You are on page 1of 55

‫شرح كتاب كشف‬

‫الشبهات‬
‫بقلم‪ /‬الشيخ‬
‫صالح بن فوزان بن عبد الله‬
‫الفوزان‬
‫‪ -‬حفظه الله ‪-‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة‬
‫الحمد ل رب العالمين وصلى ال وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذه رسالة كشف الشبهات للمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه ال تعالى ‪.-‬‬
‫وقبل أن ندخل في موضوع الرسالة نتكلم عن المؤّلف والتعريف به من أجل أن يكون عند طالب العللم‬
‫معرفة بهذا المؤلف وطريقته في دعوته لن هذا من المور المهمللة فللي معرفللة الئمللة والللدعاة إلللى الل‬
‫ومعرفة نشأتهم ودعوتهم من أجل أن يسير طلب العلم على نهجهم ويقتبسوا من سيرتهم ويقتدوا بهم‪.‬‬

‫فهو الشيخ المام المجّدد شيخ السلم محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علللي بللن مشللرف التميمللي‬
‫‪((1‬‬
‫وهي قرية في شمال الرياض‪ ،‬وكانت محل أسرته‪.‬‬ ‫الّنجدي ولد رحمه ال في بلدة العيينة‬
‫نشأ في بيت علم فأبوه كان القاضي في البلد وجللده الشلليخ سللليمان كللان هللو المفللتي والمرجلع للعلمللاء‬
‫وأعمامه كلهم علماء‪.‬‬
‫فنشأ في بيت علم‪ .‬ودرس على يد أبيه عبد الوهاب وعلى أعمامه منذ صغره فقلد حفلظ القلرآن الكريلم‬
‫قبل أن يبلغ سن العاشرة فاشتغل في طلب العلم وحفظ القرآن على أبيه‪ .‬وقرأ كتب التفسير والحديث حلتى‬
‫برع في العلم وهو صغير وأعجب أبللوه والعلمللاء مللن حللوله بللذكائه ونبللوغه وكللان ينللاقش فللي المسللائل‬
‫العلمية حتى أنهم استفادوا من مناقشته فاعترفوا له بالفضل ثم إنه لم يكتف بهذا القدر مللن العلللم وإن كللان‬
‫فيه الخير إل أن العلم ل يشبع منه‪.‬‬
‫فرحل لطلب العلم وترك أهله ووطنه وسافر إلى الحج وبعد الحج ذهب إلى المدينة والتقى بعلمائها في‬
‫صا الشيخ عبد ال بن إبراهيم بن سيف وكان إماًما في الفقه وأصوله وهو مللن أهللل‬
‫المسجد الّنبوي خصو ً‬
‫نجد من أهل المجمعة في سدير وكذلك ابنه إبراهيم بن عبد ال مؤلف كتللاب العللذب الفللائض شللرح ألفيللة‬
‫الفرائض‪ .‬والتقى كذلك بالمحدث الشيخ محمد حياة السندي وأخذ منه إجازة في مروياته من كتب الحللديث‬
‫ثم رجع إلى بلده‪ ،‬ولم يكتف بهذا بل سار إلى بلد الحساء في شرق بلد نجد وفيها العلمللاء مللن حنابلللة‬
‫صا عن الحنابلللة ومنهللم محمللد بللن فيلروز وعبللد الوهلاب بللن‬
‫وشافعية ومالكية وحنفية وأخذ عنهم خصو ً‬
‫فيروز أخذ عنهم الفقه‪.‬‬
‫وأخذ عن عبد ال بن عبد اللطيف الحسائي‪.‬‬
‫ضا إلى العراق – إلى البصلرة خاصلة – وكلانت آن ذاك آهللة بالعلملاء فلي‬
‫ولم يكتف بهذا بل ذهب أي ً‬
‫صا الشيخ محمد المجموعي وغيره‪ .‬وكان في كل تنقلتلله إذا ظفلر‬
‫الحديث والفقه فأخذ عن علمائها خصو ً‬
‫بكتاب من كتب شيخ السلم ابن تيمية ومن كتب تلميذه ابن القيم نسخه بقلمه ونسخ كثيًرا مللن الكتللب فللي‬
‫الحساء وفي البصرة فتجمعت لديه مجموعة عظيمة من الكتب‪.‬‬

‫)‪ (1‬عام ‪1115‬هل المتوفى رحمه ال في عام ‪1206‬هل‪ ،‬انظلر العلم للزركلللي ‪ ،6/275‬ومعجلم الملؤلفين لعمللر كحاللة ‪ 3/472‬برقلم‬
‫)‪.(14463‬‬

‫‪2‬‬
‫صا من الحنابلة وأهل الحديث‪ ،‬ولكنه بعدما‬
‫ثم إنه هم بالسفر إلى بلد الشام لما فيها من أهل العلم خصو ً‬
‫ق عليلله الطريللق وحصللل عليلله جللوع وعطللش وكللاد أن يهلللك فللي الطريللق‪ ،‬وأنتللم تعلمللون‬
‫سار إليها ش ّ‬
‫المكانات في ذلك الوقت وبعد المسافة‪ ..‬فرجع إلى البصرة وعدل عن السفر إلى الشام ثم رجع إلللى نجللد‬
‫بعد ما تسلح بالعلم وبعدما حصل على مجموعة كبير من الكتب إضافة إلى الكتللب الللتي كللانت عنللد أهللله‬
‫وعند أهل بلده ثم اتجه إلى الدعوة والصلح ونشر العلم الّنافع ولم يرض بأن يسكت ويترك النلاس عللى‬
‫ما هم عليه بل أراد أن ينتشر علمه وأن يدعو إلى الل فنظلر فلي مجتمعله فوجلد فيله ملن الشلر والشلرك‬
‫المور الكثيرة فأخذته الَغيرة علللى ديللن الل والرحمللة للمسلللمين ورأى أنلله ل يسللعه السللكوت علللى هللذا‬
‫الوضع‪.‬‬
‫وكان علماء نجد يعنون بالفقه وهم في العقيدة على عقيدة المتكلمين من أشاعرة وغيرهم ليس لهم عناية‬
‫سلف كما هو في الشام وفي مصر وغيرها من القطار وكانت العقيدة المنتشللرة فيهللا هللي عقيللدة‬
‫بعقيدة ال ّ‬
‫الشاعرة‪ ،‬مع ما عند كثير منهم من الخلل بتوحيد اللوهية‪.‬‬
‫ل من يعنى بها وطغت على الكلثير منهلم الخرافلات والبللدع والشلرك فلي العبلادة‬
‫وأما عقيدة السلف فق ّ‬
‫المتمثل بعبادة القبور هذا من الّناحية العلمية‪.‬‬
‫وأما من الّناحية السياسية فكانوا متفرقين ليس لهم دوللة تجمعهللم بلل كللل قريللة لهللا أميلر مسلتقل بهلا‪.‬‬
‫فالعيينة فيها حاكم والدرعية فيها حاكم والرياض فيها حاكم وكل قرية صغيرة فيهللا حللاكم‪ ،‬وكللانت بينهللم‬
‫حروب وسلب ونهب فيما بينهم وبين القرى والبادية‪.‬‬
‫فمن الّناحية السياسية كانت البلد في قلق وتفرق وفي تناحر وضياع حتى أن أهللل البلللد الواحللد يقاتللل‬
‫ضا‪.‬‬
‫بعضهم بع ً‬
‫صحابة كقبر زيد بن الخطاب‬
‫وفي بلد نجد عبادة القبور والستغاثة بالموات‪ ،‬فقد كانت عندهم قبور لل ّ‬
‫رضي ال عنه الذي استشهد مع جماعة من الصحابة فللي حللرب مسلليلمة الكللذاب وكللانوا يسلتنجدون بهللا‬
‫ويستغيثون بها وعلى قبر زيد قبة وكانوا يأتون إليها من بعيد‪ .‬وهي مشهورة عندهم‪.‬‬
‫وعندهم أشجار ونخيل يعتقدون فيها ويتبركون بها بل كانت عندهم الّنحل الباطلة مثل الصوفية ووحدة‬
‫الوجود في الرياض والخرج؛ هكذا كانت حالتهم الدينية والعلماء ساكتون عن هللذا الوضللع بللل إن بعللض‬
‫العلماء يشجعون على هذه الخرافات ويؤيدونها‪ .‬فلما رأى – رحمه الل – حللال المسلللمين تحللرك للللدعوة‬
‫إلى ال عز وجل وقام يدعو إللى الل ويلدّرس التوحيلد وينكلر هلذه الشلركيات والخرافلات ويقلرر منهلج‬
‫السلف الصالح فتكّون عنده تلميذ من الدرعية والعيينة ممن أراد ال له الخير‪.‬‬
‫ثم إنه اتصل بأمير العيينة وعرض عليه الدعوة فقبل منه المير ووعده بالمناصرة في أول المر وهدم‬
‫قبة زيد بن الخطاب حيث طلب من المير هدمها لنه ل يمكن أن يهدمها إل من للله سلللطة أمللا الفللرد فل‬
‫يستطيع‪ ،‬ذلك فاستجاب له المير‪ .‬وجاء إلى الشيخ امرأة اعترفت بالزنا وطلبت منله أن يقيلم عليهلا الحلد‬

‫‪3‬‬
‫فردها حتى كررت عليه الطلب مثل ما فعلت الغامدية رضي ال عنها فللي عهللد النللبي ? ‪ ،((1‬فأقللام عليهللا‬
‫الحد ورجمها‪ .‬فلما بلغ أمير الحساء هدم القبة وأنه رجللم المللرأة أرسللل إلللى أميللر العيينللة وقللال‪ :‬إمللا أن‬
‫تطرد هذا المطوع‪ ((2‬وإ ّ‬
‫ل قطعت عنك المساعدة التي أرسلها إليك‪ .‬فجاء المير إلى الشيخ وعللرض عليلله‬
‫المر وقال أنا ل أقدر أن أقاوم هؤلء فهّدأه الشيخ ووعده بالخير وأن يتوكل على ال وأن الرزق بيللد ال ل‬
‫وأن هذه عقيدة التوحيد من قام بها فإن ال يعينه وينصره‪ .‬لكن المير أصّر على خللروج الشلليخ مللن بلللده‬
‫فخرج الشيخ من العيينة في وقت القيلولة وذهب إلى الدرعية وكان له فيها تلميذ من خيار التلميذ يقال له‬
‫ابن سويلم فذهب الشيخ من العيينة إلى الدرعية ليس معه إل المروحة اليدوية يهوي بها على وجهلله وهللو‬
‫ب {‪ ((3‬يللردد هللذه اليللة وهللو‬
‫سل ُ‬
‫حَت ِ‬
‫ث ل َي ْ‬
‫حْي ُ‬
‫ن َ‬
‫جا ‪َ ،‬وَيْرُزْقُه ِم ْ‬
‫خَر ً‬
‫جَعل ّلُه َم ْ‬
‫ل َي ْ‬
‫ق ا َّ‬
‫يمشي ويقول } َوَمن َيّت ِ‬
‫يمشي فلما وصل إلى تلميذه في الدرعية أصاب التلميذ خوف وقلق مللن مجيللء الشلليخ لنلله يخشللى علللى‬
‫نفسه وعلى الشيخ من أهل البلد لنهم متحاذرون من هذا الشيخ‪ ،‬فهللدأه الشلليخ وقللال‪ :‬ل يخطللر فللي بالللك‬
‫شيء أبًدا توكل على ال جل وعل فهو ينصر من نصره‪.‬‬
‫وفيما هم كذلك علمت زوجة أمير الدرعية وكانت امرأة صالحة فعرضت على زوجها المير محمد بن‬
‫سعود أن يناصر هذا الشيخ الللذي جللاء وأنلله نعمللة مللن الل سللاقها إليلله فالبللدار باغتنللامه‪ ،‬فللأدخلت عليلله‬
‫الطمأنينة وحب الدعوة وحب هذا العلم فقال المير‪ :‬يأتيني‪ ،‬فقالت زوجتلله بللل اذهللب أنللت إليلله لنللك إذا‬
‫أرسلت إليه وقلت يأتيني ربما يقول الناس طلبه من أجل أن يبطش به‪ ،‬لكنك إذا ذهبت إليه يكون هذا عًزا‬
‫له ولك‪ ..‬فذهب إليه المير في بيت التلميذ وسّلم عليه وسأله عن قدومه‪ ...‬فشلرح للله الشلليخ وبّيللن للله أنلله‬
‫ليس عنده إل دعوة الرسل صلوات ال وسلمه عليهم وهي الدعوة إلى كلمة التوحيد وهي ل إللله إل اللل‪،‬‬
‫وشرح معناها وبّين له أنها عقيدة الرسل‪...‬‬
‫فقال المير‪ :‬أبشر بالنصر والتأييد‪ ،‬وقال له الشيخ‪ :‬وأبشر بالعز والتمكين لن هذه الكلمللة – ل إللله إل‬
‫طا‪ ،‬قال وما هو؟ قال أن تتركني‬
‫ال – من قام بها فإن ال يمّكن له‪ .‬فقال له المير‪ :‬لكني أشترط عليك شر ً‬
‫وما آخذ من الناس‪ ،‬قال الشيخ لعل ال يغنيك عن هذا ويفتح لك باب رزق من عنده‪ .‬فتفرقا على هذا وقللام‬
‫الشيخ بالدعوة وقام المير بالمناصرة‪ .‬ثم توافد الطلب على الدرعية وصار للشيخ مكانة فيها‪ ،‬فكللان هللو‬
‫صلة والمفتي والقاضي‪ ،‬فتكونت إمللارة للتوحيللد فللي بلد الدرعيللة مللن ذلللك الللوقت وأرسلل‬
‫المام في ال ّ‬
‫الشيخ رسائل إلى أهل البلدان والقرى يدعوهم إلى ال والدخول في عقيدة التوحيد وترك البدع والخرافات‬
‫فمنهم من استجاب وانضم إلى الللدعوة بللدون جهللاد وبللدون قتللال ومنهللم مللن مللانعه وعانللده فقاتللل جنللود‬
‫التوحيد بقيادة المير محمد بن سعود وريادة الشيخ محمللد بللن عبللد الوهللاب قللاتلوا مللن عانللد وعللارض‪..‬‬
‫وامتدت الدعوة في بلد نجد وسّلمت له البلد ومن حولها‪ ،‬حللتى أميللر العيينللة الللذي كللان للله موقللف مللع‬
‫الشيخ دخل في ولية محمد بن سعود‪ .‬وكذلك دخلت الريلاض بعللد قتلال شللديد وامتللدت إلللى الخللرج ومللا‬
‫)‪ (1‬انظر صحيح المام مسلم ‪،3/1321‬ل ‪ ،1322‬كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنا‪ ،‬حديث رقم )‪ (22/1695‬مللن حلديث‬
‫سليمان بن بريدة عن أبيه رضي ال عنه‬
‫)‪ (2‬كما يسمونه تصغيًرا لشأنه‬

‫)‪ (3‬الطلق‪3-2 :‬‬

‫‪4‬‬
‫ل إلى حدود اليمن جنوًبا ومللن البحللر‬
‫وراء الخرج وإلى الشمال والجنوب حتى عمت من حدود الشام شما ً‬
‫الحمر إلى الخليج العربي شرًقا كلها صارت تحت ولية الدرعية بادية وحاضرة‪ .‬وأفاء ال علللى النللاس‬
‫في الدرعية الخير والرزق والغنى والثروة وقامت بها أسواق تجارية واستنارت بالعلم والقوة ببركللة هللذه‬
‫سلم‪.‬‬
‫سلفية التي هي دعوة الرسل عليهم ال ّ‬
‫الدعوة ال ّ‬
‫مؤلفاته‪:‬‬
‫أّلف الشيخ الكتب وأعظمها كتاب التوحيد الذي هو حق ال على العبيد‪.‬‬
‫ومن مؤلفاته هذه الرسالة » كشف الشبهات « التي نحن بصدد شرحها – إن شاء ال تعالى – وهي عبارة‬
‫عن رد الشبهات التي أثيرت حول دعوة التوحيد التي قام بها الشيخ‪.‬‬
‫والمراد بالكشف إزالة الغطاء عن الشيء‪.‬‬
‫‪((1‬‬
‫والشبهات جمع شبهة وهي المللر المشللتبه المختلللف الللذي ل‬ ‫ك{‬
‫طاَء َ‬
‫غَ‬‫ك ِ‬
‫عن َ‬
‫شْفَنا َ‬
‫قال تعالى‪َ } :‬فَك َ‬
‫ُيْدَرى هلل هلو حلق أم باطلل؟ ومنله قلول الرسلول ‪ » : ‬إن الحلل بّيلن والحلرام بّيلن وبينهملا أملور‬
‫مشتبهات ل يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه «‪.((2‬‬
‫المشتبهات هنا المراد بها المور التي ل ُيْدَرى هل هي من الحلل أو من الحرام لسبب تجللاذب الدلللة‬
‫فيها‪ ،‬ول يعلمها إل الخواص من أهل العلم‪ .‬فالشبهات هنا المراد بهلا المللور المشللتبهة اللتي فيهللا تللبيس‬
‫وتغطية وتمويه على الّناس يظنونها حًقا وهي ليست بحق وكشفها هو اليضاح لبطلنها‪.‬‬
‫والمراد هنا كشف ما كان عند الّناس من شبهات حول عبادة القبور والستغاثة بها التي عمت كثيًرا من‬
‫بلد السلم من بعد القرون المفضلة‪ ،‬حيث ُأدخللل فللي السلللم مللا ليللس منله وذلللك عللن طريلق الشلليعة‬
‫والمتصوفة فهم الذين تسببوا في نشر هذه الشبهات وهذه الشركيات التي انتشرت في بلد السلم بحجللج‬
‫واهية‪ ،‬والجهال يظنونها حًقا؛ فيقولون إن هؤلء الموتى عباد صالحون ولهم مكانة عند الل ونحللن أنللاس‬
‫مذنبون فهم يتوسلون بهم ويجعلونهم وسائط بينهم وبين ال في غفران الللذنوب ويتقربللون إليهللم‪ .‬وبسللبب‬
‫ذلك تغيرت عقيدة التوحيد عند كثير من الّناس من عهد بعيد بعد المائة الرابعة ومضي القرون المفضلللة‪،‬‬
‫حتى قّيض ال لهذه المة علماء يكشفون هذه الشبهات ومن أبرزهم شيخ السلم أحمد بن تيمية الذي قللام‬
‫سللف‬
‫ضح للناس عقيلدة التوحيلد وكتلب فللي ذلللك الكتللب النافعللة وبّيللن عقيللدة ال ّ‬
‫ودحض هذه الشبهات وو ّ‬
‫صالح وسجلها في كتبه مدعًما مسائلها بالدلة القاطعة والبراهين الساطعة‪ ،‬ودحللض هللذه الشللبهات‪ ،‬ثللم‬
‫ال ّ‬
‫تله تلميذه كالمام ابن القيم في كتبه والمام ابن كثير والمام الذهبي والمام المّزي وجاء بعدهم الحافظ‬
‫ابن رجب الحنبلي رحمه ال إلى أن وصل المر للشيخ المام المجدد محمد بللن عبللد الوهللاب فتلقللى هللذه‬
‫العقيدة بقوة وقام بالدعوة إليها والجهاد في سبيلها حتى استنارت بها هذه البلد‪ ،‬ول ل الحمللد وامتللدت إلللى‬
‫البلد المجاورة في مصر والشام والعراق وحتى في بلد فارس عند أهل السنة وامتللدت إلللى الهنللد وإلللى‬

‫)‪ (1‬ق‪22 :‬‬

‫)‪ (2‬رواه المام البخاري في صحيحه ‪ ،1/19‬كتاب اليمان باب فضل من استبرأ لدينه من حديث النعمان بللن بشللير رضللي الل تعللالى‬
‫عنه‬

‫‪5‬‬
‫المغرب وإلى كثير من البلد ول الحمد‪ ،‬فمن أراد ال له الخير فإنه تلأثر بهلذه اللدعوة المباركللة وعللرف‬
‫أنها دعوة حق فاستجاب لها وأّيدها‪ ،‬وقامت الحجة على المعانللدين ولل الحمللد والمنللة وزالللت عللن البلد‬
‫معالم الشرك والوثنية وعوائد الجاهلية‪.‬‬

‫سلّنة‪ :‬أن‬
‫] قال رحمه ال‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم [ ابتدأ الرسالة ببسم ال الرحمن الرحيلم وهلذه هلي ال ّ‬
‫تبدأ الكتب والرسائل ببسم الل الرحملن الرحيلم كملا ابتلدأ الل تعلالى بهلا فلي كتلابه فلأول ملا تلرون فلي‬
‫ن {‪ ((1‬وكذلك قبل كللل سللورة » بسللم‬
‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ل َر ّ‬
‫حْمُد ّ‬
‫حيم‪ ،‬اْل َ‬
‫ن الّر ِ‬
‫حم ِ‬
‫ل الّر ْ‬
‫سِم ا ِ‬
‫المصحف الشريف } ِب ْ‬
‫ال الرحمن الرحيم «‪ ،‬والنبي ‪ ‬كان إذا كتب يبدأ كتبه بل» بسللم ال ل الرحمللن الرحيللم «‪ .((2‬وإذا تحللدث‬
‫إلى أصحابه يبدأ مجلسه ببسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬والحكمة في البدء ببسم ال الرحمن الرحيم التللبرك بهللا‬
‫لنها كلمة مباركة فإذا ذكرت في أول الكتاب أو في أول الرسالة تكون بركة عليه‪ .‬أما الكتب أو الرسللائل‬
‫التي ل تبدأ ببسم ال الرحمن الرحيم فإنها تكون ناقصة ل خير فيها‪ ،‬ومن ناحية أخرى بسللم ال ل الرحمللن‬
‫حيللم { أي أسللتعين وأتللبرك ببسللم الل‬
‫ن الّر ِ‬
‫حمل ِ‬
‫لل الّر ْ‬
‫سِم ا ِ‬
‫الرحيم فيها الستعانة بال جل وعل فقوله‪ِ } :‬ب ْ‬
‫حيللم{‪.‬‬
‫ن الّر ِ‬
‫حم ِ‬
‫ل الّر ْ‬
‫سِم ا ِ‬
‫الرحمن الرحيم‪ .‬فالجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره أستعين وأتبرك بل} ِب ْ‬
‫عَلم على الذات المقدسة‪ .‬والرحمن الرحيم اسلمان كريملان ملن أسلمائه الحسلنى يتضلمنان الرحملة‪.‬‬
‫وال َ‬
‫صللا علللى‬
‫]اعلم رحمك ال[ اعلم‪ :‬هذه الكلمة يبدأ بها في التنبيه إلى المور المهمة فإذا أردت أن تنبه شخ ً‬
‫شيء مهم من مسائل العلم تقول له‪ :‬اعلم من أجل أن ينتبه‪ .‬واعلم فعل أمر من العلللم يعنللي تلّعللم مللا يللأتي‬
‫واهتم به وألق بالك لما يلقى عليك ولما يكتب لك‪ .‬فهذه كلمة ُيؤتى بها لهمية ما يللأتي بعللدها قللال تعللالى‪:‬‬
‫عْلًما {‪ ((3‬وقال تعالى‪َ } :‬فا ْ‬
‫عَلْم َأّنُه ل ِإَلللَه‬ ‫يٍء ِ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫ط ِبُك ّ‬
‫حا َ‬
‫ل َقْد َأ َ‬
‫ن ا َّ‬
‫يٍء َقِديٌر َوَأ ّ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫} ِلَتْعَلُموا َأ ّ‬
‫‪((4‬‬
‫لل‬
‫ن ا َّ‬
‫ب َوَأ ّ‬
‫شلِديُد اْلعَِقللا ِ‬
‫لل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫عَلُمللوْا َأ ّ‬
‫وقللال تعللالى‪ } :‬ا ْ‬ ‫ت{‬
‫ن َواْلُمْؤِمَنا ِ‬
‫ك َوِلْلُمْؤِمِني َ‬
‫سَتْغِفْر ِلَذنِب َ‬
‫ل َوا ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ِإ ّ‬
‫ن {‪.((6‬‬
‫غ اْلمُِبي ُ‬
‫لُ‬‫سوِلَنا اْلَب َ‬
‫عَلى َر ُ‬
‫عَلُموْا َأّنَما َ‬
‫وقال تعالى‪َ } :‬فِإن َتَوّلْيُتْم َفا ْ‬ ‫‪((5‬‬
‫حيٌم {‬
‫غُفوٌر ّر ِ‬
‫َ‬
‫فهذه كلمة عظيمة يؤتى بها للهتمام‪ .‬ثم قال‪ » :‬رحمك ال « هذا دعاء من الشيخ رحمه ال لكل من قرأ‬
‫طف لطالب العلم وتحسين الكلم له من أجل أن ُيقبل على طلب العلم‪.‬‬
‫هذه الرسالة‪ ،‬وهذا من باب الّتل ّ‬
‫] أن التوحيد هو إفراد ال سبحانه بالعبادة [ أي اعلم هذه المسألة العظيمة واجعلها في ذاكرتك واجعلها‬
‫في اهتمامك دائًما وأبًدا وهي » أن التوحيد هو إفراد ال بالعبادة « وليس هو إفراد ال بالربوبية فللإن هللذا‬

‫)‪ (1‬الفاتحة‪2-1 :‬‬

‫)‪ (2‬انظر صحيح المام البخاري ‪ 4/402‬كتاب الجهاد باب دعاء النبي إلى السلم والنبوة وأن ل يتخذ بعضهم بع ً‬
‫ضللا أرباًبللا مللن دون‬
‫ل { إلى آخر الية‪ .‬وفي الفتح ‪ ،6/109‬وانظلر تفاصليل ذللك فلي زاد المعلاد فلي هلدي خيلر‬
‫شٍر َأن ُيْؤِتَيُه ا ُّ‬
‫ن ِلَب َ‬
‫ال وقوله تعالى‪َ } :‬ما َكا َ‬
‫العباد لبن القيم ‪ ،696-3/688‬ذكر هديه في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم‪.‬‬
‫)‪ (3‬الطلق‪12 :‬‬

‫محمد‪19 :‬‬ ‫)‪(4‬‬

‫)‪ (5‬المائدة‪98 :‬‬

‫)‪ (6‬المائدة‪92 :‬‬

‫‪6‬‬
‫حدين لنهم لم يفردوا ال بالعبللادة‪ ،‬فللإقرارهم بتوحيللد الربوبيللة ليللس هللو‬
‫أقّر به المشركون ولم يكونوا مو ّ‬
‫التوحيد المطلوب وإنما توحيد الربوبية دليل على توحيد اللوهية ولزم له فمن أقر بتوحيد الربوبية لزمه‬
‫ل علللى توحيللد‬
‫أن يقر بتوحيد اللوهية وال تعالى يذكر في القرآن في كثير من اليات توحيد الربوبية دلي ً‬
‫ن ِملن َقْبِلُكلْم َلَعّلُكلْم َتّتُقلونَ ‪ ،‬اّللِذي‬
‫خَلَقُكلْم َواّللِذي َ‬
‫عُبُدوْا َرّبُكُم اّلِذي َ‬
‫سا ْ‬
‫اللوهية كما قال تعالى‪َ } :‬يا َأّيَها الّنا ُ‬
‫جَعُلللوْا‬
‫ل َت ْ‬
‫ت ِرْزًقا ّلُك لْم َف َ‬
‫ن الّثمََرا ِ‬
‫ج ِبِه ِم َ‬
‫خَر َ‬
‫سَماِء َماًء َفَأ ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل ِم َ‬
‫سَماَء ِبَناًء َوَأنَز َ‬
‫ض ِفَراشًا َوال ّ‬
‫لْر َ‬
‫ل َلُكُم ا َ‬
‫جَع َ‬
‫َ‬
‫ن {‪ ((1‬هذا هو توحيد الربوبية وهو دليل توحيد اللوهية‪ ،‬فأقام سبحانه وتعالى الحجللة‬
‫ل َأنَداًدا َوَأنُتْم َتْعَلُمو َ‬
‫ِّ‬
‫عليهم فيما أنكروه من توحيد اللوهية بما اعترفوا به من توحيد الربوبية ليلزمهم بذلك‪.‬‬
‫حيث قال لهم كيف تعترفون أنه هلو الخلالق اللرازق المحيلي المميلت وأنله ل شلريك لله فلي ذللك ثلم‬
‫تشركون فللي عبلادته‪ .‬أمللا الللذين يقولللون إن التوحيلد هللو القلرار بللأن الل هللو الخللالق الللرازق المحيللي‬
‫شا‪ ،‬ولم يأتوا بالتوحيد المطلوب الذي دعت إليه الرسللل‪ .‬وعلللى هللذا‬
‫طا فاح ً‬
‫المميت‪ ...‬إلخ فهم غالطون غل ً‬
‫المنهج الباطل أغلب عقائد المتكلمين التي تدرس الن فلي كلثير ملن الملدارس السللمية‪ .‬وقصلد الشليخ‬
‫رحمه ال بهذا التعريف هو الرد على هؤلء الذين رّكزوا على توحيد الربوبية وتركللوا توحيللد اللوهيللة‪،‬‬
‫حلد‬
‫فهذه أول شبهة وهي‪ :‬أنهم جعلوا توحيد الربوبية هو التوحيد المطلوب‪ ،‬وأن من أفرد ال بله فهلو المو ّ‬
‫وأّلفوا كتبهم فيه وبنوا منهجهم عليه وصرفوا همهم إلى تحقيقه‪.‬‬
‫] وهو دين الرسل الذي أرسلهم ال به إلى عباده [ فالرسل كلهم ما طلبوا من الّناس أن يقرروا بأن ال ل‬
‫هو الخالق الرازق المحيي المميت لنهم معترفون بهذا وإنما طالبوا المم بإفراد ال بالعبادة‪ .‬قللال تعللالى‪:‬‬
‫ت {‪ ((2‬ما قال أن يقروا بأن ال ل هللو الللرب‬
‫غو َ‬
‫طا ُ‬
‫جَتِنُبوْا ال ّ‬
‫ل َوا ْ‬
‫عُبُدوْا ا َّ‬
‫نا ْ‬
‫ل َأ ِ‬
‫سو ً‬
‫ل ُأّمٍة ّر ُ‬
‫} َوَلَقْد َبَعْثَنا ِفي ُك ّ‬
‫ت { أي اتركللوا الشللرك بلال عللز وجللل فللي‬
‫غو َ‬
‫طللا ُ‬
‫جَتِنُبللوْا ال ّ‬
‫لل َوا ْ‬
‫عُبلُدوْا ا َّ‬
‫لنهم مقرون بهذا بل قلال‪ } :‬ا ْ‬
‫اللوهية‪.‬‬
‫‪((3‬‬
‫ما قال أنلله‬ ‫ن{‬
‫عُبُدو ِ‬
‫ل َأَنْا َفا ْ‬
‫حي ِإَلْيِه َأّنُه ل ِإَلَه ِإ ّ‬
‫ل ُنو ِ‬
‫ل ِإ ّ‬
‫سو ٍ‬
‫ك ِمن ّر ُ‬
‫سْلَنا ِمن َقْبِل َ‬
‫وقال تعالى‪َ } :‬وَما َأْر َ‬
‫ل َأَنْا { أي ل معبود بحق سواي‪.‬‬
‫ل رب سواي ول خالق إل أنا‪ ،‬بل قال سبحانه‪َ } :‬أّنُه ل ِإَلَه ِإ ّ‬
‫هذا الذي بعث به ال الرسل‪ ،‬ما بعث الرسل لتقرير توحيد الربوبية لن هذا موجود لكنلله ل يكفللي بللل‬
‫بعثهم لتوحيد اللوهية الذي هو إفراد ال تعالى بالعبادة وهو دين الرسل كلهم من أّولهم إلى آخرهم‪.‬‬
‫ح َوالّنِبّيي ل َ‬
‫ن‬ ‫حْيَنا ِإَلى ُنللو ٍ‬
‫ك َكَما َأْو َ‬
‫حْيَنا ِإَلْي َ‬
‫سلم [ كما قال ال سبحانه وتعالى‪ِ } :‬إّنا َأْو َ‬
‫] فأّولهم نوح عليه ال ّ‬
‫سلم‪ ،‬فنوح هو أول رسول‬ ‫ِمن َبْعِدِه {‪ ((4‬فدّلت الية الكريمة على أن أول الرسل هو نوح عليه ال ّ‬
‫صلة وال ّ‬
‫بعد حدوث الشرك في الرض‪ ،‬وتتابعت بعده الرسل على هذا المنهج الرباني وآخرهللم محمللد ‪ ‬وهللو‬
‫جللاِلُكْم‬
‫حلٍد مّللن ّر َ‬
‫حمّلٌد َأَبللا َأ َ‬
‫ن مُ َ‬
‫ساعة قال ال سبحانه وتعالى‪ } :‬مّللا َكللا َ‬
‫خاتمهم ول نبي بعده إلى أن تقوم ال ّ‬

‫)‪ (1‬البقرة‪22-21 :‬‬

‫)‪ (2‬النحل‪36:‬‬

‫)‪ (3‬النبياء‪25 :‬‬

‫)‪ (4‬النساء‪163 :‬‬

‫‪7‬‬
‫فهللو آخللر الرسللل‬ ‫‪((2‬‬
‫ن {‪ ((1‬وقال ‪ » : ‬أنا خاتم النللبيين ل نللبي بعللدي «‬
‫خاَتَم الّنِبّيي َ‬
‫ل َو َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫َوَلِكن ّر ُ‬
‫سلم وآخر النبياء لن كل رسول نبي فل يبعث بعده ل رسول ول نبي فملن اعتقلد أنله‬
‫صلة وال ّ‬
‫عليهم ال ّ‬
‫يبعث بعده رسول أو نبي فهو كافر قال ‪ » : ‬وسيخرج بعدي كذابون ثلثون كل منهللم يللدعي أنلله نللبي‬
‫وأنا خاتم النبيين ل نبي بعدي « فمن لم يعتقد ختم الرسللالة بمحمللد ‪ ‬وأجللاز أن يبعللث بعللده نللبي فهللو‬
‫كافر بال عز وجل مكذب ل ولرسوله ولجماع المسلمين‪.‬‬
‫صللالحين هللو‬
‫] أرسله ال إلى قومه لما غلوا في الصالحين [ الغلو هو مجللاوزة الحللد‪ .‬والغلللو فللي ال ّ‬
‫اعتقاد أنهم ينفعون أو يضرون من دون ال‪ ،‬وود إلخ هذه أسماء رجال صالحين من قللوم نللوح مللاتوا فللي‬
‫عام واحد‪ ،‬فحزن قومهم عليهم حزًنا شديًدا فجاء الشيطان إليهم وقال لهللم‪ :‬ص لّوروا صللورهم وانصللبوها‬
‫على مجالسهم من أجل أن تتذكروا أحوالهم فتنشطوا على العبادة؛ جاءهم عن طريق النصيحة وهللو يريللد‬
‫شط على العبادة‪ ،‬فهللذا فيلله التحللذير‬
‫لهم الهلك فخدعهم بهذه الحيلة واعتبروا هذه وسيلة صحيحة لنها تن ّ‬
‫من فتنة الصور وفتنة الغلو في الصالحين‪ ،‬وهؤلء نظروا لمصلحة جزئية ولم ينتبهوا لمللا يللترتب عليهللا‬
‫من المفاسد فالنسان ل ينظر إلللى المصلللحة الجزئيللة وينسللى المضللار العظيمللة الللتي تلترتب عليهللا فللي‬
‫المستقبل‪ .‬ثم أهلك قوم نوح بالطوفان فاندرست هذه الصللنام إلللى أن جللاء عهللد الطاغيللة وهللو ملللك مللن‬
‫ملوك العرب يقال له عمرو بن لحي الخزاعي‪ ،‬وكان له سلطان على الحجللاز وكللان فللي أول أمللره رج ً‬
‫ل‬
‫ناسًكا على دين قومه ولكن ذهب إلى الشام للعلج‪ ،‬فوجد أن أهل الشام يعبدون الصنام فللدخل فللي فكللره‬
‫هذا الشيء فجاء إلى أهل الحجللاز والجزيللرة فللدعاهم إلللى الشللرك وجللاء الشلليطان فأرشللده إلللى مللواطن‬
‫الصنام التي كانت تعبد عند قوم نوح والللتي سللفى‪ ((3‬عليهللا الرمللل بعللد الطوفللان‪ ،‬فحفرهللا ونقّللب عنهللا‬
‫فاستخرجها ووزعها على أحياء العرب فانتشر الشرك من ذلك الوقت‪ .‬وكانت هذه الصنام الموروثة عن‬
‫قوم نوح هي أكبر الصنام وإل فلهم أصنام كثيرة حتى إنه كللان حللول الكعبللة المشللرفة ثلثمللائة وسللتون‬
‫‪((4‬‬
‫صنًما اللت والعزى ومناة الثالثة الخرى هي أكبر أصنامهم]» وّد وسواع ويغوث ويعوق ونسر « [‬
‫] وآخر الرسل محمد ‪ ‬وهو الذي كسر صور هؤلء ال ّ‬
‫صالحين [ كانت حال العرب الدينية قبللل بعللث‬
‫النبي محمد ‪ ‬هي الوثنية ثم بعللث الل نللبيه محملًدا ‪ ‬بملللة إبراهيللم الحنيفيللة السللمحة ودعللاهم إلللى‬
‫التوحيد بمكة وبقي ثلث عشرة سلنة يلدعوهم إللى التوحيلد بمكلة وبقلي ثلثلة عشلرة سلنة يلدعوهم إللى‬
‫صللحابة الللذين أسلللموا معلله‬
‫التوحيد وينكر عليهم عبادة الصنام‪ .‬فاستجاب له من أراد ال له الهداية من ال ّ‬

