You are on page 1of 92

‫أسرار‬

‫البيان‬
‫في التعبير‬
‫القرآني‬
‫للدكتور ‪ /‬فاضــل صالـح السامرائــــــــي‬
‫أستاذ النحو في جامعة الشارقة‬

‫‪1‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫‪ (11‬وهذه محاضرة ألقاها الدكتور فاضل السامرائي ضمن فعاليات جائزة دبي الدولية‬
‫للقرآن الكريم عام ‪2002‬م‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬

‫القرآن هو تعبير بياني مقصود أي أن كل كلمة وكل حرف فيه ُوضع‬


‫وضعا ً مقصودًا‪.‬‬
‫الذكر والحذف‪:‬‬
‫مما َل‬ ‫خ َ‬ ‫قموا َرب ّ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫َ‬
‫و ً‬‫وا ي َ ْ‬ ‫شم ْ‬ ‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫كم ْ‬ ‫هما الّنما ُ‬ ‫قال تعــالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ن‬ ‫شي ًْئا إ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ز َ‬ ‫جا ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫وُلودٌ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَل َ‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬ ‫ول َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وال ِدٌ َ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ه‬ ‫م ب ِممالل ّ ِ‬ ‫غّرن ّك ُم ْ‬ ‫وَل ي َ ُ‬ ‫حي َمماةُ ال مدّن َْيا َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫غّرن ّك ُ ُ‬ ‫فَل ت َ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َ‬ ‫عدَ الل ّ ِ‬ ‫و ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫فيمم ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ما ت ُْر َ‬ ‫و ً‬ ‫قوا ي َ ْ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫غُروُر )‪ (33‬لقمان( وقال تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫ْ‬
‫ال َ‬
‫ن)‬ ‫مممو َ‬ ‫م َل ي ُظْل َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ت َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫فى ك ُ ّ‬ ‫و ّ‬ ‫م تُ َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫إ َِلى الل ّ ِ‬
‫‪ (281‬البقرة( اليتين جملتان وصفيتان فلمــاذا الحــذف )فيه( فــي‬
‫إحــداها والــذكر فــي الخــرى؟ الســبب أن التقــدير حاصــل )يجزي‬
‫فيه( لكــن لمــاذا الحــذف؟ الحــذف يفيــد الطلق ول يختــص بــذلك‬
‫اليوم‪ .‬فالجزاء ليس منحصرا ً في ذلك اليوم وإنما سيمتد أثــره إلــى‬
‫ما بعد ذلك اليوم وكلما يذكر الجــزاء يحــذف )فيــه( )ل تجــزي( و)ل‬
‫يجزي(‬
‫أما في الية الثانية فذكر )فيه( لنه منحصر فقط في يوم الحســاب‬
‫وليس عمومًا‪ .‬وكذلك في قــوله تعــالى )يخــافون يوم ـا ً تتقلــب فيــه‬
‫القلوب والبصار( اليوم منحصر في يوم القيامة والحساب لذا ذكــر‬
‫)فيه(‪ .‬وحذف )فيه( عندما كان اليوم ليس محصورا ً بيوم معين‪.‬‬
‫َ‬ ‫قاُلوا َتالل ّه ت َ ْ ُ‬
‫ن‬ ‫و ت َك ُممو َ‬ ‫ضمما أ ْ‬ ‫حَر ً‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ت َ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫فت َأ ت َذْك ُُر ُيو ُ‬ ‫ِ‬ ‫) َ‬
‫ن )‪ (85‬يوســف( محــذوف حــرف النفــي )ل( )تــالله ل‬ ‫كي َ‬ ‫هال ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫تفتأ(‪ .‬القاعدة ‪ :‬أنه إذا كان فعل مضارع مثبت لبد من حــرف اللم‬
‫فإن لم تذكر اللم فهو منفي مثال‪ :‬والله أفعل )معناهــا ل أفعــل( و‬
‫واللــه لفعــل )معناهــا أثب ّــت الفعــل( فلمــاذا حــذف إذن؟ هــذا هــو‬
‫حــذف فيــه حــرف النفــي جواب ـا ً‬ ‫الموطن الوحيد في القــرآن الــذي ُ‬
‫ن‬ ‫مُنمو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ك َل ي ُ ْ‬ ‫وَرّبم َ‬ ‫فَل َ‬ ‫للقسم‪ .‬وقد جاء في القرآن قوله تعــالى ) َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫سم ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫في أ َن ْ ُ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫م َل ي َ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫جَر ب َي ْن َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫في َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫موا‬ ‫س ُ‬‫ق َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ما )‪ (65‬النساء( ) َ‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫عل َي ْم ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ع ً‬ ‫و ْ‬ ‫ت ب ََلى َ‬ ‫مو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َل ي َب ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ِ ِ‬ ‫هدَ أي ْ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ِبالل ّ ِ‬
‫قا ول َكن أ َ‬
‫ن )‪ (38‬النحل(‪ .‬إنما آية سورة‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫س َل ي َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ح ّ َ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫يوسف هي الوحيدة التي تفيد النفي ولــم يــذكر فيهــا حــرف النفــي‬
‫لماذا؟ الذين أقسموا هم إخوة يوسف ومــن المقــرر فــي النحــو أن‬
‫الــذكر يفيــد التوكيــد والحــذف أقــل توكيــدًا‪ .‬فعلــى مــاذا أقســموا؟‬

‫‪2‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫أقسموا أن أباهم ل يزال يذكر يوسف حتى يهلك فهل هم متأكــدون‬
‫من ذلك؟ أي هل هم متأكدون أن أبــاهم ســيفعل ذلــك حــتى يهلــك‬
‫وهل حصل ذلك؟ كل لم يحصل‪.‬‬
‫في حين في كل القسام الخرى في القرآن المر فيها مؤكــد‪ .‬أمــا‬
‫في هذه الية ل يؤكد بالحذف لحرف النفي مع أنه أفاد النفي‪.‬‬
‫كن وأطفأ النار يقال فتأت النار‬ ‫فتأ‪ :‬من معانيها في اللغة نسي وس ّ‬
‫والتيان بالفعل )فتأ( في هذه الية وفي هذا الموطن جمع كل هــذه‬
‫كن‬ ‫ف عن ذكره أو ُيس ـ ّ‬ ‫المعاني‪ .‬كيف؟ المفقود مع اليام ُينسى وُيك ّ‬
‫لوعة الفراق أو نار الفراق في فؤاد وفي نفس من ُفقــد لــه عزيــز‪.‬‬
‫ولو اختار أي فعل من الفعال الخرى المرادفة لفعل فتأ لم تعطـي‬
‫كل هذه المعاني المختصة في فعل فتأ‪.‬‬
‫س‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ح َ‬ ‫قْر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫قال تعالى في سورة آل عمران )إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫عل َم َ‬ ‫ول ِي َ ْ‬‫س َ‬ ‫ن الن ّمما ِ‬ ‫ها ب َي ْم َ‬ ‫ول ُ َ‬ ‫دا ِ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك اْلّيا ُ‬ ‫وت ِل ْ َ‬
‫ه َ‬‫مث ْل ُ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫قْر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫حمم ّ‬ ‫والّلمم ُ‬ ‫داءَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫شمم َ‬ ‫م ُ‬ ‫كمم ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ذ ِ‬ ‫خمم َ‬ ‫وي َت ّ ِ‬‫مُنمموا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه اّلمم ِ‬ ‫الّلمم ُ‬
‫َ‬ ‫ه اّلمم ِ‬
‫ق‬
‫حمم َ‬ ‫م َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫مُنمموا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ص الّلمم ُ‬ ‫حمم َ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ِي ُ َ‬
‫ن )‪َ (140‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظممال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪ ((141‬اللم فــي )ليعلممم( هــي لم التعليــل ثــم قــال‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫كا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حص( عطــف وذكــر‬ ‫تعالى )يتخذ( عطف بــدون لم ثــم قــال )ليم ّ‬
‫اللم ثم قــال )يمحق( عطــف بــدون ذكــر اللم ‪ ،‬لمــاذا ؟ قلنــا أن‬
‫الذكر للتوكيد وما حذف أقل توكيدا ً وإذا استعرضنا الفعال في الية‬
‫فهل كلها بدرجة واحدة من التوكيد والحذف؟‬
‫)وليعلم( الله تعالى يريد ذلك مـن كـل شـخص علمـا ً يتحقـق منـه‬
‫الجزاء لكل شخص‪ .‬إذن هو أمر عام لجميع الذين آمنــوا ومــن غيــر‬
‫الذين آمنوا فهو أمر ثابت مطلق لكل فرد من الفراد‪.‬‬
‫)يتخذ( ل يتخذ كل المؤمنين شهداء فهذا الفعل ليس بدرجة اتساع‬
‫الفعل الول وهو ليس متعقل ً بكل فرد‪.‬‬
‫)ليمحص( متعلق بكل فرد وهذا يتعلق به الجزاء‪.‬‬
‫)يمحممق( لــم يمحــق كــل الكــافرين محق ـا ً تام ـا ً فــالكفر واليمــان‬
‫موجودان‪.‬‬
‫إذن عندما يذكر اللم على وجه العموم والمقصــود يكــون كــل فــرد‬
‫من الفراد والحذف عكس ذلك‪.‬‬
‫قال تعالى )ولتبتغوا فضل ً من ربكممم( فــي الحــالتين ذكــر اللم‬
‫لن المرين مطلوبين حتما ً في هذه الحياة‪.‬‬
‫َ‬
‫ذاًبا‬ ‫عم َ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن ب ِأ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬‫مَنا ِ‬ ‫ر ال ْ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫قال تعالى في سورة النساء )ب َ ّ‬
‫ر‬ ‫وب َ ّ‬ ‫َ‬
‫شم ِ‬ ‫ممما )‪ ((138‬وقممال تعممالى فممي سممورة البقممرة ) َ‬
‫عمُلوا الصال ِحات أ َ‬
‫أِلي ً‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫مم ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬‫ٍ‬ ‫ما‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ّ َ ِ‬ ‫و َ ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫‪3‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫قمماُلوا َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫هم َ‬ ‫قمما َ‬ ‫رْز ً‬ ‫ِ‬ ‫ة‬
‫مَر ٍ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫من ْ َ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ز ُ‬ ‫ِ‬ ‫ما ُر‬ ‫هاُر ك ُل ّ َ‬ ‫ها اْلن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫ل ُ‬
‫ج‬ ‫وا ٌ‬ ‫همما أْز َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫هم ْ‬ ‫ول َ ُ‬
‫ها َ‬ ‫شمماب ِ ً‬ ‫مت َ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫وأُتوا ب ِ ِ‬ ‫قب ْ ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَنا ِ‬ ‫ز ْ‬ ‫ذي ُر ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن )‪((25‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫هَرةٌ َ‬ ‫مطَ ّ‬ ‫ُ‬
‫ذكر الباء في اليــة الولــى )بــأن( وحــذفها فــي الثانيــة )أن( مــع أن‬
‫التقــدير هــو )بــأن( لمــاذا؟ لن تبشــير المنــافقين آكــد مــن تبشــير‬
‫صــل فــي عــذاب المنــافقين‬ ‫كد وف ّ‬ ‫المؤمنين ‪ ،‬ففي السورة الولى أ ّ‬
‫في عشرة آيات من قوله )ومن يكفر بالله وملئكته(‪ .‬أما في اليــة‬
‫الثانية فهي الية الوحيدة التي ذكر فيها كلما ً عــن الجــزاء وصــفات‬
‫المؤمنين في كل ســورة البقــرة‪ .‬إذن )بــأن( أكــثر مــن )أن( فالبــاء‬
‫الزائدة تناسب الزيادة في ذكر المنافقين وجزاؤهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مم َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن ب ِأ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ر ال ْ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫وب َ ّ‬ ‫وقال تعالى في سورة الحزاب ) َ‬
‫صــل فــي الســورة جــزاء‬ ‫ض مًل ك َِبي مًرا )‪ ((47‬لنــه تعــالى ف ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫المؤمنين وصفاتهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ر‬
‫قممدَ ٍ‬ ‫ماءً ب ِ َ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫وأن َْزل َْنا ِ‬ ‫قال تعالى في سورة المؤمنون ) َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫ه لَ َ‬ ‫عل َممى ذَ َ‬ ‫في اْل َْر‬ ‫سك َّناهُ ِ‬ ‫َ َ‬
‫قمماِدُرو َ‬ ‫ب ب ِم ِ‬ ‫همما ٍ‬ ‫وإ ِّنا َ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫فأ ْ‬
‫ه‬‫واك ِ ُ‬ ‫فم َ‬ ‫همما َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫عَنا ٍ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫شأَنا ل َك ُ ْ‬
‫فأ َن ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫وت ِل ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫ن )‪ ((19‬وقــال فــي ســورة الزخــرف ) َ‬ ‫ها ت َأك ُُلو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫ك َِثيَرةٌ َ‬
‫ة ال ِّتي ُ‬
‫همما‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن )‪ (72‬ل َك ُم ْ‬ ‫مل ُممو َ‬ ‫ع َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُم ْ‬ ‫ها ب ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫رث ْت ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫أو‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ‬
‫ن )‪ ((73‬ذكر الواو في الولــى )ومنهــا(‬ ‫ها ت َأك ُُلو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ة ك َِثيَرةٌ ِ‬ ‫ه ٌ‬ ‫فاك ِ َ‬ ‫َ‬
‫وحذف الواو في الثانية )منها( لماذا؟ في سورة المؤمنــون الســياق‬
‫في الكلم عن الدنيا وأهل الدنيا وتعداد النعم قــال )ومنهــا تــأكلون(‬
‫فالفاكهة في الدنيا ليست للكل فقط فمنها مــا هــو للدخــار والــبيع‬
‫دخرون‪،‬‬ ‫والمرّبيات والعصــائر فكــأنه تعــالى يقصــد باليــة ‪ :‬ومنهــا تـ ّ‬
‫مى عطف علــى محــذوف‪.‬‬ ‫ومنها تعصرون ومنها تأكلون وهذا ما ُيس ّ‬
‫أما في سورة الزخرف فالسياق في الكلم عن الجنة والفاكهة فــي‬
‫الجنة كلها للكل ول ُيصنع منها أشياء أخرى‪.‬‬
‫الحذف من الفعل‪:‬‬
‫دل –‬ ‫تتوفــاهم – توفّــاهم‪ ،‬تن ـّزل – تتن ـّزل‪ ،‬تــذكرون – تتــذكرون‪ ،‬تب ـ ّ‬
‫تتبدل‪.‬‬
‫الحذف من الفعل يدخل تحت ضابطين في القرآن كله‪:‬‬
‫‪ .1‬يحذف من الفعل إما للدللة على القتطاع من الفعل‪.‬‬
‫‪ .2‬يحذف من الفعل في مقام اليجاز ويذكر في مقام التفصيل‪.‬‬
‫م‬ ‫ه ث ُم ّ‬ ‫قمماُلوا َرب ّن َمما الل ّم ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى في ســورة فصــلت )إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫حَزن ُمموا‬ ‫وَل ت َ ْ‬ ‫فوا َ‬ ‫خمما ُ‬ ‫ة أّل ت َ َ‬ ‫مَلئ ِك َم ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هم ُ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫ل َ َ‬ ‫موا ت َت َن َمّز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪ ((30‬وقــال فــي ســورة‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ُتو َ‬ ‫ة ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫وأب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫َ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬
‫ر‬ ‫مم ٍ‬ ‫لأ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َرب ّ ِ‬ ‫ها ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫في َ‬ ‫ح ِ‬ ‫والّرو ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫القدر )ت َن َّز ُ‬
‫)‪ ((4‬استخدم نفس الفعــل المضــارع لكــن حــذفت التــاء فــي اليــة‬
‫الثانية )تنّزل( لماذا؟‬
‫الية الولى هي عند الموت تنزل الملئكة على الشخص المســتقيم‬
‫تبشّره بمآله إلى الجنة ‪ ،‬أما الثانية فهي في ليلة القدر ‪ ،‬التنّزل في‬
‫الية الولى يحدث في كل لحظة لنه في كل لحظــة يمــوت مــؤمن‬
‫في هذه الرض إذن الملئكة في مثل هــذه الحالــة تتن ـّزل فــي كــل‬
‫لحظة وكل وقت أما في الية الثانية فهي في ليلة واحدة في العــام‬
‫وهــي ليلــة القــدر‪ .‬لذن التنـّزل الول أكــثر اســتمرارية مــن التنـّزل‬
‫الثاني‪ ،‬ففي الحدث المستمر جاء الفعل كامل ً غير مقتطــع )تتنـّزل(‬
‫أما في الثانية في الحدث المتقطع اقتطع الفعل )تنّزل(‪.‬‬
‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫فمما ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مثال آخر في قوله تعالى في سورة النســاء )إ ِ ّ‬
‫قمماُلوا ك ُن ّمما‬ ‫م َ‬ ‫م ك ُن ْت ُم ْ‬ ‫في م َ‬ ‫قمماُلوا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫سم‬ ‫ف ِ‬ ‫مي أ َن ْ ُ‬ ‫ة ظَممال ِ ِ‬ ‫مَلئ ِك َم ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫في اْل َْر‬
‫ة‬
‫ع ً‬ ‫سم َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ض الل ّ م ِ‬ ‫ن أْر ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫قاُلوا أل َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ض َ‬‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫صمميًرا )‬ ‫ْ‬ ‫فأول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ها َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سمماءَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّم ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وا ُ‬ ‫م مأ َ‬ ‫ك َ‬ ‫في َ‬ ‫جُروا ِ‬ ‫ها ِ‬ ‫فت ُ َ‬
‫مي‬ ‫ة ظَممال ِ ِ‬ ‫مَلئ ِك َم ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فمما ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ن ت َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ ((97‬وفي ســورة النحــل )ال ّ ِ‬
‫ه‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ء ب ََلى إ ِ ّ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ك ُّنا ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫وا ال ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫فأ َل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ن )‪ .((28‬لنســتعرض المتــوفين فــي‬ ‫مُلممو َ‬ ‫ع َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ممما ك ُن ُْتمم ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عِليمم ٌ‬ ‫َ‬
‫السياقين‪ :‬في آية سورة النساء المتوفون هــم جــزء مــن المتــوفين‬
‫فـــي آيـــة ســـورة النحـــل ففـــي ســـورة النســـاء المتوفـــون هـــم‬
‫المستضـعفون مـن الـذين ظلمـوا أنفسـهم أمـا فـي سـورة النحـل‬
‫فالمتوفون هم ظالمي أنفسهم كلهم على العمــوم‪ .‬فـأعطى تعــالى‬
‫ل‪.‬‬‫القسم الكبر الفعل الطول وأعطى القسم القل الفعل الق ّ‬
‫وَل‬ ‫عممدُ َ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫ممم ْ‬ ‫ساءُ ِ‬ ‫ك الن ّ َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫مثال آخر في سورة الحزاب )َل ي َ ِ‬
‫ت‬ ‫كمم ْ‬ ‫مل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن إ ِّل َ‬ ‫ه ّ‬ ‫سن ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫جب َ َ‬ ‫ع َ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن أْز َ‬
‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫ل بِ ِ‬ ‫ن ت َب َدّ َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫قيب ًمما )‪ ((52‬وقــوله تعــالى‬ ‫ء َر ِ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫مين ُ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫وَل‬ ‫َ‬ ‫) َ‬
‫ب َ‬ ‫ث ب ِممالطّي ّ ِ‬ ‫خِبي م َ‬ ‫وَل ت َت َب َمدُّلوا ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وال َ ُ‬ ‫مم َ‬ ‫مى أ ْ‬ ‫وآُتوا ال ْي ََتا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حوب ًمما ك َِبي مًرا )‪(2‬‬ ‫ن ُ‬ ‫ه ك َمما َ‬ ‫م إ ِن ّم ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مم َ‬ ‫م إ ِل َممى أ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫وال َ ُ‬ ‫مم َ‬ ‫ت َمأك ُُلوا أ ْ‬
‫النساء( في آيــة ســورة الحــزاب هــي مقصــورة علــى الرســول ‪‬‬
‫والحكــم مقصــور عليــه ‪ .‬أمــا اليــة الثانيــة فهــي آيــة عامــة لكــل‬
‫دل هو لعموم المسلمين وليــس مقصــورا ً علــى‬ ‫المسلمين وهذا التب ّ‬
‫أحد معين وإنما هو مستمر إلــى يــوم القيامــة‪ .‬لــذا أعطــى الحــدث‬
‫دل( وأعطــى الحــدث الممتــد الصــيغة‬ ‫الصغير الصيغة القصــيرة )تب ـ ّ‬
‫الممتدة )تتبدلوا(‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ن‬ ‫دي ِ‬ ‫ن الم ّ‬ ‫مم َ‬ ‫م ِ‬ ‫ع ل َك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫مثال آخر‪ :‬قال تعالى في سورة الشورى ) َ‬
‫حي ْن َمما إ ِل َي ْم َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ص مي َْنا ب ِم ِ‬ ‫و ّ‬ ‫ممما َ‬ ‫و َ‬‫ك َ‬ ‫و َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫وال ّم ِ‬ ‫حمما َ‬ ‫ه ُنو ً‬ ‫صممى ب ِم ِ‬ ‫و ّ‬ ‫ممما َ‬ ‫َ‬
‫قمموا‬ ‫فّر ُ‬‫وَل ت َت َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫دي َ‬ ‫ممموا ال م ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫نأ ِ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫جت َِبي إ ِل َْيمم ِ‬
‫ه‬ ‫ه يَ ْ‬‫ه الل ّ ُ‬ ‫م إ ِل َي ْ ِ‬ ‫ه ْ‬‫عو ُ‬ ‫ما ت َدْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ه ك َب َُر َ‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫ب )‪ ((13‬وقــال فــي ســورة آل‬ ‫ن ي ُِني م ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دي إ ِل َي ْ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫شاءُ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫كممُروا‬ ‫واذْ ُ‬ ‫قمموا َ‬ ‫فّر ُ‬ ‫وَل ت َ َ‬ ‫عمما َ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫عت َ ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫عمران ) َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫قُلمموب ِك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ف ب َْيمم َ‬ ‫فممأل ّ َ‬ ‫داءً َ‬ ‫عمم َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م إ ِذْ ك ُن ُْتمم ْ‬ ‫كمم ْ‬‫عل َي ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ة الّلمم ِ‬ ‫ممم َ‬ ‫ع َ‬ ‫نِ ْ‬
‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ن الّنمما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫فَر ٍ‬ ‫ح ْ‬‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫وك ُن ْت ُ ْ‬ ‫واًنا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫مت ِ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م ب ِن ِ ْ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ م ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫عل ّك ُم ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫م آَيات ِ ِ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫ها ك َذَل ِ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قذَك ُ ْ‬ ‫فأن ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪ ((103‬في الية الولى الوصية خالدة من زمن ســيدنا نــوح ‪ ‬إلــى‬
‫خاتم النبياء ‪ ‬فجاء الفعــل )تتفرقــوا( أمــا فــي اليــة الثانيــة فهــي‬
‫خاصة بالمسلمين لذا جاء الفعل )تفّرقوا(‪ .‬والمة المحمديــة هــي‬
‫جزء من المم المذكورة في الية الولى‪ .‬وكذلك فالحدث ممتد في‬
‫الولى )تتفرقوا( والحــدث محــدد فــي الثانيــة )تفرقــوا(‪ .‬فــالولى‬
‫وصية خالدة على زمن الزمان )ول تتفرقمموا فيممه( لن هــذا هــو‬
‫المأتى الـذي يـدخل إليـه أعـداء السـلم فيتفرقـون بـه لـذا جـاءت‬
‫صــى المــة‬ ‫صــى تعــالى المــم مــرة وو ّ‬ ‫الوصــية خالــدة مســتمرة‪ ،‬و ّ‬
‫السلمية مرتين‪ .‬والية الولى أشد تحذيرا ً للمة الســلمية )شممرع‬
‫صممى بممه نوح ما ً والممذي أوحينمما إليممك(‪.‬‬ ‫لكم من الدين ممما و ّ‬
‫ص‬‫ص بالذي أوحينا إليك ثم خ ّ‬ ‫شرعه لنا في الوصية العامة لنوح وخ ّ‬
‫المة السلمية في الية الثانيــة‪.‬والحــذف لــه ســببان هنــا الول لن‬
‫المة المحمدية أصغر‪ .‬ونهانا عن التفّرق مهما كــان قليل ً وأراد ربنــا‬
‫تعالى أن نلتزم بهذا المر )ل تفرقوا( وقال )واعتصممموا بحبممل‬
‫الله جميعا(‪ .‬أكد على الجمـع الكامـل وعلـى سـبيل العمـوم كـأنه‬
‫فرض عين على الجميع فل ُيعفى أحد مـن المسـؤولية أن ل نتفـرق‬
‫وأن نعتصم بحبل اللــه وذكرهــم بنعــم اللــه عليهــم وتوعــدهم علــى‬
‫الختلف بالعذاب العظيم وأطلق العذاب ولم يحصــره فــي الخــرة‬
‫إنما قد يطالهم فــي الــدنيا والخــرة‪ .‬المصــدر ل يعمــل بعــد وصــفه‬
‫)يموم تممبيض وجمموه وتسممود وجمموه( ليســت متعلقــة بالعــذاب‬
‫العظيم‪ .‬التفّرق يكون عذابه عظيما ً في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وقوله تعالى )والذي أوحينا إليــك( اختــار الســم الموصــول )الــذي(‬
‫عندما ذكر شريعة محمد ‪ ‬ولم يقل )وما أوحينا إليك( لن )الــذي(‬
‫ص من )ما( التي تشـترك فـي المفـرد والمثنـى والجمـع‬ ‫أعرف وأخ ّ‬
‫والمذكر والمؤنث‪ .‬وقد بّين تعالى شريعتنا وعرفناها فجاء بــالعرف‬
‫صــى اللــه‬ ‫)اسم الموصول الذي(‪ ،‬ل نعلم على وجــه التفصــيل مــا و ّ‬
‫‪6‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫تعالى نوحا ً وعيسى وموسى وإبراهيم لذا اختار ســبحانه )مــا( اســم‬
‫الموصول غير المعّرف‪.‬‬
‫ن‬ ‫مما َ‬ ‫قدْ آت َي َْنما ل ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ول َ َ‬
‫ق َ‬ ‫مثال آخــر‪ :‬قــال تعــالى فــي ســورة لقمــان ) َ‬
‫حك ْم َ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫شك ُُر ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫فإ ِن ّ َ‬ ‫شك ُْر َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫شك ُْر ل ِل ّ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ةأ ِ‬ ‫ال ْ ِ َ‬
‫د )‪ ((12‬وقــال فــي ســورة إبراهيــم‬ ‫ميم ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ّ‬ ‫غِنم‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلم َ‬ ‫فمإ ِ ّ‬ ‫فَر َ‬ ‫كَ َ‬
‫عمما‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ت َك ْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬
‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫فممي الْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ف مُروا أن ْت ُم ْ‬ ‫سى إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫) َ‬
‫د )‪ ((8‬في الية الولى أكــدها بــ )إن( بقــوله‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫غن ِ ّ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫)فإن الله غني حميد( وغني نكرة وحميــد نكــرة‪ .‬أمــا فــي اليــة‬
‫كد بـ )إن( واللم )فإنه لغني حميد(‪ .‬وفي سورة لقمــان‬ ‫الثانية فأ ّ‬
‫ْ َ‬
‫و‬‫هم َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ م َ‬ ‫ض إِ ّ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫أيضا ً قال تعالى )ل ِل ّ ِ‬
‫د )‪ ((26‬باستخدام الضــمير )هــو( والتعريــف )الغنــي‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫غن ِ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فممي‬ ‫ممما ِ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سم َ‬ ‫فممي ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الحميد( أما في سورة الحج )ل َ ُ‬
‫ي ال ْ َ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫د )‪ ((64‬زاد تعالى اللم على‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫غن ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫الضمير المنفصل )لهو( لماذا؟‬
‫في الفرق بين آية لقمان الولى وآية سورة إبراهيم نجــد أن الثانيــة‬
‫آكد من الولى لنـه ذكـر اللم‪ .‬فــي آيـة ســورة لقمـان ذكـر تعـالى‬
‫صنفين أي جعل الخلق على قسمين ‪ :‬مـن شـكر ومـن كفـر‪ ،‬ومـن‬
‫سممى‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قمما َ‬ ‫و َ‬ ‫كفر بعض من الناس‪ .‬أما في آية سورة إبراهيــم ) َ‬
‫ه لَ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫غِنم ّ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫فمإ ِ ّ‬ ‫عما َ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫فمي الْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫فُروا أن ْت ُ ْ‬ ‫ن ت َك ْ ُ‬ ‫إِ ْ‬
‫كفر أهل الرض جميعا ً لذا جاء قوله )فــإن اللــه‬ ‫د )‪ ((8‬افترض ُ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫لغني حميد( أعم وأشمل‪ .‬إن تكفروا تحتاج إلــى الســتمرار وتحتــاج‬
‫إلى التوكيد فكان التوكيد أنســب مــن اليــة الولــى‪ .‬فــي ســورة آل‬
‫مًنا‬ ‫ن آَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫م إ ِب َْرا ِ‬ ‫قا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫ت ب َي َّنا ٌ‬ ‫ه آَيا ٌ‬
‫في ِ َ‬ ‫عمران ) ِ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫و َ‬ ‫س مِبيًل َ‬ ‫ه َ‬ ‫ع إ ِل َي ْ ِ‬ ‫طا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ج ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫س ِ‬ ‫على الّنا ِ‬
‫ه َ َ‬ ‫ول ِل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ ((97‬باســتخدام صــيغة‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫عممال ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫فَر َ‬ ‫ك َ‬ ‫َ‬
‫عم ِ‬ ‫ي َ‬ ‫غِنم ّ‬ ‫ن اللم َ‬ ‫فمإ ِ ّ‬
‫الماضي وفي آيــة ســورة إبراهيــم )وإن تكفــروا( بصــيغة المضــارع‪.‬‬
‫فعل الماضي بعد أداة الشرط مع المستقبل يفــترض الحــدث مــرة‬
‫ل على تكرار الحدث‪.‬‬ ‫واحدة أما فعل المضارع فيد ّ‬
‫واستخدام صيغة الماضي والمضــارع فــي القــرآن كــثير مثــل قــوله‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قَتمم َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫خطَأ َ‬ ‫مًنا إ ِّل َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬
‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫تعالى ) َ‬
‫ه إ ِّل‬ ‫َ‬
‫ة إ َِلى أ ْ‬ ‫ً‬
‫هل ِ ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫وِدي َ ٌ‬ ‫ة َ‬ ‫من َ ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫قب َ ٍ‬ ‫ريُر َر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫خطَأ َ‬ ‫مًنا َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫و ُ‬ ‫هم َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫و ل َك ُم ْ‬ ‫ع مد ُ ّ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫قم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ك َمما َ‬ ‫ف مإ ِ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫ص مد ّ ُ‬ ‫ن يَ ّ‬ ‫أ ْ‬
‫م‬ ‫هم ْ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وم ٍ ب َي ْن َك ُم ْ‬ ‫قم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ك َمما َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫من َم ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫قب َم ٍ‬ ‫ريُر َر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ة إ َِلى أ ْ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ة َ‬ ‫من َ م ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫قب َ م ٍ‬ ‫ريُر َر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫هل ِ ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫دي َ ٌ‬ ‫ف ِ‬ ‫ميَثاقٌ َ‬ ‫ِ‬
‫ن الّلمم ُ‬
‫ه‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫وب َ ً‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫عي ْ ِ‬ ‫مت ََتاب ِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫هَري ْ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫م َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫جد ْ َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫‪7‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫مًنما‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُم ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫و َ‬ ‫ما )‪ (92‬النساء( وقــوله تعــالى ) َ‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َ‬ ‫عِلي ً‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عن َ م ُ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫غ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫دا ِ‬ ‫خال ِ ً‬‫م َ‬ ‫هن ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ؤهُ َ‬ ‫جَزا ُ‬ ‫ف َ‬ ‫دا َ‬ ‫م ً‬ ‫ع ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ما )‪ (93‬النساء( أي كلما سنحت له الفرصــة‬ ‫ظي ً‬ ‫ع ِ‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫عد ّ ل َ ُ‬ ‫وأ َ‬ ‫َ‬
‫قتل وهذا دليل التكرار لذا جاء الفعل بصيغة المضارع‪ .‬وكــذلك فــي‬
‫قوله تعالى )ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه( صــيغة المضــارع‬
‫لن الشكر يكون في كل لحظة على كل نعم الله أمــا )ومــن كفــر(‬
‫جاء بصيغة الماضي لن الكفر يحصل مرة واحدة فقط‪ .‬وقال تعالى‬
‫م )‪(37‬‬ ‫غان َك ُ ْ‬ ‫ضم َ‬ ‫ج أَ ْ‬ ‫ر ْ‬‫خم ِ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫خل ُمموا َ‬ ‫م ت َب ْ َ‬ ‫فك ُم ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫في ُ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫مو َ‬ ‫س مأل ْك ُ ُ‬
‫َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫)إ ِ ْ‬
‫محمد( سؤال متكرر لن سؤال الموال متكرر فجاء الفعــل بصــيغة‬
‫فَل‬ ‫ها َ‬ ‫ع مد َ َ‬ ‫ء بَ ْ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عم ْ‬ ‫ك َ‬ ‫سأ َل ْت ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫المضارع‪ ،‬وقال تعالى ) َ‬
‫ع مذًْرا )‪ (76‬الكهــف( الســؤال‬ ‫ن ل َمدُّني ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫غ َ‬ ‫قدْ ب َل َ ْ‬ ‫حب ِْني َ‬ ‫صا ِ‬ ‫تُ َ‬
‫حصل مرة واحدة فجاء بصيغة الماضي‪.‬‬
‫أسئلة‪:‬‬
‫‪ .1‬فأكله الذئب‪ :‬لماذا لم يقل أفترسه لن هـذا عـادة‬
‫الذئب الفتراس ؛ والفتراس ُيفترض أن يمّزق ثيابه كلهــا‬
‫ل ذلـك‬ ‫وإخوة يوسف جاءوا علـى قميصـه بـدم كـذب فـد ّ‬
‫على أن الذئب لم يفترسه لذا جاء فعل )فأكله(‪.‬‬
‫َ‬
‫ذاًبا‬ ‫عم َ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن ب ِ مأ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫من َمما ِ‬ ‫ر ال ْ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫‪ .2‬قال تعالى‪) :‬ب َ ّ‬
‫ممما )‪ (138‬النســاء( المعــروف أن التبشــير بالشــيء‬ ‫َ‬
‫أِلي ً‬
‫الحسن أما هنا فجاء التبشير من بــاب الســخرية والتهكــم‬
‫ذق أنك أنممت العزيممز‬ ‫منهم‪ .‬كما في قوله تعالى أيضا ً ) ُ‬
‫الكريم( العزيز الكريم من باب التهكم والسخرية‪.‬‬
‫ل إ ِن ّن ِممي‬ ‫قم ْ‬ ‫لمــاذا نصــب )دين ـًا( فــي قــوله تعــالى ) ُ‬ ‫‪.3‬‬
‫ة‬‫مل ّ م َ‬ ‫ممما ِ‬ ‫قي َ ً‬ ‫قيم ٍ ِدين ًمما ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫داِني َرّبي إ َِلى ِ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(161‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مم َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ممما ك َمما َ‬ ‫و َ‬ ‫فمما َ‬ ‫حِني ً‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫النعام(؟ النصب يدخل في باب التخصيص بالمدح‪.‬‬
‫ر‬ ‫غي ْم ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سم َ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫فم َ‬ ‫ذي َر َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫‪ .4‬قــال تعــالى )الل ّ ُ‬
‫خَر‬ ‫سم ّ‬ ‫و َ‬ ‫ش َ‬ ‫ع مْر ِ‬ ‫عل َممى ال ْ َ‬ ‫وى َ‬ ‫س مت َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫همما ث ُ م ّ‬ ‫ون َ َ‬ ‫د ت ََر ْ‬ ‫مم ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫مى ي ُمدَب ُّر‬ ‫َ‬ ‫كم ّ‬ ‫مَر ُ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫سم ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫جم ٍ‬ ‫ري ِل َ‬ ‫جم ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬
‫ل اْل ََيا ِ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫قن ُممو َ‬ ‫م ُتو ِ‬ ‫ء َرب ّك ُم ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫م ب ِل ِ َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫مَر ي ُ َ‬ ‫اْل ْ‬
‫‪ (2‬الرعد( على ماذا يعود الضمير في ترونها؟ قسم يقول‬
‫إنها عمد غير مرئية بمعنى )بغير عمد مرئية( وقسم قــال‬
‫)بغير عمد ثم استأنف ترونها بمعنى ترونها مرفوعة بغيــر‬
‫عمد‪ .‬هناك تعبيرات قطعيــة وتعــبيرات ظني ّــة وهــذه اليــة‬
‫تحتمل المعنيين‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫‪ .5‬مــا الفــرق بيـن " اســتطاعوا " وَ " اسـطاعوا " فـي‬
‫َ‬
‫ممما‬ ‫و َ‬ ‫ه مُروهُ َ‬ ‫ن ي َظْ َ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫سم َ‬ ‫ممما ا ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ســورة الكهــف ) َ‬
‫قًبا )‪((97‬؟ هــذه مــن الحــذف للتقليــل‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫عوا ل َ ُ‬ ‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫من الفعل كما ذكرنا ســابقًا‪ .‬اســتطاعوا تحتــاج إلــى جهــد‬
‫لنقــب الس ـد ّ أمــا اســطاعوا فهــي للصــعود علــى ظهــره‬
‫وبالتأكيد أن إحداث نقب في السد المصنوع مــن الحديــد‬
‫والنحاس أشد ّ من الصــعود علــى ظهــره ويســتغرق وقت ـا ً‬
‫أطول فحذف من الفعل الذي مدته أقل وذكر في الحدث‬
‫الممتد‪.‬‬
‫ل‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫‪ .6‬ما دللة التذكير والتــأنيث فــي قــوله تعــالى ) َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫عم ْ‬ ‫همما َ‬ ‫فَتا َ‬ ‫ودُ َ‬ ‫ز ت َُرا ِ‬ ‫زي ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫مَرأةُ ال ْ َ‬ ‫ةا ْ‬ ‫دين َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫و ٌ‬ ‫س َ‬ ‫نِ ْ‬
‫ن)‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ها ِ‬ ‫حّبا إ ِّنا ل َن ََرا َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ف َ‬ ‫غ َ‬ ‫ش َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫‪ (30‬يوسف(؟ بحسب القاعدة النحوية المعروفة أنه جائز‬
‫باعتبــار أن جمــع التكســير يجــوز تــذكيره وتــأنيثه‪ .‬يــؤّنث‬
‫كر‬ ‫الفعــل عنــدما يكــون الفاعــل أكــثر وإذا كــان أقــل ي ُــذ ّ‬
‫الفعل‪ .‬ونسوة هن حاشــية امــرأة العزيــز‪ .‬كمــا جــاء فــي‬
‫عمرا ُ َ‬ ‫َ‬
‫مُنموا‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ل َلم ْ‬ ‫قم ْ‬ ‫من ّمما ُ‬ ‫بآ َ‬ ‫ت اْل ْ َ‬ ‫قمال َ ِ‬ ‫قــوله أيض ـا ً ) َ‬
‫ل ا ِْ‬ ‫َ‬
‫فممي‬ ‫ن ِ‬ ‫ممما ُ‬ ‫لي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ممما ي َمدْ ُ‬ ‫ول َ ّ‬ ‫مَنا َ‬ ‫س مل َ ْ‬ ‫قول ُمموا أ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ول َك ِم ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه َل ي َل ِت ْك ُم ْ‬ ‫سممول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عوا الل ّم َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫م )‪ (14‬الحجـرات(‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شي ًْئا إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫مال ِك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫أَ ْ‬
‫استخدم الفعل قالت مؤنثا ً لن العراب ك ُُثر‪ .‬وكذلك فــي‬
‫ه مدَ إ ِل َي ْن َمما أ َّل‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫قمماُلوا إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قــوله تعــالى )ال ّم ِ‬
‫ْ‬ ‫حّتى ي َأ ْت ِي ََنا ب ِ ُ‬
‫ل‬ ‫قمم ْ‬ ‫ه الّناُر ُ‬ ‫ن ت َأك ُل ُ ُ‬ ‫قْرَبا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن ل َِر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫نُ ْ‬
‫م‬ ‫قل ُْتمم ْ‬ ‫ذي ُ‬ ‫وِبال ّ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫قب ِْلي ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (183‬آل‬ ‫قي َ‬ ‫صممماِد ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ُْتممم ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ممممو ُ‬ ‫قت َل ْت ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فِلممم َ‬ ‫َ‬
‫عمران( هؤلء مجموعة من الرسل أما فــي قــوله تعــالى‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫قممو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ويل ُ ُ‬ ‫م ي َمأِتي ت َمأ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه ي َم ْ‬ ‫ويل َ ُ‬ ‫ن إ ِّل ت َأ ِ‬ ‫ل ي َن ْظُُرو َ‬ ‫ه ْ‬ ‫) َ‬
‫ق‬‫ح ّ‬ ‫ل َرب َّنا ِبممال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاءَ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سوهُ ِ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫مم َ‬ ‫ع َ‬ ‫فن َ ْ‬ ‫و ن ُمَردّ َ‬ ‫عوا ل ََنا أ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش َ‬ ‫في َ ْ‬ ‫عاءَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل ََنا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ضم ّ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سم ُ‬ ‫ف َ‬ ‫س مُروا أن ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ق مد ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ذي ك ُّنا ن َ ْ‬ ‫غي َْر ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (53‬العــراف( المــذكورون‬ ‫فت َمُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫هم جميع الرسل وهـم أكـثر مـن الولـى لـذا جـاء الفعـل‬
‫مؤنثًا‪.‬‬
‫لماذا التحول في الخطــاب مــن المفــرد إلــى الجمــع‬ ‫‪.7‬‬
‫سل َ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫و َ‬ ‫دا َ‬ ‫ه ً‬ ‫م ْ‬ ‫ض َ‬ ‫م اْلْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ذي َ‬ ‫في قوله تعالى )ال ّ ِ‬
‫‪9‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫َ‬ ‫وأ َن َْز َ‬
‫جن َمما‬
‫خَر ْ‬
‫فأ ْ‬‫ممماءً َ‬
‫ء َ‬
‫ما ِ‬
‫سم َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫ل ِ‬ ‫سب ًُل َ‬
‫ها ُ‬ ‫في َ‬‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ش مّتى )‪ (53‬طــه( ؟ هــذا يســمى‬ ‫ت َ‬ ‫ب َ‬
‫ن ن ََبا ٍ‬‫م ْ‬ ‫جا ِ‬
‫وا ً‬‫ه أْز َ‬ ‫ِ ِ‬
‫التفاف ويسـتعمل لتطريـة نشــاط السـامع وقـد ورد فــي‬
‫القرآن كثيرًا‪ .‬يلتفت من الغائب إلى الحاضر ومن الجمــع‬
‫إلى الفراد ومن الغائب إلى المتكلم‪.‬‬
‫‪ .8‬ما معنى جيوبهن؟ الجيب هو فتحة الصدر‪.‬‬

‫تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل‬


‫المؤّنث‬

‫‪10‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫قال تعالى )ول تكونوا كالذين جمماءهم البينممات( وقــال تعــالى‬
‫)وما كان صلتهم عند البيت( وقال تعالى )قد كــان لكــم فيهــم‬
‫أسوة حسنة(‬
‫ُ‬
‫هناك خط بلغي في القرآن الكريم حــول هــذا الموضــوع وقــد أثيــر‬
‫في عديد من السئلة خلل الحلقات ونذكر منها ما جــاء فــي تــذكير‬
‫وتأنيث الفعل مع كلمة الضللة والعاقبة وكذلك مــع كلمــة الملئكــة‬
‫وكذلك مع كلمة البّينات‪ .‬وقلنا باختصار أنه‪:‬‬
‫تذكير الفاعل المؤنث له أكثر من سبب وأكثر من خــط فــي‬
‫كر جــاز‬ ‫القرآن الكريم‪ .‬فإذا قصدنا بــاللفظ المــؤّنث معنــى المــذ ّ‬
‫تذكيره وهو ما ُيعرف بالحمل على المعنى‪ .‬وقــد جــاء فــي قــوله‬
‫م‬ ‫هم ُ‬ ‫ق َ َ‬ ‫ري ً‬ ‫و َ‬ ‫ري ً‬ ‫تعــالى عــن الضــللة ) َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫حم ّ‬ ‫قمما َ‬ ‫ف ِ‬ ‫دى َ‬
‫َ‬
‫هم َ‬ ‫قمما َ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬
‫ه‬‫ن الل ّم ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ول ِي َمماءَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫طي َ‬ ‫ش مَيا ِ‬ ‫ذوا ال ّ‬ ‫خم ُ‬ ‫م ات ّ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ة إ ِن ّ ُ‬ ‫ضَلل َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪ (30‬العــراف( وقــوله تعــالى‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫هَتمم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫همم ْ‬ ‫ن أن ّ ُ‬ ‫سممُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫جت َن ُِبوا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫في ك ُ ّ‬ ‫عث َْنا ِ‬ ‫ول َ‬ ‫َ‬
‫وا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫عب ُ ُ‬‫نا ْ‬ ‫سول أ ِ‬ ‫ة َر ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫قد ْ ب َ َ‬ ‫) َ‬
‫ه‬ ‫عل َْيمم ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دى الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت َ‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ة‬ ‫قَبمم ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫فان ْظُُروا ك َي ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ضَلل َ ُ‬
‫في الْر ِ‬ ‫سيُروا ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪ (36‬النحــل(‪ .‬ونــرى أنــه فــي كــل مــرة يــذكر فيهــا‬ ‫مك َذِّبي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫الضللة بالتــذكير تكــون الضــللة بمعنــى العــذاب لن الكلم فــي‬
‫َ‬
‫ن )‪ (29‬العراف( وليس في الخرة‬ ‫دو َ‬ ‫عو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ما ب َدَأك ُ ْ‬ ‫الخرة )ك َ َ‬
‫ضللة بمعناها لن المور كلها تنكشف في الخرة‪ .‬وعندما تكــون‬
‫مــا كــانت الضــللة‬ ‫الضــللة بالتــأنيث يكــون الكلم فــي الــدنيا فل ّ‬
‫بمعناها هي يؤّنث الفعل‪.‬‬
‫وكــذلك بالنســبة لكلمــة العاقبــة أيض ـا ً تــأتي بالتــذكير مــرة‬
‫وبالتأنيث مرة ‪ ،‬وعندما تأتي بالتذكير تكون بمعنــى العــذاب وقــد‬
‫وردت في القرآن الكريــم ‪ 12‬مــرة بمعنـى العـذاب أي بالتــذكير‬
‫والمثلة في القرآن كثيرة منها قــوله تعــالى فــي ســورة النعــام‬
‫ف ك َمما َ‬ ‫م انظُ مُروا ْ ك َي ْم َ‬ ‫َ‬ ‫سيُروا ْ ِ‬ ‫) ُ‬
‫ة‬ ‫قب َم ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ض ث ُم ّ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ْ‬
‫مممن‬ ‫و َ‬ ‫جي َْنماهُ َ‬ ‫فن َ ّ‬ ‫فك َمذُّبوهُ َ‬ ‫ن }‪ ({11‬وســورة يــونس ) َ‬ ‫مك َذِّبي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن ك َمذُّبوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫قَنا ال ّ ِ‬ ‫غَر ْ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خل َئ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل َْنا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫في ال ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ن }‪({73‬‬ ‫ري َ‬ ‫منممذَ ِ‬ ‫ة ال ُ‬‫ْ‬ ‫قَبمم ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كمما َ‬ ‫َ‬ ‫فممانظْر كْيمم َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِبآَيات َِنمما َ‬
‫ة‬ ‫قَبمم ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ف َ‬ ‫فممان ْظُْر ك َْيمم َ‬ ‫طممًرا َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ‬ ‫مطَ‬ ‫و)وأ َ‬
‫كمما َ‬ ‫م َ‬ ‫همم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫نمما‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫قب َ م ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ف ك َمما َ‬ ‫فممان ْظُْر ك َي ْ م َ‬ ‫ن )‪ (84‬العــراف( و) َ‬ ‫مي م َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن )‪ (73‬الصاّفات( المقصود بالعاقبة هنا محــل العــذاب‬ ‫ري َ‬ ‫من ْذَ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫فجاء الفعــل مــذكرًا‪ .‬وعنــدما تــأتي بالتــأنيث ل تكــون إل بمعنــى‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عل َم ُ‬ ‫سممى َرب ّممي أ َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫الجّنة كما في قوله تعالى ) َ‬
‫‪11‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ه َل‬ ‫ر إ ِن ّ م ُ‬ ‫دا ِ‬ ‫ة ال م ّ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دى ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جاءَ ِبال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (37‬القصــص( وقــوله تعــالى فــي ســورة‬ ‫مو َ‬ ‫ح الظّممال ِ ُ‬ ‫فل ِم ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫ل‬ ‫مم ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫م إ ِن ّممي َ‬ ‫مك َممان َت ِك ُ ْ‬ ‫عل َممى َ‬ ‫مل ُمموا ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫وم ِ ا ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل َيا َ‬ ‫ق ْ‬ ‫النعام ) ُ‬
‫ح‬ ‫فل ِ م ُ‬ ‫ه ل َ يُ ْ‬ ‫ر إ ِن ّ م ُ‬ ‫دا ِ‬ ‫ة ال م ّ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫من ت َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪.({135‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫تذكير كلمــة شــفاعة مــرة وتأنيثهــا مــرة أخــرى فــي ســورة‬
‫زي‬ ‫جم ِ‬ ‫وم ما ً ل ّ ت َ ْ‬ ‫قمموا ْ ي َ ْ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫البقرة‪ :‬قال تعالى في سورة البقرة ) َ‬
‫خم ُ‬
‫ذ‬ ‫ؤ َ‬ ‫ول َ ي ُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ع ٌ‬ ‫فا َ‬ ‫شم َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ول َ ي ُ ْ‬ ‫شْيئا ً َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫عن ن ّ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن }‪ ({48‬وقال في نفس الســورة‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ُين َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫عد ْ ٌ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫قب َم ُ‬ ‫ول َ ي ُ ْ‬ ‫ً‬
‫شمْيئا َ‬ ‫س َ‬ ‫عن ن ّ ْ‬ ‫زي ن َ ْ‬ ‫وما ل ّ ت َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫وات ّ ُ‬
‫فم ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫قوا ي َ ْ‬ ‫) َ‬
‫ن}‬ ‫صممُرو َ‬ ‫م ُين َ‬ ‫همم ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ع ٌ‬ ‫فا َ‬ ‫شمم َ‬ ‫همما َ‬ ‫ع َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ول َ َتن َ‬ ‫ل َ‬ ‫عممدْ ٌ‬ ‫همما َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ِ‬
‫‪.({123‬جاءت الية الولى بتذكير فعل )يقبل( مع الشفاعة بينما‬
‫جاء الفعل )تنفعها( مؤنثا ً مع كلمة الشفاعة نفســها‪ .‬الحقيقــة أن‬
‫كر مع الشفاعة إل في الية ‪ 123‬من ســورة‬ ‫الفعل )يقبل( لم ُيذ ّ‬
‫البقرة وهنا المقصود أنهــا جــاءت لمــن سيشــفع بمعنــى أنــه لــن‬
‫ُيقبل ممن سيشــفع أو مــن ذي الشــفاعة‪ .‬أمــا فــي اليــة الثانيــة‬
‫فالمقصود الشفاعة نفسها لن تنفــع وليــس الكلم عــن الشــفيع‪.‬‬
‫وقد وردت كلمة الشفاعة مع الفعل المؤنث في القــرآن الكريــم‬
‫ة ِإن‬ ‫ه ً‬ ‫ه آل ِ َ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫خذ ُ ِ‬ ‫في آيات أخرى منها في سورة يس )أ َأ َت ّ ِ‬
‫ول َ‬ ‫شمْيئا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عت ُ ُ‬ ‫فا َ‬ ‫شم َ‬ ‫عّنمي َ‬ ‫ن َ‬ ‫غم ِ‬ ‫ضمّر ل ّ ت ُ ْ‬ ‫من ب ِ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ردْ ِ‬ ‫يُ ِ‬
‫فممي‬ ‫ك ِ‬ ‫مَلمم ٍ‬ ‫مممن ّ‬ ‫كممم ّ‬ ‫و َ‬ ‫ن }‪ ({23‬وســـورة النجـــم ) َ‬ ‫ذو ِ‬ ‫قمم ُ‬ ‫ُين ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫د أن ي َمأذَ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫شْيئا ً إ ِّل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عت ُ ُ‬‫فا َ‬ ‫ش َ‬ ‫غِني َ‬ ‫ت َل ت ُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ضى }‪.({26‬‬ ‫وي َْر َ‬ ‫شاءُ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫وكذلك كلمة )البّينات( فإذا كانت بمعنى العلمات الدالة على‬
‫المعجزات أّنث الفعل وإذا كانت بمعنى المر والنهــي وح ـد ّ اللــه‬
‫كر الفعل هناك حكــم نحــوي مفــاده أنــه يجــوز أن يــأتي‬ ‫والدين ذ ّ‬
‫الفعــل مــذكرا ً والفاعــل مؤنثـًا‪ .‬وكلمــة )البّينــات( ليســت مــؤنث‬
‫حقيقي لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها‪ .‬والسؤال ليس عن جواز تذكير‬
‫وتأنيث )البّينات( لن هذا جائز كما قلنا لكن السؤال لماذا؟ لماذا‬
‫جاء بالســتعمال فعــل المــذكر )جــاءهم البّينــات( مــع العلــم أنــه‬
‫استعملت في غير مكان بالمؤنث )جاءتهم البّينات(؟‬
‫جاءتهم البّينات بالتأنيث‪ :‬يؤّنث الفعل مع )البّينات( إذا كانت اليــات‬
‫ل على النبوءات فأينما وقعت بهذا المعنى يأتي الفعل مؤنثا ً كمــا‬ ‫تد ّ‬
‫ممما‬ ‫د َ‬ ‫عم ِ‬ ‫مممن ب َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فِإن َزل َل ْت ُ ْ‬ ‫في قــوله تعــالى فــي ســورة البقــرة ) َ‬
‫ّ‬ ‫عل َموا ْ أ َ‬
‫م }‪ ({209‬والية‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫فا ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬ ‫جاءت ْك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫‪12‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫)ك َممان الن ّمماس أ ُ‬
‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫يي‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ة‬‫ً‬ ‫م‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫س‬ ‫ن الن ّمما ِ‬ ‫م ب َي ْم َ‬ ‫حك ُم َ‬ ‫ق ل ِي َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ب ِممال ْ َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫وأنَز َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫من ِ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫د‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ن أوُتوهُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه إ ِل ال ِ‬ ‫في ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫خت َل َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫خت َلفوا ِ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ممما‬ ‫مُنوا ْ ل ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫دى الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫غيا ً ب َي ْن َ ُ‬ ‫ت بَ ْ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫جاءت ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫شمماءُ إ ِلممى‬ ‫َ‬ ‫مممن ي َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫هم ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫واللم ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ب ِإ ِذْن ِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫في ِ‬ ‫فوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫خت َل ُ‬ ‫َ‬ ‫ا ْ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ضم ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ضمل َْنا ب َ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سم ُ‬ ‫ك الّر ُ‬ ‫قيم ٍ }‪ ({213‬و )ت ِل ْم َ‬ ‫سمت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ِ‬
‫وآت َي َْنا‬ ‫ت َ‬ ‫جا ٍ‬ ‫م دََر َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ع بَ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫وَر َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫من ك َل ّ َ‬ ‫هم ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عَلى ب َ ْ‬
‫ع‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫شمماء‬ ‫و َ‬ ‫وَلمم ْ‬ ‫س َ‬ ‫قد ُ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫وأي ّدَْناهُ ب ُِرو ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ِ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫جمماءت ْ ُ‬ ‫ممما َ‬ ‫د َ‬ ‫عم ِ‬ ‫مممن ب َ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫د ِ‬ ‫عم ِ‬ ‫مممن ب َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّم ِ‬ ‫قت َت َم َ‬ ‫ممما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّم ُ‬
‫ف مَر‬ ‫مممن ك َ َ‬ ‫هممم ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫فوا ْ َ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ولمك ِ ِ‬
‫ت َ َ‬ ‫ال ْب َي َّنا ُ‬
‫د}‬ ‫ريم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ممما ي ُ‬ ‫ل َ‬ ‫عم ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫وَلممك ِ ّ‬ ‫قت َت َل ُمموا ْ َ‬ ‫ممما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫شمماء الل ّم ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫ب أن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫هم ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل الك ِت َمما ِ‬ ‫س مألك أ ْ‬ ‫‪ ،({253‬وقــوله فــي ســورة النســاء )ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫سى أك ْب ََر ِ‬ ‫مو َ‬ ‫سأُلوا ْ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ك َِتابا ً ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ُن َّز َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ة ب ِظُل ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ع َ‬ ‫صمما ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫خ مذَت ْ ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫هَرةً َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ه َ‬ ‫رَنا الل ّ ِ‬ ‫قاُلوا ْ أ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫عممن‬ ‫ون َمما َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ف َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫جاءت ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ذوا ْ ال ْ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ات ّ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫مِبينا ً }‪.({153‬‬ ‫طانا ً ّ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫سى ُ‬ ‫مو َ‬ ‫وآت َي َْنا ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫أما "جاءهم البّينات" بالتذكير‪ :‬فالبّينات هنا تأتي بمعنى المر‬
‫والنهي وحيثما وردت كلمة البّينات بهذا المعنى من المر والنهي‬
‫ف‬ ‫كر الفعل كما في قوله تعــالى فــي ســورة آل عمــران )ك َي ْ َ‬ ‫ُيذ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫دوا ْ أ ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫شمم ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مممان ِ ِ‬ ‫عممدَ ِإي َ‬ ‫فممُروا ْ ب َ ْ‬ ‫وممما ً ك َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دي الّلمم ُ‬ ‫همم ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫م‬ ‫و َ‬ ‫قم ْ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫هم ِ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬ ‫والل ّم ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ال ْب َي ّن َمما ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫جمماء ُ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫حم ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫قممموا ْ‬ ‫فّر ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كاّلممم ِ‬ ‫كوُنممموا ْ َ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫ن }‪ ({86‬و ) َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظمممال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫هم ال ْبيَنات ُ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫وَلمئ ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫جاء ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫فوا ْ ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫د‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م }‪ ({105‬وفي سورة غافر )ق ْ‬
‫عب ُم َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫هي م ُ‬ ‫ل إ ِّني ن ُ ِ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫من ّرّبي‬ ‫ت ِ‬ ‫ي ال ْب َي َّنا ُ‬ ‫جاءن ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه لَ ّ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َدْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن }‪.({66‬‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫م ل َِر ّ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ‬
‫‪ .‬وقد يكون التأنيث للكــثرة والتــذكير للقلــة كمــا فــي قــوله‬
‫تعالى )قالت العراب آمنا( وقوله تعالى )وقال نسوة في‬
‫المدينة(‪ .‬ونقول أن هذا المر جــائز مــن حيــث الجــواز اللغــوي‬
‫وليس فــي هــذا شــيء لكــن الســؤال يبقــى لمــاذا اختــار تعــالى‬
‫التذكير في موضع والتأنيث في موضع آخر؟ ونأخــذ قــوله تعــالى‬
‫)جاءكم رسول( بتذكير فعل جاءكم‪ ،‬وقوله تعالى )جاءت رسل‬
‫ربنا( بتأنيث فعل جاءت‪ .‬ونلحظ أنه في الية الولى كان الكلم‬
‫عن جميع الرسل في جميع المم من آدم إلى أن تقــوم الســاعة‬
‫وهذا يدل على الكثرة فجاء بالفعل مؤّنثا ً للدللة على الكثرة‪ .‬أما‬
‫‪13‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫في الية الثانية فالخطاب لبني إسرائيل ولزمرة منهم وفي حالة‬
‫كرًا‪.‬‬ ‫معينة أيضا ً وهذا يدل على القلة فجاء بالفعل مذ ّ‬
‫ت إ ِّل‬ ‫عْنمدَ ال ْب َْيم ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صَلت ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫مثال آخر قوله تعالى ) َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫فمُرو َ‬ ‫م ت َك ْ ُ‬ ‫ممما ك ُن ْت ُم ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫عم َ‬ ‫قوا ال ْ َ‬ ‫ذو ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ة َ‬ ‫دي َ ً‬‫ص ِ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫كاءً َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫النفــال( والمكــاء والتصــدية ‪ :‬همــا التصــفيق والصــفير وكلهمــا‬
‫كر وجاء الفعل مع كلمة )الصلة( مــذكرا ً لن المــراد بالصــلة‬ ‫مذ ّ‬
‫هنا التصفيق والصفير وكلهما مذكر‪ .‬والصلة عندهم كانت تفيــد‬
‫كر أيضـا ً )صــلتهم كــانوا يطوفــون وحــول‬ ‫الطواف والطواف مــذ ّ‬
‫الكعبة ويصفقون ويصفرون(‪ .‬إذن الطواف والتصــفيق والصــفير‬
‫كر فجاء الفعل مع كلمة الصلة المقصود بمعناها المذكر‬ ‫كّلها مذ ّ‬
‫جاء مذكرًا‪.‬‬
‫ْ‬
‫ة‬‫شم ٍ‬‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫من ْك ُم ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن َيمأ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ساءَ الن ّب ِم ّ‬ ‫قال تعالى )َيا ن ِ َ‬
‫عَلى الّلمم ِ‬
‫ه‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫في ْ ِ‬‫ع َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ع َ‬‫ها ال ْ َ‬ ‫ف لَ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ضا َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫مب َي ّن َ ٍ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫مم ْ‬‫ع َ‬‫وت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سممول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن ل ِلم ِ‬ ‫من ْك ُم ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫قن ُم ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫و َ‬ ‫سمميًرا )‪َ (30‬‬ ‫يَ ِ‬
‫ما )‪(31‬‬ ‫ري ً‬ ‫قا ك َ ِ‬ ‫رْز ً‬ ‫ها ِ‬ ‫عت َدَْنا ل َ َ‬ ‫وأ َ ْ‬‫ن َ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫جَر َ‬ ‫َ‬
‫ها أ ْ‬ ‫ؤت ِ َ‬‫حا ن ُ ْ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫الحزاب( هذه الية ليست من باب التذكير والتأنيث أصل وتذكير‬
‫الفعل والفاعل وإنما هي من باب استعمال )من(‪ .‬والســؤال هــو‬
‫لماذا استعمل )مــن( فــي اليــة؟ مــن أصـل ً فــي اللغــة تســتعمل‬
‫للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنــى والجمــع وطبيعــة الكــثر فــي‬
‫كلم العرب والقرآن أنه حتى لو كان الخطاب للنــاث أو الجمــع‬
‫يأتي أول مرة بـ )من( بصيغة المفرد المذكر ثم يعقبه مــا يوضــح‬
‫المعنى‪ .‬ومهما كانت حالــة مــن ســواء أكــانت إســما ً موصــول ً أو‬
‫نكرة تامة بمعنى شخص أو ذات أو كانت اسم شرط‪ ،‬يــؤتى بهــا‬
‫بصيغة المفرد المذكر أول مرة ثم ُيعاد عليها بمعناها فــي المــرة‬
‫الثانية كقــوله تعــالى )ومن النمماس مممن يقممول آمنمما بممالله‬
‫واليوم الخر وما هم بمؤمنين( وهذا هو خــط القــرآن وهــو‬
‫الكثر في كلم العرب وهذا هو الصل‪ .‬وكقوله تعــالى )ومنهممم‬
‫من يقول ائذن لي (‪.‬والية موضع السؤال )مــن يــأت منكــن(‬
‫تدخل فــي هــذه القاعــدة جــاء بــ )مــن( بمــا يــدل علــى الفــراد‬
‫والتذكير ثم جاء فيما بعد بما يدل على المعنــى‪ .‬وإذا خــرج عــن‬
‫هذا المر كما في قوله تعالى )ومنهم من ينظر إليك ومنهم مــن‬
‫يستمعون إليك( جــاء فـي الولــى بـالفراد والثانيـة جمــع لمــاذا؟‬
‫نسأل أيهما أكثر الذين ينظرون إلى الشخص أم الذين يستمعون‬
‫إليه؟ الجواب الذين يســتمعون ولهــذا عب ّــر عنهــم بــالجمع لنهــم‬

