,‬فخلكى سككبيل القرشكي‪ ,‬فقكال‬
‫معاويكككككة‪ :‬مكككككروا لكككككه بمكككككال‪ ,‬هككككككذا رواه ابكككككن جريكككككر‪.‬‬
‫ورواه المام أحمككد فقككال‪ :‬حككدثنا وكيككع‪ ,‬حككدثنا يككونس بككن أبككي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن أبي السفر قال‪ :‬كسر رجل مككن قريككش سككن رجككل‬
‫من النصار‪ ,‬فاستعدى عليه معاوية‪ ,‬فقال معاويككة‪ :‬إنككا سنرضككيه‪,‬‬
‫فألككح النصككاري‪ ,‬فقككال معاويككة‪ :‬شككأنك بصككاحبك‪ ,‬وأبككو الككدرداء‬
‫جالس‪ ,‬فقال أبو الدرداء‪ :‬سككمعت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫‪443‬‬
‫وسلم يقول »ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيتصدق به‪,‬‬
‫إل رفعه الله به درجة وحط به عنه خطيئة« فقال النصاري‪ :‬فإني‬
‫قد عفوت وهكذا رواه الترمككذي مككن حككديث ابككن المبككارك‪ ,‬وابككن‬
‫ماجه من حديث وكيع‪ ,‬كلهما عن يونس بن أبي إسككحاق بككه‪ ,‬ثككم‬
‫قككال الترمككذي‪ :‬غريككب مككن هككذا الككوجه‪ ,‬ول أعككرف لبككي السككفر‬
‫سكككككككككككككككماعا ً مكككككككككككككككن أبكككككككككككككككي الكككككككككككككككدرداء‪.‬‬
‫وقال ابن مردويه‪ :‬حدثنا دعلج بن أحمد‪ ,‬حكدثنا محمكد بككن علككي‬
‫بن زيد‪ ,‬حدثنا سعيد بكن منصككور‪ ,‬حككدثنا سكفيان عكن عمككران بكن‬
‫ظبيان‪ ,‬عن عدي بككن ثككابت أن رجل ً أهتككم فمككه رجككل علككى عهككد‬
‫معاوية رضي الله عنه‪ ,‬فأعطي دية‪ ,‬فأبى إل أن يقتككص‪ ,‬فككأعطي‬
‫ديتين فأبى‪ ,‬فأعطي ثلثا ً فأبى‪ ,‬فحدث رجل من أصككحاب رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قال‪» :‬من تصدق بدم فما دونه‪ ,‬فهو كفارة له من يككوم ولككد إلككى‬
‫يوم يموت«‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا شريح بككن النعمككان‪ ,‬حككدثنا‬
‫هشيم عن المغيككرة‪ ,‬عككن الشككعبي أن عبككادة بككن الصككامت قككال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسككلم يقككول »مككا مككن رجككل‬
‫يجرح من جسده جراحة فيتصدق بها‪ ,‬إل كفككر اللككه عنككه مثككل مككا‬
‫تصدق به« ورواه النسائي عن علي بن حجر‪ ,‬عن جريككر بككن عبككد‬
‫الحميد‪ ,‬ورواه ابككن جريككر عككن محمككود بككن خككداش‪ ,‬عككن هشككيم‪,‬‬
‫كلهمكككككككككككككككا عكككككككككككككككن المغيكككككككككككككككرة بكككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا يحيى بككن سككعيد القطككان عككن مجالككد‪,‬‬
‫عن عامر‪ ,‬عن المحرر ابن أبككي هريككرة‪ ,‬عككن رجككل مككن أصككحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال »من أصيب بشككيء مككن جسككده‬
‫فتركه لله كان كفارة له«‪ .‬وقوله }ومن لم يحكم بمككا أنككزل اللككه‬
‫فأولئك هم الظالمون{ قد تقدم عن طككاوس وعطككاء أنهمككا قككال‪:‬‬
‫كفككككر دون كفككككر‪ ,‬وظلككككم دون ظلككككم‪ ,‬وفسككككق دون فسككككق‪.‬‬
‫ن‬
‫مكك َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ّ َ‬ ‫ص ّ‬
‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬‫سى اب ْ ِ‬ ‫هم ب َِعي َ‬ ‫ى آَثارِ ِ‬ ‫َ‬
‫** وَقَّفي َْنا عَل َ‬
‫ن‬ ‫مك َ‬
‫ن ي َكد َي ْهِ ِ‬ ‫مككا ب َي ْك َ‬ ‫دقا ً ل ّ َ‬‫ص ّ‬ ‫م َ‬‫دى وَُنوٌر وَ ُ‬ ‫ل ِفيهِ هُ ً‬ ‫جي َ‬ ‫لن ِ‬
‫ِ‬ ‫الت َوَْراةِ َوآت َي َْناهُ ا‬
‫ل‬‫مآ َأنككَز َ‬ ‫ل بِ َ‬‫جي ِ‬ ‫ل ال ِن ْ ِ‬ ‫م أ َهْ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ن * وَل ْي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫مت ِّقي‬‫ة ل ّل ْ ُ‬
‫عظ َ ً‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫دى وَ َ‬ ‫الت ّوَْراةِ وَهُ ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سكُقو َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫ك هُ ك ُ‬ ‫ه فَأوَْلـكئ ِ َ‬ ‫ل الل ّك ُ‬‫مككآ أنكَز َ‬ ‫حك ُككم ب ِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫ه ِفيهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫‪444‬‬
‫يقول تعالى‪} :‬وقفينا{ أي أتبعنا على آثارهم‪ ,‬يعنككي أنبيككاء بنككي‬
‫إسرائيل }بعيسى ابن مريم مصدقا ً لما بين يديه من التوراة{ أي‬
‫مؤمنا ً بها حاكما ً بما فيها‪} ,‬وآتينككاه النجيككل فيككه هككدى ونككور{ أي‬
‫هككدى إلككى الحككق ونككور يستضككاء بككه فككي إزالككة الشككبهات وحككل‬
‫المشكلت‪} ,‬ومصدقا ً لما بين يديه من التوراة{ أي متبعا ً لها غيككر‬
‫مخالف لما فيها إل في القليل مما بيككن لبنككي إسككرائيل بعككض مككا‬
‫كانوا يختلفون فيه‪ ,‬كما قال تعالى إخبككارا ً عككن المسككيح أنككه قككال‬
‫لبني إسرائيل }ولحل لكم بعض الذي حككرم عليكككم{ ولهككذا كككان‬
‫المشهور من قول العلماء أن النجيل نسخ بعض أحكككام التككوراة‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وهدى وموعظة للمتقين{ أي وجعلنا النجيل هدى‬
‫يهتككدى بككه‪ ,‬وموعظككة أي زاجككرا ً عككن ارتكككاب المحككارم والمككآثم‪,‬‬
‫للمتقيككككن‪ ,‬أي لمككككن اتقككككى اللككككه وخككككاف وعيككككده وعقككككابه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وليحكم أهل النجيل بما أنزل اللككه فيككه{ قرىككء‬
‫وليحكم أهل النجيككل بالنصككب علككى أن اللم لم كككي‪ ,‬أي وآتينككاه‬
‫النجيل ليحكم أهل ملته به في زمانهم‪ ,‬وقرىككء وليحكككم بككالجزم‬
‫على أن اللم لم المر‪ ,‬أي ليؤمنوا بجميككع مككا فيككه‪ ,‬وليقيمككوا مككا‬
‫أمككروا بككه فيككه‪ ,‬وممككا فيككه البشككارة ببعثككة محمككد والمككر باتبككاعه‬
‫وتصديقه إذا وجد‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬قل يا أهل الكتاب لستم على‬
‫شي حتى تقيموا التكوراة والنجيكل ومككا أنككزل إليكككم مككن ربككم{‬
‫لية‪ ,‬وقال تعككالى‪} :‬الككذين يتبعككون الرسككول النككبي المككي الككذي‬ ‫ا َ‬
‫يجدونه مكتوبا ً عندهم في التوراة{ إلى قوله }المفلحون{‪ .‬ولهذا‬
‫قال ههنا }ومن لم يحكم بما أنزل اللككه فككأولئك هككم الفاسككقون{‬
‫أي الخارجون عن طاعة ربهككم‪ ,‬المككائلون إلككى الباطككل‪ ,‬التككاركون‬
‫لية نزلت في النصارى‪ ,‬وهو ظاهر مككن‬ ‫للحق‪ ,‬وقد تقدم أن هذه ا َ‬
‫السككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككياق‪.‬‬
‫ب‬ ‫ن ال ْك ِت َككا ِ‬ ‫مك َ‬‫ن ي َكد َي ْهِ ِ‬ ‫مككا ب َي ْك َ‬ ‫دقا ً ل ّ َ‬‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫حقّ ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫** وََأنَزل َْنآ إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫مككآ َأنكَز َ‬
‫مككا‬ ‫م عَ ّ‬ ‫وآَءهُ ْ‬ ‫ه وَل َ ت َت ّب ِكعْ أهْك َ‬ ‫ل الل ّك ُ‬ ‫كم ب َي ْن َُهم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫منا ً عَل َي ْهِ َفا ْ‬ ‫مهَي ْ ِ‬
‫وَ ُ‬
‫شككآءَ الل ّك ُ‬
‫ه‬ ‫من َْهاج كا ً وَل َكوْ َ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫ش كْرعَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫حقّ ل ِك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جآَء َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ت‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ست َب ُِقوا ال َ‬ ‫كم َفا ْ‬ ‫مآ آَتا ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫كن ل ّي َب ْل ُوَك ُ ْ‬ ‫حد َةً وََلـ ِ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن * وَأ ِ‬ ‫خت َل ُِفككو َ‬‫م ِفيكهِ ت َ ْ‬ ‫كنت ُك ْ‬ ‫مككا ُ‬ ‫ميعا ً فَي ُن َب ّئ ُك ُككم ب ِ َ‬ ‫ج ِ‬‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ى الله َ‬ ‫َ‬
‫إ ِل َ‬
‫‪445‬‬
‫ك‬‫م َأن ي َْفت ِن ُككو َ‬ ‫حكذ َْرهُ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫وآَءهُ ْ‬
‫َ‬
‫ه وَل َ ت َت ّب ِكعْ أهْك َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫مآ َأنَز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ح ُ‬
‫كم ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه أن‬ ‫ري كد ُ الل ّك ُ‬ ‫ِ‬ ‫مككا ي ُ‬
‫م أن ّ َ‬ ‫ك فَِإن ت َوَل ّكوْا ْ فَككاعْل َ ْ‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫مآ أنَز َ‬ ‫ض َ‬ ‫عن ب َعْ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حك ْك َ‬
‫م‬ ‫ن * أفَ ُ‬ ‫س كُقو َ‬ ‫س ل ََفا ِ‬ ‫ن الن ّككا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ّ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ض ذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫صيب َُهم ب ِب َعْ ِ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬
‫كمككا ً ل َّقككوْم ٍ ُيوقُِنككو َ‬
‫ن‬ ‫ح ْ‬ ‫ن الّلككهِ ُ‬ ‫مكك َ‬ ‫ن ِ‬‫سكك ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مكك ْ‬ ‫ن وَ َ‬
‫جاهِل ِّيككةِ ي َب ُْغككو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫لما ذكر تعالى التوراة التي أنزلها على موسككى كليمككه‪ ,‬ومككدحها‬
‫وأثنى عليها وأمر باتباعها حيث كانت سائغة التباع وذكككر النجيككل‬
‫ومدحه وأمر أهله بإقامته واتباع ما فيه‪ ,‬كما تقدم بيانه‪ ,‬شرع في‬
‫ذكر القرآن العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم‪ ,‬فقككال‬
‫تعالى‪} :‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق{ أي بالصدق الذي ل ريب فيه‬
‫أنه من عند الله }مصدقا ً لما بين يديه من الكتاب{ أي من الكتب‬
‫المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه‪ ,‬وأنه سينزل من عند الله علككى‬
‫عبده ورسوله محمد صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فكككان نزولككه كمككا‬
‫أخبرت به‪ ,‬مما زادها صدقا ً عند حامليها مككن ذوي البصككائر الككذين‬
‫انقادوا لمر الله‪ ,‬واتبعوا شرائع الله‪ ,‬وصدقوا رسل الله‪ ,‬كما قال‬
‫تعالى‪} :‬إن الذين أوتوا العلككم مككن قبلككه إذا يتلككى عليهككم يخككرون‬
‫ل{‬ ‫للذقان سجدا ً ويقولون سبحان ربنا إن كككان وعككد ربنككا لمفعككو ً‬
‫أي إن كان ما وعدنا الله على ألسنة رسله المتقدمة مككن مجيككء‬
‫ل‪ ,‬أي لكائنكككا ً ل محالكككة ول بكككد‪.‬‬ ‫محمكككد عليكككه السكككلم لمفعكككو ً‬
‫قوله تعالى‪} :‬ومهيمنا ً عليه{ قككال سككفيان الثككوري وغيككره‪ ,‬عككن‬
‫أبي إسحاق‪ ,‬عن التميمي‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬أي مؤتمنا ً عليه‪ .‬وقككال‬
‫علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ :‬المهيمن المين‪ ,‬قال‪ :‬القككرآن‬
‫أمين على كل كتككاب قبلككه‪ .‬ورواه عككن عكرمككة وسككعيد بككن جككبير‬
‫ومجاهككد ومحمككد بككن كعككب وعطيككة والحسككن وقتككادة وعطككاء‬
‫الخراساني والسدي وابن زيد نحو ذلك‪ ,‬وقال ابن جريككر‪ :‬القككرآن‬
‫أمين على الكتب المتقدمة قبله‪ ,‬فما وافقه منهككا فهككو حككق‪ ,‬ومككا‬
‫خالفه منها فهو باطل‪ ,‬وعن الوالبي عككن ابككن عبككاس }ومهيمن كًا{‬
‫أي شهيدًا‪ ,‬وكذا قال مجاهد وقتادة والسكدي‪ .‬وقكال العكوفي عكن‬
‫ابن عباس }ومهيمنًا{ أي حاكما ً على ما قبله مككن الكتككب‪ ,‬وهككذه‬
‫القوال كلها متقاربة المعنى‪ ,‬فإن اسم المهيمن يتضمن هذا كلككه‪,‬‬
‫فهو أمين وشاهد وحككاكم علككى كككل كتككاب قبلككه‪ ,‬جعككل اللككه هككذا‬
‫الكتاب العظيم الذي أنزله آخكر الكتكب وخاتمهاأشكملها وأعظمهككا‬
‫وأكملها حيث جمع فيككه محاسككن مككا قبلككه‪ ,‬وزاده مككن الكمككالت‪,‬‬
‫‪446‬‬
‫ماليس في غيره‪ ,‬فلهذا جعلككه شككاهدا ً وأمينكا ً وحاكمكا ً عليهككا كلهككا‬
‫وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة‪ ,‬فقال تعالى‪} :‬إنا نحن نزلنا‬
‫الذكر وإنا له لحافظون{ فأما ما حكاه ابن أبي حاتم عن عكرمككة‬
‫وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وابن أبككي نجيككح عككن مجاهككد‪,‬‬
‫أنهم قالوا في قوله }ومهيمنا ً عليه{ يعني محمدا ً صلى الله عليككه‬
‫وسلم أميكن علكى القكرآن فكإنه صكحيح فكي المعنكى‪ ,‬ولككن فكي‬
‫تفسير هذا بهذا نظر‪ ,‬وفي تنزيلككه عليككه مككن حيككث العربيككة أيضكا ً‬
‫نظر‪ ,‬وبالجملة فالصككحيح الول‪ .‬وقككال أبككو جعفككر بككن جريككر بعككد‬
‫حكايته له عن مجاهد‪ :‬وهذا التأويكل بعيكد مكن المفهكوم فكي كلم‬
‫العرب‪ ,‬بل هو خطأ‪ ,‬وذلك أن المهيمن عطف على المصككدق‪ ,‬فل‬
‫يكون إل صفة لما كان المصدق صفة له‪ ,‬قال‪ :‬ولو كان المر كمككا‬
‫قال مجاهد لقال‪ :‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا ً لما بين يككديه‬
‫مككككن الكتككككاب‪ ,‬مهيمنككككا ً عليككككه‪ ,‬يعنككككي مككككن غيككككر عطككككف‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فاحكم بينهم بما أنزل الله{ أي فاحكم يا محمككد‬
‫بين الناس‪ ,‬عربهم وعجمهم‪ ,‬أميهم وكتابيهم‪ ,‬بما أنزل اللككه إليككك‬
‫في هذا الكتاب العظيم‪ ,‬وبما قرره لك من حكككم مككن كككان قبلككك‬
‫من النبياء ولم ينسخه في شرعك‪ ,‬هكذا وجهه ابن جرير بمعنككاه‪,‬‬
‫قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا محمككد بككن عمككار‪ ,‬حككدثنا سككعيد بككن‬
‫سليمان‪ ,‬حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين‪ ,‬عن الحكم‪,‬‬
‫عن مجاهد‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬كككان النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم مخيرا ً إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعككرض عنهككم‪ ,‬فردهككم‬
‫إلى أحكامهم‪ ,‬فنزلت }وأن احكككم بينهككم بمككا أنككزل اللككه ول تتبككع‬
‫أهواءهم{ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهككم‬
‫بمككككككككككككككككككككككككا فككككككككككككككككككككككككي كتابنككككككككككككككككككككككككا‪.‬‬
‫وقوله }ول تتبككع أهككواءهم{ أي آراءهككم الككتي اصككطلحوا عليهككا‪,‬‬
‫وتركوا بسببها ما أنزل الله علككى رسككله‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬ول‬
‫تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق{ أي ل تنصرف عن الحق الذي‬
‫أمرك الله به إلككى أهككواء هكؤلء الجهلكة الشككقياء‪ .‬وقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا{ قال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫سعيد الشج‪ ,‬حدثنا أبو خالد الحمر عن يوسف بككن أبككي إسككحاق‪,‬‬
‫عن أبي إسحاق‪ ,‬عن التميمي‪ ,‬عن ابن عباس }لكل جعلنككا منكككم‬
‫ل‪ .‬وحدثنا أبو سككعيد‪ ,‬حككدثنا وكيككع عككن سككفيان‪,‬‬ ‫شرعة{ قال‪ :‬سبي ً‬
‫‪447‬‬
‫عن أبي إسحاق‪ ,‬عن التميمي‪ ,‬عن ابن عبككاس }ومنهاج كًا{ قككال‪:‬‬
‫وسنة‪ ,‬كذا روى العوفي عن ابن عباس }شرعة ومنهاجكًا{ سككبيل ً‬
‫وسنة‪ ,‬وكذا روي عن مجاهد وعكرمككة والحسككن البصككري وقتككادة‬
‫والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي‪ ,‬أنهككم قككالوا فككي قككوله‬
‫}شرعة ومنهاجًا{ أي سبيل ً وسنة‪ ,‬وعن ابن عباس أيضا ً ومجاهد‪,‬‬
‫أي وعطاء الخراساني عكسه }شرعة ومنهاجًا{ أي سنة وسككبي ً‬
‫ل‪,‬‬
‫والول أنسب‪ ,‬فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا ً هي ما يبتككدأ فيككه‬
‫إلى الشيء‪ ,‬ومنه يقال‪ :‬شرع في كذا‪ ,‬أي ابتدأ فيه‪ ,‬كذا الشريعة‬
‫وهي ما يشرع فيها إلى الماء‪ .‬أما المنهككاج فهككو الطريككق الواضككح‬
‫السككككككككككككككككككهل‪ ,‬والسككككككككككككككككككنن الطككككككككككككككككككرائق‪.‬‬
‫فتفسير قوله‪} :‬شكرعة ومنهاجكًا{ بالسكبيل والسكنة أظهككر فكي‬
‫المناسككبة مككن العكككس‪ ,‬واللككه أعلككم‪ .‬ثككم هككذا إخبككار عككن المككم‬
‫المختلفككة الديككان‪ ,‬باعتبككار مككا بعككث اللككه بككه رسككله الكككرام مككن‬
‫الشرائع المختلفة في الحكام المتفقة في التوحيد‪ ,‬كما ثبت فككي‬
‫صحيح البخاري عن أبي هريككرة أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال »نحن معاشر النبياء إخوة لعلت‪ ,‬ديننككا واحككد« يعنككي‬
‫بذلك التوحيد الذي بعث الله بككه كككل رسككول أرسككله وضككمنه كككل‬
‫كتاب أنزله‪ ,‬كما قال تعالى }وما أرسلنا من قبلك مككن رسككول إل‬
‫نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبككدون{ وقككال تعككالى‪} :‬ولقككد بعثنككا‬
‫في كل أمة رسول ً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وأمككا‬
‫الشرائع فمختلفة في الوامر والنككواهي فقككد يكككون الشككيء فككي‬
‫هذه الشريعة حرامًا‪ ,‬ثم يحككل فككي الشككريعة الخككرى‪ ,‬وبككالعكس‪,‬‬
‫وخفيفا ً فيزاد في الشدة في هذه دون هذه‪ ,‬وذلك لمككا لككه تعككالى‬
‫فككككي ذلككككك مككككن الحكمككككة البالغككككة‪ ,‬والحجككككة الدامغككككة‪.‬‬
‫قال سعيد بن أبي عروبة عن قتككادة‪ :‬قككوله }لكككل جعلنككا منكككم‬
‫شرعة ومنهاجًا{ يقول‪ :‬سبيل ً وسككنة‪ ,‬والسككنن مختلفككة‪ ,‬هككي فككي‬
‫التوراة شريعة‪ ,‬وفي النجيل شريعة‪ ,‬وفي الفرقان شريعة‪ ,‬يحككل‬
‫الله فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء‪ ,‬ليعلم من يطيعه ممن يعصككيه‪,‬‬
‫والدين الذي ل يقبل الله غيره‪ ,‬التوحيد والخلص لله الذي جاءت‬
‫به جميع الرسل عليهم الصلة والسككلم‪ ,‬وقيككل‪ :‬المخككاطب بهككذه‬
‫لية هذه المة ومعناه لكل جعلنا القرآن منكم أيتها المكة شككرعة‬ ‫ا َ‬
‫ومنهاجًا‪ ,‬أي هو لكم كلكم تقتدون به‪ ,‬وحذف الضككمير المنصككوب‬
‫‪448‬‬
‫في قوله }لكل جعلنا منكككم{ أي جعلنككاه‪ ,‬يعنككي القككرآن‪ ,‬شككرعة‬
‫ومنهاج كًا‪ ,‬أي سككبيل ً إلككى المقاصككد الصككحيحة‪ ,‬وسككنة أي طريق كا ً‬
‫ومسلكا ً واضحا ً بينًا‪ ,‬هذا مضمون ما حكاه ابن جريككر عككن مجاهككد‬
‫رحمه الله‪ ,‬والصحيح القول الول‪ ,‬ويككدل علككى ذلككك قككوله تعككالى‬
‫بعده }ولو شاء الله لجعلكم أمككة واحككدة{ فلككو كككان هككذا خطاب كا ً‬
‫لهذه المة‪ ,‬لما صح أن يقول }ولو شاء الله لجعلكم أمة واحككدة{‬
‫وهم أمة واحدة‪ ,‬ولكن هذا خطاب لجميع المم وإخبار عن قككدرته‬
‫تعالى العظيمة‪ ,‬التي لو شاء لجمع الناس كلهم علككى ديككن واحككد‪,‬‬
‫وشريعة واحككدة‪ ,‬ل ينسككخ شككيء منهككا‪ ,‬ولكنككه تعككالى شككرع لكككل‬
‫لخر الككذي‬ ‫رسول شريعة على حدة‪ ,‬ثم نسخها أو بعضها برسالة ا َ‬
‫بعده‪ ,‬حتى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسككوله محمككدا ً صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬الذي ابتعثه إلى أهل الرض قاطبة‪ ,‬وجعله خككاتم‬
‫النبياء كلهم‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة‬
‫ولكن ليبلوكم فيما آتاكم{ أي أنككه تعككالى شككرع الشككرائع مختلفككة‬
‫ليختكبر عبكاده فيمكا شكرع لهكم ويكثيبهم أو يعكاقبهم علكى طكاعته‬
‫ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله‪ .‬وقككال عبككد اللككه‬
‫بكككككن ككككككثير }فيمكككككا آتكككككاكم{ يعنكككككي مكككككن الكتكككككاب‪.‬‬
‫ثم إنه تعالى ندبهم إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها‪,‬‬
‫فقال }فاستبقوا الخيرات{ وهي طاعة الله واتبككاع شككرعه الككذي‬
‫جعله ناسخا ً لما قبله‪ ,‬والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب‬
‫أنزله‪ ,‬ثم قال تعالى‪} :‬إلى الله مرجعكم{ أي معادكم أيها النككاس‬
‫ومصيركم إليه يوم القيامة }فينبئكم بما كنتكم فيكه تختلفكون{ أي‬
‫فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق‪ ,‬فيجزي الصككادقين بصككدقهم‪,‬‬
‫ويعذب الكافرين الجاحككدين المكككذبين بككالحق العككادلين عنككه إلككى‬
‫غيره بل دليككل ول برهككان‪ ,‬بككل هككم معانككدون للككبراهين القاطعككة‪,‬‬
‫والحجككج البالغككة والدلككة الدامغككة‪ .‬وقككال الضككحاك }فاسككتبقوا‬
‫الخيرات{ يعني أمة محمد صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬والول أظهككر‪.‬‬
‫وقوله }وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع أهواءهم{ تأكيد لما‬
‫تقدم من المر بذلك والنهي عن خلفككه‪ ,‬ثككم قككال }واحككذرهم أن‬
‫يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك{ أي واحذر أعداءك اليهود أن‬
‫يدلسوا عليك الحق فيمككا ينهككونه إليككك مككن أمككور‪ ,‬فل تغككتر بهككم‪,‬‬
‫فإنهم كذبة كفرة خونة‪} ,‬فإن تولوا{ أي عما تحكم به بينهككم مككن‬
‫‪449‬‬
‫الحق وخالفوا شرع الله‪} ,‬فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض‬
‫ذنوبهم{ أي فاعلم أن ذلك كائن عن قدر اللككه وحكمتككه فيهككم أن‬
‫يصرفهم عن الهدى لما لهم مككن الككذنوب السككالفة الككتي اقتضككت‬
‫إضللهم ونكالهم‪} ,‬وإن كثيرا ً من الناس لفاسككقون{ أي إن أكككثر‬
‫الناس خارجون عن طاعة ربهم مخالفون للحق ناكبون عنكه‪ ,‬كمكا‬
‫قال تعالى‪} :‬وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين{‪ .‬وقال تعالى‪:‬‬
‫}وإن تطع أكثر من فككي الرض يضككلوك عككن سككبيل اللككه{ ا َ‬
‫وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمككد مككولى زيككد‬
‫بن ثابت‪ ,‬حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة‪ .‬عن ابككن عبككاس قككال‪:‬‬
‫قال كعب بن أسد وابن صلوبا وعبد اللككه بككن صككوريا وشككاس بككن‬
‫قيس‪ ,‬بعضهم لبعض‪ :‬اذهبوا بنا إلى محمد لعلنككا نفتنككه عككن دينككه‪,‬‬
‫فأتوه فقالوا‪ :‬يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبككار يهككود‪ ,‬وأشككرافهم‪,‬‬
‫وساداتهم‪ ,‬وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا‪ ,‬وإن بيننا وبين‬
‫قومنا خصومة فنحاكمهم إليككك‪ ,‬فتقضككي لنككا عليهككم‪ ,‬ونككؤمن لككك‬
‫ونصدقك‪ ,‬فأبى ذلك رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فككأنزل‬
‫اللكه عكز وجككل فيهكم }وأن احككم بينهكم بمككا أنكزل اللكه ول تتبككع‬
‫أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللككه إليككك{ إلككى‬
‫قكككوله }لقكككوم يوقنكككون{‪ ,‬رواه ابكككن جريكككر وابكككن أبكككي حكككاتم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬أفحكككم الجاهليكة يبغكون ومكن أحسكن مككن اللكه‬
‫حكما ً لقوم يوقنون{ ينكر تعالى علككى مككن خككرج عككن حكككم اللككه‬
‫المحكم المشتمل على كل خير‪ ,‬الناهي عن كل شككر وعككدل إلككى‬
‫لراء والهواء والصطلحات التي وضعها الرجال بل‬ ‫ما سواه من ا َ‬
‫مستند من شريعة الله‪ ,‬كما كان أهل الجاهليككة يحكمككون بككه مككن‬
‫الضللت والجهالت مما يضعونها بآرائهم وأهككوائهم‪ ,‬وكمككا يحكككم‬
‫به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عككن ملكهككم جنكزخككان‬
‫الذي وضع لهم الياسق‪ ,‬وهو عبارة عن كتاب مجموع مككن أحكككام‬
‫قد اقتبسها مككن شككرائع شككتى‪ :‬مككن اليهوديككة والنصككرانية والملككة‬
‫السلمية وغيرها‪ ,‬وفيها كثير من الحكام أخذها من مجككرد نظككره‬
‫وهواه‪ ,‬فصارت في بنيه شرعا ً متبعا ً يقدمونه على الحكككم بكتككاب‬
‫الله وسنة رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فمككن فعككل ذلككك‬
‫منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسككوله‪ ,‬فل‬
‫يحكم سواه فككي قليككل ول كككثير‪ ,‬قككال تعككالى‪} :‬أفحكككم الجاهليككة‬
‫‪450‬‬
‫يبغككون{ أي يبتغككون ويريككدون‪ ,‬وعككن حكككم اللككه يعككدلون‪} ,‬ومككن‬
‫أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون{ أي ومن أعدل من اللككه فككي‬
‫حكمه لمن عقل عن الله شرعه‪ ,‬وآمن به‪ ,‬وأيقككن وعلككم أن اللككه‬
‫أحكم الحاكمين‪ ,‬وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها‪ ,‬فإنه تعالى هككو‬
‫العالم بكل شيء‪ ,‬القادر على كل شيء‪ ,‬العادل فككي كككل شككيء‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا هلل بن فياض‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫عبيدة الناجي قال‪ :‬سمعت الحسن يقككول‪ :‬مككن حكككم بغيككر حكككم‬
‫الله فحكم الجاهلية‪ .‬وأخبرنا يونس بن عبد العلككى قككراءة‪ ,‬حككدثنا‬
‫سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح‪ ,‬قككال‪ :‬كككان طككاوس إذا سككأله‬
‫رجككل‪ :‬أفضككل بيككن ولككدي فككي النحككل ؟ قككرأ }أفحكككم الجاهليككة‬
‫لية‪ ,‬وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني‪ :‬حدثنا أحمد بن‬ ‫يبغون{ ا َ‬
‫عبد الوهاب بن نجدة الحوطي‪ ,‬حدثنا أبو اليمان الحكم بككن نككافع‪,‬‬
‫أخبرنا شعيب بن أبي حمزة‪ ,‬عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي‬
‫حسين‪ ,‬عن نافع بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسككلم »أبغككض النككاس إلككى اللككه عككز وجككل‪ ,‬مككن‬
‫يبتغي في السلم سككنة الجاهليككة‪ ,‬وطككالب دم امرىككء بغيككر حككق‬
‫ليريق دمه«‪ .‬وروى البخاري عن أبي اليمان بإسناده نحوه بزيادة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ضكهُ ْ‬ ‫صكاَرىَ أوْل َِيكآَء ب َعْ ُ‬ ‫ذوا ْ ال ْي َُهكود َ َوالن ّ َ‬ ‫خك ُ‬ ‫مُنكوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيـأي َّها اّلك ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫دي ال َْق كوْ َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ك ِ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫من ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫أوْل َِيآُء ب َعْ ٍ‬
‫م‬ ‫ن ِفيهِ ك ْ‬ ‫عو َ‬ ‫سككارِ ُ‬ ‫ض يُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫م كَر‬ ‫ن فِككي قُل ُككوب ِِهم ّ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ن * فَت َكَرى ال ّك ِ‬ ‫َ‬ ‫الظ ّككال ِ ِ‬
‫مي‬
‫شى َأن تصيبنا دآئ ِرةٌ فَعسى الل ّه َأن يأ ْت ِي بال َْفتح أ َو أ َ‬
‫ر‬
‫ٍ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َ َ ِ ِْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ِ ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ي َُقوُلو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن * وَي َُقككو ُ‬ ‫مي َ‬ ‫م َنككادِ ِ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ي أن ُْف ِ‬‫سّروا ْ فِ َ‬ ‫مآ أ َ‬ ‫ى َ‬ ‫َ‬
‫حوا ْ عَل َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫عندِهِ فَي ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫معَك ك ْ‬ ‫مل َ‬ ‫م إ ِن ُّهكك ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬‫جهْد َ أي ْ َ‬ ‫موا ِباللهِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ؤلِء ال ِ‬ ‫هـ ُ‬ ‫مُنوا أ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫سككككككككككك ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫صكككككككككككب َ ُ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫مكككككككككككال ُهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َككككككككككك ْ‬ ‫َ‬
‫ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالة اليهود والنصارى‪,‬‬
‫الذين هم أعداء السلم وأهله ك قاتلهم الله ك ثم أخككبر أن بعضككهم‬
‫أولياء بعض‪ ,‬ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك‪ ,‬فقال }ومن يتولهم‬
‫لية‪ .‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا كثير بن شهاب‪,‬‬ ‫منكم فإنه منهم{ ا َ‬
‫حدثنا محمد يعني ابن سعيد بن سابق‪ ,‬حدثنا عمرو بن أبي قيككس‬
‫عن سماك بن حرب‪ ,‬عن عياض أن عمر أمر أبا موسى الشعري‬
‫‪451‬‬
‫أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديككم واحككد‪ ,‬وكككان لككه كككاتب‬
‫نصراني‪ ,‬فرفع إليه ذلك‪ ,‬فعجب عمر وقال‪ :‬إن هذا لحفيككظ‪ ,‬هككل‬
‫أنت قارىء لنا كتابا ً في المسجد جاء مككن الشككام ؟ فقككال‪ :‬إنككه ل‬
‫يسككتطيع‪ ,‬فقككال عمككر‪ :‬أجنككب هككو ؟ قككال‪ :‬ل بككل نصككراني‪ .‬قككال‪:‬‬
‫فانتهرني وضرب فخذي‪ ,‬ثم قال‪ :‬أخرجوه‪ ,‬ثم قرأ }يا أيهككا الككذين‬
‫آمنوا ل تتخككذوا اليهككود والنصككارى أوليككاء{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن الحسن بن محمد بن الصككباح‪ ,‬حككدثنا عثمككان بككن عمككر‪,‬‬
‫أنبأنا ابن عون عن محمد بن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد الله بن عتبة‪:‬‬
‫ليتككق أحككدكم أن يكككون يهودي كا ً أو نصككرانيا ً وهككو ل يشككعر‪ .‬قككال‪:‬‬
‫فظننككاه يريككد هككذه ا َ‬
‫ليككة }يككا أيهككا الككذين آمنككوا ل تتخككذوا اليهككود‬
‫لشج‪ ,‬حدثنا ابن فضككيل‬ ‫لية‪ ,‬وحدثنا أبو سعيد ا َ‬ ‫والنصارى أولياء{ ا َ‬
‫عن عاصم‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس أنككه سككئل عككن ذبككائح‬
‫نصارى العرب‪ ,‬فقال‪ :‬كل‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬ومككن يتككولهم منكككم‬
‫فكككككإنه منهكككككم{‪ ,‬وروي عكككككن أبكككككي الزنكككككاد نحكككككو ذلكككككك‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فترى الذين في قلوبهم مرض{ أي شككك وريككب‬
‫ونفاق‪ ,‬يسارعون فيهم‪ ,‬أي يبادرون إلككى مككوالتهم ومككودتهم فككي‬
‫الباطن والظاهر‪} ,‬يقولون نخشككى أن تصككيبنا دائرة{ أي يتككأولون‬
‫فككي مككودتهم ومككوالتهم أنهككم يخشككون أن يقككع أمككر مككن ظفككر‬
‫الكككافرين بالمسككلمين‪ ,‬فتكككون لهككم أيككاد عنككد اليهككود والنصككارى‪,‬‬
‫فينفعهم ذلك‪ .‬عند ذلك قال اللككه تعككالى‪} :‬فعسككى اللككه أن يككأتي‬
‫بالفتح{ قال السدي‪ :‬يعني فتح مكة‪ .‬وقككال غيككره‪ :‬يعنككي القضككاء‬
‫والفصل‪} ,‬أو أمر من عنده{‪ .‬قال السككدي‪ :‬يعنككي ضككرب الجزيككة‬
‫علككى اليهككود والنصككارى‪} ,‬فيصككبحوا{ يعنككي الككذين والككوا اليهككود‬
‫والنصارى مككن المنككافقين }علككى مككا أسككروا فككي أنفسككهم{ مككن‬
‫الموالة‪} ,‬نادمين{ أي على ما كان منهم مما لم يجد عنهم شيئًا‪,‬‬
‫ول دفع عنهم محككذورًا‪ ,‬بككل كككان عيككن المفسككدة‪ ,‬فككإنهم فضككحوا‬
‫وأظهككر اللككه أمرهككم فككي الككدنيا لعبككاده المككؤمنين بعككد أن كككانوا‬
‫مستورين‪ ,‬ل يدرى كيف حالهم‪ ,‬فلما انعقكدت السكباب الفاضكحة‬
‫لهم تبين أمرهم لعباد الله المككؤمنين‪ ,‬فتعجبككوا منهككم كيككف كككانوا‬
‫يظهرون أنهم من المؤمنين‪ ,‬ويحلفون علكى ذلكك ويتكأولون فبكان‬
‫كذبهم وافتراؤهم‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬ويقول الككذين آمنككوا أهككؤلء‬
‫‪452‬‬
‫الذين أقسموا بالله جهككد أيمككانهم إنهككم لمعكككم حبطككت أعمككالهم‬
‫فأصكككككككككككككككككككككككككككككككبحوا خاسكككككككككككككككككككككككككككككككرين{‪.‬‬
‫وقد اختلف القّراء في هذا الحرف فقرأه الجمهور بإثبككات الككواو‬
‫في قوله }ويقككول{‪ ,‬ثككم منهككم مككن رفككع ويقككول‪ :‬علككى البتككداء‪,‬‬
‫ومنهم من نصب عطفا ً على قوله }فعسى الله أن يأتي بالفتح أو‬
‫أمر من عنده{ فتقككديره أن يككأتي وأن يقككول وقككرأ أهككل المدينككة‬
‫}يقول الذين آمنوا{ بغير واو‪ ,‬وكذلك هو في مصاحفهم علككى مككا‬
‫ذكره ابن جرير‪ .‬قال ابن جريككر عككن مجاهككد }فعسككى اللككه يككأتي‬
‫بالفتح أو أمر من عنده{ تقديره حينئذ }يقول الذين آمنككوا أهككؤلء‬
‫الذين أقسموا بالله جهككد أيمككانهم إنهككم لمعكككم حبطككت أعمككالهم‬
‫فأصبحوا خاسرين{ واختلككف المفسككرون فككي سككبب نككزول هككذه‬
‫ليات الكريمات‪ ,‬فذكر السدي أنها نزلت في رجلين قال أحدهما‬ ‫ا َ‬
‫لصاحبه بعد وقعة أحد‪ :‬أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي فآوي‬
‫ود معه‪ ,‬لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حككدث حككادث‪ .‬وقككال‬ ‫إليه وأته ّ‬
‫لخر أما أنا فإني ذاهب إلككى فلن النصككراني بالشككام فككآوي إليككه‬ ‫ا َ‬
‫وأتنصر معه‪ ,‬فكأنزل اللككه }يكا أيهككا الككذين آمنككوا ل تتخككذوا اليهككود‬
‫ليات‪ ,‬وقال عكرمة‪ :‬نزلت فكي أبكي لبابكة بكن‬ ‫والنصارى أولياء{ ا َ‬
‫عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسككلم إلككى بنككي‬
‫قريظة فسألوه‪ :‬ماذا هو صانع بنا ؟ فأشار بيده إلى حلقه أي أنككه‬
‫الذبككككككككككككككككككككح‪ ,‬رواه ابككككككككككككككككككككن جريككككككككككككككككككككر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬نزلت في عبد اللككه بككن أبككي ابككن سككلول‪ ,‬كمككا قككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا ابن إدريس قكال‪ :‬سكمعت أبكي عكن‬
‫عطية بن سعد قال‪ :‬جاء عبادة بن الصامت من بنككي الحككارث بككن‬
‫الخزرج إلى رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فقككال‪ :‬يارسككول‬
‫الله‪ ,‬إن لي موالي من يهككود كككثير عككددهم‪ ,‬وإنككي أبككرأ إلككى اللككه‬
‫ورسوله من وليه يهود‪ ,‬وأتولى الله ورسوله‪ ,‬فقال عبككد اللككه بككن‬
‫أبي‪ :‬إني رجل أخاف الدوائر ل أبرأ من ولية موالي‪ ,‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبككي »يككا أبككا الحبككاب‪ ,‬مككا‬
‫بخلت به من ولية يهود على عبادة بن الصامت‪ ,‬فهككو لككك دونككه«‬
‫قال‪ :‬قد قبلت‪ ,‬فأنزل الله عز وجل }يا أيها الذين آمنوا ل تتخككذوا‬
‫اليهككككككككككككود والنصككككككككككككارى أوليككككككككككككاء{ ا َ‬
‫ليككككككككككككتين‪.‬‬
‫‪453‬‬
‫ثم قال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا هنككاد‪ ,‬حككدثنا يككونس بككن بكيككر‪ ,‬حككدثنا‬
‫عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري‪ :‬قككال‪ :‬لمككا انهككزم أهككل بككدر‪,‬‬
‫قال المسلمون لوليائهم من اليهود‪ :‬أسلموا قبل أن يصيبكم اللككه‬
‫بيوم مثل يككوم بككدر‪ ,‬فقككال مالككك بككن الصككيف‪ :‬أغركككم أن أصككبتم‬
‫رهطا ً من قريش ل علم لهم بالقتال‪ ,‬أمككا لككو أمررنككا العزيمككة أن‬
‫نستجمع عليكككم لككم يكككن لكككم يككد أن تقاتلونككا‪ ,‬فقككال عبككادة بككن‬
‫الصامت‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬إن أوليككائي مككن اليهككود كككانت شككديدة‬
‫أنفسهم كثيرا ً سلحهم شديدة شوكتهم‪ ,‬وإني أبرأ إلى اللككه وإلككى‬
‫رسوله من ولية يهود‪ ,‬ول مولى لي إل الله ورسككوله‪ ,‬فقككال عبككد‬
‫الله بن أبي‪ :‬لكني ل أبرأ من ولية يهود‪ ,‬إني رجل ل بد لي منهم‪,‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليكه وسكلم »يكا أبككا الحبكاب‪ ,‬أرأيكت‬
‫الذي نفست به من ولية يهود على عبادة بن الصككامت‪ ,‬فهككو لككك‬
‫دونه« فقال‪ :‬إذا ً أقبل‪ ,‬قال‪ :‬فككأنزل اللككه }يككا أيهككا الككذين آمنككوا ل‬
‫تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ك إلى قوله تعالى ك ك واللككه يعصككمك‬
‫مككككككككككككككككككككككككككككككككككككن النككككككككككككككككككككككككككككككككككككاس{‪.‬‬
‫وقال‪ :‬محمد بن إسحاق‪ :‬فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما‬
‫بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقككاع‪ ,‬فحككدثني‬
‫عاصم بن عمر بن قتادة قال‪ :‬فحاصرهم رسكول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه‪ ,‬فقام إليه عبد الله بن أبي ابن‬
‫سلول حين أمكنه الله منهم‪ ,‬فقال‪ :‬يا محمككد أحسككن فككي مككوالي‬
‫وكانوا حلفاء الخزرج‪ ,‬قكال‪ :‬فأبطكأ عليكه رسكول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬يا محمككد أحسككن فككي مككوالي‪ ,‬قككال‪ :‬فككأعرض‬
‫عنه‪ .‬قال‪ :‬فأدخل يده في جيب درع رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬فقال له رسول الله صكلى اللكه عليكه وسكلم »أرسكلني«‪,‬‬
‫وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حككتى رأوا لككوجهه ظلل‪,‬‬
‫ثم قال »ويحك أرسلني« قال‪ :‬ل والله ل أرسلك حتى تحسن في‬
‫موالي أربعمائة حاسككر‪ ,‬وثلثمككائة دارع‪ ,‬قككد منعككوني مككن الحمككر‬
‫والسود‪ ,‬تحصدني فككي غككداة واحككدة إنككي امككرؤ أخشككى الككدوائر‪,‬‬
‫قال‪ :‬فقال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »هككم لككك« قككال‬
‫محمد بن إسحاق‪ :‬فحدثني أبو إسكحاق بكن يسكار عكن عبكادة بكن‬
‫الوليد بن عبادة بن الصامت‪ ,‬قال‪ :‬لما حاربت بنككو قينقككاع رسكول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبككي‪ ,‬وقككام‬
‫‪454‬‬
‫دونهم ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى اللكه عليككه‬
‫وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج له من حلفهككم مثككل الككذي‬
‫لعبد الله بن أبي‪ ,‬فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪,‬‬
‫وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم‪ ,‬وقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أبرأ إلككى‬
‫الله وإلى رسوله من حلفهككم‪ ,‬وأتككولى اللككه ورسككوله والمككؤمنين‪,‬‬
‫وأبرأ من حلف الكفار‪ ,‬ووليتهم‪ ,‬ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت‬
‫ليات في المائدة }يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصككارى‬ ‫ا َ‬
‫أولياء بعضهم ك إلى قوله ك ومن يتول الله ورسككوله والككذين آمنككوا‬
‫فككككككككككإن حككككككككككزب اللككككككككككه هككككككككككم الغككككككككككالبون{‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ,‬حدثنا يحيى بككن زكريككا‬
‫بن أبي زيادة عن محمد بن إسحاق‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن عروة‪ ,‬عككن‬
‫أسامة بن زيد قال‪ :‬دخلت مع رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫على عبد الله بن أبي نعوده‪ ,‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫»قد كنت أنهاك عن حككب يهككود« فقككال عبككد اللككه‪ :‬فقككد أبغضككهم‬
‫أسعد بن زراة فمات‪ ,‬وكذا رواه أبككو داود مككن حككديث محمككد بككن‬
‫إسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككحاق‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ف ي َكأِتي الل ّك ُ‬ ‫س كو ْ َ‬ ‫م عَككن ِدين ِكهِ فَ َ‬ ‫منك ُك ْ‬ ‫من ي َْرت َد ّ ِ‬ ‫مُنوا ْ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** ي َأي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫ع كّزةٍ عَل َككى ال ْك َككافِ ِ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ه أذِل ّكةٍ عَل َككى ال ْ ُ‬
‫م كؤ ْ ِ‬
‫حبون َ‬
‫م وَي ُ ِ ّ َ ُ‬ ‫حب ّهُ ْ‬ ‫ب َِقوْم ٍ ي ُ ِ‬
‫ل الّلك ِ‬
‫ه‬ ‫ضك ُ‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫ة لئ ِم ٍ ذ َل ِك َ‬ ‫مك َ‬ ‫ن ل َوْ َ‬ ‫خككاُفو َ‬ ‫ل الّلكهِ وَل َ ي َ َ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ه‬‫سككول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّك ُ‬ ‫مككا وَل ِي ّك ُك ُ‬ ‫م * إ ِن ّ َ‬ ‫سكعٌ عَِليك ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫شككآُء َوالل ّك ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ي ُؤِْتيهِ َ‬
‫ن*‬ ‫م َراك ُِعككو َ‬ ‫كاةَ وَهُ ْ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صل َةَ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي ُِقي ُ‬ ‫ذي َ‬‫مُنوا ْ ال ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫م ال َْغال ُِبو َ‬
‫ن‬ ‫ب الل ّهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُنوا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫من ي َت َوَ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عن قدرته العظيمة أنه من تولى عككن نصككرة‬
‫دينه وإقامة شريعته‪ ,‬فإن الله يستبدل به مككن هككو خيككر لهككا منككه‪,‬‬
‫ل‪ ,‬كما قككال تعككالى‪} :‬وإن تتولككوا يسككتبدل‬ ‫وأشد ّ منعة‪ ,‬وأقوم سبي ً‬
‫قوما ً غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم{‪ .‬وقال تعالى‪} :‬إن يشأ يذهبكم‬
‫ويككأت بخلككق جديككد ومككا ذلككك علككى اللككه بعزيككز{‪ .‬أي بممتنككع ول‬
‫صعب‪ .‬وقال تعالى ههنا }يا أيها الذين آمنوا من يرتككد منكككم عككن‬
‫دينه{ أي يرجع عن الحق إلى الباطل‪ .‬قال محمد بن كعب‪ :‬نزلت‬
‫في الولة من قريككش‪ .‬وقككال الحسككن البصككري‪ :‬نزلككت فككي أهككل‬
‫‪455‬‬
‫الردة أيام أبي بكر }فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه{ قككال‬
‫الحسن‪ :‬هو والله أبو بكر وأصحابه‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم‪ .‬وقال أبككو‬
‫بكر بن أبي شيبة‪ :‬سمعت أبككا بكككر بككن عيككاش يقككول‪ :‬فككي قككوله‬
‫}فسوف يأتي اللككه بقككوم يحبهككم ويحبككونه{ هككم أهككل القادسككية‪.‬‬
‫وقال ليث بن أبي سليم‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬هم قوم من سبأ وقككال ابككن‬
‫أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حدثنا عبد اللككه بككن الجلككح عككن‬
‫محمد بن عمرو‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‬
‫قوله }فسوف يأتي الله بقوم يحبهككم ويحبككونه{ قككال‪ :‬نككاس مككن‬
‫كون‪.‬‬ ‫سكككككك ُ‬
‫أهككككككل اليمككككككن‪ ,‬ثككككككم مككككككن كنككككككدة‪ ,‬مككككككن ال ّ‬
‫وحدثنا أبي‪ ,‬حدثنا محمد بن المصفى‪ ,‬حككدثنا معاويككة يعنككي ابككن‬
‫حفص‪ ,‬عن أبي زياد الحلفاني‪ ,‬عن محمد بن المنكككدر‪ ,‬عككن جككابر‬
‫بن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬سئل رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم عككن‬
‫قوله }فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه{‪ .‬قال »هؤلء قككوم‬
‫من أهل اليمن‪ ,‬ثم من كندة‪ ,‬ثم مككن السكككون‪ ,‬ثككم مككن تجيككب«‪,‬‬
‫وهكككككككككككككككذا حكككككككككككككككديث غريكككككككككككككككب جكككككككككككككككدًا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ,‬حدثنا عبد الصمد يعني‬
‫ابن عبد الوارث‪ ,‬حدثنا شعبة عن سككماك‪ ,‬سككمعت عياضكا ً يحككدث‬
‫عن أبي موسى الشعري‪ ,‬قككال‪ :‬لمككا نزلككت }فسككوف يككأتي اللككه‬
‫بقوم يحبهم ويحبونه{ قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»هم قوم هذا«‪ .‬ورواه ابن جرير من حديث شعبة بنحككوه‪ .‬وقككوله‬
‫تعالى‪} :‬أذلة على المؤمنين أعزة علككى الكككافرين{ هككذه صككفات‬
‫المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضككعا ً لخيككه ووليككه‪ ,‬متعككززا ً‬
‫على خصمه وعدوه‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬محمد رسول اللككه والككذين‬
‫معه أشداء على الكفككار رحمككاء بينهككم{ وفككي صككفة رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه الضحوك القتككال‪ ,‬فهككو ضككحوك لوليككائه‬
‫قتككككككككككككككككككككككككككككككككككككال لعككككككككككككككككككككككككككككككككككككدائه‪.‬‬
‫وقوله عز وجككل }يجاهككدون فككي سككبيل اللككه ول يخككافون لومككة‬
‫لئم{ أي ل يردهم عما هم فيه من طاعككة اللككه‪ ,‬وإقامككة الحككدود‪,‬‬
‫وقتال أعدائه‪ ,‬والمر بككالمعروف‪ ,‬والنهككي عككن المنكككر‪ ,‬ل يردهككم‬
‫عن ذلك راد‪ ,‬ول يصدهم عنه صاد‪ ,‬ول يحيككك فيهككم لككوم لئم‪ ,‬ول‬
‫عذل عاذل‪ ,‬قال المام أحمد‪ :‬حدثنا عفان‪ ,‬حدثنا سلم أبو المنككذر‬
‫عن محمد بن واسع‪ ,‬عن عبد الله بن الصامت‪ ,‬عن أبي ذر‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫‪456‬‬
‫أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع‪ :‬أمرني بحب المساكين‬
‫والدنو منهم‪ ,‬وأمرني أن أنظر إلى من هككو دونككي‪ ,‬ول أنظككر إلككى‬
‫من هو فوقي‪ ,‬وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت‪ ,‬وأمرنككي أن ل‬
‫أسأل أحدا ً شيئًا‪ ,‬وأمرني أن أقول الحككق وإن كككان مككرًا‪ ,‬وأمرنككي‬
‫أن ل أخاف في الله لومة لئم‪ ,‬وأمرني أن أكثر من قول ل حككول‬
‫ول قككككوة إل بككككالله‪ ,‬فككككإنهن مككككن كنككككز تحككككت العككككرش‪.‬‬
‫قال البخاري تفّرد ابن المبارك بهذا الحديث‪ ,‬وقككد اسككتدل كككثير‬
‫ممن ذهب من الصوليين والفقهاء إلى أن شرع مككن قبلنككا شككرع‬
‫لنا إذا حكي مقررا ً ولم ينسككخ‪ ,‬كمككا هككو المشككهور عككن الجمهككور‪,‬‬
‫وكما حكاه الشيخ أبككو إسكحاق السكفراييني عكن نكص الشكافعي‪,‬‬
‫لية حيث كان الحكم عندنا على وفقها فككي‬ ‫وأكثر الصحاب بهذه ا َ‬
‫الجنايات عند جميكع الئمكة‪ .‬وقكال الحسكن البصكري‪ :‬هكي عليهكم‬
‫وعلى الناس عامة‪ ,‬رواه ابككن أبككي حككاتم‪ :‬وقككد حكككى الشككيخ أبككو‬
‫زكريا النووي في هذه المسألة ثلثة أوجه‪ ,‬ثالثها أن شرع إبراهيم‬
‫حجككة دون غيككره‪ :‬وصككحح منهككا عككدم الحجيككة‪ ,‬نقلهككا الشككيخ أبككو‬
‫إسحاق السفراييني أقوال ً عن الشافعي‪ ,‬وأكككثر الصككحاب ورجككح‬
‫أنككككه حجككككة عنككككد الجمهككككور مككككن أصككككحابنا‪ ,‬فككككالله أعلككككم‪.‬‬
‫وقد حكككى المككام أبككو نصككر بككن الصككباغ رحمككه اللككه فككي كتككابه‬
‫لية على ما دلت‬ ‫»الشامل«‪ ,‬إجماع العلماء‪ ,‬على الحتجاج بهذه ا َ‬
‫عليه‪ ,‬وقد احتج الئمة كلهم على أن الرجل يقتل بككالمرأة بعمككوم‬
‫ليككة الكريمككة‪ ,‬وكككذا ورد فككي الحككديث الككذي رواه النسككائي‬ ‫هذه ا َ‬
‫وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في كتاب عمرو‬
‫لخككر‬‫بككن حككزم »أن الرجككل يقتككل بككالمرأة«‪ ,‬وفككي الحككديث ا َ‬
‫»المسلمون تتكافأ دماؤهم«‪ ,‬وهككذا قككول جمهككور العلمككاء‪ ,‬وعككن‬
‫أمير المؤمنين علي بن أبككي طككالب أن الرجككل إذا قتككل المككرأة ل‬
‫يقتل بها إل أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية‪ ,‬لن ديتها علككى‬
‫النصف من دية الرجل‪ ,‬وإليه ذهب أحمد فككي روايككة‪ ,‬وحكككي عككن‬
‫الحسن وعطاء وعثمان البستي‪} ,‬واللككه واسككع عليككم{ أي واسككع‬
‫الفضكككل‪ ,‬عليكككم بمكككن يسكككتحق ذلكككك ممكككن يحرمكككه إيكككاه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا{ أي ليككس‬
‫اليهود بأوليائكم‪ ,‬بل وليتكم راجعة إلى الله ورسوله والمككؤمنين‪.‬‬
‫وقككوله }الككذين يقيمككون الصككلة ويؤتككون الزكككاة{ أي المؤمنككون‬
‫‪457‬‬
‫المتصفون بهذه الصفات من إقام الصككلة الككتي هككي أكككبر أركككان‬
‫السلم‪,‬وهي عبادة الله وحده ل شريك له وإيتاء الزكاة التي هككي‬
‫حككق المخلككوقين ومسككاعدة للمحتككاجين والمسككاكين‪ .‬وأمككا قككوله‬
‫}وهككم راكعككون{ فقككد تككوهم بعككض النككاس أن هككذه الجملككة فككي‬
‫موضع الحال من قوله }ويؤتون الزكككاة{ أي فككي حككال ركككوعهم‪,‬‬
‫ولو كان هذا كذلك‪ ,‬لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضككل مككن‬
‫غيره‪ ,‬لنه ممدوح‪ ,‬وليس المر كذلك عند أحد مككن العلمككاء ممككن‬
‫نعلمه من أئمة الفتوى‪ ,‬وحتى إن بعضهم ذكر فككي هككذا أثككرا ً عككن‬
‫لية نزلت فيه‪ ,‬وذلك أنه مر به سائل‬ ‫علي بن أبي طالب أن هذه ا َ‬
‫فككككككككككي حككككككككككال ركككككككككككوعه فأعطككككككككككاه خككككككككككاتمه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا الربيككع بككن سككليمان المككرادي‪ ,‬حككدثنا‬
‫أيوب بن سويد عن عتبة بن أبي حكيم في قوله }إنما وليكم اللككه‬
‫ورسوله والذين آمنوا{ قال‪ :‬هم المؤمنون وعلي بن أبككي طككالب‪,‬‬
‫وحدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حدثنا الفضل بن دكين أبو نعيككم الحككول‪,‬‬
‫حدثنا موسى بككن قيككس الحضككرمي عككن سككلمة بككن كهيككل‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫تصدق علي بخاتمه وهو راكع‪ ,‬فنزلت }إنما وليكككم اللككه ورسككوله‬
‫والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم راكعككون{‪,‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثني الحارث‪ ,‬حدثنا عبككد العزيككز‪ ,‬حككدثنا غككالب‬
‫بن عبيد الله‪ ,‬سمعت مجاهدا ً يقول فككي قككوله }إنمككا وليكككم اللككه‬
‫لية‪ .‬نزلت في علي بن أبي طالب‪ ,‬تصدق وهككو راكككع‪,‬‬ ‫ورسوله{ ا َ‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن‬
‫لية‪ ,‬نزلت في علككي‬ ‫عباس في قوله }إنما وليكم الله ورسوله{ ا َ‬
‫بكككن أبكككي طكككالب‪ ,‬عبكككد الوهكككاب بكككن مجاهكككد ل يحتكككج بكككه‪.‬‬
‫وروى ابن مردويه من طريق سفيان الثككوري‪ ,‬عككن أبككي سككنان‪,‬‬
‫عن الضحاك‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كان علي بن أبي طالب قائما ً‬
‫يصلي‪ ,‬فمر سائل وهو راكع‪ ,‬فأعطاه خاتمه‪ ,‬فنزلت }إنما وليكككم‬
‫ليكة‪ ,‬الضكحاك لكم يلكق ابكن عبكاس‪ .‬وروى ابكن‬ ‫اللكه ورسكوله{ ا َ‬
‫مردويه أيضا ً من طريق محمد بن السائب الكلككبي‪ ,‬وهككو مككتروك‪,‬‬
‫عن أبي صالح‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬خرج رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم إلى المسجد والناس يصلون بين راكع وسككاجد وقككائم‬
‫وقاعد‪ ,‬وإذا مسكين يسأل‪ ,‬فدخل رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬فقال‪» :‬أعطاك أحككد شككيئا ً ؟« قككال‪ :‬نعككم‪ .‬قككال »مككن ؟«‬
‫‪458‬‬
‫قال‪ :‬ذلك الرجل القائم‪ .‬قككال »علككى أي حككال أعطككاكه ؟« قككال‪:‬‬
‫وهو راكع‪ ,‬قال »وذلك علي بن أبي طككالب«‪ .‬قككال‪ ,‬فكككبر رسككول‬
‫ل اللككه‬‫الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وهو يقككول }ومككن يتككو ّ‬
‫ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون{ وهذا إسككناد ل‬
‫ُيفكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككرح بكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫ثم رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طككالب رضككي اللككه‬
‫عنه نفسه‪ ,‬وعمار بن ياسر وأبي رافككع‪ ,‬وليككس يصككح شككيء منهككا‬
‫بالكلية لضككعف أسككانيدها وجهالككة رجالهككا‪ ,‬ثككم روى بإسككناده عككن‬
‫ميمون بن مهران‪ ,‬عن ابككن عبككاس فككي قككوله }إنمككا وليكككم اللككه‬
‫ورسوله{ نزلت في المؤمنين وعلي بن أبي طالب أولهككم‪ ,‬وقككال‬
‫ابن جرير‪ :‬حدثنا هناد‪ ,‬حدثنا عبدة عن عبد الملك‪ ,‬عن أبككي جعفككر‬
‫لية }إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنككوا‬ ‫قال‪ :‬سألته عن هذه ا َ‬
‫الذين يقيمون الصككلة ويؤتككون الزكككاة وهككم راكعككون{ قلنككا‪ :‬مككن‬
‫الذين آمنوا ؟ قال‪ :‬الذين آمنوا‪ .‬قلنا بلغنا أنها نزلت في علككي بككن‬
‫أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬علي من الذين آمنوا‪ ,‬وقال أسباط عن السككدي‪:‬‬
‫لية في جميع المؤمنين‪ ,‬ولكن علي بن أبي طالب مر‬ ‫نزلت هذه ا َ‬
‫بكككه سكككائل وهكككو راككككع فكككي المسكككجد‪ ,‬فأعطكككاه خكككاتمه‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة الوالبي‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ :‬مككن أسككلم‬
‫فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا‪ ,‬رواه ابن جريككر‪ ,‬وقككد تقككدم‬
‫ليات كلها نزلككت فككي عبككادة‬ ‫في الحاديث التي أوردناها أن هذه ا َ‬
‫بن الصامت رضي الله عنه حيككن تككبرأ مككن حلككف اليهككود‪ ,‬ورضككي‬
‫بولية الله ورسوله والمككؤمنين‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى بعككد هككذا كلككه‬
‫ل اللككه ورسككوله والككذين آمنككوا فككإن حككزب اللككه هككم‬ ‫}ومككن يتككو ّ‬
‫الغالبون{ كما قال تعالى‪} :‬كتب الله لغلبن أنككا ورسككلي إن اللككه‬
‫لخر يوادون من حاد‬ ‫قوي عزيز‪ ,‬ل تجد قوما ً يؤمنون بالله واليوم ا َ‬
‫الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشككيرتهم‬
‫أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ويككدخلهم جنككات‬
‫تجري من تحتها النهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضككوا عنككه‬
‫أولئك حزب الله أل إن حزب الله هم المفلحون{ فكل من رضككي‬
‫لخككرة‪,‬‬ ‫بولية الله ورسككوله والمككؤمنين‪ ,‬فهككو مفلككح فككي الككدنيا وا َ‬
‫ليكة‬‫لخككرة‪ ,‬ولهككذا قككال تعكالى فككي هكذه ا َ‬ ‫ومنصككور فكي الككدنيا وا َ‬
‫‪459‬‬
‫ل الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم‬ ‫الكريمة }ومن يتو ّ‬
‫الغكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككالبون{‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مكك َ‬ ‫م هُُزوا ً وَل َِعبا ً ّ‬ ‫ذوا ْ ِدين َك ُ ْ‬
‫خ ُ‬‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬ ‫ذوا ْ ال ّ ِ‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيـأي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ال ّذي ُ‬
‫كنت ُككم‬ ‫ه ِإن ُ‬ ‫م َوال ْك ُّفاَر أوْل َِيآَء َوات ُّقككوا ْ الل ّك َ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬
‫َ‬ ‫ها هُُزوا ً وَل َِعبكا ً ذ َل ِك َ‬
‫م‬‫ك ب ِكأن ّهُ ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫صل َةِ ات ّ َ‬
‫خ ُ‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬ ‫ذا َناد َي ْت ُ ْ‬‫ن * وَإ ِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ّ‬
‫ن‬‫م ل ي َعِْقلككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َقككككككككككككككككككككككككككككككككككوْ ٌ‬
‫هككذا تنفيككر مككن مككوالة أعككداء السككلم وأهلككه مككن الكتككابيين‬
‫والمشككركين‪ ,‬الككذين يتخككذون أفضككل مككا يعملككه العككاملون‪ :‬وهككي‬
‫شرائع السلم المطهرة المحكمة‪ ,‬المشتملة على كل خير دنيوي‬
‫وأخروي‪ ,‬يتخذونها هزوا ً يستهزئون بهككا‪ ,‬ولعبكا ً يعتقككدون أنهككا نككوع‬
‫من اللعب في نظرهم الفاسد‪ ,‬وفكرهم البارد‪ ,‬كما قكال القكائل‪:‬‬
‫وككككم مكككن عكككائب قكككول ً صكككحيحًاوآفته مكككن الفهكككم السكككقيم‬
‫وقوله تعالى‪} :‬من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار{ مككن‬
‫ههنا لبيان الجنس كقوله }فككاجتنبوا الرجككس مككن الوثككان{ وقككرأ‬
‫بعضهم‪ :‬والكفار بالخفض عطفًا‪ ,‬وقرأ آخككرون بالنصككب علككى أنككه‬
‫معمول‪} ,‬ل تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ً ولعبا ً من الذين أوتوا‬
‫الكتاب من قبلكم{ تقديره ول }الكفار أولياء{ أي ل تتخذوا هؤلء‬
‫ول هؤلء أولياء‪ ,‬والمراد بالكفار ههنا المشركون‪ ,‬وكذلك وقع في‬
‫قراءة ابن مسعود فيما رواه ابن جريككر }ل تتخككذوا الككذين اتخككذوا‬
‫دينكم هزوا ً ولعبا ً من الذين أوتوا الكتاب مككن قبلكككم ومككن الككذين‬
‫أشككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككركوا{‪.‬‬
‫وقوله }واتقوا الله إن كنتم مككؤمنين{ أي اتقككوا اللككه أن تتخككذوا‬
‫هؤلء العداء لكككم ولكدينكم أوليكاء إن كنتكم مككؤمنين بشككرع اللكه‬
‫الذي اتخذه هؤلء هزوا ً ولعبًا‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬ل يتخذ المؤمنككون‬
‫الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله‬
‫في شي إل أن تتقوا منهم تقاة ويحككذركم اللككه نفسككه وإلككى اللككه‬
‫المصككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككير{‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬وإذا ناديتم إلى الصلة اتخذوها هزوا ً ولعبًا{ أي وكككذلك‬
‫إذا أذنتم داعين إلى الصلة التي هي أفضككل العمككال لمككن يعقككل‬
‫ويعلم من ذوي اللباب }اتخذوها{ أيضا ً }هككزوا ً ولعبكا ً ذلككك بككأنهم‬
‫‪460‬‬
‫قوم ل يعقلون{ معاني عبادة الله وشككرائعه‪ ,‬وهككذه صككفات أتبككاع‬
‫الشيطان الذي »إذا سككمع الذان أدبككر ولككه حصككاص‪ ,‬أي ضككراط‪,‬‬
‫حتى ل يسمع التأذين فإذا قضي التأذين‪ ,‬أقبكل فكإذا ثكوب للصكلة‬
‫أدبر‪ ,‬فككإذا قضككي التثككويب أقبككل حككتى يخطككر بيككن المككرء وقلبككه‪,‬‬
‫فيقول‪ :‬اذكر كذا اذكر كذا‪ ,‬لما لم يكن يذكر حتى يظككل الرجككل ل‬
‫يدري كم صلى‪ ,‬فإذا وجككد أحككدكم ذلككك‪ ,‬فليسككجد سككجدتين قبككل‬
‫السلم« متفق عليه‪ ,‬وقال الزهري‪ :‬قد ذكر الله التأذين في كتابه‬
‫فقال }وإذا ناديتم إلى الصلة اتخذوها هزوا ً ولعبا ً ذلك بأنهم قككوم‬
‫ل يعقلككككككككككككون{ رواه ابككككككككككككن أبككككككككككككي حككككككككككككاتم‪.‬‬
‫وقال أسباط عككن السككدي فككي قككوله }وإذا نككاديتم إلككى الصككلة‬
‫اتخذوها هزوا ً ولعبًا{ قكال‪ :‬ككان رجككل مكن النصكارى بالمدينككة إذا‬
‫سمع المنادي ينككادي‪ :‬أشككهد أن محمككدا ً رسككول اللككه قككال‪ :‬حككرق‬
‫الكاذب‪ ,‬فدخلت خادمة ليلة من الليالي بنار وهو نائم‪ ,‬وأهله نيام‪,‬‬
‫فسقطت شرارة فأحرقت الككبيت‪ ,‬فككاحترق هككو وأهلككه‪ ,‬رواه ابككن‬
‫جرير و ابككن أبككي حككاتم وذكككر محمككد بككن إسككحاق بككن يسككار فككي‬
‫السيرة أن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم دخككل الكعبككة عككام‬
‫الفتح ومعه بلل‪ ,‬فأمره أن يؤذن‪ ,‬وأبو سفيان بككن حككرب وعتككاب‬
‫بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة‪ ,‬فقال عتاب بككن‬
‫أسيد‪ ,‬لقد أكرم الله أسيدا ً أن ل يكون سمع هذا فيسككمع منككه مككا‬
‫يغيظه‪ ,‬وقال الحارث بككن هشككام‪ :‬أمككا واللككه لككو أعلككم أنككه محككق‬
‫لتبعته‪ ,‬فقال أبو سفيان‪ :‬ل أقول شيئا ً لككو تكلمككت لخككبرت عنككي‬
‫هذه الحصى‪ ,‬فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال »قد‬
‫علمت الذي قلتم« ثم ذكر ذلك لهم‪ ,‬فقال الحارث وعتاب‪ :‬نشهد‬
‫أنك رسول الله ما اطلع على هذا أحد كان معنككا فنقككول‪ :‬أخككبرك‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا روح بن عبادة‪ ,‬حدثنا ابن جريج‪ ,‬أخبرنا‬
‫عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز‬
‫أخككبره وكككان يتيم كا ً فككي حجككر أبككي محككذورة‪ ,‬قككال‪ :‬قلككت لبككي‬
‫محذورة‪ :‬يا عم إنككي خككارج إلككى الشككام‪ ,‬وأخشككى أن أسككأل عككن‬
‫تأذينك‪ ,‬فأخبرني أن أبا محذورة قكال لكه‪ :‬نعكم‪ ,‬خرجكت فكي نفكر‬
‫وكنا في بعض طريق حنين مقفككل رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم من حنين‪ ,‬فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسككلم ببعككض‬
‫الطريق‪ ,‬فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم بالصككلة‬
‫‪461‬‬
‫عند رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬فسككمعنا صككوت المككؤذن‬
‫ونحن متنكبون‪ ,‬فصرخنا نحكيه ونستهزىء به فسمع رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يككديه فقككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »أيكم الذي سككمعت صككوته قككد‬
‫ي وصككدقوا‪ ,‬فأرسككل كلهككم‬ ‫ارتفككع« ؟ فأشككار القككوم كلهككم إلكك ّ‬
‫ي مككن‬‫وحبسككني‪ ,‬وقككال »قككم فككأذن« فقمككت ول شككيء أكككره إلك ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ول مما يأمرني به‪ ,‬فقمككت بيككن‬
‫ي رسككول اللككه‬ ‫يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فألقى عل ك ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه‪ ,‬قال »قل الله أكبر اللككه‬
‫أكبر‪ ,‬أشهد أن ل إلككه إل اللككه أشككهد أن ل إلككه إل اللككه‪ ,‬أشككهد أن‬
‫محمدا ً رسول الله أشهد أن محمدا ً رسول الله‪ ,‬حي على الصككلة‬
‫حي على الصلة‪ ,‬حي على الفلح حي على الفلح‪ ,‬الله أكبر اللككه‬
‫أكبر‪ ,‬ل إله إل الله« ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة‬
‫فيها شيء من فضة ثم وضع يده علككى ناصككية أبككي محككذورة‪ ,‬ثككم‬
‫مّرها على وجهه‪ ,‬ثم بين ثككدييه‪ ,‬ثككم علككى كبككده‪ ,‬حككتى بلغككت يككد‬ ‫أ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم سككرة أبككي محككذورة‪ ,‬ثككم قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »بارك الله فيك وبككارك عليككك«‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة‪ ,‬فقال »قد أمرتك به«‪,‬‬
‫وذهب كل شيء كان لرسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم مككن‬
‫كراهة‪ ,‬وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فأذنت معه بالصلة عن أمر رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي ممن أدرك أبا محذورة‬
‫على نحو ما أخبرني عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة واسمه‬
‫سمرة بن معير بن لوذان‪ ,‬أحد مؤذني رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم الربعة‪ ,‬وهو مؤذن أهل مكة‪ ,‬وامتدت أيامه رضي الله عنه‬
‫وأرضككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاه‪.‬‬
‫مككآ ُأنكزِ َ‬
‫ل‬ ‫من ّككا ب ِككالل ّهِ وَ َ‬
‫نآ َ‬
‫َ‬
‫من ّككآ إ ِل ّ أ ْ‬‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ب هَ ْ‬
‫ل َتنِق ُ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫ل َيـأ َهْ َ‬ ‫** قُ ْ‬
‫ل هَ ك ْ ُ‬ ‫ل وأ َ َ‬ ‫مآ ُأنزِ َ‬
‫م‬ ‫ل أن َب ّئ ُك ُك ْ‬ ‫ن * قُ ك ْ‬ ‫س كُقو َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫ن أك ْث ََرك ُك ْ‬‫من قَب ْ ُ َ ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫إ ِل َي َْنا وَ َ‬
‫ل‬‫جع َك َ‬ ‫ب عَل َي ْكهِ وَ َ‬ ‫ضك َ‬ ‫ه وَغَ ِ‬ ‫ه الل ّك ُ‬ ‫من ل ّعَن َك ُ‬ ‫عند َ الل ّهِ َ‬ ‫ة ِ‬‫مُثوب َ ً‬‫ك َ‬‫من ذ َل ِ َ‬ ‫شّر ّ‬ ‫بِ َ‬
‫‪462‬‬
‫َ‬ ‫ت أ ُوَْلـ كئ ِ َ‬
‫ل‬ ‫ضك ّ‬ ‫كان كا ً وَأ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش كّر ّ‬ ‫ك َ‬ ‫غو َ‬‫طا ُ‬ ‫خَناِزيَر وَعَب َد َ ال ّ‬ ‫م ال ِْقَرد َةَ َوال ْ َ‬‫من ْهُ ُ‬ ‫ِ‬
‫خل ُككوا ْ ب ِككال ْك ُْف ِ‬
‫ر‬ ‫من ّككا وَقَ كد ْ د ّ َ‬ ‫م قَككال ُوَا ْ آ َ‬ ‫جآُءوك ُ ْ‬ ‫ذا َ‬
‫َ‬
‫ل * وَإ ِ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫وآِء ال ّ‬ ‫س َ‬‫عن َ‬ ‫َ‬
‫ن * وَت َكَرىَ ك َِثيككرا ً‬ ‫مككو َ‬ ‫مككا ك َككاُنوا ْ ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫جوا ْ ب ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫خَر ُ‬‫م قَد ْ َ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫س َ‬‫ت ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫س ْ‬‫م ال ّ‬ ‫ن وَأك ْل ِهِ ُ‬ ‫ن ِفي ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬‫م يُ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫م وَأك ْل ِهِك ُ‬‫م ال ِث ْك َ‬ ‫عن قَوْل ِهِ ُ‬ ‫حَباُر َ‬ ‫ن َوال ْ‬ ‫م الّرّبان ِّيو َ‬ ‫ن * ل َوْل َ ي َن َْهاهُ ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫ن‬‫صككككككككككككن َُعو َ‬ ‫مككككككككككككا ك َككككككككككككاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ت ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫سكككككككككككك ْ‬ ‫ال ّ‬
‫يقول تعالى‪ :‬قل يا محمد لهؤلء الذين اتخذوا دينكم هزوا ً ولعبككا ً‬
‫من أهل الكتاب‪} :‬هل تنقمون منا إل أن آمنا بالله وما أنككزل إلينككا‬
‫وما أنزل من قبل{ أي هل لكككم علينككا مطعككن أو عيككب إل هككذا ؟‬
‫وهذا ليس بعيب ول مذمككة‪ ,‬فيكككون السككتثناء منقطع كًا‪ ,‬كمككا فككي‬
‫قوله تعالى‪} :‬وما نقموا منهم إل أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد{‪,‬‬
‫وكقوله‪} :‬وما نقموا إل أن أغناهم الله ورسوله من فضله{ وفككي‬
‫الحديث المتفق عليه »ما ينقم ابن جميل إل أن كان فقيرا ً فأغناه‬
‫الله«‪ ,‬وقوله }وأن أكككثركم فاسككقون{ معطككوف علككى }أن آمنككا‬
‫بالله وما أنزل إلينككا ومككا أنككزل مككن قبككل{ أي وآمنككا بككأن أكككثركم‬
‫فاسككككككقون‪ ,‬أي خككككككارجون عككككككن الطريككككككق المسككككككتقيم‪.‬‬
‫ثم قال }قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عنككد اللككه{ أي هككل‬
‫أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامككة ممككا تظنككونه بنككا ؟ وهككم‬
‫أنتم الذين هم متصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله }من لعنككه‬
‫الله{ أي أبعده من رحمتككه }وغضككب عليككه{ أي غضككبا ً ل يرضككى‬
‫بعده أبدا ً }وجعل منهم القككردة والخنككازير{ كمككا تقككدم بيككانه فككي‬
‫سورة البقرة‪ ,‬وكما سيأتي إيضاحه في سورة العراف‪ ,‬وقد قككال‬
‫سفيان الثوري‪ ,‬عن علقمة بن مرثد‪ ,‬عن المغيككرة بككن عبككد اللككه‪,‬‬
‫عن المعرور بن سويد‪ ,‬عن ابن مسكعود قكال‪ :‬سكئل رسكول اللكه‬
‫صلى الله عليككه وسككلم عككن القككردة والخنككازير‪ :‬أهككي ممككا مسككخ‬
‫الله ؟ فقال »إن الله لم يهلك قومًا‪ ,‬أو لككم يمسككخ قوم كا ً فيجعككل‬
‫لهم نسل ً ول عقبًا‪ ,‬وإن القردة والخنككازير كككانت قبككل ذلككك« وقككد‬
‫رواه مسلم من حديث سفيان الثوري ومسعر‪ ,‬كلهما عن مغيككرة‬
‫بن عبد الله اليشكري به‪ ,‬وقككال أبككو داود الطيالسككي‪ :‬حككدثنا داود‬
‫بن أبي الفرات‪ ,‬عن محمد بن زيد‪ ,‬عن أبي العيككن العبككدي‪ ,‬عككن‬
‫أبي الحوص‪ ,‬عن ابن مسعود قال‪ :‬سألنا رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم عن القردة والخنازير‪ :‬أهي من نسككل اليهككود ؟ فقككال‬
‫‪463‬‬
‫»ل إن الله لم يلعن قوما ً قط فيمسخهم‪ ,‬فكان لهكم نسككل ولكككن‬
‫هذا خلق كان‪ ,‬فلمككا غضككب اللككه علككى اليهككود فمسككخهم جعلهككم‬
‫مثلهم«‪ ,‬ورواه أحمد من حديث داود بككن أبككي الفككرات بككه‪ ,‬وقككال‬
‫ابن مردويككه‪ :‬حككدثنا عبككد البككاقي‪ ,‬حككدثنا أحمككد بككن صككالح‪ ,‬حككدثنا‬
‫الحسن بن محبوب‪ ,‬حدثنا عبد العزيز بن المختار عن داود بن أبي‬
‫هند‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم »الحيات مسخ الجن كما مسخت القككردة والخنككازير«‬
‫هكككككككككككككككذا حكككككككككككككككديث غريكككككككككككككككب جكككككككككككككككدًا‪.‬‬
‫ت على أنه‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬وعبد الطاغوت{ قرىء‪ :‬وعَب َد َ الطاغو َ‬
‫فعل مككاض‪ ,‬والطككاغوت منصككوب بككه‪ ,‬أي وجعككل منهككم مككن عَب َكد َ‬
‫ت بالضككافة علككى أن المعنككى‬ ‫الطككاغوت‪ ,‬وقرىككء‪ :‬وعَب َكد َ الط َككاغو ِ‬
‫وجعل منهم خدم الطككاغوت‪ ,‬أي خككدامه وعبيككده‪ ,‬وقرىككء‪ :‬وعُب ُكد َ‬
‫مكْر‪,‬‬ ‫ت على أنه جمع الجمع عبد وعبيد‪ ,‬وعبد مثككل ثمككار وث ُ ُ‬ ‫الطاغو ِ‬
‫حكاها ابن جرير عن العمش‪ ,‬وحكى عن بريدة السلمي أنه كان‬
‫يقرؤها وعابد الطاغوت‪ ,‬وعن أبي وابن مسككعود‪ :‬وعبككدوا‪ ,‬وحكككى‬
‫ت‬ ‫ابن جرير عن أبي جعفر القارىء أنه كان يقرؤها‪ :‬وعُب ِد َ الطاغو ُ‬
‫على أنه مفعول ما لم يسم فاعله‪ ,‬ثككم اسككتبعد معناهككا‪ ,‬والظككاهر‬
‫أنه ل بعد في ذلك‪ ,‬لن هذا من باب التعريض بهككم‪ ,‬أي وقككد عبككد‬
‫الطاغوت فيكم وأنتم الذين فعلتموه‪ ,‬وكككل هككذه القككراءات يرجككع‬
‫معناها إلى أنكم يا أهككل الكتككاب الطككاعنين فككي ديننككا والككذي هككو‬
‫توحيد الله وإفراده بالعبكادات دون مكا سكواه‪ ,‬كيكف يصكدر منككم‬
‫هذا‪ ,‬وأنتم قد وجد منكم جميع ما ذكر ؟ ولهككذا قككال }أولئك شككر‬
‫مكانًا{ أي مما تظنون بنا }وأضل عن سواء السككبيل{ وهككذا مككن‬
‫لخككر‬ ‫بككاب اسككتعمال أفعككل التفضككيل فيمككا ليككس فككي الطككرف ا َ‬
‫مشاركة‪ ,‬كقوله عككز وجكل‪} :‬أصكحاب الجنكة يكومئذ خيكر مسككتقر‬
‫ل{‪.‬‬ ‫وأحسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن مقي ً‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد‬
‫خرجوا به{ وهذه صفة المنافقين منهم أنهككم يصككانعون المككؤمنين‬
‫في الظاهر وقلوبهم منطوية على الكفر‪ ,‬ولهذا قال }وقد دخلوا{‬
‫أي عندك يا محمد }بالكفر{ أي مستصحبين الكفككر فككي قلككوبهم‪,‬‬
‫ثم خرجوا وهو كامن فيهكا لكم ينتفعكوا بمكا قكد سكمعوا منكك مكن‬
‫العلم‪ ,‬ول نجعت فيهم المواعظ ول الزواجر ولهذا قال }وهككم قكد‬
‫‪464‬‬
‫خرجوا به{ فخصهم به دون غيرهم‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬واللككه أعلككم‬
‫بما كانوا يكتمون{ أي واللككه عككالم بسككرائرهم ومككا تنطككوي عليككه‬
‫ضمائرهم‪ ,‬وإن أظهروا لخلقه خلف ذلك‪ ,‬وتزينوا بما ليس فيهم‪,‬‬
‫فإن الله عالم الغيب و الشهادة أعلم بهم منهم‪ ,‬وسيجزيهم علككى‬
‫ذلك أتم الجزاء وقوله }وتككرى كككثيرا منهككم يسككارعون فككي الثككم‬
‫والعكدوان وأكلهكم السكحت{ أي يبكادرون إلكى ذلكك مكن تعكاطي‬
‫المآثم والمحارم والعتداء على الناس وأكلهكم أمككوالهم بالباطكل‪,‬‬
‫}لبئس ما كانوا يعملون{‪ ,‬أي لككبئس العمككل كككان عملهككم‪ ,‬وبئس‬
‫العتككككككككككككككككككككككككككككككككداء اعتككككككككككككككككككككككككككككككككداؤهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬لو ل ينهاهم الربانيون والحبار عككن قككولهم الثككم‬
‫وأكلهم السحت لبئس ما كككانوا يصككنعون{ يعنككي هل كككان ينهككاهم‬
‫الربانيون والحبار عن تعاطي ذلك‪ ,‬والربانيون هم العلماء العمال‬
‫أرباب الوليات عليهم‪ ,‬والحبار هم العلماء فقط }لبئس ما كككانوا‬
‫يصنعون{ يعني من تركهم ذلك‪ ,‬قاله علي بن أبي طلحة عن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قككال لهككؤلء حيككن لككم‬
‫ينهوا ولهؤلء حين علموا‪ ,‬قال‪ :‬وذلك المككر كككان‪ ,‬قككال‪ :‬ويعملككون‬
‫ويصنعون واحد‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫كريب‪ ,‬حدثنا ابن عطية‪ ,‬حدثنا قيس عن العلء بن المسككيب‪ ,‬عككن‬
‫خالد بن دينار‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬ما في القرآن آية أشد توبيخا ً‬
‫لية }لول ينهككاهم الربككانيون والحبككار عككن قككولهم الثككم‬ ‫من هذه ا َ‬
‫وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون{ قال‪ :‬كذا قرأ وكككذا قككال‬
‫ى‪ ,‬رواه‬ ‫الضحاك‪ :‬ما في القرآن آية أخوف عندي منهككا‪ ,‬إنككا ل ننه ك َ‬
‫ابككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن جريككككككككككككككككككككككككككككككككككككككر‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حككاتم‪ ,‬ذكككره يككونس بككن حككبيب‪ ,‬حككدثنا أبككو داود‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن مسلم بككن أبككي الوضككاح‪ ,‬حككدثنا ثككابت أبككو سككعيد‬
‫الهمداني قال لقيته بالري فحدث عن يحيى بن يعمر قال‪ :‬خطككب‬
‫علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬أيهككا النككاس‬
‫إنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههككم الربككانيون‬
‫والحبككار‪ ,‬فلمككا تمككادوا فككي المعاصككي أخككذتهم العقوبككات فمككروا‬
‫بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينككزل بكككم مثككل الككذي نككزل‬
‫بهم‪ ,‬واعلموا أن المر بالمعروف والنهي عن المنكر ل يقطع رزقا ً‬
‫ل‪ ,‬وقال المام أحمد‪ :‬حككدثنا يزيككد بككن هككارون‪ ,‬أنبأنككا‬ ‫ول يقرب أج ً‬
‫‪465‬‬
‫شريك عن أبي إسحاق عن المنذر بن جرير‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »مككا مككن قككوم يكككون بيككن‬
‫أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنككع‪ ,‬ولككم يغيككروا إل‬
‫أصابهم الله منه بعذاب« تفرد به أحمد مككن هككذاالوجه‪ ,‬ورواه أبككو‬
‫داود عن مسدد‪ ,‬عن أبي الحوص‪ ,‬عن أبي إسككحاق‪ ,‬عككن المنككذر‬
‫بن جرير‪ ,‬عن جرير قككال‪ :‬سككمعت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم يقول‪» :‬ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصككي‬
‫يقدرون أن يغيروا عليه‪ ,‬فل يغيرون إل أصككابهم اللككه بعقككاب قبككل‬
‫أن يموتوا« وقد رواه ابن ماجه عن علي بن محمد‪ ,‬عن وكيع عن‬
‫إسرائيل‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن عبيد الله بن جريككر‪ ,‬عككن أبيككه بككه‪,‬‬
‫قككال الحككافظ المككزي‪ :‬وهكككذا رواه شككعبة عككن أبككي إسككحاق بككه‪.‬‬
‫مككا قَككاُلوا ْ ب َك ْ‬ ‫َ‬

‫ل‬ ‫م وَل ُعُِنوا ْ ب ِ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ة غُل ّ ْ‬ ‫مغُْلول َ ٌ‬ ‫ت ال ْي َُهود ُ ي َد ُ الل ّهِ َ‬ ‫** وََقال َ ِ‬
‫ل‬ ‫مككآ ُأن كزِ َ‬ ‫من ْهُككم ّ‬ ‫ن ك َِثيككرا ً ّ‬ ‫زي كد َ ّ‬ ‫شآُء وَل َي َ ِ‬ ‫ف يَ َ‬ ‫ن ُينِفقُ ك َي ْ َ‬ ‫سوط ََتا ِ‬ ‫مب ْ ُ‬ ‫داهُ َ‬ ‫يَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ى‬ ‫ضكآءَ إ ِلك َ‬ ‫داوَةَ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال َْعك َ‬ ‫ك ط ُغَْيانا ً وَك ُْفرا ً وَأل َْقي َْنكا ب َي ْن َُهك ُ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن فِككي‬ ‫س كعَوْ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫ب أط َْفأهَككا الل ّك ُ‬ ‫ح كْر ِ‬ ‫دوا ْ َنارا ً ل ّل ْ َ‬ ‫مآ أوْقَ ُ‬ ‫مةِ ك ُل ّ َ‬ ‫ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫ب‬ ‫ل ال ْك ِت َككا ِ‬ ‫ن أ َهْ ك َ‬ ‫َ‬
‫ن * وَل َكوْ أ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫سك ِ‬ ‫مْف ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حك ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫سادا ً َوالل ّك ُ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ت الن ِّعيم ِ * وَل َك ْ‬
‫و‬ ‫جّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خل َْناهُ ْ‬ ‫م َولد ْ َ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مُنوا ْ َوات َّقوْا ْ ل َك َّفْرَنا عَن ْهُ ْ‬ ‫آ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مككن‬ ‫م لك َل ُككوا ْ ِ‬ ‫من ّرب ّهِك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل إ َِليهِ ْ‬ ‫مآ أنزِ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫جي َ‬ ‫موا ْ الت ّوَْراةَ َوال ِن ْ ِ‬ ‫م أَقا ُ‬ ‫أن ّهُ ْ‬
‫فَوقهم ومن تحت أ َرجل ِهم منه ُ‬
‫مكا‬ ‫سكآءَ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫صد َةٌ وَك َِثيٌر ّ‬ ‫مْقت َ ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ٌ‬
‫مأ ّ‬ ‫ْ ِ ِ ْ َ ِ َ ْ ِ ْ ُ ِ ّ ُْ ْ‬
‫م ل ُككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬
‫ن‬ ‫ي َعْ َ‬
‫يخبر تعالى عن اليهود كك عليهككم لعككائن اللكه المتتابعككة إلككى يككوم‬
‫القيامة ك بأنهم وصفوا الله عز وجل وتعالى عن قولهم علوا ً كبيرا ً‬
‫بأنه بخيل‪ ,‬كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنيككاء وعككبروا عككن البخككل‬
‫بأن قالوا }يد الله مغلولة{‪ .‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو عبد الله‬
‫الطهراني‪ ,‬حدثنا حفص بن عمر العدني‪ ,‬حدثنا الحكم بن أبان عن‬
‫عكرمة قال‪ :‬قال ابن عباس }مغلولة{ أي بخيلة‪ ,‬وقال علككي بككن‬
‫أبي طلحة عن ابن عباس قوله }وقالت اليهود يككد اللككه مغلولككة{‬
‫قال‪ :‬ل يعنون بذلك أن يد الله موثقة‪ ,‬ولكن يقولون‪ :‬بخيككل يعنككي‬
‫أمسك ما عنده تعالى الله عن قولهم علوا ً كككبيرًا‪ ,‬وكككذا روي عككن‬
‫مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي والضحاك‪ ,‬وقرأ }ول تجعل يككدك‬
‫‪466‬‬
‫مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما ً محسورًا{‬
‫يعني أنه ينهى عن البخل وعن التبذير‪ ,‬وهو زيادة النفاق في غيككر‬
‫محله‪ ,‬وعبر عن البخل بقوله }ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك{‬
‫وهكذا هكو الكذي أراد هكؤلء اليهكود عليهكم لعكائن اللكه‪ ,‬وقكد قكال‬
‫عكرمة‪ :‬إنها نزلت في فنحاص اليهودي‪ ,‬عليه لعنة الله‪ ,‬وقد تقدم‬
‫أنككه الككذي قككال }إن اللككه فقيككر ونحككن أغنيككاء{ فضككربه أبككو بكككر‬
‫الصديق رضي الله عنه‪ ,‬وقال محمد بن إسحاق‪ :‬حدثنا محمد بككن‬
‫أبي محمد عن سعيد أو عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس قككال‪ :‬قككال رجككل‬
‫من اليهود يقال له شاس بن قيس إن ربك بخيل ل ينفككق‪ ,‬فككأنزل‬
‫الله }وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيكديهم ولعنكوا بمكا قكالوا‬
‫بل يداه مبسككوطتان ينفككق كيككف يشككاء{ وقككد رد ّ اللككه عككز وجككل‬
‫عليهم ما قالوه وقابلهم فيمككا اختلقككوه وافككتروه وائتفكككوه‪ ,‬فقككال‬
‫}غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا{ وهكذا وقع لهم‪ ,‬فإن عنككدهم مككن‬
‫البخل والحسد والجبن والذلة أمككر عظيككم‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬أم‬
‫لهم نصيب مككن الملككك فككإذا ل يؤتككون النككاس نقيككرا ً أم يحسككدون‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬ضككربت‬ ‫الناس على ما آتاهم الله من فضله{ ا َ‬
‫عليهكككككككككككككككككككككم الذلكككككككككككككككككككككة{ ا َ‬
‫ليكككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪} :‬بل يداه مبسوطتان ينفق كيككف يشككاء{ أي بككل‬
‫هو الواسع الفضل‪ ,‬الجزيل العطاء‪ ,‬الذي مككا مككن شككيء إل عنككده‬
‫خزائنه‪ ,‬وهو الذي ما بخلقه من نعمككة فمنككه وحككده ل شككريك لككه‪,‬‬
‫الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه‪ ,‬في ليلنا ونهارنا‪ ,‬وحضككرنا‬
‫وسفرنا‪ ,‬وفي جميع أحوالنا‪ ,‬كما قال }وآتاكم من كل ما سألتموه‬
‫ليككات‬‫وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها إن النسان لظلوم كفار{ وا َ‬
‫في هذا كثيرة‪ ,‬وقد قال المام أحمد بن حنبل‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪,‬‬
‫حدثنا معمر عن همام بن منبه قال‪ :‬هذا ما حدثنا أبو هريرة قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »إن يميككن اللككه ملى ل‬
‫يغيضككها نفقككة سككحاء الليككل والنهككار‪ ,‬أرأيتككم مككا أنفككق منككذ خلككق‬
‫السموات والرض‪ ,‬فإنه لم يغض ما في يمينه كك قككال ككك‪ :‬وعرشككه‬
‫على الماء وفي يده الخرى الفيض يرفع ويخفككض‪ .‬وقككال ‪ :‬يقككول‬
‫الله تعالى‪» :‬أنفق‪ ,‬أنفق عليك« أخرجاه في الصحيحين‪ ,‬البخككاري‬
‫في التوحيد عن علي بككن المككديني‪ ,‬ومسككلم فيككه عككن محمككد بككن‬
‫رافككككككككع‪ ,‬كلهمككككككككا عككككككككن عبككككككككد الككككككككرزاق بككككككككه‪.‬‬
‫‪467‬‬
‫وقوله تعكالى‪} :‬وليزيكدن ككثيرا ً منهكم مكا أنكزل إليكك مكن ربكك‬
‫طغيانا ً وكفرًا{ أي يكون ما آتاك الله يا محمككد مككن النعمككة نقمككة‬
‫في حق أعدائك من اليهود وأشباههم‪ ,‬فكمككا يككزداد بككه المؤمنككون‬
‫تصديقا ً وعمل ً صالحا ً وعلما ً نافعًا‪ ,‬يزداد بككه الكككافرون الحاسككدون‬
‫لك ولمتك طغيانًا‪ ,‬وهككو المبالغككة والمجككاوزة للحككد فككي الشككياء‪,‬‬
‫وكفرا ً أي تكذيبًا‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬قككل هككو للككذين آمنككوا هككدى‬
‫وشفاء والذين ل يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهككم عمككى أولئك‬
‫ينادون من مكان بعيد{ وقال تعالى‪} :‬وننزل مككن القككرآن مككا هككو‬
‫شفاء ورحمككة للمككؤمنين ول يزيككد الظككالمين إل خسككارًا{‪ ,‬وقككوله‬
‫تعالى‪} :‬وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلككى يككوم القيامككة{ يعنككي‬
‫أنه ل تجتمع قلوبهم بل العككداوة واقعككة بيككن فرقهككم بعضككهم فككي‬
‫بعض دائمًا‪ ,‬لنهم ل يجتمعون على حككق‪ ,‬وقككد خككالفوك وكككذبوك‪,‬‬
‫وقال إبراهيم النخعي‪} :‬وألقينا بينهككم العككداوة والبغضككاء{‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫الخصكككومات والجكككدال فكككي الكككدين‪ ,‬رواه ابكككن أبكككي حكككاتم‪.‬‬
‫وقوله }كلما أوقدوا نارا ً للحرب أطفأهككا اللككه{ أي كلمككا عقككدوا‬
‫أسبابا ً يكيدونك بها‪ ,‬وكلما أبرموا أمورا ً يحاربونك بها‪ ,‬أبطلهكا اللكه‬
‫ورد كيدهم عليهككم‪ ,‬وحككاق مكرهككم السككيء بهككم }ويسككعون فككي‬
‫الرض فسادا ً واللكه ل يحكب المفسكدين{ أي مكن سكجيتهم أنهكم‬
‫دائما ً يسعون فككي الفسككاد فككي الرض‪ ,‬واللككه ل يحككب مككن هككذه‬
‫صفته‪ ,‬ثم قال جل وعل‪} :‬ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا{ أي لو‬
‫أنهم آمنوا بككالله ورسكوله واتقكوا مكا ككانوا يتعكاطونه مكن المكآثم‬
‫والمحارم }لكفرنا عنهم سككيئاتهم ولدخلنككاهم جنككات النعيككم{ أي‬
‫لزلنا عنهم المحذور وأنلناهم المقصود‪} ,‬ولو أنهم أقاموا التككوراة‬
‫والنجيل وما أنزل إليهم من ربهم{ قككال ابككن عبككاس وغيككره‪ :‬هككو‬
‫القرآن‪} ,‬لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم{ أي لو أنهم عملوا‬
‫بما في الكتب التي بأيديهم عن النبياء على ما هي عليه من غيككر‬
‫تحريف ول تبديل ول تغيير‪ ,‬لقادهم ذلك إلى اتبككاع الحككق والعمككل‬
‫بمقتضى ما بعث الله به محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فإن كتبهم‬
‫ناطقكككككة بتصكككككديقه والمكككككر باتبكككككاعه حتمكككككا ً ل محالكككككة‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬لكلككوا مككن فككوقهم ومككن تحككت أرجلهككم{ يعنككي‬
‫بذلك كثرة الككرزق النككازل عليهككم مككن السككماء والنككابت لهكم مككن‬
‫الرض‪ ,‬وقال علي بن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس }لكلككوا مككن‬
‫‪468‬‬
‫فككوقهم{ يعنككي لرسككل السككماء عليهككم مككدرارًا‪} ,‬ومككن تحككت‬
‫أرجلهم{ يعني يخرج من الرض بركاتها‪ ,‬وكذا قال مجاهد وسككعيد‬
‫بن جبير وقتادة والسدي‪ ,‬كما قككال تعككالى‪} :‬ولككو أن أهككل القككرى‬
‫آمنوا واتقككوا لفتحنككا عليهككم بركككات مككن السككماء والرض{ ا َ‬
‫وقال تعالى‪} :‬ظهر الفساد فككي الككبر والبحككر بمككا كسككبت أيككدي‬
‫لية‪ ,‬وقال بعضهم معناه }لكلوا من فوقهم ومككن تحككت‬ ‫الناس{ ا َ‬
‫أرجلهم{ يعني من غير كد ول تعب ول شقاء ول عناء‪ .‬وقككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬قال بعضهم‪ :‬معناه لكانوا في الخير كما يقككول القككائل‪ :‬هككو‬
‫في الخير من فرقه إلى قدمه‪ ,‬ثم رد هذا القول لمخككالفته أقككوال‬
‫السككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككلف‪.‬‬
‫وقد ذكر ابكن أبكي حكاتم عنككد قككوله }ولكو أنهكم أقككاموا التككوراة‬
‫والنجيل{ حديث علقمة عن صفوان بن عمرو‪ ,‬عن عبد الرحمككن‬
‫بن جبير بن نفير‪ ,‬عن أبيه أن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قال »يوشك أن يرفع العلم« فقال زياد بن لبيد‪ :‬يككا رسككول اللككه‪,‬‬
‫وكيككف يرفككع العلككم وقككد قرأنككا القككرآن وعلمنككاه أبناءنككا ؟ فقككال‬
‫»ثكلتك أمك يا ابن لبيد إن كنت لراك من أفقه أهككل المدينككة‪ ,‬أو‬
‫ليست التوراة والنجيل بأيدي اليهود والنصارى‪ ,‬فمككا أغنككى عنهككم‬
‫حين تركوا أمر الله« ثم قرأ }ولو أنهم أقاموا التككوراة والنجيككل{‬
‫هكذا أورده ابن أبي حاتم معلقا ً من أول إسناده مرسل ً في آخره‪.‬‬
‫ل‪ ,‬فقال‪ :‬حدثنا وكيع‪,‬‬ ‫وقد رواه المام أحمد بن حنبل متصل ً موصو ً‬
‫حدثنا العمش عن سالم بن أبي الجعد‪ ,‬عن زياد بن لبيد أنه قككال‬
‫ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شككيئًا‪ ,‬فقككال »وذاك عنككد ذهككاب‬
‫العلم« قال‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬وكيف يكذهب العلكم ونحكن نقكرأ‬
‫القرآن‪ ,‬ونقرئه أبناءنا‪ ,‬وأبناؤنا يقرؤونه أبناءهم إلى يوم القيامة ؟‬
‫فقال »ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد‪ ,‬إن كنت لراك مككن أفقككه رجككل‬
‫بالمدينة‪ ,‬أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التككوراة والنجيككل‬
‫ول ينتفعون مما فيهما بشيء« هكذا رواه ابن ماجه عن أبككي بكككر‬
‫بككن أبككي شككيبة‪ ,‬عككن وكيككع بإسككناده نحككوه‪ ,‬هككذا إسككناد صككحيح‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملككون{‬
‫كقوله }ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون{ وكقوله‬
‫ليككة‪ ,‬فجعككل‬‫عن أتباع عيسى }فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهككم{ ا َ‬
‫أعلى مقاماتهم القتصاد وهو أوسككط مقامككات هككذه المككة وفككوق‬
‫‪469‬‬
‫ذلك رتبة السابقين‪ ,‬كما في قوله عز وجككل‪} :‬ثككم أورثنككا الكتككاب‬
‫الذين اصطفينا مككن عبادنككا فمنهككم ظككالم لنفسككه ومنهككم مقتصككد‬
‫ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللككه ذلككك هككو الفضككل الكككبير جنككات‬
‫لية‪ ,‬والصحيح أن القسام الثلثة من هذه المككة‬ ‫عدن يدخلونها{ ا َ‬
‫كلهم يدخلون الجنة‪ ,‬وقد قال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا عبككد اللككه‬
‫بن جعفر‪ ,‬حدثنا أحمد بن يونس الضككبي‪ ,‬حككدثنا عاصككم بككن عككدي‬
‫حدثنا أبو معشر‪ ,‬عن يعقككوب بككن يزيككد بككن طلحككة‪ ,‬عككن زيككد بككن‬
‫أسلم‪ ,‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬كنككا عنككد رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فقال »تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملككة‪:‬‬
‫سبعون منها في النار‪ ,‬وواحدة فككي الجنككة‪ ,‬وتفرقككت أمككة عيسككى‬
‫على ثنتين وسبعين ملة‪ :‬واحدة في الجنة‪ ,‬وإحدى وسككبعون منهككا‬
‫في النار‪ ,‬وتعلو أمككتي علككى الفرقككتين جميعكا ً واحككدة فككي الجنككة‪,‬‬
‫وثنتان وسبعون في النار« قالوا‪ :‬مككن هكم يكا رسككول اللكه ؟ قككال‬
‫»الجماعات الجماعات«‪ .‬قال يعقوب بن زيد‪ :‬كان علككي بككن أبككي‬
‫طالب إذا حدث بهذا الحككديث عككن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم تل فيه قرآنًا‪ ,‬قال }ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنككا‬
‫عنهم سيئاتهم ولدخلناهم جنات النعيم{ إلى قوله تعالى‪} :‬منهككم‬
‫أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون{ وتل أيضا ً قككوله تعككالى‪:‬‬
‫}وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبككه يعككدلون{ يعنككي أمككة محمككد‬
‫صلى الله عليه وسلم وهذا حديث غريب جدا ً من هذا الوجه وبهذا‬
‫السياق‪ ,‬وحديث افتراق المم إلى بضع وسبعين مروي من طككرق‬
‫عديككدة‪ ,‬وقككد ذكرنككاه فككي موضككع آخككر وللككه الحمككد والمنككة‪.‬‬
‫مآ ُأنزِ َ‬ ‫َ‬

‫ل فَ َ‬
‫مككا‬ ‫م ت َْفعَ ك ْ‬‫ك وَِإن ل ّك ْ‬ ‫مككن ّرب ّك َ‬‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫** َيـأي َّها الّر ُ‬
‫دي ال َْق كوْ َ‬
‫م‬ ‫ن الل ّك َ‬
‫ه ل َ ي َهْ ك ِ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫ن الن ّككا ِ‬‫مك َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬
‫صك ُ‬‫ه ي َعْ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬‫سال َت َ ُ‬
‫ت رِ َ‬‫ب َل ّغْ َ‬
‫ن‬‫ري َ‬‫ال ْك َككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككافِ ِ‬
‫يقول تعالى مخاطبا ً عبده ورسوله محمدا ً صلى الله عليه وسلم‬
‫باسم الرسالة‪ ,‬وآمرا ً له بإبلغ جميع ما أرسله الله به‪ ,‬وقد امتثككل‬
‫عليككه أفضككل الصككلة والسككلم ذلككك‪ ,‬وقككام بككه أتككم القيككام‪ ,‬قككال‬
‫ليككة‪ :‬حككدثنا محمككد بككن يوسككف‪ ,‬حككدثنا‬ ‫البخاري عند تفسير هككذه ا َ‬
‫سفيان عن إسككماعيل‪ ,‬عككن الشككعبي عككن مسككروق‪ ,‬عككن عائشكة‬
‫‪470‬‬
‫رضي الله عنها‪ ,‬قالت‪ :‬من حدثك أن محمدا ً كتم شككيئا ً ممككا أنككزل‬
‫الله عليه فقد كذب‪ ,‬الله يقول }يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليككك‬
‫لية‪ ,‬هكذا رواه هاهنا مختصرا ً وقد أخرجه في مواضككع‬ ‫من ربك{ ا َ‬
‫ل‪ ,‬وكككذا رواه مسككلم فككي كتككابي اليمككان‪,‬‬ ‫مككن صككحيحه مطككو ً‬
‫والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننهما من طرق عككن‬
‫عامر الشعبي‪ ,‬عن مسروق بككن الجككدع‪ ,‬عنهككا رضككي اللككه عنهككا‪,‬‬
‫وفي الصحيحين عنها أيضا ً أنها قالت‪ :‬لو كككان محمككدا ً صككلى اللككه‬
‫ليككة }وتخفككي فككي‬ ‫عليه وسلم كاتما ً شيئا ً من القرآن لكتم هككذه ا َ‬
‫نفسك ما اللككه مبككديه وتخشككى النككاس واللككه أحككق أن تخشككاه{‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا أحمككد بككن منصككور الرمككادي‪ :‬حككدثنا‬
‫سعيد بن سليمان‪ ,‬حدثنا عباد عن هارون بن عنترة‪ ,‬عن أبيه قال‪:‬‬
‫كنا عند ابن عباس‪ ,‬فجاء رجل فقال له‪ :‬إن ناسا ً يأتونككا فيخبروننككا‬
‫أن عندكم شيئا ً لم يبده رسول الله صلى الله عليه وسلم للنككاس‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬ألم تعلم أن الله تعالى قال‪} :‬يككا أيهككا الرسككول‬
‫بّلغ ما أنزل إليك من ربك{ والله ما ورثنا رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم سوداء في بيضاء‪ ,‬وهذا إسناد جيد‪ ,‬وهكذا في صككحيح‬
‫البخاري من رواية أبي جحيفة وهب بن عبككد اللككه السككوائي قككال‪:‬‬
‫قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه‪ :‬هككل عنككدكم شككيء مككن‬
‫الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقككال‪ :‬ل والككذي فلككق الحبككة وبككرأ‬
‫النسككمة‪ ,‬إل فهم كا ً يعطيككه اللككه رجل ً فككي القككرآن ومككا فككي هككذه‬
‫الصحيفة‪ ,‬قلت‪ :‬وما فككي هككذه الصككحيفة ؟ قككال‪ :‬العقككل‪ ,‬وفكككاك‬
‫السكككككككككككير‪ ,‬وأن ل يقتكككككككككككل مسكككككككككككلم بككككككككككككافر‪.‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬قال الزهري‪ :‬من اللككه الرسككالة وعلككى الرسككول‬
‫البلغ وعلينا التسليم‪ ,‬وقد شكهدت لكه أمتكه بكإبلغ الرسكالة وأداء‬
‫المانة‪ ,‬واستنطقهم بذلك في أعظككم المحافككل فككي خطبتككه يككوم‬
‫حجة الوداع‪ ,‬وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفًا‪ ,‬كمككا‬
‫ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صككلى‬
‫اللككه عليككه وسككلم قككال فككي خطبتككه يككومئذ »أيهككا النككاس إنكككم‬
‫مسؤولون عني‪ ,‬فما أنتم قائلون ؟« قالوا‪ :‬نشككهد أنككك قككد بلغككت‬
‫وأديت ونصحت‪ ,‬فجعل يرفع أصبعه إلككى السككماء وينكسككها إليهككم‬
‫ويقول »اللهم هل بلغت« ؟‪ .‬قال المام أحمككد‪ :‬حككدثنا ابككن نميككر‪,‬‬
‫حدثنا فضيل يعني ابن غزوان‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫‪471‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الككوداع‪» .‬يككا أيهككا‬
‫الناس« أي يوم هذا ؟ قالوا‪ :‬يوم حرام‪ ,‬قال أي بلد هككذا ؟ قككالوا‪:‬‬
‫بلد حرام‪ ,‬قال أي شككهر هككذا ؟ قككالوا‪ :‬شككهر حككرام‪ ,‬قككال‪» :‬فككإن‬
‫أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكككم حككرام كحرمككة يككومكم هككذا‪,‬‬
‫في بلدكم هذا‪ ,‬في شهركم هذا« ثم أعادها مرارًا‪ ,‬ثم رفع أصبعه‬
‫إلى السماء فقال »اللهم هكل بلغكت ؟« مكرارًا‪ .‬قكال‪ :‬يقكول ابكن‬
‫عباس‪ :‬والله لوصية إلى ربه عز وجل‪ ,‬ثم قال »أل فليبلغ الشاهد‬
‫الغائب‪ :‬ل ترجعوا بعدي كفارا ً يضرب بعضكم رقككاب بعككض« وقككد‬
‫روى البخاري عن علي بككن المككديني‪ ,‬عككن يحيككى بككن سككعيد‪ ,‬عككن‬
‫فضكككككككككككيل بكككككككككككن غكككككككككككزوان بكككككككككككه نحكككككككككككوه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وإن لم تفعل فما بلغت رسككالته{ يعنككي وإن لككم‬
‫تؤد إلى الناس ما أرسلتك به‪ ,‬فما بلغت رسالته‪ ,‬أي وقد علم مككا‬
‫يترتب على ذلك لو وقع وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‬
‫}وإن لم تفعل فما بلغت رسالته{ يعني إن كتمت آيككة ممككا أنككزل‬
‫إليك من ربك لم تبلغ رسككالته‪ ,‬قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪,‬‬
‫حدثنا قبيصة بن عقبة‪ ,‬حدثنا سفيان عن رجل‪ ,‬عككن مجاهككد قككال‪:‬‬
‫لما نزلت }يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليككك مككن ربككك{ قككال‪ :‬يككا‬
‫ي ؟ فنزلككت }وإن لككم‬ ‫رب‪ ,‬كيف أصنع وأنككا وحككدي يجتمعككون عل ك ّ‬
‫تفعل فما بلغت رسالته{ ورواه ابن جرير من طريق سفيان وهككو‬
‫الثككككككككككككككككككككككككككككككككككككككوري بككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬والله يعصمك من الناس{ أي بلغ أنككت رسككالتي‬
‫وأنا حافظك وناصرك ومؤيككدك علككى أعككدائك ومظفككرك بهككم‪ ,‬فل‬
‫تخف ول تحزن فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك‪ ,‬وقككد كككان‬
‫لية يحرس‪ ,‬كما قال‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه ا َ‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬حدثنا يحيى قال‪ :‬سككمعت عبككد اللككه بككن‬
‫عامر بن ربيعة يحدث أن عائشة رضي الله عنها كككانت تحككدث أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة وهككي إلككى جنبككه‬
‫قالت‪ :‬فقلت ما شأنك يا رسول الله ؟ قال »ليت رجل ً صالحا ً من‬
‫أصحابي يحرسني الليلة« قالت‪ :‬فبينككا أنككا علككى ذلككك‪ ,‬إذ سككمعت‬
‫صوت السلح‪ ,‬فقال »من هذا ؟« فقال‪ :‬أنا سعد بن مالك‪ .‬فقال‪:‬‬
‫»مكككا جكككاء بكككك ؟« قكككال‪ :‬جئت لحرسكككك يكككا رسكككول اللكككه‪.‬‬
‫قالت‪(:‬فسمعت غطيط رسول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم فكي‬
‫‪472‬‬
‫نومه‪ ,‬أخرجاه في الصحيحين من طريق يحيى بن سعيد النصاري‬
‫به‪ ,‬وفي لفظ‪ :‬سهر رسول الله صلى الله عليككه وسككلم ذات ليلككة‬
‫مقدمه المدينة يعني على أثر هجرتككه بعككد دخككوله بعائشككة رضككي‬
‫اللكككككه عنهكككككا‪ ,‬وككككككان ذلكككككك فكككككي سكككككنة ثنكككككتين منهكككككا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا إبراهيككم بككن مككرزوق البصككري‪ ,‬نزيككل‬
‫مصر‪ ,‬حدثنا مسلم بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا الحارث بككن عبيككد يعنككي أبككا‬
‫قدامة عن الجريري‪ ,‬عن عبد الله بن شقيق‪ ,‬عككن عائشككة قككالت‪:‬‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسككلم يحككرس حككتى نزلككت هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫}والله يعصمك من الناس{ قالت‪ :‬فأخرج النبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم رأسه من القبة وقال »يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني‬
‫الله عز وجل« وهكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد‪ ,‬وعن نصككر‬
‫بن علي الجهضمي‪ ,‬كلهما عن مسلم بككن إبراهيككم بككه‪ ,‬ثككم قككال‪:‬‬
‫وهذا حديث غريب‪ ,‬وهكذا رواه ابن جرير والحاكم فككي مسككتدركه‬
‫من طريق مسلم بن إبراهيم به‪ ,‬قال الحاكم‪ :‬صحيح السناد‪ ,‬ولم‬
‫يخرجاه‪ ,‬وكذا رواه سعيد بن منصور عككن الحككارث بككن عبيككد أبككي‬
‫قدامة عن الجريري‪ ,‬عن عبد الله بن شقيق‪ ,‬عن عائشككة بككه‪ ,‬ثككم‬
‫قال الترمذي‪ :‬وقد روى بعضهم هذا عن الجريري عن ابن شقيق‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسككلم يحككرس حككتى نزلككت هككذه‬
‫لية‪ ,‬ولم يذكر عائشة‪ .‬قلكت‪ :‬هككذا رواه ابكن جريكر مكن طريكق‬ ‫ا َ‬
‫إسماعيل بن علية‪ ,‬وابن مردويه مككن طريككق وهيككب‪ ,‬كلهمككا عككن‬
‫ل‪ ,‬وقد روى هذا مرسل عن‬ ‫الجريري عن عبد الله بن شقيق مرس ً‬
‫سعيد بن جككبير ومحمككد بككن كعككب القرظككي‪ ,‬رواهمككا ابككن جريككر‪,‬‬
‫والربيع بن أنس‪ ,‬رواه ابن مردويه‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬حككدثنا سككليمان بككن‬
‫أحمكد‪ ,‬حكدثنا أحمكد بكن رشكدين المصكري‪ ,‬حكدثنا خالكد بكن عبكد‬
‫السلم الصككدفي‪ ,‬حككدثنا الفضككل بككن المختككار عككن عبككد اللككه بككن‬
‫موهب‪ ,‬عن عصمة بن مالك الخظمككي قككال‪ :‬كنككا نحككرس رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بالليل‪ .‬حتى نزلت }والله يعصمك مككن‬
‫الناس{ فترك الحرس‪ ,‬حدثنا سليمان بن أحمككد‪ ,‬حككدثنا حمككد بككن‬
‫محمد بن حمد أبو نصر الكاتب البغدادي‪ ,‬حدثنا كردوس بن محمد‬
‫الواسطي‪ ,‬حدثنا يعلى بن عبد الرحمن عن فضيل بن مرزوق عن‬
‫عطية‪ ,‬عن أبي سعيد الخدري‪ ,‬قال‪ :‬كان العباس عم رسول اللككه‬
‫لية }واللككه‬‫صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه‪ ,‬فلما نزلت هذه ا َ‬
‫‪473‬‬
‫يعصمك من النككاس{ تككرك رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫الحرس‪ .‬حدثنا علي بن أبي حامد المديني‪ ,‬حدثنا أحمد بن محمككد‬
‫بن سعيد‪ ,‬حدثنا محمد بككن مفضككل بككن إبراهيككم الشككعري‪ ,‬حككدثنا‬
‫أبي‪ ,‬حدثنا محمد بن معاوية بن عمار‪ ,‬حدثنا أبي قال‪ :‬سمعت أبككا‬
‫الزبير المكي يحدث عن جابر بن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬كان رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم إذا خرج بعككث معككه أبككو طككالب مككن يكلككؤه‬
‫حتى نزلت }والله يعصمك من الناس{ فذهب ليبعث معه‪ ,‬فقككال‬
‫»يا عم إن الله قد عصككمني ل حاجكة لككي إلككى مككن تبعككث« وهككذا‬
‫ليكة مدنيكة‪ ,‬وهكذا الحكديث‬ ‫حديث غريب وفيه نككارة‪ ,‬فكإن هكذه ا َ‬
‫يقتضي أنها مكية‪ ,‬ثم قكال‪ :‬حكدثنا محمككد بككن أحمككد بكن إبراهيكم‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن يحيى‪ ,‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا عبد الحميد الحماني‬
‫عن النضر‪ ,‬عن عكرمة عن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬كككان رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم يحرس فكان أبو طالب يرسل إليه كل يوم‬
‫لية }يا أيهككا‬ ‫رجال ً من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه ا َ‬
‫الرسول بلغ مككا أنككزل إليككك مككن ربككك وإن لككم تفعككل فمككا بلغككت‬
‫رسالته والله يعصمك من الناس{ قال‪ :‬فأراد عمه أن يرسل معه‬
‫من يحرسه‪ ,‬فقال‪» :‬إن اللككه قككد عصككمني مككن الجككن والنككس«‪,‬‬
‫ورواه الطبراني عن يعقوب بن غيلن العماني‪ ,‬عن أبي كريب به‪,‬‬
‫ليككة مدنيككة بككل هككي‬ ‫وهذا أيضا ً حديث غريب‪ ,‬والصحيح أن هذه ا َ‬
‫من أواخر ما نزل بهككا‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬ومككن عصككمة اللككه لرسككوله‪,‬‬
‫حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانككديها ومترفيهككا‪,‬‬
‫مع شدة العداوة والبغضككة‪ ,‬ونصككب المحاربككة لككه ليل ً ونهككارًا‪ ,‬بمككا‬
‫يخلقه الله من السباب العظيمة بقدرته وحكمته العظيمة‪ ,‬فصانه‬
‫في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيسا ً مطاعا ً كبيرا ً في‬
‫قريش‪ ,‬وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم ل شرعية‪ ,‬ولو كان أسلم لجترأ عليه كفارها وكبارها‪,‬‬
‫ولكككن لمككا كككان بينككه وبينهككم قككدر مشككترك فككي الكفككر هككابوه‬
‫واحترموه‪ ,‬فلما مات عمه أبككو طككالب‪ ,‬نككال منككه المشككركون أذي‬
‫يسيرًا‪ ,‬ثم قيض الله له النصار فبككايعوه علككى السككلم وعلككى أن‬
‫يتحول إلى دارهم وهي المدينة‪ ,‬فلما صار إليها‪ ,‬منعوه من الحمر‬
‫والسود‪ ,‬وكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسككوء كككاده‬
‫الله‪ ,‬ورد كيده عليه‪ ,‬كما كاده اليهود بالسحر فحمككاه اللككه منهككم‪,‬‬
‫‪474‬‬
‫وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء‪ ,‬ولما سمه اليهككود‬
‫في ذراع تلك الشاة بخيبر‪ ,‬أعلمه الله به وحماه منه‪ ,‬ولهذا أشباه‬
‫كثيرة جدا ً يطول ذكرها‪ ,‬فمن ذلك ماذكره المفسككرون عنككد هككذه‬
‫ا َ‬
‫ليكككككككككككككككككككككككككككككككككككة الكريمكككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪:‬‬
‫فقال أبو جعفر بن جرير‪ :‬حدثنا الحارث‪ ,‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬حدثنا‬
‫أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي‪ ,‬وغيره‪ ,‬قالوا‪ :‬كان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزل ً اختار له أصككحابه شككجرة‬
‫ظليلة فيقيل تحتها‪ ,‬فأتاه أعرابي فككاخترط سككيفه‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬مككن‬
‫يمنعك مني ؟ فقال » الله عز وجل« فرعدت يد العرابي وسقط‬
‫السيف منه‪ ,‬وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه‪ ,‬فأنزل الله‬
‫عز وجل‪} :‬والله يعصمك من الناس{‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا‬
‫أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطككان‪ ,‬حككدثنا زيككد‬
‫بن الحباب‪ ,‬حدثنا موسى بن عبيككدة‪ ,‬حككدثني زيككد بككن أسككلم عككن‬
‫جابر بن عبد الله النصاري‪ ,‬قال‪ :‬لما غزا رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم بني أنمككار‪ ,‬نككزل ذات الرقككاع بككأعلى نخككل‪ ,‬فبينككا هككو‬
‫جالس على رأس بئر قد دلى رجليه‪ ,‬فقال غورث بن الحارث من‬
‫بني النجار‪ :‬لقتلن محمدًا‪ ,‬فقال له أصككحابه‪ :‬كيككف تقتلككه ؟ قككال‪:‬‬
‫أقول له‪ :‬أعطني سككيفك‪ ,‬فككإذا أعطككانيه‪ ,‬قتلتككه بككه‪ ,‬قككال‪ :‬فأتككاه‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا محمد‪ ,‬أعطني سيفك أشيمه‪ ,‬فأعطاه إياه‪ ,‬فرعدت يده‬
‫حتى سقط السيف من يده‪ ,‬فقال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »حال الله بينك وبين ما تريد«‪ ,‬فأنزل الله عككز وجككل‪} :‬يككا‬
‫أيها الرسول بّلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لككم تفعككل فمككا بلغككت‬
‫رسالته والله يعصمك من النككاس{ وهككذا حككديث غريككب مككن هككذا‬
‫الككوجه‪ ,‬وقصككة غككورث بككن الحككارث مشككهورة فككي الصككحيح‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا أبو عمرو بن أحمد بن محمد بن‬
‫إبراهيم‪ ,‬حدثنا محمد بن عبد الوهاب‪ ,‬حدثنا آدم‪ ,‬حككدثنا حمككاد بككن‬
‫سلمة عن محمد بن عمرو‪ ,‬عن أبي سلمة‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له‬
‫أعظم شجرة وأظلها‪ ,‬فينزل تحتها‪ ,‬فنزل ذات يككوم تحككت شككجرة‬
‫وعلق سيفه فيها‪ ,‬فجاء رجل فأخذه‪ ,‬فقال‪ :‬يا محمككد مككن يمنعككك‬
‫مني ؟ فقال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم » اللككه يمنعنككي‬
‫منك ضع السيف« فوضعه‪ ,‬فأنزل الله عز وجل‪} :‬واللككه يعصككمك‬
‫‪475‬‬
‫من الناس{ وكذا رواه أبو حاتم بن حبككان فككي صككحيحه عككن عبككد‬
‫اللككه بككن محمككد‪ ,‬عككن إسككحاق بككن إبراهيككم‪ ,‬عككن المؤمككل بككن‬
‫إسككككككككماعيل‪ ,‬عككككككككن حمككككككككاد بككككككككن سككككككككلمة بككككككككه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬حدثنا شككعبة‪ ,‬سككمعت‬
‫أبا إسككرائيل‪ ,‬يعنككي الجشككمي‪ ,‬سككمعت جعككدة هككو ابككن خالككد بككن‬
‫الصمة الجشمي رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬سككمعت النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم ورأى رجل ً سمينًا‪ ,‬فجعل النبي صلى الله عليه وسككلم‬
‫يومىء إلى بطنه بيده ويقول »لو كككان هككذا فككي غيككر هككذا‪ ,‬لكككان‬
‫خيرا ً لك« قال‪ :‬وأتي النبي صلى الله عليه وسككلم برجككل‪ ,‬فقيككل‪:‬‬
‫هذا أراد أن يقتلك‪ ,‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪» :‬لم ترع‬
‫ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي«‪ .‬وقككوله }إن اللككه ل يهككدي‬
‫القوم الكافرين{ أي بلككغ أنككت واللككه هككو الككذي يهككدي مككن يشككاء‬
‫ويضل من يشاء‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬ليس عليك هداهم ولكككن اللككه‬
‫يهدي مككن يشككاء{ وقككال }فإنمككا عليككك البلغ وعلينككا الحسككاب{‪.‬‬
‫ل يـ كأ َ‬
‫مككوا ْ الت ّكوَْراةَ‬ ‫ى ت ُِقي ُ‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ت‬‫ح‬‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ى‬‫َ‬ ‫ك‬‫م عَل َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ك‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ب لَ‬ ‫ِ‬ ‫كا‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫** قُ ك ْ َ‬
‫ل‬ ‫مككآ أ ُن ْكزِ َ‬‫م ّ‬ ‫من ْهُك ْ‬ ‫ن ك َِثيككرا ً ّ‬ ‫زيد َ ّ‬‫م وَل َي َ ِ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫مآ ُأنزِ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫جي َ‬
‫َوال ِن ْ ِ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫س عَل َككى ال َْقكوْم ِ ال ْك َككافِ ِ‬ ‫ك ط ُغَْيانا ً وَك ُْفرا ً فَل َ ت َأ َ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ن ب ِككالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مك َ‬ ‫نآ َ‬ ‫مك ْ‬ ‫صككاَرىَ َ‬ ‫ن َوالن ّ َ‬ ‫صككاب ُِئو َ‬ ‫دوا ْ َوال ّ‬ ‫ن هَككا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا ْ َوال ّك ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن‬
‫حَزن ُككو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َ هُ ك ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ك ْ‬ ‫خ كو ْ ٌ‬ ‫صككاِلحا ً فَل َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مك َ‬ ‫خ كرِ وعَ ِ‬ ‫َوال ْي َكوْم ِ ال َ ِ‬
‫يقول تعالى‪ :‬قل يا محمد »يا أهل الكتككاب لسككتم علككى شككيء{‬
‫أي من الدين حتى تقيموا التوراة والنجيل‪ ,‬أي حتى تؤمنوا بجميع‬
‫ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على النبيككاء‪ ,‬وتعملككوا بمككا‬
‫فيها‪ ,‬ومما فيها المر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم واليمككان‬
‫بمبعثه‪ ,‬والقتداء بشريعته‪ ,‬ولهككذا قككال ليككث بككن أبككي سككليم عككن‬
‫مجاهد‪ :‬في قككوله }ومككا أنككزل إليكككم مككن ربكككم{‪ :‬يعنككي القككرآن‬
‫العظيم‪ ,‬وقكوله }وليزيكدن ككثيرا ً منهكم مكا أنكزل إليكك مكن ربكك‬
‫طغيانا ً وكفرًا{ تقدم تفسيره‪} ,‬فل تأس علككى القككوم الكككافرين{‬
‫أي فل تحزن عليهم‪ ,‬ول يهيدّنك ذلككك منهككم‪ ,‬ثككم قككال }إن الككذين‬
‫آمنوا{ وهككم المسككلمون‪} ,‬والككذين هككادوا{ وهككم حملككة التككوراة‪,‬‬
‫}والصابئون{ لما طال الفصل حسن العطف بككالرفع‪ ,‬والصككابئون‬
‫‪476‬‬
‫طائفة مككن النصككارى و المجككوس ليككس لهككم ديككن‪ ,‬قككاله مجاهككد‪,‬‬
‫وعنه‪ :‬من اليهود والمجوس‪ ,‬وقككال سككعيد بككن جككبير‪ :‬مككن اليهككود‬
‫والنصارى‪ ,‬وعن الحسن والحكم‪ :‬إنهككم كككالمجوس‪ ,‬وقككال قتككادة‪:‬‬
‫هم قوم يعبككدون الملئكككة‪ ,‬ويصككلون إلككى غيككر القبلككة‪ ,‬ويقككرءون‬
‫الزبككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككور‪.‬‬
‫وقال وهب بن منبه‪ :‬هم قوم يعرفون الله وحككده‪ ,‬وليسككت لهككم‬
‫شريعة يعملون بها‪ ,‬ولم يحدثوا كفككرًا‪ ,‬وقككال ابككن وهككب‪ :‬أخككبرني‬
‫ابن أبي الزناد عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬الصابئون هم قوم مما يلي العككراق‪,‬‬
‫وهم بكككوثى‪ ,‬وهككم يؤمنككون بككالنبيين كلهككم‪ ,‬ويصككومون كككل سككنة‬
‫ثلثين يومًا‪ ,‬ويصلون إلى اليمن كل يوم خمس صلوات‪ ,‬وقيل غير‬
‫ذلك‪ ,‬وأما النصارى فمعروفون وهم حملة النجيل‪ ,‬والمقصككود أن‬
‫لخر وهو الميعاد والجزاء يوم الدين‪,‬‬ ‫كل فرقة آمنت بالله واليوم ا َ‬
‫وعملت عمل ً صككالحًا‪ ,‬ول يكككون ذلككك كككذلك حككتى يكككون موافقكا ً‬
‫للشككريعة المحمديككة بعككد إرسككال صككاحبها المبعككوث إلككى جميككع‬
‫الثقلين فمن اتصف بككذلك فل خككوف عليهككم فيمككا يسككتقبلونه‪ ,‬ول‬
‫على ما تركوا وراء ظهورهم‪ ,‬ول هككم يحزنككون‪ ,‬وقككد تقككدم الكلم‬
‫علككى نظيرتهككا فككي سككورة البقككرة بمككا أغنككى عككن إعككادته ههنككا‪.‬‬
‫خذ ْنا ميَثاقَ بن ِي إسراِئي َ َ‬ ‫َ‬

‫م‬ ‫جككآَءهُ ْ‬‫ما َ‬‫سل ً ك ُل ّ َ‬‫م ُر ُ‬ ‫سل َْنآ إ ِل َي ْهِ ْ‬‫ل وَأْر َ‬ ‫َ َ ِ ْ َ‬ ‫** ل ََقد ْ أ َ َ ِ‬
‫سب ُوَا ْ‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬‫ن * وَ َ‬ ‫ريقا ً ي َْقت ُُلو َ‬ ‫ريقا ً ك َذ ُّبوا ْ وَفَ ِ‬ ‫م فَ ِ‬ ‫ما ل َ ت َهْوَىَ أن ُْف ُ‬
‫سه ُ ْ‬ ‫ل بِ َ‬‫سو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫موا ْ‬ ‫مككوا ْ وَ َ‬
‫صك ّ‬ ‫م عَ ُ‬ ‫م ث ُك ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫م َتا َ‬ ‫موا ْ ث ُ ّ‬‫ص ّ‬ ‫موا ْ وَ َ‬
‫ة فَعَ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬‫أ َل ّ ت َ ُ‬
‫ن‬‫مل ُككككككككو َ‬
‫مككككككككا ي َعْ َ‬ ‫صككككككككيٌر ب ِ َ‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫م َوالل ّكككككككك ُ‬ ‫من ْهُكككككككك ْ‬‫ك َِثيككككككككٌر ّ‬
‫يذكر تعالى أنه أخذ العهود والمواثيق علككى بنككي إسككرائيل علككى‬
‫السمع والطاعككة للكه ولرسككوله‪ ,‬فنقضككوا تلكك العهككود والمواثيككق‬
‫واتبعوا آراءهم وأهواءهم‪ ,‬وقككدموها علككى الشككرائع‪ ,‬فمككا وافقهككم‬
‫منها قبلوه وما خككالفهم ردوه‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬كلمككا جككاءهم‬
‫رسول بما ل تهوى أنفسهم فريقا ً كذبوا وفريق كا ً يقتلككون وحسككبوا‬
‫أن ل تكككون فتنككة{ أي وحسككبوا أن ليككترتب لهككم شككر علككى مككا‬
‫صنعوا‪ ,‬فترتب‪ ,‬وهو أنهم عمككوا عككن الحككق وصككموا فل يسككمعون‬
‫حقا ً ول يهتدون إليه‪ ,‬ثم تاب الله عليهككم‪ ,‬أي ممككا كككانوا فيككه‪ ,‬ثككم‬
‫}عمككوا وصككموا{ أي بعككد ذلككك‪} ,‬كككثير منهككم واللككه بصككير بمككا‬
‫‪477‬‬
‫يعملككون{ أي مطلككع عليهككم وعليككم بمككن يسككتحق ا لهدايككة ممككن‬
‫يسككككككككككككككككككككتحق الغوايككككككككككككككككككككة منهككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫ل‬ ‫م وَقَككا َ‬ ‫مْري َك َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْك ُ‬ ‫سككي ُ‬ ‫م ِ‬‫ه ه ُ كو َ ا ل ْ َ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫ن قَككال ُوَا ْ إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫** ل ََقد ْ ك ََفكَر ال ّك ِ‬
‫ك‬ ‫ش كرِ ْ‬ ‫مككن ي ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّك ُ‬ ‫ه َرب ّككي وََرب ّك ُك ْ‬ ‫دوا ْ الل ّك َ‬ ‫ل اعْب ُ ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ح َياب َن ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫بالل ّه فََقد حرم الل ّه عَليه ال ْجنكة و ْ‬
‫ن‬ ‫مك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫مككا ِللظ ّككال ِ ِ‬ ‫مكأَواهُ الن ّككاُر وَ َ‬ ‫ُ َ ِ َ ّ َ َ َ‬ ‫ْ َ ّ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ن إ َِلـككهٍ إ ِل ّ‬ ‫َ‬
‫مكك ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ث ث َل َث َةٍ وَ َ‬ ‫ه َثال ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن َقال ُوَا ْ إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫صارٍ * ل َّقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ‬ ‫أن َ‬
‫م‬ ‫من ْهُ ك ْ‬ ‫ن ك ََف كُروا ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّك ِ‬ ‫سك ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ل َي َ َ‬ ‫ما ي َُقوُلو َ‬ ‫م َينت َُهوا ْ عَ ّ‬ ‫حد ٌ وَِإن ل ّ ْ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫إ َِلـ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫حيكك ٌ‬ ‫ه غَُفوٌر ّر ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ست َغِْفُرون َ ُ‬ ‫ى الل ّهِ وَي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل َ‬
‫م * أفَل َ ي َُتوُبو َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫خل َت من قَبل ِه الرس ُ ُ‬
‫ه‬‫مك ُ‬ ‫ل وَأ ّ‬ ‫ْ ِ ّ ُ‬ ‫ل قَد ْ َ ْ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م إ ِل ّ َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ْ اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫* ّ‬
‫م ان ْظ ُكْر‬ ‫ت ُثك ّ‬ ‫م ال َي َككا ِ‬ ‫ن ل َهُك ُ‬ ‫ف ن ُب َي ّك ُ‬ ‫م ان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫ن الط َّعا َ‬ ‫كاَنا ي َأك ُل َ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ديَق ٌ‬ ‫ص ّ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ى ي ُؤْفَ ُ‬ ‫أَ‬
‫كككككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫َ‬ ‫نكككككككككككككككككككككككككككككككككككك‬ ‫ّ‬
‫يقول تعالى حاكما ً بتكفير فرق النصارى من الملكية واليعقوبيككة‬
‫والنسطورية‪ ,‬ممن قال منهم‪ :‬بأن المسيح هككو اللككه‪ ,‬تعككالى اللككه‬
‫عن قككولهم وتنككزه وتقككدس علككوا ً كككبيرًا‪ ,‬هككذا وقككد تقككدم لهككم أن‬
‫المسيح عبد الله ورسوله‪ ,‬وكان أول كلمة نطق وهككو صككغير فككي‬
‫المهد أن قال‪ :‬إني عبد الله‪ ,‬ولم يقككل أنككا اللككه ول ابككن اللكه‪ ,‬بككل‬
‫قال }إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًا{ إلى أن قككال }وإن‬
‫الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم{ وكككذلك قككال لهككم‬
‫في حككال كهككولته ونبككوته آمككرا ً لهككم بعبككادة ربككه وربهككم‪ ,‬وحككده ل‬
‫شريك له‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬وقككال المسككيح يككا بنككي إسككرائيل‬
‫اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله{ أي فيعبد معكه غيككره‬
‫}فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار{ أي فقد أوجككب لككه النككار‬
‫وحرم عليه الجنة كما قال تعالى‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشككرك بككه‬
‫ويغفر ما دون ذلك لمن يشككاء{‪ .‬وقككال تعككالى‪} :‬ونككادى أصككحاب‬
‫النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكككم اللككه‬
‫قالوا إن الله حرمهما علككى الكككافرين{‪ ,‬وفككي الصككحيح أن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بعث مناديا ً ينككادي فككي النككاس‪ :‬إن الجنككة ل‬
‫يككدخلها إل نفككس مسككلمة‪ ,‬وفككي لفككظ‪ :‬مؤمنككة‪ ,‬وتقككدم فككي أول‬
‫سورة النساء عند قوله‪ :‬إن الله ل يغفر أن يشرك به‪ ,‬حديث يزيد‬
‫بن بابنوس عن عائشة‪ :‬الدواوين ثلثة‪ ,‬فذكر منه ديوان كا ً ل يغفككره‬
‫‪478‬‬
‫الله‪ ,‬وهو الشرك بالله‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬ومن يشرك بككالله فقككد‬
‫حرم الله عليه الجنككة{‪ ,‬والحككديث فككي مسككند أحمككد‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫تعالى إخبارا ً عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل }إنه مككن يشككرك‬
‫بالله فقد حرم الله عليه الجنككة ومككأواه النككار ومككا للظككالمين مككن‬
‫أنصار{ أي وما له عند الله ناصر ول معين ول منقذ مما هككو فيككه‪.‬‬
‫وقوله }لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة{ قككال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني‪ ,‬حدثنا سككعيد بككن الحكككم‬
‫بن أبي مريم‪ ,‬حدثنا الفضل‪ ,‬حدثني أبو صخر في قول الله تعككالى‬
‫}لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة{ قككال‪ :‬هككو قككول اليهككود‬
‫عزير ابن الله‪ ,‬وقول النصككارى‪ :‬المسككيح ابككن اللككه‪ ,‬فجعلككوا اللككه‬
‫ليككة أن المككراد بككذلك‬‫ثالث ثلثة‪ ,‬وهذا قككول غريككب فككي تفسككير ا َ‬
‫طائفتا اليهود والنصارى‪ ,‬والصحيح أنها نزلت في النصارى خاصككة‪,‬‬
‫قاله مجاهد وغير واحد‪ ,‬ثم اختلفوا في ذلك فقيككل‪ :‬المككراد بككذلك‬
‫كفككارهم فككي قككولهم بالقككانيم الثلثككة‪ :‬وهككو أقنككوم الب‪ ,‬وأقنككوم‬
‫البن‪ ,‬وأقنوم الكلمة المنبثقة من الب إلى البن‪ ,‬تعالى الله عككن‬
‫قولهم علوا ً كبيرًا‪ ,‬قال ابن جرير وغيككره‪ :‬و الطككوائف الثلثككة مككن‬
‫الملكيككة واليعقوبيككة والنسككطورية تقككول بهككذه القككانيم‪ ,‬وهككم‬
‫مختلفون فيها اختلفا ً متباينا ً ليس هذا موضع بسطه‪ ,‬وكككل فرقككة‬
‫منهكككككم تكفكككككر الخكككككرى‪ ,‬والحكككككق أن الثلثكككككة ككككككافرة‪.‬‬
‫وقال السدي وغيره‪ :‬نزلت في جعلهم المسيح وأمككه إلهيككن مككع‬
‫الله‪ ,‬فجعلوا اللككه ثككالث ثلثككة بهككذا العتبككار‪ ,‬قككال السككدي‪ :‬وهككي‬
‫كقوله تعالى في آخر السورة }وإذ قال الله يا عيسى ابككن مريككم‬
‫أأنككت قلككت للنككاس اتخككذوني وأمككي إلهيككن مككن دون اللككه قككال‬
‫لية‪ ,‬وهذا القول هو الظهر ك واللكه أعلكم كك قكال اللكه‬ ‫سبحانك{ ا َ‬
‫تعالى‪} :‬وما من إله إل إله واحد{ أي ليس متعددا ً بل هو وحده ل‬
‫شريك له‪ ,‬إله جميع الكائنات وسائر الموجودات‪ ,‬ثككم قككال تعككالى‬
‫متوعدا ً لهم ومتهددا ً }وإن لم ينتهككوا عمككا يقولككون{ أي مككن هككذا‬
‫الفتراء والكذب }ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم{ أي فككي‬
‫لخككرة مككن الغلل والنكككال‪ ,‬ثككم قككال }أفل يتوبككون إلككى اللككه‬ ‫ا َ‬
‫ويستغفرونه والله غفور رحيككم{ وهككذا مككن كرمككه تعككالى وجككوده‬
‫ولطفككه ورحمتككه بخلقككه مككع هككذا الككذنب العظيككم‪ ,‬وهككذا الفككتراء‬
‫‪479‬‬
‫والكذب والفك‪ ,‬يدعوهم إلى التوبة والمغفرة‪ ,‬فكل من تاب إليه‬
‫تككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاب عليككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ما المسيح ابككن مريككم إل رسككول قككد خلككت مككن‬
‫قبله الرسل{ أي له سوية أمثاله من سائر المرسلين المتقككدمين‬
‫عليه‪ ,‬وأنه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام‪ ,‬كمككا قككال‬
‫}إن هو إل عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثل لبنككي إسككرائيل{‪ .‬وقككوله‬
‫ديقة{ أي مؤمنة به مصككدقة لككه‪ ,‬وهككذا أعلككى مقاماتهككا‪,‬‬ ‫}وأمه ص ّ‬
‫فدل على أنها ليست بنبية كما زعمه ابن حزم وغيره ممككن ذهككب‬
‫إلى نبوة سارة أم إسككحاق‪ ,‬ونبككوة أم موسككى‪ ,‬ونبككوة أم عيسككى‪,‬‬
‫استدلل ً منهم بخطاب الملئكة لسككارة ومريككم‪ ,‬وبقككوله }وأوحينككا‬
‫إلككى أم موسككى أن أرضككعيه{ وهككذا معنككى النبككوة‪ ,‬والككذي عليككه‬
‫الجمهور أن الله لم يبعث نبيكا ً إل مككن الرجككال‪ ,‬قككال اللككه تعككالى‪:‬‬
‫}وما أرسلنا قبلك إل رجال ً نككوحي إليهككم مككن أهككل القككرى{ وقككد‬
‫حكى الشيخ أبو الحسن الشعري رحمه الله الجمككاع علككى ذلككك‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬كانا يأكلن الطعام{ أي يحتاجان إلى التغذية بككه‪,‬‬
‫وإلى خروجه منهما‪ ,‬فهما عبدان كسائر الناس‪ ,‬وليسا بإلهين كمككا‬
‫زعمت فرق النصارى الجهلة‪ ,‬عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يككوم‬
‫ليات{ أي نوضحها‬ ‫القيامة‪ ,‬ثم قال تعالى‪} :‬انظر كيف نبين لهم ا َ‬
‫ونظهرها }ثم انظر أنى يؤفكككون{ أي ثككم انظككر بعككد هككذا البيككان‬
‫والوضوح والجلء أيككن يككذهبون‪ ,‬وبككأي قككول يتمسكككون‪ ,‬وإلككى أي‬
‫مكككككككككككككذهب مكككككككككككككن الضكككككككككككككلل يكككككككككككككذهبون‪.‬‬
‫** قُ ْ َ‬
‫ه‬‫ضكّرا ً وَل َ ن َْفعكا ً َوالل ّك ُ‬‫م َ‬ ‫ك ل َك ُ ْ‬‫مل ِ ُ‬‫ما ل َ ي َ ْ‬‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ِ‬ ‫دو‬
‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ل أت َعْب ُ ُ‬
‫م غَي ْكَر‬ ‫ب ل َ ت َغْل ُككوا ْ فِككي ِدين ِك ُك ْ‬ ‫ل َيـكأ َهْ َ‬
‫ل ال ْك ِت َككا ِ‬ ‫م * قُ ْ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬‫هُوَ ال ّ‬
‫ضككّلوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضّلوا ْ ك َِثيرا ً وَ َ‬‫ل وَأ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ضّلوا ْ ِ‬ ‫حقّ وَل َ ت َت ّب ِعُوَا ْ أهْ َ‬
‫وآَء قَوْم ٍ قَد ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل‬
‫سككككككككككككككككككككككِبي ِ‬ ‫وآِء ال ّ‬ ‫سكككككككككككككككككككككك َ‬ ‫عَككككككككككككككككككككككن َ‬
‫يقول تعالى منكككرا ً علككى مككن عبككد غيككره مككن الصككنام والنككداد‬
‫والوثان‪ ,‬ومبينا ً له أنها ل تستحق شيئا ً من اللهيككة‪ ,‬فقككال تعككالى‪:‬‬
‫}قل{ أي يا محمد لهؤلء العابدين غير الله مككن سككائر فككرق بنككي‬
‫آدم ودخل في ذلك النصارى وغيرهم }أتعبدون مككن دون اللككه مككا‬
‫ليملك لكم ضرا ول نفعكًا{ أي ل يقككدر علككى دفككع ضككر عنكككم ول‬
‫‪480‬‬
‫إيصال نفع إليكم‪} ,‬والله هو السميع العليككم{ أي السككميع لقككوال‬
‫عباده‪ ,‬العليم بكككل شككيء‪ ,‬فلككم عككدلتم عنككه إلككى عبككادة جمككاد ل‬
‫يسمع ول يبصر ول يعلم شككيئا ول يملككك ضككرا ً ول نفع كا ً لغيككره ول‬
‫لنفسه ؟ ثم قال }قككل يككا أهككل الكتككاب ل تغلككوا فككي دينكككم غيككر‬
‫الحق{ أي ل تجاوزوا الحد في اتباع الحككق ول تطككروا مككن أمرتككم‬
‫بتعظيمه فتبالغوا فيه حككتى تخرجككوه عككن حيككز النبككوة إلككى مقككام‬
‫اللهية‪ ,‬كما صنعتم في المسيح وهكو نكبي مكن النبيكاء فجعلتمككوه‬
‫إلها ً من دون الله‪ ,‬وما ذاك إل لقتدائكم بشيوخكم‪ ,‬شيوخ الضلل‬
‫الذين هم سلفكم ممن ضككل قككديمًا‪} ,‬وأضككلوا كككثيرا ً وضككلوا عككن‬
‫سواء السبيل{ أي وخرجوا عن طريق السكتقامة والعتككدال إلكى‬
‫طريكككككككككككككككككككق الغوايكككككككككككككككككككة والضكككككككككككككككككككلل‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حككدثنا أحمككد بككن عبككد الرحمككن‪,‬‬
‫حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه‪ ,‬عن الربيع بككن أنككس‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫وقد كككان قككائم قككام عليهككم فأخككذ بالكتككاب والسككنة زمانكًا‪ ,‬فأتككاه‬
‫الشيطان فقال‪ :‬إنما تركت أثرا ً أو أمرا ً قد عمل قبلككك‪ ,‬فل تحمككد‬
‫عليه‪ ,‬ولكن ابتدع أمرا ً من قبكل نفسكك‪ ,‬وادع إليكه وأجكبر النكاس‬
‫دكَر بعد فعله زمانًا‪ ,‬فككأراد أن يتككوب منككه‪ ,‬فخلككع‬ ‫عليه‪ ,‬ففعل ثم ا ّ‬
‫سلطانه وملكككه‪ ,‬وأراد أن يتعبككد‪ ,‬فلبككث فككي عبككادته أيام كًا‪ ,‬فككأتي‬
‫فقيل له‪ :‬لو أنك تبككت مككن خطيئة عملتهككا فيمككا بينككك وبيككن ربككك‬
‫عسى أن يتاب عليك‪ ,‬ولكككن ضككل فلن وفلن وفلن فككي سككبيلك‬
‫حتى فارقوا الدنيا وهم على الضللة‪ ,‬فكيف لككك بهككداهم فل توبككة‬
‫ليكة }يكا أهككل الكتكاب ل‬ ‫لك أبدًا‪ ,‬ففيه سمعنا وفي أشباهه هككذه ا َ‬
‫تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا مكن قبكل‬
‫وأضككككككلوا كككككككثيرا ً وضككككككلوا عككككككن سككككككواء السككككككبيل{‬
‫سككى‬ ‫عي َ‬ ‫داُوود َ وَ ِ‬ ‫ن َ‬‫سكا ِ‬ ‫ى لِ َ‬ ‫سَراِئي َ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫** ل ُعِ َ‬

‫ل عَل َ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫من ب َن ِ َ‬ ‫ذي َ‬
‫ن عَككن‬ ‫ن * ك َككاُنوا ْ ل َ ي َت َن َككاهَوْ َ‬ ‫دو َ‬‫كاُنوا ْ ي َعْت َك ُ‬‫وا وّ َ‬ ‫ص ْ‬
‫ما عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬‫م ذ َل ِ َ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫اب ْ ِ‬
‫ن‬‫م ي َت َوَل ّكوْ َ‬‫من ْهُك ْ‬ ‫ن * ت َكَرىَ ك َِثيككرا ً ّ‬ ‫ما ك َككاُنوا ْ ي َْفعَل ُككو َ‬ ‫س َ‬ ‫منك َرٍ فَعَُلوهُ ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫ه عَلي ْهِ ك ْ‬ ‫خط الل ك ُ‬ ‫سك ِ‬ ‫م أن َ‬ ‫سه ُ ْ‬‫م أنُف ُ‬ ‫ت له ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ك ََفُروا لب ِئ ْ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ِ‬
‫مككا‬
‫ي وَ َ‬ ‫ن ب ِككالله والن ّب ِك ّ‬ ‫ن * وَل َوْ ك َككاُنوا ي ُؤْ ِ‬
‫من ُككو َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م َ‬ ‫ب هُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫وَِفي ال ْعَ َ‬
‫ذوهُ َ‬ ‫أ ُْنككزِ َ‬
‫ن‬
‫سككُقو َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ُْهكك ْ‬ ‫ن ك َِثيككرا ً ّ‬ ‫م أوْل َِيككآَء وََلـككك ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫خكك ُ‬‫مككا ات ّ َ‬ ‫ل إ ِل َْيككهِ َ‬
‫‪481‬‬
‫يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل مكن دهككر طويككل‬
‫فيما أنزله على داود نبيه عليه السلم‪ ,‬وعلكى لسكان عيسكى ابكن‬
‫مريم‪ ,‬بسبب عصيانهم لله واعتككدائهم علككى خلقككه قككال العككوفي‪,‬‬
‫عن ابن عبككاس‪ :‬لعنككوا فككي التككوراة والنجيككل وفككي الزبككور وفككي‬
‫الفرقان‪ ,‬ثم بين حالهم فيما كككانوا يعتمككدونه فككي زمككانهم‪ ,‬فقككال‬
‫تعالى }كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما ككانوا يفعلككون{‬
‫أي كان ل ينهى أحد منهم أحدا ً عن ارتكاب المآثم والمحككارم‪ ,‬ثككم‬
‫ذمهكم علكى ذلكك ليحكذر أن يرتككب مثكل الكذي ارتكبكوه‪ ,‬فقكال‪:‬‬
‫}لبئس ما كانوا يفعلون{‪ ,‬وقال المكام أحمككد رحمكه اللكه‪ :‬حككدثنا‬
‫يزيد‪ .‬حدثنا شريك بككن عبككد اللكه عكن علكي بكن بذيمككة‪ ,‬عكن أبكي‬
‫عبيدة‪ ,‬عن عبد الله قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫»لما وقعككت بنككو إسككرائيل فككي المعاصككي‪ ,‬نهتهككم علمككاؤهم فلككم‬
‫ينتهككوا‪ :‬فجالسككوهم فككي مجالسككهم « قككال يزيككد‪ :‬وأحسككبه قككال‪:‬‬
‫»وأسواقهم‪ ,‬وواكلوهم وشككاربوهم‪ ,‬فضككرب اللككه قلككوب بعضككهم‬
‫ببعض‪ ,‬ولعنهم على لسككان داود وعيسككى ابككن مريككم‪} ,‬ذلككك بمككا‬
‫عصوا وكان يعتدون{ وكان رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫متكئًا‪ ,‬فجلس فقال »ل والذي نفسي بيككده حككتى تككأطروهم علككى‬
‫الحككككككككككككككككككككككككككككككككككككق أطككككككككككككككككككككككككككككككككككككرًا«‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬حدثنا عبد الله بن محمككد النفيلككي‪ ,‬حككدثنا يككونس‬
‫بن راشد عن علي بن بذيمة‪ ,‬عن أبي عبيككدة‪ ,‬عككن عبككد اللككه بككن‬
‫مسعود قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »إن أول مككا‬
‫دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقكى الرجكل فيقككول‪:‬‬
‫يا هذا اتق الله ودع ما تصنع‪ ,‬فإنه ل يحل لك‪ ,‬ثم يلقككاه مككن الغككد‬
‫فل يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشككريبه وقعيككده‪ ,‬فلمككا فعلككوا ذلكك‬
‫ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ك ثم قال ككك‪} :‬لعككن الككذين كفككروا‬
‫من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم{ إلككى قككوله‬
‫}فاسقون{ ك ثم قال ك‪ :‬كل والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عككن‬
‫المنكر‪ ,‬ولتأخذن على يد الظالم‪ ,‬ولتأطرنه علككى الحككق أطككرًا‪ ,‬أو‬
‫تقصرنه على الحق قصرًا«‪ ,‬وكذا رواه الترمككذي وابككن مككاجه مككن‬
‫طريق علي بن بذيمة به‪ ,‬وقال الترمذي‪ :‬حسككن غريككب‪ ,‬ثككم رواه‬
‫هو وابن ماجه عن بندار‪ ,‬عن ابن مهدي‪ ,‬عككن سككفيان‪ ,‬عككن علككي‬
‫بككككككككن بذيمككككككككة‪ ,‬عككككككككن أبككككككككي عبيككككككككدة مرسكككككككك ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪482‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬وهارون بن إسككحاق‬
‫الهمداني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عككن العلء‬
‫بن المسيب‪ ,‬عن عبد الله بن عمرو بن مرة‪ ,‬عن سالم الفطس‪,‬‬
‫عن ابن أبي عبيدة‪ ,‬عن عبد الله بن مسعود قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم »إن الرجل من بني إسككرائيل كككان إذا رأى‬
‫أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرًا‪ ,‬فإذا كان من الغد لم يمنعككه مككا‬
‫رأى منه‪ ,‬أن يكون أكيله وخليطه وشككريكه« وفككي حككديث هككارون‬
‫»وشريبه«‪ ,‬ثم اتفقا في المتن »فلما رأى الله ذلك منهككم ضككرب‬
‫قلوب بعضهم على بعض‪ ,‬ولعنهم على لسان نكبيهم داود وعيسكى‬
‫ابن مريم‪ ,‬ذلك بما عصوا وكككانوا يعتككدون« ثككم قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »والذي نفسككي بيككده‪ ,‬لتككأمرن بككالمعروف‪,‬‬
‫ولتنهون عن المنكر‪ ,‬ولتأخذن على يككد المسككيء‪ ,‬ولتككأطرنه علككى‬
‫الحق أطرًا‪ ,‬أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض‪ ,‬أو ليلعنكككم‬
‫كما لعنكم« والسياق لبي سعيد‪ ,‬كذا قال في رواية هذا الحديث‪,‬‬
‫وقد رواه أبو داود أيضكا ً عككن خلككف بككن هشككام‪ ,‬عككن أبككي شككهاب‬
‫الخياط‪ ,‬عن العلء بن المسيب‪ ,‬عن عمككرو بككن مككرة‪ ,‬عككن سككالم‬
‫وهو ابن عجلن الفطس‪ ,‬عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود‪,‬‬
‫عن أبيه‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه‪ ,‬ثم قال أبو داود‪:‬‬
‫كذا رواه خالد عن العلء‪ ,‬عن عمرو بن مرة بكه‪ ,‬ورواه المحكاربي‬
‫عن العلء بن المسيب‪ ,‬عن عبد الله بن عمرو بن مرة‪ ,‬عن سالم‬
‫الفطس‪ ,‬عن أبي عبيدة عن عبد اللككه‪ ,‬قككال شككيخنا الحككافظ أبككو‬
‫الحجاج المزي‪ :‬وقد رواه خالد بن عبد اللكه الواسكطي عكن العلء‬
‫بكككن المسكككيب‪,‬عكككن عمكككرو بكككن مكككرة‪ ,‬عكككن أبكككي موسكككى‪.‬‬
‫والحاديث في المر بالمعروف والنهي عن المنكككر كككثيرة جككدًا‪,‬‬
‫ولنذكر منها ما يناسب هذا المقام‪ ,‬قد تقدم حديث جابر عند قوله‬
‫}لول ينهاهم الربانيون والحبار{ وسيأتي عند قوله }يا أيها الككذين‬
‫آمنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا اهتديتم{ حككديث أبككي‬
‫بكككر الصككديق وأبككي ثعلبككة الخشككني‪ ,‬فقككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫سليمان الهاشمي‪ ,‬أنبأنا إسماعيل بن جعفككر‪ ,‬أخككبرني عمككرو بككن‬
‫أبي عمرو عن عبد الله بن عبد الرحمن الشهلي‪ ,‬عن حذيفككة بككن‬
‫اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال »والذي نفسككي بيككده‪,‬‬
‫لتأمرن بالمعروف‪ ,‬ولتنهون عن المنكر‪ ,‬أو ليوشكن الله أن يبعث‬
‫‪483‬‬
‫عليكككم عقابكا ً مككن عنككده‪ ,‬ثككم لتككدعنه فل يسككتجيب لكككم«‪ ,‬ورواه‬
‫الترمذي عن علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر به‪ ,‬وقال‪ :‬هذا‬
‫حديث حسن‪ .‬وقال أبو عبد الله محمد بن يزيككد بككن مككاجه‪ :‬حككدثنا‬
‫أبو بكر بن أبي شيبة‪ ,‬حدثنا معاوية بن هشام عن هشام بن سعد‪,‬‬
‫عن عمرو بن عثمان‪ ,‬عن عاصم بن عمر بن عثمان‪ ,‬عككن عككروة‪,‬‬
‫عن عائشة قالت‪ :‬سككمعت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫يقول »مروا بككالمعروف‪ ,‬وانهككوا عككن المنكككر‪ ,‬قبككل أن تككدعوا فل‬
‫يسككككتجاب لكككككم« تفككككرد بككككه‪ ,‬وعاصككككم هككككذا مجهككككول‪.‬‬
‫وفي الصحيح من طريق العمش عن إسككماعيل بككن رجككاء عككن‬
‫أبيه‪ ,‬عن أبي سعيد‪ ,‬وعن قيس بن مسلم‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪,‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم »مككن رأى منكككم منكككرا ً فليغيككره بيككده‪ ,‬فككإن لككم يسككتطع‬
‫فبلسانه‪ ,‬فكإن لكم يسكتطع فبقلبككه‪ ,‬وذلكك أضككعف اليمكان« رواه‬
‫مسلم‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا ابن نميككر‪ ,‬حككدثنا سككيف هككو ابككن‬
‫أبي سليمان‪ ,‬سمعت عدي بن عككدي الكنككدي يحككدث عككن مجاهككد‬
‫قال‪ :‬حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يعني عدي بن عميرة رضككي‬
‫الله عنه‪ ,‬يقول‪ :‬سمعت النبي صلى الله عليككه وسككلم يقككول »إن‬
‫الله ل يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم‬
‫وهم قادرون على أن ينكروه فل ينكرونه‪ ,‬فإذا فعلوا ذلككك‪ ,‬عككذب‬
‫الله الخاصة والعامة«‪ ,‬ثم رواه أحمد عن أحمد بككن الحجككاج‪ ,‬عككن‬
‫عبد الله بن المبارك‪ ,‬عن سيف بن أبي سليمان‪ ,‬عن عيسككى بككن‬
‫عدي الكندي‪ ,‬حدثني مككولى لنككا أنككه سككمع جككدي يقككول‪ :‬سككمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ ,‬فذكره‪ ,‬هكذا رواه المام‬
‫أحمككككككككككككككد مككككككككككككككن هككككككككككككككذين الككككككككككككككوجهين‪.‬‬
‫قال أبو داود‪ :‬حدثنا أبو العلء‪ ,‬حدثنا أبو بكر‪ ,‬حدثنا المغيككرة بككن‬
‫زياد الموصلي عن عدي بن عدي‪ ,‬عن العرس يعني ابككن عميككرة‪,‬‬
‫عن النبي صلى اللكه عليكه وسكلم قكال »إذا عملكت الخطيئة فككي‬
‫الرض كان من شهدها فكرهها‪ ,‬ك وقال مرة فأنكرها ك كككان كمككن‬
‫غاب عنها‪ ,‬ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها« تفرد به أبككو‬
‫داود‪ ,‬ثم رواه عن أحمد بن يونس‪ ,‬عن ابن شهاب‪ ,‬عن مغيرة بن‬
‫ل‪ .‬وقال أبو داود‪ :‬حدثنا سليمان بككن‬ ‫زياد‪ ,‬عن عدي بن عدي مرس ً‬
‫حرب وحفص بن عمر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة وهذا لفظككه‪ ,‬عككن عمككرو‬
‫‪484‬‬
‫بن مرة‪ ,‬عن أبي البحتري قال‪ :‬أخبرني من سمع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ,‬وقال سليمان‪ ,‬حدثني رجل من أصحاب النبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسككلم قككال »لككن يهلككك‬
‫الناس حتى يعككذروا أو يعككذروا مككن أنفسككهم«‪ .‬وقككال ابككن مككاجه‪:‬‬
‫حدثنا عمران بن موسى‪ ,‬حدثنا حماد بن زيد‪ ,‬حدثنا علككي بككن زيككد‬
‫بن جدعان‪ ,‬عن أبي نضرة‪ ,‬عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قام خطيبًا‪ ,‬فكككان فيمككا قككال »أل ل يمنعككن‬
‫رجل ً هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه«‪ .‬قال‪ :‬فبكى أبو سعيد‪,‬‬
‫وقككككككككال‪ :‬قككككككككد واللككككككككه رأينككككككككا أشككككككككياء فهبنككككككككا‪.‬‬
‫وفي حديث إسرائيل عن عطية عن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »أفضل الجهاد كلمة حق عند سككلطان‬
‫جائر«و رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه‪ ,‬وقال الترمذي‪ :‬حسن‬
‫غريب من هذا الوجه‪ .‬وقككال ابككن مككاجه‪ :‬حككدثنا راشككد بككن سككعيد‬
‫الرملي‪ ,‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ ,‬حدثنا حمككاد بككن سككلمة عككن أبككي‬
‫غالب‪ ,‬عن أبي أمامة‪ :‬قال‪ :‬عرض لرسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم رجل عند الجمرة الولى‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬أي الجهككاد‬
‫أفضل ؟ فسكت عنه‪ ,‬فلمككا رمككى الجمككرة الثانيككة سككأله فسكككت‬
‫عنه‪ ,‬فلما رمى جمرة العقبة ووضع رجله في الغككرز ليركككب قككال‬
‫»أين السائل ؟« قال‪ :‬أنا يا رسول اللككه‪ .‬قككال »كلمككة حككق تقككال‬
‫عند ذي سلطان جائر« تفرد به‪ .‬وقال ابن ماجه‪ :‬حدثنا أبو كريب‪,‬‬
‫حدثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية عن العمش‪ ,‬عككن عمككرو بككن‬
‫مرة‪ ,‬عن أبي البحتري عن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪» :‬ل يحقر أحدكم نفسككه« قككالوا يككا رسككول اللككه‪:‬‬
‫كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قككال »يككرى أمككر اللككه فيككه مقككال ثككم ل‬
‫يقول فيه‪ ,‬فيقول الله له يوم القيامة‪ :‬ما منعك أن تقول في كككذا‬
‫وكذا وكذا ؟ فيقول‪ :‬خشية الناس‪ ,‬فيقككول‪ :‬فإيككاي كنككت أحككق أن‬
‫تخشى« تفرد به‪ ,‬وقال أيضًا‪ :‬حدثنا علي بن محمد‪ ,‬حككدثنا محمككد‬
‫بن فضيل‪ ,‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬حدثنا عبد اللككه بككن عبككدالرحمن‬
‫أبو طوالة‪ ,‬حدثنا نهار العبدي أنه سمع أبككا سككعيد الخككدري يقككول‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسككلم يقككول‪ :‬إن اللككه يسككأل‬
‫العبككد يككوم القيامككة حككتى يقككول‪ :‬مككا منعككك إذا رأيككت المنكككر أن‬
‫‪485‬‬
‫تنكره ؟ فإذا لقن الله عبككدا ً حجتككه قككال‪ :‬يككا رب رجوتككك وفرقككت‬
‫النكككاس« تفكككرد بكككه أيضكككا ً ابكككن مكككاجه‪ ,‬وإسكككناده ل بكككأس بكككه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا عمرو بن عاصم عن حمككاد بككن سككلمة‪,‬‬
‫عن علي بن زيد‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬عن جندب‪ ,‬عن حذيفة‪ ,‬عككن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال »ل ينبغي لمسلم أن يذل نفسه« قيل‪:‬‬
‫وكيف يذل نفسه ؟ قال »يتعرض من البلء لمككا ل يطيككق«‪ ,‬وكككذا‬
‫رواه الترمذي وابن ماجه جميعا ً عن محمد بن بشككار‪ ,‬عككن عمككرو‬
‫بن عاصم به‪ ,‬وقال الترمككذي‪ :‬هككذا حككديث حسككن صككحيح غريككب‪.‬‬
‫وقال ابن ماجه‪ :‬حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي‪ ,‬حدثنا زيد بككن‬
‫يحيى بن عبيد الخزاعي‪ ,‬حدثنا الهيثم بككن حميككد‪ ,‬حككدثنا أبككو معبككد‬
‫حفص بن غيلن الرعيني عن مكحول‪ ,‬عن أنككس بككن مالككك قككال‪:‬‬
‫قيل‪ :‬يا رسككول اللككه‪ ,‬مككتى يككترك المككر بككالمعروف‪ ,‬والنهككي عككن‬
‫المنكر ؟ قال »إذا ظهر فيكم ما ظهر في المككم قبلكككم« قلنككا يككا‬
‫رسول الله وما ظهر في المم قبلنا ؟ قال »الملك فككي صككغاركم‬
‫والفاحشة في كباركم والعلم في رذالكم« قال زيد‪ :‬تفسير معنى‬
‫قول النبي صلى الله عليه وسلم والعلم في رذالكم إذا كان العلم‬
‫في الفساق‪ ,‬تفرد به ابن ماجة‪ ,‬وسيأتي في حديث أبي ثعلبة عند‬
‫قوله }ل يضركم من ضل إذا اهتديتم{ شاهد لهككذا‪ ,‬إن شككاء اللككه‬
‫تعكككككككككككككككككككككككالى وبكككككككككككككككككككككككه الثقكككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقوله تعككالى‪} :‬تككرى كككثيرا ً منهككم يتولككون الككذين كفككروا{ قككال‬
‫مجاهكد‪ :‬يعنكي بكذلك المنكافقين‪ .‬وقكوله }لكبئس مكا قكدمت لهكم‬
‫أنفسهم{ يعني بذلك موالتهم للكافرين‪ ,‬وتركهم موالة المؤمنين‬
‫التي أعقبتهم نفاقا ً فككي قلككوبهم‪ ,‬وأسككخطت اللككه عليهككم سككخطا ً‬
‫مستمرا ً إلى يوم معككادهم‪ ,‬ولهككذا قككال }أن سككخط اللككه عليهككم{‬
‫وفسر بذلك ما ذمهم به‪ ,‬ثم أخبر عنهم أنهككم }وفككي العككذاب هككم‬
‫خالدون{ يعني يوم القيامة‪ .‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫هشام بن عمار‪ ,‬حدثنا مسلم بن علي عن العمش بإسناد ذكككره‪,‬‬
‫قال »يا معشر المسلمين‪ ,‬إياكم والزنككا‪ ,‬فككإن فيككه سككت خصككال‪:‬‬
‫لخرة‪ ,‬فأما التي في الدنيا فككإنه يككذهب‬ ‫ثلثا ً في الدنيا‪ ,‬وثلثا ً في ا َ‬
‫لخككرة فككإنه‬ ‫البهاء‪ ,‬ويورث الفقر‪ ,‬وينقص العمر‪ ,‬وأما الككتي فككي ا َ‬
‫يوجب سخط الرب‪ ,‬وسوء الحساب‪ ,‬والخلككود فككي النكار«‪ ,‬ثككم تل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم }لبئس ما قدمت لهم أنفسككهم‬
‫‪486‬‬
‫أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون{ هكككذا ذكككره ابككن‬
‫أبككككككككككككككككككككككككككككككككككككككي حككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاتم‪.‬‬
‫وقد رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عمككار عككن مسككلمة‪,‬‬
‫عن العمش‪ ,‬عن شقيق‪ ,‬عن حذيفة‪ ,‬عن النبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم فككذكره‪ ,‬وسككاقه أيض كا ً مككن طريككق سككعيد بككن غفيككر عككن‬
‫مسلمة‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن الكوفي‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن شقيق‪,‬‬
‫عن حذيفة‪ ,‬عن النبي صلى اللككه عليككه وسككلم فككذكر مثلككه‪ ,‬وهككذا‬
‫حكككككديث ضكككككعيف علكككككى ككككككل حكككككال‪ ,‬واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنككزل إليككه مككا‬
‫اتخذوهم أولياء{ أي لو آمنوا حق اليمان بالله والرسول والقككرآن‬
‫لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالة الكافرين في البككاطن‪ ,‬ومعككاداة‬
‫المككؤمنين بككالله والنككبي ومككا أنككزل إليككه‪} ,‬ولكككن كككثيرا ً منهككم‬
‫فاسقون{ أي خارجون عن طاعة الله ورسككوله‪ ,‬مخككالفون َ‬
‫ليككات‬
‫وحيككككككككككككككككككككككككككككككككككككه وتنزيلككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫كوا ْ‬ ‫ش كَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫مُنوا ْ ال ْي َهُككود َ َوال ّك ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫داوَةً ل ّل ّ ِ‬

‫ذي‬ ‫س عَ َ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫** ل َتجدن أ َ‬
‫َ ِ َ ّ‬
‫َ‬ ‫صاَرىَ ذ َل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ول َتجد َ‬
‫ن‬‫ك ِبككأ ّ‬ ‫ن َقالوَا إ ِّنا ن َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا ال ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫موَد ّةً لل ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن أقَْرب َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ َ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫مآ أنزِ َ‬ ‫مُعوا ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن * وَإ ِ َ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫ن وَُرهَْبانا ً وَأن ّهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫سي ِ‬ ‫م قِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫حك ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مك َ‬ ‫ما عََرفُككوا ْ ِ‬ ‫م ّ‬‫مِع ِ‬ ‫ن الد ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫م ت َِفي ُ‬ ‫ل ت ََرىَ أعْي ُن َهُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫إ َِلى الّر ُ‬
‫مككا‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ل ََنا ل َ ن ُؤْ ِ‬‫ن * وَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫مّنا َفاك ْت ُب َْنا َ‬ ‫ن َرب َّنآ آ َ‬ ‫ي َُقوُلو َ‬
‫ن*‬ ‫حي َ‬ ‫صككال ِ ِ‬ ‫مكعَ ال َْقكوْم ِ ال ّ‬ ‫خل ََنا َرب ّن َككا َ‬ ‫مكعُ َأن ي ُكد ْ ِ‬ ‫حكقّ وَن َط ْ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مك َ‬ ‫جآَءَنا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن ِفيهَككا‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِك ِ‬ ‫حت َِها الن ْهَككاُر َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ما َقاُلوا ْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫فَأَثاب َهُ ُ‬
‫ك‬ ‫ن ك ََفكُروا ْ وَك َكذ ُّبوا ْ ِبآَيات ِن َككآ أ ُوَْلـكئ ِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * َوال ّك ِ‬ ‫سكِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫جكَزآُء ال ْ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫وَذ َل ِك َ‬
‫َ‬
‫حيككككككككككككككككككككككككككككككككككم ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صكككككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬ ‫أ ْ‬
‫ليككات فككي‬ ‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ :‬نزلت هككذه ا َ‬
‫النجاشي وأصحابه الككذين حيككن تل عليهككم جعفككر بككن أبككي طككالب‬
‫بالحبشة القرآن‪ ,‬بكوا حتى أخضلوا لحاهم‪ ,‬وهذا القول فيه نظككر‪,‬‬
‫لية مدنية‪ ,‬وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة‪ .‬وقال‬ ‫لن هذه ا َ‬
‫سعيد بن جبير والسدي وغيرهما‪ :‬نزلت في وفد بعثهككم النجاشككي‬
‫إلى النبي صلى الله عليكه وسكلم ليسككمعوا كلمكه ويكروا صكفاته‪,‬‬
‫فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا وبكوا وخشككعوا‪ ,‬ثككم رجعككوا‬
‫‪487‬‬
‫إلى(النجاشككي فككأخبروه‪ .‬قككال السككدي‪ :‬فهككاجر النجاشككي فمككات‬
‫بالطريق‪ .‬وهذا من أفراد السدي‪ ,‬فإن النجاشي مككات وهككو ملككك‬
‫الحبشة‪ ,‬وصلى عليككه النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم يككوم مككات‪,‬‬
‫وأخبر به أصحابه‪ ,‬وأخبر أنه مات بأرض الحبشة‪ .‬ثككم اختلككف فككي‬
‫عدة هذا الوفد‪ ,‬فقيل‪ :‬اثنا عشر‪ :‬سبعة قساوسة وخمسة رهابين‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بككالعكس‪ .‬وقيككل‪ :‬خمسككون‪ .‬وقيككل‪ :‬بضككع وسككتون‪ .‬وقيككل‪:‬‬
‫ل‪ ,‬فالله أعلم وقال عطاء بن أبي رباح‪ :‬هككم قككوم مككن‬ ‫سبعون رج ً‬
‫أهككل الحبشككة أسككلموا حيككن قككدم عليهككم مهككاجرة الحبشككة مككن‬
‫المسلمين وقال قتادة‪ :‬هم قوم كانوا على دين عيس ابككن مريككم‪,‬‬
‫فلمككا رأوا المسككلمين‪ ,‬وسككمعوا القككرآن أسككلموا ولككم يتلعثمككوا‪,‬‬
‫ليككات نزلككت فككي صككفة أقككوام بهككذه‬ ‫واختار ابككن جريككر أن هككذه ا َ‬
‫المثابككككككة‪ ,‬سككككككواء كككككككانوا مككككككن الحبشككككككة أو غيرهككككككا‪.‬‬
‫ن أشككد النككاس عككداوة للككذين آمنككوا اليهككود‬ ‫فقوله تعالى‪} :‬لتجد ّ‬
‫والذين أشككركوا{ مككا ذاك إل لن كفككر اليهككود كفككر عنككاد وجحككود‬
‫ومباهتة للحق وغمط للنككاس وتنقككص بحملككة العلككم‪ ,‬ولهككذا قتلككوا‬
‫كثيرا ً من النبياء حكتى همكوا بقتكل رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم غيككر مككرة‪ ,‬وسككموه وسككحروه‪ ,‬وألبككوا عليككه أشككباههم مككن‬
‫المشركين عليهككم لعككائن اللككه المتتابعككة إلككى يككوم القيامككة‪ .‬قككال‬
‫لية‪ :‬حدثنا أحمككد بككن‬ ‫الحافظ أبو بكر بن مردويه عند تفسير هذه ا َ‬
‫محمد بن السري‪ ,‬حدثنا محمد بن علي بككن حككبيب الرقككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫علككي بككن سككعيد العلف‪ ,‬حككدثنا أبككو النضككر عككن الشككجعي‪ ,‬عككن‬
‫سفيان‪ ,‬عن يحيى بن عبد الله‪ ,‬عن أبيككه‪ ,‬عككن أبككي هريككرة قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »ماخل يهودي بمسلم قككط‬
‫م بقتله«‪ ,‬ثم رواه عن محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري‪,‬‬ ‫إل ه ّ‬
‫حدثنا أحمد بن أيو ب الهوازي‪ ,‬حدثنا فرج بككن عبيككد‪ ,‬حككدثنا عبككاد‬
‫بن العوام عن يحيى بن عبد الله‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن أبككي هريككرة قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »مككاخل يهككودي بمسككلم إل‬
‫حكككككدث نفسكككككه بقتلكككككه«‪ ,‬وهكككككذا حكككككديث غريكككككب جكككككدًا‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا‬
‫نصارى{ أي الذين زعموا أنهم نصارى مككن أتبككاع المسككيح وعلككى‬
‫منهاج إنجيله فيهم مودة للسلم وأهله فككي الجملككة‪ ,‬ومككا ذاك إل‬
‫لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة‪ ,‬كمككا‬
‫‪488‬‬
‫قككال تعككالى }وجعلنككا فككي قلككوب الككذين اتبعككوه رأفككة ورحمككة‬
‫ورهبانية{ وفي كتابهم‪ :‬مككن ضككربك علككى خككدك اليمككن فككأدر لكه‬
‫خدك اليسر‪ .‬وليس القتال مشروعا ً في ملتهم‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪:‬‬
‫}ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ً وأنهم ل يسككتكبرون{ أي يوجككد‬
‫فيهم القسيسككون وهككم خطبككاؤهم وعلمككاؤهم‪ ,‬واحككدهم قسككيس‬
‫وقس أيضًا‪ ,‬وقد يجمع على قسوس‪ ,‬والرهبان جمع راهككب‪ ,‬وهككو‬
‫العابككد‪ ,‬مشككتق مككن الرهبككة‪ ,‬وهككي الخككوف‪ ,‬كراكككب وركبككان‪,‬‬
‫وفرسككان‪ .‬قككال ابككن جريككر‪ :‬وقككد يكككون الرهبككان واحككدا ً وجمعككه‬
‫رهابين‪ ,‬مثل قربان وقرابين‪ ,‬وجردان وجرادين‪ ,‬وقككد يجمككع علككى‬
‫رهابنككة‪ ,‬ومككن الككدليل علككى أنككه يكككون عنككد العككرب واحككدا ً قككول‬
‫لككو عككاينت رهبككان ديككر فككي القلللنحككدر الرهبككان يمشككي ونككزل‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار‪ :‬حدثنا بشر بن آدم‪ .‬حدثنا نصير بككن‬
‫أبي الشعث‪ ,‬حدثني الصلت الدهان عككن جاثمككة بككن رئاب‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫سألت سلمان عن قول اللككه تعككالى }ذلككك بككأن منهككم قسيسككين‬
‫ورهبانًا{ فقال‪ :‬دع القسيسين في البيع والخرب‪ ,‬أقرأنككي رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم »ذلككك بككأن منهككم صككديقين ورهبانكًا«‪,‬‬
‫وكذا رواه ابن مردويه من طريق يحيككى بككن عبككد الحميككد الخككاني‬
‫عن نضير بن زيككاد الطككائي‪ ,‬عككن صككلت الككدهان‪ ,‬عككن جاثمككة بككن‬
‫رئاب‪ ,‬عن سلمان به‪ .‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬ذكره أبي‪ ,‬حككدثنا يحيككى‬
‫بن عبد الحميد الخاني‪ ,‬حدثنا نضير بن زياد الطائي‪ ,‬حككدثنا صككلت‬
‫الدهان عن جاثمة بن رئاب قال‪ :‬سمعت سلمان وسئل عن قككوله‬
‫}ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا{ فقال هم الرهبككان الككذين هككم‬
‫في الصوامع والخرب فدعوهم فيها‪ ,‬قككال سككلمان‪ :‬وقككرأت علككى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم }ذلك بأن منهم قسيسكين{ فككأقرأني‬
‫»ذلككك بككأن منهككم صككديقين ورهبانككًا« فقككوله }ذلككك بككأن منهككم‬
‫قسيسين ورهبانا ً وأنهم ل يستكبرون{ تضمن وصككفهم بككأن فيهككم‬
‫العلككم والعبككادة والتواضككع‪ ,‬ثككم وصككفهم بالنقيككاد للحككق واتبككاعه‬
‫والنصاف‪ ,‬فقال }وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول تككرى أعينهككم‬
‫تفيض مككن الككدمع ممككا عرفككوا مككن الحككق{ أي ممككا عنككدهم مككن‬
‫البشارة ببعثة محمد صلى اللككه عليككه وسككلم }يقولككون ربنككا آمنككا‬
‫فاكتبنا مع الشاهدين{ أي مع مككن يشككهد بصككحة هككذا ويككؤمن بككه‪.‬‬
‫‪489‬‬
‫وقد روى النسائي عن عمككرو بككن علككي الفلس‪ ,‬عككن عمككر بككن‬
‫علي بن مقدم‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عككن عبككد اللككه بككن‬
‫ليككة فككي النجاشككي وفككي أصككحابه }وإذا‬ ‫الزبير قال‪ :‬نزلت هككذه ا َ‬
‫سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيككض مككن الككدمع ممككا‬
‫عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنككا فاكتبنككا مككع الشككاهدين{ وروى‬
‫ابن أبي حاتم وابن مردويككه والحككاكم فككي مسككتدركه مككن طريككق‬
‫سككماك‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس فككي قككوله }فاكتبنككا مككع‬
‫الشككاهدين{ أي مككع محمككد صككلى اللككه عليككه وسككلم وأمتككه هككم‬
‫الشاهدون‪ ,‬يشهدون لنبيهم صلى اللككه عليككه وسككلم أنككه قككد بلككغ‪,‬‬
‫وللرسل أنهم قككد بلغككوا‪ ,‬ثككم قككال الحككاكم‪ :‬صككحيح السككناد‪ ,‬ولككم‬
‫وقال الطبراني‪ ,‬حدثنا أبو شبيل عبد الله بن عبككد الرحمككن بككن‬
‫واقد‪ ,‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا العباس بن الفضل عن عبد الجبار بن نافع‬
‫الضبي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬وجعفر بن إياس عن سعيد بن جبير‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس في قول الله تعالى‪} :‬وإذا سمعوا مككا أنككزل إلككى الرسككول‬
‫ترى أعينهم تفيككض مككن الككدمع{ قككال‪ :‬إنهككم كككانوا كرابيككن يعنككي‬
‫فلحين‪ ,‬قدموا مع جعفر بن أبكي طكالب مكن الحبشكة‪ ,‬فلمككا قكرأ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهككم القككرآن‪ ,‬آمنككوا وفاضككت‬
‫أعينهككم‪ ,‬فقككال رسككول اللكه صكلى اللكه عليككه وسكلم »لعلكككم إذا‬
‫رجعتم إلى أرضكم انتقلتككم إلككى دينكككم« فقككالوا‪ :‬لكن ننتقككل عككن‬
‫ديننا‪ ,‬فأنزل الله ذلك من قولهم }ومالنا ل نؤمن بالله ومككا جاءنككا‬
‫مككن الحككق ونطمككع أن يككدخلنا ربنككا مككع القككوم الصككالحين{ وهككذا‬
‫الصنف من النصارى هم المذكورون في قككوله تعككالى‪} :‬وإن مككن‬
‫أهل الكتاب لمكن يكؤمن بكالله ومكا أنكزل إليككم ومكا أنكزل إليهكم‬
‫لية‪ ,‬وهم الككذين قككال اللككه فيهككم }الككذين آتينككاهم‬ ‫خاشعين لله{ ا َ‬
‫الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه‬
‫الحق من ربنا إنا كنككا مككن قبلككه مسككلمين{ إلككى قككوله }ل نبتغككي‬
‫الجاهلين{ ولهذا قال تعالى ههنا‪} :‬فأثابهم اللككه بمككا قككالوا جنككات‬
‫تجري من تحتهككا النهككار{ أي فجزاهككم علككى إيمككانهم وتصككديقهم‬
‫واعترافهم بالحق }جنات تجري من تحتهككا النهككار خالككدين فيهككا{‬
‫أي مكككاكثين فيهكككا أبكككدا ً ل يحولكككون ول يزولكككون }وذلكككك جكككزاء‬
‫المحسنين{ أي في اتباعهم الحق وانقيادهم لككه حيككث كككان وأيككن‬
‫‪490‬‬
‫كان ومع من ككان‪ ,‬ثكم أخكبر عكن حكال الشكقياء فقكال }والكذين‬
‫كفروا وكذبوا بآياتنككا{ أي جحككدوا بهككا وخالفوهككا‪} ,‬أولئك أصككحاب‬
‫الجحيككككككككم{ أي هككككككككم أهلهككككككككا والككككككككداخلون فيهككككككككا‪.‬‬
‫م وَل َ ت َعَْتككد ُوَا ْ‬ ‫َ‬ ‫** يأ َ‬

‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ل الل ّ ُ‬‫ح ّ‬‫مآ أ َ‬‫ت َ‬ ‫موا ْ ط َي َّبا ِ‬
‫حّر ُ‬‫مُنوا ْ ل َ ت ُ َ‬ ‫نآ َ‬‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫حل َل ً ط َّيب كا ً‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّك ُ‬ ‫مككا َرَزقَك ُك ُ‬ ‫ن * وَك ُل ُككوا ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َك ِ‬‫ب ال ْ ُ‬‫ح ّ‬‫ه ل َ يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫من ُككككككككو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ال ّككككككككذِيَ أنت ُككككككككم ب ِككككككككهِ ُ‬ ‫َوات ُّقككككككككوا ْ الل ّكككككككك َ‬
‫ليككة فككي‬ ‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‪ :‬نزلككت هككذه ا َ‬
‫رهط من أصككحاب النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬قككالوا‪ :‬نقطككع‬
‫مذاكيرنا‪ ,‬ونككترك شككهوات الككدنيا‪ ,‬ونسككيح فككي الرض كمككا يفعككل‬
‫الرهبان‪ ,‬فبلغ ذلك النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فأرسككل إليهككم‬
‫فذكر لهم ذلك‪ ,‬فقالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فقال النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»لكني أصوم وأفطر‪ ,‬وأصككلي‪ ,‬وأنككام‪ ,‬وأنكككح النسككاء‪ ,‬فمككن أخككذ‬
‫بسنتي فهو مني‪ ,‬ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني« رواه ابن أبي‬
‫حاتم‪ ,‬وروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابككن عبككاس نحككو‬
‫ذلك‪ ,‬وفي الصحيحين عن عائشة رضككي اللككه عنهككا أن ناس كا ً مككن‬
‫أصحاب رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم سككألوا أزواج النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن عمله في السككر فقككال بعضككهم ل آكككل‬
‫اللحم وقال بعضهم ل أتككزوج النسككاء وقككال بعضككهم ل أنككام علككى‬
‫الفراش فبلغ ذلك النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم فقككال »مككا بككال‬
‫أقوام يقول أحدهم كذا وككذا‪ ,‬لكنكي أصكوم وأفطكر وأنكام وأقكوم‬
‫وآكل اللحم‪ ,‬وأتزوج النساء‪ ,‬فمن رغب عن سنتي فليس منككي«‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أحمد بن عصام النصاري‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫عاصم الضحاك بن مخلد‪ ,‬عن عثمككان يعنككي ابككن سككعيد‪ ,‬أخككبرني‬
‫عكرمة عن ابن عباس أن رجل ً أتى النبي صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬إني إذا أكلت من هككذا اللحككم انتشككرت إلككى‬
‫ي اللحم‪ ,‬فنزلت }يككا أيهككا الككذين آمنككوا ل‬ ‫النساء‪ ,‬وإني حرمت عل ّ‬
‫تحرموا طيبات ما أحل الله لكم{‪ .‬وكذا رواه الترمذي وابن جريككر‬
‫جميعا ً عن عمرو بن علي الفلس عن أبي عاصم النبيل به‪ .‬وقال‪,‬‬
‫ل‪ ,‬وروي موقوفكا ً علككى‬ ‫حسن غريب‪ .‬وقد روي من وجه آخر مرس ً‬
‫ابن عباس‪ ,‬فالله أعلم‪ .‬وقال سفيان الثوري ووكيع عن إسككماعيل‬
‫‪491‬‬
‫بن أبي خالد‪ ,‬عن قيس بن أبي حازم‪ ,‬عن عبد اللككه بككن مسككعود‪,‬‬
‫قال‪ :‬كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليكس معنككا نسكاء‪,‬‬
‫فقلنا‪ :‬أل نستخصي ؟ فنهانا رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫عن ذلك‪ ,‬ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل‪ ,‬ثم قرأ عبد‬
‫لية‪,‬‬‫الله }يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكم{ ا َ‬
‫أخرجاه من حديث إسماعيل‪ ,‬وهذا كان قبل تحريم نكككاح المتعككة‪,‬‬
‫وقال العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن همام بن الحككارث‪ ,‬عككن عمككرو‬
‫بن شرحبيل‪ ,‬قال‪ :‬جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله بككن مسككعود‬
‫لية }يا أيهككا الككذين آمنككوا ل‬ ‫فقال‪ :‬إني حرمت فراشي‪ ,‬فتل هذه ا َ‬
‫ليككة‪ .‬وقككال الثككوري‪ ,‬عككن‬ ‫تحرمككوا طيبككات مككا أحككل اللككه لكككم{ ا َ‬
‫منصور‪ ,‬عن أبي الضحى‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬قال‪ :‬كنا عند عبد الله بككن‬
‫ن‪,‬‬‫مسعود‪ ,‬فجيككء بضككرع فتنحككى رجككل‪ ,‬فقككال لككه عبككد اللككه‪ :‬اد ْ ُ‬
‫ن فاطعم وكفر عككن‬ ‫فقال‪ :‬إني حرمت أن آكله‪ ,‬فقال عبد الله‪ :‬اد ْ ُ‬
‫لية }يا أيهككا الككذين آمنككوا ل تحرمككوا طيبككات مككا‬ ‫يمينك‪ ,‬وتل هذه ا َ‬
‫لية‪ :‬رواهككن ابككن أبككي حككاتم‪ ,‬وروى الحككاكم هككذا‬ ‫أحل الله لكم{ ا َ‬
‫الثر الخير في مسككتدركه مككن طريككق إسككحاق بككن راهككويه‪ ,‬عككن‬
‫جريككر‪ ,‬عككن منصككور بككه ‪ ¹‬ثككم قككال‪ :‬علككى شككرط الشككيخين‪ ,‬ولككم‬
‫يخرجاه‪ ,‬ثم قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلى‪ ,‬حدثنا‬
‫ابن وهب‪ ,‬أخبرني هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حككدثه أن عبككد‬
‫الله بن رواحة أضافه ضيف من أهله‪ ,‬وهو عنككد النككبي صككلى اللككه‬
‫عليككه وسككلم‪ ,‬ثككم رجككع إلككى أهلككه فوجككدهم لككم يطعمككوا ضككيفهم‬
‫انتظارا ً له‪ ,‬فقال لمرأته حبست ضيفي من أجلي هو علي حككرام‪,‬‬
‫فقالت امرأته‪ :‬هو علي حرام‪ .‬وقال الضيف‪ :‬هو علي حرام‪ ,‬فلما‬
‫رأى ذلك وضع يده وقال‪ :‬كلوا باسككم اللككه‪ ,‬ثككم ذهككب إلككى النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فذكر الذي كان منهم‪ ,‬ثم أنزل الله }يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكم{ وهذا أثر منقطككع‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاري في قصة الصديق مككع أضككيافه شككبيه بهككذا‪,‬‬
‫وفيه وفي هذه القصة دللككة لمككن ذهككب مككن العلمككاء كالشككافعي‬
‫وغيره إلى أن من حرم مأكل ً أو ملبسا ً أو شيئا ً ما عدا النساء أنككه‬
‫ل يحرم عليه‪ ,‬ول كفارة عليه أيضًا‪ ,‬ولقوله تعالى‪} :‬يا أيهككا الككذين‬
‫آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكم{ ولن الذي حككرم اللحككم‬
‫‪492‬‬
‫على نفسه كما في الحديث المتقدم لم يككأمره النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم بكفارة‪ ,‬وذهب آخرون منهككم المككام أحمككد بككن حنبككل‬
‫إلى أن من حرم مأكل ً أو مشربا ً أو ملبس كا ً أو شككيئا ً مككن الشككياء‪,‬‬
‫فإنه يجب عليه بذلك كفارة يميككن‪ ,‬كمككا إذا الككتزم تركككه بككاليمين‪,‬‬
‫فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزاما ً له بما التزمه‪ ,‬كما‬
‫أفتى بذلك ابن عباس‪ ,‬وكما في قككوله تعككالى }يككا أيهككا النككبي لككم‬
‫تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم{‪,‬‬
‫لية‪ ,‬وكذلك هاهنا لما‬ ‫ثم قال }قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم{ ا َ‬
‫لية المبينة لتكفير اليمين‪ ,‬فككدل علككى أن‬ ‫ذكر هذا الحكم‪ ,‬عقبه با َ‬
‫هككذا منككزل منزلككة اليميككن فككي اقتضككاء التكفيككر‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا القاسم‪ ,‬حدثنا الحسين‪ ,‬حدثنا حجاج عككن‬
‫ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد قال‪ :‬أراد رجال منهم عثمككان بككن مظعككون‬
‫وعبككد اللككه بككن عمككرو أن يتبتلككوا‪ ,‬ويخصككوا أنفسككهم‪ ,‬ويلبسككوا‬
‫لية إلى قوله }واتقككوا اللككه الككذي أنتككم بككه‬ ‫المسوح‪ ,‬فنزلت هذه ا َ‬
‫مؤمنون{‪ .‬قال ابن جريج‪ ,‬عككن عكرمككة‪ :‬أن عثمككان بككن مظعككون‬
‫وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والمقككداد بككن السككود وسككالما ً‬
‫مككولى أبككي حذيفككة فككي أصككحابه تبتلككوا‪ ,‬فجلسككوا فككي الككبيوت‪,‬‬
‫واعككتزلوا النسككاء‪ ,‬ولبسككوا المسككوح‪ ,‬وحرمككوا طيبككات الطعككام‬
‫واللباس‪ ,‬إل ما يؤكككل ويلبككس أهككل السككياحة مككن بنككي إسككرائيل‪,‬‬
‫وهموا بالختصاء‪ ,‬وأجمعوا لقيام الليل‪ ,‬وصيام النهار‪ ,‬فنزلت هذه‬
‫لية }يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات مككا أحككل اللككه لكككم ول‬ ‫ا َ‬
‫تعتككدوا إن اللككه ل يحككب المعتككدين{ يقككول ل تسككيروا بغيككر سككنة‬
‫المسلمين‪ ,‬يريد مككا حرمككوا مككن النسككاء والطعككام واللبككاس‪ ,‬ومككا‬
‫أجمعككوا لككه مككن قيككام الليككل وصككيام النهككار‪ ,‬ومككا همككوا بككه مككن‬
‫الختصاء‪ ,‬فلما نزلت فيهم بعث إليهم رسول الله صلى الله عليككه‬
‫وسككلم فقككال »إن لنفسكككم حقككًا‪ ,‬وإن لعينكككم حقككًا‪ ,‬صككوموا‬
‫وأفطروا‪ ,‬وصلوا وناموا‪ ,‬فليس منا من ترك سنتنا« فقالوا‪ :‬اللهككم‬
‫سكككككككككككككككلمنا واتبعنكككككككككككككككا مكككككككككككككككا أنزلكككككككككككككككت‪.‬‬
‫وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة‪ ,‬ولهككا شككاهد‬
‫في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين كما تقدم ذلك‪ ,‬ولله‬
‫الحمد والمنة‪ .‬وقال أسباط عن السدي في قوله }يككا أيهككا الككذين‬
‫آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ول تعتدوا إن الله ل يحب‬
‫‪493‬‬
‫المعتدين{ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما ً‬
‫فذكر الناس‪ ,‬ثم قام ولم يزدهم على التخويككف‪ ,‬فقككال نككاس مككن‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬كانوا عشرة منهم علككي بككن‬
‫ل‪ ,‬فككإن‬ ‫أبي طالب وعثمان بن مظعون‪ :‬ما حقنا إن لم نحككدث عم ً‬
‫النصارى قد حرموا على أنفسهم فنحن نحرم‪ ,‬فحككرم بعضككهم أن‬
‫يأكل اللحم والودك‪ ,‬وأن يأكل بالنهار‪ ,‬وحرم بعضهم النوم‪ ,‬وحرم‬
‫بعضهم النساء‪ ,‬فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء فكككان‬
‫ل يدنو من أهله ول يدنون منه‪ ,‬فككأتت امرأتككه عائشككة رضككي اللككه‬
‫عنها وكان يقال لها الحولء‪ ,‬فقالت لهككا عائشككة ومككن عنككدها مككن‬
‫أزواج النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ :‬مككا بالكك يككا حككولء متغيككرة‬
‫اللون‪ ,‬ل تمتشطين ول تتطيبين ؟ فقالت‪ :‬وكيف أمتشط وأتطيب‬
‫وما وقع علي زوجكي‪ ,‬ومككا وقكع عنكي ثوبكا ً منكذ ككذا وكككذا‪ .‬قكال‪:‬‬
‫فجعلن يضحكن من كلمها‪ ,‬فدخل رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم وهن يضحكن‪ ,‬فقال »ما يضحككن ؟« قالت‪ :‬يا رسول الله‬
‫إن الحولء سألتها عن أمرها‪ .‬فقالت‪ :‬ما وقع عني زوجي ثوبا ً منذ‬
‫كذا وكذا‪ ,‬فأرسل إليه فدعاه فقال »مالك يا عثمان ؟« قال‪ :‬إنككي‬
‫تركته لله لكي أتخلى للعبادة‪ ,‬وقص عليه أمره‪ ,‬وكان عثمككان قككد‬
‫أراد أن يجب نفسه‪ ,‬فقككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»أقسمت عليك إل رجعت فواقعت أهلك«‪ .‬فقال‪ :‬يا رسككول اللككه‬
‫إني صائم‪ .‬فقال »أفطر« فأفطر وأتى أهله‪ ,‬فرجعت الحولء إلى‬
‫عائشككة وقككد امتشككطت واكتحلككت وتطيبككت‪ ,‬فضككحكت عائشككة‬
‫وقككككالت‪ :‬مالككككك يككككا حككككولء ؟ فقككككالت‪ :‬إنككككه أتاهككككا أمككككس‪.‬‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم »مككا بكال أقككوام حرمككوا‬
‫النساء والطعام والنوم‪ ,‬أل إني أنام وأقوم وأفطر وأصككوم وأنكككح‬
‫النساء‪ ,‬فمن رغب عني فليس مني« فنزلت }يا أيها الذين آمنككوا‬
‫ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكككم ول تعتككدوا{ يقككول لعثمككان‪ :‬ل‬
‫تجككب نفسككك‪ ,‬فككإن هككذا هككو العتككداء‪ ,‬وأمرهككم أن يكفككروا عككن‬
‫أيمانهم فقال }ل يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخككذكم‬
‫بما عقدتم اليمان{‪ ,‬رواه ابن جرير‪ .‬وقوله تعككالى‪} :‬ول تعتككدوا{‬
‫يحتمل أن يكون المراد منه ول تبالغوا في التضييق على أنفسكككم‬
‫بتحريم المباحات عليكم‪ ,‬كما قاله من قاله من السككلف‪ ,‬ويحتمككل‬
‫أن يكككون المككراد كمككا ل تحرمككوا الحلل فل تعتككدوا فككي تنككاول‬
‫‪494‬‬
‫الحلل‪ ,‬بل خذوا منكه بقكدر كفكايتكم وحكاجتكم ول تجكاوزوا الحكد‬
‫ليكة‪ ,‬وقكال‬‫فيه‪ :‬كما قال تعالى‪} :‬وكلكوا واشكربوا ول تسكرفوا{ ا َ‬
‫}والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلككك قوام كًا{‬
‫فشرع اللككه عككدل بيككن الغككالي فيككه والجككافي عنككه‪ ,‬ل إفككراط ول‬
‫تفريط‪ ,‬ولهذا قال }ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ول تعتككدوا‬
‫إن الله ل يحب المعتدين{ ثم قال }وكلوا مما رزقكككم اللككه حلل ً‬
‫طيبًا{ أي في حال كونه حلل ً طيبا ً }واتقككوا اللككه{ أي فككي جميككع‬
‫أمككوركم‪ ,‬واتبعككوا طككاعته ورضككوانه‪ ,‬واتركككوا مخككالفته وعصككيانه‬
‫}واتقكككككككوا اللكككككككه الكككككككذي أنتكككككككم بكككككككه مؤمنكككككككون{‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ما عَّقككدت ّ ُ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫خذ ُ ُ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫كن ي ُ َ‬ ‫م وََلـ ِ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ه ِبالل ّغْوِ فِ َ‬
‫ي أي ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خذ ُك ُ ُ‬ ‫** ل َ ي ُ َ‬
‫ؤا ِ‬
‫شرة مساكين م َ‬
‫ن‬ ‫مككو َ‬ ‫مككا ت ُط ْعِ ُ‬ ‫ط َ‬ ‫سك ِ‬ ‫ن أو ْ َ‬ ‫م عَ َ َ ِ َ َ ِ َ ِ ْ‬ ‫ه إ ِط َْعا ُ‬ ‫ن فَك َّفاَرت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫الي ْ َ‬
‫َ‬ ‫أ َهِْليك ُم أ َو كسوته َ‬
‫م ث َل ََثككةِ أّيككام ٍ‬ ‫صَيا ُ‬‫جد ْ فَ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫ريُر َرقَب َةٍ فَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬
‫م أو ْ ت َ ْ‬ ‫ْ ْ ِ ْ َُُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ّك ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّك ُ‬ ‫م ك َكذ َل ِ َ‬ ‫مككان َك ُ ْ‬ ‫حَفظ ُوَا ْ أي ْ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫حل َْفت ُ ْ‬
‫ذا َ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬
‫م إِ َ‬ ‫ك ك َّفاَرةُ أي ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫شككككككككككككككك ُُرو َ‬
‫ن‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م آي َككككككككككككككات ِهِ ل َعَل ّك ُكككككككككككككك ْ‬ ‫ل َك ُكككككككككككككك ْ‬
‫وقد تقدم الكلم على اللغو في اليميككن فككي سككورة البقككرة بمككا‬
‫أغنى عن إعادته ههنا‪ ,‬ولله الحمد والمنة‪ ,‬وأنككه قككول الرجككل فككي‬
‫الكلم من غير قصد‪ :‬ل والله وبلى والله‪ .‬وهذا مككذهب الشككافعي‪.‬‬
‫وقيل هو في الهزل‪ .‬وقيل‪ :‬في المعصية‪ .‬وقيل‪ :‬على غلبة الظن‪,‬‬
‫وهو قول أبي حنيفة وأحمد‪ .‬وقيل‪ :‬اليمين في الغضب وقيل‪ :‬فككي‬
‫النسيان‪ .‬وقيل‪ :‬هو الحلف على ترك المأكل والمشرب والملبككس‬
‫ونحو ذلك‪ ,‬واستدلوا بقوله }ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكككم{‬
‫والصحيح أنه اليمين من غير قصد بككدليل قككوله }ولكككن يؤاخككذكم‬
‫بمككا عقككدتم اليمككان{ أي بمككا صككممتم عليككه منهككا وقصككدتموها‪,‬‬
‫}فكفارته إطعكام عشكرة مسكاكين{ يعنكي محاويكج مكن الفقكراء‬
‫ومكككككككككككككككن ل يجكككككككككككككككد مكككككككككككككككا يكفيكككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقوله }من أوسط ما تطعمون أهليكم{ قال ابن عباس وسعيد‬
‫بن جبير وعكرمة‪ :‬أي من أعدل ما تطعمون أهليكم‪ .‬وقال عطككاء‬
‫الخراساني‪ :‬من أمثل ما تطعمون أهليكككم‪ .‬قككال ابككن أبككي حككاتم‪:‬‬
‫حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حدثنا أبو خالد الحمر عن حجاج‪ ,‬عن أبككي‬
‫إسحاق السبيعي‪ ,‬عن الحارث‪ ,‬عن علي قككال‪ :‬خككبز ولبككن‪ ,‬وخككبز‬
‫‪495‬‬
‫وسمن‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬أنبأنا يونس بن عبككد العلككى قككراءة‪,‬‬
‫حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان يعني ابككن أبككي المغيككرة‪ ,‬عككن‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬كان الرجل يقوت بعض أهلككه‬
‫قوت دون‪ ,‬وبعضهم قوتا ً فيه سعة‪ ,‬فقال الله تعالى‪} :‬من أوسط‬
‫ما تطعمون أهليكككم{ أي مككن الخككبز والزيككت‪ ,‬وحككدثنا أبككو سككعيد‬
‫الشج‪ ,‬حدثنا وكيع‪ ,‬حدثنا إسرائيل عن جابر‪ ,‬عن عككامر‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس }مككن أوسككط مككا تطعمككون أهليكككم{ قككال‪ :‬مككن عسككرهم‬
‫ويسرهم وحدثنا عبد الرحمن بن خلف الحمصي‪ ,‬حدثنا محمد بككن‬
‫شعيب يعني ابن شابور‪ ,‬وحدثنا شيبان بن عبد الرحمككن التميمككي‬
‫عن ليث بن أبي سليم عن عاصم الحول‪ ,‬عن رجل يقال له عبككد‬
‫الرحمن التميمي‪ ,‬عن ابن عمككر رضككي اللككه عنككه أنككه قككال }مككن‬
‫أوسككط مككا تطعمككون أهليكككم{‪ ,‬قككال‪ :‬الخككبز واللحككم‪ ,‬والخككبز‬
‫والسككمن‪ ,‬والخككبز واللبككن‪ ,‬والخككبز والزيككت‪ ,‬والخككبز والخككل‪.‬‬
‫وحدثنا علي بن حرب الموصلي‪ ,‬حدثنا أبككو معاويككة عككن عاصككم‪,‬‬
‫عن ابن سيرين‪ ,‬عن ابن عمر في قوله }من أوسط ما تطعمككون‬
‫أهليكم{ قال‪ :‬الخككبز والسككمن‪ ,‬والخككبز واللبككن‪ ,‬والخككبز والزيككت‪,‬‬
‫والخبز والتمر‪ ,‬ومن أفضككل مككا تطعمككون أهليكككم الخككبز واللحككم‪,‬‬
‫ورواه ابن جرير عن هناد وابن وكيع‪ ,‬كلهما عن أبككي معاويككة‪ ,‬ثككم‬
‫روى ابن جرير عن عبيدة والسككود وشككريح القاضككي ومحمككد بككن‬
‫سيرين والحسككن والضككحاك وأبككي رزيككن‪ ,‬أنهككم قككالوا نحككو ذلككك‪,‬‬
‫وحكككككككاه ابككككككن أبككككككي حككككككاتم عككككككن مكحككككككول أيضككككككًا‪.‬‬
‫واختار ابككن جريككر أن المككراد بقككوله }مكن أوسكط مكا تطعمككون‬
‫أهليكم{ أي في القلة والكثرة‪ ,‬ثم اختلف العلماء فككي مقككدار مككا‬
‫يطعمهم‪ ,‬فقال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا أبككو سككعيد‪ ,‬حككدثنا أبككو خالككد‬
‫الحمككر عككن حجككاج‪ ,‬عككن حصككين الحككارثي‪ ,‬عككن الشككعبي‪ ,‬عككن‬
‫الحارث‪ ,‬عن علككي رضككي اللككه عنككه فككي قككوله }مككن أوسككط مككا‬
‫تطعمون أهليكم{ قال‪ :‬يغديهم ويعشيهم‪ .‬وقككال الحسككن ومحمككد‬
‫بن سيرين‪ :‬يكفيه أن يطعككم عشككرة مسككاكين أكلككة واحككدة خككبزا ً‬
‫ولحمًا‪ ,‬زاد الحسن‪ :‬فإن لم يجد فخبزا ً وسمنا ً ولبنًا‪ ,‬فإن لككم يجككد‬
‫ل‪ ,‬حتى يشبعوا‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يطعم كل واحد من‬ ‫فخبزا ً وزيتا ً وخ ً‬
‫العشرة نصف صاع من بر أو تمر ونحوهما‪ ,‬فهذا قول عمر وعلي‬
‫وعائشككة ومجاهككد والشككعبي وسككعيد بككن جككبير وإبراهيككم النخعككي‬
‫‪496‬‬
‫وميمون بن مهران وأبي مالك والضحاك والحكم ومكحككول وأبككي‬
‫قلبة ومقاتل بن حيان‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬نصف صاع بر وصاع ممككا‬
‫عكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككداه‪.‬‬
‫وقد قال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا محمد بن أحمككد بككن الحسككن‬
‫الثقفككي‪ ,‬حككدثنا عبيككد بككن الحسككن بككن يوسككف‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫معاوية‪ ,‬حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل بككن سككخبرة بككن أخككي‬
‫عائشة لمه‪ ,‬حدثنا عمر بككن يعلككى عككن المنهككال بككن عمككرو‪ ,‬عككن‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كّفر رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم بصاع من تمر‪ ,‬وأمر الناس به‪ ,‬ومن لككم يجككد فنصككف‬
‫صاع من بر‪ .‬ورواه ابن ماجه عن العباس بن يزيككد‪ ,‬عككن زيككاد بككن‬
‫عبد الله البكاء‪ ,‬عككن عمككر بككن عبككد اللككه بككن يعلككى الثقفككي‪ ,‬عككن‬
‫المنهال بن عمرو به‪ ,‬ل يصح هذا الحديث لحال عمر بن عبد اللككه‬
‫هذا‪ ,‬فإنه مجمع على ضعفه‪ ,‬وذكروا أنه كان يشرب الخمر‪ .‬وقال‬
‫الدارقطني‪ :‬متروك‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو سككعيد الشككج‪,‬‬
‫حدثنا ابن إدريس عن داود يعني ابن أبي هنككد‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن‬
‫ابن عباس‪ ,‬أنه قال‪ :‬مد من بر يعني لكل مسكين ومعه إدامه‪ ,‬ثم‬
‫قال‪ :‬وروي عكن ابكن عمكر وزيككد بكن ثككابت وسكعيد بككن المسككيب‬
‫ومجاهد وعطكاء وعكرمكة وأبكي الشكعثاء والقاسكم وسكالم وأبكي‬
‫سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بككن يسككار والحسككن ومحمككد بككن‬
‫سكككككككككككككيرين والزهكككككككككككككري‪ ,‬نحكككككككككككككو ذلكككككككككككككك‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬الواجب في كفارة اليمين مد بمككد النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم لكل مسكين ولم يتعرض للدم‪ .‬واحتج بأمر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم للذي جامع في رمضككان بككأن يطعككم سككتين‬
‫مسكينا ً من مكتل يسع خمسة عشر صاعًا‪ ,‬لكل واحكد منهكم مكد‪.‬‬
‫وقد ورد حديث آخر صريح في ذلك‪ ,‬فقككال أبككو بكككر بككن مردويككه‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن علي بن الحسن المقري‪ ,‬حدثنا محمد بن إسككحاق‬
‫السراج‪ ,‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ,‬حدثنا النضر بن زرارة الكوفي عن‬
‫عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابكن عمكر أن رسكول اللكه‬
‫صلى الله عليه وسلم كككان يقيككم كفككارة اليميككن مككدا ً مككن حنطككة‬
‫بالمد الول‪ ,‬إسناده ضعيف لحال النضر بن زرارة بن عبد الكككرم‬
‫الذهلي الكوفي نزيل بلخ‪ ,‬قال فيه أبو حاتم الككرازي‪ :‬هككو مجهككول‬
‫مع أنه قد روى عنككه غيككر واحككد‪ ,‬وذكككره ابككن حبككان فككي الثقككات‪.‬‬
‫‪497‬‬
‫وقال‪ :‬روى عنه قتيبة بن سعيد أشياء مستقيمة‪ ,‬فككالله أعلككم‪ ,‬ثككم‬
‫إن شيخه العمري ضعيف أيضًا‪ .‬وقال أحمد بن حنبل‪ :‬الواجب مككد‬
‫مككككككن بككككككر أو مككككككدان مككككككن غيككككككره‪ ,‬واللككككككه أعلككككككم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬أو كسوتهم{ قال الشافعي رحمه اللككه‪ :‬لككو دفككع‬
‫إلى كل واحككد مككن العشككرة مككا يصككدق عليككه اسككم الكسككوة مككن‬
‫قميككص أو سككراويل أو إزار أو عمامككة أو مقنعككة‪ ,‬أجككزأه ذلككك‪,‬‬
‫واختلف أصحابه في القلنسوة‪ :‬هل تجزىء أم ل ؟ علككى وجهيككن‪,‬‬
‫فمنهم من ذهب إلككى الجككواز احتجاجكا ً بمككا رواه ابككن أبككي حككاتم‪:‬‬
‫حدثنا أبو سكعيد الشكج وعمكار بككن خالككد الواسكطي‪ :‬قككال‪ :‬حككدثنا‬
‫القاسم بن مالك عن محمككد بككن الزبيككر‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬قككال‪ :‬سككألت‬
‫عمران بن الحصين عككن قككوله }أو كسككوتهم{ قككال‪ :‬لككو أن وفككدا ً‬
‫قدموا على أميركم فكساهم قلنسوة‪ ,‬قلنسككوة قلتككم قككد كسككوا‪,‬‬
‫ولكن هذا إسناد ضعيف لحال محمد بن الزبيككر هككذا‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫وهكذا حكى الشككيخ أبككو حامككد السككفراييني‪ :‬فككي الخككف وجهيككن‬
‫أيضًا‪ ,‬والصحيح عدم الجزاء وقال مالك وأحمد بن حنبل‪ :‬ل بد أن‬
‫يدفع إلى كل واحد منهم من الكسوة ما يصكح أن يصكلي فيكه‪ ,‬إن‬
‫كككككككان رجل ً أو امككككككرأة كككككككل بحسككككككبه‪ ,‬واللككككككه أعلككككككم‪.‬‬
‫وقال العوفي عن ابككن عبككاس‪ :‬عبككاءة لكككل مسكككين أو شككملة‪,‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬أدناه ثوب وأعله ما شئت‪ .‬وقال ليث عككن مجاهككد‪:‬‬
‫يجزىء في كفارة اليمين كل شيء إل التبان‪ .‬وقال الحسككن وأبككو‬
‫جعفر الباقر وعطاء وطككاوس وإبراهيككم النخعككي وحمككاد بككن أبككي‬
‫سليمان وأبو مالك‪ .‬ثوب ثوب‪ .‬وعن إبراهيم النخعككي أيض كًا‪ :‬ثككوب‬
‫جامع كالملحفة والرداء‪ ,‬ول يرى الدرع والقميص والخمككار ونحككوه‬
‫جامعًا‪ ,‬وقال النصككاري عككن أشككعث عككن ابككن سككيرين‪ :‬والحسككن‬
‫ثوبان ثوبان‪ .‬وقال الثوري عن داود بككن أبككي هنككد عككن سككعيد بككن‬
‫المسيب‪ :‬عمامة يلف بها رأسككه‪ ,‬وعبككاءة يلتحككف بهككا‪ .‬وقككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثنا هناد‪ ,‬حدثنا ابن المبارك عن عاصم الحول‪ ,‬عككن ابككن‬
‫سيرين‪ ,‬عن أبي موسى أنه حلف علككى يميككن‪ ,‬فكسككا ثككوبين مككن‬
‫معقدة البحرين‪ .‬وقال ابن مردويه‪ :‬حدثنا سليمان بن أحمد‪ ,‬حدثنا‬
‫أحمد بن المعلككى‪ ,‬حككدثنا هشككام بككن عمككار‪ ,‬حككدثنا إسككماعيل بككن‬
‫عياش‪ ,‬عن مقاتل بن سليمان‪ ,‬عن أبي عثمان‪ ,‬عن أبككي عيككاض‪,‬‬
‫‪498‬‬
‫عن عائشة‪ ,‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فككي قككوله }أو‬
‫كسكككوتهم{ قكككال »عبكككاءة لككككل مسككككين«‪ ,‬حكككديث غريكككب‪.‬‬
‫وقوله }أو تحرير رقبة{ أخذ أبو حنيفة بإطلقهككا فقككال‪ :‬تجزىككء‬
‫الكافرة كما تجزىء المؤمنة‪ .‬وقككال الشككافعي وآخككرون‪ :‬ل بككد أن‬
‫تكككون مؤمنككة‪ .‬وأخككذ تقييككدها باليمككان مككن كفككارة القتككل لتحككاد‬
‫المككوجب وإن اختلككف السككبب‪ .‬ومككن حككديث معاويككة بككن الحكككم‬
‫السلمي الككذي هككو فككي موطككأ مالككك ومسككند الشككافعي وصككحيح‬
‫مسلم أنه ذكر أن عليه عتق رقبة‪ ,‬وجاء معه بجارية سوداء فقككال‬
‫لها رسول الله صلى الله عليه وسلم »أيككن اللككه ؟«‪ .‬قككالت‪ :‬فككي‬
‫السماء‪ .‬قال »من أنا ؟« قالت‪ :‬رسول الله‪ .‬قككال »أعتقهككا فإنهككا‬
‫مؤمنة« الحديث بطوله‪ .‬فهذه خصال ثلث في كفارة اليمين‪ ,‬أيها‬
‫فعل الحككانث أجككزأ عنككه بالجمككاع‪ ,‬وقككد بككدأ بالسككهل‪ ,‬فالطعككام‬
‫أسهل وأيسككر مككن الكسككوة‪ ,‬كمككا أن الكسككوة أيسككر مككن العتكق‪,‬‬
‫فترقى فيها من الدنى إلى العلى‪ ,‬فإن لككم يقككدر المكلككف علككى‬
‫واحدة من هذه الخصال الثلث كفر بصككيام ثلثككة أيككام‪ ,‬كمككا قككال‬
‫تعكككككالى‪} :‬فمكككككن لكككككم يجكككككد فصكككككيام ثلثكككككة أيكككككام{‪.‬‬
‫وروى ابن جرير عن سككعيد بككن جككبير والحسككن البصككري‪ ,‬أنهمككا‬
‫قال‪ :‬من وجد ثلثة دراهم لزمه الطعام وإل صام‪ ,‬وقال ابن جرير‬
‫حاكيا ً عن بعض متأخري متفقهة زمانه أنه جائز لمكن لكم يككن لكه‬
‫فضل عن رأس مال يتصرف فيه لمعاشه‪ ,‬ومن الفضل عككن ذلككك‬
‫ما يكفر به عن يمينه‪ ,‬ثم اختار ابن جرير أنه الككذي ل يفضككل عككن‬
‫قوته وقوت عيككاله فككي يككومه ذلككك مككا يخككرج بككه كفككارة اليميككن‪,‬‬
‫واختلككف العلمككاء‪ :‬هككل يجككب فيهككا التتككابع أو يسككتحب ول يجككب‪,‬‬
‫ويجزىككء التفريككق ؟ قككولن‪ :‬أحككدهما ل يجككب وهككذا منصككوص‬
‫الشافعي في كتاب اليمان‪ ,‬وهو قول مالك لطلق قوله }فصيام‬
‫ثلثة أيام{ وهو صادق على المجموعة والمفرقة‪ ,‬كما فككي قضككاء‬
‫دة من أيام أخر{ ونككص الشككافعي فككي موضككع‬ ‫رمضان لقوله }فع ّ‬
‫آخر في الم على وجوب التتابع‪ ,‬كما هو قول الحنفيككة والحنابلككة‪,‬‬
‫لنه قد روي عن أبي بن كعب وغيره أنهم كانوا يقرؤونها }فصيام‬
‫ثلثة أيام متتابعات{‪ .‬قال أبو جعفر الرازي‪ ,‬عن الربيع‪ ,‬عككن أبككي‬
‫العالية عكن أبكي بكن كعكب أنكه ككان يقرؤهكا }فصكيام ثلثكة أيكام‬
‫متتابعات{ وحكاها مجاهد والشعبي وأبو إسحاق عن عبد الله بككن‬
‫‪499‬‬
‫مسعود‪ ,‬وقال إبراهيم في قراءة أصككحاب عبككد اللككه بككن مسككعود‬
‫}فصيام ثلثة أيام متتابعات{‪ .‬وقككال العمككش كككان أصككحاب ابككن‬
‫مسعود يقرؤونها كذلك‪ ,‬وهذه إذا لم يثبت كونها قرآنا ً متواترًا‪ ,‬فل‬
‫أقل أن يكون خبرا ً واحدا ً أو تفسيرا ً من الصككحابة وهككو فككي حكككم‬
‫المرفوع‪ .‬وقال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا محمد بككن علككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫محمد بن جعفر الشعري‪ ,‬حدثنا الهيثم بن خالككد القرشككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫يزيد بن قيس عن إسماعيل بن يحيى‪ ,‬عككن ابككن جريككج‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس قال‪ :‬لما نزلت آية الكفارات قككال حذيفككة‪ :‬يككا رسككول اللككه‬
‫نحن بالخيار ؟ قككال »أنككت بالخيككار إن شككئت أعتقككت‪ ,‬وإن شككئت‬
‫كسككوت‪ ,‬وإن شككئت أطعمككت‪ ,‬فمككن لككم يجككد فصككيام ثلثككة أيككام‬
‫متتابعات« وهذا حديث غريب جدًا‪ .‬وقوله }ذلك كفارة أيمانكم إذا‬
‫حلفتم{ أي هكذه كفكارة اليميكن الشكرعية }واحفظكوا أيمكانكم{‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬معناه ل تتركوها بغير تكفير }كذلك يبين الله لكككم‬
‫آيكككككاته{ أي يوضكككككحها ويفسكككككرها }لعلككككككم تشككككككرون{‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ب َوالْزل َ ُ‬ ‫صككا ُ‬ ‫س كُر َوالن َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫م كُر َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬‫مككا ال ْ َ‬ ‫من ُككوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيـ كأي َّها ال ّك ِ‬
‫ريكد ُ‬ ‫مككا ي ُ ِ‬ ‫ن * إ ِن ّ َ‬ ‫حككو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّك ُك ْ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫رِ ْ‬
‫طا َ‬
‫ر‬
‫سك ِ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫مكرِ َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ضكآَء ِفكي ال ْ َ‬ ‫داوَةَ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال َْعك َ‬ ‫ن أن ُيوقِعَ ب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫طيعُككوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عن ذِك ْرِ الل ّهِ وَعَ‬
‫ن * وَأ ِ‬ ‫منت َهُككو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫صل َةِ فَهَ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬ ‫صد ّك ُ ْ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ى‬ ‫مككا عَل ك َ‬ ‫موَا ْ أن ّ َ‬ ‫م فَككاعْل َ ُ‬ ‫ح كذ َُروا ْ فَ كِإن ت َكوَل ّي ْت ُ ْ‬ ‫ل َوا ْ‬ ‫سككو َ‬ ‫طيُعوا ْ الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬ ‫صككال ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س عََلى ال ّ ِ‬ ‫ن * ل َي ْ َ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫سول َِنا ال ْب َل َغُ ال ْ ُ‬ ‫َر ُ‬
‫م ات َّقككوا ْ‬ ‫ت ث ُك ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صككال ِ َ‬‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫ما ات َّقوا ْ َوآ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫موَا ْ إ ِ َ‬ ‫ما ط َعِ ُ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سككككِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫حكككك ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫سككككُنوا ْ َوالّلكككك ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ات َّقككككوا ْ وّأ ْ‬ ‫مُنككككوا ْ ُثكككك ّ‬ ‫َوآ َ‬
‫يقول تعالى‪ :‬ناهيا ً عباده المؤمنين عن تعككاطي الخمككر والميسككر‬
‫وهو القمار‪ ,‬وقككد ورد عككن أميككر المككؤمنين علككي بككن أبككي طككالب‬
‫رضي الله عنه أنه قال‪ :‬الشككطرنج مككن الميسككر‪ ,‬ورواه ابككن أبككي‬
‫حاتم عن أبيه‪ ,‬عن عيسى بن مرحوم‪ ,‬عن حككاتم‪ ,‬عككن جعفككر بككن‬
‫محمد‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن علي به‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا محمد بن‬
‫إسماعيل الحمسي‪ ,‬حدثنا وكيع عن سفيان‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن عطككاء‬
‫ومجاهد وطاوس قال‪ :‬سفيان أو اثنين منهم قالوا‪ :‬كل شيء مككن‬
‫القمار فهو من الميسككر حككتى لعككب الصككبيان بككالجوز‪ :‬وروي عككن‬
‫‪500‬‬
‫راشد بن سعد وضمرة بن حبيب مثله‪ ,‬وقال‪ :‬حتى الكعاب والجوز‬
‫والبيض التي تلعب بها الصبيان‪ .‬وقال موسى بن عقبة‪ ,‬عن نككافع‪,‬‬
‫عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬الميسر هو القمار‪ .‬وقككال الضككحاك‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬قال‪ :‬الميسر هو القمار‪ ,‬كانوا يتقامرون في الجاهلية إلككى‬
‫مجيككء السككلم‪ ,‬فنهككاهم اللككه عككن هككذه الخلق القبيحككة‪ .‬وقككال‬
‫مالك‪ ,‬عن داود بن الحصين أنه سمع سككعيد بككن المسككيب يقككول‪:‬‬
‫ككككان ميسكككر أهكككل الجاهليكككة بيكككع اللحكككم بالشكككاة والشكككاتين‪.‬‬
‫وقال الزهري‪ ,‬عن العرج‪ ,‬قال‪ :‬الميسر الضككرب بالقككداح علكى‬
‫الموال والشمار‪ .‬وقال القاسم بن محمد‪ :‬كل ما ألهككى عككن ذكككر‬
‫الله وعن الصلة فهو من الميسر‪ ,‬رواهككن ابككن أبككي حككاتم‪ ,‬وقككال‬
‫ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور الزيككادي‪ ,‬حككدثنا هشككام بككن‬
‫عمار‪ ,‬حدثنا صدقة‪ ,‬حدثنا عثمان بككن أبككي العاتكككة عككن علككي بككن‬
‫يزيد‪ ,‬عن القاسم عن أبي أمامة‪ ,‬عن أبي موسى الشككعري‪ ,‬عككن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال »اجتنبوا هذه الكعاب الموسككومة‬
‫التي يزجر بهككا زجككرًا‪ ,‬فإنهككا مككن الميسككر« حككديث غريككب‪ ,‬وكككأن‬
‫المراد بهذا هو النرد الذي ورد الحديث به في صككحيح مسككلم عككن‬
‫بريدة بن الحصيب السلمي قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم »من لعب بالنردشككير‪ ,‬فكأنمككا صككبغ يككده فككي لحككم خنزيككر‬
‫ودمه« وفككي موطككأ مالككك ومسككند أحمككد وسككنن أبككي داود وابككن‬
‫ماجه‪ ,‬عن أبي موسى الشعري قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »من لعككب بككالنرد فقككد عصككى اللككه ورسككوله« وروي‬
‫موقوفككككا ً عككككن أبككككي موسككككى مككككن قككككوله‪ ,‬فككككالله أعلككككم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا علككي بككن إبراهيككم‪ ,‬حككدثنا الجعيككد عككن‬
‫موسى بن عبد الرحمن الخطمي أنه سمع محمككد بككن كعككب وهككو‬
‫يسأل عبد الرحمككن يقككول‪ :‬أخككبرني مككا سككمعت أبككاك يقككول عككن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسكلم‪ ,‬فقككال عبككد الرحمككن‪ :‬سككمعت‬
‫أبي يقول‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول »مثككل‬
‫الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي‪ ,‬مثل الككذي يتوضككأ بالقيككح ودم‬
‫الخنزير ثم يقوم فيصلي« وأما الشطرنج فقد قككال عبككد اللككه بككن‬
‫عمر إنه شر من النرد‪ ,‬وتقدم عن علي أنه قال‪ :‬هو من الميسككر‪,‬‬
‫ونص على تحريمه مالكك وأبكو حنيفكة وأحمكد‪ ,‬وكرهكه الشكافعي‪,‬‬
‫رحمهككم اللككه تعككالى‪ ,‬وأمككا النصككاب‪ ,‬فقككال ابككن عبككاس ومجاهككد‬
‫‪501‬‬
‫وعطاء وسعيد بن جبير والحسكن وغيكر واحكد‪ :‬هكي حجكارة ككانوا‬
‫يذبحون قرابينهم عندها‪ ,‬وأما الزلم فقالوا أيضًا‪ :‬هي قداح كككانوا‬
‫يستقسككككككككمون بهككككككككا‪ ,‬رواه ابككككككككن أبككككككككي حككككككككاتم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬رجس من عمل الشيطان{ قككال علككي بككن أبككي‬
‫طلحة عن ابن عباس‪ :‬أي سخط من عمل الشيطان‪ .‬وقال سعيد‬
‫بن جبير‪ :‬إثم‪ .‬وقال زيد بن أسككلم‪ :‬أي شككر مككن عمككل الشككيطان‬
‫}فككاجتنبوه{ الضككمير عككائد إلككى الرجككس‪ ,‬أي اتركككوه }لعلكككم‬
‫تفلحون{ وهذا ترغيب‪ ,‬ثم قال تعككالى‪} :‬إنمككا يريككد الشككيطان أن‬
‫يوقع بينكم العداوة والبغضاء فكي الخمكر والميسكر ويصكدكم عكن‬
‫ذكر الله وعن الصلة فهكل أنتكم منتهكون{ وهكذا تهديكد وترهيكب‪.‬‬
‫ذككككككر الحكككككاديث الكككككواردة فكككككي بيكككككان تحريكككككم الخمكككككر‬

‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا شريح‪ ,‬حدثنا أبو معشر عككن أبككي وهككب‬
‫مككولى أبككي هريككرة‪ ,‬عككن أبككي هريككرة قككال‪ :‬حرمككت الخمككر ثلث‬
‫مرات‪ ,‬قككدم رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم المدينككة وهككم‬
‫يشربون الخمر ويأكلون الميسر‪ ,‬فسألوا رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم عنهما‪ ,‬فأنزل الله }يسألونك عن الخمر والميسر قككل‬
‫ليككة‪ .‬فقككال النككاس‪ :‬مككا‬ ‫فيهما إثم كبير ومنافع للناس{ إلى آخككر ا َ‬
‫حرما علينا إنما قككال }فيهمككا إثككم كككبير ومنككافع للنككاس{‪ ,‬وكككانوا‬
‫يشككربون الخمككر حككتى كككان يوم كا ً مككن اليككام‪ ,‬صككلى رجككل مككن‬
‫المهاجرين‪ ,‬أم أصحابه في المغكرب‪ ,‬فخلكط فكي قراءتكه‪ ,‬فكأنزل‬
‫الله أغلظ منها }يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى‬
‫حتى تعلموا ما تقولون{ فكان الناس يشربون حتى يككأتي أحككدهم‬
‫الصلة وهو مغبق‪ ,‬ثم أنزلت آية أغلظ منها }يككا أيهككا الككذين آمنككوا‬
‫إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل الشككيطان‬
‫فكاجتنبوه لعلككم تفلحكون{ قكالوا‪ :‬انتهينكا ربنكا‪ .‬وقكال النكاس‪ :‬يكا‬
‫رسول الله‪ ,‬ناس قتلوا في سبيل الله‪ ,‬وماتوا على فرشهم‪ ,‬كانوا‬
‫يشربون الخمر ويأكلون الميسر‪ ,‬وقد جعله الله رجسا ً مككن عمككل‬
‫الشيطان‪ ,‬فأنزل الله تعككالى‪} :‬ليككس علككى الككذين آمنككوا وعملككوا‬
‫لية‪ ,‬فقال النبي صلى الله‬ ‫الصاحات جناح فيما طعموا{ إلى آخر ا َ‬
‫عليه وسلم »لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم« انفككرد بككه أحمككد‪.‬‬
‫‪502‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا خلف بككن الوليككد‪ ,‬حككدثنا إسككرائيل عككن‬
‫أبي إسحاق‪ ,‬عن أبي ميسرة‪ ,‬عن عمر بن الخطاب أنه قككال لمككا‬
‫نزل تحريم الخمر‪ ,‬قال‪ :‬اللهككم بيككن لنككا فككي الخمككر بيان كا ً شككافيًا‪,‬‬
‫لية التي في البقرة }يسألونك عن الخمككر والميسككر قككل‬ ‫فنزلت ا َ‬
‫فيهما إثم كبير{ فدعي عمر فقرئت عليككه‪ ,‬فقككال‪ :‬اللهككم بيككن لنككا‬
‫لية التي في سورة النساء }يا أيها‬ ‫في الخمر بيانا ً شافيًا‪ ,‬فنزلت ا َ‬
‫الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى{ فكككان منككادي رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم إذا قككال‪ :‬حككي علككى الصككلة‪ ,‬نككادى‪ :‬ل‬
‫يقربن الصلة سكران‪ .‬فدعي عمر فقرئت عليه‪ ,‬فقال‪ :‬اللهم بين‬
‫لية الككتي فككي المككائدة‪ ,‬فككدعي‬ ‫لنا في الخمر بيانا ً شافيًا‪ ,‬فنزلت ا َ‬
‫عمر فقرئت عليه‪ ,‬فلما بلغ قول الله تعالى‪} :‬فهل أنتم منتهككون{‬
‫قال عمر‪ :‬انتهينا انتهينا‪ .‬وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسككائي‬
‫من طرق‪ ,‬عككن إسككرائيل‪ ,‬عككن أبككي إسككحاق عمككر بككن عبككد اللككه‬
‫السبيعي‪ ,‬وعن أبي ميسرة واسمه عمرو بن شرحبيل الهمككداني‪,‬‬
‫عن عمر به‪ ,‬وليس له عنه سواه‪ ,‬قال أبو زرعة‪ :‬ولم يسمع منككه‪.‬‬
‫وصحح هذا الحديث علي بككن المككديني والترمككذي‪ .‬وقككد ثبككت فككي‬
‫الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال فككي خطبتككه علككى منككبر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسكلم‪ :‬أيهككا النككاس‪ ,‬إنكه نككزل تحريككم‬
‫الخمككر وهككي مككن خمسككة‪ :‬العنككب والتمككر والعسككل والحنطككة‬
‫والشعير‪ ,‬والخمر ما خامر العقل‪ .‬وقككال البخككاري‪ :‬حككدثنا إسككحاق‬
‫بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا محمد بن بشر‪ ,‬حدثنا عبد العزيز بككن عمككر بككن‬
‫عبد العزيز‪ ,‬حدثني نافع عن ابن عمر قال‪ :‬نزل تحريم الخمر وإن‬
‫بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة مككا فيهككا شككراب العنككب‪) (.‬حككديث‬
‫آخر( قال أبو داود الطيالسي‪ :‬حككدثنا محمككد بككن أبككي حميككد‪ ,‬عككن‬
‫المصري يعني أبا طعمكة قكارىء مصكر‪ ,‬قكال‪ :‬سكمعت ابكن عمكر‬
‫يقول‪ :‬نزلت في الخمر ثلث آيات‪ ,‬فككأول شككيء نككزل }يسككألونك‬
‫ليكة‪ ,‬فقيككل‪ :‬حرمككت الخمكر‪ ,‬فقككالوا‪ :‬يكا‬ ‫عككن الخمككر والميسككر{ ا َ‬
‫رسول الله‪ ,‬دعنا ننتفع بهككا كمككا قككال اللككه تعككالى‪ ,‬قككال‪ :‬فسكككت‬
‫لية }ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى{ فقيل‪:‬‬ ‫عنهم‪ ,‬ثم نزلت هذه ا َ‬
‫حرمت الخمر‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا رسول الله إنا ل نشككربها قككرب الصككلة‪,‬‬
‫فسكت عنهم‪ ,‬ثم نزلت }يا أيها الذين آمنوا إنما الخمككر والميسككر‬
‫‪503‬‬
‫والنصاب والزلم رجس من عمل الشككيطان فككاجتنبوه{ ا َ‬
‫ليككتين‪,‬‬
‫فقككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »حرمككت الخمككر«‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المكام أحمكد‪ :‬حككدثنا يعلككى‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫إسحاق عن القعقاع بككن حكيككم أن عبككد الرحمككن بككن وعلككة قككال‪:‬‬
‫سألت ابن عباس عن بيع الخمر‪ ,‬فقال‪ :‬كككان لرسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم صديق من ثقيف‪ ,‬أو من دوس‪ ,‬فلقيه يككوم الفتككح‬
‫براوية خمر يهديها إليه‪ ,‬فقال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»يا فلن أما علمت أن الله حرمها ؟« فأقبل الرجككل علككى غلمككه‬
‫فقال‪ :‬اذهب فبعها‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »يككا‬
‫فلن بماذا أمرته ؟ فقال‪ :‬أمرته أن يبيعهككا‪ .‬قككال »إن الككذي حككرم‬
‫شربها حرم بيعها« فأمر بها فأفرغت في البطحككاء‪ ,‬ورواه مسككلم‬
‫من طريق ابن وهب‪ ,‬عن مالك‪ ,‬عن زيد بن أسككلم‪ ,‬ومككن طريككق‬
‫ابن وهب أيضا ً عن سليمان بن بلل‪ ,‬عن يحيى بن سككعيد‪ ,‬كلهمككا‬
‫عن عبد الرحمن بن وعلة‪ ,‬عن ابن عباس به‪ ,‬ورواه النسائي عن‬
‫قتيبككككككككككككككككة عككككككككككككككككن مالككككككككككككككككك بككككككككككككككككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال الحافظ أبو يعلى الموصلي‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫أبي بكر المقدمي‪ ,‬حدثنا أبو بكر الحنفي‪ ,‬حككدثنا عبككد الحميككد بككن‬
‫جعفر عن شكهر بكن حوشكب‪ ,‬عكن تميكم الكداري أنكه ككان يهكدي‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمككر‪ ,‬فلمككا‬
‫أنزل الله تحريم الخمر جاء بها‪ ,‬فلما رآها رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم ضحك وقال »إنها قد حرمت بعدك« قككال‪ :‬يككا رسككول‬
‫الله فأبيعها وأنتفع بثمنها‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫»لعن الله اليهود‪ ,‬حرمككت عليهككم شككحوم البقككر والغنككم‪ ,‬فككأذابوه‬
‫وباعوه‪ ,‬والله حرم الخمر وثمنهككا« وقككد رواه أيض كا ً المككام أحمككد‬
‫فقال‪ :‬حدثنا روح‪ ,‬حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال‪ :‬سككمعت شككهر‬
‫بن حوشب قال‪ :‬حككدثني عبككد الرحمككن بككن غنككم أن الككداري كككان‬
‫يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمككر‪,‬‬
‫فلما كان عام حرمت‪ ,‬جاء براوية‪ ,‬فلمككا نظككر إليككه ضككحك‪ ,‬فقككال‬
‫»أشعرت أنها قد حرمت بعدك« فقال‪ :‬يا رسككول اللككه‪ ,‬أل أبيعهككا‬
‫وأنتفع بثمنها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم »لعن الله‬
‫اليهككود انطلقككوا إلككى مككا حككرم عليهككم مككن شككحم البقككر والغنككم‪,‬‬
‫‪504‬‬
‫فأذابوه‪ ,‬فباعوا به ما يأكلون‪ ,‬وإن الخمر حرام وثمنها حككرام‪ ,‬وإن‬
‫الخمككر حككرام وثمنهككا حككرام‪ ,‬وإن الخمككر حككرام وثمنهككا حككرام«‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬حككدثنا قتيبككة بككن سككعيد‪ ,‬حككدثنا‬
‫ابن لهيعة عن سليمان بن سليمان بن عبد الرحمن‪ ,‬عن نككافع بككن‬
‫كيسان أن أباه أخبره أنه كانه يتجر في الخمككر فككي زمككن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأنه أقبل من الشككام ومعككه خمككر فككي‬
‫الزقاق يريد بها التجارة‪ ,‬فككأتى بهككا رسككول اللككه صكلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فقككال‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬إنككي جئتككك بشككراب طيككب‪ ,‬فقككال‬
‫رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »يككا كيسككان إنهككا قككد حرمككت‬
‫بعدك« قال‪ :‬فأبيعها يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »إنها قد حرمت وحرم ثمنها«‪ ,‬فككانطلق كيسككان إلككى‬
‫الزقككككككككككاق فأخككككككككككذ بأرجلهككككككككككا ثككككككككككم هراقهككككككككككا‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا يحيككى بككن سككعيد عككن‬
‫حميد‪ ,‬عن أنس قال‪ :‬كنت أسقي أبا عبيدة بن الجككراح وأبككي بككن‬
‫كعب وسعيد بن بيضاء ونفرا ً من أصحابه عند أبي طلحة حتى كاد‬
‫الشراب يأخذ منهم‪ ,‬فأتى آت من المسلمين فقككال‪ :‬أمككا شككعرتم‬
‫أن الخمر قد حرمت ؟ فقالوا‪ :‬حتى ننظر ونسأل‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أنككس‬
‫اسكب ما بقي في إنائك فوالله ما عادوا فيها‪ ,‬ومككا هككي إل التمككر‬
‫والبسر‪ ,‬وهي خمرهم يومئذ‪ ,‬أخرجاه في الصحيحين من غير وجه‬
‫عن أنس‪ ,‬وفي رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال‪ :‬كنككت‬
‫ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة‪ ,‬وما شككرابهم‬
‫إل الفضيخ البسر والتمر‪ ,‬فإذا مناد ٍ ينادي قال‪ :‬اخرج فانظر‪ ,‬فككإذا‬
‫منادٍ ينادي‪ :‬أل إن الخمر قد حرمت‪ ,‬فجككرت فككي سكككك المدينككة‪,‬‬
‫قال‪ :‬فقال لي أبو طلحة‪ :‬اخرج فأهرقها‪ ,‬فهرقتهكا فقكالوا أو قكال‬
‫بعضهم‪ :‬قتككل فلن وفلن وهككي فككي بطككونهم‪ ,‬قككال‪ :‬فككأنزل اللككه‬
‫}ليس على الذين آمنوا وعملككوا الصككالحات جنككاح فيمككا طعمككوا{‬
‫ا َ‬
‫ليككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا محمد بن بشككار‪ ,‬حككدثني عبككد الكككبير بككن‬
‫عبد المجيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أنككس بككن مالككك قككال‪ :‬بينمككا أنككا أديككر‬
‫الكأس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجراح وأبي دجانة ومعككاذ‬
‫بن جبل وسهيل بن بيضاء حتى مكالت رؤوسككهم مكن خليكط بسككر‬
‫وتمر‪ ,‬فسمعت مناديا ً ينادي‪ :‬أل إن الخمر قد حرمككت‪ .‬قككال‪ :‬فمككا‬
‫‪505‬‬
‫دخل علينا داخل ول خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب‪ ,‬وكسرنا‬
‫القلل‪ ,‬وتوضأ بعضنا‪ ,‬واغتسل بعضنا‪ ,‬وأصبنا من طيب أم سككليم‪,‬‬
‫ثم خرجنا إلى المسجد فإذا رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم‬
‫يقرأ }يا أيهاالذين آمنوا إنمككا الخمككر والميسككر والنصككاب والزلم‬
‫رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه{ إلى قوله تعالى }فهككل أنتككم‬
‫منتهون{ فقال رجل‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬فمككا تككرى فيمككن مككات وهككو‬
‫يشربها ؟ فككأنزل اللكه تعكالى‪} :‬ليككس علكى الككذين آمنكوا وعملككوا‬
‫ليككة‪ ,‬فقككال رجككل لقتككادة‪ :‬أنككت‬ ‫الصالحات جنككاح فيمككا طعمككوا{ ا َ‬
‫سمعته من أنس بن مالك قال‪ :‬نعم‪ ,‬وقال رجل لنس بككن مالككك‪,‬‬
‫أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬أو‬
‫حككدثني مككن لككم يكككذب‪ ,‬مككا كنككا نكككذب‪ ,‬ول نككدري مككا الكككذب‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا يحيى بكن إسكحاق أخكبرني‬
‫يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر‪ ,‬عن بكككر بككن سككوادة‪ ,‬عككن‬
‫قيس بن سعيد بن عبادة أن رسول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم‬
‫قال »إن ربي تبارك وتعالى‪ ,‬حرم الخمر والكوبة والقنين‪ ,‬وإيككاكم‬
‫والغكككككككككبيراء فإنهكككككككككا ثلكككككككككث خمكككككككككر العكككككككككالم«‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬حدثنا فرج بن فضالة‬
‫عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عبككد اللككه بككن‬
‫عمرو‪ .‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »إن الله حرم‬
‫على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين‪ ,‬وزادني صككلة‬
‫الوتر« قال يزيد‪ :‬القنين البرابط‪ ,‬تفرد به أحمد‪ ,‬وقال أحمد أيضًا‪:‬‬
‫حدثنا أبو عاصم وهو النبيل‪ ,‬أخبرنا عبد الحميككد بككن جعفككر‪ ,‬حككدثنا‬
‫يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد‪ ,‬عن عبككد اللككه بككن عمككرو‬
‫ي مككا لككم‬‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »من قال عل ك ّ‬
‫أقل فليتبوأ مقعده من جهنم« قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول »إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء‬
‫وكككككككل مسكككككككر حككككككرام« تفككككككرد بككككككه أحمككككككد أيضككككككًا‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬حككدثنا عبككد العزيككز‬
‫بن عمر بن عبد العزيز‪ ,‬عن أبي طعمة مولهم‪ ,‬عن عبد الرحمككن‬
‫بن عبد الله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر يقول‪ :‬قال رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »لعنككت الخمككر علككى عشككرة أوجككه‪ :‬لعنككت‬
‫الخمر بعينهككا‪ ,‬وشككاربها‪ ,‬وسككاقيها‪ ,‬وبائعهككا‪ ,‬ومبتاعهككا‪ ,‬وعاصككرها‪,‬‬
‫‪506‬‬
‫ومعتصرها‪ ,‬وحاملهككا‪ ,‬والمحمولككة إليككه‪ ,‬وآكككل ثمنهككا«‪ ,‬ورواه أبككو‬
‫داود وابن ماجه من حديث وكيككع بكه‪ ,‬وقككال أحمككد‪ :‬حككدثنا حسككن‪,‬‬
‫حدثنا ابن لهيعة‪ ,‬حدثنا أبو طعمة‪ ,‬سمعت ابن عمككر يقككول‪ :‬خككرج‬
‫رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم إلككى المربككد فخرجككت معككه‪,‬‬
‫فكنت معه‪ ,‬فكنت عن يمينه‪ ,‬وأقبل أبو بكر فتأخرت عنككه‪ ,‬فكككان‬
‫عن يمينه وكنت عن يساره‪ ,‬ثم أقبل عمر فتنحيت لككه فكككان عككن‬
‫يساره‪ ,‬فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المربد فإذا بزقاق‬
‫على المربد فيها خمر‪ ,‬قال ابن عمر‪ :‬فدعاني رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم بالمدية‪ ,‬قككال ابككن عمككر‪ :‬ومككا عرفككت المديككة إل‬
‫يومئذ‪ ,‬فأمر بالزقاق فشككقت‪ ,‬ثككم قككال »لعنككت الخمككر وشككاربها‪,‬‬
‫وساقيها‪ ,‬وبائعها‪ ,‬ومبتاعها‪ ,‬وحاملها‪ ,‬والمحمولككة إليككه‪ ,‬وعاصككرها‬
‫ومعتصرها‪ ,‬وآكل ثمنها«‪ ,‬وقال أحمد‪ :‬حدثنا الحكم بن نافع‪ ,‬حدثنا‬
‫أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب قال‪ :‬قال عبد الله بككن‬
‫عمر‪ :‬أمرني رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسكلم أن آتيككه بمديككة‬
‫وهي الشفرة‪ ,‬فأتيته بها‪ ,‬فأرسل بها‪ ,‬فأرهفت ثم أعطانيها‪ ,‬وقال‬
‫ي بهككا« ففعلككت‪ ,‬فخككرج بأصككحابه إلككى أسككواق المدينككة‪,‬‬ ‫»اغد عل ّ‬
‫وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام‪ ,‬فأخذ المدية منككي فشككق‬
‫ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها‪ ,‬وأمر أصحابه الككذين‬
‫كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني‪ ,‬وأمرني أن آتي السواق‬
‫كلها فل أجككد فيهككا زق خمككر إل شككققته‪ ,‬ففعلككت فلككم أتككرك فككي‬
‫أسكككككككككككككككككككواقها زقكككككككككككككككككككا ً إل شكككككككككككككككككككققته‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال عبد الله بن وهب‪ :‬أخبرني عبد الرحمككن بككن‬
‫شريح وابن لهيعة والليث بن سعد‪ ,‬عن خالد بن زيد‪ ,‬عن ثابت أن‬
‫يزيد الخولني أخبره أنه كان له عككم يككبيع الخمككر‪ ,‬وكككان يتصككدق‪,‬‬
‫قال‪ :‬فنهيته عنها فلم ينتككه‪ ,‬فقككدمت المدينككة فلقيككت ابككن عبككاس‬
‫فسألته عن الخمر وثمنها‪ ,‬فقال‪ :‬هي حرام‪ ,‬وثمنها حرام‪ ,‬ثم قال‬
‫ابن عباس رضي الله عنه‪ :‬يا معشر أمة محمد‪ ,‬إنه لو كككان كتككاب‬
‫بعد كتابكم‪ ,‬ونبي بعد نبيكم‪ ,‬لنزل فيكم كما أنككزل قبلكككم‪ ,‬ولكككن‬
‫أخر ذلك من أمركم إلى يوم القيامككة ولعمككري لهككو أشككد عليكككم‪,‬‬
‫قال ثابت‪ :‬فلقيت عبد الله بن عمر فسألته عن ثمن الخمر فقال‪:‬‬
‫سأخبرك عن الخمر‪ ,‬إني كنت مككع رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم في المسجد فبينما هو محتب علككى حبككوته‪ ,‬ثككم قككال »مككن‬
‫‪507‬‬
‫كان عنده من هذه الخمر شيء فليأتنا بها« فجعلوا يأتونه فيقككول‬
‫لخر‪ :‬عندي زق‪ ,‬أو ما شككاء اللككه أن‬ ‫أحدهم‪ :‬عندي راوية‪ ,‬ويقول ا َ‬
‫يكون عنده‪ ,‬فقال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »اجمعككوه‬
‫ببقيع كذا وكذا‪ ,‬ثم آذنوني« ففعلوا‪ ,‬ثم آذنوه‪ ,‬فقككام وقمككت معككه‬
‫ي‪ ,‬فلحقنا أبككو بكككر رضككي اللككه‬ ‫ومشيت عن يمينه وهو متكىء عل ّ‬
‫عنه‪ ,‬فأخرني رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فجعلنككي عككن‬
‫شماله وجعل أبا بكككر فككي مكككاني‪ ,‬ثككم لحقنككا عمككر بككن الخطككاب‬
‫رضي الله عنه‪ ,‬فأخرني وجعله عن يساره‪ ,‬فمشى بينهما حتى إذا‬
‫وقف علككى الخمككر قككال للنككاس »أتعرفككون هككذه ؟ قككالوا نعككم يككا‬
‫رسول الله‪ ,‬هذه الخمر‪ ,‬قال »صدقتم«‪ ,‬ثم قال »فإن اللككه لعككن‬
‫الخمككر‪ ,‬وعاصككرها‪ ,‬ومعتصككرها‪ ,‬وشككاربها‪ ,‬وسككاقيها‪ ,‬وحاملهككا‪,‬‬
‫والمحمولة إليه‪ ,‬وبائعها ومشتريها‪ ,‬وآكل ثمنها« ثككم دعككا بسكككين‬
‫فقال »اشحذوها« ففعلوا‪ ,‬ثم أخذها رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم يخرق بها الزقككاق‪ ,‬قككال‪ :‬فقككال النككاس‪ :‬فككي هككذه الزقككاق‬
‫منفعة‪ ,‬فقال »أجل ولكني إنما أفعل ذلك غضبا ً لله عز وجككل لمككا‬
‫فيها من سخطه« فقال عمر‪ :‬انا أكفيك يا رسول اللككه‪ ,‬قككال »ل«‬
‫قال ابن وهب‪ :‬وبعضهم يزيد على بعض في قصككة الحككديث‪ ,‬رواه‬
‫الككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككبيهقي‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال الحافظ أبو بكر البيهقي‪ :‬أنبأنا أبو الحسين بن‬
‫بشر‪ ,‬أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار‪ ,‬حدثنا محمد بن عبيد اللككه‬
‫المنادي‪ ,‬حكدثنا وهكب بككن جريكر‪ ,‬حكدثنا شكعبة عكن سكماك‪ ,‬عككن‬
‫مصعب بن سعد‪ .‬عن سعد قككال‪ :‬أنزلككت فككي الخمككر أربككع آيككات‪,‬‬
‫فذكر الحديث قال‪ :‬وصنع رجل من النصار طعاما ً فدعانا‪ ,‬فشربنا‬
‫الخمر قبل أن تحرم حتى انتشينا فتفاخرنا‪ ,‬فقالت النصككار‪ :‬نحككن‬
‫أفضل‪ ,‬وقالت قريش‪ :‬نحن أفضل‪ ,‬فأخذ رجل مككن النصككار لحككي‬
‫جزور‪ ,‬فضرب به أنف سعد ففزره‪ ,‬وكككانت أنككف سككعد مفككزورة‪,‬‬
‫فنزلككت }إنمككا الخمككر والميسككر{ إلككى قككوله تعككالى‪} :‬فهككل أنتككم‬
‫منتهككككككون{ أخرجككككككه مسككككككلم مككككككن حككككككديث شككككككعبة‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال البيهقي‪ :‬وأخبرنا أبو نصر بن قتادة‪ ,‬أنبأنا أبو‬
‫علي الرفاء‪ ,‬حدثنا علي بن عبد العزيز‪ ,‬حككدثنا حجككاج بككن منهككال‪,‬‬
‫حدثنا ربيعة بن كلثوم‪ ,‬حدثني أبي عن سككعيد بككن جككبير‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عبككاس‪ :‬قككال‪ :‬إنمككا نككزل تحريككم الخمككر فككي قبيلككتين مككن قبككائل‬
‫‪508‬‬
‫النصار‪ ,‬شربوا فلما أن ثمل القوم‪ ,‬عبث بعضهم ببعض‪ ,‬فلمككا أن‬
‫صحوا جعل الرجل يرى الثر بوجهه ورأسه ولحيتككه‪ ,‬فيقككول صككنع‬
‫بي هذا أخي فلن‪ ,‬وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن‪ ,‬فيقككول‪:‬‬
‫والله لو كككان بككي رؤوفكا ً رحيمكا ً مككا صككنع بككي هككذا‪ ,‬حككتى وقعككت‬
‫الضغائن في قلوبهم‪ ,‬فأنزل الله تعالى هذه ا َ‬
‫ليككة }يككا أيهككا الككذين‬
‫آمنوا إنما الخمككر والميسككر والنصككاب والزلم رجككس مككن عمككل‬
‫الشيطان{ إلى قوله تعالى‪} :‬فهل أنتم منتهون{ فقال أناس مككن‬
‫المتكلفين‪ :‬هي رجس وهي في بطككن فلن‪ ,‬وقككد قتككل يكوم أحككد‪:‬‬
‫فأنزل الله تعالى‪} :‬ليككس علككى الككذين آمنككوا وعملككوا الصككالحات‬
‫ليككة‪ ,‬ورواه النسككائي فككي التفسككير‬ ‫جناح فيما طعموا{ إلى آخككر ا َ‬
‫عككن محمككد بككن عبككد الرحيككم صككاعقة‪ ,‬عككن حجككاج بككن منهككال‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال ابن جريككر‪ :‬حككدثني محمككد بككن خلككف‪ ,‬حككدثنا‬
‫سعيد بن محمد الحرمي عن أبي نميلة‪ ,‬عن سككلم مككولى حفككص‬
‫أبي القاسم‪ ,‬عن أبي بريدة‪ ,‬عن أبيككه قككال بينككا نحككن قعككود علككى‬
‫شراب لنا‪ ,‬ونحن على رملة‪ ,‬ونحن ثلثة أو أربعككة‪ ,‬وعنككدنا باطيككة‬
‫ل‪ ,‬إذ قمت حتى آتي رسككول اللككه صككلى‬ ‫لنا ونحن نشرب الخمر ح ً‬
‫الله عليه وسلم فأسلم عليه‪ ,‬إذ نزل تحريم الخمر }يا أيها الككذين‬
‫ليتين‪} ,‬فهل أنتم منتهككون{‬ ‫آمنوا إنما الخمر والميسر{ إلى آخر ا َ‬
‫فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله }فهل أنتم منتهككون{‬
‫قال‪ :‬وبعض القوم شربته في يده قد شككرب بعضككها وبقككي بعككض‬
‫في الناء فقال‪ :‬بالناء تحت شفته العليككا كمككا يفعككل الحجككام‪ ,‬ثككم‬
‫صكككككبوا مكككككا فكككككي بكككككاطيتهم‪ ,‬فقكككككالوا‪ :‬انتهينكككككا ربنكككككا‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال البخاري‪ :‬حدثناصدقة بن الفضل‪ ,‬أخبرنا ابككن‬
‫عيينة عن عمرو‪ ,‬عككن جككابر قككال صككبح أنككاس غككداة أحككد الخمككر‪,‬‬
‫فقتلوا من يومهم جميعا ً شهداء‪ ,‬وذلك قبككل تحريمهككا‪ ,‬هكككذا رواه‬
‫البخاري فككي تفسككيره مككن صككحيحه‪ .‬وقككد رواه الحككافظ أبككو بكككر‬
‫البزار في مسنده‪ :‬حدثنا أحمد بن عبدة‪ ,‬حدثنا سفيان عن عمككرو‬
‫بن دينار‪ ,‬سمع جابر بن عبد الله يقول‪ :‬اصطبح نككاس الخمككر مككن‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثككم قتلككوا شككهداء يككوم أحككد‬
‫فقالت اليهود‪ :‬فقد مككات بعكض الكذين قتلككوا وهكي فككي بطكونهم‪,‬‬
‫فأنزل الله }ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنككاح فيمككا‬
‫‪509‬‬
‫طعموا{ ثم قال‪ :‬وهذا إسناد صككحيح‪ ,‬وهككو كمككا قككال‪ ,‬ولكككن فككي‬
‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككككياقه غرابككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال أبو داود الطيالسككي‪ :‬حككدثنا شككعبة عككن أبككي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن البراء بن عازب قال‪ :‬لما نزل تحريككم الخمككر قككالوا‪:‬‬
‫كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم ؟ فنزلت }ليس على الككذين‬
‫لية‪ ,‬ورواه الترمككذي‬ ‫آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا{ ا َ‬
‫عككن بنككدار غنككدر عككن شككعبة بككه نحككوه‪ ,‬وقككال‪ :‬حسككن صككحيح‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال الحافظ أبو يعلى الموصلي‪ :‬حدثنا جعفر بككن‬
‫حميد الكوفي‪ ,‬حدثنا يعقوب القمي عككن عيسككى بككن جاريككة‪ ,‬عككن‬
‫جابر بن عبد الله قككال‪ :‬كككان رجككل يحمككل الخمككر مككن خيككبر إلككى‬
‫المدينة فيبيعها من المسلمين‪ ,‬فحمل منها بمال فقدم بها المدينة‬
‫فلقيه رجل من المسلمين فقككال يككا فلن‪ ,‬إن الخمككر قككد حرمككت‬
‫فوضعها حيث انتهى على تل‪ ,‬وسجى عليها بأكسية‪ ,‬ثم أتى النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول اللككه‪ ,‬بلغنككي أن الخمككر قككد‬
‫حرمت ؟ قال »أجل« قال لي أن أردهككا علككى مككن ابتعتهككا منككه ؟‬
‫قال ل يصلح ردها«‪ .‬قال‪ :‬لي أن أهديها إلى مككن يكككافئني منهككا ؟‬
‫قال »ل«‪ .‬قال‪ :‬فإن فيها مال ً ليتامى فكي حجكري‪ ,‬قكال »إذا أتانكا‬
‫مال البحرين فأتنا نعوض أيتامك من مككالهم« ثككم نككادى بالمدينككة‪,‬‬
‫فقككال رجككل‪ :‬يككا رسككول اللككه‪ ,‬الوعيككة ننتفككع بهككا ؟ قككال »فحلككوا‬
‫أوكيتها« فانصبت حتى اسككتقرت فككي بطككن الككوادي‪ ,‬هككذا حككديث‬
‫غريككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككب‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬حكدثنا سككفيان عككن‬
‫السدي‪ ,‬عن أبي هبيرة وهو يحيى بن عباد النصاري‪ ,‬عن أنس بن‬
‫مالك أن أبا طلحة سأل رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم عككن‬
‫أيتام في حجره ورثوا خمرا ً فقال »أهرقها«‪ .‬قال‪ :‬أفل نجعلها خل ً‬
‫؟ قال »ل«‪ .‬ورواه مسلم وأبو داود والترمذي من حككديث الثككوري‬
‫بكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه نحكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككوه‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال ابن أبي حاتم حدثنا عبد اللككه بككن رجككاء حككدثنا‬
‫عبد العزيز بن سلمة حدثنا هلل بن أبي هلل عن عطاء بن يسار‬
‫لية التي في القرآن }يا أيها‬ ‫عن عبد الله بن عمرو قال‪ :‬إن هذه ا َ‬
‫الذين آمنوا إنمككا الخمككر والميسككر والنصككاب والزلم رجككس مككن‬
‫عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون{ قال‪ :‬هي في التوراة إن‬
‫‪510‬‬
‫الله أنزل الحق ليذهب به الباطل‪ ,‬ويبطككل بككه اللعككب والمزاميككر‪,‬‬
‫والزفككن والكبككارات‪ ,‬يعنككي الككبرابط والزمككارات‪ ,‬يعنككي بككه الككدف‬
‫والطنابير والشعر والخمر مرة لمككن طعمهككا‪ ,‬أقسككم اللككه بيمينككه‬
‫وعزته من شربها بعكد مكا حرمتهكا لعطشكنه يكوم القيامكة‪ ,‬ومكن‬
‫تركها بعد ما حرمتهككا لسككقينه إياهككا فككي حظيككرة القككدس‪ ,‬وهككذا‬
‫إسككككككككككككككككككككككككككككككككككككناد صككككككككككككككككككككككككككككككككككككحيح‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال عبد الله بن وهب‪ :‬أخبرني عمرو بن الحارث‬
‫أن عمرو بن شعيب حدثهم عن أبيه‪ ,‬عن عبد اللكه بكن عمكرو بكن‬
‫العاص‪ ,‬عن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم قككال »مككن تككرك‬
‫الصلة سكرا ً مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها‪,‬‬
‫ومن ترك الصلة سكرا ً أربع مرات‪ ,‬كان حقا ً على الله أن يسككقيه‬
‫من طينة الخبال« قيل‪ :‬وما طينككة الخبككال ؟ قككال »عصككارة أهككل‬
‫جهنككككم« ورواه أحمككككد مككككن طريككككق عمككككرو بككككن شككككعيب‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال أبو داود‪ :‬حدثنا محمد بن رافع‪ ,‬حدثنا إبراهيم‬
‫بن عمر الصنعاني قال‪ :‬سمعت النعمان هو ابن أبي شيبة الجندي‬
‫يقول عن طاوس‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪ ,‬عككن النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قكال »ككل مخمكر خمكر‪ ,‬وككل مسككر حكرام ومكن شكرب‬
‫مسكرا ً بخست صلته أربعين صباحًا‪ ,‬فإن تاب تاب الله عليه‪ ,‬فإن‬
‫عاد الرابعة كان حقا ً على الله أن يسقيه من طينة الخبال« قيل‪:‬‬
‫وما طينة الخبال يا رسول اللككه ؟ قككال »صككديد أهككل النككار‪ .‬ومككن‬
‫سقاه صغيرا ً ل يعرف حلله من حرامككه‪ ,‬كككان حقكا ً علككى اللككه أن‬
‫يسكككككقيه مكككككن طينكككككة الخبكككككال« تفكككككرد بكككككه أبكككككو داود‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال الشافعي رحمه الله‪ :‬أنبأنا مالككك عككن نككافع‪,‬‬
‫عن ابن عمر أن رسول اللكه صكلى اللكه عليكه وسككلم قككال »مككن‬
‫لخككرة« أخرجككه‬ ‫شرب الخمر في الدنيا لم يتب منها حرمها فككي ا َ‬
‫البخاري ومسلم من حديث مالك به‪ .‬وروى مسلم عن أبي الربيع‪,‬‬
‫عن حماد بن زيد‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عككن ابككن عمككر قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »كل مسكر خمر‪ ,‬وكل مسكككر‬
‫حرام‪ ,‬ومن شرب الخمر فمات وهككو يككدمنها ولككم يتككب منهككا‪ ,‬لككم‬
‫يشكككككككككككككككككككككربها فكككككككككككككككككككككي ا َ‬
‫لخكككككككككككككككككككككرة«‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال ابن وهب‪ :‬أخبرني عمر بن محمككد عككن عبككد‬
‫الله بن يسار أنه سمع سالم بن عبد الله يقول‪ :‬قال عبد الله بككن‬
‫‪511‬‬
‫عمر‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »ثلثككة ل ينظككر اللككه‬
‫إليهم يوم القيامة‪ :‬العاق لوالديه‪ ,‬والمككدمن الخمككر‪ ,‬والمنككان بمككا‬
‫أعطى«‪ .‬ورواه النسائي عن عمرو بن علي‪ ,‬عن يزيككد بككن زريككع‪,‬‬
‫عن عمر بن محمد العمري به‪ .‬وروى أحمد عن غندر‪ ,‬عن شككعبة‪,‬‬
‫عن يزيد بن أبي زياد‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن أبي سعيد‪ ,‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قككال »ل يككدخل الجنككة منككان ول عككاق ول مككدمن‬
‫خمر«‪ .‬ورواه أحمد أيضا ً عككن عبككد الصككمد‪ ,‬عككن عبككد العزيككز بككن‬
‫مسلم‪ ,‬عن يزيد بن أبي زيككاد‪,‬عككن مجاهككد بككه‪ .‬وعككن مككروان بككن‬
‫شجاع‪ ,‬عن حصيف‪ ,‬عن مجاهد بككه‪ .‬ورواه النسككائي عككن القاسككم‬
‫بن زكريا‪ ,‬عن حسين الجعفي‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن يزيد بن أبي زيادة‪,‬‬
‫عن سالم بككن أبككي الجعككد ومجاهككد‪ ,‬كلهمككا عككن أبككي سككعيد بككه‪.‬‬
‫)حكديث آخكر( كك قكال المكام أحمكد‪ :‬حكدثنا عبكد الكرزاق‪ ,‬حكدثنا‬
‫سفيان عن منصور‪ ,‬عن سالم بن أبي الجعد‪ ,‬عن جابان عككن عبككد‬
‫الله بن عمرو‪ ,‬عن النبي صلى اللككه عليككه وسككلم قككال »ل يككدخل‬
‫الجنة عاق‪ ,‬ول مدمن خمككر‪ ,‬ول منككان‪ ,‬ول ولككد زنيككة« وكككذا رواه‬
‫عن يزيد‪ ,‬عن همام‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن جابان‪ ,‬عككن عبككد‬
‫الله بن عمرو به‪ ,‬وقد رواه أيضا ً عن غندر وغيره‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن‬
‫منصور‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن نبيط بن شريط‪ ,‬عن جابان‪ ,‬عن عبد اللككه‬
‫بن عمرو‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قككال »ل يككدخل الجنككة‬
‫منككان‪ ,‬ول عككاق والككديه‪ ,‬ول مككدمن خمككر«‪ .‬ورواه النسككائي مككن‬
‫حديث شعبة كذلك‪ ,‬ثم قال‪ :‬ول نعلم أحدا ً تابع شعبة عن نبيط بن‬
‫شريط‪ .‬وقال البخاري‪ :‬ل يعرف لجابان سماع عككن عبككد اللككه‪ ,‬ول‬
‫لسالم من جابككان ول نككبيط‪ ,‬وقككد روي هككذا الحككديث مككن طريككق‬
‫مجاهد عن ابن عباس‪ ,‬ومن طريقه أيضا ً عككن أبككي هريككرة‪ ,‬فككالله‬
‫وقال الزهري‪ :‬حدثني أبو بكر بن عبد الرحمككن بككن الحككارث بككن‬
‫هشام أن أباه قال‪ :‬سمعت عثمان بن عفان يقول اجتنبككوا الخمككر‬
‫فإنها أم الخبائث إنككه كككان رجككل فيمككن خل قبلكككم يتعبككد ويعككتزل‬
‫الناس فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها فقالت إّنا نككدعوك‬
‫لشهادة فدخل معها فطفقككت كلمككا دخككل بابكا ً أغلقتككه دونككه حككتى‬
‫أفضى إلى امككرأة وضككيئة عنككدها غلم وباطيككة خمككر فقككالت إنككي‬
‫والله ما دعوتك لشككهادة ولكككن دعوتككك لتقككع علككي أو تقتككل هككذا‬
‫‪512‬‬
‫الغلم أو تشرب هذا الخمر فسقته كأسا ً فقال زيككدوني فلككم يككرم‬
‫حتى وقع عليها وقتل النفس فاجتنبوا الخمككر فإنهككا ل تجتمككع هككي‬
‫واليمان أبدا ً إل أوشككك أحككدهما أن يخككرج صككاحبه‪ .‬رواه الككبيهقي‬
‫وهذا إسناد صحيح وقد رواه أبوبكر بككن أبككي الككدنيا فككي كتككابه ذم‬
‫المسكر عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن الفضيل بككن سككليمان‬
‫النميري عن عمر بن سعيد عن الزهككري بككه مرفوع كا ً والموقككوف‬
‫أصح والله أعلم وله شاهد في الصحيحين عن رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم أنه قال »ل يزني الزاني حيككن يزنككي وهككو مككؤمن‬
‫ول يسرق سرقة حين يسرقها وهو مؤمن ول يشرب الخمر حيككن‬
‫يشكككككككككككككككككككككربها وهكككككككككككككككككككككو مكككككككككككككككككككككؤمن«‪.‬‬
‫وقال أحمد بن حنبل‪ :‬حدثنا أسود بن عامر‪ ,‬حدثنا إسككرائيل عككن‬
‫سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬لما حرمت الخمككر قككال‬
‫ناس‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أصحابنا الذين ماتوا وهككم يشككربونها‪ ,‬فككأنزل‬
‫اللككه }ليككس علككى الككذين آمنككوا وعملككوا الصككالحات جنككاح فيمككا‬
‫لية‪ ,‬ولما حولت القبلككة قككال نككاس‪ :‬يككا رسككول‬ ‫طعموا{ إلى آخر ا َ‬
‫الله‪ ,‬إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلككى بيككت المقككدس‪ ,‬فككأنزل‬
‫الله }وما كان الله ليضيع إيمانكم{ وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا داود‬
‫بن مهران الدباغ‪ ,‬حدثنا داود يعنككي العطككار عككن أبككي خككثيم‪ ,‬عككن‬
‫شهر بن حوشب‪ ,‬عن أسماء بنت يزيد أنهككا سككمعت النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسككلم يقككول »مككن شككرب الخمككر لككم يككرض اللككه عنككه‬
‫أربعين ليلة‪ ,‬إن مات مات كككافرًا‪ ,‬وإن تككاب تككاب اللككه عليككه‪ ,‬وإن‬
‫عاد كان حقا ً على الله أن يسقيه من طينة الخبال« قالت‪ :‬قلككت‪:‬‬
‫يارسول الله‪ ,‬وما طينة الخبال ؟ قال »صككديد أهككل النككار« وقككال‬
‫العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبككد اللككه بككن مسككعود أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قككال لمككا نزلككت }ليككس علككى الككذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيمككا طعمككوا إذا مككا اتقككوا وآمنككوا{‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم »قيل لي‪ :‬أنككت منهككم« وهكككذا‬
‫رواه مسلم والترمذي والنسائي من طريقه‪ .‬وقككال عبككد اللككه بككن‬
‫المككام أحمككد‪ :‬قككرأت علككى أبككي‪ ,‬حككدثنا علككي بككن عاصككم‪ ,‬حككدثنا‬
‫إبراهيم الهجري عن أبي الحوص‪ ,‬عن عبد الله بن مسككعود قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »إيككاكم وهاتككان الكعبتككان‬
‫الموسككومتان اللتككان تزجككران زجككرا ً فإنهمككا ميسككر العجككم«‪.‬‬
‫‪513‬‬
‫شيٍء من الصيد تنككال ُ َ‬ ‫َ‬

