Professional Documents
Culture Documents
البيان
في التعبير
القرآني
للدكتور /فاضــل صالـح السامرائــــــــي
أستاذ النحو في جامعة الشارقة
1
أسرار البيان في التعبير القرآني
(11وهذه محاضرة ألقاها الدكتور فاضل السامرائي ضمن فعاليات جائزة دبي الدولية
للقرآن الكريم عام 2002م
أسرار البيان في التعبير القرآني
2
أسرار البيان في التعبير القرآني
أقسموا أن أباهم ل يزال يذكر يوسف حتى يهلك فهل هم متأكــدون
من ذلك؟ أي هل هم متأكدون أن أبــاهم ســيفعل ذلــك حــتى يهلــك
وهل حصل ذلك؟ كل لم يحصل.
في حين في كل القسام الخرى في القرآن المر فيها مؤكــد .أمــا
في هذه الية ل يؤكد بالحذف لحرف النفي مع أنه أفاد النفي.
كن وأطفأ النار يقال فتأت النار فتأ :من معانيها في اللغة نسي وس ّ
والتيان بالفعل )فتأ( في هذه الية وفي هذا الموطن جمع كل هــذه
كن ف عن ذكره أو ُيس ـ ّ المعاني .كيف؟ المفقود مع اليام ُينسى وُيك ّ
لوعة الفراق أو نار الفراق في فؤاد وفي نفس من ُفقــد لــه عزيــز.
ولو اختار أي فعل من الفعال الخرى المرادفة لفعل فتأ لم تعطـي
كل هذه المعاني المختصة في فعل فتأ.
س م ّ قد ْ َ ف َ ح َ قْر ٌ م َ سك ُ ْ س ْ م َ ن يَ ْ قال تعالى في سورة آل عمران )إ ِ ْ
َ
م عل َم َ ول ِي َ ْس َ ن الن ّمما ِ ها ب َي ْم َ ول ُ َ دا ِ م نُ َ ك اْلّيا ُ وت ِل ْ َ
ه َمث ْل ُ ُ ح ِ قْر ٌ م َ و َ ق ْ ال ْ َ
ه َل ي ُ ِ َ
ب حمم ّ والّلمم ُ داءَ َ ه َ شمم َ م ُ كمم ْ من ْ ُذ ِ خمم َ وي َت ّ ِمُنمموا َ نآ َ ذي َ ه اّلمم ِ الّلمم ُ
َ ه اّلمم ِ
ق
حمم َ م َ وي َ ْ مُنمموا َ نآ َ ذي َ ص الّلمم ُ حمم َ م ّ ول ِي ُ َ
ن )َ (140 مي َ ظممال ِ ِ ال ّ
ن ) ((141اللم فــي )ليعلممم( هــي لم التعليــل ثــم قــال ري َ ف ِكا ِ ال ْ َ
حص( عطــف وذكــر تعالى )يتخذ( عطف بــدون لم ثــم قــال )ليم ّ
اللم ثم قــال )يمحق( عطــف بــدون ذكــر اللم ،لمــاذا ؟ قلنــا أن
الذكر للتوكيد وما حذف أقل توكيدا ً وإذا استعرضنا الفعال في الية
فهل كلها بدرجة واحدة من التوكيد والحذف؟
)وليعلم( الله تعالى يريد ذلك مـن كـل شـخص علمـا ً يتحقـق منـه
الجزاء لكل شخص .إذن هو أمر عام لجميع الذين آمنــوا ومــن غيــر
الذين آمنوا فهو أمر ثابت مطلق لكل فرد من الفراد.
)يتخذ( ل يتخذ كل المؤمنين شهداء فهذا الفعل ليس بدرجة اتساع
الفعل الول وهو ليس متعقل ً بكل فرد.
)ليمحص( متعلق بكل فرد وهذا يتعلق به الجزاء.
)يمحممق( لــم يمحــق كــل الكــافرين محق ـا ً تام ـا ً فــالكفر واليمــان
موجودان.
إذن عندما يذكر اللم على وجه العموم والمقصــود يكــون كــل فــرد
من الفراد والحذف عكس ذلك.
قال تعالى )ولتبتغوا فضل ً من ربكممم( فــي الحــالتين ذكــر اللم
لن المرين مطلوبين حتما ً في هذه الحياة.
َ
ذاًبا عم َ م َ هم ْ ن لَ ُ ن ب ِأ ّ قي َ ف ِمَنا ِ ر ال ْ ُ ش ِ قال تعالى في سورة النساء )ب َ ّ
ر وب َ ّ َ
شم ِ ممما ) ((138وقممال تعممالى فممي سممورة البقممرة ) َ
عمُلوا الصال ِحات أ َ
أِلي ً
ن َ َ ال ّ ِ
مم ْ ري ِ ِ م ج
ْ َ ت تٍ ما
م ّ ن ج
َ م
ْ م هُ ل ن ّ ّ َ ِ و َ ِ مُنوا َ نآ َ ذي َ
3
أسرار البيان في التعبير القرآني
قمماُلوا َ َ
ذا هم َ قمما َ رْز ً ِ ة
مَر ٍ ن ثَ َ م ْ ها ِ من ْ َ قوا ِ ز ُ ِ ما ُر هاُر ك ُل ّ َ ها اْلن ْ َ حت ِ َ تَ ْ
َ ل ُ
ج وا ٌ همما أْز َ في َ م ِ هم ْ ول َ ُ
ها َ شمماب ِ ً مت َ َ ه ُ وأُتوا ب ِ ِ قب ْ ُ َ ن َ م ْ قَنا ِ ز ْ ذي ُر ِ ال ّ ِ
ن )((25 دو َ خال ِ ُ ها َ في َ م ِ ه ْ و ُ هَرةٌ َ مطَ ّ ُ
ذكر الباء في اليــة الولــى )بــأن( وحــذفها فــي الثانيــة )أن( مــع أن
التقــدير هــو )بــأن( لمــاذا؟ لن تبشــير المنــافقين آكــد مــن تبشــير
صــل فــي عــذاب المنــافقين كد وف ّ المؤمنين ،ففي السورة الولى أ ّ
في عشرة آيات من قوله )ومن يكفر بالله وملئكته( .أما في اليــة
الثانية فهي الية الوحيدة التي ذكر فيها كلما ً عــن الجــزاء وصــفات
المؤمنين في كل ســورة البقــرة .إذن )بــأن( أكــثر مــن )أن( فالبــاء
الزائدة تناسب الزيادة في ذكر المنافقين وجزاؤهم.
َ
ن مم َ م ِ ه ْ ن لَ ُ ن ب ِأ ّ مِني َ ؤ ِ م ْ ر ال ْ ُ ش ِ وب َ ّ وقال تعالى في سورة الحزاب ) َ
صــل فــي الســورة جــزاء ض مًل ك َِبي مًرا ) ((47لنــه تعــالى ف ّ ف ْ ه َ الل ّ ِ
المؤمنين وصفاتهم.
َ
ر
قممدَ ٍ ماءً ب ِ َ ء َ ما ِ س َ ن ال ّ م َ وأن َْزل َْنا ِ قال تعالى في سورة المؤمنون ) َ
ن )(18 ه لَ َ عل َممى ذَ َ في اْل َْر سك َّناهُ ِ َ َ
قمماِدُرو َ ب ب ِم ِ همما ٍ وإ ِّنا َ ض َ ِ فأ ْ
هواك ِ ُ فم َ همما َ في َ م ِ ب ل َك ُ ْ عَنا ٍ وأ َ ْ ل َ خي ٍ ن نَ ِ م ْ ت ِ جّنا ٍ ه َ م بِ ِ شأَنا ل َك ُ ْ
فأ َن ْ َ ْ َ
وت ِل ْ َ ْ
ك ن ) ((19وقــال فــي ســورة الزخــرف ) َ ها ت َأك ُُلو َ من ْ َ و ِ ك َِثيَرةٌ َ
ة ال ِّتي ُ
همما في َ م ِ ن ) (72ل َك ُم ْ مل ُممو َ ع َ م تَ ْ ما ك ُن ْت ُم ْ ها ب ِ َ مو َ رث ْت ُ ُ ِ أو جن ّ ُ ال ْ َ
ْ
ن ) ((73ذكر الواو في الولــى )ومنهــا( ها ت َأك ُُلو َ من ْ َ ة ك َِثيَرةٌ ِ ه ٌ فاك ِ َ َ
وحذف الواو في الثانية )منها( لماذا؟ في سورة المؤمنــون الســياق
في الكلم عن الدنيا وأهل الدنيا وتعداد النعم قــال )ومنهــا تــأكلون(
فالفاكهة في الدنيا ليست للكل فقط فمنها مــا هــو للدخــار والــبيع
دخرون، والمرّبيات والعصــائر فكــأنه تعــالى يقصــد باليــة :ومنهــا تـ ّ
مى عطف علــى محــذوف. ومنها تعصرون ومنها تأكلون وهذا ما ُيس ّ
أما في سورة الزخرف فالسياق في الكلم عن الجنة والفاكهة فــي
الجنة كلها للكل ول ُيصنع منها أشياء أخرى.
الحذف من الفعل:
دل – تتوفــاهم – توفّــاهم ،تن ـّزل – تتن ـّزل ،تــذكرون – تتــذكرون ،تب ـ ّ
تتبدل.
الحذف من الفعل يدخل تحت ضابطين في القرآن كله:
.1يحذف من الفعل إما للدللة على القتطاع من الفعل.
.2يحذف من الفعل في مقام اليجاز ويذكر في مقام التفصيل.
م ه ث ُم ّ قمماُلوا َرب ّن َمما الل ّم ُ ن َ ذي َ ن ال ّ ِ قال تعالى في ســورة فصــلت )إ ِ ّ
َ
حَزن ُمموا وَل ت َ ْ فوا َ خمما ُ ة أّل ت َ َ مَلئ ِك َم ُ م ال ْ َ هم ُ علي ْ ِ
ل َ َ موا ت َت َن َمّز ُ قا ُ ست َ َ ا ْ
َ
ن ) ((30وقــال فــي ســورة دو َ ع ُ م ُتو َ ة ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ جن ّ ِ شُروا ِبال ْ َ وأب ْ ِ َ
4
أسرار البيان في التعبير القرآني
َ مَلئ ِك َ ُ
ر مم ٍ لأ ْ كم ّ ن ُ م ْ م ِ ه ْ ن َرب ّ ِ ها ب ِإ ِذْ ِ في َ ح ِ والّرو ُ ة َ ل ال ْ َ القدر )ت َن َّز ُ
) ((4استخدم نفس الفعــل المضــارع لكــن حــذفت التــاء فــي اليــة
الثانية )تنّزل( لماذا؟
الية الولى هي عند الموت تنزل الملئكة على الشخص المســتقيم
تبشّره بمآله إلى الجنة ،أما الثانية فهي في ليلة القدر ،التنّزل في
الية الولى يحدث في كل لحظة لنه في كل لحظــة يمــوت مــؤمن
في هذه الرض إذن الملئكة في مثل هــذه الحالــة تتن ـّزل فــي كــل
لحظة وكل وقت أما في الية الثانية فهي في ليلة واحدة في العــام
وهــي ليلــة القــدر .لذن التنـّزل الول أكــثر اســتمرارية مــن التنـّزل
الثاني ،ففي الحدث المستمر جاء الفعل كامل ً غير مقتطــع )تتنـّزل(
أما في الثانية في الحدث المتقطع اقتطع الفعل )تنّزل(.
م ه ُ فمما ُ و ّ ن تَ َ ذي َ ن ال ّ ِ مثال آخر في قوله تعالى في سورة النســاء )إ ِ ّ
قمماُلوا ك ُن ّمما م َ م ك ُن ْت ُم ْ في م َ قمماُلوا ِ م َ ه ْ ِ سم ف ِ مي أ َن ْ ُ ة ظَممال ِ ِ مَلئ ِك َم ُ ال ْ َ
َ َ في اْل َْر
ة
ع ً سم َ وا ِ ه َ ض الل ّ م ِ ن أْر ُ م ت َك ُ ْ قاُلوا أل َ ْ ض َ ِ ن ِ في َ ع ِ ض َست َ ْ م ْ ُ
صمميًرا ) ْ فأول َئ ِ َ ُ ها َ َ
م ِ ت َ سمماءَ ْ و َ م َ هن ّم ُ ج َ م َ ه ْ وا ُ م مأ َ ك َ في َ جُروا ِ ها ِ فت ُ َ
مي ة ظَممال ِ ِ مَلئ ِك َم ُ م ال ْ َ ه ُ فمما ُ و ّ ن ت َت َ َ ذي َ ((97وفي ســورة النحــل )ال ّ ِ
هن الل ّ َ ء ب ََلى إ ِ ّ سو ٍ ن ُ م ْ ل ِ م ُ ع َ ما ك ُّنا ن َ ْ م َ سل َ َ وا ال ّ ق ُ فأ َل ْ َ م َ ه ْ س ِ ف ِ أ َن ْ ُ
ن ) .((28لنســتعرض المتــوفين فــي مُلممو َ ع َ م تَ ْ ممما ك ُن ُْتمم ْ م بِ َ عِليمم ٌ َ
السياقين :في آية سورة النساء المتوفون هــم جــزء مــن المتــوفين
فـــي آيـــة ســـورة النحـــل ففـــي ســـورة النســـاء المتوفـــون هـــم
المستضـعفون مـن الـذين ظلمـوا أنفسـهم أمـا فـي سـورة النحـل
فالمتوفون هم ظالمي أنفسهم كلهم على العمــوم .فـأعطى تعــالى
ل.القسم الكبر الفعل الطول وأعطى القسم القل الفعل الق ّ
وَل عممدُ َ ن بَ ْ ممم ْ ساءُ ِ ك الن ّ َ ل لَ َ ح ّ مثال آخر في سورة الحزاب )َل ي َ ِ
ت كمم ْ مل َ َ ما َ ن إ ِّل َ ه ّ سن ُ ُ ح ْ ك ُ جب َ َ ع َ و أَ ْ ول َ ْ ج َ وا ٍ ن أْز َ
َ
م ْ ن ِ ه ّ ل بِ ِ ن ت َب َدّ َ أ ْ
َ
قيب ًمما ) ((52وقــوله تعــالى ء َر ِ ي ٍ ش ْ ل َ عَلى ك ُ ّ ه َ ن الل ّ ُ كا َ و َ ك َ مين ُ َ يَ ِ
وَل َ ) َ
ب َ ث ب ِممالطّي ّ ِ خِبي م َ وَل ت َت َب َمدُّلوا ال ْ َ م َ ه ْ وال َ ُ مم َ مى أ ْ وآُتوا ال ْي ََتا َ َ
َ َ ْ
حوب ًمما ك َِبي مًرا )(2 ن ُ ه ك َمما َ م إ ِن ّم ُ وال ِك ُ ْ مم َ م إ ِل َممى أ ْ ه ْ وال َ ُ مم َ ت َمأك ُُلوا أ ْ
النساء( في آيــة ســورة الحــزاب هــي مقصــورة علــى الرســول
والحكــم مقصــور عليــه .أمــا اليــة الثانيــة فهــي آيــة عامــة لكــل
دل هو لعموم المسلمين وليــس مقصــورا ً علــى المسلمين وهذا التب ّ
أحد معين وإنما هو مستمر إلــى يــوم القيامــة .لــذا أعطــى الحــدث
دل( وأعطــى الحــدث الممتــد الصــيغة الصغير الصيغة القصــيرة )تب ـ ّ
الممتدة )تتبدلوا(.
5
أسرار البيان في التعبير القرآني
ن دي ِ ن الم ّ مم َ م ِ ع ل َك ُ ْ شَر َ مثال آخر :قال تعالى في سورة الشورى ) َ
حي ْن َمما إ ِل َي ْم َ َ
هص مي َْنا ب ِم ِ و ّ ممما َ و َك َ و َ ذي أ ْ وال ّم ِ حمما َ ه ُنو ً صممى ب ِم ِ و ّ ممما َ َ
قمموا فّر ُوَل ت َت َ َ َ َ
ن َ دي َ ممموا ال م ّ قي ُ نأ ِ سى أ ْ عي َ و ِ سى َ مو َ و ُ م َ هي َ إ ِب َْرا ِ
جت َِبي إ ِل َْيمم ِ
ه ه يَ ْه الل ّ ُ م إ ِل َي ْ ِ ه ْعو ُ ما ت َدْ ُ ن َ كي َ ر ِ ش ِ م ْ عَلى ال ْ ُ ه ك َب َُر َ في ِ ِ
ب ) ((13وقــال فــي ســورة آل ن ي ُِني م ُ مم ْ ه َ دي إ ِل َي ْ ِ ه ِ وي َ ْ شاءُ َ ن يَ َ م ْ َ
كممُروا واذْ ُ قمموا َ فّر ُ وَل ت َ َ عمما َ مي ً ج ِ ه َ ل الل ّ ِ حب ْ ِ موا ب ِ َ ص ُ عت َ ِ وا ْ عمران ) َ
َ َ
م قُلمموب ِك ُ ْ ن ُ ف ب َْيمم َ فممأل ّ َ داءً َ عمم َ مأ ْ م إ ِذْ ك ُن ُْتمم ْ كمم ْعل َي ْ ُ ه َ ة الّلمم ِ ممم َ ع َ نِ ْ
عَلى َ َ
ر ن الّنمما ِ م َ ة ِ فَر ٍ ح ْفا ُ ش َ م َ وك ُن ْت ُ ْ واًنا َ خ َ ه إِ ْ مت ِ ِ ع َ م ب ِن ِ ْ حت ُ ْ صب َ ْ فأ ْ َ
َ َ
ن) دو َ هت َ م ُ م تَ ْ عل ّك ُم ْ ه لَ َ م آَيات ِ ِ ه ل َك ُ ْ ن الل ّ ُ ك ي ُب َي ّ ُ ها ك َذَل ِ َ من ْ َ م ِ قذَك ُ ْ فأن ْ َ َ
((103في الية الولى الوصية خالدة من زمن ســيدنا نــوح إلــى
خاتم النبياء فجاء الفعــل )تتفرقــوا( أمــا فــي اليــة الثانيــة فهــي
خاصة بالمسلمين لذا جاء الفعل )تفّرقوا( .والمة المحمديــة هــي
جزء من المم المذكورة في الية الولى .وكذلك فالحدث ممتد في
الولى )تتفرقوا( والحــدث محــدد فــي الثانيــة )تفرقــوا( .فــالولى
وصية خالدة على زمن الزمان )ول تتفرقمموا فيممه( لن هــذا هــو
المأتى الـذي يـدخل إليـه أعـداء السـلم فيتفرقـون بـه لـذا جـاءت
صــى المــة صــى تعــالى المــم مــرة وو ّ الوصــية خالــدة مســتمرة ،و ّ
السلمية مرتين .والية الولى أشد تحذيرا ً للمة الســلمية )شممرع
صممى بممه نوح ما ً والممذي أوحينمما إليممك(. لكم من الدين ممما و ّ
صص بالذي أوحينا إليك ثم خ ّ شرعه لنا في الوصية العامة لنوح وخ ّ
المة السلمية في الية الثانيــة.والحــذف لــه ســببان هنــا الول لن
المة المحمدية أصغر .ونهانا عن التفّرق مهما كــان قليل ً وأراد ربنــا
تعالى أن نلتزم بهذا المر )ل تفرقوا( وقال )واعتصممموا بحبممل
الله جميعا( .أكد على الجمـع الكامـل وعلـى سـبيل العمـوم كـأنه
فرض عين على الجميع فل ُيعفى أحد مـن المسـؤولية أن ل نتفـرق
وأن نعتصم بحبل اللــه وذكرهــم بنعــم اللــه عليهــم وتوعــدهم علــى
الختلف بالعذاب العظيم وأطلق العذاب ولم يحصــره فــي الخــرة
إنما قد يطالهم فــي الــدنيا والخــرة .المصــدر ل يعمــل بعــد وصــفه
)يموم تممبيض وجمموه وتسممود وجمموه( ليســت متعلقــة بالعــذاب
العظيم .التفّرق يكون عذابه عظيما ً في الدنيا والخرة.
وقوله تعالى )والذي أوحينا إليــك( اختــار الســم الموصــول )الــذي(
عندما ذكر شريعة محمد ولم يقل )وما أوحينا إليك( لن )الــذي(
ص من )ما( التي تشـترك فـي المفـرد والمثنـى والجمـع أعرف وأخ ّ
والمذكر والمؤنث .وقد بّين تعالى شريعتنا وعرفناها فجاء بــالعرف
صــى اللــه )اسم الموصول الذي( ،ل نعلم على وجــه التفصــيل مــا و ّ
6
أسرار البيان في التعبير القرآني
تعالى نوحا ً وعيسى وموسى وإبراهيم لذا اختار ســبحانه )مــا( اســم
الموصول غير المعّرف.
ن مما َ قدْ آت َي َْنما ل ُ ْ َ ول َ َ
ق َ مثال آخــر :قــال تعــالى فــي ســورة لقمــان ) َ
حك ْم َ َ
ن م ْ و َ ه َ س ِ ف ِ شك ُُر ل ِن َ ْ ما ي َ ْ فإ ِن ّ َ شك ُْر َ ن يَ ْ م ْ و َ ه َ شك ُْر ل ِل ّ ِ نا ْ ةأ ِ ال ْ ِ َ
د ) ((12وقــال فــي ســورة إبراهيــم ميم ٌ ح ِ ي َ ّ غِنم ه َ ن الّلم َ فمإ ِ ّ فَر َ كَ َ
عمما ْ َ َ ن ت َك ْ ُ قا َ و َ
مي ً ج ِ ض َ فممي الْر ِ ن ِ مم ْ و َ م َ ف مُروا أن ْت ُم ْ سى إ ِ ْ مو َ ل ُ ) َ
د ) ((8في الية الولى أكــدها بــ )إن( بقــوله مي ٌ ح ِ ي َ غن ِ ّ ه لَ َ ن الل ّ َ فإ ِ ّ َ
)فإن الله غني حميد( وغني نكرة وحميــد نكــرة .أمــا فــي اليــة
كد بـ )إن( واللم )فإنه لغني حميد( .وفي سورة لقمــان الثانية فأ ّ
ْ َ
وهم َ ه ُ ن الل ّ م َ ض إِ ّ والْر ِ ت َ وا ِ ما َ س َ في ال ّ ما ِ ه َ أيضا ً قال تعالى )ل ِل ّ ِ
د ) ((26باستخدام الضــمير )هــو( والتعريــف )الغنــي مي ُ ح ِ ي ال ْ َ غن ِ ّ ال ْ َ
فممي ممما ِ و َ ت َ وا ِ ما َ سم َ فممي ال ّ ما ِ ه َ الحميد( أما في سورة الحج )ل َ ُ
ي ال ْ َ و ال ْ َ ْ َ
د ) ((64زاد تعالى اللم على مي ُ ح ِ غن ِ ّ ه َ ه لَ ُ ن الل ّ َ وإ ِ ّ ض َ الْر ِ
الضمير المنفصل )لهو( لماذا؟
في الفرق بين آية لقمان الولى وآية سورة إبراهيم نجــد أن الثانيــة
آكد من الولى لنـه ذكـر اللم .فــي آيـة ســورة لقمـان ذكـر تعـالى
صنفين أي جعل الخلق على قسمين :مـن شـكر ومـن كفـر ،ومـن
سممى مو َ ل ُ قمما َ و َ كفر بعض من الناس .أما في آية سورة إبراهيــم ) َ
ه لَ َ ْ َ َ
ي غِنم ّ ن الل ّم َ فمإ ِ ّ عما َ مي ً ج ِ ض َ فمي الْر ِ ن ِ م ْ و َ م َ فُروا أن ْت ُ ْ ن ت َك ْ ُ إِ ْ
كفر أهل الرض جميعا ً لذا جاء قوله )فــإن اللــه د ) ((8افترض ُ مي ٌ ح ِ َ
لغني حميد( أعم وأشمل .إن تكفروا تحتاج إلــى الســتمرار وتحتــاج
إلى التوكيد فكان التوكيد أنســب مــن اليــة الولــى .فــي ســورة آل
مًنا ن آَ ِ كا َ ه َ خل َ ُ ن دَ َ م ْ و َ م َ هي َ م إ ِب َْرا ِ قا ُ م َ ت َ ت ب َي َّنا ٌ ه آَيا ٌ
في ِ َ عمران ) ِ
ن مم ْ و َ س مِبيًل َ ه َ ع إ ِل َي ْ ِ طا َ ست َ َ نا ْ م ِ ت َ ج ال ْب َي ْ ِ ح ّ س ِ على الّنا ِ
ه َ َ ول ِل ّ ِ َ
ن ) ((97باســتخدام صــيغة مي َ َ
عممال ِ ن ال َ ْ ه َ ّ فَر َ ك َ َ
عم ِ ي َ غِنم ّ ن اللم َ فمإ ِ ّ
الماضي وفي آيــة ســورة إبراهيــم )وإن تكفــروا( بصــيغة المضــارع.
فعل الماضي بعد أداة الشرط مع المستقبل يفــترض الحــدث مــرة
ل على تكرار الحدث. واحدة أما فعل المضارع فيد ّ
واستخدام صيغة الماضي والمضــارع فــي القــرآن كــثير مثــل قــوله
ً َ
ل قَتمم َ ن َ م ْ و َ خطَأ َ مًنا إ ِّل َ ؤ ِ م ْ ل ُ قت ُ َ ن يَ ْ نأ ْ ٍ م
ؤ ِ م ْ ن لِ ُ كا َ ما َ و َ تعالى ) َ
ه إ ِّل َ
ة إ َِلى أ ْ ً
هل ِ ِ م ٌ سل ّ َ م َ ة ُ وِدي َ ٌ ة َ من َ ٍ ؤ ِ م ْ ة ُ قب َ ٍ ريُر َر َ ح ِ فت َ ْ خطَأ َ مًنا َ ؤ ِ م ْ ُ
َ
ن م ٌ ؤ ِ مم ْ و ُ هم َ و ُ م َ و ل َك ُم ْ ع مد ُ ّ وم ٍ َ قم ْ ن َ مم ْ ن ِ ن ك َمما َ ف مإ ِ ْ قوا َ ص مد ّ ُ ن يَ ّ أ ْ
م هم ْ وب َي ْن َ ُ م َ وم ٍ ب َي ْن َك ُم ْ قم ْ ن َ مم ْ ن ِ ن ك َمما َ وإ ِ ْ ة َ من َم ٍ ؤ ِ م ْ ة ُ قب َم ٍ ريُر َر َ ح ِ فت َ ْ َ
َ
ة إ َِلى أ ْ
ن مم ْ ف َ ة َ من َ م ٍ ؤ ِ م ْ ة ُ قب َ م ٍ ريُر َر َ ح ِ وت َ ْ ه َ هل ِ ِ م ٌ سل ّ َ م َ ة ُ دي َ ٌ ف ِ ميَثاقٌ َ ِ
ن الّلمم ُ
ه كا َ و َ ه َ ن الل ّ ِ م َ ة ِ وب َ ً ن تَ ْ عي ْ ِ مت ََتاب ِ َ ن ُ هَري ْ ِ ش ْ م َ صَيا ُ ف ِ جد ْ َ م يَ ِ لَ ْ
7
أسرار البيان في التعبير القرآني
مًنما ؤ ِ م ْ ل ُ قت ُم ْ ن يَ ْ مم ْ و َ ما ) (92النساء( وقــوله تعــالى ) َ كي ً ح ِ ما َ عِلي ً َ
ه
عن َ م ُ ول َ َ ه َ عل َي ْ ِ ه َ ب الل ّ ُ ض َ غ ِ و َ ها َ في َ دا ِ خال ِ ًم َ هن ّ ُ ج َ ؤهُ َ جَزا ُ ف َ دا َ م ً ع ّ مت َ َ ُ
َ
ما ) (93النساء( أي كلما سنحت له الفرصــة ظي ً ع ِ ذاًبا َ ع َ ه َ عد ّ ل َ ُ وأ َ َ
قتل وهذا دليل التكرار لذا جاء الفعل بصيغة المضارع .وكــذلك فــي
قوله تعالى )ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه( صــيغة المضــارع
لن الشكر يكون في كل لحظة على كل نعم الله أمــا )ومــن كفــر(
جاء بصيغة الماضي لن الكفر يحصل مرة واحدة فقط .وقال تعالى
م )(37 غان َك ُ ْ ضم َ ج أَ ْ ر ْخم ِ وي ُ ْ خل ُمموا َ م ت َب ْ َ فك ُم ْ ح ِ في ُ ْ ها َ مو َ س مأل ْك ُ ُ
َ
ن يَ ْ )إ ِ ْ
محمد( سؤال متكرر لن سؤال الموال متكرر فجاء الفعــل بصــيغة
فَل ها َ ع مد َ َ ء بَ ْ ي ٍ شم ْ ن َ عم ْ ك َ سأ َل ْت ُ َ ن َ ل إِ ْ قا َ المضارع ،وقال تعالى ) َ
ع مذًْرا ) (76الكهــف( الســؤال ن ل َمدُّني ُ مم ْ ت ِ غ َ قدْ ب َل َ ْ حب ِْني َ صا ِ تُ َ
حصل مرة واحدة فجاء بصيغة الماضي.
أسئلة:
.1فأكله الذئب :لماذا لم يقل أفترسه لن هـذا عـادة
الذئب الفتراس ؛ والفتراس ُيفترض أن يمّزق ثيابه كلهــا
ل ذلـك وإخوة يوسف جاءوا علـى قميصـه بـدم كـذب فـد ّ
على أن الذئب لم يفترسه لذا جاء فعل )فأكله(.
َ
ذاًبا عم َ م َ هم ْ ن لَ ُ ن ب ِ مأ ّ قي َ ف ِ من َمما ِ ر ال ْ ُ ش ِ .2قال تعالى) :ب َ ّ
ممما ) (138النســاء( المعــروف أن التبشــير بالشــيء َ
أِلي ً
الحسن أما هنا فجاء التبشير من بــاب الســخرية والتهكــم
ذق أنك أنممت العزيممز منهم .كما في قوله تعالى أيضا ً ) ُ
الكريم( العزيز الكريم من باب التهكم والسخرية.
ل إ ِن ّن ِممي قم ْ لمــاذا نصــب )دين ـًا( فــي قــوله تعــالى ) ُ .3
ةمل ّ م َ ممما ِ قي َ ً قيم ٍ ِدين ًمما ِ ست َ ِ م ْ ط ُ صَرا ٍ داِني َرّبي إ َِلى ِ ه َ َ
ن )(161 كي َ ر ِ شم ِ م ْ ن ال ْ ُ مم َ ن ِ ممما ك َمما َ و َ فمما َ حِني ً م َ هي َ إ ِب َْرا ِ
النعام(؟ النصب يدخل في باب التخصيص بالمدح.
ر غي ْم ِ ت بِ َ وا ِ ما َ سم َ ع ال ّ فم َ ذي َر َ ه ال ّ ِ .4قــال تعــالى )الل ّ ُ
خَر سم ّ و َ ش َ ع مْر ِ عل َممى ال ْ َ وى َ س مت َ َ ما ْ همما ث ُ م ّ ون َ َ د ت ََر ْ مم ٍ ع َ َ
مى ي ُمدَب ُّر َ كم ّ مَر ُ وال ْ َ ال ّ
سم ّ م َ ل ُ جم ٍ ري ِل َ جم ِ ل يَ ْ ق َ س َ م َ ش ْ
ل اْل ََيا ِ َ
ن) قن ُممو َ م ُتو ِ ء َرب ّك ُم ْ قا ِ م ب ِل ِ َ عل ّك ُ ْ ت لَ َ ص ُ ف ّ مَر ي ُ َ اْل ْ
(2الرعد( على ماذا يعود الضمير في ترونها؟ قسم يقول
إنها عمد غير مرئية بمعنى )بغير عمد مرئية( وقسم قــال
)بغير عمد ثم استأنف ترونها بمعنى ترونها مرفوعة بغيــر
عمد .هناك تعبيرات قطعيــة وتعــبيرات ظني ّــة وهــذه اليــة
تحتمل المعنيين.
8
أسرار البيان في التعبير القرآني
.5مــا الفــرق بيـن " اســتطاعوا " وَ " اسـطاعوا " فـي
َ
ممما و َ ه مُروهُ َ ن ي َظْ َ عوا أ ْ طا ُ سم َ ممما ا ْ ف َ ســورة الكهــف ) َ
قًبا )((97؟ هــذه مــن الحــذف للتقليــل ه نَ ْ عوا ل َ ُ طا ُ ست َ َ ا ْ
من الفعل كما ذكرنا ســابقًا .اســتطاعوا تحتــاج إلــى جهــد
لنقــب الس ـد ّ أمــا اســطاعوا فهــي للصــعود علــى ظهــره
وبالتأكيد أن إحداث نقب في السد المصنوع مــن الحديــد
والنحاس أشد ّ من الصــعود علــى ظهــره ويســتغرق وقت ـا ً
أطول فحذف من الفعل الذي مدته أقل وذكر في الحدث
الممتد.