‫‪14‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫أكــثر‪ .‬ولهــذا عنــدما يخــالف القاعــدة فــإنه يخــالف بمــا يقتضــيه‬
‫السياق والمعنى‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫فئ َت َي ْم ِ‬ ‫فممي ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫م آي َم ٌ‬ ‫ن ل َك ُم ْ‬ ‫قدْ ك َمما َ‬ ‫مثال آخر قــوله تعــالى ) َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ون َ ُ‬ ‫فَرةٌ ي ََر ْ‬ ‫كا ِ‬ ‫خَرى َ‬ ‫وأ ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قات ِ ُ‬ ‫ة تُ َ‬ ‫فئ َ ٌ‬ ‫قَتا ِ‬ ‫ال ْت َ َ‬
‫مث ْل َيهم رأ ْ‬
‫فممي‬ ‫ن ِ‬ ‫شمماءُ إ ِ ّ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ؤي ّدُ ب ِن َ ْ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ ِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ر )‪ (13‬آل عمران( وفي آيــة أخــرى‬ ‫صا ِ‬ ‫عب َْرةً ِلوِلي اْلب ْ َ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫همما‬ ‫عن ْ َ‬ ‫م إ ِّل ك َمماُنوا َ‬ ‫هم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ت َرب ّ‬ ‫ن آ َي َمما ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ن آ َي َم ٍ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ما ت َمأ ِْتي‬ ‫و َ‬ ‫) َ‬
‫قمماُلوا‬ ‫ة َ‬ ‫م آي َ ٌ‬‫َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫ه ْ‬ ‫جاءَت ْ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن )‪ (4‬النعام( وقوله تعالى ) َ‬ ‫ضي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫علم ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ي ُر ُ‬ ‫َ‬ ‫ما أوت ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ؤَتى ِ‬ ‫حّتى ن ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫َ‬
‫د‬
‫عن ْم َ‬ ‫غاٌر ِ‬ ‫صم َ‬ ‫ممموا َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سال َت َ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ث يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (124‬النعام( نقــول‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ديدٌ ب ِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫أنه من حيث الحكم النحوي يجوز تذكير وتأنيث الفعل لكن يبقى‬
‫السر البياني لهذا التذكير والتأنيث‪ .‬ونقول أنه عندما تكون كلمــة‬
‫كر فيــأتي الفعــل‬ ‫)آية( بمعنى الدليل والبرهان تكــون بمعنــى مــذ ّ‬
‫بالتذكير وإذا كانت كلمة الية بمعنــى اليــة القرآنيــة أن ّــث الفعــل‬
‫)وإذا جاءتهم آية(‪.‬‬
‫م‬ ‫كمم ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫مثال آخر قوله تعالى في سورة الممتحنة ) َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫قا ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫أُ‬
‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫هي‬ ‫ِ‬ ‫را‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫س‬‫ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه كفْرَنما ب ِكم ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن اللم ِ‬ ‫ّ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُم ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫إ ِّنا ب َُرآ َءُ ِ‬
‫َ‬ ‫وال ْب َ ْ‬
‫من ُمموا‬ ‫ؤ ِ‬ ‫حت ّممى ت ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ضمماءُ أب َ م ً‬ ‫غ َ‬ ‫وةُ َ‬ ‫دا َ‬ ‫ع َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫وب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا َ‬ ‫وب َ َ‬ ‫َ‬
‫مما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫حدَهُ إ ِل َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫و َ‬ ‫ن لمك َ‬ ‫فَر ّ‬ ‫غ ِ‬ ‫سمت َ ْ‬ ‫هل ْ‬ ‫م ِلِبيم ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫و ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ِبالل ِ‬
‫وإ ِل َي ْم َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫وك ّل ْن َمما َ‬ ‫ك تَ َ‬ ‫عل َي ْم َ‬ ‫ء َرب ّن َمما َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫صيُر )‪ ((4‬وفي نفس السورة )ل َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫وإ ِل َي ْ َ‬ ‫أن َب َْنا َ‬
‫م اْل َ ِ‬ ‫ُ‬
‫خ مَر‬ ‫و َ‬ ‫وال ْي َم ْ‬ ‫ه َ‬ ‫جممو الل ّم َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫وةٌ َ‬ ‫س َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫د )‪ ((6‬وفــي ســورة‬ ‫ميم ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫غن ِم‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫و ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫س من َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫وةٌ َ‬ ‫سم َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ل الل م ِ‬ ‫سممو ِ‬ ‫فممي َر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن لك ُم ْ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫الحزاب )ل َ‬
‫ه ك َِثيًرا )‪((21‬‬ ‫وذَك ََر الل ّ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م اْل َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ونقــول أنــه مــن الناحيــة النحويــة إذا كــثرت الفواصــل فالتــذكير‬
‫أفضل‪ .‬في الية الولى الفاصل بين الفعل وكلمة أســوة )لكــم (‬
‫أما في الية الثانية فالفاصل )لكم فيهم( وفي الثالثــة )لكــم فــي‬
‫رسول الله( فعندما تكون الفاصلة أكــثر يقتضــي التــذكير‪.‬وهنــاك‬
‫م مــن التــأنيث‬ ‫أمر آخر وهو أن التذكير في العبادات أفضــل وأهـ ّ‬
‫كما جاء في مريم )وكانت من القانتين( لن الذين كملوا في‬
‫كر‪ .‬أي‬ ‫التذكير أكثر‪ .‬وكذلك عندما يتحدث عن عبادة الملئكة يذ ّ‬
‫العبادات أكثر في هــذه اليــات؟ فــي الولــى الســوة كــانت فــي‬
‫‪15‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫القــول فــي أمــر واحــد إل )إل قممول إبراهيممم( جــادله قــومه‬
‫والســتثناء هــو قــول إبراهيــم‪ ،‬أمــا فــي الثانيــة )فيكم أسمموة‬
‫حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر( هذه عامــة وهــي‬
‫كدها باللم )لقد كان لكممم( وجــاء بــأمرين بتــذكير‬ ‫م ولذلك أ ّ‬ ‫أه ّ‬
‫در وكذلك فــي آيــة‬ ‫العبادة كما جاء باللم في جواب القسم المق ّ‬
‫ســورة الحــزاب اليــة عامــة ولــم يخصــص بشــيء ولهــذا ذك ّــر‬
‫وخصص باللم الواقعة في جواب القسم‪ ،‬أما في الولى فجاء بـ‬
‫م وأوسـع‬ ‫)قد( وأّنث الفعل‪ .‬فعندما اتسعت العبـادة وصـارت أعـ ّ‬
‫كر وجاء باللم وهذا هو المر البيــاني بالضــافة إلــى‬ ‫من الولى ذ ّ‬
‫المر النحوي الذي تحدثنا عنه‪.‬‬
‫التذكير مرة والتأنيث مرة مع الملئكة في القــرآن الكريــم ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن}‬ ‫عو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ة ك ُل ّ ُ‬‫مَلئ ِك َ ُ‬‫د ال ْ َ‬‫ج َ‬‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫قال تعالى في سورة ص ) َ‬
‫‪ ({73‬وجــاءت الملئكــة هنــا بالتــذكير‪ ،‬وفــي ســورة آل عمــران‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫ن الل ّ َ‬‫بأ ّ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫في ال ْ ِ‬ ‫صّلي ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫قائ ِ ٌ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫فَنادَت ْ ُ‬ ‫) َ‬
‫صممورا ً‬ ‫ح ُ‬ ‫و َ‬ ‫سّيدا ً َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ٍ‬‫دقا ً ب ِك َل ِ َ‬‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫حَيمى ُ‬ ‫ك ب ِي َ ْ‬‫شُر َ‬ ‫ي ُب َ ّ‬
‫ن }‪ ({39‬جاءت الملئكة بالتأنيث‪.‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ون َب ِي ّا ً ّ‬‫َ‬
‫ّ‬
‫الحكم النحوي‪ :‬يمكن أن يؤّنث الفعل أو ُيذكر إذا كان الجمــع جمــع‬
‫تكســير كمــا فــي قــوله تعــالى )قالت العمراب آمنما( و)قمالت‬
‫نسوة في المدينة( فيجــوز التــذكير والتــأنيث مــن حيــث الحكــم‬
‫النحوي‪.‬‬
‫اللمسة البيانيـة‪ :‬أمـا لمـاذا اختـار اللـه تعـالى التـأنيث فـي مـوطن‬
‫والتذكير في موطن آخر فهو لن فــي اليــات خطــوط تعبيريــة هــي‬
‫التي تحدد تأنيث وتذكير الفعل مع الملئكة‪ .‬وهذه الخطوط هي‪:‬‬
‫في القرآن الكريم كله كل فعل أمر يصــدر إلــى الملئكــة‬
‫يكون بالتذكير )اسجدوا‪ ،‬أنبئوني‪ ،‬فقعوا له ساجدين(‬
‫كل فعل يقع بعد ذكر الملئكة يأتي بالتذكير أيضا ً كما فــي‬
‫قوله تعالى )والملئكة يممدخلون عليهممم مممن كممل بمماب(‬
‫و)الملئكة يشهدون( )الملئكة يسبحون بحمد ربهم(‬
‫كــل وصــف إســمي للملئكــة يــأتي بالتــذكير )الملئكممة‬
‫ومين‪،‬‬ ‫المقّربممون( )الملئكممة باسممطوا أيممديهم( )مســ ّ‬
‫مردفين‪ ،‬منزلين(‬
‫كل فعل عبادة يأتي بالتــذكير )فسجد الملئكممة كلهممم‬
‫أجمعين( )ل يعصون الله ما أمرهم( لن المذكر فــي العبــادة‬
‫أكمل من عبادة النثى ولذلك جاء الرسل كلهم رجا ً‬
‫ل‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫دة وقوة حتى لو كان عذابين أحدهما أش ـد ّ‬ ‫ش ّ‬
‫كل أمر فيه ِ‬
‫من الخر فالشد ّ يأتي بالتذكير )ولو ترى إذا يتوفى الذين‬
‫كفروا الملئكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقمموا‬
‫عذاب الحريق( )يتــوفى( جــاءت بالتــذكير لن العــذاب أشــد‬
‫)وذوقوا عذاب الحريق( أما في قــوله تعــالى )فكيف إذا‬
‫تمموفتهم الملئكممة يضممربون وجمموههم وأدبممارهم(‬
‫ف من الية الســابقة‪.‬‬ ‫)تتوفاهم( جاءت بالتأنيث لن العذاب أخ ّ‬
‫وكذلك في قوله تعــالى )ونمّزل الملئكممة تنممزيل( بالتــذكير‬
‫وقــوله تعــالى )تتن مّزل عليهممم الملئكممة( بالتــأنيث وقــوله‬
‫)تنزل الملئكة والروح فيها من كل أمر( بالتأنيث‪.‬‬
‫لم تأت بشرى بصيغة التذكير أبدا ً في القرآن الكريم فكل‬
‫بشارة في القرآن الكريم تأتي بصيغة التــأنيث كمــا فــي قــوله‬
‫تعالى )فنادته الملئكة( و)قالت الملئكة(‬
‫قال تعالى )إذا جاءكم المؤمنات( هــذه تنــدرج أيضـا ً فــي‬
‫سياق الكثرة والقلة وفي سياق زيادة الفواصل أيضًا‪.‬‬