‫)‪ (1‬الحزاب‪40 :‬‬

‫)‪ (2‬رواه الترمذي في سننه بهذا اللفظ ‪ (34) 369 ،6/368‬كتاب الفتن )‪ (43‬باب ل تقوم الساعة حتى يخرج كذابون حديث رقم ‪220‬‬
‫من حديث ثوبان رضي ال عنه‪ .‬وانظر صحيح المام البخاري ‪،4/162‬ل ‪ ،163‬وصحيح مسلللم ‪ ،4/1791‬ومسللند المللام أحمللد ‪2/398‬‬
‫حديث رقم ‪ ،9157‬وسنن أبي داود ‪ ،4/95‬وسنن الدارمي ‪.1/40‬‬
‫)‪ (3‬سفت الريح التراب تسفيه‪َ :‬ذَرْتُه‪ ،‬أو َ‬
‫حَملْته‪ .‬انظر القاموس المحيط ص ‪ 1671‬مادة »سفت«‪.‬‬

‫)‪ (4‬انظر صحيح المام البخاري ‪ 6/73‬من حديث عبد ال بن عباس رضي ال عنه‪ ،‬كتاب التفسير بللاب وًدا وسللوا ً‬
‫عا ويغللوث ويعللوق‬
‫ونسًرا )إنا أرسلنا( بنحوه ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫في مكة‪ .‬ثم إن ال أذن لهم بالهجرة إلى الحبشة ثلم إلللى المدينللة وهللاجر النللبي ‪ ‬إلللى المدينلة‪ .‬واجتمللع‬
‫حوله المهاجرون والنصار وكّون جيوش التوحيد وصاروا يغزون المشللركين‪ ..‬إلللى أن جللاء فللي السللنة‬
‫حا وصارت مكة تحت سلطة الرسللول ‪ ‬وعنلد ذللك كسلر هلذه الصلنام‬
‫الثامنة من الهجرة إلى مكة فات ً‬
‫التي حول الكعبة وغسل الصور التي فللي جللوف الكعبللة‪ ،‬وأرسللل إلللى الصللنام الللتي حللول مكللة )اللت‬
‫صلالحين مللن قللوم نللوح وانتشللر التوحيللد‬
‫صحابة من كسرها ومنها صللور هللؤلء ال ّ‬
‫والعزى ومناة( من ال ّ‬
‫واندحر الشرك ول الحمد‪.‬‬
‫صالحين( وذلك يوم فتح مكة وطّهر ال به‬
‫وهذا معنى قول الشيخ – رحمه ال – )كسر صور هؤلء ال ّ‬
‫حرمه الشريف من هذه الصنام‪.‬‬
‫وامتد التوحيد من بعثته ‪ ‬وعهد الخلفاء الراشدين وعهد القرون المفضلة كلها خالًيا من الشلرك فلمللا‬
‫شلّيع وعنللد ذلللك حللدث الشللرك فللي المللة بعبللادة القبللور‬
‫انتهللت القللرون المفضلللة انتشللر التصلّوف والت َ‬
‫والضرحة وتقديس الولياء والصالحين إلى وقتنا هذا‪ ،‬وهذا الشرك موجود فلي الملة ولكلن يقّيلض الل‬
‫جل وعل من يقيم الحجة على العباد من الدعاة المخلصين‪ ،‬ويهدي ال على أيديهم من أراد ال هدايته‪.‬‬
‫وهكذا ينبغي ويجب على طلبة العلم والدعاة أن يهتموا بهذا المر وأن يجعلوا الللدعوة للتوحيللد وإنكللار‬
‫سلللم‪،‬‬
‫صلة وال ّ‬
‫الشرك ودحض الشبهات من أولويات دعوتم فهذا هو الواجب وهذه دعوة الرسل عليهم ال ّ‬
‫لن كل أمر يهون دون الشرك‪ ،‬فما دام الشرك موجوًدا فكيف تنكر المور الخرى! لبللد أن نبللدأ بإنكللار‬
‫ل ونخّلص المسلمين من هذه العقائد الجاهلية ونبّين لهم بالحجة والبرهان وبالجهاد في سبيل ال‬
‫الشرك أو ً‬
‫إذا أمكن ذلك حتى تعود الحنيفية إلى المسلمين كل بحسب استطاعته ومقدرته في كل مكان وزمان‪ .‬يجللب‬
‫على الدعاة أل يغفلوا عن هذا المر ويهتموا بأموٍر ُأخرى ويبذلوا جهللودهم فيهللا ول يغطللوا أعينهللم عللن‬
‫خرافييللن وطللواغيت الصللوفية علللى عقللول‬
‫واقع الناس الواقعين في الشرك وعبادة الضرحة واستيلء ال ُ‬
‫سكوت عليه وكل دعوة ل تتجه للنهي عنلله فهللي دعللوة ناقصللة أو دعللوة غيللر‬
‫الناس‪ .‬هذا أمر ل يجوز ال ّ‬
‫صالحة أو دعوة غير مثمرة‪.‬‬
‫كما إنه يجب أن يعلم أن القرار بتوحيد الربوبيللة ل يكفللي ول ينفللع إل إذا كللان معلله القللرار بتوحيللد‬
‫ن المشلركين اللذين بعلث إليهلم نبينلا محملد ‪ ‬كلانوا مقريلن‬
‫ل واعتقلاًدا‪ ،‬وأ ّ‬
‫ل وعم ً‬
‫اللوهية وتحقيقه قو ً‬
‫بتوحيد الربوبية ولم ينفعهم إقرارهم به لما كانوا جاحدين لتوحيد اللوهية‪.‬‬
‫] أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون ال كثيًرا‪ .‬ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات‬
‫وسائط بينهم وبين ال‪ .‬يقولون نريد منهم التقرب إلى ال‪ .‬ونريد شفاعتهم عنده‪ .‬مثل الملئكة وعيسى‬
‫ومريم وأناس غيرهم من الصالحين‪ ،‬فبعث ال محمًدا ‪ ‬يجخدد لهخم ديخن أبيهخم إبراهيخم ويخخبرهم أن‬
‫ل عخخن‬
‫هذا التقرب والعتقاد محض حق ال ل يصخخلح منخخه شخخيء ل لملخخك مقخخرب ول لنخخبي مرسخخل فضخ ً‬
‫غيرهما‪ ،‬وإل فهؤلء المشركون مقرون يشهدون أن ال هو الخالق الرزاق وحده ل شريك له‪ ،‬وأنخخه ل‬
‫يرزق إل هو ول يحيي إل هو ول يميت إل هو ول يدّبر المر إل هو وأن جميع السخخماوات السخخبع ومخخن‬
‫فيهن والرضين السبع ومن فيها كلها عبيده وتحت تصرفه وقهره [ أي أن مشركي العرب اللذين ُبعلث‬

‫‪9‬‬
‫إليهم محمد ‪ ‬يعبدون ال ولم تنفعهم هذه العبادة لما كلانت مخلوطلة بالشلرك الكلبر‪ ،‬ول فلرق بيلن أن‬
‫ل أو ملكًللا مقرًبللا ول أن يكللون قصللد‬
‫حا أو نبًيا مرسل ً‬
‫يكون المشرك به مع ال سبحانه صنًما أو عبًدا صال ً‬
‫المشرك أن معبوده ليس شريًكا ل في ملكه بل هو مجرد وسيلة إلى ال ومقرب إليه‪.‬‬
‫فدل ذلك على أمرين‪:‬‬
‫جللي‬
‫الول‪ :‬أن القرار بتوحيد الربوبية وحده ل يكفي للدخول في السلم ول يعصم الدم والمال ول ين ّ‬
‫من عذاب ال‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬أن عبادة ال إذا دخلها شيء من الشرك أفسدها فل تصح العبادة إل مع الخلص‪.‬‬
‫] فإذا أردت الدليل على أن هؤلء المشركين الذين قاتلهم رسول ال ‪ ‬يشهدون لخ هخذه الشخهادة‬
‫حخ ّ‬
‫ي‬ ‫ج اْل َ‬
‫خخِر ُ‬
‫صخاَر َوَمخن ُي ْ‬
‫سْمَع واَلْب َ‬
‫ك ال ّ‬
‫ض َأّمن َيْمِل ُ‬
‫سَماِء َواَلْر ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫فاقرأ قوله تعالى‪ُ } :‬قْل َمن َيْرُزُقُكم ّم َ‬
‫ن {‪ ((1‬وقوله‪ُ } :‬قل ّلَم ِ‬
‫ن‬ ‫ل َتّتُقو َ‬
‫ل َفُقْل َأَف َ‬
‫ن ا ُّ‬
‫سَيُقوُلو َ‬
‫ي َوَمن ُيَدّبُر اَلْمَر َف َ‬
‫حّ‬‫ن اْل َ‬
‫ت ِم َ‬
‫ج اْلَمّي َ‬
‫خِر ُ‬
‫ت َوُي ْ‬
‫ن اْلَمّي ِ‬
‫ِم َ‬
‫سخْبِع َوَر ّ‬
‫ب‬ ‫ت ال ّ‬
‫سخَماَوا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫ن ‪ُ ،‬قْل َمخخن ّر ّ‬
‫ل َتَذّكُرو َ‬
‫ل ُقْل َأَف َ‬
‫ن ِّ‬
‫سَيُقوُلو َ‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫ض َوَمن ِفيَها ِإن ُكنُتْم َتْعَلُمو َ‬
‫اَلْر ُ‬
‫ن {‪ ((2‬وغير ذلك من اليات [ يقول الشلليخ رحملله ال ل تعللالى‪:‬‬
‫ل َتّتُقو َ‬
‫ل ُقْل َأَف َ‬
‫ن ِّ‬
‫سَيُقوُلو َ‬
‫ظيِم ‪َ ،‬‬
‫ش اْلَع ِ‬
‫اْلَعْر ِ‬
‫فإذا طلبت الدليل على أن المشركين مقّرون بهذا – يعني بتوحيللد الربوبيللة – وأنهللم يشللركون فللي توحيللد‬
‫اللوهية‪ ،‬إذا أردت الدليل على هذه المسألة العظيمة التي ُيعرف بها الحق من الباطللل فللاقرأ قللوله تعللالى‪:‬‬
‫خلِر ُ‬
‫ج‬ ‫ت َوُي ْ‬
‫ن اْلَمّيل ِ‬
‫ي مِل َ‬
‫حل ّ‬
‫ج اْل َ‬
‫خِر ُ‬
‫صاَر َوَمن ُي ْ‬
‫لْب َ‬
‫سْمَع وا َ‬
‫ك ال ّ‬
‫ض َأّمن َيْمِل ُ‬
‫لْر ِ‬
‫سَماِء َوا َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل َمن َيْرُزُقُكم ّم َ‬
‫} ُق ْ‬
‫ن { فالمشللركون يعللترفون بللأن الل سللبحانه‬
‫ل َتّتُقللو َ‬
‫ل َأَف َ‬
‫ل َفُق ْ‬
‫ن ا ُّ‬
‫سَيُقوُلو َ‬
‫لْمَر َف َ‬
‫ي َوَمن ُيَدّبُر ا َ‬
‫حّ‬
‫ن اْل َ‬
‫ت ِم َ‬
‫اْلَمّي َ‬
‫وتعالى هو الخالق الرازق المتصرف في عباده الذي بيده المر ل ينكر أحد منهم هللذا قللال تعللالى‪ُ } :‬ق ل ْ‬
‫ل‬
‫ض { هذا الرزق الذي تأكلون منه وتشربون وتلبسللون وتركبللون مللن الللذي‬
‫لْر ِ‬
‫سَماِء َوا َ‬
‫ن ال ّ‬
‫َمن َيْرُزُقُكم ّم َ‬
‫جاء به هل جاءت به الصنام؟ الصنام جمادات وحجارة‪ ،‬أم الشجار أو الموات أو القبللور والضلرحة‬
‫سلْمَع‬
‫ك ال ّ‬
‫كلها ل تأتي بأرزاقكم فهم يعترفون بللأن أصللنامهم ل تخلللق ول تللرزق قللال تعللالى‪َ } :‬أمّللن َيمِْلل ُ‬
‫صاَر { السمع الحاسة العظيمة التي تسمع بها الصوات والبصر الذي تبصر به المرئيات هذه العين‬
‫لْب َ‬
‫وا َ‬
‫التي يجعل ال فيها هذا البصر وهذا الّنور من الذي خلقه فيك؟ هل خلقه أحد غير ال؟ فهل رأيتم أحًدا من‬
‫الخلق أوجد في أحد السمع إذا سلب منه وهل يستطيع أحد أن يرد للعمللى البصللر الللذي ذهللب عنلله؟ لللو‬
‫حذاق‬
‫اجتمع أهل الرض كلهم على أن يجعلوا في عينه بصًرا ما استطاعوا ل الصنام ول الطباء ول ال ُ‬
‫خَذ‬
‫ن َأ َ‬
‫ل َأَرَأْيُتْم ِإ ْ‬
‫من العلماء‪ ،‬فالمشركون معترفون بأن أصنامهم ل تعمل أي شيء من ذلك قال تعالى‪ُ } :‬ق ْ‬
‫لل َيلْأِتيُكم ِبلِه {‪ ((1‬ل يوجللد أحللد يجيللب عللن هللذا‬
‫غْيلُر ا ِّ‬
‫ن ِإَلللٌه َ‬
‫عَلى ُقُلوِبُكم ّم ْ‬
‫خَتَم َ‬
‫صاَرُكْم َو َ‬
‫سْمَعُكْم َوَأْب َ‬
‫ل َ‬
‫ا ُّ‬
‫السؤال ول أحد يستطيع غير ال أن يأتي بالسمع والبصر‪.‬‬

‫)‪ (1‬يونس‪31 :‬‬

‫)‪ (2‬المؤمنون‪87-84 :‬‬

‫)‪ (1‬النعام‪46 :‬‬

‫‪10‬‬
‫ي { هذا ملن العجلائب يخلرج الحلي ملن الميلت‬
‫حّ‬
‫ن اْل َ‬
‫ت ِم َ‬
‫ج اْلَمّي َ‬
‫خِر ُ‬
‫ت َوُي ْ‬
‫ن اْلَمّي ِ‬
‫ي ِم َ‬
‫حّ‬
‫ج اْل َ‬
‫خِر ُ‬
‫} َوَمن ُي ْ‬
‫ي { يخرج الكافر من المؤمن‬
‫حّ‬
‫ن اْل َ‬
‫ت ِم َ‬
‫ج اْلَمّي َ‬
‫خِر ُ‬
‫ُيخرج الزرع من الحّبة ويخرج المؤمن من الكافر } َوُي ْ‬
‫لمَْر { هللذا عمللوم‪.‬‬
‫ويخرج البيضة من الطائر‪ .‬الذي يقدر على هذا هو ال سبحانه وتعالى‪َ } :‬وَمن ُيَدّبُر ا َ‬
‫يعني كل المور من الموت والحياة والمرض والصحة والكفللر واليمللان والغنللى والفقللر والليللل والنهللار‬
‫والعز والذل والملك يعطي ذلك من يشاء ويأخلذه مملن يشلاء كلل ملا يجلري فلي هلذا الكلون ملن تقلبلات‬
‫وتغّيرات من الذي يوجد هللذه التغيللرات وهللذه التقلبللات؟ فسلليقولون اللل‪ ،‬فقللال الل لنللبيه ‪َ}: ‬فُقل ْ‬
‫ل َأَف َ‬
‫ل‬
‫ن{ ما دام أنكم معترفون أن هذه المور بيد ال وأن أصنامكم ل تفعل شلليًئا منهللا أفل تتقللون الل عللز‬
‫َتّتُقو َ‬
‫وجل وتوحدونه وتفردونه بالعبادة لنكم إن لم تتقوا ال فإن ال يعذبكم لنه أقام عليكم الحجة وقطللع منكللم‬
‫ق ِإ ّ‬
‫ل‬ ‫حل ّ‬
‫ق َفَماَذا َبعْ لَد اْل َ‬
‫حّ‬
‫ل َرّبكُُم اْل َ‬
‫المعذرة فلم يبق إل العذاب ما دمتم عرفتم الحق ولم تعملوا به } َفَذِلُكُم ا ّ‬
‫ن {‪ ((2‬تبين لكم أن العبادة حق ل تعالى فل معبود بحق إل ال سللبحانه وتعللالى فللإن‬
‫صَرُفو َ‬
‫ل َفَأّنى ُت ْ‬
‫لُ‬‫ضَ‬
‫ال ّ‬
‫لم تعبدوه فإن هذا ضلل فملاذا بعلد الحلق اللذي هلو التوحيلد وإفلراد الل بالعبلادة إل الضللل اللذي هلو‬
‫الشرك‪.‬‬
‫صا في أمر التوحيد والعقيدة‪ .‬يقبل الحق إذا تبين له‬
‫فليحذر المسلم من هذا وليقبل الحق إذا تبين له خصو ً‬
‫ن‪،‬‬
‫ض َوَمللن ِفيَهللا ِإن ُكنُتلْم َتْعَلُمللو َ‬
‫لْر ُ‬
‫نا َ‬
‫ويخاف أن يصرف عنه فل يقبله بعد ذلك وقوله تعالى‪ُ } :‬قللل ّلَمل ِ‬
‫ل َأَف َ‬
‫ل‬ ‫لل ُقل ْ‬
‫ن ِّ‬
‫سلَيُقوُلو َ‬
‫ظيلِم‪َ ،‬‬
‫ش اْلعَ ِ‬
‫ب اْلعَلْر ِ‬
‫سلْبِع َوَر ّ‬
‫ت ال ّ‬
‫سلَماَوا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫ل َمن ّر ّ‬
‫ن‪ُ ،‬ق ْ‬
‫ل َتَذّكُرو َ‬
‫ل َأَف َ‬
‫ل ُق ْ‬
‫ن ِّ‬
‫سَيُقوُلو َ‬
‫َ‬
‫ل َفلَأّنى‬
‫لل ُقل ْ‬
‫ن ِّ‬
‫سلَيُقوُلو َ‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫عَلْيلِه ِإن ُكنُتلْم َتْعَلمُللو َ‬
‫جاُر َ‬
‫جيُر َول ُي َ‬
‫يٍء َوُهَو ُي ِ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫ت ُك ّ‬
‫ل َمن ِبَيِدِه َمَلُكو ُ‬
‫ن‪ُ ،‬ق ْ‬
‫َتّتُقو َ‬
‫ن {‪ ((3‬هذه آيات من سورة المؤمنون مثل اليات التي في سورة يونس التي ساقها المصّنف ومثللل‬
‫حُرو َ‬
‫سَ‬‫ُت ْ‬
‫غيرها من اليات التي تقرر أن المشركين يعترفون ل بربوبيته ولكنهم يعارضون في توحيد اللوهية‪.‬‬
‫ل { مادامت الرض ومن فيهللا لل‬
‫ن ِّ‬
‫سَيُقوُلو َ‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫ض َوَمن ِفيَها ِإن ُكنُتْم َتْعَلُمو َ‬
‫لْر ُ‬
‫نا َ‬
‫قال تعالى‪ُ } :‬قل ّلَم ِ‬
‫كيف تعبدون الصنام التي ل تملك شيًئا وتعبدون القبور الميتة التي ل حياة في أصحابها؟‬
‫ن { أفل تذكرون أن الذي يملك الرض ومن فيها هو المستحق للعبادة دون هذه الصنام‬
‫ل َتَذّكُرو َ‬
‫} َأَف َ‬
‫التي تعبدونها‪.‬‬
‫وهذا إقامة للحجة عليهم بما يعترفون به على ما جحدوه فهم يعترفون بتوحيد الربوبية ويجحدون توحيد‬
‫اللوهية‪.‬‬
‫] فإذا تحققت أنهم مقّرون بهذا‪ ،‬ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول ال ‪ ‬وعرفت أنت‬
‫التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننخخا العتقخخاد [ أي إذا عرفللت أن‬
‫المشركين مقرون بتوحيد الربوبية وأن الذي جحدوه هو توحيد اللوهية وهللم يقولللون إن الل هللو الخللالق‬
‫يٌء‬
‫شل ْ‬
‫ن َهلَذا َل َ‬
‫حًدا ِإ ّ‬
‫ل الِلَهَة ِإَلًها َوا ِ‬
‫جعَ َ‬
‫الرازق المحيي المميت لكن إذا قيل لهم قولوا ل إله إل ال قالوا‪َ } :‬أ َ‬

‫)‪ (2‬يونس‪32 :‬‬

‫)‪ (3‬المؤمنون‪89-84 :‬‬

‫‪11‬‬
‫ب {‪ ((1‬أي إذا قيل لهم اعبدوا ال ول تشركوا به شيًئا قالوا كمللا قللال قللوم نللوح مللن قبللل‪ } :‬ل َتلَذُر ّ‬
‫ن‬ ‫جا ٌ‬
‫عَ‬‫ُ‬
‫سًرا {‪.((2‬‬
‫ق َوَن ْ‬
‫ث َوَيُعو َ‬
‫عا َول َيُغو َ‬
‫سَوا ً‬
‫ن َوّدا َول ُ‬
‫آِلَهَتُكْم َول َتَذُر ّ‬
‫كذلك هؤلء المشركون كان الجدال الذي بينهم وبين الرسول ‪ ‬هو في عبادة ال وحده ل شريك للله‪،‬‬
‫حًدا {‪.((3‬‬
‫ل الِلَهَة ِإَلًها َوا ِ‬ ‫فالرسول ‪ ‬يقول لهم قولوا ل إله إل ال تفلحوا وهم يقولون‪َ } :‬أ َ‬
‫جَع َ‬
‫ويقولون هذا دين آبائنا وأجدادنا حتى إن أبا طالب عند الوفاة لما طلب منه الرسول ‪ ‬أن يقول‪ » :‬ل‬
‫إله إل ال « أبى أن يقولها‪ .‬وقال‪ :‬هو على ملة عبد المطلب‪ ، ((4‬وملة عبد المطلب عبادة الصنام‪ .‬هذا هو‬
‫محل النزاع بين الرسل وبين المم فالرسل يقولون للمم اعبدوا ال ول تشركوا به شيًئا ولكن المشللركين‬
‫أبوا إل البقاء على عبادة الصنام‪ ،‬فالخصومة بين الرسل وبين المم هي في توحيد اللوهيللة‪ .‬أمللا توحيللد‬
‫الربوبية فهو محل إجماع عند الجميع لم يخالفوا فيه وإنما خلالفوا فلي توحيلد اللوهيلة فهللو محللل النلزاع‬
‫وهو الذي شرع من أجله الجهاد في سبيل ال يقول الرسول ‪ » : ‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولللوا ل‬
‫إله إل ال «‪.((5‬‬
‫فلو كان الرسول ‪ ‬يطلب منهم القرار بتوحيلد الربوبيلة مللا صللار بينهللم خصللومة ول نللزاع لنهللم‬
‫ل ونهاًرا [ وهذا أمر ثان مللن شللأن المشللركين كمللا أنهللم‬
‫معترفون به‪ ] .‬كما كانوا يدعون ال سبحانه لي ً‬
‫ضللا يعبلدون الل فيلدعونه ويحجللون إللى اللبيت ويعتملرون ويتصلدقون‬
‫يعترفون بتوحيد الربوبية فهلم أي ً‬
‫ويعبدون ال بأنواع من العبادة لكنهم يخلطونها بالشرك بحيث يعبدون ال ويعبدون غيره‪ ،‬وهذا ل ينفعهللم‬
‫ل َو َ‬
‫ل‬ ‫عُبُدوْا ا َّ‬
‫شيًئا لن الشرك يبطل عبادتهم فالعبادة ل تنفع إل مع الخلص ولهذا يقول جل وعل‪َ } :‬وا ْ‬
‫‪((6‬‬
‫ش لِر ْ‬
‫ك‬ ‫حا َول ُي ْ‬
‫صللاِل ً‬
‫ل َ‬
‫عمَ ً‬
‫ل َ‬
‫جو ِلَقاَء َرّب لِه َفْلَيْعمَ ل ْ‬
‫ن َيْر ُ‬
‫وقال سبحانه وتعالى‪َ } :‬فَمن َكا َ‬ ‫شْيًئا {‬
‫شِرُكوْا ِبِه َ‬
‫ُت ْ‬
‫حا‪.‬‬ ‫حًدا {‪ .((7‬ما اقتصر على قوله فليعمل عم ً‬
‫ل صال ً‬ ‫ِبِعَباَدِة َرّبِه َأ َ‬
‫ل كثيرة فإنها تبطل ول تنفع‪.‬‬
‫بل لبد أن يتجنب الشرك فإذا كان لم يتجنب الشرك ولو كان يعمل أعما ً‬
‫سلم‪ ،‬فكانوا في‬
‫فالمشركون كان عندهم عبادات ل عز وجل وهي من بقايا دين إبراهيم الخليل عليه ال ّ‬
‫البداية على دين إبراهيم ولكن لما جاء عمرو بن لحي الخزاعي غّير دينهم وأدخل فيه الشرك‪ ،‬لكن بقيللت‬
‫صا إذا وقعوا في الشللدة فللإنهم يخلصللون‬
‫بقايا من دين إبراهيم عندهم وهم مشركون فهم يدعون ال خصو ً‬

‫)‪ (1‬ص~‪5:‬‬

‫)‪ (2‬نوح‪23 :‬‬

‫)‪ (3‬ص~‪5:‬‬

‫)‪ (4‬رواه البخاري في صحيحه ‪ 6/17،18‬من حديث المسيب بن حزن رضي ال عنه كتاب التفسير )سللورة القصللص(‪ ،‬وانظللر الفتللح‬
‫‪.3/222 ،6-8/5‬‬
‫)‪ (5‬رواه البخاري في صحيحه ‪ ،141-9/140‬كتاب العتصام باب القتداء بسنن رسول ال ‪ ... ‬من حديث أبي هريللرة رضللي الل‬
‫عنه وفي رواية‪ » :‬إلى أن يشهدوا أن ل إله إل ال « صحيح البخاري ‪،1/11‬ل ‪ 12‬كتاب اليمان باب فإن تللابوا وأقللاموا الصلللة وآتللوا‬
‫الزكاة فخّلوا سبيلهم‪.‬‬
‫)‪ (6‬النساء‪36 :‬‬

‫)‪ (7‬الكهف‪110 :‬‬

‫‪12‬‬
‫الدعاء ل عز وجل ويتركون دعاء الصنام لنها ل تنفلع فللي هلذا الموقللف ول تنجللدهم فللي وقللت الشلدة‬
‫جللاُكْم ِإَلللى اْلَبلّر‬
‫ل ِإّيللاُه َفَلّمللا َن ّ‬
‫ن ِإ ّ‬
‫عو َ‬
‫ل َمللن َتلْد ُ‬
‫ضل ّ‬
‫حلِر َ‬
‫ضّر ِفللي اْلَب ْ‬
‫سُكُم اْل ّ‬
‫عليهم بهذا فقال سبحانه‪َ } :‬وِإَذا َم ّ‬
‫ن َل لُه ال لّدي َ‬
‫ن‬ ‫صللي َ‬
‫خِل ِ‬
‫ل ُم ْ‬
‫عُوا ا َّ‬
‫ل َد َ‬
‫ظَل ِ‬
‫ج َكال ّ‬
‫شَيُهم ّمْو ٌ‬
‫غِ‬‫ن َكُفوًرا {‪ ((1‬وقال تعالى‪َ } :‬وِإَذا َ‬
‫سا ُ‬
‫لْن َ‬
‫نا ِ‬
‫ضُتْم َوَكا َ‬
‫عَر ْ‬
‫َأ ْ‬
‫خّتاٍر كَُفوٍر {‪.((2‬‬
‫ل َ‬
‫ل ُك ّ‬
‫حُد ِبآَياِتَنا ِإ ّ‬
‫جَ‬
‫صٌد َوَما َي ْ‬
‫جاُهْم ِإَلى اْلَبّر َفِمْنُهم ّمْقَت ِ‬
‫َفَلّما َن ّ‬
‫جللون‬
‫فالعبادات إذا خالطها شرك تكون باطلة‪ .‬فالذين يلّدعون السلللم الن ويصلّلون ويصللومون ويح ّ‬
‫عون الحسلين والبللدوي وعبللد القللادر الجيلنلي هللؤلء مثلل المشلركين الوليلن؛ فالمشلركون‬
‫ولكنهللم َيلْد ُ‬
‫يتعبدون ل عز وجل ولكنهم يدعون اللت والعزى ومناة الثالثة الخلرى ول يقوللون إن هلذه أربلاب بلل‬
‫يقولون هذه تقربنا إلى ال زلفى نريد منها الزلفى عند ال والتقللرب إلللى اللل‪ ،‬فهللي وسللائط وشللفعاء بيننللا‬
‫وبين ال‪ .‬وهؤلء يقولون الحسن والحسين وعبد القادر والبدوي إنما هم شللفعاء لنللا عنللد ال ل ول يقولللون‬
‫إنهم يخلقون ويرزقون ويتصرفون في شيء مللن المللور وإنمللا هللذا لل عللز وجللل‪ ،‬إنمللا هللؤلء وسللائط‬
‫ضا؟!‪.‬‬
‫وشفعاء‪ .‬ويقول بعض الناس هؤلء مسلمون فنقول ولماذا ل يكون كفار قريش مسلمين أي ً‬
‫وهذا القائل ليس عنده فهم للتوحيد ول بصيرة لنه ما فهم التوحيد‪ .‬والواجب علللى النسللان أن يعللرف‬
‫هذا المر لنه مهم جًدا وهذه هي الثقافة الصللحيحة‪ .‬ليسللت الثقافللة أن تعللرف أحللوال العللالم والحكومللات‬
‫والسياسات‪ ،‬هذه ثقافة ل تنفع ول تضر‪ .‬الثقافة التي تنفع هي معرفة التوحيد الصحيح ومعرفة مللا يضللاده‬
‫من الشرك أو ينقصه من البدع والمحدثات‪ ،‬هذه هي الثقافة الصحيحة وهذا هو المطلوب من المسلم ومللن‬
‫طالب العلم أن يعرف التوحيد وأن يدعو إليه هذا هو المطلوب‪ .‬ماذا ينفع العلم الكثير من غير تحقيق ومن‬
‫غير بصيرة؟ ل ينفع شيًئا ول يفيد صاحبه شيًئا إذا لم يكن مبنًيا على تحقيق وتوحيللد وعبللادة ل ل ومعرفللة‬
‫للحق من الباطل فإنه ل ينفع صاحبه إذا كان مجرد اطلع أو مجرد ثقافة عامة‪.‬‬
‫حا مثخخل‬
‫ل صخخال ً‬
‫] ثم منهم من يدعو الملئكة لجل صلحهم وقربهم من ال ليشفعوا له‪ ،‬أو يدعو رج ً‬
‫اللت أو نبًيا مثل عيسى [ هؤلء المشركون متفرقون في عباداتهم منهم من يعبد الملئكة ومنهم من يعبد‬
‫صالحين‪ .‬هذا دين المشركين وهو الواقع في كللثير مللن العللالم السلللمي‬
‫عيسى بن مريم ومنهم من يعبد ال ّ‬
‫جون ويصومون ويصلّلون لكنهللم واقعللون فللي الشللرك الكللبر فيعبللدون‬
‫اليوم مع السف يعبدون ال ويح ّ‬
‫الموات ويذبحون لهم ويستغيثون بهم وقد يعتذر لهم بعض من ل بصيرة عنده بالتوحيد‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬هؤلء معلذورون ول يعتقلدون فلي الملوات أنهلم يخلقلون ويرزقلون وإنملا اتخلذوهم وسلائط‬
‫وشفعاء‪ ،‬فإن استحيى قال‪ :‬هؤلء مخطئون وربمللا يقللول‪ :‬هللؤلء مجتهللدون والمجتهللد مللأجور أو يقللول‪:‬‬
‫ل والقرآن يتلى عليهم والحاديث تسمع وكلم أهل العلللم يللتردد عليهللم‪،‬‬
‫هؤلء جهال‪ ،‬وكيف يكونون جها ً‬
‫جة فلم يقبلوها‪ .‬وهناك من يقول إن النسان مهما فعل ومهمللا‬
‫بل هؤلء معاندون لنهم قد قامت عليهم الح ّ‬
‫قال ل يحكم عليه بالكفر ول بالشرك حتى يعلم ما في قلبه‪ ،‬ويا سبحان ال هل نحن نعلم ما في القلللوب أو‬
‫ال الذي يعلم ما في القلوب؟ نحن نحكم على الظللواهر أمللا البللواطن فل يعلمهللا إل الل سللبحانه وتعللالى‪،‬‬

‫)‪ (1‬السراء‪67 :‬‬

‫)‪ (2‬لقمان‪32 :‬‬

‫‪13‬‬
‫فالذي يعمل بالشرك يحكم عليه أنه مشرك ويعامل معاملة المشركين حللتى يتللوب إلللى الل تعللالى ويلللتزم‬
‫بعقيدة التوحيد‪ .‬كما أن الذي يعمل بالتوحيد وينطق بالشهادتين يعامل معاملة المسلمين ما لم يظهر منه مللا‬
‫ل حسب ما يظهر منه‪.‬‬
‫يناقض ذلك فنعامل ك ً‬
‫] وعرفت أن رسول ال ‪ ‬قاتلهم على هذا الشرك‪ ،‬ودعاهم إلى إخلص العبادة ل وحده‪ ،‬كما قال‬
‫حًدا {‪ [ ((1‬أي وعرفت أن َتَعّبدُهم ل مع الشرك به لم ينفعهم‬
‫ل َأ َ‬
‫عوا َمَع ا ِّ‬
‫ل َفل َتْد ُ‬
‫جَد ِّ‬
‫سا ِ‬
‫ن اْلَم َ‬
‫تعالى‪َ } :‬وَأ ّ‬
‫لن الرسول ‪ ‬لم يقبله منهم بل دعاهم إلى إفراد ال بالعبادة وتللرك عبللادة مللا سللواه‪ .‬وهللذه اليللة تمنللع‬
‫عبادة الملئكة وتمنع عبادة الرسل وتمنع عبادة الصالحين ففيها إبطال عبادة غير ال عز وجل كائًنللأ مللن‬
‫كان ولو كان أصحابها ل يعتقدون فيهم أنهم يخلقون ويرزقون‪.‬‬
‫وإنما يقولون إن هؤلء صالحون فيتخذونهم وسائط بينهللم وبيللن الل وشللفعاء لهللم عنلد الل علّز وجل ّ‬
‫ل‬
‫ل َينَفُعهُْم َوَيُقوُلونَ َهلللُؤلِء‬
‫ضّرُهْم َو َ‬
‫ل َي ُ‬
‫ل َما َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ِمن ُدو ِ‬
‫يقربونهم إلى ال زلفى كما قال تعالى‪َ } :‬وَيْعُبُدو َ‬
‫‪((2‬‬
‫وفي زماننا الحاضر يقولون هؤلء وسائل نتوسل بهم إلى ال عللز وجللل وهللذا كللله‬ ‫ل{‬
‫عنَد ا ِّ‬
‫شَفَعاُؤَنا ِ‬
‫ُ‬
‫دين الجاهلية وهو باطل‪ .‬لّنه عبادة لغير ال عز وجل‪.‬‬
‫يٍء {‪ [((3‬للله دعللوة‬
‫شخ ْ‬
‫ن َلُهخخم ِب َ‬
‫جيُبو َ‬
‫س خَت ِ‬
‫ن ِمن ُدوِنِه لَ َي ْ‬
‫عو َ‬
‫ن َيْد ُ‬
‫ق َواّلِذي َ‬
‫ح ّ‬
‫عَوُة اْل َ‬
‫] وكما قال تعالى‪َ } :‬لُه َد ْ‬
‫‪((4‬‬
‫وال جللل وعل ل يقبللل إل دعللوة‬ ‫ص{‬
‫خاِل ُ‬
‫ن اْل َ‬
‫ل الّدي ُ‬
‫الحق أي العبادة الصحيحة كما قال تعالى‪َ } :‬أل ِّ‬
‫الحق يعني الدين الخالص‪ ،‬أما الذي يعبد ال ويعبد معه غيره فهذه دعوة شرك ل يقبلها ال‪.‬‬
‫ن ِمن ُدوِنِه { عام في كل من دعي من دونه سواء من الملئكة أو من الرسل أو‬
‫عو َ‬
‫ن َيْد ُ‬
‫وقوله‪َ } :‬واّلِذي َ‬
‫يٍء { أي ل يسللتجيبون لمللن‬
‫شل ْ‬
‫ن َلُهم ِب َ‬
‫جيُبو َ‬
‫سَت ِ‬
‫ل َي ْ‬
‫من الصالحين أو من الصنام أو من أي شيء وقوله‪َ } :‬‬
‫دعاهم بشيء لنهم عاجزون ل يقدرون على شيء‪.‬‬
‫) فائدة في بيان معنى الرب والله (‬
‫ل سورة النللاس‪ ،‬يقللول‬
‫ال جل وعل في القرآن ذكر الرب في مواضع‪ ،‬وذكر الله في مواضع‪ .‬خذ مث ً‬
‫‪((5‬‬
‫فمللا الفللرق‬ ‫س{‬
‫س‪ِ ،‬إَلِه الّنللا ِ‬
‫ك الّنا ِ‬
‫س‪َ ،‬مِل ِ‬
‫ب الّنا ِ‬
‫عوُذ ِبَر ّ‬
‫ل َأ ُ‬
‫سبحانه وتعالى‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم } ُق ْ‬
‫بين رب الناس وإله الناس؟ هل هملا بمعنلى واحلد؟ إًذا يكلون الكلم مكلرًرا أو أنهملا بمعنييلن فلبلد ملن‬
‫سلْبِع َوَر ّ‬
‫ب‬ ‫ت ال ّ‬
‫سلَماَوا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫ل َمللن ّر ّ‬
‫معرفة الفرق بينهما‪ ،‬وكثيًرا مللا يللأتي ذكللر الللرب كقللوله تعللالى‪ُ } :‬قل ْ‬
‫ل {‪ .((6‬فتكرر لفظ الرب وتكرر لفظ الله فما معنى كللل منهمللا؟ فللالرب معنللاه‬
‫ن ِّ‬
‫سَيُقوُلو َ‬
‫ظيِم‪َ ،‬‬
‫ش اْلَع ِ‬
‫اْلَعْر ِ‬