‫م‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ه أْيكك ِ‬ ‫ّ ْ ِ ََ ُ‬ ‫ه بِ َ ْ ّ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َي َب ْل ُوَن ّك ُ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيـأي َّها ال ّ ِ‬
‫ه‬‫ك فَل َك ُ‬ ‫ن اعْت َد َىَ ب َعْكد َ ذ َل ِك َ‬ ‫ِ‬ ‫ب فَ َ‬
‫م‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫خافُ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م ل ِي َعْل َ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫وَرِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مكن‬ ‫م وَ َ‬ ‫حكُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صكي ْد َ وَأن ُْتك ْ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َْقت ُُلوا ْ ال ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م * َيـأي َّها ال ّ ِ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫ل‬ ‫م ب ِهِ ذ ََوا عَد ْ ٍ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ن الن ّعَم ِ ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬‫ما قَت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫جَزآٌء ّ‬ ‫مدا ً فَ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫قَت َل َ ُ‬
‫ك‬ ‫ل ذ َل ِك َ‬ ‫ن َأو عَكد ْ ُ‬ ‫كي َ‬ ‫سككا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫ديا ً ب َككال ِغَ ال ْك َعْب َكةِ أوْ ك َّفككاَرةٌ ط َعَككا ُ‬ ‫م هَ ك ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ه‬
‫م اللكك ُ‬ ‫عاد َ فَي َن ْت َِق ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سلف وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫مرِهِ عََفا الل ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ذوقَ وََبا َ‬ ‫صَياما لي َ ُ‬ ‫ِ‬
‫ذو ان ْت َِقككككككككككككككام ٍ‬ ‫زيككككككككككككككٌز ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ه َوالّلكككككككككككككك ُ‬ ‫مْنكككككككككككككك ُ‬ ‫ِ‬
‫قال الوالبي عن ابككن عبككاس قككوله }ليبلككونكم اللككه بشككيء مككن‬
‫الصككيد تنككاله أيككديكم ورمككاحكم{ قككال‪ :‬هككو الضككعيف مككن الصككيد‬
‫وصككغيره‪ ,‬يبتلككي اللككه بككه عبككاده فككي إحرامهككم‪ ,‬حككتى لككو شككاءوا‬
‫لتناولوه بأيككديهم‪ ,‬فنهككاهم اللككه أن يقربككوه‪ .‬وقككال مجاهككد }تنككاله‬
‫أيديكم{ يعني صككغار الصككيد وفراخككه‪} ,‬ورمكاحكم{ يعنككي كبكاره‪.‬‬
‫ليككة فككي عمككرة الحديبيككة‪,‬‬ ‫وقال مقاتككل بككن حيككان‪ :‬أنزلككت هككذه ا َ‬
‫فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم‪ ,‬لم يروا مثله‬
‫قط فيما خل‪ ,‬فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون }ليعلم الله من‬
‫يخككافه بككالغيب{ يعنككي أنككه تعككالى يبتليهككم بالصككيد‪ ,‬يغشككاهم فككي‬
‫رحالهم يتمكنون من أخذه باليدي والرمككاح سككرا ً وجهككرًا‪ ,‬لتظهككر‬
‫طاعة من يطيع منهككم فككي سككره وجهككره‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬إن‬
‫الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجككر كككبير{ وقككوله ههنككا‬
‫}فمن اعتدى بعد ذلك{ قال السدي وغيره‪ :‬يعني بعد هذا العلم‬
‫والنككذار والتقككدم‪} ,‬فلككه عككذاب أليككم{ أي لمخككالفته أمككر اللككه‬
‫وشككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككرعه‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقتلوا الصيد وأنتككم حككرم{‬
‫وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حككال الحككرام‪ ,‬ونهككي عككن‬
‫تعاطيه فيه‪ ,‬وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول وما يتولككد‬
‫منككه ومككن غيككره‪ ,‬فأمككا غيككر المككأكول مككن حيوانككات الككبر‪ ,‬فعنككد‬
‫الشافعي يجوز للمحرم قتلها‪ ,‬والجمهور على تحريم قتلها أيضككا ً ‪,‬‬
‫ول يستثنى من ذلك إل ما ثبت في الصحيحين من طريق الزهري‬
‫عن عروة‪ ,‬عن عائشككة أم المككؤمنين أن رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليككه وسككلم قككال »خمككس فواسككق يقتلككن فككي الحككل والحككرم‪:‬‬
‫‪514‬‬
‫الغكراب‪ ,‬والحككدأة‪ ,‬والعقككرب‪ ,‬والفكأرة‪ ,‬والكلكب العقكور«‪ .‬وقكال‬
‫مالك‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمككر‪ :‬أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال »خمس من الككدواب ليككس علككى المحككرم فككي قتلهككن‬
‫جنككاح‪ :‬الغككراب‪ ,‬والحككدأة‪ ,‬والعقككرب‪ ,‬والفككأرة‪ ,‬والكلككب العقككور«‬
‫أخرجاه‪ ,‬ورواه أيوب عن نكافع عككن ابككن عمككر مثلككه‪ .‬قككال أيككوب‪:‬‬
‫فقلت لنافع‪ :‬فالحيككة ؟ قككال الحيككة ل شككك فيهككا‪ .‬ول يختلككف فككي‬
‫قتلها‪ .‬ومن العلماء كمالك وأحمد من ألحق بالكلب العقور الككذئب‬
‫والسككبع والنمككر والفهككد‪ ,‬لنهككا أشككد ضككررا ً منككه‪ ,‬فككالله أعلككم‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة‪ :‬الكلب العقور يشمل هذه‬
‫السباع العادية كلها‪ ,‬واستأنس من قال بهككذا بمككا روي أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لما دعا على عتبة بككن أبككي لهككب قككال‬
‫»اللهم سلط عليه كلبك بالشككام« فككأكله السككبع بالزرقككاء‪ ,‬قككالوا‪:‬‬
‫فإن قتل ما عداهن فداه‪ ,‬كالضبع والثعلب وه كّر الككبر ونحككو ذلككك‪,‬‬
‫قال مالك‪ :‬وكذا يستثنى من ذلك صغار هككذه الخمككس المنصككوص‬
‫عليها‪ ,‬وصغار الملحق بها من السككباع العككوادي‪ .‬وقككال الشككافعي‪:‬‬
‫يجوز للمحرم قتككل كككل مككال يؤكككل لحمككه‪ ,‬ول فككرق بيككن صككغاره‬
‫وكباره‪ ,‬وجعل العلة الجامعة كونها ل تؤكل‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يقتل‬
‫المحرم الكلب العقور والذئب‪ ,‬لنه كلب بري‪ ,‬فككإن قتككل غيرهمككا‬
‫فداه إل أن يصول عليه سبع غيرهما فيقتلككه فل فككداء عليككه وهككذا‬
‫قول الوزاعي والحسن بن صالح بن حيي‪ .‬وقال زفر بن الهككذيل‪:‬‬
‫يفكككككككدي مكككككككا سكككككككوى ذلكككككككك وإن صكككككككال عليكككككككه‪.‬‬
‫وقال بعض الناس‪ :‬المراد بالغراب ههنا البقككع‪ ,‬وهككو الككذي فككي‬
‫بطنككه وظهككره بيككاض دون الدرع وهككو السككود‪ ,‬والعصككم وهككو‬
‫البيض‪ ,‬لما رواه النسائي عن عمرو بن علي الفلس‪ ,‬عككن يحيككى‬
‫القطان‪ ,‬عككن شككعبة‪ ,‬عككن قتككادة‪ ,‬عككن سككعيد بككن المسككيب‪ ,‬عككن‬
‫عائشة‪ ,‬عن النبي صلى اللككه عليككه وسككلم قككال »خمككس يقتلهككن‬
‫المحككرم‪ :‬الحيككة‪ ,‬والفككأرة‪ ,‬والحككدأة‪ ,‬والغككراب البقككع‪ ,‬والكلككب‬
‫العقور« والجمهور على أن المراد به أعم من ذلك‪ ,‬لما ثبككت فككي‬
‫الصككحيحين مككن إطلق لفظككه‪ .‬وقككال مالككك رحمككه اللكه‪ :‬ل يقتككل‬
‫المحرم الغككراب إل إذا صككال عليككه وآذاه‪ .‬وقككال مجاهككد بككن جككبر‬
‫وطائفة‪ :‬ل يقتلككه بككل يرميككه‪ ,‬ويككروى مثلككه عككن علككي‪ .‬وقككد روى‬
‫هشيم‪ :‬حدثنا يزيد بن أبي زياد‪ :‬عن عبد الرحمن بن أبي ن ُْعم‪ ,‬عن‬
‫‪515‬‬
‫أبي سعيد‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنككه سككئل عمككا يقتككل‬
‫المحرم ؟ فقال »الحية‪ ,‬والعقككرب‪ ,‬والفويسككقة‪ ,‬ويرمككي الغككراب‬
‫ول يقتله‪ ,‬والكلب العقور‪ ,‬والحدأة‪ ,‬والسبع العادي« رواه أبو داود‬
‫عن أحمد بن حنبل‪ ,‬والترمككذي عككن أحمككد بككن منيككع‪ ,‬كلهمككا عككن‬
‫هشيم وابن ماجه‪ ,‬عن أبي كريم وعن محمككد بككن فضككيل‪ ,‬كلهمككا‬
‫عن يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف به‪ .‬وقال الترمككذي‪ :‬هككذا حككديث‬
‫حسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ومن قتله منكم متعمدا ً فجزاء مثل ما قتككل مككن‬
‫النعم{ قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حدثنا ابن عليككة‬
‫عن أيوب قال‪ :‬نككبئت عككن طككاوس أنككه قككال‪ :‬ل يحكككم علككى مككن‬
‫أصاب صيدا ً خطأ‪ ,‬إنما يحكم على من أصابه متعمدًا‪ ,‬وهذا مذهب‬
‫ليككة‪ ,‬وقككال مجاهككد بككن‬ ‫غريب عن طاوس وهو متمسككك بظككاهر ا َ‬
‫جككبر‪ :‬المككراد بالمتعمككد هنككا القاصككد إلككى قتككل الصككيد‪ ,‬الناسككي‬
‫لحرامه‪ ,‬فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لحرامه‪ ,‬فذاك أمككره‬
‫أعظم من أن يكفر‪ ,‬وقد بطل إحرامه‪ ,‬ورواه ابن جرير عنككه مككن‬
‫طريق ابن أبي نجيح‪ ,‬وليث بن أبي سليم وغيرهما عنه‪ ,‬وهو قول‬
‫غريب أيضًا‪ ,‬والذي عليه الجمهور أن العامد والناسككي سككواء فككي‬
‫وجككوب الجككزاء عليككه‪ .‬وقككال الزهككري‪ :‬دل الكتككاب علككى العامككد‪,‬‬
‫وجككرت السككنة علككى الناسككي‪ ,‬ومعنككى هككذا أن القككرآن دل علككى‬
‫وجوب الجزاء علكى المتعمكد وعلكى تكأثيمه بقكوله }ليكذوق وبكال‬
‫أمره عفا الله عمككا سككلف ومككن عككاد فينتقككم اللككه منككه{ وجككاءت‬
‫السنة من أحكام النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم وأحكككام أصككحابه‬
‫بوجوب الجزاء في الخطأ‪ ,‬كما دل الكتاب عليه في العمد‪ ,‬وأيض كا ً‬
‫فإن قتل الصيد إتلف‪ ,‬والتلف مضمون في العمد وفي النسيان‪,‬‬
‫لكككككككن المتعمككككككد مككككككأثوم‪ ,‬والمخطىككككككء غيككككككر ملككككككوم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فجككزاء مثككل مككا قتككل مككن النعككم{ قككرأ بعضككهم‬
‫بالضافة‪ ,‬وقرأ آخرون بعطفها }فجزاء مثل ما قتل مككن النعككم{‪,‬‬
‫وحكى ابن جرير‪ ,‬أن ابن مسعود قرأها }فجزاؤه مثل ما قتل من‬
‫النعم{‪ .‬وفي قوله }فجزاء مثل ما قتل من النعم{ على كككل مككن‬
‫القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمككد والجمهككور‪,‬‬
‫من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم‪ ,‬إذا كان له مثككل مككن‬
‫الحيوان النسي خلفا ً لبي حنيفة رحمه الله‪ ,‬حيث أوجب القيمككة‬
‫‪516‬‬
‫سواء كان الصيد المقتول مثليا ً أو غير مثلي‪ ,‬قال‪ :‬وهككو مخيككر إن‬
‫شاء تصككدق بثمنككه‪ ,‬وإن شككاء اشككترى بككه هككديًا‪ ,‬والككذي حكككم بككه‬
‫الصحابة في المثل أولى بالتباع‪ ,‬فإنهم حكموا في النعامة ببدنككة‪,‬‬
‫وفي بقرة الوحش ببقرة‪ ,‬وفي الغزال بعنز‪ ,‬وذكر قضايا الصحابة‬
‫وأسانيدها مقرر في كتاب الحكام‪ ,‬وأما إذا لم يكككن الصككيد مثلي كا ً‬
‫فقد حكم ابن عباس فيه بثمنككه يحمككل إلككى مكككة‪ ,‬رواه الككبيهقي‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬يحكم به ذوا عدل منكم{ يعني أنه يحكم بالجزاء‬
‫فككي المثككل أو بالقيمككة فككي غيككر المثككل عككدلن مككن المسككلمين‪,‬‬
‫واختلف العلماء في القاتل‪ :‬هل يجككوز أن يكككون أحككد الحكميككن ؟‬
‫على قولين )أحدهما( ل‪ ,‬لنه قد يتهم في حكمه على نفسه‪ ,‬وهذا‬
‫لية‪ ,‬وهككو مككذهب الشككافعي‬ ‫مذهب مالك‪) .‬والثاني( نعم‪ ,‬لعموم ا َ‬
‫وأحمد‪ ,‬واحتج الولككون بككأن الحككاكم ل يكككون محكوم كا ً عليككه فككي‬
‫صورة واحدة‪ .‬قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا أبككو نعيككم‬
‫الفضل بن دكيككن‪ ,‬حككدثنا جعفككر هككو ابككن برقككان عككن ميمككون بككن‬
‫مهران أن أعرابيا ً أتى أبا بكر‪ ,‬فقال‪ :‬قتلت صيدا ً وأنا محككرم‪ ,‬فمككا‬
‫ترى علي من الجزاء ؟ فقال أبككو بكككر رضككي اللككه عنككه لبككي بككن‬
‫كعب وهو جالس عنده‪ :‬ما ترى فيما قال ؟ فقال العرابي‪ :‬أتيتككك‬
‫وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسككألك‪ ,‬فككإذا أنككت‬
‫تسككأل غيككرك ؟ فقككال أبككو بكككر‪ :‬ومككا تنكككر ؟ يقككول اللككه تعككالى‪:‬‬
‫}فجككزاء مثككل مككا قتككل مككن النعككم يحكككم بككه ذوا عككدل منكككم{‬
‫فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به‪ ,‬وهذا إسككناد‬
‫جيد‪ ,‬لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق‪ ,‬ومثلككه يحتمككل ههنككا‪,‬‬
‫ل‪ ,‬وإنمككا‬ ‫فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة لما رآه أعرابيا ً جككاه ً‬
‫دواء الجهل التعليم‪ ,‬فأما إذا كككان المعككترض منسككوبا ً إلككى العلككم‪,‬‬
‫فقد قال ابن جرير‪ :‬حدثنا هناد وأبككو هشككام الرفككاعي‪,‬قككال‪ :‬حككدثنا‬
‫وكيع بن الجراح عن المسعودي‪ ,‬عن عبد الملككك بككن عميككر‪ ,‬عككن‬
‫قبيصة بن جابر‪ ,‬قال‪ :‬خرجنا حجاجًا‪ ,‬فكنا إذا صكلينا الغكداة اقتككدنا‬
‫رواحلنا‪ ,‬فنتماشى نتحدث‪ .‬قال‪ :‬فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنككا‬
‫شاَءهُ )وهككو‬ ‫خ ّ‬
‫ظبي أو برح‪ ,‬فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ ُ‬
‫منا عليككه‪,‬‬ ‫عه ميتًا‪ .‬قال‪ :‬فَعَظ ّ ْ‬‫العظم الناتى خلف الذن(‪ ,‬فركب َرد ْ َ‬
‫فلما قدمنا مكة‪ ,‬خرجت معه حتى أتينا عمككر بككن الخطككاب رضككي‬
‫الله عنه‪ ,‬فقص عليه القصة فقال‪ :‬وإذا إلى جنبه رجل كأن وجهككه‬
‫‪517‬‬
‫قلب فضة‪ ,‬يعني عبد الرحمن بن عوف‪ ,‬فالتفت عمر إلى صاحبه‬
‫فكلمه‪ ,‬قال‪ :‬ثم أقبل على الرجل فقال‪ :‬أعمككدا ً قتلتككه أم خطككأ ؟‬
‫فقال الرجل‪ :‬لقد تعمدت رميه ومككا أردت قتلككه‪ ,‬فقككال عمككر‪ :‬مككا‬
‫أراك إل قد أشركت بين العمد والخطأ‪ ,‬اعمككد إلككى شككاة فاذبحهككا‬
‫وتصدق بلحمها‪ ,‬واسككتبق إهابهككا‪ ,‬قككال‪ :‬فقمنككا مككن عنككده‪ ,‬فقلككت‬
‫لصاحبي‪ :‬أيها الرجل‪ ,‬عظم شعائر الله‪ ,‬فما درى أميككر المككؤمنين‬
‫ما يفتيك حتى سأل صاحبه‪ ,‬اعمد إلى ناقتك فانحرها‪ .‬فلعل ذلككك‬
‫ليكة مكن سكورة‬ ‫يعنكي أن يجزىكء عنكك‪ ,‬قكال قبيصكة‪ :‬ول أذككر ا َ‬
‫المائدة }يحكم به ذوا عدل منكم{ فبلغ عمر مقالتي‪ ,‬فلم يفجأنككا‬
‫منه إل ومعه الدرة‪ ,‬قال‪ :‬فعل صاحبي ضككربا ً بالككدرة‪ ,‬أقتلككت فككي‬
‫الحرم وسفهت في الحكم‪ .‬قال‪ :‬ثم أقبككل علككي‪ ,‬فقلككت‪ :‬يككا أميككر‬
‫المؤمنين‪ ,‬ل أحكل لكك اليككوم شكيئا ً يحكرم عليككك منككي‪ ,‬فقكال‪ :‬يككا‬
‫قبيصككة بككن جككابر‪ ,‬إنككي أراك شككاب السككن‪ ,‬فسككيح الصككدر‪ ,‬بيككن‬
‫اللسان‪ ,‬وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلق حسنة وخلككق سككيء‪,‬‬
‫فيفسد الخلق السيء الخلق الحسنة‪ ,‬فإيككاك وعككثرات الشككباب‪.‬‬
‫وروى هشيم هذه القصة عن عبد الملك بن عميككر‪ ,‬عككن قبيصككة‬
‫بنحوه‪ .‬ورواها أيضا ً عن حصين‪ ,‬عن الشعبي‪ ,‬عن قبيصككة بنحككوه‪.‬‬
‫وذكرها مرسلة عن عمر بن بكر بن عبد الله المزني ومحمككد بككن‬
‫سككيرين بنحككوه‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا ابككن بشككار‪ ,‬حككدثنا عبككد‬
‫الرحمن‪ ,‬حدثنا شككعبة عككن منصككور‪ ,‬عككن أبككي وائل‪ ,‬أخككبرني ابككن‬
‫جرير البجلي‪ ,‬قال‪ :‬أصبت ظبيا ً وأنا محككرم‪ ,‬فككذكرت ذلككك لعمككر‪,‬‬
‫فقال‪ :‬ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك‪ ,‬فأتيت عبد الرحمن‬
‫وسعدا ً فحكما علي بتيس أعفر‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن وكيككع‪,‬‬
‫حدثنا ابن عيينة عن مخارق‪ ,‬عككن طككارق‪ ,‬قككال‪ :‬أوطككأ أربككد ظبيكا ً‬
‫فقتله وهو محرم‪ ,‬فأتى عمر ليحكم عليه‪ ,‬فقككال لككه عمككر‪ :‬احكككم‬
‫معي‪ ,‬فحكما فيككه جككديا ً قككد جمككع المككاء والشككجر‪ ,‬ثككم قككال عمككر‬
‫}يحكم به ذوا عدل منكم{‪ ,‬وفي هذا دللة على جواز كون القاتل‬
‫أحد الحكمين‪ ,‬كما قاله الشافعي وأحمد رحمهما الله‪ (.‬واختلفوا‪:‬‬
‫هل تستأنف الحكومة في كل ما يصيبه المحرم‪ ,‬فيجب أن يحكككم‬
‫فيه ذوا عككدل‪ ,‬وإن كككان قككد حكككم فككي مثلككه الصككحابة أو يكتفككى‬
‫بأحكام الصحابة المتقدمة ؟ على قولين‪ ,‬فقال الشككافعي وأحمككد‪:‬‬
‫يتبع في ذلك ما حكمت به الصحابة‪ ,‬وجعله شرعا ً مقررا ً ل يعككدل‬
‫‪518‬‬
‫عنه‪ ,‬ومالم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى عدلين‪ .‬وقككال مالككك‬
‫وأبو حنيفة‪ :‬بل يجب الحكم في كل فرد فرد سواء وجد للصككحابة‬
‫في مثله حكم أم ل‪ ,‬لقوله تعككالى‪} :‬يحكككم بكه ذوا عككدل منكككم{‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬هديا ً بالغ الكعبة{ أي واصل ً إلى الكعبة‪ ,‬والمككراد‬
‫وصوله إلى الحرم بأن يذبككح هنككاك ويفككرق لحمككه علككى مسككاكين‬
‫الحرم‪ ,‬وهذا أمر متفق عليه في هذه الصورة‪ .‬وقككوله }أو كفككارة‬
‫طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا{ أي إذا لم يجد المحككرم مثككل‬
‫ما قتل من النعم‪ ,‬أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات المثال‪ ,‬أو‬
‫قلنا بالتخيير في هذا المقام بين الجككزاء والطعككام والصككيام‪ ,‬كمككا‬
‫هو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن‪ ,‬وأحككد‬
‫قولي الشافعي‪ ,‬والمشهور عن أحمد‪ ,‬رحمهم اللككه‪ ,‬لظككاهر »أو«‬
‫لخر أنهككا علككى الككترتيب‪ ,‬فصككورة ذلككك أن‬ ‫بأنها للتخيير‪ ,‬والقول ا َ‬
‫يعدل إلى القيمة‪ ,‬فيقوم الصيد المقتول عنككد مالككك وأبككي حنيفككة‬
‫وأصحابه وحماد وإبراهيم‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يقوم مثلككه مككن النعككم‬
‫لو كان موجودًا‪ ,‬ثم يشترى به طعككام فيتصككدق بككه فيصككرف لكككل‬
‫مسكين مد منه‪ ,‬عند الشككافعي ومالككك وفقهككاء الحجككاز‪ ,‬واختككاره‬
‫ابن جرير‪ ,‬وقال أبو حنيفة وأصككحابه‪ :‬يطعككم كككل مسكككين مككدين‪,‬‬
‫وهو قول مجاهد‪ .‬وقال أحمد‪ :‬مد من حنطة أو مككدان مككن غيككره‪,‬‬
‫فإن لم يجد أو قلنا بالتخيير‪ ,‬صام عن إطعككام كككل مسكككين يومكًا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬وقال آخرون‪ :‬يصوم مكان كل صاع يوما ً كما في‬
‫جزاء المترفه بالحلق ونحوه‪ ,‬فإن الشارع أمر كعب بن عجككرة أن‬
‫يقسم فرقا ً بين سككتة‪ ,‬أو يصككوم ثلثككة أيككام‪ ,‬والفككرق ثلثككة آصككع‪,‬‬
‫واختلفوا في مكان هذا الطعام‪ ,‬فقال الشككافعي‪ :‬مكككانه الحككرم‪,‬‬
‫وهو قول عطاء‪ .‬وقال مالك يطعم في المكككان الككذي أصككاب فيككه‬
‫الصيد أو أقرب الماكن إليه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن شاء أطعككم فككي‬
‫الحكككككككككرم‪ ,‬وإن شكككككككككاء أطعكككككككككم فكككككككككي غيكككككككككره‪.‬‬
‫ذكككككككككر أقككككككككوال السككككككككلف فككككككككي هككككككككذا المقككككككككام‬

‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حككدثنا يحيككى بككن المغيككرة‪ ,‬حككدثنا‬
‫جرير عن منصور‪ ,‬عن الحكم‪ ,‬عن مقسككم‪ ,‬عككن ابككن عبككاس فككي‬
‫قوله الله تعالى‪} :‬فجزاء مثككل مككا قتككل مككن النعككم يحكككم بككه ذوا‬
‫عدل منكم هديا ً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلككك‬
‫‪519‬‬
‫صيامًا{ قككال‪ :‬إذا أصكاب المحككرم الصككيد حككم عليكه جكزاؤه مككن‬
‫النعم‪ ,‬فإن لم يجد‪ ,‬نظر كم ثمنه‪ ,‬ثم قوم ثمنه طعامًا‪ ,‬قككال اللككه‬
‫تعالى‪} :‬أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا{‪ ,‬قال‪ :‬إنمككا‬
‫أريد بالطعام والصيام‪ ,‬أنه إذا وجد الطعام وجد جزاؤه‪ ,‬ورواه ابن‬
‫جرير من طريق جرير‪ .‬وقال علي بن أبي طلحة عن ابككن عبككاس‬
‫}هديا ً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلككك صككيامًا{‪,‬‬
‫فإذا قتل المحرم شيئا ً من الصيد حكم عليه فيه‪ ,‬فإن قتل ظبيا ً أو‬
‫نحوه فعليه شاة تذبح بمكة‪ ,‬فإن لم يجد فإطعكام سكتة مسكاكين‪,‬‬
‫فإن لم يجد فصيام ثلثة أيام‪ ,‬فإن قتل أيل ً أو نحوه‪ ,‬فعليككه بقككرة‪,‬‬
‫فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينًا‪ ,‬فككإن لككم يجككد صككام عشككرين‬
‫يومًا‪ ,‬وإن قتل نعامككة أو حمككار وحككش أو نحككوه‪ ,‬فعليككه بدنككة مككن‬
‫البل‪ ,‬فإن لم يجد أطعم ثلثين مسكينًا‪ ,‬فإن لم يجد صككام ثلثيككن‬
‫يومككًا« رواه ابككن أبككي حككاتم وابككن جريككر‪ ,‬وزاد‪ :‬الطعككام مككد ّ‬
‫ديشككبعهم‪ ,‬وقككال جككابر الجعفككي‪ ,‬عككن عككامر الشككعبي وعطككاء‬ ‫م ّ‬
‫ومجاهد }أو عدل ذلككك صككيامًا{ قككالوا إنمككا الطعككام لمككن ل يبلككغ‬
‫الهدي رواه ابن جرير وكذا روى ابن جريككج عككن مجاهككد وأسككباط‬
‫عن السدي أنها على الترتيب‪ .‬وقال عطاء وعكرمة ومجاهككد فككي‬
‫رواية الضحاك وإبراهيم النخعككي‪ :‬هككي علككى الخيككار‪ ,‬وهككي روايككة‬
‫الليث عن مجاهد‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬واختار ذلككك ابككن جريككر رحمككه‬
‫اللكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقككوله }ليككذوق وبككال أمككره{ أي أوجبنككا عليككه الكفككارة ليككذوق‬
‫عقوبة فعله الذي ارتكب فيه المخالفة }عفا الله عما سككلف{ أي‬
‫في زمان الجاهلية لمن أحسن في السلم واتبع شرع اللككه‪ ,‬ولككم‬
‫يرتكب المعصية‪ ,‬ثم قال }ومن عاد فينتقككم اللككه منككه{ أي ومككن‬
‫فعل ذلك بعد تحريمه فككي السككلم وبلككوغ الحكككم الشككرعي إليككه‬
‫}فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقككام{‪ .‬قككال ابككن جريككج‪ :‬قلككت‬
‫لعطاء‪ :‬ما }عفا الله عما سلف{ ؟ قال‪ :‬عما ككان فككي الجاهليككة‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬وما }ومن عاد فينتقم الله منه{ ؟ قال‪ :‬ومن عاد فكي‬
‫السلم فينتقم الله منه‪ ,‬وعليه مع ذلك الكفارة‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فهككل‬
‫في العود من حد تعلمه ؟ قككال‪ :‬ل‪ ,‬قككال قلككت‪ :‬فككترى حق كا ً علككى‬
‫المام أن يعاقبه ؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين اللككه عككز‬
‫وجل‪ ,‬ولكن يفتدي« رواه ابن جرير‪ .‬وقيل‪ :‬معناه فينتقم الله منه‬
‫‪520‬‬
‫بالكفارة‪ ,‬قاله سعيد بن جبير وعطككاء‪ ,‬ثككم الجمهككور مككن السككلف‬
‫والخلف على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجككزاء‪ ,‬ول فككرق‬
‫بين الولى والثانية والثالثة‪ ,‬وإن تكرر ما تكككرر سككواء الخطككأ فككي‬
‫ذلككككككككككككككككككككككككككككككككككككك والعمككككككككككككككككككككككككككككككككككككد‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ ,‬قككال‪ :‬مككن قتككل شككيئا ً‬
‫من الصيد خطأ وهو محرم‪ ,‬يحكم عليه فيه كلما قتلككه‪ ,‬فككإن قتلككه‬
‫عمدا ً يحكم عليه فيه مرة واحدة‪ ,‬فإن عككاد يقككال لككه‪ :‬ينتقككم اللككه‬
‫منك‪ ,‬كما قال الله عز وجل‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا عمككرو بككن‬
‫علي‪ ,‬حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي‪ ,‬جميعا ً عن هشككام هككو‬
‫ابن حسان‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬فيمن أصاب صيدا ً يحكم‬
‫عليه ثم عاد قال‪ :‬ل يحكم عليه‪ ,‬ينتقم الله منه‪ .‬وهكذا قال شريح‬
‫ومجاهد وسككعيد بككن جككبير والحسككن البصككري وإبراهيككم النخعككي‪,‬‬
‫رواهن ابن جرير‪ ,‬ثككم اختككار القككول الول‪ .‬وقكال ابككن أبككي حككاتم‪:‬‬
‫حدثنا العباس بن يزيد العبدي‪ ,‬حدثنا المعتمر بن سليمان عن زيككد‬
‫بن أبي المعلى‪ ,‬عن الحسن البصري أن رجل ً أصاب صيدا ً فتجككوز‬
‫عنه‪ ,‬ثم عاد فأصاب صيدا ً آخر‪ ,‬فنزلت نار من السككماء فككأحرقته‪,‬‬
‫فهو قوله }ومن عاد فينتقم الله منه{‪ .‬وقال ابن جرير فككي قككوله‬
‫}والله عزيز ذو انتقام{ يقول‪ ,‬عز ذكره‪ :‬والله منيع في سلطانه‪,‬‬
‫ل يقهره قككاهر ول يمنعكه مككن النتقككام ممككن انتقككم منككه‪ ,‬ول مككن‬
‫عقوبة من أراد عقوبته مانع‪ ,‬لن الخلق خلقككه‪ ,‬والمككر أمككره‪ ,‬لككه‬
‫العزة والمنعة‪ .‬وقوله }ذو انتقام{ يعني أنه ذو معاقبة لمن عصاه‬
‫علككككككككككككككككككككككى معصككككككككككككككككككككككيته إيككككككككككككككككككككككاه‪.‬‬
‫م‬ ‫ح كّر َ‬ ‫سكّياَرةِ وَ ُ‬ ‫م وَِلل ّ‬ ‫مَتاعكا ً ل ّك ُك ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح كرِ وَط َعَككا ُ‬ ‫ص كي ْد ُ ال ْب َ ْ‬

‫م َ‬ ‫ل ل َك ُك ْ‬‫ح ّ‬‫** أ ُ ِ‬
‫ن*‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ال ّكذِيَ إ ِل َي ْكهِ ت ُ ْ‬ ‫حُرما ً َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ما د ُ ْ‬ ‫صي ْد ُ ال ْب َّر َ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫حكَرا َ‬ ‫شكهَْر ال ْ َ‬ ‫س َوال ّ‬ ‫ً ّ‬
‫م قَِيامكا للن ّككا ِ‬ ‫حكَرا َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ة ال ْب َي ْك َ‬ ‫ه ال ْك َعْب َك َ‬ ‫ل الل ّك ُ‬ ‫جع َ ك َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مككا‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سكك َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موَا ْ أ ّ‬ ‫ك ل ِت َعْل َ ُ‬ ‫َوال ْهَد ْيَ َوال َْقل َئ ِد َ ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ديد ُ‬ ‫شك ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫م كوَا ْ أ ّ‬ ‫م * اعْل َ ُ‬ ‫يٍء عَِلي ك ٌ‬ ‫شك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُك ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ض وَأ ّ‬ ‫ِفي الْر َ ِ‬
‫ه‬‫ل إ ِل ّ ال ْب َل َغُ َوالل ّك ُ‬ ‫سككو ِ‬ ‫ما عَل َككى الّر ُ‬ ‫م* ّ‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَُفوٌر ّر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب وَأ ّ‬ ‫ال ْعَِقا ِ‬
‫ن‬‫مكككككككككككو َ‬ ‫مكككككككككككا ت َك ْت ُ ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫مكككككككككككا ت ُب ْككككككككككك ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي َعْل َككككككككككك ُ‬
‫‪521‬‬
‫قال ابن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس في رواية عنككه‪ ,‬وسككعيد بككن‬
‫المسيب‪ ,‬وسعيد بن جبير وغيرهم‪ ,‬في قوله تعككالى‪} :‬أحككل لكككم‬
‫صيد البحر{ يعني ما يصطاد منه طريا ً }وطعامه{ مككا يككتزود منككه‬
‫مليحا ً يابسًا‪ ,‬وقال ابن عباس في الرواية المشهورة عنككه‪ :‬صككيده‬
‫ما أخذ منه حيا ً }وطعامه{ ما لفظككه ميتكًا‪ ,‬وهكككذا روي عككن أبككي‬
‫بكر الصككديق وزيككد بككن ثككابت وعبككد اللككه بككن عمككرو وأبككي أيككوب‬
‫النصاري رضي الله عنهم‪ ,‬وعكرمة وأبي سلمة بن عبككد الرحمككن‬
‫وإبراهيم النخعي والحسن البصري‪ ,‬قككال سككفيان بككن عيينككة‪ ,‬عككن‬
‫عمرو بككن دينككار‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن أبككي بكككر الصككديق أنككه قككال‬
‫}طعامه{ كل ما فيه‪ ,‬رواه ابن جرير وابن أبي حككاتم‪ ,‬وقككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثنا ابن حميد‪ ,‬حدثنا جرير عن مغيرة‪ ,‬عككن سككماك قككال‪:‬‬
‫حدثت عن ابن عباس قال‪ :‬خطب أبككو بكككر النككاس‪ ,‬فقككال }أحككل‬
‫لكم صيد البحر وطعككامه متاع كا ً لكككم{ وطعككامه مككا قككذف‪ .‬قككال‪:‬‬
‫وحدثنا ابن علية عن سكليمان الكتيمي‪ ,‬عكن أبكي مجلكز‪ ,‬عكن ابكن‬
‫عباس في قوله }أحل لكم صيد البحر وطعامه{ قككال }طعككامه{‬
‫مكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككا قكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككذف‪.‬‬
‫وقال عكرمة عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬طعككامه مككا لفككظ مككن ميتككة‪,‬‬
‫ورواه ابن جرير أيضًا‪ .‬وقال سعيد بن المسيب‪ :‬طعامه مككا لفظككه‬
‫حيا ً أو حسر عنه فمات‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا‬
‫ابن بشار‪ ,‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬حدثناأيوب عن نافع أن عبد الرحمن‬
‫بن أبي هريرة سأل ابن عمر‪ ,‬فقككال‪ :‬إن البحككر قككد قككذف حيتان كا ً‬
‫كثيرة ميتة‪ ,‬أفنأكلها ؟ فقال‪ :‬ل تأكلوها‪ ,‬فلما رجككع عبككد اللككه إلككى‬
‫لية }وطعامه‬ ‫أهله‪ ,‬أخذ المصحف فقرأ سورة المائدة فأتى هذه ا َ‬
‫متاعا ً لكم وللسيارة{ فقال‪ :‬اذهب فقل له‪ :‬فليأكله فإنه طعككامه‪,‬‬
‫وهكذا اختار ابن جرير أن المراد بطعامه ما مككات فيككه‪ .‬وقككد روي‬
‫في ذلك خبر‪ ,‬وإن بعضهم يرويه موقوفًا‪ ,‬حدثنا هنككاد بككن السككري‬
‫قال‪ :‬حدثنا عبدة بككن سككليمان عككن محمككد بككن عمككرو‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫سلمة عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫}أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا ً لكم{ قال »طعامه ما لفظه‬
‫ميتًا« ثم قال‪ :‬وقد وقف بعضهم هكذا الحكديث علككى أبكي هريكرة‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬حدثنا ابن أبي زائدة عككن محمككد بككن عمككرو‪ ,‬عكن أبككي‬
‫‪522‬‬
‫سلمة‪ ,‬عن أبي هريرة في قوله }أحل لكم صيد البحر وطعككامه{‬
‫قكككككككككككال‪ :‬طعكككككككككككامه مكككككككككككا لفظكككككككككككه ميتكككككككككككًا‪.‬‬
‫وقككوله }متاعككا ً لكككم وللسككيارة{ أي منفعككة وقوتككا ً لكككم أيهككا‬
‫المخاطبون }وللسيارة{ وهم جمع سيار‪ ,‬قال عكرمة‪ :‬لمككن كككان‬
‫بحضرة البحر والسفر وقال غيره‪ :‬الطري منه لمن يصككطاده مككن‬
‫حاضرة البحر‪ ,‬وطعامه ما مات فيه أو اصككطيد منككه وملككح وقككدد‪,‬‬
‫زادا ً للمسافرين والنائين عن البحر وقد روي نحوه عن ابن عباس‬
‫ومجاهد والسدي وغيرهم‪ .‬وقد استدل الجمهككور علككى حككل ميتتككه‬
‫لية الكريمة‪ ,‬وبما رواه المام مالك بن أنس عن ابن وهككب‬ ‫بهذه ا َ‬
‫وابن كيسان‪ ,‬عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬بعث رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم بعثكا ً قبككل السككاحل‪ ,‬فككأمر عليهككم أبككا عبيككدة بككن‬
‫الجراح وهم ثلثمائة وأنا فيهم‪ ,‬قككال فخرجنككا حككتى إذا كنككا ببعككض‬
‫الطريق فني الزاد‪ ,‬فأمر أبككو عبيككدة بككأزواد ذلككك الجيككش‪ ,‬فجمككع‬
‫ذلك كله فكان مزودي تمر‪ ,‬قال‪ :‬فكان يقوتنا كككل يككوم قليل ً قليل ً‬
‫حتى فني‪ ,‬فلككم يكككن يصككيبنا إل تمككرة تمككرة‪ ,‬فقككال‪ :‬فقككد وجككدنا‬
‫فقدها حين فنيككت‪ ,‬قككال‪ :‬ثككم انتهينككا إلككى البحككر فككإذا حككوت مثككل‬
‫الظرب‪ ,‬فأكل منه ذلك الجيش ثمككاني عشككرة ليلكة‪ ,‬ثككم أمككر أبككو‬
‫عبيدة بضلعين من أضلعه فنصبا‪ ,‬ثم أمر براحلة فرحلككت ومككرت‬
‫تحتهما‪ ,‬فلم تصبهما‪ ,‬وهككذا الحككديث مخككرج فككي الصككحيحين ولككه‬
‫طكككككككككككككككككككككككرق عكككككككككككككككككككككككن جكككككككككككككككككككككككابر‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم من رواية أبككي الزبيككر عككن جككابر‪ ,‬فككإذا علككى‬
‫ساحل البحر مثكل الككثيب الضكخم‪ ,‬فأتينكاه فكإذا بدابكة يقكال لهكا‬
‫العنبر‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬ميتة‪ ,‬ثم قال‪ :‬ل‪ ,‬نحككن رسككل رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وقككد اضككطررتم فكلككوا‪ ,‬قككال‪ :‬فأقمنككا‬
‫عليه شهرا ً ونحن ثلثمائة حتى سمنا‪ ,‬ولقد رأيتنا نغترف من وقككب‬
‫در كالثور‪ ,‬قال‪ :‬ولقد أخذ منا‬ ‫عينيه بالقلل الدهن‪ ,‬ويقتطع منه الِف ْ‬
‫أبو عبيدة ثلثة عشر رجل ً فأقعدهم في وقب عينيككه‪ ,‬وأخككذ ضككلعا ً‬
‫من أضلعه فأقامها ثم رحكل أعظككم بعيكر معنككا‪ ,‬فمكر مكن تحتكه‪,‬‬
‫وتزودنا من لحمه وشائق‪ ,‬فلمكا قكدمنا المدينكة أتينكا رسكول اللكه‬
‫صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له‪ ,‬فقال »هو رزق أخرجه الله‬
‫لكم هل معكم من لحمه شيء فتطعمونككا ؟« قككال فأرسككلنا إلككى‬
‫رسككككول اللككككه صككككلى اللككككه عليككككه وسككككلم منككككه‪ ,‬فككككأكله‪.‬‬
‫‪523‬‬
‫وفي بعض روايات مسلم أنهم كانوا مع النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم حين وجدوا هذه السمكة‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هي واقعة أخككرى‪,‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬بل هي قضككية واحككدة‪ ,‬ولكككن كككانوا أول ً مككع النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثم بعثهم سرية مع أبي عبيدة فوجدوا هذه‬
‫في سريتهم تلك مككع أبككي عبيككدة‪ ,‬واللككه أعلككم‪ .‬وقككال مالككك عككن‬
‫صفوان بن سليم عككن سككعيد بككن سككلمة مككن آل ابككن الزرق‪ :‬أن‬
‫المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار‪ ,‬أخبره أنككه سككمع أبككا‬
‫هريرة يقول‪ :‬سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقال‪,‬‬
‫يا رسول الله‪ ,‬إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء‪ ,‬فككإن‬
‫توضأنا به عطشنا‪ ,‬أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم »هو الطهور ماؤه الحككل ميتتككه«‪ ,‬وقككد روى هككذا‬
‫الحديث المامان الشافعي وأحمد بن حنبل وأهككل السككنن الربككع‪,‬‬
‫وصححه البخاري والترمذي وابككن حبككان وغيرهككم‪ ,‬وقككد روي عككن‬
‫جماعة من الصككحابة عككن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم بنحككوه‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من طككرق‬
‫عن حماد بن سلمة‪ ,‬حدثنا أبو المهزم هو يزيد بن سفيان سككمعت‬
‫أبا هريرة يقول‪ :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج‬
‫أو عمككرة‪ ,‬فاسككتقبلنا جككراد‪ ,‬فجعلنككا نضككربهن بعصككينا وسككياطنا‪,‬‬
‫فنقتلهن‪ ,‬فسقط في أيككدينا‪ ,‬فقلنككا‪ :‬مككا نصككنع ونحككن محرمككون ؟‬
‫فسألنا رسول الله صلى الله عليككه وسككلم فقككال »ل بككأس بصككيد‬
‫البحر« أبو المهزم ضعيف‪ ,‬واللكه أعلكم‪ .‬وقككال ابككن ماجككة‪ :‬حككدثنا‬
‫هارون بن عبد الله الجمال‪ ,‬حدثنا هاشم بن القاسككم‪ ,‬حككدثنا زيككاد‬
‫بن عبد الله عن علم‪ ,‬عن موسى بن محمد بن إبراهيم‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫عن جابر وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسككلم كككان إذا‬
‫دعا على الجراد قال »اللهم أهلك كباره‪ ,‬واقتككل صككغاره‪ ,‬وأفسككد‬
‫بيضه‪ ,‬واقطكع دابكره‪ ,‬وخكذ بكأفواهه عكن معايشكنا وأرزاقنكا‪ ,‬إنكك‬
‫سميع الدعاء«‪ ,‬فقال خالد‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬كيككف تككدعو علككى جنككد‬
‫من أجناد الله بقطع دابره ؟ فقال »إن الجككراد نككثرة الحككوت‪:‬فككي‬
‫البحر« قال هاشم‪ :‬قككال زيككاد‪ :‬فحككدثني مككن رأى الحككوت ينككثره‪,‬‬
‫تفككككككككككككككككرد بككككككككككككككككه ابككككككككككككككككن مككككككككككككككككاجه‪.‬‬
‫وقد روى الشافعي عن سعيد‪ ,‬عن ابككن جريككج‪ ,‬عككن عطككاء عككن‬
‫ابن عباس أنه أنكر على من يصيد الجراد في الحككرم‪ ,‬وقككد احتككج‬
‫‪524‬‬
‫لية الكريمة مككن ذهككب مككن الفقهككاء إلككى أنككه تؤكككل دواب‬ ‫بهذه ا َ‬
‫البحر ولم يستثن من ذلك شيئًا‪ ,‬قد تقدم عن الصككديق أنككه قككال‪:‬‬
‫طعامه كل ما فيه‪ .‬وقد استثنى بعضهم الضفادع وأباح ما سككواها‪,‬‬
‫لما رواه المام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية ابن أبي ذئب‪,‬‬
‫عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب‪ ,‬عن عبككد الرحمككن بككن‬
‫عثمان التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتككل‬
‫الضفدع‪ ,‬وللنسائي عن عبد الله بن عمرو قال‪ :‬نهى رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم عككن قتككل الضككفدع‪ ,‬وقككال‪ :‬نقيقهككا تسككبيح‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬يؤكل من صيد البحككر السككمك‪ ,‬ول يؤكككل الضككفدع‪,‬‬
‫واختلفوا فيما سواهما‪ ,‬فقيل‪ :‬يؤكل سككائر ذلككك‪ .‬وقيككل‪ :‬ل يؤكككل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ما أكل شبهه من البر‪ ,‬أكل مثله فككي البحككر‪ .‬ومككا ل يؤكككل‬
‫شبهه ل يؤكل‪ ,‬وهذه كلها وجوه في مذهب الشافعي رحمككه اللككه‬
‫تعككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككالى‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى‪ :‬ل يؤكل مامات في البحر‪ ,‬كما‬
‫ل يؤكل مامات فككي الككبر‪ ,‬لعمككوم قككوله تعككالى‪} :‬حرمككت عليكككم‬
‫الميتة{ وقد ورد حديث بنحو ذلك‪ ,‬فقال ابن مردويككه‪ :‬حككدثنا عبككد‬
‫الباقي هو ابن قانع‪ ,‬حدثنا الحسين بن إسحاق التستري وعبد الله‬
‫بن موسى بن أبي عثمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين بن يزيككد الطحككان‪,‬‬
‫حدثنا حفص بن غياث عن ابن أبي ذئب‪ ,‬عن أبي الزبير‪ ,‬عن جابر‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »مككا صككدتموه وهككو‬
‫حي فمات فكلوه‪ ,‬وما ألقككى البحككر ميت كا ً طافي كا ً فل تككأكلوه«‪ ,‬ثككم‬
‫رواه من طريق إسماعيل بن أمية ويحيى بن أبي أنيسة عككن أبككي‬
‫الزبير عن جابر به‪ ,‬وهو منكر‪ ,‬وقككد احتككج الجمهككور مككن أصككحاب‬
‫مالك والشافعي وأحمد بن حنبككل بحككديث العنككبر المتقككدم ذكككره‪,‬‬
‫وبحككديث »هككو الطهككور مككاؤه الحككل ميتتككه«‪ ,‬وقككد تقككدم أيض كًا‪.‬‬
‫وروى المام أبو عبد الله الشافعي عن عبد الرحمن بن زيد بككن‬
‫أسلم‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن عمر قكال‪ :‬قكال رسكول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم »أحلكت لنككا ميتتككان ودمككان‪ ,‬فأمكا الميتتككان‪ :‬فكالحوت‬
‫والجراد‪ ,‬وأما الدمان‪ :‬فالكبد والطحال« ورواه أحمد وابككن مككاجه‬
‫والدارقطني والبيهقي ولككه شككواهد‪ ,‬وروي موقوف كًا‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫م حرمكًا{ أي فككي حككال‬ ‫مت ُ ْ‬
‫وقوله }وحّرم عليكككم صككيد الككبر مككاد ْ‬
‫إحرامكم يحرم عليكم الصطياد‪ ,‬ففيه دللة على تحريم ذلك فإذا‬
‫‪525‬‬
‫اصطاد المحرم الصيد متعمدًا‪ ,‬أثم وغرم‪ ,‬أو مخطئًا‪ ,‬غككرم وحككرم‬
‫عليككه أكلككه‪ ,‬لنككه فككي حقككه كالميتككة‪ ,‬وكككذا فككي حككق غيككره مككن‬
‫المحرمين والمحلين‪ ,‬عند مالك والشككافعي فككي أحككد قككوليه‪ ,‬وبككه‬
‫يقككول عطككاء والقاسككم وسككالم وأبككو سككيف ومحمككد بككن الحسككن‬
‫وغيرهم‪ ,‬فإن أكله أو شيئا ً منه فهل يلزمه جزاء ثان ؟ فيه قككولن‬
‫للعلماء )أحدهما( نعم‪ ,‬قال‪ :‬عبد الرزاق عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‬
‫قال‪ :‬إن ذبحه ثم أكله فكفارتان‪ ,‬وإليه ذهب طائفككة‪) .‬والثككاني( ل‬
‫جزاء عليه في أكله‪ ,‬نص عليه مالك بن أنس‪ .‬قككال أبككو عمككر بككن‬
‫عبد البر‪ :‬وعلى هذا مذاهب فقهاء المصار وجمهككور العلمككاء‪ ,‬ثككم‬
‫وجهه أبو عمر بما لو وطىء‪ ,‬ثم وطىء‪ ,‬ثم وطىء قبككل أن يحككد‪,‬‬
‫فإنما عليه حد واحد‪ ,‬وقال أبو حنيفة‪ :‬عليه قيمة ما أكل‪ .‬وقال أبو‬
‫ثور‪ :‬إذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه وحلل أكل ذلككك الصككيد‪,‬‬
‫إل أنني أكرهه للذي قتله للخبر عن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »صيد البر لكم حلل وأنتككم حككرم مككا لككم تصككيدوه أو يصككد‬
‫لكم« وهذا الحديث سككيأتي بيككانه‪ ,‬وقككوله بإبككاحته للقاتككل غريككب‪.‬‬
‫وأما لغيره ففيه خلف قد ذكرنا المنع عمن تقككدم‪ ,‬وقككال آخككرون‬
‫بإباحته لغيكر القاتكل سكواء المحرمكون والمحلكون لهكذا الحكديث‪,‬‬
‫وأما إذا صاد حلل صيدًا‪ ,‬فأهداه إلى محرم‪ ,‬فقد ذهككب ذاهبككون‬
‫إلى إباحته مطلقًا‪ ,‬ولم يستفصككلوا بيككن أن يكككون قككد صككاده مككن‬
‫أجله أم ل‪ ,‬حكى هذا القول أبو عمر بن عبككد الككبر‪ ,‬عككن عمككر بككن‬
‫الخطاب وأبي هريرة والزبير بككن العككوام وكعككب الحبككار ومجاهككد‬
‫وعطاء في رواية‪ ,‬وسعيد بن جبير‪ ,‬وبه قال الكوفيككون‪ .‬قككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع‪ ,‬حدثنا بشككر بككن الفضككل‪,‬‬
‫حدثنا سعيد عن قتادة أن سعيد بن المسيب حدثه عن أبي هريرة‬
‫أنككه سككئل عككن لحككم صككيد صككاده حلل‪ ,‬أيككأكله المحككرم ؟ قككال‪:‬‬
‫فأفتاهم بأكله‪ ,‬ثم لقي عمككر بككن الخطككاب فكأخبره بمككا كككان مككن‬
‫أمككره‪ ,‬فقككال‪ :‬لكو أفككتيتهم بغيكر هككذا لوجعكت لكك رأسككك‪ .‬وقكال‬
‫آخرون‪ :‬ل يجككوز أكككل الصككيد للمحككرم بالكليككة‪ ,‬ومنعككوا مككن ذلكك‬
‫ليكككككككككة الكريمكككككككككة‪.‬‬ ‫مطلقكككككككككا ً لعمكككككككككوم هكككككككككذه ا َ‬
‫وقال عبد الرزاق عن معمر‪ ,‬عن ابن طاوس‪ ,‬وعبد الكريم عككن‬
‫ابن أبي آسية عن طاوس‪ ,‬عن ابككن عبككاس أنككه كككره أكككل الصككيد‬
‫‪526‬‬
‫للمحرم‪ ,‬وقال‪ :‬هي مبهمة يعني قوله }وحّرم عليكم صيد البر مككا‬
‫دمتم حرمًا{ قال‪ :‬وأخبرني معمر عن الزهري‪ ,‬عن ابن عمككر أنككه‬
‫كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصككيد علككى كككل حككال‪ .‬قككال‬
‫معمر‪ :‬وأخبرني أيوب عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر مثله‪ ,‬قال ابككن عبككد‬
‫البر‪ :‬وبه قال طاوس وجابر بن زيد‪ ,‬وإليه ذهب الثككوري وإسككحاق‬
‫بن راهويه في رواية‪ ,‬وقد روي نحوه عككن علككي بككن أبككي طككالب‪,‬‬
‫رواه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبككة‪ ,‬عككن قتككادة‪ ,‬عككن‬
‫سعيد بن المسيب أن عليا ً كره أكل لحم الصيد للمحرم على كككل‬
‫حككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككال‪.‬‬
‫وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهككويه فككي‬
‫رواية والجمهور‪ :‬إن كان الحلل قد قصد المحرم بذلك الصيد لككم‬
‫يجز للمحرم أكله لحديث الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم حمارا ً وحشيا ً وهو بالبواء أو ِبوّدان‪ ,‬فككرده عليككه‪,‬‬
‫فلما رأى ما في وجهه قال »إنا لم نرده عليك إل أنا حككرم« وهككذا‬
‫الحديث مخرج في الصحيحين‪ ,‬وله ألفاظ كثيرة‪ ,‬قالوا‪ :‬فوجهه أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسكلم ظكن أن هككذا إنمككا صكاده مككن أجلكه‪,‬‬
‫فرده لذلك‪ ,‬فأما إذا لم يقصده بالصطياد فإنه يجوز له الكل منه‬
‫لحديث أبي قتادة حين صاد حمككار وحككش‪ ,‬وكككان حلل ً لككم يحككرم‪,‬‬
‫وكان أصحابه محرمين‪ ,‬فتوقفوا في أكله ثككم سككألوا رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال »هل كككان منكككم أحككد أشككار إليهككا أو‬
‫أعان في قتلها ؟« قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال »فكلوا« وأكل منها رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وهككذه القصككة ثابتككة أيضكا ً فككي الصككحيحين‬
‫بألفكككككككككككككككككككككككككككككككككككاظ ككككككككككككككككككككككككككككككككككككثيرة‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب بن عبككد الرحمككن عككن عمككرو بككن أبككي عمككرو‪ ,‬عككن‬
‫المطلب بن عبد الله بن حنطب‪ ,‬عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وقال قتيبة في حديثه‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقككول »صككيد الككبر لكككم حلل«‬
‫قال سعيد ك وأنتم حرم ك ما لم تصيدوه أو يصد لكككم«‪ ,‬وكككذا رواه‬
‫أبو داود والترمذي والنسائي‪ ,‬جميعا ً عن قتيبة‪ .‬وقكال الترمككذي‪ :‬ل‬
‫نعرف للمطلب سماعا ً من جابر‪ ,‬ورواه المام محمد بككن إدريككس‬
‫الشافعي رضي الله عنه من طريككق عمككرو بككن أبككي عمككرو‪ ,‬عككن‬
‫‪527‬‬
‫موله المطلب‪ ,‬عن جابر‪ ,‬ثم قال‪ :‬وهذا أحسككن حككديث روي فككي‬
‫هذا الباب وأقيس‪ .‬وقال مالك رضي الله عنه‪ ,‬عككن عبككد اللككه بككن‬
‫أبي بكر‪ .‬عن عبد الله بن عامر بن ربيعة‪ ,‬قال‪ :‬رأيككت عثمككان بككن‬
‫عفان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهككه بقطيفككة‬
‫أرجوان‪ ,‬ثم أتى بلحم صيد‪ ,‬فقال لصحابه‪ :‬كلوا‪ ,‬فقالوا‪ :‬أول تأكل‬
‫أنككت ؟ فقككال‪ :‬إنككي لسككت كهيئتكككم إنمككا صككيد مككن أجلككي‪.‬‬
‫ث َفات ُّقوا ْ‬ ‫ك ك َث َْرةُ ال ْ َ‬ ‫َ‬

‫خِبي ِ‬ ‫جب َ َ‬ ‫ب وَل َوْ أعْ َ‬ ‫ث َوالط ّي ّ ُ‬ ‫خِبي ُ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫** ُقل ل ّ ي َ ْ‬
‫َ‬
‫س كأُلوا ْ‬ ‫َ‬ ‫الل ّه يأ ُ‬
‫من ُككوا ْ ل َ ت َ ْ‬‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫كا‬‫ك‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫*‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫حو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫با‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ن‬ ‫ل ال ُْقككْرآ ُ‬ ‫ن ي ُن َّز ُ‬ ‫َ‬ ‫سأُلوا ْ عَن َْها ِ‬
‫حي‬ ‫م وَِإن ت َ ْ‬ ‫سؤْك ُ ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫شَيآَء ِإن ت ُب ْد َ ل َك ُ ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫مككن‬ ‫م ّ‬ ‫سكأل ََها قَكوْ ٌ‬ ‫م * قَكد ْ َ‬ ‫حِليك ٌ‬ ‫ه غَُفككوٌر َ‬ ‫ه عَن َْها َوالل ّك ُ‬ ‫م عََفا الل ّ ُ‬ ‫ت ُب ْد َ ل َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫حوا ْ ب َِهككككككككككا َ‬ ‫كككككككككككم ُثكككككككككك َ‬ ‫قَب ْل ِ ُ‬
‫ري َ‬ ‫كككككككككككافِ ِ‬ ‫صككككككككككب َ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم }قل{ يككا محمككد }ل‬
‫يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك{ أي يككا أيهككا النسككان }كككثرة‬
‫الخبيث{ يعني أن القليككل الحلل النككافع خيككر مككن الكككثير الحككرام‬
‫الضار‪ ,‬كما جاء في الحديث »ما قل وكفى خير مما كككثر وألهككى«‬
‫وقال أبوالقاسم البغوي في معجمه‪ :‬حدثنا أحمد بن زهيككر‪ ,‬حككدثنا‬
‫الحوطي‪ ,‬حدثنا محمد بن شعيب‪ ,‬حدثنا معان بن رفاعة عن أبككي‬
‫عبد الملك علي بن يزيد عن القاسم‪ ,‬عن أبي أمامة أن ثعلبة بككن‬
‫ل‪,‬‬ ‫حاطب النصاري قال‪ :‬يا رسول اللككه‪ ,‬ادع اللككه أن يرزقنككي مككا ً‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم »قليل تكؤدي شككره‪ ,‬خيكر مكن‬
‫كثير ل تطيقه« }فاتقوا الله يا أولي اللباب{ أي يككا ذوي العقككول‬
‫الصككحيحة المسككتقيمة‪ ,‬وتجنبككوا الحككرام ودعككوه واقنعككوا بككالحلل‬
‫لخككككرة‪.‬‬ ‫واكتفككككوا بككككه‪ ,‬لعلكككككم تفلحككككون‪ ,‬أي فككككي الككككدنيا وا َ‬
‫ثم قال تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا ل تسألوا عككن أشككياء إن تبككد‬
‫لكم تسؤكم{ هذا تأديب من الله تعككالى لعبككاده المككؤمنين‪ ,‬ونهككي‬
‫لهم عككن أن يسككألوا عككن أشككياء ممككا ل فككائدة لهككم فككي السككؤال‬
‫والتنقيب عنها‪ ,‬لنهككا إن أظهككرت لهكم تلككك المككور ربمككا سكاءتهم‬
‫وشق عليهم سماعها‪ ,‬كما جاء في الحديث أن رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال »ل يبلغني أحد عن أحد شكيئًا‪ ,‬إنكي أحكب أن‬
‫أخرج إليكم وأنا سليم الصككدر« وقككال البخككاري‪ :‬حككدثنا منككذر بككن‬
‫‪528‬‬
‫الوليد بن عبد الرحمن الجككارودي‪ ,‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا شككعبة عككن‬
‫موسى بن أنس‪ ,‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬خطب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم خطبككة مككا سككمعت مثلهككا قككط‪ ,‬وقككال فيهككا »لككو‬
‫ل‪ ,‬ولبكيتككم كككثيرًا«‪ .‬قككال‪ :‬فغطككى‬ ‫تعلمون ما أعلككم‪ ,‬لضككحكتم قلي ً‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليككه وسككلم وجككوههم لهككم حنيككن‪,‬‬
‫ليكة }ل تسكألوا‬ ‫فقال رجل‪ :‬من أبي ؟ قال »فلن« فنزلت هككذه ا َ‬
‫عن أشككياء{ رواه النضككر وروح بككن عبككادة عككن شككعبة‪ ,‬وقككد رواه‬
‫البخاري في غير هذا الموضع‪ ,‬ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي‬
‫مككككككن طككككككرق عككككككن شككككككعبة بككككككن الحجككككككاج بككككككه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا بشر‪ ,‬حدثنا يزيد‪ ,‬حدثنا سكعيد عككن قتككادة‬
‫في قوله }يا أيها الككذين آمنككوا ل تسككألوا عككن أشككياء إن تبككد لكككم‬
‫لية‪ ,‬قال ‪ :‬فحدثنا أن أنس بككن مالككك حككدثه أن رسككول‬ ‫تسؤكم{ ا َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم سألوه حككتى أحفككوه بالمسككألة‪ ,‬فخككرج‬
‫عليهم ذات يوم فصعد المنبر‪ ,‬فقال »ل تسألوني اليوم عن شيء‬
‫إل بينته لكم« فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫أن يكون بين يدي أمر قد حضر‪ ,‬فجعلت ل ألتفت يمينا ً ول شمال ً‬
‫إل وجدت كل ً لفا ً رأسه في ثوبه يبكي‪ ,‬فأنشككأ رجككل كككان يلحككي‬
‫فيدعى إلى غير أبيه‪ ,‬فقال‪ :‬يا نبي اللككه‪ ,‬مككن أبككي ؟ قككال »أبككوك‬
‫حذافة«‪ .‬قال‪ :‬ثم قام عمر ك أو قال‪ :‬فأنشأ عمر ك ك فقككال‪ :‬رضككينا‬
‫بالله ربًا‪ ,‬وبالسلم دينًا‪ ,‬وبمحمد رسول ً عائذا ً بالله ك أو قال‪ :‬أعوذ‬
‫بالله من شر الفتن كك قككال‪ :‬وقككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »لم أَر في الخير والشككر كككاليوم قككط‪ ,‬صككورت لككي الجنككة‬
‫والنككار حكتى رأيتهمككا دون الحكائط«‪ ,‬أخرجكاه مككن طريكق سكعيد‪,‬‬
‫ورواه معمر عن الزهري‪ ,‬عن أنس بنحو ذلك‪ ,‬أو قريبا ً منككه‪ .‬قككال‬
‫الزهري‪ :‬فقالت أم عبد الله بن حذافة‪ :‬ما رأيت ولككدا ً أعككق منككك‬
‫قط‪ ,‬أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية‪,‬‬
‫فتفضحها على رؤوس الناس ؟ فقال‪ :‬والله لو ألحقني بعبد أسود‬
‫للحقتكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضًا‪ :‬حدثنا الحككارث‪ ,‬حككدثنا عبككد العزيككز‪ ,‬حككدثنا‬
‫قيس عن أبي حصين‪ ,‬عن أبي صالح‪ ,‬عن أبي هريرة قككال‪ :‬خككرج‬
‫رسول الله صلى الله عليككه وسككلم وهككو غضككبان‪ ,‬محمككار وجهككه‪,‬‬
‫حتى جلس على المنبر فقام إليككه رجككل فقككال‪ :‬أيككن أبككي ؟ قككال‪:‬‬
‫‪529‬‬
‫»في النار«‪ ,‬فقام آخر فقال‪ :‬من أبي ؟ فقككال » أبككوك حذافككة«‪,‬‬
‫فقام عمر بن الخطككاب فقككال‪ :‬رضككينا بككالله ربكًا‪ ,‬وبالسككلم دينكًا‪,‬‬
‫وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا‪ ,‬وبالقرآن إمامًا‪ ,‬إنككا يككا رسككول‬
‫الله حككديثو عهككد بجاهليككة وشككرك‪ ,‬واللككه أعلككم مككن آباؤنككا‪ .‬قككال‪:‬‬
‫لية }يا أيها الذين آمنوا ل تسألوا عككن‬ ‫فسكن غضبه‪ ,‬ونزلت هذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬إسككناده جيككد‪ ,‬وقككد ذكككر هككذه‬ ‫أشياء إن تبد لكككم تسككؤكم{ ا َ‬
‫القصة مرسلة غير واحد من السلف‪ ,‬منهككم أسككباط عككن السككدي‬
‫أنه قال في قوله تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا ل تسألوا عككن أشككياء‬
‫إن تبد لكم تسؤكم{ قككال‪ :‬غضككب رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم يوم كا ً مككن اليككام‪ ,‬فقككام خطيب كا ً فقككال »سككلوني فككإنكم ل‬
‫تسألوني عن شيء إل أنبأتكم به« فقام إليه رجل من قريش مككن‬
‫بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة‪ ,‬وكان يطعن فيه‪ ,‬فقال‪ :‬يككا‬
‫رسول الله‪ ,‬من أبي ؟ فقال‪ :‬أبوك فلن‪ ,‬فدعاه لبيه‪ ,‬فقككام إليككه‬
‫عمر بن الخطاب‪ ,‬فقبل رجله وقال‪ :‬يا رسككول اللكه‪ ,‬رضككينا بكالله‬
‫ربًا‪ ,‬وبك نبيًا‪ ,‬وبالسلم دينًا‪ ,‬وبالقرآن إمامًا‪ ,‬فاعف عنا عفككا اللككه‬
‫عنككك‪ ,‬فلككم يككزل بككه حككتى رضككي فيككومئذ قككال »الولككد للفككراش‪,‬‬
‫وللعكككككككككككككككككككككككككككككككككاهر الحجكككككككككككككككككككككككككككككككككر«‪.‬‬
‫ثم قال البخاري‪ :‬حدثنا الفضل بن سهل‪ ,‬حدثنا أبو النضر‪ ,‬حككدثنا‬
‫أبو خيثمة‪ ,‬حدثنا أبو الجويرية عن ابن عبككاس رضككي اللككه عنهمككا‪,‬‬
‫قككال‪ :‬كككان قككوم يسككألون رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫استهزاء‪ ,‬فيقول الرجل‪ :‬من أبي ؟ ويقول الرجل تضل ناقته‪ :‬أين‬
‫لية }يا أيها الذين آمنككوا ل تسككألوا‬ ‫ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه ا َ‬
‫لية كلها‪ ,‬تفككرد بككه‬‫عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم{ حتى فرغ من ا َ‬
‫البخاري‪ .‬وقال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا منصككور بككن وردان السككدي‪,‬‬
‫حدثنا علي بن عبد العلى عن أبيه‪ ,‬عن أبي البخككتري وهككو سككعيد‬
‫لية }و لله على النككاس‬ ‫بن فيروز‪ ,‬عن علي قال‪ :‬لما نزلت هذه ا َ‬
‫ل{ قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أفي كككل‬ ‫حج البيت من استطاع إليه سبي ً‬
‫عام ؟ فسكت‪ ,‬فقالوا‪ :‬أفي كل عام ؟ فسكككت‪ ,‬قككال‪ :‬ثككم قككالوا‪:‬‬
‫أفي كل عام ؟ فقال »ل«‪ ,‬ولو قلت‪ :‬نعم لوجبت ولو وجبككت لمككا‬
‫استطعتم فأنزل الله }يا أيها الذين آمنوا ل تسألوا عككن أشككياء إن‬
‫لية‪ ,‬وكذا رواه الترمذي وابن ماجة من طريككق‬ ‫تبد لكم تسؤكم{ ا َ‬
‫‪530‬‬
‫منصككور بكن وردان بكه‪ ,‬وقكال الترمكذي‪ :‬غريكب مكن هكذا الكوجه‪,‬‬
‫وسكككمعت البخكككاري يقكككول‪ :‬أبوالبخكككتري لكككم يكككدرك عليكككًا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا عبد الرحيم بن سككليمان‬
‫عن إبراهيم بن مسلم الهجري‪ ,‬عن أبي عياض‪ ,‬عككن أبككي هريككرة‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »إن الله كتب عليكككم‬
‫الحج« فقال رجل‪ :‬أفي كل عام يككا رسككول اللككه ؟ فككأعرض عنككه‬
‫حتى عاد مرتين أو ثلثًا‪ ,‬فقال »من السائل ؟« فقال‪ :‬فلن‪ ,‬فقال‬
‫»والذي نفسي بيده‪ ,‬لو قلت‪ :‬نعم لوجبت‪ ,‬ولو وجبككت عليكككم مككا‬
‫أطقتموه‪ ,‬ولو تركتموه لكفرتم«‪ ,‬فأنزل الله عككز وجككل‪} :‬يككا أيهككا‬
‫الذين آمنوا ل تسألوا عن أشياء إن تبد لكككم تسككؤكم{ حككتى ختككم‬
‫لية‪ ,‬ثم رواه ابن جرير من طريق الحسين بن واقككد عككن محمككد‬ ‫ا َ‬
‫بن زياد‪ ,‬عن أبي هريرة وقال‪ :‬فقام محصن السدي‪,‬وفككي روايككة‬
‫من هذه الطريق عكاشة بككن محصككن‪ ,‬وهككو أشككبه‪ ,‬وإبراهيككم بككن‬
‫مسككككككككككككككككككككلم الهجككككككككككككككككككككري ضككككككككككككككككككككعيف‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضًا‪ :‬حدثني زكريا بن يحيى بن أبككان المصككري‪,‬‬
‫حدثنا أبو يزيد عبد الرحمن أبي الغمر‪ ,‬حدثنا ابن مطيع معاوية بن‬
‫يحيى عن صفوان بن عمرو‪ ,‬حدثني سليم بن عامر قال‪ :‬سككمعت‬
‫أبا أمامة الباهلي يقول‪ :‬قام رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫في الناس‪ ,‬فقال »كتب عليكم الحككج« فقككام رجككل مككن العككراب‬
‫فقال‪ :‬أفي كل عام ؟ قال‪ :‬فغلق كلم رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل‪ ,‬ثككم تكلككم‬ ‫وسلم‪ ,‬وأسكككت‪ ,‬وأغضككب واستغضككب‪ ,‬ومكككث طككوي ً‬
‫فقال »من السائل ؟« فقال العرابي‪ :‬أناذا‪ ,‬فقككال »ويحككك مككاذا‬
‫يؤمنك أن أقول نعم ؟ والله لو قلت‪ :‬نعككم لككو جبككت‪ ,‬ولككو وجبككت‬
‫لكفرتم‪ ,‬أل إنه إنما أهلك الذين من قبلكم أئمة الحككرج‪ ,‬واللككه لككو‬
‫أني أحللت لكم جميع ما في الرض وحرمت عليكككم منهككا موضككع‬
‫خف‪ ,‬لوقعتم فيه« قال‪ :‬فأنزل الله عند ذلك }يا أيها الككذين آمنككوا‬
‫ليككة‪ ,‬فككي‬ ‫ل تسألوا عن أشككياء إن تبككد لكككم تسككؤكم{ إلككى آخككر ا َ‬
‫لية النهي عن السؤال عككن الشككياء الككتي‬ ‫إسناده ضعف‪ ,‬وظاهر ا َ‬
‫إذا علم بها الشخص ساءته‪ ,‬فالولى العراض عنهككا وتركهككا‪ ,‬ومككا‬
‫أحسن الحديث الذي رواه المام أحمككد حيككث قككال‪ :‬حككدثنا حجككاج‬
‫قال‪ :‬سمعت إسرائيل بن يونس‪ ,‬عن الوليد بن أبي هاشم مككولى‬
‫الهمداني‪ ,‬عن زيد بن زائد‪ ,‬عن عبد الله بككن مسككعود‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫‪531‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم لصككحابه »ل يبلغنككي أحككد عككن‬
‫أحد شيئًا‪ ,‬فإني أحب أي أخرج إليكم وأنا سليم الصدر« الحككديث‪,‬‬
‫وقد رواه أبو داود والترمذي مككن حككديث إسككرائيل‪ ,‬قككال أبككو داود‬
‫عن الوليد‪ ,‬وقال الترمذي عن إسرائيل عككن السككدي‪ ,‬عككن الوليككد‬
‫بككن أبككي هاشكم بكه‪ ,‬ثككم قككال الترمككذي‪ :‬غريككب مككن هككذا الككوجه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكككم{ أي‬
‫وإن تسألوا عن هذه الشياء التي نهيتككم عككن السككؤال عنهككا حيككن‬
‫ينزل الوحي على رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم تككبين لكككم‬
‫}وذلك على الله يسير{‪ ,‬ثم قال }عفا اللككه عنهككا{ أي عمككا كككان‬
‫منكم قبل ذلك }والله غفور حليككم{‪ .‬وقيككل‪ :‬المككراد بقككوله }وإن‬
‫تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم{ أي ل تسككألوا عككن أشككياء‬
‫تستأنفون السؤال عنها‪ ,‬فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشككديد أو‬
‫تضييق‪ ,‬وقد ورد في الحديث »أعظم المسلمين جرما ً مككن سككأل‬
‫عن شيء لككم يحككرم‪ ,‬فحككرم مككن أجككل مسككألته« ولكككن إذا نككزل‬
‫القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها‪ ,‬تككبيت لكككم حينئذ لحتيكاجكم‬
‫إليها‪} ,‬عفا الله عنها{ أي ما لم يذكره فككي كتككابه فهككو ممككا عفككا‬
‫عنه‪ ,‬فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها‪ ,‬وفي الصحيح عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسككلم أنككه قككال »ذرونككي مككا تركتكككم‪ ,‬فإنمككا‬
‫أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلفهم على أنبيائهم« وفي‬
‫الحديث الصحيح أيضا ً »أن الله تعالى فرض فرائض فل تضككيعوها‪,‬‬
‫وحد حدودا ً فل تعتدوها‪ ,‬وحككرم أشككياء فل تنتهكوهككا‪ ,‬وسكككت عككن‬
‫أشككككياء رحمككككة بكككككم غيككككر نسككككيان فل تسككككألوا عنهككككا«‪.‬‬
‫ثكم قكال تعكالى‪} :‬قكد سكألها قكوم مكن قبلككم ثكم أصكبحوا بهكا‬
‫كافرين{ أي قد سأل هذه المسائل المنهي عنها قوم مككن قبلكككم‬
‫فأجيبوا عنها‪ ,‬ثم لم يؤمنوا بها‪ ,‬فأصبحوا بهككا كككافرين أي بسككببها‪,‬‬
‫أي بّينككت لهككم فلككم ينتفعككوا بهككا لنهككم لككم يسككألوا علككى وجككه‬
‫السترشاد بل على وجه الستهزاء والعناد‪ .‬وقال العوفي‪ :‬عن ابن‬
‫لية‪ :‬أن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم أذن فككي‬ ‫عباس في ا َ‬
‫الناس فقال »يا قوم كتب عليكم الحج« فقام رجل من بني أسككد‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أفي كل عام ؟ فأغضكب رسكول اللكه صكلى‬
‫الله عليه وسلم غضبا ً شديدًا‪ ,‬فقال »والذي نفسي بيده‪ ,‬لو قلت‪:‬‬
‫نعم لوجبت‪ ,‬ولو وجبت ما استطعتم‪ ,‬وإذا ً لكفرتككم‪ ,‬فككاتركوني مككا‬
‫‪532‬‬
‫تركتكككم‪ ,‬وإذا أمرتكككم بشككيء فككافعلوا‪ ,‬وإذا نهيتكككم عككن شككيء‬
‫لية‪ ,‬نهككاهم أن يسككألوا عككن مثككل الككذي‬ ‫فانتهوا عنه« فأنزل هذه ا َ‬
‫سألت عنه النصارى من المائدة‪ ,‬فأصبحوا بها كافرين‪ ,‬فنهى اللككه‬
‫عن ذلك وقال‪ :‬ل تسألوا عن أشياء إن نزل القككرآن فيهككا بتغليككظ‬
‫ساءكم ذلك‪,‬ولكن انتظروا‪ ,‬فإذا نزل القرآن فإنكم ل تسألون عن‬
‫شككككككككيء إل وجككككككككدتم بيككككككككانه‪ ,‬رواه ابككككككككن جريككككككككر‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس }يا أيها الككذين آمنككوا ل‬
‫تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حيككن ينككزل‬
‫القرآن تبد لكم{ قال‪ :‬لما نزلت آية الحج‪ ,‬نادى النبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم في النككاس فقككال »يككا أيهككا النككاس إن اللككه قككد كتككب‬
‫عليكم الحج فحجوا« فقالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أعام كا ً واحككدًا‪ ,‬أم كككل‬
‫عام ؟ فقال »ل بل عاما ً واحدًا‪ ,‬ولو قلت‪ :‬كل عككام لككوجبت‪ ,‬ولككو‬
‫وجبت لكفرتم«‪ .‬ثم قال الله تعالى }يا أيها الذين آمنوا ل تسككألوا‬
‫عن أشياء{ إلى قوله }ثم أصبحوا بها كككافرين{ رواه ابككن جريككر‪.‬‬
‫وقال خصيف‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن ابن عباس }ل تسألوا عن أشككياء{‬
‫قال‪ :‬هي البحيرة والوصككيلة والسككائبة والحككام‪ ,‬أل تككرى أنككه قككال‬
‫بعدها }مككا جعككل اللككه مككن بحيككرة{ ول كككذا ول كككذا‪ ,‬قككال‪ :‬وأمككا‬
‫ليات فنهوا عككن ذلككك‪ ,‬ثككم‬ ‫عكرمة فقال‪ :‬إنهم كانوا يسألونه عن ا َ‬
‫قال }قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين{ رواه ابككن‬
‫جرير‪ ,‬يعني عكرمككة رحمككه اللككه أن المككراد مككن هككذا النهككي عككن‬
‫ليات كما سألت قريش أن يجككري لهككم أنهككارًا‪ ,‬وأن‬ ‫سؤال وقوع ا َ‬
‫يجعل لهم الصفا ذهبكا ً وغيككر ذلككك‪ ,‬وكمككا سككألت اليهككود أن ينككزل‬
‫عليهم كتابا ً مككن السككماء‪ .‬وقككد قككال اللككه تعككالى‪} :‬ومككا منعنككا أن‬
‫ليات إل أن كذب بها الولون وآتينككا ثمككود الناقككة مبصككرة‬ ‫نرسل با َ‬
‫ليككات إل تخويفككًا{ وقككال تعككالى‪:‬‬ ‫فظلمككوا بهككا ومككا نرسككل با َ‬
‫}وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قككل إنمككا‬
‫ليات عند الله وما يشعركم أنهككا إذا جككاءت ل يؤمنككون * ونقلككب‬ ‫ا َ‬
‫أفئدتهككم وأبصككارهم كمككا لككم يؤمنككوا بككه أول مككرة ونككذرهم فككي‬
‫طغيانهم يعمهون * ولو أننا نزلنا إليهم الملئكككة وكلمهككم المككوتى‬
‫وحشرنا عليهم كل شيء قبل ً مككا كككانوا ليؤمنككوا إل أن يشككاء اللككه‬
‫ولككككككككككككككككككككن أككككككككككككككككككككثرهم يجهلكككككككككككككككككككون{‪.‬‬
‫‪533‬‬
‫حككام ٍ وََلـكك ِ ّ‬
‫ن‬ ‫صككيل َةٍ وَل َ َ‬
‫سككآئ ِب َةٍ وَل َ وَ ِ‬ ‫حيكَرةٍ وَل َ َ‬ ‫من ب َ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫جع َ َ‬‫ما َ‬ ‫** َ‬
‫َ‬
‫ن * وَإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫م ل َ ي َعِْقل ُككو َ‬‫ب وَأك ْث َُرهُ ك ْ‬ ‫ى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ ي َْفت َُرو َ َ‬
‫ن عَل َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مككا‬‫سكب َُنا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل قَككاُلوا ْ َ‬‫سككو ِ‬ ‫ه وَإ ِل َككى الّر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫مآ أنَز َ‬ ‫ى َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م ت ََعالوْا إ ِل َ َ‬‫ل ل َهُ ْ‬
‫ِقي َ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫شكْيئا ً وَل َ ي َهْت َك ُ‬‫ن َ‬ ‫مككو َ‬ ‫م ل َ ي َعْل َ ُ‬‫ن آب َككاؤُهُ ْ‬‫جد َْنا عَل َي ْهِ آَباَءَنآ أوَل َكوْ ك َككا َ‬‫وَ َ‬
‫قال البخاري‪ :‬حككدثنا موسككى بككن إسككماعيل‪ ,‬حككدثنا إبراهيككم بككن‬
‫سككعد عككن صككالح بككن كيسككان‪ ,‬عككن ابككن شككهاب‪ ,‬عككن سككعيد بككن‬
‫المسيب‪ ,‬قال‪ :‬البحيرة التي يمنع درها للطواغيت‪ ,‬فل يحلبها أحككد‬
‫للهتهم ل يحمل عليها شككيء‪.‬‬ ‫من الناس‪ ,‬والسائبة كانوا يسيبونها َ‬
‫قال‪ :‬وقال أبو هريرة‪ :‬قكال رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم‬
‫»رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجككر قصككبه فككي النككار‪ ,‬ككان أول‬
‫من سيب السوائب« والوصيلة‪ :‬الناقة البكككر تبكككر فككي أول نتككاج‬
‫إبل‪ ,‬بل تثني بعد بككأنثى‪ ,‬وكككانوا يسككيبونها لطككواغيتهم إن وصككلت‬
‫إحداهما بككالخرى ليككس بينهككا ذكككر‪ ,‬والحككام‪ :‬فحككل البككل يضككرب‬
‫الضراب المعدود‪ ,‬فإذا قضى ضككرابه ودعككوه للطككواغيت وأعفككوه‬
‫عن الحمل‪ ,‬فلم يحمل عليه شككيء‪ ,‬وسككموه الحككامي‪ ,‬وكككذا رواه‬
‫مسلم والنسائي من حديث إبراهيم بن سعد به‪ ,‬ثم قال البخاري‪:‬‬
‫قال لي أبو اليمككان‪ ,‬أخبرنككا شككعيب عككن الزهككري‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت‬
‫سعيدا ً يخبر بهذا‪ .‬قال‪ :‬وقال أبو هريرة‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم نحوه‪ .‬ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن أبككي‬
‫هريرة رضي الله تعالى عنه‪ ,‬عن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪.‬‬
‫قال الحاكم‪ :‬أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عككن‬
‫عبد الوهاب بن بخت‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬كذا حكاه شككيخنا أبككو الحجككاج‬
‫المزي في الطراف‪ ,‬وسكت ولم ينبه عليككه‪ ,‬وفيمككا قككاله الحككاكم‬
‫نظر‪ ,‬فإن المام أحمككد وأبككو جعفككر بككن جريككر رويككاه مككن حككديث‬
‫الليث بن سعد‪ ,‬عن ابن الهاد‪ ,‬عككن الزهككري نفسككه‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫ثم قال البخككاري‪ :‬حككدثنا محمككد بككن أبككي يعقككوب أبككو عبككد اللككه‬
‫الكرماني‪ ,‬حدثنا حسان بن إبراهيككم‪ ,‬حككدثنا يككونس عككن الزهككري‪,‬‬
‫عن عروة أن عائشة رضي الله تعككالى عنهككا قككالت‪ :‬قككال رسككول‬
‫الله صلى اللكه عليككه وسككلم »رأيككت جهنككم يحطكم بعضككها بعضكًا‪,‬‬
‫ورأيت عمرًوا يجر قصبه وهو أول من سيب السككوائب« تفككرد بككه‬
‫البخاري‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا هناد‪ ,‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬حككدثنا‬
‫‪534‬‬
‫محمد بن إسحاق‪ ,‬حدثنا محمد بن إبراهيم بككن الحككارث عككن أبككي‬
‫صالح‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم يقول لكثم بن الجون‪» :‬يا أكثم‪ ,‬رأيت عمرو بككن لحككي بككن‬
‫قمعة بن خندف يجر قصبه في النار‪ ,‬فما رأيت رجل ً أشككبه برجككل‬
‫منك به‪ ,‬ول به منك«‪ .‬فقككال أكثككم‪ :‬تخشككى أن يضككرني شككبهه يككا‬
‫رسول الله ؟ فقال رسول الله صكلى اللكه عليكه وسكلم »ل‪ ,‬إنكك‬
‫مؤمن وهو كافر‪ ,‬إنه أول من غيككر ديككن إبراهيككم‪ ,‬وبحككر البحيككرة‪,‬‬
‫وسيب السائبة‪ ,‬وحمى الحامي«‪ ,‬ثم رواه عككن هنككاد‪ ,‬عككن عبككدة‪,‬‬
‫عن محمد بن عمرو‪ ,‬عن أبي سلمة‪ ,‬عن أبي هريككرة‪ ,‬عككن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بنحوه أو مثله‪ ,‬ليككس هكذان الطريقكان فكي‬
‫الكتككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككب‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا عمرو بن مجمع‪ ,‬حدثنا إبراهيم الهجري‬
‫عن أبي الحوص عن عبد الله بن مسعود‪ ,‬عككن النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬قال »إن أول من سيب السوائب وعبككد الصككنام أبككو‬
‫خزاعة عمرو بن عامر‪ ,‬وإني رأيته يجر أمعاءه في النار«‪ ,‬تفرد به‬
‫أحمد من هذا الوجه‪ .‬وقال عبد الرزاق‪ :‬أنبأنا معمككر عككن زيككد بككن‬
‫أسلم‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »إنككي لعككرف‬
‫أول مككن سككيب السككوائب‪ ,‬وأول مككن غيككر ديككن إبراهيككم عليككه‬
‫السلم« قالوا‪ :‬من هو يا رسول الله ؟ قال »عمرو بن لحككي أخككو‬
‫بني كعب‪ ,‬لقد رأيته يجر قصبه في النار‪ ,‬تؤذي رائحته أهل النككار‪,‬‬
‫وإني لعرف أول مككن بحككر البحككائر« قككالوا‪ :‬ومككن هككو يككا رسككول‬
‫دع آذانهمككا‪,‬‬‫الله ؟ قال »رجل من بني مدلج‪ ,‬كانت له ناقتان‪ ,‬فج ك َ‬
‫وحرم ألبانهما‪ ,‬ثم شرب ألبانهما بعد ذلك‪ ,‬فلقككد رأيتككه فككي النككار‬
‫وهما يعضانه بأفواههما‪ ,‬ويطآنه بأخفافهما«‪ .‬عمككرو هككذا هككو ابككن‬
‫لحي بن قمعة‪ ,‬أحد رؤساء خزاعة الكذين ولكوا الكبيت بعكد جرهكم‬
‫وكككان أول مككن غيككر ديككن إبراهيككم الخليككل‪ ,‬فأدخككل الصككنام إلككى‬
‫الحجاز‪ ,‬ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها والتقرب بهككا‪ ,‬وشككرع‬
‫لهم هذه الشرائع الجاهليككة فككي النعككام وغيرهككا‪ ,‬كمككا ذكككره اللككه‬
‫تعالى في سورة النعام عند قوله تعكالى‪} :‬وجعلككوا اللكه ممكا ذرأ‬
‫ليككات فككي ذلككك‪.‬‬ ‫مككن الحككرث والنعككام نصككيبًا{ إلككى آخككر ا َ‬
‫فأما البحيرة‪ ,‬فقال علي بن أبي طلحككة عككن ابككن عبككاس رضككي‬
‫اللككه عنهمككا‪ :‬هككي الناقككة إذا نتجككت خمسككة أبطككن‪ ,‬نظككروا إلككى‬
‫‪535‬‬
‫الخامس‪ ,‬فإن كان ذكرا ً ذبحوه‪ ,‬فككأكله الرجككال دون النسككاء‪ ,‬وإن‬
‫كان أنثى جدعوا آذانها‪ ,‬فقالوا‪ :‬هذه بحيرة‪ .‬وذكككر السككدي وغيككره‬
‫قريبا ً من هذا‪ ,‬وأما السائبة فقال مجاهد هككي مككن الغنككم نحككو مككا‬
‫فسر من البحيرة إل أنها ما ولدت من ولد كككان بينهككا وبينككه سككتة‬
‫أولد‪ ,‬كانت على هيئتها‪ ,‬فإذا ولدت السابع ذكرا ً أو ذكرين ذبحككوه‪,‬‬
‫فأكله رجالهم دون نسائهم وقال محمد بن إسككحاق‪ .‬السككائبة هككي‬
‫الناقة إذا ولدت عشر إناث من الولد ليس بينهن ذكر‪ ,‬سيبت فلككم‬
‫تركب ولم يجز وبرها ولم يحلب لبنها إل لضككيف‪ .‬وقككال أبككو روق‪:‬‬
‫السائبة كان الرجل إذا خرج فقضيت حاجته‪ ,‬سيب من ماله ناقككة‬
‫أو غيرها‪ ,‬فجعلها للطواغيت‪ ,‬فما ولدت من شيء كان لها‪ .‬وقككال‬
‫السدي‪ :‬كان الرجل منهم إذا قضيت حاجته‪ ,‬أو عوفي من مرض‪,‬‬
‫أو كثر ماله‪ ,‬سيب شيئا ً مككن مككاله للوثككان‪ ,‬فمككن عككرض لككه مككن‬
‫النككككككككككاس عككككككككككوقب بعقوبككككككككككة فككككككككككي الككككككككككدنيا‪.‬‬
‫وأما الوصيلة‪ ,‬فقال علي بن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس‪ :‬هككي‬
‫الشاة إذا نتجت سبعة أبطن‪ ,‬نظروا إلى السابع‪ ,‬فإن كان ذكرا ً أو‬
‫ى وهو ميت اشترك فيككه الرجككال دون النسككاء‪ ,‬وإن كككان أنككثى‬ ‫أنث َ‬
‫استحيوها‪ ,‬وإن كان ذكرا ً وأنثى في بطن واحد استحيوهما وقالوا‪:‬‬
‫وصلته أخته فحرمته علينا‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم‪ .‬وقال عبد الككرزاق‪:‬‬
‫أنبأنا معمر عن الزهري‪ ,‬عككن سككعيد بككن المسككيب }ول وصككيلة{‪,‬‬
‫قال‪ :‬فالوصيلة من البل كانت الناقة تبتكر بالنثى‪ ,‬ثم ثنت بككأنثى‬
‫فسككموها الوصككيلة‪ ,‬ويقولككون‪ :‬وصككلت أنككثيين ليككس بينهمككا ذكككر‪,‬‬
‫فكانوا يجدعونها لطواغيتهم‪ ,‬وكذا روي عن المام مالك بككن أنككس‬
‫رحمه الله تعالى‪ .‬وقال محمد بن إسحاق‪ :‬الوصيلة مككن الغنككم إذا‬
‫ولدت عشر إناث في خمسة أبطن‪ ,‬توأمين توأمين في كل بطككن‬
‫سميت الوصيلة وتركت‪ ,‬فمككا ولككدت بعككد ذلككك مككن ذكككر أو أنككثى‬
‫جعلككت للككذكور دون النككاث‪ ,‬وإن كككانت ميتككة اشككتركوا فيهككا‪.‬‬
‫وأما الحامي‪ :‬فقال العوفي عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كان الرجل إذا‬
‫لقح فحله عشرا ً قيل‪ :‬حام فاتركوه‪ ,‬وكككذا قككال أبككو روق وقتككادة‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ :‬وأما الحام فالفحل مككن‬
‫البل إذا ولد لولده قالوا‪ :‬حمى هذا ظهره‪ ,‬فل يحملون عليه شيئا ً‬
‫ول يجزون لككه وبككرًا‪ ,‬ول يمنعككونه مككن حمككى رعككي‪ ,‬ومككن حككوض‬
‫يشرب منككه‪ ,‬وإن كككان الحككوض لغيككر صككاحبه‪ .‬وقككال ابككن وهككب‪:‬‬
‫‪536‬‬
‫سمعت مالكا ً يقول‪ :‬أما الحام فمن البل‪ ,‬كان يضككرب فككي البككل‬
‫فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليككه ريككش الطككواويس وسككيبوه‪ ,‬وقككد‬
‫قيككككككل غيككككككر ذلككككككك فككككككي تفسككككككير هككككككذه ا َ‬
‫ليككككككة‪.‬‬
‫وقد ورد في ذلك حككديث رواه ابككن أبككي حككاتم مككن طريككق أبككي‬
‫إسحاق السبيعي‪ ,‬عن أبي الحوص الجشمي‪ ,‬عن أبيككه مالككك بككن‬
‫نضلة‪ ,‬قال‪ :‬أتيت النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم فككي خلقككان مككن‬
‫الثياب‪ ,‬فقال لي »هل لك من مال ؟« فقلت‪ :‬نعم‪ .‬قال »مككن أي‬
‫المال ؟« قال‪ :‬فقلت‪ :‬من كل المال‪ :‬من البل‪ ,‬والغنم‪ ,‬والخيككل‪,‬‬
‫والرقيق‪ ,‬قال »فإذا آتاك الله مال ً فكككثر عليككك«‪ ,‬ثككم قككال »تنتككج‬
‫إبلك وافية آذانها ؟« قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ,‬وهل تنتج البككل إل كككذلك ؟‬
‫قال »فلعلك تأخذ الموسى فتقطع آذان طائفة منها وتقككول‪ :‬هككذه‬
‫بحيرة‪ ,‬تشق آذان طائفة منها وتقول‪ :‬هذه حرم« قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‬
‫»فل تفعل إن كل ما آتاك الله لك حل«‪ ,‬ثم قككال »مككا جعككل اللككه‬
‫من بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حام{‪ .‬أما البحيرة‪ ,‬فهككي الككتي‬
‫يجدعون آذانهككا فل تنتفككع امرأتككه ولبنككاته ول أحككد مككن أهككل بيتككه‬
‫بصوفها ول أوبارهكا ول أشككعارها ول ألبانهككا‪ ,‬فككإذا مككاتت اشكتركوا‬
‫فيهككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككا‪.‬‬
‫للهتهككم ويككذهبون إلككى آلهتهككم‬ ‫وأما السائبة‪ ,‬فهي التي يسيبون َ‬
‫فيسيبونها‪ ,‬وأمككا الوصككيلة‪ ,‬فالشككاة تلككد سككتة أبطككن‪ ,‬فككإذا ولككدت‬
‫السابع جدعت وقطع قرنها‪ ,‬فيقولون‪ :‬قد وصلت فل يذبحونها‪ ,‬ول‬
‫تضرب ول تمنع مهما وردت على حككوض‪ ,‬هكذايككذكر تفسككير ذلككك‬
‫مكككككككككككككككككككككدرجا ً فكككككككككككككككككككككي الحكككككككككككككككككككككديث‪.‬‬
‫وقد روي وجه آخر عن أبي إسحاق‪ ,‬عن أبي الحوص عوف بككن‬
‫مالك‪ ,‬من قوله‪ ,‬وهو أشبه‪ ,‬وقد روى هككذا الحككديث المككام أحمككد‬
‫عن سفيان بن عيينة‪ ,‬عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو‪ ,‬عن عمككه‬
‫أبي الحوص عوف بن مالك بن نضككلة‪ ,‬عككن أبيككه بكه‪ ,‬وليككس فيككه‬
‫تفسكككككككككككككككير هكككككككككككككككذه‪ ,‬واللككككككككككككككه أعلككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ولكككن الككذين كفككروا يفككترون علككى اللكه الكككذب‬
‫وأكثرهم ل يعقلون{‪ ,‬أي ما شرع الله هذه الشياء ول هككي عنككده‬
‫قربة‪ ,‬ولكن المشركين افتروا ذلككك وجعلككوه شككرعا ً لهككم‪ ,‬وقربككة‬
‫يتقربون بها إليه‪ ,‬وليككس ذلكك بحاصككل لهككم بككل هككو وبككال عليهككم‬
‫}وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسكبنا‬
‫‪537‬‬
‫ما وجدنا عليككه آباءنككا{ أي إذا دعككوا إلككى ديككن اللككه وشككرعه ومككا‬
‫لباء والجككداد‬ ‫أوجبه‪ ,‬وترك ما حرمه‪ ,‬قالوا‪ :‬يكفينا ما وجدنا عليه ا َ‬
‫من الطرائق والمسالك‪ .‬قال اللككه تعككالى‪} :‬أو لككو كككان آبككاؤهم ل‬
‫يعلمون شيئًا{ أي ل يفهمككون حقكا ً ول يعرفككونه ول يهتككدون إليككه‪,‬‬
‫فكيف يتبعونهم والحالكة هككذه‪ ,‬ل يتبعهكم إل مككن هككو أجهكل منهككم‬
‫وأضككككككككككككككككككككككككككككككككككككل سككككككككككككككككككككككككككككككككككككبي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫** يأ َيها ال ّذين آمنوا ْ عَل َيك ُ َ‬

‫م‬ ‫ل إِ َ‬
‫ذا اهْت َد َي ْت ُ ْ‬ ‫ض ّ‬
‫من َ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬‫م ل َ يَ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م أن ُْف َ‬‫ْ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫مُلكككو َ‬
‫ن‬ ‫مكككا ك ُن ُْتككك ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ميعكككا ً فَي ُن َب ّئ ُ ُ‬
‫كككك ْ‬ ‫ج ِ‬‫م َ‬ ‫جع ُ ُ‬
‫كككك ْ‬ ‫إ َِلكككى الّلكككهِ َ‬
‫مْر ِ‬
‫يقول تعالى آمرا ً عباده المؤمنين أن يصككلحوا أنفسككهم‪ ,‬ويفعلككوا‬
‫الخير بجهدهم وطاقتهم‪ ,‬ومخبرا ً لهم أنه من أصلح أمره ل يضككره‬
‫فساد من فسد من الناس‪ ,‬سككواء ككان قريبكا ً منككه أو بعيككدًا‪ .‬قككال‬
‫لية يقككول تعككالى‪ :‬إذا مككا‬ ‫العوفي عن ابن عباس في تفسير هذه ا َ‬
‫العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلل‪ ,‬ونهيته عنككه مككن الحككرام‪,‬‬
‫فل يضره من ضل بعده إذا عمل بما أمرته بككه‪ ,‬كككذا روى الوالككبي‬
‫عنه‪ ,‬وهكذا قال مقاتل بن حيككان‪ ,‬فقككوله تعككالى‪} :‬يككا أيهككا الككذين‬
‫آمنوا عليكم أنفسكم{ نصب على الغراء‪} ,‬ل يضككركم مككن ضككل‬
‫إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا ً فينككبئكم بمككا كنتككم تعملككون{‬
‫أي فيجازي كل عامل بعمله إن خيرا ً فخير وإن شرا ً فشر‪ ,‬وليككس‬
‫فيها دليل على ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكككر‪ ,‬إذا كككان‬
‫فعكككككككككككككككككككككككل ذلكككككككككككككككككككككككك ممكنكككككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد رحمه الله‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم‪ ,‬حدثنا‬
‫زهير يعني ابن معاوية‪ ,‬حدثنا إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬حدثنا قيككس‬
‫قال‪ :‬قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه‪ ,‬فحمد الله وأثنى عليككه‪,‬‬
‫لية }يككا أيهككا الككذين آمنككوا‬ ‫ثم قال‪ :‬أيها الناس إنكم تقرءون هذه ا َ‬
‫عليكم أنفسكم ل يضركم من ضككل إذا اهتككديتم{ وإنكككم تضككعونها‬
‫على غير موضككعها‪ ,‬وإنككي سككمعت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم يقول‪» :‬إن الناس إذا رأوا المنكر ول يغيرونه‪ ,‬يوشككك اللككه‬
‫عز وجل أن يعمهم بعقابه«‪ .‬قال‪ :‬سمعت أبا بكككر يقككول‪ :‬يككا أيهككا‬
‫الناس إياكم والكذب‪ ,‬فإن الكذب مجانب لليمان‪ ,‬وقككد روى هككذا‬
‫الحديث أصحاب السنن الربعة‪ ,‬وابن حبان في صحيحه‪ ,‬وغيرهككم‬
‫‪538‬‬
‫من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد به‪,‬‬
‫متصل ً مرفوعًا‪ ,‬ومنهم مكن رواه عنكه بكه موقوفكا ً علكى الصكديق‪,‬‬
‫وقد رجح رفعه الككدارقطني وغيككره‪ ,‬وذكرنككا طرقككه والكلم عليككه‬
‫مطكككككول ً فكككككي مسكككككند الصكككككديق رضكككككي اللكككككه عنكككككه‪.‬‬
‫وقال أبو عيسى الترمذي‪ :‬حدثنا سككعيد بككن يعقككوب الطالقككاني‪,‬‬
‫حدثنا عبد الله بن المبارك‪ ,‬حدثنا عتبة بن أبي حكيم‪ ,‬حدثنا عمرو‬
‫بن جارية اللخمي عن أبي أميككة الشككعباني قككال‪ :‬أتيككت أبككا ثعلبككة‬
‫الخشني فقلت له‪ :‬كيف تصنع فككي هككذه ا َ‬
‫ليككة ؟ قككال‪ :‬أيككة آيككة ؟‬
‫قلت‪ :‬قول الله تعككالى‪} :‬يككا أيهككا الككذين آمنككوا عليكككم أنفسكككم ل‬
‫يضركم من ضل إذا اهتككديتم{ قككال‪ :‬أمككا واللككه لقككد سككألت عنهككا‬
‫خبيرًا‪ ,‬سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسككلم فقككال »بككل‬
‫ائتمككروا بككالمعروف وتنككاهوا عككن المنكككر‪ ,‬حككتى إذا رأيككت شككحا ً‬
‫مطاعًا‪ ,‬وهوى متبعًا‪ ,‬ودنيككا مككؤثرة‪ ,‬وإعجككاب كككل ذي رأي برأيككه‪,‬‬
‫فعليك بخاصة نفسك‪ ,‬ودع العوام‪ ,‬فإن من ورائكم أيام كًا‪ ,‬الصككابر‬
‫فيهن مثل القابض على الجمر‪ ,‬للعامل فيهككن مثككل أجككر خمسككين‬
‫رجل ً يعملون كعملكم« قال عبد الله بن المبارك‪ :‬وزاد غير عتبككة‪,‬‬
‫قيل‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أجر خمسككين رجل ً منككا أو منهككم ؟ قككال »بككل‬
‫أجر خمسين منكم«‪ ,‬ثم قال الترمذي‪ :‬هذا حككديث حسككن غريككب‬
‫صحيح‪ ,‬وكذا رواه أبكو داود مكن طريكق ابكن المبكارك‪ ,‬ورواه ابكن‬
‫ماجككة وابككن جريككر وابككن أبككي حككاتم عككن عتبككة بككن أبككي حكيككم‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬أنبأنا معمر عن الحسن أن ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه‪ ,‬سأله رجل عن قككول اللككه }عليكككم أنفسكككم ل يضككركم‬
‫من ضل إذا اهتككديتم{‪ ,‬فقككال‪ :‬إن هككذا ليككس بزمانهككا‪ ,‬إنهككا اليككوم‬
‫مقبولة‪ ,‬ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها‪ ,‬تأمرون فيصنع بكككم كككذا‬
‫وكذا‪ ,‬أو قال‪ :‬فل يقبل منكككم‪ ,‬فحينئذ عليكككم أنفسكككم ل يضككركم‬
‫من ضل‪ .‬ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع‪ ,‬عن أبي العالية‪ ,‬عن‬
‫ابن مسكعود فككي قككوله }يكا أيهكا الككذين آمنككوا عليككم أنفسككم ل‬
‫يضركم من ضل{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪ :‬كككانوا عنككد عبككد اللككه بككن مسككعود‬
‫جلوسًا‪ ,‬فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس‪ ,‬حتى قام كككل‬
‫واحد منهما إلى صاحبه‪ ,‬فقال رجل من جلساء عبد الله‪ :‬أل أقككوم‬
‫فآمرهما بالمعروف‪ ,‬وأنهاهما عن المنكر ؟ فقال آخر إلككى جنبككه‪:‬‬
‫عليك بنفسككك‪ ,‬فككإن اللككه يقككول }عليكككم أنفسكككم{ ا َ‬
‫ليككة‪ .‬قككال‪:‬‬
‫‪539‬‬
‫فسمعها ابن مسعود‪ ,‬فقككال‪ :‬مككه لككم يجىككء تأويككل هككذه بعككد‪ ,‬إن‬
‫القككرآن أنككزل حيككث أنككزل‪ ,‬ومنكه آي قكد مضككى تككأويلهن قبكل أن‬
‫ينزلن‪ ,‬ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم ومنه آي قد وقع تأويلهن بعككد النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم بيسككير‪ ,‬ومنككه آي يقككع تككأويلهن بعككد اليككوم‪ ,‬ومنككه آي يقككع‬
‫تأويلهن عنككد السككاعة علككى مككا ذكككر مككن السككاعة‪ ,‬ومنككه آي يقككع‬
‫تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار‪ ,‬فما‬
‫دامت قلوبكم واحدة‪ ,‬وأهواؤكم واحدة‪ ,‬ولككم تلبسككوا شككيعًا‪ ,‬ولككم‬
‫يذق بعضكككم بككأس بعككض‪ ,‬فككأمروا وانهككوا‪ ,‬وإذا اختلفككت القلككوب‬
‫والهواء‪ ,‬وألبستم شيعًا‪ ,‬وذاق بعضكم بأس بعض‪ ,‬فامرؤ ونفسه‪,‬‬
‫ليكككة‪ ,‬ورواه ابكككن جريكككر‪.‬‬ ‫وعنكككد ذلكككك جاءنكككا تأويكككل هكككذه ا َ‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا الحسن بن عرفة‪ ,‬حدثنا شبابة بن سككوار‪,‬‬
‫حدثنا الربيع بن صبيح‪ ,‬عن سفيان بن عقال قال‪ :‬قيل لبن عمككر‪:‬‬
‫لو جلست فككي هككذه اليككام‪ ,‬فلككم تككأمر ولككم تنككه‪ ,‬فككإن اللككه قككال‬
‫}عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا اهتديتم{ فقال ابن عمككر‪:‬‬
‫إنها ليسككت لككي ول لصككحابي‪ ,‬لن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال »أل فليبلغ الشاهد الغائب« فكنككا نحككن الشككهود وأنتككم‬
‫لية لقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبككل‬ ‫الغيب‪ ,‬ولكن هذه ا َ‬
‫منهم‪ .‬وقال أيضًا‪ :‬حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن جعفككر‬
‫وأبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عوف عن سوار بن شبيب قال‪ :‬كنت عنككد‬
‫ابن عمر إذ أتاه رجل جليد العين شديد اللسان‪ ,‬فقال‪ :‬يا أبككا عبككد‬
‫الرحمن‪ ,‬نفر ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه‪ ,‬وكلهم مجتهد‬
‫ل يألو‪ ,‬وكلهم بغيض إليككه أن يككأتي دنككاءة‪ ,‬وهككم فككي ذلككك يشككهد‬
‫بعضهم على بعض بالشككرك‪ ,‬فقككال رجككل مككن القككوم‪ :‬وأي دنككاءة‬
‫تريد أكثر من أن يشهد بعضهم بالشرك ؟ فقال رجل‪ :‬إني لسككت‬
‫إياك أسأل‪ ,‬إنما أسأل الشيخ‪ ,‬فأعاد على عبد الله الحديث فقككال‬
‫عبد الله‪ :‬لعلك ترى ك ل أبا لك ك إني سآمرك أن تككذهب فتقتلهككم‪,‬‬
‫عظهم وانههم‪ ,‬وإن عصوك فعليككك بنفسككك‪ ,‬فككإن اللكه عككز وجككل‬
‫يقكككول }يكككا أيهكككا الكككذين آمنكككوا عليككككم أنفسككككم{ ا َ‬
‫وقككال أيضككًا‪ :‬حككدثني أحمككد بككن المقككدام‪ ,‬حككدثنا المعتمككر بككن‬
‫سليمان‪ ,‬سمعت أبي‪ ,‬حدثنا قتادة عن أبككي مككازن قككال‪ :‬انطلقككت‬
‫على عهد عثمان إلى المدينة‪ ,‬فإذا قككوم مككن المسككلمين جلككوس‪,‬‬
‫‪540‬‬
‫ليككة }عليكككم أنفسكككم ل يضككركم مككن ضككل{‬ ‫فقرأ أحدهم هككذه ا َ‬
‫فقال أكككثرهم‪ :‬لككم يجىككء تأويككل هككذه ا َ‬
‫ليككة اليككوم‪ .‬وقككال‪ :‬حككدثنا‬
‫القاسم‪ ,‬حدثنا الحسين‪ ,‬حدثنا ابن فضالة عن معاويككة بككن صككالح‪,‬‬
‫عن جبير بن نفير قال‪ :‬كنت في حلقة فيهككا أصككحاب رسككول اللكه‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬وإنككي لصككغر القككوم‪ ,‬فتككذاكروا المككر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬فقلكت أنكا‪ :‬أليكس اللكه يقكول فكي‬
‫كتابه }يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضككركم مككن ضككل إذا‬
‫ي بلسان واحد‪ ,‬وقالوا‪ :‬تنزع آية من القرآن‬ ‫اهتديتم{ ؟ فأقبلوا عل ّ‬
‫ل تعرفها ول تككدري مككا تأويلهككا ؟ فتمنيككت أنككي لككم أكككن تكلمككت‪,‬‬
‫وأقبلوا يتحدثون فلما حضر قيامهم قالوا‪ :‬إنك غلم حككدث السككن‪,‬‬
‫وإنك نزعت آية ول تدري ماهي‪ ,‬وعسككى أن تككدرك ذلككك الزمككان‪,‬‬
‫إذا رأيت شحا ً مطاعا ً وهككوىً متبع كا ً وإعجككاب كككل ذي رأي برأيككه‪,‬‬
‫فعليكككككك بنفسكككككك‪ ,‬ل يضكككككرك مكككككن ضكككككل إذا اهتكككككديت‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا علي بن سككهل‪ ,‬حككدثنا ضككمرة بككن ربيعككة‬
‫لية }يا أيها الذين آمنوا عليكككم أنفسكككم ل‬ ‫قال‪ :‬تل الحسن هذه ا َ‬
‫يضككركم مككن ضككل إذا اهتككديتم{ فقككال الحسككن‪ :‬الحمككد للككه بهككا‪,‬‬
‫والحمد لله عليها‪ ,‬ما كان مؤمن فيما مضى ول مككؤمن فيمككا بقككي‬
‫إل وإلى جنبه منافق يكره عملككه‪ .‬وقككال سككعيد بككن المسككيب‪ :‬إذا‬
‫أمككرت بككالمعروف ونهيككت عككن المنكككر‪ ,‬فل يضككرك مككن ضككل إذا‬
‫اهتديت‪ ,‬رواه ابن جرير‪ .‬وكككذا روي مككن طريككق سككفيان الثككوري‪,‬‬
‫عن أبي العميس‪ ,‬عن أبي البختري‪ ,‬عن حذيفككة مثلكه‪ .‬وكككذا قككال‬
‫غير واحد من السككلف‪ .‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫هشام بن خالد الدمشقي‪ ,‬حدثنا الوليد‪ ,‬حدثنا ابن لهيعة عن يزيككد‬
‫بن أبي حبيب‪ ,‬عن كعب في قوله }عليكم أنفسكم ل يضركم من‬
‫ضل إذا اهتديتم{ قال‪ :‬إذا هدمت كنيسة دمشق فجعلت مسجدًا‪,‬‬
‫وظهكككككر لبكككككس العصكككككب‪ ,‬فحينئذٍ تأويكككككل هكككككذه ا َ‬
‫ليكككككة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫حي ك َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م كو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫حكد َك ُ ُ‬‫ضَر أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َ‬ ‫شَهاد َةُ ب َي ْن ِك ُ ْ‬
‫م إِ َ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫** ِيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م‬ ‫خران من غَيرك ُم إ َ‬ ‫ال ْوصية اث ْنان ذ َوا عَدل منك ُ َ‬
‫ضككَرب ْت ُ ْ‬‫م َ‬ ‫ن أنت ُ ْ‬ ‫م أو ْ آ َ َ ِ ِ ْ ْ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ْ ٍ ّ ْ ْ‬ ‫َ ِ ّ ِ َ ِ َ َ‬
‫ص كل َ ِ‬
‫ة‬ ‫مككن ب َعْكدِ ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫سككون َهُ َ‬
‫حب ِ ُ‬‫ت تَ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫صيب َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬‫ض فَأ َ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫ى وَل َ‬ ‫ذا قُْرب َك َ‬ ‫ن َ‬ ‫منا ً وَل َوْ ك َككا َ‬
‫ري ب ِهِ ث َ َ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫م ل َ نَ ْ‬ ‫ن اْرت َب ْت ُ ْ‬‫ن ِبالل ّهِ إ ِ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬‫فَي ُْق ِ‬
‫‪541‬‬
‫َ‬
‫مكا‬ ‫ى أن ّهُ َ‬ ‫َ‬
‫ن عُِثكَر عَلك َ‬ ‫ن * َفكإ ِ ْ‬ ‫ميك َ‬ ‫ن ال َث ِ ِ‬ ‫مك َ‬ ‫شكَهاد َةَ الّلكهِ إ ِّنكآ إ ِذ َا ً ل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َك ُْتك ُ‬
‫حقّ عَل َي ْهِ ك ُ‬
‫م‬ ‫س كت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّك ِ‬ ‫مك َ‬ ‫ما ِ‬ ‫مه ُ َ‬ ‫مَقا َ‬‫ن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن ي ُِقو َ‬ ‫خَرا ِ‬ ‫حّقآ إ ِْثما ً َفآ َ‬ ‫ست َ َ‬‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ل َ َ‬ ‫الوْل ََيا‬
‫مككا اعْت َكد َي َْنآ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫ش كَهاد َت ِهِ َ‬ ‫من َ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫شَهاد َت َُنا أ َ‬ ‫ِ‬ ‫ما‬
‫س َ‬ ‫ن فَي ُْق ِ‬ ‫ِ‬
‫جهَِهككآ‬ ‫ى وَ ْ‬ ‫لكك‬‫شَهاد َةِ عَ َ‬ ‫ّ‬ ‫بال‬ ‫ِ‬ ‫ك أ َد ْن َى َأن ي َأ ُْتوا ْ‬ ‫ن * ذ َل ِ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫إ ِّنا ِإذا ً ل ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه لَ‬ ‫مُعوا ْ َوالل ّك ُ‬ ‫سك َ‬‫ه َوا ْ‬ ‫م َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫مان ِهِ ْ‬
‫ن ب َعْد َ أي ْ َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫خافُوَا ْ أن ت َُرد ّ أي ْ َ‬ ‫أ َوْ ي َ َ‬
‫ن‬‫سككككككككككككككككككككِقي َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫دي ال َْقككككككككككككككككككككوْ َ‬ ‫ي َْهكككككككككككككككككككك ِ‬
‫لية الكريمة على حكم عزيككز قيككل إنككه منسككوخ‪,‬‬ ‫اشتملت هذه ا َ‬
‫رواه العوفي عن ابن عباس‪ .‬وقال حمككاد بككن أبككي سككليمان‪ ,‬عككن‬
‫إبراهيم‪ :‬أنها منسوخة‪ .‬وقال آخرون‪ :‬وهم الكثرون فيما قاله ابن‬
‫جرير‪ ,‬بككل هككو محكككم‪ ,‬ومككن ادعككى نسككخه فعليككه البيككان‪ ,‬فقككوله‬
‫تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحككدكم المككوت‬
‫حين الوصية اثنان{ هككذا هككو الخككبر لقككوله شككهادة بينكككم‪ ,‬فقيككل‪:‬‬
‫تقديره شهادة اثنين حذف المضاف‪ ,‬وأقيم المضاف إليككه مقككامه‪,‬‬
‫وقيل‪ :‬دل الكلم على تقدير أن يشهد اثنككان‪ .‬وقككوله تعككالى‪} :‬ذوا‬
‫عدل{ وصف الثنين بأن يكونككا عككدلين‪ .‬وقككوله }منكككم{ أي مككن‬
‫المسلمين‪ .‬قاله الجمهككور‪ .‬قككال علككي بككن أبككي طلحككة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس رضكي اللكه عنكه فكي قكوله }ذوا عكدل منككم{ قكال‪ :‬مكن‬
‫المسلمين‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم‪ ,‬ثم قال‪ :‬وروي عن عبيدة وسككعيد‬
‫بن المسيب والحسن ومجاهد ويحيى بككن يعمككر والسككدي وقتككادة‬
‫ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بككن زيككد بككن أسككلم وغيرهككم نحككو‬
‫ذلك‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬وقال آخرون‪ :‬غير ذلك }ذوا عدل منكم{ أي‬
‫من أهل الموصكي‪ ,‬وذلكك قكول روي عكن عكرمكة وعبيكدة وعكدة‬
‫غيرهمككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككا‪.‬‬
‫وقوله }أو آخران من غيركم{ قال ابن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪,‬‬
‫حدثنا سعيد بن عون‪ ,‬حدثنا عبد الواحد بن زياد‪ ,‬حككدثنا حككبيب بككن‬
‫أبي عمرة عن سعيد بن جبير قال‪ :‬قال ابن عباس في قككوله }أو‬
‫آخران من غيركم{ قال‪ :‬من غير المسلمين‪ ,‬يعنككي أهككل الكتككاب‪,‬‬
‫ثم قال وروي عن عبيدة وشريح وسعيد بن المسككيب ومحمككد بككن‬
‫سككيرين ويحيككى بككن يعمككر وعكرمككة ومجاهككد وسككعيد بككن جككبير‬
‫والشعبي وإبراهيم النخعي وقتادة وأبي مجلز والسدي ومقاتل بن‬
‫حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم‪ ,‬نحو ذلك‪ .‬وعلى ما‬
‫حكاه ابن جرير عن عكرمة وعبيدة في قوله منكم‪ ,‬أن المراد من‬
‫‪542‬‬
‫قبيلة الموصي يكون المراد ههنا }أو آخران من غيركككم{ أي مككن‬
‫غيككر قبيلككة الموصككي‪ .‬وروى ابككن أبككي حككاتم مثلككه عككن الحسككن‬
‫البصككككككككككككري والزهككككككككككككري رحمهمككككككككككككا اللككككككككككككه‪.‬‬
‫وقككوله تعككالى‪} :‬إن أنتككم ضككربتم فككي الرض{ أي سككافرتم‬
‫}فأصككابتكم مصككيبة المككوت{ وهككذان شككرطان لجككواز استشككهاد‬
‫الذميين عند فقد المؤمنين أن يكككون ذلككك فككي سككفر‪ ,‬وأن يكككون‬
‫في وصية‪ ,‬كما صرح بذلك شريح القاضي‪ .‬قال ابن جريككر‪ :‬حككدثنا‬
‫عمرو بن علي‪ ,‬حدثنا أبو معاوية ووكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا العمككش عككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬عن شريح قال‪ :‬ل تجوز شهادة اليهود والنصككارى إل فككي‬
‫سفر‪ ,‬ول تجوز في سفر إل في الوصية‪ ,‬ثم رواه عن أبي كريككب‪,‬‬
‫عن أبي بكر بككن عيككاش‪ ,‬عككن أبككي إسككحاق السككبيعي قككال‪ :‬قككال‬
‫شريح فذكر مثله‪ .‬وقد روي نحوه عن المام أحمد بن حنبل رحمه‬
‫الله تعالى‪ ,‬وهذه المسألة من أفككراده‪ ,‬وخككالفه الثلثككة فقككالوا‪ :‬ل‬
‫يجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين‪ ,‬وأجازها أبو حنيفككة فيمككا‬
‫بيككككككككككككككككككككككن بعضككككككككككككككككككككككهم بعضككككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حكدثنا عمكرو بككن علكي‪ ,‬حكدثنا أبكو داود‪ ,‬حككدثنا‬
‫صالح بن أبي الخضر‪ ,‬عن الزهري قال‪ :‬مضت السنة أنه ل تجوز‬
‫شهادة الكافر في حضر ول سفر‪ ,‬إنما هي في المسككلمين‪ .‬وقككال‬
‫لية في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل‬ ‫ابن زيد‪ :‬نزلت هذه ا َ‬
‫السلم‪ ,‬وذلك فككي أول السككلم‪ ,‬والرض حككرب‪ ,‬والنككاس كفككار‪,‬‬
‫وكككان النككاس يتوارثككون بالوصككية ثككم نسككخت الوصككية‪ ,‬وفرضككت‬
‫الفرائض وعمل الناس بها‪ ,‬رواه ابن جرير‪ ,‬وفي هذا نظككر‪ ,‬واللككه‬
‫أعلم‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬اختلف في قوله }شككهادة بينكككم إذا حضككر‬
‫أحدكم الموت حين الوصية اثنككان ذوا عككدل منكككم أو آخككران مككن‬
‫غيركم{ هل المراد به أن يوصي إليهما أو يشهدهما ؟ على قولين‬
‫)أحدهما( أن يوصي إليهما‪ ,‬كما قال محمد بن إسككحاق عككن يزيككد‬
‫بن عبد الله بن قسيط قال‪ :‬سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن‬
‫لية‪ .‬قال‪ :‬هذا رجل سافر ومعككه مككال‪ ,‬فككأدركه قككدره‪ ,‬فككإن‬ ‫هذه ا َ‬
‫وجككد رجليككن مككن المسكلمين دفككع إليهمككا تركتككه‪ ,‬وأشككهد عليهمككا‬
‫عدلين من المسلمين‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم وفيه انقطاع‪) .‬والقككول‬
‫لية الكريمة فإن‬ ‫الثاني( أنهما يكونان شاهدين‪ ,‬وهو ظاهر سياق ا َ‬
‫لككم يكككن وصككي ثككالث معهمككا‪ ,‬اجتمككع فيهمككا الوصككفان‪ :‬الوصككاية‬
‫‪543‬‬
‫والشهادة‪ ,‬كما في قصة تميم الداري وعدي بن بداء‪ ,‬كما سككيأتي‬
‫ذكرهمكككككككا آنفكككككككا ً إن شكككككككاء اللكككككككه وبكككككككه التوفيكككككككق‪.‬‬
‫وقد استشكل ابن جرير كونهما شاهدين قال‪ :‬لنا ل نعلم حكمككا ً‬
‫ليككة‬‫يحلف فيه الشاهد‪ ,‬وهذا ليمنككع الحكككم الككذي تضككمنته هككذه ا َ‬
‫الكريمة‪ ,‬وهو حكم مستقل بنفسه ل يلككزم أن يكككون جاري كا ً علككى‬
‫قياس جميع الحكام‪ ,‬على أن هككذا حكككم خككاص‪ ,‬بشككهادة خاصككة‪,‬‬
‫في محل خاص‪ ,‬وقد اغتفر فيه من المور مالم يغتفر فككي غيككره‪,‬‬
‫فإذا قامت قرينة الريبة‪ ,‬حلف هذا الشاهد بمقتضى ما دلت عليككه‬
‫لية الكريمة‪ .‬وقوله تعككالى }تحبسككونهما مككن بعككد الصككلة{‬ ‫هذه ا َ‬
‫قال العوفي‪ ,‬قال ابن عباس‪ ,‬يعني صلة العصر‪ ,‬وكذا قال سككعيد‬
‫بن جبير وإبراهيم النخعكي وقتكادة وعكرمككة ومحمكد بكن سكيرين‪.‬‬
‫وقال الزهري‪ :‬يعنككي صككلة المسككلمين‪ .‬وقككال السككدي‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ :‬يعني صلة أهل دينهما‪ .‬وروي عن عبد الرزاق‪ ,‬عن أيوب‪,‬‬
‫عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ .‬وكذا قال إبراهيم وقتادة وغير واحككد‪.‬‬
‫والمقصود أن يقام هذان الشاهدان بعد صلة اجتمككع النككاس فيهككا‬
‫بحضرتهم }فيقسمان بالله{ أي فيحلفككان بككالله }إن ارتبتككم{ أي‬
‫إن ظهرت لكم منهما ريبة أنهما خانا أو غل‪ ,‬فيحلفككان حينئذ بككالله‬
‫}ل نشتري به{ أي بأيماننا‪ ,‬قككاله مقاتككل بككن حيككان }ثمن كًا{ أي ل‬
‫نعتاض عنه بعوض قليل مككن الككدنيا الفانيككة الزائلككة }ولككو كككان ذا‬
‫قربى{ أي ولو كان المشهود عليه قريب كا ً لنككا ل نحككابيه }ول نكتككم‬
‫شهادة الله{ أضافها إلى الله تشريفا ً لهكا وتعظيمكا ً لمرهككا‪ ,‬وقككرأ‬
‫بعضهم }ول نكتم شهادة الله{ مجرورا ً علككى القسككم رواهككا ابككن‬
‫جرير‪ ,‬عن عامر الشعبي‪ ,‬وحكي عن بعضهم أنه قرأها }ول نكتككم‬
‫شككهادة اللككه{ والقككراءة الولككى هككي المشككهورة }إنككا إذا ً لمككن‬
‫لثميككن{ أي إن فعلنككا شككيئا ً مككن ذلككك مككن تحريككف الشككهادة أو‬ ‫ا َ‬
‫تبكككككككككككديلها أو تغييرهكككككككككككا أو كتمهكككككككككككا بالكليكككككككككككة‪.‬‬
‫ثم قال تعكالى‪} :‬فككإن عككثر علككى أنهمكا اسككتحقا إثمكًا{ أي فكإن‬
‫اشتهر وظهر وتحقككق مككن الشككاهدين الوصككيين أنهمككا خانككا أو غل‬
‫شيئا ً من المال الموصى به إليهما‪ ,‬وظهر عليهما بككذلك }فككآخران‬
‫يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الوليككان{ هككذه قككراءة‬
‫الجمهور }استحق عليهم الوليان{ وروي عن علي وأبي الحسككن‬
‫البصري أنهم قرؤوها }استحق عليهم الوليان{ وروى الحاكم في‬
‫‪544‬‬
‫المستدرك من طريق إسحاق بن محمد الفروي عن سككليمان بككن‬
‫بلل عن جعفر بن محمد‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عبيد اللككه بككن أبككي رافككع‪,‬‬
‫عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قرأ }من الذين استحق عليهم الوليان{‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬صككحيح‬
‫على شرط مسلم‪ ,‬ولم يخرجاه‪ .‬وقرأ بعضهم ومنهككم ابكن عبككاس‬
‫}من الذين استحق عليهم الوليككن{‪ .‬وقككرأ الحسككن }مككن الككذين‬
‫استحق عليهم الولن{ حكاه ابككن جريككر‪ ,‬فعلككى قككراءة الجمهككور‬
‫يكون المعنككى بككذلك أي مككتى تحقككق ذلككك بككالخبر الصككحيح علككى‬
‫خيانتهما‪ ,‬فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة‪ ,‬وليكونككا مككن‬
‫أولى من يرث ذلك المككال }فيقسككمان بككالله لشككهادتنا أحككق مككن‬
‫شهادتهما{ أي لقولنا أنهما خانا‪ ,‬أحق وأصح وأثبت من شككهادتهما‬
‫المتقدمة }وما اعتدينا{ أي فيما قلنا فيهما مككن الخيانككة‪} ,‬إنككا إذا ً‬
‫لمن الظالمين{ أي إن كنا قد كذبنا عليهما‪ ,‬وهذا التحليف للورثككة‬
‫والرجوع إلى قولهما والحالة هذه‪ ,‬كما يحلككف أوليككاء المقتككول إذا‬
‫ظهر لوث في جككانب القاتككل‪ ,‬فيقسككم المسككتحقون علككى القاتككل‬
‫فيدفع برمته إليهم كما هو مقرر في باب القسككامة مككن الحكككام‪,‬‬
‫لية الكريمة‪ ,‬فقال ابن‬ ‫وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه ا َ‬
‫أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حكدثنا الحسكين بكن زيكاد‪ ,‬حكدثنا محمكد بكن‬
‫سلمة عن محمد بن إسحاق‪ ,‬عن أبي النضر‪ ,‬عن باذان يعنككي أبككا‬
‫صالح مولى أم هانىء بنت أبي طالب‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬عككن تميككم‬
‫لية }يا أيها الذين آمنوا شككهادة بينكككم إذا حضككر‬ ‫الداري في هذه ا َ‬
‫أحدكم الموت{ قال‪ :‬برىء الناس منها غيري وغير عدي بن بداء‪,‬‬
‫وكانا نصرانيين يختلفككان إلككى الشككام قبككل السككلم‪ ,‬فأتيككا الشككام‬
‫لتجارتهما‪ ,‬وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال لككه بككديل بككن أبككي‬
‫مريم بتجارة‪ ,‬معكه جكام مكن فضكة يريكد بكه الملكك‪ ,‬وهكو أعظكم‬
‫تجارته‪ ,‬فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله‪ .‬قال‬
‫تميم‪ :‬فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهككم‪ ,‬واقتسككمناه‬
‫أنا وعدي‪ ,‬فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كككان معنككا‪ ,‬وفقككدوا‬
‫الجام‪ ,‬فسألونا عنه‪ ,‬قلنا‪ :‬ما ترك غير هككذا ومككا دفككع إلينككا غيككره‪.‬‬
‫قال تميم‪ :‬فلما أسلمت بعد قككدوم رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم المدينة‪ ,‬تأثمت مككن ذلككك‪ ,‬فككأتيت أهلككه‪ ,‬فككأخبرتهم الخككبر‪,‬‬
‫ودفعت إليهم خمسمائة درهم‪ ,‬وأخبرتهم أن عنككد صككاحبي مثلهككا‪,‬‬
‫‪545‬‬
‫فوثبوا عليه‪ ,‬فأمرهم النبي أن يستحلفوه بما يعظم به علككى أهككل‬
‫دينه‪ ,‬فحلف‪ ,‬فنزلت }يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم{ إلى قككوله‬
‫}فيقسمان بالله لشهادتنا أحق مكن شكهادتهما{ فقككام عمككرو بكن‬
‫العاص ورجل آخر منهم‪ ,‬فحلفا‪ ,‬فنزعت الخمسمائة من عدي بككن‬
‫داء‪ ,‬وهكذا رواه أبككو عيسككى الترمككذي وابككن جريككر‪ ,‬كلهمككا عككن‬ ‫ب ّ‬
‫الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني‪ ,‬عن محمككد بككن سككلمة‪,‬‬
‫عن محمد بن إسحاق به‪ ,‬فككذكره‪ ,‬وعنككده‪ :‬فككأتوا بككه رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليكه وسكلم فسكألهم البينكة‪ ,‬فلكم يجكدوا‪ ,‬فكأمرهم أن‬
‫يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه‪ ,‬فحلككف‪ ,‬فككأنزل اللككه هككذه‬
‫لية إلى قوله }أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم{ فقام عمككرو‬ ‫ا َ‬
‫بن العاص ورجل آخر فحلفا‪ ,‬فنزعككت الخمسككمائة مككن عككدي بككن‬
‫بداء‪ ,‬ثم قككال‪ :‬هككذا حككديث غريككب‪ ,‬وليككس إسككناده بصككحيح‪ ,‬وأبككو‬
‫النضر الذي روى عنه محمد بن إسحاق هككذا الحككديث‪ ,‬هككو عنككدي‬
‫محمد بن السائب الكلبي‪ ,‬يكنى أبا النضر‪ ,‬وقد تركككه أهككل العلككم‬
‫بالحككديث‪ ,‬وهككو صككاحب التفسككير‪ ,‬سككمعت محمككد بككن إسككماعيل‬
‫يقول‪ :‬محمد بن السككائب الكلككبي يكنككى أبككا النضككر‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬ول‬
‫نعككرف لبككي النضككر روايككة عككن أبككي صككالح مككولى أم هككانىء‪.‬‬
‫وقد روي عن ابن عباس شيء من هذا على الختصككار مككن غيككر‬
‫هذا الوجه‪ ,‬حدثنا سفيان بن وكيع‪ ,‬حككدثنا يحيككى بككن آدم عككن ابككن‬
‫أبي زائدة‪ ,‬عن محمد بن أبي القاسم‪ ,‬عن عبد الملككك بككن سككعيد‬
‫بن جبير‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬خرج رجل من بنككي سككهم‬
‫مع تميم الداري وعدي بن بداء‪ ,‬فمات السهمي بككأرض ليككس بهككا‬
‫وصككا ً بالككذهب‪,‬‬‫مسلم‪ ,‬فلما قدما بتركته‪ ,‬فقدوا جاما ً من فضة مخ ّ‬
‫فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ووجككد الجككام بمكككة‪,‬‬
‫فقيل‪ :‬اشتريناه من تميم وعدي‪ ,‬فقام رجلن من أولياء السككهمي‬
‫فحلفا بالله لشهادتنا أحككق مككن شككهادتهما‪ ,‬وأن الجككام لصككاحبهم‪,‬‬
‫ليكة‪ ,‬وككذا رواه‬ ‫وفيهم نزلت }يا أيها الذين آمنوا شهادة بينككم{ ا َ‬
‫أبو داود عككن الحسككن بككن علككي عككن يحيككى بككن آدم بككه‪ ,‬ثككم قككال‬
‫الترمذي‪ :‬هذا حديث حسككن غريككب‪ ,‬وهككو حككديث ابككن أبككي زائدة‪,‬‬
‫وأحمككد بككن أبككي القاسككم الكككوفي‪ ,‬قيككل‪ :‬إنككه صككالح الحككديث‪.‬‬
‫وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من التابعين منهم عكرمة‬
‫ومحمد بن سيرين وقتككادة‪ ,‬وذكككروا أن التحليككف كككان بعككد صككلة‬
‫‪546‬‬
‫العصككر‪ ,‬رواه ابككن جريككر‪ ,‬وكككذا ذكرهككا مرسككلة مجاهككد والحسككن‬
‫والضحاك‪ ,‬وهذا يدل على اشككتهارها فككي السككلف وصككحتها‪ ,‬ومككن‬
‫الشواهد لصحة هذه القصككة أيضكا ً مككا رواه أبككو جعفككر بككن جريككر‪:‬‬
‫حدثني يعقوب‪ ,‬حدثنا هشيم قال‪ :‬أخبرنككا زكريككا عككن الشككعبي أن‬
‫رجل ً من المسلمين حضرته الوفككاة بككدقوقا هككذه‪ ,‬قككال‪ :‬فحضككرته‬
‫الوفاة ولم يجد أحدا ً من المسلمين يشهده علككى وصككيته‪ ,‬فأشككهد‬
‫رجلين من أهل الكتاب‪ ,‬قال‪ :‬فقدما الكوفة‪ ,‬فأتيا الشعري يعنككي‬
‫أبا موسككى الشككعري رضككي اللككه عنككه‪ ,‬فككأخبراه‪ ,‬وقككدما الكوفككة‬
‫بتركته ووصيته‪ ,‬فقال الشعري‪ :‬هذا أمر لم يكككن بعككد الككذي كككان‬
‫على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قكال‪ :‬فأحلفهمكا بعكد‬
‫العصر بالله ما خانا‪ ,‬ول كككذبا‪ ,‬ول بككدل‪ ,‬ول كتمككا‪ ,‬ول غيككرا‪ ,‬وأنهككا‬
‫لوصية الرجل وتركته‪ .‬قال‪ :‬فأمضى شهادتها‪ ,‬ثم رواه عككن عمككرو‬
‫بن علي الفلس‪ ,‬عن أبي داود الطيالسي‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن مغيككرة‬
‫الزرق‪ ,‬عن الشعبي أن أبا موسى قضى بدقوقا‪ ,‬وهذان إسككنادان‬
‫صحيحان إلى الشعبي‪ ,‬عن أبي موسى الشعري‪ ,‬فقوله‪ :‬هذا أمر‬
‫لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الظاهر ك والله أعلم ك أنه إنمككا أراد بككذلك قصككة تميككم وعككدي بككن‬
‫بداء‪ ,‬وقد ذكروا أن إسلم تميم بن أوس الداري رضي اللككه عنككه‪,‬‬
‫كان سنة تسع من الهجرة‪ ,‬فعلى هككذا يكككون هككذا الحكككم متككأخرا ً‬
‫يحتاج مدعي نسخه إلى دليل فاصل في هذا المقام‪ ,‬والله أعلككم‪.‬‬
‫لية }يا أيهككا الككذين آمنككوا شككهادة‬‫وقال أسباط عن السدي في ا َ‬
‫بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكككم{‬
‫قال‪ :‬هذا فككي الوصككية عنككد المككوت‪ ,‬يوصككي ويشككهد رجليككن مككن‬
‫المسلمين على ماله وما عليه‪ ,‬قال‪ :‬هذا فككي الحضككر }أو آخككران‬
‫من غيركم{ في السفر }إن أنتككم ضككربتم فككي الرض فأصككابتكم‬
‫مصيبة المككوت{ هككذا الرجككل يككدركه المككوت فككي سككفره‪ ,‬وليككس‬
‫بحضرته أحد من المسلمين‪ ,‬فيدعو رجلين مككن اليهككود والنصككارى‬
‫والمجوس‪ ,‬فيوصي إليهما ويدفع إليهما ميراثككه‪ ,‬فيقبلن بككه‪ ,‬فككإن‬
‫رضي أهل الميككت الوصككية وعرفككوا مككا لصككاحبهم‪ ,‬تركوهمككا‪ ,‬وإن‬
‫ارتابوا‪ ,‬رفعوهما إلى السلطان‪ ,‬فذلك قوله تعككالى‪} :‬تحبسككونهما‬
‫من بعككد الصككلة فيقسككمان بككالله إن ارتبتككم{ قككال عبككد اللككه بككن‬
‫عباس رضي الله عنه‪ :‬كأني أنظر إلى العلجين حككتى انتهككى بهمككا‬
‫‪547‬‬
‫إلى أبي موسى الشعري في داره‪ ,‬ففتككح الصككحيفة‪ ,‬فككأنكر أهككل‬
‫الميت وخوفوهما‪ ,‬فأراد أبككو موسككى أن يسككتحلفهما بعككد العصكر‪,‬‬
‫فقلت‪ :‬إنهما ل يباليان صلة العصر‪ ,‬ولكن أستحلفهما بعد صلتهما‬
‫في دينهما‪ ,‬فيوقف الرجلن بعد صلتهما في دينهما فيحلفان بالله‬
‫ل نشتري به ثمنا ً ولو كان ذا قربكى‪ ,‬ول نكتكم شكهادة اللكه إنكا إذا‬
‫لثمين‪ ,‬أن صاحبهم بهككذا أوصككى‪ ,‬وأن هككذه لككتركته‪ ,‬فيقككول‬ ‫لمن ا َ‬
‫لهما المام قبل أن يحلفا‪ :‬إنكما إن كتمتما أو خنتما فضحتكما في‬
‫قومكما‪ ,‬ولم تجز لكمككا شككهادة وعاقبتكمككا‪ ,‬فككإذا قككال لهمككا ذلككك‬
‫}فإن ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجههككا{ رواه ابككن جريككر‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا القاسككم‪ ,‬حككدثنا الحسككين‪ ,‬حككدثنا هشككيم‪,‬‬
‫لية‬ ‫أخبرنا مغيرة عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما قال في هذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪ :‬إذا حضككر الرجككل‬ ‫}يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكككم{ ا َ‬
‫الوفاة في سككفر فليشككهد رجليككن مككن المسككلمين‪ ,‬فككإن لككم يجككد‬
‫رجلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب‪ ,‬فإذا قككدما بككتركته‬
‫فإن صدقهما الورثة قبل قولهمكا‪ ,‬وإن اتهموهمكا حلفكا بعككد صككلة‬
‫العصر‪ ,‬بالله ما كتمنا ول كذبنا ول خنكا ول غيرنكا‪ ,‬وقكال علكي بكن‬
‫لية‪ :‬فككإن ارتيككب فككي‬ ‫أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه ا َ‬
‫شهادتهما استحلفا بعككد العصككر‪ :‬بككالله مككا اشككترينا بشككهادتنا ثمنكا ً‬
‫ل‪ ,‬فإن اطلع الولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما قككام‬ ‫قلي ً‬
‫رجلن من الولياء فحلفا‪ :‬بالله أن شهادة الكافرين باطلة وأنا لككم‬
‫نعتد‪ ,‬فذلك قككوله تعككالى‪} :‬فككإن عككثر علككى أنهمككا اسككتحقا إثمكًا{‬
‫يقككول‪ :‬إن اطلككع علككى أن الكككافرين كككذبا }فككآخران يقومككان‬
‫مقامهما{ يقككول‪ :‬مككن الوليككاء فحلفكا بككالله أن شككهادة الكككافرين‬
‫باطلة‪ ,‬وأنا لم نعتد‪ ,‬فترد شهادة الكافرين وتجوز شهادة الوليككاء‪,‬‬
‫وهكذا روى العوفي عن ابن عباس‪ ,‬رواهما ابن جرير‪ ,‬وهكككذاقرر‬
‫لية غيككر واحككد مككن أئمككة التككابعين‬ ‫هذا الحكم على مقتضى هذه ا َ‬
‫والسلف رضي الله عنهم‪ ,‬وهو مذهب المام أحمككد رحمككه اللككه‪(.‬‬
‫وقوله }ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها{ أي شرعية هككذا‬
‫الحكم على هذا الوجه المرضي مكن تحليكف الشكاهدين الكذميين‪,‬‬
‫واستريب بهما أقرب إلى إقامتهما الشهادة على الوجه المرضي‪.‬‬
‫وقوله }أو يخافوا أن ترد ّ أيمان بعككد أيمككانهم{ أي يكككون الحامككل‬
‫لهم على التيان بها على وجهها هو تعظيم الحلف بككالله ومراعككاة‬
‫‪548‬‬
‫جانبه وإجلله‪ ,‬والخوف من الفضيحة بين النككاس إن ردت اليميككن‬
‫على الورثككة‪ ,‬فيحلفككون ويسككتحقون مككا يككدعون‪ ,‬ولهككذا قككال }أو‬
‫يخافوا أن ترد ّ أيمان بعد أيمانهم{‪ ,‬ثم قال }واتقوا الله{ أي فككي‬
‫جميع أموركم‪} ,‬واسككمعوا{ أي وأطيعككوا‪} ,‬واللككه ل يهككدي القككوم‬
‫الفاسكككقين{ أي الخكككارجين عكككن طكككاعته ومتابعكككة شكككريعته‪.‬‬
‫م ل َن َككآ إ ِن ّك َ‬ ‫ل ما َ ُ‬
‫ك‬ ‫عل ْك َ‬
‫م َقاُلوا ْ ل َ ِ‬
‫جب ْت ُ ْ‬
‫ذآ أ ِ‬ ‫ل فَي َُقو ُ َ‬
‫س َ‬
‫ه الّر ُ‬‫معُ الل ّ ُ‬
‫ج َ‬
‫م يَ ْ‬
‫** ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ب‬‫م ال ْغُي ُكككككككككككككككككككككككككككككككككو ِ‬ ‫ت عَل ّ ُ‬
‫أنككككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬
‫هذا إخبار عما يخاطب الله به المرسلين يوم القيامة عما أجيبوا‬
‫به من أممهم الذين أرسلهم إليهككم‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬فلنسككألن‬
‫الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسككلين{‪ ,‬وقككال تعككالى‪} :‬فوربككك‬
‫لنسألنهم أجمعين عمككا كككانوا يعملككون{‪ ,‬وقككول الرسككل }ل علككم‬
‫لنا{‪ ,‬قال مجاهد والحسن البصري والسدي‪ :‬إنما قككالوا ذلككك مككن‬
‫هول ذلك اليوم‪ .‬قال عبد الرزاق‪ ,‬عن الثوري‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عككن‬
‫مجاهد }يوم يجمكع اللكه الرسكل فيقكول مكاذا أجبتكم{ فيفزعكون‬
‫فيقولون }ل علم لنا{‪ ,‬رواه ابن جرير وابن أبي حاتم‪ .‬وقككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثنا ابن حميد‪ ,‬حدثنا حكام‪ ,‬حككدثنا عنبسككة قككال‪ :‬سككمعت‬
‫شيخا ً يقول‪ :‬سمعت الحسككن يقككول فككي قككوله }يككوم يجمككع اللككه‬
‫ليكككككة‪ ,‬قكككككال‪ :‬مكككككن هكككككول ذلكككككك اليكككككوم‪.‬‬ ‫الرسكككككل{ ا َ‬
‫وقال أسباط عن السدي }يوم يجمع اللككه الرسككل فيقككول مككاذا‬
‫أجبتم قالوا ل علم لنا{ ذلك أنهم نزلوا منزل ً ذهلككت فيككه العقككول‬
‫فلما سئلوا قالوا }ل علم لنا{ ثم نزلوا منزل ً آخر‪ ,‬فشككهدوا علككى‬
‫قومهم‪ ,‬رواه ابن جرير‪ ,‬ثم قال ابن جرير‪ :‬حككدثنا القاسككم‪ ,‬حككدثنا‬
‫الحسين‪ ,‬حدثنا الحجككاج عككن ابككن جريككج قككوله }يككوم يجمككع اللككه‬
‫الرسل فيقول ماذا أجبتم{ أي مككاذا عملككوا بعككدكم ومككاذا أحككدثوا‬
‫بعدكم ؟ قالوا }ل علم لنا إنك أنت علم الغيوب{ وقال علككي بككن‬
‫أبي طلحة عن ابن عباس }يوم يجمككع اللككه الرسككل فيقككول مككاذا‬
‫أجبتم قالوا ل علم لنا إنك أنت علم الغيوب{ يقولككون للككرب عككز‬
‫وجل‪ :‬ل علم لنا إل علم أنككت أعلككم بككه منككا‪ ,‬رواه ابككن جريككر‪ ,‬ثككم‬
‫اختاره على هذه القوال الثلثة‪ ,‬ول شك أنه قول حسن‪ ,‬وهو من‬
‫باب التأدب مع الرب جل جلله‪ ,‬أي ل علم لنا بالنسبة إلى علمككك‬
‫‪549‬‬
‫المحيط بكل شيء‪ ,‬فنحن وإن كنا أجبنا وعرفنا من أجابنككا‪ ,‬ولكككن‬
‫منهم من كنا إنمكا نطلكع علكى ظكاهره ل علكم لنكا ببكاطنه‪ ,‬وأنكت‬
‫العليم بكل شيء‪ ,‬المطلع على كككل شككيء‪ ,‬فعلمنككا بالنسككبة إلككى‬
‫علمكككككككك كل علكككككككم‪ ,‬فإنكككككككك }أنكككككككت علم الغيكككككككوب{‪.‬‬
‫ك‬ ‫ى َواِلككد َت ِ َ‬ ‫َ‬ ‫مِتي عَل َي ْ َ‬ ‫م اذ ْك ُْر ن ِعْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫** إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ك وَعَل َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫ه ي َِعي َ‬
‫ك‬ ‫مت ُك َ‬ ‫مهْكدِ وَك َهْل ً وَإ ِذ ْ عَل ّ ْ‬ ‫س فِككي ال ْ َ‬ ‫م الن ّككا َ‬ ‫س ت ُك َل ّك ُ‬
‫ح الُقد ُ ِ‬
‫ْ‬
‫ك ب ُِرو ِ‬ ‫إ ِذ ْ أ َّيدت ّ َ‬
‫ن ك َهَي ْئ َ ِ‬
‫ة‬ ‫ّ‬ ‫خُلكقُ ِ‬ ‫ل وَإ ِذ ْ ت َ ْ‬ ‫جيك َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ن الطيك ِ‬ ‫مك َ‬ ‫ة َوالّتكوَْراةَ َوال ِن ْ ِ‬ ‫مك َ‬
‫ه‬
‫مك َ‬ ‫رى كُء الك ْ َ‬ ‫ن ط َي ْككرا ً ب ِكإ ِذ ِْني وَت ُب ْ ِ‬ ‫خ ِفيهَككا فَت َك ُككو ُ‬ ‫الط ّي ْكرِ ب ِكإ ِذ ِْني فََتنُف ك ُ‬
‫ل‬ ‫س كَراِئي َ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫ت ب َن ِك َ‬ ‫ي وَإ ِذ ْ ك ََفْف ك ُ‬ ‫ى ب ِإ ِذ ْن ِ ِ‬ ‫موت َ َ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ص ب ِإ ِذ ِْني وَإ ِذ ْ ت ُ ْ‬ ‫َوالب َْر َ‬
‫حٌر‬ ‫سك ْ‬ ‫ذا إ ِل ّ ِ‬ ‫هـ ك َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ك ََفُروا ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ت فََقا َ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫جئ ْت َهُ ْ‬‫ك إ ِذ ْ ِ‬‫عن َ‬ ‫َ‬
‫سككوِلي قَككال ُوَا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ ب ِككي وَب َِر ُ‬ ‫نآ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وارِّيي َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ت إ َِلى ال ْ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن * وَإ ِذ ْ أوْ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫سككككككككككككككل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شككككككككككككككهَد ْ ب ِأن ّن َككككككككككككككا ُ‬ ‫من ّككككككككككككككا َوا ْ‬ ‫آ َ‬
‫ن به على عبده ورسككوله عيسككى ابككن مريككم‬ ‫يذكر تعالى ما امت ّ‬
‫عليككه السككلم ممككا أجككراه علككى يككديه مككن المعجككزات البككاهرات‬
‫وخوارق العادات‪ ,‬فقال }اذكر نعمتي عليك{ أي في خلقككي إيككاك‬
‫من أم بل ذكر‪ ,‬وجعلي إياك آية ودللة قاطعة على كمككال قككدرتي‬
‫علككى الشككياء‪} ,‬وعلككى والككدتك{ حيككث جعلتككك لهككا برهانكا ً علككى‬
‫براءتها مما نسبه الظالمون والجككاهلون إليهككا مككن الفاحشككة‪} ,‬إذ‬
‫أيدتك بروح القدس{ وهو جبريل عليه السلم‪ ,‬وجعلتك نبيا ً داعيككا ً‬
‫إلى الله في صغرك وكبرك‪ ,‬فأنطقتك في المهد صغيرًا‪ ,‬فشهدت‬
‫ببراءة أمك من كل عيب‪ ,‬واعترفت لككي بالعبوديككة‪ ,‬وأخككبرت عككن‬
‫رسالتي إياك ودعوت إلى عبادتي‪ ,‬ولهذا قال }تكلككم النككاس فككي‬
‫من‬ ‫ل{ أي تدعو إلى الله الناس في صغرك وكبرك وضكك ّ‬ ‫المهد وكه ً‬
‫تكلككم تككدعو‪ ,‬لن كلمككه النككاس فككي كهككولته ليككس بككأمر عجيككب‪.‬‬
‫وقكككوله }وإذ علمتكككك الكتكككاب والحكمكككة{ أي الخكككط والفهكككم‬
‫}والتوراة{ وهي المنزلة على موسى بن عمران الكليم‪ ,‬وقد يرد‬
‫لفظ التوراة في الحديث‪ ,‬ويراد به ما هككو أعككم مككن ذلككك‪ .‬وقككوله‬
‫}وإذ تخلق من الطيككن كهيئة الطيككر بككإذني{ أي تصككوره وتشكككله‬
‫على هيئة الطائر بإذني لك في ذلك‪ ,‬فتكون طيرا ً بإذني أي فتنفخ‬
‫‪550‬‬
‫في تلك الصورة التي شكلتها بإذني لك في ذلك فتكككون طيككرا ً ذا‬
‫روح تطيكككككككككككككر بكككككككككككككإذن اللكككككككككككككه وخلقكككككككككككككه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وتبرىء الكمه والبرص بإذني{ قكد تقكدم الكلم‬
‫عليه في سككورة آل عمككران بمككا أغنككى عككن إعككادته‪ .‬وقككوله }وإذ‬
‫تخرج الموتى بإذني{ أي تدعوهم فيقومون من قبورهم بإذن الله‬
‫وقدرته وإرادته ومشيئته‪ ,‬وقد قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي ‪,‬‬
‫حككدثنا مالككك بككن إسككماعيل‪ ,‬حدثنامحمككد بككن طلحككة يعنككي ابككن‬
‫مصرف‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن أبي الهككذيل‪ ,‬قككال‪ :‬كككان عيسككى ابككن‬
‫مريم عليه السلم إذا أراد أن يحيي المككوتى صككلى ركعككتين‪ ,‬يقككرأ‬
‫في الولى }تبارك الذي بيده الملك{‪ ,‬وفي الثانيككة }ألككم تنزيككل{‬
‫السجدة‪ ,‬فإذا فرغ منهما مدح اللككه وأثنككى عليككه‪ ,‬ثككم دعككا بسككبعة‬
‫أسماء‪ :‬يا قديم‪ ,‬يا خفي‪ ,‬يا دائم‪ ,‬يا فرد‪ ,‬يا وتر‪ ,‬يا أحد‪ ,‬يككا صككمد‪,‬‬
‫وكان إذا أصابته شديدة دعا بسبعة أخر‪ :‬يا حي‪ ,‬يا قيوم‪ ,‬يككا اللككه‪,‬‬
‫يا رحمن‪ ,‬يككا ذا الجلل والكككرام‪ ,‬يككا نككور السككموات والرض ومككا‬
‫بينهمككا‪ ,‬ورب العككرش العظيككم‪ ,‬يككا رب‪ ,‬وهككذا أثككر عجيككب جككدًا‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهككم بالبينككات‬
‫فقال الذين كفروا منهم إن هذا إل سحر مبين{ أي واذكر نعمككتي‬
‫عليك في كفي إياهم عنك حين جئتهم بالبراهين والحجج القاطعكة‬
‫على نبوتككك ورسككالتك مككن اللككه إليهككم‪ ,‬فكككذبوك واتهمككوك بأنككك‬
‫ساحر‪ ,‬وسعوا فككي قتلككك وصككلبك فنجيتككك منهككم‪ ,‬ورفعتككك إلككي‪,‬‬
‫وطهرتك من دنسككهم‪ ,‬وكفيتككك شككرهم‪ ,‬وهككذا يككدل علككى أن هككذا‬
‫المتنان كان من الله إليه بعد رفعه إلى السككماء الككدنيا‪ ,‬أو يكككون‬
‫هذا المتنان واقعا ً يوم القيامة‪ ,‬وعبر عنككه بصككيغة الماضككي دللككة‬
‫على وقوعه ل محالة‪ ,‬وهذا مكن أسكرار الغيكوب الكتي أطلكع اللكه‬
‫عليهكككككا نكككككبيه محمكككككدا ً صكككككلى اللكككككه عليكككككه وسكككككلم‪.‬‬
‫وقوله }وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي{ وهذا‬
‫أيض كا ً مككن المتنككان عليككه‪ ,‬عليككه السككلم‪ ,‬بككأن جعككل لككه أصككحابا ً‬
‫وأنصارًا‪ ,‬ثم قيل‪ :‬إن المكراد بهككذا الككوحي وحككي إلهكام‪ ,‬كمكا قكال‬
‫ليككة‪ ,‬وهككو وحككي‬ ‫تعالى‪} :‬وأوحينككا إلككى ّأم موسككى أن أرضككعيه{ ا َ‬
‫إلهام بل خلف‪ ,‬وكما قككال تعككالى‪} :‬وأوحككى ربككك إلككى النحككل أن‬
‫اتخذي من الجبال بيوتا ً ومن الشجر ومما يعرشون ثككم كلككي مككن‬
‫ليككة‪ ,‬وهكككذا قككال بعككض‬ ‫ل{ ا َ‬‫كل الثمرات فاسلكي سككبل ربككك ذل ً‬
‫‪551‬‬
‫لية }وإذ أوحيككت إلككى الحككواريين أن آمنككوا بككي‬ ‫السلف في هذه ا َ‬
‫وبرسككولي قككالوا آمنككا واشككهد بأننككا مسككلمون{ أي ألهمككوا ذلككك‪,‬‬
‫فامتثلوا ما ألهموا‪ .‬قال الحسن البصكري‪ :‬ألهمهكم اللكه عكز وجككل‬
‫ذلك‪ .‬وقال السدي‪ :‬قككذف فككي قلككوبهم ذلككك‪ ,‬ويحتمككل أن يكككون‬
‫المراد وإذ أوحيت إليهم بواسطتك فككدعوتهم إلككى اليمككان بككا للكه‬
‫وبرسوله واستجابوا لككك وانقككادوا وتككابعوك‪ ,‬فقككالوا }آمنككا بككا للككه‬
‫واشكككككككككككككككككككهد بأننكككككككككككككككككككا مسكككككككككككككككككككلمون{‪.‬‬
‫ل‬ ‫ك َأن ي ُن َّز َ‬ ‫طيعُ َرب ّ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ل يَ ْ‬ ‫م هَ ْ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫ن ي َِعي َ‬ ‫وارِّيو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫** إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن * قَككاُلوا ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ه ِإن ك ُن ْت ُككم ّ‬
‫م كؤ ْ ِ‬ ‫ل ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫مآِء َقا َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫مآئ ِد َةً ّ‬ ‫عَل َي َْنا َ‬
‫ل منها وتط ْمئ ِن قُُلوبنككا ونعل َك َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ص كد َقْت ََنا وَن َك ُككو َ‬ ‫م أن قَ كد ْ َ‬ ‫َُ ََْ َ‬ ‫ريد ُ أن ن ّأك ُ َ ِ ْ َ َ َ َ ّ‬ ‫نُ ِ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫م َرب ّن َككآ أنكزِ ْ‬ ‫م الل ّهُك ّ‬ ‫مْري َك َ‬ ‫ن َ‬ ‫سككى اب ْك ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن * قَككا َ‬ ‫دي َ‬‫شاهِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي َْها ِ‬
‫ك‬ ‫من ْك َ‬‫ة ّ‬ ‫خرِن َككا َوآي َك ً‬ ‫عيككدا ً لوّل ِن َككا َوآ ِ‬ ‫ن ل َن َككا ِ‬ ‫مآِء ت َك ُككو ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫مآئ ِد َةً ّ‬ ‫عَل َي َْنا َ‬
‫َ‬
‫مكن‬ ‫م فَ َ‬ ‫من َّزل َُهكا عَل َي ْك ُك ْ‬‫ه إ ِن ّككي ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫ت َ‬ ‫َواْرُزقَْنا وَأن َ‬
‫عكذ ّب َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫ن ال ْعَككال َ ِ‬ ‫مك َ‬ ‫حككدا ً ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ذابا ً ل ّ أ َ ُ ُ‬ ‫ه عَك َ‬ ‫ي أعَكذ ّب ُ ُ‬‫م فَكإ ِن ّ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ي َك ُْفْر ب َعْد ُ ِ‬
‫شككاهذه قصككة المككائدة وإليهككا تنسككب السككورة‪ ,‬فيقككال سككورة‬
‫ن الله به علككى عبككده ورسككوله عيسككى لمككا‬ ‫المائدة‪ ,‬وهي مما امت ّ‬
‫أجاب دعاءه بنزولها‪ ,‬فأنزل الله آية باهرة وحجة قاطعة‪ ,‬وقد ذكر‬
‫بعض الئمة أن قصككتها ليسككت مككذكورة فككي النجيككل‪ ,‬ول يعرفهككا‬
‫النصارى إل من المسلمين‪ ,‬فا لله أعلم‪ ,‬فقككوله تعككالى‪} :‬إذ قككال‬
‫الحواريون{ وهم أتباع عيسى عليه السلم }يا عيسى ابككن مريككم‬
‫هل يستطيع ربك{ هذه قراءة كثيرين‪ ,‬وقرأ آخرون }هل تستطيع‬
‫ربك{ أي هل تستطيع أن تسأل ربك }أن ينزل علينككا مككائدة مككن‬
‫السماء{ والمائدة هي الخوان عليه الطعام‪ ,‬وذكككر بعضككهم‪ :‬أنهككم‬
‫إنما سألوا ذلك لحاجتهم وفقرهم‪ ,‬فسألوه أن ينزل عليهككم مككائدة‬
‫كل يوم يقتاتون منها ويتقوون بها على العبادة }قال اتقوا الله إن‬
‫كنتم مؤمنين{ أي فأجابهم المسيح عليه السلم قككائل ً لهكم‪ :‬اتقككوا‬
‫الله ول تسألوا هذا فعساه أن يكون فتنة لكم‪ ,‬وتوكلوا علككى اللككه‬
‫في طلب الرزق إن كنتم مؤمنين‪} ,‬قالوا نريد أن نأكل منهككا{ أي‬
‫نحككن محتككاجون إلككى الكككل منهككا‪} ,‬وتطمئن قلوبنككا{ إذا شككاهدنا‬
‫نزولها رزقا ً لنا من السككماء‪} ,‬ونعلككم أن قككد صككدقتنا{ أي ونككزداد‬
‫‪552‬‬
‫إيمانكا ً بككك وعلمكا ً برسككالتك }ونكككون عليهككا مككن الشككاهدين{ أي‬
‫لية من عند الله‪ ,‬ودللة وحجة على نبوتك وصدق مككا‬ ‫ونشهد أنها ا َ‬
‫جئت به‪} .‬قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مككائدة مككن‬
‫السماء تكون لنا عيدا ً لّولنا وآخرنا{ قال السككدي‪ :‬أي نتخككذ ذلككك‬
‫اليوم الذي نزلت فيه عيدا ً نعظمه نحن ومن بعدنا‪ ,‬وقككال سككفيان‬
‫الثككوري‪ :‬يعنككي يوم كا ً نصككلي فيككه‪ .‬وقككال قتككادة‪ :‬أرادوا أن يكككون‬
‫لعقبهم من بعدهم‪ .‬وعن سلمان الفارسي‪ :‬عظة لنا ولمككن بعككدنا‪.‬‬
‫وقيككل‪ :‬كافيككة لولنككا وآخرنككا }وآيككة منككك{ أي دليل ً تنصككبه علككى‬
‫قدرتك على الشياء وعلى إجابتك لدعوتي‪ ,‬فيصدقوني فيما أبلغه‬
‫عنك‪} ,‬وارزقنا{ أي من عندك رزقا ً هنيئا ً بل كلفة ول تعب }وأنت‬
‫خير الرازقين قال لله إني منزلها عليكم فمككن يكفككر بعككد منكككم{‬
‫أي فمن كذب بها من أمتك يا عيسى وعاندها‪} ,‬فإني أعذبه عذابا ً‬
‫ل أعذبه أحدا ً من العالمين{ اي من عالمي زمانكم‪ ,‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫}ويككوم القيامككة أدخلككوا آل فرعككون أش كد ّ العككذاب{‪ ,‬وقككوله }إن‬
‫المنافقين في الدرك السفل من النار{‪ ,‬وقد روى ابن جرير مككن‬
‫طريق عوف العرابي عن أبي المغيرة القواس‪ ,‬عن عبد الله بككن‬
‫عمرو قال‪ :‬إن أشد الناس عككذابا ً يككوم القيامككة ثلثككة‪ :‬المنككافقون‪,‬‬
‫ومكككككن كفكككككر مكككككن أصكككككحاب المكككككائدة‪ ,‬وآل فرعكككككون‪.‬‬
‫ذككككككككككككر أخبكككككككككككار رويكككككككككككت عكككككككككككن السكككككككككككلف‬

‫فكككككككككي نكككككككككزول المكككككككككائدة علكككككككككى الحكككككككككواريين‬
‫قال أبو جعفر بن جرير‪ :‬حدثنا القاسم‪ :‬حككدثنا الحسككين‪ ,‬حككدثني‬
‫حجاج عن ليث‪ ,‬عن عقيل‪ ,‬عن ابن عبككاس أنككه كككان يحككدث عككن‬
‫عيسى أنه قال لبني إسككرائيل‪ :‬هككل لكككم أن تصككوموا للككه ثلثيككن‬
‫يومًا‪ ,‬ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم‪ ,‬فإن أجككر العامككل علككى مككن‬
‫عمل له‪ ,‬ففعلوا ثم قالوا‪ :‬يا معلم الخير‪ ,‬قلت لنا‪ :‬إن أجر العامل‬
‫على من عمل له‪ ,‬وأمرتنا أن نصوم ثلثين يوما ً ففعلنا‪ ,‬ولككم نكككن‬
‫نعمل لحد ثلثين يوما ً إل أطعمنا حين نفرغ طعامًا‪ ,‬فهل يسككتطيع‬
‫ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ؟ قككال عيسككى }اتقككوا اللككه‬
‫إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنككا ونعلككم‬
‫أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى ابن مريم‬
‫اللهم ربنا أنككزل علينككا مككائدة مككن السككماء تكككون لنككا عيككدا ً لولنككا‬
‫‪553‬‬
‫وآخرنا وآية منككك وارزقنككا وأنككت خيككر الرازقيككن * قككال اللككه إنككي‬
‫منزلها عليكم فمن يكفر بعككد منكككم فككإني أعككذبه عككذابا ً ل أعككذبه‬
‫أحككدا ً مككن العككالمين{ قككال‪ :‬فككأقبلت الملئكككة تطيككر بمككائدة مككن‬
‫السماء عليهككا سككبعة أحككوات‪ ,‬وسككبعة أرغفككة حككتى وضككعتها بيككن‬
‫أيديهم‪ ,‬فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم‪ ,‬كككذا رواه ابككن‬
‫جرير‪ ,‬ورواه ابن أبي حاتم عن يونس بككن عبككد العلككى‪ ,‬عككن ابككن‬
‫وهب‪ ,‬عن الليث‪ ,‬عن عقيل‪ ,‬عن ابن شهاب قال‪ :‬كان ابن عباس‬
‫يحكككككككككككككككككككككدث‪ ,‬فكككككككككككككككككككككذكر نحكككككككككككككككككككككوه‪.‬‬
‫وقال ابن أبكي حكاتم أيضكًا‪ :‬حكدثنا سكعد بكن عبككد اللكه بككن عبكد‬
‫الحكم‪ ,‬حدثنا أبو زرعة وهبة الله بن راشد‪ ,‬حدثنا عقيل بككن خالككد‬
‫أن ابن شهاب أخبره عن ابن عباس أن عيسككى ابككن مريككم قككالوا‬
‫لككه‪ :‬ادع اللككه أن ينككزل علينككا مككائدة مككن السككماء‪ ,‬قككال‪ :‬فنزلككت‬
‫الملئكة بالمائدة يحملونها‪ ,‬عليها سككبعة أحككوات‪ ,‬وسككبعة أرغفككة‪,‬‬
‫حتى وضعتها بين أيديهم‪ ,‬فأكككل منهككا آخكر النكاس كمككا أككل منهكا‬
‫أولهم‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا الحسككن بككن قزعككة‬
‫الباهلي‪ ,‬حدثنا سفيان بن حبيب‪ ,‬حدثنا سعيد بن أبككي عروبككة عككن‬
‫قتادة عن خلس‪ ,‬عن عمار بن ياسر‪ ,‬عن النبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال‪ :‬نزلت المائدة من السماء عليها خبز ولحم‪ ,‬وأمروا أن‬
‫ل يخونوا ول يرفعوا لغد‪ ,‬فخانوا وادخروا ورفعوا‪ ,‬فمسككخوا قككردة‬
‫وخنازير‪ ,‬وكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن قزعة‪ ,‬ثم رواه ابككن‬
‫جرير عن ابن بشار‪ ,‬عن ابن أبي عدي‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫جلس‪ ,‬عن عمار قال‪ :‬نزلت المائدة وعليها ثمر من ثمككار الجنككة‪,‬‬
‫فككأمروا أن ل يخونككوا ول يخبككأوا ول يككدخروا‪ ,‬قككال‪ :‬فخككان القككوم‬
‫وخبكككككأوا وادخكككككروا‪ ,‬فمسكككككخهم اللكككككه قكككككردة وخنكككككازير‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن المثنى‪ ,‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬حدثنا داود‬
‫عن سماك بن حرب‪ ,‬عن رجل من بني عجل‪ ,‬قككال‪ :‬صككليت إلككى‬
‫جانب عمار بن ياسر‪ ,‬فلما فرغ قال‪ :‬هل تككدري كيككف كككان شككأن‬
‫مائدة بني إسرائيل ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬إنهم سألوا عيسككى بككن‬
‫مريم مائدة يكون عليها طعككام يككأكلون منككه ل ينفككد‪ ,‬قككال‪ :‬فقيككل‬
‫لهم‪ :‬فإنها مقيمكة لككم مكا لكم تخبكأوا أو تخونكوا أو ترفعكوا‪ ,‬فكإن‬
‫فعلتم فإني معذبكم عذابا ً ل أعذبه أحدا ً من العككالمين‪ .‬قككال‪ :‬فمككا‬
‫مضى يومهم حتى خبأوا ورفعوا وخككانوا‪ ,‬فعككذبوا عككذابا ً لككم يعككذبه‬
‫‪554‬‬
‫أحد من العالمين‪ .‬وإنكم يا معشر العرب كنتم تتبعون أذناب البل‬
‫والشاء‪ ,‬فبعككث اللككه فيكككم رسككول ً مككن أنفسكككم تعرفككون حسككبه‬
‫ونسبه‪ ,‬وأخبركم أنكم ستظهرون على العجم‪ ,‬ونهككاكم أن تكنككزوا‬
‫الذهب والفضة‪ ,‬وايم الله ل يذهب الليككل والنهككار حككتى تكنزوهمككا‬
‫ويعذبكم الله عككذابا ً أليمكًا‪ .‬وقككال‪ :‬حككدثنا القاسككم‪ ,‬حككدثنا حسككين‪,‬‬
‫حككدثني حجككاج عككن أبككي معشككر‪ ,‬عككن إسككحاق بككن عبككد اللككه أن‬
‫المائدة‪ ,‬نزلت على عيسى بن مريم‪ ,‬عليها سبعة أرغفككة‪ ,‬وسككبعة‬
‫أحوات‪ ,‬يأكلون منها ما شاؤوا‪ .‬قال‪ :‬فسرق بعضككهم منهككا وقككال‪:‬‬
‫لعلهككككككككككككككا ل تنككككككككككككككزل غككككككككككككككدًا‪ ,‬فرفعككككككككككككككت‪.‬‬
‫وقال العككوفي عككن ابككن عبككاس‪ :‬نككزل علككى عيسككى ابككن مريككم‬
‫والحواريين خوان عليه خبز وسككمك‪ ,‬يككأكلون منككه أينمككا نزلككوا إذا‬
‫شاؤوا‪ .‬وقال خصيف‪ ,‬عن عكرمة ومقسم‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬كانت‬
‫المائدة سمكة وأرغفة‪ ,‬وقال مجاهد‪ :‬هو طعام كان ينككزل عليهككم‬
‫حيث نزلوا‪ .‬وقال أبو عبد الرحمن السلمي‪ :‬نزلككت المككائدة خككبزا ً‬
‫وسمكًا‪ .‬وقال عطية العوفي‪ :‬المائدة سمك فيه طعم كل شككيء‪.‬‬
‫وقال وهب بن منبه‪ :‬أنزلها الله من السككماء علككى بنككي إسككرائيل‪,‬‬
‫فكان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المككائدة مككن ثمككار الجنككة‪,‬‬
‫فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى‪ ,‬فكان يقعد عليهككا أربعككة آلف‪,‬‬
‫وإذا أكلوا أنزل الله مكان ذلك لمثلهم‪ ,‬فلبثوا على ذلككك مككا شككاء‬
‫الله عز وجل‪ .‬وقال وهب بن منبه‪ :‬نزل عليهم قرصكة مككن شككعير‬
‫وأحوات‪ ,‬وحشا الله بين أضعافهن البركة‪ ,‬فكان قككوم يككأكلون ثككم‬
‫يخرجككون‪ ,‬ثككم يجيككء آخككرون فيككأكلون ثككم يخرجككون‪ ,‬حككتى أكككل‬
‫جميعهكككككككككككككككككككككككككككككككككم وأفضكككككككككككككككككككككككككككككككككلوا‪.‬‬
‫وقال العمش‪ ,‬عن مسلم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ :‬أنزل عليهككا كككل‬
‫شيء إل اللحم‪ .‬وقال سفيان الثوري‪ ,‬عن عطاء بن السككائب عككن‬
‫زاذان وميسككرة وجريككر‪ ,‬عككن عطككاء‪ ,‬عككن ميسككرة‪ ,‬قككال‪ :‬كككانت‬
‫المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليها اليدي بكل طعام‬
‫إل اللحم وعن عكرمة‪ :‬كان خبز المائدة من الرز‪ ,‬رواه ابككن أبككي‬
‫حكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاتم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا جعفر بن علي فيما كتب إلككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫إسماعيل بن أبي أويس‪ ,‬حدثني أبككو عبككد اللككه عبككد القككدوس بككن‬
‫إبراهيم بن أبي عبيد اللكه بككن مككرداس العبككدري مكولى بنكي عبكد‬
‫‪555‬‬
‫الدار‪ ,‬عن إبراهيم بن عمر‪ ,‬عن وهب بن منبككه‪ ,‬عككن أبككي عثمككان‬
‫النهدي‪ ,‬عن سلمان الخير‪ ,‬أنه قال‪ :‬لما سككأل الحواريككون عيسككى‬
‫ابن مريم المائدة‪ ,‬كره ذلك جدًا‪ ,‬فقككال‪ :‬اقنعككوا بمككا رزقكككم اللككه‬
‫في الرض‪ ,‬ول تسألوا المائدة من السماء‪ ,‬فإنها إن نزلت عليكككم‬
‫كانت آية من ربكم‪ ,‬وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية فابتلوا‬
‫بها حتى كان بوارهم فيها‪ ,‬فأبوا إل أن يكأتيهم بهككا‪ ,‬فلككذلك }قككالوا‬
‫لية‪ ,‬فلما رأى عيسى أن قككد‬ ‫نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا{ ا َ‬
‫أبوا إل أن يدعو لهم بها‪ ,‬قام فألقى عنه الصككوف‪ ,‬ولبككس الشككعر‬
‫السود‪ ,‬وجبة من شككعر‪ ,‬وعبككاءة مككن شككعر‪ ,‬ثككم توضككأ واغتسككل‪,‬‬
‫ودخل مصلة فصلى ما شاء الله‪ ,‬فلما قضككى صككلته‪ ,‬قككام قائم كا ً‬
‫مسككتقبل القبلككة‪ ,‬وصككف قككدميه حككتى اسككتويا‪ ,‬فألصككق الكعككب‬
‫بالكعب وحاذى الصابع‪ ,‬ووضككع يككده اليمنككى علككى اليسككرى فككوق‬
‫صدره‪ ,‬وغككض بصككره‪ ,‬وطأطككأ رأسككه خشككوعًا‪ ,‬ثككم أرسككل عينيككه‬
‫بالبكاء‪ ,‬فما زالت دموعه تسيل على خككديه وتقطككر مككن أطككراف‬
‫لحيته حتى ابتلت الرض حيال وجهه من خشوعه‪ ,‬فلمككا رأى ذلككك‬
‫دعا الله فقال‪} :‬اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السككماء{ فككأنزل‬
‫الله عليهم سفرة حمراء بيككن غمككامتين‪ :‬غمامككة فوقهككا‪ ,‬وغمامككة‬
‫ضككة مككن فلككك السككماء‬ ‫تحتها‪ ,‬وهم ينظرون إليهككا فككي الهككواء منق ّ‬
‫تهوي إليهم‪ ,‬وعيسى يبكي خوفا ً من أجككل الشككروط الككتي أخككذها‬
‫الله عليهم فيها‪ ,‬أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابا ً لككم‬
‫يعذبه أحدا ً من العالمين‪ ,‬وهو يدعو الله في مكانه ويقككول‪ :‬اللهككم‬
‫اجعلها رحمة لهم‪ ,‬ول تجعلها عذابًا‪ ,‬إلهي كككم مككن عجيبككة سككألتك‬
‫فأعطيتني‪ ,‬إلهي اجعلنا لك شاكرين‪ ,‬اللهم إني أعوذ بك أن تكون‬
‫أنزلتها غضبا ً ورجزًا‪ ,‬إلهي اجعلها سلمة وعافية‪ ,‬ول تجعلهككا فتنككة‬
‫ومثلة‪ .‬فما زال يكدعو حككتى اسكتقرت السكفرة بيككن يكدي عيسكي‬
‫والحواريين وأصحابه حككوله يجككدون رائحككة طيبككة لككم يجككدوا فيمككا‬
‫مضى رائحة مثلها قط‪ ,‬وخر عيسى والحواريون لله سجدا ً شكككرا ً‬
‫له لما رزقهم من حيث لم يحتسبوا‪ ,‬وأراهم فيه آية عظيمككة ذات‬
‫عجب وعبرة‪ ,‬وأقبلت اليهود ينظرون‪ ,‬فككرأوا أمككرا ً عجيبكا ً أورثهككم‬
‫كمدا ً وغمًا‪ ,‬ثم انصرفوا بغيظ شككديد‪ ,‬وأقبككل عيسككى والحواريككون‬
‫وأصحابه حتى جلسوا حككول السككفرة‪ ,‬فككإذا عليهككا منككديل مغطككى‬
‫فقال عيسى‪ :‬من أجرؤنا على كشف المنديل عن هككذه السككفرة‪,‬‬
‫‪556‬‬
‫لية حتى‬ ‫وأوثقنا بنفسه وأحسننا بلء عند ربه‪ .‬فليكشف عن هذه ا َ‬
‫نراها‪ ,‬ونحمد ربنا‪ ,‬ونذكر باسمه‪ ,‬ونأكل من رزقككه الككذي رزقنككا ؟‬
‫فقال الحواريون‪ :‬يا روح اللككه وكلمتككه‪ ,‬أنككت أولنككا بككذلك‪ ,‬وأحقنككا‬
‫بالكشف عنها‪ ,‬فقام عيسى عليه السلم واستأنف وضوءا ً جديككدًا‪,‬‬
‫ل‪ ,‬ودعككا‬‫ثم دخل مصله‪ ,‬فصلى كذلك ركعات‪ ,‬ثم بكى بكككاء طككوي ً‬
‫الله أن يأذن له في الكشف عنها‪ ,‬ويجعل لككه ولقككومه فيهككا بركككة‬
‫ورزقًا‪ ,‬ثم انصرف وجلس إلككى السككفرة وتنككاول المنككديل‪ ,‬وقككال‪:‬‬
‫بسم الله خيككر الرازقيككن‪ ,‬وكشككف عككن السككفرة‪ ,‬فككإذا هككو عليهككا‬
‫بسمكة ضككخمة مشككوية‪ ,‬ليككس عليهككا بواسككير‪ ,‬ليككس فككي جوفهككا‬
‫ضد َ بها بقول من كككل صككنف‬ ‫شوك‪ ,‬يسيل السمن منها سي ً‬
‫ل‪ ,‬قد ن ُ ّ‬
‫غير الكراث‪ ,‬وعند رأسكها خكل‪ ,‬وعنكد ذنبهكا ملكح‪ ,‬وحكول البقكول‬
‫لخر تمرات‪ ,‬وعلككى‬ ‫خمسة أرغفة‪ ,‬على واحد منها زيتون‪ ,‬وعلى ا َ‬
‫لخر خمس رمانات‪ ,‬فقال شمعون رأس الحككواريين لعيسككى‪ :‬يككا‬ ‫ا َ‬
‫روح الله وكلمته‪ ,‬أمن طعككام الككدنيا هككذا‪ ,‬أم مككن طعككام الجنككة ؟‬
‫ليككات وتنتهككوا‬‫فقال عيسى‪ :‬أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من ا َ‬
‫عن تنقير المسككائل ؟ مككا أخككوفني عليكككم أن تعككاقبوا فككي سككبب‬
‫لية ؟ فقال له شمعون‪ :‬ل وإله إسرائيل ما أردت بهككا‬ ‫نزول هذه ا َ‬
‫سؤال ً يا ابن الصديقة‪ ,‬فقال عيسى عليه السلم‪ :‬ليس شيء مما‬
‫ترون من طعام الدنيا ول من طعام الجنة‪ ,‬إنما هكو شكيء ابتكدعه‬
‫الله في الهواء بالقدرة الغالبة القاهرة‪ ,‬فقال له‪ :‬كن فكان أسرع‬
‫من طرفة عين‪ ,‬فكلوا مما سألتم باسم الله واحمدوا عليه ربكككم‪,‬‬
‫يمدكم منه ويزدكم‪ ,‬فإنه بككديع قككادر شككاكر‪ ,‬فقككالوا‪ :‬يككا روح اللككه‬
‫ليككة‪ ,‬فقككال عيسككى‪:‬‬ ‫وكلمته‪ ,‬إنا نحب ان يرينا الله آية فككي هككذه ا َ‬
‫لية حتى تسككألوا فيهككا‬ ‫سبحان الله أما اكتفيتم بما رأيتم من هذه ا َ‬
‫آية أخرى ؟ ثم أقبل عيسى عليه السلم على السمكة‪ ,‬فقككال‪ :‬يككا‬
‫سككمكة عكودي بككإذن اللكه حيكة كمككا كنكت‪ ,‬فأحياهكا اللكه بقككدرته‪,‬‬
‫فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية‪ ,‬تلمظ كما يتلمظ السككد‪,‬‬
‫تدور عيناها‪ ,‬لها بصيص‪ ,‬وعادت عليها بواسيرها‪ ,‬ففزع القوم منها‬
‫وانحازوا‪ ,‬فلما رأى عيسى منهم ذلك قال‪ :‬ما لكككم تسككألون ا َ‬
‫ليككة‬
‫فإذا أراكموها ربكم كرهتموها ؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بمككا‬
‫تصنعون‪ ,‬يا سمكة عودي بإذن الله كما كنككت‪ ,‬فعككادت بككإذن اللككه‬
‫مشوية كما كانت في خلقها الول‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا عيسى كككن أنككت يككا‬
‫‪557‬‬
‫روح الله الذي تبدأ بالكل منها ثم نحن بعككد‪ ,‬فقككال عيسككى‪ :‬معككاذ‬
‫اللككه مككن ذلككك‪ ,‬يبككدأ بالكككل مككن طلبهككا‪ ,‬فلمككا رأى الحواريككون‬
‫وأصحابه امتناع عيسى منها‪ ,‬خافوا أن يكون نزولها سكخطة وفكي‬
‫أكلها مثلة‪ ,‬فتحاموها‪ ,‬فلما رأى ذلك عيسى منهم دعا لها الفقراء‬
‫والزمنى وقال‪ :‬كلوا من رزق ربكم ودعككوة نككبيكم‪ ,‬واحمككدوا اللككه‬
‫الككذي أنزلهككا لكككم فيكككون مهنؤهككا لكككم وعقوبتهككا علككى غيركككم‪,‬‬
‫وافتتحوا أكلكم باسم الله واختموه بحمد الله‪ ,‬ففعلوا فأكككل منهككا‬
‫ألف وثلثمائة إنسان بين رجل وامككرأة‪ ,‬يصككدرون عنهككا كككل واحككد‬
‫منهم شككبعان يتجشككأ‪ ,‬ونظككر عيسككى والحواريككون فككإذا مككا عليهككا‬
‫كهيئته إذ نزلت من السماء لم ينقص منها شيء‪ ,‬ثككم إنهككا رفعككت‬
‫إلى السماء وهم ينظرون‪ ,‬فا ستغنى كل فقير أكل منهككا‪ ,‬وبرىككء‬
‫كل زمن أكل منها‪ ,‬فلككم يزالككوا أغنيككاء أصككحاء حككتى خرجككوا مككن‬
‫الدنيا‪ ,‬وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامككة‬
‫سككالت منهككا أشككفارهم‪ ,‬وبقيككت حسككرتها فككي قلككوبهم إلككى يككوم‬
‫الممات‪ ,‬قال‪ :‬وكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبل بنو إسرائيل‬
‫إليها يسعون من كل مكان يزاحم بعضهم بعضًا‪ ,‬الغنياء والفقراء‪,‬‬
‫والصغار والكبار‪ ,‬والصحاء والمرضى‪ ,‬يركب بعضهم بعض كًا‪ ,‬فلمككا‬
‫رأى ذلك جعلها نوبا ً بينهم تنزل يوما ً ول تنككزل يوم كًا‪ ,‬فلبثككوا علككى‬
‫ى‪ ,‬فل تككزال‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ذلك أربعين يوما تنزل عليهم غب كا عنككد ارتفككاع الضككح َ‬
‫موضوعة يؤكل منها حتى إذا قاموا‪ ,‬ارتفعت عنهم إلى جو السماء‬
‫بإذن الله‪ ,‬وهم ينظرون إلى ظلها في الرض حتى تتوارى عنهككم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأوحى الله إلى نبيه عيسى عليه السككلم‪ :‬أن اجعككل رزقككي‬
‫في المائدة للفقراء واليتامى‪ ,‬والزمنى دون الغنيككاء مككن النككاس‪,‬‬
‫وغمطوا ذلك حتى شكوا فيها في أنفسهم‪ ,‬وشككوا فيهككا النككاس‪,‬‬
‫وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر‪ ,‬وأدرك الشيطان منهككم حككاجته‬
‫وقذف وسواسه في قلوب الربانيين حككتى قككالوا لعيسككى‪ ,‬أخبرنككا‬
‫عن المائدة ونزولها من السماء أحق‪ ,‬فإنه قد ارتاب بها منا بشككر‬
‫كثير ؟ فقال عيسى عليككه السككلم‪ :‬هلكتككم وإلككه المسككيح‪ ,‬طلبتككم‬
‫المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم‪ ,‬فلما أن فعل وأنزلهككا‬
‫ليكات والعكبر‪ ,‬كككذبتم بهككا‪,‬‬‫عليكم رحمة لكم ورزقًا‪ ,‬وأراكم فيهككا ا َ‬
‫وشككتم فيها‪ ,‬فأبشروا بالعككذاب فككإنه نككازل بكككم إل أن يرحمكككم‬
‫الله‪ ,‬فأوحى الله إلى عيسى‪ :‬إني آخكذ المكككذبين بشككرطي فككإني‬
‫‪558‬‬
‫معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا ً ل أعذبه أحككدا ً مككن‬
‫العالمين‪ .‬قال‪ :‬فلما أمسى المرتابون بها وأخككذوا مضككاجعهم فككي‬
‫أحسككن صككورة مككع نسككائهم آمنيككن‪ ,‬فلمككا كككان فككي آخككر الليككل‪,‬‬
‫مسخهم الله خنازير‪ ,‬فأصبحوا يتبعون القذار في الكناسات‪ ,‬هككذا‬
‫أثر غريب جدًا‪ ,‬قطعه ابن أبي حاتم في مواضع من هككذه القصككة‪,‬‬
‫وقد جمعته أنا ليكون سكياقه أتكم وأكمكل‪ ,‬واللكه سكبحانه وتعكالى‬
‫لثككار دالكة علككى أن المككائدة نزلككت علككى بنككي‬ ‫أعلككم‪ .‬وكككل هككذه ا َ‬
‫إسرائيل أيام عيسى بن مريم‪ ,‬إجابككة مككن اللككه لككدعوته‪ ,‬كمككا دل‬
‫على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيككم }قككال اللككه إنككي‬
‫منزلهكككككككككككككككككككككا عليككككككككككككككككككككككم{ ا َ‬
‫ليكككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقد قال قائلون‪ :‬إنها لم تنزل‪ ,‬فروى ليككث بككن أبككي سككليم عككن‬
‫مجاهد في قوله‪ :‬أنزل علينا مككائدة مككن السككماء‪ ,‬قككال‪ :‬هككو مثككل‬
‫ضربه الله ولم ينزل شيء‪ ,‬رواه ابن أبككي حككاتم وابككن جريككر‪ ,‬ثككم‬
‫قال ابن جرير‪ :‬حدثنا الحارث‪ ,‬حدثنا القاسم هو ابن سككلم‪ ,‬حككدثنا‬
‫حجاج عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد قككال‪ :‬مككائدة عليهككا طعككام أبوهككا‬
‫حين عرض عليهم العذاب إن كفروا‪ ,‬فأبوا أن تنزل عليهككم‪ ,‬وقككال‬
‫أيضًا‪ :‬حدثنا ابن المثنى‪ ,‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬حككدثنا شككعبة عككن‬
‫منصور بن زاذان عن الحسن أنه قال في المائدة‪ :‬إنها لككم تنككزل‪,‬‬
‫وحدثنا بشر‪ ,‬حدثنا يزيد‪ ,‬حدثنا سعيد عن قتادة قال‪ :‬كان الحسككن‬
‫يقول لما قيل لهم }فمن يكفككر بعككد منكككم فككإني أعككذبه عككذابا ً ل‬
‫أعذبه أحدا ً من العالمين{ قالوا‪ :‬ل حاجة لنا فيها فلم تنزل‪ ,‬وهككذه‬
‫أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن‪ ,‬وقككد يتقككوى ذلككك بككأن خككبر‬
‫المائدة ل يعرفه النصارى‪ ,‬وليس هو فككي كتككابهم‪ ,‬ولككو كككانت قككد‬
‫نزلككت لكككان ذلككك ممككا تككوفر الككدواعي علككى نقلككه‪ ,‬وكككان يكككون‬
‫لحاد‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬ولكككن‬ ‫موجودا ً في كتابهم متواترًا‪ ,‬ول أقل من ا َ‬
‫الذي عليه الجمهور أنها نزلت‪ ,‬وهو الذي اختاره ابن جريككر‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫لن الله تعالى أخبر بنزولها في قوله تعالى }إنككي منزلهككا عليكككم‬
‫فمككن يكفككر بعككد منكككم فككإني أعككذبه عككذابا ً ل أعككذبه أحككدا ً مككن‬
‫العالمين{ قال‪ :‬ووعد الله ووعيده حق وصدق‪ ,‬وهذا القول هككو ك ك‬
‫لثككار عككن السككلف‬ ‫والله أعلم ك الصواب كما دلت عليككه الخبككار وا َ‬
‫وغيرهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫‪559‬‬
‫وقد ذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصككير نككائب بنككي أميككة فككي‬
‫للىء وأنككواع‬ ‫فتوح بلد المغرب‪ ,‬وجد المككائدة هنالككك مرصككعة بككال َ‬
‫الجواهر‪ ,‬فبعث بها إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملككك بككاني‬
‫جامع دمشق‪ ,‬فمات وهي في الطريق‪ ,‬فحملت إلى أخيه سليمان‬
‫بن عبد الملك الخليفة بعده‪ ,‬فرآها الناس فتعجبوا منها كككثيرا ً لمككا‬
‫فيها مككن اليككواقيت النفيسككة والجككواهر اليتيمككة‪ ,‬ويقككال‪ :‬إن هككذه‬
‫المائدة كانت لسليمان بن داود عليهما السلم‪ ,‬فككالله أعلككم‪ .‬وقككد‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬حدثنا سفيان عن سلمة بككن‬
‫كهيل عن عمران بن الحكم‪ ,‬عن ابن عبككاس قككال‪ :‬قككالت قريككش‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ادع لناربك أن يجعل لنا الصككفا ذهب كا ً‬
‫ونؤمن بك‪ .‬قال »وتفعلون ؟« قالوا نعم‪ .‬قال فدعا‪ ,‬فأتاه جبريككل‬
‫فقال‪ :‬إن ربك يقرأ عليك السلم ويقول لك‪ :‬إن شئت أصبح لهككم‬
‫الصفا ذهبًا‪ ,‬فمن كفر منهم بعد ذلك عككذبته عككذابا ً ل أعككذبه أحككدا ً‬
‫من العالمين‪ ,‬وإن شئت فتحككت لهككم بككاب التوبككة والرحمككة‪ .‬قككال‬
‫»بل باب التوبة والرحمة« ثم رواه أحمد وابككن مردويككه‪ ,‬والحككاكم‬
‫فكككككي مسكككككتدركه مكككككن حكككككديث سكككككفيان الثكككككوري بكككككه‪.‬‬
‫ي‬ ‫ُ‬ ‫خك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل الل ّه يِعيسى ابن مريم أ َ َ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫مك َ‬ ‫ذوِني وَأ ّ‬ ‫س ات ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫قل‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫س‬ ‫مككا ل َْيكك َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن أ َُقو َ‬ ‫يأ ْ‬
‫كون ل ِ َ‬
‫ما ي َ ُ ُ َ‬ ‫ك َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ل ُ‬ ‫ن الل ّهِ َقا َ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫إ َِلـهَي ْ‬
‫َ‬
‫مككا‬ ‫م َ‬ ‫سي وَل َ أعْل َ ُ‬ ‫ما ِفي ن َْف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ت َعْل َ ُ‬ ‫مت َ ُ‬‫ه فََقد ْ عَل ِ ْ‬ ‫ت قُل ْت ُ ُ‬ ‫كن ُ‬ ‫حقّ ِإن ُ‬ ‫ِلي ب ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مْرت َِني ب ِ ِ‬ ‫مآ أ َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ما قُل ْ ُ‬ ‫ب* َ‬ ‫م ال ْغُُيو ِ‬ ‫ت عَل ّ ُ‬ ‫ك أن َ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬‫س َ‬ ‫ِفي ن َْف ِ‬
‫َ‬
‫ما‬‫م فَل َ ّ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما د ُ ْ‬ ‫شِهيدا ً ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كن ُ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شكِهيد ٌ *‬ ‫يٍء َ‬ ‫شك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كك ّ‬ ‫ى ُ‬‫ت عَلك ََ‬ ‫م وَأنك َ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ت الّرِقي َ‬ ‫ت أن َ‬ ‫كن َ‬ ‫ت َوَفّي ْت َِني ُ‬
‫م‬‫كي ك ُ‬‫ح ِ‬ ‫زي كُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن َ‬ ‫م فَإ ِن ّ َ‬ ‫ك وَِإن ت َغِْفْر ل َهُ ْ‬ ‫عَباد ُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ِإن ت ُعَذ ّب ْهُ ْ‬
‫هذا أيضا ً مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسككى ابككن مريككم‬
‫عليه السلم قائل ً له يوم القيامة بحضرة مككن اتخككذه وأمككه إلهيككن‬
‫من دون الله }يا عيسى ابككن مريككم أأنككت قلككت للنككاس اتخككذوني‬
‫وأمي إلهين من دون الله{ وهذا تهديككد للنصككارى وتوبيككخ وتقريككع‬
‫على رؤوس الشهاد‪ ,‬هكذا قاله قتادة وغيره‪ ,‬واستدل قتادة على‬
‫ذلككك بقككوله تعككالى‪} :‬هككذا يككوم ينفككع الصككادقين صككدقهم{ وقككال‬
‫السدي‪ :‬هذا الخطاب والجواب في الدنيا‪ ,‬وصوبه ابن جرير قككال‪:‬‬
‫وكان ذلك حين رفعه إلى سماء الدنيا واحتج ابن جرير علككى ذلككك‬
‫بمعنيين )أحدهما( أن الكلم بلفظ المضي‪) .‬والثككاني( قككوله‪} :‬إن‬
‫‪560‬‬
‫تعذبهم{ و }وإن تغفر لهم{ وهذان الدليلن فيهما نظر‪ ,‬لن كثيرا ً‬
‫مككن أمككور يككوم القيامككة ذكككر بلفككظ المضككي ليككدل علككى الوقككوع‬
‫والثبوت‪ .‬ومعنى قوله }إن تعذبهم فككإنهم عبككادك{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬التككبري‬
‫منهم‪ ,‬ورد المشيئة فيهم إلى الله‪ ,‬وتعليككق ذلككك علككى الشككرط ل‬
‫ليات‪ ,‬والكذي قكاله قتكادة‬ ‫يقتضي وقوعه كما في نظائر ذلك من ا َ‬
‫وغيره هو الظهر‪ ,‬والله أعلككم‪ ,‬أن ذلككك كككائن يككوم القيامككة ليككدل‬
‫على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الشهاد يوم‬
‫القيامككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقد روي بذلك حديث مرفككوع‪ ,‬رواه الحككافظ ابككن عسككاكر فككي‬
‫ترجمة أبي عبد الله مولى عمر بن عبد العزيز‪ ,‬وكككان ثقككة‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيككه أبككي موسككى‬
‫الشعري قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم »إذا كككان‬
‫يوم القيامة‪ ,‬دعي بالنبياء وأممهم‪ ,‬ثم يدعى بعيسى فيذكره اللككه‬
‫نعمته عليه فيقّر بها‪ ,‬فيقول }يا عيسككى ابككن مريككم اذكككر نعمككتي‬
‫لية‪ ,‬ثم يقول }أأنت قلت للناس اتخككذوني‬ ‫عليك وعلى والدتك{ ا َ‬
‫وأمي إلهيككن مككن دون اللككه{ فينكككر أن يكككون قككال ذلككك‪ ,‬فيككؤتى‬
‫بالنصارى فيسألون فيقولون‪ :‬نعم هو أمرنككا بككذلك‪ .‬قككال‪ :‬فيطككول‬
‫شعر عيسى عليه السلم فيأخذ كل ملك من الملئكة بشعرة من‬
‫شعر رأسه وجسده‪ ,‬فيجاثيهم بين يدي الله عز وجل مقككدار ألككف‬
‫عام حتى ترفع عليهم الحجة‪ ,‬ويرفع لهككم الصككليب‪ ,‬وينطلككق بهككم‬
‫إلكككككككى النكككككككار« وهكككككككذا حكككككككديث غريكككككككب عزيكككككككز‪.‬‬
‫وقوله }سبحانك ما يكون لي أن أقول مككاليس لككي بحككق{ هككذا‬
‫توفيق للتأدب في الجواب الكامل‪ ,‬كما قال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا‬
‫أبي‪ ,‬حدثنا ابن أبي عمر‪ ,‬حدثنا سفيان عككن عمككرو‪ ,‬عككن طككاوس‪,‬‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬ي ُل َّقى عيسى حجتككه‪ ,‬ولقككاه اللككه تعككالى فككي‬
‫قككوله }وإذ قككال اللككه يككا عيسككى ابككن مريككم أأنككت قلككت للنككاس‬
‫اتخذوني وأمي إلهين من دون الله{ قككال أبككو هريككرة‪ ,‬عككن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬فلقاه الله }سبحانك ما يكون لي أن أقول‬
‫ليككة‪ ,‬وقككد رواه الثككوري عككن معمككر‪,‬‬ ‫ما ليس لي بحق{ إلى آخر ا َ‬
‫عكككككككن ابكككككككن طكككككككاوس‪ ,‬عكككككككن طكككككككاوس بنحكككككككوه‪.‬‬
‫وقوله }إن كنت قلته فقد علمتككه{ أي إن كككان صككدر منككي هككذا‬
‫فقد علمته يا رب‪ ,‬فإنه ل يخفى عليك شيء‪ ,‬فمككا قلتككه ول أردتككه‬
‫‪561‬‬
‫في نفسي ول أضمرته‪ ,‬ولهذا قال }تعلم ما في نفسككي ول أعلككم‬
‫ما في نفسك إنك أنت علم الغيوب * ما قلت لهم إل مكا أمرتنكي‬
‫به{ بإبلغه }أن اعبدوا الله ربي وربكم{ أي مككا دعككوتهم إل إلككى‬
‫الذي أرسلتني به وأمرتني بإبلغه }أن اعبدوا اللككه ربككي وربكككم{‬
‫أي هذا هو الذي قلت لهم‪ .‬وقوله }وكنت عليهم شهيدا ً مككا دمككت‬
‫فيهم{ أي كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم }فلما‬
‫توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنككت علككى كككل شككيء شككهيد{‬
‫قال أبو داود الطيالسي‪ :‬حدثنا شعبة قككال‪ :‬انطلقككت أنككا وسككفيان‬
‫الثوري إلى المغيرة بن النعمان‪ ,‬فككأملى علككى سككفيان وأنككا معككه‪,‬‬
‫فلما قام انتسخت من سفيان فحدثنا قال‪ :‬سمعت سعيد بن جبير‬
‫يحدث عن ابن عباس قال‪ :‬قام فينا رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم بموعظة فقال »يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عز‬
‫وجل حفككاة‪ ,‬عككراة‪ ,‬غككرل ً }كمككا بككدأنا أول خلككق نعيككده{ وإن أول‬
‫الخلئق يكسى يوم القيامة إبراهيم‪ ,‬أل وإنه يجاء برجال من أمتي‬
‫فيؤخذ بهم ذات الشمال‪ ,‬فأقول‪ :‬أصحابي‪ ,‬فيقال‪ :‬إنك ل تدري ما‬
‫أحدثوا بعدك‪ ,‬فأقول كما قال العبد الصالح }وكنت عليهم شككهيدا ً‬
‫ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهككم وأنككت علككى‬
‫كل شيء شهيد * إن تعذبهم فككإنهم عبككادك وإن تغفككر لهكم فإنكك‬
‫أنت العزيز الحكيككم{ فيقككال‪ :‬إن هككؤلء لككم يزالككوا مرتككدين علككى‬
‫ليككة عككن أبككي‬ ‫أعقابهم منذ فككارقتهم« ورواه البخككاري عنككد هككذه ا َ‬
‫الوليد‪ ,‬عن شككعبة‪ ,‬وعككن محمككد بككن كككثير‪ ,‬عككن سككفيان الثككوري‪,‬‬
‫كلهمككككككككا عكككككككن المغيكككككككرة بكككككككن النعمككككككككان بكككككككه‪.‬‬
‫وقوله }إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز‬
‫الحكيم{ هذا الكلم يتضمن رد المشيئة إلى الله عككز وجككل‪ ,‬فككإنه‬
‫الفعككال لمككا يشككاء‪ ,‬الككذي ل يسككأل عمككا يفعككل‪ ,‬وهككم يسككألون‪,‬‬
‫ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وعلى رسوله‪,‬‬
‫وجعلوا لله ندا ً وصاحبة وولدًا‪ ,‬تعالى الله عما يقولون علوا ً كككبيرًا‪,‬‬
‫لية لها شأن عظيم‪ ,‬ونبأ عجيب‪ ,‬وقد ورد في الحككديث‪ :‬أن‬ ‫وهذه ا َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قككام بهككا ليلككة حككتى الصككباح يرددهككا‪.‬‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا محمد بن فضيل‪ ,‬حدثني فليت العامري‪,‬‬
‫عن جسرة العامرية‪ ,‬عن أبي ذر رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬صلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ذات ليلة‪ ,‬فقرأ بآية حككتى أصككبح‪ ,‬يركككع بهككا‬
‫‪562‬‬
‫ويسجد بها }إن تعذبهم فكإنهم عبكادك وإن تغفكر لهكم فإنكك أنكت‬
‫العزيز الحكيم{ فلما أصبح‪ ,‬قلت‪ :‬يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه‬
‫لية‪ ,‬حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها ؟ قال »إنكي سكألت ربكي‬ ‫ا َ‬
‫عز وجل الشفاعة لمتي فأعطانيها‪ ,‬وهي نائلة إن شاء اللككه لمككن‬
‫ل يشككككككككككككككككككككرك بككككككككككككككككككككالله شككككككككككككككككككككيئًا«‪.‬‬
‫)طريق أخرى وسياق آخر( ك ك قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا يحيككى‪,‬‬
‫حدثنا قدامة بن عبد الله‪ ,‬حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت‬
‫معتمرة‪ ,‬فانتهت إلى الربذة‪ ,‬فسمعت أبككا ذر يقككول‪ :‬قككام رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسكلم ليلكة مكن الليكالي فكي صكلة العشكاء‪,‬‬
‫فصلى بالقوم‪ ,‬ثم تخلف أصككحاب لككه يصككلون‪ ,‬فلمككا رأى قيككامهم‬
‫وتخلفهم‪ ,‬انصرف إلى رحله‪ ,‬فلما رأى القكوم قكد أخلكوا المككان‪,‬‬
‫ي بيمينككه‪,‬‬‫رجع إلى مكانه يصككلي‪ ,‬فجئت فقمككت خلفككه‪ ,‬فأومككأ إلك ّ‬
‫فقمت عن يمينه‪ ,‬ثم جاء ابن مسعود فقام خلفككي وخلفككه‪ ,‬فأومككأ‬
‫إليه بشماله فقام عن شماله‪ ,‬فقمنا ثلثتنا‪ .‬يصككلي كككل واحككد منككا‬
‫بنفسه‪ ,‬ونتلو من القككرآن مككا شككاء اللككه أن نتلككو‪ ,‬وقككام بآيككة مككن‬
‫القرآن يرددها حتى صلى الغداة‪ ,‬فلمككا أصككبحنا أومككأت إلككى عبككد‬
‫الله بن مسعود‪ ,‬أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحككة‪ ,‬فقككال ابككن‬
‫ي‪ ,‬فقلككت‪ :‬بككأبي‬ ‫مسعود بيده‪ :‬ل أسأله عن شيء‪ ,‬حتى يحدث إل ك ّ‬
‫وأمي‪ ,‬قمت بآية من القككرآن ومككع)القككرآن‪ ,‬لككو فعككل هككذا بعضككنا‬
‫لوجدنا عليه‪ ,‬قال »دعوت لمتي«‪ ,‬قلت‪ :‬فماذا أجبككت أو مككاذا رد‬
‫عليك ؟ قال »أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهككم طلعككة تركككوا‬
‫الصلة« قلت‪ :‬أفل أبشر الناس ؟ قككال »بلككى« فككانطلقت معنقكًا‪,‬‬
‫قريبا ً من قذفة بحجر‪ ,‬فقال عمر‪ :‬يككا رسككول اللككه إنككك إن تبعككث‬
‫إلى الناس بهذا نكلككوا عككن العبككادات‪ ,‬فنككاداه أن »ارجككع« فرجككع‪,‬‬
‫لية }إن تعذبهم فككإنهم عبككادك وإن تغفككر لهككم فإنككك أنككت‬ ‫وتلك ا َ‬
‫العزيز الحكيم{ وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلككى‪,‬‬
‫حدثنا ابن وهب‪ ,‬أخبرني عمرو بككن الحككارث‪ ,‬أن بكككر بككن سككوادة‬
‫حدثه‪ ,‬عن عبد الرحمككن بككن جككبير‪ ,‬عككن عبككد اللكه بككن عمككرو بككن‬
‫العككاص‪ ,‬أن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم تل قككول عيسككى }إن‬
‫تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفكر لهكم فإنكك أنكت العزيكز الحكيكم{‬
‫فرفع يديه‪ ,‬فقال »اللهم أمتي« وبكى‪ ,‬فقال الله‪ :‬يا جبريل اذهب‬
‫إلى محمد ك وربك أعلم ك فاسأله ما يبكيه‪ ,‬فأتككاه جبريككل فسككأله‪,‬‬
‫‪563‬‬
‫فأخبره رسول الله صلى اللكه عليكه وسكلم بمككا قككال وهككو أعلككم‪,‬‬
‫فقال الله‪ :‬يا جبريل اذهب إلككى محمككد فقككل‪ :‬إنككا سنرضككيك فككي‬
‫أمتكككككككككككككككككككككككككككككككككك ول نسكككككككككككككككككككككككككككككككككوؤك‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا حسين قال‪ :‬حدثنا ابن لهيعة‪ ,‬حدثنا ابن‬
‫هبيرة‪ ,‬أنككه سككمع أبككا تميككم الجيشككاني يقككول‪ :‬حككدثني سككعيد بككن‬
‫المسيب‪ ,‬سمعت حذيفة بن اليمان يقول‪ :‬غككاب عنككا رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم يومًا‪ ,‬فلم يخرج حككتى ظننككا أن لككن يخككرج‪,‬‬
‫فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نفسه قد قبضت فيها‪ ,‬فلمككا رفككع‬
‫رأسه قال »إن ربي عز وجل استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم‬
‫؟ فقلت‪ :‬ما شئت أي رب‪ ,‬هم خلقك وعبادك‪ ,‬فاستشارني الثانية‬
‫فقلت له كذلك‪ ,‬فقال لي‪ :‬ل أخزيك في أمتك يا محمد‪ ,‬وبشككرني‬
‫أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفًا‪ ,‬مع كل ألككف‬
‫ي فقككال‪ :‬ادع تجككب‬ ‫سبعون ألفا ً ليس عليهم حساب‪ .‬ثم أرسل إلك ّ‬
‫ي ربككي سككؤلي ؟ فقككال‪ :‬مككا‬ ‫َ‬
‫وسل تعط‪ ,‬فقلكت لرسككوله‪ :‬أَومعطك ّ‬
‫أرسلني إليك إل ليعطيك‪ ,.‬ولقد أعطاني ربي ول فخر‪ ,‬وغفككر لككي‬
‫ما تقدم من ذنبي وما تأخر‪ ,‬وأنا أمشي حيا ً صحيحًا‪ ,‬وأعطككاني أن‬
‫ل تجوع أمتي ول تغلككب‪ ,‬وأعطككاني الكككوثر‪ ,‬وهككو نهككر فككي الجنككة‬
‫يسيل في حوضي‪ ,‬وأعطاني العككز والنصككر والرعككب يسككعى بيككن‬
‫يدي أمتي شهرًا‪ ,‬وأعطاني أني أول النبياء يككدخل الجنككة‪ ,‬وطيككب‬
‫لي ولمتي الغنيمة‪ ,‬وأحل لنا كثيرا ً مما شدد على من قبلنككا‪ ,‬ولككم‬
‫يجعككككككككل علينككككككككا فككككككككي الككككككككدين مككككككككن حككككككككرج«‪.‬‬
‫من‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٌ‬‫م َ‬‫م ل َهُ ْ‬‫صد ْقُهُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫صادِِقي َ‬‫م َينَفعُ ال ّ‬ ‫ذا ي َوْ ُ‬‫هـ َ‬‫ه َ‬‫ل الل ّ ُ‬
‫** َقا َ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫ضكوا ْ عَْنك ُ‬
‫ه ذ َِلك َ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ُْهك ْ‬ ‫ي الّلك ُ‬‫ض َ‬‫ن ِفيَهآ أَبدا ً ّر ِ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬
‫حت َِها الن َْهاُر َ‬
‫تَ ْ‬
‫ى‬ ‫َ‬ ‫مل ْ ُ‬‫م * لل ّهِ ُ‬ ‫ال َْفوُْز ال ْعَ ِ‬
‫ن وَهُوَ عَلكك َ‬ ‫ما ِفيهِ ّ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬‫ك ال ّ‬ ‫ظي ُ‬
‫يٍء َقككككككككككككككككككككككك ِ‬
‫ديٌر‬ ‫شككككككككككككككككككككككك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كككككككككككككككككككككككك ّ‬ ‫ُ‬
‫يقول تعالى مجيبا ً لعبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلم‪,‬‬
‫فيما أنهاه إليه من التبري من النصاري الملحككدين الكككاذبين علككى‬
‫الله وعلى رسوله‪ ,‬ومن رد المشيئة فيهم إلى ربه عز وجل‪ ,‬فعند‬
‫ذلككك يقككول تعككالى‪} :‬هككذا يككوم ينفككع الصككادقين صككدقهم{ قككال‬
‫الضحاك‪ :‬عن ابن عبككاس يقكول‪ :‬يكوم ينفككع الموحككدين توحيكدهم‪,‬‬
‫‪564‬‬
‫}لهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبكدًا{ أي مكاكثين‬
‫فيها ل يحولون ول يزولون‪ ,‬رضي الله عنهم ورضوا عنه كمكا قكال‬
‫لية مككن‬ ‫تعالى‪} :‬ورضوان من الله أكبر{ وسيأتي ما يتعلق بتلك ا َ‬
‫الحديث‪ ,‬وروى ابن أبي حاتم ها هنا حديثا ً عن أنس فقككال‪ :‬حككدثنا‬
‫أبو سعيد الشج‪ ,‬حدثنا المحاربي عن ليث عن عثمان‪ ,‬يعنككي ابككن‬
‫عمير‪ ,‬أخبرنا اليقظان عن أنس مرفوعًا‪ ,‬قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليككه وسككلم فيككه »ثككم يتجلككى لهككم الككرب جككل جللككه‪,‬‬
‫فيقول‪ :‬سلوني سلوني أعطكم ك قال كك فيسككألونه الرضككا فيقككول‬
‫رضاي أحلكم داري‪ ,‬وأنالكم كرامتي فسلوني أعطكم‪ ,‬فيسككألونه‬
‫الرضا ك قال كك فيشكهدهم أنكه قككد رضككي عنهكم سككبحانه وتعكالى‪.‬‬
‫وقوله }ذلك الفوز العظيم{ أي هذا الفوز الكبير الذي ل أعظككم‬
‫منه‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬لمثل هككذا فليعمككل العككاملون{ وكمككا قككال‬
‫}وفي ذلك فليتنافس المتنافسون{ وقوله }للككه ملككك السككموات‬
‫والرض وما فيهككن وهككو علككى كككل شككيء قككدير{ أي هككو الخككالق‬
‫للشياء‪ ,‬المالك لها‪ ,‬المتصرف فيها‪ ,‬القادر عليها‪ ,‬فككالجميع ملكككه‬
‫وتحت فهره وقككدرته‪ ,‬وفككي مشككيئته‪ ,‬فل نظيككر لككه‪ ,‬ول وزيككر‪ ,‬ول‬
‫عديل‪ ,‬ول والد‪ ,‬ول ولد‪ ,‬ولصاحبة‪ ,‬ول إلككه غيككره‪ ,‬ول رب سككواه‪,‬‬
‫قال ابن وهب‪ :‬سمعت حيي بككن عبككد اللككه يحككدث عككن أبككي عبككد‬
‫الرحمن الحبلي‪ ,‬عن عبد الله بن عمرو‪ ,‬قككال آخككر سككورة أنزلككت‬
‫سكككككككككككككككككككككككككككككككككككورة المكككككككككككككككككككككككككككككككككككائدة‪.‬‬
‫سورة النعام‬
‫قال العوفي وعكرمككة وعطككاء عككن ابككن عبككاس‪ ,‬أنزلككت سككورة‬
‫النعام بمكة‪ .‬وقال الطبراني‪ :‬حدثنا علي بككن عبككد العزيككز‪ ,‬حككدثنا‬
‫حجاج بن منهال‪ ,‬حدثنا حماد بن سككلمة‪ ,‬عككن علككي بككن زيككد‪ ,‬عككن‬
‫يوسف بن مهران‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬نزلت سورة النعام بمكة‬
‫ليل ً جملككة واحككدة‪ ,‬حولهككا سككبعون ألككف ملككك يجككأرون حولهككا‬
‫بالتسبيح‪ .‬وقال سفيان الثوري‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن شككهر بككن حوشككب‪,‬‬
‫عن أسماء بنت يزيد‪ ,‬قالت‪ :‬نزلت سورة النعام على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم جملة‪ ,‬وأنا آخذة بزمام ناقة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة‪ .‬وقال شريك‪ .‬عن‬
‫ليث‪ ,‬عككن شككهر‪ ,‬عككن أسككماء قككالت‪ :‬نزلككت سككورة النعككام علككى‬
‫‪565‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسككير فككي زجككل مككن‬
‫الملئكة‪ ,‬وقد طبقوا ما بين السماء والرض‪ .‬وقككال السككدي‪ ,‬عككن‬
‫مرة عن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬نزلت سورة النعام يشيعها سككبعون ألف كا ً‬
‫من الملئكة‪ ,‬وروي نحوه من وجه آخر‪ ,‬عككن ابككن مسككعود‪ .‬وقككال‬
‫الحككاكم فككي مسككتدركه‪ .‬حككدثنا أبككو عبككد اللككه محمككد بككن يعقككوب‬
‫الحافظ‪ ,‬وأبو الفضل الحسن بن يعقوب العدل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمككد‬
‫بن عبد الوهاب العبدي‪ ,‬أخبرنا جعفر بن عون‪ ,‬حدثنا إسماعيل بن‬
‫عبد الرحمن السدي‪ ,‬حدثنا محمد بن المنكدر‪ ,‬عن جابر‪ ,‬قال‪ :‬لما‬
‫نزلت سورة النعام‪ ,‬سبح رسول الله صلى اللكه عليكه وسككلم ثككم‬
‫قال »لقد شيع هذه السورة من الملئكة ما سد الفككق« ثككم قككال‬
‫صحيح على شرط مسلم‪ .‬وقال أبو بكر بن مردويه‪ :‬حككدثنا محمكد‬
‫بن معمر‪ ,‬حدثنا إبراهيم ابن درستويه الفارسي‪ ,‬حدثنا أبو بكر بككن‬
‫أحمد بن محمد بن سالم‪ ,‬حدثنا ابن أبي فككديك‪ ,‬حككدثني عمككر بككن‬
‫طلحة الرقاشي‪ ,‬عن نافع بن مالك بن أبي سهيل‪ ,‬عككن أنككس بككن‬
‫مالك‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »نزلت سككورة‬
‫النعام معها موكب من الملئكة‪ ,‬سد ما بين الخافقين‪ ,‬لهم زجككل‬
‫بالتسبيح‪ ,‬والرض بهم ترتج« ورسككول اللككه يقككول »سككبحان اللككه‬
‫العظيم سبحان الله العظيم« ثم روى ابن مردويه‪ ,‬عن الطبراني‪,‬‬
‫عن ابراهيم بن نائلة‪ ,‬عككن إسككماعيل بككن عمككر‪ ,‬عككن يوسككف بككن‬
‫عطية‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن نافع عن ابككن عمككر‪ ,‬قكال‪ :‬قكال رسككول‬
‫الله صكلى اللكه عليككه وسكلم »نزلكت علكي سككورة النعكام جملكة‬
‫واحككدة وشككيعها سككبعون ألفكا ً مككن الملئكككة لهككم زجككل بالتسككبيح‬
‫والتحميككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككد«‪.‬‬
‫ت‬ ‫ل الظ ّل ُ َ‬
‫مككا ِ‬ ‫جع َ ك َ‬‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سك َ‬ ‫خل َكقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫م كد ُ لل ّكهِ ال ّك ِ‬‫ح ْ‬ ‫** ال ْ َ‬
‫ن‬
‫طي ٍ‬‫من ِ‬ ‫م ّ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ن * هُوَ ال ّ ِ‬ ‫م ي َعْدُِلو َ‬
‫ن ك ََفُروا ْ ب َِرب ّهِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬‫َوالّنوَر ث ْ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ِفي‬ ‫ن * وَهُوَ الل ّ ُ‬ ‫مت َُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م أنت ُ ْ‬‫عند َهُ ث ُ ّ‬
‫مى ِ‬ ‫مس ّ‬ ‫ل ّ‬‫ج ٌ‬ ‫جل ً وَأ َ‬‫ىأ َ‬ ‫ض َ‬ ‫م قَ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن‬
‫سككُبو َ‬ ‫مككا ت َك ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م وَي َعْل َ ُ‬ ‫جهَْرك ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سّرك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫ض ي َعْل َ ُ‬
‫ت وَِفي الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪566‬‬
‫يقول الله تعالى مادحا ً نفسه الكريمة وحامككدا ً لهككا علككى خلقككه‬
‫السموات والرض قرارا ً لعبككاده‪ .‬وجعككل الظلمككات والنككور منفعككة‬
‫لعباده فككي ليلهككم ونهككارهم‪ ,‬فجمككع لفككظ الظلمككات‪ ,‬ووحككد لفككظ‬
‫النور‪ ,‬لكونه أشرف‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬عن اليمين والشمائل{ وكما‬
‫قال في آخر هذه السورة }وأن هككذا صككراطي مسككتقيما ً فككاتبعوه‬
‫ول تتبعوا السبل فتفرق بكككم عككن سككبيله{ ثككم قكال تعكالى‪} :‬ثكم‬
‫الذين كفروا بربهم يعدلون{ أي ومع هذا كله كفر به بعض عباده‪,‬‬
‫ل‪ ,‬واتخذوا له صاحبة وولدًا‪ ,‬تعالى اللككه عككز‬ ‫وجعلوا له شريكا ً وعد ً‬
‫وجل عن ذلك علوا ً كبيرًا‪ .‬وقوله تعككالى‪} :‬هككو الككذي خلقكككم مككن‬
‫طين{ يعني أباهم آدم‪ ,‬الذي هو أصكلهم‪ ,‬ومنككه خرجكوا فانتشككروا‬
‫في المشارق والمغارب! وقككوله }ثككم قضككى أجل ً وأجككل مسككمى‬
‫ل{ يعني‬ ‫عنده{ قال سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس }ثم قضى أج ً‬
‫لخككرة‪ ,‬وهكككذا روي عككن‬ ‫المككوت }وأجككل مسككمى عنككده{ يعنككي ا َ‬
‫مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير‪ ,‬والحسن وقتادة والضحاك‪ ,‬وزيد‬
‫بن أسككلم وعطيككة والسككدي‪ ,‬ومقاتككل بككن حيككان وغيرهككم‪ ,‬وقككول‬
‫ل{ وهو ما بين أن يخلق إلككى‬ ‫الحسن في رواية عنه }ثم قضى أج ً‬
‫أن يموت }وأجل مسمى عنده{ وهككو مككا بيككن أن يمككوت إلككى أن‬
‫يبعث‪ ,‬هو يرجع إلى ما تقدم‪ ,‬وهو تقدير الجل الخاص‪ ,‬وهو عمككر‬
‫كككل إنسكان وتقككدير الجكل العكام‪ ,‬وهكو عمكر الككدنيا بكمالهكا‪ ,‬ثكم‬
‫لخككرة‪,‬‬‫انتهائها وانقضائها وزوالها‪ !,‬وانتقالها والمصير إلككى الككدار ا َ‬
‫ل{ يعنككي مككدة الككدنيا‪,‬‬‫وعن ابككن عبككاس ومجاهككد‪} ,‬ثككم قضككى أج ً‬
‫}وأجل مسمى عنده{ يعني عمر النسان إلى حيككن مككوته‪ ,‬وكككأنه‬
‫مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا }وهو الذي يتوفاكم بالليككل ويعلككم‬
‫لية‪ ,‬وقال عطية‪ :‬عن ابن عباس }ثككم قضككى‬ ‫ما جرحتم بالنهار{ ا َ‬
‫ل{ يعني النوم‪ ,‬يقبض فيه الككروح‪ ,‬ثككم يرجككع إلككى صككاحبه عنككد‬ ‫أج ً‬
‫اليقظة‪} ,‬وأجل مسمى عنده{ يعني أجككل مككوت النسككان‪ ,‬وهككذا‬
‫قكول غريكب‪ ,‬ومعنكى قكوله }عنكده{ أي ل يعلمكه إل هكو‪ ,‬كقكوله‬
‫}إنما علمها عند ربي ل يجليها لوقتها إل هو{ وكقككوله }يسككألونك‬
‫عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربككك منتهاهككا{‬
‫وقككوله تعككالى‪} :‬ثككم أنتككم تمككترون{ قككال السككدي وغيككره‪ :‬يعنككي‬
‫تشكون في أمر الساعة‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬وهو الله فككي السككموات‬
‫وفي الرض يعلم سككركم وجهركككم ويعلككم مككا تكسككبون{ اختلككف‬
‫‪567‬‬
‫ليككة علككى أقككوال‪ ,‬بعككد اتفككاقهم علككى إنكككار قككول‬ ‫مفسرو هككذه ا َ‬
‫الجهمية الول القائلين‪ ,‬تعالى عن قولهم علوا ً كبيرًا‪ ,‬بأنه في كككل‬
‫ليككة علككى ذلككك‪ ,‬فالصككح مككن القككوال‪ :‬أنككه‬ ‫مكان‪ ,‬حيككث حملككوا ا َ‬
‫المدعو الله في السموات وفي الرض‪ ,‬أي يعبده ويوحده ويقّر له‬
‫باللهيككة مككن فككي السككموات ومككن فككي الرض‪ ,‬ويسككمونه اللككه‬
‫ويدعونه رغبا ً ورهبًا‪ ,‬إل من كفر مككن الجككن والنككس‪ ,‬وهككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫على هذا القول‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬وهو الذي في السككماء إلككه وفككي‬
‫الرض إله{ أي هو إلككه مككن فككي السككماء‪ ,‬وإلككه مككن فككي الرض‪,‬‬
‫وعلى هذا فيكككون قككوله }يعلككم سككركم وجهركككم{ خككبرا ً أو حككال ً‬
‫)والقول الثاني( أن المراد أنه الله الذي يعلككم مككا فككي السككموات‬
‫وما في الرض‪ ,‬من سر وجهر‪ ,‬فيكون قوله يعلككم‪ ,‬متعلق كا ً بقككوله‬
‫}فككي السككموات وفككي الرض{ تقككديره‪ ,‬وهككو اللككه يعلككم سككركم‬
‫وجهركم‪ ,‬في السموات وفي الرض‪ ,‬ويعلم ما تكسبون‪) ,‬والقول‬
‫الثالث( أن قوله }وهو الله في السموات{ وقف تام‪ ,‬ثم استأنف‬
‫الخبر‪ ,‬فقال }وفي الرض يعلم سركم وجهركم{ وهذا اختيار ابن‬
‫جريككر‪ ,‬وقككوله }ويعلككم مككا تكسككبون{ أي جميككع أعمككالكم خيرهككا‬
‫وشكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككرها‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن*‬ ‫ضككي َ‬ ‫معْرِ ِ‬ ‫م إ ِل ّ ك َككاُنوا ْ عَن ْهَككا ُ‬ ‫ت َرب ّهِك ْ‬ ‫ن آي َككا ِ‬ ‫ْ‬ ‫مك‬‫ن آي َةٍ ّ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ما ت َأِتيِهم ّ‬ ‫** وَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫مككا ك َككاُنوا ْ ب ِك ِ‬
‫ه‬ ‫م أن ْب َككاُء َ‬ ‫ف ي َكأِتيهِ ْ‬ ‫س كو ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫جككآَءهُ ْ‬ ‫مككا َ‬ ‫حقّ ل َ ّ‬ ‫فََقد ْ ك َذ ُّبوا ْ ب ِككال ْ َ‬
‫يستهزُءون * أ َل َم يروا ْ ك َ َ‬
‫م ِفككي‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬‫ن ّ‬ ‫من قَْر ٍ‬ ‫من قَب ْل ِِهم ّ‬ ‫م أهْل َك َْنا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َْ ِ‬
‫جعَل َْنكا‬ ‫َ‬
‫مكد َْرارا ً وَ َ‬ ‫مآَء عَل َي ِْهكم ّ‬ ‫سك َ‬ ‫سكل َْنا ال ّ‬ ‫م وَأْر َ‬ ‫كك ْ‬‫كن ل ّ ُ‬ ‫م ّ‬‫م نُ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫مككن ب َعْكدِهِ ْ‬ ‫شكأَنا ِ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫م ب ِكذ ُُنوب ِهِ ْ‬‫م فَأهْل َك ْن َككاهُ ْ‬ ‫حت ِهِ ْ‬‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫الن َْهاَر ت َ ْ‬
‫ن‬‫ريككككككككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قَْرنكككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ً آ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عككن المشككركين المكككذبين المعانككدين‪ ,‬أنهككم‬
‫مهما أتتهم من آية أي دللة ومعجككزة وحجككة مككن الككدللت‪ ,‬علككى‬
‫وحدانيككة اللككه وصككدق رسككله الكككرام‪ ,‬فككإنهم يعرضككون عنهككا‪ ,‬فل‬
‫ينظرون إليها ول يبالون بها‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬فقككد كككذبوا بككالحق‬
‫لما جاءهم فسكوف يكأتيهم أنبكاء مكا ككانوا بكه يسكتهزؤون{ وهكذا‬
‫تهديد لهم‪,‬ووعيد شديد على تكذيبهم بالحق‪ ,‬بأنه ل بككد أن يككأتيهم‬
‫خبر ما هم فيه من التكذيب‪ ,‬وليجدن غبه وليذوقن وباله‪ ,‬ثم قككال‬
‫‪568‬‬
‫تعالى واعظا ً لهم ومحذرا ً لهم‪ ,‬أن يصككيبهم مككن العككذاب والنكككال‬
‫الدنيوي ما حل بأشباههم ونظرائهم‪ ,‬من القككرون السككالفة الككذين‬
‫كانوا أشد منهم قوة‪ ,‬وأكثر جمعكا ً وأكككثر أمككوال ً وأولدا ً واسككتغلل ً‬
‫للرض‪ ,‬وعمارة لها‪ ,‬فقال }ألم يكروا ككم أهلكنكا مككن قبلهككم مكن‬
‫قككرن مكنككاهم فككي الرض مككا لككم نمكككن لكككم{ أي مككن المككوال‬
‫والولد والعمار‪ ,‬والجككاه العريككض والسككعة والجنككود‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫}وأرسلنا السماء عليهككم مككدرارًا{ أي شككيئا ً بعككد شككيء }وجعلنككا‬
‫النهار تجري من تحتهم{ أي أكثرنا عليهم أمطكار السكماء وينكابيع‬
‫الرض‪ ,‬أي اسكككتدراجا ً وإملء لهكككم }فأهلكنكككاهم بكككذنوبهم{ أي‬
‫بخطاياهم‪ ,‬وسيئاتهم التي اجترحوهككا }وأنشككأنا مككن بعككدهم قرن كا ً‬
‫آخرين{ أي فذهب الولون كككأمس الككذاهب‪ ,‬وجعلنككاهم أحككاديث‪,‬‬
‫}وأنشأنا من بعدهم قرنا ً آخرين{ أي جيل ً آخر لنختبرهم‪ ,‬فعملككوا‬
‫مثل أعمككالهم‪ ,‬فككأهلكوا كككإهلكهم‪ ,‬فاحككذروا أيهككا المخككاطبون أن‬
‫يصيبكم مثل ما أصابهم‪ ,‬فما أنتم بأعز على الله منهم‪ ,‬والرسككول‬
‫الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم‪ ,‬فأنتم أولككى بالعككذاب‪,‬‬
‫ومعاجلكككككة العقوبكككككة منهكككككم‪ ,‬لكككككول لطفكككككه وإحسكككككانه‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ل ََقا َ‬ ‫ديهِ ْ‬‫سوهُ ب ِأي ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫س فَل َ َ‬‫ٍ‬
‫ك ك َِتابا ً ِفي قِْر َ‬
‫طا‬ ‫** وَل َوْ ن َّزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫ك وَل َك ْ‬
‫و‬ ‫مل َك ٌ‬ ‫ل عَل َي ْكهِ َ‬ ‫ول ُأنكزِ َ‬ ‫ن * وََقاُلوا ْ ل َ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ّ‬ ‫س ْ‬‫ذآ إ ِل ّ ِ‬ ‫هـ َ‬‫ن َ‬ ‫ك ََفُروا ْ إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫جعَل ْن َككاهُ‬ ‫مَلكا ً ل ّ َ‬ ‫جعَل َْناهُ َ‬ ‫ن * وَل َوْ َ‬ ‫م ل َ ُينظ َُرو َ‬ ‫مُر ث ُ ّ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫مَلكا ً ل ُّق ِ‬ ‫أنَزل َْنا َ‬
‫مككن‬ ‫ل ّ‬ ‫سك ٍ‬ ‫زىَء ب ُِر ُ‬ ‫سكت ُهْ ِ‬ ‫ن * وَل ََقكدِ ا ْ‬ ‫سككو َ‬ ‫مككا ي َل ْب ِ ُ‬
‫سَنا عَل َي ْهِككم ّ‬ ‫جل ً وَل َل َب َ ْ‬ ‫َر ُ‬
‫ل‬ ‫ن * قُ ك ْ‬ ‫س كت َهْزُِءو َ‬ ‫مككا ك َككاُنوا ْ ب ِكهِ ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خُروا ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حاقَ ِبال ّ ِ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫قَب ْل ِ َ‬
‫كككذ ِّبي َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬‫عاقَِبكك ُ‬ ‫ن َ‬‫كككا َ‬‫ف َ‬ ‫ظككُروا ْ ك َْيكك َ‬ ‫م ان ْ ُ‬ ‫ض ُثكك ّ‬ ‫سككيُروا ِفككي الْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عن المشككركين وعنككادهم ومكككابرتهم للحككق‪,‬‬
‫ومباهتتهم ومنازعتهم فيه‪} ,‬ولو نزلنككا عليككك كتاب كا ً فككي قرطككاس‬
‫فلمسوه بأيديهم{ أي عاينوه ورأوا نزوله‪ ,‬وباشككروا ذلككك‪} ,‬لقككال‬
‫الذين كفروا إن هذا إل سحر مبين{ وهذا كما قككال تعككالى مخككبرا ً‬
‫عن مكابرتهم للمحسوسات }ولو فتحنككا عليهككم بابكا ً مككن السككماء‬
‫فظلوا فيه يعرجككون لقككالوا إنمككا سكككرت أبصككارنا بككل نحككن قككوم‬
‫مسحورون{ وكقوله تعالى‪} :‬وإن يروا كسفا ً من السماء ساقطا ً‬
‫يقولوا سحاب مركوم{ }وقالوا لول أنزل عليه ملككك{ أي ليكككون‬
‫‪569‬‬
‫معه نذيرًا‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬ولو أنزلنككا ملككا ً لقضككي المككر ثككم ل‬
‫ينظرون{ أي لو نزلت الملئكة على ما هم عليه‪ ,‬لجاءهم من الله‬
‫العذاب‪ ,‬كما قال الله تعككالى‪} :‬مككا ننككزل الملئكككة إل بككالحق ومككا‬
‫كانوا إذا ً منظرين{ وقوله }يككوم يككرون الملئكككة ل بشككرى يككومئذ‬
‫لية‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬ولو جعلنككاه ملك كا ً لجعلنككاه رجل ً‬ ‫للمجرمين{ ا َ‬
‫وللبسنا عليهم ما يلبسون{ أي ولككو أنزلنككا مككع الرسككول البشككري‬
‫ملكًا‪ ,‬أي لو بعثنا إلى البشر رسول ً ملكيًا‪ ,‬لكان على هيئة الرجككل‬
‫ليمكنهم مخاطبته والنتفاع بالخذ عنه‪ ,‬ولككو كككان كككذلك ل لتبككس‬
‫عليهم المر‪ ,‬كما هككم يلبسككون علككى أنفسككهم فككي قبككول رسككالة‬
‫البشري‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬قل لو كككان فككي الرض ملئكككة يمشككون‬
‫ل{ فمككن رحمتككه‬ ‫مطمئنين لنزلنا عليهككم مككن السككماء ملككا ً رسككو ً‬
‫تعالى بخلقه‪ ,‬أنه يرسل إلى كل صككنف مككن الخلئق رسكل ً منهككم‪,‬‬
‫ليككدعو بعضككهم بعضككًا‪ ,‬وليمكككن بعضككهم أن ينتفككع ببعككض‪ ,‬فككي‬
‫ن الله على المؤمنين‬ ‫المخاطبة والسؤال‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬لقد م ّ‬
‫ليككة‪,‬‬‫إذ بعث فيهم رسول ً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم{ ا َ‬
‫لية يقككول‪ :‬لككو أتككاهم ملككك‪ ,‬مككا‬ ‫قال الضحاك عن ابن عباس في ا َ‬
‫أتاهم إل في صورة رجل‪ ,‬لنهم ل يستطيعون النظر إلى الملئكككة‬
‫من النور‪} ,‬وللبسنا عليهم مككا يلبسككون{ أي ولخلطنككا عليهككم مككا‬
‫يخلطككون‪ ,‬وقككال الوالككبي عنككه‪ :‬ولشككبهنا عليهككم‪ .‬وقككوله }ولقككد‬
‫استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا بككه‬
‫يستهزئون{ هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسككلم فككي تكككذيب‬
‫من كذبه من قككومه‪ ,‬ووعككد لككه وللمككؤمنين بككه بالنصككرة والعاقبككة‬
‫لخككرة‪ ,‬ثككم قككال تعككالى‪} :‬قككل سككيروا فككي‬ ‫الحسنة‪ ,‬في الككدنيا وا َ‬
‫الرض ثككم انظككروا كيككف كككان عاقبككة المكككذبين{ أي فكككروا فككي‬
‫أنفسكم‪ ,‬وانظروا ما أحككل اللككه بككالقرون الماضككية‪ ,‬الككذين كككذبوا‬
‫رسله‪ ,‬وعاندوهم‪ ,‬من العذاب والنكال والعقوبة في الدنيا‪ ,‬مع مككا‬
‫لخككرة‪ ,‬وكيككف نجككى رسككله‬ ‫ادخر لهككم مككن العككذاب الليككم‪ ,‬فككي ا َ‬
‫وعبكككككككككككككككككككككككككككككككككاده المكككككككككككككككككككككككككككككككككؤمنين‪.‬‬
‫سكهِ‬ ‫ى ن َْف ِ‬ ‫َ‬ ‫ض ُقل لل ّكهِ ك َت َك َ‬ ‫** ُقل ل ّ َ‬