‫التقديم والتأخير في القرآن الكريم‬

‫المفهوم الفعلي من حيث الدللة اللغويــة للتقــديم والتــأخير أنــه إذا‬


‫بدأنا بكلمة سابقة على غيرهــا فقــد قــدمناها فــي الكلم‪ .‬والتقــديم‬
‫نوعان أو ثلثة‪:‬‬
‫‪ .1‬تقديم اللفظ علــى عــامله نحــو قــوله تعــالى )إياك‬
‫نعبد وإياك نستعين( وقوله تعالى )وربك فكّبر( وقولنا‬
‫‪ :‬زيدا ً أكل أو زيدا ً أكرمت‪.‬و بمحمد اقتديت‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫‪ .2‬تقديم اللفاظ بعضــها علــى بعــض فــي غيــر العامــل‬
‫ُ‬
‫ه( البقــرة‬ ‫ر الل ّم ِ‬ ‫غي ْ ِ‬‫ه لِ َ‬ ‫ل بِ ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬
‫وذلك نحو قوله تعالى ) َ‬
‫ُ‬
‫ه( المائدة‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬‫ل لِ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬‫وقوله ) َ‬
‫ل‪ :‬تقديم اللفظ على عامله‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ومن هذا الباب تقديم المفعول به علــى فعلــه وتقــديم الحــال علــى‬
‫فعله وتقديم الظرف والجار والمجرور على فعلهمــا وتقــديم الخــبر‬
‫على المبتدأ ونحو ذلك‪ .‬وهذا التقديم فــي الغــالب يفيــد الختصــاص‬
‫فقولك )أنجدت خالدًا( يفيد أنك أنجدت خالدا ً ول يفيد أنك خصصــت‬
‫خالدا ً بالنجاة بل يجوز أنك أنجدت غيره أو لم تنجد أحدا ً معــه‪ .‬فــإذا‬
‫قلت‪ :‬خالدا ً أنجدت أفاد ذلك أنك خصصت خالدا ً بالنجــدة وأنــك لــم‬
‫تنجد أحدا ً آخر‪.‬‬
‫ومثل هذا التقديم في القرآن كثير‪ :‬فمــن ذلــك قــوله تعــالى )إياك‬
‫دم المفعول به "‬ ‫نعبد وإياك نستعين( في سورة الفاتحة‪ ،‬فقد ق ّ‬
‫إياك " على فعل العبادة وعلــى فعــل الســتعانة دون فعــل الهدايــة‬
‫قلم يقل إيانا اهد كما قــال فــي الولييــن ‪ ،‬وســبب ذلــك أن العبــادة‬
‫والستعانة مختصتان بالله تعالى فل يعبد أحد غيره ول يســتعان بــه‪.‬‬
‫ن)‬ ‫ري َ‬ ‫شمماك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ممم َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وك ُ ْ‬ ‫عب ُدْ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫وهذا نظير قوله تعالى )ب َ ِ‬
‫ن)‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُم ُ‬‫م إ ِّيماهُ ت َ ْ‬ ‫ن ك ُن ْت ُم ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫شك ُُروا ل ِّلم ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫‪ (66‬الزمــر ( وقــوله ) َ‬
‫‪ (172‬البقرة( فقدم المفعول به على فعل العبــادة فــي الموضــعين‬
‫وذلك لن العبادة مختصة بالله تعالى‪.‬‬
‫عَلى الل ّم ِ‬
‫ه‬ ‫و َ‬‫** ومثل التقديم على فعــل الســتعانة قــوله تعــالى ) َ‬
‫ن )‪ (12‬ابراهيم( وقوله ) على الله توكلنمما‬ ‫وك ُّلو َ‬‫مت َ َ‬‫ل ال ْ ُ‬‫وك ّ ِ‬ ‫فل ْي َت َ َ‬‫َ‬
‫ب )‪ (88‬هــود(‬ ‫عل َيه ت َ موك ّل ْت وإل َي م ُ‬
‫ه أِني م ُ‬ ‫ُ َ ِ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ربنا ‪ ،‬العراف( وقوله ) َ ْ ِ‬
‫فقدم الجار والمجرور للدللة على الختصــاص وذلـك لن التوك ّــل ل‬
‫يكون إل على الله وحده والنابة ليست إل إليه وحده‪.‬‬
‫ولم يقدم مفعول الهداية على فعله قلم يقــل ‪ :‬إيانــا اهــد كمــا قــال‬
‫)إياك نعبد( وذلــك لن طلــب الهدايــة ل يصــح فيــه الختصــاص إذ ل‬
‫خصــني‬ ‫يصح أن تقول اللهم اهــدني وحــدي ول تهــد أحــدا ً غيــري أو ُ‬
‫بالهداية مــن دون النــاس وهــو كمــا تقــول اللهــم ارزقنــي واشــفني‬
‫وعافني‪ .‬فأنت تسأل لنفســك ذلــك ولــم تســأله أن يخصــك وحــدك‬
‫بالرزق والشفاء والعافية فل يرزق أحدا ً غيرك ول يشفيه ول يعافيه‪.‬‬
‫مّنا‬ ‫َ‬ ‫ق ْ‬ ‫** ومن هذا النوع من التقديم قوله تعالى ) ُ‬
‫نآ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و الّر ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ُ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫مِبيمم ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫ست َ ْ‬ ‫ف َ‬‫وك ّل َْنا َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه تَ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫بِ ِ‬
‫خر توكلنا عــن‬ ‫الملك( فقدم الفعل آمنا على الجار والمجرور )به( وأ ّ‬
‫الجار والمجرور )عليه( وذلك لن اليمان لما لم يكن منحصــرا ً فــي‬
‫‪18‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫اليمان بالله بل ل بد معه من رسله وملئكتــه وكتبــه واليــوم الخــر‬
‫وغيره مما يتوقف صحة اليمان عليه‪ ،‬بخلف التوكــل فــإنه ل يجــوز‬
‫دم‬ ‫إل على الله وحده لتفرده بالقدرة والعلــم القــديمين البــاقيين ق ـ ّ‬
‫الجار والمجرور فيه ليؤذن باختصاص التوكــل مــن العبــد علــى اللــه‬
‫دون غيره لن غيره ل يملك ضرا ً ول نفعا ً فيتوكل عليه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ممموُر )‪(53‬‬ ‫صمميُر اْل ُ‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫** ومن ذلك أيضا ً قوله تعالى )أَل إ َِلى الل ّ ِ‬
‫الشورى( لن المعنى هو أن الله مختص بصيرورة المــور إليــه دون‬
‫عل َي ْن َمما‬
‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫م )‪ (25‬ث ُم ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن إ ِل َي َْنا إ ِي َمماب َ ُ‬ ‫غيره‪ .‬ونحو قــوله تعــالى )إ ِ ّ‬
‫م )‪ (26‬الغاشية( ‪ .‬فإن اليــاب ل يكــون إل إلــى اللــه وهــو‬ ‫ه ْ‬ ‫ساب َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ب )‪ (36‬الرعــد( وقــوله‬ ‫َ‬
‫م مآ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫وإ ِل َي ْم ِ‬ ‫عممو َ‬ ‫ه أ َدْ ُ‬ ‫نظير قوله تعــالى )إ ِل َي ْ ِ‬
‫وّلى )‪ (32‬القيامة( فالمســاق إلــى اللــه وحــده ل‬ ‫وت َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ك َذّ َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫) َ‬
‫إلى ذات أخرى وهذا ليس من التقديم من أجــل مراعــاة المشــاكلة‬
‫لرؤوس الي كما ذهب بعضهم بل هو لقصد الختصاص نظيــر قــوله‬
‫ع‬
‫جم ُ‬ ‫ه ي ُْر َ‬ ‫وإ ِل َي ْم ِ‬ ‫عا )‪ (4‬يــونس( وقــوله ) َ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫تعالى )إ ِل َي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م ك ُم ّ‬ ‫هم ْ‬ ‫م ب َي ْن َ ُ‬ ‫هم ْ‬ ‫مَر ُ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫قطّ ُ‬ ‫وت َ َ‬ ‫ه )‪ (123‬هود( وقــوله ) َ‬ ‫مُر ك ُل ّ ُ‬ ‫اْل ْ‬
‫ن )‪ (93‬النبياء( وغير ذلك من اليات‪.‬‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫إ ِل َي َْنا َرا ِ‬
‫ة )‪(47‬‬ ‫ع ِ‬‫سمما َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْم ُ‬ ‫ه ي ُمَردّ ِ‬ ‫** ومن هذا البــاب قــوله تعــالى )إ ِل َي ْ ِ‬
‫فصلت( فعلم الساعة مختص بالله وحده ل يعلمه أحد غيره ونحــوه‬
‫ة )‪ (34‬لقمــان( فقــدم‬ ‫ع ِ‬ ‫سمما َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْم ُ‬ ‫عن ْمدَهُ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قوله تعالى )إ ِ ّ‬
‫الظرف الذي هو الخبر على المبتدأ وهو نظير الية السابقة‪.‬‬
‫و )‪(59‬‬ ‫هم َ‬ ‫همما إ ِّل ُ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬ ‫ب َل ي َ ْ‬ ‫غي ْم ِ‬ ‫ح ال ْ َ‬ ‫فات ِم ُ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْدَهُ َ‬ ‫و ِ‬ ‫** ونحو قوله ) َ‬
‫النعام( فقدم الظرف الذي هو الخبر على المبتــدأ )مفاتــح الغيــب(‬
‫وذلــك لختصاصــه ســبحانه بعلــم الغيــب أل تــرى كيــف أكــد ذلــك‬
‫الختصاص بأسلوب آخر هو أسلوب القصر فقال‪ :‬ل يعلمها إل هو؟‬
‫وقــد يكــون التقــديم مــن هــذا النــوع لغــرض آخــر كالمــدح والثنــاء‬
‫والتعظيم والتحقير وغير ذلك مــن الغــراض‪ ،‬إل أن الكــثر فيــه أنــه‬
‫يفيد الختصاص‪ .‬ومن التقديم الذي ل يفيد الختصاص قـوله تعـالى‪:‬‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫همدَي َْنا ِ‬ ‫حمما َ‬ ‫وُنو ً‬ ‫همدَي َْنا َ‬ ‫ب ك ُّل َ‬ ‫قممو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫وي َ ْ‬‫حاقَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫هب َْنا ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫) َ‬
‫ل )‪ (84‬النعام( فهذا ليس من باب التخصيص إذ ليس معناه أننا‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ممما‬ ‫َ‬ ‫ما هدينا إل نوحا ً وإنما هو من باب المدح والثناء‪ .‬ونحو قوله ) َ‬
‫فأ ّ‬
‫قهر )‪َ (9‬‬
‫هْر )‪ (10‬الضــحى( إذ‬ ‫فَل ت َن ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سائ ِ َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬ ‫فَل ت َ ْ َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْي َِتي َ‬
‫ليس المقصود به جواز قهر غير اليتيم ونهر غيــر الســائل وإنمــا هــو‬
‫من باب التـوجيه فـإن اليـتيم ضـعيف وكـذلك السـائل وهمـا مظنـة‬
‫القهر فقدمهما للهتمام بشأنهما والتوجيه إلى عدم استضعافهما‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تقديم اللفظ وتأخيره على غير العامل‪:‬‬
‫‪19‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫إن تقديم اللفــاظ بعضــها علــى بعــض لــه أســباب عديــدة يقتضــيها‬
‫المقام وسياق القول‪ ،‬يجمعها قولهم‪ :‬إن التقديم إنما يكون للعنايــة‬
‫والهتمام‪ .‬فما كــانت بــه عنايتــك أكــبر قــدمته فــي الكلم‪ .‬والعنايــة‬
‫باللفظة ل تكون من حيث أنهــا لفظـة معينـة بـل قــد تكــون العنايــة‬
‫بحسب مقتضى الحال‪ .‬ولذا كان عليك أن تقدم كلمة في موضع ثم‬
‫تؤخرها في موضــع آخــر لن مراعــاة مقتضــى الحــال تقتضــي ذاك‪.‬‬
‫والقرآن أعلى مثل في ذلك فإنا نراه يقدم لفظة مرة ويؤخرها مرة‬
‫أخرى على حســب المقــام‪ .‬فنــراه مثل ً يقــدم الســماء علــى الرض‬
‫ومرة يقدم الرض على السماء ومرة يقدم النس على الجن ومرة‬
‫يقدم الجن على النس ومرة يقـدم الضـر علـى النفـع ومـرة يقـدم‬
‫النفع على الضر كل ذلك بحسب ما يقتضيه القول وسياق التعبير‪.‬‬
‫فإذا أردت أن تبين أسباب هذا التقديم أو ذاك فإنه ل يصــح الكتفــاء‬
‫بالقول إنه قدم هذه الكلم للعناية بها والهتمام دون تــبيين مــواطن‬
‫هذه العناية وسبب هذا التقديم‪.‬‬
‫ل‪ :‬لمــاذا قــدم الســماء علــى الرض هنــا؟ قلــت لن‬ ‫فإذا قيل لك مث ً‬
‫الهتمــام بالســماء أكــبر ثــم إذا قيــل لــك ولمــاذا قــدم الرض علــى‬
‫السماء في هذه الية قلت لن الهتمام بالرض هنا أكبر‪ ،‬فــإذا قيــل‬
‫ولماذا كان الهتمام بالسماء هناك أكبر وكان الهتمــام بــالرض هنــا‬
‫أكبر؟‬
‫وجب عليك أن تبين سبب ذلك وبيان الختلف بين الموطنين بحيث‬
‫تبين أنه ل يصح أو ل يحسن تقديم الرض على السماء فيما قــدمت‬
‫فيه السماء أو تقديم السماء علــى الرض فيمــا قــدمت فيــه الرض‬
‫بيانا ً شافيًا‪ .‬وكذلك بقية المواطن الخرى‪ .‬أما أن تكتفــي بعبــارة أن‬
‫هــذه اللفظـة قــدمت للعنايـة والهتمـام بهــا فهــذا وجــه مـن وجـوه‬
‫البهام‪ .‬والكتفاء بها يضيع معرفة التمايز بيــن الســاليب فل تعــرف‬
‫السلوب العالي الرفيع من السلوب المهلهل السخيف إذ كل واحد‬
‫يقول لك‪ :‬إن عنايتي بهذه اللفظة هنا أكبر دون البصر بما يســتحقه‬
‫المقام وما يقتضيه السياق‪.‬‬
‫إن فن التقديم والتأخير فن رفيع يعرفه أهل البصر بــالتعبير والــذين‬
‫أوتوا حظا ً من معرفــة مواقــع الكلــم وليــس ادعــاء يــدعى أو كلمــة‬
‫تقال‪.‬‬
‫وقد بلغ القرآن الكريم في هذا الفن كما في غيره الذروة في وضع‬
‫الكلمات الوضع الذي تستحقه في التعبير بحيث تستقر فــي مكانهــا‬
‫المناسب‪ .‬ولم يكتف القـرآن الكريـم الـذي وضـع اللفظـة بمراعـاة‬
‫السياق الذي وردت فيه بل راعى جميع المواضــع الــتي وردت فيهــا‬
‫‪20‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫اللفظة ونظر إليها نظرة واحــدة شــاملة فــي القــرآن الكريــم كلــه‪.‬‬
‫فنرى التعبير متسقا ً متناسقا ً مع غيره من التعبيرات كأنه لوحة فنية‬
‫واحدة مكتملة متكاملة‪.‬‬
‫إن القرآن الكريم دقيق في وضع اللفاظ ورصفها بجنب بعض دقــة‬
‫عجيبة فقد تكون له خطوط عامة في التقديم والتــأخير وقــد تكــون‬
‫هناك مواطن تقتضي تقديم هذه اللفظة أو تلك و كذلك مرتعــا فيــه‬
‫سياق الكلم والتساق العــام فــي التعــبير علــى أكمــل وجــه وأبهــى‬
‫صورة‪ .‬وسنوضح هذا القول المجمل ببيان شاف‪.‬‬
‫إن القرآن كما ذكرت يقدم اللفاظ ويؤخرها حسبما يقتضيه المقــام‬
‫فقــد يكــون ســياق الكلم مثل ً متــدرجا ً حســب القــدم والوليــة فــي‬
‫الوجود‪ ،‬فيرتب الكلمات على هذا الساس فيبــدأ بالقــدم ثــم الــذي‬
‫س إ ِّل‬ ‫واْل ِن ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫يليه وهكذا وذلك نحو قوله تعالى ) َ‬
‫ن )‪ (56‬الذاريات( فخلق الجن قبل خلق النس بدليل قوله‬ ‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫موم ِ )‪(27‬‬ ‫سم ُ‬ ‫ر ال ّ‬ ‫ن ن َمما ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ْم ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫قن َمماهُ ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جا ّ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫تعــالى ) َ‬
‫الحجر( فذكر الجن أول ً ثم ذكر النس بعدهم‪.‬‬
‫م )‪ (255‬البقــرة( لن‬ ‫و ٌ‬ ‫وَل ن َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ٌ‬‫خذُهُ ِ‬ ‫** ونحو قوله تعالى )َل ت َأ ْ ُ‬
‫سنة وهي النعاس تسبق النوم فبدأ بالسنة ثم النوم‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫د‬
‫قم ْ‬ ‫و َ‬ ‫مودَ َ‬ ‫وث َ ُ‬
‫دا َ‬ ‫عا ً‬ ‫و َ‬ ‫** ومن ذلك تقديم عاد على ثمود قال تعالى ) َ‬
‫م )‪ (38‬العنكبوت( فــإن عــادا ً أســبق مــن‬ ‫ه ْ‬ ‫ساك ِن ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ت َب َي ّ َ‬
‫ثمود‪.‬‬
‫** وجعلوا من ذلك تقديم الليل على النهار والظلمــات علــى النــور‬
‫مَر‬ ‫ق َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫وال ّ‬ ‫هاَر َ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ق الل ّي ْ َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫قال تعالى ) َ‬
‫ن )‪ (33‬النبياء( فقدم الليل لنه أسبق مــن‬ ‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫فل َ ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ل ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫النهار وذلك لنه قبل خلق الجــرام كــانت الظلمــة وقــدم الشــمس‬
‫ل‬‫ه الل ّي ْم َ‬ ‫ب الل ّم ُ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫علــى القمــر لنهــا قبلــه فــي الوجــود‪ .‬وقــال )ي ُ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ر )‪ (44‬النــور( إلــى‬ ‫صمما ِ‬ ‫عب َْرةً ِلوِلي اْلب ْ َ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫في ذَل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫هاَر إ ِ ّ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫َ‬
‫غير ذلك من اليات الكثيرة‪ .‬ومثل تقديم الليــل علــى النهــار تقــديم‬
‫ت‬ ‫ممما ِ‬ ‫ل الظّل ُ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫الظلمات على النور كمــا ذكــرت‪ .‬قــال تعــالى ) َ‬
‫والّنوَر )‪ (1‬النعام( وذلك لن الظلمة قبل النور لما مر في الليل‪.‬‬ ‫َ‬
‫قالوا‪ :‬ومن ذلك تقديم العزيز على الحكيــم حيــث ورد فــي القــرآن‬
‫م )‪ (1‬الحشر( قالوا لنه عّز فحكم‪.‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫الكريم ) َ‬
‫** ومنه تقديم القوة علـى العـزة لنـه قـوي فعـّز أي غلـب بـالقوة‬
‫زيٌز )‪ (40‬و )‪ (70‬الحج(‬ ‫ع ِ‬‫ي َ‬ ‫و ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ه لَ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫فالقوة أول قال تعالى )إ ِ ّ‬
‫زيًزا )‪ (25‬الحزاب(‪.‬‬ ‫ع ِ‬ ‫وّيا َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫وقال ) َ‬
‫‪21‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫** وقد يكون التقديم بحســب الفضــل والشــرف منــه تقــديم اللــه‬
‫ل‬ ‫سمو َ‬ ‫والّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ع الل ّم َ‬ ‫ن ي ُطِم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫سبحانه فــي الــذكر كقــوله تعــالى ) َ‬
‫َ‬ ‫فممُأول َئ ِ َ‬
‫ن‬ ‫ن الن ّب ِّييمم َ‬ ‫ممم َ‬ ‫م ِ‬ ‫همم ْ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م الّلمم ُ‬ ‫عمم َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ع اّلمم ِ‬ ‫ممم َ‬ ‫ك َ‬ ‫َ‬
‫قمما )‬ ‫في ً‬ ‫ك َر ِ‬ ‫ن ُأول َئ ِ َ‬ ‫سم َ‬ ‫ح ُ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫ء َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ش َ‬ ‫وال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫‪ (69‬النساء(‪ .‬فقدم الله على الرسول ثم قدم السعداء من الخلــق‬
‫بحسب تفاضلهم فبدأ بالفضلين وهم النــبيون ثــم ذكــر مــن يعــدهم‬
‫بحســب تفاضــلهم‪ .‬كمــا تــدرج مــن الفئة القليلــة إلــى الكــثرة فبــدأ‬
‫ديقين وهــم أكــثر ثــم الشــهداء ثــم‬ ‫بالنبيين وهو أقل الخلق ثــم الصـ ّ‬
‫الصالحين فكل صنف أكثر من الذي قبله فهو تدرج مــن القلــة إلــى‬
‫الكثرة ومن الفضل إلى الفاضل ول شك أن أفضل الخلق هم أقــل‬
‫ل صنفهم‪.‬‬ ‫الخلق إذ كلما ترقى الناس في الفضل ق ّ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ميث َمما َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الن ّب ِّيي م َ‬ ‫م َ‬ ‫خذَْنا ِ‬ ‫وإ ِذْ أ َ َ‬ ‫** ومــن ذلــك قــوله تعــالى ) َ‬
‫م‬ ‫مْري َم َ‬ ‫ن َ‬ ‫سممى اب ْم ِ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬ ‫سممى َ‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬‫م َ‬ ‫هي م َ‬ ‫وإ ِب َْرا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ك َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫قا َ‬ ‫ميَثا ً‬ ‫َ‬
‫غِليظا )‪ (7‬الحــزاب( فبــدأ بالرســول لنــه‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خذَْنا ِ‬ ‫وأ َ‬ ‫َ‬
‫أفضلهم‪.‬‬
‫و‬
‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫** وجعلوا من ذلك تقديم الســمع علــى البصــر قــال تعــالى ) َ‬
‫ع‬ ‫مي ُ‬ ‫سم ِ‬ ‫و ال ّ‬ ‫هم َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫صمميُر )‪ (11‬الشممورى* و )إ ِ ّ‬ ‫ع ال ْب َ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ال ّ‬
‫و‬‫هم َ‬ ‫صمميُر )‪ (1‬و ) ُ‬ ‫ع ال ْب َ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫صيُر )‪ (20‬غافر( وقال )إ ِّنه ُ‬ ‫ال ْب َ ِ‬
‫قن َمما‬ ‫خل َ ْ‬ ‫صيُر )‪ (56‬غافر( الســراء( وقــال تعــالى )إ ِّنا َ‬ ‫ع ال ْب َ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫صمميًرا )‬ ‫عا ب َ ِ‬ ‫مي ً‬ ‫س ِ‬ ‫عل َْناهُ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ج ن َب ْت َِلي ِ‬ ‫شا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن ن ُطْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫اْل ِن ْ َ‬
‫ذا ذُك ّمُروا‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّم ِ‬ ‫‪ (2‬النسان( فقدم السمع على البصر‪ .‬وقال ) َ‬
‫مَيان ًمما )‪ (73‬الفرقــان(‬ ‫ع ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ما َ‬ ‫صم ّ‬ ‫همما ُ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫خّروا َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َرب ّ ِ‬ ‫ب ِآ ََيا ِ‬
‫دم الصم وهم فاقدو السـمع علـى العميـان وهـم فاقـدو البصـر‪.‬‬ ‫فق ّ‬
‫قالوا لن السمع أفضل‪ .‬قاول والدليل على ذلك أن اللــه تعــالى لــم‬
‫يبعث نيا ً أصم ولكن قد يكون النبي أعمـى كيعقـوب ‪ ‬فـإنه عمـي‬
‫لفقد ولده‪.‬‬
‫والظاهر أن السمع بالنسبة إلى تلقــي الرســالة أفضــل مــن البصــر‬
‫ففاقد البصر يستطيع أن يفهم ويعــي مقاصــد الرســالة فــإن مهمــة‬
‫الرسل التبليغ عن الله‪ .‬والعمى يمكن تبليغه بها وتيســير اســتيعابه‬
‫لها كالبصير غير أن فاقـد السـمع ل يمكـن تبليغـه بسـهولة فالصـم‬
‫أنأى عن الفهم من العمى ولــذا كــان العميــان علمــاء كبــار بخلف‬
‫الصم‪ .‬فلكون متعلق ذلك التبليغ كان تقديم السمع أولى‪.‬‬
‫ويمكن أن يكون تقديم السمع على البصر لسبب آخر عدا الفضلية‬
‫وهو أن مدى السمع أقل مـن مـدى الرؤيـة فقـدم ذا المـدى القـل‬
‫متدرجا ً من القصر إلى الطول في المــدى ولــذا حيــن قــال موســى‬
‫‪22‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫وأ ْ‬ ‫عل َي ْن َمما أ ْ‬ ‫ط َ‬ ‫ف مُر َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خمما ُ‬ ‫قاَل َرب ّن َمما إ ِن ّن َمما ن َ َ‬ ‫فــي فرعــون ) َ‬
‫ممما‬ ‫عك ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫فمما إ ِن ّن ِممي َ‬‫خا َ‬‫ل َل ت َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫غى )‪ (45‬طه( قال الله تعالى ) َ‬ ‫ي َطْ َ‬
‫وأ ََرى )‪ (46‬طه( فقدم السمع لنه يوحي بــالقرب إذ الــذي‬ ‫ع َ‬ ‫م ُ‬‫س َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫يسمعك يكون في العــادة قريبـا ً منــك بخلف الــذي يــراك فــإنه قــد‬
‫يكون بعيدا ً وإن كان الله ل يند عن سمعه شيء‪.‬‬
‫ع‬ ‫وقد يكون التقديم بحســب الرتبــة وذلــك كقــوله تعــالى ) َ َ‬
‫فل ت ُطِ ِ‬
‫ل‬‫كم ّ‬ ‫ع ُ‬ ‫وَل ت ُطِم ْ‬ ‫ن )‪َ (9‬‬ ‫هُنو َ‬ ‫في ُمدْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ُ‬ ‫و ُتمدْ ِ‬ ‫دوا ل َ ْ‬ ‫و ّ‬ ‫ن )‪َ (8‬‬ ‫مك َذِّبي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ر‬
‫خي ْم ِ‬ ‫ع ل ِل ْ َ‬ ‫من ّمما ٍ‬
‫مي مم ٍ )‪َ (11‬‬ ‫ء ب ِن َ ِ‬‫شمما ٍ‬ ‫م ّ‬ ‫ز َ‬ ‫ممما ٍ‬ ‫ه ّ‬‫ن )‪َ (10‬‬ ‫هي ٍ‬‫م ِ‬ ‫ف َ‬ ‫حّل ٍ‬ ‫َ‬
‫ماز هو العّياب وذلك ل يفتقــر إلــى‬ ‫َ‬
‫د أِثيم ٍ )‪ (12‬القلم( فإن اله ّ‬ ‫عت َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫مشي بخلف النميمة فإنها نقل للحديث من مكان إلــى مكــان عــن‬
‫شخص إلى شخص‪ .‬فبدأ بالهمــاز وهــو الــذي يعيــب النــاس وهــذا ل‬
‫يفتقر إلى مشي ول حركة‪ ،‬ثم انتقل إلى مرتبة أبعد في اليذاء وهو‬
‫المشي بالنميمة ثم انتقل إلى مرتبة أبعد في اليذاء وهـو أنـه يمنـع‬
‫الخير عن الخرين‪ .‬وهذه مرتبــة بعــد فــي اليــذاء ممــا تقــدمها‪ .‬ثــم‬
‫انتقل إلى مرتبة أخرى أبعد مما قبلها وهو العتداء فإن منــع الخيــر‬
‫قد ل يصحبه اعتداء أما العـدوان فهــو مرتبـة أشــد فــي اليـذاء‪ .‬ثــم‬
‫ختمها بقوله أثيم وهو وصف جامع لنواع الشرور فهي مرتبة أخرى‬
‫شــاء‬ ‫مــاز علــى م ّ‬ ‫أشد إيذاًء‪ .‬جاء فــي بــدائع الفــوائد ‪ :‬وأمــا تقــدم ه ّ‬
‫بنميم فالرتبة لن المشي مرتب على القعود في المكــان‪ .‬والهمــاز‬
‫هو العّياب وذلك ل يفتقــر إلــى حركــة وانتقــال مــن موضــعه بخلف‬
‫النميم‪ .‬وأمــا تقــدم )منــاع للخيــر( علــى )معتــد( فبالرتبــة أيضـا ً لن‬
‫المناع يمنع من نفســه والمعتــدي يعتــدي علــى غيــره ونفســه قبــل‬
‫غيره‪.‬‬
‫** وجعلوا مــن تقــدم الســمع علــى العلــم حيــث وقــع فــي القــرآن‬
‫م )‪ (137‬البقرة( وقــوله‬ ‫عِلي ُ‬ ‫ع ال ْ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫الكريم كقوله تعالى ) َ‬
‫م )‪ (61‬النفــال( وذلــك أنــه خــبر يتضــمن‬ ‫عِلي ُ‬ ‫ع ال ْ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫)إ ِن ّ ُ‬
‫التخويف والتهديد‪ .‬فبدأ بالسمع لتعلقه كالصوات وهمس الحركــات‬
‫فإن من سمع حسك وخفي صــوتك أقــرب إليــك فــي العــادة ممــن‬
‫يقال لك‪ :‬إنه يعلم وإن كان علمــه تعــالى متعلق ـا ً بمــا ظهــر وبطــن‬
‫وواقعا ً على ما قرب وشــطن‪ .‬ولكــن ذكــر الســميع أوقــع فــي بــاب‬
‫التخويف من ذكر العليم فهو أولى بالتقديم‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال‪ :‬إن السمع من وسائل العلم فهو يسبقه‪.‬‬
‫ن‬ ‫** وجعلوا منه أيضا ً تقديم المغفــرة علــى الرحمــة نحــو قــوله )إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫م )‪ (173‬البقرة( في آيات كــثيرة وقــوله ) َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ما )‪ (100‬النساء( قــالوا‪ :‬وســبب تقــديم الغفــور‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫‪23‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫على الرحيم أن المغفرة سلمة والرحمة غنيمة والســلمة مطلوبــة‬
‫ج‬ ‫ممما ي َِلمم ُ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫قبل الغنيمة وإنما تأخرت في سورة سبأ في قوله )ي َ ْ‬
‫ممما‬ ‫ز ُ‬ ‫ْ َ‬
‫و َ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سم َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مم َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ممما ي َن ْم ِ‬ ‫و َ‬ ‫همما َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خمُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ِ‬
‫فوُر )‪ ( (2‬فالرحمة شملتهم جميعا ً‬ ‫غ ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫حي ُ‬ ‫و الّر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ج ِ‬ ‫عُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫والمغفرة تخص بعضا ً ‪ ،‬والعموم قبــل الخصــوص بالرتبــة‪ .‬وليضــاح‬
‫ذلــك أن جميــع الخلئق مــن النــس والجــن والحيــوان وغيرهــم‬
‫محتاجون إلى رحمته فهي برحمتــه تحيــا وتعيــش وبرحمتــه تــتراحم‬
‫م‪.‬‬‫وأما المغفرة فتخص المكلفين فالرحمة أع ّ‬
‫** ومن التقـديم بالرتبـة أيضـا ً قـوله تعـالى فـي مـن يكنـز الـذهب‬
‫همما‬ ‫وى ب ِ َ‬ ‫فت ُك ْم َ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّم َ‬ ‫ج َ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫فممي ن َمما‬ ‫همما ِ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫مممى َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫والفضــة )ي َم ْ‬
‫م‬ ‫س مك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ِل َن ْ ُ‬ ‫ممما ك َن َْزت ُم ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫هم َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫همموُر ُ‬ ‫وظ ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جن ُمموب ُ ُ‬ ‫و ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪ (35‬التوبة( فبدأ بالجباه ثــم الجنــوب‬ ‫م ت َكن ُِزو َ‬ ‫ْ‬ ‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫قوا َ‬ ‫ذو ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫ثم الظهور قيل‪ :‬لنهم كانوا إذا أبصــروا الفقيــر عبســوا وإذا ضــمهم‬
‫وإياه مجلس ازوروا عنـه وتولـوا بأركـانهم وولـوه ظهـورهم فتـدرج‬
‫حسب الرتبة‪.‬‬
‫وقد يكون التقديم بحســب الكــثرة والقلــة فقــد يرتــب المــذكورات‬
‫متدرجا ً من القلة إلى الكثرة حسبما يقتضيه المقام وذلك نحو قوله‬
‫جوِد )‬ ‫ّ‬ ‫وال ْ‬ ‫ي ِلل ّ‬ ‫ن طَ‬ ‫)أ َ‬
‫سم ُ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ما‬‫م‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫طا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫را‬‫َ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ْ‬
‫‪ (125‬البقرة( فكل طائفة هي أقل من التي بعدها فتدرج من القلة‬
‫إلى الكثرة‪ .‬فالطائفون أقل من العاكفين لن الطــواف ل يكــون إل‬
‫حول الكعبة‪ .‬والعكوف يكون في المساجد عموما ً والعــاكفون أقــل‬
‫من الراكعين لن الركوع أي الصلة تكون في كل أرض طاهرة أمــا‬
‫العكوف فل يكون إل في المساجد ‪ .‬والراكعون أقل من الســاجدين‬
‫وذلك لن لكل ركعة سجدتين ثم إن كل راكع ل بــد أن يســجد وقــد‬
‫يكون سجود ليس فيه ركوع كسجود التلوة وسجود الشكر فهو هنا‬
‫تدرج من القلة إلى الكثرة‪ .‬ولهذا التدرج سبب اقتضاه المقام فــإن‬
‫م‬ ‫هيمم َ‬ ‫هدَْنا إ َِلممى إ ِب َْرا ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫الكلم على بيت الله الحرام‪ .‬قال تعالى ) َ‬
‫عي َ َ‬
‫ع‬ ‫كم ِ‬ ‫والّر ّ‬ ‫ن َ‬ ‫في َ‬ ‫عماك ِ ِ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫في َ‬ ‫طمائ ِ ِ‬ ‫ي ِلل ّ‬ ‫هَرا ب َي ْت ِ َ‬ ‫ن طَ ّ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫جوِد )‪ (125‬البقرة( فالطائفون هم ألصــق المــذكورين بــالبيت‬ ‫س ُ‬ ‫ال ّ‬
‫لنهم يطوفون حوله‪ ،‬فبدأ بهم ثم تدرج إلى العاكفين في هذا البيت‬
‫أو في بيوت الله عموما ً ثم الركع السجود الذين يتوجهون إلــى هــذا‬
‫البيت في ركوعهم وسجودهم في كل الرض‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا‬ ‫ج ُ‬‫سم ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫عمموا َ‬ ‫من ُمموا اْرك َ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫همما ال ّم ِ‬ ‫ونحوه قــوله تعــالى )َيا أي ّ َ‬
‫ن )‪ (77‬الحــج(‬ ‫حممو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عل ّك ُم ْ‬ ‫خي ْمَر ل َ َ‬ ‫عُلوا ال ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫‪24‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫فبدأ بالركوع وهو أقل المذكورات ثم السجود وهــو أكــثر ثــم عبــادة‬
‫م ثم فعل الخير‪.‬‬ ‫الرب وهي أع ّ‬
‫وقد يكون الكلم بالعكس فيتدرج من الكثرة إلى القلــة وذلــك نحــو‬
‫ع‬ ‫مم َ‬ ‫عممي َ‬ ‫واْرك َ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سم ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫ك َ‬ ‫قن ُت ِممي ل َِرب ّم ِ‬ ‫ما ْ‬ ‫مْري َم ُ‬ ‫قوله تعالى )َيا َ‬
‫ن )‪ (43‬آل عمران( فبدأ بالقنوت وهــو عمــوم العبــادة ثــم‬ ‫عي َ‬ ‫الّراك ِ ِ‬
‫السجود وهو أخص وأقل ثم الركوع وهو أقل وأخص‪.‬‬
‫م‬ ‫من ْك ُم ْ‬ ‫و ِ‬ ‫فٌر َ‬ ‫م ك َمما ِ‬ ‫من ْك ُم ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬ ‫قك ُم ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ال ّم ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ومنــه قــوه تعــالى ) ُ‬
‫صيٌر )‪ (2‬التغابن( فبدأ بالكفار لنهــم‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫مم ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫صم َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫و َ‬ ‫ولم ْ‬ ‫س َ‬ ‫ما أكث َمُر الن ّمما ِ‬ ‫و َ‬ ‫أكثر قال تعــالى ) َ‬
‫‪ (103‬يوسف(‪.‬‬
‫ص مطَ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫في َْنا ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّم ِ‬ ‫وَرث ْن َمما ال ْك ِت َمما َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ونحوه قوله تعالى )ث ُ ّ‬
‫ق‬‫سمماب ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫و ِ‬ ‫صد ٌ َ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ل ِن َ ْ‬ ‫ظال ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ف ِ‬ ‫عَباِدَنا َ‬ ‫ِ‬
‫ل ال ْك َِبيمُر )‪ (32‬فــاطر(‬ ‫ضم ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫هم َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ه ذَل ِم َ‬ ‫ن الل ّم ِ‬ ‫ت ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫فقدم الظالم لكثرته ثم المقتصد وهو أقل ممن قبله ثــم الســابقين‬
‫وهم أقل‪ .‬جاء في الكشــاف فــي هــذه اليــة فــإن قلــت ‪ :‬لــم قــدم‬
‫الظــالم ثــم المقتصــد ثــم الســابق؟ قلــت لليــذان بكــثر الفاســقين‬
‫وغلبتهم وإن المقتصدين قليل بالضافة إليهم والسـابقون أقــل مــن‬
‫ن‬ ‫مم َ‬ ‫ة ِ‬ ‫القليــل‪.‬أل تــرى كيــف قــال اللــه تعــالى فــي الســابقين )ث ُل ّ ٌ‬
‫ن اْل َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (14‬الواقعــة( إشــارة إلــى‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قِلي ٌ‬ ‫و َ‬ ‫ن )‪َ (13‬‬ ‫وِلي َ‬ ‫اْل ّ‬
‫ندرة وقلة وجودهم؟‬
‫ق‬
‫ر ُ‬ ‫سمما ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫قــالوا‪ :‬ومــن هــذا النــوع مــن القــديم قــوله تعــالى ) َ‬
‫َ‬
‫ما )‪ (38‬المائدة( قدم الســارق علــى‬ ‫ه َ‬‫دي َ ُ‬ ‫عوا أي ْ ِ‬ ‫قطَ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ر َ‬ ‫سا ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫السارقة لن السرقة في الذكور أكــثر‪ .‬وقــدم الزانيــة علــى الزانــي‬
‫ممما‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫د ِ‬ ‫حمم ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫كمم ّ‬ ‫دوا ُ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫والّزاِني َ‬ ‫ة َ‬ ‫في قوله تعالى )الّزان ِي َ ُ‬
‫ة )‪ (2‬النور( لن الزنى فيهن أكثر‪ .‬أل ترى أن قســما ً مــن‬ ‫جل ْدَ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫مئ َ َ‬ ‫ِ‬
‫النساء يحترفن هذه الفعلة الفاحشة؟ وجاء في حاشـية ابـن المنيـر‬
‫على الكشاف قـوله‪ :‬وقـدم الزانيـة علـى الزانـي والسـبب فيـه أن‬
‫الكلم الول فــي حكــم الزنــى والصــل فيــه المــرأة لمــا يبــدو مــن‬
‫اليماض والطماع والكلم‪ ،‬ولن مفسدته تتحقق بالضافة إليها"‪.‬‬
‫وقد يكون التقديم لملحظ أخرى تتناسب مع الســياق فنــراه يقــدم‬
‫لفظــة فــي موضــع ويؤخرهــا فــي موضــع آخــر بحســب مــا يقتضــي‬
‫السياق‪.‬‬
‫**فمن ذلك تقديم لفظ الضرر على النفع وبالعكس قاول‪ :‬إنه حيث‬
‫ل َل‬ ‫قم ْ‬ ‫تقدم لنفع على الضر فلتقدم ما يتضمن النفع‪ .‬قال تعــالى ) ُ‬
‫َ‬
‫ه )‪ (188‬العراف(‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ضّرا إ ِّل َ‬ ‫وَل َ‬ ‫عا َ‬ ‫ف ً‬ ‫سي ن َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫‪25‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫د الّلمم ُ‬
‫ه‬ ‫ه ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فقدم النفع على الضرر وذلك لنه تقدمه في قوله ) َ‬
‫ن )‪(178‬‬ ‫س مُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هم ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ف مُأول َئ ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫دي َ‬ ‫هت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫و ك ُن ْم ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫العراف( فقدم الهداية على الضــلل وبعــد ذلــك قــال ) َ‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن أَنا‬ ‫سوءُ إ ِ ْ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ست َك ْث َْر ُ‬ ‫ب َل ْ‬ ‫غي ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ن )‪ ( (188‬فقــدم الخيــر علــى‬ ‫من ُممو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وم ٍ ي ُ ْ‬ ‫قم ْ‬ ‫شمميٌر ل ِ َ‬ ‫وب َ ِ‬ ‫ذيٌر َ‬ ‫إ ِّل ن َم ِ‬
‫السوء ولذا قدم النفع على الضرر إذ هو المناسب للسياق‪.‬‬
‫َ‬
‫ه)‬ ‫شاءَ الل ّم ُ‬ ‫ما َ‬ ‫عا إ ِّل َ‬ ‫ف ً‬ ‫وَل ن َ ْ‬ ‫ضّرا َ‬ ‫سي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ل َل أ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫وقال‪ُ ) :‬‬
‫و‬‫ول َم ْ‬ ‫دم الضرر على النفع وقد قال قبل هذه اليــة ) َ‬ ‫‪ (49‬يونس( فق ّ‬
‫م‬ ‫همم ْ‬ ‫ضمم َ َ‬ ‫ر لَ ُ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫جال َ ُ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ج ُ‬
‫ي إ ِلي ْ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫شّر ا ْ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ع ّ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫هو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫غَيان ِ‬ ‫في طُ ْ‬ ‫قاءََنا ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ن َل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫فن َذَُر ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جل ُ ُ‬ ‫أ َ‬
‫عان َمما ل ِجن ْب م َ‬
‫و‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ضّر دَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سا َ‬ ‫س اْل ِن ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫)‪ (11‬يونس( وقال ) َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عَنا‬ ‫م ي َمدْ ُ‬ ‫ن ل َم ْ‬ ‫ممّر ك َمأ ْ‬ ‫ضّرهُ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫فَنا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫قائ ِ ً‬ ‫و َ‬ ‫دا أ ْ‬ ‫ع ً‬ ‫قا ِ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مل ُممو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ممما ك َمماُنوا ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫في َ‬ ‫ر ِ‬ ‫سم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫ك ُزي ّ َ‬ ‫ه ك َذَل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّر َ‬ ‫إ َِلى ُ‬
‫‪ (12‬يونس(‪ .‬فقدم الضر على النفع فــي اليــتين ‪ .‬ويــأتي بعــد هــذه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق ْ َ َ‬
‫ذا‬ ‫ممما َ‬ ‫هماًرا َ‬ ‫و نَ َ‬ ‫ه ب ََيات ًمما أ ْ‬ ‫ذاب ُ ُ‬ ‫عم َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أَتاك ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫الية قوله‪ُ ) :‬‬
‫ن )‪ ( (50‬فكان المناسب تقــديم الضــرر‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫على النفع ههنا‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ن ِل َ‬ ‫ُ‬ ‫ول َِياءَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل أَ‬ ‫ق ْ‬ ‫وقال‪ُ ) :‬‬
‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫سمم‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫كو‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ذ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫فا‬
‫دم النفع على الضرر‪ ،‬قالوا‪ :‬وذلــك‬ ‫ضّرا )‪ (16‬الرعد( فق ّ‬ ‫وَل َ‬ ‫عا َ‬ ‫ف ً‬ ‫نَ ْ‬
‫ض‬ ‫ْ َ‬ ‫ول ِل ّ ِ‬
‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سم َ‬ ‫فممي ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫لتقدم قوله تعالى ) َ‬
‫َ‬
‫ل }س{)‪ (15‬الرعــد(‬ ‫صمما ِ‬ ‫واْل َ‬ ‫و َ‬ ‫غد ُ ّ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫وظَِلل ُ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫وك َْر ً‬ ‫عا َ‬ ‫و ً‬ ‫طَ ْ‬
‫م‬ ‫ض مك ُ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ك بَ ْ‬ ‫مل ِم ُ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫فممال ْي َ ْ‬ ‫فقــدم الطــوع علــى الكــره‪ .‬وقــال‪َ ) :‬‬
‫ضّرا )‪ (42‬سبأ( فقـدم النفــع علــى الضــر قــالوا‪:‬‬ ‫وَل َ‬ ‫عا َ‬ ‫ف ً‬ ‫ض نَ ْ‬ ‫ع ٍ‬ ‫ل ِب َ ْ‬
‫ن‬ ‫ممم ْ‬ ‫شاءُ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن َرّبي ي َب ْ ُ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫وذلك لتقدم قوله ) ُ‬
‫و‬ ‫هم َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فم ُ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫و يُ ْ‬ ‫هم َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫ما أ َن ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫دُر ل َ ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪ (39‬سبأ( فقــد البســط‪ .‬وغيــر ذلــك مــن مواضــع‬ ‫قي َ‬ ‫ز ِ‬ ‫خي ُْر الّرا ِ‬ ‫َ‬
‫هاتين اللفظتين‪.‬‬
‫**ومن ذلك تقديم الرحمة والعذاب فقد قيل إنه حيث ذكر الرحمــة‬
‫ب‬ ‫عذ ّ ُ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫شاءُ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫والعذاب بدأ بذكر الرحمة كقوله تعالى )ي َ ْ‬
‫ذو‬ ‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫فمَر ٍ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫ك َلم ُ‬ ‫ن َرّبم َ‬ ‫شماءُ )‪ (18‬المــائدة( وقــوله )إ ِ ّ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫َ‬
‫و َ‬ ‫ب أِليم ٍ )‪ (43‬فصلت( وقوله ) َ‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬
‫ب‬ ‫و ِ‬ ‫ل الت ّم ْ‬ ‫قاب ِم ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ر الذّن ْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫غا ِ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ِ‬
‫صميُر )‪(3‬‬ ‫م ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫و إ ِل َْيم ِ‬ ‫هم َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫ل َل إ َِلم َ‬ ‫و ِ‬ ‫طم ْ‬ ‫ب ِذي ال ّ‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫د ال ْ ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫غافر(‬
‫وعلى هذا جاء قول النبي ‪ ‬حكاية عــن اللــه تعــالى ‪ ":‬إن رحمــتي‬
‫سبقت غضبي"‬
‫‪26‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫وقد خرج عن هذه القاعدة مواضع اقتضت الحكمة فيها تقديم ذكــر‬
‫َ‬
‫م‬ ‫العذاب ترهيبا ً وزجرًا‪ .‬من ذلك قوله تعالى في سورة المائدة )أَلمم ْ‬
‫ْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫شمماءُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ب َ‬ ‫عذ ّ ُ‬ ‫ض يُ َ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫عل َ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫ديٌر )‪ ( (40‬لنهــا‬ ‫قم ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُم ّ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫شاءُ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫وردت فـي سـياق ذكــر قطـاع الطــرق والمحـاربين والسـّراق كـان‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫المناسب تقديم ذكر العذاب وذلك أنها وردت بعد قوله تعالى ) ِ‬
‫ر‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫قت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عَلى بِني إسراِئي َ َ‬ ‫ك ك َت َب َْنا َ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬ ‫َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫سا ب ِ َ‬ ‫ف ً‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل أن ّ ُ‬ ‫ِ ْ َ‬
‫في اْل َرض َ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫عا َ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫قت َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫فك َأن ّ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ساٍد ِ‬ ‫ف َ‬ ‫و َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫نَ ْ‬
‫س مل َُنا‬ ‫ول َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ُر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫جمماءَت ْ ُ‬ ‫ق مد ْ َ‬ ‫عمما َ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫حي َمما الن ّمما َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫فك َأن ّ َ‬ ‫ها َ‬ ‫حَيا َ‬ ‫أ ْ‬
‫ْ َ‬ ‫عمممدَ ذَل ِممم َ‬ ‫ن ك َِثيمممًرا ِ‬ ‫ِبال ْب َي ّن َممما ِ‬
‫ض‬ ‫فمممي الْر ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫هممم ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ت ث ُممم ّ‬
‫ن )‪ (32‬المائدة( فقدم القتل على الحياء ثم قــال بعــدها‬ ‫فو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫فممي‬ ‫ن ِ‬ ‫و َ‬ ‫ع ْ‬ ‫سم َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سممول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫رُبو َ‬ ‫ِ‬ ‫حمما‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جَزاءُ ال ّم ِ‬ ‫ما َ‬ ‫)إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫ق ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اْل َْر‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ع أْيمم ِ‬ ‫طمم َ‬ ‫و تُ َ‬ ‫صممل ُّبوا أ ْ‬ ‫و يُ َ‬ ‫قت ُّلمموا أ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫دا أ ْ‬ ‫سمما ً‬ ‫ف َ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬
‫ممن اْل َ‬ ‫خَلف أ َ‬ ‫وأ َ‬
‫ي‬ ‫خمْز ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫هم ْ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ض ذَل ِم َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫جل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م )‪ ( (33‬ثــم جــاء‬ ‫ظي م ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عم َ‬ ‫ة َ‬ ‫خ مَر ِ‬ ‫َ‬
‫في اْل ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫في الدّن َْيا َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ممما‬ ‫جمَزاءً ب ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫دي َ ُ‬ ‫عوا أي ْم ِ‬ ‫قطَ ُ‬ ‫فمما ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ر َ‬ ‫سمما ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫رق ُ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫بعــدها ) َ‬
‫م )‪ ((38‬ثــم جــاء بعــدها‬ ‫كي م ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاًل ِ‬ ‫سَبا ن َ َ‬ ‫كَ َ‬
‫ض‬ ‫ر‬ ‫ت واْل َ‬ ‫وا‬ ‫ما‬ ‫م‬
‫سم‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫لم‬ ‫م ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ه لَ‬ ‫ن الل ّ‬ ‫قوله تعالى )أ َل َم ت َعل َم أ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫ء‬‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عل َممى ك ُم ّ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ م ُ‬ ‫شاءُ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫شاءُ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫عذ ّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ديٌر )‪( (40‬فــأنت تــرى أن المناســب ههنــا تقــديم العــذاب علــى‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ر ُ‬ ‫سمما ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫المغفــرة‪ .‬جــاء فــي )الكشــاف( فــي قــوله تعــالى ) َ‬
‫َ‬
‫شمماءُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ب َ‬ ‫عذ ّ ُ‬ ‫ما ( إلى قــوله ) ي ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫دي َ ُ‬ ‫عوا أي ْ ِ‬ ‫قطَ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ر َ‬ ‫سا ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫شاءُ ( "فإن قلت لم قدم التعــذيب علــى المغفــرة؟‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫قلت لنه قوبل بذلك تقديم السرقة على التوبة"‪.‬‬
‫شمماءُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ب َ‬ ‫عذ ّ ُ‬ ‫ومن ذلك قوله تعــالى فــي ســورة العنكبــوت )ي ُ َ‬
‫ن )‪ ( (21‬وذلك لنهــا فــي ســياق‬ ‫قل َُبو َ‬ ‫ه تُ ْ‬ ‫وإ ِل َي ْ ِ‬ ‫شاءُ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ُ‬ ‫وي َْر َ‬ ‫َ‬
‫إنذار ابراهيم لقومه ومخاطبة نمرود وأصحابه وأن العذاب وقع بهم‬
‫ن‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُم ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ل‪) :‬إ ِن ّ َ‬ ‫في الدنيا‪ .‬فقد أنذر ابراهيم قومه قائ ً‬
‫الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن الل ّم ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫كا إ ِ ّ‬ ‫ف ً‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫وَثاًنا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ِ‬
‫ه‬
‫دو ُ‬ ‫عب ُم ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫ه ال مّرْزقَ َ‬ ‫عن ْمدَ الل ّم ِ‬ ‫غوا ِ‬ ‫فمماب ْت َ ُ‬ ‫قمما َ‬ ‫رْز ً‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َل ي َ ْ‬
‫ن‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ن )‪ (17‬العنكبــوت( ثــم قــال‪َ ) :‬‬ ‫عممو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه ت ُْر َ‬ ‫ه إ ِل َي ْم ِ‬ ‫شك ُُروا ل َم ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِّل‬ ‫ُ‬
‫سممو ِ‬ ‫عل َممى الّر ُ‬ ‫ممما َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫قب ْل ِك ُم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫بأ َ‬ ‫قدْ ك َذّ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ت ُك َذُّبوا َ‬
‫ت‬ ‫فُروا ب ِآ ََيا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ن )‪ ( (18‬وهددهم بعد بقوله ) َ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫غ ال ْ ُ‬ ‫ال ْب ََل ُ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عم َ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫وُأول َئ ِ َ‬ ‫مت ِممي َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫ك ي َئ ِ ُ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬ ‫قائ ِ ِ‬ ‫ول ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫م )‪ ( (23‬فأنت ترى أن السياق يقتضي تقديم العذاب هنا‪.‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫‪27‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫وقد يكون التقديم والتأخير على نمط غير الذي ذكــرت مــن تقــديم‬
‫الضرر والنفع والعذاب والمغفرة وغيرها من الخطوط العامة‪ .‬فقــد‬
‫يقدم لفظـة فــي مكــان ويؤخرهـا فـي مكـان آخــر حسـبما يقتضـيه‬
‫السياق‪.‬‬
‫د‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫عل َْنا ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫يأ ْ‬ ‫س َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض َر َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫**فمن ذلك قوله تعالى ) َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫دو َ‬ ‫هَتمم ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫همم ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫سممب ًُل ل َ َ‬ ‫جمما ُ‬ ‫جا ً‬ ‫ف َ‬ ‫همما ِ‬ ‫في َ‬ ‫عل َْنمما ِ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫همم ْ‬ ‫بِ ِ‬
‫سمما ً‬ ‫َ‬
‫طا )‪(19‬‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م اْلْر َ‬ ‫ل ل َك ُم ُ‬ ‫عم َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ م ُ‬ ‫النبيمماء( وقمموله ) َ‬
‫جما )‪ (20‬نــوح( فقــدم الفجــاج علــى‬ ‫جا ً‬ ‫ف َ‬ ‫سمب ًُل ِ‬ ‫همما ُ‬ ‫من ْ َ‬ ‫كوا ِ‬ ‫سمل ُ ُ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫ج فــي‬ ‫السبل في الية الولى وأخرها عنها في آية نوح وذلك أن الف ّ‬
‫الصل هو الطريق في الجبل أو بين الجبليــن‪ ،‬فلمــا تقــدم فــي آيــة‬
‫النبياء ذكر الرواسي وهي الجبال قدم الفجاج لذلك بخلف آية نوح‬
‫فإنه لم يرد فيها ذكر للجبال فأخرها‪ .‬فوضع كل لفظة في الموضــع‬
‫الذي تقتضيه‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫مت ّ م ْ‬‫و ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫قت ِل ْت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬ ‫**ومثل ذلك قوله تعالى ) َ‬
‫ن‬ ‫ول َئ ِ ْ‬ ‫ن )‪َ (157‬‬ ‫عممو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬‫ممما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬‫خي ْمٌر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مم ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٌ ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬‫لَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (158‬آل عمــران( فقــدم‬ ‫ش مُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه تُ ْ‬ ‫م َل َِلى الل ّ ِ‬ ‫قت ِل ْت ُ ْ‬
‫و ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مت ّ ْ‬ ‫ُ‬
‫القتل على الموت في الية الولى وقدم الموت في الية التي تليها‬
‫وسبب ذلك والله أعلم أنه لما ذكر في اليــة الولــى )في سممبيل‬
‫الله( وهـو الجهــاد قــدم القتـل إذ هـو المناسـب لن الجهـاد مظّنـة‬
‫القتل‪ ،‬ثم هو الفضل أيضا ً ولذا ختمها بقوله )لمغفممرة مممن اللممه‬
‫ورحمة( فهذا جزاء الشهيد ومن مات في سبيل الله‪ .‬ولما لم يقل‬
‫في الثانية )في سبيل الله( قدم الموت على القتــل لنــه الحالــة‬
‫الطبيعية في غير الجهاد ثم ختمها بقوله )للممى اللممه تحشممرون(‬
‫إذا الميــت والمقتــول كلهمــا يحشــره اللــه إليــه‪ .‬فشــتان مــا بيــن‬
‫الخاتمتين‪ .‬فلم يزد في غير الشهيد ومن مات في سبيل اللــه علــى‬
‫أن يقول )للى الله تحشرون( وقال في خاتمــة الشــهيد )لمغفرة‬
‫من الله ورحمة خير مما يجمعون( فوضع كل لفظــة الموضــع‬
‫الذي يقتضيه السياق‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ز‬‫جُر ِ‬ ‫ض ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ماءَ إ َِلى اْلْر‬ ‫سوقُ ال ْ َ‬ ‫وا أّنا ن َ ُ‬ ‫م ي ََر ْ‬ ‫ول َ ْ‬‫** وقال تعالى )أ َ‬
‫فَل‬ ‫م أَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سمم ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫وأ َن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬‫عمما ُ‬
‫ل مْنمم َ‬
‫ه أن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫كمم ُ ِ‬ ‫عمما ت َأ ْ ُ‬ ‫ه َزْر ً‬ ‫ج ِبمم ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫خمم ِ‬ ‫فن ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (27‬الســجدة( فقــدم النعــام علــى النــاس‪ .‬وقــال فــي‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُب ْ ِ‬
‫ة َ‬
‫م )‪(32‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫عمما ِ‬ ‫وِل َن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫عمما ل َك ُم ْ‬ ‫مَتا ً‬ ‫وأب ّمما )‪َ (31‬‬ ‫ه ً َ‬ ‫فاك ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫مكان آخر ) َ‬
‫عبس( فقدم الناس على النعام وذلك لنه لما تقدم ذكر الزرع في‬
‫آية السجدة ناسب تقديم النعام بخلف آية عبس فإنهــا فــي طعــام‬
‫ه )‪ (24‬أ َن ّمما‬ ‫م ِ‬ ‫عمما ِ‬ ‫ن إ ِل َممى طَ َ‬ ‫سمما ُ‬ ‫ر اْل ِن ْ َ‬ ‫فل ْي َن ْظُ ِ‬ ‫النسان قال تعالى ) َ‬
‫‪28‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫َ‬
‫قا )‪(26‬‬ ‫شمم ّ‬ ‫ض َ‬ ‫قَنا اْلْر َ‬ ‫ق ْ‬ ‫شمم َ‬ ‫م َ‬ ‫صممّبا )‪ُ (25‬ثمم ّ‬ ‫ممماءَ َ‬ ‫صممب َب َْنا ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫خًل )‬ ‫ون َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وَزي ُْتوًنمما َ‬ ‫ضًبا )‪َ (28‬‬ ‫ق ْ‬ ‫عن ًَبا َ‬ ‫و ِ‬ ‫حّبا )‪َ (27‬‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫فأن ْب َت َْنا ِ‬
‫ة َ‬
‫م‬ ‫عمما ل َك ُم ْ‬ ‫مَتا ً‬ ‫وأب ّمما )‪َ (31‬‬ ‫هم ً َ‬ ‫فاك ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫غل ْب ًمما )‪َ (30‬‬ ‫ق ُ‬ ‫دائ ِ َ‬ ‫حم َ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ (29‬‬
‫م )‪ (32‬عبــس( أل تــرى كيــف ذكــر طعــام النســان مــن‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫وِل َن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب أي التبــن‪،‬‬ ‫الحب والفواكه أول ً ثم ذكر طعام النعام بعده وهــو ال ّ‬
‫فناسب تقديم النسان على النعام ههنا كمــا ناســب تقــديم النعــام‬
‫م‪ .‬فسبحان الله رب العالمين‪.‬‬ ‫على الناس ث ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫حمم ُ‬ ‫ق نَ ْ‬ ‫مَل َ ٍ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وَلدَك ُ ْ‬ ‫قت ُُلوا أ ْ‬ ‫وَل ت َ ْ‬ ‫** ومن ذلك قوله تعالى ) َ‬
‫م‬ ‫وَلدَك ُم ْ‬ ‫قت ُل ُمموا أ ْ‬ ‫وَل ت َ ْ‬ ‫م )‪ (151‬النعــام( وقــوله ) َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وإ ِّيا ُ‬ ‫م َ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ن َْرُز ُ‬
‫خطًْئا‬ ‫ن ِ‬ ‫م ك َمما َ‬ ‫هم ْ‬ ‫قت ْل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫وإ ِي ّمماك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن ن َْرُز ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ق نَ ْ‬ ‫مَل ٍ‬ ‫ة إِ ْ‬ ‫شي َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫ك َِبيًرا )‪ (31‬السراء( فقدم رزق الباء في الية الولى على البناء‪،‬‬
‫وفي الثانية قدم رزق البناء على البــاء وذلـك لن الكلم فـي اليـة‬
‫الولى موجه إلى الفقــراء دون الغنيــاء فهــم يقتلــون أولدهــم مــن‬
‫عــدتهم‬ ‫الفقر الواقع بهم ل أنهــم يخشــونه فــأوجبت البلغــة تقــديم ِ‬
‫بالرزق تكميل العدة برزق الولد‪ .‬وفي الية الثانيــة الخطــاب لغيــر‬
‫الفقراء وهم الذين يقتلون أولدهم خشية الفقــر ل أنهــم مفتقــرون‬
‫في الحال وذلك أنهم يخــافون أن تسـلبهم كلـف الولد مــا بأيــديهم‬
‫من الغنى فوجب تقديم العدة بــرزق الولد فيــأمنوا مــا خــافوا مــن‬
‫الفقر‪ .‬فقل‪ :‬ل تقتلوهم فإنا نرزقهم وإياكم أي أن الله جعــل معهــم‬
‫رزقهم فهم ل يشاركونكم في رزقكم فل تخشوا الفقر‪.‬‬
‫عل َممى‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قلمموب ِ ِ‬
‫عل َممى ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّم ُ‬ ‫خت َ َ‬ ‫** ومــن ذلــك قــوله تعــالى ) َ‬
‫عَلى أ َ‬
‫م )‪(7‬‬ ‫ظي م ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عم َ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫وةٌ َ‬ ‫شا َ‬ ‫غ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫صا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ِ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ر ِ‬ ‫صم ِ‬ ‫عل َممى ب َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫قل ْب ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ِ‬ ‫س ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫م َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫و َ‬ ‫البقرة( وقوله ) َ‬
‫ة )‪ (23‬الجاثية( فقدم القلوب على السمع في البقرة وقدم‬ ‫و ً‬ ‫شا َ‬ ‫غ َ‬ ‫ِ‬
‫السمع على القلب في الجاثية وذلك لنه فــي البقــرة ذكــر القلــوب‬
‫ضمما )‬ ‫مَر ً‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّم ُ‬ ‫هم ُ‬ ‫فَزادَ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ممَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قلمموب ِ ِ‬
‫في ُ ُ‬ ‫المريضة فقــال ) ِ‬
‫‪ ( (10‬فقدم القلــوب لــذلك‪ .‬وفــي الجاثيـة ذكــر السـماع المعطلـة‬
‫َ‬ ‫ل أَ ّ‬
‫عل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ه ت ُت َْلى َ‬ ‫ت الل ّ ِ‬ ‫ع آ ََيا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ك أِثيم ٍ )‪ (7‬ي َ ْ‬ ‫فا ٍ‬ ‫ل ل ِك ُ ّ‬ ‫وي ْ ٌ‬ ‫فقال ) َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب أِليم ٍ )‪(8‬‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫شْرهُ ب ِ َ‬ ‫فب َ ّ‬ ‫ها َ‬ ‫ع َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ست َك ْب ًِرا ك َأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صّر ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫الجاثية( فقدم السمع‪ .‬فوضع كل لفظة في المكان الذي يناسبها‪.‬‬
‫ثم إن آية البقرة ذكرت صنفين من أصناف الكافرين من هــم أشــد‬
‫ن‬ ‫ضلل ً وكفرا ً ممن ذكرتهم آية الجاثية فقد جاء فيها قوله تعــالى )إ ِ ّ‬
‫م َل‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ه ْ‬ ‫ذْر ُ‬ ‫م ت ُن ْم ِ‬ ‫م ل َم ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م أأن ْمذَْرت َ ُ‬ ‫هم ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫واءٌ َ َ‬ ‫سم َ‬ ‫ف مُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّم ِ‬
‫عَلممى‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ِ‬ ‫س ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قلوب ِ ِ‬
‫عَلى ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خت َ َ‬ ‫ن )‪َ (6‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫أَ‬
‫م )‪ (7‬البقــرة( وجــاء فــي‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫وةٌ َ‬ ‫شا َ‬ ‫غ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫صا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬
‫‪29‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫عل َممى‬ ‫َ‬ ‫فرأ َ‬ ‫الجاثية قوله )أ َ‬
‫ه َ‬ ‫ه الل ّم ُ‬ ‫ضل ّ ُ‬ ‫وأ َ‬ ‫واهُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫خذَ إ ِل َ َ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫و ً‬ ‫غشمما َ‬ ‫َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫صم ِ‬ ‫علممى ب َ َ‬ ‫َ‬ ‫عل َ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ْ‬
‫وقلب ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ِ‬ ‫س ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫م َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫و َ‬‫عل ْم ٍ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪ ( (23‬فقــد ذكــر فــي‬ ‫فَل ت َذَك ُّرو َ‬ ‫هأ َ‬ ‫د الل ّ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫البقرة أن النذار وعدمه عليهم سواء وأنهــم ميــؤوس مــن إيمــانهم‬
‫ولم يقل مثل ذلك في الجاثية‪.‬‬
‫ثم كرر حرف الجر )على( مع القلوب والسماع في آية البقرة ممــا‬
‫م ( ولــم‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ِ‬ ‫سم ْ‬ ‫عل َممى َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قلمموب ِ ِ‬
‫عَلى ُ ُ‬ ‫يفيد توكيد الختم فقال ) َ‬
‫يقل مثل ذلك في الجاثية بل انتظم الســماع والقلــوب بحــرف جــر‬
‫واحد فقال )وختم على سمعه وقلبه(‪.‬‬
‫َ‬
‫ة( بالجملــة الســمية‬ ‫و ٌ‬ ‫شا َ‬ ‫غ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫عَلى أب ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ثم قال في البقرة ) َ‬
‫والجملة السمية كما هو معلوم تفيد الدوام والثبات ومعنى ذلك أن‬
‫هؤلء لم يسبق لهم أن أبصروا وإنما هذا شأنهم وخلقتهــم فل أمــل‬
‫ل‬ ‫عمم َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫في إبصارهم في يوم من اليام‪ .‬في حين قال في الجاثية ) َ‬
‫ة ( بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث ومعلوم‬ ‫و ً‬ ‫شا َ‬ ‫غ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫عَلى ب َ َ‬ ‫َ‬
‫أن )جعل( فعل ماض ومعنى ذلك أن الغشاوة لم تكن قبــل الجعــل‬
‫عل ْ مم ٍ ( ممــا يــدل‬ ‫عَلى ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ضل ّ ُ‬‫وأ َ َ‬ ‫يدلك على ذلك قوله تعالى ) َ‬
‫على أنه كان مبصرا ً قبل ترديــه‪ .‬ثــم ختــم آيــة البقــرة بقــوله )وله‬
‫عذاب عظيم( ولم يقل مثل ذلك في آيــة الجاثيــة‪ .‬فــدل علــى أن‬
‫صفات الكفر في البقرة أشد تمكنـا ً فيهــم‪ .‬ولــذا قــدم ختــم القلــب‬
‫على ما سواه لنه هو الهم فإن القلـب هــو محـل الهــدى والضــلل‬
‫مممى‬ ‫ع َ‬ ‫همما َل ت َ ْ‬ ‫فإ ِن ّ َ‬ ‫وإذا ختم عليه فل ينفع سمع ول بصر قال تعالى ) َ‬
‫ب ال ِّتي ِ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫مى ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ر )‪ (46‬الحج(‪.‬‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫صاُر َ‬ ‫اْلب ْ َ‬
‫وقال ‪ " :‬أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجســد كلــه‬
‫وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب"؟‬
‫فكان تقديم القلب في البقرة أولى وأنسب كمــا أن تقــديم الســمع‬
‫في الجاثية أنسب‪.‬‬
‫ن‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤَنا ِ‬ ‫وآ ََبا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ذا ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عدَْنا َ‬ ‫و ِ‬ ‫قد ْ ُ‬ ‫** ومنه قوله تعالى )ل َ َ‬
‫ن )‪ (68‬النمل( وقوله )ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ح ُ‬ ‫عدَْنا ن َ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫قد ْ ُ‬ ‫وِلي َ‬ ‫طيُر اْل ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا إ ِّل أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(83‬‬ ‫وِليم َ‬ ‫طيُر اْل ّ‬ ‫سما ِ‬ ‫ذا إ ِّل أ َ‬ ‫هم َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قْبم ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫هم َ‬ ‫ؤَنما َ‬ ‫وآَبا ُ‬ ‫َ‬
‫المؤمنون( فقدم )هذا( في الية الولى وأخرها فــي آيــة المؤمنــون‬
‫َ‬ ‫وآ ََبا ُ‬ ‫وذلك أن ما قبل الولى )أ َئ ِ َ‬
‫ن)‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤَنا أئ ِّنا ل َ ُ‬ ‫ذا ك ُّنا ت َُراًبا َ‬
‫ما‬ ‫ظا ً‬ ‫ع َ‬ ‫و ِ‬ ‫وك ُّنا ت َُراًبا َ‬ ‫مت َْنا َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫قاُلوا أ َئ ِ َ‬ ‫‪ (67‬النمل( وما قبل الثانية ) َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (82‬المؤمنون( فالجهة المنظور فيها هناك كونهم‬ ‫عوُثو َ‬ ‫أئ ِّنا ل َ َ‬
‫مب ْ ُ‬
‫أنفســهم وآبــاؤهم تراب ـًا‪ .‬والجهــة المنظــور فيهــا هنــا كــونهم تراب ـا ً‬
‫وعظامًا‪ .‬ول شبهة أن الولى أدخل عندهم في تبعيد البعث ذلــك أن‬
‫‪30‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫البلى في الحالة الولى أكــثر وأشــد وذلــك أنهــم أصــبحوا ترابـا ً مــع‬
‫أبائهم‪ .‬وأما في الية الثانية فالبلى أقل وذلــك أنهــم تــراب وعظــام‬
‫دم )هــذا( فــي اليــة‬ ‫فلم يصبهم ما أصاب الولين من البلى‪ ،‬ولذا قـ ّ‬
‫الولى لنه أدعى إلى العجب والتبعيد‪.‬‬
‫ق‬
‫خممال ِ ُ‬ ‫و َ‬ ‫هم َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫م َل إ ِل َ َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫** ومن ذلك قوله تعالى )ذَل ِك ُ ُ‬
‫ل )‪(102‬‬ ‫كيم ٌ‬ ‫و ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عل َممى ك ُم ّ‬ ‫و َ‬ ‫هم َ‬ ‫و ُ‬ ‫دوهُ َ‬ ‫عب ُم ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ُم ّ‬
‫و‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫ء َل إ ِل َ َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫النعام( وقوله )ذَل ِك ُ ُ‬
‫ن )‪ (62‬غافر(‬ ‫كو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ؤ َ‬ ‫فأ َّنى ت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬‫خممال ِ ُ‬ ‫خــر ) َ‬ ‫هممو( وأ ّ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫فأنت ترى أنه قدم في آية النعــام )َل إ ِل َ َ‬
‫ء( وفي غافر جاء بالعكس‪ .‬وذلك أنــه فــي ســياق النكــار‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫على الشرك والدعوة إلى التوحيد الخــالص ونفــى الصــاحبة والولــد‬
‫ن‬ ‫ه ب َِنيم َ‬ ‫قمموا ل َم ُ‬ ‫خَر ُ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫كاءَ ال ْ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ه ُ‬ ‫عُلوا ل ِل ّ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫قال‪َ ) :‬‬
‫ع‬ ‫دي ُ‬ ‫ن )‪ (100‬ب َ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ع ّ‬ ‫عاَلى َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫عل ْم ٍ ُ‬ ‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫وب ََنا ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬ ‫حب َ ٌ‬ ‫صمما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لم ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ول ْ‬ ‫ولدٌ َ‬ ‫ه َ‬ ‫نل ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ض أّنى ي َ ُ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ه‬ ‫م الّلم ُ‬ ‫كم ُ‬ ‫م )‪ (101‬ذَل ِ ُ‬ ‫عِليم ٌ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و ب ِك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خل َ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫على ك ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫دوهُ َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫ء فا ْ‬ ‫َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قك ّ‬ ‫ُ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ل إ ِل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َرب ّك ْ‬
‫ل )‪ (102‬النعام(‪ .‬فــأنت تــرى أن الكلم علــى التوحيــد‬ ‫كي ٌ‬ ‫و ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫دم كلمــة التوحيــد‬ ‫ونفي الشرك والشركاء والصاحبة والولد ولــذا ق ـ ّ‬
‫ء( وهو المناسب للمقام‪.‬‬ ‫ي ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ل َ‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫و ( على ) َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫)َل إ ِل َ َ‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫ن ل َم ُ‬ ‫ء( بعد قوله )أّنى ي َك ُممو ُ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خل َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ثم انظر كيف قال ) َ‬
‫خر الخلـق بعـد التوحيـد وهـو نظيـر‬ ‫ة ( فأ ّ‬ ‫حب َ ٌ‬ ‫صا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ول َدٌ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫و ( فقال )ل إ ِل َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫تأخيره بعد قوله )ل إ ِل َ‬ ‫َ‬
‫ء ( وهو تناظر جميل‪.‬‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫أما في غافر فليس السياق كذلك وإنما هو في سياق الخلق وتعداد‬
‫ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ق‬ ‫خل م ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ض أك ْب َمُر ِ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سم َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫النعم قال تعالى )ل َ َ‬
‫الّناس ول َك من أ َ‬
‫ن )‪ ((57‬إلــى أن يقــول‬ ‫مممو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫س َل ي َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ِ َ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫س مت َك ْب ُِرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ م ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ب ل َك ُم ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫س مت َ ِ‬ ‫عوِني أ ْ‬ ‫م ادْ ُ‬ ‫ل َرب ّك ُ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫) َ‬
‫ذي‬ ‫ه ال ّم ِ‬ ‫ن )‪ (60‬الل ّم ُ‬ ‫ريم َ‬ ‫خ ِ‬ ‫دا ِ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّم َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫سمي َدْ ُ‬ ‫عب َممادَِتي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عم ْ‬ ‫َ‬
‫ذو‬ ‫ه َلمم ُ‬ ‫ن الّلمم َ‬ ‫صًرا إ ِ ّ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫هاَر ُ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫سك ُُنوا ِ‬ ‫ل ل ِت َ ْ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫س َل ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫ش مك ُُرو َ‬ ‫ِ‬ ‫ن أك ْث َمَر الن ّمما‬ ‫ول َك ِم ّ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬ ‫عَلى الن ّمما‬ ‫ل َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ف ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬
‫ف مأّنى‬ ‫و َ‬ ‫هم َ‬ ‫ء َل إ ِل َم َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ك ُم ّ‬ ‫خممال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه َرب ّك ُم ْ‬ ‫م الل ّم ُ‬ ‫ذَل ِك ُم ُ‬
‫ن )‪ ( (62‬فــالكلم كمــا تــرى عــل الخلــق وعلــى نعــم اللــه‬ ‫كو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ؤ َ‬ ‫تُ ْ‬
‫وفضله على الناس ل على التوحيد فقدم الخلــق لــذلك فوضــع كــل‬
‫تعبير في موطنه اللئق حسب السياق‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫و‬ ‫همم َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫م َل إ ِل َ َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫جاء في البرهان للكرماني قوله )ذَل ِك ُ ُ‬
‫ل‬ ‫ق ك ُم ّ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ء (فــي هــذا الســورة وفــي المــؤمن ) َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫و ( لن فيها قبله ذكر الشركاء والبنين والبنــات‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫ء َل إ ِل َ َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫هو ( ثم قال ) َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫فدمغ قول قائله بقوله )َل إ ِل َ َ‬
‫ت واْل َ‬
‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫(‪ .‬وفي المؤمن قبله ذكر الخلق وهو )ل َ َ‬
‫ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫س ( فخرج الكلم على إثبــات خلــق النــاس ل‬ ‫ق الّنا ِ‬ ‫خل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫أك ْب َُر ِ‬
‫على نفي الشريك فقدم في كل سورة ما يقتضيه قبله من اليات‪.‬‬
‫دوا‬ ‫هم ُ‬ ‫جا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫جُروا َ‬ ‫همما َ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** ومن ذلك قوله تعالى )إ ِ ّ‬
‫بأ َموال ِهم وأ َ‬
‫ه )‪ (72‬النفــال( وقــوله‬ ‫ل الل ّم ِ‬ ‫سمِبي ِ‬ ‫فممي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ِ ْ َ ِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ب ِمأ ْ‬ ‫ل الل م ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫جا َ‬ ‫و َ‬ ‫جُروا َ‬ ‫ها َ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)ال ّ ِ‬
‫ن)‬ ‫فمائ ُِزو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هم ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وُأول َئ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عْنمدَ الّلم ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫م دََر َ‬ ‫عظَ ُ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫وأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫‪ (20‬التوبة(‬
‫فقدم الموال والنفس على )في ســبيل اللــه( فــي ســورة النفــال‬
‫وقدم )في سبيل الله( على المــوال والنفــس فــي ســورة التوبــة‪،‬‬
‫وذلك لنه في سورة النفال تقدم ذكر المال والفداء والغنيمــة مــن‬
‫ض الدّن َْيا )‪ (67‬النفال( وهو المــال‬ ‫عَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫مثل قوله تعالى )ت ُ ِ‬
‫ق‬‫سممب َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫وَل ك َِتا ٌ‬ ‫الذي فدى به السرى أنفسهم وقوله )ل َ ْ‬
‫م )‪ (68‬النفال( أي من الفداء‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫خذْت ُ ْ‬ ‫ما أ َ َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫لَ َ‬
‫حَلًل طَي ًّبا )‪ (69‬النفال( وغيــر ذلــك‬ ‫م َ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫غن ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫فك ُُلوا ِ‬ ‫وقوله ) َ‬
‫فقدم المال ههنا‪ ،‬لن المال كان مطلوبا ً لهم حتى عاتبهم اللــه فــي‬
‫ذلك فطلب أن يبدأوا بالتضحية به‪.‬‬
‫وأما في سورة التوبة فقد تقدم ذكر الجهاد في سبيل الله من مثل‬
‫َ‬
‫م‬ ‫همم ْ‬ ‫ز ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ه ب ِأْيمم ِ‬ ‫م الّلمم ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫عممذّب ْ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قممات ُِلو ُ‬ ‫قــوله تعــالى ) َ‬
‫ن )‪( (14‬وقــوله‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫وم ٍ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫دوَر َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م َ َ‬ ‫صْرك ُ ْ‬
‫عل َي ْ ِ‬ ‫وي َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫من ْك م ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫جا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫علم ِ الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ول ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ت ُت َْركوا َ‬ ‫ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫)أ ْ‬
‫ة‬ ‫جمم ً‬ ‫وِلي َ‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَل ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وَل َر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ي َت ّ ِ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ج‬ ‫حا ّ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫قاي َ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل ْت ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن )‪ ( (16‬وقوله )أ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وم ِ اْل ِ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫خم ِ‬ ‫وال ْي َم ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ب ِممالل ّ ِ‬ ‫مم َ‬ ‫نآ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ح مَرام ِ ك َ َ‬ ‫د ال ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ماَرةَ ال ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫دي‬ ‫همم ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫والل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫عن ْدَ الل ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫وو َ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ِ‬‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫هد َ ِ‬ ‫جا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ ( (19‬فقــدم ذكــر )فــي ســبيل اللــه( علــى‬ ‫مي َ‬ ‫م الظممال ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫و َ‬ ‫قم ْ‬ ‫ال َ‬ ‫ْ‬
‫المــوال والنفــس وهــو المناســب ههنــا للجهــاد كمــا قــدم المــوال‬
‫والنفس هناك لنه المناسب للموال‪.‬‬
‫ه )‪ (14‬النحــل(‬ ‫فيم ِ‬ ‫خَر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫مم َ‬ ‫ك َ‬ ‫فل ْم َ‬ ‫وت ََرى ال ْ ُ‬ ‫**ومنه قــوله تعــالى ) َ‬
‫خَر )‪ (12‬فاطر(‪:‬‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫فل ْ َ‬ ‫وت ََرى ال ْ ُ‬ ‫وقوله ) َ‬
‫‪32‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ّقدم المواخر على الجار والمجــرور فــي النحــل وقــدم )فيــه( علــى‬
‫مواخر في فاطر‪ .‬وذلك أنه تقــدم الكلم فــي النحــل علــى وســائط‬
‫النقل فذكر النعام وأنها تحمل الثقال وذكر الخيل والبغال والحمير‬
‫و‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫نركبها وزينة ثم ذكر الفلك وهــي واســطة نقــل أيضــا ً فقــال ) َ‬
‫ْ‬
‫ه‬‫مْنمم ُ‬ ‫جوا ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫رّيا َ‬ ‫ما طَ ِ‬ ‫ح ً‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫حَر ل ِت َأك ُُلوا ِ‬ ‫خَر ال ْب َ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫غمموا ِ‬ ‫ول ِت َب ْت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫في م ِ‬ ‫خَر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫مم َ‬ ‫ك َ‬ ‫فل ْم َ‬ ‫وت َمَرى ال ْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫سممون َ َ‬ ‫ة ت َل ْب َ ُ‬ ‫حل ْي َ ً‬ ‫ِ‬
‫دم المــواخر لنــه مــن‬ ‫ن )‪ (14‬النحــل( ق ـ ّ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫َ‬
‫صفات الفلك وهذا التقديم مناسب في سياق وسائط النقل‪ .‬وليس‬
‫ه‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫الســياق كــذلك فــي ســورة فــاطر وإنمــا قــال اللــه تعــالى ) َ‬
‫َ‬
‫ممما‬ ‫و َ‬ ‫جمما َ‬ ‫وا ً‬ ‫م أْز َ‬ ‫عل َك ُم ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ث ُم ّ‬ ‫فم ٍ‬ ‫ن ن ُطْ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫وَل‬ ‫ُ‬
‫ر َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ع ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ع ّ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل ْ ِ‬ ‫ع إ ِّل ب ِ ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫وَل ت َ َ‬ ‫ن أن َْثى َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫سمميٌر )‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫عل َممى الل ّم ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫في ك َِتا ٍ‬ ‫ه إ ِّل ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ي ُن ْ َ‬
‫ت‬ ‫ف مَرا ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ع مذ ْ ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫هم َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح مَرا ِ‬ ‫وي ال ْب َ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫‪ (11‬فاطر( ثم قال ) َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ري ّمما‬ ‫ممما طَ ِ‬ ‫ح ً‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ل ت َأك ُُلو َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ج َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫مل ْ ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫شَراب ُ ُ‬ ‫غ َ‬ ‫سائ ِ ٌ‬ ‫َ‬
‫خَر‬ ‫وا ِ‬ ‫مم َ‬ ‫ه َ‬ ‫في م ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫فل ْم َ‬ ‫وت َمَرى ال ْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫سممون َ َ‬ ‫ة ت َل ْب َ ُ‬ ‫حل ْي َم ً‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ ( (12‬فالكلم هنــا علــى‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫علك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ول َ‬ ‫ه َ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫نف ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫غوا ِ‬ ‫ل ِت َب ْت َ ُ‬
‫البحر وأنواعه وما أودع الله فيــه مــن نعــم‪ .‬فلمــا كــان الكلم علــى‬
‫البحر قدم ضمير البحر على المواخر فقــال )وتممرى الفلممك فيممه‬
‫مواخر(‪ .‬فانظر كيف أنه لما كان الكلم على وسائط النقل والفلك‬
‫قدم حالة الفلك ولما كان الكلم على البحر ذكر ما يتعلق به‪.‬‬
‫ذا‬ ‫هم َ‬ ‫فممي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فَنا ِللن ّمما ِ‬ ‫ص مّر ْ‬ ‫ق مد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫** ومــن ذلــك قــوله تعــالى ) َ‬
‫س إ ِّل ك ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف مأ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ك ُم ّ‬ ‫ال ْ ُ َ‬
‫فمموًرا )‪(89‬‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫بى‬ ‫َ‬ ‫مث َم ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قْرآ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫هم َ‬ ‫صّر ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫مم ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن ِللن ّمما ِ‬ ‫ق مْرآ ِ‬ ‫في َ‬ ‫فَنا ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫السراء( وقوله ) َ‬
‫جدًَل )‪ (54‬الكهف(‬ ‫َ‬
‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن أك ْث ََر َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث َ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫خرهــا فــي‬ ‫قدم )للنــاس( علــى )فــي هــذا القــرآن( فــي الســراء وأ ّ‬
‫الكهف وذلك لنه تقدم الكلم في السراء على النسان ونعــم اللــه‬
‫ون ََأى‬ ‫ض َ‬ ‫عَر َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫عَلى اْل ِن ْ َ‬ ‫مَنا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ذا أن ْ َ‬
‫عليه ورحمته به فقال )وإ َ َ‬
‫َ ِ‬
‫سمما )‪ ( (83‬إلــى أن يقــول‬ ‫ن ي َُئو ً‬ ‫ش مّر ك َمما َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫سم ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جممان ِب ِ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ج مد ُ ل َ م َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ك ب ِم ِ‬ ‫م َل ت َ ِ‬ ‫ك ث ُم ّ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫هب َ ّ‬ ‫شئ َْنا ل َن َذْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬ ‫) َ‬
‫ك‬ ‫عل َي ْم َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ك َمما َ‬ ‫ض مل َ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫كيًل )‪ (86‬إ ِّل َر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫عل َي َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َيمأُتوا‬ ‫عَلمى أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ت اْل ِن ْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫جت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ل ل َئ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ك َِبيًرا )‪ُ (87‬‬
‫ْ‬ ‫ذا ال ْ ُ َ‬
‫ض‬ ‫عم ٍ‬ ‫م ل ِب َ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضم ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫كما َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫مث ْل ِ ِ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ن َل ي َأُتو َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫هيًرا )‪ ( (88‬فناسب تقديم الناس في سورة السراء‪.‬‬ ‫َ‬
‫ظ ِ‬
‫ولم يتقدم مثل ذلك في سورة الكهف‪ .‬ثم انظر في افتتاح كل مــن‬
‫ل‬ ‫ذي أ َْنممَز َ‬ ‫ه اّلمم ِ‬ ‫مدُ ل ِّلمم ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫السورتين فقد بدأ سورة الكهف بقوله )ال ْ َ‬
‫‪33‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ذَر‬ ‫ممما ل ِي ُن ْم ِ‬ ‫قي ّ ً‬ ‫جمما )‪َ (1‬‬ ‫و ً‬ ‫ع َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل ل َم ُ‬ ‫عم ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ول َم ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ه ال ْك َِتا َ‬ ‫د ِ‬ ‫عب ْ ِ‬ ‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫مل ُممو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ م ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ش مَر ال ْ ُ‬ ‫وي ُب َ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ل َمدُن ْ ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ب َأ ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سًنا )‪ ( (2‬فقــد بــدأ الســورة بــالكلم‬ ‫ح َ‬ ‫جًرا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫على الكتاب وهو القرآن ثم ذكر بعده أصحاب الكهف وذكر موســى‬
‫والرجل الصالح وذكر ذا القرنيــن وغيرهــم مــن النــاس‪ ،‬فبــدأ بــذكر‬
‫القرآن ثم ذكر الناس فكان المناسب أن يتقــدم ذكــر القــرآن علــى‬
‫الناس في هذه الية كما في البدء‪.‬‬
‫وأما في سورة السراء فقد بدأت بالكلم علــى النــاس ثــم القــرآن‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مم َ‬ ‫ه ل َي ًْل ِ‬ ‫د ِ‬ ‫عب ْم ِ‬ ‫سمَرى ب ِ َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ن ال ّم ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫فقد بدأت بقوله تعالى ) ُ‬
‫ه)‬ ‫ول َ ُ‬‫ح ْ‬ ‫ذي َباَرك َْنا َ‬ ‫صى ال ّ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫د اْل َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حَرام ِ إ َِلى ال ْ َ‬ ‫د ال ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن‬ ‫قْرآ َ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫‪( (1‬ثم تكلم على بني إسرائيل ثم قال بعد ذلك‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫مل ُممو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ م ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ش مُر ال ْ ُ‬ ‫وي ُب َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫و ُ‬ ‫قم َ‬ ‫ي أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫دي ل ِل ِّتي ِ‬
‫ه‬ ‫ه ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جًرا ك َِبيًرا )‪ ( (9‬فكان المناســب أن يتقــدم‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ذكر الناس فيها على ذكر القرآن في هذه الية وهذا تناسب عجيــب‬
‫بين الية ومفتتح السورة في الموضعين‪.‬‬
‫فمأَبى أك ْث َمُر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ثم انظر خاتمة اليتين فقد ختم آيــة الســراء بقــوله ) َ‬
‫فوًرا )‪ ( (89‬والكفور هــو جحــد النعــم فناســب ذلــك‬ ‫س إ ِّل ك ُ ُ‬ ‫الّنا ِ‬
‫تقدم ذكر النعمة والرحمة والفضل أل ترى مقابل الشــكر الكفــران‬
‫مما‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫سمِبي َ‬ ‫همدَي َْناهُ ال ّ‬ ‫ومقابــل الشــاكر الكفــور قــال تعــالى )إ ِّنا َ‬
‫فوًرا )‪ (3‬النسان( فكــان ختــام اليــة مناســب لمــا‬ ‫ما ك َ ُ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫شاك ًِرا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫وك َمما َ‬ ‫تقــدم مــن الســياق‪ .‬أمــا آيــة الكهــف فقــد ختمهــا بقــوله ) َ‬
‫ج مدًَل )‪ ( (54‬لمــا ذكــر قبلهــا وبعــدها مــن‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن أ َك ْث ََر َ‬ ‫سا ُ‬ ‫اْل ِن ْ َ‬
‫ه‬
‫حب ِ ِ‬ ‫صمما ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫المحاورات والجدل والمراء من مثل قوله تعالى ) َ‬
‫ه)‬ ‫وُر ُ‬ ‫حمما ِ‬ ‫و يُ َ‬ ‫هم َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫حب ُ ُ‬ ‫صمما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل َم ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه )‪ ( (34‬وقوله ) َ‬ ‫وُر ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫و يُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ضمموا ب ِ م ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل ل ِي ُدْ ِ‬ ‫فُروا ِبالَباطِ م ِ‬ ‫ْ‬ ‫نك َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫جاِد ُ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫‪ ( (37‬وبعدها ) َ‬
‫ق )‪ ( (56‬وذكر محاورة موسى الرجل الصــالح ومجــادلته فيمــا‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫هًرا )‪ ( (22‬ولــم‬ ‫مَراءً ظَمما ِ‬ ‫م إ ِّل ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫فَل ت ُ َ‬ ‫كان يفعل‪ .‬وقال ) َ‬
‫يرد لفظ الجدل ول المحاورة في سورة السراء كلهــا‪ .‬فمــا ألطــف‬
‫هذا التناسق وما أجمل هذا الكلم!‪.‬‬
‫من ُمموا َل ت ُب ْطِل ُمموا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫همما ال ّم ِ‬ ‫** ومــن ذلــك قــوله تعــالى )ي َمما أي ّ َ‬
‫وَل‬ ‫س َ‬ ‫رَئاءَ الّنمما ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذي ي ُن ْ ِ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫ذى َ‬ ‫واْل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫قات ِك ُ ْ‬ ‫صد َ َ‬ ‫َ‬
‫عل َي ْ ِ‬ ‫مث َل ُ ُ‬ ‫َ‬
‫وم ِ اْل ِ‬
‫ب‬ ‫ه ُتممَرا ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫ه كَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫عل َممى َ‬ ‫دا َل ي َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ممما‬ ‫م ّ‬ ‫ء ِ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دُرو َ‬ ‫قم ِ‬ ‫صمل ْ ً‬ ‫ه َ‬ ‫فت ََرك َم ُ‬ ‫ل َ‬ ‫واِبم ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫فأ َ‬
‫ن )‪ (264‬البقرة( وقــوله‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه َل ي َ ْ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫سُبوا َ‬ ‫كَ َ‬
‫ح‬ ‫ه الّري ُ‬ ‫ت بِ ِ‬ ‫شت َدّ ْ‬ ‫ماٍد ا ْ‬ ‫م ك ََر َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫فُروا ب َِرب ّ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫) َ‬
‫‪34‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ك‬ ‫ء ذَل ِم َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫عل َممى َ‬ ‫سمُبوا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫دُرو َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ف َل ي َ ْ‬ ‫ص ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫في ي َ ْ‬ ‫ِ‬
‫د )‪ (18‬ابراهيم(‬ ‫عي ُ‬ ‫ل ال ْب َ ِ‬ ‫ضَل ُ‬ ‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫س مُبوا (‬ ‫ممما ك َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ء ِ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫عل َممى َ‬ ‫ن َ‬ ‫دُرو َ‬ ‫ق ِ‬ ‫فقال في آية البقــرة )َل ي َ ْ‬
‫ن‬ ‫دُرو َ‬ ‫ق ِ‬ ‫خر الكسب‪ .‬وقال في سورة ابراهيم )َل ي َ ْ‬ ‫فقدم الشيء وأ ّ‬
‫ء ( فقدم الكسب وأخر الشــيء وذلــك أن‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫سُبوا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫ط وليــس كاســبا ً‬ ‫آية البقرة قي سياق النفاق والصدقة والمنفق مع ٍ‬
‫ممما‬ ‫م ّ‬ ‫ء ِ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شمم ْ‬ ‫عَلممى َ‬ ‫ن َ‬ ‫دُرو َ‬ ‫قمم ِ‬ ‫خــر الكســب فقــال )َل ي َ ْ‬ ‫ولــذلك أ ّ‬
‫سُبوا ( وأما الية الثانية فهي في سياق العمــل والعامــل كاســب‬ ‫كَ َ‬
‫دم الكسب‪.‬‬ ‫فق ّ‬
‫م‬ ‫شمَرى ل َك ُم ْ‬ ‫ه إ ِّل ب ُ ْ‬ ‫ه الل ّم ُ‬ ‫عل َم ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ممما َ‬ ‫و َ‬ ‫** ومــن ذلــك قــوله تعــالى ) َ‬
‫ز‬ ‫زي م ِ‬ ‫عَ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫د الل ّم ِ‬ ‫عن ْم ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫صُر إ ِّل ِ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫قُلوب ُك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ول ِت َطْ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫من َم ً‬ ‫سأ َ‬ ‫عمما َ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫شيك ُ‬ ‫ُ‬ ‫غ ّ‬ ‫كيم ِ )‪ (126‬آل عمران( وقــوله )إ ِذْ ي ُ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫ه َ‬ ‫وي ُمذْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ب ِم ِ‬ ‫هَرك ُم ْ‬ ‫ممماءً ل ِي ُطَ ّ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وي ُن َّز ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ه‬
‫ت ب ِم ِ‬ ‫وي ُث َب ّم َ‬ ‫م َ‬ ‫قل ُمموب ِك ُ ْ‬ ‫عل َممى ُ‬ ‫ط َ‬ ‫ول ِي َْرب ِم َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ِ‬ ‫ش مي ْ َ‬ ‫ج مَز ال ّ‬ ‫ر ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م )‪ (11‬النفال(‬ ‫اْل ْ‬ ‫َ‬
‫دا َ‬ ‫ق َ‬
‫دم القلب على الجار والمجرور في آل عمران فقــال‪) :‬ولتطمئن‬ ‫فق ّ‬
‫خرها عنه فــي النفــال فقــال )ولتطمئن بــه قلــوبكم(‬ ‫قلوبكم به( وأ ّ‬
‫علما ً بأن الكلم على معركة بــدر فــي المــوطنين غيــر أن الموقــف‬
‫مختلف‪.‬‬
‫ففــي آل عمــران ذكــر معركــة بــدر تمهيــدا ً لــذكر موقعــة أحــد ومــا‬
‫أصابهم فيها مـن قـرح وحـزن والمقـام مقـام مسـح علـى القلـوب‬
‫م‬ ‫وطمأنة لها من مثل قوله تعالى‪) :‬وَل ت َهُنوا وَل ت َحزُنمموا َ‬
‫وأن ُْتمم ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫قم ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ح َ‬ ‫قمْر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن )‪ (139‬إ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫و َ‬ ‫عل َ ْ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫َ‬
‫س‬ ‫ن الن ّمما ِ‬ ‫ها ب َي ْم َ‬ ‫ول ُ َ‬ ‫دا ِ‬ ‫م ن ُم َ‬ ‫ك اْلي ّمما ُ‬ ‫وت ِل ْم َ‬ ‫ه َ‬ ‫مث ْل ُم ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫قْر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫حم ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫والل ُ‬ ‫داءَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ش َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫وي َت ّ ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫عل َ‬ ‫ول ِي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (140‬آل عمران( إلى غيـر ذلـك مـن آيـات المواسـاة‬ ‫مي َ‬ ‫الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫شَرى ل َك ُ ْ‬ ‫ه إ ِّل ب ُ ْ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫والتصبير فقال في هذا الموطن ) َ‬
‫ه ( فذكر أن البشرى )لهم( وقــدم )قلــوبهم(‬ ‫م بِ ِ‬ ‫قُلوب ُك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ول ِت َطْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫قلوب ُك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ول ِت َط َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫شَرى لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫على المداد بالملئكة فقال )إ ِل ب ُ ْ‬
‫ه ( كل ذلك من قبيل المواساة والتبشير والطمأنة‪.‬‬ ‫بِ ِ‬
‫ولما لم يكن المقام في النفال كذلك وإنما المقام ذكر موقعة بــدر‬
‫وانتصارهم فيها ودور المداد السماوي في هــذا النصــر وقــد فصــل‬
‫م‬ ‫كمم ْ‬ ‫ن َرب ّ ُ‬ ‫غيُثو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫في ذلك أكثر مما ذكر في آل عمران فقال )إ ِذْ ت َ ْ‬
‫مَلئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫فاست َجاب ل َك ُ َ‬
‫ن)‬ ‫فيمم َ‬ ‫مْرِد ِ‬ ‫ة ُ‬ ‫كمم ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ب ِأل ْ ٍ‬ ‫مدّك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م أّني ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫ممما‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫قل ُمموب ُك ُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن ب ِم ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ول ِت َطْ َ‬ ‫ش مَرى َ‬ ‫ه إ ِّل ب ُ ْ‬ ‫ه الل ّم ُ‬ ‫عل َم ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ (9‬‬
‫‪35‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫م )‪ (10‬إ ِ ْ‬
‫ذ‬ ‫كيمم ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيممٌز َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلمم َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫د الّلمم ِ‬ ‫عْنمم ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ممم ْ‬ ‫صممُر إ ِّل ِ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫َ‬
‫ممماءً‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سم َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مم َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وي ُن َّز ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫من َ ً‬ ‫سأ َ‬ ‫عا َ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫شيك ُ ُ‬ ‫غ ّ‬ ‫يُ َ‬
‫عل َممى‬ ‫ط َ‬ ‫ول ِي َْرب ِ م َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ِ‬ ‫ش مي ْ َ‬ ‫جَز ال ّ‬ ‫ر ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْك ُ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ه َ‬ ‫وي ُذْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫هَرك ُ ْ‬ ‫ل ِي ُطَ ّ‬
‫ك إ َِلممى‬ ‫حي َرّبمم َ‬ ‫م )‪ (11‬إ ِذْ ُيممو ِ‬ ‫دا َ‬ ‫قمم َ‬ ‫ه اْل َ ْ‬ ‫ت ِبمم ِ‬ ‫وي ُث َّبمم َ‬ ‫م َ‬ ‫قُلمموب ِك ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫قل ُممو ِ‬ ‫في ُ‬ ‫قي ِ‬ ‫سأل ْ ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فث َب ُّتوا ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ة أّني َ‬ ‫مَلئ ِك َ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫رُبوا‬ ‫ضم ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫ق َ‬ ‫عن َمما ِ‬ ‫وقَ اْل َ ْ‬ ‫فم ْ‬ ‫رُبوا َ‬ ‫ضم ِ‬ ‫فا ْ‬ ‫ب َ‬ ‫عم َ‬ ‫ف مُروا الّر ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّم ِ‬
‫ن )‪ ( (12‬أقول لما كان المقــام مختلفـا ً خــالف فــي‬ ‫ل ب ََنا ٍ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫التعبير‪ .‬أنه لما كان المقام فــي النفــال مقــام النتصــار وإبــراز دور‬
‫المداد الرباني قدم )به( على القلوب والضمير يعود علــى المــداد‪.‬‬
‫ولما كان المقــام فــي آل عمــران هــو الطمأنينــة وتســكين القلــوب‬
‫ه ( وزاد كلمــة‬ ‫م ب ِم ِ‬ ‫قُلوب ُك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ول ِت َطْ َ‬ ‫قدمها علــى المــداد فقــال ) َ‬
‫م ( زيــادة فــي‬ ‫ش مَرى ل َك ُم ْ‬ ‫ه إ ِّل ب ُ ْ‬ ‫ه الل ّم ُ‬ ‫عل َم ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ممما َ‬ ‫و َ‬ ‫)لكــم( فقــال ) َ‬
‫المواساة والمسح على القلوب فجعل كل ً في مقامه‪.‬‬
‫م‬ ‫والمدّ َ‬ ‫ة َ‬ ‫مي َْتم َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫كم ُ‬ ‫عل َي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حمّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫** ومــن ذلــك قــوله تعــالى )إ ِن ّ َ‬
‫ضطُّر َ‬ ‫ُ‬
‫غ‬ ‫غي ْمَر ب َمما ٍ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ل بِ ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫زي ِ‬ ‫خن ْ ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫م )‪ (173‬البقــرة(‬ ‫حيم ٌ‬ ‫ه غفمموٌر َر ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن اللم َ‬ ‫ّ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫علي ْم ِ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫عاٍد فل إ ِث ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫هم ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫زي ِ‬ ‫خن ْ ِ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ول ْ‬ ‫م َ‬ ‫والدّ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ْت َ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫علي ْك ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫وقوله ) ُ‬
‫ة‬ ‫حم ُ‬ ‫طي َ‬ ‫والن ّ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مت ََردّي َم ُ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫قمموذَةُ َ‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خن ِ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ َِ‬ ‫لِ َ‬
‫ب )‪(3‬‬ ‫صم ِ‬ ‫عل َممى الن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ممما ذُب ِم َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ممما ذَك ّي ْت ُم ْ‬ ‫ع إ ِّل َ‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ما أك َ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫علممى‬ ‫َ‬ ‫ممما َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫المائدة( وقوله )ق ْ‬
‫حّر ً‬ ‫م َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ي إ ِل م ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما أو ِ‬ ‫في َ‬ ‫جد ُ ِ‬ ‫للأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫حم َ‬ ‫و لَ ْ‬ ‫حا أ ْ‬ ‫فو ً‬ ‫سم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ممما َ‬ ‫و دَ ً‬ ‫ةأ ْ‬ ‫مي ْت َ ً‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ه إ ِّل أ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫عم ٍ ي َطْ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫َ‬
‫ضطُّر‬ ‫َ‬ ‫ر الل ّ‬ ‫قا أ ُ‬ ‫ً‬ ‫فإن ّه رجس أ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫ر َ ِ ُ ِ ْ ٌ‬ ‫زي ٍ‬ ‫خن ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫م )‪ (145‬النعام(‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫عاٍد َ‬ ‫وَل َ‬ ‫غ َ‬ ‫ٍ‬ ‫غي َْر َبا‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ه ( فقــدم )بــه(‬ ‫ر الل ّم ِ‬ ‫غي ْم ِ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ل ب ِم ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫فقد قال في آية البقرة‪َ ) :‬‬
‫على )لغير الله( ومعنى )ما أهل به( ‪ :‬ما رفــع الصــوت بــذبحه وهــو‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ه‬ ‫ر الل ّم ِ‬ ‫غي ْم ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫هم ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫البهيمة‪ .‬وقال في آيتي المــائدة والنعــام‪َ ) :‬‬
‫دم )لغير الله( على )به( وذلك أن المقام في آية النعام هو‬ ‫ه ( فق ّ‬ ‫بِ ِ‬
‫في الكلم على المفترين علــى اللــه ممــن كــانوا يشــرعون للنــاس‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مم َ‬ ‫ممما ذََرأ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫عُلوا ل ِل ّم ِ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫بإسم الله وهم يفترون عليــه فقــال ) َ‬
‫ذا‬ ‫هم َ‬ ‫و َ‬ ‫ذا ل ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫قما ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث واْل َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫لم‬ ‫هم‬ ‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ف‬ ‫با‬ ‫ً‬ ‫مي‬ ‫م‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫عما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫حمْر ِ َ‬
‫ن‬ ‫كمما َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫فَل ي َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫كائ ِ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫كائ َِنا َ‬ ‫شَر َ‬ ‫لِ ُ‬
‫ن )‪(136‬‬ ‫مممو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ممما ي َ ْ‬ ‫سمماءَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫كائ ِ‬ ‫شمَر َ‬ ‫ل إ ِل َممى ُ‬ ‫صم ُ‬ ‫و يَ ِ‬ ‫هم َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ِل ّم ِ‬
‫قت ْ َ َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ؤ ُ‬ ‫كا ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫وَلِد ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ن ل ِك َِثي ٍ‬ ‫ك َزي ّ َ‬ ‫وك َذَل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫علممو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ممما َ‬ ‫ه َ‬ ‫شاءَ الل ُ‬‫ّ‬ ‫و َ‬ ‫ول ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ِدين َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫سوا َ‬ ‫ول ِي َلب ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دو ُ‬ ‫ل ِي ُْر ُ‬
‫جٌر‬ ‫ح ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫حْر ٌ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫عا ٌ‬ ‫ه أن ْ َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫قاُلوا َ‬ ‫و َ‬ ‫ن )‪َ (137‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فذَْر ُ‬ ‫َ‬
‫‪36‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫َ‬
‫همما‬ ‫هوُر َ‬ ‫ت ظُ ُ‬ ‫ممم ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫م ُ‬ ‫عا ٌ‬ ‫وأن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫شاءُ ب َِز ْ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها إ ِّل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ُ‬ ‫َل ي َطْ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫زي ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫سممي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫فت َِراءً َ‬ ‫ها ا ْ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م َل ي َذْك ُُرو َ‬ ‫عا ٌ‬ ‫وأن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (138‬النعام( إلى غير ذلك من اليــات الــتي‬ ‫ما كاُنوا ي َفت َُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫بِ َ‬
‫تبين أن ثمة ذوات غير الله تحلل وتحرم مفترية علــى اللــه‪ ،‬وذوات‬
‫يزعمون أنها شركاء لله تعبد معه ونصيبها أكبر من نصيب اللـه فــي‬
‫العبادة‪ ،‬ولذا قدم إبطال هذه المعبودات من غيــر اللــه علــى )ربــه(‬
‫فس ً ُ‬ ‫َ‬
‫ه ( لنــه هــو مــدار الهتمــام‬ ‫ه ب ِم ِ‬ ‫ر الل ّم ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫قا أ ِ‬ ‫و ِ ْ‬ ‫فقال‪) :‬أ ْ‬
‫والكلم‪.‬‬
‫والكلم في المائدة أيضا ً على التحليــل والتجريــم ومــن بيــده ذلــك‪،‬‬
‫ورفض أية جهة تحلل وتحرم من غير اللــه فــإن اللــه هــو يحكــم مــا‬
‫م‬ ‫ت ل َك ُم ْ‬ ‫حل ّم ْ‬ ‫قوِد أ ُ ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫فمموا ب ِممال ْ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫من ُمموا أ ْ‬
‫َ‬
‫نآ َ‬
‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫يريد‪ .‬قال )َيا أي ّ َ‬
‫حّلي الص ميد َ‬
‫م‬ ‫وأن ْت ُ م ْ‬ ‫ّ ْ ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫غي َْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما ي ُت َْلى َ‬ ‫عام ِ إ ِّل َ‬ ‫ة اْل َن ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫هي َ‬ ‫بَ ِ‬
‫من ُمموا َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫همما ال ّم ِ‬ ‫ري مدُ )‪ (1‬ي َمما أي ّ َ‬ ‫ممما ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حك ُم ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حُر ٌ‬ ‫ُ‬
‫د‬
‫قل ئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ول ا ل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي َ‬ ‫هد ْ َ‬ ‫ول ا ل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫هَر ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ول ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫عائ َِر الل ِ‬ ‫ش َ‬ ‫حلوا َ‬ ‫ّ‬ ‫تُ ِ‬
‫ضًل ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫واًنا‬ ‫ضم َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن َرب ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫غو َ‬ ‫م ي َب ْت َ ُ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ن ال ْب َي ْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫وَل آ ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫وم ٍ أ ْ‬ ‫ن قممم ْ‬ ‫شمممن َآ ُ‬ ‫من ّكممم ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫صمممطا ُ‬ ‫م فا ْ‬ ‫حللت ُممم ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫على الب ِّر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وُنوا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫عا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫دوا َ‬ ‫عت َ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حَرام ِ أ ْ‬ ‫د ال َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫دوك ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا اللمم َ‬ ‫ّ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ِ‬ ‫عد ْ َ‬ ‫وال ُ‬ ‫ْ‬ ‫على ال ِث ْم ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وُنوا َ‬ ‫عا َ‬ ‫ول ت َ َ‬ ‫َ‬ ‫وى َ‬ ‫ق َ‬ ‫والت ّ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫حم ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وال مدّ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ْت َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ب )‪ُ (2‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ديدُ ال ْ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ُ‬
‫قمموذَ ُ‬
‫ة‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫قم ُ‬ ‫خن ِ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ب ِم ِ‬ ‫ر الل ّم ِ‬ ‫ِ‬ ‫غي ْم‬ ‫ل لِ َ‬ ‫هم ّ‬ ‫ممما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫زي‬ ‫ِ‬ ‫خن ْ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ح‬ ‫ما ذُب ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ذَك ّي ْت ُ ْ‬ ‫ع إ ِّل َ‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ما أ َك َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫ح ُ‬ ‫طي َ‬ ‫والن ّ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مت ََردّي َ ُ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫و َ‬ ‫ق الي َم ْ‬ ‫سم ٌ‬ ‫ف ْ‬ ‫م ِ‬ ‫موا ِبالْزلم ِ ذَل ِك ُم ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ص ِ‬ ‫على الن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫و ِ‬ ‫شم ْ‬ ‫خ َ‬ ‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫شم ْ‬ ‫خ َ‬ ‫فَل ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِدين ِك ُم ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫ف مُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ م ِ‬ ‫ي َئ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ضممي ُ‬ ‫وَر ِ‬ ‫مت ِممي َ‬ ‫ع َ‬ ‫م نِ ْ‬ ‫عل َي ْك ُم ْ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وأت ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ال ْي َ ْ‬
‫ف‬ ‫جممان ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬ ‫غي ْمَر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫صم ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫في َ‬ ‫ضطُّر ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ف َ‬ ‫م ِديًنا َ‬ ‫سَل َ‬ ‫م اْل ِ ْ‬ ‫ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫هم ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫حم ّ‬ ‫ذا أ ُ ِ‬ ‫ممما َ‬ ‫ك َ‬ ‫س مأ َُلون َ َ‬ ‫م )‪ (3‬ي َ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ِل ِث ْم ٍ َ‬
‫ن‬ ‫مك َل ِّبي م َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫جم َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مم َ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ م ْ‬ ‫عل ّ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫م الطّي َّبا ُ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل أُ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫عل َي ْك ُم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫س مك ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ممما أ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فك ُل ُمموا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّم ُ‬ ‫مك ُم ُ‬ ‫عل ّ َ‬ ‫ممما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫مون َ ُ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫تُ َ‬
‫ع‬‫ري ُ‬ ‫سمم ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلمم َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قمموا الّلمم َ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َْيمم ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الّلمم ِ‬ ‫سمم َ‬ ‫كممُروا ا ْ‬ ‫واذْ ُ‬ ‫َ‬
‫ب )‪ (4‬المائدة( فهو يجعل التحليل والتحريــم بيــده ويرفــض‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ِ‬ ‫ْ‬
‫أية جهة أخرى تقوم بذلك‪ ،‬لن ذلك من الشرك الذي أبطله السلم‬
‫ُ‬
‫ه (‪ .‬ثــم إنــه‬ ‫ه ِبم ِ‬ ‫ر الل ّم ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ولذا قدمه في البطلن فقال ) َ‬
‫جاء في الموطنين بذكر اسم الله على الذبائح فذكر في آية النعام‬
‫أن المشركين ل يذكرون اسم الله على بعض ذبائحهم تعمدا ً فقال‪:‬‬
‫) َ‬
‫ها (‪ .‬وأمــر فــي آيــة المــائدة‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م َل ي َذْك ُُرو َ‬ ‫عا ٌ‬ ‫وأن ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪37‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫عل َي ْممهِ ( فناســب ذلــك‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫واذْك ُُروا ا ْ‬ ‫بذكر اسم الله فقال‪َ ) :‬‬
‫تقديم بطلن ذكر غير الله‪.‬‬
‫وأما في البقرة فليس المقام كذلك فلم يذكر أن جهة أخــرى تقــوم‬
‫بالتحليل والتحريم وإنما الكلم على ما رزق الله عباده من الطيبات‬
‫حَلًل طَي ّب ًمما )‬ ‫فممي اْل َ‬ ‫س ك ُل ُ‬ ‫فقال‪) :‬يا أ َ‬
‫ض َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ما‬‫م‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫موا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ما‬‫م‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ما‬‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫من ُمموا ك ُل ُمموا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫همما ال ّم ِ‬ ‫‪ (168‬البقرة(‪ .‬وقــال بعــدها‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ن)‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُم ُ‬ ‫م إ ِي ّمماهُ ت َ ْ‬ ‫ن ك ُن ْت ُم ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫شك ُُروا ل ِل ّ ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫ت َ‬ ‫طَي َّبا ِ‬
‫ممما‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫زي م ِ‬ ‫خن ْ ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫حم َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وال مدّ َ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ْت َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ (172‬إ ِن ّ َ‬
‫أُ‬
‫م‬ ‫فَل إ ِث ْم َ‬ ‫عمماٍد َ‬ ‫وَل َ‬ ‫غ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ضمطُ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ر الل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ه‬‫ِ‬
‫م )‪ (173‬البقــرة( فلمــا كــان المقــام‬ ‫فمموٌر َر ِ ٌ‬
‫م‬ ‫حي‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫مقام الرزق والطعام بأكل الطيبات قدم )به( والضــمير يعــود علــى‬
‫ما يذبح وهو طعام مناسبة للمقام والله أعلم‪.‬‬
‫ل‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫**ومن ذلك قوله تعالى‪) :‬أ َ َ‬
‫ن ي ُْر ِ‬ ‫ءأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ْ‬
‫ر )‪ (17‬الملممك( وقمموله‬ ‫ِ‬ ‫ذي‬ ‫ف نَ ِ‬ ‫ن ك َي ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫صًبا َ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬‫مأ ْ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذاًبا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬ ‫عَلى أ ْ‬ ‫قاِدُر َ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫) ُ‬
‫ْ‬ ‫من ت َحت أ َرجل ِك ُ َ‬
‫س‬‫م ب َ مأ َ‬ ‫ض مك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ق بَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وي ُ م ِ‬ ‫عا َ‬ ‫ش مي َ ً‬ ‫م ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫و ي َل ْب ِ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ْ ْ ِ ْ ُ‬
‫ن )‪(65‬‬ ‫هممو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هم ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ف اْل َي َمما ِ‬ ‫ص مّر ُ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫ض ان ْظُمْر ك َي ْم َ‬ ‫عم ٍ‬ ‫بَ ْ‬
‫دم خسف الرض على إرسال الحاصــب فــي آيــة الملــك‬ ‫النعام( فق ّ‬
‫خر العذاب عما يأتي من السماء فــي آيــة النعــام‪ .‬وذلــك أن آيــة‬ ‫وأ ّ‬
‫ض ذَل ُمموًل‬ ‫َ‬
‫م اْلْر َ‬ ‫ل ل َك ُم ُ‬ ‫عم َ‬ ‫ج َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ال ّ م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دمها قوله تعالى ) ُ‬ ‫الملك تق ّ‬
‫شمموُر )‪(15‬‬ ‫ه الن ّ ُ‬ ‫وإ ِل َْيمم ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ِ‬ ‫رْز ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وك ُُلوا ِ‬ ‫ها َ‬ ‫مَناك ِب ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫شوا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫الملــك( فكــأن أنســب شــيء فــي الموعظــة تــذكيره بخســفها مــن‬
‫ق‬
‫و َ‬ ‫فم ْ‬ ‫هُر َ‬ ‫قمما ِ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫تحتهم‪ .‬أما آية النعام فتقدمها قــوله تعــالى ) َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫و ُ‬ ‫ممم ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حممدَك ُ ُ‬ ‫جاءَ أ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫فظَ ً‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫س ُ‬ ‫وي ُْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪ (61‬النعــام( فصــرف هــذا‬ ‫طمو َ‬ ‫فّر ُ‬ ‫م َل ي ُ َ‬ ‫هم ْ‬ ‫و ُ‬ ‫سمل َُنا َ‬ ‫ه ُر ُ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫و ّ‬ ‫َتم َ‬
‫الخطاب تفكر النفس في عين الجهة التي ذكــر منهــا القهــر‪ ،‬وكــان‬
‫أنسب شيء ذكر منها القهر وكان أنسب شيء ذكــر التخويــف مــن‬
‫تلك الجهة بخلف آية الملك‪.‬‬
‫ومما زاد حسنا ً قوله تعالى )ويرسل عليكم حفظة( والحفظــة‪ :‬هــم‬
‫الملئكة‪ ،‬والملئكة مسكنهم في السماء‪ ،‬وربنــا يرســلهم مــن فــوق‬
‫فناسب تقديم هذه الجهة على غيرها‪.‬‬
‫ونكتفي بهذا القدر من المثلة فإن فيهــا كفايــة فيمــا أحســب فهــي‬
‫تدل دللة واضحة على أن التعبير القرآني تعــبير مقصــود كــل لفــظ‬
‫فيه وضع وضعا ً فنيا ً مقصودا ً وأنــه لــم يقــدم لفظــة علــى لفظــة إل‬
‫لغرض يقتضيه السياق‪ .‬وقد روعي فــي ذلــك التعــبير القرآنــي كلــه‬
‫‪38‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ونظر إليه نظرة واحدة شاملة‪ .‬وأظن أن ما مر مــن المثلــة تريــك‬
‫شيئا ً من فخامة التعبير القرآني وعلوه وأن مثل هذا النظم ل يمكن‬
‫‪2‬‬
‫أن يكون في طوق بشر فسبحان الله رب العالمين‪.‬‬

