Professional Documents
Culture Documents
ابن خلدون
المقدمة:
يعد "ابن خلدون" عبقرية عربية متميزة ،فقد كان عالمًا موسوعيًا متعدد المعارف والعلوم ،وهو رائد في
كثير من العلوم والفنون ،فهو المؤسس الول لعلم الجتماع ،وإمام ومجدد في علم التاريخ ،وأحد رواد فن
"التوبيوجرافيا" ـ فن الترجمة الذاتية ـ كما أنه أحد العلماء الراسخين في علم الحديث ،وأحد فقهاء المالكية
المعدودين ،ومجدد في مجال الدراسات التربوية ،وعلم النفس التربوي والتعليمي ،كما كان له إسهامات متميزة في
التجديد في أسلوب الكتابة العربية .ترك ابن خلدون أسرته بفاس ورحل إلى الندلس من جديد ،فنزل في ضيافة
سلطانها "ابن الحمر" حينًا ،ثم عاد إلى "المغرب" مرة أخرى ،وقد عقد العزم على أن يترك شئون السياسة،
ويتفرغ للقراءة والتصنيف .واتجه "ابن خلدون" بأسرته إلى أصدقائه من "بني عريف" ،فأنزلوه بأحد قصورهم في
"قلعة ابن سلمة" ـ بمقاطعة ـ"وهران" بالجزائر ـ وقضى "ابن خلدون" مع أهله في ذلك المكان القصي النائي
نحو أربعة أعوام ،نعم خللها بالهدوء والستقرار ،وتمكن من تصنيف كتابه المعروف "كتاب العبر وديوان المبتدأ
والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ،ومن عاصرهم من ذوي السلطان الكبر" ،والذي صدره بمقدمته الشهيرة
التي تناولت شئون الجتماع النساني وقوانينه ،وقد فرغ "ابن خلدون" من تأليفه وهو في نحو الخامسة والربعين
بعد أن نضجت خبراته ،واتسعت معارفه ومشاهداته
رائد علم الجتماع بل منازع
مـولده:
ولد بن خلدون فى تونس عام 1332م ،وتوفى بمصر عام 1406م عن عم يناهز الرابعة و السبعين.
نسبه :
يعود بأصثله إلى وائل بثن حجثر مثن عرب اليمثن ..هاجرت أسثرته مثن الجزيرة العربيثة لتسثتوطن فثى الندلس ،ثثم
هاجرت عنها واستقرت فى تونس .
نشأة "ابن خلدون" وشيوخه
ولد "ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي" بتونس في [ غرة رمضان 732هـ= 27من مايو 1332م] ،ونشأ في بيت
علم ومجد عريق ،فحفظ القرآن في وقت مبكر من طفولته ،وقد كان أبوه هو معلمه الول ،كما درس على
مشاهير علماء عصره ،من علماء الندلس الذين رحلوا إلى تونس بعدما ألم بها من الحوادث ،فدرس القراءات
وعلوم التفسير والحديث والفقه المالكي ،والصول والتوحيد ،كما درس علوم اللغة من نحو وصرف وبلغة
وأدب ،ودرس كذلك علوم المنطق والفلسفة والطبيعية والرياضيات ،وكان في جميع تلك العلوم مثار إعجاب
أساتذته وشيوخه.
ومن أبرز هؤلء الساتذة والمشايخ :محمد بن عبد المهيمن الحضرمي ،ومحمد بن سعد بن برال
النصاري ،ومحمد بن الشواشي الزرزالي ،ومحمد بن العربي الحصا يري ،وأحمد بن القصار ،ومحمد بن جابر
القيسي ،ومحمد بن سليمان الشظى ،ومحمد بن إبراهيم البي ،وعبد ال بن يوسف المالقي ،وأحمد الزاوي،
ومحمد بن عبد السلم وغيره.
وكان أكثر هؤلء المشايخ تأثيرا في فكره وثقافته :محمد بن عبد المهيمن الحضرمي ،إمام المحدثين
والنجاة في المغرب ،ومحمد بن إبراهيم البلي الذي أخذ عنه علوم الفلسفة والمنطق والطبيعة والرياضيات.