ل قا َ و َ .6ما دللة التذكير والتــأنيث فــي قــوله تعــالى ) َ
َ
ن عم ْ همما َ فَتا َ ودُ َ ز ت َُرا ِ زي ِ ع ِ مَرأةُ ال ْ َ ةا ْ دين َ ِ م ِ في ال ْ َ ة ِ و ٌ س َ نِ ْ
ن) مِبي ٍ ل ُ ضَل ٍ في َ ها ِ حّبا إ ِّنا ل َن ََرا َ ها ُ ف َ غ َ ش َ قد ْ َ ه َ س ِ ف ِ نَ ْ
(30يوسف(؟ بحسب القاعدة النحوية المعروفة أنه جائز
باعتبــار أن جمــع التكســير يجــوز تــذكيره وتــأنيثه .يــؤّنث
كر الفعــل عنــدما يكــون الفاعــل أكــثر وإذا كــان أقــل ي ُــذ ّ
الفعل .ونسوة هن حاشــية امــرأة العزيــز .كمــا جــاء فــي
عمرا ُ َ َ
مُنموا ؤ ِ م تُ ْ ل َلم ْ قم ْ من ّمما ُ بآ َ ت اْل ْ َ قمال َ ِ قــوله أيض ـا ً ) َ
ل ا ِْ َ
فممي ن ِ ممما ُ لي َ خ ِ ممما ي َمدْ ُ ول َ ّ مَنا َ س مل َ ْ قول ُمموا أ ْ ن ُ ول َك ِم ْ َ
ن مم ْ م ِ ه َل ي َل ِت ْك ُم ْ سممول َ ُ وَر ُ ه َ عوا الل ّم َ طي ُ ن تُ ِ وإ ِ ْ م َ قُلوب ِك ُ ْ ُ
م ) (14الحجـرات( حي ٌ فوٌر َر ِ غ ُ ه َ ن الل ّ َ شي ًْئا إ ِ ّ م َ مال ِك ُ ْ ع َ أَ ْ
استخدم الفعل قالت مؤنثا ً لن العراب ك ُُثر .وكذلك فــي
ه مدَ إ ِل َي ْن َمما أ َّل ع ِ ه َ ن الل ّم َ قمماُلوا إ ِ ّ ن َ ذي َ قــوله تعــالى )ال ّم ِ
ْ حّتى ي َأ ْت ِي ََنا ب ِ ُ
ل قمم ْ ه الّناُر ُ ن ت َأك ُل ُ ُ قْرَبا ٍ ل َ سو ٍ ن ل َِر ُ م َ ؤ ِ نُ ْ
م قل ُْتمم ْ ذي ُ وِبال ّ ِ ت َ قب ِْلي ِبال ْب َي َّنا ِ ن َ م ْ ل ِ س ٌ م ُر ُ جاءَك ُ ْ قد ْ َ َ
ن ) (183آل قي َ صممماِد ِ م َ ن ك ُن ُْتممم ْ م إِ ْ ه ْ ممممو ُ قت َل ْت ُ ُ م َ فِلممم َ َ
عمران( هؤلء مجموعة من الرسل أما فــي قــوله تعــالى
ْ ْ ْ
ل قممو ُ ه يَ ُ ويل ُ ُ م ي َمأِتي ت َمأ ِ و َ ه ي َم ْ ويل َ ُ ن إ ِّل ت َأ ِ ل ي َن ْظُُرو َ ه ْ ) َ
قح ّ ل َرب َّنا ِبممال ْ َ س ُ ت ُر ُ جاءَ ْ قد ْ َ ل َ قب ْ ُ ن َ م ْ سوهُ ِ ن نَ ُ ذي َ ال ّ ِ
َ
ل مم َ ع َ فن َ ْ و ن ُمَردّ َ عوا ل ََنا أ ْ ف ُ ش َ في َ ْ عاءَ َ ف َ ش َ ن ُ م ْ ل ل ََنا ِ ه ْ ف َ َ
َ
ل ضم ّ و َ م َ ه ْ سم ُ ف َ س مُروا أن ْ ُ خ ِ ق مد ْ َ ل َ م ُ ع َ ذي ك ُّنا ن َ ْ غي َْر ال ّ ِ َ
ن ) (53العــراف( المــذكورون فت َمُرو َ كاُنوا ي َ ْ ما َ م َ ه ْ عن ْ ُ َ
هم جميع الرسل وهـم أكـثر مـن الولـى لـذا جـاء الفعـل
مؤنثًا.
لماذا التحول في الخطــاب مــن المفــرد إلــى الجمــع .7
سل َ َ َ
ك و َ دا َ ه ً م ْ ض َ م اْلْر َ ل ل َك ُ ُ ع َ ج َ ذي َ في قوله تعالى )ال ّ ِ
9
أسرار البيان في التعبير القرآني
َ وأ َن َْز َ
جن َمما
خَر ْ
فأ ْممماءً َ
ء َ
ما ِ
سم َ
ن ال ّ
م َ
ل ِ سب ًُل َ
ها ُ في َم ِ ل َك ُ ْ
ش مّتى ) (53طــه( ؟ هــذا يســمى ت َ ب َ
ن ن ََبا ٍم ْ جا ِ
وا ًه أْز َ ِ ِ
التفاف ويسـتعمل لتطريـة نشــاط السـامع وقـد ورد فــي
القرآن كثيرًا .يلتفت من الغائب إلى الحاضر ومن الجمــع
إلى الفراد ومن الغائب إلى المتكلم.
.8ما معنى جيوبهن؟ الجيب هو فتحة الصدر.
10
أسرار البيان في التعبير القرآني
قال تعالى )ول تكونوا كالذين جمماءهم البينممات( وقــال تعــالى
)وما كان صلتهم عند البيت( وقال تعالى )قد كــان لكــم فيهــم
أسوة حسنة(
ُ
هناك خط بلغي في القرآن الكريم حــول هــذا الموضــوع وقــد أثيــر
في عديد من السئلة خلل الحلقات ونذكر منها ما جــاء فــي تــذكير
وتأنيث الفعل مع كلمة الضللة والعاقبة وكذلك مــع كلمــة الملئكــة
وكذلك مع كلمة البّينات .وقلنا باختصار أنه:
تذكير الفاعل المؤنث له أكثر من سبب وأكثر من خــط فــي
كر جــاز القرآن الكريم .فإذا قصدنا بــاللفظ المــؤّنث معنــى المــذ ّ
تذكيره وهو ما ُيعرف بالحمل على المعنى .وقــد جــاء فــي قــوله
م هم ُ ق َ َ ري ً و َ ري ً تعــالى عــن الضــللة ) َ
علي ْ ِ حم ّ قمما َ ف ِ دى َ
َ
هم َ قمما َ ِ ف
هن الل ّم ِ دو ِ ن ُ مم ْ ول ِي َمماءَ ِ نأ ْ طي َ ش مَيا ِ ذوا ال ّ خم ُ م ات ّ َ ه ُ ة إ ِن ّ ُ ضَلل َ ُ ال ّ
ن ) (30العــراف( وقــوله تعــالى َ
دو َ هَتمم ُ م ْ م ُ همم ْ ن أن ّ ُ سممُبو َ ح َ وي َ ْ َ
جت َن ُِبوا ّ ُ َ ً ُ في ك ُ ّ عث َْنا ِ ول َ َ
وا ْ ه َ دوا الل َ عب ُ ُنا ْ سول أ ِ ة َر ُ م ٍ لأ ّ قد ْ ب َ َ ) َ
ه عل َْيمم ِ ت َ ق ْ ح ّ ن َ م ْ م َ ه ْ من ْ ُ و ِ ه َ دى الل ّ ُ ه َ ن َ م ْ م َ ه ْ من ْ ُ ف ِ ت َ غو َ طا ُ ال ّ
ة قَبمم ُ عا ِ ن َ كا َ ف َ فان ْظُُروا ك َي ْ َ ض َ ْ َ ة َ ضَلل َ ُ
في الْر ِ سيُروا ِ ف ِ ال ّ
ن ) (36النحــل( .ونــرى أنــه فــي كــل مــرة يــذكر فيهــا مك َذِّبي َ ال ْ ُ
الضللة بالتــذكير تكــون الضــللة بمعنــى العــذاب لن الكلم فــي
َ
ن ) (29العراف( وليس في الخرة دو َ عو ُ م تَ ُ ما ب َدَأك ُ ْ الخرة )ك َ َ
ضللة بمعناها لن المور كلها تنكشف في الخرة .وعندما تكــون
مــا كــانت الضــللة الضــللة بالتــأنيث يكــون الكلم فــي الــدنيا فل ّ
بمعناها هي يؤّنث الفعل.
وكــذلك بالنســبة لكلمــة العاقبــة أيض ـا ً تــأتي بالتــذكير مــرة
وبالتأنيث مرة ،وعندما تأتي بالتذكير تكون بمعنــى العــذاب وقــد
وردت في القرآن الكريــم 12مــرة بمعنـى العـذاب أي بالتــذكير
والمثلة في القرآن كثيرة منها قــوله تعــالى فــي ســورة النعــام
ف ك َمما َ م انظُ مُروا ْ ك َي ْم َ َ سيُروا ْ ِ ) ُ
ة قب َم ُ عا ِ ن َ ض ث ُم ّ في الْر ِ ل ِ ق ْ
مممن و َ جي َْنماهُ َ فن َ ّ فك َمذُّبوهُ َ ن } ({11وســورة يــونس ) َ مك َذِّبي َ ال ْ ُ
ن ك َمذُّبوا ْ ذي َ قَنا ال ّ ِ غَر ْ وأ َ ْ ف َ خل َئ ِ َ م َ ه ْ عل َْنا ُ ج َ و َ ك َ فل ْ ِ في ال ْ ُ ه ِ ع ُ م َ ّ
ن }({73 ري َ منممذَ ِ ة ال ُْ قَبمم ُ عا ِ ن َ ف كمما َ َ فممانظْر كْيمم َ َ ُ ِبآَيات َِنمما َ
ة قَبمم ُ عا ِ ن َ ف َ فممان ْظُْر ك َْيمم َ طممًرا َ م َ عل َ مطَ و)وأ َ
كمما َ م َ همم ْ ِ ْ ي َ نمما َ رْ ْ َ
ة قب َ م ُ عا ِ ن َ ف ك َمما َ فممان ْظُْر ك َي ْ م َ ن ) (84العــراف( و) َ مي م َ ر ِ ج ِ م ْ ال ْ ُ
ن ) (73الصاّفات( المقصود بالعاقبة هنا محــل العــذاب ري َ من ْذَ ِ ال ْ ُ
فجاء الفعــل مــذكرًا .وعنــدما تــأتي بالتــأنيث ل تكــون إل بمعنــى
ن مم ْ م بِ َ عل َم ُ سممى َرب ّممي أ َ ْ مو َ ل ُ قا َ و َ الجّنة كما في قوله تعالى ) َ
11
أسرار البيان في التعبير القرآني
ه َل ر إ ِن ّ م ُ دا ِ ة ال م ّ قب َ ُ عا ِ ه َ ن لَ ُ كو ُ ن تَ ُ م ْ و َ ه َ د ِ عن ْ ِ ن ِ م ْ دى ِ ه َ جاءَ ِبال ْ ُ َ
ن ) (37القصــص( وقــوله تعــالى فــي ســورة مو َ ح الظّممال ِ ُ فل ِم ُ يُ ْ
ل مم ٌ عا ِ م إ ِن ّممي َ مك َممان َت ِك ُ ْ عل َممى َ مل ُمموا ْ َ ع َ وم ِ ا ْ ق ْ ل َيا َ ق ْ النعام ) ُ
ح فل ِ م ُ ه ل َ يُ ْ ر إ ِن ّ م ُ دا ِ ة ال م ّ قب َ ُ عا ِ ه َ ن لَ ُ كو ُ من ت َ ُ ن َ مو َ عل َ ُ ف تَ ْ و َ س ْ ف َ َ
ن }.({135 مو َ ظال ِ ُ ال ّ
تذكير كلمــة شــفاعة مــرة وتأنيثهــا مــرة أخــرى فــي ســورة
زي جم ِ وم ما ً ل ّ ت َ ْ قمموا ْ ي َ ْ وات ّ ُ البقرة :قال تعالى في سورة البقرة ) َ
خم ُ
ذ ؤ َ ول َ ي ُ ْ ة َ ع ٌ فا َ شم َ ها َ من ْ َ ل ِ قب َ ُ ول َ ي ُ ْ شْيئا ً َ س َ ف ٍ عن ن ّ ْ س َ ف ٌ نَ ْ
ن } ({48وقال في نفس الســورة صُرو َ م ُين َ ه ْ ول َ ُ ل َ عد ْ ٌ ها َ من ْ َ ِ
ل قب َم ُ ول َ ي ُ ْ ً
شمْيئا َ س َ عن ن ّ ْ زي ن َ ْ وما ل ّ ت َ ْ ً ْ وات ّ ُ
فم ٍ س َ ف ٌ ج ِ قوا ي َ ْ ) َ
ن} صممُرو َ م ُين َ همم ْ ول َ ُ ة َ ع ٌ فا َ شمم َ همما َ ع َ ف ُ ول َ َتن َ ل َ عممدْ ٌ همما َ من ْ َ ِ
.({123جاءت الية الولى بتذكير فعل )يقبل( مع الشفاعة بينما
جاء الفعل )تنفعها( مؤنثا ً مع كلمة الشفاعة نفســها .الحقيقــة أن
كر مع الشفاعة إل في الية 123من ســورة الفعل )يقبل( لم ُيذ ّ
البقرة وهنا المقصود أنهــا جــاءت لمــن سيشــفع بمعنــى أنــه لــن
ُيقبل ممن سيشــفع أو مــن ذي الشــفاعة .أمــا فــي اليــة الثانيــة
فالمقصود الشفاعة نفسها لن تنفــع وليــس الكلم عــن الشــفيع.
وقد وردت كلمة الشفاعة مع الفعل المؤنث في القــرآن الكريــم
ة ِإن ه ً ه آل ِ َ دون ِ ِ من ُ خذ ُ ِ في آيات أخرى منها في سورة يس )أ َأ َت ّ ِ
ول َ شمْيئا ً َ م َ ه ْ عت ُ ُ فا َ شم َ عّنمي َ ن َ غم ِ ضمّر ل ّ ت ُ ْ من ب ِ ُ ح َ ن الّر ْ ردْ ِ يُ ِ
فممي ك ِ مَلمم ٍ مممن ّ كممم ّ و َ ن } ({23وســـورة النجـــم ) َ ذو ِ قمم ُ ُين ِ
ْ َ
ن د أن ي َمأذَ َ ع ِ من ب َ ْ شْيئا ً إ ِّل ِ م َ ه ْ عت ُ ُفا َ ش َ غِني َ ت َل ت ُ ْ وا ِ ما َ س َ ال ّ
ضى }.({26 وي َْر َ شاءُ َ من ي َ َ ه لِ َ الل ّ ُ
وكذلك كلمة )البّينات( فإذا كانت بمعنى العلمات الدالة على
المعجزات أّنث الفعل وإذا كانت بمعنى المر والنهــي وح ـد ّ اللــه
كر الفعل هناك حكــم نحــوي مفــاده أنــه يجــوز أن يــأتي والدين ذ ّ
الفعــل مــذكرا ً والفاعــل مؤنثـًا .وكلمــة )البّينــات( ليســت مــؤنث
حقيقي لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها .والسؤال ليس عن جواز تذكير
وتأنيث )البّينات( لن هذا جائز كما قلنا لكن السؤال لماذا؟ لماذا
جاء بالســتعمال فعــل المــذكر )جــاءهم البّينــات( مــع العلــم أنــه
استعملت في غير مكان بالمؤنث )جاءتهم البّينات(؟
جاءتهم البّينات بالتأنيث :يؤّنث الفعل مع )البّينات( إذا كانت اليــات
ل على النبوءات فأينما وقعت بهذا المعنى يأتي الفعل مؤنثا ً كمــا تد ّ
ممما د َ عم ِ مممن ب َ ْ م ّ فِإن َزل َل ْت ُ ْ في قــوله تعــالى فــي ســورة البقــرة ) َ
ّ عل َموا ْ أ َ
م } ({209والية كي ٌ ح ِ زيٌز َ ِ ع
َ ه
َ لال نّ فا ْ ُ ت َ م ال ْب َي َّنا ُ جاءت ْك ُ ُ َ
12
أسرار البيان في التعبير القرآني
ن ّ ّ َ )ك َممان الن ّمماس أ ُ
ري َ ِ م ش َ ب م
ُ ن
َ م يي ّ ِ ب ّ ن ال ه
ُ م ل ال ث َ م عَ َ ب ف ً ة َ د م ح
ِ وا َ ةً م مّ ُ َ
َ
س ن الن ّمما ِ م ب َي ْم َ حك ُم َ ق ل ِي َ ْ ح ّ ب ب ِممال ْ َ م ال ْك َِتا َ ه ُ ع ُ م َ ل َ وأنَز َ ن َ ري َ ذ ِ من ِ و ُ َ
د ُ ّ ّ َ ْ ُ َ
ع ِ من ب َ ْ ن أوُتوهُ ِ ذي َ ه إ ِل ال ِ في ِ ف ِ خت َل َ ما ا ْ و َ ه َ في ِ خت َلفوا ِ ما ا ْ في َ ِ
ممما مُنوا ْ ل ِ َ نآ َ ذي َ ه ال ّ ِ دى الل ّ ُ ه َ ف َ م َ ه ْ غيا ً ب َي ْن َ ُ ت بَ ْ م ال ْب َي َّنا ُ ه ُ جاءت ْ ُ ما َ َ
شمماءُ إ ِلممى َ مممن ي َ َ دي َ هم ِ ه يَ ْ واللم ُ ّ ه َ ق ب ِإ ِذْن ِ ِ ح ّ ن ال َ ْ م َ ه ِ في ِ فوا ِ ْ خت َل ُ َ ا ْ
م ه ْ ضم ُ ع َ ضمل َْنا ب َ ْ ف ّ ل َ سم ُ ك الّر ُ قيم ٍ } ({213و )ت ِل ْم َ سمت َ ِ م ْ ط ّ صَرا ٍ ِ
وآت َي َْنا ت َ جا ٍ م دََر َ ه ْ ض ُ ع َ ع بَ ْ ف َ وَر َ ه َ م الل ّ ُ من ك َل ّ َ هم ّ من ْ ُ ض ّ ٍ عَلى ب َ ْ
ع َ
َ
شمماء و َ وَلمم ْ س َ قد ُ ِ ح ال ْ ُ وأي ّدَْناهُ ب ُِرو ِ ت َ م ال ْب َي َّنا ِ مْري َ َ ن َ سى اب ْ َ عي َ ِ
م ه ُ جمماءت ْ ُ ممما َ د َ عم ِ مممن ب َ ْ هم ّ د ِ عم ِ مممن ب َ ْ ن ِ ذي َ ل ال ّم ِ قت َت َم َ ممما ا ْ ه َ الل ّم ُ
ف مَر مممن ك َ َ هممم ّ من ْ ُ و ِ ن َ م َ نآ َ م ْ هم ّ من ْ ُ ف ِ فوا ْ َ خت َل َ ُ نا ْ ولمك ِ ِ
ت َ َ ال ْب َي َّنا ُ
د} ريم ُ ِ ممما ي ُ ل َ عم ُ ف َ ه يَ ْ ن الل ّم َ وَلممك ِ ّ قت َت َل ُمموا ْ َ ممما ا ْ ه َ شمماء الل ّم ُ و َ ول َ ْ َ
ب أن َ ْ هم ُ َ َ ُ َ
ل الك ِت َمما ِ س مألك أ ْ ،({253وقــوله فــي ســورة النســاء )ي َ ْ
َ َ
من سى أك ْب ََر ِ مو َ سأُلوا ْ ُ قد ْ َ ف َ ء َ ما ِ س َ ن ال ّ م َ م ك َِتابا ً ّ ه ْ ِ عل َي ْ ل َ ت ُن َّز َ
َ َ
م هم ْ م ِ ة ب ِظُل ْ ِ ق ُ ع َ صمما ِ م ال ّ ه ُ خ مذَت ْ ُ فأ َ هَرةً َ ج ْ ه َ رَنا الل ّ ِ قاُلوا ْ أ ِ ف َ ك َ ذَل ِ َ
عممن ون َمما َ ف ْ ع َ ف َ ت َ م ال ْب َي َّنا ُ ه ُ جاءت ْ ُ ما َ د َ ع ِ من ب َ ْ ل ِ ج َ ع ْ ذوا ْ ال ْ ِ خ ُ م ات ّ َ ثُ ّ
مِبينا ً }.({153 طانا ً ّ سل ْ َ سى ُ مو َ وآت َي َْنا ُ ك َ ذَل ِ َ
أما "جاءهم البّينات" بالتذكير :فالبّينات هنا تأتي بمعنى المر
والنهي وحيثما وردت كلمة البّينات بهذا المعنى من المر والنهي
ف كر الفعل كما في قوله تعــالى فــي ســورة آل عمــران )ك َي ْ َ ُيذ ّ
َ
ن دوا ْ أ ّ ه ُ شمم ِ و َ م َ ه ْ مممان ِ ِ عممدَ ِإي َ فممُروا ْ ب َ ْ وممما ً ك َ َ ق ْ ه َ دي الّلمم ُ همم ِ يَ ْ
م و َ قم ْ دي ال ْ َ هم ِ ه ل َ يَ ْ والل ّم ُ ت َ م ال ْب َي ّن َمما ُ ه ُ جمماء ُ و َ ق َ حم ّ ل َ سو َ الّر ُ
قممموا ْ فّر ُ ن تَ َ ذي َ كاّلممم ِ كوُنممموا ْ َ ول َ ت َ ُ ن } ({86و ) َ مي َ ظمممال ِ ِ ال ّ
هم ال ْبيَنات ُ
ب ذا ٌ ع َ م َ ه ْ ك لَ ُ وَلمئ ِ َ وأ ْ ُ َ َ ّ جاء ُ ُ ما َ د َ ع ِ من ب َ ْ فوا ْ ِ خت َل َ ُ وا ْ َ
د َ َ ُ
م } ({105وفي سورة غافر )ق ْ
عب ُم َ نأ ْ تأ ْ هي م ُ ل إ ِّني ن ُ ِ ظي ٌ ع ِ َ
من ّرّبي ت ِ ي ال ْب َي َّنا ُ جاءن ِ َ ما َ ه لَ ّ ن الل ّ ِ دو ِ من ُ ن ِ عو َ ن ت َدْ ُ ذي َ ال ّ ِ
ُ َ ُ
ن }.({66 مي َ عال َ ِ ب ال ْ َ م ل َِر ّ سل ِ َ نأ ْ تأ ْ مْر ُ وأ ِ َ
.وقد يكون التأنيث للكــثرة والتــذكير للقلــة كمــا فــي قــوله
تعالى )قالت العراب آمنا( وقوله تعالى )وقال نسوة في
المدينة( .ونقول أن هذا المر جــائز مــن حيــث الجــواز اللغــوي
وليس فــي هــذا شــيء لكــن الســؤال يبقــى لمــاذا اختــار تعــالى
التذكير في موضع والتأنيث في موضع آخر؟ ونأخــذ قــوله تعــالى
)جاءكم رسول( بتذكير فعل جاءكم ،وقوله تعالى )جاءت رسل
ربنا( بتأنيث فعل جاءت .ونلحظ أنه في الية الولى كان الكلم
عن جميع الرسل في جميع المم من آدم إلى أن تقــوم الســاعة
وهذا يدل على الكثرة فجاء بالفعل مؤّنثا ً للدللة على الكثرة .أما
13
أسرار البيان في التعبير القرآني
في الية الثانية فالخطاب لبني إسرائيل ولزمرة منهم وفي حالة
كرًا. معينة أيضا ً وهذا يدل على القلة فجاء بالفعل مذ ّ
ت إ ِّل عْنمدَ ال ْب َْيم ِ م ِ ه ْ صَلت ُ ُ ن َ كا َ ما َ و َ مثال آخر قوله تعالى ) َ
ن )(35 فمُرو َ م ت َك ْ ُ ممما ك ُن ْت ُم ْ ب بِ َ ذا َ عم َ قوا ال ْ َ ذو ُ ف ُ ة َ دي َ ًص ِ وت َ ْ كاءً َ م َ ُ
النفــال( والمكــاء والتصــدية :همــا التصــفيق والصــفير وكلهمــا
كر وجاء الفعل مع كلمة )الصلة( مــذكرا ً لن المــراد بالصــلة مذ ّ
هنا التصفيق والصفير وكلهما مذكر .والصلة عندهم كانت تفيــد
كر أيضـا ً )صــلتهم كــانوا يطوفــون وحــول الطواف والطواف مــذ ّ
الكعبة ويصفقون ويصفرون( .إذن الطواف والتصــفيق والصــفير
كر فجاء الفعل مع كلمة الصلة المقصود بمعناها المذكر كّلها مذ ّ
جاء مذكرًا.
ْ
ةشم ٍح َ فا ِ ن بِ َ من ْك ُم ّ ت ِ ن َيمأ ِ مم ْ ي َ ساءَ الن ّب ِم ّ قال تعالى )َيا ن ِ َ
عَلى الّلمم ِ
ه ك َ ن ذَل ِ َ كا َ و َ ن َ في ْ ِع َ ض ْ ب ِ ذا ُ ع َها ال ْ َ ف لَ َ ع ْ ضا َ ة يُ َ مب َي ّن َ ٍ ُ
لمم ْع َوت َ ْ ه َ سممول ِ ِ وَر ُ ه َ ّ
ن ل ِلم ِ من ْك ُم ّ ت ِ قن ُم ْ ن يَ ْ مم ْ و َ سمميًرا )َ (30 يَ ِ
ما )(31 ري ً قا ك َ ِ رْز ً ها ِ عت َدَْنا ل َ َ وأ َ ْن َ مّرت َي ْ ِ ها َ جَر َ َ
ها أ ْ ؤت ِ َحا ن ُ ْ صال ِ ً َ
ً
الحزاب( هذه الية ليست من باب التذكير والتأنيث أصل وتذكير
الفعل والفاعل وإنما هي من باب استعمال )من( .والســؤال هــو
لماذا استعمل )مــن( فــي اليــة؟ مــن أصـل ً فــي اللغــة تســتعمل
للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنــى والجمــع وطبيعــة الكــثر فــي
كلم العرب والقرآن أنه حتى لو كان الخطاب للنــاث أو الجمــع
يأتي أول مرة بـ )من( بصيغة المفرد المذكر ثم يعقبه مــا يوضــح
المعنى .ومهما كانت حالــة مــن ســواء أكــانت إســما ً موصــول ً أو
نكرة تامة بمعنى شخص أو ذات أو كانت اسم شرط ،يــؤتى بهــا
بصيغة المفرد المذكر أول مرة ثم ُيعاد عليها بمعناها فــي المــرة
الثانية كقــوله تعــالى )ومن النمماس مممن يقممول آمنمما بممالله
واليوم الخر وما هم بمؤمنين( وهذا هو خــط القــرآن وهــو
الكثر في كلم العرب وهذا هو الصل .وكقوله تعــالى )ومنهممم
من يقول ائذن لي (.والية موضع السؤال )مــن يــأت منكــن(
تدخل فــي هــذه القاعــدة جــاء بــ )مــن( بمــا يــدل علــى الفــراد
والتذكير ثم جاء فيما بعد بما يدل على المعنــى .وإذا خــرج عــن
هذا المر كما في قوله تعالى )ومنهم من ينظر إليك ومنهم مــن
يستمعون إليك( جــاء فـي الولــى بـالفراد والثانيـة جمــع لمــاذا؟
نسأل أيهما أكثر الذين ينظرون إلى الشخص أم الذين يستمعون
إليه؟ الجواب الذين يســتمعون ولهــذا عب ّــر عنهــم بــالجمع لنهــم
14
أسرار البيان في التعبير القرآني
أكــثر .ولهــذا عنــدما يخــالف القاعــدة فــإنه يخــالف بمــا يقتضــيه
السياق والمعنى.
َ
ن فئ َت َي ْم ِ فممي ِ ة ِ م آي َم ٌ ن ل َك ُم ْ قدْ ك َمما َ مثال آخر قــوله تعــالى ) َ
م ه ْ ون َ ُ فَرةٌ ي ََر ْ كا ِ خَرى َ وأ ُ ْ ه َ ل الل ّ ِ سِبي ِ في َ ل ِ قات ِ ُ ة تُ َ فئ َ ٌ قَتا ِ ال ْت َ َ
مث ْل َيهم رأ ْ
فممي ن ِ شمماءُ إ ِ ّ ن يَ َ م ْ ه َ ر ِ ص ِ ؤي ّدُ ب ِن َ ْ ه يُ َ والل ّ ُ ن َ ِ ْ ي ع
َ ي ال ْ َ ِ ْ ِ ْ َ
َ ُ
ر ) (13آل عمران( وفي آيــة أخــرى صا ِ عب َْرةً ِلوِلي اْلب ْ َ ك لَ ِ ذَل ِ َ
همما عن ْ َ م إ ِّل ك َمماُنوا َ هم ْ ِ ت َرب ّ ن آ َي َمما ِ مم ْ ة ِ ن آ َي َم ٍ مم ْ م ِ ه ْ ِ ما ت َمأ ِْتي و َ ) َ
قمماُلوا ة َ م آي َ ٌَ وإ ِ َ
ه ْ جاءَت ْ ُ ذا َ ن ) (4النعام( وقوله تعالى ) َ ضي َ ر ِ ع ِ م ْ ُ
َ َ ّ ّ ُ
م علم ُ هأ ْ ه الل ُ ل الل ِ س ُ ي ُر ُ َ ما أوت ِ ل َ مث ْ َ ؤَتى ِ حّتى ن ُ ْ ن َ م َ ؤ ِ ن نُ ْ لَ ْ
َ
د
عن ْم َ غاٌر ِ صم َ ممموا َ جَر ُ نأ ْ ذي َ ب ال ّ ِ صي ُ سي ُ ِ ه َ سال َت َ ُ ر َ ل ِ ع ُ ج َ ث يَ ْ حي ْ ُ َ
ن ) (124النعام( نقــول مك ُُرو َ كاُنوا ي َ ْ ما َ ديدٌ ب ِ َ ش ِ ب َ ذا ٌ ع َ و َ ه َ الل ّ ِ
أنه من حيث الحكم النحوي يجوز تذكير وتأنيث الفعل لكن يبقى
السر البياني لهذا التذكير والتأنيث .ونقول أنه عندما تكون كلمــة
كر فيــأتي الفعــل )آية( بمعنى الدليل والبرهان تكــون بمعنــى مــذ ّ
بالتذكير وإذا كانت كلمة الية بمعنــى اليــة القرآنيــة أن ّــث الفعــل
)وإذا جاءتهم آية(.
م كمم ْ ت لَ ُ كان َ ْ قد ْ َ مثال آخر قوله تعالى في سورة الممتحنة ) َ
م َ قا ُ َ ْ ّ أُ
ه ْ ِ م ِ و
ْ ق ِ ل لوا ذ ِ إ ه
ُ ع
َ م
َ نَ ذي ِ لوا َ م َ هي ِ را َ ْ ب ِ إ في ِ ة
ٌ َ ن س َ حَ ٌ ة و
َ سْ
م ُ
ه كفْرَنما ب ِكم ْ َ َ ن اللم ِ ّ دو ِ ن ُ مم ْ ن ِ دو َ عب ُم ُ ما ت َ ْ م ّ و ِ م َ من ْك ُ ْ إ ِّنا ب َُرآ َءُ ِ
َ وال ْب َ ْ
من ُمموا ؤ ِ حت ّممى ت ُ ْ دا َ ضمماءُ أب َ م ً غ َ وةُ َ دا َ ع َ م ال ْ َ وب َي ْن َك ُ ُ دا ب َي ْن ََنا َ وب َ َ َ
مما َ َ َ َ َ و َ حدَهُ إ ِل َ ّ ّ
و َ ن لمك َ فَر ّ غ ِ سمت َ ْ هل ْ م ِلِبيم ِ هي َ ل إ ِب َْرا ِ ق ْ و ْ ه َ ِبالل ِ
وإ ِل َي ْم َ َ
ك وك ّل ْن َمما َ ك تَ َ عل َي ْم َ ء َرب ّن َمما َ ي ٍ شم ْ ن َ م ْ ه ِ ن الل ّ ِ م َ ك ِ ك لَ َ مل ِ ُ أ ْ
َ
م ن ل َك ُ ْ كا َ قد ْ َ صيُر ) ((4وفي نفس السورة )ل َ َ م ِ ك ال ْ َ وإ ِل َي ْ َ أن َب َْنا َ
م اْل َ ِ ُ
خ مَر و َ وال ْي َم ْ ه َ جممو الل ّم َ ن ي َْر ُ كا َ ن َ م ْ ة لِ َ سن َ ٌ ح َ وةٌ َ س َ مأ ْ ه ْ في ِ ِ
د ) ((6وفــي ســورة ميم ُ ح ِ ي ال ْ َ ّ غن ِم و ال ْ َ ه َ ه ُ ن الل ّ َ فإ ِ ّ ل َ و ّ ن ي َت َ َ م ْ و َ َ
ُ ّ َ َ
ة
س من َ ٌ ح َ وةٌ َ سم َ هأ ْ ل الل م ِ سممو ِ فممي َر ُ م ِ ن لك ُم ْ كا َ قد ْ َ الحزاب )ل َ
ه ك َِثيًرا )((21 وذَك ََر الل ّ َ خَر َ م اْل َ ِ و َ وال ْي َ ْ ه َ جو الل ّ َ ن ي َْر ُ كا َ ن َ م ْ لِ َ
ونقــول أنــه مــن الناحيــة النحويــة إذا كــثرت الفواصــل فالتــذكير
أفضل .في الية الولى الفاصل بين الفعل وكلمة أســوة )لكــم (
أما في الية الثانية فالفاصل )لكم فيهم( وفي الثالثــة )لكــم فــي
رسول الله( فعندما تكون الفاصلة أكــثر يقتضــي التــذكير.وهنــاك
م مــن التــأنيث أمر آخر وهو أن التذكير في العبادات أفضــل وأهـ ّ
كما جاء في مريم )وكانت من القانتين( لن الذين كملوا في
كر .أي التذكير أكثر .وكذلك عندما يتحدث عن عبادة الملئكة يذ ّ
العبادات أكثر في هــذه اليــات؟ فــي الولــى الســوة كــانت فــي
15
أسرار البيان في التعبير القرآني
القــول فــي أمــر واحــد إل )إل قممول إبراهيممم( جــادله قــومه
والســتثناء هــو قــول إبراهيــم ،أمــا فــي الثانيــة )فيكم أسمموة
حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر( هذه عامــة وهــي
كدها باللم )لقد كان لكممم( وجــاء بــأمرين بتــذكير م ولذلك أ ّ أه ّ
در وكذلك فــي آيــة العبادة كما جاء باللم في جواب القسم المق ّ
ســورة الحــزاب اليــة عامــة ولــم يخصــص بشــيء ولهــذا ذك ّــر
وخصص باللم الواقعة في جواب القسم ،أما في الولى فجاء بـ
م وأوسـع )قد( وأّنث الفعل .فعندما اتسعت العبـادة وصـارت أعـ ّ
كر وجاء باللم وهذا هو المر البيــاني بالضــافة إلــى من الولى ذ ّ
المر النحوي الذي تحدثنا عنه.
