Professional Documents
Culture Documents
تأليف
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
2
مقدمـــــــــــة
4
مقدمـــــــــــة
ْ ال َْر
ث" ]يوسف ،[21 :وقال
ُ َ حاِدي ِ ل ال َ وي ِ من ت َأ ِ ه ِ م ُ عل ّ َ ول ِن ُ َ ض َ ِ
ث
حي ْ ُها َ من ْ َ وأ ِ ض ي َت َب َ ّ في الْر ِ ف ِ س َ مك ّّنا ل ُِيو ُ ك َ وك َذَل ِ َ تعالىَ + :
شاءُ] "...يوسف.[56 : يَ َ
فإذا تأملت في اليتين تلحظ أن الية الولى أشارت للتمكين
الجزئي ليوسف عليه السلم ،والية الثانية للتمكين الكلى في
حقه ،كما نجد أن القرآن الكريم أشار َإلى أسباب التمكين
عُتم ست َطَ ْ ما ا ْ م ّ ه ْ دوا ل َ ُ ع ّ وأ ِ المعنوية والمادية في قوله تعالىَ + :
ل" ]النفال ،[60 :وأشار القرآن الكريم ِ خي ْ ط ال ْ َ من ّرَبا ِ و ِ ة َ و ٍ ق ّ من ُ ّ
مُنوا آ
ُ َ ِ َ َ ن ذي ّ ل ا ه الل د
َ َ ع
َ و + تعالى: قوله في التمكين شروط إلى
ماض كَ َ في الْر ِ م ِ ه ْ فن ّ ُ خل ِ َ ست َ ْ ت ل َي َ ْ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ ع ِ و َ م َ َ من ْك ُ ْ ِ
ذي م ال ِ ّ ُ ُ ه َ ن دي ِ م هّ َُ ل ن َ ن ّ ك م ُ ي َ ل و م ه ِ ل ْ ب َ
ق من ِ ن َ ذي ِ ّ ل ا ف َ ل خ ْ َ ت س ا ْ
دون َِني ل َ ب ع ي ناً م م ْأ َ ه فِ و خ َ
ِ ْ َ َ
د ع ب من هم ّ نَ ل د ب ي َ ل و م ه َ ل ضى َ َ ت اْر
َ ْ ُ ُ ْ ِ ْ ْ َ ْ ِ ّ ُ ْ َ ُ َ ّ ُ
بي شي ْئا"]النور.[55 : ً َ ن ِ ركو َ ُ ي ُش ِ ْ
وأشار القرآن الكريم إلى مراحل التمكين في قصة بني
إسرائيل من زمن موسى عليه السلم إلى العصر الذهبي في
زمن داود وسليمان عليهما السلم.
ن
ذي َ أهداف التمكين في قوله تعالى+ :ال ّ ِ في ال َرض أ َ
وأشار القرآن إلى
ة
كا َ وا الّز َ َ ُ َ ت وآ َ ة َ ل صّ ال موا ُ قا َ ْ ِ م ِ ه ْ مك ّّنا ُ إن ّ
ر"]الحج ,[41 :كما أشار َ ْ ْ ِوأ َ
من ْك ِ ن ال ُ ِ ع
َ وا ْ ه
َ َ ن وَ فِ رو ُ ع
ْ م َ ل با ِ روا ُ م َ َ
القرآن الكريم إلى سيرة بعض المصلحين من النبياء والمرسلين
وبين صفاتهم التي أهلتهم إلى أن أكرمهم الله بالتمكين كيوسف
ول َ شاءُ َ من ن َ َ مت َِنا َ ح َ ب ب َِر ْ صي ُ السلم ،قال تعالى+ :ن ُ ِ عليه
ن" ]يوسف.[56 : ْ َ
سِني َ ح ِ م ْ جَر ال ُ عأ ْ ضي ُ نُ ِ
فْر ِلي غ ِ با ْ وكسليمان عليه السلم في قوله تعالىَ + :ر
ب ْ ك َّ َ كا ل ّ َينب َ ِ مل ْ ً
ها ُ و ّ َ ل ا تَ َ أن دي إ ِن ّ ع ِ من ب َ ْ د ّ َ ح ٍ غي ل َ ب ِلي ُ ه ْ و َ َ
ب "...إلى َ َ صا أ ث ُ ي
ً َ ْ ح ء خا َ ر ه
ِ ْ َِ ِ َ ُ ر م أ ب ري ج
ّ َ َ َ ْ ِ ت ح ري ال ه
ُ َ ل نا َ ْ َ ر خّ س فَ
ب" ]ص: سا ٍ ح َ ر ِ غي ْ ِ ك بِ َ س ْ م ِ وأ ْ نأ ْ من ُ ْ فا ْ ؤَنا َ عطا ُ ذا َ ه َ أن قالَ + :
.[40 -36
وأشار القرآن الكريم إلى تمكين الله لذي القرنين وصفاته
ه َ
مك ّّنا ل ُ الربانية َوشكره لله على نعمة التمكين ،قال تعالى+ :إ ِّنا َ
سب ًَبا"]الكهف ،[84 :وقال ء َ ي ٍش ْ ل َ من ك ُ ّ وآت َي َْناهُ ِ ض َ في الْر ِ ِ
ة و ُ
ق ب ني نو
ِ ُ ِ عي َ أفَ ر ي خ
َ بي ر ه في ني ّ ك م ما َ
ل َ
قا + تعالى:
ِ ّ ٍ ْ ٌ ِ ِ َ ّ َ َ ّ َ
ما"]الكهف.[95 : م َردْ ً ه ْ وب َي ْن َ ُ
م َ ل ب َي ْن َك ُ ْع ْ ج َ أ ْ
التمكين ،قال تعالى: الكريم إلى صفات جيل وأشار القرآن
عَلىة َ عّز ٍ ن أَ ِ َ ني ِ م
ِ ْ
ؤ م
ُ ْ ل ا لى َ ع
َ ة
ٍ ّ لذِ
بون َه أ َ
ُ ح ّوي ُ ِ م َ ه ْ حب ّ ُ
+ي ُ ِ
ةم َ و
َ ْ َ َ ل ن فوُ خا
َ َ ي َ ل و
ِ َ ه الل ل
َ ِ ِ بي س في كا ِ ِ َ ُ َ ِ ُ َ ِ
ن دو ه جا ي ن ري ف ال ْ َ
لئ ِم ٍ" ]المائدة.[54 :
5
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
6
مقدمـــــــــــة
7
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
8
مقدمـــــــــــة
9
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
تمهيـــــــد
هذا تمهيد مختصر يعطى نبذة موجزة عن المصطلحات
المتعلقة بعنوان البحث:
ل :الفقه :له معنيان ،معنى لغوي ،ومعنى اصطلحي. أو ً
أ -والمعنى اللغوي فيه ثلثة أقوال:
ضا للمتكلم أم لغيره، -1الفقه :مطلق الفهم سواء كان غر ً
وهذا الذي عليه أئمة اللغة ،واستدلوا له بما ورد في القرآن
َ ؤل ِ ْ ه ُ الكريم مثل قوله تعالى في شأن الكفارَ + :
ء ال ْ ِ
م و ق ما ل ِ َ ف َ
ل َ يَ َ
ديًثا" ]النساء ،[78 :ومثل قوله تعالى على ح ِ ن َ هو َ ق ُف َن يَ ْ دو َ كا ُ
ل" قو ُ ما ت َ ُ م
ُ ِ ً ّ ّ را ثي َ ك ه َ
ق ْ
ف ن
َ َ ما + السلم: عليه شعيب قوم لسان
]هود [91 :فيستفاد ويفهم من الية الولى أن فهم أي حديث ولو
حا سمي فقًها ،ويفهم من الية الثانية أن قوم شعيب كان واض ً
)(1
عليه السلم كانوا يفهمون بعض كلمه.
ء إ ِل ّي ٍ ش ْ من َ وِإن ّ ضا قوله تعالىَ + : ويدل على ذلك أي ً
م" ]السراء،[44 : ه ح
ْ ِ َ ُ ْ بي س َ ت ن
َ هوُ قَ فْ َ ت ّ ل كن ول َ ِه َد ِ م ِ
ح ْح بِ َ سب ّ ُيُ َ
ة د
ُ َ ً ْ
ق ع ْ
ل ُ ل ح
َ ْ وا + السلم: عليه موسى لسان على تعالى وقوله
لي" ]طه.[28 ،27 : و ِق ْ هوا َ ق ُ ف َساِني ي َ ْ من ل ّ َ ّ
)(2
وقوله ×» :من يرد الله به خيًرا يفقهه في الدين«.
-2الفقه :هو فهم غرض المتكلم من كلمه سواء كان الغرض
ضا للمتكلم فقًها حا أم غير واضح ،فل يسمى فهم ما ليس غر ً واض ً
كفهم لغة الطير مثلً.
-3الفقه :هو فهم الشياء الدقيقة ،فل يقال فقهت أن السماء
فوقنا والرض تحتنا) ،(3وهذا مردود بما قاله أئمة اللغة :إن الفقه
هو مطلق الفهم ،وامتناع قولهم فقهت السماء والرض إنما هو
من ناحية أن الفقه يتعلق بالمعاني ل بالمحسوسات ،والسماء
والرض من قبيل المحسوسات.
والراجح من هذه المعاني هو المعنى الول للفقه ،الذي هو مطلق
الفهم ،ويقال فقه بكسر القاف :أي فهم ،وف َهُق َبالضم :صار الفقه له
)(4
قه َ بالفتح :سبق غيره إلى الفهم. سجية وملكة،ف َو
1
)( انظر :لسان العرب لبي الفضل جمال الدين بن منظور )ج 11كتاب الهاء
فصل الفاء.(522 /
2
)( البخاري ،كتاب العلم ،باب من يرد الله به خيًرا يفقهه في الدين ) (1/30رقم
.71
3
)( شرح السنوي )ج ،(1/15أصول الفقه لبي النور زهير).(1/6
10
تمهيـــــــــــــــد
11
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)(2
وفقه المام الشافعي),(1
وفقه المام مالك ,وفقه المام أبى حنيفة
وهكذا).(3
ثانًيا :التمكين في اللغة والصطلح:
أ -التمكين في اللغة:
كن( ّالذي يتكون من الحروف )م ،ك ،ن( ومنه مصدر الفعل )َم
كن فلن من نه(ك َ َمنه بمعنى استمكن الرجل من الشيء ،وتم ّ )أْم
)(4
كنه( النهو ض أي ل يقدر عليه. م ِ الشيء ،وفلن ل )ي ُ ْ
كنة منم ِ م)5ك( َِنة تقول العرب :إن بنى فلن لذو َ ومن التمكين ال َ
كن .وتسمى العرب موضع الطير مكنة لتمكن السلطان أي تم ّ
الطير فيه ) ,(6والمكانة عند العرب هي المنزلة عند الملك ،والجمع
مكين ،والجمع ة فهو َ مكان ً كن َم ُمكانات ،ل يجمع جمع تكسير ،وقد َ
كن. كن -تم ّ مكَناء ,وُنم ّ ُ
ً )(7
ل الرفع والنصب والجر لفظا. والمتمكن من السماء :ما قبِــ َ
فالتمكين في اللغة :سلطان وملك.
ل في قوله تعالى عن ذي القرنين: ج ّ
عَّز وَ َ وقد أشار المولى
َ
سب ًَبا"َ ء
ٍ يْ شَ ّ
ل ُ ك من
ِ ه نا
َ يَ
ْ ِ َ ْ ُتوآ ض ر لا في مك ّّنا ل َ ُ
ه ِ +إ ِّنا َ
]الكهف.[84 :
والمعنى :أن الله مكن لهذا العبد الصالح في الرض ،فأعطاه
سلطاًنا قوًيا ،ويسر له كل السباب التي تدعم هذا السلطان،
وأعطاه من كل شيء مما يحكم السلطان ويقويه ،وكذلك الشأن
في حديث القرآن الكريم ،عن نبي الله يوسف بن يعقوب ،عليهما
مك ّّنا
ك َ وك َذَل ِ َليوسف في الرض َ + السلم ،فقد مكن الله
مت َِنا َ ُ في ال َْر
ح َ ب ب َِر ْ صي ُث ي َشا َءُ ن ُ ِ حي ْ ُ
ها َ َ من ْ
وأ ِ ّ ض َي َت َب َِ ف ِ س َ ل ُِيو ُ
خي ٌْر
ة َ خَر ِ جُر ال َ ِ ول ْ َ نَ ني
ِ س
ِ ح
ْ مُ ْ ل ا ر
َ ج
ْ أ ع
ُ ضيِ ُ ن َ ل و
َ ُ ء شا َ َ من ن َ
ن" ]يوسف.[57 ،56 : قو َ كاُنوا ي َت ّ ُ و َ َ نوا ُ مذي َ َ
آ ن ل ّل ّ ِ
ب -التمكين في الصطلح:
دراسة أنواع التمكين وشروطه وأسبابه ومراحله وأهدافه
1
)( هو محمد بن إدريس بن هاشم المطلبى ولد عام 150هـ ،وتوفى عام
254هـ ,تقريب التهذيب ص .467
2
)( هو النعمان بن ثابت الكوفي فقيه مشهور مات عام 150هـ ,تقريب التهذيب
ص .563
3
)( انظر :المدخل إلى الفقه السلمي ،د .عبد الله الدرعان ،ص .31
4
)( انظر :مختار الصحاح لبي محمد الرازي ،ص .635
5
)( انظر :لسان العرب )ج ،13فصل النون ،باب مكن ص .(414
6
)( نفس المصدر) ،ج ،13فصل النون ،باب مكن ص .(414
7
)( نفس المصدر السابق ،ص .415
12
تمهيـــــــــــــــد
13
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
6
)( هو معمر بن المثنى التميمي مولهم البصري ،النحوي ،صاحب التصانيف ،ولد
سنة 11هـ ومات سنة 209هـ .انظر :سير أعلم النبلء ).(9/445
1
)( هو عمرو بن كلثوم التغلبي :من أصحاب المعلقات السبع ومن كبار شعراء
الجاهلية .انظر :شرح المعلقات السبع ص .180
2
)( انظر :شرح القصائد السبع الطوال ،لبي بكر محمد بن القاسم النبارى ،ص
.380
3
)( مجاز القرآن لبي عبيدة معمر التميمي ).(3-1/1
4
)( انظر :لسان العرب ،كتاب )أ-ب( فصل الهمزة ،باب أقرأ ).(1/128
5
إمام المتكلمين ورأس الشاعرة أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد القاضي هو )(
المعروف بابن الباقلني البصري المالكي صاحب المصنفات,وكان له حظ في العبادة
هـ ،انظر :شذرات الذهب ).(3/167
توفى سنة 403
6
)( انظر :الجامع لحكام القرآن للقرطبي )ج .(298 /2
7
)( هو المام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر النصاري القرطبي ،تفقه
على مذهب المام مالك ،واعتنى بتفسير القرآن الكريم ,توفى رحمه الله سنة
671هـ انظر :المذهب لبن فرحون ).(318،317
8
)( انظر :الجامع لحكام القرآن للقرطبي ).(2/298
14
تمهيـــــــــــــــد
9
)(المصدر السابق نفسه.
2
)( هم أتباع جهم بن صفوان الخراساني توفى عام 128هـ انظر :سير أعلم
النبلء ).(6/26
3
)( أتباع واصل بن عطاء وهم يقولون بخلق القرآن وغير ذلك من البدع ،والملل
والنحل ).(1/43
4
)( هو أحمد بن سلمة الزدي المصري من صعيد مصر توفى عام 321هـ .انظر:
البداية والنهاية ).(11/174
5
)( شرح الطحاوية )ص .(122 ،121
15
أنواع التمكين
فــــــي القرآن
الكريم
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
17
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
تمهيد
ة في ال ْ َ
حَيا ِ مُنوا ِ نآ َ ذي َ وال ّ ِ سل ََنا َ صُر ُر ُ قال تعالى+:إ ِّنا ل ََنن ُ
د"]غافر.[51 : ها ُ ش َ م ال ْ قو ُ م يَ ُ و َوي َ ْالدّن َْيا َ
ن" ]الروم: مِني َ م ْ
ؤ ِ صُر ال ْ ُ عل َي َْنا ن َ ْ قا َ ح ّ ن َ كا َ و َوقال سبحانهَ + :
م" ]محمد .[7:وقال ُ
صْرك ْ ه ي َن ْ ُ صُروا الل َ .[47وقال تعالىِ+ :إن ت َن ْ ُ
مْ ه
ُ ّ نِ إ ن
َ ليِ سَ ر
ُ ْ م ْ ل ا نا
َ د
ِ باَ ع
ِ ِ ل نا
َ ُ ت ت ك َل ِ َ
م ق ْ سب َ َ قد ْ َ ول َ َتعالىَ + :
ن" ]الصافات-171 : ِ ُ َ بو ل غاَ ْ ل ا م ُ ُه َ ل نا د جن
َ ِ ّ ُ َ َ ن إ و نَ رو من ُ ُ
صو م ال ْ َه ُلَ ُ
.[173
إن هذه اليات وأمثالها تشير إلى نصر الله وإعزاز أهل اليمان
ممن يحرصون على الدعوة ويتحملون المشاق في سبيلها سواء
ما أو أحد المؤمنين ،وهذا العزاز والنتصار كان الداعية رسول ً كري ً
والتمكين يكون في الحياة الدنيا قبل الخرة.
ونجد في القرآن الكريم والسّنة النبوية المطهرة ،أن من
النبياء من قتله أهل الكفر والشرك ،كيحيي وزكريا عليهما السلم
وغيرهما ،ومنهم من حاول قومه قتله إل أن الله نجاه منهم كنبينا
محمد × وعيسى ابن مريم عليه السلم ،وكإبراهيم الذي ترك
قومه وعشيرته مهاجًرا إلى الشام ,ونجد من أهل اليمان على مر
العصور ومر الدهور من يسام سوء العذاب وفيهم من يلقى في
خدود الرض المليئة بالنيران المحرقة ،ومنهم من يقتل في سبيل
الله صابًرا محتسًبا مقبل ً غير مدبر ،ومنهم من يعيش في كرب
وشدة واضطهاد ،فأين وعد الله لهم بالنصر والظفر والتمكين؟
)(1 وقد ُ
طردوا أو قتلوا أو عذبوا؟
يقول سيد قطب -رحمه الله ) :-ويدخل الشيطان إلى
النفوس من هذا المدخل ،ويفعل بها الفاعيل:
إن الناس يقيسون بظواهر المور ،ويغفلون عن قيم كثيرة
وحقائق كثيرة في التقدير.