‫ب عَلك َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫من ّ‬
‫سكُروَا ْ‬
‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ب ِفيكهِ ال ّك ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ى ي َكوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫مكةِ ل َ َري ْك َ‬ ‫معَن ّك ُ ْ َ‬ ‫ة ل َي َ ْ‬
‫م إ ِلك َ‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬
‫ح َ‬
‫الّر ْ‬
‫‪570‬‬
‫َ‬
‫و‬
‫هك َ‬ ‫ل َوالن َّهكارِ وَ ُ‬ ‫ن فِككي ال ْل ّْيك ِ‬ ‫سكك َ َ‬ ‫مككا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن * وَل َ ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫سه ُ ْ‬‫أن ُْف َ‬
‫ض‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خذ ُ وَل ِي ّا ً َفاط ِرِ ال ّ‬ ‫ل أ َغَي َْر الل ّهِ أ َت ّ ِ‬ ‫م * قُ ْ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م وَل َ‬ ‫س كل َ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫مك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن أو ّ َ‬ ‫ن أك ُككو َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫يأ ِ‬ ‫م قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫م وَل َ ي ُط ْعَ ُ‬ ‫وَهُوَ ي ُط ْعِ ُ‬
‫ب‬ ‫ذا َ‬ ‫ت َرب ّككي عَك َ‬ ‫صكي ْ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف إِ ْ‬ ‫خككا ُ‬ ‫ي أَ َ‬‫ل إ ِن ّك َ‬ ‫ن * قُ ْ‬ ‫كي َ‬‫شرِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬‫تَ ُ‬
‫ك ال َْفكوُْز‬ ‫ه وَذ َل ِك َ‬ ‫مك ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مئ ِذٍ فََقكد ْ َر ِ‬‫ه َيكوْ َ‬ ‫ف عَْنك ُ‬ ‫صكَر ْ‬ ‫مكن ي ُ ْ‬ ‫ظيكم ٍ * ّ‬ ‫ي َوْم ٍ عَ ِ‬
‫ن‬
‫م ِبيككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫يخبر تعالى أنه مالككك السككموات والرض ومككن فيهمككا‪ ,‬وأنككه قككد‬
‫كتب على نفسه المقدسة الرحمة‪,‬كما ثبت فككي الصككحيحين‪ ,‬مككن‬
‫طريق العمش‪ :‬عن أبي صالح‪ ,‬عن أبي هريرة رضككي اللككه عنككه‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم »إن الله لما خلككق الخلككق‪,‬‬
‫كتب كتابا ً عنده فوق العكرش‪ ,‬إن رحمكتي تغلكب غضكبي« وقكوله‬
‫}ليجمعنكم إلى يوم القيامة ل ريب فيه{ هذه اللم هي المككوطئة‬
‫للقسم‪ ,‬فأقسم بنفسه الكريمة‪ ,‬ليجمعن عباده }إلى ميقات يككوم‬
‫معلوم{ وهو يوم القيامة الذي ل ريب فيككه‪ ,‬أي ل شككك فيككه عنككد‬
‫عبككاده المككؤمنين‪ ,‬فأمككا الجاحككدون المكككذبون‪ ,‬فهككم فككي ريبهككم‬
‫لية‪ :‬حدثنا محمد بن‬ ‫يترددون‪ ,‬وقال ابن مردويه عند تفسير هذه ا َ‬
‫أحمد بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا عبيد الله بن أحمد بن عقبة‪ ,‬حدثنا عباس‬
‫بن محمد‪ ,‬حدثنا حسين بن محمد‪ ,‬حدثنا محصن بن عتبة اليماني‪,‬‬
‫عن الزبير بن شبيب‪ ,‬عن عثمان بن حاضر‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب‬
‫العالمين‪ ,‬هل فيه ماء ؟ قال والذي نفسي بيده إن فيككه لمككاء‪ ,‬إن‬
‫أولياء الله ليردون حياض النبياء‪,‬ويبعث اللككه تعككالى سككبعين ألككف‬
‫ملككك‪ ,‬فككي أيككديهم عصككي مككن نككار‪ ,‬يككذودون الكفككار عككن حيككاض‬
‫النبياء«‪ ,‬هذا حديث غريب‪ ,‬وفي الترمذي »إن لكككل نككبي حوض كًا‪,‬‬
‫وأرجو أن أكون أكثرهم واردًا« وقوله }الككذين خسككروا أنفسككهم{‬
‫أي يككوم القيامككة }فهككم ل يؤمنككون{ أي ل يصككدقون بالمعككاد‪ ,‬ول‬
‫يخافون شر ذلك اليوم‪ ,‬ثم قال تعالى‪} :‬وله ما سكككن فككي الليككل‬
‫والنهار{ أي كل دابة في السموات والرض الجميع عباده وخلقككه‪,‬‬
‫وتحت قهره وتصرفه وتدبيره‪ ,‬ل إله إل هو‪} ,‬وهو السميع العليم{‬
‫أي السميع لقوال عباده‪ ,‬العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم‪,‬‬
‫ثم قال تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬الككذي‬
‫بعثه بالتوحيد العظيم وبالشرع القويم‪ ,‬وأمره أن يدعو الناس إلى‬
‫‪571‬‬
‫صراط الله المستقيم }قل أغير الله أتخككذ وليكا ً فككاطر السككموات‬
‫والرض{ كقوله }قل أفغير اللكه تكأمروني أعبكد أيهكا الجكاهلون{‬
‫والمعنككى ل أتخككذ ولي كا ً إل اللككه وحككده ل شككريك لككه‪ ,‬فككإنه فككاطر‬
‫السموات والرض‪ ,‬أي خالقهما ومبدعهما‪ ,‬على غيككر مثككال سككبق‬
‫}وهو يطعم ول يطعم{ أي وهكو الكرزاق لخلقكه مكن غيكر احتيكاج‬
‫إليهم‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬ومككا خلقككت الجككن والنككس إل ليعبككدون{‬
‫لية‪ ,‬وقرأ بعضهم ههنا }وهو يطعم ول يطعم{ أي ل يأكل‪ ,‬وفككي‬ ‫ا َ‬
‫حديث سهيل بن صالح‪ :‬عن أبيه‪ ,‬عن أبي هريرة رضي اللككه عنككه‪,‬‬
‫قال‪ :‬دعا رجل من النصار‪ ,‬من أهل قباء النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم على طعام‪ ,‬فانطلقنا معه‪ ,‬فلما طعم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وغسل يديه‪ ,‬قال »الحمد لله الذي يطعم ول يطعككم‪ ,‬ومككن‬
‫علينا فهدانا وأطعمنا‪ ,‬وسقانا من الشككراب‪ ,‬وكسككانا مككن العككري‪,‬‬
‫وكل بلء حسككن أبلنككا الحمككد للككه غيككر مككودع ربككي ول مكاف كا ً ول‬
‫مكفور‪ ,‬ول مستغنى عنه‪ ,‬الحمد للككه الككذي أطعمنككا مككن الطعككام‪,‬‬
‫وسقانا من الشككراب‪ ,‬وكسككانا مككن العككري‪ ,‬وهككدانا مككن الضككلل‪,‬‬
‫ل‪ ,‬الحمككد‬ ‫وبصرنا من العمى‪ ,‬وفضلنا على كثير ممككن خلككق تفضككي ً‬
‫لله رب العالمين« }قل إني أمرت أن أكون أول مككن أسككلم{ أي‬
‫من هككذه المككة }ول تكككونن مككن المشككركين قككل إنككي أخككاف إن‬
‫عصيت ربي عذاب يوم عظيم{ يعني يككوم القيامككة }مككن يصككرف‬
‫عنه{ أي العذاب }يومئذ فقكد رحمكه{ يعنكي رحمكه اللكه }وذلكك‬
‫الفوز المبين{ كقوله }فمن زحزح عككن النككار وأدخككل الجنككة فقككد‬
‫فككككككاز{ والفككككككوز حصككككككول الربككككككح‪ ,‬ونفككككككي الخسككككككارة‪.‬‬
‫ك‬ ‫سك َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه إ ِل ّ هُكوَ وَِإن ي َ ْ‬ ‫ف ل َك ُ‬ ‫شك َ‬ ‫كا ِ‬‫ضكّر فَل َ َ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ك الل ّك ُ‬ ‫س َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫** وَِإن ي َ ْ‬
‫و‬
‫عب َككادِهِ وَهُ ك َ‬ ‫ديٌر * وَهُ كوَ ال َْقككاهُِر فَ كوْقَ ِ‬ ‫يٍء قَ ك ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ى كُ ّ‬ ‫َ‬
‫خي ْرٍ فَهُوَ عَل َ‬ ‫بِ َ‬
‫ش كِهيد ٌ ب ِي ْن ِككي‬ ‫ل الل ّكهِ َ‬ ‫شَهادةً قُ ك ِ‬ ‫يٍء أ َك ْب َُر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل أ َيّ َ‬ ‫خِبيُر * قُ ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫م وَُأو ِ‬
‫م‬‫مككن ب َل َكغَ أئ ِن ّك ُك ْ‬ ‫م ب ِكهِ وَ َ‬‫لن كذَِرك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذا ال ُْق كْرآ ُ‬ ‫هـ ك َ‬ ‫ي َ‬ ‫ي إ ِل َك ّ‬
‫حك َ‬ ‫وَب َي ْن َك ُك ْ‬
‫ه‬‫مككا هُكوَ إ َِلـك ٌ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫شكهَد ُ قُك ْ‬ ‫خكَرىَ قُككل ل ّ أ َ ْ‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫معَ الل ّهِ آل ِهَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫نأ ّ‬
‫شهدو َ‬
‫ل َت َ ْ َ ُ َ‬
‫ه‬ ‫ب ي َعْرِفُككون َ ُ‬ ‫م ال ْك ِت َككا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * ال ّ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ريٌء ّ‬ ‫ِ‬ ‫حد ٌ وَإ ِن ِّني ب َ‬ ‫َوا ِ‬
‫َ‬ ‫ك َما يعرفُككو َ‬
‫ن*‬ ‫من ُككو َ‬ ‫م ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫م فَهُ ك ْ‬‫س كه ُ ْ‬‫س كُروَا ْ أن ُْف َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّك ِ‬ ‫ن أب ْن َككآَءهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ِ‬
‫‪572‬‬
‫َ‬ ‫وم َ‬
‫ه ل َ ي ُْفل ِك ُ‬
‫ح‬ ‫ذبا ً أوْ ك َذ ّ َ‬
‫ب ِبآي َككات ِهِ إ ِن ّك ُ‬ ‫ن افْت ََرىَ عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬
‫م ِ‬
‫م ّ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن‬‫مو َ‬ ‫ال ظ ّكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككال ِ ُ‬
‫يقول تعالى مخبرًا‪ :‬أنه مالك الضر والنفع‪ ,‬وأنككه المتصككرف فككي‬
‫خلقه بما يشاء‪ ,‬ل معقب لحكمه‪ ,‬ول راد لقضائه‪} ,‬وإن يمسسككك‬
‫الله بضر فل كاشف له إل هو وإن يمسسك بخيككر فهككو علككى كككل‬
‫شيء قدير{ كقوله تعالى‪} :‬ما يفتككح اللككه للنككاس مككن رحمككة فل‬
‫ليككة‪ ,‬وفككي‬ ‫ممسك لهككا ومككا يمسككك فل مرسككل لككه مككن بعككده{ ا َ‬
‫الصحيح‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقككول »اللهككم‬
‫ل مانع لما أعطيت ول معطي لما منعككت‪ ,‬ول ينفككع ذا الجككد منككك‬
‫الجد« ولهذا قال تعالى }وهو القاهر فوق عبككاده{ أي وهككو الككذي‬
‫خضعت له الرقاب‪ ,‬وذلت له الجبابرة‪ ,‬وعنككت لككه الوجككوه‪ ,‬وقهككر‬
‫كل شيء‪ ,‬ودانت له الخلئق‪ ,‬وتواضعت لعظمككة جللككه وكبريككائه‪,‬‬
‫وعظمته وعلوه‪ ,‬وقدرته على الشياء‪ ,‬واسككتكانت وتضككاءلت بيككن‬
‫يديه‪ ,‬وتحت قهره وحكمه‪} ,‬وهو الحكيككم{ أي فككي جميككع أفعككاله‬
‫}الخبير{ بمواضع الشياء ومحالها‪ ,‬فل يعطي إل من يسككتحق‪ ,‬ول‬
‫يمنح إل من يستحق‪ ,‬ثم قال }قل أي شيء أكبر شهادة{ أي من‬
‫أعظم الشياء شهادة }قل الله شهيد بيني وبينكم{ أي هو العككالم‬
‫ي هككذا القككرآن‬ ‫بما جئتكم به‪ ,‬ومككا أنتككم قككائلون لككي‪} ,‬وأوحككي إلك ّ‬
‫لنذركم به ومن بلغ{ أي وهو نذير لكل من بلغككه‪ ,‬كقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده{ قككال ابككن أبككي حككاتم‪:‬‬
‫حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حدثنا وكيع وأبككو أسككامة‪ ,‬وأبككو خالككد‪ ,‬عككن‬
‫موسى بن عبيدة‪ ,‬عن محمد بن كعب‪ ,‬في قوله‪} :‬ومن بلغ{ من‬
‫بلغه القرآن‪ ,‬فكأنما رأى النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬زاد أبككو‬
‫خالد وكلمه‪ ,‬ورواه ابن جرير من طريق أبكي معشككر‪ :‬عككن محمككد‬
‫بن كعب‪ ,‬قال‪ :‬من بلغه القرآن‪ ,‬فقد أبلغه محمد صلى الله عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬وقال عبد الرزاق‪ :‬عن معمر عن قتادة‪ ,‬في قككوله تعككالى‪:‬‬
‫}لنذركم به ومن بلغ{ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قككال‬
‫»بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله‪ ,‬فقد بلغه أمر اللككه{‬
‫وقال الربيع بن أنس‪ :‬حق على من اتبككع رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬أن يككدعو كالككذي دعككا رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم‪ ,‬وأن ينككذر بالككذي أنككذر‪ ,‬وقككوله }أئنكككم لتشككهدون{ أيهككا‬
‫المشركون }أن مع الله آلهة أخكرى قكل ل أشكهد{ كقكوله }فكإن‬
‫‪573‬‬
‫شهدوا فل تشهد معهم{ }قل إنما هو إله واحد وإنني بريككء ممككا‬
‫تشركون{ ثم قال تعالى مخبرا ً عن أهككل الكتككاب‪ :‬أنهككم يعرفككون‬
‫هذا الذي جئتهم به‪ ,‬كما يعرفون أبناءهم بمككا عنككدهم مككن الخبككار‬
‫والنباء‪ ,‬عن المرسككلين المتقككدمين والنبيككاء‪ ,‬فككإن الرسككل كلهككم‬
‫بشروا بوجود محمد صلى الله عليه وسككلم ونعتككه وصككفته‪ ,‬وبلككده‬
‫ومهاجره وصفة أمته‪ ,‬ولهذا قال بعده }الككذين خسككروا أنفسككهم{‬
‫أي خسككروا كككل الخسكارة }فهكم ل يؤمنكون{ بهكذا المكر الجلكي‬
‫الظاهر الككذي بشككرت بككه النبيككاء ونككوهت بككه فككي قككديم الزمككان‬
‫وحديثه ثم قال }ومن أظلم ممن افترى على اللككه كككذبا ً أو كككذب‬
‫ول على الله‪ ,‬فادعى أن اللككه أرسككله‪,‬‬ ‫بآياته{ أي ل أظلم ممن تق ّ‬
‫ولم يكككن أرسككله‪ ,‬ثككم ل أظلككم ممككن كككذب بآيككات اللككه‪ ,‬وحججككه‬
‫وبراهينه ودللته‪} ,‬إنه ل يفلح الظالمون{ أي ل يفلح هذا ول هذا‪,‬‬
‫ل المفكككككككككككككككككككككككككككككتري ول المككككككككككككككككككككككككككككككذب‪.‬‬
‫ش كر ُ َ‬ ‫ل ل ِل ّذي َ‬
‫م‬ ‫كآؤُك ُ ُ‬ ‫ش كَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كوا ْ أي ْك َ‬ ‫نأ ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫م ن َُقو ُ‬ ‫ميعا ً ث ُ ّ‬ ‫ج ِ‬‫م َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫** وَي َوْ َ‬
‫م إ ِل ّ أن قَككاُلوا ْ َوالل ّكهِ َرب ّن َككا‬ ‫َ‬
‫ن فِت ْن َت ُهُ ْ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ن * ثُ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ف ك َذ َبوا ْ عَل َ َ‬ ‫ن * انظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫مككا‬ ‫م ّ‬ ‫ل عَن ْهُك ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سه ِ ْ‬‫ى أنُف ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م أك ِن ّك ً‬ ‫ى قُل ُككوب ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫جعَلَنا عَل َ‬
‫ك وَ َ ْ‬ ‫معُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن * وَ ِ‬ ‫كاُنوا ْ ي َْفت َُرو َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ى‬‫حّتك َ‬ ‫مُنكوا ْ ب َِهكا َ‬ ‫ل آَيكةٍ ل ّ ي ُؤْ ِ‬ ‫م وَْقرا ً وَِإن ي ََروْا ْ ك ُ ّ‬ ‫ذان ِهِ ْ‬‫يآ َ‬ ‫أن ي َْفَقُهوهُ وَفِ َ‬
‫َ‬
‫طيُر‬ ‫سككا ِ‬ ‫ذآ إ ِل ّ أ َ‬ ‫هـكك َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ك ََفككُروَا ْ إ ِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل اّلكك ِ‬ ‫ك ي َُقككو ُ‬ ‫جادُِلوَنكك َ‬ ‫ك يُ َ‬ ‫جككآُءو َ‬ ‫ذا َ‬ ‫إِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫س كه ُ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ أنُف َ‬ ‫ه وَِإن ي ُهْل ِك ُككو َ‬ ‫ن عَن ْك ُ‬ ‫ه وَي َن ْكأوْ َ‬ ‫ن عَن ْك ُ‬ ‫م ي َن ْهَوْ َ‬‫ن * وَهُ ْ‬ ‫الوِّلي َ‬
‫ن‬
‫شكككككككككككككككككككككككككككككككككككعُُرو َ‬ ‫مككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ي َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عن المشركين }ويوم نحشرهم جميعًا{ يككوم‬
‫القيامة‪ ,‬فيسألهم عن الصنام والنككداد‪ ,‬الككتي كككانوا يعبككدونها مككن‬
‫دونه‪ ,‬قككائل ً لهككم }أيككن شككركاؤكم الككذين كنتككم تزعمككون{ كقككوله‬
‫تعالى في سورة القصككص }ويككوم ينككاديهم فيقككول أيككن شككركائي‬
‫الذين كنتم تزعمككون{ وقككوله تعككالى‪} :‬ثككم لككم تكككن فتنتهككم{ أي‬
‫حجتهككم وقككال عطككاء الخراسككاني عنككه‪ :‬أي معككذرتهم‪ ,‬وكككذا قككال‬
‫قتادة‪ .‬وقكال ابككن جريككج‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ :‬أي قيلهككم وكككذا قككال‬
‫الضحاك وقال عطاء الخراسككاني‪} ,‬ثكم لكم تكككن فتنتهككم{ بليتهككم‬
‫حين ابتلوا }إل أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين{ وقككال جريككر‪:‬‬
‫‪574‬‬
‫والصواب ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إيكاهم‪ ,‬اعتككذارا ً عمككا سكلف‬
‫منهم من الشرك بالله‪} ,‬إل أن قالوا والله ربنا ما كنككا مشككركيم{‬
‫وقال ابن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككو سككعيد الشككج‪ ,‬حككدثنا أبككو يحيككى‬
‫الرازي‪ ,‬عن عمرو ابن أبي قيس‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن المنهال‪ ,‬عككن‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬عككن ابككن عبككاس قككال‪ :‬أتككاه رجككل فقككال‪ :‬يككا ابككن‬
‫عباس‪ ,‬سمعت الله يقول }والله ربنا ما كنا مشككركين{ قككال أمككا‬
‫قوله }والله ربنا ما كنا مشركين{ فإنهم رأوا أنه ل يككدخل الجنككة‪,‬‬
‫إل أهل الصلة‪ ,‬فقالوا‪ :‬تعالوا فلنجحد فيجحدون‪ ,‬فيختم الله على‬
‫أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم‪ ,‬ول يكتمون الله حديثًا‪ ,‬فهل فككي‬
‫لن شيء ؟ إنه ليس من القرآن إل ونزل فيه شككيء ولكككن‬ ‫قلبك ا َ‬
‫ل تعلمككون وجهككه‪ .‬وقككال الضككحاك عككن ابككن عبككاس‪ :‬هككذه فككي‬
‫لية مكية‪ ,‬والمنافقون إنما كككانوا‬ ‫المنافقين‪ ,‬وفيه نظر‪ ,‬فإن هذه ا َ‬
‫بالمدينة‪ ,‬والتي نزلت في المنككافقين آيككة المجادلككة }يككوم يبعثهككم‬
‫لية‪ ,‬وهكذا قال في حق هؤلء }انظككر‬ ‫الله جميعا ً فيحلفون له{‪ ,‬ا َ‬
‫كيف كذبوا على أنفسهم وضكل عنهكم مكا ككانوا يفكترون{ كقكوله‬
‫}ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا{‬
‫لية‪ .‬وقوله }ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن‬ ‫ا َ‬
‫يفقهوه وفككي آذانهككم وقككرا ً وإن يككروا كككل آيككة ل يؤمنككوا بهككا{ أي‬
‫يجيئون ليستمعوا قراءتك‪ ,‬ول تجزي عنهم شككيئا ً لن اللككه }جعككل‬
‫على قلوبهم أكنة{ أي أغطية‪ ,‬لئل يفقهككوا القككرآن }وفككي آذانهككم‬
‫وقرًا{ أي صمما ً عن السماع النافع لهم‪ ,‬كما قال تعككالى‪} :‬ومثككل‬
‫الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما ل يسمع إل دعاء ونككداء{ ا َ‬
‫ليككات‬‫وقوله }وإن يروا كل آية ل يؤمنوابهككا{ أي مهمككا رأوا مككن ا َ‬
‫والدللت والحجج البينات والبراهين‪ ,‬ل يؤمنوا بها فل فهم عندهم‬
‫ول إنصاف‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬ولو علم اللككه فيهككم خيككرا ً لسككمعهم{‬
‫لية‪ .‬وقوله تعككالى‪} :‬حككتى إذا جككاءوك يجادلونككك{ أي يحاجونككك‬ ‫ا َ‬
‫ويناظرونك‪ ,‬في الحق بالباطل‪} ,‬يقككول الككذين كفككروا إن هككذا إل‬
‫أساطير الولين{ أي ما هذا الذي جئت بككه‪ ,‬إل مككأخوذا ً مككن كتككب‬
‫الوائل‪ ,‬ومنقول عنهم‪ ,‬وقوله }وهم ينهون عنه وينأون عنه{ فككي‬
‫معنى ينهون عنه قولن‪) ,‬أحدهما(‪ :‬أن المراد أنهم ينهككون النككاس‬
‫عن اتباع الحق وتصديق الرسول والنقياد للقرآن‪} ,‬وينأون عنككه{‬
‫أي ويبعدون هم عنه‪ ,‬فيجمعون بين الفعلين القبيحين‪ ,‬ل ينتفعككون‬
‫‪575‬‬
‫ول يدعون أحدا ً ينتفع‪ ,‬قال علي بن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس‬
‫}وهم ينهكون عنككه{ يكردون النكاس عككن محمكد صكلى اللكه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬أن يؤمنوا به‪ .‬وقال محمد بن الحنفية‪ :‬كان كفار قريككش ل‬
‫يأتون النبي صلى الله عليه وسلم وينهون عنككه‪ ,‬وكككذا قككال قتككادة‬
‫ومجاهد والضحاك وغير واحد‪ ,‬وهذا القول أظهر‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬وهو‬
‫اختيار ابن جرير )والقول الثاني( رواه سفيان الثككوري عككن حككبيب‬
‫بن أبي ثابت‪ ,‬عمن سمع ابن عباس يقول في قوله }وهم ينهككون‬
‫عنه{ قال‪ :‬نزلت في أبككي طككالب‪ ,‬كككان ينهككى النككاس عككن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن يؤذى‪ ,‬وكذا قككال القاسككم بككن مخيمككرة‪,‬‬
‫وحبيب بن أبي ثابت‪ ,‬وعطاء بن دينار‪ ,‬وغيره‪ ,‬أنها نزلت في أبككي‬
‫طالب وقال سعيد بن أبي هلل‪ :‬نزلت فككي عمومككة النككبي صككلى‬
‫اللككه عليككه وسككلم وكككانوا عشككرة‪ ,‬فكككانوا أشككد النككاس معككه فككي‬
‫العلنية‪ ,‬وأشد الناس عليه في السر‪ ,‬رواه ابن أبككي حككاتم‪ ,‬وقككال‬
‫محمد بن كعب القرظي }وهم ينهون عنه{ أي ينهون الناس عككن‬
‫قتله‪ ,‬وقوله }وينككأون عنككه{ أي يتباعككدون منككه }وإن يهلكككون إل‬
‫أنفسهم ومككا يشككعرون{ أي ومككا يهلكككون بهككذا الصككنيع‪ ,‬ول يعككود‬
‫وبككككككككككككاله إل عليهككككككككككككم‪ ,‬وهككككككككككككم ل يشككككككككككككعرون‪.‬‬
‫ت‬ ‫ب ِبآي َككا ِ‬ ‫** وَل َوْ ت ََرىَ إ ِذ ْ وُقُِفوا ْ عََلى الّنارِ فََقاُلوا ْ ي َل َي ْت ََنا ن ُكَرد ّ وَل َ ن ُك َكذ ّ َ‬
‫مككن قَْبكك ُ‬
‫ل‬ ‫ن ِ‬ ‫خُفو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي ُ ْ‬
‫ما َ‬‫م ّ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬‫ل بَ َ‬ ‫ن * بَ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫َرب َّنا وَن َ ُ‬
‫ي إ ِل ّ‬ ‫هكك َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن * وََقككال ُوَا ْ إ ِ ْ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬‫ه وَإ ِن ّهُ ْ‬‫ما ن ُُهوا ْ عَن ْ ُ‬ ‫دوا ْ ل ِ َ‬ ‫دوا ْ ل ََعا ُ‬‫وَل َوْ ُر ّ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ى َرب ّهِك ْ‬ ‫ن * وَلكوْ ت َكَرىَ إ ِذ ْ وُقُِفككوا عَلك َ‬ ‫مب ُْعوِثي َ‬‫ن بِ َ‬‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا وَ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫مككا‬‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ذوُقوا ْ العَ ك َ‬ ‫ل فَ ك ُ‬ ‫ى وََرب ّن َككا قَككا َ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫حقّ َقالوا ب َل َ‬ ‫ذا ِبال ْ َ‬ ‫هـ َ‬‫س َ‬ ‫ل أل َي ْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫م ت َك ُْفكككككككككككككككككككككككككككككككككككُرو َ‬
‫ن‬ ‫كنُتككككككككككككككككككككككككككككككككككك ْ‬ ‫ُ‬
‫يككذكر تعككالى حككال الكفككار‪ ,‬إذا وقفككوا يككوم القيامككة علككى النككار‪,‬‬
‫وشاهدوا ما فيها من السلسل والغلل‪ ,‬ورأوا بأعينهم تلك المور‬
‫العظام والهوال‪ ,‬فعند ذلك‪ ,‬قالوا }يا ليتنككا نككرد ول نكككذب بآيككات‬
‫ربنا ونكون مككن المككؤمنين{ يتمنككون أن يككردوا إلككى الككدار الككدنيا‪,‬‬
‫ليعملكككوا عمل ً صكككالحًا‪ ,‬ول يككككذبوا بآيكككات ربهكككم‪ ,‬ويكونكككوا مكككن‬
‫المؤمنين‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل{‬
‫أي بل ظهر لهم حينئذ ما كككانوا يخفككون فككي أنفسككهم مككن الكفككر‬
‫‪576‬‬
‫لخككرة‪ ,‬كمككا‬ ‫والتكذيب والمعاندة‪ ,‬وإن أنكروها في الككدنيا أو فككي ا َ‬
‫قال قبله بيسير }ثم لم تكن فتنتهم إل أن قالوا والله ربنا مككا كنككا‬
‫مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم{ ويحتمل أنهم ظهر لهككم‬
‫ما كانوا يعلمونه من أنفسهم‪ ,‬من صدق ما جاءتهم به الرسل في‬
‫الككدنيا‪ ,‬وإن كككانوا يظهككرون لتبككاعهم خلفككه‪ ,‬كقككوله مخككبرا ً عككن‬
‫موسى‪ ,‬أنككه قككال لفرعككون }لقككد علمككت مككا أنككزل هككؤلء إل رب‬
‫لية‪ ,‬وقوله تعالى مخبرا ً عككن فرعككون‬ ‫السموات والرض بصائر{ ا َ‬
‫وقومه }وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما ً وعلوًا{ ويحتمل أن‬
‫يكككون المككراد بهككؤلء المنككافقين‪ ,‬الككذين كككانوا يظهككرون اليمككان‬
‫للناس ويبطنون الكفر‪ ,‬ويكون هذا إخبارا ً عما يكون يوم القيامككة‪,‬‬
‫من كلم طائفككة مككن الكفككار‪ ,‬ول ينككافي هككذا كككون هككذه السككورة‬
‫مكية‪ ,‬والنفاق إنما كان من بعض أهككل المدينككة ومككن حولهككا مككن‬
‫العراب‪ ,‬فقككد ذكككر اللككه وقككوع النفككاق فككي سككورة مكيككة‪ ,‬وهككي‬
‫العنكبوت‪ ,‬فقال }وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمككن المنككافقين{‬
‫لخكرة‪,‬‬ ‫وعلى هذا فيكون إخبارا ً عكن قككول المنكافقين فككي الكدار ا َ‬
‫حين يعاينون العذاب‪ ,‬فظهر لهم حينئذ غب ما كانوا يبطنككون مككن‬
‫الكفر والنفاق والشقاق‪ ,‬والله أعلكم‪ ,‬وأمكا معنكى الضكراب‪ ,‬فكي‬
‫قوله }بل(بدا لهم ما كككانوا يخفككون مككن قبككل{ فككإنهم مككا طلبككوا‬
‫العود إلى الدنيا رغبة ومحبة في اليمككان‪ ,‬بككل خوفكا ً مككن العككذاب‬
‫الذي عاينوه‪ ,‬جزاء على ما كانوا عليه من الكفر‪ ,‬فسكألوا الرجعككة‬
‫إلى الدنيا‪ ,‬ليتخلصوا مما شاهدوا من النار‪ ,‬ولهذا قككال }ولككو ردوا‬
‫لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون{ أي في طلبهم الرجعة‪ ,‬رغبككة‬
‫ومحبة في اليمان‪ ,‬ثم قال مخبرا ً عنهم أنهككم لككو ردوا إلككى الككدار‬
‫الدنيا لعادوا لما نهوا عنه‪ ,‬من الكفر والمخالفة }وإنهم لكككاذبون{‬
‫أي فككي قككولهم يككا ليتنككا نككرد ول نكككذب بآيككات ربنككا‪ ,‬ونكككون مككن‬
‫المؤمنين‪ ,‬وقالوا إن هي إل حياتنا الدنيا‪ ,‬ومككا نحككن بمبعككوثين‪ ,‬أي‬
‫لعادوا لما نهوا عنه‪ ,‬ولقالوا إن هي إل حياتنا الككدنيا أي مككا هككي إل‬
‫هذه الحياة الدنيا ثم ل معاد بعدها‪ ,‬ولهذا قال وما نحككن بمبعككوثين‬
‫ثم قال }ولو ترى إذ وقفوا على ربهم{ أي أوقفوا بين يككديه قككال‬
‫}أليس هذا بالحق ؟{ أي أليس هذا المعككاد بحككق‪ ,‬وليككس بباطككل‬
‫كما كنتم تظنون‪} ,‬قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العككذاب بمككا كنتككم‬
‫‪577‬‬
‫تكفرون{ أي بما كنتم تكذبون به‪ ,‬فكذوقوا اليكوم مسكه }أفسكحر‬
‫هكككككككككككككككككككذا أم أنتكككككككككككككككككككم ل تبصكككككككككككككككككككرون{‪.‬‬
‫ة‬‫ة ب َغَْتكك ً‬
‫سككاعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫جآَءت ْهُ ُ‬‫ذا َ‬ ‫ى إِ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ْ ب ِل َِقآِء الل ّهِ َ‬
‫حت ّ‬ ‫سَر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫** قَد ْ َ‬
‫ى‬ ‫ن أ َوَْزاَرهُ ك ْ َ‬ ‫مل ُككو َ‬ ‫ما فَّرط َْنا ِفيهَككا وَهُ ك ْ‬ ‫َ‬ ‫َقاُلوا ْ ي َ َ‬
‫م عَل ك َ‬ ‫ح ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫ى َ‬ ‫س ََرت ََنا عَل َ‬‫ح ْ‬
‫ب وَل َهْ ك ٌ‬
‫و‬ ‫حي َككاةُ ال كد ّن َْيآ إ ِل ّ ل َعِ ك ٌ‬‫مككا ال ْ َ‬‫ن * وَ َ‬ ‫مككا ي َكزُِرو َ‬ ‫سآَء َ‬‫م أل َ َ‬ ‫ظ ُُهورِهِ ْ‬
‫خيكككككر ل ّّلكككككذين يتُقكككككو َ‬
‫ن أفَل َ ت َعِْقُلكككككو َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َّ‬ ‫ٌ‬ ‫خكككككَرةُ َ ْ‬ ‫داُر ال َ ِ‬ ‫وََللككككك ّ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عن خسارة من كذب بلقائه‪ ,‬وعككن خيبتككه إذا‬
‫جاءته الساعة بغتة‪ ,‬وعن ندامته على مككا فككرط مككن العمككل‪ ,‬ومككا‬
‫أسلف من قبيح الفعل‪ ,‬ولهذا قال }حتى إذا جاءتهم الساعة بغتككة‬
‫قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها{ وهذا الضمير يحتمككل عككوده‬
‫لخككرة‪ ,‬أي فككي أمرهككا‪,‬‬ ‫على الحياة‪ ,‬وعلى العمال وعلككى الككدار ا َ‬
‫وقوله }وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم أل ساء ما يككزرون{‬
‫أي يحملون‪ ,‬وقال قتادة يعملون‪ ,‬وقال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫سعيد الشج‪ ,‬حدثنا أبو خالد الحمر‪ ,‬عن عمرو بن قيس‪ ,‬عن أبي‬
‫مرزوق‪ ,‬قال‪ :‬يستقبل الكافر أو الفككاجر عنككد خروجككه مككن قككبره‪,‬‬
‫مككا‬‫كأقبح صورة رأيتها‪ ,‬وأنتنه ريحًا‪ ,‬فيقول مككن أنككت ؟ فيقككول أوَ َ‬
‫تعرفني‪ ,‬فيقول‪ :‬ل والله‪ ,‬إل أن اللككه قبككح وجهككك‪ ,‬وأنتككن ريحككك‪,‬‬
‫فيقول‪ :‬أنا عملكك الخكبيث‪ ,‬هككذا كنكت فكي الككدنيا خكبيث العمكل‬
‫منتنه‪ ,‬فطالما ركبتني فككي الككدنيا هلككم أركبككك‪ ,‬فهككو قككوله }وهككم‬
‫لية‪ ,‬وقال أسباط عن السككدي‬ ‫يحملون أوزارهم على ظهورهم{ ا َ‬
‫أنه قال‪ :‬ليس من رجل ظالم يككدخل قككبره‪ ,‬إل جككاءه رجككل قبيككح‬
‫الوجه‪ ,‬أسود اللون‪ ,‬منتن الريح‪ ,‬وعليه ثيككاب دنسككة‪ ,‬حككتى يككدخل‬
‫معه قبره‪ ,‬فإذا رآه قال‪ :‬ما أقبح وجهك ؟ قال‪ :‬كذلك كان عملككك‬
‫قبيحًا‪ ,‬قال‪ :‬ما أنتن ريحك ؟ قال‪ :‬كذلك كان عملك منتنًا‪ ,‬قال‪ :‬ما‬
‫أدنس ثيابك ؟ قال‪ :‬فيقول‪ :‬إن عملك كان دنسًا‪ ,‬قال له‪ :‬من أنت‬
‫؟ قال‪ :‬عملك‪ ,‬قال‪ :‬فيكون معه في قبره‪ ,‬فإذا بعث يوم القيامككة‬
‫قال له‪ :‬إني كنت أحملككك فككي الككدنيا باللككذات والشككهوات‪ ,‬وأنككت‬
‫اليوم تحملني‪ ,‬قال‪ :‬فيركككب علككى ظهككره‪ ,‬فيسككوقه حككتى يككدخله‬
‫النار‪ ,‬فذلك قوله }وهم يحملون أوزارهم علككى ظهكورهم أل سكاء‬
‫‪578‬‬
‫ما يزرون{‪ .‬وقككوله }ومككا الحيككاة الككدنيا إل لعككب ولهككو{ أي إنمككا‬
‫لخكرة خيكر للكذين يتقكون أفل تعقلكون{‪.‬‬ ‫غالبهكا ككذلك }وللكدار ا َ‬
‫ك وََلـكك ِ ّ‬
‫ن‬ ‫م ل َ ي ُك َكذ ُّبون َ َ‬ ‫ن فَكإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ذي ي َُقول ُككو َ‬ ‫ك ال ّك ِ‬ ‫حُزن ُك َ‬ ‫ه ل َي َ ْ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫** قَد ْ ن َعْل َ ُ‬
‫ك‬ ‫مكن قَب ِْلك َ‬ ‫ل ّ‬ ‫سك ٌ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫ككذ ّب َ ْ‬ ‫ن * وَل ََقكد ْ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫حك ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت الّلكهِ ي َ ْ‬ ‫ن ِبآَيكا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ما ك ُذ ُّبوا ْ وَُأو ُ‬
‫ت‬ ‫مككا ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬ ‫مب َد ّ َ‬ ‫صُرَنا وَل َ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ى أَتاهُ ْ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫ذوا ْ َ‬ ‫ى َ‬ ‫ْ َ‬
‫صب َُروا عَل َ‬ ‫فَ َ‬
‫ك‬ ‫ن ك َُبككَر عَل َْيكك َ‬ ‫كككا َ‬ ‫ن * وَِإن َ‬ ‫سككِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مككن ن َّبككإ ِ ال ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫جككآَء َ‬ ‫الّلككهِ وََلقككد ْ َ‬
‫س كّلما ً فِككي‬ ‫َ‬ ‫ي ن ََفقا ً‬ ‫إعْراضهم فَإن استط َعت َ‬
‫ض أو ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ال‬ ‫كي‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫ِ َ ُ ُ ْ ْ ِ‬
‫ن‬‫م عََلى ال ْهُ كد َىَ فَل َ ت َك ُككون َ ّ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ج َ‬‫ه لَ َ‬ ‫شآَء الل ّ ُ‬ ‫م ِبآي َةٍ وَل َوْ َ‬ ‫مآِء فَت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫م‬ ‫ى ي َب ْعَث ُهُ ك ُ‬ ‫م كوْت َ َ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫سك َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّك ِ‬ ‫جي ُ‬ ‫س كت َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن * إ ِن ّ َ‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬
‫ِ‬
‫ن‬
‫جعُككككككككككككككككو َ‬ ‫م إ ِل َي ْككككككككككككككككهِ ي ُْر َ‬ ‫ه ث ُكككككككككككككككك ّ‬ ‫الل ّكككككككككككككككك ُ‬
‫يقول تعالى مسكليا ً لنكبيه صكلى اللكه عليكه وسكلم‪ ,‬فكي تككذيب‬
‫قومه له ومخالفتهم إياه }قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولككون{ أي‬
‫قد أحطنا علما ً بتكذيبهم لك‪ ,‬وحزنك وتأسفك عليهم‪ ,‬كقككوله }فل‬
‫ليكة الخكرى‬ ‫تذهب نفسك عليهم حسرات{ كما قال تعكالى فكي ا َ‬
‫}لعلك باخع نفسك أن ل يكونوا مككؤمنين{ }فلعلككك بككاخع نفسككك‬
‫على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحككديث أسككفًا{ وقككوله }فككإنهم ل‬
‫يكذبونك ولكككن الظككالمين بآيككات اللككه يجحككدون{ أي ل يتهمونككك‬
‫بالكذب في نفس المر }ولكن الظككالمين بآيككات اللككه يجحككدون{‬
‫أي ولكنهم يعاندون الحق‪ ,‬ويدفعونه بصدورهم‪ ,‬كمكا قكال سكفيان‬
‫الثوري عن أبي إسحاق‪ ,‬عن ناجية بن كعب‪ ,‬عن علي‪ ,‬قال‪ :‬قككال‬
‫أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬إنا ل نكككذبك‪ ,‬ولكككن نكككذب‬
‫ما جئت به‪ ,‬فأنزل الله }فإنهم ل يكذبونك ولكن الظككالمين بآيككات‬
‫اللككه يجحككدون{ ورواه الحككاكم مككن طريككق إسككرائيل عككن أبككي‬
‫إسحاق‪ ,‬ثم قال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ ,‬وقككال‬
‫ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة‪ ,‬حدثنا بشر‬
‫بن المبشككر الواسككطي‪ ,‬عككن سككلم بككن مسكككين‪ ,‬عككن أبككي يزيككد‬
‫المدني‪ ,‬أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبككا جهككل فصككافحه‪,‬‬
‫فقال له رجل‪ :‬أل أراك تصافح هككذا الصككابى ؟ فقككال‪ :‬واللككه إنككي‬
‫لعلم إنه لنبي‪ ,‬ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا ً ؟ وتل أبو يزيككد‬
‫}فإنهم ل يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون{ وقال أبو‬
‫‪579‬‬
‫صالح وقتادة‪ :‬يعلمون أنك رسول الله ويجحدون‪ ,‬وذكر محمد بككن‬
‫إسحاق عن الزهري في قصة أبي جهل‪ ,‬حين جككاء يسككتمع قككراءة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من الليل‪ ,‬هو وأبو سككفيان صككخر بككن‬
‫لخر‪,‬‬ ‫حككرب‪ ,‬والخنككس بككن شككريق‪ ,‬ول يشككعر أحككد منهككم بككا َ‬
‫فاسككتمعوها إلككى الصككباح‪ ,‬فلمككا هجككم الصككبح تفرقككوا‪ ,‬فجمعتهككم‬
‫لخر‪ :‬ما جاء بك ؟ فذكر له ما جككاء بككه‪,‬‬ ‫الطريق‪ ,‬فقال كل منهم ل َ‬
‫ثم تعاهدوا أن ل يعودوا لما يخافون من علم شكباب قريكش بهكم‪,‬‬
‫لئل يفتتنوا بمجيئهم‪ ,‬فلما كانت الليلة الثانية جاء كككل منهككم‪ ,‬ظن كا ً‬
‫أن صاحبيه ل يجيئان‪ ,‬لما سبق من العهود‪ ,‬فلما أصبحوا جمعتهككم‬
‫الطريككق‪ ,‬فتلومككوا ثككم تعاهككدوا أن ل يعككودوا‪ ,‬فلمككا كككانت الليلككة‬
‫الثالثة جاؤوا أيضًا‪ ,‬فلما أصككبحوا تعاهككدوا أن ل يعككودوا لمثلهككا ثككم‬
‫تفرقوا‪ ,‬فلما أصبح الخنس بن شريق أخذ عصاه‪ ,‬ثككم خككرج حككتى‬
‫أتى أبا سفيان بن حرب في بيته‪ ,‬فقال‪ :‬أخبرني يا أبا حنظلة عككن‬
‫رأيك فيما سمعت من محمد‪ ,‬قال‪ :‬يا أبا ثعلبة والله لقككد سككمعت‬
‫أشياء أعرفها‪ ,‬وأعرف مككا يككراد بهككا‪ ,‬وسككمعت أشككياء مككا عرفككت‬
‫معناها ول ما يراد بها‪ ,‬قككال الخنككس‪ :‬وأنككا والككذي حلفككت بككه‪ ,‬ثككم‬
‫خرج من عنده حتى أتى أبا جهل‪ ,‬فدخل عليه بيتككه‪ ,‬فقككال‪ :‬يككا أبككا‬
‫الحكم ما رأيك فيما سككمعت مككن محمككد ؟ قككال‪ :‬مككاذا سككمعت ؟‬
‫قال‪ :‬تنازعنا نحككن وبنككو عبككد منككاف الشككرف‪ ,‬أطعمككوا فأطعمنككا‪,‬‬
‫وحملوا فحملنا‪ ,‬وأعطوا فأعطينا‪ ,‬حككتى إذا تجاثينككا علككى الركككب‪,‬‬
‫وكنا كفرسي رهان‪ ,‬قالوا‪ :‬منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمككتى‬
‫ندرك هذه ؟ والله ل نؤمن بككه أبككدا ً ول نصككدقه‪ ,‬قككال‪ :‬فقككام عنككه‬
‫الخنككككككككككككككككككككككككككككككككككس وتركككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وروى ابن جرير من طريق أسباط عن السككدي فككي قككوله }قككد‬
‫نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم ل يكذبونك ولكككن الظككالمين‬
‫بآيات الله يجحدون{ لما كان يوم بككدر‪ ,‬قككال الخنككس بككن شككريق‬
‫لبني زهرة‪ :‬يا بني زهرة إن محمدا ً ابن أختكم فأنتم أحق من ذب‬
‫عن ابن أخته‪ ,‬فإنه إن كان نبيا ً لم تقاتلوه اليككوم‪ ,‬وإن كككان كاذب كا ً‬
‫كنتم أحق من كف عن ابن أخته‪ ,‬قفوا حتى ألقى أبا الحكم‪ ,‬فككإن‬
‫غلب محمد رجعتم سككالمين‪ ,‬وإن غلككب محمككد‪ ,‬فككإن قككومكم لككم‬
‫ي كك‬ ‫يصنعوا بكم شككيئا ً كك فيككومئذ سككمي الخنكس وكككان اسكمه أبك ّ‬
‫فالتقى الخنس وأبو جهل‪ ,‬فخل الخنس بأبي جهككل فقككال‪ :‬يككا أبككا‬
‫‪580‬‬
‫الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كككاذب‪ ,‬فككإنه ليككس هاهنككا‬
‫من قريش غيري وغيرك يستمع كلمنا ؟ فقككال أبككو جهككل‪ :‬ويحككك‬
‫والله إن محمدا ً لصادق‪ ,‬وما كذب محمد قط‪ ,‬ولكن إذا ذهبت بنو‬
‫قصككي بككاللواء والسككقاية والحجابككة والنبككوة‪ ,‬فمككاذا يكككون لسككائر‬
‫قريش ؟ فذلك قوله }فككإنهم ل يكككذبونك ولكككن الظككالمين بآيككات‬
‫اللككه يجحككدون{ فآيككات اللككه محمككد صككلى اللككه عليككه وسككلم‪.‬‬
‫وقوله }ولقد كككذبت رسككل مككن قبلككك فصككبروا علككى مككا كككذبوا‬
‫وأوذوا حتى أتاهم نصرنا{ هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وتعزية له‪ ,‬فيمن كذبه من قومه‪ ,‬وأمر له بالصبر كمككا صككبر أولككو‬
‫العزم من الرسل‪ ,‬ووعد لككه بالنصككر كمككا نصككروا‪ ,‬وبككالظفر حككتى‬
‫كانت لهم العاقبة‪ ,‬بعد ما نالهم من التكككذيب مككن قككومهم والذى‬
‫لخككرة‪,‬‬ ‫البليغ‪ ,‬ثم جاءهم النصر في الككدنيا كمككا لهككم النصككر فككي ا َ‬
‫ولهذا قال }ول مبدل لكلمككات اللككه{ أي الككتي كتبهككا بالنصككر فككي‬
‫لخرة لعباده المككؤمنين‪ ,‬كمككا قككال }ولقككد سككبقت كلمتنككا‬ ‫الدنيا وا َ‬
‫لعبادنككا المرسككلين * إنهككم لهككم المنصككورون * وإن جنككدنا لهككم‬
‫الغالبون{ وقال تعالى‪} :‬كتب الله لغلبن أنا ورسلي إن الله قوي‬
‫عزيز{ وقوله }ولقد جاءك من نبككأ المرسككلين{ أي مككن خككبرهم‪,‬‬
‫كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم‪ ,‬فلك فيهككم أسككوة‬
‫وبهم قدوة‪ .‬ثم قال تعالى‪} :‬وإن ككان ككبر عليكك إعراضكهم{ أي‬
‫إن كان شق عليك إعراضهم عنك }فإن استطعت أن تبتغي نفق كا ً‬
‫في الرض أو سلما ً في السماء{ قال علي بككن أبككي طلحككة‪ ,‬عككن‬
‫ابن عباس‪ :‬النفق السرب‪ ,‬فتذهب فيه فتأتيهم بآية‪ ,‬أو تجعل لككك‬
‫سلما ً في السماء‪ ,‬فتصعد فيه فتأتيهم بآية‪ ,‬أفضل ممككا آتيتهككم بككه‬
‫فافعل‪ ,‬وكذا قال قتادة والسدي وغيرهما‪ .‬وقوله }ولو شككاء اللككه‬
‫لجمعهم على الهدى فل تكونن من الجاهلين{ كقوله تعالى‪} :‬ولو‬
‫لية‪ ,‬قككال علككي بككن‬ ‫لمن من في الرض كلهم جميعًا{ ا َ‬ ‫شاء ربك َ‬
‫أبي طلحة عن ابن عباس في قوله }ولو شاء الله لجمعهككم علككى‬
‫الهدى{ قال‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم كككان يحككرص‬
‫أن يؤمن جميعم الناس‪ ,‬ويتابعوه على الهدى‪ ,‬فأخبره اللككه أنككه ل‬
‫يؤمن إل من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الول‪ ,‬وقوله‬
‫تعالى }إنما يستجيب الذين يسمعون{ أي إنما يسككتجيب لككدعائك‬
‫يا محمد من يسمع الكلم ويعيه ويفهمه‪ ,‬كقوله }لينككذر مككن كككان‬
‫‪581‬‬
‫حيا ً ويحق القول على الكافرين{‪ .‬وقوله }والموتى يبعثهم الله ثم‬
‫إليه يرجعون{ يعني بذلك الكفار‪ ,‬لنهم مككوتى القلككوب‪ ,‬فشككبههم‬
‫اللككه بككأموات الجسككاد‪ ,‬فقككال }والمككوتى يبعثهككم اللككه ثككم إليككه‬
‫يرجعكككون{ وهكككذا مكككن بكككاب التهككككم بهكككم والزدراء عليهكككم‪.‬‬
‫ى َأن‬ ‫َ‬
‫ه قَككادٌِر عَلك َ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫مككن ّرب ّكهِ قُك ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ‬ ‫** وََقاُلوا ْ ل َوْل َ ن ُّز َ‬
‫ض وَل َ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ال‬ ‫فككي‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬‫ّ‬ ‫ب‬‫دآ‬
‫َ‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫م ل َ ي َعْل َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ن أ َك ْ‬‫ة وََلـك ِ ّ‬‫ل آي َ ً‬ ‫ي ُن َّز ٍ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مككن‬‫ب ِ‬ ‫مككا فَّرط ْن َككا فِككي الك ِت َككا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫مث َككال ُك ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مك ٌ‬ ‫حي ْهِ إ ِل ّ أ َ‬ ‫جَنا َ‬
‫طيُر ب ِ َ‬
‫طائ ِرٍ ي َ ِ‬ ‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫م وَب ُك ْ ٌ‬ ‫ن ك َذ ُّبو ْا ْ ِبآَيات َِنا ُ‬
‫ص ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * َوال ّ ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫م يُ ْ‬ ‫ى َرب ّهِ ْ‬ ‫يٍء ث ُ ّ َ‬
‫م إ ِل َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ط‬
‫صكَرا ٍ‬ ‫ى ِ‬ ‫جعَل ْك ُ َ‬ ‫مككن ي َ َ‬ ‫ضكل ِل ْ ُ‬ ‫شكإ ِ الل ّك ُ‬ ‫مككن ي َ َ‬ ‫الظ ّل ُ َ‬
‫ه عَلك َ‬ ‫ش كأ ي َ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مككا ِ‬
‫سكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككت َِقيم ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المشركين‪ ,‬أنهم كانوا يقولون لككول نككزل‬ ‫ً‬
‫عليه آية من ربه‪ ,‬أي خارق على مقتضى ما كككانوا يريككدون‪ ,‬وممككا‬
‫يتعنتون كقولهم }لن نؤمن لك حتى تفجر لنا مككن الرض ينبوعكًا{‬
‫ليككات }قككل إن اللككه قككادر علككى أن ينككزل آيككة ولكككن أكككثرهم ل‬ ‫ا َ‬
‫يعلمككون{ أي هككو تعككالى قككادر علككى ذلككك‪ ,‬ولكككن حكمتككه تعككالى‬
‫تقتضي تأخير ذلك‪ ,‬لنه لو أنككزل وفككق مككا طلبككوا ثككم لككم يؤمنككوا‪,‬‬
‫لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالمم السالفة‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬ومككا‬
‫ليات إل أن كذب بها الولون وآتينا ثمككود الناقككة‬ ‫منعنا أن نرسل با َ‬
‫ليككات إل تخويف كًا{ وقككال تعككالى‪:‬‬ ‫مبصرة فظلموا بها وما نرسل با َ‬
‫}إن نشككأ ننككزل عليهككم مككن السككماء آيككة فظلككت أعنككاقهم لهككا‬
‫خاضككعين{‪ .‬وقككوله }ومككا مككن دابككة فككي الرض ول طككائر يطيككر‬
‫بجناحيه إل أمم أمثالكم{ قال مجاهد‪ :‬أي أصككناف مصككنفة تعككرف‬
‫بأسمائها‪ .‬وقال قتادة‪ :‬الطير أمة‪ ,‬والنس أمة‪ ,‬والجن أمة‪ ,‬وقككال‬
‫السككككككدي }إل أمككككككم أمثككككككالكم{ أي خلككككككق أمثككككككالكم‪.‬‬
‫وقوله }ما فرطنا في الكتاب من شيء{ أي الجميع علمهم عند‬
‫الله‪ ,‬ول ينسى واحدا ً من جميعها من رزقككه وتككدبيره‪ ,‬سككواء كككان‬
‫بريا ً أو بحريًا‪ ,‬كقوله }وما من دابة في الرض إل على الله رزقهككا‬
‫ويعلم مسككتقرها ومسككتودعها كككل فككي كتككاب مككبين{ أي مفصككح‬
‫بأسمائها وأعككدادها ومظانهككا‪ ,‬وحاصككر لحركاتهككا وسكككناتها‪ ,‬وقككال‬
‫تعالى‪} :‬وكأين من دابة ل تحمل رزقها اللككه يرزقهككا وإيككاكم وهككو‬
‫‪582‬‬
‫السميع العليم{ وقككد قككال الحككافظ أبككو يعلككى‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫المثنى‪ ,‬حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عبككاد‪ ,‬حككدثني محمككد بككن‬
‫عيسى بن كيسان‪ ,‬حدثنا محمد بككن المنكككدر‪ ,‬عككن جككابر بككن عبككد‬
‫الله‪ ,‬قال‪ :‬قل الجراد في سنة من سني عمر رضي الله عنه التي‬
‫ولي فيها‪ ,‬فسأل عنه فلم يخبر بشيء‪ ,‬فاغتم لذلك‪ ,‬فأرسل راكبا ً‬
‫إلى كذا‪ ,‬وآخر إلى الشام‪ ,‬وآخر إلى العراق‪ ,‬يسأل هل رؤي مككن‬
‫الجراد شيء أم ل ؟ قككال‪ :‬فأتككاه الراكككب الككذي مككن قبككل اليمككن‬
‫بقبضة من جراد‪ ,‬فألقاها بين يديه‪ ,‬فلما رآها كككبر ثلث كًا‪ ,‬ثككم قككال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقككول »خلككق اللككه عككز‬
‫وجل ألف أمة منها ستمائة فككي البحككر وأربعمككائة فككي الككبر وأول‬
‫شيء يهلك من هذه المم الجراد فإذا هلكت تتابعت مثكل النظكام‬
‫إذا قطع سلكه«‪ .‬وقوله }ثم إلى ربهم يحشرون{ قككال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حدثنا أبككو نعيككم‪ ,‬حككدثنا سككفيان عككن‬
‫أبيككه‪ ,‬عككن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس فككي قككوله }ثككم إلككى ربهككم‬
‫يحشرون{ قال‪ :‬حشرها الموت‪ ,‬وكذا رواه ابن جرير مككن طريككق‬
‫إسرائيل‪ ,‬عن سعيد عن مسروق‪ ,‬عككن عكرمككة عككن ابككن عبككاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬موت البهائم حشرها‪ ,‬وكذا رواه العوفي عنه‪ ,‬قال ابككن أبككي‬
‫حككاتم‪ :‬وروي عككن مجاهككد والضككحاك مثلككه‪) :‬والقككول الثككاني( إن‬
‫حشرها هو يوم بعثها يوم القيامة‪ ,‬لقوله }وإذا الوحوش حشرت{‬
‫وقككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا محمككد بككن جعفككر‪ ,‬حككدثنا شككعبة عككن‬
‫سككليمان‪ ,‬عككن منككذر الثككوري‪ ,‬عككن أشككياخ لهككم‪ ,‬عككن أبككي ذر‪ ,‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان‪ ,‬فقال »يككا‬
‫أبا ذر هل تدري فيم تنتطحان ؟« قال‪ :‬ل‪ ,‬قال »لكككن اللككه يككدري‬
‫وسيقضي بينهما« ورواه عبد الرزاق‪ ,‬عككن معمككر‪ ,‬عككن العمككش‪,‬‬
‫عمن ذكره‪ ,‬عن أبي ذر‪ ,‬قال‪ :‬بينا نحن عند رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬إذ انتطحت عنزان‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليككه‬
‫وسلم‪» :‬أتدرون فيم انتطحتا ؟« قالوا‪ :‬ل ندري‪ ,‬قكال »لككن اللكه‬
‫يدري وسيقضي بينهما« رواه ابن جرير‪ ,‬ثم رواه من طريق منككذر‬
‫الثوري‪ ,‬عن أبي ذر‪ ,‬فذكره‪ ,‬وزاد‪ :‬قال أبو ذر‪ :‬ولقد تركنا رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء‪ ,‬إل‬
‫ذكر لنا منه علمًا‪ ,‬وقال عبد الله بن المام أحمد في مسككند أبيككه‪:‬‬
‫حدثني عباس بن محمد‪ ,‬وأبو يحيى البزار‪ ,‬قال‪ :‬حككدثنا حجككاج بككن‬
‫‪583‬‬
‫نصير‪ ,‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن العوام بن مراجم من بني قيس بن ثعلبة‪,‬‬
‫عن أبي عثمان النهدي‪ ,‬عكن عثمكان رضكي اللكه عنكه‪ ,‬أن رسكول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قكال »إن الجمكاء لتقتكص مكن القرنكاء‬
‫يوم القيامة« وقككال عبككد الككرزاق‪ :‬أخبرنككا معمككر‪ ,‬عككن جعفككر بككن‬
‫برقان‪ ,‬عن يزيد بن الصم‪ ,‬عن أبككي هريككرة‪ ,‬فككي قككوله }إل أمككم‬
‫أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهككم يحشككرون{‬
‫قال‪ :‬يحشر الخلق كلهككم يككوم القيامككة‪ ,‬البهككائم والكدواب والطيكر‬
‫وككل شكيء‪ ,‬فيبلكغ مكن عكدل اللكه يكومئذ‪ ,‬أن يأخكذ للجمكاء مكن‬
‫القرناء‪ ,‬ثم يقول كوني ترابًا‪ ,‬فلذلك يقول الكافر }يا ليتنككي كنككت‬
‫ترابككككًا{ وقككككد روي هككككذا مرفوعككككا ً فككككي حككككديث الصككككور‪.‬‬
‫وقوله }والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات{ أي مثلهككم‬
‫في جهلهم‪ ,‬وقلة علمهم‪ ,‬وعدم فهمهم‪ .‬كمثل أصم‪ ,‬وهو الككذي ل‬
‫يسمع‪ ,‬أبكم وهو الذي ل يتكلم‪ ,‬وهو مع هذا في ظلمات ل يبصككر‪,‬‬
‫فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق‪ ,‬أو يخرج مما هو فيككه‪ ,‬كقككوله‬
‫}مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ً فلما أضاءت ما حوله ذهككب اللككه‬
‫بنورهم وتركهم في ظلمات ل يبصرون * صم بكككم عمككي فهككم ل‬
‫جككي يغشككاه‬‫يرجعون{ وكما قال تعالى‪} :‬أو كظلمككات فككي بحككر ل ّ‬
‫موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضككها فككوق بعككض‬
‫إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا ً فما لكه مككن‬
‫نور{ ولهذا قككال }مككن يشككأ اللككه يضككلله ومككن يشككأ يجعلككه علككى‬
‫صككراط مسككتقيم{ أي هككو المتصككرف فككي خلقككه بمككا يشككاء‪.‬‬
‫ككم السكاعَ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫كم إ َ‬ ‫** قُ ْ َ َ‬

‫ة أغَْيكَر الّلكهِ‬ ‫ّ‬ ‫ب الّلكهِ أوْ أت َت ْ ُ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫عك َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أَتاك ُ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ُ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫عو َ‬ ‫مككا ت َكد ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫شك ُ‬ ‫ن فَي َك ْ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ل إ ِي ّككاهُ ت َكد ْ ُ‬ ‫ن * بَ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ن ِإن ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مككن‬ ‫م كم ٍ ّ‬ ‫ىأ َ‬ ‫سككلَنآ إ ِلك َ‬ ‫ن * وَل ََقكد ْ أْر َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫شآَء وََتن َ‬ ‫ن َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ إ ِ ْ‬
‫ول إ ِذ ْ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫رآ‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫وال‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫كآ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫ك فَأ َخكذ ْناهم بال ْبأ ْ‬ ‫قَب ْل ِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ ِ َ‬
‫شي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫م وََزي ّ َ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫كن قَ َ‬ ‫عوا ْ وََلـ ِ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫سَنا ت َ َ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫جآَءهُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ب ك ُك ّ‬ ‫وا َ‬ ‫م أب ْك َ‬ ‫حن َككا عَل َي ْهِ ك ْ‬ ‫ما ذ ُك ُّروا ْ ب ِهِ فَت َ ْ‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ن * فَل َ ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ّ ي َعْ َ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫سككو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫هكك ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ة فَإ ِ َ‬ ‫م ب َغْت َ ً‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫مآ ُأوت ُوَا ْ أ َ َ‬ ‫حوا ْ ب ِ َ‬ ‫ذا فَرِ ُ‬ ‫ى إِ َ‬‫حت ّ َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ب ال َْعككال َ ِ‬ ‫مككد ُ لّلككهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫مككوا ْ َوال ْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫داِبككُر ال َْقككوْم ِ اّلكك ِ‬ ‫طككعَ َ‬ ‫فَُق ِ‬
‫‪584‬‬
‫يخبر تعالى أنه الفّعال لما يريد‪ ,‬المتصرف في خلقه بمككا يشككاء‪,‬‬
‫وأنه ل معقب لحكمه‪ ,‬ول يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقككه‪,‬‬
‫بل هو وحده ل شريك له‪ ,‬الذي إذا سئل يجيب لمن يشككاء‪ ,‬ولهككذا‬
‫قال }قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة{ أي أتاكم‬
‫هذا أو هذا }أغيككر اللككه تككدعون إن كنتككم صككادقين{ أي ل تككدعون‬
‫غيره لعلمكم َأنه ل يقدر أحد علككى رفككع ذلككك سككواه‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫}إن كنتم صادقين{ أي في اتخاذكم آلهة معككه }بككل إيككاه تككدعون‬
‫فيكشف ما تدعون إليه إن شككاء وتنسككون مككا تشككركون{ أي فككي‬
‫وقت الضرورة‪ ,‬ل تككدعون أحككدا ً سككواه‪ ,‬وتككذهب عنكككم أصككنامكم‬
‫وأندادكم‪ ,‬كقوله }وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إل‬
‫لية‪ ,‬وقوله }ولقد أرسككلنا إلككى أمككم مككن قبلككك فأخككذناهم‬ ‫إياه{ ا َ‬
‫بالبأساء{ يعنككي الفقككر والضككيق فككي العيككش‪} ,‬والضككراء{ وهككي‬
‫للم‪} ,‬لعلهككم يتضككرعون{ أي يككدعون اللككه‬ ‫المراض والسقام وا َ‬
‫ويتضرعون إليه ويخشككعون‪ ,‬قككال اللككه تعككالى‪} :‬فلككول إذ جككاءهم‬
‫بأسنا تضرعوا{ أي فهل إذ ابتليناهم بذلك‪ ,‬تضرعوا إلينا وتمسكنوا‬
‫لدينا‪ ,‬ولكن }قست قلوبهم{ أي ما رقت ول خشعت }وزين لهككم‬
‫الشيطان ما كانوا يعملون{ أي من الشرك والمعاندة والمعاصي‪,‬‬
‫}فلما نسوا ما ذكروا به{ أي أعرضوا عنه وتناسوه‪ ,‬وجعلوه وراء‬
‫ظهورهم‪} ,‬فتحنا عليهم أبواب كل شيء{ أي فتحنا عليهم أبككواب‬
‫الرزق من كل ما يختارون‪ ,‬وهذا استدراج منه تعككالى وإملء لهككم‪,‬‬
‫عياذا ً بالله من مكره‪ ,‬ولهذا قال }حتى إذا فرحككوا بمككا أوتككوا{ أي‬
‫من المككوال والولد والرزاق‪} ,‬أخككذناهم بغتككة{ أي علككى غفلككة‪,‬‬
‫}فإذا هم مبلسون{ أي آيسون من كل خير‪ ,‬قال الوالبي عن ابن‬
‫ليس‪ ,‬وقككال الحسككن البصككري‪ :‬مككن وسككع اللككه‬ ‫عباس‪ :‬المبلس ا َ‬
‫عليه فلم ير أنه يمكر به‪ ,‬فل رأي له‪ ,‬ومن قتر عليككه فلككم يككر أنككه‬
‫ينظر له‪ ,‬فل رأي له‪ ,‬ثم قرأ }فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم‬
‫أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتككة فككإذا هككم‬
‫مبلسككون{ قككال‪ :‬مكككر بككالقوم ورب الكعبككة‪ ,‬أعطككوا حككاجتهم ثككم‬
‫أخذوا‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم‪ ,‬وقال قتادة‪ :‬بغت القوم أمر الله‪ ,‬ومككا‬
‫أخذ الله قوما ً قط‪ ,‬إل عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهككم‪ ,‬فل تغككتروا‬
‫بالله‪ ,‬فإنه ل يغتر بالله إل القوم الفاسقون‪ ,‬رواه ابككن أبككي حككاتم‬
‫أيضككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫‪585‬‬
‫وقال مالك عن الزهري }فتحنا عليهم أبواب كككل شككيء{ قككال‪:‬‬
‫رخاء الدنيا ويسرها‪ ,‬وقد قال المام أحمد‪ :‬حدثنا يحيى بككن غيلن‪,‬‬
‫حدثنا رشدين ك يعني ابن سعد أبا الحجاج المهري ك عن حرملة بن‬
‫عمران‪ ,‬التجيبي! عن عقبة بن مسلم‪ ,‬عن عقبككة بككن عككامر‪ ,‬عككن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬إذا رأيت الله يعطي العبد مككن‬
‫الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج« ثم تل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم }فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب‬
‫كككل شككيء حككتى إذا فرحككوا بمككا أوتككوا أخككذناهم بغتككة فككإذا هككم‬
‫مبلسون{ ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حرملة وابن‬
‫لهيعة‪ ,‬عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر به‪ .‬وقال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا هشام بن عمار‪ ,‬حدثنا عراك بن خالككد بككن‬
‫يزيككد‪ ,‬حككدثني أبككي عككن إبراهيككم بككن أبككي عبلككة‪ ,‬عككن عبككادة بككن‬
‫الصامت‪ ,‬أن رسول الله صكلى اللكه عليكه وسكلم ككان يقكول‪ :‬إذا‬
‫أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف‪ ,‬وإذا أراد اللككه‬
‫بقوم اقتطاعًا‪ ,‬فتح لهم ك أو فتح عليهككم كك بككاب خيانككة‪} ,‬حككتى إذا‬
‫فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون{ كما قال }فقطع‬
‫دابر القوم الذين ظلموا والحمد للككه رب العككالمين{ ورواه أحمككد‬
‫وغيككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككره‪.‬‬
‫َ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫** قُ ْ َ َ‬
‫ى قُُلككوب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خت َ َ َ‬
‫م عَلكك َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫صاَرك ُ ْ‬ ‫م وَأب ْ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ه َ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫م إِ ْ‬‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫م‬‫م هُ ك ْ‬ ‫ت ث ُك ّ‬ ‫ف ال َي َككا ِ‬ ‫صكّر ُ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫م ب ِكهِ ان ْظ ُكْر ك َي ْك َ‬ ‫ه غَي ُْر الل ّكهِ ي َكأِتيك ُ ْ‬ ‫ن إ َِلـ ٌ‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ب الل ّكهِ ب َغْت َك ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫جهْكَرةً هَك ْ‬ ‫ة أو ْ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَك َ‬ ‫ن أَتاك ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت َك ُ ْ‬ ‫ن * قُ ْ‬ ‫صدُِفو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬‫شك ِ‬ ‫ن إ ِل ّ ُ‬
‫مب َ ّ‬ ‫سكِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سك ُ‬ ‫مككا ن ُْر ِ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م الظ ّككال ِ ُ‬ ‫ك إ ِل ّ ال َْقوْ ُ‬ ‫ي ُهْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫حَزن ُككو َ‬‫م يَ ْ‬‫م وَل َ هُك ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِك ْ‬ ‫خ كو ْ ٌ‬‫ح فَل َ َ‬ ‫ص كل َ َ‬‫ن وَأ ْ‬ ‫مك َ‬ ‫نآ َ‬ ‫مك ْ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫منذِِري َ‬ ‫وَ ُ‬
‫ن‬
‫سككُقو َ‬ ‫كككاُنوا ْ ي َْف ُ‬ ‫مككا َ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م ال َْعكك َ‬ ‫سككهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫كككذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنككا ي َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َواّلكك ِ‬
‫يقول اللكه تعكالى لرسكوله صكلى اللكه عليكه وسكلم قكل لهكؤلء‬
‫المكذبين المعاندين }أرأيتم إن أخذ الله سككمعكم وأبصككاركم{ أي‬
‫سلبكم إياها كما أعطاكموها‪ .‬كما قال تعالى‪} :‬هو الككذي أنشككأكم‬
‫لية‪ ,‬ويحتمل أن يكككون هككذا عبككارة‬ ‫وجعل لكم السمع والبصار{ ا َ‬
‫عن منع النتفاع بهما‪ ,‬النتفاع الشرعي‪ ,‬ولهذا قككال }وختككم علككى‬
‫من يملك السمع والبصار{ وقككال }واعلمككوا‬ ‫قلوبكم{ كما قال }أ ّ‬
‫‪586‬‬
‫أن الله يحول بين المرء وقلبه{ وقوله }من إله غيككر اللككه يككأتيكم‬
‫به{ أي هل أحد غير الله يقدر على رد ذلك إليكم‪ ,‬إذا سككلبه اللككه‬
‫منكم ل يقدر على ذلك أحد سواه‪ ,‬ولهذا قال }انظر كيف نصرف‬
‫ليات{ أي نبينها ونوضحها ونفسرها‪ ,‬دالة على أنه ل إله إل اللككه‪,‬‬ ‫ا َ‬
‫وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلل‪} ,‬ثم هم يصدفون{ أي ثككم‬
‫هم مع هذا البيككان‪ ,‬يصككدفون أي يعرضككون عككن الحككق‪ ,‬ويصككدون‬
‫الناس عككن اتبككاعه‪ ,‬قككال العككوفي عككن ابككن عبككاس‪ :‬يصككدفون أي‬
‫يعدلون‪ ,‬وقال مجاهد وقتادة‪ :‬يعرضون‪ ,‬وقككال السككدي‪ :‬يصككدون‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة{ أي وأنتم ل‬
‫تشعرون به‪ ,‬حتى بغتكم وفجككأكم‪} ,‬أو جهككرة{ أي ظككاهرا ً عيان كًا‪,‬‬
‫}هل يهلك إل القوم الظككالمون{ أي إنمككا كككان يحيككط بالظككالمين‬
‫أنفسهم بالشرك بالله‪ ,‬وينجوا الذين كككانوا يعبككدون اللككه وحككده ل‬
‫شريك له‪ ,‬فل خوف عليهم ول هم يحزنون‪ ,‬كقككوله }الككذين آمنككوا‬
‫لية‪ ,‬وقوله }وما نرسل المرسلين إل‬ ‫ولم يلبسوا إيمانهم بظلم{ ا َ‬
‫مبشرين ومنذرين{ أي مبشرين عبككاد اللككه المككؤمنين بككالخيرات‪,‬‬
‫ومنذرين من كفر بككالله النقمككات والعقوبككات‪ ,‬ولهككذا قككال }فمككن‬
‫آمن وأصككلح{ أي فمككن آمككن قلبككه بمككا جككاؤوا بككه‪ ,‬وأصككلح عملككه‬
‫باتباعه إياهم‪} ,‬فل خوف عليهم{ أي بالنسبة لما يسككتقبلونه }ول‬
‫هم يحزنون { أي بالنسبة إلككى مككا فككاتهم وتركككوه وراء ظهككورهم‬
‫من أمر الدنيا وصنيعها‪ ,‬الله وليهم فيمككا خلفككوه‪ ,‬وحككافظهم فيمككا‬
‫تركوه‪ ,‬ثم قال }والذين كككذبوا بآياتنككا يمسككهم العككذاب بمككا كككانوا‬
‫يفسقون{ أي ينالهم العذاب‪ ,‬بما كفككروا بمككا جككاءت بككه الرسككل‪,‬‬
‫وخرجوا عن أوامر الله وطككاعته‪ ,‬وارتكبككوا مككن منككاهيه ومحككارمه‬
‫وانتهككككككككككككككككككككككككككككككككككاك حرمككككككككككككككككككككككككككككككككككاته‪.‬‬
‫ل‬ ‫ب َول أ َقُككو ُ‬ ‫م ال ْغَي ْك َ‬

‫َ‬
‫ن الل ّكهِ َول أعْل َك ُ‬ ‫خَزآئ ِ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫عن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫** ُقل ل ّ أ َُقو ُ‬
‫كإ َ‬
‫ى‬ ‫مك َ‬ ‫وي العْ َ‬ ‫س كت َ ِ‬
‫ل يَ ْ‬‫ل هَ ك ْ‬ ‫ي قُ ك ْ‬ ‫ى إ ِل َك ّ‬ ‫َ‬ ‫ح‬‫ما ُيو َ‬ ‫ن أت ّب ِعُ إ ِل ّ َ‬ ‫مل َ ٌ ِ ْ‬ ‫م إ ِّني َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ْ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ى‬‫شكُروَا إ ِلك َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أن ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * وَأنذِْر ب ِهِ ال ّ ِ‬ ‫صيُر أفَل َ ت َت ََفك ُّرو َ‬ ‫َوال ْب َ ِ‬
‫طككُردِ‬ ‫ن * وَل َ ت َ ْ‬ ‫م ي َت ُّقو َ‬ ‫شِفيعٌ ل ّعَل ّهُ ْ‬ ‫ي وَل َ َ‬ ‫دون ِهِ وَل ِ ّ‬ ‫من ُ‬ ‫م ّ‬ ‫س ل َهُ ْ‬ ‫م ل َي ْ َ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫ن‬ ‫مك ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫مككا عَل َي ْك َ‬ ‫ه َ‬ ‫جه َ ك ُ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ي يُ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫داةِ َوال ْعَ ِ‬ ‫م ِبال ْغَ َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م‬ ‫يٍء فَت َط ُْرد َهُ ك ْ‬ ‫شك ْ‬ ‫مككن َ‬ ‫م ّ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ك ْ‬ ‫ساب ِ َ‬‫ح َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫يٍء وَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ساب ِِهم ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫‪587‬‬
‫ؤلِء‬ ‫هـ ك ُ‬ ‫ض ل ّي َُقولوَا ْ أ َ َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضه ُ ْ‬‫ك فَت َّنا ب َعْ َ‬ ‫ن * وَك َذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ن ِ‬ ‫كو َ‬‫فَت َ ُ‬
‫من الل ّه عل َيهم من بيننآ أ َل َيس الل ّ َ‬
‫ك‬‫جآءَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن * وَإ ِ َ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ه ب ِأعْل َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ ََِْ‬ ‫ُ َ ِْ‬ ‫َ ّ‬
‫ه‬
‫سك ِ‬ ‫ى ن َْف ِ‬ ‫َ‬
‫م عَلك‬ ‫ُ‬
‫ب َرب ّكك ْ‬ ‫َ‬
‫م كت َك َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م عَلي ْكك ْ‬ ‫َ‬
‫سكل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِبآَيات َِنا فَُقك ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الرحم َ َ‬
‫ح‬‫صككل َ َ‬‫من ب َعْدِهِ وَأ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫م َتا َ‬‫جَهال َةٍ ث ُ ّ‬ ‫سوًَءا ب ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫م َ‬ ‫من عَ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ة أن ّ ُ‬ ‫ّ ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫حيكككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫ه غَُفككككككككككككككككككككككوٌر ّر ِ‬ ‫َفككككككككككككككككككككككأن ّ ُ‬
‫يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليككه وسككلم }قككل ل أقككول‬
‫لكم عندي خزائن اللككه{ أي لسككت أملكهككا ول أتصككرف فيهككا }ول‬
‫أعلم الغيب{ أي ول أقول لكككم إنككي أعلكم الغيككب‪ ,‬إنمككا ذاك مككن‬
‫علم الله عز وجل‪ ,‬ول أطلع منه إل علككى مككا أطلعنككي عليككه‪} ,‬ول‬
‫أقول لكم إني ملك{ أي ول أدعي أنككي ملككك‪ ,‬إنمككا أنككا بشككر مككن‬
‫ي به‪,‬‬ ‫ي من الله عز وجل‪ ,‬شرفني بذلك وأنعم عل ّ‬ ‫البشر‪ ,‬يوحى إل ّ‬
‫ي{ أي لسككت أخككرج عنككه قيككد‬ ‫ولهذا قال }إن أتبع إل ما يوحى إلك ّ‬
‫شبر ول أدنى منه‪} ,‬قل هككل يسككتوي العمككى والبصككير{ أي هككل‬
‫يستوي من اتبع الحق وهدي إليه‪ ,‬ومككن ضككل عنككه فلككم ينقككد لككه‪,‬‬
‫}أفل تتفكرون{ وهذه كقوله تعالى‪} :‬أفمن يعلم أنما أنككزل إليككك‬
‫من ربك الحق كمن هو أعمككى إنمككا يتككذكر أولككو اللبككاب{ وقككوله‬
‫}وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه‬
‫ولي ول شفيع{ أي وأنذر بهذا القرآن يككا محمككد }الككذين هككم مككن‬
‫خشككية ربهككم مشككفقون{ }الككذي يخشككون ربهككم ويخككافون سككوء‬
‫الحساب{ }الذي يخافون أن يحشروا إلى ربهم{ أي يوم القيامككة‬
‫}ليس لهم{ أي يومئذ }مككن دونككه ولككي ول شككفيع{ أي ل قريككب‬
‫لهم ول شفيع فيهم‪ ,‬من عذابه إن أراده بهم‪} ,‬لعلهم يتقككون{ أي‬
‫أنذر هككذا اليككوم الككذي ل حككاكم فيككه‪ ,‬إل اللككه عككز وجككل‪} ,‬لعلهككم‬
‫يتقون{ فيعملون في هذه الدار‪ ,‬عمل ً ينجيهم الله به يوم القيامككة‬
‫من عذابه‪ ,‬ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه‪ .‬وقوله تعككالى‪} :‬ول‬
‫تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشككي يريككدون وجهككه{ أي ل‬
‫تبعد هؤلء المتصفين بهذه الصككفات عنككك‪ ,‬بككل اجعلهككم جلسككاءك‬
‫وأخصاءك كقوله }واصبر نفسك مع الككذين يككدعون ربهككم بالغككداة‬
‫والعشي يريدون وجهه ول تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا‪,‬‬
‫ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمككره فرطككًا{‬
‫وقوله }يدعون ربهم{ أي يعبدونه ويسألونه }بالغككداة والعشككي{‬
‫قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة‪ :‬المراد به الصلة‬
‫‪588‬‬
‫المكتوبة‪ ,‬وهذا كقككوله }وقككال ربكككم ادعككوني أسككتجب لكككم{ أي‬
‫أتقبل منكم‪ .‬وقوله }يريدون وجهه{ أي يريدون بذلك العمل وجه‬
‫الله الكريم‪ ,‬وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات‪,‬‬
‫وقوله }ما عليك من حسابهم من شيء وما مككن حسككابك عليهككم‬
‫من شيء{ كقول نوح عليه السلم‪ :‬في جواب الذين قالوا أنؤمن‬
‫لككك واتبعككك الرذلككون‪ ,‬قككال‪:‬ومككا علمككي بمككا كككانوا يعملككون إن‬
‫حسابهم إل على ربي لو تشعرون‪ ,‬أي إنما حسابهم على الله عككز‬
‫ي من حسابهم من شككيء‪ ,‬كمككا أنككه ليككس عليهككم‬ ‫وجل‪ ,‬وليس عل ّ‬
‫من حسابي من شيء‪ ,‬وقوله }فتطردهم فتكون من الظككالمين{‬
‫أي إن فعلت هذا والحالة هذه‪ ,‬قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أسباط هو‬
‫ابن محمد‪ ,‬حدثني أشعث عن كردوس‪ ,‬عن ابن مسعود‪ :‬قال‪ :‬مر‬
‫المل من قريش على رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم وعنككده‬
‫خباب وصككهيب وبلل وعمككار‪ ,‬فقككالوا‪ :‬يككا محمككد‪ ,‬أرضككيت بهككؤلء‬
‫فنزل فيهم القرآن }وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم‬
‫ك إلى قوله ك أليس الله بأعلم بالشككاكرين{ ورواه ابككن جريككر مككن‬
‫طريق أشعث‪ ,‬عن كردوس‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬م كّر المل مككن‬
‫قريش برسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬وعنككده صككهيب وبلل‬
‫وعمار وخباب وغيرهم‪ ,‬من ضعفاء المسلمين‪ ,‬فقككالوا‪ :‬يككا محمككد‬
‫ن اللككه عليهككم مككن‬ ‫مك ّ‬‫أرضيت بهؤلء مككن قومككك ؟ أهككؤلء الككذين َ‬
‫بيننا ؟ أنحن نصير تبعا ً لهككؤلء ؟ اطردهككم فلعلككك إن طردتهككم أن‬
‫لية }ول تطككرد الككذين يككدعون ربهككم بالغككداة‬ ‫نتبعك‪ ,‬فنزلت هذه ا َ‬
‫والعشي يريدون وجهه{ }وكذلك فتنا بعضككهم ببعككض{ إلككى آخككر‬
‫لية‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا أبككو سكعيد بككن يحيككى بككن سكعيد‬ ‫ا َ‬
‫القطان‪ ,‬حدثنا عمرو بن محمد العنقزي‪ ,‬حدثنا أسككباط بككن نصككر‪,‬‬
‫عن السدي عن أبي سعيد الزدي ك وكان قككارى الزد ك ك عككن أبككي‬
‫الكنود‪ ,‬عن خبككاب‪ ,‬فككي قككول اللككه عككز وجككل‪} :‬ول تطككرد الككذين‬
‫يككدعون ربهككم بالغككداة والعشككي{ قككال جككاء القككرع بككن حككابس‬
‫التميمي‪ ,‬وعيينة بن حصن الفزاري‪ ,‬فوجدوارسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ,‬مع صهيب وبلل وعمار وخباب‪ ,‬قاعدا ً في نككاس مككن‬
‫الضعفاء من المؤمنين‪ ,‬فلما رأوهم حكول النككبي صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم حقروهم في نفر في أصحابه فككأتوه فخلككوا بككه وقككالوا‪ :‬إنككا‬
‫نريد أن تجعل لنا منك مجلسا ً تعرف لنككا بككه العككرب فضككلنا‪ ,‬فككإن‬
‫‪589‬‬
‫وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه العبككد‪ ,‬فككإذا‬
‫نحن جئناك فأقمهم عنا‪ ,‬فإذا نحن فرغنا فاقعككد معهككم إن شككئت‪,‬‬
‫قال‪» :‬نعم«‪ ,‬قالوا‪ :‬فاكتب لنا عليككك كتاب كًا‪ ,‬قككال‪ :‬فككدعا بصككحيفة‬
‫ودعا عليا ً ليكتب ونحن قعود في ناحية‪ ,‬فنككزل جبريككل فقككال }ول‬
‫ليككة‪ ,‬فرمككى رسككول اللككه صككلى اللككه‬ ‫تطرد الذين يدعون ربهم{ ا َ‬
‫عليه وسلم بالصحيفة من يده‪ ,‬ثم دعانا فأتيناه‪ ,‬ورواه ابككن جريككر‬
‫ليككة مكيككة‪,‬‬‫من حديث أسباط به‪ ,‬وهذا حديث غريب‪ ,‬فككإن هككذه ا َ‬
‫والقرع بن حابس وعيينككة إنمككا أسككلما بعككد الهجككرة بككدهر‪ ,‬وقككال‬
‫سفيان الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه‪ ,‬قككال‪ :‬قككال سككعد‪:‬‬
‫ليككة فككي سككتة مككن أصككحاب النككبي صككلى اللككه عليككه‬ ‫نزلت هذه ا َ‬
‫وسلم‪ ,‬منهم ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬كنا نستبق إلى رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم ونككدنو منككه‪ ,‬فقككالت قريككش‪ :‬تككدني هككؤلء دوننككا‪,‬‬
‫فنزلت }ول تطككرد الككذين يككدعون ربهككم بالغككداة والعشككي{ رواه‬
‫الحاكم فككي مسككتدركه مككن طريككق سككفيان‪ ,‬وقككال‪ :‬علككى شككرط‬
‫الشيخين‪ ,‬وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقككدام بككن‬
‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككككككريح بككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقوله }وكذلك فتنا بعضهم ببعض{ أي ابتلينككا واختبرنككا وامتحنككا‬
‫ن الله عليهم من بيننا{ وذلك أن رسككول‬ ‫م ّ‬
‫ببعض‪} ,‬ليقولوا أهؤلء َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬كان غالب مككن اتبعككه فككي أول بعثتككه‪,‬‬
‫ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والماء‪ ,‬ولم يتبعككه مككن‬
‫الشراف إل قليل‪ ,‬كما قال قوم نوح لنككوح }ومككا نككراك اتبعككك إل‬
‫لية‪ ,‬وكما سأل هرقل ملك الككروم‬ ‫الذين هم أراذلنا بادي الرأي{ ا َ‬
‫أبا سككفيان حيككن سككأله عككن تلككك المسككائل‪ ,‬فقككال لككه‪ :‬فأشككراف‬
‫الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقككال‪ :‬بككل ضككعفاؤهم‪ ,‬فقككال‪ :‬هككم‬
‫أتباع الرسل‪ ,‬والغرض أن مشركي قريككش كككانوا يسككخرون بمككن‬
‫آمككن مككن ضككعفائهم‪ ,‬ويعككذبون مككن يقككدرون عليككه منهككم‪ ,‬وكككانوا‬
‫ن الله عليهم من بيننا ؟ أي ما كككان اللككه ليهككدي‬ ‫م ّ‬‫يقولون‪ :‬أهؤلء َ‬
‫هؤلء إلى الخير‪ ,‬لو كان ما صاروا إليه خيرا ً ويدعنا‪ ,‬كقككولهم }لككو‬
‫كان خيرا ً ما سبقونا إليه{ وكقوله تعالى‪} :‬وإذا تتلى عليهم آياتنككا‬
‫بينات قككال الككذين كفككروا للككذين آمنككوا أي الفريقيككن خيككر مقام كا ً‬
‫وأحسن نديًا{ قال الله تعالى في جواب ذلك }وكم أهلكنا قبلهككم‬
‫من قرن هم أحسن أثاثكا ً ورئيكًا{ وقكال فكي جكوابهم حيكن قكالوا‪:‬‬
‫‪590‬‬
‫ن الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشككاكرين{ أي‬ ‫م ّ‬‫}أهؤلء َ‬
‫أليس هككو أعلكم بالشكاكرين لكه‪ ,‬بكأقوالهم وأفعكالهم وضككمائرهم‪,‬‬
‫فيوفقهم ويهديهم سبل السلم‪ ,‬ويخرجهم من الظلمات إلى النور‬
‫بإذنه‪ ,‬ويهديهم إلى صككراط مسككتقيم‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬والككذين‬
‫جاهككدوا فينككا لنهككدينهم سككبلنا وإن اللككه لمككع المحسككنين{ وفككي‬
‫الحديث الصحيح‪» :‬إن الله ل ينظر إلى صوركم ول إلككى ألككوانكم‪,‬‬
‫ولكككن ينظككر إلككى قلككوبكم وأعمككالكم« وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا‬
‫القاسم‪ ,‬حدثنا الحسين‪ ,‬عن حجاج‪ ,‬عن ابككن جريككج‪ ,‬عككن عكرمككة‬
‫ليككة‪,‬‬ ‫في قوله‪} :‬وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهككم{ ا َ‬
‫قال‪ :‬جاء عتبة بن ربيعككة‪ ,‬وشككيبة بككن ربيعككة‪ ,‬ومطعككم بككن عككدي‪,‬‬
‫والحارث بن نوفل‪ ,‬وقرظة بن عبد عمرو بن نوفككل فككي أشككراف‬
‫من بني عبد مناف‪ ,‬من أهل الكفر‪ ,‬إلى أبي طالب‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أبككا‬
‫طالب لو أن ابن أخيك محمدا ً يطرد عنه موالينككا وحلفاءنككا‪ ,‬فإنمككا‬
‫هم عبيدنا وعتقاؤنا‪ ,‬كان أعظكم فكي صككدورنا‪ ,‬وأطككوع لكه عنكدنا‪,‬‬
‫وأدنى لتباعنا إياه‪ ,‬وتصديقنا له‪ ,‬قال‪ :‬فأتى أبو طالب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فحدثه بذلك‪ ,‬فقال عمر بن الخطاب رضككي اللككه‬
‫عنه‪ :‬لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذي يريدون‪ ,‬وإلى ما يصككيرون‬
‫من قككولهم‪ ,‬فككأنزل اللككه عككز وجككل هككذه ا َ‬
‫ليككة }وأنككذر بككه الككذين‬
‫يخافون أن يحشككروا إلككى ربهككم{ إلككى قككوله }أليككس اللككه بككأعلم‬
‫بالشاكرين{ قال‪ :‬وكانوا بلل ً وعمار بن ياسر وسالما ً مككولى أبككي‬
‫حذيفة وصبيحا ً مولى أسيد‪ ,‬ومن الحلفاء ابن مسعود والمقداد بن‬
‫عمرو ومسعود بن القارى‪ ,‬وواقد بن عبكد اللكه الحنظلككي وعمكرو‬
‫بن عبد عمرو‪ ,‬وذو الشمالين‪ ,‬ومرثككد بككن أبككي مرثككد‪ ,‬وأبككو مرثككد‬
‫الغنوي حليف حمزة بككن عبككد المطلككب‪ ,‬وأشككباههم مككن الحلفككاء‪,‬‬
‫فنزلت في أئمة الكفر من قريككش والمككوالي والحلفككاء‪} ,‬وكككذلك‬
‫ليككة‪,‬‬ ‫ن الله عليهم من بيننككا{ ا َ‬‫م ّ‬
‫فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء َ‬
‫فلما نزلت‪ ,‬أقبل عمر رضي الله عنه‪ ,‬فأتى النبي صلى الله عليككه‬
‫وسلم فاعتذر من مقالته‪ ,‬فأنزل الله عز وجل }وإذا جاءك الككذين‬
‫لية‪ ,‬وقوله }وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل‬ ‫يؤمنون بآياتنا{ ا َ‬
‫سلم عليكم{ أي فأكرمهم برد ّ السكلم عليهكم‪ ,‬وبشكرهم برحمكة‬
‫الله الواسعة الشاملة لهم‪ ,‬ولهذا قككال }كتككب ربكككم علككى نفسككه‬
‫الرحمة{ أي أوجبهككا علككى نفسككه الكريمككة‪ ,‬تفضكل ً منككه وإحسككانا ً‬
‫‪591‬‬
‫وامتنانًا‪} ,‬أنه من عمل منكم سوءا ً بجهالة{ قككال بعككض السككلف‪:‬‬
‫كل من عصى الله فهككو جاهككل‪ ,‬وقككال معتمككر بككن سككليمان‪ :‬عككن‬
‫الحكم بن أبان بن عكرمككة‪ ,‬فككي قككوله }مككن عمككل منكككم سككوءا ً‬
‫بجهالة{ قال‪ :‬الدنيا كلها جهالة‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم }ثم تككاب مككن‬
‫بعده وأصلح{ أي رجع عما كان عليه من المعاصي‪ ,‬وأقلككع وعككزم‬
‫علككى أن ل يعككود‪ ,‬وأصككلح العمككل فككي المسككتقبل‪} ,‬فككأنه غفككور‬
‫رحيم{ قال المام أحمد‪ :‬حككدثنا عبككد الككرزاق‪ ,‬حككدثنا معمككر‪ ,‬عككن‬
‫همام بن منبه‪ ,‬قال‪ :‬هذا ما حدثنا أبككو هريككرة‪ ,‬قككال‪ :‬قككال رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »لما قضى الله الخلق كتب فكي كتكاب‬
‫فهو عنده فوق العرش‪ :‬إن رحمكتي غلبكت غضكبي« أخرجكاه فكي‬
‫الصحيحين‪ ,‬وهكذا رواه(العمش عن أبي صالح‪ ,‬عن أبي هريككرة‪,‬‬
‫ورواه موسى عن عقبة‪ :‬عن العرج‪ ,‬عن أبي هريككرة‪ ,‬وكككذا رواه‬
‫الليث وغيره‪ ,‬عن محمد بن عجلن‪ ,‬عن أبيه عن أبي هريرة‪ ,‬عككن‬
‫النبي صلى الله عليككه وسككلم بككذلك‪ ,‬وقككد روى ابككن مردويككه مككن‬
‫طريق الحكم بن أبان‪ :‬عن عكرمة‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »إذا فرغ الله مكن القضكاء بيكن‬
‫الخلق‪ ,‬أخرج كتابا ً من تحت العرش‪ ,‬إن رحمككتي سككبقت غضككبي‪,‬‬
‫وأنا أرحم الراحمين‪ ,‬فيقبض قبضة أو قبضتين‪ ,‬فيخككرج مككن النككار‬
‫خلقا ً لم يعملوا خيرًا‪ ,‬مكتوب بين أعينهم عتقاء اللككه« وقككال عبككد‬
‫الرزاق‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن عاصككم بككن سككليمان‪ ,‬عككن أبككي عثمككان‬
‫النهدي‪ ,‬عن سلمان في قوله }كتب ربكم علككى نفسككه الرحمككة{‬
‫قككال‪ :‬إنككا نجككد فككي التككوراة عطفككتين‪ ,‬أن اللككه خلككق السككموات‬
‫والرض‪ ,‬وخلق مائة رحمككة‪ ,‬أو جعككل مككائة رحمككة قبككل أن يخلككق‬
‫الخلق‪ ,‬ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحككدة‪ ,‬وأمسككك عنككده‬
‫تسعا ً وتسعين رحمة‪ ,‬قال‪ :‬فبها يتراحمون‪ ,‬وبهككا يتعككاطفون‪ ,‬وبهككا‬
‫يتباذلون‪ ,‬وبها يتزاورون‪ ,‬وبها تحن الناقة‪ ,‬وبهككا تبككح البقككرة‪ ,‬وبهككا‬
‫تثغو الشاة‪ ,‬وبها تتتابع الطير‪ ,‬وبها تتتابع الحيتان فككي البحككر‪ ,‬فككإذا‬
‫كان يوم القيامة‪ ,‬جمع الله تلكك الرحمكة إلكى مككا عنككده‪ ,‬ورحمتكه‬
‫أفضل وأوسع‪ ,‬وقد روي هذا مرفوعا ً من وجه آخر‪ ,‬وسكيأتي ككثير‬
‫من الحاديث الموافقككة لهككذه عنككد قككوله }ورحمككتي وسككعت كككل‬
‫لية من الحاديث أيضًا‪ ,‬قوله صلى الله‬ ‫شيء{ ومما يناسب هذه ا َ‬
‫عليه وسلم لمعاذ بن جبل‪» :‬أتدري ما حق الله علككى العبككاد ؟ أن‬
‫‪592‬‬
‫يعبدوه ول يشركوا به شيئًا« ثم قال‪ » :‬أتدري ما حق العباد علككى‬
‫الله إذا هم فعلوا ذلككك ؟ أن ل يعككذبهم« وقككد رواه المككام أحمككد‪:‬‬
‫مككن طريككق كميككل بككن زيككاد‪ ,‬عككن أبككي هريككرة رضككي اللككه عنككه‪.‬‬
‫ل إ ِّنكي‬ ‫ن * ُقك ْ‬ ‫ميك َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬‫سكِبي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سكت َِبي َ‬ ‫ت وَل ِت َ ْ‬ ‫ل ال ََيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ك نَف ّ‬ ‫** وَك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن الل ّهِ قُ ْ‬ ‫نهيت أ َ َ‬
‫م قَ كد ْ‬ ‫وآَءك ُ ْ‬‫ل ل ّ أت ّب ِعُ أهْ ك َ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن أعْب ُد َ ال ّ ِ‬ ‫ُِ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مككن ّرب ّككي‬ ‫ى ب َي ّن َكةٍ ّ‬‫ل إ ِن ّككي عَلك َ‬ ‫ن * قُ ك ْ‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َك ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫مآ أن َا ْ ِ‬ ‫ت ِإذا ً وَ َ‬ ‫ضل َل ْ ُ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ص ال َ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل ّ للهِ ي َُق ّ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ن ب ِهِ إ ِ ِ‬ ‫جلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫عن ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫وَك َذ ّب ُْتم ب ِهِ َ‬
‫َ‬
‫ي‬ ‫ضك َ‬ ‫ن ب ِكهِ ل َُق ِ‬ ‫جُلو َ‬ ‫س كت َعْ ِ‬ ‫مككا ت َ ْ‬‫دي َ‬ ‫عن ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن * ُقل ل ّوْ أ ّ‬ ‫صِلي َ‬ ‫خي ُْر ال َْفا ِ‬ ‫وَهُوَ َ‬
‫َ‬
‫ب لَ‬ ‫ح ال ْغَي ْ ِ‬‫مَفات ِ ُ‬ ‫عند َهُ َ‬ ‫ن * وَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫مُر ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ال ْ‬
‫مككن وََرقَكةٍ إ ِل ّ‬ ‫ط ِ‬ ‫سكُق ُ‬ ‫مككا ت َ ْ‬ ‫حرِ وَ َ‬ ‫ما ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَهآ إ ِل ّ هُوَ وَي َعْل َ ُ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫س إ ِل ّ ِفكي‬ ‫ب وَل َ َيكاب ِ ٍ‬ ‫ض وَل َ َرط ْك ٍ‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫مكا ِ‬ ‫حب ّكةٍ فِككي ظ ُل ُ َ‬ ‫مَهكا وَل َ َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ن‬‫مِبيككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ٍ‬ ‫ب ّ‬ ‫ك َِتكككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ٍ‬
‫يقول تعالى‪ :‬وكما بّينا ما تقدم بيانه من الحجككج والككدلئل‪ ,‬علككى‬
‫طريككق الهدايككة والرشككاد وذم المجادلككة والعنككاد‪} ,‬كككذلك نفصككل‬
‫ليات{ أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانهكا‪} ,‬ولتسكتبين سكبيل‬ ‫ا َ‬
‫المجرميككن{ أي ولتظهككر طريككق المجرميككن المخككالفين للرسككل‪,‬‬
‫وقرىء }ولتستبين سبيل المجرمين{ أي ولتستبين يا محمد‪ ,‬أو يا‬
‫مخاطب سبيل المجرمين‪ ,‬وقوله }قل إني على بينككة مككن ربككي{‬
‫أي على بصيرة من شريعة الله الككتي أوحاهككا اللككه إلككي }وكككذبتم‬
‫به{ أي بالحق الذي جاءني من الله }ما عندي ما تستعجلون بككه{‬
‫أي من العذاب }إن الحكم إل لله{ أي إنما يرجككع أمككر ذلككك إلككى‬
‫الله‪ ,‬إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلككك‪ ,‬وإن شككاء أنظركككم‬
‫وأجلكم‪ ,‬لما له في ذلك من الحكمة العظيمة‪ ,‬ولهذا قككال }يقككص‬
‫الحق وهو خير الفاصلين{ أي وهو خير من فصككل القضككايا‪ ,‬وخيككر‬
‫الفاتحين فككي الحكككم بيككن عبككاده‪ ,‬وقككوله }قككل لككو أن عنككدي مككا‬
‫تستعجلون به لقضي المر بيني وبينكم{ أي لككو كككان مرجككع ذلككك‬
‫إلي‪ ,‬لوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك‪ ,‬والله أعلككم بالظككالمين‪,‬‬
‫لية وبين ما ثبت فككي الصككحيحين‪,‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬فما الجمع بين هذه ا َ‬
‫من طريق ابن وهب‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عككن الزهككري‪ ,‬عككن عككروة‪ ,‬عككن‬
‫عائشة‪ ,‬أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسككلم‪ :‬يككا رسككول‬
‫‪593‬‬
‫الله‪ ,‬هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال‪ :‬لقد لقيككت‬
‫من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة‪ ,‬إذ عرضت نفسككي‬
‫على ابككن عبككد ياليككل بككن عبككد كلل‪ ,‬فلككم يجبنككي إلككى مككا أردت‪,‬‬
‫فانطلقت وأنا مهموم على وجهي‪ ,‬فلم أستفق إل بقرن الثعككالب‪,‬‬
‫فرفعت رأسي‪ ,‬فإذا أنا بسحابة قككد ظللتنككي‪ ,‬فنظككرت فككإذا فيهككا‬
‫جبريل عليه السلم‪ ,‬فناداني فقال‪ :‬إن الله قد سمع قككول قومككك‬
‫لك‪ ,‬وما ردوا عليك‪ ,‬وقد بعث إليك ملك الجبال‪ ,‬لتأمره بما شئت‬
‫فيهم‪ ,‬قال‪ :‬فناداني ملك الجبال وسلم علي‪ ,‬ثم قال‪ :‬يا محمد إن‬
‫الله قد سمع قككول قومككك لكك‪ ,‬وقككد بعثنككي ربككك إليككك‪ ,‬لتككأمرني‬
‫بككأمرك فيمككا شككئت‪ ,‬إن شككئت أطبقككت عليهككم الخشككبين‪ ,‬فقككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »بككل أرجككو أن يخككرج اللككه مككن‬
‫أصلبهم‪ ,‬من يعبد الله ل يشرك به شيئًا« وهذا لفظ مسككلم‪ ,‬فقككد‬
‫عرض عليهككم عككذابهم واستئصككالهم‪ ,‬فاسككتأنى بهككم‪ ,‬وسككأل لهككم‬
‫التأخير‪ ,‬لعل الله أن يخرج من أصككلبهم مككن ل يشككرك بككه شككيئًا‪,‬‬
‫لية الكريمة‪} ,‬قككل‬ ‫فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه ا َ‬
‫لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي المر بيني وبينكم والله أعلم‬
‫ليكة دلكت‪ ,‬علكى أنككه‬ ‫بالظالمين{ فالجواب والله أعلككم‪ ,‬أن هككذه ا َ‬
‫لوكان إليه وقوع العذاب‪ ,‬الذي يطلبونه حككال طلبهككم لككه‪ ,‬لوقعككه‬
‫بهم‪ ,‬وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العككذاب بهككم‪ ,‬بككل‬
‫عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الخشبين‪ ,‬وهما‬
‫ل‪ ,‬فلهذا استأنى بهم وسككأل‬ ‫جبل مكة اللذان يكتنفانها جنوبا ً وشما ً‬
‫الرفق لهم‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬وعنده مفاتح الغيب ل يعلمها إل هككو{‬
‫قال البخاري‪ :‬حدثنا عبد العزيز بكن عبككد اللكه‪ ,‬حككدثنا إبراهيككم بككن‬
‫سعد‪ ,‬عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬مفاتيح الغيب خمس ل يعلمهككن‬
‫إل الله« }إن الله عنده علم الساعة‪ ,‬وينزل الغيث‪ ,‬ويعلم ما فككي‬
‫الرحام‪ ,‬وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا‪ ,‬ومككا تككدري نفككس بككأي‬
‫أرض تموت‪ ,‬إن الله عليم خككبير{ وفككي حككديث عمككر‪ :‬أن جبريككل‬
‫حين تبدى له في صككورة أعرابككي‪ ,‬فسككأل عككن اليمككان والسككلم‬
‫والحسان‪ ,‬فقال له النبي صلى الله عليككه وسككلم فيمككا قككاله لككه‪:‬‬
‫»خمس ل يعلمهن إل الله« ثم قرأ }إن الله عنده علككم السككاعة{‬
‫لية‪ .‬وقوله }ويعلم ما في البر والبحر{ أي محيط علمككه الكريككم‬ ‫ا َ‬
‫‪594‬‬
‫بجميع الموجودات‪ ,‬بريها وبحريها‪ ,‬ل يخفى عليه من ذلككك شككيء‪,‬‬
‫ول مثقال ذرة في الرض ول فككي السككماء‪ ,‬ومككا أحسككن مككا قككال‬
‫الصرصكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككري‪:‬‬
‫فل يفخكككككى عليكككككه الكككككذر إمكككككاتراءى للنكككككواظر أو تكككككوارى‬
‫وقوله }وما تسقط مككن ورقككة إل يعلمهككا{ أي ويعلككم الحركككات‬
‫حتى من الجمادات‪ ,‬فمككا ظنككك بالحيوانككات‪ ,‬ول سككيما المكلفككون‬
‫منهم من جنهم وإنسهم‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬يعلم خائنة العين ومككا‬
‫تخفي الصدور{‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‪ ,‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا الحسن بن‬
‫الربيع‪ ,‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن سعيد بككن مسككروق‪ ,‬حككدثنا حسككان‬
‫النمري‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪ ,‬فككي قككوله }ومككا تسككقط مككن ورقككة إل‬
‫يعلمها{ قال‪ :‬ما من شجرة في بر ول بحككر إل وملككك موكككل بهككا‪,‬‬
‫يكتب ما يسقط منها‪ ,‬رواه ابن أبككي حككاتم‪ ,‬وقككوله }ول حبككة فككي‬
‫ظلمات الرض ول رطب ول يابس إل في كتاب مككبين{ قككال ابككن‬
‫أبي حاتم‪ :‬حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمككن بككن المسككور‬
‫الزهري‪ ,‬حدثنا مالك بن سعير‪ ,‬حدثنا العمش‪ ,‬عن يزيكد بككن أبككي‬
‫زياد‪ ,‬عن عبد الله بن الحارث‪ ,‬قال‪ :‬ما في الرض من شككجرة ول‬
‫مغرز إبرة‪ ,‬إل وعليها ملك موكل‪ ,‬يأتي اللككه بعلمهككا‪ ,‬رطوبتهككا إذا‬
‫رطبككت‪ ,‬ويبوسككتها إذا يبسككت‪ ,‬وكككذا رواه ابككن جريككر عككن أبككي‬
‫الخطاب زياد بن عبد الله الحساني‪ ,‬عن مالك بككن سككعير بككه‪ .‬ثككم‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬ذكر عن أبي حذيفة‪ ,‬حدثنا سفيان عككن عمككرو‬
‫بن قيس‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن سعيد بن جككبير‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫خلق الله النون وهي الدواة‪ ,‬وخلق اللواح‪ ,‬فكتب فيها أمر الدنيا‪,‬‬
‫حتى ينقضي ما كان من خلق مخلككوق‪ ,‬أو رزق حلل أو حككرام‪ ,‬أو‬
‫ليككة }ومككا تسككقط مككن ورقككة إل‬ ‫عمل بككر أو فجككور‪ ,‬وقككرأ هككذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬قككال محمككد بككن إسككحاق‪ :‬عككن يحيككى بككن‬ ‫يعلمها{ إلى آخر ا َ‬
‫النضر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ,‬يقككول‪ :‬إن‬
‫تحت الرض الثالثة وفوق الرابعة مككن الجككن‪ ,‬مككالو أنهككم ظهككروا‪,‬‬
‫يعني لكم‪ ,‬لم تروا معهم نككورا ً علكى ككل زاويكة مكن زوايكا الرض‬
‫خاتم من خواتيم الله عز وجل‪ ,‬على كل خاتم ملك مكن الملئككة‪,‬‬
‫يبعث الله عز وجل إليه في كل يوم ملكا ً من عنده أن احتفظ بما‬
‫عنككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككدك‪.‬‬
‫‪595‬‬
‫م‬ ‫م ي َب ْعَث ُك ُك ْ‬‫حت ُككم ِبالن ّهَككارِ ث ُك ّ‬ ‫جَر ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ل وَي َعْل َ ُ‬ ‫كم ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫ذي ي َت َوَّفا ُ‬ ‫** وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫مككا ُ‬
‫كنت ُك ْ‬ ‫م ي ُن َب ّئ ُك ُككم ب ِ َ‬ ‫م ث ُك ّ‬ ‫جعُك ُك ْ‬ ‫مْر ِ‬‫م إ ِل َي ْكهِ َ‬‫مى ث ُك ّ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ىأ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ِفيهِ ل ِي ُْق َ‬
‫ذا‬ ‫ى إِ َ‬
‫حّتكك َ‬ ‫ة َ‬ ‫حَفظ َ ً‬ ‫كم َ‬ ‫ل عَل َي ْ ُ‬ ‫س ُ‬‫عَبادِهِ وَي ُْر ِ‬ ‫ن * وَهُوَ ال َْقاهُِر فَوْقَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ى‬‫م ُرد ّوَا إ ِل ك َ‬ ‫ن * ث ُك ّ‬ ‫م ل َ ي َُفّرط ُككو َ‬ ‫سل َُنا وَهُ ْ‬ ‫ه ُر ُ‬ ‫ت ت َوَفّت ْ ُ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حد َك ُ ُ‬‫جآَء أ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سكككِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫سكككَرعُ ال ْ َ‬ ‫م وَهُكككوَ أ ْ‬ ‫حك ْككك ُ‬‫ه ال ْ ُ‬ ‫حكككقّ أل َ ل َككك ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫مكككوْل َهُ ُ‬ ‫الل ّكككهِ َ‬
‫يقككول تعككالى إنككه يتككوفى عبككاده فككي منككامهم بالليككل‪ ,‬وهككذا هككو‬
‫التوفي الصككغر‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬إذ قككال اللككه يككا عيسككى إنككي‬
‫ي{ وقال تعالى‪} :‬واللككه يتككوفى النفككس حيككن‬ ‫متوفيك ورافعك إل ّ‬
‫موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها المككوت‬
‫ليككة الوفككاتين‬ ‫ى{ فذكر في هككذه ا َ‬ ‫ويرسل الخرى إلى أجل مسم ً‬
‫الكبرى والصغرى‪ ,‬وهكككذا ذكككر فككي هككذا المقككام‪ ,‬حكككم الوفككاتين‬
‫الصغرى ثم الكبرى‪ ,‬فقال }وهو الذي يتوفككاكم بالليككل ويعلككم مككا‬
‫جرحتم بالنهار{ أي ويعلم ما كسبتم مككن العمككال بالنهككار‪ ,‬وهككذه‬
‫جملة معترضة دلت على إحاطككة علمككه تعككالى بخلقككه فككي ليلهككم‬
‫ونهارهم‪ ,‬في حال سكونهم وحال حركتهم‪ ,‬كما قال }سواء منكم‬
‫من أسّر القول ومن جهر به ومككن هككو مسككتخف بالليككل وسككارب‬
‫بالنهار{ وكما قال تعالى‪} :‬ومن رحمته جعككل لكككم الليككل والنهككار‬
‫لتسكنوا فيه{ أي في الليل }ولتبتغوا من فضككله{ أي فككي النهككار‬
‫كما قال }وجعلنا الليل لباسكا ً وجعلنكا النهكار معاشكًا{ ولهكذا قكال‬
‫تعالى ههنا }وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم مككا جرحتككم بالنهككار{‬
‫أي ما كسبتم من العمال فيه }ثم يبعثكككم فيككه{ أي فككي النهككار‪,‬‬
‫قاله مجاهد وقتادة والسدي‪ ,‬وقال ابن جريككج‪ :‬عككن عبككد اللككه بككن‬
‫كثير‪ ,‬أي في المنام والول أظهر‪ ,‬وقككد روى ابككن مردويككه بسككند‪:‬‬
‫عن الضحاك‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬عن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قال‪» :‬مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه ويرده إليه‪ ,‬فككإن أذن‬
‫الله في قبض روحه قبضه وإل رد إليه« فذلك قوله‪} :‬وهككو الككذي‬
‫يتوفكككككككككككككككككككككككككككككككككاكم بالليكككككككككككككككككككككككككككككككككل{‪.‬‬
‫وقوله }ليقضككى أجككل مسككمى{ يعنككي بككه أجككل كككل واحككد مككن‬
‫النككاس‪} ,‬ثككم إليككه مرجعكككم{ أي يككوم القيامككة }ثككم ينككبئكم{ أي‬
‫فيخبركم }بما كنتككم تعملككون{ أي ويجزيكككم علككى ذلككك إن خيككرا ً‬
‫فخير وإن شرا ً فشر‪ ,‬وقوله }وهو القككاهر فككوق عبككاده{ أي وهككو‬
‫‪596‬‬
‫الذي قهر كل شيء وخضع لجلله وعظمتككه وكبريككائه كككل شككيء‪,‬‬
‫}ويرسل عليكم حفظة{ أي من الملئكة يحفظون بدن النسككان‪,‬‬
‫كقوله }له معقبات من بين يديه ومككن خلفككه يحفظككونه مككن أمككر‬
‫ن عليكككم‬ ‫اللككه{ وحفظككة يحفظككون عملككه ويحصككونه كقككوله }وإ ّ‬
‫لية وكقوله }عككن اليميككن وعككن الشككمال قعيككد * مككا‬ ‫لحافظين{ ا َ‬
‫يلفظ من قول إل لديه رقيب عتيد{ وقوله }إذ يتلقى المتلقيككان{‬
‫لية وقوله }حتى إذا جاء أحدكم الموت{ أي احتضر وحككان أجلككه‬ ‫ا َ‬
‫}توفته رسلنا{ أي ملئكة موكلون بذلك‪ ,‬قككال ابككن عبككاس وغيككر‬
‫واحد‪ :‬لملككك المككوت أعككوان مككن الملئكككة‪ ,‬يخرجككون الككروح مككن‬
‫الجسد فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم‪ ,‬وسيأتي عند‬
‫قوله تعالى‪} :‬يثبت اللككه الككذين آمنككوا بككالقول الثككابت{ الحككاديث‬
‫المتعلقككة بككذلك الشككاهدة لهككذا المككروي عككن ابككن عبككاس وغيككره‬
‫بالصحة‪ ,‬وقوله }وهم ل يفرطون{ أي فككي حفككظ روح المتككوفى‪,‬‬
‫بل يحفظونها وينزلونهككا حيككث شككاء اللكه عككز وجكل‪ ,‬إن ككان مكن‬
‫البرار ففي عليين‪ ,‬وإن كان من الفجار ففي سجين‪ ,‬عيككاذا ً بككالله‬
‫من ذلك‪ ,‬وقوله }ثم ردوا إلى الله مولهم الحق{ قال ابن جرير‪:‬‬
‫}ثم ردوا{ يعني الملئكة }إلى الله مولهم الحككق{ ونككذكر هاهنككا‬
‫الحككديث الككذي رواه المككام أحمككد حيككث قككال‪ :‬حككدثنا حسككين بككن‬
‫محمد‪ ,‬حدثنا ابن أبي ذئب‪ ,‬عن محمد بن عمككرو بككن عطككاء‪ ,‬عككن‬
‫سعيد بن يسار‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬رضي الله عنه‪ ,‬عن النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم أنه قال‪» :‬إن الميت تحضككره الملئكككة فككإذا كككان‬
‫الرجل الصككالح‪ ,‬قككالوا‪ :‬اخرجككي أيتهككا النفككس الطيبككة كككانت فككي‬
‫الجسد الطيب‪ ,‬اخرجي حميدة وأبشري بككروح وريحككان ورب غيككر‬
‫غضبان‪ ,‬فل تزال يقال لهككا ذلككك حككتى تخككرج‪ ,‬ثككم يعككرج بهككا إلككى‬
‫السماء‪ ,‬فيستفتح لها فيقال من هذا ؟ فيقال فلن‪ ,‬فيقال مرحبككا ً‬
‫بالنفس الطيبة‪ ,‬كانت في الجسد الطيب‪ ,‬ادخلي حميدة وأبشككري‬
‫بروح وريحككان ورب غيككر غضككبان‪ ,‬فل تككزال يقككال لهككا ذلككك حككتى‬
‫ينتهى بها إلى السماء التي فيها اللكه عككز وجكل‪ ,‬وإذا ككان الرجكل‬
‫السوء‪ ,‬قككالوا‪ :‬اخرجككي أيتهككا النفككس الخبيثككة كككانت فككي الجسككد‬
‫الخبيث‪ ,‬اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق‪ ,‬وآخر من شكككله‬
‫أزواج‪ ,‬فل تككزال يقككال لهككا ذلككك حككتى تخككرج‪ ,‬ثككم يعككرج بهككا إلككى‬
‫السماء‪ ,‬فيستفتح لها فيقال‪ :‬مككن هككذا ؟ فيقككال‪ :‬فلن‪ ,‬فيقككال‪ :‬ل‬
‫‪597‬‬
‫مرحبا ً بالنفس الخبيثة كانت في الجسككد الخككبيث‪ ,‬ارجعككي ذميمككة‬
‫فإنه ل يفتح لك أبواب السماء فترسل من السماء ثككم تصككير إلككى‬
‫القبر‪ ,‬فيجلس الرجل الصالح‪ ,‬فيقال له مثل ما قيل في الحككديث‬
‫الول‪ ,‬ويجلس الرجل السوء‪ ,‬فيقال له مثل ما قيل فككي الحككديث‬
‫الثاني« هذا حديث غريب‪ ,‬ويحتمل أن يكككون المككراد بقككوله } ثككم‬
‫ردوا{ يعني الخلئق كلهككم إلككى اللككه يككوم القيامككة‪ ,‬فيحكككم فيهككم‬
‫لخرين لمجموعون إلى ميقات‬ ‫بعدله‪ ,‬كما قال }قل إن الّولين وا َ‬
‫يوم معلوم{ وقال }وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا{ إلككى قككوله‬
‫}ول يظلم ربك أحدًا{ ولهذا قال }مولهم الحق أل له الحكم وهو‬
‫أسككككككككككككككككككككككككككككككككرع الحاسككككككككككككككككككككككككككككككككبين{‪.‬‬
‫ة‬‫خْفَيكك ً‬ ‫ضّرعا ً وَ ُ‬ ‫ه تَ َ‬ ‫عون َ ُ‬‫حرِ ت َد ْ ُ‬‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫من ظ ُل ُ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جيك ُ ْ‬ ‫من ي ُن َ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫** قُ ْ‬
‫ل ّئ ِ َ‬
‫من َْها‬ ‫م ّ‬ ‫جيك ُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ي ُن َ ّ‬ ‫ن * قُ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫شاك ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫هـذِهِ ل َن َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جاَنا ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن* ق ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ث‬ ‫ى أن ي َب ْعَ ك َ‬ ‫ل َهُوَ الَقككادِ َُر عَل ك َ‬ ‫شرِكو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م أنت ُ ْ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ل كْر ٍ‬ ‫من ك ّ‬ ‫وَ ِ‬
‫ش كَيعا ً‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫س كك ُ ْ‬ ‫م أوْ ي َل ْب ِ َ‬ ‫جل ِك ُك ْ‬
‫ت أْر ُ‬ ‫حك ِ‬ ‫مككن ت َ ْ‬ ‫م أوْ ِ‬ ‫من فَوْقِك ُ ْ‬ ‫ذابا ً ّ‬ ‫م عَ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ويذيق بعضك ُم بأ ْ‬
‫ن‬ ‫م ي َْفَقُهو َ‬ ‫ت ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ف ال ََيا ِ‬ ‫صّر ُ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫ض ان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫س‬‫َ‬ ‫َُ ِ َ َْ َ ْ َ‬
‫يقول تعالى ممتنا على عباده‪ ,‬في إنجائه المضطرين منهككم مككن‬ ‫ً‬
‫ظلمات البر والبحر‪ ,‬أي الحائرين الككواقعين فككي المهككامه البريككة‪,‬‬
‫وفي اللجج البحرية‪ ,‬إذا هككاجت الريككاح العاصككفة‪ ,‬فحينئذ يفككردون‬
‫الدعاء له وحده ل شريك له‪ ,‬كقوله }وإذا مسكم الضر في البحر‬
‫لية‪ ,‬وقوله }هو الذي يسيركم في الكبر‬ ‫ضل من تدعون إل إياه{ ا َ‬
‫والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها‬
‫جاءتها ريح عاصككف وجككاءهم المككوج مككن كككل مكككان وظنككوا أنهككم‬
‫أحيط بهككم دعككوا اللككه مخلصككين لككه الككدين لئن أنجيتنككا مككن هككذه‬
‫مككن يهككديكم فككي ظلمككات‬ ‫لية‪ ,‬وقوله }أ ّ‬ ‫لنكونن من الشاكرين{ ا َ‬
‫البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا ً بين يدي رحمته أإله مع اللككه‬
‫ليككة الكريمككة }قككل مككن‬ ‫تعالى عما يشككركون{ وقككال فككي هككذه ا َ‬
‫ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا ً وخفيككة{ أي جهككرا ً‬
‫وسرا ً }لئن أنجانا{ أي من هذه الضائقة }لنكونن من الشاكرين{‬
‫أي بعدها قال الله }قل الله ينجيكم منها ومن كل كككرب ثككم أنتككم‬
‫تشركون{ أي تدعون معه في حال الرفاهية آلهككة أخككرى‪ ,‬وقككوله‬
‫‪598‬‬
‫}قل هو القادر على أن يبعككث عليكككم عككذابا ً مككن فككوقكم أو مككن‬
‫تحت أرجلكم{ لما قال ثم أنتم تشركون‪ ,‬عقبككه بقككوله }قككل هككو‬
‫القادر على أن يبعث عليكم عذابًا{ أي بعككد إنجككائه إيككاكم‪ ,‬كقككوله‬
‫في سكورة سككبحان }ربكككم الكذي يزجككي لكككم الفلكك فككي البحكر‬
‫لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما ً وإذا مسكم الضر فكي البحكر‬
‫ضل مككن تككدعون إل إيككاه فلمككا نجككاكم إلككى الككبر أعرضككتم وكككان‬
‫النسككان كفككورًا‪ .‬أفككأمنتم أن يخسككف بكككم جككانب الككبر أو يرسككل‬
‫عليكم حاصبا ً ثم ل تجدوا لكم وكيل ً أم أمنتم أن يعيدكم فيككه تككارة‬
‫أخرى فيرسل عليكم قاصفا ً من الريح فيغرقكم بما كفرتككم ثككم ل‬
‫تجدوا لكم علينا به تبيعًا{ قال ابن أبي حاتم‪ :‬ذكر عن مسككلم بككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬حدثنا هارون العور‪ ,‬عن جعفر بن سليمان‪ ,‬عن الحسككن‬
‫في قوله }قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا ً مككن فككوقكم‬
‫أو من تحت أرجلكم{ قال‪ :‬هذه للمشركين‪ .‬وقال ابن أبككي نجيككح‬
‫عن مجاهد‪ ,‬في قوله }قل هو القادر على أن يبعث عليكم عككذابا ً‬
‫من فوقكم أو من تحككت أرجلكككم{ لمككة محمككد صككلى اللككه عليككه‬
‫لثكار‪,‬‬‫وسلم وعفا عنهم‪ ,‬ونذكر هنا الحاديث‪ ,‬الواردة فككي ذلكك وا َ‬
‫وبكككككككالله المسكككككككتعان وعليكككككككه التكلن وبكككككككه الثقكككككككة‪.‬‬
‫قال البخاري رحمه الله تعالى في قوله تعالى‪} :‬قل هككو القككادر‬
‫على أن يبعث عليكم عذابا ً مككن فككوقكم أو مككن تحككت أرجلكككم أو‬
‫ليككات‬ ‫يلبسكم شيعا ً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف ا َ‬
‫لعلهم يفقهون{ يلبسكم يخلطكم مككن اللتبككاس‪ ,‬يلبسككوا يخلطككوا‬
‫شيعا ً فرقًا‪ ,‬حدثنا أبو النعمان‪ ,‬حدثنا حماد بن زيد‪ ,‬عن عمككرو بككن‬
‫ليككة }قككل هككو‬‫دينار‪ ,‬عن جابر بن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت هككذه ا َ‬
‫القادر على أن يبعث عليكم عذابا ً من فوقكم{ قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »أعككوذ بوجهككك« }أو مككن تحككت أرجلكككم{‬
‫قككال »أعككوذ بوجهككك« }أو يلبسكككم شككيعا ً ويككذيق بعضكككم بككأس‬
‫بعض{ قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »هككذه أهككون كك أو‬
‫أيسر« وهكذا رواه أيضا ً في كتاب التوحيد‪ ,‬عككن قتيبككة عككن حمككاد‬
‫به‪ ,‬ورواه النسائي أيضا ً في التفسير عن قتيبة‪ ,‬ومحمد بن النضككر‬
‫بن مساور‪ ,‬ويحيى بن حبيب بن عدي‪ ,‬أربعتهم عن حماد بككن زيككد‬
‫به‪ ,‬وقد رواه الحميدي فككي مسككنده عككن سككفيان بككن عيينككة‪ ,‬عككن‬
‫عمرو بن دينار‪ ,‬سمع جابرا ً عن النبي صلى الله عليككه وسككلم بككه‪.‬‬
‫‪599‬‬
‫ورواه ابن حبان في صحيحه‪ ,‬عن أبي يعلككى الموصككلي‪ ,‬عككن أبككي‬
‫خيثمة‪ ,‬عن سفيان بن عيينة بككه‪ ,‬ورواه ابككن جريككر فككي تفسككيره‪,‬‬
‫عن أحمد بن الوليد القرشي‪ ,‬وسعيد بن الربيع‪ ,‬وسفيان بن وكيع‪,‬‬
‫كلهم عن سفيان بن عيينككة بككه‪ ,‬ورواه أبككو بكككر بككن مردويككه‪ ,‬مككن‬
‫حديث آدم بن أبي إياس ويحيى بن عبد الحميد‪ ,‬وعاصم بن علي‪,‬‬
‫عن سفيان بن عيينة به‪ ,‬ورواه سعيد بن منصككور‪ ,‬عككن حمككاد بككن‬
‫زيكككككككد‪ ,‬كلهمكككككككا عكككككككن عمكككككككرو بكككككككن دينكككككككار بكككككككه‪.‬‬
‫)طريق آخر( ك قال الحافظ أبو بكككر بككن مردويككه فككي تفسككيره‪:‬‬
‫حدثنا سليمان بن أحمد‪ ,‬حدثنا مقدام بن داود‪ ,‬حدثنا عبد اللكه بكن‬
‫يوسف‪ ,‬حدثنا عبد الله بن لهيعككة‪ ,‬عككن خالككد بككن يزيككد‪ ,‬عككن أبككي‬
‫الزبير‪ ,‬عن جابر‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت }قل هككو القككادر علككى أن يبعككث‬
‫عليكم عذابا ً من فوقكم{ قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫»أعوذ بالله من ذلك« }أو من تحت أرجلكككم{ قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »أعوذ بالله من ذلك« }أو يلبسكم شككيعًا{‬
‫لية‪ ,‬أحككاديث‬ ‫قال »هذا أيسر« ولو استعاذه لعاذه‪ .‬ويتعلق بهذه ا َ‬
‫كثيرة )أحدها( قال المام أحمد بن حنبل فككي مسككنده‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫اليمان‪ ,‬حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي مريم‪ ,‬عن راشد هو ابن سعد‬
‫المقرائي‪ ,‬عن سعد بن أبي وقاص‪ ,‬قال‪ :‬سئل رسول اللككه صككلى‬
‫ليككة }قككل هككو القككادر علككى أن يبعككث‬ ‫الله عليه وسلم عن هككذه ا َ‬
‫عليكم عذابا ً من فوقكم أو مككن تحككت أرجلكككم{ فقككال »أمككا إنهككا‬
‫كائنة ولم يأت تأويلهككا بعككد« وأخرجككه الترمككذي عككن الحسككن بككن‬
‫عرفة‪ ,‬عن إسماعيل بن عياش‪ ,‬عن أبي بكر بن أبي مريم به‪ ,‬ثم‬
‫قكككككككككككككككال هكككككككككككككككذا حكككككككككككككككديث غريكككككككككككككككب‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬حدثنا يعلى هو ابن عبيد‪ ,‬حككدثنا‬
‫عثمان بن حكيم‪ ,‬عن عامر بن سعيد بككن أبككي وقككاص‪ ,‬عككن أبيككه‪,‬‬
‫قال‪ :‬أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا علككى‬
‫مسجد بني معاوية‪ ,‬فدخل فصككلى ركعككتين‪ ,‬فصككلينا معككه‪ ,‬فنككاجى‬
‫ربه عز وجل طويل ً ثم قال »سألت ربي ثلث كًا‪ :‬سككألته أن ل يهلككك‬
‫أمككتي بككالغرق فأعطانيهككا‪ ,‬وسككألته أن ل يهلككك أمككتي بالسككنة‬
‫فأعطانيهككا‪ ,‬وسككألته أن ل يجعككل بأسككهم بينهككم فمنعنيهككا« انفككرد‬
‫بإخراجه مسلم‪ ,‬فرواه في كتككاب الفتككن‪ ,‬عككن أبككي بكككر بككن أبككي‬
‫شيبة‪ ,‬عن محمد بن عبد الله بن نمير‪ ,‬كلهمكا عككن عبككد اللككه بككن‬
‫‪600‬‬
‫نمير‪ ,‬وعن محمد بن يحيى بن أبي عمرو‪ ,‬عن مروان بن معاويككة‪,‬‬
‫كلهمككككككككا عككككككككن عثمككككككككان بككككككككن حكيككككككككم بككككككككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬قككرأت علككى عبككد الرحمككن بككن‬
‫مهدي‪ ,‬عن مالك‪ ,‬عن عبد الله بن عبد اللككه بككن جككابر بككن عتيككك‪,‬‬
‫عن جابر بن عتيك‪ ,‬أنه قال‪ :‬جاءنا عبد الله بن عمر في حرة بنككي‬
‫معاوية ك قرية من قرى النصار ك فقال لي‪ :‬هل تككدري أيككن صككلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم فككي مسككجدكم هككذا ؟ فقلككت‪:‬‬
‫نعم‪ ,‬فأشرت إلى ناحيككة منككه‪ ,‬فقككال‪ :‬هككل تككدري مككا الثلث الككتي‬
‫دعاهن فيه ؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ,‬فقال‪ :‬أخبرني بهككن‪ ,‬فقلككت‪ :‬دعككا أن ل‬
‫يظهر عليهم عككدوا ً مكن غيرهكم‪ ,‬ول يهلكهكم بالسككنين فأعطيهمكا‪:‬‬
‫ودعا بأن ل يجعل بأسككهم بينهككم فمنعهككا‪ ,‬قككال‪ :‬صككدقت فل يككزال‬
‫الهرج إلى يوم القيامة‪ .‬ليس هككو فككي شككيء مككن الكتككب السككتة‪,‬‬
‫إسكككككككناده جيكككككككد قكككككككوي‪ ,‬وللكككككككه الحمكككككككد والمنكككككككة‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال محمد بن إسحاق‪ :‬عن حكيم بككن عبككاد‪ ,‬عككن‬
‫خصيف‪ ,‬عن عبادة بن حنيف‪ ,‬عن علي بن عبد الرحمككن‪ ,‬أخككبرني‬
‫حذيفة بن اليمان‪ ,‬قال‪ :‬خرجت مع رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم إلى حرة بني معاوية‪ ,‬قال‪ :‬فصككلى ثمككاني ركعككات فأطككال‬
‫فيهن‪ ,‬ثم التفت إلي فقال »حبستك يا حذيفة« قلت الله ورسوله‬
‫أعلم‪ ,‬قال »إني سألت الله ثلثا ً فأعطاني اثنتين ومنعني واحككدة‪:‬‬
‫سألته أن ل يسلط على أمتي عدوا ً من غيرهم فأعطاني‪ ,‬وسككألته‬
‫أن ل يهلكهم بغرق فأعطاني‪ ,‬وسككألته أن ل يجعككل بأسككهم بينهككم‬
‫فمنعنككي«‪ ,‬رواه ابككن مردويككه مككن حككديث محمككد بككن إسككحاق‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبيدة بكن حميككد‪ ,‬حكدثني‬
‫سليمان بن العمش‪ ,‬عن رجاء النصاري‪ ,‬عن عبد الله بن شداد‪,‬‬
‫عن معاذ بن جبل رضي الله عنه‪ ,‬قال أتيت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقيل لي‪ :‬خككرج قبككل‪ ,‬قككال‪ :‬فجعلككت ل أمككر بأحككد إل‬
‫قال‪ :‬مر قبل‪ ,‬حتى مررت فوجدته قائما ً يصلي‪ ,‬قال‪ :‬فجئت حتى‬
‫قمت خلفه‪ ,‬قككال‪ :‬فأطككال الصككلة‪ ,‬فلمككا قضككى صككلته قلككت‪ :‬يككا‬
‫رسول الله‪ ,‬قد صليت صلة طويلة‪ ,‬فقال رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »إني صليت صلة رغبة ورهبة‪ ,‬إنككي سككألت اللككه عككز‬
‫وجل ثلثكًا‪ ,‬فأعطككاني اثنككتين ومنعنككي واحككدة‪ :‬سككألته أن ل يهلككك‬
‫أمتي غرقا ً فأعطاني‪ ,‬وسألته أن ل يظهر عليهم عدوا ً ليس منهككم‬
‫‪601‬‬
‫فأعطانيها‪ ,‬وسألته أن ل يجعل بأسهم بينهككم فردهككا علككي« ورواه‬
‫ابن ماجه في الفتن عن محمد بن عبد اللككه بككن نميككر‪ ,‬وعلككي بككن‬
‫محمككد‪ ,‬كلهمككا عككن أبككي معاويككة‪ ,‬عككن العمككش بككه‪ ,‬ورواه ابككن‬
‫مردويه‪ :‬من حديث أبي عوانة‪ ,‬عن عبد الله بككن عميككر‪ ,‬عككن عبككد‬
‫الرحمن بن أبي ليلى‪ ,‬عن معاذ بككن جبككل‪ ,‬عككن النككبي صككلى اللككه‬
‫عليككككككككككككككه وسككككككككككككككلم بمثلككككككككككككككه أو نحككككككككككككككوه‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬حدثنا هارون بن معروف‪ ,‬حدثنا‬
‫عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث‪ ,‬عن بكير بن الشككج‪,‬‬
‫أن الضحاك بن عبد الله القرشي حدثه‪ ,‬عن أنس بككن مالككك‪ ,‬أنككه‬
‫قال‪ :‬رأيت رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فككي سككفر‪ ,‬صككلى‬
‫سبحة الضحى ثماني ركعككات‪ ,‬فلمككا انصككرف‪ ,‬قككال »إنككي صككليت‬
‫صلة رغبة ورهبة‪ ,‬وسككألت ربككي ثلثكًا‪ ,‬فأعطككاني اثنككتين ومنعنككي‬
‫واحككدة‪ :‬سككألته أن ل يبتلككي أمككتي بالسككنين ففعككل‪ ,‬وسككألته أن ل‬
‫يظهر عليهككم عككدوهم ففعككل‪ ,‬وسككألته أن ل يلبسككهم شككيعا ً فككأبى‬
‫علي«‪ ,‬ورواه النسائي في الصلة عن محمد بن سلمة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫وهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككب بكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو اليمان‪ ,‬أخبرنا شعيب‬
‫بن أبي حمزة‪ ,‬قال‪ :‬قال الزهري‪ ,‬حدثني عبد الله بن عبد الله بن‬
‫الحارث بن نوفل‪ ,‬عن عبد اللككه بككن خبككاب‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬خبككاب بككن‬
‫الرت مولى بني زهرة‪ ,‬وكان قد شهد بدرا ً مع رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬أنه قككال‪ :‬وافيككت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم في ليلة صلها كلها‪ ,‬حتى كككان مككع الفجككر‪ ,‬فسككلم رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم من صلته‪ ,‬فقلت‪ :‬يا رسككول اللككه لقككد‬
‫صليت الليلة صلة ما رأيتك صليت مثلها‪ ,‬فقال رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم »أجل إنها صكلة رغكب ورهكب‪ ,‬سكألت ربكي عكز‬
‫وجل فيها ثلث خصال‪ ,‬فأعطاني اثنككتين ومنعنككي واحككدة‪ ,‬سككألت‬
‫ربي عز وجل أن ل يهلكنككا بمككا أهلككك بككه المككم قبلنككا فأعطانيهككا‪,‬‬
‫وسألت ربي عز وجل أن ل يظهر علينا عدوا ً من غيرنا فأعطانيها‪,‬‬
‫وسككألت ربككي عككز وجككل أن ل يلبسككنا شككيعا ً فمنعنيهككا« ورواه‬
‫النسائي‪ :‬من حديث شعيب بن أبي حمزة به‪ .‬ومن وجه آخر وابن‬
‫حبان في صحيحه بإسناديهما‪ ,‬عككن صككالح بككن كيسككان والترمككذي‪,‬‬
‫‪602‬‬
‫في الفتن‪ ,‬من حديث النعمان بن راشد‪ ,‬كلهما عككن الزهككري بكه‪,‬‬
‫وقكككككككككككككككككككككال‪ :‬حسكككككككككككككككككككككن صكككككككككككككككككككككحيح‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال أبو جعفر بن جرير في تفسيره‪ :‬حدثني زيككاد‬
‫بن عبد الله المزني‪ ,‬حدثنا مروان بن معاوية الفككزاري‪ ,‬حكدثنا أبككو‬
‫مالك‪ ,‬حدثني نافع بن خالد الخزاعككي‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬أن النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬صلى صلة خفيفة تامة الركوع والسجود‪ ,‬فقككال‬
‫»قد كانت صككلة رغبككة ورهبكة‪ ,‬سككألت اللكه عككز وجككل فيهككا ثلثكا ً‬
‫أعطاني اثنتين ومنعني واحدة‪ :‬سألت اللككه أن ل يصككيبكم بعككذاب‬
‫أصاب به من كككان قبلكككم فأعطانيهككا‪ ,‬وسككألت اللككه أن ل يسككلط‬
‫عليكككم عككدوا ً يسككتبيح بيضككتكم فأعطانيهككا‪ ,‬وسككألت اللككه أن ل‬
‫يلبسكم شيعا ً ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها« قال أبو مالككك‪:‬‬
‫فقلت له أبوك سمع هذا مككن فككي رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ,‬سمعته يحدث بها القوم‪ ,‬أنه سمعها من فككي‬
‫رسككككككككول اللككككككككه صككككككككلى اللككككككككه عليككككككككه وسككككككككلم‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المام أحمد‪ :‬حككدثنا عبككد الككرزاق قككال‪ :‬قككال‬
‫معمر‪ :‬أخبرني أيوب عن أبي قلبة‪ ,‬عن الشككعث الصككنعاني‪ ,‬عككن‬
‫أبي أسماء الرحبي‪ ,‬عن شداد بن أوس‪ ,‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال »إن الله زوى لي الرض‪ ,‬حككتى رأيككت مشككارقها‬
‫ومغاربها‪ ,‬وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لككي منهككا‪ ,‬وإنككي أعطيككت‬
‫الكنزين البيض والحمر‪ ,‬وإني سألت ربككي عككز وجككل أن ل يهلككك‬
‫أمتى بسنة عامة‪ ,‬وأن ل يسلط عليهم عدوا ً فيهلكهككم بعامككة‪ ,‬وأن‬
‫ل يلبسهم شيعًا‪ ,‬وأن ل يذيق بعضهم بأس بعض‪ ,‬فقال‪ :‬يككا محمككد‬
‫إني إذا قضيت قضاء‪ ,‬فإنه ل يرد‪ ,‬وإني قككد أعطيتككك لمتككك أن ل‬
‫أهلكهم بسككنة عامككة‪ ,‬وأن ل أسككلط عليهككم عككدوا ً ممككن سككواهم‪,‬‬
‫فيهلكهم بعامة حككتى يكككون بعضككهم يهلككك بعضكًا‪ ,‬وبعضككهم يقتككل‬
‫بعضًا‪ ,‬وبعضهم يسبي بعضًا‪ ,‬قككال‪ :‬وقككال النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »إني ل أخاف علككى أمكتي إل الئمكة المضكلين‪ ,‬فككإذا وضكع‬
‫السيف في أمتي‪ ,‬لم يرفككع عنهككم إلككى يككوم القيامككة« ليككس فككي‬
‫شيء من الكتب الستة‪ ,‬وإسناده جيد قوي‪ ,‬وقد رواه ابن مردويه‬
‫من حديث حماد بن زيد‪ ,‬وعباد بككن منصككور‪ ,‬وقتككادة‪ ,‬ثلثتهككم عككن‬
‫أيوب عن أبي قلبة‪ ,‬عن أبي أسماء‪ ,‬عن ثوبان‪ ,‬عن رسككول اللككه‬
‫صكككككلى اللكككككه عليكككككه وسكككككلم بنحكككككوه واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫‪603‬‬
‫)حديث آخر( ك قال الحافظ أبو بكر بن مردويه‪ :‬حككدثنا عبككد اللككه‬
‫بككن إسككماعيل بككن إبراهيككم الهاشككمي‪ ,‬وميمككون بككن إسككحاق بككن‬
‫الحسن الحنفي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن عبد الجبار‪ ,‬حدثنا محمد بككن‬
‫فضيل‪ ,‬عن أبي مالك الشجعي‪ ,‬عن نافع بن خالد الخزاعككي عككن‬
‫أبيه‪ ,‬قال‪ :‬وكان أبوه مككن أصككحاب رسككول اللككه صكلى اللكه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬وكان من أصحاب الشجرة‪ ,‬قال‪ :‬كككان رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم إذا صلى والناس حوله‪ ,‬صلى صككلة خفيفككة تامككة‬
‫الركوع والسجود‪ ,‬قال فجلس يوما ً فأطككال الجلككوس‪ ,‬حككتى أومككأ‬
‫بعضنا إلى بعض أن اسكتوا إنكه ينكزل عليكه‪ ,‬فلمكا فكرغ‪ ,‬قكال لكه‬
‫بعض القوم‪ :‬يا رسول الله لقد أطلت الجلوس‪ ,‬حتى أومككأ بعضككنا‬
‫إلى بعض أنه ينزل عليك‪ ,‬قال »ل ولكنها كانت صلة رغبة ورهبة‪,‬‬
‫سألت الله فيها ثلثا ً فأعطاني اثنتين ومنعني واحككدة سككألت اللككه‬
‫أن ل يعذبكم بعذاب عذب به من كان قبلكم فأعطانيهككا‪ ,‬وسككألت‬
‫الله أن ل يسلط على أمتي عدوا ً يستبيحها فأعطانيها‪ ,‬وسككألته أن‬
‫ل يلبسكم شيعا ً وأن ل يذيق بعضكم بأس بعككض فمنعنيهككا« قككال‪:‬‬
‫قلت له‪ :‬أبوك سمعها من رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم ؟‬
‫قال‪ :‬نعم سمعته يقول‪ :‬إنه سككمعها مككن رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليكككككه وسكككككلم عكككككدد أصكككككابعي هكككككذه عشكككككر أصكككككابع‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال المكام أحمكد‪ :‬حككدثنا يكونس هككو ابككن محمكد‬
‫المؤدب‪ ,‬حدثنا ليث هو ابن سعد‪ ,‬عن أبككي وهككب الخككولني‪ ,‬عككن‬
‫رجل قد سماه‪ ,‬عن أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صككلى‬
‫اللككه عليككه وسككلم أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‬
‫»سألت ربي عز وجل أربعا ً فأعطاني ثلثًا‪ ,‬ومنعني واحدة‪ ,‬سألت‬
‫الله أن ل يجمع أمتي على ضككللة فأعطانيهككا‪ ,‬وسككألت اللككه أن ل‬
‫يظهككر عليهككم عككدوا ً مككن غيرهككم فأعطانيهككا‪ ,‬وسككألت اللككه أن ل‬
‫يهلكهم بالسنين كما أهلك المم قبلهككم فأعطانيهككا‪ ,‬وسككألت اللككه‬
‫عككز وجككل أن ل يلبسككهم شككيعا ً وأن ل يككذيق بعضككهم بككأس بعككض‬
‫فمنعنيهكككا« لكككم يخرجكككه أحكككد مكككن أصكككحاب الكتكككاب السكككتة‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال الطبراني‪ :‬حدثنا محمد بككن عثمككان بككن أبككي‬
‫شيبة‪ ,‬حدثنا منجاب بن الحارث‪ ,‬حككدثنا أبككو حذيفككة الثعلككبي‪ ,‬عككن‬
‫زياد بن علقة‪ ,‬عن جابر بن سمرة السوائي‪ ,‬عن علي أن رسككول‬
‫اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪» :‬سككألت ربككي ثلث خصككال‬
‫‪604‬‬
‫فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة‪ ,‬فقلت‪ :‬يا رب ل تهلك أمتي جوعا ً‬
‫فقال هذه لك قلت‪ :‬يا رب ل تسلط عليهم عدوا ً من غيرهم يعني‬
‫أهككل الشككرك فيجتككاحهم قككال‪ :‬ذلككك لككك‪ ,‬قلككت‪ :‬يككا رب ل تجعككل‬
‫بأسككككككهم بينهككككككم ككككككك قككككككال ككككككك فمنعنككككككي هككككككذه «‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال الحافظ أبو بكر بن مردويه‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫أحمد بككن إبراهيككم‪ ,‬عككن أحمككد بككن محمككد بككن عاصككم‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫الدرداء المروزي‪ ,‬حدثنا إسحاق بن عبد الله بككن كيسككان‪ ,‬حككدثني‬
‫أبي عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬أن رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال »دعوت ربي عز وجل أن يرفع عن أمتي أربعكًا‪ ,‬فرفككع‬
‫ي أن يرفع عنهم اثنتين دعككوت ربككي أن‬ ‫الله عنهم اثنتين‪ ,‬وأبى عل ّ‬
‫يرفككع الرجككم مككن السككماء‪ ,‬والغككرق مككن الرض‪ ,‬وأن ل يلبسككهم‬
‫شيعًا‪ ,‬وأن ل يذيق بعضهم بأس بعض‪ ,‬فرفع الله عنهم الرجم من‬
‫السككماء والغككرق مككن الرض‪ ,‬وأبككى اللككه أن يرفككع اثنككتين القتككل‬
‫والهككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككرج«‪.‬‬
‫)طريق أخرى( عن ابن عباس أيضًا‪ ,‬قال ابن مردويه‪ :‬حدثنا عبد‬
‫الله بن محمد بن يزيد‪ ,‬حدثني الوليكد بكن أبكان‪ ,‬حكدثنا جعفكر بكن‬
‫منير‪ ,‬حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد‪ ,‬حدثنا عمرو بككن قيككس‪ ,‬عككن‬
‫لية }قل هككو القككادر علككى‬ ‫رجل عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬نزلت هذه ا َ‬
‫أن يبعث عليكم عذابا ً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكككم‬
‫شيعا ً ويذيق بعضكم بأس بعض{ قال‪ :‬فقام النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فتوضأ ثم قال »اللهم ل ترسل على أمتي عذابا ً من فوقهم‬
‫ول من تحككت أرجلهككم‪ ,‬ول تلبسككهم شككيعا ً ول تككذق بعضككهم بككأس‬
‫بعض« قال‪ :‬فأتاه جبريل فقال‪ :‬يا محمد إن الله قككد أجككار أمتككك‪,‬‬
‫أن يرسككل عليهككم عككذابا ً مككن فككوقهم أو مككن تحككت أرجلهككم‪.‬‬
‫)حديث آخر( ك قال ابن مردويه‪ :‬حدثنا أحمد بن محمككد بككن عبككد‬
‫الله البزاز‪ ,‬حدثنا عبد الله بن أحمد بن موسككى‪ ,‬حككدثنا أحمككد بككن‬
‫محمد بن يحيى بن سعيد‪ ,‬حدثنا عمرو بن محمد العنقككزي‪ ,‬حككدثنا‬
‫أسباط عن السدي‪ ,‬عن أبي المنهال‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬عككن النككبي‬
‫صلى الله عليككه وسككلم قككال‪» :‬سككألت ربككي لمككتي أربككع خصككال‪,‬‬
‫فأعطاني ثلثًا‪ ,‬ومنعنككي واحككدة‪ ,‬سككألته أن ل تكفككر أمككتي صككفقة‬
‫واحدة فأعطانيها‪ ,‬وسألته أن ل يعذبهم بما عذب به المككم قبلهككم‬
‫فأعطانيها‪ ,‬وسألته أن ل يظهر عليهم عدوا ً من غيرهم فأعطانيها‪,‬‬
‫‪605‬‬
‫وسألته أن ل يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها« ورواه ابككن أبككي حككاتم‬
‫عن أبي سعيد بن يحيى بن سعيد القطان‪ ,‬عن عمككرو بككن محمككد‬
‫العنقككككككككككككككككككككككزي بككككككككككككككككككككككه نحككككككككككككككككككككككوه‪.‬‬
‫)طريق أخرى( ك وقال ابن مردويه‪ :‬حككدثنا محمككد بككن أحمككد بككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬حدثنا محمد بن يحيى‪ ,‬حككدثنا أبككو كريككب‪ ,‬حككدثنا زيككد بككن‬
‫الحباب‪ ,‬حدثنا كثير بن زيد الليثي المدني‪ ,‬حدثني الوليد بككن ربككاح‬
‫مولى آل أبي ذباب‪ ,‬سمع أبا هريرة يقول‪ :‬قال النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »سألت ربي ثلث كا ً فأعطككاني اثنككتين ومنعنككي واحككدة‪,‬‬
‫سألته أن ل يسلط على أمتي عدوا ً من غيرهم فأعطاني‪ ,‬وسككألته‬
‫أن ل يهلكهم بالسنين فأعطاني‪ ,‬وسألته أن ل يلبسككهم شككيعا ً وأن‬
‫ل يذيق بعضهم بأس بعض فمنعني« ثم رواه ابن مردويه بإسناده‪,‬‬
‫عن سعد بن سعيد بككن أبككي سككعيد المقككبري‪ ,‬عككن أبيككه عككن أبككي‬
‫هريرة‪ ,‬عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه‪ ,‬ورواه الككبزار مككن‬
‫طريق عمرو بن أبي سلمة‪ ,‬عن أبيه عن أبي هريككرة‪ ,‬عككن النككبي‬
‫صككككككككككلى اللككككككككككه عليككككككككككه وسككككككككككلم بنحككككككككككوه‪.‬‬
‫)أثر آخر( قال سفيان الثككوري‪ ,‬عككن الربيككع بككن أنككس‪ ,‬عككن أبككي‬
‫العالية‪ ,‬عن أبي بن كعب‪ ,‬قال‪ :‬أربع فككي هككذه المككة‪ ,‬قككد مضككت‬
‫اثنتان وبقيت اثنتان‪} ,‬قل هو القادر على أن يبعككث عليكككم عككذابا ً‬
‫من فوقكم{ قال‪ :‬الرجم }أو من تحت أرجلكككم{ قككال‪ :‬الخسككف‬
‫}أو يلبسكم شيعا ً ويذيق بعضكم بأس بعض{ قال سككفيان‪ :‬يعنككي‬
‫الرجم والخسف‪ ,‬وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس‪ ,‬عككن‬
‫أبي العالية‪ ,‬عن أبي بككن كعككب‪} ,‬قككل هككو القككادر علككى أن يبعككث‬
‫عليكم عذابا ً من فوقكم أو مككن تحككت أرجلكككم أو يلبسكككم شككيعا ً‬
‫ويذيق بعضكم بأس بعض{ قال‪ :‬فهي أربع خلل‪ ,‬منها اثنتككان بعككد‬
‫وفاة رسول الله صلى الله عليه وسككلم بخمككس وعشككرين سككنة‪,‬‬
‫ألبسوا شيعا ً وذاق بعضهم بأس بعض‪ .‬وبقيت اثنتككان ل بككد منهمككا‬
‫واقعتان‪ ,‬الرجم والخسف‪ ,‬ورواه أحمد عن وكيع‪ ,‬عن أبي جعفككر‪.‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا المنككذر بككن شككاذان‪ ,‬حككدثنا أحمككد بككن‬
‫إسحاق‪ ,‬حدثنا أبو الشهب عن الحسن في قوله }قل هككو القككادر‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها‪ ,‬فلما‬ ‫على أن يبعث{ ا َ‬
‫عمل ذنبها أرسلت عقوبتها‪ ,‬وهكذا قال مجاهككد وسككعيد بككن جككبير‬
‫وأبو مالك والسدي‪ ,‬وابن زيد وغيكر واحكد فكي قكوله }عكذابا ً مكن‬
‫‪606‬‬
‫فوقكم{ يعني الرجم }أو من تحت أرجلكم{ يعني الخسف وهككذا‬
‫هو اختيار ابن جرير‪ ,‬وروى ابن جرير‪ :‬عن يونس‪ ,‬عن ابككن وهككب‪,‬‬
‫عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله }قل هو القككادر علككى‬
‫أن يبعث عليكم عذابا ً من فوقكم أو من تحت أرجلكم{ قال‪ :‬كان‬
‫عبد الله بن مسعود يصيح وهو في المسجد أو على المنبر‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫أل أيها الناس إنه قد نزل بكم‪ ,‬إن الله يقول }قل هو القادر علككى‬
‫أن يبعث عليكم عذابا ً من فوقكم{ لو جككاءكم عككذاب السككماء لككم‬
‫يبق منكم أحدًا‪} ,‬أو مكن تحكت أرجلككم{ لكو خسكف بككم الرض‬
‫أهلككم‪ ,‬ولم يبق منكم أحدًا‪} ,‬أو يلبسكككم شككيعا ً ويككذيق بعضكككم‬
‫بأس بعض{ أل إنه نزل بكم أسوأ الثلث‪) .‬قول ثان( ك ك قككال ابككن‬
‫جرير وابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا يككونس بككن عبككد العلككى‪ ,‬أخبرنككا ابككن‬
‫وهب‪ ,‬سككمعت خلد بككن سككليمان يقككول‪ :‬سككمعت عككامر بككن عبككد‬
‫ليككة }قككل هككو‬‫الرحمن يقول‪ :‬إن ابن عباس كان يقول‪ :‬في هذه ا َ‬
‫القادر على أن يبعث عليكم عذابا ً من فوقكم{ فأئمكة السكوء }أو‬
‫من تحت أرجلكم{ فخدم السوء‪ ,‬وقال علي بن أبي طلحككة‪ ,‬عككن‬
‫ابن عبككاس }عككذابا ً مككن فككوقكم{ يعنككي أمرءاكككم }أو مككن تحككت‬
‫أرجلكم{ يعني عبيدكم وسفلتكم‪ ,‬وحكى ابن أبي حككاتم عككن أبككي‬
‫سنان وعمرو بن هانىء‪ ,‬نحو ذلك‪ .‬قككال ابككن جريككر‪ :‬وهككذا القككول‬
‫وإن كان له وجه صحيح‪ ,‬لكن الول أظهر وأقككوى‪ ,‬وهككو كمككا قككال‬
‫ابن جرير رحمه الله‪ ,‬ويشهد له بالصحة قوله تعالى‪} :‬أأمنتم مككن‬
‫في السماء أن يخسف بكم الرض فإذا هككي تمككور أم أمنتككم مككن‬
‫في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ً فستعلمون كيف نذير{ وفككي‬
‫الحديث »ليكونن في هككذه المككة قككذف وخسككف ومسككخ« وذلككك‬
‫مذكور مع نظائره في أمارات الساعة وأشراطها‪ ,‬وظهككور ا َ‬
‫ليككات‬
‫قبل يوم القيامة‪ ,‬وستأتي في موضعها إن شاء الله تعالى‪ ,‬وقككوله‬
‫}أو يلبسكم شيعًا{ يعني يجعلكم متلبسين شيعا ً فرقا ً متخككالفين‪.‬‬
‫وقال الوالبي عن ابن عباس‪ :‬يعني الهواء‪ ,‬وكذا قال مجاهد وغير‬
‫واحد‪ ,‬وقد ورد في الحكديث المكروي مكن طكرق عنكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم أنه قككال »وسككتفترق هككذه المككة علككى ثلث وسككبعين‬
‫فرقة‪ ,‬كلها في النار إل واحككدة« وقككوله تعككالى‪} :‬ويككذيق بعضكككم‬
‫بأس بعض{ قال ابن عباس وغير واحد‪ :‬يعني يسلط بعضكم على‬
‫ليككات{‬ ‫بعض بالعذاب والقتل‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬انظر كيف نصرف ا َ‬
‫‪607‬‬
‫أي نبينها ونوضحها مرة ونفسرها‪} ,‬لعلهم يفقهككون{ أي يفهمككون‬
‫ويتدبرون عن الله آياته وحججه وبراهينه‪ .‬قال زيد بن أسككلم‪ :‬لمككا‬
‫نزلت }قل هو القادر على أن يبعككث عليكككم عككذابا ً مككن فككوقكم{‬
‫لية‪ ,‬قالرسول الله صلى الله عليه وسلم »ل ترجعوا بعدي كفارا ً‬ ‫ا َ‬
‫يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف« قالوا ونحن ونشهد أن ل إله‬
‫إل الله وأنك رسول الله‪ ,‬قال »نعم« فقال بعضهم‪ :‬ل يكككون هككذا‬
‫أبدا ً أن يقتل بعضنا بعضا ً ونحككن مسككلمون‪ ,‬فنزلككت }انظككر كيككف‬
‫ليات لعلهم يفقهون * وكذب بككه قومككك وهككو الحككق قككل‬ ‫نصرف ا َ‬
‫لست عليكم بوكيل لكل نبإ مسككتقر وسككوف تعلمككون{ رواه ابككن‬
‫أبكككككككككككككككي حكككككككككككككككاتم وابكككككككككككككككن جريكككككككككككككككر‪.‬‬
‫ل ن َب َكإ ٍ‬‫ل * ل ّك ُ ّ‬ ‫كي ٍ‬ ‫م ب ِوَ ِ‬‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫س ُ‬‫حقّ ُقل ل ّ ْ‬ ‫ك وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ب ِهِ قَوْ ُ‬ ‫** وَك َذ ّ َ‬
‫ف تعل َمون * وإ َ َ‬
‫ي آَيات ِن َككا‬ ‫ن ف ِك َ‬ ‫ضككو َ‬ ‫خو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّك ِ‬‫ذا َرأْيك َ‬ ‫َِ‬ ‫سو ْ َ َ ْ ُ َ‬ ‫ست ََقّر وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ك‬‫س كي َن ّ َ‬‫مككا ُين ِ‬ ‫ث غَي ْكرِهِ وَإ ِ ّ‬ ‫دي ٍ‬ ‫حك ِ‬ ‫ضككوا ْ فِككي َ‬ ‫خو ُ‬ ‫ى يَ ُ‬
‫حت ّك َ‬ ‫م َ‬ ‫ض عَن ْهُ ك ْ‬ ‫فَ كأعْرِ ْ‬
‫مككا عَل َككى‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫معَ ال َْقكوْم ِ الظ ّككال ِ ِ‬ ‫ن فَل َ ت َْقعُد ْ ب َعْد َ الذ ّك َْرىَ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫م ي َت ُّقككو َ‬ ‫كن ذِك ْكَرىَ ل َعَل ّهُ ك ْ‬ ‫يٍء وََلـ ِ‬‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ساب ِِهم ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ي َت ُّقو َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫يقول تعالى‪} :‬وكذب به{ أي بالقرآن الكذي جئتهكم بكه‪ ,‬والهكدى‬
‫والبيان‪} ,‬قومك{ يعني قريشا ً }وهو الحق{ أي الذي ليس وراءه‬
‫حق }قل لست عليكم بوكيل{ أي لست عليكم بحفيككظ‪ ,‬ولسككت‬
‫بموكل بكم‪ ,‬كقوله }وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن‬
‫ي البلغ‪ ,‬وعليكم السمع والطاعة‪ ,‬فمككن‬ ‫شاء فليكفر{ أي إنما عل ّ‬
‫لخرة‪ ,‬ومن خالفني فقد شقي في الدنيا‬ ‫اتبعني سعد في الدنيا وا َ‬
‫لخرة‪ ,‬ولهذا قال }لكل نبإ مستقر{ قال ابن عباس وغير واحد‪:‬‬ ‫وا َ‬
‫أي لكل نبأ حقيقة‪ ,‬أي لكل خبر وقككوع‪ ,‬ولككو بعككد حيككن‪ ,‬كمككا قككال‬
‫}ولتعلمن نبأه بعد حين{ وقككال }لكككل أجككل كتككاب{ وهككذا تهديككد‬
‫ووعيد أكيد‪ ,‬ولهككذا قككال بعككده }وسككوف تعلمككون{‪ .‬وقككوله }وإذا‬
‫رأيككت الككذين يخوضككون فككي آياتنككا{ أي بالتكككذيب والسككتهزاء‪,‬‬
‫}فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيككره{ أي حككتى يأخككذوا‬
‫فككي كلم آخكر غيككر مكا ككانوا فيككه مكن التككذيب‪} ,‬وإمككا ينسككينك‬
‫الشيطان{ والمراد بذلك كل فرد‪ ,‬مككن آحككاد المككة‪ ,‬أن ل يجلككس‬
‫مككع المكككذبين الككذين يحرفككون آيككات اللككه ويضككعونها علككى غيككر‬
‫‪608‬‬
‫مواضعها‪ ,‬فإن جلس أحد معهم ناسككيًا‪} ,‬فل تقعككد بعككد الككذكرى{‬
‫بعد التذكر }مع القوم الظالمين{ ولهككذا ورد فككي الحككديث »رفككع‬
‫عن أمتي الخطأ والنسيان ومككا اسككتكرهوا عليككه«‪ .‬وقككال السككدي‬
‫عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله }وإما ينسينك الشيطان{‬
‫قال‪ :‬إن نسيت فذكرت }فل تقعد{ معهم‪ ,‬وكككذا قككال مقاتككل بككن‬
‫لية هي المشار إليها في قوله }وقد نزل عليكم في‬ ‫حيان‪ ,‬وهذه ا َ‬
‫الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بهككا فل تقعككدوا‬
‫ليككة أي‬‫معهم حتى يخوضوا فكي حكديث غيكره إنككم إذا مثلهككم{ ا َ‬
‫إنكم إذا جلستم معهم‪ ,‬وأقررتموهم على ذلككك‪ ,‬فقككد سككاويتموهم‬
‫فيما هم فيه‪ ,‬وقوله }وما علككى الككذين يتقككون مككن حسككابهم مككن‬
‫شيء{ أي إذا تجنبوهم‪ ,‬فلم يجلسوا معهم فككي ذلككك‪ ,‬فقككد بككرئوا‬
‫من عهدتهم وتخلصوا من إثمهم‪ ,‬قال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫سعيد الشككج‪ ,‬حككدثنا عبيككد اللككه بككن موسككى‪ ,‬عككن إسككرائيل‪ ,‬عككن‬
‫السدي‪ ,‬عن أبي مالك‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قوله }وما على الذين‬
‫يتقون من حسابهم من شيء{ قككال‪ :‬مككا عليككك أن يخوضككوا فككي‬
‫آيات الله إذا فعلت ذلك‪ ,‬أي إذا تجنبتهككم وأعرضككت عنهككم‪ ,‬وقككال‬
‫آخرون‪ :‬بل معناه وإن جلسوا معهم‪ ,‬فليس عليهككم مككن حسككابهم‬
‫من شيء‪ ,‬وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية‪ ,‬وهي قوله‬
‫}إنكككم إذا ً مثلهككم{ قككاله مجاهككد والسككدي وابككن جريككج وغيرهككم‪.‬‬
‫وعلى قولهم يكون قوله }ولكن ذككرى لعلهكم يتقكون{ أي ولككن‬
‫أمرناكم بالعراض عنهم‪ ,‬حينئذ تذكيرا ً لهكم عمكا هكم فيكه‪ ,‬لعلهكم‬
‫يتقكككككككككككككون ذلكككككككككككككك ول يعكككككككككككككودون إليكككككككككككككه‪.‬‬
‫م ال ْ َ‬
‫حي َككاةُ الكد ّن َْيا وَذ َك ّكْر‬ ‫م ل َِعبا ً وَل َْهوا ً وَغَّرت ْهُ ُ‬ ‫ذوا ْ ِدين َهُ ْ‬‫خ ُ‬‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬‫** وَذ َرِ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ي وَل َ‬ ‫ن الل ّكهِ وَل ِك ّ‬ ‫دو ِ‬ ‫مككن ُ‬ ‫س ل َهَككا ِ‬ ‫ت ل َي ْك َ‬‫س كب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬‫ل ن َْف ٌ‬ ‫س َ‬ ‫ب ِهِ أن ت ُب ْ َ‬
‫ك ال ّكذي ُ‬ ‫من َْهآ أ ُوَْلـكئ ِ َ‬
‫سكُلوا ْ ب ِ َ‬
‫مككا‬ ‫ن أب ْ ِ‬‫ِ َ‬ ‫خذ ْ ِ‬‫ل ل ّ ي ُؤْ َ‬ ‫ل عَد ْ ٍ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫شِفيعٌ وَِإن ت َعْدِ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ككاُنوا ْ ي َك ُْفكُرو َ‬
‫ن‬ ‫مكا َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ب أِليك ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عك َ‬‫ميكم ٍ وَ َ‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫مك ْ‬‫ب ّ‬ ‫شكَرا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫سُبوا ْ ل َهُ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫يقول تعالى‪} :‬وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ً ولهوا ً وغرتهم الحياة‬
‫الدنيا{ أي دعهم وأعرض عنهم وأمهلهم قليل ً فإنهم صائرون إلككى‬
‫عذاب عظيم‪ ,‬ولهذا قال وذكر بككه‪ ,‬أي ذكككر النككاس بهككذا القككرآن‪,‬‬
‫وحذرهم نقمة الله وعذابه الليم‪ ,‬يوم القيامة‪ ,‬وقككوله تعككالى }أن‬
‫تبسل نفس بما كسككبت{ أي لئل تبسككل‪ ,‬قككال الضككحاك عككن ابككن‬
‫‪609‬‬
‫عباس ومجاهد وعكرمة‪ ,‬والحسن والسدي‪ :‬تبسككل تسككلم‪ ,‬وقككال‬
‫الوالبي عن ابن عباس‪ :‬تفتضح‪ .‬وقال قتادة‪ :‬تحبككس‪ ,‬وقككال مككرة‬
‫وابككن زيككد‪ :‬تؤاخككذ‪ ,‬وقككال الكلككبي‪ :‬تجككزى‪ ,‬وكككل هككذه القككوال‬
‫والعبارات متقاربة في المعنى‪ ,‬وحاصلها السلم للهلكة‪ ,‬والحبس‬
‫عن الخير والرتهان عن درك المطلكوب‪ ,‬كقكوله }ككل نفكس بمكا‬
‫كسبت رهينة إل أصحاب اليمين{ وقوله }ليس لهككا مككن دون للككه‬
‫ولي ول شفيع{ وقوله }وإن تعدل كل عدل ل يؤخذ منها{ أي ولو‬
‫بذلت كل مبذول ما قبككل منهككا‪ ,‬كقككوله }إن الككذين كفككروا ومككاتوا‬
‫وهم كفار فلن يقبل مكن أحككدهم ملككء الرض ذهبكًا{ ا َ‬
‫ليكة‪ ,‬وكككذا‬
‫قال ههنا }أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شككراب مككن حميككم‬
‫وعككككككككككذاب أليككككككككككم بمككككككككككا كككككككككككانوا يكفككككككككككرون{‪.‬‬
‫ى‬ ‫َ‬
‫ض كّرَنا وَن ُكَرد ّ عَل ك َ‬ ‫مككا ل َ َينَفعُن َككا وَل َ ي َ ُ‬ ‫ن الل ّكهِ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫مككن ُ‬ ‫عوا ْ ِ‬ ‫ل أ َن َكد ْ ُ‬‫** قُ ْ‬
‫َ‬
‫ض‬ ‫ن فِككي الْر ِ‬ ‫طي ُ‬ ‫شكَيا ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫سكت َهْوَت ْ ُ‬‫ذي ا ْ‬ ‫كال ّك ِ‬‫ه َ‬ ‫داَنا الل ّك ُ‬ ‫أعَْقاب َِنا ب َعْد َ إ ِذ ْ هَك َ‬
‫حيران ل َ َ‬
‫دى الل ّكهِ هُك َ‬
‫و‬ ‫ن هُ ك َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫دى ائ ْت ِن َككا قُك ْ‬ ‫ه إ َِلى ال ْهُ َ‬ ‫عون َ ُ‬ ‫ب ي َد ْ ُ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ص َ‬
‫هأ ْ‬ ‫َ َْ َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صككلةَ َوات ُّقككوهُ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫ن أِقي ُ‬ ‫ن * وَأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫م ل َِر ّ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫مْرَنا ل ِن ُ ْ‬ ‫ال ْهُد َىَ وَأ ِ‬
‫ض‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سك َ‬ ‫خل َكقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * وَهُكوَ ال ّك ِ‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫وَهُوَ ال ّذِيَ إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬
‫خ فِككي‬ ‫م ُينَف ُ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫حقّ وَل َ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ن قَوْل ُ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫كن فَي َ ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ي َُقو ُ‬ ‫حقّ وَي َوْ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫م ال ْ َ‬
‫خِبيككككُر‬ ‫كيكككك ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫شككككَهاد َةِ وَهُككككوَ ال ْ َ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْكككك ِ‬ ‫صككككوَرِ عَككككال ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫قال السدي‪ :‬قال المشركون للمسلمين‪ :‬اتبعوا سبيلنا واتركككوا‬
‫دين محمد‪ ,‬فأنزل الله عز وجل }قل أنككدعو مككن دون اللككه مككا ل‬
‫ينفعنا ول يضرنا ونرد على أعقابنا{ أي في الكفككر }بعككد إذ هككدانا‬
‫الله{ فيكككون مثلنككا مثككل الككذي اسككتهوته الشككياطين فككي الرض‪,‬‬
‫يقول‪ :‬مثلكم إن كفرتم بعد إيمانكم‪ ,‬كمثككل رجككل خككرج مككع قككوم‬
‫على الطريق‪ ,‬فضل الطريق‪ ,‬فحيرته الشككياطين‪ ,‬واسككتهوته فككي‬
‫الرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم يقولون‪ :‬ائتنككا‬
‫فإنا على الطريق‪ ,‬فأبى أن يككأتيهم‪ ,‬فككذلك مثككل مككن يتبعهككم بعككد‬
‫المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ومحمد هو الذي يدعو إلى‬
‫الطريككق‪ ,‬والطريككق هككو السككلم‪ ,‬رواه ابككن جريككر‪ ,‬وقككال قتككادة‬
‫}اسككتهوته الشككياطين فككي الرض{ أضككلته فككي الرض‪ ,‬يعنككي‬
‫استهوته سيرته‪ ,‬كقوله }تهوي إليهم{ وقال علي بككن أبككي طلحككة‬
‫‪610‬‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬في قوله }قل أندعو من دون الله ما ل ينفعنا ول‬
‫للهة ومن يدعو إليها‪ ,‬والككدعاة‬ ‫لية‪ ,‬هذا مثل ضربه الله ل َ‬‫يضرنا{ ا َ‬
‫الذين يدعون إلى هدى الله عز وجل‪ ,‬كمثل رجل ضل عن طريق‬
‫تائه كًا‪ ,‬إذ نككاداه منككاد‪ :‬يككا فلن بككن فلن هلككم إلككى الطريككق‪ ,‬ولككه‬
‫أصحاب يدعونه يا فلن هلم إلى الطريق‪ ,‬فإن اتبع الككداعي الول‬
‫انطلق بككه حككتى يلقيككه إلككى الهلكككة‪ ,‬وإن أجككاب مككن يككدعوه إلككى‬
‫الهدى‪ ,‬اهتدى إلى الطريق‪ ,‬وهذه الداعية الكتي تكدعو فكي البريكة‬
‫من الغيلن‪ ,‬يقول‪ :‬مثل من يعبد هذه ا َ‬
‫للهككة مككن دون اللككه‪ ,‬فككإنه‬
‫يرى أنه في شيء‪ ,‬حتى يأتيه الموت فيسككتقبل الندامككة والهلكككة‪,‬‬
‫وقككوله }كالككذي اسككتهوته الشككياطين فككي الرض{ هككم الغيلن‬
‫}يدعونه{ باسمه واسم أبيككه وجككده‪ ,‬فيتبعهككا وهككو يككرى أنككه فككي‬
‫شيء فيصبح وقد رمته في هلكة‪ ,‬وربما أكلته‪ ,‬أو تلقيه في مضلة‬
‫للهة التي تعبد‬ ‫من الرض يهلك فيها عطشًا‪ ,‬فهذا مثل من أجاب ا َ‬
‫من دون الله عز وجل‪ ,‬رواه ابن جرير‪ ,‬وقال ابن أبي نجيككح‪ :‬عككن‬
‫مجاهد‪} ,‬كالككذي اسككتهوته الشككياطين فككي الرض حيككران{ قككال‪:‬‬
‫رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق‪ ,‬وذلك مثل من يضل بعد‬
‫أن هدي‪ ,‬وقال العوفي عككن ابككن عبككاس قككوله }كالككذي اسككتهوته‬
‫الشياطين في الرض حيران له أصككحاب{ هككو الككذي ل يسككتجيب‬
‫لهككدى اللككه‪ ,‬وهككو رجككل أطككاع الشككيطان‪ ,‬وعمككل فككي الرض‬
‫بالمعصية‪ ,‬وحاد عن الحق‪ ,‬وضل عنه‪ ,‬ولككه أصككحاب يككدعونه إلككى‬
‫الهككدى‪ ,‬ويزعمككون أن الككذي يككأمرونه بككه هككدى‪ ,‬يقككول اللككه ذلككك‬
‫لوليائهم من النس‪} ,‬إن الهدى هدى الله{ والضلل ما يدعو إليه‬
‫الجن‪ ,‬رواه ابن جرير‪ ,‬ثم قال‪ :‬وهذا يقتضككي أن أصككحابه يككدعونه‬
‫لية‪ ,‬فككإن‬‫إلى الضلل ويزعمون أنه هدى‪ ,‬قال وهذا خلف ظاهر ا َ‬
‫الله أخبر أنهم يدعونه إلى الهدى‪ ,‬فغير جائز أن يكون ضل ً‬
‫ل‪ ,‬وقككد‬
‫أخبر الله أنه هدى‪ ,‬وهو كما قال ابن جرير‪ :‬فإن السككياق يقتضككي‬
‫أن هذا الذي استهوته الشياطين في الرض حيران‪ ,‬وهو منصككوب‬
‫على الحال‪ ,‬أي في حال حيرته وضلله وجهله‪ ,‬وجه المحجة‪ ,‬ولككه‬
‫أصككحاب علككى المحجككة سككائرون‪ ,‬فجعلككوا يككدعونه إليهككم وإلككى‬
‫الذهاب معهم على الطريقة المثلى‪ ,‬وتقدير الكلم فيككأبى عليهككم‪,‬‬
‫ول يلتفت إليهم‪ ,‬ولو شاء الله لهداه ولرد به إلى الطريككق‪ ,‬ولهككذا‬
‫قال }قل إن هدى الله هو الهدى{ كما قال }ومن يهككد اللككه فمككا‬
‫‪611‬‬
‫له من مضل{ وقال }إن تحرص على هككداهم فككإن اللككه ل يهككدي‬
‫من يضل ومككا لهككم مككن ناصككرين{ وقككوله }وأمرنككا لنسككلم لككرب‬
‫العالمين{ أي نخلص له العبادة‪ ,‬وحده ل شريك له‪} ,‬وأن أقيمككوا‬
‫الصككلة واتقككوه{ أي وأمرنككا بإقامككة الصككلة وبتقككواه فككي جميككع‬
‫الحوال‪} ,‬وهو الذي إليه تحشرون{ أي يوم القيامة }وهككو الككذي‬
‫خلكككق السكككموات والرض بكككالحق{ أي بالعكككدل فهكككو خالقهمكككا‬
‫ومالكهما‪ ,‬والمدبر لهمككا ولمككن فيهمككا‪ ,‬وقككوله }ويككوم يقككول كككن‬
‫فيكون{ يعني يوم القيامة‪ ,‬الذي يقول الله كن فيكون‪ ,‬عن أمككره‬
‫كلمح البصر‪ ,‬أو هو أقرب‪ ,‬ويوم منصوب إما علككى العطككف علككى‬
‫قوله واتقوه‪ ,‬وتقديره واتقوا يككوم يقككول كككن فيكككون‪ ,‬وإمككا علككى‬
‫قوله }خلق السموات والرض{ أي وخلق يوم يقول كككن فيكككون‬
‫فذكر بدء الخلق وإعككادته وهككذا مناسككب وإمككا علككى إضككمار فعككل‬
‫تقديره واذكر يككوم يقككول كككن فيكككون‪ ,‬وقككوله }قككوله الحككق ولككه‬
‫الملك{ جملتان محلهما الجر على أنهمكا صكفتان لكرب العكالمين‪,‬‬
‫وقوله }يوم ينفخ فككي الصككور{ يحتمككل أن يكككون بككدل ً مككن قككوله‬
‫ويوم يقول كن فيكون يككوم ينفككخ فككي الصككور ويحتمككل أن يكككون‬
‫ظرفا ً لقوله }ولكه الملكك يكوم ينفككخ فكي الصككور{ كقككوله }لمكن‬
‫الملككك اليككوم للككه الواحككد القهككار{ كقككوله }الملككك يككومئذ الحككق‬
‫للرحمككن وكككان يوم كا ً علككى الكككافرين عسككيرًا{ ومككا أشككبه ذلككك‪,‬‬
‫واختلككف المفسككرون فككي قككوله }يككوم ينفككخ فككي الصككور{ فقككال‬
‫بعضهم‪ :‬المراد بالصور هنا‪ ,‬جمع صورة‪ ,‬أي يوم ينفخ فيها فتحيككا‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬كما يقككال‪ :‬سككور لسككور البلككد‪ ,‬وهككو جمككع سككورة‪,‬‬
‫والصحيح أن المرد بالصور القرن الذي ينفخ فيككه إسككرافيل عليككه‬
‫السلم‪ ,‬قال ابن جرير‪ :‬والصواب عندنا مككا تظككاهرت بككه الخبككار‪,‬‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬أنه قال »إن إسرافيل قككد‬
‫التقم الصور‪ ,‬وحنى جبهته ينتظر متى يككؤمر فينفككخ« رواه مسككلم‬
‫في صحيحه‪ ,‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا إسككماعيل‪ ,‬حككدثنا سككليمان‬
‫التيمي‪ ,‬عن أسلم العجلي‪ ,‬عن بشر بن شغاف‪ ,‬عن عبد الله بككن‬
‫عمرو قال‪ :‬قال أعرابي يا رسككول اللككه مككا الصككور ؟ قككال »قككرن‬
‫ينفكككككككككككككككككككككككككككككككككككككخ فيكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه«‪.‬‬
‫وقد روينا حديث الصور بطوله من طريق الحككافظ ابككن القاسككم‬
‫الطبراني‪ ,‬في كتككابه المطككولت‪ ,‬قككال‪ :‬حككدثنا أحمككد بككن الحسككن‬
‫‪612‬‬
‫المقري اليلي‪ ,‬حدثنا أبو عاصم النبيل‪ ,‬حدثنا إسماعيل بككن رافككع‪,‬‬
‫عن محمد بن زياد‪ ,‬عن محمد بن كعب القرظي‪ ,‬عن أبككي هريككرة‬
‫رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو‬
‫فككي طائفككة مككن أصككحابه‪ ,‬فقككال »إن اللككه لمككا فككرغ مككن خلككق‬
‫السموات والرض‪ ,‬خلككق الصككور فأعطككاه إسككرافيل فهككو واضككعه‬
‫على فيه‪ ,‬شاخصا ً بصره إلى العرش ينتظر متى يكؤمر« قلكت‪ :‬يكا‬
‫رسول الله وما الصور ؟ قال‪» :‬القرن« قلككت‪ :‬كيككف هككو ؟ قككال‪:‬‬
‫»عظيم والذي بعثني بالحق إن عظم دارة فيه كعرض السككموات‬
‫والرض‪ ,‬ينفككخ فيككه ثلث نفخككات‪ :‬النفخككة الولككى نفخككة الفككزع‪,‬‬
‫والثانية نفخة الصعق‪ ,‬والثالثة نفخة القيككام لككرب العككالمين‪ ,‬يككأمر‬
‫الله تعالى إسرافيل بالنفخككة الولككى‪ ,‬فيقككول‪ :‬انفككخ فينفككخ نفخككة‬
‫الفزع‪ ,‬فيفزع أهل السككموات والرض إل مككن شككاء اللككه‪ ,‬ويككأمره‬
‫فيطيلها ويديمها ول يفتر‪ ,‬وهي كقككول اللككه }ومككا ينظككر هككؤلء إل‬
‫مّر السككحاب‬ ‫صيحة واحدة ما لها من فواق{ فيسير الجبال‪ ,‬فتمر َ‬
‫فتكككون سككرابًا‪ ,‬ثككم ترتككج الرض بأهلهككا رج كًا‪ ,‬فتكككون كالسككفينة‬
‫المرمية في البحر‪ ,‬تضربها المواج تكفأ بأهلهككا كالقنككديل المعلككق‬
‫في العرش ترجرجه الرياح‪ ,‬وهو الذي يقول }يوم ترجف الراجفة‬
‫* تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة{ فيميد الناس على ظهرهككا‬
‫وتككذهل المراضككع وتضككع الحوامككل‪ ,‬وتشككيب الولككدان‪ ,‬وتطيككر‬
‫الشياطين هاربة من الفزع‪ ,‬حككتى تككأتي القطككار فتأتيهككا الملئكككة‬
‫فتضرب وجوهها‪ ,‬فترجع ويولي الناس مدبرين‪ ,‬ما لهككم مككن أمككن‬
‫الله من عاصم‪ ,‬ينادي بعضهم بعضًا‪ ,‬وهو الذي يقول اللككه تعككالى‪:‬‬
‫}يوم التناد{ فبينما هم على ذلككك إذ تصككدعت الرض‪ ,‬مككن قطككر‬
‫إلى قطر‪ ,‬فرأوا أمرا ً عظيما ً لككم يككروا مثلككه‪ ,‬وأخككذهم لككذلك مككن‬
‫الكرب والهول ما الله به عليم‪ ,‬ثم نظروا إلككى السككماء فككإذا هككي‬
‫كالمهل‪ ,‬ثم انشقت السماء‪ ,‬فانتثرت نجومها وانخسفت شمسككها‬
‫وقمرها« قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »المككوات ل‬
‫يعلمون بشيء مكن ذلكك« قكال أبككو هريكرة‪ :‬يككا رسكول اللكه مكن‬
‫استثنى الله عز وجل حين يقول }ففزع من في السككموات ومككن‬
‫في الرض إل من شاء الله{ ؟ قال »أولئك الشهداء« وإنما يصككل‬
‫الفزع إلى الحياء‪ ,‬وهم أحياء عند ربهم يرزقون‪ ,‬وقاهم الله فككزع‬
‫ذلك اليوم وآمنهم منه‪ ,‬وهو عذاب الله يبعثه على شككرار خلقككه ك ك‬
‫‪613‬‬
‫قال ك وهو الذي يقول الله عز وجل‪} :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم إن‬
‫زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كككل مرضككعة عمككا‬
‫أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هككم‬
‫بسكارى ولكن عذاب الله شديد{ فيكونون فككي ذلككك العككذاب مككا‬
‫شاء الله إل أنه يطككول‪ ,‬ثككم يككأمر اللككه إسككرافيل بنفخككة الصككعق‪,‬‬
‫فينفخ نفخة الصعق‪ ,‬فيصعق أهل السموات والرض‪ ,‬إل من شككاء‬
‫الله‪ ,‬فإذا هم قد خمدوا‪ ,‬وجاء ملك الموت إلى الجبككار عككز وجككل‪,‬‬
‫فيقول‪ :‬يا رب قككد مككات أهككل السككموات والرض‪ ,‬إل مككن شككئت‪,‬‬
‫فيقول الله وهو أعلم‪ ,‬بمن بقي فمن بقي ؟ فيقول‪ :‬يا رب بقيككت‬
‫أنت الحي الكذي ل تمكوت‪ ,‬وبقيكت حملكة العكرش‪ ,‬وبقكي جبريكل‬
‫وميكائيل‪ ,‬وبقيت أنا‪ ,‬فيقول الله عز وجل‪ :‬ليمت جبريل وميكائيل‬
‫فينطق الله العرش‪ ,‬فيقول يا رب يموت جبريل وميكائيل‪ ,‬فيقول‬
‫اسكت‪ ,‬فككإني كتبككت المككوت علككى كككل مككن كككان تحككت عرشككي‪,‬‬
‫فيموتان‪ ,‬ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار‪ ,‬فيقول يا رب‪ :‬قد مككات‬
‫جبريل وميكائيل‪ ,‬فيقول الله وهو أعلككم بمككن بقككي‪ :‬فمككن بقككي ؟‬
‫فيقول‪ :‬بقيت أنككت الحككي الككذي ل تمككوت‪ ,‬بقيككت حملككة عرشككك‪,‬‬
‫وبقيت أنا‪ ,‬فيقول الله‪ :‬لتمت حملة العككرش فتمككوت‪ ,‬ويككأمر اللككه‬
‫العرش فيقبض الصور من إسرافيل‪ ,‬ثم يأتي ملك الموت فيقول‪:‬‬
‫يا رب قد مات حملة عرشك‪ ,‬فيقول اللككه وهككو أعلككم بمككن بقككي‪:‬‬
‫فمن بقي ؟ فيقول‪ :‬يا رب بقيت أنت الحي الذي ل تموت‪ ,‬وبقيت‬
‫أنا‪ ,‬فيقول الله‪ :‬أنت خلق مككن خلقككي‪ ,‬خلقتككك لمككا رأيككت فمككت‪,‬‬
‫فيموت‪ ,‬فإذا لم يبق إل الله‪ ,‬الواحد القهار الحد الصمد الككذي لكم‬
‫ل‪ ,‬طككوى السككموات والرض‪,‬‬ ‫يلد ولم يولد‪ ,‬كان آخرا ً كمككا كككان أو ً‬
‫طي السجل للكتب‪ ,‬ثم دحاهما ثم يلقفهما ثلث مرات‪ ,‬ثم يقول‪:‬‬
‫أنا الجبار أنا الجبار أنا الجبار ثلثًا‪ ,‬ثم هتككف بصككوته }لمككن الملككك‬
‫اليوم{ ثلث مرات‪ ,‬فل يجيبه أحد‪ ,‬ثم يقول لنفسككه }للككه الواحككد‬
‫القهار{ يقول الله‪} :‬يككوم تبككدل الرض غيككر الرض والسككموات{‬
‫فيبسطهما ويسطحهما‪ ,‬ثم يمدهما مد الديككم العكككاظي }ل تككرى‬
‫فيها عوجا ً ول أمتًا{ ثم يزجر الله الخلق زجككرة واحككدة‪ ,‬فككإذا هككم‬
‫في هذه الرض المبدلة‪ ,‬مثل ما كانوا فيها مكن الولككى‪ ,‬مككن ككان‬
‫في بطنهككا كككان فككي بطنهككا‪ ,‬ومككن كككان علككى ظهرهككا كككان علككى‬
‫ظهرها‪ ,‬ثم ينزل الله عليهم ماء من تحت العككرش‪ ,‬ثككم يككأمر اللككه‬
‫‪614‬‬
‫السماء أن تمطر فتمطر أربعين يومًا‪ ,‬حككتى يكككون المككاء فككوقهم‬
‫اثني عشر ذراعا ً ثككم يككأمر اللككه الجسككاد أن تنبككت فتنبككت كنبككات‬
‫الطراثيث‪ ,‬أو كنبات البقل‪ ,‬حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما‬
‫ي حملة عرشي فيحيون‪ ,‬ويأمر الله‬ ‫كانت‪ ,‬قال الله عز وجل‪ :‬ليح َ‬
‫إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه‪ ,‬ثم يقككول‪ :‬ليحككي جبريككل‬
‫وميكائيل‪ ,‬فيحييان ثم يدعو الله بالرواح فيككؤتى بهككا تتوهككج أرواح‬
‫المسككلمين نككورًا‪ ,‬وأرواح الكككافرين ظلمككة‪ ,‬فيقبضككها جميع كًا‪ ,‬ثككم‬
‫يلقيها في الصور‪ ,‬ثم يأمر اللككه إسككرافيل أن ينفككخ نفخككة البعككث‪,‬‬
‫فينفخ نفخة البعث‪ ,‬فتخرج الرواح كأنها النحككل قككد ملت مككا بيككن‬
‫السماء والرض‪ ,‬فيقككول وعزتككي وجللككي ليرجعككن كككل روح إلككى‬
‫جسككده‪ ,‬فتككدخل الرواح فككي الرض إلككى الجسككاد‪ ,‬فتككدخل فككي‬
‫الخياشيم ثم تمشي في الجساد‪ ,‬كما يمشي السم في اللديغ‪ ,‬ثم‬
‫تنشق الرض عنهم‪ ,‬وأنا أول مككن تنشككق الرض عنككه‪ ,‬فتخرجككون‬
‫سراعا ً إلى ربكم تنسلون‪} ,‬مهطعين إلى الككداع يقككول الكككافرون‬
‫ل‪ ,‬فتقفككون موقفكا ً واحككدا ً‬ ‫هذا يوم عسككر{ حفككاة عككراة غلفكا ً غككر ً‬
‫مقداره سبعون عاما ً ل ينظر إليكم ول يقضى بينكم‪ ,‬فتبكون حتى‬
‫تنقطع الدموع‪ ,‬ثم تدمعون دما ً وتعرقون‪ ,‬حتى يلجمكم العككرق أو‬
‫يبلككغ الككذقان‪ ,‬وتقولككون‪ :‬مككن يشككفع لنككا إلككى ربنككا فيقضككي بيننككا‪,‬‬
‫فتقولون‪ :‬من أحق بذلك من أبيكم آدم خلقه الله بيده‪ ,‬ونفخ فيككه‬
‫ل‪ ,‬فيككأتون آدم فيطلبككون ذلككك إليككه فيككأبى‪,‬‬ ‫من روحككه‪ ,‬وكلمككه قب ً‬
‫ويقول ما أنا بصاحب ذلك فيستقرئون النبياء نبيا ً نبيًا‪ ,‬كلما جككاؤوا‬
‫نبيا ً أبى عليهم ك قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم حككتى‬
‫يأتوني فأنطلق إلككى الفحككص‪ ,‬فككأخّر سككاجدًا‪ .‬قككال أبككو هريككرة يككا‬
‫رسول الله وما الفحص ؟ قال ك قككدام العككرش‪ ,‬حككتى يبعككث اللككه‬
‫ي ملكا ً فيأخذ بعضدي ويرفعني فيقول لككي‪ :‬يككا محمككد‪ ,‬فككأقول‪:‬‬ ‫إل ّ‬
‫نعم يا رب‪ ,‬فيقول الله عز وجل‪ :‬ما شأنك ؟ وهو أعلم ك فأقول يا‬
‫رب وعدتني الشفاعة‪ ,‬فشككفعني فككي خلقككك فككاقض بينهككم‪ ,‬قككال‬
‫الله‪ :‬قد شفعتك‪ ,‬أنا آتيكم أقضي بينكم ك قال رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم ك فأرجع فأقف مع الناس‪ ,‬فبينما نحككن وقككوف‪ ,‬إذ‬
‫سمعنا من السماء حسا ً شديدًا‪ ,‬فهالنا فينزل أهككل السككماء الككدنيا‬
‫بمثلي من في الرض من الجن والنس‪ ,‬حتى إذا دنوا من الرض‪,‬‬
‫أشرقت الرض بنورهم وأخذوا مصافهم وقلنا لهم‪ :‬أفيكككم ربنككا ؟‬
‫‪615‬‬
‫فيقولون‪ :‬ل وهو آت‪ ,‬ثم ينزل أهل السماء الثانية بمثلي من نككزل‬
‫من الملئكة‪ ,‬وبمثلي من فيها من الجن والنس‪ ,‬حتى إذا دنوا من‬
‫الرض‪ ,‬أشككرقت الرض بنككورهم وأخككذوا مصككافهم‪ .‬وقلنككا لهككم‪:‬‬
‫أفيكم ربنا ؟ فيقولون‪ :‬ل‪ .‬وهو آت‪ ,‬ثم ينزلون على قدر ذلكك مكن‬
‫التضككعيف‪ ,‬حككتى ينككزل الجبككار عككز وجككل فككي ظلككل مككن الغمككام‬
‫والملئكة‪ ,‬فيحمككل عرشككه يككومئذ‪ ,‬ثمانيككة كك وهككم اليككوم أربعككة كك‬
‫أقككدامهم فككي تخككوم الرض السككفلى‪ ,‬والرض والسككموات إلككى‬
‫حجزهككم‪ ,‬والعككرش علككى منككاكبهم‪ ,‬ولهككم زجككل فككي تسككبيحهم‬
‫يقولككون‪ :‬سككبحان ذي العككرش والجككبروت‪ ,‬وسككبحان ذي الملككك‬
‫والملكوت‪ ,‬سككبحان الحككي الككذي ل يمككوت‪ ,‬سككبحان الككذي يميككت‬
‫الخلئق‪ ,‬ول يموت‪ ,‬سبوح قككدوس قككدوس قككدوس‪ ,‬سككبحان ربنككا‬
‫العلككى رب الملئكككة والككروح‪ ,‬سككبحان ربنككا العلككى الككذي يميككت‬
‫الخلئق ول يموت‪ ,‬فيضع الله كرسيه حيككث يشككاء مككن أرضككه ثككم‬
‫يهتف بصوته فيقول‪ :‬يا معشر الجن والنس‪ ,‬إني قد أنصككت لكككم‬
‫منككذ خلقتكككم إلككى يككومكم هككذا‪ ,‬أسككمع قككولكم وأبصككر أعمككالكم‪,‬‬
‫فأنصتوا إلي فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكككم فمككن وجككد‬
‫خيرا ً فليحمد الله‪ ,‬ومن وجككد غيككر ذلككك فل يلككومن إل نفسككه‪ ,‬ثككم‬
‫يأمر الله جهنم‪ .‬فيخرج منها عنق ساطع مظلككم‪ ,‬ثككم يقككول }ألككم‬
‫أعهد إليكم يا بني آدم أن ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مككبين *‬
‫وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم * ولقد أضككل منكككم جبل ّ كككثيرا ً‬
‫أفلم تكونوا تعقلون * هذه جهنككم الككتي كنتككم توعككدون{ أو ك ك بهككا‬
‫تكذبون ك شك أبو عاصم‪} ,‬وامتازوا اليوم أيها المجرمون{ فيمي ّككز‬
‫مككة جاثيككة‬ ‫الله الناس وتجثو المم‪ .‬يقول الله تعالى‪} :‬وترى كككل أ ّ‬
‫كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملككون{ فيقضككي‬
‫الله عز وجل بين خلقككه إل الثقليككن الجككن والنككس‪ ,‬فيقضككي بيككن‬
‫الوحوش والبهائم‪ ,‬حتى إنه ليقضي للجماء من ذات القككرن‪ ,‬فككإذا‬
‫فرغ من ذلك‪ ,‬فلم تبق تبعة عنكد واحكدة للخككرى‪ ,‬قككال اللكه لهكا‪:‬‬
‫كوني ترابًا‪ ,‬فعند ذلككك يقككول الكككافر }يككا ليتنككي كنككت ترابكًا{ ثككم‬
‫يقضي الله بين العباد‪ ,‬فكان أول ما يقضي فيه الدماء‪ ,‬ويأتي كككل‬
‫قتيل في سبيل الله‪ ,‬ويأمر الله عز وجككل كككل مككن قتككل‪ ,‬فيحمككل‬
‫رأسه تشخب أوداجه‪ ,‬فيقول‪ :‬يارب فيككم قتلنككي هككذا ؟ فيقككول ك ك‬
‫وهو أعلم ك فيم قتلتهم ؟ فيقول‪ :‬قتلتهم لتكون العزة لك‪ ,‬فيقككول‬
‫‪616‬‬
‫الله له‪ :‬صدقت فيجعل الله وجهه مثل نور الشمس‪ ,‬ثككم تمككر بككه‬
‫الملئكة إلى الجنة‪ ,‬ثم يأتي كل مككن قتككل علككى غيككر ذلككك يحمككل‬
‫رأسه وتشخب أوداجه‪ ,‬فيقول‪ :‬يا رب فيم قتلني هذا ؟ فيقككول ككك‬
‫وهو أعلم ك لم قتلتهم ؟ فيقول‪ :‬يا رب قتلتهم لتكككون العككزة لككي‪,‬‬
‫فيقول‪ :‬تعست‪ ,‬ثم ل تبقى نفككس قتلهككا إل قتككل بهككا‪ ,‬ول مظلمككة‬
‫ظلمها إل أخذ بها‪ ,‬وكان في مشيئة الله إن شككاء عككذبه وإن شككاء‬
‫رحمه‪ ,‬ثم يقضي الله تعالى بين من بقي من خلفه حككتى ل تبقككى‬
‫مظلمة لحد عند أحد إل أخذها الله للمظلككوم مككن الظككالم‪ ,‬حككتى‬
‫إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من المككاء‪,‬‬
‫فإذا فرغ الله من ذلك‪ ,‬نادى مناد يسمع الخلئق كلهم‪ :‬أل ليلحككق‬
‫كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله فل يبقى أحد عبككد‬
‫من دون الله‪ ,‬إل مثلت له آلهته بين يديه‪ ,‬ويجعل يومئذ ملككك مككن‬
‫الملئكة على صورة عزير‪ ,‬ويجعل ملك من الملئكة علككى صككورة‬
‫عيسى بن مريم‪ .‬ثم يتبع هكذا اليهكود وهكذا النصكارى‪ ,‬ثكم قكادتهم‬
‫آلهتهم إلى النار‪ ,‬وهو الذي يقول }لو كان هؤلء آلهككة مككا وردوهككا‬
‫وكل فيها خالدون{ فإذا لم يبككق إل المؤمنككون‪ ,‬فيهككم المنككافقون‪,‬‬
‫جاءهم الله فيما شاء من هيئته فقال‪ :‬يا أيها الناس‪ ,‬ذهب النككاس‬
‫فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون‪ ,‬فيقولون‪ :‬واللككه مككا لنككا إلككه إل‬
‫الله‪ ,‬وما كنا نعبد غيره‪ ,‬فينصرف عنهكم‪ ,‬وهكو اللكه الكذي يكأتيهم‪,‬‬
‫فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يككأتيهم‪ ,‬فيقككول‪ :‬يككا أيهككا النككاس‬
‫ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون‪ .‬فيقولون‪ :‬والله ما‬
‫لنا إلككه إل اللككه‪ ,‬ومككا كنككا نعبككد غيككره‪ ,‬فيكشككف لهككم عككن سككاقه‪,‬‬
‫ويتجلى لهم من عظمته‪ ,‬ما يعرفون أنككه ربهككم فيخككرون للذقككان‬
‫سجدا ً على وجوههم‪ ,‬ويخر كككل منككافق علككى قفككاه‪ ,‬ويجعككل اللككه‬
‫أصلبهم كصياصي البقر‪ ,‬ثم يأذن الله لهم فيرفعون ويضرب اللككه‬
‫الصراط بين ظهراني جهنم‪ ,‬كحد الشفرة أو كحككد السككيف‪ ,‬عليككه‬
‫كلليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان‪ ,‬دونككه جسككر دحككض‬
‫مزلة‪ ,‬فيمرون كطككرف العيككن أو كلمككح الككبرق‪ ,‬أو كمككر الريككح أو‬
‫كجياد الخيل‪ ,‬أو كجياد الركاب‪ ,‬أو كجياد الرجال‪ ,‬فناج سالم‪ ,‬وناج‬
‫مخدوش ومكردس على وجهه في جهنم‪ ,‬فإذا أفضى أهككل الجنككة‬
‫إلى الجنة‪ ,‬قالوا‪ :‬من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة ؟ فيقولككون‪:‬‬
‫من أحق بذلك من أبيكم آدم عليه السلم‪ ,‬خلقه اللككه بيككده ونفككخ‬
‫‪617‬‬
‫ل‪ ,‬فيأتون آدم فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنبا ً‬ ‫فيه من روحه وكلمه قب ً‬
‫ويقول‪ :‬ما أنا بصاحب ذلككك‪ ,‬ولكككن عليكككم بنككوح فككإنه أول رسككل‬
‫الله‪ ,‬فيككؤتى نككوح فيطلككب ذلككك إليككه فيككذكر ذنبكا ً ويقككول‪ :‬مككا أنككا‬
‫ل‪,‬‬‫بصككاحب ذلككك‪ ,‬ويقككول‪ :‬عليكككم ب كِإبراهيم ف كِإن اللككه اتخككذه خلي ً‬
‫فيؤتى إبراهيم فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنبا ً ويقول‪ :‬ما أنا بصككاحب‬
‫ذلك ويقول‪ :‬عليكم بموسى فإن الله قربه نجيا ً وكلمه وأنزل عليه‬
‫التوراة‪ .‬فيؤتى موسى فيطلب ذلك إليه‪ ,‬فيذكر ذنبا ً ويقول‪ :‬لست‬
‫بصاحب ذلك‪ ,‬ولكن عليكم بروح الله وكلمتككه عيسككى ابككن مريككم‪,‬‬
‫فيككؤتى عيسككى ابككن مريككم فيطلككب ذلككك إليككه‪ ,‬فيقككول‪» :‬مككا أنككا‬
‫بصاحبكم ولكن عليكم بمحمد« قال رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »فيأتوني ولي عند ربي ثلث شفاعات وعككدنيهن‪ ,‬فككأنطلق‬
‫فآتي الجنة‪ ,‬فآخذ بحلقة الباب فأستفتح‪ ,‬فيفتح لي فأحيا ويرحككب‬
‫بي‪ ,‬فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي خررت ساجدًا‪ ,‬فيأذن الله‬
‫لي من تحميده وتمجيده بشيء مككا أذن بككه لحككد مككن خلقككه‪ ,‬ثككم‬
‫يقول‪ :‬ارفع رأسككك يككا محمككد واشككفع تشككفع‪ ,‬وسككل تعطككه‪ ,‬فككإذا‬
‫رفعت رأسي يقول الله ك وهو أعلم ك‪ :‬ما شأنك ؟ فككأقول‪ :‬يككا رب‬
‫وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة فيدخلون الجنة‪ ,‬فيقول‬
‫الله‪ :‬قد شفعتك وقد أذنت لهم في دخككول الجنككة« وكككان رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول »والذي نفسي بيده‪ ,‬ما أنتم فككي‬
‫الدنيا بككأعرف بككأزواجكم ومسككاكنكم‪ ,‬مككن أهككل الجنككة بككأزواجهم‬
‫ومساكنهم‪ ,‬فيدخل كل رجل منهككم علككى اثنككتين وسككبعين زوجككة‪,‬‬
‫سبعين مما ينشىء الله عككز وجككل‪ ,‬وثنككتين آدميككتين مككن ولككد آدم‬
‫لهما فضل على من أنشأ اللككه لعبادتهمككا اللككه فككي الككدنيا فيككدخل‬
‫على الولى في غرفة مكن ياقوتكة علككى سككرير مككن ذهكب مكلككل‬
‫باللؤلؤ عليها سبعون زوجا ً من سندس وإستبرق‪ ,‬ثم إنه يضع يككده‬
‫بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها ومككن وراء ثيابهككا وجلككدها‬
‫ولحمها‪ ,‬وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحككدكم إلككى السككلك‬
‫في قصبة الياقوت‪ ,‬كبدها له مرآة وكبده لها مرآة‪ .‬فبينا هو عندها‬
‫ل يملها ول تمله‪ ,‬ما يأتيها من مرة إل وجدها عذراء‪ ,‬ما يفتر ذكره‬
‫وما تشتكي قبلها‪ ,‬فبينا هو كذلك إذ نودي إنا قد عرفنا أنك ل تمل‬
‫ول تمل‪ ,‬إل أنه ل مني ول منية إل أن لككك أزواج كا ً غيرهككا‪ ,‬فيخككرج‬
‫فيأتيهن واحدة واحدة‪ ,‬كلما أتى واحدة قالت له‪ :‬والله ما أرى في‬
‫‪618‬‬
‫الجنة شيئا ً أحسن منك‪ ,‬ول في الجنة شيء أحب إلككي منككك‪ .‬وإذا‬
‫وقع أهل النار في النار‪ ,‬وقع فيها خلككق مككن خلككق ربككك‪ ,‬أوبقتهككم‬
‫أعمالهم‪ ,‬فمنهم من تأخذه النار قدميه ل تجاوز ذلك‪ ,‬ومنهككم مككن‬
‫تأخذه إلى أنصاف ساقيه‪ ,‬ومنهم من تأخككذه إلككى ركبككتيه‪ ,‬ومنهككم‬
‫من تأخذه إلى حقويه‪ ,‬ومنهم من تأخذ جسده كله إل وجهه‪ ,‬حككرم‬
‫اللككه صككورته عليهككا« قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»فأقول يا رب شفعني فيمن وقع فككي النككار مككن أمككتي‪ ,‬فيقككول‪:‬‬
‫أخرجوا من عرفتم‪ ,‬فيخككرج أولئك حككتى ل يبقككى منهككم أحككد‪ ,‬ثككم‬
‫يأذن الله في الشفاعة‪ ,‬فل يبقى نبي ول شككهيد إل شككفع‪ ,‬فيقككول‬
‫الله‪ :‬أخرجوا من وجدتم في قلبه زنككة دينككار إيمان كا ً فيخككرج أولئك‬
‫حتى ل يبقى منهم أحد‪ .‬ثم يشفع اللككه فيقككول‪ :‬أخرجككوا مككن فككي‬
‫قلبه إيمانا ً ثلثي دينار‪ ,‬ثم يقول‪ :‬ثلث دينار‪ ,‬ثكم يقككول‪ :‬ربكع دينككار‪,‬‬
‫ثم يقول‪ :‬قيراطًا‪ ,‬ثم يقول‪ :‬حبة من خردل‪ ,‬فيخرج أولئك حتى ل‬
‫يبقى منهم أحد‪ ,‬وحتى ل يبقى في النار من عمل للككه خيككرا ً قككط‪,‬‬
‫ول يبقى أحد له شككفاعة إل شككفع‪ ,‬حككتى إن إبليككس يتطككاول ممككا‬
‫ت وأنكا أرحكم‬ ‫يرى من رحمة الله رجاء أن يشفع له‪ .‬ثم يقول‪ :‬بقي َ‬
‫الراحمين‪ ,‬فيدخل يده في جهنم‪ ,‬فيخرج منها ما ل يحصككيه غيككره‪,‬‬
‫كأنهم حمم فيلقون على نهر‪ ,‬يقال له‪ :‬نهر الحيوان‪ ,‬فينبتون كمككا‬
‫تنبت الحبة في حميل السيل‪ ,‬فما يلي الشمس منها أخيضر‪ ,‬ومككا‬
‫يلي الظل منها أصككيفر‪ ,‬فينبتككون كنبككات الطراثيككث‪ ,‬حككتى يكونككوا‬
‫أمثككال الككذر مكتككوب فككي رقككابهم الجهنميككون‪ ,‬عتقككاء الرحمككن‪,‬‬
‫يعرفهككم أهككل الجنككة بككذلك الكتككاب ومككا عملككوا خيككرا ً للككه قككط‪,‬‬
‫فيمكثون في الجنة ما شكاء اللكه وذلكك الكتكاب فكي رقكابهم‪ ,‬ثكم‬
‫يقولون‪ :‬ربنا امح عنا هذا الكتاب فيمحوه الله عككز وجككل عنهككم«‪.‬‬
‫ثم ذكره بطوله‪ ,‬ثم قال‪ :‬هذا حديث مشهور‪ ,‬وهككو غريككب جككدًا‪,‬‬
‫ولبعضه شواهد في الحاديث المتفرقة‪ ,‬وفي بعض ألفاظه نكارة‪,‬‬
‫تفرد به إسماعيل بن رافع قاضي أهل المدينة‪ ,‬وقككد اختلككف فيككه‪,‬‬
‫فمنهم من وثقه ومنهم من ضعفه‪ ,‬ونص علككى نكككارة حككديثه غيككر‬
‫واحد من الئمة‪ ,‬كأحمد بن حنبل‪ ,‬وأبي حاتم الرازي‪ ,‬وعمككرو بككن‬
‫علي الفلس‪ ,‬ومنهم من قال فيه هككو مككتروك‪ ,‬وقككال ابككن عككدي‪:‬‬
‫أحاديثه كلها فيها نظر‪ ,‬إل أنه يكتككب حككديثه فككي جملككة الضككعفاء‪,‬‬
‫قلت‪ :‬وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث علككى وجككوه كككثيرة‬
‫‪619‬‬
‫قد أفردتها في جزء على حدة‪ ,‬وأما سياقه فغريككب جككدًا‪ ,‬ويقككال‪:‬‬
‫إنه جمعه مكن أحكاديث ككثيرة‪ ,‬وجعلكه سكياقا ً واحكدا ً فكأنكر عليكه‬
‫بسبب ذلك‪ ,‬وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول‪ :‬إنككه‬
‫رأى للوليد بن مسلم مصنفا ً قد جمعه‪ ,‬كالشواهد لبعض مفككردات‬
‫هككككككككككككككذا الحككككككككككككككديث‪ ,‬فككككككككككككككالله أعلككككككككككككككم‪,‬‬
‫ك‬ ‫مك َ‬ ‫ك وَقَوْ َ‬ ‫ي أ ََرا َ‬ ‫ة إ ِن ّك َ‬ ‫صَناما ً آل ِهَ ً‬ ‫ل إبراهيم لبيه آزر أ َتت ِ َ‬
‫خذ ُ أ ْ‬ ‫** وَإ ِذ ْ َقا َ ِ ْ َ ِ ُ ِ ِ َ َ َ ّ‬
‫ت‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سكك َ‬‫ت ال ّ‬ ‫كككو َ‬ ‫مل َ ُ‬‫م َ‬ ‫هيكك َ‬ ‫ك ن ُكرِيَ إ ِب َْرا ِ‬ ‫ن * وَك َكذ َل ِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫مِبي ك‬ ‫ل ّ‬ ‫ض كل َ ٍ‬ ‫ِفككي َ‬
‫كب كا ً‬ ‫ل َرَأى ك َوْ َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ال ْل ّي ْك ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن * فَل َ ّ‬ ‫موقِِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫َوالْرض وَل ِي َ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫م كَر‬ ‫ْ‬
‫مككآ َرأى الَق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن * فل ّ‬ ‫َ‬
‫ب الفِِلي ك َ‬ ‫حك ّ‬ ‫للأ ِ‬ ‫َ‬
‫ل قا َ‬ ‫َ‬
‫مآ أف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا َرّبي فل ّ‬ ‫هـ َ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن‬ ‫مك َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ي َهْدِِني َرّبي لك ُككون َ ّ‬ ‫ل ل َِئن ل ّ ْ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫مآ أ َفَ َ‬ ‫ذا َرّبي فَل َ ّ‬ ‫هـ َ‬‫ل َ‬ ‫َباِزغا ً َقا َ‬
‫ذآ‬ ‫هـ ك َ‬ ‫ذا َرب ّككي َ‬ ‫هـك َ‬ ‫ل َ‬ ‫ة قَككا َ‬ ‫س َبازِغَك ً‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن * فََلما ّ َرَأى ال ّ‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ال َْقوْم ِ ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫جه ْ ك ُ‬ ‫ن * إ ِن ّككي وَ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬‫ل ي ََقوْم ِ إ ِّني ب َرِيٌَء ّ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫مآ أفَل َ ْ‬ ‫أك ْب َُر فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مآ أن َا ْ ِ‬ ‫حِنيفا ً وَ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ذي فَط ََر ال ّ‬ ‫ي ل ِل ّ ِ‬ ‫جه ِ َ‬‫وَ ْ‬
‫قال الضحاك عن ابن عباس‪ :‬إن أبا إبراهيم لم يككن اسكمه آزر‪,‬‬
‫وإنما كان اسمه تارح‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم وقال أيضًا‪ :‬حدثنا أحمككد‬
‫بن عمرو بن أبي عاصم النبيل‪ ,‬حدثنا أبي حدثنا أبو عاصم شبيب‪,‬‬
‫حدثنا عكرمة عن ابن عبككاس فككي قككوله }وإذ قككال إبراهيككم لبيككه‬
‫آزر{ يعني بآزر الصككنم‪ ,‬وأبككو إبراهيككم اسككمه تكارح‪ ,‬وأمكه اسككمها‬
‫مثاني‪ ,‬وامرأته اسمها سارة‪ ,‬وأم إسككماعيل اسككمها هككاجر‪ ,‬وهككي‬
‫سرية إبراهيم‪ ,‬وهكذا قال غير واحد من علماء النسككب أن اسككمه‬
‫تارح‪ ,‬وقال مجاهد والسدي‪ :‬آزر اسم صنم‪ ,‬قلت‪ :‬كأنه غلب عليه‬
‫آزر‪ ,‬لخككدمته ذلككك الصككنم فككالله أعلككم‪ ,‬وقككال ابككن جريككر وقككال‬
‫آخرون‪ :‬هو سب وعيب بكلمهم‪ ,‬ومعنككاه معككوج‪ ,‬ولككم يسككنده ول‬
‫حكاه عن أحككد‪ .‬وقككد قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬ذكككر عككن معتمككر بككن‬
‫سليمان‪ ,‬سككمعت أبككي يقككرأ }وإذ قككال إبراهيككم لبيككه آزر{ قككال‪:‬‬
‫بلغني أنها أعوج‪ ,‬وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم عليككه السككلم‪ ,‬ثككم‬
‫قال ابن جرير‪ :‬والصواب أن اسم أبيككه آزر‪ ,‬ثككم أورد علككى نفسككه‬
‫قول النسابين أن اسمه تارح‪ ,‬ثم أجاب بأنه قد يكون لككه اسككمان‪,‬‬
‫كما لكثير من الناس‪ ,‬أو يكون أحدهما لقبًا‪ ,‬وهذا الككذي قككاله جيككد‬
‫قوي والله أعلم‪ ,‬واختلف القراء في أداء قككوله تعككالى‪} :‬وإذ قككال‬
‫‪620‬‬
‫إبراهيم لبيه آزر{ فحكى ابن جرير عككن الحسككن البصككري‪ ,‬وأبككي‬
‫يزيد المدني‪ ,‬أنهما كانا يقرآن }وإذ قككال إبراهيككم لبيككه آزر أتتخككذ‬
‫أصككناما ً آلهككة{ معنككاه يككا آزر أتتخككذ أصككناما ً آلهككة‪ ,‬وقككرأ الجمهككور‬
‫بالفتح‪ ,‬إما على أنه علم أعجمي ل ينصرف أيضًا‪ ,‬كككأحمر وأسككود‪,‬‬
‫فأما من زعم أنه منصوب‪ ,‬لكونه معمول ً لقككوله }أتتخككذ أصككنامًا{‬
‫تقديره يا أبت أتتخذ آزر أصناما ً آلهة‪ ,‬فككإنه قككول بعيككد فككي اللغككة‪,‬‬
‫فإن ما بعككد حككرف السككتفهام‪ ,‬ل يعمككل فيمككا قبلككه لن لككه صككدر‬
‫الكلم‪ ,‬كككذا قككرره ابككن جريككر وغيككره‪ ,‬وهككو مشككهور فككي قواعككد‬
‫العربيكة‪ ,‬والمقصكود أن إبراهيكم وعكظ أبكاه فكي عبكادة الصكنام‪,‬‬
‫وزجره عنها ونهاه فلم ينته‪ ,‬كما قال }وإذ قكال إبراهيكم لبيكه آزر‬
‫أتتخذ أصناما ً آلهة ؟{ أي أتتأله لصنم تعبككده مككن دون اللككه }إنككي‬
‫أراك وقومككك{ أي السككالكين مسككلكك }فككي ضككلل مككبين{ أي‬
‫تائهين ل يهتدون أين يسلكون‪ ,‬بل في حيكرة وجهكل وأمرككم فكي‬
‫الجهالة والضلل بين واضح لكككل ذي عقككل سككليم‪ .‬وقككال تعككالى‪:‬‬
‫}واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا ً نبيكا ً * إذ قكال لبيكه يكا‬
‫أبت لم تعبد ما ل يسمع ول يبصر ول يغنككي عنككك شككيئا ً * يككا أبككت‬
‫إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا ً سويا ً *‬
‫يا أبت ل تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ً * يا أبت‬
‫إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشككيطان ولي كا ً *‬
‫قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لرجمنك مليككا ً *‬
‫قال سلم عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيككا * وأعككتزلكم‬
‫وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسككى أل أكككون بككدعاء ربككي‬
‫شقيًا{ فكان إبراهيم عليه السلم‪ ,‬يستغفر لبيه مدة حياته‪ ,‬فلمككا‬
‫مات على الشرك وتبين إبراهيم ذلك‪ ,‬رجع عن الستغفار له وتبرأ‬
‫منه‪ ,‬كما قال تعككالى‪} :‬ومككا كككان اسككتغفار إبراهيككم لبيككه إل عككن‬
‫موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدوّ لله تككبرأ منككه إن إبراهيككم‬
‫لّواه حليم{ وثبت فككي الصككحيح أن إبراهيككم‪ ,‬يلقككى أبككاه آزر يككوم‬
‫القيامة‪ ,‬فيقول له آزر يا بني اليوم ل أعصيك‪ ,‬فيقول إبراهيككم أي‬
‫رب ألم تعدني أنك ل تخزني يككوم يبعثككون‪ ,‬وأي خككزي أخككزى مككن‬
‫ذيخ متلطككخ‪,‬‬ ‫أبي البعد فيقال يا إبراهيم‪ ,‬انظر ما وراءك فإذا هو ب ِ‬
‫فيؤخككذ بقككوائمه فيلقكى فكي النككار‪ ,‬قككوله }وككذلك ن ُككري إبراهيككم‬
‫ملكوت السموات والرض{ أي نبين لككه وجككه الدللككة فككي نظككره‬
‫‪621‬‬
‫إلى خلقهما‪ ,‬على وحدانية الله عز وجل‪ ,‬في ملكه وخلقه‪ ,‬وأنه ل‬
‫إله غيره ول رب سواه‪ ,‬كقوله }قل انظككروا مككاذا فككي السككموات‬
‫والرض{ وقال }أفلم يروا إلى مككا بيككن أيككديهم ومككا خلفهككم مككن‬
‫السككماء والرض إن نشككأ نخسككف بهككم الرض أو نسككقط عليهككم‬
‫لية لكل عبد منيب{ وأما ما حكككاه‬ ‫كسفا ً من السماء إن في ذلك َ‬
‫ابن جرير وغيره عككن مجاهككد وعطككاء وسككعيد بككن جككبير والسككدي‬
‫وغيرهم‪ ,‬قالوا‪ :‬واللفظ لمجاهد‪ :‬فرجت له السموات‪ ,‬فنظككر إلككى‬
‫ما فيهن حتى انتهككى بصككره إلككى العككرش‪ ,‬وفرجككت لككه الرضككون‬
‫السبع‪ ,‬فنظر إلى ما فيهككن‪ ,‬وزاد غيككره فجعككل ينظككر إلككى العبككاد‬
‫على المعاصي‪ ,‬ويدعو عليهم‪ ,‬فقككال اللككه لككه إنككي أرحككم بعبككادي‬
‫منك‪ ,‬لعلهككم أن يتوبككوا أو يرجعككوا‪ .‬وروى ابككن مردويككه فككي ذلككك‬
‫حديثين مرفوعين‪ ,‬عن معاذ وعلي‪ ,‬ولكن ل يصح إسنادهما‪ ,‬واللككه‬
‫أعلم‪ ,‬وروى ابن أبي حاتم من طريق العككوفي‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪,‬‬
‫فككي قككوله }وكككذلك نككري إبراهيككم ملكككوت السككموات والرض‬
‫وليكون من الموقنين{ فإنه تعككالى جل لككه المككر سككره وعلنيتككه‪,‬‬
‫فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلئق‪ ,‬فلما جعل يلعن أصحاب‬
‫الذنوب‪ ,‬قال الله إنكك ل تسكتطيعهذا فكرده كمكا ككان قبكل ذلكك‪,‬‬
‫فيحتمككل أن يكككون كشككف لككه عككن بصككره حككتى رأى ذلككك عيانكًا‪,‬‬
‫ويحتمككل أن يكككون عككن بصككيرته‪ ,‬حككتى شككاهده بفككؤاده وتحققككه‬
‫وعرفه‪ ,‬وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة‪ ,‬والككدللت القاطعككة‬
‫كما رواه المام أحمد والترمذي‪ ,‬وصححه عن معاذ بككن جبككل فككي‬
‫حديث المنام »أتاني ربي في أحسن صورة فقككال يككا محمككد فيككم‬
‫يختصم المل العلى ؟ فقلت ل أدري يا رب‪ ,‬فوضع يده بين كتفي‬
‫حتى وجدت برد أنامله بين ثديي فتجلككى لككي كككل شككيء وعرفككت‬
‫ذلك« وذكر الحديث‪ .‬قوله }وليكككون مككن المككوقنين{ قيككل الككواو‬
‫زائدة تقككديره وكككذلك نككري إبراهيككم ملكككوت السككموات والرض‪,‬‬
‫ليككات ولتسككتبين‬ ‫ليكون مككن المككوقنين‪ ,‬كقككوله }وكككذلك نفصككل ا َ‬
‫سبيل المجرمين{ وقيل بل هي على بابهككا‪ ,‬أي نريككه ذلكك ليكككون‬
‫عالما ً وموقنًا‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬فلمككا جككن عليككه الليككل{ أي تغشككاه‬
‫وسككتره }رأى كوكبكًا{ أي نجمكا ً }قكال هككذا ربككي فلمكا أفككل{ أي‬
‫غاب‪ ,‬قال محمد بن إسحاق بن يسار‪ :‬الفول الذهاب‪ ,‬وقككال ابككن‬
‫‪622‬‬
‫جرير‪ :‬يقال‪ :‬أفل النجككم يأفككل ويأفككل أفككول ً وأفل‪ ,‬إذا غككاب ومنككه‬
‫قككككككككككككككككككككككككككككككككككول ذي الرمككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪:‬‬
‫لفلت الكككزوائل‬ ‫مصكككابيح ليسكككت بكككاللواتي تقودهاديكككاج ول بكككا َ‬
‫ب‬‫ويقال‪ :‬أين أفلككت عنكا ؟ بمعنكى أيككن غبكت عنكا‪ ,‬قككال }ل أحك ّ‬
‫لفلين{ قال قتادة‪ :‬علم أن ربه دائم ل يزول‪} ,‬فلمككا رأى القمككر‬ ‫ا َ‬
‫بازغًا{ أي طالعا ً }قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربككي‬
‫لكونن من القوم الضالين * فلمككا رأى الشككمس بازغككة قككال هككذا‬
‫ربي{ أي هذا المنير الطالع ربي }هذا أكبر{ أي جرما ً مككن النجككم‬
‫ومن القمر وأكثر إضاءة }فلما أفلت{ أي غابت }قال يا قوم إني‬
‫بريء مما تشركون * إنكي وجهكت وجهكي للكذي فطكر السكموات‬
‫والرض حنيفا ً وما أنا من المشركين{ أي أخلصت ديني‪ ,‬وأفككردت‬
‫عبادتي }للذي فطككر السككموات والرض{ أي خلقهمككا وابتككدعهما‬
‫على غير مثال سبق }حنيفًا{ أي في حال كوني حنيفككًا‪ ,‬أي مككائل ً‬
‫عن الشرك إلى التوحيد‪ ,‬ولهذا قال }وما أنا من المشركين{ وقد‬
‫اختلككف المفسككرون فككي هككذا المقككام‪ :‬هككل هككو مقككام نظككر أو‬
‫مناظرة ؟ فروى ابن جرير‪ :‬من طريق علي بككن أبككي طلحككة عككن‬
‫ابن عباس‪ ,‬ما يقتضي أنه مقام نظر‪ ,‬واختاره ابن جريككر مسككتدل ً‬
‫لية‪ ,‬وقال محمد بككن إسككحاق‪ :‬قككال‬ ‫بقوله }لئن لم يهدني ربي{ ا َ‬
‫ذلك حين خرج من السرب الككذي ولككدته فيككه أمككه‪ ,‬حيككن تخككوفت‬
‫عليه من نمروذ بن كنعان‪ ,‬لما كان قد أخككبر بوجككود مولككود يكككون‬
‫ذهاب ملكه على يديه‪ ,‬فأمر بقتل الغلمان عامئذ‪ ,‬فلما حملككت أم‬
‫إبراهيم به وحان وضعها ذهبت به إلى سرب ظككاهر البلككد فولككدت‬
‫فيه إبراهيم‪ ,‬وتركته هناك‪ ,‬وذكر أشياء من خككوارق العكادات‪ ,‬كمكا‬
‫ذكرهككا غيككره مككن المفسككرين مككن السككلف والخلككف‪ ,‬والحككق أن‬
‫إبراهيم عليه الصلة والسلم‪ ,‬كان في هذا المقام مناظرا ً لقومه‪,‬‬
‫مبينا ً لهم بطلن ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والصككنام‪ ,‬فككبين‬
‫في المقام الول مع أبيككه خطككأهم فككي عبككادة الصككنام الرضككية‪,‬‬
‫التي هي على صور الملئكة السماوية ليشفعوا لهم إلككى الخككالق‬
‫العظيككم‪ ,‬الككذين هككم عنككد أنفسككهم أحقككر مككن أن يعبككدوه‪ ,‬وإنمككا‬
‫يتوسككلون إليكه بعبككادة ملئكتكه‪ ,‬ليشكفعوا لهككم عنكده فككي الكرزق‬
‫والنصكر‪ ,‬وغيكر ذلكك ممكا يحتكاجون إليكه‪ .‬وبيكن فكي هكذا المقكام‬
‫خطككأهم وضككللهم فككي عبككادة الهياكككل‪ ,‬وهككي الكككواكب السككيارة‬
‫‪623‬‬
‫السككبعة المتحيككرة‪ ,‬وهككي‪ :‬القمككر وعطككارد والزهككرة والشككمس‬
‫والمريخ والمشككتري وزحككل‪ ,‬وأشككدهن إضككاءة وأشككرفهن عنككدهم‬
‫الشمس‪ ,‬ثم القمر ثكم الزهككرة‪ ,‬فككبين أول ً صكلوات اللككه وسككلمه‬
‫عليه أن هذه الزهرة ل تصلح لللهية‪ ,‬فإنها مسخرة مقككدرة بسككير‬
‫ل‪ ,‬ول تملككك لنفسككها تصككرفًا‪ ,‬بككل‬ ‫معين‪ ,‬ل تزيغ عنه يمينا ً ول شما ً‬
‫هي جرم من الجككرام خلقهككا اللكه منيككرة‪ ,‬لمكا لكه فككي ذلكك مككن‬
‫الحكم العظيمة‪ ,‬وهي تطلع من المشرق ثم تسير فيما بينه وبيككن‬
‫المغرب حتى تغيب عن البصار فيه‪ ,‬ثككم تبككدو فككي الليلككة القابلككة‬
‫على هذا المنوال‪ ,‬ومثل هذه ل تصلح لللهية‪ ,‬ثم انتقل إلى القمر‬
‫فبين فيه مثل ما بين في النجم‪ ,‬ثم انتقككل إلككى الشككمس كككذلك‪,‬‬
‫فلما انتفت اللهية عن هذه الجرام الثلثة التي هي أنككور مككا تقككع‬
‫عليه البصار‪ ,‬وتحقككق ذلكك بالكدليل القككاطع‪} ,‬قكال يككا قكوم إنككي‬
‫بريء مما تشركون{ أي أنا بريء مككن عبككادتهن ومككوالتهن‪ ,‬فككإن‬
‫كانت آلهة فكيدوني بها جميعا ً ثم ل تنظرون }إني وجهككت وجهككي‬
‫للذي فطر السموات والرض حنيفا ً ومكا أنكا مكن المشكركين{ أي‬
‫إنمككا أعبككد خككالق هككذه الشككياء ومخترعهككا ومسككخرها ومقككدرها‬
‫ومدبرها‪ ,‬الذي بيده ملكوت كككل شككيء وخككالق كككل شككيء‪ ,‬وربككه‬
‫ومليكككه وإلهككه‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬إن ربكككم اللككه الككذي خلككق‬
‫السموات والرض في ستة أيام ثم استوى علككى العككرش يغشككي‬
‫الليل النهكار يطلبكه حثيثكا ً والشكمس والقمكر والنجكوم مسكخرات‬
‫بأمره‪ ,‬أل له الخلق والمر تبارك الله رب العالمين{ وكيف يجككوز‬
‫أن يكون إبراهيم ناظرا ً في هذا المقام‪ .‬وهو الذي قككال اللككه فككي‬
‫حقه }ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قككال‬
‫ليات‪ ,‬وقكال‬ ‫لبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون{ ا َ‬
‫تعككالى‪} :‬إن إبراهيككم كككان أمككة قانتككا ً للككه حنيفككا ً ولككم يككك مككن‬
‫المشركين * شاكرا ً لنعمه اجتباه وهككداه إلككى صككراط مسككتقيم *‬
‫لخككرة لمككن الصككالحين * ثككم‬ ‫وآتيناه في الككدنيا حسككنة وإنككه فككي ا َ‬
‫أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ً وما كككان مككن المشككركين{‬
‫وقال تعالى ‪} :‬قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا ً قيما ً‬
‫ملككة إبراهيككم حنيف كا ً ومككا كككان مككن المشككركين{ وقككد ثبككت فككي‬
‫الصحيحين عن أبي هريرة‪ ,‬عن رسول الله صلى الله عليه وسكلم‬
‫أنه قال‪» :‬كل مولود يولد على الفطرة« وفي صحيح مسلم‪ ,‬عككن‬
‫‪624‬‬
‫عياض بن حمار‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬قال‬
‫اللككه إنككي خلقككت عبككادي حنفككاء« وقككال اللككه فككي كتككابه العزيككز‬
‫}فطرت الله التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلككق اللككه{ وقككال‬
‫تعالى‪} :‬وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم‬
‫علككى أنفسككهم ألسككت بربكككم ؟ قككالوا بلككى{ ومعنككاه علككى أحككد‬
‫القولين كقوله }فطرت الله التي فطر الناس عليها{ كما سككيأتي‬
‫بيانه‪ .‬فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة‪ ,‬فكيككف يكككون إبراهيككم‬
‫الخليككل الككذي جعلككه اللككه أمككة قانتككا ً للككه حنيفككًا‪ ,‬ولككم يككك مككن‬
‫المشركين‪ ,‬ناظرا ً في هذا المقام‪ ,‬بل هككو أولككى النككاس بككالفطرة‬
‫السليمة والسجية المستقيمة‪ ,‬بعد رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم بل شك ول ريب‪,‬وما يؤيد أنه كان في هذا المقككام منككاظرا ً‬
‫لقككومه فيمككا كككانوا فيككه مككن الشككرك ل نككاظرا ً قككوله تعككالى‪.‬‬
‫مككا‬ ‫ف َ‬ ‫خككا ُ‬ ‫داِني وَل َ أ َ َ‬ ‫جوَّني ِفي الل ّهِ وَقَد ْ هَ َ‬ ‫حا ّ‬
‫** وحآجه قَومه َقا َ َ‬
‫ل أت ُ َ‬ ‫َ َ ّ ُ ْ ُ ُ‬
‫َ‬
‫عْلمكا ً أفَل َ‬ ‫َ‬
‫يٍء ِ‬ ‫شك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سعَ َرّبي ك ُ ّ‬ ‫شْيئا ً وَ ِ‬ ‫شآَء َرّبي َ‬ ‫ن ب ِهِ إ ِل ّ أن ي َ َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫شكَرك ُْتم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ن أن ّك ُك ْ‬ ‫خككاُفو َ‬ ‫م وَل َ ت َ َ‬ ‫شكَرك ْت ُ ْ‬ ‫مككآ أ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خا ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫ن * وَك َي ْ َ‬ ‫ت َت َذ َك ُّرو َ‬
‫طانا ً فَأ َي ال َْفريَقين أ َ‬ ‫سل ْ َ‬
‫ن ِإن‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫كال‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ك‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ب ِهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُن َّز ْ‬ ‫ِبالل ّهِ َ‬
‫م‬ ‫ك ل َهُ ك ُ‬ ‫م ب ِظ ُل ْم ٍ أ ُوَْلـئ ِ َ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫سوَا ْ ِإي َ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬ ‫مُنوا ْ وَل َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * ال ّ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫مهِ ن َْرفَ ُ‬
‫ع‬ ‫ى قَوْ ِ‬ ‫هي َ َ‬ ‫ن * وَت ِل ْ َ‬
‫م عَل َ‬ ‫هآ إ ِب َْرا ِ‬
‫جت َُنآ آت َي َْنا َ‬‫ح ّ‬ ‫ك ُ‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬‫م ّ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ال ْ‬
‫م‬‫م عَِليككككككك ٌ‬ ‫كيككككككك ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َرب ّككككككك َ‬ ‫شكككككككآُء إ ِ ّ‬ ‫مكككككككن ن ّ َ‬ ‫ت ّ‬ ‫جكككككككا ٍ‬ ‫د ََر َ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عن خليله إبراهيككم‪ ,‬حيككن جككادله قككومه فيمككا‬
‫ذهككب إليككه مككن التوحيككد ونككاظروه بشككبه مككن القككول‪ ,‬أنككه قككال‬
‫}أتحاجوني في الله وقد هدان{ أي تجادلونني في أمر الله‪ ,‬وأنككه‬
‫ل إله إل هو‪ ,‬وقد بصرني وهداني إلى الحق‪ ,‬وأنا علككى بينككة منككه‪,‬‬
‫فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة‪ ,‬وقككوله }ول‬
‫أخاف ما تشكركون بكه إل أن يشكاء ربكي شكيئًا{ أي ومكن الكدليل‬
‫للهة التي تعبدونها ل‬ ‫على بطلن قولكم فيما ذهبتم إليه‪ ,‬أن هذه ا َ‬
‫تؤثر شيئًا‪ ,‬وأنا ل أخافها ول أباليها‪ ,‬فإن كان لها كيد فكيدوني بهككا‪,‬‬
‫ول تنظرون بل عاجلوني بذلك‪ .‬وقوله تعككالى‪} :‬إل أن يشككاء ربككي‬
‫شيئًا{ استثناء منقطع‪ ,‬أي ل يضر ول ينفع إل الله عز وجل }وسع‬
‫ربي كل شيء علمًا{ أي أحككاط علمككه بجميككع الشككياء فل يخفككى‬
‫‪625‬‬
‫عليه خافية }أفل تتذكرون{ أي فيمككا بينتككه لكككم أفل تعتككبرون أن‬
‫للهة باطلة فتنزجروا عككن عبادتهككا‪ ,‬وهككذه الحجككة نظيككر مككا‬ ‫هذه ا َ‬
‫احتج بها نبي الله هود عليه السككلم علككى قككومه عككاد‪ ,‬فيمككا قككص‬
‫عنهم في كتابه‪ ,‬حيث يقول }قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ومككا نحككن‬
‫بتاركي آلهتنككا عككن قولككك ومككا نحككن لككك بمككؤمنين * إن نقككول إل‬
‫اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أنككي بريككء‬
‫مما تشككركون مككن دونككه فكيككدوني جميع كا ً ثككم ل تنظككرون * إنككي‬
‫توكلت على الله ربي وربكم مككا مككن دابككة إل هككو آخككذ بناصككيتها{‬
‫لية‪ .‬وقوله }وكيف أخاف ما أشركتم{ أي كيف أخاف مككن هككذه‬ ‫ا َ‬
‫الصنام التي تعبدونها من دون الله‪} ,‬ول تخككافون أنكككم أشككركتم‬
‫بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا{ قال ابككن عبككاس وغيككر واحككد‬
‫من السلف‪ :‬أي حجة وهذا كقوله تعالى‪} :‬أم لهم شركاء شككرعوا‬
‫لهم من الدين ما لككم يككأذن بككه اللككه{ وقككوله تعككالى‪} :‬إن هككي إل‬
‫أسماء سميتموها أنتم وآبككاؤكم مككا أنككزل اللكه بهككا مككن سكلطان{‬
‫وقوله }فأي الفريقيككن أحككق بككالمن إن كنتككم تعلمككون{ أي فككأي‬
‫طائفتين أصوب‪ ,‬الذي عبد من بيده الضر والنفع‪ ,‬أو الذي عبد من‬
‫ل يضر ول ينفع‪ ,‬بل دليل أيهما أحق بككالمن مككن عككذاب اللككه يككوم‬
‫القيامة‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمككانهم بظلككم‬
‫أولئك لهم المن وهم مهتدون{ أي هكؤلء الكذين أخلصكوا العبكادة‬
‫لمنكون يكوم‬ ‫لله وحده ل شريك له‪ ,‬ولكم يشكركوا بكه شكيئًا‪ ,‬هكم ا َ‬
‫لخككككككككرة‪.‬‬ ‫القيامككككككككة‪ ,‬المهتككككككككدون فككككككككي الككككككككدنيا وا َ‬
‫قال البخاري‪ :‬حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬حدثنا ابككن أبككي عككدي‪ ,‬عككن‬
‫شعبة عن سليمان‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبد اللككه‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫لما نزلت }ولم يلبسوا إيمانهم بظلم{ قال أصحابه وأينا لم يظلم‬
‫نفسه ؟ فنزلت }إن الشرك لظلككم عظيككم{ وقكال المككام أحمككد‪:‬‬
‫حدثنا أبو معاوية‪ ,‬حدثنا العمش‪ ,‬عن إبراهيككم‪ ,‬عككن علقمككة‪ ,‬عككن‬
‫ليككة }الككذين آمنككوا ولككم يلبسككوا‬ ‫عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬لمككا نزلككت هككذه ا َ‬
‫إيمانهم بظلم{ شق ذلك على الناس‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا رسككول اللككه أينككا‬
‫لم يظلم نفسه ؟ قال »إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قككال‬
‫العبد الصالح }يا بني ل تشككرك بككالله إن الشككرك لظلككم عظيككم{‬
‫إنمكككككككككككككككككككككككا هكككككككككككككككككككككككو الشكككككككككككككككككككككككرك‪.‬‬
‫‪626‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو سككعيد الشككج‪ ,‬حككدثنا وكيككع وابككن‬
‫إدريس‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬لمككا نزلككت‬
‫}ولم يلبسوا إيمانهم بظلم{ شق ذلك على أصحاب رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم قالوا‪ :‬وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقككال رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »ليس كما تظنون‪ ,‬إنما قال لبنككه }يككا‬
‫بني ل تشرك بككالله إن الشككرك لظلككم عظيككم{ وحككدثنا عمككر بككن‬
‫تغلب النمري‪ ,‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬حكدثنا سككفيان عككن العمككش‪ ,‬عككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبد اللكه بكن مسكعود‪ ,‬قكال‪ :‬لمكا نزلككت‬
‫لية‪ ,‬شق ذلك على أصككحاب رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬ ‫هذه ا َ‬
‫وسلم فنزلككت }إن الشككرك لظلككم عظيككم{ رواه البخككاري‪ ,‬وفككي‬
‫لفظ قالوا‪ :‬أينا لم يظلككم نفسككه ؟ فقككال النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »ليس بالذي تعنون‪ ,‬ألم تسمعوا ما قال العبد الصككالح }إن‬
‫الشرك لظلم عظيم{ إنما هو الشرك« ولبن أبي حاتم عككن عبككد‬
‫الله مرفوعًا‪ ,‬قال }ولم يلبسككوا إيمككانهم بظلككم{ قككال »بشككرك«‬
‫قال وروي عن أبي بكر الصديق‪ ,‬وعمر‪ ,‬وأبي بن كعب‪ ,‬وسلمان‪,‬‬
‫وحذيفة‪ ,‬وابن عباس‪ ,‬وابن عمر‪ ,‬وعمرو بن شرحبيل‪ ,‬وأبككي عبككد‬
‫الرحمن السلمي‪ ,‬ومجاهد‪ ,‬وعكرمة‪ ,‬والنخعي‪ ,‬والضحاك‪ ,‬وقتادة‪,‬‬
‫والسدي‪ ,‬وغير واحد نحو ذلك‪ ,‬وقال ابن مردويه‪ :‬حدثنا الشافعي‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن شداد المسمعي‪ ,‬حدثنا أبو عاصكم‪ ,‬حكدثنا سكفيان‬
‫الثوري‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيككم‪ ,‬عككن علقمككة‪ ,‬عككن عبككد اللككه‪,‬‬
‫قال‪ :‬لما نزلت }الككذين آمنككوا ولككم يلبسككوا إيمككانهم بظلككم{ قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم »قيككل لككي أنككت منهككم« وقككال‬
‫المام أحمكد‪ :‬حكدثنا إسكحاق بكن يوسكف‪ ,‬حكدثنا أبكو جنكاب‪ ,‬عكن‬
‫زاذان‪ ,‬عن جرير بن عبد الله‪ ,‬قال‪ :‬خرجنا مع رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬فلما برزنا من المدينككة‪ ,‬إذا راكككب يوضككع نحونككا‪,‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم »كأن هككذا الراكككب إيككاكم‬
‫يريد« فانتهى إلينا الرجكل‪ ,‬فسكلم فرددنككا عليكه‪ ,‬فقكال لكه النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم »من أين أقبلت ؟« قال من أهلككي وولككدي‬
‫وعشيرتي‪ ,‬قال‪» :‬فأين تريد ؟« قال‪ :‬أريد رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم قال »فقد أصككبته« قككال‪ :‬يككا رسككول اللككه علمنككي مككا‬
‫اليمان ؟ قال‪» :‬أن تشككهد أن ل إلككه إل اللككه وأن محمككدا ً رسككول‬
‫الله‪ ,‬وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة‪ ,‬وتصككوم رمضككان وتحككج الككبيت«‬
‫‪627‬‬
‫قال‪ :‬قد أقررت‪ ,‬قال ثم إن بعيره دخلت يككده فككي جحككر جككرذان‪,‬‬
‫فهوى بعيره وهوى الرجل‪ ,‬فوقع على هامته فمات‪ ,‬فقال رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »علي بالرجل« فككوثب إليككه عمككار بككن‬
‫ياسر وحذيفككة بككن اليمككان فأقعككداه فقككال‪ :‬يككا رسككول اللككه قبككض‬
‫الرجل قال فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسكلم‪ ,‬ثكم‬
‫قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم »أما رأيتمككا إعراضككي‬
‫عن الرجل‪ ,‬فإني رأيت ملكين يدسان فككي فيككه مككن ثمككار الجنككة‪,‬‬
‫فعلمت أنه مات جائعًا« ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫»هذا من الذين قال الله عز وجل فيهم }الذين آمنوا ولم يلبسككوا‬
‫ليككة‪ ,‬ثككم قككال »دونكككم أخككاكم« فاحتملنككاه إلككى‬‫إيمانهم بظلم{ ا َ‬
‫الماء‪ ,‬فغسلناه وحنطناه وكفناه‪ ,‬وحملناه إلى القبر‪ ,‬فجاء رسككول‬
‫اللهصلى الله عليه وسلم حككتى جلككس علككى شككفير القككبر‪ ,‬فقككال‬
‫»ألحدوا ول تشقوا فإن اللحد لنا والشككق لغيرنككا« ثككم رواه أحمككد‬
‫عن أسود بن عامر‪ ,‬عن عبد الحميد بن جعفر الفراء‪ ,‬عككن ثككابت‪,‬‬
‫عن زاذان‪ ,‬عن جرير بن عبد اللككه‪ ,‬فككذكر نحككوه وقككال فيككه‪ :‬هككذا‬
‫ممن عمل قليل ً وأجر كثيرًا‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا يوسف بن‬
‫موسى القطان‪ ,‬حدثنا مهران بن أبي عمككر‪ ,‬حككدثنا علككي بككن عبككد‬
‫الله‪ ,‬عن أبيه عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬كنككا مككع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير سككاره‪ ,‬إذ عككرض لككه‬
‫أعرابي فقال‪ :‬يا رسول الله والذي بعثك بالحق‪ ,‬لقد خرجككت مككن‬
‫بلدي وتلدي ومالي لهتدي بهداك‪ ,‬وآخذ مككن قولككك‪ ,‬ومككا بلغتككك‬
‫حتى ما لي طعككام إل مككن خضككر الرض‪ ,‬فككاعرض علككي‪ ,‬فعككرض‬
‫عليه رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فقبككل‪ ,‬فازدحمنككا حككوله‬
‫فدخل خف بكره في بيككت جككرذان‪ ,‬فككتردى العرابككي فانكسككرت‬
‫عنقه‪ ,‬فقال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »صككدق والككذي‬
‫بعثنككي بككالحق لقككد خككرج مككن بلده وتلده ومككاله‪ ,‬ليهتككدي بهككداي‬
‫ويأخذ من قولي وما بلغني حتى ماله طعام إل مككن خضككر الرض‪,‬‬
‫أسمعتم بالذي عمل قليل ً وأجر كثيرا ً ؟ هذا منهم‪ .‬أسمعتم بالذين‬
‫آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‪ ,‬أولئك لهم المن وهم مهتككدون ؟‬
‫فإن هذا منهم« وفككي لفككظ قككال »هككذا عمككل قليل ً وأجككر كككثيرًا«‬
‫وروى ابن مردويه من حديث محمد بن يعلى الكوفي‪ ,‬وكككان نككزل‬
‫الري‪ ,‬حككدثنا زيككاد بككن خيثمككة‪ ,‬عككن أبككي داود‪ ,‬عككن عبككد اللككه بككن‬
‫‪628‬‬
‫سخبرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من أعطي‬
‫فشكر‪ ,‬ومنع فصبر‪ ,‬وظلم فاستغفر‪ ,‬وظلم فغفر« وسكت‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫فقككالوا يككا رسككول اللككه مككا لككه ؟ قككال }أولئك لهككم المككن وهككم‬
‫مهتدون{ وقوله }وتلككك حجتنككا آتيناهككا إبراهيككم علككى قككومه{ أي‬
‫وجهنا حجته عليهم‪ ,‬قال مجاهد وغيره‪ :‬يعني بذلك قككوله }وكيككف‬
‫أخاف ما أشركتم ول تخافون أنكم أشركتم بالله مكا لكم ينكزل بكه‬
‫لية‪ ,‬وقد صككدقه اللككه‬ ‫عليكم سلطانا ً فأي الفريقين أحق بالمن{ ا َ‬
‫وحكم له بالمن والهداية فقال }الذين آمنوا ولم يلبسككوا إيمككانهم‬
‫بظلم أولئك لهم المن وهم مهتدون{ ثم قال بعد ذلك كله }وتلك‬
‫حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات مككن نشككاء{ قرىككء‬
‫بالضافة وبل إضافة‪ ,‬كما في سورة يوسف‪ ,‬وكلهمككا قريككب فككي‬
‫المعنككى‪ ,‬وقككوله }إن ربككك حكيككم عليككم{ أي حكيككم فككي أقككواله‬
‫وأفعاله‪ ,‬عليم أي بمن يهديه ومن يضله‪ ,‬وإن قامت عليككه الحجككج‬
‫والبراهين‪ ,‬كما قال }إن الذين حقت عليهم كلمة ربككك ل يؤمنككون‬
‫ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الليم{ ولهذا قال ههنككا }إن‬
‫ربككككككككككككككككككككككك حكيككككككككككككككككككككككم عليككككككككككككككككككككككم{‪.‬‬
‫مككن‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ب ك ُل ّ هَد َي َْنا وَُنوحا ً هَد َي َْنا ِ‬ ‫حاقَ وَي َعُْقو َ‬ ‫س َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫** وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫ن وَك َكذ َل ِ َ‬ ‫ى وَهَككاُرو َ‬ ‫سك َ‬ ‫مو َ‬ ‫ف وَ ُ‬ ‫سك َ‬ ‫ب وَُيو ُ‬ ‫ن وَأي ّككو َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫داُوود َ وَ ُ‬ ‫ذ ُّري ّت ِهِ َ‬
‫ن‬‫مك َ‬ ‫ل ّ‬ ‫س ك ُك ّ‬ ‫ى وَإ ِل ْي َككا َ‬ ‫سك َ‬ ‫عي َ‬ ‫ى وَ ِ‬ ‫حي َك َ‬ ‫ن * وََزك َرِي ّككا وَي َ ْ‬ ‫س كِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫جك ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫ض كل َْنا عَل َككى‬ ‫س وَُلوط كا ً وَك ُل ّ فَ ّ‬ ‫سعَ وَُيون ُ َ‬ ‫ل َوال ْي َ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن * وَإ ِ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬ ‫م وَهَكد َي َْناهُ ْ‬ ‫جت َب َي ْن َككاهُ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫وان ِهِ ْ‬ ‫خك َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَذ ُّرّيات ِهِ ْ‬ ‫ن آَبائ ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن * وَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫ن‬ ‫مك ْ‬ ‫شككآءُ ِ‬ ‫مككن ي َ َ‬ ‫دي ب ِكهِ َ‬ ‫دى الل ّكهِ ي َهْك ِ‬ ‫ك هُ ك َ‬ ‫ست َِقيم ٍ * ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ى ِ‬ ‫َ‬
‫إ ِل َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّك ِ‬ ‫ن * أ ُوَْلـ كئ ِ َ‬ ‫مل ُككو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ط عَن ْهُ ْ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫كوا ْ ل َ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫عَبادِهِ وَل َوْ أ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ؤلِء فََقد ْ وَك ّل َْنا ب َِهككا‬ ‫هـ ُ‬‫م َوالن ّب ُوّةَ فَِإن ي َك ُْفْر ب َِها َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ُ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫آت َي َْناهُ ُ‬
‫م اقْت َكدِهْ‬ ‫داهُ ُ‬ ‫ه فَب ِهُ َ‬ ‫دى الل ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن * أ ُوَْلـئ ِ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫كافِ‬ ‫سوا ْ ب َِها ب ِ َ‬ ‫وما ً ل ّي ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫قَ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫ككككَرىَ ل ِل َْعكككال َ ِ‬ ‫هكككوَ إ ِل ّ ذِ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫جكككرا ً إ ِ ْ‬ ‫م عَل َْيكككهِ أ ْ‬ ‫سكككأل ُك ُ ْ‬ ‫ُقكككل ل ّ أ ْ‬
‫يذكر تعالى أنه وهب لبراهيم إسحاق بعد أن طعن فككي السككن‪,‬‬
‫وأيس هو وامرأته سارة من الولد‪ ,‬فجاءته الملئكة وهككم ذاهبككون‬
‫إلى قوم لككوط‪ ,‬فبشككروهما بإسككحاق فتعجبككت المككرأة مككن ذلككك‪,‬‬
‫ى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا ً إن هككذا لشككيء‬ ‫وقالت }يا ويلت َ‬
‫‪629‬‬
‫عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله ؟ رحمة اللكه وبرككاته عليككم‬
‫أهل البيت إنه حميد مجيد{ فبشروهما مع وجوده بنبوته‪ ,‬وبأن لككه‬
‫نسككل ً وعقبككًا‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬وبشككرناه بإسككحاق نبيككا ً مككن‬
‫الصالحين{ وهذا أكمل فككي البشككارة وأعظككم فككي النعمكة‪ ,‬وقككال‬
‫}فبشرناه بإسككحاق ومككن وراء إسككحاق يعقككوب{ أي ويولككد لهككذا‬
‫المولود ولد في حياتكما‪ ,‬فتقر أعينكما به‪ ,‬كما قرت بوالده‪ ,‬فككإن‬
‫الفرح بولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب‪ ,‬ولما كان ولد الشيخ‬
‫والشيخة قد يتوهم أنه ل يعقب لضعفه‪ ,‬وقعت البشارة به وبولده‬
‫باسم يعقوب الذي فيه اشتقاق العقب والذرية‪ ,‬وكان هذا مجازاة‬
‫لبراهيم عليه السككلم‪ ,‬حيككن اعككتزل قكومه وتركهكم ونككزح عنهكم‪,‬‬
‫وهاجر من بلدهم ذاهبا ً إلى عبادة الله فككي الرض‪ ,‬فعوضككه اللككه‬
‫عز وجل عن قومه وعشيرته‪ ,‬بأولد صالحين من صلبه على دينه‪,‬‬
‫لتقر بهم عينه‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬فلما اعككتزلهم ومككا يعبككدون مككن‬
‫دون الله وهبنا له إسككحاق ويعقككوب وكل جعلنككا نبيكًا{ وقككال ههنككا‬
‫}ووهبنا له إسحاق ويعقوب كل ً هدينا{ وقوله }ونوحككا ً هككدينا مككن‬
‫قبل{ أي من قبله هديناه كما هديناه‪ ,‬ووهبنا له ذرية صالحة‪ ,‬وكل‬
‫منهما له خصوصية عظيمة‪ ,‬أما نوح عليه السلم‪ ,‬فإن الله تعككالى‬
‫لما أغرق أهل الرض إل مككن آمككن بككه‪ ,‬وهككم الككذين صككحبوه فككي‬
‫السفينة‪ ,‬جعل الله ذريته هم البككاقين‪ ,‬فالنككاس كلهككم مككن ذريتككه‪,‬‬
‫وأما الخليل إبراهيم عليه السلم‪ ,‬فلم يبعث الله عككز وجككل بعككده‬
‫نبيًا‪ ,‬إل من ذريته‪ ,‬كما قككال تعككالى‪} :‬وجعلنككا فككي ذريتهمككا النبككوة‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} ,‬ولقد أرسلنا نوحا ً وإبراهيم وجعلنككا‬ ‫والكتاب{ ا َ‬
‫في ذريتهما النبوة والكتاب{ وقال تعالى‪} :‬أولئك الذين أنعم الله‬
‫عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مككع نككوح ومككن ذريككة‬
‫إبراهيككم وإسككرائيل وممككن هككدينا واجتبينككا إذا تتلككى عليهككم آيككات‬
‫ليككة الكريمككة }ومككن‬ ‫الرحمن خروا سجدا ً وبكيًا{ وقوله في هذه ا َ‬
‫لية‪ ,‬وعود الضمير‬ ‫ذريته{ أي وهدينا من ذريته }داود وسليمان{ ا َ‬
‫إلى نوح‪ ,‬لنه أقرب المذكورين ظاهر ل إشكال فيككه‪ ,‬وهككو اختيككار‬
‫ابن جرير‪ .‬وعوده إلى إبراهيم‪ ,‬لنه الككذي سككيق الكلم مككن أجلككه‬
‫حسن‪ ,‬لكن يشكل عليه لوط‪ ,‬فإنه ليس من ذرية إبراهيم‪ ,‬بل هو‬
‫ابن أخيه ماران بن آزر‪ ,‬اللهككم إل أن يقككال إنككه دخككل فككي الذريككة‬
‫تغليبكًا‪ ,‬وكمكا قكال فكي قكوله }أم كنتكم شكهداء إذ حضكر يعقكوب‬
‫‪630‬‬
‫الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا نعبككد إلهككك وإلككه‬
‫آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها ً واحدا ً ونحن له مسككلمون{‬
‫فإسماعيل عمه دخل في آبائه تغليبًا‪ ,‬وكما قال في قوله }فسجد‬
‫الملئكة كلهم أجمعون إل إبليس{ فدخل إبليس في أمر الملئكة‬
‫بالسجود‪ ,‬وذم على المخالفة لنككه كككان فككي تشككبه بهككم‪ ,‬فعومككل‬
‫معاملتهم ودخل معهم تغليبًا‪ ,‬وإل فهو كان من الجن وطبيعته مككن‬
‫النار‪ ,‬والملئكة من النور‪ ,‬وفي ذكر عيسى عليه السلم في ذريككة‬
‫لخر‪ ,‬دللة علككى دخككول ولككد البنككات‬ ‫إبراهيم أو نوح‪ ,‬على القول ا َ‬
‫في ذرية الرجل‪ ,‬لن عيسى عليه السلم إنما ينسب إلى إبراهيككم‬
‫عليه السلم‪ ,‬بأمه عليهككا السككلم‪ ,‬فككإنه ل أب لككه‪ .‬قككال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا سهل بن يحيككى العسكككري‪ ,‬حككدثنا عبككد الرحمككن بككن‬
‫صالح‪ ,‬حدثنا علي بن عابس‪ ,‬عن عبد الله بن عطاء المكككي‪ ,‬عككن‬
‫أبي حرب بن أبككي السكود‪ ,‬قكال‪ :‬أرسكل الحجككاج إلككى يحيككى بككن‬
‫يعمر‪ ,‬فقال‪ :‬بلغنككي أنككك تزعككم أن الحسككن والحسككين مككن ذريككة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬تجده في كتاب الله ك وقد قرأته مككن‬
‫أوله إلى آخره فلم أجده ؟ قال أليس تقرأ سككورة النعككام }ومككن‬
‫ذريته داود وسليمان{ حتى بلغ }ويحيى وعيسى{ قال بلككى‪ .‬قككال‬
‫أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب ؟ قال صدقت‪ .‬فلهذا‬
‫إذا أوصى الرجل لككذريته‪ ,‬أو وقككف علككى ذريتككه‪ ,‬أو وهبهككم‪ ,‬دخككل‬
‫أولد البنات فيهم‪ ,‬فأما إذا أعطى الرجل بنيككه‪ ,‬دخككل أولد البنككات‬
‫فيهم‪ ,‬فأما إذا أعطى الرجل بنيككه‪ ,‬أو وقككف عليهككم‪ ,‬فككإنه يختككص‬
‫بككذلك بنككوه لصككلبه وبنككو بنيككه‪ ,‬واحتجككوا بقككول الشككاعر العربككي‪:‬‬
‫بنونككككا بنككككو أبنائنككككا وبناتنككككابنوهن أبنككككاء الرجككككال الجككككانب‬
‫وقال آخرون‪ :‬ويدخل بنو البنات فيهم أيضًا‪ ,‬لما ثبت في صككحيح‬
‫البخاري‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسككلم قككال للحسككن بككن‬
‫علككي »إن ابنككي هككذا سككيد ولعككل اللككه أن يصككلح بككه بيككن فئتيككن‬
‫عظيمتين مكن المسكلمين« فسكماه ابنكًا‪ ,‬فككدل علككى دخككوله فكي‬
‫البناء‪ .‬وقال آخرون‪ :‬هككذا تجككوز‪ ,‬وقككوله }ومككن آبككائهم وذريككاتهم‬
‫وإخوانهم{ ذكككر أصككولهم وفروعهككم‪ ,‬وذوي طبقتهككم وأن الهدايككة‬
‫والجتباء شملهم كلهككم‪ ,‬ولهككذا قككال }واجتبينككاهم وهككديناهم إلككى‬
‫صراط مستقيم{ ثم قال تعالى‪} :‬ذلك هككدى اللككه يهككدي بككه مككن‬
‫يشاء من عباده{ أي إنما حصككل لهككم ذلككك بتوفيككق اللككه وهككدايته‬
‫‪631‬‬
‫إياهم‪} ,‬ولو أشركوا لحبط عنهم ما كككانوا يعملككون{ تشككديد لمككر‬
‫الشرك وتغليظ لشأنه وتعظيككم لملبسككته‪ ,‬كقككوله تعككالى‪} :‬ولقككد‬
‫أوحي إليك وإلى الذين من قبلككك لئن أشككركت ليحبطككن عملككك{‬
‫لية‪ ,‬وهذا شرط‪ ,‬والشرط ل يقتضي جواز الوقوع‪ ,‬كقككوله }قككل‬ ‫ا َ‬
‫إن كان للرحمن ولككد فأنككا أول العابككدين{ وكقككوله }لككو أردنككا أن‬
‫نتخذ لهوا ً لتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين{ وكقوله }لككو أراد اللككه‬
‫أن يتخذ ولدا ً لصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحككد‬
‫القهككار{‪ .‬وقككوله تعككالى‪} :‬أولئك الككذين آتينككاهم الكتككاب والحكككم‬
‫والنبككوة{ أي أنعمنككا عليككه‪ -‬بككذلك‪ ,‬رحمككة للعبككاد بهككم ولطفكا ً منككا‬
‫بالخليقة‪} ,‬فإن يكفر بها{ أي بالنبوة‪ ,‬ويحتمككل أن يكككون الضككمير‬
‫عائدا ً على هذه الشككياء الثلثككة‪ ,‬الكتككاب والحكككم والنبككوة‪ ,‬وقككوله‬
‫}هؤلء{ يعني أهل مكة‪ ,‬قككاله ابككن عبككاس وسككعيد بككن المسككيب‬
‫والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد‪} ,‬فقد وكلنا بها قوما ً ليسككوا‬
‫بها بكافرين{ أي إن يكفر بهذه النعم‪ ,‬مككن كفككر بهككا مككن قريككش‬
‫وغيرهم من سائر أهل الرض‪ ,‬من عرب وعجم‪ ,‬ومّليين وكتابيين‪,‬‬
‫فقد وكلنا بها قوما ً آخرين أي المهاجرين والنصككار وأتبككاعهم إلككى‬
‫يوم القيامة‪} ,‬ليسوا بها بكافرين{ أي ل يجحدون منهككا شككيئًا‪ ,‬ول‬
‫يردون منها حرفا ً واحدًا‪ ,‬بل يؤمنون بجميعها‪ ,‬محكمها ومتشابهها‪,‬‬
‫جعلنا الله منهم بمّنه وكرمككه وإحسككانه‪ ,‬ثككم قككال تعككالى مخاطب كا ً‬
‫عبده ورسوله محمدا ً صلى الله عليه وسلم }أولئك{ يعني النبياء‬
‫لباء والذرية والخوان‪ ,‬وهم‬ ‫المذكورين‪ ,‬مع من أضيف إليهم من ا َ‬
‫الشككباه‪} ,‬الككذين هككدى اللككه{ أي هككم أهككل الهككدى ل غيرهككم‬
‫}فبهداهم اقتككده{‪ ,‬أي اقتككد واتبككع‪ ,‬وإذا كككان هككذا أمككرا ً للرسككول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فأمته تبع لككه‪ ,‬فيمككا يشككرعه ويككأمرهم بككه‪,‬‬
‫ليككة‪ :‬حككدثنا إبراهيككم بككن موسككى‪,‬‬ ‫قككال البخككاري عنككد هككذه ا َ‬
‫أخبرناهشام أن ابن جريج أخبرهم قال‪ :‬أخككبرني سككليمان الحككول‬
‫أن مجاهدا ً أخبره‪ ,‬أنه سأل ابن عباس أفي )ص( سككجدة ؟ فقككال‬
‫نعم‪ ,‬ثم تل }ووهبنا لككه إسككحاق ويعقككوب{ إلككى قككوله }فبهككداهم‬
‫اقتده{ ثم قال هو منهم‪ ,‬زاد يزيد بن هككارون‪ ,‬ومحمككد بككن عبيككد‪,‬‬
‫وسهل بن يوسف‪ ,‬عن العوام عن مجاهد‪ ,‬قلت لبن عباس فقككال‬
‫نبيكم صلى اللككه عليككه وسككلم ممككن أمككر أن يقتككدي بهككم‪ .‬وقككوله‬
‫تعالى‪} :‬قل ل أسألكم عليه أجرًا{ أي ل أطلب منكم على إبلغي‬
‫‪632‬‬
‫إياكم هذا القرآن أجرا ً أي أجرة‪ ,‬ول أريد منكم شككيئًا‪} ,‬إن هككو إل‬
‫ذكرى للعالمين{ أي يتذكرون به‪ ,‬فيرشدوا من العمى إلى الهدى‪,‬‬
‫ومككككن الغككككي إلككككى الرشككككاد‪ ,‬ومككككن الكفككككر إلككككى اليمككككان‪.‬‬
‫مككن‬ ‫شككرٍ ّ‬ ‫ى بَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ َ‬

‫ه عَل َ‬ ‫مآ َأنَز َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ إ ِذ ْ َقاُلوا ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَد َُروا ْ الل ّ َ‬ ‫** وَ َ‬
‫سى ُنورا ً وَهُ ً ّ‬ ‫َ‬
‫س‬‫دى للّنا ِ‬ ‫مو َ َ‬ ‫جآَء ب ِهِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ن أنَز َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫يٍء قُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫م كوَا ْ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫مككا ل َك ْ‬
‫م ّ‬ ‫ن ك َِثيككرا ً وَعُل ّ ْ‬
‫مت ُك ْ‬ ‫خُفو َ‬ ‫دون ََها وَت ُ ْ‬ ‫س ت ُب ْ ُ‬ ‫طي َ‬ ‫ه قََرا ِ‬ ‫جعَُلون َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫ذا‬ ‫هـ ك َ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫م ي َل ْعَب ُككو َ‬
‫ض كه ِ ْ‬‫خو ْ ِ‬ ‫م فِككي َ‬ ‫م ذ َْرهُ ك ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م قُ ِ‬ ‫م وَل َ آَباؤُك ُ ْ‬ ‫أنت ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مك ْ‬ ‫م ال ُْق كَرىَ وَ َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَل ُِتنذَِر أ ّ‬‫ذي ب َي ْ َ‬ ‫صد ّقُ ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ّ‬ ‫مَباَر ٌ‬ ‫ب أنَزل َْناهُ ُ‬ ‫ك َِتا ٌ‬
‫م‬ ‫صكل َت ِهِ ْ‬ ‫ى َ‬ ‫ن ب ِكهِ وَهُك ْ َ‬ ‫خَرةِ ي ُؤْ ِ‬ ‫ن ب ِككال َ ِ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫حوْل َهَككا َوال ّك ِ‬
‫م عَلك َ‬ ‫من ُككو َ‬ ‫من ُككو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ظو َ‬ ‫حكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككافِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫يقول الله تعالى وما عظموا الله حكق تعظيمكه‪ ,‬إذ ككذبوا رسكله‬
‫إليهم‪ ,‬قال ابن عبككاس ومجاهككد وعبككد اللككه بككن كككثير‪ :‬نزلككت فككي‬
‫قريش‪ ,‬واختاره ابن جرير‪ ,‬وقيككل نزلككت فككي طائفككة مككن اليهككود‪,‬‬
‫وقيل في فنحاص رجل منهم‪ ,‬وقيل في مالك بن الصككيف }قككالوا‬
‫ليككة مكيككة‪,‬‬ ‫ما أنزل الله على بشر من شيء{ والول أصككح‪ ,‬لن ا َ‬
‫واليهود ل ينكككرون إنككزال الكتككب مككن السككماء‪ ,‬وقريككش والعككرب‬
‫قاطبة كانوا ينكرون إرسال محمد صلى الله عليه وسلم لنه مككن‬
‫البشر‪ ,‬كما قال }أكان للناس عجبا ً أن أوحينا إلى رجككل منهككم أن‬
‫أنذر الناس{ وكقوله تعالى‪} :‬وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جككاءهم‬
‫الهدى إل أن قالوا أبعث الله بشرا ً رسول ً قل لو كككان فككي الرض‬
‫ل{‬ ‫ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السككماء ملك كا ً رسككو ً‬
‫وقال ههنا }وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنككزل اللككه علككى‬
‫بشر من شيء{ قال الله تعالى‪} :‬قل من أنزل الكتاب الذي جاء‬
‫به موسى نورا ً وهدى للناس{ أي قل يككا محمككد لهككؤلء المنكريككن‬
‫لنزال شيء من الكتب من عند اللكه‪ ,‬فككي جككواب سككلبهم العككام‪,‬‬
‫بإثبات قضككية جزئيككة موجبككة‪} ,‬مككن أنككزل الكتككاب الككذي جككاء بككه‬
‫موسى{ وهو التوراة التي قد علمتم‪ ,‬وكل أحد أن الله قككد أنزلهككا‬
‫على موسى بن عمران‪ ,‬نورا ً وهدى للناس‪ ,‬أي ليستضاء بهككا فككي‬
‫كشككف المشكككلت‪ ,‬ويهتككدى بهككا مككن ظلككم الشككبهات‪ ,‬وقككوله‬
‫}تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفككون كككثيرًا{ أي تجعلككون جملتهككا‬
‫‪633‬‬
‫قراطيس‪ ,‬أي قطعا ً تكتبونها من الكتاب الصككلي‪ ,‬الككذي بأيككديكم‪,‬‬
‫وتحرفون منها ما تحرفون‪ ,‬وتبدلون وتتأولون‪ ,‬وتقولككون هككذا مككن‬
‫عند الله‪ ,‬أي في كتابه المنزل‪ ,‬وما هو من عنككد اللككه‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫}تجعلككونه قراطيككس تبككدونها وتخفككون كككثيرًا{ وقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}وعلمتم مالم تعلموا أنتم ول آباؤكم{ أي ومن أنزل القرآن الذي‬
‫علمكم الله فيه‪ ,‬مكن خكبر مكا سكبق‪ ,‬ونبكأ مكا يكأتي مكالم تكونكوا‬
‫تعلمون ذلك‪ ,‬ل أنتم ول آباؤكم‪ ,‬وقككد قككال قتككادة‪ :‬هككؤلء مشككركو‬
‫العرب وقال مجاهد هذه للمسككلمين‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬قككل اللككه{‬
‫قال علي بن أبي طلحة‪ :‬عن ابن عباس‪ ,‬أي قل الله أنزلككه‪ ,‬وهكذا‬
‫الذي قاله ابن عباس‪ ,‬هو المتعين في تفسير هككذه الكلمككة‪ ,‬ل مككا‬
‫قككاله بعككض المتككأخرين‪ ,‬مككن أن معنككى }قككل اللككه{ أي ل يكككون‬
‫خطابك لهم‪ ,‬إل هذه الكلمة‪ ,‬كلمة »اللككه« وهككذا الككذي قككاله هككذا‬
‫القائل‪ ,‬يكون أمرا ً بكلمة مفردة‪ ,‬من غير تركيب‪ ,‬والتيككان بكلمككة‬
‫مفردة ل يفيد في لغة العرب فائدة يحسن السكوت عليها‪ ,‬وقوله‬
‫}ثم ذرهم في خوضهم يلعبون{ أي ثم دعهم في جهلهم وضللهم‬
‫يلعبون‪ ,‬حتى يأتيهم من الله اليقين‪ ,‬فسوف يعلمون ألهم العاقبككة‬
‫أم لعبككاد اللككه المتقيككن ؟ وقككوله }وهككذا كتككاب{ يعنككي القككرآن‬
‫}أنزلناه مبارك مصدق الذي بيككن يككديه ولتنككذر أم القككرى{ يعنككي‬
‫مكة }ومن حولها{ من أحياء العرب‪ ,‬ومن سائر طوائف بني آدم‪,‬‬
‫لية الخرى }قل يككا أيهككا النككاس‬ ‫ومن عرب وعجم‪ ,‬كما قال في ا َ‬
‫إني رسول الله إليكم جميعًا{ وقال }لنذركم به ومن بلغ{ وقككال‬
‫}ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعككده{ وقككال }تبككارك الككذي‬
‫نزل الفرقكان علكى عبكده ليككون للعكالمين نكذيرًا{ وقكال }وقكل‬
‫للذين أوتوا الكتاب والميين أأسلمتم‪ ,‬فككإن أسككلموا فقككد اهتككدوا‪,‬‬
‫وإن تولككوا فإنمككا عليككك البلغ واللككه بصككير بالعبككاد{ وثبككت فككي‬
‫الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم قككال »أعطيككت‬
‫خمسا ً لم يعطهن أحد من النبياء قبلي« وذكر منهن »وكان النبي‬
‫يبعث إلى قككومه خاصككة‪ ,‬وبعثككت إلككى النككاس عامككة« ولهككذا قككال‬
‫لخرة يؤمنون به{ أي كل من آمن بالله واليوم‬ ‫}والذين يؤمنون با َ‬
‫لخر‪ ,‬يؤمن بهذا الكتاب المبارك‪ ,‬الككذي أنزلنككاه إليككك يككا محمككد‪,‬‬ ‫ا َ‬
‫وهو القرآن }وهم على صلتهم يحافظون{ أي يقيمون بما فرض‬
‫عليهككككككككم مككككككككن أداء الصككككككككلوات فككككككككي أوقاتهككككككككا‪.‬‬
‫‪634‬‬
‫م‬ ‫ي وَل َك ْ‬ ‫ي إ ِل َك ّ‬ ‫حك َ‬ ‫ل أ ُوْ ِ‬ ‫ذبا ً أ َوْ َقا َ‬ ‫ن افْت ََرىَ عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫م ّ‬ ‫م ِ‬
‫** وم َ‬
‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مككآ أن َككز َ‬ ‫مث ْك َ‬ ‫سأنزِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫من َقا َ‬ ‫ح إ ِل َي ْهِ َ‬
‫ه وَلكوْ ت َكَرىَ إ ِذِ‬ ‫ل اللك ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل َ‬ ‫يٌء وَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ُيو َ‬
‫ج كوَا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خرِ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫س كط ُوَا ْ أي ْك ِ‬ ‫ة َبا ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن ِفي غَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬
‫َ‬
‫ن عَل َككى الل ّك ِ‬
‫ه‬ ‫م ت َُقول ُككو َ‬ ‫كنت ُك ْ‬‫مككا ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ب ال ُْهو ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫أن ُْف َ‬
‫مكا‬ ‫موَنا فُكَراد َىَ ك َ َ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬‫ن * وَل ََقد ْ ِ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫ن آَيات ِهِ ت َ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫حقّ وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫غَي َْر ال ْ َ‬
‫ى‬
‫مككا ن َكَر َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م وََراَء ظ ُهُككورِك ُ ْ‬ ‫خوّل ْن َككاك ُ ْ‬ ‫مككا َ‬ ‫م ّ‬ ‫مّرةٍ وَت ََرك ْت ُك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م أ َوّ َ‬ ‫خل َْقَناك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫كآُء ل ََقد ت َّقط ّعَ ب َي ْن َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ككك ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِفيك ُ ْ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ن َزعَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫شَفَعآَءك ُ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مككككككككككو َ‬ ‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫كنُتكككككككككك ْ‬ ‫مككككككككككا ُ‬ ‫كككككككككككم ّ‬ ‫عن ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ضكككككككككك ّ‬ ‫وَ َ‬
‫يقول تعالى‪} :‬ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا{ أي ل أحد‬
‫أظلم‪ ,‬ممن كذب على الله‪ ,‬فجعل له شركاء أو ولدًا‪ ,‬أو ادعى أن‬
‫الله أرسله إلى الناس ولم يرسككله‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬أو قككال‬
‫ح إليه شيء{ قككال عكرمككة وقتككادة‪ :‬نزلككت فككي‬ ‫ي ولم يو َ‬ ‫أوحي إل ّ‬
‫مسيلمة الكذاب }ومن قال سأنزل مثل ما أنككزل اللككه{ أي ومككن‬
‫ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي‪ ,‬مما يفتريه مككن‬
‫القول‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قككد سككمعنا لككو‬
‫ليككة‪ ,‬قككال اللككه تعككالى‪} :‬ولككو تككرى إذ‬ ‫نشككاء لقلنككا مثككل هككذا{ ا َ‬
‫الظككالمون فككي غمككرات المككوت{ أي فككي سكككراته‪ ,‬وغمراتككه‪,‬‬
‫وكرباته‪} ,‬والملئكة باسككطو أيككديهم{ أي بالضككرب‪ ,‬كقككوله }لئن‬
‫لية‪ ,‬وقككوله }يبسككطوا إليكككم أيككديهم‬ ‫بسطت إلي يدك لتقتلني{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬وقال الضحاك وأبو صالح باسطو أيديهم‬ ‫وألسنتهم بالسوء{ ا َ‬
‫أي بالعذاب‪ ,‬كقوله }ولككو تككرى إذ يتككوفى الككذين كفككروا الملئكككة‬
‫يضككربون وجككوههم وأدبككارهم{ ولهككذا قككال }والملئكككة باسككطو‬
‫أيديهم{ أي بالضرب لهككم‪ ,‬حككتى تخككرج أنفسككهم مككن أجسككادهم‪,‬‬
‫ولهككذا يقولككون لهككم }أخرجككوا أنفسكككم{ وذلككك أن الكككافر إذا‬
‫احتضر‪ ,‬بشرته الملئكة بالعذاب‪ ,‬والنكككال‪ ,‬والغلل‪ ,‬والسلسككل‪,‬‬
‫والجحيم‪ ,‬والحميم‪ ,‬وغضب الرحمن الرحيككم‪ ,‬فتتفككرق روحككه فككي‬
‫جسده‪ ,‬وتعصي وتأبى الخككروج‪ ,‬فتضككربهم الملئكككة‪ ,‬حككتى تخككرج‬
‫أرواحهككم مككن أجسككادهم‪ ,‬قككائلين لهككم }أخرجككوا أنفسكككم اليككوم‬
‫ليككة‪,‬‬ ‫تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق{ ا َ‬
‫‪635‬‬
‫أي اليككوم تهككانون غايككة الهانككة‪ ,‬كمككا كنتككم تكككذبون علككى اللككه‪,‬‬
‫وتسككككككتكبرون عككككككن اتبككككككاع آيككككككاته والنقيككككككاد لرسككككككله‪.‬‬
‫وقككد وردت الحككاديث المتككواترة فككي كيفيككة احتضككار المككؤمن‬
‫والكافر عند الموت وهي مقككررة عنككد قككوله تعككالى‪} :‬يثبككت اللككه‬
‫لخرة{ وقد ذكر‬ ‫الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي ا َ‬
‫ابن مردويه ههنا حديثا ً مطول ً جدا ً من طريق غريبة‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫عن ابن عباس مرفوعًا‪ ,‬فالله أعلم‪ ,‬وقوله }ولقد جئتمونا فككرادى‬
‫كما خلقناكم أول مرة{ أي يقال لهم يوم معككادهم هككذا كمككا قككال‬
‫}وعرضوا على ربك صفا ً لقد جئتمونككا كمككا خلقنككاكم‪ ,‬أول مككرة{‬
‫أي كما بدأناكم أعدناكم‪ ,‬وقد كنتم تنكرون ذلك وتستبعدونه‪ ,‬فهذا‬
‫يوم البعث‪ ,‬وقوله }وتركتم مككا خولنككاكم وراء ظهككوركم{ أي مككن‬
‫النعم والموال التي اقتنيتموهككا‪ ,‬فككي الككدار الككدنيا وراء ظهككوركم‪,‬‬
‫وثبت في الصحيح‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم قككال »‬
‫يقول ابن آدم مالي مالي‪ ,‬وهل لك من مالك إل ما أكلت فأفنيت‪,‬‬
‫أو لبست فأبليت‪ ,‬أو تصدقت فأمضيت‪ ,‬ومككا سككوى ذلككك فككذاهب‬
‫وتاركه للناس« وقال الحسن البصري‪ :‬يؤتى بابن آدم يوم القيامة‬
‫كأنه بذخ‪ ,‬فيقول الله عز وجل‪ :‬أيككن مككا جمعككت ؟ فيقككول يككا رب‬
‫جمعته وتركته أوفر ما كان‪ ,‬فيقول له‪ :‬يا ابن آدم أيككن مككا قككدمت‬
‫لية }ولقد جئتمونا فرادى‬ ‫لنفسك ؟ فل يراه قدم شيئًا‪ ,‬وتل هذه ا َ‬
‫كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولنككاكم وراء ظهككوركم{ ا َ‬
‫رواه ابن أبككي حككاتم‪ ,‬وقككوله }ومككا نككرى معكككم شككفعاءكم الككذين‬
‫زعمتم أنهم فيكم شركاء{ تقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا‬
‫في الدنيا من النداد والصنام والوثككان‪ ,‬ظككانين أنهككا تنفعهككم فككي‬
‫معاشككهم ومعككادهم‪ ,‬إن كككان ثككم معككاد‪ ,‬فككإذا كككان يككوم القيامككة‬
‫تقطعككت بهككم السككباب‪ ,‬وانككزاح الضككلل‪ ,‬وضككل عنهككم مككا كككانوا‬
‫يفككترون وينككاديهم الككرب جككل جللككه علككى رؤوس الخلئق }أيككن‬
‫شركائي الذين كنتم تزعمون ؟{ ويقال لهم }أين ما كنتم تعبدون‬
‫من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون ؟{ ولهذا قال ههنا }وما‬
‫نرى معكم شفعاءكم الذي زعمتككم أنهككم فيكككم شككركاء{ أي فككي‬
‫العبكككادة لهكككم‪ ,‬فيككككم قسكككط فكككي اسكككتحقاق العبكككادة لهكككم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪} :‬لقد تقطككع بينكككم{ قرىككء بككالرفع أي شككملكم‪,‬‬
‫وبالنصككب أي لقككد تقطككع مككا بينكككم مككن السككباب والوصككلت‬
‫‪636‬‬
‫والوسائل ‪} ¹‬وضل عنكم{ أي ذهب عنكككم }مككا كنتككم تزعمككون{‬
‫من رجاء الصنام والنداد‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬إذ تبرأ الذين اتبعوا مككن‬
‫الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهككم السككباب * وقككال الككذين‬
‫اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كككذلك يريهككم اللككه‬
‫أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار{ وقال تعالى‪:‬‬
‫}فإذا نفخ في الصور فل أنساب بينهم يومئذ ول يتساءلون{ وقال‬
‫تعالى‪} :‬إنما اتخذتم من دون الله أوثانا ً مككودة بينكككم فككي الحيككاة‬
‫الدنيا ثم يوم القيامة يكفكر بعضككم ببعكض ويلعكن بعضككم بعضكا ً‬
‫ومككأواكم النككار ومككا لكككم مككن ناصككرين{ وقككال }وقيككل ادعككوا‬
‫ليككة‪ ,‬وقككال }ويككوم‬ ‫شككركاءكم فككدعوهم فلككم يسككتجيبوا لهككم{ ا َ‬
‫نحشرهم جميعا ً ثم نقول للذين أشركوا{ إلى قوله }وضل عنهككم‬
‫ليككككات فككككي هككككذا كككككثيرة جككككدًا‪.‬‬
‫مككككا كككككانوا يفككككترون{ وا َ‬
‫ج‬ ‫خكرِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ت وَ ُ‬ ‫مّيك ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مك َ‬ ‫ي ِ‬ ‫حك ّ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خكرِ ُ‬ ‫ب َوالّنكوَىَ ي ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َفال ِقُ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫** إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫جعَك َ‬ ‫ح وَ َ‬ ‫ن * َفال ِقُ ال ِ ْ‬
‫صكَبا ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ى ت ُؤْفَ ُ‬ ‫ه فَأن ّ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ي ذ َل ِك ُ ُ‬‫ح ّ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّ ِ‬‫ال ْ َ‬
‫زيكزِ ال ْعَِليكم ِ *‬ ‫ديُر ال ْعَ ِ‬ ‫ك ت َْقك ِ‬‫سَبانا ً ذ َل ِ َ‬‫ح ْ‬ ‫مَر ُ‬ ‫س َوال َْق َ‬ ‫م َ‬ ‫كنا ً َوال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫ال ْل ّي ْ َ‬
‫حرِ قَد ْ‬ ‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫دوا ْ ب َِها ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫م ل ِت َهْت َ ُ‬‫جو َ‬ ‫م الن ّ ُ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬‫جع َ َ‬‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ن‬‫مكككككككككككككو َ‬ ‫ت ل َِقكككككككككككككوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫صكككككككككككككل َْنا ال ََيكككككككككككككا ِ‬ ‫فَ ّ‬
‫يخبر تعالى أنه فالق الحب والنوى‪ ,‬أي يشقه في الثرى‪ ,‬فتنبت‬
‫منككه الككزروع علككى اختلف أصككنافها‪ ,‬مككن الحبككوب والثمككار علككى‬
‫اختلف ألوانها وأشكالها وطعومها مكن النكوى‪ ,‬ولهكذا فسككر قكوله‬
‫}فالق الحب والنوى{ بقككوله }يخككرج الحككي مككن الميككت ومخككرج‬
‫الميت من الحي{ أي يخرج النبات الحي من الحب والنوى‪ ,‬الككذي‬
‫هككو كالجمككاد الميككت‪ ,‬كقككوله }وآيككة لهككم الرض الميتككة أحييناهككا‬
‫وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون{ إلى قوله }ومن أنفسهم وممككا ل‬
‫يعلمون{ وقوله }ويخرج الميت من الحي{ معطوف على }فالق‬
‫الحب والنوى{ ثم فسره ثم عطف عليككه قككوله }ومخككرج الميككت‬
‫من الحي{ وقد عبروا عن هذا وهذا بعبارات كلها متقاربككة مؤديككة‬
‫للمعنى‪ ,‬فمن قائل‪ :‬يخككرج الدجاجككة مككن البيضككة وعكسككه‪ ,‬ومككن‬
‫قائل‪ :‬يخرج الولككد الصككالح مككن الفككاجر وعكسككه وغيككر ذلككك مككن‬
‫ليككككككككة وتشككككككككملها‪.‬‬ ‫العبككككككككارات الككككككككتي تنتظمهككككككككا ا َ‬
‫‪637‬‬
‫ثم قال تعالى‪} :‬ذلكككم اللككه{ أي فاعككل هككذا‪ ,‬هككو اللككه وحككده ل‬
‫شريك له }فأنى تؤفكون{ أي كيف تصرفون عن الحق وتعككدلون‬
‫عنه إلككى الباطككل‪ ,‬فتعبككدون معككه غيككره‪ .‬وقككوله }فككالق الصككباح‬
‫وجعل الليل سكنًا{ أي خالق الضياء والظلم‪ ,‬كمككا قككال فككي أول‬
‫السورة }وجعل الظلمككات والنككور{ أي فهككو سككبحانه يفلككق ظلم‬
‫الليل عن غرة الصباح‪ ,‬فيضيء الوجود‪ ,‬ويستنير الفق‪ ,‬ويضككمحل‬
‫الظلم‪ ,‬ويذهب الليل بسواده وظلم رواقه‪ ,‬ويجيء النهار بضككيائه‬
‫وإشراقه‪ ,‬كقوله }يغشي الليل النهار يطلبككه حثيث كًا{ فككبين تعككالى‬
‫قدرته على خلق الشياء المتضادة المختلفككة‪ ,‬الدالككة علككى كمككال‬
‫عظمته وعظيم سككلطانه‪ ,‬فككذكر أنككه فككالق الصككباح‪ ,‬وقابككل ذلككك‬
‫بقككوله }وجعككل الليككل سكككنًا{ أي سككاجيا ً مظلمككًا‪ ,‬لتسكككن فيككه‬
‫الشياء‪ ,‬كما قال }والضحى والليل إذا سجى{ وقككال }والليككل إذا‬
‫يغشككى والنهككار إذا تجلككى{ وقككال }والنهككار إذا جلهككا والليككل إذا‬
‫يغشاها{ وقال صهيب الرومي رضي الله عنه لمرأته وقد عككاتبته‬
‫في كثرة سهره‪ :‬إن الله جعل الليل سكككنا ً إل لصككهيب‪ ,‬إن صككهيبا ً‬
‫إذا ذكر الجنة طال شوقه‪ ,‬وإذا ذكر النار طار نومه‪ ,‬رواه ابن أبي‬
‫حاتم‪ .‬وقككوله }والشككمس والقمككر حسككبانًا{ أي يجريككان بحسككاب‬
‫مقنن مقدر‪ ,‬ل يتغير ول يضطرب‪ ,‬بل لكل منهمككا منككازل يسككلكها‬
‫في الصيف والشتاء‪ ,‬فيترتب على ذلك اختلف الليل والنهار طول ً‬
‫وقصرًا‪ ,‬كما قال }هككو الككذي جعككل الشككمس ضككياًء والقمككر نككورا ً‬
‫لية‪ ,‬وكما قال }ل الشمس ينبغككي لهككا أن تككدرك‬ ‫وقدره منازل{ ا َ‬
‫القمككر ول الليككل سككابق النهككار وكككل فككي فلككك يسككبحون{ وقككال‬
‫}والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره{ وقوله }ذلك تقدير‬
‫العزيز العليم{ أي الجميككع جككار بتقككدير العزيككز الككذي ل يمككانع ول‬
‫يخالف‪ ,‬العليم بكل شيء‪ ,‬فل يعككزب عككن علمككه مثقككال ذرة فككي‬
‫الرض ول في السماء‪ ,‬وكثيرا ً ما إذا ذكر اللككه تعككالى خلككق الليككل‬
‫والنهار والشمس والقمر‪ ,‬يختككم الكلم بككالعزة والعلككم‪ ,‬كمككا ذكككر‬
‫لية‪ ,‬وكما في قوله }وآية لهم الليككل نسككلخ منككه النهككار‬ ‫في هذه ا َ‬
‫فإذا هكم مظلمككون * والشككمس تجككري لمسككتقر لهككا ذلككك تقككدير‬
‫العزيزالعليم{ ولما ذكر خلق السككموات والرض ومككا فيهككن‪ ,‬فككي‬
‫أول سككورة حككم السككجدة‪ ,‬قككال }وزينككا السككماء الككدنيا بمصككابيح‬
‫وحفظًا‪ ,‬ذلك تقدير العزيز العليم{ وقوله تعالى‪} :‬وهو الذي جعل‬
‫‪638‬‬
‫لكم النجككوم لتهتككدوا بهككا فككي ظلمككات الككبر والبحككر{ قككال بعككض‬
‫السلف‪ :‬من اعتقد في هذه النجوم غيككر ثلث فقككد أخطككأ وكككذب‬
‫علككى اللككه سككبحانه‪ ,‬أن اللككه جعلهككا زينككة للسككماء ‪ ,‬ورجومككا ً‬
‫للشياطين‪ ,‬ويهتدى بهككا فككي الظلمككات الككبر والبحككر‪ .‬وقككوله }قككد‬
‫ليككات{ أي قككد بيناهككا ووضككحناها }لقككوم يعلمككون{ أي‬ ‫فصككلنا ا َ‬
‫يعقلكككككككون ويعرفكككككككون الحكككككككق‪ ,‬ويتجنبكككككككون الباطكككككككل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫شأ َ‬ ‫** وهُو ال ّذي َ‬

‫سكت َوْد َعٌ قَكد ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سكت ََقّر وَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حكد َةٍ فَ ُ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫كن‬‫ك‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫كم‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ َ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن * وَهُوَ ال ّكذِيَ أن كَز َ‬
‫مككآءً‬ ‫مآِء َ‬ ‫سك َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مك َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َْفَقُهو َ‬ ‫صل َْنا ال ََيا ِ‬‫ّ‬ ‫فَ‬
‫حب ّكا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫من ْك ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خكرِ ُ‬ ‫ضككرا ً ن ّ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْك ُ‬‫جن َككا ِ‬‫خَر ْ‬ ‫يٍء فَأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ت كُ ّ‬ ‫جَنا ب ِهِ ن ََبا َ‬‫خَر ْ‬‫فَأ ْ‬
‫ة وجنككات مك َ‬
‫ب‬ ‫ن أعْن َككا ٍ‬ ‫دان ِي َك ٌ َ َ ّ ٍ ّ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٌ‬‫مككن ط َل ْعِهَككا قِن ْك َ‬ ‫ل ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫كبا ً وَ ِ‬
‫م َ‬ ‫مت ََرا ِ‬‫ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫مَر‬ ‫ذآ أث ْ َ‬ ‫مرِهِ إ ِ َ‬ ‫ى ثَ َ‬ ‫شاب ِهٍ ان ْظُروَا إ ِل ِ َ‬ ‫مت َ َ‬‫شت َِبها وَغَي َْر ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َوالّر ّ‬ ‫َوالّزي ُْتو َ‬
‫ن‬
‫مُنككككككو َ‬ ‫ت ل َّقككككككوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫م ل ََيككككككا ٍ‬ ‫ككككككك ْ‬ ‫ن ِفككككككي ذ َل ِ ُ‬ ‫وَي َن ِْعككككككهِ إ ِ ّ‬
‫يقول تعالى‪} :‬وهو الذي أنشأكم مككن نفككس واحككدة{ يعنككي آدم‬
‫عليه السلم‪ ,‬كما قال }يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من‬
‫نفس واحدة وخلق منها زوجها وبككث منهمككا رجككال ً كككثيرا ً ونسككاًء{‬
‫وقوله }فمستقر ومستودع{ اختلفوا فككي معنككى ذلككك‪ ,‬فعككن ابككن‬
‫مسعود‪ ,‬وابن عباس‪ ,‬وأبي عبد الرحمن السلمي‪ ,‬وقيس بن أبككي‬
‫حازم‪ ,‬ومجاهككد‪ ,‬وعطككاء‪ ,‬وإبراهيككم النخعككي‪ ,‬والضككحاك‪ ,‬وقتككادة‪,‬‬
‫والسككدي‪ ,‬وعطككاء الخراسككاني‪ ,‬وغيرهككم }فمسككتقر{ أي فككي‬
‫الرحام‪ ,‬قالوا أو أكثرهم }ومستودع{ أي في الصلب‪ ,‬وعن ابككن‬
‫مسعود وطائفة عكسه‪ ,‬وعن ابن مسعود أيضا ً وطائفة‪ ,‬فمسككتقر‬
‫في الدنيا‪ ,‬ومستودع حيث يموت‪ ,‬وقال سعيد بن جككبير‪ :‬فمسككتقر‬
‫في الرحككام‪ ,‬وعلككى ظهككر الرض‪ ,‬وحيككث يمككوت‪ ,‬وقككال الحسككن‬
‫البصري‪ :‬المستقر الذي قد مككات‪ ,‬فاسككتقر بككه عملككه‪ ,‬وعككن ابككن‬
‫لخككرة‪ ,‬والقككول الول أظهككر‪ ,‬واللككه‬ ‫مسعود‪ :‬ومستودع في الدار ا َ‬
‫ليككات لقككوم يفقهككون{ أي يفهمككون‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬قككد فصككلنا ا َ‬
‫ويعون كلم اللككه ومعنككاه‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬وهككو الككذي أنككزل مككن‬
‫السماء ماء{ أي بقدر مباركا ً ورزقا ً للعباد وإحيككاء وغياث كا ً للخلئق‪,‬‬
‫رحمككة مككن اللككه بخلقككه }فأخرجنككا بككه نبككات كككل شككيء{ كقككوله‬
‫‪639‬‬
‫}وجعلنا من المككاء ككل شككيء حكي{ }فأخرجنكا منككه خضككرًا{ أي‬
‫زرعا ً وشجرا ً أخضر‪ ,‬ثم بعد ذلك نخلق فيككه الحككب والثمككر‪ ,‬ولهككذا‬
‫قككال تعككالى‪} :‬نخككرج منككه حبكا ً متراكبكًا{ أي يركككب بعضككه بعضكا ً‬
‫كالسنابل ونحوها‪} ,‬ومن النخل من طلعها قنوان{ أي جمككع قنككو‪,‬‬
‫وهي عذوق الرطب }دانيككة{ أي قريبككة مككن المتنككاول‪ ,‬كمككا قككال‬
‫علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس }قنككوان دانيككة{ يعنككي‬
‫بالقنوان الدانية قصار النخل اللصقة عككذوقها بككالرض‪ ,‬رواه ابككن‬
‫جرير‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬وأهل الحجاز يقولون قنككوان‪ ,‬وقيككس يقككول‬
‫قنككككككككككككككوان‪ ,‬قككككككككككككككال امككككككككككككككرؤ القيككككككككككككككس‪:‬‬
‫فكككأّثت أعكككاليه وآدت أصكككولهومال بقنكككوان مكككن البسكككر أحمكككرا‬
‫قال‪ :‬وتميم يقولون قنيان بالياء قككال‪ :‬وهككي جمككع قنككو‪ ,‬كمككا أن‬
‫صنوان جمع صنو‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬وجنات من أعناب{ أي ونخككرج‬
‫منه جنات من أعناب‪ ,‬وهذان النوعان هما أشرف الثمار عند أهككل‬
‫الحجاز‪ ,‬وربما كانا خيار الثمار في الدنيا كما امتن الله بهمككا علككى‬
‫عباده‪ ,‬في قوله تعالى‪} :‬ومن ثمككرات النخيككل والعنككاب تتخككذون‬
‫منه سكرا ً ورزقا ً حسككنًا{ وكككان ذلككك قبككل تحريككم الخمككر‪ ,‬وقككال‬
‫}وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب{ وقوله تعككالى‪} :‬والزيتككون‬
‫والرمان مشتبها ً وغير متشابه{ قككال قتككادة وغيككره‪ :‬متشككابه فككي‬
‫الورق والشكل‪ ,‬قريككب بعضككه مككن بعككض‪ ,‬ومتخككالف فككي الثمككار‬
‫شكل ً وطعما ً وطبعًا‪ ,‬وقوله تعككالى‪} :‬انظككروا إلككى ثمككره إذا أثمككر‬
‫وينعه{ أي نضجه‪ ,‬قاله البراء بن عازب‪ ,‬وابن عبككاس‪ ,‬والضككحاك‪,‬‬
‫وعطاء الخراسككاني‪ ,‬والسككدي‪ ,‬وقتككادة‪ ,‬وغيرهككم‪ ,‬أي فكككروا فككي‬
‫قدرة خالقه من العدم إلى الوجود‪ ,‬بعد أن كان حطبًا‪ ,‬صككار عنبككا ً‬
‫ورطبًا‪ ,‬وغير ذلك مما خلق سبحانه وتعالى‪ ,‬من اللوان والشكال‬
‫والطعوم والروائح‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬وفككي الرض قطككع متجككاورات‬
‫وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صككنوان يسككقى بمكاء‬
‫لية‪ ,‬ولهذا قككال ههنككا‬ ‫واحد ونفضل بعضها على بعض في الكل{ ا َ‬
‫ليات{ أي دللت‪ ,‬على كمال قككدرة‬ ‫}إن في ذلكم{ أيها الناس } َ‬
‫خالق هذه الشياء وحكمته ورحمته }لقوم يؤمنون{ أي يصككدقون‬
‫بككككككككككككككككككككككه ويتبعككككككككككككككككككككككون رسككككككككككككككككككككككله‪.‬‬
‫‪640‬‬
‫ر‬
‫ت ب ِغَي ْك ِ‬
‫ن وَب َن َككا ٍ‬ ‫خَرُقوا ْ ل َ ُ‬
‫ه ب َِنيك َ‬ ‫خل ََقهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ن وَ َ‬‫ج ّ‬‫كآَء ال ْ ِ‬ ‫شَر َ‬‫جعَُلوا ْ لل ّهِ ُ‬
‫** وَ َ‬
‫ن‬
‫صكككككككككُفو َ‬ ‫مكككككككككا ي َ ِ‬ ‫ى عَ ّ‬ ‫َ‬ ‫عْلكككككككككم ٍ ُ‬
‫ه وَت ََعكككككككككال َ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سكككككككككب ْ َ‬ ‫ِ‬
‫هذا رد على المشركين‪ ,‬الذين عبدوا مع الله غيره‪ ,‬وأشركوا بككه‬
‫في عبادته‪ ,‬أن عبككدوا الجككن‪ ,‬فجعلككوهم شككركاء لككه فككي العبككادة‪,‬‬
‫تعالى الله عن شركهم وكفرهم‪ .‬فإن قيل‪ :‬فكيككف عبككدت الجككن‪,‬‬
‫مع أنهم إنما كانوا يعبدون الصنام ؟ فالجواب‪ :‬أنهككم مككا عبككدوها‪,‬‬
‫إل عن طاعة الجن وأمرهم إياهم بذلك‪ ,‬كقككوله }إن يككدعون مككن‬
‫دونككه إل إناث كا ً وإن يككدعون إل شككيطانا ً مريككدا ً * لعنككه اللككه وقككال‬
‫لمرنهككم‬ ‫لتخذن من عبادك نصيبا ً مفروضا ً * ولضلنهم ولمنينهم و َ‬
‫لمرنهككم فليغيككرن خلككق اللككه ومككن يتخككذ‬ ‫فليبتكككن آذان النعككام و َ‬
‫الشيطان وليا ً مككن دون اللككه فقككد خسككر خسككرانا ً مبينكا ً * يعككدهم‬
‫ويمنيهككم ومككا يعككدهم الشككيطان إل غككرورًا{ وكقككوله تعككالى‪:‬‬
‫ليككككككة‪.‬‬ ‫}أفتتخككككككذونه وذريتككككككه أوليككككككاء مككككككن دونككككككي{ ا َ‬
‫وقال إبراهيم لبيه }يا أبت ل تعبد الشككيطان إن الشككيطان كككان‬
‫للرحمن عصيًا{ وكقوله }ألم أعهد إليكم يا بنككي آدم أن ل تعبككدوا‬
‫الشككيطان إنككه لكككم عككدو مككبين * وأن اعبككدوني هككذا صككراط‬
‫مستقيم{ وتقول الملئكة يوم القيامة }سككبحانك أنككت ولينككا مككن‬
‫دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكككثرهم بهككم مؤمنككون{ ولهككذا قككال‬
‫تعالى‪} :‬وجعلككوا للككه شككركاء الجككن وخلقهككم{ أي وخلقهككم‪ ,‬فهككو‬
‫الخالق وحده ل شريك له‪ ,‬فكيف يعبد معه غيككره‪ ,‬كقككول إبراهيككم‬
‫ليككة‪ ,‬أنككه‬ ‫}أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون{ ومعنى ا َ‬
‫سبحانه وتعالى هو المستقل بالخلق وحده‪ ,‬فلهككذا يجككب أن يفككرد‬
‫بالعبادة‪ ,‬وحككده ل شككريك لككه‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬وخرقككوا لككه بنيككن‬
‫وبنات بغير علم{ ينبه به تعالى عن ضكلل مكن ضكل‪ ,‬فكي وصكفه‬
‫تعالى بأن له ولدا ً كما يزعم من قاله من اليهود في عزيككر‪ ,‬ومككن‬
‫قال من النصارى في عيسى‪ ,‬ومن قال من مشركي العككرب فككي‬
‫الملئكة‪ ,‬إنها بنات الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا ً كبيرا ً‬
‫ومعنى وخرقوا أي اختلقوا وائتفكوا وتخرصككوا وكككذبوا‪ ,‬كمككا قككاله‬
‫علماء السلف‪ :‬قال علي بن أبي طلحة عن ابككن عبككاس‪ :‬وخرقككوا‬
‫يعني تخرصوا‪ ,‬وقال العوفي عنه }وخرقككوا لككه بنيككن وبنككات بغيككر‬
‫علم{ قال كذبوا وكذا قال الحسن‪ ,‬وقال الضحاك‪ ,‬وضعوا‪ ,‬وقككال‬
‫السككدي قطعككوا‪ ,‬قككال ابككن جريككر‪ :‬وتككأويله إذا ً وجعلككوا للككه الجككن‬
‫‪641‬‬
‫شركاء في عبادتهم إياهم‪ ,‬وهو المنفككرد بخلقهككم بغيككر شككريك ول‬
‫معين ول ظهير‪} ,‬وخرقوا له بنين وبنات بغيككر علككم{ بحقيقككة مككا‬
‫يقولون‪ ,‬ولكن جهل ً بالله وبعظمته‪ ,‬فإنه ل ينبغي لمككن كككان إله كًا‪,‬‬
‫أن يكون له بنككون وبنككات‪ ,‬ول صككاحبة‪ ,‬ول أن يشككركه فككي خلقككه‬
‫شريك‪ ,‬ولهككذا قككال }سككبحانه وتعككالى عمككا يصككفون{ أي تقككدس‬
‫وتنككزه وتعككاظم‪ ,‬عمككا يصككفه هككؤلء الجهلككة الضككالون‪ ,‬مككن الولد‬
‫والنكككككككككككككككككداد والنظكككككككككككككككككراء والشكككككككككككككككككركاء‪.‬‬
‫َ‬
‫ة‬ ‫حب َ ٌ‬
‫صككا ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن ل ّك ُ‬ ‫ه وَل َد ٌ وَل َ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ى يَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ض أن ّ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬ ‫ديعُ ال ّ‬
‫** ب َ ِ‬
‫م‬
‫يٍء عَِليكككككك ٌ‬ ‫شكككككك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫يٍء وهُككككككوَ ب ِك ُكككككك ّ‬ ‫ل َ‬
‫شكككككك ْ‬ ‫خل َككككككقَ ك ُكككككك ّ‬‫وَ َ‬
‫}بديع السموات والرض{ أي مبككدعهما‪ ,‬وخالقهمككا‪ ,‬ومنشككئهما‪,‬‬
‫ومحدثهما‪ ,‬على غير مثال سبق‪ ,‬كما قال مجاهد والسككدي‪ :‬ومنككه‬
‫سميت البدعة بدعة‪ ,‬لنه ل نظير لها فيما سلف‪} ,‬أنكى يككون لكه‬
‫ولد{ أي كيف يكون ولد‪} ,‬ولم تكن له صككاحبة{‪ ,‬أي والولككد إنمككا‬
‫يكككون متولككدا ً بيككن شككيئين متناسككبين‪ ,‬واللككه تعككالى ل يناسككبه ول‬
‫يشابهه شيء من خلقه‪ ,‬لنه خالق كككل شككيء‪ ,‬فل صككاحبة لككه ول‬
‫ولد‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬وقالوا اتخذ الرحمن ولككدا ً لقككد جئتككم شككيئا ً‬
‫دا{ إلى قوله }وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا{ }وخلق كككل شككيء‬ ‫إ ّ‬
‫وهو بكل شيء عليم{ فبين تعالى أنه الذي خلق كل شككيء‪ ,‬وأنككه‬
‫بكل شيء عليم‪ ,‬فكيف يكون له صاحبة مككن خلقككه تناسككبه‪ ,‬وهككو‬
‫الذي ل نظير له‪ ,‬فأنى يكون له ولد‪ ,‬تعككالى اللككه عككن ذلككك علككوا ً‬
‫ككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككبيرًا‪.‬‬
‫و‬ ‫يٍء َفاعْب ُك ُ‬