‫)‪ (1‬الجن‪18 :‬‬

‫)‪ (2‬يونس‪18 :‬‬

‫)‪ (3‬الرعد‪14 :‬‬

‫)‪ (4‬الزمر‪3 :‬‬

‫)‪ (5‬الناس‪3-1 :‬‬

‫)‪ (6‬المؤمنون‪87-86 :‬‬

‫‪14‬‬
‫المربي لخلقه بنعمه ومغذيهم برزقه تربية جسمية بالرزاق والطعام‪ ،‬وتربية قلبية روحية بالوحي والعلللم‬
‫الّنافع وإرسال الرسل‪.‬‬
‫ومن معاني الرب أنه المالك للسماوات والرض فرب الشي مالكه والمتصرف فيه‪ ،‬ومن معاني الرب‬
‫المصلح الذي يصلح الشياء ويدفع عنها ملا يفسلدها‪ ،‬فلال سلبحانه وتعلالى هلو اللذي يصللح هلذا الكلون‬
‫وينظمه على مقتضى إرادته وحكمته سبحانه وتعالى‪ .‬أما الله فمعناه المعبود من أله يأله بمعنى عبد ُيعَبد‬
‫فإله معناه معبود وليس معناه الرب وإنما معناه المعبود واللهية هي العبادة والوله هو الحب لنه سللبحانه‬
‫وتعالى يحبه عباده المؤمنون ويخافونه ويرجونه ويتقربون إليله‪ .‬هللذا هللو معنللى الللله فتللبين الفللرق بيللن‬
‫معنى الرب ومعنى الله وأنهما ليسا بمعنى واحد ومن قال إنهما بمعنى واحد فقد غلط‪ ،‬والعلمللاء يقولللون‬
‫إذا ذكرا جميًعا صار الرب له معنى والله له معنى‪ ،‬وإذا ذكر واحد دخل فيلله معنللى الللرب أمللا إذا ذكللرا‬
‫جميًعا مثل ما في سورة الناس فإنه يكون للرب معنى وللله معنى آخر كما في لفللظ الفقيللر والمسللكين إذا‬
‫‪((1‬‬
‫صللار للفقيللر معنللى وللمسللكين‬ ‫ن{‬
‫سللاِكي ِ‬
‫ت ِلْلُفَقَراِء َواْلَم َ‬
‫صَدَقا ُ‬
‫ذكرا جميًعا كما في قوله تعالى‪ِ } :‬إّنَما ال ّ‬
‫ل مللن‬
‫معنى‪ ،‬فالفقير هو الذي ل يجد شيًئا وأما المسكين فهو الذي يجد بعض الكفاية فالمسكين أحسللن حللا ً‬
‫الفقير‪ .‬ومثل لفللظ السلللم واليمللان إذا ذكللر السلللم واليمللان صللار السلللم معنللاه العمللال الظللاهرة‬
‫واليمان معناه العمال الباطنة كما في حديث جبريل‪ :‬قال أخبرني عن السلم قال‪ « :‬السلللم أن تشللهد‬
‫أن ل إله إل ال وأن محمًدا رسول الل وتقيللم الصلللة وتللؤتي الزكللاة وتصللوم رمضللان وتحللج الللبيت إن‬
‫سره بالركان الظاهرة‪ .‬قال أخبرني عن اليمان قال‪ « :‬أن تؤمن بللال وملئكتلله‬
‫ل «‪ .‬ف ّ‬
‫استطعت إليه سبي ً‬
‫وكتبه ورسله واليوم الخر وتؤمن بالقدر خيره وشره « ‪ . ((2‬ف ّ‬
‫سره بالعمال الباطنللة وهللو إيمللان القلللب‪.‬‬
‫هذا إذا ذكرا جميًعا صار لكل واحد معنى وإذا ذكر أحدهما وحده دخل فيه الخر‪ .‬ومن هنا نعرف الفللرق‬
‫ضا بين توحيد الربوبية وتوحيد اللوهيللة فتوحيللد الربوبيلة هلو القلرار بلأن الل هلو الخلالق واللرازق‬
‫أي ً‬
‫المحيي المميت أي العتراف بأفعال ال سبحانه وتعالى؛ وتوحيد اللوهية معناه إفراد الل بأعمللال العبللاد‬
‫التي يتقربون بها إليه مما شلرع‪ .‬هللذا معنللى توحيلد اللوهيللة فهنللاك فللرق بيللن توحيلد الربوبيلة وتوحيلد‬
‫اللوهية وما دمنا قد عرفنا معنى توحيد الربوبية وتوحيد اللوهية نأتي إللى حاللة المشللركين الللذين بعلث‬
‫إليهم رسول ال ‪ ‬فإنهم كانوا مقّرين بالّنوع الول الذي هو توحي الربوبية ولم يدخلهم في السلم‪ ،‬بللل‬
‫اعتبرهم الرسول ‪ ‬كفاًرا مشركين وقاتلهم وهم يقرون بتوحيللد الربوبيللة‪ ،‬فهللم أقللروا بتوحيللد الربوبيللة‬
‫جَعل َ‬
‫ل‬ ‫وجحدوا توحيد اللوهية لما طلب منهلم أن يفلردوا الل بالعبلادة ويلتركوا عبلادة الصلنام قلالوا‪َ } :‬أ َ‬
‫‪((3‬‬
‫لنه قال لهم قولوا ل إله إل ال فهم فهموا معنى ل إله إل اللل‬ ‫ب{‬
‫جا ٌ‬
‫عَ‬‫يٌء ُ‬
‫ش ْ‬
‫ن َهَذا َل َ‬
‫حًدا ِإ ّ‬
‫الِلَهَة ِإَلًها َوا ِ‬
‫وهو أنلله ل يعبلد إل الل وحلده ل شلريك لله وهلم لهللم أصللنام ولهللم معبللودات كللثيرة ل يريللدون تركهللا‬

‫)‪ (1‬التوبة‪60 :‬‬

‫)‪ (2‬رواه المام مسلم في صحيحه ‪ (1) 38-1/36‬كتاب اليمان )‪ (1‬باب بيان اليمان والسلم والحسان ووجوب اليمان بإثبات قدر‬
‫ال سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبري ممن ل يؤمن بالقدر وإغلظ القول معه من حديث عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه ‪.‬‬
‫)‪ (3‬ص‪5:‬‬

‫‪15‬‬
‫حلًدا { طلللب منللا‬
‫ل الِلَهَة ِإَلًهللا َوا ِ‬
‫جعَ َ‬
‫والقتصار على عبادة ال وهذا ل يرضيهم ولذلك أنكروا وقالوا‪َ } :‬أ َ‬
‫أن نعبد ال وحده ونترك عبادة اللت والعزى ومناة وهبل وغيرها من الصنام هذا شيء ل يعقل عنللدهم‬
‫‪((1‬‬
‫ملة آبائهم فهللذا احتجللاج بمللا عليلله آبللاؤهم؛ الحجللة الملعونللة الللتي‬ ‫خَرِة {‬
‫سِمْعَنا ِبَهَذا ِفي اْلِمّلِة ال ِ‬
‫} َما َ‬
‫‪((2‬‬
‫فهللم‬ ‫لوَلللى {‬
‫نا ُ‬
‫ل اْلُقُرو ِ‬
‫احتجت بها المم من قبل إذا دعوا إلى عبادة ال‪ .‬حتى فرعون يقول‪َ } :‬فَما َبا ُ‬
‫لّما فهموا معنى ل إله إل ال استغربوا هذا واستنكروه وتواصوا برفضه وفي الية الخرى يقول سلبحانه‬
‫ن {‪.((3‬‬
‫جُنو ٍ‬
‫عٍر مّ ْ‬
‫شا ِ‬
‫ن َأِئّنا َلَتاِرُكوا آِلهَِتَنا ِل َ‬
‫ن‪َ ،‬وَيُقوُلو َ‬
‫سَتْكِبُرو َ‬
‫ل َي ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل َلُهْم ل ِإَلَه ِإ ّ‬
‫فيهم‪ِ } :‬إّنُهْم َكاُنوا ِإَذا ِقي َ‬
‫وهذا يبين معنى ل إله إل ال تماًما ويوضحه ويقطع الجدال‪ ،‬فإن فيه رًدا على من غلط في معنى ل إله‬
‫إل ال‪ .‬فعلماء الكلم في مقرراتهم وعقائدهم يقولللون ل إللله إل الل معناهللا ل خللالق ول رازق ول قللادر‬
‫على الختراع إل ال هذا معنى الله عندهم‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال تعالى‪ » :‬والحاذق منهم من يقول‪ :‬الله هو القادر على الختراع‬
‫وهذا غلط وجهل كبير باللغة وبالشرع المطهللر إذ معنللى الللله المعبللود الللذي تللألهه القلللوب وتخضللع للله‬
‫وتتقرب إليه «‪ ((4‬فهم لم يفهموا معنى الله ولذلك يقولون ل إله إل ال ل ويكللثرون‪ ،‬ولهللم أوراد فللي الليللل‬
‫والنهار يرددونها ومع هذا يعبدون القبور والضرحة ويستغيثون بغير ال عز وجل‪ .‬فلم يفهمللوا معنللى ل‬
‫إله إل ال وأنها تطلب منهم ترك عبادة القبور والضرحة وعبادة مللا سللوى الل مللن الصللنام والشللجار‬
‫والحجار فإذا قالوها لزمهم ترك عبادة الوثان‪ ،‬أما هؤلء فقالوها وعبدوا غير ال‪ ،‬فالولون أحذق منهم‬
‫ولهذا يقول الشيخ‪ :‬ل خير في رجل جّهال المشركين أعلُم منه بمعنى ل إله إل ال‪.‬‬
‫] وتحققت أن رسول الخ ‪ ‬إنمخا قخاتلهم ليكخون الخدعاء كلخه لخ والنخذر كلخه لخ والذبخح كلخه لخ‬
‫والستغاثة كلها ل وجميع أنواع العبادة كلها ل [ أي ل يكون بعض ذلك ل وبعضه للبدوي وبعضه ل ل‬
‫وبعضه للحسين‪ ،‬لبد أن يكون الدعاء كله ل والذبح كله ل والنذر كله ل وسائر العبلادات كلهلا لل وهلذا‬
‫هو الدين الصحيح‪ ،‬أما أن تكون العبادة مشتركة بين ال وبين القبللور والضللرحة والوليللاء والصللالحين‬
‫فهذا ليس هو التوحيد بللل هللذا هللو ديللن المشللركين وإن كللان صللاحبه يعللترف بتوحيللد الربوبيللة ويصللوم‬
‫ويصلي ويحج ويعتمر إلى غير ذلك‪.‬‬
‫] وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في السلم [ أي لما كان إقرارهم بتوحيد الربوبيللة‬
‫ل على أن التوحيد المطلللوب ليللس هللو توحيللد‬
‫الذي ذكره ال عنهم وسجله عليهم لم يدخلهم في السلم‪ ،‬د ّ‬
‫الربوبية وإنما هو توحيد اللوهية وهو الفارق بين المسلم والكافر أما توحيد الربوبية فكل مقر بلله المسلللم‬
‫والكافر وهو ل ينفع وحده‪.‬‬

‫)‪ (1‬ص~‪7:‬‬

‫)‪ (2‬طه‪51 :‬‬

‫)‪ (3‬الصافات‪36-35 :‬‬

‫)‪ (4‬انظر معنى كلمه في التدمرية ص ‪ ،186 ،185‬تحقيق محمد بن عودة السعوي وفي مجموع الفتاوي ‪. 13/203‬‬

‫‪16‬‬
‫] وأن قصدهم الملئكة والولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلخى الخ بخذلك هخو الخخذي أحخخل دمخاءهم‬
‫وأموالهم [ أي أنهم لم يقولوا إن الملئكة والنبياء والولياء الذين يعبللدونهم يخلقللون ويرزقللون ويحيللون‬
‫ن ِمللن ُدو ِ‬
‫ن‬ ‫ويميتون ما قالوا هذا وإنما اتخذوهم شفعاء ووسائط بينهم وبين ال كما قللال تعللالى‪َ } :‬وَيْعُبلُدو َ‬
‫ل {‪ ((1‬ما أرادوا منهم إل الشفاعة وزعموا أن‬
‫عنَد ا ِّ‬
‫شَفَعاُؤَنا ِ‬
‫ن َهلُؤلِء ُ‬
‫ل َينَفُعُهْم َوَيُقوُلو َ‬
‫ضّرُهْم َو َ‬
‫ل َي ُ‬
‫ل َما َ‬
‫ا ِّ‬
‫هذا تعظيم ل يقولون‪ :‬ال عظيم ما يمكن أن نصل إليه بدعائنا لكن نتخذ من يوصل إليه حاجاتنا من عباده‬
‫الصالحين‪ ،‬من الملئكة والرسل والصالحين فقاسوا ال على ملوك الللدنيا اللذين يتوسلط عنللدهم أصلحاب‬
‫الحاجات بالمقربين عندهم‪ ،‬فهم لم يعتقدوا فيهم أنهم يخلقون ويرزقون كما يقللول الجهللال‪ :‬إن الشلرك هلو‬
‫اعتقاد أن أحًدا يخلق مع ال أو يرزق مع ال‪ ،‬هذا ما قاله أحد من عقلء بني آدم‪ ،‬وإنما قصللدهم الشللفاعة‬
‫ل ُزْلَفى {‪ ((2‬يقولون نحن عباد ضعفاء واللل جللل وعل‬
‫ل ِلُيَقّرُبوَنا ِإَلى ا ِّ‬
‫وفي الية الخرى‪َ } :‬ما َنْعُبُدُهْم ِإ ّ‬
‫شأنه عظيم ول نتوصل إليه فهؤلء يقربونا إلى ال زلفى‪ ،‬شّبهوا ال بملوك الدنيا هذا هو أصل الكفر فدل‬
‫على أنهم لم يعتقدوا فيهم الشرك في الربوبية وإنما اعتقدوا فيهم الشرك في اللوهية فإذا سللألت أي واحللد‬
‫الن يذبح للقبور أو ينذر لها ما الذي حملك على هذا؟ فإنهم يقولون كلهللم بلسللان واحللد‪ :‬وال ل مللا اعتقللدنا‬
‫أنهللم يخلقللون ويرزقللون وأنهللم يملكللون شلليًئا مللن السللماوات والرض إنمللا اعتقللدنا أنهللم وسللائط لنهللم‬
‫صالحون يوصلون إلى ال حاجاتنا ويبلغونه حاجاتنا هذا قصدنا‪ .‬ومع هذا سماهم ال مشركين وأمللر نللبيه‬
‫خلُذوُهْم‬
‫جللدّتُموُهْم َو ُ‬
‫ث َو َ‬
‫حْيل ُ‬
‫ن َ‬
‫شلِرِكي َ‬
‫حلُرُم َفللاْقُتُلوْا اْلمُ ْ‬
‫شلُهُر اْل ُ‬
‫لْ‬‫خا َ‬
‫سلَل َ‬
‫بجهللادهم كمللا قللال تعللالى‪َ } :‬فلِإَذا ان َ‬
‫غُفللوٌر‬
‫لل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫سلِبيَلهُْم ِإ ّ‬
‫خّلللوْا َ‬
‫لَة َوآَتلُوْا الّزكَللاَة َف َ‬
‫صَ‬‫صٍد َفِإن َتاُبوْا َوَأَقاُموْا ال ّ‬
‫ل َمْر َ‬
‫صُروُهْم َواْقُعُدوْا َلُهْم ُك ّ‬
‫ح ُ‬
‫َوا ْ‬
‫‪((3‬‬
‫مع أنهم يقولون ل نعتقد أنهم يخلقون ويرزقون ويدّبرون مع ال وإنما قصدنا اتخاذهم وسللائط‬ ‫حيٌم {‬
‫ّر ِ‬
‫فنحن نذبح لهم وننذر لهم ونتوسل بهم لن ال ل يصل إليه شيء من أمورنا إل بواسطتهم‪ ،‬فهم يوصلونه‬
‫إلى ال ويكونون وسائط يقربوننا إلى ال زلفى وشللفعاء عنللد اللل‪ ،‬هللذه شللبهتهم قللديًما وهللذه شللبهة عبللاد‬
‫ت ُقُلوُبُهْم { فتشابهت أقوالهم وأفعالهم‪.‬‬
‫شاَبَه ْ‬
‫القبور اليوم‪َ } .‬ت َ‬
‫] عرفت حينئٍذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن القرار به المشركون [ أي إذا فهمت ما سبق‬
‫من اليات البينات التي تدل على أن المشركين الولين لم يشركوا في الربوبية وإنما أشركوا في اللوهيللة‬
‫فاتخذوا اللهة من دون ال لتقربهم إلى ال عز وجل وتشفع لهم عنده‪ .‬إذا تبين لك هذا‪ .‬عرفت أن التوحيلد‬
‫الذي دعت إليه الرسل وجحللده المشلركون هلو توحيللد اللوهيلة ل توحيلد الربوبيلة وأن القلرار بتوحيللد‬
‫الربوبية وحده ل يكفي ول يدخل من أقّر به في السلم‪.‬‬
‫ومعرفة ذلك أمر مهم جًدا إذ به يعرف التوحيد والشرك والسلم والكفر‪ .‬والجهل بذلك ضرره عظيللم‬
‫وخطره كبير لن النسان قد يخرج من السلم وهو ل يدري‪.‬‬

‫)‪ (1‬يونس‪18:‬‬

‫)‪ (2‬الزمر‪3:‬‬

‫)‪ (3‬التوبة‪5 :‬‬

‫‪17‬‬
‫] وهذا التوحيد هو معنى قوله‪ :‬ل إله إل ال [ أي معنى ل إله إل الل هلو توحيلد اللوهيلة ل توحيلد‬
‫الربوبية لنه لو كان معناها توحيد الربوبيلة لملا قلال الرسلول ‪ ‬للمشلركين قوللوا ل إلله إل الل لنهلم‬
‫يقولون إن ال هو الخالق الرازق المحيي المميت وإنه حينئٍذ يطلب منهم ما هو تحصيل حاصللل ويقللاتلهم‬
‫على شيء يعترفون به ويقرون به؛ وهذا القول باطل‪.‬‬
‫] فإن الله عندهم هو الذي يقصد لجل هذه المور سواء كان ملًكا أو نبًيا أو ولًيا أو شجرة أو قخخبًرا‬
‫أو جنًيا [ هذا تعليل لما سبق في تقرير معنى ل إله إل ال وأنلله توحيللد اللوهيللة لن الللله عنللد مشللركي‬
‫العرب هو الذي يقصد لقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفان وليس الله عندهم هو الذي يخلق‬
‫ويرزق ويدبر ليس هذا هو الله عندهم فالشرك عندهم لم يقع في توحيد الربوبيللة وإنمللا وقللع فللي توحيللد‬
‫اللهية‪.‬‬
‫ن الله هو الخالق الرازق المدّبر‪ ،‬فإنهم يعلمون أن ذلك ل وحده‪ ،‬كما قدمت لخك وإنمخخا‬
‫] لم يريدوا أ ّ‬
‫يعنون بالله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ »السيد« [ أي ليللس الللله عنللد المشللركين الوليللن هللو‬
‫الخالق الرازق المدبر لن هلذا معنللى اللرب‪ ،‬وفلرق بيلن معنللى اللرب ومعنللى اللله وفلرق بيلن توحيلد‬
‫الربوبية وتوحيد اللوهية‪ ،‬وإنما يعنون بالله ما يعني المشركون في زماننا أي زمان المؤلف بلفظ السلليد‬
‫وإلى الن يسمون هؤلء الذي يّدعون صلحهم ويتقربون إليهلم يسلّمونهم السلادة كالسليد البلدوي والسليد‬
‫الرفاعي والسيد التيجاني‪ ،‬إلى غير ذلك يعتقدون أن هؤلء السادة لهم منزلة عند ال تؤهلهم أن يتوسللطوا‬
‫لهم عند ال وتؤهلهم أن ُيدعوا من دون ال ويذبح وينذر لهم ويطاف بقبللورهم ويتللبرك بهللا‪ .‬فالمشللركون‬
‫الولون يسمون هذه الشياء آلهة والمشركون المتأخرون يسمون هللذه الشللياء وسللائط ووسللائل وشللفعاء‬
‫والسماء ل تغّير الحقائق فهي آلهة‪.‬‬
‫] فأتاهم النبي ‪ ‬يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬والمراد من هذه الكلمة معناهخخا ل‬
‫مجرد لفظها [ أي أن النبي ‪ ‬دعا المشركين إلى تحقيق معنى‪ :‬ل إلله إل الل الللتي هللي كلمللة التوحيلد‪،‬‬
‫ومعناها‪ :‬ل معبود بحق إل ال وهو الذي بعث ال به رسوله إلى المشركين ولم يبعثه إليهللم يللدعوهم إلللى‬
‫توحيد الربوبية لنهم مقّرون به وهو ل يكفي‪ ،‬لنه قاتلهم وهم يقرون به‪ ،‬وملن قلال إنله يكفلي فلإنه يللزم‬
‫عليه تغليط الرسول ‪ ‬وأنه قاتل أنا ً‬
‫سا مسلمين يعترفون بل إله إل ال إذا فسرناها بتوحيد الربوبية وهو‬
‫القرار بالخالق الرازق القادر على الختراع‪ .‬ومع السف هذا التفسير الخاطئ لل إله إل ال موجود فللي‬
‫كتب العقائد التي أّلفها علماء الكلم وعلماء المنطق من المعتزلة والشاعرة واللتي تللدّرس فللي كللثير مللن‬
‫المعاهد السلمية الن‪ .‬وعقللائدهم مبنيللة علللى هللذا اللرأي وأن الللله معنللاه القللادر علللى الخللتراع فمللن‬
‫اعترف أن ال هو الخالق الرازق يعتبر موحًدا وأما من اعتقد أن أحًدا يخلللق أو يللرزق مللع الل فهللذا هللو‬
‫المشرك عندهم مع أن الشرك إنما وقع في توحيد اللوهية ولم يقع في هذا وليس هذا هو معنللى ل إللله إل‬
‫ال‪.‬‬
‫وإنما معناها‪ :‬ل معبود بحق إل ال فمن قال‪ :‬ل إله إل ال وجب عليه أن ُيفرد ال ل بالعبللادة وأن يللترك‬
‫عبادة ما سواه‪ ،‬فإن المقصود من هذه الكلمللة معناهللا والعمللل بمقتضللاها ل مجللرد النطللق بهللا دون عمللل‬

‫‪18‬‬
‫ل بمقتضللاها وهللو تللرك الشللرك‪ ،‬ول ينفعلله‬
‫بمعناها ومقتضاها‪ ،‬فمن قالها وهو يعبد غير ال لم يكن عللام ً‬
‫مجرد النطق بها لنه قد ناقض فعله قوله‪ ،‬والمشركون الولون لما سمعوا هذه الكلمة عرفوا معناها وأنلله‬
‫ب {‪.((1‬‬
‫جا ٌ‬
‫عَ‬‫يٌء ُ‬
‫ش ْ‬
‫ن َهَذا َل َ‬
‫حًدا ِإ ّ‬
‫ل الِلَهَة ِإَلًها َوا ِ‬
‫جَع َ‬
‫ليس المقصود التلفظ بها فقط ولذلك قالوا‪َ } :‬أ َ‬
‫سر ل إله إل ال بأن معناها هو إفراد ال بالحاكمية وهذا غلط‪ .‬لن الحاكميللة‬
‫وفي وقتنا هذا وجد من يف ّ‬
‫جزء من معنى ل إله إل ال وليست هي الصل لمعنى هذه الكلمة العظيمة‪ ،‬بل معناها ل معبللود بحللق إل‬
‫ال بجميع أنواع العبادات ويدخل فيها الحاكمية ولللو اقتصللر النللاس علللى الحاكميللة فقللاموا بهللا دون بقيللة‬
‫أنواع العبادة لم يكونوا مسلمين‪ ،‬ولهذا تجلد أصلحاب هلذه الفكلرة ل ينهلون علن الشلرك ول يهتملون بله‬
‫ويسمونه الشرك الساذج‪ ،‬وإنما الشرك عندهم الشرك في الحاكمية فقط وهو ما يسمونه الشرك السياسللي‪،‬‬
‫فلذلك يركزون عليه دون غيره‪ ،‬ويفسرون الشرك بأنه طاعة الحكام الظلمة‪.‬‬
‫] والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي ‪ ‬بهذه الكلمة هو إفراد ال تعالى بالتعلق والكفر بما يعبد‬
‫ن َهَذا‬
‫جَعَل الِلَهَة ِإَلًها َواحًِدا ِإ ّ‬
‫من دون ال والبراءة منه فإنه لما قال لهم‪ :‬قولوا‪ :‬ل إله إل ال قالوا‪َ } :‬أ َ‬
‫ب { [ أي الكفار يعرفون معنى ل إله إل ال ولهذا لما قال لهم ‪ ‬قولوا ل إله إل ال قالوا‪} :‬‬
‫جا ٌ‬
‫عَ‬‫يٌء ُ‬
‫ش ْ‬
‫َل َ‬
‫‪((2‬‬
‫ن‪،‬‬
‫جُنللو ٍ‬
‫عٍر ّم ْ‬
‫شللا ِ‬
‫ولما قال لهم قولوا ل إله إل ال قالوا‪َ } :‬أِئّنا َلَتاِرُكوا آِلهَِتَنللا ِل َ‬ ‫حًدا {‬
‫ل الِلَهَة ِإَلًها َوا ِ‬
‫جَع َ‬
‫َأ َ‬
‫‪((3‬‬
‫فهم فهموا معنى ل إللله إل ال ل وأبللوا أن يعللترفوا بلله لنلله ُيلِزُمهللم‬ ‫ن{‬
‫سِلي َ‬
‫ق اْلُمْر َ‬
‫صّد َ‬
‫ق َو َ‬
‫حّ‬
‫جاَء ِباْل َ‬
‫ل َ‬
‫َب ْ‬
‫بترك عبادة الصنام وهم ل يريدون هذا‪ ،‬وإنما يريدون البقاء على عبادة الصنام‪ .‬ولم يجرؤوا أن يقولللوا‬
‫ضا وهم يأنفون من التناقض‪ ،‬فللي حيللن أن كللثيًرا‬
‫ل إله إل ال ويبقوا على عبادة الصنام لن في هذا تناق ً‬
‫من المنتمين إلى السلم اليوم ل يللأنفون مللن هلذا التنللاقض فهللم يقولللون ل إللله إل الل بحروفهللا ولكنهللم‬
‫يخالفونها ويعبدون غير ال من القبور والضرحة والصالحين بل والشجار والحجار وغير ذلك‪ .‬فهم ل‬
‫يفهمون معنى ل إله إل ال‪.‬‬
‫فل يكفي التلفظ بل إله إل ال دون علم بمعناها وعمل بمقتضاها‪.‬‬
‫بل لبد من العلم بمعناها أّول ثم العمل بمقتضاها لنه ل يمكن أن يعمل بمقتضاها وهللو يجهللل معناهللا‬
‫‪((4‬‬
‫فبدأ بالعلم قبل‬ ‫ت{‬
‫ن َواْلُمْؤمَِنا ِ‬
‫ك َوِلْلُمْؤِمِني َ‬
‫سَتْغِفْر ِلَذنِب َ‬
‫ل َوا ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫عَلْم َأّنُه ل ِإَلَه ِإ ّ‬
‫ولهذا يقول جل وعل‪َ } :‬فا ْ‬
‫القول والعمل‪ ،‬فالذي يجهل معنى ل إله إل ال ل يمكن أن يعمل بمقتضاها على الوجه الصحيح‪.‬‬
‫] فإذا عرفت أن جّهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب مّمن يّدعي السلم وهو ل يعرف مخخن تفسخخير هخخذه‬
‫الكلمة ما عرفه جهال الكفرة‪ .‬بل يظن أن ذلك هو التلفخخظ بحروفهخخا مخخن غيخخر اعتقخخاد القلخخب لشخخيء مخخن‬
‫المعاني [ هذا من أعجب العجب أن جهال الكفار والمشركين في عهلد النلبي ‪ ‬يعرفلون أن معنلى هلذه‬
‫الكلمة هو إخلص العبادة ل وترك عبادة غيره فلذلك امتنعوا عن النطق بها تحاش لًيا لللترك عبللادة آلهتهللم‬

‫)‪ (1‬ص~‪5:‬‬

‫)‪ (2‬ص~‪5:‬‬

‫)‪ (3‬الصافات‪37-36 :‬‬

‫)‪ (4‬محمد‪19 :‬‬

‫‪19‬‬
‫وتعصًبا لباطلهم؛ ومن يدعي السلم اليوم ل يفهم أن معنى هذه الكلمة هو ترك عبادة القبور والضللرحة‬
‫وإخلص العبادة ل‪ ،‬فلذلك صار يقولها وهو مقيللم علللى شلركه ل يللأنف التنللاقض والجمللع بيللن الضللدين‬
‫فصار جهال الكفار أعلم منه بمعنى ل إله إل ال‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العظيم‪ .‬وصللار هللذا المللدعي‬
‫للسلم يظن أن المراد بهذه الكلمة هو النطق بحروفها من غير اعتقاد لمعناهللا فصللار يللردد معهللا دعللاء‬
‫ل ونهاًر‪.‬‬
‫الموتى والمقبورين لي ً‬
‫] والحاذق منهم يظن أن معناها ل يخلق ول يرزق ول يدبر المر إل ال [ كما ذكر ذلك شيخ السلم‬
‫ابن تيمية في الرسالة التدمرية وغيرها ‪ ((1‬عن علمللاء الكلم أن الللله عنللدهم هللو القللادر علللى الخللتراع‬
‫يعني هو الذي يقدر على الخلق والرزق والحياء والماتة ويبنون عقائدهم على هذا ويفسللرون ل إللله إل‬
‫ال بهذا المعنى ويجعلون التوحيد هو القرار بتوحيد الربوبية وهذا غلط عظيم‪.‬‬
‫فإذا كان هذا حال العالم منهم فكيف بالجاهل؟ وما هذا إل من قلة الهتمام بدعوة التوحيد وتقليللد البللاء‬
‫والجداد والكتفاء من السلم بمجرد النتساب لغراض وأهداف دنيوية ال أعلم بها‪ .‬مللن غيللر تع لّرف‬
‫على الدين الحقيقي الذي أساسه التوحيد الخالص‪.‬‬
‫جّهاُل الكفار أعلم منه بمعنى ل إله إل ال [ ل خير في رجللل يللدعي السلللم بللل‬
‫] فل خير في رجل ُ‬
‫يدعي أنه من أهل العلم ول يفهم معنى ل إله إل ال وقد فهمها كفار قريش وعرفوا معناها‪.‬‬
‫إن المر خطير‪ ،‬والعار شنيع‪ ،‬والواجب على المسلمين أن ينتبهوا لدينهم ويتأملوا دعوة نبيهم ويفقهللوا‬
‫حا ويقيموه على أساس سليم من عقيدة التوحيللد والللبراءة مللن الشللرك وأهللله‪ ،‬ول يكتفللوا‬
‫دينهم فقًها صحي ً‬
‫بمجرد التسمي والنتساب إليه مع البقاء على الرسوم والعادات المخالفللة للله‪ ،‬وترديللد عبللارات جوفللاء ل‬
‫تسمن ول تغني من جوع‪.‬‬
‫] إذا عرفت ما قلت لك معرفة قلب [ أي إذا عرفت ما ذكرت لك من الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد‬
‫حّلت‬
‫اللوهية وعرفت أن المشركين أقروا بالول وجحللدوا الثللاني فلللم يلدخلهم فللي السلللم وُقِتُلللوا واسلُت ِ‬
‫دماؤهم وأموالهم‪ ،‬إذا عرفت هذه المور معرفة قلب ل معرفة لسان فقط كأن يحفظ النسللان هللذا المعنللى‬
‫وُيؤديه في المتحان وينجح فيه ولم يتفّقه فيه في قلبه ويفهمه تمامًللا فهللذا ل يكفللي‪ .‬فللالعلم هللو علللم القلللب‬
‫وعلم البصيرة ل علم اللسان فقط‪.‬‬
‫شاء‬
‫ك لَِمن َي َ‬
‫ن َذِل َ‬
‫ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ‬
‫شَر َ‬
‫ل َل َيْغِفُر َأن ُي ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫] وعرفت الشرك بال الذي قال ال فيه‪ِ } :‬إ ّ‬
‫‪((2‬‬
‫[ أي الشرك في العبادة ل الشرك الذي هو اعتقاد أن أحًدا يخلق ويرزق ويدبر مع ال ل بللل الشللرك‬ ‫{‬
‫الذي حّذر ال منه هو اعتقاد أن أحًدا يستحق العبادة أو شيًئا من العبادة مع ال‪.‬‬
‫فالشرك هو دعوة غير ال معه أو صرف شيء من أنواع العبادة لغير ال‪ ،‬هذا هو الشرك الذي حرمه‬
‫ال وحرم على صاحبه الجنة وأخبر أن مأواه النار‪ .‬وهو الشرك الذي يحبط جميع العمللال وهللو الشللرك‬

‫)‪ (1‬انظر التدمرية ص ‪ 185‬تحقيق الدكتور محمد بن عودة السعوي‪ ،‬ومجموع الفتاوى ‪13/203‬‬

‫)‪ (2‬النساء‪48 :‬‬

‫‪20‬‬
‫في اللوهية وليس الشرك في الربوبية‪ ،‬وهذا تنبيه من الشيخ رحمه ال إلى أنه كما تجب معرفللة التوحيللد‬
‫تجب معرفة الشرك‪.‬‬
‫] وعرفت دين ال الذي أرسل به الرسل من أّولهم إلى آخرهم‪ ،‬الذي ل يقبل ال من أحد ديًنا سواه [‬
‫دين الرسل هو السلم وهو الستسلم ل بالتوحيد والنقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وأهللله هللذا‬
‫هو دين الرسل وهذا هو السلم‪ .‬وأما النتساب إلى السلللم فللي الظللاهر دون البللاطن أو النتسللاب إليلله‬
‫بالتسمي فقط دون التزام لحكامه‪ ،‬أو النتساب إليله ملع ارتكلاب ملا يناقضله ملن الشلرك والوثنيلات‪ ،‬أو‬
‫النتساب إليه مع الجهل بحقيقته‪ ،‬أو النتساب إليه دون مللوالة لوليللائه ومعللاداة لعللدائه فليللس هللذا هللو‬
‫السلم الذي جاءت به رسل ال‪ .‬وإنما هو إسلم اصطلحي مصطنع ل يغني ول ينفع عنللد ال ل سللبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬وليس هو دين الرسل‪.‬‬
‫] وعرفت ما أصبح غالب الّناس فيه من الجهل بهذا [ وهو الجهل بالتوحيد والجهل بالشرك‪ .‬هذا هو‬
‫الذي أوقع كثيًرا من الناس في الضلل وهو أنهم يجهلون التوحيد الصللحيح ويجهلللون الشللرك ويفسللرون‬
‫ل منهما بغير تفسيره الصحيح‪ ،‬هذا هو الذي أوقع كثيًرا من النلاس فلي الغللط والكفللر والشلرك والبلدع‬
‫كً‬
‫والمحدثات إلى غير ذلك‪ ،‬وذلك بسبب عدم معرفة ما أمر ال به من توحيده وطاعته‪ ،‬وما نهللى عنلله مللن‬
‫الشراك به ومعصيته فالعوام ل يتعلمون‪ ،‬وغالب العلملاء مكبلون علللى علللم الكلم والمنطلق اللذي بنللوا‬
‫ل بل هو كما قال بعض العلماء‪ ) :‬ل ينفع العلم به ول يضللر‬
‫عليه عقيدتهم وهو ل يحق حًقا ول يبطل باط ً‬
‫الجهل به(‪.((1‬‬
‫حَمِتخِه َفِبخَذِل َ‬
‫ك‬ ‫لخ َوِبَر ْ‬
‫ضِل ا ِّ‬
‫] أفادك فائدتين‪ :‬الولى‪ :‬الفرح بفضل ال ورحمته كما قال تعالى‪ُ } :‬قْل ِبَف ْ‬
‫‪((2‬‬
‫ضا الخوف العظيم [ أي العلم بهذه الحقائق يفيدك فائدتين‪:‬‬
‫وأفادك أي ً‬ ‫ن{‬
‫جَمُعو َ‬
‫خْيٌر ّمّما َي ْ‬
‫حوْا ُهَو َ‬
‫َفْلَيْفَر ُ‬
‫ن عليك بمعرفة الحق من الباطل فإنها‬
‫ىىىىىىى ىىىىىى‪ :‬أنك تفرح بفضل ال حيث مَ ّ‬
‫خْيلٌر‬
‫حوْا ُهلَو َ‬
‫ك َفْلَيْفَر ُ‬
‫حَمِتِه َفِبَذِل َ‬
‫ل َوِبَر ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ضِ‬‫ل ِبَف ْ‬
‫حرَم منها الكثير من الخلق‪ ،‬قال تعالى‪ُ } :‬ق ْ‬
‫نعمة عظيمة‪ُ ،‬‬
‫حوْا { فرح شللكر واعللتراف بالنعمللة‪.‬‬
‫ن { وفضل ال هو السلم‪ ،‬ورحمته هي القرآن } َفْلَيْفَر ُ‬
‫جَمُعو َ‬
‫ّمّما َي ْ‬
‫والفرح بفضل ال مشروع لنه شكر ل سبحانه وتعالى على نعمة التوحيد ومعرفة الشرك وهذه نعمللة إذا‬
‫ُوّفقت لها فإنه قد جمع لك الخير كله الفرح بالنعمة مشروع‪ ،‬أما الفرح المنهي عنه فهو الفرح بالللدنيا كمللا‬
‫‪((3‬‬
‫طامهللا‬
‫حَ‬
‫فللالفرح بالللدنيا و ُ‬ ‫ع{‬
‫ل َمَتللا ٌ‬
‫خ لَرِة ِإ ّ‬
‫حَياُة الّدْنَيا ِفللي ال ِ‬
‫حَياِة الّدْنَيا َوَما اْل َ‬
‫حوْا ِباْل َ‬
‫قال تعالى‪َ } :‬وَفِر ُ‬
‫مذموم أما الفرح بالدين والفرح بالعلم النافع فهذا مشروع لن ال أمر به‪.‬‬