إن الناس يقيسون بفترة قصيرة من الزمان وحيز محدود من
المكان وهي مقاييس بشرية صغيرة ،فأما المقياس الشامل،
فيعرض القضية في الرقعة الفسيحة من الزمان والمكان ،ول
يضع الحدود بين عصر وعصر ،ول بين مكان ومكان ،ولو نظرنا
إلى قضية اليمان والعتقاد لرأيناها تنتصر من غير شك .وانتصار
قضية اليمان هو انتصار أصحابها ،فليس لصحاب هذه القضية
وجود ذاتي خارج وجودها ،وأول ما يطلبه منهم اليمان أن يفنوا
فيها ويختفوا هم ويبرزوها.
1
)( انظر :حقيقة النتصار ،ص ).(14 ،13
18
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
الفصل الول
تبليغ الرسالة وأداء المانة
إن من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم ،تمكين
الله تعالى للدعاة ،بتبليغ الرسالة وأداء المانة ،واستجابة الخلق
1
)( انظر :الظلل ).(5/3086
2
)( المصدر نفسه.(5/3086) ،
3
)( المصدر نفسه.(5/3086) ،
19
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
20
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
إن وصول دعوة التوحيد إلى أقصى المدينة دليل على المجهود
العظيم الذي بذله المرسلون وتدل على المعاني العظيمة من
الصدق والخلص التي تمكنت في نفوسهم من أجل دعوة
التوحيد.
-4إن انتصارات هؤلء الرسل وهذا الداعية الذي جاء من
أقصى المدينة توجت بهلك القوم الذين كذبوا بدعوة المرسلين
ء
ما ِس َن ال ّ م َ د ّجن ْ ٍ
من ُ ه ِ د ِ
ع ِ من ب َ ْه ِ م ِو ِق ْ عَلى َ ما أ َن َْزل َْنا َ و َ َ +
م
ُ ْه َ
ذا ِ إ َ
ف ً ة د ح
َ ِ َ وا ة
ً ح يص
َ ْ َ ّ ل إ ت
َ ْ ِ نكاَ إن ِ ن لي زمن
ّ ُ ِ ِ َ نا ُ ك ماو َ َ
ن" ]يس.[29 ،28 : دو َ م ُخا ِ َ
س الحاجة إلى أن يقفوا مع قصة إن الدعاة إلى الله في أم ّ
أصحاب القرية ،ويتأملوا ويتفكروا في أبعادها ونهاياتها .إنني أريد
أن أقف مع الرجل المؤمن الذي تمكن اليمان في قلبه ,ماذا فعل
في نفسه ذلك اليمان العظيم ،لقد وفق سيد قطب رحمه الله
في تحليل نفسية هذا النموذج الطيب والرجل المؤمن المستجيب
لدعوة الرسل ،وحلل نفسيته الخيرة ،فقال :إنها استجابة الفطرة
السليمة لدعوة الحق المستقيمة ،فيها الصدق والبساطة،
والحرارة ،واستقامة الدراك ،وتلبية اليقاع القوي للحق المبين.
فهذا الرجل سمع الدعوة واستجاب لها بعد ما رأى فيها دلئل
الحق والمنطق ما يتحدث عنه في مقالته لقومه وحينما استشعر
حقيقة اليمان تحركت هذه الحقيقة في ضميره فلم يطق عليها
سكوًتا ،ولم يقبع في داره بعقيدته ،وهو يرى الضلل من حوله
والجحود والفجور ،ولكّنه سعى بالحق الذي استقر في ضميره,
وتحرك في شعوره ،سعى به إلى قومه ،وهم يكذبون ويجحدون
ددون. ويتوعدون ويته ّ
وجاء من أقصى المدينة يسعى ليقوم بواجبه في دعوة قومه
فهم عن البغي وفي مقاومة اعتدائهم الثيم إلى الحق ،وفي ك ّ
الذي يوشكون أن يصّبوه على المرسلين.
وظاهر أن الرجل لم يكن ذا جاه ول سلطان ،ولم يكن في
عزة من قومه أو منعة من عشيرته ،ولكّنها العقيدة الحّية في
)(1
ضميره ،تدفعه وتجئ به من أقصى المدينة إلى أقصاها.
ولقد أجاد المام الفخر الرازي) (2في الشارة إلى بعض
المعاني العظيمة التي تشير إلى تمكن دعوة التوحيد في قلب
1
)( الظلل.(2963 -5/2962) :
2
حسين الرازي ,اشتهر)( هو العالم الصولي المفسر فخر الدين بن عمر بن ال ُ
بعلم الصول والنحو والشعر والوعظ ,وكان يوعظ باللسانين العربي والعجمي
وكان كثير البكاء ,توفى عام 606هـ انظر :الوفيات ).(248 /4
21
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
22
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
23
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
هوإ ِل َي ْ ِ
فطَ ََر َِني َ ذي َ عب ُدُ ال ّ ِي ل َ أَ ْ ما ل ِ َ و َ التوحيد ،فقولهَ + :
هدون ِ ِ من ُ خذ ُ ِ ن" إشارة إلى وجود الله ،وفي قوله+:أأت ّ ِ عو َ ج ُ ت ُْر َ
ة" إشارة إلى نفي الشرك به وعدم عبادة غيره. ه ً آل ِ َ
ة" إشارة لطيفة ،فالدونية هنا ه ً
ه آل ِ َ دون ِ ِ من ُ -16في قولهِ + :
مقصودة فبما أنه ثبت أن الله وحده هو الخالق المعبود ،فكل غير
ه"" وهؤلء جميًعا مشتركون في كونهم مخلوقين دون ِ ِ
الله هم ُ ++
ضعفاء ،محتاجين إلى الله ،مفتقرين إليه؛ ولذلك يجب أن يكونوا
جميًعا عابدين له ،وبما أنهم كلهم )من دونه شركاء في الدونية(
فكيف يكون من بينهم آلهة؟!
م" يخاطب الجميع ،سواء ت ب َِرب ّك ُ ْ من ُ -17في قوله+ :إ ِّني آ َ
كانوا من المرسلين أو من أهل القرية ،لكنه أول ما يتوجه إلى
أهل القرية ،حيث يثبت لهم أن الله وحده رّبهم.
ن" ما يدل على أنه كان متروًيا عو ِ م ُ س َ فا ْ -18في قولهَ + :
مفكًرا ،فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلمه جماعة سامعين ،فإنه
يتفكر فيه ،كما أنه يقصد أن ُيسمعهم ليقيم الحجة عليهم ،وكأنه
يقول لهم :إني أخبرتكم بما فعلت ،حتى ل تقولوا لم أخفيت عنا
أمرك ،ولو أظهرت أمرك لتبعناك.
ن" ليس مجرد عو ِ م ُ
س َ فا ْ -19المراد بالسماع في قولهَ + :
سماع الصوت ،بل قبول الدعوة ،والستجابة لصوت الحق
)(1
والدخول في اليمان.
إن هذه المنهجية الفريدة مع صدق الدعوة وإخلص التوجه،
والحرص على الهداية ،وظهور الشجاعة ،وترتيب الفكار ،وقوة
المنطق ترجع إلى تمكن اليمان الحقيقي في قلب ذلك الرجل
الرباني ،كما أن المرسلين الذين استطاعوا أن يضموا إلى موكب
اليمان وقافلة الدعوة مثل هذا الرجل المخلص َلدَليل على نصر
الله لهم وتمكين دعوتهم وظهور حجتهم .إن دعوة الله يستجيب
لها من اتصف بصفة الرجولة ,وهناك فرق بين الرجولة والذكورة،
فإن الذكورة تقابل النوثة ،فالزوجان هما الذكر والنثى.
والذكورة صفة جسدية بدنية ليس إل؛ لكن ّالرجولة تشير إلى
مل ّ والشجاعة والثبات ،فهي تشير إلى صفات الشدة والقوة والتح
نفسية ،ومزايا معنوية ،وفضائل أخلقية.
ولعله لجل هذا وردت صفة الرجولة َفي مقام مدح وثناء
عى س َة يَ ْ دين َ ِ م ِصى ال ْ َ ق َ نأ ْ م ْ ل ّ ج ٌ جاءَ َر ُ وإشارة ،قال تعالى+ :و
ن ال ْ َم َ َ
ل] "...القصص.[20 : َ سى إ ِ ّ مو َ
ل َيا ُ قا َ َ
َ
عى س َ ل يَ ْ ج ٌ ة َر ُدين َ ِ م ِ صى ال ْ َ ق َ نأ ْ م ْ جاءَ ِ و َ وقال تعالىَ + :
1
)( انظر :تفسير الرازي ) (60-26/54مع التصرف.
24
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
إن الذين يسعون لتمكين شرع الله في دنيا الناس عليهم أن
يتصفوا بصفات الرجولة ويحرصوا على ضم من تظهر فيهم هذه
الصفات الجميلة إلى صفوفهم.
ما بارًزا على طريق سا ومعل ًإن ذلك الرجل الرباني أصبح نبرا ً
الدعوة ،يقتدي به الدعاة في انحيازهم إلى جانب الحق والتزامه
تمن ُ
والدعوة إليه ،ولسان حال أحدهم يقول للخرين+ :إ ِّني آ َ
ن".
عو ِ
م ُ
س َفا ْ ب َِرب ّك ُ ْ
م َ
إن انتصار منهج الله والتمكين له وتعرف الناس عليه ،يحتاج
إلى رجال يرفعون أصواتهم حتى يسمع الخرون ،إن جمال الحياة
ورونقها البهي وحلوتها النضرة تكون بنصرة الحق ودك الباطل
في حصونه.
وإن المواقف اليمانية ابتغاء مرضاة الله رفعة للداعية في
الدنيا والخرة.
ما الرابحون ،فعندما يدفع إن أصحاب المواقف اليمانية هم دائ ً
1
)( انظر :مع قصص السابقين للخالدى ).(7/256
25
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
أصحـــــاب الخــــــــــدود
إن قصة الغلم مع الملك الكافر من أوضح القصص في تمكين
الله تعالى للدعاة في تبليغ رسالتهم وأداء أمانتهم.
قال رسول الله ×» :كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له
ساحر ،فلما كبر الساحر قال للملك :إني قد كبر سني ،وحضر
ما كان يعلمهما لعلمه السحر ،فدفع إليه غل ً ى غل ًأجلي ،فادفع إل ّ
السحر ،وكان بين الساحر وبين الملك راهب ،فأتى الغلم على
الراهب فسمع من كلمه فأعجبه نحوه وكلمه ،وكان إذا أتى
الساحر ضربه ،قال :ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب ،فقال:
إذا أراد الساحر أن يضربك فقل :حبسني أهلي ،وإذا أراد أهلك أن
يضربوك فقل :حبسني الساحر ،فبينما هو ذات يوم إذ أتى على
دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فل يستطيعون أن يجوزوا،
فقال :اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر ،قال:
فأخذ حجًرا ،فقال :اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى
من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس ،ورماها
فقتلها ،ومضى الناس ،فأخبر الراهب بذلك ،فقال :أي بنى أنت
ى؛ فكان الغلم ُيبرئ أفضل مني ,ستبتلي ،فإن ابتليت فل تدل عل ّ
الكمه والبرص وسائر الدواء ويشفيهم بإذن الله ,وكان للملك
جليس فعمى ،فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة ،فقال :اشفني ،فقال:
ل ،فإن آمنت به دعوت ج ّ
دا ،إنما يشفى الله عَّز وَ َما أنا أشفى أح ً
الله فشفاك ،فآمن فدعا الله فشفاه ،ثم أتى الملك فجلس منه
نحو ما كان يجلس ،فقال له الملك :يا فلن ،من رد ّ عليك بصرك؟
فقال :ربي ،فقال :أنا؟ قال :ل ،ربي وربك الله ،قال :أو لك رب
1
)( المصدر السابق.(7/260) ،
26
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
غيري؟ قال :نعم ،ربي الله وربك الله ،فلم يزل يعذبه حتى د ّ
ل
على الغلم ،فبعث إليه فقال :أي بنى ،بلغ من سحرك أن تبرئ
دا ،إنما يشفى الكمه والبرص ،وهذه الدواء؟ قال :ما أشفى أح ً
ل ،قال :أنا؟ قال :ل .قال :ولك رب غيري؟ قال :ربي ج ّ
الله عَّز وَ َ
ضا بالعذاب لم يزل به حتى دل على الراهب، وربك الله ،فأخذه أي ً
فأتى الراهب ،فقال :ارجع عن دينك ،فأبي فوضع المنشار في
مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الرض ،وقال للغلم :ارجع عن
دينك ،فأبي ،فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا ،فقال :إذا بلغتم
ذروته فإن رجع عن دينه وإل فدهدهوا ،فذهبوا به ،فلما علوا به
الجبل ،قال :اللهم اكفنيهم بما شئت ،فرجف بهم الجبل فدهدهو،
أجمعون ،وجاء الغلم يلتمس حتى دخل على الملك فقال :ما فعل
أصحابك ،فقال :كفانيهم الله -تعالى ,-فبعث به مع نفر في
قرقور في البحر ،فقال :إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإل
فغّرقوه في البحر ،فلججوا به البحر ،فقال :الغلم :اللهم اكفنيهم
بما شئت ،فغرقوا أجمعون ،وجاء الغلم حتى دخل على الملك،
فقال :ما فعل أصحابك؟ فقال :كفانيهم الله تعالى ،ثم قال للملك:
إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ،فإن أنت فعلت ما آمرك
به قتلتني ،وإل فإنك ل تستطيع قتلي ،قال :وما هو؟ قال :تجمع
ما منالناس في صعيد واحد ،ثم تصلبني على جذع وتأخذ سه ً
كنانتي ،ثم قل :بسم الله رب الغلم ،فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني،
ففعل ,وضع السهم في كبد قوسه ،ثم رماه ،وقال :بسم الله رب
الغلم ،فوقع السهم في صدغه ،فوضع الغلم يده على موضع
السهم ومات ،فقال الناس :آمنا برب الغلم.
فقيل للملك :أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك ،قد آمن
دد ّ فيها الخاديد ،وأضرمت فيها الناس كلهم ،فأمر بأفواه السكك فخ
النيران ،وقال :من رجع عن دينه فدعوه ،وإل فأقحموه فيها ،قال:
فكانوا يتعادون ويتدافعون ،فجاءت امرأة بابن لها ترضعه ،فكأنما
ماه فإنك على أن تقع في النار ،فقال الصبي :اصبرى يا أ ّ تقاعست
)(1
الحق«.
لقد انتصر الغلم بعقيدته على الملك الكافر ،وتمكن منهجه
الرباني في نفوس رعايا الملك المشرك الغادر ,وثبتوا على
عقيدتهم وضحوا بأنفسهم من أجل إيمانهم وعلموا البشرية معنى
من معاني النتصار.
قال سيد قطب رحمه الله) :في حساب الرض يبدو أن
الطغيان قد انتصر على اليمان ,وأن هذا اليمان الذي بلغ تلك
الذروة العالية في نفوس الفئة الخيرية الكريمة الثابتة المستعلية،
لم يكن له وزن ول حساب في المعركة التي دارت بين اليمان
1
)( مسلم ،كتاب الزهد والرقائق ،باب أصحاب الخدود ) (3/2299رقم .3005
27
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
والطغيان.
في حساب الرض تبدو هذه الخاتمة أسيفة أليمة.
ولكن القرآن يعلم المؤمنين شيًئا آخر ،ويكشف لهم عن
حقيقة أخرى.
إن الحياة وسائر ما يلبسها من لذائذ وآلم ,ومن متاع
وحرمان ،ليست هي القيمة الكبرى في الميزان ،وليست هي
السلعة التي تقرر حساب الربح والخسارة ،والنصر ليس مقصوًرا
على الغلبة الظاهرة ،فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة.
جمي ًيموتون ،وتختلف السباب ،ولكن الناس ل إن الناس عا
جمي ً -هذا النتصار ،ول يرتفعون هذا الرتفاع ،ول ينتصرون -عا
يتحررون هذا التحرر ،ول ينطلقون هذا النطلق إلى هذه الفاق ،إنما
هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده ،تشارك الناس في
الموت ،وتنفرد دون كثير من الناس في المجد ،المجد في المل
ضا ً -إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة العلى ،وفي دنيا الناس -أي
الجيال بعد الجيال لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم
في مقابل الهزيمة ليمانهم ،ولكن كم يخسرون أنفسهم ،وكم كانت
البشرية كلها تخسر ،كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى
رية ،وانحطاطها الكبير ،معنى زهادة الحياة بل عقيدة ،وبشاعتها بل ح ّ
حين يسيطر الطغاة على الرواح ،بعد سيطرتهم على الجساد.
د"مي ِ
ح ِز ال ْ َ
زي ِ ه ال ْ َ
ع ِ مُنوا ِبالل ِ م إ ِل ّ َأن ي ُ ْ
ؤ ِ ه ْمن ْ ُ
موا ِق ُما ن َ َ
و َ
َ +
]البروج .[8 :حقيقة ينبغي أن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله،
في كل أرض ،وفي كل جيل.
إن المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة
شي ًآخر على الطلق ,وإن خصومهم ل ينقمون عقيدة ،وليست ئا
)(1
منهم إل اليمان ،ول يسخطون منهم إل العقيدة.
إن المتأمل في قصة الغلم يجد أن الغلم انتصر بعقيدته
ومنهجه ,وكذلك الراهب الذي ثبت من أجل أن تبقي عقيدته في
مقابل أن تزهق روحه ،أما العمى فقد انتصر مرتين ،انتصر عندما
تخلى عن مكانته عند الملك مع ما في ذلك من جاه ومكانة،
وانتصر عندما تخلى عن حياته في مقابل عقيدته.
إن الراهب والعمى قد خّلدا لنا معاني عظيمة من معاني
دا عن التأويل والتبرير الذي يغطي فيه كثير النتصار الحقيقي ،بعي ً
من الناس ضعفهم وخورهم بستار يوهمون فيه الخرين أنهم
فعلوا ذلك من أجل الدين.
1
)( انظر :معالم في الطريق :فصل :هذا هو الطريق ،ص .173
28
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
لقد كان الغلم ذكًيا ألمعًيا ,وحين سنحت له فرصة عظيمة في
تبليغ رسالة ربه ،اغتنمها وحقق معاني عظيمة في مفهوم النصر
والتمكين.
لقد انتصر الغلم بقوة فهمه وإدراكه لقصر وأسلم الطرق لنصرة
دينه وعقيدته ،وإخراج أمته من الضلل إلى الهدى ،ومن الكفر إلى
اليمان ,وانتصر عندما وفق لتخاذ القرار الحاسم في الوقت
المناسب ،متخطيا ً جميع العقبات ،ومستعليا ً على الشهوات وحظوظ
النفس ومتاع الحياة الدنيا ،وانتصر على هذا الملك المتجبر
المتغطرس ،الذي أعمى الله قلبه ،فأخرب ملكه بيده ،فإنها ل تعمى
البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
إن الغلم كان عبقرًيا عندما خطط لهلك الملك الكافر
وعندما رسم طريقه لنيل الشهادة في سبيل الله.
