You are on page 1of 18

‫التوحيد‬

‫في الحج‬
‫لفضيلة الشيخ‬
‫محمد بن محمد المختار‬
‫الشنقيطي‬
‫غفر الله له ولوالديه وللمسلمين‬
‫التوحيد ف الج‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫خلق ال تعال الثقلي وأمرهم بعبادته‪ ،‬وجل للعبادة شرطا ل تقبل بدونه‪ ،‬وهو الخلص والتوحيد‪،‬‬
‫فالسلم بشعائره وفرائضه كلها مرتبط غاية الرتباط بكلمة التوحيد‪ .‬ومن تلك الشعائر شعية الج‪،‬‬
‫والت هي من أعظم الشعائر الت تقوي وتيي ف قلب العبد توحيد العبود سبحانه وتعال؛ لكثرة العمال‬
‫الت توقف النسان مع ربه موحدا متفكرا تائبا من أي تقصي أو زلل‪.‬‬

‫كل شعائر السلم تدور حول كلمة التوحيد‬


‫إن المد ل‪ ،‬نمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده ال‬
‫فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن سيدنا‬
‫ونبينا ممدا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بي يدي الساعة بشيا ونذيرا وداعيا إل ال بإذنه وسراجا منيا‪،‬‬
‫صلى ال عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيا ‪ .‬أمـا بعـد‪:‬‬
‫ل َوبَرَكَاتُهُ‪ ،‬وف بداية‬
‫فأحييكم بتحية السلم تية من عند ال مباركة طيبة‪ ،‬فالسّل ُم عَلَيكُ ْم وَ َرحْ َمةُ ا ِ‬
‫هذا اللقاء‪ ،‬أحد ال َتبَا َركَ َوَتعَالَى على عظيم نعمته‪ ،‬وجليل فضله وجيل منته‪ ،‬أن جعن بكم ف هذا‬
‫البيت من بيوت ال‪ ،‬وبعد هذه الفريضة من فرائض ال فـ(ما اجتمع قوم ف بيت من بيوت ال إل‬
‫نزلت عليهم السكينة‪ ،‬وغشيتهم الرحة‪ ،‬وذكرهم ال فيمن عنده)‪ .‬وكم من أقوام جلسوا لذكر ال‬
‫فقاموا من مالسهم وقد بدلت سيئاتم حسنات (هم القوم ل يشقى بم جليسهم) الْحَ ْمدُ لِلّ ِه اّلذِي‬
‫هَدَانَا ِل َهذَا َومَا كُنّا لَِنهَْتدِيَ َلوْل أَ ْن َهدَانَا ال ّلهُ [العراف‪ ]43:‬ث إنن أشكر بعد شكر ال عَ ّز وَ َجلَ‬
‫من كان له الفضل بعد ال ف تيئة هذا اللقاء من الشايخ الفضلء‪ ،‬وأخص بالذكر الشئون الدينية ف‬
‫الرس الوطن‪ ،‬أسأل ال العظيم أن يعظم أجور الميع‪ ،‬وأن يتقبل منا ومنكم صال القول والعمل ‪.‬‬
‫أيها الحبة ف ال! أساس الدين واللة وقاعدة السلم العظيمة الت عليها صلح الدين والدنيا والخرة‪،‬‬
‫والت من أجلها أنزل ال كتبه ‪ ،‬ومن أجلها أرسل رسله مبشرين ومنذرين ‪ ،‬بل ومن أجلها كانت الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬ومن أجلها نصب اليزان‪ ،‬ونشر الديوان‪ ،‬وكانت النان والنيان‪ .‬إنا القاعدة العظيمة الت‬
‫عليها مدار الصلح والفلح والربح والسارة‪ ،‬فمن قام با وأداها على وجهها أسعده ال ف الدنيا‬
‫ح فِي‬
‫والخرة‪ ،‬ومن ضيعها وأضاع حقوقها فَ َكَأنّمَا َخ ّر ِمنَ السّمَا ِء فَتَخْ َط ُف ُه الطّ ْيرُ َأوْ َت ْهوِي ِب ِه الرّي ُ‬
‫مَكَا ٍن سَحِيقٍ [الج‪ ]31:‬إنه التوحيد واليان واليقي‪ ،‬والحسان الذي هو أساس كل خي‪ ،‬ومنبع‬
‫‪2‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫كل فضيلة وبر‪ ،‬من أصلح ل إيانه وكمّل توحيده وإخلصه فتح ال له أبواب رحته وزاده من عظيم‬
‫بره وفضله‪ ،‬وإذا دخل اليان إل القلوب اطمأنت بال علم الغيوب‪ .‬إنه التوحيد الذي أخب ال عَزّ‬
‫وَجَلَ أن ما من أمة إل وبعث إليها رسولً يأمرها أَنِ اعُْبدُوا ال ّلهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ [النحل‪:‬‬
‫‪ .]36‬إنه التوحيد شهادة (َأنْ ل إِلَهَ إِلّا ال) الت هي مدار الصلح والفلح ف الدين والدنيا والخرة ‪.‬‬
‫جعل ال شعائر السلم كلها تدور حول هذه الكلمة‪ ،‬تغرس ف القلوب اليان بال علم الغيوب‪،‬‬
‫وتغرس ف النفوس اليقي بل إِلَهَ إِلّا ال‪ ،‬فكل ما ف هذا الكون يدل على صدق هذه الكلمة‪ ،‬وكل ما ف‬
‫هذا الكون يشهد بعناها (َأنْ ل إِلَهَ إِلّا ال) ما من ليل ول نار ول عشي ول إبكار إل وهو يؤذنك‬
‫ويعلمك َأنّه ل إِلَهَ إِلّا ال‪ ،‬إقبال الليل يذكر حينما كان النسان قبل ساعات وهو ف ضياء النهار‪ ،‬فإذا‬
‫به ف ظلمة بقدرة ال جل جلله‪ ،‬ث يضي الليل ويرخي سدوله‪ ،‬ويبسط العبد كفه فل يراها من‬
‫الظلمة‪ ،‬وما هي إل سويعات قدرها ال جل جلله حسبت بثوانيها ولظاتا فإذا انتهت وانقضت آذن‬
‫ك َيسْبَحُونَ‬
‫س يَنَْبغِي َلهَا أَ ْن ُتدْرِ َك اْلقَ َمرَ وَل اللّ ْي ُل سَاِبقُ الّنهَارِ وَ ُك ّل فِي فَ َل ٍ‬
‫ال بالنهار‪ :‬ل الشّمْ ُ‬
‫[يس‪ ]40:‬هذه الدلئل الزمانية والدلئل الكانية‪ ،‬أشجار وأحجار‪ ،‬وما على هذه البسيطة من جبال‬
‫ووهاد وناد وسهول وهضاب‪ ،‬كلها تذكر بل إِلَهَ إِلّا ال‪ ،‬وعلى ذلك دارت شرائع السلم كلها‪،‬‬
‫فالصلة عمود السلم الت تقق معن ل إِلَهَ إِلّا ال‪ ،‬ففي الدعوة إل الصلة شهادة أَنْ ل إِلَهَ إِلّا ال َوأَنّ‬
‫مُحَمّدًا َرسُولُ ال ‪ ، e‬وإذا دخل العبد إل مسجده وأراد أن يؤدي فريضة ربه‪ ،‬استفتحها بقوله‪ :‬ال‬
‫أكب‪ ،‬ال أكب من كل شيء‪ ،‬وأعظم من كل شيء‪ ،‬فيستفتح بالتوحيد‪ ،‬ويتم صلته بالتوحيد‪ ،‬السّلمُ‬
‫عََليّكُ ْم وَ َرحْ َمةُ الِ‪ ،‬وهي دعاء بالسلمة والرحة على العباد‪ .‬تفتتح بالتوحيد وتتتم بالتوحيد‪ ،‬وتتوي‬
‫جيع أركانا على التوحيد‪ ،‬من قراءة القرآن والتسبيح ف الركوع والسجود وغي ذلك من الذكار‬
‫القولية والفعال كلها تدور حول ل إِلَهَ إِلّا ال ‪ .‬وهذه الزكاة ل يدفعها العبد إل وهو يعلم ويوقن بذه‬
‫الكلمة؛ لنه يعلم أن الال مال ال‪ ،‬وأن ال أغناه من الفقر‪ ،‬وأعزه من الذل‪ ،‬وكساه من العري‪ ،‬وأطعمه‬
‫من الوع‪ ،‬وأغدق عليه هذا الال‪ ،‬فإذا قدم الصدقة خالصة من قلبه فقد حقق معن ل إِلَهَ إِلّا ال‪ ،‬أطاع‬
‫ال جل جلله وامتثل أمره وأدى زكاته طيبة با نفسه‪ ،‬وأداها وطلب أصحابا فوضعها ف أيديهم أمانة‬
‫يلتمس با مرضاة ال ُسبْحَانَهُ َوتَعَالَى تقيقا لذه الكلمة وإيانا با فيها ‪ .‬كذلك الصيام ‪ ..‬فما جاعت‬
‫الحشاء ول ظمئت المعاء إل باليان بال ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى‪ ،‬آثر العبد ما عند ال على شهوة نفسه ولذة‬
‫كبده وطعمة بطنه ولذة فرجه لرضاة ال ربه‪ ،‬جيع شعائر السلم تدور حول هذه الكلمة العظيمة‪.‬‬