‫ىىىىىىىى ىىىىىىى‪ :‬أنك إذا عرفت التوحيد الصحيح وعرفلت الشلرك القبيلح فلإن‬
‫ذلك ُيفيدك الخوف أن تقع فيما وقع فيه كثير من الناس بالمخالفة لهذا الصل والوقوع في الشرك وأنت ل‬

‫)‪ (1‬انظر كتاب الرد على المنطقيين لشيخ السلم ابن تيمية ص ‪) 3‬بنحوه(‪.‬‬

‫)‪ (2‬يونس‪58 :‬‬

‫)‪ (3‬الرعد‪26 :‬‬

‫‪21‬‬
‫تدري فل تأمن على نفسك من الفتنة فل تغتر بعملك أو بفهمك‪ ،‬ولكن قل ل حول ول قوة إل بللال واسللأل‬
‫جُنْبِنللي‬
‫ال الثبات‪ ،‬فإن إبراهيم الخليل الذي أعطاه ال من العلم واليقين ما لم يعط غيره إل نبًيا يقول‪َ } :‬وا ْ‬
‫س {‪ ((1‬فإبراهيم لم يأمن على نفسه الفتنة مع علملله‬
‫ن الّنا ِ‬
‫ن َكِثيًرا ّم َ‬
‫ضَلْل َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ب ِإّنُه ّ‬
‫صَناَم‪َ ،‬ر ّ‬
‫ل ْ‬
‫ي َأن ّنْعُبَد ا َ‬
‫َوَبِن ّ‬
‫سر الصنام بيده وألقي في النار بسبب ذلك‪ ،‬ومع هذا يخاف على نفسه مللن الفتنللة‪ ،‬فل‬
‫ويقينه وهو الذي ك ّ‬
‫ل بللك القللدم وتغللتر‬
‫تغتر بعلمك وتأمن على نفسك من الفتنة ولكن كن دائًما على حذر من الفتنة بأن ل تللز ّ‬
‫بشيء يكون سبًبا لهلكك وضللك‪ ،‬فإن بعض المغرورين اليوم يقول إن الناس تجللاوزوا مرحلللة الجهللل‬
‫والبدائية وصاروا مثقفين واعين ل يتصور أن يعودوا للوثنية‪ ،‬أو نحًوا من هذا الكلم الفارغ‪ ،‬ولللم يفطللن‬
‫لعبادة الضرحة التي تنتشر في كثير من البلد السلمية ولم ينظر فيما وصل إليه كللثير مللن النللاس مللن‬
‫الجهل بالتوحيد‪.‬‬
‫] فإنك إذا عرفت أن النسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فل يعذر بالجهل [‬
‫قد يقول النسان كلمة من الكفر ُتحبط عمله كله كالرجل الذي قال‪ » :‬وال ل يغفر ال لفلن‪ ،‬فقال ال جل‬
‫‪((2‬‬
‫كلمة واحدة تجللرأ‬ ‫وعل‪ :‬من ذا الذي يتألى علي أن ل أغفر لفلن‪ .‬إني قد غفرت له وأحبطت عملك «‬
‫فيها على ال وأراد أن يمنع ال أن يغفر لهذا المذنب‪ ،‬فال جل وعل أحبط عمله وغضب عليه‪ .‬والنسللان‬
‫قد يتكلم بمثل هذه الكلمة ونحوها فيخرج من دين السلم‪ ،‬فالذين مع النللبي ‪ ‬لمللا قللالوا مللا رأينللا مثللل‬
‫قرائنا هؤلء أرغب بطوًنا وأكذب ألسًنا وأجبن عند اللقاء يزعمون أنهم قالوها من بلاب الملدح ويقطعللون‬
‫ل َتْعَت لِذُروْا َق لْد كََفْرُتللم َبْع لَد‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫سَتهِْزُؤو َ‬
‫سوِلِه ُكنُتْم َت ْ‬
‫ل َوآَياِتِه َوَر ُ‬
‫ل َأِبا ِّ‬
‫بها الطريق بزعمهم قال ال فيهم‪ُ } :‬ق ْ‬
‫‪((3‬‬
‫دل على أنهم مؤمنون في الول فلما قالوا هذه الكلمة كفروا والعياذ بال مع أنهم يقولونها من‬ ‫ِإيَماِنُكْم {‬
‫باب المزح واللعب‪.‬‬
‫] وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى ال تعالى كما كان يظن المشركون [ أي يقول كلمة الكفر وهو‬
‫‪((4‬‬
‫} َهل لُؤلِء‬ ‫ل ل ُزْلَفللى {‬
‫ل ِلُيَقّرُبوَنللا ِإَلللى ا ِّ‬
‫يظن أنها تقربه إلى مثل ما يقللول المشللركون‪َ } :‬مللا َنْعُب لُدُهْم ِإ ّ‬
‫ل {‪.((5‬‬
‫عنَد ا ِّ‬
‫شَفَعاُؤَنا ِ‬
‫ُ‬
‫جَعل ّلَنا‬
‫ص عن قوم موسى مع صلحهم وعلمهم‪ ،‬أنهم أتوه قائلين‪ } :‬ا ْ‬
‫صا إن ألهمك ال ما ق ّ‬
‫] خصو ً‬
‫‪((6‬‬
‫فحينئٍذ يعظم حرصك وخوفك على ما يخّلصك من هذا وأمثاله [ قللوم موسللى هللم‬ ‫ِإَلخًها َكَما َلُهْم آِلَهٌة {‬
‫بنو إسرائيل الذين آمنوا بموسى خرجوا معه من مصر حيث أمره ال أن يخللرج بهللم فللرارًا مللن فرعللون‬

‫)‪ (1‬إبراهيم‪36-35 :‬‬

‫)‪ (2‬رواه المام مسلم في صحيحه ‪ 4/2023‬كتاب )‪ (45‬البر والصلة والداب )‪ (39‬باب النهي عن تقنيط النسان من رحمة ال تعللالى‬
‫حديث رقم ‪ .(2621)– 137‬من حديث جندب رضي ال عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬التوبة‪ ، 66-65 :‬انظر جامع البيان في تفسير القرآن لبن جرير الطبري ‪ 20-10/19‬وتفسير القرآن العظيم لبن كللثير ‪-2/351‬‬
‫‪ ،352‬وأسباب النزول للواحدي ‪.188-187‬‬
‫)‪ (4‬الزمر‪3 :‬‬

‫)‪ (5‬يونس‪18:‬‬

‫)‪ (6‬العراف‪138:‬‬

‫‪22‬‬
‫فخفي عليهم هذا المر مع أنهم علماء وفيهم صلح وتقوى وخرجوا مع موسى مقاطعين لفرعون وقللومه‬
‫جَعللل ّلَنللا‬
‫فلما أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم أرادوا تقليدهم في ذلك وطلبوا من موسللى فقللالوا‪ } :‬ا ْ‬
‫ِإَللًها َكَما َلُهْم آِلَهٌة {‪ ((1‬فأنكر عليهم موسى هذه المقالة وأخبرهم أن عمل هؤلء القوم شرك بال عز وجللل‬
‫فانظر كيف خفي عليهم هذا المر مما يدل على خطورة الجهل بالتوحيد وعدم معرفة حقيقللة الشللرك ممللا‬
‫يسبب أن النسان قد يقول الكلمة التي تقتضي الكفر والخروج من الدين وهو ل يللدري‪ .‬ول يخلصللك مللن‬
‫هذا وأمثاله إل العلم النافع الذي بلله تعللرف التوحيللد مللن الشللرك‪ ،‬وتحللذر بلله مللن القللول أو الفعللل اللللذين‬
‫يوقعانك في الشرك من حيث ل تدري‪ .‬وهذا يدل على بطلن قول من يقللول‪ :‬إن مللن قللال كلمللة الكفللر أو‬
‫عمل الكفر ل يكفر حتى يعتقد بقلبه ما يقول ويفعل‪ .‬ومن يقول‪ :‬إن الجاهل يعذر مطلًقا ولللو كللان بإمكللانه‬
‫أن يسأل ويتعلم‪ ،‬وهي مقالة ظهرت ممن ينتسبون إلى العلم والحديث في هذا الزمان‪.‬‬
‫] واعلم أن ال تعالى بحكمته لم يبعث نبًيا بهذا التوحيد إل جعل له أعداء كما قخخال تعخخالى‪َ } :‬وكَخَذِل َ‬
‫ك‬
‫‪((2‬‬
‫وقخخد‬ ‫غ خُروًرا {‬
‫ف اْلَق خْوِل ُ‬
‫خ خُر َ‬
‫ض ُز ْ‬
‫ضُهْم ِإَلى َبْع ٍ‬
‫حي َبْع ُ‬
‫ن ُيو ِ‬
‫جّ‬
‫س َواْل ِ‬
‫ن اِلن ِ‬
‫طي َ‬
‫شَيا ِ‬
‫عُدّوا َ‬
‫ي َ‬
‫جَعْلَنا ِلُكّل ِنِب ّ‬
‫َ‬
‫حخوا‬
‫ت َفِر ُ‬
‫سخُلُهم ِباْلَبّيَنخا ِ‬
‫جخاَءْتُهْم ُر ُ‬
‫يكون لعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال تعالى‪َ } :‬فَلّما َ‬
‫‪((3‬‬
‫[ حكمة ال تعالى في هذا تتلخص في أمرين‪:‬‬ ‫ن اْلِعْلِم {‬
‫عنَدُهم ّم َ‬
‫ِبَما ِ‬
‫ث نبًيا من أنبيائه إل جعل له أعداء من المشللركين كمللا فللي اليلة‬
‫ىىىىى ىىىىى‪ :‬أنه ما َبَع َ‬
‫ك َهاِدًيللا‬
‫ن َوكََفللى ِبَرّبل َ‬
‫جِرِميل َ‬
‫ن اْلُم ْ‬
‫علُدّوا مّل َ‬
‫ي َ‬
‫ل َنِبل ّ‬
‫جَعْلَنللا ِلُكل ّ‬
‫ك َ‬
‫التي ذكرها المؤلف وكما في الية‪َ } :‬وَكلَذِل َ‬
‫‪((4‬‬
‫ول في ذلك الحكمة من أجل أن يتبين الصادق من الكاذب‪ ،‬ويتبين المطيع من العاصي‪ .‬إذا‬ ‫صيًرا {‬
‫َوَن ِ‬
‫بعث النبياء يدعون إلى الهدى صار هناك دعاة للضلللل مللن أجللل أن يمتحللن النلاس أيهللم يتبللع النبيللاء‬
‫وأيهم يتبع دعاة الضلل‪ ،‬ولول ذلك لكان الناس كلهم يتبعون النبياء ولو في الظلاهر ول يتميلز الصلادق‬
‫في اّتباعه من المنافق لن النبياء يّتبعهم المؤمن الصادق ويتبعهم المنافق الكاذب‪ ،‬والللذي يميللز هللذا مللن‬
‫هذا هو البتلء والمتحان‪ ،‬فالشدائد هي التي تبّين الصادقين من المنافقين فال جعل أعداًء للنبياء لحكمة‬
‫‪((5‬‬
‫هللذه‬ ‫ض{‬
‫ى َبعْل ٍ‬
‫عَلل َ‬
‫ضلُه َ‬
‫ث َبْع َ‬
‫خِبي َ‬
‫ل اْل َ‬
‫جَع َ‬
‫ب َوَي ْ‬
‫طّي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ث ِم َ‬
‫خِبي َ‬
‫ل اْل َ‬
‫من أجل البتلء والمتحان } ِلَيِميَز ا ُّ‬
‫هي الحكمة بأن ال جعل لكل نبي عدًوا شياطين النس والجن‪ ،‬والشيطان هللو المللارد العاصللي فكللل مللن‬
‫تمرد عن طاعة ال فإنه شيطان سواء كان من الجن أو من النس‪ ،‬حتى الدواب المتمللردة تسللمى شلليطاًنا‬
‫وهو من شاط الشيء إذا اشتد أو من شطن إذا ابتعد‪ ،‬فالشلليطان يكللون مللن عللالم الجللن ويكللون مللن عللالم‬
‫‪((6‬‬
‫الزخللرف فللي الصللل الللذهب‬ ‫ل{‬
‫ف اْلَقلْو ِ‬
‫خلُر َ‬
‫ض ُز ْ‬
‫ضلُهْم ِإَلللى َبْعل ٍ‬
‫حي َبْع ُ‬
‫النس‪ ،‬وقوله تعللالى‪ُ } :‬يللو ِ‬

‫)‪ (1‬العراف‪138:‬‬

‫)‪ (2‬النعام‪112:‬‬

‫)‪ (3‬غافر‪83:‬‬

‫)‪ (4‬الفرقان‪31:‬‬

‫)‪ (5‬النفال‪37:‬‬

‫)‪ (6‬النعام‪112:‬‬

‫‪23‬‬
‫وزخرف القول هو القول الممّوه المزّور‪ ،‬لجلل أن يغلر النلاس‪ .‬فلالقول المزخلرف هلو الباطللل المغّللف‬
‫غطللي بشلليء مللن‬
‫بشيء من الحق وهذا من أعظم الفتنة لن الباطل لو كان مكشوًفا ما قبلله أحللد لكللن إذا ُ‬
‫شللاَء َرّبل َ‬
‫ك‬ ‫الحق فإنه يقبله كثير من الناس وينخدعون بهذه الزخرفة‪ ،‬فهو باطل في صورة الحلق‪َ } ،‬وَللْو َ‬
‫َما َفَعُلوُه { ال قادر على منعهم من ذلك لكنه شاء أن يفعلوه من أجل البتلء والمتحان‪ .‬وإذا كان هذا مع‬
‫ضا يكللون لهللم أعللداء مللن دعللاة‬
‫النبياء فكيف بغيرهم من الدعاة إلى ال وعلماء التوحيد فأتباع النبياء أي ً‬
‫ق وإلى جانبهم دعاة الباطل فلي‬
‫الباطل في كل زمان وفي كل مكان‪ .‬هذا مستمر في الخلق وجود دعاة الح ّ‬
‫كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ىىىىى ىىىىىى‪ :‬وهو العجيب أن دعاة الباطل يكون عندهم علوم وعندهم كتللب وعنللدهم‬
‫‪((1‬‬
‫ت{‬
‫يعنللي الكفللار } ِباْلَبّيَنللا ِ‬ ‫س لُلُهم {‬
‫جللاَءْتُهْم ُر ُ‬
‫حجج يجادلون بها أهل الحللق كمللا قللال تعللالى‪َ } :‬فَلّمللا َ‬
‫ن اْلِعْلِم { الذي توارثوه عن أجدادهم وآبلائهم واللذي هلو‬
‫عنَدُهم ّم َ‬
‫حوا ِبَما ِ‬
‫الحقائق البّينة والعلم النافع } َفِر ُ‬
‫عبارة عن كتبهم وعن حججهم التي توارثوها‪ ،‬وهذا واقلع الن‪ ،‬فكلم فلي السلاحة ملن كتلب أهلل الباطلل‬
‫ككتب الجهمية‪ ،‬وكتب المعتزلة‪ ،‬وكتب الشاعرة‪ ،‬وكتب الشيعة كم في الساحة من كتب هؤلء! وعنللدهم‬
‫حجج مركبة ومزيفة تغر النسان اللذي ليللس عنلده تمكلن مللن العللم فعللم الكلم وعلللم المنطلق اعتمللدوه‬
‫وجعلوه هو العلم الصحيح الذي يفيد اليقين‪.‬‬
‫] إذا عرفت ذلك وعرفت أن الطريق إلى ال تعالى لبد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم‬
‫حا تقاتل به هؤلء الشياطين الذين قال إمامهم‬
‫وحجج‪ ،‬فالواجب عليك أن تعلم من دين ال ما يصير سل ً‬
‫خْلِفِهخْم‬
‫ن َ‬
‫ن َأْيخِديِهْم َوِمخ ْ‬
‫سخَتِقيَم * ُثخّم لِتَيّنُهخخم ّمخخن َبْيخ ِ‬
‫ك اْلُم ْ‬
‫طَ‬
‫صَرا َ‬
‫ن َلُهْم ِ‬
‫ومقدمهم لربك عز وجل‪َ } :‬لْقُعَد ّ‬
‫‪((2‬‬
‫[ أمللا أدلللة القللرآن والسللنة فهللي حجللج ظنيللة‬ ‫ن{‬
‫شاِكِري َ‬
‫جُد َأْكَثَرُهْم َ‬
‫شَمآِئِلِهْم َوَل َت ِ‬
‫عن َ‬
‫ن َأْيَماِنِهْم َو َ‬
‫عْ‬
‫َو َ‬
‫بزعمهم ل تفيد اليقين وهذا من تمام الفتنة والتزييف على الناس‪ .‬لن الواقع الصحيح هو العكس وهللو أن‬
‫أدلة القرآن تفيد اليقين‪ ،‬وأدلة المنطق والجدل تفيد الشك والحيرة والضللطراب‪ .‬كمللا أقللر بللذلك كللبراؤهم‬
‫عند الموت أو عند توبتهم ورجوعهم عن علم الكلم‪.‬‬
‫إذا كان هؤلء عندهم فصاحة وعندهم حجج وعندهم كتب فل يليق بك أن تقابلهم وأنت أعزل بل يجب‬
‫عليك أن تتعلم من كتاب ال ومن سنة رسول ال ‪ ‬ما تبطل به حجللج هللؤلء الللذين قللال إبليللس إمللامهم‬
‫سَتِقيَم { أي الطريق الموصللل إليللك‬
‫ك اْلمُ ْ‬
‫طَ‬
‫صَرا َ‬
‫ن َلُهْم { أي لبني آدم } ِ‬
‫لْقُعَد ّ‬
‫ومقدمهم لربك عز وجل‪َ } :‬‬
‫ن {‪ .((3‬تعهللد‬
‫شللاكِِري َ‬
‫ج لُد َأْكَثَرُه لْم َ‬
‫ل َت ِ‬
‫شَمآِئلِِهْم َو َ‬
‫عن َ‬
‫ن َأْيَماِنِهْم َو َ‬
‫عْ‬
‫خْلِفِهْم َو َ‬
‫ن َ‬
‫ن َأْيِديِهْم َوِم ْ‬
‫} ُثّم لِتَيّنُهم ّمن َبْي ِ‬
‫الخبيث أنله سليحاول إضللل بنلي آدم وكلذلك أتبلاعه ملن شلياطين النلس ملن أصلحاب الكتلب الضلالة‬
‫والفكار المنحرفة يقومون بعمل إبليس في إضلل الناس‪.‬‬

‫)‪ (1‬غافر‪83:‬‬

‫)‪ (2‬العراف‪17-16:‬‬

‫)‪ (3‬العراف‪17:‬‬

‫‪24‬‬
‫ن َكخا َ‬
‫ن‬ ‫طا ِ‬
‫شخْي َ‬
‫ن َكْيخَد ال ّ‬
‫] ولكن إذا أقبلت على ال وأصغيت إلى حججه وبّيناته فل تخف ول تحخزن } ِإ ّ‬
‫‪((1‬‬
‫ض لِعيًفا { فهللم‬
‫ن َ‬
‫ن َكا َ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن َكْيَد ال ّ‬
‫ن ِإ ّ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫[ كما قال ال سبحانه وتعالى‪َ } :‬فَقاِتُلوْا َأْوِلَياَء ال ّ‬ ‫ضِعيًفا {‬
‫َ‬
‫مهما كان عندهم من القوة الكلمية والجدال والبراعللة فللي المنطلق والفصللاحة إل أنهللم ليسللوا علللى حلق‬
‫وأنت على حق ما دمت متمسًكا بالكتاب والسنة وفهمت الكتاب والسللنة فللاطمئن فللإنهم لللن يضللروك أبلًدا‬
‫‪((2‬‬
‫لكن هذا يحتاج إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة فإنللك بللذلك ل تخللاف‬ ‫ضِعيًفا {‬
‫ن َ‬
‫ن َكا َ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن َكْيَد ال ّ‬
‫} ِإ ّ‬
‫مهما كان معهم من الحجج والكتب لنها سراب كما قال الشاعر‪:‬‬
‫‪((3‬‬
‫حًقا؛ وكل منها كاسر مكسور‬ ‫حجج تهافت كالزجاج تخالها‬

‫فالسراب يزول كذلك هذه الحجج إذا طلعت عليها شمس القرآن وبينات القرآن زال هذا الضلباب اللذي‬
‫ل ِمّمللا‬
‫ق َوَلُكُم الَْوْي ُ‬
‫ل َفَيْدَمغُُه َفِإَذا ُهَو َزاِه ٌ‬
‫طِ‬‫عَلى اْلَبا ِ‬
‫ق َ‬
‫حّ‬‫ل َنْقِذفُ ِباْل َ‬
‫معهم وهذه سنة ال سبحانه وتعالى‪َ } :‬ب ْ‬
‫ب {‪ ((5‬قذائف الحق تدمر الباطل مهما كان‪.‬‬
‫لم اْلُغُيو ِ‬
‫عّ‬‫ق َ‬
‫حّ‬‫ن َرّبي َيْقِذفُ ِباْل َ‬ ‫ن {‪ُ } .((4‬ق ْ‬
‫ل ِإ ّ‬ ‫صُفو َ‬
‫َت ِ‬
‫جنخَدَنا َلُهخُم‬
‫ن ُ‬
‫حدين يغلخخب ألًفخخا مخخن علمخخاء هخخؤلء المشخخركين‪ ،‬قخخال تعخخالى ‪َ } :‬وِإ ّ‬
‫] والعامي من المو ّ‬
‫‪((6‬‬
‫[ هذا من العجائب أن العامي غير المتعلم من الموحدين يغلب ألًفا من علمللاء المشللركين‪،‬‬ ‫ن{‬
‫اْلَغاِلُبو َ‬
‫ذلك لن العامي عنده الفطرة السليمة التي لم تتلوث بالشكوك والوهام وقواعد المنطللق وعلللم الكلم‪ .‬أمللا‬
‫العالم المشرك فليس عنده فطرة سليمة ول علم صحيح وصاحب الفطرة السليمة يتغلللب علللى الللذي ليللس‬
‫عنده فطرة ول علم لن علمه جهل‪ .‬إًذا فالناس ثلثة أقسام‪:‬‬
‫ىىىىى ىىىىى‪ :‬من عنده علم صحيح وفطرة سليمة وهذا أعلى الطبقات وهذا هو الذي أقبل‬
‫على ربه وأصغى إلى حججه وبّيناته فصار عنده علم صحيح وفطرة سليمة‪.‬‬
‫ىىىىى ىىىىىى‪ :‬من ليس عنده علم لكن عنده فطرة سليمة وهو العامي من الموحدين‪.‬‬
‫ىىىىى ىىىىىى‪ :‬من ليس عنده فطرة سليمة ول علم صحيح وإنما عنده سلراب ل حقيقلة‬
‫له‪ ،‬فهذا ُيهزم أمام العامي فكيف أمام العالم الذي عنده علم صحيح وفطرة سليمة؟ فهذا مما يلدلك عللى أن‬
‫حا للمؤمن أمام أعداء ال ورسوله‪.‬‬
‫تعّلم العلم النافع يكون سل ً‬

‫)‪ (1‬النساء‪76:‬‬

‫)‪ (2‬النساء‪76:‬‬

‫ذكر ذلك شيخ السلم ابن تيمية عن المام الخطابي في مجموع الفتاوى ‪. 4/82‬‬ ‫)‪(3‬‬

‫)‪ (4‬النبياء‪18:‬‬

‫)‪ (5‬سبأ‪48 :‬‬

‫)‪ (6‬الصافات‪173:‬‬

‫‪25‬‬
‫جنلَدَنا‬
‫ن ُ‬
‫] فجند ال هم الغالبون بالحجة واللسان كما هم الغالبون بالسيف والسخخنان [ قلال تعلالى‪َ } :‬وِإ ّ‬
‫ن {‪ ((1‬أضاف الجند إليه سبحانه وتعالى‪ ،‬وجند ال هم المؤمنون‪ ،‬يقال لهم جنللد ال ل ويقللال لهللم‬
‫َلُهُم اْلَغاِلُبو َ‬
‫ل { إلى قوله‪} :‬‬
‫حاّد ا َّ‬
‫ن َ‬
‫ن مَ ْ‬
‫خِر ُيَواّدو َ‬
‫ل َواْلَيْومِ ال ِ‬
‫ن ِبا ِّ‬
‫جُد َقْوًما ُيْؤِمُنو َ‬
‫حزب ال كما في قوله تعالى‪ } :‬ل َت ِ‬
‫ن {‪.((2‬‬
‫حو َ‬
‫ل ُهُم اْلُمْفِل ُ‬
‫ب ا ِّ‬
‫حْز َ‬
‫ن ِ‬
‫ل َأل ِإ ّ‬
‫ب ا ِّ‬
‫حْز ُ‬
‫ك ِ‬
‫ُأْوَلِئ َ‬
‫فهم حزب ال وجند ال‪ ،‬والجند جمع جندي وهو المقاتل والمدافع عن دين ال أضافهم إلى نفسه تشريًفا‬
‫لهم‪ ،‬وجعل لهم الغلبة بالحجة والسلح‪.‬‬
‫جند ال هم الغالبون بالحجة واللسان يعني بالعلم والمعرفة ومجادلة أهل الباطللل‪ ،‬فمللا تقابللل أهللل حللق‬
‫وأهل باطل في خصومة إل تغلب أهل الحق على أهل الباطل في الخصللومات والمنللاظرات دائًمللا وأبلًدا‪.‬‬
‫فهم الغالبون بالحجة مع المبطلين كمللا أنهللم الغللالبون بالسلليف والسللنان فللي المعللارك‪ ،‬إذا تقابللل الجنللدان‬
‫المسلمون والكفار فإنه ينتصر المسلمون على الكفار إذا توفرت شروط النصر فيهم بأن توكلللوا علللى الل‬
‫واعتصموا بال وأطاعوا ال ورسوله‪ ،‬فإن حصل فيهم خلل لحقت بهم الهزيمة كما حصللل للصللحابة فللي‬
‫وقعة أحد لما عصوا أمر الرسول ‪ ‬ونزلوا من الجبل اللذي قلال لهلم ل تنزللوا منله سلواء انتصلرنا أو‬
‫ُهزمنا فلما خالفوا ونزلوا من الجبل حلت الهزيمة بالمسلمين‪.((3‬‬
‫] وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلح [ هذا هو الواقع فالموحد الذي يسلك‬
‫الطريق ويواجه الكفار ويقول أنا أدعو إلى ال وليس عنده علم لو يقللف أمللامه واحللد مللن عللوامهم ويلقللي‬
‫صا أن يتفقهوا‬
‫عليه شبهة ما استطاع الجواب‪ .‬فهذا مما ُيوجب على طلبة العلم وعلى الدعاة إلى ال خصو ً‬
‫طلعللوا علللى مللا عنللد الخصللوم والكفللار والمنللافقين مللن‬
‫في دين ال وأن يتعلموا حجج ال وبراهينه وأن ي ّ‬
‫الباطل من أجل أن يدحضوه ويكونوا على معرفة به‪ .‬والنبي ‪ ‬لما أرسل معاًذا إلى اليمن قال له‪ » :‬إنك‬
‫‪((4‬‬
‫من أجل أن يستعد لن الذين أمامه أهل كتللاب وأهللل علللم وعنللدهم حجللج‬ ‫تأتي قوًما من أهل الكتاب «‬
‫وعندهم شبهات وعندهم تلبيس‪ ،‬فل بد أن يكون معللاذ رضللي الل عنلله علللى اسللتعداد مللن أجللل أن يقللوم‬
‫بالدعوة ويرد الباطل ثم قال له‪ » :‬فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن ل إلله إل الل وأن محملًدا رسللول‬
‫صا وعلى الدعاة إلى ال بصفة أخللص‬
‫ال « فهذا مما يؤكد على الموحدين عموًما وعلى طلبة العلم خصو ً‬
‫أن يتعلموا ما يدفعون به الباطل وينصرون به الحق وإل فللإنهم سللينهزمون أمللام أي شللبهة تعللرض لهللم‪.‬‬
‫والمشكلة إذا عجز الداعية إلى ال أن ُيجيب على شبه الملبس أمام الناس أو أجابه بجهلل‪ ،‬وهلذا أشلد‪ .‬ول‬
‫يتعارض هذا مع قول الشيخ‪ » :‬والعامي مللن الموحللدين يغللب ألًفللا مللن علمللاء المشلركين « لن العللامي‬
‫الموحد وإن كان كذلك فعليه الخوف من شرهم وأخذ الحذر منهم بتعلم العلللم النللافع‪ .‬وقللد استشللكل بعللض‬
‫)‪ (1‬الصافات‪173:‬‬

‫)‪ (2‬المجادلة‪22:‬‬

‫انظر صحيح المام البخاري ‪ 48/26‬كتاب الجهاد والسير باب ما يكره من التنازع والختلف فلي الحللرب وعقوبللة مللن عصلى‬ ‫)‪(3‬‬
‫حُكْم { وقال قتادة الريح الحرب من حديث البراء بن عازب رضي ال عنه‪.‬‬
‫ب ِري ُ‬
‫شُلوْا َوَتْذَه َ‬
‫عوْا َفَتْف َ‬
‫ل َتَناَز ُ‬
‫إمامه وقال تعالى‪َ } :‬و َ‬
‫)‪ (4‬رواه المام البخاري في صحيحه ‪ 2/125‬كتاب الزكاة باب ل تؤخذ كرائم أموال الناس مللن حللديث ابللن عبللاس رضللي الل تعللالى‬
‫عنه‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الخوان هذه العبارة‪ .‬وهي قول الشيخ‪) :‬والعامي من الموحدين يغلب ألًفلا ملن علمللاء هلؤلء المشلركين(‬
‫مع قوله‪) :‬وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلح( والجواب عن هذا الشكال أن‬
‫الشيخ رحمه ال يقصد أن العامي عنده فطرة سليمة يستنكر بها الباطل‪ ،‬أما علماء الضلل ففطرهم فاسدة‬
‫وحججهم واهية فالعامي يغلبهم بالفطرة السليمة من حيث الجملة ل من حيث التفاصيل‪.‬‬
‫ل من علماء الكلم والمنطق فكتاب ال ما ترك شيًئا نحتاج إليه من أمور ديننا‬
‫فالعامي الموحد أحسن حا ً‬
‫إل وبّينه لنا لكن يحتاج منا إلى تفقه وتعلم ولو كان عندك سلح ولكن ل تعرف تشغيله فإنه ل يللدفع عنللك‬
‫العدو وكذلك القرآن ل ينفع إذا كان مهجوًرا وكان القبال على غيره من العلوم‪.‬‬
‫ن {‪. ((1‬‬
‫سِلِمي َ‬
‫شَرى ِلْلُم ْ‬
‫حَمًة َوُب ْ‬
‫يءٍ َوُهًدى َوَر ْ‬
‫ش ْ‬
‫ن ال تعالى علينا بكتاب الذي جعله } ِتْبَياًنا ّلُكّل َ‬
‫] وقد م ّ‬
‫فل يأتي صاحب باطل بحجة إل وفي القرآن ما ينقضها ويبّين بطلنها‪ .‬كما قال تعخخالى‪َ } :‬ول َيْأُتوَنخ َ‬
‫ك‬
‫سيًرا {‪ .((2‬قال بعض المفسرين‪ :‬هذا الية عامة في كل حجٍة يأتي بها‬
‫ن َتْف ِ‬
‫سَ‬
‫ح َ‬
‫ق َوَأ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ك ِباْل َ‬
‫جْئَنا َ‬
‫ِبَمَثٍل ِإّل ِ‬
‫يٍء {‬
‫ش ْ‬
‫أهل الباطل إلى يوم القيامة [ هذه قاعدة معروفة لن ال جل وعل يقول عن القرآن‪ِ } :‬تْبَياًنا ّلُكلّ َ‬
‫سيًرا { فل يوجد شبهة في الدنيا أو باطل في الللدنيا‬
‫ن َتْف ِ‬
‫سَ‬
‫حَ‬‫ق َوَأ ْ‬
‫حّ‬
‫ك ِباْل َ‬
‫جْئَنا َ‬
‫ل ِ‬
‫ل ِإ ّ‬
‫ك ِبَمَث ٍ‬
‫ويقول‪َ } :‬ول َيْأُتوَن َ‬
‫ُيدلي به كافر أو ُملحد إل وفي القرآن ما يرد عليه لكن ل يتبين هذا إل بمعرفة القرآن والتفقه فيه ودراسته‬
‫حق الدراسة حتى يعرف ما فيه من الكنوز وما فيه من السلح وما فيه من الذخيرة التي نقاوم بها أعداءنا‬
‫ل حللتى نكللون مسلللحين بهللذا السلللح‪ .‬أمللا مجللرد‬
‫ظا وتفهًمللا وتلوة وتللدبًرا وعم ً‬
‫فنقبل على كتاب ال حف ً‬
‫وجود القرآن عندنا من غير أن نعتني به وندرسه فل يكفي‪ ،‬وأهل الكتاب ضلوا وكفروا وعنللدهم التللوراة‬
‫والنجيل لما تركوا تعلمهما والعمل بهما‪.‬‬
‫لكن لبد من دراسة القرآن على ضوء السنة النبوية وتفسير السلف الصالح‪ ،‬ل على ضللوء الدراسللات‬
‫المعاصرة المبنية على التخرص والجهل أو ما يسمونه بالعجاز العلمي‪.‬‬
‫صا بالرسول ‪ ‬وأهل زمانه مع القرآن بل هذا عام لكل أمته إلللى أن تقللوم السللاعة لكللن‬
‫فليس هذا خا ً‬
‫يحتاج إلى عناية بالقرآن ودراسة للقرآن كما ينبغي‪ ،‬لن فيه بيان الحق والرد على أهل الباطل‪.‬‬
‫] وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر ال في كتابه جواًبا لكلم احتج به المشركون في زماننا علينا [ لما ذكر‬
‫لك هذه القاعدة العظيمة وهو أنه ل يأتي مبطل بشبهته إل وفي القرآن ما يللبين بطلنهللا وأن ذلللك مسللتمر‬
‫إلى يوم القيامة‪ ،‬دخل في التمثيل من الواقع الذي جرى للشيخ رحمه ال في وقته مع خصللومه‪ .‬ومللن هنللا‬
‫إلى آخر الكتاب كله كشف شبهات يعترضون بها على الشيخ وهو ُيجيبهم عنها ملن كتلاب الل وملن سللنة‬
‫رسوله ‪ . ‬ويدحض حججهم وبذلك نصره ال عليهم وأبطل كيدهم‪ ] .‬فنقخخول‪ :‬جخخواب أهخخل الباطخخل مخخن‬
‫صل‪ .‬أما المجمل [ المجمل هو القاعدة العامللة فللي جللواب أهللل الباطللل علللى اختلف‬
‫طريقين مجمل ومف ّ‬
‫أصنافهم‪ ،‬وفي أي زمللان ومكللان‪ .‬والمفصللل هللو الللرد علللى كللل شللبهة علللى حللدة فللإذا عرفللت المجمللل‬
‫والمفصل في رد الشبهات صار عندك سلح لمنازلة المشركين والمبطلين‪ ] .‬فهو المر العظيخخم والفخخائدة‬