كما قدم ابن خلدون لهذا الكتاب ببحث عام في الجتماع النساني ..وهو البحث الذي اشتهر فيما بعد باسم " مقدمة
ابن خلدون " ،وكان عمره حينئذ خمسة وأربعون عام.
كان ينقص ابن خلدون أثناء كتابته لهذا الكتاب المصادر الموسعة والكتب التي لم تكن متاحة له في قلعة ابن سلمة
،لذلك رحثل هثو وأسثرته إلى تونثس ،وظثل فثي تونثس أربعثة سثنوات عاكفثا على البحثث و التأليثف معتمدا على
مكتباتها الغنية بكل ما يحتاج إليه من مراجع ..
في تونس أراد السلطان الستعانة باين خلدون ،لكن ابن خلدون الذي عانى كثيرا تقلبات السياسة ،خاف أن ينقلب
عليثه السثلطان مرة أخرى ،فآثثر المغادرة .وراح يقنثع السثلطان بفكرة الحثج ،وحيثن وافثق الخيثر ترك ابثن خلدون
أهله في تونس ،وأبحر إلى السكندرية التي وصل إليها في أول أيام عيد الفطر ..ومنها ذهب إلى القاهرة .
فثي القاهرة لقثي ابثن خلدون مثن علمائهثا وأهلهثا ،أحسثن اسثتقبال ،والتثف حوله عدد كثبير مثن طالبثي العلم وهثو يلقثى
محاضراتثه فثي الجامثع الزهثر ،وفثى تلك الثناء لم يتوقثثف ابثن خلدون عثن مراجعثة كتابثه " العثبر " و المقدمثة
الخاصة به.
ولكن سرعان ما انقلبت الحوال بابن خلدون حينما بلغ السلطان "أبو عنان" أن "ابن خلدون" قد اتصل بأبي عبد
ال محمد الحفصي ـ أمير "بجاية" المخلوع ـ وأنه دبر معه مؤامرة لسترداد ملكه ،فسجنه أبو عنان ،وبرغم ما
بذله ابن خلدون من شفاعة ورجاء فإن السلطان أعرض عنه ،وظل "ابن خلدون" في سجنه نحو عامين حتى توفي
السلطان سنة [ 759هـ= 1358م].
ولما آل السلطان إلى "أبي سالم أبي الحسن" صار "ابن خلدون" ذا حظوة ومكانة عظيمة في ديوانه ،فوله السلطان
كتابة سره والترسيل عنه ،وسعى "ابن خلدون" إلى تحرير الرسائل من قيود السجع التي كانت سائدة في عصره،
كما نظم الكثير من الشعر في تلك المرحلة التي تفتحت فيها شاعريته.
وفي "غرناطة" لقي "ابن خلدون" قدرًا كبيرًا من الحفاوة والتكريم من السلطان "محمد بن يوسف بن الحمر" ـ
سلطان "غرناطة" ـ ووزيره "لسان الدين بن الخطيب" الذي كانت تربطه به صداقة قديمة ،وكلفة السلطان
طرُه بن الهنشة بن أذقونش لعقد الصلح بينهما ،وقد أدى ابن خلدون مهمته بنجاح
بالسفارة بينه وبين ملك قشتالة ِب ْ
كبير ،فكافأه السلطان على حسن سفارته بإقطاعه أرضًا كبيرة ،ومنحه كثيرًا من الموال ،فصار في رغد من
العيش في كنف سلطان "غرناطة".
ولكن لم تدم سعادة "ابن خلدون" طويل بهذا النعيم ،إذ لحقته وشايات الحاسدين والعداء ،حتى أفسدوا ما بينه
وبين الوزير "ابن الخطيب" الذي سعى به بدوره لدى السلطان ،وعندئذ أدرك "ابن خلدون" أنه لم يعد له مقام
بغرناطة بل و"الندلس" كلها.