‫وقفات مع التوحيد ف الج‬


‫‪3‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫إن شعية الج الت جعلها ال سبحانه وتعال قاعدة من قواعد التوحيد‪ ،‬تدل على كلمة ل إِلَهَ إِلّا ال من‬
‫بدايتها إل نايتها‪ ،‬ومن مشعر إل مشعر‪ ،‬ومن منسك إل منسك‪ ،‬والعبد يدور حول كلمة التوحيد‬
‫والخلص ل إِلَهَ إِلّا ال‪.‬‬

‫التوحيد عند مفارقة الهل والولد‬


‫أولا‪ :‬ما يرج من بيته ل يرج ول يرج إل وهو يعلم أن ال يسمعه ويراه‪ ،‬ول يرج من بيته مفارقا‬
‫لهله وولده وحبه وزوجه إل وال أحب إل قلبه من الكل‪ .‬تتعلق به الصبية ترده عن مسيه يتعلق به‬
‫البناء والبنات وتستمسك به الزوجات‪ ،‬فيعلنها صيحة طاعة ل فاطر الرض والسماوات‪ ،‬فيفارق‬
‫فلذات الكبد‪ ،‬ويفارق أرضا وموطنا ربا كان ف مشرق الرض أو مغربا‪ ،‬كل ذلك عبودية ل ُسبْحَانَهُ‬
‫َوتَعَالَى‪ .‬ال أكب من آثر ما عند ال على ما عند نفسه وعلى ما عند الناس‪ .‬ال أكب يوم خرج الاج‬
‫الؤمن الوحد مؤثرا ما عند ال على هذه الدنيا وما فيها‪ ،‬حت إن من الناس من يرج وهو ف قمة الغن‬
‫والثراء‪ ،‬قد يكون ف حياته كلها ما خرج من بلده ومن مسكنه‪ ،‬ولكن ال أخرجه واليان والتوحيد‬
‫أخرجه‪ ،‬عبودية ل سُبْحَانَهُ َوَتعَالَى لو أنفقت له الليي ما خرج‪ ،‬ولكن خرج لنه يؤمن بال واليوم‬
‫الخر‪.‬‬

‫التوحيد ف الغتسال والمساك عن مظورات الحرام‬


‫كذلك أيضا يرج العبد ف مسالكه وشعبه والشعاب الت يطرقها ف مسيه وهو مؤمن بال ُسبْحَانَ ُه‬
‫َوتَعَالَى‪ ،‬وف أول لظة من لظات الج يريد أن يدخل ف نسك الج فيغتسل ويتجرد‪ ،‬وإذا به يتذكر‬
‫الخرة ف ذلك الغتسال وذلك التجرد‪.‬‬
‫قال بعض العلماء‪ :‬الؤمن ف عبادة الج يتذكر الخرة ف أكثر مشاعر الج منذ أن يأت ويلع ثيابه عن‬
‫جسده حيث يتذكر إذا خلعت منه بل حول ول قوة‪ ،‬ويتذكر إذا نزعت منه فغسل وكفن‪ ،‬فهو اليوم‬
‫يغسل نفسه ويلبس رداءه وإزاره‪ ،‬ولكن ستأت عليه ساعة ل ميص عنها‪ ،‬ول مفر منها‪ ،‬فيتذكر أنه‬
‫مقبل على ال ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى‪.‬‬
‫ومن قواعد اليان‪ :‬اليان بالخرة وما فيها من البعث بعد الوت والساب والزاء‪ ،‬فالج يذكر بذلك‬
‫كله‪ ،‬فإذا خرج بجه وعمرته أمسك عن مظورات الحرام‪ ،‬فيمسك عن الطيب والنساء والشهوات‬
‫واللذات طاعة ل ُسبْحَانَ ُه َوتَعَالَى‪ ،‬سبحان من أحل له تلك الشهوات وتلك اللذات قبل أن يدخل ف‬

‫‪4‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫حجه وعمرته‪ ،‬وأصبحت عليه حرام ف نسكه‪ ،‬فال ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى الذي يكم ول معقب لكمه عبادة‬
‫توقيفية ل يستطيع النسان أن يقدم أو يؤخر بل يسلم تسليما‪ ،‬ويؤمن ويوحد توحيدا كاملً ف العبودية‬
‫ل ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى‪.‬‬

‫التوحيد أثناء الطواف حول البيت‬


‫ث إذا أراد أن يطوف بالبيت تذكر عظمة ال ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى وعزه وجبوته ف هذا البيت الذي شرفه‬
‫ل َوسَلمُ ُه عَلِيهِ‬‫صَلوَاتُ ا ِ‬
‫وكرمه وفضله‪ ،‬فهو إذا وقف أمام البيت تذكر من بناه إمام النفاء وقدوتم َ‬
‫إبراهيم الليل الذي بن هذه القواعد من أجل التوحيد‪ ،‬وأرسى هذا البناء من أجل كلمة الخلص‪،‬‬
‫ومن أجل أن يعبد ال وحده ل إله غيه ول رب سواه ‪ .‬ولذلك سأل ال عَ ّز وَجَلَ وابتهل إل ال‬
‫ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى أن ينبه وذريته عبودية الصنام‪ ،‬وسأل ال أن يعل حياته كلها له ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى ل‬
‫لي شيء سواه وَاجْنُبْنِي َوبَنِ ّي أَ ْن نَعُْب َد الْأَصْنَامَ [إبراهيم‪ ]35:‬فسأل ال الخلص وسأل ال‬
‫التوحيد‪ ،‬فإذا وقفت أمام ذلك البيت تذكرت هذه القدوة الكاملة الفاضلة الت اختارها ال عَ ّز َوجَلَ لن‬
‫بعده إماما ف التوحيد والسلم والستسلم‪ .‬ث إذا طاف العبد بالبيت تذكر أنه ل يطوف بذه الجارة‬
‫إل عبودية ل ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى‪ ،‬فل يطوف تعظيما للحجر‪ ،‬ول تعظيما لذا الماد‪ ،‬ولكن تعظيما ل‬
‫ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى‪ ،‬فال هو الذي أمره وهو الذي أوجب عليه هذه العبادة فل يسعه إل التسليم وَُيسَلّمُوا‬
‫َتسْلِيما [النساء‪ ]65:‬ولذلك وقف عمر بن الطاب رضي ال عنه وأرضاه أمام الجر‪ ،‬فقال كلمته‬
‫الشهورة‪[ :‬أما إن لعلم أنك حجر ل تضر ول تنفع‪ ،‬ولول أن رأيت رسول ال ‪ e‬يقبلك ما قبلتك]‬
‫أي‪ :‬أن الدين كله قائم على هذا التسليم‪ ،‬إن جاءت العبادة سلم با العبد وأتى با على وجهها دون‬
‫غلو أو شطط‪ ،‬ودون زيادة واعتقاد ف الحجار والشجار والواضع‪ ,‬وإنا يعتقد ف ال وحده ل إله‬
‫غيه ول رب سواه‪.‬‬

‫التوحيد ف الدعاء‬
‫ث إذا أدى شعائر الج بي جوع الؤمني‪ ،‬وعاش تلك الساعات واللحظات الت يقف بي يدي ال‬
‫ل متبذلً خاشعا متخشعا تذكر عظمة ال ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى‪ .‬ومن أعظم ما يذكر به‬
‫ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى متذل ً‬
‫العبد ف عبادة الج الدعاء‪ ،‬فمن أعظم الشاهد تأثيا ف النفوس وتأثيا ف القلوب ما يزيد العبد ثقة‬
‫بال ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى وإيانا وإيقانا فيه جل جلله‪ ،‬إذا تأمل ونظر وادّكر واستبصر ف هذه المم الت‬