‫)‪ (1‬النحل‪89:‬‬

‫)‪ (2‬الفرقان‪33:‬‬

‫‪27‬‬
‫ن ُأمّ اْلكَِتخخا ِ‬
‫ب‬ ‫ت ُهخ ّ‬
‫حَكَمخخا ٌ‬
‫ت ّم ْ‬
‫ب ِمْنخُه آَيخخا ٌ‬
‫ك اْلِكَتخخا َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ي َأنَزَل َ‬
‫الكبيرة لمن عقلها وذلك قوله تعالى‪ُ } :‬هَو اّلِذ َ‬
‫شاَبَه ِمْنُه اْبِتَغاء اْلِفْتَنِة َواْبِتَغاَء َتْأِويِلِه َوَما َيْعَلمُ‬
‫ن َما َت َ‬
‫ن في ُقُلوِبِهْم َزْيٌغ َفَيّتِبُعو َ‬
‫ت َفَأّما اّلِذي َ‬
‫شاِبَها ٌ‬
‫خُر ُمَت َ‬
‫َوُأ َ‬
‫ك اْلكَِتابَ { يعني‬
‫عَلْي َ‬
‫ل َ‬ ‫ل {‪ [ ((1‬هذا هو الرد المجمل على الشبهات قال تعالى‪ُ } :‬هَو اّلِذ َ‬
‫ي َأنَز َ‬ ‫َتْأِويَلُه ِإّل ا ُّ‬
‫ب { المحكم هو الذي ل يحتاج في بيانه إلى غيره‪.‬‬
‫ن ُأّم اْلِكَتا ِ‬
‫ت ُه ّ‬
‫حَكَما ٌ‬
‫ت ّم ْ‬
‫القرآن } ِمْنُه آَيا ٌ‬
‫ت { يعني بّينات واضحات في معانيها ل تحتاج إلى غيرها‬
‫حَكَما ٌ‬
‫فالقرآن منه آيات على هذا الشكل } ّم ْ‬
‫ب { أم الشيء هو الصل الذي يرجع إليه فاليات المحكمات هن الصللل اللذي يرجلع إليله‬
‫ن ُأّم اْلِكَتا ِ‬
‫} ُه ّ‬
‫ت { المتشابه هو الذي يحتاج لبيان معانيه إلى غيللره فيللرد إلللى المحكللم‪ ،‬ومللن المتشللابه‬
‫شاِبَها ٌ‬
‫خُر ُمَت َ‬
‫} َوُأ َ‬
‫المحتمل لمعاني متعددة ويحتاج إلى غيره في بيان المراد منله‪ ،‬ومنله المطللق ومنله المنسلوخ‪ .‬وقلد ذكلر‬
‫ن َمللا‬
‫ن فللي ُقُلللوِبهِْم َزْيلٌغ َفَيّتِبُعللو َ‬
‫تعالى موقف الناس من هذين القسمين المحكم والمتشابه فقال‪َ } :‬فَأّما اّللِذي َ‬
‫شاَبَه ِمْنُه { يأخذون اليات غير الواضحة أو اليات المحتملة ويستدلون بهللا علللى مللا يريللدون مللع أنهللا‬
‫َت َ‬
‫صا فيما يقولون لكن هم يريدون التلبيس على الناس يقولون نحن استدللنا بالقرآن فيأخذون‬
‫محتملة ليست ن ً‬
‫اليات التي ل يتضح معناها بنفسها أو اليات المحتملة لعدة معان فيستدلون بها على ما يريدون } اْبِتَغللاء‬
‫اْلِفْتَنِة { أي التشكيك والتضليل أو } اْبِتَغاَء َتْأِويِلِه { التأويل يطلق على معنيين كما قال شليخ السللم ابلن‬
‫تيمية رحمه ال في رسالته التدمرية‪. ((2‬‬
‫ىىىىىى ىىىىى‪ :‬أن المراد به التفسير وهذا هو المعروف عند المتقدمين‪ .‬ولذلك تجد ابللن‬
‫جرير الطبري في تفسيره يقول‪ :‬القول في تأويل قوله تعالى أي في تفسيره فإن كان هذا هو المقصود فللي‬
‫ل { فإنه يعطف الراسللخون فللي العلللم علللى لفللظ الجللللة هكللذا } َوَمللا َيْعَللُم‬
‫ل ا ُّ‬
‫الية‪َ } :‬وَما َيْعَلُم َتْأِويَلُه ِإ ّ‬
‫ن ِفي اْلِعْلِم { يعني والراسخون في العلم يعلمون تأويله وهو التفسللير وذلللك بللرّده‬
‫خو َ‬
‫سُ‬‫ل َوالّرا ِ‬
‫ل ا ُّ‬
‫َتْأِويَلُه ِإ ّ‬
‫إلى المحكم الذي يبّين المراد منه‪.‬‬
‫فتفسير القرآن على هذا الوجه ل يعلمه إل ال وأهل العلم المختصون وأّما العوام والجّهال فل يعلمللون‬
‫تفسيره‪ ،‬وأهل الزيغ يأخذون المتشابه ول يردونه إلى المحكم ويقطعون بعض القرآن عن بعض فيأخذون‬
‫بعض اليات ويتركون البعض الخر‪.‬‬
‫ىىى ىىىىىى ىىىىىى‪ :‬للتأويل فهو الحقيقة التي يؤول إليها الشيء‪ .‬وما يصللير إليلله‬
‫في المستقبل‪ ،‬مثل حقائق ما في الجنللة مللن أعنللاب ونخيللل وفللواكه ولبللن وخمللر وعسللل وأشللياء ل يعلللم‬
‫حقائقها إل ال سبحانه وتعالى‪ ،‬لنها من علم الغيب‪ ،‬وكلذلك كيفيلة أسلماء الل وصلفاته ل يعلمهلا إل الل‬
‫سبحانه وتعالى فالتأويل على هذا المعنى ما يؤول إليه الشيء فللي المسللتقبل فللإذا أريللد هللذا المعنللى َتَعّيللن‬
‫ف في الية على لفظ الجللة‪ .‬لنه ل يعلم تأويله على هذا الوجه إل هو سبحانه‪.‬‬
‫الوق ُ‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪7:‬‬

‫)‪ (2‬التدمرية ص ‪ ،809‬وما بعدها‪ :‬تحقيق الدكتور محمد بن عودة السعوي‪. .‬‬

‫‪28‬‬
‫] وقد صح عن رسول ال ‪ ، ‬أنه قال‪» :‬إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه‪ ،‬فأولئك الذين سّمى‬
‫ال‪ ،‬فاحذروهم«[‪ ((1‬صح عن النبي ‪ ‬في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أنه قال‪« :‬إذا رأيتم الذين‬
‫يتبعون ما تشابه منه» أي من القرآن والسنة ويأخذون بالنصوص المجملة ويتركون النصللوص المفصلللة‬
‫شللاَبَه ِمْنلُه {‬
‫ن َمللا َت َ‬
‫ن فللي ُقُلللوِبِهْم َزْيلٌغ َفَيّتِبعُللو َ‬
‫» فللأولئك الللذين سللمى الل « فللي هللذه اليللة‪َ } :‬فَأّمللا اّللِذي َ‬
‫» فاحذروهم « أي احذروا أصحاب هذه الطريقة ل ُيلبسوا عليكم أمر دينكم فهذا فيه التحللذير مللن علمللاء‬
‫صل َ‬
‫ل‬ ‫لل ِبلِه َأن ُيو َ‬
‫ن َمآ َأَمَر ا ُّ‬
‫طُعو َ‬
‫الضلل ومن المبتدعة لئل يلبسوا علينا أمر ديننا فهؤلء من الذين } َوَيْق َ‬
‫ض {‪.((2‬‬
‫لْر ِ‬
‫ن ِفي ا َ‬
‫سُدو َ‬
‫َوُيْف ِ‬
‫‪((3‬‬
‫أو‬ ‫ن{‬
‫حَزُنو َ‬
‫عَلْيِهْم َوَل ُهْم َي ْ‬
‫ف َ‬
‫خْو ٌ‬
‫ن َأْوِلَياَء الِّ َل َ‬
‫] مثال ذلك‪ :‬إذا قال لك بعض المشركين‪َ } :‬أل ِإ ّ‬
‫إن الشفاعة حق‪ ،‬وأن النبياء لهم جاه عند ال‪ ،‬أو ذكر كلًما للنبي ‪ ‬يستدل به على شيء من باطله‬
‫وأنت ل تفهم معنى الكلم الذي ذكره فجاوبه بقولك‪ :‬إن الخ ذكخخر فخي كتخابه أن الخذين فخي قلخوبهم زيخغ‬
‫يتركون المحكم ويّتبعون المتشابه‪ ،‬وما ذكرته لك من أن ال تعالى ذكر أن المشركين يقّرون بالربوبيخخة‬
‫ل { ‪ ((4‬هذا أمر‬
‫عنَد ا ِّ‬
‫شَفَعاُؤَنا ِ‬
‫وأن كفرهم بتعلقهم على الملئكة والنبياء والولياء مع قولهم‪َ } :‬هخُؤلِء ُ‬
‫محكم بّين‪ ،‬ل يقدر أحد أن يغّير معنخاه‪ ،‬ومخا ذكخرت لخي أيهخا المشخرك فخي القخرآن أو كلم النخبي ‪ ‬ل‬
‫أعرف معناه ولكن أقطع أن كلم ال ل يتناقض‪ ،‬وأن كلم النبي ‪ ‬ل يخالف كلم ال عز وجل‪ ،‬وهخخذا‬
‫جواب سديد ولكن ل يفهمه إل من وفقه ال فل تستهن به فإنه كما قخخال تعخخالى‪َ } :‬وَمخخا ُيَلّقاَهخخا ِإّل اّلخِذي َ‬
‫ن‬
‫‪((5‬‬
‫[ أي إذا قلال لللك واحللد مللن علمللاء المشللركين الللذين يتعلقللون‬ ‫ظيخٍم {‬
‫عِ‬‫ظ َ‬
‫حخ ّ‬
‫صَبُروا َوَما ُيَلّقاَها ِإّل ُذو َ‬
‫َ‬
‫بالولياء ويطلبون منهم المدد ويستغيثون بهم كما هو الحال والواقع الن عند عّباد القبور ويقولون إن ال‬
‫ن{‪.‬‬
‫حَزُنو َ‬
‫ل ُهْم َي ْ‬
‫عَلْيِهْم َو َ‬
‫ف َ‬
‫خْو ٌ‬
‫ل َ‬
‫ل َ‬
‫ن َأْوِلَياَء ا ِّ‬
‫جل وعل يقول‪َ } :‬أل ِإ ّ‬
‫وهؤلء أولياء والنبي ‪ ‬أخبر أن الصالحين يشفعون وأن الولياء يشفعون والرسل يشفعون فالجواب‬
‫أن الشفاعة حق ل شك في ذلك‪ ،‬ولكنها كما ذكر ال لبد لها من شرطين‪:‬‬
‫الذن للشافع أن يشفع‪.‬‬ ‫•‬
‫وأن يكون المشفوع فيه من أهل التوحيد‪.‬‬ ‫•‬

‫)‪ (1‬رواه المام البخاري في صحيحه ‪ 166 ،5/165‬كتاب التفسير )سورة آل عمران( باب منه آيات محكمات‪ .‬ورواه المام مسلم في‬
‫صحيحه ‪ 4/2053‬كتاب العلم باب )‪ (1‬النهي عن اتباع متشابه القرآن‪ ،‬والتحذير من متبعيه‪ ،‬والنهي عللن الختلف فللي القللرآن‪ ،‬حللديث‬
‫رقم )‪ (2665‬من حديث عائشة رضي ال عنها‪.‬‬
‫)‪ (2‬البقرة‪27:‬‬

‫)‪ (3‬يونس‪62:‬‬

‫)‪ (4‬يونس‪18:‬‬

‫)‪ (5‬فصلت‪35:‬‬

‫‪29‬‬
‫ول شك أن ال سبحانه وعد الولياء أنهللم ل خللوف عليهللم ول هللم يحزنللون‪ ،‬لكللن مللن الوليللاء؟ هللل‬
‫الولياء طائفة مخصوصة من الناس عليهم عمللائم ولبللاس خللاص؟ أو الوليللاء الللذين بنللي علللى قبللورهم‬
‫ن {‪.((1‬‬
‫ن آَمُنوْا َوَكاُنوْا َيّتُقو َ‬
‫قباب؟ ليس كذلك‪ .‬لن ال سبحانه بّينهم بعد هذه الية مباشرة حيث قال‪ } :‬اّلِذي َ‬
‫فكل مؤمن تقي فهو ولي ل ليست الولية خاصة بطائفة معينة أو أشخاص معّينين لهم لباس خاص ولهم‬
‫سمات خاصة أو على قبورهم قباب وزخرفات؛ الولياء كل مؤمن تقللي فللإنه ولللي الل بنللص هللذه اليللة‪.‬‬
‫والولية تختلف باختلف اليمان والتقوى‪ ،‬منهم من هو ولي كامل الولية ومنهم من هللو ولللي دون ذلللك‬
‫بحسب إيمانه وبحسب تقواه فليست الولية خاصة بما تزعمون من هؤلء الشخاص أو هؤلء المقبورين‬
‫فقللد يكللون الللولي غيللر‬ ‫‪((2‬‬
‫والنبي ‪ ‬يقول‪ُ » :‬ر ّ‬
‫ب أشعث مللدفوع بلالبواب لللو اقسللم علللى الل لبلّره «‬
‫معروف ول له مكانة عند الناس‪.‬‬
‫هذا من ناحية ومن الناحية الثانية لو ثبت أنه ولي ل عز وجل فإن هذا ل يعطيه شيًئا من الربوبيللة ول‬
‫شيًئا من حق ال‪ ،‬لنه عبد ال محتاج إلى ربه عللز وجللل ول يملللك مللن المللر شلليًئا ل يخلللق ول يللرزق‬
‫فليس المعنى أنه إذا كان ولًيا أننا نتعلق به وننزل حاجاتنا به ونستغيث به ونطلب منه لن ال ل قللال‪ِ } :‬إ ّ‬
‫ن‬
‫‪((3‬‬
‫ل ُتشْلِرُكوْا ِب لِه‬
‫ل ل َو َ‬
‫عُب لُدوْا ا َّ‬
‫وقال تعللالى‪َ } :‬وا ْ‬ ‫شاء {‬
‫ك ِلَمن َي َ‬
‫ن َذِل َ‬
‫ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ‬
‫شَر َ‬
‫ل َيْغِفُر َأن ُي ْ‬
‫ل َ‬
‫ا َّ‬
‫‪((4‬‬
‫ل من الولياء ول غيرهم فال ل يرضى بهذا سبحانه وتعالى فليس معنى قوله تعالى‪َ } :‬أل ِإ ّ‬
‫ن‬ ‫شْيًئا {‬
‫َ‬
‫‪((5‬‬
‫أنهم يملكون شيًئا مللن الربوبيللة وأنهللم ينفعللون ويضلرون‬ ‫ن{‬
‫حَزُنو َ‬
‫ل ُهْم َي ْ‬
‫عَلْيِهْم َو َ‬
‫خْوفٌ َ‬
‫ل َ‬
‫ل َ‬
‫َأْوِلَياَء ا ِّ‬
‫وأنهم يعطون الشفاعة وأنهم وأنهم‪ ..‬كما يزعم القبوريون‪ .‬فمن تعلق بالولياء وطلب منهللم الشللفاعة وهللم‬
‫أموات أو طلب منهلم الغاثلة وهلم أملوات أو طللب منهلم قضلاء الحاجلات وهلم فلي قبلورهم فلإنه مثلل‬
‫ن َهل لُؤلِء‬
‫ل َينَفُعهُْم َوَيُقوُلللو َ‬
‫ضّرُهْم َو َ‬
‫ل َي ُ‬
‫ل َما َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ِمن ُدو ِ‬
‫المشركين الولين الذين قال ال فيهم‪َ } :‬وَيْعُبُدو َ‬
‫‪((6‬‬
‫هم يقولون نحن ل نعتقد أنهم يخلقون ويرزقون وإنملا ملن أجلل أن نجعلهلم وسلائط‬ ‫ل{‬
‫عنَد ا ِّ‬
‫شَفَعاُؤَنا ِ‬
‫ُ‬
‫بيننا وبين ال لنهم أولياء ونحن مقصرون ونحن مذنبون فهؤلء بصلللحهم وجللاههم ومكللانتهم عنللد الل‬
‫يشفعون لنا وال رد عليهم فقال‪:‬‬
‫خاِلصُ َواّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫ن اْل َ‬
‫ل الّدي ُ‬
‫ن { فسّمى هذا شرًكا وقال في آية أخرى‪َ } :‬أل ِّ‬
‫شِرُكو َ‬
‫عّما ُي ْ‬
‫حاَنُه َوَتَعاَلى َ‬
‫سْب َ‬
‫} ُ‬
‫‪((7‬‬
‫يريدون الوسللاطة فقللط عنللد الل سللبحانه‬ ‫ل ُزْلَفى {‬
‫ل ِلُيَقّرُبوَنا ِإَلى ا ِّ‬
‫خُذوا ِمن ُدوِنِه َأْوِلَياَء َما َنْعُبُدُهْم ِإ ّ‬
‫اّت َ‬
‫وتعالى‪ ،‬وإل فإنهم معترفون أن ال هو الخالق الرازق المحيي المميت فيعللترفون بتوحيللد الربوبيللة تماًمللا‬
‫)‪ (1‬يونس‪63:‬‬

‫)‪ (2‬رواه المام مسلم في صحيحه ) ‪ (4/2024‬كتاب البر والصلة والداب باب فضل الضعفاء والخاملين‪ .‬حديث رقم ) ‪(2622) (138‬‬
‫من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪. .‬‬
‫)‪ (3‬النساء‪48:‬‬

‫)‪ (4‬النساء‪36:‬‬

‫)‪ (5‬يونس‪62:‬‬

‫)‪ (6‬يونس‪18:‬‬

‫)‪ (7‬الزمر‪3:‬‬

‫‪30‬‬
‫كما ذكر ال عنهم‪ ،‬وإنما قصدوا بفعلهم هذا وساطة هلؤلء الصلالحين عنلد الل فنلذروا لهلم وذبحلوا لهلم‬
‫واستغاثوا بهم‪ :‬يا سيدي اشفع لي عند ال‪ ،‬افعل كذا‪ ،‬هذا الذي يقولونه عنلد القبللور هلل هلذا يختللف عمللا‬
‫‪((1‬‬
‫حكللم‬ ‫ب كَّفاٌر {‬
‫ن ُهَو َكاِذ ٌ‬
‫ل ل َيْهِدي مَ ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫قاله المشركون من قبل‪ ،‬الذين رد عليهم جل وعل بقوله‪ِ } :‬إ ّ‬
‫عليهم بالكذب وحكم عليهم بالكفر فعملهم هذا كفر وكذب‪ .‬وفلي سلورة يلونس نلّزه نفسله علن ذللك فقلال‪:‬‬
‫‪((2‬‬
‫سماه شرًكا‪.‬‬ ‫ن{‬
‫شِرُكو َ‬
‫عّما ُي ْ‬
‫حاَنُه َوَتَعاَلى َ‬
‫سْب َ‬
‫} ُ‬
‫فالولياء عباد صالحون لهم قدرهم ونحترمهم ونحبهم ونقتدي بهم في العمال الصالحة لكن ليلس لهللم‬
‫شركة مع ال سبحانه وتعالى إنما هم مثلنا محتاجون إلى ال عز وجل فقراء إلى ال عللز وجللل } َيللا َأّيَهللا‬
‫‪((3‬‬
‫كل الخلق فقراء إلى ال عز وجللل بمللا‬ ‫حِميُد {‬
‫ي اْل َ‬
‫ل ُهَو اْلَغِن ّ‬
‫ل { هذا عام } َوا ُّ‬
‫س َأنُتُم اْلُفَقَراُء ِإَلى ا ِّ‬
‫الّنا ُ‬
‫فيهم النبياء والرسل‪ ،‬بما فيهم الملئكة عليهم السلم كلهم فقراء إلى ال سبحانه وتعالى‪ ،‬فهللذا ممللا يزيللل‬
‫الّلبس لن هؤلء يأخذون بعض القرآن ويستدلون به ويتركون البعض الخر؛ يأخللذون اليللة الللتي تمللدح‬
‫ن َمللن‬
‫الولياء وتثني عليهم ويتركون الية الخرى التي تبين أنهم ل ُيعَبلُدون مللن دون الل عللز وجللل وأ ّ‬
‫طلب منهم شيًئا وهم أموات فإنه مشرك كافر‪ ،‬يتركون هذه اليات‪ ،‬فهذا من الزيغ الذي ذكره ال سللبحانه‬
‫صلح والكرامة والمنزلة عند ال فإنه ليس له‬
‫وتعالى‪ .‬فلتكن عندك هذه القاعدة أن النسان مهما بلغ من ال ّ‬
‫من الربوبية شيء وإنه ل ُيدعى مع ال وإنه ل يكون له شيء من العبادة وهو ل يرضى بللذلك‪ .‬فالوليللاء‬
‫صالحون على الحقيقة ل يرضون بذلك وينهون عنه أشللد النهللي إنمللا يرضللى بللذلك الطللواغيت الللذين‬
‫وال ّ‬
‫يدعون الناس إلى عبادة أنفسهم‪ .‬أما أولياء ال فحاشاهم من هلذا ل يرضلون بله وإنملا يرضلى بله أوليلاء‬
‫الشيطان هذا معنى قول الشيخ رحمه ال‪.‬‬
‫) لكن أقطع أن كلم ال ل يتناقض‪ ،‬وأن كلم الرسول ‪ ‬ل يخالف كلم اللل( فيجللب رد النصللوص‬
‫بعضها إلى بعض وتفسير بعضها ببعض حتى يتضح المطلوب وهذا كما قللال الشلليخ جللواب سللديد تجللب‬
‫العناية به لنه مبني على كتاب ال فمن وّفق له فهو ذو حظ عظيم‪.‬‬
‫صل‪ :‬فإن أعداء ال لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل‪ ،‬يصخّدون بهخا النخاس‬
‫] وأما الجواب المف ّ‬
‫عنه‪ :‬منها قولهم‪ :‬نحن ل نشرك بال‪ ،‬بل نشهد أنه ل يخلق ول يرزق ول ينفع ول يضر إل ال وحخخده‬
‫ل شريك له‪ ،‬وأن محمًدا ‪ ‬ل يملك لنفسه نفًعا ول ضًرا‪ ،‬فضخ ً‬
‫ل عخن عبخد القخادر أو غيخره‪ ،‬ولكخن أنخا‬
‫مذنب‪ ،‬والصالحون لهم جاه عند ال وأطلب من ال بهم‪ .‬فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قخخاتلهم رسخخول‬
‫ال ‪ ‬مقّرون بما ذكرت‪ ،‬ومقّرون أن أوثانهم ل تدّبر شيًئا وإنما أرادوا الجاه وال ّ‬
‫شفاعة‪ ،‬واقرأ عليهم‬
‫ضحه‪ .‬فإن قال‪ :‬هذه اليات نزلت فيمن يعبد الصنام‪ ،‬كيخخف تجعلخخون الصخخالحين‬
‫ما ذكر ال في كتابه وو ّ‬
‫مثل الصنام أم تجعلون النبياء أصناًما؟ فجاوبه بما تقخخدم‪ ،‬فخخإنه إذا أقخخر أن الكفخخار يشخخهدون بالربوبيخخة‬
‫كلها ل‪ ،‬وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إل الشفاعة‪ ،‬ولكن إذا أراد أن يفخخرق بيخخن فعلهخم وفعلخه بمخخا ذكخر‬

‫)‪ (1‬الزمر‪3:‬‬

‫)‪ (2‬يونس‪18:‬‬

‫)‪ (3‬فاطر‪15:‬‬

‫‪31‬‬
‫فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الصنام‪ ،‬ومنهم مخخن يخخدعو الوليخخاء الخخذين قخخال الخ فيهخخم‪ُ } :‬أوَلخخِئ َ‬
‫ك‬
‫ب {‪ ((1‬الية‪ ،‬ويدعون عيسى بن مريخخم وأمخخه وقخخد قخخال‬
‫سيَلَة َأّيُهْم َأْقَر ُ‬
‫ن ِإَلى َرّبِهُم اْلَو ِ‬
‫ن َيْبَتُغو َ‬
‫عو َ‬
‫ن َيْد ُ‬
‫اّلِذي َ‬
‫طعَخخاَم‬
‫لنِ ال ّ‬
‫صخّديَقٌة َكاَنخخا َيخْأُك َ‬
‫سخُل َوُأّمخُه ِ‬
‫ت ِمن َقْبِلِه الّر ُ‬
‫خَل ْ‬
‫سوٌل َقْد َ‬
‫ن َمْرَيَم ِإّل َر ُ‬
‫ح اْب ُ‬
‫سي ُ‬
‫ال تعالى‪ّ } :‬ما اْلَم ِ‬
‫ضخّرا َوَل َنْفًعخخا‬
‫ك َلُكْم َ‬
‫ل َما َل َيْمِل ُ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ِمن ُدو ِ‬
‫ن‪ُ ،‬قْل َأَتْعُبُدو َ‬
‫ظْر َأّنى ُيْؤَفُكو َ‬
‫ت ُثّم ان ُ‬
‫ن َلُهُم الَيا ِ‬
‫ف ُنَبّي ُ‬
‫ظْر َكْي َ‬
‫ان ُ‬
‫‪((2‬‬
‫جِميًعا ُثّم َيُقوُل ِلْلَملِئَكِة َأَهُؤلِء ِإّياكُْم‬
‫شُرُهْم َ‬
‫حُ‬‫واذكر له قوله تعالى‪َ} :‬وَيْوَم َي ْ‬ ‫سِميُع اْلَعِليُم {‬
‫ل ُهَو ال ّ‬
‫َوا ُّ‬
‫‪((3‬‬
‫ن{‬
‫ن َأْكَثُرُهخم ِبِهخم ّمْؤِمُنخو َ‬
‫جخ ّ‬
‫ن اْل ِ‬
‫ت َوِلّيَنخخا ِمخن ُدوِنِهخم َبخْل َكخاُنوا َيْعُبخُدو َ‬
‫ك َأنخ َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫ن‪َ ،‬قاُلوا ُ‬
‫َكاُنوا َيْعُبُدو َ‬
‫ن ِمخخن‬
‫ي ِإَلخ خَهْي ِ‬
‫خ خُذوِني َوُأّم خ َ‬
‫س اّت ِ‬
‫ت ِللّنخخا ِ‬
‫ت ُقل َ‬
‫ن َمْرَيَم َأَأن َ‬
‫سى اْب َ‬
‫عي َ‬
‫ل َيا ِ‬
‫وقوله سبحانه وتعالى‪َ } :‬وِإْذ َقاَل ا ُّ‬
‫سخي‬
‫عِلْمَتُه َتْعَلخُم َمخا ِفخي َنْف ِ‬
‫ت ُقْلُتُه َفَقْد َ‬
‫ق ِإن ُكن ُ‬
‫ح ّ‬
‫س ِلي ِب َ‬
‫ن َأُقوَل َما َلْي َ‬
‫ن ِلي َأ ْ‬
‫ك َما َيُكو ُ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫ل َقاَل ُ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ُدو ِ‬
‫‪((4‬‬
‫فقل له‪ :‬أعرفت أن الخ كّفخَر مخخن قصخخد الصخخنام وكّفخخر‬ ‫ب{‬
‫لُم اْلُغُيو ِ‬
‫عّ‬
‫ت َ‬
‫ك َأن َ‬
‫ك ِإّن َ‬
‫سَ‬
‫عَلُم َما ِفي َنْف ِ‬
‫َوَل َأ ْ‬
‫صالحين‪ ،‬وقاتلهم رسول ال ‪ ‬فإن قال الكفار يريدون منهم‪ ،‬وأنا أشهد أن ال خ هخخو‬
‫ضا من قصد ال ّ‬
‫أي ً‬
‫صالحون ليس لهم من المر شيء‪ ،‬ولكن أقصدهم أرجو من ال‬
‫النافع الضار المدبر‪ ،‬ل أريد إل منه وال ّ‬
‫خُذوا ِمن ُدوِن خِه‬
‫ن اّت َ‬
‫شفاعتهم فالجواب‪ :‬أن هذا قول الكفار سواًء بسواء واقرأ عليه قوله تعالى‪َ } :‬واّلِذي َ‬
‫ل خ {‪.((6‬‬
‫عن خَد ا ِّ‬
‫ش خَفَعاُؤَنا ِ‬ ‫ل ُزْلَفى {‪ ((5‬وقوله تعالى‪َ }:‬وَيُقوُلو َ‬
‫ن َهخُؤلِء ُ‬ ‫َأْوِلَياَء َما َنْعُبُدُهْم ِإّل ِلُيَقّرُبوَنا ِإَلى ا ِّ‬
‫ضخخحها فخخي كتخخابه‪ ،‬وفهمتهخخا فهًمخخا‬
‫واعلم أن هذه الشبه الثلث هي أكبر ما عندهم فإذا عرفخخت أن الخ و ّ‬
‫جيًدا فما بعدها أيسر منها [ ذكر الشيخ رحمه ال في هذا المقطع ثلث شبهات للمشركين هي من أهم مللا‬
‫عندهم‪ ،‬فإذا عرفت الجابة الصحيحة عنها فما بعدها من الشبهات أيسر منها‪:‬‬
‫ىىىىىى ىىىىىى‪ :‬أنهم يقولون نحن نشللهد أن ل إللله إل الل وأن محملًدا رسللول الل ‪‬‬
‫ونعلم أنه ل ينفع ول يضر إل ال سبحانه وتعالى وأن النبي ‪ ‬ل يملك نفعًللا ول ضلًرا فضل ً‬
‫ل عللن عبللد‬
‫القادر يعني عبد القادر الجيلني‪ ،‬لكن هؤلء لهم جاه عند ال فنطلب من ال بهم يعني نجعلهم وسائط بيننا‬
‫وبين ال لما لهم من الفضل‪.‬‬
‫فالجواب سهل جًدا من كتاب ال بأن تقول إن المشركين مع أصنامهم ما كانوا يعتقدون فيها أنها تخلللق‬
‫ن ِمللن‬
‫وترزق وتنفع وتضر وإنما اتخذوها وسائط بينهم وبين ال وهذا واضح في قللوله تعلالى‪َ } :‬وَيْعُبلُدو َ‬
‫ل َيْعَللُم ِفلي‬
‫لل ِبَملا َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل َأُتَنّبُئو َ‬
‫لل ُقل ْ‬
‫عنلَد ا ِّ‬
‫شلَفَعاُؤَنا ِ‬
‫ن َهللُؤلِء ُ‬
‫ل َينَفُعُهلْم َوَيُقوُللو َ‬
‫ضلّرُهْم َو َ‬
‫ل َي ُ‬
‫لل َملا َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ُدو ِ‬
‫ن {‪.‬‬
‫شِرُكو َ‬
‫عّما ُي ْ‬
‫حاَنُه َوَتَعاَلى َ‬
‫سْب َ‬
‫ض ُ‬
‫لْر ِ‬
‫ل ِفي ا َ‬
‫ت َو َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ال ّ‬

‫)‪ (1‬السراء‪57:‬‬

‫)‪ (2‬المائدة‪76-75 :‬‬

‫)‪ (3‬سبأ‪41-40 :‬‬

‫)‪ (4‬المائدة‪116 :‬‬

‫)‪ (5‬الزمر‪3:‬‬

‫)‪ (6‬يونس‪18:‬‬

‫‪32‬‬
‫نّزه نفسه عن فعلهم وسماه شرًكا مع أنهم يقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال ويعتقدون أنهم ل ينفعللون ول‬
‫يضرون وإنما قصدهم التعلق بالجاه فقلط‪ .‬فاليلات تلدل عللى أن المشلركين معللترفون بلأنه ل يخللق ول‬
‫يرزق ول يدبر المر إل ال سبحانه وتعالى وأن أصنامهم ومعبوداتهم ل تخلللق ول تللرزق ول تللدبر مللع‬
‫ال وإنما اتخذوها وسائط‪ .‬ول فرق بينكم وبينهم‪.‬‬
‫وإذا كنت مذنًبا فلماذا ل تستغفر ال وتطلب من ال ‪ ،‬وال جل وعل أمرك بالستغفار ووعدك بالتوبللة‬
‫وأن يقبل منك ويغفر ذنوبك ولم يقل إذا أذنبت فلاذهب إلللى قلبر الللولي الفلنللي أو العبللد الصلالح الفلنللي‬
‫وتوسل به واجعله واسطة بيني وبينك‪.‬‬
‫ضا‪ :‬هؤلء إذا كان لهم جاه عند ال فإن جاههم لهم وصلحهم لهلم وأنلت ليلس للك إل عمللك‬
‫وتقول أي ً‬
‫ك ُأّملٌة‬
‫وصلح الصالحين لهم وجاههم عند ال لهم ما علقتك بعمل فلن وصلح فلن كل له عمللله } ِتْلل َ‬
‫‪((1‬‬
‫ل َمللا ُكنُتلْم‬
‫ن ِإ ّ‬
‫جلَزْو َ‬
‫} َول ُت ْ‬ ‫ن{‬
‫عّمللا َكللاُنوا َيْعَمُلللو َ‬
‫ن َ‬
‫سلَأُلو َ‬
‫ل ُت ْ‬
‫سلْبُتْم َو َ‬
‫ت َوَلُكللم ّمللا َك َ‬
‫سلَب ْ‬
‫ت َلَها َما َك َ‬
‫خَل ْ‬
‫َقْد َ‬
‫‪((2‬‬
‫فجاههم وصلحهم لهم ول ينفعك إذا كنت ملذنًبا حلتى واللدك أقلرب النلاس إليلك ووللدك ل‬ ‫ن{‬
‫َتْعَمُلو َ‬
‫ل ل {‪ُ } ،((3‬ك ل ّ‬
‫ل‬ ‫لْمُر َي لْوَمِئٍذ ِّ‬
‫شْيًئا َوا َ‬
‫س َ‬
‫ك َنْفسٌ ّلَنْف ٍ‬
‫يستطيع ولو كان من أصلح الناس أن ينفعك } َيْوَم ل َتْمِل ُ‬
‫(‬
‫ش لْيًئا {‬
‫عن َواِلِدِه َ‬
‫جاٍز َ‬
‫عن َوَلِدِه َول َمْوُلوٌد ُهَو َ‬
‫جِزي َواِلٌد َ‬
‫ل َي ْ‬
‫شْوا َيْوًما ّ‬
‫خَ‬‫ت َرِهيَنٌة {‪َ } .((4‬وا ْ‬
‫سَب ْ‬
‫س ِبَما َك َ‬
‫َنْف ٍ‬
‫حَبِتِه َوَبِنيِه {‪.((6‬‬
‫صا ِ‬
‫خيِه‪َ ،‬وُأّمِه َوَأِبيِه‪َ ،‬و َ‬ ‫‪َ } .(5‬يْوَم َيِفّر اْلَمْرُء ِم ْ‬
‫ن َأ ِ‬
‫ضلّرُهْم‬
‫ل َي ُ‬
‫ل َملا َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ِمن ُدو ِ‬
‫ىىىىىى ىىىىىىى‪ :‬إذا قرأت عليه قوله تعالى‪َ } :‬وَيْعُبُدو َ‬
‫‪((7‬‬
‫خلُذوا مِللن ُدوِنلِه أَْوِلَيللاَء َمللا‬
‫ن اّت َ‬
‫وقللوله تعلالى‪َ } :‬واّللِذي َ‬ ‫لل {‬
‫عنلَد ا ِّ‬
‫شَفَعاُؤَنا ِ‬
‫ن َهلُؤلِء ُ‬
‫ل َينَفُعُهْم َوَيُقوُلو َ‬
‫َو َ‬
‫‪((8‬‬
‫وبّينت له أن المشركين ما أرادوا ممللن عبللدوهم إل الشللفاعة وقللال‬ ‫ل ُزْلَفى {‬
‫ل ِلُيَقّرُبوَنا ِإَلى ا ِّ‬
‫َنْعُبُدُهْم ِإ ّ‬
‫لك هذه اليات نزلت في الذين يعبدون الصنام وأنللا لسللت أعبللد الصللنام وإنمللا أتوسللل إليلله بالصللالحين‬
‫فكيف تجعل الصالحين أصناًما؟‬
‫والجواب عن هذا واضح جًدا وهو أن ال ذكر أن المشركين منهم ملن يعبلد الصلنام ومنهلم ملن يعبلد‬
‫الولياء والصالحين وسّوى ال بينهم في الحكم ولم يفّرق بينهللم وأنللت فّرقللت بينهللم‪ ،‬فللي ظنللك أن عبللادة‬
‫الصنام ل تجوز وأن عبادة الصالحين تجللوز إذا كللانت بقصللد التوسللط‪ ،‬والللدليل علللى هللذا أن الل ذكللر‬
‫جِميًعللا ُثلّم َيُقللولُ ِلْلَملِئَكلِة‬
‫شلُرُهْم َ‬
‫حُ‬‫عا من المشركين فمنهم من يعبد الصالحين قلال تعللالى ‪َ } :‬وَيلْوَم َي ْ‬
‫أنوا ً‬
‫ن َأكَْثُرُهم ِبِهم ّمْؤِمُنون‬
‫جّ‬
‫ن اْل ِ‬
‫ل َكاُنوا َيْعُبُدو َ‬
‫ت َوِلّيَنا ِمن ُدوِنِهم َب ْ‬
‫ك َأن َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫ن‪َ ،‬قاُلوا ُ‬
‫َأَهُؤلِء ِإّياُكْم َكاُنوا َيْعُبُدو َ‬
‫)‪ (1‬البقرة‪134:‬‬