التذكير مرة والتأنيث مرة مع الملئكة في القــرآن الكريــم :
َ
ن} عو َ م ُ ج َ مأ ْ ه ْة ك ُل ّ ُمَلئ ِك َ ُد ال ْ َج َس َ ف َ قال تعالى في سورة ص ) َ
({73وجــاءت الملئكــة هنــا بالتــذكير ،وفــي ســورة آل عمــران
َ
ه ن الل ّ َبأ ّ حَرا ِ م ْ في ال ْ ِ صّلي ِ م يُ َ قائ ِ ٌو َ ه َو ُ ة َ ملئ ِك َ ُ ه ال ْ َفَنادَت ْ ُ ) َ
صممورا ً ح ُ و َ سّيدا ً َ و َ ه َ ن الل ّ ِ م َ ة ّ م ٍدقا ً ب ِك َل ِ َص ّم َ حَيمى ُ ك ب ِي َ ْشُر َ ي ُب َ ّ
ن } ({39جاءت الملئكة بالتأنيث. حي َ صال ِ ِ ن ال ّ م َ ون َب ِي ّا ً َّ
ّ
الحكم النحوي :يمكن أن يؤّنث الفعل أو ُيذكر إذا كان الجمــع جمــع
تكســير كمــا فــي قــوله تعــالى )قالت العمراب آمنما( و)قمالت
نسوة في المدينة( فيجــوز التــذكير والتــأنيث مــن حيــث الحكــم
النحوي.
اللمسة البيانيـة :أمـا لمـاذا اختـار اللـه تعـالى التـأنيث فـي مـوطن
والتذكير في موطن آخر فهو لن فــي اليــات خطــوط تعبيريــة هــي
التي تحدد تأنيث وتذكير الفعل مع الملئكة .وهذه الخطوط هي:
في القرآن الكريم كله كل فعل أمر يصــدر إلــى الملئكــة
يكون بالتذكير )اسجدوا ،أنبئوني ،فقعوا له ساجدين(
كل فعل يقع بعد ذكر الملئكة يأتي بالتذكير أيضا ً كما فــي
قوله تعالى )والملئكة يممدخلون عليهممم مممن كممل بمماب(
و)الملئكة يشهدون( )الملئكة يسبحون بحمد ربهم(
كــل وصــف إســمي للملئكــة يــأتي بالتــذكير )الملئكممة
ومين، المقّربممون( )الملئكممة باسممطوا أيممديهم( )مســ ّ
مردفين ،منزلين(
كل فعل عبادة يأتي بالتــذكير )فسجد الملئكممة كلهممم
أجمعين( )ل يعصون الله ما أمرهم( لن المذكر فــي العبــادة
أكمل من عبادة النثى ولذلك جاء الرسل كلهم رجا ً
ل.
16
أسرار البيان في التعبير القرآني
دة وقوة حتى لو كان عذابين أحدهما أش ـد ّ ش ّ
كل أمر فيه ِ
من الخر فالشد ّ يأتي بالتذكير )ولو ترى إذا يتوفى الذين
كفروا الملئكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقمموا
عذاب الحريق( )يتــوفى( جــاءت بالتــذكير لن العــذاب أشــد
)وذوقوا عذاب الحريق( أما في قــوله تعــالى )فكيف إذا
تمموفتهم الملئكممة يضممربون وجمموههم وأدبممارهم(
ف من الية الســابقة. )تتوفاهم( جاءت بالتأنيث لن العذاب أخ ّ
وكذلك في قوله تعــالى )ونمّزل الملئكممة تنممزيل( بالتــذكير
وقــوله تعــالى )تتن مّزل عليهممم الملئكممة( بالتــأنيث وقــوله
)تنزل الملئكة والروح فيها من كل أمر( بالتأنيث.
لم تأت بشرى بصيغة التذكير أبدا ً في القرآن الكريم فكل
بشارة في القرآن الكريم تأتي بصيغة التــأنيث كمــا فــي قــوله
تعالى )فنادته الملئكة( و)قالت الملئكة(
قال تعالى )إذا جاءكم المؤمنات( هــذه تنــدرج أيضـا ً فــي
سياق الكثرة والقلة وفي سياق زيادة الفواصل أيضًا.
31
أسرار البيان في التعبير القرآني
و همم َ ه إ ِّل ُ م َل إ ِل َ َ ه َرب ّك ُ ْ م الل ّ ُ جاء في البرهان للكرماني قوله )ذَل ِك ُ ُ
ل ق ك ُم ّ خال ِ ُ ء (فــي هــذا الســورة وفــي المــؤمن ) َ ي ٍ ش ْ ل َ ق كُ ّ خال ِ ُ َ
و ( لن فيها قبله ذكر الشركاء والبنين والبنــات ه َ ه إ ِّل ُ ء َل إ ِل َ َ ي ٍ ش ْ َ
ء
ي ٍ ش ْ ل َ ق كُ ّ خال ِ ُ هو ( ثم قال ) َ ه إ ِّل ُ فدمغ قول قائله بقوله )َل إ ِل َ َ
ت واْل َ
ض ِ رْ وا ِ َ ما َ س َ ق ال ّ خل ْ ُ ( .وفي المؤمن قبله ذكر الخلق وهو )ل َ َ
ن َ ْ َ
س ( فخرج الكلم على إثبــات خلــق النــاس ل ق الّنا ِ خل ِ م ْ أك ْب َُر ِ
على نفي الشريك فقدم في كل سورة ما يقتضيه قبله من اليات.
دوا هم ُ جا َ و َ َ ن ال ّ ِ
جُروا َ همما َ و َ مُنوا َ نآ َ ذي َ ** ومن ذلك قوله تعالى )إ ِ ّ
بأ َموال ِهم وأ َ
ه ) (72النفــال( وقــوله ل الل ّم ِ سمِبي ِ فممي َ م ِ ه ْ ِ م س ِ ف ُ ْ ن ِ ْ َ ِ ْ َ
َ ّ َ
م ه ْ وال ِ ِ م َ ه ب ِمأ ْ ل الل م ِ سِبي ِ في َ دوا ِ ه ُ جا َ و َ جُروا َ ها َ و َ مُنوا َ نآ َ ذي َ )ال ّ ِ
ن) فمائ ُِزو َ م ال ْ َ هم ُ ك ُ وُأول َئ ِ َ ه َ عْنمدَ الّلم ِ ة ِ ج ً م دََر َ عظَ ُ م أَ ْ ه ْ س ِ ف ِ وأ َن ْ ُ َ
(20التوبة(
فقدم الموال والنفس على )في ســبيل اللــه( فــي ســورة النفــال
وقدم )في سبيل الله( على المــوال والنفــس فــي ســورة التوبــة،
وذلك لنه في سورة النفال تقدم ذكر المال والفداء والغنيمــة مــن
ض الدّن َْيا ) (67النفال( وهو المــال عَر َ ن َ دو َ ري ُ مثل قوله تعالى )ت ُ ِ
قسممب َ َ ه َ ن الل ّ ِ م َ ب ِ وَل ك َِتا ٌ الذي فدى به السرى أنفسهم وقوله )ل َ ْ
م ) (68النفال( أي من الفداء ظي ٌ ع ِ ب َ ذا ٌ ع َ م َ خذْت ُ ْ ما أ َ َ في َ م ِ سك ُ ْ م ّ لَ َ
حَلًل طَي ًّبا ) (69النفال( وغيــر ذلــك م َ مت ُ ْ غن ِ ْ ما َ م ّ فك ُُلوا ِ وقوله ) َ
فقدم المال ههنا ،لن المال كان مطلوبا ً لهم حتى عاتبهم اللــه فــي
ذلك فطلب أن يبدأوا بالتضحية به.
وأما في سورة التوبة فقد تقدم ذكر الجهاد في سبيل الله من مثل
َ
م همم ْ ز ِ خ ِ وي ُ ْ م َ ديك ُ ْ ه ب ِأْيمم ِ م الّلمم ُ ه ُ عممذّب ْ ُ م يُ َ ه ْ قممات ُِلو ُ قــوله تعــالى ) َ
ن )( (14وقــوله مِني َ ؤ ِ مم ْ وم ٍ ُ ق ْ دوَر َ ص ُ ف ُ ش ِ وي َ ْ م َ ه ْ م َ َ صْرك ُ ْ
عل َي ْ ِ وي َن ْ ُ
َ
َ
م ُ
من ْك م ْ دوا ِ ه ُ جا َ ن َ ذي َ ّ
ه ال ِ ّ
علم ِ الل ُ َ ما ي َ ْ ول ّ َ ن ت ُت َْركوا َ ُ مأ ْ سب ْت ُ ْ ح ِ م َ )أ ْ
ة جمم ً وِلي َ ن َ مِني َ ؤ ِ م ْ وَل ال ْ ُ ه َ سول ِ ِ وَل َر ُ ه َ ن الل ّ ِ دو ِ ن ُ م ْ ذوا ِ خ ُ م ي َت ّ ِ ول َ ْ َ
َ
ج حا ّ ة ال ْ َ قاي َ َ س َ م ِ عل ْت ُ ْ ج َ ن ) ( (16وقوله )أ َ مُلو َ ع َ ما ت َ ْ خِبيٌر ب ِ َ ه َ والل ّ ُ َ
َ
وم ِ اْل ِ َ
ر خم ِ وال ْي َم ْ ه َ ن ب ِممالل ّ ِ مم َ نآ َ مم ْ ح مَرام ِ ك َ َ د ال ْ َ ج ِ س ِ م ْ ماَرةَ ال ْ َ ع َ و ِ َ
دي همم ِ ه ل يَ ْ َ ّ
والل ُ ه َ ّ
عن ْدَ الل ِ ن ِ وو َ ست َ ُ ه ل يَ ْ َ ل الل ِّ سِبي ِ في َ هد َ ِ جا َ و َ َ
ن ) ( (19فقــدم ذكــر )فــي ســبيل اللــه( علــى مي َ م الظممال ِ ِ ّ و َ قم ْ ال َ ْ
المــوال والنفــس وهــو المناســب ههنــا للجهــاد كمــا قــدم المــوال
والنفس هناك لنه المناسب للموال.
ه ) (14النحــل( فيم ِ خَر ِ وا ِ مم َ ك َ فل ْم َ وت ََرى ال ْ ُ **ومنه قــوله تعــالى ) َ
خَر ) (12فاطر(: وا ِ م َ ه َ في ِ ك ِ فل ْ َ وت ََرى ال ْ ُ وقوله ) َ
32
أسرار البيان في التعبير القرآني
ّقدم المواخر على الجار والمجــرور فــي النحــل وقــدم )فيــه( علــى
مواخر في فاطر .وذلك أنه تقــدم الكلم فــي النحــل علــى وســائط
النقل فذكر النعام وأنها تحمل الثقال وذكر الخيل والبغال والحمير
و ه َ و ُ نركبها وزينة ثم ذكر الفلك وهــي واســطة نقــل أيضــا ً فقــال ) َ
ْ
همْنمم ُ جوا ِ ر ُ خ ِ ست َ ْ وت َ ْ رّيا َ ما طَ ِ ح ً ه لَ ْ من ْ ُ حَر ل ِت َأك ُُلوا ِ خَر ال ْب َ ْ س ّ ذي َ ال ّ ِ
ن مم ْ غمموا ِ ول ِت َب ْت َ ُ ه َ في م ِ خَر ِ وا ِ مم َ ك َ فل ْم َ وت َمَرى ال ْ ُ ها َ سممون َ َ ة ت َل ْب َ ُ حل ْي َ ً ِ
دم المــواخر لنــه مــن ن ) (14النحــل( ق ـ ّ شك ُُرو َ م تَ ْ عل ّك ُ ْ ول َ َ ه َ ضل ِ ِ ف ْ َ
صفات الفلك وهذا التقديم مناسب في سياق وسائط النقل .وليس
ه والل ّ ُ الســياق كــذلك فــي ســورة فــاطر وإنمــا قــال اللــه تعــالى ) َ
َ
ممما و َ جمما َ وا ً م أْز َ عل َك ُم ْ ج َ م َ ة ث ُم ّ فم ٍ ن ن ُطْ َ مم ْ م ِ ب ثُ ّ ن ت َُرا ٍ م ْ م ِ قك ُ ْ خل َ َ َ
وَل ُ
ر َ م ٍ ع ّ م َ ن ُ م ْ مُر ِ ع ّ ما ي ُ َ و َ ه َ م ِ عل ْ ِ ع إ ِّل ب ِ ِ ض ُ وَل ت َ َ ن أن َْثى َ م ْ ل ِ م ُ ح ِ تَ ْ
سمميٌر ) ه يَ ِ عل َممى الل ّم ِ ك َ ن ذَل ِ َ ب إِ ّ في ك َِتا ٍ ه إ ِّل ِ ر ِ م ِ ع ُ ن ُ م ْ ص ِ ق ُ ي ُن ْ َ
ت ف مَرا ٌ ب ُ ع مذ ْ ٌ ذا َ هم َ ن َ ح مَرا ِ وي ال ْب َ ْ ست َ ِ ما ي َ ْ و َ (11فاطر( ثم قال ) َ
ْ ُ
ري ّمما ممما طَ ِ ح ً ن لَ ْ ل ت َأك ُُلو َ ن كُ ّ م ْ و ِ ج َ جا ٌ حأ َ مل ْ ٌ ذا ِ ه َ و َ ه َ شَراب ُ ُ غ َ سائ ِ ٌ َ
خَر وا ِ مم َ ه َ في م ِ ك ِ فل ْم َ وت َمَرى ال ْ ُ ها َ سممون َ َ ة ت َل ْب َ ُ حل ْي َم ً ن ِ جو َ ر ُ خ ِ ست َ ْ وت َ ْ َ
ن ) ( (12فالكلم هنــا علــى شكُرو َ ُ م تَ ْ علك ْ ُ ّ َ
ول َ ه َ ضل ِ ِ نف ْ َ م ْ غوا ِ ل ِت َب ْت َ ُ
البحر وأنواعه وما أودع الله فيــه مــن نعــم .فلمــا كــان الكلم علــى
البحر قدم ضمير البحر على المواخر فقــال )وتممرى الفلممك فيممه
مواخر( .فانظر كيف أنه لما كان الكلم على وسائط النقل والفلك
قدم حالة الفلك ولما كان الكلم على البحر ذكر ما يتعلق به.
ذا هم َ فممي َ س ِ فَنا ِللن ّمما ِ ص مّر ْ ق مد ْ َ ول َ َ ** ومــن ذلــك قــوله تعــالى ) َ
س إ ِّل ك ُ ُ َ ْ َ ف مأ َ ل َ ن ك ُم ّ ال ْ ُ َ
فمموًرا )(89 ِ ما م ّ ن ال ر ُ م ث ك أ بى َ مث َم ٍ ل َ م ْ ن ِ قْرآ ِ
ن َ ذا ال ْ ُ هم َ صّر ْ ول َ َ
مم ْ س ِ ن ِللن ّمما ِ ق مْرآ ِ في َ فَنا ِ قد ْ َ السراء( وقوله ) َ
جدًَل ) (54الكهف( َ
ء َ ي ٍ ش ْ ن أك ْث ََر َ سا ُ ن اْل ِن ْ َ كا َ و َ ل َ مث َ ٍ ل َ كُ ّ
خرهــا فــي قدم )للنــاس( علــى )فــي هــذا القــرآن( فــي الســراء وأ ّ
الكهف وذلك لنه تقدم الكلم في السراء على النسان ونعــم اللــه
ون ََأى ض َ عَر َ ن أَ ْ سا ِ عَلى اْل ِن ْ َ مَنا َ ع ْ ذا أن ْ َ
عليه ورحمته به فقال )وإ َ َ
َ ِ
سمما ) ( (83إلــى أن يقــول ن ي َُئو ً ش مّر ك َمما َ ه ال ّ سم ُ م ّ ذا َ وإ ِ َ ه َ جممان ِب ِ ِ بِ َ
ج مد ُ ل َ م َ َ
ه
ك ب ِم ِ م َل ت َ ِ ك ث ُم ّ حي َْنا إ ِل َي ْ َ و َ ذي أ ْ ن ِبال ّ ِ هب َ ّ شئ َْنا ل َن َذْ َ ن ِ ول َئ ِ ْ ) َ
ك عل َي ْم َ ن َ ه ك َمما َ ض مل َ ُ ف ْ ن َ ك إِ ّ ن َرب ّ َ م ْ ة ِ م ً ح َ كيًل ) (86إ ِّل َر ْ و ِ عل َي َْنا َ َ
ْ َ
ن َيمأُتوا عَلمى أ ْ ن َ ج ّ وال ْ ِ س َ ت اْل ِن ْ ُ ع ِ م َ جت َ َ نا ْ ِ ل ل َئ ِ ق ْ ك َِبيًرا )ُ (87
ْ ذا ال ْ ُ َ
ض عم ٍ م ل ِب َ ْ ه ْ ضم ُ ع ُ ن بَ ْ كما َ و َ ول َ ْ ه َ مث ْل ِ ِ ن بِ ِ ن َل ي َأُتو َ قْرآ ِ ه َ ل َ مث ْ ِ بِ ِ
هيًرا ) ( (88فناسب تقديم الناس في سورة السراء. َ
ظ ِ
ولم يتقدم مثل ذلك في سورة الكهف .ثم انظر في افتتاح كل مــن
ل ذي أ َْنممَز َ ه اّلمم ِ مدُ ل ِّلمم ِ ح ْ السورتين فقد بدأ سورة الكهف بقوله )ال ْ َ
33
أسرار البيان في التعبير القرآني
ذَر ممما ل ِي ُن ْم ِ قي ّ ً جمما )َ (1 و ً ع َ ه ِ ل ل َم ُ عم ْ ج َ م يَ ْ ول َم ْ ب َ ه ال ْك َِتا َ د ِ عب ْ ِ عَلى َ َ
ْ
ن مل ُممو َ ع َ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ م ِ مِني َ ؤ ِ مم ْ ش مَر ال ْ ُ وي ُب َ ّ ه َ ن ل َمدُن ْ ُ مم ْ دا ِ دي ً ش ِ سا َ ب َأ ً
َ َ
سًنا ) ( (2فقــد بــدأ الســورة بــالكلم ح َ جًرا َ مأ ْ ه ْ ن لَ ُ تأ ّ حا ِ صال ِ َ ال ّ
على الكتاب وهو القرآن ثم ذكر بعده أصحاب الكهف وذكر موســى
والرجل الصالح وذكر ذا القرنيــن وغيرهــم مــن النــاس ،فبــدأ بــذكر
القرآن ثم ذكر الناس فكان المناسب أن يتقــدم ذكــر القــرآن علــى
الناس في هذه الية كما في البدء.
وأما في سورة السراء فقد بدأت بالكلم علــى النــاس ثــم القــرآن
َ
ن مم َ ه ل َي ًْل ِ د ِ عب ْم ِ سمَرى ب ِ َ ذي أ ْ ن ال ّم ِ حا َ سب ْ َ فقد بدأت بقوله تعالى ) ُ
ه) ول َ ُح ْ ذي َباَرك َْنا َ صى ال ّ ِ ق َ د اْل َ ْ ج ِ س ِ م ْ حَرام ِ إ َِلى ال ْ َ د ال ْ َ ج ِ س ِ م ْ ال ْ َ
ن قْرآ َ َ ذا ال ْ ُ ه َ ن َ ( (1ثم تكلم على بني إسرائيل ثم قال بعد ذلك) :إ ِ ّ
ن مل ُممو َ ع َ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ م ِ مِني َ ؤ ِ مم ْ ش مُر ال ْ ُ وي ُب َ ّ م َ و ُ قم َ ي أَ ْ َ دي ل ِل ِّتي ِ
ه ه ِ يَ ْ
َ َ
جًرا ك َِبيًرا ) ( (9فكان المناســب أن يتقــدم مأ ْ ه ْ ن لَ ُ تأ ّ حا ِ صال ِ َ ال ّ
ذكر الناس فيها على ذكر القرآن في هذه الية وهذا تناسب عجيــب
بين الية ومفتتح السورة في الموضعين.
فمأَبى أك ْث َمُر َ َ ثم انظر خاتمة اليتين فقد ختم آيــة الســراء بقــوله ) َ
فوًرا ) ( (89والكفور هــو جحــد النعــم فناســب ذلــك س إ ِّل ك ُ ُ الّنا ِ
تقدم ذكر النعمة والرحمة والفضل أل ترى مقابل الشــكر الكفــران
مما ل إِ ّ سمِبي َ همدَي َْناهُ ال ّ ومقابــل الشــاكر الكفــور قــال تعــالى )إ ِّنا َ
فوًرا ) (3النسان( فكــان ختــام اليــة مناســب لمــا ما ك َ ُ وإ ِ ّ شاك ًِرا َ َ
ن وك َمما َ تقــدم مــن الســياق .أمــا آيــة الكهــف فقــد ختمهــا بقــوله ) َ
ج مدًَل ) ( (54لمــا ذكــر قبلهــا وبعــدها مــن ء َ ي ٍ ش ْ ن أ َك ْث ََر َ سا ُ اْل ِن ْ َ
ه
حب ِ ِ صمما ِ ل لِ َ قا َ ف َ المحاورات والجدل والمراء من مثل قوله تعالى ) َ
ه) وُر ُ حمما ِ و يُ َ هم َ و ُ ه َ حب ُ ُ صمما ِ ه َ ل ل َم ُ قا َ ه ) ( (34وقوله ) َ وُر ُ حا ِ و يُ َ ه َ و ُ َ
هضمموا ب ِ م ِ ح ُ ل ل ِي ُدْ ِ فُروا ِبالَباطِ م ِ ْ نك َ َ ذي َ ّ
ل ال ِ جاِد ُ وي ُ َ ( (37وبعدها ) َ
ق ) ( (56وذكر محاورة موسى الرجل الصــالح ومجــادلته فيمــا ح ّ ال ْ َ
هًرا ) ( (22ولــم مَراءً ظَمما ِ م إ ِّل ِ ه ْ في ِ ر ِ ما ِ فَل ت ُ َ كان يفعل .وقال ) َ
يرد لفظ الجدل ول المحاورة في سورة السراء كلهــا .فمــا ألطــف
هذا التناسق وما أجمل هذا الكلم!.
من ُمموا َل ت ُب ْطِل ُمموا َ َ
نآ َ ذي َ همما ال ّم ِ ** ومــن ذلــك قــوله تعــالى )ي َمما أي ّ َ
وَل س َ رَئاءَ الّنمما ِ ه ِ مال َ ُ ق َ ف ُ ذي ي ُن ْ ِ كال ّ ِ ذى َ واْل َ َ ن َ م ّ م ِبال ْ َ قات ِك ُ ْ صد َ َ َ
عل َي ْ ِ مث َل ُ ُ َ
وم ِ اْل ِ
ب ه ُتممَرا ٌ ن َ وا ٍ ف َ ص ْ ل َ مث َ ِ ه كَ َ ف َ ر َ خ ِ وال ْي َ ْ ه َ ن ِبالل ّ ِ م ُ ؤ ِ يُ ْ
عل َممى َ دا َل ي َ ْ َ َ
ممما م ّ ء ِ ي ٍ شم ْ ن َ دُرو َ قم ِ صمل ْ ً ه َ فت ََرك َم ُ ل َ واِبم ٌ ه َ صاب َ ُ فأ َ
ن ) (264البقرة( وقــوله ري َ ف ِ كا ِ م ال ْ َ و َ ق ْ دي ال ْ َ ه ِ ه َل ي َ ْ والل ّ ُ سُبوا َ كَ َ
ح ه الّري ُ ت بِ ِ شت َدّ ْ ماٍد ا ْ م ك ََر َ ه ْ مال ُ ُ ع َ م أَ ْ ه ْ فُروا ب َِرب ّ ِ ن كَ َ ذي َ ل ال ّ ِ مث َ ُ ) َ
34
أسرار البيان في التعبير القرآني
ك ء ذَل ِم َ ي ٍ شم ْ عل َممى َ سمُبوا َ ما ك َ َ م ّ ن ِ دُرو َ ق ِ ف َل ي َ ْ ص ٍ عا ِ وم ٍ َ في ي َ ْ ِ
د ) (18ابراهيم( عي ُ ل ال ْب َ ِ ضَل ُ و ال ّ ه َ ُ
س مُبوا ( ممما ك َ َ م ّ ء ِ ي ٍ شم ْ عل َممى َ ن َ دُرو َ ق ِ فقال في آية البقــرة )َل ي َ ْ
ن دُرو َ ق ِ خر الكسب .وقال في سورة ابراهيم )َل ي َ ْ فقدم الشيء وأ ّ
ء ( فقدم الكسب وأخر الشــيء وذلــك أن ي ٍ ش ْ عَلى َ سُبوا َ ما ك َ َ م ّ ِ
ط وليــس كاســبا ً آية البقرة قي سياق النفاق والصدقة والمنفق مع ٍ
ممما م ّ ء ِ ي ٍ شمم ْ عَلممى َ ن َ دُرو َ قمم ِ خــر الكســب فقــال )َل ي َ ْ ولــذلك أ ّ
سُبوا ( وأما الية الثانية فهي في سياق العمــل والعامــل كاســب كَ َ
دم الكسب. فق ّ
م شمَرى ل َك ُم ْ ه إ ِّل ب ُ ْ ه الل ّم ُ عل َم ُ ج َ ممما َ و َ ** ومــن ذلــك قــوله تعــالى ) َ
ز زي م ِ عَ ِ ه ال ْ َ د الل ّم ِ عن ْم ِ ن ِ مم ْ صُر إ ِّل ِ ما الن ّ ْ و َ ه َ م بِ ِ قُلوب ُك ُ ْ ن ُ مئ ِ ّ ول ِت َطْ َ َ
ة من َم ً سأ َ عمما َ م الن ّ َ شيك ُ ُ غ ّ كيم ِ ) (126آل عمران( وقــوله )إ ِذْ ي ُ َ ح ِ ال َ ْ
ب ه َ وي ُمذْ ِ ه َ م ب ِم ِ هَرك ُم ْ ممماءً ل ِي ُطَ ّ ء َ ما ِ س َ ن ال ّ م َ م ِ عل َي ْك ُ ْ ل َ وي ُن َّز ُ ه َ من ْ ُ ِ
ه
ت ب ِم ِ وي ُث َب ّم َ م َ قل ُمموب ِك ُ ْ عل َممى ُ ط َ ول ِي َْرب ِم َ ن َ طا ِ ش مي ْ َ ج مَز ال ّ ر ْ م ِ عن ْك ُ ْ َ
م ) (11النفال( اْل ْ َ
دا َ ق َ
دم القلب على الجار والمجرور في آل عمران فقــال) :ولتطمئن فق ّ
خرها عنه فــي النفــال فقــال )ولتطمئن بــه قلــوبكم( قلوبكم به( وأ ّ
علما ً بأن الكلم على معركة بــدر فــي المــوطنين غيــر أن الموقــف
مختلف.
ففــي آل عمــران ذكــر معركــة بــدر تمهيــدا ً لــذكر موقعــة أحــد ومــا
أصابهم فيها مـن قـرح وحـزن والمقـام مقـام مسـح علـى القلـوب
م وطمأنة لها من مثل قوله تعالى) :وَل ت َهُنوا وَل ت َحزُنمموا َ
وأن ُْتمم ُ َ ْ َ َ ِ َ
د
قم ْ ف َ ح َ قمْر ٌ م َ سك ُ ْ س ْ م َ ن يَ ْ ن ) (139إ ِ ْ مِني َ ؤ ِ م ْ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ ن إِ ْ و َ عل َ ْ اْل َ ْ
َ
س ن الن ّمما ِ ها ب َي ْم َ ول ُ َ دا ِ م ن ُم َ ك اْلي ّمما ُ وت ِل ْم َ ه َ مث ْل ُم ُ ح ِ قْر ٌ م َ و َ ق ْ س ال ْ َ م ّ َ
ب حم ّ ه ل يُ ِ َ ّ م ُ ُ خذ َ ِ َ ّ ّ َ
والل ُ داءَ َ ه َ ش َ من ْك ْ وي َت ّ ِ مُنوا َ نآ َ ذي َ ه ال ِ م الل ُ عل َ ول ِي َ ْ َ
ن ) (140آل عمران( إلى غيـر ذلـك مـن آيـات المواسـاة مي َ الظال ِ ِ ّ
م شَرى ل َك ُ ْ ه إ ِّل ب ُ ْ ه الل ّ ُ عل َ ُ ج َ ما َ و َ والتصبير فقال في هذا الموطن ) َ
ه ( فذكر أن البشرى )لهم( وقــدم )قلــوبهم( م بِ ِ قُلوب ُك ُ ْ ن ُ مئ ِ ّ ول ِت َطْ َ َ
م ُ
قلوب ُك ْ ُ ن ُ مئ ِ ّ ْ
ول ِت َط َ م َ ُ
شَرى لك ْ َ ّ
على المداد بالملئكة فقال )إ ِل ب ُ ْ
ه ( كل ذلك من قبيل المواساة والتبشير والطمأنة. بِ ِ
ولما لم يكن المقام في النفال كذلك وإنما المقام ذكر موقعة بــدر
وانتصارهم فيها ودور المداد السماوي في هــذا النصــر وقــد فصــل
م كمم ْ ن َرب ّ ُ غيُثو َ ست َ ِ في ذلك أكثر مما ذكر في آل عمران فقال )إ ِذْ ت َ ْ
مَلئ ِ َ َ فاست َجاب ل َك ُ َ
ن) فيمم َ مْرِد ِ ة ُ كمم ِ ن ال ْ َ م َ ف ِ م ب ِأل ْ ٍ مدّك ُ ْ م ِ م أّني ُ ْ َ ْ َ َ
ممما و َ م َ قل ُمموب ُك ُ ْ ه ُ ن ب ِم ِ مئ ِ ّ ول ِت َطْ َ ش مَرى َ ه إ ِّل ب ُ ْ ه الل ّم ُ عل َم ُ ج َ ما َ و َ َ (9
35
أسرار البيان في التعبير القرآني
م ) (10إ ِ ْ
ذ كيمم ٌ ح ِ زيممٌز َ ع ِ ه َ ن الّلمم َ ه إِ ّ د الّلمم ِ عْنمم ِ ن ِ ممم ْ صممُر إ ِّل ِ الن ّ ْ
َ
ممماءً ء َ ما ِ سم َ ن ال ّ مم َ م ِ عل َي ْك ُ ْ ل َ وي ُن َّز ُ ه َ من ْ ُ ة ِ من َ ً سأ َ عا َ م الن ّ َ شيك ُ ُ غ ّ يُ َ
عل َممى ط َ ول ِي َْرب ِ م َ ن َ طا ِ ش مي ْ َ جَز ال ّ ر ْ م ِ عن ْك ُ ْ ب َ ه َ وي ُذْ ِ ه َ م بِ ِ هَرك ُ ْ ل ِي ُطَ ّ
ك إ َِلممى حي َرّبمم َ م ) (11إ ِذْ ُيممو ِ دا َ قمم َ ه اْل َ ْ ت ِبمم ِ وي ُث َّبمم َ م َ قُلمموب ِك ُ ْ ُ
ُ َ َ
ب قل ُممو ِ في ُ قي ِ سأل ْ ِ مُنوا َ نآ َ ذي َ فث َب ُّتوا ال ّ ِ م َ عك ُ ْ م َ ة أّني َ مَلئ ِك َ ِ ال ْ َ
رُبوا ضم ِ وا ْ ق َ عن َمما ِ وقَ اْل َ ْ فم ْ رُبوا َ ضم ِ فا ْ ب َ عم َ ف مُروا الّر ْ ن كَ َ ذي َ ال ّم ِ
ن ) ( (12أقول لما كان المقــام مختلفـا ً خــالف فــي ل ب ََنا ٍ م كُ ّ ه ْ من ْ ُ ِ
التعبير .أنه لما كان المقام فــي النفــال مقــام النتصــار وإبــراز دور
المداد الرباني قدم )به( على القلوب والضمير يعود علــى المــداد.
ولما كان المقــام فــي آل عمــران هــو الطمأنينــة وتســكين القلــوب
ه ( وزاد كلمــة م ب ِم ِ قُلوب ُك ُ ْ ن ُ مئ ِ ّ ول ِت َطْ َ قدمها علــى المــداد فقــال ) َ
م ( زيــادة فــي ش مَرى ل َك ُم ْ ه إ ِّل ب ُ ْ ه الل ّم ُ عل َم ُ ج َ ممما َ و َ )لكــم( فقــال ) َ
المواساة والمسح على القلوب فجعل كل ً في مقامه.