لقد كان النتصار العظيم في المعركة بين الكفر واليمان
لصالح موكب التوحيد ،لقد استشهد فرد وحيت بسببه أمة فآمنت
برب الغلم.
إن دقة التخطيط وبراعة التنفيذ ،وسلمة التقدير ،نجاح باهر،
وفوز ظاهر.
لقد انتصر الغلم عندما جعله الله قدوة لمن بعده ،وأبقى له
ذكًرا حسًنا على لسان المؤمنين ،حيث جعل الله له لسان صدق
في الخرين ،لقد كانت انتصارات متلحقة ووصلت إلى ذروتها
عندما آمن الناس برب الغلم ,آمنوا بالله وحده وكفروا
بالطاغوت ،وهنالك جن جنون الملك ،فقد صوابه ،فاستخدم كل ما
يملك من وسائل الرهاب والتخويف ،في محاولة يائسة ،للبقاء
على هيبته وسلطانه وتعبيد الناس له.
ثم يحفر أخاديده ،ويوقد نيرانه ،ويأمر زبانيته وجنوده بإلقاء
المؤمنين في النار ،وتأتي المفاجأة المذهلة ،بدل أن يضعف من
يضعف ،ويهرب من يهرب ,إذا نجد القدام والشجاعة ،وذلك بالتدافع
إلى النار ول غريب ،لن اليمان بث في نفوسهم الشجاعة ،والثبات,
دون في اللحاق بالغلم ،وكأنهم يتلذذون في تقديم وها هم يج ّ
أرواحهم فداًء لعقيدتهم ودينهم.
إن اليمان الحقيقي يصنع بالمم الغرائب ,ويبدد الظلم
الطويل الذي عاشوه ،والسنوات المديدة التي استعبدهم فيها
الطغاة ،ومع قصر المدة التي قد يأتي فيها اليمان إلى النفوس إل
أنه كفيل بتعريف الناس بحقيقة المنهج الرباني كما نرى في هذه
المة السعيدة التي آمنت برب الغلم ،وكأنهم عرفوا المنهج
وعاشوا فيه كما عاش الراهب طوال عمره ،أو تربوا عليه كما
تربي الغلم في صباه.
29
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :حقيقة النتصار ص )(14 ،13
2
)( هو سيد التابعين الحسن بن أبي الحسن يسار البصري النصاري مولهم زاهد
فاضل ثقة ,كان من أفصح الناس وأجملهم ,توفى 110هـ وهو ابن ) 88تهذيب
التهذيب .(270 -2/263
3
)( تفسير ابن كثير ).(4/496
4
)( انظر :حقيقة النتصار ص).(55
30
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
المبحث الثالث
تمكين الله تعالى لرسول الله × لتبليغ الرسالة في مكة
بعد العداد الرفيع الذي قام به النبي × لتربية أصحابه ,وبناء
القاعدة الصلبة على أسس عقدية وخلقية وأمنية وتنظيمية ،وبعد
أن قطع المرحلة السرية بكل نجاح وتفوق ،نزل قول الله تعالى:
ن" ]الشعراء [214 :فخرج رسول الله شيَرت َ َ
ك ال ْ َ +
قَرِبي َ ع ِ
ذْر َوأن ِ
َ
× حتى صعد الصفا فهتف» :يا صباحاه« ،فاجتمعت إليه قريش،
فقال» :يا بنى فلن ،يا بنى عبد مناف ،يا بنى عبد المطلب،
أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيل ً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم
ي؟« قالوا :ما جربّنا عليك كذًبا .قال» :فإني نذير لكم بين مصدق ّ
يدي عذاب شديد« فقال أبو لهب :تًبا لك ،أما جمعتنا إل لهذا ,ثم
َ
ب" ]المسد.[1:وت َ ّ
ب َ دا أِبي ل َ َ
ه ٍ ت يَ َ
قام فنزلت هذه السورة +ت َب ّ ْ
من الطبيعي أن يبدأ الرسول × دعوته العلنية بإنذار عشيرته
القربين ،إذ إن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية ،فبدء الدعوة
بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته ،كما أن القيام
بالدعوة في مكة ل بد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد من
مركز ديني خطير ،فجلبها إلى حظيرة السلم ل بد أن يكون له
وقع كبير على بقية القبائل ،على أن هذا ل يعنى أن رسالة
السلم كانت في أدوارها الولى محدودة بقريش ،لن السلم كما
يتجلى من القرآن اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق
)(1
رسالته العالمية.
ولقد كانت النتيجة المباشرة لهذا الصدع هي الصد والعراض
والسخرية واليذاء والتكذيب ،والكيد المدبر المدروس ،ولقد اشتد
الصراع بين النبي × وأصحابه ،وبين شيوخ الوثنية وزعمائها،
وأصبح الناس في مكة يتناقلون أخبار ذلك الصراع في كل مكان،
وهذا في حد ذاته مكسب عظيم للدعوة ،ساهم في أشد وألد
أعدائها ،ممن كانوا يشيعون في القبائل قالة السوء عنها ،فليس
سّلمون بدعاوى القرشيين ،بل كان يوجد من مختلف كل الناس ي ُ َ
القبائل من يتابع الخبار ،ويتحرى الصواب فيظفر به.
وكانت الوسيلة العلمية في ذلك العصر تناقل الناس للخبار
مشافهة ,وسمع القاصي والداني بنبوة الرسول × ،وأصبح هذا
الحدث العظيم حدث الناس في كل مكان ،وبدأ رسول الله ×
يشق طريقه لكسر الحصار المفروض على الدعوة ،والنتقال بها
إلى مواقع جديدة ،وسنرى ذلك في عرضه للدعوة على القبائل،
والخروج للطائف ،وهجرة الحبشة.
1
)( دراسة في السيرة النبوية ،د .عماد الدين خليل ص .125 ،124
31
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
لقد كان أولى الناس بتوجيه الدعوة إليهم :قريش وأهل مكة
وبالخص عشيرة النبي × القربين فوجه إليهم الدعوة من خلل
هذا المنبر العلني ،وأنذرهم عذاب الله وبأسه إن لم يؤمنوا ).(1
شا رفضت الستجابة والنقياد للحق المبين ,وكان ولكن قري ً
موقفهم كموقف القوام السابقة من رسلهم ،فحاربوا الدعوة
الجديدة التي عرت واقعهم الجاهلي وعابت آلهتهم وسفهت
أحلمهم ،أي آراءهم وأفكارهم وتصوراتهم عن الحياة والنسان
والكون ،فاتخذوا العديد من الوسائل والمحاولت ليقاف الدعوة
وإسكات صوتها أو تحجيمها وتحديد مجال انتشارها.
لقد فكر النبي × بالخروج بالدعوة من مكة لتحقيق أمور من
أهمها:
-1البحث عن موطن يأمن فيه المسلمون على دينهم،
ويسلمون من أذى قريش وفتنتها ،حيث ل تطالهم يدها ،ول يمتد
إليهم بطشها.
-2البحث عن بيئة تقبل الدعوة ،وتستجيب لها ،في مقابل
عنت القرشيين وكنودهم ،ومن هذه البيئة تنطلق إلى آفاق
قا لمر الله بالتبليغ للعالمين ).(2الرض ،تحقي ً
فكانت هجرة المسلمين إلى الحبشة ،فكانت الولى في شهر
رجب سنة خمس من المبعث ،وهم أحد عشر رجل ً وأربع نسوة
خرجوا مشاةً إلى البحر فاستأجروا سفينة.
وقد صورت أم سلمه زوج النبي× -وهي ممن هاجر إلى
الحبشة الهجرة الولى -الظروف التي أحاطت بهذه الهجرة
فقالت) :لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله ×
وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلء والفتنة في دينهم ،وأن رسول
الله ل يستطيع دفع ذلك عنهم ،وكان رسول الله × في منعة من
قومه وعمه ،ل يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه ,فقال
كا ل ُيظلم أحد عنده، لهم رسول الله ×» :إن بأرض الحبشة مل ً
جا مما أنتم فيه« جا ومخر ً فالحقوا ببلده حتى يجعل الله لكم فر ً
فخرجنا إليها أرسال ً حتى اجتمعنا بها ،فنزلنا بخير دار إلى خير
ما( ).(3جار ,أمنا على ديننا ولم نخش منه ظل ً
لقد كانت هجرة المسلمين إلى أرض الحبشة ذات أبعاد
سياسية وإعلمية ودعوية ,وكان اختيار النبي × للحبشة في غاية
1
)( انظر :الغرباء الولون ص ،167سلمان العودة.
2
)( المصدر السابق ،ص .168
3
)( ابن هشام ).(1/334
32
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :الوفود العلمية في العصر المكي لعلى السطل ،ص).(111
2
)( انظر :الوفود العلمية في العصر المكي لعلى السطل.(114) ،
3
)( المصدر نفسه ،ص ).(115
33
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الناس ،ومن ضعفائهم وغربائهم وهذه كلها آثار إيجابية ،ل يضير أن
يوجد إلى جوارها آثار سلبية قليلة ،منها :أن إيواء الحبشة
للمسلمين وطيب مقامهم بها أذكى نار الحقد لدى قريش،
فضاعفت من حربها ومكرها ،وعداوتها).(1
شا قد أسلمت ،وكفت عن وعندما تسامع المهاجرون بأن قري ً
إيذاء النبي × رجعوا ،فوجدوا المر أشد مما كان ،فأذن النبي ×
بالهجرة الثانية ،فهاجر قرابة المائة ما بين رجل وامرأة واستقروا
هناك).(2
لقد ذكر ابن إسحاق ) (3دوافع الهجرة الثانية ،فقال) :فلما اشتد
البلء وعظمت الفتنة تواثبوا على أصحاب رسول الله × ،وكانت
الفتنة الخرة التي أخرجت من كان هاجر من المسلمين بعد الذين
كانوا خرجوا قبلهم إلى أرض الحبشة( ).(4
لقد أرسلت قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة
يحملن الهدايا إلى النجاشي وبطارقته ،فقابل النجاشي طالبين
إليه إعادة من هاجر من المسلمين ،فأرسل النجاشي إلى
المسلمين فسألهم عن دينهم فقال جعفر بن أبي طالب رضي
ما على الشرك ،نعبد الوثان ونأكل الله عنه) :أيها الملك كنا قو ً
الميتة ،ونسئ الجوار ،ونستحل المحارم ،بعضنا من بعض في
سفك الدماء وغيرها ،ل نحل شيًئا ول نحرمه ،فبعث الله إلينا نبًيا
من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته ،فدعانا إلى أن نعبد الله
وحده ل شريك له ،ونصل الرحم ،ونحسن الجوار ،ونصلى ونصوم،
ول نعبد غيره(.
فقال :هل معك شيء مما جاء به؟ وقد دعا أساقفته فأمرهم
فنشروا المصاحف حوله ،فقال جعفر :نعم.
ى ما جاء به.ل عل ّ قال :هَل ُ ّ
م فات ُ
فقرأ عليهم صدًرا من كهيعص ) ،(5فبكى والله النجاشي حتى
اخضلت لحيته ،وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ثم قال :إن
هذا الكلم ليخرج من المشكاة التي جاء بها عيسى ..انطلقوا
راشدين.
ولما أخفقت محاولة وفد قريش في استعادتهم ،أثار عمرو بن
1
)( انظر :الغرباء الولون ص ).(171
2
)( المصدر نفسه ,ص ).(169
3
)( هو محمد بن إسحاق بن يسار من كتاب السيرة )انظر :سير أعلم النبلء
.(7/34
4
)( السير والمغازي لبن إسحاق ،ص ،213تحقيق :سهيل زكار.
5
)( سورة مريم.
34
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
35
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
36
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( البخاري ،كتاب المناقب ،باب مناقب النصار ) (4/267رقم .7777
2
)( انظر :ابن هشام ).(1/430
3
)( المصدر نفسه ).(1/428
37
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
38
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
للعيان.
ولقد سار على نهج رسول الله × في تبليغ الرسالة وأداء
المانة كثير من الدعاة على مر العصور وكر الدهور ,ومكن الله
لهم بين الناس حتى أدوا واجبهم في الدعوة إلى الله ومن أمثال
ذلك :المام أحمد بن حنبل ،وابن تيمية ،والعز بن عبد السلم,
ومحمد بن عبد الوهاب في الجزيرة ،ومحمد بن على السنوسى
في ليبيا ،وسعيد النورسى في العصر الحديث في تركيا ،وعبد
الحميد بن باديس في الجزائر ،وحسن البنا في مصر ،وغيرهم
كثير ،ومنهم من استشهد في سبيل دعوته إل أنها انتشرت بعد
مماته انتشار الضياء في الظلم ،ولقد لحظت في سيرة هؤلء
العلم في القديم والحديث حماية الله لهم ورعايته وحفظه
وتثبيته لهم في المحن والشدائد ,وتهيئة الله قلوب الناس لستماع
دعوتهم ونصحهم ،وكانوا رحمهم الله رجال ً للعقيدة عاشوا من
أجل هذا الدين وماتوا في سبيله.
***
39
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الفصل الثاني
هلك الكفار ونجاة المؤمنين أو نصرهم في
المعارك
إن قصة نوح وموسى عليهما السلم نموذج رفيع للتدليل على
أن من أنواع التمكين هلك الكفار ونجاة المؤمنين ،وقصة نوح مع
قومه منهج عظيم للدعاة إلى الله ,وقصته مليئة بالدروس والعبر،
ومما يكسبها أهمية خاصة ما تميزت به ،ومن ذلك:
حا عليه السلم أول رسول إلى البشر ،وكل أول له -1أن نو ً
خصوصيته وميزته.
-2امتداد الزمن الذي قضاه في دعوة قومه ) 950سنة(.
-3كونه من أولى العزم الذين ذكروا في القرآن.
-4ورد اسمه كثيًرا في القرآن الكريم حيث بلغ ) (43مرة في
) (29سورة من سور القرآن ،أي في ربع سور القرآن تقريًبا ،مع
ورود سورة باسمه في القرآن.
وأما قصة موسى عليه السلم مع فرعون ،فتبين ضراوة
الصراع بين الحق والباطل ,والهدى والضلل ،واليمان والكفر،
والنور والظلم ,وتسلط الضواء على استكبار فرعون وتجبره
دا،
ما وعبي ً ما وحش ً واستعباده عباد الله واستضعافهم واتخاذهم خد ً
وكيف أراد الله لبنى إسرائيل أن يرد إليهم حريتهم المسلوبة
وكرامتهم المغصوبة ,ومجدهم الضائع وعزهم المفقود ،إن من
يقف أمام إرادة الله فهو عاجز ضعيف ،وهو فاشل مهزوم ,وإن
أعداء الله أينما كانوا هم إلى هزيمة وخسارة وهوان ،وتبين لنا
كيف انتقم الله من فرعون ونصر وليه موسى عليه السلم
وقومه.
وأما قصة طالوت ،فتوضح مرحلة مرت بها أمة بنى إسرائيل،
فبعد أن وقعوا في المعاصي ،وانحرفوا عن منهج الله وسلط الله
عليهم العداء وأصاب بني إسرائيل ذل وخيم ،ومرارة أليمة،
وهزيمة عظيمة ,وأرادوا أن يغيروا واقعهم المهين ،وأن يبدلوا
ذلهم عزة وهزيمتهم نصًرا ،وعلموا أن السبيل لذلك هو الجهاد
كا يتولى أمورهم، والقتال ،فطلبوا من نبيهم أن يختار لهم مل ً
ويقودهم إلى العزة والنصر ،ويقاتل لهم أعداءهم ،في سبيل الله،
كا عليهم ،ومن ثم يقودهم فوقع خيار الله على طالوت ليكون مل ً
إلى النصر والعزة والتحرير ،فاعترض المل على نبيهم قائلين:
َ َ +أ َّنى ي َ ُ
مو ْ ل ه َمن ْ ُ مل ْ ِ
ك ِ ق ِبال ْ ُ
ح ّنأ َ ح ُ عل َي َْنا َ
ون َ ْ مل ْ ُ
ك َ ه ال ْ ُ
ن لَ ُكو ُ
40
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
41
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
42
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
ه أ َّني عا َرب ّ ُ فد َ َ ن" ]الشعراء ،[118 ،117 :وقوله تعالىَ +: مِني َ ؤ ِ م ْ ال ْ ُ
ب لَ ح ّر ّ ل ُنو ٌ وقا َ َ صْر" ]القمر ،[10ْ :وقال تعالىَ +: ب فانت َ َ ِ َ غلو ٌ ُ م ْ َ
مْ ْ ه
ُ ر َ ذ َ ت إن كَ ّ ن إ را ً يا ّ َ د ن ِ َ ري ف ِ كا َ ل ا ن
َ م ِ ض ر ل ا لى َ ع
َ ر
تَ ْ َ ذ
ِ ِ
َ ْ ِ ّ
را" ]نوح.[27 ،26 : ً فا ّ ك را ِ ً ج فاَ ّ ل ِ إ دوا َِ ُ ل ي َ ل و
َ َ
ك د
ِ َ َ با ع لوا ض يُ ِ
لقد استجاب الله لدعوة نوح عليه السلم ,ولقد أحسن نوح
عليه السلم استعمال هذا السلح العظيم الذي يغفل عنه الكثير
من الدعاة العاملين.
عا رب َ
حَنا فت َ ْ ف َ صْر َ فانت َ ِ َ
ب َ غُلو ٌ م ْ ه أّني َ فدَ َ َ ّ ُ قال تعالىَ +:
َ
عُيوًنا ض ُ جْرَنا الْر َ وف ّ َ رَ ٍ م
ه ِ من ْ َ ء َّ ما ٍ ء بِ َ ما ِ س َ ب ال ّ وا َ أب ْ َ
ت ذا ِ عَلى َ مل َْناهُ َ ح َ و َ دَر َّ ق ِ قدْ ُ ر َ ٍ معَلى أ ْ ماءُ َ قى ال ْ َ فال ْت َ َ َ
قد ول َ َ ر ف ُ ك ن كاَ ن م ل ء زا ج نا ن ي ع َ أ ب ري ج ت ر ْ َ
َ َ ِ َ َ ْ ً َ َ َ ِ ُ ْ ِ ِ ْ َ أ َ ٍ َ ُ ٍ
س ُ د و ح وا ل
ر" ]القمر ،[15 -10 :لقد لبث قرابة مدّك ِ ٍ من ّ ل ِ ه ْ ف َ ة َ ها آي َ ً ت َّرك َْنا َ
عشرة قرون ،وكانت النتيجة:
-1لم يؤمن من قومه إل قليل.
-2لم تؤمن زوجته ول أحد أبنائه وهم أقرب الناس إليه ,ومع
ذلك فإنه يعد منتصًرا ،بل إنه حقق أعظم النتصارات وتمثل ذلك
في:
-1صبره وثباته طوال هذه القرون ،وعدم ميله إلى محاولت
قومه -وحاشاه من ذلك -أو تأثره باستهزائهم وسخريتهم.