‫‪5‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫اجتمعت على اختلف لغاتا‪ ،‬وتعدد لجاتا‪ ،‬وتباين أقطارها وأمصارها‪ ،‬وإذا با ف لظة واحدة ترفع‬
‫أكفها إل ال‪ ،‬فل يفى عليه ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى مكانا‪ ،‬ول تفى عليه أصواتا ول لجاتا‪ ،‬ول تفى عليه‬
‫مسائلها ول تعييه ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى حوائجها‪ .‬ال أكب إذا عجت ببابه الصوات‪ ،‬واختلفت السائل‬
‫والاجات‪ ،‬وتباينت ف اللغات واللهجات‪ ،‬ففتح ال أبواب ساواته‪ ،‬وتأذن بنول رحاته ومغفراته‬
‫وبركاته‪ ،‬فلم تعييه السألة‪ ،‬ول تعجزه حاجة ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى‪ ،‬يسمع دبيب النملة ف الليلة الظلماء‪ ،‬تقول‬
‫عائشة رضي ال عنها‪[ :‬وال إن لن وراء الستر وخولة تادل رسول ال ‪ e‬ف زوجها يفى عليّ بعض‬
‫كلمها فسبحان من وسع سعه الصوات ] فسمعها من فوق سبع ساوات‪ ،‬امرأة مظلومة جاءت‬
‫تشتكي إل رسول ال ‪ e‬كانت عائشة يفى عليها بعض كلمها‪ ،‬وليس بينها وبي الرأة إل الستارة‪،‬‬
‫وال يسمعها من فوق سبع ساوات يسمع جيع هذه الصوات فتقول‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬ال أكب حينما‬
‫يتاج العبد حاجة وال يعلمها قبل أن يتاج ومطلع عليها قبل أن تكون‪ :‬علم ما كان وما يكون وما ل‬
‫يكن لو كان كيف يكون‪ُ ،‬سبْحَانَهُ جل جلله وتقدست أساؤه‪.‬‬
‫تضطرب كتفك بوار الكتاف‪ ،‬ويضطرب جسم النسان مع غيه من إخوانه وخلنه ف السلم‪ ،‬ومع‬
‫ذلك كله يسمع شكواهم ومسائلهم وحوائجهم‪ ،‬فيوقن بأنه ل إِلَهَ إِلّا ال‪ ،‬هل طردنا ال عن بابه‬
‫‪-‬حاشاه‪ -‬حت نقف على أبواب الشاهد والقبور؟ هل ردنا ال سبحانه عن دعائه حت ندعو غيه‬
‫ونتوسل با سواه؟ هل عظمت حوائجنا على ال سبحانه وتعال حت تنـزلا بغيه؟ ل وال ُقلْ َمنْ‬
‫بَِي ِدهِ مَ َلكُوتُ ُك ّل شَيْءٍ [الؤمنون‪َ ]88:‬فسُبْحَا َن الّذِي بَِي ِدهِ مَ َلكُوتُ ُك ّل شَيْءٍ [يس‪( ]83:‬يا‬
‫عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا ف صعيد واحد‪ ،‬فسألون فأعطيت كل واحد‬
‫مسألته وما بلغته أمنيته‪ ،‬ما نقص ذلك من ملكي شيئا) ل ينقص من ملك ال جل جلله شيئا ول‬
‫يعجزه شيء‪ ،‬إِنّمَا َأ ْم ُرهُ ِإذَا أَرَا َد شَيْئا أَ ْن َيقُولَ لَهُ ُك ْن فََيكُونُ [يس‪ .]82:‬تأمل رحة ال ُسبْحَانَهُ‬
‫َوتَعَالَى‪ ،‬يرج الحتاج من أهله وولده وحِبه‪ ،‬وال ما أخرجه إل لشيء أعظم وأفضل ما خرج منه‪ ،‬ول‬
‫يكن أن يرج النسان من تلك الشهوات وتلك اللذ‪ ،‬ومن بي البناء والبنات إل عوضه ال خيا ما‬
‫ل ورضوانا‪ ،‬وأن ال ما أخرج هذه‬
‫ترك؛ لن ال كري‪ ،‬فتؤمن بل إله إل ال وتوقن أن عند ال فض ً‬
‫الموع إل لفضله ورحته ‪.‬‬
‫ولذلك أخب النب ‪ e‬أن ال رضي لن آمن به ووحده‪ ،‬ونزل ف تلك النازل موقنا مؤمنا ملصا‪ ،‬وأدى‬
‫الشعائر على أت الوجوه وأكملها‪ ،‬أن يرجع إل أهله بل ذنب ول خطيئة ‪ .‬أن يرجع إل أهله كيوم‬
‫ولدته أمه ‪ ..‬أن يرجع إل أهله وولده نقيا من الذنوب والطايا‪ ،‬فلربا رجع إل أهله وولده وقد عتقت‬

‫‪6‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫رقبته من النار‪ ،‬نسأل ال العظيم رب العرش الكري أن يعلنا وإياكم ذلك الرجل ‪ .‬فإنه قد ثبت عن‬
‫ل عََليْهِ َوسَلّمَ‪( :‬ما من يوم أكثر من أن يعتق ال فيه الرقاب من النار من يوم عرفة) ومعن‬
‫النب صَلّى ا ُ‬
‫العتق من النار‪ :‬أنه ل يكن أن يدخل العبد النار أبدا‪ ،‬مهما كان حاله‪ ،‬ولشك أن هذه بشارة له أنه‬
‫سيموت على التوحيد‪ ،‬ويوت على اليان‪ ،‬ويوت على خصال الي والب‪ ،‬ويتم له باتة السعداء‬
‫جعلنا ال وإياكم منهم‪ .‬يوقن العبد وهو يرى هذه الشاهد ‪ ..‬يرى هذه المم كلها جاءت ل ُسبْحَانَهُ‬
‫َوتَعَالَى‪ ،‬فيزداد ثقة بال جل جلله ويتفكر ويتدبر هل حاجت تعجز ال ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى‪ ،‬كل وال‪ ،‬ل‬
‫يعجزه شيء ف الرض ول ف السماء‪ ،‬فبمجرد أن ترى ذلك توقن إيقانا كاملً أن مسائلك وحوائجك‬
‫ل ينبغي أن تنـزل إل بباب ال جل جلله‪ ،‬فالدعاء والسؤال والاجة ل يوز أن تنل إل بال وحده‬
‫ل شريك له‪ ،‬ومن أنزل حاجته بغي ال زاده ال فقرا‪ ،‬ومن أنزل حاجته بال تأذن ال له بالفرج العاجل‬
‫ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى‪ :‬وَ َم ْن يََتوَ ّكلْ َعلَى ال ّلهِ َف ُهوَ َحسُْبهُ [الطلق‪ .. ]3:‬وَ َم ْن ُيؤْ ِمنْ بِال ّلهِ َي ْهدِ قَلَْبهُ‬
‫[التغابن‪.]11:‬‬

‫التوحيد ف سعة الرحة واللم‬


‫ومن مشاهد التوحيد الت تدل على عظمة ال ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى وفضله وكرمه؛ سعة الرحة وسعة اللم‪،‬‬
‫فال ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى من صفاته أنه حليم ورحيم‪ ،‬فأنت إذا قرأت الديث الصحيح عن النب ‪( : e‬من‬
‫حج البيت فلم يرفث ول يفسق رجع كيوم ولدته أمه) علمت علما جازما أن ال ل تضره معصية‬
‫العاصي‪ ،‬ول تنفعه طاعة الطيعي‪ ،‬ومن حلمه ورحته أنه إذا وقف أقوام أبناء ستي وسبعي عاما ببابه‬
‫لظة من اللحظات‪ ،‬أراقوا فيه الدموع‪ ،‬وأظهروا فيها السرات واللوعات على ما سلف وكان من‬
‫الذنوب والعصيان‪ ،‬فاستقالوا واعتذروا لربم وتابوا واستغفروا فغفر ال ذنوبم؛ بل وبدل الذنوب‬
‫حسنات‪ .‬أي كرم وأي فضل هذا! وال لو تأمل النسان عظمة هذا الرب لحس بقيمة هذه الياة‪ ،‬فل‬
‫لذة لذه الياة إل بعرفة ال ُسبْحَانَهُ َوتَعَالَى‪ ،‬ومن عرف ال جل جلله أقبل على ال صدق القبال‪ ،‬فأت‬
‫خشيته وهيبته ُسبْحَانَ ُه َوتَعَالَى وحبه جل جلله‪ ،‬هذا الرب الكري‪ ،‬أمم تعصيه وتذنب وتسرف‪ ،‬ومع‬
‫ذلك يبدل السيئات حسنات‪ ،‬فل يغفر فقط بل يبدل الذنوب والسيئات حسنات سبحان ال ما أكرمه!‬
‫لنا مليك مسن إلينـا من نن لول فضله علينا‬
‫َتبَا َركَ ال وجـل ال أعظم ما فاهت به الفواه‬
‫سبحان من ذلت له الشراف أكرم من يرجى ومن ياف‬