‫دوهُ وَهُ ك َ‬ ‫شك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خككال ِقُ ك ُك ّ‬‫ه إ ِل ّ هُوَ َ‬ ‫م ل إ َِلـ َ‬
‫ه َرب ّك ُ ْ‬‫م الل ّ ُ‬‫** ذ َل ِك ُ ُ‬
‫و‬
‫صككاَر وَهُك َ‬‫ك الب ْ َ‬ ‫صاُر وَهُوَ ي ُكد ْرِ ُ‬‫ه الب ْ َ‬ ‫ل * ل ّ ت ُد ْرِك ُ ُ‬ ‫كي ٌ‬
‫يٍء وَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ى كُ ّ‬ ‫َ‬
‫عَل َ‬
‫خِبيككككككككككككككككككككككككككككككككككُر‬ ‫ف ال ْ َ‬‫طيكككككككككككككككككككككككككككككككككك ُ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫يقول تعالى‪} :‬ذلكم الله ربكم{ أي الككذي خلككق كككل شككيء‪ ,‬ول‬
‫ولد له ول صاحبة }ل إلككه إل هككو خككالق كككل شككيء فاعبككدوه{ أي‬
‫فاعبدوه وحده‪ ,‬ل شريك له‪ ,‬وأقروا له بالواحدنية‪ ,‬وأنككه ل إلككه إل‬
‫هو‪ ,‬وأنه ل ولككد لككه‪ ,‬ول والككد ول صككاحبة لككه‪ ,‬ول نظيككر ول عككديل‬
‫}وهو علكى ككل شككيء وكيككل{ أي حفيككظ ورقيككب‪ ,‬يكدبر كككل مككا‬
‫‪642‬‬
‫سككواه‪ ,‬ويرزقهككم ويكلككؤهم بالليككل والنهككار‪ ,‬وقككوله }ل تككدركه‬
‫البصار{ فيككه أقككوال للئمككة مككن السككلف )أحككدها( ل تككدركه فككي‬
‫الدنيا‪ ,‬وإن كانت تراه في ا َ‬
‫لخككرة‪ ,‬كمككا تككواترت بككه الخبككار‪ ,‬عككن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬من غير مكا طريكق ثكابت‪ ,‬فكي‬
‫الصحاح والمسانيد والسنن‪ ,‬كما قككال مسككروق عككن عائشككة أنهككا‬
‫قالت‪ :‬من زعم أن محمدا ً أبصر ربه فقد كذب‪ ,‬وفي روايككة علككى‬
‫الله‪ ,‬فإن الله تعالى قال‪} :‬ل تدركه البصار وهو يككدرك البصككار{‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪ :‬من حديث أبي بكر بن عياش‪ ,‬عن عاصم بككن‬
‫أبي النجود‪ ,‬عن أبي الضحى‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬ورواه غير واحككد عككن‬
‫مسروق‪ ,‬وثبت في الصككحيح وغيككره عككن عائشككة مككن غيككر وجككه‪,‬‬
‫وخالفها ابن عبككاس‪ ,‬فعنككه‪ :‬إطلق الرؤيككة‪ ,‬وعنككه أنككه رآه بفككؤاده‬
‫مرتيككن‪ ,‬والمسككألة تككذكر فككي أول سككورة النجككم إن شككاء اللككه‪.‬‬
‫وقال ابن أبكي حكاتم‪ :‬ذكككر محمككد بككن مسكلم‪ ,‬حككدثنا أحمككد بكن‬
‫إبراهيم الدورقي‪ ,‬حدثنا يحيى بن معين‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت إسككماعيل‬
‫بن علية يقول في قول الله تعالى‪} :‬ل تدركه البصكار{ قكال هكذا‬
‫في الدنيا‪ ,‬وذكر أبي عن هشام بن عبيد الله‪ ,‬أنه قككال نحككو ذلككك‪.‬‬
‫وقال آخرون }ل تدركه البصككار{ أي جميعهككا وهككذا مخصككص بمككا‬
‫لخكرة‪ ,‬وقكال آخكرون مكن‬ ‫ثبت من رؤية المؤمنين له فكي الكدار ا َ‬
‫لية‪ ,‬أنه ل يرى فككي الككدنيا‬‫المعتزلة‪ ,‬بمقتضى ما فهموه من هذه ا َ‬
‫لخرة‪ ,‬فخالفوا أهل السككنة والجماعككة فككي ذلككك‪ ,‬مككع مككا‬ ‫ول في ا َ‬
‫ارتكبوه من الجهل‪ ,‬بما دل عليككه كتككاب اللككه وسككنة رسككوله‪ .‬أمككا‬
‫الكتاب‪ ,‬فقوله تعككالى‪} :‬وجكوه يككومئذ ناضكرة إلككى ربهكا نكاظرة{‬
‫وقال تعالى عن الكافرين‪} :‬كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون{‬
‫قال المام الشافعي‪ :‬فدل هذا‪ ,‬على أن المؤمنين ل يحجبون عنه‬
‫تبارك وتعالى‪ .‬أما السكنة‪ ,‬فقكد تكواترت الخبكار عكن أبكي سكعيد‪,‬‬
‫وأبككي هريككرة‪ ,‬وأنككس‪ ,‬وجريككج‪ ,‬وصككهيب‪ ,‬وبلل وغيككر واحككد مككن‬
‫الصحابة‪ ,‬عن النبي صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬أن المككؤمنين يككرون‬
‫لخرة‪ ,‬في العرصات وفي روضات الجنككات‪ ,‬جعلنككا‬ ‫الله في الدار ا َ‬
‫اللكككككككه تعكككككككالى منهكككككككم بمنكككككككه وكرمكككككككه آميكككككككن‪.‬‬
‫وقيل المراد بقككوله }ل تككدركه البصككار{ أي العقككول‪ ,‬رواه ابككن‬
‫أبي حاتم عن علي بن الحسين‪ ,‬عن الفلس‪ ,‬عن ابن مهدي‪ ,‬عككن‬
‫أبي حصين يحيى بن الحصين‪ ,‬قارى أهل مكة‪ ,‬أنه قال ذلك‪ ,‬وهذا‬
‫‪643‬‬
‫لية‪ ,‬وكأنه اعتقد أن الدراك في معنى‬ ‫غريب جدًا‪ ,‬وخلف ظاهر ا َ‬
‫الرؤية‪ ,‬واللكه أعلكم‪ .‬وقكال آخكرون‪ :‬ل منافكاة بيكن إثبكات الرؤيكة‬
‫ونفي الدراك‪ ,‬فإن الدراك أخص من الرؤيككة‪ ,‬ول يلككزم مككن نفككي‬
‫الخص انتفاء العم‪ .‬ثم اختلف هؤلء في الدراك المنفي ما هو ؟‬
‫فقيكككل معرفكككة الحقيقكككة‪ ,‬فكككإن هكككذا ل يعلمكككه إل ّ هكككو‪ ,‬وإن رآه‬
‫المؤمنون‪ ,‬كما أن من رأى القمككر‪ ,‬فككإنه ل يككدرك حقيقتككه وكنهككه‬
‫وماهيته‪ ,‬فالعظيم أولى بذلك‪ ,‬وله المثل العلككى‪ .‬قككال ابككن عليككة‬
‫ليككككة‪ :‬هككككذا فككككي الككككدنيا رواه ابككككن أبككككي حككككاتم‪.‬‬ ‫فككككي ا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬الدراك أخص من الرؤية‪ ,‬وهو الحاطككة‪ ,‬ول يلككزم‬
‫من عدم الحاطة عدم الرؤية‪ ,‬كما ل يلزم من عدم إحاطة العلككم‬
‫عدم العلككم‪ ,‬قككال تعككالى‪} :‬ول يحيطككون بككه علمكًا{ وفككي صككحيح‬
‫مسلم »ل أحصي ثناء عليككك‪ ,‬أنككت كمككا أثنيككت علككى نفسككك« ول‬
‫يلزم منه عدم الثناء فكذلك هذا‪ .‬قال العوفي عن ابن عباس فككي‬
‫قوله تعالى‪} :‬ل تدركه البصار وهو يدرك البصار{ قككال ل يحيككط‬
‫بصر أحد بالملك‪ ,‬وقال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككو زرعككة‪ ,‬حككدثنا‬
‫عمرو بن حماد بن طلحة القناد‪ ,‬حدثنا أسككباط‪ ,‬عككن سككماك‪ ,‬عككن‬
‫عكرمة‪ ,‬أنه قيل له }ل تدركه البصار{ قال ألست ترى السماء ؟‬
‫قال بلى‪ ,‬قال فكلها ترى‪ ,‬وقال سعيد بن أبككي عروبككة عككن قتككادة‬
‫لية }ل تدركه البصار وهو يدرك البصككار{ وهككو أعظككم مككن‬ ‫في ا َ‬
‫أن تكككككككككككككككككككككككككككككككككدركه البصكككككككككككككككككككككككككككككككككار‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا سعد بن عبد الله بكن عبكد الحككم‪ ,‬حكدثنا‬
‫خالد بن عبد الرحمن‪ ,‬حدثنا أبو عرفجة‪ ,‬عن عطيككة العككوفي فككي‬
‫قوله تعالى‪} :‬وجككوه يككومئذ ناضككرة إلككى ربهككا نككاظرة{ قككال هككم‬
‫ينظرون إلى اللككه‪ ,‬ل تحيككط أبصككارهم بككه‪ ,‬مككن عظمتككه‪ ,‬وبصككره‬
‫محيط بهم‪ ,‬فذلك قوله }ل تككدركه البصككار وهككو يككدرك البصككار{‬
‫لية حديث رواه ابن أبي حاتم ههنا‪ ,‬فقككال‪:‬‬ ‫وورد في تفسير هذه ا َ‬
‫حدثنا أبو زرعة‪ ,‬حدثنا منجاب بن الحارث السهمي‪ ,‬حدثنا بشر بن‬
‫عمارة‪ ,‬عن أبي روق‪ ,‬عن عطية العوفي‪ ,‬عن أبي سعيد الخدري‪,‬‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله }ل تدركه البصار‬
‫وهككو يككدرك البصككار{ قككال »لككو أن الجككن والنككس والشككياطين‬
‫والملئكة منذ خلقوا إلى أن فنوا‪ ,‬صفوا صككفا ً واحككدًا‪ ,‬مككا أحككاطوا‬
‫‪644‬‬
‫بالله أبدًا« غريب ل يعرف إل من هذا الوجه‪ ,‬ولم يككروه أحككد مككن‬
‫أصكككككككككحاب الكتكككككككككب السكككككككككتة‪ ,‬واللكككككككككه أعلكككككككككم‪.‬‬
‫لية بما رواه الترمذي في جككامعه‪ ,‬وابككن أبككي‬ ‫وقال آخرون في ا َ‬
‫عاصم في كتاب السنة له‪ ,‬وابككن أبككي حككاتم فككي تفسككيره‪ ,‬وابككن‬
‫مردويه أيضًا‪ ,‬والحاكم في مستدركه‪ ,‬من حديث الحكم بككن أبككان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت عكرمة يقول‪ :‬سمعت ابن عباس يقول‪ :‬رأى محمككد‬
‫ربه تبارك وتعالى‪ ,‬فقلت‪ :‬أليككس اللككه يقككول‪} :‬ل تككدركه البصككار‬
‫لية‪ ,‬فقال لي‪ :‬ل أم لك‪ ,‬ذلك نوره‪ ,‬الذي هو‬ ‫وهو يدرك البصار{ ا َ‬
‫نككوره‪ ,‬إذا تجلكى بنكوره ل يكدركه شككيء‪ ,‬وفكي روايككة ل يقكوم لكه‬
‫شيء‪ ,‬قال الحاكم‪ :‬صكحيح علكى شكرط الشكيخين ولكم يخرجكاه‪,‬‬
‫وفي معنى هذا المر‪ ,‬مكا ثبكت فكي الصكحيحين‪ ,‬مكن حكديث أبكي‬
‫موسكى الشكعري رضكي اللكه عنكه مرفوعكا ً »إن اللكه ل ينكام ول‬
‫ينبغي له أن ينام‪ ,‬يخفض القسط ويرفعه‪ ,‬يرفع إليككه عمككل النهككار‬
‫قبل الليل‪ ,‬وعمل الليل قبل النهار‪ ,‬حجككابه النككور كك أو النككار كك لككو‬
‫كشفه‪ ,‬لحرقت سبحات وجهه ما انتهككى إليككه بصككره مككن خلقككه«‬
‫وفككي الكتككب المتقدمككة‪ :‬إن اللكه تعككالى قككال لموسككى لمككا سككأل‬
‫الرؤية‪ :‬يا موسى إنه ل يراني حي إل مككات‪ ,‬ول يككابس إل تدهككده‪,‬‬
‫أي تدعثر‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬فلما تجلى ربككه للجبككل جعلككه دك كا ً وخككر‬
‫موسككى صككعقا ً فلمككا أفككاق قككال سككبحانك تبككت إليككك وأنككا أول‬
‫المؤمنين{ ونفي هككذا الثككر الدراك الخككاص ل ينفككي الرؤيككة يككوم‬
‫القيامة لعباده المؤمنين كما يشاء‪ ,‬فأما جللككه وعظمتككه علككى مككا‬
‫هككككو عليككككه‪ ,‬تعككككالى وتقككككدس وتنككككزه‪ ,‬فل تككككدركه البصككككار‪.‬‬
‫ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي اللككه عنهككا‪ ,‬تثبككت الرؤيككة‬
‫ليككة }ل تككدركه‬ ‫لخرة‪ ,‬وتنفيها في الدنيا‪ ,‬وتحتككج بهككذه ا َ‬ ‫في الدار ا َ‬
‫البصار وهو يدرك البصار{ فالذي نفته الدراك‪ ,‬الذي هككو بمعنككى‬
‫رؤية العظمة والجلل‪ ,‬على ما هككو عليككه‪ ,‬فككإن ذلككك غيككر ممكككن‬
‫للبشر‪ ,‬ول للملئكة‪ ,‬ول لشيء‪ ,‬وقوله }وهككو يككدرك البصككار{ أي‬
‫يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه‪ ,‬لنه خلقها‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪:‬‬
‫}أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير{ وقد يكون عككبر بالبصككار‬
‫عن المبصرين‪ ,‬كما قال السدي‪ :‬في قوله }ل تدركه البصار وهو‬
‫يدرك البصار{ ل يراه شيء‪ ,‬وهو يرى الخلئق‪ ,‬وقال أبككو العاليككة‬
‫في قوله تعالى }وهو اللطيف الخبير{ قال اللطيف لسككتخراجها‪,‬‬
‫‪645‬‬
‫الخككبير بمكانهككا‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬وهككذا كمككا قككال تعككالى إخبككارا ً عككن‬
‫لقمان‪ ,‬فيما وعظ به ابنه }يككا بنككي إنهككا إن تككك مثقككال حبككة مككن‬
‫خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو فككي الرض يككأت بهككا‬
‫اللككككككككككككككه إن اللككككككككككككككه لطيككككككككككككككف خككككككككككككككبير{‬
‫** قَد جآَءك ُم بصآئ ِر مككن ربك ُكم فَمك َ‬

‫ي‬‫مك َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫مك ْ‬ ‫سكهِ وَ َ‬ ‫صكَر فَل ِن َْف ِ‬
‫ن أب ْ َ‬ ‫ّ ّ ْ َ ْ‬ ‫ْ َ َ ُ ِ‬ ‫ْ َ‬
‫ت وَل ِي َُقول ُككوا ْ‬ ‫َ‬
‫ف ال َي َككا ِ‬ ‫صكّر ُ‬ ‫ك نُ َ‬‫ظ * وَك َكذ َل ِ َ‬ ‫حِفيك ٍ‬‫م بِ َ‬ ‫مآ أن َا ْ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫فَعَل َي َْها وَ َ‬
‫ن‬
‫مكككككككككككككو َ‬ ‫ه ل َِقكككككككككككككوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ت وَل ِن ُب َي َّنككككككككككككك ُ‬ ‫سككككككككككككك َ‬ ‫د ََر ْ‬
‫البصائر هي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن‪ ,‬وما جككاء‬
‫به رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم }فمكن أبصكر فلنفسكه{‬
‫كقوله }فمن اهتدى فإنما يهتككدي لنفسككه ومككن ضككل فإنمككا يضككل‬
‫عليها{ ولهذا قال }ومككن عمككي فعليهككا{ لمككا ذكككر البصككائر‪ ,‬قككال‬
‫}ومن عمي فعليها{ أي إنمككا يعككود وبككاله عليككه‪ ,‬كقككوله }فإنهككا ل‬
‫تعمى البصار ولكن تعمى القلوب الككتي فككي الصككدور{ }ومككا أنككا‬
‫عليكم بحفيظ{ أي بحافظ ول رقيب‪ ,‬بل أنا مبلغ‪ ,‬والله يهدي من‬
‫ليككات{ أي وكمككا‬ ‫يشاء ويضل من يشاء‪ ,‬وقوله }وكذلك نصككرف ا َ‬
‫ليات في هذه السورة‪ ,‬من بيككان التوحيككد‪ ,‬وأنككه ل إلككه إل‬ ‫فصلنا ا َ‬
‫ليات ونفسرها ونبينهككا فككي كككل مككوطن لجهالككة‬ ‫هو‪ ,‬هكذا نوضح ا َ‬
‫الجاهلين‪ ,‬وليقول المشركون والكككافرون المكككذبون‪ ,‬دارسككت يككا‬
‫محمد من قبلك‪ ,‬من أهل الكتاب وقارأتهم‪ ,‬وتعلمت منهككم‪ ,‬هكككذا‬
‫قاله ابن عباس‪ ,‬ومجاهد‪ ,‬وسعيد بككن جككبير‪ ,‬والضككحاك‪ ,‬وغيرهككم‪,‬‬
‫وقال الطبراني‪ :‬حدثنا عبد الله بن أحمد‪ ,‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا سفيان‬
‫بن عيينة‪ ,‬عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن عمرو بن كيسان‪ ,‬قال سككمعت‬
‫ابن عباس يقول‪ :‬دارست‪ :‬تلوت‪ ,‬خاصمت‪ ,‬جادلت‪ ,‬وهككذا كقككوله‬
‫تعالى إخبارا ً عن كذبهم وعنادهم‪} ,‬وقال الذين كفككروا إن هككذا إل‬
‫إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما ً وزورا وقالوا‬
‫لية‪ ,‬وقككال تعككالى إخبككارا ً عككن زعيمهككم‬ ‫أساطير الولين اكتتبها{ ا َ‬
‫در‪ ,‬فقتل كيف قدر ثم قتككل كيككف قككدر‪ ,‬ثككم‬ ‫وكاذبهم }إنه فكر وق ّ‬
‫نظر ثم عبس وبسر‪ ,‬ثككم أدبككر واسككتكبر‪ ,‬فقككال إن هككذا إل سككحر‬
‫يؤثر‪ ,‬إن هذا إل قول البشر{‪ ,‬وقوله }ولنبينه لقككوم يعلمككون{ أي‬
‫ولنوضحه لقوم يعلمون الحق فيتبعككونه والباطككل فيجتنبككونه فللككه‬
‫‪646‬‬
‫تعالى الحكمة البالغة في إضلل أولئك وبيان الحق لهككؤلء كقككوله‬
‫لية‪ ,‬وكقوله }ليجعل مككا‬ ‫تعالى‪} :‬يضل به كثيرا ً ويهدي به كثيرًا{ ا َ‬
‫يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسككية قلككوبهم{‬
‫}وإن الله لهاد الذين آمنوا إلككى صككراط مسككتقيم{ وقككال تعككالى‪:‬‬
‫}وما جعلنككا أصككحاب النككار إل ملئكككة ومككا جعلنككا عككدتهم إل فتنككة‬
‫للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ً‬
‫ول يرتاب الذين أتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم‬
‫مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثل ً * كككذلك يضككل اللككه مككن‬
‫يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إل هو { وقككال }ونككزل‬
‫من القرآن ما هو شفاء ورحمككة للمككؤمنين ول يزيككد الظككالمين إل‬
‫خسارًا{ وقال تعالى‪} :‬قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والككذين ل‬
‫يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون مككن مكككان‬
‫ليات الدالة‪ ,‬على أنه تعالى أنزل القرآن‬ ‫بعيد{ إلى غير ذلك من ا َ‬
‫هككدى للمتقيككن‪ ,‬وأنككه يضككل بككه مككن يشككاء‪ ,‬ويهككدي مككن يشككاء‪.‬‬
‫ليات وليقولوا دارست ولنككبينه‬ ‫ولهذا قال ههنا }وكذلك نصرف ا َ‬
‫ت{ قال التميمي عن‬ ‫س َ‬
‫لقوم يعلمون{ وقرأ بعضهم }وليقولوا د ََر ْ‬
‫ابككن عبككاس‪ :‬درسككت أي قككرأت وتعلمككت‪ ,‬وكككذا قككال مجاهككد‪,‬‬
‫والسدي‪ ,‬والضحاك‪ ,‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ ,‬وغيككر واحككد‪,‬‬
‫ت{‬ ‫سك ْ‬‫وقال عبد الرزاق‪ :‬عن معمككر‪ ,‬قككال الحسككن }وليقولككوا د ََر َ‬
‫يقول تقادمت وانمحت‪ ,‬وقال عبد الرزاق أيضا ً ‪ :‬أنبأنا ابككن عيينككة‪,‬‬
‫عن عمرو بن دينار‪ ,‬سمعت ابن الزبير يقككول‪ :‬إن صككبيانا ً يقككرأون‬
‫ت‪ ,‬وقال شعبة‪ :‬حككدثنا أبككو إسككحاق‬ ‫س َ‬
‫ت‪ ,‬وإنما هي د ََر ْ‬
‫س ْ‬
‫ها هنا د ََر َ‬
‫ت‪ ,‬يعنككي بغيككر‬ ‫سك ْ‬
‫الهمداني قال‪ :‬هي في قككراءة ابككن مسككعود د ََر َ‬
‫ألف‪ ,‬بنصب السين ووقككف علككى التككاء‪ ,‬قككال ابككن جريككر‪ :‬ومعنككاه‬
‫انمحت وتقادمت‪ ,‬أي أن هذا الذي تتلوه علينا‪ ,‬قككد مككر بنككا قككديما ً‬
‫وتطاولت مدته‪ ,‬وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتككادة‪ ,‬أنككه قرأهككا‬
‫ت‪,‬‬ ‫ت قُ ِ‬
‫رأ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ت‪ ,‬أي ُقرأت وت ُِعلمت‪ ,‬وقال معمر عن قتادة‪ :‬د ُرِ َ‬ ‫س ْ‬‫د ُرِ َ‬
‫وفي حرف ابكن مسكعود‪ :‬درس‪ ,‬وقكال عبيكد القاسكم بككن سككلم‪:‬‬
‫حدثنا حجاج‪ ,‬عن هارون‪ ,‬قال‪ :‬هي في حرف أبي بن كعب‪ ,‬وابككن‬
‫مسعود وليقولوا درس‪ ,‬قال يعنون النبي صكلى اللكه عليككه وسكلم‬
‫أنه قرأ‪ ,‬وهذا غريب‪ ,‬فقد روي عن أبي بن كعب خلف هذا‪ :‬قككال‬
‫أبو بكر بن مردويككه‪ :‬حككدثنا محمككد بككن أحمككد بككن إبراهيككم‪ ,‬حككدثنا‬
‫‪647‬‬
‫الحسن بن ليث‪ ,‬حدثنا أبو سلمة‪ ,‬حدثنا أحمد بن أبي بزة المككي‪,‬‬
‫حدثنا وهب بن زمعة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن حميد العرج‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬عن أبي بن كعب‪ ,‬قال‪ :‬أقرأني رسول الله صلى اللككه‬
‫ت{ ورواه الحاكم في مسككتدركه مككن‬ ‫س َ‬
‫عليه وسلم }وليقولوا د ََر ْ‬
‫حديث وهب بن زمعة‪ ,‬وقال‪ :‬يعني بجزم السين ونصب التككاء‪ ,‬ثككم‬
‫قككككككككككال صككككككككككحيح السككككككككككناد ولككككككككككم يخرجككككككككككاه‪.‬‬
‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫ك ل إَلـ كه إل ّ هُ كو وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫كن‬‫ك‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫** اتب كع مككآ ُ‬
‫أو‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ْ َ‬
‫حِفيظككا ً‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫كوا ْ وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫مآ أ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫شآَء الل ّ ُ‬ ‫ن * وَل َوْ َ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫كيككككككككككككككك ٍ‬ ‫ت عَل َي ِْهكككككككككككككككم ب ِوَ ِ‬ ‫مكككككككككككككككآ أنككككككككككككككك َ‬ ‫وَ َ‬
‫يقول تعالى آمككرا لرسككوله صككلى اللككه عليككه وسككلم ولمككن اتبككع‬
‫طريقته }اتبع ما أوحي إليك من ربك{ اي اقتككد بكه واقتككف أثككره‪,‬‬
‫واعمل به‪ ,‬فإن ما أوحي إليك من ربك هككو الحككق‪ ,‬الككذي ل مريككة‬
‫فيه‪ ,‬لنه ل إله إل هو }وأعرض عن المشككركين{ أي اعككف عنهككم‬
‫واصفح واحتمل أذاهم‪ ,‬حككتى يفتككح اللككه لككك‪ ,‬وينصككرك ويظفككرك‬
‫عليهم‪ ,‬واعلم أن للككه حكمككة فككي إضككللهم‪ ,‬فككإنه لككو شككاء لهككدى‬
‫الناس جميعًا‪ ,‬ولو شاء لجمعهم علكى الهككدى }ولكو شككاء اللكه مككا‬
‫أشركوا{ أي بل له المشككيئة والحكمككة‪ ,‬فيمككا يشككاؤه ويختككاره‪ ,‬ل‬
‫يسأل عما يفعل‪ ,‬وهم يسألون‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬وما جعلناك عليهم‬
‫حفيظًا{ أي حافظًا‪ ,‬تحفظ أقكوالهم وأعمكالهم }ومكا أنكت عليهكم‬
‫بوكيل{ أي موكل على أرزاقهم وأمورهم إن عليككك إل البلغ كمككا‬
‫قال تعالى‪} :‬فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصككيطر{ وقككال‬
‫}إنمكككككككككككا عليكككككككككككك البلغ وعلينكككككككككككا الحسكككككككككككاب{‪.‬‬
‫دوا ً ب ِغَي ْك ِ‬
‫ر‬ ‫ه عَك ْ‬ ‫سكّبوا ْ الل ّك َ‬
‫ن الل ّهِ فَي َ ُ‬‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬‫ن ي َد ْ ُ‬
‫ذي َ‬‫سّبوا ْ ال ّ ِ‬
‫ك زينا ل ِك ُ ّ ُ‬
‫** وَل َ ت َ ُ‬
‫ما‬
‫م بِ َ‬ ‫م فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬
‫جعُهُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ى َرب ّهِ ْ‬ ‫م ثُ ّ َ‬ ‫مل َهُ ْ‬ ‫عل ْم ٍ ك َذ َل ِ َ َ ّ ّ‬
‫م إ ِل َ‬ ‫مةٍ عَ َ‬‫لأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫مُلكككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫ككككككككككككككككككككككككككككككككككككاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫َ‬
‫يقول الله تعالى ناهيا ً لرسوله صلى الله عليه وسلم والمككؤمنين‬
‫ب آلهة المشركين‪ ,‬وإن كككان فيككه مصككلحة‪ ,‬إل أنككه يككترتب‬ ‫عن س ّ‬
‫ب إلكه‬ ‫عليككه مفسكدة أعظكم منهككا‪ ,‬وهكي مقابلكة المشككركين بسك ّ‬
‫المؤمنين‪ ,‬وهو الله ل إله إل هو كما قال علي بن أبي طلحككة عككن‬
‫‪648‬‬
‫لية‪ :‬قالوا‪ :‬يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنككا‪,‬‬ ‫ابن عباس في هذه ا َ‬
‫أو لنهجون ربك‪ ,‬فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم }فيسبوا الله عدوا ً‬
‫بغيككر علككم{ وقككال عبككد الككرزاق عككن معمككر‪ ,‬عككن قتككادة‪ :‬كككان‬
‫المسلمون يسبون أصنام الكفار‪ ,‬فيسب الكفككار اللككه عككدوا ً بغيككر‬
‫علم‪ ,‬فأنزل الله }ول تسبوا الذين يككدعون مككن دون اللككه{ وروى‬
‫ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنه قككال فككي تفسككيره هككذه‬
‫لية لما حضر أبا طالب الموت‪ :‬قالت قريككش‪ :‬انطلقككوا فلنككدخل‬ ‫ا َ‬
‫على هذا الرجل‪ ,‬فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه‪ ,‬فإنككا نسككتحي أن‬
‫نقتله بعد موته‪ ,‬فتقككول العككرب‪ :‬كككان يمنعككه‪ ,‬فلمككا مككات قتلككوه‪.‬‬
‫فانطلق أبو سفيان‪ ,‬وأبو جهل‪ ,‬والنضر بن الحارث‪ ,‬وأمية وأبككي‬
‫ابنا خلف‪ ,‬وعقبة بن أبي معيط‪ ,‬وعمرو بن العككاص‪ ,‬والسككود بككن‬
‫البختري‪ ,‬وبعثوا رجل ً منهم يقال له المطلككب‪ ,‬قككالوا‪ :‬اسككتأذن لنككا‬
‫على أبي طالب‪ ,‬فككأتى أبككا طككالب فقككال‪ :‬هككؤلء مشككيخة قومككك‪,‬‬
‫يريدون الدخول عليك‪ ,‬فأذن لهم عليه‪ ,‬فدخلوا عليه‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أبا‬
‫طالب أنت كبيرنا وسيدنا‪ ,‬وإن محمدا ً قد آذانا وآذى آلهتنا‪ ,‬فنحككب‬
‫أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا‪ ,‬ولندعه وإلهه‪ ,‬فدعاه فجاء النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقككال لككه أبككو طككالب‪ :‬هككؤلء قومككك وبنككو‬
‫عمك‪ ,‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »مككا تريككدون ؟«‬
‫قالوا‪ :‬نريد أن تدعنا وآلهتنا‪ ,‬ولنككدعك وإلهككك‪ ,‬فقككال النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم »أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطككي كلمككة‪,‬‬
‫إن تكلمتم بها ملكتم العرب‪ ,‬ودانت لكككم بهككا العجككم‪ ,‬وأدت لكككم‬
‫الخراج« قال أبو جهل‪ :‬وأبيككك لنعطينكهككا وعشككرة أمثالهككا قككالوا‪:‬‬
‫فما هي ؟ قال قولوا »ل إله إل اللككه« فككأبوا واشككمأزوا‪ ,‬قككال أبككو‬
‫طالب‪ :‬يا ابن أخي قل غيرها‪ ,‬فإن قومك قد فزعوا منها‪ ,‬قال »يا‬
‫عم ما أنا بالذي يقول غيرها‪ ,‬حتى يككأتوا بالشككمس فيضككعوها فككي‬
‫يدي‪ ,‬ولوأتوا بالشمس فوضعوها في يدي‪ ,‬ما قلكت غيرهككا« إرادة‬
‫أن يؤيسهم فغضبوا‪ ,‬وقالوا‪ :‬لتكفن عككن شككتم آلهتنككا أو لنشككتمنك‬
‫ونشتمن من يأمرك‪ ,‬فذلك قوله }فيسبوا الله عككدوا ً بغيككر علككم{‬
‫ومن هذا القبيل‪ ,‬وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها‪ ,‬مككا جككاء‬
‫في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسككلم قككال »ملعككون‬
‫مككن سككب والككديه« قككالوا‪ :‬يككا رسككول اللككه وكيككف يسككب الرجككل‬
‫والديه ؟ قال »يسب أبا الرجل فيسككب أبككاه ويسككب أمككه فيسككب‬
‫‪649‬‬
‫أمه{ أو كما قال صلى الله عليه وسلم وقككوله }كككذلك زينككا لكككل‬
‫مة عملهم{ أي وكما زينا لهؤلء القوم حب أصنامهم‪ ,‬والمحامككاة‬ ‫أ ّ‬
‫لها والنتصار‪ ,‬كذلك زينا لكل أمة من المم الخالية علككى الضككلل‬
‫عملهم الذي كانوا فيه‪ ,‬ولله الحجة البالغة‪ ,‬والحكمة التامككة‪ ,‬فيمككا‬
‫يشاؤه ويختاره }ثم إلى ربهم مرجعهككم{ أي معككادهم ومصككيرهم‬
‫}فينبئهم بما كانوا يعملون{ أي يجازيهم بأعمالهم‪ ,‬إن خيرا ً فخي كٌر‬
‫وإن شككككككككككككككككككككككككككككككككككرا ً فشككككككككككككككككككككككككككككككككككٌر‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ل إ ِن ّ َ‬‫ن ب َِها قُ ْ‬ ‫ة ل ّي ُؤْ ِ‬
‫من ُ ّ‬ ‫م آي َ ٌ‬‫جآَءت ْهُ ْ‬ ‫م ل َِئن َ‬ ‫مان ِهِ ْ‬‫جهْد َ أي ْ َ‬ ‫موا ْ ِبالل ّهِ َ‬ ‫** وَأقْ َ‬
‫س ُ‬
‫ب‬‫ن * وَن َُقل ّك ُ‬ ‫من ُككو َ‬ ‫ت ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫جككآَء ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م أ َن َّهآ إ ِ َ‬‫شعُِرك ُ ْ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫عند َ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ال ََيا ُ‬
‫م فِككي‬ ‫م كّرةٍ وَن َكذ َُرهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫من ُككوا ْ ب ِكهِ أ َوّ َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫مككا ل َك ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫صككاَرهُ ْ‬
‫َ‬
‫م وَأب ْ َ‬
‫َ‬
‫أفْئ ِد َت َهُ ك ْ‬
‫ن‬‫مُهكككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ط ُغْي َكككككككككككككككككككككككككككككككككان ِهِ ْ‬
‫يقول تعككالى إخبككارا ً عككن المشككركين‪ ,‬أنهككم أقسككموا بككالله جهككد‬
‫أيمانهم‪ ,‬أي حلفوا أيمان كا ً مؤكككدة }لئن جككاءتهم آيككة{ أي معجككزة‬
‫ليات عند الله{ أي‬ ‫وخارقة }ليؤمنن بها{ أي ليصدقنها }قل إنما ا َ‬
‫ليات‪ ,‬تعنتا ً وكفككرا ً وعنككادًا‪ ,‬ل‬ ‫قل‪ :‬يا محمد هؤلء الذين يسألونك ا َ‬
‫ليككات إلككى اللككه‪,‬‬ ‫على سبيل الهدى والسترشاد‪ ,‬إنما مرجع هذه ا َ‬
‫إن شاء جاءكم بها‪ ,‬وإن شاء ترككم‪ ,‬قال ابن جريككر‪ :‬حككدثنا هنككاد‪,‬‬
‫حدثنا يونس بككن بكيككر‪ ,‬حككدثنا أبككو معشككر‪ ,‬عككن محمككد بككن كعككب‬
‫القرظي‪ ,‬قال‪ :‬كلم رسول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم قريكش‪,‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا محمككد تخبرنككا أن موسككى كككان معككه عصككا يضككرب بهككا‬
‫الحجر‪ ,‬فانفجرت منه اثنتا عشرة عين كًا‪ ,‬وتخبرنككا أن عيسككى كككان‬
‫ليكات‬ ‫يحيي الموتى‪ ,‬وتخبرنا أن ثمود ككان لهكم ناقكة‪ ,‬فآتنكا مكن ا َ‬
‫حتى نصدقك‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم »أي شككيء‬
‫تحبون أن آتيكم به«‪ ,‬قالوا‪ :‬تجعل لنا الصفا ذهبًا‪ ,‬فقال لهم »فإن‬
‫فعلت تصدقوني ؟« قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون‪,‬‬
‫فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو‪ ,‬فجاءه جبريل عليككه‬
‫السلم‪ ,‬فقككال لككه‪ :‬مككا شككئت إن شككئت أصككبح الصككفا ذهبكًا‪ ,‬ولئن‬
‫أرسل آية فلم يصككدقوا عنكد ذلكك ليعككذبنهم‪ ,‬وإن شككئت فكاتركهم‬
‫حتى يتوب تائبهم‪ ,‬فقال رسول الله صلى اللكه عليكه وسككلم »بكل‬
‫يتوب تائبهم« فأنزل الله تعالى‪} :‬وأقسككموا بككالله جهككد أيمككانهم{‬
‫‪650‬‬
‫إلى قككوله تعككالى‪} :‬ولككن أككثرهم يجهلكون{ وهكذا مرسككل‪ ,‬ولكه‬
‫شكككككككككككككككواهد مكككككككككككككككن وجكككككككككككككككوه أخكككككككككككككككر‪.‬‬
‫ليككات إل أن كككذب بهككا‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬وما منعنا أن نرسل با َ‬
‫ليككة‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬ومككا يشككعركم أنهككا إذا جككاءت ل‬ ‫الّولون{ ا َ‬
‫يؤمنون{ قيككل المخككاطب بمككا يشككعركم المشككركون وإليككه ذهككب‬
‫مجاهد وكأنه يقول لهم‪ ,‬وما يدريكم بصككدقكم‪ ,‬فككي هككذه اليمككان‬
‫الككتي تقسككمون بهككا‪ ,‬وعلككى هككذا فككالقراءة }إنهككا إذا جككاءت ل‬
‫يؤمنون{ بكسر أنها استئناف الخبر عنهم بنفي اليمان عن مجيء‬
‫ليات التي طلبوهككا‪ ,‬وقككرأ بعضككهم }أنهككا إذا جككاءت ل تؤمنككون{‬ ‫ا َ‬
‫بالتككاء المثنككاة مككن فككوق وقيككل المخككاطب بقككوله ومككا يشككعركم‬
‫المؤمنون‪ ,‬يقول وما يدريكم أيها المؤمنون‪ ,‬وعلى هذا فيجوز في‬
‫قوله }أنها{ الكسر كككالول والفتككح علككى أنككه معمككول يشككعركم‪,‬‬
‫وعلى هذا فتكون ل في قككوله }أنهككا إذا جككاءت ل يؤمنككون{ صككلة‬
‫كقوله }ما منعك أل تسجد إذ ْ أمرتك{ وقوله }وحرام علككى قريككة‬
‫أهلكناهككا أنهككم ل يرجعككون{ أي مككا منعككك أن تسككجد إذ أمرتككك‪,‬‬
‫ليككة‪ ,‬ومككا يككدريكم أيهككا‬ ‫وحرام أنهم يرجعون‪ ,‬وتقديره فككي هككذه ا َ‬
‫المؤمنون الذين تودون لهككم ذلككك‪ ,‬حرصكا ً علككى إيمككانهم‪ ,‬أنهككا إذا‬
‫ليات يؤمنون‪ ,‬قال بعضهم أنهككا بمعنككى لعلهككا‪ .‬قككال ابككن‬ ‫جاءتهم ا َ‬
‫جرير‪ :‬وذكروا أن ذلك كذلك في قراءة أبي بن كعككب‪ ,‬قككال‪ :‬وقككد‬
‫ذكر عن العرب سماعا ً اذهب إلى السوق‪ ,‬أنك تشكتري لنككا شكيئًا‪,‬‬
‫بمعنى لعلك تشتري‪ ,‬قال وقد قيل إن قول عدي بن زيد العبككادي‬
‫مكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن هكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككذا‪:‬‬
‫أعاذل ما يدريك أن منيتيإلى ساعة في اليوم أو في ضككحى الغككد(‬
‫وقد اختار هذا القول ابن جريككر‪ ,‬وذكككر عليككه مككن شككواهد أشككعار‬
‫العرب والله أعلم‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كمككا‬
‫لم يؤمنوا به أول مرة{ قككال العككوفي عككن ابككن عبككاس فككي هككذه‬
‫لية‪ :‬لما جحد المشركون ما أنزل اللككه‪ ,‬لككم تثبككت قلككوبهم علككى‬ ‫ا َ‬
‫دت عككن كككل أمككر‪ ,‬وقككال مجاهككد فككي قككوله }ونقلككب‬ ‫شككيء‪ ,‬ور ّ‬
‫أفئدتهم وأبصارهم{ ونحول بينهم وبين اليمان‪ ,‬ولككو جككاءتهم كككل‬
‫آية فل يؤمنون‪ ,‬كما حلنا بينهم وبين اليمان أول مككرة‪ ,‬وكككذا قككال‬
‫عكرمة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ ,‬وقال ابن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس رضي الله عنه‪ ,‬أنه قال‪ :‬أخككبر اللككه مككا العبككاد قككائلون‬
‫‪651‬‬
‫قبل أن يقولوه‪ ,‬وعملهم قبل أن يعملككوه‪ ,‬وقككال }ول ينككبئك مثككل‬
‫خبير{ جل وعل وقال }أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت‬
‫في جنب الله{ إلى قوله }لو أن لي كرة فأكون من المحسنين{‬
‫فأخبر الله سبحانه‪ ,‬أنهم لو ردوا لككم يكونككوا علككى الهككدى‪ ,‬وقككال‪:‬‬
‫}ولو ردوا لعككادوا لمككا نهككوا عنككه وإنهككم لكككاذبون{ وقككال تعككالى‪:‬‬
‫}ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنككوا بككه أول مككرة{ وقككال‪:‬‬
‫ولو ردوا إلى الدنيا‪ ,‬لحيل بينهم وبين الهدى‪ ,‬كما حلنا بينهم وبينككه‬
‫أول مككرة وهككم فككي الككدنيا‪ ,‬وقككوله }ونككذرهم{ أي نككتركهم }فككي‬
‫طغيانهم{ قال ابن عباس والسدي‪ :‬في كفرهم‪ .‬وقال أبو العالية‪,‬‬
‫والربيع بن أنس‪ ,‬وقتادة‪ :‬في ضللهم }يعمهككون{ قككال العمككش‪:‬‬
‫يلعبون‪ ,‬وقال ابككن عبككاس‪ ,‬ومجاهككد‪ ,‬وأبككو العاليكة‪ ,‬والربيككع‪ ,‬وأبككو‬
‫مالكككككككككك‪ ,‬وغيكككككككككره‪ :‬فكككككككككي كفرهكككككككككم يكككككككككترددون‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬‫شكْرَنا عَل َي ْهِك ْ‬‫ح َ‬
‫ى وَ َ‬
‫َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مكوْت َ‬ ‫ة وَك َل ّ َ‬
‫مه ُ ك ُ‬ ‫ملئ ِك َك َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫** وَل َوْ أن َّنا ن َّزل َْنآ إ ِل َي ْهِ ُ‬
‫شككآَء الل ّكه وَلـكك َ‬ ‫من ُكوَا ْ إ ِل ّ َأن ي َ َ‬
‫ن أك ْث ََرهُك ْ‬
‫م‬ ‫ِ ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ما ك َككاُنوا ْ ل ِي ُؤْ ِ‬ ‫يٍء قُب ُل ً ّ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫ن‬‫جهَ ل ُككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫يقول تعالى‪ :‬ولو أننا أجبنا سؤال هؤلء‪ ,‬الذين أقسموا بالله جهد‬
‫أيمانهم‪ ,‬لئن جاءتم آية ليؤمنن بها‪ ,‬فنزلنا عليهم الملئكة تخككبرهم‬
‫بالرسالة من الله بتصديق الرسككل‪ ,‬كمككا سككألوا فقككالوا }أو تككأتي‬
‫ل{ و }قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل مككا أوتككي‬ ‫بالله والملئكة قبي ً‬
‫رسل الله{ }وقال الذين ل يرجون لقاءنا لول نزل علينا الملئكككة‬
‫أو نككرى ربنككا لقككد اسككتكبروا فككي أنفسككهم وعتككوا عتككوا ً كككبيرًا{‬
‫}وكلمهم الموتى{ أي فكأخبروهم بصكدق مكا جكاءتهم بكه الرسكل‬
‫ل{ قرأ بعضككهم‪َ ,‬قبل ً بكسككر القككاف‬ ‫}وحشرنا عليهم كل شيء قب ً‬
‫وفتح الباء‪ ,‬من المقابلككة والمعاينككة‪ ,‬وقككرأ آخككرون بضككمهما‪ ,‬قيككل‬
‫معناه من المقابلة والمعاينة أيضًا‪ ,‬كما رواه علي بن أبككي طلحككة‪,‬‬
‫والعوفي عن ابن عباس‪ ,‬وبه قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بككن‬
‫ل‪ ,‬أي تعككرض عليهككم‬ ‫أسلم‪ ,‬وقال مجاهد قبل ً أي أفواجًا‪ ,‬قبيل ً قككبي ً‬
‫كل أمة بعد أمة‪ ,‬فيخبرونهم بصدق الرسل فيما جككاءوهم بككه }مككا‬
‫كانوا ليؤمنوا إل أن يشاء اللككه{ أي أن الهدايككة إليككه ل إليهككم‪ ,‬بككل‬
‫يهدي من يشاء‪ ,‬ويضل من يشاء‪ ,‬وهو الفعال لما يريد‪} ,‬ل يسأل‬
‫‪652‬‬
‫عما يفعل وهم يسألون{ لعلمه وحكمته وسلطانه وقهره وغلبتككه‪,‬‬
‫وهذه ا َ‬
‫لية كقوله تعككالى‪} :‬إن الككذين حقككت عليهككم كلمككة ربككك ل‬
‫يؤمنككون ولككو جككاءتهم كككل آيككة حككتى يككروا العككذاب الليككم{‪.‬‬
‫حي‬ ‫ن ي ُككو ِ‬ ‫جك ّ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫ن ال ِن ْك ِ‬ ‫طي َ‬

‫شكَيا ِ‬ ‫ي عَكد ُوّا ً َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِك ُك ّ‬
‫ل ن ِب ِك ّ‬ ‫ك َ‬ ‫** وَك َذ َل ِ َ‬
‫مككا فَعَل ُككوهُ‬ ‫ك َ‬ ‫شككآَء َرب ّك َ‬ ‫ل غُُرورا ً وَل َكوْ َ‬ ‫ف ال َْقوْ ِ‬‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ى ب َعْ‬
‫َ‬
‫م إ ِل َ‬ ‫ضه ُ ْ‬
‫ب َعْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مُنككو َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫ى إ ِل َْيككهِ أفْئ ِد َةُ اّلكك ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صككغَ َ‬ ‫ن * وَل ِت َ ْ‬ ‫مككا ي َْفَتككُرو َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫َفككذ َْرهُ ْ‬
‫مْقت َرُِفكككككو َ‬
‫ن‬ ‫هكككككم ّ‬ ‫مكككككا ُ‬ ‫ضكككككوْهُ وَل ِي َْقت َرُِفكككككوا ْ َ‬ ‫خَرةِ وَل ِي َْر َ‬ ‫ِبكككككال َ ِ‬
‫يقول تعالى‪ :‬وكما جعلنا لك يا محمد أعداء يخالفونككك ويعادونككك‬
‫ويعاندونك‪ ,‬جعلنا لكل نبي من قبلك أيضا ً أعداء فل يحزنككك ذلككك‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬ولقد كذبت رسككل مككن قبلككك فصككبروا علككى مككا‬
‫لية‪ ,‬وقال تعككالى‪} :‬مككا يقككال لككك إل مككا قككد قيككل‬ ‫كذبوا وأوذوا{ ا َ‬
‫للرسل من قبلككك إن ربككك لككذو مغفككرة وذو عقككاب أليككم{ وقككال‬
‫لية‪ ,‬وقككال‬ ‫تعالى‪} :‬وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا ً من المجرمين{ ا َ‬
‫ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪ :‬إنككه لككم يككأت‬
‫أحد بمثل ما جئت به إل عودي‪ ,‬وقوله }شياطين النككس والجككن{‬
‫بككدل مككن }عككدوًا{ أي لهككم أعككداء مككن شككياطين النككس والجككن‪,‬‬
‫والشيطان كل من خرج عن نظيره بالشككر‪ ,‬ول يعككادي الرسككل إل‬
‫الشككياطين مككن هككؤلء وهككؤلء‪ ,‬قبحهككم اللككه ولعنهككم‪ ,‬قككال عبككد‬
‫الككرزاق‪ :‬حككدثنا معمككر‪ ,‬عككن قتككادة‪ ,‬فككي قككوله }شككياطين النككس‬
‫والجن{ قال من الجككن شككياطين‪ ,‬ومككن النككس شككياطين‪ ,‬يككوحي‬
‫بعضهم إلى بعض‪ ,‬قال قتادة‪ :‬وبلغني أن أبا ذر‪ ,‬كان يوما ً يصككلي‪,‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم »تعككوذ يككا أبككا ذر مككن شككياطين‬
‫النس والجن« فقال‪ :‬أو إن من النس شككياطين ؟ فقككال رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »نعم« وهذا منقطككع بيككن قتككادة وأبككي‬
‫ذر‪ .‬وقد روي من وجه آخر‪ ,‬عن أبي ذر رضي الله عنه‪ ,‬قككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثنا المثنى‪ ,‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬حدثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن‬
‫أبي عبد الله محمد بن أيوب‪ ,‬وغيره من المشيخة‪ ,‬عن ابن عككائذ‪,‬‬
‫عن أبي ذر‪ ,‬قال‪ :‬أتيت رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم فككي‬
‫مجلس‪ ,‬قد أطال فيه الجلوس‪ ,‬قال‪ ,‬فقال »يا أبا ذر هل صليت«‬
‫قلت‪ :‬ل يا رسول الله‪ ,‬قال »قم فككاركع ركعككتين« قككال‪ :‬ثككم جئت‬
‫‪653‬‬
‫فجلست إليه‪ ,‬فقككال »يككا أبككا ذر هككل تعككوذت بككالله مككن شككياطين‬
‫النس والجن« قكال‪ :‬قلكت‪ :‬ل يكا رسكول اللكه‪ ,‬وهكل للنكس مكن‬
‫شياطين ؟ قال »نعم هم شر من شياطين الجن« وهذا أيضا ً فيككه‬
‫انقطكككككككككككككككككككككككككككككككاع‪,‬وروي متصككككككككككككككككككككككككككككككك ً‬
‫ل‪.‬‬
‫كما قال المام أحمد‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬حككدثنا المسككعودي‪ ,‬أنبأنككا أبككو‬
‫عمر الدمشقي‪ ,‬عن عبيد بن الخشخاش‪ ,‬عن أبي ذر‪ ,‬قال‪ :‬أتيككت‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد‪ ,‬فجلست فقال »يككا‬
‫ل« قككال‪ :‬فقمككت‬ ‫أبا ذر هككل صككليت ؟« قلككت‪ :‬ل‪ ,‬قككال »قككم فصك ّ‬
‫فصليت ثم جلست‪ ,‬فقال »يا أبا ذر تعوذ بالله مككن شككر شككياطين‬
‫النس والجن« قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله وللنس شياطين ؟ قككال‬
‫»نعم« وذلك تمام الحديث بطوله‪ .‬وكذا رواه الحافظ أبو بكر بككن‬
‫مردويه في تفسيره‪ ,‬من حديث جعفر بن عون‪ ,‬ويعلى بككن عبيككد‪,‬‬
‫وعبيكككد اللكككه بكككن موسكككى‪ ,‬ثلثتهكككم عكككن المسكككعودي بكككه‪.‬‬
‫)طريق أخرى عن أبي ذر( قال ابن جرير‪ :‬حككدثنا المثنككى‪ ,‬حككدثنا‬
‫الحجاج‪ ,‬حدثنا حماد‪ ,‬عن حميد بككن هلل‪ ,‬حككدثني رجككل مككن أهككل‬
‫دمشق‪ ,‬عن عوف بن مالك‪ ,‬عككن أبككي ذر‪ ,‬أن رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال »يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شر شككياطين‬
‫النككس والجككن« قككال‪ :‬قلككت‪ :‬يككا رسككول اللككه هككل للنككس مككن‬
‫شكككككككككككككككككككياطين ؟ قكككككككككككككككككككال »نعكككككككككككككككككككم«‪.‬‬
‫)طريق أخرى للحديث( قككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫عوف الحمصي‪ ,‬حدثنا أبو المغيرة‪ ,‬حككدثنا معككان بككن رفاعككة‪ ,‬عككن‬
‫علي بن يزيد‪ ,‬عن القاسم‪ ,‬عن أبي أمامة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه‬
‫صلى الله عليككه وسككلم »يككا أبككا ذر تعككوذت مككن شككياطين النككس‬
‫والجن« قال‪ :‬قلت يا رسول وهل للنس شياطين ؟ قككال »نعككم«‬
‫}شياطين النس والجن يوحي بعضهم إلككى بعككض زخككرف القككول‬
‫غرورًا{ فهذه طرق لهذا الحديث‪ ,‬ومجموعها يفيد قككوته وصككحته‪,‬‬
‫والله أعلم‪ ,‬قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن وكيع‪ ,‬حككدثنا أبككو نعيككم‪ ,‬عككن‬
‫شريك‪ ,‬عن سعيد بككن مسككروق‪ ,‬عككن عكرمككة }شككياطين النككس‬
‫والجن{ قال‪ :‬ليس مككن النككس شككياطين‪ ,‬ولكككن شككياطين الجككن‬
‫يوحككون إلككى شككياطين النككس‪ ,‬وشككياطين النككس يوحككون إلككى‬
‫شياطين الجن‪ ,‬قال‪ :‬وحككدثنا الحككارث‪ ,‬حككدثنا عبككد العزيككز‪ ,‬حككدثنا‬
‫إسرائيل‪ ,‬عن السدي‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬في قوله }يوحي بعضهم إلككى‬
‫‪654‬‬
‫بعككض زخككرف القككول غككرورًا{ قككال‪ :‬للنسككي شككيطان‪ ,‬وللجنككي‬
‫شيطان‪ ,‬فيلقى شيطان النس شيطان الجن‪ ,‬فيوحي بعضهم إلى‬
‫بعض‪ ,‬زخرف القول غرورًا‪ ,‬وقال أسباط عن السدي عن عكرمة‬
‫فككي قككوله }يككوحي بعضككهم إلككى بعككض{‪ :‬أمككا شككياطين النككس‪,‬‬
‫فالشياطين التي تضل النس‪ ,‬وشياطين الجن الككتي تضككل الجككن‪,‬‬
‫يلتقيان‪ ,‬فيقول كل واحد منهما لصاحبه‪ :‬إني أضللت صاحبي بكذا‬
‫وكذا‪ ,‬فأضل أنت صاحبك بكذا وكذا‪ ,‬فيعلم بعضككهم بعض كًا‪ ,‬ففهككم‬
‫ابككن جريككر مككن هككذا‪ ,‬أن المككراد بشككياطين النككس‪ ,‬عنككد عكرمككة‬
‫والسدي‪ ,‬الشياطين من الجن الذين يضلون النككاس‪ ,‬ل أن المككراد‬
‫منككه شككياطين النككس منهككم‪ ,‬ول شككك أن هككذا ظككاهر مككن كلم‬
‫عكرمة‪ ,‬وأمككا كلم السككدي فليككس مثلككه فككي هككذا المعنككى‪ ,‬وهككو‬
‫محتمل‪ ,‬وقد روى ابن أبي حكاتم نحكو هكذا عكن ابكن عبكاس‪ ,‬مكن‬
‫روايككة الضككحاك عنككه‪ ,‬قككال‪ :‬إن للجككن شككياطين يضككلونهم‪ ,‬مثككل‬
‫شياطين النس يضلونهم‪ ,‬قال‪ :‬فيلتقي شياطين النس وشياطين‬
‫الجن‪ ,‬فيقول هذا لهذا أضلله بكذا‪ ,‬فهو قوله }يوحي بعضهم إلككى‬
‫بعض زخرف القول غرورًا{ وعلى كل حككال‪ ,‬فالصككحيح مككا تقككدم‬
‫من حديث أبي ذر‪ ,‬إن للنس شياطين منهم‪ ,‬وشيطان كل شككيء‬
‫مارده‪ ,‬ولهذا جاء في صحيح مسلم عككن أبككي ذر‪ ,‬أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم قال »الكلب السود شيطان« ومعناه والله‬
‫أعلم ك شيطان في الكلب‪ ,‬وقككال ابككن جريككج‪ :‬قككال مجاهككد‪ :‬فككي‬
‫ليككة‪ ,‬كفككار الجككن شككياطين‪ ,‬يوحككون إلككى شككياطين‬ ‫تفسير هككذه ا َ‬
‫النككككككس‪ ,‬كفككككككار النككككككس‪ ,‬زخككككككرف القككككككول غككككككرورًا‪.‬‬
‫وروى ابن أبككي حككاتم عككن عكرمككة قككال‪ :‬قككدمت علككى المختككار‬
‫فأكرمني وأنزلني‪ ,‬حتى كاد يتعاهد مبيتي بالليل‪ ,‬قال‪ :‬فقككال لككي‪:‬‬
‫اخرج إلى الناس فحدثهم‪ ,‬قال‪ :‬فخرجت‪ ,‬فجككاء رجككل فقككال‪ :‬مككا‬
‫تقول في الوحي‪ ,‬فقلت‪ :‬الوحي وحيككان‪ ,‬قككال اللككه تعككالى‪} :‬بمككا‬
‫أوحينا إليك هذا القرآن{ وقكال تعكالى‪} :‬شكياطين النكس والجكن‬
‫موا بككي أن‬ ‫يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا{ قال فه ّ‬
‫يأخككذوني‪ ,‬فقلككت لهككم‪ :‬مككا لكككم ذاك‪ ,‬إنككي مفككتيكم وضككيفكم‬
‫فتركوني‪ ,‬وإنما عرض عكرمة بالمختار‪ ,‬وهو ابن أبككي عبيككد قبحكه‬
‫الله‪ ,‬وكان يزعم أنه يأتيه الوحي‪ ,‬وقد كانت أخته صفية تحت عبد‬
‫الله بن عمر‪ ,‬وكانت من الصالحات‪ ,‬ولما أخبر عبد الله بككن عمككر‬
‫‪655‬‬
‫أن المختار يزعم أنه يوحى إليه‪ ,‬فقال‪ :‬صككدق‪ ,‬قككال اللككه تعككالى‪:‬‬
‫}وإن الشياطين ليوحككون إلككى أوليككائهم{ وقككوله تعككالى‪} :‬يككوحي‬
‫بعضهم إلى بعض زخككرف القككول غككرورًا{ أي يلقككي بعضككهم إلككى‬
‫بعض القول المزين المزخرف‪ ,‬وهو المككزوق الككذي يغككتر سككامعه‬
‫من الجهلة بأمره‪} ,‬ولو شاء ربك ما فعلوه{ أي وذلككك كلككه بقككدر‬
‫الله وقضائه‪ ,‬وإرادته ومشيئته‪ ,‬أن يكون لكل نبي عدو من هككؤلء‬
‫}فذرهم{ أي فدعهم‪} ,‬وما يفترون{ أي يكككذبون‪ .‬أي دع أذاهككم‪,‬‬
‫وتوكل على الله في عداوتهم‪ ,‬فإن الله كافيككك وناصككرك عليهككم‪,‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ولتصغى إليه{ أي ولتميل إليككه‪ .‬قككاله ابككن عبككاس‬
‫لخرة{ أي قلككككوبهم وعقككككولهم‬ ‫}أفئدة الككككذين ل يؤمنككككون بككككا َ‬
‫وأسماعهم‪ ,‬وقال السدي‪ :‬قلوب الكافرين }وليرضوه{ أي يحبوه‬
‫لخرة‪ ,‬كمككا قككال‬‫ويريككدوه‪ ,‬وإنمككا يسككتجيب ذلككك مككن ل يككؤمن بككا َ‬
‫تعالى‪} :‬فإنكم وما تعبدون * ما أنتككم عليككه بفككاتنين * إل مككن هككو‬
‫صال الجحيم{ وقال تعالى‪} :‬إنكم لفي قول مختلككف يؤفككك عنككه‬
‫من أفك{ وقوله }وليقترفوا ما هم مقترفون{ قال علي بككن أبككي‬
‫طلحة‪ :‬عن ابن عباس‪ ,‬وليكتسبوا ما هم مكتسبون‪ ,‬وقال السدي‬
‫وابكككككككن زيكككككككد‪ :‬وليعملكككككككوا مكككككككا هكككككككم عكككككككاملون‪.‬‬
‫ص كل ً‬ ‫مَف ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫م ال ْك ِت َككا َ‬
‫ل إ ِل َي ْك ُك ُ‬‫كما ً وَهُوَ ال ّذِيَ أ َن َكَز َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫** أفَغَي َْر الل ّهِ أب ْت َِغي َ‬
‫ح َ‬
‫وال ّذين آتينككاهُم ال ْكتككاب يعل َمككو َ‬
‫حقّ فَل َ‬ ‫ك ب ِككال ْ َ‬
‫مككن ّرب ّك َ‬ ‫ل ّ‬ ‫من َكّز ٌ‬
‫ه ُ‬ ‫ن أن ّك ُ‬ ‫َ‬ ‫َِ َ َْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ ََْ‬
‫ل‬ ‫دقا ً وَعَكد ْل ً ل ّ ُ‬
‫مب َكد ّ ِ‬ ‫صك ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ة َرب ّك َ‬ ‫مك ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫مك ْ‬‫ن * وَت َ ّ‬ ‫ري َ‬
‫مت َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬‫كون َ ّ‬ ‫تَ ُ‬
‫ميعُ ال ْعَِليككككككككككككك ُ‬
‫م‬ ‫سككككككككككككك ِ‬ ‫هكككككككككككككوَ ال ّ‬ ‫مكككككككككككككات ِهِ وَ ُ‬ ‫ل ِك َل ِ َ‬
‫يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسككلم قككل لهككؤلء المشككركين‬
‫بالله‪ ,‬الككذين يعبكدون غيككره }أفغيكر اللكه أبتغكي حكمكًا{ أي بينكي‬
‫ل{ أي مبين كا ً }والككذين‬ ‫وبينكم }وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفص ً‬
‫آتيناهم الكتاب{ أي من اليهود والنصارى‪} ,‬يعلمون أنه منزل مككن‬
‫ربككك بككالحق{‪ ,‬أي بمككا عنككدهم مككن البشككارات بككك‪ ,‬مككن النبيككاء‬
‫ك‬ ‫المتقدمين }فل تكونن من الممترين{ كقوله }فإن كنت في ش ّ‬
‫مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جككاءك‬
‫الحق من ربك فل تكونن من الممترين{ وهذا شرط‪ ,‬والشككرط ل‬
‫يقتضي وقوعه‪ ,‬ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫‪656‬‬
‫أنه قال »ل أشككك ولأسككأل« وقككوله تعككالى‪} :‬وتمككت كلمككة ربككك‬
‫ل{ قال قتادة‪ :‬صدقا ً فيما قال وعدل ً فيم حكككم‪ ,‬يقككول‬ ‫صدقا ً وعد ً‬
‫صدقا ً في الخبار‪ ,‬وعدل ً في الطلككب‪ ,‬فكككل مككا أخككبر بككه فحككق ل‬
‫مرية فيه ول شك‪ ,‬وكل ما أمر به فهو العدل الذي ل عدل سككواه‪,‬‬
‫وكل ما نهى عنه فباطل فإنه ل ينهككى إل عككن مفسككدة‪ ,‬كمككا قككال‬
‫تعالى‪} :‬يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكككر{ إلككى آخككر ا َ‬
‫ليككة‬
‫}ل مبدل لكلماته{ أي ليس أحد يعقب حكمه تعالى‪ ,‬ل في الككدنيا‬
‫لخرة }وهو السميع{ لقوال عباده }العليككم{ بحركككاتهم‬ ‫ول في ا َ‬
‫وسكككككككناتهم‪ ,‬الككككككذي يجككككككازي كككككككل عامككككككل بعملككككككه‪.‬‬
‫ل الل ّكهِ ِإن‬ ‫س كِبي ِ‬ ‫ك عَككن َ‬ ‫ض كّلو َ‬‫ض يُ ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ال‬ ‫كي‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫كن‬ ‫ك‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ث‬‫** وَِإن ت ُط ِكعْ أ َك ْ‬
‫ك ه ُ كو أ َ‬ ‫ِ‬
‫مكن‬ ‫ُ َ‬‫م‬ ‫َ‬
‫لك‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بك‬ ‫ر‬ ‫ن‬
‫ِ ّ َ ّ‬ ‫إ‬ ‫*‬ ‫ن‬
‫خُر ُ َ‬
‫صكو‬ ‫م إ ِل ّ ي َ ْ‬ ‫ن ه ُك ْ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ الظ ّ ّ‬
‫ي َت ّب ُِعو َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫دي َ‬
‫مهَْتككككككك ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫هكككككككوَ أعَْلككككككك ُ‬
‫سكككككككِبيل ِهِ وَ ُ‬ ‫عكككككككن َ‬ ‫ل َ‬ ‫ضككككككك ّ‬‫يَ ِ‬
‫يخبر تعالى‪ :‬عن حال أكثر أهل الرض‪ ,‬من بني آدم أنه الضلل‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬ولقد ضككل قبلهككم أكككثر الوليككن{ وقككال تعككالى‪:‬‬
‫}وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين{ وهم في ضككللهم ليسككوا‬
‫على يقين من أمرهم‪ ,‬وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطككل‪,‬‬
‫}إن يتبعككون إل الظككن وإن هككم إل يخرصككون{ فككإن الخككرص هككو‬
‫الجزر‪ ,‬ومنه خرص النخل‪ ,‬وهو جزر ما عليها من التمر‪ ,‬وذلك كله‬
‫عن قدر الله ومشيئته }هو أعلم من يضل عككن سككبيله{ فييسككره‬
‫لذلك }وهو أعلم بالمهتككدين{ فييسككرهم لككذلك‪ ,‬وكككل ميسككر لمككا‬
‫خلكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككق لكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫مككا‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫مِني َ‬‫م كؤ ْ ِ‬

‫م ِبآي َككات ِهِ ُ‬ ‫م الل ّهِ عَل َي ْهِ ِإن ُ‬
‫كنت ُك ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ذ ُك َِر ا ْ‬ ‫م ّ‬‫** فَك ُُلوا ْ ِ‬
‫ل َك ُ َ ْ‬
‫م‬ ‫ح كّر َ‬ ‫مككا َ‬‫م ّ‬ ‫ل ل َك ُك ْ‬
‫صك َ‬ ‫ّ‬ ‫م الل ّهِ عَل َي ْكهِ وَقَ كد ْ فَ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ذ ُك َِر ا ْ‬ ‫م ّ‬‫م أل ّ ت َأك ُُلوا ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫وائ ِهم ب ِغَي ْرِ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ع لم ٍ‬ ‫ن ب ِأهْ َ ِ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ل ّي ُ ِ‬
‫م إ ِل َي ْهِ وَإ ِ ّ‬‫ضط ُرِْرت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫دي َ‬ ‫معَْتككككككككككككك ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫هكككككككككككككوَ أعَْلككككككككككككك ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن َرّبككككككككككككك َ‬ ‫إِ ّ‬
‫هذا إباحة من الله‪ ,‬لعباده المككؤمنين‪ ,‬أن يككأكلوا مككن الككذبائح مككا‬
‫ذكر عليه اسمه‪ ,‬ومفهومه أنه ل يباح مالم يذكر اسككم اللككه عليككه‪,‬‬
‫كما كان يستبيحه كفار قريش مككن أكككل الميتككات‪ ,‬وأكككل مككا ذبككح‬
‫على النصب وغيرها‪ ,‬ثم ندب إلى الكل مما ذكر اسم اللككه عليككه‪,‬‬
‫‪657‬‬
‫فقال }وما لكم أن ل تأكلوا مما ذكر اسم اللككه عليككه وقككد فصككل‬
‫لكم ما حرم عليكم{ أي قد بين لكم ما حرم عليكم ووضحه‪ ,‬قككرأ‬
‫بعضهم فصل بالتشككديد‪ ,‬وقككرأ آخككرون بككالتخفيف‪ ,‬والكككل بمعنككى‬
‫البيككان والوضككوح‪} ,‬إل مككا اضككطررتم إليككه{ أي إل فككي حككال‬
‫الضككطرار‪ ,‬فككإنه يبككاح لكككم مككا وجككدتم‪ ,‬ثككم بيككن تعككالى جهالككة‬
‫المشركين‪ ,‬في آرائهم الفاسدة‪ ,‬من استحللهم الميتات‪ ,‬وما ذكر‬
‫عليه غير اسم اللككه تعككالى‪ ,‬فقككال }وإن كككثيرا ً ليضككلون بككأهوائهم‬
‫بغير علم إن ربك هككو أعلككم بالمعتككدين{ أي هككو أعلككم باعتككدائهم‬
‫وكككككككككككككككككككككككككككككككككذبهم وافككككككككككككككككككككككككككككككككترائهم‪.‬‬
‫ما‬
‫ن بِ َ‬
‫جَزوْ َ‬
‫سي ُ ْ‬ ‫ن ال ِث ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ن ي َك ْ ِ‬
‫سُبو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫** وَذ َُروا ْ َ‬
‫ظاهَِر ال ِث ْم ِ وََباط ِن َ ُ‬
‫ن‬‫ك َكككككككككككككككككككككككككككككككككككاُنوا ْ ي َْقت َرُِفكككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬
‫قال مجاهد }وذروا ظككاهر الثككم وبككاطنه{ المعصككية فككي السككر‬
‫والعلنية‪ ,‬وفي رواية عنه‪ ,‬هو ما ينوي مما هو عامل‪ ,‬وقال قتككادة‬
‫}وذروا ظاهر الثم وباطنه{ أي سره وعلنيته قليلة وكثيرة‪ ,‬وقال‬
‫السدي‪ :‬ظاهره الزنا مع البغايا ذوات الرايككات‪ ,‬وبككاطنه الزنككا مككع‬
‫الخليلة والصدائق والخككدان‪ ,‬وقككال عكرمككة‪ :‬ظككاهره نكككاح ذوات‬
‫ليكة عامككة فككي ذلكك كلكه‪ ,‬وهكي كقككوله‬ ‫المحككارم‪ ,‬والصككحيح أن ا َ‬
‫تعالى‪} :‬قل إنما حرم ربي الفواحش مككا ظهككر منهككا ومككا بطككن{‬
‫لية‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬إن الكذين يكسكبون الثكم سكيجزون بمكا‬ ‫ا َ‬
‫كانوا يقترفون{ أي سواء كان ظاهرا ً أو خفيًا‪ ,‬فإن الله سككيجزيهم‬
‫عليه‪ ,‬قال ابن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا الحسككن بككن عرفككة‪ ,‬حككدثنا عبككد‬
‫الرحمن بن مهدي‪ ,‬عن معاوية بن صككالح‪ ,‬عككن عبككد الرحمككن بككن‬
‫جبير بن نفيككر عككن أبيككه‪ ,‬عككن النككواس بككن سككمعان قككال‪ :‬سككألت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثم‪ ,‬فقال »الثم ما حككاك‬
‫فككككككي صككككككدرك وكرهككككككت أن يطلككككككع النككككككاس عليككككككه«‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن‬‫س كقٌ وَإ ِ ّ‬ ‫ه ل َِف ْ‬ ‫م الل ّكهِ عَل َي ْكهِ وَإ ِن ّك ُ‬ ‫مككا ل َك ْ‬
‫م ي ُكذ ْك َرِ ا ْ‬
‫سك ُ‬ ‫** وَل َ ت َكأك ُُلوا ْ ِ‬
‫م ّ‬
‫شياطين ل َيوحون إل َى أ َول ِيآئ ِهم ل ِيجككادُلوك ُم وإ َ‬
‫م إ ِن ّك ُك ْ‬
‫م‬ ‫مككوهُ ْ‬ ‫ن أط َعْت ُ ُ‬ ‫ْ َِ ْ‬ ‫ال ّ َ ِ َ ُ ُ َ ِ َ ْ َ ِ ْ ُ َ ِ‬
‫ن‬‫كو َ‬ ‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككرِ ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫م ْ‬
‫‪658‬‬
‫لية الكريمة من ذهب إلى أن الذبيحككة ل تحككل إذا‬ ‫استدل بهذه ا َ‬
‫لم يذكر اسم اللككه عليهككا‪ ,‬وإن كككان الذابككح مسككلمًا‪ ,‬وقككد اختلككف‬
‫الئمة رحمهم الله في هذه المسألة‪ ,‬على ثلثة أقوال‪ :‬فمنهم من‬
‫قال ل تحل هذه الذبيحككة بهككذه الصككفة‪ ,‬وسككواء مككتروك التسككمية‬
‫عمدا ً أو سهوًا‪ ,‬وهو مروي عككن ابككن عمككر‪ ,‬ونككافع مككوله‪ ,‬وعككامر‬
‫الشعبي‪ ,‬ومحمد بن سيرين‪ ,‬وهو رواية عن المام مالككك‪ ,‬وروايككة‬
‫عككن أحمككد بككن حنبككل نصككرها طائفككة مككن أصككحابه المتقككدمين‬
‫والمتأخرين‪ ,‬وهو اختيار أبي ثور‪ ,‬وداود الظاهري‪ ,‬واختار ذلك أبككو‬
‫الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي‪ ,‬من متككأخري الشككافعية‪,‬‬
‫ليككة‪ ,‬وبقككوله‬‫في كتابه »الربعين«‪ ,‬واحتجوا لمذهبهم هككذا بهككذه ا َ‬
‫في آية الصككيد }فكلككوا ممككا أمسكككن عليكككم واذكككروا اسككم اللككه‬
‫ليككة بقككوله }وإنككه لفسككق{ والضككمير‬ ‫عليه{ ثم قد أكد في هذه ا َ‬
‫قيككل عككائد علككى الكككل‪ ,‬وقيككل عككائد علككى الذبككح‪ ,‬لغيككر اللككه‪,‬‬
‫وبالحككاديث الككواردة فككي المككر بالتسككمية عنككد الذبيحككة والصككيد‪,‬‬
‫كحديثي عدي بن حككاتم وأبككي ثعلبككة‪» :‬إذا أرسككلت كلبككك المعلككم‬
‫وذكككرت اسككم اللككه عليككه فكككل مككا أمسككك عليككك« وهمككا فككي‬
‫الصحيحين‪ ,‬وحديث رافع بن خديج »ما أنهر الدم وذكر اسككم اللككه‬
‫عليه فكلوه« وهو في الصحيحين أيضًا‪ ,‬وحككديث ابككن مسككعود‪ :‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للجن »لكم كل عظم ذكككر‬
‫اسم الله عليه« رواه مسلم‪ ,‬وحديث جنككدب بككن سككفيان البجلككي‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »مككن ذبككح قبككل أن‬
‫يصلي فليذبح مكانها أخرى‪ ,‬ومن لم يكن ذبح‪ ,‬حتى صلينا فليذبككح‬
‫باسم الله« أخرجاه‪ ,‬وعن عائشة رضي الله عنها‪ :‬أن ناسا ً قككالوا‪:‬‬
‫يا رسول الله إن قوما ً يأتوننا باللحم ل ندري أذكر اسم الله عليككه‬
‫أم ل ؟ قال »سموا عليه أنتم وكلوا« قككالت‪ :‬وكككانوا حككديثي عهككد‬
‫بالكفر رواه البخاري‪ ,‬ووجه الدللة أنهم فهمككوا أن التسككمية ل بككد‬
‫منهككا‪ ,‬وخشككوا أن ل تكككون وجككدت مككن أولئك لحداثككة إسككلمهم‪,‬‬
‫فككأمرهم بالحتيككاط بالتسككمية عنككد الكككل‪ ,‬لتكككون كككالعوض عككن‬
‫المتروكة عند الذبح إن لككم تكككن وجككدت‪ ,‬وأمرهككم بككإجراء أحكككام‬
‫المسككككككككلمين علككككككككى السككككككككداد‪ ,‬واللككككككككه أعلككككككككم‪.‬‬
‫والمذهب الثاني في المسألة‪ :‬أنه ل يشترط التسككمية‪ ,‬بككل هككي‬
‫مستحبة‪ ,‬فإن تركت عمدا ً أو نسيانا ً ل يضر‪ ,‬وهككذا مككذهب المككام‬
‫‪659‬‬
‫الشافعي رحمه الله‪ ,‬وجميع أصحابه‪ ,‬ورواية عن المام أحمككد بككن‬
‫حنبل نقلت عنه‪ .‬وهو روايكة عكن المككام مالكك‪ ,‬ونكص علكى ذلكك‬
‫أشهب بن عبد العزيز من أصحابه‪ ,‬وحكي عن ابككن عبككاس‪ ,‬وأبككي‬
‫هريرة‪ ,‬وعطاء بن أبي رباح‪ ,‬والله أعلككم‪ .‬وحمككل الشككافعي ا َ‬
‫ليككة‬
‫الكريمة }ول تأكلوا مما لم يككذكر اسككم اللككه عليككه وإنككه لفسككق{‬
‫ل لغير الله به{‬ ‫على ما ذبح لغير الله‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬أو فسقا ً أه ّ‬
‫وقال ابن جريج عن عطككاء }ول تككأكلوا ممككا لككم يككذكر اسككم اللككه‬
‫عليه{ قال‪ :‬ينهى عن ذبائح كانت تككذبحها قريككش للوثككان‪ ,‬وينهككى‬
‫عن ذبائح المجوس‪ ,‬وهذا المسلك الذي طرقككه المككام الشككافعي‬
‫قوي‪ ,‬وقد حاول بعض المتأخرين أن يقككويه بككأن جعككل الككواو فككي‬
‫قوله }وإنه لفسق{ حالية‪ ,‬أي‪ :‬ل تأكلوا مما لككم يككذكر اسككم اللككه‬
‫عليه في حال كونه فسقًا‪ ,‬ول يكون فسقا ً حتى يكون قد أهككل بككه‬
‫لغيككر اللككه‪ .‬ثككم ادعككى أن هككذا متعيككن ول يجككوز أن تكككون الككواو‬
‫عاطفة‪ ,‬لنه يلككزم منكه عطكف جملكة اسكمية خبريككة علكى جملكة‬
‫فعلية طلبية وهذا ينتقككض عليككه بقككوله }وإن الشككياطين ليوحككون‬
‫إلى أوليائهم{ فإنها عاطفة ل محالة‪ ,‬فإن كانت الواو الككتي ادعككى‬
‫أنها حالية صحيحة علككى مككا قككال‪ ,‬امتنككع عطككف هككذه عليهككا فككإن‬
‫عطفت على الطلبية ورد عليه ما أورد علككى غيككره‪ ,‬وإن لككم تكككن‬
‫الواو حالية بطل ما قال من أصككله‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬وقككال ابككن أبككي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا يحيى بن المغيرة‪ ,‬أنبأنا جرير‪ ,‬عن عطككاء‪,‬‬
‫لية }ول تكأكلوا ممكا لكم‬ ‫عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬في ا َ‬
‫يككككككذكر اسككككككم اللككككككه عليككككككه{ قككككككال‪ :‬هككككككي الميتككككككة‪.‬‬
‫ثم رواه عن أبي زرعة‪ ,‬عن يحيى بن أبي كثير‪ ,‬عن ابككن لهيعككة‪,‬‬
‫عن عطاء وهو ابن السائب بككه‪ ,‬وقككد اسككتدل لهككذا المككذهب‪ ,‬بمككا‬
‫رواه أبو داود في المراسيل‪ :‬من حديث ثور بن يزيد‪ ,‬عن الصككلت‬
‫السدوسي مولى سويد بن منجوف‪ ,‬أحككد التككابعين الككذين ذكرهككم‬
‫أبو حاتم ابن حبان في كتاب الثقات‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم »ذبيحة المسلم حلل ذكر اسم الله أو لم يككذكر‪,‬‬
‫إنه إن ذكر لم يذكر إل اسم اللكه« وهككذ مرسككل‪ ,‬يعضككد بمكا رواه‬
‫الدارقطني عن ابن عباس أنه قال‪» :‬إذا ذبح المسككلم ولككم يككذكر‬
‫اسم الله فليأكل‪ ,‬فإن المسلم فيه اسم من أسماء اللككه« واحتككج‬
‫البيهقي أيضا ً بحديث عائشة رضككي اللككه عنهككا المتقككدم‪ ,‬أن ناسكا ً‬
‫‪660‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬إن قوما ً حديثي عهد بجاهلية‪ ,‬يأتوننا بلحككم ل‬
‫ندري أذكروا اسم اللككه عليككه أم ل ؟ فقككال »سككموا أنتككم وكلككوا«‬
‫قككال‪ :‬فلككو كككان وجككود التسككمية شككرطًا‪ ,‬لككم يرخككص لهككم إل مككع‬
‫تحققهكككككككككككككككككككككا‪ ,‬واللكككككككككككككككككككككه أعلكككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫المذهب الثالث فكي المسككألة‪ :‬إن تككرك البسكملة علككى الذبيحككة‬
‫نسيانا ً لم يضر‪ ,‬وإن تركها عمدا ً لم تحل‪ ,‬هككذا هككو المشككهور مككن‬
‫مككذهب المككام مالككك وأحمككد بككن حنبككل‪ ,‬وبككه يقككول أبككو حنيفككة‬
‫وأصحابه‪ ,‬وإسحاق بن راهويه‪ :‬وهو محكي عن علي‪ ,‬وابن عباس‪,‬‬
‫وسعيد بن المسيب‪ ,‬وعطاء‪ ,‬وطككاوس‪ ,‬والحسككن البصككري‪ ,‬وأبككي‬
‫مالك‪ ,‬وعبد الرحمن بن أبي ليلى‪ ,‬وجعفر بن محمككد‪ ,‬وربيعككة بككن‬
‫أبي عبد الرحمن‪ ,‬ونقل المام أبو الحسن المرغيناني‪ ,‬فككي كتككابه‬
‫»الهداية« الجماع قبل الشككافعي علككى تحريككم مككتروك التسككمية‬
‫عمدًا‪ ,‬فلهذا قال أبو يوسف والمشايخ‪ :‬لو حكم حاكم بجواز بيعه‪,‬‬
‫لم ينفذ لمخالفة الجماع‪ ,‬وهذا الذي قاله غريب جككدًا‪ ,‬وقككد تقككدم‬
‫نقكككككل الخلف عمكككككن قبكككككل الشكككككافعي‪ ,‬واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بككن جريككر رحمككه اللككه‪ :‬مككن حككرم ذبيحككة‬
‫الناس فقد خرج من قول جميع الحجة‪ ,‬وخالف الخير الثككابت عككن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك‪ ,‬يعني ما رواه الحافظ‬
‫أبو بكر البيهقي‪ ,‬أنبأنا أبككو عبككد اللكه الحكافظ‪ ,‬حككدثنا أبككو العبكاس‬
‫الصم‪ ,‬حدثنا أبو أمية الطرسوسي‪ ,‬حدثنا محمد بككن يزيككد‪ ,‬حككدثنا‬
‫معقل بن عبيد الله‪ ,‬عن عمككرو بككن دينككار عككن عكرمككة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬عن النبي صلى الله عليكه وسكلم‪ ,‬قكال‪» :‬المسكلم يكفيكه‬
‫اسمه إن نسي أن يسمي حين يذبح‪ ,‬فليذكر اسككم اللككه وليككأكله«‬
‫وهذا الحديث رفعه خطأ‪ ,‬أخطأ فيه معقل بن عبيد الله الجزيككري‪,‬‬
‫فإنه وإن كان من رجال مسككلم‪ ,‬إل أن سككعيد بككن منصككور‪ ,‬وعبككد‬
‫الله بن الزبير الحميدي‪ ,‬روياه‪ :‬عن سفيان بن عيينة‪ ,‬عككن عمككرو‪,‬‬
‫عن أبي الشعثاء‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬من قوله فزادا في‬
‫إسناده أبا الشعثاء ووقفاه‪ ,‬وهذا أصح‪ ,‬نص عليككه الككبيهقي وغيككره‬
‫من الحفاظ‪ ,‬ثم نقل ابن جرير وغيكره عكن الشكعبي‪ ,‬ومحمكد بكن‬
‫سيرين‪ ,‬أنهما كرهككا مككتروك التسككمية نسككيانا‪ ,‬والسككلف يطلقككون‬
‫الكراهة على التحريم كثيرًا‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬إل أن مككن قاعككدة ابككن‬
‫‪661‬‬
‫جرير أنه ل يعتبر قول الواحد ول الثنيككن مخالفكا ً لقككول الجمهككور‪,‬‬
‫فيعككككككده إجماعككككككًا‪ ,‬فليعلككككككم هككككككذا‪ ,‬واللككككككه الموفككككككق‪.‬‬
‫جِهيككر بككن‬
‫قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن وكيع‪ ,‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عككن َ‬
‫يزيد‪ ,‬قال‪ :‬سئل الحسن‪ ,‬سأله رجل‪ :‬أتيت بطير كذا‪ ,‬فمنه ما قككد‬
‫ذبح فذكر اسم الله عليه‪ ,‬ومنه ما نسي أن يذكر اسم اللككه عليككه‪,‬‬
‫واختلط الطير‪ ,‬فقال الحسن كله كلككه‪ ,‬قككال‪ :‬وسككألت محمككد بككن‬
‫سيرين فقال‪ :‬قال الله‪} :‬ول تأكلوا ممالم يذكر اسم اللككه عليككه{‬
‫واحتج لهذا المذهب بالحديث المروي مككن طككرق عنككد ابككن ماجككة‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬وأبي هريرة‪ ,‬وأبي ذر‪ ,‬وعقبة بن عامر‪ ,‬وعبد الله‬
‫بن عمرو‪ ,‬عن النبي صلى الله عليككه وسككلم »إن اللككه وضككع عككن‬
‫أمتي الخطأ والنسككيان ومككا اسككتكرهوا عليككه« وفيككه نظككر‪ ,‬واللككه‬
‫أعلم‪ ,‬وقد روى الحافظ أبو أحمد بن عدي من حديث مككروان بككن‬
‫سالم القرقساني‪ ,‬عن الوزاعي‪ ,‬عن يحيى بن أبي كثير‪ ,‬عن أبي‬
‫سلمة‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فقال‪ :‬يا رسكول اللكه أرأيكت الرجكل منكا يذبكح وينسكى أن‬
‫يسمي‪ ,‬فقال النبي صلى الله عليه وسككلم »اسكم اللككه علككى كككل‬
‫مسككلم« ولكككن هككذا إسككناده ضككعيف‪ ,‬فككإن مككروان بككن سككالم‬
‫القرقساني أبا عبد الله الشامي ضعيف‪ ,‬تكلم فيه غير واحككد مككن‬
‫الئمة‪ ,‬والله أعلم‪ .‬وقد أفردت هذه المسألة على حككدة‪ ,‬وذكككرت‬
‫مككذاهب الئمككة ومأخككذهم وأدلتهككم ووجككه الككدللت والمناقضككات‬
‫والمعارضككككككككككككككككككات‪ ,‬واللككككككككككككككككككه أعلكككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫ليككة‪ :‬هككل نسككخ‬ ‫قال ابن جرير‪ :‬وقد اختلف أهل العلم في هذه ا َ‬
‫من حكمها شيء أم ل ؟ فقال بعضهم‪ :‬لم ينسخ منها شيء‪ ,‬وهي‬
‫محكمة فيما عنيت به‪ ,‬وعلى هذا قول مجاهد وعامة أهككل العلككم‪,‬‬
‫وروي عن الحسن البصري وعكرمة ما حدثنا به ابن حميككد‪ ,‬حككدثنا‬
‫يحيى بن واضح‪ ,‬عككن الحسككين بككن واقككد‪ ,‬عككن عكرمككة والحسككن‬
‫البصري‪ ,‬قال‪ :‬قال الله }فكلوا مما ذكر اسم اللككه عليككه إن كنتككم‬
‫بآياته مؤمنين{ وقال }ول تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه‬
‫لفسق{ فنسخ واسككتثنى مككن ذلكك‪ ,‬فقككال }وطعككام الككذين أوتككوا‬
‫الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم{ وقال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬قككرى‬
‫على العباس بن الوليد بن يزيد‪ ,‬حدثنا محمد بن شككعيب‪ ,‬أخككبرني‬
‫النعمان‪ ,‬يعنككي ابككن المنككذر‪ ,‬عككن مكحككول‪ ,‬قككال‪ :‬أنككزل اللككه فككي‬
‫‪662‬‬
‫القرآن }ول تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه{ ثم نسخها الككرب‬
‫ورحم المسلمين فقال }اليوم أحككل لكككم الطبيككات وطعككام الككذي‬
‫أوتوا الكتاب حل لكم{ فنسخها بذلك‪ ,‬وأحل طعام أهككل الكتككاب‪.‬‬
‫ثم قال ابن جرير‪ :‬والصواب أنه ل تعككارض‪ ,‬بيككن حككل طعككام أهككل‬
‫الكتاب‪ ,‬وبين تحريم مالم يذكر اسم الله عليككه‪ ,‬وهككذا الككذي قككاله‬
‫صحيح‪ ,‬ومن أطلق من السلف النسخ هاهنا فإنما أراد التخصيص‪,‬‬
‫واللكككككككككككككه سككككككككككككككبحانه وتعككككككككككككككالى أعلككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم{‬
‫قال ابن أبي حكاتم‪ :‬حكدثنا أبكو سكعيد الشكج‪ ,‬حكدثنا أبكو بككر بكن‬
‫عياش‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬قال رجككل لبككن عمككر‪ ,‬إن المختككار‬
‫ليككة }وإن الشككياطين‬ ‫يزعم أنه يوحى إليه‪ ,‬قال‪ :‬صدق‪ ,‬وتل هذه ا َ‬
‫ليوحون إلى أوليائهم{ وحدثنا أبي‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬حدثنا عكرمة‬
‫بن عمار‪ ,‬عن أبي زميل‪ ,‬قال‪ :‬كنت قاعدا ً عند ابككن عبككاس‪ ,‬وحككج‬
‫المختار بن أبي عبيد‪ ,‬فجاءه رجل فقال‪ :‬يا ابن عبككاس‪ ,‬زعككم أبككو‬
‫إسحاق أنه أوحي إليه الليلة‪ ,‬فقككال ابككن عبككاس‪ :‬صككدق‪ ,‬فنفككرت‪,‬‬
‫وقلت يقول ابن عباس‪ :‬صدق ؟ فقكال ابكن عبكاس‪ :‬همكا وحيكان‪:‬‬
‫وحي الله ووحي الشيطان‪ ,‬فوحي الله إلى محمد صلى الله عليه‬
‫وسككلم ووحككي الشككيطان إلككى أوليككائه‪ ,‬ثككم قككرأ }وإن الشككياطين‬
‫ليوحون إلى أوليائهم{ وقد تقدم عن عكرمككة فككي قككوله }يككوحي‬
‫بعضكككهم إلكككى بعكككض زخكككرف القكككول غكككرورًا{ نحكككو هكككذا‪.‬‬
‫وقوله }ليجادلوكم{ قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو سككعيد الشككج‪,‬‬
‫حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪,‬‬
‫قال‪ :‬خاصمت اليهود النبي صلى اللككه عليككه وسككلم فقككالوا‪ :‬نأكككل‬
‫مما قتلنا‪ ,‬ول نأكل مما قتل الله‪ ,‬فأنزل الله }ول تككأكلوا ممككا لككم‬
‫ل‪ ,‬ورواه أبككو‬‫يذكر اسم الله عليه وإنه لفسككق{ هكككذا رواه مرس ك ً‬
‫ل‪ ,‬فقال‪ :‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة‪ ,‬حككدثنا عمككران بككن‬ ‫داود متص ً‬
‫عيينة‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عبككاس‬
‫قال‪ :‬جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقككالوا‪ :‬نأكككل‬
‫مما قتلنا‪ ,‬ول نأكل مما قتل الله‪ ,‬فأنزل الله }ول تككأكلوا ممككا لككم‬
‫لية‪ ,‬وكذا رواه ابن جريكر‪ :‬عككن محمككد بككن‬ ‫يذكر اسم الله عليه{ ا َ‬
‫عبد العلى‪ ,‬وسفيان بن وكيع‪ ,‬كلهما عن عمككران بككن عيينككة بككه‪.‬‬
‫‪663‬‬
‫ورواه البزار عن محمد بن موسككى الجرشككي‪ ,‬عككن عمككران بككن‬
‫عيينة به‪ ,‬وهذا فيه نظككر‪ ,‬مككن وجككوه ثلثككة‪) :‬أحككدها( أن اليهككود ل‬
‫لية من النعام وهككي‬ ‫يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا )الثاني( أن ا َ‬
‫مكيككة )الثككالث( أن هككذا الحككديث رواه الترمككذي عككن محمككد بككن‬
‫موسى الجرشي‪ ,‬عن زياد بن عبكد اللكه البكككائي‪ ,‬عكن عطكاء بككن‬
‫السائب‪ ,‬عن سككعيد بككن جككبير‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬ورواه الترمككذي‬
‫بلفظ أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فذكره‪ ,‬وقال حسككن‬
‫ل‪ ,‬وقككال الطككبراني‪ :‬حككدثنا‬ ‫غريب‪ ,‬وروي عن سعيد بن جبير مرس ً‬
‫علي بن المبارك حدثنا زيد بككن المبككارك‪ ,‬حككدثنا موسككى بككن عبككد‬
‫العزيز‪ ,‬حدثنا الحكم بن أبان‪ ,‬عن عكرمة عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫لما نزلت }ول تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه{ أرسلت فارس‬
‫إلى قريش‪ ,‬أن خاصموا محمدا ً وقولوا لكه‪ :‬فمكا تذبكح أنكت بيكدك‬
‫بسكين فهو حلل‪ ,‬وما ذبككح اللكه عككز وجككل بشمشككير مككن ذهككب‪,‬‬
‫ليككة }وإن الشككياطين‬ ‫يعنككي الميتككة‪ ,‬فهككو حككرام ؟ فنزلككت هككذه ا َ‬
‫ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون{‬
‫أي وإن الشياطين من فارس‪ ,‬ليوحون إلى أوليائهم مككن قريككش‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬حككدثنا محمككد بككن كككثير‪ ,‬أخبرنككا إسككرائيل‪ ,‬حككدثنا‬
‫سماك عن عكرمة‪ ,‬عن ابككن عبككاس‪ ,‬فككي قككوله }وإن الشككياطين‬
‫ليوحون إلى أوليائهم{ يقولون‪ :‬ما ذبح الله فل تأكلوه‪ ,‬وما ذبحتككم‬
‫أنتم فكلوه‪ ,‬فأنزل الله‪} :‬ول تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليككه{‬
‫ورواه ابن ماجه وابن أبككي حككاتم‪ ,‬عككن عمككرو بككن عبككد اللككه‪ ,‬عككن‬
‫وكيع‪ ,‬عن إسرائيل به‪ ,‬وهذا إسناد صحيح‪ ,‬ورواه ابككن جريككر‪ ,‬مككن‬
‫طرق متعددة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬وليس فيككه ذكككر اليهككود‪ ,‬فهككذا هككو‬
‫ليكة مكيكة‪ ,‬واليهكود ل يحبككون الميتككة‪ ,‬وقكال ابككن‬ ‫المحفوظ‪ ,‬لن ا َ‬
‫جرير‪ :‬حدثنا ابن وكيع‪ ,‬حككدثنا جريككر‪ ,‬عككن عطككاء‪ ,‬عككن سككعيد بككن‬
‫جبير‪ ,‬عن ابن عباس }ول تأكلوا مما لككم يككذكر اسككم اللككه عليككه{‬
‫إلككى قككوله }ليجككادلوكم{ قككال‪ :‬يككوحي الشككياطين إلككى أوليككائهم‬
‫تأكلون مما قتلتم‪ ,‬ول تأكلوا مما قتل الله ؟ وفككي بعككض ألفككاظه‪,‬‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬أن الذي قتلتم ذكر اسم الله عليه‪ ,‬وأن الككذي قككد‬
‫مكككككككككات‪ ,‬لكككككككككم يكككككككككذكر اسكككككككككم اللكككككككككه عليكككككككككه‪.‬‬
‫وقال ابن جريج‪ :‬قال عمرو بن دينككار عككن عكرمككة أن مشككركي‬
‫قريش كاتبو فارس على الروم‪ ,‬وكاتبتهم فككارس‪ ,‬فكتبككت فككارس‬
‫‪664‬‬
‫إليهم‪ :‬إن محمدا ً وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله‪ ,‬فما ذبح‬
‫الله بسكين من ذهب فل يأكلونه وما ذبحككوه هككم يككأكلونه‪ ,‬فكتككب‬
‫بذلك المشركون إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪,‬‬
‫فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شككيء‪ ,‬فككأنزل اللككه‬
‫}وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجككادلوكم وإن‬
‫أطعتموهم إنكم لمشركون{ ونزلككت }يككوحي بعضككهم إلككى بعككض‬
‫زخرف القول غرورا{ وقال السككدي‪ :‬فككي تفسككير هككذه ا َ‬
‫ليككة‪ :‬إن‬
‫المشركين قالوا للمسلمين‪ :‬كيف تزعمون أنكككم تتبعككون مرضككاة‬
‫الله‪ ,‬فما قتل الله فل تأكلونه‪ ,‬وما ذبحتم أنتم تأكلونه ؟ فقال الله‬
‫تعككالى‪} :‬وإن أطعتمككوهم{ فككأكلتم الميتككة }إنكككم لمشككركون{‬
‫وهكذا قاله مجاهكد‪ ,‬والضككحاك‪ ,‬وغيكر واحككد مكن علمكاء السكلف‪.‬‬
‫وقككوله تعككالى‪} :‬وإن أطعتمككوهم إنكككم لمشككركون{ أي حيككث‬
‫عدلتم‪ ,‬عن أمر الله لكم وشرعه إلى قككول غيككره‪ ,‬فقككدمتم عليككه‬
‫غيره‪ ,‬فهذا هو الشرك‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬اتخذوا أحبكارهم ورهبككانهم‬
‫لية‪ ,‬وقد روى الترمذي‪ :‬فككي تفسككيرها عككن‬ ‫أربابا ً من دون الله{ ا َ‬
‫عدي بن حاتم‪ ,‬أنه قال‪ :‬يا رسول اللكه مككا عبككدوهم‪ ,‬فقككال »بلككى‬
‫إنهم أحلوا لهككم الحككرام وحرمككوا عليهككم الحلل فككاتبعوهم فككذلك‬
‫عبككككككككككككككككككككككككككككككككككادتهم إيككككككككككككككككككككككككككككككككككاهم«‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫شي ب ِكهِ فِككي الن ّككا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُنورا ً ي َ ْ‬‫جعَل َْنا ل َ ُ‬ ‫حي َي َْناهُ وَ َ‬‫مْيتا ً فَأ ْ‬
‫ن َ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫** أوَ َ‬
‫مككا‬
‫ن َ‬
‫ري َ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ك ُزي ّ َ‬‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬
‫ج ّ‬ ‫خارِ ٍ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ت ل َي ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه ِفي الظ ّل ُ َ‬‫مث َل ُ ُ‬
‫من ّ‬ ‫كَ َ‬
‫مُلكككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬
‫ن‬ ‫ككككككككككككككككككككككككككككككككككككاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫َ‬
‫هذا مثككل ضككربه اللككه تعككالى للمككؤمن الككذي كككان ميتكًا‪ ,‬أي فككي‬
‫الضللة هالكا ً حائرًا‪ ,‬فأحياه الله أي أحيا قلبه باليمان‪ ,‬وهككداه لككه‬
‫ووفقه لتباع رسله‪} ,‬وجعلنا له نورا ً يمشككي بككه فككي النككاس{ أي‬
‫يهتدي كيف يسلك وكيف يتصرف به‪ ,‬والنور هو القككرآن كمككا رواه‬
‫العوفي‪ ,‬وابن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬وقال السدي‪ ,‬السككلم‪,‬‬
‫والكل صحيح }كمن مثله في الظلمككات{ أي الجهككالت‪ ,‬والهككواء‬
‫والضللت المتفرقة‪} ,‬ليس بخارج منها{ أي ل يهتدي إلككى منفككذ‬
‫ول مخلص مما هو فيه‪ ,‬وفي مسند المام أحمد عكن رسكول اللكه‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال »إن الله خلق خلقه في ظلمة‪ ,‬ثككم‬
‫‪665‬‬
‫رش عليهم من نوره‪ ,‬فمن أصابه ذلك النور اهتدى‪ ,‬ومككن أخطككأه‬
‫ضككل« كمككا قككال تعككالى‪} :‬اللككه ولككي الككذين آمنككوا يخرجهككم مككن‬
‫الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليككاؤهم الطككاغوت يخرجككونهم‬
‫من النور إلى الظلمات أولئك أصككحاب النككار هككم فيهككا خالككدون{‬
‫وقال تعالى‪} :‬أفمن يمشي مكبا ً على وجهه أهدى أم من يمشككي‬
‫سككويا ً علككى صككراط مسككتقيم{ وقككال تعككالى‪} :‬مثككل الفريقيككن‬
‫ككككالعمى والصكككم والبصكككير والسكككميع هكككل يسكككتويان مثل ً أفل‬
‫تككذكرون{ وقككال تعككالى‪} :‬ومككا يسككتوي العمككى والبصككير ول‬
‫الظلمات ول النور ول الظككل ول الحككرور ومككا(يسككتوي الحيككاء ول‬
‫الموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من فككي القبككور‬
‫ليات في هذا كثيرة‪ ,‬ووجككه المناسككبة فككي‬ ‫* إن أنت إل نذير{‪ ,‬وا َ‬
‫ضرب المثلين ههنا بالنور والظلمككات مككا تقككدم فككي أول السككورة‬
‫}وجعل الظلمات والنور{‪ ,‬وزعم بعضككهم أن المككراد بهككذا المثككل‬
‫رجلن معينان‪ ,‬فقيل عمر بن الخطاب‪ ,‬هو الذي كان ميتا ً فأحيككاه‬
‫الله‪ ,‬وجعل له نورا ً يمشي به في الناس‪ ,‬وقيككل عمككار بككن ياسككر‪,‬‬
‫وأما الذي في الظلمككات ليككس بخككارج منهككا ابككو جهككل عمككرو بككن‬
‫لية عامككة يككدخل فيهككا كككل مككؤمن‬ ‫هشام لعنه الله‪ ,‬والصحيح أن ا َ‬
‫وكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككافر‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون{ أي حسككنا‬
‫لهم ما كانوا فيه من الجهالة والضللة‪ ,‬قدرا ً من الله وحكمة بالغة‬
‫ل إلككككككككككه إل هككككككككككو وحككككككككككده ل شككككككككككريك لككككككككككه‪.‬‬
‫َ‬
‫مك ُكُروا ْ ِفيهَككا وَ َ‬
‫مككا‬ ‫ميهَككا ل ِي َ ْ‬‫جرِ ِ‬ ‫م َ‬‫ل قَْري َةٍ أك َككاب َِر ُ‬ ‫جعَل َْنا ِفي ك ُ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫** وَك َذ َل ِ َ‬
‫ة قَككاُلوا ْ ل َككن‬ ‫َ‬
‫م آي َك ٌ‬‫جككآَءت ْهُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن * وَإ ِ َ‬ ‫شكعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ ب ِأن ُْف ِ‬
‫سه ِ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫جع َك ُ‬
‫ل‬ ‫ث يَ ْ‬ ‫حي ْك ُ‬
‫م َ‬ ‫ه أعْل َك ُ‬ ‫ل الل ّكهِ الل ّك ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ي ُر ُ‬ ‫مآ أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ى ِ‬‫َ‬ ‫ى ن ُؤْت َ‬
‫َ‬ ‫حت ّ‬‫ن َ‬ ‫ن ّؤْ ِ‬
‫م َ‬
‫عند َ الل ّهِ وَعَك َ‬ ‫رسال َته سيصيب ال ّذي َ‬
‫مككا‬‫ديد ٌ ب ِ َ‬
‫شك ِ‬‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صَغاٌر ِ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ َ َ ُ َ ُ ِ ُ‬
‫ن‬‫ككككككككككككككككككككككككككككككككككككُرو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ككككككككككككككككككككككككككككككككككككاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫يقككول تعككالى‪ ,‬وكمككا جعلنككا فككي قريتككك يككا محمككد أكككابر مككن‬
‫المجرمين‪ ,‬ورؤوساء ودعاة إلى الكفككر‪ ,‬والصككد عككن سككبيل اللككه‪,‬‬
‫وإلى مخالفتك وعداوتك‪ ,‬كذلك كككانت الرسككل مككن قبلككك يبتلككون‬
‫بذلك‪ ,‬ثم تكون لهم العاقبة‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬وكذلك جعلنككا لكككل‬
‫‪666‬‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬وإذا أردنا أن نهلك‬ ‫نبي عدوا ً من المجرمين{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬قيككل معنككاه‪ :‬أمرنككاهم‬ ‫قرية أمرنا مترفيهككا ففسككقوا فيهككا{ ا َ‬
‫بالطاعة فخالفوا‪ ,‬فدمرناهم‪ ,‬قيل‪ :‬أمرناهم أمرا ً قدريًا‪ ,‬كمككا قككال‬
‫ههنا }ليمكروا فيها{ وقوله تعالى‪} :‬أكابر مجرميها ليمكروا فيها{‬
‫قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس }أكابر مجرميها ليمكروا فيها{‬
‫قال‪ :‬سككلطنا شككرارهم فعصككوا فيهككا‪ ,‬فككإذا فعلككوا ذلككك أهلكنككاهم‬
‫بالعكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككذاب‪.‬‬
‫وقال مجاهد وقتادة }أكابر مجرميها{ عظماؤهككا‪ ,‬قلككت‪ :‬وهكككذا‬
‫قوله تعالى‪} :‬وما أرسلنا في قرية من نذير إل قككال مترفوهككا إنككا‬
‫بما أرسلتم به كافرون * وقالوا نحن أكثر أموال ً وأولدا ً ومككا نحككن‬
‫بمعذبين{ وقال تعالى‪} :‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من‬
‫نذير إل قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا علككى أمككة وإنككا علككى آثككارهم‬
‫مقتدون{ والمراد بالمكر ههنا دعاؤهم إلى الضككللة بزخككرف مككن‬
‫المقال والفعال كقوله تعالى إخبارا ً عن قوم نوح }ومككروا مككرا ً‬
‫كبارًا{ وقوله تعالى‪} :‬ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عنككد ربهكم‬
‫يرجع بعضككهم إلككى بعككض القككول يقككول الككذين استضككعفوا للككذين‬
‫استكبروا لول أنتككم لكنككا مككؤمنين * قككال الككذين اسككتكبروا للككذين‬
‫استضعفوا أنحككن صككددناكم عككن الهككدى بعككد إذ جككاءكم بككل كنتككم‬
‫مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكككر الليككل‬
‫ليككة‪ ,‬وقككال‬‫والنهار إذ تأمروننا أن نكفر با لله ونجعل لككه أنككدادًا{ ا َ‬
‫ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا ابن أبي عمر‪ ,‬حدثنا سفيان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كل مكر في القرآن فهو عمل‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬ومككا يمكككرون إل‬
‫بأنفسهم وما يشعرون{ أي وما يعود وبال مكرهم ذلك وإضككللهم‬
‫من أضلوه إل على أنفسهم‪ ,‬كما قال تعككالى‪} :‬وليحملككن أثقككالهم‬
‫وأثقال ً مع أثقالهم{ وقال }ومن أوزار الذين يضككلونهم بغيككر علككم‬
‫أل ساء ما يككزرون{‪ .‬وقككوله تعككالى‪} :‬وإذا جككاءتهم آيككة قككالوا لككن‬
‫نؤمن حتى نؤتى مثككل مككا أوتككي رسككل اللككه{ أي إذا جككاءتهم آيككة‬
‫وبرهان وحجة قاطعة‪ ,‬قالوا }لن نؤمن حتى نؤتى مثككل مككا أوتككي‬
‫رسل الله{ أي حتى تأتينا الملئكة من اللككه بالرسككالة‪ ,‬كمككا تككأتي‬
‫إلى الرسل‪ ,‬كقوله جل وعل }وقال الككذين ل يرجككون لقاءنككا لككول‬
‫أنكككككككزل علينكككككككا الملئككككككككة أو نكككككككرى ربنكككككككا{ ا َ‬
‫ليكككككككة‪.‬‬
‫‪667‬‬
‫وقوله }الله أعلم حيث يجعل رسالته{ أي هو أعلكم حيكث يضكع‬
‫رسالته ومن يصلح لها من خلقه‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬وقالوا لككول نككزل‬
‫ت‬ ‫هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحم َ‬
‫لية‪ ,‬يعنون لول نزل هذا القككرآن علككى رجككل عظيككم كككبير‬ ‫ربك{ ا َ‬
‫جليل مبجل في أعينهم }من القريككتين{ أي مككن مكككة والطككائف‪,‬‬
‫وذلككك أنهككم قبحهككم اللككه كككانوا يككزدرون بالرسككول صككلوات اللككه‬
‫وسلمه عليه بغيا ً وحسدًا‪ ,‬وعنادا ً واستكبارا ً كقككوله تعككالى مخككبرا ً‬
‫عنه‪} :‬وإذا رآك الككذين كفككروا ِإن يتخككذونك ِإل هككزوًا‪ ,‬أهككذا الككذي‬
‫ل{ وقال تعالى‪} :‬وإذا رأوك إن يتخككذونك إل هككزوا ً‬ ‫بعث الله رسو ً‬
‫أهذا الذي يذكر آلهتكم وهكم بككذكر الرحمكن هكم ككافرون{ وقكال‬
‫تعالى‪} :‬ولقد استهزىء برسل مككن قبلككك فحككاق بالككذين سككخروا‬
‫منهم ما كانوا به يستهزئون{ هذا وهم معككترفون بفضككله وشككرفه‬
‫ونسككبه‪ ,‬وطهككارة بيتككه ومربككاه‪ ,‬ومنشككئه صككلى اللككه وملئكتككه‬
‫والمؤمنون عليه‪ ,‬حتى إنهم كككانوا يسككمونه بينهككم قبككل أن يككوحى‬
‫إليه »المين« وقد اعترف بذلك رئيككس الكفككار أبككو سككفيان حيككن‬
‫سأله هرقل ملك الروم‪ :‬وكيككف نسككبه فيكككم ؟ قككال‪ :‬هككو فينككا ذو‬
‫نسب‪ ,‬قال هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال‪:‬‬
‫ل ك الحديث بطوله‪ ,‬الذي استدل ملك الروم بطهارة صفاته عليككه‬
‫السككككلم علككككى صككككدق نبككككوته وصككككحة مككككا جككككاء بككككه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا محمد بن مصعب‪ ,‬حدثنا الوزاعي‪ ,‬عن‬
‫شداد أبي عمار‪ ,‬عن واثلة بن السقع رضي الله عنككه‪ ,‬أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال »ِإن الله اصطفى من ولد إبراهيم‬
‫ِإسماعيل واصطفى من بني ِإسماعيل بنككي كنانككة واصككطفى مككن‬
‫بني كنانة قريشا ً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من‬
‫بني هاشم« انفرد بإخراجه مسلم‪ ,‬من حديث الوزاعي وهككو عبككد‬
‫الرحمن بن عمرو إمام أهل الشام به نحوه‪ ,‬وفي صحيح البخككاري‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »بعثت من خير قرون بني آدم قرنا ً فقرنًا‪ ,‬حتى بعثت‬
‫مكككككككككككن القكككككككككككرن الكككككككككككذي كنكككككككككككت فيكككككككككككه«‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن يزيد بن أبككي‬
‫زياد‪ ,‬عن عبد الله بن الحارث بككن نوفككل‪ ,‬عككن المطلككب بككن أبككي‬
‫وداعة‪ ,‬قال‪ :‬قال العباس‪ :‬بلغه صلى اللككه عليككه وسككلم بعككض مككا‬
‫‪668‬‬
‫يقول الناس‪ ,‬فصعد المنبر فقال »مكن أنكا ؟« قكالوا أنكت رسكول‬
‫الله‪ ,‬فقال »أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب‪ِ ,‬إن الله خلككق‬
‫الخلق فجعلني في خير خلقه‪ ,‬وجعلهم فريقين فجعلني فككي خيككر‬
‫فرقككة‪ ,‬وخلككق القبككائل فجعلنككي فككي خيككر قبيلككة‪ ,‬وجعلهككم بيوت كا ً‬
‫فجعلني في خيرهم بيتًا‪ ,‬فأنا خيركككم بيتكا ً وخيركككم نفسكًا« صككدق‬
‫صككلوات اللككه وسككلمه عليككه‪ .‬وفككي الحككديث أيضكًا‪ ,‬المككروي عككن‬
‫عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قكال رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم »قال لي جبريل قلبت الرض مشارقها ومغاربها فلككم أجككد‬
‫رجل ً أفضل من محمد‪ ,‬وقلبت الرض مشارقها ومغاربها فلم أجككد‬
‫بنكككي أب أفضكككل مكككن بنكككي هاشكككم« رواه الحكككاكم والكككبيهقي‪.‬‬
‫وقال المام أحمككد‪ :‬حككدثنا أبككو بكككر‪ ,‬حككدثنا عاصككم‪ ,‬عككن زر بككن‬
‫حبيش‪ ,‬عن عبد الله بن مسعود‪ ,‬قككال‪ :‬إن اللككه نظككر فككي قلككوب‬
‫العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلككوب العبككاد‪,‬‬
‫فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته‪ ,‬ثم نظككر فككي قلككوب العبككاد بعككد‬
‫قلب محمد صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فوجككد قلككوب أصككحابه خيككر‬
‫قلككوب العبككاد فجعلهككم وزراء نككبيه‪ ,‬يقككاتلون علككى دينككه‪ ,‬فمككا رآه‬
‫المسلمون حسنا ً فهو عند الله حسككن‪ ,‬ومككا رآه المسككلمون سككيئا ً‬
‫فهو عند الله سيء‪ .‬وقال أحمد‪ :‬حدثنا شجاع بن الوليد‪ ,‬قال‪ :‬ذكر‬
‫قابوس بن أبككي ظبيككان‪ ,‬عككن أبيككه‪ ,‬عككن سككلمان‪ ,‬قككال‪ :‬قككال لككي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »يا سلمان ل تبغضككني فتفككارق‬
‫دينك« قلت‪ :‬يا رسول الله كيف أبغضككك وبككك هككدانا اللككه ؟ قككال‬
‫»تبغض العرب فتبغضني« وذكر ابن أبككي حككاتم فككي تفسككير هككذه‬
‫لية‪ ,‬ذكر عن محمد بن منصور الجككواز‪ ,‬حككدثنا سككفيان عككن أبككي‬ ‫ا َ‬
‫حسين قال‪ :‬أبصر رجل ابن عباس وهو داخل من بككاب المسككجد‪,‬‬
‫فلما نظر إليه راعه فقال‪ :‬من هككذا ؟ قككالوا ابككن عبككاس ابككن عككم‬
‫رسول لله صلى الله عليه وسلم فقككال »اللككه أعلككم حيككث يجعككل‬
‫رسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككالته«‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬سيصيب الذين أجرموا صككغار عنككد اللككه وعككذاب‬
‫لية‪ ,‬هذا وعيد شديد من الله‪ ,‬وتهديد أكيد لمن تكبر عككن‬ ‫شديد{ ا َ‬
‫اتباع رسله والنقياد لهم فيما جاؤوا به‪ ,‬فإنه سيصيبه يوم القيامككة‬
‫بيككن يككدي اللككه صككغار وهككو الذلككة الدائمككة‪ ,‬لمككا أنهككم اسككتكبروا‬
‫فأعقبهم ذلك ذل ً يككوم القيامككة لمككا اسككتكبروا فككي الككدنيا‪ ,‬كقككوله‬
‫‪669‬‬
‫تعككالى‪} :‬إن الككذين يسككتكبرون عككن عبككادتي سككيدخلون جهنككم‬
‫داخرين{ أي صكاغرين ذليليكن حقيريكن‪ ,‬وقكوله تعكالى‪} :‬وعكذاب‬
‫شديد بما كانوا يمكرون{ لما كان المكككر غالبكا ً إنمككا يكككون خفيكًا‪,‬‬
‫وهو التلطف في التحيل والخديعكة‪ ,‬قوبلكوا بالعكذاب الشكديد مكن‬
‫الله يوم القيامة‪ ,‬جزاء وفاق كًا‪} ,‬ول يظلككم ربككك أحككدًا{ كمككا قككال‬
‫تعالى‪} :‬يوم تبلككى السككرائر{ أي تظهككر المسككتترات والمكنونككات‬
‫والضمائر‪ ,‬وجاء في الصحيحين عن رسككول للككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬أنه قال »ينصب لكل غادر لككواء عنككد اسككته يككوم القيامككة‪,‬‬
‫فيقال هذه غدرة فلن بن فلن بن فلن« والحكمككة فككي هككذا أنككه‬
‫لما كان الغدر خفيا ً ل يطلع عليه الناس‪ ,‬فيوم القيامة يصير علم كا ً‬
‫منشككككككككككورا ً علككككككككككى صككككككككككاحبه بمككككككككككا فعككككككككككل‪.‬‬
‫مكن ُيكرِد ْ َأن‬ ‫سكل َم ِ وَ َ‬‫صكد َْرهُ ل ِل ِ ْ‬

‫ح َ‬ ‫شكَر ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫** فَمن يرد الّلك َ‬
‫ه أن ي َْهكدِي َ ُ‬‫ُ‬ ‫َ ُ ِ ِ‬
‫َ‬
‫مآِء ك َكذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫سك َ‬‫صكعّد ُ فِككي ال ّ‬ ‫حَرجكا ً ك َأن ّ َ‬
‫مككا ي َ ّ‬ ‫ضكّيقا ً َ‬ ‫صد َْرهُ َ‬
‫ل َ‬ ‫جع َ ْ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫ن‬
‫مُنككككككو َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫س عََلككككككى اّلكككككك ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جكككككك َ‬ ‫ه الّر ْ‬‫ل الّلكككككك ُ‬ ‫جَعكككككك ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫يقول تعالى‪} :‬فمن يرد الله أن يهككديه يشككرح صككدره للسككلم{‬
‫أي ييسره له وينشطه ويسهله‪ ,‬لذلك فهذه علمككات علككى الخيككر‪,‬‬
‫كقوله تعالى‪} :‬أفمن شرح الله صدره للسلم فهو على نككور مككن‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬ولكن الله حبب إليكم اليمان وزينه في‬ ‫ربه{ ا َ‬
‫قلككوبكم وكككره إليكككم الكفككر والفسككوق والعصككيان أولئك هككم‬
‫الراشدون{ وقال ابن عباس رضي الله عنهما‪ :‬فككي قككوله }فمككن‬
‫يرد الله أن يهديه يشرح صدره للسلم{ يقول تعالى‪ :‬يوسع قلبه‬
‫للتوحيد واليمان به‪ ,‬وكذا قال أبو مالك وغيككر واحككد وهككو ظككاهر‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ ,‬أخبرنا الثوري عن عمرو بن قيس‪ ,‬عن عمرو‬
‫بن مرة‪ ,‬عن أبي جعفر‪ ,‬قال‪ ,‬سئل رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم أي المؤمنين أكيس ؟ قال »أكثرهم ذكرا ً للمككوت وأكككثرهم‬
‫لما بعده استعدادًا« قال‪ :‬وسئل النبي صلى الله عليه وسككلم عككن‬
‫لية }فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للسككلم{ قككالوا‪:‬‬ ‫هذه ا َ‬
‫كيف يشرح صدره يا رسول الله ؟ قال »نور يقذف فيه فينشككرح‬
‫له وينفسح« قالوا‪ :‬فهل لذلك من أمارة يعرف بها ؟ قال »النابككة‬
‫إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور‪ ,‬والستعداد للموت قبككل‬
‫‪670‬‬
‫لقاء المككوت« وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا هنككاد‪ ,‬حككدثنا قبيصككة عككن‬
‫سفيان يعني الثوري‪ ,‬عن عمرو بن مرة‪ ,‬عن رجل يكنى أبا جعفر‬
‫كان يسكن المدائن‪ ,‬قال‪ :‬سئل النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬عككن‬
‫قول الله تعالى‪} :‬فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للسككلم{‬
‫فككككككككككككككككذكر نحككككككككككككككككو مككككككككككككككككا تقككككككككككككككككدم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حككدثنا ابككن إدريككس‪,‬‬
‫عن الحسن بكن الفككرات القكزاز‪ ,‬عككن عمككرو بكن مكرة‪ ,‬عكن أبكي‬
‫جعفر‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم }فمككن يككرد‬
‫الله أن يهديه يشرح صدره للسلم{ قال رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »إذا دخل اليمان القلب انفسح لكه القلكب وانشكرح«‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله هل لذلك من أمارة ؟ قال »نعككم النابككة إلككى‬
‫دارالخلككود والتجككافي عككن دار الغككرور‪ ,‬والسككتعداد للمككوت قبككل‬
‫الموت« وقد رواه ابن جرير‪ :‬عككن سككوار بككن عبككد اللككه العنككبري‪,‬‬
‫حدثنا المعتمر بن سليمان‪ ,‬سمعت أبي يحدث عككن عبككد اللككه بككن‬
‫مكككككككككككرة‪ ,‬عكككككككككككن أبكككككككككككي جعفكككككككككككر فكككككككككككذكره‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككو سككعيد الشككج‪ ,‬حككدثنا أبككو خالككد‬
‫الحمر‪ ,‬عن عمرو بن قيس‪ ,‬عن عمرو بن مرة‪ ,‬عن عبد الله بككن‬
‫ور‪ ,‬قال‪ :‬تل رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم هككذه ا َ‬
‫ليككة‬ ‫المس ّ‬
‫}فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للسلم{ قالوا‪ :‬يككا رسككول‬
‫الله ما هذا الشرح ؟ قال »نور يقذف بككه فككي القلككب« قككالوا‪ :‬يككا‬
‫رسول الله فهل لذلك من أمارة تعرف ؟ قال »نعم« قككالوا‪ :‬ومككا‬
‫هي ؟ قككال »النابككة إلككى دار الخلككود والتجككافي عككن دار الغككرور‪,‬‬
‫والسككككككككككككتعداد للمككككككككككككوت قبككككككككككككل المككككككككككككوت«‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضًا‪ :‬حككدثني هلل بككن العلء‪ ,‬حككدثنا سككعيد بككن‬
‫عبد الملك بن واقد‪ ,‬حدثنا محمد بن سلمة‪ ,‬عن أبي عبككد الرحيككم‬
‫عن زيد بن أبي أنيسة‪ ,‬عن عمرو بن مرة‪ ,‬عن أبي عبيدة بن عبد‬
‫الله بن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬قككال رسككول اللككه »إذا دخككل النككور القلككب‬
‫انفسح وانشرح« قالوا‪ :‬فهل لذلك مككن علمككة يعككرف بهككا ؟ قككال‬
‫»النابككة إلككى دار الخلككود والتنحككي عككن دار الغككرور‪ ,‬والسككتعداد‬
‫للموت قبل لقاء الموت« وقد رواه من وجه آخر عن ابن مسكعود‬
‫متصل ً مرفوعا ً فقال‪ :‬حدثني ابن سنان القزاز‪ ,‬حدثنا محبككوب بككن‬
‫الحسن الهاشمي‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن عبد الرحمن بن عبيد اللككه بككن‬
‫‪671‬‬
‫عتبة‪ ,‬عن عبد الله بن مسعود‪ ,‬عن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال }فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للسلم{ قالوا‪:‬‬
‫يككا رسككول اللككه وكيككف يشككرح صككدره ؟ قككال »يككدخل فيككه النككور‬
‫فينفسح« قالوا‪ :‬وهل لذلك علمة يا رسول الله ؟ قال »التجككافي‬
‫عن دار الغرور والنابة إلى دار الخلود‪ ,‬والستعداد للموت قبل أن‬
‫ينزل الموت« فهذه طككرق لهككذا الحككديث مرسككلة ومتصككلة‪ ,‬يشككد‬
‫بعضككككككككككككككها بعضككككككككككككككًا‪ ,‬واللككككككككككككككه أعلككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ومن يرد أن يضككله يجعككل صككدره ضككيقا ً حرج كًا{‬
‫قرىء بفتح الضاد وتسكين اليككاء‪ ,‬والكككثرون ضككيقا ً بتشككديد اليككاء‬
‫وكسرها‪ ,‬وهما لغتان كهين وهين‪ ,‬وقرأ بعضهم حرجا ً بفتككح الحككاء‬
‫وكسر الراء قيل بمعنى آثم‪ ,‬قاله السدي‪ ,‬وقيل‪ :‬بمعنككى القككراءة‬
‫الخرى حرجا ً بفتح الحاء والراء‪ ,‬وهككو الككذي ل يتسككع لشككيء مككن‬
‫الهدى‪ ,‬ول يخلص إليه شيء ما ينفعه من اليمككان‪ ,‬ول ينفككذ فيككه‪.‬‬
‫وقد سأل عمر بن الخطاب رضككي اللككه عنككه رجل ً مككن العككراب‬
‫من أهل البادية من مدلج عن الحرجة‪ ,‬فقال‪ :‬هي الشككجرة تكككون‬
‫بين الشجار‪ ,‬ل تصل إليها راعية ول وحشية ول شيء‪ ,‬فقال عمر‬
‫رضي الله عنه‪ :‬كذلك قلب المنافق ل يصل إليه شيء من الخيككر‪.‬‬
‫وقال العوفي‪ :‬عن ابن عبككاس‪ ,‬يجعككل اللككه عليككه السككلم ضككيقًا‪,‬‬
‫والسلم واسع‪ ,‬وذلك حين يقول }ما جعل عليكم في الككدين مككن‬
‫حرج{ يقول‪ :‬ما جعل عليكم في السلم من ضيق‪ ,‬وقال مجاهككد‬
‫والسدي‪ :‬ضيقا ً حرجا ً شاكًا‪ ,‬وقال عطاء الخراساني‪ :‬ضيقا ً حرجككا ً‬
‫أي ليس للخير فيه منفذ‪ ,‬وقال ابن المبارك عن ابن جريج‪ :‬ضككيقا ً‬
‫حرجا ً بل إله إل الله حتى ل يستطيع أن تدخل قلبه‪} ,‬كأنما يصككعد‬
‫في السماء{ من شدة ذلك عليه‪ .‬وقككال سككعيد بككن جككبير‪ :‬يجعككل‬
‫صككدره ضككيقا ً حرج كًا‪ ,‬قككال‪ :‬ل يجككد فيككه مسككلكا ً إل صككعدًا‪ .‬وقككال‬
‫السكككدي }كأنمكككا يصكككعد فكككي السكككماء{ مكككن ضكككيق صكككدره‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني }كأنما يصعد في السككماء{ يقككول مثلككه‬
‫كمثل الذي ل يستطيع أن يصككعد إلككى السككماء‪ ,‬وقككال الحكككم بككن‬
‫أبان‪ :‬عن عكرمككة عككن ابككن عبككاس }كأنمككا يصككعد فككي السككماء{‬
‫يقككول‪ :‬فكمككا ل يسككتطيع ابككن آدم أن يبلككغ السككماء‪ ,‬فكككذلك ل‬
‫يستطيع أن يدخل التوحيد واليمككان قلبككه‪ ,‬حككتى يككدخله اللككه فككي‬
‫‪672‬‬
‫قلبه‪ ,‬وقال الوزاعي }كأنما يصككعد فككي السككماء{ كيككف يسككتطيع‬
‫مكككككن جعكككككل اللكككككه صكككككدره ضكككككيقا ً أن يككككككون مسكككككلمًا‪.‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بن جرير‪ :‬وهذا مثل ضربه الله لقلب هككذا‬
‫الكافر في شدة ضيقه عن وصول اليمان إليه‪ ,‬يقول‪ :‬فمثلككه فككي‬
‫امتناعه من قبول اليمان وضيقه عن وصككوله إليككه‪ ,‬مثككل امتنككاعه‬
‫عككن الصككعود إلككى السككماء وعجككزه عنككه‪ ,‬لنككه ليككس فككي وسككعه‬
‫وطاقته‪ ,‬وقال‪ :‬في قوله }كذلك يجعل الله الرجس على الذين ل‬
‫يؤمنون{ يقول‪ :‬كما يجعل الله صدر من أراد إضلله ضيقا ً حرج كًا‪,‬‬
‫كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله‪ ,‬ممن أبككى اليمككان‬
‫بالله ورسوله فيغويه ويصده عن سبيل الله‪ ,‬وقال ابن أبي طلحككة‬
‫عن ابن عباس‪ :‬الرجس الشككيطان‪ ,‬وقككال مجاهككد‪ :‬الرجككس‪ :‬كككل‬
‫مال خيكر فيكه‪ ,‬وقكال عبكد الرحمكن بكن زيكد بكن أسكلم‪ :‬الرجكس‬
‫العككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككذاب‪.‬‬
‫ن*‬ ‫صل َْنا ال َي َككا ِ‬

‫ت ل َِقكوْم ٍ ي َكذ ّك ُّرو َ‬ ‫ست َِقيما ً قَد ْ فَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ُ‬‫ط َرب ّ َ‬‫صَرا ُ‬
‫ذا ِ‬‫هـ َ‬‫** وَ َ‬
‫ن‬‫مُلككو َ‬‫كككاُنوا ْ ي َعْ َ‬
‫مككا َ‬‫م بِ َ‬ ‫هككوَ وَل ِي ُّهكك ْ‬‫م وَ ُ‬ ‫عنككد َ َرب ِّهكك ْ‬‫سككل َم ِ ِ‬
‫داُر ال ّ‬
‫م َ‬ ‫ل َُهكك ْ‬
‫لما ذكر تعالى طريق الضككالين عككن سككبيله الصككادين عنهككا‪ ,‬نبككه‬
‫على شرف ما أرسل به رسككوله مككن الهككدى وديككن الحككق‪ ,‬فقككال‬
‫تعالى‪} :‬وهذا صراط ربككك مسككتقيمًا{ منصككوب علككى الحككال‪ ,‬أي‬
‫هذا الدين الذي شرعناه لك يا محمد بما أوحينا إليك هككذا القككرآن‬
‫هو صراط الله المستقيم‪ ,‬كما تقدم في حديث الحارث عن علككي‬
‫في نعت القرآن‪ :‬هو صراط الله المستقيم وحبل الله المتين وهو‬
‫ليككات{‬ ‫الذكر الحكيم‪ ,‬رواه أحمد والترمذي بطوله‪} ,‬قككد فصككلنا ا َ‬
‫أي وضحناها وبيناها وفسرناها }لقوم يذكرون{ أي لمككن لككه فهككم‬
‫ووعي يعقل عككن اللككه ورسككوله }لهككم دار السككلم{ وهككي الجنككة‬
‫}عند ربهم{ أي يوم القيامة‪ ,‬وإنما وصككف اللككه الجنككة ههنككا بككدار‬
‫السلم‪ ,‬لسلمتهم فيما سلكوه من الصككراط المسككتقيم المقتفككي‬
‫أثر النبياء وطرائقهم‪ ,‬فكما سلموا من آفات العوجاج أفضوا إلى‬
‫دار السلم }وهو وليهم{ أي حافظهم وناصككرهم ومؤيككدهم }بمككا‬
‫كانوا يعملون{ أي جزاء على أعمككالهم الصككالحة‪ ,‬تككولهم وأثككابهم‬
‫الجنككككككككككككككككككككككة بمنككككككككككككككككككككككه وكرمككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫‪673‬‬
‫س‬
‫ن ال َ ِن ْك ِ‬ ‫مك َ‬ ‫م ّ‬ ‫سكت َك ْث َْرت ُ ْ‬
‫ن قَدِ ا ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫شَر ال ْ ِ‬ ‫مع ْ َ‬‫ميعا ً َيا َ‬‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫شُرهُ ْ‬‫ح ُ‬ ‫م يِ ْ‬ ‫** وَي َوْ َ‬
‫جل َن َككا‬
‫ض وَب َل َغْن َككآ أ َ‬ ‫ض كَنا ب ِب َعْ ك ٍ‬ ‫مت َعَ ب َعْ ُ‬‫ست َ ْ‬
‫س َرب َّنا ا ْ‬ ‫ن ال ِن ْ ِ‬ ‫م َ‬‫هم ّ‬ ‫ل أ َوْل َِيآؤُ ُ‬‫وََقا َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ه إِ ّ‬ ‫شككآَء الل ّك ُ‬ ‫مككا َ‬ ‫ن ِفيَهآ إ ِل ّ َ‬‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫واك ُ ْ‬
‫مث ْ َ‬‫ل الّناُر َ‬ ‫ت ل ََنا َقا َ‬ ‫جل ْ َ‬ ‫ال ّذِيَ أ ّ‬
‫م‬‫عليكككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫م َ‬‫كيكككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫ك َ‬ ‫َرّبكككككككككككككككككككككك َ‬
‫يقول تعالى واذكر يا محمد فيما تقصه عليهم وتنذرهم به }ويوم‬
‫يحشرهم جميعًا{ يعني الجن وأوليككاءهم مككن النككس الككذين كككانوا‬
‫يعبدونهم في الدنيا‪ ,‬ويعوذون بهم ويطيعونهم‪ ,‬ويوحي بعضهم إلى‬
‫بعض زخرف القول غرورًا‪} ,‬يا معشككر الجككن قككد اسككتكثرتم مككن‬
‫النس{ أي ثم يقول‪ :‬يا معشككر الجككن‪ ,‬وسككياق الكلم يككدل علككى‬
‫المحككذوف‪ ,‬ومعنككى قككوله }قككد اسككتكثرتم مككن النككس{ أي مككن‬
‫إغوائهم‪ ,‬وإضللهم‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬ألم أعهد إليكم يا بنككي آدم أن‬
‫ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هككذا صككراط‬
‫مستقيم * ولقد أضل منكم جبل ً كثيرا ً أفلم تكونوا تعقلون{ وقال‬
‫علي بن أبي طلحة عن ابن عباس }يا معشر الجن قد اسككتكثرتم‬
‫من النس{ يعني أضللتم منهم كثيرًا‪ ,‬وكذا قال مجاهككد والحسككن‬
‫وقتادة‪} ,‬وقال أولياؤهم من النككس ربنككا اسككتمتع بعضككنا ببعككض{‬
‫يعني أن أولياء الجن من النس قالوا‪ :‬مجيبين لله تعالى عن ذلككك‬
‫بهككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككذا‪.‬‬
‫قال ابن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا أبككو الشككهب هككوذة بككن‬
‫لية‪ ,‬قال استكثرتم مككن‬ ‫خليفة‪ ,‬حدثنا عوف عن الحسن في هذه ا َ‬
‫أهل النار يوم القيامة‪ ,‬فقككال أوليككاؤهم مككن النككس‪ :‬ربنككا اسككتمتع‬
‫بعضناببعض‪ ,‬قال الحسن وما كان استمتاع بعضككهم ببعككض‪ ,‬إل أن‬
‫الجن أمرت وعملت النس‪ ,‬وقال محمد بن كعب في قوله }ربنككا‬
‫اسككككتمتع بعضككككنا ببعككككض{ قككككال الصككككحابة‪ :‬فككككي الككككدنيا‪.‬‬
‫وقال ابن جريج‪ :‬كان الرجل في الجاهليككة ينككزل الرض فيقككول‪:‬‬
‫أعككوذ بكككبير هككذا الككوادي‪ ,‬فككذلك اسككتمتاعهم فاعتككذروا بككه يككوم‬
‫القيامة‪ ,‬وأما استمتاع الجن بالنس فإنه كان فيمككا ذكككر‪ ,‬مككا ينككال‬
‫الجككن مككن النككس مككن تعظيمهككم إيككاهم فككي اسككتعانتهم بهككم‪,‬‬
‫فيقولون‪ :‬قد سدنا النس والجن }وبلغنا أجلنككا الككذي أجلككت لنككا{‬
‫قككال السككدي‪ :‬يعنككي المككوت‪} ,‬قككال النككار مثككواكم{ أي مككأواكم‬
‫‪674‬‬
‫ومنزلكم أنتم وإياهم وأولياؤكم‪} ,‬خالدين فيهككا{ أي مككاكثين فيهككا‬
‫مكثا ً مخلدا ً إل ما شاء الله‪ ,‬قككال بعضككهم‪ :‬يرجككع معنككى السككتثناء‬
‫إلى البرزخ‪ ,‬وقال بعضهم‪ :‬هذا رد إلى مدة الدنيا‪ ,‬وقيل غير ذلككك‬
‫من القوال التي سيأتي تقريرها‪ ,‬عند قوله تعالى في سورة هود‪,‬‬
‫}خالدين فيها ما دامت السموات والرض إل ما شاء ربك إن ربك‬
‫فعال لما يريد{ وقد روى ابن جرير وابن أبي حككاتم فككي تفسككيره‬
‫لية‪ ,‬من طريكق عبككد اللكه بكن صكالح ككاتب الليكث‪ ,‬حكدثني‬ ‫هذه ا َ‬
‫معاوية بن صالح‪ ,‬عن علي بن أبي حاتم بن أبي طلحككة‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬قال }النار مثواكم خالدين فيها إل مككا شككاء اللككه إن ربككك‬
‫لية آية ل ينبغي لحككد أن يحكككم علككى‬ ‫حكيم عليم{ قال‪ :‬إن هذه ا َ‬
‫اللكككككككه فكككككككي خلقكككككككه ول ينزلهكككككككم جنكككككككة ول نكككككككارًا‪.‬‬
‫ن‬ ‫كككاُنوا ْ ي َك ْ ِ‬
‫سككُبو َ‬ ‫ن ب َْعضككا ً ب ِ َ‬
‫مككا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ض ال ّ‬
‫ظككال ِ ِ‬ ‫ك ُنككوَّلي ب َْعكك َ‬ ‫** وَ َ‬
‫كككذ َل ِ َ‬
‫قككال سككعيد عككن قتككادة فككي تفسككيرها‪ :‬إنمككا يككولي اللككه النككاس‬
‫ي المؤمن أيككن كككان وحيككث كككان‪ ,‬والكككافر‬ ‫بأعمالهم‪ ,‬فالمؤمن ول ّ‬
‫ي الكافر أينمككا كككان وحيثمككا كككان‪ ,‬وليككس اليمككان بككالتمني ول‬ ‫ول ّ‬
‫بالتحلي واختاره ابن جريككر‪ ,‬وقككال معمككر عككن قتككادة فككي تفسككير‬
‫لية‪ :‬يولي الله بعض الظالمين بعضا ً في النار‪ ,‬يتبع بعضهم بعضًا‪.‬‬ ‫ا َ‬
‫وقال مالك بن دينار‪ :‬قرأت في الزبور‪ ,‬إني أنتقم مككن المنككافقين‬
‫بالمنافقين‪ ,‬ثم أنتقم من المنافقين جميعًا‪ ,‬وذلك فككي كتككاب اللككه‬
‫قول الله تعالى‪} :‬وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا{ وقكال عبككد‬
‫الرحمككن بككن زيككد بككن أسككلم‪ :‬فككي قككوله }وكككذلك نككولي بعككض‬
‫الظالمين بعضًا{ قال‪ :‬ظالمي الجن وظالمي النس‪ ,‬وقرأ }ومككن‬
‫يعش عن ذكر الرحمن نقيض لككه شككيطانا ً فهككو لككه قريككن{ قككال‪:‬‬
‫ونسلط ظلمة الجن على ظلمككة النككس‪ ,‬وقككد روى الحككافظ ابككن‬
‫عساكر في ترجمة عبد الباقي بن أحمد‪ ,‬من طريق سعيد بن عبد‬
‫الجبار الكرابيسي‪ ,‬عن حماد بن سلمة‪ ,‬عن عاصككم‪ ,‬عككن ذر‪ ,‬عككن‬
‫ابن مسعود‪ ,‬مرفوعا ً »من أعان ظالما ً سككلطه اللككه عليككه« وهككذا‬
‫حكككككككككديث غريكككككككككب‪ ,‬وقكككككككككال بعكككككككككض الشكككككككككعراء‪:‬‬
‫ومككا مككن يككد إل يككد اللككه فوقهككاول ظككالم إل سككيبلى بظككالم‬
‫‪675‬‬
‫لية الكريمة‪ ,‬كما ولينا هؤلء الخاسرين من النس تلككك‬ ‫ومعنى ا َ‬
‫الطائفة التي أغوتهم مككن الجككن‪ ,‬كككذلك نفعككل بالظككالمين نسككلط‬
‫بعضهم على بعض ونهلك بعضهم ببعض وننتقم من بعضهم ببعض‪,‬‬
‫جككككككككككككككزاء علككككككككككككككى ظلمهككككككككككككككم وبغيهككككككككككككككم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن عَل َي ْك ُك ْ‬
‫م‬ ‫صككو َ‬ ‫م ي َُق ّ‬‫من ْك ُك ْ‬
‫ل ّ‬ ‫سك ٌ‬‫م ُر ُ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫س أل َ ْ‬‫ِ‬ ‫ن َوال ِن ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫شَر ال ْ ِ‬ ‫مع ْ َ‬‫** َيا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذا قَككاُلوا ْ َ‬
‫س كَنا‬
‫ى أن ُْف ِ‬ ‫ش كهِد َْنا عَل ك َ‬ ‫هـ ك َ‬
‫م َ‬ ‫مك ُ ْ‬‫م ل َِقككآَء ي َكوْ ِ‬‫آي َككاِتي وَُين كذُِرون َك ُ ْ‬
‫شهدوا ْ عَل َكى أ َنُفسكه َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬‫م ك َككاُنوا ْ ك َككافِ ِ‬
‫م أن ّهُك ْ‬ ‫َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا وَ َ ِ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫وَغَّرت ْهُ ُ‬
‫وهذا أيضا ً مما يقرع الله به كافري الجن والنككس يككوم القيامككة‪,‬‬
‫حيككث يسككألهم وهككو أعلككم هككل بلغتهككم الرسككل رسككالته ؟ وهككذا‬
‫استفهام تقرير }يا معشر الجن والنس ألم يككأتكم رسككل منكككم{‬
‫أي من جملتكم‪ ,‬والرسل من النس فقط وليس من الجن رسل‪,‬‬
‫كما قد نص على ذلك مجاهد وابن جريككج وغيككر واحككد مككن الئمككة‬
‫من السلف والخلف‪ ,‬وقال ابن عباس‪ :‬الرسل من بنككي آدم ومككن‬
‫الجن نذر‪ .‬وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم‪ :‬أنككه زعككم أن‬
‫لية الكريمة‪ ,‬وفيه نظر‪ ,‬لنها محتملة‬ ‫في الجن رسل ً واحتج بهذه ا َ‬
‫وليست بصريحة‪ ,‬وهككي ك ك واللككه أعلككم ك ك كقككوله }مككرج البحريككن‬
‫يلتقيان * بينهما برزخ ل يبغيان * فبأي آلء ربكما تكذبان{ إلى أن‬
‫قال }يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان{ ومعلوم أن اللؤلؤ والمرجان‬
‫إنما يستخرجان من الملح ل من الحلو‪ ,‬وهذا واضككح وللككه الحمككد‪,‬‬
‫وقد ذكر هذا الجواب بعينه ابككن جريككر‪ ,‬والككدليل علككى أن الرسككل‬
‫إنما هم من النس‪ ,‬قوله تعالى‪} :‬إنا أوحينا إليك كمكا أوحينككا إلككى‬
‫نوح والنبيين من بعده ك إلى قوله كك رسكل ً مبشككرين ومنككذرين لئل‬
‫يككككككون للنكككككاس علكككككى اللكككككه حجكككككة بعكككككد الرسكككككل{‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬عن إبراهيم }وجعلنا فكي ذريتكه النبكوة والكتكاب{‬
‫فحصر النبوة والكتاب بعد إبراهيم في ذريته‪ ,‬ولككم يقككل أحككد مككن‬
‫النككاس‪ :‬إن النبككوة كككانت فككي الجككن قبككل إبراهيككم الخليككل‪ ,‬ثككم‬
‫انقطعككت عنهككم ببعثتككه‪ ,‬وقككال تعككالى‪} :‬ومككا أرسككلنا قبلككك مككن‬
‫المرسلين إل إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في السواق{ وقككال‬
‫}وما أرسلنا من قبلكك إل رجكال ً نكوحي إليهكم مكن أهكل القكرى{‬
‫ومعلوم أن الجن تبككع للنككس فككي هككذا البككاب‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‬
‫‪676‬‬
‫إخبارا ً عنهم }وإذ صرفنا إليك نفرا ً مككن الجككن يسككتمعون القككرآن‬
‫فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قككومهم منككذرين *‬
‫قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا ً أنزل من بعد موسى مصدقا ً لما بين‬
‫يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي‬
‫الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنككوبكم ويجركككم مككن عككذاب أليككم *‬
‫ومن ل يجب داعي الله فليس بمعجز فككي الرض وليككس لككه مككن‬
‫دونه أولياء‪ ,‬أولئك في ضلل مبين{ وقد جككاء فككي الحككديث الككذي‬
‫رواه الترمذي وغيره‪ :‬أن رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم تل‬
‫عليهككم سككورة الرحمككن وفيهككا قككوله تعككالى‪} :‬سككنفرغ لكككم أيهككا‬
‫الثقلن * فبككككككككككككككأي آلء ربكمككككككككككككككا تكككككككككككككككذبان{‪.‬‬
‫لية الكريمة }يا معشر الجن والنس ألككم‬ ‫وقال تعالى في هذه ا َ‬
‫يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا‬
‫قككالوا شككهدنا علككى أنفسككنا{ أي أقررنككا أن الرسككل قككد بلغونككا‬
‫رسالتك وأنككذرونا لقككاءك‪ ,‬وأن هككذا اليككوم كككائن ل محالككة‪ ,‬وقككال‬
‫تعالى‪} :‬وغرتهم الحياة الدنيا{ أي وقد فرطوا في حيكاتهم الكدنيا‪,‬‬
‫وهلكوا بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم للمعجزات‪ ,‬لما اغتروا به مككن‬
‫زخرف الحياة الدنيا وزينتها وشهواتها‪} ,‬وشككهدوا علككى أنفسككهم{‬
‫أي يوم القيامة }أنهم كانوا كافرين{ أي في الدنيا‪ ,‬بما جاءتهم به‬
‫الرسكككككككككل صكككككككككلوات اللكككككككككه وسكككككككككلمه عليهكككككككككم‪.‬‬
‫َ‬ ‫** ذ َل ِ َ َ‬
‫ن*‬ ‫ك ال ُْقكَرىَ ب ِظ ُل ْكم ٍ وَأهْل ُهَككا غَككافُِلو َ‬‫مهْل ِك َ‬
‫ك ُ‬ ‫ن ّرب ّك َ‬ ‫ك أن ل ّ ْ‬
‫م ي َك ُك ْ‬
‫ن‬‫مُلككو َ‬‫مككا ي َعْ َ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫ك ب َِغاِفكك ٍ‬ ‫مُلككوا ْ وَ َ‬
‫مككا َرّبكك َ‬ ‫مككا عَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ت ّ‬ ‫جككا ٌ‬ ‫ككك ّ‬
‫ل د ََر َ‬ ‫وَل ِ ُ‬
‫يقول تعالى‪} :‬ذلك أن لم يكن ربك مهلك القككرى بظلككم وأهلهككا‬
‫غككافلون{ أي إنمككا أعككذرنا إلككى الثقليككن بإرسككال الرسككل وإنككزال‬
‫الكتب‪ ,‬لئل يؤاخذ أحد بظلمه وهو لم تبلغككه دعككوة‪ ,‬ولكككن أعككذرنا‬
‫إلى المم‪ ,‬وما عذنبا أحدا ً إل بعد إرسال الرسل إليهككم‪ ,‬كمككا قككال‬
‫تعالى‪} :‬وإن من قرية إل خل فيها نذير{ وقال تعالى‪} :‬ولقد بعثنا‬
‫في كل أمككة رسككول ً أن اعبككدوا اللككه واجتنبككوا الطككاغوت{ كقككوله‬
‫ل{ وقككال تعككالى‪} :‬كلمككا ألقككي‬ ‫}وما كنا معذبين حتى نبعث رسككو ً‬
‫فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ؟ قالوا بلى قد جاءنا نككذير‬
‫ليككككككككككات فككككككككككي هككككككككككذا كككككككككككثيرة‪.‬‬ ‫فكككككككككككذبنا{ وا َ‬
‫‪677‬‬
‫قال المام أبو جعفر بن جرير‪ :‬ويحتمككل قككوله تعككالى‪} :‬بظلككم{‬
‫وجهين )أحدهما( }ذلك{ من أجل }أن لم يكن ربك مهلك القككرى‬
‫بظلم{ أهلها بالشرك ونحوه وهككم غككافلون‪ ,‬ويقككول‪ :‬إن لككم يكككن‬
‫يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسول ً ينبههم علككى حجككج اللككه‬
‫عليهم‪ ,‬ينذرهم عذاب الله يوم معادهم‪ ,‬ولم يكن بالذي يؤاخككذهم‬
‫غفلة‪ ,‬فيقولوا‪ :‬ما جاءنا من بشير ول نذير )والوجه الثاني( }ذلككك‬
‫أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم{ يقول‪ :‬لم يكن ربك‪ .‬ليهلكهم‬
‫ليات والعبر فيظلمهم بذلك‪ ,‬والله‬ ‫دون التنبيه والتذكير بالرسل وا َ‬
‫غير ظلم لعبيده‪ ,‬ثم شرع يرجح الوجه الول‪ ,‬ول شك أنه أقككوى‪,‬‬
‫قال‪ :‬وقوله تعالى‪} :‬ولكل درجات مما عملوا{ أي ولكل عامككل‬
‫في طاعة الله أو معصيته مراتب ومنككازل مككن عملككه‪ ,‬يبلغككه اللككه‬
‫إياها ويثيبه بها‪ ,‬إن خيرا ً فخير وإن شرا ً فشٌر‪) ,‬قلت( ويحتمككل أن‬
‫يعككود قككوله }ولكككل درجككات ممككا عملككوا{ أي مككن كككافري الجككن‬
‫والنس‪ ,‬أي ولكككل درجككة فككي النككار بحسككبه‪ ,‬كقككوله }قككال لكككل‬
‫ضعف{ وقوله }الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عككذابا ً‬
‫فوق العذاب بما كانوا يفسدون{ }وما ربك بغافل عمكا يعملكون{‬
‫قال ابن جرير‪ :‬أي وكل ذلك من عملهم يا محمد بعلم مككن ربككك‪,‬‬
‫يحصككيها ويثبتهككا لهككم عنككده‪ ,‬ليجككازيهم عليهككا عنككد لقككائهم إيككاه‬
‫ومعكككككككككككككككككككككككككككككككككككادهم إليكككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫ذو الرحمة إن ي َ ْ‬
‫مككن ب َعْ كدِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ِ‬ ‫خل ِ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬ ‫ّ ْ َ ِ ِ َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ّ‬ ‫ك ال ْغَن ِ‬ ‫** وََرب ّ َ‬
‫شآُء ك َمآ َأن َ َ‬
‫ت‬ ‫ن لَ ٍ‬ ‫دو َ‬ ‫مككا ُتوعَك ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬ ‫من ذ ُّري ّةِ قَوْم ٍ آ َ‬ ‫م ّ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ي َ َ‬‫ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫مك ٌ‬‫عا ِ‬ ‫م إ ِن ّككي َ‬‫مكككان َت ِك ْ‬ ‫ى َ‬ ‫ملوا عَل َ‬ ‫ل َياقَوْم ِ اعْ َ‬ ‫ن * قُ ْ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫مع ْ ِ‬ ‫مآ أنُتم ب ِ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬‫ح الظ ّككال ِ ُ‬‫ه ل َ ي ُْفل ِك ُ‬ ‫دارِ إ ِن ّك ُ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫كو ُ‬‫من ت َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬‫سو ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫يقول تعالى‪} :‬وربك{ يا محمد }الغني{ أي عن جميع خلقه من‬
‫جميع الوجوه‪ ,‬وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم‪} ,‬ذو الرحمة{‬
‫أي وهو مع ذلك رحيككم بهككم‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬إن اللككه بالنككاس‬
‫لكككرؤوف رحيكككم{ }إن يشكككأ يكككذهبكم{ أي إذا خكككالفتم أمكككره‬
‫}ويستخلف من بعدكم مككا يشككاء{ أي قوم كا ً آخريككن‪ ,‬أي يعملككون‬
‫بطاعته }كما أنشأكم من ذرية قككوم آخريككن{ أي هككو قككادر علككى‬
‫‪678‬‬
‫ذلك سهل عليه يسير لديه‪ ,‬كما أذهب القرون الولى وأتى بالككذي‬
‫بعدها كذلك هو قادر على إذهاب هؤلء والتيان بآخرين‪ ,‬كما قككال‬
‫تعالى‪} :‬إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله علككى‬
‫ذلك قديرًا{ وقال تعالى‪} :‬يا أيها النككاس أنتككم الفقككراء إلككى اللككه‬
‫والله هو الغني الحميد * إن يشأ يككذهبكم ويككأت بخلككق جديكد ومكا‬
‫ذلكككككككككككككككك علكككككككككككككككى اللكككككككككككككككه بعزيكككككككككككككككز{‪.‬‬
‫قال تعالى‪} :‬والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما ً‬
‫غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم{ وقال محمد بن إسحاق‪ ,‬عن يعقوب‬
‫بن عتبه قال‪ :‬سمعت أبان بن عثمان يقول فككي هككذه ا َ‬
‫ليككة }كمككا‬
‫أنشأكم من ذريككة قككوم آخريككن{ الذريككة الصككل والذريككة النسككل‪,‬‬
‫لت وما أنتم بمعجزين{ أي أخككبرهم‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬إنما توعدون َ‬
‫يا محمد‪ ,‬أن الذي يوعدون به من أمر المعاد كائن ل محالة‪} ,‬وما‬
‫أنتم بمعجزين{ أي ول تعجزون الله‪ ,‬بل هككو قككادر علككى إعككادتكم‬
‫وإن صرتم ترابا ً رفاتا ً وعظامًا‪ ,‬هو قادر ل يعجزه شيء‪ ,‬وقال ابن‬
‫أبي حاتم في تفسيرها‪ :‬حدثني أبككي‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن المصككفى‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن حمير عن أبي بكر بن أبككي مريككم عككن عطككاء بككن‬
‫أبي رباح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عككن النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم أنككه قككال‪» :‬يككا بنككي آدم إن كنتككم تعقلككون فعككدوا‬
‫لت وما أنتم‬ ‫أنفسكم من الموتى والذي نفسي بيده إنما توعدون َ‬
‫بمعجزيكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن«‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬قككل يككا قككوم اعملككوا علككى مكككانتكم إنككي عامككل‬
‫فسوف تعلمون{ هذا تهديد شديد ووعيد أكيككد أي اسككتمروا علككى‬
‫طريقتكم وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هككدى فأنككا مسككتمر‬
‫على طريقتي ومنهجي كقوله }وقل للذين ل يؤمنون اعملوا على‬
‫مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظككرون{ قككال علككي بككن أبككي‬
‫طلحة عن ابن عباس }على مكانتكم{ ناحيتكم }فسوف تعلمككون‬
‫من تكون له عاقبة الدار إنه ل يفلح الظالمون{ أي أتكككون لككي أو‬
‫لكم وقد أنجز اللكه موعكده لرسكوله صكلوات اللكه عليكه أي فكإنه‬
‫تعالى مكنه في البلد وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد وفتح‬
‫له مكة وأظهره على من كذبه من قومه وعككاداه ونككاوأه واسككتقر‬
‫أمره على سائر جزيرة العرب وكذلك اليمن والبحرين وكككل ذلككك‬
‫في حياته ثم فتحت المصار والقاليم والرساتيق بعككد وفككاته فككي‬
‫‪679‬‬
‫أيام خلفائه رضي الله عنهم أجمعين‪ ,‬كما قال الله تعالى‪} :‬كتككب‬
‫الله لغلبن أنككا ورسكلي إن اللكه قككوي عزيكز{ وقككال }إنككا لننصكر‬
‫رسلنا والذين آمنوا في الحياة الككدنيا ويككوم يقككوم الشككهاد يككوم ل‬
‫ينفع الظكالمين معكذرتهم ولهكم اللعنكة ولهكم سكوء الكدار{ وقكال‬
‫تعالى‪} :‬ولقد كتبنككا فككي الزبككور مككن بعككد الككذكر أن الرض يرثهككا‬
‫عبككككككككككككككككككككككككككككككككادي الصككككككككككككككككككككككككككككككككالحون{‪.‬‬
‫وقككال تعككالى إخبككارا ً عككن رسككله }فككأوحى إليهككم ربهككم لنهلكككن‬
‫الظالمين ولنسكننكم الرض من بعدهم ذلككك لمككن خككاف مقككامي‬
‫وخاف وعيد{ وقال تعالى‪} :‬وعد الله الذين آمنككوا منكككم وعملككوا‬
‫الصالحات ليستخلفنهم في الرض كما استخلف الذين من قبلهككم‬
‫وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبككدلنهم مككن بعككد خككوفهم‬
‫لية وقد فعل الله ذلك بهذه‬ ‫أمنا ً يعبدونني ل يشركون بي شيئًا{‪ ,‬ا َ‬
‫المككة المحمديككة ولككه الحمككد والمنككة أول ً وآخككرا ً وظككاهرا ً وباطنكًا‪.‬‬
‫َ‬
‫ذا لل ّكهِ‬ ‫هـ ك َ‬ ‫صيبا ً فََقاُلوا ْ َ‬ ‫ث َوالن َْعام ِ ن َ ِ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ما ذ ََرأ ِ‬
‫م َ‬ ‫جعَُلوا ْ لل ّهِ ِ‬
‫م ّ‬ ‫** وَ َ‬
‫ما‬‫ى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ص ُ َ‬
‫ل إ ِل َ‬ ‫م فَل َ ي َ ِ‬ ‫كآئ ِهِ ْ‬ ‫شَر َ‬‫ن لِ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫شَر َ‬
‫كآئ َِنا فَ َ‬ ‫ذا ل ِ ُ‬
‫هـ َ‬‫م وَ َ‬ ‫مه ِ ْ‬‫ب َِزعْ ِ‬
‫ن‬‫مكككو َ‬ ‫حك ُ ُ‬‫مكككا ي َ ْ‬
‫سكككآَء َ‬ ‫م َ‬ ‫شكككَر َ‬
‫كآئ ِهِ ْ‬ ‫ى ُ‬ ‫صككك ُ َ‬ ‫ن لّلكككهِ فَُهكككوَ ي َ ِ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلككك َ‬ ‫ككككا َ‬
‫هذا ذم وتوبيخ من الله للمشككركين الككذين ابتككدعوا بككدعا ً وكفككرا ً‬
‫وشركًا‪ ,‬وجعلوا لله شركاء وجزءا ً من خلقه وهو خالق كككل شككيء‬
‫سبحانه وتعالى‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬وجعلوا لله مما ذرأ{ أي ممككا‬
‫خلق وبرأ }من الحرث{ أي من الزرع والثمار }والنعككام نصككيبًا{‬
‫أي جزءا ً وقسما ً }فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا{ وقككوله‬
‫}فما كان لشركائهم فل يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى‬
‫شركائهم{‪ (.‬قال علي بن أبي طلحة والعوفي‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‬
‫لية إن أعداء الله كانوا إذا حرثكوا حرثكا ً‬ ‫أنه قال‪ :‬في تفسير هذه ا َ‬
‫أو كانت لهم ثمرة‪ ,‬جعلوا لله منه جككزءا ً وللككوثن جككزءًا‪ ,‬فمككا كككان‬
‫من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الوثان‪ ,‬حفظككوه وأحصككوه‬
‫وإن سقط منه شيء فيمككا سككمي للصككمد‪ ,‬ردوه إلككى مككا جعلككوه‬
‫للوثن‪ ,‬وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للوثن فسككقى شككيئا ً جعلككوه‬
‫لله جعلوا ذلك للوثن‪ ,‬وإن سقط شيء من الحككرث والثمككر الككذي‬
‫جعلوه لله فاختلط بالذي جعلوه للوثن قالوا هذا فقير‪ ,‬ولم يردوه‬
‫‪680‬‬
‫إلى ما جعلوه لله‪ ,‬وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للككه فسككقى مككا‬
‫سمي للوثن تركوه للوثن‪ ,‬وكانوا يحرمككون مككن أمككوالهم البحيككرة‬
‫والسككائبة والوصككيلة والحككام فيجعلككونه للوثككان‪ ,‬ويزعمككون أنهككم‬
‫يحرمونه قربة لله‪ ,‬فقال الله تعككالى‪} :‬وجعلككوا للككه ممككا ذرأ مككن‬
‫لية‪ ,‬وهكذا قال مجاهد وقتككادة والسككدي‬ ‫الحرث والنعام نصيبًا{ ا َ‬
‫وغير واحد‪ ,‬وقال عبد الرحمن بن زيككد بككن أسككلم فككي ا َ‬
‫ليككة‪ :‬كككل‬
‫شيء يجعلونه لله من ذبح يككذبحونه ل يككأكلونه أبككدا ً حككتى يككذكروا‬
‫للهة لم يذكروا اسم الله معككه‪ ,‬وقككرأ‬ ‫للهة وما كان ل َ‬ ‫معه أسماء ا َ‬
‫لية حتى بلغ }ساء ما يحكمككون{ أي سككاء مككا يقسككمون‪ ,‬فككإنهم‬ ‫ا َ‬
‫أخطأوا أول ً في القسم‪ ,‬لن الله تعالى هو رب كل شيء ومليكككه‬
‫وخالقه‪ ,‬وله الملككك وكككل شككيء لككه وفككي تصككرفه وتحككت قككدرته‬
‫ومشيئته‪ ,‬ل إله غيره ول رب سواه‪ ,‬ثم لمككا قسككموا فيمككا زعمككوا‬
‫القسمة الفاسدة لم يحفظوها بل جككاروا فيهككا‪ ,‬كقككوله جككل وعل‪:‬‬
‫}ويجعلون لله البنات سبحانه ولهككم مككا يشككتهون{ وقككال تعككالى‪:‬‬
‫}وجعلوا لككه مككن عبككاده جككزءا ً إن النسككان لكفككور مككبين{ وقككال‬
‫تعالى‪} :‬ألكم الذكر وله النثى{ وقوله }تلك إذا ً قسمة ضككيزى{‪.‬‬
‫شكركين قَتك َ َ‬
‫شكَر َ‬
‫كآؤُهُ ْ‬
‫م‬ ‫م ُ‬ ‫ل أوْل َدِهِك ْ‬ ‫م ْ ِ ِ َ ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫مك َ‬ ‫ن ل ِك َِثيكرٍ ّ‬ ‫ك َزي ّك َ‬ ‫** وَك َكذ َل ِ َ‬
‫ما‬ ‫ما فَعَُلوهُ فَذ َْرهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ه َ‬‫شآَء الل ّ ُ‬
‫م وَل َوْ َ‬‫م ِدين َهُ ْ‬‫سوا ْ عَل َي ْهِ ْ‬‫م وَل ِي َل ْب ِ ُ‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫ل ِي ُْر ُ‬
‫ن‬‫ي َْف َتككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككُرو َ‬
‫يقول تعالى‪ :‬وكما زينت الشياطين لهؤلء أن يجعلوا لله مما ذرأ‬
‫من الحرث والنعام نصيبًا‪ ,‬كذلك زينوا لهككم قتككل أولدهككم خشككية‬
‫الملق ووأد البنات خشية العار‪ ,‬قال علي بن أبي طلحة عن ابككن‬
‫عباس‪ :‬وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولدهم‪ ,‬شركاؤهم‪,‬‬
‫زينككوا لهككم قتككل أولدهككم‪ ,‬وقككال مجاهككد‪ :‬شككركاؤهم شككياطينهم‬
‫يأمرونهم أن يئدوا أولدهم خشية العيلككة‪ ,‬وقككال السككدي‪ :‬أمرتهككم‬
‫الشياطين أن يقتلوا البنات إما ليردوهم فيهلكوهم‪ ,‬وإمككا ليلبسككوا‬
‫عليهكككم دينهكككم‪ ,‬أي فيخلطكككوا عليهكككم دينهكككم ونحكككو ذلكككك‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقتادة‪ :‬وهككذا كقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}وإذا بشر أحدهم بالنثى ظل وجهه مسودا ً وهككو كظيككم‪ .‬يتككوارى‬
‫ليككة‪ ,‬وكقككوله }وإذا المككوؤودة‬ ‫من القوم من سوء ما بشككر بككه{ ا َ‬
‫‪681‬‬
‫سئلت بأي ذنب قتلت{ وقد كانوا أيضا ً يقتلون الولد مككن الملق‬
‫وهو الفقر أو خشية الملق أن يحصل لهم فككي تلككف المككال وقككد‬
‫نهاهم عككن قتككل أولدهككم لككذلك وإنمككا كككان هككذا كلككه مككن تزييككن‬
‫الشياطين وشرعهم ذلك‪ ,‬قوله تعالى‪} :‬ولو شاء الله ما فعلككوه{‬
‫أي كل هذا واقع بمشيئته تعالى وإرادته واختياره لككذلك كون كا ً ولككه‬
‫الحكمككة التامككة فككي ذلككك فل يسككأل عمككا يفعككل وهككم يسككألون‬
‫}فذرهم وما يفترون{ أي فدعهم واجتنبهم وما هم فيه فسككيحكم‬
‫اللككككككككككككككككككككككه بينككككككككككككككككككككككك وبينهككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬‫مه ِ ْ‬
‫شآُء ب َِزعْ ِ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫جٌر ل ّ ي َط ْعَ ُ‬
‫مَهآ إ ِل ّ َ‬ ‫ح ْ‬‫ث ِ‬ ‫حْر ٌ‬ ‫م وَ َ‬ ‫** وََقاُلوا ْ َ‬
‫هـذِهِ أن َْعا ٌ‬
‫م الل ّكهِ عَل َي ْهَككا افْت ِكَرآءً‬ ‫وأ َنعام حرمت ظ ُهور َ َ‬
‫سك َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ل ّ ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫ها وَأن َْعا ٌ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َْ ٌ ُ ّ َ ْ‬
‫ن‬‫ككككككككككاُنوا ْ ي َْفَتكككككككككُرو َ‬ ‫مكككككككككا َ‬ ‫زيِهم ب ِ َ‬ ‫ج ِ‬‫سكككككككككي َ ْ‬ ‫عَل َْيكككككككككهِ َ‬
‫قال علي بن أبي طلحككة عككن ابككن عبككاس‪ :‬الحجككر الحككرام ممككا‬
‫حرمككوا مككن الوصككيلة وتحريككم مككا حرمككوا‪ ,‬وكككذلك قككال مجاهككد‬
‫والضككحاك والسككدي وقتككادة وعبككد الرحمككن بككن زيككد بككن أسككلم‬
‫وغيرهما وقال قتادة }وقالوا هذه أنعام وحرث حجر{ تحريم كككان‬
‫عليهم من الشياطين في أموالهم وتغليظ وتشديد ولككم يكككن مككن‬
‫اللككه تعككالى‪ ,‬وقككال ابككن زيككد بككن أسككلم }حجككر{ إنمككا احتجروهككا‬
‫للهتهم‪ ,‬وقال السدي }ل يطعمها إل من نشاء بزعمهم{ يقولككون‬ ‫َ‬
‫ليككة الكريمككة كقككوله تعككالى‪:‬‬ ‫حرام أن يطعم إل من شككئنا وهككذه ا َ‬
‫}قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منككه حرامكا ً وحلل ً‬
‫قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون{ وكقوله تعالى‪} :‬ما جعككل‬
‫الله من بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حككام ولكككن الككذين كفككروا‬
‫يفترون على الله الكذب وأكثرهم ل يعقلككون{ وقككال السككدي أمككا‬
‫النعام الككتي حرمككت ظهورهكا فهككي البحيككرة والسكائبة والوصكيلة‬
‫والحام‪ ,‬وأما النعام التي ل يذكرون اسم الله عليهككا ل إذا ولككدوها‬
‫ول إن نحروهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككا‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود‪ :‬قكال لكي أبكو‬
‫وائل أتككدري مككا فككي قككوله }وأنعككام حرمككت ظهورهككا وأنعككام ل‬
‫يككذكرون اسككم اللككه عليهككا{ قلككت ل‪ ,‬قككال هككي البحيككرة كككانوا ل‬
‫يحجون عليها‪ ,‬وقال مجاهد كان من إبلهم طائفة ل يذكرون اسككم‬
‫‪682‬‬
‫الله عليها ول في شيء من شأنها ل إن ركبوا ول إن حلبككوا ول إن‬
‫حملوا ول إن نتجوا ول إن عملككوا شككيئا ً }افككتراء عليككه{ أي علككى‬
‫الله وكذبا ً منهم في إسنادهم ذلك إلى دين الله وشرعه فككإنه لككم‬
‫يأذن لهم في ذلك ول رضيه منهم }سيجزيهم بما كككانوا يفككترون{‬
‫أي عليكككككككككككككككككككه ويسكككككككككككككككككككندون إليكككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫ى‬ ‫حّر ٌ َ‬ ‫ة ل ّذ ُ ُ‬ ‫ما ِفي ب ُ ُ‬ ‫** وََقاُلوا ْ َ‬

‫م عَلكك َ‬ ‫م َ‬
‫كورَِنا وَ ُ‬ ‫ص ٌ‬
‫خال ِ َ‬
‫هـذِهِ الن َْعام ِ َ‬‫ن َ‬‫طو ِ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م إ ِن ّك ُ‬
‫صكَفهُ ْ‬‫م وَ ْ‬ ‫زيهِ ْ‬‫ج ِ‬‫سكي َ ْ‬‫كآُء َ‬ ‫شكَر َ‬‫م ِفيكهِ ُ‬ ‫ة فَهُك ْ‬
‫مي ْت َك ً‬ ‫جَنا وَِإن ي َ ُ‬
‫كن ّ‬ ‫أْزَوا ِ‬
‫م‬
‫م عَِليككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫كيككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫ح ِ‬‫ِ‬
‫قال أبو إسحاق السبيعي عن عبد الله بن أبي الهككذيل عككن ابككن‬
‫ليككة‬ ‫عباس }وقالوا ما في بطون هذه النعككام خالصككة لككذكورنا{ ا َ‬
‫قال اللبن‪ .‬وقال العوفي عن ابن عبككاس }وقككالوا مككا فككي بطككون‬
‫هذه النعام خالصة لذكورنا{ فهو اللبن كانوا يحرمونه على إناثهم‬
‫ويشككربه ذكرانهككم وكككانت الشككاة إذا ولككدت ذكككرا ً ذبحككوه وكككان‬
‫للرجال دون النساء وإن كانت أنككثى تركككت فلككم تذبككح وإن كككانت‬
‫ميتة فهم فيككه شككركاء فنهككى اللككه عككن ذلككك وكككذا قككال السككدي‪.‬‬
‫وقال الشعبي البحيرة ل يأكل من لبنها إل الرجال وإن مات منها‬
‫شككيء أكلككه الرجككال والنسككاء وكككذا قككال عكرمككة وقتككادة وعبككد‬
‫الرحمكككككككككككن بكككككككككككن زيكككككككككككد بكككككككككككن أسكككككككككككلم‪.‬‬
‫وقال مجاهد في قوله }وقالوا ما في بطون هذه النعام خالصة‬
‫لذكورنا ومحرم على أزواجنا{ قال هي السككائبة والبحيككرة‪ .‬وقككال‬
‫أبو العالية ومجاهد وقتادة في قول الله‪} :‬سيجزيهم وصفهم{ أي‬
‫قولهم الكذب في ذلك يعني كقوله تعالى‪} :‬ول تقولوا لمككا تصككف‬
‫ألسنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن‬
‫ليكة‪} ,‬إنكه‬ ‫الكذين يفكترون علكى اللكه الككذب ل يفلحكون متكاع{ ا َ‬
‫حكيم{ أي في أفعاله وأقككواله وشككرعه وقككدره }عليككم{ بأعمككال‬
‫عبكككاده مكككن خيكككر وشكككر وسكككيجزيهم عليهكككا أتكككم الجكككزاء‪.‬‬
‫َ‬
‫مككوا ْ َ‬
‫مككا‬ ‫عل ْكم ٍ وَ َ‬
‫حّر ُ‬ ‫سكَفها ً ب ِغَي ْكرِ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن قَت َل ُكوَا ْ أوْل َد َهُك ْ‬ ‫سَر ال ّك ِ‬
‫ذي َ‬ ‫** قَد ْ َ‬
‫خ ِ‬
‫ن‬
‫دي َ‬
‫مهَْتكك ِ‬‫كككاُنوا ْ ُ‬ ‫ضككّلوا ْ وَ َ‬
‫مككا َ‬ ‫ه افِْتككَرآًء عََلككى الّلككهِ َقككد ْ َ‬ ‫م الّلكك ُ‬
‫َرَزقَُهكك ُ‬
‫‪683‬‬
‫يقول تعككالى قككد خسككر الككذين فعلككوا هككذه الفاعيككل فككي الككدنيا‬
‫لخرة‪ ,‬أما في الدنيا فخسروا أولدهككم بقتلهككم‪ ,‬وضككيقوا عليهككم‬ ‫وا َ‬
‫في أموالهم فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم‪ ,‬وأمككا فككي‬
‫لخرة فيصيرون إلى أسوأ المنازل بكذبهم على اللككه وافككترائهم‪,‬‬ ‫ا َ‬
‫كقوله تعالى‪} :‬إن الذين يفترون علككى اللككه الكككذب ل يفلحككون *‬
‫متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثككم نككذيقهم العككذاب الشككديد بمككا‬
‫كانوا يكفرون{ وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هككذه‬
‫لية‪ :‬حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيككم‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن أيككوب‪,‬‬ ‫ا َ‬
‫حدثنا عبد الرحمن بن المبارك‪ ,‬حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عككن‬
‫سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللكه عنهمككا‪ ,‬قككال‪ :‬إذا سككرك‬
‫أن تعلم جهل العرب‪ ,‬فاقرأ ما فوق الثلثيككن والمككائة مككن سككورة‬
‫النعام }قد خسر الذين قتلوا أولدهم سفها ً بغير علم وحرموا مككا‬
‫رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا ومككا كككانوا مهتككدين{ وهكككذا‬
‫رواه البخاري منفردا ً في كتاب مناقب قريكش مكن صكحيحه‪ ,‬عكن‬
‫أبي النعمككان محمككد بككن الفضككل عككارم‪ ,‬عككن أبككي عوانككة واسككمه‬
‫الوضاح بن عبد الله اليشكري‪ ,‬عن أبككي بشككر واسككمه جعفككر بككن‬
‫أبكككككككككككي وحشكككككككككككية‪ ,‬بكككككككككككن إيكككككككككككاس بكككككككككككه‪.‬‬
‫** وهو ال ّكذي َأن َ َ‬

‫ل‬ ‫خك َ‬‫ت َوالن ّ ْ‬ ‫شككا ٍ‬ ‫معُْرو َ‬ ‫ت وَغَي ْكَر َ‬ ‫شككا ٍ‬ ‫معُْرو َ‬ ‫ت ّ‬ ‫جن ّككا ٍ‬
‫ش كأ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫شاب ِهٍ ك ُل ُككوا ْ‬ ‫ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫شاِبها ً وَغَي َْر ُ‬ ‫مت َ َ‬‫ن ُ‬‫ما َ‬ ‫ن َوالّر ّ‬ ‫ه َوالّزي ُْتو َ‬ ‫خت َِلفا ً أك ُل ُ ُ‬ ‫م ْ‬‫َوالّزْرعَ ُ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫حك ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫س كرِفُوَا ْ إ ِن ّك ُ‬ ‫صادِهِ وَل َ ت ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫حّق ُ‬‫مَر َوآُتوا ْ َ‬ ‫ذآ أث ْ َ‬‫مرِهِ إ ِ َ‬ ‫من ث َ َ‬ ‫ِ‬
‫ه وَل َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ما َرَزقَك ُ ُ‬ ‫م ّ‬‫ة وَفَْرشا ً ك ُُلوا ْ ِ‬ ‫مول َ ً‬‫ح ُ‬ ‫ن الن َْعام ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن * وَ ِ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫ن‬
‫مِبيككككك ٌ‬ ‫م عَكككككد ُوّ ّ‬ ‫ه ل َك ُككككك ْ‬ ‫ن إ ِن ّككككك ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫شكككككي ْ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط ُككككك َ‬ ‫ت َت ّب ِعُكككككوا ْ ُ‬
‫يقول تعالى مبينا ً أنككه الخككالق لكككل شككيء مككن الككزروع والثمككار‬
‫والنعام التي تصككرف فيهككا هككؤلء المشككركون بككآرائهم الفاسككدة‪,‬‬
‫ل‪ ,‬فقككال }وهككو الككذي‬ ‫وقسموها وجزؤوها فجعلوا منها حراما ً وحل ً‬
‫أنشأ جنات معروشات وغير معروشات{ قال علي بن أبي طلحككة‬
‫عن ابن عباس‪ :‬معروشات مسموكات‪ ,‬وفي رواية فالمعروشككات‬
‫ما عرش الناس‪ ,‬وغير معروشات ما خرج في الككبر والجبككال مككن‬
‫الثمرات‪ ,‬وقال عطاء الخراساني عن ابن عبككاس‪ :‬معروشككات مككا‬
‫عرش من الكرم وغير معروشات ما لم يعرش من الكككرم‪ ,‬وكككذا‬
‫‪684‬‬
‫قال السدي‪ ,‬وقال ابن جريج متشابها ً وغير متشابه‪ ,‬قال‪ :‬متشابها ً‬
‫في المنظر وغير متشككابه فككي المطعككم‪ ,‬وقككال محمككد بككن كعككب‬
‫}كلوا من ثمره إذا أثمر{ قال‪ :‬من رطبككه وعنبككه‪ ,‬وقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}وآتوا حقه يوم حصاده{ قال ابن جرير‪ :‬قال بعضهم هككي الزكككاة‬
‫المفروضة‪ ,‬حدثنا عمرو‪ ,‬حدثنا عبد الصمد‪ ,‬حدثنا يزيد بككن درهككم‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت أنس بن مالك يقول }وآتوا حقه يوم حصاده{ قككال‪:‬‬
‫الزكككككككككككككككككككككككككككككككككاة المفروضككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقال علككي بككن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس }وآتككوا حقككه يككوم‬
‫حصاده{ يعني الزكاة المفروضة يوم يكال ويعلم كيله‪ ,‬وكذا قككال‬
‫سعيد بن المسيب‪ ,‬وقال العوفي عن ابن عباس }وآتوا حقه يككوم‬
‫حصاده{ وذلككك أن الرجككل كككان إذا زرع‪ ,‬فكككان يككوم حصككاده لككم‬
‫يخرج مما حصد شيئا ً فقال الله تعالى‪} :‬وآتوا حقه يوم حصككاده{‬
‫وذلك أن يعلم ما كيله وحقككه مككن كككل عشككرة واحككد‪ ,‬ومككا يلقككط‬
‫الناس من سنبله‪ ,‬وقد روى المام أحمد وأبو داود في سككننه مككن‬
‫حديث محمد بن إسحاق‪ :‬حدثني محمد بن يحيككى بككن حبككان‪ ,‬عككن‬
‫عمه واسع بن حبان‪ ,‬عن جابر بن عبد اللكه‪ ,‬أن النككبي صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم أمر من كل جاذ ّ عشرة أوسق مككن التمككر بقنككو يعلككق‬
‫في المسجد للمساكين‪ ,‬وهذا إسناد جيد قوي‪ ,‬وقال طاوس وأبككو‬
‫الشعثاء وقتادة والحسن والضحاك وابن جريج‪ :‬هي الزكاة‪ ,‬وقككال‬
‫الحسن البصري‪ :‬هي الصدقة من الحب والثمار‪ ,‬وكذا قال زيد بن‬
‫أسلم‪ ,‬وقال آخرون‪ :‬وهو حق آخكر سكوى الزككاة‪ ,‬وقكال أشكعث‪:‬‬
‫عن محمد بن سيرين ونافع عن ابن عمر فككي قككوله }وآتككوا حقككه‬
‫يوم حصككاده{ قكال‪ :‬ككانوا يعطكون شكيئا ً سكوى الزكككاة رواه ابكن‬
‫مردويه وروى عبد الله بن المبارك وغيره عن عبد الملك بن أبككي‬
‫سككليمان عككن عطككاء بككن أبككي ربككاح فككي قككوله }وآتككوا حقككه يككوم‬
‫حصاده{ قال‪ :‬يعطي من حضره يومئذ ما تيسر‪ ,‬وليككس بالزكككاة‪,‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬إذا حضرك المساكين طرحت لهم منككه‪ ,‬وقككال عبككد‬
‫الرزاق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهككد }وآتككوا حقككه‬
‫يوم حصاده{ قال‪ :‬عند الزرع يعطي القبضة وعند الصرام يعطككي‬
‫القبضة‪ ,‬ويتركهم فيتبعون آثار الصرام‪ ,‬وقال الثككوري‪ :‬عككن حمككاد‬
‫عن إبراهيم النخعي قال‪ :‬يعطي مثل الضغث‪ ,‬وقال ابن المبككارك‬
‫عككن شككريك عككن سككالم عككن سككعيد بككن جككبير }وآتككوا حقككه يككوم‬
‫‪685‬‬
‫حصاده{ قال‪ :‬كان هذا قبل الزكاة‪ ,‬للمسككاكين القبضككة والضككغث‬
‫لعلف دابته‪ ,‬وفي حديث ابن لهيعة‪ :‬عن دراج عن أبي الهيثككم عككن‬
‫سعيد مرفوعًا‪} ,‬وآتوا حقككه يككوم حصككاده{ قككال }مككا سككقط مككن‬
‫السنبل{ رواه ابن مردويه‪ ,‬وقال آخرون‪ :‬هذا شيء كان واجبا ً ثم‬
‫نسخه الله بالعشككر أو نصككف العشككر‪ ,‬حكككاه ابككن جريككر عككن ابككن‬
‫عباس ومحمد بككن الحنفيككة وإبراهيككم النخعككي والحسككن والسككدي‬
‫وعطية العوفي وغيرهم‪ ,‬واختككاره ابككن جريككر رحمككه اللككه‪ ,‬قلككت‪:‬‬
‫وفي تسمية هذا نسخا ً نظر‪ ,‬لنه قد كان شيئا ً واجبا ً في الصل ثم‬
‫إنه فصل بيانه وبين مقدار المخرج وكميته‪ ,‬قالوا‪ :‬وكككان هككذا فككي‬
‫السككككككنة الثانيككككككة مككككككن الهجككككككرة‪ ,‬فككككككا للككككككه أعلككككككم‪.‬‬
‫وقد ذم الله سبحانه الذين يصرمون ول يتصدقون كما ذكككر عككن‬
‫أصحاب الجنة في سككورة »ن« }إذ أقسككموا ليصككرمنها مصككبحين‬
‫ول يسككتثنون * فطككاف عليهككا طككائف مككن ربككك وهككم نككائمون *‬
‫فأصبحت كالصريم{ أي كالليل المدلهم سوداء محترقككة }فتنككادوا‬
‫مصبحين * أن غدوا علككى حرثكككم إن كنتككم صككارمين * فككانطلقوا‬
‫وهم يتخافتون * أن ل يدخلنها اليوم عليكم مسكين * وغدوا علكى‬
‫حرد{ أي قوة وجلد وهمة }قادرين * فلما رأوها قالوا إنا لضالون‬
‫بل نحن محرومون * قال أوسطهم ألم أقل لكم لككول تسككبحون *‬
‫قالوا سبحان ربنككا إنككا كنككا ظككالمين * فأقبككل بعضككهم علككى بعككض‬
‫يتلومون * قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين * عسى ربنا أن يبدلنا خيرا ً‬
‫لخككرة أكككبر لككو‬‫منها إنا إلى ربنا راغبون * كذلك العذاب ولعذاب ا َ‬
‫كككككككككككككككككككككككككككككككككككانوا يعلمككككككككككككككككككككككككككككككككككون{‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ول تسرفوا إنه ل يحب المسرفين{ قيل معناه ل‬
‫تسرفوا في العطاء فتعطوا فككوق المعككروف‪ ,‬وقككال أبككو العاليككة‪:‬‬
‫كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا ً ثم تباروا فيه وأسرفوا‪ ,‬فأنزل الله‬
‫}ول تسرفوا{ وقال ابن جريككج‪ :‬نزلككت فككي ثككابت بككن قيككس بككن‬
‫شماس‪ ,‬جذ نخل ً له فقال‪ :‬ل يأتيني اليوم أحد إل أطعمته فككأطعم‬
‫حتى أمسى وليست له ثمرة‪ ,‬فأنزل الله تعالى‪} :‬ول تسرفوا إنككه‬
‫ل يحب المسرفين{ رواه ابن جريككر عنككه‪ ,‬وقككال ابككن جريككج عككن‬
‫عطاء‪ :‬نهوا عن السرف في كل شيء‪ ,‬وقال إياس بن معاوية‪ :‬ما‬
‫جاوزت به أمككر اللككه فهككو سككرف‪ ,‬وقككال السككدي فككي قككوله }ول‬
‫تسرفوا{ قال‪ :‬ل تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء‪ ,‬وقال سككعيد بككن‬
‫‪686‬‬
‫المسيب ومحمد بن كعب في قوله }ول تسرفوا{ قال‪ :‬ل تمنعككوا‬
‫الصدقة فتعصوا ربكم‪ ,‬ثم اختار ابن جرير قككول عطككاء‪ ,‬أنككه نهككي‬
‫عن السراف في كككل شككيء ول شككك أنككه صككحيح‪ ,‬لكككن الظككاهر‬
‫لية‪ ,‬حيث قال تعالى‪} :‬كلوا مككن ثمككره إذا‬ ‫والله أعلم من سياق ا َ‬
‫أثمر وآتوا حقه يككوم حصككاده ول تسككرفوا{ أن يكككون عككائدا ً علككى‬
‫الكل‪ ,‬أي ل تسرفوا في الكل لما فيه من مضرة العقل والبككدن‪,‬‬
‫كقكككككوله تعككككالى‪} :‬كلككككوا واشكككككربوا ول تسكككككرفوا{ ا َ‬
‫وفي صحيح البخككاري تعليقكا ً »كلككوا واشككربوا والبسككوا مككن غيككر‬
‫إسراف ول مخيلة« وهذا من هذا‪ ,‬واللككه أعلككم‪ ,‬وقككوله عككز وجككل‬
‫}ومن النعام حمولة وفرشًا{ أي وأنشأ لككم مكن النعكام مكا هكو‬
‫حمولة وما هو فرش‪ ,‬قيل المراد بالحمولككة مككا يحمككل عليككه مككن‬
‫البل‪ ,‬والفرش الصغار منها‪ ,‬كما قال الثوري عن أبي إسحاق عن‬
‫أبي الحوص عن عبد الله في قككوله‪ :‬حمولكة مككا حمككل عليكه مككن‬
‫البل وفرشا ً الصغار من البل‪ ,‬رواه الحاكم وقال صككحيح السككناد‬
‫ولم يخرجككاه‪ ,‬وقككال ابككن عبككاس‪ :‬الحمولككة هككي الكبككار والفككرش‬
‫الصغار من البل‪ ,‬وكذا قال مجاهد‪ ,‬وقال علي بن أبي طلحة عككن‬
‫ابن عباس }ومككن النعككام حمولككة وفرشكًا{ أمككا الحمولككة فالبككل‬
‫والخيل والبغال والحمير وكككل شككيء يحمككل عليككه‪ ,‬وأمككا الفككرش‬
‫فالغنم‪ ,‬واختاره ابن جرير قال‪ :‬وأحسبه إنما سككمي فرش كا ً لككدنوه‬
‫مككن الرض‪ ,‬وقككال الربيككع بككن أنككس والحسككن والضككحاك وقتككادة‬
‫وغيره‪ :‬الحمولة البل والبقر والفرش الغنككم‪ ,‬وقككال السككدي‪ :‬أمككا‬
‫الحمولة فالبل وأما الفككرش فالفصككلن والعجاجيككل والغنككم‪ ,‬ومككا‬
‫حمل عليه فهو حمولككة‪ ,‬وقككال عبككد الرحمككن بككن زيككد بككن أسككلم‪:‬‬
‫الحمولة ما تركبون والفرش ما تككأكلون وتحلبككون‪ ,‬شككاة ل تحمككل‬
‫تأكلون لحمها وتتخذون من صوفها لحافا ً وفرشًا‪ ,‬وهذا الذي قككاله‬
‫لية الكريمة حسن يشهد لككه قككوله‬ ‫عبد الرحمن‪ :‬في تفسير هذه ا َ‬
‫تعالى‪} :‬أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما ً فهككم لهككا‬
‫مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون{ وقال تعككالى‪:‬‬
‫}وإن لكم في النعام لعككبرة نسككقيكم ممككا فككي بطككونه مككن بيككن‬
‫فككرث ودم لبن كا ً خالص كا ً سككائغا ً للشككاربين{ إلككى أن قككال }ومككن‬
‫أصكككوافها وأوبارهكككا وأشكككعارها أثاثكككا ً ومتاعكككا ً إلكككى حيكككن{‪.‬‬
‫‪687‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬الله الذي جعل لكككم النعككام لككتركبوا منهككا ومنهككا‬
‫تأكلون * ولكككم فيهككا منككافع ولتبلغككوا عليهككا حاجككة فككي صككدوركم‬
‫وعليهككا وعلككى الفلككك تحملككون * ويريكككم آيككاته فككأي آيككات اللككه‬
‫تنكرون{ وقوله تعالى‪} :‬كلوا ممككا رزقكككم اللككه{ أي مككن الثمككار‬
‫والزروع والنعام فكلها خلقها الله وجعلهككا رزق كا ً لكككم }ول تتبعككوا‬
‫خطوات الشيطان{ أي طريقككه وأوامككره كمككا اتبعهككا المشككركون‬
‫الذين حرموا ما رزقهم الله‪ ,‬أي من الثمار والككزروع افككتراء علككى‬
‫الله‪} ,‬إنه لكم{ أي أن الشيطان أيها الناس لكم }عدو مبين{ أي‬
‫بين ظككاهر العككداوة‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬إن الشككيطان لكككم عككدو‬
‫فاتخذوه عدوا ً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير{ وقال‬
‫تعالى‪} :‬يا بني آدم ل يفتننكككم الشككيطان كمككا أخككرج أبككويكم مككن‬
‫ليككة‪ ,‬وقككال تعككالى‪:‬‬‫الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما{ ا َ‬
‫}أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظككالمين‬
‫ل{ وا َ‬
‫ليكككككات فكككككي هكككككذا ككككككثيرة فكككككي القكككككرآن‪.‬‬ ‫بكككككد ً‬
‫ن‬ ‫ي‬‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ذ‬‫ءآلك‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫ل‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫يك‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ث‬‫ا‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ث‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫** ث َمانية أ َزواج من الضأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ َِ َ ْ َ ٍ ّ َ‬
‫ن ن َب ُّئون ِككي ب ِعِل ْكم ٍ ِإن‬ ‫َ‬ ‫لنث َيي َ‬ ‫حر َ‬
‫لنث َي َي ْ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫حا ُ‬‫ت عَل َي ْهِ أْر َ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫شت َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م أم ِ ا ُ َ ْ ِ‬ ‫َ ّ َ‬
‫م َ ْ‬
‫ن‬ ‫ل َءآل كذ ّك ََري ْ ِ‬ ‫ن قُ ك ْ‬ ‫ن الب ََقرِ اث ْن َي ْك َِ‬ ‫ن وَ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل اث ْن َي ْ‬ ‫ن ال ِب ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ن * وَ ِ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬
‫حرم أ َم ال ُنث َيي َ‬
‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫دآءَ‬ ‫شككهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫كنُتكك ْ‬ ‫م ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ال ُن ْث َي َي ْ ِ‬ ‫حا ُ‬‫ت عَل َي ْهِ أْر َ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫شت َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ّ َ ِ ْ َْ ِ‬
‫َ‬
‫ضكك ّ‬
‫ل‬ ‫ذبا ً ل ِي ُ ِ‬ ‫ن افْت ََرىَ عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا فَ َ‬ ‫ه ب َِهـ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫صاك ُ ُ‬‫إ ِذ ْ وَ ّ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫م الظ ّككككال ِ ِ‬ ‫دي ال َْقككككوْ َ‬ ‫ه ل َ ي َهْكككك ِ‬ ‫ن الل ّكككك َ‬ ‫عل ْككككم ٍ إ ِ ّ‬ ‫س ب ِغَي ْككككرِ ِ‬‫الن ّككككا َ‬
‫هذا بيككان لجهككل العككرب قبككل السككلم‪ ,‬فيمككا كككانوا حرمككوا مككن‬
‫النعام وجعلوها أجزاء وأنواعا ً بحيرة وسائبة ووصيلة وحامًا‪ ,‬وغير‬
‫ذلك من النواع التي ابتدعوها في النعام والزروع والثمككار‪ ,‬فككبين‬
‫تعالى أنه أنشأ جنات معروشات وغير معروشات‪ ,‬وأنه أنشككأ مككن‬
‫النعام حمولة وفرشًا‪ ,‬ثم بين أصناف النعام إلى غنم وهككو بيككاض‬
‫وهو الضأن‪ ,‬وسواد وهكو المعكز ذككره وأنثكاه‪ ,‬وإلكى إبكل ذكورهكا‬
‫وإناثها وبقر كذلك وأنه تعالى لم يحرم شيئا ً من ذلك ول شيئا ً من‬
‫أولدها‪ ,‬بل كلها مخلوقة لبني آدم أكل ً وركوبا ً وحمولة وحلبا ً وغيككر‬
‫ذلك من وجوه المنافع‪ ,‬كما قال }وأنزل لكككم مككن النعككام ثمانيككة‬
‫لية‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬أما اشتملت عليه أرحام النثيين{ رد‬ ‫أزواج{ ا َ‬
‫‪688‬‬
‫عليهم في قولهم }مككا فككي بطككون هككذه النعككام خالصككة لككذكورنا‬
‫لية‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬نبئوني بعلككم إن كنتككم‬‫ومحرم على أزواجنا{ ا َ‬
‫صادقين{ أي أخبروني عن يقين‪ ,‬كيف حرم الله عليكم ما زعمتم‬
‫تحريمككه مككن البحيككرة والسككائبة والوصككيلة والحككام ونحككو ذلككك‪.‬‬
‫وقال العوفي عن ابن عبكاس‪ :‬قكوله }ثمانيكة أزواج مكن الضكأن‬
‫اثنين ومن المعز اثنين{ فهذه أربعة أزواج }قل آلذكرين حككرم أم‬
‫النثيين{ يقول لم أحرم شيئا ً من ذلك }أما اشتملت عليه أرحككام‬
‫النكثيين{ يعنكي هكل يشكتمل الرحكم إل علكى ذككر أو أنكثى‪ ,‬فلكم‬
‫تحرمون بعضا ً وتحلون بعضا ً ؟ }نبئوني بعلككم إن كنتككم صككادقين{‬
‫يقول تعالى كله حلل وقوله تعالى‪} :‬أم كنتككم شككهداء إذ وصككاكم‬
‫الله بهذا{ تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على اللككه مككن تحريككم‬
‫ما حرموه من ذلك }فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ً ليضل‬
‫الناس بغير علم{ أي ل أحد أظلم منهم }إن اللكه ل يهككدي القككوم‬
‫لية عمرو بن لحي بن قمعة‪,‬‬ ‫الظالمين{ وأول من دخل في هذه ا َ‬
‫لنه أول من غير ديككن النبيككاء وأول مكن سككيب السككوائب ووصككل‬
‫الوصكككيلة وحمكككى الحكككامي‪ ,‬كمكككا ثبكككت ذلكككك فكككي الصكككحيح‪.‬‬
‫ه إ ِل ّ َأن‬‫مك ُ‬ ‫عم ٍ ي َط ْعَ ُ‬‫ى ط َككا ِ‬ ‫َ‬

‫حّرما ً عَل َ‬‫م َ‬
‫ي ُ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬
‫ح َ‬‫مآ أ ُوْ ِ‬‫جد ُ ِفي َ‬
‫َ‬
‫** ُقل ل ّ أ ِ‬
‫سككقا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كون ميت ً َ‬
‫س أو ْ ف ِ ْ‬ ‫جك ٌ‬ ‫ه رِ ْ‬‫زيكرٍ فَكإ ِن ّ ُ‬ ‫خن ِ‬
‫م ِ‬‫حك َ‬‫سُفوحا ً أوْ ل َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫دما ً ّ‬
‫ة أو ْ َ‬ ‫يَ ُ َ َ ْ َ‬
‫ك غَُفككوٌر‬ ‫ن َرب ّك َ‬ ‫ضكط ُّر غَي ْكَر ب َككاٍغ وَل َ عَككادٍ فَ كإ ِ ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫أ ُهِ ّ‬
‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِهِ فَ َ‬
‫م‬
‫يقول تعالى آمرا ً عبده ورسوله محمدا ً صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫}قل{ يا محمد لهؤلء الذين حرموا مكا رزقهكم اللكه افككتراء علككى‬
‫ي محرما ً على طاعم يطعمه{ أي آكل‬ ‫الله‪} ,‬ل أجد فيما أوحي إل ّ‬
‫يأكله قيل معناه ل أجد شيئا ً مما حرمتم حراما ً سوى هككذه‪ ,‬وقيككل‬
‫معناه ل أجد من الحيوانات شككيئا ً حرام كا ً سككوى هككذه‪ ,‬فعلككى هككذا‬
‫يكون ما ورد من التحريمككات بعككد هككذا فككي سككورة المككائدة وفككي‬
‫لية‪ ,‬ومن الناس من يسمي‬ ‫الحاديث الواردة رافعا ً لمفهوم هذه ا َ‬
‫هذا نسخا ً والكثرون من المتأخرين ل يسمونه نسخا ً لنه من باب‬
‫رفع مباح الصل والله أعلم‪ ,‬وقككال العككوفي عككن ابككن عبككاس }أو‬
‫دما ً مسفوحًا{ يعني المهراق‪ .‬وقككال عكرمككة فككي قككوله }أو دم كا ً‬
‫‪689‬‬
‫لية لتتبع الناس مككا فككي العككروق كمككا تتبعككه‬ ‫مسفوحًا{ لول هذه ا َ‬
‫اليهود‪ ,‬وقال حماد عن عمران بن حدير قال‪ :‬سألت أبا مجلز عن‬
‫الدم‪ ,‬وما يتلطخ مككن الذبيككح مككن الككرأس وعككن القككدر يككرى فيهككا‬
‫الحمرة ؟ فقال‪ :‬إنما نهى الله عن الدم المسككفوح‪ ,‬وقككال قتككادة‪:‬‬
‫حرم من الدماء ما كككان مسككفوحًا‪ ,‬فأمككا اللحككم خككالطه الككدم فل‬
‫بأس به‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا المثنى‪ ,‬حككدثنا حجككاج بككن منهككال‪,‬‬
‫حدثنا حماد عن يحيى بن سعيد‪ ,‬عككن القاسككم عككن عائشككة رضككي‬
‫الله عنها‪ ,‬أنها كانت ل ترى بلحوم السباع بأس كًا‪ ,‬والحمككرة والككدم‬
‫ليككة‪ ,‬صككحيح غريككب‪.‬‬ ‫يكونككان علككى القككدر بأس كا ً ‪ ,‬وقككرأت هككذه ا َ‬
‫وقال الحميدي‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬حدثنا عمرو بن دينار‪ ,‬قككال‪ :‬قلككت‬
‫لجابر بن عبد الله‪ :‬إنهم يزعمون أن رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم نهى عن لحوم الحمككر الهليككة زمككن خيككبر‪ ,‬فقككال قككد كككان‬
‫يقول ذلك الحكككم بككن عمككرو عككن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬ولكن أبى ذلك الحبر‪ ,‬يعني ابن عباس وقككرأ }قككل ل أجككد‬
‫ي محرم كا ً علككى طككاعم يطعمككه{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وكككذا رواه‬ ‫فيما أوحي إل ك ّ‬
‫البخاري عن علي بن المديني عكن سكفيان بكه‪ ,‬وأخرجكه أبكو داود‬
‫من حككديث ابككن جريككج عككن عمككرو بككن دينككار‪ ,‬ورواه الحككاكم فككي‬
‫مسككككتدركه مككككع أنككككه فككككي صككككحيح البخككككاري كمككككا رأيككككت‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن مردويه والحاكم فككي مسككتدركه‪ :‬حككدثنا محمككد‬
‫بن علي بن دحيم‪ ,‬حدثنا أحمد بن حازم‪ ,‬حدثنا أبو نعيم الفضل بن‬
‫دكين‪ ,‬حدثنا محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كان أهل الجاهليككة يككأكلون أشككياء ويككتركون‬
‫أشياء تقككذرًا‪ ,‬فبعككث اللككه نككبيه وأنككزل كتككابه وأحككل حللككه وحككرم‬
‫حرامه‪ ,‬فما أحل فهو حلل وما حرم فهككو حكرام ومكا سككت عنككه‬
‫ي محرما ً على‬ ‫لية }قل ل أجد فيما أوحي إل ّ‬ ‫فهو عفو‪ ,‬وقرأ هذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وهككذا لفككظ ابككن مردويككه‪ ,‬ورواه أبككو داود‬‫طككاعم يطعمككه{ ا َ‬
‫منفردا ً به‪ ,‬عن محمد بن داود بن صبيح عن أبككي نعيككم بككه‪ ,‬وقككال‬
‫الحاكم‪ :‬هككذا حككديث صككحيح السككناد ولككم يخرجككاه‪ ,‬وقككال المككام‬
‫أحمد‪ :‬حدثنا عفان حككدثنا أبككو عوانككة عككن سككماك بككن حككرب عككن‬
‫عكرمككة عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬مككاتت شككاة لسككودة بنككت زمعككة‬
‫فقالت‪ :‬يا رسككول اللككه مككاتت فلنككة تعنككي الشككاة‪ ,‬قككال »فلككم ل‬
‫أخذتم مسكها ؟« قالت نأخذ مسك شاة قد ماتت ؟ فقال رسككول‬
‫‪690‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »إنما قال الله }قل ل أجد فيما أوحككي‬
‫ي محرما ً على طاعم يطعمه إل أن يكون ميتة أو دما ً مسككفوحا ً‬ ‫إل ّ‬
‫أو لحككم خنزيككر{ وإنكككم ل تطعمككونه أن تككدبغوه فتنتفعككوا بككه«‬
‫فأرسلت فسلخت مسكها فدبغته فاتخذت منه قربة حتى تخرقت‬
‫عندها‪ ,‬رواه أحمد ورواه البخاري والنسائي‪ ,‬مككن حككديث الشككعبي‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس عن سودة بنت زمعككة بككذلك أو نحككوه‪.‬‬
‫وقال سعيد بن منصور‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن محمد عككن عيسككى‬
‫بن نميلة الفزاري عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬كنت عند ابن عمر فسككأله رجككل‬
‫ي محرمكا ً‬‫عن أكل القنفذ فقرأ عليه }قكل ل أجكد فيمككا أوحككي إلك ّ‬
‫لية‪ ,‬فقال شيخ عنككده‪ :‬سككمعت أبككا هريككرة‬ ‫على طاعم يطعمه{ ا َ‬
‫يقول ذكر عند النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم فقككال »خبيثككة مككن‬
‫الخبائث« فقال ابن عمر‪ :‬إن كان النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قاله فهو كما قكال‪ ,‬ورواه أبكو داود عكن أبكي ثكور عكن سكعيد بكن‬
‫منصككككككككككككككككككككككككككككككككككككككور بككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فمن اضطر غير بككاغ ول عككاد{ أي فمككن اضككطر‬
‫ليككة الكريمككة‪ ,‬وهككو غيككر‬ ‫إلى أكل شيء مما حرم الله فككي هككذه ا َ‬
‫متلبس ببغي ول عككدوان }فككإن ربكك غفكور رحيككم{ أي غفككور لكه‬
‫لية فككي سكورة البقككرة بمككا فيككه‬ ‫رحيم به‪ ,‬وقد تقدم تفسير هذه ا َ‬
‫لية الكريمة الرد على المشركين‬ ‫كفاية‪ ,‬والغرض من سياق هذه ا َ‬
‫الذين ابتدعوا ما ابتدعوه مككن تحريككم المحرمككات علككى أنفسككهم‪,‬‬
‫بآرائهم الفاسدة مككن البحيككرة والسككائبة والوصككيلة والحككام ونحككو‬
‫ذلك‪ ,‬فأمر رسوله أن يخبرهم أنه ل يجد فيما أوحاه اللككه إليككه أن‬
‫ليككة مككن الميتككة والككدم‬ ‫ذلك محرم‪ ,‬وإنما حرم ما ذكر فككي هككذه ا َ‬
‫المسفوح ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به‪ ,‬وما عدا ذلككك فلككم‬
‫يحرم وإنما هو عفو مسكوت عنه‪ ,‬فكيف تزعمون أنتم أنككه حككرام‬
‫ومن أين حرمتموه ولم يحرمه الله ؟ وعلى هذا فل يبقككى تحريككم‬
‫أشياء أخر فيما بعد هذا‪ ,‬كما جاء النهي عن لحككوم الحمككر الهليككة‬
‫ولحوم السباع وكككل ذي مخلككب مككن الطيككر علككى المشككهور مككن‬
‫مككككككككككككككككككككككككككككككككككذاهب العلمككككككككككككككككككككككككككككككككككاء‪.‬‬
‫‪691‬‬
‫ْ‬ ‫مك َ ْ‬ ‫ل ِذي ظ ُُفكرٍ وَ ِ‬ ‫من َككا ك ُك ّ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫** وَعََلى اّلك ِ‬
‫ن الب ََقكرِ َوا َلغََنكم ِ‬ ‫َ‬
‫حّر ْ‬ ‫هكا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫مككا‬
‫واي َككآ أوْ َ‬ ‫مككا أوِ ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ت ظ ُُهوُرهُ َ‬ ‫مل َك ْ‬
‫ح َ‬
‫ما َ‬ ‫مآ إ ِل ّ َ‬
‫مه ُ َ‬‫حو َ‬ ‫ش ُ‬‫م ُ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫حّر ْ‬ ‫َ‬
‫صككككادُِقو َ‬
‫ن‬ ‫م وِإ ِن ّككككا ل َ َ‬‫هم ب ِب َغْي ِهِكككك ْ‬ ‫جَزي ْن َككككا ُ‬‫ك َ‬ ‫ط ب ِعَظ ْككككم ٍ ذ َل ِكككك َ‬ ‫خت َل َكككك َ‬
‫ا ْ‬
‫قال ابن جرير‪ ,‬يقول تعالى وحرمنككا علككى اليهككود كككل ذي ظفككر‬
‫وهو البهائم والطير ما لم يكن مشككقوق الصككابع‪ ,‬كالبككل والنعككام‬
‫والوز والبط‪ ,‬قال علي بن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس }وعلككى‬
‫الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر{ وهو البعير والنعامة‪ ,‬وكككذا قككال‬
‫مجاهد والسدي في رواية‪ ,‬وقال سعيد بن جككبير‪ :‬هككو الككذي ليككس‬
‫منفرج الصابع‪ ,‬وفي رواية عنه كل شككيء متفككرق الصككابع ومنككه‬
‫الديك‪ ,‬وقال قتادة في قوله }وعلى الككذين هككادوا حرمنككا كككل ذي‬
‫ظفر{ وكان يقكال للبعيكر والنعامكة وأشكياء مكن الطيكر والحيتكان‬
‫وفي رواية البعير والنعامة‪ ,‬وحرم عليهم من الطيكر البكط وشكبهه‬
‫وكل شيء ليس بمشقوق الصابع‪ ,‬وقال ابن جريككج عككن مجاهككد‪:‬‬
‫كل ذي ظفر‪ ,‬قال‪ :‬النعامة والبعير شقاشقًا‪ ,‬قلت للقاسم بن أبي‬
‫بزة وحدثته ما شقاشقا ً ؟ قال‪ :‬كل ما ل ينفرج من قوائم البهائم‪,‬‬
‫قال وما انفرج أكلتككه ؟ قككال انفرجككت قككوائم البهككائم والعصككافير‬
‫قال‪ :‬فيهود تأكله‪ ,‬قال‪ :‬ولم تنفرج قائمة البعير ك خفككه كك ول خككف‬
‫النعامة ول قائمة الوز‪ ,‬فل تأكل اليهود البككل ول النعامككة ول الككوز‬
‫ول كل شيء لككم تنفككرج قككائمته ول تأكككل حمككار الككوحش‪ ,‬وقككوله‬
‫تعالى‪} :‬ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما{ قال السدي‪:‬‬
‫يعنككي الككثرب وشككحم الكليككتين وكككانت اليهككود تقككول إنككه حرمككه‬
‫إسرائيل فنحن نحرمه‪ ,‬وكذا قككال ابككن زيككد‪ ,‬وقككال قتككادة‪ :‬الككثرب‬
‫وكككككككل شككككككحم كككككككان كككككككذلك ليككككككس فككككككي عظككككككم‪.‬‬
‫وقككال علككي بككن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس }إل مككا حملككت‬
‫ظهورهما{ يعني ما علق بالظهر من الشحوم‪ ,‬وقال السدي وأبككو‬
‫صالح‪ :‬اللية مما حملت ظهورهما وقوله تعالى‪} :‬أو الحوايا{ قال‬
‫المام أبو جعفر بككن جريككر الحوايككا جمككع واحككدها حاويككاء وحاويككة‬
‫وى من البطن فاجتمع واستدار‪ ,‬وهي بنات اللبن‬ ‫وحوية وهو ما تح ّ‬
‫وهككي المبككاعر وتسككمى المرابككض‪ ,‬وفيهككا المعككاء‪ ,‬قككال‪ :‬ومعنككى‬
‫الكلم ومن البقر والغنككم حرمنككا عليهككم شككحومهما إل مككا حملككت‬
‫ظهورهما أو ما حملت الحوايا‪ ,‬قال علي بن أبي طلحككة عككن ابككن‬
‫عبككاس‪ :‬أو الحوايككا وهككي المبعككر‪ ,‬وقككال مجاهككد‪ :‬الحوايككا المبعككر‬
‫‪692‬‬
‫والمربض‪ ,‬وكذا قال سعيد بن جبير والضحاك وقتككادة وأبككو مالككك‬
‫والسدي‪ ,‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد‪ :‬الحوايككا‬
‫المرابض التي تكون فيها المعاء تكون وسطها وهي بنككات اللبككن‪,‬‬
‫وهككي فككي كلم العككرب تككدعى المرابككض‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬أو مككا‬
‫اختلط بعظم{ يعني إل ما اختلط من الشحوم بعظم فقد أحللنككاه‬
‫لهم‪ ,‬وقال ابن جريج‪ :‬شحم اللية ما اختلط بالعصعص فهككو حلل‬
‫وكل شيء في القوائم والجنب والرأس والعين وما اختلط بعظككم‬
‫فهو حلل ونحككوه‪ ,‬قككاله السككدي‪ .‬وقككوله تعككالى‪} :‬ذلككك جزينككاهم‬
‫ببغيهم{ أي هذا التضييق إنما فعلنككاه بهككم وألزمنككاهم بككه مجككازاة‬
‫على بغيهم ومخككالفتهم أوامرنككا‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪} :‬فبظلككم مككن‬
‫الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصككدهم عككن سككبيل‬
‫اللككه كككثيرًا{ وقككوله }وإنككا لصككادقون{ أي وإنككا لعككادلون فيمككا‬
‫جازيناهم به‪ ,‬وقال ابن جرير‪ ,‬وإنا لصادقون فيمككا أخبرنككاك بككه يككا‬
‫محمد من تحريمنا ذلك عليهم‪ ,‬ل كما زعموا من أن إسككرائيل هككو‬
‫الكككككككذي حرمكككككككه علكككككككى نفسكككككككه‪ ,‬واللكككككككه أعلكككككككم‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن عباس‪ :‬بلغ عمر بن الخطاب رضي اللككه عنككه‪,‬‬
‫أن سمرة باع خمرا ً فقال‪ :‬قاتل الله سمرة ألككم يعلككم أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال »لعن اللككه اليهككود حرمككت عليهككم‬
‫الشحوم فجملوها فباعوها« أخرجاه من حديث سفيان بككن عيينككة‬
‫عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن عمر به‪ ,‬وقال‬
‫الليث‪ :‬حدثني يزيد بن أبي حبيب‪ ,‬قال‪ :‬قال عطاء بن أبككي ربككاح‪:‬‬
‫سمعت جابر بن عبد الله يقول‪ :‬سككمعت رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم يقول عام الفتح »إن اللككه ورسككوله حككرم بيككع الخمككر‬
‫والميتة والخنزير والصنام« فقيل يككا رسككول اللككه أرأيككت شككحوم‬
‫الميتة فإنها يدهن بها الجلككود وتطلككى بهككا السككفن ويستصككبح بهككا‬
‫الناس فقال »ل هو حرام« ثم قال رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسككلم عنككد ذلككك »قاتككل اللككه اليهككود إن اللككه لمككا حككرم عليهككم‬
‫شحومها جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه« ورواه الجماعة من طككرق‬
‫عن يزيد بن أبي حبيب به‪ ,‬وقال الزهري‪ :‬عن سعيد بن المسككيب‬
‫عن أبي هريككرة قكال‪ :‬قككال رسككول اللككه صكلى اللككه عليككه وسكلم‬
‫»قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوهككا وأكلككوا ثمنهككا«‬
‫ورواه البخاري ومسلم جميعًا‪ ,‬عن عبدان عككن ابككن المبككارك عككن‬
‫‪693‬‬
‫يونس عن الزهري به‪ ,‬وقال ابن مردويككه‪ :‬حككدثنا محمككد بككن عبككد‬
‫الله بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا إسماعيل بن إسككحاق‪ ,‬حككدثنا سككليمان بككن‬
‫حرب‪ ,‬حدثنا وهب‪ ,‬حدثنا خالد الحذاء عككن بركككة أبككي الوليككد عككن‬
‫ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا ً خلككف‬
‫المقام‪ ,‬فرفع بصره إلى السماء فقال »لعن الله اليهود ك ك ثلث كا ً ك ك‬
‫إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوهككا وأكلككوا ثمنهككا وإن اللككه لككم‬
‫يحكككرم علكككى قكككوم أككككل شكككيء إل حكككرم عليهكككم ثمنكككه«‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا علي بن عاصم‪ ,‬أنبأنا خالد الحككذاء عككن‬
‫بركة أبي الوليد‪ ,‬أنبأنا ابن عباس قال‪ :‬كان رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم قاعدا ً في المسجد مستقبل ً الحجر فنظر إلى السككماء‬
‫فضحك فقال »لعن الله اليهود حرمككت عليهككم الشككحوم فباعوهككا‬
‫وأكلوا أثمانها‪ ,‬وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهككم‬
‫ثمنه« ورواه أبو داود من حديث خالد الحذاء‪ ,‬وقال العمش‪ :‬عن‬
‫جامع بن شداد عن كلثوم عن أسامة بككن زيككد‪ ,‬قككال‪ :‬دخلنككا علككى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم وهككو مريككض نعككوده‪ ,‬فوجككدناه‬
‫نائما ً قد غطى وجهه ببرد عدني فكشف عن وجهككه وقككال‪» :‬لعككن‬
‫الله اليهود يحرمون شحوم الغنككم ويككأكلون أثمانهككا« وفككي روايككة‬
‫»حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها« وفي لفككظ لبككي‬
‫داود عن ابن عباس مرفوعا ً »إن الله إذا حككرم أكككل شككيء حككرم‬
‫عليهككككككككككككككككككككككككككككككككككككم ثمنككككككككككككككككككككككككككككككككككككه«‪.‬‬
‫ذو رحمكة واسكعة ول َ يكرد بأ ْ‬

‫ن‬
‫ِ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫م ُ َ ْ َ ٍ َ ِ َ ٍ َ ُ َ ّ َ‬ ‫ل ّرب ّك ُك ْ‬ ‫** فَِإن ك َذ ُّبو َ‬
‫ك فَُقك ْ‬
‫ن‬
‫ميككككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫ال َْقكككككككككككككككككككككككككككككككككوْم ِ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫يقكول تعكالى‪ :‬فكإن ككذبك يكا محمكد مخكالفوك مكن المشكركين‬
‫واليهود ومن شابههم‪} ,‬فقل ربكم ذو رحمة واسعة{ وهذا ترغيب‬
‫لهم في ابتغاء رحمة الله الواسعة واتباع رسككوله‪} ,‬ول يككرد بأسككه‬
‫عن القوم المجرمين{ ترهيب لهم من مخككالفتهم الرسككول خككاتم‬
‫النبيين‪ ,‬وكثيرا ً ما يقرن الله تعككالى بيككن الككترغيب والككترهيب فككي‬
‫القرآن‪ ,‬كما قال تعالى فككي آخككر هككذه السككورة }إن ربككك سككريع‬
‫العقاب وإنه لغفور رحيم{ وقككال }وإن ربككك لككذو مغفككرة للنككاس‬
‫علككى ظلمهككم وإن ربككك لشككديد العقككاب{ وقككال تعككالى‪} :‬نككبىء‬
‫‪694‬‬
‫عبادي أني أنا الغفور الرحيككم * وأن عككذابي هككو العككذاب الليككم{‬
‫وقال تعالى‪} :‬غافر الككذنب وقابككل التككوب شككديد العقككاب{ وقككال‬
‫}إن بطكش ربكك لشككديد * إنكه هككو يبككدىء ويعيككد * وهكو الغفككور‬
‫ليكككككككات فكككككككي هكككككككذا ككككككككثيرة جكككككككدًا‪(.‬‬
‫الكككككككودود{ وا َ‬
‫شكَرك َْنا وَل َ آَباؤُن َككا وَل َ‬ ‫مككآ أ َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫شككآَء الل ّك ُ‬ ‫كوا ْ ل َكوْ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫سي َُقو ُ‬ ‫** َ‬
‫ْ‬
‫سكَنا‬ ‫ذاقُككوا ْ ب َأ َ‬ ‫ى َ‬ ‫حت ّك َ‬‫مككن قَب ْل ِهِككم َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ك ك َذ ّ َ‬ ‫يٍء ك َذ َل ِ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫حّر ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ الظ ّك ّ‬ ‫جككوهُ ل َن َككآ ِإن ت َت ّب ِعُككو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫عل ْكم ٍ فَت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مك ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫عند َ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫داك ُ ْ‬ ‫شككآَء ل َهَك َ‬ ‫ة فَل َكوْ َ‬ ‫ة ال َْبال ِغَك ُ‬ ‫جك ُ‬‫ح ّ‬‫ل فَل ِل ّكهِ ال ْ ُ‬ ‫ن * قُ ك ْ‬ ‫صككو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م إ َل ّ ت َ ْ‬‫أنت ُ ْ‬
‫شهدو َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫هـ ك َ‬ ‫م َ‬ ‫ح كّر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن يَ ْ َ ُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫دآَءك ُ ُ‬ ‫شه َ َ‬‫م ُ‬ ‫ل هَل ُ ّ‬ ‫ن * قُ ْ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫أ ْ‬
‫ن ك َكذ ُّبوا ْ ِبآَيات ِن َككا‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬‫وآَء ال ّك ِ‬ ‫م وَل َ ت َت ّب ِكعْ أهْك َ‬ ‫معَهُك ْ‬ ‫شكهَد ْ َ‬ ‫دوا ْ فَل َ ت َ ْ‬ ‫ش كه ِ ُ‬ ‫فَِإن َ‬
‫م ي َْعكككككدُِلو َ‬
‫ن‬ ‫هكككككم ب َِرب ِّهككككك ْ‬ ‫خَرةِ وَ ُ‬ ‫ن ِبكككككال َ ِ‬ ‫مُنكككككو َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫َواّلككككك ِ‬
‫هذه مناظرة ذكرها الله تعككالى‪ ,‬وشككبهة تشككبث بهككا المشككركون‬
‫في شركهم وتحريم ما حرموا‪ ,‬فإن الله مطلع علككى مككا هككم فيككه‬
‫من الشرك والتحريككم لمككا حرمككوه‪ ,‬وهككو قككادر علككى تغييككره بككأن‬
‫يلهمنا اليمان ويحول بيننا وبين الكفر فلم يغيره‪ ,‬فككدل علككى أنككه‬
‫بمشيئته وإرادته ورضاه منا بذلك‪ ,‬ولهذا قككالوا }لككو شككاء اللككه مككا‬
‫أشركنا ول آباؤنككا ول حرمنككا مككن شككيء{ كمككا فككي قككوله تعككالى‪,‬‬
‫لية التي فككي‬ ‫لية‪ ,‬وكذلك ا َ‬ ‫}وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم{ ا َ‬
‫النحكككككككككككككككل مثكككككككككككككككل هكككككككككككككككذه سكككككككككككككككواء‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪} :‬كذلك كذب الذين من قبلهم{ أي بهذه الشبهة‬
‫ضل من ضل قبل هؤلء وهي حجة داحضة باطلة‪ ,‬لنهككا لككو كككانت‬
‫صحيحة لما أذاقهم اللككه بأسككه ودمككر عليهككم وأدال عليهككم رسككله‬
‫الكرام وأذاق المشركين من أليم النتقام‪} ,‬قل هككل عنككدكم مككن‬
‫علم{ أي بأن الله راض عنكم فيما أنتم فيككه }فتخرجككوه لنككا{ أي‬
‫فتظهروه لنا وتككبينوه وتككبرزوه }إن تتبعككون إل الظككن{ أي الككوهم‬
‫والخيككال‪ ,‬والمككراد بككالظن هاهنككا العتقككاد الفاسككد }وإن أنتككم إل‬
‫تخرصون{ تكذبون على الله فيما ادعيتمككوه‪ ,‬قككال علككي بككن أبككي‬
‫طلحة‪ :‬عن ابن عباس }ولو شاء الله ما أشككركنا{ وقككال }كككذلك‬
‫كذب الذين من قبلهم{ ثم قال }ولو شاء الله ما أشركوا{ فإنهم‬
‫للهة تقربنا إلككى اللككه زلفككى فككأخبرهم اللككه أنهككا ل‬ ‫قالوا‪ :‬عبادتنا ا َ‬
‫تقربهم‪ ,‬فقوله }ولو شاء الله ما أشركوا{ يقول تعالى لككو شككئت‬
‫‪695‬‬
‫لجمعتهم على الهدى أجمعين‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬قككل فلل ّككه الحجككة‬
‫البالغة فلو شاء لهداكم أجمعيككن{ يقككول تعككالى لنككبيه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم }قل{ لهككم يككا محمككد }فلل ّككه الحجككة البالغككة{ أي لككه‬
‫الحكمة التامة والحجة البالغة في هدايككة مككن هككدى وإضككلل مككن‬
‫ضل‪} ,‬فلو شككاء لهككداكم أجمعيككن{ فكككل ذلككك بقككدرته ومشككيئته‬
‫واختياره‪ ,‬وهو مع ذلك يرضككى عككن المككؤمنين ويبغككض الكككافرين‪,‬‬
‫كما قككال تعككالى‪} :‬ولككو شككاء اللككه لجمعهككم علككى الهككدى{ وقككال‬
‫لمن مككن فككي الرض{ وقككوله }ولككو شككاء‬ ‫تعالى‪} :‬ولو شاء ربك َ‬
‫ربك لجعل الناس أمككة واحككدة ول يزالككون مختلفيككن إل مككن رحككم‬
‫ربككك ولككذلك خلقهككم وتمككت كلمككة ربككك لملن جهنككم مككن الجنككة‬
‫والناس أجمعين{ قال الضحاك‪ :‬ل حجة لحد عصى الله ولكن لله‬
‫الحجة البالغة على عباده‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬قل هلم شككهداءكم{ أي‬
‫أحضروا شهداءكم }الذين يشككهدون أن اللككه حككرم هككذا{ أي هككذا‬
‫الذي حرمتموه وكذبتم وافتريتم على اللككه فيككه }فككإن شككهدوا فل‬
‫تشهد معهم{ أي لنهم إنما يشهدون والحالة هذه كذبا ً وزورا ً }ول‬
‫لخرة وهم بربهم‬ ‫تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين ل يؤمنون با َ‬
‫يعكككككدلون{ أي يشكككككركون بكككككه ويجعلكككككون لكككككه عكككككدي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫شكْيئا ً‬ ‫كوا ْ ب ِكهِ َ‬ ‫شكرِ ُ‬ ‫م أ َل ّ ت ُ ْ‬ ‫م عَل َي ْك ُك ْ‬ ‫م َرب ّك ُك ْ‬ ‫حكّر َ‬ ‫مككا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ت َعَككال َوْا ْ أ َت ْك ُ‬‫** قُك ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن ن َْرُزقُك ُك ْ‬ ‫حك ُ‬ ‫ق نّ ْ‬ ‫مل َ ٍ‬ ‫نإ ْ‬ ‫مك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫سككانا ً وَل َ ت َْقت ُل ُكوَا ْ أوْل َد َك ُك ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وَِبال ْ َ‬
‫وال ِكد َي ْ ِ‬
‫ن وَل َ ت َْقت ُل ُككوا ْ‬‫مككا ب َط َك َ‬ ‫من ْهَككا وَ َ‬ ‫مككا ظ َهَكَر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬‫م وَل َ ت َْقَرُبوا ْ ال َْفك َ‬ ‫وَإ ِّياهُ ْ‬
‫م ت َعِْقل ُككو َ‬
‫ن‬ ‫م ب ِكهِ ل َعَل ّك ُك ْ‬ ‫صاك ُ ْ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫حقّ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ ِبال ْ َ‬‫م الل ّ ُ‬‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتي َ‬ ‫الن ّْف َ‬
‫قال داود الودي عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود رضككي‬
‫الله عنه قال‪ :‬من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صككلى اللككه‬
‫ليات }قل تعالوا أتككل‬ ‫عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ هؤلء ا َ‬
‫ما حرم ربكم عليكم أل تشككركوا بككه شككيئا ً كك إلككى قككوله كك لعلكككم‬
‫تتقككون{ وقككال الحككاكم فككي مسككتدركه‪ :‬حككدثنا بكككر بككن محمككد‬
‫الصيرفي بمرو‪ ,‬حككدثنا عبككد الصككمد بككن الفضككل حككدثنا مالككك بككن‬
‫إسماعيل النهدي‪ ,‬حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن‬
‫خليفة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن عباس يقول‪ :‬في النعام آيات محكمككات‬
‫هن أم الكتاب‪ ,‬ثم قرأ }قل تعككالوا أتككل مككا حككرم ربكككم عليكككم{‬
‫‪696‬‬
‫ليات‪ ,‬ثم قال الحاكم‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجككاه‪ .‬قلككت‪ :‬ورواه‬ ‫ا َ‬
‫زهير وقيس بن الربيع‪ ,‬كلهما عن أبي إسحاق عن عبككد اللككه بككن‬
‫قيككككككس عككككككن ابككككككن عبككككككاس بككككككه‪ ,‬واللككككككه أعلككككككم‪.‬‬
‫وروى الحاكم أيضا ً في مسنده‪ ,‬من حديث يزيد بن هككارون عككن‬
‫سفيان بن حسين عن الزهككري عككن أبككي إدريككس عكن عبكادة بكن‬
‫الصامت قال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »أيكككم‬
‫يبايعني على ثلث« ثم تل رسول الله صلى الله عليه وسلم }قل‬
‫ليات »فمن وفى‬ ‫تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم{ حتى فرغ من ا َ‬
‫فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا ً فأدركه الله به في الككدنيا‬
‫لخرة فأمره إلى الله إن شاء عككذبه‬ ‫كانت عقوبته‪ ,‬ومن أخر إلى ا َ‬
‫وإن شاء عفا عنه« ثم قككال صككحيح السككناد ولككم يخرجككاه‪ ,‬وإنمككا‬
‫اتفقا على حديث الزهري عن أبي إدريس عككن عبككادة‪» ,‬بككايعوني‬
‫علكككككككى أن ل تشكككككككركوا بكككككككالله شكككككككيئًا« الحكككككككديث‪.‬‬
‫وقد روى سفيان بن حسين كل الحككديثين‪ ,‬فل ينبغككي أن ينسككب‬
‫إلى الوهم في أحد الحككديثين إذا جمككع بينهمككا‪ ,‬واللككه أعلككم‪ .‬وأمككا‬
‫تفسيرها فيقككول تعككالى‪ :‬لنككبيه ورسككوله محمككد صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم قككل يككا محمككد لهككؤلء المشككركين الككذين عبككدوا غيككر اللككه‬
‫وحرموا ما رزقهم الله وقتلوا أولدهم‪ ,‬وكككل ذلككك فعلككوه بككآرائهم‬
‫وتسويل الشياطين لهم }قككل{ لهككم }تعككالوا{ أي هلمككوا وأقبلككوا‬
‫}أتل ما حرم ربكم عليكم{ أي أقص عليكككم وأخككبركم بمككا حككرم‬
‫ربكم عليكم حقا ً ل تخرصا ً ول ظنا ً بل وحيا ً منكه وأمكرا ً مكن عنكده‬
‫}أل تشركوا به شيئًا{ وكأن في الكلم محذوفا ً دل عليه السككياق‪,‬‬
‫ليككة‬ ‫وتقديره وأوصاكم }أل تشركوا به شيئًا{ ولهذا قال في آخر ا َ‬
‫}ذلككككم وصكككاكم بكككه لعلككككم تعقلكككون{ وكمكككا قكككال الشكككاعر‪:‬‬
‫ج وأوصكككى بسكككليمى ال َعُْبكككداأن ل تكككرى ول تكلكككم أحكككدا ً‬ ‫حككك ّ‬
‫َ‬
‫ول يككككككككككككككزل شككككككككككككككرابها مككككككككككككككبّردا‬
‫وتقول العرب‪ :‬أمرتك أن ل تقوم‪ .‬وفككي الصكحيحين مكن حكديث‬
‫أبي ذر رضي الله عنككه قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »أتاني جبريل فبشرني أنه من مات ل يشككرك بككالله شككيئا ً‬
‫من أمتك دخل الجنة‪ ,‬قلت وإن زنى وإن سككرق ؟ قككال وإن زنككى‬
‫وإن سرق‪ ,‬قلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سككرق‪,‬‬
‫قلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنككى وإن سككرق وإن شككرب‬
‫‪697‬‬
‫الخمر« وفي بعض الروايات‪ :‬أن قائل ذلك إنما هو أبو ذر لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأنككه عليككه الصككلة والسككلم قككال فككي‬
‫الثالثككة »وإن رغككم أنككف أبككي ذر« فكككان أبككو ذر يقككول بعككد تمككام‬
‫الحديث »وإن رغم أنف أبككي ذر« وفككي بعككض المسككانيد والسككنن‬
‫عن أبي ذر قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم يقككول‬
‫تعالى‪» :‬يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لككك علككى‬
‫ما كككان منككك ول أبككالي‪ ,‬ولككو أتيتنككي بقككراب الرض خطيئة أتيتككك‬
‫بقرابها مغفرة مكا لكم تشكرك بكي شكيئًا‪ ,‬وإن أخطكأت حكتى تبلكغ‬
‫خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك« ولهذا شاهد في‬
‫القرآن قال الله تعالى‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشرك بككه ويغفككر مككا‬
‫دون ذلك لمن يشاء{ وفي صحيح مسلم عككن ابككن مسككعود »مككن‬
‫ليات والحاديث في هككذا‬ ‫مات ل يشرك بالله شيئا ً دخل الجنة« وا َ‬
‫كثيرة جدًا‪ ,‬وروى ابن مردويه‪ :‬من حديث عبادة وأبي الككدرداء »ل‬
‫تشكككركوا بكككالله شكككيئا ً وإن قطعتكككم أو صكككلبتم أو حرقتكككم{‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا محمد بن عوف الحمصي‪ ,‬حككدثنا ابككن‬
‫أبي مريم‪ ,‬حدثنا نافع بن يزيد‪ ,‬حدثني سيار بن عبد الرحمككن عككن‬
‫يزيد بن قوذر عن سلمة بن شريح عن عبادة بككن الصككامت‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫أوصككانا رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم بسككبع خصككال »أل‬
‫تشركوا بالله شيئا ً وإن حرقتم وقطعتم وصكلبتم«‪ .‬وقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}وبالوالدين إحسانًا{ أي وأوصاكم وأمركككم بالوالككدين إحسككانا ً أي‬
‫أن تحسنوا إليهم كما قال تعالى‪} :‬وقضى ربك أل تعبككدوا إل إيككاه‬
‫وبالوالدين إحسانًا{ وقرأ بعضهم‪ :‬ووصى ربكك‪ :‬أل تعبككدوا إل إيكاه‬
‫وبالوالدين إحسانًا‪ ,‬أي أحسنوا إليهم‪ ,‬والله تعالى كثيرا ً مككا يقككرن‬
‫بين طاعته وبر الوالدين كما قككال }أن اشكككر لككي ولوالككديك إلككي‬
‫المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لككك بككه علككم فل‬
‫تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ً واتبع سبيل من أناب إلي ثككم‬
‫إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتككم تعملكون{ فكأمر بالحسكان إليهمككا‬
‫وإن كانا مشركين بحسبهما‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬وإذا أخذنا ميثككاق بنككي‬
‫ليككات فككي‬ ‫إسرائيل ل تعبدون إل الله وبالوالدين إحسانًا{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬وا َ‬
‫هككككككككككككككككككككككككككككككككككككككذا كككككككككككككككككككككككككككككككككككككككثيرة‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال‪ :‬سككألت‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم أي العمككل أفضككل ؟ قككال‬
‫‪698‬‬
‫»الصلة على وقتها« قلت ثم أي ؟ قال »بر الوالككدين« قلككت ثككم‬
‫أي ؟ قال »الجهاد في سبيل الله«‪ ,‬قال ابن مسعود‪ :‬حدثني بهككن‬
‫رسول الله صلى اللككه عليككه وسكلم ولككو اسككتزدته لزادنككي‪ ,‬وروى‬
‫الحافظ أبو بكر بن مردويه بسنده عن أبي الدرداء وعن عبادة بن‬
‫الصامت كل منهما يقول أوصاني خليلككي رسككول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم »أطع والكديك وإن أمكراك أن تخكرج لهمكا مكن الكدنيا‬
‫فافعل« ولكن في إسناديهما ضكعف‪ ,‬واللكه أعلكم‪ .‬وقكوله تعكالى‪:‬‬
‫}ول تقتلوا أولدكم من إملق نحن نرزقكككم وإيككاهم{ لمككا أوصككى‬
‫تعالى بالوالدين والجداد عطف علككى ذلككك الحسككان إلككى البنككاء‬
‫والحفاد‪ ,‬فقال تعالى‪} :‬ول تقتلوا أولدكم من إملق{ وذلك أنهككم‬
‫كانوا يقتلون أودلهككم كمككا سككولت لهككم الشككياطين ذلككك‪ ,‬فكككانوا‬
‫يئدون البنككات خشككية العككار‪ ,‬وربمككا قتلككوا بعككض الككذكور خشككية‬
‫الفتقار‪ ,‬ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود‬
‫رضي الله عنه‪ ,‬أنه سأل رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم أي‬
‫الذنب أعظم ؟ قال »أن تجعككل للككه نككدا ً وهككو خلقككك« قلككت‪ :‬ثككم‬
‫أي ؟ قال »أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك« قلت‪ :‬ثككم أي ؟‬
‫قال‪» :‬أن تزاني حليلة جارك« ثم تل رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم }والذين ل يدعون مع الله إلها ً آخر ول يقتلون النفس التي‬
‫لية‪ .‬وقوله تعككالى‪} :‬مككن إملق{‬ ‫حرم الله إل بالحق ول يزنون{ ا َ‬
‫قال ابن عباس وقتادة والسدي وغيره‪ :‬هو الفقر‪ ,‬أي ول تقتلككوهم‬
‫من فقركم الحاصل‪ ,‬وقال في سورة السراء }ول تقتلوا أولدكم‬
‫لجككل‪ ,‬ولهككذا‬‫خشية إملق{ أي ل تقتلوهم خوفا ً مككن الفقككر فككي ا َ‬
‫قال هناك }نحن نرزقهم وإياكم{ فبدأ برزقهم للهتمككام بهككم‪ ,‬أي‬
‫ل تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله‪ ,‬وأمككا فككي هككذه‬
‫لية فلما ككان الفقكر حاصكل ً قكال }نحكن نرزقككم وإيكاهم{ لنكه‬ ‫ا َ‬
‫الهم ههنا‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬وقكوله تعكالى‪} :‬ول تقربككوا الفكواحش مككا‬
‫ظهر منها وما بطن{ كقوله تعالى‪} :‬قل إنما حرم ربي الفواحش‬
‫ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله‬
‫ما لم ينزل به سلطانا ً وأن تقولوا على اللككه مككا ل تعلمككون{ وقككد‬
‫تقدم تفسيرها فككي قككوله تعككالى‪} :‬وذروا ظككاهر الثككم وبككاطنه{‪.‬‬
‫وفي الصكحيحين عكن ابكن مسكعود رضكي اللكه عنكه قكال‪ :‬قكال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »ل أحد أغير من الله‪ ,‬من أجككل‬
‫‪699‬‬
‫ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن« وقال عبد الملك بككن‬
‫عمير عن وّراد عن موله المغيرة قال‪ :‬قككال سككعد بككن عبككادة لككو‬
‫رأيت مع امرأتككي رجل ً لضككربته بالسككيف غيككر مصككفح‪ ,‬فبلككغ ذلككك‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعجبون من غيرة سعد ؟‬
‫فوالله لنا أغير من سعد‪ ,‬والله أغيككر منككي‪ ,‬مككن أجككل ذلككك حككرم‬
‫الفواحش ما ظهر منها وما بطن« أخرجاه‪ ,‬وقال كامل أبككو العلء‬
‫عن أبي صالح عن أبي هريرة قال‪ :‬قيل يككا رسككول اللككه إنككا نغككار‬
‫قال »واللكه إنككي لغككار واللكه أغيككر منككي‪ ,‬ومككن غيرتككه نهككى عككن‬
‫الفواحش« رواه ابن مردويه ولم يخرجه أحد من أصكحاب الكتكب‬
‫الستة‪ ,‬وهو على شرط الترمككذي فقككد روي بهككذا السككند »أعمككار‬
‫أمتي ما بين السككتين إلككى السككبعين« وقككوله تعككالى‪} :‬ول تقتلككوا‬
‫النفس التي حرم الله إل بالحق{ وهككذا ممككا نككص تبككارك وتعككالى‬
‫على النهي عنه تأكيدا ً وإل فهو داخل في النهي عن الفككواحش مككا‬
‫ظهر منها وما بطن فقد جككاء فككي الصككحيحين‪ :‬عككن ابككن مسككعود‬
‫رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »ل‬
‫يحل دم امرىء مسلم يشهد أن ل إله إل الله وأنككي رسككول اللككه‪,‬‬
‫إل بإحدى ثلث‪ :‬الثيب الزانككي‪ ,‬والنفككس بككالنفس‪ ,‬والتككارك لككدينه‬
‫المفارق للجماعة«‪ ,‬وفي لفظ لمسلم »والذي ل إله غيره ل يحل‬
‫دم رجككل مسككلم« وذكككره‪ ,‬قككال العمككش‪ :‬فحككدثت بككه إبراهيككم‪,‬‬
‫فحدثني عن السود عن عائشة بمثله‪ ,‬وروى أبككو داود والنسككائي‪:‬‬
‫عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪,‬‬
‫قككال »ل يحككل دم امرىككء مسككلم إل بإحككدى ثلث خصككال‪ :‬زان‬
‫محصككن يرجككم‪ ,‬ورجككل قتككل متعمككدا ً فيقتككل‪ ,‬ورجككل يخككرج مككن‬
‫السككلم حككارب اللككه ورسككوله‪ ,‬فيقتككل أو يصككلب أو ينفككى مككن‬
‫الرض« وهذا لفظ النسائي‪ ,‬وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان‬
‫رضي الله عنه أنه قال وهو محصور‪ :‬سككمعت رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم يقول‪» :‬ل يحل دم امرى مسككلم إل بإحككدى ثلث‪:‬‬
‫رجل كفر بعد إسلمه‪ ,‬أو زنككى بعككد إحصككانه‪ ,‬أو قتككل نفس كا ً بغيككر‬
‫نفس« فوالله ما زنيت في جاهليككة ول إسككلم‪ .‬ول تمنيككت أن لككي‬
‫بديني بدل ً منه إذ هداني الله‪ ,‬ول قتلككت نفسكًا‪ ,‬فبككم تقتلككونني ؟«‬
‫رواه المام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه‪ ,‬وقال الترمذي‪:‬‬
‫هككككككككككككككككككككككذا حككككككككككككككككككككككديث حسككككككككككككككككككككككن‪.‬‬
‫‪700‬‬
‫وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد وهو المسككتأمن‬
‫من أهل الحرب‪ ,‬فروى البخاري‪ :‬عن عبككد اللككه بككن عمككرو رضككي‬
‫الله عنهما عن النبي صلى اللكه عليكه وسكلم مرفوعكا ً »مكن قتكل‬
‫معاهدا ً لم يرح رائحة الجنة‪ ,‬وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعيككن‬
‫عامًا« وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال »من قتل معاهدا ً له ذمة الله وذمة رسوله فقككد أخفككر‬
‫بذمة الله‪ ,‬فل يرح رائحككة الجنككة‪ ,‬وإن ريحهككا ليوجككد مككن مسككيرة‬
‫سبعين خريفًا« رواه ابن ماجه والترمككذي‪ ,‬وقككال‪ :‬حسككن صككحيح‪,‬‬
‫وقوله }ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون{ أي هذا ممككا وصككاكم بككه‬
‫لعلككككككككم تعقلكككككككون عكككككككن اللكككككككه أمكككككككره ونهيكككككككه‪.‬‬
‫شكد ّهُ‬ ‫ى ي َب ْل ُكغَ أ َ ُ‬

‫َ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ت‬‫ح‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬
‫ل ال ْيِتيكم إل ّ بككال ِّتي هكي أ َ‬
‫ِ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ما َ َ‬ ‫** وَل َ ت َْقَرُبوا ْ َ‬
‫ذا‬‫س كعََها وَإ ِ َ‬ ‫ف ن َْفس كا ً إ ِل ّ وُ ْ‬ ‫ط ل َ ن ُك َل ّك ُ‬
‫سك ِ‬‫ن ِبال ِْق ْ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬
‫مي كَزا َ‬ ‫وَأ َوُْفوا ْ ال ْك َي ْك َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م ب ِك ِ‬ ‫صككاك ُ ْ‬
‫م وَ ّ‬ ‫ى وَب ِعَهْدِ الل ّهِ أوُْفوا ْ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ذا قُْرب َ َ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬‫م َفاعْدُِلوا ْ وَل َوْ َ‬ ‫قُل ْت ُ ْ‬
‫م َتككككككككككككككككككككككككككككككككككذ َك ُّرو َ‬
‫ن‬ ‫ككككككككككككككككككككككككككككككككككك ْ‬ ‫ل َعَل ّ ُ‬
‫قال عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابككن عبككاس قككال‬
‫لما أنزل الله }ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هككي أحسككن{ و}إن‬
‫لية‪ ,‬فانطلق من كككان عنككده‬ ‫الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا{ ا َ‬
‫يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شككرابه‪ ,‬فجعككل يفضككل‬
‫الشيء فيحبس له حتى يأكله‪ ,‬ويفسد‪ ,‬فاشتد ذلك عليهم‪ ,‬فذكروا‬
‫ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسككلم فككأنزل اللككه }ويسككألونك‬
‫عن اليتامى قل إصلح لهم خير وإن تخالطوهم فككإخوانكم{ قككال‪:‬‬
‫فخلطككوا طعككامهم بطعككامهم وشككرابهم بشككرابهم رواه أبككو داود‪,‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬حتى يبلغ أشده{ قال الشعبي ومالك وغيككر واحككد‬
‫من السلف‪ :‬يعني حتى يحتلككم‪ ,‬وقككال السككدي‪ :‬حككتى يبلككغ ثلثيككن‬
‫سنة‪ ,‬وقيل أربعون سنة‪ ,‬وقيل ستون سنة‪ ,‬قال‪ :‬وهككذا كلككه بعيككد‬
‫هككا هنككا واللككه أعلككم‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬وأوفككوا الكيككل والميككزان‬
‫بالقسط{ يأمر تعالى بإقامة العدل في الخذ والعطاء‪ ,‬كما توعد‬
‫على تركه في قككوله تعككالى‪} :‬ويككل للمطففيككن الككذين إذا اكتككالوا‬
‫على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنككوهم يخسككرون أل يظككن‬
‫‪701‬‬
‫أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين{‬
‫وقد أهلك الله أمة من المم كككانوا يبخسككون المكيككال والميككزان‪.‬‬
‫وفي كتاب الجامع لبي عيسى الترمذي‪ :‬من حديث الحسين بن‬
‫قيس أبي علي الرحبي‪ ,‬عن عكرمة عككن ابككن عبككاس رضككي اللككه‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم لصككحاب الكيككل‬
‫والميزان »إنكم وليتم أمرا ً هلكت فيه المم السالفة قبلكككم« ثككم‬
‫قال‪ :‬ل نعرفه مرفوعا ً إل مككن حككديث الحسككين وهككو ضككعيف فككي‬
‫الحديث‪ .‬وقد روي بإسناد صحيح عككن ابككن عبككاس موقوفكًا‪ ,‬قلككت‬
‫وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث شريك عن العمش‬
‫عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسككلم »إنكككم معشككر المككوالي قككد بشككركم اللككه‬
‫بخصلتين بهما هلكت القرون المتقدمة‪ :‬المكيال والميزان« وقوله‬
‫تعالى‪} :‬ل نكلف نفسا ً إل وسعها{ أي من اجتهككد فككي أداء الحككق‬
‫وأخذه‪ ,‬فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فل حرج عليككه‪,‬‬
‫وقد روى ابن مردويه من حديث بقية عككن ميسككرة بككن عبيككد عككن‬
‫عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه عن سعيد بن المسيب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ليككة }وأوفككوا الكيككل‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فككي ا َ‬
‫والميزان بالقسط ل نكلف نفسكا ً إل وسككعها{ فقككال »مككن أوفككى‬
‫على يده في الكيل والميزان والله يعلم صحة نيته بالوفككاء فيهمككا‬
‫لم يؤاخذ وذلك تأويل وسككعها« هكذا مرسككل غريكب‪ ,‬وقككوله }وإذا‬
‫قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى{ كقوله }يا أيها الذين آمنوا كونككوا‬
‫لية‪ ,‬وكذا التي تشبهها فككي سككورة‬ ‫قوامين لله شهداء بالقسط{ ا َ‬
‫النساء‪ ,‬يأمر تعككالى بالعككدل فككي الفعككال والمقككال علككى القريككب‬
‫والبعيد‪ ,‬والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد في كل وقت وفي كككل‬
‫حال‪ ,‬وقوله }وبعهد الله أوفوا{ قككال ابككن جريككر‪ :‬يقككول وبوصككية‬
‫الله التي أوصاكم بها فأوفوا‪ ,‬وإيفاء ذلك أن تطيعوه فيمككا أمركككم‬
‫ونهاكم وتعملوا بكتابه وسنة رسوله‪ ,‬وذلك هككو الوفككاء بعهككد اللككه‬
‫}ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون{ يقول تعالى‪ :‬هككذا أوصككاكم بككه‬
‫وأمركككم بككه وأكككد عليكككم فيككه }لعلكككم تككذكرون{ أي تتعظككون‬
‫وتنتهون عمككا كنتككم فيككه قبككل هككذا‪ ,‬وقككرأ بعضككهم بتشككديد الككذال‬
‫وآخكككككككككككككككككككككككككككككككككرون بتخفيفهكككككككككككككككككككككككككككككككككا‪.‬‬
‫‪702‬‬
‫َ‬
‫ل فَت ََف كّرقَ‬ ‫ست َِقيما ً َفات ّب ُِعوهُ وَل َ ت َت ّب ِعُككوا ْ ال ّ‬
‫س كب ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫هـ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ن َ‬‫** وَأ ّ‬
‫ن‬
‫م ت َت ُّقككككو َ‬ ‫م ِبككككهِ ل َعَل ّ ُ‬
‫ككككك ْ‬ ‫صككككاك ُ ْ‬
‫م وَ ّ‬ ‫سككككِبيل ِهِ ذ َل ِ ُ‬
‫ككككك ْ‬ ‫عككككن َ‬‫م َ‬ ‫بِ ُ‬
‫ككككك ْ‬
‫قال علي بن أبي طلحة عن ابككن عبككاس فككي قككوله }ول تتبعككوا‬
‫السبل فتفرق بكم عن سبيله{ وفي قككوله }أن أقيمككوا الككدين ول‬
‫تتفرقوا فيه{ ونحككو هككذا فككي القككرآن‪ ,‬قككال‪ :‬أمككر اللككه المككؤمنين‬
‫بالجماعة ونهاهم عن الختلف والتفرقة‪ ,‬وأخبرهم أنككه إنمككا هلككك‬
‫من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هككذا‪ ,‬قككاله‬
‫مجاهككككككككككككككككككككككد وغيككككككككككككككككككككككر واحككككككككككككككككككككككد‪.‬‬
‫وقال المام أحمد بككن حنبككل‪ :‬حككدثنا السككود بككن عككامر شككاذان‪,‬‬
‫حدثنا أبو بكر هو ابن عياش‪ ,‬عن عاصم هو ابن أبككي النجككود‪ ,‬عككن‬
‫أبي وائل‪ ,‬عن عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه‪ :‬قال‪ :‬خككط‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ً بيده‪ ,‬ثم قال »هككذا سككبيل‬
‫الله مستقيمًا« وخط عن يمينككه وشككماله ثككم قككال »هككذه السككبل‬
‫ليس منها سبيل إل عليه شككيطان يككدعو إليككه‪ ,‬ثككم قككرأ }وأن هككذا‬
‫صككراطي مسككتقيما ً فككاتبعوه ول تتبعككوا السككبل فتفككرق بكككم عككن‬
‫سبيله{‪ ,‬وكذا رواه الحاكم عن الصم عككن أحمكد بككن عبككد الجبكار‬
‫عن أبي بكر بن عياش به‪ ,‬وقال‪ :‬صحيح ولم يخرجاه‪ ,‬وهكذا رواه‬
‫أبو جعفر الرازي وورقاء وعمرو بن أبككي قيككس‪ ,‬عككن عاصككم عككن‬
‫أبي وائل شقيق سلمة عن ابن مسكعود مرفوعكا ً بكه نحكوه‪ ,‬وككذا‬
‫رواه يزيد بن هارون ومسدد والنسائي‪ ,‬عن يحيككى بككن حككبيب بككن‬
‫عربي وابن حبان من حديث ابن وهب‪ ,‬أربعتهم عن حماد بن زيككد‬
‫عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود به‪ ,‬وكذا رواه ابن جريككر‬
‫عن المثنى عن الحماني عن حماد بن زيد بككه‪ ,‬ورواه الحككاكم عككن‬
‫أبككي بكككر بككن إسككحاق عككن إسككماعيل بككن إسككحاق القاضككي عككن‬
‫سليمان بن حرب عن حماد بن زيد به كذلك‪ ,‬وقككال‪ :‬صككحيح ولككم‬
‫يخرجاه‪ .‬وقد روى هذا الحديث النسائي والحاكم من حديث أحمد‬
‫بن عبد الله بن يونس‪ ,‬عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عككن زر‬
‫عن عبد الله بن مسعود به مرفوعًا‪ ,‬وكككذا رواه الحككافظ أبككو بكككر‬
‫بن مردويه من حديث يحيى الحماني عن أبي بكر بن عيككاش عككن‬
‫عاصم عن زر به‪ ,‬فقد صححه الحاكم كمككا رأيككت مككن الطريقيككن‪,‬‬
‫‪703‬‬
‫ولعل هذا الحديث عن عاصم بككن أبككي النجككود عككن زر وعككن أبككي‬
‫وائل شقيق بن سلمة‪ ,‬كلهما عككن ابككن مسككعود بككه واللككه أعلككم‪.‬‬
‫وقال الحاكم‪ :‬وشاهد هذا الحديث حديث الشعبي‪ ,‬عن جابر من‬
‫وجه غير معتمد‪ ,‬يشير إلى الحديث الذي قال المككام أحمككد وعبككد‬
‫بن حميد واللفظ لحمد‪ :‬حدثنا عبد الله بن محمد وهو أبو بكر بككن‬
‫أبي شيبة‪ ,‬أنبأنا أبو خالككد الحمككر عككن مجاهككد عككن الشككعبي عككن‬
‫جابر‪ ,‬قال‪ :‬كنا جلوسا ً عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا ّ‬
‫هكذا أمامه فقال »هذا سبيل اللككه« وخطيككن عككن يمينككه وخطيككن‬
‫عن شماله وقال »هذه سبل الشيطان« ثم وضع يككده فككي الخككط‬
‫لية }وأن هذا صراطي مستقيما ً فاتبعوه ول‬ ‫الوسط‪ ,‬ثم تل هذه ا َ‬
‫تتبعوا السككبل فتفككرق بكككم عككن سككبيله ذلكككم وصككاكم بككه لعلكككم‬
‫تتقون{ ورواه أحمككد وابككن مككاجه‪ :‬فككي كتككاب السككنة مككن سككننه‪,‬‬
‫والبزار عن أبي سعيد عبد الله بن سعيد عن أبي خالد الحمر بككه‪,‬‬
‫قلت‪ :‬ورواه الحككافظ بككن مردويككه مككن طريقيككن عككن أبككي سككعيد‬
‫الكندي‪ ,‬حدثنا أبو خالد عن مجالد عككن الشككعبي عككن جككابر‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا‪ ,‬وخط عن يمينه خطا ً‬
‫وخط عن يساره خطًا‪ ,‬ووضع يده على الخكط الوسكط‪ ,‬وتل هكذه‬
‫لية }وأن هذا صراطي مسككتقيما ً فككاتبعوه{ ولكككن العمككدة علككى‬ ‫ا َ‬
‫حديث ابن مسعود مع ما فيكه مككن الختلف إن ككان مكؤثرًا‪ ,‬وقكد‬
‫روي موقوفا ً عليه‪ ,‬قال ابن جرير‪ :‬حدثنا محمككد بككن عبككد العلككى‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبان عن عثمككان‪ ,‬أن رجل ً قككال‬
‫لبن مسعود ما الصراط المستقيم ؟ قال‪ :‬تركنا محمد صلى اللككه‬
‫عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنككة‪ ,‬وعككن يمينككه جككواد وعككن‬
‫يساره جواد ثم رجال يدعون مككن مككر بهككم‪ ,‬فمككن أخككذ فككي تلككك‬
‫الجواد انتهت به إلى النار ومن أخذ على الصككراط انتهككى بككه إلككى‬
‫الجنة‪ ,‬ثم قرأ ابن مسعود }وأن هككذا صككراطي مسككتقيما ً فككاتبعوه‬
‫لية‪ ,‬وقال ابن مردويه‪:‬‬ ‫ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله{ ا َ‬
‫حدثنا أبو عمرو‪ ,‬حدثنا محمد بككن عبككد الوهككاب‪ ,‬حككدثنا آدم‪ ,‬حككدثنا‬
‫إسماعيل بن عياش‪ ,‬حدثنا أبان بن عياش عن مسلم بككن عمككران‬
‫عن عبد الله بن عمر‪ ,‬سأل عبد الله عن الصراط المستقيم فقال‬
‫ابن مسعود‪ :‬تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفككه‬
‫فكككي الجنكككة‪ ,‬وذككككر تمكككام الحكككديث كمكككا تقكككدم واللكككه أعلكككم‪.‬‬
‫‪704‬‬
‫وقد روي مككن حككديث النككواس بككن سككمعان نحككوه‪ ,‬قككال المككام‬
‫أحمد‪ :‬حدثني الحسن بن سوار أبككو العلء‪ ,‬حككدثنا ليككث يعنككي ابككن‬
‫سعد عن معاوية بن صككالح‪ ,‬أن عبككد الرحمككن بككن جككبير بككن نفيككر‬
‫حدثه عن أبيه عن النواس بن سمعان عن رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم قال »ضرب الله مثل ً صككراطا ً مسككتقيمًا‪ ,‬وعككن جنككبي‬
‫الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة‪ ,‬وعلى البواب ستور مرخككاة‬
‫وعلى باب الصراط داع يدعو‪ :‬يا أيها الناس هلموا ادخلوا الصراط‬
‫المستقيم جميعا ً ول تفرقوا وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد‬
‫النسان أن يفتح شيئا ً من تلك البواب قال ويحك ل تفتحككه فإنككك‬
‫إن فتحته تلجه فالصراط السلم والسوران حككدود اللككه والبككواب‬
‫المفتحة محارم الله‪ ,‬وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله‪,‬‬
‫والداعي من فككوق الصككراط واعككظ اللككه فككي قلككب كككل مسككلم«‬
‫ورواه الترمذي والنسائي عن علي بن حجر‪ ,‬زاد النسائي وعمككرو‬
‫بن عثمان كلهما عن بقية بن الوليد عن يحيى بن سعد عن خالككد‬
‫بن معدان عن جبير بن نفير عن النككواس بككن سككمعان بككه‪ ,‬وقككال‬
‫الترمككككككككككككككككككككذي‪ :‬حسككككككككككككككككككككن غريككككككككككككككككككككب‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فاتبعوه ول تتبعوا السبل{ إنمككا وحككد سككبيله لن‬
‫الحق واحد‪ ,‬ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها كمككا قككال تعككالى‪:‬‬
‫}الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمككات إلككى النككور والككذين‬
‫كفروا أوليككاؤهم الطككاغوت يخرجككونهم مككن النككور إلككى الظلمككات‬
‫أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{ وقال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا‬
‫أحمد بن سنان الواسطي‪ ,‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬حدثنا سفيان بن‬
‫حسين عككن الزهككري عككن أبككي إدريككس الخككولني عككن عبككادة بككن‬
‫الصامت‪ ,‬قال‪ :‬قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »أيكككم‬
‫ليككات الثلث ؟« ثككم تل }قككل تعككالوا أتككل مككا‬ ‫يبايعني على هؤلء ا َ‬
‫حرم ربكم عليكم{ حتى فرغ من ثلث آيات ثم قال »ومككن وفككى‬
‫بهن فأجره على الله‪,‬ومن انتقككص منهككن شككيئا ً فككأدركه اللككه فككي‬
‫لخرة كان أمره إلككى اللككه إن‬ ‫الدنيا كانت عقوبته ومن أخره إلى ا َ‬
‫شككككككككككاء آخككككككككككذه وإن شككككككككككاء عفككككككككككا عنككككككككككه«‪.‬‬
‫‪705‬‬
‫صككيل ً ل ّك ُك ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن وَت َْف ِ‬ ‫سك َ‬ ‫ح َ‬ ‫ماما ً عََلى ال ّذِيَ أ ْ‬ ‫ب تَ َ‬‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫** ث ُ ّ‬
‫م آت َي َْنا ُ‬
‫ب‬ ‫هـك َ‬
‫ذا ك ِت َككا ٌ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬
‫من ُككو َ‬ ‫م ب ِل َِقككآِء َرب ّهِك ْ‬‫ة ل ّعَل ّهُك ْ‬
‫مك ً‬
‫ح َ‬
‫دى وََر ْ‬ ‫يٍء وَهُ ً‬ ‫ش ْ‬‫َ‬
‫ك َفكككككات ّب ُِعوهُ َوات ُّقكككككوا ْ ل َعَل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مكككككو َ‬ ‫ح ُ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫كككككك ْ‬ ‫مَبكككككاَر ٌ‬‫أنَزل َْنكككككاهُ ُ‬
‫قال ابن جرير‪} :‬ثككم آتينككا موسككى الكتككاب{ تقككديره ثككم قككل يككا‬
‫محمد مخبرا ً عنا أنا آتينا موسى الكتاب‪ ,‬بدللة قكوله }قكل تعكالوا‬
‫أتل ما حرم ربكم عليكم{ قلت‪ :‬وفي هذا نظر‪ ,‬وثم ههنا إنما هي‬
‫لعطككف الخككبر بعككد الخككبر ل للككترتيب ههنككا كمككا قككال الشككاعر‪:‬‬
‫قككل لمككن سككاد ثككم سككاد أبككوهثم قككد سككاد قبككل ذلككك جككده‬
‫وههنككا لمككا أخككبر اللككه سككبحانه عككن القككرآن بقككوله }وأن هككذا‬
‫صراطي مستقيما ً فاتبعوه{ عطف بمدح التوراة ورسولها‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫ثم آتينا موسى الكتاب‪ ,‬وكثيرا ً ما يقرن سبحانه بيككن ذكككر القككرآن‬
‫والتوراة‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬ومن قبلككه كتككاب موسككى إمامكا ً ورحمككة‬
‫وهذا كتاب مصدق لسانا ً عربيكًا{ وقككوله أول هككذه السككورة }قككل‬
‫من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا ً وهدى للنككاس تجعلككونه‬
‫ليككة‪ ,‬وبعككدها }وهككذا كتككاب‬ ‫قراطيككس تبككدونها وتخفككون كككثيرًا{ ا َ‬
‫ليكككككككككككككككككككككة‪.‬‬ ‫أنزلنكككككككككككككككككككككاه مبكككككككككككككككككككككارك{ ا َ‬
‫وقال تعالى مخبرا ً عن المشركين }فلما جاءهم الحق من عندنا‬
‫قالوا لول أوتي مثل ما أوتي موسى{ قال تعالى‪} :‬أو لككم يكفككروا‬
‫بما أوتي موسى من قبل قالوا سككحران تظككاهرا وقككالوا إنككا بكككل‬
‫كافرون{ وقال تعالى مخبرا ً عن الجن أنهككم قككالوا }يككا قومنككا إنككا‬
‫سمعنا كتابا ً أنزل من بعد موسى مصدقا ً لما بين يديه يهككدي إلككى‬
‫ل{‬ ‫لية‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬تماما ً على الككذين أحسككن وتفصككي ً‬ ‫الحق{ ا َ‬
‫أي آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماما ً كككامل ً جامع كًا‪ ,‬لمككا يحتككاج‬
‫إليه في شريعته كقوله }وكتبنا لككه فككي اللككواح مككن كككل شككيء{‬
‫لية‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬على الذي أحسكن{ أي جكزاء علكى إحسكانه‬ ‫ا َ‬
‫في العمل وقيامه بأوامرنا وطاعتنا كقوله }هل جزاء الحسان إل‬
‫الحسان{ وكقوله }وإذ ابتلى إبراهيم ربكه بكلمككات فككأتمهن قككال‬
‫إني جاعلك للنككاس إمامكًا{ وكقككوله }وجعلنككا منهككم أئمككة يهككدون‬
‫بأمرنككككككا لمككككككا صككككككبروا وكككككككانوا بآياتنككككككا يوقنككككككون{‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر الرازي عن الربيككع بككن أنككس }ثككم آتينككا موسككى‬
‫الكتاب تماما ً على الذي أحسن{ يقول أحسن فيمككا أعطككاه اللككه‪.‬‬
‫لخككرة‪ ,‬واختككار‬ ‫وقال قتادة من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في ا َ‬
‫‪706‬‬
‫ابن جرير أن تقديره }ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا{ على إحسانه‬
‫فكأنه جعل الككذي مصككدرية كماقيككل فككي قككوله تعككالى‪} :‬وخضككتم‬
‫كالكككككذي خاضكككككوا{ أي كخوضكككككهم وقكككككال ابكككككن رواحكككككة‪:‬‬
‫وثبت الله ما آتاك من حسنفي المرسككلين ونصككرا ً كالككذي نصككروا‬
‫وقال آخرون‪ :‬الذي ههنا بمعنى الذين‪ ,‬قال ابن جرير‪ :‬وذكر عن‬
‫عبد الله بن مسعود أنه كان يقرؤهككا تمام كا ً علككى الككذين أحسككنوا‪,‬‬
‫وقال ابن أبي نجيح‪ :‬عن مجاهككد تمام كا ً علككى الككذي أحسككن‪ ,‬قككال‬
‫على المؤمنين والمحسنين‪ ,‬وكككذا قككال أبككو عبيككدة وقككال البغككوي‬
‫المحسنون النبياء والمؤمنون‪ ,‬يعني أظهرنكا فضكله عليهكم قلككت‪:‬‬
‫كقوله تعالى }قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالتي‬
‫وبكلمي{ ول يلزم اصطفاؤه على محمد صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫خككككاتم النبيككككاء والخليككككل عليهمككككا السككككلم لدلككككة أخككككرى‪.‬‬
‫قال ابن جرير وروى أبو عمرو بن العلء عن يحيى بن يعمكر أنكه‬
‫كان يقرؤها تماما ً على الذي أحسن رفعكا ً بتأويككل علككى الككذي هككو‬
‫أحسن ثم قال وهذه قراءة ل أسككتجيز القككراءة بهككا وإن كككان لهككا‬
‫في العربية وجه صحيح‪ ,‬وقيل‪ :‬معناه تماما ً على إحسان الله إليككه‬
‫زيادة على ما أحسن إليه حكاه ابن جرير والبغوي ول منافاة بينككه‬
‫وبين القول الول‪ ,‬وبه جمككع ابككن جريككر كمككا بينككاه‪ ,‬وللككه الحمككد‪.‬‬
‫وقوله تعككالى‪} :‬وتفصككيل ً لكككل شككيء وهككدى ورحمككة{ فيككه مككدح‬
‫لكتابه الذي أنزله الله عليه }لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون وهذا كتاب‬
‫أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكككم ترحمككون{ فيككه الككدعوة إلككى‬
‫اتباع القككرآن يرغككب سككبحانه عبككاده فككي كتككابه ويككأمرهم بتككدبره‬
‫والعمل به والدعوة إليه ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل بككه فككي‬
‫الكككككككدنيا وا َ‬
‫لخكككككككرة لنكككككككه حبكككككككل اللكككككككه المكككككككتين‪.‬‬
‫مككن قَب ْل ِن َككا وَِإن ك ُن ّككا‬ ‫ن ِ‬ ‫ب عَل َكى َ‬