‫أمثلة أخرى على التقديم والتأخير‬


‫تقديم وتأخير اللهو على اللعب في آية سورة العنكبوت‬
‫دما ً على اللهو إل في هذه الية‬ ‫كل اليات في القرآن جاء اللعب مق ّ‬
‫ب‬ ‫ول َ ِ‬
‫عم ٌ‬ ‫و َ‬ ‫هم ٌ‬ ‫حي َمماةُ المدّن َْيا إ ِّل ل َ ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫ذ ِ‬ ‫هم ِ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫من سورة العنكبوت ) َ‬
‫ن }‪.({64‬‬ ‫مممو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫و ك َمماُنوا ي َ ْ‬ ‫ن ل َم ْ‬‫وا ُ‬ ‫حي َ َ‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫خَرةَ ل ِ‬ ‫داَر اْل ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ولو لحظنا الية التي سبقت هــذه اليــة فــي نفــس الســورة )الل ّ ُ‬
‫ه‬
‫ل‬‫كمم ّ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫دُر ل َ ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫وي َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاءُ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ي َب ْ ُ‬
‫م }‪ ({62‬والرزق ليس من مدعاة اللعب وإنمــا اللهــو‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا َل‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫كما في قوله تعالى في سورة المنافقون )َيا أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫ت ُل ْهك ُ َ‬
‫ك‬ ‫ل ذَِلمم َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ف َ‬‫من ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫عن ِذك ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَلدُك ُ ْ‬ ‫وَل أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وال ُك ُ ْ‬‫م َ‬‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن }‪.({9‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫َ ُ‬
‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫فأ ْ‬

‫تقديم وتأخير كلمة )شممهيدًا( فممي آيممة سممورة العنكبمموت‬


‫وآية سورة السراء‬

‫‪) (22‬من كتاب التعبير القرآني للدكتور فاضل السامرائي‪ .‬من صفحة ‪(74 - 49‬‬

‫‪39‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫م‬ ‫كمم ْ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬ ‫ه ب َي ِْنممي َ‬ ‫فى ِبالل ّ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫قال تعالى في سورة العنكبوت ) ُ‬
‫وال ّم ِ‬ ‫ْ َ‬
‫من ُمموا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض َ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سم َ‬ ‫فممي ال ّ‬ ‫ممما ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َم ُ‬ ‫هيدا ً ي َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫شم‬ ‫َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫فروا بالل ّ ُ‬
‫ن }‪ ({52‬وقــال‬ ‫سممُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وك َ َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ِبال َْباطِ ِ‬
‫ه‬ ‫م إ ِّنمم ُ‬ ‫كمم ْ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬ ‫هيدا ً ب َي ِْني َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫فى ِبالل ّ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫في سورة السراء ) ُ‬
‫صيرا ً }‪({96‬‬ ‫خِبيرا ً ب َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫في آية سورة السراء ختم تعالى الية بذكر صــفاته )خــبيرا ً بصــيرا(‬
‫دم صفته )شهيدًا( على )بيني وبينكم(‪ ،‬أما في آيــة‬ ‫لذا اقتضى أن ُيق ّ‬
‫ســورة العنكبــوت فقــد ختمــت اليــة بصــفات البشــر )أولئك هــم‬
‫الخاسرون( لذا اقتضى تقديم ما يتعّلق بالبشر )بيني وبينكــم( علــى‬
‫)شهيدا(‪.‬‬
‫تقديم شبه الجملة )عليها زكريـا( فـي قـوله تعـالى فـي سـورة آل‬
‫سممنا ً‬ ‫قبممول حس من َ‬
‫ح َ‬ ‫همما ن ََبات ما ً َ‬ ‫وأنب َت َ َ‬ ‫ٍ َ َ ٍ َ‬ ‫همما ب ِ َ ُ‬ ‫ها َرب ّ َ‬ ‫قب ّل َ َ‬ ‫فت َ َ‬ ‫عمران ) َ‬
‫ها‬ ‫عندَ َ‬ ‫جد َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫رّيا ال ْ ِ‬ ‫ها َزك َ ِ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما دَ َ‬ ‫رّيا ك ُل ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ها َزك َ‬ ‫فل َ َ‬ ‫وك َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ذا َ‬ ‫هم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫رْزقا َ‬‫ً‬
‫هإ ّ‬ ‫د اللمم ِ‬ ‫عن ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ت ُ‬ ‫قال ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م أّنى ل ِ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ل َيا َ‬ ‫ِ‬
‫ب }‪({37‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫من ي َشاءُ ب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ي َْرُزقُ َ‬ ‫الل َ‬ ‫ّ‬
‫قاعدة نحوية‪ :‬يقول سيبويه في التقديم والتأخير‪ :‬يقدمون الذي هــو‬
‫م لهم وهم أعنى به‪.‬‬ ‫أه ّ‬
‫والتقديم والتأخير في القرآن الكريم يقرره سياق اليات فقد يتقدم‬
‫المفضــول وقــد يتقــدم الفاضــل‪ .‬والكلم فــي اليــة فــي ســورة آل‬
‫عمران واليات التي ســبقتها فــي مريــم عليهــا الســلم وليــس فــي‬
‫دم عليهـا لن الكلم كلـه عـن مريـم‬ ‫زكريا ول في المحـراب لـذا قـ ّ‬
‫عليها السلم‪.‬‬
‫تقديم وتأخير فوقكم والطور‬
‫وكذلك قوله تعالى في الكلم عن بني إســرائيل والطــور فقــد قــال‬
‫م‬ ‫قك ُ ُ‬ ‫و َ‬‫فم ْ‬ ‫عن َمما َ‬ ‫ف ْ‬ ‫وَر َ‬ ‫م َ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ميث َمما َ‬ ‫خذَْنا ِ‬ ‫وإ ِذْ أ َ َ‬ ‫تعالى في سورة البقرة ) َ‬
‫م‬ ‫عل ّك ُم ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫فيم ِ‬ ‫ممما ِ‬ ‫واذْك ُمُروا ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫و ٍ‬ ‫قم ّ‬ ‫كم ب ِ ُ‬ ‫ممما آت َي ْن َمما ُ‬ ‫ذوا ْ َ‬ ‫خم ُ‬ ‫الطّمموَر ُ‬
‫طوَر‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ق ُ‬‫و َ‬ ‫ف ْ‬ ‫عَنا َ‬ ‫ف ْ‬ ‫وَر َ‬ ‫ن }‪ ({63‬وقال في سورة النساء ) َ‬ ‫قو َ‬ ‫ت َت ّ ُ‬
‫م لَ‬ ‫هم ْ‬ ‫قل ْن َمما ل َ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫جدا ً َ‬ ‫سم ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫خل ُمموا ْ ال ْب َمما َ‬ ‫م ادْ ُ‬ ‫هم ُ‬ ‫قل َْنا ل َ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬‫ميَثا ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫غِليظما ً }‪({154‬‬ ‫ميَثاقما ً َ‬ ‫َ‬ ‫دوا ْ ِ‬
‫هممم ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خمذَْنا ِ‬ ‫وأ َ‬ ‫ت َ‬ ‫سمب ْ ِ‬ ‫فممي ال ّ‬ ‫ع ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ه ظُّلمم ٌ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫م ك َأن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫و َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ل َ‬ ‫جب َ َ‬ ‫قَنا ال ْ َ‬ ‫وِإذ ن َت َ ْ‬ ‫وقال في سورة العراف ) َ‬
‫وظَّنوا ْ أ َ‬
‫ممما‬ ‫واذْك ُمُروا ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫و ٍ‬ ‫قم ّ‬ ‫كم ب ِ ُ‬ ‫ممما آت َي ْن َمما ُ‬ ‫ذوا ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫ٌ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ن }‪.({171‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫من حيث التقديم والتــأخير هــو قــائم علــى الهتمــام الــذي يقتضــيه‬
‫سياق اليات سواء كان ـفضل أو مفضول وإنما للهمية‪ .‬في سورة‬
‫م من الطور نفسه وكــذلك‬ ‫البقرة )ورفعنا فوقكم الطور( فوقكم أه ّ‬
‫‪40‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫في آية ســورة النســاء أمــا آيــة ســورة العــراف فالجبــل أهــم مــن‬
‫فوقهم‪.‬‬
‫في آية سورة العراف وصف تعالى الجبل كأنه ظ ُّلة وذكــر )وظنــوا‬
‫أنه واقع بهم( ومعنى واقع بهم أي أوقع بهم أو أهلكهم وهذا كله لــه‬
‫م‪ .‬ولم يذكر عن الطــور شــيئا ً‬ ‫علقة بالجبل فالجبل في العراف أه ّ‬
‫آخر في سورة البقرة أو النساء‪.‬‬
‫آية البقرة والنســاء يســتمر الكلم بعــد اليــات علــى بنــي إســرائيل‬
‫دم‬ ‫حوالي أربعين آية بعــد اليــة الــتي جــاء فيهــا ذكــر الطــور لــذا قـ ّ‬
‫فوقهم في النساء وفوقهم في البقرة على الطور للهمية‪ .‬أما فــي‬
‫سورة العراف فبعد الية التي تحدث فيها عن الجبــل انتهــى الكلم‬
‫دم‬ ‫عن بني إسرائيل ولم يذكر أي شيء عنهم بعد هذه اليــة لــذا ق ـ ّ‬
‫الجبل‪.‬‬
‫والجبل ‪ :‬هو إسم لما طال وعظ ُــم مــن أوتــاد الرض والجبــل أكــبر‬
‫وأهم من الطور من حيث التكوين‪ .‬أما النتق فهو أشــد وأقــوى مــن‬
‫الرفع الذي هو ضد الوضع‪ .‬ومن الرفع أيضا ً الجذب والقتلع وحمل‬
‫الشيء والتهديد للرمي به وفيه إخافة وتهديــد كــبيرين ولــذلك ذكــر‬
‫الجبل في آية سورة العراف لن الجبــل أعظــم ويحتــاج للزعزعــة‬
‫والقتلع وعــادة مــا ت ُــذكر الجبــال فــي القــرآن فــي موقــع التهويــل‬
‫قات ِن َمما‬ ‫مي َ‬ ‫سممى ل ِ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫جاء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ول َ ّ‬ ‫والتعظيم ولذا جاء في قوله تعالى ) َ‬
‫ل َلمن ت ََران ِممي‬ ‫قما َ‬ ‫ك َ‬ ‫رِنمي َأنظُمْر إ ِل َْيم َ‬ ‫َ‬
‫بأ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َرّبم ُ‬ ‫مم ُ‬ ‫وك َل ّ َ‬ ‫َ‬
‫ف ت ََراِنممي‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫مكان َ ُ‬ ‫قّر َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫فإ ِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جب َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن انظْر إ ِلى ال َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ولمك ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ممما‬ ‫َ‬
‫فل ّ‬ ‫عقا َ‬‫ً‬ ‫صمم ِ‬ ‫سى َ‬ ‫خّر مو َ‬ ‫و َ‬ ‫ً‬
‫ه دَك ّا َ‬ ‫َ‬
‫عل ُ‬‫ج َ‬ ‫ل َ‬ ‫جب َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ل ِل َ‬ ‫جلى َرب ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫َ‬
‫فل ّ‬ ‫َ‬
‫ك َ َ‬ ‫أَ َ‬
‫ن }‪({143‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ممم ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬‫و ُ‬ ‫وأن َا ْ أ ّ‬ ‫ت إ ِل َي ْ َ َ‬ ‫ك ت ُب ْ ُ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فاقَ َ‬
‫ولم يقل الطور‪ .‬إذن النتق والجبل أشد تهديدا ً وتهوي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫عمن‬ ‫ب َ‬ ‫عمُز ُ‬ ‫مما ي َ ْ‬ ‫و َ‬‫تقديم وتأخير الرض والسماء في قوله تعــالى ) َ‬
‫ماء( وقمموله‬ ‫ول َ ِ‬ ‫في ال َ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ّرب ّ َ‬
‫سم َ‬ ‫فممي ال ّ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫من ّ‬ ‫ك ِ‬
‫ض(‬ ‫ْ َ‬ ‫وَل ِ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬ ‫قا ُ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫)َل ي َ ْ‬
‫في الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫عُز ُ‬
‫التقديم والتأخير في السماء والرض‪ :‬الكلم في سورة يــونس عــن‬
‫أهل الرض فناسب أن يقدم الرض على السماء فــي قــوله تعــالى‬
‫)وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الرض ول في السماء( أمــا‬
‫فــي ســورة ســبأ فــالكلم عــن الســاعة والســاعة يــأتي أمرهــا مــن‬
‫السماء وتبدأ بأهــل الســماء )فصــعق مــن فــي الســموات والرض(‬
‫دم الســماء‬ ‫و)ففزع من في السموات ومــن فــي الرض( ولــذلك قـ ّ‬
‫على الرض في قوله تعالى )ل يعزب عنه مثقال ذرة في السموات‬
‫ول في الرض(‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫واستخدمت السماء في سورة يــونس لن الســياق فــي الســتغراق‬
‫فجاء بأوسع حالة وهي السماء لنها أوسع بكثير من الســموات فــي‬
‫بعض الحيان‪ .‬فالسماء واحدة وهي تعني الســموات أو كــل مــا عل‬
‫وفي سورة سبأ استخدم السموات حسب ما يقتضيه السياق‪.‬‬
‫تقممديم الكممل علممى الشممرب فممي سممورة مريممم )فكلممي‬
‫واشربي وقّري عينا(‬
‫همما أّل‬‫َ‬ ‫نلحــظ اليــة قبلهــا فــي ســورة مريــم ) َ‬
‫حت ِ َ‬ ‫مممن ت َ ْ‬ ‫همما ِ‬ ‫دا َ‬ ‫فَنا َ‬
‫ع‬ ‫ج مذ ْ ِ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫هّزي إ ِل َي ْ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ري ّا ً }‪َ {24‬‬ ‫س ِ‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫حَزِني َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ش مَرِبي‬ ‫وا ْ‬ ‫فك ُل ِممي َ‬ ‫جن ِي ّما ً }‪َ {25‬‬ ‫طب ما ً َ‬ ‫ك ُر َ‬ ‫عل َي ْم ِ‬ ‫ط َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ة تُ َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫حدا ً َ‬ ‫ش َ‬
‫ت‬ ‫قوِلي إ ِن ّممي ن َمذَْر ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫رأ َ‬ ‫ن ال ْب َ َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ت ََري ِ ّ‬
‫ُ‬
‫فإ ِ ّ‬ ‫عْينا ً َ‬ ‫قّري َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫س مي ّا ً }‪ .({26‬فقــد وردت‬ ‫م ِإن ِ‬ ‫و َ‬ ‫م ال ْي َم ْ‬ ‫ن أك َل ّم َ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫وما ً َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ِللّر ْ‬
‫سراة‬ ‫سراة أي السادة )ول ُ‬ ‫كلمة السري وهي تعني السّيد وجمعها ُ‬
‫جّهالهم سـادوا(‪ ،‬وهــي بمعنــى أن اللـه تعــالى قـد جعلـك تحتــك‬ ‫إذا ُ‬
‫سّيدا‪ .‬أما التقديم والتــأخير فــي الكــل والشــرب فنلحــظ أنــه فــي‬
‫دم تعــالى الكــل علــى‬ ‫القرآن كله حيثما اجتمــع الكــل والشــرب ق ـ ّ‬
‫الشرب حتى في الجّنة )كلوا واشربوا هنيئا بما أســلفتم فــي اليــام‬
‫الخالية( وقوله )كلوا واشربوا من رزق الله( وكذلك في آيــة ســورة‬
‫مريم )فكلي واشربي وقّري عينا( والســبب فــي ذلــك أن الحصــول‬
‫على الكل أصعب من الحصول على الشرب‪.‬‬
‫ومثال آخر قوله تعالى سورة هود‪:‬‬
‫َ َ‬
‫وآت َمماِني‬ ‫ي َ‬ ‫مممن ّرب ّ م ََ‬ ‫ة ّ‬ ‫عَلى ب َي ّن َ م ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫كن ُ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫وم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل َيا َ‬ ‫قا َ‬ ‫) َ‬
‫َ‬
‫همما‬ ‫م لَ َ‬ ‫وأنت ُم ْ‬ ‫همما َ‬ ‫مو َ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ز ُ‬ ‫م أن ُل ْ ِ‬ ‫عل َي ْك ُم ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مي َم ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬ ‫عنم ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫وم ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل َيا َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن }‪ ({28‬وقوله تعالى في سورة هود أيضا ً ) َ‬ ‫هو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫كا َ ِ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ة َ‬ ‫عَلى ب َي ّن َ ً‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ه َر ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫وآَتاِني ِ‬ ‫من ّرّبي َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ت َ‬ ‫كن ُ‬ ‫أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ر}‬ ‫سممي ٍ‬ ‫خ ِ‬ ‫غي ْمَر ت َ ْ‬ ‫دون َِني َ‬ ‫زي ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫صي ْت ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صُرِني ِ‬ ‫َين ُ‬
‫دم الرحمة علــى الجــاّر والمجــرور‪ ،‬واليــة‬ ‫‪ .({63‬في الية الولى ق ّ‬
‫ميت‪ ،‬أنلزمكموهـا‪ ،‬وأنتـم لهـا كـارهون( كلهـا‬ ‫تتكلم عن الرحمة )فع ّ‬
‫تعود على الرحمة لذا اقتضــى الســياق تقــديم الرحمــة علــى الجــاّر‬
‫والمجرور‪ .‬أما في الية الثانية فالية تتكلم عــن اللــه تعــالى )ربــي‪،‬‬
‫الله‪ ،‬منه‪ ،‬الضمير في عصيته( كلها تعود على الله تعالى لذا اقتضى‬
‫السياق تقديم )منه( على الرحمة‬
‫تقديم وتأخير الصابئين في آيتي سورة البقرة والمائدة‬
‫دوا ْ‬ ‫همما ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّم ِ‬ ‫من ُمموا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى في سورة البقــرة )إ ِ ّ‬
‫ل‬ ‫ممم َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫خمم ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫صاب ِِئي َ‬ ‫وال ّ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ول َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫صاِلحا َ‬
‫هم ْ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫و ٌ‬ ‫خم ْ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫عندَ َرب ّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫فل ُ‬ ‫َ‬
‫‪42‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫مُنوا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن }‪ ({62‬وقال في سورة المائدة )إ ِ ّ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وم ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ؤو َ‬ ‫صاب ِ ُ‬ ‫وال ّ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن}‬ ‫حَزن ُممو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هم ْ‬ ‫ول ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫و ٌ‬ ‫خم ْ‬ ‫صاِلحا فل َ‬ ‫ل َ‬ ‫ع ِ‬ ‫رو َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫‪ ({69‬اليتان فيهما تشابه واختلف وزيادة في إحداها عن الخرى‪.‬‬
‫دم النصارى علــى الصــابئين )النصــب جــاء مــع‬ ‫في سورة البقرة ق ّ‬
‫دم الصــابئون‬ ‫العطف لتوكيد العطف(‪ ،‬وفــي آيــة ســورة المــائدة ق ـ ّ‬
‫على النصارى ورفعهــا بــدل النصــب‪ .‬فمــن حيــث التقــديم والتــأخير‬
‫ننظر في سياق السورتين الذي يعين على فهم التشــابه والختلف‪،‬‬
‫ففي آية سورة المائدة جاءت اليات بعدها تتناول عقيــدة النصــارى‬
‫والتثليث وعقيدتهم بالمسيح وكأن النصارى لم يؤمنوا بالتوحيد فيما‬
‫و‬ ‫هم َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ م َ‬ ‫قمماُلوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَر ال ّ م ِ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬ ‫تذكر اليات في السورة )ل َ َ‬
‫دوا ْ‬ ‫عب ُم ُ‬ ‫لا ْ‬ ‫س مَراِئي َ‬ ‫ح َيا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه‬ ‫عَلي م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ م ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك ِبالل ّ ِ‬ ‫ر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫وَرب ّك ُ ْ‬ ‫ه َرّبي َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ر }‪ {72‬ل ّ َ‬ ‫ة ومأ ْواه الّنار وما ِللظّممال ِمين م من َ‬
‫د‬
‫قم ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ص‬‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ َ ِ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫جن ّ َ َ َ َ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه‬ ‫ه إ ِل ّ إ َِلم م ٌ‬ ‫ن إ َِلم م ٍ‬ ‫مم ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫ث ث َل َث َ ٍ‬ ‫ه َثال ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قاُلوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬ ‫كَ َ‬
‫ف مُروا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ م ِ‬ ‫سم ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ل َي َ َ‬ ‫قول ُممو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ع ّ‬ ‫هوا ْ َ‬ ‫م َينت َ ُ‬ ‫وِإن ل ّ ْ‬ ‫حد ٌ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫ممما‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬
‫ع ّ‬ ‫هوا َ‬ ‫م َينت َ ُ‬ ‫وِإن ل ْ‬ ‫م }‪ ({73‬ثم جاء التهديد ) َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫م }‪ّ ) ({73‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ل َي َ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ل‬ ‫سم ُ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫قب ْل ِ م ِ‬ ‫مممن َ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ م ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م إ ِل ّ َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫هم ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ف ن ُب َي ّم ُ‬ ‫م انظُمْر ك َي ْم َ‬ ‫عمما َ‬ ‫ن الطّ َ‬ ‫كاَنا ي َمأك ُل َ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ؤ َ‬ ‫م انظْر أّنى ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن }‪ ({75‬هذا السياق لم يذكر هــذا‬ ‫فكو َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫الَيا ِ‬
‫المــر فــي ســورة البقــرة وهكــذا اقتضــى تقــديم الصــابئين علــى‬
‫النصارى في آية سورة المائدة‪ .‬فلما كـان الكلم فـي ذم معتقــدات‬
‫النصارى اقتضى تأخيرهم عن الصابئين‪.‬‬
‫ول هم يحزنون‪ :‬بتقديم )هم( الذين يحزن غيرهم وليــس هــم‪ .‬نفــي‬
‫الفعل عن النفس ولكنه إثبات الفعل لشخص آخر كأن نقول )ما أنا‬
‫مى‬ ‫ت وجـود شـخص آخـر ضـربه )ُيسـ ّ‬ ‫ضربته( نفيته عن نفسي وأثب ّ‬
‫التقديم للقصر( أما عندما نقول )ما ضربته( يعنــي ل أنــا ول غيــري‪.‬‬
‫نفى الحزن عنهم وأثبت أن غيهــم يحــزن )أهــل الضــلل فــي حــزن‬
‫دائم(‪ .‬ولم يقل ل خوف عليهم ول حزن لهم لنها ل تفيد التخصــيص‬
‫)نفى عنهم الحزن ولم يثبته لغيرهم( ولو قال ول لهم حــزن لنتفــى‬
‫التخصيص على الجنس أصل ً ول ينفي التجدد وقوله تعالى )ل خوف‬
‫ٌعليهم ول هم يحزنون( ل يمكن أن يؤدي إلــى حــزن فنفــى الخــوف‬
‫المتجدد والثابت ونفــى الحــزن المتجــدد )ل هــم يحزنــون بمعنــى ل‬