‫‪7‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫فإذا علم العبد عظمة ال ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى ف حلمه ورحته ومنه وفضله‪ ،‬أحس أنه ل يزال بي ما كان‬
‫مع ال َجلّ جَللُهُ‪ ،‬كذلك يس أنه مادامت هذه المم كلها تنادي ال جَلّ جَللُهُ ف لظة واحدة وال‬
‫يسمعها ويراها‪ ،‬فإن ال ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى سيحه كما رحهم‪ ،‬وسيلطف به كما لطف بم‪ ،‬ولكن ما‬
‫عمل النسان إل أن يوقن بال جَلّ جَللُ ُه وأن يسلم ل قلبه‪ ،‬فل تضيق عليك أي ضائقة ول تنل بك‬
‫أي ملمة إل أحسنت الظن بال عَ ّز وَجَلَ‪ .‬من المور الت يستفيدها الاج ف حجه‪ :‬حسن الظن بال عَزّ‬
‫وَجَلَ؛ لنك إذا رأيت هذه المم كلها وتعلم علم اليقي أن فيهم الغفور والرحوم ولربا ‪-‬ونن ل‬
‫نستكثر على ال ول نستبعد على ال وليس على ال بعزيز‪ -‬أن يقول لهل الوقف كلهم‪ :‬انصرفوا قد‬
‫غفرت لكم‪ .‬بغي من بغايا بن إسرائيل زانية ‪-‬أعاذنا ال وإياكم‪ -‬مرت على كلب يلهث الثرى فرحته‬
‫فملت خفها وسقته‪ ،‬فشكر ال لا فغفر لا ذنوبا‪ ،‬فقط بشربة ماء‪ ،‬ورجل مر على غصن شوك‪ ،‬وهو‬
‫مطروح ف طريق السلمي‪ ،‬أخذته الشفقة فأحب الحسان‪ ،‬وقال‪ :‬وال لني هذا عن طريق السلمي‪،‬‬
‫فزحزحه عن الطريق فزحزحه ال عن نار جهنم‪ ،‬هذا الرب الكري الليم الرحيم‪ ،‬ليس هناك للعبد مثل‬
‫حسن الظن بال جَلّ جَللُهُ‪.‬‬
‫ولذلك ف الديث الصحيح يقول ال تعال‪( :‬أنا عند حسن ظن عبدي ب‪ ،‬فمن ظن ب خيا كان له‪،‬‬
‫ومن ظن ب شرا كان له)‪ .‬من ظن بال شرا ‪-‬والعياذ بال‪ -‬كالذين يعكفون على الشجار والحجار‬
‫والقبور ويضغون بأصحابا‪ ،‬ويضيفون عليهم اللقاب والكلمات الت ل تليق إل بال جَلّ جَللُهُ‪ ،‬تعال‬
‫ال عما يقول الشركون علوا عظيما‪ .‬هؤلء ف خيبتهم وخسارتم لنم أساءوا الظن بال عَ ّز وَجَلَ‪ ،‬ما‬
‫عرفوا ال َع ّز وَجَلَ‪ ،‬فلو عرفوه ما التفتوا إل شيء سواه ‪-‬نسأل ال السلمة والعافية‪ -‬ولذلك إذا أحسن‬
‫العبد ظنه بال عز وجل تلقاه ال برحته وفاز بعفوه ومغفرته‪ ،‬نسأل ال العظيم رب العرش الكري أن‬
‫يشملنا بذلك العفو والغفرة‪.‬‬

‫التوحيد ف يوم النحر‬


‫من مشاهد التوحيد‪ :‬إذا كان يوم النحر الذي وصفه ال عَ ّز وَ َجلَ بيوم الج الكب‪ ،‬هذا اليوم الذي‬
‫صَلوَاتُ‬
‫يستفتح الناس فيه رمي جرة العقبة‪ ،‬فيتذكرون موقفا من مواقف التوحيد لمام من أئمة النيفية َ‬
‫ل َوسَلمُ ُه عَلِيهِ إبراهيم الليل‪ ،‬هذا النب المتحن الذي امتحن ف ل إله إل ال فصدق مع ال فصدق‬ ‫اِ‬
‫ل َوسَلمُهُ عَلِيهِ ف إيانه وتسليمه‪ ،‬ومن ذلك يوم الج الكب‪،‬‬
‫صَلوَاتُ ا ِ‬
‫ال معه‪ ،‬شعائر الج تذكر به َ‬
‫هذا اليوم البارك يستفتحه العبد إذا أشرقت شسه برمي جرة العقبة إذا تذكر خليل ال وهو يرى ف‬

‫‪8‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫الرؤيا أنه يقتل ولده ويذبه‪ ،‬أي امتحان مثل هذا المتحان‪ ،‬امتحنه ال ف بلده ووطنه فخرج من بلده‬
‫مهاجرا إل ال‪ ،‬فأبدله ال الرض القدسة‪ ،‬ث امتحنه ال عز وجل ف عشيته وقومه فتركهم ل‪ ،‬فجعل‬
‫ال ف ذريته النبوة والكتاب ‪ .‬ث امتحنه ال عز وجل ف ولده وفلذة كبده أن يذبه يَا بَُنيّ ِإنّي أَرَى‬
‫ك فَانْظُ ْر مَاذَا َترَى [الصافات‪ ]102:‬وانظروا كيف الذرية الطيبة وأهل التوحيد‬
‫ح َ‬
‫فِي الْمَنَا ِم َأنّي َأذْبَ ُ‬
‫ضهَا ِم ْن َبعْضٍ [آل عمران‪.. ]34:‬‬
‫كيف يعل ال عز وجل ذريتهم طيبة‪ ،‬قال تعال‪ :‬ذُ ّرّيةً بَعْ ُ‬
‫ت افْ َعلْ [الصافات‪ ]102:‬انظروا كيف التوحيد والتسليم إذا جاءك أي أمر من أوامر ال‬
‫قَا َل يَا َأبَ ِ‬
‫ت ا ْف َعلْ مَا‬
‫أن تفعل شيئا أو تترك شيئا هذا وهو ف صغره يسأل أن يضحي بروحه ونفسه قَالَ يَا أَبَ ِ‬
‫ج ُدنِي إِ ْن شَا َء اللّهُ‬
‫تُ ْؤ َمرُ [الصافات‪ ]102:‬هذا التوحيد واليان ث انظر إل التوحيد سَتَ ِ‬
‫ج ُدنِي إِنْ شَا َء ال ّلهُ ِمنَ‬
‫[الصافات‪ ]102:‬ما قال‪ :‬ستجدن واتكل على حوله وقوته‪ ،‬ل‪ ،‬سَتَ ِ‬
‫الصّاِبرِينَ [الصافات‪ ]102:‬صََلوَاتُ ا ِ‬
‫ل َوسَلمُ ُه عَلِيهِ‪ ،‬ال أكب! تصور إذا قدمت روحك للموت‬
‫استجابة لمر ال كانت رخيصة لمر ال جَلّ جَللُهُ‪ ،‬تسليم وتوحيد وانظر كيف يأت الفرج مع كمال‬
‫التوحيد‪.‬‬
‫يقول ال عز وجل‪ :‬فَلَمّا أَسْلَمَا [الصافات‪ ]103:‬حت جاء ف الخبار والسي أن إساعيل يقول‬
‫لوالده‪ :‬يا أبتِ! ل تذبن وأنا مقبل إليك‪ ،‬ولكن اكفن على وجهي حت ل تنظر إل فتدركك الشفقة‪،‬‬
‫حت البن يعي على اليان والتسليم‪ ،‬لذلك تد الب إذا كان موحدا صالا أنشأ ال له الذرية‬
‫الصالة‪ ،‬والعكس أيضا‪ ،‬ولذلك صلة بن أشيم كان له أربعة من الولد وتقدم للجهاد ف سبيل ال فماذا‬
‫قال هذا الب الصال أمام الغزو وأمام العدو‪ -‬انظروا الشجاعة واليان الت ينبغي أن يكون عليها‬
‫الوحد الوقن الذي ل يكن أن يفلح ف الدنيا إل بذا اليان الذي يورث الشجاعة‪ -‬قال لحد أبنائه‬
‫وهو الكبي‪ :‬تقدم يا بن ! فإن أريد أن أحتسبك عند ال‪ ،‬أي‪ :‬أريدك أن توت أنت قبلي فأحتسبك‬
‫عند ال عز وجل‪ ،‬ما جاء هو يتقدم فرارا من أن يرى ولده يذبح أمامه‪ ،‬هكذا كانت المة الوحدة‬
‫ج ُدنِي إِنْ شَا َء ال ّلهُ ِم َن الصّاِبرِينَ‬
‫الوقنة الخلصة‪ ،‬فإبراهيم عَلِيهِ الصَل ُة وَالسَلم يقول له ابنه‪ :‬سَتَ ِ‬
‫[الصافات‪ ]102:‬يقول ال تعال‪ :‬فَلَمّا َأسْلَمَا َوتَ ّلهُ لِلْجَبِيِ [الصافات‪ ]103:‬أسلما‪ :‬أي‪:‬‬
‫استسلما‪ ،‬ومثله أن يأتيك أمر ال ف بيتك وأهلك وزوجك‪ ،‬فحينما تستسلم وتنفذ أمر ال يأتيك‬
‫الفرج‪ ،‬أما أن تذهب فتبحث عن الرخص فتتأول وتتهد فبهذا يسلم العبد إل حوله وقوته نسأل ال‬
‫السّلمة والعافية ‪ .‬لكن إذا سلّم وتوكل واعتقد ف ال‪ ،‬فال ل ييبه‪ ،‬يقول ال‪ :‬فَلَمّا َأسْلَمَا َوتَ ّلهُ‬
‫ت الرّؤْيا [الصافات‪ ]105-103:‬فجاءه الفرج من ال‬
‫ص ّدقْ َ‬
‫لِلْجَبِيِ * َونَا َديْنَا ُه أَ ْن يَا إبراهيم * َقدْ َ‬