‫)‪ (2‬يس‪54:‬‬

‫)‪ (3‬النفطار‪19:‬‬

‫)‪ (4‬المدثر‪38:‬‬

‫)‪ (5‬لقمان‪33:‬‬

‫)‪ (6‬عبس‪36-34:‬‬

‫)‪ (7‬يونس‪18:‬‬

‫)‪ (8‬الزمر‪3:‬‬

‫‪33‬‬
‫‪((9‬‬
‫في يوم القيامة ال جل وعل يسأل الملئكة وهو أعلم سبحانه وتعالى لكن لجل إبطال حجللة هللؤلء‬ ‫َ{‬
‫ن { فدل على أن منهم من يعبد الملئكة لكن الملئكة تتللبرأ منهللم يللوم القيامللة‬
‫} َأَهُؤلِء ِإّياُكْم َكاُنوا َيْعُبُدو َ‬
‫ن{‬
‫جل ّ‬
‫ل َكلاُنوا َيْعُبلُدونَ اْل ِ‬
‫ت َوِلّيَنا ِمن ُدوِنِهلم َبل ْ‬
‫ك َأن َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫وتقول نحن ما أمرناهم بذلك ول رضينا بذلك } ُ‬
‫ل ِمْنُه لْم ِإّنللي‬
‫يعني الشياطين هي التي أمرتهم بعبادة الملئكة لن الملئكة ل تأمر إل بعبادة ال } َوَمن َيُق ل ْ‬
‫‪((1‬‬
‫فدل على أن منهم من يعبد الملئكة‪ ،‬والملئكة‬ ‫ن{‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫جِزي ال ّ‬
‫ك َن ْ‬
‫جَهّنَم َكَذِل َ‬
‫جِزيِه َ‬
‫ك َن ْ‬
‫ِإَلٌه ّمن ُدوِنِه َفَذِل َ‬
‫‪((2‬‬
‫ومنهللم مللن يعبللد‬ ‫ن{‬
‫ل َوُهللم ِبلَأمِْرِه َيْعمَُلللو َ‬
‫سلِبُقوَنُه ِبللاْلَقْو ِ‬
‫أصلح الصالحين‪ ،‬كما قال تعالى فيهللم‪ } :‬ل َي ْ‬
‫النبياء والصالحين كالمسيح ابن مريم وأمه‪.‬‬
‫وإذا بطلل التوسلل بالملئكللة والنبيلاء ودعللاؤهم ملن دون الل بطلل التوسلل بغيرهلم ملن الصلالحين‬
‫خُذوا ِمن ُدوِنِه َأْوِلَياَء َما َنعُْب لُدُهْم ِإ ّ‬
‫ل‬ ‫ن اّت َ‬
‫ص َواّلِذي َ‬
‫خاِل ُ‬
‫ن اْل َ‬
‫ل الّدي ُ‬
‫ودعاؤهم من دون ال كما قال تعالى‪َ } :‬أل ِّ‬
‫‪((3‬‬
‫ب كَّفللاٌر {‬
‫ن ُهلَو َكللاِذ ٌ‬
‫ل ل َيْهلِدي مَل ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫ن إِ ّ‬
‫خَتِلُفو َ‬
‫حُكُم َبْيَنُهْم ِفي َما ُهْم ِفيِه َي ْ‬
‫ل َي ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل ُزْلَفى ِإ ّ‬
‫ِلُيَقّرُبوَنا ِإَلى ا ِّ‬
‫لن الواجب إخلص العبادة ل عز وجل بجميع أنواعها من الدعاء والذبح والنذر وغير ذلك‪.‬‬
‫جا من الدين‪.‬‬
‫فمن ذبح لغير ال ودعا غير ال كان مشرًكا خار ً‬
‫ىىىىىى ىىىىىىى‪ :‬إذا سّلم بأن الدعاء لغير ال شرك ولكنه قال أنا ل أدعو النللبي ‪‬‬
‫ول غيره وهذا الذي أفعله ليس دعاًء وإنما هو طلب لشفاعة النبي ‪ ‬وهل تنكر شللفاعة النللبي ‪ ‬فإنللك‬
‫حينئٍذ تدخل معه في خصومة أخرى وشبهة أخرى وهي أنله سلمى دعلاء النلبي ‪ ‬والسلتغاثة بله طلًبلا‬
‫للشفاعة ولم ُيسّمه دعاًء ويقول إن النبي ‪ُ ‬أعطي الشفاعة فأنا أطلب منه الشفاعة التي أعطيها‪.‬‬
‫فتقول له أنا ل أنكر الشفاعة وأقر أن شفاعة النلبي ‪ ‬حلق وأنله شلافع مشلّفع أنلا ل أنكلر هلذا ولكلن‬
‫الشفاعة ل تطلب من النبي ‪ ‬وهو ميت وإنما تطلب من ال لن الشللفاعة ملللك لل عللز وجللل‪ ،‬قللال الل‬
‫‪((4‬‬
‫فجميع أنواع الشفاعة ملك ل ومللا دامللت‬ ‫ض{‬
‫لْر ِ‬
‫ت َوا َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ك ال ّ‬
‫جِميًعا ّلُه ُمْل ُ‬
‫عُة َ‬
‫شَفا َ‬
‫ل ال ّ‬
‫تعالى‪ُ } :‬قل ِّ‬
‫ملًكا ل فإنها ل تطلب إل ممن يملكها وهو ال سبحانه وتعالى‪ ،‬والنبي ‪ ‬ل يملك الشفاعة ول أحد يملللك‬
‫ضا الشفاعة ل تنفع كل أحد وإنما تنفللع أهللل التوحيللد‬
‫الشفاعة إل بإذن ال وإنما هي ملك ل عز وجل‪ .‬وأي ً‬
‫وأنت لست من أهل التوحيد لنك تدعو غير ال فالشفاعة لها شرطان‪:‬‬
‫للللل للللل‪ :‬أن تطلب من ال سبحانه وتعالى ول تطلب من غيره‪.‬‬
‫للللل لللللل‪ :‬أن يكون المشللفوع فيله ملن أهلل التوحيلد ل مللن أهللل الشلرك والكفلر‪.‬‬
‫‪((5‬‬
‫وهو ل يرضى إل عللن أهللل‬ ‫ضى {‬
‫ن اْرَت َ‬
‫ل ِلَم ِ‬
‫ن ِإ ّ‬
‫شَفُعو َ‬
‫والدليل على الشرط الثاني قوله تعالى‪َ } :‬ول َي ْ‬

‫)‪ (9‬سبأ‪41-40:‬‬

‫)‪ (1‬النبياء‪29:‬‬

‫)‪ (2‬النبياء‪27:‬‬

‫)‪ (3‬الزمر‪3:‬‬

‫)‪ (4‬الزمر‪44:‬‬

‫)‪ (5‬النبياء‪28:‬‬

‫‪34‬‬
‫ل ِبلِإْذِنِه { ل الملئكللة ول الرسللل ول‬
‫عْنلَدُه ِإ ّ‬
‫شلَفُع ِ‬
‫التوحيد ودليللل الشللرط الول قللوله ‪َ } :‬مللن َذا اّللِذي َي ْ‬
‫ل ُتْغِنللي‬
‫س لَماَواتِ َ‬
‫ك ِفللي ال ّ‬
‫الولياء ول الصالحون ل أحد يشفع عند ال إل بعد أن يأذن ال‪َ } :‬وَكم ّمن مَّل ل ٍ‬
‫ضى {‪.((1‬‬
‫شاُء َوَيْر َ‬
‫ل ِلَمن َي َ‬
‫ن ا ُّ‬
‫ل ِمن َبْعِد َأن َيْأَذ َ‬
‫شْيئًا إ ّ‬
‫عُتُهْم َ‬
‫شَفا َ‬
‫َ‬
‫ي نبيك‪ ،‬ل تطلبها‬
‫فل تطلب الشفاعة من المخلوق الميت‪ ،‬وإنما تطلب الشفاعة من ال فتقول اللهم شّفع ف ّ‬
‫من الموات‪ .‬وهذا الذي تقول إنه طلب للشفاعة هو الذي كّفللر الل بله المشللركين‪ ،‬فلإن المشللركين حينمللا‬
‫لجؤوا إلى الولياء والصالحين وإلى الملئكة وإلى النبياء يطلبون منهم الشللفاعة كّفرهللم الل بللذلك فقللال‬
‫لل‬
‫ن ا َّ‬
‫ل َأُتَنّبُئو َ‬
‫لل ُقل ْ‬
‫عنَد ا ِّ‬
‫شَفَعاُؤَنا ِ‬
‫ن َهلُؤلِء ُ‬
‫ل َينَفُعُهْم َوَيُقوُلو َ‬
‫ضّرُهْم َو َ‬
‫ل َي ُ‬
‫ل َما َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ِمن ُدو ِ‬
‫تعالى‪َ} :‬وَيْعُبُدو َ‬
‫‪((2‬‬
‫فهذا الذي تقوله هو الذي كّفللر‬ ‫ن{‬
‫شِرُكو َ‬
‫عّما ُي ْ‬
‫حاَنُه َوَتَعاَلى َ‬
‫سْب َ‬
‫ض ُ‬
‫لْر ِ‬
‫ل ِفي ا َ‬
‫ت َو َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ل َيْعَلُم ِفي ال ّ‬
‫ِبَما َ‬
‫ال به المشركين وهو عبادة الولياء والصالحين طلًبا لشفاعتهم‪.‬‬
‫] فإن قال‪ :‬أنا ل أعبد إل ال‪ ،‬وهذا اللتجاء إليهم ودعاؤهم ليس بعبادة [ يعنللي إذا كللان يعلترف أن‬
‫العبادة حق ل عز وجل وأنه ل يجوز عبادة غير ال ولكنه يقول اللتجاء ليس من العبادة فهو جائز‪.‬‬
‫فإنك تقول له‪ :‬اللتجاء إلى ال عبادة واللتجاء إلى غير ال فيما ل يقدر عليه إل ال شرك لن من التجأ‬
‫إلى غير ال في الشدائد فقد أشرك مع ال فيما ل يقدر عليه إل ال سبحانه وتعالى‪ ،‬لنلله هللو الللذي ُيجيللب‬
‫المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وهو الملجأ سبحانه ولذا لجأ إليله النللبي ‪ ‬حيللث يقللول‪» :‬ل ملجللأ ول‬
‫‪((4‬‬ ‫‪((3‬‬
‫جلاُر‬
‫جيلُر َول ُي َ‬
‫وقلوله تعلالى ‪َ } :‬وُهلَو ُي ِ‬ ‫حلٌد {‬
‫لل َأ َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫جيَرِنلي ِمل َ‬
‫ل ِإّني َلن ُي ِ‬
‫} ُق ْ‬ ‫منجا منك إل إليك«‬
‫عَلْيِه {‪.((5‬‬
‫َ‬
‫] فقل له‪ :‬أنت تقر أن ال افترض عليك إخلص العبادة ل وهو حقه عليك‪ ،‬فإنه ل يعرف العبادة ول‬
‫ن {‪.((6‬‬
‫ب اْلُمْعَتِدي َ‬
‫ح ّ‬
‫خْفَيًة ِإّنُه َل ُي ِ‬
‫عا َو ُ‬
‫ضّر ً‬
‫عوْا َرّبُكْم َت َ‬
‫أنواعها فبّينها له بقولك‪ :‬قال ال تعالى‪ } :‬اْد ُ‬
‫فإذا أعلمته بهذا فقل له‪ :‬هل علمت أن هذا عبادة ل؟ فل بد أن يقول‪ :‬نعم‪ .‬والدعاء مخ العبادة‪ :‬فقخخل‬
‫ل ونهاًرا خوًفا وطمًعا‪ ،‬ثم دعوت في تلك الحاجخخة نبًيخخا أو غيخخره‬
‫له‪ :‬إذا أقررت أنه عبادة ودعوت ال لي ً‬
‫هل أشركت في عبادة ال غيره؟ فل بد أن يقول نعم [ أي تسأله عن معنى العبادة وما الفرق بينهما وبيللن‬
‫اللتجاء‪.‬‬
‫وقل له‪ :‬هل العبادة واجبة أو مستحبة؟ فل بد أن يعترف أن العبادة أمر واجب وحتم على العبللاد وأنهللا‬
‫سر لي العبادة ما معناها وبّين لي ما أنواعها‪ ،‬ما دمت أنللك‬
‫حق ال على العباد‪ ،‬فإذا اعترف بهذا فقل له‪ :‬ف ّ‬
‫اعترفت أن العبادة ل وأنها واجبة على العبد فإنه يجب عليك أن تعرف معناهللا وأن تعللرف أنواعهللا وإل‬
‫)‪ (1‬النجم‪26:‬‬

‫)‪ (2‬يونس‪18:‬‬

‫)‪ (3‬رواه المام البخاري في صحيحه ‪ 7/147‬كتاب الدعوات باب النوم على الشق اليمن من حديث البراء بن عازب رضي ال تعالى‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬الجن‪22:‬‬

‫)‪ (5‬المؤمنون‪88:‬‬

‫)‪ (6‬العراف‪55:‬‬

‫‪35‬‬
‫فكيف ُيوجب ال عليك شيًئا وأنت تجهله ول تعرفه‪ ،‬فإنه ل يعرف العبادة ول يعرف أنواعهللا‪ ،‬وهللذه آفللة‬
‫الجهل‪ ،‬ومن هنا يتعين على العباد أن يتعلموا ما أوجب ال عليهم وما فرضه ال عليهم حتى يللؤدوه علللى‬
‫وجهه الصحيح ويتجنبوا ما ُيخل به وما يبطله‪ ،‬أمللا أن تعبللد الل علللى جهللل فللإن هللذه طريقللة النصللارى‬
‫ص لَرا َ‬
‫ط‬ ‫الضالين يعبدون ال على جهل وضلل وال أمرك أن تسأله أن ُيجنبك طريقهم فتقول‪ } :‬اهِدَنلللا ال ّ‬
‫‪((1‬‬
‫فالضللالون هلم الللذين‬ ‫ن{‬
‫ضللاّلي َ‬
‫ل ال ّ‬
‫عَليِهلمْ َو َ‬
‫ب َ‬
‫ضللو ِ‬
‫غيلِر الَمغ ُ‬
‫عَليِهلْم َ‬
‫ت َ‬
‫ن َأنَعمل َ‬
‫ط اّللِذي َ‬
‫صلَرا َ‬
‫الُمسَتِقيَم‪ِ ،‬‬
‫يعبدون ال على غير علم وعلى غير معرفة بالعبادة وإنما يعبدون ال بالعادات والتقاليد وما وجدوا عليلله‬
‫آباءهم وأجدادهم دون أن يرجعوا إلى ما جاءت بلله الرسلل ونزلللت بله الكتللب وهللذا هلو سلبب الضلللل‪.‬‬
‫واللتجاء هو طلب الحماية من أمر مخّوف ل يدفعه إل الل‪ .‬فهلو نلوع ملن أنلواع العبلادة‪ ،‬والل سلبحانه‬
‫يجير ول يجار عليه ويعيذ من استعاذ به‪ ،‬فمن التجأ إلى ميت فقللد عبللده مللن دون الل وكللذلك مللن أعظللم‬
‫ن {‪ ((2‬وأنللت‬
‫ب اْلُمْعَت لِدي َ‬
‫حل ّ‬
‫ل ُي ِ‬
‫خْفَيًة ِإّن لُه َ‬
‫عا َو ُ‬
‫ضّر ً‬
‫عوْا َرّبُكْم َت َ‬
‫أنواع العبادة الدعاء حيث قال ال تعالى‪ } :‬اْد ُ‬
‫بالتجائك إلى غير ال قد دعوت غير ال وهذا شرك‪.‬‬
‫‪((3‬‬
‫وأطعت ال ونحرت له‪ ،‬هل هذا عبادة؟ فل بد‬ ‫حْر {‬
‫ك َواْن َ‬
‫صّل ِلَرّب َ‬
‫] فإذا عملت بقول ال تعالى‪َ } :‬ف َ‬
‫أن يقول‪ :‬نعم‪ ،‬فقل له‪ :‬فإذا نحرت لمخلوق‪ ،‬نبي أو جني أو غيرهما‪ ،‬هل أشركت في هخخذه العبخخادة غيخخر‬
‫ال؟ فل بد أن يقر ويقول‪ :‬نعم [ أي ل بد إذا تلوت عليلله اليللات والحللاديث بللأن الللدعاء عبللادة لبللد أن‬
‫يعترف فتقول له لو دعوت ال في الليل والنهار لكنك في بعض الحيان تدعو غير ال هل تكون مشرًكا؟‬
‫فل بد أن يعترف ويقول إنه مشرك لنه دعا غير ال ومن دعا غير ال فهو مشرك‪.‬‬
‫وإذا كان من دعا غير ال ولو مرة واحدة في العمر يكون مشرًكا مع أنه يللدعو الل فللي الليللل والنهللار‬
‫فكيف بالذي يلهج دائًما بذلك ويقول يا حسين‪ ،‬يا بدوي‪ ،‬يا عبد القادر‪ ،‬يا فلن فيصدر منه الشرك كثيًرا‪.‬‬
‫فإذا كان من ذبح لغير ال أو صلى لغير ال يكون مشرًكا فكيف بمن يلجأ إلى غير ال في كشف الشدائد‬
‫أل يكون مشرًكا؟ بلى لن الباب واحد وأنواع العبادة كلها بابها واحد ل يجوز أن يخلص ل ل فللي بعضللها‬
‫ويشرك بال في البعض الخر‪.‬‬
‫صخالحين واللت‬
‫ضا‪ :‬المشركون الذين نزل فيهم القخرآن هخل كخانوا يعبخدون الملئكخة وال ّ‬
‫] وقل له أي ً‬
‫وغير ذلك؟ فل بد أن يقول‪ :‬نعم فقل لخخه‪ :‬وهخخل كخخانت عبخخادتهم إيخخاهم إل فخخي الخخدعاء والذبخخح واللتجخخاء‬
‫ونحو ذلخك‪ .‬وإل فهخم مقخرون أنهخم عبيخده وتحخت قهخره وأن الخ هخو الخذي يخدّبر المخر ولكخن دعخوهم‬
‫والتجؤوا إليهم للجاه والشفاعة وهذا ظاهر جًدا [ أي أن المشركين الولين ما كللان شللركهم إل فللي هلذه‬
‫المور وقد نزل القرآن في النكار عليهم والمر بقتالهم وإباحة أموالهم ودمائهم‪ .‬مللا كللانوا ملع أصلنامهم‬
‫يعتقدون أنها تخلق وترزق وتحيي وتميت وما كانوا يدعونها إل مللن أجللل الشللفاعة‪ ،‬فكللذلك عّبللاد القبللور‬
‫اليوم يدعون الضلرحة والوليلاء والصللالحين ول يعتقللدون فيهللم أنهلم يخلقلون ويرزقلون وأنهللم خلقللوا‬

‫)‪ (1‬الفاتحة‪7-6:‬‬

‫)‪ (2‬العراف‪55:‬‬

‫)‪ (3‬الكوثر‪2:‬‬

‫‪36‬‬
‫السماوات والرض وإنما اتخذوهم لقضاء الحاجات والتوسل بهم إلى ال ليشفعوا لهم ويقربوهم إليه زلفى‬
‫واللتجاء إليهم في كشف الكرب والشدائد‪.‬‬
‫] فإن قال‪ :‬أتنكر شفاعة رسول ال ‪ ‬وتبرأ منها‪ .‬فقل ل أنكرها ول أتبرأ منها‪ .‬بل هو ‪ ‬ال ّ‬
‫شافع‬
‫‪((1‬‬
‫عُة جَِميًعخخا {‬
‫شخَفا َ‬
‫لخ ال ّ‬
‫والمشّفع وأرجو شفاعته‪ ،‬ولكن الشفاعة كلها ل تعالى كما قخخال تعخخالى‪ُ } :‬قخخل ِّ‬
‫عْنَدُه ِإّل ِبِإْذِنِه { ‪ ((2‬ول يشفع النبي ‪ ‬في‬
‫شَفُع ِ‬
‫ول تكون إل بعد إذن ال كما قال تعالى‪َ } :‬من َذا اّلِذي َي ْ‬
‫‪((3‬‬
‫وهو سبحانه ل يرضخخى‬ ‫ضى {‬
‫ن اْرَت َ‬
‫ن ِإّل ِلَم ِ‬
‫شَفُعو َ‬
‫أحد إل بعد أن يأذن ال فيه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬ول َي ْ‬
‫‪((4‬‬
‫فإذا كانت الشفاعة كلها ل خ‬ ‫لِم ِديًنا َفَلن ُيْقَبَل ِمْنُه {‬
‫سَ‬
‫غْيَر اِل ْ‬
‫إل التوحيد‪ ،‬كما قال تعالى‪َ } :‬وَمن َيْبَتِغ َ‬
‫ول تكون إل من بعد إذنه‪ ،‬ول يشفع النبي ‪ ‬ول غيره في أحد حتى يخخأذن ال خ فيخخه‪ ،‬ول يخخأذن ال خ إل‬
‫لهل التوحيد تبّين لك أن الشفاعة كلها ل وأطلبها منه فأقول‪ :‬اللهخّم ل تحرمنخخي شخخفاعته اللهخمّ ش خّفعه‬
‫ي‪ ،‬وأمثال هذا [ شفاعة النبي ‪ ‬ل ينكرها إل أهل الباطل‪ ،‬والفرق الضالة كالخوارج والمعتزلة‪ ،‬أمللا‬
‫فّ‬
‫أهل السنة والجماعة فإن من أصول عقيلدتهم القلرار بشلفاعة النلبي ‪ ‬وشلفاعة الوليلاء والصلالحين‪،‬‬
‫ولكنها ل تطلب منهم وهم أموات وإنما تطلب من ال لن أحًدا ل يشفع عند ال إل مللن بعللد إذنلله‪ ،‬ول بللد‬
‫أن يكون المشفوع فيه ممن يرضى ال عنه من أهل التوحيد‪ ،‬والنبي ‪ ‬وهو أعظم الشفعاء يوم القيامللة‪،‬‬
‫إذا تقدم له أهل المحشر وطلبوا منه أن يشفع لهم عند ال في فصللل القضللاء بينهللم‪ ،‬فللإنه ل يشللفع ابتللداء‪،‬‬
‫وإنما يستأذن ربه ويطلب منه أن يأذن له بالشللفاعة فيخلّر سللاجًدا بيللن يللدي ربلله ويللدعوه ويتضللرع إليلله‬
‫ل تعطه واشفع تشّفع ‪ ((5‬ولكن كيف تطلب الشفاعة؟‪.‬‬
‫ويستمر حتى يقال له‪ :‬يا محمد ارفع رأسك وس ْ‬
‫ي‪.‬‬
‫الشفاعة تطلب من ال ول تطلب من المخلوق فتقول‪ :‬اللهم ل تحرمني شفاعة نبيللك‪ ،‬اللهللم ش لّفعه ف ل ّ‬
‫وأمثال هذا‪ .‬والنبي ‪ ‬بعد موته ل يطلب منه شيء ل شفاعة ول غيرها لن طلب الشياء من المللوات‬
‫شرك أكبر‪.‬‬
‫] فإن قال‪ :‬النبي ‪ ‬أعطي الشفاعة وأنخا أطلبخه ممخا أعطخخاه الخ تعخخالى‪ .‬فخخالجواب‪ :‬أن الخ أعطخاه‬
‫‪((6‬‬
‫فخإذا كنخت تخدعو الخ أن يشخّفع نخبّيه‬ ‫حًدا {‬
‫ل َأ َ‬
‫عوا َمَع ا ِّ‬
‫الشفاعة ونهاك عن هذا فقال تعالى‪َ } :‬فل َتْد ُ‬
‫ضا‪ ،‬فإن الشفاعة أعطيها غير النبي ‪ ‬فصخح أن‬
‫حًدا {‪ ،‬وأي ً‬
‫ل َأ َ‬
‫عوا َمَع ا ِّ‬
‫فيك فأطعه في قوله‪َ } :‬فل َتْد ُ‬

‫)‪ (1‬الزمر‪44:‬‬

‫)‪ (2‬البقرة‪255:‬‬

‫)‪ (3‬النبياء‪28:‬‬

‫)‪ (4‬آل عمران‪85:‬‬

‫حللا ِإَلللى َقلْوِمِه { ‪ ،‬وانظللر مسلللم‬ ‫)‪ (5‬انظر صحيح البخاري ‪،4/105‬ل ‪ 106‬كتاب أحاديث النبياء باب قول ال تعالى‪ِ } :‬إّنللا َأْر َ‬
‫سلْلَنا ُنو ً‬
‫‪ 186-1/184‬كتاب اليمان من حديث أبي هريرة رضي ال عنه باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها كلهما من حللديث أبللي هريللرة رضللي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬الجن‪18:‬‬

‫‪37‬‬
‫الملئكة يشفعون‪ ،‬والفراط‪ ((7‬يشخفعون والوليخاء يشخفعون أتقخول‪ :‬إن الخ أعطخاهم الشخفاعة وأطلبهخا‬
‫منهم فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكرها ال في كتابه‪ .‬وإن قلت ل بطل قولك‪ :‬أعطخخاه‬
‫ال الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه ال [ أي ليس من لزم إعطاء النبي ‪ ‬وغيره الشفاعة جواز طلبهللا‬
‫منهم وهم أموات بدليل أن ال سبحانه وتعالى نفي أن يشفع أحد عنده إل بإذنه ورضاه عللن المشللفوع فيلله‬
‫ولن طلب الشفاعة من الموات شرك وال قد حرم الشرك وأحبط عمل صاحبه وحرم عليه الجنللة‪ ،‬وقللد‬
‫أنكر سبحانه على الذين يدعون غيره ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال ونّزه نفسه عن ذلك وسللماه شللرًكا‪.‬‬
‫صا بالنبي ‪ ‬فهل كل من أعطي الشفاعة تطلب منه من دون ال كمللا‬
‫ضا إعطاء ال الشفاعة ليس خا ً‬
‫وأي ً‬
‫ل {‪.((1‬‬
‫عنَد ا ِّ‬
‫شَفَعاُؤَنا ِ‬
‫ن َهلُؤلِء ُ‬
‫كان المشركون الولون يفعلون ذلك‪َ } ،‬يُقوُلو َ‬
‫صالحين ليس بشخرك‪ .‬فقخل لخه‪ :‬إذا‬
‫] فإن قال‪ :‬أنا ل أشرك بال شيًئا حاشا وكل ولكن اللتجاء إلى ال ّ‬
‫كنت تقر أن ال حّرم الشرك أعظم من تحريم الزنى‪ ،‬وتقّر أن ال ل يغفره‪ ،‬فما هخخذا المخخر الخخذي حرمخخه‬
‫ال وذكر أنه ل يغفره‪ ،‬فإنه ل يدري فقل له‪ :‬كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنخخت ل تعرفخخه؟ كيخخف يحخخرم‬
‫ال عليك هذا ويذكر أنه ل يغفره ول تسأل عنه ول تعرفه؟ أتظن أن ال يحّرمه ول يبّينه لنا؟ فإن قخخال‪:‬‬
‫الشرك عبادة الصنام ونحن ل نعبد الصنام فقل له‪ :‬ما معنى عبخخادة الصخخنام؟ أتظخخن أنهخخم يعتقخخدون أن‬
‫تلك الخشاب والحجار تخلق وترزق وتدّبر أمر من دعاها؟ فهذا يكّذبه القرآن‪ ،‬وإن قال‪ :‬هو من قصخخد‬
‫خشبًة أو حجًرا أو بنية على قبٍر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له يقولخون‪ :‬إنخه يقربنخخا إلخى الخ زلفخى‬
‫ويدفع ال عنا ببركته ويعطينا ببركته فقل صدقت وهذا هو فعلكم عند الحجار والبنية التي على القبور‬
‫وغيرها فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الصنام فهو المطلوب‪.‬‬
‫ضا‪ :‬قولك‪) :‬الشرك عبادة الصنام( هل مرادك أن الشرك مخصوص بهخخذا‪ ،‬وأن العتمخخاد‬
‫ويقال له أي ً‬
‫صالحين ودعاَءهم ل يدخل في ذلك؟ فهذا يرّده مخخا ذكخخر الخ فخخي كتخخابه مخخن كفخخر مخخن تعلخخق علخخى‬
‫على ال ّ‬
‫صخخالحين فهخذا‬
‫صالحين‪ ،‬فل بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة ال أحًدا من ال ّ‬
‫الملئكة أو عيسى أو ال ّ‬
‫هو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب‪.‬‬
‫وسر المسألة أنه إذا قال‪ :‬أنا ل أشرك بال فقل له‪ :‬وما الشرك بال‪ ،‬فسره لي؟ فإن قال‪ :‬هخخو عبخخادة‬
‫الصنام فقل وما معنى عبادة الصنام فسرها لي‪ :‬فإن قال‪ :‬أنا ل أعبد إل ال فقل‪ :‬مخخا معنخخى عبخخادة الخ‬
‫سرها بما بّينه القرآن فهو المطلوب‪ ،‬وإن لم يعرفه فكيف يّدعي شيًئا وهو ل يعرفه؟‬
‫فسرها لي؟ فإن ف ّ‬
‫وإن فسر ذلك بغير معناه‪ ،‬بّينت له اليات الواضحات في معنى الشرك بال وعبادة الوثان وأنه الذي‬
‫يفعلونه في هذا الزمان بعينه‪ ،‬وأن عبادة ال وحده ل شريك له هي التي ينكرون علينا ويصخخيحون فيخخه‬
‫‪((2‬‬
‫[ يبّين الشيخ رحمه‬ ‫ب{‬
‫جا ٌ‬
‫عَ‬‫يٌء ُ‬
‫ش ْ‬
‫ن هََذا َل َ‬
‫حًدا ِإ ّ‬
‫جَعَل الِلَهَة ِإَلًها َوا ِ‬
‫كما صاح إخوانهم حيث قالوا‪َ } :‬أ َ‬
‫ال أن الشرك ليس مقصوًرا على عبادة الصنام لن المشركين الولين منهم من يعبد الملئكة والملئكللة‬

‫)‪ (7‬الفراط‪ :‬هم الولد الصغار الذين ماتوا قبل آبائهم‪ .‬انظر لسان العرب ‪ 7/366‬مادة »فرط«‪.‬‬

‫)‪ (1‬يونس‪18:‬‬

‫)‪ (2‬ص‪5:‬‬

‫‪38‬‬
‫ن‪َ ،‬يعَْلمُ َمللا َبْي ل َ‬
‫ن‬ ‫ل َوُهم ِبَأمِْرِه َيْعمَُلو َ‬
‫سِبُقوَنُه ِباْلَقْو ِ‬
‫ن‪ ،‬ل َي ْ‬
‫عَباٌد ّمْكَرُمو َ‬
‫ل ِ‬
‫أصلح الصالحين كما قال تعالى‪َ } :‬ب ْ‬
‫ل مِْنُهْم ِإّني ِإَلٌه ّمللن ُدوِن لِه‬
‫ن‪َ ،‬وَمن َيُق ْ‬
‫شِفُقو َ‬
‫شَيِتِه مُ ْ‬
‫خْ‬
‫ن َ‬
‫ضى َوُهم ّم ْ‬
‫ن اْرَت َ‬
‫ل ِلَم ِ‬
‫ن ِإ ّ‬
‫شَفُعو َ‬
‫خْلَفُهْم َول َي ْ‬
‫َأْيِديِهْم َوَما َ‬
‫ن {‪.((1‬‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫جِزي ال ّ‬
‫ك َن ْ‬
‫جَهّنَم َكَذِل َ‬
‫جِزيِه َ‬
‫ك َن ْ‬
‫َفَذِل َ‬
‫سلليَلَة َأّيُهلْم‬
‫ن ِإَلى َرّبهُِم اْلَو ِ‬
‫ن َيْبَتُغو َ‬
‫عو َ‬
‫ن َيْد ُ‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫ومنهم من يعبد الصالحين وذلك في قوله تعالى‪ُ } :‬أوَللِئ َ‬
‫عَذاَبُه {‪ ((2‬قيل إنها نزلت فيمن يعبد عزيًرا والمسيح مللن النبيللاء‪ .‬وقيللل‬
‫ن َ‬
‫خاُفو َ‬
‫حَمَتُه َوَي َ‬
‫ن َر ْ‬
‫جو َ‬
‫ب َوَيْر ُ‬
‫َأْقَر ُ‬
‫نزلت في قوم كانوا يعبدون الجن فأسلم الجن‪ ،‬ولم يعلم من يعبدهم من النس أنهم أسلموا‪.‬‬
‫والمقصود من ذلك أن ال ذكر أن المشركين الولين منهم من يعبد الصنام والشجار والحجار ومنهم‬
‫من يعبد النبياء والصالحين‪ ،‬وسّوى بينهم في الحكم وحكم عليهم بالكفر والشرك‪ .‬وأنت أيها المشبه تريللد‬
‫أن تفرق بين من عبد الصنام ومن عبد الصالحين فتفرق بين ما جمع الل وهلذا ملن المحلاّدة لل سلبحانه‬
‫وتعالى‪ .‬هذا وجه رد هذه الشبهة حيث تبّين أنه ل فرق بين شللرك الّوليللن وشللرك هللؤلء الللذين يلّدعون‬
‫السلم وهم يعبدون القبور والولياء والصالحين لنهم ل يعرفون أن هذا شرك وهذه نتيجة الجهل بعقيدة‬
‫التوحيد الصحيحة والجهل بما يضادها من الشرك فإن من ل يعرف الشرك يقع فيه وهللو ل يللدري‪ .‬ومللن‬
‫هنا تتضح ضرورة العناية بدراسة العقيدة الصحيحة وما يضادها‪.‬‬
‫] فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا العتقاد هخخو الشخخرك الخخذي نخخزل فيخخه القخخرآن‬
‫وقاتل رسول ال ‪ ‬الناس عليه فاعلم أن شرك الولين أخف من شرك أهل زماننخا بخأمرين‪ :‬أحخدهما‪:‬‬
‫ش خّدة‬
‫أن الولين ل يشركون ول يدعون الملئكة والولياء والوثان مع ال خ إل فخخي الرخخخاء وأمخخا فخخي ال ّ‬
‫جاكُمْ ِإَلى‬
‫ن ِإّل ِإّياُه َفَلّما َن ّ‬
‫عو َ‬
‫ضّل َمن َتْد ُ‬
‫ضّر ِفي اْلَبحِْر َ‬
‫سُكُم اْل ّ‬
‫فيخلصون ل الدين كما قال تعالى‪َ } :‬وِإَذا َم ّ‬
‫‪((3‬‬
‫غْي خَر‬
‫عُة َأ َ‬
‫سخخا َ‬
‫ل َأْو َأَتْتُكُم ال ّ‬
‫ب ا ِّ‬
‫عَذا ُ‬
‫ن َأَتاُكْم َ‬
‫وقوله‪ُ } :‬قْل َأَرَأْيَتُكم ِإ ْ‬ ‫ن َكُفوًرا {‬
‫سا ُ‬
‫ن اِلْن َ‬
‫ضُتْم َوَكا َ‬
‫عَر ْ‬
‫اْلَبّر َأ ْ‬
‫‪((4‬‬
‫ن{‬
‫شخِرُكو َ‬
‫ن َمخخا ُت ْ‬
‫سْو َ‬
‫شاَء َوَتن َ‬
‫ن َ‬
‫ن ِإَلْيِه ِإ ْ‬
‫عو َ‬
‫ف َما َتْد ُ‬
‫ش ُ‬
‫ن َفَيْك ِ‬
‫عو َ‬
‫ن * َبْل ِإّياُه َتْد ُ‬
‫صاِدِقي َ‬
‫ن ِإن ُكنُتْم َ‬
‫عو َ‬
‫ل َتْد ُ‬
‫ا ِّ‬
‫‪((5‬‬
‫ع خُوا‬
‫ظَلِل َد َ‬
‫ج َكال ّ‬
‫شَيُهم ّمْو ٌ‬
‫غ ِ‬
‫وقوله‪َ } :‬وِإَذا َ‬ ‫عا َرّبُه ُمِنيًبا ِإَلْيِه {‬
‫ضّر َد َ‬
‫ن ُ‬
‫سا َ‬
‫س اِلن َ‬
‫وقال تعالى‪َ } :‬وِإَذا َم ّ‬
‫ن {‪ [.((6‬يقول الشيخ رحملله اللل‪ :‬إذا عرفللت ممللا سللبق أنلله ل فللرق بيللن شللرك أهللل‬
‫ن َلُه الّدي َ‬
‫صي َ‬
‫خِل ِ‬
‫ل ُم ْ‬
‫ا َّ‬
‫الجاهلية الذي نزل فيه القرآن والذي قاتل رسول ال ‪ ‬وأصحابه وشرك هؤلء المنتسبين إلى السلللم‬
‫من عّباد القبور وأصحاب الطرق الصوفية المنحرفة ونحوهم ل فرق بيللن شللرك هللؤلء وهللؤلء إل فللي‬
‫السم حيث يسمونه العتقاد فقط‪ ،‬فاعلم أن شرك هؤلء المتأخرين المنتسبين إلى السلم أشد وأغلظ مللن‬
‫شرك المتقدمين من أهل الجاهلية من وجهين‪:‬‬

‫)‪ (1‬النبياء‪29-26:‬‬

‫)‪ (2‬السراء‪57:‬‬

‫)‪ (3‬السراء‪67:‬‬

‫)‪ (4‬النعام‪41-40:‬‬

‫)‪ (5‬الزمر‪8:‬‬

‫)‪ (6‬لقمان‪32:‬‬

‫‪39‬‬
‫الول‪ :‬أن شرك الولين إنمللا يحصلل فللي حلال الرخللاء وأمللا فللي حللال الشللدة فللإنهم يللتركون الشللرك‬
‫ويخلصون الدعاء ل لعلمهم أنه ل ينجي من الشدائد إل ال سبحانه‪ ،‬كما ذكر الل عنهللم فللي اليللات الللتي‬
‫ساقها الشيخ وغيرها؛ وأما هؤلء المشركون المنتسبون إلى السلم فشركهم دائم في الرخللاء والشلدة بلل‬
‫إن شركهم في الشدة يزيد على شركهم في الرخاء ‪ ،‬بحيث إذا وقعوا في خطر وشللدة‪ ،‬ارتفعللت أصللواتهم‬
‫بالشرك ودعاء غير ال‪.‬‬
‫هذا هو الوجه الول من وجوه الفرق بين المشركين الولين ومشركي زماننا‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬سيأتي‪.‬‬
‫] فمن فهم هذه المسألة التي وضحها ال في كتابه وهي أن المشركين الذي قاتلهم رسول ال يدعون‬
‫ال تعالى ويدعون غيره فخي الرخخخاء وأمخخا فخخي الضخخر والشخخدة فل يخخدعون إل الخ وحخخده ل شخخريك لخخه‪،‬‬
‫وينسون ساداتهم تبّين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الوليخخن ولكخخن‪ ،‬أيخخن مخخن يفهخخم قلبخخه هخذه‬
‫خا؟! وال المستعان [ يقول رحمه ال ‪ :‬إنه ل يدرك الفرق بين شللرك الوليللن وشللرك‬
‫المسألة فهًما راس ً‬
‫المتأخرين في أن شرك المتأخرين أغلظ وأشد‪ ،‬إل من فهم اليات القرآنية التي توضح ذلك ومن لم يدرك‬
‫الفرق فإنه راجع لسوء فهمه‪.‬‬
‫سا مقّربين عند ال إما أنبياء وإما أولياء‪ ،‬وإما ملئكة‪،‬‬
‫] والمر الثاني أن الولين يدعون مع ال أنا ً‬
‫سخخا مخخن أفسخخق‬
‫أو يدعون أشجاًرا أو أحجاًرا مطيعة ل ليست عاصية وأهخخل زماننخخا يخخدعون مخخع الخ أنا ً‬
‫الناس‪ ،‬والذين يدعونهم هم الذين يحكمون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلة وغيخخر ذلخخك [‬
‫سا فيهم صلح وتقرب إلى ال من الملئكة‬
‫الوجه الثاني‪ :‬من أوجه الفرق أن المشركين الولين يدعون أنا ً‬
‫والنبياء والصالحين أو يدعون أشجاًرا أو أحجاًرا ليست عاصية ل‪ .‬وأما المشركون المتأخرون فيدعون‬
‫فجرة الخلق وأشدهم كفًرا وفسًقا ممن يزعمون لهم الكرامات وسقوط التكاليف عنهم من ملحدة الصوفية‬
‫الللذين يسللتحلون المحرمللات ويللتركون الواجبللات كالبللدوي والحلج وابللن عربللي وأضللرابهم مللن أئمللة‬
‫الملحدة‪ ،‬فيعبدونهم وهم يشاهدونهم يفعلون الفواحش ويتركون الفرائض ويزعمون أن هذا من كرامتهللم‬
‫وفضلهم حيث سقطت عنهم التكاليف‪.‬‬
‫صالح أو الذي ل يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن ُيشاهد فسقه‬
‫] والذي يعتقد في ال ّ‬
‫وفساده ويشهد به [ هذه نتيجة المقارنة بين شرك الولين وشرك المتأخرين المنتسبين إلى السلم وهي‬
‫أن الشلرك بعبللادة الصللالحين والمخلوقلات الللتي ل تعصلي أخلف ملن الشلرك بعبلادة الفجلرة والملحلدة‬
‫حا وكرامللة وأي‬
‫والعصاة لن ذلك يدل على تزكيتهم ومللوافقتهم علللى كفرهللم وفجللورهم واعتبللاره صللل ً‬
‫محادة ل أشد من هذه المحادة نسأل ال العافية‪.‬‬
‫] إذا تحّققت أن الذين قاتلهم رسول ال ‪ ‬أصح عقوًل وأخف شرًكا من هؤلء‪ ،‬فخخاعلم أن لهخخؤلء‬
‫شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظخخم شخخبههم فأصخخغ سخخمعك لجوابهخخا وهخخي أنهخخم يقولخخون إن‬
‫الذين نزل فيهم القرآن ل يشهدون أن ل إلخخه إل الخ ويكخّذبون الرسخخول ‪ ‬وينكخخرون البعخخث ويكخّذبون‬