م والمدّ َ ة َ مي َْتم َ م ال ْ َ كم ُ عل َي ْ ُ م َ حمّر َ ما َ ** ومــن ذلــك قــوله تعــالى )إ ِن ّ َ
ضطُّر َ ُ
غ غي ْمَر ب َمما ٍ نا ْ م ِ ف َ ه َ ر الل ّ ِ غي ْ ِ ه لِ َ ل بِ ِ ه ّ ما أ ِ و َ ر َ زي ِ خن ْ ِ م ال ْ ِ ح َ ول َ ْ َ
م ) (173البقــرة( حيم ٌ ه غفمموٌر َر ِ ُ َ ن اللم َ ّ ه إِ ّ علي ْم ِ َ م َ عاٍد فل إ ِث ْ َ َ َ ول َ َ َ
ل هم ّ ُ ْ َ ْ ُ َ
ما أ ِ و َ ر َ زي ِ خن ْ ِ م ال ِ ح ُ ول ْ م َ والدّ ُ ة َ مي ْت َ ُ م ال َ علي ْك ُ ت َ م ْ حّر َ وقوله ) ُ
ة حم ُ طي َ والن ّ ِ ة َ مت ََردّي َم ُ وال ْ ُ قمموذَةُ َ و ُ م ْ وال ْ َ ة َ ق ُ خن ِ َ من ْ َ وال ْ ُ ه َ ه بِ ِ ر الل ّ ِ غي ْ َِ لِ َ
ب )(3 صم ِ عل َممى الن ّ ُ ح َ ممما ذُب ِم َ و َ م َ ممما ذَك ّي ْت ُم ْ ع إ ِّل َ سب ُ ُ ل ال ّ ما أك َ َ و َ َ
علممى َ ممما َ َ ُ َ َ ُ
المائدة( وقوله )ق ْ
حّر ً م َ ي ُ ي إ ِل م ّ ح َ ما أو ِ في َ جد ُ ِ للأ ِ
َ َ َ
م حم َ و لَ ْ حا أ ْ فو ً سم ُ م ْ ممما َ و دَ ً ةأ ْ مي ْت َ ً ن َ كو َ ن يَ ُ ه إ ِّل أ ْ م ُ ع ُ عم ٍ ي َطْ َ طا ِ َ
ضطُّر َ ر الل ّ قا أ ُ ً فإن ّه رجس أ َ
نا ْ ِ م َ ف ه
ِ ِ ب ه
ِ ِ ْ ي غ
َ ِ ل لّ ه ِ س ْ فِ و
ْ ر َ ِ ُ ِ ْ ٌ زي ٍ خن ْ ِ ِ
م ) (145النعام( حي ٌ فوٌر َر ِ غ ُ ك َ ن َرب ّ َ فإ ِ ّ عاٍد َ وَل َ غ َ ٍ غي َْر َبا َ
ُ
ه ( فقــدم )بــه( ر الل ّم ِ غي ْم ِ ه لِ َ ل ب ِم ِ ه ّ ما أ ِ و َ فقد قال في آية البقرةَ ) :
على )لغير الله( ومعنى )ما أهل به( :ما رفــع الصــوت بــذبحه وهــو ُ
ُ
ه ر الل ّم ِ غي ْم ِ ل لِ َ هم ّ ما أ ِ و َ البهيمة .وقال في آيتي المــائدة والنعــامَ ) :
دم )لغير الله( على )به( وذلك أن المقام في آية النعام هو ه ( فق ّ بِ ِ
في الكلم على المفترين علــى اللــه ممــن كــانوا يشــرعون للنــاس
َ
ن مم َ ممما ذََرأ ِ م ّ ه ِ عُلوا ل ِل ّم ِ ج َ و َ بإسم الله وهم يفترون عليــه فقــال ) َ
ذا هم َ و َ ذا ل ِ ّ َ قما ُ َ َ ث واْل َ ال ْ َ
م َ هم ْ ِ م ِ ع
ْ ز َ ِ ب ه ِ لم هم َ لوا ف با ً مي م ص ِ َ ن ِ م عما َ ْ ن حمْر ِ َ
ن كمما َ ما َ و َ ه َ ل إ َِلى الل ّ ِ ص ُ فَل ي َ ِ م َ ه ْ كائ ِ ِ شَر َ ن لِ ُ كا َ ما َ ف َ كائ َِنا َ شَر َ لِ ُ
ن )(136 مممو َ حك ُ ُ ممما ي َ ْ سمماءَ َ م َ ه ْ ِ كائ ِ شمَر َ ل إ ِل َممى ُ صم ُ و يَ ِ هم َ ف ُ ه َ ل ِل ّم ِ
قت ْ َ َ
م ه ْ ؤ ُ كا ُ شَر َ م ُ ه ْ وَلِد ِ لأ ْ ن َ كي َ ر ِ ش ِ م ْ ن ال ْ ُ م َ ر ِ ن ل ِك َِثي ٍ ك َزي ّ َ وك َذَل ِ َ َ
ه
علممو ُ ُ ف َ ممما َ ه َ شاءَ الل ُّ و َ ول ْ َ م َ ه ْ م ِدين َ ُ ه ْ َ ْ
َ علي ْ ِ سوا َ ول ِي َلب ِ ُ م َ ه ْ دو ُ ل ِي ُْر ُ
جٌر ح ْ ث ِ حْر ٌ و َ م َ عا ٌ ه أن ْ َ ذ ِ ه ِ قاُلوا َ و َ ن )َ (137 فت َُرو َ ما ي َ ْ و َ م َ ه ْ فذَْر ُ َ
36
أسرار البيان في التعبير القرآني
َ
همما هوُر َ ت ظُ ُ ممم ْ حّر َ م ُ عا ٌ وأن ْ َ م َ ه ْ م ِ ع ِ شاءُ ب َِز ْ ن نَ َ م ْ ها إ ِّل َ م َ ع ُ َل ي َطْ َ
َ
م ه ْ زي ِ ج ِ سممي َ ْ ه َ عل َي ْ ِ فت َِراءً َ ها ا ْ عل َي ْ َ ه َ م الل ّ ِ س َ نا ْ م َل ي َذْك ُُرو َ عا ٌ وأن ْ َ َ
ن ) (138النعام( إلى غير ذلك من اليــات الــتي ما كاُنوا ي َفت َُرو َ ْ َ بِ َ
تبين أن ثمة ذوات غير الله تحلل وتحرم مفترية علــى اللــه ،وذوات
يزعمون أنها شركاء لله تعبد معه ونصيبها أكبر من نصيب اللـه فــي
العبادة ،ولذا قدم إبطال هذه المعبودات من غيــر اللــه علــى )ربــه(
فس ً ُ َ
ه ( لنــه هــو مــدار الهتمــام ه ب ِم ِ ر الل ّم ِ غي ْ ِ ل لِ َ ه ّ قا أ ِ و ِ ْ فقال) :أ ْ
والكلم.
والكلم في المائدة أيضا ً على التحليــل والتجريــم ومــن بيــده ذلــك،
ورفض أية جهة تحلل وتحرم من غير اللــه فــإن اللــه هــو يحكــم مــا
م ت ل َك ُم ْ حل ّم ْ قوِد أ ُ ِ ع ُ فمموا ب ِممال ْ ُ و ُ من ُمموا أ ْ
َ
نآ َ
َ
ذي َ ها ال ّ ِ
َ
يريد .قال )َيا أي ّ َ
حّلي الص ميد َ
م وأن ْت ُ م ْ ّ ْ ِ َ م ِ غي َْر ُ م َ عل َي ْك ُ ْ ما ي ُت َْلى َ عام ِ إ ِّل َ ة اْل َن ْ َ م ُ هي َ بَ ِ
من ُمموا َل َ َ
نآ َ ذي َ همما ال ّم ِ ري مدُ ) (1ي َمما أي ّ َ ممما ي ُ ِ م َ حك ُم ُ ه يَ ْ ن الل ّ َ م إِ ّ حُر ٌ ُ
د
قل ئ ِ َ َ ول ا ل َ ْ َ ي َ هد ْ َ ول ا ل َ ْ َ م َ حَرا َ هَر ال َ ْ ش ْ ول ال ّ َ ه َ ّ
عائ َِر الل ِ ش َ حلوا َ ّ تُ ِ
ضًل ِ ت ال ْ َ َ
واًنا ضم َ ر ْ ِ و
م َ هم ْ ِ ن َرب ّ مم ْ ف ْ ن َ غو َ م ي َب ْت َ ُ حَرا َ ن ال ْب َي ْ َ مي َ وَل آ ّ َ
ن َ َ َ م َ ُ َ َ َ ْ َ وإ ِ َ
وم ٍ أ ْ ن قممم ْ شمممن َآ ُ من ّكممم ْ ر َ ج ِ ول ي َ ْ دوا َ صمممطا ُ م فا ْ حللت ُممم ْ ذا َ َ
على الب ِّر ْ َ وُنوا َ َ ْ ْ ُ
عا َ وت َ َ دوا َ عت َ ُ ن تَ ْ حَرام ِ أ ْ د ال َ ج ِ س ِ م ْ ن ال َ ع ِ م َ دوك ْ ص ّ َ
ن ه إِ ّ قوا اللمم َ ّ وات ّ ُ ن َ وا ِ عد ْ َ وال ُ ْ على ال ِث ْم ِ َ ْ َ وُنوا َ عا َ ول ت َ َ َ وى َ ق َ والت ّ ْ َ
م حم ُ ول َ ْ م َ وال مدّ ُ ة َ مي ْت َ ُ م ال ْ َ عل َي ْك ُ ُ ت َ م ْ حّر َ ب )ُ (2 قا ِ ع َ ديدُ ال ْ ِ ش ِ ه َ الل ّ َ
ُ
قمموذَ ُ
ة و ُ م ْ وال ْ َ ة َ قم ُ خن ِ َ من ْ َ وال ْ ُ ه َ ه ب ِم ِ ر الل ّم ِ ِ غي ْم ل لِ َ هم ّ ممما أ ِ و َ ر َ ِ زي ِ خن ْ ال ْ ِ
ح ما ذُب ِ َ و َ م َ ما ذَك ّي ْت ُ ْ ع إ ِّل َ سب ُ ُ ل ال ّ ما أ َك َ َ و َ ة َ ح ُ طي َ والن ّ ِ ة َ مت ََردّي َ ُ وال ْ ُ َ
ْ َ َ ْ َ َ
م و َ ق الي َم ْ سم ٌ ف ْ م ِ موا ِبالْزلم ِ ذَل ِك ُم ْ س ُ ق ِ ست َ ْ ن تَ ْ وأ ْ ب َ ص ِ على الن ّ ُ َ
ن و ِ شم ْ خ َ وا ْ م َ ه ْ و ُ شم ْ خ َ فَل ت َ ْ م َ ن ِدين ِك ُم ْ مم ْ ف مُروا ِ ن كَ َ ذي َ س ال ّ م ِ ي َئ ِ َ
َ َ
ت ضممي ُ وَر ِ مت ِممي َ ع َ م نِ ْ عل َي ْك ُم ْ ت َ م ُ م ْ وأت ْ َ م َ م ِدين َك ُ ْ ت ل َك ُ ْ مل ْ ُ م أك ْ َ و َ ال ْي َ ْ
ف جممان ِ ٍ مت َ َ غي ْمَر ُ ة َ صم ٍ م َ خ َ م ْ في َ ضطُّر ِ نا ْ ِ م ف َ م ِديًنا َ سَل َ م اْل ِ ْ ل َك ُ ُ
م هم ْ ل لَ ُ حم ّ ذا أ ُ ِ ممما َ ك َ س مأ َُلون َ َ م ) (3ي َ ْ حي ٌ فوٌر َر ِ غ ُ ه َ ن الل ّ َ فإ ِ ّ ِل ِث ْم ٍ َ
ن مك َل ِّبي م َ ح ُ ر ِ وا ِ جم َ ن ال ْ َ مم َ م ِ مت ُ م ْ عل ّ ْ ما َ و َ ت َ م الطّي َّبا ُ ل ل َك ُ ُ ح ّ ل أُ ِ ق ْ ُ
َ
م عل َي ْك ُم ْ ن َ س مك ْ َ م َ ممما أ ْ م ّ فك ُل ُمموا ِ ه َ م الل ّم ُ مك ُم ُ عل ّ َ ممما َ م ّ ن ِ ه ّ مون َ ُ عل ّ ُ تُ َ
عري ُ سمم ِ ه َ ن الّلمم َ ه إِ ّ قمموا الّلمم َ وات ّ ُ ه َ عل َْيمم ِ ه َ م الّلمم ِ سمم َ كممُروا ا ْ واذْ ُ َ
ب ) (4المائدة( فهو يجعل التحليل والتحريــم بيــده ويرفــض سا ِ ح َ ال ِ ْ
أية جهة أخرى تقوم بذلك ،لن ذلك من الشرك الذي أبطله السلم
ُ
ه ( .ثــم إنــه ه ِبم ِ ر الل ّم ِ غي ْ ِ ل لِ َ ه ّ ما أ ِ و َ ولذا قدمه في البطلن فقال ) َ
جاء في الموطنين بذكر اسم الله على الذبائح فذكر في آية النعام
أن المشركين ل يذكرون اسم الله على بعض ذبائحهم تعمدا ً فقال:
) َ
ها ( .وأمــر فــي آيــة المــائدة عل َي ْ َ ه َ م الل ّ ِ س َ نا ْ م َل ي َذْك ُُرو َ عا ٌ وأن ْ َ َ
37
أسرار البيان في التعبير القرآني
عل َي ْممهِ ( فناســب ذلــك ه َ م الل ّ ِ س َ واذْك ُُروا ا ْ بذكر اسم الله فقالَ ) :
تقديم بطلن ذكر غير الله.
وأما في البقرة فليس المقام كذلك فلم يذكر أن جهة أخــرى تقــوم
بالتحليل والتحريم وإنما الكلم على ما رزق الله عباده من الطيبات
حَلًل طَي ّب ًمما ) فممي اْل َ س ك ُل ُ فقال) :يا أ َ
ض َ َ ِ ر ْ ِ مام مّ م
ِ موا م ُ مام ّ ن ال مام ه َ ّ ي َ
َ
ن مم ْ من ُمموا ك ُل ُمموا ِ نآ َ ذي َ همما ال ّم ِ (168البقرة( .وقــال بعــدهاَ) :يا أي ّ َ
ن) دو َ عب ُم ُ م إ ِي ّمماهُ ت َ ْ ن ك ُن ْت ُم ْ ه إِ ْ شك ُُروا ل ِل ّ ِ وا ْ م َ قَناك ُ ْ ما َرَز ْ ت َ طَي َّبا ِ
ممما و َ ر َ زي م ِ خن ْ ِ م ال ْ ِ حم َ ول َ ْ م َ وال مدّ َ ة َ مي ْت َ َ م ال ْ َ عل َي ْك ُ ُ م َ حّر َ ما َ (172إ ِن ّ َ
أُ
م فَل إ ِث ْم َ عمماٍد َ وَل َ غ َ ٍ ما م َ ب رَ م ْ ي َ
غ ر ّ ضمطُ ْ ا ن
ِ م م
َ فَ ه
ِ ر الل ّ ِ ْ ي غ
َ ِ ل ه
ِ ِ ب ل ّ هِ
م ) (173البقــرة( فلمــا كــان المقــام فمموٌر َر ِ ٌ
م حي غ ُ ه َ ن الل ّ َ ه إِ ّ عل َي ْ ِ َ
مقام الرزق والطعام بأكل الطيبات قدم )به( والضــمير يعــود علــى
ما يذبح وهو طعام مناسبة للمقام والله أعلم.
ل س َ َ **ومن ذلك قوله تعالى) :أ َ َ
ن ي ُْر ِ ءأ ْ ما ِ س َ في ال ّ ن ِ م ْ م َ من ْت ُ ْ مأ ِ ْ
ر ) (17الملممك( وقمموله ِ ذي ف نَ ِ ن ك َي ْ َ مو َ عل َ ُ ست َ ْ ف َ صًبا َ حا ِ م َ عل َي ْك ُ ْ َ
َ َ
ومأ ْ قك ُ ْ و ِ ف ْ ن َ م ْ ذاًبا ِ ع َ م َ عل َي ْك ُ ْ ث َ ع َ ن ي َب ْ َ عَلى أ ْ قاِدُر َ و ال ْ َ ه َ ل ُ ق ْ ) ُ
ْ من ت َحت أ َرجل ِك ُ َ
سم ب َ مأ َ ض مك ُ ْ ع َ ق بَ ْ ذي َ وي ُ م ِ عا َ ش مي َ ً م ِ سك ُ ْ و ي َل ْب ِ َ مأ ْ ْ ِ ْ ْ ِ ْ ُ
ن )(65 هممو َ ق ُ ف َ م يَ ْ هم ْ عل ّ ُ ت لَ َ ف اْل َي َمما ِ ص مّر ُ ف نُ َ ض ان ْظُمْر ك َي ْم َ عم ٍ بَ ْ
دم خسف الرض على إرسال الحاصــب فــي آيــة الملــك النعام( فق ّ
خر العذاب عما يأتي من السماء فــي آيــة النعــام .وذلــك أن آيــة وأ ّ
ض ذَل ُمموًل َ
م اْلْر َ ل ل َك ُم ُ عم َ ج َ ذي َ و ال ّ م ِ ه َ دمها قوله تعالى ) ُ الملك تق ّ
شمموُر )(15 ه الن ّ ُ وإ ِل َْيمم ِ ه َ ق ِ رْز ِ ن ِ م ْ وك ُُلوا ِ ها َ مَناك ِب ِ َ في َ شوا ِ م ُ فا ْ َ
الملــك( فكــأن أنســب شــيء فــي الموعظــة تــذكيره بخســفها مــن
ق
و َ فم ْ هُر َ قمما ِ و ال ْ َ ه َ و ُ تحتهم .أما آية النعام فتقدمها قــوله تعــالى ) َ
َ
ت و ُ ممم ْ م ال ْ َ حممدَك ُ ُ جاءَ أ َ ذا َ حّتى إ ِ َ ة َ فظَ ً ح َ م َ عل َي ْك ُ ْ ل َ س ُ وي ُْر ِ ه َ عَباِد ِ ِ
ن ) (61النعــام( فصــرف هــذا طمو َ فّر ُ م َل ي ُ َ هم ْ و ُ سمل َُنا َ ه ُر ُ فت ْ ُ و ّ َتم َ
الخطاب تفكر النفس في عين الجهة التي ذكــر منهــا القهــر ،وكــان
أنسب شيء ذكر منها القهر وكان أنسب شيء ذكــر التخويــف مــن
تلك الجهة بخلف آية الملك.
ومما زاد حسنا ً قوله تعالى )ويرسل عليكم حفظة( والحفظــة :هــم
الملئكة ،والملئكة مسكنهم في السماء ،وربنــا يرســلهم مــن فــوق
فناسب تقديم هذه الجهة على غيرها.
ونكتفي بهذا القدر من المثلة فإن فيهــا كفايــة فيمــا أحســب فهــي
تدل دللة واضحة على أن التعبير القرآني تعــبير مقصــود كــل لفــظ
فيه وضع وضعا ً فنيا ً مقصودا ً وأنــه لــم يقــدم لفظــة علــى لفظــة إل
لغرض يقتضيه السياق .وقد روعي فــي ذلــك التعــبير القرآنــي كلــه
38
أسرار البيان في التعبير القرآني
ونظر إليه نظرة واحدة شاملة .وأظن أن ما مر مــن المثلــة تريــك
شيئا ً من فخامة التعبير القرآني وعلوه وأن مثل هذا النظم ل يمكن
2
أن يكون في طوق بشر فسبحان الله رب العالمين.
) (22من كتاب التعبير القرآني للدكتور فاضل السامرائي .من صفحة (74 - 49
39
أسرار البيان في التعبير القرآني
م كمم ْ وب َي ْن َ ُ ه ب َي ِْنممي َ فى ِبالل ّ ِ ل كَ َ ق ْ قال تعالى في سورة العنكبوت ) ُ
وال ّم ِ ْ َ
من ُمموا نآ َ ذي َ ض َ والْر ِ ت َ وا ِ ما َ سم َ فممي ال ّ ممما ِ م َ عل َم ُ هيدا ً ي َ ْ ِ شم َ
م ال ْ َ ول َئ ِ َ فروا بالل ّ ُ
ن } ({52وقــال سممُرو َ خا ِ ه ُ ك ُ هأ ْ ِ ِ وك َ َ ُ ل َ ِبال َْباطِ ِ
ه م إ ِّنمم ُ كمم ْ وب َي ْن َ ُ هيدا ً ب َي ِْني َ ش ِ ه َ فى ِبالل ّ ِ ل كَ َ ق ْ في سورة السراء ) ُ
صيرا ً }({96 خِبيرا ً ب َ ِ ه َ عَباِد ِ ن بِ ِ كا َ َ
في آية سورة السراء ختم تعالى الية بذكر صــفاته )خــبيرا ً بصــيرا(
دم صفته )شهيدًا( على )بيني وبينكم( ،أما في آيــة لذا اقتضى أن ُيق ّ
ســورة العنكبــوت فقــد ختمــت اليــة بصــفات البشــر )أولئك هــم
الخاسرون( لذا اقتضى تقديم ما يتعّلق بالبشر )بيني وبينكــم( علــى
)شهيدا(.
تقديم شبه الجملة )عليها زكريـا( فـي قـوله تعـالى فـي سـورة آل
سممنا ً قبممول حس من َ
ح َ همما ن ََبات ما ً َ وأنب َت َ َ ٍ َ َ ٍ َ همما ب ِ َ ُ ها َرب ّ َ قب ّل َ َ فت َ َ عمران ) َ
ها عندَ َ جد َ ِ و َ ب َ حَرا َ م ْ رّيا ال ْ ِ ها َزك َ ِ عل َي ْ َ ل َ خ َ ما دَ َ رّيا ك ُل ّ َ ِ ها َزك َ فل َ َ وك َ ّ َ
ن ّ َ ذا َ هم َ َ َ قا َ رْزقا ًَ
هإ ّ د اللمم ِ عن ِ ن ِ م ْ و ِ ه َ ت ُ قال ْ ك َ م أّنى ل ِ مْري َ ُ ل َيا َ ِ
ب }({37 سا ٍ ح َ ر ِ غي ْ ِ من ي َشاءُ ب ِ َ َ ه ي َْرُزقُ َ الل َ ّ
قاعدة نحوية :يقول سيبويه في التقديم والتأخير :يقدمون الذي هــو
م لهم وهم أعنى به. أه ّ
والتقديم والتأخير في القرآن الكريم يقرره سياق اليات فقد يتقدم
المفضــول وقــد يتقــدم الفاضــل .والكلم فــي اليــة فــي ســورة آل
عمران واليات التي ســبقتها فــي مريــم عليهــا الســلم وليــس فــي
دم عليهـا لن الكلم كلـه عـن مريـم زكريا ول في المحـراب لـذا قـ ّ
عليها السلم.
تقديم وتأخير فوقكم والطور
وكذلك قوله تعالى في الكلم عن بني إســرائيل والطــور فقــد قــال
م قك ُ ُ و َفم ْ عن َمما َ ف ْ وَر َ م َ قك ُ ْ ميث َمما َ خذَْنا ِ وإ ِذْ أ َ َ تعالى في سورة البقرة ) َ
م عل ّك ُم ْ ه لَ َ فيم ِ ممما ِ واذْك ُمُروا ْ َ ة َ و ٍ قم ّ كم ب ِ ُ ممما آت َي ْن َمما ُ ذوا ْ َ خم ُ الطّمموَر ُ
طوَر م ال ّ ه ُ ق ُو َ ف ْ عَنا َ ف ْ وَر َ ن } ({63وقال في سورة النساء ) َ قو َ ت َت ّ ُ
م لَ هم ْ قل ْن َمما ل َ ُ و ُ جدا ً َ سم ّ ب ُ خل ُمموا ْ ال ْب َمما َ م ادْ ُ هم ُ قل َْنا ل َ ُ و ُ م َ ه ْ ِ قميَثا ِ بِ ِ
غِليظما ً }({154 ميَثاقما ً َ َ دوا ْ ِ
هممم ّ من ْ ُ خمذَْنا ِ وأ َ ت َ سمب ْ ِ فممي ال ّ ع ُ تَ ْ
ه ظُّلمم ٌ َ
ة م ك َأن ّ ُ ه ْ ق ُ و َ ف ْ ل َ جب َ َ قَنا ال ْ َ وِإذ ن َت َ ْ وقال في سورة العراف ) َ
وظَّنوا ْ أ َ
ممما واذْك ُمُروا ْ َ ة َ و ٍ قم ّ كم ب ِ ُ ممما آت َي ْن َمما ُ ذوا ْ َ خ ُ م ُ ه ْ ِ ِ ب ع
ٌ ق
ِ واَ هُ ّ ن َ
ن }.({171 قو َ م ت َت ّ ُ عل ّك ُ ْ ه لَ َ في ِ ِ
من حيث التقديم والتــأخير هــو قــائم علــى الهتمــام الــذي يقتضــيه
سياق اليات سواء كان ـفضل أو مفضول وإنما للهمية .في سورة
م من الطور نفسه وكــذلك البقرة )ورفعنا فوقكم الطور( فوقكم أه ّ
40
أسرار البيان في التعبير القرآني
في آية ســورة النســاء أمــا آيــة ســورة العــراف فالجبــل أهــم مــن
فوقهم.
في آية سورة العراف وصف تعالى الجبل كأنه ظ ُّلة وذكــر )وظنــوا
أنه واقع بهم( ومعنى واقع بهم أي أوقع بهم أو أهلكهم وهذا كله لــه
م .ولم يذكر عن الطــور شــيئا ً علقة بالجبل فالجبل في العراف أه ّ
آخر في سورة البقرة أو النساء.
آية البقرة والنســاء يســتمر الكلم بعــد اليــات علــى بنــي إســرائيل
دم حوالي أربعين آية بعــد اليــة الــتي جــاء فيهــا ذكــر الطــور لــذا قـ ّ
فوقهم في النساء وفوقهم في البقرة على الطور للهمية .أما فــي
سورة العراف فبعد الية التي تحدث فيها عن الجبــل انتهــى الكلم
دم عن بني إسرائيل ولم يذكر أي شيء عنهم بعد هذه اليــة لــذا ق ـ ّ
الجبل.
والجبل :هو إسم لما طال وعظ ُــم مــن أوتــاد الرض والجبــل أكــبر
وأهم من الطور من حيث التكوين .أما النتق فهو أشــد وأقــوى مــن
الرفع الذي هو ضد الوضع .ومن الرفع أيضا ً الجذب والقتلع وحمل
الشيء والتهديد للرمي به وفيه إخافة وتهديــد كــبيرين ولــذلك ذكــر
الجبل في آية سورة العراف لن الجبــل أعظــم ويحتــاج للزعزعــة
والقتلع وعــادة مــا ت ُــذكر الجبــال فــي القــرآن فــي موقــع التهويــل
قات ِن َمما مي َ سممى ل ِ ِ مو َ جاء ُ ما َ ول َ ّ والتعظيم ولذا جاء في قوله تعالى ) َ
ل َلمن ت ََران ِممي قما َ ك َ رِنمي َأنظُمْر إ ِل َْيم َ َ
بأ ِ ل َر ّ قما َ ه َ ه َرّبم ُ مم ُ وك َل ّ َ َ
ف ت ََراِنممي و َ س ْ ف َ ه َ َ
مكان َ ُ قّر َ ست َ َ نا ْ فإ ِ ِ ل َ جب َ ِ ْ َ
ن انظْر إ ِلى ال َ ُ َ
ولمك ِ ِ َ
ممما َ
فل ّ عقا ًَ صمم ِ سى َ خّر مو َ و َ ً
ه دَك ّا َ َ
عل ُج َ ل َ جب َ ِ ْ
ه ل ِل َ جلى َرب ّ ُ ّ ما ت َ َ َ
فل ّ َ
ك َ َ أَ َ
ن }({143 مِني َ ؤ ِ ممم ْ ل ال ْ ُو ُ وأن َا ْ أ ّ ت إ ِل َي ْ َ َ ك ت ُب ْ ُ حان َ َ سب ْ َ ل ُ قا َ فاقَ َ
ولم يقل الطور .إذن النتق والجبل أشد تهديدا ً وتهوي ً
ل.
عمن ب َ عمُز ُ مما ي َ ْ و َتقديم وتأخير الرض والسماء في قوله تعــالى ) َ
ماء( وقمموله ول َ ِ في ال َ ل ذَّر ٍ مث ْ َ ّرب ّ َ
سم َ فممي ال ّ ض َ ِ رْ ة ِ قا ِ من ّ ك ِ
ض( ْ َ وَل ِ ل ذَّر ٍ قا ُ مث ْ َ )َل ي َ ْ
في الْر ِ ت َ وا ِ ما َ س َ في ال ّ ة ِ ه ِ عن ْ ُ ب َ عُز ُ
التقديم والتأخير في السماء والرض :الكلم في سورة يــونس عــن
أهل الرض فناسب أن يقدم الرض على السماء فــي قــوله تعــالى
)وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الرض ول في السماء( أمــا
فــي ســورة ســبأ فــالكلم عــن الســاعة والســاعة يــأتي أمرهــا مــن
السماء وتبدأ بأهــل الســماء )فصــعق مــن فــي الســموات والرض(
دم الســماء و)ففزع من في السموات ومــن فــي الرض( ولــذلك قـ ّ
على الرض في قوله تعالى )ل يعزب عنه مثقال ذرة في السموات
ول في الرض(.
41
أسرار البيان في التعبير القرآني
واستخدمت السماء في سورة يــونس لن الســياق فــي الســتغراق
فجاء بأوسع حالة وهي السماء لنها أوسع بكثير من الســموات فــي
بعض الحيان .فالسماء واحدة وهي تعني الســموات أو كــل مــا عل
وفي سورة سبأ استخدم السموات حسب ما يقتضيه السياق.
تقممديم الكممل علممى الشممرب فممي سممورة مريممم )فكلممي
واشربي وقّري عينا(
همما أّلَ نلحــظ اليــة قبلهــا فــي ســورة مريــم ) َ
حت ِ َ مممن ت َ ْ همما ِ دا َ فَنا َ
ع ج مذ ْ ِ ك بِ ِ هّزي إ ِل َي ْ ِ و ُ ري ّا ً }َ {24 س ِ ك َ حت َ ِ ك تَ ْ ل َرب ّ ِ ع َ ج َ قد ْ َ حَزِني َ تَ ْ
ش مَرِبي وا ْ فك ُل ِممي َ جن ِي ّما ً }َ {25 طب ما ً َ ك ُر َ عل َي ْم ِ ط َ ق ْ سا ِ ة تُ َ خل َ ِ الن ّ ْ
حدا ً َ ش َ
ت قوِلي إ ِن ّممي ن َمذَْر ُ ف ُ رأ َ ن ال ْب َ َ ِ م َ ن ِ ما ت ََري ِ ّ
ُ
فإ ِ ّ عْينا ً َ قّري َ و َ َ
س مي ّا ً } .({26فقــد وردت م ِإن ِ و َ م ال ْي َم ْ ن أك َل ّم َ فل َ ْ وما ً َ ص ْ ن َ م ِ ح َ ِللّر ْ
سراة سراة أي السادة )ول ُ كلمة السري وهي تعني السّيد وجمعها ُ
جّهالهم سـادوا( ،وهــي بمعنــى أن اللـه تعــالى قـد جعلـك تحتــك إذا ُ
سّيدا .أما التقديم والتــأخير فــي الكــل والشــرب فنلحــظ أنــه فــي
دم تعــالى الكــل علــى القرآن كله حيثما اجتمــع الكــل والشــرب ق ـ ّ
الشرب حتى في الجّنة )كلوا واشربوا هنيئا بما أســلفتم فــي اليــام
الخالية( وقوله )كلوا واشربوا من رزق الله( وكذلك في آيــة ســورة
مريم )فكلي واشربي وقّري عينا( والســبب فــي ذلــك أن الحصــول
على الكل أصعب من الحصول على الشرب.
ومثال آخر قوله تعالى سورة هود:
َ َ
وآت َمماِني ي َ مممن ّرب ّ م ََ ة ّ عَلى ب َي ّن َ م ٍ ت َ كن ُ م ِإن ُ وم ِ أَرأي ْت ُ ْ ق ْ ل َيا َ قا َ ) َ
َ
همما م لَ َ وأنت ُم ْ همما َ مو َ مك ُ ُ ز ُ م أن ُل ْ ِ عل َي ْك ُم ْ ت َ مي َم ْ ع ّ ف ُ ه َ د ِ عنم ِ ن ِ مم ْ ة ّ م ً ح َ َر ْ
وم ِ ق ْ ل َيا َ قا َ ن } ({28وقوله تعالى في سورة هود أيضا ً ) َ هو َ ر ُ كا َ ِ َ
من ة َ عَلى ب َي ّن َ ً م ِإن ُ َ
ف َ م ً ح َ ه َر ْ من ْ ُ وآَتاِني ِ من ّرّبي َ ة ّ ت َ كن ُ أَرأي ْت ُ ْ
ر} سممي ٍ خ ِ غي ْمَر ت َ ْ دون َِني َ زي ُ ما ت َ ِ ف َ ه َ صي ْت ُ ُ ع َ ن َ ه إِ ْ ن الل ّ ِ م َ صُرِني ِ َين ُ
دم الرحمة علــى الجــاّر والمجــرور ،واليــة .({63في الية الولى ق ّ
ميت ،أنلزمكموهـا ،وأنتـم لهـا كـارهون( كلهـا تتكلم عن الرحمة )فع ّ
تعود على الرحمة لذا اقتضــى الســياق تقــديم الرحمــة علــى الجــاّر
والمجرور .أما في الية الثانية فالية تتكلم عــن اللــه تعــالى )ربــي،
الله ،منه ،الضمير في عصيته( كلها تعود على الله تعالى لذا اقتضى
السياق تقديم )منه( على الرحمة
تقديم وتأخير الصابئين في آيتي سورة البقرة والمائدة
دوا ْ همما ُ ن َ ذي َ وال ّم ِ من ُمموا ْ َ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ قال تعالى في سورة البقــرة )إ ِ ّ
ل ممم َ ع ِ و َ ر َ خمم ِ وم ِ ال ِ وال ْي َ ْ ه َ ن ِبالل ّ ِ م َ نآ َ م ْ ن َ صاب ِِئي َ وال ّ صاَرى َ والن ّ َ َ
م ول َ ُ َ ول َ َ َ َ ً
صاِلحا َ
هم ْ م َ هم ْ علي ْ ِ ف َ و ٌ خم ْ م َ هم ْ عندَ َرب ّ ِ م ِ ه ْ جُر ُ مأ ْ ه ْ فل ُ َ
42
أسرار البيان في التعبير القرآني
مُنوا ْ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ ن } ({62وقال في سورة المائدة )إ ِ ّ حَزُنو َ يَ ْ
وم ِ وال ْي َ ْ ه َ ن ِبالل ّ ِ م َ نآ َ م ْ صاَرى َ والن ّ َ ن َ ؤو َ صاب ِ ُ وال ّ دوا ْ َ ها ُ ن َ ذي َ وال ّ ِ َ
ن} حَزن ُممو َ م يَ ْ هم ْ ول ُ َ م َ هم ْ َ َ َ ً م َ
علي ْ ِ ف َ و ٌ خم ْ صاِلحا فل َ ل َ ع ِ رو َ خ ِ ال ِ
({69اليتان فيهما تشابه واختلف وزيادة في إحداها عن الخرى.