‫‪43‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫يخافون( والثابت )ل خوف( ول يمكــن لعبــارة أخــرى أن تــؤدي هــذا‬
‫المعنى المطلوب‪.‬‬
‫تقديم وتأخير اللهو على التجارة في آية سورة الجمعة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫وت ََرك ُممو َ‬ ‫همما َ‬ ‫ضمموا إ ِل َي ْ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫هوا ً ان َ‬ ‫و لَ ْ‬ ‫جاَرةً أ ْ‬ ‫وا ت ِ َ‬‫ذا َرأ ْ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫هذه الية ) َ‬
‫والل ّ م ُ‬
‫ه‬ ‫ة َ‬ ‫جمماَر ِ‬ ‫ن الت ّ َ‬ ‫مم َ‬ ‫و ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خي ٌْر ّ‬ ‫ه َ‬ ‫عندَ الل ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫قاِئما ً ُ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ ({11‬نزلت بينما كان الرسول صــلى اللــه عليــه‬ ‫قي َ‬ ‫ز ِ‬‫خي ُْر الّرا ِ‬ ‫َ‬
‫وسلم يخطب بعد صلة الجمعة فجاءت العيــر بتجــارة وكــانت ســنة‬
‫ض الناس بسبب التجارة وليس بسبب اللهــو لنــه كــان‬ ‫شديدة فانف ّ‬
‫ض الناس‬ ‫هناك غلء في السعار فعندما نودي أن القافلة وصلت انف ّ‬
‫دم التجارة في أول الية‬ ‫عن الرسول صّلى الله عليه وسّلم ولهذا ق ّ‬
‫دم تعالى اللهو علــى التجــارة‬ ‫)وإذا رأوا تجارة(‪ .‬ثم في نهاية الية ق ّ‬
‫لنه ليس كل الناس ينشغلون بالتجارة عن الصلة فكــثير ينشــغلون‬
‫دم اللهــو‬ ‫باللهو وما عند الله تعالى خيٌر من اللهو ومن التجارة لذا ق ّ‬
‫على التجارة‪.‬‬
‫وقوله تعالى )والله خير الرازقين( لن التجارة مظّنة الــرزق فوضــع‬
‫التجارة بجانب قوله تعــالى )واللــه خيــر الرازقيــن( فليــس لئقـا ً ول‬
‫مناسبا ً أن يقول تعالى )الله خير الرازقين( بجانب اللهو وفي اللغــة‬
‫عادة تترّقى من الدنى إلى العلى فذكر الدنى )اللهـو( ثـم العلـى‬
‫)التجارة(‪.‬‬
‫وهناك أمر آخر وهو تكرار )من( في قــوله تعــالى )مــن اللهــو ومــن‬
‫التجارة( لنه لو قال )من اللهو والتجارة( لفاد أن الخيريــة ل تكــون‬
‫إل باجتماعهما أي اللهو والتجارة أما قــوله تعــالى )مــن اللهــو ومــن‬
‫التجارة( فهي تفيد أن الخيرية من اللهو على جهــة الســتقلل ومــن‬
‫التجارة على جهة الستقلل أيضا ً فإن اجتمعا زاد المر سوءاً‪.‬‬
‫تقديم الرحيم على الغفممور فممي سممورة سممبأ وقممد وردت‬
‫في باقي القرآن الغفور الرحيم‬
‫فممي‬ ‫ممما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل َم ُ‬ ‫ه ال ّم ِ‬ ‫مدُ ل ِل ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫لو قرأنــا اليــة فــي ســورة ســبأ )ال ْ َ‬
‫و‬‫هم َ‬ ‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫خ مَر ِ‬ ‫فممي اْل ِ‬ ‫م مد ُ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ول َ م ُ‬‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫في اْل َْر‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ج‬ ‫خ مُر ُ‬ ‫ممما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫فممي الْر ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ممما ي َل ِم ُ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫خِبيُر }‪ {1‬ي َ ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م‬ ‫حي م ُ‬‫و الّر ِ‬ ‫هم َ‬ ‫و ُ‬ ‫همما َ‬ ‫في َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ع مُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬‫ء َ‬ ‫ما ِ‬‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬‫ز ُ‬ ‫ما َين ِ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ص المكلفيــن أبــدا والمغفــرة ل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫دم الية ما يخ ّ‬ ‫فوُر }‪ ({2‬لم يتق ّ‬ ‫غ ُ‬ ‫ْ‬
‫ال َ‬
‫تأتي إل للمكّلفين والمذنبين الذين يغفر الله تعالى لهــم وإنمــا جــاء‬
‫ذكرهم بعد اليتين الولى والثانية لــذا اقتضــى تــأخير الغفــور لتــأخر‬
‫المغفور لهم في سياق الية‪ .‬أما في باقي سور القرآن الكريم فقد‬

‫‪44‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫دم ذكر المكّلفين فيــذنبون فيغفــر اللــه‬ ‫وردت الغفور الرحيم لنه تق ّ‬
‫تعالى لهم فتطّلب تقديم المغفرة على الرحمة‪.‬‬
‫تقديم النس علممى الجممان فممي آيممة سممورة الرحمممن )لممم‬
‫يطمثهن إنس قبلهم ول جان(‬
‫م‬ ‫ف ل َم ْ‬ ‫ت الطّ مْر ِ‬ ‫ص مَرا ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫في ِ‬ ‫قال تعالى في ســورة الرحمــن ) ِ‬
‫ن }‪ ، ({56‬والنسان عــادة تعــاف‬ ‫جا ّ‬ ‫وَل َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِإن ٌ‬ ‫ه ّ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ي َطْ ِ‬
‫دم ذكــر النــس لكــن إذا‬ ‫نفســه المــرأة إذا طمثهــا إنســي لــذلك تقـ ّ‬
‫عاشرها جان ليس لها نفس الوقع كالنسي‪.‬‬
‫تقديم )ما تسبق من أمممة أجلهمما( علممى )ممما يسممتأخرون(‬
‫في آية سورة الحجر والمؤمنون‬
‫قال تعالى في سورة الحجــر )ما ت َس مبق م من أ ُم م َ‬
‫ممما‬ ‫و َ‬ ‫همما َ‬ ‫جل َ َ‬ ‫ةأ َ‬ ‫ْ ِ ُ ِ ْ ّ ٍ‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫سمب ِ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ن }‪ ({5‬وقال فــي ســورة المؤمنــون ) َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن }‪ ({43‬بتقديم )ما تسبق( علــى )مــا‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫جل َ َ‬ ‫ةأ َ‬ ‫م ٍ‬ ‫أ ّ‬
‫ل‬‫يستأخرون( أما في سورة العراف فقد جاءت اليــة بقــوله )وَل ِك ُـ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن }‪({34‬‬ ‫مو َ‬ ‫ست َْقدِ ُ‬ ‫ة وَل َ ي َ ْ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫جل ُهُ ْ‬ ‫جاء أ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل فَإ ِ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مة ٍ أ َ‬ ‫أ ّ‬
‫بتقديم )ل يستأخرون( على )ل يستقدمون(‪ .‬وإذا لحظنا اليات فــي‬
‫القــرآن نجــد أن تقــديم )مــا تســبق مــن أمــة أجلهــا( علــى )ومــا‬
‫يستأخرون( لم تأت إل في مقام الهلك والعقوبة‪.‬‬
‫تقممديم وتممأخير كلمممة ) تخفمموا ( فممي آيممة سممورة البقممرة‬
‫وسورة آل عمران‬
‫فممي‬ ‫ممما ِ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫ماوا ِ‬ ‫سم َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ه ما ِ‬ ‫قال تعالى في سورة البقرة )ل ّل ّ ِ‬
‫فسك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫كم ب ِم ِ‬ ‫س مب ْ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫فوهُ ي ُ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫و تُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫في أن ُ ِ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫وِإن ت ُب ْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ل‬ ‫عل َممى ك ُم ّ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّم ُ‬ ‫شمماءُ َ‬ ‫مممن ي َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫عذ ّ ُ‬ ‫وي ُ َ‬‫شاءُ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫في َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ممما‬ ‫فمموا ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل ِإن ت ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ديٌر }‪ ({284‬وقال في آل عمــران ) ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫فممي‬ ‫ممما ِ‬ ‫م َ‬ ‫عَلمم ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ه الّلمم ُ‬ ‫ممم ُ‬ ‫عل َ ْ‬ ‫دوهُ ي َ ْ‬ ‫و ت ُْبمم ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫رك ُ ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫صمم ُ‬ ‫فممي ُ‬ ‫ِ‬
‫ديٌر }‬ ‫قم ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُم ّ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ .({29‬المحاسبة فــي ســورة البقــرة هــي علــى مــا ُيبــدي النســان‬
‫دم البداء أما في سورة آل‬ ‫وليس ما ُيخفي ففي سياق المحاسبة ق ّ‬
‫دم الخفــاء لنــه ســبحانه يعلــم‬ ‫عمران فالية في سياق العلم لذا قـ ّ‬
‫السر وأخفى‪.‬‬
‫تقديم الشممتاء علممى الصمميف والجمموع علممى الخمموف فممي‬
‫سورة قريش‬
‫م‬ ‫هم ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش }‪ِ {1‬إيَل ِ‬ ‫قَري ْ ٍ‬ ‫ف ُ‬ ‫ليَل ِ‬ ‫قال تعــالى فــي ســورة قريــش ) ِ ِ‬
‫ت }‪{3‬‬ ‫ذا ال ْب َي ْم ِ‬ ‫هم َ‬ ‫ب َ‬ ‫دوا َر ّ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫فل ْي َ ْ‬ ‫ف }‪َ {2‬‬ ‫صي ْ ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫شَتاء َ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫حل َ َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ِ‬
‫ف }‪ ( {4‬والمعروف‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫و ٍ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫من َ ُ‬ ‫وآ َ‬ ‫ع َ‬ ‫جو ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫م ُ‬‫ع َ‬ ‫ذي أط َ‬ ‫ال ِ‬
‫‪45‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫أن حاجة النسان للطعام في الشتاء أكثر من الصيف والخوف فــي‬
‫دم تعــالى‬ ‫طاع الطرق والزواحف لــذا قـ ّ‬ ‫الصيف أكثر لنه فيه يكثر ق ّ‬
‫الشتاء والخوف على الصيف والجوع وقال أيضا ً أطعمهم ولــم يقــل‬
‫أشبعهم لن الطعام أفضل من الشباع‪ .‬ولقد جاءت سورة قريــش‬
‫بعد سورة الفيل للتركيز علــى المــن فــي الــبيت الحــرام بعــد عــام‬
‫الفيل‪.‬‬
‫ديم البصر على السمممع فممي آيممة سممورة الكهممف وآيممة‬ ‫تق ّ‬
‫سورة السجدة‬
‫َ‬
‫ب‬‫غْيمم ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ل َب ُِثوا ل َ ُ‬‫م بِ َ‬ ‫عل َ ُ‬‫هأ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫قال تعالى في سورة الكهف ) ُ‬
‫السماوات واْل َرض أ َبصر به َ‬
‫مممن‬ ‫ه ِ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ْ ِ ْ ِ ْ ِ ِ َ‬ ‫ّ َ َ ِ َ‬
‫حممدا ً }‪ ({26‬وقــال فــي ســورة‬ ‫َ‬ ‫وَل ي ُ ْ‬
‫هأ َ‬ ‫مم ِ‬ ‫حك ْ ِ‬ ‫فممي ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ر ُ‬‫شم ِ‬ ‫ي َ‬‫ول ِ ّ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫عن م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫سممو ُر ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سم ِ‬ ‫ؤو ِ‬ ‫ن َناك ِ ُ‬ ‫مممو َ‬ ‫ر ُ‬‫ج ِ‬ ‫م ْ‬‫و ت َمَرى إ ِِذ ال ُ‬ ‫ول م ْ‬
‫َ‬
‫الســجدة ) َ‬
‫صمماِلحا ً إ ِن ّمما‬ ‫ل َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ع َ‬‫عن َمما ن َ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫فاْر ِ‬ ‫عَنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫سم ِ‬ ‫و َ‬‫ص مْرَنا َ‬
‫م َرب ّن َمما أب ْ َ‬‫هم ْ‬ ‫َرب ّ ِ‬
‫ن }‪ ({12‬والمعلــوم أن الكــثر فــي القــرآن تقــديم الســمع‬ ‫قُنو َ‬‫مو ِ‬ ‫ُ‬
‫على البصر لن السمع أهــم مــن البصــر فــي التكليــف والتبليــغ لن‬
‫فاقد البصر الذي يسمع يمكن تبليغه أما فاقد السمع فيصعب تبليغه‬
‫ثم إن مدى السمع أقل من مدى البصر فمــن نســمعه يكــون عــادة‬
‫أقرب ممن نراه‪ ،‬بالضافة إلى أن الســمع ينشـأ فــي النسـان قبــل‬
‫دم البصــر علــى الســمع فــي اليــتين‬ ‫البصر في التكوين‪ .‬أما لماذا ق ّ‬
‫المذكورتين فالسبب يعود إلى أنه في آية سورة الكهف الكلم عــن‬
‫أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم لئل يراهــم أحــد ولجــأوا إلــى‬
‫ظلمة الكهف لكيل يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في‬
‫ظلمة الكهف وكذلك طلبوا مــن صــاحبهم أن يتلطــف حــتى ل يــراه‬
‫القوم إذن مسألة البصر هنا أهم من السمع فاقتضى تقــديم البصــر‬
‫على السمع في الية‪.‬‬
‫وكذلك في آية سورة السجدة‪ ،‬الكلم عن المجرمــون الــذين كــانوا‬
‫فــي الــدنيا يســمعون عــن القيامــة وأحوالهــا ول يبصــرون لكــن مــا‬
‫ن ولــو تيقنــوا لمنــوا أمــا‬ ‫يسمعوه كان يدخل في مجال الشك والظ ّ‬
‫في الخرة فقد أبصروا ما كانوا يســمعون عنــه لنهــم أصــبحوا فــي‬
‫مجال اليقين وهو ميدان البصر )عين اليقين( والخرة ميدان الرؤيــة‬
‫وليس ميدان السمع وكما يقال ليس الخــبر كالمعاينــة‪ .‬فعنــدما رأوا‬
‫في الخرة ما كانوا يسمعونه ويشكون فيه تغير الحال ولذا اقتضــى‬
‫تقديم البصر على السمع‪.‬‬
‫تقديم وتأخير الجن والنس في آيتي السراء والرحمن‬

‫‪46‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ي َمأُتوا‬ ‫عل َممى أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫وال ْ ِ‬
‫س َ‬ ‫ت اْل ِن ْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬‫جت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ل ل َئ ِ‬
‫ق ْ‬ ‫قال تعالى‪ُ ) :‬‬
‫ْ‬ ‫ذا ال ْ ُ َ‬
‫ض‬
‫عم ٍ‬ ‫م ل ِب َ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫ضم ُ‬‫ع ُ‬ ‫ن بَ ْ‬‫و ك َمما َ‬ ‫ول َ ْ‬‫ه َ‬‫مث ْل ِ ِ‬‫ن بِ ِ‬ ‫ن َل ي َأُتو َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫ل َ‬ ‫بِ ِ‬
‫ن‬‫جم ّ‬ ‫ش مَر ال ْ ِ‬ ‫ع َ‬
‫م ْ‬‫هي مًرا )‪ (88‬الســراء( وقــال عــز وجــل ‪ ) :‬ي َمما َ‬ ‫ِ‬
‫ظَ‬
‫ت‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سم َ‬ ‫ر ال ّ‬ ‫طما ِ‬‫ق َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫فم ُ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫سمت َطَ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫س إِ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫وال ِ َن ْ ِ‬
‫ن )‪ (33‬الرحمن(‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن إ ِّل ب ِ ُ‬ ‫ذو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذوا َل ت َن ْ ُ‬ ‫ف ُ‬‫فان ْ ُ‬‫ض َ‬ ‫َ ْ‬
‫والْر ِ‬
‫قدم في الولى النس وقدم في الثانية الجن لن مضمون الية هــو‬
‫التحدي بالتيان بمثل القرآن ‪ ،‬ول شك أن مــدار التحــدي علــى لغــة‬
‫القرآن ونظمه وبلغته وحسن بيانه وفصاحته‪.‬‬
‫والنــس فــي هــذا المجــال هــم المقــدمون ‪ ،‬وهــم أصــحاب البلغــة‬
‫وأعمدة الفصاحة وأساطين البيان ‪ ،‬فإتيان ذلك مــن قبلهــم أولــى ‪،‬‬
‫ولذلك كان تقديمهم أولى ليناسب ما يتلءم مع طبيعتهم‪.‬‬
‫أما الية الثانية فإن الحديث فيها عـن النفـاذ مـن أقطـار السـموات‬
‫والرض ‪ ،‬ول شك أن هذا هو ميدان الجن لتنقلهم وسرعة حركتهــم‬
‫الطيفية وبلوغهم أن يتخذوا مقاعد في في السماء للســتماع ‪ ،‬كمــا‬
‫قال تعالى على لسانهم ‪ " :‬وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمممع‬
‫" الجن ‪9‬‬
‫فقدم الجن على النــس لن النفــاذ ممــا يناســب خواصــهم وماهيــة‬
‫أجسامهم أكثر من النس‬

‫موضوع القطع في القرآن الكريم‬

‫القطع أكثر ما يكون في أمرين‪ :‬في النعت والعطف بالواو‪ .‬والقطع‬


‫هو تغييــر الحركــة الــتي ينبغــي أن يكــون عليهــا التــابع‪ .‬الصــل فــي‬
‫الصفة )النعــت( أن يتبــع الموصــوف بــالعراب )مرفــوع – مرفــوع‪،‬‬
‫منصوب – منصوب‪ ،‬أو مجرور – مجــرور‪ .‬أمــا الصــل فــي العطــف‬
‫بالواو أن يتبع المعطوف بالواو ما قبله بالحركة العرابية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫أحيان ـا ً تغي ّــر العــرب الحركــة فتــأتي بعــد المرفــوع بمنصــوب وبعــد‬
‫المنصوب بمرفوع وبعــد المجــرور بــالرفع أو النصــب )فــي النعــت(‬
‫وعندما تتغير الحركة يتغير العراب‪ .‬مثال على النعت‪:‬‬
‫م ‪ -‬مــررت بمحم ـدٍ‬ ‫م ‪ -‬رأيــت محمــدا ً الكري ـ ُ‬ ‫أقبــل محمــد الكري ـ َ‬
‫م‬
‫م أو الكري َ‬‫الكري ُ‬
‫وهذا المر يجري في العطف أيضا ً كما في قوله تعــالى )والموفــون‬
‫بعهــدهم إذا عاهــدوا والصــابرين ( )لكــن الراســخون فــي العلــم‬
‫والمقيمين الصلة والمؤتون الزكاة( المقيمين )قطع(‬
‫لماذا يستخدم أسلوب القطع؟ هو ليس بالصل أسلوبا ً قرآنيــا ً‬
‫ابتدعه القرآن لكنه أسلوب عربي موجــود فــي اللغــة ‪ ،‬والقطــع لــه‬
‫شروط لكن لماذا تقطع العرب؟ تقطع العرب لسببين‪:‬‬
‫الول‪ :‬لتنــبيه الســامع وإيقــاظ ذهنــه إلــى الصــفة المقطوعــة ‪،‬‬
‫والمفروض في الصفة أن تأتي تابعة لحركة الموصوف فإذا تغيــرت‬
‫الحركة انتبه السامع‪ .‬وهذا دليل على أن الموصوف قد بلغ حدا ً في‬
‫هذه الصفة يثير الهتمام ويقتضيه‪.‬‬
‫طب يعلــم مــن‬ ‫والثاني أن القطع ل يكون إل إذا كان الســامع المخــا َ‬
‫اّتصاف الصفة بالموصوف التي يذكرها المتكلــم أو يقطعهــا‪ .‬مثــال‪:‬‬
‫إذا قلنا مررت بمحمد الكريم )السامع قد يعلم أو ل يعلم أن محمدا ً‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫كريم فُيعطى السامع معنى جديدا لم يكــن يعلمــه(‪ .‬وإذا قلنــا‪ :‬جــاء‬
‫م فل بد أن يكون الســامع علــى علــم أن خالــد كريــم أي‬ ‫خالد ٌ الكري َ‬
‫اشتهر بهذه الصفة حتى عُِلمت عنه‪ .‬والقطع في هــذه الحالــة ُيفيــد‬
‫طب يعلم من اتصاف الموصــوف مــا يعلمــه المتكلــم فــإذا‬ ‫أن المخا َ‬
‫م له‪.‬‬ ‫ما ً كان أذ ّ‬‫كان مادحا ً كان أمدح له وإذا كان ذا ّ‬
‫م عندما يوصف‬ ‫ما قيمة هذا القطع في اللغة؟ في المدح والذ ّ‬
‫شخص الكرم فهو مشهور بالكرم ول يخفــى كرمــه علــى أحــد وقــد‬
‫يكون الشخص كريما ً لكن ل يعرفه أحــد‪ .‬فــإذا كــان المــدح بــالقطع‬
‫يكون أمدح للشــخص بمعنــى أنــه بلــغ مــن الخصــال الكريمــة مــا ل‬
‫م‬ ‫ذم فيكون أذ ّ‬ ‫يخفى على أحد فيكون أمدح له‪ .‬فإذا كان في حالة ال ّ‬
‫ة الحطــب(‬ ‫ه حمال َ‬ ‫له‪ .‬كما في قوله تعالى في سورة المسد )وامرأت ُ ُ‬
‫م الله تعالى امرأة أبو لهــب مرتيــن مــرة بــالقطع لن الكــل يعلــم‬ ‫ذ ّ‬
‫مالة( على وزن فّعالــة‬ ‫مها بصيغة المبالغة في كلمة )ح ّ‬ ‫بصفاتها ثم ذ ّ‬
‫م لهــا لمــا كــانت تلحقــه مــن أذى‬ ‫م بــالقطع هنــا أذ ّ‬‫وهكــذا جــاء الــذ ّ‬
‫مالــة( علــى أنهــا‬ ‫برسول الله ‪ .‬وقد أعرب بعض النحــاة كلمــة )ح ّ‬
‫خبر لمبتدأ )امرأته( ولخرون أعربوهــا علــى أنهــا صــفه وهــذا عليــه‬
‫اعتراض ظاهر لنه ل يمكن أن تكون صفة بحسب القواعد النحويــة‬
‫‪48‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫مالة الحطب هي إضافة لفظية يعنــي إضــافة صــيغة المبالغــة‬ ‫نح ّ‬ ‫ل ّ‬
‫إلى معمولها يعتي نكرة )وامرأتــه( معّرفــة فكيــف نصــف المعرفــة‬
‫بالنكرة؟ هذه يقــال فيهــا أنهــا إضــافة لفظيــة‪ .‬إذا قلنــا‪ :‬رأيــت رجل ً‬
‫ل القامــة )طويــل القامــة هــي صــفة لفظيــة( وإذا قلنــا‪ :‬رأيــت‬ ‫طوي َ‬
‫الرجل الطويــل القامــة )الطويــل القامــة هــي موصــوف لمعرفــة(‪.‬‬
‫والضافة اللفظية هي إضاقة اسم الفاعل واســم المفعــول إذا كانــا‬
‫داّليــن علــى الحــال أو الســتقبال إلــى معمولهمــا‪ ،‬إضــافة الصــفة‬
‫المشبهة والمبالغة إلى معمولهمــا دون تحديــد الزمــن مثــال‪ :‬أقبــل‬
‫ل مصري المولد )مصري المولد إضــافة لفظيــة وبقيــت نكــرة(‬ ‫رج ٌ‬
‫وإذا قلنا‪ :‬مــررت برجــل مصــري النشــأة )موصــوف لنكــرة وُتعــرب‬
‫نعت( وإذا قلنا‪ :‬مررت بالرجل المصــري النشــأة )المصــري النشــأة‬
‫نعت موصوف لمعرفة( وفي العودة إلى آية سورة المســد )حمالــة‬
‫مها‪.‬‬ ‫الحطب( مفعول به لفعل محذوف تقديره أذ ّ ّ‬
‫حم‬ ‫م والــتر ّ‬ ‫ما الحكم النحمموي فممي القطممع؟ فــي المــدح والــذ ّ‬
‫ُيحذف وجوبا ً فعنـد العـراب ُيعـرب خـبر لمبتـدأ محـذوف )إذا كـان‬
‫مرفوع( ونقول محذوف وجوبا ً وإذا كان في غير حالة يكون جــوازًا‪.‬‬
‫م‬‫وفي النصب يكون مفعول به لفعل محذوف وجوبا ً في المدح والذ ّ‬
‫حم وفي غير ذلك يكون جوازًا‪.‬‬ ‫والتر ّ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫عل ْم ِ ِ‬ ‫في ال ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫خو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن الّرا ِ‬ ‫ِ‬ ‫في سورة النساء آية ‪ّ) 162‬لمك ِ‬
‫ُ‬ ‫ل إ َِلي م َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫قب ْل ِم َ‬ ‫مممن َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ز َ‬ ‫ممما أن م ِ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫ز َ‬ ‫ما أن ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ن ب ِممالل ِ‬ ‫من ُممو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫وال ُ‬‫ْ‬ ‫ن الّزكمماةَ َ‬ ‫َ‬ ‫ؤت ُممو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫وال ُ‬ ‫صملةَ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ميم َ‬ ‫قي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫وال ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما( القطع هنــا فــي‬ ‫َ‬ ‫سن ُ ْ‬ ‫ولمئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ظي ً‬ ‫ع ِ‬ ‫جًرا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ؤِتي ِ‬ ‫ك َ‬ ‫رأ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫والي َ ْ‬ ‫َ‬
‫م من كل العمال‪.‬‬ ‫كلمة )المقيمين الصلة( لهمية الصلة فهي أه ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫هك ُ ْ‬ ‫جممو َ‬ ‫و ُ‬‫ول ّمموا ْ ُ‬ ‫س ال ْب ِمّر أن ت ُ َ‬ ‫وفي سورة البقــرة آيــة ‪) 177‬ل ّي ْ َ‬
‫وم ِ‬ ‫وال َْيمم ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْب ِّر َ‬ ‫وَلمك ِ ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غ ِ‬‫م ْ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫حب ّم ِ‬ ‫عل َممى ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ممما َ‬ ‫وآَتى ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫والن ّب ِّيي َ‬ ‫ب َ‬ ‫وال ْك َِتا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ِ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ل‬ ‫سمممِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫واْبممم َ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫سممما ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫مى َ‬ ‫وال ْي ََتممما َ‬ ‫قْرَبمممى َ‬ ‫وي ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ذَ‬
‫ة‬
‫كمما َ‬ ‫وآَتممى الّز َ‬ ‫صمملةَ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قمما َ‬ ‫وأ َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫قمما ِ‬ ‫فممي الّر َ‬ ‫و ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سممآئ ِِلي َ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫سماء‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م إِ َ‬ ‫مو ُ‬ ‫ْ‬
‫فممي الب َأ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫صمماب ِ ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫دوا َ‬ ‫هم ُ‬ ‫عا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫هم ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫وال ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫وأولم مئ ِ َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ص مد َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫س أولمئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫هم ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫قوا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ن الب َأ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫و ِ‬ ‫ضّراء َ‬ ‫وال ّ‬
‫ن( قطع كلمة الصابرين للهمية وللــتركيز علــى الصــابرين‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م‪ .‬والمنصــوب فــي القطــع ُيعــرب‬ ‫إذن القطع جــاء هنــا لمــا هــو أهـ ّ‬
‫مفعول به لفعل محذوف‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬

‫مقاصد الذكر والحذف في الحروف في‬


‫القرآن الكريم‬

‫نذكر من حالت ذكر وحــذف الخــرف فــي القــرآن الكريــم حــالتين‪:‬‬


‫الولى عندما يحتمل التعبير ذكر أكثر مــن حــرف ومــع ذلــك يحــذفه‬
‫وقد يحتمل التعبير ذكر أكــثر مــن حــرف‪ ،‬والثانيــة عنــدما ل يحتمــل‬
‫التعبير ذكر حرف بعينه‪.‬‬
‫الحالممة الولممى‪) :‬وأمــرت أن أكــون أول المســلمين( يحتمــل أن‬
‫يكون المحذوف )الباء( لن المر عادة يأتي مع حرف البــاء )أمــرت‬
‫بأن( كما في قوله تعالى )تأمرون بــالمعروف( كمــا يحتمــل التعــبير‬
‫ذكر حرف اللم )وأمرت لن أكون أول المســلمين( فلمــاذا حــذف؟‬
‫هــذا مــا يســمى التوســع فــي المعنــى وأراد تعــالى أن يجمــع بيــن‬
‫المعنيين )الباء واللم( فإذا أراد التخصيص ذكر الحرف وإذا أراد كل‬
‫الحتمالت للتوسع فــي المعنــى يحــذف‪ .‬مثــال‪) :‬ألــم يؤخــذ عليكــم‬
‫ميثاق الكتاب أل تقولوا علــى اللــه إل الحــق( فــي اليــة حــرف جــر‬
‫محذوف‪ ،‬يحتمل أن يكون )في( )ألم يؤخذ عليكم ميثاق الكتاب في‬
‫أل تقولوا على الله إل الحق( ويحتمــل أن يكــون )اللم( )ألــم يؤخــذ‬
‫عليكم ميثـاق الكتـاب لئل تقولـوا علـى اللـه إل الحـق( ويحتمـل أن‬
‫يكون )على( )ألم يؤخذ عليكم ميثاق الكتــاب علــى أل تقولــوا علــى‬
‫الله إل الحــق( ويحتمــل أن يكــون بالبــاء )ألــم يؤخــذ عليكــم ميثــاق‬
‫الكتاب بأل تقولوا على الله إل الحق( لذا فهــذا التعــبير يحتمــل كــل‬
‫معاني الباء واللم وفي وعلى للتوسع في المعنى أي أنه جمع أربــع‬
‫معاني في معنى واحد بحذف الحرف‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬يحــذف الحــرف فــي موقــع ل يقتضــي إل الحــذف‬
‫بالحرف‪ ،‬والذكر يفيد التوكيد بخلف الحذف )مررت بمحمد وبخالد(‬
‫أوكد من )مــررت بمحمــد وخالــد(‪ .‬مثــال مــن القــرآن الكريــم‪:‬فــي‬
‫س‬‫مم ّ‬ ‫ق مد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬
‫ق مْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫سورة آل عمران قال تعــالى‪ِ) :‬إن ي َ ْ‬
‫م‬ ‫عل َم َ‬‫ول ِي َ ْ‬‫س َ‬ ‫ن الن ّمما ِ‬ ‫ول ُ َ‬
‫ها ب َي ْم َ‬ ‫دا ِ‬ ‫م نُ َ‬‫ك الّيا ُ‬ ‫وت ِل ْ َ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ح ّ‬ ‫قْر ٌ‬‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ب‬ ‫حمم ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫والّلمم ُ‬ ‫داء َ‬ ‫ه َ‬‫شمم َ‬‫م ُ‬ ‫كمم ْ‬ ‫من ُ‬‫ذ ِ‬‫خمم َ‬
‫وي َت ّ ِ‬‫مُنمموا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه اّلمم ِ‬ ‫الّلمم ُ‬
‫ق‬
‫حمم َ‬ ‫م َ‬ ‫وي َ ْ‬‫مُنمموا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه اّلمم ِ‬ ‫ص الّلمم ُ‬ ‫حمم َ‬ ‫م ّ‬‫ول ِي ُ َ‬
‫ن }‪َ {140‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظممال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن }‪({141‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫كا ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫‪50‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫إذا كان التعبير يحتمل تقــدير أكــثر مــن حــرف ُيحــذف للتوســع فــي‬
‫المعنى وعندما ل يحتمل إل حرفا ً بعينه فيكون في مقـام التوكيـد أو‬
‫ح‬ ‫قممْر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫قمم ْ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ح َ‬ ‫قْر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫التوسع وشموله‪ِ) .‬إن ي َ ْ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ م ِ‬ ‫م الل ّ م ُ‬ ‫عل َ م َ‬ ‫ول ِي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الن ّمما ِ‬ ‫ها ب َي ْ َ‬ ‫ول ُ َ‬ ‫دا ِ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك الّيا ُ‬ ‫وت ِل ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن }‪({140‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫والل ُ‬‫ّ‬ ‫داء َ‬ ‫ه َ‬ ‫ش َ‬ ‫م ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ذ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫وي َت ّ ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫ْ‬ ‫آ َ‬
‫ذكرت اللم في كلمة )ليعلم( وحذفت في كلمة )يّتخذ( الية الولـى‬
‫نزلت بعد معركة أحد )ليعلم الله الذين آمنـوا( غـرض عـام يشـمل‬
‫كل مؤمن ويشمل عموم المــؤمنين فــي ثبــاتهم وســلوكهم أي ةمــا‬
‫يتعلق به الجزاء ول يختص به مجموعة من الناس فهــو غــرض عــام‬
‫إلى يوم القيامة والله عليم وهذا علم يتحقق فيــه الجــزاء‪ .‬أمــا فــي‬
‫قوله )ويتخذ منكم شهداء( ليست في سعة الغرض الول فالشهداء‬
‫أقل من عموم المؤمنين‪.‬‬
‫ه‬ ‫ص الل ّم ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ِي ُ َ‬ ‫وكذلك في قوله تعــالى فــي ســورة آل عمــران‪َ ) :‬‬
‫ن }‪ ({141‬ذكـرت فــي )ليمحـص(‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ولم تذكر في )يمحــق(‪ .‬غــرض عــام ســواء فــي المعركــة )أحــد( أو‬
‫غيرها لمعرفة مقدار ثباتهم وإخلصهم وهو أكثر اتساعا ً وشمول ً من‬
‫قوله تعالى )ويتخذ منكم شــهداء( ويمحــق الكــافرين ليســت بســعة‬
‫)ليمحص الله( لم تخلو الرض مــن الكــافرين ولــم يمحقهــم جميعـا ً‬
‫زوال الكافرين ومحقهم على وجــه العمــوم ليســت الحــال وليســت‬
‫بمقدار الغرض الذي قبله‪) .‬ليعلم الله( غــرض كــبير متســع وكــذلك‬
‫قوله تعالى )ليمحص الله( إنما قوله تعــالى )يتخــذ منكــم( و)يمحــق‬
‫الكافرين( فالغرض أقل اتساعا ً لذا كان حذف الحرف )لم(‪.‬‬
‫ي‬ ‫ول ِي َب ْت َل ِ َ‬ ‫أما في قوله تعالى في الية ‪ 154‬من سورة آل عمران‪َ ) :‬‬
‫م‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ِي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫رك ُ ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬‫في ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ر( هنــا الغرضــين بدرجــة واحــدة مــن التســاع ولهــذا‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫بِ َ‬
‫وردت اللم في الحالتين‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫من ُمموا ْ إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّم ِ‬ ‫في آيــة الوضــوء فــي ســورة المــائدة )َيا أي ّ َ‬
‫م إ َِلممى‬ ‫هك ُم َ‬
‫دي َك ُ ْ‬ ‫وأْيمم ِ‬ ‫جممو َ ْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫سممُلوا ْ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ة فا ْ‬ ‫صممل ِ‬ ‫م إ َِلممى ال ّ‬ ‫مُتمم ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫وِإن‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫عَبيم‬ ‫م إ ِل َممى ال ْك َ ْ‬ ‫جل َك ُ ْ‬ ‫وأْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ؤو ِ‬ ‫حوا ْ ب ُِر ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫مَرا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬ ‫ضممى أ َ‬
‫و‬ ‫رأ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫سم‬ ‫َ‬ ‫مى‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫كنُتمم ّ‬ ‫وِإن ُ‬ ‫هُروا ْ َ‬ ‫فماطّ ّ‬ ‫جُنبا ً َ‬ ‫م ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫دوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جم ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫فل َم ْ‬ ‫سمماء َ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫ست ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و لَ َ‬ ‫طأ ْ‬ ‫غائ ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫حد ٌ ّ‬ ‫جاء أ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫كم‬ ‫دي ُ‬ ‫وأي ْم ِ‬ ‫م َ‬ ‫هك ُ ْ‬ ‫جممو ِ‬ ‫و ُ‬ ‫حوا ْ ب ِ ُ‬ ‫سم ُ‬ ‫م َ‬ ‫فا ْ‬ ‫عيدا ً طَّيب ما ً َ‬ ‫صم ِ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫فت َي َ ّ‬ ‫ماء َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ريم ُ‬ ‫كن ي ُ ِ‬ ‫ولمم ِ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عم َ‬ ‫ّ‬
‫حمَر ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫علي ْكمم ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه ل ِي َ ْ‬ ‫ريمدُ اللم ُ‬ ‫ممما ي ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن }‪ ({6‬اللم‬ ‫شممك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫كمم ْ‬ ‫عل ُ‬ ‫ّ‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬ ‫علي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫ع َ‬‫م نِ ْ‬ ‫ول ِي ُت ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫هَرك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل ِي ُط ّ‬
‫‪51‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫فممَر‬
‫غ ِ‬ ‫م(‪ ،‬وفي سورة الفتح )ل ِي َ ْ‬ ‫وردت في الفعلين‪) :‬ليطهركم( )ولي ُت ِ ّ‬
‫ك‬‫عل َي ْم َ‬‫ه َ‬ ‫مت َم ُ‬
‫ع َ‬
‫م نِ ْ‬
‫وي ُت ِم ّ‬ ‫ممما ت َمأ َ ّ‬
‫خَر َ‬ ‫و َ‬
‫ك َ‬‫ذنب ِم َ‬
‫من َ‬ ‫م ِ‬‫قد ّ َ‬‫ما ت َ َ‬
‫ه َ‬‫ك الل ّ ُ‬‫لَ َ‬
‫قيما ً }‪ ({2‬ذكــر اللم فــي فعــل )ليغفــر(‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫صَراطا ً ّ‬ ‫ك ِ‬‫دي َ َ‬‫ه ِ‬
‫وي َ ْ‬
‫َ‬
‫م( و )يهديك( ‪ .‬والفرق بين اليتين في سورة المائدة‬ ‫وحذف في )ُيت ّ‬
‫وسورة الفتح أن )ليتم نعمته( في آية الوضــوء فــي ســورة المــائدة‬
‫الكلم هنا في أصــول الــدين وتمــامه وهــذه اليــة هــي آيــة الوضــوء‬
‫والُغسل وهي عامة للمؤمنين وتشملهم إلــى يــوم القيامــة والنعمــة‬
‫عامة واسعة وتشمل الكثير‪ .‬أما في آية سورة الفتح )ويتــم نعمتــه(‬
‫فالخطاب هنا للرسول ‪ ‬وهي خاصة به وليســت عامــة للمــؤمنين‬
‫وهي ليست في أصول الدين‪.‬‬

‫مثال آخر‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سم َ‬ ‫عل َممى ال ّ‬ ‫ة َ‬ ‫مان َم َ‬ ‫ض مَنا اْل َ‬ ‫عَر ْ‬ ‫فــي ســورة الحــزاب )إ ِّنا َ‬
‫همما‬ ‫من ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬ ‫شممم َ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫هممما َ‬ ‫مل ْن َ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن أن ي َ ْ‬
‫َ‬
‫فممأب َي ْ َ‬
‫واْل َرض وال ْجبمممال َ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ ِ َ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫عذ ّ َ‬ ‫هول }‪ {72‬ل ِي ُ َ‬ ‫ً‬ ‫ج ُ‬ ‫ً‬
‫ن ظلوما َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫لن َ‬ ‫ْ‬
‫ها ا ِ‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫وي َت ُممو َ‬ ‫ت َ‬ ‫ركا ِ‬ ‫َ‬ ‫شم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫وال ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ت َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ْ‬
‫وال ُ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ال ُ‬ ‫ْ‬
‫حيماً }‬ ‫فورا ً ّر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ذب( وحذفت مع فعل )ويتوب( وقــد‬ ‫‪ ({73‬ذكرت اللم مع فعل )لُيع ّ‬
‫خر التوبة للمؤمنين لن سياق اليات‬ ‫دم تعالى عذاب المنافقين وأ ّ‬ ‫ق ّ‬
‫قوا‬ ‫ص مد َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫جمما ٌ‬ ‫ر َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫كان في المنافقين‪ ،‬أما في الية ) ِ‬
‫مممن‬ ‫هممم ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫حب َم ُ‬ ‫ضممى ن َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫من َ‬ ‫هم ّ‬ ‫من ْ ُ‬‫ف ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ه ُ‬‫عا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫قي َ‬ ‫صمماِد ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ي الل م ُ‬ ‫ز َ‬ ‫جم َ ِ‬ ‫ديل ً }‪ {23‬ل ِي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ممما ب َمدّلوا ت َب ْم ِ‬ ‫و َ‬‫َينت َظِ مُر َ‬
‫ن‬‫م إِ ّ‬ ‫همم ْ‬ ‫ب َ َ‬ ‫ن ِإن َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫عذ ّ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ي َُتممو َ‬ ‫شمماء أ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫وي ُ َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫حيما ً }‪ ({24‬ذكرت اللم مــع فعــل )ليجــزي(‬ ‫فورا ً ّر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ذب( وهنا بدأ بــالمؤمنين أول ً وذكــر معهــم اللم‬ ‫وحذفت مع فعل )يع ّ‬
‫خــر‬ ‫دم جــزاء المــؤمنين وأ ّ‬ ‫ثم ذكر المنافقين بدون لم بمعنى أنــه قـ ّ‬
‫عذاب المنافقين‪ ،‬ولم يذكر المشيئة في اليــة الولــى وذكرهــا فــي‬
‫الية الثانية وذكر احتمال التوبة في الثانيــة ولــم تــذكر فــي الولــى‪،‬‬
‫وفـــي آخـــر الســـورة ذكـــر المنـــافقين والمنافقـــات والمشـــركين‬
‫والمشــركات أمــا فــي اليــة الثانيــة لــم يــذكر فيهــا إل المــؤمنين‬
‫والمنــافقين ولــم يلحــق معهــم المنافقــات والمؤمنــات‪ .‬وفــي اليــة‬
‫كد المغفرة )وكان الله غفورا ً رحيما( بينمــا أكــدها فــي‬ ‫الولى لم يؤ ّ‬
‫الثانية )إن الله كان غفورا ً رحيما( والســبب فــي ذلــك الصــل الول‬
‫في سياق اليــات والســياق هــو أكــبر وأهــم القــرائن‪ .‬الســياق فــي‬
‫‪52‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫خــر التوبــة وهــذا‬ ‫اليات الولى بدأ بتعذيب المنافقين والمنافقــات وأ ّ‬
‫أصل السياق في اليـات )وإن لـم ينتـه المنـافقين ( إلـى أن ينتهـي‬
‫بهذه الية الخيرة أي أن أصل السياق فــي اليــات علــى المنــافقين‬
‫دم عذابهم وأكده ولم يذكر المؤمنين‪.‬‬ ‫وليس على المؤمنين لذا ق ّ‬
‫أما في اليــة الخــرى فنزلــت حســب ســياق اليــات فــي المــؤمنين‬
‫الصادقين )وصدقوا الله ورسوله( السياق مختلف تماما ً نا وهو فــي‬
‫خــر المنــافقين ونــزع اللم تمامـا ً‬ ‫دمهم وأكرمهــم وأ ّ‬ ‫المؤمنين لذا قـ ّ‬
‫عكس الية الولى‪ .‬وضع احتمال التوبة في الية الثانية )ليجزي الله‬
‫الصادقين بصدقهم( والكلم ليس للمؤمنين وإنمــا للصــادقين منهــم‬
‫وسبب ذكر التعليق بالمشيئة في الية الثانية ووضع احتمــال التوبــة‬
‫لن اليات جاءت بعد وقعة الحزاب لذا فتح مجال التوبــة والــدخول‬
‫ذب المنــافقين‬ ‫في اليمان يفتح للمنافقين باب التوبة لذا جاءت )يعـ ّ‬
‫إن شاء أو يتوب عليهم( لنهم ما زالوا فــي الــدنيا أمــا اليــة الولــى‬
‫فهي في الخــرة )يــوم ُتقل ّــب وجــوههم فــي النــار( الكلم هنــا فــي‬
‫الخرة ولم يكن هناك مجال للتوبة أو المشيئة ولم يفتــح لهــم بــاب‬
‫المل في التوبة ولم ُيعلقها بالمشيئة‪.‬‬
‫فــي آيــة الــدنيا )إن اللــه كــان غفــورا ً رحيمــا( أك ّــد المغفــرة ليفتــح‬
‫للمنافقين باب التوبة والدخول في السلم حتى يغفر الله للعبد كل‬
‫كد ذلك فقال تعـالى )وكـان اللـه‬ ‫دم‪ .‬أما في آية الخرة فلم يؤ ّ‬ ‫ما تق ّ‬
‫غفورا ً رحيما( بدون توكيد‪ .‬وتوكيد المشيئة واحتمال التوبــة يقتضــي‬
‫توكيد المغفرة‪.‬‬
‫أما ذكر المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات والمــؤمنين‬
‫والمؤمنــات ولــم تــرد فــي اليــة الثانيــة وهــذه فــي وقعــة الحــزاب‬
‫والوقعة هي للرجال لذا لم يرد ذكر النساء‪ .‬أما العذاب في الخــرة‬
‫فيطال الجميع ذكرانا ً وإناثا ً فكلهم يطالهم العذاب أما الجزاء فيكون‬
‫ذكــر فــي وقعـة الحـزاب عنـدما ذكـر مـا يخـص الرجــال‬ ‫بخلف ما ُ‬
‫)الصادقين بصدقهم ( ولم يقل الصادقات ذلك لن الموطن يقتضي‬
‫ذلك‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صممال ِ َ‬‫مُلمموا ْ ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫ذين آ َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وب َ ّ‬
‫ش‬ ‫في سورة البقرة ) َ‬
‫قمموا ْ ِ‬ ‫َ‬
‫مممن‬ ‫همما ِ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ز ُ‬
‫ِ‬ ‫ما ُر‬ ‫هاُر ك ُل ّ َ‬ ‫ها الن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ل ُ‬
‫ه‬‫وأت ُمموا ْ ب ِم ِ‬ ‫قب ْم ُ َ‬ ‫مممن َ‬ ‫قن َمما ِ‬ ‫ز ْ‬‫ذي ُر ِ‬ ‫ذا ال ّم ِ‬ ‫همم َ‬ ‫قمماُلوا ْ َ‬ ‫ة ّرْزقما ً َ‬ ‫مَر ٍ‬ ‫ثَ َ‬
‫َ‬
‫ن}‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِم ُ‬ ‫همما َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫هم ْ‬ ‫و ُ‬ ‫هَرةٌ َ‬ ‫مطَ ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ها أْز َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬
‫شاِبها ً َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫‪ ({25‬التبشير هنا يأتي بحرف الباء كما في قوله تعــالى‪) :‬وبشــرناه‬
‫شرهم أن لهــم الجنــة( ولــم يقــل‬ ‫بإسحق(‪ ،‬فعندما ذكر المؤمنين )ب ّ‬
‫‪53‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ب ِ مأ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫من َمما ِ‬ ‫ر ال ْ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫)بأن لهم الجنة( أما فــي ســورة النســاء )ب َ ّ‬
‫َ‬
‫ن(‬ ‫ذابا ً أِليما ً }‪ .({138‬ففي هذه اليــة أك ّــد بالبــاء فــي )بــأ ّ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫صل العقوبات وعذابات الكافرين والمنافقين في اليــات‬ ‫كد وف ّ‬ ‫لنه أ ّ‬
‫همما‬ ‫َ‬
‫التي تسبقها فالســياق كلــه فــي تأكيــد وتفصــيل للعــذاب )َيا أي ّ َ‬
‫عَلممى‬ ‫ل َ‬ ‫ذي َنممّز َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫وال ْك َِتا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مُنوا ْ ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنوا ْ آ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ف مْر ب ِممالل ّ ِ‬ ‫مممن ي َك ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْم ُ‬ ‫مممن َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ي َأن مَز َ‬ ‫ذ َ‬ ‫ب ال ّم ِ‬ ‫وال ْك َِتا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫َر ُ‬
‫عيدا ً‬ ‫ضل َل ً ب َ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫وُر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫وك ُت ُب ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مل َئ ِك َت ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ف مُروا ث ُ م ّ‬ ‫ْ‬ ‫مك َ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ث ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫مآ َ‬ ‫فُروا ث ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫مك َ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ث ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫}‪ {136‬إ ِ ّ‬
‫بيل }‬ ‫س ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي َ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ول َ ل ِي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فَر ل َ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ه ل ِي َ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م ي َك ُ‬ ‫فرا ً ل ّ ْ‬ ‫دوا ْ ك ُ ْ‬ ‫دا ُ‬ ‫اْز َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ذابا ً أِليما ً }‪ {138‬ال ّ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن ب ِأ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ر ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫‪ {137‬ب َ ّ‬
‫ش‬
‫ن‬ ‫غممو َ‬ ‫ن أ َي َب ْت َ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ممم ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫مممن ُ‬ ‫ول َِيمماء ِ‬ ‫نأ ْ‬
‫َ‬
‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كمما ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خمم ُ‬ ‫ي َت ّ ِ‬
‫ل‬ ‫قمدْ ن َمّز َ‬ ‫و َ‬ ‫ميعما ً }‪َ {139‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عمّزةَ ل ِل ّم ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ف مإ ِ ّ‬ ‫عمّزةَ َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫عندَ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫همما‬ ‫ف مُر ب ِ َ‬ ‫ه ي ُك َ َ‬ ‫ت الل ّم ِ‬ ‫م آي َمما ِ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سم ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫فممي ال ْك ِت َمما ِ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ضمموا ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ث‬ ‫دي ٍ‬ ‫حم ِ‬ ‫فممي َ‬ ‫خو ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫فل َ ت َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫هَزأ ب ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كمما ِ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ع ال ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬ ‫م ِإذا ً ّ‬ ‫ه إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ف مِإن ك َمما َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِك ُم ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َت ََرب ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ميعا ً }‪ { 140‬ال ّ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫كا َ‬ ‫وِإن َ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫كن ّ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫قاُلوا ْ أل َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح ّ‬ ‫فت ْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫قاُلوا ْ أ َ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مم َ‬ ‫عك ُممم ّ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫وذْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب َ‬ ‫صي ٌ‬ ‫نَ ِ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كمما ِ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬ ‫ل الّلمم ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫وَلن ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫فالل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عو َ‬ ‫خاِد ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫سِبيل ً }‪ {141‬إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سمماَلى‬ ‫موا ْ ك ُ َ‬ ‫قمما ُ‬ ‫ة َ‬ ‫صممل َ ِ‬ ‫موا ْ إ َِلممى ال ّ‬ ‫قمما ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫خمماِد ُ‬ ‫و َ‬ ‫همم َ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مذَب ْذَِبي َ‬ ‫قِليل ً }‪ّ {142‬‬ ‫ه إ ِل ّ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫ول َ ي َذْك ُُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫ؤو َ‬ ‫ي َُرآ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّم ُ‬ ‫ض مل ِ ِ‬ ‫مممن ي ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ؤلء َ‬ ‫همم ُ‬ ‫ول َ إ ِل َممى َ‬ ‫ؤلء َ‬ ‫هم ُ‬ ‫ك ل َ إ َِلى َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ذوا ْ‬ ‫من ُمموا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫خم ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّم ِ‬ ‫سِبيل ً }‪َ {143‬يا أي ّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جد َ ل َ ُ‬ ‫فَلن ت َ ِ‬ ‫َ‬
‫عل ُمموا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج َ‬ ‫ن أن ت َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري م ُ‬ ‫ن أت ُ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫مممن ُ‬ ‫ول َِياء ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ك‬ ‫في الدّْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مِبينا ً }‪ {144‬إ ِ ّ‬ ‫طانا ً ّ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫صميرا ً }‪ ({145‬والمنــافقين‬ ‫َ‬
‫م نَ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫جد َ ل َ ُ‬ ‫وَلن ت َ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ْ‬
‫في الدرك السفل من النار‪ .‬أما في ســورة البقــرة فلــم يــأتي بــأي‬
‫تفصيل فهي آية موجزة والسياق في اليات الكلم علــى المــؤمنين‬
‫ن‬ ‫لذا اليجاز اقتضى اليجاز في الحديث وعدم ذكر التوكيد بالباء‪) .‬أ ّ‬
‫لهم الجنة(‬
‫الحذف في القرآن الكريم يتعلق بأمرين ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬في مقام التفصيل واليجاز كما فــي قــوله تعــالى فــي ســورة‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫ذين آ َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬ ‫وب َ ّ‬ ‫البقرة ) َ‬
‫ة ّرْزقمما ً‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫َ‬
‫مممَر ٍ‬ ‫من ث َ َ‬ ‫ها ِ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ز ُ‬ ‫ما ُر ِ‬ ‫هاُر ك ُل ّ َ‬ ‫ها الن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪54‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫هم ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫شمماِبها ً َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫وأت ُمموا ْ ب ِم ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫من َ‬ ‫قَنا ِ‬ ‫ز ْ‬ ‫ذي ُر ِ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫هم َ‬ ‫قاُلوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن }‪({25‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫هَرةٌ َ‬ ‫مطَ ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ها أْز َ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن الل ّم ِ‬
‫ه‬ ‫مم َ‬ ‫هممم ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن ب ِمأ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ر ال ْ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫وب َ ّ‬ ‫وفي سورة الحــزاب‪َ ) :‬‬
‫ضل ً ك َِبيرا ً }‪ .({47‬ذكرت الباء مع المــؤمنين فــي حيــن حــذفت‬ ‫ف ْ‬ ‫َ‬
‫في آية سورة البقرة‪.‬‬
‫آية سورة البقرة هي آية مفردة في المؤمنين لم يسبقها أو يليها ما‬
‫يتعّلــق بــالمؤمنين ‪ ،‬أمــا آيــة ســورة الحــزاب فســياقها فــي ذكــر‬
‫المؤمنين )يا أيها الذين آمنوا( إلــى قــوله تعــالى )وبشــر المــؤمنين(‬
‫فاقتضى السياق والتفضيل ذكر الباء في آية سورة الحزاب‪.‬‬
‫ميث َمماقَ ب َن ِممي‬ ‫خذَْنا ِ‬ ‫وإ ِذْ أ َ َ‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى في سورة البقــرة ) َ‬
‫وِذي‬ ‫سممانا ً َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫واِلممدَي ْ ِ‬ ‫وِبال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إ ِل ّ الّلمم َ‬ ‫دو َ‬ ‫عُبمم ُ‬ ‫ل ل َ تَ ْ‬ ‫سممَراِئي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫سممنا ً‬ ‫ح ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ْ‬ ‫و ُ ُ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫وال ْي ََتمما َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قولمموا ِللّنمما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كي ِ‬ ‫سمما ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َ‬ ‫قْرَبممى َ‬
‫م‬ ‫منك ُم ْ‬ ‫قِليل ً ّ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ول ّي ْت ُ ْ‬ ‫م ت َم َ‬ ‫وآت ُمموا ْ الّزك َمماةَ ث ُم ّ‬ ‫صمل َةَ َ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫وأ َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ ({83‬ذكرت الباء مع )بالوالدين( وحــذفت مــع‬ ‫َ‬
‫ضو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وأنُتم ّ‬ ‫َ‬
‫ول َ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّم َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫كلمــة )ذي القربــى( أمــا فــي ســورة النســاء ) َ‬
‫قْرَبممى‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫وِبمم ِ‬ ‫سممانا ً َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫واِلممدَي ْ ِ‬ ‫وِبال ْ َ‬ ‫شممْيئا ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫كوا ْ ِبمم ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫شمم ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫ب‬ ‫جن ُم ِ‬ ‫ر ال ْ ُ‬ ‫جمما ِ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫قْرب َممى َ‬ ‫ر ِذي ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫جمما‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫كي‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫مى َ‬ ‫وال ْي ََتا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مممان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫ملك َم ْ‬ ‫ممما َ‬ ‫و َ‬ ‫ل َ‬ ‫س مِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫واب ْم ِ‬ ‫ب َ‬ ‫جن ِ‬ ‫ب ِبال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫خورا ً }‪ ({36‬فقــد ذكــرت البــاء‬ ‫ف ُ‬ ‫خَتال ً َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫مع الوالدين ومع ذي القربى‪ .‬وذلك لن السياق فــي ســورة النســاء‬
‫والكلم عن القرابات من أول السورة إلى آخرها وليس فقــط فــي‬
‫الية التي بين أيدينا‪ .‬إذن ذكر الباء مع ذي القربى في هذه الية من‬
‫سورة النساء كان لمراعاة التفضيل والتوكيــد‪ .‬أمــا فــي آيــة ســورة‬
‫البقرة فليس السياق في القرابات فحذفت الباء فــي )ذي القربــى(‬
‫مراعاة لليجاز‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫مممن‬ ‫ل ّ‬ ‫سم ٌ‬ ‫ب ُر ُ‬ ‫ق مدْ ك ُمذّ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫فِإن ك َمذُّبو َ‬ ‫في ســورة آل عمــران ) َ‬
‫ر }‪ ({184‬حــذف‬ ‫مِني ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫وال ْك َِتا ِ‬ ‫ر َ‬ ‫والّزب ُ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ؤوا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫جآ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫قب ْل ِ َ‬ ‫َ‬
‫وِإن‬ ‫الباء مع كلمة )الزبر( وكلمة )الكتاب( أمــا فــي سـورة فــاطر ) َ‬
‫هم‬ ‫سمل ُ ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫جمماءت ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫مممن َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّم ِ‬ ‫قمدْ ك َمذّ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫ي ُك َمذُّبو َ‬
‫ر }‪ ({25‬ذكر الباء مع كلمــتي‬ ‫مِني ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫وِبال ْك َِتا ِ‬ ‫ر َ‬ ‫وِبالّزب ُ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫الزبر والكتاب‪ .‬المقام فــي ســورة فــاطر مقــام التوكيــد والتفصــيل‬
‫بخلف مــا ورد فــي ســورة آل عمــران‪ ،‬والكلم فــي ســورة فــاطر‬
‫زُر‬ ‫وَل ت َ ِ‬ ‫للتوكيــد والتفصــيل فــي مقــام النــذار والــدعوة والتبليــغ ) َ‬
‫ه‬‫من ْم ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ها َل ي ُ ْ‬ ‫مل ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ة إ َِلى ِ‬ ‫قل َ ٌ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫وِإن ت َدْ ُ‬ ‫خَرى َ‬ ‫وْزَر أ ُ ْ‬ ‫زَرةٌ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫‪55‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫هممم‬ ‫ن َرب ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫شم ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ذُر ال ّم ِ‬ ‫ممما ُتن م ِ‬ ‫قْرَبى إ ِن ّ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫يء ٌ َ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫سم ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ممما ي َت ََزك ّممى ل ِن َ ْ‬ ‫فإ ِن ّ َ‬ ‫كى َ‬ ‫من ت ََز ّ‬ ‫و َ‬ ‫صَلةَ َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قا ُ‬ ‫وأ َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ِبال َ‬
‫َ‬
‫ذيٌر }‬ ‫ت إ ِّل ن َ ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫صيُر }‪ ({18‬إلى قوله تعالى )إ ِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫وإ َِلى الل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ة إ ِّل خلَ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ٍ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫وِإن ّ‬ ‫ذيرا َ‬ ‫ون َ ِ‬‫شيرا َ‬ ‫ق بَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫سلَناك ِبال َ‬ ‫‪ {23‬إ ِّنا أْر َ‬
‫ذيٌر }‪ ({24‬فالســياق إذن فــي النــذار والــدعوة والتبليــغ‬ ‫همما ن َم ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ويســتمر الســياق فــي الكلم عــن الــذين يســتجيبون والــذين ل‬
‫يستجيبون وأن هذه الكتب التي ذكرت فـي اليـة هـي كتـب النــذار‬
‫)الزبر‪ ،‬الكتاب المبين‪ ،‬البينات(‪ .‬أمــا فــي ســورة آل عمــران فاليــة‬
‫د‬
‫هم َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫قمماُلوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعقيب على محادثة تاريخية معينــة )ال ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ى ي َأ ْت ِي ََنا ب ِ ُ‬ ‫إ ِل َي َْنا أ َل ّ ن ُ ْ‬
‫ل‬ ‫قمم ْ‬ ‫ه الّنمماُر ُ‬ ‫ن ت َأك ُل ُ ُ‬ ‫قْرَبا ٍ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن ل َِر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ؤ ِ‬
‫م‬ ‫فل ِم َ‬ ‫م َ‬ ‫قل ْت ُم ْ‬ ‫ذي ُ‬ ‫وِبال ّم ِ‬ ‫ت َ‬ ‫قب ْل ِممي ِبال ْب َي ّن َمما ِ‬ ‫مممن َ‬ ‫ل ّ‬ ‫س ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ ({183‬فالمقام هنا مقام حادثــة‬ ‫قي َ‬ ‫صاِد ِ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫قت َل ْت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫معينة وليس في سياق اليات فاختلف المر هنا ولهذا حــذفت البــاء‬
‫لنه مناسب لليجاز‪.‬‬
‫سورة فاطر فيها مقام التوكيد ومقام التفصيل‪:‬‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫قدْ ك َذّ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫وِإن ي ُك َذُّبو َ‬ ‫مقام التوكيد في سورة فاطر ‪َ ) :‬‬
‫ب‬ ‫وِبال ْك ِت َمما ِ‬ ‫ر َ‬ ‫وب ِممالّزب ُ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫هم ِبال ْب َي ّن َمما ِ‬ ‫سمل ُ ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫جمماءت ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ِ‬
‫ر }‪ ({25‬وجاء بصيغة الفعل المضارع في )يكــذبوك( للدللــة‬ ‫مِني ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫على الســتمرارية وفيــه التصــديق والتكــذيب مســتمران )هــو فعــل‬
‫شرط مضارع( أما في ســورة آل عمــران فقــد جــاء الفعــل ماضــيا ً‬
‫ت‬ ‫ؤوا ِبال ْب َي َّنما ِ‬ ‫جمآ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫قب ِْلم َ‬ ‫ممن َ‬ ‫ل ّ‬ ‫سم ٌ‬ ‫ب ُر ُ‬ ‫قدْ ك ُذّ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫فِإن ك َذُّبو َ‬ ‫) َ‬
‫ر }‪ ({184‬وهــذه قاعــدة فــي القــرآن إذا‬ ‫مِني ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫وال ْك َِتا ِ‬ ‫ر َ‬ ‫والّزب ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ل علــى اســتمرارية الحــدث وإذا كــان‬ ‫كان فعل الشــرط مضــارعا ً د ّ‬
‫ل على الحدوث مرة واحدة‪.‬‬ ‫فعل الشرط ماضيا ً فهو يد ّ‬
‫ب‬ ‫قمدْ ك َمذّ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫وِإن ي ُك َذُّبو َ‬ ‫وذكر تــاء التــأنيث فــي ســورة فــاطر ) َ‬
‫ر‬ ‫وِبممالّزب ُ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫هم ِبال ْب َي َّنمما ِ‬ ‫سممل ُ ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫جمماءت ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫همم ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫مممن َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫اّلمم ِ‬
‫ر }‪ ({25‬يفيــد التوكيــد أيض ـا ً أمــا فــي ســورة آل‬ ‫مِني ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫وِبال ْك َِتا ِ‬ ‫َ‬
‫عمران فجاءت الية )( والتذكير يــدل علــى الكــثرة كمــا فــي قــوله‬
‫تعــالى )وقــال نســوة فــي المدينــة( فعــل يــدل علــى القل ّــة بصــيغة‬
‫التذكير‪ .‬وكذلك قوله تعالى‪) :‬قالت العراب آمنا( دللة على الكثرة‬
‫فجــاء الفعــل مؤنثـا ً بتــاء التــأنيث‪ .‬وعليــه ففــي ســورة فــاطر اليــة‬
‫)جاءتهم رسلهم( تدل على كثرة الرسل في سورة فــاطر أمــا فــي‬
‫سورة آل عمران فالتذكير يفيد أن الحادثة وقعت مرة واحدة‪.‬‬
‫مقام التخصيص فممي سممورة فمماطر‪ :‬فــي ســورة آل عمــران‬
‫ذب رسل( في حين في سورة فــاطر ذكــر‬ ‫الفعل مبني للمجهول )ك ُ ّ‬
‫‪56‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫الفاعل )كــذب الــذين مــن قبلهــم( وقــال تعــالى فــي ســورة فــاطر‬
‫)جاءتهم رسلهم( بذكر الفاعل الظــاهر أمــا فــي ســورة آل عمــران‬
‫فقال تعالى )جاءوا( بدون ذكر الفاعل الظاهر‪.‬‬
‫إذن ذكر الباء مع كل معطوف فـي سـورة فــاطر وحـذف البــاء مــع‬
‫المعطوف في سورة آل عمران وكــل مــا ســبق ذكــره فــي ســورة‬
‫فاطر وآل عمران يقتضي ذكر الباء فــي آيــة ســورة فــاطر وحــذفها‬
‫في آية سورة آل عمران‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قاُلوا ْ َتالله ت َ ْ‬
‫ف‬ ‫سم َ‬ ‫فت َمأ ت َمذْك ُُر ُيو ُ‬ ‫قال تعالى في سورة يوسف‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ن }‪ .({85‬من الناحيــة‬ ‫كي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫هال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫حَرضا ً أ ْ‬
‫و تَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حّتى ت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫َ‬
‫اللغوية معناها تالله ل تفتأ‪ ،‬إذا كان جواب القسم فعل مضارع ل بــد‬
‫ن(أو مع اللم إذا اقتضى حذف‬ ‫أن يكون باللم مع النون )تالله لكيد ّ‬
‫النون‪ .‬ل بد في جواب القسم المثّبت أن ُتذكر اللم سواء مع النون‬
‫ل على النفي‪ .‬إذن ل يكــون مثبتــا ً‬ ‫أو بدونها‪ .‬وعندما ل تذكر اللم يد ّ‬
‫إل بذكر اللم مع الفعل المضارع‪ .‬فــإذا قلنــا )واللــه أذهــب( معناهــا‬
‫والله ل أذهب‪ .‬إذا جاء جواب القسم فعل ً مضارعا ً ولم يقترن باللم‬
‫فهو نفي قطعًا‪.‬‬
‫نعود إلى آية سورة يوسف )تالله تفتأ تذكر يوسف( ومعناها ل تفتأ ‪،‬‬
‫هي الية الوحيدة التي وقعت في جــواب القســم منفي ّــة ولــم يــذكر‬
‫اللم معها‪ ،‬في عموم القرآن عندما يكون القسم منفيا ً يــأتي بــاللم‬
‫)وأقسموا بالله جهد أيمانهم ‪..‬ل يبعث(‪ .‬هناك خياران‪ :‬ذكــر اللم أو‬
‫حذف اللم‪ .‬فلماذا حذف اللم في آية سورة يوسف ولم يقل )تالله‬
‫ل‬‫علــم معنــاه هــو أقـ ّ‬ ‫ل تفتأ( الذكر يفيــد التوكيــد والحــذف فــي مــا ُ‬
‫توكيدًا‪ .‬وفــي اليـة اسـتخدم كلمـة )حرضـًا( ومعناهــا الـذي يمــرض‬
‫مرضا ً شديدا ً ويهلك‪ .‬ومعنى الية أن إخوة يوسف أقسموا أن أباهم‬
‫ل يذكر ابنه يوسف حتى يهلك أو تفسد صحته‪ .‬لكــن هــل هــذا‬ ‫سيظ ّ‬
‫مقام توكيد؟ وهل يمكن أن يقسم أحد على هذا المــر المســتقبل؟‬
‫طبعا ً هذا ليس بمقدورهم ول يعلمون مــاذا ســيحدث فيمــا بعــد لــذا‬
‫ل‪ .‬القسم هنا غيــر واقــع حقيقــة وغيــر‬ ‫فالمقام ليس مقام توكيد أص ً‬
‫متيقن لذلك وجب حذف حرف النفي )ل( مع أنه معلوم بالدللة‪.‬‬
‫إذن لماذا اختار )تفتأ(؟ تفتأ من فعل فتأ بمعنى ل تزال ول تــبرح ول‬
‫تنفك ول تفتأ وكلها تفيد الستمرار والـدوام‪.‬إذن لمـاذا اختـار )تفتـأ(‬
‫مع العلم أن القرآن استخدم ل أبــرح فــي مواقــع كــثيرة؟ بــرح مــن‬
‫المغادرة ويوال من الستمرارية أما تفتأ فهي تختلف بدللــة خاصــة‬
‫كن وبمعنى نسي وبمعنى أطفأ النار‪ ،‬وقد اختار‬ ‫فهي تأتي بمعنى س ّ‬
‫‪57‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫تعالى كلمة )تفتأ( لن المعنى المطلــوب يحتمــل كــل معــاني كلمــة‬
‫تفتأ‪ :‬نار الحرقة ل تنطفيء في قلب يعقوب ‪ ‬ثم معنــى ل تنســى‬
‫مع مرور الزمن كما يحدث لي مبتلــى فــي مصــيبة فــالزمن ُينســي‬
‫كن‬ ‫المصائب أي ل تنسى ذكر يوسف ول تــزال تــذكره‪ ،‬وبمعنــى سـ ّ‬
‫أي أنت لن تسكن ولن تكف عن ذكره لذا اختار تعالى هذه الكلمــة‬
‫)تفتأ( دون أخواتها لنها أنسب فعل يجمع المعاني الثلثة المقصودة‬
‫وإضافة إلى ذلــك حــذف حــرف النفــي الــذي ل يــدل علــى التوكيــد‬
‫فالكلم في الية غير متيقن‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫َ‬
‫ممما‬‫ن َ‬ ‫عممو َ‬ ‫م ل َ ي ُت ْب ِ ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وال َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن ُين ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫)ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ول َ أ َ ً‬ ‫َأن َ‬
‫ف‬ ‫و ٌ‬ ‫خم ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫عن مدَ َرب ّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫هم ْ‬‫جُر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫هم ْ‬ ‫ذى ل ّ ُ‬ ‫من ّ ما ً َ‬‫قمموا ُ َ‬ ‫ف ُ‬
‫ن }‪ ({262‬ســورة البقــرة‪ ،‬حــذف الفــاء‬ ‫حَزن ُممو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫)لهم(‬
‫َ‬
‫عل َن ِي َم ً‬
‫ة‬ ‫و َ‬ ‫س مّرا ً َ‬ ‫ر ِ‬ ‫همما ِ‬‫والن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫هم ِبالل ّي ْم ِ‬ ‫وال َ ُ‬ ‫مم َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قممو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن ُين ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫)ال ّم ِ‬
‫ف َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫حَزُنممو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬ ‫خ ْ‬‫ول َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عندَ َرب ّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫فل َ ُ‬ ‫َ‬
‫}‪ ({274‬سورة البقرة ذكر الفاء في كلمة )فلهم(‬
‫الية الولى حذفت فيهــا الفــاء )لهــم أجرهــم( والثانيــة ذكــرت فيهــا‬
‫الفاء )فلهم أجرهم( وقد ذكرت في الية الثانية لن السياق يقتضي‬
‫الذكر‪ .‬وذكر الفاء هنا يسمى تشبيه والتشــبيه مــن أغراضــه التوكيـد‬
‫)بالليل والنهار سرا ً وعلنية( فيها توكيد وتفصيل في النفاق ودللــة‬
‫على الخلص فاقتضى السياق زيــادة التوكيــد لــذا جــاء بالفــاء فــي‬
‫مقام التوكيد والتفصيل‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬

‫الفاصلة القرآنية من حيث المعنى‬

‫ل يراد بالفاصلة القرآنية مراعاة الحروف وإنمــا يــراد المعنــى قبــل‬


‫ذلــك ويلتقــي الحــرف بالمشــابهة اللفظيــة مــع المعنــى‪ .‬وأحيان ـا ً ل‬
‫يراعي القرآن الكريم الفاصلة بل قد تأتي مغايرة عن غيرهــا وهــذا‬
‫دليل على أن المقصود بالدرجة الولى هو المعنى‪.‬‬
‫ه‬ ‫في سورة طه مثل‪ :‬تــأتي اليــة ) َ َ‬
‫جن ُمموِد ِ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫عم ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫فأت ْب َ َ‬
‫م }‪ ({78‬مغايرة للفاصلة القرآنية‬ ‫ه ْ‬ ‫شي َ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْي َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫هم ّ‬ ‫شي َ ُ‬‫غ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫في باقي آيات السورة )تزكى‪ ،‬يخشــى‪ ،‬هــدى( لن المقصــود الول‬
‫مممن‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عُبمم ُ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫ل أَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫هو المعنى‪ .‬وكذلك في سورة النبياء الية ) َ‬
‫م }‪ ({66‬مغــايرة‬ ‫ض مّرك ُ ْ‬ ‫وَل ي َ ُ‬ ‫ش مْيئا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُم ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ممما َل َين َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّم ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ُ‬
‫لباقي آيات السورة )يشهدون‪ ،‬ينطقون‪ ،‬تعقلون( وليس لها ارتبــاط‬
‫بما قبلها وبعدها‪.‬‬
‫َ‬
‫حمموَر }‬ ‫ن أن ّلن ي َ ُ‬ ‫ه ظَ ّ‬ ‫ومثال آخر في سورة النشقاق الية )إ ِن ّ ُ‬
‫‪ ({14‬فلو قال )يحورا( لتغّير المعنى وفي هذا دللة على أن القرآن‬
‫يراعي المعنى قبل مراعاة الناحية اللفظية‪.‬‬
‫كيل ً‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫فى ِبممالل ّ ِ‬ ‫وك َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وك ّ ْ‬ ‫وت َ َ‬ ‫في أول سورة الحزاب ) َ‬
‫ل‬ ‫عم َ‬ ‫ج َ‬ ‫ممما َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ِ‬ ‫و ِ‬ ‫جم ْ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫قل ْب َي ْ‬ ‫من َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ه ل َِر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما َ‬ ‫}‪ّ {3‬‬
‫ُ‬ ‫م الّلِئي ت ُ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫عمم َ‬ ‫ج َ‬ ‫ممما َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫هممات ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫همم ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫هُرو َ‬ ‫ظمما ِ‬ ‫كمم ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫وا َ‬ ‫أْز َ‬
‫ل‬ ‫قممو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫والل ّم ُ‬ ‫م َ‬ ‫هك ُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫كم ِبمأ َ ْ‬ ‫ول ُ ُ‬ ‫قم ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ذَل ِك ُم ْ‬ ‫م أب ْن َمماءك ُ ْ‬
‫عيمماءك ُ َ‬
‫ْ‬ ‫أدْ ِ َ‬
‫َ‬
‫ط‬ ‫س ُ‬ ‫ق َ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ِلَبائ ِ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫عو ُ‬ ‫ل }‪ {4‬ادْ ُ‬ ‫سِبي َ‬ ‫دي ال ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫و يَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬
‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن‬ ‫دي ِ‬ ‫فمي الم ّ‬ ‫م ِ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫فمإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مموا آَبماء ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫فمِإن ّلم ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عندَ الّلم ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ممما‬ ‫ول َك ِممن ّ‬ ‫ه َ‬ ‫خطَ مأُتم ب ِم ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫في َ‬ ‫ح ِ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ول َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫واِليك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫حيما }‪ ({5‬جــاءت كلمــة‬ ‫ً‬ ‫فورا ّر ِ‬ ‫ً‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫وكا َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫قلوب ُك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫مد َ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫تَ َ‬
‫)السبيل( في آخر الية ‪ 4‬بينما جاء مــا قبلهــا وبعــدها بــاللف‪ ،‬وفــي‬
‫ن‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ر يَ ُ‬ ‫في الّنا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جو ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫و َ‬ ‫أواخر سورة الحزاب )ي َ ْ‬
‫قاُلوا َرب ّن َمما إ ِن ّمما‬ ‫يا ل َيت ََنا أ َطَعَنا الل ّه َ‬
‫و َ‬ ‫سوَل }‪َ {66‬‬ ‫عَنا الّر ُ‬ ‫وأطَ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سِبيَل }‪ ({67‬جــاءت كلمــة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضّلوَنا ال ّ‬ ‫فأ َ‬ ‫وك ُب ََراءَنا َ‬ ‫سادَت ََنا َ‬ ‫عَنا َ‬ ‫أط َ ْ‬
‫السبيل باللف‪ ،‬والكلم في هذه اليات عن هؤلء في النار ويمــدون‬
‫أصواتهم في النار و)الرسول( باللف هو صوت الباكي أمــا فــي أول‬
‫‪59‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫السورة فبليس هناك عذاب فجاءت على حالهــا )الســبيل( وليســت‬
‫السبيل‪ ،‬تصور الحالة الطبيعية من اصــطراخ فجــاءت اللــف تعــبيرا ً‬
‫عن حالهم وهم يصطرخون في النار في كلمة )الرسول( في أواخر‬
‫السورة‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫)وتظنون بــالله الظنونــا( تســمى اللــف فــي النحــو )ألــف الطلق(‬
‫كلمة ظنون إذا انتهت بساكن يسمى مقّيد‪ .‬الظنونـا كـثير ومتشـعبة‬
‫واختلفوا وتشابكوا فاختلفت الظنون ولذا جاءت بالطلق )الظنونــا(‬
‫وجب استخدام اللف لطلق الظنون‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫م‬ ‫ها ُ‬ ‫قو ُ‬‫في َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ُ‬ ‫في سورة الحاّقة ) َ َ‬
‫ؤ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫مين ِ ِ‬‫ه ب ِي َ ِ‬
‫ي ك َِتاب َ ُ‬
‫ن أوت ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ما َ‬
‫فأ ّ‬
‫ه }‪ ({19‬من الناحية اللغوية هناك قاعدة الــتي فيهــا‬ ‫ؤوا ك َِتاِبي ْ‬‫قَر ُ‬‫ا ْ‬
‫كن‬ ‫ياء المتكلم يجوز فيها الفتح والسـكون )كتـابي وكتـابيه( مـن سـ ّ‬
‫الياء يقول )كتابي( ومن فتح الياء يقول )كتابيه(‪.‬‬
‫الفاصــلة القرآنيــة مــن حيــث المعنــى )مــاليه‪ ،‬حســابيه‪ ،‬كتــابيه‪،‬‬
‫سلطانيه( لماذا جاءت الهاء ؟ هذا الكلم يقال في يوم الحشر وهــو‬
‫يوم ثقيــل كمــا أخبرنــا ســبحانه وتعــالى ووصــفه بيــوم عســير وأنــه‬
‫عبوس قمطرير والناس في ذلك اليوم يبقــون خمســين ألــف ســنة‬
‫في هذه الشــدة حــتى يفزعــون إلــى النبيــاء‪ .‬والهــاء أشــبه بالنهــاة‬
‫)المتعبين( تصــور المشــهد الــذي هــم فيــه جميعـا ً مــن تعــب وعنــاء‬
‫فاختارها سبحانه لمراعاة الموقف الذي هم فيــه كمــا اختــار اللــف‬
‫فــي البكــاء ســابقًا‪ .‬إذن اســتخدام حــرف الهــاء فــي فواصــل هــذه‬
‫السورة يدل على التعب والعناء واللم والهاء مأخوذة من اله‪.‬‬
‫الفاصلة القرآنية مــن حيــث المحــور النفســي‪ :‬قــال تعــالى )وأضــل‬
‫فرعون قومه وما هدى( سورة طه‪ .‬قال النحاة أنها جــاءت مراعــاة‬
‫للفاصلة‪ ،‬ولكن كان من الممكن قــول )ومــا هــداهم( لكــن فرعــون‬
‫ل قومه لنه غّيبهم في البحر إذن هو أضــلهم ومــا هــداهم‪) .‬ومــا‬ ‫أض ّ‬
‫هداهم( تحتمل أن يكون قد هدى غيره قــومه أمــا )مــا هــدى( ففيــه‬
‫إطلق نفي الهداية بمعنى أنه لم يهدي قــومه ول غيرهــم ولــم يكــن‬
‫أبدا ً سببا ً في هداية أحــد‪ .‬ولــذا جــاء اختيــار الكلمــة المناســبة لليــة‬
‫بدون مراعــاة الفاصــلة فــي بــاقي آيــات الســورة لن المعنــى أهــم‬
‫دم على الفاصلة‪.‬‬ ‫وُيق ّ‬
‫دعك ربك وما قلــى(‪ :‬نفــى‬ ‫مثال آخر في سورة الضحى‪) :‬ما و ّ‬
‫تعــالى فــي هــذه اليــة شــيئين‪ :‬نفــي التوديــع وهــو ل يكــون إل بيــن‬
‫الحباب والصحاب‪ ،‬ونفى القلى الذي ل يكون إل للمتباغضين‪ .‬وقــد‬
‫‪60‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫يسأل البعض لم لم يقل تعــالى )ومــا قلك( كمــا قــال )مــا ودعــك(‬
‫والحقيقة أنه في المر المحبوب نفى الله تعالى بقوله )مــا ودعــك(‬
‫باستخدام ضمير المخاطب لنه الرســول ‪ ‬وفيــه تكريــم لــه بــذكر‬
‫حرف المخاطب أما في قوله )وما قلى( فل يصح اســتخدام )قلــى(‬
‫بيــن المحــبين وقــد كــّرم تعــالى رســوله ‪ ‬عــن أن يكــون مــن‬
‫المبغوضين فلم يقل )ومــا قلك( حــتى ل يكــون الخطــاب مباشــرة‬
‫للرسول ‪ ‬من ربه الــذي يحبــه ول يقليــه واســتخدام فعــل قلــى ل‬
‫يليق أن ينسب للرسول ‪ .‬فجاء التكريم في هــذه اليــة مــن اللــه‬
‫تعالى لرسوله في ذكر المفعـول بـه بــ )مـا ودعـك( وتكريـم بعـدم‬
‫ذكره بـ )ما قلى( فكّرمه بالذكر وبالحذف‪.‬‬
‫كذلك في سورة المــدّثر ل يمكــن أن تكــون الفاصــلة منفصــلة عــن‬
‫المعنى فلو اقتضى المعنى ترك الفاصلة تركهــا فــالمعنى يــأتي أول ً‬
‫في عموم القرآن وتلتقي الفاصلة مع المعنى‪.‬‬
‫وقد تكون الفاصلة والمعنى غير منتهي‪ .‬ليست الفواصل هي دائمــا ً‬
‫تامة المعنى فقد تكون متعلقة بما قبلها أوما بعدها‪ .‬كمــا فــي قــوله‬
‫تعالى في سورة العلق )أرأيت الذي ينهى * عبــدا ً إذا ص ـّلى( وقــال‬
‫متان( اليــات ليســت وحــدات‬ ‫تعــالى فــي ســورة الرحمــن )مــدها ّ‬
‫مستقلة المعنى قد تكون تامة وقد تكون متعلقة بما قبلها أو بعدها‪.‬‬
‫ب‬ ‫من ّمما ب ِمَر ّ‬‫قمماُلوا آ َ‬‫جدا ً َ‬ ‫س ّ‬
‫حَرةُ ُ‬‫س َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫فأ ُل ْ ِ‬
‫ق َ‬ ‫في سورة طه الية ) َ‬
‫ب‬ ‫سممى }‪ ({70‬وفــي ســورة الشــعراء اليــة )َر ّ‬ ‫مو َ‬
‫و ُ‬‫ن َ‬ ‫همماُرو َ‬
‫َ‬
‫ن }‪ ({48‬لماذا التقديم والتأخير وهل هو للفاصــلة‬ ‫هاُرو َ‬‫و َ‬‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫القرآنية؟‬
‫تكرر ذكر هـارون كـثيرا ً فـي سـورة طـه )أربـع مـرات(‪ ،‬والخطـاب‬
‫موجه إلى موسى وهارون دائما ً إذن القصة فــي ســورة طــه مبنيــة‬
‫على الثنائية‪ ،‬وفي سورة طه أيضا ً أدرك موســى الضــعف البشــري‬
‫سى‬ ‫خي َ‬ ‫في ن َ ْ‬ ‫كما أدرك أبو البشر آدم ‪َ َ ) ‬‬
‫مو َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ف ً‬ ‫ه ِ‬‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫س ِ‬
‫ج َ‬ ‫و َ‬‫فأ ْ‬
‫}‪ ({67‬ولم يذكر الخيفة لهارون أما في ســورة الشــعراء فقــد ورد‬
‫ذكر هارون مرتين فقــط والخطــاب فــي السـورة كـان موجهـا ً إلــى‬
‫موسى وحده في كل السورة فهي مبنية على الوحــدة فــي الغــالب‬
‫وقد أورد تعالى في سورة الشعراء عناصر القوة فــي موســى ولــم‬
‫يذكر عناصر الضعف ولهذا السبب اختلف السياق واقتضى التقــديم‬
‫والتأخير كما جاء في آيات كل من السورتين‪ .‬وهناك أمــر آخــر فــي‬
‫سورة طه )طه( فيها حرف من حروف هــارون وليــس فيهــا حــرف‬
‫من حروف موسى )وكل سورة تبدأ بالطاء تحوي قصــة موســى‪(‬‬

‫‪61‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫أما سورة الشعراء )طسم( ففيها حرفين من حروف موسى وليس‬
‫فيها حرف من حروف هارون‪.‬‬

‫موضوع التشابه والختلف في القرآن‬


‫الكريم‬

‫قد يتغير في اليــة كلمــة مــن ســياق إلــى ســياق ومــن ســورة إلــى‬
‫سورة‪ .‬وردت قصة ســيدنا موسـى فـي سـور متعــددة فــي القــرآن‬
‫الكريم وبين قصة موسى ‪ ‬في سورة البقرة وقصــته فــي ســورة‬
‫العراف تشابه واختلف في اللفــاظ كمــا هــو حاصــل فــي كلمــتي‬
‫)انفجرت( و)انبجست(‪ .‬فقد يحصل اختلف في التعــبير أحيان ـا ً فــي‬
‫مكان عن مكان أو في قصة عن قصة فلماذا الختلف؟‬
‫الحقيقــة أنـه ليــس فــي القــرآن الكريــم اختلف فــي القصــة وإنمــا‬
‫يختلف التعبير عن مشهد من مشاهد القصة بين سورة وسورة لن‬
‫كل سورة تأتي بجزئية من القصة نفسها تتناسب وسياق اليات في‬
‫السورة التي تذكر فيها‪ .‬فالمشـاهد ملهـا وقعـت للقصـة نفســها ول‬
‫تختلف في الفحــوى والحقيقــة‪ .‬ولعــل مــن أبــرز المثلــة علــى هــذا‬
‫التشابه والختلف ما جاء في سورتي البقـرة والعـراف فـي قصـة‬
‫موسى ‪ ‬مع بني إسرائيل‪.‬‬
‫رب‬ ‫ضم ِ‬‫قل ْن َمما ا ْ‬ ‫ف ُ‬‫ه َ‬ ‫م ِ‬‫و ِ‬
‫قم ْ‬‫سى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قى ُ‬ ‫س َ‬‫ست َ ْ‬‫وإ ِِذ ا ْ‬‫سورة البقرة‪َ ) :‬‬
‫م كُ ّ‬
‫ل‬ ‫عل ِ َ‬‫قد ْ َ‬ ‫عْينا ً َ‬
‫شَرةَ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ه اث ْن ََتا َ‬‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫جَر ْ‬ ‫ف َ‬‫فان َ‬ ‫جَر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫صا َ‬
‫ع َ‬ ‫بّ َ‬
‫وا ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫فممي‬ ‫ول َ ت َ ْ‬
‫عث َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ق الل ّ ِ‬‫من ّرْز ِ‬ ‫شَرُبوا ْ ِ‬ ‫وا ْ‬‫م ك ُُلوا ْ َ‬ ‫ه ْ‬‫شَرب َ ُ‬ ‫م ْ‬‫س ّ‬‫أَنا َ ٍ‬
‫ن }‪({60‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫ض ُ‬ ‫الْر ِ‬
‫‪62‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫مم ما ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س مَباطا ً أ َ‬ ‫ش مَرةَ أ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ْ‬ ‫م اث ْن َت َم‬ ‫ه ُ‬ ‫عَنا ُ‬ ‫قطّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫سورة العــراف‪َ ) :‬‬
‫قوم َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫صمما َ‬ ‫ع َ‬ ‫رب ب ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض‬ ‫نا ْ‬ ‫هأ ِ‬ ‫قاهُ َ ْ ُ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫سى إ ِِذ ا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حي َْنا إ َِلى ُ‬ ‫و َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ُ‬ ‫م كم ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ع ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل أن َمما ٍ‬ ‫عل ِ َ‬ ‫عْينا قدْ َ‬
‫َ‬
‫شَرةَ َ‬ ‫ه اثن ََتا َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ج َ‬ ‫جَر فانب َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ال َ‬
‫ن‬ ‫مم ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هم ُ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫وأنَزل ْن َمما َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ممما َ‬ ‫غ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هم ُ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫وظَل ّل ْن َمما َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ش مَرب َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫كن‬ ‫ولم ِ‬ ‫َ‬ ‫موَنا َ‬ ‫َ‬
‫ما ظل ُ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫ت َ‬ ‫من طي َّبا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وى ك ُلوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ْ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن }‪.({160‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظْل ِ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫كاُنوا ْ أن ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫م ِ‬ ‫و ِ‬ ‫قم ْ‬ ‫سممى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قى ُ‬ ‫س َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وإ ِِذ ا ْ‬ ‫فقد جــاء فــي ســورة البقــرة ) َ‬
‫ة‬
‫ش مَر َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ه اث ْن َت َمما َ‬ ‫من ْم ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫جَر ْ‬ ‫ف َ‬ ‫فممان َ‬ ‫ج مَر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ع َ‬ ‫رب ب ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض‬‫قل َْنا ا ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ق‬ ‫مممن ّرْز ِ‬ ‫ش مَرُبوا ْ ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫م ك ُل ُمموا ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫شَرب َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ل أَنا َ ٍ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫عل ِ َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫عْينا ً َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ ({60‬وجــاء فــي ســورة‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ِ‬ ‫في الْر‬ ‫وا ْ ِ‬ ‫عث َ ْ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫شرةَ أ َس مباطا ً أ ُمم ما ً َ‬
‫حي ْن َمما‬ ‫و َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ع ْ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ْ‬ ‫م اث ْن َت َ‬ ‫ه ُ‬ ‫عَنا ُ‬ ‫قطّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫العراف ) َ‬
‫َ‬
‫جمَر‬ ‫ح َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫صمما َ‬ ‫ع َ‬ ‫رب ب ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ضم‬ ‫نا ْ‬ ‫هأ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬‫قاهُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫سى إ ِِذ ا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫إ َِلى ُ‬
‫س‬ ‫عِلممم ك ُم ّ ُ‬ ‫عْينمما ً َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ه اث ْن َت َمما َ‬ ‫َ‬
‫ل أن َمما ٍ‬ ‫ق مد ْ َ َ‬
‫َ‬
‫ش مَرةَ َ‬ ‫من ْ م ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫سم ْ‬ ‫ج َ‬ ‫فانب َ َ‬
‫ن‬ ‫مم ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هم ُ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫وأنَزل ْن َمما َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ممما َ‬ ‫غ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هم ُ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫وظَل ّل ْن َمما َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ش مَرب َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫كن‬ ‫وَلم ِ‬ ‫موَنا َ‬ ‫ما ظَل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫ت َ‬ ‫من طَي َّبا ِ‬ ‫وى ك ُُلوا ْ ِ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ن }‪.({160‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫م ي َظل ِ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫كاُنوا أنف َ‬
‫والسؤال ماذا حدث فعل ً هل انفجرت أو انبجست؟ والجواب كلهما‬
‫وحسب ما يقوله المفسرون أن الماء انفجرت أول ً بالماء الكثير ثــم‬
‫ل الماء بمعاصيهم وفي سياق اليات في سورة البقرة الذي يذكر‬ ‫ق ّ‬
‫ضل على بني إســرائيل جــاء بالكلمــة الــتي تــدل‬ ‫الثناء والمدح والتف ّ‬
‫علــى الكــثير فجــاءت كلمــة )انفجــرت( أمــا فــي ســورة العــراف‬
‫ل مــن‬ ‫م بني إسرائيل فذكر معها النبجــاس وهــو أق ـ ّ‬ ‫فالسياق في ذ ّ‬
‫النفجار وهذا أمٌر مشاهد فالعيون والبار ل تبقى على حالــة واحــدة‬
‫ف العيون والبار فذكر النفجار في مــوطن والنبجــاس فــي‬ ‫فقد تج ّ‬
‫موطن آخر وكل المشهدين حصل بالفعل‪.‬‬
‫وبعضــهم قــال جــاء بالفــاء للــترتيب والتعقيــب فــي )فــانفجرت(‬
‫مى فــاء الفصــيحة وهنــاك عطــف‬ ‫و)فانبجســت( وهــذه الفــاء ُتســ ّ‬
‫ك‬ ‫صــا َ‬ ‫رب ب ّعَ َ‬ ‫ضـ ِ‬ ‫والعطف قد يكون أكثر من معطوف عليــه‪) .‬فَُقل ْن َــا ا ْ‬
‫شـَرةَ عَْينــا( لـم يقـل سـبحانه وتعــالى‬ ‫ه اث ْن ََتـا عَ ْ‬ ‫مْنـ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫جَر ْ‬ ‫جَر َفانَف َ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫)فضرب( كــذلك فــي قــوله تعــالى )فقلنــا اذهبــا إلــى القــوم الــذين‬
‫صل في اليات هل أبلغا أم لم‬ ‫ذبوا ( هل ذهبا أم لم يذهبا؟ ولم يف ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ل علــى أن هنــاك‬ ‫يبلغا؟ وهذه الفاء إذن هي فاء الفصــيحة الــتي تــد ّ‬
‫محذوف ولكن المعنى واضــح فهــي أوضــحت معــاني متعــددة‪ .‬وقــد‬
‫تكرر استخدام هذه الفاء فــي مــواطن عديــدة فــي القــرآن الكريــم‬
‫ك‬ ‫هل ِم َ‬ ‫َ‬ ‫منها في قوله تعــالى فــي ســورة الســراء )وإ َ َ‬
‫ذا أَردَْنا أن ن ّ ْ‬ ‫َ ِ‬
‫‪63‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫همما ال ْ َ‬ ‫قر ي ً َ‬
‫ل‬ ‫و ُ‬ ‫قم ْ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫حم ّ‬ ‫ف َ‬ ‫همما َ‬ ‫في َ‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫سم ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ف َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫مت َْر ِ‬ ‫مْرَنا ُ‬ ‫ةأ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ميرا ً }‪ ({16‬وفي قصة ســليمان فــي ســورة النمــل‬ ‫ها ت َدْ ِ‬ ‫مْرَنا َ‬ ‫فد َ ّ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ما َ‬ ‫فانظُْر َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫و ّ‬ ‫م تَ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه إ ِل َي ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫فأ َل ْ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه َ‬ ‫هب ب ّك َِتاِبي َ‬ ‫)اذْ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م}‬ ‫ريـ ٌ‬ ‫ب كَ ِ‬ ‫ي ك ِت َــا ٌ‬ ‫ي إ ِل َـ ّ‬ ‫مَل إ ِن ّــي أل ِْقـ َ‬ ‫ت َيا أي ّهَــا ال َ‬ ‫ن }‪َ {28‬قال َ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ي َْر ِ‬
‫‪ ({29‬كان في القصة إيجاز وحذف لكن هذا لم يمنع وضوح المعنى‬
‫فالمفروض أن الهدهد أخذ الكتــاب وذهــب بــه وألقــاه عنــد بلقيــس‬
‫وانتظر لكن بعض هذه المشاهد حذف مع بقاء المعنى واضحًا‪.‬‬
‫نعــود لســتعمال )انفجــرت( و)انبجســت( فــي ســورتي البقــرة‬
‫قل َْنا‬ ‫وإ ِذْ ُ‬ ‫والعراف وإذا لحظنا سياق اليــات فــي ســورة البقــرة ) َ‬
‫خُلمموا ْ‬ ‫وادْ ُ‬ ‫غدا ً َ‬ ‫م َر َ‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫فك ُُلوا ْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫قْري َ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ذ ِ‬‫هم ِ‬ ‫خُلوا ْ َ‬ ‫ادْ ُ‬
‫د‬
‫زي ُ‬ ‫س من َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫طاي َمماك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫فمْر ل َك ُم ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫ة نّ ْ‬ ‫حطّم ٌ‬ ‫قوُلوا ْ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫جدا ً َ‬ ‫س ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫ال َْبا َ‬
‫ل‬ ‫قي َ‬ ‫ذي ِ‬ ‫غي َْر ال ّ ِ‬ ‫ول ً َ‬ ‫ق ْ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫فب َدّ َ‬ ‫ن }‪َ {58‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ماء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جزا ً ّ‬ ‫ر ْ‬ ‫موا ْ ِ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫فَأنَزل َْنا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫قل َْنمما‬ ‫ف ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م ِ‬ ‫و ِ‬ ‫قمم ْ‬ ‫سممى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قى ُ‬ ‫سمم َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وإ ِِذ ا ْ‬ ‫ن }‪َ {59‬‬ ‫قو َ‬ ‫سمم ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫د‬
‫قمم ْ‬ ‫عْينمما ً َ‬ ‫شَرةَ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ه اث ْن ََتا َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫جَر ْ‬ ‫ف َ‬ ‫فان َ‬ ‫جَر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ع َ‬ ‫رب ب ّ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ا ْ‬
‫ُ‬
‫ول َ‬ ‫ه َ‬ ‫ق الل ّم ِ‬ ‫مممن ّرْز ِ‬ ‫شمَرُبوا ْ ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫م ك ُُلوا ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫شَرب َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ل أَنا َ ٍ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫عل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪({60‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫وا ْ ِ‬ ‫عث َ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫سمك ُُنوا ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫هم ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫وإ ِذْ ِ‬ ‫أما سياق اليــات فــي ســورة العــراف ) َ‬
‫خُلوا ْ‬ ‫وادْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫حطّ ٌ‬ ‫قوُلوا ْ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬‫وك ُُلوا ْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫قْري َ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫هم ِ‬ ‫َ‬
‫ن}‬ ‫سمِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زيدُ ال ْ ُ‬ ‫سمن َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫طيَئات ِك ُم ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فمْر ل َك ُم ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫جدا ً ن ّ ْ‬ ‫سم ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫ال َْبا َ‬
‫‪ ({161‬يمكن ملحظة ما يأتي‪:‬‬

‫سورة العراف‬ ‫سورة البقرة‬


‫الســياق فــي ذكــر ذنــوبهم ومعاصــيهم والمقــام‬ ‫سياق اليـات والكلم هـو فــي التكريـم‬
‫جاوَْزَنا ب ِب َِنــي‬ ‫مقام تقريع وتأنيب لبني إسرائيل )وَ َ‬ ‫لبني إسرائيل فــذكر أمــورا ً كــثيرة فــي‬
‫َ‬
‫ن ع َلــى‬ ‫فــو َ‬ ‫حـَر فَـأ َت َوْا ْ ع َل َــى قَـوْم ٍ ي َعْك ُ‬
‫ُ‬ ‫ل ال ْب َ ْ‬‫سَراِئي َ‬ ‫إِ ْ‬ ‫ضــل )وَإ ِذ ْ‬ ‫مقام التفضيل والتك ـّرم والتف ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جعَــل لن َــا إ ِلـــها ك َ َ‬
‫مــا‬ ‫ســى ا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م َقالوا َيا ُ‬ ‫صَنام ٍ لهُ ْ‬‫أ ْ‬ ‫م‬ ‫مون َك ُ ْ‬ ‫ســو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫عــوْ َ‬ ‫ل فِْر َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫مــ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫جي َْنــا ُ‬ ‫نَ ّ‬
‫َ‬
‫ن } ‪ ({138‬والفاء‬ ‫جهَُلو َ‬
‫م تَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل إ ِن ّك ُ ْ‬‫ة َقا َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫م آل ِهَ ٌ‬ ‫م‬ ‫ن أب َْنــــاءك ُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫ب ُيــــذ َب ّ ُ‬ ‫ذا ِ‬‫ســــوََء ال َْعــــ َ‬ ‫ُ‬
‫هنــا تفيــد المباشــرة أي بمجــرد أن أنجــاهم اللــه‬ ‫من‬ ‫ُ‬
‫م وَِفي ذ َل ِكم َبلٌء ّ‬ ‫ُ‬
‫ساءك ْ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫حُيو َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫وَي َ ْ‬
‫تعالى من الغرق أتوا على قوم يعبــدون الصــنام‬ ‫م‬ ‫كــ ُ‬‫م }‪ {49‬وَإ ِذ ْ فََرقَْنــا ب ِ ُ‬ ‫ظيــ ٌ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ّرب ّ ُ‬
‫فسألوا موســى أن يجعــل لهــم إلهـا ً مثــل هــؤلء‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫عــوْ َ‬‫ل فِْر َ‬ ‫م وَأغ َْرقَْنــا آ َ‬ ‫جي َْنــاك ُ ْ‬‫ح ـَر فَأن َ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫القوم‪.‬‬ ‫ن }‪ ({50‬و )َيـــا ب َِنـــي‬ ‫م َتن ُ‬ ‫َ‬
‫ظـــُرو َ‬ ‫وَأنُتـــ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫مـ ُ‬‫ي ال ّت ِــي أن ْعَ ْ‬ ‫مت ِـ َ‬ ‫ل اذ ْك ُـُروا ْ ن ِعْ َ‬ ‫سـَراِئي َ‬ ‫إِ ْ‬