‫‪40‬‬
‫القرآن ويجعلونه سحًرا ونحن نشهد أن ل إله إل الخ وأن محمخًدا رسخول الخ ونصخخدق القخرآن ونخؤمن‬
‫بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟‬
‫فالجواب أن ل خلف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صّدق رسول ال ‪ ‬في شيء وكّذبه في شيء‬
‫فإنه كافر لم يدخل في السلم وكذلك إذا آمن ببعض القخخرآن وجحخخد بعضخخه‪ ،‬كمخخن أقخّر بالّتوحيخخد وجحخخد‬
‫وجوب الصلة أو أقّر بالتوحيد والصلة وجحد وجوب الزكاة أو أقّر بهذا كله وجحد الصوم أو أقّر بهخخذا‬
‫حخ ّ‬
‫ج‬ ‫س ِ‬
‫عَلى الّنا ِ‬ ‫كله وجحد الحج ولما لم ينقد أناس في زمن النبي ‪ ‬للحج أنزل ال في حقهم‪َ } :‬و ِّ‬
‫ل َ‬
‫ن {‪.((1‬‬
‫ن اْلَعاَلِمي َ‬
‫عِ‬
‫ي َ‬
‫غِن ّ‬
‫ن ال َ‬
‫ل َوَمن َكَفَر َفِإ ّ‬
‫سِبي ً‬
‫ع ِإَلْيِه َ‬
‫طا َ‬
‫سَت َ‬
‫نا ْ‬
‫ت َم ِ‬
‫اْلَبْي ِ‬
‫ن ِبا ِّ‬
‫ل‬ ‫ن َيْكُفُرو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫ومن أقر بهذا كله وجحد البعث كفر بالجماع وحل دمه وماله كما قال تعالى‪ِ } :‬إ ّ‬
‫خخُذوْا‬
‫ن َأن َيّت ِ‬
‫ض َوُيِريخُدو َ‬
‫ض َوَنْكُفخُر ِبَبْعخ ٍ‬
‫ن ِبَبعْ ٍ‬
‫ن ُنْؤِم ُ‬
‫سِلِه َويُقوُلو َ‬
‫ل َوُر ُ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن َأن ُيَفّرُقوْا َبْي َ‬
‫سِلِه َوُيِريُدو َ‬
‫َوُر ُ‬
‫حّقا {‪.((2‬‬
‫ن َ‬
‫ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ‬
‫ل‪ُ ،‬أْوَلخِئ َ‬
‫سِبي ً‬
‫ك َ‬
‫ن َذِل َ‬
‫َبْي َ‬
‫فإذا كان ال قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكخخافر حًقخخا زالخخت هخخذه الشخخبهة‬
‫وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الحساء في كتابه الذي أرسله إلينا‪.‬‬
‫ضا‪ :‬إذا كنت تقّر أن من صّدق الرسول ‪ ‬في كل شيء وجحد وجخخوب ال ّ‬
‫صخخلة فهخخو كخخافر‬ ‫ويقال أي ً‬
‫حلل الدم والمال بالجماع‪ ،‬وكذلك إذا أقّر بكل شيء إل البعث‪ ،‬وكذلك لخو جحخد وجخوب صخوم رمضخخان‬
‫وصّدق بالباقي وهنا ل تختلف المذاهب فيه وقد نطق به القرآن كما قدمنا‪ .‬فمعلوم أن التوحيد هو أعظم‬
‫فريضة جاء بها النبي ‪ ‬وهو أعظم من الصلة والزكاة والصوم والحج‪ .‬فكيف إذا جحد النسان شيًئا‬
‫من هذه المور؟ كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول ‪ ، ‬وإذا جحد التوحيخخد الخخذي هخخو ديخخن الرسخخل‬
‫كلهم ل يكفر؟! سبحانه ال ما أعجب هذا الجهل!‬
‫ضا‪ :‬هؤلء أصحاب رسول ال ‪ ‬قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي ‪ ‬وهم يشهدون‬
‫ويقال أي ً‬
‫أن ل إله إل ال وأن محمًدا رسول ال ويؤّذنون ويصّلون فإن قال إنهم يقولون إن مسليمة نبي قلنا هذا‬
‫ل إلى رتبة النبي ‪ ‬كفر وحل ماله ودمه ولخخم تنفعخخه الشخهادتان ول‬
‫هو المطلوب‪ .‬إذا كان من رفع رج ً‬
‫الصلة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابًيا أو نبًيا إلى رتبة جبار السماوات والرض سبحان‬
‫ن {‪.((3‬‬
‫ب اْلَكاِفِري َ‬
‫ى ُقُلو ِ‬
‫عَل َ‬
‫ل َ‬
‫طَبُع ا ُّ‬
‫ك َي ْ‬
‫ال ما أعظم شأنه‪َ } :‬كَذِل َ‬
‫ضا‪ :‬الذين حّرقهم علي بن أبي طالب رضي ال عنه بالّنخخار كلهخخم يخّدعون السخخلم وهخخم مخخن‬
‫ويقال أي ً‬
‫أصحاب علي رضي ال عنه وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل العتقاد في يوسف‬
‫وشمسخخان وأمثالهمخخا‪ ،‬فكيخخف أجمخخع الصخخحابة علخخى قتلهخخم وكفرهخخم؟ أتظنخخون أن الصخخحابة يكّفخخرون‬
‫المسلمين؟ أتظنون أن العتقاد في تاج وأمثاله ل يضر والعتقاد في علي بن أبي طالب يكّفر؟‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪97:‬‬

‫)‪ (2‬النساء‪151-150 :‬‬

‫)‪ (3‬الروم‪59 :‬‬

‫‪41‬‬
‫ضا‪ :‬بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يشخخهدون أن ل‬
‫ويقال أي ً‬
‫إله إل ال وأن محمًدا رسول ال ويّدعون السلم ويصخخلون الجمعخخة والجماعخخة‪ ،‬فلمخخا أظهخخروا مخالفخخة‬
‫الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بلدهخم بلد حخخرب وغزاهخخم‬
‫المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين‪.‬‬
‫ضا‪ :‬إذا كان الولون لم يكفروا إل أنهم جمعخخوا بيخخن الشخخرك وتكخخذيب الرسخخول ‪ ‬والقخخرآن‬
‫ويقال أي ً‬
‫وإنكار البعث وغير ذلك فما معنى البخخاب الخخذي ذكخره العلمخاء فخي كخل مخذهب )بخاب حكخخم المرتخخد( وهخو‬
‫عا كثيرة‪ ،‬كل نوع منها يكّفخر ويحخل دم الرجخل ومخاله حختى إنهخم‬
‫المسلم يكفر بعد إسلمه ثم ذكروا أنوا ً‬
‫ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلهخا مثخخل كلمخخة يخذكرها بلسخانه دون قلبخه أو يخخذكرها علخى وجخخه المخخزح‬
‫واللعب‪.‬‬
‫لِمِهمْ‬
‫سَ‬
‫ل َما َقاُلوْا َوَلَقْد َقاُلوْا َكِلَمَة اْلُكْفِر َوَكَفُروْا َبْعَد ِإ ْ‬
‫ن ِبا ِّ‬
‫حِلُفو َ‬
‫ضا‪ :‬الذين قال ال فيهم ‪َ } :‬ي ْ‬
‫ويقال أي ً‬
‫{‪.((1‬‬
‫أما سمعت ال كّفرهم بكلمة مع كخخونهم فخخي زمخخن رسخخول الخ ‪ ‬ويجاهخخدون معهخخم ويصخّلون معخخه‬
‫حدون‪.‬‬
‫جون ويَو ّ‬
‫ويزّكون ويح ّ‬
‫سخوِلِه‬
‫ل َوآَيخخاِتِه َوَر ُ‬
‫ب ُقخْل َأِبخخا ِّ‬
‫ض َوَنْلَع ُ‬
‫خو ُ‬
‫ن ِإّنَما ُكّنا َن ُ‬
‫سَأْلَتُهْم َلَيُقوُل ّ‬
‫وكذلك الذين قال ال فيهم‪َ } :‬وَلِئن َ‬
‫طآِئَف خًة ِبخَأّنُهْم َكخخاُنوْا‬
‫ب َ‬
‫طآِئَفخٍة ّمنُك خْم ُنَعخّذ ْ‬
‫عخخن َ‬
‫ف َ‬
‫ن‪َ ،‬ل َتْعَتِذُروْا َقْد َكَفْرُتم َبْعَد ِإيَماِنُكْم ِإن ّنْع ُ‬
‫سَتْهِزُؤو َ‬
‫ُكنُتْم َت ْ‬
‫فهؤلء الذي صّرح ال أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الخ ‪ ‬فخي غخخزوة تبخخوك‬ ‫‪((2‬‬
‫ن{‬
‫جِرِمي َ‬
‫ُم ْ‬
‫قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح‪ ، ((3‬فتأمل هذه الشبهة هي قولهم تكّفرون من المسخخلمين‬
‫سا يشهدون أن ل إله إل ال ويصلون ويصومون ثم تأمل جوابها فإنه من أنفع ما في هذه الوراق [‬
‫أنا ً‬
‫ما زال الشيخ رحمه ال يواصل الرد على شبهات المشبهين في مسألة الشرك والتوحيد‪ ،‬فانتهى إلللى هللذه‬
‫الشبهة العظيمة التي هي من أعظم شبههم وأخطرهللا أل وهللي قللولهم إن مللن شللهد أن ل إللله إل الل وأن‬
‫محمًدا رسول ال وصلى وصام وحج وأدى العمال‪ ،‬فإنه ل يكفر ولو فعل ما فعل من أنللواع الللردة‪ .‬أمللا‬
‫الذين نزل فيهم القرآن وهم المشركون الولون فإنهم ليسوا مثل هللؤلء فهللم لللم يشللهدوا أن ل إللله إل الل‬
‫وأن محمًدا رسول ال ولم يدخلوا في السلم فهم ل يؤمنون بال ول بالرسول ول بالسلللم ول بللالقرآن‪،‬‬
‫أما هؤلء فأظهروا اليمان بالبعث ويصلون ويصومون ويحجون ويزكون ويذكرون ال ل كللثيًرا‪ .‬فالشلليخ‬
‫رحمه ال عند هذه الشبهة خاصة قال‪ :‬أصغ سمعك لجوابها فإنها من أعظم شبههم‪.‬‬
‫ثم رّد الشيخ على هذه الشبهة من سبعة وجوه مهمة‪:‬‬
‫ىىىىى ىىىىى‪:‬‬

‫)‪ (1‬التوبة‪74 :‬‬

‫)‪ (2‬التوبة‪66-65 :‬‬

‫)‪ (3‬تقدم العزو إليها‬

‫‪42‬‬
‫أنه من آمن ببعض الحكام الشرعية وكفر ببعضها الخر فهو كافر بالجميع‪ .‬وهللؤلء أنكللروا التوحيللد‬
‫الذي جاءت به الرسل وهو إفراد ال بالعبادة فهؤلء لم يفردوا ال بالعبادة وإنمللا أشللركوا معلله غيللره مللن‬
‫الولياء والصلالحين فالسللم ل يقبلل التجلزئة ول التفرقللة وأعظللم السللم التوحيلد وهلو دعلوة جميلع‬
‫الرسل‪ ،‬وهؤلء جحدوا أعظم شيء وهو توحيد العبادة وقالوا ل بأس أن ينذر النسان لفلن ويذبللح لفلن‬
‫ي ينفع ويضر مما هو مثل فعل المشركين الولين‪.‬‬
‫لنه ولي والول ّ‬
‫ىىىىى ىىىىىى‪:‬‬
‫ذكر الشيخ رحمه ال وقائع في التاريخ السلمي تدل على أن العلماء في كل زمان يكّفللرون مللن آمللن‬
‫ببعللض وكفللر ببعللض‪ .‬منهللا أن الصللحابة ومللن بعللدهم قللاتلوا الللذين يتظللاهرون بالشللهادتين ويصلللون‬
‫ويصومون ويحجون لكن لما فعلوا شيًئا من الشرك أو جحدوا شيًئا ملن اللدين قلاتلوهم واسلتحّلوا دملاءهم‬
‫وأموالهم وذلك كما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬بنو حنيفة اعتقدوا أن مسيلمة رسول ال والذين جحدوا وجوب الزكاة بعد وفاة النبي ‪. ‬‬
‫لللل‬
‫لل‪ :‬في عهد علي رضي ال عنه كّفروا الغلة الذين قالوا إن علًيا هو ال مع أنهم يشهدون‬
‫للللل‬
‫أن ل إله إل ال وأن محمًدا رسول ال ويصلون ويصومون وهم في جند علي رضللي الل عنلله‪ ،‬لكللن لمللا‬
‫أظهروا الغلو حّرقهم علي رضي ال عنه مع أنهم يشهدون أن ل إله إل ال ولكنه حّرقهلم لملا اعتقلدوا أن‬
‫صا له حق في اللوهية كّفرهم وحرقهم بالنار‪.‬‬
‫شخ ً‬
‫لل‪ :‬في عهد العباسيين ظهرت فرقة العبيديين‪ ،‬وهم طائفة الشيعة السماعيلية لنهم ينتسبون‬
‫لللل‬
‫إلى إسماعيل بن محمد بن جعفر‪ ،‬ولذلك سموا بالسماعيلية وسموا الفاطمية لنهم يزعمون أنهم من ذرية‬
‫فاطمة ولذلك يقال لهم الفاطميون‪ ،‬وفي الحقيقة أنهم من اليهود أظهروا السلم ولكن ظهر منهلم كفريلات‬
‫وفي النهاية ادعى حكامهم اللوهية مثل الحاكم العبيدي‪.‬‬
‫فالصحابة قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن ل إله إل ال وأن محمًدا رسول الل ويصلومون ويحجللون‬
‫لكن لما ادعوا أن مسيلمة نبي كّفروهم لن من اعتقد في شخص بعد محمد ‪ ‬أنه نبي فقد كفللر وإن كللان‬
‫يصلي ويصوم ولذلك حكم المسلمون اليوم بكفر القاديانية الذين يدعون نبوة أحمد القادياني‪ .‬فإذا كللان مللن‬
‫عللا‬
‫ل إلى مرتبة رب العالمين وصرف للله أنوا ً‬
‫ل إلى مرتبة النبي كفر فكيف ل يكفر من رفع رج ً‬
‫رفع رج ً‬
‫جللا وشمسللان ويوسللف‬
‫من العبادة كالذبح والنذر والدعاء والستغاثة وغير ذلك؟ وقول الشيخ كمللا رفللع تا ً‬
‫ناس في زمانه غل فيهم الناس بحجة أنهم أولياء ولهم شعوذات وخوارق وهم علللى طريقللة الحلج وابللن‬
‫عربي‪.‬‬
‫ىىىىى ىىىىىى‪:‬‬
‫أن العلماء رحمهم ال عقدوا باًبا في كتب الفقه سموه باب الردة وذكروا فيه نللواقض السلللم وذكللروا‬
‫أشياء قد تكون صغيرة في أعين الناس ولكن حكموا أن من فعلها أو اعتقدها يكفر مع أنه يصلللي ويصللوم‬
‫ويعبد ال‪ ،‬ولم يحصروا حصول الردة فيما ذكرتم‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ىىىىى ىىىىىى‪:‬‬
‫ل َما‬
‫ن ِبا ِّ‬
‫حِلُفو َ‬
‫أن ال حكم بكفر أناس لقولهم كلمة تكلموا بها أبطلت إسلمهم وإيمانهم كما قال تعالى‪َ } :‬ي ْ‬
‫‪((1‬‬
‫فكّفرهلم بكلملة ملع كلونهم ملع رسللول الل يصلّلون‬ ‫لِمِهْم {‬
‫سَ‬‫َقاُلوْا َوَلَقْد َقاُلوْا َكِلَمَة اْلُكْفِر َوَكَفُروْا َبْعَد ِإ ْ‬
‫ويجاهدون‪.‬‬

‫)‪ (1‬التوبة‪74:‬‬

‫‪44‬‬
‫ىىىىى ىىىىىى‪:‬‬
‫س لَأْلَتُهْم َلَيُقللوُل ّ‬
‫ن‬ ‫سا بسبب كلم قالواه على وجه المزاح واللعب وأنزل في شأنهم‪َ } :‬وَلِئن َ‬
‫أن ال كّفر أنا ً‬
‫‪((1‬‬
‫ل َتعَْت لِذُروْا َق لْد َكَفْرُتللم َبعْ لَد ِإيمَللاِنُكْم {‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫سَتْهِزُؤو َ‬
‫سوِلِه ُكنُتْم َت ْ‬
‫ل َوآَياِتِه َوَر ُ‬
‫ل َأِبا ِّ‬
‫ب ُق ْ‬
‫ض َوَنْلَع ُ‬
‫خو ُ‬
‫ِإّنَما ُكّنا َن ُ‬
‫مع أنهم يصّلون وقد غزوا مع الرسول ‪ ‬في غزوة تبوك لكن لما قالوا هللذه الكلمللة كفللروا بعللد إيمللانهم‬
‫ولم ينفعهم أنهم يصّلون ويصومون ويجاهدون‪.‬‬
‫فهذه الوجوه فيها إبطال هذه الشبهة وفي الحقيقة أنها من أعظم الشبه ولكن جوابها واضح ول الحمد‪.‬‬
‫ىىىىى ىىىىىى‪:‬‬
‫إن قولهم إن الذين نزل فيهم القرآن ل يشهدون أن ل إله إل ال ويكّذبون الرسول ‪ ‬وينكرون البعللث‬
‫ويكذبون القرآن ويجعلونه سحًرا ونحن نشللهد أن ل إللله إل الل وأن محملًدا رسللول الل ونصللدق القللرآن‬
‫ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك‪.‬‬
‫يجاب عنه أن الرجل إذا صدق ال في شيء وكذبه في شيء فهو كافر مرتللد عللن السلللم‪ ،‬كمللن آمللن‬
‫ببعض القرآن وجحد بعضه وكمن أقر بالتوحيد والصلة وجحللد وجللوب الزكللاة أو أقللر بهللذا كللله وجحللد‬
‫الصوم أو أقر بهذا كله وجحد الحج‪ ،‬وإن كان يشهد أن ل إله إل ال وأن محمًدا رسول ال‪.‬‬
‫ىىىى‪:‬‬
‫ىىىىى ىىى‬
‫أن َمن جحد وجوب الحج كفر وإن كان يشهد أن ل إله إل ال وأن محمًدا رسول الل ويصللي ويصلوم‬
‫عَلللى الّنللا ِ‬
‫س‬ ‫لل َ‬
‫ن { إلى قوله‪َ } :‬و ِّ‬
‫س َلّلِذي ِبَبّكَة ُمَباَرًكا َوُهًدى ّلْلَعاَلِمي َ‬
‫ضَع ِللّنا ِ‬
‫ت ُو ِ‬
‫ل َبْي ٍ‬
‫ن َأّو َ‬
‫قال تعالى‪ِ } :‬إ ّ‬
‫‪((2‬‬
‫فدلت اليات على أن من جحللد‬ ‫ن{‬
‫ن اْلَعاَلِمي َ‬
‫عِ‬
‫ي َ‬
‫غِن ّ‬
‫ن ال َ‬
‫ل َوَمن َكَفَر َفِإ ّ‬
‫سِبي ً‬
‫ع ِإَلْيِه َ‬
‫طا َ‬
‫سَت َ‬
‫نا ْ‬
‫ت َم ِ‬
‫ج اْلَبْي ِ‬
‫حّ‬
‫ِ‬
‫وجوب الحج كفر وإن كان يشهد أن ل إله إل ال فكيف بمن جحد التوحيد وأجاز عبادة القبور‪.‬‬
‫ضا ما حكى ال تعالى عن بني إسرائيل مخخع علمهخخم وصخخلحهم أنهخخم قخخالوا‬
‫] ومن الدليل على ذلك أي ً‬
‫‪((3‬‬
‫فحلخخف‬ ‫جَعل ّلَنا ِإَلخًها َكَما َلُهْم آِلَهٌة { وقول أناس من الصحابة » اجعخخل لنخخا ذات أنخخواط «‬
‫لموسى‪ } :‬ا ْ‬
‫النبي ‪ ‬أن هذا مثل قول بني إسرائيل لموسى‪ } :‬ا ْ‬
‫جَعل ّلَنا ِإَلخًها {‪ ،‬ولكن للمشركين شبهة ُيدُلون بها‬
‫عند هذه القصة وهي أنهم يقولون ‪ :‬إن بني إسرائيل لم يكفخخروا بخخذلك وكخخذلك الخخذين قخخالوا للنخخبي ‪: ‬‬
‫» اجعل لنا ذات أنواط « لم يكفروا‪.‬‬
‫فالجواب أن تقول‪ :‬إن بني إسرائيل لم يفعلوا وكذلك الذين سألوا النبي ‪ ‬لخخم يفعلخخوا‪ .‬ول خلف أن‬
‫بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا‪ .‬وكذلك ل خلف أن الذين نهخخاهم النخخبي ‪ ‬لخخو لخخم يطيعخخوه واتخخخذوا‬
‫ضلا ملن نلواقض‬
‫ذات أنواط بعد نهيه لكفروا وهذا هو المطلوب [ أي من الدلة عللى أن ملن ارتكلب ناق ً‬

‫)‪ (1‬التوبة‪66-65 :‬‬

‫)‪ (2‬آل عمران‪97-96 :‬‬

‫)‪ (3‬رواه الترمذي في سننه ‪ 334-6/343‬كتاب الفتن باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم حللديث رقللم )‪ (2181‬ورواه المللام أحمللد‬
‫في مسنده ‪ 5/218‬حديث رقم )‪ (21952-21950-21947‬بألفاظ متقاربة‪ ،‬وانظر البداية والنهاية لبن كثير ‪ 4/325‬كلهم من حديث أبي‬
‫واقد الليثي رضي ال عنه‬

‫‪45‬‬
‫صه ال عللن‬
‫السلم يكفر ولو كان يشهد أن ل إله إل ال ويصلي ويصوم إلى غير ذلك من العمال‪ ،‬ما ق ّ‬
‫بني إسرائيل حين طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلًهللا كآلهللة المشللركين‪ ،‬وقصللة الللذين طلبللوا مللن النللبي‬
‫محمد ‪ ‬أن يجعل لهم ذات أنواط‪ ،‬وأن النبيين الكريمين أنكرا ذلك واعتبراه شرًكا يخرجهم من الملة لو‬
‫ضا عللى هلذا السلتدلل‬
‫فعلوه مع أنهم يؤمنون بالنبيين الكريمين ويجاهدون معهما‪ ،‬ثم أورد الشيخ اعترا ً‬
‫وهو أن بني إسرائيل الذين طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلًها لم يكفروا‪ ،‬وكذلك الذين طلبللوا مللن محمللد‬
‫‪ ‬أن يجعل لهم ذات أنواط لم يكفروا‪ ،‬وأجاب عن هذا العتراض بأن الفريقين لم ينفذا ما قال ولو فعل‬
‫لكفرا ولكن لما نهيا عن ذلك وبّين لهما أنه كفر تجنبوه وانتهوا عنه‪ .‬ومحللل الشلاهد مللن القصللتين أن مللن‬
‫فعل الشرك كفر وإن كان يشهد أن ل إله إل ال ويؤمن بالنبياء ويعمل العمال الصالحة‪.‬‬
‫] ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشخرك ل يخدري بهخا فتفيخخد التعلخخم‬
‫ضا‬
‫والتحرز ومعرفة أن قول الجهال‪ :‬التوحيد فهمناه‪ ،‬أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان‪ ،‬وتفيد أي ً‬
‫أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلم كفر وهو ل يدري فنّبه على ذلك وتخخاب مخخن سخخاعته فخخإنه ل يكفخخر كمخخا‬
‫ظخخا‬ ‫فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي ‪ ، ‬وتفيد أي ً‬
‫ضخخا أن لخخو لخخم يكّفخخر فخخإنه يغّلخخظ عليخخه الكلم تغلي ً‬
‫شديًدا كما فعل رسول ال ‪ [ ‬هذه القصة فيها فوائد‪ :‬ىىىىىى الحذر من الشللرك وأنلله قللد يللدب‬
‫إلى المسلمين عن طريق التقليد والتشبه بالكفار )اجعل لنا إلًها كما لهم آلهة( )اجعل لنا ذات أنواط كما لهم‬
‫ذات أنواط( ففي ذلك التحذير من مجاراة الكفار والتحذير من الفتن التي تنجم عن ذللك‪ .‬ومللن ذللك عبلادة‬
‫صلللة والسلللم الللذي كسللر‬
‫القبور التي أحدثوها وفتنوا بها وصاروا يدعون الناس إليها‪ .‬والخليللل عليلله ال ّ‬
‫صَناَم ‪َ 35‬ر ّ‬
‫ب‬ ‫ل ْ‬
‫ي َأن ّنْعُبَد ا َ‬
‫جُنْبِني َوَبِن ّ‬
‫الصنام بيده وأوذي وألقي في النار بسبب إنكار الشرك يقول‪َ } :‬وا ْ‬
‫س {‪ ((1‬خاف على نفسه عليه الصلة والسلم من الفتنة وخاف على ذريتلله مللن‬
‫ن الّنا ِ‬
‫ن َكِثيًرا ّم َ‬
‫ضَلْل َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ِإّنُه ّ‬
‫الفتنة إًذا كيف يقول جاهل‪ :‬إن التوحيد يمكن تعلمه في خمس دقائق والمهم عنده البحث في أمور السياسلة‬
‫والكلم في الحكام وفقه الواقع كما يقولون‪ ،‬ومعناه رصد الوقائع الدوليللة وتحليلتهللا والنشللغال بهللا عللن‬
‫التفقه في الدين‪.‬‬
‫ومنهم من ينتقد مقررات التوحيد في المدارس والمعاهللد والكليللات ويقللول‪ :‬ل داعللي لهللذه الكثافللة فللي‬
‫مقللررات التوحيللد‪ ،‬النللاس مسلللمون وأولد فطللرة وبإمكللان الطلب أن يتعلمللوا التوحيللد مللن الللبيئة‬
‫الجتماعية‪ ..‬إلخ هذيانهم الفارغ‪ ..‬ولو سألت واحًدا من هلؤلء علن أبسلط مسلألة فللي التوحيلد ملا أجابللك‬
‫بجواب صحيح‪ .‬أعني الذين يقولون هذه المقالة‪.‬‬
‫ىىىىىىىى ىىىىىىى‪ :‬وهي فائدة عظيمة أن من نطق بكلمة الكفر عن جهل وهللو ل‬
‫يدري ثم نّبه وتاب من ساعته فلإنه ل يكفلر بلدليل قصلة بنلي إسلرائيل ملع موسلى عليله السللم وبعلض‬
‫صحابة مع النبي ‪ ‬فهو ل يكفر بذلك لكن بهذين الشرطين‪:‬‬
‫ال ّ‬
‫الشرط الول‪ :‬أن يكون قال هذا الكلم عن جهل ولم يتعمد‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يتوب من ساعته ويترك هذا الشيء إذا تبّين له أنه كفر‪.‬‬
‫)‪ (1‬إبراهيم‪36-35 :‬‬

‫‪46‬‬
‫فهذا ل يضره الكلم الذي قاله وهذا جواب عن شبهتهم التي سبقت وهي أنهم يقولون إن بني إسرائيل لم‬
‫يكفروا وأصحاب محمد ‪ ‬لم يكفروا بهذه الكلمة‪ .‬نقول لهم إنهم لم يكفروا لنهم قالوها عن جهل ونبهوا‬
‫وتركوهللا وتللابوا إلللى ال ل عللز وجللل‪ ،‬أمللا أنتللم فتنّبهللون بالليللل والنهللار وتصللرون علللى دعللاء القبللور‬
‫والصالحين ول تصغون أسماعكم لما يقال لكم تكبًرا وعناًدا‪.‬‬
‫ل فإنه‬
‫ىىىىىىىى ىىىىىىى‪ :‬تفيد هذه القصة أن من لم يكفر بكلمة الكفر إذا قالها جه ً‬
‫ل يتساهل معه بل يغّلظ عليه في النكار كما غّلظ موسى عليه السلم علللى قللومه وكمللا غلللظ محمللد ‪‬‬
‫على أصحابه الذين قالوا هذه المقالة من باب الزجر والتحذير لجتناب ذلك والحذر منه‪.‬‬
‫] ولهم شبهة أخرى يقولون إن النبي ‪ ‬أنكر على أسامة قتل من قال ل إله إل ال وقال‪ » :‬أقتلتخخه‬
‫‪((2‬‬
‫وكذلك قوله ‪» :‬أمخخرت أن أقاتخخل النخخاس حخختى يقولخخوا ل إلخخه إل الخخ«‬ ‫‪((1‬‬
‫بعدما قال ل إله إل ال«‬
‫وأحاديث أخر في الكف عمن قالها‪.‬‬
‫ومراد هؤلء الجهلة أن من قالها ل يكفر ول يقتل ولو فعل ما فعل‪.‬‬
‫فيقال لهؤلء المشركين الجّهال‪ :‬معلوم أن رسول ال ‪ ‬قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون ل إله إل‬
‫ال وأن أصحاب النبي ‪ ‬قاتلوا بنخخي حنيفخخة وهخخم يشخخهدون أن ل إلخخه إل الخ وأن محمخًدا رسخخول الخ‬
‫ويصّلون ويّدعون السلم‪ ،‬وكذلك الذين حّرقهم علي بن أبي طالب وهؤلء الجهلة مقّرون أن من أنكخخر‬
‫البعث كّفر وقتل ولو قال ل إله إل ال وأن من جحد شيًئا من أركان السلم كّفر وقتل ولو قال ل إلخخه إل‬
‫ال‪ .‬فكيف ل تنفعه إذا جحد شيًئا مخن الفخروع وتنفعخه إذا جحخد التوحيخد الخذي هخو أصخل ديخن الرسخل‬
‫وراسه؟ ولكن أعداء ال ما فهموا معنى الحاديث‪.‬‬
‫ل اّدعى السلم بسبب أنه ظن أنه ما اّدعاه إل خوًفا على دمه ومخخاله‪،‬‬
‫فأما حديث أسامة فإنه قتل رج ً‬
‫والرجل إذا أظهر السلم وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالفه ذلك وأنزل ال فخخي ذلخخك‪َ } :‬يخخا َأّيَهخخا‬
‫ل َفَتَبّيُنوْا {‪.((3‬‬
‫سِبيِل ا ِّ‬
‫ضَرْبُتْم ِفي َ‬
‫ن آَمُنوْا ِإَذا َ‬
‫اّلِذي َ‬
‫أي فتثّبتوا فالية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت‪ .‬فإن تبين منه بعد ذلك ما يخالف السلم قتل‬
‫لقوله‪) :‬فتبّينوا( ولو كان ل يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى‪.‬‬
‫وكذلك الحديث الخر وأمثاله معناه ما ذكرناه‪ :‬أن من أظهر السلم والتوحيد وجب الكف عنه إل إن‬
‫تبين منه ما يناقض ذلك‪ .‬والدليل على هذا أن رسول ال ‪ ‬الذي قال ‪ » :‬أقتلته بعدما قخخال ل إلخخه إل‬

‫)‪ (1‬رواه المام البخاري في صحيحه ‪ 5/88‬كتاب المغازي باب بعث النبي ‪ ‬أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينه من حديث أسامة‬
‫بن زيد رضي ال عنهما‪. .‬‬
‫)‪ (2‬رواه المام البخاري في صحيحه ‪ 141-8/140‬كتاب العتصام باب القتداء بسنن رسول ال ‪ ... ‬من حديث أبي هريرة رضي‬
‫ال تعالى عنه‪. .‬‬
‫)‪ (3‬النساء‪94:‬‬

‫‪47‬‬
‫ال «‪ ((1‬وقال‪» :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال«‪ ((2‬هو الذي قال في الخوارج ‪ » :‬أينمخخا‬
‫‪((3‬‬
‫ل حتى إن‬
‫مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهلي ً‬ ‫لقيتموهم فاقتلوهم‪ .‬لئن أدركتهم لقتلّنهم قتل عاد«‬
‫الصحابة يحّقرون أنفسهم عندهم‪ .‬وهم تعلموا العلخخم مخخن الصخخحابة فلخخم تنفعهخخم ل إلخخه إل الخ ول كخخثرة‬
‫العبادة ول ادعاء السلم لمخخا ظهخخر منهخخم مخالفخخة الشخخريعة‪ .‬كخذلك مخخا ذكرنخخاه مخخن قتخخال اليهخخود وقتخخال‬
‫الصحابة بني حنيفة‪ ،‬وكذلك أراد ‪ ‬أن يغزو بني المصطلق لّما أخبره رجخخل أنهخخم منعخخوا الزكخخاة حخختى‬
‫حوا‬
‫صخِب ُ‬
‫جَهاَلخٍة َفُت ْ‬
‫صخيُبوا َقْوًمخا ِب َ‬
‫ق ِبَنَبخٍأ َفَتَبّيُنخوا َأن ُت ِ‬
‫سٌ‬‫جاَءُكْم َفا ِ‬
‫ن آَمُنوا ِإن َ‬
‫أنزل ال تعالى‪َ } :‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫وكخخان الرجخخل كاذًبخخا عليهم‪ ، ((5‬فكخل هخذا يخخدل علخخى أن مخخراد النخخبي ‪ ‬فخخي‬ ‫‪((4‬‬
‫ن{‬
‫عَلى َما َفَعْلُتخْم َنخخاِدِمي َ‬
‫َ‬
‫شبه المشركين عباد القبور الذين يّدعون السلم ويزعمون أن عبادة‬
‫الحاديث ما ذكرناه [ هذه شبهة من ُ‬
‫القبور والسللتغاثة بللالموات ودعللاء الغللائبين لتفريللج الكربللات‪ ،‬أن هللذه أمللور ل تضللر ول تخللرج مللن‬
‫السلم ما دام صاحبها يقول ل إله إل ال بدليل أن النبي ‪ ‬أنكر على أسامة بن زيد رضللي ال ل عنهمللا‬
‫ل من المشركين أظهر السلم وقال ل إله إل ال فقتله أسامة بعد ذلك ظاًنا أنه إنما قالها ليسلم‬
‫لما قتل رج ً‬
‫من القتل‪ ،‬فأنكر عليه النبي ‪ ، ‬فاستدلوا بهذه القصة على أن من قال ل إله إل ال فهللو مسلللم ولللو فعلل‬
‫ضا بقول النبي ‪» : ‬أمرت أن أقاتلل النللاس حلتى‬
‫ما يناقضها من أنواع الشرك الكبر وكذلك استدلوا أي ً‬
‫‪((6‬‬
‫يقولوا ل إله إل ال فإذا قالوها عصموا مّني دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم عللى الل عللز وجللل«‬
‫قالوا فهذا دليل على أن من تلفظ بهذه الكلمة ل يقتل ولو فعل مللا فعللل مللن أنللواع الشللرك فللي العبللادة مللع‬
‫الموات والضرحة وصرف العبادات لغير ال ما دام أنه يقول ل إله إل ال‪ .‬هللذا حاصللل شللبهتهم وهللي‬
‫شبهة خطيلرة إذا سلمعها الجاهلل ربملا تلروج عليله ل سليما أنهلم طلوهلا بطلء خلادع وهلو السلتدلل‬
‫بالحاديث الصحيحة لكن في غير موضعها‪ .‬وقد أجاب الشليخ رحمله الل علن هلذه الشلبهة بسلتة أجوبلة‬
‫مجملها‪:‬‬
‫ىىىىىى ىىىىى‪ :‬أن النبي ‪ ‬قاتل أنا ً‬
‫سا يقولون ل إله إل ال‪ ،‬فقاتل اليهود وهم يقولون ل‬
‫إله إل ال وقاتل الصحابة بني حنيفة وهم يقولون ل إله إل ال لما ظهر منهللم مللا ينلافي هلذه الكلملة‪ ،‬ولللم‬
‫تنفعهم هذه الكلمة ولم تكن مانعة من قتلهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬تقدم تخريجه‬