دم النصارى علــى الصــابئين )النصــب جــاء مــع في سورة البقرة ق ّ
دم الصــابئون العطف لتوكيد العطف( ،وفــي آيــة ســورة المــائدة ق ـ ّ
على النصارى ورفعهــا بــدل النصــب .فمــن حيــث التقــديم والتــأخير
ننظر في سياق السورتين الذي يعين على فهم التشــابه والختلف،
ففي آية سورة المائدة جاءت اليات بعدها تتناول عقيــدة النصــارى
والتثليث وعقيدتهم بالمسيح وكأن النصارى لم يؤمنوا بالتوحيد فيما
و هم َ ه ُ ن الل ّ م َ قمماُلوا ْ إ ِ ّ ن َ ذي َ فَر ال ّ م ِ قد ْ ك َ َ تذكر اليات في السورة )ل َ َ
دوا ْ عب ُم ُ لا ْ س مَراِئي َ ح َيا ب َِني إ ِ ْ سي ُ م ِ ل ال ْ َ قا َ و َ م َ مْري َ َ ن َ ح اب ْ ُ سي ُ م ِ ال ْ َ
ه عَلي م ِ ه َ م الل ّ م ُ حّر َ قد ْ َ ف َ ه َ ك ِبالل ّ ِ ر ْ ِ ش من ي ُ ْ ه َ م إ ِن ّ ُ وَرب ّك ُ ْ ه َرّبي َ الل ّ َ
ر } {72ل ّ َ ة ومأ ْواه الّنار وما ِللظّممال ِمين م من َ
د
قم ْ ٍ ما م صَ أن ِ َ ِ ْ ُ َ َ جن ّ َ َ َ َ ُ ال ْ َ
ه ه إ ِل ّ إ َِلم م ٌ ن إ َِلم م ٍ مم ْ ما ِ و َ ة َ ث ث َل َث َ ٍ ه َثال ِ ُ ن الل ّ َ قاُلوا ْ إ ِ ّ ن َ ذي َ فَر ال ّ ِ كَ َ
ف مُروا ْ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ م ِ سم ّ م ّ ن ل َي َ َ قول ُممو َ ما ي َ ُ ع ّ هوا ْ َ م َينت َ ُ وِإن ل ّ ْ حد ٌ َ وا ِ َ
ممما ْ ّ َ ع َ
ع ّ هوا َ م َينت َ ُ وِإن ل ْ م } ({73ثم جاء التهديد ) َ ب أِلي ٌ ذا ٌ م َ ه ْ من ْ ُ ِ
َ
ما م }ّ ) ({73 ب أِلي ٌ ذا ٌ ع َ م َ ه ْ من ْ ُ فُروا ْ ِ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ س ّ م ّ ن ل َي َ َ قوُلو َ يَ ُ
ل سم ُ ه الّر ُ قب ْل ِ م ِ مممن َ ت ِ خل َ م ْ قدْ َ ل َ سو ٌ م إ ِل ّ َر ُ مْري َ َ ن َ ح اب ْ ُ سي ُ م ِ ال ْ َ
ْ ُ
م هم ُ ن لَ ُ ف ن ُب َي ّم ُ م انظُمْر ك َي ْم َ عمما َ ن الطّ َ كاَنا ي َمأك ُل َ ِ ة َ ق ٌ دي َ ص ّ ه ِ م ُ وأ ّ َ
ُ ؤ َ م انظْر أّنى ي ُ ْ َ ُ
ن } ({75هذا السياق لم يذكر هــذا فكو َ ت ثُ ّ الَيا ِ
المــر فــي ســورة البقــرة وهكــذا اقتضــى تقــديم الصــابئين علــى
النصارى في آية سورة المائدة .فلما كـان الكلم فـي ذم معتقــدات
النصارى اقتضى تأخيرهم عن الصابئين.
ول هم يحزنون :بتقديم )هم( الذين يحزن غيرهم وليــس هــم .نفــي
الفعل عن النفس ولكنه إثبات الفعل لشخص آخر كأن نقول )ما أنا
مى ت وجـود شـخص آخـر ضـربه )ُيسـ ّ ضربته( نفيته عن نفسي وأثب ّ
التقديم للقصر( أما عندما نقول )ما ضربته( يعنــي ل أنــا ول غيــري.
نفى الحزن عنهم وأثبت أن غيهــم يحــزن )أهــل الضــلل فــي حــزن
دائم( .ولم يقل ل خوف عليهم ول حزن لهم لنها ل تفيد التخصــيص
)نفى عنهم الحزن ولم يثبته لغيرهم( ولو قال ول لهم حــزن لنتفــى
التخصيص على الجنس أصل ً ول ينفي التجدد وقوله تعالى )ل خوف
ٌعليهم ول هم يحزنون( ل يمكن أن يؤدي إلــى حــزن فنفــى الخــوف
المتجدد والثابت ونفــى الحــزن المتجــدد )ل هــم يحزنــون بمعنــى ل
43
أسرار البيان في التعبير القرآني
يخافون( والثابت )ل خوف( ول يمكــن لعبــارة أخــرى أن تــؤدي هــذا
المعنى المطلوب.
تقديم وتأخير اللهو على التجارة في آية سورة الجمعة
َ َ
ك وت ََرك ُممو َ همما َ ضمموا إ ِل َي ْ َ ف ّ هوا ً ان َ و لَ ْ جاَرةً أ ْ وا ت ِ َذا َرأ ْ وإ ِ َ هذه الية ) َ
والل ّ م ُ
ه ة َ جمماَر ِ ن الت ّ َ مم َ و ِ و َ ه ِ ن الل ّ ْ م َ خي ٌْر ّ ه َ عندَ الل ّ ِ ما ِ ل َ ق ْ قاِئما ً ُ َ
ن } ({11نزلت بينما كان الرسول صــلى اللــه عليــه قي َ ز ِخي ُْر الّرا ِ َ
وسلم يخطب بعد صلة الجمعة فجاءت العيــر بتجــارة وكــانت ســنة
ض الناس بسبب التجارة وليس بسبب اللهــو لنــه كــان شديدة فانف ّ
ض الناس هناك غلء في السعار فعندما نودي أن القافلة وصلت انف ّ
دم التجارة في أول الية عن الرسول صّلى الله عليه وسّلم ولهذا ق ّ
دم تعالى اللهو علــى التجــارة )وإذا رأوا تجارة( .ثم في نهاية الية ق ّ
لنه ليس كل الناس ينشغلون بالتجارة عن الصلة فكــثير ينشــغلون
دم اللهــو باللهو وما عند الله تعالى خيٌر من اللهو ومن التجارة لذا ق ّ
على التجارة.
وقوله تعالى )والله خير الرازقين( لن التجارة مظّنة الــرزق فوضــع
التجارة بجانب قوله تعــالى )واللــه خيــر الرازقيــن( فليــس لئقـا ً ول
مناسبا ً أن يقول تعالى )الله خير الرازقين( بجانب اللهو وفي اللغــة
عادة تترّقى من الدنى إلى العلى فذكر الدنى )اللهـو( ثـم العلـى
)التجارة(.
وهناك أمر آخر وهو تكرار )من( في قــوله تعــالى )مــن اللهــو ومــن
التجارة( لنه لو قال )من اللهو والتجارة( لفاد أن الخيريــة ل تكــون
إل باجتماعهما أي اللهو والتجارة أما قــوله تعــالى )مــن اللهــو ومــن
التجارة( فهي تفيد أن الخيرية من اللهو على جهــة الســتقلل ومــن
التجارة على جهة الستقلل أيضا ً فإن اجتمعا زاد المر سوءاً.
تقديم الرحيم على الغفممور فممي سممورة سممبأ وقممد وردت
في باقي القرآن الغفور الرحيم
فممي ممما ِ ه َ ذي ل َم ُ ه ال ّم ِ مدُ ل ِل ّ ِ ح ْ لو قرأنــا اليــة فــي ســورة ســبأ )ال ْ َ
وهم َ و ُ ة َ خ مَر ِ فممي اْل ِ م مد ُ ِ ح ْ ه ال ْ َ ول َ م ُض َ ِ في اْل َْر ما ِ و َ ت َ وا ِ ما َ س َال ّ
َ ْ
ج خ مُر ُ ممما ي َ ْ و َ ض َ فممي الْر ِ ج ِ ممما ي َل ِم ُ م َ عل َ ُ خِبيُر } {1ي َ ْ م ال ْ َ كي ُح ِ ال ْ َ
م حي م ُو الّر ِ هم َ و ُ همما َ في َ ج ِ ع مُر ُ ما ي َ ْ و َء َ ما ِس َن ال ّ م َ ل ِز ُ ما َين ِ و َ ها َ من ْ َ ِ
ص المكلفيــن أبــدا والمغفــرة ل ً ّ دم الية ما يخ ّ فوُر } ({2لم يتق ّ غ ُ ْ
ال َ
تأتي إل للمكّلفين والمذنبين الذين يغفر الله تعالى لهــم وإنمــا جــاء
ذكرهم بعد اليتين الولى والثانية لــذا اقتضــى تــأخير الغفــور لتــأخر
المغفور لهم في سياق الية .أما في باقي سور القرآن الكريم فقد
44
أسرار البيان في التعبير القرآني
دم ذكر المكّلفين فيــذنبون فيغفــر اللــه وردت الغفور الرحيم لنه تق ّ
تعالى لهم فتطّلب تقديم المغفرة على الرحمة.
تقديم النس علممى الجممان فممي آيممة سممورة الرحمممن )لممم
يطمثهن إنس قبلهم ول جان(
م ف ل َم ْ ت الطّ مْر ِ ص مَرا ُ قا ِ ن َ ه ّ في ِ قال تعالى في ســورة الرحمــن ) ِ
ن } ، ({56والنسان عــادة تعــاف جا ّ وَل َ م َ ه ْ قب ْل َ ُ س َ ن ِإن ٌ ه ّ مث ْ ُ ي َطْ ِ
دم ذكــر النــس لكــن إذا نفســه المــرأة إذا طمثهــا إنســي لــذلك تقـ ّ
عاشرها جان ليس لها نفس الوقع كالنسي.
تقديم )ما تسبق من أمممة أجلهمما( علممى )ممما يسممتأخرون(
في آية سورة الحجر والمؤمنون
قال تعالى في سورة الحجــر )ما ت َس مبق م من أ ُم م َ
ممما و َ همما َ جل َ َ ةأ َ ْ ِ ُ ِ ْ ّ ٍ ّ
ن مم ْ ق ِ سمب ِ ُ ما ت َ ْ ن } ({5وقال فــي ســورة المؤمنــون ) َ خُرو َ ست َأ ْ ِ يَ ْ
ْ َ ُ
ن } ({43بتقديم )ما تسبق( علــى )مــا خُرو َ ست َأ ِ ما ي َ ْ و َ ها َ جل َ َ ةأ َ م ٍ أ ّ
ليستأخرون( أما في سورة العراف فقد جاءت اليــة بقــوله )وَل ِك ُـ ّ
ْ َ َ ُ
ن }({34 مو َ ست َْقدِ ُ ة وَل َ ي َ ْ ساعَ ً ن َ خُرو َ ست َأ ِ م ل َ يَ ْ جل ُهُ ْ جاء أ َ ذا َ ل فَإ ِ َ ج ٌ مة ٍ أ َ أ ّ
بتقديم )ل يستأخرون( على )ل يستقدمون( .وإذا لحظنا اليات فــي
القــرآن نجــد أن تقــديم )مــا تســبق مــن أمــة أجلهــا( علــى )ومــا
يستأخرون( لم تأت إل في مقام الهلك والعقوبة.
تقممديم وتممأخير كلمممة ) تخفمموا ( فممي آيممة سممورة البقممرة
وسورة آل عمران
فممي ممما ِ و َ ت َ ماوا ِ سم َ في ال ّ ه ما ِ قال تعالى في سورة البقرة )ل ّل ّ ِ
فسك ُ َ َ َ
ه
كم ب ِم ِ س مب ْ ُ حا ِ فوهُ ي ُ َ خ ُ و تُ ْ مأ ْ في أن ُ ِ ْ ما ِ دوا ْ َ وِإن ت ُب ْ ُ ض َ الْر ِ
ل عل َممى ك ُم ّ ه َ والل ّم ُ شمماءُ َ مممن ي َ َ ب َ عذ ّ ُ وي ُ َشاءُ َ من ي َ َ فُر ل ِ َ غ ِ في َ ْ ه َ الل ّ ُ
ممما فمموا ْ َ خ ُ ل ِإن ت ُ ْ ق ْ ديٌر } ({284وقال في آل عمــران ) ُ ق ِ ء َ ي ٍ ش ْ َ
َ
فممي ممما ِ م َ عَلمم ُ وي َ ْ ه َ ه الّلمم ُ ممم ُ عل َ ْ دوهُ ي َ ْ و ت ُْبمم ُ مأ ْ رك ُ ْ دو ِ صمم ُ فممي ُ ِ
ديٌر } قم ِ ء َ ي ٍ شم ْ ل َ عَلى ك ُم ّ ه َ والل ّ ُ ض َ في الْر ِ ما ِ و َ ت َ وا ِ ما َ س َ ال ّ
.({29المحاسبة فــي ســورة البقــرة هــي علــى مــا ُيبــدي النســان
دم البداء أما في سورة آل وليس ما ُيخفي ففي سياق المحاسبة ق ّ
دم الخفــاء لنــه ســبحانه يعلــم عمران فالية في سياق العلم لذا قـ ّ
السر وأخفى.
تقديم الشممتاء علممى الصمميف والجمموع علممى الخمموف فممي
سورة قريش
م هم ْ ف ِ ش }ِ {1إيَل ِ قَري ْ ٍ ف ُ ليَل ِ قال تعــالى فــي ســورة قريــش ) ِ ِ
ت }{3 ذا ال ْب َي ْم ِ هم َ ب َ دوا َر ّ عب ُ ُ فل ْي َ ْ ف }َ {2 صي ْ ِ وال ّ شَتاء َ ة ال ّ حل َ َ ر ْ ِ
ف } ( {4والمعروف ْ َ ّ
و ٍ خ ْ ن َ م ْ هم ّ من َ ُ وآ َ ع َ جو ٍ من ُ هم ّ م ُع َ ذي أط َ ال ِ
45
أسرار البيان في التعبير القرآني
أن حاجة النسان للطعام في الشتاء أكثر من الصيف والخوف فــي
دم تعــالى طاع الطرق والزواحف لــذا قـ ّ الصيف أكثر لنه فيه يكثر ق ّ
الشتاء والخوف على الصيف والجوع وقال أيضا ً أطعمهم ولــم يقــل
أشبعهم لن الطعام أفضل من الشباع .ولقد جاءت سورة قريــش
بعد سورة الفيل للتركيز علــى المــن فــي الــبيت الحــرام بعــد عــام
الفيل.
ديم البصر على السمممع فممي آيممة سممورة الكهممف وآيممة تق ّ
سورة السجدة
َ
بغْيمم ُ ه َ ما ل َب ُِثوا ل َ ُم بِ َ عل َ ُهأ ْ ل الل ّ ُ ق ِ قال تعالى في سورة الكهف ) ُ
السماوات واْل َرض أ َبصر به َ
مممن ه ِ دون ِ ِ من ُ هم ّ ما ل َ ُ ع َ م ْس ِ وأ ْ ْ ِ ْ ِ ْ ِ ِ َ ّ َ َ ِ َ
حممدا ً } ({26وقــال فــي ســورة َ وَل ي ُ ْ
هأ َ مم ِ حك ْ ِ فممي ُ ك ِ ر ُشم ِ ي َول ِ ّ َ
د
عن م َ م ِ ه ْ سممو ُر ُ ْ َ
سم ِ ؤو ِ ن َناك ِ ُ مممو َ ر ُج ِ م ْو ت َمَرى إ ِِذ ال ُ ول م ْ
َ
الســجدة ) َ
صمماِلحا ً إ ِن ّمما ل َ مم ْ ع َعن َمما ن َ ْ ج ْ فاْر ِ عَنا َ م ْ سم ِ و َص مْرَنا َ
م َرب ّن َمما أب ْ َهم ْ َرب ّ ِ
ن } ({12والمعلــوم أن الكــثر فــي القــرآن تقــديم الســمع قُنو َمو ِ ُ
على البصر لن السمع أهــم مــن البصــر فــي التكليــف والتبليــغ لن
فاقد البصر الذي يسمع يمكن تبليغه أما فاقد السمع فيصعب تبليغه
ثم إن مدى السمع أقل من مدى البصر فمــن نســمعه يكــون عــادة
أقرب ممن نراه ،بالضافة إلى أن الســمع ينشـأ فــي النسـان قبــل
دم البصــر علــى الســمع فــي اليــتين البصر في التكوين .أما لماذا ق ّ
المذكورتين فالسبب يعود إلى أنه في آية سورة الكهف الكلم عــن
أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم لئل يراهــم أحــد ولجــأوا إلــى
ظلمة الكهف لكيل يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في
ظلمة الكهف وكذلك طلبوا مــن صــاحبهم أن يتلطــف حــتى ل يــراه
القوم إذن مسألة البصر هنا أهم من السمع فاقتضى تقــديم البصــر
على السمع في الية.
وكذلك في آية سورة السجدة ،الكلم عن المجرمــون الــذين كــانوا
فــي الــدنيا يســمعون عــن القيامــة وأحوالهــا ول يبصــرون لكــن مــا
ن ولــو تيقنــوا لمنــوا أمــا يسمعوه كان يدخل في مجال الشك والظ ّ
في الخرة فقد أبصروا ما كانوا يســمعون عنــه لنهــم أصــبحوا فــي
مجال اليقين وهو ميدان البصر )عين اليقين( والخرة ميدان الرؤيــة
وليس ميدان السمع وكما يقال ليس الخــبر كالمعاينــة .فعنــدما رأوا
في الخرة ما كانوا يسمعونه ويشكون فيه تغير الحال ولذا اقتضــى
تقديم البصر على السمع.
تقديم وتأخير الجن والنس في آيتي السراء والرحمن
46
أسرار البيان في التعبير القرآني
ْ َ
ن ي َمأُتوا عل َممى أ ْ ن َ ج ّ وال ْ ِ
س َ ت اْل ِن ْ ُ ع ِ م َجت َ َنا ْ ِ ل ل َئ ِ
ق ْ قال تعالىُ ) :
ْ ذا ال ْ ُ َ
ض
عم ٍ م ل ِب َ ْ ه ْ
ضم ُع ُ ن بَ ْو ك َمما َ ول َ ْه َمث ْل ِ ِن بِ ِ ن َل ي َأُتو َ قْرآ ِ ه َ مث ْ ِ
ل َ بِ ِ
نجم ّ ش مَر ال ْ ِ ع َ
م ْهي مًرا ) (88الســراء( وقــال عــز وجــل ) :ي َمما َ ِ
ظَ
ت وا ِ ما َ سم َ ر ال ّ طما ِق َ ن أَ ْ مم ْ ذوا ِ فم ُ ن ت َن ْ ُ َ
مأ ْ سمت َطَ ْ
عت ُ ْ نا ْ س إِ ِ َ ْ
وال ِ َن ْ ِ
ن ) (33الرحمن( طا ٍ سل ْ َ ن إ ِّل ب ِ ُ ذو َ ف ُ ذوا َل ت َن ْ ُ ف ُفان ْ ُض َ َ ْ
والْر ِ
قدم في الولى النس وقدم في الثانية الجن لن مضمون الية هــو
التحدي بالتيان بمثل القرآن ،ول شك أن مــدار التحــدي علــى لغــة
القرآن ونظمه وبلغته وحسن بيانه وفصاحته.
والنــس فــي هــذا المجــال هــم المقــدمون ،وهــم أصــحاب البلغــة
وأعمدة الفصاحة وأساطين البيان ،فإتيان ذلك مــن قبلهــم أولــى ،
ولذلك كان تقديمهم أولى ليناسب ما يتلءم مع طبيعتهم.
أما الية الثانية فإن الحديث فيها عـن النفـاذ مـن أقطـار السـموات
والرض ،ول شك أن هذا هو ميدان الجن لتنقلهم وسرعة حركتهــم
الطيفية وبلوغهم أن يتخذوا مقاعد في في السماء للســتماع ،كمــا
قال تعالى على لسانهم " :وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمممع
" الجن 9
فقدم الجن على النــس لن النفــاذ ممــا يناســب خواصــهم وماهيــة
أجسامهم أكثر من النس
47
أسرار البيان في التعبير القرآني
أحيان ـا ً تغي ّــر العــرب الحركــة فتــأتي بعــد المرفــوع بمنصــوب وبعــد
المنصوب بمرفوع وبعــد المجــرور بــالرفع أو النصــب )فــي النعــت(
وعندما تتغير الحركة يتغير العراب .مثال على النعت:
م -مــررت بمحم ـدٍ م -رأيــت محمــدا ً الكري ـ ُ أقبــل محمــد الكري ـ َ
م
م أو الكري َالكري ُ
وهذا المر يجري في العطف أيضا ً كما في قوله تعــالى )والموفــون
بعهــدهم إذا عاهــدوا والصــابرين ( )لكــن الراســخون فــي العلــم
والمقيمين الصلة والمؤتون الزكاة( المقيمين )قطع(
لماذا يستخدم أسلوب القطع؟ هو ليس بالصل أسلوبا ً قرآنيــا ً
ابتدعه القرآن لكنه أسلوب عربي موجــود فــي اللغــة ،والقطــع لــه
شروط لكن لماذا تقطع العرب؟ تقطع العرب لسببين:
الول :لتنــبيه الســامع وإيقــاظ ذهنــه إلــى الصــفة المقطوعــة ،
والمفروض في الصفة أن تأتي تابعة لحركة الموصوف فإذا تغيــرت
الحركة انتبه السامع .وهذا دليل على أن الموصوف قد بلغ حدا ً في
هذه الصفة يثير الهتمام ويقتضيه.
طب يعلــم مــن والثاني أن القطع ل يكون إل إذا كان الســامع المخــا َ
اّتصاف الصفة بالموصوف التي يذكرها المتكلــم أو يقطعهــا .مثــال:
إذا قلنا مررت بمحمد الكريم )السامع قد يعلم أو ل يعلم أن محمدا ً
ِ
ً
كريم فُيعطى السامع معنى جديدا لم يكــن يعلمــه( .وإذا قلنــا :جــاء
م فل بد أن يكون الســامع علــى علــم أن خالــد كريــم أي خالد ٌ الكري َ
اشتهر بهذه الصفة حتى عُِلمت عنه .والقطع في هــذه الحالــة ُيفيــد
طب يعلم من اتصاف الموصــوف مــا يعلمــه المتكلــم فــإذا أن المخا َ
م له. ما ً كان أذ ّكان مادحا ً كان أمدح له وإذا كان ذا ّ
م عندما يوصف ما قيمة هذا القطع في اللغة؟ في المدح والذ ّ
شخص الكرم فهو مشهور بالكرم ول يخفــى كرمــه علــى أحــد وقــد
يكون الشخص كريما ً لكن ل يعرفه أحــد .فــإذا كــان المــدح بــالقطع
يكون أمدح للشــخص بمعنــى أنــه بلــغ مــن الخصــال الكريمــة مــا ل
م ذم فيكون أذ ّ يخفى على أحد فيكون أمدح له .فإذا كان في حالة ال ّ
ة الحطــب( ه حمال َ له .كما في قوله تعالى في سورة المسد )وامرأت ُ ُ
م الله تعالى امرأة أبو لهــب مرتيــن مــرة بــالقطع لن الكــل يعلــم ذ ّ
مالة( على وزن فّعالــة مها بصيغة المبالغة في كلمة )ح ّ بصفاتها ثم ذ ّ
م لهــا لمــا كــانت تلحقــه مــن أذى م بــالقطع هنــا أذ ّوهكــذا جــاء الــذ ّ
مالــة( علــى أنهــا برسول الله .وقد أعرب بعض النحــاة كلمــة )ح ّ
خبر لمبتدأ )امرأته( ولخرون أعربوهــا علــى أنهــا صــفه وهــذا عليــه
اعتراض ظاهر لنه ل يمكن أن تكون صفة بحسب القواعد النحويــة
48
أسرار البيان في التعبير القرآني
مالة الحطب هي إضافة لفظية يعنــي إضــافة صــيغة المبالغــة نح ّ ل ّ
إلى معمولها يعتي نكرة )وامرأتــه( معّرفــة فكيــف نصــف المعرفــة
بالنكرة؟ هذه يقــال فيهــا أنهــا إضــافة لفظيــة .إذا قلنــا :رأيــت رجل ً
ل القامــة )طويــل القامــة هــي صــفة لفظيــة( وإذا قلنــا :رأيــت طوي َ
الرجل الطويــل القامــة )الطويــل القامــة هــي موصــوف لمعرفــة(.
والضافة اللفظية هي إضاقة اسم الفاعل واســم المفعــول إذا كانــا
داّليــن علــى الحــال أو الســتقبال إلــى معمولهمــا ،إضــافة الصــفة
المشبهة والمبالغة إلى معمولهمــا دون تحديــد الزمــن مثــال :أقبــل
ل مصري المولد )مصري المولد إضــافة لفظيــة وبقيــت نكــرة( رج ٌ
وإذا قلنا :مــررت برجــل مصــري النشــأة )موصــوف لنكــرة وُتعــرب
نعت( وإذا قلنا :مررت بالرجل المصــري النشــأة )المصــري النشــأة
نعت موصوف لمعرفة( وفي العودة إلى آية سورة المســد )حمالــة
مها. الحطب( مفعول به لفعل محذوف تقديره أذ ّ ّ
حم م والــتر ّ ما الحكم النحمموي فممي القطممع؟ فــي المــدح والــذ ّ
ُيحذف وجوبا ً فعنـد العـراب ُيعـرب خـبر لمبتـدأ محـذوف )إذا كـان
مرفوع( ونقول محذوف وجوبا ً وإذا كان في غير حالة يكون جــوازًا.
موفي النصب يكون مفعول به لفعل محذوف وجوبا ً في المدح والذ ّ
حم وفي غير ذلك يكون جوازًا. والتر ّ
م ه ْ من ْ ُ عل ْم ِ ِ في ال ْ ِ ن ِ خو َ س ُ ن الّرا ِ ِ في سورة النساء آية ّ) 162لمك ِ
ُ ل إ َِلي م َ ُ
ك قب ْل ِم َ مممن َ ل ِ ز َ ممما أن م ِ و َ ك َ ز َ ما أن ِ ن بِ َ مُنو َ ؤ ِ ن يُ ْ مُنو َ ؤ ِ م ْ وال ْ ُ َ
ه ّ
ن ب ِممالل ِ من ُممو َ ؤ ِ م ْوال ُْ ن الّزكمماةَ َ َ ؤت ُممو َ م ْ ْ
وال ُ صملةَ َ َ ن ال ّ ميم َ قي ِ م ِ وال ُ ْ َ
ما( القطع هنــا فــي َ سن ُ ْ ولمئ ِ َ َ ُ ْ
ظي ً ع ِ جًرا َ مأ ْ ه ْ ؤِتي ِ ك َ رأ ْ خ ِ وم ِ ال ِ والي َ ْ َ
م من كل العمال. كلمة )المقيمين الصلة( لهمية الصلة فهي أه ّ
َ
م هك ُ ْ جممو َ و ُول ّمموا ْ ُ س ال ْب ِمّر أن ت ُ َ وفي سورة البقــرة آيــة ) 177ل ّي ْ َ
وم ِ وال َْيمم ْ ه َ ن ِبالل ّ ِ م َ نآ َ م ْ ن ال ْب ِّر َ وَلمك ِ ّ ب َ ر ِ غ ِم ْ وال ْ َ ق َ ر ِ ش ِ م ْ ل ال ْ َ قب َ َ ِ
ه حب ّم ِ عل َممى ُ ل َ ممما َ وآَتى ال ْ َ ن َ والن ّب ِّيي َ ب َ وال ْك َِتا ِ ة َ ملئ ِك َ ِ وال ْ َ ر َ خ ِ ال ِ
ل سمممِبي ِ ن ال ّ واْبممم َ ن َ كي َ سممما ِ م َ وال ْ َ مى َ وال ْي ََتممما َ قْرَبمممى َ وي ال ْ ُ ِ ذَ
ة
كمما َ وآَتممى الّز َ صمملةَ َ م ال ّ قمما َ وأ َ َ ب َ قمما ِ فممي الّر َ و ِ ن َ سممآئ ِِلي َ وال ّ َ
سماء ْ ْ ْ م إِ َ مو ُ ْ
فممي الب َأ َ ن ِ ري َ صمماب ِ ِ وال ّ دوا َ هم ُ عا َ ذا َ ه ْ د ِ هم ِ ع ْ ن بِ َ فو َ وال ُ َ
م وأولم مئ ِ ََ ُ ص مد َ ُ ّ َ
س أولمئ ِ َ ُ ْ ْ
هم ُ ك ُ قوا َ ن َ ذي َ ك ال ِ ن الب َأ ِ حي َ و ِ ضّراء َ وال ّ
ن( قطع كلمة الصابرين للهمية وللــتركيز علــى الصــابرين. قو َ مت ّ ُ ال ْ ُ
م .والمنصــوب فــي القطــع ُيعــرب إذن القطع جــاء هنــا لمــا هــو أهـ ّ
مفعول به لفعل محذوف.
49
أسرار البيان في التعبير القرآني
50
أسرار البيان في التعبير القرآني
إذا كان التعبير يحتمل تقــدير أكــثر مــن حــرف ُيحــذف للتوســع فــي
المعنى وعندما ل يحتمل إل حرفا ً بعينه فيكون في مقـام التوكيـد أو
ح قممْر ٌ م َ و َ قمم ْ س ال ْ َ م ّ قد ْ َ ف َ ح َ قْر ٌ م َ سك ُ ْ س ْ م َ التوسع وشمولهِ) .إن ي َ ْ
ن ذي َ ه ال ّ م ِ م الل ّ م ُ عل َ م َ ول ِي َ ْ س َ ن الن ّمما ِ ها ب َي ْ َ ول ُ َ دا ِ م نُ َ ك الّيا ُ وت ِل ْ َ ه َ مث ْل ُ ُ ّ
ن }({140 مي َ ب الظال ِ ِ ّ ح ّ ه ل َ يُ ِ والل ُّ داء َ ه َ ش َ م ُ منك ُ ْ ذ ِ خ َ وي َت ّ ِ مُنوا َ ْ آ َ
ذكرت اللم في كلمة )ليعلم( وحذفت في كلمة )يّتخذ( الية الولـى
نزلت بعد معركة أحد )ليعلم الله الذين آمنـوا( غـرض عـام يشـمل
كل مؤمن ويشمل عموم المــؤمنين فــي ثبــاتهم وســلوكهم أي ةمــا
يتعلق به الجزاء ول يختص به مجموعة من الناس فهــو غــرض عــام
إلى يوم القيامة والله عليم وهذا علم يتحقق فيــه الجــزاء .أمــا فــي
قوله )ويتخذ منكم شهداء( ليست في سعة الغرض الول فالشهداء
أقل من عموم المؤمنين.
ه ص الل ّم ُ ح َ م ّ ول ِي ُ َ وكذلك في قوله تعــالى فــي ســورة آل عمــرانَ ) :
ن } ({141ذكـرت فــي )ليمحـص( ري َ ف ِ كا ِ ق ال ْ َ ح َ م َ وي َ ْ مُنوا ْ َ نآ َ ذي َ ال ّ ِ
ولم تذكر في )يمحــق( .غــرض عــام ســواء فــي المعركــة )أحــد( أو
غيرها لمعرفة مقدار ثباتهم وإخلصهم وهو أكثر اتساعا ً وشمول ً من
قوله تعالى )ويتخذ منكم شــهداء( ويمحــق الكــافرين ليســت بســعة
)ليمحص الله( لم تخلو الرض مــن الكــافرين ولــم يمحقهــم جميعـا ً
زوال الكافرين ومحقهم على وجــه العمــوم ليســت الحــال وليســت
بمقدار الغرض الذي قبله) .ليعلم الله( غــرض كــبير متســع وكــذلك
قوله تعالى )ليمحص الله( إنما قوله تعــالى )يتخــذ منكــم( و)يمحــق
الكافرين( فالغرض أقل اتساعا ً لذا كان حذف الحرف )لم(.
ي ول ِي َب ْت َل ِ َ أما في قوله تعالى في الية 154من سورة آل عمرانَ ) :
م عِلي ٌ ه َ والل ّ ُ م َ قُلوب ِك ُ ْ في ُ ما ِ ص َ ح َ م ّ ول ِي ُ َ م َ رك ُ ْ دو ِ ص ُفي ُ ما ِ ه َ الل ّ ُ
ر( هنــا الغرضــين بدرجــة واحــدة مــن التســاع ولهــذا دو ِ ص ُ ت ال ّ ذا ِ بِ َ
وردت اللم في الحالتين.