‫‪9‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫َو َفدَيْنَا ُه بِ ِذبْحٍ َعظِيمٍ [الصافات‪ ]107:‬ففداه ال جَلّ جَللُهُ من فوق سبع ساوات بالسلم‬
‫والستسلم والتوحيد‪ ،‬فإذا رمى السلم جرة العقبة تذكر هذا البتلء‪ ،‬وتذكر أنه سيمتحن ف أهله‬
‫وماله ونفسه وفلذة كبده‪ ،‬فينبغي أن يقدم ما عند ال على ما عند نفسه‪ ،‬نسأل ال العظيم رب العرش‬
‫الكري أن يرزقنا كمال اليان والتسليم‪.‬‬
‫كذلك أيضا بعد رميه لمرة العقبة يذبح إذا كان متمتعا أو قارنا‪ ،‬فإذا ذبح هديه ذبه ل جَلّ جَللُهُ‬
‫وهذا مشهد من مشاهد التوحيد إراقة الدماء لفاطر الرض والسماء‪ ،‬حت إن النسان إذا أراق دم‬
‫البهيمة قال‪ :‬بِاسْمِ الِ‪ ،‬ال أكب‪ ،‬فسمى ال وكب على بيمته تأسيا برسول ال ‪ ، e‬وتقربا إل ال عَزّ‬
‫وَجَلَ ف هديه‪ ،‬وقع الدم عند ال بكان قبل أن يقع على الرض‪ ،‬وتأت يوم القيامة بلودها وشعرها‬
‫وأظلفها وجيع ما فيها ف ميزان العبد‪ ،‬لكن إذا كانت بالتوحيد كانت ل‪ ،‬ول تكن لي شيء سواه‪،‬‬
‫ل تذبح لوثن ول لشجر ول لقب ول لول‪ ،‬ول تذبح خوفا من الن أو عند النلة من أجل إرضاء الن‪،‬‬
‫لكن ل ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى إخلصا وتوحيدا ُقلْ إِنّ صَلتِي َوُنسُكِي [النعام‪ ]162:‬أي‪ :‬ذبي‪ ،‬كما‬
‫حرْ [الكوثر‪ ]2:‬فهذا مشهد من مشاهد التوحيد‪.‬‬
‫ك وَانْ َ‬
‫صلّ ِل َربّ َ‬
‫قال تعال‪ :‬فَ َ‬
‫كذلك أيضا يقف النسان يتحلل من هذا النسك فيحلق شعر رأسه قربة ل عَ ّز وَجَ َل وطاعة ل جَلّ‬
‫جَللُهُ‪ ،‬كما فعل النب ‪ e‬فتدور مناسك الج وشعائر الج كلها مع اليان والتسليم مع كمال اليقي‬
‫ل ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى‪ ،‬نسأل ال العظيم رب العرش الكري أن يرزقنا ذلك التسليم واليان‪ .‬وجاع الي‬
‫كله أن يكون عند العبد قلب حي‪ ،‬فإن الذكر والنتفاع بذه العبادات يفتقر إل نفس مؤمنة ‪ ..‬إل قلب‬
‫مقبل على ال ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى حت يتفكر ويتدبر ويتبصر‪ ،‬ويد هذه العان الكرية والثار العظيمة الت‬
‫تزيد من إيانه ويقينه بال َجلّ جَللُهُ‪ .‬اللهم إنا نسألك إيانا كاملً‪ ،‬ويقينا صادقا‪ ،‬وعلما نافعا‪ ،‬وعملً‬
‫صالا‪ ،‬وآخر دعوانا أن الْحَ ْمدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَ ِميَ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫التوحيد ف الج‬

‫السئلة‬
‫دور الوحدين ف ماربة البدع‬
‫السؤال‪ :‬يرى ف مكة والدينة بعض الجاج يقعون ف بدع وشركيات‪ ،‬ويلطخون عقيدتم بالرافات‬
‫والزعبلت‪ ،‬فما هو دور الوحدين‪ ،‬وما هي نصيحتك لؤلء؟‬
‫حمْدُ ِللّهِ‪ ،‬والصلة والسلم على خي خلق ال‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن واله‪ .‬أما‬ ‫الواب‪ :‬بِاسْمِ الِ‪ ،‬والْ َ‬
‫بعد ‪ :‬فإن ال تعال أكرم الرمي وأنعم عليها ‪-‬بل على السلم كله‪ -‬بذه الدولة الباركة الت حفظت‬
‫حى التوحيد‪ ،‬وحرصت كل الرص على حاية جناب التوحيد من الشرك والرافات‪ ،‬فمن يعرف‬
‫الدينة والرمي قبل هذه النعمة العظيمة‪ ،‬فإنه يعرف جليل ما أنعم ال على السلم والسلمي‪ ،‬فقد كان‬
‫الناس ف كثي من الهل والبدع والضللت والرافات‪ ،‬وكانت أموال الناس تؤكل بالباطل‪ ،‬وكانت‬
‫تيا بدع الضلي‪ ،‬وتات سنن الرسلي صلوات ال وسلمه عليهم ‪ ،‬ولكن ال منّ على العباد بذا النور‬
‫وهذا الي الذي تبددت به دياجي الظلم والظلمات‪ ،‬وأشرقت به أنوار التوحيد والرسالة‪ ،‬وعظم به الي‬
‫على هذه المة‪ ،‬وصلح حالا والمد ل أولً وآخرا وظاهرا وباطنا‪.‬‬
‫إن وقع شيء من الخلل من بعض الوافدين فينبغي أن يوجهوا وأن يعلموا ‪ ،‬وأن يدلوا على ما هو‬
‫أحكم‪ ،‬وعلى صراط ال عَ ّز وَ َج َل السلم الذي هو صراط التوحيد‪ ،‬نوصي كل من يرى أمرا من المور‬
‫الت تالف عقيدة التوحيد والخلص أن يبي الق وأن يدل عليه؛ لنه يتكلم بسلطان الق‪ ،‬وال يؤيده‬
‫حقّ عَلَى الْبَا ِط ِل فََيدْ َم ُغهُ َفِإذَا ُهوَ زَا ِهقٌ‬
‫ف بِالْ َ‬
‫ويفتح عليه‪ ،‬ويعل له من أمره رشدا َب ْل َنقْذِ ُ‬
‫[النبياء‪ ]18:‬فيحرص طلب العلم والعلماء والدعاة وكل مؤمن موحد على التوحيد وينبغي أن يغار‬
‫عليه‪ ،‬الدهد جاء إل سليمان وقد غار حينما رأى أهل الشرك يعبدون الشمس‪ ،‬وهو حيوان جاء طائرا‬
‫يطي بناحيه‪ ،‬غار على التوحيد واليان‪ ،‬والسماوات والرض والبال تكاد تنهد وتندك إذا دعي ل‬
‫خ َذ وَلَدا * إِنْ‬
‫الولد لو أذن لا لندت واندكت أَ ْن دَ َعوْا لِلرّحْ َم ِن وَلَدا * وَمَا يَنَْبغِي لِلرّحْ َم ِن أَ ْن يَتّ ِ‬
‫ض إِلّا آتِي الرّحْ َمنِ َعبْدا * َل َقدْ َأحْصَا ُهمْ وَ َعدّ ُهمْ َعدّا [مري‪-91:‬‬
‫ُك ّل َمنْ فِي السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫‪ُ ]94‬سبْحَانَ ُه َوَتعَالَى‪ ،‬فإذا كانت البال تنهد غيةً على التوحيد واليان‪ ،‬فكيف بقلب الؤمن الذي‬
‫ياف ال ويرجو رحته‪ ،‬فإنه أول وأحرى‪ ،‬وبي له بالت هي أحسن أولً أن يكون عندك علم وتقول‪:‬‬
‫هذا ل يوز وهذا شرك وهذا يرج العبد من السلم‪ ،‬قد يكون بي الرجل والشرك كلمة واحدة‬
‫يستغيث فيها بغي ال ويستجي فيها بغي ال والعياذ بال‪ ،‬وقد تكون منه فعلة واحدة ترجه من ربقة‬
‫ح فِي َمكَا ٍن سَحِيقٍ‬
‫السلم فيشرك بال َف َكأَنّمَا َخرّ ِم َن السّمَا ِء فََتخْ َط ُفهُ الطّ ْي ُر أَ ْو َتهْوِي ِبهِ الرّي ُ‬
‫‪11‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫[الج‪ ]31:‬نسأل ال السّلمة والعافية‪ ،‬فيحرص النسان على توجيه هؤلء‪ ،‬وكثي من هؤلء ل‬
‫يفقهون ول يعلمون‪ ،‬فهم أتباع كل زاعق وناعق كما أخب النب ‪ e‬يكبهم ف نار جهنم‪ ،‬فالواجب‬
‫نصيحتهم ودللتهم إل الي‪ ،‬لكن ينبغي أن يرص على الكلمة الطيبة والتوجيه الؤثر وبالت هي أحسن‬
‫ما أمكن‪ ،‬فإن ال ُسبْحَانَ ُه َوتَعَالَى قد ينقذ بك بكلمة عبدا من النار‪ ،‬فيكون ذلك أعظم لجرك وأتقى‬
‫ل َتعَاَلَى َأعْلَم ‪.‬‬
‫لربك‪ ،‬وا ُ‬