‫طككآئ ُ َِفت َي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ُ‬ ‫مآ ُأنزِ َ‬ ‫َ‬
‫** أن ت َُقول ُوَا ْ إ ِن ّ َ‬
‫ب ل َك ُن ّككآ‬ ‫ل عَل َي ْن َككا ال ْك ِت َككا ُ‬ ‫ن * أ َوْ ت َُقوُلوا ْ ل َوْ أ َّنآ أنكزِ َ‬ ‫م ل ََغافِِلي َ‬ ‫ست ِهِ ْ‬
‫عن دَِرا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أظ ْل َك ُ‬
‫م‬ ‫مك ْ‬ ‫ة فَ َ‬‫مك ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫م وَهُ ً‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫جآَءك ُ ْ‬
‫م ب َي ّن َ ٌ‬ ‫م فََقد ْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫أهْد َىَ ِ‬
‫ن‬‫عك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫صكدُِفو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫زي اّلك ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫سكن َ ْ‬‫ف عَن َْها َ‬ ‫صد َ َ‬ ‫ت الل ّهِ وَ َ‬ ‫ب ِبآَيا ِ‬ ‫من ك َذ ّ َ‬‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫صكككككككدُِفو َ‬
‫ن‬ ‫ككككككككاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫مكككككككا َ‬ ‫ب بِ َ‬‫ذا ِ‬‫سكككككككوََء ال َْعككككككك َ‬ ‫آَيات َِنكككككككا ُ‬
‫‪707‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬معناه وهذا كتاب أنزلناه لئل تقولككوا }إنمككا أنككزل‬
‫الكتاب علكى طكائفتين مكن قبلنكا{ يعنكي لينقطكع عكذركم كقكوله‬
‫تعالى‪} :‬ولول أن تصيبهم مصيبة بما قككدمت أيككديهم فيقولككوا ربنككا‬
‫لية‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬علككى‬ ‫لول أرسلت إلينا رسول ً فنتبع آياتك{ ا َ‬
‫طائفتين من قبلنا{ قال علي بن أبي طلحة عككن ابككن عبككاس هككم‬
‫اليهود والنصارى وكذا قككال مجاهككد والسككدي وقتككادة وغيككر واحككد‬
‫وقوله }وإن كنككا عككن دراسككتهم لغككافلين{ أي ومككا كنككا نفهككم مككا‬
‫يقولون لنهم ليسوا بلساننا ونحن في غفلة وشغل مككع ذلككك عمككا‬
‫هم فيه‪ .‬وقوله }أو تقولوا لو أنككا أنككزل علينككا الكتككاب لكنككا أهككدى‬
‫منهم{ أي وقطعنا تعللكم أن تقولوا لككو أنككا أنككزل علينككا مككا أنككزل‬
‫عليهم لكنا أهدى منهم فيما أوتككوه كقككوله }وأقسككموا بككالله جهككد‬
‫أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهككدى مككن إحككدى المككم{ ا َ‬
‫وهكذا قال ههنككا }فقككد جككاءكم بينككة مككن ربكككم وهككدى ورحمككة{‬
‫يقول‪ :‬فقد جاءكم من اللككه علككى لسككان محمككد صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم النبي العربي قرآن عظيم فيه بيان للحلل والحككرام وهككدى‬
‫لما في القلوب ورحمة من الله لعباده الذين يتبعونه ويقتفككون مككا‬
‫فيكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنهككا{‬
‫أي لم ينتفع بما جاء بككه الرسككول ول اتبككع مككا أرسككل بككه ول تككرك‬
‫غيره بل صدف عن اتباع آيات الله أي صدف الناس وصدهم عككن‬
‫ذلك قاله السدي‪ ,‬وعن ابن عباس ومجاهد وقتككادة وصككدف عنهككا‬
‫أعرض عنها وقول السدي ههنا فيه قككوة لنككه قككال }فمككن أظلككم‬
‫ممن كذب بآيات الله وصدف عنها{ كما تقككدم فككي أول السككورة‬
‫}وهم ينهككون عنككه وينككأون عنككه وإن يهلكككون إل أنفسككهم{ وقككال‬
‫تعالى‪} :‬الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللككه زدنككاهم عككذابا ً فككوق‬
‫لية الكريمة }سككنجزي الككذين يصككدفون‬ ‫العذاب{ وقال في هذه ا َ‬
‫عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون{ وقد يكون المراد فيمككا‬
‫قال ابن عباس ومجاهد وقتادة }فمن أظلم ممن كذب بآيات الله‬
‫وصككدف عنهككا{ أي ل آمككن بهككا ول عمككل بهككا كقككوله تعككالى‪} :‬فل‬
‫ليككات الدالككة‬‫دق ول صلى ولكن كذب وتولى{ وغير ذلك مككن ا َ‬ ‫ص ّ‬
‫على اشتمال الكافر على التكذيب بقلبككه وتككرك العمككل بجككوارحه‬
‫ولكن كلم السدي أقوى وأظهر‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬لن الله قال }فمككن‬
‫‪708‬‬
‫أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها{ كقوله تعككالى‪} :‬الككذين‬
‫كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا ً فوق العذاب بمككا كككانوا‬
‫يفسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككدون{‪.‬‬
‫ك أ َو يكأ ْ‬‫َ‬ ‫ل ينظ ُرون إل ّ َأن تأ ْتيهم ال ْملئك َة أ َو يأ ْ‬

‫ض‬
‫ي ب َعْك ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫ت‬
‫َ ِ ُ ْ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫َ ِ ُ ُ‬ ‫** هَ ْ َ ُ َ ْ ِ‬
‫ن‬‫م ت َك ُك ْ‬ ‫مان ُهَككا ل َك ْ‬ ‫ك ل َ َينَفعُ ن َْفسا ً ِإي َ‬ ‫ت َرب ّ َ‬
‫ض آَيا ِ‬‫م ي َأِتي ب َعْ ُ‬ ‫ت َرب ّ َ‬
‫ك ي َوْ َ‬ ‫آَيا ِ‬
‫ل انت َظ ِكُروَا ْ إ ِن ّككا‬ ‫َ‬
‫خي ْككرا ً قُ ك ِ‬ ‫مان ِهَككا َ‬ ‫ي ِإي َ‬‫ت فِ ك َ‬ ‫ل أو ْ ك َ َ‬
‫س كب َ ْ‬ ‫مككن قَب ْك ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫من َك ْ‬
‫آ َ‬
‫ن‬
‫ظكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككُرو َ‬ ‫منت َ ِ‬‫ُ‬
‫يقول تعالى متوعدا ً للكافرين به والمخالفين لرسككله والمكككذبين‬
‫بآياته والصادين عن سبيله }هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكككة أو‬
‫يأتي ربك{ وذلك كائن يوم القيامة }أو يأتي بعض آيات ربكك يككوم‬
‫يأتي بعض آيات ربك ل ينفع نفسا ً إيمانها{ وذلك قبل يوم القيامككة‬
‫كائن من أمارات الساعة وأشراطها حين يرون شيئا ً مككن أشككراط‬
‫لية حككدثنا موسككى بككن‬ ‫الساعة كما قال البخاري في تفسير هذه ا َ‬
‫إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا عمارة حدثنا أبو زرعة عككن أبككي‬
‫هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫»ل تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها النككاس‬
‫آمن من عليها«فذلك حين }ل ينفع نفسكا ً إيمانهككا لككم تكككن آمنككت‬
‫مككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن قبككككككككككككككككككككككككككككككككككككككل{‪.‬‬
‫حدثنا إسحاق حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همككام بككن منبككه‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »ل‬
‫تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها« وفككي لفككظ »فككإذا‬
‫طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين ل ينفع نفسا ً إيمانها‬
‫لية‪ .‬هكذا روي هذا الحكديث‬ ‫لم تكن آمنت من قبل« ثم قرأ هذه ا َ‬
‫من هذين الوجهين ومن الككوجه الول أخرجككه بقيككة الجماعككة فككي‬
‫كتبهم إل الترمذي من طرق عن عمارة بككن القعقككاع بككن شككبرمة‬
‫عككككن أبككككي زرعككككة بككككن جريككككر عككككن أبككككي هريككككرة بككككه‪.‬‬
‫ما الطريق الثاني فرواه عن إسحاق غيككر منسككوب وقيككل هككو‬ ‫وأ ّ‬
‫ابن منصور الكوسج وقيل إسحاق بن نصككر واللهككأعلم‪ ,‬وقككد رواه‬
‫مسلم عن محمد بن رافع الجنديسابوري كلهما عن عبككد الككرزاق‬
‫به‪ ,‬وقد ورد هذا الحديث من طرق أخر عن أبي هريرة كما انفككرد‬
‫‪709‬‬
‫مسلم بروايته من حديث العلء بن عبد الرحمن بن يعقوب مككولى‬
‫الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة بككه‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫كريب حدثنا ابن فضيل عن أبيه عن أبككي حككازم عككن أبككي هريككرة‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »ثلث إذا خرجككن ل‬
‫ينفع نفسا ً إيمانها لم تكن آمنت مككن قبككل أو كسككبت فككي إيمانهككا‬
‫خيرًا‪ ,‬طلوع الشمس مككن مغربهككا والككدجال ودابككة الرض« ورواه‬
‫أحمد عن وكيع عن فضيل بن غزوان عن أبي حككازم سككلمان عككن‬
‫أبي هريرة به وعنده والدخان‪ ,‬ورواه مسلم عن أبي بكر بككن أبككي‬
‫شيبة وزهير بن حرب عن وكيع ورواه هو أيضا ً والترمذي من غيككر‬
‫وجه عن فضيل بن غزوان به‪ ,‬ورواه إسحاق بن عبد الله القككروي‬
‫عن مالك بن أبي الزناد عن العككرج عككن أبككي هريككرة‪ ,‬ولكككن لككم‬
‫يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الككوجه لضككعف القككروي كك‬
‫وقال ابن جرير حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا شعيب بككن الليككث‬
‫عن أبيه عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمككن بككن هرمككز العككرج‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »ل‬
‫تقوم الساعة حتى تطلع الشمس مككن مغربهككا فككإذا طلعككت آمككن‬
‫الناس كلهم وذلك حين ل ينفع نفسكا ً إيمانهككا لكم تكككن آمنككت مكن‬
‫لية‪ ,‬ورواه ابن لهيعة عن العرج عن أبي هريرة بككه ورواه‬ ‫قبل« ا َ‬
‫وكيع عن فضيل بن غزوان عككن أبككي حككازم عككن أبككي هريككرة بككه‪,‬‬
‫أخرج هذه الطرق كلها الحافظ أبو بكر بن مردويه فككي تفسككيره‪,‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا الحسن بن يحيى أخبرنككا عبككد الككرزاق قككال‬
‫أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قككال‪ :‬قككال‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »مككن تككاب قبككل أن تطلككع‬
‫الشمس من مغربها قبل منه« لم يخرجه أحد من أصحاب الكتككب‬
‫السككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككتة‪.‬‬
‫)حديث آخر( عن أبي ذر الغفاري في الصككحيحين وغيرهمككا مككن‬
‫طرق عن إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي عن أبيه عن أبككي ذر‬
‫جندب بن جنادة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »أتدري أيككن تككذهب الشككمس إذا غربككت ؟« قلككت‪ :‬ل‬
‫أدري قال‪» :‬إنها تنتهي دون العرش فتخر ساجدة ثككم تقككوم حككتى‬
‫‪710‬‬
‫يقال لها ارجعي فيوشك يا أبا ذر أن يقال لهككا ارجعككي مككن حيككث‬
‫جئت وذلك حين }ل ينفع نفسا ً إيمانها لم تكن آمنككت مككن قبككل{‪.‬‬
‫)حديث آخر( عن حذيفة بن أسيد بن أبي شريحة الغفاري رضي‬
‫الله عنه‪ ,‬قال المام أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن فككرات عككن‬
‫أبي الطفيل عككن حذيفككة بككن أسككيد الغفككاري قككال‪ :‬أشككرف علينككا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر السككاعة‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليكه وسكلم »ل تقكوم السكاعة حكتى‬
‫تروا عشر آيات‪ :‬طلوع الشككمس مككن مغربهككا‪ ,‬والككدخان والدابككة‪,‬‬
‫وخككروج يككأجوج ومككأجوج‪ ,‬وخككروج عيسككى ابككن مريككم‪ ,‬وخككروج‬
‫الككدجال‪ ,‬وثلثككة خسككوف‪ :‬خسككف بالمشككرق وخسككف بككالمغرب‪,‬‬
‫وخسف بجزيرة العرب‪ ,‬ونار تخرج من قعر عدن تسوق أو تحشر‬
‫الناس تبيت معهم حيث بككاتوا وتقيككل معهككم حيككث قككالوا« وهكككذا‬
‫رواه مسلم وأهل السنن الربعة من حديث فرات القزاز عن أبككي‬
‫الطفيل عامر بن واثلة عن حذيفة بككن أسككيد بككه وقككال الترمككذي‪:‬‬
‫حسككككككككككككككككككككككككككككككككككككن صككككككككككككككككككككككككككككككككككككحيح‪.‬‬
‫)حديث آخر( عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه‪ ,‬قككال الثككوري‬
‫عن منصور عن ربعي عن حذيفة قككال سككألت رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ما آيككة طلككوع الشككمس مككن‬
‫مغربها ؟ فقال النبي صلى الله عليككه وسككلم »تطككول تلككك الليلككة‬
‫حتى تكون قدر ليلتين فينتبه الككذين كككانوا يصككلون فيهككا فيعملككون‬
‫كمككا كككانوا يعملككون قبلهككا والنجككوم ل تككرى قككد غككابت مكانهككا ثككم‬
‫يرقدون ثم يقومون فيصلون ثم يرقدون ثم يقومون فيطل عليهم‬
‫جنكوبهم حكتى يتطكاول عليهكم الليكل فيفكزع النكاس ول يصكبحون‬
‫فبينما هم ينتظرون طلوع الشككمس مككن مشككرقها إذ طلعكت مككن‬
‫مغربها فكإذا رآهكا النككاس آمنكوا فلكم ينفعهكم إيمككانهم« رواه ابكن‬
‫مردويه‪ ,‬وليس هو في شيء من الكتب الستة مككن هككذا الككوجه ك ك‬
‫واللككككككككككككككككككككككككه أعلككككككككككككككككككككككككم ككككككككككككككككككككككككك‪.‬‬
‫)حديث آخر( عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بككن مالككك بككن‬
‫سنان رضي الله عنه وأرضاه‪ .‬قال المام أحمد حدثنا وكيككع حككدثنا‬
‫ابن أبي ليلى عن عطية العوفي عككن أبككي سككعيد الخككدري رضككي‬
‫الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم }يوم يككأتي يعككض آيككات‬
‫ربك ل ينفع نفسا ً إيمانها{ قككال‪» :‬طلككوع الشككمس مككن مغربهككا«‬
‫‪711‬‬
‫ورواه الترمذي عن سفيان بككن وكيككع عككن أبيككه بككه وقككال غريككب‪,‬‬
‫ورواه بعضهم ولم يرفعه‪ ,‬وفي حديث طالوت بن عباد عن فضال‬
‫بن جبير عن أبي أمامة صدي بككن عجلن قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫ليككات طلككوع الشككمس مككن‬ ‫صككلى اللككه عليككه وسككلم »إن أول ا َ‬
‫مغربها« وفي حديث عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عككن‬
‫صفوان بن عسال قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫يقول »إن الله فتح بابا ً قبل المغرب عرضه سبعون عاما ً للتوبة ل‬
‫يغلق حتى تطلع الشمس منه« رواه الترمككذي وصككححه النسككائي‬
‫وابككككككككككن مككككككككككاجه فككككككككككي حككككككككككديث طويككككككككككل‪.‬‬
‫)حديث آخر( عن عبد الله بن أبي أوفى قال ابن مردويه‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن علي بن دحيم‪ ,‬حدثنا أحمد بككن حككازم حككدثنا ضككرار بككن‬
‫صرد‪ ,‬حدثنا ابن فضيل عن سليمان بن يزيد عن عبد الله بن أبككي‬
‫أوفى قككال‪ :‬سككمعت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم يقككول‬
‫»ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلث ليالي مككن ليككاليكم هككذه فككإذا‬
‫كان ذلك يعرفها المتنفلون يقوم أحدهم فيقرأ حزبككه ثككم ينككام ثككم‬
‫يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام فبينما هم كذلك إذ صاح النككاس بعضككهم‬
‫في بعض فقالوا ما هذا فيفزعون إلى المساجد فإذا هم بالشمس‬
‫قد طلعت حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت وطلعت مككن‬
‫مطلعها ك قال حينئذ ك ل ينفع نفسا ً إيمانها« هذا حديث غريب مككن‬
‫هكككذا الكككوجه وليكككس هكككو فكككي شكككيء مكككن الكتكككب السكككتة‪.‬‬
‫)حديث آخر( عن عبد الله بن عمككرو‪ .‬قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أبو حيان عن أبي زرعة عن عمرو بككن‬
‫جرير قال‪ :‬جلس ثلثة نفر مككن المسككلمين إلككى مككروان بالمدينككة‬
‫ليككات يقككول إن أولهككا الككدجال قككال‬‫فسككمعوه وهككو يحككدث عككن ا َ‬
‫فانصرفوا إلى عبككد اللككه بككن عمككرو فحككدثوه بالككذي سككمعوه مككن‬
‫ليات فقال‪ :‬لم يقل مروان شيئا ً حفظت من رسككول‬ ‫مروان في ا َ‬
‫ليككات خروجكا ً طلككوع‬ ‫الله صلى الله عليه وسكلم يقككول »إن أول ا َ‬
‫الشمس مككن مغربهككا وخككروج الدابككة ضككحى فأيتهمككا كككانت قبككل‬
‫صاحبتها فالخرى على أثرها« ثم قال عبد الله وكان يقككرأ الكتككب‬
‫وأظن أولها خروجا ً طلوع الشككمس مككن مغربهككا وذلككك أنهككا كلمككا‬
‫غربت أتت تحت العرش وسجدت واسككتأذنت فككي الرجككوع فككأذن‬
‫لها في الرجوع حتى إذا بدا لله أن تطلع مككن مغربهككا فعلككت كمككا‬
‫‪712‬‬
‫كانت تفعل‪ ,‬أتت تحت العرش فسككجدت واسككتأذنت فككي الرجككوع‬
‫فلم يرد عليها شيء ثم استأذنت في الرجوع فل يرد عليها شككيء‬
‫حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب وعرفت أنه إذا أذن‬
‫لها في الرجوع لم تدرك المشككرق قكالت‪ :‬رب مككا أبعككد المشككرق‬
‫من لي بالنكاس‪ ,‬حكتى إذا صككار الفككق ككأنه طككوق اسكتأذنت فكي‬
‫الرجوع فيقال لها‪ :‬من مكانك فاطلعي فطلعت علككى النككاس مككن‬
‫لية }ل ينفع نفس كا ً إيمانهككا لككم تكككن‬ ‫مغربها‪ ,‬ثم تل عبد الله هذه ا َ‬
‫لية‪ ,‬وأخرجه مسلم في صحيحه وأبو داود وابككن‬ ‫آمنت من قبل{ ا َ‬
‫ماجه في سننيهما من حديث أبي حيان التيمي واسككمه يحيككى بككن‬
‫سككعيد بككن حيككان بككن أبككي زرعككة بككن عمككرو بككن جريككر بككه‪.‬‬
‫)حديث آخر عنه( قال الطبراني حدثنا أحمد بن يحيككى بككن خالككد‬
‫بن حيان الرقي حدثنا إسككحاق بككن إبراهيككم بككن زريككق الحمصككي‪,‬‬
‫حدثنا عثمان بن سعيد بن كككثير بككن دينككار‪ ,‬حككدثنا ابككن لهيعككة عككن‬
‫يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبككد اللككه بككن‬
‫عمرو بككن العككاص قككال قككال النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم »إذا‬
‫طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا ً ينادي ويجهككر إلهككي‬
‫مرني أن أسجد لمن شئت ك قال ك فيجتمع إليككه زبككانيته فيقولككون‬
‫كلهم ما هذا التضرع فيقككول‪ :‬إنمككا سككألت ربككي أن ينظرنككي إلككى‬
‫الوقت المعلوم وهذا الوقت المعلوم ك قال ك ثم تخرج دابة الرض‬
‫من صدع في الصفا ك قال ك فأول خطككوة تضككعها بأنطاكيككا فتككأتي‬
‫إبليس فتلطمه« هذا حديث غريب جدا ً وسنده ضعيف ولعلككه مككن‬
‫الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بككن عمككرو يككوم اليرمككوك فأمككا‬
‫رفعككككككككككككككه فمنكككككككككككككككر‪ ,‬واللككككككككككككككه أعلككككككككككككككم‪.‬‬
‫)حديث آخر( عن عبد الله بككن عمككرو وعبككد الرحمككن بككن عككوف‬
‫ومعاوية بن أبي سككفيان رضككي اللككه عنهككم أجمعيككن‪ .‬قككال المككام‬
‫أحمد‪ :‬حككدثنا الحكككم بككن نككافع‪ ,‬حككدثنا إسككماعيل بككن عيككاش عككن‬
‫ضمضم بن شريح بن عبيد يككرده إلككى مالككك بككن يخككامر عككن ابككن‬
‫السعدي أن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال »ل تنقطككع‬
‫الهجرة ما دام العدو يقاتل« فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف‬
‫وعبد الله بن عمرو بن العككاص إن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال »إن الهجرة خصلتان إحداهما تهجر السيئات والخككرى‬
‫تهاجر إلى الله ورسوله ول تنقطع ما تقبلت التوبة ول تزال التوبة‬
‫‪713‬‬
‫تقبل حتى تطلع الشمس من مغربها‪ ,‬فإذا طلعت طبككع علككى كككل‬
‫قلب بما فيه وكفي الناس العمل« هذا الحديث حسن السناد ولم‬
‫يخرجكككه أحكككد مكككن أصكككحاب الكتكككب السكككتة‪ ,‬واللكككه أعلكككم‪.‬‬
‫)حككديث آخككر( عككن ابككن مسككعود رضككي اللككه عنككه‪ .‬قككال عككوف‬
‫العرابي عن محمد بن سيرين حدثني أبو عبيدة عن ابكن مسكعود‬
‫ليككات فقككد مضككى غيككر أربككع‪ .‬طلككوع‬ ‫أنه كان يقول ما ذكككر مككن ا َ‬
‫الشككمس مككن مغربهككا‪ ,‬والككدجال‪ ,‬ودابككة الرض‪ ,‬وخككروج يككأجوج‬
‫ليككة الككتي تختككم بهككا العمككال طلككوع‬ ‫ومأجوج‪ .‬قال وكككان يقككول ا َ‬
‫الشمس من مغربها ألم تر أن الله يقول }يوم يككأتي بعككض آيككات‬
‫لية كلها يعنككي طلككوع الشككمس مككن مغربهككا‪ .‬حككديث ابككن‬ ‫ربك{ ا َ‬
‫عباس رضي الله عنهمككا رواه الحككافظ أبككو بكككر بككن مردويككه فككي‬
‫تفسيره من حديث عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهككب بككن‬
‫منبه عن ابن عباس مرفوعا ً فذكر حديثا ً طويل ً غريبا ً منكرا ً رفعككه‪,‬‬
‫وفيه أن الشمس والقمر يطلعككان يككومئذ مككن المغككرب مقرونيككن‬
‫وإذا انتصفا السماء رجعا ثم عادا إلككى مككا كانككا عليككه وهككو حككديث‬
‫غريب جدا ً بل منكر بل موضوع إن ادعي أنه مرفوع‪ ,‬فأمككا وقفككه‬
‫على ابن عباس أو وهب بن منبه وهو الشبه فغير مككدفوع‪ ,‬واللككه‬
‫وقال سفيان عن منصور عن عامر عن عائشة رضي اللككه عنهككا‬
‫ليككات طرحككت وحبسككت الحفظكة وشككهدت‬ ‫قالت‪ :‬إذا خككرج أول ا َ‬
‫الجساد على العمال رواه ابن جريككر رحمككه اللككه تعككالى‪ ,‬فقككوله‬
‫تعالى‪} :‬ل ينفع نفسا ً إيمانها لم تكن آمنت من قبل{ أي إذا أنشككأ‬
‫الكافر إيمانا ً يومئذ ل يقبل منه فأما من كان مؤمنا ً قبل ذلك فككإن‬
‫كان مصككلحا ً فككي عملككه فهككو بخيككر عظيككم وإن لككم يكككن مصككلحا ً‬
‫فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منككه تككوبته كمككا دلككت عليككه الحككاديث‬
‫المتقدمة وعليه يحمل قوله تعالى‪} :‬أو كسبت في إيمانها خيككرًا{‬
‫أي ول يقبل منها كسب عمل صالح إذا لم يكن عامل ً به قبل ذلك‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬قل انتظروا إنا منتظرون{ تهديد شككديد للكككافرين‬
‫ووعيد أكيد لمن سككوف بإيمككانه وتككوبته إلككى وقككت ل ينفعككه ذلككك‬
‫وإنما كان هذا الحكم عنككد طلككوع الشككمس مككن مغربهككا لقككتراب‬
‫الساعة وظهور أشراطها كما قال }فهل ينظككرون إل السككاعة أن‬
‫تأتيهم بغتة فقككد جككاء أشككراطها فككأنى لهككم إذا جككاءتهم ذكراهككم{‬
‫‪714‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحككده وكفرنككا بمككا‬
‫كنا به مشركين فلم يككك ينفعهككم إيمككانهم لمككا رأوا بأسككنا{ ا َ‬
‫مكآ‬ ‫يٍء إ ِن ّ َ‬
‫شك ْ‬‫م ِفي َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ت ِ‬
‫س َ‬ ‫شَيعا ً ل ّ ْ‬
‫كاُنوا ْ ِ‬ ‫م وَ َ‬‫ن فَّرُقوا ْ ِدين َهُ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫** إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫كككككاُنوا ْ ي َْفعَُلككككو َ‬
‫ن‬ ‫مككككا َ‬ ‫م إ َِلككككى الّلككككهِ ُثكككك ّ‬
‫م ي ُن َب ّئ ُُهككككم ب ِ َ‬ ‫هكككك ْ‬ ‫مُر ُ‬‫أ ْ‬
‫ليككة فككي‬ ‫قال مجاهككد وقتككادة والضككحاك والسككدي نزلككت هككذه ا َ‬
‫اليهود والنصارى وقككال العككوفي عككن ابككن عبككاس فككي قككوله }إن‬
‫الككذين فرقككوا دينهككم وكككانوا شككيعًا{ وذلككك أن اليهككود والنصككارى‬
‫اختلفوا قبل مبعث محمد صككلى اللككه عليككه وسككلم فتفرقككوا فلمككا‬
‫بعث محمد صكلى اللكه عليككه وسككلم أنككزل اللكه عليكه }إن الككذين‬
‫لية‪ ,‬وقال ابككن‬ ‫فرقوا دينهم وكانوا شيعا ً لست منهم في شيء{ ا َ‬
‫جرير‪ :‬حدثني سعيد بن عمر السكوني حدثنا بقية بن الوليككد كتككب‬
‫إلي عباد بن كثير حدثنا ليث عن طككاوس عككن أبككي هريككرة رضككي‬
‫الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم فككي هككذه‬
‫لية }إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ً لست منهم في شككيء{‬ ‫ا َ‬
‫وليسوا منك هم أهل البدع وأهل الشبهات وأهل الضللة من هذه‬
‫المة‪ .‬لكن هذا إسناد ل يصح فإن عباد بككن كككثير مككتروك الحككديث‬
‫ولم يختلق هذا الحديث ولكنه وهم فككي رفعككه فككإنه رواه سككفيان‬
‫الثوري عن ليث وهو ابن أبي سليم عن طاوس عككن أبككي هريككرة‬
‫ليكككككة أنكككككه قكككككال‪ :‬نزلكككككت فكككككي هكككككذه المكككككة‪.‬‬ ‫فكككككي ا َ‬
‫وقال أبو غالب عن أبي أمامة في قوله }وكانوا شيعًا{ قال هككم‬
‫الخوارج وروي عنه مرفوعا ً ول يصح‪ .‬وقال شعبة عن مجالككد عككن‬
‫الشعبي عن شريح عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنهككا »}إن الككذين فرقككوا‬
‫دينهم وكانوا شيعًا{ ك قال ك هككم أصككحاب البككدع« وهككذا رواه ابككن‬
‫لية عامة في‬ ‫مردويه وهو غريب أيضًاول يصح رفعه‪ ,‬والظاهر أن ا َ‬
‫كل من فارق دين الله وكككان مخالفكا ً لككه فككإن اللككه بعككث رسككوله‬
‫بالهككدى وديككن الحككق ليظهككره علككى الككدين كلككه وشككرعه واحككد ل‬
‫اختلف فيه ول افتراق فمن اختلف فيه }وكانوا شككيعًا{ أي فرق كا ً‬
‫كأهل الملل والنحل والهواء والضللت فككإن اللككه تعككالى قككد بككرأ‬
‫ليككة كقككوله‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه وهككذه ا َ‬
‫‪715‬‬
‫تعالى }شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ً والذي أوحينا إليك{‬
‫ا َ‬
‫ليككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وفي الحديث »نحن معاشر النبياء أولد علت ديننا واحد« فهككذا‬
‫هو الصراط المستقيم وهو ما جاءت بككه الرسككل مككن عبككادة اللككه‬
‫وحده ل شريك له والتمسك بشريعة الرسول المتأخر ومككا خككالف‬
‫ذلك فضللت وجهالت وآراء وأهواء والرسل برآء منهككا كمككا قككال‬
‫الله تعالى }لست منهم في شيء{ وقككوله تعككالى }إنمككا أمرهككم‬
‫إلى الله ثم ينبئهم بمككا كككانوا يفعلككون{ كقككوله تعككالى }إن الككذين‬
‫آمنككوا والككذين هككادوا والصككابئين والنصككارى والمجككوس والككذين‬
‫ليكة ثكم بيكن لطفكه‬ ‫أشركوا إن الله يفصل بينهكم يكوم القيامكة{ ا َ‬
‫سكككبحانه فكككي حكمكككه وعكككدله يكككوم القيامكككة فقكككال تعكككالى‪.‬‬
‫** من جآَء بال ْحسنة فَل َه عَ ْ َ‬

‫ى‬
‫جَز َ‬‫سي ّئ َةِ فَل َ ي ُ ْ‬
‫جآَء ِبال ّ‬ ‫من َ‬ ‫مَثال َِها وَ َ‬
‫شُر أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ َ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مكككككككككككككككككككو َ‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫مث ْل ََهكككككككككككككككككككا وَ ُ‬
‫هككككككككككككككككككك ْ‬ ‫إ ِل ّ ِ‬
‫ليككة الخككرى وهككي‬ ‫لية الكريمة مفصلة لمككا أجمككل فككي ا َ‬ ‫وهذه ا َ‬
‫قوله }من جككاء بالحسككنة فلككه خيككر منهككا{ وقككد وردت الحككاديث‬
‫لية كما قككال المككام أحمككد بككن حنبككل رحمككه اللككه‪:‬‬ ‫مطابقة لهذه ا َ‬
‫حدثنا عفان حدثنا جعفر بن سليمان‪ ,‬حدثنا الجعد أبو عثمككان عككن‬
‫أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس رضي اللككه عنهمككا أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يروي عن ربه تبككارك وتعككالى‬
‫»إن ربكم عز وجل رحيم من هككم بحسككنة فلككم يعملهككا كتبككت لككه‬
‫حسنة فككإن عملهكا كتبكت لكه عشكرا ً إلكى سككبعمائة إلككى أضكعاف‬
‫كثيرة‪ .‬ومن هم بسيئة فلككم يعملهككا كتبككت لككه حسككنة فككإن عملهككا‬
‫كتبت له واحدة أو يمحوها الله عككز وجككل ول يهلككك علككى اللككه إل‬
‫هالك« ورواه البخاري ومسلم والنسككائي مككن حككديث الجعككد أبككي‬
‫عثمككككككككككككككككككككككككككككككككككككككان بككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقال أحمد أيضًا‪ :‬حدثنا أبو معاوية حدثنا العمش عككن المعككرور‬
‫بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم يقول الله عز جل‪ :‬مككن عمككل حسككنة فلككه عشككر‬
‫أمثالها وأزيد ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفككر ومككن عمككل‬
‫قراب الرض خطيئة ثم لقيني ل يشرك بي شيئا ً جعلت لككه مثلهككا‬
‫‪716‬‬
‫مغفرة‪ ,‬ومن اقترب إلي شبرا ً اقتربت إليه ذراعا ً ومن اقترب إلي‬
‫ذراعا ً اقتربت إليه باعكا ً ومككن أتككاني يمشككي أتيتككه هرولككة« ورواه‬
‫مسلم عن أبي كريب عن أبي معاوية به‪ ,‬وعن أبكي بككر بكن أبكي‬
‫شيبة عن وكيع عن العمش بككه‪ ,‬ورواه ابككن مككاجه عككن علككي بككن‬
‫محمد الطنافسي عن وكيع به‪ ,‬وقال الحافظ أبو يعلى الموصككلي‪:‬‬
‫حدثنا شيبان حدثنا حماد‪ ,‬حدثنا ثكابت عكن أنكس بكن مالكك رضكي‬
‫الله عنه أن رسول الله صكلى اللكه عليكه وسككلم قكال‪» :‬مكن هكم‬
‫بحسنة فلم يعملها كتبت له حسككنة فككإن عملهككا كتبككت لككه عشككرا ً‬
‫ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء فإن عملها كتبككت‬
‫عليه سيئة واحدة« واعلم أن تككارك السككيئة الككذي ل يعملهككا علككى‬
‫ثلثة أقسام تارة يتركها لله فهذا تكتب له حسنة علككى كفككه عنهككا‬
‫لله تعالى وهذا عمل ونية ولهذا جاء أنه يكتب له حسنة كمككا جككاء‬
‫في بعض ألفاظ الصحيح فإنما تركهككا مككن جككرائي أي مككن أجلككي‪,‬‬
‫وتارة يتركها نسيانا ً وذهول ً عنها فهذا ل لككه ول عليككه لنككه لككم ينككو‬
‫خيرا ً ول فعل شرًا‪ ,‬وتارة يتركها عجككزا ً وكسككل عنهككا بعككد السككعي‬
‫في أسبابها والتلبس بما يقرب منها‪ ,‬فهذا بمنزلة فاعلها كما جككاء‬
‫في الحديث الصحيح عن النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم أنككه قككال‬
‫»إذا التقكى المسكلمان بسككيفيهما فالقاتكل والمقتككول فككي النككار«‬
‫قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال »إنككه كككان‬
‫حريصككككككككككككككا ً علككككككككككككككى قتككككككككككككككل صككككككككككككككاحبه«‪.‬‬
‫وقال المام أبو يعلى الموصلي‪ :‬حدثنا مجاهد بن موسى‪ ,‬حككدثنا‬
‫علي وحدثنا الحسن بن الصباح وابن خيثمككة‪ ,‬قككال‪ :‬حككدثنا إسككحاق‬
‫بن سليمان كلهما عن موسى بن عبيدة عككن أبككي بكككر بككن عبيككد‬
‫الله بن أنس عن جده أنس‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم »من هم بحسنة كتب الله له حسنة فككإن عملهككا كتبككت لككه‬
‫عشرًا‪ ,‬ومن هم بسيئة لكم تكتكب عليكه حكتى يعملهكا فكإن عملهكا‬
‫كتبت عليه سيئة‪ ,‬فإن تركها كتبت له حسنة يقول الله تعالى إنمككا‬
‫تركها من مخافتي«‪ ,‬هذا لفظ حديث مجاهككد يعنككي ابككن موسككى‪,‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬حدثنا شيبان بككن‬
‫عبد الرحمن‪ ,‬عن الركين بن الربيع عككن أبيككه عككن عمككه فلن بككن‬
‫عميلة‪ ,‬عن خريم بككن فاتككك السككدي‪ ,‬أن النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال »إن الناس أربعة والعمككال سككتة‪ ,‬فالنككاس موسككع لككه‬
‫‪717‬‬
‫لخككرة‪,‬‬ ‫لخرة وموسع له في الدنيا مقتور عليككه فككي ا َ‬ ‫في الدنيا وا َ‬
‫لخككرة وشككقي فككي الككدنيا‬ ‫ومقتور عليه في الدنيا موسع لككه فككي ا َ‬
‫لخككرة‪ ,‬والعمككال موجبتككان ومثككل بمثككل وعشككرة أضككعاف‬ ‫وا َ‬
‫وسبعمائة ضعف‪ ,‬فالموجبتان مككن مكات مسكلما ً مؤمنكا ً ل يشكرك‬
‫بالله شيئا ً وجبت له الجنة‪ ,‬ومن مات كافرا ً وجبت له النككار‪ ,‬ومككن‬
‫هم بحسنة فلم يعملها فعلكم اللكه أنكه قكد أشكعرها قلبكه وحكرص‬
‫عليها كتبت له حسنة‪ ,‬ومن هم بسيئة لم تكتب عليه ومككن عملهككا‬
‫كتبت واحدة ولم تضككاعف عليككه‪ ,‬ومككن عمككل حسككنة كككانت عليككه‬
‫بعشر أمثالها‪ ,‬ومن أنفق نفقككة فككي سككبيل اللككه عككز وجككل كككانت‬
‫بسبعمائة ضعف« ورواه الترمذي والنسائي من حديث الركين بن‬
‫الربيع عن أبيه عن بشير بن عميلة عن خريم بن فاتك به ببعضككه‪,‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو زرعكة حككدثنا عبيككد اللكه بككن عمكر‬
‫القواريري‪ ,‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬حدثنا حبيب بن المعلم عن عمرو‬
‫بن شعيب عن أبيه عن جده عككن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‪,‬‬
‫قال‪» :‬يحضر الجمعة ثلثة نفر‪ ,‬رجل حضرها بلغو فهو حظه منها‪,‬‬
‫ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله فإن شاء أعطاه وإن شاء‬
‫منعه‪ ,‬ورجل حضرها بإنصات وسكون ولم يتخط رقبة مسلم ولككم‬
‫يؤذ أحدا ً فهي كفارة له إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلثة أيككام«‪,‬‬
‫وذلكك لن اللكه عككز وجكل يقككول }مكن جككاء بالحسككنة فلكه عشكر‬
‫أمثالها{ وقال الحافظ أبككو القاسككم الطككبراني‪ :‬حككدثنا هشككام بككن‬
‫مرثد‪ ,‬حدثنا محمد بن إسماعيل‪ ,‬حدثني أبي‪ ,‬حدثني ضمضككم بككن‬
‫زرعة عن شكريح بككن عبيككد عككن أبككي مالككك الشككعري قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »الجمعة كفارة لما بينهككا وبيككن‬
‫الجمعة التي تليها وزيادة ثلثككة أيككام‪ ,‬وذلككك لن اللككه تعككالى قككال‬
‫}من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها{« وعككن أبككي ذر رضككي اللككه‬
‫عنه‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من صام ثلثككة‬
‫أيام من كل شهر فقد صام الدهر كلككه« رواه المككام أحمككد وهككذا‬
‫لفظه والنسائي وابن ماجه والترمذي‪ ,‬وزاد »فأنزل اللككه تصككديق‬
‫ذلك في كتابه }من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها{ اليوم بعشرة‬
‫أيام« ثم قككال هككذا حككديث حسككن وقككال ابككن مسككعود }مككن جككاء‬
‫بالحسنة فله عشر أمثالهككا{ مككن جككاء بل إلككه إل اللككه‪ ,‬ومككن جككاء‬
‫‪718‬‬
‫بالسيئة يقول بالشرك‪ ,‬وهكذا جاء عن جماعة من السككلف رضككي‬
‫الله عنهم أجميعن‪ ,‬وقد ورد فيه حديث مرفوع الله أعلم بصككحته‪,‬‬
‫لثار في هذا كثيرة جدا ً‬ ‫لكني لم أروه من وجه يثبت‪ ,‬والحاديث وا َ‬
‫وفيمككككككا ذكككككككر كفايككككككة إن شككككككاء اللككككككه وبككككككه الثقككككككة‪.‬‬
‫م‬‫هي َ‬‫ة إ ِب َْرا ِ‬‫مل ّ َ‬‫ست َِقيم ٍ ِدينا ً قَِيما ً ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬

‫ى ِ‬ ‫داِني َرب ّ َ َ‬
‫ي إ ِل َ‬ ‫** قُ ْ‬
‫ل إ ِن ِّني هَ َ‬
‫ي‬
‫حي َككا َ‬ ‫م ْ‬
‫كي وَ َ‬ ‫سكك ِ‬‫صل َِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن * قُ ْ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫حِنيفا ً وَ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت وَأن َكا أوّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه وَب ِكذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ري َ‬ ‫ن * لَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫مكْر ُ‬ ‫كأ ِ‬ ‫ك لك ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫مي َ‬‫ب الَعال ِ‬ ‫ماِتي للهِ َر ّ‬ ‫م َ‬‫وَ َ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككل ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫يقول تعالى آمرا ً نبيه صلى الله عليه وسلم سككيد المرسككلين أن‬
‫يخبر بما أنعم به عليه من الهداية إلى صراطه المسككتقيم الككذي ل‬
‫اعوجاج فيه ول انحراف }دينا ً قيمًا{ أي قائما ً ثابتا ً }ملككة إبراهيككم‬
‫حنيفا ً وما ككان مككن المشككركين{ كقككوله }ومككن يرغككب مككن ملكة‬
‫إبراهيم إل من سفه نفسه{ وقوله }وجاهدوا في الله حق جهككاده‬
‫هو اجتبككاكم ومككا جعككل عليكككم فككي الككدين مككن حككرج ملككة أبيكككم‬
‫إبراهيم{ وقوله }إن إبراهيم كان أمة قانتا ً لله حنيفا ً ولم يك مككن‬
‫المشركين * شاكرا ً لنعمه اجتبككاه وهككداه إلككى صككراط مسككتقيم‪,‬‬
‫لخككرة لمككن الصككالحين * ثككم‬ ‫وآتيناه في الككدنيا حسككنة وإنككه فككي ا َ‬
‫أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ً وما كككان مككن المشككركين{‬
‫وليس يلككزم مككن كككونه صككلى اللككه عليككه وسككلم أمككر باتبككاع ملككة‬
‫إبراهيم الحنيفيككة‪ ,‬أن يكككون إبراهيككم أكمككل منككه فيهككا لنككه عليككه‬
‫السلم قام بها قياما ً عظيما ً وأكملت له إكمال ً تاما ً لم يسبقه أحككد‬
‫إلى هذا الكمككال‪ ,‬ولهككذا كككان خككاتم النبيككاء وسككيد ولككد آدم علككى‬
‫الطلق‪ ,‬وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليككه الخلككق حككتى‬
‫الخليكككككككككككككككككككككل عليكككككككككككككككككككككه السكككككككككككككككككككككلم‪.‬‬
‫وقد قال ابن مردويه‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص‪ ,‬حككدثنا‬
‫أحمد بن عصككام‪ ,‬حككدثنا أبككو داود الطيالسككي‪ ,‬حككدثنا شككعبة أنبأنككا‬
‫سلمة بن كهيل‪ ,‬سمعت ذر بن عبد الله الهمداني يحدث عن ابككن‬
‫أبزى عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬كان رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم إذا‬
‫أصبح قال »أصبحنا على ملة السلم وكلمككة الخلص وديككن نبينككا‬
‫محمد وملة أبينا إبراهيم حنيفا ً ومككا كككان مككن المشككركين« وقككال‬
‫‪719‬‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد أخبرنا محمككد بككن إسككحاق‪ ,‬عككن داود بككن‬
‫الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضككي اللككه عنهمككا أنككه قككال‪:‬‬
‫قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الديان أحب إلككى اللككه‬
‫تعالى ؟ قال »الحنيفية السمحة« وقال أحمد أيضًا‪ :‬حدثنا سليمان‬
‫بن داود‪ ,‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عككن هشككام بككن عككروة‬
‫عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬وضع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ذقني على منكبه‪ ,‬لنظر إلى زفن الحبشككة حككتى‬
‫كنت التي مللت فانصرفت عنه‪ .‬قال عبد الرحمن عن أبيككه قككال‪:‬‬
‫قال لي عروة إن عائشة قالت‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم يككومئذ »لتعلككم يهككود أن فككي ديننككا فسككحة‪ ,‬إنككي أرسككلت‬
‫بحنيفية سمحة«‪ ,‬أصل الحديث مخرج في الصحيحين والزيادة لها‬
‫شواهد من طرق عدة‪ ,‬وقد استقصيت طرقها في شرح البخككاري‬
‫ولله الحمد والمنة‪ ,‬وقوله تعالى }قل إن صلتي ونسكي ومحيككاي‬
‫ومماتي لله رب العالمين{ يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين‬
‫يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخككالف لهككم فككي ذلككك‪,‬‬
‫فإن صلته لله ونسكه على اسمه وحده ل شريك له‪ ,‬وهذا كقوله‬
‫تعالى }فصل لربك وانحككر{ أي أخلككص لككه صككلتك وذبحككك‪ ,‬فككإن‬
‫المشركين كانوا يعبدون الصنام ويذبحون لها‪ ,‬فأمره اللككه تعككالى‬
‫بمخالفتهم والنحراف عما هم فيه والقبال بالقصد والنية والعككزم‬
‫علككى الخلص للككه تعككالى‪ ,‬قككال مجاهككد فككي قككوله }إن صككلتي‬
‫ونسكي{ النسكك الذبككح فككي الحككج والعمككرة‪ ,‬وقككال الثككوري عككن‬
‫السدي عن سككعيد بككن جككبير }ونسكككي{ قككال ذبحككي‪ ,‬وكككذا قككال‬
‫السكككككككككككككككككككككككككككككككككدي والضكككككككككككككككككككككككككككككككككحاك‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا محمد بن عوف‪ ,‬حدثنا أحمد بن خالككد‬
‫الذهبي‪ ,‬حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حككبيب عككن ابككن‬
‫حى رسككول اللككه صككلى اللككه‬ ‫عباس عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬ض ّ‬
‫عليككه وسككلم فككي يككوم عيككد النحككر بكبشككين وقككال حيككن ذبحهمككا‬
‫»وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيف كا ً ومككا أنككا مككن‬
‫المشركين إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي للككه رب العككالمين‬
‫ل شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسككلمين« وقككوله عككز وجككل‬
‫}وأنا أول المسلمين{ قال قتادة‪ :‬أي مككن هككذه المككة‪ ,‬وهككو كمككا‬
‫قال فإن جميع النبيككاء قبلككه كلهككم كككانت دعككوتهم إلككى السككلم‪,‬‬
‫‪720‬‬
‫وأصله عبادة الله وحده ل شريك له كمككا قككال }ومككا أرسككلنا مككن‬
‫قبلك من رسول إل نوحي إليككه أنككه ل إلككه إل أنككا فاعبككدون{ وقككد‬
‫أخبرنا تعالى عن نوح أنه قال لقومه }فإن توليتم فما سألتكم من‬
‫أجر إن أجككري إل علككى اللككه وأمككرت أن أكككون مككن المسككلمين{‬
‫وقال تعالى }ومن يرغب مككن ملككة إبراهيككم إل مككن سككفه نفسككه‬
‫لخككرة لمككن الصككالحين * إذ‬ ‫ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنككه فككي ا َ‬
‫قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم‬
‫بنيه ويعقوب يككا بنككي إن اللككه اصككطفى لكككم الككدين فل تمككوتن إل‬
‫وأنتم مسلمون{ وقال يوسف عليه السلم }رب قككد آتيتنككي مككن‬
‫الملك وعلمتني من تأويل الحاديث فاطر السموات والرض أنككت‬
‫لخرة توفني مسلما ً وألحقني بالصالحين{ وقال‬ ‫وليي في الدنيا وا َ‬
‫موسككى }يككا قككوم إن كنتككم آمنتككم بككالله فعليككه توكلككوا إن كنتككم‬
‫مسككلمين * فقككالوا علككى اللككه توكلنككا ربنككا ل تجعلنككا فتنككة للقككوم‬
‫الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين{ وقال تعالى }إنككا‬
‫أنزلنا التوراة فيهككا هككدى ونككور يحكككم بهككا النككبيون الككذين أسكلموا‬
‫لية‪ ,‬وقال تعككالى }وإذ أوحيككت‬ ‫للذين هادوا والربانيون والحبار{ ا َ‬
‫إلككى الحكواريين أن آمنككوا بكي وبرسكولي قككالوا آمنكا وأشككهد بأننككا‬
‫مسككلمون{ فككأخبر تعككالى أنككه بعككث رسككله بالسككلم‪ ,‬ولكنهككم‬
‫متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضككها بعض كًا‪,‬‬
‫إلى أن نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي ل تنسخ‬
‫لبدين‪ ,‬ول تزال قائمة منصورة وأعلمها منشككورة إلككى قيككام‬ ‫أبد ا َ‬
‫الساعة‪ ,‬ولهذا قال عليه السلم »نحن معاشر النبيككاء أولد علت‬
‫ديننا واحد« فإن أولد العلت هككم الخككوة مككن أب واحككد وأمهككات‬
‫شتى‪ ,‬فالدين واحد وهو عبادة الله وحده ل شريك له وإن تنوعت‬
‫الشرائع التي هي بمنزلة المهات‪ ,‬كما أن إخككوة الخيككاف عكككس‬
‫هذا بنو الم الواحدة من آباء شتى‪ ,‬والخوة العيككان الشككقاء مككن‬
‫أب واحككككككككككككد وأم واحككككككككككككدة‪ .‬واللككككككككككككه أعلككككككككككككم‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو سعيد‪ ,‬حدثنا عبد العزيز بن عبككد‬
‫الله الماجشون‪ ,‬حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي‪ ,‬عن العرج‪,‬‬
‫عن عبيد الله بن أبي رافع‪ ,‬عن علي رضي اللككه عنككه‪ ,‬أن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قككال‪» :‬وجهككت‬
‫وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفا ً وما أنا من المشركين‪,‬‬
‫‪721‬‬
‫إن صلتي ونسكي ومحياي وممككاتي للككه رب العككالمين«‪» ,‬اللهككم‬
‫أنت الملك ل إله إل أنككت‪ ,‬أنككت ربككي وأنككا عبككدك ظلمككت نفسككي‬
‫واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا ً ل يغفر الككذنوب إل أنككت‪,‬‬
‫واهدني لحسن الخلق ل يهدي لحسنها إل أنككت‪ ,‬واصككرف عنككي‬
‫سيئها ل يصرف عني سيئها إل أنت‪ ,‬تبككاركت وتعككاليت‪ ,‬أسككتغفرك‬
‫وأتككوب إليككك« ثككم ذكككر تمككام الحككديث فيمككا يقككوله فككي الركككوع‬
‫والسككككجود والتشككككهد وقككككد رواه مسككككلم فككككي صككككحيحه‪.‬‬
‫َ‬ ‫** قُ ْ َ‬
‫س‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫ب كُ ّ‬‫س ُ‬ ‫يٍء وَل َ ت َك ْ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬‫ل أغَي َْر الل ّهِ أب ِْغي َرب ّا ً وَهُوَ َر ّ‬
‫م‬ ‫م فَي ُن َب ّئ ُك ُك ْ‬
‫جعُك ُك ْ‬
‫مْر ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ى َرب ّك ُ ْ‬ ‫خَرىَ ث ُ ّ َ‬
‫م إ ِل َ‬ ‫إ ِل ّ عَل َي َْها وَل َ ت َزُِر َوازَِرةٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫ن‬
‫خت َل ُِفكككككككككككككككو َ‬ ‫م ِفيكككككككككككككككهِ ت َ ْ‬ ‫مكككككككككككككككا ك ُن ُْتككككككككككككككك ْ‬ ‫بِ َ‬
‫يقول تعالى }قل{ يا محمد لهؤلء المشركين بككالله فككي إخلص‬
‫العبادة له والتوكككل عليككه }أغيككر اللككه أبغككي ربكًا{ أي أطلككب ربكا ً‬
‫سواه‪} ,‬وهو رب كل شككيء{ يربينككي ويحفظنككي ويكلككؤني ويككدبر‬
‫أمري‪ ,‬أي ل أتوكل إل عليه ول أنيككب إل إليككه لنكه رب كككل شككيء‬
‫ليككة المككر بككإخلص التوكككل‬ ‫ومليكه وله الخلق والمر‪ .‬ففي هذه ا َ‬
‫كما تضمنت التي قبلهككا إخلص العبككادة للككه وحككده ل شككريك لككه‪,‬‬
‫لخر كثيرا ً في القرآن كقككوله تعككالى مرشكدا ً‬ ‫وهذا المعنى يقرن با َ‬
‫لعباده أن يقولوا له }إياك نعبد وإياك نستعين{‪ ,‬وقككوله }فاعبككده‬
‫وتوكل عليه{ وقككوله }قككل هككو الرحمككن آمنككا بككه وعليككه توكلنككا{‬
‫ل{‪,‬‬ ‫وقككوله }رب المشككرق والمغككرب ل إلككه إل هككو فاتخككذه وكي ً‬
‫ليكككككككككككككككات‪.‬‬ ‫وأشكككككككككككككككباه ذلكككككككككككككككك مكككككككككككككككن ا َ‬
‫وقوله تعالى }ول تكسب كل نفس إل عليها‪ ,‬ول تككزر وازرة وزر‬
‫أخرى{‪ ,‬إخبار عن الواقع يوم القيامة في جزاء الله تعالى وحكمه‬
‫وعدله‪ ,‬أن النفوس إنما تجازى بأعمالها إن خيرا ً فخير‪ ,‬وإن شككرا ً‬
‫فشر‪ ,‬وأنه ل يحمل مككن خطيئة أحككد علككى أحككد وهككذا مككن عككدله‬
‫تعالى كما قال }وإن تدع مثقلة إلى حملها ل يحمل منه شيء ولو‬
‫كان ذا قربى{ وقككوله تعككالى }فل يخككاف ظلمكا ً ول هضككمًا{ قككال‬
‫علماء التفسير‪ :‬أي فل يظلم بككأن يحمككل عليككه سككيئات غيككره‪ ,‬ول‬
‫يهضم بأن ينقص من حسناته وقال تعالى }كل نفس بمككا كسككبت‬
‫رهينة إل أصحاب اليمين{ معناه كل نفس مرتهنة بعملها السككيء‪,‬‬
‫‪722‬‬
‫إل أصحاب اليميكن فكإنه قككد يعكود بركككة أعمكالهم الصككالحة علكى‬
‫ذرياتهم وقرابككاتهم كمككا قككال فككي سككورة الطككور }والككذين آمنككوا‬
‫واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهككم‬
‫من شيء{‪ ,‬أي ألحقنا بهم ذريتهم في المنزلة الرفيعة في الجنككة‬
‫وإن لم يكونوا قد شاركوهم في العمال‪ ,‬بل فككي أصككل اليمككان‪,‬‬
‫وما ألتناهم أي أنقصنا أولئك السادة الرفعككاء مككن أعمككالهم شككيئا ً‬
‫حتى ساويناهم وهؤلء الذين هم أنقص منهككم منزلككة‪ ,‬بككل رفعهككم‬
‫لباء ببركة أعمالهم بفضله ومنته‪ ,‬ثم قال }كككل‬ ‫تعالى إلى منزلة ا َ‬
‫امككرى بمككا كسككب رهيككن{ أي مككن شككر‪ ,‬وقككوله }ثككم إلككى ربكككم‬
‫مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون{ أي اعملوا على مكانتكم‬
‫إنا عاملون على ما نحن عليه فستعرضون ونعككرض عليككه‪ ,‬وينبئنككا‬
‫وإياكم بأعمالنا وأعمالكم ومككا كنككا نختلككف فيككه فككي الككدار الككدنيا‪,‬‬
‫كقوله }قل ل تسألون عما أجرمنا ول نسككأل عمككا تعملككون * قككل‬
‫يجمككع بيننككا ربنككا ثككم يفتككح بيننككا بككالحق وهككو الفتككاح العليككم{‪.‬‬
‫ض‬‫م فَ كوْقَ ب َعْ ك ٍ‬ ‫ض كك ُ ْ‬

‫ض وََرفَ كعَ ب َعْ َ‬
‫ف الْر ِ‬ ‫خل َئ ِ َ‬
‫م َ‬ ‫جعَل َك ُك ْ‬
‫ذي َ‬ ‫** وَهُ كوَ ال ّك ِ‬
‫ه ل َغَُفكوٌر‬
‫ب وَإ ِّنك ُ‬‫ريعُ ال ْعَِقكا ِ‬‫سك ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َرّبك َ‬ ‫مآ آَتاك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ت ل ّي َب ْل ُوَك ُ ْ‬
‫جا ٍ‬‫د ََر َ‬
‫م‬
‫يقككول تعككالى }وهككو الككذي جعلكككم خلئف الرض{ أي جعلكككم‬
‫تعمرونها جيل ً بعد جيل‪ ,‬وقرنا ً بعد قرن وخلفا ً بعد سلف‪ .‬قاله ابن‬
‫زيد وغيره‪ ,‬كقككوله تعككالى }ولككو نشككاء لجعلنككا منكككم ملئكككة فككي‬
‫الرض يخلفون{ وكقوله تعالى }ويجعلكم خلفككاء الرض{ وقككوله‬
‫}إني جاعل فككي الرض خليفككة{ وقككوله }عسككى ربكككم أن يهلككك‬
‫عككدوكم ويسككتخلفكم فككي الرض فينظككر كيككف تعملككون{ وقككوله‬
‫}ورفع بعضكم فوق بعض درجات{ أي فككاوت بينكككم فككي الرزاق‬
‫والخلق والمحاسككن والمسككاوىء والمنككاظر والشكككال واللككوان‪,‬‬
‫وله الحكمة في ذلك‪ ,‬كقوله تعالى }نحن قسمنا بينهككم معيشككتهم‬
‫في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخككذ بعضككهم‬
‫بعضكا ً سككخريًا{ وقككوله }انظككر كيككف فضككلنا بعضككهم علككى بعككض‬
‫ل{‪.‬‬ ‫لخككككككككرة أكككككككككبر درجككككككككات وأكككككككككبر تفضككككككككي ً‬ ‫ول َ‬
‫‪723‬‬
‫وقوله تعالى }ليبلوكم فيما آتاكم{ أي ليختبركم في الككذي أنعككم‬
‫به عليكم وامتحنكم به‪ ,‬ليختبر الغني في غناه ويسأله عن شكره‪,‬‬
‫والفقير في فقره ويسككأله عككن صككبره‪ .‬وفككي صككحيح مسككلم مككن‬
‫حديث أبي نضرة عن أبي سعيد الخككدري رضككي اللككه عنككه‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »إن الككدنيا حلككوة خضككرة‬
‫وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون‪ ,‬فاتقوا الدنيا واتقوا‬
‫النساء فإن أول فتنككة بنككي إسككرائيل كككانت فككي النسككاء«‪ .‬وقككوله‬
‫تعالى }إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم{ ترهيب وترغيككب‬
‫أن حسابه وعقابه سريع‪ ,‬فيمن عصاه وخالف رسله }وإنه لغفككور‬
‫رحيم{ لمن واله واتبع رسككله فيمككا جككاؤوا بككه مككن خككبر وطلككب‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق‪ :‬ليرحم العباد على ما فيهم‪ ,‬رواه ابن أبي‬
‫حاتم‪ ,‬وكثيرا ً ما يقرن الله تعالى في القرآن بين هاتين الصككفتين‪,‬‬
‫كقوله }وإن ربككك لككذو مغفككرة للنككاس علككى ظلمهككم * وإن ربككك‬
‫لشديد العقاب{ وقوله }نبىء عبادي أني أنا الغفككور الرحيككم وأن‬
‫ليات المشتملة على‬ ‫عذابي هو العذاب الليم{ إلى غير ذلك من ا َ‬
‫الترغيب والترهيب‪ ,‬فتارة يدعو عباده إليككه بالرغبككة وصككفة الجنككة‬
‫والككترغيب فيمككا لككديه‪ ,‬وتككارة يككدعوهم إليككه بالرهبككة وذكككر النككار‬
‫وأنكالها وعككذابها والقيامككة وأهوالهككا‪ ,‬وتككارة بهمككا لينجككع فككي كككل‬
‫بحسبه‪ ,‬جعلنا الله ممكن أطكاعوا فيمككا أمككر‪ ,‬وتككرك مككا عنككه نهككى‬
‫وزجر‪ ,‬وصدقه فيما أخبر‪ ,‬إنه قريككب مجيككب سككميع الككدعاء جككواد‬
‫كريككككككككككككككككككككككككككككككككككككم وهككككككككككككككككككككككككككككككككككككاب‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬حدثنا زهير عككن العلء‬
‫عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا‪ ,‬أن رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال »لو يعلم المؤمن ما عنككد اللككه مككن العقوبككة مككا طمككع‬
‫بجنته أحد‪ ,‬ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة مككا قنككط أحككد‬
‫من الجنة‪ ,‬خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه يتراحمون‬
‫بها وعند الله تسعة وتسعون« ورواه الترمذي عن قتيبة عككن عبككد‬
‫العزيز الدراوردي عن العلء به‪ ,‬وقال‪ :‬حسن‪ ,‬ورواه مسككلم‪ ,‬عككن‬
‫يحيى بن يحيى وقتيبة وعلي بن حجر‪ ,‬ثلثتهككم عككن إسككماعيل بككن‬
‫جعفر‪ ,‬عن العلء وعنه أيضا ً قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم »لما خلككق اللككه الخلككق كتككب فككي كتككاب فهككو عنككده فككوق‬
‫العرش إن رحمتي تغلب غضبي« وعنه أيضا ً قال‪ :‬سمعت رسككول‬
‫‪724‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول‪» :‬جعل اللككه الرحمككة مككائة جككزء‬
‫فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا ً وأنزل في الرض جزءا ً واحدًا‪,‬‬
‫فمن ذلك الجزء تككتراحم الخلئق حككتى ترفككع الدابككة حافرهككا عككن‬
‫ولدها خشية أن تصيبه« رواه مسلم ك آخر تفسير سككورة النعككام‪,‬‬
‫وللككككككككككككككككككككككه الحمككككككككككككككككككككككد والمنككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫سورة العراف‬
‫حيكككككككككككككم ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫حمـككككككككككككك ِ‬ ‫سكككككككككككككم ِ الّلكككككككككككككهِ الّر ْ‬ ‫بِ ْ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ه ل ُِتنكذَِر‬ ‫من ْك ُ‬
‫ج ّ‬‫حَر ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫صد ْرِ َ‬‫ن ِفي َ‬ ‫ك فَل َ ي َك ُ ْ‬ ‫ب أنزِ َ‬ ‫ص * ك َِتا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫** ال َ َ‬
‫م وَل َ ت َت ّب ِعُككوا ْ‬‫مككن ّرب ّك ُك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫مآ ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن * ات ّب ُِعوا ْ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ب ِهِ وَذِك َْرىَ ل ِل ْ ُ‬
‫َ‬
‫مككككككككككا ت َككككككككككذ َك ُّرو َ‬
‫ن‬ ‫دون ِككككككككككهِ أوْل ِي َككككككككككآَء قَِليل ً ّ‬ ‫مككككككككككن ُ‬ ‫ِ‬
‫قد تقدم الكلم في أول سورة البقرة على ما يتعلككق بككالحروف‬
‫وبسطه واختلف الناس فيه‪ ,‬قككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا سككفيان بككن‬
‫وكيع‪ ,‬حككدثنا أبككي عككن شككريك عككن عطككاء بككن السككائب عككن أبككي‬
‫الضحى عن ابن عباس }آلمص{ أنا الله أفصل‪ ,‬وكذا قككال سككعيد‬
‫بن جبير }كتاب أنزل إليك{ أي هذا كتاب أنزل إليك أي من ربككك‬
‫}فل يكن في صدرك حككرج منككه{ قككال مجاهككد وقتككادة والسككدي‪:‬‬
‫شك منه‪ ,‬وقيل‪ :‬ل تتحرج به في إبلغه والنككذار بككه }فاصككبر كمككا‬
‫صبر أولو العزم من الرسل{ ولهذا قككال }لتنككذر بككه{ أي أنزلنككاه‬
‫إليككك لتنككذر بككه الكككافرين }وذكككرى للمككؤمنين{ ثككم قككال تعككالى‬
‫مخاطبا ً للعالم }اتبعوا ما أنزل إليكم مككن ربكككم{ أي اقتفككوا آثككار‬
‫النككبي المككي الككذي جككاءكم بكتككاب أنككزل إليكككم مككن رب كككل‬
‫شيء(ومليكككه }ول تتبعككوا مككن دونككه أوليككاء{ أي ل تخرجككوا عمككا‬
‫جاءكم به الرسول إلى غيره‪ ,‬فتكونوا قككد عككدلتم عككن حكككم اللككه‬
‫إلى حكم غيره }قليل ً ما تذكرون{ كقوله }ومكا أككثر النكاس ولكو‬
‫حرصت بمؤمنين{ وقوله }وإن تطع أكثر من في الرض يضككلوك‬
‫ليكة وقكوله }ومكا يكؤمن أككثرهم بكالله إل وهكم‬ ‫عن سبيل الله{ ا َ‬
‫مشكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككركون{‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن * فَ َ‬
‫ما‬ ‫م َقآئ ُِلو َ‬
‫سَنا ب ََياتا ً أوْ هُ ْ‬‫ها ب َأ ُ‬ ‫جآَء َ‬ ‫ها فَ َ‬‫من قَْري َةٍ أ َهْل َك َْنا َ‬ ‫كم ّ‬ ‫** وَ َ‬
‫سككَنآ إ ِل ّ َأن َقككال ُوَا ْ إ ِّنككا ك ُّنككا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫مي َ‬
‫ظككال ِ ِ‬ ‫م ب َأ ُ‬
‫جككآَءهُ ْ‬ ‫م إ ِذ ْ َ‬ ‫واهُ ْ‬
‫عكك َ‬
‫ن دَ ْ‬‫كككا َ‬
‫‪725‬‬
‫ن‬ ‫ك‬ ‫ص‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫لي‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫ر‬‫فَل َنس كأ َل َن ال ّكذين أ ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ن‬
‫غكككككككككككآئ ِِبي َ‬ ‫مكككككككككككا ك ُّنكككككككككككا َ‬ ‫عَل َي ِْهكككككككككككم ب ِعِْلكككككككككككم ٍ وَ َ‬
‫يقول تعككالى‪} :‬وكككم مككن قريككة أهلكناهككا{ أي بمخالفككة رسككلنا‬
‫لخرة‪ ,‬كما قال‬ ‫وتكذيبهم‪ ,‬فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصول ً بذل ا َ‬
‫تعالى‪} :‬ولقد استهزىء برسل مككن قبلككك فحككاق بالككذين سككخروا‬
‫منهم ما كانوا به يستهزئون{ وكقوله }فكأين مككن قريككة أهلكناهككا‬
‫وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد{‬
‫وقككال تعككالى‪} :‬وكككم أهلكنككا مككن قريككة بطككرت معيشككتها فتلككك‬
‫مسككاكنهم لككم تسكككن مككن بعككدهم إل قليل ً وكنككا نحككن الككوارثين{‬
‫وقوله }فجاءها بأسنا بيات كا ً أو هككم قككائلون{ أي فكككان منهككم مككن‬
‫ل‪ ,‬أو هككم قككائلون مككن‬ ‫جككاءه أمككر اللككه وبأسككه ونقمتككه بياتكا ً أي لي ً‬
‫القيلولة وهي الستراحة وسككط النهككار‪ ,‬وكل الوقككتين وقككت غفلككة‬
‫ولهو‪ ,‬كما قككال }أفككأمن أهككل القككرى أن يككأتيهم بأسككنا بياتكا ً وهكم‬
‫ى وهم يلعبككون{‬ ‫نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضح ً‬
‫وقال }أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسككف اللككه بهككم الرض‬
‫أو يأتيهم العذاب من حيث ل يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فمككا‬
‫هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم{‪.‬‬
‫وقوله }فما كان دعككواهم إذ جككاءهم بأسككنا إل أن قككالوا إنككا كنككا‬
‫ظالمين{ أي فما كان قولهم عند مجيء العككذاب‪ ,‬إل أن اعككترفوا‬
‫بذنوبهم وأنهم حقيقون بهذا‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬وكم قصمنا من قرية‬
‫ليككة‬‫كانت ظالمة ك إلى قوله ك خامدين{ قال ابن جرير‪ :‬في هذه ا َ‬
‫الدللة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عككن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم من قوله »ما هلكك قكوم حكتى يعكذروا مكن‬
‫أنفسهم«‪ ,‬حدثنا بذلك ابن حميد‪ ,‬حدثنا جرير عن أبي سككنان عككن‬
‫عبدالملك بن ميسرة الزراد‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد الله بن مسكعود‪ ,‬قكال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »ما هلك قوم حتى يعككذروا مككن‬
‫أنفسهم«‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعبد الملك‪ :‬كيككف يكككون ذاك ؟ قككال‪ :‬فقككرأ‬
‫لية }فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسككنا إل أن قككالوا إنككا كنككا‬ ‫هذه ا َ‬
‫ليككة‪ .‬كقككوله‬ ‫ظالمين{‪ .‬وقوله }فلنسككألن الككذين أرسككل إليهككم{ ا َ‬
‫}ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين{ وقككوله }يككوم يجمككع‬
‫الله الرسل فيقكول مكاذا أجبتكم قكالوا ل علكم لنكا إنكك أنكت علم‬
‫الغيوب{ فيسأل الله المم يوم القيامككة عمككا أجككابوا رسككله فيمككا‬
‫‪726‬‬
‫أرسلهم به‪ ,‬ويسأل الرسككل أيضكا ً عككن إبلغ رسكالته‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫علككي بككن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس فككي تفسككير هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫}فلنسألن الككذين أرسككل إليهككم ولنسككألن المرسككلين{ قككال عمككا‬
‫بلغكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككوا‪.‬‬
‫وقال ابن مردويه‪ :‬حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيككم بككن محمككد‬
‫بن الحسن‪ ,‬حدثنا أبو سعيد الكندي‪ ,‬حدثنا المحاربي عن ليث عن‬
‫نافع عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ,‬فالمام يسككأل عككن رعيتككه‬
‫والرجل يسأل عن أهلكه والمكرأة تسكأل عكن بيكت زوجهكا والعبكد‬
‫يسأل عن مال سيده« قال الليث‪ :‬وحدثني ابن طاوس مثلككه‪ ,‬ثككم‬
‫قرأ }فلنسككألن الككذين أرسككل إليهككم ولنسككألن المرسككلين{ وهككذا‬
‫الحككديث مخككرج فككي الصككحيحين بككدون هككذه الزيككادة‪ ,‬وقككال ابككن‬
‫عباس في قوله }فلنقصن عليهككم بعلككم ومككا كنككا غككائبين{ يوضككع‬
‫الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كككانوا يعملككون }ومككا كنككا غككائبين{‬
‫يعني أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبمككا عملكوا مكن‬
‫قليل وكثير وجليل وحقير‪ ,‬لنه تعككالى الشككهيد علككى كككل شككيء ل‬
‫يغيب عنه شيء ول يغفل عن شيء بل هو العككالم بخائنككة العيككن‬
‫وما تخفي الصدور }وما تسقط من ورقة إل يعلمهككا ول حبككة فككي‬
‫ظلمكككات الرض ول رطكككب ول يكككابس إل فكككي كتكككاب مكككبين{‪.‬‬
‫ن‬ ‫حو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مْفل ِ ُ‬ ‫ه فَأ ُوَْلـئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫واِزين ُ ُ‬
‫م َ‬
‫ت َ‬ ‫من ث َُقل َ ْ‬ ‫حقّ فَ َ‬ ‫مئ ِذٍ ال ْ َ‬ ‫** َوال ْوَْز ُ‬
‫ن ي َوْ َ‬
‫مككا ك َككاُنوا ْ‬ ‫َ‬ ‫* ومن خّفت موازينه فَأ ُ‬
‫س كُهم ب ِ َ‬‫س كُروَا ْ أن ُْف َ‬ ‫خ ِ‬‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬
‫لـ‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َ ِ ُ ُ‬
‫ن‬
‫مكككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫ِبآَيات ِن َكككككككككككككككككككككككككككككككككككا ي ِظ ْل ِ ُ‬
‫يقول تعالى‪} :‬والوزن{ أي للعمال يوم القيامة }الحق{ أي ل‬
‫يظلم تعالى أحدا ً كقوله }ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فل‬
‫تظلم نفس شيئا ً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا‬
‫حاسككبين{ وقككال تعككالى‪} :‬إن اللككه ل يظلككم مثقككال ذرة وإن تككك‬
‫حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا ً عظيمًا{ وقال تعالى‪} :‬فأمككا‬
‫من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما مككن خفككت مككوازينه‬
‫فأمه هاوية * وما أدراك ماهيه * نار حامية{ وقككال تعككالى‪} :‬فككإذا‬
‫نفخ فكي الصكور فل أنسكاب بينهكم يكومئذ ول يتسكاءلون{ }فمكن‬
‫‪727‬‬
‫ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك‬
‫الككككككذين خسككككككروا أنفسككككككهم فككككككي جهنككككككم خالككككككدون{‪.‬‬
‫)فصل( والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل العمككال وإن‬
‫كانت أعراضا ً إل أن الله تعالى يقلبها يككوم القيامككة أجسككامًا‪ ,‬قككال‬
‫البغوي‪ :‬يروى نحو هذا عن ابن عباس‪ ,‬كما جاء في الصككحيح مككن‬
‫أن البقككرة وآل عمككران يأتيككان يككوم القيامككة كأنهمككا غمامتككان أو‬
‫غيابتان أو فرقان من طير صواف‪ .‬ومن ذلككك فككي الصككحيح قصككة‬
‫القرآن وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شككاحب اللككون فيقككول‪:‬‬
‫من أنت ؟ فيقول أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمككأت نهككارك‪.‬‬
‫وفي حديث البراء في قصة سؤال القككبر »فيككأتي المككؤمن شككاب‬
‫حسن اللون طيب الريح فيقككول‪ :‬مككن أنككت ؟ فيقككول‪ :‬أنككا عملككك‬
‫الصالح«‪ ,‬وذكر عكسه في شككأن الكككافر والمنككافق‪ ,‬وقيككل يككوزن‬
‫كتاب العمال كما جاء في حديث البطاقة في الرجل الككذي يككؤتى‬
‫به ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سجل ً كل سجل مد البصككر‪,‬‬
‫ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها ل إله إل الله فيقككول يككا رب ومككا هككذه‬
‫البطاقة مكع هكذه السكجلت ؟ فيقككول اللكه تعكالى إنكك ل تظلكم‪.‬‬
‫فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان‪ ,‬قال رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم »فطاشت السجلت وثقلت البطاقككة« رواه الترمككذي‬
‫بنحو من هذا وصححه‪ ,‬وقيل يوزن صاحب العمل كما في الحديث‬
‫»يككؤتى يككوم القيامككة بالرجككل السككمين فل يككزن عنككد اللككه جنككاح‬
‫بعوضة« ثم قرأ }فل نقيم لهم يوم القيامككة وزن كًا{‪ ,‬وفككي منككاقب‬
‫عبككد اللككه بككن مسككعود‪ :‬أن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‬
‫»أتعجبون من دقة ساقيه والكذي نفسككي بيككده لهكم فكي الميككزان‬
‫لثككار بككأن يكككون ذلككك‬‫أثقل من أحد« وقد يمكن الجمع بين هككذه ا َ‬
‫كله صحيحًا‪ ,‬فتارة توزن العمال وتارة توزن محالها وتككارة يككوزن‬
‫فاعلهكككككككككككككككككككككا‪ ,‬واللكككككككككككككككككككككه أعلكككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫ش قَِليل ً ّ‬
‫مككا‬ ‫معَككاي ِ َ‬ ‫جعَل ْن َككا ل َك ُك ْ‬
‫م ِفيهَككا َ‬ ‫ض وَ َ‬
‫م فِككي الْر ِ‬ ‫** وَل ََقد ْ َ‬
‫مك ّن ّككاك ُ ْ‬
‫ن‬‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫يقول تعالى‪ :‬ممتنا ً على عبيكده فيمكا مككن لهكم‪ ,‬مكن أنكه جعكل‬
‫الرض قرارا ً وجعل فيها رواسي وأنهارًا‪ ,‬وجعل لهككم فيهككا منككازل‬
‫‪728‬‬
‫وبيوتا ً وأباح لهم منافعها‪ ,‬وسككخر لهككم السككحاب لخككراج أرزاقهككم‬
‫منها‪ ,‬وجعل لهم فيها معككايش أي مكاسككب وأسككبابا ً يكسككبون بهككا‬
‫ويتجرون فيها ويتسببون أنككواع السككباب وأكككثرهم مككع هككذا قليككل‬
‫الشكر علككى ذلككك كقككوله }وإن تعككدوا نعمككة اللككه ل تحصككوها إن‬
‫النسان لظلوم كفار{ وقد قككرأ الجميككع معككايش بل همككز إل عبككد‬
‫الرحمككن بككن هرمككز العككرج فككإنه همزهككا والصككواب الككذي عليككه‬
‫الكثرون بل همز‪ ,‬لن معايش جمع معيشة من عاش يعيش عيشا ً‬
‫ومعيشة أصلها معيشة‪ ,‬فاستثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلككى‬
‫العين فصككارت معيشككة‪ ,‬فلمككا جمعككت رجعككت الحركككة إلككى اليككاء‬
‫لزوال الستثقال فقيل معايش ووزنه مفاعل‪ ,‬لن الياء أصلية في‬
‫الكلمككة بخلف مككدائن وصككحائف وبصككائر‪ ,‬جمككع مدينككة وصككحيفة‬
‫وبصيرة من مكدن وصكحف وأبصكر‪ ,‬فكإن اليكاء فيهكا زائدة‪ ,‬ولهكذا‬
‫تجمكككككع علكككككى فعكككككائل وتهمكككككز لكككككذلك‪ ,‬واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫دوا ْ ل َد َ َ‬
‫م‬ ‫ج ُ‬
‫سك ُ‬ ‫م قُل َْنكا ل ِل ْ َ‬
‫ملئ ِك َكةِ ا ْ‬ ‫م ُثك ّ‬‫صكوّْرَناك ُ ْ‬ ‫م ُثك ّ‬
‫م َ‬ ‫خل َْقن َككاك ُ ْ‬ ‫** وَل ََقكد ْ َ‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سككككككا ِ‬‫ن ال ّ‬
‫مكككككك َ‬ ‫ن ّ‬ ‫م ي َك ُكككككك ْ‬‫س ل َكككككك ْ‬‫جد ُوَا ْ إ ِل ّ إ ِب ِْليكككككك َ‬
‫سكككككك َ‬ ‫فَ َ‬
‫ينبه تعككالى بنككي آدم فككي هككذا المقككام علككى شككرف أبيهككم آدم‪,‬‬
‫ويبين لهم عداوة عدوهم إبليس‪ ,‬وما هو منطو عليككه مككن الحسككد‬
‫لهم ولبيهم آدم ليحذروه ول يتبعوا طرائقه‪ ,‬فقال تعككالى‪} :‬ولقككد‬
‫لدم فسككجدوا{‬ ‫خلقناكم ثم صورناكم ثككم قلنككا للملئكككة اسككجدوا َ‬
‫وهذ كقوله تعالى‪} :‬وإذ قال ربك للملئكككة إنككي خككالق بشككرا ً مككن‬
‫صلصال من حمأ مسنون * فإذا سككويته ونفخككت فيككه مككن روحككي‬
‫فقعوا له ساجدين{ وذلك أنه تعككالى لمككا خلككق آدم عليككه السككلم‬
‫بيده من طين لزب وصوره بشرا ً سويا ً ونفخ فيه من روحككه‪ ,‬أمككر‬
‫الملئكة بالسجود له تعظيما ً لشأن اللككه تعككالى وجللككه‪ ,‬فسككمعوا‬
‫كلهم وأطاعوا إل إبليس لم يكن من الساجدين‪ ,‬وقد تقككدم الكلم‬
‫على إبليس في أول تفسير سورة البقرة‪ ,‬وهذا الذي قررنككاه هككو‬
‫اختيككار ابككن جريككر‪ ,‬أن المككراد بككذلك كلككه آدم عليككه السككلم‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري عككن العمككش عككن منهككال بككن عمككرو عككن‬
‫سعيد بن جبير عن ابن عباس }ولقد خلقناكم ثم صورناكم{ قككال‬
‫خلقوا في أصلب الرجال وصوروا في أرحام النساء‪ ,‬رواه الحاكم‬
‫‪729‬‬
‫وقال‪ :‬صحيح على شرطهما ولم يخرجاه‪ ,‬ونقككل ابككن جريككر‪ :‬عككن‬
‫بعككض السككلف أيض كا ً أن المككراد بخلقنككاكم ثككم صككورناكم الذريككة‪.‬‬
‫وقال الربيع بن أنس والسدي وقتادة والضككحاك فككي هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫}ولقد خلقناكم ثم صككورناكم{ أي خلقنككا آدم ثككم صككورنا الذريككة‪,‬‬
‫لدم{‬ ‫وهذا فيه نظر‪ ,‬لنه قال بعد ذلك }ثم قلنا للملئكة اسجدوا َ‬
‫فدل على أن المراد بذلك آدم وإنمككا قيككل ذلكك بككالجمع‪ ,‬لنككه أبككو‬
‫البشر‪ ,‬كما يقول الله تعالى لبني إسرائيل الذين كككانوا فككي زمككن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم }وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكككم‬
‫ن والسلوى{ والمراد آباؤهم الككذين كككانوا فككي زمككن موسككى‪,‬‬ ‫الم ّ‬
‫لباء الذين هم أصل‪ ,‬صار كأنه واقع‬ ‫ولكن لما كان ذلك منة على ا َ‬
‫على البناء‪ ,‬وهذا بخلف قوله }ولقككد خلقنككا النسككان مككن سككللة‬
‫ليككة‪ ,‬فككإن المككراد مككن آدم المخلككوق مككن السككللة‪,‬‬ ‫مككن طيككن{ ا َ‬
‫وذريتككه مخلوقكون مككن نطفكة‪ ,‬وصككح هككذا لن المككراد مكن خلقنكا‬
‫النسككككككككان الجنككككككككس ل معينككككككككًا‪ ,‬واللككككككككه أعلككككككككم‪.‬‬
‫مككن‬‫خل َْقت َِني ِ‬

‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ل أ َن َا ْ َ‬
‫خي ٌْر ّ‬ ‫مْرت ُ َ‬
‫ك َقا َ‬ ‫َ‬
‫جد َ إ ِذ ْ أ َ‬
‫س ُ‬
‫ل ما منع َ َ‬
‫ك أل ّ ت َ ْ‬ ‫** َقا َ َ َ َ َ‬
‫ن‬
‫طيكككككككككككككككك ٍ‬‫مككككككككككككككككن ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫خل َْقت َكككككككككككككككك ُ‬ ‫ن ّككككككككككككككككارٍ وَ َ‬
‫قككال بعككض النحككاة فككي تككوجيه قككوله تعككالى‪} :‬مككا منعككك أن ل‬
‫تسجد{ ل هنا زائدة‪ ,‬وقككال بعضككهم زيككدت لتأكيككد الجحككد‪ ,‬كقككول‬
‫مكككككككككككككا إن رأيكككككككككككككت ول سكككككككككككككمعت بمثلكككككككككككككه‬
‫فأدخل »إن« وهي للنفكي علكى ماالنافيكة لتأكيكد النفكي‪ ,‬قكالوا‪:‬‬
‫وكذا ههنا }ما منعك أن ل تسجد{ مع تقدم قككوله }لككم يكككن مككن‬
‫الساجدين{ حكاهما ابن جرير وردهما‪ ,‬واختككار أن منعككك مضككمن‬
‫معنى فعل آخر‪ ,‬تقديره ما أحرجك وألزمك واضطرك أن ل تسجد‬
‫إذ أمرتك ونحو هذا‪ ,‬وهذا القول قوي حسككن‪ ,‬واللككه أعلككم‪ .‬وقككول‬
‫إبليس لعنه الله }أنككا خيككر منككه{ مككن العككذر الككذي هككو أكككبر مككن‬
‫الذنب‪ ,‬كككأنه امتنككع مككن الطاعككة لنككه ل يككؤمر الفاضككل بالسككجود‬
‫للمفضول‪ ,‬يعني لعنه الله وأنا خير منه فكيف تأمرني بالسجود له‬
‫؟ ثم بين أنه خير منه بأنه خلق من نار‪ ,‬والنار أشرف ممككا خلقتككه‬
‫منه وهو الطين‪ ,‬فنظر اللعين إلى أصككل العنصككر ولككم ينظككر إلككى‬
‫‪730‬‬
‫التشريف العظيم‪ ,‬وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من‬
‫روحه‪ ,‬وقاس قياسا ً فاسدا ً في مقابلة نص قككوله تعككالى‪} :‬فقعككوا‬
‫له ساجدين{ فشذ من بين الملئكة لترك السجود فهذا أبلس من‬
‫الرحمة أي وأيكس مكن الرحمكة فأخطكأ‪ ,‬قبحكه اللكه فككي قياسكه‪,‬‬
‫ودعواه أن النار أشرف من الطين أيضكًا‪ ,‬فككإن الطيككن مككن شككأنه‬
‫الرزانككة والحلككم والنككاة والتثبككت‪ ,‬والطيككن محككل النبككات والنمككو‬
‫والزيادة والصلح‪ ,‬والنار من شأنها الحراق والطيككش والسككرعة‪,‬‬
‫ولهككذا خككان إبليككس عنصككره ونفككع آدم عنصككره بككالرجوع والنابككة‬
‫والسككتكانة والنقيككاد والستسككلم لمككر اللككه والعككتراف وطلككب‬
‫التوبككككككككككككككككككككككككككككككككككة والمغفككككككككككككككككككككككككككككككككككرة‪.‬‬
‫وفي صككحيح مسكلم عككن عائشكة رضكي اللكه عنهكا قككالت‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »خلقت الملئكة من نور وخلق‬
‫إبليس من مارج من نار وخلق آدم ممككا وصككف لكككم« هكككذا رواه‬
‫مسككلم‪ ,‬وقككال ابككن مردويككه‪ :‬حككدثنا عبككد اللككه بككن جعفككر‪ ,‬حككدثنا‬
‫إسماعيل بن عبد الله بن مسعود‪ ,‬حككدثنا نعيككم بككن حمككاد‪ ,‬حككدثنا‬
‫عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشككة‪ ,‬قككالت‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسكلم »خلكق اللكه الملئكككة مكن‬
‫نور العرش وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم ممككا وصككف‬
‫لكم« قلت لنعيم بن حماد‪ :‬أين سككمعت هككذا مككن عبككد الككرزاق ؟‬
‫قال‪ :‬باليمن‪ ,‬وفي بعككض ألفككاظ هككذا الحككديث فككي غيككر الصككحيح‬
‫»وخلقت الحور العين مككن الزعفككران«‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا‬
‫القاسم حدثنا الحسين‪ ,‬حدثنا محمد بن كثير عن ابن شككوذب عككن‬
‫مطر الوراق عن الحسن في قوله }خلقتني من نار‪ ,‬وخلقتككه مككن‬
‫طين{ قال‪ :‬قككاس إبليككس وهككو أول مككن قككاس‪ ,‬إسككناده صككحيح‪,‬‬
‫وقال‪ :‬حدثني عمرو بن مالك‪ ,‬حككدثني يحيككى بككن سككليم الطككائفي‬
‫عن هشكام عكن ابكن سكيرين‪ ,‬قكال‪ :‬أول مكن قكاس إبليكس‪ ,‬ومكا‬
‫عبككدت الشككمس والقمككر إل بالمقككاييس إسككناد صككحيح أيضككًا‪.‬‬
‫ن‬
‫مك َ‬‫ك ِ‬‫ج إ ِن ّك َ‬ ‫ك َأن ت َت َك َب َّر ِفيَها فَككا ْ‬
‫خُر ْ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫من َْها فَ َ‬ ‫ل َفاهْب ِ ْ‬
‫ط ِ‬ ‫** َقا َ‬
‫الصككاِغرين * قَككا َ َ‬
‫ن‬‫مك َ‬‫ك ِ‬‫ل إ ِن ّك َ‬
‫ن * قَككا َ‬ ‫ل أنظ ِْرن ِككي إ ِل َككى ي َكوْم ِ ي ُب ْعَث ُككو َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫ريككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬ ‫منظ َ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫‪731‬‬
‫يقول تعالى مخاطبا ً لبليس بأمر قدري كككوني }فككاهبط منهككا{‬
‫أي بسبب عصيانك لمري وخروجك عن طاعتي فما يكون لك أن‬
‫تتكبر فيها‪ ,‬قال كككثير مككن المفسككرين‪ :‬الضككمير عككائد إلككى الجنككة‬
‫ويحتمل أن يكون عائدا ً إلى المنزلة التي هككو فيهككا فككي الملكككوت‬
‫العلككى }فككاخرج إنككك مككن الصككاغرين{ أي الككذليلين الحقيريككن‪,‬‬
‫معاملككة لككه بنقيككض قصككده ومكافككأة لمككراده بضككده‪ ,‬فعنككد ذلككك‬
‫استدرك اللعين وسأل النظرة إلى يوم الدين‪ ,‬قال }أنظرني إلككى‬
‫يوم يبعثون قال إنك من المنظرين{ أجابه تعككالى إلككى مككا سككأل‪,‬‬
‫لما له في ذلك من الحكمة والرادة والمشيئة الككتي ل تخككالف ول‬
‫تمكككككانع‪ ,‬ول معقكككككب لحكمكككككه وهكككككو سكككككريع الحسكككككاب‪.‬‬
‫َ‬
‫م * ث ُك ّ‬
‫م‬ ‫س كت َِقي َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ص كَراط َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َهُ ك ْ‬
‫مككآ أغْ كوَي ْت َِني لقْعُ كد َ ّ‬ ‫ل فَب ِ َ‬
‫** قَككا َ‬
‫م‬ ‫م وَعَككن َ‬ ‫خل ْفهم وعَ َ‬ ‫ل َت ِينهم من بي َ‬
‫مآئ ِل ِهِ ْ‬
‫شك َ‬ ‫مككان ِهِ ْ‬
‫ن أي ْ َ‬‫ن َ ِ ِ ْ َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫ن أي ْ ِ‬‫َُّ ْ ّ َْ ِ‬
‫َ‬
‫جكككككككككككككككككككد ُ أك ْث ََر ُ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫شكككككككككككككككككككاك ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هككككككككككككككككككك ْ‬ ‫وَل َ ت َ ِ‬
‫يخبر تعالى أنه لما أنذر إبليككس }إلككى يككوم يبعثككون{ واسككتوثق‬
‫إبليس بذلك‪ ,‬أخككذ فككي المعانككدة والتمككرد‪ ,‬فقككال }فبمككا أغككويتني‬
‫لقعككدن لهككم صككراطك المسككتقيم{ أي كمككا أغككويتني‪ ,‬قككال ابككن‬
‫عباس‪ :‬كما أضللتني‪ ,‬وقال غيككره‪ :‬كمككا أهلكتنككي لقعككدن لعبككادك‬
‫الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه علككى }صككراطك‬
‫المستقيم{ أي طريككق الحككق وسككبيل النجككاة‪ ,‬لضككلنهم عنهككا لئل‬
‫يعبدوك ول يوحدوك بسبب إضللك إياي‪ ,‬وقال بعض النحاة‪ :‬البككاء‬
‫هنككا قسككمية كككأنه يقككول فبككإغوائك إيككاي لقعككدن لهككم صككراطك‬
‫المستقيم‪ ,‬قال مجاهككد‪ :‬صككراطك المسككتقيم يعنككي الحككق‪ ,‬وقككال‬
‫محمد بن سوقة عن عون بن عبد اللككه‪ :‬يعنككي طريككق مكككة‪ ,‬قككال‬
‫ابن جرير‪ :‬الصحيح أن الصراط المستقيم أعم مككن ذلككك‪) ,‬قلككت(‬
‫لما روى المام أحمد‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسككم‪ ,‬حككدثنا أبككو عقيككل‬
‫يعني الثقفكي عبكد اللكه بكن عقيككل‪ ,‬حكدثنا موسككى بككن المسكيب‪,‬‬
‫أخبرني سالم بن أبي الجعككد‪ ,‬عككن سككبرة بككن أبككي الفككاكه‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الشيطان قعد‬
‫لبن آدم بطرقه فقعككد لككه بطريككق السككلم‪ ,‬فقككال‪ :‬أتسككلم وتككذر‬
‫دينك وديككن آبككائك قككال فعصككاه وأسككلم« قككال »قعككد لككه بطريككق‬
‫‪732‬‬
‫الهجرة فقال‪ :‬أتهاجر وتدع أرضك وسككماءك وإنمككا مثككل المهككاجر‬
‫كالفرس في الطول‪ ,‬فعصاه وهاجر‪ ,‬ثككم قعككد لككه بطريككق الجهككاد‬
‫كح المرأة ويقسم‬ ‫وهو جهاد النفس والمال‪ ,‬فقال تقاتل فتقتل فُتن َ‬
‫المكككككككككككككال قكككككككككككككال فعصكككككككككككككاه وجاهكككككككككككككد«‪.‬‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسككلم فمككن فعككل ذلككك منهككم‬
‫فمات‪ ,‬كان حقا ً على اللككه أن يككدخله الجنككة‪ ,‬وإن قتككل كككان حق كا ً‬
‫على الله أن يدخله الجنة‪ ,‬وإن غرق كان حقا ً على الله أن يككدخله‬
‫الجنة أو وقصته دابة كان حقا ً على الله أن يككدخله الجنككة« وقككوله‬
‫لية‪ ,‬قال علي بن أبككي‬ ‫لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم{ ا َ‬ ‫}ثم َ‬
‫لتينهم من بين أيديهم{ أشككككهم فككي‬ ‫طلحة عن ابن عباس }ثم َ‬
‫آخرتهم }ومن خلفهم{ أرغبهم في دنياهم }وعن أيمانهم{ أشككبه‬
‫عليهم أمر دينهم }وعن شمائلهم{ أشككهي لهككم المعاصككي‪ ,‬وقككال‬
‫ابن أبي طلحة في رواية العوفي كلهما عن ابن عبكاس‪ :‬أمكا مكن‬
‫بين أيديهم فمن قبل دنياهم‪ ,‬وأما من خلفهم فأمر آخرتهككم‪ ,‬وأمككا‬
‫عن أيمانهم فمن قبل حسككناتهم‪ ,‬وأمككا عككن شككمائلهم فمككن قبككل‬
‫سيئاتهم‪ ,‬وقال سعيد بن أبي عروبة‪ :‬عككن قتككادة‪ ,‬أتككاهم مككن بيككن‬
‫أيديهم فأخبرهم أنه ل بعث ول جنة ول نار‪ ,‬ومن خلفهم مككن أمككر‬
‫الدنيا فزينها لهم ودعاهم إليها‪ ,‬وعن أيمككانهم مككن قبككل حسككناتهم‬
‫بطأهم عنها‪ ,‬وعن شمائلهم زين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم‬
‫إليها وأمرهم بها‪ ,‬أتاك يا بن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من‬
‫فوقك‪ ,‬لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله‪ ,‬وكذا روي عككن‬
‫إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة والسككدي وابككن جريككج‪ ,‬إل أنهككم‬
‫لخكككرة‪.‬‬‫قكككالوا‪ :‬مكككن بيكككن أيكككديهم الكككدنيا‪ ,‬ومكككن خلفهكككم ا َ‬
‫وقال مجاهد‪ :‬من بين أيديهم وعن أيمانهم مككن حيككث يبصككرون‪,‬‬
‫ومن خلفهم وعن شمائلهم حيث ل يبصرون‪ ,‬واختار ابن جرير‪ :‬أن‬
‫المراد جميككع طككرق الخيككر والشككر‪ ,‬فككالخير يصككدهم عنككه والشككر‬
‫يحسنه لهم‪ ,‬وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس فككي‬
‫لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمككانهم وعككن‬ ‫قوله }ثم َ‬
‫شمائلهم{ ولم يقل من فككوقهم‪ ,‬لن الرحمككة تنككزل مككن فككوقهم‪,‬‬
‫وقككال علككي بككن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس }ول تجككد أكككثرهم‬
‫شاكرين{ قال‪ :‬موحككدين‪ ,‬وقككول إبليككس هككذا إنمككا هككو ظككن منككه‬
‫وتوهم‪ ,‬وقد وافق في هذا الواقع‪ ,‬كما قال تعككالى‪} :‬ولقككد صككدق‬
‫‪733‬‬
‫عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إل فريقا ً من المؤمنين * ومككا كككان لككه‬
‫لخرة ممن هو منهككا فككي‬ ‫عليهم من سلطان إل لنعلم من يؤمن با َ‬
‫شككك وربككك علككى كككل شككيء حفيككظ{ ولهككذا ورد فككي الحككديث‬
‫الستعاذة من تسلط الشيطان على النسان من جهاته كلها‪ ,‬كمككا‬
‫قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده‪ :‬حدثنا نصر بن علي‪ ,‬حدثنا‬
‫عمرو بن مجمع‪ ,‬عن يونس بن خباب عككن ابككن جككبير بككن مطعككم‬
‫يعني نافع بن جبير‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬وحككدثنا عمككر بككن الخطككاب‬
‫يعني السجستاني‪ ,‬حدثنا عبيد الله بن جعفر‪ ,‬حككدثنا عبككد اللككه بككن‬
‫عمروعن زيد بن أبي أنيسة‪ ,‬عن يونس بن خبككاب عككن ابككن جككبير‬
‫بن مطعم‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كان رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم يدعو »اللهم إني أسألك العفو والعافيككة فككي دينككي ودنيككاي‬
‫وأهلي ومالي‪ ,‬اللهم استر عوراتي وآمن روعككاتي واحفظنككي مككن‬
‫بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي‪ ,‬وأعوذ‬
‫بككك اللهككم أن أغتككال مككن تحككتي« تفككرد بككه الككبزار وحسككنه‪..‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬حدثنا عبادة بن مسلم الفككزاري‪,‬‬
‫حدثني جرير بن أبي سليمان بكن جكبير بكن مطعكم‪ ,‬سكمعت عبكد‬
‫الله بن عمر يقول‪ :‬لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع‬
‫هككؤلء الككدعوات حيككن يصككبح وحيككن يمسككي »اللهككم إنككي أسككألك‬
‫لخرة‪ ,‬اللهم إني أسككألك العفككو والعافيككة فككي‬ ‫العافية في الدنيا وا َ‬
‫ديني ودنياي وأهلي ومالي‪ ,‬اللهم اسككتر عككوراتي وآمككن روعككاتي‪,‬‬
‫اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شكمالي‬
‫ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحككتي‪ ,‬قككال وكيككع‪ :‬مككن‬
‫تحتي يعني الخسف‪ ,‬ورواه أبو داود والنسككائي وابككن مككاجه وابككن‬
‫حبان والحاكم مككن حككديث عبككادة بككن مسككلم بككه‪ ,‬وقككال الحككاكم‪:‬‬
‫صكككككككككككككككككككككككككككككككككككحيح السكككككككككككككككككككككككككككككككككككناد‪.‬‬
‫م‬
‫جهَّنكك َ‬
‫ن َ‬
‫مل ّ‬‫مل ْ‬ ‫من ُْهكك ْ‬
‫ك ِ‬ ‫حورا ً ل ّ َ‬
‫من ت َب ِعَ َ‬ ‫مذ ُْءوما ً ّ‬
‫مد ْ ُ‬ ‫من َْها َ‬
‫ج ِ‬
‫خُر ْ‬ ‫** َقا َ‬
‫لا ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫من ُ‬
‫مِعيككككككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫كككككككككككككككككككككككككككككككككككك ْ‬ ‫ِ‬
‫أكد تعالى عليه اللعنة والطككرد والبعككاد والنفككي عككن محككل المل‬
‫العلى‪ ,‬بقوله }اخرج منها مذءوما ً مدحورًا{ قال ابككن جريككر‪ :‬أمككا‬
‫المذؤوم فهو المعيب‪ ,‬والذأم غير مشدد العيب يقال ذأمككه يككذأمه‬
‫‪734‬‬
‫ذأما ً فهو مذؤوم‪ ,‬ويتركون الهمزة فيقول ذمته أذيمه ذيم كا ً وذام كًا‪,‬‬
‫والذام والذيم أبلغ في العيب من الذم‪ ,‬قال‪ :‬والمدحور المقصككي‪,‬‬
‫هو المبعد المطرود‪ ,‬وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم‪ :‬ما نعرف‬
‫المككذؤوم والمككذموم إل واحككدًا‪ ,‬وقككال سككفيان الثككوري‪ :‬عككن أبككي‬
‫إسحاق عن التميمي عن ابن عباس‪ :‬اخرج منها مككذؤوما ً مككدحورا ً‬
‫قال مقيتًا‪ ,‬وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ :‬صغيرا ً مقيتا ً‬
‫وقال السككدي‪ :‬مقيت كا ً مطككرودًا‪ ,‬وقككال قتككادة‪ :‬لعين كا ً مقيت كًا‪ ,‬وقككال‬
‫مجاهككد‪ :‬منفي كا ً مطككرودا ً وقككال الربيككع بككن أنككس‪ :‬مككذؤوما ً منفي كا ً‬
‫والمدحور المصغر‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬لمن تبعك منهككم لملن جهنككم‬
‫منكم أجمعين{ كقوله }قال اذهب فمن تبعككك منهككم فككإن جهنككم‬
‫جزاؤكم جزاء موفككورا ً * واسككتفزز مككن اسككتطعت منهككم بصككوتك‬
‫وأجلككب عليهككم بخيلككك ورجلككك وشككاركهم فككي المككوال والولد‬
‫وعككدهم ومككا يعككدهم الشككيطان إل غككرورا ً * إن عبككادي ليككس لككك‬
‫ل{‪.‬‬ ‫عليهكككككككككككم سكككككككككككلطان وكفكككككككككككى بربكككككككككككك وكي ً‬
‫** ويا آدم اسك ُ َ‬

‫ما وَل َ‬ ‫شكئ ْت ُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫حْيك ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مك ْ‬ ‫ة فَك ُل َ ِ‬ ‫جّنك َ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫جك َ‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أنك َ‬ ‫ََ َ ُ ْ ْ‬
‫مككا‬ ‫َ‬
‫س لهُ َ‬ ‫س كو َ َ‬ ‫ن * فَوَ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظككال ِ ِ‬ ‫مك َ‬ ‫كون َككا ِ‬‫جَرةَ فَت َ ُ‬ ‫شك َ‬ ‫هـ كذِهِ ال ّ‬ ‫ت َْقَرب َككا َ‬
‫مككا‬‫ل َ‬ ‫ما وَقَككا َ‬ ‫سكوَْءات ِهِ َ‬ ‫مككن َ‬ ‫مككا ِ‬ ‫مككا ُوورِيَ عَن ْهُ َ‬ ‫ن ل ِي ُب ْكدِيَ ل َهُ َ‬
‫مككا َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن أوْ ت َ ُ‬ ‫كون َككا َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مك َ‬ ‫كون َككا ِ‬ ‫ملك َي ْك ِ‬ ‫جَرةِ إ ِل ّ أن ت َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫هـذِهِ ال ّ‬ ‫ن َ‬‫ما عَ ْ‬ ‫ما َرب ّك ُ َ‬‫ن ََهاك ُ َ‬
‫ن‬‫حي َ‬ ‫صكككك ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫مكككك َ‬ ‫مككككا ل َ ِ‬ ‫مآ إ ِّنككككي ل َك ُ َ‬ ‫مه ُ َ‬‫سكككك َ‬ ‫ن * وََقا َ‬ ‫دي َ‬ ‫خاِلكككك ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫لدم عليه السلم ولزوجتككه حككواء الجنككة أن‬ ‫يذكر تعالى أنه أباح َ‬
‫يأكل منها من جميككع ثمارهككا إل شككجرة واحككدة‪ ,‬وقككد تقككدم الكلم‬
‫على ذلك في سورة البقرة‪ ,‬فعند ذلك حسدهما الشيطان وسعى‬
‫في المكر والوسوسة والخديعة‪ ,‬ليسلبهما ما هما فيه من النعمككة‬
‫واللباس الحسن }وقال{ كذبا ً وافتراء }ما نهاكما ربكما عن هككذه‬
‫الشجرة إل أن تكونا ملكين{ أي لئل تكونككا ملكيككن أو خالككدين هككا‬
‫هنا‪ ,‬ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما‪ ,‬كقوله }قككال يككا آدم‬
‫هل أدلك على شجرة الخلد وملك ل يبلى{ أي لئل تكونككا ملكيككن‪,‬‬
‫كقككوله }يككبين اللككه لكككم أن تضككلوا{ أي لئل تضككلوا }وألقككى فككي‬
‫الرض رواسي أن تميد بكم{ أي لئل تميد بكم‪ ,‬وكان ابككن عبككاس‬
‫ويحيى بن أبككي كككثير يقككرآن }إل أن تكونككا ملكيككن{ بكسككر اللم‪,‬‬
‫‪735‬‬
‫وقرأه الجمهور بفتحها‪} ,‬وقاسمهما{ أي حلككف لهمككا بككالله }إنككي‬
‫لكما لمن الناصحين{ فإني من قبلكما ها هنا وأعلم بهذا المكككان‪,‬‬
‫وهذا من باب المفاعلة‪ ,‬والمراد أحد الطرفين‪ ,‬كما قال خالككد بككن‬
‫زهيككككككككككككر ابككككككككككككن عككككككككككككم أبككككككككككككي ذؤيككككككككككككب‪:‬‬
‫وقاسككمهم بككالله جهككدا ً لنتمألككذ مككن السككلوى إذ مككا نشككورها‬
‫أي حلف لهما بالله على ذلك حتى خدعهما وقككد يخككدع المككؤمن‬
‫لية‪ :‬حلككف بككالله إنككي خلقككت قبلكمككا وأنككا‬ ‫بالله‪ ,‬وقال قتادة في ا َ‬
‫أعلم منكم فاتبعاني أرشدكما‪ ,‬وكان بعض أهككل العلككم يقككول مككن‬
‫خكككككككككككككككدعنا بكككككككككككككككالله انخكككككككككككككككدعنا لكككككككككككككككه‪.‬‬
‫فَقككا‬ ‫ما وَط َ ِ‬ ‫س كوَْءات ُهُ َ‬

‫ما َ‬ ‫ت ل َهُ َ‬ ‫جَرةَ ب َد َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ذاَقا ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ما ب ِغُُرورٍ فَل َ ّ‬‫** فَد َل ّهُ َ‬
‫خصَفان عَل َيهما من ورق ال ْجنة وناداهُمككا ربهمككآ أ َل َك َ‬
‫مككا عَككن‬ ‫م أن ْهَك ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ ِ ََ َ َ َ ُّ َ‬ ‫ََ ِ‬ ‫ِْ َ ِ‬ ‫يَ ْ ِ ِ‬
‫َ‬
‫ن * َقال َ َرب َّنا‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ما عَد ُوٌ ّ‬ ‫ن ل َك ُ َ‬ ‫طآ َ‬‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مآ إ ِ ّ‬ ‫جَرةِ وَأُقل ل ّك ُ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫ت ِل ْك ُ َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫سك ِ‬‫خا ِ‬ ‫مك َ‬‫ن ِ‬‫من َككا ل َن َك ُككون َ ّ‬
‫ح ْ‬‫م ت َغِْفْر ل َن َككا وَت َْر َ‬ ‫سَنا وَِإن ل ّ ْ‬‫مَنآ أنُف َ‬ ‫ظ َل َ ْ‬
‫قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عككن الحسككن عككن أبككي بككن‬
‫كعب رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬كان آدم رجل ً طوال ً كأنه نخلة سحوق‪,‬‬
‫كثير شعر الرأس‪ ,‬فلما وقع فيما وقككع بككه مككن الخطيئة‪ ,‬بككدت لكه‬
‫عورته عند ذلك وكان ل يراها‪ ,‬فانطلق هاربا ً فككي الجنككة فتعلقككت‬
‫برأسه شجرة من شجر الجنة‪ ,‬فقال لها‪ :‬أرسككليني‪ .‬فقككالت‪ :‬إنككي‬
‫غير مرسلتك‪ ,‬فناداه ربه عز وجل‪ :‬يا آدم أمني تفر؟ قككال يككا رب‬
‫إني استحييتك‪ ,‬وقد رواه ابن جرير وابن مردويه مككن طككرق‪ ,‬عككن‬
‫الحسكن عكن أبكي بكن كعكب عككن النككبي صكلى اللكه عليكه وسكلم‬
‫مرفوعًا‪ ,‬والموقوف أصح إسنادًا‪ .‬وقال عبد الككرزاق‪ :‬عككن سككفيان‬
‫بن عيينة وابن المبارك‪ ,‬عن الحسن بن عمارة‪ ,‬عككن المنهككال بككن‬
‫عمرو‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قككال‪ :‬كككانت الشككجرة‬
‫التي نهى الله عنها آدم وزوجته السنبلة‪ ,‬فلما أكل منها بدت لهمككا‬
‫سوآتهما‪ ,‬وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما‪ ,‬وطفقككا‬
‫يخصفان عليهما مككن ورق الجنككة‪ ,‬ورق الككتين يلزقككان بعضككه إلككى‬
‫بعض‪ ,‬فانطلق آدم عليه السلم موليا ً في الجنككة‪ ,‬فعلقككت برأسككه‬
‫شجرة من الجنة‪ ,‬فنككاداه اللككه يككا آدم أمنككي تفككر؟ قككال ل ولكنككي‬
‫استحييتك يا رب‪ ,‬قال‪ :‬أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك‬
‫‪736‬‬
‫منها مندوحة عما حرمت عليك‪ ,‬قال‪ :‬بلى يا رب ولكن وعزتك مككا‬
‫حسبت أن أحدا ً يحلف بك كاذبًا‪ ,‬قككال‪ :‬وهككو قككول اللككه عككز وجككل‬
‫}وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين{ قال‪ :‬فبعزتي لهبطنك إلى‬
‫الرض ثم ل تنال العيككش إل كككدًا‪ ,‬قككال‪ :‬فككأهبط مككن الجنككة وكانككا‬
‫يأكلن منها رغدًا‪ ,‬فأهبط إلى غير رغد من طعككام وشككراب‪ ,‬فعلككم‬
‫صنعة الحديد وأمر بالحرث فحككرث وزرع ثككم سككقى حككتى إذا بلككغ‬
‫حصد‪ ,‬ثم داسه ثم ذّراه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله‪ ,‬فلم‬
‫يبلغكككككه حكككككتى بلكككككغ منكككككه مكككككا شكككككاء اللكككككه أن يبلكككككغ‪.‬‬
‫وقال الثوري‪ :‬عن ابككن أبككي ليلككى عككن المنهككال بككن عمككرو عككن‬
‫سعيد بن جبير عن ابن عباس }وطفقا يخصفان عليهما مككن ورق‬
‫الجنة{ قال‪ :‬ورق التين‪ .‬صحيح إليه‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬جعل يخصككفان‬
‫عليهما من ورق الجنة‪ ,‬قال‪ :‬كهيئة الثككوب‪ ,‬وقككال وهككب بككن منبككه‬
‫في قوله ينزع عنهما لباسهما‪ ,‬قال‪ :‬كككان لبككاس آدم وحككواء نككورا ً‬
‫على فروجهما ل يرى هذا عورة هذه ول هذه عورة هذا‪ ,‬فلمكا أكل‬
‫من الشجرة بدت لهما سوآتهما‪ ,‬رواه ابن جرير بسند صحيح إليه‪,‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬أخبرنا معمر عن قتادة‪ ,‬قككال‪ :‬قككال آدم أي رب‬
‫أرأيت إن تبت واستغفرت‪ ,‬قككال‪ :‬إذا ً أدخلككك الجنككة‪ ,‬وأمككا إبليككس‬
‫فلم يسأله التوبة وسأله النظرة‪ ,‬فأعطى كككل واحككد منهمككا الككذي‬
‫سأله‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا القاسم‪ ,‬حدثنا الحسين‪ ,‬حككدثنا عبككاد‬
‫بن العوام‪ ,‬عن سفيان بن الحسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد‬
‫بن جبير عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬لما أكل آدم من الشجرة‪ ,‬قيل لككه‪:‬‬
‫لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال‪ :‬حواء أمرتني‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫فككإني قككد أعقبتهككا أن ل تحمككل إل كرهكا ً ول تضككع إل كرهكًا‪ ,‬قكال‪:‬‬
‫فرنت عند ذلك حواء‪ ,‬فقيل لها الرنككة عليككك وعلكى ولككدك‪ ,‬وقكال‬
‫الضحاك بن مزاحم في قوله }ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنككا‬
‫وترحمنا لنكونن من الخاسرين{ هي الكلمات التي تلقاها آدم من‬
‫ربكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫سكت ََقّر‬
‫م ْ‬‫ض ُ‬‫م فِككي الْر ِ‬ ‫ض عَكد ُوّ وَل َك ُك ْ‬‫م ل ِب َعْك ٍ‬ ‫ضكك ُ ْ‬‫ل اهْب ِط ُككوا ْ ب َعْ ُ‬ ‫** قَككا َ‬
‫ن‬‫جككو َ‬ ‫خَر ُ‬
‫من َْها ت ُ ْ‬
‫ن وَ ِ‬
‫موُتو َ‬‫ن وَِفيَها ت َ ُ‬ ‫حي َوْ َ‬
‫ل ِفيَها ت َ ْ‬‫ن * َقا َ‬ ‫َ‬
‫حي ٍ‬ ‫ى ِ‬ ‫مَتاعٌ إ ِل َ‬
‫وَ َ‬
‫‪737‬‬
‫قيل المراد بالخطاب في }اهبطوا{ آدم وحواء وإبليس والحية‪,‬‬
‫ومنهم من لم يذكر الحية‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬والعمككدة فككي العككداوة آدم‬
‫وإبليككس‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى فككي سككورة طككه قككال }اهبطككا منهككا‬
‫لدم‪ ,‬والحية إن كان ذكرها صحيحا ً فهككي‬ ‫لية‪ ,‬وحواء تبع َ‬ ‫جميعًا{ ا َ‬
‫تبع لبليس‪ ,‬وقد ذكر المفسرون الماكن التي هبط فيها كل منهم‬
‫ويرجع حاصل تلك الخبار إلى السرائيليات‪ ,‬والله أعلككم بصككحتها‪,‬‬
‫ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدة تعود على المكلفين فككي أمككر‬
‫دينهم أو دنياهم‪ ,‬لذكرها الله تعالى في كتابه أو رسوله صلى اللكه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬وقوله }ولكم في الرض مسكتقر ومتكاع إلكى حيكن{‬
‫أي قرار وأعمار مضروبة إلى آجال معلومة‪ ,‬قككد جككرى بهككا القلككم‬
‫وأحصاها القككدر وسككطرت فككي الكتككاب الول‪ ,‬وقككال ابككن عبككاس‬
‫}مسككتقر{ القبككور‪ ,‬وعنككه قككال }مسككتقر{ فككوق الرض وتحتهككا‪,‬‬
‫رواهما ابن أبي حككاتم‪ ,‬وقككوله }قككال فيهككا تحيككون وفيهككا تموتككون‬
‫ومنها تخرجون{ كقوله تعالى‪} :‬منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها‬
‫نخرجكم تارة أخرى{ يخبر تعالى‪ ,‬أنه جعككل الرض دارا ً لبنككي آدم‬
‫مدة الحياة الككدنيا‪ ,‬فيهككا محيككاهم وفيهككا ممككاتهم وقبككورهم ومنهككا‬
‫لخريككن‬‫نشورهم ليوم القيامككة‪ ,‬الككذي يجمككع اللككه فيككه الوليككن وا َ‬
‫ويجككككككككككككككككككككككككككككككككازي كل ً بعملككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫م وَِريش كا ً‬ ‫َ‬
‫س كوَْءات ِك ُ ْ‬ ‫واِري َ‬ ‫م ل َِباس كا ً ي ُك َ‬
‫م قَ كد ْ أنَزل ْن َككا عَل َي ْك ُك ْ‬
‫ي آد َ َ‬‫** ي َككاب َن ِ َ‬
‫ن‬ ‫ت الل ّكهِ ل َعَل ّهُك ْ‬
‫م ي َكذ ّك ُّرو َ‬ ‫ن آي َككا ِ‬‫مك ْ‬‫ك ِ‬ ‫خي ْكٌر ذ َِلك َ‬‫ك َ‬ ‫س الت ّْقكوَىَ ذ َِلك َ‬ ‫وَل ِب َككا ُ‬
‫يمتن تعالى علككى عبككاده بمككا جعككل لهككم مككن اللبككاس والريككش‪,‬‬
‫فاللبككاس سككتر العككورات وهككي السككوآت‪ ,‬والريككاش والريككش مككا‬
‫يتجمل به ظاهرًا‪ ,‬فالول من الضككروريات والريككش مككن التكملت‬
‫والزيادات‪ ,‬قال ابن جرير‪ :‬الريككاش فككي كلم العككرب الثككاث ومككا‬
‫ظهر من الثياب‪ ,‬وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وحكككاه‬
‫البخاري عنه‪ :‬الرياش المال وهكذا قال مجاهد وعروة بككن الزبيككر‬
‫والسدي والضحاك وغيكر واحككد‪ ,‬وقكال العكوفي عكن ابكن عبكاس‪:‬‬
‫الريش اللباس والعيش والنعيم‪ ,‬وقال عبككد الرحمككن بككن زيككد بككن‬
‫أسلم‪ :‬الرياش الجمال‪ ,‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا يزيد بن هككارون‪,‬‬
‫حدثنا أصبع عن أبي العلء الشككامي‪ ,‬قككال‪ :‬لبككس أبككو أمامككة ثوب كا ً‬
‫‪738‬‬
‫جديدا ً فلما بلغ ترقوته قال‪ :‬الحمد لله الذي كساني مككا أواري بككه‬
‫عورتي وأتجمل به في حياتي‪ ,‬ثم قال‪ :‬سمعت عمر بن الخطككاب‬
‫يقول‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »مككن اسككتجد ثوب كا ً‬
‫فلبسه فقال حين يبلغ ترقوته‪ :‬الحمد لله الذي كسككاني مككا أواري‬
‫به عورتي وأتجمككل بكه فككي حيككاتي‪ ,‬ثككم عمككد إلككى الثككوب الخلككق‬
‫فتصدق به كان في ذمة الله وفي جوار الله وفي كنككف اللككه حي كا ً‬
‫وميتًا« ورواه الترمذي وابن ماجه من رواية يزيد بككن هككارون عككن‬
‫أصبع هو ابككن زيككد الجهنككي‪ ,‬وقككد وثقككه يحيككى بككن معيككن وغيككره‪,‬‬
‫وشيخه أبو العلء الشككامي ل يعككرف إل بهككذا الحككديث‪ ,‬ولكككن لككم‬
‫يخرجكككككككككككككككه أحكككككككككككككككد‪ ,‬واللكككككككككككككككه أعلكككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد أيضًا‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد‪ ,‬حككدثنا مختككار بككن‬
‫نافع التمار عن أبي مطر‪ ,‬أنه رأى عليا ً رضكي اللهعنكه أتككى غلمكا ً‬
‫حدثا ً فاشترى منه قميصا ً بثلثة دراهككم ولبسككه مككا بيككن الرسككغين‬
‫إلككى الكعككبين‪ ,‬يقككول حيككن لبسككه‪ :‬الحمككد للككه الككذي رزقنككي مككن‬
‫الرياش ما أتجمل به فككي النككاس وأواري بككه عككورتي‪ ,‬فقيككل هككذا‬
‫شيء ترويه عن نفسك أو عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫هذا شيء سمعته من رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم يقككول‬
‫عند الكسوة‪» :‬الحمد لله الذي رزقني من الرياش مككا أتجمككل بككه‬
‫في الناس وأواري به عورتي« ورواه المام أحمد‪ ,‬وقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}ولباس التقوى ذلك خير{ قرأ بعضهم ولبككاس التقككوى بالنصككب‪,‬‬
‫لخرون بالرفع على البتداء‪ ,‬و}ذلك خيككر{ خككبره‪ ,‬واختلككف‬ ‫وقرأ ا َ‬
‫المفسرون في معناه‪ ,‬فقال عكرمة‪ :‬يقال هو ما يلبسككه المتقككون‬
‫يوم القيامة‪ ,‬رواه ابن أبككي حككاتم‪ ,‬وقككال زيككد بككن علككي والسككدي‬
‫وقتادة وابن جريج‪ :‬ولباس التقوى اليمان‪ ,‬وقال العوفي عن ابككن‬
‫عباس‪ :‬العمل الصالح‪ ,‬قال الديال بن عمرو عن ابككن عبككاس‪ :‬هككو‬
‫السمت الحسن في الوجه‪ ,‬وعن عروة بن الزبير‪ :‬لبككاس التقككوى‬
‫خشية الله‪ ,‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسككلم‪ :‬ولبككاس التقككوى‬
‫يتقي الله فيككواري عككورته فككذاك لبككاس التقككوى‪ ,‬وكلهككا متقاربككة‪,‬‬
‫ويؤيد ذلك الحديث الذي رواه ابن جرير حيث قال‪ :‬حدثني المثنى‬
‫حككدثنا إسككحاق بككن الحجككاج‪ ,‬حككدثني إسككحاق بككن إسككماعيل عككن‬
‫سليمان بن أرقم عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬رأيت عثمان بن عفان رضككي‬
‫الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قميص‬
‫‪739‬‬
‫فوهي محلول الزر‪ ,‬وسمعته يأمر بقتل الكلب وينهى عكن اللعكب‬
‫بالحمام‪ ,‬ثم قال‪ :‬يا أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر‪ ,‬فككإني‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليككه وسككلم يقككول »والككذي نفككس‬
‫محمد بيده ما أسر أحد سريرة إل ألبسه اللككه رداءهككا علنيككة‪ ,‬إن‬
‫ليككة }وريشكا ً ولبككاس‬
‫خيرا ً فخير وإن شرا ً فشككر« ثككم قككرأ هككذه ا َ‬
‫التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله{ قال‪ :‬السمت الحسن‪ ,‬هكككذا‬
‫رواه ابن جرير من روايكة سكليمان بكن أرقكم‪ ,‬وفيكه ضكعف‪ ,‬وقكد‬
‫روى الئمة الشافعي وأحمد والبخاري في كتاب الدب من طككرق‬
‫صحيحة عن الحسن البصري‪ ,‬أنه سمع أمير المؤمنين عثمككان بككن‬
‫عفان يأمر بقتل الكلب وذبح الحمككام يككوم الجمعككة علككى المنككبر‪,‬‬
‫وأما المرفوع منه فقد روى الحككافظ أبككو القاسككم الطككبراني فككي‬
‫معجمككه الكككبير لككه شككاهدا ً مككن وجككه آخككر حيككث قككال حككدثنا(‪.‬‬
‫خ كر َ‬ ‫َ‬
‫جن ّكةِ‬‫ن ال ْ َ‬‫مك َ‬ ‫م ّ‬‫ج أب َكوَي ْك ُ ْ‬‫مككآ أ ْ َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬
‫م ال ّ‬ ‫م ل َ ي َْفت ِن َن ّك ُ ُ‬‫ي آد َ َ‬ ‫** َياب َن ِ َ‬
‫ن‬
‫مك ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م هُ كوَ وَقَِبيل ُك ُ‬ ‫ه ي ََراك ُك ْ‬ ‫مآ إ ِن ّ ُ‬
‫سوَْءات ِهِ َ‬‫ما َ‬ ‫ما ل ِي ُرِي َهُ َ‬ ‫سه ُ َ‬ ‫ما ل َِبا َ‬‫َينزِعُ عَن ْهُ َ‬
‫َ‬
‫ن يحذر‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬‫ن أوْل َِيآَء ل ِل ّ ِ‬ ‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫جعَل َْنا ال ّ‬ ‫م إ ِّنا َ‬ ‫ث ل َ ت ََروْن َهُ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫َ‬
‫تعالى بني آدم من إبليس وقبيله‪ ,‬مبينا ً لهم عداوته القديمككة لبككي‬
‫البشر آدم عليه السلم‪ ,‬في سعيه فككي إخراجككه مككن الجنككة الككتي‬
‫هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء‪ ,‬والتسبب فككي هتككك عككورته‬
‫بعد ما كانت مستورة عنه‪ ,‬ومككا هككذا إل عككن عككداوة أكيككدة‪ ,‬وهككذا‬
‫كقوله تعالى‪} :‬أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهككم لكككم عككدو‬
‫بئس للظككككككككككككككككككككككككككككككالمين بككككككككككككككككككككككككككككككدل{‪.‬‬
‫ل‬ ‫مَرن َككا ب ِهَككا قُك ْ‬ ‫ة َقاُلوا ْ وجدنا عَل َيهآ آباءَنا والل ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا فَعَُلوا ْ َفا ِ‬ ‫** وَإ ِ َ‬
‫هأ َ‬ ‫َْ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ش ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ن * قُ ك ْ‬ ‫مككو َ‬ ‫مككا ل َ ت َعْل َ ُ‬‫ن عََلى الل ّهِ َ‬ ‫شآِء أت َُقوُلو َ‬ ‫ح َ‬ ‫مُر ِبال َْف ْ‬ ‫ه ل َ ي َأ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جدٍ َواد ْعُككوهُ‬ ‫سك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عنكد َ ك ُك ّ‬ ‫م ِ‬‫جككوهَك ُ ْ‬ ‫مككوا ْ وُ ُ‬ ‫ط وَأِقي ُ‬ ‫سك ِ‬ ‫مكَر َرب ّككي ِبال ِْق ْ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫حك ّ‬ ‫ريق كا ً َ‬‫ريقا ً هَ كد َىَ وَفَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن * فَ‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َُعو ُ‬ ‫ما ب َد َأك ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ذوا ال ّ‬ ‫خكك ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اللكك ِ‬ ‫دو ِ‬‫مككن ُ‬ ‫ن أوْل َِيككآَء ِ‬ ‫طي َ‬‫شككَيا ِ‬ ‫م ات ّ َ‬ ‫ة إ ِن ُّهكك ُ‬ ‫ضككلل ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عَلي ِْهكك ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫مهَْتككككككككككككككككككك ُ‬ ‫ن أن ُّهكككككككككككككككككككم ّ‬ ‫سكككككككككككككككككككُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫‪740‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬كككان المشككركون يطوفككون بككالبيت عككراة يقولككون‬
‫نطوف كمككا ولككدتنا أمهاتنككا فتضككع المككرأة علككى قبلهككا النسككعة أو‬
‫الشكككككككككككككككككككككككككككككككككككيء وتقكككككككككككككككككككككككككككككككككككول‪:‬‬
‫اليكككككوم يبكككككدو بعضكككككه أو كلهومكككككا بكككككدا منكككككه فل أحلكككككه‬
‫فأنزل الله }وإذا فعلكوا فاحشكة قكالوا وجكدنا عليهكا آباءنكا واللكه‬
‫لية‪ ,‬قلت‪ :‬كككانت العككرب مككا عككدا قريشكا ً ل يطوفككون‬ ‫أمرنا بها{ ا َ‬
‫بالبيت في ثيابهم التي لبسوها يتأولون في ذلك أنهككم ل يطوفككون‬
‫في ثياب عصوا الله فيها‪ ,‬وكانت قريككش وهككم الحمككس يطوفككون‬
‫في ثيابهم‪ ,‬ومن أعاره أحمسي ثوبا ً طككاف فيككه‪ ,‬ومككن معككه ثككوب‬
‫جديد طاف فيه ثم يلقيه فل يتملكه أحد‪ ,‬ومن لم يجد ثوبا ً جديككدًا‪,‬‬
‫ول أعاره أحمسي ثوبا ً طاف عريانًا‪ ,‬وربما كككانت امككرأة فتطككوف‬
‫عريانة فتجعل علككى فرجهككا شككيئا ً ليسككتره بعككض السككتر فتقككول‪:‬‬
‫وأكثر ما كان النساء يطفككن عككراة بالليككل‪ ,‬وكككان هككذا شككيئا ً قككد‬
‫ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم‪ ,‬ويعتقدون أن فعككل‬
‫آبائهم مستند إلى أمر من الله وشككرع‪ ,‬فككأنكر اللككه تعككالى عليهككم‬
‫ذلك‪ ,‬فقال }وإذا فعلككوا فاحشككة قككالوا وجككدنا عليهككا آباءنككا واللككه‬
‫أمرنا بها{ فقال تعالى ردا ً عليهم }قل{ أي يا محمد لمككن ادعككى‬
‫ذلك }إن الله ل يأمر بالفحشاء{ أي هذا الككذي تصككنعونه فاحشككة‬
‫منكرة‪ ,‬والله ل يأمر بمثل ذلك }أتقولون على الله مال تعلمككون{‬
‫أي أتسندون إلى اللككه مككن القككوال مككال تعلمككون صككحته‪ ,‬وقككوله‬
‫تعالى‪} :‬قل أمر ربي بالقسط{ أي بالعدل والسككتقامة }وأقيمككوا‬
‫وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين لككه الككدين{ أي أمركككم‬
‫بالسككتقامة فككي عبككادته فككي محالهككا وهككي متابعككة المرسككلين‬
‫المؤيدين بالمعجزات‪ ,‬فيما أخبروا به عن الله ومككا جككاؤوا بككه مككن‬
‫الشرائع وبالخلص له في عبادته‪ ,‬فإنه تعالى ل يتقبل العمل حتى‬
‫يجمع هذين الركنين‪ ,‬أن يكون صوابا ً موافقا ً للشككريعة وأن يكككون‬
‫خالصكككككككككككككككككككككا ً مكككككككككككككككككككككن الشكككككككككككككككككككككرك‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬كما بدأكم تعودون{ إلى قوله }الضللة{ اختلف‬
‫في معنى قوله }كما بدأكم تعودون{ فقال ابككن أبككي نجيككح‪ :‬عككن‬
‫مجاهد }كما بدأكم تعودون{ يحييكم بعككد مككوتكم‪ ,‬وقككال الحسككن‬
‫البصري‪ :‬كما بدأكم في الدنيا كذلك تعككودون يككوم القيامككة أحيككاء‪,‬‬
‫‪741‬‬
‫وقال قتادة }كما بدأكم تعودون{ قال‪ :‬بككدأ فخلقهككم ولككم يكونككوا‬
‫شيئا ً ثم ذهبوا ثم يعيدهم‪ ,‬وقال عبد الرحمن بككن زيككد بككن أسككلم‪:‬‬
‫كما بدأكم أول ً كذلك يعيدكم آخرًا‪ ,‬واختار هذا القول أبو جعفر بن‬
‫جريككر‪ ,‬وأيككده بمككا رواه مككن حككديث سككفيان الثككوري وشككعبة بككن‬
‫الحجاج كلهما عن المغيرة بن النعمان عن سككعيد بككن جككبير عككن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬قككام فينككا رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫بموعظة فقال »يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عككراة‬
‫غرل ً كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا ً علينككا إنككا كنككا فككاعلين« وهككذا‬
‫الحديث مخرج فككي الصككحيحين مككن حككديث شككعبة‪ ,‬وفككي صككحيح‬
‫البخاري أيضا ً من حديث الثوري به‪ ,‬وقال ورقاء بن إياس أبو يزيد‬
‫عن مجاهككد }كمككا بككدأكم تعككودون{ قككال يبعككث المسككلم مسككلما ً‬
‫والكافر كافرا ً وقال أبو العاليككة }كمككا بككدأكم تعككودون{ رّدوا إلككى‬
‫علمه فيهم وقال سعيد بككن جككبير كمككا بككدأكم تعككودون كمككا كتككب‬
‫عليكم تكونون‪ ,‬وفي رواية كما كنتم عليككه تكونككون‪ ,‬وقككال محمككد‬
‫بن كعب القرظي‪ :‬في قكوله تعكالى‪} :‬كمكا بكدأكم تعكودون{ مكن‬
‫ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إلى ما ابتدىء عليه خلقككه وإن‬
‫عمل بأعمال أهل السعادة‪ ,‬ومن ابتدأ خلقككه علككى السككعادة صككار‬
‫إلى ما ابتدىء خلقه عليه وإن عمل بأعمال أهل الشككقاء‪ ,‬كمككا أن‬
‫السحرة عملوا بأعمال أهككل الشككقاء ثككم صككاروا إلككى مككا ابتككدؤوا‬
‫عليه‪ ,‬وقال السدي }كما بدأكم{ تعودون فريقا ً هدى وفريقا ً حككق‬
‫عليهم الضللة{ يقول }كما بدأكم تعودون{ كمككا خلقنككاكم فريككق‬
‫مهتككدون وفريككق ضككلل‪ ,‬كككذلك تعككودون وتخرجككون مككن بطككون‬
‫أمهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاتكم‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحككة عككن ابككن عبككاس‪ :‬قككوله }كمككا بككدأكم‬
‫تعودون فريقا ً هدى وفريق كا ً حككق عليهككم الضككللة{ قككال‪ :‬إن اللككه‬
‫تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمنا ً وكافرًا‪ ,‬كما قال }هو الذي خلقكككم‬
‫فمنكم كافر ومنكم مؤمن{ ثم يعيككدهم يككوم القيامككة كمككا بككدأهم‬
‫مؤمنا ً وكافرًا‪ :‬قلت‪ :‬ويتأيد هككذا القككول بحككديث ابككن مسككعود فككي‬
‫صحيح البخاري »فوالذي ل إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهككل‬
‫الجنككة حككتى مككا يكككون بينككه وبينهككا إل بككاع أو ذراع‪ ,‬فيسككبق عليككه‬
‫الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها‪ ,‬وإن أحدكم ليعمككل بعمككل‬
‫أهل النار حتى ما يكون بينككه وبينهككا إل بككاع أو ذراع فيسككبق عليككه‬
‫‪742‬‬
‫الكتاب‪ ,‬فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة«‪ .‬وقال أبو القاسم‬
‫البغوي‪ :‬حدثنا علي بن الجعد‪ ,‬حدثنا أبو غسان عن أبي حازم عككن‬
‫سهل بن سعد قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم »إن‬
‫العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النككار‪,‬‬
‫وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وإنه مككن أهككل الجنككة‬
‫وإنما العمككال بككالخواتيم« هككذا قطعككة مككن حككديث البخككاري مككن‬
‫حديث أبي غسان محمد بن مطرف المدني في قصة قزمان يكوم‬
‫أحد‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثني ابن بشار حدثنا عبد الرحمككن‪ ,‬حككدثنا‬
‫سفيان عن العمش عن أبي سفيان عن جككابر‪ ,‬عككن النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم أنه قال »تبعث كل نفس علككى مككا كككانت عليككه«‬
‫وهذا الحديث رواه مسلم وابن ماجه من غير وجه‪ ,‬عككن العمككش‬
‫به‪ ,‬ولفظه »يبعث كل عبد على ما مات عليه« وعككن ابككن عبككاس‬
‫مثله‪ ,‬قلت‪ :‬ويتأيد بحديث ابن مسككعود‪ ,‬قلككت‪ :‬ول بككد مككن الجمككع‬
‫بين هذا القول إن كان هو المككراد مككن ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وبيككن قككوله تعككالى‪:‬‬
‫}فأقم وجهك للدين حنيفا ً فطرت الله التي فطككر النككاس عليهككا{‬
‫وما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬كل مولود يولككد علككى الفطككرة‪,‬‬
‫فككككككككككأبواه يهككككككككككودانه وينصككككككككككرانه ويمجسككككككككككانه«‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى »إني خلقت عبادي حنفاء‪,‬‬
‫فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم« الحديث‪ ,‬ووجككه الجمككع‬
‫على هذا‪ ,‬أنه تعالى خلقهم ليكون منهككم مككؤمن وككافر فككي ثككاني‬
‫الحال‪ ,‬وإن كككان قككد فطككر الخلككق كلهككم علككى معرفتككه وتوحيككده‬
‫والعلم بأنه ل إله غيره‪ ,‬كما أخذ عليهم الميثاق بككذلك وجعلككه فككي‬
‫غرائزهم وفطرهم ومع هذا قدر أن منهم شقيا ً ومنهم سعيدا ً }هو‬
‫الذي خلقكم فمنكككم كككافر ومنكككم مككؤمن{ وفككي الحككديث »كككل‬
‫الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها« وقدر اللككه نافككذ فككي‬
‫بريته‪ ,‬فإنه هو }الككذي قككدر فهككدى{ و }الككذي أعطككى كككل شككيء‬
‫خلقه ثم هدى{ وفي الصحيحين »فأما مككن كككان منكككم مككن أهككل‬
‫السعادة فسييسر لعمل أهل السككعادة‪ ,‬وأمككا مككن كككان مككن أهككل‬
‫الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة« ولهذا قال تعالى‪} :‬فريقا ً‬
‫هدى وفريقا ً حق عليهم الضللة{ ثم علل ذلك فقال }إنهم اتخذوا‬
‫‪743‬‬
‫الشياطين أولياء من دون الله{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬قال ابككن جريككر‪ :‬وهككذا مككن‬
‫أبين الدللة على خطأ من زعم أن الله ل يعذب أحدا ً على معصية‬
‫ركبها أو ضللة اعتقدها‪ ,‬إل أن يأتيها بعد علم منه بصككواب وجههككا‬
‫فيركبها عنادا ً منه لربه فيها‪ ,‬لنه لو كان كذلك لم يكن بين فريككق‬
‫الضللة الذي ضل وهو يحسب أنه مهتد‪ ,‬وفريق الهدى فرق‪ ,‬وقد‬
‫فككرق اللككه تعككالى بيككن أسككمائهما وأحكامهمككا فككي هككذه ا َ‬
‫شكَرُبوا ْ وَل َ‬
‫جدٍ وك ُل ُككوا ْ َوا ْ‬ ‫سك ِ‬
‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫عنكد َ ك ُك ّ‬ ‫م ِ‬‫ذوا ْ ِزين َت َك ُك ْ‬
‫خك ُ‬
‫م ُ‬‫ي آد َ َ‬
‫** َياب َن ِ َ‬
‫ن‬
‫سككككككككككككرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫حكككككككككككك ّ‬ ‫سككككككككككككرِفُوَا ْ إ ِّنكككككككككككك ُ‬
‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫لية الكريمة رد على المشركين فيما كانوا يعتمككدونه‪ ,‬مككن‬ ‫هذه ا َ‬
‫الطككواف بككالبيت عككراة كمككا رواه مسككلم والنسككائي وابككن جريككر‪,‬‬
‫واللفظ له مككن حككديث شككعبة عككن سككلمة بككن كهيككل عككن مسككلم‬
‫البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عبككاس‪ :‬قككال‪ :‬كككانوا يطوفككون‬
‫بكالبيت عكراة الرجكال والنسكاء‪ ,‬الرجكال بالنهكار والنسكاء بالليكل‪,‬‬
‫وككككككككككككككككككككككانت المكككككككككككككككككككككرأة تقكككككككككككككككككككككول‪:‬‬
‫فقال الله تعالى }خذوا زينتكم عند كل مسجد{ وقكال العكوفي‪:‬‬
‫عن ابن عباس في قوله }خذوا زينتكككم عنككد كككل مسككجد{ ا َ‬
‫قككال‪ :‬كككان رجككال يطوفككون بككالبيت عككراة فككأمرهم اللككه بالزينككة‪,‬‬
‫والزينة اللباس وهو ما يواري السوأة وما سوى ذلك من جيد الككبز‬
‫والمتاع‪ ,‬فأمروا أن يأخذوا زينتهككم عنككد كككل مسككجد‪ ,‬وهكككذا قككال‬
‫مجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وقتككادة والسككدي‬
‫والضحاك ومالك‪ ,‬عن الزهري وغير واحد مككن أئمككة السككلف فككي‬
‫تفسيرها أنها نزلت في طواف المشركين بالبيت عراة‪ ,‬وقد روى‬
‫الحافظ بن مردويه من حديث سككعيد بككن بشككير والوزاعككي‪ ,‬عككن‬
‫قتادة‪ ,‬عن أنس مرفوعًا‪ ,‬أنها نزلت في الصلة في النعال‪ ,‬ولكككن‬
‫لية وما ورد فككي معناهككا مككن‬ ‫في صحته نظر‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬ولهذه ا َ‬
‫السنة يستحب التجمل عند الصلة‪ ,‬ول سككيما يككوم الجمعككة ويككوم‬
‫العيد‪ ,‬والطيككب لنككه مككن الزينككة والسككواك لنككه مككن تمككام ذلككك‪.‬‬
‫ومن أفضل اللباس البياض كما قال المام أحمد‪ :‬حدثنا علي بن‬
‫عاصم‪ ,‬حدثنا عبد الله بن عثمان بن خككثيم‪ ,‬عككن سككعيد بككن جككبير‬
‫‪744‬‬
‫وصححه عن ابن عباس مرفوعًا‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم »البسوا مككن ثيككابكم البيككاض فإنهككا مككن خيككر ثيككابكم‪,‬‬
‫وكفنوا فيها موتككاكم وإن خيككر أكحككالكم الثمككد فككإنه يجلككو البصككر‬
‫وينبت الشعر« هذا حديث جيد السناد‪ ,‬رجاله على شككرط مسككلم‬
‫ورواه أبكو داود والترمكذي وابكن مكاجه مككن حكديث عبكد اللكه بكن‬
‫عثمان بن خثيم به‪ ,‬وقال الترمذي‪ :‬حسن صككحيح‪ ,‬وللمككام أحمككد‬
‫أيضا ً وأهل السنن بإسناد جيد عككن سككمرة بككن جنككدب قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »عليكم بثياب البياض فالبسوها‬
‫فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيهككا موتككاكم« وروى الطككبراني بسككند‬
‫صحيح عن قتادة عن محمد بن سيرين‪ :‬أن تميما ً الككداري اشككترى‬
‫رداء بألف وكان يصلي فيه‪ ,‬وقوله تعالى }وكلوا واشربوا{ ا َ‬
‫قال بعض السلف جمع اللككه الطككب كلككه فككي نصككف آيككة }وكلككوا‬
‫واشربوا ول تسرفوا{ وقال البخاري قال ابن عباس‪ :‬كل ما شئت‬
‫والبس ما شئت ما أخطأتك خصككلتان سككرف ومخيلكة‪ ,‬وقككال ابككن‬
‫جرير‪ :‬حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬حدثنا محمد بن ثور عن معمككر‬
‫عن ابن طاوس عن أبيه عككن ابككن عبككاس قككال‪ :‬أحككل اللككه الكككل‬
‫والشرب مالم يكن سرفا ً أو مخيلة‪ ,‬إسناده صككحيح‪ ,‬وقككال المككام‬
‫أحمد‪ :‬حدثنا بهز‪ ,‬حدثنا همام عن قتادة عن عمرو بن شعيب عككن‬
‫أبيه عن جده‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسككلم قككال‪» :‬كلككوا‬
‫واشربوا والبسوا وتصدقوا من غيككر مخيلككة ول سككرف‪ ,‬فككإن اللككه‬
‫يحب أن يرى نعمته على عبده« ورواه النسككائي وابككن مككاجه مككن‬
‫حديث قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيككه عككن جككده عككن النككبي‬
‫صلى اللككه عليككه وسككلم قككال »كلككوا وتصككدقوا والبسككوا فككي غيككر‬
‫إسراف ول مخيلة« وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبككو المغيككرة‪ ,‬حككدثنا‬
‫سليمان بن سليم الكلبي‪ ,‬حدثنا يحيى بككن جككابر الطككائي سككمعت‬
‫المقدام بن معديكرب الكندي‪ ,‬قككال‪ :‬سككمعت رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم يقول »ما مل ابن آدم وعاء شرا ً من بطنه حسب‬
‫ابن آدم أكلت يقمن صلبه فإن كان فاعل ً ل محالة‪ ,‬فثلث لطعامه‬
‫وثلث لشرابه وثلث لنفسه« ورواه النسائي والترمذي مككن طككرق‬
‫عن يحيى بن جابر به‪ ,‬وقال الترمذي‪ :‬حسكن وفكي نسكخة حسكن‬
‫صكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككحيح‪.‬‬
‫‪745‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسككنده‪ :‬حككدثنا سككويد بككن‬
‫عبد العزيز‪ ,‬حدثنا بقيككة عككن يوسككف بككن أبككي كككثير عككن نككوح بككن‬
‫ذكوان عن الحسن عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم »إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت« ورواه‬
‫الدارقطني في الفراد‪ ,‬وقال‪ :‬هذا حككديث غريككب تفككرد بككه بقيككة‪,‬‬
‫وقال السدي‪ :‬كان الذين يطوفون بككالبيت عككراة يحرمككون عليهككم‬
‫الككودك مككا أقككاموا فككي الموسككم‪ ,‬فقككال اللككه تعككالى لهككم‪} :‬كلككوا‬
‫ليككة‪ ,‬يقككول ل تسككرفوا فككي التحريككم‪ ,‬وقككال مجاهككد‪:‬‬ ‫واشككربوا{ ا َ‬
‫أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله‪ ,‬وقال عبد الرحمن بككن‬
‫زيككد بككن أسككلم }ول تسككرفوا{ يقككول‪ :‬ول تككأكلوا حرامككا ً ذلككك‬
‫السراف‪ ,‬وقال عطاء الخراساني‪ :‬عن ابن عبككاس قككوله }وكلككوا‬
‫واشككربوا ول تسككرفوا إنككه ل يحككب المسككرفين{ فككي الطعككام‬
‫والشراب‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬وقوله }إنه ل يحب المسرفين{ يقول‬
‫الله تعككالى‪ :‬إن اللككه ل يحككب المتعككدين حككده فككي حلل أو حككرام‬
‫الغالين فيما أحل بإحلل الحرام أو بتحريم الحلل‪ ,‬ولكنه يحب أن‬
‫يحلككل مككا أحككل ويحككرم مككا حككرم وذلككك العككدل الككذي أمككر بككه‪.‬‬
‫ق‬
‫ن الككّرْز ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ج ل ِعَِبادِهِ َوال ْط ّي َّبا ِ‬
‫خَر َ‬ ‫ي أَ ْ‬‫ة الل ّهِ ال ّت ِ َ‬
‫م ِزين َ َ‬ ‫حّر َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬‫** قُ ْ‬
‫ك‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫م كة ِ َ‬
‫ككذ َل ِ َ‬ ‫ة ي َكوْ َ‬‫صك ً‬
‫خال ِ َ‬
‫حَياةِ الكد ّن َْيا َ‬ ‫مُنوا ْ ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫هي ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن‬
‫مكككككككككككككو َ‬ ‫ت ل َِقكككككككككككككوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ل ال ََيكككككككككككككا ِ‬ ‫صككككككككككككك ُ‬ ‫ن َُف ّ‬
‫يقول تعالى ردا ً على من حرم شيئا ً من المآكل أو المشارب أو‬
‫الملبس من تلقاء نفسه من غير شرع من الله }قككل{ يككا محمككد‬
‫لهؤلء المشركين‪ ,‬الذين يحرمون مككا يحرمككون بككآرائهم الفاسككدة‬
‫ليككة‪ ,‬أي هككي‬ ‫وابتداعهم }من حرم زينة الله التي أخرج لعبككاده{ ا َ‬
‫مخلوقة لمن آمن بالله وعبده في الحياة الدنيا‪ ,‬وإن شركهم فيهككا‬
‫الكفار حبا ً في الدنيا فهي لهكم خاصكة يكوم القيامكة‪ ,‬ول يشكركهم‬
‫فيها أحد من الكفار‪ ,‬فإن الجنة محرمة علككى الكككافرين‪ ,‬قككال أبككو‬
‫القاسم الطبراني‪ :‬حدثنا أبو حصين محمد بككن الحسككين القاضككي‪,‬‬
‫حدثنا يحيى الحماني‪ ,‬حككدثنا يعقككوب القمككي عككن جعفككر بككن أبككي‬
‫المغيرة عن سعيد بن جبير عككن ابككن عبككاس قككال‪ :‬كككانت قريككش‬
‫‪746‬‬
‫يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون‪ ,‬فأنزل اللككه }قككل‬
‫مككن حككرم زينككة اللككه الككتي أخككرج لعبككاده{ فككأمروا بالثيككاب‪.‬‬
‫ن َوال ِث ْك َ‬
‫م‬ ‫مككا ب َط َك َ‬ ‫من ْهَككا وَ َ‬‫مككا ظ َهَكَر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫ي ال َْف َ‬
‫وا ِ‬ ‫م َرب ّ َ‬
‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫** قُ ْ‬
‫طانا ً وََأن‬ ‫س كل ْ َ‬
‫ل ب ِكهِ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُن َكّز ْ‬ ‫كوا ْ ِبالل ّهِ َ‬
‫شرِ ُ‬ ‫حقّ وََأن ت ُ ْ‬ ‫ي ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫َوال ْب َغْ َ‬
‫ن‬
‫مككككككككككو َ‬ ‫مككككككككككا ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫ت َُقوُلككككككككككوا ْ عََلككككككككككى الّلككككككككككهِ َ‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬حدثنا العمش عككن شككقيق‬
‫عن عبد الله قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »ل أحككد‬
‫أغير من الله فلذلك حرم الفواحش ما ظهككر منهككا ومككا بطككن‪ ,‬ول‬
‫أحد أحب إليه المدح من الله« أخرجاه في الصحيحين من حككديث‬
‫سليمان بن مهران العمش‪ ,‬عن شقيق عككن أبككي وائل عككن عبككد‬
‫الله بن مسعود‪ ,‬وتقدم الكلم على ما يتعلق بالفواحش مككا ظهككر‬
‫منها وما بطككن فككي سككورة النعككام وقككوله }والثككم والبغككي بغيككر‬
‫الحق{ قال السدي‪ :‬أما الثككم فالمعصككية والبغككي أن تبغككي علككى‬
‫الناس بغير الحق‪ ,‬وقال مجاهككد‪ ,‬الثككم المعاصككي كلهككا وأخككبر أن‬
‫الباغي بغيه على نفسه‪ ,‬وحاصل مككا فسككر بككه الثككم أنككه الخطايككا‬
‫المتعلقة بالفاعل نفسه‪ ,‬والبغي هو التعدي إلى الناس فحرم الله‬
‫هككذا وهككذا‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬وأن تشككركوا بككالله مككا لككم ينككزل بككه‬
‫سلطانًا{ أي تجعلوا له شركاء في عبادته }وأن تقولوا علككى اللككه‬
‫ما ل تعلمون{ من الفتراء والكذب من دعككوى أن لككه ولككدا ً ونحككو‬
‫ذلك مما ل علم لكم به‪ ,‬كقوله }فككاجتنبوا الرجككس مككن الوثككان{‬
‫ليككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬ ‫ا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ككك ّ ُ‬

‫ة وَل َ‬ ‫سككاعَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫سككت َأ ِ‬ ‫م ل َيَ ْ‬ ‫جل ُُهكك ْ‬
‫جككآَء أ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل َفككإ ِ َ‬ ‫جكك ٌ‬‫مككةٍ أ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫** وَل ِ ُ‬
‫ْ‬
‫م‬‫ن عَل َي ْك ُك ْ‬‫صككو َ‬ ‫م ي َُق ّ‬ ‫منك ُك ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫سك ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ما ي َأت ِي َن ّك ُ ْ‬‫م إِ ّ‬ ‫ي آد َ َ‬‫ن * َياب َن ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ست َْقدِ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫حَزُنككو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َ ُ‬
‫هكك ْ‬ ‫ف عَل َي ِْهكك ْ‬ ‫خ كو ْ ٌ‬ ‫ح فَل َ َ‬ ‫ص كل َ َ‬ ‫ى وَأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ات َّق ك‬‫ِ‬ ‫آَيككاِتي فَ َ‬
‫مكك‬
‫م ِفيهَككا‬ ‫وال ّذين ك َذ ّبوا ْ بآيات ِنا واستك ْبروا ْ عَنهآ أ ُوَلـئ ِ َ َ‬
‫ب الّنارِ هُ ك ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ َ ْ َ َُ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ن‬‫دو َ‬ ‫خا ل ِكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ُ‬ ‫َ‬
‫يقككول تعككالى‪} :‬ولكككل أمككة{ أي قككرن وجيككل }أجككل فككإذا جككاء‬
‫أجلهككم{ أي ميقككاتهم المقككدر لهككم }ل يسككتأخرون سككاعة ول‬
‫يستقدمون{ ثككم أنككذر تعككالى بنككي آدم أنككه سككيبعث إليهككم رس كل ً‬
‫‪747‬‬
‫يقصون عليهم آياته وبشر وحذر‪ ,‬فقال }فمككن اتقككى وأصككلح{ أي‬
‫ترك المحرمات وفعل الطاعات }فل خوف عليهم ول هم يحزنون‬
‫والككذين كككذبوا بآياتنككا واسككتكبروا عنهككا{ أي كككذبت بهككا قلككوبهم‬
‫واستكبروا عن العمل بها }أولئك أصحاب النار هم فيها خالككدون{‬
‫أي مكككككككككككككاكثون فيهكككككككككككككا مكثكككككككككككككا ً مخلكككككككككككككدًا‪.‬‬
‫ك‬ ‫ب ِبآي َككات ِهِ أ ُوَْلـ كئ ِ َ‬ ‫َ‬

‫ذبا ً أوْ ك َكذ ّ َ‬‫ن افْت ََرىَ عََلى الل ّهِ ك َك ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬
‫** فَم َ‬
‫َ ْ‬
‫م قَككال ُوَا ْ‬ ‫ُ‬
‫سلَنا ي َت َوَفّ كوْن َهُ ْ‬‫م ُر ُ‬ ‫جآَءت ْهُ ْ‬
‫ذا َ‬ ‫ى إِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ي ََنال ُهُ ْ‬
‫حت ّ َ‬
‫ب َ‬ ‫ن الك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صيب ُُهم ّ‬ ‫م نَ ِ‬
‫َ‬
‫ش كه ُ ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ قَككاُلوا ْ َ ّ ْ‬ ‫ما ُ‬
‫ى‬
‫دوا عَل ك َ‬ ‫ض كلوا عَن ّككا وَ َ ِ‬ ‫دو ِ‬‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫م ت َد ْ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬
‫أ َنُفسكككككككككككككه َ‬
‫ن َ‬ ‫أي ْ َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ككككككككككككككافِ ِ‬ ‫ككككككككككككككاُنوا ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م أن ُّهككككككككككككك ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ‬
‫يقول }فمن أظلم ممن افترى على اللككه كككذبا ً أو كككذب بآيككاته{‬
‫أي ل أحد أظلم‪ ,‬ممككن افككترى الكككذب علككى اللككه أو كككذب بآيككاته‬
‫المنزلة }أولئك ينالهم نصيبهم مككن الكتككاب{ اختلككف المفسككرون‬
‫في معناه‪ ,‬فقال العوفي عن ابن عباس‪ :‬ينككالهم مككا كتككب عليهككم‬
‫وكتب لمن كذب على الله أن وجهه مسود‪ ,‬وقككال علككي بككن أبككي‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس يقول‪ :‬نصيبهم من العمال من عمل خيككرا ً‬
‫جزي به‪ ,‬ومن عمل شرا ً جزي به‪ ,‬وقال مجاهد‪ :‬ما وعدوا به مككن‬
‫خير وشر‪ ,‬وكذا قال قتككادة والضككحاك وغيككر واحككد‪ .‬واختككاره ابككن‬
‫جريكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككر‪.‬‬
‫وقككال محمككد بككن كعككب القرظككي }أولئك ينككالهم نصككيبهم مككن‬
‫الكتاب{ قال‪ :‬عمله ورزقه وعمككره‪ ,‬وكككذا قككال الربيككع بككن أنككس‬
‫وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ ,‬وهككذا القككول قككوي فككي المعنككى‪,‬‬
‫والسياق يدل عليه وهو قوله }حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفككونهم{‬
‫لية كقوله }إن الذين يفترون علككى اللككه‬ ‫ونظير المعنى في هذه ا َ‬
‫الكذب ل يفلحون متاع فككي الككدنيا ثككم إلينككا مرجعهككم ثككم نككذيقهم‬
‫العذاب الشديد بما كانوا يكفرون{ وقوله }ومن كفككر فل يحزنككك‬
‫كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصككدور‬
‫لية‪ ,‬وقوله }حككتى إذا جككاءتهم رسككلنا يتوفككونهم{‬ ‫ل{ ا َ‬ ‫نمتعهم قلي ً‬
‫لية‪ ,‬يخبر تعالى أن الملئكة إذا توفت المشككركين تفزعهككم عنككد‬ ‫ا َ‬
‫الموت وقبض أرواحهم إلى النككار يقولككون لهككم‪ :‬أيككن الككذين كنتككم‬
‫تشركون بهم في الحياة الدنيا وتدعونهم وتعبدونهم من دون الله‪,‬‬
‫‪748‬‬
‫ادعوهم يخلصوكم مما أنتم فيه قالوا }ضلوا عنككا{ أي ذهبككوا عنككا‬
‫فل نرجو نفعهم ول خيرهككم }وشككهدوا علككى أنفسككهم{ أي أقككروا‬
‫واعكككككترفوا علكككككى أنفسكككككهم }أنهكككككم ككككككانوا ككككككافرين{‪.‬‬
‫ُ‬
‫س فِككي‬ ‫ن َوال ِن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬‫من ال ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫يأ َ‬ ‫خُلوا ْ فِ َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫** َقا َ‬
‫ميع كا ً‬‫ج ِ‬‫داَرك ُككوا ْ ِفيهَككا َ‬ ‫ذا ا ّ‬ ‫ى إِ َ‬ ‫حت ّك َ‬ ‫خت َهَككا َ‬ ‫ت أُ ْ‬ ‫ة ل ّعَن َك ْ‬ ‫مك ٌ‬ ‫ُ‬
‫تأ ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫الّنارِ ك ُل ّ َ‬
‫َ‬ ‫ت أُ ْ‬
‫ن‬ ‫مك َ‬‫ض كْعفا ً ّ‬ ‫ذابا ً ِ‬ ‫م عَك َ‬ ‫ضّلوَنا فَككآت ِهِ ْ‬ ‫ؤلِء أ َ‬ ‫هـ ُ‬‫م َرب َّنا َ‬ ‫لول َهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫خَراهُ ْ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ُ‬
‫م‬‫خَراهُ ك ْ‬ ‫م لُ ْ‬ ‫ت أول َهُ ك ْ‬ ‫ن * وََقال َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫كن ل ّ ت َعْل َ ُ‬ ‫ف وََلـ ِ‬ ‫ضع ْ ٌ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل ل ِك ُ ّ‬ ‫الّنارِ َقا َ‬
‫ن‬
‫س كُبو َ‬ ‫م ت َك ْ ِ‬ ‫مككا ُ‬
‫كنت ُك ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ذوُقوا ْ ال ْعَ َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ض ٍ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫م عَل َي َْنا ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فَ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عما يقوله لهكؤلء المشكركين بكه‪ ,‬المفكترين‬
‫عليه المكذبين بآياته }ادخلوا فككي أمككم{ أي مككن أمثككالكم وعلككى‬
‫صفاتكم }قد خلت من قبلكككم{ أي مككن المككم السككالفة الكككافرة‬
‫}من الجن والنس في النار{ يحتمل أن يكون بدل ً من قككوله فككي‬
‫أمم ويحتمل أن يكون في أمم أي مع أمم‪ ,‬وقككوله }كلمككا دخلككت‬
‫أمة لعنت أختها{ كما قال الخليل عليه السلم }ثككم يككوم القيامككة‬
‫لية‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬إذ تككبرأ الككذين اتبعككوا‬ ‫يكفر بعضكم ببعض{ ا َ‬
‫من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم السباب وقال الككذين‬
‫اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهككم اللككه‬
‫أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار{ وقوله }حتى‬
‫إذا اداركوا فيها جميعًا{ أي اجتمعككوا فيهككا كلهككم }قككالت أخراهككم‬
‫ل‪ ,‬وهم التباع لولهم وهككم المتبوعككون‪,‬‬ ‫لولهم{ أي أخراهم دخو ً‬
‫لنهم أشد جرما ً من أتباعهم فدخلوا قبلهم فيشكوهم التبككاع إلككى‬
‫الله يككوم القيامككة لنهككم هككم الككذين أضككلوهم عككن سككواء السككبيل‬
‫فيقولون }ربنا هككؤلء أضككلونا فككآتهم عككذابا ً ضككعفا ً مككن النككار{ أي‬
‫أضعف عليهم العقوبة كما قال تعالى‪} :‬يوم تقلككب وجككوههم فككي‬
‫النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسككول * وقككالوا ربنككا إنككا‬
‫أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضككلونا السككبيل * ربنككا آتهككم ضككعفين مككن‬
‫ليككة‪ ,‬وقككوله }قككال لكككل ضككعف{ أي قككد فعلنككا ذلككك‬ ‫العككذاب{ ا َ‬
‫وجازينا كل ً بحسبه‪ ,‬كقوله }الذين كفروا وصككدوا عككن سككبيل اللككه‬
‫ليكككككككككككككككككككككة‪.‬‬ ‫زدنكككككككككككككككككككككاهم عكككككككككككككككككككككذابًا{ ا َ‬
‫‪749‬‬
‫وقوله }وليحملككن أثقككالهم وأثقككال ً مككع أثقككالهم{ وقككوله }ومككن‬
‫لية‪} ,‬وقالت أولهم لخراهككم{‬ ‫أوزار الذين يضلونهم بغير علم{ ا َ‬
‫أي قال المتبوعون للتباع }فما كان لكم علينككا مككن فضككل{ قككال‬
‫السككدي‪ :‬فقككد ضككللتم كمككا ضككللنا }فككذوقوا العككذاب بمككا كنتككم‬
‫تكسككبون{ وهككذه الحككال كمككا أخككبر اللككه تعككالى عنهككم فككي حككال‬
‫محشرهم في قوله تعالى‪} :‬ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عنككد‬
‫ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للككذين‬
‫استكبروا لول أنتككم لكنككا مككؤمنين * قككال الككذين اسككتكبروا للككذين‬
‫استضعفوا أنحككن صككددناكم عككن الهككدى بعككد إذ جككاءكم بككل كنتككم‬
‫مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكككر الليككل‬
‫والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ً وأسروا الندامككة‬
‫لما رأوا العذاب وجعلنا الغلل في أعناق الذين كفروا هل يجزون‬
‫إل ّ مككككككككككككككككككككا كككككككككككككككككككككانوا يعملككككككككككككككككككككون{‪.‬‬
‫ب‬ ‫** إن ال ّكذين ك َكذ ّبوا ْ بآيات ِنككا واس كتك ْبروا ْ عَنهككا ل َ تَفت كح ل َه ك َ‬
‫وا ُ‬ ‫م أب ْك َ‬ ‫ُ ّ ُ ُ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ِ َ َ َ ْ َ َُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ك‬‫ط وَك َذ َل ِ َ‬ ‫خَيا ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫س ّ‬
‫ل ِفي َ‬ ‫م ُ‬
‫ج َ‬ ‫ج ال ْ َ‬‫ى ي َل ِ َ‬
‫حت ّ َ‬
‫ة َ‬ ‫جن ّ َ‬‫ن ال ْ َ‬
‫خُلو َ‬ ‫مآِء وَل َ ي َد ْ ُ‬‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ش‬
‫وا ٍ‬ ‫غك َ‬ ‫م َ‬ ‫مكن َفكوْقِهِ ْ‬ ‫مَهكاد ٌ وَ ِ‬‫م ِ‬ ‫جهَّنك َ‬‫مكن َ‬ ‫م ّ‬‫ن * ل َُهك ْ‬ ‫ميك َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫زي ال ْ ُ‬‫جك ِ‬‫نَ ْ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫ظكككككككككككككككككككال ِ ِ‬ ‫زي ال ّ‬ ‫جككككككككككككككككككك ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ككككككككككككككككككككذ َل ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫قوله }ل تفتح لهم أبواب السماء{ قيل المراد ل يرفع لهم منها‬
‫عمل صالح ول دعاء‪ ,‬قاله مجاهد وسعيد بن جككبير ورواه العككوفي‬
‫وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ ,‬وكذا رواه الثككوري عككن ليككث‬
‫عن عطاء عن ابن عباس‪ ,‬وقيل المككراد ل تفتككح لرواحهككم أبككواب‬
‫السماء‪ ,‬رواه الضحاك عن ابن عباس‪ ,‬وقاله السدي وغيككر واحككد‪,‬‬
‫ويؤيده ما قاله ابن جريككر‪ :‬حككدثنا أبككو كريككب‪ ,‬حككدثنا أبككو بكككر بككن‬
‫عياش عن العمش عن المنهال هككو ابككن عمككرو‪ ,‬عككن زاذان عككن‬
‫الككبراء أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم ذكككر قبككض روح‬
‫االفاجر‪ ,‬وأنه يصعد بها إلى السماء فيصعدون بهككا‪ ,‬فل تمككر علككى‬
‫مل من الملئكة إل قالوا ما هذه الككروح الخبيثككة ؟ فيقولككون فلن‬
‫بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا‪ ,‬حكتى ينتهككوا بهكا إلككى‬
‫السماء فيستفتحون بابها له فل يفتح له ثم قرأ رسول اللكه صكلى‬
‫ليككة‪ ,‬هكككذا رواه‬ ‫الله عليه وسلم }ل تفتح لهككم أبككواب السككماء{ ا َ‬
‫‪750‬‬
‫وهو قطعة من حديث طويل رواه أبو داود والنسككائي وابككن مككاجه‬
‫مككككككن طككككككرق عككككككن المنهككككككال بككككككن عمككككككرو بككككككه‪.‬‬
‫وقد رواه المام أحمكد بطكوله فقكال‪ :‬حكدثنا أبكو معاويكة‪ ,‬حكدثنا‬
‫العمش عن المنهال بن عمرو‪ ,‬عن زاذان عن الككبراء بككن عككازب‬
‫قال‪ :‬خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل‬
‫من النصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد‪ ,‬فجلس رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير وفككي يككده‬
‫عود ينكت به في الرض‪ ,‬فرفع رأسه فقال »استعيذوا بككالله مككن‬
‫عذاب القبر ك مرتين أو ثلثة ثم قال كك إن العبككد المككؤمن إذا كككان‬
‫في انقطاع من الدنيا وإقبال إلككى ا َ‬
‫لخككرة‪ ,‬نككزل إليككه ملئكككة مككن‬
‫السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان‬
‫الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسكوا منكه مكد ّ البصككر‪ ,‬ثكم‬
‫يجيء ملك الموت حتى يجلس عنككد رأسككه فيقككول‪ :‬أيتهككا النفككس‬
‫الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ك قال ك فتخرج تسيل‬
‫كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يككدعوها‬
‫في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفككن وفككي‬
‫ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسككك وجككدت علككى وجككه‬
‫الرض فيصعدون بها فل يمرون بها على مل من الملئكة إل قالوا‬
‫ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون‪ :‬فلن بككن فلن بأحسككن أسككمائه‬
‫التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا‪,‬‬
‫فيستفتحون له فيفتح لككه فيشككيعه مككن كككل سككماء مقربوهككا إلككى‬
‫السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة‪ ,‬فيقول الله‬
‫عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلككى الرض فككإني‬
‫منهكككا خلقتهكككم وفيهكككا أعيكككدهم ومنهكككا أخرجهكككم تكككارة أخكككرى‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولن له من ربككك ؟‬
‫فيقول‪ :‬ربي الله‪ ,‬فيقولن له‪ :‬ما دينك ؟ فيقككول‪ :‬دينككي السككلم‪,‬‬
‫فيقولن له‪ :‬ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقككول‪ :‬هكو رسككول‬
‫اللهصلى الله عليه وسلم‪ ,‬فيقولن له‪ :‬وما عملك ؟ فيقول قككرأت‬
‫كتاب الله فآمنت به وصدقت‪ ,‬فينادي مناد من السككماء أن صككدق‬
‫عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا ً إلككى‬
‫الجنة فيأتيه من روحها وطيبها‪ ,‬ويفسح له في قبره مككد البصككر ك ك‬
‫قككال كك ويككأتيه رجككل حسككن الككوجه وحسككن الثيككاب طيككب الريككح‪,‬‬
‫‪751‬‬
‫فيقول‪ :‬أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول لككه‪:‬‬
‫من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير ؟ فيقول‪ :‬أنكا عملكك الصكالح‬
‫فيقول‪ :‬رب أقم الساعة رب أقم الساعة حككتى أرجككع إلككى أهلككي‬
‫ومالي ك قال‪ .‬وإن العبككد الكككافر إذا كككان فككي انقطككاع مككن الككدنيا‬
‫لخرة‪ ,‬نككزل إليككه مككن السككماء ملئكككة سككود الوجككوه‬ ‫وإقبال إلى ا َ‬
‫معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر‪ ,‬ثككم يجيككء ملككك المككوت‬
‫حتى يجلس عند رأسه فيقول‪ :‬أيها النفككس الخبيثككة اخرجككي إلككى‬
‫سخط من الله وغضب‪ ,‬قكال‪ :‬فتفكرق فكي جسكده فينتزعهكا كمككا‬
‫ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها‬
‫في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسككوح ويخككرج منهككا‬
‫كككأنتن ريككح جيفككة وجككدت علككى وجككه الرض‪ ,‬فيصككعدون بهككا فل‬
‫يمرون بها على مل من الملئكة إل قالوا مككا هككذه الككروح الخبيثككة‬
‫فيقولون‪ :‬فلن بن فلن بأقبح أسمائه الكتي ككان يسكمى بهكا فكي‬
‫الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فل يفتح له ك ك ثككم‬
‫قرأ رسول اللكه صكلى اللكه عليككه وسكلم كك }ل تفتكح لهكم أبككواب‬
‫السماء ول يككدخلون الجنككة حككتى يلككج الجمككل فككي سككم الخيككاط{‬
‫فيقول الله عز وجل‪ :‬اكتبوا كتابه في سجين في الرض السفلى‪,‬‬
‫فتطرح روحه طرحا ً ك ثم قرأ ك }ومن يشرك بالله فكأنما خّر مككن‬
‫السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق{ فتعاد‬
‫روحه في جسده ويأتيه ملكككان فيجلسككانه فيقككولن لككه مككن ربككك‬
‫فيقول هاه هاه ل أدري فيقككولن‪ :‬مككا دينككك ؟ فيقككول هككاه هككاه ل‬
‫أدري فيقولن‪ :‬ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول‪ :‬هككاه هككاه‬
‫ل أدري فينادي مناد مككن السكماء أن ككذب عبككدي فأفرشكوه مككن‬
‫النار وافتحوا له بابا ً إلى النار فيأتيه من حرهككا وسككمومها ويضككيق‬
‫عليه قبره حتى تختلف فيه أضلعه ويأتيه رجل قبيككح الككوجه قبيككح‬
‫الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالككذي يسككوؤك هككذا يومككك الككذي‬
‫كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشككر ؟ فيقككول‪:‬‬
‫أنكككككا عملكككككك الخكككككبيث فيقكككككول رب ل تقكككككم السكككككاعة«‪.‬‬
‫وقال المام أحمككد أيضكًا‪ :‬حككدثنا عبككد الككرزاق حككدثنا معمككر عككن‬
‫يونس بن خباب عن المنهال بن عمرو عككن زاذان عككن الككبراء بككن‬
‫عازب قال‪ :‬خرجنا مع رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم إلككى‬
‫جنازة فذكر نحوه وفيه حتى إذا خرج روحه صلى عليككه كككل ملككك‬
‫‪752‬‬
‫السماء والرض وكل ملك في السماء‪ ,‬وفتحت له أبواب السككماء‬
‫ليس من أهل باب إل وهم يدعون الله عز وجل أن يعككرج بروحككه‬
‫من قبلهم‪ ,‬وفي آخره ثم يقيككض لككه أعمككى أصككم أبكككم فككي يككده‬
‫مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا ً فيضربه ضربة فيصير تراب كا ً ثككم‬
‫يعيده الله عز وجل كما كان فيضربه ضربة أخككرى فيصككيح صككيحة‬
‫يسمعها كل شيء إل الثقلين‪ ,‬قال الككبراء‪ :‬ثكم يفتككح لكه بككاب مككن‬
‫النار ويمهد له فرش من النككار‪ ,‬وفككي الحككديث الككذي رواه المككام‬
‫أحمد والنسائي وابككن مككاجه وابككن جريككر واللفككظ لككه مككن حككديث‬
‫محمد بن عمرو بن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن يسار عن أبي هريككرة أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »الميككت تحضككره الملئكككة‬
‫فإذا كان الرجككل الصككالح قكالوا‪ :‬اخرجككي أيتهككا النفككس المطمئنككة‬
‫كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشككري بككروح وريحككان‬
‫ورب غيككر غضككبان‪ ,‬فيقولككون ذلككك حككتى يعككرج بهككا إلككى السككماء‬
‫فيستفتح لها فيقال من هذا ؟ فيقولون فلن فيقال مرحبا ً بالنفس‬
‫الطيبة التي كككانت فككي الجسككد الطيككب أدخلككي حميككدة وأبشككري‬
‫بروح وريحان ورب غير غضبان‪ ,‬فيقال لهككا ذلككك حككتى ينتهككى بهككا‬
‫إلى السماء التي فيها الله عز وجل‪ ,‬وإذا كان الرجل السوء قككالوا‬
‫اخرجي أيتها النفس الخبيثككة كككانت فككي الجسككد الخككبيث اخرجككي‬
‫ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر مككن شكككله أزواج‪ ,‬فيقولككون‬
‫ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء‪ ,‬فيستفتح لها فيقال مككن‬
‫هذا ؟ فيقولون فلن فيقولون ل مرحبا ً بالنفس الخبيثة التي كانت‬
‫في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فإنه لم يفتح لك أبواب السككماء‬
‫فترسكككككل بيكككككن السكككككماء والرض فتصكككككير إلكككككى القكككككبر«‪.‬‬
‫وقد قال ابن جريج في قككوله }ل تفتككح لهككم أبككواب السككماء{ ل‬
‫تفتح لعمالهم ول لرواحهم وهككذا فيككه جمككع بيككن القككولين‪ ,‬واللككه‬
‫أعلم‪ ,‬وقوله تعالى }ول يدخلون الجنة حتى يلج الجمككل فككي سككم‬
‫الخيككاط{ هكككذا قككرأه الجمهككور وفسككروه بككأنه البعيككر قككال ابككن‬
‫مسككعود‪ :‬هككو الجمككل ابككن الناقككة‪ ,‬وفككي روايككة زوج الناقككة وقككال‬
‫الحسن البصري‪ :‬حتى يدخل البعير في خرم البرة وكذا قككال أبككو‬
‫العالية والضحاك وكذا روى علي بن أبي طلحة العككوفي عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬وقال مجاهد وعكرمة عن ابن عباس‪ :‬إنه كان يقرؤها يلككج‬
‫الجمل في سم الخياط بضم الجيككم وتشككديد الميككم يعنككي الحبككل‬
‫‪753‬‬
‫الغليظ في خرم البرة‪ ,‬وهذا اختيار سعيد بككن جككبير‪ ,‬وفككي روايككة‬
‫أنه قرأ حتى يلج الجمل يعني قلوس السفن وهي الحبككال الغلظ‪,‬‬
‫وقوله }لهم من جهنم مهاد{ قال محمد بن كعب القرظكي }لهكم‬
‫من جهنم مهاد{ قال الفرش }ومن فوقهم غواش{ قككال اللحككف‬
‫وككككذا قكككال الضكككحاك بكككن مزاحكككم والسكككدي }وككككذلك نجكككزي‬
‫الظكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككالمين{‪.‬‬
‫س كعََها‬‫ف ن َْفس كا ً إ ِل ّ وُ ْ‬ ‫ت ل َ ن ُك َل ّك ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صككال ِ َ‬ ‫مل ُككوا ْ ال ّ‬ ‫من ُككوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َوال ّك ِ‬
‫أ ُوَلـئ ِ َ َ‬
‫هم‬ ‫دورِ ِ‬ ‫صكك ُ‬ ‫ما ِفي ُ‬ ‫ن * وَن ََزعَْنا َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫جن ّةِ هُ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ‬
‫داَنا ل َِهـ َ‬
‫ذا‬ ‫ذي هَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مد ُ للهِ ال ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م الن َْهاُر وَقالوا ال َ‬ ‫حت ِهِ ُ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل تَ ْ‬‫ن ِغ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ق‬ ‫ْ‬ ‫سك ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ح ّ‬ ‫ل َرب ّن َككا ب ِككال َ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جككآَء ْ‬ ‫ه لَقكد ْ َ‬ ‫داَنا اللك ُ‬ ‫ن هَ ك َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ما كّنا ل ِن َهْت َدِيَ ل ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مل ُككككو َ‬
‫ن‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫مككككا ُ‬
‫كنت ُكككك ْ‬ ‫موهَككككا ب ِ َ‬ ‫ة أورِث ْت ُ ُ‬ ‫جن ّكككك ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫وَن ُككككود ُوَا ْ أن ت ِل ْك ُكككك ُ‬
‫لما ذكر تعالى حال الشقياء عطف بككذكر حككال السككعداء فقككال‬
‫}والككذين آمنككوا وعملككوا الصككالحات{ أي آمنككت قلككوبهم وعملككوا‬
‫الصكككالحات بجكككوارحهم ضكككد أولئك الكككذين كفكككروا بآيكككات اللكككه‬
‫واستكبروا عنها‪ ,‬وينبه تعالى على أنككه اليمككان والعمككل بككه سككهل‬
‫لنه تعالى قال }ل نكلف نفسا ً إل وسعها أولئك أصحاب الجنة هم‬
‫فيها خالدون * ونزعنا ما في صككدورهم مككن غككل{ أي مككن حسككد‬
‫وبغض كما جاء في صككحيح البخككاري مككن حككديث قتككادة عككن أبككي‬
‫المتوكل الناجي عن أبي سككعيد الخككدري قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪»:‬إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا علككى‬
‫قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الككدنيا‬
‫حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخككول الجنككة فككو الككذي نفسككي‬
‫بيككده إن أحككدهم بمنزلككه فككي الجنككة أدل منككه بمسكككنه كككان فككي‬
‫الدنيا« وقال السدي في قوله }ونزعنا ما في صدورهم مككن غككل‬
‫لية‪ ,‬إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة‬ ‫تجري من تحتهم النهار{ ا َ‬
‫وجككدوا عنككد بابهككا شككجرة فككي أصككل سككاقها عينككان فشككربوا مككن‬
‫إحداهما فينزع ما في صككدورهم مككن غككل فهككو الشككراب الطهككور‬
‫واغتسلوا من الخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم‬
‫يشحبوا بعدها أبدًا‪ ,‬وقككد روى أبككو إسككحاق عككن عاصككم عككن أميككر‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب نحوا ً من هذا كما سككيأتي فككي قككوله‬
‫‪754‬‬
‫تعالى‪} :‬وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنككة زمككرًا{ إن شككاء اللككه‬
‫وبكككككككككككككككككككه الثقكككككككككككككككككككة وعليكككككككككككككككككككه التكلن‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬قال علي رضي الله عنككه إنككي لرجككو أن أكككون أنككا‬
‫وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهككم‪} :‬ونزعنككا‬
‫ما في صدورهم مكن غكل{ رواه ابكن جريكر‪ :‬وقكال عبكد الكرزاق‪:‬‬
‫أخبرنا ابن عيينة عن إسككرائيل قككال سككمعت الحسككن يقككول قككال‬
‫علي‪ :‬فينا والله أهل بدر نزلت }ونزعنا ما في صدورهم من غل{‬
‫وروى النسائي وابن مردويه واللفظ له مككن حككديث أبككي بكككر بككن‬
‫عياش عن العمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال‪ :‬قالرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم كل أهل الجنككة يككرى مقعككده مككن النككار‬
‫فيقول لول أن الله هداني فيكون له شكرا ً وكككل أهككل النككار يككرى‬
‫مقعده من الجنة فيقول لككو أن اللككه هككداني فيكككون لككه حسككرة«‬
‫ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نككودوا أن تلكككم الجنككة‬
‫أورثتموها بما كنتم تعملكون‪ ,‬أي بسكبب أعمكالكم نكالتكم الرحمكة‬
‫فككدخلتم الجنككة وتبككوأتم منككازلكم بحسككب أعمككالكم‪ .‬وإنمككا وجككب‬
‫الحمل على هذا لما ثبككت فككي الصككحيحين عنككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم أنه قال »واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله الجنككة« قككالوا‬
‫ول أنت يا رسول الله قال »ول أنا إل أن يتغمدني الله برحمة منه‬
‫وفضكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككل«‪.‬‬
‫َ‬ ‫** ونادى أ َصحاب ال ْجنة أ َ‬

‫عككد ََنا َرب َّنككا‬ ‫ما وَ َ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ب الّنارِ أن قَد ْ وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬‫ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫ََ َ َ ْ َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أن‬ ‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬‫مؤَذ ّ ٌ‬‫ن ُ‬‫م فَأذ ّ َ‬ ‫حّقا ً َقاُلوا ْ ن َعَ ْ‬
‫م َ‬ ‫ما وَعَد َ َرب ّك ُ ْ‬ ‫جدّتم ّ‬ ‫حّقا ً فَهَ ْ‬
‫ل وَ َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ وَي َب ُْغون َهَككا‬ ‫سِبي ِ‬‫عن َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن * ال ّ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ة الل ّهِ عََلى ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ل ّعْن َ ُ‬
‫ن‬‫ككككككككككككككافُِرو َ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫م ِبكككككككككككككال َ ِ‬ ‫هككككككككككككك ْ‬ ‫وجكككككككككككككا ً وَ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ِ‬
‫يخبر تعالى بما يخاطب به أهل النار على وجه التقريع والتوبيككخ‬
‫إذا استقروا في منازلهم }أن قد وجدنا مككا وعككدنا ربنككا حقكًا{ أن‬
‫ههنا مفسرة للقول المحذوف وقككد للتحقيككق أي قككالوا لهككم }قككد‬
‫وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ً قالوا نعم{‬
‫كما أخبر تعالى في سورة الصافات عن الذي كان لككه قريككن مككن‬
‫الكفار }فككاطلع فككرآه فككي سككواء الجحيككم * قككال تككالله إن كككدت‬
‫لككتردين * ولككول نعمككة ربككي لكنككت مككن المحضككرين * أفمككا نحككن‬
‫‪755‬‬
‫بميتين إل موتتنا الولى وما نحن بمعذبين{ أي‪ :‬ينكر عليه مقككالته‬
‫التي يقولها في الدنيا ويقرعه بمككا صككارإليه مككن العككذاب والنكككال‬
‫وكذلك تقرعهم الملئكة يقولون لهم‪} :‬هذه النككار الككتي كنتككم بهككا‬
‫تكذبون * أفسحر هذا أم أنتم ل تبصرون * اصلوها فاصككبروا أو ل‬
‫تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتككم تعملككون{ وكككذلك ق كّرع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلى القليب يوم بدر فنادى »يا‬
‫أبا جهل بن هشام ويا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ك ك وسككمى‬
‫رؤوسهم ك هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ً فإني وجككدت مككا وعككدني‬
‫ربي حقًا‪ ,‬وقال عمر‪ :‬يا رسككول اللككه تخككاطب قومكا ً قككد جيفككوا ؟‬
‫فقال »والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهككم ولكككن ل‬
‫يسكككككككككككككككككككككككككككككتطيعون أن يجيبكككككككككككككككككككككككككككككوا«‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬فأذن مؤذن بينهم{ أي أعلككم معلككم ونككادى منككاد‬
‫}أن لعنة الله على الظككالمين{ أي مسككتقرة عليهككم ثككم وصككفهم‬
‫بقوله }الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجكًا{ أي يصكدون‬
‫الناس عن اتباع سبيل الله وشرعه وما جاءت به النبيككاء ويبغككون‬
‫أن تكون السبيل معوجة غير مستقيمة حتى ل يتبعهككا أحككد }وهككم‬
‫لخرة كككافرون أي‬ ‫لخرة كافرون{ أي وهم بلقاء الله في الدار ا َ‬ ‫با َ‬
‫جاحدون مكذبون بذلك ل يصدقونه ول يؤمنون به فلهذا ل يبككالون‬
‫بما يأتون من منكر مككن القككول والعمكل لنهككم ل يخكافون حسكابا ً‬
‫عليكككككه ول عقابكككككا ً فهكككككم شكككككر النكككككاس أقكككككوال ً وأعمكككككا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫م‬‫ماهُ ْ‬ ‫سككي َ‬ ‫ن ك ُل ّ ب ِ ِ‬ ‫ل ي َعْرِفُككو َ‬ ‫جككا ٌ‬‫ف رِ َ‬ ‫ب وَعَل َككى العْكَرا ِ‬ ‫جككا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ِ‬ ‫** وَب َي ْن َهُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫مُعو َ‬ ‫م ي َط ْ َ‬ ‫ها وَهُ ْ‬ ‫خُلو َ‬ ‫م لَ ْ‬
‫م ي َد ْ ُ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬‫سل َ ٌ‬
‫جن ّةِ أن َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا َ‬ ‫وََناد َوْا ْ أ ْ‬
‫ص َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫مك َ‬ ‫جعَل ْن َككا َ‬‫ب الّنارِ قَككاُلوا ْ َرب ّن َككا ل َ ت َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫م ت ِل َْقآَء أ ْ‬
‫ص َ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫صرِفَ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ال َْقككككككككككككككككككككككككككككككككككوْم ِ الظ ّككككككككككككككككككككككككككككككككككال ِ ِ‬
‫لما ذكر تعالى مخاطبة أهككل الجنككة مككع أهككل النككار نبككه أن بيككن‬
‫الجنة والنار حجابا ً وهو الحاجز المانع من وصككول أهككل النككار إلككى‬
‫الجنة‪ ,‬قال ابن جريككر‪ :‬وهككو السككور الككذي قككال اللككه تعككالى فيككه‪:‬‬
‫}فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله‬
‫العككذاب{ وهككو العككراف‪ .‬الككذي قككال اللككه تعككالى فيككه‪} :‬وعلككى‬
‫العراف رجال{ ثم روى بإسناده عن السدي أنه قككال فككي قككوله‬
‫‪756‬‬
‫تعالى‪} :‬وبينهما حجاب{ وهو السور وهو العككراف وقككال مجاهككد‬
‫العراف حجاب بين الجنة والنار سور له بككاب ‪ ,‬قككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫والعراف جمع عُْرف وكل مرتفع من الرض عنككد العككرب يسككمى‬
‫عرفككككًا‪ ,‬وإنمككككا قيككككل لعككككرف الككككديك عرفككككا ً لرتفككككاعه‪.‬‬
‫عبيد اللككه بككن أبككي‬‫وحدثنا سفيان بن وكيع‪ ,‬حدثنا ابن عيينة عن ُ‬
‫يزيد‪ ,‬سمع ابن عباس يقول‪ :‬العراف هو الشيء المشرف‪ .‬وقال‬
‫الثوري عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قككال‪ :‬العككراف سككور‬
‫كعرف الديك‪ .‬وفي رواية عن ابن عباس‪ :‬العراف جمككع تككل بيككن‬
‫الجنة والنار حبس عليه ناس من أهل الككذنوب بيككن الجنككة والنككار‪,‬‬
‫وفي رواية عنه هو سور بين الجنة والنار‪ .‬وكذا قال الضحاك وغير‬
‫واحد مككن علمككاء التفسككير‪ .‬وقككال السككدي‪ :‬إنمككا سكمي العككراف‬
‫أعرافا ً لن أصحابه يعرفون الناس‪ ,‬واختلفت عبككارات المفسككرين‬
‫في أصحاب العراف من هم ؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد‬
‫وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم‪ ,‬نص عليه حذيفة وابككن‬
‫عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهم اللككه‪,‬‬
‫وقد جاء في حككديث مرفككوع رواه الحككافظ أبككو بكككر بككن مردويككه‪:‬‬
‫حدثنا عبد الله بن إسماعيل حدثنا عبيد بن الحسين حدثنا سليمان‬
‫بن داود حدثنا النعمان بن عبد السلم حدثنا شيخ لنا يقال لككه أبككو‬
‫عباد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبككد اللككه قككال‬
‫سئل رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم عمككن اسككتوت حسككناته‬
‫وسككيئاته فقككال »أولئك أصككحاب العككراف لككم يككدخلوها وهككم‬
‫يطمعكككككون« وهكككككذا حكككككديث غريكككككب مكككككن هكككككذا الكككككوجه‪.‬‬
‫ورواه من وجه آخر عن سعيد بن سلمة عككن أبككي الحسككام عككن‬
‫محمد بن المنكدر عن رجل من مزينة قال سئل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته فقككال »إنهكم قكوم‬
‫خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم فقتلوا في سبيل الله« وقال سككعيد‬
‫بن منصور‪ :‬حدثنا أبو معشر حدثنا يحيى بن شككبل عككن يحيككى بككن‬
‫عبد الرحمن المزني عن أبيه قال‪ :‬سككئل رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم عن أصحاب العراف قال »هم ناس قتلوا في سككبيل‬
‫اللككه بمعصككية آبككائهم فمنعهككم مككن دخككول الجنككة معصككية آبككائهم‬
‫ومنعهم من النار قتلهم في سبيل الله« ورواه ابككن مردويككه وابككن‬
‫جرير وابن أبي حاتم من طرق عن أبي معشر به‪ ,‬وكذا رواه ابككن‬
‫‪757‬‬
‫ماجه مرفوعا ً من حديث أبي سعيد الخككدري وابككن عبككاس‪ ,‬واللككه‬
‫أعلم بصحة هذه الخبار المرفوعة‪ ,‬وقصككاراها أن تكككون موقوفككة‬
‫وفيه دللة على ما ذكككر‪ .‬وقككال ابككن جريككر حككدثني يعقككوب حككدثنا‬
‫هشككيم أخبرنككا حصككين عككن الشككعبي عككن حذيفككة أنككه سككئل عككن‬
‫أصحاب العراف قال فقال‪ :‬هم قوم استوت حسناتهم وسككيئاتهم‬
‫فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة وخلفت بهم حسككناتهم عككن النككار‪,‬‬
‫قال فوقفوا هناك على السور حتى يقضكي اللكه فيهكم‪ ,‬وقكد رواه‬
‫من وجه آخر أبسط من هذا فقال حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن‬
‫ي‬
‫واضح حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال‪ :‬قال الشعبي أرسككل إل ك ّ‬
‫عبد الحميد بن عبد الرحمن وعنده أبو الزناد عبد الله ابن ذكككوان‬
‫مولى قريش فإذا هما قد ذكرا من أصحاب العككراف ذكككرا ً ليككس‬
‫كما ذكرا فقلت لهما‪ :‬إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة فقال هات‬
‫فقلت إن حذيفة ذكر أصحاب العكراف فقكال‪ :‬هكم تجكاوزت بهكم‬
‫حسككناتهم النكار وقعككدت بهككم سكيئاتهم عكن الجنكة }وإذا صككرفت‬
‫أبصككارهم تلقككاء أصككحاب النككار قككالوا ربنككا ل تجعلنككا مككع القككوم‬
‫الظالمين{ فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال لهككم اذهبككوا‬
‫فككككككككادخوا الجنككككككككة فككككككككإني قككككككككد غفككككككككرت لكككككككككم‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي قال‪ :‬قال سككعيد‬
‫بن جبير وهو يحدث ذلك عن ابككن مسككعود قككال‪ :‬يحاسككب النككاس‬
‫يوم القيامة فمن كككانت حسككناته أكككثر مككن سككيئاته بواحككدة دخككل‬
‫الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحككدة دخككل النككار ثككم‬
‫قرأ قول الله‪} :‬فمن ثقلت موازينككة{ ا َ‬
‫ليككتين‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬الميككزان‬
‫يخف بمثقال حبة‪ ,‬ويرجح قال‪ :‬ومن استوت حسناته وسيئاته كان‬
‫من أصحاب العراف فوقفوا على الصراط ثم عرفوا أهككل الجنككة‬
‫وأهل النار فكإذا نظكروا إلكى أهكل الجنكة نكادوا سكلم عليككم وإذا‬
‫صرفوا أبصكارهم إلككى يسككارهم نظككروا أهككل النككار }قكالوا ربنككا ل‬
‫تجعلنا مع القوم الظالمين{ تعوذوا بالله من منككازلهم قككال‪ :‬فأمككا‬
‫أصحاب الحسككنات فككإنهم يعطككون نككورا ً يمشككون بككه بيككن أيككديهم‬
‫وبأيمانهم ويعطى كل عبد يومئذ نورا ً وكل أمة نورا ً فإذا أتوا علككى‬
‫الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة فلمككا رأى أهككل الجنككة‬
‫ما لقككي المنككافقون قككالوا }ربنككا أتمككم لنككا نورنككا{ وأمككا أصككحاب‬
‫‪758‬‬
‫العراف فككإن النككور كككان بأيككديهم فلككم ينككزع فهنالككك يقككول اللككه‬
‫تعككالى‪} :‬لككم يككدخلوها وهككم يطمعككون{ فكككان الطمككع دخككو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقال ابن مسعود‪ :‬إن العبد إذا عمككل حسككنة كتككب لككه بهككا‬
‫عشر وإذا عمل سككيئة لكم تكتككب إل واحككدة ثككم يقككول‪ :‬هلككك مككن‬
‫غلبت آحاده عشراته‪ .‬رواه ابن جرير وقال أيضًا‪ :‬حدثني ابن وكيع‬
‫وابن حميد قال‪ :‬حدثنا جرير عن منصور عن حبيب بككن أبككي ثككابت‬
‫عن عبد الله بن الحارث عككن ابككن عبككاس قككال‪ :‬العككراف السككور‬
‫الذي بين الجنة والنار وأصحاب العراف بذلك المكان حتى إذا بدا‬
‫الله أن يعافيهم انطلق بهم إلى نهر يقككال لككه نهككر الحيككاة حافتككاه‬
‫قصب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك فألقوا فيككه حككتى تصككلح‬
‫ألوانهم وتبككدو فككي نحككورهم شككامة بيضككاء يعرفككون بهككا حككتى إذا‬
‫صلحت ألوانهم أتى بهم الرحمن تبككارك وتعككالى فقككال‪ :‬تمنككوا مككا‬
‫شئتم‪ ,‬فيتمنون حتى إذا انقطعككت أمنيتهككم قككال لهككم‪ :‬لكككم الككذي‬
‫تمنيتم ومثله سبعون ضعفًا‪ ,‬فيدخلون الجنة وفي نحككورهم شككامة‬
‫بيضاء يعرفون بها يسمون مساكين أهل الجنة‪ ,‬وكذا رواه ابن أبي‬
‫حاتم عن أبيكه عكن يحيكى بكن المغيكرة عكن جريكر بكه‪ ,‬وقكد رواه‬
‫سفيان الثوري‪ ,‬عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد وعن عبد اللككه‬
‫بن الحارث مككن قككوله وهككذا أصككح واللككه أعلككم‪ .‬وهكككذا روي عككن‬
‫مجاهد والضحاك وغير واحد وقال سككعيد بككن داود‪ :‬حككدثني جريككر‬
‫عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عككن عمككرو بككن جريككر قككال‬
‫سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب العراف قال‬
‫»هم آخر من يفصل بينهم من العباد فإذا فككرغ رب العككالمين مككن‬
‫الفصل بين العباد قال أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ولككم‬
‫تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي فارعوا من الجنككة حيككث شككئتم« وهككذا‬
‫مرسككل حسككن‪ ,‬وقيككل هككم أولد الزنككى حكككاه القرطككبي وروى‬
‫الحافظ ابن عساكر في ترجمة الوليد بكن موسكى عكن شكيبة بكن‬
‫عثمان عن عروة بن رويم عن الحسن عككن أنككس بككن مالككك عككن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أن مؤمني الجككن لهككم ثككواب وعليهككم‬
‫عقاب‪ ,‬فسألناه عن ثوابهم وعككن مككؤمنيهم فقككال علككى العككراف‬
‫وليسوا في الجنة مع أمة محمد صلى اللككه عليككه وسككلم فسككألناه‬
‫وما العراف ؟ فقال حائط الجنككة تجككري فيككه النهككار وتنبككت فيككه‬
‫‪759‬‬
‫الشجار والثمار وراه البيهقي عن ابن بشران عن علي بن محمككد‬
‫المصككري عككن يوسككف بككن يزيككد عككن الوليككد بككن موسككى بككه‪.‬‬
‫وقال سككفيان الثككوري‪ :‬عككن خصككيف عككن مجاهككد قككال أصككحاب‬
‫العككراف قككوم صككالحون فقهككاء علمككاء‪ ,‬وقككال ابككن جريككر‪ ,‬حككدثنا‬
‫يعقوب بن إبراهيم حدثناابن علية عككن سككليمان الككتيمي عككن أبككي‬
‫مجلز في قككوله تعككالى‪} :‬وبينهمككا حجككاب وعلككى العككراف رجككال‬
‫يعرفون كل ً بسيماهم{ قال هم رجال من الملئكككة يعرفككون أهككل‬
‫الجنة وأهل النار قال }ونادوا أصحاب الجنة أن سككلم عليكككم لككم‬
‫يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار‬
‫قالوا ربنا ل تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب العككراف‬
‫رجال ً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكككم ومككا كنتككم‬
‫تسككتكبرون أهككؤلء الككذين أقسككمتم ل ينككالهم اللككه برحمككة{ قككال‬
‫فيقال حين يدخل أهل الجنة الجنة }ادخلوا الجنة ل خكوف عليككم‬
‫ول أنتم تحزنون{ وهذا صحيح إلى أبي مجلز لحق بن حميككد أحككد‬
‫التابعين وهو غريب من قوله وخلف الظككاهر مككن السككياق وقككول‬
‫لية علككى مككا ذهبككوا إليككه‪ ,‬وكككذا‬‫الجمهور مقدم على قوله بدللة ا َ‬
‫قول مجاهد إنهم قككوم صككالحون علمككاء فقهككاء فيككه غرابككة أيضكًا‪,‬‬
‫والله أعلم‪ ,‬وقد حكى القرطبي وغيره فيهم اثني عشر قول ً منها‪:‬‬
‫لخككرة وخلككق يطلعككون‬ ‫أنهم شهدوا أنهم صلحاء تهرعوا من فزع ا َ‬
‫على أخبار الناس وقيل هم أنبياء وقيل هم ملئكة‪ .‬وقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}يعرفون كل ً بسيماهم{ قال علي بن أبي طلحة عن ابككن عبككاس‬
‫قال يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه وأهل النككار بسككواد الوجككوه‬
‫وكذا روى الضحاك عنه‪ ,‬وقال العوفي عن ابن عباس أنزلهم اللككه‬
‫تلك المنزلة ليعرفوا من في الجنة والناروليعرفوا أهل النار بسواد‬
‫الوجوه‪ .‬ويتعوذوا بالله أن يجعلوهم مع القوم الظالمين وهككم فككي‬
‫ذلك يحيون أهككل الجنككة بالسككلم لككم يككدخلوها وهككم يطمعككون أن‬
‫يدخلوها وهم داخلوها إن شاء الله‪ ,‬وكككذا قككال مجاهككد والضككحاك‬
‫والسككدي والحسككن وعبككد الرحمككن بككن زيككد بككن أسككلم وغيرهككم‪.‬‬
‫ليككة }لككم يككدخلوها وهككم‬ ‫وقال معمر عن الحسككن إنككه تل هككذه ا َ‬
‫يطمعون{ قال والله ما جعل ذلك الطمع في قلككوبهم إل لكرامككة‬
‫يريدها بهم وقال قتادة‪ ,‬قد أنبأكم الله بمكانهم من الطمع‪ ,‬وقوله‬
‫}وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا ل تجعلنككا مككع‬
‫‪760‬‬
‫القككوم الظككالمين{ قككال الضككحاك عككن ابككن عبككاس إن أصككحاب‬
‫العراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم قالوا ربنا ل تجعلنا مع‬
‫القككوم الظككالمين‪ .‬وقككال السككدي وإذا مككروا بهككم يعنككي بأصككحاب‬
‫العراف بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا‪ :‬ربنا ل تجعلنا مع القككوم‬
‫الظالمين‪ .‬وقال عكرمككة تحككدد وجكوههم للنكار فكإذا رأوا أصككحاب‬
‫الجنة ذهب ذلك عنهم وقال عبد الرحمن بككن زيككد بككن أسككلم فككي‬
‫قوله }وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار{ فككرأوا وجككوههم‬
‫مسكككودة وأعينهكككم مزرقكككة }قكككالوا ربنكككا ل تجعلنكككا مكككع القكككوم‬
‫الظكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككالمين{‪.‬‬
‫َ‬
‫مككآ‬ ‫م قَككاُلوا ْ َ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سككي َ‬
‫م بِ ِ‬ ‫جككال ٍ ي َعْرِفُككون َهُ ْ‬ ‫ف رِ َ‬ ‫ب العْكَرا ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫** وََناد َىَ أ ْ‬
‫ؤلِء ال ّذي َ‬ ‫ن * أَ َ‬ ‫أَ‬
‫م‬‫مت ُ ْ‬‫س ْ‬‫ن أقْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫هـ ُ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬‫م وَ َ‬ ‫معُك ُ ْ‬‫ج ْ‬ ‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬
‫ى َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫حَزن ُككو َ‬ ‫م تَ ْ‬‫م وَل أنت ُ ْ‬ ‫ف عَلي ْك ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫ةل َ‬ ‫جن ّ َ‬‫خلوا ال َ‬ ‫مةٍ اد ْ ُ‬ ‫ح َ‬‫ه ب َِر ْ‬‫م الل ُ‬ ‫ل َ ي ََنالهُ ُ‬
‫يقول الله تعالى إخبارا ً عككن تقريككع أهككل العككراف لرجككال مككن‬
‫صناديد المشكركين وقكادتهم يعرفككونهم فكي النككار بسكيماهم }مككا‬
‫أغنى عنكم جمعكككم{ أي كككثرتكم }ومككا كنتككم تسككتكبرون{ أي ل‬
‫ينفعكم كثرتكم ول جموعكم من عذاب الله بل صرتم إلى ما أنتم‬
‫فيه من العكذاب والنكككال }أهكؤلء الكذين أقسكمتم ل ينكالهم اللكه‬
‫برحمة{ قال علي بن أبي طلحة عككن ابككن عبككاس يعنككي أصككحاب‬
‫العراف }ادخلوا الجنة ل خوف عليكككم ول أنتككم تحزنككون{ وقككال‬
‫ابن جرير‪ :‬حدثني محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حككدثني‬
‫ليككة‪,‬‬ ‫أبي عن أبيه عن ابن عباس }قالوا ما أغنى عنكم جمعكم{ ا َ‬
‫قال فلما قككالوا لهككم الككذي قضككى اللككه أن يقولككوا يعنككي أصككحاب‬
‫العراف لهل الجنة وأهل النار قككال اللككه لهككل التكككبر والمككوال‬
‫}أهؤلء الذين أقسمتم ل ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة ل خككوف‬
‫عليككككككككككككككككككككم ول أنتكككككككككككككككككككم تحزنكككككككككككككككككككون{‪.‬‬
‫وقككال حذيفككة إن أصككحاب العككراف قككوم تكككاثفت أعمككالهم‬
‫فقصرت بهم حسناتهم عن الجنة وقصرت بهم سيئاتهم عن النككار‬
‫فجعلوا على العراف يعرفون الناس بسككيماهم فلمككا قضككى اللككه‬
‫بين العباد أذن لهم في طلب الشككفاعة فككأتوا آدم فقككالوا‪ :‬يككا آدم‬
‫أنت أبونا فاشفع لنا عند ربك فقال هل تعلمون أن أحدا ً خلقه الله‬
‫‪761‬‬
‫بيده ونفخ فيه من روحه وسبقت رحمته إليه غضككبه وسككجدت لككه‬
‫الملئكة غيري ؟ فيقولون ل فيقول ما علمت كنهه ما أستطيع أن‬
‫أشفع لكم ولكن ائتوا ابني إبراهيم فيأتون إبراهيم صلى الله عليه‬
‫وسلم فيسألونه أن يشفع لهم عند ربهم فيقول تعلمون مككن أحككد‬
‫اتخذه الله خليل ً هل تعلمون أن أحدا ً أحرقه قومه بالنار فككي اللككه‬
‫غيري ؟ فيقولون ل فيقول ما علمت كنهه مككا أسككتطيع أن أشككفع‬
‫لكم ولكن ائتوا ابني موسى فيأتون موسى عليه السككلم فيقككول‬
‫هل تعلمون من أحد كلمه الله تكليما ً وقربه نجيا ً غيككري فيقولككون‬
‫ل فيقول ما علمت كنهه مككا أسككتطيع أن أشككفع لكككم ولكككن ائتككوا‬
‫عيسى فيأتونه عليه السلم فيقولون له اشفع لنا عند ربك فيقول‬
‫هل تعلمون أحدا ً خلقه الله مككن غيككر أب فيقولككون ل فيقككول هككل‬
‫تعلمون من أحد كان يبرىء الكمه والبرص ويحيي المككوتى بككإذن‬
‫الله غيري ؟ قال‪ :‬فيقولون ل‪ ,‬فيقول‪ :‬أنا حجيج نفسي ما علمككت‬
‫كنهه ما أستطيع أن أشفع لكم ولكن ائتوا محمدا ً صلى الله عليككه‬
‫وسلم فيأتوني فأضرب بيدي علككى صككدري ثككم أقككول أنككا لهككا ثككم‬
‫أمشي حتى أقف بين يدي العرش فآتي ربي عز وجل فيفتككح لككي‬
‫من الثناء ما لم يسمع السامعون بمثله قط ثم أسجد فيقال لي يا‬
‫محمد ارفع رأسك وسل تعطككه واشككفع تشككفع فككأرفع رأسككي ثككم‬
‫أثني على ربي عز وجل ثم أخككر سككاجدا ً فيقككال لككي ارفككع رأسككك‬
‫وسل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول ربي أمككتي فيقككول‬
‫هم لك فل يبقككى نككبي مرسككل ول ملككك مقككرب إل غبطنككي بككذلك‬
‫المقام وهو المقام المحمود فآتي بهم الجنة فأسككتفتح فيفتككح لككي‬
‫ولهم فيذهب بهم إلى نهككر يقككال لكه نهككر الحيككوان حافتككاه قصككب‬
‫مكلل بككاللؤلؤ ترابككه المسككك وحصككباؤه اليككاقوت فيغتسككلون منككه‬
‫فتعود إليهم ألوان أهل الجنة وريككح أهككل الجنككة فيصككيرون كككأنهم‬
‫الكواكب الدرية ويبقى في صككدورهم شككامات بيككض يعرفككون بهككا‬
‫يقككككككككككككككال مسككككككككككككككاكين أهككككككككككككككل الجنككككككككككككككة‪.‬‬
‫** ونادى أ َصحاب النار أ َصحاب ال ْجنة أ َ َ‬

‫مككآءِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫ضوا ْ عَل َي ْن َككا ِ‬
‫مك َ‬ ‫ن أِفي ُ‬
‫َ ّ ِ ْ‬ ‫ََ َ َ ْ َ ُ ّ ِ ْ َ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ن * اّلكك ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ما عََلى ال ْ َ‬
‫مه ُ َ‬
‫حّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ه َقال ُوَا ْ إ ِ ّ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ما َرَزقَك ُ ُ‬
‫م ّ‬
‫أو ْ ِ‬
‫‪762‬‬
‫م كَ َ‬
‫مككا‬ ‫سككاهُ ْ‬‫م َنن َ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا فَككال ْي َوْ َ‬‫م ال ْ َ‬
‫م ل َْهوا ً وَل َِعبا ً وَغَّرت ْهُ ُ‬‫ذوا ْ ِدين َهُ ْ‬
‫خ ُ‬
‫ات ّ َ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫حكككك ُ‬
‫ج َ‬‫مككككا ك َككككاُنوا ْ ِبآَيات ِن َككككا ي َ ْ‬ ‫هـكككك َ‬
‫ذا وَ َ‬ ‫م َ‬‫مه ِ ْ‬ ‫سككككوا ْ ل َِقككككآَء ي َككككوْ ِ‬ ‫نَ ُ‬
‫يخبر تعالى عن ذلة أهل النار وسؤالهم أهل الجنة من شككرابهم‬
‫وطعامهم وأنهم ل يجابون إلى ذلك قال السدي }ونككادى أصككحاب‬
‫النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله{‬
‫يعني الطعام وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسككلم‪ :‬يسككتطعمونهم‬
‫ويستسقونهم‪ ,‬وقال الثوري عككن عثمككان الثقفككي عككن سككعيد بككن‬
‫لية قال‪ ,‬ينادي الرجل أبكاه أوأخكاه فيقكول لكه قكد‬ ‫جبير في هذه ا َ‬
‫احترقت فأفض علي من الماء فيقال لهم أجيبوهم فيقولككون }إن‬
‫الله حرمهما على الكافرين{ وروي من وجه آخر عككن سككعيد عككن‬
‫ابن عباس مثله سواء وقال عبد الرحمن بككن زيككد بككن أسككلم }إن‬
‫اللككه حرمهمككا علككى الكككافرين{ يعنككي طعككام الجنككة وشككرابها‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي أخبرنا موسككى‬
‫بن المغيرة حدثنا أبو موسككى الصككفار فككي دار عمككرو بككن مسككلم‬
‫قال‪ :‬سألت ابن عباس أوسئل أي الصككدقة أفضككل ؟ فقككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صككلى اللككه عليككه وسكلم »أفضككل الصككدقة المكاء ألككم‬
‫تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قككالوا أفيضككوا علينككا‬
‫من الماء أو مما رزقكم الله« وقال أيضًا‪ :‬حدثنا أحمككد بككن سككنان‬
‫حدثنا أبو معاوية حدثنا العمش عن أبي صالح قال لما مرض أبككو‬
‫طالب قالوا له لو أرسلت إلى ابن أخيك هذا فيرسل إليك بعنقككود‬
‫من الجنة لعله أن يشفيك به‪ ,‬فجاءه الرسول وأبو بكر عند النككبي‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم فقككال أبككو بكككر إن اللككه حرمهمككا علككى‬
‫الكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككافرين‪.‬‬
‫ثم وصف تعالى الكافرين بما كانوا يعتمدونه في الدنيا باتخاذهم‬
‫الدين لهوا ولعبا ً واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفها عما أمككروا بككه‬
‫لخرة‪ ,‬وقوله }فاليوم ننساهم كما نسوا لقككاء يككومهم‬ ‫من العمل ل َ‬
‫هذا{ أي يعاملهم معاملة من نسيهم‪ ,‬لنه تعالى ل يشذ عن علمه‬
‫شيء ول ينسككاه كمككا قككال تعككالى‪} :‬فككي كتككاب ل يضككل ربككي ول‬
‫ينسى{ وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة كقوله }نسوا اللككه‬
‫فنسيهم{ وقال }كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليككوم تنسككى{‬
‫وقال تعالى‪} :‬وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقككاء يككومكم هككذا{‬
‫وقال العوفي عن ابن عباس في قوله }فاليوم ننساهم كما نسوا‬
‫‪763‬‬
‫لقاء يومهم هذا{ قككال نسككيهم اللككه مككن الخيككر ولككم ينسككهم مككن‬
‫الشر‪ ,‬وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قككال نككتركهم كمككا‬
‫تركوا لقككاء يككومهم هككذا‪ ,‬وقككال مجاهككد نككتركهم فككي النككار‪ ,‬وقككال‬
‫السدي نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا‪,‬‬
‫وفي الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة‪ :‬ألم أزوجك ؟‬
‫ألم أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيكل والبكل وأذرك تكرأس وتربكع ؟‬
‫فيقول بلى فيقككول أظننككت أنككك ملقككي ؟ فيقككول ل فيقككول اللككه‬
‫تعكككككككككالى فكككككككككاليوم أنسكككككككككاك كمكككككككككا نسكككككككككيتني ؟(‬
‫مك ً ّ‬ ‫عل ْكم ٍ هُك ً‬ ‫صكل َْناهُ عَل َك‬ ‫ب فَ‬ ‫** وَل ََقد ْ ِ‬
‫جئ ْن َككاهُ ْ‬
‫ة لَقكوْم ٍ‬ ‫ح َ‬‫دى وََر ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ى ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫م ب ِك ِت َككا‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ل ال ّك ِ‬ ‫م ي َكأِتي ت َكأِويل ُ ُ‬
‫ه ي َُقككو ُ‬ ‫ه ي َكوْ َ‬ ‫ن إ ِل ّ ت َكأِويل َ ُ‬ ‫ل َينظ ُكُرو َ‬ ‫ن * هَ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫شكَفَعآءَ‬ ‫مككن ُ‬ ‫حقّ فَهَككل ل ّن َككا ِ‬ ‫ل َرب ّن َككا ب ِككال ْ َ‬ ‫س ُ‬‫ت ُر ُ‬ ‫جآَء ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫سوهُ ِ‬ ‫نَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سه ُ ْ‬‫سُروَا ْ أن ُْف َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫ذي ك ُّنا ن َعْ َ‬
‫م ُ‬ ‫ل غَي َْر ال ّ ِ‬ ‫شَفُعوا ْ ل ََنآ أوْ ن َُرد ّ فَن َعْ َ‬
‫م َ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫ن‬‫كككككككككككاُنوا ْ ي َْفَتككككككككككُرو َ‬ ‫مكككككككككككا َ‬ ‫م ّ‬ ‫ل عَن ْهُككككككككككك ْ‬ ‫ضككككككككككك ّ‬ ‫وَ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عن إعذاره إلى المشركين بإرسككال الرسككل‬
‫إليهم بالكتاب الذي جاء به الرسول وأنه كتاب مفصل مبين كقوله‬
‫ليكة‪ ,‬وقكوله }فصكلناه علكى‬ ‫}كتاب أحكمكت آيكاته ثكم فصكلت{ ا َ‬
‫علم{ للعالمين أي على علم منككا بمككا فصككلناه بككه كقككوله }أنزلككه‬
‫لية مردودة على قوله }كتاب أنككزل‬ ‫بعلمه{ قال ابن جرير وهذه ا َ‬
‫لية‪} ,‬ولقد جئناهم بكتككاب{‬ ‫إليك فل يكن في صدرك حرج منه{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬وهذا الذي قاله فيه نظر فإنه قد طال الفصل ول دليل عليه‬ ‫ا َ‬
‫لخككرة‬ ‫وإنما المر أنه لما أخبر بما صاروا إليه من الخسككارة فككي ا َ‬
‫ذكر أنه قد أزاح عللهم في الدنيا بإرسككال الرسككل وإنككزال الكتككب‬
‫ل{ ولهككذا قككال }هككل‬ ‫كقوله }وما كنككا معككذبين حككتى نبعككث رسككو ً‬
‫ينظرون إل تأويله{ أي ما وعدوا به مككن العككذاب والنكككال والجنككة‬
‫والنكككار قكككاله مجاهكككد وغيكككر واحكككد‪ ,‬وقكككال مالكككك‪ :‬ثكككوابه‪.‬‬
‫وقال الربيع‪ :‬ل يزال يجيء من تأويله أمر حتى يتم يوم الحساب‬
‫حتى يدخل أهل الجنة الجنة‪ ,‬وأهل النار النككار فيتككم تككأويله يككومئذ‬
‫وقوله }يوم يأتي تأويله{ أي يوم القيامة قال ابن عبككاس }يقككول‬
‫الذين نسوه من قبككل{ أي تركككوا العمككل بككه وتناسككوه فككي الككدار‬
‫الدنيا }قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا مككن شككفعاء فيشككفعوا‬
‫‪764‬‬
‫لنا{ أي في خلصنا مما صرنا إليه ممككا نحككن فيككه }أو نككرد{ إلككى‬
‫الدار الدنيا }فنعمل غير الككذي كنككا نعمككل{ كقككوله }ولككو تككرى إذ‬
‫وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ول نكذب بآيات ربنا ونكون من‬
‫المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبككل ولككو ردوا لعككادوا‬
‫لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون{ كما قال ههنا }قد خسككروا أنفسككهم‬
‫وضل عنهم ما كانوا يفترون{ أي خسروا أنفسهم بككدخولهم النككار‬
‫وخلودهم فيها }وضل عنهم ما كانوا يفترون{ أي ذهب عنهككم مككا‬
‫كانوا يعبدونهم من دون الله فل يشفعون فيهككم ول ينصككرونهم ول‬
‫ينقكككككككككككككككذونهم ممكككككككككككككككا هكككككككككككككككم فيكككككككككككككككه‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫سكت ّةِ أي ّككام ٍ ث ُك ّ‬‫ض ِفي ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫خل َقَ ال َ‬
‫س َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫م الل ّ ُ‬‫ن َرب ّك ُ ُ‬
‫** إ ِ ّ‬
‫س‬‫م َ‬ ‫شك ْ‬ ‫حِثيث كا ً َوال ّ‬ ‫ل الن ّهَككاَر ي َط ْل ُب ُك ُ‬
‫ه َ‬ ‫شي ال ْل ّي ْك َ‬ ‫ش ي ُغْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ست َوَىَ عََلى ال ْعَْر‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك الل ّك ُ‬
‫ه‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬
‫م كُر ت َب َككاَر َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫مرِهِ أل َ ل َ ُ‬ ‫ت ب ِأ ْ‬
‫خَرا ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫جو َ‬ ‫مَر َوالن ّ ُ‬ ‫َوال َْق َ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ب ال َْعكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككال َ ِ‬ ‫َر ّ‬
‫يخبر تعالى أنه خلق العالم سماواته وأرضكه ومكا بيكن ذلكك فككي‬
‫ستة أيام كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن‪ ,‬والستة اليام‬
‫هي‪ :‬الحد والثنيكن والثلثكاء والربعكاء والخميكس والجمعكة وفيكه‬
‫اجتمع الخلق كله وفيه خلق آدم عليه السكلم واختلفككوا فككي هكذه‬
‫اليام هل كل يوم منها كهذه اليام كما هو المتبادر إلى الذهان أو‬
‫كل يوم كألف سنة كما نص على ذلكك مجاهكد والمكام أحمكد بكن‬
‫حنبل ويروى ذلك من رواية الضحاك عككن ابككن عبككاس‪ ,‬فأمككا يككوم‬
‫السبت فلم يقع فيه خلق لنه اليوم السككابع ومنككه سككمي السككبت‬
‫وهكككككككككككككككككككككككككككككككككككككو القطكككككككككككككككككككككككككككككككككككككع‪.‬‬
‫فأما الحديث الكذي رواه المكام أحمكد فكي مسكنده حيكث قكال‪:‬‬
‫حدثنا حجاج حدثنا ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيككوب‬
‫بن خالد عن عبد الله بن رافككع مككولى أم سككلمة عككن أبككي هريككرة‬
‫قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال »خلق الله‬
‫التربة يوم السبت وخلق الجبال فيها يوم الحد وخلق الشجر فيها‬
‫يوم الثنين وخلق المكروه يوم الثلثاء وخلككق النككور يككوم الربعككاء‬
‫وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعككة‬
‫آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعككة فيمككا بيككن العصككر‬
‫‪765‬‬
‫إلى الليل« فقد رواه مسلم بككن الحجككاج فككي صككحيحه والنسككائي‬
‫من غير وجه عن حجاج وهو ابن محمد العور عن ابككن جريككج بككه‬
‫وفيه استيعاب اليام السبعة والله تعالى قككد قككال فككي سككتة أيككام‬
‫ولهذا تكلم البخككاري وغيككر واحككد مككن الحفككاظ فككي هككذا الحككديث‬
‫وجعلوه من رواية أبي هريرة عن كعب الحبار ليس مرفوعا ً والله‬
‫وأما قوله تعالى }ثم استوى علككى العككرش{ فللنككاس فككي هككذا‬
‫المقام مقالت كثيرة جدا ً ليس هذا موضككع بسككطها وإنمككا نسككلك‬
‫في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالككك والوزاعككي والثككوري‬
‫والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسككحاق بككن راهككويه وغيرهككم‬
‫من أئمة المسلمين قديما ً وحديثا ً وهو إمرارها كما جاءت من غيككر‬
‫تكييككف ول تشككبيه ول تعطيككل والظككاهر المتبككادر إلككى أذهككان‬
‫المشبهين منفي عن الله ل يشبهه شيء من خلقه و}ليس كمثله‬
‫شيء وهو السميع البصير{ بل المر كما قككال الئمككة منهككم نعيككم‬
‫بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال مككن شككبه اللككه بخلقككه كفككر‬
‫ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله‬
‫به نفسه ول رسككوله تشكبيه فمكن أثبكت للكه تعككالى مكا وردت بكه‬
‫ليات الصريحة والخبار الصحيحة على الككوجه الككذي يليككق بجلل‬ ‫ا َ‬
‫الله ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى‪ ,‬وقككوله‬
‫تعالى }يغشككي الليككل النهككار يطلبككه حثيثكًا{ أي يككذهب ظلم هككذا‬
‫لخككر طلب كا ً‬
‫بضياء هذا وضياء هذا بظلم هذا وكككل منهمككا يطلككب ا َ‬
‫حثيثا أي سريعا ً ل يتأخر عنه بل إذا ذهككب هككذا جككاء هككذا وعكسككه‬
‫كقوله }وآية لهككم الليككل نسككلخ منككه النهككار فككإذا هككم مظلمككون *‬
‫والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيككز العليككم * والقمككر‬
‫قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم * ل الشمس ينبغي لهككا‬
‫أن تدرك القمر ول الليل سابق النهار وكككل فككي فلككك يسككبحون{‬
‫فقوله }ول الليل سابق النهار{ أي ل يفوته بوقت يتككأخر عنككه بككل‬
‫هو في أثره بل واسطة بينهما ولهذا قال }يطلبه حثيث كا ً والشككمس‬
‫والقمر والنجوم مسخرات بككأمره{ منهككم مككن نصككب ومنهككم مككن‬
‫رفككع وكلهمككا قريككب المعنككى أي الجميككع تحككت قهككره وتسككخيره‬
‫ومشيئته ولهذا قال منبه كا ً }أل لككه الخلككق والمككر{ أي لككه الملككك‬
‫‪766‬‬
‫والتصرف }تبارك الله رب العالمين{ كقوله }تبككارك الككذي جعككل‬
‫فككككككككككككككي السككككككككككككككماء بروجككككككككككككككًا{ ا َ‬
‫ليككككككككككككككة‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬حدثني المثنى‪ ,‬حككدثنا إسككحاق حككدثنا هشككام أبككو‬
‫عبد الرحمن‪ ,‬حدثنا بقيككة بككن الوليككد‪ ,‬حككدثنا عبككد الغفككار بككن عبككد‬
‫العزيز النصاري عككن عبككد العزيككز الشككامي عككن أبيككه وكككانت لككه‬
‫صحبة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من لم يحمككد‬
‫الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسككه فقككد كفككر وحبككط‬
‫عمله ومن زعم أن الله جعل للعباد من المر شيئا ً فقككد كفككر بمككا‬
‫أنزل الله على أنبيائه« لقوله }أل له الخلق والمر تبارك الله رب‬
‫العالمين{ وفي الدعاء المككأثور عككن أبككي الككدرداء وروي مرفوع كا ً‬
‫»اللهم لك الملك كله ولككك الحمككد كلككه وإليككك يرجككع المككر كلككه‪,‬‬
‫أسكككألك مكككن الخيكككر كلكككه وأعكككوذ بكككك مكككن الشكككر كلكككه«‪.‬‬
‫دوا ْ‬‫سك ُ‬‫ن * وَل َ ت ُْف ِ‬ ‫دي َ‬

‫معْت َ ِ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ة إ ِن ّ ُ‬ ‫ضّرعا ً وَ ُ‬
‫خْفي َ ً‬ ‫م تَ َ‬ ‫عوا ْ َرب ّك ُ ْ‬
‫** اد ْ ُ‬
‫ب‬‫ري ٌ‬ ‫ة الل ّهِ قَ ِ‬‫م َ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬‫معا ً إ ِ ّ‬ ‫وفا ً وَط َ َ‬‫خ ْ‬ ‫عوهُ َ‬ ‫حَها َواد ْ ُ‬ ‫صل َ ِ‬
‫ض ب َعْد َ إ ِ ْ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫ن‬
‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مكككككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬ ‫ّ‬
‫أرشد تبارك وتعالى عباده إلككى دعككائه الككذي هككو صككلحهم فككي‬
‫دنياهم وأخراهم فقال }ادعوا ربكم تضككرعا ً وخفيككة{ قيككل معنككاه‬
‫لية وفككي‬ ‫تذلل ً واستكانه‪ ,‬وخفية كقوله }واذكر ربك في نفسك{ ا َ‬
‫الصحيحين عن أبي موسى الشككعري قككال رفككع النككاس أصككواتهم‬
‫بالدعاء فقال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »أيهككا النككاس‬
‫اربعككوا علككى أنفسكككم فككإنكم ل تككدعون أصككم ول غائب كا ً إن الككذي‬
‫تككدعون سككميع قريككب« الحككديث‪ ,‬وقككال ابككن جريككج عككن عطككاء‬
‫الخراساني عن ابن عباس في قوله }تضرعا ً وخفية{ قككال السككر‬
‫وقككال ابككن جريككر تضككرعا ً تككذلل ً واسككتكانة لطككاعته وخفيككة يقككول‬
‫بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه‬
‫ل جهرا ً مراءاة وقال عبد الله بن المبارك بن فضالة عككن الحسككن‬
‫قال‪ :‬إن كان الرجل لقد جمع القككرآن ومككا يشككعر بككه النككاس وإن‬
‫كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشككعر بككه النككاس وإن كككان‬
‫الرجل ليصلي الصلة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون‬
‫به ولقد أدركنا أقوما ً ما كككان علككى الرض مككن عمككل يقككدرون أن‬
‫‪767‬‬
‫يعملككوه فككي السككر فيكككون علنيككة أبككدا ً ولقككد كككان المسككلمون‬
‫يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إل همسا ً بينهم‬
‫وبيككن ربهككم وذلككك أن اللككه تعككالى يقككول }ادعككوا ربكككم تضككرعا ً‬
‫وخفية{ وذلك أن الله ذكر عبدا ً صالحا ً رضي فعله فقال }إذ نادى‬
‫ربه نداء خفيًا{ وقال ابن جريج يكره رفع الصوت والنداء والصياح‬
‫فككككككككي الككككككككدعاء ويككككككككؤمر بالتضككككككككرع والسككككككككتكانه‪.‬‬
‫ثم روي عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قككوله }إنككه ل‬
‫يحب المعتدين{ في الدعاء ول في غيره وقال أبككو مجلككز }إنككه ل‬
‫يحب المعتدين{ ل يسأل منازل النبيككاء‪ ,‬وقككال أحمككد حككدثنا عبككد‬
‫الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن زيككاد بككن مخككراق سككمعت أبككا‬
‫نعامة عن مولى لسعد أن سعدا ً سمع ابن كا ً لككه يككدعو وهككو يقككول‪:‬‬
‫اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحوا ً مككن هككذا وأعككوذ‬
‫بك من النار وسلسلها وأغللها فقال لقد سألت اللككه خيككرا ً كككثيرا ً‬
‫وتعوذت به من شر كثير وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول »إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء ك وفككي لفككظ ك ك‬
‫ليككة }ادعككوا ربكككم‬ ‫يعتككدون فككي الطهككور والككدعاء كك وقككرأ هككذه ا َ‬
‫لية ك وإن بحسبك أن تقول اللهم إني أسألك الجنة ومككا‬ ‫تضرعًا{ ا َ‬
‫قّرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك مككن النككار ومككا قككرب إليهكا‬
‫من قول أو عمل« ورواه أبو داود من حديث شعبة عككن زيككاد بككن‬
‫مخراق عن أبي نعامة عن مولى لسككعد عككن سككعد فككذكره واللككه‬
‫أعلم‪ ,‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا‬
‫الحريري عن أبي نعامة أن عبد الله بككن مغفككل سككمع ابنككه يقككول‬
‫اللهم إني أسألك القصر البيض عن يمين الجنة إذا دخلتهككا فقككال‬
‫يا بني سل الله الجنة وعُذ ْ به من النار فإني سككمعت رسككول اللكه‬
‫صلى اللكه عليكه وسكلم يقكول »يككون قكوم يعتكدون فكي الكدعاء‬
‫والطهور« وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بككن أبككي شككيبة عككن‬
‫عفان به وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمككاد بككن‬
‫جرْيري عن أبي نعامة واسككمه قيككس‬ ‫سلمة عن سعيد بن إياس ال ُ‬
‫بن عباية الحنفي البصري وهو إسناد حسن ل بأس به والله أعلم‪.‬‬
‫وقوله تعالى }ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها{ ينهى تعككالى‬
‫عن الفساد فككي الرض ومككا أضككره بعككد الصككلح فككإنه إذا كككانت‬
‫المور ماشية على السداد ثم وقع الفساد بعد ذلك كان أضككر مككا‬
‫‪768‬‬
‫يكون علككى العبككاد فنهككى تعككالى عككن ذلككك وأمككر بعبككادته ودعككائه‬
‫والتضرع إليه والتذلل لديه فقال }وادعوه خوفا ً وطمعًا{ أي خوفا ً‬
‫مما عنده من وبيل العقاب وطمعا ً فيما عنده مككن جزيككل الثككواب‬
‫ثم قال }إن رحمت اللككه قريككب مككن المحسككنين{ أي إن رحمتككه‬
‫مرصدة للمحسنين الذين يتبعككون أوامككره ويككتركون زواجككره كمككا‬
‫قال تعالى }ورحمتي وسعت كل شيء فسككأكتبها للككذين يتقككون{‬
‫لية وقال قريب ولم يقل قريبة لنه ضمن الرحمة معنى الثككواب‬ ‫ا َ‬
‫أو لنها مضافة إلى الله فلهذا قككال قريككب مككن المحسككنين وقككال‬
‫مطر الوراق تنجزوا موعككود اللككه بطككاعته فككإنه قضككى أن رحمتككه‬
‫قريككككككب مككككككن المحسككككككنين‪ .‬رواه ابككككككن أبككككككي حككككككاتم‪.‬‬
‫شرى بين يدي رحمت ِه حتى إ َ َ‬

‫ت‬ ‫ذآ أقَّلكك ْ‬ ‫ح بُ ْ َ ً َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ِ َ ّ َ ِ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س ُ‬‫ذي ي ُْر ِ‬ ‫** وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ل‬ ‫مككن ك ُك ّ‬ ‫جَنا ب ِكهِ ِ‬ ‫مآَء فَأ ْ‬
‫خَر ْ‬ ‫ت فَأن َْزل َْنا ب ِهِ ال ْ َ‬ ‫مي ّ ٍ‬‫سْقَناهُ ل ِب َل َدٍ ّ‬ ‫حابا ً ث َِقال ً ُ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ن * َوال ْب َل َكد ُ الط ّي ّك ُ‬ ‫م ت َكذ َك ُّرو َ‬ ‫ى ل َعَل ّك ُك ْ‬ ‫خ كرِ ُ ْ‬
‫ج الم كوْت َ َ‬ ‫ك نُ ْ‬‫ت ك َذ َل ِ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫الث ّ َ‬
‫ف‬ ‫ص كّر ُ‬ ‫ك نُ َ‬‫ج إ ِل ّ ن َك ِككدا ً ك َكذ َل ِ َ‬‫خكُر ُ‬ ‫ث ل َ يَ ْ‬ ‫خب ُ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن َرب ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫ه ب ِإ ِذ ْ ِ‬‫ج ن ََبات ُ ُ‬
‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫شككككككككككككككككككككك ُُرو َ‬
‫ن‬ ‫ت ل َِقككككككككككككككككككككوْم ٍ ي َ ْ‬ ‫ال ََيككككككككككككككككككككا ِ‬
‫لمككا ذكككر تعككالى أنككه خككالق السككموات والرض وأنككه المتصككرف‬
‫الحاكم المدبر المسخر وأرشد إلى دعائه لنه على ما يشاء قككادر‬
‫نبه تعالى على أنه الرزاق وأنككه يعيككد المككوتى يككوم القيامككة فقككال‬
‫شرًا{ أي منتشككرة بيككن يككدي السككحاب‬ ‫}وهو الذي يرسل الرياح ن ُ ْ‬
‫الحامل للمطر ومنهم من قرأ بشرا كقوله }ومن آياته أن يرسككل‬
‫الرياح مبشرات{ وقوله }بين يدي رحمتككه{ أي بيككن المطككر كمككا‬
‫قال }وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهككو‬
‫الولي الحميد{ وقال }فككانظر إلككى آثككار رحمككة اللككه كيككف يحيككي‬
‫الرض بعد موتها إن ذلككك لمحيككي المككوتى وهككو علككى كككل شككيء‬
‫ل{ أي حملككت الريككاح‬ ‫قدير{ وقككوله }حككتى إذا أقلككت سككحابا ً ثقككا ً‬
‫سحابا ً ثقال ً أي من كثرة ما فيها من الماء تكون ثقيلة قريبككة مككن‬
‫الرض مدلهمككة كمككا قككال زيككد بككن عمككرو بككن نفيككل رحمككه اللككه‪:‬‬
‫وأسكككلمت وجهكككي لمكككن أسكككلمتله المكككزن تحمكككل عكككذبا ً زلل ً‬
‫وأسككلمت وجهككي لمككن أسككلمتله الرض تحمككل صككخرا ً ثقككال ً‬
‫‪769‬‬
‫وقوله }سقناه لبلككد ميكت{ أي إلككى أرض ميتكة مجدبككة ل نبككات‬
‫ليككة ولهككذا قككال‬‫فيها كقوله }وآية لهككم الرض الميتككة أحييناهككا{ ا َ‬
‫}فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى{ أي كما أحيينا‬
‫هذه الرض بعد موتها كذلك نحيي الجساد بعككد صككيرورتها رميم كا ً‬
‫يوم القيامة ينزل الله سككبحانه وتعككالى مككاء مككن السككماء فتمطككر‬
‫الرض أربعين يومكا ً فتنبككت منكه الجسككاد فككي قبورهكا كمككا ينبككت‬
‫الحب في الرض وهذا المعنى كثير في القرآن يضككرب اللككه مثل ً‬
‫ليوم القيامة بإحياء الرض بعد موتها ولهذا قال }لعلكم تذكرون{‬
‫وقوله }والبلد الطيب يخرج نباته بككإذن ربككه{ أي والرض الطيبككة‬
‫يخرج نباتها سككريعا ً حسككنا ً كقككوله }وأنبتهككا نباتكا ً حسككنًا{ }والككذي‬
‫خبث ل يخرج إل نكدًا{ قال مجاهد وغيره كالسباخ ونحوهككا وقككال‬
‫لية‪ :‬هذا مثل ضككربه اللككه‬ ‫علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في ا َ‬
‫للمؤمن والكافر‪ (.‬وقككال البخككاري حككدثنا محمككد بككن العلء حككدثنا‬
‫حماد بن أسامة عن يزيد بككن عبككد اللككه عككن أبككي بككردة عككن أبككي‬
‫موسى قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »مثككل مككا‬
‫بعثني الله به من العلم والهدى كمثل الغيث الكككثير أصككاب أرض كا ً‬
‫فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكل والعشب الكككثير وكككانت‬
‫منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بهككا النككاس فشككربوا وسككقوا‬
‫وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هككي قيعككان ل تمسككك مككاء‬
‫ول تنبت كل فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني اللكه‬
‫به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ً ولم يقبل هككدى اللككه‬
‫الذي أرسلت به« رواه مسلم والنسائي من طرق عن أبي أسامة‬
‫حمككككككككككككككككاد بككككككككككككككككن أسككككككككككككككككامة بككككككككككككككككه‪.‬‬
‫ن‬‫مك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬‫ل َياقَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫مهِ فََقا َ‬ ‫ى قَوْ ِ‬ ‫ً َ‬ ‫** ل ََقد ْ أ َْر َ ْ‬
‫سلَنا َُنوحا إ ِل َ‬
‫مككن‬ ‫مل ُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫ظيكم ٍ * قَككا َ‬ ‫ب ي َكوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَك َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬‫يأ َ‬ ‫إ َِلـهٍ غَي ُْرهُ إ ِن ّ َ‬
‫ضكل َل َ ٌ‬
‫ة‬ ‫س ب ِككي َ‬ ‫ل ي َككاقَوْم ِ ل َي ْك َ‬ ‫ن * قَككا َ‬ ‫ٍ‬ ‫مِبيك‬ ‫ل ّ‬ ‫ضكل َ ٍ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مهِ إ ِّنا ل َن ََرا َ‬‫قَوْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ح‬ ‫صك ُ‬ ‫ت َرب ّككي وَأن َ‬ ‫سككال َ ِ‬‫م رِ َ‬ ‫ن * أب َل ّغُك ُك ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫من ّر ّ‬ ‫ل ّ‬ ‫سو ٌ‬ ‫وَل َك ِّني َر ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مككككككككو َ‬ ‫مككككككككا ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّككككككككهِ َ‬ ‫مكككككككك َ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَأعْل َكككككككك ُ‬ ‫ل َك ُكككككككك ْ‬
‫‪770‬‬
‫لما ذكر تعالى قصة آدم في أول السورة وما يتعلق بككذلك ومككا‬
‫يتصل به وفرغ منه شرع تعككالى فككي ذكككر قصككص النبيككاء عليهككم‬
‫السككلم الول فككالول فابتككدأ بككذكر نككوح عليككه السككلم فككإنه أول‬
‫رسول بعثه الله إلى أهل الرض بعد آدم عليككه السككلم وهككو نككوح‬
‫بن لمك بن متوشلح بن أخنوخ وهو إدريس النككبي عليككه السككلم‬
‫فيما يزعمون وهو أول من خط بالقلم ابن برد بن مهليل بن قنين‬
‫بن يانش بن شيث بن آدم عليهم السككلم هكككذا نسككبه محمككد بككن‬
‫إسكككككككحاق وغيكككككككر واحكككككككد مكككككككن أئمكككككككة النسكككككككب‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ولم يلق نككبي مككن قككومه مككن الذى مثككل‬
‫نوح إل نبي قتل وقال يزيد الرقاشي إنما سمي نوح لكثرة ما نكاح‬
‫على نفسه وقد كان بين آدم إلى زمن نوح عليهما السلم عشككرة‬
‫قرون كلهم على السلم قال عبد اللهبن عباس وغيككر واحككد مككن‬
‫علماء التفسكير وككان أول مكا عبكدت الصكنام أن قومكا ً صككالحين‬
‫مككاتوا فبنككى قككومهم عليهككم مسككاجد وصككوروا صككورة أولئك فيهككا‬
‫ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم فلما طككال الزمككان جعلككوا‬
‫أجسادا ً على تلك الصور فلما تمادى الزمككان عبككدوا تلككك الصككنام‬
‫وسككموها بأسككماء أولئك الصككالحين ودا ً وسككواعا ً ويغككوث ويعككوق‬
‫ونسرا ً فلما تفكاقم المكر بعكث اللكه سكبحانه وتعكالى ولكه الحمكد‬
‫والمنة رسوله نوحا ً فأمرهم بعبادة الله وحده ل شككريك لككه فقككال‬
‫}يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكككم عككذاب‬
‫يككوم عظيككم{ أي مككن عككذاب يككوم القيامككة إذا لقيتككم اللككه وأنتككم‬
‫مشركون به }قال المل من قومه{ أي الجمهور والسادة والقككادة‬
‫والكبراء منهم }إنا لنراك في ضلل مككبين{ أي فككي دعوتككك إيانككا‬
‫إلى ترك عبادة هذه الصنام التي وجدنا عليهككا آباءنككا وهكككذا حككال‬
‫الفجار إنما يرون البرار في ضككللة كقككوله }وإذ رأوهككم قككالوا إن‬
‫هؤلء لضالون{ }وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كككان خيككرا ً مككا‬
‫سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم{ إلى غيككر‬
‫ليات }قال يا قوم ليس بي ضككللة ولكنككي رسككول مككن‬ ‫ذلك من ا َ‬
‫رب العالمين{ أي ما أنا ضال ولكن أنا رسككول مككن رب العككالمين‬
‫رب كل شيء ومليكه }أبلغكم رسالت ربككي وأنصككح لكككم وأعلككم‬
‫من الله ما ل تعلمون{ وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغا ً فصيحا ً‬
‫ناصحا ً عالما ً بالله ل يدركهم أحد من خلق الله في هككذه الصككفات‬
‫‪771‬‬
‫كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قال لصحابه يوم عرفككة وهككم أوفكر مكا ككانوا وأككثر جمعكا ً »أيهكا‬
‫الناس إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون ؟« قالوا نشككهد أنككك‬
‫قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها‬
‫عليهككككككم ويقككككككول »اللهككككككم اشككككككهد اللهككككككم اشككككككهد«‪.‬‬
‫من ّرب ّك ُ ْ َ‬ ‫** أ َو عَجبت َ‬

‫م ل ُِينكذَِرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫من ْك ُك ْ‬‫ل ّ‬ ‫جك ٍ‬‫ى َر ُ‬ ‫م عَ َلك َ‬ ‫م ذِك ٌْر ّ‬ ‫جآَءك ُ ْ‬ ‫م أن َ‬ ‫ِ ُْ ْ‬ ‫َ‬
‫ه فِككي‬ ‫مع َ ك ُ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ن * فَك َكذ ُّبوهُ فَأن َ‬
‫جي ْن َككاهُ َوال ك ِ‬ ‫مككو َ‬ ‫ح ُ‬‫م ت ُْر َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وَل ِت َت ُّقوا وَلعَلك ُك ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ميكك َ‬ ‫ومككا ً عَ ِ‬ ‫كككاُنوا ْ قَ ْ‬
‫م َ‬ ‫كككذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنككآ إ ِن ُّهكك ْ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫ك وَأغَْرقَْنككا اّلكك ِ‬ ‫ال ُْفْلكك ِ‬
‫ليككة‪,‬‬ ‫يقول تعالى إخبارا ً عن نوح أنه قال لقككومه }أو عجبتككم{ ا َ‬
‫أي ل تعجبوا من هذا فإن هذا ليس بعجب أن يوحي الله إلى رجل‬
‫منكم رحمة بكم ولطفا ً وإحسانا ً إليكم لينذركم ولتتقوا نقمكة اللكه‬
‫ول تشركوا به }ولعلكم ترحمون{ قال الله تعالى }فكككذبوه{ أي‬
‫تمادوا على تكذيبه ومخالفته وما آمن معه منهم إل قليل كما نص‬
‫عليككه فككي موضككع آخككر }فأنجينككاه والككذين معككه فككي الفلككك{ أي‬
‫السفينة كما قككال‪ :‬فأنجينككاه وأصككحاب السككفينة }وأغرقنككا الككذين‬
‫كذبوا بآياتنا{ كما قال }مما خطيئاتهم أغرقككوا فككأدخلوا نككارا ً فلككم‬
‫يجدوا لهم من دون الله أنصارا{ وقوله }إنهم كانوا قوما ً عميككن{‬
‫أي عن الحككق ل يبصككرونه ول يهتككدون لككه فككبين تعككالى فككي هككذه‬
‫القصة أنه انتقم لوليككائه مككن أعككدائه وأنجككى رسككوله والمككؤمنين‬
‫ليكة‪.‬‬ ‫وأهلك أعداءهم من الكككافرين كقككوله }إنكا لننصككر رسكلنا{ ا َ‬
‫لخككرة أن العاقبككة فيهككا‬ ‫وهذه سنة الله في عبككاده فككي الككدنيا وا َ‬
‫للمتقين والظفر والغلب لهم كما أهلكك قكوم نكوح بكالغرق ونجككى‬
‫نوحا ً وأصحابه المؤمنين وقال مالك عن زيد بككن أسككلم كككان قككوم‬
‫نوح قد ضاق بهم السهل والجبل وقال عبد الرحمككن بككن زيككد بككن‬
‫أسلم ما عذب الله قوم نوح إل والرض ملى بهم وليس بقعة من‬
‫الرض إل ولها مالك وحائز وقال ابن وهب بلغني عن ابككن عبككاس‬
‫أنه نجا مع نككوح فككي السككفينة ثمككانون رجل ً أحككدهم جرهككم وكككان‬
‫لسانه عربيا ً رواه ابن أبي حاتم وروي متصكل ً مككن وجككه آخككر عككن‬
‫ابكككككككككككن عبكككككككككككاس رضكككككككككككي اللكككككككككككه عنهمكككككككككككا‪.‬‬
‫‪772‬‬
‫ن إ َِلـ ك ٍ‬
‫ه‬ ‫مك ْ‬ ‫م ّ‬‫ما ل َك ُك ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬‫ل َياقَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫هودا ً َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫عادٍ أ َ َ‬‫ى َ‬ ‫َ‬
‫** وَإ ِل َ َ‬
‫ك ِفي‬ ‫مهِ إ ِّنا ل َن ََرا َ‬ ‫من قَوْ ِ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مل ُ ال ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫غَي ُْرهُ أفَل َ ت َت ُّقو َ‬
‫ة‬‫س كَفاهَ ٌ‬ ‫س ب ِككي َ‬ ‫ل ي َككاقَوْم ِ ل َي ْك َ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫سَفاهَةٍ وِإ ِّنا ل َن َظ ُن ّ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ت َرّبي وَأن َكا لك ُك ْ‬ ‫سال ِ‬ ‫م رِ َ‬ ‫ن * أب َلغُك ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫من ّر ّ‬ ‫ل ّ‬ ‫سو ٌ‬ ‫وَلك ِّني َر ُ‬
‫من ّرب ّك ُ ْ َ‬ ‫ناصح أ َمين * أ َو عَجبت َ‬
‫م‬‫منك ُ ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ى َر ُ‬ ‫م عَل َ‬ ‫م ذِك ٌْر ّ‬ ‫جآَءك ُ ْ‬ ‫م أن َ‬ ‫ِ ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ٌ ِ ٌ‬
‫م فِككي‬ ‫ح وََزاد َك ُك ْ‬ ‫من ب َعْدِ قَ كوْم ِ ن ُككو ٍ‬ ‫خل ََفآَء ِ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫م َواذك ُُروَا ْ إ ِذ ْ َ‬ ‫ل ُِينذَِرك ُ ْ‬
‫ن‬‫حكككككو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬
‫كككككك ْ‬ ‫ة َفكككككاذ ْك ُُروَا ْ آل ََء الّلكككككهِ ل َعَل ّ ُ‬ ‫سكككككط َ ً‬ ‫ق بَ ْ‬ ‫خلككككك ِ‬
‫ال ْ َ ْ‬
‫يقول تعالى وكما أرسلنا إلى قوم نوح نوحا ً كككذلك أرسككلنا إلككى‬
‫عاد أخاهم هودا ً قال محمد بن إسحاق هككم ولككد عككاد بككن إرم بككن‬
‫عوص بن سام بن نوح قلت هؤلء هم عككاد الولككى الككذين ذكرهككم‬
‫الله وهم أولد عاد بن إرم الذين كانوا يأوون إلى العمككد فككي الككبر‬
‫كما قال تعالى }ألم تر كيف فعل ربككك بعككاد * إرم ذات العمككاد *‬
‫التي لم يخلق مثلها في البلد{ وذلك لشدة بأسككهم وقككوتهم كمككا‬
‫قال تعالى }فأما عاد فاستكبروا في الرض بغير الحق وقالوا من‬
‫أشد منا قوة ؟ أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة‬
‫وكانوا بآياتنككا يجحككدون{ وقككد كككانت مسككاكنهم بككاليمن بالحقككاف‬
‫وهي جبال الرمل قال محمد بن إسحاق عن محمد بككن عبككد اللككه‬
‫بن أبي سعيد الخزاعي عن أبي الطفيل عككامر بككن واثلككة سككمعت‬
‫عليا ً يقول لرجل من حضكرموت‪ :‬هكل رأيكت كثيبكا ً أحمكر يخكالطه‬
‫مككدرة حمككراء ذا أراك وسككدر كككثير بناحيككة كككذا وكككذا مككن أرض‬
‫حضرموت‪ .‬هل رأيته ؟ قال نعككم يككا أميككر المككؤمنين ؟ واللككه إنككك‬
‫لتنعته نعكت رجكل قكد رآه‪ ,‬قكال ل ولكنكي قكد حكدثت عنكه فقكال‬
‫الحضرمي وما شأنه يا أمير المؤمنين ؟ قال فيككه قككبر هككود عليككه‬
‫السلم رواه ابن جرير‪ .‬وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن‬
‫فإن هودا ً عليه السلم دفن هناك وقد كان من أشرف قومه نسبا ً‬
‫لن الرسل إنما يبعثهم الله من أفضككل القبككائل وأشككرفهم ولكككن‬
‫كان قومه كما شدد خلقهم شككدد علككى قلككوبهم وكككانوا مككن أشككد‬
‫المم تكذيبا ً للحق ولهذا دعاهم هود عليه السلم إلى عبككادة اللككه‬
‫وحكككككككده ل شكككككككريك لكككككككه وإلكككككككى طكككككككاعته وتقكككككككواه‪.‬‬
‫}قال المل الذين كفروا من قومه{ والمل هم الجمهور والسادة‬
‫والقادة منهم }إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين{ أي‬
‫في ضللة حيث تكدعونا إلكى تكرك عبكادة الصكنام والقبكال علكى‬
‫‪773‬‬
‫عبادة الله وحده كما تعجب المل من قريش من الدعوة إلككى إلككه‬
‫للهة إلها ً واحدًا{ ا َ‬
‫لية‪} .‬قككال يككا قككوم ليككس‬ ‫واحد فقالوا }أجعل ا َ‬
‫بككي سككفاهة ولكنككي رسككول مككن رب العككالمين{ أي لسككت كمككا‬
‫تزعمون بل جئتكم بالحق من الله الذي خلق كل شككيء فهككو رب‬
‫كل شيء ومليكه }أبلغكم رسالت ربككي وأنككا لكككم ناصككح أميككن{‬
‫وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلغ والنصح والمانككة }أو‬
‫عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكككم لينككذركم{ أي ل‬
‫تعجبوا أن بعث الله إليكم رسول ً من أنفسكم لينككذركم أيككام اللككه‬
‫ولقاءه بل احمدوا الله على ذاكم }واذكروا إذ جعلكم خلفككاء مككن‬
‫بعد قوم نوح{ أي واذكروا نعمة الله عليكم في جعلكم مككن ذريككة‬
‫نككوح الككذي أهلككك اللككه أهككل الرض بككدعوته لمككا خككالفوه وكككذبوه‬
‫}وزادكم في الخلق بسطة{ أي زاد طولكم علككى النككاس بسككطة‬
‫أي جعلكككم أطككول مككن أبنككاء جنسكككم كقككوله فككي قصككة طككالوت‬
‫}وزاده بسطة في العلم والجسم{ }فاذكروا آلء الله{ أي نعمككة‬
‫للء جمككع إلككى وقيككل ألككى‪.‬‬‫ومننككه عليكككم }لعلكككم تفلحككون{ وا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مككا‬ ‫ن ي َعْب ُكد ُ آَباؤُن َككا فَأت ِن َككا ب ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬‫حد َهُ وَن َذ ََر َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِن َعْب ُد َ الل ّ َ‬
‫** َقال ُوَا ْ أ ِ‬
‫مككن ّرب ّك ُك ْ‬
‫م‬ ‫م ّ‬ ‫ل قَكد ْ وَقَ كعَ عَل َي ْك ُك ْ‬ ‫ن * قَككا َ‬ ‫صككادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ت َعِد َُنآ ِإن ُ‬
‫رجس وغَضب أ َتجادُلوِني في أ َسمآٍء سكميتمو َ َ‬
‫مككا‬ ‫م ّ‬ ‫م َوآب َككآؤك ُ ُ‬ ‫هآ أن ْت ُك ْ‬ ‫َ ّ ُْ ُ‬ ‫ِ َ ْ َ‬ ‫ِ ْ ٌ َ َ ٌ ُ َ ِ‬
‫ن*‬ ‫ري ك َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْت َظ ِ ِ‬ ‫مك َ‬ ‫م ّ‬ ‫معَك ُك ْ‬ ‫ن َفان ْت َظ ُِروَا ْ إ ِن ّككي َ‬ ‫طا ٍ‬‫سل ْ َ‬ ‫من ُ‬ ‫ه ب َِها ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن َّز َ‬
‫ن ك َكذ ُّبوا ْ ِبآَيات ِن َككا‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫داب ِكَر ال ّك ِ‬ ‫مّنا وَقَط َعَْنا َ‬ ‫مة ٍ ّ‬ ‫ح َ‬
‫ه ب َِر ْ‬ ‫مع َ ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْناهُ َوال ّ ِ‬ ‫فَأن َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مككككككككككككككككككككككؤْ ِ‬ ‫كككككككككككككككككككككككاُنوا ْ ُ‬ ‫مككككككككككككككككككككككا َ‬ ‫وَ َ‬
‫يخبر تعالى عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود‬
‫ليككة كقككول الكفككار‬ ‫عليه السلم }قالوا أجئتنا لنعبد اللككه وحككده{ ا َ‬
‫من قريككش }إذ قككالوا اللهككم إن كككان هككذا هككو الحككق مككن عنككدك‬
‫فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنككا بعككذاب أليككم{ وقككد ذكككر‬
‫محمد بن إسحاق وغيره أنهم كانوا يعبدون أصناما ً فصنم يقال لككه‬
‫صمد وآخر يقال صمود وآخر يقال له الهباء ولهذا قكال هككود عليكه‬
‫السلم }قد وقع عليكم من ربكم رجككس وغضككب{ أي قككد وجككب‬
‫عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس قيل هككو مقلككوب مككن رجككز‬
‫وعن ابن عباس معنككاه سككخط وغضككب }أتجككادلونني فككي أسككماء‬
‫‪774‬‬
‫سميتموها أنتم وآبككاؤكم{ أي أتحككاجوني فككي هككذه الصككنام الككتي‬
‫سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة وهي ل تضككر ول تنفككع ول جعككل اللككه‬
‫لكم على عبادتها حجة ول دليل ً ولهذا قال }ما نككزل اللككه بهككا مككن‬
‫سلطان ؟ فانتظروا إني معكم من المنتظرين{ وهذا تهديد ووعيد‬
‫من الرسككول لقككومه ولهككذا عقبككه بقككوله }فأنجينككاه والككذين معككه‬
‫برحمة منا وقطعنا دابر الذين كككذبوا بآياتنككا ومككا كككانوا مككؤمنين{‪.‬‬
‫وقد ذكر الله سبحانه صفة إهلكهم في أماكن أخككر مككن القككرآن‬
‫بأنه أرسل عليهم الريح العقيكم مكا تكذر مكن شكيء أتكت عليكه إل‬
‫ح‬ ‫لية الخرى }وأما عاد فأهلكوا بريكك ٍ‬ ‫جعلته كالرميم كما قال في ا َ‬
‫صرصر عاتية * سكخرها عليهكم سكبع ليكال وثمانيكة أيكام حسكوما ً‬
‫فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم‬
‫من باقية{ لما تمردوا وعتوا أهلكهم الله بريح عاتية فكانت تحمل‬
‫الرجل منهم فترفعه في الهواء ثككم تنكسككه علككى أم رأسككه فتثلككغ‬
‫رأسه حتى تبينه مككن بيككن جثتككه ولهككذا قككال }كككأنهم أعجككاز نخككل‬
‫خاوية{ وقال محمد بن إسحاق كانوا يسكنون بككاليمن بيككن عمككان‬
‫وحضرموت وكانوا مع ذلككك قككد فشككوا فككي الرض وقهككروا أهلهككا‬
‫بفضل قوتهم التي آتاهم الله وكانوا أصككحاب أوثككان يعبككدونها مككن‬
‫دون الله فبعث الله إليهم هودا ً عليه السككلم وهككو مككن أوسككطهم‬
‫نسبا ً وأفضلهم موضعا ً فأمرهم أن يوحدوا الله ول يجعلوا معه إلها ً‬
‫غيره وأن يكفوا عن ظلم الناس فككأبوا عليككه وكككذبوه وقككالوا مككن‬
‫أشد منا قوة واتبعه منهم ناس وهم يسكير يكتمككون إيمكانهم فلمككا‬
‫عتككت عككاد علككى اللككه وكككذبوا نككبيه وأكككثروا فككي الرض الفسككاد‬
‫وتجبروا وبنوا بكل ريع آية عبثا ً بغير نفع كلمهم هود فقال }أتبنون‬
‫بكككل ريككع آيككة تعبثككون * وتتخككذون مصككانع لعلكككم تخلككدون * وإذا‬
‫بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون{ }قالوا يا هود ما‬
‫جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمككؤمنين‬
‫* إن نقول إل اعتراك بعض آلهتنكا بسكوء{ أي بجنكون }قكال إنكي‬
‫أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونكه فكيكدوني‬
‫جميعا ً ثم ل تنظرون * إني توكلت على الله ربككي وربكككم مككا مككن‬
‫دابككة إل هككو آخككذ بناصككيتها إن ربككي علككى صككراط مسككتقيم{‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق‪ :‬فلما أبوا إل الكفر به أمسككك اللككه عنهككم‬
‫القطر ثلث سنين فيما يزعمون حككتى جهككدهم ذلككك قككال‪ :‬وكككان‬
‫‪775‬‬
‫الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان وطلبوا من الله الفرج فيه‬
‫إنما يطلبكونه بحرمكة ومككان بيتكه وككان معروفكا ً عنكد أهكل ذلكك‬
‫الزمان وبه العماليق مقيمون وهم من سللة عمليق بككن لوذ بككن‬
‫سام بن نوح وكان سيدهم إذ ذاك رجل ً يقال هل معاويككة بككن بكككر‬
‫وكانت له أم من قوم عاد واسمها كلهدة ابنة الخيبري قال فبعثت‬
‫عاد وفدا ً قريبا ً من سبعين رجل ً إلى الحككرم ليستسككقوا لهككم عنككد‬
‫الحرم فمروا بمعاوية بن بكككر بظككاهر مكككة فنزلككوا عليككه فأقككاموا‬
‫عنده شهرا ً يشربون الخمككر وتغنيهككم الجرادتككان‪ :‬قينتككان لمعاويككة‬
‫وكانوا قد وصلوا إليه في شهر فلما طككال مقككامهم عنككده وأخككذته‬
‫شفقة علككى قككومه واسككتحيا منهككم أن يككأمرهم بالنصككراف عمككل‬
‫شعرا ً يعرض لهم بالنصراف وأمر القينتين أن تغنيككاهم بككه فقككال‪:‬‬
‫أل يكككا قيكككل ويحكككك قكككم فهينملعكككل اللكككه يصكككبحنا غمامكككا‬
‫فيسككككقي أرض عككككاد إن عادًاقككككد أمسككككوا ل يككككبينون الكلمككككا‬
‫مككن العطككش الشككديد وليككس نرجككوبه الشككيخ الكككبير ول الغلمككا‬
‫وقكككد ككككانت نسكككاؤهم بخيرفقكككد أمسكككت نسكككاؤهم عيكككامى‬
‫وإن الككككوحش تككككأتيهم جهككككارًاول تخشككككى لعككككادي سككككهاما‬
‫وأنتكككككم ههنكككككا فيمكككككا اشكككككتهيتمنهاركم وليلككككككم التمامكككككا‬
‫فقبكككح وفكككدكم مكككن وفكككد قومكككول ل ُّقكككوا التحيكككة والسكككلما‬
‫قال‪ :‬فعند ذلك تنبه القوم لمككا جككاؤوا لككه فنهضككوا علككى الحككرم‬
‫ودعوا لقومهم فدعا داعيهم وهو قيل بن عنز فأنشأ الله سحابات‬
‫ثلثا ً بيضاء وسوداء وحمراء ثم ناداه مناد من السماء اختر لنفسك‬
‫أو لقومك من هذا السحاب فقال‪ :‬اخترت هذه السككحابة السككوداء‬
‫فإنها أكثر السحاب ماء فناداه مناد اخترت رمككادا ً رمككددًا‪ ,‬ل تبقككي‬
‫من عككاد أحككدا ً ل والككدا ً تككترك ول ولككدًا‪ ,‬إل جعلتككه همككدًا‪ ,‬إل بنككي‬
‫اللوذية المهندا‪ ,‬قال وبنو اللوذية بطن من عاد يقيمون بمكة فلككم‬
‫يصبهم ما أصاب قومهم قال وهم من بقي من أنسالهم وذراريهم‬
‫لخرة قال‪ :‬وساق الله السحابة السوداء فيما يككذكرون الككتي‬ ‫عاد ا َ‬
‫اختارها قيل بن عنز بمككا فيهككا مككن النقمككة إلككى عككاد حككتى تخككرج‬
‫عليهم من واد يقال له المغيث فلما رأوها استبشككروا وقككالوا هككذا‬
‫عارض ممطرنا يقول }بل هو ما اسككتعجلتم بككه ريككح فيهككا عككذاب‬
‫أليم * تدمر كل شيء{ أي تهلك ككل شكيء مكرت بكه فككان أول‬
‫من أبصر ما فيها وعرف أنها ريككح فيمككا يككذكرون امككرأة مككن عككاد‬
‫‪776‬‬
‫يقال لها مميد فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت فلمككا أفككاقت‬
‫قالوا ما رأيت يا مميد ؟ قالت ريحا ً فيها شبه النككار أمامهككا رجككال‬
‫يقودونها فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيكام حسكوما ً كمكا‬
‫قال الله تعالى‪ .‬والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحدا ً إل هلككك‪,‬‬
‫واعتزل هود عليه السلم فيما ذكر لي ومككن معككه مككن المككؤمنين‬
‫في حظيرة مكا يصكيبه ومكن معكه إل مكا تليكن عليكه الجلكود وتلكذ‬
‫النفس وإنهككا لتمككر علككى عككاد بككالظعن مككا بيككن السككماء والرض‬
‫وتدمغهم بالحجارة وذكر تمام القصككة بطولهككا وهككو سككياق غريككب‬
‫فيه فوائد كثيرة وقد قال الله تعالى‪} :‬ولما جاء أمرنا نجينككا هككودا ً‬
‫والككذين آمنككوا معككه برحمككة منككا ونجينككاهم مككن عككذاب غليككظ{‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث الذي رواه المام أحمد في مسككنده قريككب‬
‫مما أورده محمد بن إسحاق بن يسككار رحمككه اللككه‪ ,‬وقككال المككام‬
‫أحمد حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو المنككذر سككلم بككن سككليمان‬
‫النحوي حدثنا عاصم بن أبكي النجكود عكن أبكي وائل عكن الحكارث‬
‫البكري قال‪ :‬خرجت أشكو العلء بن الحضرمي إلككى رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة فإذا بعجوز مككن بنككي تميككم‬
‫منقطع بها فقالت لي‪ :‬يا عبد الله إن لي إلككى رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم حاجة هل أنت مبلغككي إليككه قككال فحملتهككا فككأتيت‬
‫المدينة فإذا المسجد غاص بأهله وإذا راية سوداء تخفككق وإذا بلل‬
‫متقلد سيفا ً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‪ :‬مككا‬
‫شأن الناس ؟ قالوا‪ :‬يريد أن يبعث عمككرو بككن العككاص وجهكا ً قككال‬
‫فجلست فدخل منزلككه أو قككال رحلككه فاسككتأذنت عليككه فككأذن لككي‬
‫فدخلت وسلمت فقال‪ :‬هل بينكككم وبيككن تميككم شككيء قلككت‪ :‬نعككم‬
‫وكككككككككككككككانت لنككككككككككككككا الككككككككككككككدائرة عليهككككككككككككككم‪.‬‬
‫ومررت بعجوز من بنككي تميككم منقطككع بهككا فسككألتني أن أحملهككا‬
‫إليك وها هي بالباب فأذن لهككا فكدخلت فقلكت يككا رسكول اللكه إن‬
‫رأيت أن تجعل بيننككا وبيككن تميككم حككاجزا ً فاجعكل الكدهناء فحميكت‬
‫العجككوز واسككتوفزت وقككالت يككا رسككول اللككه فككإلى أيككن يضككطر‬
‫مضطرك قال قلت‪ :‬إن مثلي مثل مككا قككال الول‪ :‬معككزى حملككت‬
‫حتفها‪ ,‬حملت هككذه ول أشككعر أنهككا كككانت لككي خصككما ً أعككوذ بككالله‬
‫وبرسوله أن أكون كوافد عاد قككال لككي »ومككا وافككد عككاد ؟« وهككو‬
‫أعلم بالحديث منه ولكن يستطعمه قلت إن عككادا ً قحطككوا فبعثككوا‬
‫‪777‬‬
‫وافدا ً لهم يقال له قيل فمر بمعاوية بكن بككر فأقككام عنككده شكهرا ً‬
‫يسقيه الخمر وتغنيه جاريتككان يقككال لهمككا الجرادتككان فلمككا مضككى‬
‫الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال اللهم إنك تعلم أنككي لككم أجىككء‬
‫إلى مريض فأداويه‪ ,‬ول إلى أسير فأفككاديه‪ .‬اللهككم اسككق عككادا ً مككا‬
‫كنت تسقيه‪ ,‬فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومأ إلككى‬
‫سحابة منها سوداء فنودي منها خككذها رمككادا ً رمككددًا‪ ,‬ل تبقككي مككن‬
‫عاد أحدا ً قال‪ :‬فما بلغني أنه بعث الله عليهم من الريح إل قدر ما‬
‫يجري في خاتمي هككذا حككتى هلكككوا‪ .‬قككال أبككو وائل وصككدق قككال‪:‬‬
‫وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدا ً لهم قالوا ل تكن كوافد عككاد‬
‫هكذا رواه المام أحمد في المسند‪ ,‬ورواه الترمذي عككن عبككد بككن‬
‫حميد عن زيد بككن الحبكاب بكه نحكوه‪ ,‬ورواه النسككائي مكن حككديث‬
‫سلم بن أبي المنذر عن عاصم وهو ابن بهدلة ومككن طريقككه رواه‬
‫ابن ماجه أيضا ً عن أبي وائل عن الحارث بككن حسككان البكككري بككه‬
‫ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن زيد بن حباب بككه ووقككع عنككده‬
‫عن الحارث بن يزيد البكري فككذكره ورواه أيضكا ً عكن أبكي كريكب‬
‫عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث بن حسان البكككري‬
‫فككككذكره ولككككم أر فككككي النسككككخة أبككككا وائل واللككككه أعلككككم‪.‬‬
‫ن‬ ‫مك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫مككا ل َك ُك ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّك َ‬ ‫ل َياقَوْم ِ اعْب ُك ُ‬ ‫صاِلحا ً َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫مود َ أ َ َ‬ ‫ى ثَ ُ‬ ‫َ‬
‫** وَإ ِل َ‬
‫ة‬‫م آي َك ً‬ ‫ة الل ّكهِ ل َك ُك ْ‬ ‫هـكذِهِ َناقَك ُ‬ ‫م َ‬ ‫مككن ّرب ّك ُك ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ب َي ّن َك ٌ‬ ‫جككآَءت ْك ُ ْ‬ ‫إ َِلـهٍ غَي ُْرهُ قَكد ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ل فكي أ َ‬ ‫ها ت َأ ْك ُ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عك َ‬
‫م َ‬ ‫خكذ َك ُ ْ‬ ‫سكوٍَء فَي َأ ُ‬ ‫ها ب ِ ُ‬ ‫سكو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ض الّلكهِ وَل َ ت َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫فَذ َُرو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫م فِككي الْر ِ‬ ‫من ب َعْدِ عَككادٍ وَب َكوّأك ُ ْ‬ ‫خل ََفآَء ِ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫م * َواذ ْك ُُروَا ْ إ ِذ ْ َ‬ ‫أِلي ٌ‬
‫ل ب ُُيوتا ً َفاذ ْك ُُروَا ْ آل َءَ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫جَبا َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫حُتو َ‬ ‫صورا ً وَت َن ْ ِ‬ ‫سُهول َِها قُ ُ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت َت ّ ِ‬
‫مككن‬ ‫س كت َك ْب َُروا ْ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مل ُ ال ّك ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن * قَككا َ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫مْف ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫ِ‬ ‫وا ِفي الْر‬ ‫وَل َ ت َعْث َ ْ‬
‫قَومه ل ِل ّذين استضعُِفوا ْ ل ِمن آمن منهم أ َتعل َمو َ‬
‫ل‬ ‫سك ٌ‬ ‫مْر َ‬ ‫صاِلحا ً ّ‬ ‫ن َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ْ َ َ ِ ُْ ْ َْ ُ َ‬ ‫ِ َ ْ ُ ْ‬ ‫ْ ِ ِ‬
‫ست َك ْب َُروَا ْ إ ِّنككا‬ ‫ُ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫ن * َقا َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫مآ أْر ِ‬ ‫من ّرب ّهِ َقال ُوَا ْ إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ة وَعَت َكوْا ْ عَك‬ ‫ن * فَعََقكُروا ْ الّناقَك َ‬
‫م‬ ‫مكرِ َرب ّهِك ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ككافُِرو َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫منت ُ ْ‬ ‫ِبال ّذِيَ آ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫خ كذ َت ْهُ ُ‬ ‫ن * فَأ َ‬ ‫س كِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مك َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ت َعِد َُنآ ِإن ُ‬ ‫ح ائ ْت َِنا ب ِ َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫وََقاُلوا ْ َيا َ َ‬
‫ن علمككاء التفسككير والنسككب‬ ‫مي َ‬ ‫جككاث ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫دارِهِ ْ‬ ‫حوا ْ ِفي َ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ة فَأ ْ‬ ‫جَف ُ‬ ‫الّر ْ‬
‫ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح وهو أخو جككديس بككن عككاثر‬
‫وكذلك قبيلة طسم كل هؤلء كانوا أحياء من العرب العاربككة قبككل‬
‫‪778‬‬
‫إبراهيم الخليككل عليكه السككلم وكككانت ثمككود بعككد عككاد ومسككاكنهم‬
‫مشهورة فيما بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله وقد‬
‫مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديارهم ومساكنهم وهو‬
‫ذاهب إلى تبوك في سنة تسع‪ .‬قال المام أحمد حدثنا عبد الصمد‬
‫حدثنا صخر بن جويريكة عكن نكافع عكن ابكن عمكر قكال‪ :‬لمكا نكزل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم بالنككاس علككى تبككوك نككزل بهككم‬
‫الحجر عنككد بيككوت ثمككود فاسككتقى النككاس مككن ا َ‬
‫لبككار الككتي كككانت‬
‫تشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا لهككا القككدور فككأمرهم النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القككدور وعلفككوا العجيككن البككل ثككم‬
‫ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة‬
‫ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا وقال »إني أخشككى أن‬
‫يصيبكم مثل ما أصابهم فل تدخلوا عليهم« وقال أحمد أيضا ً حدثنا‬
‫عفان حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا عبد الله بن دينار عن عبد‬
‫الله بن عمر قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم وهككو‬
‫بالحجر »ل تدخلوا على هؤلء المعذبين إل أن تكونككوا بككاكين فككإن‬
‫لم تكونوا باكين فل تدخلوا عليهم أن يصككيبكم مثككل مككا أصككابهم«‬
‫وأصككل هككذا الحككديث مخككرج فككي الصككحيحين مككن غيككر وجككه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد أيضًا‪ :‬حدثنا يزيد بككن هككارون المسككعودي عككن‬
‫إسماعيل بن أوسط عن محمد بن أبي كبشككة النمككاري عككن أبيككه‬
‫قال لما كككان فككي غككزوة تبككوك تسككارع النككاس إلككى أهككل الحجككر‬
‫يدخلون عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنككادى‬
‫في الناس »الصلة جامعة« قككال فككأتيت رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم وهو ممسك بعنزة وهو يقول »ما تدخلون علككى قككوم‬
‫غضب الله عليهم« فناداه رجل منهم نعجب منهم يا رسول الله ؟‬
‫قال »أفل أنبئكم بأعجب من ذلك‪ .‬رجل من أنفسكككم ينككبئكم بمككا‬
‫كان قبلكم وبما هو كائن بعدكم فاسككتقيموا وسككددوا فككإن اللككه ل‬
‫يعبأ بعذابكم شيئا ً وسيأتي قوم ل يدفعون عن أنفسهم شككيئًا« لككم‬
‫يخرجه أحد من أصحاب السنن وأبو كبشة اسككمه عمككر بككن سككعد‬
‫ويقال عامر بن سعد والله أعلكم‪ ,‬وقكال المكام أحمكد حكدثنا عبكد‬
‫الرزاق حدثنا معمر عن عبد اللككه بككن عثمككان بككن خككثيم عككن أبككي‬
‫الزبير عن جابر قال لما مر رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم‬
‫ليككات فقككد سككألها قككوم صككالح فكككانت كك‬‫بالحجر قال »ل تسألوا ا َ‬
‫‪779‬‬
‫يعني الناقة ك ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر‬
‫ربهم فعقروها وكانت تشرب مككاءهم يوم كا ً ويشككربون لبنهككا يوم كا ً‬
‫فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديككم السككماء منهككم‬
‫إل رجل ً واحدا ً كان في حرم الله« فقالوا‪ :‬من هو يا رسول الله ؟‬
‫قال »أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه« وهذا‬
‫الحديث ليس في شيء من الكتب الستة وهو على شرط مسلم‪.‬‬
‫قوله تعالى‪} :‬وإلى ثمود{ أي ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخككاهم‬
‫صالحا ً }قال يا قوم اعبدوا الله مككا لكككم مككن إلككه غيككره{ فجميككع‬
‫الرسل يدعون إلى عبادة الله وحده ل شريك له كما قككال تعككالى‪:‬‬
‫}وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليككه أنككه ل إلككه إل أنككا‬
‫فاعبدون{ وقال }ولقد بعثنا في كل أمككة رسككول ً أن اعبككدوا اللككه‬
‫واجتنبوا الطاغوت{ وقوله }قد جاءتكم بينة من ربكككم هككذه ناقككة‬
‫الله لكم آية{ أي قد جاءتكم حجة من الله على صدق مككا جئتكككم‬
‫به وكانوا هم الذين سألوا صالحا ً أن يأتيهم بآية واقترحوا عليه بأن‬
‫تخرج لهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم وهي صخرة منفككردة‬
‫في ناحية الحجر يقال لها الكاتبة فطلبوا منه أن تخككرج لهككم منهككا‬
‫ناقة عشككراء تمخككض فأخككذ عليهككم صككالح العهككود والمواثيككق لئن‬
‫أجابهم الله إلى سؤالهم وأجابهم إلى طلبتهم ليؤمنن بككه وليتبعنككه‬
‫فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم قام صالح عليه السلم‬
‫إلى صلته ودعا الله عز وجل فتحركت تلك الصخرة ثم انصككدعت‬
‫عن ناقة جوفاء وبراء يتحرك جنينها بيككن جنبيهككا كمكا سكألوا فعنككد‬
‫ذلك آمن رئيسهم جندع بن عمرو ومن كان معه على أمككره وأراد‬
‫بقية أشراف ثمود أن يؤمنككوا فصككدهم ذؤاب بككن عمككرو بككن لبيككد‬
‫والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن صمعر بن جلهس وكان لجندع‬
‫بن عمرو ابن عم يقال له‪ :‬شهاب بن خليفة بن مخلة بن لبيد بككن‬
‫جواس وكان من أشككراف ثمككود وأفاضككلها فككأراد أن يسككلم أيضكا ً‬
‫فنهاه أولئك الرهط فأطاعهم فقككال فككي ذلككك رجككل مككن مككؤمني‬
‫ثمككود يقككال لككه مهككوش بككن عثمككة بككن الككدميل رحمككه اللككه‪:‬‬
‫وككككانت عصكككبة مكككن آل عمروإلكككى ديكككن النكككبي دعكككوا شكككهابا‬
‫م بككككأن يجيككككب فلككككو أجابككككا‬‫عزيككككز ثمككككود كلهككككم جميعككككًافه ّ‬
‫لصككككبح صككككالح فينككككا عزيزًاومككككا عككككدلوا بصككككاحبهم ذؤابككككا‬
‫ولكككككن الغككككواة مككككن آل حجرتولككككوا بعككككد رشككككدهم ذئابككككا‬
‫‪780‬‬
‫وأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة تشككرب‬
‫من بئرها يوما ً وتدعه لهم يوما ً وكانوا يشككربون لبنهككا يككوم شككربها‬
‫يحتلبونها فيملون ما شاؤوا من أوعيتهككم وأوانيهككم كمككا قككال فككي‬
‫لية الخرى }ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كككل شككرب محتضككر{‬ ‫ا َ‬
‫وقال تعالى‪} :‬هككذه ناقككة لهككا شككرب ولكككم شككرب يككوم معلككوم{‬
‫وكانت تسرح في بعض تلك الودية ترد من فج وتصدر مككن غيككره‬
‫ليسعها لنها كانت تتضلع من الماء وكانت على ما ذكر خلقا ً هككائل ً‬
‫ومنظرا ً رائعا ً إذا مرت بأنعامهم نفرت منها فلما طال عليهم ذلككك‬
‫واشككتد تكككذيبهم لصككالح النككبي عليككه السككلم عزمككوا علككى قتلهككا‬
‫ليستأثروا بالماء كل يوم فيقال إنهم اتفقوا كلهم على قتلها‪ ,‬قككال‬
‫قتادة بلغني أن الذي قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضككون بقتلهككا‬
‫حتى على النسكاء فككي خككدورهن وعلككى الصكبيان قلكت وهككذا هكو‬
‫الظككاهر لقككوله تعككالى‪} :‬فكككذبوه فعقروهككا فدمككدم عليهككم ربهككم‬
‫بذنبهم فسواها{ وقال }وآتينا ثمود الناقككة مبصككرة فظلمككوا بهككا{‬
‫وقال }فعقروا الناقة{ فأسند ذلك على مجموع القبيلة فدل على‬
‫رضككككككككككى جميعهككككككككككم بككككككككككذلك واللككككككككككه أعلككككككككككم‪.‬‬
‫وذكر المام أبو جعفر بن جريككر وغيككره مككن علمككاء التفسككير أن‬
‫سبب قتلها أن امرأة منهم يقككال لهككا عنيككزة ابنككة غنككم بككن مجلككز‬
‫وتكنى أم غنم كانت عجوزا ً كافرة وكانت من أشد النككاس عككداوة‬
‫لصالح عليه السلم‪ ,‬وكانت لها بنككات حسككان ومككال جزيككل وكككان‬
‫زوجها ذؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمكود وامكرأة أخكرى يقككال لهككا‬
‫صدوف بنت المحيا بن زهير بن المختار ذات حسب ومال وجمال‬
‫وكانت تحت رجل مسلم مككن ثمككود ففككارقته فكانتككا تجعلن لمككن‬
‫التزم لهما بقتككل الناقككة‪ ,‬فككدعت صككدوف رجل ً يقككال لككه الحبككاب‪,‬‬
‫فعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقككة فككأبى عليهككا فككدعت ابككن‬
‫عم لها يقال له مصككدع بككن مهككرج بككن المحيككا فأجابهككا إلككى ذلككك‬
‫ودعت عنيزة بنت غنم قدار بن سالف بن جذع وكككان رجل ً أحمككر‬
‫أزرق قصيرا ً يزعمون أنه كان ولد زنية وأنه لم يكن من أبيه الذي‬
‫ينسب إليه وهو سالف‪ ,‬وإنما هو من رجل يقال لككه صككهياد ولكككن‬
‫ولد على فراش سالف‪ .‬وقالت له أعطيككك أي بنككاتي شككئت علككى‬
‫أن تعقر الناقة فعند ذلككك انطلككق قككدار بككن سككالف‪ ,‬ومصككدع بككن‬
‫مهرج فاستغويا غواة من ثمود فاتبعهما سبعة نفر فصككاروا تسككعة‬
‫‪781‬‬
‫رهط وهم الذين قال الله تعالى‪} :‬وكان في المدينة تسككعة رهككط‬
‫يفسككدون فككي الرض ول يصككلحون{ وكككانوا رؤسككاء فككي قككومهم‬
‫فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها فطاوعتهم على ذلك فككانطلقوا‬
‫فرصدوا الناقة حين صدرت مككن المككاء‪ ,‬وقككد كمككن لهككا قككدار بككن‬
‫سالف في أصل صخرة على طريقها وكمن لها مصدع فككي أصككل‬
‫أخرى‪ ,‬فمرت على مصدع فرماها بسهم‪ ,‬فانتظم به عضلة ساقها‬
‫وخرجت أم غنم عنيزة وأمرت ابنتهككا وكككانت مككن أحسككن النككاس‬
‫مرته وشد على الناقة بالسككيف‬ ‫وجها ً فسفرت عن وجهها لقدار وذ ّ‬
‫فكشف عكن عرقوبهككا فخكرت سككاقطة إلكى الرض ورغكت رغكاة‬
‫واحدة تحذر سقبها ثم طعن في لبتها فنحرها وانطلق سقبها وهككو‬
‫فصيلها حتى أتى جبل ً منيعا ً فصعد أعلى صخرة فيه ورغككا‪ ,‬فككروى‬
‫عبدالرزاق عن معمر عمن سمع الحسن البصري أنه قال‪ :‬يككا رب‬
‫أين أمي ؟ ويقال إنه رغا ثلث مرات وإنه دخل في صخرة فغككاب‬
‫فيها‪ ,‬ويقال بل اتبعوه فعقروه مككع أمككه فككالله أعلككم‪ ,‬فلمككا فعلككوا‬
‫ذلك وفرغكوا مكن عقكر الناقكة وبلكغ الخكبر صكالحا ً عليكه السكلم‪,‬‬
‫فجاءهم وهم مجتمعون‪ ,‬فلما رأى الناقة بكى وقال }تمتعككوا فككي‬
‫دارككككككككككككككككم ثلثكككككككككككككككة أيكككككككككككككككام{ ا َ‬
‫ليكككككككككككككككة‪.‬‬
‫وكككان قتلهككم الناقككة يككوم الربعككاء‪ ,‬فلمككا أمسككى أولئك التسككعة‬
‫الرهط عزموا على قتل صالح وقالوا‪ :‬إن كان صادقا ً عجلناه قبلنكا‬
‫وإن كان كاذبا ً ألحقناه بناقته }قالوا تقاسموا بككالله لنككبيتنه وأهلككه‬
‫ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ً‬
‫ومكرنا مكرا ً وهم ل يشعرون فانظر كيككف كككان عاقبككة مكرهككم{‬
‫لية‪ ,‬فلما عزموا علككى ذلككك وتواطككؤوا عليككه وجككاؤوا مككن الليككل‬ ‫ا َ‬
‫ليفتكككوا بنككبي اللككه‪ ,‬فأرسككل اللككه سككبحانه وتعككالى ولككه العككزة‬
‫ولرسكوله عليهكم حجكارة فرضكختهم سكلفا ً وتعجيل ً قبكل قكومهم‪,‬‬
‫وأصككبح ثمككود يككوم الخميككس وهككو اليككوم الول مككن أيككام النظككرة‬
‫ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح عليه السككلم‪ ,‬وأصككبحوا فككي‬
‫اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ووجوههم محمككرة‪,‬‬
‫وأصككبحوا فككي اليككوم الثككالث مككن أيككام المتككاع وهككو يككوم السككبت‬
‫ووجوههم مسككودة‪ ,‬فلمككا أصككبحوا مككن يككوم الحككد وقككد تحنطككوا‬
‫وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه عياذا ً بالله مككن ذلككك ل يككدرون‬
‫ماذا يفعل بهم ول كيف يأتيهم العذاب‪ ,‬وأشرقت الشمس جاءتهم‬
‫‪782‬‬
‫صيحة مككن السككماء ورجفككة شككديدة مككن أسككفل منهككم‪ ,‬ففاضككت‬
‫الرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة }فأصبحوا فككي دارهككم‬
‫جاثمين{ أي صرعى ل أرواح فيهم ولم يفلت منهم أحككد ل صككغير‬
‫ول كبير ل ذكر ول أنككثى‪ ,‬قككالوا‪ :‬إل جاريككة كككانت مقعككدة واسككمها‬
‫كلبة ابنة السلق‪ ,‬ويقال لها الزريقة‪ ,‬وكانت كافرة شديدة العداوة‬
‫لصككالح عليككه السككلم‪ ,‬فلمككا رأت مككا رأت مككن العككذاب أطلقككت‬
‫رجلهككا‪ ,‬فقككامت تسككعى كأسككرع شككيء فككأتت حي كا ً مككن الحيككاء‬
‫فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها ثم استسقتهم من الماء‪ ,‬فلمككا‬
‫شكككككككككككككككككككككككككككككككككككربت مكككككككككككككككككككككككككككككككككككاتت‪.‬‬
‫قال علماء التفسير‪ :‬ولم يبق من ذريككة ثمككود أحككد سككوى صككالح‬
‫عليه السلم ومن تبعه رضي الله عنهم‪ ,‬إل أن رجل ً يقككال لككه أبككو‬
‫رغال كان لما وقعت النقمة بقومه مقيما ً إذ ذاك في الحككرم فلككم‬
‫يصبه شيء فلما خرج في بعض اليام إلى الحل جككاءه حجككر مككن‬
‫السماء فقتله‪ ,‬وقد تقدم في أول القصة حديث جابر بن عبد اللككه‬
‫في ذلك وذكككروا أن أبككا رغككال هككذا هككو والككد ثقيككف الككذين كككانوا‬
‫يسكنون الطائف‪ ,‬قال عبد الرزاق عن معمر‪ :‬أخككبرني إسككماعيل‬
‫بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر أبي رغككال فقككال‬
‫»أتدرون من هذا ؟« قالوا الله ورسوله أعلم‪ ,‬قال »هذا قبر أبككي‬
‫رغال رجل من ثمود كان في حرم الله فمنعككه حككرم اللككه عككذاب‬
‫الله‪ ,‬فلما خرج أصابه مككا أصكاب قكومه فكدفن هاهنكا ودفكن معكه‬
‫غصن مككن ذهككب‪ ,‬فنككزل القككوم فابتككدروه بأسككيافهم فبحثككوا عنككه‬
‫فاستخرجوا الغصن« وقال عبد الرزاق‪ :‬قال معمر‪ :‬قال الزهككري‪:‬‬
‫أبكككو رغكككال أبكككو ثقيكككف هكككذا مرسكككل مكككن هكككذا الكككوجه‪.‬‬
‫وقد روي متصل ً من وجه آخر كما قال محمككد بككن إسككحاق‪ :‬عككن‬
‫إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير قككال‪ :‬سككمعت عبككد اللككه‬
‫بن عمرو يقول سمعت رسول الله صلى الله عليككه وسككلم يقككول‬
‫حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر‪ ,‬فقككال »هككذا قككبر أبككي‬
‫رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحككرم فككدفع عنككه‪.‬‬
‫فلما خرج أصابته النقمة التي أصككابت قككومه بهككذا المكككان فككدفن‬
‫فيه‪ ,‬وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهككب إن أنتككم نبشككتم عنككه‬
‫أصبتموه‪ ,‬فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن« وهكذا رواه أبو‬
‫داود‪ ,‬عن يحيى بن معين عن وهب بن جريكر بكن حكازم عكن أبيكه‬
‫‪783‬‬
‫عن ابن إسحاق به‪ ,‬قال شيخنا أبككو الحجككاج المككزي‪ :‬وهككو حككديث‬
‫حسن عزيز )قلت( تفرد بوصله بجير بن أبي بجير هذا‪ ,‬وهو شككيخ‬
‫ل يعرف إل بهذا الحديث‪ ,‬قال يحيى بن معيككن‪ :‬ولككم أسككمع أحككدا ً‬
‫روى عنه غير إسماعيل بن أمية‪) ,‬قلككت( وعلككى هككذا فيخشككى أن‬
‫يكون وهم في رفع هذا الحديث‪ .‬وإنما يكون من كلم عبد الله بن‬
‫عمرو مما أخذه من الزاملككتين‪ ,‬قككال شككيخنا أبككو الحجككاج بعككد أن‬
‫عرضكككككت عليكككككه ذلكككككك وهكككككذا محتمكككككل واللكككككه أعلكككككم‪.‬‬
‫َ‬
‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ح ُ‬‫ص ْ‬
‫ة َرّبي وَن َ َ‬‫سال َ َ‬
‫م رِ َ‬‫ل َياقَوْم ِ ل ََقد ْ أب ْل َغْت ُك ُ ْ‬ ‫م وََقا َ‬
‫ى عَن ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫** فَت َوَل َ‬
‫ن‬
‫حي َ‬ ‫صكككككككككككككككككك ِ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫حّبككككككككككككككككككو َ‬ ‫كككككككككككككككككككن ل ّ ت ُ ِ‬ ‫وَل َ ِ‬
‫هكذا تقريكع مككن صكالح عليكه السكلم لقككومه‪ ,‬لمكا أهلكهككم اللكه‬
‫بمخككالفتهم إيككاه وتمردهككم علككى اللككه وإبككائهم عككن قبككول الحككق‬
‫وإعراضككهم عككن الهككدى إلككى العمككى‪ ,‬قككال لهككم صككالح ذلككك بعككد‬
‫هلكهككم‪ ,‬تقريعككا ً وتوبيخككا ً وهككم يسككمعون ذلككك‪ ,‬كمككا ثبككت فككي‬
‫الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسككلم لمككا ظهككر علككى‬
‫أهل بدر أقام هناك ثلثًا‪ ,‬ثم أمر براحلته فشدت بعد ثلث من آخر‬
‫الليل فركبها ثم سار حتى وقف على القليككب قليككب بككدر‪ ,‬فجعككل‬
‫يقول »يا أبا جهل بن هشام يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة ويا‬
‫فلن هل بن فلن وجككدتم مككا وعككد ربكككم حقكًا‪ ,‬فككإني وجككدت مككا‬
‫وعدني ربي حقًا« فقال له عمر‪ :‬يا رسول الله ما تكلم من أقوام‬
‫قد جيفوا ؟ فقال »والذي نفسي بيده مككا أنتككم بأسككمع لمككا أقككول‬
‫منهم ولكن ل يجيبون« وفي السيرة أنككه عليككه السككلم قككال لهككم‬
‫»بئس عشككيرة النككبي كنتككم لنككبيكم كككذبتموني وصككدقني النككاس‪,‬‬
‫وأخرجتموني وآواني الناس‪ ,‬وقاتلتموني ونصككرني النككاس‪ ,‬فككبئس‬
‫عشكككككككككككككيرة النكككككككككككككبي كنتكككككككككككككم لنكككككككككككككبيكم«‪.‬‬
‫وهكذا صالح عليه السلم قال لقومه }لقد أبلغتكم رسككالة ربككي‬
‫ونصحت لكم{ أي فلككم تنتفعككوا بككذلك(لنكككم ل تحبككون الحككق ول‬
‫تتبعون ناصحًا‪ ,‬ولهذا قال }ولكن ل تحبون الناصككحين{ وقككد ذكككر‬
‫بعض المفسرين‪ :‬أن كل نبي هلكت أمته كككان يككذهب فيقيككم فككي‬
‫الحرم حرم مكة‪ ,‬والله أعلم‪ ,‬وقد قال المام أحمد‪ :‬حككدثنا وكيككع‪,‬‬
‫حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عككن عكرمككة عككن ابككن‬
‫‪784‬‬
‫عباس قال‪ :‬لما مككر رسككول اللكه صككلى اللككه عليككه وسككلم بككوادي‬
‫عسفان حين حج قال »يا أبا بكككر أي واد هككذا ؟« قككال هككذا وادي‬
‫عسفان‪ ,‬قال »لقد مر به هود وصالح عليهما السلم على بكككرات‬
‫خطمهن الليف أزرهم العباء وأرديتهم النمار‪ ,‬يلبون يحجون البيت‬
‫العتيق« هذا حديث غريب مكن هكذاالوجه لكم يخرجكه أحكد منهكم‪.‬‬
‫ة ما سبَقك ُم بهككا م ك َ‬ ‫َ ْ‬
‫ح كدٍ‬‫نأ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ َِ‬ ‫ش َ َ َ َ‬ ‫ح َ‬‫ن ال َْفا ِ‬‫مهِ أت َأُتو َ‬ ‫ل ل َِقوْ ِ‬ ‫** وَُلوطا ً إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ْ‬
‫ل‬‫سككآءِ ب َك ْ‬
‫ن الن ّ َ‬
‫دو ِ‬ ‫مككن ُ‬
‫شكهْوَةً ّ‬‫ل َ‬ ‫جككا َ‬‫ن الّر َ‬‫م ل َت َأُتو َ‬‫ن * إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫من ال َْعال َ ِ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫سكككككككككككككككككككككرُِفو َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫م َقكككككككككككككككككككككوْ ٌ‬ ‫أن ُْتككككككككككككككككككككك ْ‬
‫يقككول تعككالى }و{ لقككد أرسككلنا }لوطكًا{ أو تقككديره }و{ اذكككر‬
‫}لوطا ً إذ قال لقومه{ ولوط هو ابن هاران بن آزر وهو ابن أخككي‬
‫إبراهيم الخليل عليهما السلم‪ ,‬وككان قكد آمكن مكع إبراهيكم عليكه‬
‫السلم وهاجر معه إلى أرض الشام فبعثه اللككه إلككى أهككل سككدوم‬
‫ومككا حولهككا مككن القككرى‪ ,‬يككدعوهم إلككى اللككه عككز وجككل ويككأمرهم‬
‫بككالمعروف وينهككاهم عمككا كككانوا يرتكبككونه مككن المككآثم والمحككارم‬
‫والفواحش التي اخترعوها لم يسككبقهم بهككا أحككد مككن بنككي آدم ول‬
‫غيرهم‪ ,‬وهو إتيان الذكور دون الناث‪ ,‬وهذا شيء لم يكن بنككو آدم‬
‫تعهده ول تككألفه ول يخطككر ببككالهم‪ ,‬حككتى صككنع ذلككك أهككل سككدوم‬
‫عليهككككككككككككككككككككككم لعككككككككككككككككككككككائن اللككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫قال عمرو بن دينككار فككي قككوله }مككا سككبقكم بهككا مككن أحككد مككن‬
‫العالمين{ قال‪ :‬ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قككوم لككوط‪ ,‬وقككال‬
‫الوليد بن عبد الملك الخليفة الموي باني جككامع دمشككق‪ :‬لككول أن‬
‫الله عز وجل قص علينا خبر قوم ولوط مككا ظننككت أن ذكككرا ً يعلككو‬
‫ذكرًا‪ ,‬ولهذا قككال لهككم لككوط عليككه السككلم }أتككأتون الفاحشككة مككا‬
‫سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من‬
‫دون النساء{ أي عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلى‬
‫الرجال وهذا إسككراف منكككم وجهككل لنككه وضككع الشككيء فككي غيككر‬
‫ليككة الخككرى }هككؤلء بنككاتي إن كنتككم‬ ‫محله‪ ,‬ولهذا قال لهككم فككي ا َ‬
‫فاعلين{ فأرشدهم إلى نسائهم فاعتذروا إليه بأنهم ل يشتهونهن‪,‬‬
‫}قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلككم مككا نريككد{‬
‫أي لقد علمت أنككه ل أرب لنككا فككي النسككاء ول إرادة‪ ,‬وإنككك لتعلككم‬
‫‪785‬‬
‫مرادنا من أضيافك‪ ,‬وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى‬
‫بعضهم ببعض وكذلك نسككاؤهم كككن قككد اسككتغنين بعضككهن ببعككض‬
‫أيضككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫م‬ ‫مككن قَْري َت ِك ُك ْ‬