مثال آخر:
من ُمموا ْ إ ِ َ َ
ذا نآ َ ذي َ ها ال ّم ِ في آيــة الوضــوء فــي ســورة المــائدة )َيا أي ّ َ
م إ َِلممى هك ُم َ
دي َك ُ ْ وأْيمم ِ جممو َ ْ َ و ُ سممُلوا ْ ُ غ ِ ة فا ْ صممل ِ م إ َِلممى ال ّ مُتمم ْ ق ْ ُ
َ
وِإن ن َ ِ عَبيم م إ ِل َممى ال ْك َ ْ جل َك ُ ْ وأْر ُ م َ سك ُ ْ ؤو ِ حوا ْ ب ُِر ُ س ُ م َ وا ْ ق َ ِ فمَرا ِ ال ْ َ
ف َ َ ضممى أ َ
و رأ ْ ٍ َ سم َ مى م ل ع
َ و
ْ مْر َ كنُتمم ّ وِإن ُ هُروا ْ َ فماطّ ّ جُنبا ً َ م ُ كنت ُ ْ ُ
دوا ْ َ َ
جم ُ م تَ ِ فل َم ْ سمماء َ م الن ّ َ ست ُ ُ م ْ و لَ َ طأ ْ غائ ِ ِ ن ال ْ َ م َ كم ّ من ُ حد ٌ ّ جاء أ َ َ
َ
كم دي ُ وأي ْم ِ م َ هك ُ ْ جممو ِ و ُ حوا ْ ب ِ ُ سم ُ م َ فا ْ عيدا ً طَّيب ما ً َ صم ِ موا ْ َ م ُ فت َي َ ّ ماء َ َ
د
ريم ُ كن ي ُ ِ ولمم ِ َ ج َ ُ َ عم َ ّ
حمَر ٍ ن َ مم ْ علي ْكمم ّ ل َ ج َ ه ل ِي َ ْ ريمدُ اللم ُ ممما ي ُ ِ ه َ من ْ ُ ّ
ن } ({6اللم شممك ُُرو َ م تَ ْ كمم ْ عل ُ ّ مل َ َ علي ْك ُ ْ َ ه َ مت َ ُ ع َم نِ ْ ول ِي ُت ِ ّ م َ هَرك ُ ْ َ
ل ِي ُط ّ
51
أسرار البيان في التعبير القرآني
فممَر
غ ِ م( ،وفي سورة الفتح )ل ِي َ ْ وردت في الفعلين) :ليطهركم( )ولي ُت ِ ّ
كعل َي ْم َه َ مت َم ُ
ع َ
م نِ ْ
وي ُت ِم ّ ممما ت َمأ َ ّ
خَر َ و َ
ك َذنب ِم َ
من َ م ِقد ّ َما ت َ َ
ه َك الل ّ ُلَ َ
قيما ً } ({2ذكــر اللم فــي فعــل )ليغفــر( ست َ ِ
م ْصَراطا ً ّ ك ِدي َ َه ِ
وي َ ْ
َ
م( و )يهديك( .والفرق بين اليتين في سورة المائدة وحذف في )ُيت ّ
وسورة الفتح أن )ليتم نعمته( في آية الوضــوء فــي ســورة المــائدة
الكلم هنا في أصــول الــدين وتمــامه وهــذه اليــة هــي آيــة الوضــوء
والُغسل وهي عامة للمؤمنين وتشملهم إلــى يــوم القيامــة والنعمــة
عامة واسعة وتشمل الكثير .أما في آية سورة الفتح )ويتــم نعمتــه(
فالخطاب هنا للرسول وهي خاصة به وليســت عامــة للمــؤمنين
وهي ليست في أصول الدين.
مثال آخر:
َ
ت وا ِ ما َ سم َ عل َممى ال ّ ة َ مان َم َ ض مَنا اْل َ عَر ْ فــي ســورة الحــزاب )إ ِّنا َ
همما من ْ َ ن ِ ق َ ف ْ شممم َ وأ َ ْ هممما َ مل ْن َ َ ح ِ ن أن ي َ ْ
َ
فممأب َي ْ َ
واْل َرض وال ْجبمممال َ َ
ِ ْ ِ َ ِ َ َ
ه ّ
ب الل ُ عذ ّ َ هول } {72ل ِي ُ َ ً ج ُ ً
ن ظلوما َ ُ َ ه كا َ َ ن إ ِن ّ ُ سا ُ لن َ ْ
ها ا ِ مل َ َ ح َ و َ َ
ب وي َت ُممو َ ت َ ركا ِ َ شم ِ م ْ ْ
وال ُ ن َ كي َ ر ِ ش ِ م ْ وال ُ ْ ت َ قا ِ ف َ مَنا ِ ْ
وال ُ ن َ قي َ ف ِ مَنا ِ ال ُ ْ
حيماً } فورا ً ّر ِ غ ُ ه َ ن الل ّ ُ كا َ و َ ت َ مَنا ِ ؤ ِ م ْ وال ْ ُ ن َ مِني َ ؤ ِ م ْ عَلى ال ْ ُ ه َ الل ّ ُ
ذب( وحذفت مع فعل )ويتوب( وقــد ({73ذكرت اللم مع فعل )لُيع ّ
خر التوبة للمؤمنين لن سياق اليات دم تعالى عذاب المنافقين وأ ّ ق ّ
قوا ص مد َ ُ ل َ جمما ٌ ر َ ن ِ مِني َ ؤ ِم ْ ن ال ْ ُ م َ كان في المنافقين ،أما في الية ) ِ
مممن هممم ّ من ْ ُ و ِ ه َ حب َم ُ ضممى ن َ ْ ق َ من َ هم ّ من ْ ُف ِ ه َ عل َي ْ ِه َ دوا الل ّ َ ه ُعا َ ما َ َ
ن قي َ صمماِد ِ ه ال ّ ّ
ي الل م ُ ز َ جم َ ِ ديل ً } {23ل ِي َ ْ ُ
ممما ب َمدّلوا ت َب ْم ِ و ََينت َظِ مُر َ
نم إِ ّ همم ْ ب َ َ ن ِإن َ ب ال ْ ُ عذ ّ َ
علي ْ ِ و ي َُتممو َ شمماء أ ْ قي َ ف ِ مَنا ِ وي ُ َم َ ه ْ ق ِ صد ْ ِ بِ ِ
حيما ً } ({24ذكرت اللم مــع فعــل )ليجــزي( فورا ً ّر ِ غ ُ ن َ كا َ ه َ الل ّ َ
ذب( وهنا بدأ بــالمؤمنين أول ً وذكــر معهــم اللم وحذفت مع فعل )يع ّ
خــر دم جــزاء المــؤمنين وأ ّ ثم ذكر المنافقين بدون لم بمعنى أنــه قـ ّ
عذاب المنافقين ،ولم يذكر المشيئة في اليــة الولــى وذكرهــا فــي
الية الثانية وذكر احتمال التوبة في الثانيــة ولــم تــذكر فــي الولــى،
وفـــي آخـــر الســـورة ذكـــر المنـــافقين والمنافقـــات والمشـــركين
والمشــركات أمــا فــي اليــة الثانيــة لــم يــذكر فيهــا إل المــؤمنين
والمنــافقين ولــم يلحــق معهــم المنافقــات والمؤمنــات .وفــي اليــة
كد المغفرة )وكان الله غفورا ً رحيما( بينمــا أكــدها فــي الولى لم يؤ ّ
الثانية )إن الله كان غفورا ً رحيما( والســبب فــي ذلــك الصــل الول
في سياق اليــات والســياق هــو أكــبر وأهــم القــرائن .الســياق فــي
52
أسرار البيان في التعبير القرآني
خــر التوبــة وهــذا اليات الولى بدأ بتعذيب المنافقين والمنافقــات وأ ّ
أصل السياق في اليـات )وإن لـم ينتـه المنـافقين ( إلـى أن ينتهـي
بهذه الية الخيرة أي أن أصل السياق فــي اليــات علــى المنــافقين
دم عذابهم وأكده ولم يذكر المؤمنين. وليس على المؤمنين لذا ق ّ
أما في اليــة الخــرى فنزلــت حســب ســياق اليــات فــي المــؤمنين
الصادقين )وصدقوا الله ورسوله( السياق مختلف تماما ً نا وهو فــي
خــر المنــافقين ونــزع اللم تمامـا ً دمهم وأكرمهــم وأ ّ المؤمنين لذا قـ ّ
عكس الية الولى .وضع احتمال التوبة في الية الثانية )ليجزي الله
الصادقين بصدقهم( والكلم ليس للمؤمنين وإنمــا للصــادقين منهــم
وسبب ذكر التعليق بالمشيئة في الية الثانية ووضع احتمــال التوبــة
لن اليات جاءت بعد وقعة الحزاب لذا فتح مجال التوبــة والــدخول
ذب المنــافقين في اليمان يفتح للمنافقين باب التوبة لذا جاءت )يعـ ّ
إن شاء أو يتوب عليهم( لنهم ما زالوا فــي الــدنيا أمــا اليــة الولــى
فهي في الخــرة )يــوم ُتقل ّــب وجــوههم فــي النــار( الكلم هنــا فــي
الخرة ولم يكن هناك مجال للتوبة أو المشيئة ولم يفتــح لهــم بــاب
المل في التوبة ولم ُيعلقها بالمشيئة.
فــي آيــة الــدنيا )إن اللــه كــان غفــورا ً رحيمــا( أك ّــد المغفــرة ليفتــح
للمنافقين باب التوبة والدخول في السلم حتى يغفر الله للعبد كل
كد ذلك فقال تعـالى )وكـان اللـه دم .أما في آية الخرة فلم يؤ ّ ما تق ّ
غفورا ً رحيما( بدون توكيد .وتوكيد المشيئة واحتمال التوبــة يقتضــي
توكيد المغفرة.
أما ذكر المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات والمــؤمنين
والمؤمنــات ولــم تــرد فــي اليــة الثانيــة وهــذه فــي وقعــة الحــزاب
والوقعة هي للرجال لذا لم يرد ذكر النساء .أما العذاب في الخــرة
فيطال الجميع ذكرانا ً وإناثا ً فكلهم يطالهم العذاب أما الجزاء فيكون
ذكــر فــي وقعـة الحـزاب عنـدما ذكـر مـا يخـص الرجــال بخلف ما ُ
)الصادقين بصدقهم ( ولم يقل الصادقات ذلك لن الموطن يقتضي
ذلك.
مثال آخر:
َ
ن تأ ّ حا ِ صممال ِ َمُلمموا ْ ال ّ ع ِ و َ مُنوا ْ َ ذين آ َ ر ال ّ ِ ِ وب َ ّ
ش في سورة البقرة ) َ
قمموا ْ ِ َ
مممن همما ِ من ْ َ ز ُ
ِ ما ُر هاُر ك ُل ّ َ ها الن ْ َ حت ِ َ من ت َ ْ ري ِ ِ جت تَ ْ جّنا ٍ
م َ ه ْ لَ ُ
ل ُ
هوأت ُمموا ْ ب ِم ِ قب ْم ُ َ مممن َ قن َمما ِ ز ْذي ُر ِ ذا ال ّم ِ همم َ قمماُلوا ْ َ ة ّرْزقما ً َ مَر ٍ ثَ َ
َ
ن} دو َ خال ِم ُ همما َ في َ م ِ هم ْ و ُ هَرةٌ َ مطَ ّ ج ّ وا ٌ ها أْز َ في َ م ِ ه ْ ول َ ُ
شاِبها ً َ مت َ َ ُ
({25التبشير هنا يأتي بحرف الباء كما في قوله تعــالى) :وبشــرناه
شرهم أن لهــم الجنــة( ولــم يقــل بإسحق( ،فعندما ذكر المؤمنين )ب ّ
53
أسرار البيان في التعبير القرآني
َ
ن ن ب ِ مأ ّ قي َ ف ِ من َمما ِ ر ال ْ ُ ش ِ )بأن لهم الجنة( أما فــي ســورة النســاء )ب َ ّ
َ
ن( ذابا ً أِليما ً } .({138ففي هذه اليــة أك ّــد بالبــاء فــي )بــأ ّ ع َ م َ ه ْ لَ ُ
صل العقوبات وعذابات الكافرين والمنافقين في اليــات كد وف ّ لنه أ ّ
همما َ
التي تسبقها فالســياق كلــه فــي تأكيــد وتفصــيل للعــذاب )َيا أي ّ َ
عَلممى ل َ ذي َنممّز َ ب ال ّ ِ وال ْك َِتا ِ ه َ سول ِ ِ وَر ُ ه َ مُنوا ْ ِبالل ّ ِ مُنوا ْ آ ِ نآ َ ذي َ ال ّ ِ
ه ف مْر ب ِممالل ّ ِ مممن ي َك ْ ُ و َ ل َ قب ْم ُ مممن َ ل ِ ي َأن مَز َ ذ َ ب ال ّم ِ وال ْك َِتا ِ ه َ سول ِ ِ َر ُ
عيدا ً ضل َل ً ب َ ِ ل َ ض ّ قد ْ َ ف َ ر َ خ ِ وم ِ ال ِ وال ْي َ ْ ه َ سل ِ ِ وُر ُ ه َ وك ُت ُب ِ ِ ه َ مل َئ ِك َت ِ ِ و َ َ
م ف مُروا ث ُ م ّ ْ مك َ َ مُنوا ث ُ ّ ْ مآ َ فُروا ث ُ ّ ْ مك َ َ مُنوا ث ُ ّ ْ نآ َ ذي َ ن ال ِ ّ } {136إ ِ ّ
بيل } س ِ ً م َ ه ْ دي َ ُ ه ِ ول َ ل ِي َ ْ م َ ه ْ فَر ل َ ُ غ ِ ه ل ِي َ ْ ن الل ّ ُ ِ م ي َك ُ فرا ً ل ّ ْ دوا ْ ك ُ ْ دا ُ اْز َ
َ َ
ن ذي َ ذابا ً أِليما ً } {138ال ّ ِ ع َ م َ ه ْ ن لَ ُ ن ب ِأ ّ قي َ ف ِ مَنا ِ ر ال ْ ُ ِ {137ب َ ّ
ش
ن غممو َ ن أ َي َب ْت َ ُ مِني َ ؤ ِ ممم ْ ن ال ْ ُ دو ِ مممن ُ ول َِيمماء ِ نأ ْ
َ
ري َ ف ِ كمما ِ ن ال ْ َ ذو َ خمم ُ ي َت ّ ِ
ل قمدْ ن َمّز َ و َ ميعما ً }َ {139 ج ِ ه َ عمّزةَ ل ِل ّم ِ ن ال ِ ف مإ ِ ّ عمّزةَ َ م ال ْ ِ ه ُ عندَ ُ ِ
َ
همما ف مُر ب ِ َ ه ي ُك َ َ ت الل ّم ِ م آي َمما ِ عت ُ ْ م ْ سم ِ ذا َ ن إِ َ بأ ْ فممي ال ْك ِت َمما ِ م ِ عل َي ْك ُ ْ َ
ضمموا ْ ِ ُ
ث دي ٍ حم ِ فممي َ خو ُ حّتى ي َ ُ م َ ه ْ ع ُ م َ دوا ْ َ ع ُ ق ُ فل َ ت َ ْ ها َ هَزأ ب ِ َ ست َ ْ وي ُ ْ َ
ن ري َ ف ِ كمما ِ وال ْ َ ن َ قي َ ف ِ مَنا ِ ع ال ْ ُ م ُ جا ِ ه َ ن الل ّ َ م إِ ّ ه ْ مث ْل ُ ُ م ِإذا ً ّ ه إ ِن ّك ُ ْ ر ِ غي ْ ِ َ
ن ف مِإن ك َمما َ م َ ن ب ِك ُم ْ صو َ ن ي َت ََرب ّ ُ ذي َ ميعا ً } { 140ال ّ ِ ج ِ م َ هن ّ َ ج َ في َ ِ
ن ل ِل ْ َ َ
ن ري َ ف ِ كا ِ كا َ وِإن َ م َ عك ُ ْ م َ كن ّ م نَ ُ قاُلوا ْ أل َ ْ ه َ ن الل ّ ِ م َ ح ّ فت ْ ٌ م َ ل َك ُ ْ
قاُلوا ْ أ َ
ن مِني َ ؤ ِ مم ْ ن ال ْ ُ مم َ عك ُممم ّ من َ ْ ون َ ْ م َ عل َي ْك ُ ْ وذْ َ ِ حْ َ ت س
ْ َ ن م ْ َ ل ب َ صي ٌ نَ ِ
ن ري َ ف ِ كمما ِ ه ل ِل ْ َ ل الّلمم ُ ع َ ج َ وَلن ي َ ْ ة َ م ِ قَيا َ م ال ْ ِ و َ م يَ ْ م ب َي ْن َك ُ ْ حك ُ ُ ه يَ ْ فالل ّ ُ َ
ه ن الل ّ َ عو َ خاِد ُ ن يُ َ قي َ ف ِ مَنا ِ ن ال ْ ُ سِبيل ً } {141إ ِ ّ ن َ مِني َ ؤ ِ م ْ عَلى ال ْ ُ َ
سمماَلى موا ْ ك ُ َ قمما ُ ة َ صممل َ ِ موا ْ إ َِلممى ال ّ قمما ُ ذا َ وإ ِ َ م َ ه ْ ع ُ خمماِد ُ و َ همم َ و ُ َ
ن مذَب ْذَِبي َ قِليل ً }ّ {142 ه إ ِل ّ َ ن الل َ ّ ول َ ي َذْك ُُرو َ س َ ن الّنا َ ؤو َ ي َُرآ ُ
ه ل الل ّم ُ ض مل ِ ِ مممن ي ُ ْ و َ ؤلء َ همم ُ ول َ إ ِل َممى َ ؤلء َ هم ُ ك ل َ إ َِلى َ ن ذَل ِ َ ب َي ْ َ
ذوا ْ من ُمموا ْ ل َ ت َت ّ ِ َ
خم ُ نآ َ ذي َ ها ال ّم ِ سِبيل ً }َ {143يا أي ّ َ ه َ جد َ ل َ ُ فَلن ت َ ِ َ
عل ُمموا ْ َ َ َ
ج َ ن أن ت َ ْ دو َ ري م ُ ن أت ُ ِ مِني َ ؤ ِ مم ْ ن ال ْ ُ دو ِ مممن ُ ول َِياء ِ نأ ْ ري َ ف ِ كا ِ ال ْ َ
ك في الدّْر ِ ن ِ قي َ ف ِ مَنا ِ ن ال ْ ُ مِبينا ً } {144إ ِ ّ طانا ً ّ سل ْ َ م ُ عل َي ْك ُ ْ ه َ ل ِل ّ ِ
صميرا ً } ({145والمنــافقين َ
م نَ ِ ه ْ جد َ ل َ ُ وَلن ت َ ِ ر َ ن الّنا ِ م َ ل ِ ف ِ س َ ال ْ
في الدرك السفل من النار .أما في ســورة البقــرة فلــم يــأتي بــأي
تفصيل فهي آية موجزة والسياق في اليات الكلم علــى المــؤمنين
ن لذا اليجاز اقتضى اليجاز في الحديث وعدم ذكر التوكيد بالباء) .أ ّ
لهم الجنة(
الحذف في القرآن الكريم يتعلق بأمرين :
أول ً :في مقام التفصيل واليجاز كما فــي قــوله تعــالى فــي ســورة
َ
ت جّنا ٍ م َ ه ْ ن لَ ُ تأ ّ حا ِ صال ِ َ مُلوا ْ ال ّ ع ِ و َ مُنوا ْ َ ذين آ َ ر ال ّ ِ ِ ش وب َ ّ البقرة ) َ
ة ّرْزقمما ً قوا ْ ِ َ
مممَر ٍ من ث َ َ ها ِ من ْ َ ز ُ ما ُر ِ هاُر ك ُل ّ َ ها الن ْ َ حت ِ َ من ت َ ْ ري ِ ج ِ تَ ْ
54
أسرار البيان في التعبير القرآني
ُ
م هم ْ ول َ ُ شمماِبها ً َ مت َ َ ه ُ وأت ُمموا ْ ب ِم ِ ل َ قب ْ ُ من َ قَنا ِ ز ْ ذي ُر ِ ذا ال ّ ِ هم َ قاُلوا ْ َ َ
َ
ن }({25 دو َ خال ِ ُ ها َ في َ م ِ ه ْ و ُ هَرةٌ َ مطَ ّ ج ّ وا ٌ ها أْز َ في َ ِ
َ
ن الل ّم ِ
ه مم َ هممم ّ ن لَ ُ ن ب ِمأ ّ مِني َ ؤ ِ مم ْ ر ال ْ ُ ش ِ وب َ ّ وفي سورة الحــزابَ ) :
ضل ً ك َِبيرا ً } .({47ذكرت الباء مع المــؤمنين فــي حيــن حــذفت ف ْ َ
في آية سورة البقرة.
آية سورة البقرة هي آية مفردة في المؤمنين لم يسبقها أو يليها ما
يتعّلــق بــالمؤمنين ،أمــا آيــة ســورة الحــزاب فســياقها فــي ذكــر
المؤمنين )يا أيها الذين آمنوا( إلــى قــوله تعــالى )وبشــر المــؤمنين(
فاقتضى السياق والتفضيل ذكر الباء في آية سورة الحزاب.
ميث َمماقَ ب َن ِممي خذَْنا ِ وإ ِذْ أ َ َ ومن ذلك قوله تعالى في سورة البقــرة ) َ
وِذي سممانا ً َ ح َ ن إِ ْ واِلممدَي ْ ِ وِبال ْ َ ه َ ن إ ِل ّ الّلمم َ دو َ عُبمم ُ ل ل َ تَ ْ سممَراِئي َ إِ ْ
سممنا ً ح ْ س ُ ْ و ُ ُ وال ْ َ وال ْي ََتمما َ ال ْ ُ
قولمموا ِللّنمما ِ ن َ كي ِ سمما ِ م َ مى َ قْرَبممى َ
م منك ُم ْ قِليل ً ّ م إ ِل ّ َ ول ّي ْت ُ ْ م ت َم َ وآت ُمموا ْ الّزك َمماةَ ث ُم ّ صمل َةَ َ موا ْ ال ّ قي ُ وأ َ ِ َ
ن } ({83ذكرت الباء مع )بالوالدين( وحــذفت مــع َ
ضو َ ر ُ ع ِ م ْ وأنُتم ّ َ
ول َ ه َ دوا ْ الل ّم َ عب ُ ُ وا ْ كلمــة )ذي القربــى( أمــا فــي ســورة النســاء ) َ
قْرَبممى ذي ال ْ ُ وِبمم ِ سممانا ً َ ح َ ن إِ ْ واِلممدَي ْ ِ وِبال ْ َ شممْيئا ً َ ه َ كوا ْ ِبمم ِ ر ُ شمم ِ تُ ْ
ب جن ُم ِ ر ال ْ ُ جمما ِ وال ْ َ قْرب َممى َ ر ِذي ال ْ ُ ِ جمما وال ْ َ ن َ ِ كي سا ِ م َ وال ْ َ مى َ وال ْي ََتا َ َ
َ َ
ن م إِ ّ مممان ُك ُ ْ ت أي ْ َ ملك َم ْ ممما َ و َ ل َ س مِبي ِ ن ال ّ واب ْم ِ ب َ جن ِ ب ِبال َ ح ِ صا ِ وال ّ َ
خورا ً } ({36فقــد ذكــرت البــاء ف ُ خَتال ً َ م ْ ن ُ كا َ من َ ب َ ح ّ ه ل َ يُ ِ الل ّ َ
مع الوالدين ومع ذي القربى .وذلك لن السياق فــي ســورة النســاء
والكلم عن القرابات من أول السورة إلى آخرها وليس فقــط فــي
الية التي بين أيدينا .إذن ذكر الباء مع ذي القربى في هذه الية من
سورة النساء كان لمراعاة التفضيل والتوكيــد .أمــا فــي آيــة ســورة
البقرة فليس السياق في القرابات فحذفت الباء فــي )ذي القربــى(
مراعاة لليجاز.
مثال آخر:
مممن ل ّ سم ٌ ب ُر ُ ق مدْ ك ُمذّ َ ف َ ك َ فِإن ك َمذُّبو َ في ســورة آل عمــران ) َ
ر } ({184حــذف مِني ِ ب ال ْ ُ وال ْك َِتا ِ ر َ والّزب ُ ِ ت َ ؤوا ِبال ْب َي َّنا ِ جآ ُ ك َ قب ْل ِ َ َ
وِإن الباء مع كلمة )الزبر( وكلمة )الكتاب( أمــا فــي سـورة فــاطر ) َ
هم سمل ُ ُ م ُر ُ ه ْ جمماءت ْ ُ م َ هم ْ قب ْل ِ ِ مممن َ ن ِ ذي َ ب ال ّم ِ قمدْ ك َمذّ َ ف َ ك َ ي ُك َمذُّبو َ
ر } ({25ذكر الباء مع كلمــتي مِني ِ ب ال ْ ُ وِبال ْك َِتا ِ ر َ وِبالّزب ُ ِ ت َ ِبال ْب َي َّنا ِ
الزبر والكتاب .المقام فــي ســورة فــاطر مقــام التوكيــد والتفصــيل
بخلف مــا ورد فــي ســورة آل عمــران ،والكلم فــي ســورة فــاطر
زُر وَل ت َ ِ للتوكيــد والتفصــيل فــي مقــام النــذار والــدعوة والتبليــغ ) َ
همن ْم ُ ل ِ م ْ ح َ ها َل ي ُ ْ مل ِ َ ح ْ ة إ َِلى ِ قل َ ٌ مث ْ َ ع ُ وِإن ت َدْ ُ خَرى َ وْزَر أ ُ ْ زَرةٌ ِ وا ِ َ
55
أسرار البيان في التعبير القرآني
هممم ن َرب ّ ُ و َ شم ْ خ َ ن يَ ْ ذي َ ذُر ال ّم ِ ممما ُتن م ِ قْرَبى إ ِن ّ َ ذا ُ ن َ كا َ و َ ول َ ْ يء ٌ َ ْ ش َ
ه سم ِ ف ِ ممما ي َت ََزك ّممى ل ِن َ ْ فإ ِن ّ َ كى َ من ت ََز ّ و َ صَلةَ َ موا ال ّ قا ُ وأ َ َ ب َ غي ْ ِ ِبال َ
َ
ذيٌر } ت إ ِّل ن َ ِ ن أن َ صيُر } ({18إلى قوله تعالى )إ ِ ْ م ِ ه ال ْ َ وإ َِلى الل ّ ِ َ
ة إ ِّل خلَ ُ ً ً ْ َ ْ َ
م ٍ نأ ّ م ْ وِإن ّ ذيرا َ ون َ ِشيرا َ ق بَ ِ ح ّ سلَناك ِبال َ {23إ ِّنا أْر َ
ذيٌر } ({24فالســياق إذن فــي النــذار والــدعوة والتبليــغ همما ن َم ِ في َ ِ
ويســتمر الســياق فــي الكلم عــن الــذين يســتجيبون والــذين ل
يستجيبون وأن هذه الكتب التي ذكرت فـي اليـة هـي كتـب النــذار
)الزبر ،الكتاب المبين ،البينات( .أمــا فــي ســورة آل عمــران فاليــة
د
هم َ ع ِ ه َ ن الل ّم َ قمماُلوا ْ إ ِ ّ ن َ ذي َ تعقيب على محادثة تاريخية معينــة )ال ّ ِ
ْ ى ي َأ ْت ِي ََنا ب ِ ُ إ ِل َي َْنا أ َل ّ ن ُ ْ
ل قمم ْ ه الّنمماُر ُ ن ت َأك ُل ُ ُ قْرَبا ٍ حت ّ َ ل َ سو ٍ ن ل َِر ُ م َ ؤ ِ
م فل ِم َ م َ قل ْت ُم ْ ذي ُ وِبال ّم ِ ت َ قب ْل ِممي ِبال ْب َي ّن َمما ِ مممن َ ل ّ س ٌ م ُر ُ جاءك ُ ْ قد ْ َ َ
ن } ({183فالمقام هنا مقام حادثــة قي َ صاِد ِ م َ كنت ُ ْ م ِإن ُ ه ْ مو ُ قت َل ْت ُ ُ َ
معينة وليس في سياق اليات فاختلف المر هنا ولهذا حــذفت البــاء
لنه مناسب لليجاز.
سورة فاطر فيها مقام التوكيد ومقام التفصيل:
ن ذي َ ب ال ّ ِ قدْ ك َذّ َ ف َ ك َ وِإن ي ُك َذُّبو َ مقام التوكيد في سورة فاطر َ ) :
ب وِبال ْك ِت َمما ِ ر َ وب ِممالّزب ُ ِ ت َ هم ِبال ْب َي ّن َمما ِ سمل ُ ُ م ُر ُ ه ْ جمماءت ْ ُ م َ هم ْ قب ْل ِ ِ من َ ِ
ر } ({25وجاء بصيغة الفعل المضارع في )يكــذبوك( للدللــة مِني ِ ال ْ ُ
على الســتمرارية وفيــه التصــديق والتكــذيب مســتمران )هــو فعــل
شرط مضارع( أما في ســورة آل عمــران فقــد جــاء الفعــل ماضــيا ً
ت ؤوا ِبال ْب َي َّنما ِ جمآ ُ ك َ قب ِْلم َ ممن َ ل ّ سم ٌ ب ُر ُ قدْ ك ُذّ َ ف َ ك َ فِإن ك َذُّبو َ ) َ
ر } ({184وهــذه قاعــدة فــي القــرآن إذا مِني ِ ب ال ْ ُ وال ْك َِتا ِ ر َ والّزب ُ ِ َ
ل علــى اســتمرارية الحــدث وإذا كــان كان فعل الشــرط مضــارعا ً د ّ
ل على الحدوث مرة واحدة. فعل الشرط ماضيا ً فهو يد ّ
ب قمدْ ك َمذّ َ ف َ ك َ وِإن ي ُك َذُّبو َ وذكر تــاء التــأنيث فــي ســورة فــاطر ) َ
ر وِبممالّزب ُ ِ ت َ هم ِبال ْب َي َّنمما ِ سممل ُ ُ م ُر ُ ه ْ جمماءت ْ ُ م َ همم ْ قب ْل ِ ِ مممن َ ن ِ ذي َ اّلمم ِ
ر } ({25يفيــد التوكيــد أيض ـا ً أمــا فــي ســورة آل مِني ِ ب ال ْ ُ وِبال ْك َِتا ِ َ
عمران فجاءت الية )( والتذكير يــدل علــى الكــثرة كمــا فــي قــوله
تعــالى )وقــال نســوة فــي المدينــة( فعــل يــدل علــى القل ّــة بصــيغة
التذكير .وكذلك قوله تعالى) :قالت العراب آمنا( دللة على الكثرة
فجــاء الفعــل مؤنثـا ً بتــاء التــأنيث .وعليــه ففــي ســورة فــاطر اليــة
)جاءتهم رسلهم( تدل على كثرة الرسل في سورة فــاطر أمــا فــي
سورة آل عمران فالتذكير يفيد أن الحادثة وقعت مرة واحدة.
مقام التخصيص فممي سممورة فمماطر :فــي ســورة آل عمــران
ذب رسل( في حين في سورة فــاطر ذكــر الفعل مبني للمجهول )ك ُ ّ
56
أسرار البيان في التعبير القرآني
الفاعل )كــذب الــذين مــن قبلهــم( وقــال تعــالى فــي ســورة فــاطر
)جاءتهم رسلهم( بذكر الفاعل الظــاهر أمــا فــي ســورة آل عمــران
فقال تعالى )جاءوا( بدون ذكر الفاعل الظاهر.
إذن ذكر الباء مع كل معطوف فـي سـورة فــاطر وحـذف البــاء مــع
المعطوف في سورة آل عمران وكــل مــا ســبق ذكــره فــي ســورة
فاطر وآل عمران يقتضي ذكر الباء فــي آيــة ســورة فــاطر وحــذفها
في آية سورة آل عمران.
مثال آخر:
ُ قاُلوا ْ َتالله ت َ ْ
ف سم َ فت َمأ ت َمذْك ُُر ُيو ُ قال تعالى في سورة يوسفَ ) :
َ
ن } .({85من الناحيــة كي َ ن ال ْ َ
هال ِ ِ م َن ِ كو َ حَرضا ً أ ْ
و تَ ُ ن َ حّتى ت َ ُ
كو َ َ
اللغوية معناها تالله ل تفتأ ،إذا كان جواب القسم فعل مضارع ل بــد
ن(أو مع اللم إذا اقتضى حذف أن يكون باللم مع النون )تالله لكيد ّ
النون .ل بد في جواب القسم المثّبت أن ُتذكر اللم سواء مع النون
ل على النفي .إذن ل يكــون مثبتــا ً أو بدونها .وعندما ل تذكر اللم يد ّ
إل بذكر اللم مع الفعل المضارع .فــإذا قلنــا )واللــه أذهــب( معناهــا
والله ل أذهب .إذا جاء جواب القسم فعل ً مضارعا ً ولم يقترن باللم
فهو نفي قطعًا.
نعود إلى آية سورة يوسف )تالله تفتأ تذكر يوسف( ومعناها ل تفتأ ،
هي الية الوحيدة التي وقعت في جــواب القســم منفي ّــة ولــم يــذكر
اللم معها ،في عموم القرآن عندما يكون القسم منفيا ً يــأتي بــاللم
)وأقسموا بالله جهد أيمانهم ..ل يبعث( .هناك خياران :ذكــر اللم أو
حذف اللم .فلماذا حذف اللم في آية سورة يوسف ولم يقل )تالله
لعلــم معنــاه هــو أقـ ّ ل تفتأ( الذكر يفيــد التوكيــد والحــذف فــي مــا ُ
توكيدًا .وفــي اليـة اسـتخدم كلمـة )حرضـًا( ومعناهــا الـذي يمــرض
مرضا ً شديدا ً ويهلك .ومعنى الية أن إخوة يوسف أقسموا أن أباهم
ل يذكر ابنه يوسف حتى يهلك أو تفسد صحته .لكــن هــل هــذا سيظ ّ
مقام توكيد؟ وهل يمكن أن يقسم أحد على هذا المــر المســتقبل؟
طبعا ً هذا ليس بمقدورهم ول يعلمون مــاذا ســيحدث فيمــا بعــد لــذا
ل .القسم هنا غيــر واقــع حقيقــة وغيــر فالمقام ليس مقام توكيد أص ً
متيقن لذلك وجب حذف حرف النفي )ل( مع أنه معلوم بالدللة.
إذن لماذا اختار )تفتأ(؟ تفتأ من فعل فتأ بمعنى ل تزال ول تــبرح ول
تنفك ول تفتأ وكلها تفيد الستمرار والـدوام.إذن لمـاذا اختـار )تفتـأ(
مع العلم أن القرآن استخدم ل أبــرح فــي مواقــع كــثيرة؟ بــرح مــن
المغادرة ويوال من الستمرارية أما تفتأ فهي تختلف بدللــة خاصــة
كن وبمعنى نسي وبمعنى أطفأ النار ،وقد اختار فهي تأتي بمعنى س ّ
57
أسرار البيان في التعبير القرآني
تعالى كلمة )تفتأ( لن المعنى المطلــوب يحتمــل كــل معــاني كلمــة
تفتأ :نار الحرقة ل تنطفيء في قلب يعقوب ثم معنــى ل تنســى
مع مرور الزمن كما يحدث لي مبتلــى فــي مصــيبة فــالزمن ُينســي
كن المصائب أي ل تنسى ذكر يوسف ول تــزال تــذكره ،وبمعنــى سـ ّ
أي أنت لن تسكن ولن تكف عن ذكره لذا اختار تعالى هذه الكلمــة
)تفتأ( دون أخواتها لنها أنسب فعل يجمع المعاني الثلثة المقصودة
وإضافة إلى ذلــك حــذف حــرف النفــي الــذي ل يــدل علــى التوكيــد
فالكلم في الية غير متيقن.