وفي تلك الثناء أرسل إليه "أبو عبد ال محمد الحفصي" ـ أمير "بجاية" الذي استطاع أن يسترد عرشه ـ يدعوه
إلى القدوم إليه ،ويعرض عليه أن يوليه الحجابة وفاء لعهده القديم له ،فغادر ابن خلدون الندلس إلى بجاية
فوصلها في منتصف عام [ 766هـ= 1365م] ،فاستقبله أميرها ،وأهلها استقبال حافل في موكب رسمي شارك
فيه السلطان وكبار رجال دولته ،وحشود من الجماهير من أهل البلد.
الفرار من جديد
وظل ابن خلدون في رغدة من العيش وسعة من الرزق والسلطان حتى اجتاح "أبو العباس أحمد" ـ صاحب
"قسطنطينية" ـ مملكة ابن عمه المير "أبي عبد ال" وقتله واستولى على البلد ،فأقر "ابن خلدون" في منصب
حمّو" ـ سلطان "تلمسان" ـ أن يوليه الحجابة
الحجابة حينا ،ثم لم ليبث أن عزله منها فعرض عليه المير "أبو َ
على أن يساعده في الستيلء على "بجاية" بتأليب القبائل واستمالتها إليه؛ لما يعلمه من نفوذه وتأثيره ،ولكن ابن
خلدون اعتذر عن قبول الوظيفة ،وعرض أن يرسل أخاه يحيى بدل منه ،إل أنه استجاب إلى ما طلبه منه من
حشد القبائل واستمالتها إليه.ولكن المور انتهت بهزيمة "أبي حمو" وفراره ،وعاد "ابن خلدون" إلى الفرار من
جديد بعد أن صار مطاردًا من كل حلفائه.
وترك "ابن خلدون" منصبه القضائي سنة [ 787هـ= 1385م] بعد عام واحد من وليته له ،وما لبث السلطان أن
عينه أستاذًا للفقه المالكي بالمدرسة "الظاهرية البرقوقية" بعد افتتاحها سنة [ 788هـ= 1386م].
ولكن وشايات الوشاة ومكائدهم لحقته حتى عزله السلطان ،واستأذن "ابن خلدون" في السفر إلى فلسطين لزيارة
بيت المقدس ،وقد بجل ابن خلدون رحلته هذه ووصفها وصفًا دقيقًا في كتابه التعريف.
وبعد ،فلقد كان ابن خلدون مثال للعالم المجتهد والباحث المتقن ،والرائد المجدد في العديد من العلوم والفنون،
وترك بصمات واضحة ل على حضارة وتاريخ السلم فحسب ،وإنما على الحضارة النسانية عامة ،وما تزال
مصنفاته وأفكاره نبراسًا للباحثين والدارسين على مدى اليام والعصور.
الخاتمة
يعد ابن خلدون المنشئ الول لعلم الجتماع ،وتشهد مقدمته الشهيرة بريادته لهذا العلم ،فقد عالج فيها ما يطلق
عليه الن "المظاهرات الجتماعية" ـ أو ما أطلق عليه هو "واقعات العمران البشري" ،أو "أحوال الجتماعي
النساني".
وقد اعتمد ابن خلدون في بحوثه على ملحظة ظواهر الجتماع في الشعوب التي أتيح له الحتكاك بها ،والحياة
بين أهلها ،وتعقب تلك الظواهر في تاريخ هذه الشعوب نفسها في العصور السابقة.
وقد كان "ابن خلدون" ـ في بحوث مقدمته ـ سابقًا لعصره ،وتأثر به عدد كبير من علماء الجتماع الذين جاءوا
من بعده مثل :اليطالي "فيكو" ،واللماني " ليسنج" ،والفرنسي"فوليتر" ،كما تأثر به العلمة الفرنسي الشهير "جان
جاك روسو" والعلمة النجليزي "مالتس" والعلمة الفرنسي "أوجيست كانط".
المراجع
الكتاب مقدمة إبن خلدون للكاتب أدريس الخويلدي.
www.ibnjaldun.com/index.php?id=63&L=8
الجامع ة الخل يجية
ابن خلدون
رائد عل م الج تم اع