ٌ عل َي ْ ِ
ه
م ِو ِ ق ْ من َ مل ّ ه َ مّر َ ما َ وك ُل ّ َ ك َ فل ْ َ ع ال ْ ُ صن َ ُ وي َ ْ قال تعالىَ +:
ما َ َ ك مْ ُ ك ْ ن مِ ر ْ ُ خ َ س َ ن نا ّ ِ إ ف َ نا ّ م ِ روا ْ ُ خ َ س َ ت إن ِ َ
ل قا ه َ من ْ ُ خُروا ِ س ِ َ
ن" ]هود.[38 : َ رو س ُ خ َ تَ ْ
م قاُلوا ل َِئن ل ّ ْ -2حماية الله له من كيدهم ومؤامراتهمَ +:
ن" ]الشعراء ،[116 :ولم ينته مي َ جو ِ مْر ُ ن ال ْ َ م َ ن ِ كون َ ّ ح ل َت َ ُ ه َيا ُنو ُ ت َن ْت َ ِ
نوح عن دعوة التوحيد وتحقيق معاني العبادة لله ومع ذلك ما
ل. استطاعوا إليه سبي ً
َ
ن ك َذُّبوا ذي َ قَنا ال ّ ِ غَر ْ وأ ْ -3إهلك قومه الذين كذبوا بالغرقَ +:
ن" ]العراف.[64 : مي َ ع ِ ما َ و ً ق ْ كاُنوا َ م َ ه ْ ِبآَيات َِنا إ ِن ّ ُ
َ
في ه ِ ع ُ م َ ن َ ذي َ وال َّ ِ جي َْناهُ َ فأن ْ َ -4نجاة نوح ومن آمن معهَ +
ر س ٍ ود ُ ُ ح َ ْ على َ َ مل َْناهُ َ فل ْ ِ ال ْ ُ
وا ٍ ت أل َ ذا ِ ح َ و َ َ + ّ
ك" ]العراف.[64 :
َ
ر " ]القمر.[14 ،13 : ف َ ن كُ ِ كا َ ن َ م ْ جَزاءً ل َ عي ُن َِنا َ ري ب ِأ ْ ج ِ تَ ْ
-5إن قصة انتصار نوح وإهلك قومه أصبحت آية يعتبر بها،
ة
ها آي َ ً قد ت َّرك َْنا َ ول َ َ وجعل الله لنوح لسان صدق في الخرينَ +:
ه ّ
ٍ ِ ُ ن إ ح نو ُ ع َ َ م نا َ ْ ل م
ح َ ن َ م ْ ة َ ر" ]القمر+ .[15 :ذُّري ّ َ كِ ٍ مدّ من ّ ل ِ ه ْ ف َ َ
في ح ِ َ َ ُ َ َ
على ُنو ٍ م َ
َ
سل ٌ دا شكوًرا" ]السراءَ + .[3 : عب ْ ً ن َ
َ
كا َ
لوآ َ َ حا ً نو ُ و
َ م َ َ د آ فى َ ط ص ْ ا ه
َ الل ن ّ ِ إ + [. 79 ]الصافات: " ن َ مي ِ ل عا ال ْ َ
43
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
44
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :حقيقة النتظار ،ص ).(40
45
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
قصة موسى مع فرعون
َ
في
فوا ِ ع ُض ِ ست ُ ْنا ْ عَلى ال ّ ِ
ذي َ ن َ م ّريدُ أن ن ّ ُ قال تعالى+:ون
ال َرض ون َجعل َه َم ُ أِ َ
ة
م ً
ّ ِ ئ ْ ِ َ ْ َ ُ ْ
َ
ي
ر َ ون ُ ِض َ في َالْر ِ م ِ
ه ْن لَ ُمك ّ َ ون ُ َ
نَ رِثي َ وا ِم ال ْ َه ُ عل َ ُ
ج َ ون َ ْ َ
ن"ذرو َ ح َ
ما كاُنوا ي َ ْ هم ّ من ْ ُ
ما ِ ه َ جُنودَ ُ و ُ َ ن
َ ما
َ هاَ و
َ ن
َ و
ْ ْع
َ ر ف
ِ
]القصص.[6 ،5 :
لقد تطاول فرعون وعل وأسرف في الرض وأذل بنى
وا واستكباًرا في
ما وعل ً
إسرائيل ،فقتل الولد واستحيا النساء ظل ً
الرض ،وأراد الله بحكمته ومشيئته وقدرته أن يمن على بنى
كا وولة ويجعلهم يرثون الرض من بعد إسرائيل ويجعلهم ملو ً
فرعون ,ويمكن لهم بعد الذل والصغار ,وينتقم من فرعون
وهامان وجنودهما ويريهم ما كانوا يخافون من زوال ملكهم على
رجل من بنى إسرائيل ).(1
وقال المام ابن كثير ) (2في تفسيره) :لقد سلط على بنى
إسرائيل هذا الملك الجبار العتيد )فرعون( يستعملهم في أخس
العمال ،ويكدهم ليل ً ونهاًرا في أشغال رعيته ويقتل مع هذا
أبناءهم ويستحيى نساءهم إهانة لهم واحتقاًرا لهم ,وخوًفا من أن
يوجد منهم الغلم الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته منه يكون
سبب هلكه وذهاب دولته على يديه ،وكانت القبط قد تلقوا هذا
من بنى إسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول إبراهيم الخليل
عليه السلم حين ورد الديار المصرية وجرى له مع جبارها ما جرى
حين أخذ سارة ليتخدها جارية فصانها الله منه ومنعه منها بقدرته
وسلطانه ،فبشر إبراهيم عليه السلم ولده أنه سيولد من صلبه
وذريته من يكون هلك مصر على يديه ،فكانت القبط تحدث بهذا
عند فرعون فاحترز فرعون من ذلك وأمر بقتل ذكور بنى
إسرائيل ،ولن ينفع حذر من قدر ،لن أجل الله إذا جاء ل يؤخر
ولكل أجل كتاب.
أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى فما نفعه من
ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي ل يخالف أمره القدري ول
يغلب ،بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القدم بأن يكون هلك
فرعون على يديه ,بل يكون هذا الغلم الذي احترزت من وجوده
وقتلت بسببه ألوًفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه فراشك وفي
1
)( انظر :تفسير الطبري ).(29 ،11/28
2
)( الحافظ المؤرخ الفقيه المفسر إسماعيل بن عمر بن كثير بن درع القرشي
هو
طلب العلم من صغره ورحل من أجله ،توفىالدمشقي أبو الفداء ،ولد سنة 701هـ,
هـ .انظر :شذرات الذهب ).(6/231
في دمشق سنة 774
46
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
47
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
48
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
فوا" فيه تعليل ،بأن الله رحيم بعباده ،وينصر ع ُ ض ِست ُ ْ قوله+ :ا ْ
ص بالذكر من المن أربعة أشياء عطفت على خ ّ المستضعفين ,و َ
ن" عطف الخاص على العام ،وهي :جعلهم أئمة، م ّفعل +ن ّ ُ
وجعلهم الوارثين ،والتمكين لهم في الرض ،وأن يكون زوال ملك
فرعون على أيديهم في نعم أخرى جمة ).(1
إن الله تعالى من سننه الجارية في المم والشعوب
والمجتمعات والدول إذا أراد شيًئا هيأ له أسبابه ,وأتى به شيًئا
فشيًئا بالتدرج ل دفعة واحدة ،فعندما وصل الظلم إلى أقصى
منتهاه ،ووصل الستضعاف إلى أسفل نقطة ممكنة ،كانت تلك
النقطة بداية التمكين لبنى إسرائيل ،وبدأت قصة التمكين وإنفاذ
ل بالهتمام بالرضيع في قوله تعالى: مشيئة الله عَّز وج ّ
ه يَ ل ع ت ْ
ف خ ذاَ إفَ ه عي ض رلى َأ ُ َم موسى أ َن أ َ حي َْنا إ ِ َ +و أ َ
ْ ِ َ ِ ِ ِ ِ ِ ْ ْ ِ َ ّ ُ و َ ْ َ
كدوهُ إ ِل َي ْ ِ حَزِني إ ِّنا َرا ّ ول َ ت َ ْفي َ خا ِول َ ت َ َ م َ في ال ْي َ ّ ه ِ قي ِ فأ َل ْ َِ
ن"]القصص.[7 : سِلي َ مْر َ ْ
ن ال ُ م َ علوهُ ِ ُ جا ِ و َ َ
ل أوحى إلى ج ّ ويظهر من خلل اليات الكريمة :أن الله عّز وَ َ
أم موسى بأن ترضعه فإذا خافت عليه ،فعليها أن ترميه في اليم،
سا إل وسعها ،وعلى أهل الحق أن ل ل يكلف نف ً ج ّ فالله عَّز وَ َ
جل سوف يبارك ّ ً
يبذلوا جهدهم ،وهو إن كان قليل فإن الله عَّز وَ َ
فيه ،وسوف يهيئ من السباب التي يمكن بها لدينه وأهله.
إن سنن الله الكونية نافذة وعلى أهل اليمان أل يتأخروا في
الخذ بالسباب المتاحة ،فهذا مبلغ جهد أم موسى في حماية
موسى الرضيع ،والذي تولى حمايته ونصره في الحقيقة هو الله
ل ذو الجلل والكرام ،وكان يمكن أن تحصل الحماية ج ّ عَّز وَ َ
والرعاية دون أسباب؛ ولكن الله من سنته إذا أراد شيًئا هيأ له
أسبابه ،فألقى الله في قلب امرأة فرعون محبة موسى وكان
سبًبا في نجاته من الذبح ،لقد مكن الله تعالى حب موسى عليه
السلم من قلب زوجة فرعون وأعطاها من القدرة على الجدل
والنقاش بحيث أقنعت
فرعون بتركه لها.
ونرى في اليات الكريمة لطف الله بأم موسى بذلك اللهام
الذي به سلم ابنها ،ثم بتلك البشارة من الله لها برده إليها ،التي
لولها لقضى عليها الحزن بسبب ولدها ،وبذلك وغيره نعلم أن
ألطاف الله على أوليائه ل تتصورها العقول ،ول تعبر عنها
العبارات ،وتأمل موقع هذه البشارة وإنه أتاها ابنها ترضعه جهًرا،
عا وقدًرا وبذلك اطمأن قلبها وازداد إيمانها ).(2 وتسمى أمه شر ً
1
)( المصدر نفسه ).(71 ،20/70
2
)( انظر :تفسير السعدي ).(8/366
49
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( المصدر نفسه ).(368 ،8/367
2
)( انظر :تفسير السعدي ).(368 ،8/367
50
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
بل َر ّ قا َ ]القصص ،[15 :ثم توجه إلى ربه طالًبا مغفرته وعفوهَ + :
فْر ِلي" واستجاب الله إلى ضراعته غ ِ فا ْ سي َ ف ِ ت نَ ْ م ُ إ ِّني ظَل َ ْ
م" ]القصص.[17 : حي ُ فوُر الّر ِ غ ُ ْ
و ال َ ه َه ُ ه إ ِن ّ ُ َ
فَر ل ُ غ َ
ف َ واستغفاره َ +
فا يترقب في المدينة وإذا لقد أصبح موسى عليه السلم خائ ً
بالمعركة الثانية بين السرائيلي والفرعوني ،وتدخل موسى عليه
السلم لفض النزاع ووجه لومه إلى الذي من بنى قومه ،وقال له:
ن" ]القصص ،[18 :إل أن السرائيلي ظن أن مِبي ٌ ي ّ و ّ غ ِ ك لَ َ +إ ِن ّ َ
برئ منهاِ+:إن وموسى تهمة له فوجه به، يبطش أن يريد موسى
ن
م َ ن ِ كو َ ريدُ َأن ت َ ُ ما ت ُ ِ و َض َ في الْر ِ
َ جّباًرا ِ ن َ كو َ ريدُ إ ِل ّ َأن ت َ ُ تُ ْ ِ
ن" ]القصص.[19 : حي َ صل ِ ِال ُ ْ
م
إن موسى عليه السلم كان يرى أن المعارك الجانبية ل تفيد
قومه ,ولذلك وصف الذي من شيعته بأنه غوى :أي بعراكه هذا
الذي ل ينتهي ,واشتباكه الذي ل يثمر إل إثارة الثائرة على بنى
إسرائيل وهم عن الثورة الكاملة عاجزون ،وعن الحركة المثمرة
ضعفاء ،فل قيمة لمثل هذه الشتباكات التي تضر ول تنفع ول تفيد
). (1
وهذا درس عميق يفيد العاملين الذين يسعون لتمكين دين
الله؛ عليهم أن يبتعدوا عن المعارك الجانبية وأن يوحدوا صفهم
ويجمعوا قوتهم لساعة الصفر التي يعلو فيها نجم اليمان
وتنطمس فيها رايات الكفر والطغيان.
لقد تسرب خبر قتل موسى عليه السلم للقبطي واجتمع
الفراعنة للبت في أمر موسى الذي ظهر لهم أنه رمز لثورة
تحارب الظلم وتسعي لعز بنى إسرائيل وقرروا إلقاء القبض عليه.
وهنا جاء دور رجل تعاطف مع الحق والعدل الذي يحمله
موسى عليه السلم ،فأسرع لنذاره ونصحه ،وهنا إشارة قرآنية
نحو الهتمام بالتواجد المني داخل المؤسسات الفرعونية
والستفادة من المعلومات التي تنير طريق الدعاة في حركتهم
المباركة.
َ
سى مو َ ل َيا ُ قا َعى َ س َ ة يَ ْ دين َ ِ م ِ صى ال ْ َ ق َ نأ ْ م ْ ل ّ ج ٌ جاءَ َْر ُ لَو َ َ +
نَ م
ِ َ
ك َ ل ني ّ ِ إ ج
ْ ر
ُ خ
ْ فاَ ك َ لوُ ُ تق ْ َ ي ِ ل كَ ِ ب ن َ رو ُ م
ِ َ ت أَ ي ن ال ْ َ
م إِ ّ
ن" ]القصص.[20 : ال ّ ِ ِ َ
حي ص نا
لقد أكرم الله موسى عليه السلم بهذه المعلومات النافعة
وقرر أن يهاجر من بلد الفراعنة.
وهذا إرشاد قرآني لمن خاف التلف بالقتل بغير حق في
1
)( انظر :قصص الرحمن في ظلل القرآن ،لحمد فائز ).(3/64
51
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
موضع ،فل يلقي بيده إلى التهلكة ويستسلم للهلك ،بل يفّر من
ذلك الموضع مع القدرة كما فعل موسى عليه السلم ،كما أن فيه
توجيًها نحو ارتكاب إحدى المفسدتين يتعين ارتكاب الخف منهما،
دفعا لما هو أعظم وأخطر ،فإن موسى لما دار المر بين بقائه في
مصر ولكنه يقتل ،أو ذهابه إلى بعض البلدان البعيدة التي ل يعرف
الطريق إليها ،وليس معه دليل يدله غير هداية ربه ،ومعلوم أنها
أرجى للسلمة ،ل جرم آثرها موسى ). (1
وم ِ
ق ْ ن ال ْ َ
م َ
جِني ِ ب نَ ّل َر ّ قا َ ب َ ق ُ فا ي َت ََر ّ خائ ِ ً ها َ من ْ َج ِ خَر َ
ف ََ +
َ
سى َرّبي أن قا َ ن َ ْ
ه ت ِل َ َ ال ّ
ع َل َ مدْي َ َقاءَ َ ج َ و ّما ت َ َ ول ّ نَ مي َظال ِ ِ
ل" ]القصص ،[22 ،21 :ونلمح شخصية سِبي ِ واءَ ال ّ س َدي َِني َ ه ِيَ ْ
دا في الطرق الصحراوية دا مطار ً دا وحي ً موسى عليه السلم فري ً
في اتجاه مدين جنوبي الشام وشمالي الحجاز ,مسافات شاسعة،
فا وأبعاد مترامية ،ل زاد ول استعداد ،فقد خرج من المدينة خائ ً
جا بنذارة الرجل الناصح ،ونلمح إلى جانب يترقب ،وخرج منزع ً
)(2
هذا نفسه متوجهة إلى ربه مستسلمة له ،مطلعة إلى هداه :
ل". َ
سِبي ِواءَ ال ّ س َ دي َِني َ ه ِسى َرّبي أن ي َ ْ ع َ َ +
كانت رحلة طويلة من الرعاية والتوجيه ،ومن التلقي
والتجريب ،قبل وحي الله له بالنبوة) :تجربة الرعاية والحب
والتدليل ,وتجربة الندفاع تحت ضغط الغيظ الحبيس ,وتجربة
الندم والتحرج والستغفار ,وتجربة الخوف والمطاردة والفزع,
وتجربة الغربة والوحدة والرجوع ،وتجربة الخدمة ورعي الغنم بعد
حياة القصور وما يتخلل هذه التجارب الضخمة من شتى التجارب
الصغيرة ،والمشاعر المتباينة ،والخوالج والخواطر ،والدراك
والمعرفة إلى جانب ما آتاه الله حين بلغ أشده من العلم
والحكمة ،إن الرسالة تكليف ضخم شاق مُتعدد الجوانب والتبعات،
يحتاج إلى زاد ضخم من التجارب والدراك والمعرفة والتذوق في
واقع الحياة العملي ،إلى جانب هبة الله اللدنية ،ووحيه وتوجيه
للقلب والضمير( ).(3
إن الله تعالى أراد أن يربي موسى عليه السلم بالحداث قبل
الرسالة ,ولهذا دخل بقدرة الله إلى مجتمع الرعاة ،مستشعًرا
النعمة في أن يكون راعي غنم يجد القوت والمأوى بعد الخوف
والجوع والمطاردة والمشقة.