‫‪64‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫سورة العراف‬ ‫سورة البقرة‬
‫َ‬
‫ن}‬ ‫مي َ‬ ‫م ع َل َــى ال ْعَــال َ ِ‬ ‫ضل ْت ُك ُ ْ‬
‫م وَأّني فَ ّ‬ ‫ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫‪({47‬‬
‫قاهُ‬
‫سـ َ‬
‫ست َ ْ‬
‫فموسى هو الذي استسقى لقومه )إ ِذ ِ ا ْ‬ ‫قوم موسى استسقوه فأوحى إليه ربه‬
‫قَوم َ‬
‫جَر(‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫صا َ‬
‫رب ب ّعَ َ‬
‫ض ِ‬
‫نا ْ‬
‫هأ ِ‬‫ْ ُ ُ‬ ‫سـى‬ ‫مو َ‬ ‫قى ُ‬ ‫سـ َ‬‫ست َ ْ‬
‫بضـرب الحجـر )وَإ ِذ ِ ا ْ‬
‫ج ـَر(‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ك ال َ‬ ‫صــا َ‬‫رب ب ّعَ َ‬ ‫ضـ ِ‬ ‫قل ْن َــا ا ْ‬
‫مهِ فَ ُ‬‫ق ـوْ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫ي اللــه موســى ‪‬‬ ‫وفيهــا تكريــم لنــب ّ‬
‫واســتجابة اللــه لــدعائه‪ .‬واليحــاء أن‬
‫الضرب المباشر كان من الله تعالى‪.‬‬
‫)كلوا من طيبات ما رزقناكم( لــم يــذكر الشــرب‬ ‫)كلــوا واشــربوا( والشــرب يحتــاج إلــى‬
‫فجــاء بــاللفظ الــذي يــدل علــى المــاء القــ ّ‬
‫ل‬ ‫ماء أكثر لذا انفجرت الماء مــن الحجــر‬
‫)انبجست(‬ ‫في السياق الذي يتطلب الماء الكثير‬
‫لم يــرد ذكــر الكــل بعــد دخــول القريــة مباشــرة‬ ‫جعـل الكــل عقــب الـدخول وهـذا مـن‬
‫وإنما أمرهم بالســكن أول ً )اســكنوا هــذه القريــة‬ ‫مقام النعمة )ادخلوا هذه القرية فكلوا(‬
‫وكلوا(‬ ‫الفاء تفيد الترتيب والتعقيب‪.‬‬
‫لم يذكر رغدا ً لنهم ل يستحقون رغد العيش مــع‬ ‫)رغــدًا( تــذكير بــالنعم وهــم يســتحقون‬
‫ذكر معاصيهم‪.‬‬ ‫ل سياق اليات‪.‬‬ ‫رغد العيش كما يد ّ‬
‫)وقولــوا حطــة وادخلــوا البــاب ســجدًا( لــم يبــدأ‬ ‫جدا ً وقولــوا حطــة(‬ ‫)وادخلــوا البــاب سـ ّ‬
‫بالسجود هنا لن الســجود مــن أقــرب مــا يكــون‬ ‫ب ُــديء بــه فــي مقــام التكريــم وتقــديم‬
‫العبد لربه وهم في السياق هنا مبعدين عن ربهم‬ ‫الســجود أمــر مناســب للمــر بالصــلة‬
‫لمعاصيهم‪.‬‬ ‫مــوا ْ‬ ‫َ‬
‫الذي جاء في سياق الســورة )وَأِقي ُ‬
‫ع‬
‫مـــ َ‬ ‫صـــل َة َ َوآت ُـــوا ْ الّزك َـــاة َ َواْرك َعُـــوا ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن }‪ ({43‬والســجود هــو مــن‬ ‫الّراك ِِعيــ َ‬
‫أشرف العبادات‪.‬‬
‫)نغفر لكم خطيئاتكم( وخطيئات جمع قل ّــة وجــاء‬ ‫)نغفر لكم خطاياكم( الخطايا هم جمــع‬
‫هنا فــي مقــام التــأنيب وهــو يتناســب مــع مقــام‬ ‫كــثرة وإذا غفــر الخطايــا فقــد غفــر‬
‫ذم في السورة‪.‬‬ ‫التأنيب وال ّ‬ ‫الخطيئات قطعا ً وهذا يتناسب مع مقام‬
‫التكريم الذي جاء في السورة‪.‬‬
‫)سنزيد المحسنين( لم ترد الواو هنا لن المقــام‬ ‫)وسنزيد المحسنين( إضــافة الــواو هنــا‬
‫ضل‪.‬‬‫ليس فيه تكريم ونعم وتف ّ‬ ‫تدل على الهتمام والتنويع ولذلك تأتي‬
‫ضل وذكر النعم‪.‬‬ ‫الواو في موطن التف ّ‬
‫)الذين ظلموا منهم( هم بعض ممن جاء ذكرهــم‬ ‫دل الذين ظلموا قول ً غير الذي قيل‬ ‫)فب ّ‬
‫في أول اليات‬ ‫لهم(‬
‫)فأرسلنا ( أرسلنا في العقوبـة أشـد ّ مــن أنزلنـا‪،‬‬ ‫)فأنزلنا على الذين ظلموا(‬
‫وقد تردد الرسال في السورة ‪ 30‬مرة أمــا فــي‬
‫البقرة فتكرر ‪ 17‬مرة‬
‫)بمــا كــانوا يظلمــون( والظلــم أشـد ّ لنــه يتعل ّــق‬ ‫)بما كانوا يفسقون(‬
‫بالضير‬
‫وقد ورد في القرآن الكريم مواضع أخرى عديدة جاء فيها التشــابه‬
‫بين قصتين مع اختلف في اختيار اللفاظ بما يتناســب مــع الســياق‬
‫‪65‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫والمهم أن نعلم أن كــل المشــاهد مــن القصــة قــد حصــلت بالفعــل‬
‫س مَنا‬ ‫م ّ‬ ‫قاُلوا ْ ل َممن ت َ َ‬ ‫و َ‬‫ومثال على ذلك ما جاء فــي ســورة البقــرة ) َ‬
‫فل َممن‬ ‫هممدا ً َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عنمدَ الل ّم ِ‬ ‫م ِ‬ ‫خمذْت ُ ْ‬ ‫ل أ َت ّ َ‬ ‫قم ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫دودَ ً‬ ‫عم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫الّناُر إ ِل ّ أّياما ً ّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن}‬ ‫مممو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ممما ل َ ت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َممى الل ّم ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قول ُممو َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫هدَهُ أ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫سَنا الّناُر إ ِل ّ‬ ‫م ّ‬ ‫قاُلوا ْ َلن ت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك ب ِأن ّ ُ‬ ‫‪ ({80‬وسورة آل عمران )ذَل ِ َ‬
‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن }‪({24‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ما َ‬ ‫هم ّ‬ ‫في ِدين ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫غّر ُ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫دا ٍ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ْ‬ ‫أّياما ً ّ‬
‫فنسأل هل قالوا أياما ً معدودة أو أيامـا ً معــدودات؟ معــدودات جمــع‬
‫قّلة وهي تفيد القّلة أما معــدودة فهــي جمــع كــثرة وهــي أكــثر مــن‬
‫معدودات )والقاعدة العامة أنه إذا وصفنا الجمع غير العاقل بالمفرد‬
‫فإنه يفيد الكثرة( ومثال ذلك )أنهار جارية( و)أنهار جاريات( الجارية‬
‫أكثر من حيث العدد من الجاريات وأشجار مثمرة أكثر من مثمــرات‬
‫وجبال شاهقة أكثر من شاهقات‪ .‬فماذا قــالوا بالفعــل؟ إنهــم قــالوا‬
‫مــا ذ ُك ّــروا بمــا فعلــوه مــن آثــام‬ ‫الثنيــن معـا ً ففــي ســورة البقــرة ل ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫فت َطْمعممون َ‬ ‫َ‬ ‫)أ َ‬
‫همم ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ريمم ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كمما‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫قمم‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫كمم‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫نممو‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هم ْ‬ ‫و ُ‬ ‫عقلمموهُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ممما َ‬ ‫د َ‬ ‫عم ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فون َ ُ‬ ‫حّر ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫ن ك َل َ َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن }‪ ({75‬قالوا معدودة فهم يحّرفــون الكلــم بعــدما عقلــوه‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫وهناك أمور عديدة يعرفــون بهــا ويــذكرونها وقــال تعــالى يتوعــدهم‬
‫ل ل ّل ّذين يك ْت ُبون ال ْكَتاب بأ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫هم َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ َ ُ َ‬ ‫وي ْ ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫) َ‬
‫ت‬ ‫ممما ك َت َب َم ْ‬ ‫م ّ‬ ‫هممم ّ‬ ‫ل لّ ُ‬ ‫وي ْم ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫قِليل ً َ‬ ‫منما ً َ‬ ‫ه ثَ َ‬ ‫شمت َُروا ْ ب ِم ِ‬ ‫ه ل ِي َ ْ‬ ‫د الل ّم ِ‬ ‫عن ِ‬ ‫ِ‬
‫دهــم )أيام ـا ً‬ ‫َ‬
‫ن }‪ ({79‬فجــاء ر ّ‬ ‫س مُبو َ‬ ‫ممما ي َك ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل لّ ُ‬ ‫وي ْ ٌ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬ ‫أي ْ ِ‬
‫وُتمموا ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلممى ال ّ م ِ‬ ‫معدودة(‪ ،‬أما في سورة آل عمران ) أل َ ْ‬
‫م‬ ‫م ثُم ّ‬ ‫هم ْ‬ ‫م ب َي ْن َ ُ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫ه ل ِي َ ْ‬ ‫ب الل ّ ِ‬ ‫ن إ َِلى ك َِتا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ب ي ُدْ َ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صيبا ً ّ‬ ‫نَ ِ‬
‫ن }‪ ({23‬لم يكن هناك تذكير‬ ‫ضو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ف ِ‬ ‫وّلى َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫كروا بها قالوا أياما ً معــدودات لن‬ ‫عد بالحساب فلما ذ ُ ّ‬ ‫بالفعال والتو ّ‬
‫ل ‪ .‬ومنهم من يقول أن قســما ً قــالوا )أيام ـا ً‬ ‫ذكروا بها أق ّ‬ ‫الثام التي ُ‬
‫معدودة( والقسم الخر قال )أياما ً معدودات(‪.‬‬
‫ر‬ ‫خَبمم ٍ‬ ‫همما ب ِ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫سآِتي ُ‬ ‫ت َنارا ً َ‬ ‫س ُ‬ ‫ه إ ِّني آن َ ْ‬ ‫هل ِ ِ‬ ‫سى ِل َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫)إ ِذْ َ‬
‫َ‬
‫ن }‪ ({7‬سورة النمل‪.‬‬ ‫صطَُلو َ‬ ‫م َت َ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫س لّ َ‬ ‫قب َ َ ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫ها ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫كم ب ِ ِ‬ ‫و آِتي ُ‬ ‫أ ْ‬
‫طــورِ َنــارا ً‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫من َ‬ ‫س ِ‬ ‫ساَر ب ِأهْل ِهِ آن َ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ج َ‬ ‫سى اْل َ‬ ‫مو َ‬ ‫ضى ُ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫)فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫ت َنارا ً ل ّعَّلي آِتي ُ‬ ‫َقا َ َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫جذ ْوَةٍ ِ‬ ‫خب َرٍ أوْ َ‬ ‫من َْها ب ِ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫س ُ‬ ‫مك ُُثوا إ ِّني آن َ ْ‬ ‫ل ِلهْل ِهِ ا ْ‬
‫ن }‪ ({29‬سورة القصص‪.‬‬ ‫صط َُلو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫الّنارِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ومثال آخر على التشابه والختلف في القرآن الكريم مــا جــاء فــي‬
‫سورتي النمل والقصــص فــي قصــة موســى ‪ ‬أيضـا ً ففــي ســورة‬
‫ت ن َممارا ً‬ ‫سم ُ‬ ‫ه إ ِن ّممي آن َ ْ‬ ‫هل ِم ِ‬ ‫سى ِل َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫النمــل قــال تعــالى )إ ِذْ َ‬
‫عل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كمم ْ‬ ‫س لّ َ‬ ‫قَبمم ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫ها ٍ‬ ‫شمم َ‬ ‫كممم ب ِ ِ‬ ‫و آِتي ُ‬ ‫رأ ْ‬ ‫خَبمم ٍ‬ ‫همما ب ِ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫سممآِتي ُ‬ ‫َ‬
‫‪66‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ضممى‬ ‫ق َ‬‫ما َ‬ ‫فل َ ّ‬‫ن }‪ ({7‬وفي سورة القصــص قــال تعــالى ) َ‬ ‫صطَُلو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ل‬‫قا َ‬‫ر َنارا ً َ‬ ‫ِ‬ ‫طو‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬‫من َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه آن َ َ‬ ‫هل ِ ِ‬‫ساَر ب ِأ َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ل َ‬ ‫ج َ‬ ‫سى اْل َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫عّلمي آِتي ُ‬ ‫َ‬
‫و‬‫رأ ْ‬ ‫خَبم ٍ‬
‫هما ب ِ َ‬ ‫من ْ َ‬
‫كمم ّ‬ ‫ت َنمارا ً ل ّ َ‬ ‫سم ُ‬ ‫مك ُُثوا إ ِّني آن َ ْ‬ ‫ها ْ‬ ‫هل ِ ِ‬‫ِل ْ‬
‫ن }‪ ({29‬الخــط البيــاني فــي‬ ‫ص مطَُلو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫عل ّك ُم ْ‬‫ر لَ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬
‫و ٍ‬ ‫جذ ْ َ‬ ‫َ‬
‫السورتين متســع ولكــن ندرســه مــن ناحيــة التشــابه والختلف لن‬
‫بينهما اختلفات عدة‪.‬‬
‫أول ً فــي ســورة النمــل جــاء بالســين فــي )ســآتيكم( والســين تفيــد‬
‫جي‪ .‬فمــاذا‬ ‫التوكيد‪ ،‬أما في القصص فجاء بـ )لعّلي آتيكم( وهي للتر ّ‬
‫جــى أم قطــع؟ هــل قــال أحــدهما أم‬ ‫قال موسى لهله هــل قــال تر ّ‬
‫ماذا؟ الحقيقة أن هذا يحصل فــي حياتنــا يقــول أحــدنا ســآتي اليــوم‬
‫جى( والمشــهد نفســه هــو الــذي‬ ‫لعلي أستطيع بمعنى )أقطع ثم أتر ّ‬
‫يفرض الترجي أو القطع‪ .‬قد نقطع ثم يــأتي أمــور تحــول دون ذلــك‬
‫فنقول لعّلي للترجي أو العكس لكن يبقى لماذا الختيــار أي اختيــار‬
‫الترجي في سورة والقطع في سورة أخرى؟‬
‫المقام كله في سورة النمل مبني على القطع والقوة والتمكين أمــا‬
‫سورة القصص فهي مبنّية على الخوف من قبل ولدة موسى‪ .‬وقــد‬
‫قال تعالى في سورة النمل )أو آتيكم بشهاب قبس( وهذا في مقام‬
‫القطع لن الشهاب هو شعلة من النار والشــهاب أنفــع فــي الــدفء‬
‫والســتنارة‪ ،‬أمــا فــي القصــص فقــال تعــالى )أو جــذوة مــن النــار(‬
‫والجذوة ليس بالضرورة أن يكون فيها نار وهذا أنسب لجو وســياق‬
‫السورة المبني علــى الخـوف‪ .‬وهنــاك اختلفــات كـثيرة أخــرى بيـن‬
‫السورتين‪ ،‬لكــن المهــم القــول أن موســى ‪ ‬قـال التعــبيرين لكــن‬
‫اختيار كل تعبير في مكانه يناســب المقــام والســياق الــتي ورد فيــه‬
‫التعبيرين‪.‬‬
‫ونسأل هــل قــال موســى هــذا الكلم حقـا ً أم اليــات هــي عــن رب‬
‫العالمين؟ نقول أن القرآن هو ترجمة للحداث والقوال لكن مصوغ‬
‫صياغة فّنية عالية وهو أدق ترجمة فنية للحوال وكلها صحيحة مــائة‬
‫في المائة وبتعبيرات مناسبة للسياق‪ .‬وقد نقرأ ترجمات مــن لغــات‬
‫أخرى في نفس الموضوع وكل ترجمة تختلف عن الخــرى بحســب‬
‫الذي يترجم ولن الفحوى واحد وهذه الترجمات ليست كلها بنفــس‬
‫النوعية والدقة والبلغة‪ .‬فعلى سبيل المثال بدل أن نقــول لشــخص‬
‫ما أكبر منا سن ّا ً أنه فاجر نقول له مسرف فنختار الصيغة التي تليق‬
‫بالمقام وبدل أن نقول متهور نقول مسرع وهكذا‪.‬‬
‫وكذلك نسأل هل قال برهانان أو تسع آيات؟ قال تعالى في ســورة‬
‫ء‬
‫سممو ٍ‬ ‫ر ُ‬ ‫غْيمم ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ضاء ِ‬ ‫ج ب َي ْ َ‬
‫خُر ْ‬‫ك تَ ْ‬ ‫جي ْب ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك ي َدَ َ‬ ‫سل ُ ْ‬‫القصص )ا ْ‬
‫‪67‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ك‬ ‫مممن ّرب ّم َ‬ ‫ن ِ‬ ‫هاَنا ِ‬ ‫ك ب ُْر َ‬ ‫ذان ِ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ب َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ك َ‬ ‫م إ ِل َي ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ ({32‬أمــا‬ ‫قي َ‬ ‫سمم ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫وممما ً َ‬ ‫ق ْ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬ ‫مل َئ ِ ِ‬‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫إ َِلى ِ‬
‫ج‬ ‫خمُر ْ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫جي ْب ِم َ‬ ‫فممي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل َيمدَ َ‬ ‫خم ْ‬ ‫وأ َدْ ِ‬ ‫في سورة النمل فقال تعالى ) َ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫و ِ‬‫قم ْ‬ ‫و َ‬
‫ن َ‬ ‫و َ‬‫عم ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ت إ ِل َممى ِ‬ ‫ع آي َمما ٍ‬ ‫س ِ‬‫في ت ِ ْ‬ ‫ء ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ر ُ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضاء ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ن }‪ .({12‬والجــواب أنــه قــال كلهمــا‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫وما ً َ‬ ‫ق ْ‬‫كاُنوا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫لن في سورة القصص المر لموسى بالــذهاب إلــى فرعــون وملئه‬
‫أي خاصة مجلسه وهنا ذهب بآيتين هما العصا التي تنقلب حية واليد‬
‫التي تخرج بيضاء‪ .‬أما في سورة النمل فالمر إلى موسى بالــذهاب‬
‫إلى فرعون وقومه وهنا ذكر تسع آيات لن الحشد أكثر وهو القــوم‬
‫احتاج ذكر أكثر اليات فجــاء ذكــر تســع آيــات‪ .‬وأمــا ســبب الختيــار‬
‫فيعود للقصة ففي سورة القصص قلنا أنها مبنية علــى الخــوف أمــا‬
‫وة‪.‬‬ ‫في سورة النمل فهي مبنية على القطع والق ّ‬
‫ن‬ ‫ميمم َ‬ ‫مك َْر ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫هيمم َ‬ ‫ف إ ِب َْرا ِ‬ ‫ضي ْ ِ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أ ََتا َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سورة الذاريات‪َ ) :‬‬
‫م‬ ‫و ٌ‬‫قمم ْ‬ ‫م َ‬ ‫سممَل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫قمما َ‬ ‫سممَلما ً َ‬ ‫قمماُلوا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َْيمم ِ‬ ‫خُلمموا َ‬ ‫}‪ {24‬إ ِذْ دَ َ‬
‫ن }‪.({26‬‬ ‫مي ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ع ْ‬ ‫جاء ب ِ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫هل ِ ِ‬ ‫غ إ َِلى أ َ ْ‬ ‫فَرا َ‬ ‫ن }‪َ {25‬‬ ‫منك َُرو َ‬ ‫ّ‬
‫خل ُمموا ْ‬ ‫م }‪ { 51‬إ ِذْ دَ َ‬ ‫هي م َ‬ ‫ف إ ِْبرا َ ِ‬ ‫ض مي ْ ِ‬ ‫عن َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ون َب ّئ ْ ُ‬ ‫سورة الحجر‪َ ) :‬‬
‫قمماُلوا ْ ل َ‬ ‫ن }‪َ {52‬‬ ‫جُلممو َ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ل إ ِّنا ِ‬ ‫قا َ‬ ‫سلما ً َ‬ ‫قاُلوا ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫عِليم ٍ }‪.({53‬‬ ‫غلم ٍ َ‬ ‫ك بِ ُ‬ ‫شُر َ‬ ‫ل إ ِّنا ن ُب َ ّ‬ ‫ج ْ‬ ‫و َ‬ ‫تَ ْ‬
‫فلماذا لم يرد الســلم فــي الحجــر ولــم يســتكمل القصــة كمــا فــي‬
‫سورة الذاريات؟ هذا ليـس اختلفـا ً فـي القصــة ولكـن اختلف فـي‬
‫ذكر المشاهد للقصة‪.‬‬
‫في سورة الذاريات قــال تعــالى )هــل أتــاك حــديث ضــيف ابراهيــم‬
‫المكرميــن( ذكــر المكرميــن فــذكر مــا يقتضــي الكــرام ورد ّ التحيــة‬
‫والكرام‪ ،‬أما في سورة الحجر لم يذكر التكريم فلم يحتــاج المقــام‬
‫ذكر رد ّ إبراهيم‪.‬‬
‫فقــد نقــول ذهبنــا إلــى آل فلن وس ـّلمنا عليهــم وبتنــا عنــدهم ليلــة‬
‫ورجعنا ولم نقــل رّدوا علينــا الســلم وطلبــوا منــا أن نبقــى عنــدهم‬
‫فوافقنا ونذكر كل التفاصيل التي حصلت‪ .‬وقد نذكر في مقــام آخــر‬
‫حبوا بنا وأقسموا أن نبات عندهم وأصروا أن ُنفطر عنــدهم‬ ‫ذهبنا ور ّ‬
‫)وفي هذا وصف دقيق حسب المقام ولم نقــل سـّلمنا عليهــم لكــن‬
‫لم يؤثر على المعنى( وإل كيف رحبوا بنا إذا لم نس ـّلم عليهــم لكــن‬
‫المقام ُيحدد ماذا نقول‪ :‬هــل نتحــدث عــن ضــيافتهم أو عــن ســفرنا‬
‫نحن؟‬
‫نعود إلى اليات في سورة الذاريات فقد ذكر تعالى المكرمين وكل‬
‫المور المتعلقة بالكرام ومنها رد ّ السلم والمجيء بالعجل وتقديمه‬
‫‪68‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫لهم‪ .‬وقد وصف اللـه تعـالى نـبيه إبراهيـم أنـه أوجـس منهـم خيفـة‬
‫)وهذا شعور في نفسه( أما فــي ســورة الحجــر فقــال تعــالى علــى‬
‫لسان إبراهيم ‪) ‬إنا منكم وجلون( أي خاطبهم مباشــرة ول نقــول‬
‫في مقام التكريم إني خائف منكم‪ .‬فكل المور حصلت فــي القصــة‬
‫لكن الله تعالى اختار لكل سورة مشهدا ً وألفاظ وتعــبيرات تناســب‬
‫سياق اليات والحالة التي ذكــرت فيهــا فكــل قصــة فــي الســورتين‬
‫جاءت بالتعبير المناسب والحالة المناسبة‪.‬‬
‫ونســأل لمــاذا يكــون هــذا فــي اللغــة؟ البلغــة هــي مطابقــة الكلم‬
‫لمقتضى الحال أو السياق‪ .‬فل يمكن مثل ً في مقام الفــرح أن نــأتي‬
‫بقصيدة حزن كما قال الشاعر في وصــف دار دخلهــا الخليفــة لول‬
‫مرة )يــا دار مــا فعلــت بــك اليــام( وقــد عــابوا علــى هــذا الشــاعر‬
‫مقولته هذه‪ .‬فيجب أن نحــدد أيــن المقصــود تــوجيه الكلم؟ فهنــاك‬
‫عدة أمور نريد التركيز عليها والقصة الواحدة لها عدة جــوانب فــأي‬
‫كز عليها فنأتي بجزئياتها المناسبة لهــذا الجــانب‬ ‫الجوانب نريد أن نر ّ‬
‫أو غيره‪.‬‬
‫وقد حــاول المستشــرقون أن ينتقــدوا القصــة فــي القــرآن الكريــم‬
‫فقالوا إنه في قصــة موســى ‪ ‬وردت ‪ 11‬آيــة )وأخــي هــارون هــو‬
‫ن فهم قادرون‬ ‫أفصح مني لسانا( فقالوا أنه لو اجتمعت النس والج ّ‬
‫على أن يأتوا بمثل القرآن ولكنهــم جهلــوا أن القصــة الواحــدة فــي‬
‫القرآن قد ُيعّبر عنها بصور مختلفة لكن اختيار الصورة المعجزة هــو‬
‫اختيار القرآن الكريم وهناك شــاعر أمثــل مــن شــاعر وقــد يعب ّــرون‬
‫جميعا ً عن نفس المعنى ونفس المشهد‪ .‬وقد ُيصاغ المشهد الواحــد‬
‫ن‪ .‬ففــي‬ ‫بعدة تعبيرات ولكنها ليست كلها بنفس درجة البلغــة والف ـ ّ‬
‫قصة موسى ‪ ‬قــد يكتــب فيهــا الكــثيرون ولكــن ليســت كــل هــذه‬
‫ن ‪ .‬فــالقرآن ل يمكــن أن‬ ‫الكتابات متماثلــة مــن حيــث البلغــة والفـ ّ‬
‫دى‬ ‫يدانيه أحد من ناحية البلغة واللغة والفن وكل تعبير يمكن أن يؤ ّ‬
‫دى القـرآن المشـركين أن‬ ‫بتعبير آخر فالقرآن فيه معجز وكذلك تحـ ّ‬
‫يأتوا بسورة واحدة ولو كانت قصيرة مثل الكوثر‪ .‬فل يمكـن صـياغة‬
‫سورة مثل سور القــرآن الكريــم حــتى لــو كــان المحتــوى فــالقرآن‬
‫معجز في هذا وسورة الكوثر وهي مــن ثلث آيــات فقــط فيهــا مــن‬
‫البلغة والختيارات العجيبة في التعبير )كما فــي اللمســات البيانيــة‬
‫في سورة الكوثر(‪.‬‬
‫فالمسألة إذن ليست مسألة قال هذا أو ذاك ولكنها ترجمة لما قال‬
‫ما دعا رب ّــه دعــاه بكلمــات عرفهــا اللــه تعــالى لن‬‫موسى ‪ ‬فهو ل ّ‬
‫موسى كان في لسانه عجمة )ول يكاد ُيبين( كمــا جــاء علــى لســان‬
‫‪69‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫فرعون والدليل قول موسى )هو أفصح منــي لســانًا( لمــا دعــا ربــه‬
‫بأن يرسل معه هارون أخوه ولو قال هذا الدعاء شخص آخــر لقــاله‬
‫بصيغة مختلفة‪ ،‬وهكذا صــيغت العبــارات فــي القــرآن الكريــم بكلم‬
‫معجز وهي ترجمة دقيقة لما قاله موسى وإبراهيــم ‪ ‬وغيــره مــن‬
‫النبياء‪ ،‬حتى النقاش بين الرسل وقــومهم كمــا حصــل بيــن موســى‬
‫وفرعون هي ترجمات دقيقة فنية لما حصل‪.‬‬

‫سع في المعنى في القرآن الكريم‬


‫التو ّ‬
‫ســع فــي‬ ‫ما هو مفهوم التوسممع فممي القممرآن الكريممم؟ التو ّ‬
‫المعنى هو أن يؤتى بتعبير يحتمل أكثر من معنــى وتكــون كــل هــذه‬
‫مرادة وهناك مواطن للتوسع في القرآن الكريم كما ســبق‬ ‫المعاني ُ‬
‫حـ ّ‬
‫ل( وقلنــا أنهــا تعنـي‬ ‫شرحه فــي ســورة البلـد فــي معنـى كلمـة ) ِ‬
‫ل وهذه المعاني كلها مرادة فــي اليــة‪.‬‬ ‫مستحل وحلل ومقيم أو حا ّ‬
‫ن )ل( محتمــل أن‬ ‫وكذلك في قوله تعالى )فل اقتحم العقبة( وقلنا أ ّ‬
‫تكون داخلة على المستقبل أو يراد بها الــدعاء أو حــرف الســتفهام‬
‫محذوف أو غيرها‪ .‬وللتوسع في القرآن الكريم أسباب ومواطن‪.‬‬
‫سع‪:‬‬
‫مواطن التو ّ‬
‫اللفاظ المشتركة‪ :‬يوجد في القرآن الكريم ألفــاظ تشــترك‬
‫في المعنى مثل كلمة )جائر( على ســبيل المثــال هــل هــي اســم‬
‫فاعل من )جأر أو جار(؟ وكذلك كلمة )سائل( هل هي من ســأل‬
‫أو سال؟ هناك كلمات إذن تحتمل أكثر من معنى كما فــي كلمــة‬
‫العين يذكر لها أكثر من معنى فهي تحتمل أن تكــون الجاسوســة‬
‫أو عين الماء أو أداة البصار‪ .‬وكذلك تكثر في الحروف مثل ً )مــا(‬
‫هل هي استفهامية أو تعجبية أم ماذا؟ هل هــي نافيــة؟ يمكــن أن‬
‫‪70‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫تقع في تعبيرات تحتمل عدة معاني في آن واحد فإذا أريدت كــل‬
‫سع‪.‬‬‫هذه المعاني يدخل في باب التو ّ‬
‫نقول مثل ً ‪ :‬مــا أغفلــك عن ّــا؟ )مــا( تحتمــل أن تكــون اســتفهامية أو‬
‫ن( تكــون نافيــة أو‬‫ســعًا‪ .‬كــذلك )إ ّ‬‫تعجبية فإذا أردنا المعنيين صار تو ّ‬
‫مشّبهة بليس أو ليست مشّبهة بليس كما في قــوله تعــالى )إن هــو‬
‫إل رحمة للعالمين( وقوله تعالى )إن أنا إل نذير( وقوله تعــالى )وإن‬
‫ن( شرطية كمــا فــي‬ ‫أدري أقريب أم بعيد ما توعدون( وقد تكون )إ ّ‬
‫ن(‬
‫قوله تعالى )وإن طائفتان مــن المــؤمنين اقتتلــوا( وقــد تكــون )إ ّ‬
‫مخففة من الثقيلة‪.‬‬
‫وإذا قلنا‪ :‬هو ل يكذب وإن ُأكره على ذلــك‪ .‬قــد نفهــم أنهــا شــرطية‬
‫بمعنى ل يكذب حتى لو ُأكــره‪ ،‬وقــد تكــون نافيــة أي ل يكــذب ولــم‬
‫سـع فـي المعنـى بصـورة‬ ‫ُيكره على ذلك فلماذا يكذب؟ هذا هو التو ّ‬
‫سطة‪.‬‬‫مب ّ‬
‫وإذا أرنا التوســع فــي المعنــى ل ضــرورة عنــدها لوجــود قرينــة لن‬
‫القرينة هي التي تساعد على تحيد معنى واحد من المعاني المرادة‬
‫دون غيره‪ .‬إذن إذا ُأريد التوســع ل يــؤتى بالقرينــة وإذا أردنــا تحديــد‬
‫معنى من المعاني يؤتى بالقرينة التي تدل عليه‪.‬‬

‫ونأخذ أمثلة من القرآن الكريم‪:‬‬


‫فممي‬ ‫ن ِ‬‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫‪ .1‬قال تعــالى فــي ســورة القمــر )إ ِ ّ‬
‫ر }‪ ({54‬كلمة )ن ََهر( لها دللت مختلفة منهــا‬ ‫ه ٍ‬
‫ون َ َ‬
‫ت َ‬
‫جّنا ٍ‬
‫َ‬
‫سعة في الرزق والمعيشة وفي كل ما تقتضيه السعادة‬ ‫ال َ‬
‫سعة فيــه‪ .‬ومــن دللتهــا أيضـا ً الضــياء لتهــم يقولــون أن‬
‫الجنة ليس فيها ليل ومــن معــاني الن َهَــر فــي اللغــة أيضـا ً‬
‫مجرى المــاء‪ .‬اليــة فــي ســورة القمــر تحتمــل كــل هــذه‬
‫المعاني وهي كلها مرادة‪ .‬ومن الملحظ في القــرآن كل ّــه‬
‫أنه حيثما جمع الجّنات جمع النهار إل في هذه الية‪ ،‬فقــد‬
‫ورد فــي القــرآن قــوله تعــالى )جنــات تجــري مــن تحتهــا‬
‫النهــار( وجــود كلمــة تجــري هنــا تــدل علــى أن المعنــى‬
‫المطلوب هو مجرى المــاء‪ .‬وفــي آيـة أخــرى قــال تعــالى‬
‫)فيها أنهار من ماء غير آسن( وجود )غير آسن( في اليــة‬
‫تفيــد جريــان المــاء لن المــاء ل يأســن إل إذا فــي حالــة‬
‫الركود وغيــر آســن قرينــة الجريــان‪ .‬أمــا فــي آيــة ســورة‬
‫القمر جاءت كلمة )نهر( بـدون قرينـة )فـي جنـات ونهـر(‬
‫‪71‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫وهي وردت في المتقين وهم المؤمنــون وزيــادة لــذا جــاء‬
‫مــراد فــي‬ ‫بالنهر وزيادة كما قال المفســرون‪ .‬والمعنــى ال ُ‬
‫الية أن المتقين في جنات ونهر بمعنــى فــي مــاء وضــياء‬
‫وسعة وقــد ورد فــي الحــديث الشــريف )الجنــة نــور يتلل‬
‫وريحانة تهتز قصــر مشــيد( وهــم فــي ســعة مــن العيــش‬
‫والرزق والمنازل وما تقتضيه الســعادة الســعة فيــه وهــذا‬
‫سع في المعنى ولم يــؤتى بــأي قرينــة تــدل علــى‬ ‫من التو ّ‬
‫معنى واحد فلــم يــذكر تجــري أو غيــر آســن أو أي قرينــة‬
‫مرادة‪.‬‬ ‫أخرى تحدد معنى واحد للن ََهر وإنما كل المعاني ُ‬
‫فــي ســورة يوســف قــال تعــالى علــى لســان إخــوة‬ ‫‪.2‬‬
‫فت َأ ُ ت َذْك ُُر‬‫قاُلوا ْ َتالله ت َ ْ‬ ‫يوسف مخاطبين أباهم يعقوب ) َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫كي َ‬ ‫هممال ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ممم َ‬
‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫و تَ ُ‬‫حَرضا ً أ ْ‬
‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ت َ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫ُيو ُ‬
‫}‪ .({85‬استخدمت كلمة )تفتأ( هنا بمعنــى ل يــزال وهــي‬
‫من أخوات كان )ما انفك‪ ،‬ما برح‪ ،‬ما زال‪ ،‬مــا فــتيء( مــا‬
‫زال تدل على الستمرار والــدوام )نقــول مــا زال المطــر‬
‫ل( لكن يبقى السؤال لماذا اختار تعالى كلمة )تفــت(‪9‬‬ ‫ناز ً‬
‫دون غيرها من أخواتها التي قد تعطي نفس المعنــى مــن‬
‫الستمرار والــدوام؟ ونســتعرض معنــى كلمــة فــتيء فــي‬
‫كن( بمعنــى مســتمر لنــه عنــدما ل‬ ‫اللغة‪ :‬من معانيها )سـ ّ‬
‫يسكن فهو مستمر‪ ،‬ومعناها أطفأ النار )يقال فتيء النار(‬
‫ومــن معانيهــا أيضـا ً نســي )فــتئت المــر أي نســيته(‪ .‬إذن‬
‫كن وأطفــأ النــار ونســي‪.‬‬ ‫كلمة )فتأ( لهــا ثلثــة معــاني سـ ّ‬
‫وفاقد العزيز سكن بمجــرد مــرور الزمــن فمــن مــات لــه‬
‫ميت يسكن بعد فترة لكن اللــه تعــالى أراد أن يعقــوب ل‬
‫ن‬ ‫ممم َ‬‫عي َْناهُ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ض ْ‬‫واب ْي َ ّ‬
‫ف بدليل قوله تعالى ) َ‬ ‫ينسى ول يك ّ‬
‫م }‪ ،({84‬وفاقد العزيــز كأنمــا هنــاك‬ ‫و كَ ِ‬
‫ظي ٌ‬ ‫ه َ‬
‫ف ُ‬‫ن َ‬ ‫حْز ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫نارا ً تحرق جنبيه ويقال )حرق قلبي( والنار التي بين جنبي‬
‫يعقوب ‪ ‬لــم تنطفــئ مــع مــرور اليــام ولــم تــزل النــار‬
‫ملتهبــة مســتعرة فــي قلــب يعقــوب ‪ ،‬وهــو لــم ينســى‬
‫وفاقد العزيز ينســى بعــد فــترة ولــذا يــدعو لــه المع ـّزون‬
‫بالصــبر والســلوان‪ .‬إذن تفتــأ جمعــت كــل هــذه المعــاني‬
‫المرادة هنا في الية ول يؤدي أي لفظ آخر هذه المعــاني‬
‫مجتمعة غير هذه الكلمــة‪ .‬والقــرآن الكريــم لــم يســتعمل‬
‫هــذه الكلمــة إل فــي هــذا الموضــع فــي ســورة يوســف‬
‫واســتعمل )يــزال ول يــوال( كــثيرا ً فــي آيــات عديــدة )ول‬
‫‪72‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫طلع على خائنة منهم(‪ .‬ومن الغريب أن القياس أن‬ ‫تزال ت ّ‬
‫ُيقال )ل تفتــأ( لن اســتعمالها نفــي أو شــبه نفــي‪ .‬إذا لــم‬
‫تــأتي بــ )ل( فهــو نفــي قطعـا ً كقــول الشــاعر )فل واللــه‬
‫أشــربها حيــاتي( بمعنــى ل أشــربها قطعـًا‪ .‬وقولنــا )واللــه‬
‫أذهــب( يعنــي ل أذهــب‪ .‬وهــذه مــن مــواطن النفــي ولــم‬
‫تحذف الـ)ل( في جواب القسم إل في هذا المــوطن فــي‬
‫القــرآن الكريــم‪ .‬فقــد ورد قــوله تعــالى )فل ورّبــك ل‬
‫يؤمنون( لم تحذف الـ)ل( هنا ونسأل عــن السـبب؟ لمـاذا‬
‫حذف الـ)ل( في الية؟ لن هذا القول قاله إخــوة يوســف‬
‫لكن هل هم أقسموا على أمــر يعلمــونه حــق العلــم ؟ كل‬
‫هم أقسموا على أمر يتصورونه فــالمر إذن ليــس مؤكــدا ً‬
‫ولم يحصل أصل ً فالذكر آكد من الحذف ولذا لم تذكر )ل(‬
‫في جواب القسم ولقد جــاء فــي اليــة مــا يفهــم المعنــى‬
‫بدون الحاجة لذكر )ل( ولن الذكر آكــد مــن الحــذف ولن‬
‫المر ليس مؤكدا ً عند إخوة يوسف‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬‫س الّلمم ُ‬
‫‪ .3‬مثال آخر قوله تعالى في سورة التين )أل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن }‪ ({8‬ما المقصود بأحكم الحـاكمين؟‬ ‫مي َ‬ ‫حك َم ِ ال ْ َ‬
‫حاك ِ ِ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫حكم أو من القضاء‪ .‬وقــد ورد فــي‬ ‫تحتمل أن تكون من ال ُ‬
‫القــرآن الكريــم )ان احكــم بينهــم بمــا أنــزل اللــه( تعنــي‬
‫ص الحـقّ وهـو خيـر الفاصـلين(‬ ‫القضاء‪ ،‬وقوله تعالى )يقـ ّ‬
‫حكم‪ .‬فهي تحتمل أن تكون مــن القضــاء أو مــن‬ ‫بمعنى ال ُ‬
‫الحكمة وهي تحتمل أن تكون أقضى القضاة وتحتمــل أن‬
‫تكون أقضى الحكماء‪ ،‬وأحكــم القضــاة وأحكــم الحكمــاء‪،‬‬
‫فهي إذن جمعت أربع معاني في كل كلمة احتمــالين فــي‬
‫الحكمة والقضاء‪ .‬وهذا كلــه محتمــل وجــائز وليــس هنــاك‬
‫قرينة تحدد معنى واحدا ً من هذه المعاني دون غيــره إذن‬
‫سع في المعنى فــي بــاب‬ ‫المراد كل هذه المعاني وهذا تو ّ‬
‫اللفاظ المشتركة‪.‬‬

‫سع في المعنى في الصيغ المشتركة‪:‬‬ ‫التو ّ‬


‫في العربية أحيانا ً الصيغة الواحدة يجتمع بهــا أكــثر مــن معنــى مثــل‬
‫صيغة فعيل على سبيل المثال فهي قد تكون للمبالغة مثل )ســميع(‬
‫أو صفة مشّبهة مثل )طويل أو قصير( أو اسم مفعــول مثــل )قتيــل‬
‫أو أسير( إذن هذه الصيغة تحتمل عدة معاني‪ .‬ومعــروف فــي اللغـة‬
‫‪73‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫أن اســم المفعــول مــن غيــر الثلثــي يشــترك فيــه المصــدر واســم‬
‫المكان واسم الزمــان واســم المفعــول وأحيان ـا ً يشــترك فيــه اســم‬
‫الفاعل‪ .‬مثال كلمة مختار‪ ،‬هل هي اسم اعل ؟ ل نعلم ما هي فقــد‬
‫تحتمل أن تكون مصدر بمعنى اختيار أو مكــان الختيــار أو زمــانه أو‬
‫اسم فاعل أو اسم مفعول‪ .‬فإذا قلنا )هذا مختارنا( يحتمل أن يكون‬
‫هــو الــذي اخترنــاه أو اختيارنــا أو زمــان اختيارنــا أو مكــان اختيارنــا‪.‬‬
‫فالصيغة إذن تكون أحيانا ً مشتركة فــإذا أردنــا معــاني الصــيغ يكــون‬
‫توسع في المعنى وليس هناك قرينة‪.‬‬
‫‪ .1‬مثال من القــرآن الكريــم فــي ســورة القيامــة قــوله‬
‫قّر }‪ .({12‬مـــا‬ ‫سممت َ َ‬ ‫ذ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬ ‫تعـــالى )إ َِلممى َرّبمم َ‬
‫ك َيمم ْ‬
‫المقصود بالمستقر؟ هل هو بمعنى إلى ربك الستقرار أو‬
‫إلى مشيئته الستقرار أي ل يســتقرون إلــى غيــره أو هــو‬
‫موضع الستقرار وهو الجنة أو النار فالله وحده هــو الــذي‬
‫يحكم بين العباد‪ ،‬أو هو زمان الستقرار بمعنى يبقــون مــا‬
‫يشاء الله في المحشر ثم يأمر الله تعالى بالقضاء بينهم؟‬
‫والمقصـــود مـــن هـــذه اليـــة كـــل المعـــاني المحتملـــة‬
‫فالســتقرار إليــه ومكــان وزمــان الســتقرار إليــه فــإليه‬
‫المستقر إذن هي جمعــت ثلثــة معــاني ‪ :‬المصــدر واســم‬
‫المكان واسم الزمان وهــي كلهــا مــرادة مطلوبــة وليــس‬
‫هناك قرينة تصرف إلى أحد هــذه المعــاني فأصــبحت إذن‬
‫سع في المعنى‪.‬‬ ‫من باب التو ّ‬
‫‪ .2‬مثــال آخــر‪ :‬ما المقصممود بكلمممة )حكيممم( فممي‬
‫قمموله تعممالى فممي سممورة يممس )يممس والقممرآن‬
‫الحكيممم( وقمموله تعممالى )ذلممك نتلمموه عليممك مممن‬
‫اليممات والممذكر الحكيممم(؟ يحتمــل أن تكــون بمعنــى‬
‫محكم )اسم مفعول( كما في قوله تعالى )كتاب ُأحكمــت‬
‫آيــاته( )ومنــه آيــات محكمــات( فهــو محكــم ‪ ،‬وقــد يكــون‬
‫مبالغة في الحكم لنــه حــاكم علــى غيــره ومهيمــن علــى‬
‫غيره من الكتــب والحكــام )مصــدقا ً لمــل بيــن يــديه مــن‬
‫الكتاب ومهيمنا ً عليه( أو هو صفة مشّبهة من الحكمة فهو‬
‫مرادة ولم يأتي‬ ‫ينطق بالحكم ويأتي بها‪ .‬كل هذه المعاني ُ‬
‫بقرينــة تصــرف إلــى معنــى مــن هــذه المعــاني وهــذا مــا‬
‫ُيسمى التوسع في المعنى‪.‬‬
‫مــة(‪ .‬مــا‬
‫‪ .3‬مثال آخــر قــوله تعــالى )إن إبراهيــم كــان أ ّ‬
‫مة(؟ في اللغة لها احتمالن والمشــهور‬ ‫المقصود بكلمة )أ ّ‬
‫‪74‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫هو أنها الجيل من الناس ولها عنــى آخــر فهــي علــى وزن‬
‫م‪ .‬والُفعلة هكذا هي اسم مفعول له أوزان‬ ‫م يؤ ّ‬ ‫ُفعلة من أ ّ‬
‫صــرعة إذا‬ ‫ب كــثيرا ً أو ُ‬ ‫سـّبة إذا كــان ُيسـ ّ‬ ‫كثيرة نقول هــو ُ‬
‫ضحكة هو الــذي‬ ‫كان ُيصرع كثيرا ً وُلعنة الذي ُيلعن كثيرا ً و ُ‬
‫يضحك منه الناس وُيهزأ به‪ .‬وكذلك لدينا فُعََلة وهي صيغة‬
‫ص ـَرعة أي‬ ‫مة وهي اسم فاعل فنقول هو ُ‬ ‫حط َ َ‬ ‫مبالغة مثل ُ‬
‫مــزة الــذي يســخر مــن النــاس‬ ‫الــذي َيصــرع كــثيرا ً ‪ ،‬وهُ َ‬
‫حكة هو الذي يضحك من الناس‪ ،‬فمــا المقصــود بأمــة‬ ‫ض َ‬ ‫و ُ‬
‫في هذه الية؟ والمقصود أن إبراهيــم ‪ ‬كـان عنــده مـن‬
‫مة أو جيل مــن النــاس وهــو أيض ـا ً إمــامهم‬ ‫الخير ما عند أ ّ‬
‫مة من معانيها إمام ومـأموم وقـد قـال تعـالى فـي آيـة‬ ‫وأ ّ‬
‫مة فــي هــذه اليــة‬ ‫أخرى )إني جاعلك للناس إماما( إذن أ ّ‬
‫فيها احتمالين أن عنده من الخير ما عند جيل مــن النــاس‬
‫ص على معنـى‬ ‫م الناس وإمام لهم ولو قال إمام لن ّ‬ ‫وهو يؤ ّ‬
‫مة( تدل أن المقصــود‬ ‫واحد دون الخر لكن اختيار كلمة )أ ّ‬
‫مراد هو المعنيين لهذه الكلمة فصار هــذا اتســاعا ً فــي‬ ‫وال ُ‬
‫المعنى‪.‬‬
‫‪ .4‬مثال آخر قوله تعالى فــي ســورة البقــرة )ول ُيضــاّر‬
‫كــاتب ول شــهيد( ونســأل كلمــة )ضــاّر( هــل هــي مبنــي‬
‫للفاعل او المفعول؟ نقــول هــي تحتمــل الثنيــن ولــو أراد‬
‫ك الدغام كما في قوله تعالى )ومـن يشـاقق‬ ‫التنصيص لف ّ‬
‫الله ورسوله( وقوله )ومن يرتدد منكم عن دينــه( بمعنــى‬
‫أنـه لـو أراد إسـم الفاعـل لقـال )ُيضـاِرر( ولـو أراد إسـم‬
‫المفعــول لقــال )ُيضــاَرر(‪ .‬واللــه تعــالى أراد الثنيــن معـا ً‬
‫ضّرا غيرهما إما‬ ‫ومعنى الية أنه نهى الكاتب والشهيد أن ي ُ‬
‫بكتــم الشــهادة أو المتنــاع عــن الحضــور لهــا أو تحريفهــا‬
‫وأراد المعنى الخر وهو نهى أن يقع الضرر علــى الكــاتب‬
‫والشهيد ممن يضغطون عليهم لتغيير الشــهادة أو تبــديلها‬
‫أو المتناع عنها‪ .‬إذن المطلــوب منــع الضــرر مــن الكــاتب‬
‫والشهيد ومنعه عنهما أيضا ً في نفس الية وبدل أن يقول‬
‫ول ُيضاَرر ول ُيضاِرر كــاتب ول شــهيد جــاء بالصــيغة الــتي‬
‫تحتمل المعنيين وهي كلمة )ُيضاّر(‪.‬‬
‫ت‬ ‫دا ُ‬ ‫واِلمم َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ومثــل المثــل الســابق قــوله تعــالى ) َ‬ ‫‪.5‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كا ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ْ َ‬ ‫ول َدَ ُ‬ ‫َ‬
‫ن أَرادَ أن ي ُت ِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ن لِ َ‬ ‫ملي ْ ِ‬ ‫ولي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ع َ‬‫ض ْ‬ ‫ي ُْر ِ‬
‫ن‬ ‫ه ّ‬ ‫وت ُ ُ‬
‫سم َ‬ ‫وك ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫هم ّ‬ ‫ق ُ‬‫رْز ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ول ُمموِد ل َ م ُ‬ ‫وعَلى ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ع َ‬
‫ضا َ‬ ‫الّر َ‬
‫‪75‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ضممآّر‬ ‫ها ل َ ت ُ َ‬ ‫ع َ‬‫سمم َ‬ ‫و ْ‬ ‫س إ ِل ّ ُ‬ ‫فمم ٌ‬ ‫ف نَ ْ‬ ‫ف ل َ ت ُك َّلمم ُ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫ِبممال ْ َ‬
‫ث‬ ‫ر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫عل َممى ال ْم َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬ ‫ول َم ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫وُلودٌ ل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫د َ‬ ‫ول َ ِ‬ ‫وال ِدَةٌ ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مث م ُ‬‫ْ‬
‫ممما‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ض ّ‬ ‫را ٍ‬ ‫عممن ت َم َ‬ ‫صممال َ‬ ‫ف َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ن أَرا َ‬ ‫ل ذَل ِمك ف مإ ِ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ َ‬
‫م أن‬ ‫ن أَردّتمممم ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ممممما َ‬ ‫ه َ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫جَنمممما َ‬ ‫فل َ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫و ٍ‬
‫شمممما ُ‬ ‫وت َ َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مُتم‬ ‫س مل ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م إِ َ‬ ‫علي ْك ُم ْ‬ ‫ح َ‬ ‫جن َمما َ‬ ‫فل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ول َدَك ُ ْ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ست َْر ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ م َ‬ ‫ممموا ْ أ ّ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما آت َي ُْتم ِبال ْ َ‬ ‫ّ‬
‫صيٌر }‪ .({233‬هل هي مبنيــة للفاعــل أو‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫المفعول؟ من المحتمــل أن تضــر الزوجــة زوجهــا بزلــدها‬
‫ضر الزوج زوجتــه بولــده فــأراد تعــالى‬ ‫ومن المحتمل أن ي ُ‬
‫المعنيين لكيل يقع الضرر مــن أحــدهما علــى الخــر فجــاء‬
‫بصيغة تــدل علــى المعنييــن وهــذا مــن بــاب التوســع فــي‬
‫المعنى‪ .‬ولقد تفّرد القرآن الكريم باختيار التعــبير العلــى‬
‫مراد وفي المكان الذي يقتضيه هذا المعنــى‬ ‫في المعنى ال ُ‬
‫دى بــه العــرب أهــل اللغــة‬ ‫ومــن هنــا إعجــازه الــذي تح ـ ّ‬
‫والفصاحة فعجــزوا عــن التيــان ولــو بســورة واحــدة مــن‬
‫مثله‪.‬‬
‫سممع فممي المعنممى فممي الجمممع بيممن اللفمماظ‬ ‫التو ّ‬
‫والصيغ المشتركة ذات الدللت المختلفة‪:‬‬
‫سع في القرآن الكريم الجمع بيــن اللفــاظ والصــيغ‬ ‫من مواطن التو ّ‬
‫ذات الدللت المختلفة‪ .‬ونأخذ مثــال مــن غيــر القــرآن أول ً لــو قلنــا‬
‫أعطيته عطاًء حسنًا‪ .‬فعل أعطــى مصــدره العطــاء وليــس العطــاء‬
‫كصيغة أفعل افعال مثل أكرم إكرام لــو قلنــا أعطيتــه إعطـاًء لكــان‬
‫واضــحا ً لن مصــدر الفعــل أعطــى إعطــاًء أمــا العطــاء فهــو اســم‬
‫المصدر بمعنى العطــاء أو المــال والعطــاء يحتمــل معنييــن إعطــاء‬
‫ل المعنــى علــى‬ ‫حسن ومــال حســن أمــا قولنــا أعطيتــه إعطــاء لــد ّ‬
‫المصدر فقط أي العطاء الحسن فقط‪.‬‬
‫ونأخذ مثال ً مــن القــرآن قــوله تعــالى )مــن ذا الــذي‬ ‫‪.1‬‬
‫يقرض الله قرضا ً حسنًا( الفعــل أقــرض مصــدره إقراضـا ً‬
‫والفعــل الثلثــي قــَرض مصــدره قرضــًا‪ .‬فجــاء بالفعــل‬
‫الرباعي )يقــرض( ولــم يــأت بمصــدره إنمــا جــاء بمصــدر‬
‫الفعل الثلثي )قرضًا(‪ .‬ولو رجعنا إلى معنى القــرض فــي‬
‫اللغة فهو يعني المــال والقــراض إذن القــرض فــي اليــة‬
‫تحتمل المعنيين‪ ،‬فلو كان القصد القــراض لكــان إعرابهــا‬
‫مفعول مطلق‪ ،‬ولــو كـان المقصــود المــال لكـان إعرابهـا‬
‫مــراد مــن اليــة الكريمــة )مــن ذا‬ ‫مفعول بــه‪ .‬والمعنــى ال ُ‬
‫‪76‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫الــذي يقــرض اللــه إقراض ـا ً حســنا ً أي خــالص النيــة للــه‬
‫ل( فهنــاك‬ ‫محتسبا ً الجر من الله‪ ،‬ومال ً حسنا ً أي طيبا ً حل ً‬
‫إذن إقراض حسن ومال حســن ولمــا قــال تعــالى قرض ـا ً‬
‫حسنا ً جمع بيــن المريــن مع ـا ً إقراض ـا ً حســنا ً ومــال ً حلل ً‬
‫طيبًا‪.‬‬
‫‪ .2‬مثال آخر في القرآن الكريم قوله تعالى فــي ســورة‬
‫ل‬ ‫ل ُيض ّ‬‫النساء )يريد الشيطان أن يضّلهم ضلل ً بعيدا(‪ :‬أض ّ‬
‫ل‪ .‬وقد جــاء فــي‬ ‫مصدره الضلل والضلل مصدر فعل ض ّ‬
‫ل ضلل ً بعيــدا(‪ ،‬وقــد جــاء بالفعــل‬ ‫آية أخرى أيضا ً )فقد ض ّ‬
‫مــن بنــاء ولــم يــأتي بمصــدره وإنمــا جــاء بمصــدر الفعــل‬
‫ل( نســأل لمــاذا؟ لن الشــيطان يريــد أن يبــدأ‬ ‫الثلثي )ض ّ‬
‫مرحلة أن يضل النسان ولكن ل يريد أن يتابع وإنما يريــد‬
‫النســان أن يتــم ويكمــل المرحلــة فيبتــدع مــن وســائل‬
‫الضلل ما ل يعلمه الشــيطان‪ .‬لــو جــاء فــي اليــة إضــلل‬
‫لكان هذا كله مــن الشــيطان وحــده ول يتــابع فالشــيطان‬
‫يضع النسان على طريق الضلل ويذهب إلى مكــان آخــر‬
‫أما إذا جــاء بكلمــة ضــلل فهــي تعنــي أن الشــيطان فهــو‬
‫يبـــدأه ويكملـــه النســـان فـــأراد ســـبحانه المعنييـــن أن‬
‫الشيطان يبدأ بالضلل والنسان ُيكمل ما بــدأه الشــيطان‬
‫ويبتدع من طرق الضلل ما يبتدع‪ .‬إذن معنى الضلل هــو‬
‫من الشيطان وحده أما الضلل فالشيطان يبدأ والنســان‬
‫ُيكمل الطريق فالشيطان والنسان مشتركين في عمليــة‬
‫الضلل‪.‬‬
‫ومثــال آخــر فــي قــوله تعــالى )وتبت ّــل إليــه تبــتيل(‬ ‫‪.3‬‬
‫القياس أن يقال تبّتل تبت ّل ً أنما في الية جاء بالفعــل ولــم‬
‫يأت بمصــدره وإنمــا جــاء بمصــدر فعــل آخــر ليجمــع بيــن‬
‫أمرين‪) .‬صــيغة تفعّــل تفيــد التــدرج مثــل تجـّرع المــاء أي‬
‫ســر فيهــا التــدرج والتكلــف( ومثلهــا‬ ‫جرعــة جرعــة وتح ّ‬
‫سر أي جعلــه كســرة كســرة‬ ‫سس وكسر وك ّ‬ ‫سس وتح ّ‬ ‫تج ّ‬
‫طع تفيد التكــثير لن صــيغة فعّــل تفيــد التكــثير‪.‬‬ ‫وقطع وق ّ‬
‫فهو الن في قــوله تعــالى )وتبت ّــل إليــه تبــتيل( جمــع بيــن‬
‫المعنيين التــدرج والتكلــف والمبالغــة والتكــثير ووضــعهما‬
‫وضعا ً تربويا ً عجيبا ً يبدأ بالتدرج ثم ينتهي بــالتكثير فالتبت ّــل‬
‫هو النقطاع إلى الله في العبادة وقد عّلمنا تعالى أن نبدأ‬
‫بالتدرج في العبادة شيئا ً فشيئا ً ثم نــدخل فــي التكــثير ول‬
‫‪77‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ندخل في العبادة الكثيرة مباشرة لن التدرج في العبــادة‬
‫يــؤدي إلــى الكــثرة فيهــا فيمــا بعــد وهــذه هــي الطريقــة‬
‫التربوية للعبادة تبدأ بالتدرج وتحمل نفســك علــى العبــادة‬
‫شــيئا ً فشــيئا ً ثــم تنتهــي بــالتكثير والكــثرة فــي العبــادة‪.‬‬
‫والتــدرج والتكلــف جــاء بالصــيغة الفعليــة الدالــة علــى‬
‫الحدوث والتجدد )تبّتل(ثــم جــاء بالصــيغة الســمية الدالــة‬
‫على الثبوت )تبتيل( فبــدل أن يقــول تبت ّــل إليــه تبت ّل ً وبت ّــل‬
‫نفسك إليه تبتيل وهــذه صــياغة فنيــة تربويــة عجيبــة وقــد‬
‫جمع في الية عدة أمور بيانية في التعبير‪ .‬والعرب قديما ً‬
‫كانوا يفهمون هــذه البلغــة بــالفطرة لكنهــم عجــزوا عــن‬
‫التيان بالصــيغة الـتي جـاء بهــا القـرآن الكريـم وهــذا هــو‬
‫التحدي والعجاز في القرآن‪.‬‬
‫‪ .4‬مثال آخر قوله تعالى )مالك الملــك( هــو مالــك مــن‬
‫ملــك مــن الحكــم‪ .‬مــع‬ ‫التمّلك ومــن ال ِ‬
‫ملــك )الملكيــة( وال ُ‬
‫فرعون قــال تعــالى )أليــس لــي ملــك مصــر( بمعنــى لــه‬
‫ملك‪ .‬أما لله تعالى مالــك الملــك تعنـي‬ ‫الحكم وليس له ال ِ‬
‫أن الملــك ملكــه وهــو يملكــه ملك ـا ً كمــا يملــك المالــك‪،‬‬
‫ملك الله تعالى يتصرف به تصّرف المالك لنه‬ ‫ملك هو ِ‬ ‫فال ُ‬
‫ملكه وحده سبحانه فإذن جمع تعــالى بيــن الملكيــة وبيــن‬
‫الحكم‪ .‬والمالــك يتصــرف فــي ملكــه مــا ل يتصــرف فيــه‬
‫المِلك لن المِلك لــه تصــرف عــام آخــر أمــا المالــك فلــه‬
‫تصرف خاص‪ .‬وقوله تعالى )مالك الملــك( جمــع المريــن‬
‫الملكية والتحكم كما نقرأ في سورة الفاتحــة )ملــك يــوم‬
‫الدين( في قراءة و)مالك يوم الدين( في قراءة أخرى‪.‬‬
‫‪) .5‬وأنبتها نباتا ً حسنًا( في الثناء على مريم قــال تعــالى‬
‫وأنبتها نباتا ً حسنا ً ولم يقل إنباتا ً حسنا ً لنــه تعــالى أراد أن‬
‫ُيثني عليها وعلى معدنها الكريم‪ .‬يقال أنبت إنباتــا ً ومريــم‬
‫عليها الســلم أنبتهــا تعــالى فنبتــت نباتـا ً حســنا ً فطــاوعت‬
‫وقبلت أي أن لها فضل في هذا ولو قال تعالى إنباتا ً لكان‬
‫كله عملية لله وحده وليس لمريــم أي فضــل بمعنــى أنــه‬
‫تعالى أنبتها كما يشاء هــو لكــن اللــه تعــالى أراد أن يثنــي‬
‫على مريم ويجعل لها فضل ً في هذا النبــات فقــال تعــالى‬
‫)وأنبتها نباتا ً حسنًا( أي أنه تعالى أنبتها فنبتت نبات ـا ً حســنا ً‬
‫وطاوعت أمر ربها وقبلت وكان من معدنها ما جعلها تنبت‬
‫نباتـا ً حســنًا‪ .‬وقــد أراد تعـالى أن يجمـع بيــن المريــن أنـه‬
‫‪78‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫تعالى أنبتها كما يشاء وأراد من باب الثنــاء أن يجعــل لهــا‬
‫فضل ً في هذا من طيب معدنها وطواعيتها فقــال )وأنبتهــا‬
‫نباتا ً حسنًا(‪.‬‬
‫من مواطن التوسع في المعنى‪ :‬العدول من تعبير‬
‫إلى تعبير‪:‬‬
‫هذا في القرآن الكريم كثير وهو ترك تعبير إلى تعبير آخــر ويحتمــل‬
‫أكثر من وجه إعرابي وأكثر مــن معنــى‪ .‬كمــا فــي قــوله تعــالى )ول‬
‫تشركوا به شيئا( فما المقصود بـ)شيئا(؟ هل هو شيء من الشــياء‬
‫مما ُيشرك الناس به من أوثان وغيرها وعنده ُيعرب مفعول به أو ل‬
‫تشركوا بــه شــيئا ً مــن الشــرك لن الشــرك أنــواع الشــرك الصــغر‬
‫والشرك الكبر وتعرب حينها مفعول مطلق‪ ،‬فمــا المقصــود؟ كلمــة‬
‫)شيئا( تحتمل المعنييــن أي ل تشــركوا بــالله شــيئا ً مــن الشــياء ول‬
‫شيئا ً من الشرك فنهانا سبحانه عن الشرك به شيئا ً مــن الشــياء أو‬
‫شيئا ً من الشرك لن هناك من أنواع الشرك ما هو أخفى من دبيب‬
‫النمل‪ .‬والمفعول المطلــق المصــدر ينــوب عنــه أشــياء كــثيرة فقــد‬
‫تنوب عنه صفته والضمير والمصــدر‪) .‬شــيئًا( أحيان ـا ً الســم العــادي‬
‫المادي نفسه مثال لما نقول طعنه ســكينا ً عنــد النحــاة هــو مفعــول‬
‫مطلق بمعنى طعنه بسكين فالمفعول المطلق )سكينا( ينــوب عــن‬
‫المصدر وهو اللة‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى )ول تظلمون فتيل( الفتيل هو الخيــط فــي شــق‬
‫النواة فهل المقصود شيئا ً ماديا )مفعول به( أو شيئا ً من الظلم وإن‬
‫كــان فــتيل؟ إذا أردنــا المصــدر تعــرب مفعــول مطلــق بمعنــى )ول‬
‫ل( وهنــا أراد تعــالى المريــن‬ ‫تظلمون شيئا ً من الظلم وإن كــان قلي ً‬
‫والمعنيين معا ً بمعنى أنه ل يظلمنا ل قليل ً من الشياء ول شــيئا ً مــن‬
‫الظلم وإن كان قليل‪ .‬ولــو أراد تعــالى التحديــد والتخصــيص بمعنــى‬
‫واحد لفعل كما في قوله تعالى )ول يشــرك بعبــادة ربــه أحــدا( هنــا‬
‫حدد معنى واحدا ً أما عندما يريد أكثر من معنى ويريد التعميم يــأتي‬
‫بصيغة تحتمل عدة معاني وهذا ما ُيسمى التوسع فــي المعنــى فــي‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫مثال آخر قوله تعالى )فليضحكوا قليل ً وليبكوا كثيرا( ‪ :‬ما المقصــود‬
‫ل؟ أو بكاء كثيرا ً أو وقتا ً كــثيرًا؟ اليــة تحتمــل‬ ‫ضحكا ً قليل ً أو وقتا ً قلي ً‬
‫كل هذه المعاني أراد تعالى معنى المصدر والظرف في آن معا ً هــو‬
‫أراد فليضحكوا ضحكا ً قليل ً وقتا ً قليل ً وليبكوا بكاء كــثيرا ً وقتـا ً كــثيرا ً‬
‫ولــو أراد معنــى واحــدا ً لحــدد الظــرف أو المصــدر لكنــه جمــع بيــن‬
‫الظرف والمصدرية في الية الواحدة‪ .‬والعراب يختلف هنا لــو أراد‬
‫‪79‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ضحكا ً قليل ً تكــون قليل ً مفعــول مطلــق ولــو أراد وقتـا ً قليل ً لكــانت‬
‫ظرفا ً وكذلك لو أراد بكاء كثيرا ً لكانت كثيرا ً مفعول مطلق ولو أراد‬
‫وقتا ً كثيرا ً لكانت ظرفا ً إذن أراد تعالى أن يجمع بين الحدث القليــل‬
‫ل( والحــدث الكــثير والزمــن الكــثير‬ ‫والزمن القليــل )فليضــحكوا قلي ً‬
‫)وليبكوا كثيرًا(‪ .‬ونلحظ أنه في التقييد حكمــة وفــي التكــثير حكمــة‬
‫أيضًا‪.‬‬
‫ومثال آخر قوله تعالى )بل كانوا ل يفقهون إل قليل( هــل المقصــود‬
‫قليل من الفقه أو قليل من المسائل والمور‪ .‬الية تحتمل المعنيين‬
‫قليل من الفقه وقليل من المســائل ومثــل هــذه اليــة قــوله تعــالى‬
‫دهم عن سبيل الله كثيرا( هل المقصود كثير من الصد ّ أو كثير‬ ‫)وبص ّ‬
‫مــن الخلــق أو كــثير مــن الــوقت؟ اليـة تحتمـل كــل هــذه المعــاني‬
‫والسياق هو الذي يحدد كيف نتنــاول هــذه اليــات وهــو الــذي يحــدد‬
‫المراد من الية‪.‬‬
‫ومثال آخر قــوله تعــالى )وادعــوه خوفـا ً وطمعــا( يحتمــل أن يكــون‬
‫مفعــول لجلــه أو حــال بمعنــى خــائفين طــامعين ويمكــن أن يكــون‬
‫مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره ندعوه خائفين ونــدعوه ونحــن‬
‫نخاف خوفا ً وندعوه من أجل الطمع أي ينبغي أن يكون الطمع دافع‬
‫لنا‪ ،‬وفي حالة طمــع )حــال( ونحــن نطمــع طمعـا ً )مفعــول مطلــق(‬
‫للطمع وطامعين وحال طمــع فجمعهــا ســبحانه فــي اليــة )وادعــوه‬
‫خوفا ً وطمعا( والتعابير كلها مرادة‪.‬‬
‫وقوله تعالى )إليه يصعد الكِلم الطيب والعمل الصالح يرفعــه( ‪ :‬مــا‬
‫ل الصــالح والثــاني العم ـ ُ‬
‫ل‬ ‫المقصــود؟ تحتمــل خيــاران الول‪ :‬العم ـ َ‬
‫ل‬‫ل الصــالح يرفعــه؟ ولــم يقــل العم ـ َ‬ ‫الصــالح‪ .‬فلمــاذا اختــار العم ـ ُ‬
‫ل الصــالح يرفعــه( جملــة‬ ‫الصالح؟ نفهم الية أول ً قوله تعالى )والعم ُ‬
‫إسمية من الذي يرفع؟ هو مرفوع يرفعه الله تعالى ؟ هل هو يرفــع‬
‫الكلم الطيب إلــى اللـه تعــالى؟ يحتمــل المعنييــن فــي هــذا التعــبير‬
‫ويكون لدينا معنيين مقبولين‪ :‬العمل الصالح هــو الــذي يرفــع الكلــم‬
‫الطيب عند اللـه صـاعدا ً إليــه واللـه تعـالى هـو الــذي يرفـع العمــل‬
‫ل الصــالح يرفعــه( ل يمكــن إل أن‬ ‫الصالح‪ .‬ولــو قــال تعــالى )والعمـ َ‬
‫ل الصــالح(‬ ‫يكــون لهــا معنــى واحــدا ً هــو أن اللـه تعـالى يرفــع العمـ َ‬
‫ولتحدد المعنى وهذا هو العدول من النصب إلى الرفــع وهــو عــدول‬
‫بياني لكسب معنيين وليس مصادفة أو اعتباطًا‪.‬‬
‫من مواطن التوسع في المعنى أيضا ً الحذف‪:‬‬
‫الحذف يــؤدي إلــى إطلق معنــى المعنــى وتوســعه وهــو قســمان‪:‬‬
‫قسم ل يؤدي إلى توسع في المعنى ول إلــى إطلق لن المحــذوف‬
‫‪80‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫در ذلك المحذوف )ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا( المحذوف‬ ‫يتعين فيتق ّ‬
‫أنــزل وكــذلك قــوله تعــالى )والحــافظين فروجهــم والحافظــات(‬
‫المحــذوف كلمــة فروجهــن‪ ،‬وقــوله تعــالى )والــذاكرين اللــه كــثيرا ً‬
‫والذاكرات( وقوله تعالى )ولئن سألتهم من خلق السموات والرض‬
‫ليقولن الله( هذا الحذف هنا ليس فيه توسع ول إطلق في المعنــى‬
‫لن المحذوف محدد ومعّين‪.‬‬
‫وهناك قسم آخر من الحذف يؤدي إلى التوســع فــي المعنــى وهــذا‬
‫يحتمل عدة تقديرات ‪ 2‬أو ‪ 3‬أو ‪ 4‬أو ‪ 5‬تقــديرات قــد يكــون بعضــها‬
‫مراد وقد تكون كلها مرادة بقدر ما يحتمــل الســياق‪ .‬وعلــى ســبيل‬
‫د‬
‫ق ْ‬ ‫ر َأن َ‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬‫ةأ ْ‬
‫المثال قوله تعالى )وَنادى أ َصحاب ال ْجن ّ َ‬
‫َ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫قمما ً‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫كمم ْ‬ ‫عدَ َرب ّ ُ‬‫و َ‬‫ما َ‬ ‫جدّتم ّ‬ ‫و َ‬
‫ل َ‬ ‫ه ْ‬‫ف َ‬‫قا ً َ‬ ‫ح ّ‬‫عدََنا َرب َّنا َ‬ ‫و َ‬
‫ما َ‬ ‫جدَْنا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مي َ‬‫على الظممال ِ ِ‬ ‫ه َ‬‫ة الل ِ‬ ‫عن َ ُ‬
‫م أن ل ْ‬ ‫ه ْ‬‫ن ب َي ْن َ ُ‬ ‫ؤذّ ٌ‬ ‫ن ُ‬‫فأذّ َ‬ ‫ع ْ‬
‫قالوا ن َ َ‬
‫}‪ ({44‬قــال تعــالى علــى لســان أصــحاب الجنــة )مــا وعــدنا ربنــا(‬
‫بالتخصيص لهم ولم يقل )ما وعدكم ربكم( مع أصحاب النــار وذلــك‬
‫لن الكافرين ل ينكرون فقط مـا وعـدهم ربهـم لكنهـم ينكـرون مـا‬
‫وعدهم وما وعد غيرهم وكل ما يتعلق بــالبعث والحســاب والقيامــة‬
‫فهم ينكــرون مــا يتعلــق بهــم وبغيرهــم فالســؤال لـم يكــن عــن مــا‬
‫وعدهم ربهم فقط ولكن السؤال عن الوعد بصورته العامة لذا قال‬
‫تعالى )ما وعد ربكم( ولو قال ما وعــدكم لكــان جــزءا ً مــن المعنــى‬
‫مراد وليس كله فأهل قريش كانوا يؤمنــون بــالله لكنهــم ينكــرون‬ ‫ال ُ‬
‫الساعة والبعث‪ .‬إذن الحذف هنا أدى إلــى توســع فــي المعنــى لنــه‬
‫شمل ما وعدهم ووعد غيرهم والوعد العام بالحساب والبعث‪.‬‬
‫مثال آخر قوله تعالى )فاصدع بما تــؤمر وأعــرض عــن المشــركين(‬
‫)ما( تحتمل أمرين تحتمل أن تكون مصدرية بمعنــى فاصــدع بأمرنــا‬
‫وتحتمل أن تكون اسم موصول فلو قال تعــالى )فاصــدع بمــا تــؤمر‬
‫به( لكان اســما ً موصــول ً قطع ـًا‪ .‬فمــا المقصــود؟ تحتمــل أن تكــون‬
‫فاصدع بأمرنا وتحتمل أنو تكون فاصــدع بالــذي تــؤمر بــه والمــران‬
‫مرادان في الية أن يصدع بأمره ويصدع بما أمره به ولو ذكــر أحــد‬
‫المرين لتحدد المعنــى بشــيء واحــد أو بقســم مــن المعنــى‪ ،‬وهــذا‬
‫الحذف هنا يدل على التوسع في المعنى‪.‬‬
‫ونظير ذلك قوله تعالى )أنسجد لما تأمرنا( تحتمل معنى أنسجد لما‬
‫تأمرنا به وأنسجد لكل ما تأمرنا بــه ولمــرك ‪ ،‬فالحــذف هنــا أطلــق‬
‫سعه‪ .‬ومثال ذلك أيضا ً قــوله تعــالى فــي ســورة الضــحى‬ ‫المعنى وو ّ‬
‫)ألم يجدك يتيما ً فآوى( احتملت المعاني آواك وآوى بك خلقا ً كــثيرا ً‬
‫وآوى لك ولجلك من آوى‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫مثال آخر من الحذف وقد يكون الحذف للتوسع في المعنى يعطــي‬
‫أكثر من احتمالين كما فــي قــوله تعــالى )ألــم يؤخــذ عليهــم ميثــاق‬
‫الكتاب أن ل يقولوا على الله إل الحق( هذه الية غريبة في التوسع‬
‫فيها لن احتمالت الحذف فيه متعددة‪ ،‬محتمل أن يكون المحــذوف‬
‫حرف الباء )بأن يقولوا على الله( بمعنــى ألــم يؤخــذ عليهــم ميثــاق‬
‫الكتاب بهذا المر وهذا حذف قياسي‪ .‬ومحتمل أن يكون المحــذوف‬
‫حرف في )ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب في أن يقولوا على اللــه(‬
‫ومحتمل أن يكون المحذوف حرف علـى )ألـم يؤخــذ عليهـم ميثـاق‬
‫الكتاب على أن ل يقولوا على الله( وهذا من باب التوافق والتعاهــد‬
‫سيكون أش ـد ّ توافقنــا وتعاهــدنا علــى هــذا فأصــبح اشــتراطا ً عليــه‪،‬‬
‫ومحتمل أن يكون المحذوف حرف اللم )لئل يقولوا على الله( وهنا‬
‫للتعليل فيمكن أن تكون كل هذه المعاني مرادة وكلهــا مــرادة لنــه‬
‫لو أراد سبحانه معنى منها لذكر أي حرف وحــدد المعنــى‪ .‬والتوســع‬
‫في هذه الية ليس بحذف حرف الجر فقط ولكن هناك توســع آخــر‬
‫هو في عدم الحــذف أصـل ً فيمكــن أن ل يكــون هنـاك حـذف أصـ ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وهناك احتمال أن يكون هناك احتمال حذف فلو سألنا ما هو ميثــاق‬
‫الكتاب؟ الجواب‪) :‬أن ل يقولوا على الله إل الحق(وهذه الجملة قــد‬
‫تكون عطف بيان أو بدل وهنــاك احتمــالن آخــران )أن( يحتمــل أن‬
‫تكون مصدرية أو تفسيرية وكذلك هناك إحتمالن لــ )ل( تحتمــل أن‬
‫تكــون نافيــة أو ناهيــة إذن هنــاك تســعة احتمــالت فــي هــذه اليــة‬
‫الواحــدة إحتمــال حــذف حــرف الجــر )البــاء‪ ،‬فــي‪ ،‬علــى‪ ،‬اللم(‬
‫واحتمال عدم الحذف )عطف بيان أو بدل( واحتمــال أن )تفســيرية‬
‫أو مصــدرية( واحتمــال ل ناهيــة أو نافيــة‪ ،‬فهــذه تســعة احتمــالت‬
‫لمعاني في آن واحد وهذا توسع عجيب في هذه الية الكريمــة وقــد‬
‫مرادة ولو أراد معنى محددا ً لجــاء بمــا يــدل‬ ‫تكون كل هذه المعاني ُ‬
‫عليه‪.‬‬
‫مثال آخر قوله تعالى )قل إني أمرت أن أكون أول من أســلم( هــل‬
‫المقصود )بأن أكون أول من أسلم( بحذف البــاء أو )لن أكــون أول‬
‫من أسلم( بحذف اللم وقد استعمل القــرآن الكريــم الحــالتين فــي‬
‫آيات أخــرى ولــو أراد اللم تخصيصـا ً ونصـا ً لقالهــا لكنــه تعــالى أراد‬
‫المعنيين وهما مرادان والحذف في هذه اليــة يــدل علــى المعنييــن‬
‫معًا‪.‬‬
‫م‬ ‫فِتيك ُ ْ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ساء ُ‬ ‫في الن ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫فُتون َ َ‬‫ست َ ْ‬‫وي َ ْ‬ ‫وكذلك قوله تعالى ) َ‬
‫سمماء‬ ‫مى الن ّ َ‬ ‫فممي ي َت َمما َ‬ ‫ب ِ‬ ‫فممي ال ْك ِت َمما ِ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َي ْك ُم ْ‬
‫ما ي ُت َْلى َ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬
‫ه ّ‬‫في ِ‬‫ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ه ّ‬ ‫حممو ُ‬ ‫ن أن َتنك ِ ُ‬ ‫غب ُممو َ‬‫وت َْر َ‬
‫ن َ‬ ‫هم ّ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫ما ك ُت ِ م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫اّللِتي ل َ ت ُ ْ‬
‫ؤُتون َ ُ‬
‫‪82‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫َ‬
‫مى‬ ‫مممموا ْ ل ِل ْي ََتممما َ‬ ‫قو ُ‬ ‫وأن ت َ ُ‬ ‫ن َ‬‫دا ِ‬ ‫وْلممم َ‬‫ن ال ْ ِ‬ ‫مممم َ‬‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ع ِ‬
‫ضممم َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬‫وال ْ ُ‬
‫َ‬
‫عِليمما ً }‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبم ِ‬ ‫كما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلم َ‬ ‫ر َ‬
‫فمإ ِ ّ‬ ‫خي ْ ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عُلوا ْ ِ‬‫ف َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫و َ‬
‫ط َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫ِبال ْ ِ‬
‫‪ .({127‬نذكر أن القاعدة في كتب النحو أنــه إذا أدى الحــذف إلــى‬
‫التباس في المعنى فل يصح الحذف‪ ،‬ل يجوز الحذف مع فعل رغــب‬
‫أبدا ً لن الحذف يؤدي إلى التباس في المعنى فإمــا أن يقــال رغــب‬
‫فيه بمعنى أحّبه أو يرغب عنه بمعنى تركه وانصــرف عنــه هــذا فــي‬
‫اللغة أما في هذا اليــة فــالله تعــالى أراد المعنييــن معـا ً أراد معنــى‬
‫ترغبــون فــي أن تنكحــوهن لجمــالهن وغنــاهن وترغبــون عــن أن‬
‫تنكحــوهن لــدمامتهن وفقرهــن وهكــذا حــذف الحــرف ليــدل علــى‬
‫المعنيين ولــو ذكــر حرفـا ً لخصــص المعنــى وحــدده‪ ،‬لكــن المعنييــن‬
‫مرادين والحكم يتعلق بالمرين مع ـا ً الــذي يرغــب فــي أن ينكحهــن‬
‫والذي يرغب عن أن ينكحهن‪.‬‬
‫التضمين هو نمموع آخممر مممن مممواطن التوسممع فممي‬
‫المعنى في القرآن الكريم‪:‬‬
‫التضمين في النحو هو إشراب لفظ معنى لفظ آخــر فيأخــذ حكمــه‪.‬‬
‫دى‬ ‫دى بحرف وفعل يتعــ ّ‬ ‫دى كلمتين مثال‪ :‬فعل يتع ّ‬ ‫أو كلمة تؤدي مؤ ّ‬
‫بآخر والتضمين هو تعدية الفعل بحــرف الفعــل الثــاني‪ .‬مثــال علــى‬
‫دى بنفسه في الصــل فنقــول ســمع‬ ‫ذلك قوله تعالى فعل سمع يتع ّ‬
‫الصوت وقوله تعالى )يومئذ يســمعون الصــيحة بــالحق(‪ ،‬لكننــا فــي‬
‫الصلة وبعد الرفع من الركــوع نقــول‪ :‬ســمع اللــه لمــن حمــد فعــل‬
‫دي باللم لن المقصود هو فعل اســتجاب فكأنمــا أخــذنا‬ ‫سمع هنا عُ ّ‬
‫دينا فعل سمع بهذه اللم لتعطي معنى‬ ‫اللم من فعل الستجابة وع ّ‬
‫الستجابة وليس الستماع فليس كل سماع إستجابة‪.‬‬
‫ومثل ذلك استخدام فعل نصر مع الحرف من كما في قــوله تعــالى‬
‫)ونصرناه من القوم( في الصل يقال )نصــر علــى( لن فعــل نصــر‬
‫دى بــ )مــن(‪ ،‬وقــد‬ ‫جــى يتعـ ّ‬ ‫جــى مــن( وفعــل ن ّ‬ ‫دى بــ )علــى( و)ن ّ‬ ‫يتع ّ‬
‫استخدم القرآن هاتين الحالتين في مواطن كثيرة وفي آيات كــثيرة‬
‫)فانصــرنا علـى القــوم الكــافرين( وقــوله تعـالى )فأنجــاه اللـه مــن‬
‫دى‬ ‫النار(‪ .‬لكن في هذه الية قــال تعــالى )ونصــرناه مــن القــوم( عـ ّ‬
‫جى أي بحرف )مــن( وذلــك للدللــة‬ ‫دى به فعل ن ّ‬ ‫الفعل نصر بما يتع ّ‬
‫على أن المعنى المطلوب هو معنى النصر والنجاة فــي آن مع ـا ً لن‬
‫ذبهم فجاء فعــل‬ ‫جاه وعاقب القوم وحاسبهم وع ّ‬ ‫الله تعالى نصره ون ّ‬
‫جى فكسب معنى النصر والنجاة أما في حالة )فأنجــاه‬ ‫نصر بمعنى ن ّ‬
‫جى متعد بـ )من( لن المعنى هــو النجــاة‬ ‫الله من النار( جاء الفعل ن ّ‬
‫دى فعــل‬ ‫فقط ول يمكن أن تعاقب النار ول ُينتصر منها‪ .‬إذن لقــد عـ ّ‬
‫‪83‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫جى وهذا يسمى التضــمين وهــو‬ ‫دى فيه فعل ن ّ‬ ‫نصر بالحرف الذي ع ّ‬
‫من مواطن التوسع في المعنى في القرآن الكريم‪.‬‬
‫همما‬‫جُرون َ َ‬
‫ف ّ‬ ‫عب َممادُ الل ّم ِ‬
‫ه يُ َ‬ ‫همما ِ‬
‫ب بِ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫عْينا ً ي َ ْ‬
‫مثال آخر قوله تعالى ) َ‬
‫جيممرا ً }‪ ({6‬الصــل أن يقــال يشــرب منهــا‪ .‬وهــذه اليــة فيهــا‬ ‫ف ِ‬‫تَ ْ‬
‫احتمالن‪ :‬تحتمل أن يكون هناك تضمين بمعنى يرتوي بهــا )يشــرب‬
‫بمعنى يروى أو يشرب إلى أن يروى( وهذا هو الحتمال الشائع عند‬
‫المفسرين وقالوا هذا جزاء المقّربين‪ .‬لنه لو أراد غير هــذا المعنــى‬
‫ْ‬ ‫ن اْل َب َْراَر ي َ ْ‬
‫مممن ك َمأ ٍ‬
‫س‬ ‫ن ِ‬‫ش مَرُبو َ‬ ‫لحدده كما قال في آية أخرى )إ ِ ّ‬
‫دى فعــل يشــرب‬ ‫فورا ً }‪ .({5‬فــي هــذه اليــة ع ـ ّ‬ ‫ها َ‬
‫كا ُ‬ ‫ج َ‬
‫مَزا ُ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫َ‬
‫بالباء ليحتمل معنى يرتوي وهناك إحتمال آخر أنهم نازلون بهــا كمــا‬
‫يقال نزلنا في المكان وشربنا بــه فتصــير إذن ظرفيــة‪ .‬إذن تحتمــل‬
‫التعدية بالباء لفعل يشربون أن تكون بمعنى الشرب حــتى الرتــواء‬
‫ذة النظر إلى العين والستقرار عنــدها وهــذه متعــة‬ ‫ومعنى التمتع بل ّ‬
‫أخرى‪.‬‬
‫كذلك قوله تعــالى فــي ســورة المطففيــن )الــذين إذا اكتــالوا علــى‬
‫الناس يستوفون(‪ .‬في الصل يقال اكتال من ول يقال اكتــال علــى‪.‬‬
‫دى فعـل اكتـال فـي هـذه اليـة بحـرف علـى للدللـة علـى‬ ‫وقـد عـ ّ‬
‫التسلط لن هؤلء المطففين لــم يكتــالوا مــن النــاس بــل تســلطوا‬
‫عليهم بالكتيال ولو كان الكتيال طبيعي ـا ً لقــال اكتــالوا مــن النــاس‪.‬‬
‫)يقال كالوا الناس( كما في قوله تعــالى )وإذا كـالوهم أو وزنــوهم(‬
‫فعل كال وفعــل وزن الصــل أن يتعــدى بنفســه أو بــاللم وممكــن‬
‫الحذف يقال ‪ :‬كال له أو وزن له‪ .‬فلماذا لم يقــل كــالوا لهــم؟ اللم‬
‫هنا تفيد الستحقاق فــي أصــل معناهــا فــي اللغــة ثــم تتشــعب إلــى‬
‫معــاني متعــددة أخــرى لكــن هــؤلء المطففيــن لــم يعطــوا النــاس‬
‫حقــوقهم فكيــف يقــول )كـالوا لهـم( فحـذف لم السـتحقاق فقـال‬
‫دى الفعــل‬ ‫كالوهم لنهم ظلموا النــاس ولــو يعطــوهم حقــوقهم وع ـ ّ‬
‫اكتال بالحرف على للدللة على الظلم والتسلط‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى )فليحذر الذين يخافون عــن أمــره( ل يقــال فــي‬
‫دى‬ ‫الصل خالف عن المر وإنما يقال خالف المر‪ .‬فعــل خــالف يتع ـ ّ‬
‫بنفسه‪ .‬لكن يخالفون عن جاءت بمعنى البتعاد عن المر أو العدول‬
‫ل‪ .‬والمعنى من الية أنه ينبغي علــى النســان‬ ‫عن المر ولو كان قلي ً‬
‫أن يحــذر مــن مجــرد البتعــاد ولــو فــي أمــر واحــد أو قليــل فكيــف‬
‫بالمخالفة للمر فهذا من باب أولى وهو أمر كبير عظيم هذا تحــذير‬
‫عظيم‪ .‬فالله تعالى يحذرنا من الفتنة بمجرد البتعاد عــن أمــره ولــو‬