مثال آخر:
َ
مممان َ عممو َ م ل َ ي ُت ْب ِ ُ ه ثُ ّل الل ّ ِ سِبي ِ في َ م ِ ه ْ وال َ ُ م َ نأ ْ قو َ ف ُ ن ُين ِ ذي َ )ال ّ ِ
َ ول َ أ َ ً َأن َ
ف و ٌ خم ْ ول َ َ م َ هم ْ عن مدَ َرب ّ ِ م ِ هم ْجُر ُ مأ ْ هم ْ ذى ل ّ ُ من ّ ما ً َقمموا ُ َ ف ُ
ن } ({262ســورة البقــرة ،حــذف الفــاء حَزن ُممو َ م يَ ْ ه ْ ول َ ُ م َ ه ْ َ َ
علي ْ ِ
)لهم(
َ
عل َن ِي َم ً
ة و َ س مّرا ً َ ر ِ همما ِوالن ّ َ ل َ هم ِبالل ّي ْم ِ وال َ ُ مم َ نأ ْ قممو َ ف ُ ن ُين ِ ذي َ )ال ّم ِ
ف َ َ َ
نحَزُنممو َ م يَ ْ ه ْ ول َ ُ م َ ه ْعلي ْ ِ و ٌ خ ْول َ َ م َ ه ْ عندَ َرب ّ ِ م ِ ه ْ جُر ُ مأ ْ ه ْ فل َ ُ َ
} ({274سورة البقرة ذكر الفاء في كلمة )فلهم(
الية الولى حذفت فيهــا الفــاء )لهــم أجرهــم( والثانيــة ذكــرت فيهــا
الفاء )فلهم أجرهم( وقد ذكرت في الية الثانية لن السياق يقتضي
الذكر .وذكر الفاء هنا يسمى تشبيه والتشــبيه مــن أغراضــه التوكيـد
)بالليل والنهار سرا ً وعلنية( فيها توكيد وتفصيل في النفاق ودللــة
على الخلص فاقتضى السياق زيــادة التوكيــد لــذا جــاء بالفــاء فــي
مقام التوكيد والتفصيل.
58
أسرار البيان في التعبير القرآني
61
أسرار البيان في التعبير القرآني
أما سورة الشعراء )طسم( ففيها حرفين من حروف موسى وليس
فيها حرف من حروف هارون.
قد يتغير في اليــة كلمــة مــن ســياق إلــى ســياق ومــن ســورة إلــى
سورة .وردت قصة ســيدنا موسـى فـي سـور متعــددة فــي القــرآن
الكريم وبين قصة موسى في سورة البقرة وقصــته فــي ســورة
العراف تشابه واختلف في اللفــاظ كمــا هــو حاصــل فــي كلمــتي
)انفجرت( و)انبجست( .فقد يحصل اختلف في التعــبير أحيان ـا ً فــي
مكان عن مكان أو في قصة عن قصة فلماذا الختلف؟
الحقيقــة أنـه ليــس فــي القــرآن الكريــم اختلف فــي القصــة وإنمــا
يختلف التعبير عن مشهد من مشاهد القصة بين سورة وسورة لن
كل سورة تأتي بجزئية من القصة نفسها تتناسب وسياق اليات في
السورة التي تذكر فيها .فالمشـاهد ملهـا وقعـت للقصـة نفســها ول
تختلف في الفحــوى والحقيقــة .ولعــل مــن أبــرز المثلــة علــى هــذا
التشابه والختلف ما جاء في سورتي البقـرة والعـراف فـي قصـة
موسى مع بني إسرائيل.
رب ضم ِقل ْن َمما ا ْ ف ُه َ م ِو ِ
قم ْسى ل ِ َ مو َ قى ُ س َست َ ْوإ ِِذ ا ْسورة البقرةَ ) :
م كُ ّ
ل عل ِ َقد ْ َ عْينا ً َ
شَرةَ َ ع ْ ه اث ْن ََتا َمن ْ ُ
ت ِ جَر ْ ف َفان َ جَر َ ح َ ك ال ْ َصا َ
ع َ بّ َ
وا ْ ِ ُ
فممي ول َ ت َ ْ
عث َ ْ ه َ ق الل ّ ِمن ّرْز ِ شَرُبوا ْ ِ وا ْم ك ُُلوا ْ َ ه ْشَرب َ ُ م ْس ّأَنا َ ٍ
ن }({60 دي َ س ِ ف ِ م ْض ُ الْر ِ
62
أسرار البيان في التعبير القرآني
مم ما ً ُ َ
س مَباطا ً أ َ ش مَرةَ أ ْ ع ْ ي َ ْ م اث ْن َت َم ه ُ عَنا ُ قطّ ْ و َ سورة العــرافَ ) :
قوم َ َ
ك صمما َ ع َ رب ب ّ َ ِ ض نا ْ هأ ِ قاهُ َ ْ ُ ُ س َ ست َ ْ سى إ ِِذ ا ْ مو َ حي َْنا إ َِلى ُ و َ وأ ْ َ
س ُ م كم ّ ُ َ ً ع ْ ْ َ ْ
ل أن َمما ٍ عل ِ َ عْينا قدْ َ
َ
شَرةَ َ ه اثن ََتا َ من ْ ُ ت ِ س ْ ج َ جَر فانب َ َ ح َ ال َ
ن مم ّ م ال ْ َ هم ُ علي ْ ِ
وأنَزل ْن َمما َ َ م َ ممما َ غ َ م ال ْ َ هم ُ علي ْ ِ
وظَل ّل ْن َمما َ َ م َ ه ْ ش مَرب َ ُ م ْ ّ
كن ولم ِ َ موَنا َ َ
ما ظل ُ َ و َ م َ قَناك ُ ْ ما َرَز ْ ت َ من طي َّبا ِ َ ْ
وى ك ُلوا ِ ُ سل َ ْ وال ّ َ
َ
ن }.({160 مو َ م ي َظْل ِ ُ ه ْ س ُ ف َ كاُنوا ْ أن ُ َ
هم ِ و ِ قم ْ سممى ل ِ َ مو َ قى ُ س َ ست َ ْ وإ ِِذ ا ْ فقد جــاء فــي ســورة البقــرة ) َ
ة
ش مَر َ ع ْ ه اث ْن َت َمما َ من ْم ُ ت ِ جَر ْ ف َ فممان َ ج مَر َ ح َ ك ال ْ َ صا َ ع َ رب ب ّ َ ِ ضقل َْنا ا ْ ف ُ َ
ُ
ق مممن ّرْز ِ ش مَرُبوا ْ ِ وا ْ م ك ُل ُمموا ْ َ ه ْ شَرب َ ُ م ْ س ّ ل أَنا َ ٍ م كُ ّ عل ِ َ قدْ َ عْينا ً َ َ
ن } ({60وجــاء فــي ســورة دي َ س ِ ف ِ م ْ ض ُ ِ في الْر وا ْ ِ عث َ ْ ول َ ت َ ْ ه َ الل ّ ِ
شرةَ أ َس مباطا ً أ ُمم ما ً َ
حي ْن َمما و َ وأ ْ َ َ ْ َ ع ْ َ ي َ ْ م اث ْن َت َ ه ُ عَنا ُ قطّ ْ و َ العراف ) َ
َ
جمَر ح َ ك ال ْ َ صمما َ ع َ رب ب ّ َ ِ ضم نا ْ هأ ِ م ُ و ُ ق ْقاهُ َ س َ ست َ ْ سى إ ِِذ ا ْ مو َ إ َِلى ُ
س عِلممم ك ُم ّ ُ عْينمما ً َ ع ْ ه اث ْن َت َمما َ َ
ل أن َمما ٍ ق مد ْ َ َ
َ
ش مَرةَ َ من ْ م ُ ت ِ سم ْ ج َ فانب َ َ
ن مم ّ م ال ْ َ هم ُ علي ْ ِ
وأنَزل ْن َمما َ َ م َ ممما َ غ َ م ال ْ َ هم ُ علي ْ ِ
وظَل ّل ْن َمما َ َ م َ ه ْ ش مَرب َ ُ م ْ ّ
كن وَلم ِ موَنا َ ما ظَل َ ُ و َ م َ قَناك ُ ْ ما َرَز ْ ت َ من طَي َّبا ِ وى ك ُُلوا ْ ِ سل ْ َ وال ّ َ
ن }.({160 ْ ُ َ ْ َ
مو َ م ي َظل ِ ُ ه ْ س ُ كاُنوا أنف َ
والسؤال ماذا حدث فعل ً هل انفجرت أو انبجست؟ والجواب كلهما
وحسب ما يقوله المفسرون أن الماء انفجرت أول ً بالماء الكثير ثــم
ل الماء بمعاصيهم وفي سياق اليات في سورة البقرة الذي يذكر ق ّ
ضل على بني إســرائيل جــاء بالكلمــة الــتي تــدل الثناء والمدح والتف ّ
علــى الكــثير فجــاءت كلمــة )انفجــرت( أمــا فــي ســورة العــراف
ل مــن م بني إسرائيل فذكر معها النبجــاس وهــو أق ـ ّ فالسياق في ذ ّ
النفجار وهذا أمٌر مشاهد فالعيون والبار ل تبقى على حالــة واحــدة
ف العيون والبار فذكر النفجار في مــوطن والنبجــاس فــي فقد تج ّ
موطن آخر وكل المشهدين حصل بالفعل.
وبعضــهم قــال جــاء بالفــاء للــترتيب والتعقيــب فــي )فــانفجرت(
مى فــاء الفصــيحة وهنــاك عطــف و)فانبجســت( وهــذه الفــاء ُتســ ّ
ك صــا َ رب ب ّعَ َ ضـ ِ والعطف قد يكون أكثر من معطوف عليــه) .فَُقل ْن َــا ا ْ
شـَرةَ عَْينــا( لـم يقـل سـبحانه وتعــالى ه اث ْن ََتـا عَ ْ مْنـ ُ ت ِ جَر ْ جَر َفانَف َ ح َ ال ْ َ
)فضرب( كــذلك فــي قــوله تعــالى )فقلنــا اذهبــا إلــى القــوم الــذين
صل في اليات هل أبلغا أم لم ذبوا ( هل ذهبا أم لم يذهبا؟ ولم يف ّ ك ّ
ل علــى أن هنــاك يبلغا؟ وهذه الفاء إذن هي فاء الفصــيحة الــتي تــد ّ
محذوف ولكن المعنى واضــح فهــي أوضــحت معــاني متعــددة .وقــد
تكرر استخدام هذه الفاء فــي مــواطن عديــدة فــي القــرآن الكريــم
ك هل ِم َ َ منها في قوله تعــالى فــي ســورة الســراء )وإ َ َ
ذا أَردَْنا أن ن ّ ْ َ ِ
63
أسرار البيان في التعبير القرآني
همما ال ْ َ قر ي ً َ
ل و ُ قم ْ عل َي ْ َ ق َ حم ّ ف َ همما َ في َ قوا ْ ِ سم ُ ف َ ف َ ها َ في َ مت َْر ِ مْرَنا ُ ةأ َ َ ْ َ
ميرا ً } ({16وفي قصة ســليمان فــي ســورة النمــل ها ت َدْ ِ مْرَنا َ فد َ ّ َ
ذا ما َ فانظُْر َ م َ ه ْ عن ْ ُ ل َ و ّ م تَ َ م ثُ ّ ه ْ ِ ه إ ِل َي ْ ق ْ فأ َل ْ ِ ذا َ ه َ هب ب ّك َِتاِبي َ )اذْ َ
ُ ُ َ
م} ريـ ٌ ب كَ ِ ي ك ِت َــا ٌ ي إ ِل َـ ّ مَل إ ِن ّــي أل ِْقـ َ ت َيا أي ّهَــا ال َ ن }َ {28قال َ ْ عو َ ج ُ ي َْر ِ
({29كان في القصة إيجاز وحذف لكن هذا لم يمنع وضوح المعنى
فالمفروض أن الهدهد أخذ الكتــاب وذهــب بــه وألقــاه عنــد بلقيــس
وانتظر لكن بعض هذه المشاهد حذف مع بقاء المعنى واضحًا.
نعــود لســتعمال )انفجــرت( و)انبجســت( فــي ســورتي البقــرة
قل َْنا وإ ِذْ ُ والعراف وإذا لحظنا سياق اليــات فــي ســورة البقــرة ) َ
خُلمموا ْ وادْ ُ غدا ً َ م َر َ شئ ْت ُ ْ ث ِ حي ْ ُ ها َ من ْ َ فك ُُلوا ْ ِ ة َ قْري َ َ ه ال ْ َ ذ ِهم ِ خُلوا ْ َ ادْ ُ
د
زي ُ س من َ ِ و َ م َ طاي َمماك ُ ْ خ َ م َ فمْر ل َك ُم ْ غ ِ ة نّ ْ حطّم ٌ قوُلوا ْ ِ و ُ جدا ً َ س ّ ب ُ ال َْبا َ
ل قي َ ذي ِ غي َْر ال ّ ِ ول ً َ ق ْ موا ْ َ ن ظَل َ ُ ذي َ ل ال ّ ِ فب َدّ َ ن }َ {58 سِني َ ح ِ م ْ ال ْ ُ
كاُنوا ْ ما َ ماء ب ِ َ س َ ن ال ّ م َ جزا ً ّ ر ْ موا ْ ِ ن ظَل َ ُ ذي َ عَلى ال ّ ِ فَأنَزل َْنا َ م َ ه ْ لَ ُ
قل َْنمما ف ُ ه َ م ِ و ِ قمم ْ سممى ل ِ َ مو َ قى ُ سمم َ ست َ ْ وإ ِِذ ا ْ ن }َ {59 قو َ سمم ُ ف ُ يَ ْ
د
قمم ْ عْينمما ً َ شَرةَ َ ع ْ ه اث ْن ََتا َ من ْ ُ ت ِ جَر ْ ف َ فان َ جَر َ ح َ ك ال ْ َ صا َ ع َ رب ب ّ َ ض ِ ا ْ
ُ
ول َ ه َ ق الل ّم ِ مممن ّرْز ِ شمَرُبوا ْ ِ وا ْ م ك ُُلوا ْ َ ه ْ شَرب َ ُ م ْ س ّ ل أَنا َ ٍ م كُ ّ عل ِ َ َ
ن }({60 دي َ س ِ ف ِ م ْ ض ُ في الْر ِ وا ْ ِ عث َ ْ تَ ْ
سمك ُُنوا ْ ما ْ هم ُ ل لَ ُ قي َ وإ ِذْ ِ أما سياق اليــات فــي ســورة العــراف ) َ
خُلوا ْ وادْ ُ ة َ حطّ ٌ قوُلوا ْ ِ و ُ م َ شئ ْت ُ ْ ث ِ حي ْ ُ ها َ من ْ َوك ُُلوا ْ ِ ة َ قْري َ َ ه ال ْ َ ذ ِ هم ِ َ
ن} سمِني َ ح ِ م ْ زيدُ ال ْ ُ سمن َ ِ م َ طيَئات ِك ُم ْ خ ِ م َ فمْر ل َك ُم ْ غ ِ جدا ً ن ّ ْ سم ّ ب ُ ال َْبا َ
({161يمكن ملحظة ما يأتي:
64
أسرار البيان في التعبير القرآني
سورة العراف سورة البقرة
َ
ن} مي َ م ع َل َــى ال ْعَــال َ ِ ضل ْت ُك ُ ْ
م وَأّني فَ ّ ع َل َي ْك ُ ْ
({47
قاهُ
سـ َ
ست َ ْ
فموسى هو الذي استسقى لقومه )إ ِذ ِ ا ْ قوم موسى استسقوه فأوحى إليه ربه
قَوم َ
جَر( ك ال ْ َ
ح َ صا َ
رب ب ّعَ َ
ض ِ
نا ْ
هأ ِْ ُ ُ سـى مو َ قى ُ سـ َست َ ْ
بضـرب الحجـر )وَإ ِذ ِ ا ْ
ج ـَر( ح َ ْ
ك ال َ صــا َرب ب ّعَ َ ضـ ِ قل ْن َــا ا ْ
مهِ فَ ُق ـوْ ِ لِ َ
ي اللــه موســى وفيهــا تكريــم لنــب ّ
واســتجابة اللــه لــدعائه .واليحــاء أن
الضرب المباشر كان من الله تعالى.
)كلوا من طيبات ما رزقناكم( لــم يــذكر الشــرب )كلــوا واشــربوا( والشــرب يحتــاج إلــى
فجــاء بــاللفظ الــذي يــدل علــى المــاء القــ ّ
ل ماء أكثر لذا انفجرت الماء مــن الحجــر
)انبجست( في السياق الذي يتطلب الماء الكثير
لم يــرد ذكــر الكــل بعــد دخــول القريــة مباشــرة جعـل الكــل عقــب الـدخول وهـذا مـن
وإنما أمرهم بالســكن أول ً )اســكنوا هــذه القريــة مقام النعمة )ادخلوا هذه القرية فكلوا(
وكلوا( الفاء تفيد الترتيب والتعقيب.
لم يذكر رغدا ً لنهم ل يستحقون رغد العيش مــع )رغــدًا( تــذكير بــالنعم وهــم يســتحقون
ذكر معاصيهم. ل سياق اليات. رغد العيش كما يد ّ
)وقولــوا حطــة وادخلــوا البــاب ســجدًا( لــم يبــدأ جدا ً وقولــوا حطــة( )وادخلــوا البــاب سـ ّ
بالسجود هنا لن الســجود مــن أقــرب مــا يكــون ب ُــديء بــه فــي مقــام التكريــم وتقــديم
العبد لربه وهم في السياق هنا مبعدين عن ربهم الســجود أمــر مناســب للمــر بالصــلة
لمعاصيهم. مــوا ْ َ
الذي جاء في سياق الســورة )وَأِقي ُ
ع
مـــ َ صـــل َة َ َوآت ُـــوا ْ الّزك َـــاة َ َواْرك َعُـــوا ْ َ ال ّ
ن } ({43والســجود هــو مــن الّراك ِِعيــ َ
أشرف العبادات.
)نغفر لكم خطيئاتكم( وخطيئات جمع قل ّــة وجــاء )نغفر لكم خطاياكم( الخطايا هم جمــع
هنا فــي مقــام التــأنيب وهــو يتناســب مــع مقــام كــثرة وإذا غفــر الخطايــا فقــد غفــر
ذم في السورة. التأنيب وال ّ الخطيئات قطعا ً وهذا يتناسب مع مقام
التكريم الذي جاء في السورة.
)سنزيد المحسنين( لم ترد الواو هنا لن المقــام )وسنزيد المحسنين( إضــافة الــواو هنــا
ضل.ليس فيه تكريم ونعم وتف ّ تدل على الهتمام والتنويع ولذلك تأتي
ضل وذكر النعم. الواو في موطن التف ّ
)الذين ظلموا منهم( هم بعض ممن جاء ذكرهــم دل الذين ظلموا قول ً غير الذي قيل )فب ّ
في أول اليات لهم(
)فأرسلنا ( أرسلنا في العقوبـة أشـد ّ مــن أنزلنـا، )فأنزلنا على الذين ظلموا(
وقد تردد الرسال في السورة 30مرة أمــا فــي
البقرة فتكرر 17مرة
)بمــا كــانوا يظلمــون( والظلــم أشـد ّ لنــه يتعل ّــق )بما كانوا يفسقون(
بالضير
وقد ورد في القرآن الكريم مواضع أخرى عديدة جاء فيها التشــابه
بين قصتين مع اختلف في اختيار اللفاظ بما يتناســب مــع الســياق
65
أسرار البيان في التعبير القرآني
والمهم أن نعلم أن كــل المشــاهد مــن القصــة قــد حصــلت بالفعــل
س مَنا م ّ قاُلوا ْ ل َممن ت َ َ و َومثال على ذلك ما جاء فــي ســورة البقــرة ) َ
فل َممن هممدا ً َ ع ْ ه َ عنمدَ الل ّم ِ م ِ خمذْت ُ ْ ل أ َت ّ َ قم ْ ة ُ دودَ ً عم ُ م ْ الّناُر إ ِل ّ أّياما ً ّ
َ
َ
ن} مممو َ عل َ ُ ممما ل َ ت َ ْ ه َ عل َممى الل ّم ِ ن َ قول ُممو َ م تَ ُ هدَهُ أ ْ ع ْ ه َ ف الل ّ ُ خل ِ َ يُ ْ
َ
سَنا الّناُر إ ِل ّ م ّ قاُلوا ْ َلن ت َ َ م َ ه ْ ك ب ِأن ّ ُ ({80وسورة آل عمران )ذَل ِ َ
كاُنوا ْ ي َ ْ َ
ن }({24 فت َُرو َ ما َ هم ّ في ِدين ِ ِ م ِ ه ْ غّر ُ و َ ت َ دا ٍ دو َ ع ُ م ْ أّياما ً ّ
فنسأل هل قالوا أياما ً معدودة أو أيامـا ً معــدودات؟ معــدودات جمــع
قّلة وهي تفيد القّلة أما معــدودة فهــي جمــع كــثرة وهــي أكــثر مــن
معدودات )والقاعدة العامة أنه إذا وصفنا الجمع غير العاقل بالمفرد
فإنه يفيد الكثرة( ومثال ذلك )أنهار جارية( و)أنهار جاريات( الجارية
أكثر من حيث العدد من الجاريات وأشجار مثمرة أكثر من مثمــرات
وجبال شاهقة أكثر من شاهقات .فماذا قــالوا بالفعــل؟ إنهــم قــالوا
مــا ذ ُك ّــروا بمــا فعلــوه مــن آثــام الثنيــن معـا ً ففــي ســورة البقــرة ل ّ
م َ َ َ ُ َ ْ ْ فت َطْمعممون َ َ )أ َ
همم ْ من ْ ُ ق ّ ريمم ٌ ِ ف ن
َ كمما ْ د قمم و
َ مْ كمم ل ا نممو ُ مِ ؤ ُ ي أن َ ُ َ
م هم ْ و ُ عقلمموهُ َ ُ َ ممما َ د َ عم ِ من ب َ ْ ه ِ فون َ ُ حّر ُ م يُ َ ه ثُ ّ م الل ّ ِ ن ك َل َ َ عو َ م ُ س َ يَ ْ
ن } ({75قالوا معدودة فهم يحّرفــون الكلــم بعــدما عقلــوه مو َ عل َ ُ يَ ْ
وهناك أمور عديدة يعرفــون بهــا ويــذكرونها وقــال تعــالى يتوعــدهم
ل ل ّل ّذين يك ْت ُبون ال ْكَتاب بأ َ
ن م ْ ذا ِ هم َ ن َ قوُلو َ م يَ ُ م ثُ ّ ه ْ ِ دي ِ ْ ي َ ِ ِ ِ َ َ ُ َ وي ْ ٌ ف َ ) َ
ت ممما ك َت َب َم ْ م ّ هممم ّ ل لّ ُ وي ْم ٌ ف َ قِليل ً َ منما ً َ ه ثَ َ شمت َُروا ْ ب ِم ِ ه ل ِي َ ْ د الل ّم ِ عن ِ ِ
دهــم )أيام ـا ً َ
ن } ({79فجــاء ر ّ س مُبو َ ممما ي َك ْ ِ م ّ م ّ ه ْ ل لّ ُ وي ْ ٌ و َ م َ ه ْ ِ دي أي ْ ِ
وُتمموا ْ ُ َ
نأ ْ ذي َ م ت ََر إ َِلممى ال ّ م ِ معدودة( ،أما في سورة آل عمران ) أل َ ْ
م م ثُم ّ هم ْ م ب َي ْن َ ُ حك ُ َ ه ل ِي َ ْ ب الل ّ ِ ن إ َِلى ك َِتا ِ و َ ع ْ ب ي ُدْ َ ن ال ْك َِتا ِ م َ صيبا ً ّ نَ ِ
ن } ({23لم يكن هناك تذكير ضو َ ر ُ ع ِ م ْ هم ّ و ُ م َ ه ْ من ْ ُ ق ّ ري ٌ ف ِ وّلى َ ي َت َ َ
كروا بها قالوا أياما ً معــدودات لن عد بالحساب فلما ذ ُ ّ بالفعال والتو ّ
ل .ومنهم من يقول أن قســما ً قــالوا )أيام ـا ً ذكروا بها أق ّ الثام التي ُ
معدودة( والقسم الخر قال )أياما ً معدودات(.
ر خَبمم ٍ همما ب ِ َ من ْ َ كم ّ سآِتي ُ ت َنارا ً َ س ُ ه إ ِّني آن َ ْ هل ِ ِ سى ِل َ ْ مو َ ل ُ قا َ )إ ِذْ َ
َ
ن } ({7سورة النمل. صطَُلو َ م َت َ ْ عل ّك ُ ْ س لّ َ قب َ َ ٍ ب َ ها ٍ ش َ كم ب ِ ِ و آِتي ُ أ ْ
طــورِ َنــارا ً ب ال ّ جان ِ ِ من َ س ِ ساَر ب ِأهْل ِهِ آن َ َ ل وَ َ ج َ سى اْل َ مو َ ضى ُ ما قَ َ )فَل َ ّ
َ ت َنارا ً ل ّعَّلي آِتي ُ َقا َ َ
ن م َ جذ ْوَةٍ ِ خب َرٍ أوْ َ من َْها ب ِ َ كم ّ س ُ مك ُُثوا إ ِّني آن َ ْ ل ِلهْل ِهِ ا ْ
ن } ({29سورة القصص. صط َُلو َ م تَ ْ الّنارِ ل َعَل ّك ُ ْ
ومثال آخر على التشابه والختلف في القرآن الكريم مــا جــاء فــي
سورتي النمل والقصــص فــي قصــة موســى أيضـا ً ففــي ســورة
ت ن َممارا ً سم ُ ه إ ِن ّممي آن َ ْ هل ِم ِ سى ِل َ ْ مو َ ل ُ قا َ النمــل قــال تعــالى )إ ِذْ َ
عل ّ ُ َ
م كمم ْ س لّ َ قَبمم ٍ ب َ ها ٍ شمم َ كممم ب ِ ِ و آِتي ُ رأ ْ خَبمم ٍ همما ب ِ َ من ْ َ كم ّ سممآِتي ُ َ
66
أسرار البيان في التعبير القرآني
ضممى ق َما َ فل َ ّن } ({7وفي سورة القصــص قــال تعــالى ) َ صطَُلو َ تَ ْ
لقا َر َنارا ً َ ِ طو ب ال ّ جان ِ ِمن َ س ِ ه آن َ َ هل ِ ِساَر ب ِأ َ ْ و َ ل َ ج َ سى اْل َ َ مو َ ُ
َ عّلمي آِتي ُ َ
ورأ ْ خَبم ٍ
هما ب ِ َ من ْ َ
كمم ّ ت َنمارا ً ل ّ َ سم ُ مك ُُثوا إ ِّني آن َ ْ ها ْ هل ِ ِِل ْ
ن } ({29الخــط البيــاني فــي ص مطَُلو َ م تَ ْ عل ّك ُم ْر لَ َ
ن الّنا ِ م َ ة ِ
و ٍ جذ ْ َ َ
السورتين متســع ولكــن ندرســه مــن ناحيــة التشــابه والختلف لن
بينهما اختلفات عدة.
أول ً فــي ســورة النمــل جــاء بالســين فــي )ســآتيكم( والســين تفيــد
جي .فمــاذا التوكيد ،أما في القصص فجاء بـ )لعّلي آتيكم( وهي للتر ّ
جــى أم قطــع؟ هــل قــال أحــدهما أم قال موسى لهله هــل قــال تر ّ
ماذا؟ الحقيقة أن هذا يحصل فــي حياتنــا يقــول أحــدنا ســآتي اليــوم
جى( والمشــهد نفســه هــو الــذي لعلي أستطيع بمعنى )أقطع ثم أتر ّ
يفرض الترجي أو القطع .قد نقطع ثم يــأتي أمــور تحــول دون ذلــك
فنقول لعّلي للترجي أو العكس لكن يبقى لماذا الختيــار أي اختيــار
الترجي في سورة والقطع في سورة أخرى؟
المقام كله في سورة النمل مبني على القطع والقوة والتمكين أمــا
سورة القصص فهي مبنّية على الخوف من قبل ولدة موسى .وقــد
قال تعالى في سورة النمل )أو آتيكم بشهاب قبس( وهذا في مقام
القطع لن الشهاب هو شعلة من النار والشــهاب أنفــع فــي الــدفء
والســتنارة ،أمــا فــي القصــص فقــال تعــالى )أو جــذوة مــن النــار(
والجذوة ليس بالضرورة أن يكون فيها نار وهذا أنسب لجو وســياق
السورة المبني علــى الخـوف .وهنــاك اختلفــات كـثيرة أخــرى بيـن
السورتين ،لكــن المهــم القــول أن موســى قـال التعــبيرين لكــن
اختيار كل تعبير في مكانه يناســب المقــام والســياق الــتي ورد فيــه
التعبيرين.
ونسأل هــل قــال موســى هــذا الكلم حقـا ً أم اليــات هــي عــن رب
العالمين؟ نقول أن القرآن هو ترجمة للحداث والقوال لكن مصوغ
صياغة فّنية عالية وهو أدق ترجمة فنية للحوال وكلها صحيحة مــائة
في المائة وبتعبيرات مناسبة للسياق .وقد نقرأ ترجمات مــن لغــات
أخرى في نفس الموضوع وكل ترجمة تختلف عن الخــرى بحســب
الذي يترجم ولن الفحوى واحد وهذه الترجمات ليست كلها بنفــس
النوعية والدقة والبلغة .فعلى سبيل المثال بدل أن نقــول لشــخص
ما أكبر منا سن ّا ً أنه فاجر نقول له مسرف فنختار الصيغة التي تليق
بالمقام وبدل أن نقول متهور نقول مسرع وهكذا.
وكذلك نسأل هل قال برهانان أو تسع آيات؟ قال تعالى في ســورة
ء
سممو ٍ ر ُ غْيمم ِ ن َ م ْضاء ِ ج ب َي ْ َ
خُر ْك تَ ْ جي ْب ِ َ في َ ك ِ ك ي َدَ َ سل ُ ْالقصص )ا ْ
67
أسرار البيان في التعبير القرآني
ك مممن ّرب ّم َ ن ِ هاَنا ِ ك ب ُْر َ ذان ِ َ ف َ ب َ ه ِ ن الّر ْ م َ ك ِ ح َ جَنا َ ك َ م إ ِل َي ْ َ م ْ ض ُ وا ْ َ
ن } ({32أمــا قي َ سمم ِ فا ِ وممما ً َ ق ْ كاُنوا َ م َ ه ْ ه إ ِن ّ ُ مل َئ ِ ِو َ ن َ و َع ْ فْر َ إ َِلى ِ
ج خمُر ْ ك تَ ْ جي ْب ِم َ فممي َ ك ِ ل َيمدَ َ خم ْ وأ َدْ ِ في سورة النمل فقال تعالى ) َ
ه م ِ و ِقم ْ و َ
ن َ و َعم ْ فْر َ ت إ ِل َممى ِ ع آي َمما ٍ س ِفي ت ِ ْ ء ِ سو ٍ ر ُ غي ْ ِ ن َ م ْ ضاء ِ ب َي ْ َ
ن } .({12والجــواب أنــه قــال كلهمــا قي َ س ِ فا ِ وما ً َ ق ْكاُنوا َ م َ ه ْ إ ِن ّ ُ
لن في سورة القصص المر لموسى بالــذهاب إلــى فرعــون وملئه
أي خاصة مجلسه وهنا ذهب بآيتين هما العصا التي تنقلب حية واليد
التي تخرج بيضاء .أما في سورة النمل فالمر إلى موسى بالــذهاب
إلى فرعون وقومه وهنا ذكر تسع آيات لن الحشد أكثر وهو القــوم
احتاج ذكر أكثر اليات فجــاء ذكــر تســع آيــات .وأمــا ســبب الختيــار
فيعود للقصة ففي سورة القصص قلنا أنها مبنية علــى الخــوف أمــا
وة. في سورة النمل فهي مبنية على القطع والق ّ
ن ميمم َ مك َْر ِ م ال ْ ُ هيمم َ ف إ ِب َْرا ِ ضي ْ ِ ث َ دي ُ ح ِ ك َ ل أ ََتا َ ه ْ سورة الذارياتَ ) :
م و ٌقمم ْ م َ سممَل ٌ ل َ قمما َ سممَلما ً َ قمماُلوا َ ف َ ه َ عل َْيمم ِ خُلمموا َ } {24إ ِذْ دَ َ
ن }.({26 مي ٍ س ِ ل َ ج ٍ ع ْ جاء ب ِ ِ ف َ ه َ هل ِ ِ غ إ َِلى أ َ ْ فَرا َ ن }َ {25 منك َُرو َ ّ
خل ُمموا ْ م } { 51إ ِذْ دَ َ هي م َ ف إ ِْبرا َ ِ ض مي ْ ِ عن َ م َ ه ْ ون َب ّئ ْ ُ سورة الحجرَ ) :
قمماُلوا ْ ل َ ن }َ {52 جُلممو َ و ِ م َ منك ُ ْ ل إ ِّنا ِ قا َ سلما ً َ قاُلوا ْ َ ف َ ه َ عل َي ْ ِ َ
عِليم ٍ }.({53 غلم ٍ َ ك بِ ُ شُر َ ل إ ِّنا ن ُب َ ّ ج ْ و َ تَ ْ
فلماذا لم يرد الســلم فــي الحجــر ولــم يســتكمل القصــة كمــا فــي
سورة الذاريات؟ هذا ليـس اختلفـا ً فـي القصــة ولكـن اختلف فـي
ذكر المشاهد للقصة.
في سورة الذاريات قــال تعــالى )هــل أتــاك حــديث ضــيف ابراهيــم
المكرميــن( ذكــر المكرميــن فــذكر مــا يقتضــي الكــرام ورد ّ التحيــة
والكرام ،أما في سورة الحجر لم يذكر التكريم فلم يحتــاج المقــام
ذكر رد ّ إبراهيم.