وعاش مع البسطاء في أخلقهم وعاداتهم وخشونتهم وفقرهم
1
)( انظر :تفسير السعدي ).(8/638
2
)( انظر :قصص الرحمن في ظلل القرآن ).(55 ،3/54
3
)( المصدر نفسه ).(3/64
52
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
53
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
54
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
55
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
56
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
57
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثالث
قصة طالوت عليه السلم مع بنى إسرائيل
َ
من ل ِ سَراِئي َ من ب َِني إ ِ ْ مل ِ ِ م ت ََر إ َِلى ال ْ َ قال تعالى+ :أل َ ْ
في ل ِ قات ِ ْ كا ن ّ َ مل ِ ً ث ل ََنا َ ع ْ م اب ْ َ ه ُ ي لّ ُ قاُلوا ل ِن َب ِ ّ سى إ ِذْ َ مو َ د ُ ع ِ بَ ْ
ل أ َل ّ قَتا ُ م ال ِ ْ ُ ُ ك ْ ي َ ل عَ ب َ ِ ت ُ ك إن ْ ِ م ُ ت ْ ي س َ عَ ل ْ هَ ل َ قا َ هِ الل ل َ ِ ِ بي س
د َ
ق و ه الل ل بي س في ِ ل َ ِ ت قا َ ُ ن ّ ل قاُلوا وما ل ََنا أ َ َ لوا قات ِ ُ تُ َ
َ ْ ِ ِ َ ِ َ َ َ
وا ول ّْ قَتال ت َ َ ُ م ال ِ ْ ه ُ ِ علي ْ َ ب َ ما كت ِ َ ُ وأب َْنائ َِنا فل ّ َ َ رَنا َ ِ من ِدَيا جَنا ِ ر ْ ِ خأُ ْ
م ه ْ م ن َب ِي ّ ُ ه ْ ل لَ ُ قا َ و َ نُ ََ مي َ ظال ِ ِ م ِبال ّ عِلي ٌ ه َ والل ُ م َ ه ْ من ْ ُ قِليل ً ّ إ ِل ّ َ
ه
نل ُ َ كو ُ قالوا أّنى ي َ ُ كا َ مل ِ ً ت َ م طالو َ ُ َ ث لك ُ َْ َ ع َ قدْ ب َ َ ه َ ن الل َ إِ ّ
ن ّ َ م ةً ع س
ْ َ َ َ ْ ُ َ ّ ِ ُ ِ ِ ْ ُ َ ْ ُ َ َ َ ت ؤ ْ ي م َ ل و ه ن م ك ْ ل م ْ ل با ق ح أ ن ح ن و نا ي َ ل ع َ ُ
ك ْ ل م ال ْ ُ
في ة ِ سط ً َ وَزادَهُ ب َ ْ م َ علي ْك ْ ُ َ صطفاهُ َ َ َ ها ْ ن الل َ ل إِ ّ ل قا َ َ ما ِ ال ْ َ
عس ٌ وا ِ ه َ والل ُ شاءُ ْ َ من ي َ َ ه َ ملك ُ َ ْ ؤِتي ُ ه يُ ْ والل ُ سم ِ َ َ ج ْ وال ِ ْ علم ِ َ ْ ال ْ ِ
َ ْ
ت م الّتاُبو ُ ه أن ي َأت ِي َك ُ ُ ملك ِ ِ ة ُ ن آي َ َ م إِ ّ ه ْ م ن َب ِي ّ ُ ه ْ لل ُ قا َ و َ مَ عِلي ٌ َ
وآلُ سى َ مو َ ما ت ََرك َآل ُ ُ َ م ّ ة ّ قي ّ ٌ وب َ ِ م َ من ّرب ّك ْ ُ ة ّ كين َ ٌ س ِ ه َ في ِ ِ
م ِإن ك ُن ُْتم ة ل َك ُ ْ ك لي َ ً في ذَل ِ َ ن ِ ة إِ ّ مل َئ ِك َ ُ ه ال ْ َ مل ُ ُ ح ِ ن تَ ْ هاُرو َ َ
ه
ن الل َ ل إِ ّ قا َ جُنوِد َ ت ِبال ْ ُ طاُلو ُ ل َ ص َ ف َ ما َ فل َ ّ نَ مِني َ ؤ ِ م ْ ّ
م ْ ّ ل من َ َ و ني ْ َ ِ ّ م س ي َ ل فَ ه ِ َ ِ ْ ُ ن م ب ر ش َ من َ ف َ رْ ِ َ َ ٍ ه ن ب م ُ ك لي مب ْ َ ِ ت ُ
ه
من ْ ُ رُبوا ِ ِ ش َ ف َ هِ د
ِ َ ي ِ ب ة ً ف َ ر
ْ ُ
غ ف َ ر َ َ ت ْ
غ ا ن مَ ّ ل إ
َ ِ ني ّ م
ِ ه
ُ ّ ن ِ إ ف َ ه
ُ م ْ ع َ ْ ط يَ
ِ
قاُلوا ل َ ه َ َ ُ ع
َ م نوا ُ م
َ آ ن
َ ذي ِ ّ ل وا َ َ و ه
ُ ه
َ ُ ز َ و جا َ ما ّ ل ف َ م ْ ه ُ ْ ن مّ ً ل لي ِ قَ ّ ل إِ
هم ّ ن نون أ َ ّ ُ ظ ي ن ذي ّ ل ا ل َ قا َ ه د نو ُ ج و ت لو ُ جا ب م و ي ْ ل ا نا َ َ ل ة َ قَ طا َ
ُ َ ِ َ َ ِ ِ َ َ ُ َ ْ َ ِ َ
ه
ن الل ِ ة ك َِثيَرةً ب ِإ ِذْ ِ فئ َ ً ت ِ غل َب َ ْ ة َ قِليل َ ٍ ة َ فئ َ ٍ من ِ كم ّ ه َ قو الل ِ مل َ ُ ّ
قالوا ُ ه َ جُنوِد ِ و ُ َ ت َ لو ُ جا َ ِ ل زوا ُ ر َ َ ب ما ّ َ ل و
َ ن
َ ري ّ ِ ِ ب صا ال عَ م
َ هُ والل َ
وم ِ ق ْ عَلى ال ْ َ صْرَنا َ وان ْ ُ مَنا َ دا َ ق َ ت أَ ْ وث َب ّ ْ صب ًْرا َ عل َي َْنا َ غ َ ر ْ ِ ف َرب َّنا أ َ ْ
ه
وآَتا ُ ت َ جاُلو َ ود ُ َ دا ُ ل َ قت َ َ و َ ه َ ن الل ِ م ب ِ ّإ ِذْ ِ ه ْ مو ُ هَز ُ ف َ نَ ري َ ف ِْ كا ِ ال ْ َ
ه
ع الل ِ ول دَف ُ ْ َ ول ْ َ شاءُ َ ما ي َ َ م ه ِ م ُ عل َ و َ ة َ م َ حك َ ْ وال ِ ْ ملك َ َ ْ ه ال ُ الل ُ
ذو ه ُ الل ن ك َ ل و ض ر ت ّ ال َ د س ف َ َ ل ض ع ب ب م ه ض ع ب س
َ ّ ِ ْ ُ َ ِ َ َ ٍ ْ َ ُ ْ ِ َ ْ َ الّنا َ
ق
ِ َ ّ ح ْ ل با ك َ ْ ي َ ل ع
َ ها َ لو ُ ْ ت َ ن ه
ِ الل ت َ ُ يا آ ك َ ْ ل ِ ت نَ ِ َ مي َ ل عا ْ ل ا لى َ ع َ ل ض ٍ ف ْ َ
ن" ]البقرة.[252 -246 : سِلي َ مْر َ ن ال ُ ْ م َ وإ ِن ّك ل ِ َ َ َ
عا من أنواع التمكين أل
إن قصة طالوت عليه السلم توضح نو ً
وهو نصر الله للمؤمنين على الكافرين في المعارك.
وهذه القصة وقعت أحداثها بعد دخولهم الرض المقدسة في
فترة من فترات حياتهم ,بعد أن انحرفوا عن منهج الله سلط الله
عليهم من يضطهدهم ويهزمهم بسبب ذنوبهم ومعاصيهم ،وقد
سلب الله منهم التابوت الذي فيه سكينة من الله وبقية مما ترك
آل موسى وآل هارون.
وقد شعر القوم بالذل ومرارة الهزيمة والهوان ،وكان هذا
الشعور عند الجميع ،العامة والمل المالكين فيهم ،فأرادوا أن
58
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
59
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( مع قصص السابقين في القرآن ).(305 ،1/304
60
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
61
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ع
س ٌوا ِ ه َ والل ُ شاءُ َ من ي َ َ ه َمل ْك َ ُ
ؤِتي ُ ه يُ ْوالل ُ سم ِ َ ج ْ وال ْ ِعل ْم ِ َ ال ْ ِ
م" ]البقرة [247 :فيما يأتي: عِلي ٌ َ
ه
فا ُ صطَ َ ها ْ ن الل َ -1الستعداد الفطري للشخص +إ ِ ّ
م". عل َي ْك ُ ْ َ
ةسطَ ً وَزادَهُ ب َ ْ -2السعة في العلم الذي يكون به التدبير َ +
سم ِ". ج ْ وال ْ ِعل ْم ِ َ في ال ْ ِ ِ
-3بسطة الجسم المعّبر بها عن صحته ،وكمال قواه
المستلزم ذلك صحة
سم ِ". ج ْ الفكر +ال ْ ِ
-4توفيق الله تعالى ل سبب له ،وهو المعّبر عنه بقوله:
شاءُ". من ي َ َ ه َ مل ْك َ ُ
ؤِتي ُ ه يُ ْ والل ُ َ +
مل ْك َ ُ
ه ؤِتي ُ ه يُ ْ والل ُسنة الثامنة :هي ما أفاده قوله تعالىَ +: ال ّ
شاءُ". من ي َ َ َ
فمشيئة الله سبحانه ،إنما تنفذ بمقتضى سنته العامة في تغيير
أحوال المم ،بتغييرهم ما في أنفسهم ،وفي سلب ملك الظالمين،
وإيراث الرض للصالحين ،وتأويل هذه اليات وأمثالها مشاهد في
كل زمان ،وأين المبصرون؟
سنة التاسعة :أن طاعة الجنود للقائد في كل ما يأمر به ال ّ
وينهى عنه شرط في الظفر واستقامة المر وقوانين الجندية في
هذا الزمان حتى عند الغربيين مبنية على طاعة الجيش لقواده في
المنشط والمكره والمعقول وغير المعقول.
سنة العاشرة :أن الفئة القليلة قد تغلب بالصبر والثبات ال ّ
وطاعة القواد ،الفئة الكثيرة التي أعوزها الصبر والتحاد مع طاعة
القواد ،لن النصر مع الصابرين ،أي جرت سنته بأن يكون النصر
أثًرا للثبات والصبر ،وأن أهل الجزع والجبن هم أعوان لعدوهم
على أنفسهم وهذا مشاهد في كل زمان.
سنة الحادية عشرة :أن اليمان بالله ،والتصديق بلقائه من ال ّ
أعظم أسباب الصبر والثبات في مواقف الجلء والقتال.
سنة الثانية عشرة :أن التوجه إلى الله بالدعاء مفيد في ال ّ
ه" إذ عطفها ِ الل ن ْ ذإ ب م ه
َ َ ُ ُ ْ ِ ِ ِ مو ز هفَ + قوله: عليه يدل كما القتال
بالفاء على آية الدعاء ،وذلك معقول المعنى ،فإن الدعاء هو آية
اليمان بالله والتصديق بلقائه.
سنة الثالثة عشرة :دفع الله للناس بعضهم ببعض من ال ّ
السنن العامة ،وهو ما يعبر عنه علماء الحكمة في هذا العصر
62
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
تفسير المنار ).(498 -2/495 )(
2
واقعنا المعاصر ،ص .414 )(
3
جيل النصر المنشود ،د .يوسف القرضاوي ،ص .15 )(
4
الرسائل لحسن البنا ،ص .161 )(
5
في ظلل القرآن ).(2/742 )(
63
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
64
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
ويل ً"
]فاطر.[43 :ح ِ
ه تَ ْ
ت الل ِ
سن ّ ِ
لِ ُ
وهكذا يتضح أن سنة التدافع من أهم سنن الله تعالى في كونه
وخلقه ،وهي كذلك من أهم السنن المتعلقة بالتمكين للمة
السلمية ,وما على المة إل أن تعى هذه السنة ،لتستفيد منها
وهي تعمل لعودة التمكين الذي وعدت به من الله رب العالمين
).(1
ولذلك يهتم القرآن الكريم بتعليم المسلمين ما يهمهم من
أمور دينهم ودنياهم ,ويبين بكل جلء ووضوح سنن الله تعالى في
الفاق والمجتمعات والمم ،ويبين كيفية وقوع هذه السنن وما هي
السباب التي تتخذ ،فعندما أراد الله لبنى إسرائيل أن ينصرهم
على عدوهم ويمكن لهم في الرض سبق ذلك التمكين وذلك
النصر أمور ذكرها الله في قصة طالوت عليه السلم ..وقد أجاد
سيد قطب -رحمه الله -في بيان هذه الحقائق فقال) :والعبرة
الكلية تبرز من القصة كلها ،هي أن هذه النتفاضة -انتفاضة
العقيدة -على الرغم من كل ما اعتورها أمام التجربة الواقعة من
جا بعد فوج في مراحل نقص وضعف ،ومن تخلى القوم عنها فو ً
الطريق على الرغم من هذا كله ،فإن ثبات حفنة قليلة من
دا ،فقد كان المؤمنين عليها قد حقق لبنى إسرائيل نتائج ضخمة ج ً
فيها العز والنصر والتمكين ،بعد الهزيمة المنكرة ،والمهانة
الفاضحة ،والتشريد الطويل ،والذل تحت أقدام المتسلطين ،ومن
خلل التجربة تبرز بضع عظات أخرى جزئية ،كلها ذات قيمة
للجماعة المسلمة في كل حين من ذلك:
-1أن الحماسة الجماعية ،قد تخدع القادة لو أخذوا بمظهرها
فيجب أن يضعوها على محك التجربة ،قبل أن يخوضوا بها
المعركة الحاسمة.
-2أن اختبار الحماسة الظاهرة والندفاع الثائر في نفوس
الجماعات ،ينبغي أن ل يقف عند البتلء الول.
أ -فإن كثرة بنى إسرائيل هؤلء قد توّلوا بمجرد أن كتب عليهم
القتال استجابة لطلبهم ،ولم تبق إل قلة مستمسكة بعهدها مع
نبيهم ،وهم الجنود الذين خرجوا مع طالوت.
ب -ومع هذا فقد سقطت كثرة هؤلء الجنود في المرحلة
الولى وضعفوا أمام المتحان الول ،وشربوا من النهر ،ولم يجاوز
معه إل عدد قليل.
ج -وهذا القليل لم يثبت كذلك إلى النهاية ،فأمام الهول الحي،
أمام كثرة العداء وقوتهم ،تهاونت العزائم ،وزلزلت القلوب.
1
)( انظر :التمكين للمة السلمية ص .225
65
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
66
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( في ظلل القرآن ).(263 -1/260
2
)( انظر :مع قصص السابقين في القرآن ).(1/332
67
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
68
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
المبحث الرابع
الرسول صلوات الله وسلمه عليه مع قومه
إن انتصار أهل اليمان على أهل الكفر في المعارك القتالية،
يظهر جلًيا في سيرة النبي × وفي عهد الخلفاء الراشدين وفي
تاريخ المة المجيدة.
إن النبي × بعد استقراره في المدينة شرع يخطط للعمال
الجهادية ،ويحث أصحابه على فنون القتال ويرسل السرايا
والبعوث ،ليضيق على حركة قريش التجارية ،ويؤدب القبائل
وف المتربصين المشركة ويؤمن دولة السلم من أعدائها ،ويخ ّ
بالمسلمين ،ويهيئ أصحابه للمهمات التي تنتظرهم بعد أن أذن
الله لهم بالقتال ،فبعث × مجموعة من البعوث والسرايا حققت
بعض الهداف الستراتيجية من أهمها:
-1الستطلع :حتى يتعرف المسلمون على الطرق المحيطة
بالمدينة والمؤدية إلى مكة ،خاصة الطرق الحيوية التجارية
لقريش في الجزيرة واهتموا بالتعرف على قبائل المنطقة
وموادعة بعضها.
-2الحصار القتصادي :على قريش ومنعها من مواصلة تجارتها
مع الشام ما أمكن إلى ذلك سبيل ً ومنع الحصار القتصادي
المتوقع على المدينة من قبل القبائل المحيطة بها ،وذلك بعقد
أحلف مع بعضها وقتال البعض الخر ,ومفاجأة كل تجمع يخشى
ظا سريع الحركة ما منه ضرر على الدولة المسلمة ،فكان × يق ً
يكاد يسمع بتجمع للمشركين يهدده إل فاجأهم وشتت شملهم
وألقى الرعب في قلوبهم ،فالهجوم عنده أقوى وسائل الدفاع.
-3لقد أثبتت حركة السرايا والبعوث أن المسلمين أصبحوا
قوة يحسب لها حسابها من قبل المشركين من قريش والقبائل
المجاورة ,واضطرت بعض القبائل إلى مهادنة وموادعة
المسلمين ،هذه بعض الهداف التي حققتها تلك السرايا والبعوث.
إن معارك النبي × ضد المشركين وانتصاره عليهم نوع من
أنواع التمكين ,ومن أهم هذا المعارك :بدر ،والخندق ،ففي معركة
قدْ ول َ َقال تعالىَ +: النصر من الله تعالى, حقيقة
أندر َ بدر بّين تعالى
ن"شك ُُرو َ عل ّك ُ ْ
م تَ ْ ه لَ َ فات ّ ُ
قوا الل َ م أ َِذل ّ ٌ
ة َ وأن ْت ُ ْ
ه ِ ٍ َ
ْ َ بب صَرك ُ ُ
م الل ُ نَ َ
]آل عمران.[123:
ج ّ
ل, إن الله تعالى بين أن النصر ل يكون إل من عند الله عَّز وَ َ
والمعنى ليس النصر إل من عند الله دون غيره ،و)العزيز( أي ذو
69
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :تفسير ابن كثير ).(1/411
2
)( المصدر نفسه ).(2/303
70
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
71
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :حديث القرآن الكريم عن غزوات الرسول × ).(491 ،1/490
2
)( البخاري ،كتاب المغازي ،باب غزوة الخندق ) (5/58رقم .4109
72
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :الحكمة في الدعوة إلى الله ص ).(220
73
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
74
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
75
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الفصل الثالث
المشـــــــاركة في الحكــــم
تمهيد:
إن تولى أهل التوحيد واليمان أعباء الحكم لدولة غير مؤمنة
نوع من أنواع التمكين ،وقد أشار القرآن الكريم لهذا النوع من
عل ِْني
ج َالتمكين في قصة َ يوسف عليه السلم ,قال تعالى+:ا ْ
م" ]يوسف.[55 : عِلي ٌ
ظ َفي ٌ
ح ِض إ ِّني َ عَلى َ
ن الْر ِ
خَزائ ِ ِ َ
لقد تقدم يوسف عليه السلم بهذا الطلب إلى ملك مصر
المشرك من أجل عقيدته ودعوته وتقديم الخير للناس ،ولقد
تحرك يوسف عليه السلم وفق المكانات والظروف التي مّر بها
واستفاد من الفرصة التي سنحت له.