‫م إ ِن ّهُك ْ‬ ‫م ّ‬
‫جوهُ ْ‬ ‫مهِ إ ِل ّ َأن َقال ُوَا ْ أ َ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ب قَوْ ِ‬
‫وا َ‬
‫ج َ‬
‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫** وَ َ‬
‫ُ‬
‫س ي َت َط َّهككككككككككككككككككككككككككككككككككُرو َ‬
‫ن‬ ‫أَنككككككككككككككككككككككككككككككككككا ٌ‬
‫أي ما أجابوا لوطا ً إل أن هموا بإخراجه ونفيه ومن معه من بيككن‬
‫أظهرهم‪ ,‬فأخرجه الله تعالى سالما ً وأهلكهم في أرضهم صاغرين‬
‫مهانين‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬إنهم أناس يتطهرون{ قال قتادة‪ :‬عابوهم‬
‫بغير عيب‪ ,‬وقال مجاهد‪ :‬إنهم أناس يتطهكرون مككن أدبككار الرجكال‬
‫وأدبككككار النسككككاء‪ .‬وروي مثلككككه عككككن ابككككن عبككككاس أيضككككًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫** فََأنجيناه وأ َهْل َه إل ّ امرأ َ‬

‫مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن * وَأ ْ‬ ‫ِ َ‬‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫غا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫كا‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ َْ ُ َ‬
‫ن‬
‫ميكككككك َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬‫ة ال ْ ُ‬
‫عاقَِبكككككك ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كككككككا َ‬‫ف َ‬ ‫طككككككرا ً َفككككككان ْظ ُْر ك َْيكككككك َ‬‫م َ‬
‫ّ‬
‫يقول تعالى فأنجينا لوطا وأهله ولم يؤمن به أحككد منهككم سككوى‬ ‫ً‬
‫أهل بيته فقككط‪ ,‬كمكا قككال تعككالى‪} :‬فأخرجنككا مككن كككان فيهككا مككن‬
‫المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيككت مككن المسككلمين{ إل امرأتككه‬
‫فإنهككا لككم تككؤمن بككه‪ ,‬بككل كككانت علككى ديككن قومهككا تمككالئهم عليككه‬
‫وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم‪ ,‬ولهككذا‬
‫لمككاأمر لككوط عليككه السككلم ليسككري بككأهله أمككر أن ل يعلمهككا ول‬
‫يخرجها من البلد‪ ,‬ومنهم من يقول‪ :‬بل اتبعتهم فلما جككاء العككذاب‬
‫التفتت هي فأصابها ما أصابهم‪ ,‬والظهر أنها لككم تخككرج مككن البلككد‬
‫ول أعلمها لوط بل بقيت معهم‪ ,‬ولهذا قال ههنا }إل امرأته كككانت‬
‫من الغابرين{ أي الباقين‪ ,‬وقيل من الهالكين وهو تفسير بككاللزم‪,‬‬
‫وقوله }وأمطرنا عليهككم مطككرًا{ مفسككر بقككوله }وأمطرنككا عليهككا‬
‫حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين‬
‫ببعيد{ ولهذا قال }فانظر كيف كان عاقبة المجرميككن{ أي انظككر‬
‫يا محمد كيف كان عاقبة من يجترىء على معاصي الله عز وجككل‬
‫ويككككككككككككككككككككككككككككككككككككذب رسكككككككككككككككككككككككككككككككككككله‪.‬‬
‫وقد ذهب المام أبو حنيفة رحمه الله إلككى أن اللئط يلقككى مككن‬
‫شاهق ويتبع بالحجارة كما فعككل بقككوم لكوط‪ ,‬وذهكب آخككرون مكن‬
‫‪786‬‬
‫العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصنا ً أو غير محصككن وهككو أحككد‬
‫قولي الشافعي رحمه الله والحجة ما رواه المام أحمد وأبككو داود‬
‫والترمذي وابن ماجه من حككديث الككدراوردي عككن عمككرو بككن أبككي‬
‫عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قككال‪ :‬قككال رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬من وجدتموه يعمل عمل قككوم لككوط‬
‫فاقتلوا الفاعل والمفعول به« وقال آخرون هو كالزاني فككإن كككان‬
‫محصنا ً رجم‪ ,‬وإن لم يككن محصكنا ً جلكد مكائة جلكدة‪ ,‬وهكو القكول‬
‫ا َ‬
‫لخككر للشككافعي‪ ,‬وأمككا إتيككان النسككاء فككي الدبككار فهككو اللوطيككة‬
‫الصغرى‪ ,‬وهو حرام بإجماع العلماء إل قول ً شاذا ً لبعككض السككلف‪,‬‬
‫وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليكككه وسكككلم وقكككد تقكككدم الكلم عليهكككا فكككي سكككورة البقكككرة‪.‬‬
‫ن‬ ‫مك ْ‬‫م ّ‬ ‫مككا ل َك ُك ْ‬‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّك َ‬ ‫ل َياقَوْم ِ اعْب ُك ُ‬ ‫شعَْيبا ً َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫َ‬ ‫مد ْي َ‬
‫ى َ‬
‫َ‬
‫** وَإ ِل َ‬
‫ن وَل َ‬ ‫مي كَزا َ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬ ‫م فَ كأ َوُْفوا ْ ال ْك َي ْك َ‬ ‫من ّرب ّك ُك ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ب َي ّن َ ٌ‬ ‫جآَءت ْك ُ ْ‬ ‫إ َِلـهٍ غَي ُْرهُ قَد ْ َ‬
‫دوا ْ‬ ‫خسوا ْ الناس أ َ‬
‫م‬‫حَها ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫صل َ ِ‬ ‫ض ب َعْد َ إ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫ت َب ْ َ ُ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مككككككككككككككؤْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫كنت ُكككككككككككككك ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫خي ْككككككككككككككٌر ل ّك ُكككككككككككككك ْ‬ ‫َ‬
‫قال محمد بن إسحاق‪ :‬هم من سللة مدين بن إبراهيم وشككعيب‬
‫وهو ابن ميكيل بن يشجر قال واسككمه بالسككريانية يككثرون )قلككت(‬
‫مدين تطلق على القبيلة وعلى المدينككة وهككي الككتي بقككرب معككان‬
‫من طريق الحجاز قال الله تعالى‪} :‬ولما ورد ماء مدين وجد عليه‬
‫مة من الناس يسقون{ وهم أصحاب اليكة كما سنذكره إن شاء‬ ‫أ ّ‬
‫الله وبه الثقة }قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره{ هذه‬
‫دعوة الرسل كلهم قد جاءتكم بينة مككن ربكككم‪ ,‬أي قككد أقككام اللككه‬
‫الحجككج والبينككات علككى صككدق مككا جئتكككم بككه‪ ,‬ثككم وعظهككم فككي‬
‫معاملتهم الناس بأن يوفوا المكيال والميككزان ول يبخسككوا النككاس‬
‫أشياءهم‪ ,‬أي ل يخونوا الناس فككي أمككوالهم ويأخككذوها علككى وجككه‬
‫البخس وهو نقكص المكيكال والميكزان وتدليسكا ً كمكا قكال تعكالى‪:‬‬
‫}ويل للمطففين ك إلى قوله ك لرب العالمين{ وهككذا تهديككد شككديد‬
‫ووعيد أكيد نسأل اللككه العافيككة منككه‪ ,‬ثككم قككال تعككالى إخبككارا ً عككن‬
‫شكعيب الكذي يقكال لكه خطيكب النبيكاء لفصكاحة عبكارته وجزالكة‬
‫مككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككوعظته‪.‬‬
‫‪787‬‬
‫ن‬ ‫مك ْ‬ ‫ل الل ّكهِ َ‬ ‫سكِبي ِ‬‫ن عَككن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫ن وَت َ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ط ُتو ِ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫دوا ْ ب ِك ُ ّ‬
‫** وَل َ ت َْقعُ ُ‬
‫ف‬‫م َوان ْظ ُُروا ْ ك َي ْ َ‬ ‫م قَِليل ً فَك َث َّرك ُ ْ‬ ‫وجا ً َواذ ْك ُُروَا ْ إ ِذ ْ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ب ِهِ وَت َب ُْغون ََها ِ‬ ‫م َ‬
‫آ َ‬
‫من ُككوا ْ ِبال ّكذِ َ‬
‫ي‬ ‫مآ َ‬‫منك ُك ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫ن َ‬
‫طآئ َِف ك ٌ‬ ‫ن * وَِإن ك َككا َ‬ ‫دي َ‬ ‫سك ِ‬ ‫مْف ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫عاقِب َك ُ‬‫ن َ‬ ‫ك َككا َ‬
‫ُ‬
‫و‬
‫هك َ‬ ‫م الّلك ُ‬
‫ه ب َي ْن ََنكا وَ ُ‬ ‫ح ُ‬
‫كك َ‬ ‫ى يَ ْ‬ ‫حت ّ َ‬‫صب ُِروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ َفا ْ‬ ‫م ي ْؤْ ِ‬ ‫ة لّ ْ‬‫طآئ َِف ٌ‬‫ت ب ِهِ وَ َ‬ ‫سل ْ ُ‬
‫أْر ِ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫حكككككككككككككككككككككككككككككككككككاك ِ ِ‬ ‫خْيكككككككككككككككككككككككككككككككككككُر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ينهككاهم شككعيب عليككه السككلم عككن قطككع الطريككق الحسككي‬
‫والمعنوي بقوله }ول تقعدوا بكل صكراط توعكدون{ أي تتوعكدون‬
‫الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم قال السككدي وغيككره‪ :‬كككانوا‬
‫عشارين‪ ,‬وعن ابن عباس ومجاهد وغيككر واحككد }ول تقعككدوا بكككل‬
‫لتين ِإلى شعيب ليتبعوه‬ ‫صراط توعدون{ أي تتوعدون المؤمنين ا َ‬
‫والول أظهر لنه قال }بكل صراط{ وهو الطريق وهذا الثاني هو‬
‫قوله }وتصدون عن سبيل الله من آمككن بككه وتبغونهككا عوج كًا{ أي‬
‫وتودون أن تكون سبيل الله عوجا ً مائلككة }واذكككروا ِإذ كنتككم قليل ً‬
‫فكككثركم{ أي كنتككم مستضككعفين لقلتكككم فصككرتم أعككزة لكككثرة‬
‫عددكم فاذكروا نعمة الله عليكم فككي ذلككك }وانظككروا كيككف كككان‬
‫عاقبة المفسدين{ أي من المككم الخاليككة والقككرون الماضككية ومككا‬
‫حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب‬
‫رسله‪ .‬وقكوله }وإن ككان طائفكة منككم آمنكوا بالكذي أرسكلت بكه‬
‫وطائفة لم يؤمنوا{ أي قد اختلفتم علي }فاصككبروا{ أي انتظككروا‬
‫}حتى يحكم الله بيننا{ وبينكم أي يفصل }وهككو خيككر الحككاكمين{‬
‫فكككإنه سكككيجعل العاقبكككة للمتقيكككن‪ ,‬والكككدمار علكككى الككككافرين‪.‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ب َوال ّك ِ‬ ‫شكعَي ْ ُ‬ ‫ك يَ ُ‬ ‫جن ّ َ‬
‫خرِ َ‬ ‫مهِ ل َن ُ ْ‬‫من قَوْ ِ‬ ‫ست َك ْب َُروا ْ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫مل ُ ال ّ ِ‬‫ل ال ْ َ‬
‫** َقا َ‬
‫ك من قَريت ِنآ أ َو ل َتعودن في مل ّت ِنا َقا َ َ‬
‫ن*‬ ‫هي َ‬ ‫ل أوَل َوْ ك ُن ّككا ك َككارِ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ ُ ّ ِ‬ ‫مع َ َ ِ‬ ‫مُنوا ْ َ‬‫آ َ‬
‫من َْها‬‫ه ِ‬ ‫جاَنا الل ّ ُ‬ ‫م ب َعْد َ إ ِذ ْ ن َ ّ‬ ‫مل ّت ِك ُ ْ‬‫ن عُد َْنا ِفي ِ‬ ‫ذبا ً إ ِ ْ‬‫قَدِ افْت ََري َْنا عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬
‫ل‬‫سكعَ َرب ّن َككا ك ُك ّ‬ ‫ه َرب ّن َككا وَ ِ‬ ‫شككآَء الل ّك ُ‬ ‫ن ل ََنآ َأن ن ُّعود َ ِفيهَككآ إ ِل ّ َأن ي َ َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫حقّ وَأن َ‬ ‫مَنا ِبال ْ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ح ب َي ْن ََنا وَب َي ْ َ‬‫عْلما ً عََلى الل ّهِ ت َوَك ّل َْنا َرب َّنا افْت َ ْ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حي َ‬ ‫خْيكككككككككككككككككككككككككككككككككككُر ال َْفكككككككككككككككككككككككككككككككككككات ِ ِ‬ ‫َ‬
‫هذا خبر من الله تعالى عما واجهت به الكفار نبيه شككعيبا ً ومككن‬
‫معه من المؤمنين في توعدهم إياه ومن معه بككالنفي عككن القريككة‬
‫‪788‬‬
‫أو الكراه على الرجوع في ملتهم والدخول معهم فيمككا هككم فيككه‪,‬‬
‫وهذا خطاب مع الرسول والمككراد أتبككاعه الككذين كككانوا معككه علككى‬
‫الملة‪ ,‬وقوله }أو لو كنا كارهين ؟{ يقول أو أنتم فاعلون ذلك ولو‬
‫كنا كارهين ما تدعونا إليه فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنككا معكككم‬
‫فيما أنتم فيه‪ ,‬فقد أعظمنا الفرية علككى اللكه فكي جعكل الشككركاء‬
‫معه أندادا ً وهذا تعبير منه عككن اتبككاعهم }ومككا يكككون لنككا أن نعككود‬
‫فيها إل أن يشاء الله ربنا{ وهذا رد إلى المشككيئة فككإنه يعلككم كككل‬
‫شيء وقد أحككاط بكككل شككيء علمكا ً }علككى اللككه توكلنككا{ أي فككي‬
‫أمورنا ما نأتي منها وما نذر }ربنا افتح بيننككا وبيككن قومنككا بككالحق{‬
‫أي احكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم }وأنككت خيككر الفككاتحين{‬
‫أي خيككككر الحككككاكمين‪ ,‬فإنككككك العككككادل الككككذي ل يجككككور أبككككدًا‪.‬‬
‫م ِإذا ً‬ ‫ش كعَْيبا ً إ ِن ّك ُك ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن ات ّب َعْت ُك ْ‬ ‫من قَوْ ِ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ ِ‬ ‫مل ُ ال ّ ِ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫** وََقا َ‬
‫مهِ لئ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫مي َ‬ ‫جككاث ِ ِ‬‫م َ‬ ‫دارِهِك ْ‬‫حوا ْ فِككي َ‬ ‫صكب َ ُ‬‫ة فَأ ْ‬ ‫جَفك ُ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫ن * فَأ َ‬
‫خكذ َت ْهُ ُ‬ ‫سكُرو َ‬ ‫خا ِ‬‫لّ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫شعَْيبا ً ك َككاُنوا ْ هُ ك ُ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ْ ُ‬ ‫ذي َ‬‫م ي َغْن َوْا ْ ِفيَها ال ّ ِ‬
‫شعَْيبا ً ك َأن ل ّ ْ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ْ ُ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫سكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ِ‬ ‫خا ِ‬‫ال ْ َ‬
‫يخبر تعالى عن شدة كفرهم وتمردهم وعتوهم وما هم فيه من‬
‫الضلل وما جبلت عليه قلوبهم من المخالفة للحق ولهذا أقسككموا‬
‫وقالوا }لئن اتبعتم شعيبا ً إنكم إذا ً لخاسرون{ فلهذا عقبككه بقككوله‬
‫}فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين{ أخككبر تعككالى هنككا‬
‫أنهم أخذتهم الرجفة وذلك كما أرجفوا شعيبا ً وأصككحابه وتوعككدهم‬
‫بالجلء كما أخبر عنهم في سورة هود فقال }ولمككا جككاءهم أمرنككا‬
‫نجينا شعيبا ً والذين آمنوا معككه برحمكة منكا وأخككذت الكذين ظلمكوا‬
‫الصيحة فأصككبحوا فككي ديككارهم جككاثمين{ والمناسككبة هنككاك واللككه‬
‫ليككة‬ ‫أعلم أنهككم لمككا تهكمككوا بككه فككي قككولهم }أصككلتك تككأمرك{ ا َ‬
‫فجاءت الصيحة فأسكتتهم‪ ,‬وقال تعالى إخبككارا ً عنهككم فككي سككورة‬
‫الشعراء }فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عككذاب يككوم‬
‫عظيم{ وما ذاك إل لنهم قالوا لككه فككي سككياق القصككة }فأسككقط‬
‫ليككككككككككة‪.‬‬ ‫علينككككككككككا كسككككككككككفا ً مككككككككككن السككككككككككماء{ ا َ‬
‫فأخبرأنه أصابهم عذاب يوم الظلة‪ ,‬وقد اجتمع عليهكم ذلكك كلكه‬
‫}أصابهم عذاب يوم الظلة{ وهي سحابة أظلتهم فيهككا شككرر مككن‬
‫‪789‬‬
‫نار ولهب ووهج عظيم‪ ,‬ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة مككن‬
‫الرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الرواح وفاضت النفككوس‬
‫وخمدت الجسام }فأصبحوا في دراهم جاثمين{ ثم قككال تعككالى‪:‬‬
‫}كأن لم يغنوا فيهككا{ أي كككأنهم لمككا أصككابتهم النقمككة لككم يقيمككوا‬
‫بديارهم التي أرادوا إجلء الرسككول وصككحبه منهككا ثككم قككال تعككالى‬
‫مقككابل ً لقيلهككم }الككذين كككذبوا شككعيبا ً كككانوا هككم الخاسككرين{‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫ح ُ‬‫صك ْ‬ ‫سككال َ ِ‬
‫ت َرب ّككي وَن َ َ‬ ‫م رِ َ‬‫ل ي ََقوْم ِ ل ََقكد ْ أب ْل َغْت ُك ُك ْ‬
‫م وََقا َ‬
‫ى عَن ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫** فَت َوَل َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ى َقكككككككوْم ٍ َ‬
‫ككككككككافِ ِ‬ ‫َ‬ ‫م فَك َْيككككككك َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ى عَلككككككك َ‬ ‫سككككككك َ‬ ‫فآ َ‬ ‫كككككككك ْ‬
‫أي فتولى عنهم شعيب عليه السلم بعد ما أصابهم من العككذاب‬
‫والنقمة والنكال‪ ,‬وقال مقرعا ً لهم وموبخا ً }يا قككوم لقككد أبلغتكككم‬
‫رسالت ربي ونصحت لكم{ أي قككد أديككت إليكككم مككا أرسككلت بككه‬
‫فلآسف عليكم وقد كفرتم بما جئتكم به فلهذا قال }فكيف آسى‬
‫علككككككككككككككككككككى قككككككككككككككككككككوم كككككككككككككككككككككافرين{ ؟(‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض كّرآءِ‬ ‫سككآِء َوال ّ‬ ‫خذ َْنا أهْل ََها ِبال ْب َأ َ‬‫ي إ ِل ّ أ َ َ‬
‫من ن ّب ِ ّ‬ ‫سل َْنا ِفي قَْري َةٍ ّ‬
‫َ‬
‫مآ أْر َ‬ ‫** وَ َ‬
‫حت ّكى عََفكوْا ْ‬ ‫سكي ّئ َةِ ال ْ َ‬ ‫مك َككا َ‬‫م ب َكد ّل َْنا َ‬
‫ن * ث ُك ّ‬ ‫ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ة َ َ‬ ‫سكن َ َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫عو َ‬
‫ضكّر ُ‬ ‫م يَ ّ‬
‫م لَ‬ ‫ة وَهُ ك ْ‬
‫م ب َغْت َك ً‬ ‫خ كذ َْناهُ ْ‬ ‫س كّرآُء فَأ َ‬ ‫ض كّرآُء َوال ّ‬ ‫س آَباَءن َككا ال ّ‬
‫مك ّ‬ ‫وَّقاُلوا ْ قَد ْ َ‬
‫ن‬
‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عما اختبر بككه المككم الماضككية الككذين أرسككل‬
‫إليهم النبياء بالبأسككاء والضككراء‪ ,‬يعنككي بالبأسككاء مككا يصككيبهم فككي‬
‫أبدانهم من أمراض وأسقام‪ ,‬والضراء ما يصيبهم من فقر وحاجككة‬
‫ونحو ذلك }لعلهككم يضككرعون{‪ ,‬أي يككدعون ويخشككعون ويبتهلككون‬
‫إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم‪ ,‬وتقكدير الكلم أنكه ابتلهكم‬
‫بالشدة ليتضرعوا فمككا فعلككوا شككيئا ً مككن الككذي أراد منهككم‪ ,‬فقلككب‬
‫عليهم الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه‪ ,‬ولهذا قال }ثم بدلنا مكان‬
‫السيئة الحسنة{ أي حولنا الحالة من شدة إلى رخاء ومن مككرض‬
‫وسقم إلى صحة وعافية ومن فقر إلى غنى ليشكككروا علككى ذلككك‬
‫فمككا فعلككوا‪ ,‬وقككوله }حككتى عفككوا{ أي كككثروا وكككثرت أمككوالهم‬
‫وأولدهكككككككككم‪ ,‬يقكككككككككال عفكككككككككا الشكككككككككيء إذا ككككككككككثر‪.‬‬
‫‪790‬‬
‫}وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسككراء فأخككذناهم بغتككة وهككم ل‬
‫يشعرون{ يقول تعالى‪ :‬ابتليناهم بهذا وهذا ليتضرعوا وينيبكوا إلكى‬
‫الله فما نجع فيهم ل هذا ول هذا ول انتهوا بهذا ول بهذا‪ ,‬بل قالوا‪:‬‬
‫قد مسنا من البأساء والضراء ثم بعده من الرخاء مثل مككا أصككاب‬
‫آباءنا في قديم الزمان والدهر‪ ,‬وإنما هو الدهر تارات وتارات‪ ,‬بككل‬
‫لم يتفطنوا لمككر اللككه فيهككم و ل استشككعروا ابتلء اللككه لهككم فككي‬
‫الحالين‪ ,‬وهذا بخلف حكال المككؤمنين الككذين يشكككرون اللكه علككى‬
‫السراء ويصبرون على الضراء كمككا ثبككت فككي الصككحيحين »عجبكا ً‬
‫للمؤمن ل يقضي الله له قضاء إل كان خيرا ً له‪ ,‬وإن أصابته ضراء‬
‫صبر فكككان خيككرا ً لككه‪ ,‬وإن أصككابته سككراء شكككر فكككان خيككرا ً لككه«‬
‫فالمؤمن من يتفطن لما ابتله الله به من الضراء والسراء‪ ,‬ولهذا‬
‫جاء في الحككديث »ل يككزال البلء بككالمؤمن حككتى يخككرج نقي كا ً مككن‬
‫ذنوبه‪ ,‬والمنافق مثله كمثل الحمككار ل يككدري فيككم ربطككه أهلككه ول‬
‫فيككم أرسككلوه« أو كمككا قككال‪ ,‬ولهككذا عقككب هككذه الصككفة بقككوله‬
‫}فأخذناهم بغتة وهم ل يشعرون{ أي أخذناهم بالعقوبة بغتككة‪ ,‬أي‬
‫على بغتة‪ ,‬وعدم شعور منهم أي أخذناهم فجأة كما فككي الحككديث‬
‫»مكككوت الفجكككأة رحمكككة للمكككؤمن وأخكككذة أسكككف للككككافر«‪.‬‬
‫ن‬‫مك َ‬ ‫ت ّ‬ ‫م ب ََرك َككا ٍ‬ ‫حن َككا عَل َي ْهِك ْ‬

‫من ُككوا ْ َوات َّقككوا ْ ل ََفت َ ْ‬
‫ل ال ُْقكَرىَ آ َ‬ ‫ن أ َهْك َ‬ ‫َ‬
‫** وَل َكوْ أ ّ‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫س كُبو َ‬ ‫مككا ك َككاُنوا ْ ي َك ْ ِ‬ ‫م بِ َ‬‫خ كذ َْناهُ ْ‬ ‫كن ك َكذ ُّبوا ْ فَأ َ‬ ‫ض وََلـ ك ِ‬ ‫مآ َِء َوالْر ِ‬ ‫سك َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬ ‫مك َ‬ ‫ن * أو َ أ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫سكَنا ب ََياتكا ً وَهُك ْ‬
‫م ن َككآئ ِ ُ‬ ‫م ب َأ ُ‬‫ل ال ُْقَرىَ أن ي َكأت ِي َهُ ْ‬ ‫ن أه ْ ُ‬‫َ‬ ‫أفَأ ِ‬
‫م‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ َهْ ُ‬
‫مك ْكَر‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫ن * أف َ ك أ ِ‬ ‫م ي َل ْعَب ُككو َ‬
‫حى وَهُ ك ْ‬ ‫ضك ً‬‫سَنا ُ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫ل ال ُْقَرىَ أن ي َأت ِي َهُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫سكككككُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ككككككَر الّلكككككهِ إ ِل ّ ال َْقكككككوْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫م ُ‬ ‫الّلكككككهِ فَل َ َيكككككأ َ‬
‫يخبر تعككالى عككن قلككة إيمككان أهككل القككرى الككذين أرسككل فيهككم‬
‫الرسل‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬فلول كانت قرية آمنت فنفعهككا إيمانهككا إل‬
‫قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحيككاة الككدنيا‬
‫ومتعناهم إلى حين{ أي ما آمنككت قريككة بتمامهككا إل قككوم يككونس‪,‬‬
‫فككإنهم آمنككوا وذلككك بعككدما عككاينوا العككذاب‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪:‬‬
‫}وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلككى حيككن{‬
‫لية‪ ,‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وما أرسلنا في قرية من نذير{ ا َ‬
‫}ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا{ أي آمنت قلككوبهم بمككا جككاء بككه‬
‫‪791‬‬
‫الرسككل وصككدقت بككه واتبعككوه‪ ,‬واتقككوا بفعككل الطاعككات وتككرك‬
‫المحرمات }لفتحنا عليهم بركات من السككماء والرض{ أي قطككر‬
‫السماء ونبات الرض‪ ,‬قال تعككالى‪} :‬ولكككن كككذبوا فأخككذناهم بمككا‬
‫كانوا يكسبون{ أي ولكن كذبوا رسلهم فعاقبناهم بالهلك على ما‬
‫كسبوا من المآثم والمحارم‪ ,‬ثم قككال تعككالى مخوفكا ً ومحككذرا ً مككن‬
‫مخالفة أوامره والتجرؤ على زواجككره‪} :‬أفككأمن أهككل القككرى{ أي‬
‫الكافرة }أن يأتيهم بأسنا{ أي عذابنا ونكالنا }بياتًا{ أي ليل ً }وهم‬
‫نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبككون{‬
‫أي فككي حككال شككغلهم وغفلتهككم }أفككأمنوا مكككر اللككه{ أي بأسككه‬
‫ونقمته وقدرته عليهم وأخككذه إيككاهم فككي حككال سككهوهم وغفلتهككم‬
‫}فل يأمن مكككر اللككه إل القككوم الخاسككرون{ ولهككذا قككال الحسككن‬
‫البصري رحمه الله‪ :‬المؤمن يعمل بالطاعككات وهككو مشككفق وجككل‬
‫خككككككائف والفككككككاجر يعمككككككل بالمعاصككككككي وهككككككو آمككككككن‪.‬‬
‫مككن ب َعْ كدِ أ َهْل ِهَككآ َأن ل ّكوْ ن َ َ‬

‫شككآءُ‬ ‫ض ِ‬‫ن الْر َ‬ ‫ن ي َرِث ُككو َ‬‫ذي َ‬ ‫م ي َهْ كدِ ل ِل ّك ِ‬‫** أوَل َك ْ‬
‫َ‬
‫أَ‬
‫ن‬
‫مُعو َ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬
‫سككك َ‬ ‫م فَهُككك ْ‬ ‫ى قُل ُكككوب ِهِ ْ‬‫َ‬ ‫كك‬
‫ك‬‫م وَن َط ْب َكككعُ عَل َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫نو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬‫كك‬
‫ك‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫كك‬ ‫ك‬ ‫ص‬
‫َ‬
‫قال ابن عباس رضي اللكه عنهمككا فكي قكوله }أولكم يهكد للككذين‬
‫يرثون الرض من بعد أهلها{ أو لم يتبين لهم أن لو نشاء أصبناهم‬
‫بذنوبهم‪ ,‬وكذا قال مجاهد وغيره‪ ,‬وقال أبو جعفككر بككن جريككر فككي‬
‫تفسيرها‪ :‬يقول تعالى أو لم يتككبين للككذين يسككتخلفون فككي الرض‬
‫من بعد إهلك آخرين قبلهم كانوا أهلها فسككاروا سككيرتهم وعملككوا‬
‫أعمالهم وعتوا على ربهم }أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم{ يقككول‪:‬‬
‫أن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم }ونطبع على قلوبهم{‬
‫يقول ونختم على قلوبهم }فهم ل يسمعون{ موعظككة ول تككذكيرا ً‬
‫)قلت( وهكذا قال تعالى‪} :‬أفلم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من‬
‫ليككات لولككي النهككى{‬ ‫القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلككك َ‬
‫وقال تعالى‪} :‬أولم يهد لهكم ككم أهلكنكا مككن قبلهككم مككن القككرون‬
‫ليككات أفل يسككمعون{ وقككال‬ ‫يمشون في مساكنهم إن فككي ذلككك َ‬
‫}أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال * وسكككنتم فككي‬
‫لية‪ ,‬وقال تعككالى‪} :‬وكككم أهلكنككا‬ ‫مساكن الذين ظلموا أنفسهم{ ا َ‬
‫‪792‬‬
‫قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهككم ركككزًا{ أي‬
‫هكككككل تكككككرى لهكككككم شخصكككككا ً أو تسكككككمع لهكككككم صكككككوتا ً ؟‪.‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬أو لم يروا كم أهلنا من قبلهم مككن قككرن مكنككاهم‬
‫في الرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ً وجعلنا‬
‫النهار تجري من تحتهم فأهلكنككاهم بككذنوبهم وأنشككأنا مككن بعككدهم‬
‫قرنا ً آخرين{ وقال تعالى بعد ذكره إهلك عككاد}فأصككبحوا ل يككرى‬
‫إل مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرميككن * ولقككد مكنكاهم فيمككا‬
‫إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا ً وأبصارا ً وأفئدة فما أغنككى عنهككم‬
‫سككمعهم ول أبصككارهم ول أفئدتهككم مككن شككيء إذ كككانوا يجحككدون‬
‫بآيات الله وحاق بهكم مكا ككانوا بكه يسكتهزئون * ولقكد أهلكنككا مكا‬
‫ليكككات لعلهكككم يرجعكككون{‪.‬‬ ‫حكككولكم مكككن القكككرى وصكككرفنا ا َ‬
‫وقال تعالى‪} :‬وكككذب الككذين مككن قبلهككم ومككا بلغككوا معشككار مككا‬
‫آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير{ وقال تعالى‪} :‬ولقد كذب‬
‫الذين من قبلهم فكيف كان نكير{ وقال تعالى‪} :‬فكأين من قرية‬
‫أهلكناهككا وهككي ظالمككة فهككي خاويككة علككى عروشككها وبئر معطلككة‬
‫وقصر مشيد * أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون‬
‫بهككا أو آذان يسككمعون بهككا‪ ,‬فإنهككا ل تعمككى البصككار ولكككن تعمككى‬
‫القلوب التي في الصدور{ وقال تعككالى }ولقككد اسككتهزىء برسككل‬
‫من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون{ إلككى‬
‫ليات الدالة على حلول نقمه بأعدائه وحصول نعمه‬ ‫غير ذلك من ا َ‬
‫لوليائه ولهذا عقككب بقككوله وهككو أصككدق القككائلين ورب العككالمين‪.‬‬
‫س كل ُُهم‬ ‫ك مك َ‬
‫م ُر ُ‬ ‫ن أنَبآئ ِهَككا وَل ََق كد ْ َ‬
‫جككآَءت ْهُ ْ‬ ‫ص عَل َي ْك َ ِ ْ‬ ‫ك ال ُْق كَرىَ ن َُق ك ّ‬ ‫** ت ِل ْك َ‬
‫ى‬ ‫ك ي َط ْب َعُ الل ّ ُ َ‬ ‫ل ك َذ َل ِ َ‬
‫من قَب ْ ُ‬ ‫ما ك َذ ُّبوا ْ ِ‬
‫مُنوا ْ ب ِ َ‬‫كاُنوا ْ ل ِي ُؤْ ِ‬
‫ما َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫ه عَل َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫جد َْنآ أك ْث ََرهُ ْ‬
‫ن عَهْدٍ وَِإن وَ َ‬ ‫م ْ‬‫هم ّ‬ ‫جد َْنا لك ْث َرِ ِ‬‫ما وَ َ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫قُُلو ِ‬
‫ن‬‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككِقي َ‬ ‫ل ََفا ِ‬
‫) شا لما قص تعالى على نبيه صلى الله عليه وسككلم خككبر قككوم‬
‫نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ومككا كككان مككن إهلكككه الكككافرين‬
‫وإنجائه المؤمنين‪ ,‬وأنككه تعككالى أعككذر إليهككم بككأن بيككن لهككم الحككق‬
‫بالحجج على ألسككنة الرسككل صككلوات اللككه عليهككم أجمعيككن‪ ,‬قككال‬
‫تعالى‪} :‬تلك القرى نقص عليك{ أي يككا محمككد }مككن أنبائهككا{ أي‬
‫‪793‬‬
‫من أخبارهككا }ولقككد جككاءتهم رسككلهم بالبينككات{ أي الحجككج علككى‬
‫صدقهم فيما أخبروهم به‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬وما كنا معذبين حككتى‬
‫ل{ وقال تعالى‪} :‬ذلك مككن أنبككاء القككرى نقصككه عليككك‬ ‫نبعث رسو ً‬
‫منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ولكن ظلمككوا أنفسككهم{ وقككوله‬
‫تعالى‪} :‬فما كانوا ليؤمنوا بما كككذبوا مككن قبككل{ البككاء سككببية‪ ,‬أي‬
‫فما كانوا ليؤمنوا بما جكاءتهم بكه الرسكل بسكبب تككذيبهم بكالحق‬
‫أول ما ورد عليهم حكاه ابن عطية رحمه اللككه وهككو متجككه حسككن‬
‫كقوله }وما يشعركم أنها إذا جاءت ل يؤمنككون * ونقلككب أفئدتهككم‬
‫ليكة‪ ,‬ولهكذا قكال هنكا‬ ‫وأبصكارهم كمكا لكم يؤمنكوا بكه أول مكرة{ ا َ‬
‫}كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين ومككا وجككدنا لكككثرهم{ أي‬
‫لكثر المم الماضية }من عهد وإن وجدنا أكككثرهم لفاسككقين{ أي‬
‫ولقككد وجككدنا أكككثرهم فاسككقين خككارجين عككن الطاعككة والمتثككال‪.‬‬
‫والعهد الذي أخذه هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه وأخككذ عليهككم‬
‫في الصلب أنه ربهم ومليكهككم وأنككه ل إلككه إل هككو فككأقروا بككذلك‬
‫وشهدوا على أنفسهم به‪ ,‬وخالفوه وتركوه وراء ظهورهم وعبككدوا‬
‫مع الله غيره بل دليل ولحجة لمن عقل ول شرع‪ ,‬وفككي الفطككرة‬
‫السليمة خلف ذلك‪ ,‬وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم‬
‫بالنهي عن ذلك كما جككاء فككي صككحيح مسككلم‪ ,‬يقككول اللككه تعككالى‪:‬‬
‫}إني خلقككت عبككادي حنفككاء فجككاءتهم الشككياطين فاجتككالتهم عككن‬
‫دينهم وحرمككت عليهككم مككا أحللككت لهككم{ وفككي الصككحيحين »كككل‬
‫مولود يولد على الفطككرة فككأبواه يهككودانه وينصككرانه ويمجسككانه«‬
‫الحكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككديث‪.‬‬
‫وقال تعالى في كتابه العزيز }وما أرسلنا من قبلك مككن رسككول‬
‫إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبككدون{ وقككوله تعككالى‪} :‬واسككأل‬
‫من أرسلنا من قبلك من رسلنا من أجعلنا من دون الرحمككن آلهككة‬
‫يعبدون{ وقال تعالى‪} :‬ولقد بعثنا في كل أمككة رسككول ً أن اعبككدوا‬
‫ليككات‪ ,‬وقككد قيككل فككي‬ ‫الله واجتنبوا الطاغوت{ إلى غير ذلك من ا َ‬
‫تفسير قوله تعالى‪} :‬فما كانوا ليؤمنوا بمككا كككذبوا مككن قبككل{ مككا‬
‫روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي‬
‫بن كعب في قوله }فما كانوا ليؤمنوا بمككا كككذبوا مككن قبككل{ قككال‬
‫كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق‪ ,‬أي فما كككانوا ليؤمنككوا‬
‫لعلم الله منهم ذلك‪ ,‬وكذا قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن‬
‫‪794‬‬
‫أبي بن كعب عن أنس‪ ,‬واختاره ابككن جريككر‪ ,‬وقككال السككدي }فمككا‬
‫كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل{ قال‪ :‬ذلك يوم أخذ منهم الميثاق‬
‫فآمنوا كرهًا‪ ,‬وقال مجاهد في قوله }فما كانوا ليؤمنوا بمككا كككذبوا‬
‫ليككككة‪.‬‬ ‫مككككن قبككككل{ هككككذا كقككككوله }ولككككو ردوا لعككككادوا{ ا َ‬
‫مككوا ْ ب َِهككا‬
‫مل َئ ِهِ فَظ َل َ ُ‬
‫ن وَ َ‬‫ى فِْرعَوْ َ‬ ‫َ‬
‫ى ِبآَيات َِنآ إ ِل َ‬
‫س َ‬‫مو َ‬‫هم ّ‬ ‫من ب َعْدِ ِ‬ ‫م ب َعَث َْنا ِ‬
‫ثُ ّ‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫سككككككككك ِ‬ ‫مْف ِ‬‫ة ال ْ ُ‬ ‫عاقَِبككككككككك ُ‬‫ن َ‬ ‫ككككككككككا َ‬ ‫ف َ‬ ‫َفكككككككككان ْظ ُْر ك َْيككككككككك َ‬
‫يقول تعالى‪} :‬ثم بعثنا من بعدهم{ أي الرسل المتقدم ذكرهككم‬
‫كنوح وهود وصالح ولككوط وشككعيب صككلوات اللككه وسككلمه عليهككم‬
‫وعلككى سككائر أنبيككاء اللككه أجمعيككن }موسككى بآياتنككا{ أي بحججنككا‬
‫ودلئلنا البينككة إلككى فرعككون‪ ,‬وهككو ملككك مصككر فككي زمككن موسككى‬
‫}وملئه{ أي قومه }فظلموا بهككا{ أي جحككدوا وكفككروا بهككا ظلم كا ً‬
‫منهم وعنادًا‪ ,‬وكقككوله تعككالى‪} :‬وجحككدوا بهككا واسككتيقنتها أنفسككهم‬
‫ظلما ً وعلوا ً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين{ أي الككذين صككدوا‬
‫عن سبيل الله وكذبوا رسله‪ ,‬أي انظر كيف فعلنككا بهككم أغرقنككاهم‬
‫عن آخرهككم بمككرأى مككن موسككى وقككومه‪ ,‬وهككذا أبلككغ فككي النكككال‬
‫بفرعون وقومه وأشفى لقلككوب أوليككاء اللككه موسككى وقككومه مككن‬
‫المككككككككككككككككككككككككككككككككككككؤمنين بككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫ق‬
‫حِقيكك ٌ‬ ‫ن* َ‬ ‫ب ال َْعككال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫من ّر ّ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل ّ‬ ‫ن إ ِّني َر ُ‬ ‫ى ي َِفْرعَوْ ُ‬‫س َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫** وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫مككن ّرب ّك ُك ْ‬ ‫جئ ْت ُك ُك ْ‬
‫م ب ِب َي ّن َكةٍ ّ‬ ‫حكقّ قَكد ْ ِ‬ ‫ل عََلى الل ّكهِ إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫ن ل ّ أُقو َ‬ ‫عََلى أ ْ‬
‫ْ‬ ‫ل ِإن ُ‬ ‫َ‬
‫ت ب ِهَككآ ِإن‬‫ت ِبآي َةٍ َفكأ ِ‬ ‫جئ ْ َ‬‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ل * َقا َ‬ ‫سَراِئي َ‬‫ي إِ ْ‬‫ي ب َن ِ َ‬‫مع ِ َ‬‫ل َ‬ ‫س ْ‬‫فَأْر ِ‬
‫ن‬‫صكككككككككككككككككككككادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مككككككككككككككككككككك َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كنككككككككككككككككككككك َ‬ ‫ُ‬
‫) شككايخبر تعككالى عككن منككاظرة موسككى لفرعككون وإلجككامه إيككاه‬
‫ليات البينات بحضرة فرعون وقككومه مككن قبككط‬ ‫بالحجة وإظهاره ا َ‬
‫مصر‪ ,‬فقال تعالى‪} :‬وقال موسى يا فرعون إني رسول مككن رب‬
‫العالمين{ أي أرسلني الذي هككو خككالق كككل شككيء وربككه ومليكككه‪,‬‬
‫}حقيق على أن ل أقول على الله إل الحق{ فقال بعضهم‪ :‬معناه‬
‫حقيق بأن ل أقول على الله إل الحق‪ ,‬أي جدير بككذلك وحككري بككه‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬والباء وعلى يتعاقبان يقال رميت بككالقوس وعلككى القككوس‪,‬‬
‫وجاء على حككال حسككنة وبحككال حسككنة‪ ,‬وقككال بعككض المفسككرين‪:‬‬
‫معناه حريص على أن ل أقول على اللككه إل الحككق‪ ,‬وقككرأ آخككرون‬
‫‪795‬‬
‫ي بمعنى واجب وحق علككي ذلككك أن ل‬ ‫من أهل المدينة‪ :‬حقيق عل ّ‬
‫أخبر عنه إل بما هو حق وصدق‪ ,‬لما أعلم من جلله وعظيم شككأنه‬
‫}قد جئتكم ببينة من ربكم{ أي بحجة قاطعككة مككن اللككه أعطانيهككا‬
‫دليل ً على صدقي فيما جئتكم به }فأرسل معي بني أسرائيل{ أي‬
‫أطلقهم من أسرك وقهرك‪ ,‬ودعهم وعبادة ربك وربهم فإنهم مككن‬
‫سللة نبي كريم إسرائيل‪ ,‬وهككو يعقككوب بككن إسككحاق بككن إبراهيككم‬
‫خليل الرحمن }قككال إن كنككت جئت بآيككة فككأت بهككا إن كنككت مككن‬
‫الصككادقين{ أي قككال فرعككون لسككت بمصككدقك فيمككا قلككت ول‬
‫بمطيعك فيما طلبت‪ ,‬فإن كككانت معككك حجككة فأظهرهككا لنراهككا إن‬
‫كنككككككككككككككت صككككككككككككككادقا ً فيمككككككككككككككا ادعيككككككككككككككت‪.‬‬
‫ن * وَن ََزعَ ي َكد َهُ فَ كإ ِ َ‬ ‫صاهُ فَإ ِ َ‬ ‫َْ‬
‫ضككآُء‬‫ي ب َي ْ َ‬
‫ذا هِ ك َ‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ن ّ‬‫ي ث ُعَْبا ٌ‬
‫ذا هِ َ‬ ‫فَألَق َ‬
‫ى عَ َ‬
‫ن‬‫ري َ‬‫ِلل ّنكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاظ ِ ِ‬
‫) شا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فككي قككوله }ثعبككان‬
‫مبين{ الحية الككذكر‪ ,‬وكككذا قككال السككدي والضككحاك‪ ,‬وفككي حككديث‬
‫الفتون من رواة يزيد بن هارون عن الصبغ بن زيد عككن القاسككم‬
‫بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال }فككألقى‬
‫عصاه{ فتحولت حية عظيمة فاغرة فاهككا مسككرعة إلككى فرعككون‪,‬‬
‫فلما رآها فرعون أنها قاصدة إليه اقتحككم عككن سككريره واسككتغاث‬
‫بموسى أن يكفها عنه ففعل‪ ,‬وقككال قتككادة‪ :‬تحككولت حيككة عظيمككة‬
‫مثل المدينة‪ ,‬وقكال السكدي فكي قكوله }فكإذا هكي ثعبكان مكبين{‬
‫الثعبان الذكر من الحيات فاتحة فاها واضككعة لحيهككا السككفل فككي‬
‫الرض والعلى على سور القصر‪ ,‬ثم توجهت نحو فرعون لتأخككذه‬
‫فلما رآها ذعر منهككا ووثككب وأحكدث ولكم يكككن يحككدث قبككل ذلكك‪,‬‬
‫وصاح يا موسى خذها وأنا أؤمن بك وأرسل معككك بنككي إسككرائيل‪,‬‬
‫فأخذها موسى عليه السلم فعادت عصا‪ ,‬وروي عن عكرمككة عككن‬
‫ابن عباس نحو هذا‪ ,‬وقال وهب بن منبه‪ :‬لما دخككل موسككى علككى‬
‫فرعون قال له فرعون‪ :‬أعرفك قككال نعككم قككال }ألككم نربككك فينككا‬
‫وليدًا{ قال‪ :‬فرد إليه موسى الذي رد‪ ,‬فقال فرعون‪ :‬خذوه فبكادر‬
‫موسى }فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين{ فحملت على النككاس‬
‫فانهزموا منها‪ ,‬فمات منهككم خمسكة وعشككرون ألفكا ً قتككل بعضككهم‬
‫بعضًا‪ ,‬وقام فرعككون منهزمكا ً حككتى دخككل الككبيت‪ ,‬رواه ابككن جريككر‬
‫‪796‬‬
‫والمام أحمد‪ ,‬في كتابه الزهد‪ ,‬وابن أبككي حككاتم وفيككه غرابككة فككي‬
‫سككككككككككككككككككككككياقه واللككككككككككككككككككككككه أعلككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقوله }ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين{ أي أخرج يككده مككن‬
‫درعه بعد ما أدخلها فيه فإذا هككي بيضككاء تتلل مككن غيككر بككرص ول‬
‫مرض‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬وأدخل يدك في جيبك تخككرج بيضككاء مككن‬
‫لية‪ ,‬وقال ابن عبككاس فككي حككديث الفتككون‪ :‬مككن غيككر‬ ‫غير سوء{ ا َ‬
‫سوء يعني من غير برص ثم أعادها إلككى كمككه فعككادت إلككى لونهككا‬
‫الول‪ ,‬وككككككككككذا قكككككككككال مجاهكككككككككد وغيكككككككككر واحكككككككككد‪.‬‬
‫ريكد ُ َأن‬ ‫م * ي ُ ِْ‬ ‫حٌر عَِليك ٌ‬ ‫ذا ل َ َ‬
‫سككا ِ‬ ‫هـك َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ّ‬‫مككن قَكوْم ِ فِْرعَكوْ َ‬ ‫مل ُ ِ‬‫ل ال ْ َ‬
‫قَككا َ‬
‫خرجك ُكككككككككم مككككككككك َ‬
‫ن‬
‫مُرو َ‬ ‫ذا ت َكككككككككأ ُ‬ ‫م فَ َ‬
‫مكككككككككا َ‬ ‫ضكككككككككك ُ ْ‬ ‫ن أْر ِ‬‫ْ‬ ‫ْ ّ‬ ‫يُ ْ ِ َ‬
‫) شككاأي قككال المل وهككم الجمهككور والسككادة مككن قككوم فرعككون‬
‫موافقين لقول فرعون فيه بعدما رجككع إليككه روعككه واسككتقر علككى‬
‫سرير مملكته بعد ذلك قال للمل حككوله }إن هككذا لسككاحر عليككم{‬
‫فوافقوا وقالوا كمقالته وتشككاوروا فككي أمككره كيككف يصككنعون فككي‬
‫أمره وكيف تكون حيلتهم في إطفاء نوره وإخمككاد كلمتككه وظهككور‬
‫كذبه وافترائه وتخوفوا أن يستميل الناس بسحره فيمككا يعتقككدون‬
‫فيكون ذلككك سككببا ً لظهككوره عليهككم وإخراجككه إيككاهم مككن أرضككهم‬
‫والذي خافوا منككه وقعككوا فيككه كمككا قككال تعككالى‪} :‬ونككري فرعككون‬
‫وهامان وجنودهما منهككم مككا كككانوا يحككذرون{ فلمككا تشككاوروا فككي‬
‫شأنه وائتمروا بما فيه اتفق رأيهم على ما حكاه الله تعالى عنهككم‬
‫فكككككككككككككككككككككككي قكككككككككككككككككككككككوله تعكككككككككككككككككككككككالى‪.‬‬
‫ل‬‫ك ب ِك ُك ّ‬‫ن * ي َكأ ُْتو َ‬ ‫ري َ‬
‫شك ِ‬‫حا ِ‬ ‫ن َ‬‫دآئ ِ ِ‬‫مك َ‬‫ل فِككي ال ْ َ‬‫س ْ‬ ‫َ‬
‫خاهُ وَأْر ِ‬‫ه وَأ َ َ‬
‫ج ْ‬
‫َ‬
‫َقال ُوَا ْ أْر ِ‬
‫حرٍ عَِليككككككككككككككككككككككككككككككككككككم ٍ‬ ‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككككا ِ‬ ‫َ‬
‫) شككاقال ابككن عبككاس }أرجككه{ أخككره وقككال قتككادة احبسككه‬
‫}وأرسككل{ أي ابعككث }فككي المككدائن{ أي فككي القككاليم ومككدائن‬
‫ملكك }حاشرين{ أي مككن يحشككر لككك السككحرة مككن سككائر البلد‬
‫ويجمعهم وقت كان السحر في زمانهم غالبا ً كثيرا ً ظاهرا ً واعتقككد‬
‫من اعتقد منهم وأوهم من أوهم منهم أن ما جاء به موسى عليككه‬
‫السلم من قبيل ما تشعبذه سحرتهم فلهككذا جمعككوا لككه السككحرة‬
‫ليعارضوه بنظير ما أراهم من البينات كما أخبر تعالى عن فرعون‬
‫حيث قال }أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يككا موسككى فلنأتيككك‬
‫بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا ً ل نخلفه نحن ول أنت مكانككا ً‬
‫‪797‬‬
‫سككوى * قككال موعككدكم يككوم الزينككة وأن يحشككر النككاس ضككحى *‬
‫فتككولى فرعككون فجمككع كيككده ثككم أتككى{ وقككال تعككالى ههنككا‪(:‬‬
‫ن*‬ ‫ن ال ْغَككال ِِبي َ‬
‫حك ُ‬ ‫جرا ً ِإن ك ُن ّككا ن َ ْ‬ ‫ن ل ََنا ل ْ‬
‫ن َقال ْوَا ْ إ ِ ّ‬ ‫حَرةُ فِْرعَوْ َ‬ ‫س َ‬‫جآَء ال ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬
‫مَقّرِبيكككككككككك َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مكككككككككك َ‬ ‫م لَ ِ‬‫ككككككككككك ْ‬ ‫م وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ل ن ََعكككككككككك ْ‬ ‫َقككككككككككا َ‬
‫) شككايخبر تعككالى عمككا تشككارط عليككه فرعككون والسككحرة الككذين‬
‫استدعاهم لمعارضة موسى عليه السلم إن غلبوا موسى ليثيبنهم‬
‫وليعطينهم عطككاء جككزيل ً فوعككدهم ومنككاهم أن يعطيهككم مككا أرادوا‬
‫ويجعلهم من جلسائه والمقربين عنككده فلمككا توثقككوا مككن فرعككون‬
‫لعنككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه اللككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ن * قَككا َ‬ ‫مل ِْقي ك َ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫حك ُ‬ ‫مآ أن ن ّك ُككو َ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫ي وَإ ِ ّ‬ ‫مآ أن ت ُل ِْق َ‬ ‫ى إِ ّ‬
‫َ‬ ‫س‬
‫مو َ‬ ‫َقاُلوا ْ ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ح ٍ‬ ‫سكك ْ‬
‫جككآُءوا ب ِ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ست َْرهَُبوهُ ْ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫حُروَا ْ أعْي ُ َ‬ ‫س َ‬‫مآ أل ُْقوْا ْ َ‬ ‫أل َْقوْا ْ فَل َ ّ‬
‫ظيككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككم ٍ‬ ‫عَ ِ‬
‫) شاهذه مبارزة من السحرة لموسى عليه السككلم فككي قككولهم‬
‫}إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين{ أي قبلك كما قال في‬
‫لية الخرى }وإما أن نكون أول مككن ألقككى{ فقككال لهككم موسككى‬ ‫ا َ‬
‫ل‪ ,‬قيللحكمككة فككي هككذا واللككه أعلككم‬ ‫عليه السلم ألقوا أي أنتككم أو ً‬
‫ليرى الناس صنيعهم ويتأملوا فإذا فرغككوا مككن بهرجهككم ومحككالهم‬
‫جككاءهم الحككق الواضككح الجلككي بعككد التطلككب لككه والنتظككار منهككم‬
‫لمجيئه فيكون أوقع فككي النفككوس وكككذا كككان ولهككذا قككال تعككالى‪:‬‬
‫}فلما ألقوا سككحروا أعيككن النككاس واسككترهبوهم{ أي خيلككوا إلككى‬
‫البصار أن ما فعلككوا لككه حقيقككة فككي الخككارج ولككم يكككن إل مجككرد‬
‫صنعة وخيال كما قال تعالى‪} :‬فككإذا حبككالهم وعصككيهم يخيككل إليككه‬
‫من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنككا‬
‫ل تخف إنك أنت العلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صككنعوا إن‬
‫مكككا صكككنعوا كيكككد سكككاحر ول يفلكككح السكككاحر حيكككث أتكككى{‪.‬‬
‫قال سفيان بككن عيينككة حككدثنا أبككو سككعيد عككن عكرمككة عككن ابككن‬
‫ل‪ ,‬قككال فككأقبلت يخيككل إليككه‬ ‫عباس‪ :‬ألقوا حبال ً غلظا ً وخشبا ً طككوا ً‬
‫من سحرهم أنها تسككعى وقككال محمككد بككن إسككحاق صككف خمسككة‬
‫عشر ألف ساحر مع كل ساحر حباله وعصيه وخرج موسككى عليككه‬
‫السلم معه أخوه يتكى على عصاه حتى أتى الجمع وفرعون فككي‬
‫مجلسه مع أشراف أهل مملكته ثم قال السحرة }يا موسككى إمككا‬
‫أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبككالهم‬
‫‪798‬‬
‫وعصيهم{ فكان أول ما اختطفككوا بسككحرهم بصككر موسككى وبصككر‬
‫فرعون ثم أبصار الناس بعد ثم ألقى كل رجل منهم مككا فككي يككده‬
‫من الحبال والعصي فإذا حيات كأمثككال الجبككال قككد ملت الككوادي‬
‫يركب بعضها بعضا ً وقال السدي كككانوا بضككعة وثلثيككن ألككف رجككل‬
‫وليس رجل منهم إل ومعه حبل وعصا }فلما ألقوا سككحروا أعيككن‬
‫الناس واسككترهبوهم{ يقكول فرقكوهم أي مكن الفكرق وقكال ابكن‬
‫جريككر حككدثنا يعقككوب بككن إبراهيككم حككدثنا ابككن عليككة عككن هشككام‬
‫الدستوائي حدثنا القاسم بن أبي بكزة قكال جمكع فرعكون سكبعين‬
‫ألف ساحر فألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا حتى جعككل‬
‫يخيل إليه من سحرهم أنهككا تسككعى ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬وجككاءوا‬
‫بسككككككككككككككككككككككككككككككككككحر عظيككككككككككككككككككككككككككككككككككم{‪.‬‬
‫ن*‬ ‫كو َ‬ ‫مككا ي َكأ ْفِ ُ‬
‫ف َ‬ ‫ي ت َل َْق ك ُ‬ ‫ك فَإ ِ َ‬
‫ذا هِ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ق عَ َ‬ ‫سى أ َ ْ َ ْ‬
‫ن أل ِ‬ ‫مو َ َ‬ ‫ى ُ‬ ‫َ‬
‫حي َْنآ إ ِل َ‬
‫َ‬
‫وَأوْ َ‬
‫ك َوانَقل َب ُككوا ْ‬ ‫ن * فَغُل ِب ُككوا ْ هَُنال ِك َ‬ ‫مل ُككو َ‬ ‫مككا ك َككاُنوا ْ ي َعْ َ‬
‫ل َ‬‫حكقّ وَب َط َك َ‬ ‫فَوَقَعَ ال ْ َ‬
‫ُ‬
‫ن*‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬‫مّنا ب َِر ّ‬ ‫ن * َقال ُوَا ْ آ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫حَرةُ َ‬ ‫س َ‬
‫ي ال ّ‬ ‫ن * وَأل ِْق َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاِغ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫هكككككككككككككككككككككككككككككككاُرو َ‬ ‫ى وَ َ‬‫سككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫َر ّ‬
‫يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبككده ورسككوله موسككى عليككه السككلم‬
‫في ذلك الموقف العظيم الذي فككرق اللككه تعككالى فيككه بيككن الحككق‬
‫والباطل يأمره بأن يلقي مككا فككي يمينككه وهككي عصككاه }فككإذا هككي‬
‫تلقف{ أي تأكل }ما يأفكون{ أي مككا يلقككونه ويوهمككون أنككه حككق‬
‫وهو باطل قال ابن عباس فجعلت ل تمككر بشككيء مككن حبككالهم ول‬
‫من خشبهم إل التقمته فعرفت السحرة أن هذا شيء من السماء‬
‫ليس هذا بسحر فخككروا سككجدا ً وقككالوا }آمنككا بككرب العككالمين رب‬
‫موسكككككككككككككككككككككككككككككككككى وهكككككككككككككككككككككككككككككككككارون{‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق جعلت تتبع تلك الحبال والعصككي واحككدة‬
‫واحدة حتى ما يرى بالوادي قليككل ول كككثير ممككا ألقككوا ثككم أخككذها‬
‫موسى فإذا هي عصا في يككده كمككا كككانت ووقككع السككحرة سككجدا ً‬
‫قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون لو كككان هككذا سككاحرا ً‬
‫ما غلبنا وقال القاسم بن أبي بزة أوحى الله إليه أن ألككق عصككاك‬
‫فألقي عصاه فإذاهي ثعبان مبين فاغر فاه يبتلع حبككالهم وعصككيهم‬
‫فألقي السحرة عند ذلككك سككجدا ً فمككا رفعككوا رؤوسككهم حككتى رأوا‬
‫الجنككككككككككككككة والنككككككككككككككار وثككككككككككككككواب أهلهمككككككككككككككا‪.‬‬
‫‪799‬‬
‫ل فرعَون آمنتم به قَب َ َ‬
‫موهُ‬ ‫مك َْرت ُ ُ‬ ‫مك ٌْر ّ‬ ‫ذا ل َ َ‬‫هـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ل أن آذ َ َ‬ ‫** َقا َ ِ ْ ْ ُ َ ُ ْ ِ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن * ل ُقَط ّعَ ك ّ‬ ‫مككو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫س كو ْ َ‬ ‫من ْهَككآ أهْل َهَككا فَ َ‬ ‫جككوا ْ ِ‬ ‫خرِ ُ‬‫دين َكةِ ل ِت ُ ْ‬ ‫م ِ‬‫فِككي ال ْ َ‬
‫ى‬ ‫ك‬ ‫ن * َقال ُوَا ْ إ ِن ّككآ إ ِل َ‬ ‫عي‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫خل َف ث ُم ل ُصل ّبنك ُم أ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫جل َ‬ ‫ر‬ ‫أ َيديك ُم وأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جآَءت ْن َككا َرب ّن َككآ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َرب َّنا ل ّ‬ ‫مّنا ِبآَيا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫مّنآ إ ِل ّ أ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما َتنِق ُ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫منَقل ُِبو َ‬ ‫َرب َّنا ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫سكككككككككل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صكككككككككْبرا ً وَت َوَفَّنكككككككككا ُ‬ ‫أْفكككككككككرِغْ عَل َي َْنكككككككككا َ‬
‫يخبر تعالى عما توعد به فرعون لعنككه اللككه السككحرة لمككا آمنككوا‬
‫بموسى عليه السلم وما أظهره للناس من كيده ومكره في قوله‬
‫}إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منهككا أهلهككا{ أي إن‬
‫غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضككا ً منكككم‬
‫لية الخرى }إنه لكبيركم الذي علمكم السحر{‬ ‫لذلك كقوله في ا َ‬
‫وهو يعلم وكل من له لب أن هذا الككذي قككاله مككن أبطككل الباطككل‬
‫فإن موسى عليه السلم بمجرد ما جاء من مدين دعا فرعون إلى‬
‫الله وأظهر المعجزات الباهرة والحجككج القاطعككة علككى صككدق مككا‬
‫جاء به فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه ومعاملة سلطنته‬
‫فجمع سحرة متفرقين من سائر القككاليم ببلد مصككر ممككن اختككار‬
‫هو والمل من قككومه وأحضككرهم عنككده ووعككدهم بالعطككاء الجزيككل‬
‫ولهذا قد كانوا من أحرص النكاس علكى ذلكك وعلكى الظهكور فكي‬
‫مقامهم ذلك والتقدم عند فرعون‪ .‬وموسى عليه السلم ل يعككرف‬
‫أحدا ً منهم ول رآه ول اجتمع به وفرعون يعلم ذلك وإنما قال هككذا‬
‫تسككترا ً وتدليس كا ً علككى رعككاع دولتككه وجهلتهككم كمككا قككال تعككالى‪:‬‬
‫}فاستخف قومه فأطككاعوه{ فككإن قومكا ً صككدقوه فككي قككوله }أنككا‬
‫ربككككككم العلكككككى{ مكككككن أجهكككككل خلكككككق اللكككككه وأضكككككلهم‪.‬‬
‫وقال السدي في تفسيره بإسككناده المشككهور عككن ابككن مسككعود‬
‫وابن عباس وغيرهما من الصحابة في قوله تعالى‪} :‬إن هذا لمكر‬
‫مكرتموه في المدينة{ قكال‪ :‬التقكى موسكى عليكه السكلم وأميكر‬
‫السحرة فقال له موسى أرأيتك إن غلبتك أتككؤمن بككي وتشككهد أن‬
‫لتيككن غككدا ً بسككحر ل يغلبككه سككحر‬ ‫ما جئت به حككق‪ .‬قككال السككاحر َ‬
‫فوالله لئن غلبتني لومنن بك ولشهدن أنكك حكق وفرعكون ينظكر‬
‫إليهما قالوا فلهذا قال ما قال‪ ,‬وقوله }لتخرجككوا منهككا أهلهككا{ أي‬
‫تجتمعوا أنتم وهو وتكون لكم دولة وصولة وتخرجككوا منهككا الكككابر‬
‫والرؤساء وتكون الدولة والتصرف لكم }فسوف تعلمون{ أي مككا‬
‫‪800‬‬
‫أصنع بكم ثم فسر هذا الوعيد بقوله }لقطعككن أيككديكم وأرجلكككم‬
‫مككن خلف{ يعنككي يقطككع يككد الرجككل اليمنككى ورجلككه اليسككرى أو‬
‫ليككة الخككرى }فككي‬ ‫بالعكس }ثم لصلبنكم أجمعين{ وقككال فككي ا َ‬
‫جككككككككككككذوع النخككككككككككككل{ أي علككككككككككككى الجككككككككككككذوع‪.‬‬
‫قال ابككن عبككاس وكككان أول مككن صككلب وأول مككن قطككع اليككدي‬
‫والرجككل مككن خلف فرعككون وقككول السككحرة }إنككا إلككى ربنككا‬
‫منقلبون{ أي قد تحققنا أنا إليه راجعون وعذابه أشد مككن عككذابك‬
‫ونكاله على ما تدعونا إليه اليككوم ومككا أكرهتنككا عليككه مككن السككحر‬
‫أعظم من نكالك فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص عككن عككذاب‬
‫الله ولهذا قالوا }ربنا أفككرغ علينككا صككبرًا{ أي عمنككا بالصككبر علككى‬
‫دينك والثبات عليه }وتوفنا مسلمين{ أي متككابعين لنبيككك موسككى‬
‫عليه السلم وقالوا لفرعون }فاقض مككا أنككت قككاض إنمككا تقضككي‬
‫هذه الحياة الدنيا * إنا آمنا بربنككا ليغفككر لنككا خطايانككا ومككا أكرهتنككا‬
‫عليه من السحر والله خير وأبقى * إنه من يأت ربه مجرمككا ً فككإن‬
‫لكه جهنكم ل يمكوت فيهكا ول يحيكى * ومكن يكأته مؤمنكا ً قكد عمكل‬
‫الصالحات فأولئك لهم الككدرجات العلككى{ فكككانوا فككي أول النهككار‬
‫سحرة‪ ,‬فصاروا في آخره شهداء بررة‪ ,‬قال ابن عباس وعبيد بككن‬
‫عمير وقتادة وابن جريج كانوا في أول النهككار سككحرة وفككي آخككره‬
‫شكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككهداء‪.‬‬
‫دوا ْ ِفككي‬ ‫عون أ َ‬

‫سكك ُ‬ ‫ه ل ِي ُْف ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ى وَقَوْ َ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫مو‬‫ُ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫من قَوْم ِ فِْر َ َ‬ ‫مل ُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫** وََقا َ‬
‫ل سنَقت ُ َ‬ ‫ك َوآل ِهَت َ َ‬ ‫ض وَي َذ ََر َ‬
‫م وَإ ِّنا‬ ‫سآَءهُ ْ‬ ‫حِيكي ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫ل أب َْنآَءهُ ْ‬ ‫ك َقا َ َ ُ ّ‬ ‫الْر ِ‬
‫ن‬ ‫ص كب ُِروَا ْ إ ِ ّ‬‫ست َِعيُنوا ب ِككالل ّهِ َوا ْ‬ ‫مه ِ ا ْ‬ ‫ى ل َِقوْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫م َقاهُِرو َ‬ ‫فَوْقَهُ ْ‬
‫ن * قَككال ُوَا ْ‬ ‫مت ِّقي ك َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬‫عَبادِهِ َوال َْعاقِب َك ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شآُء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ض لل ّهِ ُيورِث َُها َ‬ ‫الْر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م أن‬ ‫ى َرب ّك ُك ْ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫كا‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫كا‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ئ‬‫ج‬‫ِ‬ ‫كا‬‫ك‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫تي‬
‫ِ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫أو‬
‫ن‬‫ملككو َ‬ ‫ُ‬ ‫ف ت َعْ َ‬ ‫ظككَر ك َْيكك َ‬ ‫م ِفككي الْرض فََين ُ‬ ‫خل َِفك ُ ْ‬ ‫سككت َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫عككد ُوّك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ي ُهِْلكك َ‬
‫ِ‬
‫يخبر تعالى عما تمال عليه فرعون وملؤه وما أضككمروه لموسككى‬
‫عليه السككلم وقككومه مككن الذى والبغضككة }وقككال المل مككن قككوم‬
‫فرعون{ أي لفرعون }أتذر موسى وقومه{ أي أتدعهم ليفسككدوا‬
‫في الرض أي يفسككدوا أهككل رعيتككك ويككدعوهم إلككى عبككادة ربهككم‬
‫دونككك يككا للككه العجككب صككار هككؤلء يشككفقون مككن إفسككاد موسككى‬
‫‪801‬‬
‫وقومه! أل إن فرعون وقومه هككم المفسككدون ولكككن ل يشككعرون‬
‫ولهذا قالوا }ويذرك وآلهتك{ قال بعضككهم الككواو هاهنككا حاليككة أي‬
‫أتذره وقومه يفسدون في الرض وقد ترك عبادتككك ؟ وقككرأ ذلككك‬
‫أبي بن كعب وقككد تركككوك أن يعبككدوك وآلهتككك حكككاه ابككن جريككر‪,‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي عاطفة أي أتدعهم يصنعون من الفساد مككا قككد‬
‫أقررتهم عليه وعلى ترك آلهتك‪ ,‬وقرأ بعضهم إلهتككك أي عبادتككك‬
‫وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وغيكره وعلكى القكراءة الولكى‬
‫قال بعضهم‪ :‬كان لفرعون إله يعبككده قككال الحسككن البصككري كككان‬
‫لفرعون إله يعبده في السر وقال في رواية أخرى كان لككه حنانككة‬
‫فككي عنقككه معلقككة يسككجد لهككا‪ .‬وقككال السككدي فككي قككوله تعككالى‪:‬‬
‫}ويذرك وآلهتك{ وآلهته فيما زعم ابن عباس كانوا إذا رأوا بقككرة‬
‫حسناء أمرهم فرعككون أن يعبككدوها فلككذلك أخككرج لهككم السككامري‬
‫عجل ً جسدا ً له خوار‪ .‬فأجابهم فرعون فيما سككألوه بقككوله سككنقتل‬
‫أبناءهم ونستحيي نساءهم وهذا أمككر ثككان بهككذا الصككنيع وقككد كككان‬
‫نكل بهم قبل ولدة موسى عليه السلم حككذرا ً مككن وجككوده فكككان‬
‫خلف ما رامه وضد ما قصده فرعون‪ .‬وهكذا عومككل فككي صككنيعه‬
‫أيضا ً لما أراد إذلل بني إسرائيل وقهرهم فجاء المككر علككى خلف‬
‫ما أراد‪ :‬أعزهم الله وأذله وأرغم أنفه وأغرقه وجنوده‪ .‬ولما صمم‬
‫فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسككرائيل }قككال موسككى‬
‫لقككومه اسككتعينوا بككالله واصككبروا{ ووعككدهم بالعاقبككة وأن الككدار‬
‫ستصير لهم في قوله }إن الرض لله يورثها من يشاء مككن عبككاده‬
‫والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينككا مككن قبككل أن تأتينككا ومككن بعككد مككا‬
‫جئتنا{ أي قد فعلوا بنا مثل ما رأيت من الهوان والذلل من قبككل‬
‫ما جئت يا موسى ومن بعككد ذلككك فقككال منبه كا ً لهككم علككى حككالهم‬
‫الحاضر وما يصيرون إليه في ثاني الحال }عسى ربكككم أن يهلككك‬
‫لية‪ ,‬وهذا تخصيص لهم على العككزم علككى الشكككر عنككد‬ ‫عدوكم{ ا َ‬
‫حلكككككككككككككككككككول النعكككككككككككككككككككم وزوال النقكككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫** ول ََقد أ َ‬
‫م‬‫ت ل َعَل ّهُ ك ْ‬‫م كَرا ِ‬ ‫مككن الث ّ َ‬
‫ص ّ‬‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫ق‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ني‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫س‬‫ّ‬ ‫بال‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كو‬‫ك‬‫َ‬ ‫ع‬‫ر‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫آ‬ ‫نآ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬‫خ‬‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫س كي ّئ َ ٌ‬
‫ة‬ ‫م َ‬ ‫ص كب ْهُ ْ‬ ‫ة َقاُلوا ْ ل ََنا َ‬
‫هـكذِهِ وَِإن ت ُ ِ‬ ‫سن َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جآَءت ْهُ ُ‬ ‫ذا َ‬‫ن * فَإ ِ َ‬ ‫ي َذ ّك ُّرو َ‬
‫‪802‬‬
‫عند الل ّه وَلـك َ‬ ‫ما َ‬ ‫يط ّيروا ْ بموسى ومن مع َ‬
‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬
‫م‬ ‫ُ َ ِ ّ‬ ‫م ِ َ‬‫طائ ُِرهُ ْ‬ ‫ه أل إ ِن ّ َ‬
‫ّ َ ُ‬ ‫ِ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ ُّ‬
‫ن‬ ‫ل َ ي َعْل َ ُ‬
‫مكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬
‫يقول تعالى‪} :‬ولقد أخذنا آل فرعون{ أي اختبرناهم وامتحنككاهم‬
‫وابتلينككاهم }بالسككنين{ وهككي سككني الجككوع بسككبب قلككة الككزروع‬
‫}ونقككص مككن الثمككرات{ قككال مجاهككد وهككو دون ذلككك وقككال أبككو‬
‫إسحاق عن رجاء بن حيوة كانت النخلة ل تحمككل إل ثمككرة واحككدة‬
‫}لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسككنة{ أي مككن الخصككب والككرزق‬
‫}قالوا لنا هذه{ أي هذا لنا بما نستحقه }وإن تصككبهم سككيئة{ أي‬
‫جدب وقحط }يطّيروا بموسى ومككن معككه{ أي هككذا بسككببهم ومككا‬
‫جاؤوا به }أل إنما طائرهم عند الله{ قال علي بن أبي طلحة عن‬
‫ابن عباس }أل إنما طائرهم عند الله{ يقككول مصككائبهم عنككد اللككه‬
‫}ولكن أكثرهم ل يعلمون{ وقال ابن جريج عن ابككن عبككاس قككال‬
‫}أل إنمككككا طككككائرهم عنككككد اللككككه{ أي إل مككككن قبككككل اللككككه‪.‬‬
‫ن لَ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مككؤْ ِ‬ ‫ك بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫حَرَنا ب َِها فَ َ‬ ‫س َ‬ ‫من آي َةٍ ل ّت َ ْ‬ ‫ما ت َأت َِنا ب ِهِ ِ‬ ‫مه ْ َ‬ ‫** وََقاُلوا ْ َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫م آَيا ٍ‬ ‫ضَفادِعَ َوالد ّ َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جَراد َ َوال ُْق ّ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫طوَفا َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ ُ‬ ‫* فَأْر َ‬
‫م‬‫مكا وََقكعَ عَل َي ِْهك ُ‬ ‫ن * وَل َ ّ‬ ‫ميك َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ومكا ً ّ‬ ‫ككاُنوا ْ قَ ْ‬ ‫سكت َك ْب َُروا ْ وَ َ‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫صل َ ٍ‬ ‫مَف ّ‬ ‫ّ‬
‫ت عَن ّككا‬ ‫ش كْف َ‬ ‫ك ل َِئن ك َ َ‬ ‫عن كد َ َ‬‫ما عَهِد َ ِ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ى اد ْعُ ل ََنا َرب ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫مو َ‬ ‫جُز َقاُلوا ْ ي َ ُ‬ ‫الّر ْ‬
‫شكْفَنا‬ ‫ل * فََلمكا ّ ك َ َ‬ ‫سكَرآِئي َ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫ك ب َن ِك َ‬ ‫مع َك َ‬ ‫ن َ‬ ‫س كل َ ّ‬ ‫ك وَل َن ُْر ِ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫جَز ل َن ُؤْ ِ‬
‫من َ ّ‬ ‫الّر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م َينك ُث ُككككو َ‬
‫ن‬ ‫ذا هُكككك ْ‬ ‫ل هُككككم ب َككككال ُِغوهُ إ ِ َ‬ ‫جكككك ٍ‬ ‫ىأ َ‬ ‫جككككَز إ ِلكككك َ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫عَن ْهُكككك ُ‬
‫) شاهذا إخبار من الله عز وجل عن تمرد قوم فرعون وعتككوهم‬
‫وعنادهم للحق وإصرارهم على الباطل في قولهم }مهما تأتنا بككه‬
‫من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين{ يقولون أي آيككة جئتنككا‬
‫بها ودللة وحجة أقمتها رددناها فل نقبلهككا منككك ول نككؤمن بككك ول‬
‫بما جئت به قال الله تعالى‪} :‬فأرسلنا عليهم الطوفككان{ اختلفككوا‬
‫في معنككاه فعككن ابككن عبككاس فككي روايككة كككثرة المطككار المغرقككة‬
‫المتلفة للزروع والثمار وبه قال الضككحاك بككن مزاحككم‪ ,‬وعككن ابككن‬
‫عباس في رواية أخرى هو كثرة المككوت وكككذا قككال عطكاء‪ ,‬وقكال‬
‫مجاهد‪ :‬الطوفان الماء والطاعون على كل حال‪ .‬وقال ابن جرير‪:‬‬
‫حدثنا ابن هشام الرفاعي‪ ,‬حدثنا يحيى بن يمان حدثنا المنهال بككن‬
‫خليفة عن الحجاج عن الحكم بن ميناء عن عائشة رضي الله عنها‬
‫‪803‬‬
‫قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »الطوفان المككوت«‬
‫وكذا رواه ابن مردويه من حديث يحيى بن يمان بككه‪ ,‬وهككو حككديث‬
‫غريب‪ ,‬وقال ابن عباس في رواية أخرى‪ :‬هو أمر مكن اللكه طكاف‬
‫بهم ثم قرأ }فطاف عليها طككائف مككن ربككك وهككم نككائمون{ وأمككا‬
‫الجراد فمعروف مشهور وهو مأكول لما ثبت في الصحيحين عككن‬
‫أبي يعفور قال سألت عبد الله بن أبككي أوفككى عككن الجككراد فقككال‬
‫غزونا مع رسول الله صلى اللكه عليكه وسكلم سككبع غكزوات نأكككل‬
‫الجراد وروى الشافعي وأحمد بن حنبل وابن ماجه من حديث عبد‬
‫الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر عككن النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال »أحلت لنا ميتتككان ودمككان‪ :‬الحككوت والجككراد‬
‫والكبد والطحال« ورواه أبو القاسم البغككوي عككن داود بككن رشككيد‬
‫عن سويد بن عبد العزيز عن أبي تمام اليلي عن زيككد بككن أسككلم‬
‫عن ابن عمر مرفوعا ً مثله‪ ,‬وروى أبو داود عن محمككد بككن الفككرج‬
‫عن محمد بككن زبرقككان الهككوازي عككن سكليمان الككتيمي عككن أبككي‬
‫عثمان عن سلمان قال‪ :‬سئل رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫عن الجراد فقال »أكثر جنود الله ل آكله ول أحرمككه« وإنمككا تركككه‬
‫عليه السلم لنه كان يعافه كما عافت نفسه الشريفة أكل الضب‬
‫وأذن فيه‪ .‬وقككد روى الحككافظ ابككن عسككاكر فككي جككزء جمعككه فككي‬
‫الجراد من حديث أبي سعيد الحسن بن علي العدوي حككدثنا نصككر‬
‫بن يحيى بن سعيد‪ ,‬حدثنا يحيى بن خالد عن ابن جريج عن عطككاء‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلمل يأكل‬
‫الجكراد ول الكلكوتين ول الضكب مكن غيكر أن يحرمهكا أمكا الجكراد‬
‫فرجز وعذاب‪ ,‬وأما الكلوتككان فلقربهمككا مككن البككول‪ ,‬وأمككا الضككب‬
‫فقال »أتخوف أن يكون مسخًا« ثم قال غريككب لككم أكتبككه إل مككن‬
‫هذا الوجه‪ ,‬وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطككاب رضككي اللككه‬
‫عنه يشتهيه ويحبه‪ ,‬فروى عبد اللككه بككن دينككار عككن ابككن عمككر‪ :‬أن‬
‫عمر سئل عن الجراد فقال‪ :‬ليت أن عندنا منككه قفعككة أو قفعككتين‬
‫نأكله‪ ,‬وروى ابن ماجه‪ :‬حدثنا أحمد بن منيع عن سفيان بن عيينككة‬
‫عن أبي سعد سعيد بككن المرزبككان البقككال سككمع أنككس بككن مالككك‬
‫يقول كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد علككى‬
‫الطباق‪ ,‬وقال أبو القاسككم البغككوي‪ :‬حككدثنا داود بككن رشككيد حككدثنا‬
‫بقية بن الوليد عن يحيى بن يزيد القعنبي حدثني أبككي عككن صككدي‬
‫‪804‬‬
‫بن عجلن عن أبي أمامة قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »إن مريم بنت عمران عليها السلم سألت ربهككا عكز وجككل‬
‫أن يطعمها لحما ً ل دم له فأطعمهككا الجككراد فقككالت اللهككم أعشككه‬
‫بغير رضاع وتابع بينه بغيكر شككياع« وقكال نميكر‪ :‬الشكياع الصكوت‪,‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي داود‪ :‬حدثنا أبو تقي هشككام بككن عبككد الملككك‬
‫المزني‪ ,‬حدثنا بقيككة بككن الوليككد حككدثنا إسككماعيل بككن عيككاش عككن‬
‫ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي زهير النميري قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪» :‬ل تقككاتلوا الجككراد فككإنه‬
‫جند الله العظم« غريب جدًا‪ .‬وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في‬
‫قوله تعالى‪} :‬فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد{ قال‪ :‬كانت تأكل‬
‫مسامير أبوابهم وتدع الخشب‪ ,‬وروى ابن عساكر من حديث علي‬
‫بن زيد الخرائطي عن محمد بككن كككثير سككمعت الوزاعككي يقككول‪:‬‬
‫جككل مككن جككراد فككي السككماء فككإذا‬ ‫خرجت إلى الصحراء فإذا أنا برِ ْ‬
‫برجل راكب على جرادة منها وهو شككاك فككي الحديككد وكلمككا قككال‬
‫بيده هكذا مال الجراد مع يده وهككو يقككول الككدنيا باطككل باطككل مككا‬
‫فيها الدنيا باطل باطل ما فيها الككدنيا باطككل باطككل مافيهككا‪ ,‬وروى‬
‫الحافظ أبو الفرج المعافى بن زكريا الحريككري‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫الحسن بن زياد‪ ,‬حكدثنا أحمكد بككن عبككد الرحيكم أخبرنككا وكيكع عكن‬
‫العمش أنبأنا عامر قال‪ :‬سئل شريح القاضي عن الجككراد فقككال‪:‬‬
‫قبح الله الجرادة فيها خلقككة سككبعة جبككابرة‪ ,‬رأسككها رأس فككرس‪,‬‬
‫وعنقها عنق ثور‪ ,‬وصدرها صدر أسد‪ ,‬وجناحها جناح نسر‪ ,‬ورجلها‬
‫رجل جمل‪ ,‬وذنبها ذنب حيكة‪ ,‬وبطنهكا بطكن عقكرب‪ ,‬وقكدمنا عنكد‬
‫قوله تعالى‪} :‬أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا ً لكم وللسيارة{‬
‫حديث حماد بن سككلمة عككن أبككي المهككزم عككن أبككي هريككرة قككال‪:‬‬
‫خرجنا مع رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فككي حككج أو عمككرة‬
‫فاستقبلنا رجككل جككراد فجعلنككا نضككربه بالعصككي ونحككن محرمككون‪,‬‬
‫فسألنا رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فقككال »لبككأس بصككيد‬
‫البحر« وروى ابن ماجه عن هارون الحمال عن هشام بن القاسم‬
‫عن زياد بن عبد الله بن علثة عن موسى بن محمككد بككن إبراهيككم‬
‫التيمي عن أبيه عن أنس وجابر عن رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم أنه كان إذا دعا على الجراد قال »اللهم أهلك كباره واقتككل‬
‫صغاره وأفسككد بيضككه واقطككع دابككره وخككذ بككأفواهه عككن معايشككنا‬
‫‪805‬‬
‫وأرزاقنا إنك سميع الدعاء« فقال له جككابر يككا رسككول اللككه أتككدعو‬
‫على جند من أجناد الله بقطع دابره ؟ فقال »إنما هو نككثرة حككوت‬
‫في البحككر« قككال هشكام أخككبرني زيكاد أنكه أخكبره مكن رآه ينكثره‬
‫الحوت قال من حقق ذلك إن السمك إذا باض في سككاحل البحككر‬
‫فنضب الماء عنككه وبككدا للشككمس أنككه يفقككس كلككه جككرادا ً طيككارًا‪.‬‬
‫وقدمنا عند قوله }إل أمم أمثالكم{ حديث عمككر رضككي اللككه عنككه‬
‫أن الله خلق ألف أمة ستمائة في البحر وأربعمائة فككي الككبر‪ ,‬وإن‬
‫أولها هلكا ً الجككراد‪ ,‬وقككال أبككو بكككر بككن أبككي داود حككدثنا يزيككد بككن‬
‫المبارك حدثنا عبد الرحمن بن قيس حدثنا سالم بن سككالم حككدثنا‬
‫أبو المغيرة الجوزجاني محمد بن مالك عن البراء بن عازب قككال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى اللكه عليكه وسكلم »ل وبكاء مكع السكيف ول‬
‫نجاء مع الجراد« حديث غريب وأما القمككل فعككن ابككن عبككاس هككو‬
‫السككوس الككذي يخككرج مككن الحنطكة وعنككه أنككه الككدبا وهككو الجككراد‬
‫الصغير الذي ل أجنحة له وبه قال مجاهككد وعكرمككة وقتككادة وعككن‬
‫الحسن وسككعيد بككن جككبير القمككل دواب سككود صككغار‪ ,‬وقككال عبككد‬
‫الرحمن بكن زيكد بكن أسكلم‪ :‬القمكل الكبراغيث‪ ,‬وقكال ابكن جريكر‬
‫القمل جمع واحدتها قملة وهي دابة تشبه القمل تأكلها البل فيما‬
‫بلغنكككككككي وهكككككككي الكككككككتي عناهكككككككا العشكككككككى بقكككككككوله‪:‬‬
‫قككككوم يعالككككج قمل ً أبناؤهموسلسككككل ً أجككككدى وبابككككا ً موصككككدا‬
‫قال‪ :‬وكان بعض أهل العلم بكلم العرب من أهل البصرة‪ ,‬يزعم‬
‫أن القمككل عنككد العككرب الحمنككان واحككدتها حمنانككة وهككي صككغار‬
‫القردان فوق القمقامة‪ .‬وقككال أبككو جعفككر ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا ابككن‬
‫حميد الرازي‪ ,‬حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن‬
‫سعيد بن جبير قال‪ :‬لما أتى موسى عليه السلم فرعون قال لككه‪:‬‬
‫أرسككل معككي بنككي إسككرائيل فلككم يرسككلهم فأرسككل اللككه عليهككم‬
‫الطوفان وهو المطر فصب عليهم منه شيئا ً خافوا أن يكون عذابا ً‬
‫فقالوا لموسى‪ :‬ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن لك ونرسل‬
‫معك بنككي إسككرائيل‪ ,‬فككدعا ربكه فكشككف عنهككم فلكم يؤمنككوا ولككم‬
‫يرسلوا معه بني إسرائيل‪ ,‬فأنبت لهككم فككي تلككك السككنة شككيئا ً لككم‬
‫ينبته قبل ذلك من الزروع والثمار والكل فقالوا‪ :‬هذا ما كنا نتمنككى‬
‫فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه على الكل‪ ,‬فلما رأوا أثككره فككي‬
‫الكل عرفككوا أنككه ل يبقككي الككزرع‪ ,‬فقككالوا يككا موسككى ادع لنككا ربكك‬
‫‪806‬‬
‫فيكشف عنا الجراد فنؤمن لك ونرسل معك بنككي إسككرائيل فككدعا‬
‫ربككه فكشككف عنهككم الجككراد فلككم يؤمنككوا ولككم يرسككلوا معككه بنككي‬
‫إسرائيل فداسوا وأحرزوا في البيوت فقككالوا قككد أحرزنككا فأرسككل‬
‫الله عليهم القمل وهككو السككوس الككذي يخككرج منككه فكككان الرجككل‬
‫يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فل يرد منها إل ثلثة أقفزة فقككالوا‬
‫يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل فنؤمن لك ونرسل معككك‬
‫بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم فككأبوا أن يرسككلوا معككه بنككي‬
‫إسرائيل‪ .‬فبينما هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع فقال‬
‫لفرعون ما تلقى أنت وقومك من هذا فقال وما عسككى أن يكككون‬
‫كيككد هككذا فمككا أمسككوا حككتى كككان الرجككل يجلككس إلككى ذقنككه فككي‬
‫الضفادع ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع فككي فيككه‪ ,‬فقككالوا لموسككى‬
‫ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضككفادع فنككؤمن لككك ونرسككل معككك‬
‫بني إسرائيل فدعا ربكه فكشكف عنهكم فلكم يؤمنكوا وأرسكل اللكه‬
‫لبككار ومككا كككان فككي‬‫عليهم الدم فكانوا مككا اسككتقوا مككن النهككار وا َ‬
‫أوعيتهم وجدوه دما ً عبيطا ً فشكوا إلى فرعون فقالوا إنا قد ابتلينا‬
‫بالدم وليس لنا شراب فقال‪ :‬إنككه قككد سككحركم‪ ,‬فقككالوا مككن أيككن‬
‫سحرنا ونحن ل نجد في أوعيتنككا شككيئا ً مككن المككاء إل وجككدناه دمكا ً‬
‫عبيطا ً فأتوه وقالوا يا موسى ادع لنا ربككك يكشككف عنككا هككذا الككدم‬
‫فنؤمن لك ونرسل معك بني إسككرائيل فككدعا ربككه فكشككف عنهككم‬
‫فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل‪ ,‬وقد روي نحو هذا عككن‬
‫ابن عباس والسدي وقتادة وغير واحد من علماء السلف أنه أخبر‬
‫بذلك‪ ,‬وقال محمد بن إسحاق بن يسككار رحمككه اللككه‪ ,‬فرجككع عككدو‬
‫الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوبا ً مغلول ً ثم أبككى إل القامككة‬
‫ليككات فأخككذه‬‫على الكفر والتمككادي فككي الشككر فتككابع اللككه عليككه ا َ‬
‫بالسككنين وأرسككل عليككه الطوفككان‪ ,‬ثككم الجككراد‪ ,‬ثككم القمككل‪ ,‬ثككم‬
‫الضفادع‪ ,‬ثم الدم‪ ,‬آيات مفصككلت‪ ,‬فأرسككل الطوفككان وهككو المككاء‬
‫ففاض على وجه الرض‪ ,‬ثم ركد ل يقدرون على أن يحرثوا ول أن‬
‫يعملوا شيئا ً حتى جهدوا جوعا ً فلما بلغهم ذلك }قككالوا يككا موسككى‬
‫ادع لنا ربك بما عهكد عنكدك لئن كشكفت عنكا الرجكز لنكؤمنن لكك‬
‫ولنرسلن معك بني إسككرائيل{ فككدعا موسكى ربكه فكشككف عنهككم‬
‫فلم يفوا له بشيء مما قككالوا فأرسككل اللككه عليهككم الجككراد فأكككل‬
‫الشككجر فيمككا بلغنككي حككتى إن كككان ليأكككل مسككامير البككواب مككن‬
‫‪807‬‬
‫الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم فقالوا مثل ما قالوا فدعا ربككه‬
‫فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء ممككا قككالوا فأرسككل اللككه عليهككم‬
‫القمل فذكر لي أن موسى عليه السلم أمر أن يمشي إلى كثيب‬
‫حتى يضربه بعصاه فمشككى إلككى كككثيب أهيككل عظيككم فضككربه بهككا‬
‫فانثال عليهم قمل ً حتى غلب على البيوت والطعمة ومنعهم النوم‬
‫والقرار‪ ,‬فلما جهدهم قالوا مثل ما قالوا فدعا ربه فكشككف عنهككم‬
‫فلم يفوا له بشيء مما قالوا فأرسل الله عليهم الضككفادع فملت‬
‫لنية فل يكشف أحككد ثوب كا ً ول طعام كا ً إل وجككد‬ ‫البيوت والطعمة وا َ‬
‫فيه الضفادع قد غلبت عليه‪ ,‬فلما جهدهم ذلك قككالوا لككه مثككل مككا‬
‫قالوا فسأل ربه فكشككف عنهككم فلككم يفككوا لككه بشككيء ممككا قككالوا‬
‫فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دم كا ً ل يسككتقون‬
‫من بئر ول نهر ول يغترفون من إناء إل عاد دما ً عبيطًا‪ .‬وقككال ابككن‬
‫أبي حككاتم حككدثنا أحمككد بككن منصككور المككروزي أنبأنككا النضككر أنبأنككا‬
‫إسرائيل أنبأنا جابر بن يزيد عن عكرمة عن عبيد اللككه بككن عمككرو‬
‫قال‪ :‬ل تقتلوا الضفادع فإنها لما أرسلت على قوم فرعون انطلق‬
‫ضفدع منها فوقككع فككي تنككور فيككه نككار يطلككب بككذلك مرضككاة اللككه‬
‫فأبدلهن الله من هذا أبرد شيء يعلمه مككن المككاء وجعككل نقيقهككن‬
‫التسبيح‪ ,‬وروي من طريق عكرمة عن ابن عباس نحوه‪ ,‬وقال زيد‬
‫بكككن أسكككلم‪ :‬يعنكككي بالكككدم الرعكككاف‪ .‬رواه ابكككن أبكككي حكككاتم‪.‬‬
‫م ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنا وَك َككاُنوا ْ عَن ْهَككا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫م ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫م فَأغَْرقَْناهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫َفان ْت ََق ْ‬
‫مَنا ِ‬
‫َ‬
‫ض‬‫شككارِقَ الْر ِ‬ ‫م َ‬‫ن َ‬ ‫ض كعَُفو َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ن ك َككاُنوا ْ ي ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ن * وَأوَْرث َْنا ال َْقوْ َ‬ ‫غافِِلي َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ى ب َن ِك َ‬ ‫َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬‫ة َرب ّك َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫مَغارِب ََها ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيهَككا وَت َ ّ‬
‫ى عَلك َ‬ ‫سكن َ َ‬‫ح ْ‬ ‫مك ُ‬ ‫مك ْ‬ ‫وَ َ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬‫ن وَقَوْ ُ‬ ‫صن َعُ فِْرعَوْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫مْرَنا َ‬ ‫صب َُروا ْ وَد َ ّ‬‫ما َ‬ ‫سَرآِئي َ‬
‫ل بِ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن‬
‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫ي َعْرِ ُ‬
‫ليككات‬ ‫) شايخبر تعالى أنهم لما عتوا وتمردوا مككع ابتلئه إيككاهم با َ‬
‫المتواترة واحدة بعد واحدة انتقم منهككم بككإغراقه إيككاهم فككي اليككم‬
‫وهو البحر الذي فرقه لموسككى فجككاوزه وبنككو إسككرائيل معككه‪ ,‬ثككم‬
‫ورده فرعككون وجنككوده علككى أثرهككم فلمككا اسككتكملوا فيككه ارتطككم‬
‫عليهككم فغرقككوا عككن آخرهككم وذلككك بسككبب تكككذيبهم بآيككات اللككه‬
‫وتغككافلهم عنهككا‪ ,‬وأخككبر تعككالى أنككه أورث القككوم الككذين كككانوا‬
‫يستضعفون وهم بنو إسرائيل مشارق الرض ومغاربهككا كمككا قككال‬
‫تعالى‪} :‬ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الرض ونجعلهم‬
‫‪808‬‬
‫أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكككن لهككم فككي الرض ونككري فرعككون‬
‫وهامان وجنودهما منهم مككا كككانوا يحككذرون{ وقككال تعككالى‪} :‬كككم‬
‫تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريككم * ونعمككة كككانوا فيهككا‬
‫فاكهين * كذلك وأورثناهككا قومكا ً آخريككن{ وعككن الحسككن البصككري‬
‫وقتادة في قوله }مشارق الرض ومغاربها التي باركنا فيها{ يعني‬
‫الشام‪ ,‬وقككوله }وتمككت كلمككة ربككك الحسككنى علككى إسككرائيل بمككا‬
‫صبروا{ قال مجاهد وابن جرير وهي قوله تعالى‪} :‬ونريد أن نمن‬
‫على الذين استضعفوا في الرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين‬
‫* ونمكن لهم في الرض ونري فرعون وهامككان وجنودهمككا منهككم‬
‫ما كانوا يحذرون{ وقوله }ودمرنا ما كان يصنع فرعككون وقككومه{‬
‫أي وخربنككا مككا كككان فرعككون وقككومه يصككنعونه مككن العمككارات‬
‫والمككزارع }ومككا كككانوا يعرشككون{ قككال ابككن عبككاس ومجاهككد‬
‫}يعرشككككككككككككككككككككككككككككككككون{ يبنككككككككككككككككككككككككككككككككون‪.‬‬
‫ل ال ْبحر فَأ َتوا ْ عَل َى قَوم يعك ُُفون عَل َى أ َ‬
‫م‬
‫َ ْ ٍ‬‫نا‬
‫َ‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ٍ َْ‬ ‫َ ْ‬ ‫سَرآِئي َ َ ْ َ‬ ‫ي إِ ْ‬‫جاوَْزَنا ب ِب َن ِ َ‬
‫وَ َ‬
‫م‬‫م ق َ كو ْ ٌ‬ ‫ل إ ِن ّك ُك ْ‬
‫ة قَككا َ‬‫م آل ِهَك ٌ‬‫مككا ل َهُك ْ‬
‫ل ل َّنآ إ َِلـككها ً ك َ َ‬‫جع َ ْ‬
‫ىا ْ‬‫س َ‬ ‫مو َ‬ ‫م َقاُلوا ْ ي َ ُ‬ ‫ل ّهُ ْ‬
‫ن‬‫مل ُككو َ‬ ‫مككا ك َككاُنوا ْ ي َعْ َ‬‫ل ّ‬ ‫م ِفي كهِ وََباط ِك ٌ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫مت َب ٌّر ّ‬
‫ؤلِء ُ‬‫هـ ُ‬‫ن َ‬‫ن * إِ ّ‬ ‫جهَُلو َ‬‫تَ ْ‬
‫يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسككرائيل لموسككى عليككه السككلم‬
‫حين جاوزوا البحر وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا‬
‫}فككأتوا{ أي فمككروا }علككى قككوم يعكفككون علككى أصككنام لهككم{‪.‬‬
‫قال بعض المفسرين كانوا من الكنعككانيين وقيككل كككانوامن لخككم‬
‫قال ابن جرير‪ :‬وكانوا يعبدون أصناما ً على صور البقككر فلهككذا أثككار‬
‫ذلك شبهة لهم في عبادتهم العجل بعككد ذلككك فقككالوا }يككا موسككى‬
‫اجعل لنا إلها ً كما لهم آلهة قال إنكككم قككوم تجهلككون{ أي تجهلككون‬
‫عظمة الله وجلله وما يجب أن ينككزه عنككه مككن الشككريك والمثيككل‬
‫}إن هؤلء متبر ما هم فيه{ أي هالك }وباطل ما كانوا يعملككون{‬
‫لية مككن حككديث‬ ‫وروى المام أبو جعفر ابن جرير في تفسير هذه ا َ‬
‫محمد بن إسحاق وعقيل ومعمر كلهم عن الزهري عن سنان بككن‬
‫أبي سنان عن أبي واقد الليثي أنهم خرجوا مككن مكككة مككع رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسكلم إلكى حنيكن قكال وككان للكفكار سكدرة‬
‫يعكفون عندها ويعلقون بها أسلحتهم يقككال لهككا ذات أنككواط قككال‪:‬‬
‫فمررنا بسدرة خضراء عظيمة قال‪ :‬فقلنا‪ :‬يا رسول الله اجعل لنا‬
‫ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال‪» :‬قلتم والككذي نفسكي بيكده‬
‫‪809‬‬
‫كما قال قوم موسى لموسى‪} :‬اجعل لنا إلها ً كما لهككم آلهككة قككال‬
‫إنكم قوم تجهلككون إن هكؤلء متكبر مكا هكم فيككه وباطكل مككا ككانوا‬
‫يعملون{ وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الككرزاق حككدثنا معمككر عككن‬
‫الزهري عن سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي قال‪:‬‬
‫خرجنا مع رسول الله صلى الله عليككه وسككلم قبككل حنيككن فمررنككا‬
‫بسدرة فقلت يا نبي الله‪ :‬اجعل لنا هككذه ذات أنككواط كمككا للكفككار‬
‫ذات أنككواط وكككان الكفككار ينوطككون سككلحهم بسككدرة ويعكفككون‬
‫حولها‪ ,‬فقال النبي صلى الله عليككه وسككلم‪» :‬اللككه أكككبر هككذا كمككا‬
‫قالت بنو إسككرائيل لموسككى اجعككل لنككا إلهكا ً كمككا لهككم آلهككة إنكككم‬
‫تركبون سنن من قبلكم« أورده ابن جريككر ورواه ابككن أبككي حككاتم‬
‫من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزنككي عككن أبيككه‬
‫عككككككككككككككككككككككن جككككككككككككككككككككككده مرفوعككككككككككككككككككككككًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫** َقا َ َ‬

‫ن * وَإ ِذ ْ‬ ‫مي َ‬‫م عَل َككى ال ْعَككال َ ِ‬
‫ض كل َك ُ ْ‬‫م إ َِلـها ً وَهُوَ فَ ّ‬
‫ل أغَي َْر الل ّهِ أب ِْغيك ُ ْ‬
‫ذاب يَقتل ُككو َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن أب ْن َككآَءك ُ ْ‬‫َ‬ ‫سوََء ال ْعَ َ ِ ُ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫مون َك ُ ْ‬‫سو ُ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ل فِْر َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جي َْناك ُ ْ‬
‫أن ْ َ‬
‫م‬
‫ظيككك ٌ‬‫م عَ ِ‬ ‫كككك ْ‬‫مكككن ّرب ّ ُ‬ ‫م َبلٌء ّ‬ ‫م وَِفكككي ذ َل ِ ُ‬
‫كككك ْ‬ ‫سكككآَءك ُ ْ‬‫ن نِ َ‬ ‫حُيو َ‬ ‫سكككت َ ْ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫يذكرهم موسى عليه السلم نعم الله عليهككم مككن إنقككاذهم مككن‬
‫أسر فرعون وقهره وما كانوا فيه من الهككوان والذلككة ومككا صككاروا‬
‫إليه من العزة والشتفاء من عدوهم والنظر إليه في حككال هككوانه‬
‫وهلككككه وغرقكككه ودمكككاره وقكككد تقكككدم تفسكككيرها فكككي البقكككرة‪.‬‬
‫** وواعَدنا موسى ث َل َِثين ل َيل َ ً َ‬

‫ت َرب ّكهِ‬ ‫ميَقككا ُ‬
‫م ِ‬‫شكرٍ فَت َك ّ‬‫مَناهَككا ب ِعَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ة وَأت ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ َْ ُ َ َ‬
‫َ‬
‫ح‬
‫ص كل ِ ْ‬
‫مي وَأ ْ‬ ‫خل ُْفِني ِفي قَ كوْ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫خيهِ َ‬‫ىل ِ‬ ‫س َ‬‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن ل َي ْل َ ً‬
‫ة وََقا َ‬ ‫أْرب َِعي َ‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫سككككككككككككككككككك ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مْف ِ‬ ‫سكككككككككككككككككككِبي َ‬ ‫وَل َ ت َت ّب ِكككككككككككككككككككعْ َ‬
‫يقول تعالى ممتنا ً على بني إسرائيل بما حصل لهم من الهدايككة‬
‫بتكليمه موسككى عليككه السككلم وإعطككائه التككوراة وفيهككا أحكككامهم‬
‫وتفاصيل شرعهم فذكر تعالى أنه واعد موسككى ثلثيككن ليلككة قككال‬
‫المفسرون فصامها موسى عليه السلم وطواها فلما تم الميقات‬
‫استاك بلحاء شجرة فأمره الله تعالى أن يكمل بعشر أربعين وقد‬
‫اختلف المفسرون في هككذه العشككر مككا هككي فككالكثرون علككى أن‬
‫الثلثيككن هككي ذو القعككدة والعشككر عشككر ذي الحجككة قككاله مجاهككد‬
‫‪810‬‬
‫ومسروق وابن جريككج وروي عككن ابككن عبككاس وغيككره فعلككى هككذا‬
‫يكون قد كمل الميقات يوم النحككر وحصككل فيككه التكليككم لموسككى‬
‫عليه السلم وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلى الله عليككه وسككلم‬
‫كما قال تعالى‪} :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمككتي‬
‫ى علككى‬ ‫ً‬
‫ورضيت لكم السلم دينا{ فلما تم الميقات وعككزم موس ك َ‬
‫الذهاب إلى الطور كما قال تعالى‪} :‬يا بني إسرائيل قد أنجينككاكم‬
‫ليككة فحينئذ‬ ‫مككن عككدوكم وواعككدناكم جككانب الطككور اليمككن{ ا َ‬
‫استخلف موسى عليككه السككلم علككى بنككي إسككرائيل أخككاه هككارون‬
‫ووصاه بالصلح وعككدم الفسككاد وهككذا تنككبيه وتككذكير وإل فهككارون‬
‫عليه السلم نبي شريف كريم على الله له وجاهة وجللة صككلوات‬
‫اللكككككككه وسكككككككلمه عليكككككككه وعلكككككككى سكككككككائر النبيكككككككاء‪.‬‬
‫ي َأنظ ُكْر إ ِل َي ْك َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ب أرِن ِ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬‫م ُ‬ ‫ميَقات َِنا وَك َل ّ َ‬ ‫ى لِ ِ‬ ‫س َ‬ ‫مو َ‬ ‫جآَء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫** وَل َ ّ‬
‫ف‬‫سككوْ َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫م َ‬
‫كككان َ ُ‬ ‫ست ََقّر َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ل فَإ ِ ِ‬ ‫جب َ ِ‬‫ن ان ْظ ُْر إ َِلى ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل لن ت ََراِني وَلـك ِ ِ‬
‫َقا َ َ‬
‫مكآ‬‫صكِعقا ً فَل َ ّ‬ ‫ى َ‬ ‫سك َ‬ ‫خكّر مو َ‬ ‫ككا ً وَ َ‬‫ه دَ ّ‬ ‫جعََلك ُ‬ ‫ل َ‬‫جب َ ِ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬ ‫ى َرب ّ ُ‬ ‫َ‬
‫جل ّ‬ ‫ت ََراِني فَل َ ّ‬
‫ما ت َ َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مككككؤْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ك وَأ ََنككككا ْ أ َوّ ُ‬ ‫ت إ ِل َْيكككك َ‬ ‫ك ت ُْبكككك ُ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سككككب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫أ ََفككككاقَ َقككككا َ‬
‫يخبر تعالى عن موسى عليه السلم أنه لمككا جككاء لميقككات اللككه‬
‫ى أن ينظككر‬ ‫تعالى وحصل له التكليم من الله تعالى سأل الله تعال َ‬
‫إليه فقال }رب أرنككي أنظككر إليككك قككال لككن ترانككي{ وقككد أشكككل‬
‫حرف لن ههنا على كثير من العلماء لنها موضككوعة لنفككي التأبيككد‬
‫لخككرة وهككذا‬ ‫فاستدل به المعتزلة على نفككي الرؤيككة فككي الككدنيا وا َ‬
‫أضعف القوال لنه قد تواترت الحككاديث عككن رسككول اللككه صككلى‬
‫لخككرة كمككا‬ ‫الله عليه وسلم بأن المؤمنين يككرون اللكه فككي الككدار ا َ‬
‫سنوردها عند قوله تعالى‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة{‪.‬‬
‫وقككوله تعككالى إخبككارا ً عككن الكفككار }كل إنهككم عككن ربهككم يككومئذ‬
‫ليككة‬ ‫لمحجوبون{ وقيل إنها لنفي التأبيد في الدنيا جمعا ً بين هذه ا َ‬
‫لخككرة وقيككل إن‬ ‫وبين الدليل القاطع على صحة الرؤيا في الككدار ا َ‬
‫هذا الكلم في هذا المقككام كككالكلم فككي قككوله تعككالى‪} :‬ل تككدركه‬
‫البصار وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخككبير{ وقككد تقككدم ذلككك‬
‫في النعام وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال لموسى عليه‬
‫السلم »يا موسى إنه ل يراني حي إل مات ول يابس إل تدهككده«‬
‫‪811‬‬
‫ولهذا قال تعالى‪} :‬فلما تجلى ربه للجبل جعله دك كا ً وخككر موسككى‬
‫صعقًا{ قال أبو جعفر بككن جريككر الطككبري فككي تفسككير هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫حدثنا أحمد بككن سككهيل الواسككطي حككدثنا قككرة بككن عيسككى حككدثنا‬
‫العمش عن رجل عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫لما تجلى ربه للجبل أشار بأصبعه فجعله دكًا‪ .‬وأرانا أبو إسككماعيل‬
‫بأصبعه السبابة‪ ,‬هذا السناد فيكه رجكل مبهكم لكم يسكم‪ ,‬ثكم قكال‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬حدثنا حجاج بن منهال‪ ,‬حدثنا حماد عككن ليككث عككن‬
‫ليككة }فلمككا تجلككى‬ ‫أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه ا َ‬
‫ربه للجبل جعله دكًا{ قال‪ :‬هكذا بأصبعه‪ ,‬ووضع النبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم أصككبعه البهككام علككى المفصككل العلككى مككن الخنصككر‪,‬‬
‫فساخ الجبل هكذا وقع في هذه الرواية حماد بن سلمة عككن ليككث‬
‫عن أنس والمشهور حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس كمككا قككال‬
‫ابن جرير حدثني المثنى حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة‬
‫عن ثابت عن أنس قال قرأ رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫}فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا{ قال‪» :‬ووضع البهام قريبا ً مككن‬
‫طرف خنصره«‪ ,‬قال‪» :‬فسككاخ الجبككل« قككال حميككد لثككابت يقككول‬
‫هكذا فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد وقال يقوله رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس وأنا أكتمه ؟ وهكذا رواه المام‬
‫أحمد في مسنده حدثنا أبو المثنى معاذ بككن معككاذ العنككبري حككدثنا‬
‫حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالككك عككن النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في قوله }فلمككا تجلككى ربككه للجبككل{ قككال‪:‬‬
‫قال »هكذا« يعني أنه أخرج طرف الخنصر قال أحمد‪ :‬أرانا معككاذ‬
‫فقال له حميككد الطويككل‪ :‬مككا تريككد إلككى هككذا يككا أبككا محمككد ؟ قككال‬
‫فضرب صدره ضربة شديدة وقال من أنت يككا حميككد ومككا أنككت يككا‬
‫حميد ؟ يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يقككككككككككككككككول مككككككككككككككككا تريككككككككككككككككد إليككككككككككككككككه ؟‪.‬‬
‫لية عن عبككد الوهككاب بككن‬ ‫وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه ا َ‬
‫الحكم الوراق عن معاذ بن معاذ به وعن عبد الله بن عبد الرحمن‬
‫الدارمي عن سليمان بن حرب عن حماد بن سككلمة بككه ثككم قككال‪:‬‬
‫هذا حككديث حسككن صككحيح غريككب ل نعرفككه إل مككن حككديث حمككاد‬
‫وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طرق عن حمككاد بككن سكلمة‬
‫به وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجككاه ورواه‬
‫‪812‬‬
‫أبو محمد بن الحسن بن محمككد بككن علككي الخلل عككن محمككد بككن‬
‫علي بن سويد عن أبي القاسم البغككوي عككن هدبككة بككن خالككد عككن‬
‫حماد بن سلمة فذكره وقال هذا إسككناد صككحيح ل علككة فيككه‪ ,‬وقككد‬
‫رواه داود بن المحير عن شعبة عن ثابت عن أنس مرفوع كا ً وهككذا‬
‫ليككس بشككيء‪ ,‬لن داود بككن المحيككر كككذاب‪ ,‬رواه(الحافظككان أبككو‬
‫القاسم الطبراني وأبو بكر بن مردويه من طريقين عن سعيد بككن‬
‫أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا ً بنحوه وأسنده ابن مردويه‬
‫من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمككر مرفوعكا ً ول يصككح‬
‫أيضًا‪ ,‬رواه الترمذي وصححه الحككاكم وقككال علككى شككرط مسككلم‪.‬‬
‫وقال السدي عن عكرمة عن ابكن عبكاس فكي قكول اللكه تعكالى‪:‬‬
‫}فلما تجلى ربه للجبل{ قال ما تجلى منه إل قدر الخنصر }جعله‬
‫دكًا{ قال ترابا ً }وخر موسى صعقًا{ قال مغشككيا ً عليككه رواه ابككن‬
‫جرير وقال قتادة }وخر موسى صككعقًا{ قككال ميت كا ً وقككال سككفيان‬
‫الثوري ساخ الجبل في الرض حككتى وقككع فككي البحككر فهككو يككذهب‬
‫معه وقال سنيد عن حجاج بن محمد العور عن أبي بكككر الهككذلي‬
‫}فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا{ انقعككر فككدخل تحككت الرض فل‬
‫يظهر إلى يوم القيامة وجاء في بعض الخبار أنه ساخ فككي الرض‬
‫فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة رواه ابن مردويككه وقككال ابككن أبككي‬
‫حاتم حدثنا عمر بن شبة حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكنككاني‬
‫حدثنا عبد العزيز بن عمران عن معاوية بن عبد الله عن الجلد بن‬
‫أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك أن النكبي صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم قال »لما تجلى الله للجبال طارت لعظمته ستة أجبل‬
‫فوقعت ثلثة بالمدينة وثلثة بمكة‪ ,‬بالمدينة أحد وورقككان ورضككوى‬
‫ووقع بمكة حراء وثبير وثور« وهذا حديث غريب بككل منكككر وقككال‬
‫ابن أبي حاتم ذكر عن محمد بككن عبككد اللككه بككن أبككي الثلككج حككدثنا‬
‫الهيثم بن خارجة حدثنا عثمان بن حصين بن العلف عن عروة بن‬
‫رويم قال‪ :‬كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى علككى الطككور‬
‫صما ً ملساء فلما تجلى اللككه لموسككى علككى الطككور دك وتفطككرت‬
‫الجبال فصارت الشقوق والكهوف وقكال الربيكع بكن أنكس }فلمكا‬
‫تجلى ربه للجبل جعله دكا ً وخر موسككى صككعقًا{ وذلككك أن الجبككل‬
‫حين كشف الغطاء ورأى النور صككار مثككل دك مككن الككدكاك وقككال‬
‫بعضهم جعله دكا ً أي فتنة وقال مجاهد في قوله }ولكن انظر إلى‬
‫‪813‬‬
‫الجبل فإن استقر مكانه فسككوف ترانككي{ فككإنه أكككبر منككك وأشككد‬
‫خلقا ً }فلما تجلى ربه للجبل{ فنظر إلى الجبككل ل يتمالككك وأقبككل‬
‫الجبل فدك على أوله ورأى موسى مككا يصككنع الجبككل فخككر صككعقا ً‬
‫وقال عكرمة جعله دكاء قال نظر الله إلى الجبككل فصككار صككحراء‬
‫ترابا ً وقد قرأ بهذه القراءة بعض القراء واختارها ابن جريككر‪ ,‬وقككد‬
‫ورد فيها حديث مرفوع رواه ابككن مردويككه والمعككروف أن الصككعق‬
‫هو الغشي ها هنا كما فسره ابن عباس وغيره ل كما فسره قتادة‬
‫بالموت وإن كككان صككحيحا ً فككي اللغككة كقككوله تعككالى‪} :‬ونفككخ فككي‬
‫الصور فصعق من في السموات ومن في الرض إل من شاء الله‬
‫ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون{ فككإن هنككاك قرينككة تككدل‬
‫على الموت كما أن هنا قرينة تدل على الغشي‪ .‬وهي قوله }فلما‬
‫أفاق{ والفاقككة ل تكككون إل عككن غشككي }قككال سككبحانك{ تنزيهكا ً‬
‫وتعظيما ً وإجلل ً أن يككراه أحككد فككي الككدنيا إل مككات‪ .‬وقككوله }تبككت‬
‫إليك{ قال مجاهد أن أسككألك الرؤيككة }وأنككا أول المككؤمنين{ قككال‬
‫ابن عباس ومجاهد مككن بنككي إسككرائيل واختككاره ابككن جريككر وفككي‬
‫رواية أخرى عن ابن عباس }وأنا أول المؤمنين{ أنه ل يراك أحككد‬
‫وكذا قال أبو العالية قد كان قبله مؤمنون ولكن يقول أنا أول من‬
‫آمن بك أنه ل يراك أحد من خلقك إلى يككوم القيامككة‪ ,‬وهككذا قككول‬
‫حسن له اتجاه وقد ذكر محمد بن جرير في تفسيره هككا هنككا أثككرا ً‬
‫طويل ً فيه غرائب وعجائب عن محمد بن إسحاق بن يسككار وكككأنه‬
‫تلقاه من السرائيليات والله أعلم‪ ,‬وقوله }وخككر موسككى صككعقًا{‬
‫فيه أبو سعيد وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬فأمككا‬
‫حديث أبي سعيد فأسنده البخاري في صكحيحه ههنكا فقكال حككدثنا‬
‫محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيككى المككازني عككن‬
‫أبيه عن أبي سعيد الخدري رضكي اللكه عنكه قكال جككاء رجكل مككن‬
‫اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطككم وجهككه‪ ,‬وقككال يككا‬
‫محمككد إن رجل ً مككن أصككحابك مككن النصككار لطككم وجهككي قككال‬
‫»ادعوه« فدعوه قال »لم لطمت وجهه ؟« قككال يككا رسككول اللككه‬
‫إني مررت باليهودي فسمعته يقول والذي اصطفى موسككى علككى‬
‫البشر قال وعلى محمد ؟ قال فقلت وعلى محمد وأخذتني غضبة‬
‫فلطمته فقال »ل تخيروني من بين النبياء فككإن النككاس يصككعقون‬
‫يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة مككن‬
‫‪814‬‬
‫قوائم العرش فل أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور« وقككد‬
‫رواه البخاري في أماكن كثيرة من صحيحه ومسككلم فككي أحككاديث‬
‫النبياء وأبو داود في كتاب السنة من سننه من طرق عككن عمككرو‬
‫بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني النصاري المدني عن‬
‫أبيه عن أبي سعيد سكعد بكن مالكك بكن سكنان الخكدري بكه‪ .‬وأمكا‬
‫حديث أبي هريرة فقال المام أحمد في مسنده حككدثنا أبككو كامككل‬
‫حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن أبككي سككلمة بككن عبككد‬
‫الرحمن وعبد الرحمن العرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قككال‬
‫اسككتب رجلن رجككل مككن المسككلمين ورجككل مككن اليهككود فقككال‬
‫المسلم‪ :‬والذي اصطفى محمككدا ً علككى العككالمين فقككال اليهككودي‪:‬‬
‫والككذين اصككطفى موسككى علككى العككالمين فغضككب المسككلم علككى‬
‫اليهودي فلطمه‪ ,‬فأتى اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫فسأله فأخبره فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فككاعترف‬
‫بذلك‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬ل تخيروني علككى‬
‫موسى فإن الناس يصعقون يككوم القيامككة فككأكون أول مككن يفيككق‬
‫فإذا موسى ممسككك بجككانب العككرش فل أدري أكككان ممككن صككعق‬
‫فأفاق قبلي أم كان ممككن اسككتثنى اللككه عككز وجككل« أخرجككاه فككي‬
‫الصكككككككككحيحين مكككككككككن حكككككككككديث الزهكككككككككري بكككككككككه‪.‬‬
‫وقد روى الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا رحمه الله أن الذي لطم‬
‫اليهودي في هذه القضية هككو أبكو بككر الصككديق رضككي اللكه عنكه‪,‬‬
‫ولكن تقدم في الصحيحين أنه رجل مككن النصككار وهككذا هككو أصككح‬
‫وأصرح والله أعلم والكلم في قككوله عليككه السككلم‪» :‬ل تخيرونككي‬
‫على موسى« كالكلم علكى قكوله »ل تفضكلوني علكى النبيكاء ول‬
‫على يونس بن متى« قيل من باب التواضككع وقيككل قبككل أن يعلككم‬
‫بذلك‪ ,‬وقيل نهى أن يفضككل بينهككم علككى وجككه الغضككب والتعصككب‬
‫وقيل على وجه القول بمجرد الرأي والتشهي والله أعلككم‪ .‬وقككوله‬
‫»فإن الناس يصعقون يوم القيامة« الظاهر أن هذا الصعق يكككون‬
‫في عرصات القيامة يحصل أمر يصعقون منه والله أعلم به‪ .‬وقككد‬
‫يكون ذلكك إذا جككاء الككرب تبكارك وتعكالى لفصككل القضككاء وتجلككى‬
‫للخلئق الملك الديان كما صعق موسكى مكن تجلكي الككرب تبكارك‬
‫وتعالى ولهذا قال عليه السككلم »فل أدري أفككاق قبلككي أم جككوزي‬
‫بصعقة الطور« وقد روى القاضي عياض في أوائل كتككابه الشككفاء‬
‫‪815‬‬
‫بسنده عن محمد بن محمد بن مرزوق‪ ,‬حدثنا قتادة حدثنا الحسن‬
‫عن قتادة عن يحيى بن وثاب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪» :‬لما تجلى الله لموسى عليه السلم كان يبصككر‬
‫النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسكخ« ثكم‬
‫قال‪ :‬ول يبعد على هذا أن يختص نبينا بما ذكرناه مككن هككذا البككاب‬
‫بعد السراء والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى انتهى ما قاله‬
‫وكأنه صحح هذا الحديث‪ ,‬وفي صحته نظر ول تخلو رجال إسككناده‬
‫من مجاهيل ل يعرفككون ومثككل هككذا إنمككا يقبككل مككن روايككة العككدل‬
‫الضكككابط عكككن مثلكككه حكككتى ينتهكككي إلكككى منتهكككاه واللكككه أعلكككم‪.‬‬
‫مككي‬ ‫سككال َِتي وَب ِك َل َ ِ‬ ‫س ب ِرِ َ‬ ‫صكط ََفي ْت ُ َ َ‬ ‫** َقا َ‬

‫ك عَلككى الن ّككا ِ‬ ‫ى إ ِّني ا ْ‬ ‫س َ‬‫مو َ‬ ‫ل يَ ُ‬
‫ل‬ ‫ككك ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ه ِفي الل ْ‬ ‫ن * وَك َت َب َْنا ل َ ُ‬ ‫ري َ‬
‫ِ‬ ‫شاك ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ن ّ‬‫ك وَك ُ ْ‬ ‫مآ آت َي ْت ُ َ‬
‫خذ ْ َ‬ ‫فَ ُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ذوا ْ‬‫خ ُ‬ ‫ك ي َأ ُ‬ ‫م َ‬‫مْر قَوْ َ‬ ‫ها ب ُِقوّةٍ وَأ ُ‬ ‫خذ ْ َ‬‫يٍء فَ ُ‬‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ل َ‬ ‫صيل ً ل ّك ُ ّ‬ ‫عظ َ ً‬
‫ة وَت َْف ِ‬ ‫مو ْ ِ‬‫يٍء ّ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سكككككككككككككككِقي َ‬ ‫داَر ال َْفا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سكككككككككككككككأوِْريك ُ ْ‬ ‫سكككككككككككككككن َِها َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫يذكر تعالى أنه خاطب موسككى بككأنه اصكطفاه علككى أهككل زمككانه‬
‫برسالته تعالى وبكلمه ول شك أن محمدا ً صلى الله عليه وسككلم‬
‫لخرين ولهذا اختصككه اللككه تعككالى بككأن‬ ‫سيد ولد آدم من الولين وا َ‬
‫جعله خاتم النبيكاء والمرسككلين الككذي تسكتمر شككريعته إلكى قيكام‬
‫الساعة وأتباعه أكككثر مككن أتبككاع سككائر النبيككاء والمرسككلين كلهككم‬
‫وبعككده فكي الشكرف والفضككل إبراهيكم الخليككل عليكه السكلم ثككم‬
‫موسى بن عمران كليككم الرحمككن عليككه السككلم ولهككذا قككال اللككه‬
‫تعالى له‪» :‬فخذ ما آتيتككك« أي مككن الكلم والمناجككاة }وكككن مككن‬
‫الشاكرين{ أي على ذلك ول تطلب ما ل طاقككة لككك بككه ثككم أخككبر‬
‫تعالى أنه كتب له في اللواح من كل شيء موعظة وتفصيل ً لكككل‬
‫شيء قيل كانت اللواح من جوهر وإن الله تعككالى كتككب لككه فيهككا‬
‫مواعظ وأحكاما ً مفصلة مبينة للحلل والحرام وكانت هذه اللكواح‬
‫مشتملة علككى التككوراة الككتي قككال اللككه تعككالى فيهككا‪} :‬ولقككد آتينككا‬
‫موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القككرون الولككى بصككائر للنككاس{‬
‫وقيل اللواح أعطيها موسى قبل التوراة واللككه أعلككم‪ ,‬وعلككى كككل‬
‫تقدير فكانت كالتعويض له عما سأل من الرؤية ومنكع منهكا واللكه‬
‫أعلم‪ ,‬وقوله }فخذها بقوة{ أي بعزم على الطاعة }وأمككر قومككك‬
‫‪816‬‬
‫يأخككذوا بأحسككنها{ قكال سككفيان بككن عيينككة حكدثنا أبككو سكعيد عكن‬
‫عكرمة عن ابن عبككاس قككال أمككر موسككى عليككه السككلم أن يأخككذ‬
‫بأشد ما أمر قومه‪ .‬وقوله }سككأريكم دار الفاسككقين{ أي سككترون‬
‫عاقبة من خالف أمري وخرج عن طاعتي كيف يصككير إلككى الهلك‬
‫والككدمار والتبككاب قككال ابككن جريككر وإنمككا قككال }سككأريكم دار‬
‫الفاسقين{ كما يقول القائل لمككن يخككاطبه سككأريك غككدا ً إلككى مككا‬
‫يصير إليه حال من خالف أمري على وجككه التهديككد والوعيككد لمككن‬
‫عصاه وخالف أمككره‪ ,‬ثككم نقككل معنككى ذلككك عككن مجاهككد والحسككن‬
‫البصككري وقيككل معنككاه }سككأريكم دار الفاسككقين{ أي‪ :‬مككن أهككل‬
‫الشام وأعطيكم إياهككا وقيككل‪ :‬منككازل قككوم فرعككون والول أولككى‬
‫والله أعلم لن هذا بعد انفصال موسى وقومه عن بلد مصر وهككو‬
‫خطكككاب لبنكككي إسكككرائيل قبكككل دخكككولهم الكككتيه واللكككه أعلكككم‪.‬‬
‫َ‬
‫حككقّ وَِإن‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫ن ي َت َك َب ُّرو َ‬‫ذي َ‬ ‫ن آَياِتي ال ّ ِ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫** َ‬
‫سكِبيل ً‬ ‫ذوهُ َ‬ ‫خك ُ‬ ‫شكدِ ل َ ي َت ّ ِ‬‫ل الّر ْ‬ ‫سِبي َ‬ ‫مُنوا ْ ب َِها وَِإن ي ََروْا ْ َ‬ ‫ل آي َةٍ ل ّ ي ُؤْ ِ‬‫ي ََروْا ْ ك ُ ّ‬
‫م ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات ِن َككا وَك َككاُنوا ْ‬ ‫ذوه سبيل ً ذ َل َ َ‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫خ ُ ُ َ ِ‬ ‫ل ال ْغَ ّ‬
‫ي ي َت ّ ِ‬ ‫سِبي َ‬ ‫وَِإن ي ََروْا ْ َ‬
‫َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنا وَل َِقآِء ال َُ ِ‬
‫م‬ ‫مككال ُهُ ْ‬
‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َك ْ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫ن * َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫غافِِلي َ‬ ‫عَن َْها َ‬
‫ن‬‫مل ُككككككككككو َ‬ ‫مككككككككككا ك َككككككككككاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫جككككككككككَزوْ َ‬ ‫ل يُ ْ‬‫هَكككككككككك ْ‬
‫يقول تعالى‪} :‬سأصرف عككن آيككاتي الككذين يتكككبرون فككي الرض‬
‫بغير الحق{ أي سأمنع فهم الحجج والدلككة الدالككة علككى عظمككتي‬
‫وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي ويتككبرون علكى‬
‫الناس بغير حق‪ ,‬أي كما استكبروا بغيككر حككق أذلهككم اللككه بالجهككل‬
‫كما قال تعالى‪} :‬ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول‬
‫مرة{ وقال تعالى‪} :‬فلما زاغككوا أزاغ اللككه قلككوبهم{ وقككال بعككض‬
‫السلف‪ :‬ل ينال العلم حيي ول مستكبر‪ ,‬وقال آخر‪ :‬من لككم يصككبر‬
‫على ذل التعلم ساعة بقي في ذلك الجهل أبدًا‪ ,‬وقال سفيان بككن‬
‫عيينة في قوله‪ } :‬سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون فككي الرض‬
‫بغير الحق{ قال‪ :‬أنزع عنهم فهككم القككرآن وأصككرفهم عككن آيككاتي‪,‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬وهذا يدل على أن هذا الخطاب لهذه المككة‪ ,‬قلككت‬
‫ليس هذا بلزم لن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كككل‬
‫أمة ول فرق بين أحد وأحد في هذا‪ ,‬والله أعلم‪ .‬وقوله }وإن يروا‬
‫‪817‬‬
‫كل آية ل يؤمنوا بها{ كمككا قككال تعككالى‪} :‬إن الككذين حقككت عليهككم‬
‫كلمة ربك ل يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الليم{‬
‫ل{ أي وإن ظهككر‬ ‫وقوله }وإن يروا سككبيل الرشككد ل يتخككذوه سككبي ً‬
‫لهم سبيل الرشككد أي طريكق النجككاة ل يسكلكوها‪ ,‬وإن ظهككر لهككم‬
‫ل‪ ,‬ثم علل مصيرهم إلككى هككذه‬ ‫طريق الهلك والضلل يتخذوه سبي ً‬
‫الحكال بقكوله }ذلكك بكأنهم ككذبوا بآياتنكا{ أي ككذبت بهكا قلكوبهم‬
‫}وكككانوا عنهككا غككافلين{ أي ل يعلمككون شككيئا ً ممككا فيهككا‪ ,‬وقككوله‬
‫لخرة حبطت أعمالهم{ أي من فعككل‬ ‫}والذين كذبوا بآياتنا ولقاء ا َ‬
‫منهم ذلك واستمر عليه إلككى الممككات حبككط عملككه‪ ,‬وقككوله }هككل‬
‫يجزون إل ما كانوا يعملككون{ أي إنمككا نجككازيهم بحسككب أعمككالهم‬
‫التي أسلفوها إن خيككرا ً فخيككر وإن شككرا ً فشككر وكمككا تككدين تككدان‪.‬‬
‫واٌر‬ ‫خك َ‬ ‫ه ُ‬ ‫سككدا ً ل ّك ُ‬‫ج َ‬ ‫جل ً َ‬

‫ع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حل ِي ّهِك ْ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫من ب َعْدِهِ ِ‬ ‫ى ِ‬ ‫س َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫خذ َ قَوْ ُ‬ ‫** َوات ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫مي َ‬ ‫ذوهُ وَك َككاُنوا ْ ظ َككال ِ ِ‬ ‫خ ُ‬‫سِبيل ً ات ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫م وَل َ ي َهْ ِ‬‫مه ُ ْ‬‫ه ل َ ي ُك َل ّ ُ‬ ‫م ي ََروْا ْ أن ّ ُ‬ ‫أل َ ْ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫من َككا‬‫ح ْ‬‫م ي َْر َ‬ ‫ضكّلوا ْ قَككاُلوا ْ ل َِئن ل ّك ْ‬ ‫م قَد ْ َ‬ ‫م وََرأوْا ْ أن ّهُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ي أي ْ ِ‬ ‫ط فَ َ‬ ‫سِق َ‬ ‫ما ُ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫سككككككك ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫مككككككك َ‬ ‫ن ِ‬‫ككككككككون َ ّ‬ ‫َرب َّنكككككككا وَي َغِْفكككككككْر ل ََنكككككككا ل َن َ ُ‬
‫يخبر تعالى عن ضلل من ضل من بنككي إسككرائيل فككي عبككادتهم‬
‫العجل الذي اتخذه لهم السككامري‪ ,‬مككن حلككي القبككط الككذي كككانوا‬
‫ل‪ ,‬ثم ألقككى فيككه القبضككة مككن‬ ‫استعاروه منهم فشكل لهم منه عج ً‬
‫التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل عليه السلم‪ ,‬فصار عجل ً‬
‫جسدا ً له خوار‪ :‬والخوار صوت البقر‪ ,‬وكان هذا منهككم بعككد ذهككاب‬
‫موسى لميقات ربه تعككالى فككأعلمه اللككه تعككالى بككذلك وهككو علككى‬
‫الطور‪ ,‬حيث يقول تعالى إخبارا ً عن نفسه الكريمة }قال فإنا قككد‬
‫فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري{ وقد اختلف المفسككرون‬
‫في هذا العجل هل صار لحما ً ودما ً له خوار أو اسككتمر علككى كككونه‬
‫من ذهب إل أنه يككدخل فيككه الهككواء فيصككوت كككالبقر علككى قككولين‬
‫واللككه أعلككم‪ .‬ويقككال إنهككم لمككا صككوت لهككم العجككل رقصككوا حككوله‬
‫وافتتنوا به وقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي قال اللككه تعككالى‪:‬‬
‫}أفل يرون أل يرجع إليهم قول ً ول يملك لهم ضرا ً ول نفعًا{ وقكال‬
‫ل{‬ ‫لية الكريمة }ألم يروا أنه ل يكلمهم ول يهديهم سككبي ً‬ ‫في هذه ا َ‬
‫ينكككر تعككالى عليهككم فككي ضككللهم بالعجككل وذهككولهم عككن خككالق‬
‫‪818‬‬
‫السموات والرض ورب كككل شككيء ومليكككه أن عبككدوا معككه عجل ً‬
‫جسدا ً له خوار ل يكلمهم ول يرشدهم إلى خير ولكن غطككى علككى‬
‫أعين بصائرهم عمى الجهل والضلل كما تقدم مككن روايككة المككام‬
‫أحمد وأبي داود عن أبي الدرداء قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »حبك الشيء يعمي ويصم« وقوله }ولما سككقط فكي‬
‫أيديهم{ أي ندموا على ما فعلوا }ورأوا أنهم قككد ضككلوا قككالوا لئن‬
‫لككم يرحمنككا ربنككا ويغفككر لنككا{ وقككرأ بعضككهم لئن لككم ترحمنابالتككاء‬
‫المثناة من فوق }ربنا{ منادى }وتغفر لنا لنكونن من الخاسرين{‬
‫أي من الهالكين وهذا اعتراف منهم بككذنبهم التجككاء إلككى اللككه عككز‬
‫وجكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككل‪.‬‬
‫سككفا ً َقككا َ‬ ‫** ول َمككا رجككع موسككى إَلككى َقككومه غَضككبا َ‬

‫ما‬ ‫سكك َ‬ ‫ل ب ِئ ْ َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫َ ّ َ َ َ ُ َ َ َ ِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬‫خذ َ ِبككَرأ ِ‬ ‫ح وَأ َ‬ ‫م وَأل َْقى الل ْ َ‬
‫وا َ‬ ‫مَر َرب ّك ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جل ْت ُ ْ‬‫من ب َعْدِيَ أعَ ِ‬ ‫موِني ِ‬ ‫خل َْفت ُ ُ‬‫َ‬
‫دوا ْ‬ ‫ُ‬ ‫أَ ِ‬
‫كككا ُ‬ ‫ضككعَُفوِني وَ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ما ْ‬ ‫ن ال َْقككوْ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫نأ ّ‬ ‫ل اْبكك َ‬ ‫جككّرهُ إ ِل َْيككهِ َقككا َ‬‫خيككهِ ي َ ُ‬
‫ن*‬ ‫مي َ‬ ‫ظككال ِ ِ‬‫معَ ال َْقوْم ال ّ‬ ‫جعَل ِْني َ‬ ‫دآَء وَل َ ت َ ْ‬ ‫ي العْ َ‬ ‫ت بِ َ‬‫م ْ‬‫ش ِ‬ ‫ي َْقت ُُلون َِني فَل َ ت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫خل ْنككا فككي رحمِتكك َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫حكك ُ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫ك وَأنكك َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫خككي وَأد ْ ِ َ ِ‬ ‫ب اغِْفككْر ِلككي َول ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫َقككا َ‬
‫ن‬‫ميككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك َ‬ ‫ح ِ‬‫الّرا ِ‬
‫يخبر تعالى أن موسككى عليككه السككلم لمككا رجككع إلككى قككومه مككن‬
‫مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسف قال أبو الدرداء السكف أشككد‬
‫الغضب‪} .‬قال بئسما خلفتموني من بعدي{ يقول بئس ما صنعتم‬
‫في عبادة العجل بعككد أن ذهبككت وتركتكككم‪ ,‬وقككوله }أعجلتككم أمككر‬
‫ربكم{ يقول استعجلتم مجيئي إليكم وهو مقدر مككن اللككه تعككالى‪.‬‬
‫وقوله }وألقى اللواح وأخذ برأس أخيككه يجككره إليككه{ قيككل كككانت‬
‫اللواح من زمرد وقيل من ياقوت وقيل من بكرد وفكي هكذا دللكة‬
‫على ما جككاء فككي الحككديث‪» :‬ليككس الخككبر كالمعاينككة« ثككم ظككاهر‬
‫السياق أنه إنما ألقى اللواح غضبا ً على قومه‪ ,‬وهذا قول جمهككور‬
‫العلماء سلفا ً وخلفًا‪ .‬وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قول ً غريبا ً‬
‫ل يصح إسناده إلى حكاية قتادة وقد رده ابككن عطيككة وغيككر واحككد‬
‫من العلماء وهو جككدير بكالرد وككأنه تلقككاه قتككادة عككن بعككض أهككل‬
‫الكتاب وفيهم كذابون ووضاعون وأفاكون وزنادقة‪ .‬وقوله }وأخككذ‬
‫برأس أخيه يجره إليه{ خوفا ً أن يكون قككد قصككر فككي نهيهككم كمككا‬
‫‪819‬‬
‫لية الخرى }قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضككلوا أن‬ ‫قال في ا َ‬
‫ل تتبعن أفعصيت أمري * قال يا ابن ُأم ل تأخذ بلحيتي ول برأسي‬
‫* إنككي خشككيت أن تقككول فرقككت بيككن بنككي إسككرائيل ولككم ترقككب‬
‫قككولي{ وقككال ههنككا }ابككن أم إن القككوم استضككعفوني وكككادوا‬
‫يقتلونني فل تشمت بي العداء ول تجعلني مع القككوم الظككالمين{‬
‫أي ل تسوقني سياقهم وتجعلني معهم وإنما قككال‪ :‬ابككن أم ليكككون‬
‫أرق وأنجع عنده وإل فهو شقيقه لبيه وأمككه فلمككا تحقككق موسككى‬
‫عليه السلم براءة ساحة هككارون عليككه السككلم كمككا قككال تعككالى‪:‬‬
‫}ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنمككا فتنتككم بككه وإن ربكككم‬
‫الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري{ فعند ذلك }قال{ موسى }رب‬
‫اغفر لي ولخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين{ وقككال‬
‫ابن أبي حاتم حدثنا الحسككن بككن محمككد بككن الصككباح حككدثنا عفككان‬
‫حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عككن ابككن عبككاس‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »يرحككم اللككه موسككى‬
‫ليس المعاين كالمخبر أخبره ربه عز وجككل أن قككومه فتنككوا بعككده‬
‫فلكككم يلكككق اللكككواح فلمكككا رآهكككم وعكككاينهم ألقكككى اللكككواح«‪.‬‬
‫ة فِككي‬ ‫م وَذِل ّك ٌ‬
‫مككن ّرب ّهِك ْ‬ ‫ب ّ‬ ‫ضك ٌ‬ ‫م غَ َ‬‫سكي ََنال ُهُ ْ‬‫ل َ‬ ‫ذوا ْ ال ْعِ ْ‬
‫ج َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫** إ ِ ّ‬
‫م‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫ت ث ُك ّ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫ن عَ ِ‬‫ذي َ‬ ‫ن * َوال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫مْفت َ ِ‬‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ك نَ ْ‬ ‫حياةِ الد ّن َْيا وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م‬‫حيكك ٌ‬‫ها ل َغَُفككوٌر ّر ِ‬ ‫مككن ب َْعككدِ َ‬ ‫ك ِ‬‫ن َرّبكك َ‬ ‫مُنككوَا ْ إ ِ ّ‬
‫ها َوآ َ‬ ‫مككن ب َْعككدِ َ‬ ‫َتككاُبوا ْ ِ‬
‫أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل فهو أن الله‬
‫تعالى‪ :‬لم يقبل لهم توبة حتى قتل بعضهم بعضكًا‪ ,‬كمككا تقككدم فككي‬
‫سورة البقرة }فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم‪ .‬ذلكم خير لكم‬
‫عنككد بككارئكم فتككاب عليكككم إنككه هككو التككواب الرحيككم{ وأمككا الذلككة‬
‫فأعقبهم ذلك ذل ً وصغارا ً في الحياة الدنيا‪ ,‬وقوله }وكذلك نجككزي‬
‫المفترين{ نائلة لكل من افترى بدعككة فككإن ذل البدعككة ومخالفككة‬
‫الرشاد متصلة من قلبه على كتفيه‪ ,‬كما قال الحسن البصري‪ :‬إن‬
‫ذل البدعة على أكتافهم وإن هملجت بهم البغلت وطقطقت بهككم‬
‫البراذين‪ :‬وهكذا روى أيوب السختياني عن أبي قلبة الجرمي أنككه‬
‫لية }وكذلك نجزي المفككترين{ فقككال‪ :‬هككي واللككه لكككل‬ ‫قرأ هذه ا َ‬
‫مفتر إلى يوم القيامة‪ ,‬وقال سفيان بن عيينة‪ :‬كككل صككاحب بدعككة‬
‫‪820‬‬
‫ذليل‪ ,‬ثم نبه تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبة عبككاده مككن‬
‫أي ذنب كان حتى ولو كككان مككن كفككر أوشككرك أونفككاق أوشككقاق‪,‬‬
‫ولهذا عقب هذه القصة بقوله }والذين عملككوا السككيئات ثككم تككابوا‬
‫من بعدها وآمنوا إن ربك{ أي‪ :‬يككا محمككد يككا رسككول التوبككة ونككبي‬
‫الرحمة }من بعككدها{ أي مككن بعككد تلكك الفعلككة }لغفككور رحيككم{‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبككان‬
‫حدثنا قتادة عن عزرة عن الحسن العرنككي عككن علقمككة عككن عبككد‬
‫الله بن مسعود أنه سئل عن ذلك يعني عن الرجل يزنككي بككالمرأة‬
‫لية }والذين عملكوا السكيئات ثكم تكابوا مكن‬ ‫ثم يتزوجها فتل هذه ا َ‬
‫بعدها وآمنوا إن ربك مككن بعككدها لغفككور رحيككم{ فتلهككا عبككد اللككه‬
‫عشككككر مككككرات فلككككم يككككأمرهم بهككككا ولككككم ينههككككم عنهككككا‪.‬‬
‫دى‬ ‫خت َِها هُ ً‬

‫س َ‬
‫ح وَِفي ن ُ ْ‬ ‫خذ َ الل ْ َ‬
‫وا َ‬ ‫ب أَ َ‬
‫ض ُ‬‫سى ال ْغَ َ‬‫مو َ‬ ‫عن ّ‬ ‫ت َ‬ ‫** وََلما ّ َ‬
‫سك َ َ‬
‫ن‬‫م ي َْرهَُبكككككككككو َ‬‫م ل َِرب ِّهككككككككك ْ‬‫هككككككككك ْ‬‫ن ُ‬ ‫ة ل ّّلككككككككك ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مككككككككك ٌ‬
‫ح َ‬‫وََر ْ‬
‫يقول تعالى‪} :‬ولما سكت{ أي سكن }عككن موسككى الغضككب{‬
‫أي غضبه على قومه }أخذ اللواح{ أي التي كان ألقاها من شككدة‬
‫الغضب على عبادتهم العجل غيرة لله وغضككبا ً لككه }وفككي نسككختها‬
‫هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون{ يقول كثير من المفسككرين‬
‫إنها لمككا ألقاهككا تكسككرت ثككم جمعهككا بعككد ذلككك ولهككذا قككال بعككض‬
‫السلف فوجد فيها هدى ورحمة‪ ,‬وأما التفصيل فذهب وزعمككوا أن‬
‫رضاضها لم يزل موجودا ً في خزائن الملككوك لبنككي إسككرائيل إلككى‬
‫الدولة السلمية والله أعلم بصحة هذا وأما الكدليل الواضكح علكى‬
‫أنها تكسرت حين ألقاها وهي من جوهر الجنة فقد أخبر تعالى أنه‬
‫لما أخذها بعد ما ألقاها وجد فيها}هدى ورحمة للككذين هككم لربهككم‬
‫يرهبون{ ضمن الرهبة معنى الخضوع‪ ,‬ولهذا عداها بككاللم‪ .‬وقككال‬
‫قتادة‪ :‬في قككوله تعككالى‪} :‬أخككذ اللككواح{ قككال رب إنككي أجككد فككي‬
‫اللواح أمة خير أمة أخرجككت للنككاس يككأمرون بككالمعروف وينهككون‬
‫عن المنكر فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد‪ .‬قككال رب إنككي أجككد‬
‫لخككرون السككابقون أي آخككرون فككي الخلككق‬ ‫في اللواح أمككة هككم ا َ‬
‫سابقون في دخول الجنة رب اجعلهم أمتي قال تلككك أمككة أحمككد‪.‬‬
‫قال رب إني أجد في اللواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونهككا‬
‫‪821‬‬
‫وكان من قبلهم يقرؤون كتابهم نظرا ً حتى إذا رفعوها لم يحفظوا‬
‫شيئا ً ولم يعرفوه وإن الله أعطاهم مككن الحفككظ شككيئًا‪ :‬لككم يعطكه‬
‫أحد من المم‪ .‬قال رب اجعلهم أمتي قككال تلككك أمككة أحمككد‪ .‬قككال‬
‫رب إني أجككد فككي اللككواح أمككة يؤمنككون بالكتككاب الول وبالكتككاب‬
‫لخككر ويقككاتلون فصككول الضككللة حككتى يقككاتلون العككور الكككذاب‬ ‫ا َ‬
‫فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد‪ .‬قال رب إني أجككد فككي اللككواح‬
‫أمة صدقاتهم يأكلونها فككي بطككونهم ويككؤجرون عليهككا‪ ,‬وكككان مككن‬
‫قبلهم من المم ِإذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا ً‬
‫فأكلتها وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير وإن الله أخككذ‬
‫صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم قكال رب فكاجعلهم أمكتي قكال تلكك‬
‫أمة أحمد‪ .‬قال رب ِإني أجد في اللواح أمة ِإذا هم أحدهم بحسنة‬
‫ثم لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملهككا كتبككت لككه عشككر أمثالهككا‬
‫ِإلى سبعمائة‪ ,‬رب اجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد‪ .‬قال رب ِإني‬
‫أجد في اللواح أمة هككم المشككفوعون والمشككفوع لهككم فككاجعلهم‬
‫أمتي‪ ,‬قال تلك أمة أحمد‪ .‬قال قتادة فذكر لنا أن نبي الله موسى‬
‫عليككه السككلم نبككذ اللككواح وقككال اللهككم اجعلنككي مككن أمككة أحمككد‪.‬‬
‫ة‬‫جَفك ُ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫ما أ َ َ‬ ‫ميَقات َِنا فَل َ ّ‬ ‫جل ً ل ّ ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ى قَوْ َ‬ ‫س َ‬ ‫مو َ‬ ‫خَتاَر ُ‬ ‫** َوا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫مككا فَعَ ك َ‬ ‫ل وَإ ِي ّككايَ أت ُهْل ِك ُن َككا ب ِ َ‬ ‫مككن قَب ْك ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ت أهْل َك ْت َهُ ك ْ‬ ‫ب ل َكوْ ِ‬
‫ش كئ ْ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قَككا َ‬
‫شككآءُ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شآُء وَت َهْ ِ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ل ب َِها َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ك تُ ِ‬ ‫ي إ ِل ّ فِت ْن َت ُ َ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫مّنآ إ ِ ْ‬ ‫سَفَهآُء ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫غكككا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫يككك‬‫ْ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫أنككك‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫نكككا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫نكككا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫فكككا‬ ‫نكككا‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫أنككك‬
‫َ‬
‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسككير هككذه اليككة‪,‬‬
‫كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجل ً فاختار سبعين رجل ً‬
‫فبرز ليدعوا ربهم وكان فيما دعوا الله أن قككالوا اللهككم أعطنككا مككا‬
‫لم تعطه أحدا ً قبلنككا ول تعطككه أحككدا ً بعككدنا‪ ,‬فكككره اللككه ذلككك مككن‬
‫دعائهم فأخذتهم الرجفة }قكال رب لككو شككئت أهلكتهككم مكن قبكل‬
‫ليككة‪ ,‬وقكال السكدي‪ِ :‬إن اللكه أمكر موسككى أن يكأتيه فككي‬ ‫وِإياي{ ا َ‬
‫ثلثين من بني ِإسرائيل يعتذرون ِإليه من عبككادة العجككل ووعككدهم‬
‫ل{ على عينيككه ثككم ذهككب‬ ‫موعدا ً }واختار موسى قومه سبعين رج ً‬
‫بهم ليعتذروا فلمككا أتككوا ذلككك المكككان قككالوا }لككن نككؤمن لككك{ يككا‬
‫موسى }حتى نرى الله جهرة{ فإنك قد كلمته فأرنككاه }فأخككذتهم‬
‫‪822‬‬
‫الصاعقة{ فماتوا فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقككول رب مككاذا‬
‫أقول لبني ِإسرائيل ِإذا لقيتهم وقد أهلكت خيارهم }رب لو شئت‬
‫أهلكتهم من قبل وِإياي{‪ .‬وقال محمد بن إسككحاق‪ :‬اختككار موسككى‬
‫من بني ِإسرائيل سبعين رجل ً الخير فككالخير‪ ,‬وقككال انطلقككوا إلككى‬
‫الله فتوبوا ِإليه مما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم وراءكككم‬
‫من قومكم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم‪ ,‬فخرج بهم إلى طككور‬
‫سيناء لميقات وقته له ربه وكان ل يأتيه إل بإذن منه وعلم‪ ,‬فقككال‬
‫له السبعون فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمرهم بككه وخرجككوا معككه‬
‫للقاء ربه لموسى‪ :‬اطلب لنا نسمع كلم ربنككا‪ ,‬فقككال‪ :‬أفعككل فلمككا‬
‫دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حككتى تغشككى الجبككل‬
‫كله دنا موسى فككدخل فيككه وقككال للقككوم ادنككوا وكككان موسككى ِإذا‬
‫كلمه الله وقع على جبهة موسى نور ساطع ل يسككتطيع أحككد مككن‬
‫بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم‪ ,‬حككتى إذا‬
‫دخلوا في الغمام وقعوا سجودا ً فسمعوه وهو يكلم موسى يككأمره‬
‫وينهاه افعل ول تفعككل فلمككا فككرغ إليككه مككن أمككره وانكشككف عككن‬
‫موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا‪ :‬يا موسى }لن نؤمن لك حككتى‬
‫نرى الله جهرة فأخذتهم الرجفة{ وهي الصاعقة فالتقت أرواحهم‬
‫فماتوا جميعا‪ ,‬فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول‬
‫}رب لو شئت أهلكتهم من قبل وِإياي{ قككد سككفهوا‪ ,‬أفتهلككك مكن‬
‫ورائي مكككككككككككككككككككن بنكككككككككككككككككككي إسكككككككككككككككككككرائيل‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري‪ :‬حدثني أبو إسككحاق عككن عمككارة بككن عبيككد‬
‫السلولي عن علي بن أبي طككالب رضككي اللككه عنككه قككال‪ :‬انطلككق‬
‫موسككى وهككارون وشككبر وشككبير فككانطلقوا إلككى سككفح جبككل فنككام‬
‫هارون على سرير فتوفاه الله عز وجل‪ ,‬فلمككا رجككع موسككى إلككى‬
‫بني إسرائيل قالوا له‪ :‬أين هارون ؟ قككال‪ :‬توفككاه اللككه عككز وجككل‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬أنت قتلته حسدتنا على خلقككه ولينككه أو كلمككة نحوهككا قككال‪:‬‬
‫فاختاروا من شئتم قال‪ :‬فاختاروا سبعين رجل قككال‪ :‬فككذلك قككوله‬
‫ل{ فلما انتهوا إليه قككالوا‪:‬‬ ‫تعالى }واختار موسى قومه سبعين رج ً‬
‫يا هارون من قتلك ؟ قال‪ :‬ما قتلني أحد ولكن توفاني الله‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫يككا موسككى لككن تعصككى بعككد اليككوم فأخككذتهم الرجفككة قككال فجعككل‬
‫موسى يرجع يمينا ً وشمال ً وقال‪ :‬يا رب }لككو شككئت أهلكتهككم مككن‬
‫ل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إل فتنتك تضل بهككا‬ ‫قب ُ‬
‫‪823‬‬
‫من تشاء وتهدي من تشككاء{ قككال‪ :‬فأحيككاهم اللككه وجعلهككم أنبيككاء‬
‫كلهم هذا أثر غريب جدا ً وعمارة بن عبيد هذا ل أعرفه‪ ,‬وقككد رواه‬
‫شعبة عن أبي إسحاق عن رجل من بني سلول عن علي فككذكره‪.‬‬
‫وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن جرير‪ :‬إنهم أخذتهم الرجفككة‬
‫لنهم لم يزايلوا قومهم فككي عبككادتهم العجككل ول نهككوهم‪ ,‬ويتككوجه‬
‫هذا القول بقول موسى }أتهلكنا بما فعككل السككفهاء منككا{ وقككوله‬
‫}إن هككي ِإل فتنتككك{ أي ابتلؤك واختبككارك وامتحانككك‪ ,‬قككاله ابككن‬
‫عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيككع بككن أنككس وغيككر واحككد‬
‫من علماء السلف والخلف‪ ,‬ول معنى له غير ذلك‪ ,‬يقول إن المككر‬
‫إل أمرك وإن الحكم إل لك فما شئت كان‪ ,‬تضل من تشاء وتهدي‬
‫من تشاء‪ ,‬ول هادي لمن أضللت ول مضل لمن هديت ول معطككي‬
‫لما منعت ول مانع لما أعطيت‪ ,‬فالملك كله لك والحكم كلككه لككك‪,‬‬
‫لك الخلق والمر‪ .‬وقوله }أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خيككر‬
‫الغافرين{ الغفر هو الستر وترك المؤاخككذة بالككذنب والرحمككة إذا‬
‫قرنت مع الغفر يككراد بهككا أن ل يككوقعه فككي مثلككه فككي المسككتقبل‬
‫}وأنت خير الغافرين{ أي ل يغفر الذنب إل أنت }واكتب لنككا فككي‬
‫لخككرة{ الفصككل الول مككن الككدعاء لككدفع‬ ‫هذه الدنيا حسنة وفككي ا َ‬
‫المحذور وهذا لتحصيل المقصود }واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة‬
‫لخرة{ أي أوجكب لنكا وأثبككت لنككا فيهمككا حسكنة وقكد تقكدم‬ ‫وفي ا َ‬
‫تفسير الحسنة في سورة البقرة }إنا هدنا إليك{ أي تبنككا ورجعنككا‬
‫وأنبنا إليك‪ ,‬قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهككد وأبككو العاليككة‬
‫والضحاك وإبراهيم التيمي والسدي وقتادة وغير واحد‪ :‬وهو كذلك‬
‫لغة‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن وكيع‪ ,‬حدثنا أبي عككن شككريك عككن‬
‫جابر عن عبد الله بن يحيى عككن علككي قككال‪ :‬إنمككا سككميت اليهككود‬
‫لنهم قالوا }إنا هدنا إليك{ جابر هككو ابككن يزيككد الجعفككي ضككعيف‪.‬‬
‫س كوَِء وَأ َ َ‬
‫خ كذ َْنا‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ن عَ ك ِ‬
‫ن ي َن ْهَوْ َ‬ ‫جي َْنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ما ذ ُك ُّروا ْ ب ِهِ أن َ‬
‫سوا ْ َ‬ ‫** فََلما ّ ن َ ُ‬
‫ن‬‫سككككُقو َ‬ ‫كككككاُنوا ْ ي َْف ُ‬
‫مككككا َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ب ب َِئيكككك ٍ‬ ‫ذا ٍ‬‫مككككوا ْ ب َِعكككك َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫اّلكككك ِ‬
‫ليككة‪,‬‬ ‫يقول تعالى مجيبا ً لنفسه في قوله }ِإن هككي ِإل فتنتككك{ ا َ‬
‫قال }عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت ككل شككيء{ أي‬
‫أفعل ما أشاء وأحكم ما أريد‪ ,‬ولي الحكمة والعدل فككي كككل ذلككك‬
‫‪824‬‬
‫سبحانه ل إله ِإل هو‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬ورحمتي وسعت كل شككيء{‬
‫لية عظيمة الشمول والعمككوم‪ ,‬كقككوله تعككالى ِإخبككارا ً عككن حملككة‬‫ا َ‬
‫العرش ومن حوله‪ ,‬أنهم يقولون }ربنا وسككعت كككل شككيء رحمككة‬
‫وعلمًا{‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الصمد‪ ,‬حككدثنا أبككي‪ ,‬حككدثنا‬
‫الجريري عن أبي عبد الله الجشمي‪ ,‬حككدثنا جنككدب هككو ابككن عبككد‬
‫الله البجلي رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬جككاء أعرابككي فأنككاخ راحلتككه ثككم‬
‫علقها ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فككأطلق عقالهككا ثككم‬
‫ركبها ثم نادى اللهم ارحمني ومحمدا ً ول تشرك في رحمتنا أحككدًا‪,‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »أتقولككون هككذا أضككل أم‬
‫بعيره ألم تسمعوا ما قال ؟« قالوا بلى قال‪» :‬لقد حظرت رحمككة‬
‫واسعة إن الله عز وجل خلق مائة رحمككة فككأنزل رحمككة يتعككاطف‬
‫بها الخلق جنها وإنسها وبهائمها وأخر عنده تسككعا ً وتسككعين رحمككة‬
‫أتقولون هو أضل أم بعيره ؟{ رواه أحمد وأبو داود‪ ,‬عن علي بككن‬
‫نصر عن عبد الصمد بن عبد الوارث به‪ ,‬وقال المام أحمككد أيض كًا‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن سعيد عن سليمان عن أبي عثمان عن سلمان عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال »ِإن للككه عككز وجككل مككائة رحمككة‬
‫فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش علككى أولدهككا‬
‫وأخر تسككعة وتسككعين ِإلككى يككوم القيامككة‪ ,‬تفككرد بكِإخراجه مسككلم‪,‬‬
‫فرواه من حديث سكليمان هككو ابككن طرخككان وداود بككن أبككي هنككد‪,‬‬
‫ل عن سلمان هو‬ ‫م ّ‬‫كلهما عن أبي عثمان واسمه عبد الرحمن بن ِ‬
‫الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم به‪ ,‬وقال المام أحمككد‪:‬‬
‫حدثنا عفان‪ ,‬حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن أبككي صككالح عككن‬
‫أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسككلم قككال‪ِ» :‬إن للككه مككائة‬
‫رحمة عنده تسعة وتسعون وجعكل عنكدكم واحكدة تكتراحمون بهكا‬
‫بين الجن والنس وبين الخلق فإذا كان يوم القيامككة ضككمها ِإليككه«‬
‫تفرد به أحمد من هذا الوجه‪ .‬وقال أحمد‪ :‬حدثنا عفان‪ ,‬حدثنا عبككد‬
‫الواحد‪ ,‬حدثنا العمش عن أبي صالح عككن أبككي سككعيد قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »لله مككائة رحمككة فقسككم منهككا‬
‫جزءا ً واحدا ً بين الخلق به يتراحم الناس والوحش والطيككر« ورواه‬
‫ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن العمش بككه‪ ,‬وقككال الحككافظ‬
‫ابو القاسم الطبراني‪ :‬حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة‪ ,‬حدثنا‬
‫‪825‬‬
‫أحمد بن يونس‪ ,‬حدثنا سعد أبو غيلن الشيباني عن حماد بن أبككي‬
‫سليمان عن إبراهيم عن صلة بن زفر عن حذيفة بن اليمان رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »والككذي‬
‫نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه الحمككق فككي معيشككته‪,‬‬
‫والذي نفسي بيده ليدخلن الجنككة الككذي قككد محشككته النككار بككذنبه‪,‬‬
‫والذي نفسي بيده ليغفرن الله يككوم القيامككة مغفككرة يتطككاول لهككا‬
‫ِإبليس رجاء أن تصيبه« هذا حديث غريب جدا ً وسعد هذال أعرفه‪,‬‬
‫ليككة‪ ,‬يعنككي فسككأوجب حصككول‬ ‫وقوله }فسأكتبها للذين يتقككون{ ا َ‬
‫ة مني وِإحسانا ً إليهم كما قال تعالى‪} :‬كتب ربكم على‬ ‫رحمتي من ّ ً‬
‫نفسه الرحمة{ وقككوله }للككذين يتقككون{ أي سككأجعلها للمتصككفين‬
‫بهذه الصفات‪ ,‬وهم أمككة محمككد صككلى اللككه عليككه وسككلم }الككذين‬
‫يتقون{ أي الشرك والعظائم من الذنوب‪ .‬قوله }ويؤتون الزكاة{‬
‫قيل زكاة النفوس‪ ,‬وقيل المككوال ويحتمككل أن تكككون عامككة لهمككا‬
‫ليككة مكيككة }والككذين هككم بآياتنككا يؤمنككون{ أي يصككدقون‪.‬‬ ‫فككإن ا َ‬
‫م‬ ‫عند َهُ ْ‬ ‫مك ُْتوبا ً ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬‫ي ال ُ ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬‫َ‬ ‫** ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫في التوراة والنجيل يأ ْ‬
‫ل‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫رو‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫هم ِبال ْ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ّ ْ َ ِ َ ِْ ِ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬‫م َوالغْل َ َ‬ ‫صككَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ضعُ عَن ْهُ ْ‬ ‫ث وَي َ َ‬ ‫خَبآئ ِ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ ُ‬ ‫حّر ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّي َّبا ِ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫صُروهُ َوات ّب َُعككوا ْ الّنككوَر‬ ‫مُنوا ْ ب ِهِ وَعَّزُروهُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َفال ّ ِ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ال ِّتي َ‬
‫كان َ ْ‬
‫ن‬
‫حكككككككو َ‬ ‫مْفل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫هككككككك ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ه أ ُوَْلـكككككككئ ِ َ‬ ‫معَككككككك ُ‬ ‫ل َ‬‫اّلكككككككذِيَ ُأنكككككككزِ َ‬
‫ي الذي يجدونه مكتوبا ً عندهم‬ ‫ي الم ّ‬ ‫}الذين يتبعون الرسول النب ّ‬
‫في التوراة والنجيل{ وهذه صفة محمد صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫في كتب النبياء بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتككابعته ولككم تككزل‬
‫صفاته موجودة في كتبهم يعرفهكا علمكاؤهم وأحبكارهم‪ .‬كمكا روى‬
‫المام أحمد حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي صخر العقيلككي‬
‫حدثني رجل من العراب قال جلبت حلوبة إلى المدينة فكي حيكاة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم فلمككا فرغككت مككن بيعككي قلككت‬
‫للقين هذا الرجل فلسمعن منه قال فتلقاني بين أبي بكر وعمككر‬
‫يمشون فتبعتهم حتى أتوا علككى رجككل مككن اليهككود ناشككرا ً التككوراة‬
‫يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابككن لككه فككي المككوت كأجمككل الفتيككان‬
‫وأحسنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم »أنشككدك بالككذي‬
‫‪826‬‬
‫أنزل التوراة هل تجككد فككي كتابككك هككذا صككفتي ومخرجككي« فقككال‬
‫برأسه هكذا أي ل فقال ابنه إي والذي أنزل التوراة إنا لنجككد فككي‬
‫كتابنا صفتك ومخرجك وإني أشهد أن ل إلككه إل اللككه وأشككهد أنككك‬
‫رسول الله فقال »أقيموا اليهككودي عككن أخيكككم« ثككم تككولى كفنككه‬
‫والصلة عليه هذا حديث جيككد قككوي لككه شككاهد فككي الصككحيح عككن‬
‫أنس‪ .‬وقال الحاكم صاحب المستدرك أخبرنا محمد بن عبككد اللككه‬
‫بن إسحاق البغكوي حكدثنا إبراهيكم بكن الهيثكم البلكدي حكدثنا عبكد‬
‫العزيز بككن مسككلم بككن إدريككس حككدثنا عبككد اللككه بككن إدريككس عككن‬
‫شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بككن العككاص‬
‫الموي قال بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الككروم نككدعوه‬
‫إلى السككلم فخرجنككا حككتى قككدمنا الغوطككة يعنككي غوطككة دمشككق‬
‫فنزلنا على جبلة بن اليهم الغساني فككدخلنا عليككه فككإذا هككو علككى‬
‫سرير له فأرسل إلينا برسوله نكلمه فقلنككا واللككه ل نكلككم رسككول ً‬
‫وإنما بعثنا إلى الملك‪ ,‬فإن أذن لنا كلمناه وإل لككم نكلككم الرسككول‬
‫فرجع إليه الرسول فأخبره بككذلك قككال‪ :‬فككأذن لنككا فقككال‪ :‬تكلمككوا‬
‫فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى السلم فإذا عليه ثيككاب سككود‬
‫فقال له هشام وما هذه التي عليك ؟ فقال لبسككتها وحلفككت أن ل‬
‫أنزعها حتى أخرجكم من الشام قلنا ومجلسك هذا واللككه لنأخككذنه‬
‫منك ولنأخذن ملك الملك العظم إن شاء الله‪ ,‬أخبرنا بككذلك نبينككا‬
‫محمككد صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪ :‬لسككتم بهككم بككل هككم قككوم‬
‫يصككومون بالنهككار ويقومككون بالليككل فكيككف صككومكم ؟ فأخبرنككاه‪,‬‬
‫فملىء وجهه سوادا ً فقال‪ :‬قوموا وبعث معنككا رسككول ً إلككى الملككك‬
‫فخرجنا حتى إذا كنككا قريبكا ً مككن المدينككة قككال لنككا الككذي معنككا‪ :‬إن‬
‫دوابكم هذه ل تدخل مدينة الملك فإن شئتم حملناكم على براذين‬
‫وبغال‪ ,‬قلنا والله ل ندخل إل عليها فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون‬
‫ذلككك فككأمرهم أن نككدخل علككى رواحلنككا‪ ,‬فككدخلنا عليهككا متقلككدين‬
‫سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينكا‪,‬‬
‫فقلنا ل إله إل الله والله أكبر فالله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى‬
‫صارت كأنها عذق تصفقه الرياح‪ ,‬قال‪ :‬فأرسل إلينا ليس لكككم أن‬
‫تجهروا علينا بدينكم‪ ,‬وأرسككل إلينككا أن ادخلككوا فككدخلنا عليككه وهككو‬
‫على فراش له وعنده بطارقة من الروم وكل شيء فككي مجلسككه‬
‫أحمر وما حوله حمرة وعليه ثياب من الحمرة‪ ,‬فدنونا منه فضحك‬
‫‪827‬‬
‫فقال‪ :‬ما عليكم لككو حييتمككوني بتحيتكككم فيمككا بينكككم ؟ وإذا عنككده‬
‫رجل فصيح بالعربية كثير الكلم فقلنا إن تحيتنا فيما بيننككا ل تحككل‬
‫لك وتحيتك الكتي تحيكا بهكا‪ ,‬ل يحكل لنكا أن نحييكك بهكا قكال كيكف‬
‫تحيتكم فيما بينكم ؟ قلنا السلم عليكم قال فكيف تحيون ملككم‬
‫قلنككا بهككا قككال‪ :‬فكيككف يككرد عليكككم ؟ قلنككا بهككا‪ ,‬قككال فمككا أعظككم‬
‫كلمكم ؟ قلنا ل إله إل الله والله أكبر فلما تكلمنا بها واللككه(يعلككم‬
‫لقد انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها قال فهذه الكلمككة الككتي‬
‫قلتموها حيث انتفضت الغرفة أكلما قلتموها في بيوتكم انتفضككت‬
‫عليكم غرفكم ؟ قلنا ل‪ ,‬ما رأيناها فعلت هذا قط إل عندك‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫لوددت أنكم كلما قلتم انتفض كل شيء عليكم وإني قككد خرجككت‬
‫من نصف ملكي قلنا لم ؟ قال لنه كان أيسر لشأنها وأجكدر أن ل‬
‫تكون من أمر النبوة وأنها تكون من حيل النككاس‪ ,‬ثككم سككألنا عمككا‬
‫أراد فأخبرناه‪ ,‬ثم قال كيف صلتكم وصومكم ؟ فأخبرنككاه‪ ,‬فقككال‪:‬‬
‫قوموا فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير فأقمنا ثلث كا ً فأرسككل إلينككا‬
‫ليل ً فككدخلنا عليككه فاسكتعاد قولنكا فأعككدناه‪ ,‬ثكم دعككا بشككيء كهيئة‬
‫الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صككغار عليهككا أبككواب ففتككح بيت كا ً‬
‫وقفل ً فاستخرج »حريرة سوداء فنشرها فإذا فيها صككورة حمككراء‪,‬‬
‫وإذا فيها رجككل ضككخم العينيككن عظيككم الليككتين لككم أر مثككل طككول‬
‫عنقه‪ ,‬وإذا ليست له لحية وإذا له ضفيرتان أحسكن مكا خلكق اللكه‬
‫فقال‪ :‬أتعرفون هذا‪ ,‬قلنا ل قككال‪ :‬هككذا آدم عليككه السككلم وإذا هككو‬
‫أكثر الناس شعرًا‪ ,‬ثم فتح بابا ً آخر فاستخرج منككه حريككرة سككوداء‬
‫وإذا فيها صورة بيضاء وإذا له شعر كشعر القطككط أحمككر العينيككن‬
‫ضخم الهامة حسن اللحية فقال‪ :‬هل تعرفون هذا ؟ قلنا ل‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫هذا نوح عليه السلم‪ ,‬ثم فتح بابا ً آخككر فاسككتخرج حريككرة سككوداء‬
‫وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينيككن صككلت الجككبين طويككل‬
‫الخد أبيض اللحية كأنه يبتسم فقككال هككل تعرفككون هككذا ؟ قلنككا‪ :‬ل‬
‫قال‪:‬هذا إبراهيم عليه السلم‪ ,‬ثم فتككح بابكا ً آخككر فككإذا فيككه صككورة‬
‫بيضاء وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعرفون‬
‫هذا ؟ قلنا نعم هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قككال‪:‬‬
‫وبكينا قال‪ :‬والله يعلم أنه قام قائما ً ثم جلس وقال والله إنه لهككو‬
‫قلنا نعم إنه لهو كأنك تنظككر إليككه فأمسككك سككاعة ينظككر إليهككا ثككم‬
‫قال‪ :‬أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لنظر ما عنككدكم‪,‬‬
‫‪828‬‬
‫ثم فتح بابا ً آخر فاسككتخرج منككه حريككرة سككوداء فككإذا فيهككا صككورة‬
‫أدماء سككحماء وإذا رجككل جعككد قطككط غككائر العينيككن حديككد النظككر‬
‫عابس متراكب السنان متقلص الشفة كككأنه غضككبان فقككال‪ :‬هككل‬
‫تعرفون هذا ؟ قلنا ل‪ ,‬قال‪ :‬هذا موسى عليككه السككلم وإلككى جنبككه‬
‫صورة تشبهه إل أنه مدهان الرأس عريض الجبين في عينيككه نبككل‬
‫فقال‪ :‬هل تعرفون هذا ؟ قلنا ل قال‪ :‬هذا هارون بن عمران عليككه‬
‫السلم‪ ,‬ثم فتح بابا ً آخر فاسككتخرج منككه حريككرة بيضككاء فككإذا فيهككا‬
‫صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان فقال هل تعرفون هككذا ؟‬
‫قلنا ل‪ ,‬قال‪ :‬هذا لوط عليه السلم‪ ,‬ثم فتح بابا ً آخر فاستخرج منه‬
‫حريرة بيضاء فإذا فيها صككورة رجككل أبيككض مشككرب حمككرة أقنككى‬
‫خفيف العارضين حسن الوجه فقال‪ :‬هككل تعرفككون هككذا ؟ قلنككا ل‪,‬‬
‫قال‪ :‬هذا إسحاق عليه السلم‪ ,‬ثككم فتككح بابكا ً آخككر فاسككتخرج منككه‬
‫حريرة بيضاء فإذا فيها صككورة تشككبه إسككحاق إل أنككه علككى شككفته‬
‫خال فقككال هكل تعرفكون هككذا ؟ قلنكا ل‪ ,‬قكال‪ :‬هكذا يعقكوب عليككه‬
‫السلم‪ ,‬ثم فتح بابا ً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيهككا صككورة‬
‫رجل أبيض حسن الوجه أقنى النف حسن القامة يعلو وجهه نككور‬
‫يعرف في وجهه الخشوع يضرب إلى الحمرة قككال‪ :‬هككل تعرفككون‬
‫هذا ؟ قلنا ل‪ ,‬قال‪ :‬هذا إسماعيل جد نبيكم صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫ثم فتح بابا ً آخككر فاسككتخرج منككه حريككرة بيضككاء فككإذا فيهككا صككورة‬
‫كصورة آدم كأن وجهه الشمس فقال هل تعرفون هككذا ؟ قلنككا ل‪,‬‬
‫قال‪ :‬هذا يوسف عليه السكلم‪ ,‬ثكم فتكح بابكا ً آخكر فاسكتخرج منكه‬
‫حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش السككاقين أخفككش‬
‫العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفا ً فقال‪ :‬هككل تعرفككون هككذا ؟‬
‫قلنا ل‪ ,‬قال‪ :‬هذا داود عليه السلم‪ ,‬ثم فتح بابا ً آخر فاستخرج منه‬
‫حريرة بيضككاء فيهككا صككورة رجككل ضككخم الليككتين طويككل الرجليككن‬
‫راكب فرسا ً فقال‪ :‬هل تعرفون هذا ؟ قلنا ل‪ ,‬قككال‪ :‬هككذا سككليمان‬
‫بن داود عليهما السلم‪ ,‬ثم فتككح بابكا ً آخككر فاسككتخرج منككه حريككرة‬
‫سوداء فيهككا صككورة بيضككاء وإذا شككاب شككديد سككواد اللحيككة كككثير‬
‫الشعر حسن العينين حسن الوجه فقال‪ :‬هل تعرفون هككذا ؟ قلنككا‬
‫ل‪ ,‬قال‪ :‬هذا عيسى ابن مريم عليه السلم‪ ,‬قلنا من أين لككك هككذه‬
‫الصور ؟ لنا نعلم أنها على ما صورت عليه النبياء عليهم السككلم‬
‫لنا رأينا صورة نبينا عليه السلم مثله‪ ,‬فقال‪ :‬إن آدم عليه السلم‬
‫‪829‬‬
‫سأل ربه أن يريه النبياء من ولده فككأنزل عليككه صككورهم‪ ,‬فكككانت‬
‫في خزانة آدم عليه السلم عند مغككرب الشككمس فاسككتخرجها ذو‬
‫القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال‪ ,‬ثم قال‪ :‬أما والله‬
‫إن نفسي طابت بالخروج مككن ملكككي وإنككي كنككت عبككدا ً لشككركم‬
‫ملكة حتى أموت‪ ,‬ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرحنا فلما أتينا أبككا‬
‫بكر الصديق رضي الله عنه فحدثناه بما أرانككا وبمككا قككال لنككا ومككا‬
‫أجازنا‪ ,‬قال فبكى أبو بكر‪ ,‬وقال‪ :‬مسكككين لككو أراد اللككه بككه خيككرا ً‬
‫لفعل ثم قال‪ :‬أخبرنككا رسككول اللكه صككلى اللككه عليككه وسككلم أنهككم‬
‫واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عنككدهم‪ ,‬وهكككذا‬
‫وة‬ ‫أورده الحافظ الكبير البيهقي رحمه اللككه فككي كتككاب دلئل النب ك ّ‬
‫عن الحاكم إجازة فذكره وإسناده ل بككأس بككه‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫حدثنا المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا فليح عن هلل بككن علككي‬
‫عن عطاء بن يسار قال‪ :‬لقيت عبد الله بن عمرو فقلككت أخككبرني‬
‫عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجككل‬
‫والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن }يا أيهككا النككبي‬
‫إنا أرسلناك شاهدا ً ومبشرا ً ونككذيرًا{ وحككرزا ً للمييككن أنككت عبككدي‬
‫ورسولي اسمك المتوكل ليس بفككظ ول غليككظ ولككن يقبضككه اللككه‬
‫حتى يقيم به الملة العوجككاء بككأن يقولككوا ل إلككه إل اللككه ويفتككح بككه‬
‫قلوبا ً غلفا ً وآذانا ً صما ً وأعين كا ً عمي كًا‪ ,‬قككال عطككاء‪ :‬ثككم لقيككت كعب كا ً‬
‫فسألته عن ذلك فمككا اختلككف حرفكا ً إل أن كعبكا ً قككال بلغتككه‪ :‬قككال‬
‫قلوبا ً غلوفيا ً وآذانا ً صموميا ً وأعينا ً عموميًا‪ ,‬وقد رواه البخاري فككي‬
‫صحيحه عن محمد بن سنان عن فليككح عككن هلل بككن علككي فككذكر‬
‫بإسناده نحوه‪ ,‬وزاد بعد قوله ليس بفظ ول غليظ ول صخاب فككي‬
‫السككواق ول يجككزي بالسككيئة السككيئة ولكككن يعفككو ويصككفح‪ ,‬وذكككر‬
‫حديث عبككد اللككه بككن عمككرو‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬ويقككع فككي كلم كككثير مككن‬
‫السلف إطلق التوراة على كتب أهل الكتاب‪ ,‬وقد ورد في بعككض‬
‫الحككككككككاديث مككككككككا يشككككككككبه هككككككككذا واللككككككككه أعلككككككككم‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني‪ :‬حككدثنا موسككى بككن هككارون‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن إدريس بن وراق بككن الحميككدي‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫عمر بن إبراهيم من ولد جبير بن مطعم قال‪ :‬حككدثتني أم عثمككان‬
‫بنت سعيد وهي جدتي عن أبيها سعيد بن محمد بن جبير عن أبيككه‬
‫محمد بن جبير عن أبيه جبير بن مطعم قككال‪ :‬خرجككت تككاجرا ً إلككى‬
‫‪830‬‬
‫الشام فلما كنت بأدنى الشام لقيني رجل من أهل الكتاب فقككال‪:‬‬
‫هل عندكم رجكل نبيكا ً ؟ قلكت نعككم‪ ,‬قكال‪ :‬هككل تعككرف صكورته إذا‬
‫رأيتها ؟ قلت نعم‪ ,‬فأدخلني بيت كا ً فيككه صككور فلككم أر صككورة النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فبينا أنا كككذلك إذ دخككل رجككل منهككم علينككا‬
‫فقال‪ :‬فيم أنتم ؟ فأخبرناه فذهب بنا إلى منزله فساعة ما دخلت‬
‫نظرت إلى صورة النككبي صككلى اللككه عليككه وسكلم وإذا رجككل آخككذ‬
‫بعقب النبي صلى الله عليه وسلم قلت‪ :‬من هذا الرجككل القككابض‬
‫على عقبه ؟ قال إنه لم يكن نبي إل كان بعده نككبي إل هككذا النككبي‬
‫فإنه ل نبي بعده وهذا الخليفة بعده وإذا صفة أبي بكر رضي اللككه‬
‫عنه وقال أبو داود‪ :‬حدثنا عمر بن حفص أبو عمرو الضككرير حككدثنا‬
‫حماد بن سلمة أن سعيد بن أياس الجريري أخبرهم عن عبد اللككه‬
‫بن شقيق العقيلي عن القرع مؤذن عمر بن الخطاب رضي اللككه‬
‫عنه قال‪ :‬بعثني عمر إلى السككقف فككدعوته فقككال لككه عمككر‪ :‬هككل‬
‫تجدني في الكتاب ؟ قال نعم‪ ,‬قال‪ :‬كيككف تجككدني ؟ قككال‪ :‬أجككدك‬
‫قرنا ً فرفع عمر الدرة وقككال‪ :‬قككرن مكه ؟ قككال‪ :‬قككرن حديكد أميكر‬
‫شديد‪ ,‬قال‪ :‬فكيف تجد الذي بعدي ؟ قال‪ :‬أجد خليفة صالحا ً غيككر‬
‫أنه يؤثر قرابته‪ ,‬قال عمر يرحم الله عثمان ثلثا ً قككال‪ :‬كيككف تجككد‬
‫الذي بعده ؟ قال‪ :‬أجده صدأ حديككد‪ ,‬قككال فوضككع عمككر يككده علككى‬
‫رأسه وقال‪ :‬يا دفراه يا دفراه قال‪ :‬يا أميككر المككؤمنين إنككه خليفككة‬
‫صالح ولكنككه يسككتخلف حيككن يسككتخلف والسككيف مسككلول والككدم‬
‫مهراق وقوله تعالى‪} :‬يأمرهم بككالمعروف وينهككاهم عككن المنكككر{‬
‫هذه صفة الرسول صلى الله عليككه وسككلم فككي الكتككب المتقدمككة‬
‫وهكذا كانت حاله عليه الصلة والسلم ل يككأمر إل بخيككر ول ينهككى‬
‫إل عن شر كما قال عبد الله بن مسعود إذا سمعت الله يقول }يا‬
‫أيها الذين آمنوا{ فأرعها سمعك فإنه خير تككؤمر بككه أو شككر تنهككى‬
‫عنه‪ ,‬ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثككه اللككه بككه مككن المككر بعبككادته‬
‫وحده ل شريك له والنهي عككن عبككادة مككن سككواه كمككا أرسككل بككه‬
‫مة رسول ً‬ ‫جميع الرسل قبله كما قال تعالى‪} :‬ولقد بعثنا في كل أ ّ‬
‫أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت{‪ .‬وقال المام أحمد‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫عامر هو العقدي عبد الملك بن عمرو‪ ,‬حدثنا سليمان هو ابن بلل‬
‫عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد عككن أبككي‬
‫حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليككه‬
‫‪831‬‬
‫وسلم قال »إذا سمعتم الحككديث عنككي تعرفككه قلككوبكم وتليككن لككه‬
‫أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريككب فأنككا أولكككم بككه‪ ,‬وإذا‬
‫سككمعتم الحككديث عنككي تنكككره قلككوبكم وتنفككر منككه أشككعاركم‬
‫وأبشاركم وترون أنه منكككم بعيككد فأنككا أبعككدكم منككه« رواه المككام‬
‫أحمد رضي الله عنه بإسناد جيككد ولككم يخرجككه أحككد مككن أصككحاب‬
‫الكتب‪ ,‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬حككدثنا العمككش عككن‬
‫عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قككال‪ :‬إذا‬
‫سمعتم عن رسول الله صلى اللكه عليككه وسكلم حكديثا ً فظنككوا بككه‬
‫الذي هو أهدى والذي هو أهنى والذي هو أتقى ثم رواه عن يحيككى‬
‫عن ابن سعيد عن مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن‬
‫أبي عبد الرحمن عن علككي رضككي اللككه عنككه قككال إذا حككدثتم عككن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ً فظنوا به الذي هككو أهككداه‬
‫وأهنككاه وأتقككاه‪ ,‬وقككوله }ويحككل لهككم الطيبككات ويحككرم عليهككم‬
‫الخبائث{ أي يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم مككن البحككائر‬
‫والسوائب والوصائل والحام ونحو ذلك مما كانوا ضككيقوا بككه علككى‬
‫أنفسهم ويحرم عليهم الخبائث‪ ,‬قال علي بن أبي طلحة عككن ابككن‬
‫عباس كلحم الخنزير والربا وما كككانوا يسككتحلونه مككن المحرمككات‬
‫من المآكل التي حرمها الله تعكالى‪ .‬قككال بعكض العلمكاء فكككل مكا‬
‫أحل الله تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين وكل‬
‫ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين وقد تمسك بهذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫الكريمة من يرى التحسين والتقبيح العقليين وأجيب عن ذلك بمككا‬
‫ل يتسع هذا الموضع له وكذا احتج بها مككن ذهككب مككن العلمككاء‪ ,‬إل‬
‫أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها ول تحريمها‬
‫إلككى مككا اسككتطابته العككرب فككي حككال رفاهيتهككا وكككذا فككي جككانب‬
‫التحريم إلى ما استخبثته وفيه كلم طويككل أيض كًا‪ .‬وقككوله }ويضككع‬
‫عنهم إصرهم والغلل التي كككانت عليهككم{ أي أنككه جككاء بالتيسككير‬
‫والسماحة كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم أنه قال »بعثت بالحنيفية السمحة« وقككال صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم لميريه معاذ وأبي موسى الشككعري لمككا بعثهمككا إلككى‬
‫اليمن »بشككرا ول تنفككرا ويسككرا ول تعسككرا وتطاوعككا ول تختلفككا«‬
‫وقال صاحبه أبو برزة السلمي‪ :‬إنككي صككحبت رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم وشهدت تيسيره‪ ,‬وقد كانت المم التي قبلنا فككي‬
‫‪832‬‬
‫شرائعهم ضيق عليهم‪ ,‬فوسع الله على هذه المة أمورها وسككهلها‬
‫لهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »إن اللككه تجككاوز‬
‫لمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل« وقكال »رفكع عكن‬
‫أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه« ولهذا قال‪ :‬أرشد الله‬
‫هذه المة أن يقولوا }ربنا ل تؤاخذنا إن نسككينا أو أخطأنككا ربنككا ول‬
‫تحمل علينا إصرا ً كما حملته على الذين من قبلنككا ربنككا ول تحملنككا‬
‫ما ل طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا فانصرنا‬
‫على القوم الكككافرين{ وثبككت فككي صككحيح مسككلم أن اللككه تعككالى‬
‫قال‪ :‬بعد كل سؤال من هذه قد فعلت قد فعلت‪ ,‬وقوله }فالككذين‬
‫آمنوا به وعزروه ونصروه{ أي عظموه ووقروه‪ ,‬وقككوله }واتبعككوا‬
‫النور الذي أنزل معه{ أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغا ً إلككى‬
‫لخكككرة‪.‬‬ ‫النكككاس }أولئك هكككم المفلحكككون{ أي فكككي الكككدنيا وا َ‬
‫مل ْك ُ‬ ‫** قُ ْ َ‬
‫ك‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل َك ُ‬ ‫ميع كا ً ال ّك ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّكهِ إ ِل َي ْك ُك ْ‬‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫ل ي َأي َّها الّنا ُ‬
‫مُنوا ْ ِبككالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ت َفككآ ِ‬ ‫ميكك ُ‬ ‫حِيكككي وَي ُ ِ‬ ‫هككوَ ي ُ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ ُ‬‫ض ل إ َِلـكك َ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سكك َ‬
‫ال ّ‬
‫م‬‫مككات ِهِ َوات ّب ِعُككوهُ ل َعَل ّك ُك ْ‬‫ن ب ِككالل ّهِ وَك َل ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ذي ي ُكؤْ ِ‬ ‫ي ال ّك ِ‬
‫مك ّ‬ ‫ي ال ُ ّ‬
‫سول ِهِ الن ّب ِ ّ‬ ‫وََر ُ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ت َهَْتكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ُ‬
‫يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسككلم }قككل{‬
‫يا محمد }يا أيها الناس{ وهذا خطكاب للحمكر والسكود والعربككي‬
‫والعجمي }إني رسول الله إليكم جميعًا{ أي جميعكككم وهككذا مككن‬
‫شرفه وعظمتككه صككلى اللككه عليككه وسككلم أنككه خككاتم النككبيين وأنككه‬
‫مبعوث إلى الناس كافة كما قال الله تعالى‪} :‬قل الله شهيد بيني‬
‫وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لنذركم به ومن بلغ{ وقال تعالى‪:‬‬
‫}ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده{ وقككال تعككالى‪} :‬وقككل‬
‫للذين أوتوا الكتاب والميين أأسلمتم ؟ فإن أسككلموا فقككد اهتككدوا‬
‫ليككات فككي هككذا كككثيرة كمككا أن‬ ‫وإن تولككوا فإنمككا عليككك البلغ{ وا َ‬
‫الحاديث في هذا أكثر من أن تحصر‪ ,‬وهو معلوم من دين السلم‬
‫ضرورة أنه صلوات اللككه وسككلمه عليككه رسككول اللككه إلككى النككاس‬
‫ليككة‪ :‬حككدثنا عبككد‬ ‫كلهم‪ .‬قال البخاري رحمه الله في تفسير هككذه ا َ‬
‫الله حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وموسى بن هارون قال‪ :‬حدثنا‬
‫سككر بككن‬ ‫الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلء بن زير حدثني ي ُ ْ‬
‫‪833‬‬
‫عبيد الله حدثني أبو إدريككس الخككولني قكال سككمعت أبكا الككدرداء‪,‬‬
‫رضي الله عنه يقول‪ :‬كانت بين أبي بكر وعمر رضي اللككه عنهمككا‬
‫محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنككه عمككر مغضككبا ً فككأتبعه‬
‫أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهككه‬
‫فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فقككال أبككو‬
‫الدرداء ونحن عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »أمككا‬
‫صاحبكم هذا فقد غامر« أي غاضب وحاقد‪ .‬قال وندم عمككر علككى‬
‫ما كان منه‪ ,‬فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر قال أبو‬
‫الدرداء فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبككو بكككر‬
‫يقول والله يا رسول الله لنا كنت أظلم فقال رسول اللكه صكلى‬
‫الله عليه وسلم‪» :‬هل أنتم تاركو لي صاحبي ؟ إني قلككت يككا أيهككا‬
‫الناس إني رسول الله إليكم جميعا ً فقلتككم كككذبت وقككال أبككو بكككر‬
‫صكككككككككككككدقت« انفكككككككككككككرد بكككككككككككككه البخكككككككككككككاري‪.‬‬
‫وقال المام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد العزيز بن مسككلم‬
‫حدثنا يزيد بن أبي زياد عككن مقسككم عككن ابككن عبككاس مرفوعكا ً أن‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال »أعطيككت خمسكا ً لككم‬
‫يعطهن نبي قبلي ول أقوله فخرا ً بعثت إلككى النككاس كافككة الحمككر‬
‫والسود ونصرت بالرعب مسيرة شككهر وأحلككت لككي الغنككائم ولككم‬
‫تحل لحككد قبلككي وجعلككت لككي الرض مسككجدا ً وطهككورا ً وأعطيككت‬
‫الشفاعة فأخرتها لمتي يككوم القيامككة فهككي لمككن ل يشككرك بككالله‬
‫شيئًا« إسناد جيد ولم يخرجوه وقال المام أحمد أيضا ً حدثنا قتيبة‬
‫بن سعيد حدثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد عن عمككرو بككن شككعيب‬
‫عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة‬
‫تبككوك قككام مككن الليككل يصككلي فككاجتمع وراءه رجككال مككن أصككحابه‬
‫يحرسونه حتى إذا صلى انصرف إليهم فقككال لهككم »لقككد أعطيككت‬
‫الليلة خمسا ً ما أعطيهن أحد قبلي أمككا أنككا فأرسككلت إلككى النككاس‬
‫كلهم عامة وكان من قبلي إنما يرسل إلى قككومه‪ ,‬ونصككرت علككى‬
‫العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر لملى مني رعبككا ً‬
‫وأحلت لي الغنائم أكلهككا‪ ,‬وكككان مككن قبلككي يعظمككون أكلهككا كككانوا‬
‫يحرقونها وجعلت لي الرض مسجدا ً وطهورا ً أينما أدركتني الصلة‬
‫تمسحت وصليت وكان من قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصككلون‬
‫‪834‬‬
‫في بيعهم وكنائسهم‪ ,‬والخامسة هي ما هي قيل لي سل فإن كل‬
‫نبي قد سأل فأخرت مسألتي إلى يوم القيامككة فهككي لكككم ولمككن‬
‫شهد أن ل إله إل الله« إسناد جيد قوي أيضا ً ولككم يخرجككوه وقككال‬
‫أيضا ً حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشككر عككن سككعيد‬
‫بن جبير عن أبي موسى الشعري رضي الله عنه عن رسول اللكه‬
‫صلى الله عليه وسلم قال »من سمع بي مككن أمككتي أو يهككودي أو‬
‫نصراني فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة« وهذا الحديث فككي صككحيح‬
‫مسلم من وجه آخر عن أبي موسى قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم »والذي نفسي بيده ل يسككمع بككي أحككد مككن هككذه‬
‫المة يهودي ول نصراني ثككم ل يككؤمن بككي إل دخككل النككار«‪ .‬وقككال‬
‫المام أحمد حدثنا حسن حدثنا ابككن لهيعكة حككدثنا أبككو يككونس وهككو‬
‫سليم بن جبير عن أبي هريرة عكن رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم أنه قال‪» :‬والذي نفسي بيككده ل يسككمع بككي أحككد مككن هككذه‬
‫المة يهودي أو نصراني ثم يموت ول يؤمن بالككذي أرسككلت بككه إل‬
‫كان من أصحاب النار« تفرد بكه أحمكد وقكال المكام أحمكد حكدثنا‬
‫حسين بن محمد حدثنا إسرائيل عن أبكي إسكحاق عكن أبكي بكردة‬
‫عن أبي موسى رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »أعطيت خمسا ً بعثت إلككى الحمككر والسككود وجعلككت‬
‫لي الرض مسجدا ً وطهورا ً وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كككان‬
‫قبلي ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة وليس من‬
‫نبي إل وقد سأل الشفاعة وإني قد اختبككأت شككفاعتي ثككم جعلتهككا‬
‫لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئًا« وهذا أيضا ً إسناد صحيح‬
‫ولم أرهم خرجوه والله أعلم وله مثله من حديث ابن عمككر بسككند‬
‫جيد أيضا ً وهذا الحديث ثابت في الصحيحين أيضا ً من حديث جككابر‬
‫بن عبد الله قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »أعطيت‬
‫خمسا ً لم يعطهن أحد من النبياء قبلككي نصككرت بككالرعب مسككيرة‬
‫شهر وجعلت لي الرض مسكجدا ً وطهكورا ً فأيمكا رجكل مكن أمكتي‬
‫أدركته الصلة فليصل وأحلكت لكي الغنكائم ولكم تحكل لحكد قبلكي‬
‫وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى النككاس‬
‫عامة« وقوله }الذي له ملك السموات والرض ل إله إل هو يحيي‬
‫ويميت{ صفة الله تعالى في قول رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم أن الذي أرسلني هو خالق كككل شككيء وربككه ومليكككه الككذي‬
‫‪835‬‬
‫بيده الملك والحياء والماتككة ولككه الحكككم« وقككوله }فككآمنوا بككالله‬
‫ورسوله النبي المي{ أخبرهم أنه رسككول اللككه إليهككم ثككم أمرهككم‬
‫باتباعه واليمان به }النبي المي{ أي الذي وعدتم به وبشرتم بككه‬
‫في الكتب المتقدمة فإنه منعوت بذلك في كتبهم ولهذا قال النبي‬
‫المي وقوله }الذي يؤمن بالله وكلمككاته{ أي يصككدق قككوله عملككه‬
‫وهو يؤمن بما أنزل إليه مككن ربككه }واتبعككوه{ أي اسككلكوا طريقككه‬
‫واقتفككوا أثككره }لعلكككم تهتككدون{ أي إلككى الصككراط المسككتفيم‪.‬‬
‫ُ‬
‫حقّ وَِبكككهِ ي َْعكككدُِلو َ‬
‫ن‬ ‫ن ِبكككال ْ َ‬
‫دو َ‬
‫ة ي َْهككك ُ‬
‫مككك ٌ‬
‫ىأ ّ‬‫سككك َ‬ ‫مكككن َقكككوْم ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫** وَ ِ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عن بنككي إسككرائيل أن منهككم طائفككة يتبعككون‬
‫الحق ويعدلون به كما قال تعالى‪} :‬مككن أهككل الكتككاب أمككة قائمككة‬
‫يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون{ وقال تعالى‪} :‬وإن من‬
‫أهل الكتاب لمكن يكؤمن بكالله ومكا أنكزل إليككم ومكا أنكزل إليهكم‬
‫خاشعين لله ل يشترون بآيككات اللككه ثمنكا ً قليل ً أولئك لهككم أجرهككم‬
‫عند ربهم إن الله سريع الحساب{ وقككال تعكالى‪} :‬الككذين آتينككاهم‬
‫الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه‬
‫الحق من ربنا إنا كنككا مككن قبلكه مسككلمين * أولئك يؤتككون أجرهككم‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬إن الذين أوتوا العلككم مككن‬ ‫مرتين بما صبروا{ ا َ‬
‫قبله إذا يتلى عليهم يخرون للذقان سجدا ً ويقولككون سككبحان ربنككا‬
‫إن كككان وعككد ربنككا لمفعككول ً * ويخككرون للذقككان يبكككون ويزيككدهم‬
‫خشوعًا{ وقد ذكر ابن جرير في تفسيرها خبرا ً عجيبا ً فقال حككدثنا‬
‫القاسم حدثنا الحسين حدثنا حجكاج عكن ابكن جريكج قكوله }ومكن‬
‫قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون{ قككال‪ :‬بلغنككي أن بنككي‬
‫إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشككر سككبطا ً تككبرأ‬
‫سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا اللكه عكز وجكل أن يفكرق‬
‫بينهم وبينهم ففتح الله لهم نفق كا ً فككي الرض‪ ,‬فسككاروا فيككه حككتى‬
‫خرجوا من وراء الصككين فهككم هنالككك حنفككاء مسككلمين يسككتقبلون‬
‫قبلتنا‪ ,‬قال ابن جريج قال ابن عباس فذلك قوله }وقلنا من بعككده‬
‫لخككرة جئنككا بكككم‬ ‫لبنككي إسككرائيل اسكككنوا الرض فككإذا جككاء وعككد ا َ‬
‫لخرة عيسى ابن مريككم قككال ابككن جريككج قككال ابككن‬ ‫لفيفًا{ ووعد ا َ‬
‫عباس ساروا في السرب سنة ونصفا ً وقال ابن عيينة عن صككدقة‬
‫‪836‬‬
‫أبي الهذيل عن السدي }ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبككه‬
‫يعككككدلون{ قككككال قككككوم بينكككككم وبينهككككم نهككككر مككككن شككككهد‪.‬‬
‫حي ْن َككآ إ ِل َ‬ ‫شرةَ أ َسباطا ً أ ُمم كا ً وأ َ‬

‫ى إ ِذِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫ى‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ي عَ ْ َ‬ ‫** وَقَط ّعَْناهُ ُ‬
‫م اث ْن َت َ ْ‬
‫استسَقاه قَكوم َ‬
‫ه اث ْن َت َككا‬ ‫من ْك ُ‬‫ت ِ‬ ‫سك ْ‬ ‫ج َ‬ ‫جكَر َفانب َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫صككا َ‬ ‫رب ب ّعَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ضك‬‫نا ْ‬ ‫هأ ِ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫ْ َ ْ ُ‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫مككا َ‬ ‫م ال ْغَ َ‬ ‫م وَظ َل ّل ْن َككا عَل َي ْهِ ك ُ‬ ‫ش كَرب َهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ل أن َككا ٍ‬ ‫م ك ُك ّ‬ ‫شَرةَ عَْينا ً قَد ْ عَل ِك َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫مككا‬ ‫م وَ َ‬ ‫مككا َرَزقْن َككاك ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مككن ط َي ّب َككا ِ‬ ‫سل ْوَىَ ك ُل ُككوا ْ ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫م ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫وَأن َْزل َْنا عَل َي ْهِ ُ‬
‫سكك ُُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫ما ْ‬ ‫ل ل َهُك ُ‬ ‫ن * وَإ ِذ ْ ِقيك َ‬ ‫مككو َ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫س كه ُ ْ‬‫كن ك َككان ُوَا ْ أن ُْف َ‬ ‫موَنا وََلـ ِ‬ ‫ظ َل َ ُ‬
‫ب‬ ‫خُلكوا ْ ال ْب َككا َ‬ ‫ة َواد ْ ُ‬ ‫طك ٌ‬ ‫ح ّ‬ ‫م وَُقوُلكوا ْ ِ‬ ‫شكئ ْت ُ ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ة وَك ُُلوا ْ ِ‬ ‫هـذِهِ ال َْقْري َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّك ِ‬ ‫ن * فَب َكد ّ َ‬ ‫سكِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زيد ُ ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫سكن َ‬ ‫م َ‬ ‫خط ِي ََئات ِك ُك ْ‬ ‫م َ‬ ‫جدا ً ن ّغِْفكْر ل َك ُك ْ‬ ‫سك ّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مك َ‬ ‫جككزا ً ّ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫سكل َْنا عَل َي ْهِك ْ‬ ‫م فَأْر َ‬ ‫ل ل َهُك ْ‬ ‫ذي ِقيك َ‬ ‫م قَوْل ً غَي َْر ال ّ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫موا ْ ِ‬ ‫ظ َل َ ُ‬
‫ن‬
‫مككككككككككككككو َ‬ ‫مككككككككككككككا ك َككككككككككككككاُنوا ْ ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫مآِء ب ِ َ‬ ‫سكككككككككككككك َ‬ ‫ال ّ‬
‫تقدم تفسير هذا كله في سورة البقرة وهي مدنية وهذا السياق‬
‫مكي ونبهنا علككى الفككرق بيككن هككذا السككياق وذاك بمككا أغنككى عككن‬
‫إعككككككككككادته هنككككككككككا‪ .‬و للككككككككككه الحمككككككككككد والمنككككككككككة‪.‬‬
‫ن فِككي‬
‫دو َ‬ ‫ح كرِ إ ِذ ْ ي َعْ ك ُ‬‫ض كَرةَ ال ْب َ ْ‬
‫حا ِ‬‫ت َ‬ ‫ن ال َْقْري َةِ ال ِّتي ك َككان َ ْ‬ ‫م ْعَ ِ‬ ‫سئ َل ْهُ ْ‬
‫** وَ ْ‬
‫ن لَ‬
‫سكب ُِتو َ‬‫م ل َ يَ ْ‬ ‫شكّرعا ً وَي َكوْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫سكب ْت ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ي َكوْ َ‬
‫حيَتان ُهُ ْ‬‫م ِ‬ ‫ت إ ِذ ْ ت َأِتيهِ ْ‬ ‫سب ْ ِ‬
‫ال ّ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫سككككككُقو َ‬ ‫كككككككاُنوا ي َْف ُ‬ ‫مككككككا َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫ك ن َب ُْلككككككو ُ‬ ‫كككككككذ َل ِ َ‬‫م َ‬ ‫َتككككككأِتيهِ ْ‬
‫هذا السياق هو بسط لقوله تعالى‪} :‬ولقد علمتككم الككذين اعتككدوا‬
‫لية يقول تعالى لنككبيه صككلوات اللككه وسككلمه‬ ‫منكم في السبت{ ا َ‬
‫عليه }واسألهم{ أي واسككأل هككؤلء اليهككود الككذين بحضككرتك عككن‬
‫قصككة أصككحابهم الككذين خككالفوا أمككر اللككه ففاجككأتهم نقمتككه علككى‬
‫صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة وحذر هؤلء من كتمان‬
‫صفتك التي يجدونها فككي كتبهككم لئل يحككل بهككم مككا حككل بككإخوانهم‬
‫وسلفهم وهذه القرية هي أيلة وهي على شاطى بحر القلزم قال‬
‫محمد بن إسككحاق عككن داود بككن الحصككين عككن عكرمككة عككن ابككن‬
‫عباس في قوله تعالى‪} :‬واسألهم عن القرية التي كككانت حاضككرة‬
‫البحر{ قال هي قرية يقال لها أيلة بين مدين والطككور وكككذا قككال‬
‫عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي وقال عبد اللككه بككن كككثير القككارى‬
‫سمعنا أنها أيلة وقيل هي مدين وهو رواية عن ابن عبككاس‪ ,‬وقككال‬
‫‪837‬‬
‫ابن زيد هي قرية يقككال لهككا معتككا بيككن مككدين وعينونككا وقككوله }إذ‬
‫يعدون في السبت{ أي يعتدون فيه ويخالفون أمر اللككه فيككه لهككم‬
‫بالوصاة به إذ ذاك }إذ تأتيهم حيتككانهم يككوم سككبتهم شككرعًا{ قككال‬
‫الضحاك عن ابن عباس أي ظاهرة على الماء وقال العككوفي عككن‬
‫ابن عباس ظاهرة من كل مكان‪ .‬قال ابن جرير وقككوله }ويككوم ل‬
‫يسبتون ل تأتيهم كذلك نبلوهم{ أي نختبرهم بإظهار السمك لهككم‬
‫على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده وإخفائه عنهم في‬
‫اليوم الحلل لهككم صككيده }كككذلك نبلككوهم{ نختككبرهم }بمككا كككانوا‬
‫يفسقون{ يقول بفسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها‪ ,‬وهككؤلء‬
‫قوم احتالوا على انتهككاك محككارم اللككه بمككا تعككاطوا مككن السككباب‬
‫الظاهرة التي معناها في الباطن تعاطي الحرام وقد قككال الفقيككه‬
‫المام أبو عبد الله بن بطة رحمه الله‪ :‬حدثنا أحمد بن محمككد بككن‬
‫مسلم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفرانككي حككدثنا يزيككد‬
‫بن هارون حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عككن أبككي هريككرة‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »ل ترتكبوا مككا ارتكبككت‬
‫اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل« وهذا إسككناد جيككد فككإن‬
‫أحمد بن محمد بن مسلم هذا ذكره الخطيككب فككي تككاريخه ووثقككه‬
‫وباقي رجاله مشهورون ثقات ويصحح الترمذي بمثل هذا السككناد‬
‫ككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككثيرًا‪.‬‬
‫ظون قَوما ً الل ّه مهل ِك ُهكك َ‬ ‫ُ‬

‫م‬ ‫مَعككذ ّب ُهُ ْ‬ ‫م أو ْ ُ‬ ‫ُ ُ ْ ُ ْ‬ ‫م ت َعِ ُ َ ْ‬ ‫م لِ َ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ّ‬‫م ٌ‬ ‫تأ ّ‬ ‫ذا َقال َ ْ‬
‫** وَإ ِ َ‬
‫سككوا ْ‬ ‫ن * فََلمكا ّ ن َ ُ‬ ‫م وَل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت ُّقككو َ‬ ‫ى َرب ّك ُ ْ‬ ‫معْذَِرةً إ ِل َ‬ ‫ديدا ً َقاُلوا ْ َ‬ ‫ش ِ‬‫ذابا ً َ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مككوا ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫خ كذ َْنا ال ّك ِ‬
‫س كوَِء وَأ َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫جي َْنا ال ّ ِ‬ ‫ما ذ ُك ُّروا ْ ب ِهِ أن َ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ن ي َن ْهَوْ َ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ه قُلَنا‬ ‫ْ‬
‫ما ن ُُهوا عَن ْ ُ‬ ‫عن ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن * فَلما عَت َوْا َ‬ ‫َ‬ ‫سُقو َ‬ ‫ْ‬
‫ما كاُنوا ي َْف ُ‬ ‫َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ب ِعَ َ‬
‫ب ب َِئي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬
‫ن‬‫سككككككككككككككِئي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫كوُنككككككككككككككوا ْ ِقككككككككككككككَرد َةً َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل َُهكككككككككككككك ْ‬
‫) شايخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلث فرق‬
‫فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السككبت‬
‫كما تقدم بيانه في سورة البقرة وفرقة نهت عن ذلك واعككتزلتهم‬
‫وفرقة سكتت فلككم تفعككل ولككم تنككه ولكنهككا قككالت للمنكككرة }لككم‬
‫م تنهككون‬ ‫تعظون قوما ً الله مهلكهم أو معذبهم عذابًاشككديدًا{ أي لك َ‬
‫هؤلء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبككة مككن اللككه فل‬
‫‪838‬‬
‫فائدة في نهيكم إياهم‪ ,‬قالت لهم المنكككرة }معككذرة إلككى ربكككم{‬
‫قرأ بعضهم بككالرفع كككأنه علككى تقككدير هككذه معككذرة وقككرأ آخككرون‬
‫بالنصب أي نفعل ذلك }معذرة إلى ربكم{ أي فيما أخذ علينا من‬
‫المر بالمعروف والنهككي عككن المنكككر }ولعلهككم يتقككون{ يقولككون‬
‫ولعل لهذا النكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ويرجعككون إلككى اللككه‬
‫تائبين فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم‪ .‬قال تعالى‪} :‬فلما نسوا‬
‫ما ذكروا به{ أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة }أنجينا الككذين‬
‫ينهككون عككن السككوء وأخككذنا الككذين ظلمككوا{ أي ارتكبككوا المعصككية‬
‫}بعذاب بئيس{ فنص على نجاة الناهين وهلك الظالمين وسكت‬
‫عن الساكتين لن الجزاء من جنس العمل فهم ل يستحقون مدحا ً‬
‫فيمدحوا ول ارتكبوا عظيما ً فيذموا ومككع هككذا فقككد اختلككف الئمككة‬
‫فيهم هل كانوا من الهككالكين أو مككن النككاجين علككى قككولين‪ ,‬وقككال‬
‫علي بن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس }وإذ قككالت أمككة منهككم لككم‬
‫تعظون قوما ً الله مهلكهككم أو معككذبهم عككذابا ً شككديدًا{ هككي قريككة‬
‫على شاطى البحر بين مصر والمدينة يقككال لهككا أيلككة فحككرم اللككه‬
‫عليهم الحيتككان يككوم سككبتهم وكككانت الحيتككان تككأتيهم يككوم سككبتهم‬
‫شرعا ً في ساحل البحر فإذا مضى يوم السكبت لكم يقكدروا عليهكا‬
‫فمضى على ذلك ما شاء الله ثم إن طائفة منهككم أخككذوا الحيتككان‬
‫يوم سبتهم فنهتهم طائفة وقالوا تأخذونها وقد حرمها اللكه عليككم‬
‫يككوم سككبتكم‪ ,‬فلككم يككزدادوا إل غيكا ً وعتككوا ً وجعلككت طائفككة أخككرى‬
‫تنهاهم فلما طال ذلك عليهم قالت طائفة مككن النهككاة تعلمككون أن‬
‫هؤلء قوم قد حق عليهم العذاب }لم تعظون قوما ً الله مهلكهم{‬
‫وكانوا أشد غضبا ً لله مككن الطائفككة الخككرى فقككالوا }معككذرة إلككى‬
‫ربكم ولعلهم يتقون{ وكل قد كانوا ينهون فلما وقع عليهم غضككب‬
‫الله نجت الطائفتان اللتان قالوا لم تعظككون قوم كا ً اللككه مهلكهككم‪,‬‬
‫والذين قالوا معذرة إلى ربكم‪ ,‬وأهلككك اللككه أهككل معصككيته الككذين‬
‫أخذوا الحيتان فجعلهم قردة‪ ,‬وروى العوفي عن ابن عباس قريبككا ً‬
‫من هذا‪ ,‬وقال حماد بن زيد عن داود بن الحصين عن عكرمة عن‬
‫لية‪ ,‬قال‪ :‬ما أدري أنجا الذين قالوا }لككم تعظككون‬ ‫ابن عباس في ا َ‬
‫قوما ً الله مهلكهم{ أم ل ؟ قال فلم أزل به حتى عرفته أنهككم قككد‬
‫نجوا فكساني حلة‪ .‬وقال عبككد الككرزاق أخبرنككا ابككن جريككج حككدثني‬
‫رجككل عككن عكرمككة قككال جئت ابككن عبككاس يوم كا ً وهككو يبكككي وإذا‬
‫‪839‬‬
‫المصحف في حجره فأعظمت أن أدنو منه ثم لم أزل علككى ذلككك‬
‫حتى تقدمت فجلست فقلت‪ :‬ما يبكيك يا ابن عباس جعلنككي اللككه‬
‫فككداك ؟ قككال فقككال هككؤلء الورقككات قككال وإذا هككو فككي سككورة‬
‫العراف قال تعرف أيلة ؟ قلت نعم قال فإنه كككان بهككا حككي مككن‬
‫اليهود سيقت الحيتان إليهككم يككوم السككبت ثككم غاصككت ل يقككدرون‬
‫عليها حتى يغوصوا بعد كد ومؤنة شديدة كانت تأتيهم يوم سككبتهم‬
‫شككرعا ً بيضككاء سككمانا ً كأنهككا المككاخض تنتطككح ظهورهككا لبطونهككا‬
‫بأفنيتهم فكانوا كذلك برهككة مككن الككدهر‪ ,‬ثككم إن الشككيطان أوحككى‬
‫إليهم فقال‪ :‬إنما ن ُِهيُتهم عن أكلهككا وأخككذها وصككيدها يككوم السككبت‬
‫فخذوها فيه‪ ,‬وكلوها في غيره من اليام‪ ,‬فقالت ذلك طائفة منهم‬
‫وقالت طائفة بل نهيتم عككن أكلهككا وأخككذها وصككيدها يككوم السككبت‬
‫فكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلككة فغككدت طائفككة بأنفسككها‬
‫وأبنائها ونسككائها واعكتزلت طائفكة ذات اليميككن وتنحكت واعكتزلت‬
‫طائفة ذات اليسار وسكتت وقال اليمنون ويلكم الله‪ ,‬ننهككاكم أن‬
‫تتعرضوا لعقوبة اللككه‪ ,‬وقككال اليسككرون }لككم تعظككون قوم كا ً اللككه‬
‫مهلكهم أو معذبهم عذابا ً شديدًا{ قال اليمنون }معذرة إلى ربكم‬
‫ولعلهم يتقون{ أي ينتهون‪ ,‬إن ينتهوا فهو أحب إلينككا أن ل يصككابوا‬
‫ول يهلكوا وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم فمضككوا علككى الخطيئة‬
‫وقال اليمنون فقد فعلتم يا أعداء الله‪ ,‬والله ل نبايتكم الليلة فككي‬
‫مدينتكم والله ما نراكم تصككبحون حكتى يصككبحكم اللكه بخسككف أو‬
‫قذف أو بعض ما عنده من العككذاب فلمككا أصككبحوا ضككربوا عليهككم‬
‫الباب ونادوا فلم يجابوا فوضعوا سلما ً وأعلوا سككور المدينككة رج ً‬
‫ل‪,‬‬
‫فالتفت إليهم‪ ,‬فقال‪ :‬أي عباد الله‪ ,‬قردة والله تعككادى تعككاوى لهككا‬
‫أذناب قال ففتحككوا فككدخلوا عليهككم فعرفككت القككرود أنسككابها مككن‬
‫النس ول تعرف النس أنسابها من القردة فجعلت القككرود يأتيهككا‬
‫نسيبها من النس فتشم ثيابه وتبكي فيقول‪ :‬ألم ننهكككم عككن كككذا‬
‫فتقول برأسها‪ :‬أي نعم ثم قرأ ابن عباس }فلما نسككوا مككا ذكككروا‬
‫به أنجينا الذين ينهككون عككن السككوء وأخككذنا الككذين ظلمككوا بعككذاب‬
‫لخريككن ذكككروا‬ ‫بئيس{ قال‪ :‬فأرى الككذين نهككوا قككد نجككوا ول أرى ا َ‬
‫ونحن نرى أشياء ننكرها ول نقول فيهككا‪ ,‬قككال‪ :‬قلككت جعلنككي اللككه‬
‫فداك أل ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم ؟ وقالوا }لككم‬
‫تعظون قوما ً الله مهلكم{ قال‪ :‬فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين‪,‬‬
‫‪840‬‬
‫وكذا روى مجاهد عنه‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا يونس أخبرنا أشهب‬
‫بن عبد العزيز عن مالك قال‪ :‬زعم ابككن رومككان أن قككوله تعككالى‪:‬‬
‫}تأتيهم حيتانهم يككوم سككبتهم شككرعا ً ويككوم ل يسككبتون ل تككأتيهم{‬
‫قال‪ :‬كانت تأتيهم يوم السبت فككإذا كككان المسككاء ذهبككت فل يككرى‬
‫لخر‪ ,‬فاتخذ لذلك رجل خيطككا ً ووتككدا ً‬ ‫منها شيء إلى يوم السبت ا َ‬
‫فربط حوتا ً منها في الماء يوم السبت حتى إذا أمسوا ليلككة الحككد‬
‫أخككذه فاشككتواه‪ ,‬فوجككد النككاس ريحككه‪ ,‬فككأتوه فسككألوه عككن ذلككك‬
‫فجحدهم‪ ,‬فلم يزالوا به حتى قككال لهككم فككإنه جلككد حككوت وجككدناه‬
‫لخر فعل مثل ذلككك‪ ,‬ول أدري لعلككه قككال ربككط‬ ‫فلما كان السبت ا َ‬
‫حوتين فلما أمسى من ليلة الحد أخككذه فاشككتواه فوجككدوا رائحككة‬
‫فجاؤوا فسألوه فقال لهم‪ :‬لو شئتم صنعتم كما أصككنع فقككالوا لككه‪:‬‬
‫وما صنعت ؟ فأخبرهم ففعلوا مثل ما فعل حتى كثر ذلككك وكككانت‬
‫لهم مدينككة لهككا ربككض يغلقونهككا عليهككم فأصككابهم مككن المسككخ مككا‬
‫أصابهم فغدا عليهم جيرانهم ممن كككانواحولهم يطلبككون منهككم مككا‬
‫يطلب الناس فوجدوا المدينة مغلقة عليهكم فنكادوا فلكم يجيبكوهم‬
‫فتسوروا عليهم فإذا هم قردة فجعل القرد يدنو يتمسح بمن كككان‬
‫يعرف قبل ذلك ويدنو منككه ويتمسككح بككه‪ ,‬وقككد قككدمنا فككي سككورة‬
‫لثار في خبر هذه القرية مككا فيككه مقنككع وكفايككة وللككه‬ ‫البقرة من ا َ‬
‫الحمد والمنة )القول الثاني( أن الساكتين كانوا من الهالكين قككال‬
‫محمد بن إسككحاق عككن داود بككن الحصككين عككن عكرمككة عككن ابككن‬
‫عباس أنه قال‪ :‬ابتدعوا السبت فككابتلوا فيككه فحرمككت عليهككم فيككه‬
‫الحيتان فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتككان ينظككرون‬
‫إليها في البحر فإذا انقضى السبت ذهبككت فلككم تككر حككتى السككبت‬
‫المقبل فإذا جاء السككبت جككاءت شككرعا ً فمكثككوا مككا شككاء اللككه أن‬
‫يمكثوا كذلك ثم إن رجل ً منهم أخذ حوتا ً فخزم أنفه ثم ضككرب لككه‬
‫وتدا ً في الساحل وربطه وتركه فككي المككاء فلمككا كككان الغككد أخككذه‬
‫فشواه فأكله ففعل ذلك وهم ينظرون ول ينكرون ول ينهاه منهككم‬
‫أحد إل عصبة منهككم نهككوه حككتى ظهككر ذلككك فككي السككواق ففعككل‬
‫علنية قال‪ :‬فقالت‪ :‬طائفة للذين ينهونهم }لم تعظون قوم كا ً اللككه‬
‫مهلكهم أو معذبهم عذابا ً شديدا ً قالوا معذرة إلى ربكككم{ فقككالوا‪:‬‬
‫نسخط أعمالهم }ولعلهم يتقون * فلما نسوا ك إلى قوله ككك قككردة‬
‫خاسئين{ قال ابن عباس كانوا ثلثكا ً ثلكث نهككوا وثلكث قكالوا }لككم‬
‫‪841‬‬
‫تعظون قوما ً الله مهلكهم{ وثلككث أصككحاب الخطيئة فمككا نجككا إل‬
‫الذين نهوا وهلك سائرهم‪ ,‬وهذا إسناد جيد عن ابن عبككاس ولكككن‬
‫رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة الساكتين أولى من القول بهككذا‬
‫لنه تبين حالهم بعد ذلك والله أعلم‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬وأخذنا الككذين‬
‫ظلموا بعذاب بئيككس{ فيكه دللككة بككالمفهوم علككى أن الككذين بقككوا‬
‫نجوا‪ .‬وبئيس فيه قراءات كثيرة ومعناه في قول مجاهككد الشككديد‪.‬‬
‫وفي رواية أليم وقال قتككادة موجككع والكككل متقككارب واللككه أعلككم‪,‬‬
‫وقككككككوله }خاسككككككئين{ إي ذليليككككككن حقيريككككككن مهككككككانين‪.‬‬
‫وإذ ْ تأ َ‬
‫س كوَءَ‬
‫م ُ‬ ‫مه ُ ْ‬
‫سككو ُ‬
‫مككن ي َ ُ‬ ‫مة ِ َ‬ ‫ى ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫َ‬
‫م إ ِل َ‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫ن عَل َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫َ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ي‬‫ك لَ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬‫ر‬‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َِ َ‬
‫م‬ ‫ه ل َغَُفككككوٌر ّر ِ‬
‫حيكككك ٌ‬ ‫ب وَإ ِن ّكككك ُ‬ ‫ريعُ ال ْعَِقككككا ِ‬ ‫سكككك ِ‬ ‫ك لَ َ‬‫ن َرب ّكككك َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَكككك َ‬
‫}تأذن{ تفعل مككن الذان أي‪ :‬أعلككم قككاله مجاهككد‪ ,‬وقككال غيككره‪:‬‬
‫أمر‪ ,‬وفي قوة الكلم مككا يفيككد معنككى القسككم مككن هككذه اللفظككة‪,‬‬
‫ولهذا أتبعت بككاللم فككي قككوله }ليبعثككن عليهككم{ أي علككى اليهككود‬
‫}إلككى يككوم القيامككة مككن يسككومهم سككوء العككذاب{ أي بسككبب‬
‫عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه واحتيالهم على المحككارم‪,‬‬
‫ويقال إن موسى عليه السلم ضرب عليهم الخككراج‪ ,‬سككبع سككنين‬
‫وقيل ثلث عشرة سنة‪ ,‬وكان أول من ضرب الخراج ثم كانوا في‬
‫قهر الملوك من اليونككانيين والكشككدانيين والكلككدانيين‪ ,‬ثككم صككاروا‬
‫إلى قهر النصارى وإذللهم إياهم وأخذهم منهم الجزيككة والخككراج‪,‬‬
‫ثم جاء السلم ومحمد صلى الله عليه وسلم فكككانوا تحككت قهككره‬
‫وذمته يؤدون الخراج والجزية‪ .‬قال العوفي عككن ابككن عبككاس فككي‬
‫لية قال‪ :‬هككي المسكككنة وأخككذ الجزيككة منهككم‪ ,‬وقككال‬ ‫تفسير هذه ا َ‬
‫علي بن أبي طلحة عنه هي الجزية والذي يسومهم سوء العككذاب‬
‫محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته إلككى يككوم القيامككة‪,‬‬
‫وكذا قال سعيد بن جبير وابن جريج والسدي وقتككادة‪ ,‬وقككال عبككد‬
‫الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسككيب‬
‫قال‪ :‬يستحب أن تبعث النباط في الجزية قلت‪ :‬ثككم آخككر أمرهككم‬
‫أنهم يخرجون أنصارا ً للدجال فيقتلهم المسلمون مع عيسككى ابككن‬
‫مريم عليه السلم‪ ,‬وذلككك آخككر الزمككان وقككوله }إن ربككك لسككريع‬
‫العقاب{ أي لمن عصاه وخالف شرعه }وإنككه لغفككور رحيككم{ أي‬
‫لمن تاب إليه وأناب وهذا من باب قككرن الرحمككة مككع العقوبكة لئل‬
‫‪842‬‬
‫يحصل اليأس فيقرن تعالى بين الككترغيب والككترهيب كككثيرا ً لتبقككى‬
‫النفكككككككككككككوس بيكككككككككككككن الرجكككككككككككككاء والخكككككككككككككوف‪.‬‬
‫ُ‬
‫ك‬ ‫ن ذ َِلك َ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُك ْ‬‫ن وَ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫صككال ِ ُ‬‫م ال ّ‬ ‫مما ً ّ‬
‫من ْهُ ُ‬ ‫ضأ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫** وَقَط ّعَْناهُ ْ‬
‫مككن‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َك َ‬ ‫ن * فَ َ‬ ‫جعُككو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫ت ل َعَل ّهُ ك ْ‬ ‫س كي َّئا ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫س كَنا ِ‬ ‫ح َ‬‫م ِبال ْ َ‬ ‫وَب َل َوْن َككاهُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن‬‫ى وَي َُقول ُككو َ‬ ‫ذا الد ْن َك َ‬ ‫هـك َ‬ ‫ض َ‬ ‫نْ عَكَر َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خك ُ‬ ‫ب ي َأ ُ‬ ‫ف وَرُِثوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫خل ْ ٌ‬ ‫م َ‬‫ب َعْدِهِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ميَثكا ُ‬
‫ق‬ ‫م ّ‬ ‫خكذ ْ عَل َي ِْهك ْ‬ ‫م ي ُؤْ َ‬‫ذوهُ أَلك ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬‫ض ّ‬ ‫م عََر ٌ‬ ‫سي ُغَْفُر ل ََنا وَِإن ي َأت ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫داُر‬ ‫مككا ِفيكهِ َوالك ّ‬ ‫سككوا َ‬ ‫حكقّ وَد ََر ُ‬ ‫ب أن ل ّ ي ُِقولوا عَلككى اللكهِ إ ِل ّ ال َ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫خير ل ّل ّذين يتُقو َ‬
‫ب‬ ‫ن ِبال ْك ِت َككا ِ‬ ‫كو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * َوال ّ ِ‬ ‫ن أفَل َ ت َعِْقُلو َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َّ‬ ‫خَرةُ َ ْ ٌ‬ ‫ال َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حي َ‬ ‫صككككككل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جككككككَر ال ْ ُ‬ ‫ضككككككيعُ أ ْ‬ ‫صككككككل َةَ إ ِن ّككككككا ل َ ن ُ ِ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫وَأقَككككككا ُ‬
‫يذكر تعالى أنه فرقهم في الرض أممكا ً أي طككوائف وفرقكا ً كمككا‬
‫قال }وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا(الرض فإذا جككاء وعككد‬
‫لخرة جئنا بكم لفيفًا{ }منهم الصككالحون ومنهككم دون ذلككك{ أي‬ ‫ا َ‬
‫فيهم الصالح وغير ذلك كقول الجن }وأنا منا الصالحون ومنا دون‬
‫ذلك كنككا طككرائق قككددًا{ }وبلونككاهم{ أي اختبرنككاهم }بالحسككنات‬
‫والسيئات{ أي بالرخاء والشدة والرغبة والرهبككة والعافيككة والبلء‬
‫}لعلهم يرجعون{ ثم قال تعالى }فخلف من بعدهم خلككف ورثككوا‬
‫لية يقول تعالى‪ :‬فخلككف مككن‬ ‫الكتاب يأخذون عرض هذا الدنى{ ا َ‬
‫بعد ذلك الجيل الذين فيهم الصالح والطالح خلف آخر ل خير فيهم‬
‫وقد ورثوا دراسة الكتاب وهو التوراة وقال مجاهد‪ :‬هككم النصككارى‬
‫وقككد يكككون أعككم مككن ذلككك }يأخككذون عككرض هككذا الدنككى{ أي‬
‫يعتاضون عن بذل الحق ونشككره بعككرض الحيككاة الككدنيا ويسككوفون‬
‫أنفسهم ويعدونها بالتوبككة وكلمككا لح لهككم مثككل الول وقعككوا فيككه‪,‬‬
‫ولهذا قال }وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه{ وكما قككال سككعيد بككن‬
‫جبير يعملون الذنب ثم يستغفرون اللككه منككه ويعككترفون للككه فككإن‬
‫عرض ذلك الذنب أخذوه وقال مجاهد في قوله تعككالى‪} :‬يأخكذون‬
‫عرض هذا الدنى{ قال ل يشرف لهم شيء من الككدنيا إل أخككذوه‬
‫حلل ً كان أو حراما ً ويتمنون المغفككرة }ويقولككون سككيغفر لنككا وإن‬
‫لية إي واللككه لخلككف‬ ‫يأتهم عرض مثله يأخذوه{‪ ,‬وقال قتادة في ا َ‬
‫سوء }ورثوا الكتاب{ بعككد أنبيككائهم ورسككلهم أورثهككم اللككه وعهككد‬
‫إليهم‪ ,‬وقال الله تعالى في آية أخرى }فخلككف مككن بعككدهم خلككف‬
‫‪843‬‬
‫لية قال }يأخذون عككرض هككذا الدنككى ويقولككون‬ ‫أضاعوا الصلة{ ا َ‬
‫سيغفر لنا{ تمنوا على الله أماني وغرة يغككترون بهككا }وإن يككأتهم‬
‫عرض مثله يأخذوه{ ل يشغلهم شيء ول ينهاهم شيء عككن ذلككك‬
‫كلما هف لهم شيء من الدنيا أكلوه ل يبالون حلل ً كان أو حرامًا‪,‬‬
‫وقككال السككدي‪ :‬قككوله }فخلككف مككن بعككدهم خلككف{ إلككى قككوله‬
‫}ودرسوا ما فيه{ قال‪ :‬كانت بنو إسرائيل ل يستقضون قاضككيا ً إل‬
‫ارتشى في الحكم وإن خيارهم اجتمعوا فأخذ بعضهم علككى بعككض‬
‫العهود أن ل يفعلوا ول يرتشوا فجعل الرجككل منهككم إذا استقضككى‬
‫ارتشى فيقال له ما شأنك ترتشي فككي الحكككم ؟ فيقككول سككيغفر‬
‫لخرون من بني إسرائيل فيما صنع فككإذا‬ ‫لي‪ ,‬فتطعن عليه البقية ا َ‬
‫مات أو نزع وجعل مكانه رجل ممن كككان يطعككن عليككه فيرتشككي‪,‬‬
‫لخرين عرض الدنيا يأخذوه قال الله تعالى‪} :‬ألم‬ ‫يقول وإن يأت ا َ‬
‫يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن ل يقولوا على اللكه إل الحككق{ ا َ‬
‫ليككة‬
‫يقول تعالى منكرا ً عليهم في صنيعهم هذا مع ما أخككذ عليهككم مككن‬
‫الميثاق ليككبينن الحككق للنككاس ول يكتمككونه كقككوله }وإذ أخككذ اللككه‬
‫ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للنككاس ول تكتمككونه فنبككذوه وراء‬
‫ظهورهم واشتروا بككه ثمنكا ً قليل ً فككبئس مككا يشككترون{ وقككال ابككن‬
‫جريج قال ابن عباس }ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن ل يقولوا‬
‫على الله إل الحق{ قال فيما يتمنون على الله من غفران ذنوبهم‬
‫التي ل يزالون يعودون فيها ول يتوبون منها‪ ,‬وقوله تعالى }والدار‬
‫لخرة خير للذين يتقون أفل تعقلككون{ يرغبهككم فككي جزيككل ثككوابه‬ ‫ا َ‬
‫ويحذرهم من وبيل عقابه‪ ,‬أي وثوابي وما عنككدي خيككر لمككن اتقككى‬
‫المحارم وترك هوى نفسه وأقبل على طاعة ربككه }أفل تعقلككون{‬
‫يقول أفليس لهؤلء الذين اعتاضوا بعرض الدنيا عما عنككدي عقككل‬
‫يردعهم عما هم فيه من السفه والتبذير‪ ,‬ثم أثنى تعالى على مككن‬
‫تمسك بكتابه الذي يقوده إلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليككه‬
‫وسككلم كمككا هككو مكتككوب فيككه فقككال تعككالى‪} :‬والككذين يمسكككون‬
‫بالكتككاب{ أي اعتصككموا بككه واقتككدوا بككأوامره‪ ,‬وتركككوا زواجككره‬
‫}وأقكككككاموا الصكككككلة إنكككككا ل نضكككككيع أجكككككر المصكككككلحين{‪.‬‬
‫‪844‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذوا ْ َ‬
‫مككآ‬ ‫خك ُ‬
‫م ُ‬ ‫ه َواقِعٌ ب ِهِ ْ‬ ‫ة وَظ َن ّوَا ْ أن ّ ُ‬
‫ه ظ ُل ّ ٌ‬ ‫م ك َأن ّ ُ‬‫ل فَوْقَهُ ْ‬ ‫** وَِإذ ن َت َْقَنا ال ْ َ‬
‫جب َ َ‬
‫ن‬‫م ت َت ُّقكككككو َ‬‫كككككك ْ‬ ‫مكككككا ِفيكككككهِ ل َعَل ّ ُ‬ ‫ككككككُروا ْ َ‬ ‫كم ب ُِقكككككوّةٍ َواذ ْ ُ‬ ‫آت َي َْنكككككا ُ‬
‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قككوله }وإذ نتقنككا الجبككل‬
‫فوقهم{ يقول رفعناه وهو قوله }ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم{‬
‫وقال سفيان الثوري عن العمش عككن سككعيد بككن جككبير عككن ابككن‬
‫عباس‪ :‬رفعته الملئكة فوق رؤوسهم وهو قككوله }ورفعنككا فككوقهم‬
‫الطور{ وقال القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جككبير عككن ابككن‬
‫عبككاس قككال‪ :‬ثككم سككار بهككم موسككى عليككه السككلم إلككى الرض‬
‫المقدسة وأخذ اللواح بعد ما سكت عنه الغضككب وأمرهككم بالككذي‬
‫أمر الله أن يبلغهم من الوظائف فثقلت عليهم وأبوا أن يقروا بهككا‬
‫حتى نتق الله الجبل فككوقهم }كككأنه ظلككة{ قككال‪ :‬رفعتككه الملئكككة‬
‫فوق رؤوسككهم رواه النسككائي بطككوله‪ .‬وقككال سككنيد بككن داود فككي‬
‫تفسيره عن حجاج بن محمد عن أبي بكر بن عبككد اللككه قككال هككذا‬
‫كتاب أتقبلونه بما فيه فإن فيه بيان ما أحل لكم وما حككرم عليكككم‬
‫وما أمركم وما نهككاكم ؟ قككالوا‪ :‬انشككر علينككا مككا فيهككا فككإن كككانت‬
‫فرائضها وحدودها يسيرة قبلناها‪ .‬قال‪ :‬اقبلوها بمككا فيهككا قككالوا‪ :‬ل‬
‫حتى نعلم ما فيها كيف حدودها وفرائضها فراجعوه مرارا ً فككأوحى‬
‫الله إلككى الجبككل فككانقلع فككارتفع فككي السككماء حككتى إذا كككان بيككن‬
‫رؤوسهم وبين السماء قال لهم موسى أل ترون ما يقول ربي عز‬
‫وجل لئن لم تقبلوا التوراة بمككا فيهككا لرمينكككم بهككذا الجبككل قككال‪:‬‬
‫فحدثني الحسن البصري قال‪ :‬لما نظروا إلى الجبل خر كل رجككل‬
‫ساجدا ً على حاجبه اليسر ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقا ً من‬
‫أن يسقط عليه فكذلك ليس اليككوم فككي الرض يهككودي يسككجد إل‬
‫على حاجبه اليسر يقولون هذه السجدة التي رفعت بهككا العقوبككة‬
‫قال أبو بكر‪ :‬فلما نشر اللواح فيها كتاب الله كتبككه بيككده لككم يبككق‬
‫على وجه الرض جبككل ول شككجر ول حجككر إل اهككتز فليككس اليككوم‬
‫يهودي على وجه الرض صغير ول كبير تقرأ عليه التككوراة إل اهككتز‬
‫ول كمككا قككال تعككالى }فسينغضككون إليككك‬ ‫ونفض لهككا رأسككه أي حك ّ‬
‫رؤوسككككككككككككككككككككهم{ واللككككككككككككككككككككه أعلككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫‪845‬‬
‫ى‬
‫م عَلك َ‬
‫شهَد َهُ ْ َ‬ ‫م وَأ َ ْ‬‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬‫من ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ي آد َ َ‬ ‫من ب َن ِ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫خذ َ َرب ّ َ‬ ‫** وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫َ‬ ‫َأنُفسه َ‬
‫م كةِ إ ِن ّككا‬‫م ال ِْقَيا َ‬‫شهِد َْنآ أن ت َُقوُلوا ْ ي َوْ َ‬ ‫ى َ‬ ‫َ‬
‫م َقاُلوا ْ ب َل َ‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل وَك ُّنكا‬ ‫مكن قَْبك ُ‬ ‫ك آَباؤَُنكا ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫مآ أ ْ‬ ‫ن * أوْ ت َُقول ُوَا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫غافِِلي َ‬ ‫ذا َ‬‫هـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ك ُّنا عَ ْ‬
‫ة من بعده َ‬
‫ل‬‫صك ُ‬ ‫ن * وَك َكذ َل ِ َ‬
‫ك ن َُف ّ‬ ‫مب ْط ِل ُككو َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬‫مككا فَعَ ك َ‬ ‫م أفَت ُهْل ِك ُن َككا ب ِ َ‬ ‫ذ ُّري ّ ً ّ َ ْ ِ ِ ْ‬
‫ن‬
‫جُعكككككككككككككككككككو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬‫ت وَل َعَل ُّهككككككككككككككككككك ْ‬ ‫ال ََيكككككككككككككككككككا ِ‬
‫يخبر تعالى أنه اسككتخرج ذريككة بنككي آدم مككن أصككلبهم شككاهدين‬
‫على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهككم وأنككه ل إلككه إل هككو كمككا أنككه‬
‫تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه قككال تعككالى }فككأقم وجهككك‬
‫للدين حنيفا ً فطرت الله التي فطككر النككاس عليهككا ل تبككديل لخلككق‬
‫الله{ وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللككه عنككه قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬كل مولود يولد على الفطرة‪,‬‬
‫وفي رواية على هذه الملكة فككأبواه يهككودانه وينصكرانه ويمجسكانه‬
‫كما تولد بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء« وفككي صككحيح‬
‫مسلم عن عياض بن حمار قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »يقول الله إني خلقت عبككادي حنفككاء فجككاءتهم الشككياطين‬
‫فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم« وقككال المككام‬
‫أبو جعفر بن جرير رحمه الله‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلككى حككدثنا‬
‫ابن وهب أخبرني السري بن يحيككى أن الحسككن بككن أبككي الحسككن‬
‫حدثهم عن السود بن سريع من بني سعد قال غزوت مع رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات قال فتناول القككوم الذريككة‬
‫بعد ما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫فاشتد عليه ثم قال »ما بال أقوام يتناولون الذرية« فقال رجل يا‬
‫رسول اللككه أليسككوا أبنككاء المشككركين ؟ فقككال »إن خيككاركم أبنككاء‬
‫المشركين أل إنها ليست نسمة تولد إل ولدت علككى الفطككرة فمككا‬
‫تزال عليهاحتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها« قككال‬
‫الحسن والله لقد قال الله في كتابه }وإذ أخذ ربككك مككن بنككي آدم‬
‫لية‪ ,‬وقد رواه المام أحمد عن إسككماعيل‬ ‫من ظهورهم ذريتهم{ ا َ‬
‫بن علية عن يونس بن عبيككد عككن الحسككن البصككري بككه‪ ,‬وأخرجككه‬
‫النسائي في سننه مككن حككديث هشككيم عككن يككونس بككن عبيككد عككن‬
‫الحسن قككال حككدثني السككود بككن سككريع فككذكره ولككم يككذكر قككول‬
‫لية عند ذلككك‪ ,‬وقككد وردت أحككاديث‬ ‫الحسن البصري واستحضاره ا َ‬
‫في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلم وتمييزهم إلى أصككحاب‬
‫‪846‬‬
‫اليمين وأصحاب الشمال‪ ,‬وفي بعضها الستشهاد عليهم بككأن اللككه‬
‫ربهم‪ .‬قال المام أحمد حدثنا حجاج حدثنا شعبة عكن أبكي عمكران‬
‫الجوني عن أنس بن مالك رضي الله عنككه عككن النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم قال »يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو‬
‫كان لك ما على الرض من شيء أكنت مفتككديا ً بككه قككال‪ :‬فيقككول‪:‬‬
‫نعم فيقول‪ :‬قد أردت منك أهون من ذلككك قككد أخككذت عليككك فككي‬
‫ظهر آدم أن ل تشرك بي شيئا ً فأبيت إل أن تشرك بككي« أخرجككاه‬
‫فكككككككي الصكككككككحيحين مكككككككن حكككككككديث شكككككككعبة بكككككككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المككام أحمككد حككدثنا حسككين بككن محمككد حككدثنا‬
‫جرير يعني ابن حازم عن كلثوم بن جبر عن سعيد بككن جككبير عككن‬
‫ابن عبككاس عككن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال »أخككذ اللككه‬
‫الميثاق من ظهر آدم عليه السلم بنعمان يوم عرفككة فككأخرج مككن‬
‫صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبل ً قال‪} :‬ألست‬
‫بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولككوا يككوم القيامككة إنككا كنككا عككن هككذا‬
‫غافلين أو تقولوا ك إلى قوله ك المبطلون{ وقد روى هككذا الحككديث‬
‫النسائي في كتاب التفسير من سننه عن محمد بككن عبككد الرحيككم‬
‫صاعقة عن حسين بن محمد المروزي به‪ ,‬ورواه ابن جريككر وابككن‬
‫أبي حاتم من حديث حسين بن محمككد بككه‪ ,‬إل أن ابككن أبككي حككاتم‬
‫جعله موقوفًا‪ ,‬وأخرجه الحاكم في مسككتدركه مككن حككديث حسككين‬
‫بن محمد وغيره عن جرير بن حازم عن كلثوم بن جبر به‪ ,‬وقككال‪:‬‬
‫صحيح السناد ولم يخرجاه وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر‪ ,‬هكذا‬
‫قال‪ ,‬وقد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جككبير‬
‫عن ابن عباس فوقفه‪ ,‬وكذا رواه إسماعيل بككن عليككة ووكيككع عككن‬
‫ربيعة بن كلثوم عن جبر عن أبيه به‪ ,‬وكذا رواه عطاء بن السككائب‬
‫وحبيب بن أبي ثابت وعلي بن بذيمة عن سعيد بن جبير عككن ابككن‬
‫عباس وكذا رواه العوفي وعلي بككن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس‬
‫فهذا أكثر وأثبت والله أعلم‪ .‬وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا‬
‫أبي عن أبي هلل عن أبي حمككزة الضككبعي عككن ابككن عبككاس قككال‬
‫أخرج الله ذرية آدم من ظهره كهيئة الذر وهو في أذى من المككاء‪.‬‬
‫وقال أيضا ً حدثنا علي بن سهل حدثنا ضمرة بن ربيعككة حككدثنا أبككو‬
‫مسعود عن جرير قال مات ابن الضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام‬
‫قال‪ :‬فقال‪ :‬يا جابر إذا أنت وضعت ابني فككي لحككده فككأبرز وجهككه‬
‫‪847‬‬
‫وحل عنه عقده فإن ابني مجلس ومسؤول ففعلت بككه الكذي أمكر‬
‫فلما فرغت قلت يرحمك اللككه عمككا يسككأل ابنككك مككن يسككأله إيككاه‬
‫قال‪ :‬يسأل عن الميثاق الذي أقر به فككي صككلب آدم قلككت‪ :‬يككا أبككا‬
‫القاسم وما هذا الميثاق الذي أقر به في صلب آدم قككال‪ :‬حككدثني‬
‫ابن عباس‪ :‬إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسككمة هككو‬
‫خلقها إلى يوم القيامة فأخذ منهم الميثاق أن يعبككدوه ول يشككركوا‬
‫به شيئا ً وتكفل لهككم بككالرزاق ثككم أعككادهم فككي صككلبه فلككن تقككوم‬
‫الساعة حتى يولككد مككن أعطككى الميثككاق يككومئذ فمككن أدرك منهككم‬
‫لخر فككوفى بكه نفعكه الميثككاق الول ومككن أدرك الميثكاق‬ ‫الميثاق ا َ‬
‫لخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الول ومككن مككات صككغيرا ً قبككل‬ ‫ا َ‬
‫لخككر مككات علككى الميثككاق الول علككى الفطككرة‬ ‫أن يدرك الميثاق ا َ‬
‫فهذه الطرق كلها مما تقككوي وقككف هككذا علككى ابككن عبككاس واللككه‬
‫)حديث آخر( قال ابن جرير حدثنا عبد الرحمن بكن الوليكد حكدثنا‬
‫أحمد بن أبي طيبة عن سفيان بن سعيد عن الجلح عن الضككحاك‬
‫عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قككال‪ :‬قككال رسككول‬
‫اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم }وإذ أخككذ ربككك مككن بنككي آدم مككن‬
‫ظهورهم ذّريتهم{ قال‪ :‬أخذ من ظهككره كمككا يؤخككذ بالمشككط مككن‬
‫الككرأس فقككال لهككم }ألسككت بربكككم قككالوا بلككى{ قككالت الملئكككة‬
‫}شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين{ أحمككد بككن‬
‫أبي طيبة هذا هو أبو محمد الجرجككاني قاضككي قككومس كككان أحككد‬
‫الزهاد أخرج له النسائي في سننه وقال أبو حككاتم الككرازي‪ :‬يكتككب‬
‫حديثه وقال ابن عدي حدث بأحاديث كثيرة غرائب وقككد روى هككذا‬
‫الحديث عبد الرحمن بن حمزة بن فهدي عن سفيان الثككوري عككن‬
‫منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمككرو‪ ,‬وكككذا رواه ابككن جريككر‬
‫عككككككن منصككككككور بككككككه وهككككككذا أصككككككح واللككككككه أعلككككككم‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد حككدثنا روح هككو ابككن عبككادة حككدثنا‬
‫مالك وحدثنا إسحاق حدثنا مالك عن زيد بككن أبككي أنيسككة أن عبككد‬
‫الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بككن‬
‫ليكة }وإذ أخكذ‬ ‫يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هكذه ا َ‬
‫ربك من بني آدم من ظهكورهم ذريتهكم وأشكهدهم علكى أنفسكهم‬
‫ليكة فقكال عمكر بكن الخطكاب سكمعت‬ ‫ألست بربكم قالوا بلى{ ا َ‬
‫‪848‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال »إن الله خلككق‬
‫آدم عليه السلم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منككه ذريككة قككال‬
‫خلقت هؤلء للجنة وبعمل أهككل الجنككة يعملككون ثككم مسككح ظهككره‬
‫فاستخرج منككه ذريكة قكال خلقكت هكؤلء للنككار وبعمكل أهكل النكار‬
‫يعملون »فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل ؟ قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم »إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بأعمال‬
‫أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به‬
‫الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بأعمال أهل النار حتى يمككوت‬
‫على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار« وهكككذا رواه أبككو‬
‫داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبككة والترمككذي فككي تفسككيرهما‬
‫عن إسحاق بن موسى عن معن وابن أبككي حككاتم عككن يككونس بككن‬
‫عبد العلى عن ابن وهب وابن جرير عككن روح بككن عبككادة وسكعيد‬
‫بن عبد الحميد بن جعفككر‪ ,‬وأخرجككه ابككن حبككان فككي صككحيحه مككن‬
‫رواية أبي مصعب الزبيري كلهم عن المام مالك بن أنس به قككال‬
‫الترمذي وهذا حديث حسن ومسلم بن يسار لم يسكمع عمككر ككذا‬
‫قاله أبو حاتم وأبو زرعة زاد أبو حاتم وبينهما نعيم بن ربيعة وهككذا‬
‫الذي قاله أبو حاتم رواه أبو داود في سننه عن محمد بن مصككفى‬
‫عن بقية عن عمر بن جعثم القرشي عن زيد بن أبككي أنيسككة عككن‬
‫عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطككاب عككن مسككلم بككن‬
‫يسار الجهني عن نعيم بن ربيعة قال كنت عند عمر بككن الخطككاب‬
‫لية }وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهككورهم‬ ‫وقد سئل عن هذه ا َ‬
‫ذريتهم{ فذكره وقال الحافظ الدارقطني وقد تابع عمر بن جعثككم‬
‫يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وقولهما أولى بالصواب من قول‬
‫مالك والله أعلم‪ ,‬قلت‪ :‬الظاهر أن المام مالكا ً إنمككا أسككقط ذكككر‬
‫نعيم بن ربيعة عمدا ً لما جهل حال نعيم بن ربيعة ولم يعرفه فككإنه‬
‫غير معروف إل في هذا الحديث ولذلك يسقط ذكر جماعككة ممككن‬
‫ل يرتضيهم ولهذا يرسل كثيرا ً من المرفوعات ويقطككع كككثيرا ً مككن‬
‫الموصكككككككككككككككككككولت واللكككككككككككككككككككه أعلكككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫لية حدثنا عبد بككن‬ ‫)حديث آخر( قال الترمذي عند تفسيره هذه ا َ‬
‫حميد حدثنا أبو نعيم حدثنا هشام بن سعد عن زيد بككن أسككلم عككن‬
‫أبي صالح عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »لما خلق الله آدم مسككح ظهككره فسككقط مككن ظهككره كككل‬
‫‪849‬‬
‫نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عينككي كككل‬
‫إنسان منهم وبيصا ً من نور ثككم عرضككهم علككى آدم فقككال‪ :‬أي رب‬
‫من هؤلء قال‪ :‬هؤلء ذريتك فرأى رجل ً منهككم فككأعجبه وبيككص مككا‬
‫بين عينيه قال‪ :‬أي رب من هذا قال‪ :‬هذا رجل من آخر المم مككن‬
‫ذريتك يقال له داود قال رب وكم جعلت عمككره قككال سككتين سككنة‬
‫قال أي رب وقد وهبت له من عمري أربعيككن سككنة فلمككا انقضككى‬
‫عمر آدم جاءه ملك الموت قككال أو لككم يبككق مككن عمككري أربعككون‬
‫سنة قال أو لم تعطها ابنك داود قككال فجحككد آدم فجحككدت ذريتككه‬
‫ونسي آدم فنسيت ذريته وخطىككء آدم فخطئت ذريتككه« ثككم قككال‬
‫الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن أبي‬
‫هريككرة عككن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم ورواه الحككاكم فككي‬
‫مستدركه من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين بككه وقككال‪ :‬صككحيح‬
‫على شرط مسلم ولم يخرجاه ورواه ابن أبي حاتم فككي تفسككيره‬
‫من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيككه أنكه حككدث عككن‬
‫عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي اللككه عنككه عككن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليككه وسككلم فككذكر نحككو مككا تقككدم إلككى أن قككال‪» :‬ثككم‬
‫عرضهم علككى آدم فقككال يككا آدم هككؤلء ذريتككك وإذا فيهككم الجككذم‬
‫والبرص والعمى وأنواع السقام فقال آدم‪ :‬يا رب لم فعلت هذا‬
‫بذريتي ؟ قال‪ :‬كككي تشكككر نعمككتي وقككال آدم‪ :‬يككا رب مككن هككؤلء‬
‫الككذين أراهككم أظهككر النككاس نككورا ً قككال هككؤلء النبيككاء يككا آدم مككن‬
‫ذريتكككككك« ثكككككم ذككككككر قصكككككة داود كنحكككككو مكككككا تقكككككدم‪.‬‬
‫)حديث آخر( روى عبد الرحمن بن قتادة النضري عككن أبيككه عككن‬
‫هشام بن حكيم رضي اللككه عنككه أن رجل ً سككأل النككبي صككلى اللككه‬
‫عليككه وسكلم فقكال‪ :‬يكا رسككول اللكه أتبكدأ العمكال أم قككد قضكي‬
‫القضاء قال‪ :‬فقال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬إن اللككه‬
‫قد أخذ ذريككة آدم مككن ظهككورهم ثككم أشككهدهم علككى أنفسككهم ثككم‬
‫أفاض بهم في كفيه ثم قككال هككؤلء فككي الجنككة وهككؤلء فككي النككار‬
‫فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة وأهل النار ميسرون لعمككل‬
‫أهككل النككار« رواه ابككن جريككر وابككن مردويككه مككن طككرق عنككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( روى جعفر بن الزبير وهو ضعيف عن القاسم عككن‬
‫أبي أمامة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »لما خلككق‬
‫الله الخلق وقضى القضية أخذ أهل اليمين بيمينككه وأهككل الشككمال‬
‫‪850‬‬
‫بشماله فقال يا أصحاب اليمين فقالوا لبيك وسعديك قال ألسككت‬
‫بربكم ؟ قالوا بلى قال يا أصحاب الشككمال قككالوا لبيككك وسككعديك‬
‫قال ألست بربكم ؟ قالوا بلى ثم خلط بينهم فقال قائل له يا رب‬
‫لم خلطت بينهم ؟ قال لهم أعمال من دون ذلك هم لهككا عككاملون‬
‫أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ثم ردهم فككي صككلب‬
‫آدم« رواه ابكككككككككككككككككككككككككككككن مردويكككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫)أثر آخر( قال أبو جعفر الرازي عككن الربيككع بككن أنككس عككن أبككي‬
‫العالية عن أبي بن كعب في قوله تعالى }وإذ أخذ ربككك مككن بنككي‬
‫ليات قال‪ :‬فجمعهم له يككومئذ جميعككا ً‬ ‫آدم من ظهورهم ذريتهم{ ا َ‬
‫مككا هككو كككائن منككه إلككى يككوم القيامككة فجعلهككم فككي صككورهم ثككم‬
‫استنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق }وأشككهدهم علككى‬
‫لية قال‪ :‬فإني أشهد عليكككم‬ ‫أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى{ ا َ‬
‫السموات السككبع والرضككين السككبع وأشككهد عليكككم أبككاكم آدم أن‬
‫تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا اعلمككوا أنككه ل إلككه غيككري ول رب‬
‫غيري ول تشركوا بي شيئا ً وإني سأرسككل إليكككم رس كل ً لينككذروكم‬
‫عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي قالوا‪ :‬نشهد أنك ربنككا وإلهنككا ل‬
‫رب لنا غيرك ول إله لنا غيككرك فككأقروا لككه يككومئذ بالطاعككة ورفككع‬
‫أباهم آدم فنظر إليهم فرأى فيهم الغني والفقير وحسككن الصككورة‬
‫ودون ذلك فقال‪ :‬يا رب لو سويت بين عبادك ؟ قال‪ :‬إنكي أحببكت‬
‫أن أشكر ورأى فيهككم النبيككاء مثككل السككرج عليهككم النككور وخصككوا‬
‫بميثاق آخر مككن الرسككالة والنبككوة فهككو الككذي يقككول تعككالى‪} :‬وإذ‬
‫لية وهككو الككذي يقككول }فككأقم وجهككك‬ ‫أخذنا من النبيين ميثاقهم{ ا َ‬
‫لية ومن ذلك قال }هذا نذير من النذر‬ ‫للدين حنيفا ً فطرت الله{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬رواه‬‫الولى{ ومن ذلك قال }وما وجدنا لكثرهم من عهد{ ا َ‬
‫عبد الله بن المام أحمد في مسند أبيه‪ ,‬ورواه ابن أبي حاتم وابن‬
‫جرير وابن مردويه في تفاسيرهم من رواية أبي جعفر الرازي بككه‬
‫وروي عككن مجاهككد وعكرمككة وسككعيد بككن جككبير والحسككن وقتككادة‬
‫والسككدي وغيككر واحككد مككن علمككاء السككلف سككياقات توافككق هككذه‬
‫الحاديث اكتفينا بإيرادها عن التطويل في تلك ا َ‬
‫لثككار كلهككا وبككالله‬
‫المستعان‪ .‬فهذه الحاديث دالة على أن اللككه عككز وجككل اسككتخرج‬
‫ذرية آدم من صلبه وميز بين أهل الجنة وأهل النار‪ ,‬وأمككا الشككهاد‬
‫عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إل في حككديث كلثككوم بككن جككبر عككن‬
‫‪851‬‬
‫سعيد بن جبير عن ابن عباس وفي حديث عبد الله بن عمرو وقككد‬
‫بينا أنهما موقوفان ل مرفوعان كما تقدم ومن ثم قال قائلون من‬
‫السلف والخلف إن المراد بهككذا الشككهاد إنمككا هككو فطرهككم علككى‬
‫التوحيككد كمككا تقككدم فككي حككديث أبككي هريككرة وعيككاض بككن حمككار‬
‫المجاشعي ومن رواية الحسن البصري عن السود بن سريع وقككد‬
‫لية بذلك قالوا‪ :‬ولهذا قال‪} :‬وإذ أخذ ربك من بنككي‬ ‫فسر الحسن ا َ‬
‫آدم{ ولم يقككل مككن آدم }مككن ظهككورهم{ ولككم يقككل مككن ظهككره‬
‫}ذريتهم{ أي جعل نسلهم جيل ً بعد جيل وقرن كا ً بعككد قككرن كقككوله‬
‫تعالى }وهو الذي جعلكم خلئف الرض{ وقال }ويجعلكم خلفككاء‬
‫الرض{ وقككال }كمككا أنشككأكم مككن ذريككة قككوم آخريككن{ ثككم قككال‬
‫}وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكككم قككالوا بلككى{ أي أوجككدهم‬
‫شاهدين بذلك قائلين له حال ً وقال ً والشككهادة تككارة تكككون بككالقول‬
‫ليككة وتككارة تكككون حككال ً‬‫كقوله }قالوا بلى شهدنا علككى أنفسككنا{ ا َ‬
‫كقككوله تعككالى‪} :‬مككا كككان للمشككركين أن يعمككروا مسككاجد اللككه‬
‫شاهدين على أنفسهم بالكفر{ أي حككالهم شككاهد عليهككم بككذلك ل‬
‫أنهم قائلون ذلك وكذا قوله تعالى‪} :‬وإنه على ذلك لشككهيد{ كمككا‬
‫أن السؤال تارة يكون بالقال وتارة يكون بالحال كقككوله }وآتككاكم‬
‫من كل ما سألتموه{ قالوا ومما يدل على أن المراد بهذا هككذا أن‬
‫جعل هذا الشهاد حجة عليهم في الشراك فلو كان قككد وقككع هككذا‬
‫كما قال من قال لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه فإن قيككل‬
‫إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم به كاف في وجوده فالجواب‬
‫أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم بككه الرسككل‬
‫من هذا وغيره‪ ,‬وهذا جعل حجككة مسككتقلة عليهككم فككدل علككى أنككه‬
‫الفطرة التي فطروا عليها مككن القككرار بالتوحيككد ولهككذا قككال }أن‬
‫تقولوا{ أي لئل تقولوا يوم القيامة }إنا كنا عن هككذا{ أي التوحيككد‬
‫}غككككككافلين أو تقولككككككوا إنمككككككا أشككككككرك آباؤنككككككا{ ا َ‬
‫ليككككككة‪.‬‬
‫شكي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬

‫ن‬ ‫طا ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫من َْها فَكأت ْب َعَ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ن َب َأ ال ّذِيَ آت َي َْناهُ آَيات َِنا َفان ْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫** َوات ْ ُ‬
‫خل َد َ إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫لى الْر ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫شئ َْنا ل ََرفَعَْناهُ ب َِها وََلـك ِن ّ ُ‬ ‫ن * وَل َوْ ِ‬ ‫ن ال َْغاِوي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫فَ َ‬
‫ل عَل َي كه يل ْه ك ْ َ‬
‫ث أوْ ت َت ُْرك ْك ُ‬
‫ه‬ ‫ْ ِ َ َ‬ ‫مك ْ‬ ‫ح ِ‬‫ب ِإن ت َ ْ‬ ‫ل ال ْك َل ْك ِ‬ ‫مث َك ِ‬‫ه كَ َ‬‫مث َل ُك ُ‬‫واهُ فَ َ‬ ‫َوات ّب َعَ هَ َ‬
‫م‬ ‫ص ل َعَل ّهُك ْ‬
‫صك َ‬ ‫ص ال َْق َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنا َفاقْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال َْقوْم ِ ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬‫ك َ‬ ‫ي َل َْهث ذ ّل ِ َ‬
‫‪852‬‬
‫م ك َككاُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن ك َكذ ُّبوا ْ ِبآَيات ِن َككا وَأنُف َ‬
‫س كه ُ ْ‬ ‫م ال ّك ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ال َْقكوْ ُ‬
‫سآَء َ‬
‫ن* َ‬‫ي َت ََفك ُّرو َ‬
‫ن‬
‫مكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫ي َظ ْل ِ ُ‬
‫) شاقال عبد الرزاق‪ :‬عن سفيان الثوري عن العمش ومنصككور‬
‫عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي اللككه‬
‫عنه في قوله تعالى‪} :‬واتل عليهم نبأ الككذي آتينككاه آياتنككا فانسككلخ‬
‫لية قال‪ :‬هو رجككل مككن بنككي إسككرائيل يقككال لككه بلعككم بككن‬ ‫منها{ ا َ‬
‫باعوراء وكذا رواه شعبة وغير واحد عن منصور به وقال سعيد بن‬
‫أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس‪ :‬هو صيفي بن الراهككب قككال‬
‫قتادة وقال كعب‪ :‬كان رجل ً مككن أهككل البلقككاء وكككان يعلككم السككم‬
‫الكبر وكان مقيما ً ببيت المقدس مع الجبارين وقال العككوفي عككن‬
‫ابن عباس رضي الله عنه‪ :‬هو رجل من أهل اليمن يقال لككه بلعككم‬
‫آتاه الله آياته فتركها‪ ,‬وقال مالك بن دينار‪ :‬كككان مككن علمككاء بنككي‬
‫إسرائيل وكان مجاب الدعوة يقدمونه في الشدائد بعثه نككبي اللككه‬
‫موسى عليه السلم إلككى ملككك مككدين يككدعوه إلككى اللككه فككأقطعه‬
‫وأعطاه فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلم وقال سفيان بن‬
‫عيينة عن حصين عن عمران بن الحارث عن ابن عباس‪ :‬هو بلعم‬
‫بن باعوراء‪ ,‬وكذا قال مجاهد وعكرمككة وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثني‬
‫الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا إسرائيل عككن مغيككرة عككن مجاهككد‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬هكو بلعكام وقكالت ثقيكف‪ :‬هكو أميكة بكن أبكي‬
‫الصلت وقال شعبة عن يعلى بن عطاء عن نككافع بككن عاصككم عككن‬
‫عبد الله بن عمرو في قوله }واتل عليهم نبككأ الككذي آتينككاه آياتنككا{‬
‫لية قال‪ :‬هو صاحبكم أمية بككن أبككي الصككلت وقككد روي مككن غيككر‬ ‫ا َ‬
‫وجه عنه وهو صحيح إليه وكأنه إنما أراد أن أمية بن أبككي الصككلت‬
‫يشككبهه فككإنه كككان قككد اتصككل إليككه علككم كككثير مككن علككم الشككرائع‬
‫المتقدمة ولكنه لم ينتفع بعلمه فإنه أدرك زمان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وبلغته أعلمه وآياته ومعجزاته وظهرت لكل مككن‬
‫لككه بصككيرة ومككع هككذا اجتمككع بككه ولككم يتبعككه وصككار إلككى مككوالة‬
‫المشركين ومناصرتهم وامتداحهم ورثى أهل بدر مككن المشككركين‬
‫بمرثاة بليغة قبحه الله‪ .‬وقد جاء في بعض الحاديث أنه ممن آمن‬
‫لسانه ولم يؤمن قلبه فإن له أشعارا ً ربانية وحكما ً وفصاحة ولكنه‬
‫لم يشرح الله صدره للسلم‪ .‬وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا‬
‫ابن أبي نمر حدثنا سفيان عن أبي سعيد العور عن عكرمككة عككن‬
‫‪853‬‬
‫ابن عباس في قوله }واتل عليهم نبككأ الككذي آتينككاه آياتنككا فانسككلخ‬
‫منها{ قال هو رجل أعطي ثلث دعوات يستجاب له فيهن وكككانت‬
‫له امرأة له منهكا ولكد فقككالت اجعككل لكي منهككا واحككدة قككال فلككك‬
‫واحدة فما الذي تريدين ؟ قالت ادع الله أن يجعلني أجمل امككرأة‬
‫في بني إسرائيل فدعا الله فجعلها أجمل امرأة في بني إسككرائيل‬
‫فلما علمت أن ليكس فيهكم مثلهكا رغبكت عنكه وأرادت شكيئا ً آخكر‬
‫فدعا الله أن يجعلها كلبة فصارت كلبة فذهبت دعوتان فجاء بنوها‬
‫فقالوا ليس بنا على هذا قرار قد صارت أمنككا كلبككة يعيرنككا النككاس‬
‫بها فادع الله أن يردها إلككى الحككال الككتي كككانت عليهككا فككدعا اللككه‬
‫فعككادت كمككا كككانت وذهبككت الككدعوات الثلث وتسككمى البسككوس‪,‬‬
‫لية الكريمة فإنما هو‬ ‫غريب‪ ,‬وأما المشهور في سبب نزول هذه ا َ‬
‫رجل من المتقدمين في زمن بني إسرائيل كما قال ابككن مسككعود‬
‫وغيره من السلف‪ ,‬وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‪ :‬هككو‬
‫رجل من مدينة الجبككارين يقككال لككه بلعككام وكككان يعلككم اسككم اللككه‬
‫الكبر‪ ,‬وقال عبد الرحمكن بككن زيككد بككن أسكلم وغيككره مككن علمككاء‬
‫السلف‪ :‬كان مجاب الدعوة ول يسأل اللككه شككيئا ً إل أعطككاه إيككاه‪,‬‬
‫وأغرب بل أبعد بل أخطأ من قال‪ :‬كان قككد أوتككي النبككوة فانسككلخ‬
‫منها‪ ,‬حكاه ابن جرير عن بعضككهم ول يصككح‪ ,‬وقككال علككي بككن أبككي‬
‫طلحة عن ابن عباس‪ :‬لما نزل موسى بهم يعني بالجبككارين ومككن‬
‫معه أتاه ك يعني بلعم ك أتككاه بنككو عمككه وقككومه فقككالوا‪ :‬إن موسككى‬
‫رجل حديد ومعه جنود كثيرة وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع اللككه‬
‫أن يرد عنا موسى ومن معككه‪ ,‬قككال‪ :‬إنككي إن دعككوت اللككه أن يككرد‬
‫موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي‪ ,‬فلم يزالككوا بككه حككتى دعككا‬
‫عليهم فسلخه الله ما كككان عليككه‪ ,‬فككذلك قككوله تعككالى‪} :‬فانسككلخ‬
‫لية‪ .‬وقال السدي‪ :‬لما انقضككت الربعككون‬ ‫منها فأتبعه الشيطان{ ا َ‬
‫سنة التي قال الله }فإنها محرمة عليهم أربعين سنة{ بعث يوشع‬
‫بن نون نبيا ً فدعا بني إسرائيل فأخبرهم أنه نبي وأن الله أمره أن‬
‫يقاتل الجبارين فبايعوه وصدقوه‪ ,‬وانطلق رجل من بني إسككرائيل‬
‫يقال له بلعام فكان عالما ً يعلم السم العظككم المكتككوم فكفككر ك ك‬
‫لعنه الله ك وأتى الجبارين وقال لهم‪ :‬ل ترهبوا بني إسرائيل فككإني‬
‫إذا خرجتم تقاتلونهم أدعككو عليهككم دعككوة فيهلكككون وككان عنككدهم‬
‫فيمككا شككاء مككن الككدنيا غيكر أنكه ككان ل يسكتطيع أن يككأتي النسكاء‬
‫‪854‬‬
‫لعظمهن فكان ينكح أتانا ً له وهو الذي قال الله تعككالى‪} :‬فانسككلخ‬
‫منها{ وقوله تعالى‪} :‬فأتبعه الشيطان{ أي اسككتحوذ عليككه وعلككى‬
‫أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه ولهذا قال‪} :‬فكان من الغككاوين{‬
‫أي من الهالكين الحائرين البائرين وقد ورد في معنككى هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫حديث رواه الحافظ أبو يعلككى الموصككلي فككي مسككنده حيككث قككال‬
‫حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا محمد بن بكر عن الصلت بن بهرام‬
‫حدثنا الحسن حدثنا جنكدب البجلكي فكي هكذا المسكجد أن حذيفكة‬
‫يعني ابن اليمان رضي الله عنه حدثه قال‪ :‬قال رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم »إن مما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا‬
‫رؤيت بهجته عليه وكان رداؤه السلم اعككتراه إلككى مككا شككاء اللككه‬
‫انسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى علككى جككاره بالسككيف ورمككاه‬
‫بالشرك« قال قلت يا نبي اللكه أيهمككا أولككى بالشككرك المرمككي أو‬
‫الرامي ؟ قال »بل الرامي« إسناد جيد والصككلت بككن بهككرام كككان‬
‫من ثقات الكوفيين ولم يرم بشيء سوى الرجاء وقد وثقه المام‬
‫أحمكككككد بكككككن حنبكككككل ويحيكككككى بكككككن معيكككككن وغيرهمكككككا‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ولكو شكئنا لرفعنكاه بهكا ولكنكه أخلكد إلكى الرض‬
‫واتبع هواه{ يقول تعالى‪} :‬ولو شئنا لرفعناه بها{ أي لرفعناه من‬
‫ليات التي آتيناه إياها }ولكنككه أخلككد‬ ‫التدنس عن قاذورات الدنيا با َ‬
‫إلى الرض{ أي مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهرتهككا وأقبككل علككى‬
‫لككذاتها ونعيمهككا وغرتككه كمكا غككرت غيكره مكن غيكر أولككي البصكائر‬
‫والنهى‪ ,‬وقال أبو الراهككويه فككي قككوله تعككالى‪} :‬ولكنككه أخلككد إلككى‬
‫الرض{ قال‪ :‬تراءى له الشيطان على علوة من قنطرة بانيككاس‪,‬‬
‫فسجدت الحمككارة للككه وسككجد بلعككام للشككيطان‪ ,‬وكككذا قككال عبككد‬
‫الرحمن بن جبير بن نفير وغير واحد‪ ,‬وقال المام أبككو جعفككر ابككن‬
‫جرير رحمه الله‪ :‬وكان من قصة هذا الرجل مككا حككدثنا محمككد بككن‬
‫لية }واتل‬ ‫عبد العلى‪ ,‬حدثنا المعتمر عن أبيه أنه سئل عن هذه ا َ‬
‫عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا{ فحدث عن سيار أنككه كككان رجل ً يقككال‬
‫له بلعام وكان مجاب الككدعوة‪ ,‬قككال‪ :‬وإن موسككى أقبككل فككي بنككي‬
‫إسرائيل يريد الرض التي فيها بلعام أو قال‪ :‬الشام قككال‪ :‬فرعككب‬
‫الناس منه رعبكا ً شككديدا ً فككأتوا بلعككام فقككالوا‪ :‬ادع اللككه علككى هككذا‬
‫الرجل وجيشه‪ ,‬قال حتى أؤامر ربي أو حتى أؤامر‪ ,‬قال فآمر في‬
‫الدعاء عليهم فقيل له ل تدع عليهم فككإنهم عبككادي وفيهككم نككبيهم‪,‬‬
‫‪855‬‬
‫قال‪ :‬فقال لقومه إني قد آمرت ربي في الدعاء عليهككم وإنككي قككد‬
‫نهيت فأهدوا له هدية فقبلها ثم راجعوه فقالوا‪ :‬ادع عليهم فقككال‪:‬‬
‫حتى أمؤامر ربي فأمر فلم يأمره بشيء فقال‪ :‬قككد وامككرت فلككم‬
‫يأمرني بشيء فقالوا‪ :‬لو كككره ربككك أن تككدعو عليهككم لنهككاك كمككا‬
‫نهاك المرة الولى‪ ,‬قال‪ :‬فأخذ يدعو عليهم فإذا دعا عليهككم جككرى‬
‫على لسانه الدعاء على قومه‪ ,‬وإذا أراد أن يدعو أن يفتككح لقككومه‬
‫دعا أن يفتح لموسى وجيشه أو نحوا ً من ذلك إن شاء الله‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫فقالوا ما نراك تدعو إل علينا‪ ,‬قال‪ :‬ما يجري على لساني إل هكذا‬
‫ولو دعوت عليه أيضا ً ما اسككتجيب لككي ولكككن سككأدلكم علككى أمككر‬
‫عسى أن يكون فيه هلكهم‪ ,‬إن الله يبغض الزنا وإنهككم إن وقعككوا‬
‫فككي الزنككا هلكككوا ورجككوت أن يهلكهككم اللككه فككأخرجوا النسككاء‬
‫تستقبلهم فإنهم قوم مسككافرون فعسككى أن يزنككوا فيهلكككوا قككال‪:‬‬
‫ففعلوا فأخرجوا النساء تستقبلهم قال وكان للملك ابنة فذكر من‬
‫عظمها ما الله أعلككم بهككو فقككال‪ :‬فقككال أبوهككا أو بلعككام ل تمكنككي‬
‫نفسك إل من موسى‪ ,‬قال‪ :‬ووقعكوا فككي الزنككا قكال‪ :‬فأتاهكا رأس‬
‫سبط من أسباط بني إسرائيل فأرادها على نفسه‪ ,‬فقالت‪ :‬ما أنككا‬
‫بممكنة نفسي إل من موسى‪ :‬رجل من بني هارون ومعككه الرمككح‬
‫فيطعنهما‪ .‬قال‪ :‬وأيده الله بقوة فانتظمهما جميعا ً ورفعهمككا علككى‬
‫رمحه فرآهما الناس ك أو كمككا حككدث كك قككال‪ :‬وسككلط اللككه عليهككم‬
‫الطاعون فمات منهم سككبعون ألف كًا‪ .‬قككال أبككو المعتمككر‪ :‬فحككدثني‬
‫سيار أن بلعاما ً ركب حمارة له حتى أتى العلككولي أو قككال طريق كا ً‬
‫من العلولي جعل يضككربها ول تتقككدم وقككامت عليككه فقككالت‪ :‬علم‬
‫تضربني ؟ أما ترى هذا الذي بين يديك ؟ فإذا الشيطان بيككن يككديه‬
‫قال‪ :‬فنزل وسجد له قال الله تعالى‪} :‬واتل عليهم نبأ الذي آتيناه‬
‫آياتنا فانسلخ منها ك إلى قوله كك لعلهككم يتفكككرون{ قككال‪ :‬فحككدثني‬
‫بهذا سيار ول أدري لعلككه قككد دخككل فيككه شككيء مككن حككديث غيككره‬
‫)قلت( هو بلعام ويقال بلعم بن باعوراء ويقال ابن أبر‪ ,‬ويقال ابن‬
‫باعور بن شهتوم بن قوشتم بن ماب بن لوط بن هاران ويقال بن‬
‫حككران بككن آزر وكككان يسكككن قريككة مككن قككرى البلقككاء‪ ,‬قككال ابككن‬
‫عساكر‪ :‬وهو الذي كان يعرف اسم الله العظم فانسلخ من دينككه‬
‫له ذكر في القرآن ثم أورد مككن قصككته نحككوا ً ممككا ذكرنككاه هككا هنككا‬
‫أورده عن وهب وغيره والله أعلم‪ .‬وقككال محمككد بككن إسككحاق بككن‬
‫‪856‬‬
‫سيار‪ :‬عن سالم أبي النضر أنه حدث أن موسى عليه السلم لمككا‬
‫نزل في أرض بني كنعان من أرض الشككام‪ ,‬أتككى قككوم بلعككام إليككه‬
‫فقالوا لككه‪ :‬هككذا موسككى بككن عمككران فككي بنككي إسككرائيل قككد جككاء‬
‫يخرجنا من بلدنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل‪ ,‬وإنككا قومككك وليككس‬
‫لنا منزل وأنت رجل مجاب الدعوة فاخرج فادع الله عليهككم‪ ,‬قككال‬
‫ويلكم نبي الله معه الملئكة والمؤمنون كيف أذهب أدعككو عليهككم‬
‫وأنا أعلم من الله ما أعلم ؟ قالوا له‪ :‬ما لنا من منزل فلم يزالككوا‬
‫به يرققونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن فركككب حمككارة لككه‬
‫متوجها ً إلى الجبل الذي يطلعكه علكى عسككر بنكي إسكرائيل وهكو‬
‫جبل حسبان‪ ,‬فلما سككار عليهككا غيككر كككثير ربضككت بككه فنككزل عنهككا‬
‫فضربها حتى إذا أزلقها قامت فركبهككا‪ ,‬فلككم تسككر بككه كككثيرا ً حككتى‬
‫ربضت بككه فضككربها حككتى إذا أزلقهككا أذن لهككا فكلمتككه حجككة عليككه‬
‫فقالت‪ :‬ويحك يا بلعم أين تذهب ؟ أما ترى الملئكة أمامي تردني‬
‫عن وجهي هذا ؟ تذهب إلى نككبي اللككه والمككؤمنين لتككدعو عليهككم‪,‬‬
‫فلم ينزع عنها يضككربها فخلككى اللككه سككبيلها حيككن فعككل بهككا ذلككك‪,‬‬
‫فانطلقت به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان علككى عسكككر‬
‫موسى وبني إسرائيل جعل يدعو عليهم ول يكدعو عليهكم بشكر إل‬
‫صرف الله لسانه إلى قومه ول يدعو لقومه بخير إل صرف لسانه‬
‫إلى بني إسرائيل‪ ,‬فقال له قومه‪ :‬أتدري يا بلعم مككا تصككنع ؟ إنمككا‬
‫تدعو لهم وتدعو علينا قال فهذا مال أملككك‪ ,‬هككذا شككيء قككد غلككب‬
‫الله عليه‪ ,‬قال‪ :‬واندلع لسانه فوقكع علكى صككدره فقكال لهكم‪ :‬قككد‬
‫لخرة ولم يبق إل المكر والحيلة فسأمكر‬ ‫لن الدنيا وا َ‬
‫ذهبت مني ا َ‬
‫لكم وأحتال‪ ,‬جملوا النساء وأعطككوهن السككلع ثككم أرسككلوهن إلككى‬
‫العسكر يبعنها فيه ومروهن فل تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها‬
‫فإنهم إن زنى رجل منهم واحككد كفيتمككوهم‪ ,‬ففعلككوا فلمككا دخلككت‬
‫النساء العسكر مرت امرأة من الكنعككانيين اسككمها كسككبى كك ابنككة‬
‫صور رأس أمته ك برجل من عظماء بني إسرائيل وهو زمككري بككن‬
‫شلوم رأس سبط شمعون بككن يعقككوب بككن إسككحاق بككن إبراهيككم‬
‫عليه السلم فلما رآها أعجبته‪ ,‬فقام فأخذ بيدها وأتى بهككا موسككى‬
‫وقال‪ :‬إني أظنك ستقول هذا حرام عليك ؟ قال‪ :‬أجل هككي حككرام‬
‫عليك ل تقربها‪ ,‬قال فككوالله ل أطيعككك فككي هككذا فككدخل بهككا قبتككه‬
‫فوقع عليها وأرسل الله عككز وجككل الطككاعون فككي بنككي إسككرائيل‪,‬‬
‫‪857‬‬
‫وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى وكان غائبا ً‬
‫حين صنع زمري بن شلوم ما صنع‪ ,‬فجاء والطاعون يجوس فيهككم‬
‫فأخبر الخبر فأخذ حربته وكانت مككن حديككد كلهككا‪ ,‬ثككم دخككل القبككة‬
‫وهما متضاجعان فانتظمهما بحربتككه ثككم خككرج بهمككا رافعهمككا إلككى‬
‫السماء والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقككه علككى خاصككرته‬
‫وأسند الحربة إلى لحييه وكككان بكككر العيككزار‪ ,‬وجعككل يقككول اللهككم‬
‫هكذا نفعل بمن يعصيك ورفع الطككاعون‪ ,‬فحسككب مككن هلككك مككن‬
‫بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمري المرأة إلككى‬
‫أن قتله فنحاص‪ ,‬فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفا ً والمقلل لهم‬
‫يقول عشرون ألفا ً في ساعة من النهار‪ ,‬فمككن هنالكك تعطككي بنكو‬
‫إسككرائيل ولككد فنحككاص مككن كككل ذبيحككة ذبحوهككا الرقبككة والككذراع‬
‫واللحى والبكر من كل أموالهم وأنفسها لنه كان بكر أبيه العيزار‪,‬‬
‫ففي بلعام بن باعوراء أنزل الله }واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا‬
‫فانسلخ منها ك إلى قوله ك لعلهم يتفكرون{ وقوله تعالى‪} :‬فمثلككه‬
‫كمثككل الكلككب إن تحمككل عليككه يلهككث أو تككتركه يلهككث{ اختلككف‬
‫المفسرون في معناه‪ ,‬فعلى سياق ابككن إسككحاق عككن سككالم عككن‬
‫أبي النضر أن بلعاما ً اندلع لسكانه علكى صكدره‪ ,‬فتشكبيهه بكالكلب‬
‫في لهيثه في كلتا حالتيه إن زجككر وإن تككرك ظككاهر‪ ,‬وقيككل معنككاه‬
‫فصار مثله في ضلله واستمراره فيه وعدم انتفكاعه إلكى اليمكان‬
‫وعدم الدعاء كالكلب في لهيثكه فكي حكالتيه إن حملكت عليككه وإن‬
‫تركتككه هككو يلهككث فككي الحككالين‪ ,‬فكككذلك هككذا ل ينتفككع بالموعظككة‬
‫والدعوة إلى اليمان ول عككدمه كمككا قككال تعككالى‪} :‬سككواء عليهككم‬
‫أأنذرتهم أم لم تنذرهم ل يؤمنككون{ }اسككتغفر لهككم أو ل تسككتغفر‬
‫لهم إن تستغفرلهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهككم{ ونحككو ذلكك‪,‬‬
‫وقيل معناه أن قلب الكافر والمنافق والضككال ضككعيف فككارغ مككن‬
‫الهدى فهككو كككثير الككوجيب‪ ,‬فعككبر عككن هككذا بهككذا نقككل نحككوه عككن‬
‫الحسن البصري وغيره‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬فاقصص القصككص لعلهككم‬
‫يتفكككرون{ يقككول تعككالى لنككبيه محمككد صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫}فاقصص القصص لعلهم{ أي لعل بني إسرائيل العككالمين بحككال‬
‫بلعام وما جرى له في إضلل الله إياه وإبعاده من رحمته‪ ,‬بسككبب‬
‫أنه استعمل نعمة الله عليه في تعليمككه السككم العظككم الككذي إذا‬
‫سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب في غير طاعككة ربككه بككل دعككابه‬
‫‪858‬‬
‫على حزب الرحمن وشعب اليمان‪ ,‬أتباع عبده ورسوله في ذلككك‬
‫الزمان‪ ,‬كليم الله موسى بككن عمككران عليككه السككلم‪ ,‬ولهككذا قككال‬
‫}لعلهككم يتفكككرون{ أي فيحككذروا أن يكونككوا مثلككه‪ ,‬فككإن اللككه‬
‫قدأعطاهم علما ً وميزهم على مككن عككداهم مككن العككراب‪ ,‬وجعككل‬
‫بأيديهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم يعرفونها كمككا يعرفككون‬
‫أبناءهم‪ ,‬فهم أحق الناس وأولهم باتباعه ومناصرته ومؤازرته كما‬
‫أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به‪ ,‬ولهذا من خالف منهم ما فككي‬
‫كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد أحل الله به ذل ً في الدنيا موصككول ً‬
‫لخرة‪ .‬وقوله }ساء مثل ً القككوم الككذين كككذبوا بآياتنككا{ يقككول‬ ‫بذل ا َ‬
‫تعالى ساء مثل ً مثل القوم الذين ككذبوا بآياتنكا أي سكاء مثلهكم أن‬
‫شبهوا بالكلب التي ل همة لها إل في تحصيل أكلة أو شهوة فمن‬
‫خرج عن حيز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسككه واتبككع هككواه‬
‫صار شبيها ً بالكلب وبئس المثل مثله ولهذا ثبككت فككي الصككحيح أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم قككال »ليككس لنككا مثككل السككوء‪,‬‬
‫العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه‪ «,‬وقككوله }وأنفسككهم كككانوا‬
‫يظلمون{ أي ما ظلمهم الله ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم‬
‫عن اتباع الهككدى‪ ,‬وطاعككة المككولى‪ ,‬إلككى الركككون إلككى دار البلككى‪,‬‬
‫والقبكككككال علكككككى تحصكككككيل اللكككككذات وموافقكككككة الهكككككوى‪.‬‬
‫ن‬
‫س كُرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫ل فَأ ُوَْلـ كئ ِ َ‬
‫ك هُ ك ُ‬ ‫ض كل ِ ْ‬
‫من ي ُ ْ‬
‫دي وَ َ‬ ‫ه فَهُوَ ال ْ ُ‬
‫مهْت َ ِ‬ ‫من ي َهْدِ الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫يقول تعالى من هداه الله فإنه ل مضل له ومن أضله فقد خاب‬
‫وخسر وضل ل محالة‪ ,‬فإنه تعككالى مككا شككاء كككان ومككالم يشككأ لككم‬
‫يكن‪ ,‬ولهذا جاء في حككديث ابككن مسككعود »إن الحمككد للككه نحمككده‬
‫ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪ ,‬من يهككد اللككه فل مضككل لككه ومككن يضككلل اللككه فل‬
‫هادي له‪ ,‬وأشهد أن ل إله إل الله وحككده ل شككريك لككه وأشككهد أن‬
‫محمدا ً عبده ورسوله« الحككديث بتمككامه رواه المككام أحمككد وأهككل‬
‫السككككككككككككككككككككككككككككككككككنن وغيرهككككككككككككككككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫** ول ََقد ذ َرأ ْ‬

‫ب ل ّ ي َْفَقُهو َ‬
‫ن‬ ‫م قُُلو ٌ‬ ‫س ل َهُ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ل‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ُ‬
‫ن ب ِهَككآ أوَْلـكئ ِ َ‬ ‫بها ول َه َ‬
‫ك‬ ‫مُعو َ‬‫سك َ‬ ‫ن ل ّ يَ ْ‬ ‫ذا ٌ‬‫مآ َ‬ ‫ن ب ِهَككا وَل َهُك ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ن ل ّ ي ُب ْ ِ‬ ‫م أعْي ُ ٌ‬ ‫َِ َ ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ال َْغكككككافُِلو َ‬
‫ن‬ ‫هككككك ُ‬‫ك ُ‬ ‫ل أوَْلـكككككئ ِ َ‬ ‫ضككككك ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫هككككك ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫كالن َْعكككككام ِ َبككككك ْ‬ ‫َ‬
‫‪859‬‬
‫يقول تعالى‪} :‬ولقد ذرأنا لجهنم{ أي خلقنا وجعلنا لجهنم }كثيرا ً‬
‫من الجن والنس{ أي هيأنككاهم لهككا وبعمككل أهلهككا يعملككون‪ ,‬فككإنه‬
‫تعالى لما أراد أن يخلق الخلق علم مككا هككم عككاملون قبككل كككونهم‬
‫فكتككب ذلككك عنككده فككي كتككاب قبككل أن يخلككق السككموات والرض‬
‫بخمسين ألف سنة‪ ,‬كما ورد في صحيح مسلم عككن عبككد اللككه بككن‬
‫عمرو أن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم قككال »إن اللككه قككدر‬
‫مقادير الخلككق قبككل أن يخلككق السككموات والرض بخمسككين ألككف‬
‫سككككككككككنة وكككككككككككان عرشككككككككككه علككككككككككى المككككككككككاء«‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم أيضكًا‪ :‬مككن حككديث عائشككة بنككت طلحككة عككن‬
‫خالتها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت‪ :‬دعي النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إلككى جنككازة صككبي مككن النصككار فقلككت‪ :‬يككا‬
‫رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السككوء‬
‫ولم يدركه‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم »أو غير ذلككك‬
‫يا عائشة إن اللككه خلككق الجنككة وخلككق لهككا أهل ً وهككم فككي أصككلب‬
‫آبائهم‪ ,‬وخلق النار وخلق لها أهل ً وهم في أصككلب آبككائهم«‪ ,‬وفككي‬
‫الصحيحين من حديث ابن مسككعود‪» :‬ثككم يبعككث اللككه إليككه الملككك‬
‫فيؤمر بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سككعيد«‬
‫وتقدم أن الله لما استخرج ذرية آدم مكن صكلبه وجعلهكم فريقيكن‬
‫أصحاب اليمين وأصحاب الشككمال قككال »هككؤلء للجنككة ول أبككالي‪,‬‬
‫وهؤلء للنار ول أبالي« والحاديث في هككذا كككثيرة ومسككألة القككدر‬
‫كبيرة ليككس هككذا موضككع بسككطها‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬لهككم قلككوب ل‬
‫يفقهون بها ولهم أعين ل يبصرون بها ولهم آذان ل يسمعون بهككا{‬
‫يعني ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سببا ً‬
‫للهداية‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬وجعلنا لهم سككمعا ً وأبصككارا ً وأفئدة فمككا‬
‫أغنى عنهم سمعهم ول أبصارهم ول أفئدتهككم مككن شككيء إذ كككانوا‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬صم بكككم عمككي فهككم ل‬ ‫يجحدون بآيات الله{ ا َ‬
‫يرجعون{ هذا في حق المنافقين‪ .‬وقال في حق الكككافرين }صككم‬
‫بكم عمي فهم ل يعقلون{ ولم يكونوا صككما ً ول بكمكا ً ول عمي كا ً إل‬
‫عن الهدى‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬ولو علم الله فيهككم خيككرا ً لسككمعهم‬
‫ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون{ وقال }فإنها ل تعمى البصككار‬
‫ولكن تعمى القلوب التي في الصككدور{ وقككال }ومككن يعككش عككن‬
‫ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ً فهو لككه قريككن * وإنهككم ليصككدونهم‬
‫‪860‬‬
‫عككن السككبيل ويحسككبون أنهككم مهتككدون{ وقككوله تعككالى‪} :‬أولئك‬
‫كالنعام{ أي هؤلء الذين ل يسمعون الحق ول يعونه ول يبصككرون‬
‫الهدى‪ ,‬كالنعام السارحة التي ل تنتفع بهذه الحواس منهككا إل فككي‬
‫الذي يقيتها في ظاهر الحياة الدنيا‪ ,‬كقككوله تعككالى‪} :‬ومثكل الككذين‬
‫كفروا كمثل الذي ينعق بما ل يسمع إل دعككاء ونككداء{ أي ومثلهككم‬
‫في حال دعككائهم إلككى اليمككان كمثككل النعككام إذا دعاهككا راعيهككا ل‬
‫تسمع إل صوته‪ ,‬ول تفقه ما يقول‪ .‬ولهذا قال في هؤلء }بككل هككم‬
‫أضل{ أي من الدواب لنها قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أنككس‬
‫بها‪ ,‬وإن لم تفقه كلمه بخلف هؤلء‪ ,‬ولنها تفعل ما خلقت له إما‬
‫بطبعها وإما بتسخيرها بخلف الكافر‪ ,‬فككإنه إنمككا خلككق ليعبككد اللككه‬
‫ويوحده فكفر بالله وأشرك به‪ ,‬ولهذا مككن أطككاع اللككه مككن البشككر‬
‫كان أشرف من مثله من الملئكة في معككاده‪ ,‬ومككن كفككر بككه مككن‬
‫البشر كانت الدواب أتم منه‪ ,‬ولهذا قككال تعككالى‪} :‬أولئك كالنعككام‬
‫بكككككككككل هكككككككككم أضكككككككككل أولئك هكككككككككم الغكككككككككافلون{‪.‬‬
‫ي‬
‫ن فِ ك َ‬
‫دو َ‬
‫حك ُ‬‫ن ي ُل ْ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عوهُ ب ِهَككا وَذ َُروا ْ ال ّك ِ‬‫ى فَككاد ْ ُ‬
‫سن َ َ‬ ‫ح ْ‬‫مآُء ال ْ ُ‬ ‫** َولل ّهِ ال ْ‬
‫س َ‬
‫َ‬
‫مُلكككككككككو َ‬
‫ن‬ ‫ككككككككككاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫مكككككككككا َ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫سكككككككككي ُ ْ‬ ‫مآئ ِهِ َ‬
‫سككككككككك َ‬
‫أ ْ‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسككلم »إن للككه تسككعا ً وتسككعين اسككما ً مككائة إل واحككدًا‪ ,‬مككن‬
‫أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر« أخرجاه فككي الصككحيحين‬
‫من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن العرج عنه‪ ,‬ورواه‬
‫البخاري عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي حمزة عن أبي الزناد‬
‫به‪ ,‬وأخرجه الترمذي في جامعه عن الجوزجاني عككن صككفوان بككن‬
‫صالح عن الوليد بن مسلم عن شككعيب فككذكر بسككنده مثلككه‪ ,‬وزاد‬
‫بعد قوله »يحب الوتر‪ :‬هو الله الذي ل إله إل هو الرحمن الرحيم‪,‬‬
‫الملك القدوس السلم المؤمن المهيمككن العزيككز الجبككار‪ ,‬المتكككبر‬
‫الخالق البككارىء المصككور الغفككار‪ ,‬القهككار الوهككاب الككرزاق الفتككاح‬
‫العليم القكابض الباسكط‪ ,‬الخكافض الرافكع المعكز المكذل السكميع‬
‫البصكير‪ ,‬الحككم العكدل اللطيكف الخكبير الحليكم العظيكم الغفكور‪,‬‬
‫الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيككت الحسككيب الجليككل الكريككم‪,‬‬
‫الرقيب المجيب الواسع الحكيم‪ ,‬الككودود المجيككد البككاعث الشككهيد‬
‫‪861‬‬
‫الحق‪ ,‬الوكيككل القككوي المككتين الككولي الحميككد المحصككي المبككدىء‬
‫المعيككد‪ ,‬المحيككي المميككت‪ ,‬الحككي القيككوم الواجككد الماجككد الواحككد‬
‫لخككر‪,‬‬‫الحد‪ ,‬الفرد الصمد‪ ,‬القادر المقتدر المقدم المككؤخر الول ا َ‬
‫الظككاهر البككاطن الككوالي المتعككالي‪ ,‬الككبر التككواب المنتقككم العفككو‬
‫الرؤوف‪ ,‬مالك الملك ذو الجلل والكرام المقسط الجككامع الغنككي‬
‫المغني‪ ,‬المانع الضار النافع‪ ,‬النور الهككادي البككديع البككاقي الككوارث‬
‫الرشيد الصبور« ثم قال الترمذي‪ :‬هككذا حككديث غريككب‪ ,‬وقككد روي‬
‫من غير وجه عن أبي هريرة‪ ,‬ول نعلم في كثير من الروايات ذكككر‬
‫السماء إل في هذا الحككديث‪ ,‬ورواه ابككن حبككان فككي صككحيحه مككن‬
‫طريككككككككككككككككككككككق صككككككككككككككككككككككفوان بككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقد رواه ابن ماجه في سننه من طريككق آخككر عككن موسككى بككن‬
‫عقبة عن العرج عن أبي هريككرة مرفوع كا ً فسككرد السككماء كنحككو‬
‫مما تقدم بزيادة ونقصان‪ ,‬والذي عول عليه جماعككة مككن الحفككاظ‬
‫أن سرد السماء في هذا الحديث مدرج فيه‪ ,‬وإنما ذلك كمككا رواه‬
‫الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمككد الصككنعاني عككن زهيككر بككن‬
‫محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهككم قككالوا ذلككك‪ ,‬أي‬
‫أنهم جمعوها من القرآن‪ .‬كما روي عن جعفر بن محمككد وسككفيان‬
‫بككككككن عيينككككككة وأبككككككي زيككككككد اللغككككككوي‪ ,‬واللككككككه أعلككككككم‪.‬‬
‫ثم ليعلم أن السماء الحسنى غير منحصرة في تسككعة وتسككعين‬
‫بدليل ما رواه المام أحمد في مسنده عن يزيككد بككن هككارون عككن‬
‫فضيل بن مرزوق عن أبي سلمة الجهنككي عككن القاسككم عككن عبككد‬
‫الرحمن عن أبيه‪ ,‬عن عبد الله بككن مسككعود رضكي اللكه عنككه عككن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال »مككا أصككاب أحككدا ً قككط‬
‫هم ول حزن فقال‪ :‬اللهككم إنككي عبككدك ابككن أمتككك‪ ,‬ناصككيتي بيككدك‬
‫ماض في حكمك‪ ,‬عدل في قضككاؤك‪ ,‬أسككألك بكككل اسككم هككو لككك‬
‫سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا ً من خلقككك أو‬
‫استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيككم ربيككع‬
‫قلبي‪ ,‬ونور صككدري‪ ,‬وجلء حزنككي‪ ,‬وذهككاب همككي‪ ,‬إل أذهككب اللككه‬
‫حزنككه وهمككه وأبككدل مكككانه فرحككًا« فقيككل يككا رسككول اللككه‪ :‬أفل‬
‫نتعلمها ؟ فقال »بلى ينبغككي لكككل مككن سككمعها أن يتعلمهككا« وقككد‬
‫أخرجه المام أبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه بمثله‪ ,‬وذكككر‬
‫الفقيه المام أبو بكر العربي أحد أئمة المالكية في كتابه الحوذي‬
‫‪862‬‬
‫في شرح الترمذي أن بعضهم جمع من الكتاب والسنة من أسماء‬
‫اللكككككككككككه ألكككككككككككف اسكككككككككككم‪ ,‬فكككككككككككالله أعلكككككككككككم‪.‬‬
‫وقال العوفي عن ابككن عبككاس فككي قككوله تعككالى‪} :‬وذروا الككذين‬
‫يلحدون في أسمائه{ قككال‪ :‬إلحككاد الملحككدين أن دعككوا اللت فككي‬
‫أسماء الله‪ .‬وقال ابن جريج عن مجاهد }وذروا الذين يلحدون في‬
‫أسمائه{ قال اشتقوا اللت من الله‪ ,‬والعككزى مككن العزيككز‪ ,‬وقككال‬
‫قتادة يلحدون يشركون في أسمائه‪ .‬وقال علي بن أبي طلحة عن‬
‫ابككن عبككاس‪ :‬اللحككاد التكككذيب‪ :‬وأصككل اللحككاد فككي كلم العككرب‬
‫العدول عن القصد‪ ,‬والميل والجور والنحككراف‪ ,‬ومنككه اللحككد فككي‬
‫القكككبر لنحرافكككه إلكككى جهكككة القبلكككة عكككن سكككمت الحفكككر‪.‬‬
‫ُ‬
‫حقّ وَِبككككهِ ي َْعككككدُِلو َ‬
‫ن‬ ‫ن ِبككككال ْ َ‬
‫دو َ‬
‫ة ي َْهكككك ُ‬ ‫خل َْقَنككككآ أ ّ‬
‫مكككك ٌ‬ ‫ن َ‬
‫مكككك ْ‬
‫م ّ‬
‫** وَ ِ‬
‫يقول تعككالى‪} :‬وممككن خلقنككا{ أي بعككض المككم }أمككة{ قائمككة‬
‫بالحق قول ً وعمل ً }يهدون بككالحق{ يقولككونه ويككدعون إليككه }وبككه‬
‫لثككار أن المككراد بهككذه‬ ‫يعدلون{ يعملون ويقضون‪ ,‬وقد جككاء فككي ا َ‬
‫لية هي هذه المة المحمدية‪ ,‬قال سعيد عككن‬ ‫المة المذكورة في ا َ‬
‫لية‪ :‬بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫قتادة في تفسير هذه ا َ‬
‫ليككة »هككذه لكككم وقككد أعطككى القككوم بيككن‬ ‫كان يقول إذا قرأ هذه ا َ‬
‫أيديكم مثلها }ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعككدلون{‪.‬‬
‫وقال أبو جعفككر الككرازي عككن الربيككع بككن أنككس فككي قككوله تعككالى‪:‬‬
‫}وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعكدلون{ قكال‪ :‬قكال رسكول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »إن من أمتي قومكا ً علككى الحككق حككتى‬
‫ينزل عيسى ابن مريم متى ما نزل« وفي الصحيحين عن معاويككة‬
‫بن أبي سفيان قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »ل‬
‫تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضككرهم مككن خككذلهم‬
‫ول من خالفهم حتى تقوم الساعة« وفي رواية »حككتى يككأتي أمككر‬
‫اللكككه وهكككم علكككى ذلكككك« وفكككي روايكككة »وهكككم بالشكككام«‪.‬‬
‫ُ‬
‫مِلي‬
‫ن * وَأ ْ‬‫مو َ‬‫ث ل َ ي َعْل َ ُ‬‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫جه ُ ْ‬
‫ست َد ْرِ ُ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنا َ‬
‫سن َ ْ‬ ‫** َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‬
‫مِتيككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ك َْيككككككككككككككككككككك ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ل َُهككككككككككككككككككككك ْ‬
‫‪863‬‬
‫) شايقول تعالى‪} :‬والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث ل‬
‫يعلمون{ ومعناه أنه يفتح لهم أبواب الرزق ووجككوه المعكاش فككي‬
‫الدنيا حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا أنهم على شيء‪ ,‬كمككا قككال‬
‫تعالى‪} :‬فلما نسوا ما ذكروا بككه فتحنككا عليهككم أبككواب كككل شككيء‬
‫حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسككون * فقطككع‬
‫دابر القوم الذين ظلمككوا والحمكد للكه رب العككالمين{ ولهككذا قكال‬
‫تعالى‪} :‬وأملي لهم{ أي وسأملي لهم‪ ,‬أي أطول لهم ما هم فيه‪,‬‬
‫}إن كيكككككككككككدي مكككككككككككتين{ أي قكككككككككككوي شكككككككككككديد‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مِبيكك ٌ‬ ‫هككوَ إ ِل ّ َنكك ِ‬
‫ذيٌر ّ‬ ‫ن ُ‬
‫جّنككةٍ إ ِ ْ‬
‫مككن ِ‬
‫م ّ‬
‫حب ِهِ ْ‬
‫صككا ِ‬ ‫كككُروا ْ َ‬
‫مككا ب ِ َ‬ ‫أوََلكك ْ‬
‫م ي َت ََف ّ‬
‫يقككول تعككالى‪} :‬أو لككم يتفكككروا{ هككؤلء المكككذبون بآياتنككا }مككا‬
‫جن ّككة{ أي‬ ‫بصاحبهم{ يعني محمدا ً صككلى اللككه عليككه وسككلم }مككن ِ‬
‫ليس به جنون‪ ,‬بل هو رسككول اللككه حقكًا‪ ,‬دعككا إلككى حككق }إن هككو‬
‫إلنذير مبين{ أي ظاهر لمن كان له لب وقلب يعقل به ويعي بككه‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬وما صاحبكم بمجنون{ وقال تعككالى‪} :‬قككل إنمككا‬
‫أعظكككم بواحككدة أن تقومككوا للككه مثنككى وفككرادى ثككم تتفكككروا مككا‬
‫بصاحبكم من جنة إن هو إل نككذير لكككم بيككن يككدي عككذاب شككديد{‬
‫يقول‪ :‬إنما أطلب منكككم أن تقومككوا قيامكا ً خالصكا ً للككه ليككس فيككه‬
‫تعصب ول عناد }مثنى وفرادى{‪ ,‬أي‪ :‬مجتمعين ومتفرقيككن‪} ,‬ثككم‬
‫تتفكروا{ في هذا الذي جاءكم بالرسالة من الله أبككه جنككون أم ل‪,‬‬
‫فإنكم إذا فعلتم ذلك بان لكم وظهر أنه رسول الله حق كا ً وصككدقًا‪,‬‬
‫وقال قتادة بن دعامة‪ :‬ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫كان على الصفا فدعا قريشًا‪ ,‬فجعل يفخذهم فخكذا ً فخككذا ً يكا بنككي‬
‫فلن‪ ,‬يا بني فلن فحذرهم بأس الله ووقائع اللككه‪ ,‬فقككال قككائلهم‪:‬‬
‫إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوت إلى الصككباح أو حككتى أصككبح‪,‬‬
‫فأنزل الله تعالى‪} :‬أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هككو إل‬
‫نككككككككككككككككككككككككككككككككككككذير مككككككككككككككككككككككككككككككككككككبين{‪.‬‬
‫من‬ ‫ه ِ‬‫خل َقَ الل ّ ُ‬‫ما َ‬

‫ض وَ َ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫مل َ ُ‬
‫كو‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م ي َن ْظ ُُروا ْ‬ ‫ْ‬ ‫** أ َوَل َ‬
‫كون قَد اقْت كرب أ َجل ُه كم فَ ِب كأ َ‬ ‫َ‬ ‫شيٍء وأ َ‬
‫ى أن ي َ ُ َ ِ َ َ َ َ ُ ْ ِ ّ َ ِ ٍ َ ْ َ ُ‬
‫ه‬ ‫د‬ ‫ك‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ث‬ ‫دي‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ن‬
‫م ُنككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫‪864‬‬
‫يقول تعالى‪ :‬أو لم ينظر هؤلء المكذبون بآياتنككا فككي ملككك اللككه‬
‫وسلطانه في السموات والرض‪ ,‬وفيمككا خلككق مككن شككيء فيهمككا‪,‬‬
‫فيتدبروا ذلك ويعتبروا بككه‪ ,‬ويعلمككوا أن ذلككك لمككن ل نظيككر لكه ول‬
‫شبيه‪ ,‬ومن فعل من لينبغي أن تكون العبادة والدين الخككالص إل‬
‫له فيؤمنوا به ويصدقوا رسوله‪ ,‬وينيبوا إلى طاعته‪ ,‬ويخلعوا النداد‬
‫والوثككان‪ ,‬ويحككذروا أن تكككون آجككالهم قككد اقككتربت فيهلكككوا علككى‬
‫كفرهم ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه‪ .‬وقوله }فبأي حديث‬
‫بعده يؤمنون{ يقول فبككأي تخويككف وتحككذير وترهيككب بعككد تحككذير‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم وترهيبه‪ ,‬الذي أتاهم به من عند اللككه‬
‫في آي كتابه يصدقون إن لم يصدقوا بهذا الحديث الذي جاءهم به‬
‫محمد من عند الله عز وجل ؟ وقد روى المام أحمد‪ :‬عككن حسككن‬
‫بن موسى وعّفان بن مسلم وعبد الصمد بن عبككد الككوارث‪ ,‬كلهككم‬
‫عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبككي الصككلت‬
‫عن أبي هريككرة قكال‪ :‬قككال رسككول اللككه صكلى اللككه عليككه وسكلم‬
‫»رأيت ليلة أسككري بككي كككذا‪ ,‬فلمككا انتهينككا إلككى السككماء السككابعة‬
‫فنظرت فوقي فإذا أنا برعد وبككرق وصككواعق‪ ,‬وأتيككت علككى قككوم‬
‫بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطككونهم‪ ,‬قلككت‪ :‬مككن‬
‫هؤلء يا جبريل ؟ قال‪ :‬هؤلء أكلة الربا‪ ,‬فلما نزلككت إلككى السككماء‬
‫الدنيا فنظرت إلى أسككفل منككي فككإذا أنككا برهككج ودخككان وأصككوات‬
‫فقلت‪ :‬ما هذا يا جبريل ؟ قككال‪ :‬هككؤلء الشككياطين يحومككون علككى‬
‫أعين بني آدم أن ل يتفكروا في ملكوت السككموات والرض ولككول‬
‫ذلك لرأوا العجائب« علي بن زيد بن جدعان له منكرات‪ .‬ثم قككال‬
‫تعكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككالى‪(:‬‬
‫ن‬
‫مهُككو َ‬ ‫م فِككي ط ُغْي َككان ِهِ ْ‬
‫م ي َعْ َ‬ ‫ه فَل َ هَككادِيَ ل َك ُ‬
‫ه وَي َكذ َُرهُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ضل ِ ِ‬
‫من ي ُ ْ‬
‫** َ‬
‫يقول تعالى‪ :‬من كتب عليه الضللة فإنه ل يهديه أحد‪ ,‬ولككو نظككر‬
‫لنفسه فيما نظر فإنه ل يجزي عنه شيئا ً }ومن يرد الله فتنته فلن‬
‫تملك له من الله شيئًا{ وكما قال تعالى‪} :‬قل انظككروا مككاذا فككي‬
‫ليات والنذر عككن قككوم ل يؤمنككون{‪.‬‬ ‫السموات والرض وما تغني ا َ‬
‫‪865‬‬
‫عن ْد َ َرّبككي ل َ‬ ‫مَها ِ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ها قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫سا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ُ‬
‫َ‬
‫ساعَةِ أّيا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫لو‬‫سأ َ ُ‬
‫** ي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ض ل َ ت َأِتيك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ ب َغْت َ ً‬
‫ة‬ ‫ِ‬ ‫ت َوالْر‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ت ِفي ال ّ‬ ‫جّليَها ل ِوَقْت َِهآ إ ِل ّ هُوَ ث َُقل َ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أك ْث َكَر‬ ‫عن كد َ الل ّكهِ وََلـ كك ِ ّ‬ ‫مهَككا ِ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫مككا ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫ي عَن َْها قُ ْ‬ ‫حِف ّ‬‫ك َ‬ ‫ك ك َأن ّ َ‬ ‫سأُلون َ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬
‫مكككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫س ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫الّنكككككككككككككككككككككككككككككككككا ِ‬
‫يقول تعالى‪} :‬يسألونك عن الساعة{ كما قال تعالى‪} :‬يسككألك‬
‫الناس عن الساعة{ قيل نزلت في قريككش‪ ,‬وقيككل فككي نفككر مككن‬
‫ليككة مكيككة‪ ,‬وكككانوا يسككألون عككن وقككت‬ ‫اليهود‪ ,‬والول أشككبه لن ا َ‬
‫السككاعة اسككتبعادا ً لوقوعهككا وتكككذيبا ً بوجودهككا‪ ,‬كمككا قككال تعككالى‪:‬‬
‫}ويقولككون مككتى هككذا الوعككد إن كنتككم صككادقين{ وقككال تعككالى‪:‬‬
‫}يستعجل بها الذين ل يؤمنون بهككا والككذين آمنككوا مشككفقون منهككا‬
‫ويعلمون أنها الحق أل إن الذين يمارون في السككاعة لفككي ضككلل‬
‫بعيككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككد{‪.‬‬
‫وقوله }أيان مرساها{ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس‪:‬‬
‫منتهاها أي متى محطها وأيان آخر مدة الدنيا الذي هككو أول وقككت‬
‫الساعة }قل إنما علمها عنككد ربككي ل يجليهككا لوقتهككا إل هككو{ أمككر‬
‫تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إذا سككئل عككن وقككت السككاعة‬
‫أن يرد علمها إلى الله تعالى‪ ,‬فإنه هو الذي يجليها لوقتها أي يعلم‬
‫جلية أمرها ومتى يكون على التحديد‪ ,‬ل يعلم ذلككك إل هككو تعككالى‪,‬‬
‫ولهذا قال }ثقلت في السموات والرض{ قال عبككد الككرزاق عككن‬
‫معمر عن قتادة في قوله }ثقلت فككي السككموات والرض{ قككال‪:‬‬
‫ثقل علمهككا علككى أهككل السككموات والرض أنهككم ل يعلمككون‪ ,‬قككال‬
‫معمر‪ :‬قال الحسن‪ :‬إذا جاءت ثقلت على أهل السموات والرض‪,‬‬
‫يقكككككككككككككككككككككول‪ :‬ككككككككككككككككككككككبرت عليهكككككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫وقال الضككحاك عككن ابككن عبككاس فككي قككوله تعككالى }ثقلككت فككي‬
‫السموات والرض{ قال ليككس شككيء مككن الخلككق إل يصككيبه مككن‬
‫ضككرر يككوم القيامككة‪ ,‬وقككال ابككن جريككج }ثقلككت فككي السككموات‬
‫والرض{ قككال‪ :‬إذا جككاءت انشككقت السككماء وانتككثرت النجككوم‪,‬‬
‫وكورت الشمس‪ ,‬وسيرت الجبال‪ ,‬وكان مكا قكال اللكه عكز وجكل‪,‬‬
‫فذلك ثقلها‪ ,‬واختار ابن جرير رحمه الله أن المراد ثقل علم وقتها‬
‫على أهل السموات والرض كما قال قتادة‪ ,‬وهو كما قاله كقككوله‬
‫تعالى‪} :‬ل تأتيكم إل بغتة{ ول ينفي ذلك ثقككل مجيئهككا علككى أهككل‬
‫السككككككككككككككككموات والرض‪ ,‬واللككككككككككككككككه أعلككككككككككككككككم‪.‬‬
‫‪866‬‬
‫وقال السدي‪} :‬ثقلت في السموات والرض{ يقول‪ :‬خفيت في‬
‫السموات والرض‪ ,‬فل يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب ول نبي‬
‫مرسل }ل تأتيكم إل بغتة{ يبغتهم قيامها تأتيهم على غفلة‪ .‬وقككال‬
‫قتادة في قوله تعككالى‪} :‬ل تككأتيكم إل بغتككة{ قضككى اللككه أنهككا }ل‬
‫تأتيكم إل بغتة{ قال‪ :‬وذكر لنا أن نبي الله كان يقول »إن الساعة‬
‫تهيككج بالنككاس‪ ,‬والرجككل يصككلح حوضككه والرجككل يسككقي ماشككيته‬
‫والرجل يقيم سلعته في السوق ويخفض ميزانه ويرفعككه«‪ .‬وقككال‬
‫البخاري‪ :‬حدثنا أبو اليمان‪ ,‬أنبأنا شعيب‪ ,‬أنبأنا أبو الزنككاد عككن عبككد‬
‫الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‬
‫»ل تقوم الساعة حتى تطلع الشككمس مككن مغربهككا‪ ,‬فككإذا طلعككت‬
‫ورآها الناس آمنوا أجمعون‪ ,‬فذلك حين ل ينفككع نفس كا ً إيمانهككا لككم‬
‫تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا‪ ,‬ولتقككومن السككاعة‬
‫وقككد نشككر الككرجلن ثوبهمككا بينهمككا‪ ,‬فل يتبايعككانه ول يطويككانه‪.‬‬
‫ولتقومن السكاعة وقكد انصكرف الرجكل بلبكن لقحتكه فل يطعمكه‪,‬‬
‫ولتقككومن السككاعة وهككو يليككط حوضككه فل يسككقي فيككه‪ ,‬ولتقككومن‬
‫الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فل يطعمها« وقككال مسككلم‬
‫في صحيحه‪ ,‬حدثني زهير بن حرب‪ ,‬حدثنا سفيان بككن عيينككة عككن‬
‫أبي الزناد عن العرج عن أبي هريرة يبلغ به‪ ,‬قال‪ :‬تقوم السككاعة‬
‫والرجل يحلب لقحته‪ ,‬فما يصل الناء إلى فيه حتى تقوم السككاعة‬
‫والرجلن يتبايعان الثوب فما يتبايعانه حتى تقوم الساعة‪ ,‬والرجل‬
‫يلكككككككوط حوضكككككككه فمكككككككا يصكككككككدر حكككككككتى تقكككككككوم‪.‬‬
‫وقككوله }يسكألونك كأنكك حفككي عنهككا{ اختلككف المفسككرون فككي‬
‫معناه‪ ,‬فقيل معناه كما قال العككوفي عككن ابككن عبككاس }يسككألونك‬
‫كأنك حفي عنها{ يقول‪ :‬كأن بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهككم‪,‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬لما سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم عككن‬
‫الساعة سألوه سككؤال قككوم كككأنهم يككرون أن محمككدا ً حفككي بهككم‪,‬‬
‫فأوحى الله إليه إنما علمهاعنده استأثر به‪ ,‬فلم يطلككع اللككه عليهككا‬
‫ل‪ ,‬وقال قتادة‪ :‬قالت قريش لمحمد صلى الله‬ ‫ملكا ً مقربا ً ول رسو ً‬
‫عليه وسلم‪ :‬إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى الساعة ؟ فقككال‬
‫الله عز وجل }يسألونك كأنك حفي عنها{ وكذا روي عككن مجاهككد‬
‫وعكرمة وأبي مالك والسدي‪ ,‬وهكذا قكول‪ ,‬والصكحيح عكن مجاهكد‬
‫من رواية ابن أبي نجيح وغيره }يسألونك كأنك حفي عنها{ قككال‪:‬‬
‫‪867‬‬
‫استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها‪ ,‬وكذا قال الضحاك عن‬
‫ابن عباس }يسألونك كأنك حفككي عنهككا{ يقككول‪ :‬كأنككك عككالم بهككا‬
‫لسكككككت تعلمهكككككا }قكككككل إنمكككككا علمهكككككا عنكككككد اللكككككه{‪.‬‬
‫وقال معمر عن بعضهم‪} :‬كأنككك حفككي عنهككا{ كأنككك عككالم بهككا‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم }كأنك حفي عنها{ كأنككك بهككا‬
‫عالم وقد أخفى الله علمها على خلقه‪ ,‬وقرأ }إن الله عنككده علككم‬
‫لية‪ ,‬وهذا القككول أرجككح فككي المقككام مككن الول‪ ,‬واللككه‬ ‫الساعة{ ا َ‬
‫أعلم‪ ,‬ولهذا قال }قل إنما علمها عنككد اللككه ولكككن أكككثر النككاس ل‬
‫يعلمون{‪ .‬ولهذا لما جاء جبريل عليه السلم فككي صككورة أعرابككي‬
‫ليعلم الناس أمر دينهم‪ ,‬فجلس من رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم مجلس السائل المسترشد‪ ,‬وسأله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫عن السلم‪ ,‬ثم عن اليمان‪ ,‬ثككم عككن الحسككان‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬فمككتى‬
‫السككاعة ؟ قككال لككه رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »مككا‬
‫المسؤول عنها بأعلم من السككائل« أي لسككت أعلككم بهككا منككك ول‬
‫أحد بها من أحد‪ ,‬ثم قرأ النكبي صكلى اللكه عليكه وسكلم }إن اللكه‬
‫عنككككككككككككككده علككككككككككككككم السككككككككككككككاعة{ ا َ‬
‫ليككككككككككككككة‪.‬‬
‫وفككي روايككة فسككأله عككن أشككراط السككاعة‪ ,‬فككبين لككه أشككراط‬
‫الساعة‪ ,‬ثم قال »في خمس ل يعلمهن إل الله« وقرأ هككذه ا َ‬
‫وفي هذا كلككه يقككول لككه بعككد كككل جككواب‪ :‬صككدقت‪ ,‬ولهككذا عجككب‬
‫الصحابة من هذا السائل يسككأله ويصككدقه‪ ,‬ثككم لمككا انصككرف قككال‬
‫رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم »هككذا جبريككل أتككاكم يعلمكككم‬
‫دينكم« وفي رواية قال »وما أتاني في صككورة إل عرفتككه فيهككا إل‬
‫صككورته هككذه« وقككد ذكككرت هككذا الحككديث بطرقككه وألفككاظه مككن‬
‫الصحاح والحسان والمسانيد في أول شرح البخاري‪ ,‬ولله الحمككد‬
‫والمنة‪ ,‬ولما سأله ذلك العرابي وناداه بصوت جهككوري فقككال‪ :‬يككا‬
‫محمد‪ ,‬قال له رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »هككاؤم« علككى‬
‫نحو من صوته‪ ,‬قال‪ :‬يا محمد متى الساعة ؟ فقال له رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم »ويحك إن الساعة آتيككة فمككا أعككددت لهككا«‬
‫قككال مككا أعككددت لهككا كككثير صككلة ول صككيام‪ ,‬ولكننككي أحككب اللككه‬
‫ورسوله‪ ,‬فقال له رسول الله صلى الله عليه وسككلم »المككرء مككع‬
‫من أحب« فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث‪ ,‬وهذا‬
‫له طرق متعددة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة‬
‫‪868‬‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسككلم أنككه قككال »المككرء مككع مككن‬
‫أحب« وهي متواترة عند كككثير مككن الحفككاظ المتقنيككن‪ ,‬ففيككه أنككه‬
‫عليه السلم كان إذا سئل عن هككذا الككذي ل يحتككاجون إلككى علمككه‬
‫أرشدهم إلى ما هو الهم في حقهم‪ ,‬وهو السككتعداد لوقككوع ذلككك‬
‫والتهيؤ له قبل نزوله وإن لم يعرفوا تعيين وقته‪ .‬ولهذا قال مسلم‬
‫في صحيحه‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبككو كريككب قككال‪ :‬حككدثنا‬
‫أسامة عن هشام عن أبيه عككن عائشككة رضككي اللككه عنهككا‪ ,‬قككالت‪:‬‬
‫كانت العراب إذا قدموا على رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫سألوه عن السككاعة‪ :‬مككتى السككاعة ؟ فينظككر إلككى أحككدث إنسككان‬
‫منهم فيقول »إن يعش هذا لم يدركه الهككرم حككتى قككامت عليكككم‬
‫ساعتكم« يعني بذلك موتهم الذي يفضي بهم إلككى الحصككول فككي‬
‫لخرة‪ .‬ثم قال مسلم‪ :‬وحدثنا أبو بكر بككن أبككي شككيبة‪,‬‬ ‫برزخ الدار ا َ‬
‫حدثنا يونس بن محمد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنككس أن‬
‫رجل ً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عككن السككاعة‪ ,‬فقككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم »إن يعككش هككذا الغلم فعسككى‬
‫أن ل يككدركه الهككرم حككتى تقككوم السككاعة« انفككرد بككه مسككلم‪.‬‬
‫وحدثني حجاج بن الشاعر‪ ,‬حدثنا سليمان بن حرب‪ ,‬حدثنا حمككاد‬
‫بن زيد‪ ,‬حدثنا سعيد بن أبككي هلل المصككري عككن أنككس بككن مالككك‬
‫رضي الله عنه أن رجل ً سأل النبي صلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪:‬‬
‫متى الساعة ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسككلم هنيهككة‪,‬‬
‫ثم نظر إلى غلم بين يديه من أزدشنوءة فقال »إن عمر هككذا لككم‬
‫يدركه الهككرم حككتى تقككوم السككاعة« قككال أنككس‪ :‬ذلككك الغلم مككن‬
‫أترابي‪ ,‬وقال‪ :‬حدثنا هارون بن عبد الله‪ ,‬حدثنا عفككان بككن مسككلم‪,‬‬
‫حدثنا همام‪ ,‬حككدثنا قتككادة عكن أنكس قكال‪ :‬مككر غلم للمغيككرة بكن‬
‫شعبة وكان من أترابي فقال النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم »إن‬
‫يؤخر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة« ورواه البخاري في‬
‫كتاب الدب من صحيحه عن عمرو بن عاصم عن همام بن يحيككى‬
‫عن قتادة عن أنس‪ ,‬أن رجل ً من أهل البادية قال‪ :‬يا رسككول اللككه‬
‫متى الساعة ؟ فذكر الحديث‪ ,‬وفي آخره‪ :‬فمر غلم للمغيككرة بككن‬
‫شعبة وذكره‪ ,‬وهذا الطلق في هذه الرويات محمول على التقييد‬
‫بسكككككاعتكم فكككككي حكككككديث عائشكككككة رضكككككي اللكككككه عنهكككككا‪.‬‬
‫‪869‬‬
‫وقال ابن جريج‪ :‬أخبرني أبو الزبير أنه سمع جككابر بككن عبككد اللككه‬
‫يقول‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليككه وسككلم يقككول قبككل أن‬
‫يمككوت بشككهر »تسككألوني عككن السككاعة‪ ,‬وإنمككا علمهككا عنككد اللككه‪,‬‬
‫وأقسم بالله ما على ظهر الرض اليوم من نفككس منفوسككة تككأتي‬
‫عليها مائة سكنة«‪ .‬رواه مسكلم‪ .‬وفكي الصكحيحين عكن ابكن عمكر‬
‫مثله‪ ,‬قال ابن عمر‪ :‬وإنما أراد رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫انخرام ذلك القرن‪ .‬وقال المام أحمد حدثنا هشككيم‪ ,‬أنبأنككا العككوام‬
‫عن جبلة بن سحيم عن موثر بن عفارة عككن ابككن مسككعود رضككي‬
‫الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال »لقيت ليلة أسككري‬
‫بي إبراهيم وموسى وعيسى‪ ,‬فتذاكروا أمر الساعة ك قال ك فردوا‬
‫أمرهم إلى إبراهيم عليككه السككلم‪ ,‬فقككال ل علككم لككي بهككا‪ ,‬فككردوا‬
‫أمرهم إلى موسى فقال ل علم لي بها فردوا أمرهم إلككى عيسككى‬
‫فقال عيسى‪ :‬أما وجبتها فل يعلم بها أحد إل الله عز وجل‪ ,‬وفيمككا‬
‫عهد إلي ربي عز وجل أن الدجال خارج ك قال ك ك ومعككي قضككيبان‪,‬‬
‫فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص‪ ,‬قال‪ :‬فيهلكه اللككه عككز وجككل‬
‫إذا رآني حتى إن الشجر والحجر يقول‪ :‬يا مسلم إن تحككتي كككافرا ً‬
‫فتعال فاقتله‪ ,‬قال‪ :‬فيهلكهم الله عز وجكل ثكم يرجكع النكاس إلكى‬
‫بلدهم وأوطانهم‪ ,‬قال‪ :‬فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهككم مككن‬
‫كل حدب ينسلون‪ ,‬فيطأون بلدهم ل يأتون على شيء إل أهلكككوه‬
‫ول يمككرون علككى مككاء إل شككربوه‪ :‬قككال‪ :‬ثككم يرجككع النككاس إلككي‬
‫فيشكونهم فأدعو اللكه عككز وجكل عليهككم فيهلكهكم ويميتهكم حككتى‬
‫تجوى الرض من نتن ريحهم أي تنتن‪ ,‬قال‪ :‬فينزل اللكه عكز وجكل‬
‫المطر فيجترف أجسادهم حتى يقككذفهم فككي البحككر‪ .‬قككال المككام‬
‫أحمد‪ :‬قال يزيد بن هككارون‪ :‬ثككم تنسككف الجبككال وتمككد الرض مككد‬
‫الديم‪ ,‬ثم رجع إلى حديث هشيم‪ ,‬قال‪ :‬ففيما عهد إلككي ربككي عككز‬
‫وجل أن ذلككك إذا كككان كككذلك‪ ,‬فككإن السككاعة كالحامككل المتمككم ل‬
‫يدري أهلها متى تفككاجئهم بولدتهككا ليل ً أو نهككارًا‪ ,‬ورواه ابككن مككاجه‬
‫عن بندار عن يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب بسنده نحوه‪,‬‬
‫فهؤلء أكابر أولي العزم من المرسلين ليس عنككدهم علككم بككوقت‬
‫الساعة على التعيين‪ ,‬وإنما ردوا المر إلى عيسككى عليككه السككلم‪,‬‬
‫فتكلم على أشراطها لنه ينزل في آخر هذه المككة منفككذا ً لحكككام‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتل المسيح الدجال‪ ,‬ويجعككل‬
‫‪870‬‬
‫الله هلك يككأجوج ومككأجوج ببركككة دعككائه‪ ,‬فككأخبر بمككا أعلمككه اللككه‬
‫تعككككككككككككككككككككككككككككككككككككككالى بككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا يحيى بن أبي بكير‪ ,‬حدثنا عبيد بككن إيككاد‬
‫بن لقيط‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبي يذكر عن حذيفككة قككال‪ :‬سككئل رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة‪ ,‬فقككال »علمهككا عنككد ربككي‬
‫عز وجل ل يجليها لوقتها إل هو‪ ,‬ولكن سأخبركم بمشككاريطها ومككا‬
‫يكون بين يديها‪ ,‬إن بين يديها فتنة وهرجًا« قكالوا‪ :‬يكا رسكول اللكه‬
‫الفتنة قد عرفناها فما الهرج ؟ قال »بلسان الحبشة القتل« قككال‬
‫»ويلقى بين الناس التناكر‪ ,‬فل يكاد أحككد يعككرف أحككدًا« لككم يككروه‬
‫أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه‪ .‬وقككال وكيككع‪ :‬حككدثنا‬
‫ابن أبي خالد عن طارق بن شهاب قال‪ :‬كككان رسككول اللككه صككلى‬
‫اللككه عليككه وسككلم ل يككزال يككذكر مككن شككأن السككاعة حككتى نزلككت‬
‫ليككة‪ ,‬ورواه النسككائي مككن‬ ‫}يسألونك عن الساعة أيان مرساها{ ا َ‬
‫حديث عيسى بن يونس عككن إسككماعيل بككن أبككي خالككد بككه‪ ,‬وهككذا‬
‫إسناد جيد قوي‪ ,‬فهذا النبي المي سككيد الرسككل وخككاتمهم محمككد‬
‫صلوات الله عليه وسلمه نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمككة‬
‫والعاقب والمقفى والحاشر الذي تحشر الناس علككى قككدميه‪ ,‬مككع‬
‫قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بككن سككعد‬
‫رضي الله عنهما »بعثت أنا والساعة كهاتين« وقرن بيككن أصككبعيه‬
‫السبابة والتي تليها‪ ,‬ومع هذا كله قد أمره الله أن يرد علككم وقككت‬
‫الساعة إليه إذا سئل عنها‪ ,‬فقال }قل إنما علمها عند اللككه ولكككن‬
‫أككككككككككككككككككككثر النكككككككككككككككككككاس ل يعلمكككككككككككككككككككون{‪.‬‬
‫ه وَل َكوْ ُ‬ ‫َ‬

‫ت‬‫كنك ُ‬ ‫شككآَء الّلك ُ‬
‫مككا َ‬ ‫ضكّرا ً إ ِل ّ َ‬
‫سي ن َْفعكا ً وَل َ َ‬‫ك ل ِن َْف ِ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫** ُقل ل ّ أ ْ‬
‫خير وما مسن ِي السوُء إ َ‬ ‫َ‬
‫ذيٌر‬‫ن أن َا ْ إ ِل ّ ن َ ِ‬‫ّ َ ِ ْ‬ ‫ن ال ْ َ ْ ِ َ َ َ ّ َ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ست َك ْث َْر ُ‬
‫ب لَ ْ‬ ‫م ال ْغَي ْ َ‬
‫أعْل َ ُ‬
‫ن‬
‫من ُكككككككككككككككككككككو َ‬ ‫شكككككككككككككككككككككيٌر ل َّقكككككككككككككككككككككوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫وَب َ ِ‬
‫أمره الله تعالى أن يفوض المور إليه‪ ,‬وأن يخبر عن نفسه أنككه‬
‫ل يعلم الغيب المستقبل ول اطلع له على شيء من ذلككك إل بمككا‬
‫أطلعه الله عليه‪ ,‬كما قال تعككالى‪} :‬عككالم الغيككب فل يظهككر علككى‬
‫لية‪ .‬وقوله }ولو كنككت أعلككم الغيككب لسككتكثرت مككن‬ ‫غيبه أحدًا{ ا َ‬
‫الخير{ قال عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد }ولككو‬
‫‪871‬‬
‫كنت أعلم الغيب لستكثرت من الخير{ قال‪ :‬لو كنت أعلككم مككتى‬
‫أموت لعملت عمل ً صالحًا‪ ,‬وكذا روى ابن أبي نجيككح عككن مجاهككد‪,‬‬
‫وقال مثله ابن جريج‪ ,‬وفيه نظر لن عمل رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسككلم كككان ديمككة‪ ,‬وفككي روايككة‪ :‬كككان إذا عمككل عمل ً أثبتككه‪,‬‬
‫فجميع عمله كان على منوال واحد كأنه ينظر إلى اللككه عككز وجككل‬
‫في جميع أحواله‪ ,‬اللهم إل أن يكون المككراد أن يرشككد غيككره إلككى‬
‫الستعداد لذلك‪ ,‬والله أعلم‪ .‬والحسن في هككذا مككا رواه الضككحاك‬
‫عن ابن عباس }ولو كنت أعلم الغيب لستكثرت مككن الخيككر{ أي‬
‫من المال‪ .‬وفي رواية‪ :‬لعلمت إذا اشتريت شيئا ً ما أربككح فيككه‪ ,‬فل‬
‫ي السككوء{ ول يصككيبني الفقككر‪.‬‬ ‫أبيع شيئا ً إل ربحت فيه }وما مسن َ‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬وقال آخرون‪ :‬معنى ذلككك لككو كنككت أعلككم الغيككب‬
‫لعددت للسنة المجدبة من المخصبة ولوقت الغلء من الرخككص‪,‬‬
‫فاستعددت له من الرخص‪ ,‬وقال عبد الرحمن بن زيككد بككن أسككلم‬
‫}وما مسني السوء{ قال‪ :‬لجتنبت مكا يككون مكن الشكر قبكل أن‬
‫يكون واتقيته‪ ,‬ثككم أخككبر أنككه إنمككا هككو نككذير وبشككير‪ ,‬أي نككذير مككن‬
‫العذاب وبشير للمؤمنين بالجنات‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬فإنما يسرناه‬
‫بلسككككانك لتبشككككر بككككه المتقيككككن وتنككككذر بككككه قومككككا ً لككككدًا{‪.‬‬
‫س كك ُ َ‬
‫ن‬ ‫جهَككا ل ِي َ ْ‬ ‫من ْهَككا َزوْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جع َ ك َ‬
‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬‫ٍ‬ ‫من ن ّْف‬ ‫م ّ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫** هُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫وا‬
‫عكك َ‬
‫ت دّ َ‬ ‫مآ أث َْقَلكك ْ‬ ‫ت ب ِهِ فَل َ ّ‬ ‫مّر ْ‬ ‫خِفيفا ً فَ َ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مل َ ْ‬‫ح َ‬‫ها َ‬ ‫شا َ‬ ‫إ ِل َي َْها فََلما ّ ت َغَ ّ‬
‫مككا‬
‫مككآ آَتاهُ َ‬ ‫ن * فَل َ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫شككاك ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫صاِلحا ً ل ّن َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫ن آت َي ْت ََنا َ‬ ‫ما ل َئ ِ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه َرب ّهُ َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬‫شكرِ ُ‬ ‫مككا ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫مككا فَت َعَككاَلى الل ّك ُ‬ ‫مككآ آَتاهُ َ‬ ‫كآَء ِفي َ‬ ‫شكَر َ‬ ‫ه ُ‬ ‫جعَل َ ل َ ُ‬ ‫صاِلحا ً َ‬ ‫َ‬
‫ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلم‪ .‬وأنه‬
‫خلق منه زوجته حواء ثم انتشر الناس منهما‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬يا‬
‫أيها الناس إنا خلقناكم من ذكككر وأنككثى وجعلنككاكم شككعوبا ً وقبككائل‬
‫لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم{ وقال تعالى‪} :‬يا أيها الناس‬
‫اتقوا ربكم الذي خلقكككم مككن نفككس واحككدة وخلككق منهككا زوجهككا{‬
‫ليككة الكريمككة }وجعككل منهككا زوجهككا ليسكككن‬ ‫لية‪ ,‬وقال في هذا ا َ‬ ‫ا َ‬
‫إليها{ أي ليألفها ويسكن بها‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬ومككن آيككاته أن خلكق‬
‫لكم من أنفسكم أزواجا ً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة{‬
‫فل ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين‪ ,‬ولهذا ذكر تعككالى أن‬
‫‪872‬‬
‫الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المككرء وزوجككه }فلمككا‬
‫تغشاها{ أي وطئها }حملت حمل ً خفيفًا{ وذلك أول الحمل ل تجد‬
‫المككرأة لككه ألمككًا‪ ,‬إنمككا هككي النطفككة ثككم العلقككة ثككم المضككغة‪.‬‬
‫وقوله }فمرت به{ قككال مجاهككد‪ :‬اسككتمرت بحملككه‪ ,‬وروي عككن‬
‫الحسن وإبراهيم النخعي والسدي نحوه‪ ,‬وقال ميمون بن مهككران‬
‫عن أبيه‪ :‬استخفته‪ .‬وقال أيوب‪ :‬سألت الحسن عن قوله }فمرت‬
‫به{ قال‪ :‬لو كنت رجل ً عربيا ً لعرفت ما هي إنمككا هككي فاسككتمرت‬
‫به‪ ,‬وقال قتادة }فمككرت بككه{ اسككتبان حملهككا‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪:‬‬
‫معناه استمرت بالماء قامت به وقعدت‪ .‬وقككال العككوفي عككن ابككن‬
‫عباس‪ :‬استمرت بككه فشكككت أحملككت أم ل ؟ }فلمككا أثقلككت{ أي‬
‫صارت ذات ثقككل بحملهككا‪ .‬وقككال السككدي‪ :‬كككبر الولككد فككي بطنهككا‬
‫}دعوا اللككه ربهمككا لئن آتيتنككا صككالحًا{ أي بشككرا ً سككويًا‪ ,‬كمككا قككال‬
‫الضحاك عن ابن عباس‪ :‬أشفقا أن يكون بهيمة‪ ,‬وكككذلك قككال أبككو‬
‫البخكككككتري وأبكككككو مالكككككك‪ :‬أشكككككفقا أن ل يككككككون إنسكككككانًا‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري‪ :‬لئن آتيتنا غلما ً }لنكككونن مككن الشككاكرين‬
‫فلما آتاهما صالحا ً جعل له شركاء فيمككا آتاهمككا فتعككالى اللككه عمككا‬
‫يشركون{ يذكر المفسرون ههنا آثارا ً وأحاديث سأوردها وأبين ما‬
‫فيها‪ ,‬ثم نتبع ذلك ببيان الصحيح في ذلك إن شاء اللكه وبكه الثقكة‪,‬‬
‫قال المام أحمد في مسنده‪ :‬حدثنا عبد الصككمد‪ :‬حككدثنا عمككر بككن‬
‫إبراهيم‪ ,‬حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم قال »لما ولدت حواء طاف بها إبليس‪ ,‬وكان ل يعيش‬
‫لهكا ولككد‪ ,‬فقكال‪ :‬سككميه عبكد الحككارث فكإنه يعيكش‪ ,‬فسككمته عبكد‬
‫الحارث فعاش‪ ,‬وكان ذلككك مككن وحككي الشككيطان وأمككره« وهكككذا‬
‫رواه ابن جرير عن محمد بن(بشار عن بندار عن عبد الصككمد بككن‬
‫ليكة عككن محمككد‬ ‫عبد الوارث به‪ ,‬ورواه الترمذي في تفسير هككذه ا َ‬
‫بن المثنى عن عبد الصمد به‪ ,‬وقال‪ :‬هذا حككديث حسككن غريككب ل‬
‫نعرفه إل من حككديث عمككر بككن إبراهيككم‪ ,‬ورواه بعضككهم عككن عبككد‬
‫الصمد ولم يرفعه‪ ,‬ورواه الحاكم في مسككتدركه مككن حككديث عبككد‬
‫الصمد مرفوعًا‪ ,‬ثم قال‪ :‬هذا حديث صحيح السناد‪ ,‬ولم يخرجككاه‪.‬‬
‫ورواه المام أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره عككن أبككي زرعككة‬
‫الرازي عن هلل بككن فيككاض عككن عمككر بككن إبراهيككم بككه مرفوعكًا‪.‬‬
‫‪873‬‬
‫وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه فككي تفسككيره مككن حككديث‬
‫شاذ بن فياض عن عمككر بككن إبراهيككم مرفوع كًا‪ ,‬قلككت‪ :‬وشككاذ هككو‬
‫هلل‪ ,‬وشاذ لقبه‪ ,‬والغرض أن هذا الحديث معلول من ثلثة أوجككه‬
‫)أحدها( أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري وقد وثقه ابن معيككن‪,‬‬
‫ولكن قال أبو حاتم الرازي‪ :‬ل يحتج بككه‪ ,‬ولكككن رواه ابككن مردويككه‬
‫من حديث المعتمر عككن أبيككه عككن الحسككن عككن سككمرة مرفوعكًا‪,‬‬
‫فالله أعلم‪) .‬الثاني( أنككه قككد روي مككن قككول سككمرة نفسككه ليككس‬
‫مرفوعًا‪ ,‬كما قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى‪ ,‬حدثنا المعتمر‬
‫عن أبيه‪ ,‬حدثنا بكر بن عبد الله بن سليمان التيمي عن أبي العلء‬
‫بككن الشككخير عككن سككمرة بككن جنككدب قككال‪ :‬سككمى آدم ابنككه عبككد‬
‫لية بغير هذا‪ ,‬فلو كككان‬ ‫الحارث‪) .‬الثالث( أن الحسن نفسه فسر ا َ‬
‫هذا عنده عن سمرة مرفوعا ً لما عدل عنه‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬حككدثنا‬
‫ابن وكيع حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسككن }جعل لككه‬
‫شركاء فيما آتاهما{ قال‪ :‬كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكككن‬
‫بككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككآدم‪.‬‬
‫وحدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬حككدثنا محمككد بككن ثككور عككن معمككر‬
‫قال‪ :‬قال الحسن‪ :‬عنى بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده يعني‬
‫}جعل له شركاء فيما آتاهمككا{‪ .‬وحككدثنا بشككر‪ ,‬حككدثنا يزيككد‪ ,‬حككدثنا‬
‫سعيد عن قتادة قال‪ :‬كان الحسككن يقككول هككم اليهككود‪ ,‬والنصككارى‬
‫رزقهككم اللككه أولدا ً فهككودوا ونصككروا‪ ,‬وهككذه أسككانيد صككحيحة عككن‬
‫ليككة بككذلك‪ ,‬وهككو مككن أحسككن‬ ‫الحسن رضي الله عنككه أنككه فسككر ا َ‬
‫لية‪ ,‬ولو كان هذا الحككديث عنككده‬ ‫التفاسير وأولى ما حملت عليه ا َ‬
‫محفوظا ً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنككه هككو‬
‫ول غيره ول سككيما مككع تقككواه للكه وورعكه‪ ,‬فهكذا يككدلك علكى أنكه‬
‫موقوف على الصحابي‪ ,‬ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهككل الكتككاب‬
‫من آمن منهم مثل كعب أو وهب بن منبه وغيرهمككا‪ ,‬كمككا سككيأتي‬
‫بيانه إن شاء الله إل أننا برئنككا مككن عهككدة المرفككوع‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫لثككار فقككال محمككد بككن إسككحاق بككن يسككار عككن داود بككن‬ ‫فأمككا ا َ‬
‫لدم‬ ‫الحصين عن عكرمة عن ابككن عبككاس قككال‪ :‬كككانت حككواء تلككد َ‬
‫عليه السلم أولدا ً فيعبدهم للككه ويسككميهم عبككد اللككه وعبيككد اللككه‬
‫ونحككو ذلككك‪ ,‬فيصككيبهم المككوت‪ ,‬فأتاهمككا إبليككس فقككال‪ :‬إنكمككا لككو‬
‫سميتماه بغير الككذي تسككميانه بككه لعككاش‪ ,‬قككال‪ :‬فولككدت لككه رجل ً‬
‫‪874‬‬
‫فسماه عبد الحارث‪ ,‬ففيه أنزل الله يقول }هو الذي خلقكككم مككن‬
‫نفس واحدة ك إلى قوله ك جعل له شركاء فيمككا آتاهمككا{ إلككى آخككر‬
‫لية‪ ,‬وقككال العككوفي عككن ابككن عبككاس قككوله فككي آدم }هككو الككذي‬ ‫ا َ‬
‫خلقكم من نفس واحدة ك إلى قوله ك فمرت بككه{ شكككت أحملككت‬
‫أم ل ؟ }فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا ً لنكونن مككن‬
‫الشاكرين{ فأتاهما الشيطان‪ ,‬فقال‪ :‬هل تدريان مككا يولككد لكككم ؟‬
‫أم هل تدريان ما يكون أبهيمة أم ل ؟ وزين لهما الباطل‪ ,‬إنه غوي‬
‫مككبين‪ ,‬وقككد كككانت قبككل ذلككك ولككدت ولككدين فماتككا‪ ,‬فقككال لهمككا‬
‫الشيطان‪ :‬إنكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سويا ً ومات كما مات‬
‫الول‪ ,‬فسميا ولدهما عبد الحارث‪ ,‬فذلك قول الله تعككالى‪} :‬فلمكا‬
‫آتاهمككككا صككككالحا ً جعل لككككه شككككركاء فيمككككا آتاهمككككا{ ا َ‬
‫وقال عبد الله بن المبارك عن شريك عن خصيف عن سعيد بكن‬
‫جبير عن ابن عباس في قوله }فلما آتاهما صالحا ً جعل له شكركاء‬
‫فيما آتاهما{ قال‪ :‬قال الله تعالى‪} :‬هو الككذي خلقكككم مككن نفككس‬
‫واحككدة وجعككل منهككا زوجهككا ليسكككن إليهككا فلمككا تغشككاها{ آدم‬
‫}حملت{ فأتاهما إبليككس لعنككه اللككه فقككال‪ :‬إنككي صككاحبكما الككذي‬
‫أخرجتكما من الجنة لتطيعاني أو لجعلن له قرني إبل فيخرج من‬
‫بطنك فيشقه‪ ,‬ولفعلن ولفعلن يخوفهمككا‪ ,‬فسككمياه عبككد الحككارث‬
‫فأبيا أن يطيعاه‪ ,‬فخرج ميتًا‪ ,‬ثم حملت الثانية فأتاهما أيضا ً فقككال‪:‬‬
‫أنا صحاحبكما الذي فعلت ما فعلت لتفعلن أو لفعلن ك يخوفهما ك‬
‫فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا‪ ,‬ثم حملت الثالثة فأتاهمككا أيض كا ً فككذكر‬
‫لهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث‪ ,‬فذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫}جعل لككككه شككككركاء فيمككككا آتاهمككككا{ رواه ابككككن أبككككي حككككاتم‪.‬‬
‫وقد تلقى هذا الثر عن ابن عباس من أصحابه كمجاهككد وسككعيد‬
‫بن جبير وعكرمة‪ ,‬ومن الطبقة الثانية قتادة والسدي وغيككر واحككد‬
‫من السلف وجماعة من الخلف‪ ,‬ومن المفسرين مككن المتككأخرين‬
‫جماعات ل يحصون كثرة‪ ,‬وكأنه ك والله أعلم كك أصكله مكأخوذ مككن‬
‫أهل الكتاب‪ ,‬فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب‪ ,‬كما رواه ابن‬
‫أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬حدثنا أبو الجمكاهر‪ ,‬حككدثنا سكعيد يعنككي ابككن‬
‫بشير عن عقبة عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس عن أبككي بككن‬
‫كعب قال‪ :‬لما حملت حواء أتاها الشككيطان فقككال لهككا‪ :‬أتطيعينككي‬
‫ويسلم لك ولدك‪ ,‬سميه عبد الحارث‪ ,‬فلم تفعل‪ ,‬فولد فمات‪ ,‬ثككم‬
‫‪875‬‬
‫حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعككل‪ ,‬ثككم حملككت الثالثككة فجاءهككا‬
‫فقال‪ :‬إن تطيعيني يسلم وإل فإنه يكون بهيمة‪ ,‬فهيبهمككا فأطاعككا‪.‬‬
‫لثار يظهر عليها ك والله أعلم ك أنها من آثار أهل الكتككاب‪,‬‬ ‫وهذه ا َ‬
‫وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسككلم أنككه قككال‬
‫»إذا حدثكم أهل الكتاب فل تصدقوهم ول تكذبوهم« ثم أخبككارهم‬
‫على ثلثة أقسام‪ ,‬فمنها ما علمنا صحته بما دل عليكه الكدليل مكن‬
‫كتاب الله أو سنة رسوله‪ ,‬ومنها ما علمنا كذبه بما دل على خلفه‬
‫من الكتاب والسنة أيضًا‪ ,‬ومنها ما هو مسكوت عنه فهو المككأذون‬
‫في روايته بقوله عليه السلم »حدثوا عن بني إسرائيل ول حرج«‬
‫وهو الذي ل يصدق ول يكذب لقوله »فل تصدقوهم ول تكككذبوهم«‬
‫وهذا الثر هو من القسككم الثككاني أو الثككالث فيككه نظككر‪ ,‬فأمككا مككن‬
‫حدث به من صحابي أو تابعي فإنه يراه من القسكم الثكالث‪ ,‬وأمكا‬
‫نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا‪ ,‬وأنه ليككس‬
‫المككراد مككن هككذا السككياق آدم وحككواء‪ ,‬وإنمككا المككراد مككن ذلككك‬
‫المشركون من ذريته‪ ,‬وهككو كالسككتطراد مككن ذكككر الشككخص إلككى‬
‫لية‪ ,‬ومعلككوم‬ ‫الجنس‪ ,‬كقوله }ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح{ ا َ‬
‫أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها السماء ليست هي الككتي‬
‫يرمى بها‪ ,‬وإنما هذا استطراد من شخص المصككابيح إلككى جنسككها‪,‬‬
‫ولهكككككككذا نظكككككككائر فكككككككي القكككككككرآن‪ ,‬واللكككككككه أعلكككككككم‪.‬‬
‫م‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن * وَل َ ي َ ْ‬ ‫خل َُقو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫شْيئا ً وَهُ ْ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ما ل َ ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫** أ َي ُ ْ‬
‫َ‬
‫م إ َِلى ال ْهُ كد َىَ ل َ ي َت ّب ِعُككوك ُ ْ‬
‫م‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ن * وَِإن ت َد ْ ُ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م َين ُ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫صرا ً وَل َ أن ُْف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫مُتو َ‬ ‫صا ِ‬‫م َ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫م أد َعَوْت ُ ُ‬ ‫وآٌء عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫س َ‬‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِإن كنت ُ ْ‬ ‫جيُبوا لك ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م فَلي َ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫م َفاد ْ ُ‬ ‫مَثالك ْ‬ ‫عَباد ٌ أ ْ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م أي ْدٍ ي َب ْط ِ ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أعْي ُك ٌ‬ ‫م له ُ ك ْ‬ ‫ن ب ِهَككآ أ ْ‬ ‫شككو َ‬ ‫م له ُ ْ‬ ‫ن ب َِهآ أ ْ‬ ‫شو َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫م أْر ُ‬ ‫* أ له ُ ْ‬
‫ل اد ْعُككوا ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م ث ُك ّ‬‫كآَءك ُ ْ‬‫شكَر َ‬ ‫ن ب ِهَككا قُك ِ‬ ‫مُعو َ‬ ‫سك َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مآ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫ن ب َِهآ أ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُب ْ ِ‬
‫ب وَهُوَ ي َت َكوَّلى‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي ن َّز َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ن وَل ِّيك َ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫ن فَل َ ُتنظ ُِرو ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫كي ُ‬‫ِ‬
‫م َول‬ ‫ص كَرك ُ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫س كت َ ِ‬ ‫دون ِكهِ ل َ ي َ ْ‬ ‫مككن ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * َوال ّ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫مُعوا ْ وَت ََراهُك ْ‬ ‫سك َ‬ ‫م إ ِل َككى ال ْهُكد َىَ ل َ ي َ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ن * وَِإن ت َد ْ ُ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي َن ْ ُ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫أن ُْف َ‬
‫ن‬‫صككككككككككككُرو َ‬ ‫م ل َ ي ُب ْ ِ‬ ‫هكككككككككككك ْ‬ ‫ك وَ ُ‬ ‫ن إ ِل َْيكككككككككككك َ‬ ‫ظككككككككككككُرو َ‬ ‫َين ُ‬
‫‪876‬‬
‫هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبككدوا مككع اللككه غيككره‬
‫من النداد والصنام والوثان‪ ,‬وهي مخلوقة لله مربوبة مصككنوعة‪,‬‬
‫ل تملككك شككيئا ً مككن المككر ول تضككر ول تنفككع‪ ,‬ول تبصككر ول تنتصككر‬
‫لعابديها‪ ,‬بل هككي جمككاد ل تتحككرك ول تسككمع ول تبصككر‪ ,‬وعابككدوها‬
‫أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬أيشركون ما‬
‫ل يخلق شيئا ً وهم يخلقون{ أي أتشركون به من المعبودات مككا ل‬
‫يخلق شيئا ً ول يستطيع ذلك‪ ,‬كقوله تعالى‪} :‬يا أيها النككاس ضككرب‬
‫مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقككوا ذباب كا ً‬
‫ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ً ل يستنقذوه منككه ضككعف‬
‫الطالب والمطلككوب * مككا قككدروا اللككه حككق قككدره إن اللككه لقككوي‬
‫عزيز{ أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلككق‬
‫ذبابة بل لو سلبتهم الذبابة شيئا ً من حقير المطاعم وطككارت‪ ,‬لمككا‬
‫استطاعوا إنقاذه منها‪ ,‬فمن هذه صفته وحككاله كيككف يعبككد ليككرزق‬
‫ويستنصر ؟ ولهذا قال تعالى‪} :‬ل يخلق شككيئا ً وهككم يخلقككون{ أي‬
‫بككل هككم مخلوقككون مصككنوعون كمككا قككال الخليككل }أتعبككدون مككا‬
‫تنحتكككككككككككككككككككككككككككككككككككون{ ا َ‬
‫ليكككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫ثم قال تعككالى‪} :‬وليسككتطيعون لهككم نصككرًا{ أي لعابككديهم }ول‬
‫أنفسككهم ينصككرون{ يعنككي ول لنفسككهم ينصككرون ممككن أرادهككم‬
‫بسوء‪ ,‬كما كان الخليل عليه الصلة والسلم يكسككر أصككنام قككومه‬
‫ويهينها غاية الهانة كما أخبر تعالى عنه في قككوله‪} :‬فككراغ عليهككم‬
‫ضربا ً باليمين{ وقال تعالى‪} :‬فجعلهم جذاذا ً إل كبيرا ً لهككم لعلهككم‬
‫إليه يرجعون{ وكما كان معاذ بككن عمككرو بككن الجمككوح ومعككاذ بككن‬
‫جبل رضي الله عنهما‪ ,‬وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم المدينة‪ ,‬فكانا يعدوان في الليل على أصنام‬
‫المشككركين يكسككرانها ويتلفانهككا ويتخككذانها حطب كا ً للرامككل ليعتككبر‬
‫قومهما بذلك ويرتؤوا لنفسهم‪ ,‬فكككان لعمككرو بككن الجمككوح وكككان‬
‫سككيدا ً فككي قككومه صككنم يعبككده ويطيبككه‪ ,‬فكانككا يجيئان فككي الليككل‬
‫فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة‪ ,‬فيجيء عمرو بن الجموح‬
‫فيرى ما صنع به‪ ,‬فيغسله ويطيبه ويضككع عنككده سككيفا ً ويقككول لككه‪:‬‬
‫انتصر‪ ,‬ثم يعودان لمثل ذلك‪ ,‬ويعود إلى صنيعه أيضًا‪ ,‬حتى أخككذاه‬
‫مرة فقرناه مع كلب ميت‪ ,‬ودلياه فككي حبكل فكي بئر هنككاك‪ ,‬فلمككا‬
‫‪877‬‬
‫جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كككان عليككه مككن‬
‫الكككككككككككككككككككككدين باطكككككككككككككككككككككل‪ ,‬وقكككككككككككككككككككككال‪:‬‬
‫تككالله لككو كنككت إلهككا ً مسككتدنلم تككك والكلككب جميعككا ً فككي قككرن‬
‫ثم أسلم فحسن إسلمه‪ ,‬وقتل يوم أحد شهيدا ً رضككي اللككه عنككه‬
‫وأرضاه وجعل جنة الفككردوس مككأواه‪ ,‬وقككوله }وإن تككدعوهم إلككى‬
‫لية‪ ,‬يعني أن هذه الصنام ل تسمع دعاء مككن‬ ‫الهدى ل يتبعوكم{ ا َ‬
‫دعاها‪ ,‬وسواء لديها من دعاها ومن دحاها‪ ,‬كما قككال إبراهيككم }يككا‬
‫أبت لم تعبد ما ل يسمع ول يبصر ول يغنككي عنككك شككيئًا{ ثككم ذكككر‬
‫تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم‪ ,‬بل الناس أكمل‬
‫منها لنها تسمع وتبصر وتبطككش‪ ,‬وتلككك ل تفعككل شككيئا ً مككن ذلككك‪,‬‬
‫ليككة‪ ,‬أي استنصككروا بهككا علككي فل‬ ‫وقوله }قل ادعوا شككركاءكم{ ا َ‬
‫تؤخروني طرفة عين‪ ,‬واجهدوا جهدكم }إن وليي اللكه الككذي نككزل‬
‫ي‪ ,‬وهككو‬ ‫الكتككاب وهككو يتككولى الصككالحين{ أي اللككه حسككبي وكككاف ّ‬
‫لخرة وهو‬ ‫نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ‪ ,‬وهو وليي في الدنيا وا َ‬
‫ولي كل صالح بعدي وهذا كما قال هود عليه السلم لمككا قككال لككه‬
‫قومه }إن نقول إل اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد اللككه‬
‫واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعككا ً ثككم ل‬
‫تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكككم مككا مككن دابككة إل هككو‬
‫آخككذ بناصككيتها إن ربككي علككى صككراط مسككتقيم{ وكقككول الخليككل‬
‫}أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم القدمون * فإنهم عدو لككي‬
‫ليات‪ ,‬وكقككوله لبيككه‬ ‫إل رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين{ ا َ‬
‫وقومه }إنني براء ممككا تعبككدون إل الككذي فطرنككي فككإنه سككيهدين‬
‫وجعلهككككا كلمككككة باقيككككة فككككي عقبككككة لعلهككككم يرجعككككون{‪.‬‬
‫لية‪ ,‬مؤكد لما تقدم‬ ‫وقوله }والذين تدعون من دونه{ إلى آخر ا َ‬
‫إل أنككه بصككيغة الخطككاب وذلككك بصككيغة الغيبككة‪ ,‬ولهككذا قككال }ل‬
‫يستطيعون نصركم ول أنفسهم ينصرون{‪ ,‬وقككوله }وإن تككدعوهم‬
‫إلى الهدى ل يسككمعوا وتراهككم ينظككرون إليككك وهككم ل يبصككرون{‬
‫ليككة‪ .‬وقككوله‬‫كقككوله تعككالى‪} :‬إن تككدعوهم ل يسككمعوا دعككاءكم{ ا َ‬
‫}وتراهم ينظككرون إليككك وهككم ل يبصككرون{ إنمككا قككال }ينظككرون‬
‫إليك{ أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جمككاد‪ ,‬ولهككذا‬
‫عاملهم معاملة مككن يعقككل لنهككا علككى صككورة مصككورة كالنسككان‬
‫وتراهم ينظرون إليك‪ ,‬فعبر عنها بضمير من يعقل‪ ,‬وقال السككدي‪:‬‬
‫‪878‬‬
‫المراد بهذا المشككركون‪ ,‬وروي عككن مجاهككد نحككوه‪ ,‬والول أولككى‪,‬‬
‫وهككككككككو اختيككككككككار ابككككككككن جريككككككككر‪ ,‬وقككككككككاله قتككككككككادة‪.‬‬
‫ن * وَِإمكا ّ ي َن ََزغَن ّك َ‬ ‫خذ ال ْعْفو وأ ْمر بال ْعرف وأ َ‬

‫ك‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫** ُ ِ َ َ َ ُ ْ ِ ُ ْ ِ َ‬
‫م‬
‫ميعٌ عَِليكككك ٌ‬ ‫سكككك ِ‬
‫ه َ‬‫سككككت َعِذ ْ ب ِككككالل ّهِ إ ِن ّكككك ُ‬ ‫ن ن َككككْزغٌ َفا ْ‬ ‫شككككي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫مكككك َ‬
‫ِ‬
‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله }خذ العفو{ يعنككي‬
‫خذ ما عفي لك من أموالهم وما أتوك به من شيء فخككذه‪ ,‬وكككان‬
‫هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصككدقات وتفصككيلها ومككا انتهككت‬
‫إليه الصدقات‪ ,‬قاله السدي‪ .‬وقال الضحاك عن ابكن عبكاس }خكذ‬
‫العفو{ أنفق الفضل‪ ,‬وقال سعيد بن جبير عككن ابككن عبككاس }خككذ‬
‫العفو{ قال‪ :‬الفضل‪ .‬وقال عبد الرحمككن بككن زيككد بككن أسككلم فككي‬
‫قوله }خذ العفو{ أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشككر‬
‫سنين‪ ,‬ثم أمره بالغلظككة عليهككم‪ ,‬واختككار هككذا القككول ابككن جريككر‪.‬‬
‫وقال غير واحد عن مجاهد في قككوله تعككالى‪} :‬خككذ العفككو{ قككال‪:‬‬
‫من أخلق الناس وأعمالهم مككن غيككر تجسككس‪ .‬وقككال هشككام بككن‬
‫عروة عن أبيه‪ :‬أمر الله رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم أن‬
‫يأخذ العفو من أخلق الناس‪ ,‬وفي رواية قال‪ :‬خذ ما عفي لك من‬
‫أخلقهم‪ ,‬وفي صحيح البخاري عن هشام عن أبيه عروة عن أخيككه‬
‫عبد الله بن الزبير قال‪ :‬إنمككا أنككزل خككذ العفككو مككن أخلق النككاس‬
‫وفي رواية عن أبيه عن ابن عمر‪ ,‬وفي رواية عن هشام عن أبيككه‬
‫عككككن عائشككككة أنهمككككا قككككال مثككككل لككككك‪ ,‬واللككككه أعلككككم‪.‬‬
‫وفي رواية سعيد بن منصور عككن أبككي معاويككة عككن هشككام عككن‬
‫وهب بن كيسان عن أبي الزبير خذ العفو‪ ,‬قال‪ :‬من أخلق الناس‪,‬‬
‫لخذنه منهم ما صحبتهم‪ ,‬وهذا أشهر القوال‪ ,‬ويشهد له مككا‬ ‫والله َ‬
‫رواه ابن جرير‪ ,‬وابن أبي حاتم جميعًا‪ :‬حدثنا يونس حككدثنا سككفيان‬
‫ي قال‪ :‬لمككا أنككزل اللككه عككز وجككل علككى نككبيه‬ ‫ُ‬
‫م ّ‬‫هو ابن عيينة عن أ َ‬
‫صلى الله عليككه وسككلم }خككذ العفككو وأمككر بككالعرف وأعككرض عككن‬
‫الجاهلين{ قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »مككا هككذا يككا‬
‫جبريل ؟« قال‪ :‬إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطككي مككن‬
‫حرمك وتصل من قطعك‪ ,‬وقد رواه ابن أبي حاتم أيض كا ً عككن أبككي‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫مكك ّ‬ ‫يزيد القراطيسي كتابة‪ ,‬عن أصبغ بن الفرج عن سفيان عن أ َ‬
‫‪879‬‬
‫عن الشعبي نحككوه‪ ,‬وهككذا مرسككل علككى كككل حككال‪ ,‬وقككد روي لككه‬
‫شواهد من وجوه أخر‪ ,‬وقككد روي مرفوع كا ً عككن جككابر وقيككس بككن‬
‫سعد بن عبادة عن النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم أسككندهما ابككن‬
‫مردويككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبككو المغيككرة‪ ,‬حككدثنا معككاذ بككن رفاعككة‪,‬‬
‫حدثني علي بن يزيد عن القاسم بن أبي أمامة الباهلي عن عقبككة‬
‫بن عامر رضي الله عنه قال‪ :‬لقيت رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم فابتككدأته‪ ,‬فأخككذت بيككده فقلككت‪ :‬يككا رسككول اللككه أخككبرني‬
‫بفواضل العمال‪ ,‬فقال »يا عقبككة صككل مككن قطعككك‪ ,‬وأعككط مككن‬
‫حرمك‪ ,‬وأعرض عمن ظلمك« وروى الترمذي نحككوه مككن طريككق‬
‫عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد به‪ .‬وقال‪ :‬حسن‪ .‬قلت‪ :‬ولكن‬
‫علي بن يزيد وشيخه القاسم أبو عبد الرحمن فيهما ضعف‪ .‬وقكال‬
‫البخاري قوله }خذ العفو وأمر بككالعرف وأعككرض عككن الجككاهلين{‬
‫العرف‪ :‬المعروف‪ ,‬حدثنا أبو اليمان‪ ,‬حككدثنا شككعيب عككن الزهككري‪,‬‬
‫أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عبككاس رضككي اللككه‬
‫عنهما قال‪ :‬قدم عيينة بن حصن بن حذيفة‪ ,‬فنزل على ابككن أخيككه‬
‫الحر بن قيس‪ ,‬وكان من النفر الذين يككدنيهم عمككر‪ ,‬وكككان القككراء‬
‫أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهول ً كانوا أو شبابًا‪ ,‬فقال عيينكة‬
‫لبن أخيه‪ :‬يا ابن أخي لك وجه عند هذا المير فاستأذن لي عليككه‪,‬‬
‫قال‪ :‬سأستأذن لك عليه‪ ,‬قال ابن عبككاس‪ :‬فاسككتأذن الحككر لعيينككة‬
‫فأذن له عمر‪ ,‬فلما دخل عليه قال‪ :‬هي يا ابن الخطاب فو الله ما‬
‫م أن‬ ‫تعطينا الجزل ول تحكم بيننا بالعككدل‪ ,‬فغضككب عمككر حككتى ه ك ّ‬
‫يوقع به‪ ,‬فقال له الحر‪ ,‬يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنككبيه‬
‫صلى الله عليككه وسككلم }خككذ العفككو وأمككر بككالعرف وأعككرض عككن‬
‫الجاهلين{ وإن هذا من الجاهلين‪ ,‬والله ماجاوزها عمر حين تلهككا‬
‫عليككه‪ ,‬وكككان وقافكا ً عنككد كتككاب اللككه عككز وجككل‪ ,‬وانفككرد بككإخراجه‬
‫البخكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككاري‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلى قككراءة‪ ,‬أخبرنككا‬
‫ابن وهب‪ ,‬أخبرني مالك بن أنس عن عبيد الله بن نافع أن سككالم‬
‫بن عبد الله بن عمككر مككر علككى عيككر لهككل الشككام وفيهككا جككرس‪,‬‬
‫فقال‪ :‬إن هذا منهي عنه‪ ,‬فقالوا‪ :‬نحن أعلم بهذا منك‪ ,‬إنمككا يكككره‬
‫الجلجل الكبير‪ ,‬فأما مثل هذا فل بككأس بككه‪ ,‬فسكككت سككالم وقككال‬
‫‪880‬‬
‫}وأعرض عن الجاهلين{ وقول البخاري‪ :‬العرف المعككروف‪ ,‬نككص‬
‫عليه عروة بن الزبيككر والسككدي وقتككادة وابككن جريككر وغيككر واحككد‪,‬‬
‫وحكى ابن جرير أنه يقال أوليته معروفا ً وعارفًا‪ ,‬كل ذلككك بمعنككى‬
‫المعروف‪ ,‬قال‪ :‬وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسككلم أن يككأمر‬
‫عباده بالمعروف‪ ,‬ويدخل في ذلك جميع الطاعات وبالعراض عن‬
‫الجاهلين‪ ,‬وذلك وإن كان أمرا ً لنبيه صلى اللككه عليككه وسككلم فككإنه‬
‫تأديب لخلقه باحتمككال مككن ظلمهككم واعتككدى عليهككم ل بككالعراض‬
‫عمن جهل الحق الكواجب مكن حكق اللكه‪ ,‬ول بالصكفح عمكن كفكر‬
‫بالله وجهل وحدانيته وهو للمسلمين حرب‪ .‬وقال سككعيد بككن أبككي‬
‫عروبة عن قتادة في قوله }خذ العفو وأمر بالعرف وأعككرض عككن‬
‫الجاهلين{ قال‪ :‬هككذه أخلق أمككر اللككه بهككا نككبيه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم ودله عليها‪ ,‬وقد أخذ بعض الحكماء هذا المعنى فسبكه في‬
‫بيككككككككككككككتين فيهمككككككككككككككا جنككككككككككككككاس‪ ,‬فقككككككككككككككال‪:‬‬
‫خكككذ العفكككو وأمكككر بعككرف كمككاأمرت وأعككرض عككن الجككاهلين‬
‫ولككن فككي الكلم لكككل النامفمستحسككن مككن ذوي الجككاه ليككن‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬الناس رجلن‪ ,‬فرجل محسن فخككذ مككا عفككا‬
‫لك من إحسانه ول تكلفه فوق طاقته ول ما يحرجه‪ ,‬وإما مسككيء‬
‫فمره بالمعروف فإن تمادى على ضلله واستعصى عليك واستمر‬
‫في جهله فأعرض عنه‪ ,‬فلعل ذلك أن يرد كيده‪ ,‬كما قككال تعككالى‪:‬‬
‫}ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقككل رب‬
‫أعوذ بك مككن همككزات الشككياطين وأعككوذ بككك رب أن يحضككرون{‬
‫وقككال تعككالى‪} :‬ول تسككتوي الحسككنة ول السككيئة ادفككع بككالتي هككي‬
‫أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميككم * ومككا يلقاهككا‬
‫إل الذين صبروا وما يلقاهككا إل ذو حككظ عظيككم{ أي هككذه الوصككية‬
‫}وإما ينزغنك من الشيطان نككزغ فاسككتعذ بككالله إنككه هككو السككميع‬
‫العليم{ وقال في هذه السورة الكريمة أيضا ً }وإمككا ينزغنككك مككن‬
‫ليككات الثلث‬ ‫الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم{ فهككذه ا َ‬
‫في العراف والمؤمنون وحم السجدة ل رابككع لهككن‪ ,‬فككإنه تعككالى‪,‬‬
‫يرشد فيهن إلى معاملة العاصي من النس بالمعروف بككالتي هككي‬
‫أحسن فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بككإذنه تعككالى‪ ,‬ولهككذا‬
‫قال }فإذا الذي بينك وبينككه عككداوة ككأنه ولكي حميككم{ ثككم يرشكد‬
‫تعالى إلى الستعاذة به مككن شككيطان الجككان‪ ,‬فككإن ل يكفككه عنككك‬
‫‪881‬‬
‫الحسان وإنما يريد هلكك ودمككارك بالكليككة فككإنه عككدو مككبين لككك‬
‫ولبيك من قبلك‪ ,‬وقال ابن جرير في تفسير قوله }وإمككا ينزغنككك‬
‫من الشيطان نزغ{ وإما يغضبك من الشيطان غضب يصككدك عككن‬
‫العراض عككن الجاهككل ويحملككك علككى مجككازاته }فاسككتعذ بككالله{‬
‫يقول‪ :‬فاستجر بالله من نزغكه }إنكه سككميع عليككم{ سكميع لجهككل‬
‫الجاهل عليك والستعاذة به من نزغه ولغير ذلك من كلم خلقه ل‬
‫يخفى عليه منه شيء عليم بما يذهب عنككك نككزغ الشككيطان وغيككر‬
‫ذلككككككككككككككككك مككككككككككككككككن أمككككككككككككككككور خلقككككككككككككككككه‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ :‬لما نزلت }خذ العفو وأمككر‬
‫بالعرف وأعرض عككن الجككاهلين{ قككال‪ :‬يككا رب كيككف بالغضككب ؟‪,‬‬
‫فأنزل الله }وإما ينزغنككك مككن الشككيطان نككزغ فاسككتعذ بككالله إنككه‬
‫سميع عليم{ قلت‪ :‬وقد تقدم في أول الستعاذة حككديث الرجليككن‬
‫اللذين تسابا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحككدهما‬
‫حتى جعل أنفه يتمرغ غضبًا‪ ,‬فقال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »إني لعلم كلمة لو قالها لذهب عنه مككا يجككد‪ ,‬أعككوذ بككالله‬
‫من الشيطان الرجيم« فقيل له‪ ,‬فقال‪ :‬ما بي مككن جنككون‪ .‬وأصكل‬
‫النزغ الفساد إما بالغضب أو غيره‪ ,‬قال الله تعالى‪} :‬وقل لعبادي‬
‫يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم{ والعيككاذ اللتجككاء‬
‫والستناد والستجارة من الشر‪ ,‬وأما الملذ ففي طلب الخير‪ ,‬كما‬
‫قكككككككال أبكككككككو الطيكككككككب المتنكككككككبي فكككككككي شكككككككعره‪:‬‬
‫يكككا مكككن ألكككوذ بكككه فيمكككا أؤملهكككومن أعكككوذ بكككه ممكككا أحكككاذره‬
‫ل يجبر الناس عظما ً أنت كاسكرهول يهيضكون عظمكا ً أنكت جكابره‬
‫وقد قدمنا أحككاديث السككتعاذة فككي أول التفسككير بمككا أغنككى عككن‬
‫إعكككككككككككككككككككككككككككككككككككككادته ههنكككككككككككككككككككككككككككككككككككككا‪.‬‬
‫هكم‬ ‫ن ت َذ َك ُّروا ْ فَإ ِ َ‬

‫ذا ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ال ّ‬‫م َ‬
‫ف ّ‬‫طائ ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫سه ُ ْ‬‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ات َّقوا ْ إ ِ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫** إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫صككُرو َ‬ ‫م ل َ ي ُْق ِ‬ ‫م ِفككي ال َْغكك ّ‬
‫ي ُثكك ّ‬ ‫دون َهُ ْ‬
‫مكك ّ‬‫م يَ ُ‬‫وان ُهُ ْ‬
‫خكك َ‬ ‫ن * وَإ ِ ْ‬
‫صككُرو َ‬ ‫مب ْ ِ‬
‫ّ‬
‫يخبر تعالى عن المتقيككن مككن عبككاده الككذين أطككاعوه فيمككا أمككر‪,‬‬
‫وتركوا ما عنه زجر أنهككم }إذا مسككهم{ أي أصككابهم طيككف‪ .‬وقككرأ‬
‫لخرون طائف‪ ,‬وقد جاء فيه حككديث وهمككا قراءتككان مشككهورتان‪,‬‬ ‫ا َ‬
‫فقيل بمعنككى واحككد‪ ,‬وقيككل بينهمككا فككرق‪ ,‬ومنهككم مككن فسككر ذلككك‬
‫‪882‬‬
‫بالغضككب‪ ,‬ومنهككم مككن فسككره بمككس الشككيطان بالصككرع ونحككوه‪,‬‬
‫ومنهم من فسره بالهم بالذنب‪ ,‬ومنهم من فسره بإصككابة الككذنب‬
‫وقوله }تذكروا{ أي عقاب اللككه وجزيككل ثككوابه ووعككده‪ ,‬ووعيككده‪,‬‬
‫فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليككه مككن قريككب }فككإذا هككم‬
‫مبصككرون{ أي قككد اسككتقاموا وصككحوا ممككا كككانوا فيككه‪ .‬وقككد أورد‬
‫الحافظ أبو بكر بن مردويه هاهنا حديث محمد بن عمرو عن أبككي‬
‫سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاءت امرأة إلى النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وبها طيف فقالت‪ :‬يا رسككول اللككه ادع اللككه‬
‫أن يشفيني‪ ,‬فقككال »إن شككئت دعككوت اللككه فشككفاك‪ ,‬وإن شككئت‬
‫ي‪,‬‬
‫فاصبري ول حساب عليك« فقككالت‪ :‬بككل أصككبر ول حسككاب علك ّ‬
‫ورواه غير واحد من أهل السنن وعندهم قالت‪ :‬يا رسول الله إني‬
‫أصرع وأتكشف‪ ,‬فادع الله أن يشفيني‪ ,‬فقككال »إن شككئت دعككوت‬
‫الله أن يشفيك‪ ,‬وإن شئت صبرت ولك الجنة« فقالت‪ :‬بككل أصككبر‬
‫ولككي الجنككة‪ ,‬ولكككن ادع اللككه أن ل أتكشككف‪ ,‬فككدعا لهككا فكككانت ل‬
‫تتكشف‪ :‬وأخرجه الحاكم من مستدركه‪ ,‬وقال‪ :‬صحيح على شرط‬
‫مسكككككككككككككككككككككلم‪ ,‬ولكككككككككككككككككككككم يخرجكككككككككككككككككككككاه‪.‬‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمككة عمككرو بككن جككامع مككن‬
‫تاريخه أن شابا ً كان يتعبد في المسجد‪ ,‬فهويته امرأة فككدعته إلككى‬
‫نفسها‪ ,‬فما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل‪ ,‬فذكر هذه ا َ‬
‫لية‬
‫}إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تككذكروا فككإذا هككم‬
‫مبصرون{ فخر مغشيا ً عليه‪ ,‬ثم أفاق فأعادها‪ ,‬فمات‪ ,‬فجاء عمككر‬
‫فعزى فيه أباه‪ ,‬وكان قد دفن ليل ً فذهب فصلى علككى قككبره بمككن‬
‫معه‪ ,‬ثم ناداه عمر فقال‪ :‬يا فتى }ولمن خاف مقام ربككه جنتككان{‬
‫فأجابه الفتى من داخل القبر‪ :‬يا عمر قد أعطانيهما ربي عز وجل‬
‫فككككككككككككككككككككككي الجنككككككككككككككككككككككة مرتيككككككككككككككككككككككن‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وإخوانهم يمدونهم{ أي وأخككوان الشككياطين مككن‬
‫النس كقوله }إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين{ وهم أتباعهم‬
‫والمسككتمعون لهككم‪ ,‬القككابلون لوامرهككم يمككدونهم فككي الغككي أي‬
‫تساعدهم الشككياطين علككى المعاصككي وتسككهلها عليهككم وتحسككنها‬
‫لهم‪ .‬وقال ابن كثير‪ :‬المد الزيادة يعني يزيدونهم فككي الغكي يعنككي‬
‫الجهل والسفه }ثم ل يقصرون{ قيككل معنككاه إن الشككياطين تمككد‬
‫النس ل تقصر في أعمالهم بذلك‪ ,‬كما قال علككي بككن أبككي طلحكة‬
‫‪883‬‬
‫عن ابن عبكاس فكي قكوله }وإخكوانهم يمكدونهم فكي الغكي ثكم ل‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪ :‬ل النككس يقصككرون عمككا يعملككون‪ ,‬ول‬ ‫يقصككرون{ ا َ‬
‫الشياطين تمسك عنهم‪ ,‬وقيل معناه كمككا رواه العككوفي عككن ابككن‬
‫عباس في قوله }يمدونهم في الغككي ثككم ل يقصككرون{ قككال‪ :‬هككم‬
‫الجن يوحون إلككى أوليككائهم مككن النككس ثككم ل يقصككرون‪ ,‬يقككول ل‬
‫يسأمون‪ ,‬وكذا قككال السككدي وغيككره أن يعنككي الشككياطين يمككدون‬
‫أولياءهم من النس ول تسأم مككن إمككدادهم فككي الشككر‪ ,‬لن ذلككك‬
‫طبيعة لهم وسجية }ل يقصرون{ ل تفتر فيه ول تبطل عنككه‪ ,‬كمككا‬
‫قال تعالى‪} :‬ألم تر أنا أرسلنا الشككياطين علككى الكككافرين تككؤزهم‬
‫أزًا{ قككال ابككن عبككاس وغيككره‪ :‬تزعجهككم إلككى المعاصككي إزعاج كًا‪.‬‬
‫ل إنمآ أ َ‬ ‫ذا ل َم تأ ْ‬
‫ى إ ِل َك ّ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫يو‬ ‫ِ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ت‬‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫و‬‫م ِبآي َةٍ َقاُلوا ْ ل َ‬
‫ْ‬ ‫** وَإ ِ َ ْ َ ِ‬
‫ه‬‫ِ‬ ‫ت‬
‫ن‬
‫من ُككو َ‬ ‫ة ل َّقكوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫مك ً‬ ‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫م وَهُك ً‬ ‫مككن ّرب ّك ُك ْ‬ ‫صككآئ ُِر ِ‬ ‫هـك َ‬
‫ذا ب َ َ‬ ‫من ّرب ّككي َ‬
‫ِ‬
‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى‪} :‬قالوا‬
‫لول اجتبيتها{ يقول‪ :‬لول تلقيتها‪ .‬وقال مككرة أخككرى‪ :‬لككول أحككدثتها‬
‫فأنشأتها‪ ,‬وقال ابن جرير عن عبكدالله بكن ككثير عكن مجاهكد فكي‬
‫قوله }وإذا لم تأتهم بآية قالوا لول اجتبيتها{ قال‪ :‬لككول اقتضككيتها‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬تخرجها عن نفسك‪ ,‬وكذا قال قتادة والسدي وعبد الرحمن‬
‫بن زيد بن أسلم‪ ,‬واختاره ابن جرير‪ .‬وقال العوفي عن ابن عباس‬
‫}لول اجتبيتها{ يقول‪ :‬تلقيتها من الله تعالى‪ .‬وقال الضحاك }لول‬
‫اجتبيتها{ يقول‪ :‬لول أخذتها أنت فجئت بهككا مككن السككماء‪ ,‬ومعنككى‬
‫قككوله تعككالى‪} :‬وإذا لككم تككأتهم بآيككة{ أي معجككزة وخككارق‪ ,‬كقككوله‬
‫تعالى‪} :‬إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلككت أعنككاقهم لهككا‬
‫خاضككعين{ يقولككون للرسككول صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ :‬أل تجهككد‬
‫ليات من الله حتى نراها ونؤمن بها‪ ,‬قككال اللككه‬ ‫نفسك في طلب ا َ‬
‫تعالى له‪} :‬قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربككي{ أي أنككا ل أتقككدم‬
‫إليه تعالى في شيء‪ ,‬وإنما أتبع مككا أمرنككي بككه فأمتثككل مككا يككوحيه‬
‫إلي‪ ,‬فإن بعث آية قبلتها وإن منعها لككم أسككأله ابتككداء إياهككا إل أن‬
‫يأذن لي في ذلككك‪ ,‬فككإنه حكيككم عليككم‪ ,‬ثككم أرشككدهم إلككى أن هككذا‬
‫القككرآن هككو أعظككم المعجككزات وأبيككن الككدللت وأصككدق الحجككج‬
‫‪884‬‬
‫والبينككات‪ ,‬فقككال }هككذا بصككائر مككن ربكككم وهككدى ورحمككة لقككوم‬
‫يؤمنككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككون{‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مككو َ‬
‫ح ُ‬ ‫ص كُتوا ْ ل َعَل ّك ُك ْ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫مُعوا ْ ل َك ُ‬
‫ه وَأن ِ‬ ‫س كت َ ِ‬ ‫رى كَء ال ُْق كْرآ ُ‬
‫ن َفا ْ‬ ‫ذا قُ ِ‬
‫** وَإ ِ َ‬
‫لما ذكر تعككالى أن القككرآن بصككائر للنككاس وهككدى ورحمككة‪ ,‬أمككر‬
‫تعككالى بالنصككات عنككد تلوتككه إعظام كا ً لككه واحترام كًا‪ ,‬ل كمككا كككان‬
‫يعتمككده كفككار قريككش المشككركون فككي قككولهم }ل تسككمعوا لهككذا‬
‫لية‪ ,‬ولكن يتأكد ذلك من الصلة المكتوبة إذا‬ ‫القرآن والغوا فيه{ ا َ‬
‫جهر المام بالقراءة‪ ,‬كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبككي‬
‫موسى الشعري رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم »إنما جعل المام ليؤتم به فإذا كبر فكككبروا‪ ,‬وإذا قككرأ‬
‫فأنصتوا« وكذا رواه أهككل السككنن مككن حككديث أبككي هريككرة أيض كًا‪,‬‬
‫وصححه مسلم بن الحجاج أيض كًا‪ ,‬ولككم يخرجككه فككي كتككابه‪ ,‬وقككال‬
‫إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي عياض عككن أبككي هريككرة قككال‪:‬‬
‫ليككة }وإذا قككرى‬ ‫كككانوا يتكلمككون فككي الصككلة‪ ,‬فلمككا نزلككت هككذه ا َ‬
‫ليكككة الخكككرى‪ ,‬أمكككروا بالنصكككات‪.‬‬ ‫القكككرآن فاسكككتمعوا لكككه{ وا َ‬
‫قال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا أبككو بكككر بككن عيككاش عككن‬
‫عاصم عن المسيب بن رافع قال ابن مسككعود‪ :‬كنككا يسككلم بعضككنا‬
‫على بعض في الصلة‪ ,‬فجاء القرآن }وإذا قرى القرآن فاستمعوا‬
‫له وأنصتوا لعلكم ترحمون{‪ .‬وقال أيضًا‪ :‬حدثنا أبككو كريككب‪ ,‬حككدثنا‬
‫المحاربي عن داود بن أبي هند عن بشير بن جابر قال‪ :‬صلى ابككن‬
‫مسعود فسمع ناسا ً يقرؤون مع المام‪ ,‬فلما انصرف قال‪ :‬أمككا آن‬
‫لكككم أن تفهمككوا‪ ,‬أمككا آن لكككم أن تعقلككوا }وإذا قككرى القككرآن‬
‫فاسككتمعوا لككه وأنصككتوا{ كمككا أمركككم اللككه‪ ,‬قككال‪ :‬وحككدثني أبككو‬
‫السائب‪ ,‬حدثنا حفص عن أشعث عككن الزهككري قككال‪ :‬نزلككت هككذه‬
‫لية في فتى من النصار كان رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬ ‫ا َ‬
‫كلما قككرأ شككيئا ً قككرأه‪ ,‬فنزلككت }وإذا قككرى القككرآن فاسككتمعوا لككه‬
‫وأنصتوا{‪ .‬وقد روى المام أحمد وأهل السنن من حديث الزهككري‬
‫عن أبي أكيمة الليثي عن أبي هريككرة أن رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم انصرف من صلة جهر فيها بالقراءة فقال »هككل قككرأ‬
‫أحد منكم معي آنفا ً ؟« قال رجل‪ :‬نعم يا رسول الله‪ ,‬قال‪» :‬إنككي‬
‫‪885‬‬
‫أقول ما لي أنازع القرآن« قال‪ :‬فانتهى النككاس عككن القككراءة مككع‬
‫رسول الله صلى الله عليككه وسككلم فيمككا جهككر فيككه بككالقراءة مككن‬
‫الصلة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن‪ ,‬وصححه أبو حاتم الرازي‪ .‬وقال‬
‫عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري‪ :‬قال ل يقرأ من وراء‬
‫المام فيما يجهر به المام‪ ,‬تكفيهم قراءة المام وإن لم يسمعهم‬
‫صوته‪ ,‬ولكنهم يقككرءون فيمككا ل يجهككر بكه سككرا ً فككي أنفسككهم‪ ,‬ول‬
‫يصلح لحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سككرا ً ول علنيكة‪ ,‬فكإن‬
‫الله تعالى قال‪} :‬وإذا قرى القرآن فاستمعوا لككه وأنصككتوا لعلكككم‬
‫ترحمون{ قلت‪ :‬هككذا مككذهب طائفككة مككن العلمككاء أن المككأموم ل‬
‫يجب عليه فككي الصككلة الجهريككة قككراءة فيمككا جهككر فيككه المككام ل‬
‫الفاتحة ول غيرها‪ ,‬وهو أحد قولي الشافعية‪ ,‬وهو القديم كمككذهب‬
‫مالك ورواية عن أحمد بن حنبل‪ ,‬لما ذكرناه من الدلة المتقدمككة‪,‬‬
‫وقال في الجديد‪ :‬يقرأ الفاتحة فقط في سكتات المام‪ ,‬وهو قول‬
‫طائفة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم‪ ,‬وقال أبو حنيفة وأحمد‬
‫بككن حنبككل‪ :‬ل يجككب علككى المككأموم قككراءة أصكل ً فككي السككرية ول‬
‫الجهرية بما ورد في الحديث »من كان لككه إمككام فقراءتككه قككراءة‬
‫لككه« وهككذا الحككديث رواه المككام أحمككد فككي مسككنده عككن جككابر‬
‫مرفوعًا‪ ,‬وهو في موطأ مالككك عككن وهككب بككن كيسككان عككن جككابر‬
‫موقوفًا‪ ,‬وهذا أصح وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع‪,‬‬
‫وقد أفرد لها المام أبو عبد الله البخاري مصنفا ً على حدة‪ ,‬واختار‬
‫وجوب القراءة خلف المككام فككي السككرية والجهريككة أيض كًا‪ ,‬واللككه‬
‫ليككة قككوله }وإذا‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عبككاس فككي ا َ‬
‫قرى القرآن فاستمعوا له وأنصتوا{ يعني في الصلة المفروضككة‪,‬‬
‫وكذا روي عن عبد الله بن المغفل‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬حككدثنا حميككد‬
‫بن مسعدة‪ ,‬حدثنا بشر بن المفضل‪ ,‬حككدثنا الجريككري عككن طلحككة‬
‫بن عبيد الله بن كريز قال‪ :‬رأيت عبيد بن عميككر وعطككاء بككن أبككي‬
‫رباح يتحككدثان‪ ,‬والقككاص يقككص‪ ,‬فقلككت‪ :‬أل تسككتمعان إلككى الككذكر‬
‫وتستوجبان الموعود ؟ قال‪ :‬فنظككرا إلككي ثككم أقبل علككى حككديثهما‪,‬‬
‫ي وأقبل على حديثهما‪ ,‬قال‪ :‬فأعدت الثالثة‬ ‫قال‪ :‬فأعدت فنظرا إل ّ‬
‫قال فنظرا إلي فقال‪ :‬إنمكا ذلكك فكي الصكلة }وإذا قكرى القكرآن‬
‫‪886‬‬
‫فاستمعوا له وأنصتوا{ وكذا قال سفيان الثوري عككن أبككي هشككام‬
‫إسككماعيل بككن كككثير عككن مجاهككد فككي قككوله }وإذا قككرى القككرآن‬
‫فاستمعوا له وأنصتوا{ قال‪ :‬في الصلة‪ ,‬وكذا رواه غير واحد عككن‬
‫مجاهد‪ .‬وقال عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد قال‪ :‬ل‬
‫بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلة أن يتكلم‪ ,‬وكذا قال سعيد بككن‬
‫جبير والضحاك وإبراهيم النخعي وقتادة والشعبي والسككدي وعبككد‬
‫الرحمككن بككن زيككد بككن أسككلم‪ :‬أن المككراد بككذلك فككي الصككلة‪.‬‬
‫وقال شعبة عن منصور‪ :‬سمعت إبراهيم بن أبككي حمككزة يحككدث‬
‫لية }وإذا قرى القرآن فاستمعوا‬ ‫أنه سمع مجاهدا ً يقول في هذه ا َ‬
‫له وأنصتوا{ قال‪ :‬في الصكلة والخطبكة يكوم الجمعكة‪ ,‬وككذا روى‬
‫ابن جريج عن عطاء مثله‪ ,‬وقال هشيم عن الربيع بككن صككبيح عككن‬
‫الحسن قال‪ :‬في الصلة وعند الذكر‪ .‬وقال ابن المبارك عن بقية‪:‬‬
‫سمعت ثابت بن عجلن يقول‪ :‬سمعت سعيد بن جككبير يقككول فككي‬
‫قوله }وإذا قرى القرآن فاسككتمعوا لككه وأنصككتوا{ قككال‪ :‬النصككات‬
‫يوم الضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر به المككام مككن‬
‫الصلة‪ ,‬وهذا اختيار ابن جرير أن المككراد مككن ذلككك النصككات فككي‬
‫الصلة وفي الخطبة‪ ,‬كما جاء في الحككاديث مككن المككر بالنصككات‬
‫خلف المام وحال الخطبة‪ .‬وقال عبد الرزاق عن الثوري عن ليث‬
‫عن مجاهد أنه كككره إذا مككر المككام بآيككة خككوف أو بآيككة رحمككة أن‬
‫يقول أحد من خلفه شيئًا‪ ,‬قال‪ :‬السكوت‪ .‬وقال مبارك بن فضككالة‬
‫عن الحسن‪ :‬إذا جلسككت إلككى القككرآن فأنصككت لككه‪ .‬وقككال المككام‬
‫أحمد‪ :‬حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم‪ ,‬حككدثنا عبككاد بككن ميسككرة‬
‫عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال »من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت لككه‬
‫حسنة مضاعفة‪ ,‬ومن تلها كانت له نككورا ً يككوم القيامككة« تفككرد بكه‬
‫المككككككككككام أحمككككككككككد رحمككككككككككه اللككككككككككه تعككككككككككالى‪.‬‬
‫ن ال َْق كوْ ِ‬
‫ل‬ ‫مك َ‬ ‫جهْ كرِ ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫دو َ‬ ‫ة وَ ُ‬ ‫خيَف ً‬‫ضّرعا ً وَ ِ‬ ‫ك تَ َ‬‫س َ‬ ‫ك ِفي ن َْف ِ‬ ‫كر ّرب ّ َ‬ ‫** َواذ ْ ُ‬
‫ك لَ‬‫عن كد َ َرب ّك َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن ال ّك ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫ن ال ْغَككافِِلي َ‬ ‫مك َ‬
‫ن ّ‬ ‫ل وَل َ ت َك ُك ْ‬
‫صا ِ‬ ‫ِبال ْغُد ُوّ َوال َ َ‬
‫ن‬
‫دو َ‬‫ج ُ‬ ‫سككككك ُ‬ ‫ه وَل َككككك ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫حون َ ُ‬ ‫سكككككب ّ ُ‬‫عب َكككككاد َت ِهِ وَي ُ َ‬‫ن ِ‬ ‫ن عَككككك ْ‬ ‫سكككككت َك ْب ُِرو َ‬
‫يَ ْ‬
‫يأمر تعالى بذكره أول النهار وآخره كثيرًا‪ ,‬كما أمر بعبككادته فككي‬
‫هذين الوقتين في قوله }فسبح بحمد ربككك قبككل طلككوع الشككمس‬
‫‪887‬‬
‫وقبل الغروب{ وقد كان هذا قبككل أن تفككرض الصككلوات الخمككس‬
‫ليككة مكيككة‪ .‬وقككال ههنككا‪ :‬بالغككدو‪ ,‬وهككو أول‬‫ليلككة السككراء‪ ,‬وهككذه ا َ‬
‫لصال جمع أصيل كما أن اليمان جمع يمين‪ ,‬وأمككا قككوله‬ ‫النهار‪ ,‬وا َ‬
‫}تضرعا ً وخيفة{ أي اذكر ربك في نفسك رغبة ورهبة وبككالقول ل‬
‫جهرًا‪ ,‬ولهذا قال }ودون الجهككر مككن القككول{ وهكككذا يسككتحب أن‬
‫يكون الذكر ل يكون نداء وجهرا ً بليغًا‪ ,‬ولهذا لما سألوا رسول الله‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم فقككالوا‪ :‬أقريككب ربنككا فننككاجيه‪ ,‬أم بعيككد‬
‫فنناديه ؟ فكأنزل اللكه عككز وجكل }وإذا سكألك عبكادي عنككي فكإني‬
‫قريكككككككككب أجيكككككككككب دعكككككككككوة الكككككككككداع إذا دعكككككككككان{‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي موسى الشعري رضي الله عنككه قككال‪:‬‬
‫رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض السفار‪ ,‬فقككال لهككم النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم »يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم‪ ,‬فككإنكم‬
‫ل تدعون أصم ول غائبا ً إن الذي تدعونه سميع قريكب أقكرب إلكى‬
‫لية كما فككي‬ ‫أحدكم من عنق راحلته« وقد يكون المراد من هذه ا َ‬
‫قوله تعكالى‪} :‬ول تجهكر بصكلتك ول تخكافت بهكا وابتكغ بيكن ذلكك‬
‫ل{ فإن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبوه وسككبوا مككن‬ ‫سبي ً‬
‫أنزله وسبوا من جاء به‪ ,‬فأمره الله تعالى أن ل يجهر به لئل ينككال‬
‫منه المشركون ول يخافت به عككن أصككحابه فل يسككمعهم‪ ,‬وليتخككذ‬
‫ليككة الكريمككة‬‫سبيل ً بيككن الجهككر والسككرار‪ ,‬وكككذا قككال فككي هككذه ا َ‬
‫لصال ول تكككن مككن الغككافلين{‬ ‫}ودون الجهر من القول بالغدو وا َ‬
‫وقد زعم ابن جرير وقبله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن المراد‬
‫بهككا أمككر السككامع للقككرآن فككي حككال اسككتماعه بالككذكر علككى هككذه‬
‫الصفة‪ .‬وهذا بعيد مناف للنصات المأمور به‪ ,‬ثم إن المككراد بككذلك‬
‫في الصلة كما تقدم أو في الصلة والخطبة‪ ,‬ومعلوم أن النصات‬
‫إذ ذاك أفضل من الذكر باللسان‪ ,‬سواء كان سككرا ً أو جهككرًا‪ ,‬فهككذا‬
‫الذي قاله لم يتابعا عليه‪ ,‬بل المراد الحض على كثرة الككذكر مككن‬
‫لصككال‪ ,‬لئل يكونككوا مككن الغككافلين‪ ,‬ولهككذا مككدح‬ ‫العبككاد بالغككدو وا َ‬
‫الملئكة الذين يسبحون الليل والنهار ل يفترون‪ ,‬فقال }إن الككذين‬
‫عنككد ربككك ل يسككتكبرون عككن عبككادته{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وإنمككا ذكرهككم بهككذا‬
‫ليقتدى بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم‪ ,‬ولهذا شرع لنككا السككجود‬
‫ههنا لما ذكر سجودهم لله عز وجككل‪ ,‬كمككا جككاء فككي الحككديث »أل‬
‫تصفون كما تصف الملئكة عند ربها يتمون الصفوف الول فالول‬
‫‪888‬‬
‫ويتراصون في الصف« وهذه أول سجدة في القككرآن ممككا يشككرع‬
‫لتاليها ومستمعها السجود بالجماع‪ ,‬وقد ورد في حديث رواه ابككن‬
‫ماجه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسككلم أنككه عككدها‬
‫فكككككككككككككككككككككي سكككككككككككككككككككككجدات القكككككككككككككككككككككرآن‪.‬‬
‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككككورة النفككككككككككككككككككككككككككككككككككككال‬
‫وهككي مدنيككة‪ .‬آياتهككا سككبعون وسككت آيككات‪ .‬كلماتهككا ألككف كلمككة‬
‫وستمائة كلمة وإحدى وثلثون كلمة‪ .‬حروفها خمسة آلف ومائتان‬
‫وأربعكككككككككة وتسكككككككككعون حرفكككككككككا ً واللكككككككككه أعلكككككككككم‪.‬‬
‫حيككككككككككككككم ِ‬
‫ن الّر ِ‬ ‫سككككككككككككككم ِ الل ّككككككككككككككهِ الّر ْ‬
‫حمـكككككككككككككك ِ‬ ‫بِ ْ‬
‫ه‬‫ل فَككات ُّقوا ْ الل ّك َ‬ ‫ل لّلكهِ َوالّر ُ‬

‫سككو ِ‬ ‫ل النَفككا ُ‬ ‫ل ق ُك ِ‬ ‫ن الن َْفككا ِ‬ ‫ِ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬
‫ك عَ‬ ‫** ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬‫م كؤ ْ ِ‬
‫كنت ُككم ّ‬‫ه ِإن ُ‬‫سككول َ ُ‬
‫ه وََر ُ‬‫طيعُككوا ْ الل ّك َ‬‫م وَأ ِ‬ ‫ت ب ِي ْن ِك ُك ْ‬ ‫حوا ْ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ص كل ِ ُ‬
‫وَأ ْ‬
‫قال البخاري‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬النفال المغانم‪ ,‬حدثنا محمد بككن‬
‫عبد الرحيم حدثنا سككعيد بككن سككليمان‪ ,‬أخبرنككا هشككيم أخبرنككا أبككو‬
‫بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبير قال‪ :‬قلت لبن عباس رضي اللككه عنهمككا‬
‫سورة النفال قال‪ :‬نزلت في بدر‪ .‬أما مككا علقككه عككن ابككن عبككاس‬
‫فكذلك رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قككال‪ :‬النفككال‬
‫الغنائم‪ ,‬كانت لرسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم خالصككة ليككس‬
‫لحد منها شككيء‪ ,‬وكككذا قككال مجاهككد وعكرمككة وعطككاء والضككحاك‬
‫وقتادة وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيككد‬
‫بن أسلم وغير واحد أنها المغانم‪ ,‬وقككال الكلككبي‪ ,‬عككن أبككي صككالح‬
‫عككن ابككن عبككاس أنككه قككال‪ :‬النفككال الغنككائم‪ ,‬قككال فيهككا لبيككد‪:‬‬
‫إن تقكككككوى ربنكككككا خيكككككر نفلوبكككككإذن اللككككه ريكككككثى وعجكككككل‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن‬
‫أنس عن ابن شهاب عن القاسككم بككن محمككد قككال‪ :‬سككمعت رجل ً‬
‫يسأل ابن عباس عن النفال‪ ,‬فقال ابن عباس رضي الله عنهمككا‪:‬‬
‫الفرس من النفل والسلب من النفل‪ .‬ثم عاد لمسألته فقككال ابككن‬
‫عباس ذلك أيضا ً ثم قال الرجل‪ :‬النفال التي قال اللككه فككي كتككابه‬
‫ما هي ؟ قال القاسم فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه‪ ,‬فقال ابككن‬
‫عباس‪ :‬أتككدرون مككا مثككل هككذا مثككل صككبيغ الككذي ضككربه عمككر بككن‬
‫الخطاب‪ .‬وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن القاسككم‬
‫‪889‬‬
‫بن محمد قال‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬كان عمر بن الخطاب رضي اللككه‬
‫عنه‪ :‬إذا سئل عككن شككيء قككال ل آمككرك ول أنهككاك‪ .‬ثككم قككال ابككن‬
‫عباس‪ :‬والله ما بعث الله نبيه صككلى اللككه عليككه وسككلم إل زاجككرا ً‬
‫آمرا ً محلل ً محرمًا‪ .‬قكال القاسكم فسكلط علكى ابكن عبكاس رجكل‬
‫فسأله عن النفكال فقككال ابكن عبكاس‪ :‬ككان الرجكل ينفككل فكرس‬
‫الرجل وسلحه‪ ,‬فأعاد عليه الرجل فقككال لككه مثككل ذلككك‪ ,‬ثككم عككاد‬
‫عليه حتى أغضبه‪ ,‬فقال ابن عباس‪ :‬أتدرون مككا مثككل هككذا ؟ مثككل‬
‫صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب حتى سالت الدماء على عقبيه‬
‫أو على رجليه‪ ,‬فقال الرجل أما أنت فقد انتقككم اللككه لعمككر منككك‪.‬‬
‫وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس‪ ,‬أنه فسر النفل بما ينفله المام‬
‫لبعض الشخاص من سلب أو نحوه بعد قسم أصككل المغنككم وهككو‬
‫المتبادر إلى فهم كثير من الفقهاء من لفككظ النفككل‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد‪ :‬إنهم سككألوا رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم عن الخمس بعد الربعككة مككن الخمككاس‪ ,‬فنزلككت‬
‫}يسألونك عن النفال{ وقال ابن مسعود ومسروق‪ :‬ل نفككل يككوم‬
‫الزحف‪ ,‬إنمككا النفككل قبككل التقككاء الصككفوف‪ ,‬رواه ابككن أبككي حككاتم‬
‫عنهما‪ ,‬وقال ابن المبككارك وغيككر واحككد عككن عبككد الملككك بككن أبككي‬
‫لية }يسألونك عن النفككال{‬ ‫سليمان عن عطاء بن أبي رباح في ا َ‬
‫قال يسألونك فيما شذ من المشككركين إلككى المسككلمين فككي غيككر‬
‫قتال‪ ,‬من دابة أو عبد أو أمة أو متاع فهككو نفككل للنككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم يصنع بككه مككا يشككاء‪ ,‬وهككذا يقتضككي أنككه فسككر النفككال‬
‫بالفيء وهو ما أخذ من الكفار من غير قتال‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬هي أنفال السرايا حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حككدثنا‬
‫علي بن صالح بن حيي‪ ,‬قال بلغني فككي قككوله تعككالى‪} :‬يسككألونك‬
‫عن النفال{ قككال السكرايا‪ ,‬ومعنككى هككذا مكا ينفلكه المكام لبعكض‬
‫السرايا زيادة على قسكمهم مككع بقيككة الجيكش‪ .‬وقكد صككرح بككذلك‬
‫الشعبي‪ ,‬واختار ابن جرير أنها زيادة على القسم‪ ,‬ويشهد لذلك ما‬
‫لية وهو ما رواه المككام أحمككد‪ ,‬حيككث قككال‪:‬‬ ‫ورد في سبب نزول ا َ‬
‫حدثنا أبو معاوية حدثنا أبو إسحاق الشيباني عككن محمككد بككن عبيككد‬
‫الله الثقفي عن سعد بن أبي وقاص قال‪ :‬لما كان يوم بككدر وقتككل‬
‫أخي عمير قتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه‪ ,‬وكان يسككمى ذا‬
‫الكتيفة‪ ,‬فأتيت به النككبي صككلى اللككه عليككه وسكلم فقككال‪» :‬اذهككب‬
‫‪890‬‬
‫فاطرحه في القبض« قال فرجعت وبي مككال يعلمككه إل اللككه‪ ,‬مككن‬
‫قتل أخي وأخذ سككلبي‪ ,‬قككال فمككا جككاوزت إل يسككيرا ً حككتى نزلككت‬
‫سككورة النفككال‪ ,‬فقككال لككي رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»اذهككككككككككككككككككككب فخككككككككككككككككككككذ سككككككككككككككككككككلبك«‪.‬‬
‫وقال المام أحمد أيضًا‪ :‬حدثنا أسود بككن عككامر‪ ,‬أخبرنككا أبككو بكككر‬
‫عن عاصم بن أبي النجككود عككن مصككعب بككن سككعد عككن سككعد بككن‬
‫مالككك‪ ,‬قككال‪ :‬قلككت يككا رسككول اللككه قككد شككفاني اللككه اليككوم مككن‬
‫المشركين‪ ,‬فهب لي هذا السيف‪ ,‬فقال‪» :‬إن هككذا السككيف ل لككك‬
‫ول لي‪ ,‬ضعه« قال‪ :‬فوضعته‪ ,‬ثم رجعت فقلت‪ :‬عسككى أن يعطككي‬
‫هذا السيف من ل يبلي بلئي‪ ,‬قال‪ :‬فإذا رجل يدعوني مككن ورائي‬
‫ي شككيئا ً ؟ قككال‪ :‬كنككت سككألتني السككيف‬ ‫قال‪ :‬قلت قد أنزل الله ف ّ‬
‫وليس هو لي‪ ,‬وإنه قد وهب لي‪ ,‬فهو لك‪ .‬قكال‪ :‬وأنكزل اللكه هكذه‬
‫لية }يسألونك عن النفال قل النفال لله والرسول{‪ .‬ورواه أبككو‬ ‫ا َ‬
‫داود والترمذي والنسائي من طرق عن أبككي بكككر بككن عيككاش بككه‪,‬‬
‫وقال الترمذي‪ :‬حسككن صككحيح‪ ,‬وهكككذا رواه أبككو داود الطيالسككي‪,‬‬
‫أخبرنا شعبة أخبرنا سماك بن حرب قال سمعت مصعب بن سعد‬
‫ي أربع آيات‪ ,‬أصبت سيفا ً يوم بككدر‬ ‫يحدث عن سعد‪ ,‬قال‪ :‬نزلت ف ّ‬
‫فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت نفلنيه‪ ,‬فقال »ضعه من‬
‫حيث أخذته« مرتين‪ ,‬ثم عاودته فقال النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لية }يسألونك عن النفال{‬ ‫»ضعه من حيث أخذته« فنزلت هذه ا َ‬
‫لية وتمام الحديث‪ ,‬في نزول }ووصينا النسككان بوالككديه حسككنًا{‬ ‫ا َ‬
‫وقككوله تعككالى‪} :‬إنمككا الخمككر والميسككر{ وآيككة الوصككية وقككد رواه‬
‫مسلم في صحيحه من حديث شعبة به‪ ,‬وقال محمد بككن إسككحاق‪:‬‬
‫حدثني عبد الله بن أبي بكر عن بعض بني سككاعدة قككال‪ :‬سككمعت‬
‫أبا أسيد مالك بن ربيعة يقول‪ :‬أصبت سككيف ابككن عككائذ يككوم بككدر‪,‬‬
‫وكان السيف يدعى بالمرزبان‪ ,‬فلما أمر رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم الناس أن يردوا ما في أيديهم مككن النفككل‪ ,‬أقبلككت بككه‬
‫فألقيته في النفل‪ ,‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ل يمنع‬
‫شككيئا ً يسككأله‪ ,‬فككرآه الرقككم بككن أبككي الرقككم المخزومككي‪ ,‬فسككأله‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إيككاه‪ ,‬ورواه ابككن جريككر‬
‫مككككككككككككككككككككككككن وجككككككككككككككككككككككككه آخككككككككككككككككككككككككر‪.‬‬
‫‪891‬‬
‫)سكككككككككككبب آخكككككككككككر فكككككككككككي نكككككككككككزول ا َ‬
‫ليكككككككككككة(‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا محمد بن سلمة عن ابككن إسككحاق عككن‬
‫عبد الرحمن عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبككي أمامككة‬
‫قال‪ :‬سألت عبادة عن النفال فقال‪ :‬فينا أصحاب بدر‪ ,‬نزلت حين‬
‫اختلفنا في النفل وسككاءت فيككه أخلقنككا فككانتزعه اللككه مككن أيككدينا‬
‫وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم بين المسلمين‪ ,‬عن بواء يقول عككن سككواء‪.‬‬
‫وقال المام أحمد أيضكًا‪ :‬حككدثنا أبككو معاويككة بككن عمككر أخبرنككا أبككو‬
‫إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللككه بككن عيككاش بككن‬
‫أبي ربيعة‪ ,‬عن سليمان بن موسى عن أبي سلمة عن أبي أمامككة‬
‫عن عبادة بن الصامت‪ ,‬قال‪ :‬خرجنككا مككع رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم فشهدت معه بدرًا‪ ,‬فالتقى الناس‪ ,‬فهككزم اللككه تعككالى‬
‫العدو‪ ,‬فانطلقت طائفككة فككي آثككارهم يهزمككون ويقتلككون‪ ,‬وأقبلككت‬
‫طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه‪ ,‬وأحدقت طائفة برسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ل يصيب العدو منه غرة‪ ,‬حتى إذا كككان‬
‫الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض‪ ,‬قككال الككذين جمعككوا الغنككائم‪:‬‬
‫نحن حويناها فليس لحد فيها نصيب‪,‬وقال الذين خرجوا في طلب‬
‫العدو‪ :‬لستم بأحق به منا‪ ,‬نحن منعنا عنه العدو وهزمنككاهم‪ ,‬وقككال‬
‫الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬خفنا أن يصككيب‬
‫العدو منه غرة فاشتغلنا به‪ ,‬فنزلككت }يسككألونك عككن النفككال قككل‬
‫النفال لله والرسول فاتقوا الله وأصككلحوا ذات بينكككم{ فقسككمها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم بيككن المسككلمين وكككان رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إذا أغككار فككي أرض العككدو نفككل الربككع‪,‬‬
‫فإذا أقبل راجعا ً نفل الثلث‪ ,‬وككان يككره النفكال‪ ,‬ورواه الترمكذي‬
‫وابن ماجه من حديث سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث‬
‫به نحوه‪ ,‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسككن‪ ,‬ورواه ابككن حبككان فككي‬
‫صككحيحه والحكاكم فككي مسكتدركه‪ ,‬مكن حكديث عبككد الرحمككن بكن‬
‫الحارث‪ ,‬وقال الحاكم‪ :‬صككحيح السككناد علككى شككرط مسككلم ولككم‬
‫يخرجككاه‪ ,‬وروى أبككو داود والنسككائي وابككن جريككر وابككن مردويككه‬
‫واللفظ له‪ ,‬وابن حبان والحاكم من طرق عككن داود بككن أبككي هنككد‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬لما كككان يككوم بككدر قككال رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »من صككنع كككذا وكككذا فلككه كككذا وكككذا«‬
‫‪892‬‬
‫فتسارع في ذلك شبان القوم وبقي الشيوخ تحكت الرايكات‪ ,‬فلمكا‬
‫كانت المغانم جاؤوا يطلبون الككذي جعككل لهككم‪ ,‬فقككال الشككيوخ‪ :‬ل‬
‫تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا ً لكم لو انكشفتم لفئتم إلينا‪ .‬فتنككازعوا‬
‫فأنزل الله تعالى‪} :‬يسألونك عن النفال ك إلككى قككوله ك ك وأطيعككوا‬
‫الله ورسوله إن كنتم مؤمنين{‪ .‬وقال الثوري عن الكلبي عن أبي‬
‫صالح عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬لمككا كككان يككوم بككدر قككال رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم »من قتل قككتيل ً فلككه كككذا وكككذا‪ ,‬ومككن أتككى‬
‫أسيرا ً فله كذا وكذا«‪ .‬فجاء أبو اليسر بأسيرين فقككال‪ :‬يككا رسككول‬
‫الله صلى الله عليك‪ ,‬أنت وعدتنا‪ ,‬فقام سعد بن عبككادة فقككال‪ :‬يككا‬
‫رسول الله‪ ,‬إنك لو أعطيت هؤلء لم يبق لصحابك شيء‪ ,‬وإنه لم‬
‫يمنعنا من هذا زهادة في الجر‪ ,‬ول جبككن عككن العككدو‪ ,‬وإنمككا قمنككا‬
‫هذا المقام محافظة عليك مخافة أن يأتوك من ورائك‪ ,‬فتشاجروا‬
‫ونزل القرآن }يسألونك عن النفال قل النفككال للككه والرسككول{‪,‬‬
‫قككال ونككزل القككرآن }واعلمككوا أنمككا غنمتككم مككن شككيء فككأن للككه‬
‫خمسه{ إلى آخر ا َ‬
‫لية‪ ,‬وقككال المككام أبككو عبيككد اللككه القاسككم بككن‬
‫سككلم‪ ,‬رحمككه اللككه‪ ,‬فككي كتككاب المككوال الشككرعية وبيككان جهاتهككا‬
‫ومصارفها‪ ,‬أما النفال فهي المغانم وكل نيل ناله المسلمون مككن‬
‫أموال أهل الحرب‪ ,‬فكانت النفال الولى لرسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ ,‬يقول الله تعالى‪} :‬يسألونك عن النفال قككل النفككال‬
‫لله والرسول{‪ ,‬فقسمها يوم بدر على مككا أراه اللككه مككن غيككر أن‬
‫يخمسها على ما ذكرناه في حديث سعد‪ ,‬ثم نزلككت بعككد ذلككك آيككة‬
‫الخمس فنسخت الولى‪ ,‬قلت هكذا روى علي بن أبي طلحة عككن‬
‫ابن عباس سواء‪ ,‬وبه قال مجاهكد وعكرمكة والسكدي‪ .‬وقكال ابكن‬
‫زيد‪ :‬ليست منسوخة بل هي محكمة‪ ,‬قال أبو عبيد وفي ذلك آثار‪,‬‬
‫والنفال أصلها جماع الغنائم‪ ,‬إل أن الخمس منها مخصوص لهلككه‬
‫على ما نزل به الكتاب وجرت به السنة‪ ,‬ومعنى النفال فككي كلم‬
‫ل‪ ,‬من غير أن يجب ذلك عليه‪,‬‬ ‫العرب كل إحسان فعله فاعل تفض ً‬
‫فذلك النفل الذي أحله الله للمؤمنين من أموال عدوهم‪ ,‬وإنما هو‬
‫شيء خصككهم اللككه بككه تطككول ً منككه عليهككم بعككد أن كككانت الغنككائم‬
‫محرمة على المم قبلهم‪ ,‬فنفلها الله تعالى هذه المة‪ ,‬فهذا أصل‬
‫النفل‪ ,‬قلت‪ :‬شاهد هذا ما في الصككحيحين عككن جككابر رضككي اللككه‬
‫عنه‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬أعطيت خمسككا ً‬
‫‪893‬‬
‫لم يعطهن أحد قبلي ك فذكر الحديث إلككى أن قككال ك ك وأحلككت لككي‬
‫الغنائم ولم تحل لحد قبلي«‪ .‬وذكككر تمككام الحككديث‪ ,‬ثككم قككال أبككو‬
‫ل‪ ,‬وهو تفضيله بعض‬ ‫عبيد‪ :‬ولهذا سمى ما جعل المام للمقاتلة نف ً‬
‫الجيش على بعض بشيء سوى سهامهم يفعل ذلك بهم على قدر‬
‫الغناء عن السلم والنكايككة فككي العككدو‪ ,‬وفككي النفككل الككذي ينفلككه‬
‫المام سنن أربع لكككل واحككدة منهككن موضككع غيككر موضككع الخككرى‬
‫)فإحداهن( في النفل ل خمس فيه وذلك السلب‪) ,‬والثانية( النفل‬
‫الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمككس وهككو أن يككوجه المككام‬
‫السرايا في أرض الحككرب‪ ,‬فتككأتي بالغنككائم‪ ,‬فيكككون للسككرية ممككا‬
‫جاءت به الربع أو الثلث بعد الخمككس‪) ,‬والثالثككة( فككي النفككل مككن‬
‫الخمس نفسه‪ ,‬وهو أن تحاز الغنيمة كلها‪ ,‬ثككم تخمككس فككإذا صككار‬
‫الخمس في يدي المام‪ ,‬نفل منه على قككدر مككا يككرى‪) .‬والرابعككة(‬
‫في النفل في جملة الغنيمة قبل أن يخمس منهككا شككيء‪ ,‬وهككو أن‬
‫يعطي الدلء ورعاة الماشية والسواق لها‪ .‬وفي كل ذلك اختلف‪.‬‬
‫قال الربيع‪ :‬قال الشافعي‪ :‬النفال أن ل يخرج من رأس الغنيمة‬
‫قبل الخمس شيء غير السلب‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬والوجه الثككاني مككن‬
‫النفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم وذلك من خمككس النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فإن لككه خمككس الخمككس مككن كككل غنيمككة‪,‬‬
‫فينبغي للمام أن يجتهد‪ ,‬فإذا كثر العككدو واشككتدت شككوكتهم وقككل‬
‫من بإزائه من المسلمين‪ ,‬نفل منه اتباعا ً لسنة رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم وإذا لم يكن ذلك لم ينفل‪) ,‬والككوجه الثككالث( مككن‬
‫النفل إذا بعث المام سرية أو جيشا ً فقككال لهككم قبككل اللقككاء مككن‬
‫غنم شيئًا‪ ,‬فهو له‪ ,‬بعد الخمس فهو لهككم علككى مككا شككرط المككام‪,‬‬
‫لنهم على ذلك غزوا وبه رضككوا‪ ,‬انتهككى كلمككه‪ .‬وفيمككا تقككدم مككن‬
‫كلمه وهو قوله‪ :‬إن غنائم بدر لم تخمس نظر‪ .‬ويرد عليككه حككديث‬
‫علي بن أبي طالب‪ ,‬في شارفيه اللذين حصل له من الخمس يوم‬
‫بدر‪ ,‬وقد بينت ذلك فكي كتكاب السكيرة بيانكا ً شكافيًا‪ ,‬وللكه الحمكد‬
‫والمنة‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم{ أي اتقككوا‬
‫الله في أموركم وأصلحوا فيما بينكم ول تظالموا ول تخاصموا ول‬
‫تشاجروا فما آتاكم الله مككن الهككدى والعلككم خيككر ممككا تختصككمون‬
‫بسببه }وأطيعوا اللككه ورسككوله{ أي فككي قسككمه بينكككم علككى مككا‬
‫أراده الله‪ ,‬فإنه إنما يقسمه كما أمره الله من العككدل والنصككاف‪,‬‬
‫‪894‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬هذا تحريج من الله ورسوله أن يتقككوا ويصككلحوا‬
‫ذات بينهم وكذا قال مجاهد‪ ,‬وقال السدي }فاتقوا اللككه وأصككلحوا‬
‫ذات بينكم{ أي لتستبوا‪ .‬ولنككذكر ههنككا حككديثا ً أورده الحككافظ أبككو‬
‫يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي رحمه الله ‪ ,‬في مسككنده‬
‫فإنه قال‪ :‬حدثنا مجاهد بن موسى‪ ,‬حدثنا عبد الله بن بكككر‪ ,‬حككدثنا‬
‫عباد بن شيبة الحبطي عن سعيد بن أنكس عكن أنكس رضكي اللكه‬
‫عنه قال‪ :‬بينا رسول الله صلى الله عليه وسككلم جككالس إذ رأينككاه‬
‫ضحك حتى بدت ثناياه‪ ,‬فقال عمككر‪ :‬مككا أضككحكك يككا رسككول اللككه‬
‫بأبي أنت وأمكي ؟ فقككال‪» :‬رجلن مكن أمكتي جثيككا بيكن يككدي رب‬
‫العزة تبارك وتعالى‪ ,‬فقال أحدهما‪ :‬يا رب خككذ لككي مظلمككتي مككن‬
‫أخي‪ .‬فقال الله تعالى‪ ,‬أعط أخاك مظلمته‪ ,‬قال‪ :‬يككا رب لككم يبككق‬
‫من حسناتي شيء قككال‪ :‬رب فليحمككل عنككي مككن أوزاري«‪ .‬قككال‪:‬‬
‫ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليككه وسككلم بالبكككاء ثككم قككال‬
‫»إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم مككن‬
‫أوزارهككم‪ ,‬فقككال اللككه تعككالى للطككالب‪ :‬ارفككع بصككرك وانظككر فككي‬
‫الجنان فرفع رأسه فقال‪ :‬يا رب أرى مككدائن مككن فضككة وقصككورا ً‬
‫من ذهكب مكللكة بكاللؤلؤ‪ ,‬لي نكبي هكذا ؟ لي صكديق هكذا ؟ لي‬
‫شهيد هذا ؟ قككال‪ :‬هككذا لمككن أعطككى ثمنككه‪ ,‬قككال رب ومككن يملكك‬
‫ثمنه ؟ قال أنت تملكه‪ ,‬قال‪ :‬ماذا يا رب ؟ قال‪ :‬تعفو عن أخيككك‪,‬‬
‫قال‪ :‬يا رب‪ ,‬فإني قد عفوت عنه‪ ,‬قال الله تعالى‪ :‬خذ بيككد أخيككك‪,‬‬
‫فادخل الجنة«‪ .‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »فككاتقوا‬
‫الله وأصلحوا ذات بينكم‪ ,‬فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم‬
‫القيامككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة«‪.‬‬
‫ت‬ ‫م وَإ ِ َ‬
‫ذا ت ُل ِي َك ْ‬ ‫ت قُل ُككوب ُهُ ْ‬ ‫جل َك ْ‬‫ه وَ ِ‬ ‫ذا ذ ُك ِكَر الل ّك ُ‬ ‫ن إِ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّك ِ‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬‫** إ ِن ّ َ‬
‫ن‬‫مككو َ‬ ‫ن ي ُِقي ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * ال ّك ِ‬ ‫م ي َت َوَك ّل ُككو َ‬‫ى َرب ّهِك ْ‬‫َ‬
‫مانا ً وَعَل َ‬‫م ِإي َ‬ ‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬ ‫م آَيات ُ ُ‬‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫حّق كا ً ل ّهُ ك ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫من ُككو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ك ُ‬ ‫ن * أ ُوَْلـئ ِ َ‬ ‫فُقو َ‬ ‫م ُين ِ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫صل َةَ وَ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬
‫ريكككككككك ٌ‬ ‫مغِْفككككككككَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫عنككككككككد َ َرب ّهِكككككككك ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جككككككككا ٌ‬ ‫د ََر َ‬
‫قككال علككي بككن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس فككي قككوله }إنمككا‬
‫المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم{‪ .‬قككال‪ :‬المنككافقون ل‬
‫يدخل قلوبهم شيء من ذكر اللككه عنككد أداء فرائضككه‪ .‬ول يؤمنككون‬
‫‪895‬‬
‫بشيء من آيات الله ول يتوكلون ول يصككلون إذا غككابوا ول يككؤدون‬
‫زكاة أموالهم‪ ,‬فأخبر الله تعالى أنهم ليسككوا بمككؤمنين‪ ,‬ثككم وصككف‬
‫الله المؤمنين فقال }إنمكا المؤمنكون الكذين إذا ذككر اللكه وجلكت‬
‫قلوبهم{ فأدوا فرائضكه }وإذا تليككت عليهككم آيكاته زادتهككم إيمانكًا{‬
‫يقول زادتهككم تصككديقا ً }وعلككى ربهككم يتوكلككون{ يقككول ل يرجككون‬
‫غيره‪ .‬وقال مجاهد }وجلت قلوبهم{ فرقككت أي فزعككت وخككافت‪,‬‬
‫وكذا قال السدي وغير واحد‪ ,‬وهككذه صككفة المككؤمن حككق المككؤمن‬
‫الذي إذا ذكر الله وجل قلبه أي خاف منككه‪ ,‬ففعككل أوامككره وتككرك‬
‫زواجككره‪ ,‬كقككوله تعككالى‪} :‬والككذين إذا فعلككوا فاحشككة أو ظلمككوا‬
‫أنفسهم ذكروا الله‪ ,‬فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إل الله‬
‫ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمككون{‪ ,‬وكقككوله تعككالى‪} :‬وأمككا‬
‫من خاف مقام ربه ونهككى النفككس عككن الهككوى * فككإن الجنككة هككي‬
‫المأوى{ ولهذا قال سككفيان الثككوري‪ :‬سككمعت السككدي يقككول فككي‬
‫قوله تعالى‪} :‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلككت قلككوبهم{‪.‬‬
‫قال‪ :‬هو الرجل يريد أن يظلم أو قال يهم بمعصية فيقال له‪ :‬اتككق‬
‫الله فيجل قلبه‪ ,‬وقال الثوري أيضا ً عن عبككد اللككه بككن عثمككان بككن‬
‫م الككدرداء فككي قككوله }إنمككا‬ ‫خككثيم عككن شككهر بككن حوشككب عككن أ ّ‬
‫المؤمنون الذين إذا ذكر اللككه وجلككت قلككوبهم{ قككال‪ :‬الوجككل فككي‬
‫القلب كاحتراق السعفة‪ ,‬أما تجد له قشعريرة ؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قالت‪:‬‬
‫إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك‪ ,‬فإن الدعاء يذهب ذلك‪ ,‬وقوله‬
‫}وإذا تليت عليهم آيكاته زادتهككم إيمانكًا{‪ ,‬كقككوله }وإذا مككا أنزلككت‬
‫سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا ً ؟ فأما الككذين آمنككوا‬
‫فزادتهم إيمانا ً وهم يستبشرون{‪ .‬وقد استدل البخاري وغيره من‬
‫ليككة وأشككباهها علككى زيككادة اليمككان وتفاضككلة فككي‬ ‫الئمككة بهككذه ا َ‬
‫القلوب‪ ,‬كما هو مذهب جمهور المة‪ ,‬بل قد حكككى الجمككاع عليككه‬
‫غير واحد من الئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبككي عبيككد‪ ,‬كمككا‬
‫بينا ذلك مستقصى في أول شرح البخككاري‪ ,‬وللككه الحمككد والمنككة‪,‬‬
‫}وعلى ربهم يتوكلون { أي ل يرجون سواه ول يقصككدون إل إيككاه‬
‫ول يلوذون إل بجنابه‪ ,‬ول يطلبون الحوائج إل منككه‪ ,‬ول يرغبككون إل‬
‫إليككه‪ ,‬ويعلمككون أنككه مككا شككاء كككان‪ ,‬ومككا لككم يشككأ لككم يكككن‪ ,‬وأنككه‬
‫المتصرف في الملك‪ ,‬وحده ل شريك له ول معقككب لحكمككه وهككو‬
‫سريع الحساب‪ ,‬ولهذا قال سعيد بن جبير‪ :‬التوكل على الله جماع‬
‫‪896‬‬
‫اليمان‪ .‬وقوله }الذين يقيمككون الصككلة وممككا رزقنككاهم ينفقككون{‬
‫ينبه تعالى بذلك على أعمالهم بعدما ذكر اعتقادهم وهذه العمال‬
‫تشمل أنواع الخير كلها‪ ,‬وهو إقامة الصلة وهككو حككق اللككه تعككالى‪,‬‬
‫وقككال قتككادة‪ :‬إقامككة الصككلة المحافظككة علككى مواقيتهككا ووضككوئها‬
‫وركوعها وسجودها‪ ,‬وقككال مقاتككل بككن حيككان‪ :‬إقامتهككا المحافظككة‬
‫على مواقيتها وإسباغ الطهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلوة‬
‫القرآن فيها والتشهد والصلة على النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫هذا إقامتها‪ ,‬والنفاق مما رزقهم الله يشمل إخراج الزكاة وسككائر‬
‫الحقوق للعباد مككن واجككب ومسككتحب‪ .‬والخلككق كلهككم عيككال اللككه‬
‫فأحبهم إلككى اللككه أنفعهككم لخلقككه‪ .‬قككال قتككادة فككي قككوله }وممككا‬
‫رزقناهم ينفقون{‪ ,‬فأنفقوا مما رزقكككم اللككه فإنمككا هككذه المككوال‬
‫عككككواري وودائع عنككككدك يككككا ابككككن آدم أوشكككككت أن تفارقهككككا‪.‬‬
‫وقوله }أولئك هم المؤمنون حقًا{‪ ,‬أي المتصفون بهذه الصفات‬
‫هم المؤمنون حق اليمان‪ .‬وقال الحافظ أبككو القاسككم الطككبراني‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي‪ ,‬حدثنا أبو كريب حدثنا زيد بن‬
‫الحباب‪ ,‬حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد السكسكي عككن سككعيد‬
‫بن أبي هلل عن محمد بككن أبككي الجهككم‪ ,‬عككن الحككارث بككن مالككك‬
‫النصاري‪ ,‬أنه مر برسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فقككال لككه‪:‬‬
‫»كيف أصبحت يا حارث ؟« قال‪ :‬أصبحت مؤمنا ً حقًا‪ ,‬قال‪» :‬انظر‬
‫ما تقول‪ ,‬فإن لكل شيء حقيقككة‪ ,‬فمككا حقيقككة إيمانككك ؟« فقككال‪:‬‬
‫عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلككي وأظمككأت نهككاري‪ ,‬وكككأني‬
‫أنظر إلى عرش ربي بارزًا‪ ,‬وكأني أنظر إلى أهل الجنة يككتزاورون‬
‫فيها‪ ,‬وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها‪ .‬فقال‪» :‬يككا حككارث‬
‫عرفت فالزم« ثلثًا‪ .‬وقال عمرو بن مرة في قوله تعالى‪} :‬أولئك‬
‫هم المؤمنون حقًا{ إنما أنزل القرآن بلسان العككرب كقولككك فلن‬
‫سيد حقًا‪ ,‬وفي القوم سادة‪ .‬وفلن تاجر حقًا‪ ,‬وفككي القككوم تجككار‪.‬‬
‫وفلن شاعر حقًا‪ ,‬وفي القوم شعراء‪ .‬وقككوله }لهككم درجككات عنككد‬
‫ربهم{ أي منازل ومقامات ودرجات في الجنات كما قككال تعككالى‪:‬‬
‫}هم درجات عند الله واللككه بصككير بمككا يعملككون{ }ومغفككرة{ أي‬
‫يغفر لهم السيئات ويشكر لهم الحسنات‪ .‬وقال الضحاك في قوله‬
‫}لهم درجات عند ربهم{ أهل الجنككة بعضككهم فككوق بعككض‪ ,‬فيككرى‬
‫الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه‪ ,‬ول يككرى الككذي هكو‬
‫‪897‬‬
‫أسفل منه أنككه فضككل عليككه أحككد‪ ,‬ولهككذا جككاء فككي الصككحيحين أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »إن أهل عليين ليراهم من‬
‫أسككفل منهككم كمككا تككرون الكككوكب الغككابر فككي أفككق مككن آفككاق‬
‫السماء«‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬تلك منازل النبياء ل ينالها غيرهككم‬
‫فقككال‪» :‬بلككى والككذي نفسككي بيككده‪ ,‬لرجككال آمنككوا بككالله وصككدقوا‬
‫لخككر الككذي رواه المككام أحمككد وأهككل‬ ‫المرسلين«‪ .‬وفي الحديث ا َ‬
‫السنن من حديث أبي عطية عن ابن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم »إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات‬
‫العلى كما تراءون الكوكب الغابر فككي أفككق السككماء وإن أبككا بكككر‬
‫وعمكككككككككككككككككككككر منهكككككككككككككككككككككم وأنعمكككككككككككككككككككككا«‪.‬‬
‫ن‬‫مِني َ‬ ‫مكؤْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫مك َ‬ ‫ريقكا ً ّ‬ ‫ن فَ َِ‬‫حقّ وَإ ِ ّ‬ ‫ك ِبكال ْ َ‬ ‫مكن ب َي ِْتك َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك َرّبك َ‬
‫ج َ‬ ‫خَر َ‬ ‫مآ أ َ ْ‬‫** ك َ َ‬
‫ن إ ِل َككى‬ ‫سككاُقو َ‬ ‫مككا ي ُ َ‬ ‫ن ك َأن ّ َ‬
‫ما ت َب َي ّك َ‬‫حقّ ب َعْكد َ َ‬ ‫ك ِفي ال ْ َ‬ ‫جادُِلون َ َ‬‫ن * يُ َ‬ ‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫لَ َ‬
‫م‬ ‫ككك ْ‬‫ن أ َن َّها ل َ ُ‬ ‫ّ‬
‫دى الطائ ِ ََفت ِي ْ ِ‬ ‫ح َ‬‫ه إِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن * وَإ ِذ ْ ي َعِد ُك ُ ُ‬ ‫م َينظ ُُرو َ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وتودو َ‬
‫ق‬
‫حكك ّ‬ ‫حقّ ال َ‬ ‫ه أن ي ُ ِ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫شوْك َةِ ت َ ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬‫ن غَي َْر َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ََ َ ّ َ‬
‫ل وَل َك ْ‬
‫و‬ ‫ل ال َْباط ِك َ‬ ‫حقّ وَي ُب ْط ِك َ‬ ‫حق ّ ا ل ْ َ‬ ‫ن * ل ِي ُ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫داب َِر ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫مات ِهِ وَي َْقط َعَ َ‬ ‫ب ِك َل ِ َ‬
‫ن‬
‫مككككككككككككككككككككككككككككككككككو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كككككككككككككككككككككككككككككككككككرِهَ ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫قال المام أبو جعفر الطبري‪ :‬اختلككف المفسككرون فككي السككبب‬
‫الجالب لهذه الكاف في قوله }كما أخرجك ربك{‪ ,‬فقككال بعضككهم‬
‫شبه به في الصلح للمؤمنين اتقاؤهم ربهم وإصلحهم ذات بينهككم‬
‫وطاعتهم لله ورسوله‪ ,‬ثم روي عن عكرمة نحو هككذا ومعنككى هككذا‬
‫أن الله تعالى يقول كما أنكم لما اختلفتم في المغانم وتشككاححتم‬
‫فيها فانتزعها الله منكم وجعلها إلى قسمه‪ ,‬وقسم رسككوله صككلى‬
‫الله عليه وسلم فقسمها علككى العككدل والتسككوية‪ ,‬فكككان هككذا هككو‬
‫المصلحة التامة لكم‪ ,‬وكذلك لما كرهتم الخروج إلى العككداء مككن‬
‫قتال ذات الشوكة‪ ,‬وهم النفير الذين خرجوا لنصر دينهككم وإحككراز‬
‫عيرهم‪ ,‬فكان عاقبة كراهتكككم للقتككال بككأن قككدره لكككم وجمككع بككه‬
‫بينكم وبين عدوكم على غير ميعككاد رشككدا ً وهككدى‪ ,‬ونصككرا ً وفتحكًا‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬كتب عليكم القتككال وهككو كككره لكككم وعسككى أن‬
‫تكرهوا شيئا ً وهو خير لكم وعسى أن تحبككوا شككيئا ً وهككو شككر لكككم‬
‫والله يعلم وأنتم تعلمون{ قال ابن جرير وقال آخرون معنى ذلككك‬
‫‪898‬‬
‫}كما أخرجك ربك من بيتك بككالحق{‪ ,‬علككى كككره مككن فريككق مككن‬
‫المؤمنين كذلك هم كارهون للقتال فهم يجادلونك فيه بعدما تككبين‬
‫لهم‪ .‬ثم روي عن مجاهد نحوه أنه قال }كما أخرجككك ربككك{ قككال‬
‫كذلك يجادلونك في الحق‪ ,‬وقال السدي‪ :‬أنزل اللككه فككي خروجككه‬
‫إلى بدر ومجادلتهم إياه‪ ,‬فقال }كما أخرجك ربك من بيتك بككالحق‬
‫وإن فريقا ً من المؤمنين لكارهون{ لطلب المشركين }يجادلونككك‬
‫في الحق بعد ما تبين{ وقال بعضهم يسألونك عن النفال مجادلة‬
‫كما جادلوك يوم بدر فقالوا أخرجتنا للعير ولم تعلمنا قتال ً فنستعد‬
‫له‪ .‬قلت‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج من المدينككة‬
‫طالبا ً لعير أبي سفيان التي بلغككه خبرهككا أنهككا صككادرة مككن الشككام‬
‫فيها أموال جزيلة لقريش فاستنهض رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم المسلمين من خف منهم فخرج في ثلثمككائة وبضككعة عشككر‬
‫ل‪ ,‬وطلب نحو الساحل من على طريق بدر‪ ,‬وعلم أبككو سككفيان‬ ‫رج ً‬
‫بخككروج رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم فككي طلبككه‪ ,‬فبعككث‬
‫ضمضم بن عمرو نذيرا ً إلى أهل مكة‪ ,‬فنهضوا في قريب من ألف‬
‫مقنع ما بين التسعمائة إلى اللف وتيامن أبو سككفيان بككالعير إلككى‬
‫سيف البحر فنجا وجاء النفيككر فككوردوا مككاء بككدر‪ ,‬وجمككع اللكه بيككن‬
‫المسلمين والكافرين على غيككر ميعككاد لمككا يريككد اللككه تعككالى مككن‬
‫إعلء كلمة المسلمين ونصرهم على عدوهم والتفرقة بيككن الحككق‬
‫والباطل كما سيأتي بيانه‪ ,‬والغرض أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لما بلغه خروج النفير أوحى الله إليه يعده إحدى الطائفتين‬
‫إما العير وإما النفير‪ ,‬ورغب كثير مكن المسكلمين إلكى العيكر لنكه‬
‫كسب بل قتال‪ ,‬كما قال تعككالى‪} :‬وتككودون أن غيككر ذات الشككوكة‬
‫تكككون لكككم ويريككد اللككه أن يحككق الحككق بكلمككاته ويقطككع دابككر‬
‫الكافرين{ قال الحافظ أبو بكككر بككن مردويككه فككي تفسككيره حككدثنا‬
‫سليمان بن أحمد الطبراني حدثنا بكر بن سككهل‪ ,‬حككدثنا عبككد اللككه‬
‫بن يوسف حدثنا ابن لهيعة‪ ,‬عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي‬
‫عمران‪ ,‬حدثه أنه سمع أبا أيوب النصاري يقول‪ :‬قال رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة »إني أخبرت عككن عيككر أبككي‬
‫سفيان أنها مقبلة فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعل اللككه أن‬
‫يغنمناها ؟« فقلنا نعم فخرج وخرجنا فلمككا سككرنا يومكا ً أو يككومين‪,‬‬
‫قال لنا »ما ترون في قتال القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكككم ؟«‬
‫‪899‬‬
‫فقلنا ل والله ما لنا طاقة بقتال العدو ولكنا أردنا العيككر‪ ,‬ثككم قككال‬
‫»ما ترون في قتال القوم ؟« فقلنا مثل ذلككك فقككال المقككداد بككن‬
‫عمرو‪ :‬إذا ً ل نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى‬
‫}اذهب أنت وربك فقككاتل إناههنككا قاعككدون{ قككال فتمنينككا معشككر‬
‫النصار أن لو قلنا كما قال المقداد أحككب إلينككا مككن أن يكككون لنككا‬
‫مال عظيم‪ ,‬قال فأنزل الله على رسوله صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫}كمككا أخرجككك ربككك مككن بيتككك بككالحق وإن فريقكا ً مككن المككؤمنين‬
‫لكارهون{ وذكر تمام الحديث ورواه ابن أبي حاتم من حديث ابن‬
‫لهيعة بنحوه‪ ,‬وروى ابن مردويه أيضا ً من حديث محمد بككن عمككرو‬
‫بن علقمة بن أبي وقاص الليككثي‪ ,‬عككن أبيككه عككن جككده قككال خككرج‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر حتى إذا كككان بالروحككاء‬
‫خطب الناس فقال » كيف ترون ؟« فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول اللككه‬
‫بلغنا أنهم بمكان كذا وكذا‪ ,‬قال‪ :‬ثككم خطككب النككاس فقككال »كيككف‬
‫ترون ؟« فقال عمر مثل قول أبي بكر‪ ,‬ثم خطككب النككاس فقككال‪:‬‬
‫»كيف ترون ؟« فقال سعد بن معاذ يا رسول اللككه إيانككا تريككد ؟«‬
‫فو الذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب مككا سككلكتها قككط ول لككي بهككا‬
‫علم‪ ,‬ولئن سرت حتى تككأتي بككرك الغمككاد مككن ذي يمككن لنسككيرن‬
‫معك‪ ,‬ول نكون كالذين قالوا لموسى }اذهب أنت وربك فقاتل إنككا‬
‫ههنا قاعدون{ ولكن اذهب أنت وربك فقاتل إنا معكمككا مقككاتلون‪,‬‬
‫ولعلك أن تكون خرجت لمر وأحدث الله إليك غيره فككانظر الككذي‬
‫أحدث الله إليك فامض له‪ ,‬فصل حبال مككن شككئت‪ ,‬واقطككع حبككال‬
‫من شئت‪ ,‬وعاد من شئت‪ ,‬وسالم من شئت‪ ,‬وخذ من أموالنا مككا‬
‫شئت‪ ,‬فنزل القرآن على قول سعد }كما أخرجك ربك مككن بيتككك‬
‫ليككات وقككال العككوفي‬ ‫بالحق وإن فريقا ً من المؤمنين لكككارهون{ ا َ‬
‫عن ابن عباس لما شاور النبي صلى اللككه عليككه وسككلم فككي لقككاء‬
‫العدو‪ ,‬وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بككدر أمككر النككاس‬
‫أن يتهيئوا للقتال وأمرهم بالشوكة‪ ,‬فكره ذلك أهل اليمان فأنزل‬
‫الله }كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريق كا ً مككن المككؤمنين‬
‫لكارهون * يجادلونك في الحككق بعككدما تككبين كأنمككا يسككاقون إلككى‬
‫الموت وهم ينظككرون{ وقككال مجاهككد يجادلونككك فككي الحككق‪ :‬فككي‬
‫القتال‪ ,‬وقال محمد بن إسحاق }يجادلونك في الحق{ أي كراهية‬
‫للقاء المشركين‪ ,‬وإنكارا ً لمسير قريككش حيككن ذكككروا لهككم‪ ,‬وقككال‬
‫‪900‬‬
‫السدي‪} :‬يجادلونك في الحق بعدما تبين{ أي بعككد مككا تككبين لهككم‬
‫أنك ل تفعل إل ما أمرك الله به‪ .‬قال ابن جرير وقال آخرون عنى‬
‫بذلك المشركين‪ ,‬حدثنا يونس أنبأنا ابن وهب قككال قككال ابككن زيككد‬
‫في قوله تعالى‪} :‬يجادلونك في الحق بعدما تككبين كأنمككا يسككاقون‬
‫إلى الموت وهم ينظككرون{ قككال هككؤلء المشككركون جككادلوه فككي‬
‫الحق كأنما يساقون إلى الموت حيككن يككدعون إلككى السككلم وهككم‬
‫لخريككن‪ ,‬هككذه صككفة مبتككدأة‬ ‫ينظرون‪ .‬قال وليس هذا مككن صككفة ا َ‬
‫لهل الكفر‪ .‬ثم قال ابن جرير‪ :‬ول معنى لما قاله‪ ,‬لن الككذي قبككل‬
‫قوله }يجادلونك في الحق{ خبر عككن أهككل اليمككان والككذي يتلككوه‬
‫خبر عنهم‪ .‬والصواب قول ابن عباس وابن إسحاق‪ :‬أنككه خككبر عككن‬
‫المؤمنين‪ ,‬وهذا الذي نصره ابن جرير هككو الحككق وهككو الككذي يككدل‬
‫عليه سياق الكلم‪ ,‬واللكه أعلككم‪ .‬وقككال المككام أحمكد رحمككه اللكه‪,‬‬
‫حدثنا يحيى بن بكير وعبد الرزاق قال‪ :‬حدثنا إسرائيل عن سككماك‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس قال‪ :‬قيل لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حين فرغ من بدر‪ :‬عليك بالعير ليككس دونهككا شككيء‪ ,‬فنككاداه‬
‫العباس بن عبد المطلب‪ ,‬قال عبد الرزاق وهككو أسككير فككي وثككاقه‬
‫إنه ل يصلح لك‪ ,‬قال ولم ؟ قككال لن اللككه عككز وجككل إنمككا وعككدك‬
‫إحدى الطكائفتين‪ ,‬وقكد أعطكاك اللكه مكا وعكدك إسكناد جيكد ولكم‬
‫يخرجه‪ ,‬ومعنى قوله تعالى‪} :‬وتودون أن غير ذات الشوكة تكككون‬
‫لكم{ أي يحبككون أن الطائفككة الككتي ل حككد لهككا ول منعككة ول قتككال‬
‫تكون لهم وهي العير‪} ,‬ويريد الله أن يحق الحق بكلماته{ أي هو‬
‫يريككد أي يجمككع بينكككم وبيككن الطائفككة الككتي لهككا الشككوكة والقتككال‬
‫ليظفركم بهم وينصركم عليهم‪ ,‬ويظهر دينه ويرفع كلمككة السككلم‬
‫ويجعله غالبا ً على الديان‪ ,‬وهو أعلم بعككواقب المككور‪ ,‬وهككو الككذي‬
‫يدبركم بحسن تككدبيره‪ ,‬وإن كككان العبككاد يحبككون خلف ذلككك فيمككا‬
‫يظهر لهم كقككوله تعككالى‪} :‬كتككب عليكككم القتككال وهككو كككره لكككم‪.‬‬
‫وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو خير لكم‪ .‬وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو‬
‫شر لكم{ وقال محمد بن إسحاق رحمه اللككه‪ :‬حككدثني محمككد بككن‬
‫مسلم الزهري‪ ,‬وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبككي بكككر‬
‫ويزيد بن رومان‪ ,‬عن عروة بن الزبيككر وغيرهككم مككن علمائنككا عككن‬
‫عبد الله بن عباس‪ ,‬كككل قككد حككدثني بعككض هككذا الحككديث فككاجتمع‬
‫حديثهم فيما سقت من حديث بككدر قككالوا لمككا سككمع رسككول اللككه‬
‫‪901‬‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم بككأبي سككفيان مقبل ً مككن الشككام نككدب‬
‫المسلمين إليهم‪ ,‬وقال هذه عير قريككش فيهككا أمككوالهم‪ ,‬فككاخرجوا‬
‫إليها لعل الله أي ينفلكموها فانتدب النككاس فخككف بعضككهم وثقككل‬
‫بعضهم‪ ,‬وذلك أنهككم لككم يظنككوا أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم يلقى حربكًا‪ ,‬وكككان أبككو سككفيان قككد اسككتنفر حيككن دنككا مككن‬
‫الحجاز يتجسس الخبار‪ ,‬ويسأل من لقي من الركبان تخوفا ً علككى‬
‫أمر الناس‪ ,‬حتى أصاب خككبرا ً مككن بعككض الركبككان أن محمككدا ً قككد‬
‫استنفر أصحابه لك ولعيرك‪ ,‬فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بككن‬
‫عمككرو الغفككاري فبعثككه إلككى أهككل مكككة وأمككره أن يككأتي قريش كا ً‬
‫فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا ً قككد عككرض لهككا فككي‬
‫أصحابه‪ ,‬فخرج ضمضم بن عمرو سريعا ً إلى مكة‪ ,‬وخككرج رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه‪ ,‬حككتى بلككغ وادي كا ً يقككال لككه‬
‫ذفران‪ ,‬فخككرج منككه حككتى إذا كككان ببعضككه نككزل وأتككاه الخككبر عككن‬
‫قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم‪ ,‬فاستشار رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الناس وأخبرهم عن قريش‪ ,‬فقام أبو بكر رضككي اللككه‬
‫عنه فقال‪ ,‬فأحسن‪ .‬ثم قام عمر رضي الله عنه فقككال‪ ,‬فأحسككن‪.‬‬
‫ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله‬
‫به‪ ,‬فنحن معك والله ل نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسككى‪:‬‬
‫}اذهب أنت وربك فقكاتل إنكا ههنكا قاعكدون{‪ ,‬ولككن اذهكب أنكت‬
‫وربك فقاتل إنا معكما مقاتلون‪ ,‬فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا‬
‫إلى برك الغماد‪ ,‬يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونككه حككتى‬
‫تبلغه‪ ,‬فقال له رسول الله صلى الله عليه وسككلم خيككرا ً ودعككا لككه‬
‫بخير‪ ,‬ثم قال رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم »أشككيروا علككي‬
‫أيها الناس« وإنما يريككد النصككار‪ ,‬وذلككك أنهككم كككانوا عككدد النككاس‪,‬‬
‫وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة‪ ,‬قالوا‪ :‬يا رسول الله إنككا بككرآء مككن‬
‫زمامك حتى تصل إلى دارنا‪ ,‬فإذا وصكلت إلينكا فكأنت فكي زمامنكا‬
‫نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا‪ ,‬وكان رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم يتخوف أن ل تكون النصار ترى عليها نصرته إل ممككن‬
‫دهمه بالمدينة من عدوه‪ ,‬وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عككدو‬
‫من بلدهم‪ ,‬فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قككال‬
‫له سعد بن معاذ‪ :‬والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال‪» :‬أجل«‬
‫فقككال آمنككا بككك وصككدقناك وشككهدنا أن مككا جئت بككه هككو الحككق‬
‫‪902‬‬
‫وأعطينككاك علككى ذلكك عهودنككا ومواثيقنككا علككى السككمع والطاعككة‪,‬‬
‫فامض يا رسول اللكه لمكا أمكرك اللكه فكو الكذي بعثكك بكالحق إن‬
‫استعرضت بنا هذا البحر فخضككته لخضككناه معككك‪ ,‬مككا يتخلككف منككا‬
‫رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا‪ ,‬إنا لصبر عند الحككرب‬
‫صدق عند اللقاء‪ ,‬ولعل الله يريك منا ما تقر بككه عينككك‪ ,‬فسككر بنككا‬
‫على بركة الله‪ ,‬فسر رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم بقككول‬
‫سعد ونشطه ذلك ثم قال »سيروا على بركة اللككه وأبشككروا فككإن‬
‫لن أنظككر إلككى‬‫الله قككد وعككدني إحككدى الطككائفتين‪ ,‬واللككه لكككأني ا َ‬
‫مصارع القوم« وروى العوفي عن ابككن عبككاس نحككو هككذا‪ ,‬وكككذلك‬
‫قال السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد من‬
‫علماء السلف والخلف‪ ,‬اختصرنا أقوالهم اكتفاء بسياق محمد بككن‬
‫إسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككحاق‪.‬‬
‫َ‬ ‫** إذ ْ تس كتِغيُثون ربك ُكم َفاس كتجاب ل َك ُك َ‬

‫ن‬‫مك َ‬ ‫ف ّ‬ ‫م ب ِكأل ْ ٍ‬‫م كد ّك ُ ْ‬‫م ِ‬‫م أن ّككي ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫َ َ ّ ْ‬ ‫ِ َ ْ َ‬
‫ن ب ِهِ قُُلككوب ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مئ ِ ّ‬‫شَرىَ وَل ِت َط ْ َ‬ ‫ه إ ِل ّ ب ُ ْ‬‫ه الل ّ ُ‬
‫جعَل َ ُ‬‫ما َ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫مْردِِفي َ‬‫ملئ ِك َةِ ُ‬‫ال ْ َ‬
‫م‬
‫كيكككك ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫زيككككٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّكككك َ‬
‫عنككككدِ الل ّككككهِ إ ِ ّ‬ ‫ن ِ‬‫مكككك ْ‬‫صككككُر إ ِل ّ ِ‬
‫مككككا الن ّ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو نوح قراد‪ ,‬حككدثنا عكرمككة بككن عمككار‬
‫حدثنا سماك الحنفي أبو زميل‪ ,‬حدثني ابن عباس حدثني عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه قال‪ :‬لما كان يوم بدر‪ ,‬نظككر النككبي صككلى‬
‫الله عليككه وسككلم إلككى أصككحابه وهككم ثلثمككائة ونيككف‪ ,‬ونظككر إلككى‬
‫المشركين فإذا هم ألف وزيادة‪ ,‬فاستقبل النبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم القبلة وعليككه رداؤه وإزاره‪ ,‬ثككم قككال »اللهككم أنجككز لككي مككا‬
‫وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل السلم فل تعبد في‬
‫الرض أبدًا« قال فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه‬
‫عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرداه ثككم الككتزمه مككن ورائه‬
‫ثم قال‪ :‬يانبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك‬
‫فأنزل اللككه عككز وجككل }إذ تسككتغيثون ربكككم فاسككتجاب لكككم أنككي‬
‫ممدكم بألف من الملئكة مردفين{ فلما كان يومئذ التقوا‪ ,‬فهككزم‬
‫الله المشككركين فقتككل منهككم سككبعون رجل ً وأسككر منهككم سككبعون‬
‫ل‪ ,‬واستشار رسول الله صلى الله عليه وسككلم أبككا بكككر وعمككر‬ ‫رج ً‬
‫وعليا ً فقال أبكو بككر‪ :‬يكا رسكول اللكه هكؤلء بنكو العكم والعشكيرة‬
‫‪903‬‬
‫والخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخككذناه منهككم‬
‫قوة لنا على الكفار وعسككى أن يهككديهم اللككه فيكونككوا لنككا عضككدا ً‬
‫فقككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم »مككا تككرى يككا ابككن‬
‫الخطاب ؟« قال‪ :‬قلككت مككا أرى مككا رأىَ أبككو بكككر ولكنككي أرى أن‬
‫تمكني من فلن قريب لعمر فأضرب عنقه وتمكن عليا ً من عقيل‬
‫فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلن أخيككه فيضككرب عنقككه حككتى‬
‫يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين‪ ,‬هككؤلء صككناديدهم‬
‫وأئمتهم وقادتهم‪ .‬فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال‬
‫أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال‬
‫عمر فغدوت إلى النبي صلى اللككه عليككه وسككلم وأبككي بكككر وهمككا‬
‫يبكيان فقلت‪ :‬ما يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيككت وإن‬
‫لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما‪ .‬قال النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»للذي عرض علي أصحابك من أخككذهم الفككداء لقككد عككرض علككي‬
‫عذابكم أدنى من هذه الشجرة« لشجرة قريبككة مككن النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل }ما كككان لنككبي أن يكككون لككه‬
‫أسرى حتى يثخن في الرض ك إلى قوله ك فكلوا مما غنمتككم حلل ً‬
‫طيبًا{ فأحل لهم الغنائم‪ .‬فلما كككان يككوم أحككد مككن العككام المقبككل‬
‫عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهككم سككبعون‬
‫وفر أصحاب النبي صلى الله عليككه وسككلم عككن النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة علككى رأسككه وسككال‬
‫الدم على وجهه فأنزل الله }أو لمككا أصككابتكم مصككيبة قككد أصككبتم‬
‫مثليها قلتم أنى هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم إن اللككه علككى كككل‬
‫شيء قككدير{ بأخككذكم الفككداء ورواه مسككلم وأبككو داود والترمككذي‬
‫وابن جريككر وابككن مردويككه مككن طككرق عككن عكرمككة بككن عمككار بكه‬
‫وصححه علي بن المديني والترمذي وقال ل يعرف إل مككن حككديث‬
‫عكرمة بن عمار اليماني وهكذا روى علي بن أبي طلحة والعوفي‬
‫لية الكريمة قوله }إذ تسككتغيثون ربكككم{‬ ‫عن ابن عباس أن هذه ا َ‬
‫في دعاء النبي صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬وكككذا قككال يزيككد بككن يككثيع‬
‫والسدي وابن جريج وقال أبو بكر بن عياش عن أبي حصككين عككن‬
‫أبي صالح قال‪ :‬لما كان يوم بدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يناشد ربه أشد المناشدة يدعو فأتاه عمر بن الخطاب رضي اللككه‬
‫عنه فقال‪ :‬يا رسول الله بعض مناشدتك فوالله ليفين الله لك بما‬
‫‪904‬‬
‫وعدك‪ ,‬قال البخاري في كتاب المغازي باب قول الله تعككالى‪} :‬إذ‬
‫تستغيثون ربكم فاسككتجاب لكككم كك إلككى قككوله كك فككإن اللككه شككديد‬
‫العقاب{ حدثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بككن‬
‫شهاب قال سمعت ابن مسككعود يقككول شككهدت مككن المقككداد بككن‬
‫السود مشهدا ً لن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به‪ ,‬أتى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشككركين فقككال‪ :‬ل نقككول‬
‫كما قال قوم موسى }اذهب أنت وربك فقاتل{ ولكنكا نقاتككل عككن‬
‫يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفككك فرأيككت النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم أشرق وجهه وسره يعني قوله‪ .‬حدثني محمد بن عبككد‬
‫الله بن حوشب حدثنا عبد الوهاب حدثنا خالد الحذاء عككن عكرمككة‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬قال النبي صكلى اللكه عليكه وسكلم يكوم بكدر‬
‫»اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد« فأخككذ أبككو‬
‫بكر بيده فقال‪ :‬حسبك فخرج وهو يقككول سككيهزم الجمككع ويولككون‬
‫الدبر« وروراه النسائي عن بندار عن عبد الوهاب عن عبد المجيد‬
‫الثقفي وقككوله تعككالى }بككألف مككن الملئكككة مردفيككن{ أي يككردف‬
‫بعضككهم بعضككا ً كمككا قككال هككارون بككن عنككترة عككن ابككن عبككاس‬
‫}مردفين{ متتابعين ويحتمل أن المراد }مردفين{ لكم أي نجككدة‬
‫لكم كما قال العوفي عن ابن عباس }مردفين{ يقول المدد كمككا‬
‫تقول أنت للرجكل زده ككذا وككذا وهككذا قكال مجاهكد وابكن ككثير‬
‫القارى وابن زيد }مردفين{ ممدين‪ ,‬وقال أبو كدينة عككن قككابوس‬
‫عككن أبيككه عككن ابككن عبككاس }يمككددكم ربكككم بككألف مككن الملئكككة‬
‫مردفيككن{ قككال وراء كككل ملككك ملككك‪ .‬وفككي روايككة بهككذا السككناد‬
‫}مردفين{ قككال بعضككهم علككى أثككر بعككض وكككذا قككال أبككو ظبيككان‬
‫والضحاك وقتادة وقال ابككن جريككر حككدثني المثنككى حككدثنا إسككحاق‬
‫حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثني عبد العزيز بن عمران عن‬
‫الزمعي عن أبي الحويرث عن محمد جبير عككن علككي رضككي اللككه‬
‫عنه قال‪ :‬نزل جبريل في ألف من الملئكة عن ميمنة النبي صلى‬
‫الله عليككه وسككلم وفيهككا أبككو بكككر‪ ,‬ونككزل ميكائيككل فككي ألككف مككن‬
‫الملئكككة عككن ميسككرة النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم وأنككا فككي‬
‫الميسرة‪ .‬وهذا يقتضي إن صككح إسككناده أن اللككف مردفككة بمثلهككا‬
‫دفين{ بفتح الدال‪ ,‬والله أعلككم‪ .‬والمشككهور‬ ‫ولهذا قرأ بعضهم }مر َ‬
‫ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قككال‪ :‬وأمككد اللككه نككبيه‬
‫‪905‬‬
‫صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملئكة فكككان جبريككل‬
‫في خمسمائة من الملئكة مجنبة‪ ,‬وميكائيل في خمسمائة مجنبة‪,‬‬
‫وروى المام أبو جعفر بن جرير ومسككلم مككن حككديث عكرمككة بككن‬
‫عمار عن أبي زميل سماك بن وليد الحنفي عن ابن عبككاس‪ ,‬عككن‬
‫عمر الحديث المتقدم‪ ,‬ثم قال أبو زميل‪ :‬حدثني ابن عباس قككال‪:‬‬
‫بينا رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمككامه‬
‫إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقككدم حيككزوم‬
‫إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا ً قال فنظر إليه فككإذا هككو‬
‫قد حطم وشق وجهه كضككربة السككوط فاخضككر ذلككك أجمككع فجككاء‬
‫النصاري فحدث ذلك رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪:‬‬
‫صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسككروا‬
‫سبعين وقال البخاري‪ :‬باب شهود الملئكة بدرًا‪ .‬حدثنا إسحاق بككن‬
‫إبراهيم حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن معككاذ بككن رفاعككة بككن‬
‫رافع الزرقي عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر قال جاء جبريل إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قككال‬
‫»من أفضل المسلمين« أو كلمة نحوهككا قككال‪ :‬وكككذلك مككن شككهد‬
‫بدرا من الملئكة‪ .‬انفرد بإخراجه البخاري وقد رواه الطبراني في‬
‫المعجم الكبير من حديث رافككع بككن خديككج وهككو خطككأ‪ ,‬والصككواب‬
‫رواية البخاري والله أعلم وفي الصككحيحين أن رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال لعمر لما شاوره فككي قتككل حككاطب بككن أبككي‬
‫بلتعة »إنه قد شهد بدرا ً وما يدريك لعل الله قد اطلككع علككى أهككل‬
‫بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم« وقككوله تعككالى‪} :‬ومككا‬
‫جعلككه اللككه إل بشككرى{ ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬أي ومككا جعككل اللككه بعككث الملئكككة‬
‫وإعلمككه إيككاكم بهككم إل بشككرى }ولتطمئن بككه قلككوبكم{ وإل فهككو‬
‫تعالى قادر على نصركم على أعكدائكم ولتطمئن بكه قلكوبكم ومكا‬
‫النصر إل من عند الله أي بدون ذلككك ولهككذا قككال }ومككا النصككر إل‬
‫من عند الله{ كما قال تعالى }فإذا لقيتككم الككذين كفككروا فضككرب‬
‫منا ً بعد وإمككا فككداء‬
‫الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما ّ‬
‫حتى تضع الحرب أوزارهككا * ذلككك ولككو يشككاء اللككه ل نتصككر منهككم‬
‫ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلككن يضككل‬
‫أعمالهم * سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنككة عرفهككا لهككم{‬
‫وقال تعالى }وتلك اليام نكداولها بيكن النكاس وليعلكم اللكه الكذين‬
‫‪906‬‬
‫آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله ل يحب الظالمين * وليمحص اللككه‬
‫الذين آمنوا ويمحق الكافرين{ فهذه حكم شرع الله جهككاد الكفككار‬
‫بأيدي المؤمنين لجلها وقد كان تعالى إنما يعاقب المككم السككالفة‬
‫المكذبة للنبياء بالقوارع التي تعم تلك المككم المكذبككة كمككا أهلككك‬
‫قوم نوح بالطوفان‪ ,‬وعادا ً الولى بالدبور‪ ,‬وثمود بالصككيحة‪ ,‬وقككوم‬
‫لككوط بالخسككف والقلككب وحجككارة السككجيل‪ ,‬وقككوم شككعيب بيككوم‬
‫الظلة‪ ,‬فلما بعث الله تعالى موسى وأهلك عدوه فرعككون وقككومه‬
‫بالغرق في اليم ثم أنزل علككى موسككى التككوراة شككرع فيهككا قتككال‬
‫الكفار واستمر الحكم في بقية الشرائع بعده على ذلك كمككا قككال‬
‫تعالى‪} :‬ولقككد آتينككا موسكى الكتكاب مككن بعككد مكا أهلكنككا القككرون‬
‫الولى بصائر{ وقتل المؤمنين للكككافرين‪ ,‬أشككد إهانككة للكككافرين‪,‬‬
‫وأشفى لصدور المؤمنين‪ ,‬كما قال تعالى للمؤمنين من هذه المة‬
‫}قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم‪ ,‬ويخزهم وينصركم عليهم‪ ,‬ويشككف‬
‫صككدور قككوم مككؤمنين{ ولهككذا كككان قتككل صككناديد قريككش بأيككدي‬
‫أعدائهم الذين ينظرون إليهم بأعين ازدرائهم أنكككى لهككم وأشككفى‬
‫لصدور حزب اليمان‪ ,‬فقتل أبي جهل في معركككة القتككال وحومككة‬
‫الوغى أشد إهانة له من موته على فراشككه بقارعككة أو صككاعقة أو‬
‫نحو ذلك كما مات أبو لهب لعنه الله بالعدسة بحيث لم يقربه أحد‬
‫من أقككاربه‪ ,‬إنمككا غسككلوه بالمككاء قككذفا ً مككن بعيككد‪ ,‬ورجمككوه حككتى‬
‫دفنوه‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪} :‬إن الله عزيز{ أي له العككزة ولرسككوله‬
‫لخرة كقوله تعالى‪} :‬إنا لننصر رسلنا‬ ‫وللمؤمنين بهما في الدنيا وا َ‬
‫والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد{ }حكيم{ فيمككا‬
‫شرعه من قتال الكفار مع القدرة على دمككارهم وإهلكهككم بحككوله‬
‫وقككككككككككككككككككككوته سككككككككككككككككككككبحانه وتعككككككككككككككككككككالى‪.‬‬
‫ل عَل َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مككآءً‬ ‫مآءِ َ‬ ‫سك َ‬ ‫مككن ال ّ‬ ‫ككم ّ‬ ‫ه وَي َُنكّز ُ‬ ‫مْنك ُ‬ ‫ة ّ‬‫من َ ً‬‫سأ َ‬ ‫م الن َّعا َ‬ ‫شيك ُ ُ‬
‫** إ ِذ ْ ي ُغَ ّ‬
‫م‬ ‫ى قُل ُككوب ِك ُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن وَل ِي َْرب ِ َكط عَل ك َ‬ ‫طا ِ‬ ‫ش كي ْ َ‬ ‫جَز ال ّ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫عنك ُ ْ‬
‫ب َ‬ ‫م ب ِهِ وَي ُذ ْهِ َ‬ ‫ل ّي ُط َهَّرك ُ ْ‬
‫م فَث َب ّت ُككوا ْ‬‫معَك ُك ْ‬ ‫ملئ ِك َةِ أّني َ‬ ‫ك إ َِلى ال ْ َ‬ ‫حي َرب ّ َ‬ ‫م * إ ِذ ْ ُيو ِ‬ ‫دا َ‬‫ت ب ِهِ القْ َ‬ ‫وَي ُث َب ّ َ‬
‫ُ‬
‫ضرُِبوا ْ َفككوْ َ‬
‫ق‬ ‫ب َفا ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ الّرعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫سأل ِْقي ِفي قُُلو‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫ل بنان * ذ َل َ َ‬
‫ه‬ ‫سككول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫شآّقوا ْ الل ّ َ‬‫م َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫م كُ ّ َ َ ٍ‬ ‫ضرُِبوا ْ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ق َوا ْ‬ ‫العَْنا ِ‬
‫‪907‬‬
‫م‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقككا ِ‬
‫ب * ذ َل ِك ُك ْ‬ ‫ه َ‬
‫شك ِ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫سككول َ ُ‬
‫ه ف َ كإ ِ ّ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ق الل ّك َ‬
‫ِ‬ ‫مككن ي ُ َ‬
‫شككاقِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب الّنكككككككككككارِ‬‫ذا َ‬ ‫عككككككككككك َ‬‫ن َ‬ ‫ري َ‬
‫ككككككككككككافِ ِ‬ ‫ذوُقوهُ وَأ ّ‬ ‫َفككككككككككك ُ‬
‫يذكرهم الله تعالى بماأنعم به عليهم من إلقائه النعككاس عليهككم‬
‫أمانا ً أمنهم به من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلككة‬
‫عددهم‪ ,‬وكذلك فعل تعالى بهم يككوم أحككد كمككا قككال تعككالى‪} :‬ثككم‬
‫أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ً يغشى طائفة منكم وطائفككة‬
‫ليككة‪ ,‬قككال أبككو طلحككة‪ :‬كنككت ممككن أصككابه‬ ‫قد أهمتهم أنفسككهم{ ا َ‬
‫النعاس يوم أحككد‪ ,‬ولقككد سككقط السككيف مككن يككدي مككرارا ً يسككقط‬
‫وآخذه‪ ,‬ويسقط وآخذه‪ ,‬ولقككد نظككرت إليهككم يميككدون وهككم تحككت‬
‫الحجف‪ ,‬وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا زهير حدثنا ابن مهككدي عككن‬
‫شعبة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي رضي اللككه‬
‫عنه قال‪ :‬ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنككا ومكا‬
‫فينا إل ّ نائم‪ ,‬إل رسول الله صكلى اللكه عليكه وسكلم يصكلي تحككت‬
‫شجرة ويبكي حتى أصبح‪ .‬وقال سككفيان الثككوري عككن عاصككم عككن‬
‫أبي رزين عكن عبكد اللكه بكن مسككعود رضكي اللكه عنككه أنكه قكال‪:‬‬
‫النعاس في القتال أمنككة مككن اللككه‪ ,‬وفككي الصككلة مككن الشككيطان‪,‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬النعاس في الككرأس‪ ,‬والنككوم فككي القلككب‪ ,‬قلككت‪ :‬أمككا‬
‫ليككة‬‫النعاس فقد أصابهم يوم أحد وأمر ذلك مشككهور جككدًا‪ ,‬وأمككا ا َ‬
‫الشريفة إنما هي في سياق قصة بدر‪ ,‬وهي دالة على وقوع ذلككك‬
‫أيضا ً وكأن ذلك كائن للمؤمنين عنككد شككدة البككأس لتكككون قلككوبهم‬
‫آمنة مطمئنة بنصر الله‪ ,‬وهذا من فضل الله ورحمته بهككم ونعمتككه‬
‫عليهم وكما قال تعككالى‪} :‬فككإن مككع العسككر يسككرا ً إن مككع العسككر‬
‫يسرًا{ ولهذا جاء فككي الصككحيح أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم لما كان يوم بدر في العريش مع الصديق رضككي اللككه عنككه‬
‫وهما يدعوان أخذت رسول الله صلى الله عليه وسككلم سككنة مككن‬
‫النوم ثم استيقظ مبتسما ً فقال‪» :‬أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على‬
‫ثناياه النقع« ثم خرج مككن بككاب العريككش وهككو يتلككو قككوله تعككالى‪:‬‬
‫}سيهزم الجمع ويولون الدبر{‪ .‬وقوله }وينزل عليكم من السماء‬
‫ماء{ قال علي بن أبي طلحة عككن ابككن عبككاس قككال‪ :‬نككزل النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر والمشركون بينهككم وبيككن‬
‫المككاء رملككة دعصككة وأصككاب المسككلمين ضككعف شككديد وألقككى‬
‫الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم تزعمككون أنكككم أوليككاء‬
‫‪908‬‬
‫الله تعالى وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتككم‬
‫تصككلون مجنككبين فككأمطر اللككه عليهككم مطككرا ً شككديدا ً فشككرب‬
‫المسلمون وتطهروا وأذهككب اللككه عنهككم رجككس الشككيطان وثبككت‬
‫الرمل حين أصابه المطر ومشى النككاس عليككه والككدواب فسككاروا‬
‫إلى القوم‪ ,‬وأمد الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمككؤمنين بككألف‬
‫من الملئكة فكان جبريككل فككي خمسككمائة مجنبككة‪ ,‬وميكائيككل فككي‬
‫خمسككمائة مجنبككة‪ .‬وكككذا قككال العككوفي عككن ابككن عبككاس‪ :‬إن‬
‫المشركين من قريش لما خرجككوا لينصككروا العيككر وليقككاتلوا عنهككا‬
‫نزلوا على الماء يوم بدر فغلبوا المؤمنين عليه فأصككاب المككؤمنين‬
‫الظمأ فجعلككوا يصككلون مجنككبين محككدثين حككتى تعككاطوا ذلككك فككي‬
‫صدورهم فأنزل الله من السماء ماء حككتى سككال الككوادي فشككرب‬
‫المؤمنون وملؤوا السقية وسقوا الركككاب واغتسككلوا مككن الجنابككة‬
‫فجعل الله في ذلك طهورا ً وثبت به القدام وذلك أنه كانت بينهككم‬
‫وبين القوم رملة فبعث الله المطر عليهككا فضككربها حككتى اشككتدت‬
‫وثبتككت عليهككا القككدام‪ .‬ونحككو ذلككك روي عككن قتككادة والضككحاك‬
‫والسدي‪ ,‬وقد روي عن سككعيد بككن المسككيب والشككعبي والزهككري‬
‫وعبككد الرحمككن بككن زيككد بككن أسكلم أنككه طككش أصككابهم يككوم بككدر‪.‬‬
‫والمعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر‬
‫نزل على أدنى ماء هناك أي أول ماء وجده فتقدم إليه الحباب بن‬
‫المنذر فقال يا رسول الله هذا المنزل الككذي نزلتككه منككزل أنزلككك‬
‫الله إياه فليس لنا أن نجاوزه أو منزل نزلتككه للحككرب والمكيككدة ؟‬
‫فقال » بل منزل نزلته للحرب والمكيدة« فقال يا رسول الله إن‬
‫هذا ليس بمنزل ولكن سككر بنككا حككتى ننككزل علككى أدنككى مككاء يلككي‬
‫القوم ونغور ما وراءه من القلب‪ ,‬ونستقي الحياض فيكون لنا ماء‬
‫وليس لهم ماء فسككار رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلمففعل‬
‫كذلك‪ ,‬وفي مغازي الموي أن الحباب لما قال ذلك نزل ملك مككن‬
‫السماء وجبريل جالس عند رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫فقال ذلك الملك‪ ,‬يا محمد إن ربك يقرئك السككلم ويقككول لككك إن‬
‫الرأي ما أشار به الحباب بن المنذر فالتفت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إلى جبريل عليه السككلم فقككال »هككل تعككرف هككذا« ؟‬
‫فنظككر إليككه فقككال‪ :‬مككا كككل الملئكككة أعرفهككم وإنككه ملككك وليككس‬
‫بشيطان‪ .‬وأحسن ما في هذا ما رواه المام محمد بن إسحاق بن‬
‫‪909‬‬
‫يسار صاحب المغكازي رحمكه اللكه حككدثني يزيككد بككن رومككان عككن‬
‫عروة بككن الزبيككر قككال‪ :‬بعككث اللككه السككماء وكككان الككوادي دهس كا ً‬
‫فأصاب رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم وأصككحابه مالبككد لهككم‬
‫الرض‪ ,‬ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشا ً مالم يقدروا علككى‬
‫أن يرحلوا معه وقال مجاهد‪ :‬أنزل الله عليهم المطر قبل النعاس‬
‫فأطفأ بالمطر الغبار وتلبدت به الرض وطابت نفوسهم وثبتت به‬
‫أقدامهم‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا هارون بن إسحاق حككدثنا مصككعب‬
‫بن المقدام حدثنا إسرائيل حدثنا أبو إسحاق عن حارثة عككن علككي‬
‫رضي الله عنه قال‪ :‬أصابنا من الليل طش من المطر يعني الليلة‬
‫التي كانت في صبيحتها وقعة بدر فانطلقنا تحت الشجر والحجككف‬
‫نستظل تحتها من المطر وبات رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫وحرض على القتال‪ .‬وقوله }ليطهركم به{ أي من حدث أصغر أو‬
‫أكبر وهو تطهير الظاهر }ويذهب عنكم رجككز الشككيطان{ أي مككن‬
‫وسوسة أو خاطر سيء وهو تطهير الباطن كمككا قككال تعككالى فككي‬
‫حق أهككل الجنككة }عككاليهم ثيككاب سككندس خضككر واسككتبرق وحلككوا‬
‫أسككاور مككن فضككة{ فهككذا زينككة الظككاهر }وسككقاهم ربهككم شككرابا ً‬
‫طهورًا{ أي مطهرا ً لما كان من غل أو حسد أو تباغض وهككو زينككة‬
‫البكاطن وطهكارته }وليربكط علكى قلكوبكم{ أي بالصكبر والقكدام‬
‫على مجالدة العداء وهو شككجاعة البككاطن }ويثبككت بككه القككدام{‬
‫وهكككككككككو شكككككككككجاعة الظكككككككككاهر‪ ,‬واللكككككككككه أعلكككككككككم‪.‬‬
‫وقوله }إذ يككوحي ربككك إلككى الملئكككة أنككي معكككم فثبتككوا الككذين‬
‫آمنوا{ وهذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهككم ليشكككروه عليهككا‬
‫وهو أنه تعالى وتقدس وتبارك وتمجد أوحككى إلككى الملئكككة الككذين‬
‫أنزلهم لنصر نبيه ودينه وحزبه المككؤمنين يككوحي إليهككم فيمككا بينككه‬
‫وبينهم أن يثبتوا الذين آمنككوا قككال ابككن إسككحاق‪ :‬وآزروهككم‪ .‬وقككال‬
‫غيره‪ :‬قاتلوا معهم وقيل كثروا سوادهم وقيل كان ذلك بأن الملك‬
‫كان يأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسككلم فيقككول‬
‫سمعت هؤلء القوم يعنككي المشككركين يقولككون واللككه لئن حملككوا‬
‫علينا لننكشفن فيحككدث المسككلمون بعضككهم بعض كا ً بككذلك فتقككوى‬
‫أنفسهم حكاه ابن جرير وهذا لفظه بحروفه‪ ,‬وقوله }سألقي فككي‬
‫قلككوب الككذين كفككروا الرعككب{ أي ثبتككوا أنتككم المككؤمنين وقككووا‬
‫أنفسهم على أعدائهم عن أمري لكم بذلك سألقي الرعب والذلككة‬
‫‪910‬‬
‫والصغار على من خالف أمككري وكككذب رسككولي }فاضككربوا فككوق‬
‫العنككاق واضككربوا منهككم كككل بنككان{ أي اضككربوا الهككام ففلقوهككا‪,‬‬
‫واحتزوا الرقاب فقطعوها‪ ,‬وقطعوا الطراف منهككم وهككي أيككديهم‬
‫وأرجلهم وقد اختلف المفسرون في معنى }فوق العناق{ فقيككل‬
‫معناه اضربوا الرؤوس‪ ,‬قاله عكرمة وقيل معناه أي على العنككاق‬
‫وهي الرقاب قاله الضحاك وعطية العككوفي ويشككهد لهككذا المعنككى‬
‫أن الله تعالى أرشد المؤمنين إلككى هككذا فككي قككوله تعككالى‪} :‬فككإذا‬
‫لقيتككم الككذين كفككروا فضككرب الرقككاب حككتى إذا أثخنتمككوه فشككدوا‬
‫الوثاق{ وقال وكيع عن المسعودي عن القاسم قككال‪ :‬قككال النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم »إني لككم أبعككث لعككذب بعككذاب اللككه‪ ,‬إنمككا‬
‫بعثت لضرب الرقاب وشد الوثاق« واختار ابن جرير أنها قككد تككدل‬
‫على ضرب الرقاب وفلككق الهككام‪ ,‬قلككت وفككي مغككازي المككوي أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمر بين القتلككى يككوم بككدر‬
‫فيقكككككككول »يفلكككككككق هامكككككككًا« فيقكككككككول أبكككككككو بككككككككر‪:‬‬
‫مكككككن رجكككككال أعكككككزة علينكككككاوهم ككككككانوا أعكككككق وأظلمكككككا‬
‫فيبتككدىء رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم بككأول الككبيت‬
‫ويستطعم أبا بكر رضي الله عنه إنشاد آخره لنككه كككان ل يحسككن‬
‫إنشاد الشعر كما قال تعالى‪} :‬وما علمناه الشعر وما ينبغككي لككه{‬
‫وقال الربيع بن أنس‪ :‬كان الناس يوم بدر يعرفون قتلككى الملئكككة‬
‫ممن قتلوهم بضرب فوق العناق وعلى البنان مثل سمة النار قد‬
‫أحرق به‪ ,‬وقوله }واضربوا منهم كل بنان{ وقال ابن جرير‪ :‬معناه‬
‫واضككربوا مككن عككدوكم أيهككا المؤمنككون كككل طككرف ومفصككل مككن‬
‫أطراف أيديهم وأرجلهككم‪ ,‬والبنككان جمككع بنانككة كمككا قككال الشككاعر‪:‬‬
‫أل ليتنككي قطعككت منككي بنانككةولقيته فككي الككبيت يقظككان حككاذرا‬
‫وقال علي بن أبي طلحة عن ابككن عبككاس }واضككربوا منهككم كككل‬
‫بنان{ يعني بالبنان الطراف وكذا قال الضحاك وابن جرير‪ :‬وقككال‬
‫السدي البنان الطراف ويقال كل مفصككل وقككال عكرمككة وعطيككة‬
‫العوفي والضحاك في رواية أخككرى كككل مفصككل‪ ,‬وقككال الوزاعككي‬
‫في قوله تعالى‪} :‬واضربوا منهم كل بنان{ قال اضرب منه الوجه‬
‫والعين وارمه بشهاب من نككار فككإذا أخككذته حككرم ذلكك كلكه عليككك‬
‫وقال العوفي عن ابن عباس‪ :‬فذكر قصة بدر إلى أن قككال‪ :‬فقككال‬
‫أبو جهل ل تقتلوهم قتل ً ولكن خذوهم أخذا ً حككتى تعرفككوهم الككذي‬
‫‪911‬‬
‫صنعوا من طعنهم في دينكم ورغبتهم عن اللت والعككزى فككأوحى‬
‫الله إلى الملئكككة }أنككي معكككم فثبتككوا الككذين آمنككوا سككألقي فككي‬
‫قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق العنككاق واضككربوا منهككم‬
‫لية‪ ,‬فقتل أبو جهل لعنه الله في تسككعة وسككتين رج ً‬
‫ل‪,‬‬ ‫كل بنان{ ا َ‬
‫وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صككبرا ً فككوفى ذلككك سككبعين يعنككي‬
‫قتيل ً ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬ذلككك بككأنهم شككاقوا اللكه ورسككوله{ أي‬
‫خالفوهما فساروا في شق‪ ,‬وتركككوا الشككرع واليمككان بككه واتبككاعه‬
‫في شق‪ ,‬ومأخوذ أيضا ً من شق العصا وهو جعلها فرقككتين }ومككن‬
‫يشاقق الله ورسوله فككإن اللككه شككديد العقككاب{ أي هككو الطككالب‬
‫الغالب لمن خالفه وناوأه ل يفوته شككيء ول يقككوم لغضككبه شككيء‬
‫تبارك وتعالى ل إله ول رب سواه }ذلكككم فككذوقوه وأن للكككافرين‬
‫عذاب النار{ هذا خطاب للكفار أي ذوقوا هذا العذاب والنكال في‬
‫لخككرة‪.‬‬‫الككدنيا واعلمككوا أيضككا ً أن للكككافرين عككذاب النككار فككي ا َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫حفكا ً فَل َ ت ُوَل ّككوهُ ُ‬ ‫ن ك ََفكُروا ْ َز ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّك ِ‬
‫ذا ل َِقيت ُك ُ‬
‫من ُكوَا ْ إ ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** َيآأي ّهَككا ال ّك ِ‬
‫ى‬ ‫ك‬ ‫حي ّككزا ً إ ِل َ‬ ‫ت‬‫م‬ ‫و‬‫الدبار * ومن يول ّهم يومئ ِذ دبره إل ّ متحرفا ً ل ّقتال أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ ٍ‬ ‫َ َ ُ َ ِ ْ َ ْ َ ٍ ُ ُ َ ُ ِ ُ َْ َ ّ‬ ‫َْ َ‬
‫صككيُر‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫س ال َ‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫جهَّنكك ُ‬
‫مككأَواهُ َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللككهِ وَ َ‬ ‫مكك َ‬‫ب ّ‬ ‫ضكك ٍ‬ ‫فِئ َةٍ فََقككد ْ َبككآَء ب ِغَ َ‬
‫يقول تعالى متوعدا ً على الفرار مككن الزحككف بالنككار لمككن فعككل‬
‫ذلك }يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا{ أي تقككاربتم‬
‫منهككم ودنككوتم إليهككم }فل تولككوهم الدبككار{ أي تفككروا وتككتركوا‬
‫أصحابكم }ومن يولهم يومئذ دبره إل متحرفا ً لقتال{ أي يفر بيككن‬
‫يدي قرنه مكيدة ليريككه أنككه قككد خككاف منككه فيتبعككه ثككم يكككر عليككه‬
‫فيقتله فل بأس عليه في ذلك نص عليه سعيد بن جككبير والسككدي‪,‬‬
‫وقال الضحاك أن يتقدم عن أصحابه ليرى غرة من العدو فيصيبها‬
‫}أو متحيككزا ً إلككى فئة{ أي فككر مككن هككا هنككا إلككى فئة أخككرى مككن‬
‫المسلمين يعاونهم ويعاونونه فيجككوز لككه ذلككك حككتى لككو كككان فككي‬
‫سرية ففر إلى أميره أو المام العظم دخككل فككي هككذه الرخصككة‪.‬‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا حسن حدثنا زهير حدثنا يزيد بن أبي زيككاد‬
‫عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد اللكه بكن عمكر رضكي اللكه‬
‫عنهما قال‪ :‬كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليككه‬
‫وسلم فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص فقلنككا كيككف نصككنع‬
‫‪912‬‬
‫وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ؟ ثم قلنا لككو دخلنككا المدينككة‪,‬‬
‫فبتنا‪ ,‬ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فإن كككانت لنككا توبككة وإل ذهبنككا‪ ,‬فأتينككاه قبككل صككلة الغككداة‬
‫فخرج فقال »من القوم ؟« فقلنككا نحككن الفككرارون فقككال »ل بككل‬
‫أنتم العكارون أنا فئتككم وأنكا فئة المسكلمين« قكال فأتينكاه حكتى‬
‫قبلنا يده‪ .‬وهكذا رواه أبو داود والترمككذي وابككن مككاجه مككن طككرق‬
‫عن يزيد بككن أبككي زيككاد وقككال الترمككذي‪ :‬حسككن ل نعرفككه إل مككن‬
‫حديث ابن أبي زياد ورواه ابن أبي حاتم من حديث يزيككد بككن أبككي‬
‫زياد به‪ ,‬وزاد في آخره وقرأ رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫ليككة }أو متحيككزا ً إلككى فئة{ قككال أهككل العلككم معنككى قككوله‬ ‫هككذه ا َ‬
‫»العكارون« أي العطاقون‪ ,‬وكذلك قال عمر بككن الخطككاب رضككي‬
‫الله عنه في أبي عبيد لما قتل على الجسر بككأرض فككارس لكككثرة‬
‫الجيش من ناحية المجوس فقال عمر لو تحيز إلي لكنككت لككه فئة‬
‫هكذا رواه محمد بن سككيرين عككن عمككر وفككي روايككة أبككي عثمككان‬
‫النهدي عن عمر قال لما قتل أبو عبيد قال عمككر‪ :‬أيهككا النككاس أنككا‬
‫فئتكم وقال مجاهد قال عمر أنا فئة كل مسلم‪ ,‬وقال عبد الملككك‬
‫لية فإنما كانت يوم‬ ‫بن عمير عن عمر أيها الناس ل تغرنكم هذه ا َ‬
‫بدر وأنا فئة لكل مسلم‪ ,‬وقككال ابككن أبككي حككاتم حككدثنا أبككي حككدثنا‬
‫حسان بن عبد الله المصكري حكدثنا خلد بكن سكليمان الحضكرمي‬
‫حدثنا نافع أنه سأل ابككن عمككر قلككت إنككا قككوم ل نثبككت عنككد قتككال‬
‫عككدونا‪ ,‬ول نككدري مككن الفئة إمامنككا أو عسكككرنا ؟ فقككال إن الفئة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن الله يقول‪} :‬إذا لقيتم‬
‫لية في يوم بككدر‬ ‫لية‪ ,‬فقال إنما أنزلت هذه ا َ‬ ‫الذين كفروا زحفًا{ ا َ‬
‫ل قبلها ول بعدها‪ ,‬وقال الضحاك في قوله }أو متحيككزا ً إلككى فئة{‬
‫المتحيز الفار إلى النبي صلى الله عليه وسككلم وأصككحابه‪ ,‬وكككذلك‬
‫من فر اليوم إلككى أميككره أو أصككحابه فأمككا إن ككان الفككرار ل عككن‬
‫سبب من هذه السباب فإنه حرام وكككبيرة مككن الكبككائر لمككا رواه‬
‫البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبكي هريكرة رضكي اللكه عنكه‬
‫قال‪ :‬قككال رسككول اللكه صكلى اللكه عليكه وسككلم »اجتنبككوا السككبع‬
‫الموبقات« قيل يككا رسككول اللككه ومككا هككن ؟ قككال »الشككرك بككالله‬
‫والسحر وقتل النفس التي حرم الله إل بالحق وأكككل الربككا وأكككل‬
‫مككال اليككتيم والتككولي يككوم الزحككف وقككذف المحصككنات الغككافلت‬
‫‪913‬‬
‫المؤمنات« وله شواهد من وجوه أخر‪ ,‬ولهككذا قككال تعككالى‪} :‬فقككد‬
‫باء{ أي رجع }بغضب من الله ومأواه{ أي مصككيره ومنقلبككه يككوم‬
‫ميعاده }جهنم وبئس المصير{‪ .‬وقال المام أحمد حدثنا زكريا بن‬
‫عدي حدثنا عبد الله بن عمر الرقي عن زيد بن أبي أنيسككة حككدثنا‬
‫جبلة بن سحيم عن أبي المثنى العبدي سككمعت السدوسككي يعنككي‬
‫ابن الخصاصية وهو بشير بن معبد قال أتيت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لبايعه فاشترط علي شهادة أن ل إله إل الله‪ ,‬وأن محمككدا ً‬
‫عبده ورسوله‪ ,‬وأن أقيم الصلة‪ ,‬وأن أؤدي الزكاة‪ ,‬وأن أحج حجة‬
‫السلم‪ ,‬وأن أصوم شككهر رمضككان‪ ,‬وأن أجاهككد فككي سككبيل اللككه‪,‬‬
‫فقلت يا رسول الله أما اثنتان فو الله ل أطيقهما‪ :‬الجهككاد‪ ,‬فككإنهم‬
‫زعموا أنه من ولككى الككدبر فقككد بككاء بغضككب مككن اللككه فأخككاف إن‬
‫حضرت ذلك خشعت نفسي وكرهت الموت‪ ,‬والصدقة فو الله مككا‬
‫ن رسل أهلي وحمولتهم‪ ,‬فقبض رسول‬ ‫لي إل غنيمة وعشر ذ َوْدٍ ه ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال‪» :‬فل جهاد ول صككدقة فبككم‬
‫تدخل الجنة إذا ً ؟« قلت يارسول اللككه أنككا أبايعككك فبككايعته عليهككن‬
‫كلهن‪ ,‬هذا حديث غريب من هذا الوجه ولككم يخرجككوه فككي الكتككب‬
‫الستة‪ .‬وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا أحمد بكن محمكد‬
‫بن يحيى بن حمزة حدثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر حدثنا يزيد‬
‫بن ربيعة حدثنا أبو الشعث عن ثوبككان مرفوعكا ً عككن النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم قككال »ثلثككة ل ينفككع معهككن عمككل‪ :‬الشككرك بككالله‬
‫وعقوق الوالدين والفرار من الزحكف« وهكذا أيضكا ً حكديث غريكب‬
‫جدًا‪ ,‬وقال الطبراني أيضا ً حككدثنا العبككاس بككن الفضككل السككفاطي‬
‫حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حفص بككن عمككر الشككني حككدثني‬
‫عمرو بن مرة قال سمعت بلل بن يسككار بككن زيككد مككولى رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت أبي يحدث عن جدي قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسككلم »مككن قككال‪ :‬أسككتغفر اللككه‬
‫الككذي ل إلككه إل هككو وأتككوب إليككه غفككر لككه وإن كككان قككد فككر مككن‬
‫الزحككف« وهكككذا رواه أبككو داود عككن موسككى بككن إسككماعيل بككه‬
‫وأخرجه الترمذي عن البخاري عن موسى بن إسماعيل بككه وقككال‬
‫غريب ل نعرفه إل مككن هككذا الككوجه‪ ,‬قلككت ول يعككرف لزيككد مككولى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم عنه سواه‪ ,‬وقد ذهب ذاهبون إلككى أن‬
‫الفرار إنما كان حراما ً على الصحابة لنه كان فرض عيككن عليهككم‪,‬‬
‫‪914‬‬
‫وقيل على النصار خاصة لنهم بايعوا على السككمع والطاعككة فككي‬
‫لية أهل بككدر خاصككة يككروى‬ ‫المنشط والمكره‪ .‬وقيل المراد بهذه ا َ‬
‫هذا عن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي‬
‫نضرة ونافع مولى ابن عمر وسككعيد بككن جككبير والحسككن البصككري‬
‫وعكرمة وقتادة والضحاك وغيرهم‪ ,‬وحجتهم في هذا أنه لككم تكككن‬
‫عصابة لها شوكة يفيئون إليهككا إل عصككابتهم تلككك كمككا قككال النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم »اللهم إن تهلك هككذه العصككابة ل تعبككد فككي‬
‫الرض« ولهذا قال عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن‬
‫الحسن في قوله }ومن يولهم يومئذ دبككره{ قككال ذلككك يككوم بككدر‬
‫فأما اليوم فإن انحاز إلى فئة أو مصر أحسبه قال فل بأس عليككه‪,‬‬
‫وقال ابن المبارك عن المبارك أيضا ً عن ابككن لهيعككة حككدثني يزيككد‬
‫بن أبي حبيب قال‪ :‬أوجب الله تعالى لمن فر يوم بككدر النككار قككال‬
‫}ومن يولهم يومئذ دبره إل متحرفا ً لقتال أو متحيزا ً إلى فئة فقككد‬
‫باء بغضب من الله{ فلما كان يوم أحد بعد ذلككك قككال }إن الككذين‬
‫تولوا يوم التقى الجمعان ك إلى قوله ك ولقد عفككا اللككه عنهككم{ ثككم‬
‫كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين قال }ثم وليتم مدبرين{ }ثم‬
‫يتوب الله من بعككد ذلككك علككى مككن يشككاء{ وفككي سككنن أبككي داود‬
‫والنسائي ومستدرك الحاكم وتفسير ابن جرير وابن مردويككه مككن‬
‫حديث داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد أنه قال في‬
‫لية }ومن يولهم يومئذ دبككره{ إنمككا أنزلككت فككي أهككل بككدر‪,‬‬ ‫هذه ا َ‬
‫وهذا كله ل ينفي أن يكون الفككرار مككن الزحككف حرامكا ً علككى غيككر‬
‫لية فيهم كما دل عليه حديث أبي‬ ‫أهل بدر‪ ,‬وإن كان سبب نزول ا َ‬
‫هريرة المتقدم من أن الفرار من الزحف من الموبقككات كمككا هككو‬
‫مكككككككككككككذهب الجمكككككككككككككاهير‪ ,‬واللكككككككككككككه أعلكككككككككككككم‪.‬‬
‫ن الل ّك َ‬
‫ه‬ ‫ت وََلـك ِ ّ‬ ‫ت إ ِذ ْ َر َ‬
‫مي ْ َ‬ ‫مي ْ َ‬
‫ما َر َ‬ ‫ه قَت َل َهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م وََلـك ِ ّ‬ ‫م ت َْقت ُُلوهُ ْ‬ ‫** فَل َ ْ‬
‫م * ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫سنا ً إ ِ ّ‬
‫ح َ‬ ‫ه َبلًء َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ن ِ‬‫مِني َ‬ ‫ي ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ى وَل ِي ُب ْل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫َر َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫ن ك َي ْكككككككككككككدِ ال ْك َكككككككككككككافِ ِ‬ ‫مكككككككككككككوهِ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّككككككككككككك َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫يبين تعالى أنه خالق أفعال العباد وأنه المحمود علككى جميككع مككا‬
‫صدر منهم من خير لنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم عليه ولهذا‬
‫قال‪} :‬فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم{ أي ليس بحككولكم وقككوتكم‬
‫‪915‬‬
‫قتلتم أعداءكم مع كثرة عككددهم وقلككة عككددكم‪ .‬أي بككل هككو الككذي‬
‫أظفركم عليهم كما قال‪} :‬ولقد نصككركم اللككه ببككدر وأنتككم أذلككة{‬
‫لية‪ ,‬وقال تعالى‪} :‬لقككد نصككركم اللككه فككي مككواطن كككثيرة ويككوم‬ ‫ا َ‬
‫حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلككم تغككن عنكككم شككيئا ً وضككاقت عليكككم‬
‫الرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين{ يعلم تبارك وتعالى أن النصر‬
‫ليس على كثرة العدد ول بلبس اللمة والعككدد‪ ,‬وإنمككا النصككر مككن‬
‫عنده تعالى كما قال تعالى‪} :‬كم من فئة قليلككة غلبككت فئة كككثيرة‬
‫بإذن الله والله مع الصابرين{‪ .‬ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم أيضا ً في شأن القبضة من التراب الككتي حصككب بهككا وجككوه‬
‫الكافرين يوم بدر حيككن خككرج مككن العريككش بعككد دعككائه وتضككرعه‬
‫واستكانته فرماهم بها وقال‪» :‬شاهت الوجككوه« ثككم أمككر أصككحابه‬
‫أن يصدقوا الحملة إثرها ففعلوا فأوصككل اللككه تلككك الحصككباء إلككى‬
‫أعين المشركين فلم يبق أحد منهككم إل نككاله منهككا مككا شككغله عككن‬
‫حاله ولهذا قال تعالى‪} :‬وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى{ أي‬
‫هو الذي بلغ ذلك إليهككم وكبتهككم بهككا ل أنككت‪ .‬قككال علككي بككن أبككي‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬رفع رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫يديه يعني يوم بدر فقال‪» :‬يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد‬
‫في الرض أبدًا« فقال له جبريل خذ قبضة من الككتراب فككارم بهككا‬
‫في وجوههم فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجككوههم فمككا‬
‫من المشركين أحد إل أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلككك‬
‫القبضة فولوا مدبرين‪ ,‬وقال السدي‪ :‬قال رسول اللككه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم لعلي رضي اللككه عنككه يككوم بككدر »أعطنككي حصككبا ً مككن‬
‫الرض« فناوله حصبا ً عليه تراب فرمى به في وجككوه القككوم فلككم‬
‫يبق مشرك إل دخككل عينيككه مككن ذلكك الككتراب شككيء‪ ,‬ثككم ردفهككم‬
‫المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم‪ ,‬وأنزل الله }فلكم تقتلككوهم ولكككن‬
‫الله قتلهم‪ ,‬وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى{ وقال أبو معشر‬
‫المدني عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي قال‪ :‬لما دنا‬
‫القوم بعضهم من بعض أخذ رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫قبضة مككن تككراب فرمككى بهككا فككي وجككوه القككوم وقككال‪» :‬شككاهت‬
‫الوجوه« فدخلت في أعينهككم كلهككم وأقبككل أصككحاب رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم وكككانت هزيمتهككم فككي‬
‫رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل اللككه‪} :‬ومككا رميككت‬
‫‪916‬‬
‫إذ رميت ولكن الله رمى{ وقال عبد الرحمن بككن زيككد بككن أسككلم‬
‫}وما رميت إذ رميت ولكن اللككه رمككى{ قككال هككذا يككوم بككدر أخككذ‬
‫رسول الله صلى الله عليككه وسككلم ثلث حصككيات فرمككى بحصككاة‬
‫ميمنة القوم‪ ,‬وحصككاة فككي ميسككرة القككوم وحصككاة بيككن أظهرهككم‬
‫وقال »شاهت الوجوه« فانهزموا‪ ,‬وقد روي في هذه القصككة عككن‬
‫عروة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحد من الئمة أنه أنزلت‬
‫في رمية النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وإن كككان قككد فعككل‬
‫ذلك يوم حنين أيضًا‪ ,‬وقال أبو جعفككر بككن جريككر‪ :‬حككدثنا أحمككد بككن‬
‫منصور حدثنا يعقوب بن محمد حدثنا عبد العزيز بن عمران حككدثنا‬
‫موسى بن يعقوب بن عبد الله بن زمعة عن يزيد بن عبد الله عن‬
‫أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن حكيم بكن حكزام قكال‪ :‬لمكا‬
‫كان يوم بدر سمعنا صككوتا ً وقككع مككن السككماء كككأنه صككوت حصككاة‬
‫وقعت في طست ورمى رسول الله صلى الله عليككه وسككلم تلككك‬
‫الرمية فانهزمنا‪ ,‬غريب من هذا الوجه‪ ,‬وههنا قولن آخران غريبان‬
‫جدا ً )أحدهما( قال ابن جرير حدثني محمد بن عوف الطائي حدثنا‬
‫أبو المغيرة حدثنا صفوان بن عمرو حدثنا عبككد الرحمككن بككن جككبير‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ابن أبي الحقيككق بخيككبر‬
‫دعا بقوس فأتى بقككوس طويلككة وقككال »جيئونككي بقككوس غيرهككا«‬
‫فجاءوه بقوس كبداء فرمى النبي صلى الله عليه وسككلم الحصككن‬
‫فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبكي الحقيكق وهكو فكي فراشكه‬
‫فأنزل الله عز وجل }وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى{ وهككذا‬
‫غريب وإسناده جيدإلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير ولعله اشتبه‬
‫لية في سككورة‬ ‫لية تعم هذا كله وإل فسياق ا َ‬ ‫عليه أو أنه أراد أن ا َ‬
‫النفال في قصة بدر ل محالة وهذا مما ل يخفى على أئمة العلككم‬
‫والله أعلم )والثاني( روى ابن جرير أيضا ً والحاكم فككي مسككتدركه‬
‫بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب والزهري أنهما قككال‪ :‬أنزلككت‬
‫في رمية النبي صلى اللككه عليككه وسككلم يككوم أحككد أبككي بككن خلككف‬
‫بالحربة وهكو فكي لمتكه فخدشكه فكي ترقكوته فجعكل يتكدأدأ عكن‬
‫فرسه مرارا ً حتى كانت وفاته بعد أيام قاسى فيها العككذاب الليككم‬
‫لخككرة‪ ,‬وهككذا القككول عككن‬ ‫موصول ً بعذاب البرزخ المتصل بعذاب ا َ‬
‫هككذين المككامين غريكب أيضكا ً جكدا ً ولعلهمككا أرادا أن ا َ‬
‫ليكة تتنكاوله‬
‫بعمومها ل أنها نزلت فيه خاصة كما تقدم والله أعلم‪ .‬وقال محمد‬
‫‪917‬‬
‫بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبيككر‬
‫في قوله }وليبلي المؤمنين منه بلء حسنًا{ أي ليعرف المككؤمنين‬
‫نعمته عليهم من إظهارهم على عككدوهم مككع كككثرة عككدوهم وقلككة‬
‫عددهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته وهكذا فسره ابن‬
‫جرير أيضًا‪ ,‬وفي الحديث »وكل بلء حسن أبلنا« وقوله }إن الله‬
‫سميع عليم{ أي سميع الدعاء عليم بمن يستحق النصككر والغلككب‪,‬‬
‫وقوله }ذلكم وأن الله موهن كيد الككافرين{ هكذه بشكارة أخكرى‬
‫مكع مكا حصكل مكن النصكر أنكه أعلمهكم تعكالى بكأنه مضكعف كيكد‬
‫الكافرين فيما يستقبل مصغر أمرهم وأنهم وكل ما لهم فككي تبككار‬
‫ودمككككككككككككككار‪ ,‬وللككككككككككككككه الحمككككككككككككككد والمنككككككككككككككة‪.‬‬
‫م وَِإن‬ ‫خي ْكٌر ل ّك ُك ْ‬