فقــد نقــول ذهبنــا إلــى آل فلن وس ـّلمنا عليهــم وبتنــا عنــدهم ليلــة
ورجعنا ولم نقــل رّدوا علينــا الســلم وطلبــوا منــا أن نبقــى عنــدهم
فوافقنا ونذكر كل التفاصيل التي حصلت .وقد نذكر في مقــام آخــر
حبوا بنا وأقسموا أن نبات عندهم وأصروا أن ُنفطر عنــدهم ذهبنا ور ّ
)وفي هذا وصف دقيق حسب المقام ولم نقــل سـّلمنا عليهــم لكــن
لم يؤثر على المعنى( وإل كيف رحبوا بنا إذا لم نس ـّلم عليهــم لكــن
المقام ُيحدد ماذا نقول :هــل نتحــدث عــن ضــيافتهم أو عــن ســفرنا
نحن؟
نعود إلى اليات في سورة الذاريات فقد ذكر تعالى المكرمين وكل
المور المتعلقة بالكرام ومنها رد ّ السلم والمجيء بالعجل وتقديمه
68
أسرار البيان في التعبير القرآني
لهم .وقد وصف اللـه تعـالى نـبيه إبراهيـم أنـه أوجـس منهـم خيفـة
)وهذا شعور في نفسه( أما فــي ســورة الحجــر فقــال تعــالى علــى
لسان إبراهيم ) إنا منكم وجلون( أي خاطبهم مباشــرة ول نقــول
في مقام التكريم إني خائف منكم .فكل المور حصلت فــي القصــة
لكن الله تعالى اختار لكل سورة مشهدا ً وألفاظ وتعــبيرات تناســب
سياق اليات والحالة التي ذكــرت فيهــا فكــل قصــة فــي الســورتين
جاءت بالتعبير المناسب والحالة المناسبة.
ونســأل لمــاذا يكــون هــذا فــي اللغــة؟ البلغــة هــي مطابقــة الكلم
لمقتضى الحال أو السياق .فل يمكن مثل ً في مقام الفــرح أن نــأتي
بقصيدة حزن كما قال الشاعر في وصــف دار دخلهــا الخليفــة لول
مرة )يــا دار مــا فعلــت بــك اليــام( وقــد عــابوا علــى هــذا الشــاعر
مقولته هذه .فيجب أن نحــدد أيــن المقصــود تــوجيه الكلم؟ فهنــاك
عدة أمور نريد التركيز عليها والقصة الواحدة لها عدة جــوانب فــأي
كز عليها فنأتي بجزئياتها المناسبة لهــذا الجــانب الجوانب نريد أن نر ّ
أو غيره.
وقد حــاول المستشــرقون أن ينتقــدوا القصــة فــي القــرآن الكريــم
فقالوا إنه في قصــة موســى وردت 11آيــة )وأخــي هــارون هــو
ن فهم قادرون أفصح مني لسانا( فقالوا أنه لو اجتمعت النس والج ّ
على أن يأتوا بمثل القرآن ولكنهــم جهلــوا أن القصــة الواحــدة فــي
القرآن قد ُيعّبر عنها بصور مختلفة لكن اختيار الصورة المعجزة هــو
اختيار القرآن الكريم وهناك شــاعر أمثــل مــن شــاعر وقــد يعب ّــرون
جميعا ً عن نفس المعنى ونفس المشهد .وقد ُيصاغ المشهد الواحــد
ن .ففــي بعدة تعبيرات ولكنها ليست كلها بنفس درجة البلغــة والف ـ ّ
قصة موسى قــد يكتــب فيهــا الكــثيرون ولكــن ليســت كــل هــذه
ن .فــالقرآن ل يمكــن أن الكتابات متماثلــة مــن حيــث البلغــة والفـ ّ
دى يدانيه أحد من ناحية البلغة واللغة والفن وكل تعبير يمكن أن يؤ ّ
دى القـرآن المشـركين أن بتعبير آخر فالقرآن فيه معجز وكذلك تحـ ّ
يأتوا بسورة واحدة ولو كانت قصيرة مثل الكوثر .فل يمكـن صـياغة
سورة مثل سور القــرآن الكريــم حــتى لــو كــان المحتــوى فــالقرآن
معجز في هذا وسورة الكوثر وهي مــن ثلث آيــات فقــط فيهــا مــن
البلغة والختيارات العجيبة في التعبير )كما فــي اللمســات البيانيــة
في سورة الكوثر(.
فالمسألة إذن ليست مسألة قال هذا أو ذاك ولكنها ترجمة لما قال
ما دعا رب ّــه دعــاه بكلمــات عرفهــا اللــه تعــالى لنموسى فهو ل ّ
موسى كان في لسانه عجمة )ول يكاد ُيبين( كمــا جــاء علــى لســان
69
أسرار البيان في التعبير القرآني
فرعون والدليل قول موسى )هو أفصح منــي لســانًا( لمــا دعــا ربــه
بأن يرسل معه هارون أخوه ولو قال هذا الدعاء شخص آخــر لقــاله
بصيغة مختلفة ،وهكذا صــيغت العبــارات فــي القــرآن الكريــم بكلم
معجز وهي ترجمة دقيقة لما قاله موسى وإبراهيــم وغيــره مــن
النبياء ،حتى النقاش بين الرسل وقــومهم كمــا حصــل بيــن موســى
وفرعون هي ترجمات دقيقة فنية لما حصل.
84
أسرار البيان في التعبير القرآني
كان قليل ً فكيف المخالفــة لمــره تعــالى إذن صــار المعنــى يحتمــل
المخالفة والبتعاد.
وكذلك قوله تعالى )من بعد أن أظفركم عليهــم( يقــال فــي الصــل
ظفر به وليس ظفــر علــى لكــن تعديــة الفعــل أظفــر بحــرف علــى
للدللة على الستعلء .وكذلك قوله تعالى )ول تــأكلوا أمــوالهم إلــى
ل على معنى ل تجمعوها دى فعل تأكلوا بالحرف إلى ليد ّ أموالكم( ع ّ
وتضموها إلى أموالكم آكلين لها بمعنى الستحواذ والجمع.
ص:الخبار بالعام عن الخا ّ
هذا موطن آخر من مواطن التوسع في المعنى في القرآن الكريم.
مثــال علــى ذلــك مــن القــرآن قــوله تعــالى فــي ســورة العــراف
قاموا ْ الصل َةَ إّنا ل َ ن ُضي َ كون بال ْكَتاب َ
جَر عأ ْ ِ ُ ِ ّ وأ َ ُ ِ َ س ُ َ ِ ِ م ّ ن يُ َ ذي َ وال ّ ِ ) َ
ن } ({170القيــاس أن يقــول إنــا ل نضــيع أجرهــم لن حي َ صمل ِ ِ م ْ ال ْ ُ
المبتدأ يحتاج إلى رابــط قــد يكــون اســما ً أو إشــارة أو ضــمير وقــد
يكون الخبر عاما ً يدخل في ضمنه مبتدأ ،لكنه قــال أجــر المصــلحين
وهذا للدللة على أن هؤلء المذكورين في الية هم مــن المصــلحين
وأن الجر ل يختص بهم وحدهم وإنما هو لكل مصلح فالجر يشــمل
كل مصلح هؤلء المذكورين في الية وغيرهم من المصــلحين فهــذا
ن ذي َ ن ال ّ ِ م .وكــذلك قــوله تعــالى فــي ســورة الكهــف )إ ِ ّ أوسع وأع ّ
مل ً َ عمُلوا الصال ِحات إّنا َل ن ُضي َ
ع َ ن َ سمم َ ح َ نأ ْ م ْجَر َ عأ ْ ِ ُ ّ َ ِ ِ و َ ِ مُنوا َ آ َ
} ({30لم يقل أجرهم فأفاد أمرين أن هــؤلء المــذكورين هــم مــن
الذين أحســنوا العمــل وأنــه هنالــك مــن أحســن عمل ً غيرهــم واللــه
تعالى ل يضيع أجرهم جميعًا .وكذلك قوله تعالى في ســورة البقــرة
ن فممإ ِ ّ ل َ كا َ مي َ و ِل َري َ جب ْ ِ و ِ ه َ سل ِ ِ
وُر ُ ه َ ملئ ِك َت ِ ِ و َ
ه َ وا ً ل ّل ّ ِعد ُ ّ ن َ كا َ من َ ) َ
ن } ({98لم يقــل عــدو لهــم وهــذا يــدل علــى ري َ ف ِ كا ِ و ل ّل ْ َ عد ُ ّ ه َ الل ّ َ
أمرين أنه من كان عدوا ً للــه فهــو مــن الكــافرين لكــن الكــافرين ل
يختصون بهؤلء فقط وقوله تعــالى الكــافرين دللــة علــى أن هــؤلء
من الكافرين وهو يشملهم ويشمل غيرهم أيضًا .وكذلك قوله تعالى
ن م َفــإ ِ ّ ضوْا ْ عَن ْهُ ْم فَِإن ت َْر َ ضوْا ْ عَن ْهُ ْم ل ِت َْر َ ن ل َك ُ ْحل ُِفو َفي سورة التوبة )ي َ ْ
ن } ({96لم يقل ل يرضــى عنهــم سِقي َ ن ال َْقوْم ِ ال َْفا ِ ضى عَ ِ ه ل َ ي َْر َ الل ّ َ
ليشمل هؤلء المذكورين في الية الذين هم من الفاسقين وليشمل
جميع الفاسقين سواء كانوا من هؤلء أو من غيرهم وهذا مــن بــاب
التوسع بالمعنى وهو من إخبار بالعام عن الخاص.
العطف بين المتغايرين:
وهذا الموطن له مواطن عديدة منها وليست موطنا ً واحدا ً :
85
أسرار البيان في التعبير القرآني
در غيــر مــذكور فــي الكلم أو العطــف علــى .1العطف علــى مق ـ ّ
المعنى :حرف العطف والمعطوف موجود لكن المعطوف عليه
غير مذكور وهو في القرآن كثير مثال قــوله تعــالى فــي ســورة
عل َممى عل َممى َ َ
ة َ وي َم ٌ ِ خا
ي َ َ همو ِ ة َ قْري َم ٍ م مّر َ ذي َ كال ّم ِ و َ البقــرة )أ ْ
ه هـذه الل ّه بعد موت ِهمما َ َ ل أ َن ّ قا َ ها َ
مممات َ ُ فأ َ ُ َ ْ َ َ ْ َ حِيمي َ ِ ِ ى يُ ْ َ ش َ عُرو ِ ُ
َ
و وممما ً أ ْ ت يَ ْ ل ل َب ِث ْ ُ قا َ ت َ م ل َب ِث ْ َ ل كَ ْ قا َ ه َ عث َ ُ م بَ َ عام ٍ ث ُ ّ ة َ مئ َ َ ه ِ الل ّ ُ
ك مم َ عا ِ فمانظُْر إ ِل َممى طَ َ عام ٍ َ ة َ مئ َ َ ت ِ ل َبل ل ّب ِث ْ َ قا َ وم ٍ َ ض يَ ْ ع َ بَ ْ
ة ك آي َم ً عل َم َ ج َ ول ِن َ ْك َ ر َ ممما ِ ح َ وانظُْر إ ِل َممى ِ ه َ سن ّ ْ م ي َت َ َ ك لَ ْ شَراب ِ َ و َ َ
ها سممو َ م ن َك ُْ ها ث ُ م ّ ش مُز َ ف ُنن ِ عظام ِ كي ْ ََ َ وانظْر إ ِلى ال ِ َ ُ س َ ّللّنا
َ ِ
ء
ي ٍ شم ْ ل َ عل َممى ك ُم ّ ه َ ن الل ّ َ مأ ّ عل َ ُ ل أَ ْ قا َ ه َ ن لَ ُ ما ت َب َي ّ َ فل َ ّ حما ً َ لَ ْ
ديٌر } ({259اليــة فيهــا أفعــال أمــر )انظــر إلــى طعامــك( قم ِ َ
و)انظــر إلــى حمـارك( و)انظــر إلــى العظــام( أمــا قــوله تعـالى
)ولنجعلك آية للناس( فهي ليست فعــل أمــر وليســت معطوفــة
عّلة واللم للتعليل .هــي معطوفــة لكــن على ما قبلها وإنما هي ِ
على ماذا؟ لو فتشنا في الية كلها ل نجد المعطوف عليــه وهــذا
إشارة إلى أن في هذا الموضع مطلوب هذا المر )لنجعلــك آيــة
للناس( لكن هنالك علل وأسباب أخرى غيــر مــذكورة فــي هــذه
الية وإنما اقتضى المقام هنــا فــي اليـة فقـط ذكــر هـذه العِّلـة
عزيـر ليجعلـه آيـة )ولنجعلك آية للناس( فالله تعـالى لـم ُيحيـي ُ
للناس فقط ولكن لمــور أخــرى لــم تــذكر فــي اليــة إذن قــوله
تعالى )ولنجعلــك آيــة للنــاس( هــي ليســت العِل ّــة الوحيــدة فــي
إحيائه وإنما الِعلل الخرى لم ُتذكر في الية لدللة التوســع فــي
المعنى ولو أراد معنى واحدا ً لقال )ونجعلـك آيـة للنـاس( بــدون
لم التعليل.
ت مل َك ُممو َ م َ هي م َ ري إ ِب َْرا ِ ك ن ُم ِ وك َذَل ِ َ .2وكذلك قوله تعالى النعام ) َ
ت وال َ
ن } ({75فاليــة قِني َ مو ِ ن ال ْ ُ م َ ن ِ كو َ ول ِي َ ُ ض َ ِ ر ْ وا ِ َ ما َ س َ ال ّ
تفيد أن الله تعالى ُيري إبراهيم آيات أخرى إحداها أن يكــون
من الموقنين فــالله تعــالى ُيعـد ّ إبراهيــم لمــور أخــرى منهــا
ليكون من الموقنين فجاء بواو العطف وجاء بالعِّلة )ليكون مــن
الموقنين( في هذه الية بحسب ما يقتضيه السياق.
م سك ُ ْ س ْ م َ .3وكذلك قــوله تعــالى فــي ســورة آل عمــران )ِإن ي َ ْ
ها ول ُ َدا ِ م ُنم َ ك الّيما ُ وت ِْلم َ ه َ مث ُْلم ُ ح ّ قْر ٌ م َ و َ ق ْ س ال ْ َ م ّ قد ْ َ ف َ ح َ قْر ٌ َ
م منك ُم ْ خ مذ َ ِ وي َت ّ ِ من ُمموا ْ َ نآ َ ذي َ ه ال ّ م ِ م الل ّ م ُ عل َم َ ول ِي َ ْ س َ ن الن ّمما ِ ب َي ْم َ
ن } ({140فالمداولــة بيــن مي َ ب الظّممال ِ ِ حم ّ ه ل َ يُ ِ والل ّ ُ داء َ ه َ ش َ ُ
علــل المداولــة وهــي الناس كثيرة وفي هذه الية ذكر جزءا ً من ِ
86
أسرار البيان في التعبير القرآني
ليست الجانب الوحيد المقصود ولذلك جاء قوله تعالى )وليعلــم
عل ّــةالله الذين آمنوا( .ويمكن أن يذكر علل ً متعــددة لكنــه ذكــر ِ
واحدة حسب ما يقتضيه سياق اليات فـي السـورة .ومثـل هـذا
تسى ِبال ْب َي َّنمما ِ عي َ جاء ِ ما َ ول َ ّقوله تعالى في سورة الزخرف ) َ
ض اّلمم ِ ن لَ ُ ُ كممم ِبال ْ ِ
ذي عمم َ كممم ب َ ْ وِلب َّيمم َ ة َ ممم ِ حك ْ َ جئ ْت ُ ُ قممدْ ِ ل َ قمما َ َ
ن }.({63 قوا الل ّه َ فات ّ ُه َ خت َل ِ ُ
عو ِ طي ُ وأ ِ َ َ في ِ ن ِ فو َ تَ ْ
شأَنا ل َك ُممم ْ فأن َ َ وكذلك قوله تعالى في ســورة المؤمنــون ) َ .4
َ
ه ك َِثي مَر ٌ
ة واك ِ ُ فم َ همما َ في َ م ِ ب ل ّك ُم ْ عن َمما ٍ وأ ْ ل َ خي م ٍ من ن ّ ِ ت ّ جّنا ٍ ه َ بِ ِ
ْ
ن } ({19وهو يختلف عن قوله تعالى في سـورة ها ت َأك ُُلو َ من ْ َ و ِ َ
ُ ْ َ
ن }({73 همما ت َمأك ُلو َ من ْ َ ة ِ ة ك َِثي مَر ٌ هم ٌ فاك ِ َ ها َ في َ م ِ الزخرف )لك ُ ْ
لنه في الدنيا نزرع الفاكهة ليس للكل فقط وإنمــا نصــنع منهــا
العصير ونجففها ونتداول بهــا ونتــداوى بهــا وغيرهــا مــن المــور
والغراض وإحداها هو الكل أمــا فــي فاكهــة الجنــة فليــس فــي
الجنة تجارة والفاكهة ل تكون إل للكل فقط فلم يأتي بالواو مع
كلمة تأكلون في فاكهة الجنة وجاء بالواو في فاكهة الدنيا.
العطف على مغاير في العراب:
العطف على مغاير في العراب هو موطن آخر من مواطن التوسع
في القرآن الكريم مثل أن يضاف منصوب يعطــف عليــه مرفــوع أو
فعل منصوب يضاف إليه مجزوم ولكــل منهــم حكمــه وهــذا لغــرض
التوسع في المعنى .وفــي القــرآن الكريــم أمثلــة عديــدة علــى هــذا
النوع من التوسع في المعنى منها قوله تعالى في سورة المنافقون
َ ل َأن ي َأ ْت ِ وَأن ِ
تو ُ م ْم ال ْ َ حدَك ُ ُ يأ َ َ قب ْ ِ من َ كم ّ قَنا ُ ما َرَز ْ من ّ قوا ِ ف ُ ) َ
وأ َك ُممن ص مدّقَ َ فأ ّ
قري مب َ َ
ٍ ل َ ِ جم ٍ
َ
خْرت َِني إ َِلى أ َ وَل أ َ ّ ب لَ ْ ل َر ّ قو َ في َ َُ
ن }) ({10أكــن( عطــف مجــزوم علــى منصــوب حي َ صممال ِ ِ ن ال ّ مم َ ّ
صدق( هذا يسمى في النحو عطف على المعنى والفاء في كلمة )فأ ّ
مى فاء السببية في النحو التي تقــع بعــد الطلــب )لن )فأصدق( ُتس ّ
لول حرف تحضيض( فلو أسقطنا الفــاء وأردنــا الطلــب نجــزم علــى
دق( كما في قوله تعالى ) :وألق مــا جواب الطلب )لول أخرتني أص ّ
في يمينك تلقف ما صنعوا( أما لما نجيء بالفــاء ننصــب .معناهــا إن
تؤخرني أكن من الصالحين علــى تقــدير شــرط ؛ أي جــواب شــرط
در وفــي هــذه اليــة أراد تعــالى معنييــن ولــم ي ُــرد الســبب فــي مق ـ ّ
المعطوف والمعطوف عليه وأراد تعالى أن يجمع بين السبب وبيــن
دق وأكــون( لكــان عطــف ســبب علــى الشرط .لو قال تعالى )فأص ّ
سبب لكنه أراد أن يجمع المعنييــن الســبب والشــرط أي الشــتراط
على النفس والشتراط فيه توثيـق فعطـف مجـزوم علـى منصـوب
87
أسرار البيان في التعبير القرآني
لرادة معنيين .لكن يبقى السؤال لماذا أراد المعنيين؟ لو نظرنا إلى
الية فقد جاء فيها أمريــن الصــدقة أن يكــون مــن الصــالحين وهمــا
ليسا بدرجة واحدة فكون النسان من الصالحين أكــبر وأعظــم مــن
الصدقة وهــو العــم وهــو الــذي يــدخل الجنــة ولنهمــا ليســا بدرجــة
واحدة فكيف يفّرق بينهما؟ بعطف المجزوم علــى المنصــوب فقــال
دم دق ثم اشترط على نفسه أن يكون من الصالحين .ولماذا ق ـ ّ فأص ّ
َ
ن ذي َ همما ال ّم ِ الصدقة؟ لن السياق في السورة هو في الصدقة )َيا أي ّ َ
َ آمُنوا َل ت ُل ْهك ُ َ
مممن و َ ه َ ر الل ّم ِ عممن ِذك ْم ِ م َ وَلدُك ُم ْ وَل أ ْ م َ وال ُك ُ ْ م َ مأ ْ ِ ْ َ
دم الصــدقة ْ ولئ ِ َ َ ُ ك َ ل ذَل ِم َ عم ْ يَ ْ
ن } ({9فقــ ّ س مُرو َ خا ِ م ال َ هم ُ ك ُ ف مأ ْ ف َ
مراعاة لمقتضى السياق وجزم )أكن( مراعاة للهمية.
هسول ِ ِ وَر ُ ه َ ن الل ّ ِ م َ ن ّ ذا ٌ وأ َ َ ومن ذلك قوله تعالى في سورة التوبة ) َ
إَلى الّناس يوم ال ْحج ال َك ْب َ
ن كي َ ر ِ شمم ِ م ْ ن ال ْ ُ م َ ريءٌ ّ ه بَ ِ ن الل ّ َ رأ ّ َ ِ َ ّ ِ َ ْ َ ِ
موا ْ عل ُ َ فمما ْ م َ ولي ْت ُ ْ ّ وِإن ت َم َ م َ ُ
خي ْمٌر لك م ْ ّ و َ هم َ ف ُ م َ فِإن ت ُب ْت ُم ْ ه َ سول ُ ُ وَر ُ َ
ب أِليمم ٍ } َ عم َ ْ ن كَ َ ّ ّ ّ َ ُ أَ
ذا ٍ فمُروا ب ِ َ ذي َ ر ال ِ ِ ش َ ب و
َ ه
ِ ل ال زي ِ ج
ِ عْ م
ُ رُ ْ ي غ م ْ ك ّ ن
ن أي مرفوعــة وليســت ه جــاءت علــى غيــر إرادة إ ّ ({3ورســول ُ ُ
ه( فجــاءت كلمــة منصوبة وهي ليست معطوفة على مــا قبلهــا )الل ـ َ
)ورسوله( مرفوعة لن براءة الرسول ليست كبراءة الله تعــالى
وإنما هي تابعة لها فــبراءة اللــه تعــالى أول ً فلــم يجعــل بــراءة اللــه
تعالى وبراءة الرسول بمرتبة واحدة فجعل براءة الرســول أقــل
توكيدا ً من براءة الله تعالى ودونها وتبعا ً لها.
ن ذي َ ن ال ّ ِ وكذلك ما جــاء فــي قــوله تعــالى فــي ســورة المــائدة )إ ِ ّ
هن ب ِممالل ّ ِ مم َ نآ َ مم ْ صاَرى َ والن ّ َ ن َ صاِبئو َ وال ّ دوا ْ َ ها ُ ن َ ذي َ وال ّ ِ مُنوا ْ َ آ َ
م هم ْ ول َ ُ م َ هم ْ ف َ َ فل َ َ صمماِلحا ً َ مم َ وال ْي َ م ْ
علي ْ ِ و ٌخم ْ ل َ ع ِ رو َ خم ِ وم ِ ال ِ َ
ن } ({69برفع الصابئون لنهــم أبعــد المــذكورين عــن اللــه حَزُنو َ يَ ْ
ن وهم ليسوا من أهل الكتــاب فجــاءت مرفوعــة علــى غيــر لرادة إ ّ
وأقـل توكيـدا ً ويمكـن الرجـوع إلـى صـفحة لمسـات بيانيـة فـي آي
ص ً
ل. القرآن الكريم لقراءة ما جاء في هذه الية مف ّ
َ
ل قَبمم َ م ِ هك ُ ْ جممو َ و ُ وّلمموا ْ ُ س ال ْب ِ مّر أن ت ُ َ وكــذلك قــوله تعــالى )ل ّي ْ م َ
ر خ ِ وم ِ ال ِ وال ْي َ ْ ه َ ن ِبالل ّ ِ م َ نآ َ م ْ ن ال ْب ِّر َ وَلمك ِ ّ ب َ ر ِ غ ِ م ْ وال ْ َ ق َ ر ِ ش ِ م ْ ال ْ َ
وي ه ذَ ِ حب ّم ِ عل َممى ُ ل َ ممما َ وآت َممى ال ْ َ ن َ والن ّب ِّيي َ ب َ وال ْك َِتا ِ ة َ ملئ ِك َ ِ وال ْ َ َ
ن سممآئ ِِلي َ وال ّ ل َ س مِبي ِ ن ال ّ واب ْم َ ن َ كي َ سمما ِ م َ وال َْ مى َ والي ََتا َ ْ قْرَبى َ ال ُ ْ
ن فممو َ مو ُ وال ْ ُ كمماةَ َ وآَتممى الّز َ صمملةَ َ م ال ّ قمما َ وأ َ َ ب َ قمما ِ فممي الّر َ و ِ َ
ضممّراء سمماء وال ّ ْ ْ ْ م إِ َ
فممي الب َأ َ ن ِ ري َ صمماب ِ ِ وال ّ دوا َ همم ُ عا َ ذا َ ه ْ د ِ همم ِ ع ْ بِ َ
ُ ُ ْ
ن قممو َ مت ّ ُ م ال ْ ُ همم ُ ك ُ وأوَلمئ ِ َ قوا َ صد َ ُ ن َ ذي َ ك ال ّ ِ س أوَلمئ ِ َ ن الب َأ ِ
حي َ ْ و ِ َ
} ({177وهذا يسمى القطــع بمعنــى أخــص الصــابرين وهــذه كلهــا
88
أسرار البيان في التعبير القرآني
تخص التوسع في المعنى في العطف على مغاير حتى يفهمنا تعالى
أن هذا ليس بمنزلة الولى وقد يكون أقل منه أو أعلى منه.
العطف على مغاير في المعنى:
موطن آخر من مواطن التوسع في المعنى هو العطف علــى مغــاير
عل َيهممم ن َبممأ َ وات ْ ُ
ل َ ْ ِ ْ َ في المعنى مثل قوله تعالى في سورة يونس ) َ
مي قمما ِ م َ عل َي ْك ُممم ّ ن ك َب ُمَر َ وم ِ ِإن ك َمما َ قم ْ ه ي َمما َ م ِ و ِ ق ْ ل لِ َ قا َ ح إ ِذْ َ ُنو ٍ
َ َ
م مَرك ُم ْ عوا ْ أ ْ م ُ ج ِ ف مأ ْ ت َ وك ّل ْ ُ ه ت َم َ عَلى الل ّ م ِ ف َه َ ت الل ّ ِ ري ِبآَيا ِ كي ِ وت َذْ ِ َ
َ ْ ما ْ ُ ُ َ ُ َ ُ َ ُ َ
ي ضمموا إ ِل م ّ ق ُ ة ث ُم ّ م ً مغ ّ علي ْك ْ م َ مُرك ْ نأ ْ م ل ي َك ْ م ثُ ّ شَركاءك ْ و ُ َ
ن } ({71ل يقــال فــي اللغــة أجمــع للشــركاء وإنمــا ول َ ُتنظِ مُرو ِ َ
يستخدم فعل أجمع للمور المعنوية أما فعل جمع فيستخدم للمــور
الماديــة والمعنويــة فالمقصــود فــي اليــة أجمعــوا أمرهــم وجمعــوا
شركاءهم لن كما أسلفنا ل يكون فعل أجمع مع الشركاء أو المــور
المادية أما جمع فتأتي مع المريـن .ومثـل ذلـك مـا جـاء فــي قــوله
تعالى )والذين تبوؤا الدار واليمان( اليمان ل يتبؤأ إنمــا يتبــوأ الــدار
در لــه عامــل فهنا عطف على الدار لكن ليس بنفس المعنى فالمق ـ ّ
آخــر .وتقـول العــرب " :شــراب ألبـان وتمـر" والمقصــود أن التمـر
للكل واللبن للشراب ،إذن يذكر أمر وُيعطف عليه أمر وُيفهــم بــأن
هناك محذوفا ً يقتضيه المعنى وهذا من مواطن التوسع في المعنــى
في القرآن الكريم.
موطن آخر من مواطن التوسع في المعنى هو أن
جممل تحتممل فممي بنائهما أكممثر مممن دللممة يكون هنمماك ُ
مرادة: وكلها ُ
قول َك ُ َ مثال قوله تعالى في سورة الملك ) َ
هممُروا ج َ وا ْ مأ ِ ْ سّروا َ ْ وأ ِ َ
و َ َ َ َ م بِ َ
هم َ و ُ ق َ خل م َ ن َ مم ْ م َ عل ُ ر } {13أل ي َ ْ دو ِ ص ُت ال ّ ذا ِ عِلي ٌ ه َ ه إ ِن ّ ُ بِ ِ
خِبيُر } .({14ما المقصود بقوله تعــالى )أل يعلــم مــن ف ال ْ َ طي ُ الل ّ ِ
خلــق(؟ هــل يقصــد الخــالق أم المخلــوق؟ بمعنــى أل يعلــم الخــالق
بعباده ويعلم ما ُيسّرون وما يجهرون به )هنا تكون فاعل(؟ ويحتمل
أن يكون المعنى أل يعلم الذين خلقهم؟ )وهنا تكون مفعول به( إذن
)من خلق( تحتمل المعنيين الخالق والمخلوق.
فممُروا ْ ن كَ َ ذي َ ل اّلمم ِ قو ُ وي َ ُ ومن ذلك قوله تعالى في سورة الرعــد ) َ
ل َول َ ُ
شمماءُ مممن ي َ َ ل َ ضم ّ ه يُ ِ ن الل ّم َ ل إِ ّ قم ْ ه ُ من ّرب ّ ِ ة ّ ه آي َ ٌ عل َي ْ ِل َ ز َ ِ أن ْ
َ
ب } ({27من فاعل المشيئة؟ الله تعــالى أم ن أَنا َ م ْ ه َ دي إ ِل َي ْ ِ ه ِ وي َ ْ َ
المخلوق؟ تحتمل أن يكــون المعنــى يضــل مــن يشــاء فيبقيــه علــى
ضلله ويهدي من يشاء فييسر له طريق الهدايــة ويحتمــل أن يكــون
89
أسرار البيان في التعبير القرآني
المعنى من يشاء الله أن يضله ويهدي إليـه مـن أنـاب تحتمـل )مـن
يشاء( المعنيين والله تعالى يقول للشيء إذا أراده كن فيكون.
ت فممي آَيما ِ ن ِ جمماِدُلو َ ن يُ َ ذي َ وكذلك قوله تعالى في سورة غافر )ال ّ ِ
نذي َ عنمدَ ال ّم ِ و ِ ه َعنمدَ الل ّم ِ قتما ً ِ م ْم ك َب َُر َ ه ْ ن أ ََتا ُ طا ٍ سل ْ َ ر ُ غي ْ ِه بِ َ الل ّ ِ
ر } ({35ما جّبا ٍ ر َ مت َك َب ّ ٍ
ب ُ قل ْ ِل َ عَلى ك ُ ّ ه َ ع الل ّ ُك ي َطْب َ ُ مُنوا ك َذَل ِ َ آ َ
المقصود بقوله تعالى )على كل قلب( هل المقصود على قلــب كــل
متكبر جبار )اي قلوب المتكبرين جميعا( أو على كــل قلــب المتكــبر
الجبار؟ لو أراد أحد هــذين المعنييــن لقــال تعــالى "علــى قلــب كــل
متكبر جبار" وإنما قال )علــى كــل قلــب متكــبر جبــار( والمــراد هنــا
معنيين أحدهما يطبع الله تعالى على كل القلب فل يترك من القلب
شيئا ً ويطبع على قلوب كل المتكبرين الجبارين.
وَل ة َ سممن َ ُح َوي ال ْ َ ست َ ِوَل ت َ ْ كذلك قوله تعالى في ســورة فصــلت ) َ
َ
ه
وب َي َْنم ُ ك َ ذي ب َي َْنم َ ذا اّلم ِ فمإ ِ َ ن َ سم ُح َ يأ ْ هم َ ع ِبمال ِّتي ِ فم ْ ة ادْ َ سي ّئ َ ُ ال ّ
َ
م } ({34الســتواء لبــد أن يكــون لــه ميم ٌ ح ِ ي َ ول ِم ّ ه َوةٌ ك َمأن ّ ُ دا َ عم َ َ
طرفيــن فنقــول ل يســتوي فلن وفلن .ويمكــن القــول ل تســتوي
الحسنة والسيئة بحذف )ل( كما قــال تعــالى )ومــا يســتوي العمــى
والبصــير( فلمــاذا جــاء بـ ـ )ل( هنــا؟ النحــاة يقولــون أن )ل( مزيــدة
للتوكيد لكن لها دللة أخــرى غيــر الزيــادة فــي التوكيــد فلــو قــال ل
تستوي الحسنة والسيئة فالمعنى واحد واضح لكــن زيــادة )ل( تفيــد
أن الحســنات ل تســتوي بيــن بعضــها لن بعــض الحســنات أفضــل
وأعظم مــن بعــض ،وكــذلك الســيئات ل تســتوي فيمــا بينهــا فهنــاك
سيئات أعظم من سيئات وكذلك الحسنات ل تستوي مــع الســيئات
وهكذا باستخدام )ل( في الية أفادت هذه المعــاني الثلثــة .وكــذلك
قوله تعالى )وما يستوي الحياء ول الموات( تدل على معــاني ثلث
هي أن الحيــاء ل يســتوون فيمــا بينهــم والمــوات ل يســتوون فيمــا
مــرادة بينهم والحياء والموات ل يستوون أيضا ً وهذه المعاني كلهــا ُ
وكذلك قوله تعالى )ول الظلمات ول النور(.
90
أسرار البيان في التعبير القرآني
الفهرس
أسرار البيان في التعبير
القرآني 1 ........................................................
تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل
المؤّنث 9 .................................................
التقديم والتأخير في القرآن
الكريم 15.......................................................
أمثلة أخرى على التقديم والتأخير
34.......................................................
موضوع القطع في القرآن الكريم
41......................................................
مقاصد الذكر والحذف في الحروف في القرآن الكريم
43....................................
الفاصلة القرآنية من حيث
المعنى 51.......................................................
موضوع التشابه والختلف في القرآن
الكريم 54..........................................
سع في المعنى في القرآن التو ّ
الكريم 61.....................................................
91
أسرار البيان في التعبير القرآني
92