‫التلبية شعار التوحيد‬


‫السؤال‪ :‬كثي من الجاج ل يستشعر فضل وأثر التلبية والتكبي ف الشاعر حت تكاد ل تسمع صوتا‬
‫مرتفعا با إل ما شاء ال‪ ،‬فهل من كلمة توجيهيه لن أراد الج حول هذا الشيء؟‬
‫الواب‪ :‬التلبية شعار التوحيد‪ ،‬ولذلك قال جابر بن عبد ال رضي ال عنهما‪( :‬أَهَلّ رسول ال ‪e‬‬
‫بالتوحيد‪ :‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ل شريك لك لبيك‪ ،‬إن المد والنعمة لك واللك ل شريك لك)‪.‬‬
‫ل إله إل ال اجتمعت ف لبيك اللهم لبيك؛ لن لبيك اللهم لبيك إثبات‪ ،‬ولبيك ل شريك لك لبيك‬
‫نفي‪ ،‬فلبد أن تثبت ل عَ ّز َوجَلَ ما أثبت لنفسه‪ ،‬وأن تنفي عن كل شيء سواه‪ ،‬ذلك الشيء الذي أثبته‬
‫شرِكُوا ِبهِ شَيْئا [النساء‪ ]36:‬فهذا جاع كلمة‬
‫له عَ ّز وَجَلَ‪ ،‬ولذلك قال تعال‪ :‬وَاعُْبدُوا اللّ َه وَل ُت ْ‬
‫الخلص النفي والثبات‪ ،‬فكلمة لبيك اللهم لبيك عهد بي الاج وربه‪ ،‬قيل لبيك‪ :‬من ألب ف الكان‬
‫إذا أقام‪ ،‬كأنه يقول‪ :‬أنا مقيم على طاعتك وتوحيدك إقامة بعد إقامة‪ ،‬وقيل‪َ :‬لبَ من لُب الشيء‬
‫وخالصه‪ ،‬أي إخلصي وتوحيدي لك يا أل إخلصا بعد إخلص؛ لن كل عبادة تتبع الخرى‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫لبـى إذا واجه الشيء‪ ،‬فتقول‪ :‬داري تلب بدارك‪ :‬أي تواجهها‪ ،‬فكأنه يقول‪ :‬وجهي وقصدي ووجهت‬
‫كلها إليك يا أل‪ ،‬وجهة بعد وجهة‪ ،‬فهو يتجه إل ال ف الطواف‪ ،‬ث بعده ف الصلة‪ ،‬ث بعده ف‬
‫السعي بي الصفا والروة ‪ ،‬ث بعده ف الشاعر كلها‪ ،‬من مشعر إل مشعر يتجه إل ربه ُسبْحَانَ ُه َوتَعَالَى‪.‬‬
‫فكلمة التلبية تدل على التوحيد والخلص‪ ،‬لبد أن يستشعر معناها‪ ،‬والعلماء رحهم ال قرروا أن‬
‫العبادة إذا تلفظ با النسان إذا كانت قولية من الذكر القول فيتلفظ به النسان ل يعي معناه ول يتدبر‬
‫ذلك العن‪ ،‬ول يقوله من قلبه‪ ،‬فإن ذلك ل ينفعه تام النفع‪ ،‬ولذلك لبد أن يتدبر النسان معن التوحيد‬
‫ف التلبية‪ ،‬وإذا قلنا‪ :‬إن التلبية من لب‪ :‬بعن أجاب‪ ،‬فإنه يقول‪ :‬أنا ميب لك يا أل‪ ،‬إجابة بعد إجابة؛‬
‫لن ال أمر إبراهيم أن ينادي بالج‪ ،‬فكل معان التلبية تدور حول الطاعة والعبودية والخلص ل‬

‫‪12‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى‪ ،‬ليستشعر العبد معن (لبيك اللهم لبيك) وكذلك قوله‪( :‬لبيك ل شريك لك لبيك) أمر‬
‫مهم جدا‪ ،‬فالذي ل يبأ من الشرك ويرضى بالشرك ‪-‬والعياذ بال‪ -‬يكون له حكم أهله والعياذ بال ‪.‬‬
‫(إن المد) فالمد كله أوله وآخره‪ ،‬ظاهره وباطنه‪ ،‬سره وعلنيته ف الدنيا والخرة ل جَلّ جَللُهُ‪،‬‬
‫ولذلك استفتح ال المور بمده‪ ،‬فاستفتح أحبها وأشرفها إليه وهو كتابه ورسالته‪ ،‬فقال‪ :‬الْحَ ْمدُ لِلّهِ‬
‫ح ْمدُ لِ ّلهِ َربّ‬
‫حقّ َوقِيلَ الْ َ‬
‫َربّ اْلعَالَ ِميَ [الفاتة‪ ]2:‬وختم الخرة كلها‪ ،‬فقال‪َ :‬وقُضِ َي بَيَْنهُ ْم بِالْ َ‬
‫الْعَالَمِيَ [الزمر‪ ]75:‬فلله المد ف الول والخرة‪ ،‬وله المد عشيا وإبكارا‪ ،‬وله المد سرا‬
‫وجهارا‪َ ،‬تبَا َركَ اسه‪ ،‬وتقدست أساؤه‪ ،‬ول إله غيه‪( .‬والنعمة لك) النعمة كلها ل والفضل كله له‪ ،‬فإذا‬
‫لبـى السلم بذه التلبية واستشعر فيها هذا العن وأنه يعتقد أن الفضل كله ل وليس لحد سواه‪،‬‬
‫ولذلك قال ال تعال‪ :‬وَمَا بِ ُك ْم ِمنْ ِنعْ َمةٍ فَ ِمنَ ال ّلهِ [النحل‪ ]53:‬فال هو صاحب النعمة وموليها‪،‬‬
‫صلّى ا ُ‬
‫ل‬ ‫وكذلك أيضا بالنسبة لبقية أذكار الج‪ .‬وينبغي بالنسبة للتلبية رفع الصوت با‪ ،‬ولذلك كان َ‬
‫عََليْهِ َوسَلّ َم يأمر أصحابه كما ف الصحيح تقول‪( :‬لبيك اللهم) ترفع با صوتك‪ ،‬فإذا سع صوتك وأنت‬
‫تلب الجر والشجر والدر شهد لك بي يدي ال جَلّ جَللُهُ‪.‬‬
‫قال ‪( : e‬إن أراك تب الغنم والبادية‪ ،‬فإذا كنت ف غنمك وأنت وحيد فأذن وارفع صوتك‪ ،‬فإنه ل‬
‫يسمع صوتك جن ول إنس ول حجر ول مدر إل شهد لك يوم القيامة) كذلك إذا لبيت فإن الرض‬
‫تشهد وف سنن ابن ماجة أن النب ‪ e‬قال‪( :‬إذا لبـى السلم لبـى ما عن يينه ويساره من حجر‬
‫وشجر ومدر حت تنقطع الرض) كله يلبـي‪ ،‬هذا الماد يب ذكر ال جَلّ جَللُهُ‪ ،‬ولذلك ينبغي‬
‫للمسلم أن يكثر من هذه التلبية‪ ،‬وأن يرفع با الصوت‪ .‬نسأل ال العظيم أن ييي بنا هذه السنة‪ ،‬وأن‬
‫يعيننا على تطبيقها‪ ،‬ول يستحي النسان‪ ،‬فالتاجر يصيح ف تارته بمسة بعشرة ‪ ..‬بعشرين‪ ،‬ول يس‬
‫أن ف ذلك غضاضة؛ بل يتشرف ويفتخر بذلك‪ ،‬فكيف بن يتاجر تارة الخرة‪ ،‬فكيف بن ينطق‬
‫بكلمة ل أصدق منها وهي كلمة التوحيد وما دل عليها‪ ،‬فلذلك ل ينبغي للنسان أن يستحي أو يجل‬
‫من الناس‪ ،‬فإذا كنت بي قوم غافلي فارفع با صوتك واعتز بدينك وربك‪ ،‬ينبغي للمسلم أن تكون فيه‬
‫المية والقوة‪ ،‬لكن القوة ببصية‪ ،‬والقوة بالرحة الت جاء با رسول ال ‪ ، e‬فل يستحي النسان ول‬
‫يستنكف عن هذه الشياء بل هي عزة له ورحة‪ ،‬نسأل ال العظيم أن يعلنا وإياكم ذلك الرجل‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫التوحيد ف الج‬