‫ح وَِإن َتنت َُهوا ْ فَهُ كوَ َ‬ ‫م ال َْفت ْ ُ‬ ‫جآَءك ُ ُ‬ ‫حوا ْ فََقد ْ َ‬ ‫ست َْفت ِ ُ‬
‫** ِإن ت َ ْ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫مك َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّك َ‬‫ت وَأ ّ‬ ‫شكْيئا ً وَل َكوْ ك َث ُكَر ْ‬
‫م َ‬‫م فِئ َت ُك ُ ْ‬‫ي عَن ْك ُ ْ‬ ‫دوا ْ ن َعُد ْ وََلن ت ُغْن ِ َ‬
‫ت َُعو ُ‬
‫ن‬ ‫مككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫يقول تعالى للكفار‪} :‬إن تسككتفتحوا{ أي تستنصككروا وتستقضككوا‬
‫الله وتستحكموه أن يفصل بينكككم وبيككن أعككدائكم المككؤمنين فقككد‬
‫جاءكم ما سألتم كما قال محمد بن إسككحاق وغيككره عككن الزهككري‬
‫عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن أبا جهل قال يككوم بككدر‪ :‬اللهككم‬
‫أينا كان أقطع للرحم وآتانا بما ل يعرف فأحنه الغداة‪ .‬وكككان ذلككك‬
‫استفتاحا ً منه فنزلت }إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح{ إلككى آخككر‬
‫لية‪ .‬وقال المام أحمد حدثنا يزيد يعني ابن هارون أخبرنا محمككد‬ ‫ا َ‬
‫بن إسحاق حدثني الزهري عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قككال‬
‫حين التقى القوم اللهم أقطعنا للرحم وآتانككا بمككا ل نعككرف فككأحنه‬
‫الغداة‪ .‬فكان المستفتح‪ ,‬وأخرجه النسائي في التفسير من حديث‬
‫صالح بن كيسان عن الزهري به‪ ,‬وكذا رواه الحاكم في مستدركه‬
‫من طريق الزهري بككه وقككال صككحيح علككى شككرط الشككيخين ولككم‬
‫يخرجاه‪ ,‬وروي نحو هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتككادة‬
‫ويزيد بن رومان وغير واحد‪ ,‬وقال السدي كككان المشككركون حيككن‬
‫خرجوا من مكة إلى بككدر أخككذوا بأسككتار الكعبككة فاستنصككروا اللككه‬
‫وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين وأكككرم الفئتيككن وخيككر القبيلككتين‬
‫فقال الله‪} :‬إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح{ يقول قد نصرت مككا‬
‫‪918‬‬
‫قلتم وهو محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد‬
‫بن أسلم هو قوله تعالى إخبارا ً عنهم }وإذ قالوا اللهم إن كان هذا‬
‫لية‪ ,‬وقوله }وإن تنتهوا{ أي عما أنتككم فيككه‬ ‫هو الحق من عندك{ ا َ‬
‫من الكفر بالله والتكذيب لرسوله }فهو خير لكم{ أي فككي الككدنيا‬
‫لخككرة‪ ,‬وقككوله تعككالى‪} :‬وإن تعككودوا نعككد{ كقككوله }وإن عككدتم‬ ‫وا َ‬
‫عدنا{ معناه وإن عدتم إلى ما كنتم فيه من الكفككر والضككللة نعككد‬
‫لكككم بمثككل هككذه الواقعككة‪ .‬وقككال السككدي }وإن تعككودوا{ أي إلككى‬
‫الستفتاح }نعد{ أي إلككى الفتككح لمحمككد صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫والنصر له وتظفيره على أعدائه والول أقوى }ولككن تغنككي عنكككم‬
‫فئتكم شيئا ً ولو كثرت{ أي ولو جمعتم من الجموع مككا عسككى أن‬
‫تجمعككوا‪ ,‬فككإن مككن كككان اللككه معككه فل غككالب لككه }وأن اللككه مككع‬
‫المكككؤمنين{ وهكككم الحكككزب النبكككوي والجنكككاب المصكككطفوي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫م‬‫ه وَأن ْت ُك ْ‬ ‫وا عَن ْك ُ‬ ‫ه وَل َ ت َوَل ّك ْ‬‫سككول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيعُككوا ْ الل ّك َ‬ ‫من ُكوَا ْ أ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫** ي َأي َّها ال ّك ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫معَْنا وَهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َقاُلوا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬‫كوُنوا ْ َ‬‫ن * وَل َ ت َ ُ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫تَ ْ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن * وَل َوْ عَل ِ َ‬ ‫ن ل َ ي َعِْقُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ال ْب ُك ْ ُ‬‫ص ّ‬‫عند َ الل ّهِ ال ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫شّر الد َّوا ّ‬ ‫َ‬
‫م ل َت َوَّلككوا ْ وّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ضككو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫هكك ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫سكك َ‬ ‫م وََلككوْ أ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬‫سكك َ‬ ‫خْيككرا ً ل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِفيِهكك ْ‬
‫يأمر تعالى عباده المؤمنين بطككاعته وطاعككة رسككوله ويزجرهككم‬
‫عن مخالفته والتشبه بالكافرين به المعاندين لككه ولهككذا قككال }ول‬
‫تولككوا عنككه{ أي تككتركوا طككاعته وامتثككال أوامككره وتككرك زواجككره‬
‫}وأنتم تسمعون{ أي بعد ما علمتككم مككا دعككاكم إليككه }ول تكونككوا‬
‫كالذين قالوا سمعنا وهم ل يسككمعون{ قيككل‪ :‬المككراد المشككركون‬
‫واختككاره ابككن جريككر‪ ,‬وقككال ابككن إسككحاق هككم المنككافقون فككإنهم‬
‫يظهرون أنهم قد سمعوا واستجابوا وليسوا كذلك‪ ,‬ثم أخبر تعككالى‬
‫أن هذا الضرب من بني آدم شر الخلق والخليقككة فقككال }إن شككر‬
‫الدواب عند الله الصم{ أي عن سماع الحق }البكم{ عككن فهمككه‬
‫ولهذا قال }الذين ل يعقلون{ فهؤلء شر البرية لن كل دابة ممككا‬
‫سواهم مطيعة لله فيما خلقها له وهؤلء خلقككوا للعبككادة فكفككروا‪,‬‬
‫ولهذا شبههم بالنعام في قوله }ومثل الككذين كفككروا كمثككل الككذي‬
‫ليكة الخككرى‬ ‫ليكة‪ ,‬وقككال فككي ا َ‬ ‫ينعق بما ل يسمع إل دعاء ونداء{ ا َ‬
‫}أولئك كالنعام بل هم أضل أولئك هككم الغككافلون{ وقيككل المككراد‬
‫‪919‬‬
‫بهؤلء المذكورين نفر من بني عبد الدار من قريش روي عن ابككن‬
‫عباس ومجاهد واختاره ابن جرير‪ .‬وقككال محمككد بككن إسككحاق هككم‬
‫المنافقون‪ ,‬قلت‪ :‬ول منافاة بين المشركين والمنككافقين فككي هككذا‬
‫لن كل ً منهم مسلوب الفهم الصحيح والقصد إلى العمل الصككالح‪,‬‬
‫ثم أخبر تعالى بأنهم ل فهم لهم صككحيح ول قصككد لهككم صككحيح لككو‬
‫فرض أن لهم فهما ً فقال }ولو علم الله فيهم خيرا ً لسمعهم{ أي‬
‫لفهمهم وتقدير الكلم ولكن ل خير فيهم فلم يفهمهككم لنككه يعلككم‬
‫أنه }ولو أسمعهم{ أي أفهمهم }لتولوا{ عن ذلككك قصككدا ً وعنككادا ً‬
‫بعككككككد فهمهككككككم ذلككككككك }وهككككككم معرضككككككون{ عنككككككه‪.‬‬
‫َ‬
‫حِييك ُك ْ‬
‫م‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫كم ل ِ َ‬ ‫عا ُ‬ ‫ذا د َ َ‬ ‫ل إِ َ‬
‫سو ِ‬ ‫جيُبوا ْ لل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫مُنوا ْ ا ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫** ي َأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫شكُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه إ ِل َي ْكهِ ت ُ ْ‬‫مكْرِء وَقَل ْب ِكهِ وَأن ّك ُ‬‫ن ال ْ َ‬‫ل ب َي ْك َ‬‫حككو ُ‬‫ه يَ ُ‬‫ن الل ّك َ‬
‫مككوا ْ أ ّ‬ ‫َواعْل َ ُ‬
‫قال البخاري }استجيبوا{ أجيبوا }لمككا يحييكككم{ لمككا يصككلحكم‪.‬‬
‫حدثني إسحاق حدثنا روح حدثنا شعبة عن حبيب بن عبد الرحمككن‬
‫قال‪ :‬سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سككعيد بككن المعلككى‬
‫رضي الله عنه قال كنت أصلي فمككر بككي النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فدعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقككال »مككا منعككك أن‬
‫تأتيني ؟ ألم يقل الله }يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسككول‬
‫إذا دعاكم لما يحييكم{ ك ثككم قككال كك لعلمنككك أعظككم سككورة فككي‬
‫القرآن قبل أن أخرج« فذهب رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫ليخرج فذكرت له‪ .‬وقال معاذ‪ :‬حككدثنا شككعبة عككن خككبيب بككن عبككد‬
‫الرحمن سمع حفص بن عاصم سمع أبا سككعيد رجل ً مككن أصككحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وقال }الحمد لله رب العالمين{‬
‫هي السبع المثاني‪ .‬هذا لفظه بحروفه وقد تقدم الكلم علككى هككذا‬
‫الحديث بذكر طرقه في أول تفسككير الفاتحككة‪ .‬وقككال مجاهككد فككي‬
‫قوله }لما يحييكم{ قال للحق‪ ,‬وقال قتادة }لما يحييكم{ قال هو‬
‫هذا القرآن فيه النجاة والبقاء والحياة وقال السدي }لما يحييكم{‬
‫ففي السلم إحياؤهم بعد موتهم بالكفر‪ ,‬وقال محمد بن إسككحاق‬
‫عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير }يا أيها الككذين‬
‫آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لمككا يحييكككم{ أي للحككرب‬
‫التي أعزكم الله تعالى بها بعككد الككذل‪ ,‬وقككواكم بهككا بعككد الضككعف‪,‬‬
‫‪920‬‬
‫ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬واعلمككوا‬
‫أن الله يحككول بيككن المككرء وقلبككه{‪ ,‬قككال ابككن عبككاس يحككول بيككن‬
‫المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبيككن اليمككان‪ ,‬رواه الحككاكم فككي‬
‫مستدركه موقوفًا‪ ,‬وقال صحيح ولم يخرجككاه‪ ,‬ورواه ابككن مردويككه‬
‫من وجه آخر مرفوعًا‪ ,‬ول يصح لضعف إسككناده والموقككوف أصككح‪,‬‬
‫وكذا قال مجاهد وسعيد وعكرمككة والضككحاك وأبككو صككالح وعطيككة‬
‫ومقاتل بككن حيككان والسككدي‪ ,‬وفككي روايككة عككن مجاهككد فككي قككوله‬
‫}يحول بين المرء وقلبه{ أي حتى يتركه ل يعقككل‪ ,‬وقككال السككدي‬
‫يحول بين النسان وقلبه فل يستطيع أن يؤمن ول يكفر إل بككإذنه‪.‬‬
‫وقال قتادة هو كقوله }ونحن أقرب إليه مككن حبككل الوريككد{ وقككد‬
‫وردت الحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يناسب‬
‫لية‪ ,‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو معاوية عكن العمككش عككن‬ ‫هذه ا َ‬
‫أبي سفيان عن أنس بن مالك رضي الله عنككه‪ ,‬قككال‪ :‬كككان النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول »يا مقلب القلوب ثبت قلككبي‬
‫على دينك«‪ .‬قال‪ :‬فقلنا يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به‪ ,‬فهككل‬
‫تخاف علينا ؟ قال‪» :‬نعم‪ ,‬إن القلوب بين إصبعين من أصابع اللككه‬
‫تعالى يقلبها«‪ .‬وهكذا رواه الترمذي في كتككاب القككدر مككن جككامعه‬
‫عن هناد بن السري عن أبي معاوية محمد بن حازم الضككرير عككن‬
‫العمش‪ ,‬واسمه سككليمان بككن مهككران عككن أبككي سككفيان واسككمه‬
‫طلحة بن نافع عن أنس‪ ,‬ثككم قككال‪ :‬حسككن‪ .‬وهكككذا روي عككن غيككر‬
‫واحد عن العمش‪ ,‬ورواه بعضهم عنه عن أبي سككفيان عككن جككابر‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم وحككديث أبككي سككفيان عككن أنككس‬
‫أصككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككح‪.‬‬
‫)حديث آخر( وقال المام أحمد في مسنده‪ :‬حدثنا عبد بن حميككد‬
‫حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا شعبة عن الحكككم عككن ابككن أبككي‬
‫ليلى عن بلل‪ ,‬رضي الله عنه‪ ,‬أن النككبي صكلى اللكه عليكه وسككلم‬
‫كان يدعو »يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينككك«‪ .‬هككذا حككديث‬
‫جيد السناد إل أن فيه انقطاعًا‪ .‬وهككو مككع ذلككك علككى شككرط أهككل‬
‫السكككككككككككككككككككككنن ولكككككككككككككككككككككم يخرجكككككككككككككككككككككوه‪.‬‬
‫)حديث آخر( قككال المككام أحمككد حككدثنا الوليككد بككن مسككلم قككال‪:‬‬
‫سمعت ابن جابر يقول‪ :‬حدثني بسر بن عبككد اللكه الحضككرمي أنكه‬
‫سككمع أبكا إدريككس الخكولني يقككول سكمعت النككواس بكن سكمعان‬
‫‪921‬‬
‫الكلبي رضي الله عنه يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسككلم‬
‫يقول »ما من قلب إل وهو بين أصكبعين مككن أصككابع الرحمكن رب‬
‫العالمين إذا شاء أن يقيمه أقامه وإذا شاء أن يزيغه أزاغه« وكان‬
‫يقول »يا مقلب القلوب ثبت قلبي علككى دينككك« قككال »والميككزان‬
‫بيد الرحمن يخفضه ويرفعه« وهكذا رواه النسائي وابن ماجه من‬
‫حكككديث عبكككد الرحمكككن بكككن يزيكككد بكككن جكككابر فكككذكر مثلكككه‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد حدثنا يونس حدثنا حمككاد بككن زيككد‬
‫عن المعلى بن زياد عن الحسككن أن عائشككة قككالت‪ :‬دعككوات كككان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم يككدعو بهككا »يككا مقلككب القلككوب‬
‫ثبت قلبي على دينك« قالت‪ :‬فقلت يا رسككول اللككه إنككك تكككثر أن‬
‫لدمي بين أصككبعين مككن أصككابع‬ ‫تدعو بهذا الدعاء فقال »إن قلب ا َ‬
‫اللكككككككه فكككككككإذا شكككككككاء أزاغكككككككه وإذا شكككككككاء أقكككككككامه«‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد حككدثنا هاشككم حككدثنا عبككد الحميككد‬
‫حدثني شهر سمعت أم سلمة تحكدث أن رسكول اللكه صكلى اللكه‬
‫عليه وسلم كان يكثر في دعائه يقول »اللهم مقلب القلكوب ثبكت‬
‫ن القلككوب‬ ‫قلككبي علككى دينككك« قككالت فقلككت يككا رسككول اللككه أوَإ ِ ّ‬
‫لتقلب ؟ قال »نعم ما خلق الله من بشر من بني آدم إل أن قلبككه‬
‫بين أصبعين من أصابع الله عككز وجككل فككإن شككاء أقككامه وإن شككاء‬
‫أزاغه فنسأل الله ربنا أن ل يزيغ قلوبنا بعككد إذ هككدانا‪ ,‬ونسككأله أن‬
‫يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب« قككالت فقلككت‪ :‬يككا رسككول‬
‫الله أل تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي ؟ قككال »بلككى قككولي اللهككم‬
‫رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيككظ قلككبي وأجرنككي مككن‬
‫مضكككككككككككككلت الفتكككككككككككككن مكككككككككككككا أحييتنكككككككككككككي«‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا حيوة‬
‫أخبرني أبو هانىء أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي أنه سمع عبككد‬
‫الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليككه وسككلم يقككول‬
‫»إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمككن كقلككب واحككد‬
‫يصرفها كيف شاء« ثم قال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫»اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك« انفرد بإخراجه‬
‫مسلم عن البخاري فرواه مع النسائي من حديث حيوة بن شككريح‬
‫المصككككككككككككككككككككككككككككككككككككري بككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫‪922‬‬
‫َ‬
‫م كوَا ْ أ ّ‬
‫ن‬ ‫ة َواعْل َ ُ‬‫صك ً‬
‫خآ ّ‬ ‫منك ُك ْ‬
‫م َ‬ ‫مككوا ْ ِ‬
‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ن ال ّك ِ‬
‫ذي َ‬ ‫** َوات ُّقوا ْ فِت ْن َ ً‬
‫ة ل ّ تُ ِ‬
‫صيب َ ّ‬
‫ب‬‫ديد ُ ال ْعَِقككككككككككككككككككككككا ِ‬‫شكككككككككككككككككككككك ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّكككككككككككككككككككككك َ‬
‫يحذر تعكالى عبككاده المككؤمنين فتنككة أي اختبككارا ً ومحنككة يعككم بهككا‬
‫المسيء وغيره ل يخص بها أهل المعاصي ول من باشر الذنب بل‬
‫يعمهما حيث لم تدفع وترفككع‪ ,‬كمككا قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا أبككو‬
‫سعيد مولى بني هاشككم حككدثنا شككداد بككن سككعيد حككدثنا غيلن بككن‬
‫جرير عن مطرف قال‪ :‬قلنا للزبير‪ :‬يا أبا عبد الله مككا جككاء بكككم ؟‬
‫ضيعتم الخليفة الذي قتل ثم جئتم تطلبككون بككدمه ؟ فقككال الزبيككر‬
‫رضي الله عنه‪ :‬إنا قرأنا على عهكد رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي اللككه عنهككم }واتقككوا فتنككة ل‬
‫تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة{ لم نكن نحسب أنا أهلهككا حككتى‬
‫وقعت منا حيث وقعت‪ ,‬وقد رواه البزار من حككديث مطككرف عككن‬
‫الزبير وقال‪ :‬ل نعرف مطرفا ً روى عن الزبيككر غيككر هككذا الحككديث‪,‬‬
‫وقد روى النسائي من حديث جريككر بككن حككازم عككن الحسككن عككن‬
‫الزبير نحو هذا‪ ,‬وقد روى ابككن جريككر حككدثني الحككارث حككدثنا عبككد‬
‫العزيز حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن قكال‪ ,‬قككال الزبيكر لقككد‬
‫خوفنا بها يعني قوله تعالى‪} :‬واتقوا فتنة ل تصككيبن الككذين ظلمككوا‬
‫منكم خاصة{ ونحن مع رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم ومككا‬
‫ظننا أنا خصصنا بها خاصة وكذا رواه حميد عن الحسن عن الزبير‬
‫ليككة‬ ‫رضي الله عنه وقال داود بن أبي هند عن الحسن فككي هككذه ا َ‬
‫قال نزلت في علي وعثمككان وطلحككة والزبيككر رضككي اللككه عنهككم‪,‬‬
‫وقال سفيان الثوري عن الصلت بن دينككار عككن عقبككة بككن صككهبان‬
‫لية زمانا ً وما أرانا من أهلها‬ ‫سمعت الزبير يقول‪ :‬لقد قرأت هذه ا َ‬
‫فإذا نحن المعنيون بها }واتقوا فتنة ل تصيبن الذين ظلمككوا منكككم‬
‫خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب{ وقد روي من غير وجه عن‬
‫الزبيككر بككن العككوام‪ ,‬وقككال السككدي‪ :‬نزلككت فككي أهككل بككدر خاصككة‬
‫فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا‪ ,‬وقال علي بن أبي طلحة عككن ابككن‬
‫عباس في قوله تعالى‪} :‬واتقوا فتنة ل تصيبن الذين ظلمككو منكككم‬
‫خاصة{ يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسككلم خاصككة‪ .‬وقككال‬
‫ليكة أمككر اللكه‬ ‫في روايككة لكه عكن ابككن عبكاس فكي تفسكير هكذه ا َ‬
‫المؤمنين أن ل يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعككذاب‪,‬‬
‫‪923‬‬
‫وهككذا تفسككير حسككن جككدًا‪ ,‬ولهكذا قكال مجاهككد فكي قكوله تعكالى‪:‬‬
‫}واتقوا فتنة ل تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة{ هي أيضا ً لكككم‪,‬‬
‫وكذا قال الضحاك ويزيد بن أبككي حككبيب‪ ,‬وغيككر واحككد‪ ,‬وقككال ابككن‬
‫مسعود ما منكم من أحد إل وهو مشتمل على فتنة إن الله تعالى‬
‫يقول }إنما أموالكم وأولدكم فتنة{ فأيكم استعاذ فليستعذ بككالله‬
‫من مضلت الفتن رواه ابن جرير‪ ,‬والقول بككأن هككذا التحككذير يعككم‬
‫الصحابة وغيرهم وإن كان الخطاب معهم هو الصحيح‪ ,‬ويدل عليه‬
‫الحاديث الواردة في أخص مككا يككذكر ههنككا مككا رواه المككام أحمككد‬
‫حيث قال‪ ,‬حككدثنا أحمككد بككن الحجككاج أخبرنككا عبككد اللككه يعنككي ابككن‬
‫المبارك‪ ,‬أنبأنا سككيف بككن أبككي سككليمان سككمعت عككدي بككن عككدي‬
‫الكندي يقول‪ ,‬حدثني مولى لنككا أنككه سككمع جككدي يعنككي عككدي بككن‬
‫عميرة يقول‪ :‬سمعت رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم يقككول‬
‫»إن الله عز وجل ل يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر‬
‫بين ظهرانيهككم وهككم قككادرون علككى أن ينكككروه فل ينكككروه‪ ,‬فككإذا‬
‫فعلوا ذلككك عككذب اللككه الخاصككة والعامككة« فيككه رجككل متهككم ولككم‬
‫يخرجكككوه فكككي الكتكككب السكككتة ول واحكككد منهكككم واللكككه أعلكككم‪.‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمككد حككدثنا سككليمان الهاشككمي حككدثنا‬
‫إسماعيل يعني ابن جعفر أخبرني عمرو بن أبي عمر عن عبد الله‬
‫بن عبد الرحمن الشهل عن حذيفككة بككن اليمككاني أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم قال »والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف‬
‫ولتنهن عن المنكر أو ليوشكككن اللككه أن يبعككث عليكككم عقاب كا ً مككن‬
‫عنده ثم لتككدعنه فل يسككتجيب لكككم« ورواه عككن أبككي سككعيد عككن‬
‫إسماعيل بن جعفر وقال »أو ليبعثن الله عليكم قوما ً ثككم تككدعونه‬
‫فل يستجيب لكم«‪ .‬وقال المام أحمد حدثنا عبد الله بن نمير قال‬
‫حدثنا رزين حككبيب الجهنككي حككدثني أبككو الرقككاد قككال‪ :‬خرجككت مككع‬
‫مولي فككدفعت إلككى حذيفككة وهككو يقككول‪ :‬إن كككان الرجككل ليتكلككم‬
‫بالكلمة علككى عهككد رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم فيصككير‬
‫منافقًا‪ ,‬وإني لسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربككع مككرات‪,‬‬
‫لتأمرن بالمعروف ولتنهككن عككن المنكككر ولتحاضككن علككى الخيككر أو‬
‫ليسحتنكم الله جميعا ً بعذاب أو ليؤمرن عليكم شراركم ثككم يككدعو‬
‫خيكككككككككككككككككككاركم فل يسكككككككككككككككككككتجاب لهكككككككككككككككككككم‪.‬‬
‫‪924‬‬
‫)حديث آخر( قال المام أحمد أيضًا‪ .‬حدثني يحيى بن سعيد عككن‬
‫زكريا حدثنا عامر رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت النعمكان بكن بشكير‬
‫رضي الله عنه يخطب يقول‪ :‬وأومأ بأصبعيه إلى أذنيه يقول‪ :‬مثككل‬
‫القائم على حدود اللكه والواقكع فيهكا والمككداهن فيهكا كمثككل قكوم‬
‫ركبوا سككفينة فأصكاب بعضككهم أسككفلها وأوعرهككا وشككرها وأصككاب‬
‫بعضهم أعلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على‬
‫من فوقهم فآذوهم فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقا ً فاستقينا منه‬
‫ولم نؤذ من فوقنا‪ :‬فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميع كا ً وإن أخككذوا‬
‫علككى أيككديهم نجككوا جميعككا‪ ,‬انفككرد بككإخراجه البخككاري دون مسككلم‬
‫فرواه في الشركة والشهادات‪ ,‬والترمذي في الفتن من غير وجه‬
‫عن سليمان بن مهران العمش عن عامر بككن شككراحيل الشككعبي‬
‫)حديث آخر( قككال المككام أحمككد حككدثنا حسككين حككدثنا خلككف بككن‬
‫م‬
‫خليفة عن ليث عن علقمة بن مرثد عن المعرور بن سويد عن أ ّ‬
‫سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليككه وسككلم يقككول »إذا ظهككرت المعاصككي فككي أمككتي‬
‫عمهم الله بعذاب من عنده« فقلت يا رسول الله‪ :‬أما فيهم أناس‬
‫صالحون قال »بلى« قالت فكيف يصنع أولئك ؟ قال »يصيبهم مكا‬
‫أصككاب النككاس ثككم يصككيرون إلككى مغفككرة مككن اللككه ورضككوان«‪.‬‬
‫)حديث آخر( قككال المككام أحمككد حككدثنا حجككاج بككن محمككد حككدثنا‬
‫شريك عن أبي إسحاق عن المنذر بن جرير عككن أبيككه قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم »ما من قوم يعملون بالمعاصي‬
‫وفيهم رجل أعككز منهككم وأمنككع ل يغيككره إل عمهككم اللككه بعقككاب أو‬
‫أصابهم العقاب« ورواه أبو داود عن مسدد عن أبي الحوص عككن‬
‫أبي إسحاق به‪ .‬وقال المام أحمد أيضًا‪ :‬حككدثنا محمككد بككن جعفككر‪,‬‬
‫حدثنا شعبة‪ ,‬سمعت أبا إسحاق يحدث عن عبيككد اللككه بككن جريككر‪,‬‬
‫عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬ما مككن قككوم‬
‫يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعملون ثم لككم يغيككروه‬
‫إل عمهم الله بعقاب«‪ ,‬ثم رواه أيضا ً عن وكيع عن إسرائيل‪ ,‬وعن‬
‫عبد الرزاق عن معمر وعن أسود عن شككريك ويككونس كلهككم عككن‬
‫أبي إسحاق السبيعي به وأخرجه ابن مككاجه عككن علككي بككن محمككد‬
‫عن وكيع به‪ ,‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا سفيان حدثنا جامع بن أبككي‬
‫‪925‬‬
‫راشد عن منذر عن الحسن بن محمد عن امرأته عن عائشة تبلككغ‬
‫به النبي صلى الله عليه وسلم »إذا ظهر السوء في الرض أنككزل‬
‫الله بأهل الرض بأسكه« فقلكت وفيهكم أهكل طاعكة اللكه ؟ قكال‪:‬‬
‫»نعكككككككم ثكككككككم يصكككككككيرون إلكككككككى رحمكككككككة اللكككككككه«‪.‬‬
‫ن َأن‬ ‫خككاُفو َ‬ ‫ض تَ َ‬‫ن ِفككي الْر ِ‬ ‫ض كعَُفو َ‬ ‫ست َ ْ‬‫م ْ‬ ‫ل ّ‬

‫َ‬
‫** َواذ ْك ُكُروَا ْ إ ِذ ْ أنت ُك ْ‬
‫م قَِلي ك ٌ‬
‫ت‬ ‫ن الط ّي ّب َككا ِ‬‫مك َ‬‫م ّ‬‫ص كرِهِ وََرَزقَك ُك ْ‬
‫كم ب ِن َ ْ‬ ‫م وَأ َي ّكد َ ُ‬
‫س فَككآَواك ُ ْ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫خط َّفك ُ ُ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككك ُُرو َ‬
‫ن‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ل َعَل ّك ُكككككككككككككككككككككككككككككككككك ْ‬
‫ينبه تعالى عباده المؤمنين على نعمه عليهككم‪ ,‬وإحسككانه إليهككم‪,‬‬
‫حيككث كككانوا قليليككن فكككثرهم ومستضككعفين خككائفين فقككواهم‬
‫ونصككرهم‪ ,‬وفقككراء عالككة فرزقهككم مككن الطيبككات واستشكككرهم‪,‬‬
‫فأطاعوه وامتثلوا جميع ما أمرهم‪ .‬وهذا كان حال المككؤمنين حككال‬
‫مقامهم بمكة قليلين مستخفين مضطهدين يخافون أن يتخطفهككم‬
‫الناس من سائر بلد الله مككن مشككرك ومجوسككي ورومككي‪ ,‬كلهككم‬
‫أعداء لهم لقلتهم وعدم قوتهم‪ ,‬فلككم يككزل ذلككك دأبهككم حككتى أذن‬
‫الله لهم في الهجرة إلى المدينة فآواهم إليهككا وقيككض لهككم أهلهككا‬
‫آووا ونصروا يوم بدر وغيره‪ ,‬وواسوا بأموالهم وبذلوا مهجهم فككي‬
‫طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬قككال قتككادة بككن‬
‫دعامة السدوسي رحمه الله في قككوله تعككالى‪} :‬واذكككروا إذ أنتككم‬
‫قليل مستضعفون في الرض{‪ ,‬قال‪ :‬كان هذا الحككي مككن العككرب‬
‫ل‪ ,‬وأشككقاه عيش كًا‪ ,‬وأجككوعه بطون كًا‪ ,‬وأعككراه جلككودا ً‬ ‫أذل النككاس ذ ً‬
‫ل‪ ,‬من عاش منهم عاش شككقيًا‪ ,‬ومككن مككات منهككم ردي‬ ‫وأبينه ضل ً‬
‫في النار يؤكلون ول يأكلون‪ ,‬والله ما نعلم قككبيل ً مككن حاضككر أهككل‬
‫الرض يومئذ كانوا أشر منزل ً منهم حتى جاء الله بالسلم فمكككن‬
‫به في البلد ووسع به في الرزق وجعلهككم بككه ملوككا ً علككى رقككاب‬
‫الناس وبالسلم أعطى الله ما رأيتككم فاشكككروا اللككه علككى نعمككه‬
‫فإن ربكم منعم يحب الشكر‪ ,‬وأهل الشكككر فككي مزيككد مككن اللككه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫مان َككات ِك ُ ْ‬‫خون ُكوَا ْ أ َ‬ ‫سككو َ‬
‫ل وَت َ ُ‬ ‫خون ُككوا ْ الل ّك َ‬
‫ه َوالّر ُ‬ ‫من ُككوا ْ ل َ ت َ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫** ي َأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وأ َنتم تعل َمون * واعْل َمكوا ْ أ َنمكآ أ َمكوال ُك ُم وأ َول َدك ُكم فتنك ٌ َ‬
‫ن الّلك َ‬
‫ه‬ ‫ة وَأ ّ‬ ‫ْ َ ْ ُ ْ ِ َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ ْ َْ ُ َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ظيكككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫جككككككككككككككككككككككٌر عَ ِ‬ ‫عنككككككككككككككككككككككد َهُ أ ْ‬ ‫ِ‬
‫‪926‬‬
‫قال عبد الرزاق بن أبي قتادة والزهري‪ :‬أنزلت فككي أبككي لبابككة‬
‫بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم إلككى‬
‫بني قريظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫فاستشاروه في ذلك فأشار عليهم بذلك وأشار بيككده إلككى حلقككه‪,‬‬
‫أي إنه الذبح‪ ,‬ثم فطن أبو لبابة ورأى أنه قد خككان اللككه ورسككوله‪,‬‬
‫فحلف ل يذوق ذواقا ً حتى يموت أو يتوب الله عليه‪ ,‬وانطلق إلككى‬
‫مسجد المدينة فربط نفسه في سارية منه‪ ,‬فمكككث كككذلك تسكعة‬
‫أيام حتى كان يخر مغشيا ً عليه من الجهككد حككتى أنككزل اللككه تككوبته‬
‫على رسوله‪ ,‬فجاء النككاس يبشككرونه بتوبككة اللككه عليككه‪ ,‬وأرادوا أن‬
‫يحلوه من السارية‪ ,‬فحلف ل يحله منها إل رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم بيده‪ ,‬فحله‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ :‬إني كنت نككذرت أن‬
‫أنخلع من مالي صدقة‪ ,‬فقال »يجزيك الثلث أن تصدق به«‪ .‬وقال‬
‫ابن جريكر‪ :‬حكدثني الحكارث حكدثنا عبكد العزيكز حكدثنا يكونس بكن‬
‫الحارث الطائفي حدثنا محمد بن عبيد الله بن عككون الثقفككي عككن‬
‫ليككة فككي قتككل عثمككان‪ ,‬رضككي‬ ‫المغيرة بن شعبة قال‪ :‬نزلت هذه ا َ‬
‫الله عنه }يككا أيهككا الككذين آمنككوا ل تخونككوا اللككه والرسككول{ ا َ‬
‫وقال ابن جرير أيضًا‪ :‬حدثنا القاسم بن بشر بككن معككروف حككدثنا‬
‫شبابة بن سوار حدثنا محمد بن المحرم قال لقيت عطاء بن أبككي‬
‫رباح فحدثني قال‪ :‬حدثني جابر بن عبد اللككه أن أبككا سككفيان خككرج‬
‫من مكة فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬إن‬
‫أبا سفيان بمكان كذا وكككذا‪ ,‬فقككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »إن أبا سفيان في موضع كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا«‬
‫فكتب رجل من المنافقين إليه إن محمدا ً يريككدكم فخككذوا حككذركم‬
‫فأنزل الله عز وجل }ل تخونوا الله والرسول وتخونككوا أمانككاتكم{‬
‫لية‪ ,‬هكذا حكديث غريكب جكدًا‪ ,‬وفكي سكنده وسكياقه نظكر‪ ,‬وفكي‬ ‫ا َ‬
‫الصحيحين قصة حاطب بن أبي بلتعة أنه كتب إلى قريش يعلمهم‬
‫بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم عام الفتككح‪ ,‬فككأطلع‬
‫اللككه رسككوله علككى ذلككك‪ ,‬فبعككث فككي إثككر الكتككاب فاسككترجعه‬
‫واستحضر حاطبا ً فأقر بما صككنع‪ ,‬وفيهككا فقككام عمككر بككن الخطككاب‬
‫فقال يا رسول الله‪ :‬أل أضرب عنقه‪ ,‬فإنه قد خككان اللككه ورسككوله‬
‫والمؤمنين ؟ فقال‪» :‬دعه فإنه قد شهد بدرًا‪ ,‬وما يدريك لعل اللككه‬
‫اطلع على أهل بدر فقال‪ :‬اعملككوا مككا شككئتم فقككد غفككرت لكككم«‪.‬‬
‫‪927‬‬
‫لية عامككة‪ ,‬وإن صككح أنهككا وردت علككى سككبب‬ ‫قلت‪ :‬والصحيح أن ا َ‬
‫خاص‪ ,‬فالخذ بعموم اللفظ ل بخصوص السبب عند الجماهير من‬
‫العلماء‪ .‬والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبككار اللزمككة والمتعديككة‪.‬‬
‫وقال علي بن أبكي طلحككة عكن ابكن عبكاس }وتخونككوا أمانككاتكم{‬
‫المانة‪ ,‬العمال الككتي ائتمككن اللككه عليهككا العبككاد‪ ,‬يعنككي الفريضككة‪.‬‬
‫يقول‪} :‬ل تخونوا{ ل تنقضوها‪ .‬وقال في روايككة‪} :‬ل تخونككوا اللككه‬
‫والرسكككككول{‪ ,‬يقكككككول بكككككترك سكككككنته وارتككككككاب معصكككككيته‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق‪ :‬حدثني محمد بن جعفر بككن الزبيككر عككن‬
‫ليككة‪ ,‬أي ل تظهككروا لككه مككن الحككق مككا‬ ‫عروة بن الزبير في هككذه ا َ‬
‫يرضى به منكم‪ ,‬ثم تخالفوه في السر إلى غيره‪ ,‬فككإن ذلككك هلك‬
‫لماناتكم‪ ,‬وخيانة لنفسكم‪ .‬وقال السدي‪ :‬إذا خانوا الله والرسول‬
‫فقد خانوا أماناتهم‪ ,‬وقال أيضًا‪ :‬ككانوا يسكمعون مكن النكبي صكلى‬
‫الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين‪ ,‬وقال عبد‬
‫الرحمككن بككن زيككد‪ :‬نهككاكم أن تخونككوا اللككه والرسككول كمككا صككنع‬
‫المنافقون‪ ,‬وقككوله }واعلمككوا أنمككا أمككوالكم وأولدكككم فتنككة{‪ ,‬أي‬
‫اختبار وامتحان منككه لكككم إذ أعطاكموهككا ليعلككم أتشكككرونه عليهككا‬
‫وتطيعونه فيها أو تشتغلون بها عنه وتعتاضككون بهككا منككه كمككا قككال‬
‫تعالى‪} :‬إنما أموالكم وأولدكم فتنة والله عنده أجر عظيم{ وقال‬
‫}ونبلوكم بالشر والخير فتنة{‪ .‬وقال تعالى‪} :‬يا أيها الككذين آمنككوا‬
‫ل تلهكككم أمككوالكم ول أولدكككم عككن ذكككر اللككه‪ ,‬ومككن يفعككل ذلككك‬
‫فأولئك هم الخاسرون{‪ .‬وقال تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا إن مككن‬
‫لية‪ ,‬وقككوله }وأن اللككه‬ ‫أزواجكم وأولدكم عدوا ً لكم فاحذروهم{ ا َ‬
‫عنده أجر عظيم{ أي ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من المككوال‬
‫والولد‪ ,‬فإنه قد يوجد منهم عككدو‪ ,‬وأكككثرهم ل يغنككي عنككك شككيئًا‪,‬‬
‫لخككرة ولككديه الثككواب‬ ‫والله سبحانه هو المتصرف المالك للككدنيا وا َ‬
‫الجزيل يوم القيامككة‪ .‬وفككي الثككر يقككول اللككه تعككالى‪ :‬يككا ابككن آدم‪,‬‬
‫اطلبني تجدني‪ ,‬فإن وجدتني وجدت كل شيء‪ ,‬وإن فتك فاتك كل‬
‫شيء‪ ,‬وأنا أحب إليك من كل شككيء‪ ,‬وفككي الصككحيح عككن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنه قال »ثلث من كن فيه‪ ,‬وجد حلوة‬
‫اليمان‪ :‬من كان الله ورسوله أحب إليه مما سككواهما‪ ,‬ومككن كككان‬
‫يحب المرء ل يحبه إل لله‪ ,‬ومن كان أن يلقى في النار أحب إليككه‬
‫من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منككه«‪ ,‬بككل حككب رسككول‬
‫‪928‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم مقدم على الولد والموال والنفككوس‪,‬‬
‫كما ثبت في الصحيح أنكه صكلى اللكه عليكه وسكلم قكال‪» :‬والكذي‬
‫نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهلككه‬
‫ومكككككككككككككككككككاله والنكككككككككككككككككككاس أجمعيكككككككككككككككككككن«‪.‬‬
‫م فُْرَقانا ً وَي ُك َّفْر َ‬ ‫َ‬

‫عنك ُك ْ‬
‫م‬ ‫جَعل ل ّك ُ ْ‬ ‫من ُوَا ْ َإن ت َت ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫** ِيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ل ال ْعَ ِ‬
‫ظيكككككم ِ‬ ‫ضككككك ِ‬ ‫ذو ال َْف ْ‬ ‫م َوالّلككككك ُ‬
‫ه ُ‬ ‫كككككك ْ‬ ‫م وَي َغِْفكككككْر ل َ ُ‬‫سكككككي َّئات ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫قال ابككن عبككاس والسككدي ومجاهككد وعكرمككة والضككحاك وقتككادة‬
‫ومقاتل بن حيان وغيككر واحككد }فرقانكًا{ مخرجكًا‪ ,‬زاد مجاهككد فككي‬
‫لخرة‪ ,‬وفي رواية عن ابن عبككاس }فرقان كًا{ نجككاة‪ ,‬وفككي‬ ‫الدنيا وا َ‬
‫رواية عنه نصرًا‪ ,‬وقال محمد بن إسحاق }فرقانًا{ أي فصككل ً بيككن‬
‫الحق والباطل وهذا التفسير من ابن إسحاق أعم مما تقككدم وهككو‬
‫يستلزم ذلك كله‪ ,‬فإن من اتقى الله بفعل أوامره وتككرك زواجككره‬
‫وفق لمعرفة الحق من الباطل‪ ,‬فكان ذلككك سككبب نصككره ونجككاته‬
‫ومخرجه من أمور الدنيا وسعادته يوم القيامة وتكفير ذنككوبه وهككو‬
‫محوها‪ ,‬وغفرها سترها عن الناس وسببا ً لنيل ثككواب اللككه الجزيككل‬
‫كقوله تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يككؤتكم‬
‫كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا ً تمشون بككه ويغفككر لكككم واللككه‬
‫غفككككككككككككككككككككككككككككككككككككور رحيككككككككككككككككككككككككككككككككككككم{‪.‬‬
‫جككو َ‬
‫ك‬ ‫خرِ ُ‬‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬
‫ك أ َوْ ي َْقت ُل ُككو َ‬
‫ن ك ََف كُروا ْ ل ِي ُث ْب ِت ُككو َ‬ ‫ك ال ّك ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مك ُكُر ب ِك َ‬
‫** وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن‬
‫ري َ‬
‫مككككككاك ِ ِ‬ ‫خْيككككككُر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالّلكككككك ُ‬ ‫كككككككُر الّلكككككك ُ‬ ‫م ُ‬
‫ن وَي َ ْ‬
‫كككككككُرو َ‬ ‫م ُ‬‫وَي َ ْ‬
‫قال ابن عباس ومجاهد وقتادة }ليثبتوك{ ليقيدوك‪ ,‬وقال عطاء‬
‫وابن زيد‪ :‬ليحبسوك‪ ,‬وقال السدي‪ :‬الثبات هككو الحبككس والوثككاق‪,‬‬
‫وهذا يشمل ما قاله هؤلء وهؤلء وهو مجمع القوال‪ ,‬وهو الغالب‬
‫من صنيع من أراد غيره بسوء‪ ,‬وقككال سككنيد عككن حجككاج عككن ابككن‬
‫جريج‪ :‬قال عطاء‪ :‬سمعت عبيد بن عمير يقول‪ :‬لما ائتمروا بالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه‪ .‬قككال لككه عمككه‬
‫أبو طالب‪ :‬هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال »يريدون أن يسحروني‬
‫أو يقتلوني أو يخرجوني«‪ .‬فقال‪ :‬من أخبرك بهككذا ؟ قككال »ربككي«‬
‫‪929‬‬
‫قال‪ :‬نعم الرب ربك استوص به خيرًا‪ .‬قال »أنا استوصي بككه‪ ,‬بككل‬
‫هككككككككككككككككككككككو يستوصككككككككككككككككككككككي بككككككككككككككككككككككي«‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير‪ :‬حدثني محمد بككن إسككماعيل المصككري‬
‫المعروف بالوساوسي‪ ,‬أخبرنا عبد الحميد بككن أبككي داود عككن ابككن‬
‫جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن المطلككب بككن أبككي وداعككة‬
‫أن أبا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما يأتمر بك‬
‫قومك ؟ قال »يريدون أن يسككحروني أو يقتلككوني أو يخرجككوني«‪.‬‬
‫فقال‪ :‬مككن أخككبرك بهككذا ؟ قككال »ربككي«‪ .‬قككال‪ :‬نعككم الككرب ربككك‬
‫فاستوص به خيرًا‪ .‬قال »أنا استوصي به‪ ,‬بل هو يستوصككي بككي«‪.‬‬
‫قال‪ :‬فنزلت }وإذ يمكككر بككك الككذين كفككروا ليثبتككوك أو يقتلككوك أو‬
‫لية‪ .‬وذكر أبي طالب في هذا غريب جككدًا‪ ,‬بككل منكككر‪,‬‬ ‫يخرجوك{ ا َ‬
‫لية مدنية‪ ,‬ثم إن هذه القصة واجتماع قريش علككى هككذا‬ ‫لن هذه ا َ‬
‫الئتمار والمشاورة على الثبات أو النفي أو القتل إنمككا كككان ليلككة‬
‫الهجرة سواء‪ ,‬وكان ذلككك بعككد مككوت أبككي طككالب بنحككو مككن ثلث‬
‫سنين لما تمكنوا منه واجترؤوا عليه بسبب موت عمه أبي طككالب‬
‫الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه‪ ,‬والدليل علككى صككحة مككا‬
‫قلنا ما روى المام محمد بن إسحاق بككن يسككار صككاحب المغككازي‬
‫عن عبد اللككه بككن أبككي نجيككح عككن مجاهككد عككن ابككن عبككاس قككال‪:‬‬
‫وحدثني الكلبي عن باذان مولى أم هانىء عن ابن عباس أن نفرا ً‬
‫من قريش مككن أشككراف كككل قبيلككة اجتمعككوا ليككدخلوا دار النككدوة‬
‫فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل فلمكا رأوه قكالوا لكه مككن‬
‫أنت ؟ قال شيخ من أهل نجد‪ ,‬سمعت أنكككم اجتمعتككم فككأردت أن‬
‫أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي‪ .‬قالوا‪ :‬أجككل‪ ,‬ادخككل‪ ,‬فككدخل‬
‫معهم‪ ,‬فقال‪ :‬انظكروا فكي شكأن هكذا الرجكل‪ ,‬واللكه ليوشككن أن‬
‫يواثبكم في أمركم بأمره‪ .‬فقال قائل منهم‪ :‬احبسوه في وثاق ثم‬
‫تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كمككا هلككك مككن كككان قبلككه مككن‬
‫الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحككدهم‪ .‬قككال‪ :‬فصككرخ عككدو اللككه‬
‫الشيخ النجدي فقال‪ :‬والله ما هذا لكم بككرأي واللكه ليخرجنككه ربككه‬
‫من محبسه إلى أصحابه فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من‬
‫أيديكم فيمنعوه منكم‪ ,‬فما آمن عليكم أن يخرجوكم مككن بلدكككم‪,‬‬
‫قككالوا‪ :‬صككدق الشككيخ فككانظروا فككي غيككر هككذا‪ .‬قككال قككائل منهككم‪:‬‬
‫أخرجككوه مككن بيككن أظهركككم فتسككتريحوا منككه فككإنه إذا خككرج لككن‬
‫‪930‬‬
‫يضركم ما صنع وأين وقككع إذا غككاب عنكككم أذاه واسككترحتم وكككان‬
‫أمره في غيركم‪ .‬فقال الشيخ النجدي‪ :‬والله ما هذا لكم برأي ألم‬
‫تروا حلوة قوله وطلقة لسانه‪ .‬وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه‬
‫؟ والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعككن عليككه ثككم ليككأتين‬
‫إليكم حتى يخرجكم مككن بلدكككم ويقتككل أشككرافكم‪ .‬قككالوا‪ :‬صككدق‬
‫والله‪ ,‬فانظروا رأيا ً غير هذا‪ .‬قال‪ :‬فقال أبو جهل لعنه اللكه‪ ,‬واللكه‬
‫لشيرن عليكم برأي ما أركم أبصرتموه بعد‪ ,‬ل أرى غيككره‪ .‬قككالوا‪:‬‬
‫وما هو ؟ قال‪ :‬تأخذون من كل قبيلة غلما ً شابا ً وسيطا ً نهككدًا‪ ,‬ثككم‬
‫يعطى كل غلم منهم سيفا ً صارمًا‪ ,‬ثم يضربونه ضربة رجل واحد‪,‬‬
‫فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها‪ ,‬فما أظككن هككذا الحككي مككن‬
‫بني هاشم يقوون على حككرب قريككش كلهككا‪ .‬فككإنهم إذا رأوا ذلككك‪,‬‬
‫قبلككوا العقككل واسككترحنا وقطعنككا عنككا أذاه‪ .‬قككال‪ :‬فقككال الشككيخ‬
‫النجدي‪ :‬هذا والله الرأي‪ ,‬القول ما قال الفتى‪ ,‬ل أرى غيره‪ .‬قال‪:‬‬
‫فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له‪ .‬فأتى جبريل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فأمره أن ل يبيت في مضككجعه الككذي كككان يككبيت فيككه‬
‫وأخبره بمكر القوم فلم يبت رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫في بيته تلك الليلة وأذن الله لككه عنككد ذلككك بككالخروج وأنككزل اللككه‬
‫عليه بعد قدومه المدينة النفال يذكر نعمه عليه وبلءه عنده }وإذ‬
‫يمكر بك الذين كفروا ليثبتككوك أو يقتلككوك أو يخرجككوك ويمكككرون‬
‫ويمكر الله والله خير المككاكرين{ وأنككزل فككي قككولهم تربصككوا بككه‬
‫ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشككعراء‪} ,‬أم‬
‫يقولون شاعر نتربص به ريب المنون{ فككان ذلكك اليكوم يسكمى‬
‫يوم الزحمة للذي اجتمعوا عليه من الرأي‪ ,‬وعن السدي نحو هككذا‬
‫السياق وأنزل الله في إرادتهم إخراجه قككوله تعككالى‪} :‬وإن كككادوا‬
‫ليستفزونك مككن الرض ليخرجككوك منهككا وإذا ً ل يلبثككون خلفككك إل‬
‫ل{ وكككذا روى العككوفي عككن ابككن عبككاس‪ ,‬وروي عككن مجاهككد‬ ‫قلي ً‬
‫وعروة بن الزبير وموسى بن عقبككة وقتككادة ومقسككم وغيككر واحككد‬
‫نحو ذلك‪ ,‬وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق فأقام رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم ينتظر أمككر اللككه حككتى إذا اجتمعككت قريككش‬
‫فمكرت به وأرادوا به ما أرادوا أتاه جبريل عليه السلم فأمره أن‬
‫ل يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه فدعا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم علككي بككن أبككي طككالب فككأمره أن يككبيت علككى فراشككه‬
‫‪931‬‬
‫ويتسجى ببرد له أخضر ففعل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم على القوم وهم على بككابه‪ ,‬وخككرج معككه بحفنككة مككن تككراب‬
‫فجعل يذرها على رؤوسهم وأخذ الله بأبصككارهم عككن نككبيه محمككد‬
‫صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ }يس والقرآن الحكيم ك إلى قوله‬
‫ك فأغشيناهم فهم ل يبصرون{‪ ,‬وقال الحككافظ أبككو بكككر الككبيهقي‪:‬‬
‫روي عن عكرمة ما يؤكد هذا‪ ,‬وقككد روى ابككن حبككان فككي صككحيحه‬
‫والحاكم في مستدركه من حديث عبد اللككه بككن عثمككان بككن خككثيم‬
‫عن سعيد بن جككبير عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬دخلككت فاطمككة علككى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال‪» :‬ما يبكيك يككا‬
‫بنية ؟« قالت يا أبت ومالي ل أبكي وهؤلء المل مككن قريككش فككي‬
‫الحجر يتعاهدون باللت والعزى‪ ,‬ومناة الثالثة الخرى لو قد رأوك‬
‫لقاموا إليك فيقتلونك وليس منهككم إل مككن قككد عككرف نصككيبه مككن‬
‫دمك‪ ,‬فقال‪» :‬يا بنية ائتني بوضوء« فتوضأ رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسككلم ثككم خككرج إلككى المسككجد فلمككا رأوه قككالوا‪ :‬هككا هككو ذا‬
‫فطأطككأوا رؤوسككهم وسككقطت رقككابهم بيككن أيككديهم فلككم يرفعككوا‬
‫أبصارهم فتناول رسول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم قبضككة مككن‬
‫تراب فحصبهم بهاوقال‪» :‬شاهت الوجوه« فما أصاب رجل ً منهككم‬
‫حصاة من حصياته إل قتل يوم بدر كافرًا‪ ,‬ثم قال الحاكم‪ :‬صككحيح‬
‫على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ ,‬ول أعرف لكه علكة‪ .‬وقكال المكام‬
‫أحمد‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬أخبرنا معمككر أخككبرني عثمككان الجككزري‪,‬‬
‫عن مقسم مولى ابن عباس أخككبره ابككن عبككاس فككي قككوله‪} :‬وإذ‬
‫لية قال‪ :‬تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم‪ :‬إذا‬ ‫يمكر بك{ ا َ‬
‫أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬وقككال‬
‫بعضهم بل اقتلوه‪ ,‬وقكال بعضكهم‪ :‬بكل أخرجكوه فكأطلع اللكه نكبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم على ذلك فبات علي رضي اللككه عنككه علككى‬
‫فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وخرج النبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم حككتى لحككق بالغككار وبككات المشككركون يحرسككون عليكا ً‬
‫يحسبونه النبي صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬فلمككا أصككبحوا ثككاروا إليككه‬
‫فلما رأوا عليا ً رد الله تعالى مكرهككم فقككالوا‪ :‬أيككن صككاحبك هككذا ؟‬
‫قككال ل أدري‪ ,‬فاقتصككوا أثككره فلمككا بلغككوا الجبككل اختلككط عليهككم‬
‫فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا علكى بكابه نسكج العنكبكوت‬
‫فقالوا لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكككث فيككه‬
‫‪932‬‬
‫ثلث ليال‪ ,‬وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبيككر‬
‫عن عروة بن الزبير في قوله }ويمكرون ويمكككر اللككه واللككه خيككر‬
‫الماكرين{ أي فمكرت بهم بكيككدي المككتين حككتى خلصككتك منهككم‪.‬‬
‫ذا‬ ‫هـ ك َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْك َ‬‫شآُء ل َُقل َْنا ِ‬ ‫معَْنا ل َوْ ن َ َ‬‫س ِ‬‫م آَيات َُنا َقاُلوا ْ قَد ْ َ‬ ‫ى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ذا ت ُت ْل ََ‬‫** وَإ ِ َ‬
‫و‬
‫ذا هُك َ‬ ‫هـك َ‬‫ن َ‬ ‫ككا َ‬ ‫م ِإن َ‬ ‫ن * وَإ ِذ ْ قَككاُلوا ْ الل ُّهك ّ‬ ‫ر الوِّليك َ‬ ‫طي َُ‬
‫سا ِ‬ ‫ذآ إ ِل ّ أ َ‬ ‫هـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫مط ِْر عَل َي َْنا ِ‬
‫ب‬‫ذا ٍ‬ ‫مآِء أوِ ائ ْت ِن َككا ب ِعَك َ‬ ‫سك َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مك َ‬ ‫جاَرةً ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫عندِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫حقّ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫معَ كذ ّب َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّك ُ‬ ‫مككا ك َككا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت ِفيهِ ك ْ‬ ‫م وَأن َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫أِليم ٍ * وَ َ‬
‫ن‬
‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككت َغِْفُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫هكككككككككككككككككككككككككككككككككك ْ‬ ‫وَ ُ‬
‫يخككبر تعككالى عككن كفككر قريككش وعتككوهم وتمردهككم وعنككادهم‬
‫ودعواهم الباطل عند سككماع آيككاته إذا تتلككى عليهككم أنهككم يقولككون‬
‫}قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا{ وهذا منهم قول بل فعككل وإل‬
‫فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثلككه فل يجككدون إلككى‬
‫ذلك سبيل ً وإنما هذا القول منهم يغرون بككه أنفسككهم ومككن تبعهككم‬
‫على باطلهم‪ ,‬وقد قيل إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث لعنه‬
‫الله كما قد نص على ذلك سعيد بككن جككبير والسككدي وابككن جريككج‬
‫وغيرهم فإنه لعنه الله كان قد ذهككب إلككى بلد فككارس وتعلككم مككن‬
‫أخبار ملوكهم رستم واسفنديار‪ ,‬ولما قدم وجد رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم قد بعثه الله وهو يتلو على النككاس القككرآن فكككان‬
‫عليككه الصككلة والسككلم إذا قككام مككن مجلككس جلككس فيككه النضككر‬
‫فحدثهم من أخبار أولئك ثم يقول بالله أينككا أحسككن قصص كا ً أنككا أو‬
‫محمككد ؟ ولهككذا لمككا أمكككن اللككه تعككالى منككه يككوم بككدر ووقككع فككي‬
‫السارى أمر رسول الله صلى الله عليه وسكلم أن تضكرب رقبتكه‬
‫صبرا ً بين يديه ففعل ذلك‪ ,‬ولله الحمد وكان الذي أسككره المقككداد‬
‫بن السود رضي الله عنه كمككا قككال ابككن جريككر حككدثنا محمككد بككن‬
‫بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشر عككن سككعيد‬
‫بن جبير قال قتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا ً عقبة‬
‫بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وكان المقككداد‬
‫أسر النضر فلما أمر بقتلكه قكال المقكداد يكا رسكول اللكه أسكيري‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان يقككول فككي كتككاب‬
‫الله عز وجل ما يقول فأمر رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫‪933‬‬
‫بقتله فقال المقداد يا رسول الله أسيري فقال رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسلم »اللهم أغن المقداد من فضككلك« فقككال المقككداد‬
‫ليككة }وإذا تتلككى عليهككم‬‫هذا الذي أردت‪ ,‬قال وفيككه أنزلككت هككذه ا َ‬
‫آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثككل هككذا إن هككذا إل أسككاطير‬
‫الولين{ وكذا رواه هشيم عن أبي بشر جعفر بن أبككي دحيككة عككن‬
‫سعيد بن جبير أنه قال المطعم بن عدي بككدل طعيمككة وهككو غلككط‬
‫لن المطعم بن عدي لم يكن حيا ً يوم بدر‪ ,‬ولهذا قال رسول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم يومئذ‪ :‬لو كككان المطعككم بككن عككدي حيكا ً ثككم‬
‫سألني في هؤلء النتنى لوهبتهم له يعنككي السككارى لنككه كككان قككد‬
‫أجار رسول الله صلى الله عليككه وسككلم يككوم رجككع مككن الطككائف‪,‬‬
‫ومعنى }أساطير الولين{ وهو جمع أسطورة أي كتبهككم اقتبسككها‬
‫فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس وهذا هككو الكككذب البحككت كمككا‬
‫لية الخرى }وقالوا أسككاطير الوليككن اكتتبهككا‬ ‫أخبر الله عنهم في ا َ‬
‫فهي تملى عليه بكرة وأصيل ً * قككل أنزلككه الككذي يعلككم السككر فككي‬
‫السموات والرض إنه كان غفورا ً رحيمًا{ أي لمن تاب إليه وأناب‬
‫فإنه يتقبل منه ويصفح عنه‪ ,‬وقوله }وإذ قالوا اللهككم إن كككان هككذا‬
‫هو الحككق مككن عنككدك فككأمطر علينككا حجككارة مككن السككماء أو ائتنككا‬
‫بعككذاب أليككم{ هككذا مككن كككثرة جهلهككم وشككدة تكككذيبهم وعنككادهم‬
‫وعتوهم‪ ,‬وهذا مما عيبوا به وكان(الولى لهم أن يقولككوا اللهككم إن‬
‫كان هذا هككو الحككق مككن عنككدك فاهككدنا لككه ووفقنككا لتبككاعه ولكككن‬
‫استفتحوا على أنفسهم واستعجلوا العذاب‪ ,‬وتقديم العقوبة كقوله‬
‫تعالى‪} :‬ويستعجلونك بالعذاب ولول أجل مسمى لجاءهم العككذاب‬
‫وليأتينهم بغتة وهم ل يشعرون{ }وقالوا ربنا عجل لنا قطنككا قبككل‬
‫يوم الحساب{ وقوله }سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليككس‬
‫له دافع * من الله ذي المعارج{ وكككذلك قككال الجهلككة مككن المككم‬
‫السككالفة كمككا قككال قككوم شككعيب لككه }فأسككقط علينككا كسككفا ً مككن‬
‫السماء إن كنت من الصادقين{ وقال هؤلء }اللهككم إن كككان هككذا‬
‫هو الحككق مككن عنككدك فككأمطر علينككا حجككارة مككن السككماء أو ائتنككا‬
‫بعذاب أليم{ قال شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادي عن أنس‬
‫بن مالك قال هو أبو جهل بن هشام قال }اللهم إن ككان هككذا هككو‬
‫الحق من عندك فأمطر علينا حجارة مككن السككماء أو ائتنككا بعككذاب‬
‫أليم{ فنزلت }وما كان الله ليعككذبهم وأنككت فيهككم ومككا كككان اللككه‬
‫‪934‬‬
‫معذبهم وهم يسككتغفرون{ رواه البخككاري عككن أحمككد ومحمككد بككن‬
‫النضر كلهما عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة به وأحمككد‬
‫هذا هو أحمد بن النضر بككن عبككد الوهكاب قكاله الحكاكم أبككو أحمكد‬
‫والحاكم أبو عبيد الله النيسابوري‪ ,‬والله أعلم‪ .‬وقال العمش عن‬
‫رجل عن سعيد بكن جكبير عكن ابكن عبكاس فكي قكوله }وإذ قكالوا‬
‫اللهم إن كان هذا هو الحق من عنككدك فككأمطر علينككا حجككارة مككن‬
‫السماء أو ائتنا بعذاب أليم{ قال هو النضر بن الحككارث بككن كلككدة‬
‫قال‪ :‬فأنزل الله }سأل سائل بعذاب واقككع * للكككافرين ليككس لككه‬
‫دافع{ وكذا قال مجاهككد وعطككاء وسككعيد بككن جككبير والسككدي‪ :‬إنككه‬
‫النضر بن الحارث زاد عطاء فقال الله تعالى‪} :‬وقالوا ربنككا عجككل‬
‫لنا قطنا قبل يككوم الحسككاب{ وقككال }ولقككد جئتمونككا فككرادى كمككا‬
‫خلقناكم أول مرة{ وقال }سأل سككائل بعككذاب واقككع للكككافرين{‬
‫قال عطاء ولقد أنزل الله فيه بضع عشرة آية من كتاب اللككه عككز‬
‫وجل‪ ,‬وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا الحسن بككن‬
‫أحمد بن الليث حدثنا أبو غسان حدثنا أبو نميلة حدثنا الحسين عن‬
‫ابن بريدة عن أبيه قال‪ :‬رأيت عمرو بككن العككاص واقف كا ً يككوم أحككد‬
‫على فرس وهو يقول‪ :‬اللهم إن كان ما يقول محمد حقا ً فاخسف‬
‫بي وبفرسي‪ .‬وقال قتادة في قوله }وإذ قالوا اللهم إن كككان هككذا‬
‫ليككة قككال‪ :‬قككال ذلككك سككفهة هككذه المككة‬‫هو الحككق مككن عنككدك{ ا َ‬
‫وجهلتها فعاد الله بعائدته ورحمته على سفهة هذه المككة وجهلتهككا‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وما كان الله ليعككذبهم وأنككت فيهككم ومككا ككان اللككه‬
‫معذبهم وهم يستغفرون{ قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حككدثنا أبككو‬
‫حذيفة موسى بن مسعود حدثنا عكرمة بن عمار عككن أبككي زميككل‬
‫سماك الحنفي عككن ابككن عبككاس قككال كككان المشككركون يطوفككون‬
‫بالبيت ويقولون لبيك اللهم لبيك‪ ,‬لبيك ل شريك لك‪ ,‬فيقول النككبي‬
‫صلى الله عليه وسككلم‪ :‬قككد‪ ,‬قككد‪ ,‬ويقولككون‪ :‬اللهككم لبيككك‪ ,‬لبيككك ل‬
‫شريك لك إل شريكا ً هو لك‪ ,‬تملكه ومككا ملككك‪ .‬ويقولككون غفرانككك‬
‫لية قككال‬‫غفرانك فأنزل الله }وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم{ ا َ‬
‫ابككن عبككاس كككان فيهككم أمانككان النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫والستغفار فذهب النبي صلى الله عليه وسككلم وبقككي السككتغفار‪.‬‬
‫وقال ابن جرير حدثني الحارث حدثني عبد العزيز حدثنا أبو معشر‬
‫عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيككس قككال‪ :‬قككالت قريككش بعضككها‬
‫‪935‬‬
‫لبعض محمد أكرمه الله من بيننا }اللهم إن كان هذا هو الحق من‬
‫عندك{ ا َ‬
‫لية فلمككا أمسككوا نككدموا علككى مككا قككالوا فقككالوا غفرانككك‬
‫اللهم‪ .‬فأنزل الله }وما كككان اللككه معككذبهم كك إلككى قككوله كك ولكككن‬
‫أكثرهم ل يعلمون{ وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس }وما‬
‫كان الله ليعذبهم وأنت فيهم{ يقول‪ :‬مككا كككان اللككه ليعككذب قومكا ً‬
‫وأنبياؤهم بين أظهرهككم حككتى يخرجهككم ثككم قككال }ومككا كككان اللككه‬
‫معذبهم وهم يستغفرون{ يقول وفيهم من قد سبق لككه مككن اللككه‬
‫الدخول في اليمان وهو الستغفار يستغفرون يعني يصلون يعنككي‬
‫بهذا أهل مكة وروي عن مجاهد وعكرمة وعطية والعوفي وسعيد‬
‫بن جبير والسدي نحو ذلك‪ .‬وقال الضحاك وأبو مالككك }ومككا كككان‬
‫الله معذبهم وهم يستغفرون{ يعني المؤمنين الذين كككانوا بمكككة‪,‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي حككدثنا عبككد الغفككار بككن داود حككدثنا‬
‫النضر بن عربي قال‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬إن الله جعل في هذه المة‬
‫أمانين ل يزالون معصومين مجارين مككن قككوارع العككذاب مككا دامككا‬
‫بين أظهرهم‪ ,‬فأمان قبضه الله إليه وأمان بقي فيكم‪ ,‬قوله }ومككا‬
‫كككان اللككه ليعككذبهم وأنككت فيهككم‪ ,‬ومككا كككان اللككه معككذبهم وهككم‬
‫يستغفرون{‪ .‬وقال أبو صالح عبد الغفار‪ :‬حدثني بعض أصحابنا أن‬
‫النضر بن عدي حدثه هذا الحككديث عككن مجاهككد عككن ابككن عبككاس‪.‬‬
‫وروى ابن مردويه عن أبي موسى الشعري نحوا ً مككن هككذا‪ .‬وكككذا‬
‫روي عن قتادة وأبي العلء النحوي المقرى‪ .‬وقال الترمذي حككدثنا‬
‫سفيان بن وكيع حدثنا ابككن نميككر عككن إسككماعيل بككن إبراهيككم بككن‬
‫مهاجر عن عباد بن يوسف عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيككه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم »أنككزل اللككه علككي‬
‫أمانين لمتي }وما كان الله ليعككذبهم وأنككت فيهككم ومككا كككان اللككه‬
‫معذبهم وهم يستغفرون{ فإذا مضيت تركت فيهم الستغفار إلككى‬
‫يككوم القيامككة«‪ ,‬ويشككهد لهككذا مككا رواه المككام أحمككد فككي مسككنده‬
‫والحاكم في مستدركه مككن حككديث عبككد اللكه بككن وهكب‪ :‬أخككبرني‬
‫عمرو بن الحارث عككن دراج عككن أبككي الهيثككم عككن أبككي سككعيد أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »إن الشيطان قال وعزتك‬
‫يا رب ل أبرح أغككوي عبككادك مككا دامككت أرواحهككم فككي أجسككادهم‪.‬‬
‫فقال الرب‪ :‬وعزتي وجللي ل أزال أغفكر لهكم مكا اسكتغفروني«‪.‬‬
‫ثم قال الحاكم‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه‪ ,‬وقككال المككام أحمككد‪:‬‬
‫‪936‬‬
‫حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا رشدين هو ابن سعد حككدثني معاويككة‬
‫بن سعد التجيبي عمن حدثه عن فضالة بن عبيد عن النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم أنه قال »العبد آمن من عككذاب اللككه مككا اسككتغفر‬
‫اللكككككككككككككككككككككككه عكككككككككككككككككككككككز وجكككككككككككككككككككككككل«‪.‬‬
‫** وما ل َه َ‬
‫مككا‬
‫حكَرام ِ وَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن عَ‬
‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫م يَ ُ‬
‫ه وَهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م أل ّ ي ُعَذ ّب َهُ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫مككو َ‬ ‫َ‬
‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫ْ‬
‫ن أكث ََرهُ ك ْ‬ ‫ن وَلـ كك ِ ّ‬ ‫مت ُّقككو َ‬ ‫ّ‬
‫ن أوْل َِيآؤُهُ إ ِل ال ُ‬ ‫كان ُوَا ْ أوْل َِيآَءهُ إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫مككا‬‫ب بِ َ‬‫ذا َ‬ ‫ذوُقوا ْ ال ْعَ ك َ‬ ‫ة فَ ك ُ‬ ‫صدِي َ ً‬
‫كآًء وَت َ ْ‬‫م َ‬
‫ت إ ِل ّ ُ‬ ‫عند َ ال ْب َي ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫صل َت ُهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫م ت َك ُْفكككككككككككككككككككككككككككككككككككُرو َ‬
‫ن‬ ‫كنُتككككككككككككككككككككككككككككككككككك ْ‬ ‫ُ‬
‫يخبر تعالى أنهككم أهككل لن يعككذبهم‪ ,‬ولكككن لككم يوقككع ذلككك بهككم‬
‫لبركة مقام الرسول صلى الله عليه وسككلم بيككن أظهرهككم‪ ,‬ولهككذا‬
‫لما خرج من بين أظهرهم أوقع اللككه بهككم بأسككه يككوم بككدر‪ ,‬فقتككل‬
‫صناديدهم وأسككر سككراتهم وأرشككدهم تعككالى إلككى السككتغفار مككن‬
‫الذنوب التي هم متلبسون بها من الشرك والفسككاد‪ .‬وقككال قتككادة‬
‫والسككدي وغيرهمككا‪ :‬لككم يكككن القككوم يسككتغفرون‪ ,‬ولككو كككانوا‬
‫يسكتغفرون لمككا عكذبوا‪ .‬واختكاره ابككن جريككر‪ ,‬فلكول مككا ككان بيكن‬
‫أظهرهم من المستضعفين من المؤمنين المستغفرين لوقككع بهككم‬
‫البأس الذي ل يرد‪ ,‬ولكن دفع عنهم بسبب أولئك‪ ,‬كما قال تعككالى‬
‫في يوم الحديبية }هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام‬
‫والهككدي معكوفككا ً أن يبلككغ محلككه‪ ,‬ولككول رجككال مؤمنككون ونسككاء‬
‫مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم‪ ,‬فتصيبكم منهم معرة بغير علككم‬
‫ليدخل الله في رحمته من يشكاء‪ ,‬لكو تزيلكوا لعكذبنا الكذين كفكروا‬
‫منهم عذابا ً أليمًا{‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن حميد حككدثنا يعقككوب‬
‫عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبككزى قككال‪ :‬كككان النككبي صككلى‬
‫الله عليه وسلم بمكة فأنزل الله }ومككا كككان اللككه ليعككذبهم وأنككت‬
‫فيهم{‪ ,‬قال‪ :‬فخرج النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم إلككى المدينككة‬
‫فأنزل الله }وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون{ ‪ ,‬قال‪ :‬وكككان‬
‫أولئك البقية من المسلمين الككذين بقككوا فيهككا مستضككعفين‪ ,‬يعنككي‬
‫بمكة }يستغفرون{ فلما خرجوا أنزل الله }وما لهم أن ل يعذبهم‬
‫الله وهم يصدون عن المسجد الحرام ومككا كككانوا أوليككاءه{‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم‪ .‬وروي عن ابككن‬
‫‪937‬‬
‫عباس وأبي مالك والضحاك وغير واحككد نحككو هككذا‪ ,‬وقككد قيككل‪ :‬إن‬
‫هككذه ا َ‬
‫ليككة ناسككخة لقككوله تعككالى‪} :‬ومككا كككان اللككه معككذبهم وهككم‬
‫يسككتغفرون{‪ ,‬علككى أن يكككون المككراد صككدور السككتغفار منهككم‬
‫أنفسهم‪ ,‬قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن حميككد حككدثنا يحيككى بككن واضككح‬
‫عن الحسين بككن واقككد عككن يزيككد النحككوي عككن عكرمككة والحسككن‬
‫البصري قال‪ :‬قال في النفال }وما كان الله ليعذبهم وأنككت فيهككم‬
‫وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون{‪ ,‬فنسختها ا َ‬
‫لية الككتي تليهككا‬
‫}وما لهم أل يعذبهم الله ك إلى قوله كك فككذوقوا العككذاب بمكا كنتككم‬
‫تكفرون{‪ ,‬فقوتلوا بمكة فأصابهم فيها الجككوع والضككر‪ ,‬وكككذا رواه‬
‫ابن أبي حاتم من حديث أبي نميلة يحيى بن واضح‪ .‬وقال ابن أبي‬
‫حاتم‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجككاج بككن محمككد‬
‫عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابكن عبكاس }ومككا‬
‫كان الله معذبهم وهم يستغفرون{ ثم استثنى أهل الشرك فقككال‬
‫}وما لهم أل يعذبهم الله وهم يصككدون عككن المسككجد الحككرام{ ك ك‬
‫وقوله كك }ومكا لهكم أل يعككذبهم اللكه وهكم يصككدون عكن المسككجد‬
‫الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إل المتقككون ولكككن أكككثرهم ل‬
‫يعلمكون{ أي وكيكف ل يعكذبهم اللكه وهكم يصكدون عكن المسكجد‬
‫الحككرام أي الككذي بمكككة يصككدون المككؤمنين الككذين هككم أهلككه عككن‬
‫الصلة فيه والطواف به‪ ,‬ولهذا قال‪} :‬وما كانوا أولياءه إن أولياؤه‬
‫إل المتقون{ أي هم ليسوا أهل المسجد الحرام وإنما أهله النككبي‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم وأصككحابه كمككا قككال تعككالى‪} :‬مككا كككان‬
‫للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسككهم بككالكفر‬
‫أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * إنما يعمر مسككاجد‬
‫لخر وأقككام الصككلة وآتككى الزكككاة ولككم‬‫الله من آمن بالله واليوم ا َ‬
‫يخككش إل اللككه فعسككى أولئك أن يكونككوا مككن المهتككدين{‪ ,‬وقككال‬
‫تعالى‪} :‬وصد عن سبيل الله وكفر به والمسككجد الحككرام وإخككراج‬
‫لية‪ .‬وقال الحافظ أبو بكر بككن مردويككه‬ ‫أهله منه أكبر عند الله{‪ ,‬ا َ‬
‫لية‪ :‬حدثنا سليمان بن أحمد هو الطبراني‪ ,‬حدثنا‬ ‫في تفسير هذه ا َ‬
‫جعفر بن إلياس بن صدقة المصري‪ ,‬حدثنا نعيم بككن حمككاد‪ ,‬حككدثنا‬
‫نوح بن أبي مريم عن يحيككى بككن سككعيد النصككاري عككن أنككس بككن‬
‫مالك رضي الله عنه قال‪ :‬سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫من أولياؤك ؟ قال‪» :‬كل تقي« وتل رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫‪938‬‬
‫وسلم }إن أولياؤه إل المتقككون{‪ .‬وقككال الحككاكم فككي مسككتدركه‪:‬‬
‫حدثنا أبو بكككر الشككافعي‪ ,‬حككدثنا إسككحاق بككن الحسككن‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫حذيفة‪ ,‬حدثنا سفيان عن عبد الله بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد‬
‫بن رفاعة عن أبيه عن جده قال‪ :‬جمع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قريشا ً فقال‪» :‬هل فيكم مككن غيركككم ؟« فقككالوا فينككا ابككن‬
‫أختنا وفينا حليفنا وفينا مولنا فقال‪» :‬حليفنككا منكا وابكن أختنكا منككا‬
‫ومولنا منا إن أوليائي منكم المتقون« ثككم قككال هككذا صككحيح ولككم‬
‫يخرجاه‪ ,‬وقال عروة والسدي ومحمد بن إسحاق في قوله تعالى‪:‬‬
‫}إن أولياؤه إل المتقون{ قال هم محمد صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫وأصحابه رضي الله عنهم‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬هم المجاهدون من كانوا‬
‫وحيككث كككانوا‪ ,‬ثككم ذكككر تعككالى مككا كككانوا يعتمككدونه عنككد المسككجد‬
‫الحرام‪ ,‬وما كككانوا يعككاملونه بككه‪ ,‬فقككال‪} :‬ومككا كككان صككلتهم عنككد‬
‫البيت إل مكاء وتصدية{‪ ,‬قككال عبككد اللككه بككن عمككرو وابككن عبككاس‬
‫ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو رجاء العطاردي ومحمد بن‬
‫كعب القرظي وحجر بن عنبس ونككبيط بككن شككريط وقتككادة وعبككد‬
‫الرحمن بن زيد بن أسلم‪ :‬هو الصفير‪ ,‬وزاد مجاهد وكانوا يدخلون‬
‫أصابعهم في أفواههم‪ ,‬وقال السككدي‪ :‬المكككاء الصككفير علككى نحككو‬
‫طير أبيض يقال له المكاء ويكون بأرض الحجاز }وتصككدية{‪ ,‬قككال‬
‫ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبو خلد سليمان بككن خلد‪ ,‬حككدثنا يككونس بككن‬
‫محمد المؤدب‪ ,‬حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الله الشككعري‪ ,‬حككدثنا‬
‫جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابككن عبككاس فككي قككوله‪:‬‬
‫}وما كككان صككلتهم عنككد الككبيت إل مكككاء وتصككدية{‪ ,‬قككال المكككاء‬
‫الصفير والتصدية التصفيق‪ ,‬قال قرة‪ :‬وحكى لنا عطيككة فعككل ابككن‬
‫عمر فصفر ابن عمر وأمال خككده وصككفق بيككديه‪ ,‬وعككن ابككن عمككر‬
‫أيضا ً أنه قال‪ :‬إنهم كانوا يضعون خدودهم علككى الرض ويصككفقون‬
‫ويصفرون رواه ابن أبككي حككاتم فككي تفسككيره بسككنده عنككه‪ .‬وقككال‬
‫عكرمة‪ :‬كانوا يطوفون بالبيت على الشككمال‪ ,‬قككال مجاهككد‪ :‬وإنمككا‬
‫كانوا يصنعون ذلك ليخلطككوا بككذلك علككى النككبي صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم صلته‪ ,‬وقال الزهري يستهزئون بالمؤمنين‪ ,‬وعن سعيد بككن‬
‫جبير وعبد الرحمن بن زيككد }وتصككدية{ قككال صككدهم النككاس عككن‬
‫سبيل الله عز وجل‪ .‬قوله }فذوقوا العذاب بمككا كنتككم تكفككرون{‪,‬‬
‫قال الضحاك وابن جريج ومحمد بن إسحاق‪ :‬هو مككا أصككابهم يككوم‬
‫‪939‬‬
‫بدر من القتل والسبي‪ ,‬واختاره ابن جرير ولم يحككك غيككره‪ ,‬وقككال‬
‫ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن ابككن‬
‫أبي نجيح عن مجاهد قال عذاب أهل القرار بالسيف وعذاب أهل‬
‫التكككككككككككككككككككذيب بالصككككككككككككككككككيحة والزلزلككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫** إن ال ّكذين ك ََف كروا ْ ينفُقككو َ‬

‫ل الل ّكهِ‬ ‫دوا ْ عَككن َ‬
‫س كِبي ِ‬ ‫صك ّ‬ ‫م ل ِي َ ُ‬‫وال َهُ ْ‬ ‫مك َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ْ َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬‫م ي ُغْل َُبو َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬
‫ى‬‫ن ك ََف كُروَا إ ِل ك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سَرةً ث ُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬‫فُقون ََها ث ُ ّ‬ ‫سُين ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ث‬ ‫خِبيك َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫جع َ ك َ‬‫ب وَي َ ْ‬ ‫ن الط ّي ّك ِ‬ ‫م َ‬‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ميَز الل ّ ُ‬ ‫ن * ل ِي َ ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫م أوَْلـكئ ِ َ‬
‫م‬‫ك هُ ك ُ‬ ‫جهَن ّك َ‬ ‫ه فِككي َ‬ ‫جعَل َك ُ‬ ‫ميعكا ً فَي َ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ه َ‬ ‫مك ُ‬ ‫ض فَي َْرك ُ َ‬ ‫ى ب َعْ ٍ‬
‫ض ُ َ‬
‫ه عَل َ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫ن‬
‫سككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قال محمد بن إسحاق‪ :‬حدثني الزهككري ومحمككد بككن يحيككى بككن‬
‫حبان وعاصم بن عمر بن قتككادة والحصككين بككن عبككد الرحمككن بككن‬
‫عمرو بن سعيد بن معاذ قالوا لما أصيبت قريش يككوم بككدر ورجككع‬
‫فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيككره مشككى عبككد اللككه بككن أبككي‬
‫ربيعة وعكرمة بن أبككي جهككل وصككفوان بككن أميككة فككي رجككال مككن‬
‫قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر فكلمككوا أبككا سككفيان‬
‫بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة‪ ,‬فقالوا يا‬
‫معشر قريش إن محمدا ً قد وتركم وقتككل خيككاركم‪ ,‬فأعينونككا بهككذا‬
‫المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرا ً بمن أصككيب منككا ففعلككوا‪,‬‬
‫قال ففيهم كما ذكر عن ابن عباس أنزل الله عز وجل }إن الذين‬
‫كفروا ينفقون أموالهم ك إلى قوله ك هككم الخاسككرون{‪ ,‬وكككذا روي‬
‫عن مجاهد وسعيد بن جككبير والحكككم بككن عيينككة وقتككادة والسككدي‬
‫وابن أبزى أنها نزلت في أبككي سككفيان ونفقتككه المككوال فككي أحككد‬
‫لقتال رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬وقككال الضككحاك‪ :‬نزلككت‬
‫في أهل بدر وعلى كل تقدير فهي عامة‪ ,‬وإن كككان سككبب نزولهككا‬
‫خاصا ً فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع‬
‫طريق الحق فسيفعلون ذلك ثم تذهب أموالهم ثككم تكككون عليهككم‬
‫حسرة أي ندامة حيث لم تجد شيئا ً لنهككم أرادوا إطفككاء نككور اللككه‬
‫وظهككور كلمتهككم علككى كلمككة الحككق واللككه متككم نككوره ولككو كككره‬
‫الكافرون وناصر دينه ومعلن كلمته ومظهككر دينككه علككى كككل ديككن‬
‫لخككرة عككذاب النككار فمككن‬ ‫فهذا الخزي لهم في الككدنيا ولهككم فككي ا َ‬
‫‪940‬‬
‫عاش منهم رأى بعينه وسمع بأذنه ما يسوءه‪ ,‬ومن قتككل منهككم أو‬
‫مككات فككإلى الخككزي البككدي والعككذاب السككرمدي‪ ,‬ولهككذا قككال‪:‬‬
‫}فسينفقونها ثم تكون عليهم حسكرة ثكم يغلبكون‪ ,‬والكذين كفكروا‬
‫إلككى جهنكم يحشكرون{ وقكوله تعكالى‪} :‬ليميككز اللكه الخككبيث مكن‬
‫الطيب{ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله }ليميز‬
‫الله الخبيث من الطيب{ فيميز أهل السككعادة مككن أهككل الشككقاء‪,‬‬
‫وقال السدي‪ :‬يميز المؤمن من الكافر‪ ,‬وهذا يحتمل أن يكون هذا‬
‫لخرة كقوله‪} :‬ثم نقول للذين أشركوا مكككانكم أنتككم‬ ‫التمييز في ا َ‬
‫لية‪ ,‬وقوله‪} :‬ويوم تقوم الساعة يومئذ‬ ‫وشركاؤكم فزيلنا بينهم{ ا َ‬
‫ليككة الخككرى‪} :‬يككومئذ يصككدعون{ وقككال‬ ‫يتفرقككون{‪ ,‬وقككال فككي ا َ‬
‫تعالى‪} :‬وامتازوا اليوم أيهككا المجرمككون{ ويحتمككل أن يكككون هككذا‬
‫التمييز في الدنيا بما يظهر من أعمالهم للمككؤمنين‪ ,‬وتكككون الللم‬
‫معللة لما جعل الله للكككافرين مككن مككال ينفقككونه فككي الصككد عككن‬
‫سبيل الله أي إنما أقدرناهم على ذلككك }ليميككز اللككه الخككبيث مككن‬
‫الطيب{ أي من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين‪ ,‬أو يعصيه بككالنكول‬
‫عن ذلك كقوله‪} :‬وما أصككابكم يككوم التقككى الجمعككان فبككإذن اللككه‬
‫وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قككاتلوا فككي‬
‫سبيل الله أو ادفعوا‪ ,‬قالوا لككو نعلككم قتككال ً لتبعنككاكم{ ا َ‬
‫ليككة وقككال‬
‫تعالى‪} :‬ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليككه حككتى يميككز‬
‫الخبيث من الطيب وما كككان اللككه ليطلعكككم علككى الغيككب{ ا َ‬
‫وقال تعالى‪} :‬أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمككا يعلككم اللككه الككذين‬
‫جاهدوا منكم ويعلم الصابرين{ ونظيرها في بككراءة أيض كا ً فمعنككى‬
‫لية على هذا إنمكا ابتلينككاكم بالكفكار يقكاتلونكم وأقكدرناهم علكى‬ ‫ا َ‬
‫إنفاق الموال وبذلها في ذلككك }ليميككز اللككه الخككبيث مككن الطيككب‬
‫ويجعل الخبيث بعضه على بعككض فيركمككه{ أي يجمعككه كلككه وهككو‬
‫جمع الشيء بعضه على بعض كما قال تعالى فككي السككحاب }ثككم‬
‫يجعله ركامًا{ أي متراكما ً متراكبا ً }فيجعله فككي جهنككم أولئك هككم‬
‫لخككرة‪.‬‬‫الخاسككرون{ أي هككؤلء هككم الخاسككرون فككي الككدنيا وا َ‬
‫دوا ْ‬
‫ن ي َعُككو ُ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫س كل َ َ‬
‫ما قَكد ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ك ََفُروَا ْ ِإن َينت َُهوا ْ ي ُغََفْر ل َهُ ْ‬ ‫** ُقل ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‬‫ة وَي َك ُككو َ‬ ‫ى ل َ ت َك ُككو َ‬
‫ن فِت ْن َك ٌ‬ ‫حت ّك َ‬
‫م َ‬ ‫ن * وَقَككات ُِلوهُ ْ‬ ‫ة الوِّلي ِ‬ ‫سن ّ ُ‬
‫ت ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫فََقد ْ َ‬
‫م َ‬
‫‪941‬‬
‫صيٌر * وَِإن ت َوَّلككوْا ْ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬
‫ما ي َعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ن ان ْت َهَوْا ْ فَإ ِ ّ‬‫ه لله فَإ ِ ِ‬ ‫ن ك ُل ّ ُ‬‫دي ُ‬
‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صككككيُر‬‫م الن ّ ِ‬‫ى وَن ِعْكككك َ‬
‫مككككوْل َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫مككككوْل َك ُ ْ‬
‫م ن ِعْكككك َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّكككك َ‬
‫موَا ْ أ ّ‬ ‫فَككككاعْل َ ُ‬
‫يقول تعالى لنبيه محمككد صككلى اللككه عليككه وسككلم }قككل للككذين‬
‫كفروا إن ينتهوا{ أي عما هم فيككه مككن الكفككر والمشككاقة والعنككاد‬
‫ويدخلوا في السلم والطاعة والنابة يغفر لهم مككا قككد سككلف أي‬
‫من كفرهم‪ ,‬وذنوبهم وخطاياهم كما جاء في الصحيح مككن حككديث‬
‫أبي وائل عن ابن مسعود رضي اللككه عنككه أن رسككول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم قال »من أحسن في السلم لم يؤاخذ بما عمككل‬
‫لخككر« وفككي‬ ‫في الجاهلية‪ ,‬ومن أساء في السككلم أخككذ بككالول وا َ‬
‫الصحيح أيضا ً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قككال‪ :‬السككلم‬
‫يجب ما قبله والتوبة تجب ما كان قبلها« وقوله }وإن يعودوا{ أي‬
‫يستمروا على ما هككم فيككه }فقككد مضككت سككنة الوليككن{ أي فقككد‬
‫مضت سنتنا في الولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنككا‬
‫نعاجلهم بالعذاب والعقوبة‪ .‬قكال مجاهكد فكي قكوله }فقكد مضكت‬
‫سنة الولين{ أي في قريش يككوم بككدر وغيرهككا مككن المككم‪ ,‬وقككال‬
‫السدي ومحمد بن إسحاق أي يوم بدر‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬وقككاتلوهم‬
‫حتى ل تكون فتنة ويكككون الككدين كلككه للككه{ قككال البخككاري حككدثنا‬
‫الحسن بن عبد العزيز حدثنا عبد الله بككن يحيككى حككدثنا حيككوة بككن‬
‫شريح عن بكر بن عمرعن بكير عن نافع عككن ابككن عمككر أن رجل ً‬
‫جاء فقال‪ :‬يا أبا عبد الرحمن أل تصنع ما ذكر الله في كتابه }وإن‬
‫لية فما يمنعككك أن ل تقاتككل كمككا‬ ‫طائفتان من المؤمنين اقتتلوا{ ا َ‬
‫لية‪ ,‬ول أقاتككل‬ ‫ذكر الله في كتابه ؟ فقال‪ :‬يا ابن أخي أعير بهذه ا َ‬
‫لية التي يقول الله عز وجل }ومن يقتككل‬ ‫أحب إلي من أن أعير با َ‬
‫ليككة قككال‪ :‬فككإن اللككه تعككالى يقككول‬ ‫مؤمنككا ً متعمككدًا{ إلككى آخككر ا َ‬
‫}وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة{ قال ابن عمر قد فعلنا علككى عهككد‬
‫رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسكلم إذ ككان السككلم قليل ً وكككان‬
‫الرجل يفتن فكي دينكه إمكا أن يقتلكوه وإمكا أن يوثقكوه حكتى ككثر‬
‫السلم فلم تكن فتنة‪ ,‬فلما رأى أنه ل يوافقه فيما يريد قككال فمككا‬
‫قولكم في علي وعثمككان ؟ قككال ابككن عمككر أمككا قككولي فككي علككي‬
‫وعثمان‪ ,‬أما عثمان فكان الله قد عفا عنه وكرهتككم أن يعفككو اللككه‬
‫عنه‪ ,‬وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنككه‬
‫وأشار بيده وهذه ابنته أو بنته حيث ترون‪ ,‬وحدثنا أحمد بن يككونس‬
‫‪942‬‬
‫حدثنا زهير حدثنا بيان أن ابن وبرة حككدثه قككال حككدثني سككعيد بككن‬
‫جبير قال‪ :‬خرج علينا أو إلينكا ابكن عمكر رضكي اللكه عنهمكا فقكال‬
‫كيف ترى في قتال الفتنة ؟ فقال‪ :‬وهككل تككدري مككا الفتنككة ؟ كككان‬
‫محمد صكلى اللكه عليكه وسكلم يقاتككل المشكركين وكككان الكدخول‬
‫عليهم فتنة‪ ,‬وليس بقتالكم على الملك‪ .‬هذا كلككه سككياق البخككاري‬
‫رحمه الله تعالى وقال عبيد الله عن نافع عن ابككن عمككر أنككه أتككاه‬
‫رجلن في فتنة ابن الزبير فقككال‪ :‬إن النككاس قككد صككنعوا مككا تككرى‬
‫وأنت ابن عمر بن الخطاب وأنت صاحب رسول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج ؟ قال يمنعني أن الله حرم علكي‬
‫دم أخي المسلم‪ .‬قالوا أو لم يقل الله }وقككاتلوهم حككتى ل تكككون‬
‫فتنة ويكون الدين كله لله{ ؟ قال قد قاتلنككا حككتى لككم تكككن فتنككة‬
‫وكان الدين كله لله‪ ,‬وأنتككم تريككدون أن تقككاتلوا حككتى تكككون فتنككة‬
‫ويكون الدين لغير الله‪ .‬وكذا روى حماد بن سككلمة عككن علككي بككن‬
‫زيد عن أيوب بن عبد الله اللخمي‪ ,‬قال كنككت عنككد عبككد اللككه بككن‬
‫عمر رضي الله عنهما‪ ,‬فأتاه رجل فقال‪ :‬إن الله يقول }وقاتلوهم‬
‫حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله{‪ ,‬قال‪ :‬قد قاتلنا حتى لككم‬
‫تكن فتنة‪ ,‬وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكككون الككدين‬
‫لغير الله‪ .‬وكذا رواه حماد بن سلمة‪ ,‬فقال ابككن عمككر‪ :‬قككاتلت أنككا‬
‫وأصحابي حتى كان الدين كله لله‪ ,‬وذهب الشرك ولم تكككن فتنككة‪,‬‬
‫ولكنك وأصحابك تقاتلون حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير اللككه‪,‬‬
‫رواهما ابن مردويه‪ .‬وقال أبو عوانككة‪ :‬عككن العمككش عككن إبراهيككم‬
‫التيمي عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬قككال ذو البطيككن‪ ,‬يعنككي أسككامة بككن زيككد‪ :‬ل‬
‫أقاتل رجل ً يقول ل إله إل اللككه أبككدًا‪ .‬فقككال سككعد بككن مالككك‪ :‬وأنككا‬
‫والله ل أقاتل رجل ً يقول ل إله إل الله أبدًا‪ ,‬فقككال رجككل ألككم يقككل‬
‫الله }وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله{ ؟ فقال‪:‬‬
‫قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله‪ .‬رواه ابن مردويه‪,‬‬
‫وقال الضحاك عن ابن عبككاس }وقككاتلوهم حككتى ل تكككون فتنككة{‪,‬‬
‫يعنككي ل يكككون شككرك‪ ,‬وكككذا قككال أبككو العاليككة ومجاهككد والحسككن‬
‫وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسككلم‪,‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق‪ :‬بلغني عن الزهري عن عروة بككن الزبيككر‪,‬‬
‫وغيره من علمائنا‪ ,‬حتى ل تكون فتنككة‪ ,‬حككتى ل يفتككن مسككلم عككن‬
‫دينه‪ ,‬وقكوله }ويكككون الكدين كلكه للكه{ قكال الضكحاك‪ :‬عكن ابكن‬
‫‪943‬‬
‫ليككة‪ ,‬قككال يخلككص التوحيككد للككه‪ ,‬وقككال الحسككن‬ ‫عباس في هككذه ا َ‬
‫وقتادة وابن جريج }ويكون الدين كله لله{ أن يقال ل إله إل الله‪,‬‬
‫وقال محمد بن إسككحاق‪ :‬ويكككون التوحيككد خالصكا ً للككه‪ ,‬ليككس فيككه‬
‫شككككككككرك‪ ,‬ويخلككككككككع مككككككككا دونككككككككه مككككككككن النككككككككداد‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪} :‬ويكون الدين كله لله{‪ ,‬ل‬
‫يكون مع دينكم كفر‪ ,‬ويشككهد لهككذا مككا ثبككت فككي الصككحيحين عككن‬
‫رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم أنككه قككال »أمككرت أن أقاتككل‬
‫النككاس‪ ,‬حككتى يقولككوا ل إلككه إل اللككه‪ ,‬فككإذا قالوهككا عصككموا منككي‬
‫دمككاءهم وأمككوالهم‪ ,‬إل بحقهككا‪ ,‬وحسككابهم علككى اللككه عككز وجككل«‬
‫وفيهما عن أبي موسى الشعري قال‪ :‬سئل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية‪ ,‬ويقاتككل ريككاء‪,‬‬
‫أي ذلك في سبيل الله عز وجل ؟ فقال‪» :‬من قاتل لتكككون كلمككة‬
‫اللككككه هككككي العليككككا فهككككو فككككي سككككبيل اللككككه عككككز وجككككل«‪.‬‬
‫وقوله }فإن انتهوا{ أي بقتالكم عما هم فيكه مكن الكفكر فكفكوا‬
‫عنه‪ ,‬وإن لككم تعلمككوا بككواطنهم }فككإن اللككه بمككا يعملككون بصككير{‪,‬‬
‫كقوله }فإن تابوا وأقاموا الصككلة وآتكوا الزكككاة فخلكوا سكبيلهم{‪,‬‬
‫لية الخرى }فإخوانكم في الدين{‪ ,‬وقال }وقاتلوهم‬ ‫لية‪ ,‬وفي ا َ‬‫ا َ‬
‫حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهككوا فل عككدوان إل‬
‫على الظالمين{ وفي الصحيح‪ :‬أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال لسامة‪ ,‬لما عل ذلك الرجل بالسككيف‪ ,‬فقككال ل إلككه إل‬
‫الله فضربه فقتله‪ ,‬فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫فقال لسامة‪» :‬أقتلته بعد ما قال ل إله إل الله ؟ وكيف تصككنع بل‬
‫إله إل الله يوم القيامة ؟ فقال يا رسككول اللككه‪ ,‬إنمككا قالهككا تعككوذًا‪,‬‬
‫قال »هل شققت عن قلبه ؟« وجعل يقول ويكرر عليه‪» ,‬من لككك‬
‫بل إله إل الله يوم القيامة ؟« قال أسامة حتى تمنيت أني لم أكن‬
‫أسلمت إل يومئذ‪ ,‬وقوله }وإن تولوا فاعلموا أن الله مولكم نعككم‬
‫المولى ونعم النصير{‪ ,‬أي وإن استمروا على خلفكم ومحككاربتكم‬
‫فاعلموا أن الله مولكم‪ ,‬وسيدكم وناصركم علككى أعككدائكم فنعككم‬
‫المولى ونعم النصير‪ .‬وقال محمد بن جرير حدثني عبد الوارث بن‬
‫عبد الصمد حدثنا أبي حدثنا أبان العطككار حككدثنا هشككام بككن عككروة‬
‫عن عروة أن عبد الملك بن مروان كتككب إليككه يسككأله عككن أشككياء‬
‫فكتب إليه عروة‪ :‬سلم عليك فإني أحمد إليك الله الذي ل إلككه إل‬
‫‪944‬‬
‫هو‪ .‬أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني‪ ,‬عن مخرج رسول الله صككلى‬
‫الله عليه وسككلم مككن مكككة‪ ,‬وسككأخبرك بككه‪ ,‬ول حككول ول قككوة إل‬
‫بالله‪ ,‬كان من شأن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم مككن‬
‫مكككة‪ ,‬أن اللككه أعطككاه النبككوة‪ ,‬فنعككم النككبي ونعككم السككيد ونعككم‬
‫العشيرة‪ ,‬فجزاه الله خيرًا‪ ,‬وعرفنا وجهه في الجنة‪ ,‬وأحيان كا ً علككى‬
‫ملته وأماتنا وبعثنا عليها‪ ,‬وأنه لما دعا قومه لما بعثه اللككه بككه مككن‬
‫الهدى والنور الذي أنزل عليه لم يبعدوا منه أول مككا دعككاهم إليككه‪,‬‬
‫وكانوا يسككمعون لككه‪ ,‬حككتى إذا ذكككر طككواغيتهم‪ ,‬وقككدم نككاس مككن‬
‫الطائف من قريش لهككم أمككوال‪ ,‬أنكككر ذلككك عليككه نككاس واشككتدوا‬
‫عليه‪ ,‬وكرهوا ما قال وأغروا به من أطاعهم‪ ,‬فانعطف عنككه عامككة‬
‫الناس‪ ,‬فتركوه إل من حفظه الله منهم‪ ,‬وهم قليل فمكككث بككذلك‬
‫ما قدر الله أن يمكث‪ ,‬ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنككوا مككن اتبعككه‬
‫عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم‪ ,‬فكانت فتنككة شككديدة‬
‫الزلزال‪ ,‬فافتتن من افتتن وعصم الله ما شككاء منهككم‪ ,‬فلمككا فعككل‬
‫ذلك بالمسلمين‪ ,‬أمرهم رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم أن‬
‫يخرجوا إلى أرض الحبشة‪ ,‬وكان بالحبشككة ملككك صككالح‪ ,‬يقككال لككه‬
‫النجاشي‪ ,‬ل يظلم أحد بأرضه‪ ,‬وكان يثنى عليه مككع ذلككك‪ ,‬وكككانت‬
‫أرض الحبشككة متجككرا ً لقريككش يتجككرون فيهككا‪ ,‬وكككانت مسككاكن‬
‫لتجككارهم يجككدون فيهككا رفاغكا ً مككن الككرزق‪ ,‬وأمنكا ً ومتجككرا ً حسككنًا‪,‬‬
‫فأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فذهب إليها عككامتهم لمككا‬
‫قهروا بمكة‪ ,‬وخافوا عليهم الفتن‪ ,‬ومكث هككو فلككم يككبرح‪ ,‬فمكككث‬
‫بذلك سنوات يشتدون على من أسلم منهم‪ ,‬ثم إنه فشككا السككلم‬
‫فيها‪ ,‬ودخل فيككه رجككال مككن أشككرافهم ومنعتهككم‪ ,‬فلمككا رأوا ذلككك‬
‫استرخوا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم وعككن‬
‫أصحابه‪ ,‬وكانت الفتنة الولى‪ :‬هككي الككتي أخرجككت مككن خككرج مككن‬
‫أصحاب رسول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم قبكل أرض الحبشكة‬
‫مخافتها‪ ,‬وفرارا ً مما كانوا فيه من الفتن والزلزال فلمككا اسككترخى‬
‫عنهم ودخل في السلم من دخل منهم تحدث باسترخائهم عنهم‪,‬‬
‫فبلغ من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسككلم أنككه قككد اسككترخى عمككن كككان منهككم بمكككة‪ ,‬وأنهككم ل‬
‫يفتنون‪ ,‬فرجعوا إلككى مكككة وكككادوا يككأمنون بهككا‪ ,‬وجعلككوا يككزدادون‬
‫ويكككثرون‪ ,‬وأنككه أسككلم مككن النصككار بالمدينككة نككاس كككثير‪ ,‬وفشككا‬
‫‪945‬‬
‫السلم بالمدينة وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى اللككه‬
‫عليككه وسككلم بمكككة‪ ,‬فلمككا رأت قريككش ذلككك‪ ,‬تككوامروا علككى أن‬
‫يفتنوهم ويشتدوا‪ ,‬فأخذوهم فحرصوا على أن يفتنككوهم‪ ,‬فأصككابهم‬
‫لخرة‪ ,‬فكانت فتنتان‪ :‬فتنة أخرجت من‬ ‫جهد شديد‪ ,‬فكانت الفتنة ا َ‬
‫خرج منهم إلى أرض الحبشة حين أمرهم النككبي صكلى اللككه عليككه‬
‫وسلم بها‪ ,‬وأذن لهم في الخككروج إليهككا‪ ,‬وفتنككة‪ :‬لمككا رجعككوا ورأوا‬
‫من يأتيهم من أهل المدينة‪ ,‬ثم إنككه جككاء رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليككه وسككلم مككن المدينككة سككبعون نقيبكًا‪ ,‬رؤوس الككذين أسككلموا‪,‬‬
‫فوافوه بالحج فبايعوه بالعقبة‪ ,‬وأعطوه عهودهم ومواثيقهم‪ ,‬علككى‬
‫أنا منك وأنت منا‪ ,‬وعلى أن مكن جكاء مكن أصكحابك أو جئتنكا فإنكا‬
‫نمنعك مما نمنع منه أنفسنا‪ ,‬فاشتدت عليهككم قريككش‪ ,‬عنككد ذلككك‪,‬‬
‫فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه‪ ,‬أن يخرجككوا إلككى‬
‫لخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله‬ ‫المدينة‪ ,‬وهي الفتنة ا َ‬
‫عليه وسلم أصحابه‪ ,‬وخرج هو‪ ,‬وهي التي أنزل الله عز وجل فيها‬
‫}وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله{‪ ,‬ثم رواه عن‬
‫يونس بن عبد العلى عن ابن وهكب‪ ,‬عكن عبكد الرحمكن بكن أبكي‬
‫الزناد عن أبيه‪ ,‬عن عروة بن الزبير‪ ,‬أنه كتب إلى الوليد يعني ابن‬
‫عبد الملك بن مروان بهذا‪ ,‬فذكر مثلككه‪ ,‬وهككذا صككحيح إلككى عككروة‬
‫رحمكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه اللكككككككككككككككككككككككككككككككككككككه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ل وَل ِك ِ‬
‫سو ِ‬ ‫ه وَِللّر ُ‬ ‫س ُ‬‫م َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن لل ّهِ ُ‬‫يٍء فَأ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫م ّ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ما غَن ِ ْ‬‫وا أن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫** َواعْل َ ُ‬
‫م ِبالل ّهِ وَ َ‬
‫مآ‬ ‫من ْت ُ ْ‬
‫مآ َ‬ ‫ل ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬
‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫ى َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ْ‬
‫ا َلُقْرب َ َ‬
‫ككك ّ‬
‫ل‬ ‫ى ُ‬ ‫ن َوالل ّ ُ َ‬ ‫م ال ْت ََقى ال ْ َ‬ ‫م ال ُْفْرَقا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه عَل َ‬ ‫مَعا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫ى عَب ْدَِنا ي َوْ َ‬ ‫أنَزلَنا عَل َ‬
‫ديٌر‬‫يٍء َقككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ِ‬ ‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ْ‬ ‫َ‬
‫يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصا ً لهذه المة الشككريفة‪ ,‬مككن‬
‫بين سائر المككم المتقدمككة بككإحلل الغنككائم‪ .‬والغنيمككة هككي المككال‬
‫المأخوذ من الكفار‪ ,‬بإيجاف الخيل والركاب‪ ,‬والفيء ما أخذ منهم‬
‫بغير ذلككك‪ ,‬كككالموال الككتي يصككالحون عليهككا أو يتوفككون عنهككا‪ ,‬ول‬
‫وارث لهككم‪ ,‬والجزيككة والخككراج ونحككو ذلككك‪ ,‬هككذا مككذهب المككام‬
‫الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف‪ .‬ومن العلماء من‬
‫يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة‪ ,‬وبككالعكس أيضكًا‪ ,‬ولهككذا‬
‫‪946‬‬
‫لية ناسخة َ‬
‫ليككة الحشككر }مككا أفككاء اللككه‬ ‫ذهب قتادة إلى أن هذه ا َ‬
‫على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى{ ا َ‬
‫قال فنسككخت آيككة النفككال تلككك‪ ,‬وجعلككت الغنككائم أربعككة أخمككاس‬
‫للمجاهدين‪ ,‬وخمسا ً منها لهؤلء المذكورين‪ ,‬وهذا الذي قاله بعيككد‪,‬‬
‫لية نزلت بعد وقعة بدر‪ ,‬وتلك نزلككت فككي بنككي النضككير‪,‬‬ ‫لن هذه ا َ‬
‫ول خلف بين علماء السير والمغازي قاطبة‪ ,‬أن بني النضككير بعككد‬
‫بدر‪ ,‬وهكذا أمكر ل يشكك فيكه ول يرتكاب‪ ,‬فمكن يفكرق بيكن معنكى‬
‫الفيء والغنيمة‪ ,‬يقول تلك نزلككت فككي أمككوال الفيككء‪ ,‬وهككذه فككي‬
‫الغنائم‪ ,‬ومن يجعل أمر الغنككائم والفيككء راجع كا ً إلككى رأي المككام‪,‬‬
‫يقول‪ :‬ل منافاة بيككن آيككة الحشككر وبيككن التخميككس‪ ,‬إذا رآه المككام‬
‫والله أعلم‪ .‬فقوله تعالى‪} :‬واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله‬
‫خمسه{ توكيد لتخميس كل قليل وكككثير حككتى الخيككط والمخيككط‪,‬‬
‫قال الله تعالى‪} :‬ومن يغلل يأت بما غككل يككوم القيامككة ثككم تككوفى‬
‫كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون{‪ ,‬وقككوله }فككأن للككه خمسككه‬
‫وللرسول{ اختلف المفسرون ههنا‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬لله نصيب من‬
‫الخمس يجعل في الكعبة‪ .‬قال أبو جعفر الرازي‪ ,‬عن الربيككع عككن‬
‫أبي العالية الرياحي‪ ,‬قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫يؤتى بالغنيمة فيخمسها على خمسة‪ ,‬تكككون أربعككة أخمككاس لمككن‬
‫شهدها‪ ,‬ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه‪ ,‬فيأخذ منه الذي قبض‬
‫كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله‪ ,‬ثم يقسم ما بقي على خمسككة‬
‫أسككهم فيكككون سككهم للرسككول‪ ,‬وسككهم لككذوي القربككى‪ ,‬وسككهم‬
‫لليتامى‪ ,‬وسهم للمساكين‪ ,‬وسككهم لبككن السككبيل‪ ,‬وقككال آخككرون‪:‬‬
‫ذكر الله ههنا استفتاح كلم للتبرك‪ ,‬وسهم لرسوله عليه السككلم‪,‬‬
‫قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهمككا‪ ,‬كككان رسككول اللككه‬
‫صلى اللككه عليككه وسككلم إذا بعككث سككرية فغنمككوا خمككس الغنيمككة‪,‬‬
‫فضرب ذلك الخمس في خمسة‪ ,‬ثككم قككرأ }واعلمككوا أنمككا غنمتككم‬
‫من شيء فأن لله خمسه وللرسول{ فأن لله خمسه‪ ,‬مفتاح كلم‬
‫}لله ما في السموات وما في الرض{ فجعل سككهم اللككه وسككهم‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم واحدًا‪ ,‬وهكذا قال إبراهيم النخعي‬
‫والحسككن بككن محمككد بككن الحنفيككة‪ ,‬والحسككن البصككري والشككعبي‬
‫وعطاء بن أبي رباح‪ ,‬وعبد اللككه بككن بريككدة وقتككادة ومغيككرة وغيككر‬
‫واحد‪ ,‬أن سككهم اللككه ورسككوله واحككد‪ .‬ويؤيككد هككذا مككا رواه المككام‬
‫‪947‬‬
‫الحافظ أبو بكر البيهقي‪ ,‬بإسناد صحيح‪ ,‬عن عبد الله بككن شككقيق‪,‬‬
‫عن رجل‪ ,‬قال‪ :‬أتيت النككبي صككلى اللككه عليككه وسككلم وهككو بككوادي‬
‫القرى‪ ,‬وهو يعرض فرسًا‪ ,‬فقلككت يككا رسككول اللككه‪ ,‬مككا تقككول فككي‬
‫الغنيمة ؟ فقال‪» :‬لله خمسها وأربعة أخماسها للجيش« قلت فما‬
‫أحدأولى به من أحد ؟ قال‪» :‬ل ول السككهم تسككتخرجه مككن جيبككك‬
‫ليككككككس أنككككككت أحككككككق بككككككه مككككككن أخيككككككك المسككككككلم«‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا عمران بن موسككى‪ ,‬حككدثنا عبككد الككوارث‪,‬‬
‫حدثنا أبان عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬أوصى الحسن بككالخمس مككن مككاله‪,‬‬
‫وقال أل أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه‪ ,‬ثم اختلككف قككائلوا‬
‫هذا القول‪ ,‬فروى علي بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬كككانت‬
‫الغنيمة تخمس على خمسة أخماس‪ ,‬فأربعة منهككا بيككن مككن قاتككل‬
‫عليهككا‪ ,‬وخمككس واحككد يقسككم علككى أربعككة أخمككاس‪ ,‬فربككع للككه‬
‫وللرسول صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬فمككا كككان للككه وللرسككول فهككو‬
‫لقرابة النبي صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬ولككم يأخككذ النككبي صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم من الخمس شيئًا‪ ,‬وقككال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا أبككي‬
‫حدثنا أبو معمر المنقري‪ ,‬حدثنا عبد الوارث بن سعيد‪ ,‬عن حسين‬
‫المعلم عن عبد الله بن بريدة في قوله }واعلموا أنما غنمتم مككن‬
‫شيء فأن لله خمسه وللرسول{‪ ,‬قال‪ :‬الذي للككه فلنككبيه‪ ,‬والككذي‬
‫للرسول لزواجه‪ .‬وقال عبد الملك بن أبي سليمان‪ ,‬عن عطاء بن‬
‫أبي رباح‪ ,‬قال‪ :‬خمس الله والرسول واحد‪ ,‬يحمل منه ويصنع فيككه‬
‫ما شاء‪ ,‬يعني النبي صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬وهككذا أعككم وأشككمل‪,‬‬
‫وهو أنه صلى الله عليه وسلم يتصرف فككي الخمككس الككذي جعلككه‬
‫الله بما شاء‪ ,‬ويرده فككي أمتككه كيككف شككاء‪ ,‬ويشككهد لهككذا مككا رواه‬
‫المام أحمد حيث قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن عيسى‪ ,‬حدثنا إسككماعيل‬
‫بن عياش‪ ,‬عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم‪ ,‬عن أبي سككلم‬
‫العرج‪ ,‬عن المقدام بن معد يكرب الكندي‪ ,‬أنه جلكس مكع عبكادة‬
‫بن الصامت‪ ,‬وأبي الدرداء والحارث بن معاوية الكندي رضي اللككه‬
‫عنهم‪ ,‬فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪ ,‬فقككال‬
‫أبو الدرداء لعبادة‪ :‬يا عبادة كلمات رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم في غزوة كذا وكذا في شككأن الخمككاس‪ ,‬فقككال عبككادة‪ :‬إن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غككزوة إلككى بعيككر‬
‫من المغنم‪ ,‬فلما سلم قككام رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسكلم‬
‫‪948‬‬
‫فتناول وبرة بين أنملتيه‪ ,‬فقال‪» :‬إن هذه من غنائمكم وإنككه ليككس‬
‫لي فيها إل نصيبي معكم الخمس‪ ,‬والخمس مردود عليكككم‪ ,‬فككأدوا‬
‫الخيط والمخيط‪ ,‬وأكبر من ذلك وأصغر‪ ,‬ول تغلوا فإن الغلول عار‬
‫لخككرة‪ ,‬وجاهككدوا النككاس فككي اللككه‬ ‫ونار على أصحابه في الككدنيا وا َ‬
‫القريب والبعيد‪ ,‬ول تبالوا في الله لومة لئم‪ ,‬وأقيمككوا حككدود اللككه‬
‫في السفر والحضر‪ ,‬وجاهدوا في الله‪ ,‬فإن الجهاد باب من أبواب‬
‫الجنة عظيم‪ ,‬ينجي الله به من الهككم والغككم«‪ ,‬هككذا حككديث حسككن‬
‫عظيم‪ ,‬ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه‪ .‬ولكن‬
‫روى المام أحمد أيضا ً وأبو داود والنسائي‪ ,‬من حكديث عمكرو بكن‬
‫شعيب‪ ,‬عن أبيه عن جده عبد اللككه بككن عمككرو‪ ,‬عككن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم نحوه في قصة الخمس والنهي عن الغلول‪.‬‬
‫وعن عمرو بن عنبسككة‪ ,‬أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫صلى بهم إلى بعير مككن المغنككم‪ ,‬فلمككا سكلم أخككذ وبككرة مككن هككذا‬
‫البعير‪ ,‬ثم قال‪» :‬ول يحل لي من غنائمكم مثل هككذه إل الخمككس‪,‬‬
‫والخمس مردود عليكم« رواه أبو داود والنسائي‪ ,‬وقد كان للنككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من الغنائم شيء يصطفيه لنفسككه‪ ,‬عبككد أو‬
‫أمة أو فرس أو سيف أو نحو ذلك كما نص عليه محمد بن سيرين‬
‫وعامر الشككعبي‪ ,‬وتبعهمككا علككى ذلككك أكككثر العلمككاء‪ .‬وروى المككام‬
‫أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس‪ :‬أن رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقككار يككوم بككدر‪ ,‬وهككو الككذي رأى فيككه‬
‫الرؤيا يوم أحد‪ ,‬وعن عائشة رضي الله عنها قككالت‪ :‬كككانت صككفية‬
‫مككن الصككفي‪ ,‬رواه أبككو داود فككي سككننه‪ ,‬وروى أيضككا ً بإسككناده‬
‫والنسائي أيضا ً عن يزيد بن عبككد اللككه قككال‪ :‬كنككا بالمربككد إذ دخككل‬
‫رجل معه قطعة أديم‪ ,‬فقرأناها فإذا فيها »من محمد رسككول اللككه‬
‫إلى بني زهير بككن قيككس إنكككم إن شككهدتم أن ل إلككه إل اللككه وأن‬
‫محمدا ً رسول الله وأقمتم الصلة‪ ,‬وآتيتم الزكاة‪ ,‬وأديتككم الخمككس‬
‫من المغنم‪ ,‬وسهم النبي صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬وسككهم الصككفي‪,‬‬
‫أنتم آمنكون بأمككان اللكه ورسكوله« فقلنكا مكن كتكب هككذا ؟ فقككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فهذه أحاديث جيدة تككدل علككى‬
‫تقرير هذا وثبككوته‪ ,‬ولهككذا جعككل ذلككك كككثيرون مككن الخصككائص لككه‬
‫صلوات الله وسلمه عليه‪ ,‬وقال آخرون‪ :‬إن الخمس يتصرف فيه‬
‫المام بالمصلحة للمسلمين‪ ,‬كما يتصرف في مككال الفيككء‪ ,‬وقككال‬
‫‪949‬‬
‫شيخنا المام العلمة ابن تيمية رحمه الله‪ :‬وهذا قول مالك وأكككثر‬
‫السلف‪(,‬وهو أصح القوال‪ .‬فإذا ثبت هذا وعلم‪ ,‬فقد اختلف أيضككا ً‬
‫في الذي كان يناله عليه السلم من الخمس‪ ,‬مككاذا يصككنع بككه مككن‬
‫بعده‪ ,‬فقال قائلون يكون لمن يلي المر من بعده‪ ,‬روي هككذا عككن‬
‫أبي بكر وعلي وقتادة وجماعة‪ .‬وجككاء فيككه حككديث مرفككوع‪ ,‬وقككال‬
‫آخرون‪ :‬يصرف فككي مصككالح المسككلمين‪ ,‬وقككال آخككرون‪ :‬بككل هككو‬
‫مككردود علككى بقيكة الصككناف‪ ,‬ذوي القربكى واليتكامى والمسكاكين‬
‫وابن السبيل‪ ,‬اختاره ابن جريككر‪ ,‬وقككال آخككرون‪ :‬بككل سككهم النككبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى‪ ,‬مردودان على اليتامى‬
‫والمساكين وابن السبيل‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬وذلك قككول جماعككة مككن‬
‫أهل العراق‪ ,‬وقيل إن الخمس جميعه لذوي القربى‪ ,‬كما رواه ابن‬
‫جرير‪ ,‬حدثنا الحارث‪ ,‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬حدثنا عبككد الغفككار‪ ,‬حككدثنا‬
‫المنهال بن عمرو‪ ,‬سألت عبد الله بن محمد بن علككي‪ ,‬وعلككي بككن‬
‫الحسين عن الخمس‪ ,‬فقال‪ :‬هو لنا‪ ,‬فقلت لعلي‪ :‬فإن اللككه يقككول‬
‫}واليتامى والمساكين وابككن السككبيل{ فقككال‪ :‬يتامانككا ومسككاكيننا‪,‬‬
‫وقال سفيان الثوري وأبو نعيم وأبو أسامة‪ ,‬عن قيس بككن مسككلم‪,‬‬
‫سألت الحسن بن محمد بن الحنفية رحمه الله تعككالى‪ ,‬عككن قككول‬
‫الله تعككالى‪} :‬واعلمككوا أنمككا غنمتككم مككن شككيء فككأن للككه خمسككه‬
‫لخرة‪ ,‬ثككم اختلككف‬ ‫وللرسول{ فقال‪ :‬هذا مفتاح كلم‪ ,‬لله الدنيا وا َ‬
‫الناس في هذين السهمين‪ ,‬بعد وفاة رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬فقال قائلون‪ :‬سهم النبي صلى اللكه عليكه وسكلم تسكليما ً‬
‫للخليفة من بعككده‪ ,‬وقكال آخككرون لقرابكة النككبي صكلى اللكه عليككه‬
‫وسلم وقال آخرون‪ :‬سهم القرابة لقرابة الخليفة‪ ,‬واجتمككع رأيهككم‬
‫أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله‪ ,‬فكانا‬
‫علكى ذلكك فكي خلفكة أبكي بككر وعمكر رضكي اللكه عنهمكا‪ ,‬قكال‬
‫العمش عن إبراهيم‪ :‬كان أبو بكر وعمر يجعلن سهم النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم في الكراع والسلح‪ ,‬فقلت لبراهيم ما كان علككي‬
‫يقول فيه ؟ قال‪ :‬كان أشدهم فيه‪ ,‬وهذا قككول طائفككة كككثيرة مككن‬
‫العلماء رحمهم الله‪ ,‬وأما سككهم ذوي القربككى‪ ,‬فككإنه يصككرف إلككى‬
‫بني هاشم وبني المطلككب‪ ,‬لن بنككي المطلككب وازروا بنككي هاشككم‬
‫في الجاهلية وفي أول السلم‪ ,‬ودخلوا معهم فككي الشككعب غضككبا ً‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية له‪ ,‬مسلمهم طاعة لله‬
‫‪950‬‬
‫ولرسوله‪ ,‬وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لبي طالب عككم‬
‫رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬وأمككا بنككو عبككد شككمس وبنككو‬
‫نوفككل‪ ,‬وإن كككانوا بنككي عمهككم‪ ,‬فلككم يوافقككوهم علككى ذلككك‪ ,‬بككل‬
‫حاربوهم ونابذوهم ومالؤوا بطككون قريككش علككى حككرب الرسككول‪,‬‬
‫ولهككذا كككان ذم أبككي طككالب لهككم فككي قصككيدته اللميككة أشككد مككن‬
‫غيرهكككم‪ ,‬لشكككدة قربهكككم‪ ,‬ولهكككذا يقكككول فكككي أثنكككاء قصكككيدته‪:‬‬
‫جزى اللككه عن ّككا عبككد شككمس ونوفلعقوبككة شككر عاجككل غيككر آجككل‬
‫بميزان قسككط ل يخيككس شككعيرةله شككاهد مككن نفسككه غيككر عككائل‬
‫لقككد سككفهت أحلم قككوم تبككدلوابني خلككف قيضككا ً بنككا والعياطككل‬
‫ونحن الصميم من ذؤابككة هاشككموآل قصككي فككي الخطككوب الوائل‬
‫وقال جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل‪ :‬مشيت أنا وعثمككان بكن‬
‫عفان‪ ,‬يعني ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس‪ ,‬إلككى رسككول‬
‫الله صلى الله عليككه وسككلم فقلنككا‪ :‬يككا رسككول اللككه أعطيككت بنككي‬
‫المطلب من خمس خيبر وتركتنا‪ ,‬ونحن وهم منك بمنزلة واحككدة‪,‬‬
‫فقال‪» :‬إنما بنو هاشم وبنو المطلككب شككيء واحككد« رواه مسككلم‪.‬‬
‫وفي بعض روايات هذا الحديث‪» ,‬إنهم لم يفارقونا في جاهلية ول‬
‫إسلم«‪ ,‬وهذا قول جمهور العلماء‪ ,‬إنهم بنو هاشم وبنو المطلككب‪.‬‬
‫قال ابن جرير وقال آخرون‪ :‬هم بنو هاشم‪ ,‬ثم روي عككن خصككيف‬
‫عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬علم الله أن في بني هاشم فقككراء‪ ,‬فجعككل لهككم‬
‫الخمس مكان الصدقة‪ ,‬وفي رواية عنككه قككال‪ :‬هككم قرابككة رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم الككذين ل تحككل لهككم الصككدقة‪ ,‬ثككم روى‬
‫عن علي بن الحسين نحو ذلك‪ ,‬قال ابن جرير وقككال آخككرون‪ :‬بككل‬
‫هم قريش كلها‪ ,‬حدثني يونس بن عبد العلى‪ ,‬حدثني عبد الله بن‬
‫نافع‪ ,‬عن أبي معشر‪ ,‬عن سعيد المقبري‪ ,‬قككال‪ :‬كتككب نجككدة إلككى‬
‫عبككد اللكه بكن عبكاس يسكأله عككن ذوي القربكى‪ ,‬فكتككب إليككه ابكن‬
‫عباس‪ ,‬كنا نقول‪ :‬إنا هم‪ ,‬فأبى علينككا ذلككك قومنككا‪ ,‬وقككالوا قريككش‬
‫كلهككا ذوو قربككى وهككذا الحككديث صككحيح‪ ,‬رواه مسككلم وأبككو داود‬
‫والترمذي والنسائي من حديث سعيد المقبري‪ ,‬عن يزيد بن هرمز‬
‫أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن ذوي القربى‪ ,‬فذكره إلى‬
‫قوله‪ :‬فأبى ذلك علينا قومنا‪ ,‬والزيادة من أفراد أبي معشككر نجيككح‬
‫بن عبد الرحمن المدني‪ ,‬وفيه ضعف‪ ,‬وقال ابن أبي حككاتم‪ :‬حككدثنا‬
‫أبككي حككدثنا إبراهيككم بككن مهككدي المصيصككي‪ ,‬حككدثنا المعتمككر بككن‬
‫‪951‬‬
‫سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬رغبككت لكككم عككن غسككالة‬
‫اليدي‪ ,‬لن لكم من خمس الخمس ما يغنيكككم أو يكفيكككم«‪ ,‬هككذا‬
‫حديث حسن السناد‪ ,‬وإبراهيككم بككن مهككدي هككذا وثقككه أبككو حككاتم‪,‬‬
‫وقككال يحيككى بككن معيككن‪ :‬يككأتي بمنككاكير‪ ,‬واللككه أعلككم‪ .‬وقككوله‬
‫}واليتككامى{ أي أيتككام المسككلمين‪ ,‬واختلككف العلمككاء هككل يختككص‬
‫باليتكككام الفقكككراء‪ ,‬أو يعكككم الغنيكككاء والفقكككراء ؟ علكككى قكككولين‪,‬‬
‫والمسككاكين هككم المحاويككج الككذين ل يجككدون مككا يسككد خلتهككم‬
‫ومسكنتهم‪} ,‬وابن السبيل{ هو المسككافر أو المريككد للسككفر إلككى‬
‫مسافة تقصر فيها الصلة‪ ,‬وليس له مككا ينفقككه فككي سككفره ذلككك‪,‬‬
‫وسيأتي تفسير ذلك في آية الصدقات من سككورة بككراءة إن شككاء‬
‫اللكككككككككه تعكككككككككالى‪ ,‬وبكككككككككه الثقكككككككككة وعليكككككككككه التكلن‪.‬‬
‫وقوله }إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا{ أي امتثلوا ما‬
‫شرعنا لكم من الخمس في الغنائم‪ ,‬إن كنتم تؤمنون بالله واليوم‬
‫لخر‪ ,‬وما أنزل على رسوله‪ ,‬ولهذا جاء في الصحيحين من حديث‬ ‫ا َ‬
‫عبد الله بن عباس في حديث وفككد عبككد القيككس‪ ,‬أن رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم قال لهم‪» :‬وآمركم بأربع‪ ,‬وأنهاكم عن أربع‪.‬‬
‫آمركم باليمان بالله ك ثم قككال كك هككل تككدرون مككا اليمككان بككالله ؟‬
‫شهادة أن ل إله إل الله‪ ,‬وأن محمككدا ً رسكول اللكه‪ ,‬وإقككام الصككلة‬
‫وإيتاء الزكاة‪ ,‬وأن تؤدوا الخمس مككن المغنككم«‪ ,‬الحككديث بطككوله‪,‬‬
‫فجعل أداء الخمس من جملة اليمككان‪ ,‬وقككد بككوب البخككاري علككى‬
‫ذلك في كتاب اليمان من صحيحه‪ ,‬فقال‪) :‬باب أداء الخمس مككن‬
‫اليمان( ثم أورد حديث ابن عباس هذا‪ ,‬وقككد بسككطنا الكلم عليككه‬
‫في شرح البخاري‪ ,‬ولله الحمككد والمنككة‪ ,‬وقككال مقاتككل بككن حيككان‪:‬‬
‫}وما أنزلنا علكى عبكدنا يكوم الفرقكان{ أي فكي القسكمة‪ ,‬وقككوله‬
‫}يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كككل شككيء قككدير{‪,‬‬
‫ينبه تعالى على نعمته وإحسانه إلى خلقه‪ ,‬بما فرق به بيككن الحككق‬
‫والباطل ببدر‪ ,‬ويسمى الفرقان‪ ,‬لن الله أعلى فيه كلمككة اليمككان‬
‫على كلمة الباطل وأظهر دينه ونصر نككبيه وحزبككه‪ ,‬قككال علككي بككن‬
‫أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس‪ :‬يوم الفرقان يككوم بككدر‪ ,‬فككرق‬
‫اللككه فيككه بيككن الحككق والباطككل‪ ,‬رواه الحككاكم‪ ,‬وكككذا قككال مجاهككد‬
‫ومقسم وعبيد الله بن عبد الله والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان‬
‫‪952‬‬
‫وغير واحد أنه يوم بدر‪ ,‬وقال عبد الرزاق عن معمر عككن الزهككري‬
‫عن عروة بن الزبير في قوله }يوم الفرقان{ يوم فرق اللككه بيككن‬
‫الحق والباطل‪ ,‬وهو يوم بدر‪ ,‬وهو أول مشهد شهده رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسككلم‪ ,‬وكككان رأس المشككركين عتبككة بككن ربيعككة‪,‬‬
‫فككالتقوا يككوم الجمعككة لتسككع عشككرة أو سككبع عشككرة مضككت مككن‬
‫رمضان‪ ,‬وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلثمائة‬
‫ل‪ ,‬والمشركون ما بين اللف والتسككعمائة‪ ,‬فهككزم‬ ‫وبضعة عشر رج ً‬
‫الله المشركين‪ ,‬وقتل منهم زيادة على السبعين‪ ,‬وأسر منهم مثل‬
‫ذلك‪ ,‬وقد روى الحاكم فككي مسككتدركه مككن حككديث العمككش عككن‬
‫إبراهيم عن السود عن ابن مسعود‪ ,‬قال في ليلة القدر‪ :‬تحروهككا‬
‫لحدى عشككرة يبقيككن‪ ,‬فككإن فككي صككبيحتها يككوم بككدر‪ ,‬وقككال علككى‬
‫شرطهما‪ ,‬وروي مثله‪ ,‬عن عبد الله بن الزبيككر أيض كًا‪ ,‬مككن حككديث‬
‫جعفر بن برقان‪ ,‬عن رجل عنه‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن حميككد‪,‬‬
‫حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬حدثنا يحيى بن يعقوب أبو طالب‪ ,‬عن ابككن‬
‫عون عككن محمككد بككن عبككد اللككه الثقفككي‪ ,‬عككن أبككي عبككد الرحمككن‬
‫السلمي‪ ,‬قال‪ :‬قال الحسككن بككن علككي‪ :‬كككانت ليلككة الفرقككان يككوم‬
‫التقى الجمعان لسبع عشرة من رمضان‪ ,‬إسناد جيد قككوي‪ ,‬ورواه‬
‫ابن مردويه‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن عبد اللككه بككن حككبيب عككن علككي‬
‫قال‪ :‬كانت ليلة الفرقان‪ ,‬ليلة التقى الجمعان‪ ,‬فككي صككبيحتها ليلككة‬
‫الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان‪ ,‬وهككو الصككحيح عنككد‬
‫أهل المغازي والسير‪ ,‬وقال يزيد بن أبي حكبيب إمكام أهكل الكديار‬
‫المصرية في زمانه‪ :‬كان يوم بدر يوم الثنين‪ ,‬ولم يتابع على هككذا‪,‬‬
‫وقككككككول الجمهككككككور مقككككككدم عليككككككه‪ ,‬واللككككككه أعلككككككم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫س كَف َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫م ِبال ْعُد ْوَةِ الد ّن َْيا وَهُككم ِبال ْعُ كد ْوَةِ ال ُْق ْ‬
‫ص كوَىَ َوالّرك ْك ُ‬ ‫** إ ِذ ْ أنت ُ ْ‬
‫مككرا ً‬ ‫ختل َْفتم في ال ْميعاد وَلـكن ل ّيْقضكي الل ّك َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫ِ َ ِ َ ِ‬ ‫م لَ ْ َ ُ ْ ِ‬ ‫عدت ّ ْ‬‫وا َ‬ ‫م وَل َوْ ت َ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫عن ب َي َّنككةٍ وَإ ِ ّ‬‫ي َ‬
‫ح ّ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ى َ‬‫حي َ َ‬‫عن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ‬
‫ك َ‬ ‫ن هَل َ َ‬ ‫م ْ‬
‫ك َ‬ ‫مْفُعول ً ل ّي َهْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫م‬‫ميعٌ عَِليكككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫سكككككككككككككككككككككك ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫الّلكككككككككككككككككككككك َ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عن يوم الفرقان }إذ أنتم بالعدوة الدنيا{ أي‬
‫إذ أنتم نزول بعدوة الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة‪} ,‬وهككم{ أي‬
‫المشركون نزول }بالعدوة القصوى{ أي البعيدة من المدينة إلككى‬
‫‪953‬‬
‫ناحية مكة‪} ,‬والركب{ أي العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من‬
‫التجارة‪} ,‬أسفل منكم{ أي مما يلي سيف البحر‪} ,‬ولو تواعدتم{‬
‫أي أنتم والمشككركون إلككى مكككان }لختلفتككم فككي الميعككاد{‪ ,‬قككال‬
‫محمد بن إسحاق‪ :‬وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بككن الزبيككر‪,‬‬
‫عن أبيه‪ ,‬في هككذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪ :‬ولككو كككان ذلككك عككن ميعككاد منكككم‬
‫ومنهم‪ ,‬ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم‪ ,‬ما لقيتموهم }ولكككن‬
‫ل{ أي ليقضي الله ما أراد بقدرته من‬ ‫ليقضي الله أمرا ً كان مفعو ً‬
‫إعزاز السلم وأهله‪ ,‬وإذلل الشككرك وأهلككه‪ ,‬مككن غيككر مل منكككم‪,‬‬
‫ففعل ما أراد من ذلك بلطفه‪ ,‬وفي حديث كعككب بككن مالككك قككال‪:‬‬
‫إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون‪ ,‬يريككدون‬
‫عير قريش‪ ,‬حتى جمع الله بينهم وبين عككدوهم علككى غيككر ميعككاد‪,‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثني يعقوب حدثني ابن عليككة‪ ,‬عككن ابككن عككون‬
‫عن عمير بن إسككحاق‪ ,‬قككال‪ :‬أقبككل أبككو سككفيان فككي الركككب مككن‬
‫الشام‪ ,‬وخرج أبو جهل ليمنعه مككن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم وأصحابه‪ ,‬فالتقوا ببككدر‪ ,‬ول يشككعر هككؤلء بهككؤلء‪ ,‬ولهككؤلء‬
‫بهؤلء‪ ,‬حتى التقككى السككقاة‪ ,‬ونهككد النككاس بعضككهم لبعككض‪ ,‬وقككال‬
‫محمد بن إسحاق في السيرة‪ :‬ومضى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم على وجهه ذلك‪ ,‬حككتى إذا كككان قريبكا ً مككن الصككفراء‪ ,‬بعككث‬
‫بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين‪ ,‬يلتمسان الخككبر‬
‫عن أبي سفيان‪ ,‬فانطلقا حتى إذا وردا بدرًا‪ ,‬فأناخا بعيريهمككا إلككى‬
‫تل من البطحاء‪ ,‬فاستقيا في شن لهما من الماء‪ ,‬فسمعا جاريتين‬
‫تختصمان‪ ,‬تقول إحداهما لصاحبتها اقضيني حقي‪ ,‬وتقول الخككرى‬
‫إنما تأتي العير غدا ً أو بعد غد فأقضيك حقك‪ ,‬فخلص بينهما مجدي‬
‫بن عمرو‪ ,‬وقال صدقت‪ ,‬فسمع بذلك بسبس وعدي‪ ,‬فجلسا على‬
‫بعيريهما حتى أتيا رسول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فككأخبراه‬
‫الخبر‪ ,‬وأقبل أبو سفيان حين وليا وقد حككذر‪ ,‬فتقككدم أمككام عيككره‪,‬‬
‫وقال لمجدي بن عمرو هل أحسسككت علككى هككذا المككاء مككن أحككد‬
‫تنكره ؟ فقال‪ :‬ل والله‪ ,‬إل أني قككد رأيككت راكككبين أناخككا إلككى هككذا‬
‫التل فاستقيا من شن لهما ثم انطلقا‪ ,‬فجاء أبو سفيان إلككى منككاخ‬
‫بعيريهما‪ ,‬فأخذ من أبعارهما ففته فإذا فيه النوى‪ ,‬فقال هذه والله‬
‫علئف يكثرب‪ ,‬ثكم رجكع سكريعا ً فضكرب وجكه عيكره فكانطلق بهكا‬
‫حل‪ ,‬حتى إذا رأى أنه قد أحكرز عيكره إلكى قريكش فقكال‪ :‬إن‬ ‫سا َ‬
‫ف َ‬
‫‪954‬‬
‫الله قد نجى عيركم وأموالكم ورجالكم فارجعوا‪ ,‬فقال أبو جهككل‪:‬‬
‫والله ل نرجع حككتى نككأتي بككدرا ً كك وكككانت بككدر سككوقا ً مككن أسككواق‬
‫العرب ك فنقيم بهككا ثلثكا ً فنطعكم بهككا الطعككام‪ ,‬وننحككر بهككا الجككزر‪,‬‬
‫ونسككقى بهككا الخمككر‪ ,‬وتعككزف علينككا القيككان‪ ,‬وتسككمع بنككا العككرب‬
‫وبمسككيرنا‪ ,‬فل يزالككون يهابوننككا بعككدها أبككدًا‪ .‬فقككال الخنككس بككن‬
‫شريق‪ :‬يا معشر بنككي زهككرة‪ ,‬إن اللككه قككد أنجككى امككوالكم ونجككى‬
‫صاحبكم فارجعوا فرجعت بنو زهرة‪ ,‬فلم يشهدوها‪ ,‬ول بنو عككدي‪,‬‬
‫قال محمد بن إسحاق‪ :‬وحدثني يزيد بككن رومككان‪ ,‬عككن عككروة بككن‬
‫الزبير قال‪ :‬وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دنكا مكن‬
‫بدر‪ ,‬علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص والزبير بككن العككوام‬
‫في نفر من أصحابه يتجسسون له الخبر‪ ,‬فأصابوا سككقاة لقريككش‬
‫غلما ً لبني سككعيد بككن العككاص‪ ,‬وغلمكا ً لبنككي الحجككاج‪ ,‬فككأتوا بهمككا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فوجدوه يصلي فجعل أصككحاب‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم يسككألونهما لمككن أنتمككا ؟‬
‫فيقولن‪ :‬نحن سقاة لقريككش‪ ,‬بعثونككا نسككقيهم مككن المككاء‪ ,‬فكككره‬
‫القوم خبرهمككا‪ ,‬ورجككوا أن يكونككا لبككي سككفيان فضككربوهما‪ ,‬فلمككا‬
‫أزلقوهما قال‪ :‬نحككن لبككي سككفيان فتركوهمككا‪ ,‬وركككع رسككول اللككه‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم وسككجد سككجدتين ثككم سككلم‪ ,‬وقككال »إذا‬
‫صدقاكم ضربتموهما‪ ,‬وإذا كذباكم تركتموهما‪ ,‬صككدقا واللككه إنهمككا‬
‫لقريش‪ ,‬أخبراني عن قريش« قال هم وراء هذا الكثيب الذي ترى‬
‫بالعدوة القصوى‪ ,‬والكثيب‪ :‬العقنقل‪ ,‬فقال لهما رسول الله صكلى‬
‫الله عليه وسلم »كم القوم ؟« قال‪ :‬كككثير‪ .‬قككال‪» :‬مككا عككدتهم ؟«‬
‫قال ما ندري‪ .‬قال »كم ينحرون كل يوم ؟« قال‪ :‬يوما ً تسعا ويوما ً‬
‫عشرًا‪ ,‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪» :‬القككوم مككا بيككن‬
‫التسعمائة إلى اللف« ثم قككال لهمككا‪» :‬فمككن فيهككم مككن أشككراف‬
‫قريش ؟« قال‪ :‬عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبكو البخكتري بكن‬
‫هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحككارث بككن عككامر بككن‬
‫نوفل‪ ,‬وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث‪ ,‬وزمعككة بككن‬
‫السود وأبككو جهككل بككن هشككام وأميككة بككن خلككف ونككبيه ومنبككه ابنككا‬
‫الحجاج‪ ,‬وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود‪ ,‬فأقبل رسككول اللككه‬
‫صلى الله عليه وسلم على النككاس فقككال‪» :‬هككذه مكككة قككد ألقككت‬
‫إليكم أفلذ كبدها«‪ ,‬قككال محمككد بككن إسككحاق رحمككه اللككه تعككالى‪:‬‬
‫‪955‬‬
‫وحدثني عبد الله بن أبي بكككر بككن حككزم‪ ,‬أن سككعد بككن معككاذ قككال‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬لما التقى الناس يككوم بككدر يككا‬
‫رسول الله‪ ,‬أل نبني لك عريشا َ تكككون فيككه‪ ,‬وننيككخ إليككك ركائبككك‪,‬‬
‫ونلقى عدونا‪ ,‬فإن أظفرنا الله عليهم وأعزنا فذاك مككا نحككب‪ ,‬وإن‬
‫تكن الخرى‪ ,‬فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا مككن قومنككا‪,‬‬
‫فقد والله تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حبا ً منهم‪ ,‬لو علمكوا‬
‫أنك تلقى حربا ً ما تخلفوا عنك‪ ,‬ويوازرونك وينصرونك‪ .‬فأثنى عليه‬
‫رسول الله صلى الله عليككه وسككلم خيككرًا‪ ,‬ودعككا لككه بككه فبنككي لككه‬
‫عريش‪ ,‬فكان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكككر مككا‬
‫معهما غيرهما‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬وارتحلت قريش حيككن أصككبحت‪,‬‬
‫فلما أقبلت ورآها رسول الله صلى الله عليككه وسككلم تصككوب مككن‬
‫العقنقل‪ ,‬وهو الكثيب‪ ,‬الذي جاءوا منه إلى الوادي‪ ,‬فقال‪» :‬اللهككم‬
‫هذه قريش قد أقبلككت بخيلئهككا وفخرهككا تحككادك وتكككذب رسككولك‬
‫اللهم أحنهم الغداة« وقوله‪} :‬ليهلك من هلك عن بينة ويحيى مككن‬
‫ي عن بينة{‪ ,‬قال محمد بككن إسككحاق‪ :‬أي ليكفككر مككن كفككر بعككد‬ ‫ح ّ‬
‫لية والعبرة‪ ,‬ويؤمن من آمن على مثل ذلككك‪,‬‬ ‫الحجة لما رأى من ا َ‬
‫وهذا تفسير جيد‪ .‬وبسط ذلك أنه تعالى يقككول‪ :‬إنمككا جمعكككم مككع‬
‫عدوكم في مكان واحد‪ ,‬على غير ميعاد‪ ,‬لينصككركم عليهككم ويرفككع‬
‫كلمة الحككق علككى الباطككل‪ ,‬ليصككير المككر ظككاهرا ً والحجككة قاطعككة‬
‫والبراهين ساطعة‪ ,‬ول يبقى لحككد حجككة‪ ,‬ول شككبهة‪ ,‬فحينئذ يهلككك‬
‫من هلك أي يستمر في الكفر من استمر فيككه‪ ,‬علككى بصككيرة مككن‬
‫ي{ أي يككؤمن‬ ‫أمره‪ ,‬إنه مبطل لقيام الحجة عليه‪} ,‬ويحيى من حكك ّ‬
‫من آمن }عن بينة{ أي حجة وبصيرة‪ ,‬واليمان هو حياة القلككوب‪,‬‬
‫قال الله تعالى‪} :‬أو من كان ميتا ً فأحييناه وجعلنا له نككورا ً يمشككي‬
‫ي من هلك‪,‬‬ ‫به في الناس{ وقالت عائشة في قصة الفك فهلك ف ّ‬
‫أي قككال فيهككا مككا قككال مككن البهتككان والفككك‪ .‬وقككوله‪} :‬وإن اللككه‬
‫لسميع{ أي لدعائكم وتضرعكم واستغاثتكم به‪} ,‬عليم{ أي بكم‪,‬‬
‫وأنكككم تسككتحقون النصككر علككى أعككدائكم الكفككرة المعانككدين‪.‬‬
‫َ‬
‫شكل ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ك َِثيككرا ً ل َّف ِ‬
‫ك قَِليل ً وَل َكوْ أَراك َهُك ْ‬ ‫مك َ‬ ‫مَنا ِ‬
‫ه فِككي َ‬ ‫م الل ّك ُ‬
‫ريك َهُك ُ‬‫** إ ِذ ْ ي ُ ِ‬
‫دورِ *‬ ‫صك ُ‬
‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ب ِك َ‬
‫ه عَِلي ك ٌ‬ ‫س كل ّ َ‬
‫م إ ِن ّك ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مرِ وََلـك ِ ّ‬‫م ِفي ال ْ‬ ‫وَل َت ََناَزعْت ُ ْ‬
‫‪956‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ي أعْي ُن ِهِك ْ‬ ‫م فِ ك َ‬‫م قَِليل ً وَي َُقل ّل ُك ُك ْ‬
‫ي أعْي ُن ِك ُك ْ‬ ‫م إ ِذِ ال ْت ََقي ْت ُك ْ‬
‫م ف ِك َ‬ ‫ريك ُ ُ‬
‫موهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫وَإ ِذ ْ ي ُ‬
‫ل ِيْقضكككي الل ّككك َ‬
‫مكككوُر‬ ‫مْفعُكككول ً وَإ ِل َكككى الل ّكككهِ ت ُْر َ‬
‫جكككعُ ال ُ ُ‬ ‫مكككرا ً ك َكككا َ‬
‫ن َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ل‪ ,‬وأخبر النككبي صكلى‬ ‫قال مجاهد‪ :‬أراهم الله إياه في منامه قلي ً‬
‫الله عليه وسلم أصحابه بذلك‪ ,‬فكككان تثبيتكا ً لهككم‪ ,‬وكككذا قككال ابككن‬
‫إسحاق وغير واحد‪ ,‬وحكى ابن جرير عن بعضهم‪ ,‬أنه رآهككم بعينككه‬
‫التي ينام بها‪ ,‬وقد روى ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي حدثنا يوسف بككن‬
‫موسى‪ ,‬حدثنا أبو قتيبة‪ ,‬عن سهل السراج عن الحسن في قككوله‪:‬‬
‫ل{ قال بعينك‪ ,‬وهذا القول غريب‪,‬‬ ‫}إذ يريكهم الله في منامك قلي ً‬
‫وقد صرح بالمنام ههنا‪ ,‬فل حاجة إلى التأويل الذي ل دليككل عليككه‪,‬‬
‫وقوله‪} :‬ولو أراكهم كثيرا ً لفشككلتم{ أي لجبنتككم عنهككم‪ ,‬واختلفتككم‬
‫فيما بينكم‪} ,‬ولكن الله سلم{ أي من ذلك‪ ,‬بأن أراكهم قليل ً }إنه‬
‫عليم بذات الصدور{ أي بما تكنه الضمائر وتنطوي عليه الحشاء‪,‬‬
‫}يعلم خائنة العين وما تخفي الصككدور{ وقككوله‪} :‬وإذ يريكمككوهم‬
‫ل{ وهذا أيضا ً من لطفككه تعككالى بهككم‪ ,‬إذ‬ ‫إذ التقيتم في أعينكم قلي ً‬
‫أراهككم إيككاهم قليل ً فككي رأي العيككن‪ ,‬فيجرؤهككم عليهككم ويطمعهككم‬
‫فيهم‪ ,‬قال أبو إسحاق السبيعي‪ :‬عن أبي عبيدة‪ ,‬عن عبد الله بككن‬
‫مسعود رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬لقد قللوا في أعيننا يككوم بككدر‪ ,‬حككتى‬
‫قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين ؟ قال‪ :‬ل بل هم مككائة‪ ,‬حككتى‬
‫أخذنا رجل ً منهم فسألناه‪ ,‬فقال‪ :‬كنا ألفًا‪ ,‬رواه ابن أبي حاتم وابن‬
‫جرير‪ ,‬وقوله‪} :‬ويقللكم في أعينهم{ قال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬حككدثنا‬
‫أبي حدثنا سليمان بن حرب‪ ,‬حدثنا حماد بن زيككد‪ ,‬عككن الزبيككر بككن‬
‫ليككة‪ ,‬قككال‪:‬‬ ‫الحككارث عككن عكرمككة }وإذ يريكمككوهم إذ التقيتككم{ ا َ‬
‫حضض بعضهم على بعض‪ ,‬إسناد صحيح‪ ,‬وقال محمد بن إسحاق‪:‬‬
‫حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير‪ ,‬عككن أبيككه فككي قككوله‬
‫ل{ أي ليلقككي بينهككم الحككرب‬ ‫تعالى‪} :‬ليقضي الله أمرا ً كان مفعككو ً‬
‫للنقمة ممن أراد النتقام منه‪ ,‬والنعام على من أراد تمام النعمككة‬
‫عليه من أهل وليته‪ ,‬ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كل ً من الفريقين‬
‫لخر‪ ,‬وقلله في عينه ليطمككع فيككه‪ ,‬وذلككك عنككد المواجهككة‪ ,‬فلمككا‬ ‫با َ‬
‫التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من الملئكة مردفين‪ ,‬بقككي‬
‫حزب الكفار يرى حزب اليمان ضعفيه‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬قد كان‬
‫لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل اللككه وأخككرى كككافرة‬
‫يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلككك‬
‫‪957‬‬
‫ليككتين‪ ,‬فككإن كل ً‬‫لعبرة لولي البصار{ وهذا هو الجمع بين هاتين ا َ‬
‫منهمكككككككا حكككككككق وصكككككككدق‪ ,‬وللكككككككه الحمكككككككد والمنكككككككة‪.‬‬
‫َ‬
‫ه ك َِثيرا ً ل ّعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ة َفاث ْب ُُتوا ْ َواذ ْك ُُروا ْ الل ّ َ‬ ‫م فِئ َ ً‬‫ذا ل َِقيت ُ ْ‬ ‫من ُوَا ْ إ ِ َ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫** ي َأي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ب‬‫شكُلوا ْ وَت َكذ ْهَ َ‬ ‫عوا ْ فَت َْف َ‬‫ه وَل َ ت َن َككاَز ُ‬ ‫سككول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيعُككوا ْ الل ّك َ‬ ‫ن * وَأ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫ت ُْفل َ ُ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫صككككككككاب ِ ِ‬ ‫مككككككككعَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلكككككككك َ‬ ‫صككككككككب ُِروَا ْ إ ِ ّ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ككككككككك ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ِري ُ‬
‫هذا تعليم من الله تعالى لعباده المؤمنين آداب اللقككاء وطريككق‬
‫الشجاعة عند مواجهة العداء‪ ,‬فقال }يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم‬
‫فئة فاثبتوا{ ثبت في الصحيحين عن عبد الله بككن أبككي أوفككى‪ ,‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظر في بعض أيامه التي لقي‬
‫فيها العدو‪ ,‬حتى إذا مككالت الشككمس قككام فيهككم‪ ,‬فقككال‪» :‬يككا أيهككا‬
‫الناس ل تتمنوا لقاء العدو‪ ,‬واسككألوا اللككه العافيككة فككإذا لقيتمككوهم‬
‫فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلل السككيوف« ثككم قككام النككبي‬
‫صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬وقككال‪» :‬اللهككم منككزل الكتككاب‪ ,‬ومجككري‬
‫السحاب‪ ,‬وهازم الحزاب‪ ,‬اهزمهككم وانصككرنا عليهككم« وقككال عبككد‬
‫الرزاق‪ :‬عن سفيان الثوري عن عبد الرحمككن بككن زيككاد‪ ,‬عككن عبككد‬
‫الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪» :‬ل تتمنوا لقاء العدو واسألوا اللكه العافيكة‪ ,‬فكإذا‬
‫لقيتمككوهم فككاثبتوا واذكككروا اللككه‪ ,‬فككإن صككخبوا وصككاحوا فعليكككم‬
‫بالصمت«‪ ,‬وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني‪ :‬حدثنا إبراهيم بككن‬
‫هاشم البغوي‪ ,‬حدثنا أمية بن بسطام‪ ,‬حدثنا معتمككر بككن سككليمان‪,‬‬
‫حدثنا ثابت بن زيد عن رجل عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم مرفوعًا‪ ,‬قال‪» :‬إن الله يحب الصككمت عنككد ثلث عنككد‬
‫لخككر‬ ‫تلوة القرآن‪ ,‬وعند الزحف‪ ,‬وعند الجنككازة« وفككي الحككديث ا َ‬
‫المرفوع‪ ,‬يقول الله تعالى‪} :‬إن عبدي كككل عبككدي الككذي يككذكرني‬
‫وهو مناجز قرنه{ أي ل يشغله ذلككك الحككال‪ ,‬عككن ذكككري ودعككائي‬
‫واسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككتعانتي‪.‬‬
‫ليكة‪ ,‬قككال‪:‬‬ ‫وقال سعيد بككن أبككي عروبككة‪ :‬عككن قتككادة فككي هككذه ا َ‬
‫افترض الله ذكره عند أشككغل مككا يكككون عنككد الضككرب بالسككيوف‪,‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان‪ ,‬حدثنا ابككن‬
‫المبارك عن ابن جريج عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬وجب النصات وذكر اللككه‬
‫‪958‬‬
‫لية‪ ,‬قلت‪ :‬يجهرون بالذكر ؟ قككال‪ :‬نعككم‪,‬‬ ‫عند الزحف‪ ,‬ثم تل هذه ا َ‬
‫وقال أيضًا‪ :‬قرأ علككي يككونس بككن عبككد العلككى‪ ,‬أنبأنككا ابككن وهككب‪,‬‬
‫أخبرني عبد الله بن عياش عن يزيد بن فكوذر عكن كعكب الحبكار‪,‬‬
‫قال ما من شيء أحب إلى الله تعالى من قراءة القرآن والككذكر‪,‬‬
‫ولول ذلك ما أمر الناس بالصلة والقتال‪ ,‬أل ترون أنه أمر النككاس‬
‫بالذكر عند القتال‪ ,‬فقال }يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فككاثبتوا‬
‫واذكككككروا اللككككه كككككثيرا ً لعلكككككم تفلحككككون{ قككككال الشككككاعر‪:‬‬
‫ذكرتككك والخطككى يخطككر بينناوقككد نهلككت فينككا المثقفككة السككمر‬
‫وقكككككككككككككككككككككككككككككككككككال عنكككككككككككككككككككككككككككككككككككترة‪:‬‬
‫ولقككد ذكرتككك والرمككاح نككواهلمني وبيككض الهنككد تقطككر مككن دمككي‬
‫فأمر تعالى بالثبات عند قتال العداء والصبر على مبارزتهم‪ ,‬فل‬
‫يفروا ول ينكلوا ول يجبنككوا‪ ,‬وأن يكذكروا اللكه فككي تلكك الحككال ول‬
‫ينسككوه‪ ,‬بككل يسككتعينوا بككه ويتوكلككوا عليككه ويسككألوه النصككر علككى‬
‫أعدائهم‪ ,‬وأن يطيعوا الله ورسوله في حككالهم ذلككك‪ ,‬فمككا أمرهككم‬
‫الله تعالى به ائتمروا‪ ,‬وما نهاهم عنه انزجككروا‪ ,‬ول يتنككازعوا فيمككا‬
‫بينهم أيضا ً فيختلفككوا فيكككون سككببا ً لتخككاذلهم وفشككلهم‪} ,‬وتككذهب‬
‫ريحكم{ أي قوتكم وحدتكم‪ ,‬وما كنتم فيه من القبال‪} ,‬واصككبروا‬
‫إن الله مع الصابرين{ وقد كككان للصككحابة رضككي اللكه عنهككم فككي‬
‫باب الشجاعة والئتمار بما أمرهم اللككه ورسككوله بككه‪ ,‬وامتثككال مككا‬
‫أرشدهم إليه ما لم يكن لحد من المم والقرون قبلهم‪ ,‬ول يكون‬
‫لحد ممن بعدهم‪ ,‬فإنهم ببركة الرسككول صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫وطاعته فيما أمرهم‪ ,‬فتحككوا القلككوب والقكاليم شكرقا ً وغربكا ً فكي‬
‫المدة اليسيرة‪ ,‬مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر القاليم‪,‬‬
‫من الروم والفرس والترك والصقالية والبربر والحبوش‪ ,‬وأصناف‬
‫السودان والقبككط وطككوائف بنككي آدم‪ .‬قهككروا الجميككع حككتى علككت‬
‫كلمككة اللككه‪ ,‬وظهككر دينككه علككى سككائر الديككان‪ ,‬وامتككدت الممالككك‬
‫السلمية في مشارق الرض ومغاربها‪ ,‬في أقل من ثلثيككن سككنة‪,‬‬
‫فرضي الله عنهم وأرضككاهم أجمعيككن‪ ,‬وحشككرنا فككي زمرتهككم إنككه‬
‫كريككككككككككككككككككككككككككككككككككككم وهككككككككككككككككككككككككككككككككككككاب‪.‬‬
‫‪959‬‬
‫َ ً‬ ‫جككوا ْ ِ‬ ‫كاّلكك ِ‬ ‫كوُنككوا ْ َ‬ ‫** وَل َ ت َ ُ‬
‫س‬ ‫هم ب َطككرا وَرَِئآَء الّنككا ِ‬ ‫مككن دَِيككارِ ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫م‬ ‫ن ل َهُ ك ُ‬‫ط * وَإ ِذ ْ َزي ّك َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬‫ل الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫َ‬
‫جككاٌر‬ ‫س وَإ ِّنككي َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ب ل َك ُ ُ‬ ‫غال ِ َ‬‫ل لَ َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫ن أعْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬ ‫من ْك ُك ْ‬
‫ل إ ِّني ب َرِيَ كٌء ّ‬ ‫ى عَِقب َي ْهِ وََقا َ‬ ‫ن ن َك َ َ َ‬ ‫ت ال ِْفئ ََتا ِ‬ ‫م فَل َ ّ‬ ‫ل ّك ُ ْ‬
‫ص عَل َ‬ ‫ما ت ََرآَء ِ‬
‫ب * إ ِذ ْ‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقككا ِ‬‫شك ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّك ُ‬ ‫ف الل ّك َ‬ ‫خككا ُ‬ ‫ي أَ َ‬‫ن إ ِن ّك َ‬ ‫ما ل َ ت َكَروْ َ‬ ‫ي أَرىَ َ‬
‫َ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫مككن‬ ‫م وَ َ‬ ‫ؤلِء ِدين ُهُ ك ْ‬‫هـ ُ‬ ‫ض غَّر َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ذي َ‬‫ن َوال ّ ِ‬ ‫مَنافُِقو َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫م‬‫كيكككككك ٌ‬ ‫ح ِ‬‫زيككككككٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الّلكككككك َ‬ ‫ل عََلككككككى الّلككككككهِ َفككككككإ ِ ّ‬ ‫ككككككك ْ‬ ‫ي َت َوَ ّ‬
‫يقككول تعككالى بعككد أمككره المككؤمنين بككالخلص فككي القتككال فككي‬
‫سككبيله‪ ,‬وكككثرة ذكككره‪ ,‬ناهي كا ً لهككم عككن التشككبه بالمشككركين فككي‬
‫خروجهم من ديارهم‪ ,‬بطرا ً أي دفعا ً للحككق‪} ,‬ورئاء النككاس{ وهككو‬
‫المفاخرة والتكبر عليهم‪ ,‬كما قال أبو جهل‪ :‬لما قيل له‪ :‬إن العيككر‬
‫قد نجا فارجعوا‪ ,‬فقال‪ :‬ل والله ل نرجع‪ ,‬حتى نرد ماء بدر‪ ,‬وننحككر‬
‫الجزر‪ ,‬ونشككرب الخمككر‪ ,‬وتعككزف علينككا القيككان‪ ,‬وتتحككدث العككرب‬
‫بمكاننا فيها يومنا أبدًا‪ ,‬فانعكس ذلك عليه أجمع‪ ,‬لنهككم لمككا وردوا‬
‫ماء بدر وردوا به الحمام‪ ,‬وركمككوا فككي أطككواء بككدر مهككانين أذلء‪,‬‬
‫صغرة أشقياء في عذاب سرمدي أبدي‪ ,‬ولهككذا قككال‪} :‬واللككه بمككا‬
‫يعملون محيط{ أي عالم بما جاءوا به ولككه‪ ,‬ولهككذا جككازاهم عليككه‬
‫شككر الجككزاء لهككم‪ .‬قككال ابككن عبككاس ومجاهككد وقتككادة والضككحاك‬
‫والسدي في قوله تعالى‪} :‬ول تكونوا كالذين خرجوا مككن ديككارهم‬
‫بطرا ً ورئاء الناس{ قالوا‪ :‬هم المشركون الذين قاتلوا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم بدر‪ .‬وقال محمد بن كعب‪ :‬لما خرجككت‬
‫قريش من مكة إلى بدر‪ ,‬خرجككوا بالقيككان والككدفوف‪ ,‬فككأنزل اللككه‬
‫}ولتكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ً ورئاء الناس‪ ,‬ويصدون‬
‫عن سبيل الله والله بما يعملون محيط{ وقوله تعالى‪} :‬وإذ زيككن‬
‫لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من النككاس وإنككي‬
‫لية‪ ,‬حسن لهم ك لعنه الله ك ما جاءوا له وما هموا بككه‪,‬‬ ‫جار لكم{ ا َ‬
‫وأطمعهم أنه ل غالب لهم اليوم من الناس‪ ,‬ونفى عنهككم الخشككية‬
‫من أن يؤتوا في ديارهم من عككدوهم بنككي بكككر‪ ,‬فقككال‪ :‬إنككي جككار‬
‫لكم‪ ,‬وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بككن جعشككم‪,‬‬
‫سيد بني مدلج كبير تلك الناحية‪ ,‬وكل ذلككك منككه كمككا قككال تعككالى‬
‫عنه‪} :‬يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إل غككرورًا{ قككال ابككن‬
‫ليككة‪ :‬لمككا كككان يككوم بككدر‪ ,‬سككار‬ ‫جريج‪ :‬قال ابن عباس فككي هككذه ا َ‬
‫‪960‬‬
‫إبليس برايته وجنوده مع المشركين‪ ,‬وألقى في قلوب المشركين‬
‫أن أحدا ً لن يغلبكم‪ ,‬وإني جككارلكم‪ ,‬فلمككا التقككوا ونظككر الشككيطان‬
‫إلى إمداد الملئكة‪} ,‬نكص على عقبيه{ قال‪ :‬رجع مكدبرًا‪ ,‬وقكال‪:‬‬
‫لية‪ ,‬وقال علي بن أبككي طلحككة عككن ابككن‬ ‫}إني أرى ما ل ترون{ ا َ‬
‫عباس قال‪ :‬جاء إبليككس يككوم بككدر فككي جنككد مككن الشككياطين معككه‬
‫رايته‪ ,‬في صورة رجل من بني مدلج‪ ,‬في صورة سراقة بن مالككك‬
‫بن جعشم‪ ,‬فقال الشيطان للمشركين‪ :‬ل غككالب لكككم اليككوم مككن‬
‫الناس وإني جار لكم فلما اصطف الناس‪ ,‬أخذ رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين‬
‫فولوا مدبرين‪ ,‬وأقبل جبريل عليه السككلم إلككى إبليككس‪ ,‬فلمككا رآه‬
‫وكانت يده في يد رجل من المشركين‪ ,‬انتزع يده ثم ولككى مككدبرا ً‬
‫وشيعته‪ ,‬فقال الرجل‪ :‬يا سراقة أتزعم أنك لنا جار ؟ فقككال‪ :‬إنككي‬
‫أرى ما ل ترون إني أخاف الله‪ ,‬والله شديد العقككاب‪ ,‬وذلككك حيككن‬
‫رأى الملئكة‪ ,‬وقال محمد بن إسككحاق‪ :‬حككدثني الكلككبي عككن أبككي‬
‫صالح عكن ابكن عبكاس‪ ,‬أن إبليكس خكرج مكع قريكش فكي صكورة‬
‫سراقة بن مالك بكن جعشكم‪ ,‬فلمكا حضككر القتكال ورأى الملئكككة‪,‬‬
‫نكص على عقبيه وقال‪ :‬إني بريء منكم‪ ,‬فتشبث به الحككارث بككن‬
‫هشام‪ ,‬فنخر في وجهه فخر صعقًا‪ ,‬فقيل له‪ :‬ويلك يا سراقة على‬
‫هذه الحال‪ ,‬تخذلنا وتبرأ منا‪ ,‬فقال‪ :‬إني بريء منكم‪ ,‬إنككي أرى مككا‬
‫ل تككككرون‪ ,‬إنككككي أخككككاف اللككككه‪ ,‬واللككككه شككككديد العقككككاب‪.‬‬
‫وقال محمد بن عمر الواقدي‪ :‬أخبرني عمر بن عقبة عن شككعبة‬
‫مولى ابن عباس‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬لما تواقككف النككاس أغمككي‬
‫على رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم سككاعة‪ ,‬ثككم كشككف عنككه‬
‫فبشر الناس بجبريل في جند من الملئكة ميمنة الناس‪ ,‬وميكائيل‬
‫في جند آخر ميسرة الناس‪ ,‬وإسرافيل في جند آخر ألف‪ ,‬وإبليس‬
‫قد تصور في صورة سراقة بن مالكك بكن جعشكم المكدلجي يكدبر‬
‫المشركين ويخبرهم أنه ل غالب لهم اليوم من الناس‪ ,‬فلما أبصككر‬
‫عدو الله الملئكة‪ ,‬نكص على عقبيه‪ ,‬وقال‪ :‬إني بريء منكككم إنككي‬
‫أرى ما ل ترون‪ ,‬فتشككبث بككه الحككارث بككن هشككام‪ ,‬وهككو يككرى أنككه‬
‫سراقة لما سمع من كلمكه‪ ,‬فضكرب فكي صكدر الحكارث فسكقط‬
‫الحارث‪ ,‬وانطلق إبليس ل يرى حتى سقط في البحر ورفع ثككوبه‪,‬‬
‫وقال يا رب موعدك الذي وعدتني‪ .‬وفي الطبراني عن رفاعة بككن‬
‫‪961‬‬
‫رافع‪ ,‬قريب من هذا السياق وأبسككط منككه‪ ,‬ذكرنككاه فككي السككيرة‪,‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق‪ :‬حدثني يزيد بككن رومككان‪ ,‬عككن عككروة بككن‬
‫الزبير‪ ,‬قال‪ :‬لما أجمعت قريش المسير ذكككرت الككذي بينهككا وبيككن‬
‫بني بكر من الحرب‪ ,‬فكاد ذلك أن يثنيهم‪ ,‬فتبدى لهم إبليككس فككي‬
‫صورة سراقة بن مالك بن جعشم المككدلجي‪ ,‬وكككان مككن أشككراف‬
‫بني كنانكة‪ ,‬فقككال أنكا جكارلكم أن تكأتيكم كنانكة بشكيء تكرهككونه‪,‬‬
‫فخرجوا سراعًا‪ ,‬قككال محمككد بككن إسككحاق‪ :‬فككذكر لككي أنهككم كككانوا‬
‫يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك ل ينكرونككه‪ ,‬حككتى‬
‫إذا كان يككوم بككدر والتقككى الجمعككان‪ ,‬كككان الككذي رآه حيككن نكككص‪,‬‬
‫الحارث بن هشام أو عميككر بككن وهككب‪ ,‬فقككال أيككن سككراقة ؟ أيككن‬
‫وميل عدو الله فذهب‪ ,‬قال فأوردهم ثم أسلمهم‪ ,‬قال ونظر عدوا‬
‫الله إلى جنود الله قكد أيكد اللكه بهكم رسكوله والمكؤمنين‪ ,‬فنككص‬
‫على عقبيه‪ ,‬وقال إني بريء منكم‪ ,‬إني أرى مككا ل تككرون‪ ,‬وصككدق‬
‫عدو الله‪ ,‬وقال إني أخاف الله والله شككديد العقككاب‪ ,‬وهكككذا روي‬
‫عن السدي والضحاك والحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي‬
‫وغيرهم رحمهم الله‪ ,‬وقال قتادة‪ :‬وذكر لنا أنككه رأى جبريككل عليككه‬
‫السككلم تنككزل معككه الملئكككة‪ ,‬فعلككم عككدو اللككه أنككه ل يككدان لككه‬
‫بالملئكة‪ ,‬فقال إني أرى ما ل ترون‪ ,‬إني أخاف اللككه وكككذب عككدو‬
‫الله‪ .‬والله ما به مخافة الله‪ ,‬ولكن علم أنككه ل قككوة لككه ول منعككة‪,‬‬
‫وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له‪ ,‬حتى إذا التقى الحق‬
‫والباطل أسلمهم شر مسلم‪ ,‬وتبرأ منهم عنككد ذلككك‪ ,‬قلككت‪ :‬يعنككي‬
‫بعادته لمن أطاعه‪ ,‬قوله تعالى‪} :‬كمثل الشيطان إذ قال للنسان‬
‫اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العككالمين{‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وقال الشيطان لمككا قضككي المككر إن اللككه وعككدكم‬
‫وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إل‬
‫أن دعوتكم فاسككتجبتم لككي فل تلومككوني ولومككوا أنفسكككم مككا أنككا‬
‫بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبككل‬
‫إن الظالمين لهم عذاب أليم{ وقال يونس بن بكير عن محمد بن‬
‫إسحاق‪ ,‬حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم‪ ,‬عن بعض‬
‫بني ساعدة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا أسككيد مالككك بككن ربيعككة بعككدما كككف‬
‫لن ببككدر ومعككي بصككري لخككبرتكم‬ ‫بصره‪ ,‬يقول‪ :‬لو كنككت معكككم ا َ‬
‫بالشعب الككذي خرجككت منككه الملئكككة‪ ,‬ل أشككك ول أتمككارى‪ ,‬فلمككا‬
‫‪962‬‬
‫نزلت الملئكة ورآها إبليس‪ ,‬وأوحى الله إليهم أنككي معكككم فثبتككوا‬
‫الذين آمنوا‪ ,‬وتثبيتهم‪ ,‬أن الملئكة كانت تككأتي الرجككل فككي صككورة‬
‫الرجل‪ ,‬يعرفه فيقول له أبشر فكإنهم ليسككوا بشكيء واللكه معككم‬
‫فكروا عليهم‪ ,‬فلما رأى إبليس الملئكة نكص علككى عقككبيه‪ ,‬وقككال‬
‫إني بريء منكم‪ ,‬إني أرى ما ل تككرون‪ ,‬وهككو فككي صككورة سككراقة‪,‬‬
‫وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه‪ ,‬ويقول ل يهولنكم خذلن سككراقة‬
‫إياكم‪ ,‬فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه‪ .‬ثككم قككال‪ :‬واللت‬
‫والعكزى‪ ,‬ل نرجكع حكتى نقكرن محمكدا ً وأصكحابه فكي الحبكال‪ ,‬فل‬
‫تقتلوهم وخككذوهم أخككذًا‪ ,‬وهككذا مككن أبككي جهككل لعنككه اللككه‪ ,‬كقككول‬
‫فرعون للسحرة لما أسلموا‪} :‬إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة‬
‫لتخرجوا منها أهلها{ وكقوله‪} :‬إنه لكبيركم الذي علمكم السحر{‬
‫وهو من باب البهت والفتراء‪ ,‬ولهذا ككان أبككو جهككل فرعككون هككذه‬
‫المكككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫وقال مالك بن أنس‪ :‬عن إبراهيم بن أبي عليككة‪ ,‬عككن طلحككة بككن‬
‫عبيد الله بن كريز‪ ,‬أن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم قككال‪:‬‬
‫»ما رأى إبليس يوما ً هو فيكه أصكغر ول أحقككر ول أدحككر ول أغيككظ‬
‫من يوم عرفة‪ ,‬وذلككك ممكا يكرى مككن نككزول الرحمكة والعفككو عككن‬
‫الذنوب إل ما رأى يوم بدر« قالوا‪ :‬يا رسول الله وما رأى يوم بدر‬
‫؟ قال‪» :‬أما إنككه رأى جبريككل عليككه السككلم يككزع الملئكككة« وهككذا‬
‫مرسكككككككككككككككل مكككككككككككككككن هكككككككككككككككذا الكككككككككككككككوجه‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غّر هككؤلء‬
‫دينهم{ قال علي بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عبككاس فككي هككذه ا َ‬
‫لما دنا القوم بعضهم من بعككض قلككل اللككه المسككلمين فككي أعيككن‬
‫المشككركين‪ ,‬وقلككل المشككركين فككي أعيككن المسككلمين‪ ,‬فقككال‬
‫المشركون‪ :‬غر هككؤلء دينهككم‪ ,‬وإنمككا قككالوا ذلككك مككن قلتهككم فككي‬
‫أعينهم‪ ,‬فظنوا أنهم سيهزمونهم ل يشكون في ذلككك‪ ,‬فقككال اللككه‪:‬‬
‫}ومن يتوكل على الله فإن الله عزيككز حكيككم{ وقككال قتككادة‪ :‬رأوا‬
‫عصابة من المؤمنين تشددت لمر الله‪ ,‬وذكر لنا‪ ,‬أن أبا جهل عدو‬
‫الله لما أشرف على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫والله ل يعبد الله بعد اليوم قسككوة وعتككوًا‪ .‬وقككال ابككن جريككج فككي‬
‫قوله }إذ يقول المنافقون والذين فككي قلككوبهم مككرض{ هكم قككوم‬
‫كانوا من المنافقين بمكة‪ ,‬قالوه يوم بككدر‪ ,‬وقككال عككامر الشككعبي‪:‬‬
‫‪963‬‬
‫كككان نككاس مككن أهككل مكككة قككد تكلمككوا بالسككلم‪ ,‬فخرجككوا مككع‬
‫المشركين يوم بدر‪ ,‬فلما رأوا قلككة المسككلمين‪ ,‬قككالوا‪ :‬غككر هككؤلء‬
‫دينهم‪ .‬وقال مجاهككد فككي قككوله عككز وجككل‪} :‬إذ يقككول المنككافقون‬
‫والذين في قلوبهم مرض غّر هؤلء دينهم{ قال فئة مككن قريككش‪,‬‬
‫قيس بن الوليد بن المغيرة‪ ,‬وأبو قيككس بككن الفككاكه بككن المغيككرة‪,‬‬
‫والحارث بن زمعة بن السود بككن المطلككب‪ ,‬وعلككي بككن أميككة بككن‬
‫خلف‪ ,‬والعاص بن منبه بن الحجاج‪ ,‬خرجوا مع قريككش مككن مكككة‪,‬‬
‫وهككم علككى الرتيككاب فحبسككهم ارتيككابهم‪ ,‬فلمككا رأوا قلككة أصككحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم قككالوا‪ :‬غككر هككؤلء دينهككم حككتى‬
‫قدموا على ما قدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عككدوهم‪ ,‬وهكككذا‬
‫قال محمد بن إسحاق بن يسككار سككواء‪ .‬وقككال ابككن جريككر‪ :‬حككدثنا‬
‫محمد بن عبد العلى‪ ,‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر عن الحسن‬
‫لية قال‪ :‬هم قوم لم يشهدوا القتككال يككوم بككدر‪ ,‬فسككموا‬ ‫في هذه ا َ‬
‫منافقين‪ ,‬قال معمر‪ :‬وقال بعضهم‪ :‬هم قوم كانوا أقككروا بالسككلم‬
‫وهككم بمكككة‪ ,‬فخرجككوا مككع المشككركين يككوم بككدر‪ ,‬فلمككا رأوا قلككة‬
‫المسلمين‪ ,‬قالوا غر هؤلء دينهم‪ ,‬وقوله }ومن يتوكل على اللككه{‬
‫أي يعتمد على جنابه }فإن الله عزيز{ أي ل يضام من التجأ إليككه‪,‬‬
‫فإن الله عزيز منيع الجناب عظيم السلطان }حكيم{ فكي أفعكاله‬
‫ل يضعها إل في مواضعها‪ ,‬فينصر من يستحق النصر‪ ,‬ويخككذل مككن‬
‫هككككككككككككككككككككككككو أهككككككككككككككككككككككككل لككككككككككككككككككككككككذلك‪.‬‬
‫م‬
‫جككوهَهُ ْ‬ ‫ن وُ ُ‬‫ض كرُِبو َ‬
‫ة يَ ْ‬ ‫ملئ ِك َك ُ‬ ‫ن ك ََف كُروا ْ ال ْ َ‬
‫ذي َ‬‫** وَل َوْ ت ََرىَ إ ِذ ْ ي َت َكوَّفى ال ّك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م وَأ ّ‬‫ديك ُ ْ‬‫ت أي ْك ِ‬ ‫مككا قَكد ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ك بِ َ‬‫ق * ذ َل ِك َ‬ ‫ريك ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ذوُقوا ْ عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م وَ ُ‬
‫وَأد َْباَرهُ ْ‬
‫س ب ِظ َل ّم ٍ ل ّل ْعَِبيككككككككككككككككككككدِ‬ ‫ه ل َي ْكككككككككككككككككككك َ‬ ‫الل ّكككككككككككككككككككك َ‬
‫يقول تعالى‪ :‬ولو عككاينت يككا محمككد حككال تككوفي الملئكككة أرواح‬
‫الكفككار‪ ,‬لرأيككت أمككرا ً عظيم كا ً هككائل ً فظيع كا ً منكككرًا‪(,‬إذ }يضككربون‬
‫وجوههم وأدبارهم{ ويقولون لهم }وذوقوا عذاب الحريككق{‪ ,‬قككال‬
‫ابن جريج‪ :‬عن مجاهد }أدبارهم{ أسككتاههم‪ ,‬قككال يككوم بككدر‪ .‬قككال‬
‫ابن جريج‪ :‬قال ابن عبككاس‪ :‬إذا أقبككل المشككركون بوجككوههم إلككى‬
‫المسلمين‪ ,‬ضربوا وجوههم بالسيوف‪ ,‬وإذا ولوا أدركتهم الملئكككة‬
‫يضربون أدبارهم‪ .‬وقال ابن أبي نجيح‪ :‬عن مجاهد‪ ,‬فككي قككوله }إذ‬
‫‪964‬‬
‫يتوفى الذين كفككروا الملئكككة يضكربون وجككوههم وأدبكارهم{ يكوم‬
‫بدر‪ ,‬وقال وكيع‪ :‬عن سفيان الثوري عن أبي هاشم إسككماعيل بككن‬
‫كثير عن مجاهد‪ ,‬وعن شعبة عن يعلى بن مسلم‪ ,‬عككن سككعيد بككن‬
‫جككبير‪ ,‬يضككربون وجككوههم وأدبككارهم قككال وأسككتاههم‪ ,‬ولكككن اللككه‬
‫ى‪ ,‬وكذا قال عمر مولى عفككرة‪ .‬وعككن الحسككن البصككري قككال‪:‬‬ ‫يَ ْ‬
‫كن َ‬
‫قال رجل يا رسول الله‪ :‬إني رأيت بظهر أبي جهل مثككل الشككوك‪,‬‬
‫قال »ذاك ضرب الملئكككة« رواه ابككن جريككر وهككو مرسككل‪ ,‬وهككذا‬
‫السياق وإن كان سببه وقعة بدر‪ ,‬ولكنه عام فككي حككق كككل كككافر‪,‬‬
‫ولهذا لم يخصصه تعالى بأهل بدر‪ ,‬بل قككال تعككالى‪} :‬ولككو تككرى إذ‬
‫يتوفى الذين كفروا الملئكة يضككربون وجككوههم وأدبككارهم{ وفككي‬
‫سورة القتال مثلها‪ ,‬وتقدم في سورة النعام قككوله تعككالى‪} :‬ولككو‬
‫ترى إذ المجرمون في غمرات المككوت والملئكككة باسككطو أيككديهم‬
‫أخرجوا أنفسكم{ أي باسطو أيديهم بالضرب فيهم بأمر ربهككم‪ ,‬إذ‬
‫استصعبت أنفسهم‪ ,‬وامتنعت من الخروج مكن الجسكاد أن تخكرج‬
‫قهرًا‪ ,‬وذلككك إذ بشككروهم بالعككذاب والغضككب مككن اللككه‪ ,‬كمككا فككي‬
‫حديث البراء أن ملك الموت إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك‬
‫الصورة المنكرة‪ ,‬يقول‪ :‬اخرجي أيتها النفس الخبيثكة إلكى سكموم‬
‫وحميم وظل من يحمككوم‪ ,‬فتتفككرق فككي بككدنه فيسككتخرجونها مككن‬
‫جسده‪ ,‬كما يخككرج السككفود مككن الصككوف المبلككول‪ ,‬فتخككرج معهككا‬
‫العروق والعصب‪ ,‬ولهذا أخبر تعالى‪ :‬أن الملئكة تقول لهم ذوقككوا‬
‫عذاب الحريق‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬ذلك بمككا قككدمت أيككديكم{ أي هككذا‬
‫الجزاء بسبب ما عملتم من العمككال السككيئة فككي حيككاتكم الككدنيا‪,‬‬
‫جازاكم الله بها هذا الجزاء }وأن اللككه ليككس بظلم للعبيككد{ أي ل‬
‫يظلم أحدا ً من خلقه‪ ,‬بل هو الحكككم العككدل الككذي ل يجككور تبككارك‬
‫وتعالى‪ ,‬وتقككدس وتنككزه الغنكي الحميكد‪ ,‬ولهكذا جكاء فككي الحكديث‬
‫الصحيح‪ ,‬عند مسلم رحمه الله‪ ,‬من رواية أبي ذر رضي الله عنه‪,‬‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬إن اللككه تعككالى يقككول »يككا‬
‫عبادي إني حرمت الظلم على نفسككي وجعلتككه بينكككم محرم كا ً فل‬
‫تظالموا‪ ,‬يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجككد خيككرا ً‬
‫فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسككه« ولهككذا قككال‬
‫تعككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككالى‪.‬‬
‫‪965‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت الل ّهِ فَأ َ‬
‫خككذ َهُ ُ‬
‫م‬ ‫م ك ََفُروا ْ ِبآَيا ِ‬
‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬‫ن َوال ّ ِ‬‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫بآ ِ‬ ‫** ك َد َأ ِ‬
‫ب‬‫ديد ُ ال ْعَِقككككككا ِ‬
‫شكككككك ِ‬ ‫ه َقككككككوِيّ َ‬ ‫ن الّلكككككك َ‬ ‫ه ِبككككككذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫الّلكككككك ُ‬
‫يقول تعالى‪ :‬فعل هؤلء من المشركين المكذبين بما أرسلت به‬
‫يا محمد‪ ,‬كما فعل المم المكذبة قبلهم‪ ,‬ففعلنا بهككم مككا هككو دأبنككا‬
‫أي عادتنا وسنتنا في أمثالهم من المكذبين مككن آل فرعككون ومككن‬
‫قبلهم من المم المكذبة بالرسل‪ ,‬الكافرين بآيات اللككه }فأخككذهم‬
‫اللككه بككذنوبهم{ أي بسككبب ذنككوبهم أهلكهككم وأخككذهم أخككذ عزيككز‬
‫مقتدر‪} ,‬إن الله قوي شديد العقاب{ أي ل يغلبه غالب ول يفككوته‬
‫هككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككارب‪.‬‬
‫حت ّكى ي ُغَي ّكُروا ْ‬ ‫مَها عَل َ‬ ‫ة أَ‬ ‫مغَّيرا ً‬ ‫ُ‬ ‫ه لَ‬ ‫ن الل ّ‬ ‫ك بأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ً‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫** ذ َل ِ َ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مككن‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫بآ ِ‬ ‫م * ك َد َأ ِ‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫سه ِ ْ‬‫ما ب ِأن ُْف ِ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ل فِْرعَككو َ‬ ‫م وَأغَْرقْن َككآ آ َ‬ ‫م ب ِكذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫م فَأهْل َك ْن َككاهُ ْ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫م ك َذ ُّبوا ْ بآَيا ِ‬ ‫قَب ْل ِهِ ْ‬
‫ن‬
‫مي َ‬
‫ظكككككككككككككككككككككال ِ ِ‬ ‫ككككككككككككككككككككككاُنوا ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫كككككككككككككككككككككك ّ‬ ‫وَ ُ‬
‫يخبر تعالى عن تمام عككدله وقسككطه فككي حكمككه بككأنه تعككالى ل‬
‫يغير نعمة أنعمها على أحد‪ ,‬إل بسبب ذنب ارتكبه‪ ,‬كقككوله تعككالى‪:‬‬
‫}إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا مككا بأنفسككهم‪ ,‬وإذا أراد اللككه‬
‫بقوم سوءا ً فل مرد له ومالهم من دونه من وال{ وقككوله }كككدأب‬
‫آل فرعون{ أي كصنعه بآل فرعون وأمثالهم‪ ,‬حيككن كككذبوا بآيككاته‪,‬‬
‫أهلكهم بسبب ذنوبهم وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم‪ ,‬مككن‬
‫جنككات وعيككون وزروع وكنككوز ومقككام كريككم‪ ,‬ونعمككة كككانوا فيهككا‬
‫فككاكهين‪ ,‬ومككا ظلمهككم اللككه فككي ذلككك بككل كككانوا هككم الظككالمين‪.‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ن * ال ّك ِ‬ ‫من ُككو َ‬ ‫م ل َ ي ُؤْ ِ‬‫ن ك ََفُروا ْ فَهُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫عند َ الل ّهِ ال ّ ِ‬‫ب ِ‬ ‫شّر الد َّوا ّ‬ ‫ن َ‬ ‫** إ ِ ّ‬
‫ن*‬ ‫م ل َ ي َت ُّقكو َ‬‫هك ْ‬ ‫مكّرةٍ وَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م ِفكي ُ‬
‫كك ّ‬ ‫ن عَهْد َهُ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫م َينُق ُ‬ ‫م ثُ ّ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫عاهَد ْ ّ‬ ‫َ‬
‫م ي َكذ ّك ُّرو َ‬
‫ن‬ ‫م ل َعَل ُّهك ْ‬‫خل َْفُهك ْ‬
‫ن َ‬ ‫مك ْ‬‫شّرد ْ ب ِِهم ّ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫حْر ِ‬‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫ما ت َث َْقَفن ّهُ ْ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫أخبر تعالى‪ :‬أن شر ما دب على وجه الرض هككم الككذين كفككروا‬
‫فهم ل يؤمنون‪ ,‬الذين كلمككا عاهككدوا عهككدا ً نقضككوه‪ ,‬وكلمككا أكككدوه‬
‫باليمان نكثوه‪} ,‬وهم ل يتقون{ أي ل يخافون من الله في شككيء‬
‫لثام‪} ,‬فإما تثقفنهم في الحرب{ أي تغلبهم وتظفككر‬ ‫ارتكبوه من ا َ‬
‫‪966‬‬
‫بهم في حرب‪} ,‬فشرد بهم من خلفهم{ أي نكل بهككم‪ ,‬قككاله ابككن‬
‫عباس والحسن البصري والضككحاك والسككدي وعطككاء الخراسككاني‬
‫ل‪ ,‬ليخككاف مككن‬ ‫وابككن عيينككة‪ ,‬ومعنككاه غلككظ عقككوبتهم وأثخنهككم قت ً‬
‫سواهم مككن العككداء مككن العككرب وغيرهككم‪ ,‬ويصككيروا لهككم عككبرة‪,‬‬
‫}لعلهم يذكرون{ وقال السدي‪ :‬يقول‪ :‬لعلهم يحككذرون أن ينكثككوا‬
‫فيصكككككككككككككككنع بهكككككككككككككككم مثكككككككككككككككل ذلكككككككككككككككك‪.‬‬
‫ه لَ‬‫ن الّلك َ‬‫وآٍء إ ِ ّ‬

‫سك َ‬
‫ى َ‬ ‫ة َفان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهك ْ َ‬
‫م عَلك َ‬ ‫ِ‬ ‫من قَوْم ٍ ِ‬
‫خَيان َ ً‬ ‫خافَ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ما ت َ َ‬
‫** وَإ ِ ّ‬
‫ن‬
‫خكككككككككككككككككككككككككككككككككككائ ِِني َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حككككككككككككككككككككككككككككككككككك ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم‪} :‬وإما تخافن من قوم{‬
‫قد عاهككدتهم }خيانكة{ أي نقضكا ً لمكا بينكك وبينهكم مككن المواثيككق‬
‫والعهود‪} ,‬فانبذ إليهككم{ أي عهككدهم }علككى سككواء{‪ ,‬أي أعلمهككم‬
‫بأنك قد نقضت عهدهم‪ ,‬حتى يبقككى علمككك وعلمهككم بأنككك حككرب‬
‫لهم‪ ,‬وهم حرب لك‪ ,‬وأنه ل عهككد بينككك وبينهككم علككى السككواء‪ ,‬أي‬
‫تسككككككتوي أنككككككت وهككككككم فككككككي ذلككككككك‪ ,‬قككككككال الراجككككككز‪:‬‬
‫فاضكككرب وجكككوه الغكككدر للعكككداءحتى يجيبكككوك إلكككى السكككواء‬
‫وعن الوليد بن مسلم أنه قككال فككي قككوله تعككالى‪} :‬فانبككذ إليهككم‬
‫على سواء{ أي على مهل‪} ,‬إن الله ل يحككب الخككائنين{ أي حككتى‬
‫ولو في حق الكفار ل يحبها أيضًا‪ .‬قال المام أحمككد‪ :‬حككدثنا محمككد‬
‫بن جعفر حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي الفيض عن سليم بن عككامر‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫كان معاوية يسير في أرض الروم‪ ,‬وكان بينككه وبينهككم أمككد‪ ,‬فككأراد‬
‫أن يدنو منهم‪ ,‬فإذا انقضككى المككد غزاهككم‪ ,‬فككإذا شككيخ علككى دابككة‬
‫يقول‪ :‬الله أكبر‪ ,‬الله أكبر‪ ,‬وفاء ل غدرًا‪ ,‬إن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪» :‬ومن كان بينه وبين قوم عهككد فل يحلككن عقككدة‬
‫ول يشدها حتى ينقضي أمدها‪ ,‬أو ينبككذ إليهككم علككى سككواء« قككال‪:‬‬
‫فبلغ ذلك معاوية‪ ,‬فرجع‪ ,‬فإذا بالشيخ عمرو بن عنبسة رضي اللككه‬
‫عنه‪ ,‬وهذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي عككن شككعبة‪ ,‬وأخرجككه‬
‫أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان فكي صككحيحه‪ ,‬مككن طكرق‬
‫عن شعبة به‪ ,‬وقال الترمذي‪ :‬حسككن صككحيح‪ .‬وقككال المككام أحمككد‬
‫أيضًا‪ :‬حدثنا محمككد بككن عبككد اللككه الزبيككري‪ ,‬حككدثنا إسككرائيل‪ ,‬عككن‬
‫عطاء بن السائب‪ ,‬عن أبي البختري عن سلمان‪ ,‬يعنككي الفارسككي‬
‫‪967‬‬
‫رضي الله عنه‪ ,‬أنه انتهى إلككى حصككن أو مدينككة‪ ,‬فقككال لصككحابه‪:‬‬
‫دعوني أدعوهم كمككا رأيككت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫يككدعوهم‪ ,‬فقككال‪ :‬إنمككا كنككت رجل ً منكككم‪ ,‬فهككداني اللككه عككز وجككل‬
‫للسلم‪ ,‬فإن أسلمتم فلكم مككا لنككا وعليكككم مككا علينككا‪ ,‬وإن أبيتككم‬
‫فأدوا الجزية وأنتم صاغرون‪ ,‬وإن أبيتم نابذناكم على سككواء‪} ,‬إن‬
‫الله ل يحب الخائنين{ يفعل ذلك بهم ثلثة أيام‪ ,‬فلمككا كككان اليككوم‬
‫الرابكككككع غكككككدا النكككككاس إليهكككككا ففتحوهكككككا بعكككككون اللكككككه‪.‬‬
‫م‬ ‫دوا ْ ل َهُ ك ْ‬ ‫ع ّ‬‫ن * وَأ َ ِ‬ ‫جُزو َ‬ ‫م ل َ ي ُعْ ِ‬ ‫سب َُقوَا ْ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ َ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫** وَل َ ي َ ْ‬
‫ن ب ِكهِ عَكد ْوّ الل ّك ِ‬
‫ه‬ ‫ل ت ُْرهِب ُككو َ‬ ‫خي ْك ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫مككن ّرب َككا ِ‬ ‫من قُ كوّةٍ وَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬
‫ّ‬
‫فُقككوا ْ‬ ‫مككا ُتن ِ‬ ‫م وَ َ‬‫مه ُ ك ْ‬ ‫َ‬
‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫مون َهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ل ت َعْل ُ‬ ‫دون ِهِ ْ‬
‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬
‫م َوآ َ‬ ‫ُ‬
‫وَعَد ُوّك ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مككو َ‬ ‫م ل َ ت ُظ ْل َ ُ‬‫م وَأن ُْتكك ْ‬ ‫ككك ْ‬ ‫ف إ ِل َي ْ ُ‬ ‫ل الّلككهِ ُيككوَ ّ‬ ‫سككِبي ِ‬
‫يٍء ِفككي َ‬ ‫شكك ْ‬ ‫مككن َ‬ ‫ِ‬
‫يقول تعككالى لنككبيه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪} :‬ول تحسككبن{ يككا‬
‫محمد }الذين كفروا سبقوا{ أي فاتونا‪ ,‬فل نقككدر عليهككم بككل هككم‬
‫تحت قهر قدرتنا‪ ,‬وفي قبضة مشيئتنا‪ ,‬فل يعجزوننا‪ ,‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫}أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون{‬
‫أي يظنون‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬ول تحسبن الذين كفروا معجزيككن فككي‬
‫الرض ومأواهم النار ولبئس المصككير{ وقككوله تعككالى‪} :‬ل يغرنككك‬
‫تقلب الذين كفروا في البلد متاع قليككل ثككم مككأواهم جهنككم وبئس‬
‫المهككاد{ ثككم أمككر تعككالى‪ ,‬بإعككداد آلت الحككرب لمقككاتلتهم حسككب‬
‫الطاقة والمكان والستطاعة‪ ,‬فقال‪} :‬وأعدوا لهم ما اسككتطعتم{‬
‫أي مهما أمكنكم }من قوة ومن رباط الخيل{ قال المككام أحمككد‪:‬‬
‫حدثنا هارون بكن معكروف‪ ,‬حكدثنا ابكن وهكب‪ ,‬أخكبرني عمكرو بكن‬
‫الحارث‪ ,‬عن أبي علي ثمامة بن شفي‪ ,‬أخي عقبة بن عككامر‪ ,‬أنككه‬
‫سمع عقبة بن عامر يقول‪ :‬سمعت رسول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم يقول وهو علككى المنككبر‪} :‬وأعككدوا لهككم مككا اسككتطعتم مككن‬
‫قوة{ أل إن القوة الرمي أل إن القوة الرمي« رواه مسككلم‪ ,‬عككن‬
‫هارون بن معروف‪ ,‬وأبو داود عن سعيد بككن منصككور‪ ,‬وابككن مككاجه‬
‫عن يونس بن عبد العلى‪ ,‬ثلثتهككم عككن عبككد اللككه بككن وهكب بكه‪.‬‬
‫ولهككذا الحككديث طككرق أخككر‪ ,‬عككن عقبككة بككن عككامر‪ ,‬منهككا مككا رواه‬
‫الترمذي من حديث صالح بن كيسان‪ ,‬عن رجل عنه‪ ,‬وروى المام‬
‫‪968‬‬
‫أحمد وأهل السنن عنه قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسكككلم‪» :‬ارمكككوا واركبكككوا وأن ترمكككوا خيكككر مكككن أن تركبكككوا«‪.‬‬
‫وقال المام مالك عن زيد بن أسككلم‪ ,‬عككن أبككي صككالح السككمان‪,‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنككه أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم قال‪» :‬الخيل لثلثة‪ ,‬لرجل أجر‪ ,‬ولرجل سككتر‪ ,‬وعلككى رجككل‬
‫وزر‪ ,‬فأما الذي له أجر‪ ,‬فرجل ربطها في سككبيل اللككه فأطككال لهككا‬
‫في مرج أو روضككة‪ ,‬فمككا أصككابت فككي طيلهككا ذلككك مككن المككرج أو‬
‫الروضة‪ ,‬كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها‪ ,‬فاستنت شككرفا ً‬
‫أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له‪ ,‬ولككو أنهككا مككرت بنهككر‬
‫فشربت منه ولم يرد أن يسقي به‪ ,‬كان ذلككك حسككنات لككه‪ ,‬فهككي‬
‫لذلك الرجل أجر‪ ,‬ورجل ربطها تغنيا ً وتعففًا‪ ,‬ولم ينككس حككق اللككه‬
‫في رقابها ول ظهورها فهي لكه سكتر‪ ,‬ورجكل ربطهكا فخكرا ً وريكاء‬
‫ونواء‪ ,‬فهي على ذلك وزر« وسئل رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫ي فيهككا شككيئا ً إل هككذه‬
‫وسلم عن الحمر‪ ,‬فقال »ما أنككزل اللككه علك ّ‬
‫لية الجامعة الفاذة }فمن يعمل مثقال ذرة خيرا ً يره ومن يعمككل‬ ‫ا َ‬
‫مثقال ذرة شرا ً يره{ رواه البخاري وهذا لفظككه‪ ,‬ومسككلم كلهمككا‬
‫من حديث مالك‪ ,‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬أخبرنككا شككريك‪,‬‬
‫عن الركين بن الربيع‪ ,‬عن القاسم بن حسان‪ ,‬عككن عبككد اللككه بككن‬
‫مسعود‪ ,‬عن النبي صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬قككال‪» :‬الخيككل ثلثككة‪:‬‬
‫ففرس للرحمن‪ ,‬وفرس للشيطان‪ ,‬وفرس للنسان‪ ,‬فأمككا فككرس‬
‫الرحمن فالذي يربط في سبيل الله‪ ,‬فعلفه وروثه وبككوله ك ك وذكككر‬
‫ما شاء الله ك وأما فرس الشيطان‪ ,‬فالذي يقامر أو يراهن عليهككا‪,‬‬
‫وأما فرس النسان‪ ,‬فالفرس يربطها النسان يلتمس بطنها‪ ,‬فهي‬
‫له ستر من الفقر« وقد ذهب أكثر العلماء‪ ,‬إلى أن الرمي أفضككل‬
‫من ركوب الخيل‪ ,‬وذهب المام مالك‪ ,‬إلى أن الركوب أفضل من‬
‫الرمككككي‪ ,‬وقككككول الجمهككككور أقككككوى للحككككديث‪ ,‬واللكككه أعلككككم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا حجاج وهشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ليث‪ ,‬حككدثني‬
‫يزيد بن أبي حبيب‪ ,‬عن ابن شماسككة‪ ,‬أن معاويككة بككن خديككج‪ ,‬مككر‬
‫على أبي ذر وهو قائم عند فرس له‪ ,‬فسأله ما تعاني من فرسككك‬
‫هذا ؟ فقال‪ :‬إني أظن أن هككذا الفككرس قككد اسككتجيب لككه دعككوته‪,‬‬
‫قال‪ :‬وما دعاء بهيمة من البهائم ؟ قال‪ :‬والككذي نفسككي بيككده‪ ,‬مككا‬
‫من فرس إل وهو يدعو كل سحر‪ ,‬فيقول‪ :‬اللهم أنت خولتني عبدا ً‬
‫‪969‬‬
‫من عبادك‪ ,‬وجعلت رزقككي بيككده‪ ,‬فككاجعلني أحككب إليككه مككن أهلككه‬
‫وماله وولده‪ .‬قال‪ :‬وحدثنا يحيى بن سككعيد‪ ,‬عككن عبككد الحميككد بككن‬
‫أبي جعفر‪ ,‬حدثني يزيد بن أبي حبيب عككن سككويد بككن قيككس‪ ,‬عككن‬
‫معاوية بن خديج عن أبي ذر رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪» :‬إنه ليس من فرس عربي إل يؤذن له مع‬
‫كل فجر‪ ,‬يدعو بدعوتين‪ :‬يقول‪ :‬اللهككم إنككك خككولتني مككن خككولتني‬
‫من بني آدم‪ ,‬فاجعلني من أحب أهله وماله إليه ك أو ك أحككب أهلككه‬
‫وماله إليه«‪ ,‬رواه النسائي‪ ,‬عن عمرو بن علي الفلس‪ ,‬عن يحيى‬
‫القطان به‪ .‬وقال أبوالقاسم الطبراني‪ :‬حدثنا الحسين بن إسككحاق‬
‫التستري‪ ,‬حدثنا هشام بن عمككار‪ ,‬حككدثنا يحيككى بككن حمككزة‪ ,‬حككدثنا‬
‫المطعم بن المقدام الصنعاني‪ ,‬عن الحسن بن أبككي الحسككن‪ ,‬أنككه‬
‫ل‪ :‬حككدثنا حككديثا ً سككمعته مككن رسككول‬‫قال لبن الحنظلية يعني سه ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬سمعت رسول الله صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم يقول‪» :‬الخيكل معقككود فككي نواصككيها الخيكر إلككى يككوم‬
‫القيامة‪ ,‬وأهلها معانون عليها‪ ,‬ومن ربككط فرسكا ً فككي سككبيل اللككه‪,‬‬
‫كانت النفقة عليككه كالمككاد يككده بالصككدقة ل يقبضككها«‪ ,‬والحككاديث‬
‫الواردة في فضل ارتباط الخيل كثيرة‪ .‬وفي صحيح البخاري‪ ,‬عككن‬
‫عروة بن أبككي الجعككد البككارقي‪ ,‬أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪ ,‬قال‪» :‬الخيل معقود في نواصيها الخير إلككى يككوم القيامككة‪,‬‬
‫الجر والمغنككم« وقككوله‪} :‬ترهبككون{ أي تخوفككون }بككه عككدو اللككه‬
‫وعدوكم{ أي من الكفار }وآخرين من دونهم{ قال مجاهككد يعنككي‬
‫بني قريظة‪ ,‬وقال السدي‪ :‬فارس‪ ,‬وقال سفيان الثوري‪ :‬قال ابككن‬
‫يمان‪ :‬هم الشياطين التي في الدور‪ ,‬وقد ورد حككديث بمثككل ذلككك‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبكو عتبكة أحمكد بكن الفكرج الحمصكي‪,‬‬
‫حدثنا أبو حيوة يعني شككريح بككن يزيككد المقككري‪ ,‬حككدثنا سككعيد بككن‬
‫سنان‪ ,‬عن ابن غريب‪ ,‬يعني يزيد بن عبد الله بن غريب‪ ,‬عن أبيككه‬
‫عن جده‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليككه وسككلم كككان يقككول فككي‬
‫قول الله تعالى‪} :‬وآخرين من دونهم ل تعلمونهم{ قال هم الجن‪,‬‬
‫ورواه الطبراني عن إبراهيم بن دحيككم‪ ,‬عككن أبيككه عككن محمككد بككن‬
‫شعيب عن سنان بن سعيد بن سنان‪ ,‬عن يزيد بككن عبككد اللككه بككن‬
‫غريب به‪ ,‬وزاد‪ ,‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬ل يخبككل‬
‫بيت فيه عتيق من الخيل«‪ ,‬وهذا الحديث منكر ل يصح إسناده ول‬
‫‪970‬‬
‫متنه‪ ,‬وقال مقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بككن أسككلم‪ :‬هككم‬
‫المنافقون‪ ,‬وهذا أشبه القوال‪ ,‬ويشهد لككه قككوله تعككالى‪} :‬وممككن‬
‫حككولكم مككن العككراب منككافقون ومككن أهككل المدينككة مككردوا علككى‬
‫النفاق ل تعلمهم نحن نعلمهم{ وقوله }وما تنفقوا من شيء فككي‬
‫سبيل الله يوف إليكككم وأنتككم ل تظلمككون{ أي مهمككا أنفقتككم فككي‬
‫الجهاد‪ ,‬فإنه يوفى إليكككم علككى التمككام والكمككال‪ ,‬ولهككذا جككاء فككي‬
‫الحديث الذي رواه أبو داود‪ :‬أن الدرهم يضاعف ثوابه فككي سككبيل‬
‫الله إلى سبعمائة ضعف‪ ,‬كما تقدم في قوله تعالى‪} :‬مثككل الكذين‬
‫ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سككنابل فككي‬
‫كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء واللككه واسككع عليككم{‬
‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬حككدثنا أحمككد بككن القاسككم بككن عطيككة‪ ,‬حككدثنا‬
‫أحمككد بككن عبككد الرحمككن الدشككتكي‪ ,‬حككدثنا أبككي عككن أبيككه‪ ,‬حككدثنا‬
‫الشعث بن إسحاق‪ ,‬عككن جعفككر عككن سككعيد بككن جككبير‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عبككاس عككن النككبي صكلى اللكه عليكه وسكلم‪ ,‬أنكه ككان يككأمر أن ل‬
‫يتصدق إل على أهل السلم‪ ,‬حتى نزلت }وما تنفقككوا مككن شككيء‬
‫في سبيل الله يوف إليكم{ فأمر بالصدقة بعككدها‪ ,‬علككى كككل مككن‬
‫سككككككألك مككككككن كككككككل ديككككككن‪ ,‬وهككككككذا أيضككككككا ً غريككككككب‪.‬‬
‫ميعُ‬ ‫سك ِ‬ ‫ه هُكوَ ال ّ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ إ ِن ّك ُ‬ ‫ح ل ََها وَت َوَك ّ ْ‬ ‫جن َ ْ‬ ‫سل ْم ِ َفا ْ‬‫حوا ْ ِلل ّ‬ ‫جن َ ُ‬
‫** وَِإن َ‬
‫َ‬
‫ه هُوَ ال ّذِيَ أّيككد َ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب َ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك فَإ ِ ّ‬‫عو َ‬ ‫خد َ ُ‬ ‫ريد ُوَا ْ أن ي َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫م * وَِإن ي ُ‬ ‫ال ْعَِلي ُ‬
‫ف بين قُُلوبهم ل َو َ‬ ‫ن * وَأ َل ّ‬
‫ض‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ال‬ ‫فككي‬‫ِ‬ ‫مككا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫ْ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مِني َ‬ ‫صرِهِ وَِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ب ِن َ ْ‬
‫م‬
‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬
‫ه عَ ِ‬‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬‫ه أ َل ّ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م وََلـك ِ ّ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬
‫َ‬
‫مآ أل َّف ْ‬ ‫ميعا ً ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى‪ :‬إذا خفت من قوم خيانة‪ ,‬فانبذ إليهم عهدهم علككى‬
‫سواء‪ ,‬فإن استمروا على حربك ومنابذتك‪ ,‬فقاتلهم }وإن جنحوا{‬
‫أي مالوا }للسلم{ أي المسالمة والمصالحة والمهادنككة‪} ,‬فاجنككح‬
‫لها{ أي فمل إليها واقبل منهم ذلك‪ ,‬ولهذا لما طلب المشككركون‪,‬‬
‫عام الحديبية الصلح‪ ,‬ووضع الحرب بينهم وبين رسول اللككه صككلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬تسع سنين‪ ,‬أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من‬
‫الشروط الخر‪ .‬وقال عبد الله بن المام أحمد‪ :‬حككدثنا محمككد بككن‬
‫أبي بكر المقدمي‪ ,‬حدثني فضيل بن سليمان يعني النميري‪ ,‬حدثنا‬
‫محمد بن أبي يحيى‪ ,‬عن إياس بن عمرو السلمي‪ ,‬عن علككي بككن‬
‫‪971‬‬
‫أبي طالب رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسككلم‪» :‬إنككه سككيكون اختلف أو أمككر فككإن اسككتطعت أن يكككون‬
‫السلم فافعل« وقال مجاهد‪ :‬نزلت فككي بنككي قريظككة‪ ,‬وهككذا فيككه‬
‫نظر‪ ,‬لن السياق كله في وقعة بككدر‪ ,‬وذكرهككا مكتنككف لهككذا كلككه‪,‬‬
‫وقككال ابككن عبككاس ومجاهككد وزيككد بككن أسككلم وعطككاء الخراسككاني‬
‫لية منسوخة بآية السيف فككي‬ ‫وعكرمة والحسن وقتادة‪ :‬إن هذه ا َ‬
‫ليككة‪ ,‬وفيككه‬ ‫لخر{ ا َ‬ ‫براءة }قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم ا َ‬
‫نظر أيضًا‪ ,‬لن آية براءة فيها المر بقتالهم إذا أمكن ذلك‪ ,‬فأما إن‬
‫كان العدو كثيفا ً فإنه يجوز مهككادنتهم‪ ,‬كمككا دلككت عليككه هككذه ا َ‬
‫ليككة‬
‫الكريمة‪ ,‬وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبيككة‪ ,‬فل‬
‫منافاة ول نسخ ول تخصكيص‪ ,‬واللكه أعلكم‪ .‬وقكوله }وتوككل علكى‬
‫الله{ أي صالحهم وتوكل على الله‪ ,‬فإن الله كافيك وناصرك ولككو‬
‫ككانوا يريكدون بالصكلح خديعكة‪ ,‬ليتقكووا ويسكتعدوا }فكإن حسكبك‬
‫الله{ أي كافيكك وحككده‪ ,‬ثككم ذككر نعمتكه عليكه ممككا أيككده بكه مككن‬
‫المؤمنين المهككاجرين والنصككار‪ ,‬فقككال‪} :‬هككو الككذي أيككدك بنصككره‬
‫وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم{ أي جمعها على اليمان بك‪ ,‬وعلى‬
‫طاعتك ومناصرتك وموازرتك‪} ,‬لو أنفقت ما في الرض جميعا ً ما‬
‫ألفت بين قلوبهم{ أي لما كان بينهم من العككداوة والبغضككاء فككإن‬
‫النصككار كككانت بينهككم حككروب كككثيرة فككي الجاهليككة‪ ,‬بيككن الوس‬
‫والخزرج‪ ,‬وأمور يلزم منها التسلسل في الشككر‪ ,‬حككتى قطككع اللككه‬
‫ذلك بنور اليمان‪ ,‬كما قال تعالى‪} :‬واذكروا نعمككة اللككه عليكككم إذ‬
‫كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتككم علككى‬
‫شفا حفرة من النككار فأنقككذكم منهككا‪ ,‬كككذلك يككبين اللككه لكككم آيككاته‬
‫لعلكككككككككككككككككككككككككككككككككككم تهتككككككككككككككككككككككككككككككككككدون{‪.‬‬
‫وفي الصككحيحين‪ :‬أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم لمككا‬
‫خطب النصار‪ ,‬في شأن غنائم حنين‪ ,‬قال لهم‪» :‬يا معشر النصار‬
‫ألم أجدكم ضلل ً فهداكم الله بي‪ ,‬وعالة فأغناكم الله بككي‪ ,‬وكنتككم‬
‫ن‪,‬‬‫متفرقين فألفكم الله بي« كلما قال شيئا ً قالوا الله ورسوله أم ّ‬
‫ولهذا قال تعالى‪} :‬ولكن اللككه ألككف بينهككم إنككه عزيككز حكيككم{ أي‬
‫عزيز الجناب‪ ,‬فل يخيب رجاء من توكل عليككه‪ ,‬حكيككم فككي أفعككاله‬
‫وأحكامه‪ ,‬وقال الحككافظ أبككو بكككر الككبيهقي‪ :‬أخبرنككا أبككو عبككد اللككه‬
‫الحافظ‪ ,‬أنبأنا علي بن بشر الصيرفي القزويني في منزلنككا‪ ,‬أنبأنككا‬
‫‪972‬‬
‫أبو عبد الله محمد بن الحسين القنككديلي السككتراباذي‪ ,‬حككدثنا أبككو‬
‫إسحاق إبراهيم بن محمد بن النعمان الصككفار‪ ,‬حككدثنا ميمككون بككن‬
‫الحكم‪ ,‬حدثنا بكر بن الشرود‪ ,‬عن محمد بن مسلم الطائفي‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم بن ميسككرة عككن طككاوس‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬قرابككة‬
‫الرحم تقطع‪ ,‬ومنة النعمككة تكفككر‪ ,‬ولككم يككر مثككل تقككارب القلككوب‪,‬‬
‫يقول الله تعالى‪} :‬لو أنفقت ما في الرض جميعكا ً مككا ألفككت بيككن‬
‫قلكككككككككوبهم{ وذلكككككككككك موجكككككككككود فكككككككككي الشكككككككككعر‪:‬‬
‫إذا بككت ذو قربككى إليككك بزلةفغشككك واسككتغنى فليككس بككذي رحككم‬
‫ولكن ذا القربى الذي إن دعوتهأجاب وأن يرمي العدو الذي ترمي‬
‫قككككككككككال‪ :‬ومككككككككككن ذلككككككككككك قككككككككككول القككككككككككائل‪:‬‬
‫ولقد صحبت النككاس ثكم سككبرتهموبلوت مكا وصكلوا مكن السكباب‬
‫فكككإذا القرابكككة ل تقكككرب قاطعكككًاوإذا المكككودة أقكككرب السكككباب‬
‫قال البيهقي‪ :‬ل أدري هذا موصول بكلم ابن عبككاس أو هككو مككن‬
‫قول من دونه من الرواة‪ ,‬وقككال أبككو إسككحاق السككبيعي عككن أبككي‬
‫الحوص عن عبد الله بن مسعود رضي اللككه عنككه‪ ,‬سككمعه يقككول‪:‬‬
‫لية‪ ,‬قال‬ ‫}لو أنفقت ما في الرض جميعا ً ما ألفت بين قلوبهم{ ا َ‬
‫هم المتحابون في الله‪ .‬وفي رواية نزلت في المتحابين في اللككه‪.‬‬
‫رواه النسائي والحاكم فكي مسكتدركه وقكال‪ :‬صكحيح‪ ,‬وقكال عبكد‬
‫الرزاق‪ :‬أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيككه‪ ,‬عككن ابككن عبككاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬إن الرحم لتقطع‪ ,‬وإن النعمة لتكفر‪ ,‬وإن الله إذا قارب بيككن‬
‫القلوب لم يزحزحها شككيء‪ ,‬ثككم قككرأ }لككو أنفقككت مككا فككي الرض‬
‫جميعا ً ما ألفت بين قلوبهم{ رواه الحاكم أيضًا‪ ,‬وقككال أبككو عمككرو‬
‫الوزاعي‪ :‬حدثني عبدة بن أبككي لبابككة عككن مجاهككد‪ ,‬ولقيتككه فأخككذ‬
‫بيدي فقال‪ :‬إذا التقى المتحابان في الله فأخذ أحدهما بيد صككاحبه‬
‫وضحك إليه‪ ,‬تحاتت خطاياهما كما تحات ورق الشجر‪ .‬قال عبككدة‪:‬‬
‫فقلت له‪ :‬إن هذا ليسير‪ ,‬فقال‪ :‬ل تقل ذلك فكإن اللكه يقكول }لكو‬
‫أنفقت ما في الرض جميعا ً مككا ألفككت بيككن قلككوبهم{ قككال عبككدة‪:‬‬
‫فعرفت أنه أفقه مني‪ ,‬وقال ابن جريككر‪ :‬حككدثنا أبككو كريككب‪ ,‬حككدثنا‬
‫ابن يمان‪ ,‬عن إبراهيم الجزري عككن الوليككد بككن أبككي مغيككث‪ ,‬عككن‬
‫مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهمككا‪ ,‬قككال قلككت‬
‫لمجاهد بمصافحة يغفر لهما ؟ قال مجاهد‪ :‬أما سمعته يقول‪} :‬لو‬
‫أنفقت ما في الرض جميعا ً ما ألفت بين قلوبهم ولكن اللككه ألككف‬
‫‪973‬‬
‫بينهم{ فقال الوليد لمجاهد‪ :‬أنت أعلم مني‪ ,‬وكذا روى طلحة بككن‬
‫مصرف عن مجاهد‪ ,‬وقال ابن عون عن عمير بككن إسككحاق‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس اللفككة‪ ,‬وقككال الحككافظ أبككو‬
‫القاسم سليمان بن أحمد الطبراني رحمه الله‪ :‬حدثنا الحسين بن‬
‫إسحاق التستري‪ ,‬حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري‪ ,‬حدثنا سالم‬
‫بن غيلن‪ ,‬سمعت جعدا ً أبا عثمان‪ ,‬حدثني أبو عثمان النهدي‪ ,‬عككن‬
‫سلمان الفارسي‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪» :‬إن‬
‫المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده‪ ,‬تحكاتت عنهمكا ذنوبهمكا‪,‬‬
‫كما تحات الورق عن الشجرة اليابسة في يككوم ريككح عاصككف‪ ,‬وإل‬
‫غفككككر لهمككككا ذنوبهمككككا ولككككو كككككانت مثككككل زبككككد البحككككار‪.‬‬
‫َ‬ ‫** يأ َ‬
‫ي‬‫ن * ي َأي َّها الن ِّبكك ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ك الل ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫س‬‫ْ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫صككاب ُِرو َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫شكُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫منك ُك ْ‬ ‫ل ِإن ي َك ُككن ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن عَل َككى ال ِْقت َككا‬ ‫َ‬ ‫مِني‬ ‫م كؤ ْ ِ‬ ‫ض ال ْ ُ‬ ‫حّر ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن ك ََفُروا ْ ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ي َغْل ِب ُوَا ْ أْلفا ً ّ‬ ‫مئ َ ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ن ّ‬ ‫ن وَِإن ي َك ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ي َغْل ُِبوا ْ ِ‬
‫مئ َت َي ْ‬
‫ضْعفا ً فَِإن‬ ‫عنك ُم وعَل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫ن ِفيك ُ ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ‬ ‫ه َ ْ َ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫خّف َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن * ال َ َ‬ ‫م ل ّ ي َْفَقُهو َ‬ ‫قَوْ ٌ‬
‫ف ي َغْل ِب ُكوَا ْ‬ ‫َ‬
‫م أل ْك ٌ‬ ‫منك ُك ْ‬ ‫ن وَِإن ي َك ُككن ّ‬ ‫مئ َت َي ْك ِ‬‫صاب َِرةٌ ي َغْل ِب ُككوا ْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مئ َ ٌ‬‫م ّ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ن ّ‬ ‫ي َك ُ ْ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫صكككككككاب ِ ِ‬ ‫مكككككككعَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلكككككككهِ َوالّلككككككك ُ‬ ‫ن ِبكككككككإ ِذ ْ ِ‬ ‫َْ‬
‫ألَفْيككككككك ِ‬
‫يحرض تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على القتال‬
‫ومنككاجزة العككداء ومبككارزة القككران‪ ,‬ويخككبرهم أنككه حسككبهم أي‬
‫كافيهم وناصككرهم ومؤيككدهم علككى عككدوهم‪ ,‬وإن كككثرت أعككدادهم‬
‫وترادفت أمدادهم‪ ,‬ولو قل عدد المككؤمنين‪ .‬قككال ابككن أبككي حككاتم‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم‪ ,‬حدثنا عبيد الله بن موسى‪ ,‬أنبأنككا‬
‫سفيان عن ابن شوذب عككن الشككعبي فككي قككوله‪} :‬يككا أيهككا النككبي‬
‫حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين{ قال حسبك اللككه‪ ,‬وحسككب‬
‫من شهد معك‪ ,‬قال‪ :‬وروي عن عطاء الخراسككاني وعبككد الرحمككن‬
‫بن زيد مثله‪ ,‬ولهذا قككال‪} :‬يككا أيهككا النككبي حككرض المككؤمنين علككى‬
‫القتال{ أي حثهم أو مرهم عليه‪ ,‬ولهذا كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يحرض على القتال‪ ,‬عند صفهم ومواجهة العككدو‪ ,‬كمككا‬
‫دهم وعُد َِدهم‪:‬‬ ‫قال لصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون في عَد َ َ‬
‫»قومككوا إلكى جنككة عرضككها السكموات والرض« فقككال عميكر بكن‬
‫الحمام‪ :‬عرضهاالسموات والرض ؟ فقال رسول الله صككلى اللككه‬
‫‪974‬‬
‫عليه وسلم »نعم«‪ ,‬فقال‪ :‬بخ بخ فقال‪» :‬مكا يحملكك علكى قولكك‬
‫بخ بخ ؟« قال‪ :‬رجاء أن أكون من أهلها‪ ,‬قال »فإنككك مككن أهلهككا«‬
‫فتقدم الرجل‪ ,‬فكسر جفككن سككيفه‪ ,‬وأخككرج تمككرات فجعككل يأكككل‬
‫منهن‪ ,‬ثم ألقى بقيتهن من يده وقال‪ :‬لئن أنككا حييككت حككتى آكلهككن‬
‫إنها لحياة طويلة‪ ,‬ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي اللككه عنككه‪ ,‬وقككد‬
‫ليككة نزلككت‬‫روي عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير‪ ,‬أن هذه ا َ‬
‫حين أسلم عمر بن الخطاب وكمل به الربعون‪ ,‬وفككي هككذا نظككر‪,‬‬
‫لية مدنية‪ ,‬وإسلم عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى أرض‬ ‫لن هذه ا َ‬
‫الحبشككككة‪ ,‬وقبككككل الهجككككرة إلككككى المدينككككة‪ ,‬واللككككه أعلككككم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مبشرا ً للمؤمنين وآمرًا‪} :‬إن يكن منكككم عشككرون‬
‫صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألف كا ً مككن الككذين‬
‫كفروا{ كل واحد بعشرة‪ ,‬ثم نسخ هذا المر وبقيت البشارة‪ .‬قال‬
‫عبد الله بن المبارك‪ :‬حككدثنا جريككر بككن حككازم‪ ,‬حككدثني الزبيككر بككن‬
‫الحريث‪ ,‬عن عكرمة عن ابن عبككاس‪ ,‬قككال‪ :‬لمككا نزلككت }إن يكككن‬
‫منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين{ شق ذلك على المسلمين‪,‬‬
‫حككتى فككرض اللككه عليهككم أن ل يفككر واحككد مككن عشككرة‪ ,‬ثككم جككاء‬
‫لن خفككف اللككه عنكككم{ إلككى قككوله }يغلبككوا‬ ‫التخفيككف‪ ,‬فقككال‪} :‬ا َ‬
‫مائتين{ قال خفف الله عنهم من العدة‪ ,‬ونقص من الصككبر‪ ,‬بقككدر‬
‫ما خفف عنهكم‪ ,‬وروى البخككاري مكن حككديث ابككن المبككارك نحككوه‪.‬‬
‫وقال سعيد بن منصور‪ :‬حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن ابن‬
‫لية‪ ,‬قكال‪ :‬كتكب عليهكم أن ل يفكر عشكرون مكن‬ ‫عباس في هذه ا َ‬
‫لن خفف اللككه عنكككم وعلككم‬ ‫مائتين‪ ,‬ثم خفف الله عنهم‪ ,‬فقال }ا َ‬
‫أن فيكم ضككعفًا{ فل ينبغككي لمككائة أن يفككروا مككن مككائتين‪ ,‬وروى‬
‫البخاري عن علي بن عبد الله عن سفيان به نحككوه‪ ,‬وقككال محمككد‬
‫بن إسحاق حدثني ابن أبي نجيح‪ ,‬عن عطاء عن ابن عباس‪ ,‬قككال‪:‬‬
‫لية ثقلككت علككى المسككلمين‪ ,‬وأعظمككوا أن يقاتككل‬ ‫لما نزلت هذه ا َ‬
‫عشرون مكائتين‪ ,‬ومكائة ألفكًا‪ ,‬فخفكف اللكه عنهكم فنسكخها با َ‬
‫ليكة‬
‫لن خفككف اللككه عنكككم وعلككم أن فيكككم ضككعفًا{‬ ‫الخرى‪ ,‬فقككال }ا َ‬
‫لية‪ ,‬فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم‪ ,‬لككم يسككغ لهككم أن‬ ‫ا َ‬
‫يفروا من عدوهم‪ ,‬وإذا كانوا دون ذلك‪ ,‬لككم يجككب عليهككم قتككالهم‪,‬‬
‫وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم‪ ,‬وروى علي بن أبككي طلحككة والعككوفي‬
‫عن ابن عباس نحو ذلك‪ ,‬قال ابككن أبككي حككاتم‪ :‬وروي عككن مجاهككد‬
‫‪975‬‬
‫وعطاء وعكرمككة والحسككن‪ ,‬وزيككد بككن أسككلم وعطككاء الخراسككاني‬
‫والضحاك‪ ,‬وغيرهم نحو ذلك‪ ,‬وروى الحافظ أبو بكر بككن مردويككه‪:‬‬
‫من حديث المسيب بن شريك‪ ,‬عن ابن عون عن نككافع‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عمر رضي الله عنهما‪ ,‬في قوله }إن يكن منكم عشرون صابرون‬
‫يغلبوا مائتين{ قال نزلككت فينككا أصككحاب محمككد صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم وروى الحككاكم فككي مسككتدركه مككن حككديث أبككي عمككرو بككن‬
‫العلء‪ ,‬عن نافع عن ابككن عمككر‪ ,‬أن رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫لن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا{ رفككع ثككم‬ ‫وسلم قرأ }ا َ‬
‫قكككككككككال‪ :‬صكككككككككحيح السكككككككككناد ولكككككككككم يخرجكككككككككاه‪.‬‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫كون ل َه أ َ‬ ‫ي َأن ي َ ُ‬ ‫ما َ‬

‫دو َ‬‫ري ُ‬ ‫ض تُ ِ‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫ث‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ى‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ح‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ى‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ل ِن َب ِ ّ‬
‫كا َ‬ ‫** َ‬
‫ن‬
‫مكك َ‬ ‫ب ّ‬ ‫م * ل ّوْل َ ك َِتا ٌ‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫خَرةَ َوالل ّ ُ‬ ‫ريد ُ ال َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه يُ‬‫ض الد ّن َْيا َوالل ّ ُ‬ ‫عََر َ‬
‫م‬‫مُتك ْ‬ ‫مكا غَن ِ ْ‬ ‫م * فَك ُُلكوا ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫مآ أ َ َ‬‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫سب َقَ ل َ َ‬
‫الل ّهِ َ‬
‫م‬
‫حيكككككك ٌ‬ ‫ه غَُفككككككوٌر ّر ِ‬ ‫ن الّلكككككك َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫حل َل ً ط َّيبككككككا ً َوات ُّقككككككوا ْ الّلكككككك َ‬ ‫َ‬
‫قال المام أحمد‪ :‬حدثنا علي بن هاشم‪ ,‬عككن حميككد‪ ,‬عككن أنككس‬
‫رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬استشار النبي صلى الله عليه وسلم النككاس‬
‫في السارى يوم بدر‪ ,‬فقكال »إن اللكه قكد أمكنككم منهكم« فقكام‬
‫عمر بن الخطاب فقال‪ :‬يا رسول اللككه اضككرب أعنككاقهم فككأعرض‬
‫عنه النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثم عاد رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم فقال‪» :‬يا أيها الناس إن الله قد أمكنكككم منهككم وإنمككا‬
‫هم إخوانكم بالمس« فقام عمككر فقككال‪ :‬يككا رسككول اللككه اضككرب‬
‫أعناقهم‪ ,‬فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثم عككاد النككبي‬
‫صلى الله عليه وسككلم فقككال‪ :‬للنككاس مثككل ذلككك‪ ,‬فقككام أبككو بكككر‬
‫الصديق رضي الله عنه‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول الله نرى أن تعفو عنهككم‪,‬‬
‫وأن تقبل منهم الفداء‪ ,‬قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ما كان فيه من الغم‪ ,‬فعفا عنهم وقبككل منهككم الفككداء‪,‬‬
‫قال وأنزل الله عز وجل }لول كتاب من الله سبق لمسكككم فيمككا‬
‫أخذتم عككذاب عظيككم{ وقككد سككبق فككي أول السككورة حككديث ابككن‬
‫عباس في صحيح مسلم بنحو ذلك‪ ,‬وقال العمش‪ :‬عن عمرو بككن‬
‫مرة‪ ,‬عن أبي عبيدة‪ ,‬عن عبد الله قال‪ :‬لمككا كككان يككوم بككدر‪ ,‬قككال‬
‫رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬مككا تقولككون فككي هككؤلء‬
‫‪976‬‬
‫السارى ؟« فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول الله قومك وأهلك‪ ,‬اسككتبقهم‬
‫واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم‪ ,‬وقككال عمككر »يككا رسككول اللككه‬
‫كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم‪ ,‬وقككال عبككد اللككه بككن‬
‫رواحة‪ :‬يا رسول الله أنت فككي واد كككثير الحطككب‪ ,‬أضككرم الككوادي‬
‫عليهم نارًا‪ ,‬ثم ألقهم فيه‪ ,‬قال فسكت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فلم يرد عليهم شيئًا‪ ,‬ثم قام فدخل‪ ,‬فقال ناس‪ :‬يأخذ بقول‬
‫أبي بكر‪ ,‬وقال ناس‪ :‬يأخذ بقول عمر‪ ,‬وقال ناس‪ :‬يأخذ بقول عبد‬
‫اللكككككككككككككككككككككككه بكككككككككككككككككككككككن رواحكككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫ثم خرج عليهم رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم فقككال‪» :‬إن‬
‫الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن‪ ,‬وإن الله ليشدد‬
‫قلوب رجال فيه حتى تكون أشد مككن الحجككارة‪ ,‬وإن مثلككك يككا أبككا‬
‫بكر كمثل إبراهيم عليه السلم‪ ,‬قال }فمن تبعني فإنه مني ومككن‬
‫عصاني فإنك غفور رحيم{ وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى عليه‬
‫السلم‪ ,‬قال }إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهككم فإنككك أنككت‬
‫العزيز الحكيم{ وإن مثلك يا عمككر‪ ,‬كمثككل موسككى عليككه السككلم‪,‬‬
‫قال }ربنا اطمس على أموالهم واشككدد علككى قلككوبهم فل يؤمنككوا‬
‫حتى يروا العككذاب الليككم{ وإن مثلككك يككا عمككر‪ ,‬كمثككل نككوح عليككه‬
‫السلم‪ ,‬قال }رب ل تذر على الرض مككن الكككافرين ديككارًا{ أنتككم‬
‫عالة فل ينفكككن أحككد منهككم إل بفككداء‪ ,‬أو ضككربة عنككق« قككال ابككن‬
‫مسعود‪ :‬قلكت‪ :‬يكا رسكول اللكه إل سكهيل بكن بيضكاء‪ ,‬فكإنه يكذكر‬
‫السلم‪ ,‬فسكت رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فمككا رأيتنككي‬
‫في يوم أخوف من أن تقع علي حجارة من السماء مني في ذلككك‬
‫اليوم‪ ,‬حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬إل سهيل بن‬
‫بيضاء« فأنزل الله عز وجل }ما كان لنبي أن يكككون لككه أسككرى{‬
‫لية‪ ,‬رواه المام أحمد والترمذي من حديث أبي معاويككة‬ ‫إلى آخر ا َ‬
‫عن العمش به‪ ,‬والحاكم في مستدركه‪ ,‬وقال صحيح السناد ولم‬
‫يخرجاه‪ ,‬وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه عن عبد الله بن عمككر‪,‬‬
‫وأبي هريرة رضي الله عنهما‪ ,‬عن النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم‬
‫نحوه‪ .‬وفي الباب عككن أبككي أيككوب النصككاري‪ ,‬وروى ابككن مردويككه‬
‫أيضًا‪ ,‬واللفظ له والحاكم في مستدركه‪ ,‬من حديث عبيد اللككه بككن‬
‫موسى‪ ,‬حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهككاجر‪ ,‬عككن مجاهككد عككن‬
‫ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬لما أسر السككارى يككوم بككدر‪ ,‬أسككر العبككاس فيمككن‬
‫‪977‬‬
‫أسر‪ ,‬أسره رجل من النصار‪ ,‬قال وقد أوعدته النصار أن يقتلوه‪,‬‬
‫فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم »إنككي لككم أنككم الليلككة مككن أجككل عمككي العبككاس‪ ,‬وقككد‬
‫زعمت النصار أنهم قاتلوه« فقال له عمر أفآتهم ؟ فقال »نعم«‪,‬‬
‫فأتى عمر النصار فقال لهم‪ :‬أرسلوا العبككاس‪ ,‬فقككالوا‪ :‬ل واللكه ل‬
‫نرسله‪ ,‬فقال لهم عمر‪ :‬فإن كككان لرسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم رضى ؟ قالوا فإن كان لرسول الله صلى الله عليككه وسككلم‬
‫رضى فخذه‪ ,‬فأخذه عمر فلما صار في يككده‪ ,‬قككال لككه‪ :‬يككا عبككاس‬
‫أسلم فو الله لن تسلم أحكب إلكي مكن أن يسكلم الخطكاب‪ ,‬ومكا‬
‫ذاك إل لمككا رأيككت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم يعجبككه‬
‫إسلمك‪ ,‬قال واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكككر‬
‫فيهم‪ ,‬فقال أبو بكر عشككيرتك فأرسككلهم‪ ,‬فاستشككار عمككر فقككال‪:‬‬
‫اقتلهم ففاداهم رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪ ,‬فككأنزل اللككه‬
‫ليككة‪ ,‬قككال الحككاكم‪ :‬صككحيح‬ ‫}ما كان لنبي أن يكككون لككه أسككرى{ ا َ‬
‫السكككككككككككككككككككككناد ولكككككككككككككككككككككم يخرجكككككككككككككككككككككاه‪.‬‬
‫وقال سككفيان الثككوري عككن هشككام بككن حسككان‪ ,‬عككن محمككد بككن‬
‫سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬عن علي رضي اللككه عنككه‪ ,‬قككال‪ :‬جككاء جبريككل‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر‪ ,‬فقال‪ :‬خير أصحابك في‬
‫السارى‪ ,‬إن شاءوا الفداء‪ ,‬وإن شاءوا القتل‪ ,‬على أن يقتل عام كا ً‬
‫مقبل ً منهككم مثلهككم‪ ,‬قككالوا‪ :‬الفككداء ويقتككل منككا‪ ,‬رواه الترمككذي‬
‫والنسائي وابن حبان فككي صككحيحه مككن حككديث الثككوري بكه‪ ,‬وهككذا‬
‫حديث غريب جدًا‪ ,‬وقال ابن عون عن عبيدة عن علي‪ ,‬قال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى يوم بدر‪» :‬إن شئتم‬
‫قتلتموهم وإن شككئتم فككاديتموهم‪ ,‬واسككتمتعتم بالفككداء واستشككهد‬
‫منكم بعدتهم« قال فكان آخر السبعين‪ ,‬ثابت بن قيككس قتككل يككوم‬
‫اليمامة رضي الله عنه‪ ,‬ومنهم من روى هذا الحككديث عككن عبيككدة‬
‫ل‪ ,‬فالله أعلم‪ ,‬وقال محمد بن إسحاق عككن ابككن أبككي نجيككح‪,‬‬ ‫مرس ً‬
‫عن عطاء عن ابن عباس‪} :‬ما كككان لنككبي أن يكككون لككه أسككرى{‬
‫فقرأ حتى بلغ عذاب عظيم‪ .‬قال غنككائم بككدر قبككل أن يحلهككا لهككم‪,‬‬
‫يقول‪ :‬لول أني ل أعذب مككن عصككاني‪ ,‬حككتى أتقككدم إليككه لمسكككم‬
‫فيما أخذتم عذاب عظيم‪ ,‬وكذا روى ابن أبي نجيككح‪ :‬عككن مجاهككد‪,‬‬
‫وقال العمش‪ :‬سبق منه أن ل يعذب أحدا ً شهد بدرًا‪ ,‬وروي نحوه‬
‫‪978‬‬
‫عن سعد بن أبي وقاص‪ ,‬وسعيد بن جبير وعطاء‪ ,‬وقال شعبة عن‬
‫أبككي هاشككم عككن مجاهككد }لككول كتككاب مككن اللككه سككبق{ أي لهككم‬
‫بالمغفرة ونحوه‪ ,‬عن سفيان الثوري رحمه اللككه‪ ,‬وقككال علككي بككن‬
‫أبي طلحة‪ :‬عن ابن عباس في قوله }لول كتاب من اللككه سككبق{‬
‫يعنككي فككي أم الكتككاب الول‪ ,‬أن المغككانم والسككارى حلل لكككم‬
‫}لمسكم فيما أخذتم{ من السككارى }عككذاب عظيككم{ قككال اللككه‬
‫ليككة‪ .‬وكككذا روى العككوفي‬ ‫تعالى‪} :‬فكلوا مما غنمتككم حلل ً طيبكًا{ ا َ‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬وروي مثله عن أبي هريرة‪ ,‬وابن مسعود‪ ,‬وسككعيد‬
‫بن جبير‪ ,‬وعطاء والحسككن البصككري‪ ,‬وقتككادة والعمككش أيضكًا‪ ,‬أن‬
‫المراد }لول كتاب من الله سبق{ لهذه المة بإحلل الغنائم‪ ,‬وهو‬
‫اختيكككككككككككار ابكككككككككككن جريكككككككككككر رحمكككككككككككه اللكككككككككككه‪.‬‬
‫ويستشهد لهذا القول‪ ,‬بما أخرجاه في الصحيحين عن جككابر بككن‬
‫عبد الله رضي الله عنه قال‪ :‬قككال رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪» :‬أعطيت خمسا ً لم يعطهن أحد من النبياء قبلي‪ :‬نصككرت‬
‫بككالرعب مسككيرة شككهر‪ ,‬وجعلككت لككي الرض مسككجدا ً وطهككورًا‪,‬‬
‫وأحلت لي الغنائم ولم تحل لحد قبلي‪ ,‬وأعطيت الشفاعة‪ ,‬وكككان‬
‫النبي يبعث إلى قومه‪ ,‬وبعثت إلى الناس عامككة« وقككال العمككش‬
‫عن أبي صالح‪ ,‬عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬قككال رسككول‬
‫الله صلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬لككم تحككل الغنككائم لسككود الككرؤوس‬
‫غيرنا« ولهذا قال تعكالى‪} :‬فكلكوا ممكا غنمتكم حلل ً طيبكًا{ ا َ‬
‫ليكة‪,‬‬
‫فعند ذلك أخذوا من السارى الفداء‪ ,‬وقد روى المام أبو داود في‬
‫سننه‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العبسي‪ ,‬حككدثنا سككفيان بككن‬
‫حبيب‪ ,‬حدثنا(شعبة عن أبي العنبس‪ ,‬عن أبككي الشككعثاء‪ ,‬عككن ابككن‬
‫عباس‪ ,‬أن رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم جعككل فككداء أهككل‬
‫الجاهلية يوم بدر أربعمائة‪ ,‬وقد استمر الحكككم فككي السككرى عنككد‬
‫جمهور العلماء‪ ,‬أن المام مخير فيهم إن شاء قتل كما فعل ببنككي‬
‫قريظة‪ ,‬وإن شاء فادى بمال كما فعل بأسرى بككدر‪ ,‬أو بمككن أسككر‬
‫من المسلمين‪ ,‬كما فعل رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فككي‬
‫تلك الجارية وابنتها‪ ,‬اللتين كانتا في سبي سلمة بن الكككوع‪ ,‬حيككث‬
‫ردهمككا وأخككذ فككي مقابلتهمككا مككن المسككلمين الككذين كككانوا عنككد‬
‫المشككركين‪ ,‬وإن شككاء اسككترق مككن أسككر‪ .‬هككذا مككذهب المككام‬
‫‪979‬‬
‫الشككافعي وطائفككة مككن العلمككاء‪ ,‬وفككي المسككألة خلف آخككر بيككن‬
‫الئمكككككة‪ ,‬مقكككككرر فكككككي موضكككككعه مكككككن كتكككككب الفقكككككه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه فِككي‬ ‫سَرىَ ِإن ي َعْل َكم ِ الل ّك ُ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬
‫م ّ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ي أي ْ ِ‬ ‫من فِ َ‬ ‫ي ُقل ل ّ َ‬ ‫** ي َأي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ه غَُفككوٌر‬ ‫م َوالل ّك ُ‬ ‫م وَي َغِْفكْر ل َك ُك ْ‬ ‫منك ُك ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫مآ أ ُ ِ‬ ‫م ّ‬‫خْيرا ً ّ‬ ‫م َ‬ ‫خْيرا ً ي ُؤْت ِك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫من ْهُ ك ْ‬
‫ن ِ‬ ‫مك َ َ‬ ‫ل ف َ كأ ْ‬‫من قَب ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫خاُنوا ْ الل ّ َ‬‫ك فََقد ْ َ‬ ‫دوا ْ ِ‬
‫خَيان َت َ َ‬ ‫ري ُ‬ ‫م * وَِإن ي ُ ِ‬ ‫حي ٌ‬
‫ّر ِ‬
‫م‬‫كيكككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ه عَِليكككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫َوالّلكككككككككككككككككككككك ُ‬
‫قال محمد بن إسحاق‪ :‬حدثني العباس بن عبد اللككه بككن مغفككل‬
‫عن بعض أهله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر‪» :‬إني قد عرفت أن أناسا ً‬
‫من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها ً ل حاجة لهم بقتالنا فمككن‬
‫لقي منكم أحدا ً منهم ك أي من بني هاشم ك فل يقتلككه‪ ,‬ومككن لقككي‬
‫أبككا البخككتري بككن هشككام فل يقتلككه‪ ,‬ومككن لقككي العبككاس بككن عبككد‬
‫المطلب فل يقتله‪ ,‬فإنه إنما أخرج مستكرهًا« فقال أبو حذيفة بن‬
‫عتبة أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونككترك العبككاس واللككه‬
‫لئن لقيته للجمنه بالسيف فبلغككت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم فقال لعمر بن الخطاب »يا أبا حفص ك قال عمر واللككه إنككه‬
‫لول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حفص ككك‬
‫أيضرب وجه عم رسول الله صلى اللكه عليكه وسكلم بالسكيف ؟«‬
‫فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فوالله لقد نافق‪,‬‬
‫فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك والله ما آمن من تلك الكلمة التي‬
‫قلت ول أزال منها خائفا ً إل أن يكفرها الله تعككالى عنككي بشككهادة‪,‬‬
‫فقتل يوم اليمامة شهيدا ً رضي الله عنه‪ .‬وبه عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫لما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بككدر‪ ,‬والسككارى‬
‫محبوسون بالوثاق‪ ,‬بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهرا ً‬
‫أول الليل فقال له أصحابه يا رسككول اللككه مككا لككك ل تنككام ؟ وقككد‬
‫أسر العباس رجل من النصار فقال رسول الله صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم »سمعت أنين عمي العباس في وثاقه فككأطلقوه« فسكككت‬
‫فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قككال محمككد بككن إسككحاق‪:‬‬
‫وكان أكثر السارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلككب وذلككك‬
‫أنه كان رجل موسرا ً فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهبًا‪ ,‬وفي صككحيح‬
‫‪980‬‬
‫البخاري من حديث موسى بن عقبة قال ابن شككهاب حككدثنا أنككس‬
‫بن مالك أن رجال ً من النصار قالوا يا رسول الله ائذن لنا فلنترك‬
‫لبن أختنا عباس فداءه‪ .‬قال »ل والله ل تذرون منه درهمًا« وقال‬
‫يونس بن بكير عن محمد بن إسككحاق عككن يزيككد بككن رومككان عككن‬
‫عروة عن الزهري عن جماعة سماهم قككالوا‪ :‬بعثككت قريككش إلككى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فككي فككداء أسككراهم ففككدى كككل‬
‫قوم أسيرهم بما رضوا‪ ,‬وقككال العبككاس يككا رسككول اللككه قككد كنككت‬
‫مسلما ً فقكال رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم‪» :‬اللكه أعلكم‬
‫بإسلمك فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيككك وأمككا ظككاهرك فقككد‬
‫كان علينا فافتد نفسك وابنككي اخيككك نوفككل بككن الحككارث بككن عبككد‬
‫المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب‪ ,‬وحليفك عتبة بن‬
‫عمرو أخي بني الحارث بن فهر«‪ :‬قال مككا ذاك عنككدي يككا رسككول‬
‫الله قال‪» :‬فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضككل ؟ فقلككت لهككا‬
‫إن أصبت في سفري هذا‪ ,‬فهذا المال الككذي دفنتككه لبنككي الفضككل‬
‫وعبد الله وقثم« قال‪ :‬والله يا رسول الله إني لعلم أنككك رسككول‬
‫الله إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغيككر أم الفضككل فاحسككب‬
‫لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم »ل ذاك شيء أعطانا الله‬
‫تعالى منك« ففدى نفسه وابنككي أخككويه وحليفككه فككأنزل اللككه عككز‬
‫وجل }يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من السرى إن يعلم اللككه‬
‫في قلوبكم خيرا ً يؤتكم خيككرا ً ممككا أخككذ منكككم ويغفككر لكككم واللككه‬
‫غفور رحيم{ قال العباس فأعطاني الله مكككان العشككرين الوقيككة‬
‫في السلم عشرين عبدا ً كلهم في يككده مككال يضككرب بككه مككع مككا‬
‫أرجو من مغفرة الله عز وجل‪ ,‬وقد روى ابككن إسككحاق أيض كا ً عككن‬
‫ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس في هككذه ا َ‬
‫ليككة بنحككو ممككا‬
‫تقدم‪ .‬وقال أبو جعفر بن جرير‪ :‬حدثنا ابن وكيع حدثنا ابن إدريككس‬
‫عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قككال‪ :‬قككال العبككاس‪:‬‬
‫ي نزلت }مككا كككان لنككبي أن يكككون لككه أسككرى حككتى يثخككن فككي‬ ‫ف ّ‬
‫الرض{ فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بإسلمي وسألته أن‬
‫يحاسبني بالعشرين الوقية التي أخذت منككي فككأبى فأبككدلني اللككه‬
‫بها عشرين عبدا ً كلهم تاجر مالي في يده‪ ,‬وقال ابن إسحاق أيضا ً‬
‫حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما عن‬
‫‪981‬‬
‫جابر بن عبد الله بن ربككاب قككال ككان العبككاس بككن عبككد المطلكب‬
‫يقول في نزلت والله حين ذكرت لرسككول اللككه صككلى اللككه عليككه‬
‫وسلم إسلمي ثم ذكر نحو الحديث كالذي قبله‪ .‬وقال ابككن جريككج‬
‫عن عطاء الخراساني عن ابن عباس }يا أيها النبي قل لمككن فككي‬
‫أيديكم من السرى{ عباس وأصحابه قال‪ :‬قالوا للنبي صلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪ :‬آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله لننصحن لككك‬
‫على قومنا‪ .‬فأنزل الله }إن يعلكم اللكه فكي قلككوبكم خيككرا ً يككؤتكم‬
‫خيرا ً مما أخذ منكم{ إيمانا ً وتصككديقا ً يخلككف لكككم خيككرا ً ممككا أخككذ‬
‫منكم }ويغفر لكم{ الشرك الذي كنتم عليككه قككال فكككان العبككاس‬
‫لية لم تنزل فينا وإن لكي الكدنيا لقكد قكال‬ ‫يقول ما أحب أن هذه ا َ‬
‫}يؤتكم خيرا ً مما أخذ منكم{ فقد أعطككاني خيككرا ً ممككا أخككذ منككي‬
‫مائة ضعف وقال }ويغفككر لكككم{ وأرجككو أن يكككون قككد غفككر لككي‪,‬‬
‫وقال علي بن أبككي طلحككة عككن ابككن عبككاس فككي هككذه ا َ‬
‫ليككة كككان‬
‫العباس أسر يوم بدر فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب فقال‬
‫لية لقد أعطاني الله عز وجككل خصككلتين‬ ‫العباس حين قرئت هذه ا َ‬
‫ما أحب أن لي بهما الدنيا‪ :‬إني أسككرت يككوم بككدر ففككديت نفسككي‬
‫بأربعين أوقية فآتاني أربعين عبدا ً وإني لرجو المغفرة التي وعدنا‬
‫لية‪ :‬ذكر لنا أن رسول‬ ‫الله عز وجل فقال قتادة في تفسير هذه ا َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا ً‬
‫وقد توضأ لصلة الظهر فما أعطى يككومئذ شككاكيا ً ول حككرم سككائل ً‬
‫وما صلى يومئذ حتى فرقه‪ ,‬فككأمر العبككاس أن يأخككذ منكه ويحتكثي‬
‫فكان العباس يقول‪ :‬هذا خير مما أخذ منا وأرجككو المغفككرة وقككال‬
‫يعقوب بن سككفيان‪ :‬حككدثنا عمككرو بككن عاصككم حككدثنا سككليمان بككن‬
‫المغيرة عن حميد بن هلل قال بعث ابن الحضككرمي إلككى رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم من البحرين ثمانين ألف كا ً مككا أتككاه مككال‬
‫أكثر منه ل قبل ول بعد‪ .‬قال فنثرت على حصير ونككودي بالصككلة‪.‬‬
‫قال وجاء رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم فمثككل قائم كا ً علككى‬
‫المال وجاء أهل المسجد فما كان يومئذ عدد ول وزن مككا كككان إل‬
‫فيضا ً وجاء العباس بن عبد المطلب فحثا في خميصة عليه وذهب‬
‫يقوم فلم يستطع قال فرفع رأسككه إلككى رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله ارفع علككي‪ .‬قككال فتبسككم رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حتى خككرج ضككاحكه أو نككابه وقككال لككه‪:‬‬
‫‪982‬‬
‫»أعد من المال طائفة وقم بما تطيق« قال ففعل وجعل العبكاس‬
‫يقول‪ :‬وهو منطلق أما إحدى اللتين وعدنا اللككه فقككد أنجزنككا‪ ,‬ومككا‬
‫ندري ما يصنع الله في الخرى }يا أيها النبي قل لمن في أيككديكم‬
‫لية ثم قال‪ :‬هذا خيككر ممككا أخككذ منككا ومككا أدري مككا‬ ‫من السرى{ ا َ‬
‫يصنع الله في الخرى فما زال رسول الله صلى الله عليه وسككلم‬
‫ماثل ً على ذلك المال حتى ما بقي منه درهم وما بعككث إلككى أهلككه‬
‫بككككككككككدرهم ثككككككككككم أتككككككككككى الصككككككككككلة فصككككككككككلى‪.‬‬
‫)حديث آخر في ذلك( ك قال الحافظ أبو بكر الككبيهقي‪ :‬أنبأنككا أبككو‬
‫عبد الله الحافظ أخبرني أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد اللككه‬
‫السعيدي حدثنا محمد بن عصام حدثنا حفص بكن عبكد اللكه حككدثنا‬
‫إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بككن مالككك‬
‫قال‪ :‬أتي رسول الله صلى الله عليككه وسككلم بمككال مككن البحريككن‬
‫فقال »انثروه في مسجدي« قال وكان أكثر مال أتككي بككه رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى الصلة ولم يلتفت إليه فلما‬
‫قضى الصلة جاء فجلس إليككه فمككا كككان يككرى أحككدا ً إل أعطككاه إذ‬
‫جاءه العباس فقال يا رسول اللككه أعطنككي فككإني فككاديت نفسككي‪,‬‬
‫وفاديت عقيل ً فقال له رسول الله صلى الله عليككه وسككلم »خككذ«‬
‫فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضككهم يرفعككه‬
‫ي‪ ,‬قككال »ل« فنككثر منككه ثككم‬ ‫إلي قال »ل« قككال فككارفعه أنككت عل ك ّ‬
‫احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال رسول الله صلى الله عليككه‬
‫وسلم يتبعه بصره حككتى خفككي عنككه عجبكا ً مككن حرصككه‪ ,‬فمككا قككام‬
‫م منهككا درهككم‪ ,‬وقككد رواه‬ ‫رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم وث َك ّ‬
‫البخاري في مواضع من صحيحه تعليقا ً بصيغة الجزم يقول‪ :‬وقككال‬
‫إبراهيم بن طهمان ويسوقه وفي بعض السككياقات أتككم مككن هككذا‪.‬‬
‫وقوله }وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللككه مككن قبككل{ أي }وإن‬
‫يريدوا خيانتك{ فيما أظهروا لك من القوال }فقد خانوا الله مككن‬
‫قبل{ أي من قبل بدر بككالكفر بككه }فككأمكن منهككم{ أي بالسككارى‬
‫يوم بدر }والله عليم حكيم{ أي عليم بفعله حكيم فيه‪ .‬قال قتادة‬
‫نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح الكاتب حين ارتد ولحككق‬
‫بالمشككركين‪ ,‬وقككال ابككن جريككج عككن عطككاء الخراسككاني عككن ابككن‬
‫عباس‪ :‬نزلت في عباس وأصحابه حين قالوا‪ :‬لننصككحن لككك علككى‬
‫‪983‬‬
‫قومنا وفسرها السككدي علككى العمككوم وهككو أشككمل وأظهككر واللككه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫م وَأن ُْف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬ ‫دوا ْ ب ِأ ْ‬ ‫جُروا ْ وَ َ‬
‫جاهَ ُ‬ ‫ها َ‬‫مُنوا ْ وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫** إ ِ ّ‬
‫مُنككوا ْ‬ ‫ك بعضه َ‬ ‫ُ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض َوال ّ ِ‬ ‫م أوْل َِيآُء ب َعْ ٍ‬ ‫صُروَا ْ أوَْلـئ ِ َ َ ْ ُ ُ ْ‬ ‫ن آَووا ْ وّن َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الل ّهِ َوال ّ ِ‬
‫ن‬ ‫جُروا ْ وَإ ِ ِ‬ ‫ى ي ُهَككا ِ‬ ‫حت ّك َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫شك ْ‬ ‫مككن َ‬ ‫مككن وَل َي َت ِهِككم ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ل َك ُك ْ‬‫جُروا ْ َ‬ ‫م ي َُها ِ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ى قَ كوْم ٍ ب َي ْن َك ُك ْ‬ ‫َ‬ ‫ن فَعَل َي ْك ُ ُ‬ ‫صُروك ُ ْ‬
‫م‬‫م وَب َي ْن َهُ ك ْ‬ ‫صُر إ ِل ّ عَل َ‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫سَتن َ‬ ‫ا ْ‬
‫صككككككككككيٌر‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلككككككككككو َ‬ ‫مككككككككككا ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ميَثككككككككككاقٌ َوالّلكككككككككك ُ‬ ‫ّ‬
‫ذكر تعالى أصناف المؤمنين وقسمهم إلى مهاجرين خرجوا مككن‬
‫ديارهم وأموالهم وجاءوا لنصر الله ورسككوله وإقامككة دينككه وبككذلوا‬
‫أموالهم وأنفسهم في ذلك‪ ,‬وإلى أنصار وهم المسلمون من أهككل‬
‫المدينة إذ ذاك آووا إخكوانهم المهكاجرين فكي منكازلهم وواسكوهم‬
‫في أموالهم ونصروا الله ورسوله بالقتال معهم فهككؤلء }بعضككهم‬
‫لخر من كككل أحككد‪ ,‬ولهككذا آخككى‬ ‫أولياء بعض{ أي كل منهم أحق با َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم بيككن المهككاجرين والنصككار كككل‬
‫اثنين أخوان فكانوا يتوارثون بذلك إرثا ً مقدما ً علككى القرابككة حككتى‬
‫نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث‪ ,‬ثبت ذلك في صحيح البخاري عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬ورواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عنه‪ ,‬وقال مجاهككد‬
‫وعكرمة والحسن وقتادة وغيككر واحككد‪ :‬قككال المككام أحمككد‪ :‬حككدثنا‬
‫وكيع عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن جرير هككو ابككن عبككد‬
‫الله البجلي رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى اللككه عليككه‬
‫وسلم‪» :‬المهاجرون والنصار بعضهم أولياء بعككض‪ ,‬والطلقككاء مككن‬
‫قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلككى يككوم القيامككة«‬
‫تفرد به أحمد‪ .‬وقال الحافظ أبو يعلى‪ :‬حدثنا سفيان حدثنا عكرمة‬
‫يعني ابن إبراهيم الزدي حدثنا عاصم عن شقيق عن ابن مسككعود‬
‫قككال‪ :‬سككمعت رسككول اللككه صككلى اللككه عليككه وسككلم يقككول‪:‬‬
‫»المهاجرون والنصار‪ ,‬والطلقاء من قريككش والعتقككاء مككن ثقيككف‬
‫لخرة« هكذا رواه في مسند عبككد‬ ‫بعضهم أولياء بعض في الدنيا وا َ‬
‫اللكككككككككككككككككككككككه بكككككككككككككككككككككككن مسكككككككككككككككككككككككعود‪.‬‬
‫وقد أثنى الله ورسوله على المهاجرين والنصار‪ ,‬في غير ما آيكة‬
‫في كتابه‪ ,‬فقال‪} :‬والسابقون الولون مككن المهككاجرين والنصككار‪,‬‬
‫‪984‬‬
‫والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضككوا عنككه وأعككد لهككم‬
‫لية‪ ,‬وقال }لقد تاب الله علككى النككبي‬ ‫جنات تجري تحتها النهار{ ا َ‬
‫والمهاجرين والنصككار الككذين ابتعككوه فككي سككاعة العسككرة{ ا َ‬
‫وقككال تعككالى‪} :‬للفقككراء المهككاجرين الككذين أخرجككوا مككن ديككارهم‬
‫وأموالهم يبتغون فضل ً من الله ورضوانا ً وينصككرون اللككه ورسككوله‬
‫أولئك هم الصادقون * والذين تبككوءوا الككدار واليمككان مككن قبلهككم‬
‫يحبون من هاجر إليهم ول يجدون في صدورهم حاجككة ممككا أوتككوا‬
‫ليككة وأحسككن مككا‬ ‫ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصككة{ ا َ‬
‫قيل في قوله }ول يجدون في صدورهم حاجككة ممككا أوتككوا{ أي ل‬
‫يحسدونهم على فضل ما أعطاهم الله على هجرتهم‪ ,‬فككإن ظككاهر‬
‫ليات تقديم المهاجرين على النصار‪ ,‬وهذا أمر مجمككع عليككه بيككن‬ ‫ا َ‬
‫العلماء ل يختلفون في ذلك‪ ,‬ولهذا قال المام أبككو بكككر أحمككد بككن‬
‫عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده‪ :‬حككدثنا محمككد بككن معمككر‬
‫حدثنا مسلم بن إبراهيم‪ ,‬حدثنا حماد بن سلمة‪ ,‬عن علي بن زيككد‪,‬‬
‫عن سعيد بن المسيب‪ ,‬عن حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬خيرني رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بين الهجرة والنصرة‪ ,‬فاخترت الهجرة‪ ,‬ثككم قككال‪:‬‬
‫ل نعرفه إل مككن هككذا الككوجه‪ ,‬وقككوله تعكالى‪} :‬والككذين آمنكوا ولكم‬
‫يهاجروا ما لكم من وليتهم{ قرأ حمزة وليتهم بالكسر‪ ,‬والباقون‬
‫بالفتح‪ ,‬وهما واحد كالدللة والدللككة }مككن شككيء حككتى يهككاجروا{‬
‫هككذا هككو الصككنف الثككالث مككن المككؤمنين‪ ,‬وهككم الككذين آمنككوا ولككم‬
‫يهاجروا‪ ,‬بل أقاموا في بككواديهم‪ ,‬فهككؤلء ليككس لهككم فككي المغككانم‬
‫نصككككيب‪ ,‬ول فككككي خمسككككها إل مككككا حضككككروا فيككككه القتككككال‪.‬‬
‫كما قال أحمد‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن علقمة بككن مرثككد‪,‬‬
‫عن سليمان بن بريدة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن يزيد بككن الخصككيب السككلمي‬
‫رضي الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬كان رسول الله صككلى اللككه عليككه وسككلم إذا‬
‫بعث أميرا ً على سرية أو جيش‪ ,‬أوصاه في خاصككة نفسككه‪ ,‬بتقككوى‬
‫الله وبمن معه من المسلمين خيرًا‪ ,‬وقال‪» :‬اغزوا باسم الله فككي‬
‫سبيل الله‪ ,‬قاتلوا من كفر بالله‪ ,‬إذا لقيت عدوك مككن المشككركين‬
‫فادعهم إلى إحدى ثلث خصال ك أو خلل ك فأيتهن ما أجابوك إليها‬
‫فاقبل منهم‪ ,‬وكف عنهم‪ .‬ادعهم إلى السلم‪ ,‬فإن أجابوك فاقبككل‬
‫منهم وكف عنهككم‪ .‬ثككم ادعهككم إلككى التحككول مككن دارهككم إلككى دار‬
‫المهاجرين‪ ,‬وأعلمهم إن فعلوا ذلككك أن لهككم مككا للمهككاجرين‪ ,‬وأن‬
‫‪985‬‬
‫عليهم ما على المهككاجرين‪ ,‬فككإن أبككوا واختككاروا دارهككم‪ ,‬فككأعلمهم‬
‫أنهم يكونون كأعراب المسلمين‪ ,‬يجككري عليهككم حكككم اللككه الككذي‬
‫يجري على المؤمنين‪ ,‬ول يكون لهم في الفيككء والغنيمككة نصككيب‪,‬‬
‫إل أن يجاهدوا مع المسلمين‪ ,‬فإن هم أبككوا‪ ,‬فككادعهم إلككى إعطككاء‬
‫الجزية‪ .‬فإن أجابوا فاقبل منهكم وككف عنهكم‪ ,‬فكإن أبكوا فاسكتعن‬
‫بالله وقاتلهم« انفرد به مسلم‪ ,‬وعنده زيادات أخككر‪ ,‬وقككوله }وإن‬
‫ليكة‪ ,‬يقكول تعكالى وإن‬ ‫استنصروكم في الكدين فعليككم النصكر{ ا َ‬
‫استنصركم هؤلء العراب‪ ,‬الذين لم يهاجروا في قتال ديني علككى‬
‫عدو لهم فانصروهم‪ ,‬فإنه واجب عليكم نصككرهم‪ ,‬لنهككم إخككوانكم‬
‫في الدين‪ ,‬إل أن يستنصروكم على قوم من الكفار‪ ,‬بينكم وبينهككم‬
‫ميثاق أي مهادنة إلى مدة‪ ,‬فل تخفروا ذمتكم ول تنقضككوا أيمككانكم‬
‫مع الذين عاهدتم‪ ,‬وهذا مروي عن ابككن عبككاس رضككي اللككه عنككه‪.‬‬
‫** واّلذين ك ََفروا ْ بعضه َ‬

‫ة فِككي‬ ‫ض إ ِل ّ ت َْفعَل ُككوهُ ت َك ُك ْ‬
‫ن فِت ْن َك ٌ‬ ‫م أوْل ِي َككآُء ب َعْ ك ٍ‬
‫َْ ُ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫سككككككككككككككككككككككككككككككككاد ٌ كِبيككككككككككككككككككككككككككككككككٌر‬ ‫ض وَفَ َ‬
‫الْر ِ‬
‫لما ذكر تعالى أن المؤمنين بعضهم أولياء بعككض‪ ,‬قطككع المككوالة‬
‫بينهم وبين الكفار‪ ,‬كما قال الحاكم فككي مسككتدركه‪ :‬حككدثنا محمككد‬
‫بن صالح بن هانىء‪ ,‬حدثنا أبو سككعيد يحيككى بككن منصككور الهككروي‪,‬‬
‫حدثنا محمد بن أبان‪ ,‬حدثنا محمد بكن يزيكد وسكفيان بكن حسكين‪,‬‬
‫عن الزهري‪ ,‬عن علي بن الحسين‪ ,‬عككن عمككرو بككن عثمككان‪ ,‬عككن‬
‫أسامة‪ ,‬عن النبي صلى اللككه عليككه وسككلم قككال »ل يتككوارث أهككل‬
‫ملتين‪ ,‬ول يرث مسلم كافرًا‪ ,‬ول كافر مسلما ً ك ثم قرأ ك }والككذين‬
‫كفروا بعضهم أولياء بعض إل تفعلوه تكن فتنة في الرض وفسككاد‬
‫كككبير{« ثككم قككال الحككاكم‪ :‬صككحيح السككناد ولككم يخرجككاه‪ .‬قلككت‪:‬‬
‫الحديث فككي الصككحيحين مككن روايككة أسككامة بككن زيككد‪ ,‬قككال‪ :‬قككال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسككلم‪» :‬ل يككرث المسككلم الكككافر ول‬
‫الكافر المسكلم« وفكي المسكند والسكنن‪ ,‬مكن حكديث عمكرو بكن‬
‫شعيب‪ ,‬عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال رسول اللككه صكلى اللكه عليكه‬
‫وسككلم‪» :‬ل يتككوارث أهككل ملككتين شككتى« وقككال الترمككذي‪ :‬حسككن‬
‫صحيح وقال أبو جعفر بن جريككر‪ :‬حككدثنا محمككد‪ ,‬عككن معمككر‪ ,‬عككن‬
‫الزهري‪ ,‬أن رسول الله صلى اللككه عليككه وسككلم أخككذ علككى رجككل‬
‫‪986‬‬
‫دخل في السلم‪ ,‬فقال‪» :‬تقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتحج الككبيت‬
‫وتصوم رمضان‪ ,‬وإنك ل ترى نار مشرك إل وأنت له حرب« وهككذا‬
‫مرسل من هذا الوجه‪ ,‬وقد روي متصل ً من وجه آخر عككن رسككول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪» :‬أنا بريء من كل مسلم بيككن‬
‫ظهرانككككي المشككككركين« ثككككم قككككال‪» :‬ل يككككتراءى ناراهمككككا«‪.‬‬
‫وقال أبو داود في آخر كتاب الجهككاد‪ :‬حككدثنا محمككد بككن داود بككن‬
‫سفيان‪ ,‬أخبرني يحيى بن حسان‪ ,‬أنبأنككا سككليمان بككن موسككى أبككو‬
‫داود‪ ,‬حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب أخبرني خبيب بككن‬
‫سليمان عن سمرة بن جندب‪ :‬أما بعد قال رسول الله صلى اللككه‬
‫عليه وسلم‪» :‬من جامع المشرك وسكن معككه فككإنه مثلككه« وذكككر‬
‫الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث حاتم بن إسماعيل عن عبد‬
‫الله بن هرمز عن محمد وسعيد ابني عبيد عن أبي حككاتم المزنككي‬
‫قال‪ :‬قكال رسكول اللكه صكلى اللكه عليكه وسكلم‪» :‬إذا أتكاكم مكن‬
‫ترضون دينه وخلقككه فككأنكحوه‪ ,‬إل تفعلككوه تكككن فتنككة فككي الرض‬
‫وفساد عريض« قالوا‪ :‬يا رسول الله وإن كان فيه قال‪» :‬إذا أتاكم‬
‫مككن ترضككون دينككه وخلقككه فككأنكحوه« ثلث مككرات‪ ,‬وأخرجككه أبككو‬
‫داودوالترمذي من حديث حاتم بن إسككماعيل بككه بنحككوه‪ ,‬ثككم روي‬
‫من حديث عبد الحميد بن سليمان‪ :‬عن ابن عجلن عن أبي وثيمة‬
‫النضري عن أبي هريرة رضككي اللككه عنككه قككال‪ :‬قككال رسككول اللككه‬
‫صككلى اللككه عليككه وسككلم‪» :‬إذا أتككاكم مككن ترضككون خلقككه ودينككه‬
‫فزوجوه‪ ,‬إل تفعلوه تكن فتنة في الرض وفساد عريكض« ومعنكى‬
‫قوله }إل تفعلوه تكن فتنككة فككي الرض وفسككاد كككبير{ أي إن لككم‬
‫تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين وإل وقعككت فتنككة فككي النككاس‬
‫وهو التباس المر واختلط المؤمنين بالكافرين فيقككع بيككن النككاس‬
‫فسكككككككككككككاد منتشكككككككككككككر عريكككككككككككككض طويكككككككككككككل‪.‬‬
‫ن آَووا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّكهِ َوال ّك ِ‬ ‫سكِبي ِ‬‫دوا ْ فِككي َ‬ ‫جاهَك ُ‬ ‫جُروا ْ وَ َ‬ ‫مُنوا ْ وَهَككا َ‬‫نآ َ‬ ‫** َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م*‬ ‫ري ك ٌ‬ ‫مغِْفكَرةٌ وَُرِْزقٌ ك َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫حّقكا ً ل ّهُك ْ‬‫ن َ‬ ‫من ُككو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك هُ ك ُ‬‫صكُروَا ْ ُأوَلـكئ ِ َ‬ ‫وّن َ َ‬
‫م‬‫منك ُك ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م فَأوَْلـكئ ِ َ‬ ‫معَك ُك ْ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫جاهَك ُ‬ ‫جُروا ْ وَ َ‬
‫مككن ب َعْكد ُ وَهَككا َ‬ ‫من ُككوا ْ ِ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ل‬ ‫ه ب ِك ُك ّ‬ ‫ن الل ّك َ‬ ‫ب الل ّكهِ إ ِ ّ‬ ‫ض فِككي ك ِت َككا ِ‬ ‫ضه ُ ْ َ َ‬ ‫وَأوُْلوا ْ الْر َ‬
‫ْ‬
‫ى ب ِب َعْك ٍ‬‫م أوْل َ‬ ‫حام ِ ب َعْ ُ‬
‫م‬
‫يٍء عَِليككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ٌ‬ ‫شككككككككككككككككككككككككككككككككككككك ْ‬ ‫َ‬
‫‪987‬‬
‫لما ذكر تعالى حكم المؤمنين في الدنيا عطف بذكر مككالهم فككي‬
‫لخرة‪ ,‬فأخبر عنهم بحقيقة اليمان كمككا تقككدم فككي أول السككورة‬ ‫ا َ‬
‫وأنه سبحانه سيجازيهم بالمغفرة والصفح عن الككذنوب إن كككانت‪,‬‬
‫وبالرزق الكريم وهو الحسن الكثير الطيب الشريف دائم مسككتمر‬
‫أبدا ً ل ينقطع ول ينقضي ول يسأم ول يمل لحسنه وتنوعه‪ .‬ثم ذكر‬
‫أن التباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليككه مككن اليمككان والعمككل‬
‫لخككرة‪ ,‬كمككا قككال }والسككابقون الولككون{‬ ‫الصالح فهم معهم في ا َ‬
‫لية‪ .‬وفي الحديث المتفق‬ ‫لية وقال }والذين جاءوا من بعدهم{ ا َ‬ ‫ا َ‬
‫عليه بل المتواتر من طرق صحيحة‪ ,‬عن رسككول اللككه صككلى اللككه‬
‫عليه وسلم أنه قال »المرء مع مككن أحككب« وفككي الحككديث ا َ‬
‫لخككر‬
‫»من أحب قوما ً فهو منهككم« وفككي روايككة »حشككر معهككم«‪ .‬وقككال‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا وكيع عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عككن‬
‫جرير قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليككه وسككلم‪» :‬المهككاجرون‬
‫والنصار بعضهم أولياء لبعض‪ ,‬والطلقاء من قريش والعتقككاء مككن‬
‫ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة« قككال شككريك‪ :‬فحككدثنا‬
‫العمش عن تميم بن سلمة عن عبد الرحمن بن هلل عن جريككر‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله‪ ,‬تفككرد بككه أحمككد مككن هككذين‬
‫الوجهين‪ .‬وأما قوله تعالى‪} :‬وأولو الرحككام بعضككهم أولككى ببعككض‬
‫في كتاب الله{ أي في حكم اللككه وليككس المككراد بقككوله‪} :‬وأولككو‬
‫الرحام{ خصوصية ما يطلقه علماء الفرائض على القرابككة الككذين‬
‫ل فرض لهم ول هككم عصككبة‪ ,‬بككل يككدلون بككوارث كالخالككة والخككال‬
‫والعمككة وأولد البنككات وأولد الخككوات ونحككوهم‪ ,‬كمككا قككد يزعمككه‬
‫لية ويعتقد ذلك صريحا ً في المسألة بل الحككق أن‬ ‫بعضهم ويحتج با َ‬
‫لية عامككة تشككمل جميككع القرابككات‪ ,‬كمككا نككص عليككه ابككن عبككاس‬ ‫ا َ‬
‫ومجاهد وعكرمة والحسن وقتككادة وغيككر واحككد علككى أنهككا ناسككخة‬
‫ل‪ ,‬وعلككى هككذا‬‫للرث بالحلف والخاء اللذين كانوا يتوارثون بهما أو ً‬
‫فتشمل ذوي الرحام بالسم الخاص‪ ,‬ومن لم يورثهم يحتككج بأدلككة‬
‫من أقواها حديث »إن الله قد أعطى كل ذي حق حقككه فل وصككية‬
‫لوارث« قالوا‪ :‬فلككو كككان ذا حككق لكككان ذا فككرض فككي كتككاب اللككه‬
‫مسككمى فلمككا لككم يكككن كككذلك لككم يكككن وارثككًا‪ ,‬واللككه أعلككم‪.‬‬
‫‪988‬‬
www.ahlalhdeeth.com
989

تفسير ابن كثير الجزء الخامس

Uploaded by

Document Information

Original Title

Copyright

Available Formats

Share this document

Share or Embed Document

Sharing Options

Did you find this document useful?

Is this content inappropriate?

Copyright:

Available Formats

تفسير ابن كثير الجزء الخامس

Uploaded by

Copyright:

Available Formats

‫ملتقى أهل الحديث‬

‫تفسير القران العظيم‬

‫وقككوله عككز وجككل‪} :‬فككإن آنسككتم منهككم رشككدا ً فككادفعوا إليهككم‬

‫ذكككككككر مككككككن قككككككال هككككككذه ا َ‬

‫ن‬ ‫كك ّ‬ ‫ن َفكِإن ُ‬ ‫حكظ ال ُن ْث َي َْيك ِ‬

‫مككن‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫سول َ ُ‬

‫ذككككككككككككككككر الحكككككككككككككككاديث فكككككككككككككككي ذلكككككككككككككككك‬

‫أحككككككككككككككاديث فككككككككككككككي ذلككككككككككككككك مرسككككككككككككككلة‬

‫سككآَء ك َْرهكا ً وَل َ‬ ‫ل ل َك ُك َ‬ ‫َ‬

‫ل إ ِل ّ َأن ت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫)ذكككككككككككر أقككككككككككوال السككككككككككلف فككككككككككي ذلككككككككككك(‬

‫أقكككككككككككوال ابكككككككككككن عبكككككككككككاس فكككككككككككي ذلكككككككككككك‬

‫ب‬ ‫صككي ٌ‬ ‫ل نَ ِ‬ ‫ض ّللّر َ‬

‫قال‪ :‬ويعني بقوله }مما تككرك الوالككدان والقربككون{‪ ,‬مككن تركككة‬

‫ض‬ ‫ضه ُ ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ما فَ ّ‬ ‫ن عََلى الن ّ َ‬ ‫ل قَ ّ‬ ‫جا ُ‬

‫** ال ّذين يبخُلون ويأ ْ‬

‫مككن‬ ‫ت ِ‬ ‫عْفَها وَي ُؤْ ِ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سن َ ً‬

‫ضكل َل َ َ‬ ‫ن ال ْك ِت َك‬ ‫** أ َل َم تر إَلى ال ّكذي ُ‬

‫ى أ َهْل ِهَككا وَإ ِ َ‬ ‫ماَنا ِ َ‬ ‫** إن الل ّه يأ ْمرك ُ َ‬

‫ر‬ ‫** يا أ َيها ال ّذين آمنوا ْ أ َطيعوا ْ الل ّه وأ َطيعوا ْ الرسككو َ ُ‬

‫قال البخاري‪ :‬حدثنا صدقة بن الفضل‪ ,‬حكدثنا حجكاج بكن محمكد‬

‫ل‬‫مككآ ُأنككزِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫مآ أ ُن ْزِ َ‬‫مُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬

‫م كوَا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ما‬ ‫م ّ‬‫من دَِيارِك ُ ْ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خُر ُ‬‫م أ َوِ ا ْ‬

‫)ذككككككككر سكككككككبب نكككككككزول هكككككككذه ا َ‬

‫ميعكا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ص كل َةَ َوآت ُككوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ثم قيل‪ :‬المشيدة هي المشيدة كما قككال‪ :‬وقصككر مشككيد وقيككل‪:‬‬

‫قال ابن هشام‪ :‬وكان كسرى سابور ذو الكتاف قتل الساطرون‬

‫س كل َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬

‫س كب ُوَا ْ‬ ‫** فَمككا ل َك ُكم فككي ال ْمنككافقين فئ َتي كن والل ّك َ‬

‫طئا ً‬‫خ َ‬ ‫منا ً َ‬

‫ل الل ّهِ فَت َب َي ُّنوا ْ وَل َ ت َُقوُلككوا ْ‬ ‫مُنوا ْ إ ِ َ‬ ‫َ‬

‫جُنكوب ِك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صل َةَ َفاذ ْك ُُروا ْ الل ّ َ‬

‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫** ل ّيس بأ َمان ِيك ُم ول أ َمان ِي أ َ‬

‫م‬ ‫ى عَل َي ْك ُك ْ‬ ‫َ‬

‫َ‬ ‫مَرأ َةٌ َ‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬

‫ذي ن َّز َ َ‬ ‫َ‬

‫موَا ْ إ ِل َككى‬‫ذا قَككا ُ‬ ‫م وَإ ِ َ‬‫خككادِعُهُ ْ‬ ‫ه وَهُ كوَ َ‬ ‫ن الل ّك َ‬‫عو َ‬

‫ً‬ ‫َ‬ ‫ل ال ْكتكاب َ‬ ‫ك أَ‬

‫ذكر الحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم إلككى الرض مككن‬

‫)صكككككككككككككفة عيسكككككككككككككى عليكككككككككككككه السكككككككككككككلم(‬

‫م‬‫ت ل َهُ ك ْ‬ ‫حل ّك ْ‬‫ت أُ ِ‬

‫ن‬‫مَقّرُبككو َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ن عَْبدا ً لل ّهِ وَل َ ال ْ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ح َأن ي َ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬

‫م ن ُككورا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫)ذككككككككككككككككككككر الكلم علكككككككككككككككككككى معناهكككككككككككككككككككا(‬

‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِ ِ‬

‫ل لّ ُ‬ ‫ل ل َك ُم الط ّيبات وط َعام ال ّذي ُ‬ ‫م أُ ِ‬

‫ن‬‫مك َ‬‫ى فَت ْكَرةٍ ّ‬ ‫ن ل َك ُك ْ َ‬

‫حقّ إ ِذ ْ قَّرب َككا قُْرَبانكا ً فَت ُُقب ّك َ‬ ‫َ‬

‫ذكككككككككككككككر أقككككككككككككككوال المفسككككككككككككككرين ههنككككككككككككككا‬

‫ك ك َتبنا عَل َى بن ِي إسراِئي َ َ‬ ‫** م َ‬

‫دوا ْ ِفككي‬ ‫سيل َ َ‬ ‫َ‬

‫ليكككككات الكريمكككككات‬ ‫سكككككبب آخكككككر فكككككي نكككككزول هكككككذه ا َ‬

‫مككا قَككاُلوا ْ ب َك ْ‬ ‫َ‬

‫مآ ُأنزِ َ‬ ‫َ‬

‫خذ ْنا ميَثاقَ بن ِي إسراِئي َ َ‬ ‫َ‬

‫سككى‬ ‫عي َ‬ ‫داُوود َ وَ ِ‬ ‫ن َ‬‫سكا ِ‬ ‫ى لِ َ‬ ‫سَراِئي َ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫** ل ُعِ َ‬

‫كوا ْ‬ ‫ش كَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫مُنوا ْ ال ْي َهُككود َ َوال ّك ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫داوَةً ل ّل ّ ِ‬

‫م وَل َ ت َعَْتككد ُوَا ْ‬ ‫َ‬ ‫** يأ َ‬

‫ذككككككر الحكككككاديث الكككككواردة فكككككي بيكككككان تحريكككككم الخمكككككر‬

‫شيٍء من الصيد تنككال ُ َ‬ ‫َ‬