وهذا المسلك الذي اتخذه يوسف عليه السلم يدلنا على أن
طرائق نشر السلم ،ودعوة المجتمعات إلى اليمان له أكثر من
سبيل ،كما أن هذا المسلك ل يوجد فيه تناقض بين المبدأ الذي
يحمل رايته ،وهو أن الحكم لله والعبودية المطلقة للواحد الديان
وبين توليه الوزارة ،ليجعل المجتمع أقرب إلى دعوة الله ،وهذا
أمر ل شك فيه ،لن يوسف عليه السلم نشر دعوة التوحيد في
دة الحكم.س ّالسجن فكيف به وهو في ُ
دا للحركات إن دخول يوسف عليه السلم في الوزارة كان سن ً
السلمية المعاصرة التي ترى جواز المشاركة في الحكومات
الجاهلية إذا كان للمشاركة مصلحة كبرى أو دفع شر مستطير ،ولم
يا ,وذهب إلى را جذر ً
يكن بإمكان المشارك أن يغير في الوضاع تغيي ً
هذا الجتهاد كثير من العلماء وأهل الحل والعقد في الحركات
السلمية المعاصرة إل أن هذه المسألة لم تخل من معارضة بعض
الباحثين الذين استدلوا بأدلة تدل على عدم جواز المشاركة في
الوزارة التي تحكم بشريعة غير شريعة الله ,واعتبر مسألة المشاركة
في الحكم من مسائل العقائد ،والذي يبحث في هذه المسألة من
الناحية الشرعية والممارسات التاريخية يصل إلى نتيجة أن المسألة
تدخل تحت السياسة الشرعية للجماعة المسلمة الرشيدة التي
تسعى لتحكيم شرع الله والتمكين لدينه؛ ولذلك سنحاول أن نناقش
الموضوع مناقشة علمية هادئة بعيدة عن التوتر والتشنج ،وإنما
مقصدنا الوصول إلى ما يحبه الله ويرضاه.
76
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
المبحث الول
أدلة المانعين والقائلين بالجواز في المشاركة في الحكم
ل :أدلة المانعين المشاركة في الحكم: أو ً
يرى أصحاب الرأي الذي يمنع دخول السلميين من المشاركة
في الحكم أدلة من أهمها:
-1النصوص الحاكمة على من لم يحكم بغير ما أنزل الله
بالكفر والظلم والفسق:
فأول َئ ِ َ ُ َ
مه ُ ك ُ ه َ ل الل ُ ما أن َْز َ م بِ َ حك ُ ْ م يَ ْ من ل ّ ْ و َ ْ قال تعالىَ + :
ن" ]المائدة.[44 : فُرو َ كا ِال َ
مه ُ ك ُ فُأول َئ ِ َ ه َ ل الل ُ ما أ َن َْز َ م بِ َ حك ُ ْ م يَ ْ من ل ّ ْ و َ ّوقال تعالىَ + :
ن" ]المائدة.[45 : مو َ الظال ِ ُ
فأول َئ ِ َُ َ
م ه ُ ك ُ ه َ ل الل ُ ما أن َْز َ م بِ َ حك ُ ْ م يَ ْ من ل ّ ْ و َ ْ وقال تعالىَ + :
ن" ]المائدة.[47 : قو َ س ُ فا ِ ال َ
م إ ِل ّ لل ِ
ه حك ْ ُ ن ال ْ ُ َ -َ 2إن الحاكمية يجب أن تكون لله وحده+:إ ِ ِ
دوا إ ِل ّ عب ُ ُ مَر أل ّ ت َ ْ أ َ
ه" ]يوسف.[40 : إ ِّيا ُ
-3نهى رب العالمين المؤمنين أن يحتكموا إلى شريعة غير
ك لَ وَرب ّ َ فل َ َ شريعة الله ،وجعل ذلك منافًيا لليمان ,قال تعالىَ +:
في دوا ِ ج ُم ل َ يَ ِ م ثُ ّ ه ْ جَر ب َي ْن َ ُ ش َ ما َ في َ ك ِ مو َ حك ّ ُ حّتى ي ُ َ ن َ مُنو َ ؤ ِ يُ ْ
ما" ]النساء.[65 : سِلي ً موا ت َ ْ سل ُّ وي ُ َ ت َ ضي ْ َ ق َ ما َ م ّ جا ّ حَر ً م َ ه ْ س ِف ِ أ َن ْ ُ
-4في المشاركة في الحكم غير السلمي مفاسد عظيمة،
يحادون الله في أمره ،وينازعونه في فالذين ل يحكمون شرع الله
َ َ
ياهُ" ]يوسف: ّ
دوا إ ِل إ ِ ّ عب ُ ُ ّ
مَر َأل ت َ ْ هأ َ م إ ِل ّ لل ِ حك ْ ُ ن ال ْ ُ حكمه +إ ِ ِ
دا" ]الكهف ،[110 :فكيف ح ً هأ َ ة َرب ّ ِ عَبادَ ِ رك ب ِ ِ ْ ِ شْ ُ ي ول َ َ + ،[40
يشارك المسلم في هذا النوع من الحكم؟
-5مشاركة المسلم في هذا النوع من الحكم توقعه في
تناقض كبير ،فالمسلم مطالب بأن يجاهد ،لقامة حكم الله ،وينكر
ما أشد النكار على من حكم بغير ما أنزل الله ،فكيف يكون مقي ً
للحكم بغير ما أنزل الله.
-6إن طاعة الحكام فيما يشرعونه مخالفين أمر الله تعنى
ذوا خ ُ َاتخاذ المطيع لهم أرباًبا َمن دون الله ،كما قال تعالى+ :ات ّ َ
ن
ح اب ْ َ سي َ م ِ وال ْ َ ه َ ن الل ِ دو ِ من ُ م أْرَباًبا ّ ه ْ هَبان َ ُ و ُُر ْ م َ ه ْ حَباَر ُ أ ْ
دا" ]التوبة.[31 : ً ح ِ وا ِ ً َ ها َ ل إ دوا ب
َ ْ ُ ُ ع ي ِ ل ّ ل ِ إ روا ُ م ِ أ ما م ْ َ َ َ َ
و م ي ر َ
77
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
78
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( مجموع فتاوى شيخ السلم ).(57 ،20/56
2
)( في ظلل القرآن ).(12/1990
3
)( في ظلل القرآن ).(13/2020
79
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
80
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( تفسير الألوسي ).(13/5
2
)( فتح القدير ).(3/35
81
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
شواهد من التاريخ الحديث في المشاركة
استطاع السلميون في بعض بلدان العالم السلمي أن
يدخلوا بعض الوزارات عن طريق النتخابات والمصالحات
والحلف التي عقدوها مع بعض النظمة والحزاب ،وأثارت هذه
الخطوات الجريئة مناقشات واعتراضات في داخل الحركات
السلمية وخارجها ،ولذلك نحاول أن نسلط الضواء على بعض
هذه التجارب والتي من أهمها :تجربة الردن ،واليمن ،وتركيا،
ولقد راعت هذه الحركة القواعد الشرعية في مبادئ المصالح
والمفاسد ،وحاولت جاهدة أن تلتزم بقواعد الضرورة ،ومصلحة
العمل السلمي ،ومصالح المسلمين في هذه القطار ،فإذا كانت
هناك مصلحة حقيقية أو كان في اشتراكها في الحكومات سيعود
دا كبيًرا وضرًرا
بالنفع العميم على المسلمين ,أو سيمنع فسا ً
مصيرًيا يحيق بهم أو يهدد وجودهم فالشتراك في هذه الحالة
يدخل في حكم الواجب بالنسبة لها.
لقد دخلت هذه الحركات المباركة في تجارب الحكم ،ضمن
شروط واضحة ومصالح بينة ،وضرورة تفرضها الظروف
واستراتيجية مدروسة والتزام بالقواعد الشرعية عند الممارسة،
فلم يكن الحكم واستلم السلطة هدًفا بذاته تتمسك به هذه
الحركات على حساب المبادئ أو على حساب الشعب ،أو على
حساب الحركات ،أو على حساب أقوات الناس ،أو على حساب
استقلل البلد واسترجاع الوطان ،ولقد شاركت هذه الحركات
في الحكم بالطرق الشرعية عن طريق تفويض الشعب لهم خلل
النتخابات ،ولقد قامت هذه الحركات بدراسات سياسية
واجتماعية واقتصادية وأمنية ..إلخ ،قبل الدخول في الحكم حتى
تأكدوا أن وجودهم في مقاعد السلطة أفضل للسلم والمسلمين
من مقاعد المعارضة.
أو ً
ل :الحركة السلمية في الردن:
ل يزال وضع الحركة السلمية في الردن يختلف عن كثير من
بلد العالم السلمي ،إذ كانت الردن تتميز عن غيرها بالحريات
وإعطاء العمل السياسي فرصة أكبر ،ولذلك وجدت الحركة
خا طبيعًيا لعمالها السياسية والدعوية
سا ومنا ً
السلمية متنف ً
والجتماعية والتربوية والتعليمية.
ويعتبر تاريخ تأسيس الحركة السلمية في الردن عام 1946م
وهي السنة التي حصل فيها الردن على استقلله وسعت منذ
تأسيسها إلى إحياء مظاهر الحياة السلمية في المجتمع الردني،
82
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
83
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :مشاركة السلميين في السلطة ،ص ).(104 ،103
84
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :مشاركة السلميين في السلطة ،ص .106 ،105
85
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
86
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
87
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
89
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
90
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( المصدر نفسه ،ص .155
91
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
92
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
93
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
95
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
96
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
97
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( الحركات السلمية الحديثة في تركيا ،د .أحمد النعيمى ص .187 -184
98
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
99
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :الحركات السلمية الحديثة في تركيا ،ص .127
2
)( المصدر نفسه ،ص .127
100
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
101
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
102
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
103
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
104
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
ومالله ويوجه صواريخه إلى أعداء السلم ،وفي هذا المجال ،يق ّ
لنا نجم الدين أربكان النظامين الشتراكي والرأسمالي ,وفيما
يتعلق بالول يقول أربكان » :إنه فكر يهدد الحريات ،ويضر
بالكيان القومي ،ويركز على مصادر أجنبية« ) ،(1أما فيما يتعلق
بالثاني ،يقول أربكان» :الفكر الرأسمالي هو فكر يقوم على الربا،
ضا ،أما حزب السلمة فيمضى في طريقة رافًعا ومصدره أجنبي أي ً
راية الخلق والصالة ،إن النظام الرأسمالي والنظام الشتراكي
ل يقتصران على ميدان القتصاد ،وإنما يمتد تأثيرهما إلى
الميدانين الجتماعي والمعنوي ،ورغم اختلف النظامين في
الظاهر ،فكلهما مادي ،وكلهما يعمل على النهوض بالجانب
المادي في مقابل انحطاط الخلق والمعنويات ،وكلهما يزداد
عا مادًيا مع هبوط الثقافة والخلق« ).(2
ارتفا ً
إن غاية حزب السلمة هو الوصول إلى فهم »تركيا الكبرى«
وحرص على التمسك بالماضي العثماني المجيد وبّين للناس أهمية
اللتزام بالسلم واتبع سياسة تؤدي في مداها البعيد إلى القضاء
على مبادئ أتاتورك العلماني ،وهو في نفس الوقت يدعو إلى
عدم التعاون مع العناصر غير السلمية في تركيا ،وهو في نفس
الوقت يعارض الشيوعية بعنف ،ويؤكد على أن أفضل طريق
لنتشار المبادئ السلمية هو توفير الحياة الحرة للمواطن
التركي.
ودعا أربكان إلى ضرورة تطوير علقات تركيا مع العالم
السلمي في المجالت كافة ،حيث قال) :وأن ل تظل هذه
العلقات صورية ،وإنما يجب أن تكون علقات فعلية متطورة،
حيث إن في العالم ما يقرب من خمسين دولة إسلمية يبلغ
سكانها ملياًرا ،وهذه الدول السلمية سوق طبيعية قوية لنتاجنا(
).(3
وعلى هذا الساس ،فقد انتقد أربكان كل ً من الصهيونية
والماسونية ) (4حيث قال في هذا المجال» :إن الصهيونية
والماسونية حاول عزل تركيا عن العالم السلمي ،ومؤامراتهم
مستمرة ،ذلك أن المعركة بين السلم في تركيا والصهيونية قد
اتخذت أشكال ً عدة وهي حرب طويلة المدى ،ومستمرة منذ
خمسة قرون ،منذ فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية
1
)( يقظة السلم في تركيا أنور الجندي ،ص .30 -29
2
)( (3) ,المصدر نفسه.30 ،
3
)(
4
)( انظر :الحركات السلمية الحديثة في تركيا ،د .النعيمي ،ص .141
105
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
وعمل على فتح رومية ،ولكن هذا الصراع في المائة سنة الخيرة،
فا ،فاستطاعت بعض القوى عام أخذ شكل مخطط أعد له سل ً
1839م أن تؤثر في جسم الدولة الفكري ،وتدخل القوانين
الوضعية البعيدة عن السلم بوساطة المنظمات اليهودية
الماسونية ،وقسم العمل اليهودي في تركيا إلى ثلث مراحل
مدتها ثلثون سنة ،وهي عبارة عن تنفيذ فكرة ليتويود وهرتزل
بإسقاط الدولة السلمية في تركيا ،أما المرحلة الثانية ،فقد
استمرت عشرين سنة ،وكانت لبعاد تركيا عن السلم ،ثم نشأ
حزب التحاد والترقي ،وكانت له علقة باليهود والماسونية ،ومن
ثم استطاع إسقاط السلطان عبد الحميد ،وبدأ في إبعاد تركيا عن
النمط السلمي وتغريبها بطرق عديدة أهمها العلمانية التي كانت
تعنى في تركيا بالتحديد اضطهاد المسلمين« ).(1
وقد خاض حزب السلمة الوطني النتخابات العامة لعام
1973م حيث حصل على 9و %11من الصوات ،أي بواقع
24.1مليوًنا من أصوات الناخبين ونتيجة لذلك فقد مثل نفسه في
دا ).(2
المجلس الوطني التركي بواقع 45مقع ً
وقد أعلن أربكان عشية انتخابات 1973م» :أننا سنعيد عهد
الرسول × ،كما أعلن أربكان بعد النتخابات أن شعار حزبه هو
)المفتاح( ,وهذا ما سيؤهل للحزب فتح الطريق المغلقة أمامه،
ويكون مفتاح كل الحكومات الئتلفية« ).(3
ونتيجة لذلك فقد تكونت أول حكومة ائتلفية ،ضمت حزب
الشعب الجمهوري ،وحزب السلمة الوطني ،وذلك في 25كانون
الثاني 1974م ،حيث ضمت الوزارة ثمانية عشر وزيًرا من أعضاء
حزب الشعب الجمهوري ،وسبعة أعضاء من حزب السلمة.
ويفضل الله تعالى ثم جهود حزب السلمة الوطني بقيادة
أربكان ،مثلث تركيا ولول مرة في آذار 1974م في مؤتمر القمة
السلمي ،وقد اختير وزير الداخلية التركي وهو من حزب السلمة
الوطني في هذا المؤتمر.
إن نشاط حزب السلمة الوطني خلل السبعينيات أدى إلى
خرق المظاهر العلمانية في تركيا ،حيث انتشرت بعض المظاهر
السلمية في تركيا وخاصة في شهر رمضان ،كما تم التوسع في
المدارس السلمية ،حيث سمح لها بتدريب الئمة والوعاظ،
وأصبحت هذه المدارس تعلم حوالي %10من الطلب في
1
)( الصحوة السلمية منطلق الصالة وإعادة بناء المة على طريق الله،
الجندي ،ص .117
2
)( انظر :الحركات السلمية الحديثة في تركيا ،د.النعيمي ،ص .142
3
)( المصدر نفسه ،ص .143
106
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
107
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
2
)( الحركات السلمية الحديثة ،د .النعيمي ص .150
108
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
109
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
110
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :تحديات سياسية تواجه الحركة السلمية ,ص .87
111
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الفصل الرابع
إقامــــــــــة الدولـــــــــــة
تمهيد:
من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم وصول أهل
دة الحكم وتوليهم لمقاليد الدولة, س ّ
التوحيد واليمان الصحيح إلى ُ
لقد تحدث القرآن الكريم عمن قادوا دول ً وساسوا شعوًبا بشرع
الله ,من أمثال داود وسليمان عليهما السلم ,والحاكم المؤمن
والفاتح الصالح ,والقائد العادل )ذي القرنين( وجعلهم قدوة ومثل ً
رائًعا لهل اليمان على مر الدهور وكر العصور وتوالي الزمان,
وسلط القرآن الكريم الضواء على جوانب هامة من أعمالهم
وجهادهم العظيم الذي استهدفوا به التمكين لمثل عليا ,ومبادئ
رفيعة ,وقيم سامية ,وأخلق فاضلة انبثقت من اليمان بالله
واليوم الخر ,بعيدة كل البعد عن الكبرياء الوطنية ,والمجاد
القومية ,والنزعات العرقية ,وتقديس التراب والزعماء ,ولم تكن
فتوحاتهم وأعمالهم المجيدة تستهدف سيادة عسكرية أو مغانم
اقتصادية ,أو تطلعات توسعية أو نزوات عنصرية التي يبعث عليها
حب التسلط والرغبة في العلو.
شا استهدفت كرامة النسان إنما خاضوا حروًبا وقادوا جيو ً
وتخليصه من الشرك والوهام والنحرافات العقدية ,وإزالة الظلم
عن البشر وإقامة العدل ,ودعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة,
والمنهج السليم ,والتصور الرباني.
وكان للنبي × والخلفاء من بعده حظ وافر من هذا النوع من
التمكين نحاول أن نسلط الضواء في هذا الفصل على بعض
معالمه ,وسنعرج على التاريخ السلمي القديم والحديث لنضرب
بعض المثلة الحية بإذن الله تعالى لنستخرج الدروس والعبر من
هذه الدراسة المتواضعة.
***
112
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
المبحث الول
تمكين الله تعالى لداود وسليمان عليهما السلم
ل :داود عليه السلم: أو ً
يبدأ العصر الذهبي لبني إسرائيل مع ظهور داود عليه السلم
في القتال عندما أكرمه الله تعالى بقتل جالوت ,وبّين القرآن
دا في جيش طالوت ,وممن الكريم أن داود عليه السلم كان مجاه ً
نجحوا في المتحان العسير الذي قرر رئيس الجيش أن يخوضه
جميع جنوده فسقط من سقط ونجح من نجح.
لقد رفع داود عليه السلم راية النصر وشرع في إعادة
التمكين لبني إسرائيل بعد قتله لجالوت ,وكان إذ ذاك فتى ,وتم
له الظفر ,فالتقت على محبته القلوب ,وتأكدت له أواصر
الخلص ,وأصبح بين عشية وضحاها حديث بني إسرائيل ,يكنون
له في نفوسهم الحترام والمحبة والتوقير ,ومنذ ذلك الحين بدأ
نجمه يصعد في السماء وينتقل من ظفر إلى ظفر ,ويجيئه النصر
يتبعه النصر ,حتى ولى الملك أخيًرا ,وأصبح ذا سلطان وظهرت
عا إلى ملمح الحكم في زمنه في عدله وحكمه ,وكان أواًبا رجا ً
ربه بالطاعة والعبادة والذكر والستغفار.