‫)‪ (2‬تقدم تخريجه‬

‫)‪ (3‬رواه أبوداود في سننه ‪ ،4/343‬ل ‪ 344‬كتاب السنة باب في قتال الخوارج حديث رقم ‪ 4767-4764‬من حديث أبي سعيد الخللدري‬
‫وعلي بن أبي طالب‪ ،‬ورواه النسائي في سننه ‪ 121-7/117‬كتاب )‪ (37‬تحريم الدين بللاب )‪ (26‬مللن شللهر سلليفه ثللم وضللعه فللي النللاس‬
‫حديث رقم )‪ (4103 ،4102 ،4101‬من حديث أبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب وأبي برزة رضي ال تعالى عنهم‪ ،‬وانظر مسند‬
‫المام أحمد ‪ 1/404‬حديث رقم )‪ (3831‬من حديث عبد ال بن مسعود بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (4‬الحجرات‪6:‬‬

‫)‪ (5‬انظر تفسير ابن كثير ‪211-4/210‬‬

‫)‪ (6‬تقدم‬

‫‪48‬‬
‫ىىىىىىى ىىىىىى‪ :‬في بيان تناقض هؤلء لنهم يقولللون مللن أنكلر الصلللة أو الزكللاة‬
‫والحج أو أنكر البعث والنشور يكفر عندهم‪ ،‬وأما من أنكر التوحيد فإنه ل يكفر عندهم‪.‬‬
‫ىىىىىىى ىىىىىى‪ :‬أن معنى حديث أسامة بن زيد ليس كما فهموا أن من قال ل إله إل‬
‫ال يكون مسلًما ولو فعل الشرك والكفر‪ .‬وإنما معناه أن من قال ل إله إل ال وجب الكف عنه حتى يظهر‬
‫منه ما يخالف مدلول هذه الكلمة من كفر أو شرك‪.‬‬
‫ق ِبَنَبٍأ َفَتَبّيُنوا {‪.((1‬‬
‫سٌ‬
‫جاَءُكْم َفا ِ‬
‫ىىىىىىى ىىىىىى‪ :‬أن ال سبحانه وتعالى قال‪ِ } :‬إن َ‬
‫فأمر سبحانه وتعالى بالتبّين يعني التثّبت بشأن من قال ل إله إل ال فما فائدة التثّبت إذا كان ل يقتل إذا‬
‫قالها‪.‬‬
‫ىىىىىىى ىىىىىى‪ :‬أن النبي ‪ ‬أمر بقتل الخوارج وهم من أشد النلاس عبلادًة وخوًفلا‬
‫عا‪ ،‬بل هم تتلمذوا على الصحابة ومع هذا أمر بقتلهم لما فعلوا أشياء تتنافى مع السلللم وهللم‬
‫من ال وور ً‬
‫يقولون ل إله إل ال وهم أشد الناس عبادة وصلة وتلوة للقرآن‪.‬‬
‫ىىىىىىى ىىىىىى‪ :‬قصة بني المصطلق وهم قبيلة دخلوا في السلم وأرسل إليهم النبي‬
‫‪ ‬المصدق لجباية الزكاة ولكنه لم يذهب إليهم بل رجع إلى النبي ‪ ‬وقال إنهم منعوا الزكاة فهَلّم النللبي‬
‫حوا‬
‫صِب ُ‬
‫جَهاَلٍة َفُت ْ‬
‫صيُبوا َقْوًما ِب َ‬
‫ق ِبَنَبٍأ َفَتَبّيُنوا َأن ُت ِ‬
‫سٌ‬‫جاَءُكْم َفا ِ‬ ‫‪ ‬بغزوهم فأنزل ال‪َ } :‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن آَمُنوا ِإن َ‬
‫ن {‪.((2‬‬
‫عَلى َما َفَعْلُتْم َناِدِمي َ‬
‫َ‬
‫فالنبي ‪ ‬هّم بغزوهم وقتالهم وهم يقولون ل إله إل ال لماذا؟ لما بلغه أنهم منعوا الزكاة فمنللع الزكللاة‬
‫يتنافى مع قول ل إله إل ال هذا ملخص أجوبة الشيخ رحمه ال عن هذه الشبهة الخطيرة‪.‬‬
‫] ولهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النخخبي ‪ ‬أن النخخاس يخخوم القيامخخة يسخختغيثون بخخآدم‪ ،‬ثخخم بنخخوح ثخخم‬
‫بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسخخول الخ ‪ ، ‬قخخالوا فهخخذا يخخدل علخخى أن‬
‫الستغاثة بغير ال ليست شرًكا‪.‬‬
‫فالجواب أن نقول‪ :‬سبحان من طبع على قلوب أعدائه‪ ،‬فإن الستغاثة بخخالمخلوق فيمخخا يقخخدر عليخخه ل‬
‫ع خُدّوِه {‪ ((3‬وكمخخا يسخختغيث‬
‫ن َ‬
‫عَلى اّل خِذي ِم خ ْ‬
‫شيَعِتِه َ‬
‫سَتَغاَثُه اّلِذي ِمن ِ‬
‫ننكرها كما قال في قصة موسى‪َ } :‬فا ْ‬
‫النسان بأصحابه في الحرب وغيرها مخخن الشخخياء الخختي يقخخدر عليهخخا المخلخخوق ونحخخن أنكرنخخا اسخختغاثة‬
‫العبادة التي يفعلونها عند قبور الولياء أو في غيبتهم في الشياء التي ل يقدر عليها إل ال‪.‬‬
‫إذا ثبت ذلك‪ ،‬فالستغاثة بالنبياء يوم القيامة يراد منها أن يدعوا ال أن يحاسب الناس حتى يستريح‬
‫أهل الجنة من كرب الموقف‪ ،‬وهذا جخخائز فخخي الخخدنيا والخخخرة أن تخخأتي عنخخد رجخخل صخخالح حخخي يجالسخخك‬
‫ويسمع كلمك وتقول له‪ :‬ادع ال لي‪ ،‬كما كان أصحاب رسول ال ‪ ‬يسخخألونه ذلخخك فخخي حيخخاته‪ ،‬وأمخخا‬
‫سلف علخى مخن قصخد دعخاء الخ عنخد قخبره‪،‬‬
‫بعد موته فحاشا وكل أنهم سألوه ذلك عند قبره‪ ،‬بل أنكر ال ّ‬

‫)‪ (1‬الحجرات‪6:‬‬

‫)‪ (2‬الحجرات‪6:‬‬

‫)‪ (3‬القصص‪15:‬‬

‫‪49‬‬
‫فكيف بدعائه نفسه [ هذه شبهة أخرى من شبههم وهي أنهم يقولون إنه ثبت في الحديث الصحيح حللديث‬
‫الشفاعة العظمى‪ ، ((1‬أن الناس يوم القيامة إذا طال عليهم الوقوف والقيام على أقدامهم خمسللين ألللف سللنة‬
‫والشمس قد دنت منهم فالخلئق كلهم مجموعون من أولهللم إلللى آخرهللم فللي زحللام شللديد والشللمس علللى‬
‫رؤوسهم قريبة منهم وهم واقفون على أقدامهم‪ ،‬فعندما يحصل لهم هذا الكرب يتذاكرون الشفاعة عند اللل‬
‫عز وجل فيرون أن النبياء هم أول الذين يشفعون عند ال فيأتون إلى آدم يطلبون منلله أن يشللفع عنللد الل‬
‫سلم بسبب ما حصل منه من الخطيئة مع أنله تلاب منهلا‬
‫صلة وال ّ‬
‫لهم ليريحهم من الموقف فيعتذر عليه ال ّ‬
‫وتاب ال عليه ولكن يستحي من ال عز وجل‪ ،‬ثم يأتون إلى نوح أّول الرسل فيعتذر‪ ،‬ثم يأتون إلى موسى‬
‫سلم آخر أنبياء بني إسرائيل فيعتذر لن الموقف موقلف‬
‫فيطلبون منه فيعتذر‪ ،‬ثم يأتون إلى عيسى عليه ال ّ‬
‫عظيم أمام ال سبحانه وتعالى‪ ،‬ثم يأتون إلى محمد ‪ ‬فيقول ‪ :‬أنا لها أنا لها‪ ،‬ثم يأتي ويسجد بين يدي‬
‫ربه ويحمُد ال ويثني عليه ويدعوه ويستمر ساجًدا بين يدي ربه حتى يقال له يا محمد ارفللع رأسللك وسللل‬
‫تعطه واشفع تشّفع‪، ((2‬لنه ل أحد يشّفع عنلد الل إل بلإذنه والرسلول ملا ذهلب إللى الل وشلفع ابتلداًء بلل‬
‫‪((3‬‬
‫ل ِب لِإْذِنِه {‬
‫عْن لَدُه ِإ ّ‬
‫ش لَفُع ِ‬
‫استأذن من ربه وسجد بين يديه حتى أذن له وهذا كقوله تعالى‪ } :‬مَللن َذا اّل لِذي َي ْ‬
‫فيطلب من ال أن يفصل بين عباده ويريحهم من الموقللف فيسللتجيب الل شللفاعة محمللد ‪ ‬وهللذه تسللمى‬
‫‪((4‬‬
‫بمعنى أنه‬ ‫حُموًدا {‬
‫ك مََقاًما مّ ْ‬
‫ك َرّب َ‬
‫سى َأن َيْبعََث َ‬
‫عَ‬‫الشفاعة العظمى والمقام المحمود وهي قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫يحمُده عليه الولون والخرون‪ .‬قال القبوريون فهذا فيه جواز السللتغاثة بالنبيللاء والوليللاء والصللالحين‬
‫وأنتم تقولون ل يستغاث إل بال وقالوا فهذا يدل على أن طلب الشفاعة من الرسول ‪ ‬جللائز حًيللا وميًتللا‬
‫وكذلك غيره‪.‬‬
‫والجواب عن هذا كما يقول الشيخ إن هذا طللب ملن إنسلان حللي قلادر علللى اللدعاء وعللى السللتئذان‬
‫سلَتَغاَثُه‬
‫بالشفاعة والطلب من النسان في حال حياته وقدرته ليس من الممنوع كما في قصللة موسللى‪َ } :‬فا ْ‬
‫عُدّوِه {‪.((5‬‬
‫ن َ‬
‫عَلى اّلِذي ِم ْ‬
‫شيَعِتِه َ‬
‫اّلِذي ِمن ِ‬
‫وكما يستغيث النسان بإخوانه في الحرب وغيرها‪.‬‬
‫فهذا فيه دليل على أن الستغاثة بالحي فيما يقدر عليه جائزة والذي يقع من المم يوم القيامة هو استغاثة‬
‫بالحي وطلب الدعاء منه فيجوز أن تذهب إلى إنسان حي قادر يسمع كلمللك وتقللول يللا فلن ادع الل لللي‬
‫بكذا وكذا‪ ،‬والصحابة كانوا يعملون هذا مع النبي ‪ ‬في حياته وليس هذا مللن الشللرك‪ ،‬إنمللا الللذي يكللون‬
‫شرًكا وأنكرناه هو الستغاثة بالميت وهذا ل علقة له بحديث الشفاعة لنكم تستغيثون بللأموات وتطلبللون‬

‫)‪ (1‬سيأتي‬

‫ي { مللن حللديث أنللس بللن مالللك‬


‫ت ِبَيَد ّ‬ ‫)‪ (2‬رواه المام البخاري في صحيحه ‪ 173-8/172‬كتاب التوحيد باب قول ال تعالى‪ِ } :‬لَما َ‬
‫خَلْق ُ‬
‫رضي ال تعالى عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬البقرة‪255:‬‬

‫)‪ (4‬السراء‪79:‬‬

‫)‪ (5‬القصص‪15:‬‬

‫‪50‬‬
‫الشفاعة منهم‪ ،‬والموات ل يقدرون على شيء فل يجوز أن يذهب إلى قبر يستنجد به ويللدعوه أو يطلللب‬
‫منه الدعاء أو الشفاعة أو غير ذلك ففيه فرق بين عمل هؤلء المشلركين وبيلن ملا فلي الحلديث الصلحيح‬
‫سلم فبهذا التفصيل زالت هذه الشبهة والحمد ل‪.‬‬
‫صلة وال ّ‬
‫وفي قصة موسى عليه ال ّ‬
‫سلم لما ألقي في الّنار اعترض له جبريل في الهواء‬
‫] ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم عليه ال ّ‬
‫‪((1‬‬
‫فقالوا‪ :‬فلو كانت الستغاثة بجبريل شخخرًكا لخخم يعرضخخها‬ ‫فقال له ألك حاجة؟ فقال إبراهيم‪ :‬أما إليك فل‬
‫على إبراهيم‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذا من جنس الهيئة الولى فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه فإنه كمخخا‬
‫‪((2‬‬
‫فلخو أذن الخ لخه أن يأخخخذ نخار إبراهيخم ومخخا حولهخا مخخن الرض‬ ‫شِديُد اْلُقخَوى {‬
‫قال ال تعالى فيه‪َ } :‬‬
‫والجبال ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل‪ ،‬ولو أمره أن يضع إبراهيم عليخخه السخخلم فخخي مكخخان بعيخخد‬
‫جخخا‬
‫عنهم لفعل‪ ،‬ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل‪ .‬وهخخذا كرجخخل غنخخي لخخه مخخال كخخثير يخخرى رجلً محتا ً‬
‫فيعرض عليه أن يقرضه أو أن يهبه شيًئا يقضي به حاجته فيأبى ذلك الرجل المحتاج أن يأخخخذ ويصخخبر‬
‫حتى يأتيه ال برزق ل مّنة فيه لحد‪ ،‬فأين هذا من اسخختغاثة العبخخادة والشخخرك لخخو كخخانوا يفقهخخون؟[ هذه‬
‫آخر الشبهات التي ذكرها الشيخ في هذه الرسالة العظيمة فأجاب عنها بجواب سديد موّفق وهللي أن عّبللاد‬
‫القبور الذين يطلبون المدد من الموات ويستغيثون بهم يقولون إن هذه الستغاثة ليست شرًكا وذلك بللدليل‬
‫قصة جبريل عليه السلم مع إبراهيم عليه السلم حينما ألقي في النار فإن جبريللل جللاء إلللى إبراهيللم كمللا‬
‫‪((3‬‬
‫فقال جبريل لبراهيم عليه السلم‪ :‬هل لك من حاجة يعللرض عليلله المسللاعدة لنقللاذه‪ ،‬وجبريللل‬ ‫يروى‬
‫عليه السلم ل شك ذو قوة عظيمة‪ .‬وعنده قدرة على إنقاذ إبراهيم‪ .‬وقد وصفه ال عللز وجللل فقللال‪ِ } :‬ذي‬
‫‪((4‬‬
‫وفي الية الخرى } ُذو ِمّرٍة { يعني قوة‪ ،‬فعرض جبريللل علللى إبراهيللم‬ ‫ن{‬
‫ش َمِكي ٍ‬
‫عنَد ِذي اْلَعْر ِ‬
‫ُقّوٍة ِ‬
‫أن يساعده في إخراجه من هذه الشدة‪ ،‬فلّما كان إبراهيم عظيم الثقة بال عللز وجللل قللال للله‪ :‬أمللا إليللك فل‬
‫وأما إلى ال فنعم‪ .‬فإبراهيم عليه السلم لم يرد أن يطلب من مخلوق أن ينقذه من هللذه الشللدة وإنمللا تللوجه‬
‫إلى ربه كما صح في الحديث أنه قال‪ » :‬حسبنا ال ونعم الوكيل«‪ ((5‬فهذا مللن بللاب التوكللل علللى الل عللز‬
‫وجل وتفويض المر إليه وهذه صفة أكمل الخلق إيماًنا حيث إن إبراهيم رفللض مسللاعدة المخلللوق وقبللل‬
‫مساعدة الخالق‪ ،‬لن مساعدة المخلوق فيها مّنة وحاجة إلى المخلوق ومساعدة الخللالق سللبحانه وتعللالى ل‬
‫مّنة فيها لغير ال‪ ،‬وهي فضل من ال سبحانه وتعالى‪ ،‬وجبريل عرض على إبراهيم شيًئا يقدر عليه وهللو‬
‫عرض من حي حاضلر قللادر كمللا يعلرض الغنلي علللى الفقيلر مسللاعدته بالملال‪ ،‬وليلس هلذا ملن جنلس‬
‫الستغاثة بالموات أو الغائبين الذين يستغيث بهم القبوريون‪ ،‬فللإن المللوات ل يسللتغاث بهللم ول يقللدرون‬
‫)‪ (1‬ذكر هذا الثر ابن كثير عن بعض السلف كما في البداية والنهاية ‪ 1/146‬في قصة إبراهيم خليل الرحمن‬

‫)‪ (2‬النجم‪5:‬‬

‫)‪ (3‬وفي ثبوته نظر‬

‫)‪ (4‬التكوير‪20 :‬‬

‫)‪ (5‬رواه المام البخاري في صحيحه ‪ 5/172‬كتاب تفسير القرآن باب » إن الناس قد جمعوا لكم‪ ..‬الية « من حديث ابن عباس رضي‬
‫ال تعالى عنه‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫لل ل‬
‫ن ا ِّ‬
‫عمُْتم ّمن ُدو ِ‬
‫ن َز َ‬
‫عوا اّلِذي َ‬
‫ل اْد ُ‬
‫على ما طلب منهم ول يسمعون دعاء من دعاهم كما قال تعالى‪ُ } :‬ق ِ‬
‫ظِهيٍر‪َ ،‬ول َتنَفُع‬
‫ك َوَما َلُه مِْنُهم ّمن َ‬
‫شْر ٍ‬
‫ض َوَما َلُهْم ِفيِهَما ِمن ِ‬
‫لْر ِ‬
‫ت َول ِفي ا َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ل َذّرٍة ِفي ال ّ‬
‫ن ِمْثَقا َ‬
‫َيْمِلُكو َ‬
‫‪((1‬‬
‫ن ِمللن ُدوِنلِه َمللا‬
‫عو َ‬
‫ن َتلْد ُ‬
‫ك َواّللِذي َ‬
‫ل َرّبُكلْم َللُه اْلُمْلل ُ‬
‫وقال تعالى ‪َ } :‬ذِلُكُم ا ُّ‬ ‫ن َلُه {‬
‫ن َأِذ َ‬
‫ل ِلَم ْ‬
‫عنَدُه ِإ ّ‬
‫عُة ِ‬
‫شَفا َ‬
‫ال ّ‬
‫جاُبوا َلُكْم {‪.((2‬‬
‫سَت َ‬
‫سِمُعوا َما ا ْ‬
‫عاَءُكْم َوَلْو َ‬
‫سَمُعوا ُد َ‬
‫عوُهْم ل َي ْ‬
‫طِميٍر‪ِ ،‬إن َتْد ُ‬
‫ن ِمن ِق ْ‬
‫َيْمِلُكو َ‬
‫] ولنختم الكلم إن شاء ال تعالى بمسألة عظيمة مهمة جًدا تفهم مما تقدم ولكن نفرد لها الكلم لعظم‬
‫شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول‪ :‬ل خلف أن التوحيد لبد أن يكون بالقلب واللسان والعمخخل‪ ،‬فخخإن اختخخل‬
‫شيء من هذا لم يكن الرجل مسلًما فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهخو كخافر معانخد كفرعخون وإبليخس‬
‫وأمثالهما‪ ،‬وهذا يغلط فيه كثير من الناس‪ ،‬يقولون هذا حق ونحن نفهم هذا ونشهد أنخخه الحخخق ولكخخن ل‬
‫نقدر أن نفعله ول يجوز عند أهل بلدنا إل مخخن وافقهخم‪ ،‬وغيخخر ذلخك مخخن العخخذار ولخخم يخدر المسخخكين أن‬
‫لخ‬
‫ت ا ِّ‬
‫شخَتَرْوْا ِبآَيخخا ِ‬
‫غالب أئمة الكفر يعرفون الحق ولم يتركوه إل لشيء من العذار كما قخخال تعخخالى‪ } :‬ا ْ‬
‫ن َأْبَناَءُهْم {‪.((4‬‬
‫وغير ذلك من اليات كقوله‪َ } :‬يْعِرُفوَنُه َكَما َيْعِرُفو َ‬ ‫‪((3‬‬
‫ل{‬
‫َثَمًنا َقِلي ً‬
‫ل ظخخاهًرا وهخو ل يفهمخه ول يعتقخخده بقلبخخه فهخو منخخافق وهخو شخر مخن الكخخافر‬
‫فإن عمل بالتوحيد عم ً‬
‫ن الّناِر {‪.((5‬‬
‫سَفِل ِم َ‬
‫ك اَل ْ‬
‫ن ِفي الّدْر ِ‬
‫ن اْلُمَناِفِقي َ‬
‫الخالص‪ِ } :‬إ ّ‬
‫وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة تبّين لك إذا تأملتها في ألسنة الّناس‪ ،‬ترى من يعرف الحق ويترك‬
‫العمل به لخوف نقص ُدنيا أو جاه أو مداراة وترى من يعمل به ظخاهًرا ل باطًنخا فخإذا سخألته عّمخا يعتقخد‬
‫بقلبه فإذا هو ل يعرفه [ ختم الشيخ رحمه ال هذه الرسالة بمسألة عظيمة مهمة يجب تفهمها وتعّقلها لنه‬
‫إذا فهمها النسان فإنه يدرك أخطاء الناس في العقيدة‪ .‬وهذه المسألة هي‪ :‬أن التوحيد يكون بالقول والعمللل‬
‫والعتقاد‪ ،‬لبد من هذه المور الثلثة فإذا اجتمعت هذه المور الثلثة صار النسللان موح لًدا مؤمًنللا بللال‬
‫ورسوله وإذا اختل واحٌد منها لم يكن مؤمًنا ول موحًدا‪ .‬وهم في هللذا أصللناف‪ :‬الصللنف الول مللن يعتقللد‬
‫التوحيد بقلبه ويعرف أنه ل إله إل ال وأن عبادة ما سواه باطلة ولكنه ل يعمللل بله بجللوارحه ول يقلّر بلله‬
‫بلسانه لطمع دنيوي فهذا كافر مثل فرعون فإن فرعللون كللان معترًفللا بالتوحيللد فللي قلبلله وأن مللا جلاء بلله‬
‫حُدوا ِبَها‬
‫جَ‬‫موسى هو الحق ولكنه ترك العمل به وتظاهر بخلفه وجحده تكبًرا وعناًدا كما قال تعالى‪َ } :‬و َ‬
‫ن {‪.((1‬‬
‫سِدي َ‬
‫عاِقَبُة اْلُمْف ِ‬
‫ن َ‬
‫ظْر َكْيفَ َكا َ‬
‫عُلّوا َفان ُ‬
‫ظْلًما َو ُ‬
‫سُهْم ُ‬
‫سَتْيَقَنْتَها َأنُف ُ‬
‫َوا ْ‬
‫‪((2‬‬
‫صآِئَر {‬
‫ض َب َ‬
‫لْر ِ‬
‫ت َوا َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫ل َر ّ‬
‫ل َهلُؤلِء ِإ ّ‬
‫ت َما َأنَز َ‬
‫عِلْم َ‬
‫سلم لفرعون‪َ }:‬لَقْد َ‬
‫وقال موسى عليه ال ّ‬
‫لقد علمت أي عرفت بقلبك ما أنزل هذه اليات التي جئتك بها إل رب السماوات والرض بصللائر للنلاس‬
‫)‪ (1‬سبأ‪23-22 :‬‬

‫)‪ (2‬فاطر‪14-13 :‬‬

‫)‪ (3‬التوبة‪9:‬‬

‫)‪ (4‬البقرة‪146:‬‬

‫)‪ (5‬النساء‪145:‬‬

‫)‪ (1‬النمل‪14:‬‬

‫)‪ (2‬السراء‪102:‬‬

‫‪52‬‬
‫فهذا دليل على أن فرعون كان مستيقًنا بقلبه صْدق ما جاء به موسى عليه السلم وإنما جحد ذلك وتظاهر‬
‫ك َوَلِك ل ّ‬
‫ن‬ ‫ل ُيكَ لّذُبوَن َ‬
‫ن َف لِإّنهُْم َ‬
‫ك اّلِذي َيُقوُلو َ‬
‫حُزُن َ‬
‫بجحده كحال كفار قريش الذين قال ال فيهم‪َ } :‬قْد َنْعَلُم ِإّنُه َلَي ْ‬
‫‪((3‬‬
‫دللت اليلة عللى أن كفلار قريلش يصلدقون بالرسلول بقللوبهم ولكلن‬ ‫ن{‬
‫حلُدو َ‬
‫جَ‬‫لل َي ْ‬
‫ت ا ِّ‬
‫ن ِبآَيلا ِ‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ال ّ‬
‫ن آَتْيَنللاُهُم اْلِكَتللا َ‬
‫ب‬ ‫يجحدون ذلك بظواهرهم وألسللنتهم وكمللا قللال الل سللبحانه وتعللالى فللي اليهللود‪ } :‬اّللِذي َ‬
‫‪((4‬‬
‫يعرفون هلذا بقلللوبهم ويتظللاهرون بالكتمللان والجحللود مللع تيقنهلم فلي‬ ‫ن َأْبَناَءُهْم {‬
‫َيْعِرُفوَنُه َكَما َيْعِرُفو َ‬
‫قلوبهم بأن محمًدا رسول ال‪ ،‬وأنه جاء بالحق مللن عنللد الل عللز وجللل ولكللن منعهللم الكللبر والحسللد مللن‬
‫اتباعه‪ ،‬واعتقادهم بقلوبهم ل ينفعهم فهم كفار مخّلدون في النار‪ .‬وكثير من عّباد القبللور اليللوم علللى هللذا‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬نعرف أن الذي تقولون هو التوحيد ولكللن مللا نقللدر أن نخللالف أهللل بلللدنا لن أهللل بلللدنا عنللدهم‬
‫أضرحة واستغاثة بالموات ول نقدر أن نخالفهم لجل أن نعيش معهم ول نقدر على مجابهللة النللاس فهللم‬
‫يوافقون الكفار والمشركين على عقائدهم‪ ،‬إما أن يفعلوا مثل فعلهم وهللم يعتقللدون بطلن ذلللك وإمللا أن ل‬
‫ينكروا عليهم ول يبّينوا الحق بل ربما يدافعون عنهم‪ ،‬وهذا هللو واقعهللم الن‪ .‬ويقولللون لمللن دعللاهم إلللى‬
‫الحق هذا الرجل خارجي وهذا الرجل جاء بمذهب خامس‪ ،‬وهم يعتقدون أن مللا جللاء بلله هللو مللا جللاء بلله‬
‫الرسول ‪ ‬وهو مقتضى الكتاب والسنة‪ ،‬يعرفون هذا وإنما حملهم الحسللد أوالكللبر أو الطمللع فللي أمللور‬
‫الللدنيا لنهللم يظنللون أنهللم إذا وافقللوا علللى هللذا الحللق وقبلللوه سيخسللرون رئاسللتهم ويخسللرون أمللوالهم‬
‫ويخسرون جاههم عنللد النلاس‪ .‬والصلنف الثلاني ملن وافلق فلي الظلاهر ونطلق بالتوحيللد وقللال هلذا هلو‬
‫الصحيح وهذا هو الحق وصلى وصام وصلار ملع المسللمين لكلن فلي قلبله ل يعتقلد هلذا ويعتقلد أن هلذا‬
‫خرافات وأنه تقاليد بالية‪ ،‬فهو لم يعمل به ولم يتكلم به إيماًنا وإنما عمل به وتكلم به نفاًقللا كحاللة المنللافقين‬
‫ن َقاُلوا‬
‫ك اْلُمَناِفُقو َ‬
‫جاَء َ‬
‫الذين هم في الدرك السفل من النار لنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم‪ِ } :‬إَذا َ‬
‫جّنًة {‪.((5‬‬
‫خُذوا َأْيَماَنهُْم ُ‬
‫ن‪ ،‬اّت َ‬
‫ن َلَكاِذُبو َ‬
‫ن اْلُمَناِفِقي َ‬
‫شَهُد ِإ ّ‬
‫ل َي ْ‬
‫سوُلُه َوا ُّ‬
‫ك َلَر ُ‬
‫ل َيْعَلُم ِإّن َ‬
‫ل َوا ُّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ك َلَر ُ‬
‫شَهُد ِإّن َ‬
‫َن ْ‬
‫فالناس مع التوحيد ثلثة أقسام‪:‬‬
‫ىىىىى ىىىىى‪ :‬من يعرفه ويؤمن به باطًنا ويجحده ظاهًرا وينكره‪.‬‬
‫ىىىىى ىىىىىى‪ :‬من يتكلم به ويعمل به ظاهًرا وينكره ويكفر به باطًنا‪ .‬وهم المنافقون‪.‬‬
‫ىىىىى ىىىىىى‪ :‬من يعتقده باطًنا ويعملل بله ظلاهًرا وباطًنلا‪ .‬والقسلمان الولن كلافران‬
‫خاسران والقسم الثالث مؤمن مفلح‪.‬‬
‫] ولكن عليك بفهم آيتين من كتخاب الخ أولهمخا مخا تقخدم مخن قخوله ‪َ } :‬ل َتْعَتخِذُروْا َقخْد َكفَْرُتخم َبْعخَد‬
‫فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مخخع رسخخول الخ ‪ ‬كفخخروا بسخخبب كلمخخة‬ ‫‪((1‬‬
‫ِإيَماِنُكْم {‬
‫قالوها على وجه اللعب والمزح‪ ،‬تبّين لك أن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوًفا من نقخخص مخخال أو جخخاه‬

‫)‪ (3‬النعام‪33:‬‬

‫)‪ (4‬البقرة‪146:‬‬

‫)‪ (5‬المنافقون‪2-1 :‬‬

‫)‪ (1‬التوبة‪66:‬‬

‫‪53‬‬
‫ل ِمخخن َبْعخِد‬
‫أو مداراة لحد‪ ،‬أعظم ممن تكلم بكلمة يمزح بها‪ .‬والية الثانية قخخوله تعخخالى‪َ } :‬مخخن َكَفخَر ِبخخا ِّ‬
‫‪((2‬‬
‫فلم يعذر ال من هؤلء إل من أكره مع كون قلبه مطمئًنا‬ ‫ن{‬
‫ن ِباِليَما ِ‬
‫طَمِئ ّ‬
‫ن ُأْكِرَه َوَقْلُبُه ُم ْ‬
‫إيَماِنِه ِإّل َم ْ‬
‫باليمان‪ .‬وأما غير هذا فقد كفر بعخد إيمخانه سخواء فعلخه خوًفخا أو مخداراة أو مشخحة بخوطنه أو أهلخه أو‬
‫عشيرته أو ماله‪ ،‬أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الغراض؛ إل المكره‪ .‬والية تدل علخخى هخخذا‬
‫ن ُأْكِرَه { فلم يستثن الخ إل المكخره ومعلخوم أن النسخان ل يكخره إل‬
‫من جهتين الولى من قوله‪ِ } :‬إّل َم ْ‬
‫على العمل أو الكلم وأما عقيدة القلب فل يكره أحد عليها‪.‬‬
‫‪((3‬‬
‫فصّرح أن هذا الكفر والعذاب‬ ‫خَرِة {‬
‫عَلى ال ِ‬
‫حَياَة اْلّدْنَيا َ‬
‫حّبوْا اْل َ‬
‫سَت َ‬
‫ك ِبَأّنُهُم ا ْ‬
‫والثانية قوله تعالى‪َ } :‬ذِل َ‬
‫ظخخا مخن‬
‫لم يكن بسبب العتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر‪ ،‬وإنما سخخببه أن لخه فخي ذلخك ح ً‬
‫حظوظ الدنيا فآثره على الدين‪ ،‬وال سخبحانه وتعخالى أعلخم والحمخد لخ رب العخخالمين وصخخلى الخ علخى‬
‫محمد وآله وصحبه أجمعين [ نعم إذا عرفت هذه القاعدة وهي معرفة ما يحصل به اليمان الصحيح فإنه‬
‫يجب أن تعرف ما يضادها من القوال والفعال ومن ذلك الكلم الذي يتكلم به النسان وهو مللن نللواقض‬
‫السلم لكنه يمزح به فإنه يكفر ولو كان ليس جاًدا في كلمه‪ ،‬فالدين ليللس فيلله مللزح والللدليل علللى ذلللك‬
‫قصة هؤلء النفر الذين خرجوا مع رسول ال ‪ ‬في غزوة تبوك لغللزو الللروم لمللا بلللغ الرسللول ‪ ‬أن‬
‫الروم يجمعون على غزو المسلمين‪ ،‬فالنبي ‪ ‬بادر في وقت الحر وشللدة القيللظ والصلليف ووقللت طيللب‬
‫سا من الذين خرجوا مع الرسول ‪ ‬جلسوا في مجلس‬
‫الثمار والمسافة بعيدة من المدينة إلى تبوك‪ .‬وإن نا ً‬
‫يمزحون قال واحد منهم ما رأينا مثل قرائنا هؤلء أرغللب بطوًنللا ول أكللذب ألسللنة ول أجبللن عنللد اللقللاء‬
‫يعنون رسول ال ‪ ‬وأصحابه‪ .‬وكان في المجلس غلم من النصللار فلأنكر عليهللم وقللال كللذبت ولكّنللك‬
‫منافق لخبرن رسول ال‪ ،‬فلّما ذهب هللذا الفللتى ليخللبر الرسللول ‪ ‬وجللد الللوحي قللد سللبقه ونللزل علللى‬
‫سللوِلِه ُكنُتلْم‬
‫ل َوآَيللاِتِه َوَر ُ‬
‫ل َأِبللا ِّ‬
‫ب ُقل ْ‬
‫خللوضُ َوَنْلعَل ُ‬
‫ن ِإّنَما ُكّنللا َن ُ‬ ‫الرسول ‪ ‬قوله تعالى‪َ } :‬وَلِئن َ‬
‫سَأْلَتُهْم َلَيُقوُل ّ‬
‫فجللاء هللؤلء إلللى الرسللول ‪ ‬يعتللذرون ويقولللون يللا‬ ‫‪((4‬‬
‫ل َتْعَتِذُروْا َقْد َكَفْرُتم َبْعَد ِإيَماِنُكْم {‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫سَتْهِزُؤو َ‬
‫َت ْ‬
‫رسول ال ما قصدنا إل المزح حديث الركب نقطع به عّنا الطريق ول يزيد الرسول ‪ ‬على تلوة اليلة‬
‫‪((1‬‬
‫فإذا كان هؤلء كفروا بال وارتدوا وقد كانوا مسلمين من قبل بسبب كلمة قالوهللا علللى‬ ‫ول يلتفت إليهم‬
‫وجه المزح واللعب فكيف بمن يقول كلم الكفر ل من بلاب الملزح وإنمللا ملن بلاب المحافظلة علللى مللاله‬
‫وعلى جاهه وعلى مكانته وهذا شر من المازح لنه اشترى الحياة الدنيا بالخرة؟ فالحاصل أن الذي يتكلم‬
‫بكلمة الكفر ل يخلو من خمس حالت‪:‬‬
‫ىىىىىى ىىىىىى‪ :‬أن يكون معتقًدا ذلك بقلبه فهذا ل شك في كفره‪.‬‬

‫)‪ (2‬النحل‪106:‬‬

‫)‪ (3‬النحل‪107:‬‬

‫)‪ (4‬التوبة‪66-65 :‬‬

‫)‪ (1‬تقدم العزو إليها‬

‫‪54‬‬
‫ىىىىىى ىىىىىىى‪ :‬أن ل يكون معتقًدا ذلك بقلبه ولم يكره على ذلك ولكن فعله من أجل‬
‫خَرِة‬
‫عَلى ال ِ‬
‫حَياَة اْلّدْنَيا َ‬
‫حّبوْا اْل َ‬
‫سَت َ‬
‫ك ِبَأّنُهُم ا ْ‬
‫طمع الدنيا أو مداراة الناس وموافقتهم فهذا كافر بنص الية } َذِل َ‬
‫{‪.((2‬‬
‫ىىىىىى ىىىىىىى‪ :‬من فعل الكفر والشرك موافقة لهله وهو ل يحبه ول يعتقده بقلبلله‬
‫حا ببلده أو ماله أو عشيرته‪.‬‬
‫وإنما فعله ش ً‬
‫حا ولعًبا كما حصل من النفر المذكورين‪ .‬وهللذا‬
‫ىىىىىى ىىىىىىى‪ :‬أن يفعل ذلك ماز ً‬
‫يكون كافًرا بنص الية الكريمة‪.‬‬
‫ىىىىىى ىىىىىىى‪ :‬أن يقول ذلك مكرًها ل مختاًرا وقلبه مطمئن باليمان فهذا مرخص‬
‫له في ذلك دفًعا للكراه‪ ،‬وأما الحوال الربع الماضية فإن صاحبها يكفر كمللا صللرحت بلله اليللات وفللي‬
‫هذا رد على من يقول إن النسان ل يحكم عليه بالكفر ولو قال كلمة الكفر أو فعل أفعال الكفللر حللتى ُيعلللم‬
‫لل‪.‬‬
‫ضّ‬
‫ما في قلبه وهذا قول باطل مخالف للنصوص وهو قول المرجئة ال ّ‬
‫وذكر الشيخ رحمه ال قاعدة عظيمة في الكراه الذي يعذر به والذي ل يعذر به حيث قال‪) :‬ومعلوم أن‬
‫النسان ل يكره إل على العمل أو الكلم‪ ،‬وأما عقيدة القلب فل يكره أحد عليهللا( وصلللى ال ل وسلللم علللى‬
‫نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬

‫انتهى في ‪15/11/1418‬هل‬
‫بقلم‪ /‬صالح بن فوزان بن عبد ال الفوزان‪.‬‬

‫)‪ (2‬النحل‪107:‬‬

‫‪55‬‬

You might also like