‫‪84‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫كان قليل ً فكيف المخالفــة لمــره تعــالى إذن صــار المعنــى يحتمــل‬
‫المخالفة والبتعاد‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى )من بعد أن أظفركم عليهــم( يقــال فــي الصــل‬
‫ظفر به وليس ظفــر علــى لكــن تعديــة الفعــل أظفــر بحــرف علــى‬
‫للدللة على الستعلء‪ .‬وكذلك قوله تعالى )ول تــأكلوا أمــوالهم إلــى‬
‫ل على معنى ل تجمعوها‬ ‫دى فعل تأكلوا بالحرف إلى ليد ّ‬ ‫أموالكم( ع ّ‬
‫وتضموها إلى أموالكم آكلين لها بمعنى الستحواذ والجمع‪.‬‬
‫ص‪:‬‬‫الخبار بالعام عن الخا ّ‬
‫هذا موطن آخر من مواطن التوسع في المعنى في القرآن الكريم‪.‬‬
‫مثــال علــى ذلــك مــن القــرآن قــوله تعــالى فــي ســورة العــراف‬
‫قاموا ْ الصل َةَ إّنا ل َ ن ُضي َ‬ ‫كون بال ْكَتاب َ‬
‫جَر‬ ‫عأ ْ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫وأ َ ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫س ُ َ ِ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫) َ‬
‫ن }‪ ({170‬القيــاس أن يقــول إنــا ل نضــيع أجرهــم لن‬ ‫حي َ‬ ‫صمل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫المبتدأ يحتاج إلى رابــط قــد يكــون اســما ً أو إشــارة أو ضــمير وقــد‬
‫يكون الخبر عاما ً يدخل في ضمنه مبتدأ‪ ،‬لكنه قــال أجــر المصــلحين‬
‫وهذا للدللة على أن هؤلء المذكورين في الية هم مــن المصــلحين‬
‫وأن الجر ل يختص بهم وحدهم وإنما هو لكل مصلح فالجر يشــمل‬
‫كل مصلح هؤلء المذكورين في الية وغيرهم من المصــلحين فهــذا‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م‪ .‬وكــذلك قــوله تعــالى فــي ســورة الكهــف )إ ِ ّ‬ ‫أوسع وأع ّ‬
‫مل ً‬ ‫َ‬ ‫عمُلوا الصال ِحات إّنا َل ن ُضي َ‬
‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫سمم َ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫جَر َ‬ ‫عأ ْ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ّ َ ِ ِ‬ ‫و َ ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫آ َ‬
‫}‪ ({30‬لم يقل أجرهم فأفاد أمرين أن هــؤلء المــذكورين هــم مــن‬
‫الذين أحســنوا العمــل وأنــه هنالــك مــن أحســن عمل ً غيرهــم واللــه‬
‫تعالى ل يضيع أجرهم جميعًا‪ .‬وكذلك قوله تعالى في ســورة البقــرة‬
‫ن‬ ‫فممإ ِ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫كا َ‬ ‫مي َ‬ ‫و ِ‬‫ل َ‬‫ري َ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫وُر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ملئ ِك َت ِ ِ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬ ‫وا ً ل ّل ّ ِ‬‫عد ُ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫) َ‬
‫ن }‪ ({98‬لم يقــل عــدو لهــم وهــذا يــدل علــى‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫و ل ّل ْ َ‬ ‫عد ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫أمرين أنه من كان عدوا ً للــه فهــو مــن الكــافرين لكــن الكــافرين ل‬
‫يختصون بهؤلء فقط وقوله تعــالى الكــافرين دللــة علــى أن هــؤلء‬
‫من الكافرين وهو يشملهم ويشمل غيرهم أيضًا‪ .‬وكذلك قوله تعالى‬
‫ن‬ ‫م َفــإ ِ ّ‬ ‫ضوْا ْ عَن ْهُ ْ‬‫م فَِإن ت َْر َ‬ ‫ضوْا ْ عَن ْهُ ْ‬‫م ل ِت َْر َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫حل ُِفو َ‬‫في سورة التوبة )ي َ ْ‬
‫ن }‪ ({96‬لم يقل ل يرضــى عنهــم‬ ‫سِقي َ‬ ‫ن ال َْقوْم ِ ال َْفا ِ‬ ‫ضى عَ ِ‬ ‫ه ل َ ي َْر َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ليشمل هؤلء المذكورين في الية الذين هم من الفاسقين وليشمل‬
‫جميع الفاسقين سواء كانوا من هؤلء أو من غيرهم وهذا مــن بــاب‬
‫التوسع بالمعنى وهو من إخبار بالعام عن الخاص‪.‬‬
‫العطف بين المتغايرين‪:‬‬
‫وهذا الموطن له مواطن عديدة منها وليست موطنا ً واحدا ً ‪:‬‬

‫‪85‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫در غيــر مــذكور فــي الكلم أو العطــف علــى‬ ‫‪ .1‬العطف علــى مق ـ ّ‬
‫المعنى‪ :‬حرف العطف والمعطوف موجود لكن المعطوف عليه‬
‫غير مذكور وهو في القرآن كثير مثال قــوله تعــالى فــي ســورة‬
‫عل َممى‬ ‫عل َممى َ‬ ‫َ‬
‫ة َ‬ ‫وي َم ٌ‬ ‫ِ‬ ‫خا‬
‫ي َ‬ ‫َ‬ ‫هم‬‫و ِ‬ ‫ة َ‬ ‫قْري َم ٍ‬ ‫م مّر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّم ِ‬ ‫و َ‬ ‫البقــرة )أ ْ‬
‫ه‬ ‫هـذه الل ّه بعد موت ِهمما َ َ‬ ‫ل أ َن ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ها َ‬
‫مممات َ ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫ُ َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫حِيمي َ ِ ِ‬ ‫ى يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ش َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫و‬ ‫وممما ً أ ْ‬ ‫ت يَ ْ‬ ‫ل ل َب ِث ْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ل َب ِث ْ َ‬ ‫ل كَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫عث َ ُ‬ ‫م بَ َ‬ ‫عام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ة َ‬ ‫مئ َ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ك‬ ‫مم َ‬ ‫عا ِ‬ ‫فمانظُْر إ ِل َممى طَ َ‬ ‫عام ٍ َ‬ ‫ة َ‬ ‫مئ َ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل َبل ل ّب ِث ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫ض يَ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫بَ ْ‬
‫ة‬ ‫ك آي َم ً‬ ‫عل َم َ‬ ‫ج َ‬ ‫ول ِن َ ْ‬‫ك َ‬ ‫ر َ‬ ‫ممما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫وانظُْر إ ِل َممى ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سن ّ ْ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ك لَ ْ‬ ‫شَراب ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫سممو َ‬ ‫م ن َك ُ‬‫ْ‬ ‫ها ث ُ م ّ‬ ‫ش مُز َ‬ ‫ف ُنن ِ‬ ‫عظام ِ كي ْ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫وانظْر إ ِلى ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫س َ‬ ‫ّللّنا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عل َممى ك ُم ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ل أَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫حما ً َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ديٌر }‪ ({259‬اليــة فيهــا أفعــال أمــر )انظــر إلــى طعامــك(‬ ‫قم ِ‬ ‫َ‬
‫و)انظــر إلــى حمـارك( و)انظــر إلــى العظــام( أمــا قــوله تعـالى‬
‫)ولنجعلك آية للناس( فهي ليست فعــل أمــر وليســت معطوفــة‬
‫عّلة واللم للتعليل‪ .‬هــي معطوفــة لكــن‬ ‫على ما قبلها وإنما هي ِ‬
‫على ماذا؟ لو فتشنا في الية كلها ل نجد المعطوف عليــه وهــذا‬
‫إشارة إلى أن في هذا الموضع مطلوب هذا المر )لنجعلــك آيــة‬
‫للناس( لكن هنالك علل وأسباب أخرى غيــر مــذكورة فــي هــذه‬
‫الية وإنما اقتضى المقام هنــا فــي اليـة فقـط ذكــر هـذه العِّلـة‬
‫عزيـر ليجعلـه آيـة‬ ‫)ولنجعلك آية للناس( فالله تعـالى لـم ُيحيـي ُ‬
‫للناس فقط ولكن لمــور أخــرى لــم تــذكر فــي اليــة إذن قــوله‬
‫تعالى )ولنجعلــك آيــة للنــاس( هــي ليســت العِل ّــة الوحيــدة فــي‬
‫إحيائه وإنما الِعلل الخرى لم ُتذكر في الية لدللة التوســع فــي‬
‫المعنى ولو أراد معنى واحدا ً لقال )ونجعلـك آيـة للنـاس( بــدون‬
‫لم التعليل‪.‬‬
‫ت‬ ‫مل َك ُممو َ‬ ‫م َ‬ ‫هي م َ‬ ‫ري إ ِب َْرا ِ‬ ‫ك ن ُم ِ‬ ‫وك َذَل ِ َ‬ ‫‪ .2‬وكذلك قوله تعالى النعام ) َ‬
‫ت وال َ‬
‫ن }‪ ({75‬فاليــة‬ ‫قِني َ‬ ‫مو ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ول ِي َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫تفيد أن الله تعالى ُيري إبراهيم ‪ ‬آيات أخرى إحداها أن يكــون‬
‫من الموقنين فــالله تعــالى ُيعـد ّ إبراهيــم ‪ ‬لمــور أخــرى منهــا‬
‫ليكون من الموقنين فجاء بواو العطف وجاء بالعِّلة )ليكون مــن‬
‫الموقنين( في هذه الية بحسب ما يقتضيه السياق‪.‬‬
‫م‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫‪ .3‬وكذلك قــوله تعــالى فــي ســورة آل عمــران )ِإن ي َ ْ‬
‫ها‬ ‫ول ُ َ‬‫دا ِ‬ ‫م ُنم َ‬ ‫ك الّيما ُ‬ ‫وت ِْلم َ‬ ‫ه َ‬ ‫مث ُْلم ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫قْر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ح َ‬ ‫قْر ٌ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫منك ُم ْ‬ ‫خ مذ َ ِ‬ ‫وي َت ّ ِ‬ ‫من ُمموا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ م ِ‬ ‫م الل ّ م ُ‬ ‫عل َم َ‬ ‫ول ِي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الن ّمما ِ‬ ‫ب َي ْم َ‬
‫ن }‪ ({140‬فالمداولــة بيــن‬ ‫مي َ‬ ‫ب الظّممال ِ ِ‬ ‫حم ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫داء َ‬ ‫ه َ‬ ‫ش َ‬ ‫ُ‬
‫علــل المداولــة وهــي‬ ‫الناس كثيرة وفي هذه الية ذكر جزءا ً من ِ‬
‫‪86‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫ليست الجانب الوحيد المقصود ولذلك جاء قوله تعالى )وليعلــم‬
‫عل ّــة‬‫الله الذين آمنوا(‪ .‬ويمكن أن يذكر علل ً متعــددة لكنــه ذكــر ِ‬
‫واحدة حسب ما يقتضيه سياق اليات فـي السـورة‪ .‬ومثـل هـذا‬
‫ت‬‫سى ِبال ْب َي َّنمما ِ‬ ‫عي َ‬ ‫جاء ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ول َ ّ‬‫قوله تعالى في سورة الزخرف ) َ‬
‫ض اّلمم ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫كممم ِبال ْ ِ‬
‫ذي‬ ‫عمم َ‬ ‫كممم ب َ ْ‬ ‫وِلب َّيمم َ‬ ‫ة َ‬ ‫ممم ِ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫قممدْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قمما َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪.({63‬‬ ‫قوا الل ّه َ‬ ‫فات ّ ُ‬‫ه َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬
‫عو ِ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫في ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫شأَنا ل َك ُممم‬ ‫ْ‬ ‫فأن َ‬ ‫َ‬ ‫وكذلك قوله تعالى في ســورة المؤمنــون ) َ‬ ‫‪.4‬‬
‫َ‬
‫ه ك َِثي مَر ٌ‬
‫ة‬ ‫واك ِ ُ‬ ‫فم َ‬ ‫همما َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ل ّك ُم ْ‬ ‫عن َمما ٍ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خي م ٍ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫ت ّ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫بِ ِ‬
‫ْ‬
‫ن }‪ ({19‬وهو يختلف عن قوله تعالى في سـورة‬ ‫ها ت َأك ُُلو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن }‪({73‬‬ ‫همما ت َمأك ُلو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ة ك َِثي مَر ٌ‬ ‫هم ٌ‬ ‫فاك ِ َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫الزخرف )لك ُ ْ‬
‫لنه في الدنيا نزرع الفاكهة ليس للكل فقط وإنمــا نصــنع منهــا‬
‫العصير ونجففها ونتداول بهــا ونتــداوى بهــا وغيرهــا مــن المــور‬
‫والغراض وإحداها هو الكل أمــا فــي فاكهــة الجنــة فليــس فــي‬
‫الجنة تجارة والفاكهة ل تكون إل للكل فقط فلم يأتي بالواو مع‬
‫كلمة تأكلون في فاكهة الجنة وجاء بالواو في فاكهة الدنيا‪.‬‬
‫العطف على مغاير في العراب‪:‬‬
‫العطف على مغاير في العراب هو موطن آخر من مواطن التوسع‬
‫في القرآن الكريم مثل أن يضاف منصوب يعطــف عليــه مرفــوع أو‬
‫فعل منصوب يضاف إليه مجزوم ولكــل منهــم حكمــه وهــذا لغــرض‬
‫التوسع في المعنى‪ .‬وفــي القــرآن الكريــم أمثلــة عديــدة علــى هــذا‬
‫النوع من التوسع في المعنى منها قوله تعالى في سورة المنافقون‬
‫َ‬ ‫ل َأن ي َأ ْت ِ‬ ‫وَأن ِ‬
‫ت‬‫و ُ‬ ‫م ْ‬‫م ال ْ َ‬ ‫حدَك ُ ُ‬ ‫يأ َ‬ ‫َ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫من َ‬ ‫كم ّ‬ ‫قَنا ُ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫من ّ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫) َ‬
‫وأ َك ُممن‬ ‫ص مدّقَ َ‬ ‫فأ ّ‬
‫قري مب َ َ‬
‫ٍ‬ ‫ل َ ِ‬ ‫جم ٍ‬
‫َ‬
‫خْرت َِني إ َِلى أ َ‬ ‫وَل أ َ ّ‬ ‫ب لَ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قو َ‬ ‫في َ ُ‬‫َ‬
‫ن }‪) ({10‬أكــن( عطــف مجــزوم علــى منصــوب‬ ‫حي َ‬ ‫صممال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مم َ‬ ‫ّ‬
‫صدق( هذا يسمى في النحو عطف على المعنى والفاء في كلمة‬ ‫)فأ ّ‬
‫مى فاء السببية في النحو التي تقــع بعــد الطلــب )لن‬ ‫)فأصدق( ُتس ّ‬
‫لول حرف تحضيض( فلو أسقطنا الفــاء وأردنــا الطلــب نجــزم علــى‬
‫دق( كما في قوله تعالى ‪) :‬وألق مــا‬ ‫جواب الطلب )لول أخرتني أص ّ‬
‫في يمينك تلقف ما صنعوا( أما لما نجيء بالفــاء ننصــب‪ .‬معناهــا إن‬
‫تؤخرني أكن من الصالحين علــى تقــدير شــرط ؛ أي جــواب شــرط‬
‫در وفــي هــذه اليــة أراد تعــالى معنييــن ولــم ي ُــرد الســبب فــي‬ ‫مق ـ ّ‬
‫المعطوف والمعطوف عليه وأراد تعالى أن يجمع بين السبب وبيــن‬
‫دق وأكــون( لكــان عطــف ســبب علــى‬ ‫الشرط‪ .‬لو قال تعالى )فأص ّ‬
‫سبب لكنه أراد أن يجمع المعنييــن الســبب والشــرط أي الشــتراط‬
‫على النفس والشتراط فيه توثيـق فعطـف مجـزوم علـى منصـوب‬
‫‪87‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫لرادة معنيين‪ .‬لكن يبقى السؤال لماذا أراد المعنيين؟ لو نظرنا إلى‬
‫الية فقد جاء فيها أمريــن الصــدقة أن يكــون مــن الصــالحين وهمــا‬
‫ليسا بدرجة واحدة فكون النسان من الصالحين أكــبر وأعظــم مــن‬
‫الصدقة وهــو العــم وهــو الــذي يــدخل الجنــة ولنهمــا ليســا بدرجــة‬
‫واحدة فكيف يفّرق بينهما؟ بعطف المجزوم علــى المنصــوب فقــال‬
‫دم‬ ‫دق ثم اشترط على نفسه أن يكون من الصالحين‪ .‬ولماذا ق ـ ّ‬ ‫فأص ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫همما ال ّم ِ‬ ‫الصدقة؟ لن السياق في السورة هو في الصدقة )َيا أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫آمُنوا َل ت ُل ْهك ُ َ‬
‫مممن‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ر الل ّم ِ‬ ‫عممن ِذك ْم ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَلدُك ُم ْ‬ ‫وَل أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وال ُك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬
‫دم الصــدقة‬ ‫ْ‬ ‫ولئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ذَل ِم َ‬ ‫عم ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن }‪ ({9‬فقــ ّ‬ ‫س مُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫هم ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ف مأ ْ‬ ‫ف َ‬
‫مراعاة لمقتضى السياق وجزم )أكن( مراعاة للهمية‪.‬‬
‫ه‬‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫وأ َ َ‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى في سورة التوبة ) َ‬
‫إَلى الّناس يوم ال ْحج ال َك ْب َ‬
‫ن‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شمم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ريءٌ ّ‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫رأ ّ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ِ َ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫موا ْ‬ ‫عل ُ‬ ‫َ‬ ‫فمما ْ‬ ‫م َ‬ ‫ولي ْت ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫وِإن ت َم َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫خي ْمٌر لك م ْ‬ ‫ّ‬ ‫و َ‬ ‫هم َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م َ‬ ‫فِإن ت ُب ْت ُم ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫ب أِليمم ٍ }‬ ‫َ‬ ‫عم َ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أَ‬
‫ذا ٍ‬ ‫فمُروا ب ِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ر ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫زي‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ن‬
‫ن أي مرفوعــة وليســت‬ ‫ه جــاءت علــى غيــر إرادة إ ّ‬ ‫‪ ({3‬ورســول ُ ُ‬
‫ه( فجــاءت كلمــة‬ ‫منصوبة وهي ليست معطوفة على مــا قبلهــا )الل ـ َ‬
‫)ورسوله( مرفوعة لن براءة الرسول ‪ ‬ليست كبراءة الله تعــالى‬
‫وإنما هي تابعة لها فــبراءة اللــه تعــالى أول ً فلــم يجعــل بــراءة اللــه‬
‫تعالى وبراءة الرسول ‪ ‬بمرتبة واحدة فجعل براءة الرســول أقــل‬
‫توكيدا ً من براءة الله تعالى ودونها وتبعا ً لها‪.‬‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وكذلك ما جــاء فــي قــوله تعــالى فــي ســورة المــائدة )إ ِ ّ‬
‫ه‬‫ن ب ِممالل ّ ِ‬ ‫مم َ‬ ‫نآ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫صاِبئو َ‬ ‫وال ّ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫آ َ‬
‫م‬ ‫هم ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هم ْ‬ ‫ف َ َ‬ ‫فل َ َ‬ ‫صمماِلحا ً َ‬ ‫مم َ‬ ‫وال ْي َ م ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬‫خم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ع ِ‬ ‫رو َ‬ ‫خم ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ ({69‬برفع الصابئون لنهــم أبعــد المــذكورين عــن اللــه‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬ ‫وهم ليسوا من أهل الكتــاب فجــاءت مرفوعــة علــى غيــر لرادة إ ّ‬
‫وأقـل توكيـدا ً ويمكـن الرجـوع إلـى صـفحة لمسـات بيانيـة فـي آي‬
‫ص ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫القرآن الكريم لقراءة ما جاء في هذه الية مف ّ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫قَبمم َ‬ ‫م ِ‬ ‫هك ُ ْ‬ ‫جممو َ‬ ‫و ُ‬ ‫وّلمموا ْ ُ‬ ‫س ال ْب ِ مّر أن ت ُ َ‬ ‫وكــذلك قــوله تعــالى )ل ّي ْ م َ‬
‫ر‬ ‫خ ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْب ِّر َ‬ ‫وَلمك ِ ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وي‬ ‫ه ذَ ِ‬ ‫حب ّم ِ‬ ‫عل َممى ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ممما َ‬ ‫وآت َممى ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫والن ّب ِّيي َ‬ ‫ب َ‬ ‫وال ْك َِتا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ِ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫سممآئ ِِلي َ‬ ‫وال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫س مِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫واب ْم َ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫سمما ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال َ‬‫ْ‬ ‫مى َ‬ ‫والي ََتا َ‬ ‫ْ‬ ‫قْرَبى َ‬ ‫ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫فممو َ‬ ‫مو ُ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫كمماةَ َ‬ ‫وآَتممى الّز َ‬ ‫صمملةَ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قمما َ‬ ‫وأ َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫قمما ِ‬ ‫فممي الّر َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ضممّراء‬ ‫سمماء وال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م إِ َ‬
‫فممي الب َأ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫صمماب ِ ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫دوا َ‬ ‫همم ُ‬ ‫عا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫همم ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫قممو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫همم ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وأوَلمئ ِ َ‬ ‫قوا َ‬ ‫صد َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫س أوَلمئ ِ َ‬ ‫ن الب َأ ِ‬
‫حي َ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫}‪ ({177‬وهذا يسمى القطــع بمعنــى أخــص الصــابرين وهــذه كلهــا‬
‫‪88‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫تخص التوسع في المعنى في العطف على مغاير حتى يفهمنا تعالى‬
‫أن هذا ليس بمنزلة الولى وقد يكون أقل منه أو أعلى منه‪.‬‬
‫العطف على مغاير في المعنى‪:‬‬
‫موطن آخر من مواطن التوسع في المعنى هو العطف علــى مغــاير‬
‫عل َيهممم ن َبممأ َ‬ ‫وات ْ ُ‬
‫ل َ ْ ِ ْ َ‬ ‫في المعنى مثل قوله تعالى في سورة يونس ) َ‬
‫مي‬ ‫قمما ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُممم ّ‬ ‫ن ك َب ُمَر َ‬ ‫وم ِ ِإن ك َمما َ‬ ‫قم ْ‬ ‫ه ي َمما َ‬ ‫م ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ح إ ِذْ َ‬ ‫ُنو ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مَرك ُم ْ‬ ‫عوا ْ أ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ف مأ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫وك ّل ْ ُ‬ ‫ه ت َم َ‬ ‫عَلى الل ّ م ِ‬ ‫ف َ‬‫ه َ‬ ‫ت الل ّ ِ‬ ‫ري ِبآَيا ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫وت َذْ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ضمموا إ ِل م ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ة ث ُم ّ‬ ‫م ً‬ ‫مغ ّ‬ ‫علي ْك ْ‬ ‫م َ‬ ‫مُرك ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ل ي َك ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫شَركاءك ْ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ ({71‬ل يقــال فــي اللغــة أجمــع للشــركاء وإنمــا‬ ‫ول َ ُتنظِ مُرو ِ‬ ‫َ‬
‫يستخدم فعل أجمع للمور المعنوية أما فعل جمع فيستخدم للمــور‬
‫الماديــة والمعنويــة فالمقصــود فــي اليــة أجمعــوا أمرهــم وجمعــوا‬
‫شركاءهم لن كما أسلفنا ل يكون فعل أجمع مع الشركاء أو المــور‬
‫المادية أما جمع فتأتي مع المريـن‪ .‬ومثـل ذلـك مـا جـاء فــي قــوله‬
‫تعالى )والذين تبوؤا الدار واليمان( اليمان ل يتبؤأ إنمــا يتبــوأ الــدار‬
‫در لــه عامــل‬ ‫فهنا عطف على الدار لكن ليس بنفس المعنى فالمق ـ ّ‬
‫آخــر‪ .‬وتقـول العــرب ‪" :‬شــراب ألبـان وتمـر" والمقصــود أن التمـر‬
‫للكل واللبن للشراب‪ ،‬إذن يذكر أمر وُيعطف عليه أمر وُيفهــم بــأن‬
‫هناك محذوفا ً يقتضيه المعنى وهذا من مواطن التوسع في المعنــى‬
‫في القرآن الكريم‪.‬‬
‫موطن آخر من مواطن التوسع في المعنى هو أن‬
‫جممل تحتممل فممي بنائهما أكممثر مممن دللممة‬ ‫يكون هنمماك ُ‬
‫مرادة‪:‬‬ ‫وكلها ُ‬
‫قول َك ُ َ‬ ‫مثال قوله تعالى في سورة الملك ) َ‬
‫هممُروا‬ ‫ج َ‬ ‫وا ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫سّروا َ ْ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م بِ َ‬
‫هم َ‬ ‫و ُ‬ ‫ق َ‬ ‫خل م َ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل ُ‬ ‫ر }‪ {13‬أل ي َ ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬ ‫بِ ِ‬
‫خِبيُر }‪ .({14‬ما المقصود بقوله تعــالى )أل يعلــم مــن‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫خلــق(؟ هــل يقصــد الخــالق أم المخلــوق؟ بمعنــى أل يعلــم الخــالق‬
‫بعباده ويعلم ما ُيسّرون وما يجهرون به )هنا تكون فاعل(؟ ويحتمل‬
‫أن يكون المعنى أل يعلم الذين خلقهم؟ )وهنا تكون مفعول به( إذن‬
‫)من خلق( تحتمل المعنيين الخالق والمخلوق‪.‬‬
‫فممُروا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل اّلمم ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى في سورة الرعــد ) َ‬
‫ل َول َ ُ‬
‫شمماءُ‬ ‫مممن ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ضم ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫قم ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ّرب ّ ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫ه آي َ ٌ‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫ل َ‬ ‫ز َ‬ ‫ِ‬ ‫أن‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ب }‪ ({27‬من فاعل المشيئة؟ الله تعــالى أم‬ ‫ن أَنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دي إ ِل َي ْ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫المخلوق؟ تحتمل أن يكــون المعنــى يضــل مــن يشــاء فيبقيــه علــى‬
‫ضلله ويهدي من يشاء فييسر له طريق الهدايــة ويحتمــل أن يكــون‬

‫‪89‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬
‫المعنى من يشاء الله أن يضله ويهدي إليـه مـن أنـاب تحتمـل )مـن‬
‫يشاء( المعنيين والله تعالى يقول للشيء إذا أراده كن فيكون‪.‬‬
‫ت‬ ‫فممي آَيما ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫جمماِدُلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وكذلك قوله تعالى في سورة غافر )ال ّ ِ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫عنمدَ ال ّم ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬‫عنمدَ الل ّم ِ‬ ‫قتما ً ِ‬ ‫م ْ‬‫م ك َب َُر َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن أ ََتا ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫غي ْ ِ‬‫ه بِ َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ر }‪ ({35‬ما‬ ‫جّبا ٍ‬ ‫ر َ‬ ‫مت َك َب ّ ٍ‬
‫ب ُ‬ ‫قل ْ ِ‬‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ع الل ّ ُ‬‫ك ي َطْب َ ُ‬ ‫مُنوا ك َذَل ِ َ‬ ‫آ َ‬
‫المقصود بقوله تعالى )على كل قلب( هل المقصود على قلــب كــل‬
‫متكبر جبار )اي قلوب المتكبرين جميعا( أو على كــل قلــب المتكــبر‬
‫الجبار؟ لو أراد أحد هــذين المعنييــن لقــال تعــالى "علــى قلــب كــل‬
‫متكبر جبار" وإنما قال )علــى كــل قلــب متكــبر جبــار( والمــراد هنــا‬
‫معنيين أحدهما يطبع الله تعالى على كل القلب فل يترك من القلب‬
‫شيئا ً ويطبع على قلوب كل المتكبرين الجبارين‪.‬‬
‫وَل‬ ‫ة َ‬ ‫سممن َ ُ‬‫ح َ‬‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫وَل ت َ ْ‬ ‫كذلك قوله تعالى في ســورة فصــلت ) َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫وب َي َْنم ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ذي ب َي َْنم َ‬ ‫ذا اّلم ِ‬ ‫فمإ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سم ُ‬‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫هم َ‬ ‫ع ِبمال ِّتي ِ‬ ‫فم ْ‬ ‫ة ادْ َ‬ ‫سي ّئ َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م }‪ ({34‬الســتواء لبــد أن يكــون لــه‬ ‫ميم ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ول ِم ّ‬ ‫ه َ‬‫وةٌ ك َمأن ّ ُ‬ ‫دا َ‬ ‫عم َ‬ ‫َ‬
‫طرفيــن فنقــول ل يســتوي فلن وفلن‪ .‬ويمكــن القــول ل تســتوي‬
‫الحسنة والسيئة بحذف )ل( كما قــال تعــالى )ومــا يســتوي العمــى‬
‫والبصــير( فلمــاذا جــاء بـ ـ )ل( هنــا؟ النحــاة يقولــون أن )ل( مزيــدة‬
‫للتوكيد لكن لها دللة أخــرى غيــر الزيــادة فــي التوكيــد فلــو قــال ل‬
‫تستوي الحسنة والسيئة فالمعنى واحد واضح لكــن زيــادة )ل( تفيــد‬
‫أن الحســنات ل تســتوي بيــن بعضــها لن بعــض الحســنات أفضــل‬
‫وأعظم مــن بعــض‪ ،‬وكــذلك الســيئات ل تســتوي فيمــا بينهــا فهنــاك‬
‫سيئات أعظم من سيئات وكذلك الحسنات ل تستوي مــع الســيئات‬
‫وهكذا باستخدام )ل( في الية أفادت هذه المعــاني الثلثــة‪ .‬وكــذلك‬
‫قوله تعالى )وما يستوي الحياء ول الموات( تدل على معــاني ثلث‬
‫هي أن الحيــاء ل يســتوون فيمــا بينهــم والمــوات ل يســتوون فيمــا‬
‫مــرادة‬ ‫بينهم والحياء والموات ل يستوون أيضا ً وهذه المعاني كلهــا ُ‬
‫وكذلك قوله تعالى )ول الظلمات ول النور(‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬

‫الفهرس‬
‫أسرار البيان في التعبير‬
‫القرآني ‪1 ........................................................‬‬
‫تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل‬
‫المؤّنث ‪9 .................................................‬‬
‫التقديم والتأخير في القرآن‬
‫الكريم ‪15.......................................................‬‬
‫أمثلة أخرى على التقديم والتأخير‬
‫‪34.......................................................‬‬
‫موضوع القطع في القرآن الكريم‬
‫‪41......................................................‬‬
‫مقاصد الذكر والحذف في الحروف في القرآن الكريم‬
‫‪43....................................‬‬
‫الفاصلة القرآنية من حيث‬
‫المعنى ‪51.......................................................‬‬
‫موضوع التشابه والختلف في القرآن‬
‫الكريم ‪54..........................................‬‬
‫سع في المعنى في القرآن‬ ‫التو ّ‬
‫الكريم ‪61.....................................................‬‬

‫‪91‬‬
‫أسرار البيان في التعبير القرآني‬

‫‪92‬‬

You might also like