لقد كان منهج التغيير في زمن داود عليه السلم هو الصراع
المسلح بين قوى الخير والشر ,واليمان والكفر ,والهدى والضلل,
وبالفعل تم دمغ الباطل وإضعافه ووصل بنو إسرائيل إلى قمة
مجدهم وعزهم.
إن داود عليه السلم شد ّ ملكه بالتسبيح والذكر والطاعة,
فكان عليه السلم يسبح بالعشي والشراق ,وتجاوبت الجبال مع
ذكره العذب الجميل ,وكذلك تجاوبت الطيور ,قال تعالى+ :إ ِّنا
ق" ]ص,[18: شَرا ِ وال ِ ْ ي َ ش ّ ع ِ ن ِبال ْ َ ح َ سب ّ ْه يُ َ ع ُ م َ ل َ جَبا َ خْرَنا ال ْ ِ س ّ َ
شدَدَْناو ََ + وجل: ز
ّ َ ع كتابه في ذكرها عظمى هبة الله فوهبه
ب" ]ص ,[20:أي جعلنا طا ِ خ َ ل ال ْ ِ ص َ ف ْ و َ ة َم َحك ْ َ وآت َي َْناهُ ال ْ ِ ه َ مل ْك َ ُ ُ
له ملكا كامل من جميع الملوك العظماء ,بحيث ل يتمكن منه ً ً
أعداؤه لكثرة جيوشه ,وكثافة حراسه التي قيل إنهم كانوا ألوًفا
دا,
ينكسر له جيش في معركة أب ً كثيرة يتناوبون في حراسته ,ولم
ما
على َ َ صِبر َ تعالى+ :ا ْ
)(1
دا بعون الله ونصره ,قال فقد كان مؤي ً
ذا اليد إن ّه أ َ
ب" ]ص.[17: وا ٌ ِ ُ ّ ِ ْ َ َ د و
ُ دا َ نا
َ َ د ْ ب ع
َ ر ُ
واذْ ْ
ك ن َ قوُلو َ يَ ُ
أ -إن المتأمل في القرآن الكريم في قصة داود عليه السلم
يتعرف على صفات الحاكم المؤمن الذي مكن الله له ,وهي تحقق
1
)( انظر :تفسير القرطبي ).(15/162
113
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( مسلم ,كتاب الصيام ,باب النهي عن صوم الدهر ) (2/816رقم .189
2
)( تفسير ابن كثير ).(4/29
114
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :تفسير المنير ,وهبة الزحيلي ).(23/185،184،183
2
)( انظر :قصص الرحمن في ظلل القرآن ).(4/36،35
115
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
116
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
117
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
118
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( المصدر نفسه ).(17/105
119
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
120
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
على اليمان والتوحيد وتقوى الله تعالى ,لقد أوتي سليمان عليه
السلم الملك الواسع والسلطان العظيم بحيث لم يؤت أحد مثلما
أوتي ,ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء أعظم وأكرم ,هيأه لن يكون
منح العلم شخصية فريدة متميزة في التاريخ ,لقد أعطي النبوة ,و ُ
وأوتي الحكمة ,وذلك مثلما أعطي أبوه من قبل ,قال تعالى:
ذي ه ال ّ ِ مدُ لل ِ ح ْ قال َ ال ْ َ و َ ما َ عل ْ ً ن ِ ما َ سل َي ْ َ و ُ ود َ َ دا ُ قدْ آت َي َْنا َ ول َ َ َ +
ن
ما ُ ي
ُ ُ ْ َ َ ل س ث
َ ر و
َ َّ ِ و نَ نيِ م
ِ ْ
ؤ م
ُ ْ ل ا ه
ِ د
ِ باَ عِ ن م
َ ٍ ّ ْ ر ثي ِ َ ك لى َ ع
َ نا َ َ لضّ ف َ
من وأوِتيَنا ِ ر َ ق الطي ْ ِ منطِ َ مَنا َ ّ
عل ْ س ُ ها الّنا ُ وقال َيا أي ّ َ َ َ ود َ َ دا ُ َ
ن" ]النمل.[16،15 : مِبي ُ ل ال ْ ُ ض ُ ف ْ و ال ْ َ َ ه
ُ َ ل ذا َ هَ ن
ّ إ
ْ ِ ء
ٍ ي شَ ل ّ ُ ك
إن سليمان عليه السلم لم يرث عن أبيه مال ً أو داًرا أو عقاًرا,
وإنما ورث عنه العلم والحكمة وورث النبوة والحكم ,وأعطاه الله
دا بعده فقد سأل الله عّز ما وهبات خاصة به لم يعطها أح ً تعالى نع ً
فْر ِلي غ ِبا ْ َ َّ ر + وقال: أحد, إليه يصل ل بعطاء يخصه وجل أن
ب"ها ُ و ّ ت ال َْ دي إ ِن ّك أن َ َ ع ِ من ب َ ْ د ّ ح ٍ غي ل َ ّ
ملكا ل َينب َ ِ ً ْ ب ِلي ُ ه ْ و َ َ
كا ل يكون لحد من البشر من بعدي ]ص ,[35:يعني :أعطني مل ً
مثله).(1
وإننا ونحن نمضي مع ما يحكيه القرآن عن سليمان عليه
السلم ,فإننا نعيش مع أنصع الصفحات المشرقة من عصور بني
إسرائيل الذهبية أيام كانوا على الدين الصحيح.
يحدثنا القرآن أنه عليه السلم أقام مملكته على أسس من
ملكه مفخرة عن اليمان بالله والسلم له ,ولهذا اعتبر سليمان ُ
ولكن لن ملك ملك بلقيس ليس لمتداده وسعته وتفوقه فحسب,
وُأوِتيَنا َ + فقال: سليمان قام على العلم وأسس على اليمان
د ب
ْ ُ ُ ع ّ ت نت َ كا َ ما َ ها
َ صد ّ و َ نَ مي َ سل ِ ِ م ْ وك ُّنا ُ ها َ قب ْل ِ َ من َ م ِ عل ْ َ ال ْ ِ
ن"]النمل.[43،42 : ري َ ف ِ كا ِ وم ٍ َ ق ْ من َ ت ِ كان َ ْ ها َ ه إ ِن ّ َ ن الل ِ دو ِ من ُ ِ
وإننا لنلمح من خلل القرآن أن دولة سليمان عليه السلم كانت
ما بواجب مفعمة بالحيوية ,مائجة بالحركة ,وكان عليه السلم قائ ً
العبودية إلى جانب القيام بمهام الملك ومسئوليات الحكام وإعمار
عا ,وجاء على المعمورة الدنيا بطاعة الله ,حتى دانت له الرض جمي ً
وقت لم يكن فيها لسليماندن ّمنازع في الحكم والملك ول شبيه
مماثل في العلم والحكمة.
لقد تحدثت اليات الكريمة عن صفات وأحوال سليمان
الحكيم ,فهي صفات وأحوال تحكي مواقف حاكم مسئول عن
إدارة شئون الرض ,لما عليها من مخلوقات ,فهل كانت هذه
المسئوليات الهائلة التي تكاد تتصور في عصرنا ,هل كانت عقبة
أمام سليمان في سلك المنهاج القيم للحكم ,والطريق الناجح في
الدارة؟ بالقطع ل .بل كان عليه السلم يدير هذه المملكة
1
)( تفسير ابن كثير ).(4/40
121
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
123
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
124
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
125
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
126
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
عا للهوى أو ل اتبا ً ي" نهي عن النقياد لغير الله عّز وج ّ
ْ عل َ ّ
عُلوا َ تَ ْ
ن" فيه الحث على مي َ سل ِ ِم( ْ وأُتوِني ُ طاعة للنفس ,وقولهَ + :
اليمان بالقلب والسلم بالجوارح). 1
وعلى القائمين بأمر الدعوة إلى الله أن يكونوا متعالين على
حطام الدنيا ,فعندما تعرض عليهم رشوة في الدين ,أو رهاًنا على
ن َ
دو ُن َ ِ م ّ السلم+ :أت ُ ِ ل أَ المبدأ ليكن الشعار ما قال سليمان عليه
م
ْ ك ِ ت ّ ي د
ِ ه
ْ ِ َب م ُ تْ ن ْ َ ب م ما آَتاك ُ ْ م ّخي ٌْر ّ ه َ ما آَتاِني الل ُ ف َل َ
ما ٍ بِ َ
ن" ]النمل.[36: تَ َ ُ َ
حو ر فْ
فملكة سبأ عندما عملت الحيلة لختبار سليمان عليه السلم,
وتفتق ذهنها عن بعث هدية له تمتحن بها حبه للدين ,فأظهر عليه
السلم عدم الكتراث بهذا المال ,وأعلم من جاءوا به أن الله تعالى
آتاه الدين الذي هو السعادة القصوى ,وآتاه من الدنيا ما ل مزيد عليه,
فكيف يستمال مثله بمثل هذه الهدية؟! وصارحهم بأنهم هم الذين من
شأنهم الفرح بتلك الهدية التي ظنوا أنه سيفرح بها ,أما هو فلن يقبل
منهم إل السلم أو السيف).(2
-5المقدرة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب
للمكان المناسب ,وعدم التردد في القرار الصعب للتغلب على
الحال الصعب ,فعندما وجد سليمان عليه السلم ,أن القوم ما
زالوا على الشرك ,بل يريدون استمالته وتنحيته عن صلته في
الحق ,قال للوفد الذي جاء بالهدية+ :ارجع إل َيهم َ ْ
هم فل َن َأت ِي َن ّ ُ ْ ِ ْ ِ َْ ِ ْ
م ه ْ و ُ ها أِذل ّ َ
ة
ً من ْ َ هم ّ جن ّ ُر َ
خ ِول َن ُ ْها َ م بِ َ ل لَ ُ
ه ْ جُنوٍد ل ّ ِ
قب َ َ بِ ُ
ن" ]النمل.[37: غُرو َ صا ِ َ
ول مانع من ركوب الشدة مع المعاند ,واستعمال القوة في
إرهاب من يصد عن الدعوة ,فإن ذلك قد ل ينفع غيره في إنقاذ
الناس من الشرك ,بل من المعادن البشرية ما ل يلين إل تحت
وهج السيف وسنابك الخيل ,وكان هذا السلوب سبًبا في إسلم
ملكة سبأ وانقيادها وجنوده لسليمان عليه السلم ,ول مانع من
استعمال الذكاء والعقل النير ,ودقة التدبير ,في استجلب قلوب
المدعوين إلى الدين واستخدام نعم الله في دللة الخلق على
الله ,ومخاطبة الناس بالكيفية التي تستهوي قلوب عوامهم
وتجلب احترام خواصهم ,فسليمان عليه السلم لما بلغه خبر مجئ
ملكة سبأ في جمع من حاشيتها وجنودها ,أراد أن يعلمها مدى ما
أعطاه الله من قوة حتى إن عرشها الذي تركته في حماية عظيمة
وحرس كثيف يسبقها إليه).(3
1
)( انظر :روح المعاني لللوسي ).(24/195
2
)( انظر :الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ).(2/598
3
)( انظر :الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ).(2/598
127
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
128
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
ن
ع ِم َ ه ْ صد ّ ُ م َ
ف َ ه ْ مال َ ُ ع َ ن أَ ْ طا ُ شي ْ َ م ال ّ
َ ه ُ ن لَ ُ وَزي ّ َ ه َ ن الل ِ دو ِ من ُ ِ
ج
ر ُ ِ خ
ْ ُ ي ذيِ ّ ل ا هِ لل دوا ُ ج
ُ س
ْ َ ي ّ ل أ نَ دو ُ َ ت ه
ْ َ ي َ ل م
ْ ه
ُ فَ ل بي
ْ ِ ِ سّ ال
ما و َن َ فو َ خ ُ ما ت ُ ْ م َ عل َ ُ وي َ ْ ض َ ِ وال َْر ت َ وا ِ ما َ س َ في ال ّ بء َ ِ خ ْ ال َ
ظيم ِ" كل هذا َ ِ ع ْ لا ش ر ع ْ ل ا ب ر
ُ َ َ ّ و ه ّ ل إ ه َ ل إ َ ل ه الل نعل ِ ُ َ
نو تُ ْ
َ ْ ِ ِ َ ِ ُ
وسليمان ل يقاطعه ,ول يكذبه ,ول يعنفه ,حتى ينتهي من سرد
الحجة ,التي كانت مفاجأة ضخمة لسليمان عليه السلم.
-4قبول العتذار ممن يعتذر في الظاهر ,وإيكال سريرته إلى
الله تعالى ,فسليمان عليه السلم سكت عن المؤاخذة وانتقل إلى
تحري الخبر ,قال القرطبي رحمه الله) :هذا دليل على أن المام
يجب عليه أن يقبل عذر رعيته ,ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر
أحوالهم بباطن أعذارهم ,لن سليمان لم يعاقب الهدهد حين
اعتذر إليه( ).(1
-5التروي في تصديق الخبر؛ فهذا الذي حكاه الهدهد ,أمر
ليس بالسهل ول باليسير ,ثم إن الهدهد ل يجرؤ على اختلق هذه
القصة الطويلة ,وهو يعلم تمكن سليمان من الرعية ,ومقدرته
على التأكد من صحة الخبار ,ومع ذلك لم يبادر عليه السلم إلى
سَننظُُر" وهو التصديق ,كما أنه لم يتعجل التكذيب ,بل قالَ + :
من النظر ,أو
التأمل والتحري).(2
ن ال ْ َ َ َ
ن" يعني أصدقت كاِذِبي َ )(3
م َ ت ِ كن َ م ُ تأ ْ ق َ صد َ ْ سَننظُُر أ َ َ +
في خبرك أم كذبت لتتخلص من الوعيد؟ .
-6عدم الغترار بقوة النفس وكثرة الجند وسعة السلطان,
وإسناد الفضل إلى الله في كل نعمة ,وتجديد الشكر على هذه
النعم ,وسليمان عليه السلم لما طلب التيان بعرش بلقيس
أجابته جنوده التي سخرها الله له مسارعين إلى الطاعة؛ فلما
عا سارع إلى ضبط النفس وجد سليمان طلبه مجاًبا ,وأمره مطا ً
في سلك الخشية ومنهاج التواضع والطاعة لله رب العالمين:
ه" ]النمل [40:أي رأى العرش ثابًتا عندَ ُ قّرا ِ ست َ ِ م ْ ما َرآهُ ُ فل َ ّ َ +
ل َرّبي" أي هذا النصر والتمكين من ض ِ ف ْ من َ ذا ِ ه َ ل َ قا َ عندهَ + :
فضل ربي ليختبرني أأشكر نعمته أم أكفرها ,فإن من شكر ل
يرجع نفع شكره إل على نفسه حيث استوجب بشكره تمام النعمة
ودوامها والمزيد ,ومن كفر النعم فإن الله غني عن شكره ,كريم
في عدم منع
1
)( المصدر نفسه ).(13/184
2
)( تفسير الرازي ).(24/193
3
)( تفسير ابن كثير ).(3/349
129
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
تفضله عنه).(1
-7التواضع وهو في قمة المجد والتمكين :كان سليمان عليه
السلم دائم التواضع حتى قيل إنه كان يمشي منكسر الرأس
عا لله ,وأثناء استعراضه لجنوده من الجن والنس والطير, خشو ً
مر على وادي النمل ,وفي نظرة التواضع إلى الرض؛ أبصر نملة,
فأشخص النظر صوبها ,وأصاخ السمع إليها ,وبما علم من منطق
الطير والحيوان حاول أن يتفهم أمرها ,لقد علم أنها تتخوف من
الجنود في ركب سليمان ,لقد سمعها وفهم قولها: بطش أقدام
ُ َ َ
م ُ
من ّك ْ حطِ َ م ل يَ َْ ُ
ساك ِن َك ْ م َ خلوا َ ل اد ْ ُ م ُ ها الن ّ ْ ة َيا أي ّ َ مل ٌ ت نَ ْ +قَال َ ْ
ن" ]النمل .[18:نعم إنها كائن عُرو َ ش ُ َ
م ل يَ ْ ه ْ و ُ جُنودُهُ َ و ُ ن َ ما ُ سل َي ْ َُ
صغير في مملكة ضخمة عظيمة ,تسعى كأخواتها للرزق ,وتنصح
لهم أن يفسحوا الطريق أمام ركب الملك العادل ,حتى ل تقع
مظلمة غير مقصودة من أحد منهم ,قال القرطبي رحمه الله:
)التفاتة مؤمن ,أي من عدل سليمان وفضله وفضل جنده ل
يحطمون نملة فما فوقها إل بأل يشعروا( ).(2
إن هذه النملة لم تكن إل واحدة من رعايا سليمان في مملكته
عا وألواًنا من الحيوان التي ضمت إلى جانب النس والجن أنوا ً
والطير والهوام.
لقد سمع كلمها وتفهم شكواها ,فتبسم من قولها ,فرق قلبه
قا لجرمها الصغير ,فرحمها وأخواتها ,وشكر ربه إذ علمه الكبير رف ً
منطق هذه المخلوقات حتى يتمكن من إنصافها وإيصال العدل
سّر بأن عدالته وجنوده قد عرفها كل مخلوق ,حتى مثل إليها ,و ُ
ما بأنهم إن أصابوا نملة ً مقد عنهم اعتذرت التي النملة هذه
)(3
بأقدامهم ,فإن ذلك من غير قصد منهم ول شعور .
ن َ َ قا َ و َ من َ ح ً َ +
ني أ َ ْ ع َِ ز ْو ِ
بأ ْ ل َر ّ ها َ ول ِ َ ق ْ كا َ ّ ضا ِ م َ س َ فت َب َ ّ
لم َ َ ع
ْ أ ن
ْ أ و
َ َ ّ َي د ِ لوا لى َ ع
َ و
ّ َ ي َ لعَ ت
َ ْ َم ع ْ ن أ تي ِ ّ لا كَ َ ت شك َُر ْ َ
م ع ِ ن أَ ْ
ه" ]النمل.[19: ضا ُ حا ت َْر َ صال ِ ً َ
لقد أدرك سليمان عليه السلم أنه -في جنب الله -في حاجة
إلى الرحمة والعطف واللطف أشد من حاجة هذه النملة إلى ذلك
ن"حي َ صال ِ ِ ك ال ّ عَباِد َ في ِ ك ِ مت ِ َ ح َخل ِْني ب َِر ْ وأ َدْ ِ منه ,ولهذا قالَ + :
]النمل.[19:
***
1
)( انظر الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ).(2/600
2
)( تفسير القرطبي ).(13/170
3
)( انظر :الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ).(2/589
130
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
فقه التمكين عند ذي القرنين
ل :من هو ذو القرنين؟أو ً
اختلف المفسرون في اسم ذي القرنين ونسبه وزمان وجوده
وسبب تلقيبه بذي القرنين ,لقد تضاربت أقوالهم وآراؤهم,
وتعارضت أدلتهم ,واعتمد الكثير منهم على السرائيليات
والخرافات والساطير ,والروايات الواهية ,والخبار الكاذبة.