‫عتق ال رقاب الجاج يوم عرفة‬


‫السؤال‪ :‬هل يوم عرفة للحاج فقط من ناحية الغفرة والعتق من النار‪ ،‬أم هو لعموم الناس على وجه‬
‫العمورة وخاصة السلمي إذا تقيدوا بتعاليم الدين السلمي؟‬
‫الواب‪ :‬باسم ال‪ ،‬والمد ل‪ ،‬والصلة والسلم على رسول ال‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن واله‪ .‬أما‬
‫بعد‪ :‬فإن النب ‪ e‬قال‪( :‬ما من يوم أكثر من أن يعتق ال فيه من النار من يوم عرفة) وهذا اللفظ من‬
‫العهود ف سنة النب ‪ e‬يعتب لفظا مطلقا‪ ،‬وتارة تأت السنة باللفظ الطلق وتريد التقييد‪ ،‬ويكون التقييد‬
‫بالعروف والعهود‪ ،‬فكأنه حينما قال‪ :‬من يوم عرفة مراده بذلك الجاج الذين هم وقوف بيوم عرفة‬
‫أي‪ :‬أن ال ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى يعتق رقابم من النار‪ ،‬فهذا يدل على أن الفضل متص بن وقف بـعرفة ول‬
‫يتنع؛ لن ال سُبْحَانَهُ َوَتعَالَى يعتق رقبة النسان من النار بشيء غي هذا‪ ،‬فال على كل شيء قدير‪ .‬ال‬
‫سبحانه وتعال قد يعتق رقبة النسان بصدقة واحدة‪ ،‬وقد يعتق رقبة النسان بدمعة واحدة يدمعها من‬
‫خشية ال عَ ّز وَجَلَ‪ ،‬وقد يعتق رقبة النسان بكلمة طيبة بر فيها أمه أو بر فيها أباه‪ ،‬فال على كل شيء‬
‫قدير‪ .‬ولذلك قال النب ‪( : e‬اتقوا النار ولو بشق ترة) نصف ترة قد تكون وقاية لك من النار‪ .‬وف‬
‫الصحيح أن امرأة دخلت على عائشة رضي ال عنها تمل صبيتي‪ ،‬فأعطتها عائشة ثلث ترات‪،‬‬
‫فأعطت كل صبية ترة ث أخذت التمرة الثالثة تريد أن تأكلها فاستطعمتها إحدى البنتي هذه التمرة‪،‬‬
‫قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬فأخذت هذه السكينة الرملة التمرة وأعطتها لبنتها وآثرتا على نفسها‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فعجبت من صنيعها‪ ،‬فلما دخل عليها رسول ‪ e‬أخبته خبها‪ ،‬فقال لا ‪( : e‬أتعجبي ما‬
‫صنعت! إن ال حرمها على النار بتمرتا تلك) ترة واحدة‪ ،‬هذا فضل عظيم لو جاء النسان يتفكر‬
‫ويتدبر ف عظمة هذا الرب الكري الواد‪( : e ،‬النة أدن للعبد من شراك نعله والنار مثل ذلك)‪ .‬أي‪:‬‬
‫إذا اتقى ال وأحبه وأخلص ل ووحده وأطاعه‪ ،‬فإن ال سبحانه وتعال يجبه عن النار‪ ،‬فالعتق من النار‬
‫‪-‬قيل‪ :‬إن هذا اللفظ مطلق وقيد على أت وجوهه وأكرمه‪ ،‬ول شك أنه للحجاج على أت الوجوه‬
‫وأكملها‪ ،‬لكن ل يبعد أن ال سبحانه وتعال يعتق ف يوم عرفة غي الجاج؛ لن فضل ال سبحانه‬
‫وتعال ل ينحصر بيوم عرفة ول يقتصر على يوم عرفة بل يده سخاء الليل والنهار ل تغيظها نفقة‪،‬‬
‫ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى يفرح بتوبة التائبي‪ ،‬جَلّ جَللُهُ‪ ،‬وتقدست أساؤه‪ ،‬وال تعال أعلم‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫حكم ترك تقبيل الجر السود‬
‫السؤال‪ :‬أنا ذاهب إل الج والعمرة ولكن ل أُقبّل الجر السود‪ ،‬والذي ينعن من ذلك شدة الزحام‬
‫فما رأي فضيلتكم ف ذلك؟‬
‫الواب‪ :‬اترك المور بالتساهيل‪ ،‬فالنسان ل يقول من البداية‪ :‬ل أُقبّل‪ ،‬أي شيء من السنن غي الواجبة‬
‫إذا ترتبت عليه مفسدة أو ترتبت عليه مضرة‪ ،‬وما أمكن أن تطبق إل بذه الفاسد والضرار فتترك؛ لنه‬
‫ليس بواجب‪ ،‬لكن ل تقل هكذا من البداية ل أُقبّل الجر‪ ،‬قل‪ :‬إن شاء ال‪ ،‬فإن ال ييسر ويسهل‪ .‬فإن‬
‫استطعت أن تقبله ولو كان عليه زحام دون أن تؤذي أحدا ودون أن تضر بأحد‪ ،‬حت تتمكن من الجر‬
‫فهذا فضل عظيم‪ ،‬وإذا ل يتيسر إل بأذية وإضرار فل يكلف ال نفسا إل وسعها‪ ،‬ول يكن أن يعصى‬
‫ال من حيث يطاع‪ ،‬ولذلك ل يقبل الجر إذا كانت هناك أضرار ومفاسد أو فت‪ ،‬بل على النسان أن‬
‫يتق ال ما استطاع إل ذلك سبيلً‪ .‬ومن ترك التقبيل لعذر فإن ال يكتب له أجر التقبيل‪ ،‬لنك تركت‬
‫التقبيل خوف الفتنة‪ ،‬فال يكتب لك أجر من قبل؛ لن عندك العذر‪ ،‬وال سبحانه وتعال يكتب الثواب‬
‫عند وجوده‪ ،‬وال تعال أعلم‪.‬‬

‫فضيلة إنفاق الاج على نفسه وجواز إنفاق الغي عليه‬


‫السؤال‪ :‬داعية طلبت من إحدى الملت أن تكون مشرفة معهم ف هذه الملة‪ ،‬وتقول‪ :‬إنا رصدت‬
‫مبلغا من الال لج هذا العام وقد عرضوا عليها أن تج معهم مانا‪ ،‬فما هو الفضل أن تج معهم بالا‬
‫هذا أم تستخدمه ف شيء آخر نافع؟ الواب‪ :‬أسأل ال العظيم أن يعظم أجر الخت السائلة وأمثالا من‬
‫الصالات نسبهن ول نزكيهن على ال‪ ،‬فل تزال المة بي مادام فيها النساء الصالات‪ ،‬وف النساء‬
‫خي كما ف الرجال‪ ،‬ولشك أن ال ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى وعد بالجر الؤمني والؤمنات‪ ،‬وأثن ف كتابه‬
‫على الصالي والصالات‪ ،‬وزكى من فوق سبع ساوات قلوبا خشعت له ُسبْحَانَهُ من الؤمنات‬
‫ظ ال ّلهُ [النساء‪ ]34:‬فشهد ال من فوق سبع ساوات‬
‫ت لِ ْلغَيْبِ بِمَا َحفِ َ‬
‫ت قَانِتَاتٌ حَافِظَا ٌ‬
‫فَالصّالِحَا ُ‬
‫أنن صالات وقانتات وحافظات‪ ،‬فهذا فضل عظيم على المة أن يوجد ف نسائها من ياف ال ويتقيه‬
‫خاصة ف هذه الزمنة‪ ،‬فنسأل ال العظيم أن يكثر من أمثالا ‪.‬‬
‫أما المر الثان أخت السائلة‪ :‬فالروج إل الج مع الرفقة الصالة من الرجال والنساء معونةٌ على ذكر‬
‫ال وطاعته‪ ،‬وإذا طُلب منك أن تجي فل تجي إل بالك ول تؤثري غيك بالنفقة‪ ،‬فإذا كنت ف حلة‬
‫فقول لتلك الملة‪ :‬أدفع كما يدفع غيي‪ ،‬ول تعل الداعية ول يعل الداعي ول طالب العلم أجر علمه‬

‫‪15‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫ونصحه أن يركب معهم فيطعم من طعامهم ويأكل من أكلهم‪،‬ل‪ ،‬إنا يعل أجره ل والدار الخرة‪:‬‬
‫ُقلْ مَا سََألُْتكُ ْم ِمنْ َأ ْجرٍ َف ُهوَ لَ ُكمْ [سـبأ‪ ]47:‬وقال ال عن أنبيائه‪ :‬وَمَا أَ ْسَألُ ُكمْ عَلَ ْي ِه ِمنْ َأ ْجرٍ إِنْ‬
‫ي إِلّا عَلَى َربّ اْلعَالَ ِميَ [الشعراء‪ ]109:‬فأجر كل من يدعو إل ال على ال سبحانه وتعال‪،‬‬
‫أَ ْجرِ َ‬
‫فأوصيكِ أن تقول لم‪ :‬إما أن أدفع كما يدفع غيي‪ ،‬وأنت إذا قلتِ لم ذلك إن شاء ال سيعينونك‬
‫على هذا الي‪ ،‬وأما بالنسبة للمبلغ الذي رصدتيه وأنت تنوين الي والب‪ ،‬فكما ذكرنا تبدئي بنفسك‬
‫وترصي على أن يكون هذا الي لك‪ ،‬لنه ل إيثار ف القربات‪ ،‬وتجي معهم‪ ،‬إذا كان ذلك يعينك‬
‫على الي والب وفيه معونة للغي على الي‪ ،‬نسأل ال العظيم أن يتقبل من الميع‪ ،‬وال تعال أعلم‪.‬‬

‫حج الرأة بدون مرم مسافة القصر‬


‫السؤال‪ :‬ما حكم حج الادمة ف النل الذي ل يوجد معها مرم‪ ،‬وهل من استقدم هذه الادمة يكون‬
‫ف مل الحرم لا‪ ،‬وهل حجها صحيح إذا حجت‪ ،‬أفيدونا حفظكم ال ؟‬
‫الواب‪ :‬الصل الشرعي الذي دل عليه حديث ابن عمر رضي ال عنهما ف الصحيح أنه ل يوز للمرأة‬
‫أن تسافر ل للحج ول لغيه إل بحرم؛ لن النب ‪ e‬قال‪( :‬ل يل لمرأة تؤمن بال واليوم الخر أن‬
‫تسافر مسية يوم إل ومعها ذو مرم) فل يوز للمرأة أن ترج من دون مرم‪ .‬وف الديث الصحيح أن‬
‫رجلً جاء إل رسول ال ‪ ، e‬فقال‪( :‬يا رسول ال ! إن اكتتبت ف غزوة كذا وكذا‪ ،‬وإن امرأت‬
‫انطلقت حاجّة‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬انطلق فحج مع امرأتك) ل بد ف حج الرأة من مرم ول‬
‫تسافر إل ومعها ذو مرم‪ ،‬لكن لو كانت الادمة ف مكة‪ ،‬فليس بسفر؛ لن الشاعر ف مكة‪ ،‬لذلك‬
‫يوز ف هذه الالة أن تكون مع رفقة مأمونة يأخذها مع زوجته أو مع أخواته متشمة مافظة‪ ،‬هذا ل‬
‫بأس به؛ لنه ليس بسفر إذا كانت ف مكة‪ ،‬وإذا كان دون مسافة القصر من الرم كما هو مقر ف‬
‫الصل الشرعي‪ ،‬وال تعال أعلم‪.‬‬

‫حكم حج الرجل عن الرأة والعكس‬


‫السؤال‪ :‬طلب من أحد الخوان الج عن زوجته التوفية وهو قادر للحج عن نفسه حجة السلم‪،‬‬
‫وللعلم فإن كنت قد نويت الج هذا العام فما حكم ذلك؟ وماذا يلزمن عند النية عندما أريد النسك‬
‫إذا حججت عنها؟ أفيدونا جزاكم ال خيا‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫الواب‪ :‬إذا كان الزوج ل يج عن نفسه وسأل رجلً أن يج عن امرأته فل بأس‪ ،‬يوز للرجل أن يج‬
‫عن امرأة ويوز للمرأة أن تج عن الرجل‪ ،‬وف الديث‪( :‬أن امرأة قالت‪ :‬يا رسول ال! إن فريضة ال‬
‫ف الج أدركت أب شيخا كبياًَ ل يستقيم على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال‪ :‬نعم حجي عنه) كما ف‬
‫الصحيح ف حديث الثعمية‪ .‬فقوله‪( :‬حجي عنه) فهو رجل وهي امرأة فدل على أنه يوز أن يكون‬
‫الوكيل رجلً عن امرأة‪ ،‬وامرأة عن رجل‪ ،‬فل بأس أن يج سواءً كان أجنبيا أو كان قريبا ل بأس‬
‫بذلك‪ ،‬ولشك ‪-‬إن شاء ال‪ -‬أنك لو حججت عن امرأته ونويتها عن حجتها الت هي فرض عليها إن‬
‫كانت قصرت وضيعت ووجب عليها الج وحججت عنها‪ ،‬فهذا لشك أنه من التعاون على الب‬
‫والتقوى‪ ،‬ويكون زوجها إذا ل يج عن نفسه حجته تلك عن نفسه‪ ،‬فتبأ ذمة اليت التوف‪ ،‬وال تعال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫من انتقل من ميقاته إل ميقات آخر أحرم من الثان‬


‫السؤال‪ :‬رجل يعمل ف مدينة الرياض وأهله ف منطقة تامة‪ ،‬وأراد أن يج هو وأهله هل يرم من‬
‫ميقات أهل ند أم يرم من يلملم؟ أفيدونا أفادكم ال‪.‬‬
‫الواب‪ :‬إذا ذهب الشخص من الرياض إل جهة النوب‪ ،‬ما دام أنه وراء اليقات الذي هو يلملم ‪ ،‬فإنه‬
‫يوز أن يسافر من الرياض إل جهة النوب‪ ،‬ويقضي جيع حوائجه ث يرم من ميقات النوب‪ ،‬لن‬
‫سفرته من النوب إل مكة هي سفرة النسك‪ ،‬وسفرته الول من الرياض إل النوب سفرة حاجة‪.‬‬
‫مثلً‪ :‬لو أنه سافر إل الباحة أو سافر مثلً إل أبا فإنه ف هذه الالة ينتقل من ميقات الشرق إل ميقات‬
‫النوب‪ ،‬لن الواقيت على الهات الشمال مع الغرب‪ ،‬والشمال الحض‪ ،‬والغرب الحض‪ ،‬والشرق‬
‫الحض‪ ،‬فلذلك جعل النب ‪ e‬كما ف الصحيحي من حديث ابن عباس رضي ال عنهما‪( :‬وقت صَلّى‬
‫ل عََليْ ِه َوسَلّمَ لهل الشام الحفة ولهل الدينة ذا الليفة ‪ ،‬ولهل ند قرن النازل ‪ ،‬ولهل اليمن‬
‫اُ‬
‫يلملم‪ ،‬وقال‪ :‬هن لن ولن أتى عليهن من غي أهلهن من أراد الج والعمرة) ‪.‬‬
‫فهذه مواقيت جعلت على حسب الهات؛ فإذا جاء من جهة الشرق وقصد الغرب أو قصد النوب أو‬
‫قصد الشمال خارجا عن حدود الواقيت فحينئذٍ يؤخر إحرامه إل اليقات الثان‪ ،‬ول يرم من اليقات‬
‫الول‪ ،‬وعلى هذا ل يلزمه أن يرم من السيل‪ ،‬وإنا يرم من يلملم إذا كان ير با وحاجته‪ ،‬وهكذا إذا‬
‫كان من أهل الدينة وكانت عنده حاجة ف ينبع‪ ،‬فإن ينبع ساحلية وميقاتا ميقات أهل الغرب والشام‬
‫فيحرم من رابغ‪ ،‬ولذلك ثبت ف الصحيح من حديث أب قتادة أنه خرج من الدينة مع السرية الت بعثها‬

‫‪17‬‬
‫التوحيد ف الج‬
‫النب ‪ ، e‬وقال‪( :‬خذوا ساحل البحر) فأخذوا ساحل البحر فأحرموا كلهم إل أبا قتادة ل يرم وأخر‬
‫إحرامه إل رابغ وهي الحفة؛ لنه عندما ذهب إل الساحل أصبح ميقاته ميقات أهل الساحل‪ ،‬واختار‬
‫الصحابة الفضل فأحرموا من ذي الليفة‪ ،‬وأخر أبو قتادة إل مل الجزاء‪ ،‬فدل على أن من انتقل من‬
‫ميقات إل ميقات أو سافر سفرا إل ميقات آخر أخذ حكم أهله وألغى حكم اليقات الول‪ ،‬وال تعال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪18‬‬

You might also like