وعندما طالعت الكتب التي تحدثت عن ذي القرنين) (1خرجت
بنتيجة وهي ل يمكننا الجزم بتحديد شخصية ذي القرنين ,ول تحديد
رحلته الثلث التي أشار إليها القرآن الكريم ,ول تحديد السد الذي
بناه على الكرة الرضية.
إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لم يتعرضا إلى تلك
التفصيلت ,وبما أنهما سكتا عن المعلومات التفصيلية ,فل دللة
يقينية عليها.
ولذلك يكون كلم المفسرين وأهل التاريخ والعلماء عنها من
باب الظن وليس من باب الجزم).(2
لقد قالوا إن ذا القرنين :هو السكندر المقدوني اليوناني وذلك
لن البلد التي استولى عليها السكندر امتدت إلى مشارق الرض
ومغاربها ,وقيل هو قورش الخميني ,لجماع المؤرخين على عدالة
سيرته وحسن سيرته في الشعوب والممالك التي استولى عليها,
وقيل إنه أبو كرب شمر بن عمرو الحميري ,لقد ناقش الستاذ
محمد خير رمضان يوسف القوال السابقة وخرج بنتيجة أن ذا
دا
ً نق دا من هؤلء الثلثة ,ونقد الراء السابقة القرنين ,لم يكن واح ً
علمًيا متيًنا ,ووصل إلى أن) :ذو القرنين القرآني الذي ذكره الله
عز وجل في كتابه العزيز ,وأثنى عليه باليمان والصلح والعدل,
في سورة قرآنية عظيمة ,وآيات إعجازية جليلة ,وقصة تاريخية
نادرة ,مليئة بالدروس والعبر ,طافحة بالعظات والمبادئ والحكم.
إنه علم قرآني بارز ..خلد الله ذكره في كتابه الخالد ,فاستحق
أن ينال لقب القرآني وكفى ,ولم أشأ أن أقول غير هذا لنني لم
أر من أعطى شخصية ذي القرنين حظها في التاريخ مثلما أعطى
الله عز وجل في كتابه العظيم ,إنه الرجل الطواف في الرض,
الصالح العادل ,الخاشع لربه ,والمنفذ لمره ,والقائم بين الناس
1
)( انظر :ذو القرنين القائد الفاتح والحاكم الصالح لمحمد خير رمضان.
2
)( انظر :مع قصص السابقين في القرآن للخالدي ).(6/255،254
131
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
بالصلح ,والذي ملك أقاصي الدنيا وأطرافها ,فلم يغره مال ول
منصب ول جاه ول قوة ول سلطان ,بل إنه بقى ذاكًرا لفضل ربه
ورحمته ,متأهًبا لليوم الخر ,ليلقى جزاءه العادل عند ربه.
ويكفي أن يبقى ذو القرنين ذلك الشخصية العظيمة في
التاريخ ,وذلك العلم البارز في العدل والصلح ,والقيادة ومثال
الحاكم الصالح ,على مر التاريخ ,وإلى أن يرث الله الرض ومن
عليها ,بشهادة الكتاب الخالد( ).(1
إن القرآن الكريم اهتم بإخراج القيم الصحيحة في سيرة ذي
القرنين وأعماله وأقواله مثل:
-1الحكم والسلطان والتمكين في الرض ينبغي أن يسخر
لتنفيذ شرع الله في الرض وإقامة العدل بين العباد ,وتيسير المر
على المؤمنين المحسنين ,وتضييق الخناق على الظالمين
المعتدين ومنع الفساد والظلم وحماية الضعفاء من بطش
المفسدين.
-2الرجال الشداء ذوو الخبرات الفنية العالية في النواحي
العسكرية والعمرانية والقتصادية الذين كانوا طوع بنان ذي
القرنين ,وكذلك خضوع القاليم له وفتح الخزائن أمامه وتقديم
خراج الشعوب له طواعية ,كل ذلك لم يدخل في نفسه الغرور
والبطر والطيش والغواية؛ بل بقى مثال الرجل المؤمن العفيف
المترفع عن زينة الحياة الدنيا.
-3الهتمام باتخاذ السباب لبلوغ الهداف والغايات التي سعى
إليها حيث آتاه الله من كل شيء سبًبا فأتبع سبًبا.
إن القرآن الكريم في قصة ذي القرنين وفي كل قصصه ركز
على الدروس والعبر والحكم والسنن ,ولم يهتم بكثير من القضايا
التي ل تنفع النسان ,ولذلك نجد في قصة ذي القرنين كثيًرا من
المبهمات التي ل تفيد القارئ مثل :من هو ذو القرنين؟ وما
شخصيته؟ وما حياته؟ وما الزمن الذي عاش فيه؟ والدولة التي
حكمها ,والحروب التي خاضها ,والبلد التي فتحها ,ورحلته الولى
تجاه الغرب ,وتحديد المنطقة التي وصل إليها ,وتحديد المكان ذي
العين الحمئة؟ وكيف وجد الشمس تغرب فيها ,وأصل يأجوج
ومأجوج ,وتاريخهم ,ومناطق سكنهم وإقامتهم بالضبط؟ وغير ذلك
من التساؤلت).(2
ثانًيا :معالم التمكين عند ذي القرنين:
أ -دستوره العادل:
1
)( ذو القرنين القائد الفاتح والحاكم الصالح ).(249-247
2
)( انظر :مع قصص السابقين في القرآن ).(6/244،242
132
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( مع قصص السابقين ).(2/331،330
133
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
134
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
2
)( فتح القدير ).(3/313
3
)( انظر :الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ).(2/624
4
) (3 ،المصدر نفسه ).(2/624
135
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
2
)( المصدر نفسه ).(2/627
3
)( انظر :الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ).(2/625
136
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
روح المعاني ).(16/30 انظر: )(
2
البحر المحيط ).(6/159 انظر: )(
3
روح المعاني ).(16/31 انظر: )(
4
مباحث في التفسير الموضوعي لمصطفى مسلم ,ص .304 انظر: )(
5
الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ).(2/623 انظر: )(
137
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
138
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
139
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
140
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
141
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( القصص القرآني في سورة الكهف ,ص .94،93
2
)( المصدر نفسه ,ص .95
142
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
143
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
144
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( ) (2السلم والحضارة للندوة العالمية للشباب ).(1/490 2
145
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
146
الباب الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( انظر :تفسير المام القاسمي ).(90-11/87
147
شــــــــروط
التمكــــين
وأسبابـــــــه
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
149
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
تمهيد:
إن الستخلف في الرض ,والتمكين لدين الله ,وإبدال الخوف
أمًنا ,وعد من الله تعالى متى حقق المسلمون شروطه .ولقد
أشار القرآن الكريم بكل وضوح إلى شروط التمكين ,ولوازم
الستمرار فيه.
مُلوا ع ِ و َ م َ من ْك ُ ْ مُنوا ِ ن َآ َ ذي َ ه ال ّ ِ عدَ الل ُ و َ تعالىَ + : قال
ن
َ ذي ِ ّ ل ا فَ َ ل خ ْ َ ت س
ْ ا ما َ َ ك ض ر ل ا في ِ م
ُ ْ ه ّ ن فَ ِ ل خ ْ َ ت س ْ َ ي َ ل تِ حا َ صال ِ ال ّ
َ ْ ّ ِ َ ّ َ
م ُ ْ ه ل ضى ت
ْ َ َ ر ا ذي ِ ل ا م
من ْ ِ ِ ْ َ ُ َ َ ّ ُ ْ ِ ََ ُ ُ
ه ن دي م ه ل ن ن ك م ي لو م ه ل ب ق َ ِ
ن ِبي ركو َ ُ ِ شْ ُ ي َ ل ني ِ َ ن دو ُ ُ ب ع
ْ َ ي ناً م
ْ أ م ْ ه فِ و ْ خ َ د
ِ ع
ْ َ ب من ّ هم ُ ّ ن َ ل ّ دَ ب ُ يَ ل و َ
ِ
ن قو َ س ُ فا ِ م ال ْ َ ه ُ ك ُ فُأول َئ ِ َ ك َ عدَ ذَل ِ َ فَر ب َ ْ من ك َ َ و َ ش َي ًْئا َ َ
م ُ ك ّ لع َ ل َ
ل سو ر ال عوا طي َ أ و َ ة َ
كا ز ال توا ُ وآ َ ة َ ل ص ال موا قي ِ أ و
ْ َ ّ ُ ُ ِ َ ّ َ ّ ُ َ
ن" ]النور.[56،55: تُ ْ َ ُ َ مو ح ر
لقد أشارت اليات الكريمة إلى شروط التمكين وهي :اليمان
بكل معانيه وبكل أركانه ,وممارسة العمل الصالح ,بكل أنواعه,
والحرص على كل أنواع الخير وصنوف البر ,وتحقيق العبودية
الشاملة ,ومحاربة الشرك بكل أشكاله وأنواعه وخفاياه ,وأما
لوازم استمرار التمكين فهي :إقامة الصلة ,وإيتاء الزكاة ,وطاعة
الرسول ×.
وأما ما يتعلق بأسباب التمكين ,فقد أمر الله تعالى بالعداد
من عُتم ّ ست َطَ ْ ما ا ْ م ّ ه ْ دوا ل َ ُ ع ّ وأ َ ِ تعالىَ + : الشامل في قوله
ل" ]النفال.[60: ِ ْ ي خ َ ْ ل ا ط
ِ من ّرَبا و ِ ة َ و ٍ ق ّ ُ
والعداد في حقيقته أخذ بالسباب ,فالعداد المطلوب من
خلل مفهوم الية إعداد شامل؛ لن كلمة قوة جاءت نكرة في
سياق المر ,فيشمل قوة العقيدة واليمان ,وقوة الصف والتلحم,
وقوة السلح والساعد.
إن الية الكريمة تفتح أذهان المسلمين على العداد
الشامل؛ المعنوي والمادي ,العلمي والفقهي على مستوى
الفراد والجماعات ,وتدخل في طياتها
العداد التربوي والسلوكي والعداد المالي ,والعلمي
والسياسي والمني,
والعسكري ....إلخ.
وفي هذا الباب سنتعرض لبيان شروط التمكين في فصل
مستقل وبيان أسبابه في فصل آخر بإذن الله تعالى ,لكي يستفيد
منها المسلمون في حركتهم الجادة لتمكين شرع الله في الرض.
150
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
الفصل الول
شــــــــــروط التمكـــــــــين
المبحث الول
اليمان بالله والعمل الصالح
لقد بين الله سبحانه لعباده حقيقة اليمان الذي يقبل الله به
العمال ويتحقق به وعد الله للمؤمنين.
فمن شروط الستخلف في الرض تحقيق اليمان بكل معانيه
واللتزام بشروطه والبتعاد عن نواقضه.
وقد فصل القرآن الكريم والسنة النبوية موضوع اليمان
وأركانه وشروطه ولوازمه.
وقد بين علماء أهل السنة في تعاريفهم بيان حقيقة اليمان
فقالوا :بأن اليمان هو التصديق بالقلب والنطق بالشهادتين
والعمل بالجوارح والركان ,أي هو :اعتقاد وقول وعمل ,فهذه
الثلثة كلها مندرجة فيه وتمثل أجزاء من حقيقته.
وقد تواترت أقوال العلماء ومن بعدهم على هذه الحقيقة,
واستدلوا بأدلة كثيرة من اليات القرآنية والحاديث النبوية على
صحة هذا القول في حقيقة اليمان).(1
ت جل َ ْ و ِهَ َ ذا ذُك َِر الل ُ ن إِ َ
ذي َ ن ال ّ ِ مُنو َ ؤ ِم ْ ما ال ْ ُ قال تعالى+ :إ ِن ّ َ
م ه ب
َ ّ ِ ْ ر لى ع
َ و
َ نا ً ما إي
َ ُ ْ ِ َ م ه ْ تد زا َ ه ُ ت
ْ ِ ْ َ ُيا آ م ه ي َ لعَ تذا ت ُل ِي َ ْ وإ ِ َ
م َ ه ْقُلوب ُ ُ ُ
ن
َ قو ُ ف ن ي م ه نا
ّ َ َ ِ ّ َ َ َ ُ ْ ُ ْ ِ ْ
ق ز ر ما م و ة َ ل ص ال ن مو
ِ َ ُ ِ ُ َ قي ي ن ذي ّ ل ا ن
َ لوُ ّ كو يَ َ َ
ت
حقا" ]النفال.[4-2 : ّ م ْ ْ َ َ ُ
ن َ مُنو َ ؤ ِ م ال ُ ه ُ أولئ ِك ُ
فقد جمعت هذه اليات -وهي تعرض صفات المؤمنين -بين
عمل القلب وعمل الجوارح ,واعتبرت هذا كله إيماًنا ,وقصرت
ما" ُ وعرفت المؤمنين بتلك اليمان عليه بأداة القصر والحصر +إ ِن ّ َ
نمُنو َ ؤ ِم ْ م ال ْ ُ ه ُ ك ُ الصفات مجتمعة ,عندما ضمنتها بعبارة +أول َئ ِ َ
قا" وأعمال الجوارح في هذه الصفات هي :إقامة الصلة ح ّ َ
والنفاق في سبيل الله.
ذا ذُك ُّروا ن إِ َ ذي َ ن ِبآَيات َِنا ال ّ ِ م ُ ؤ ِ ما ي ُ ْ ومنها قوله تعالى+ :إ ِن ّ َ
ن" ْ
ست َكب ُِرو َ َ
م ل يَ ْ ه ْ و ُ َ مْ ه ّ ب ر
َ د
ِ م
ْ حَ ِ ب حوا سب ّ ُ و َ دا َ ج ًس ّ خّروا ُ ها َ بِ َ
كرون بآيات الله ,عبادة ]السجدة ,[15:فسجود المؤمنين عندما يذ ِ ّ
عملية بدنية ,وتسبيحهم بحمد ربهم عبادة عملية لسانية ,وعدم
استكبارهم عبادة عملية سلوكية أخلقية قلبية ..وهذه كلها أعمال
1
)( انظر :في ظلل اليمان للخالدي ,ص .23
151
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
152
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
الصلة التي صلوها إلى بيت المقدس ,وتساؤل آخرين منهم عن
مصير صلة إخوانهم إلى بيت المقدس الذين ماتوا قبل تحويل القبلة
إلى الكعبة).(1
م" على ما مان َك ُ ْع ِإي َ ضي َه ل ِي ُ ِن الل ُ ما َ
كا َ و َ
فمعنى قولهَ + :
تضافرت به الرواية من أنه الصلة ,وما كان الله ليضيع تصديق رسول
بصلتكم التي صليتموها نحو بيت المقدس عن أمره ,لن ذلك الله ×
)(2
عا ً لمري ,وطاعة منكم لي( . كان منكم تصديًقا لرسولي ,واتبا
وقد التفت المام الطبري إلى الربط بين اليمان والصلة ,ولحظ
وجود التصديق في ممارسة الصلة والتوجه فيها إلى بيت المقدس ثم
إلى الكعبة المشرفة ,وهذه اللفتة من الطبري لطيفة ,وهذا الربط
منه رائع ,يشير إلى موهبته الفذة في التفسير واللغة وغيرهما).(3
ومن اليات التي أطلقت كلمة اليمان على العمال قوله
مم َر ُ ْ
ه ّ ب ه ْدي ِه ِت يَ ْ حا ِ صال ِ َمُلوا ال ّ ع ِ
و َمُنوا َ نآ َ ن ال ّ ِ
ذي َ تعالى+ :إ ِ ّ
عيم ِ"ّ ِ نال ت نا
َ ّ ِ ج في ر ها
ْ َ ُ ِ نال م هت ح
َ ْ ِ ِ ُ ت من ِ ري م تَ ْ ِ
ج ه ْ
مان ِ ِ
ب ِِإي َ
]يونس.[9:
ذهبت طائفة من المفسرين إلى أن المراد باليمان هنا
العمال التي كانوا يعملونها في الدنيا ..وقد أورد المام الطبري
أقوال مجموعة من التابعين في هذا المعنى ,منها قول ابن جريج:
)يهديهم ربهم بإيمانهم قال :يمثل له عمله في صورة حسنة وريح
طيبة ,يعارض صاحبه ويبشره بكل خير ,فيقول له :من أنت؟
فيقول :أنا عملك! فيجعل له نوًرا من بين يديه حتى يدخله الجنة,
م" والكافر يمثل له عمله ه ْ مان ِ ِم ب ِِإي َ
ه ْ
م َرب ّ ُه ْ
دي ِ
ه ِ
فذلك قوله+ :ي َ ْ
في صورة سيئة وريح منتنة ,فيلزم صاحبه ويلزمه حتى يقذفه
في النار( ) .(4وهناك آيات أخرى أطلقت على اليمان عبارات
أخرى تشير إلى العمل وتتضمنه ,أورد المام البخاري في صحيحه
بعضها.
ل ما ي ُ
ؤك ُ ْ
م" عا ُ م َرّبي ل َ ْ
ول َ دُ َ عب َأ ب ِك ُ ْ
ق ْ َ َ ْ منها قوله تعالىُ + :
]الفرقان.[77:
قال البخاري) :دعاؤكم :إيمانكم ...ومعنى الدعاء في اللغة:
)اليمان(.
وجعل ابن عبا س رضي الله عنهما الدعاء بمعنى اليمان قال) :لول
دعاؤكم :إيمانكم( ).(5
1
انظر :تفسير الطبري ).(169-3/167 )(
2
المصدر نفسه ).(3/169 )(
3
في ظلل اليمان ,د .الخالدي ,ص .26 )(
4
تفسير الطبري ).(15/28 )(
153
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
وّلوا َ
س ال ْب ِّر أن ت ُ َ ومن هذه اليات قوله تعالى+ :ل َي ْ َ
نم َ نآ َ م ْ ن الب ِّر َ ْ ولك ِ ّ َ ب َ ر ِ غ ِ م ْ وال ْ َ ق َ رِْ ش ِ م ْ ل ا َل ْ َ قب َ َ م ِ هك ُ ْ جو َ و ُُ
وآَتى َ َ ن ييّ ِ بّ ن والِ َ ب تا َ ِ ك ْ ل واَ ةِ َ ك ِ ئَ ل م
ِ َ َ ل وا ر خ
ِ ل ا م وْ َ يْ لوا َ ه
ِ بالل ِ
ِ
نواب ْ َ
ن َ كي َ سا ِ م َ وال ْ َ مى َ وال ْي ََتا َ َ قْرَبى َ وي ال ْ ُ ه ذَ ِ حب ّ ِ عَلى ُ ل َ ما َ ال ْ َ
وآَتى صل َةَ َ م ال ّ قا َ وأ َ ب َ قا ِ في الّر َ و ِ ن َ سائ ِِلي َ وال ّ ل َ سِبي ِ ال ّ
في ن ِ ري َ ب صا وال دوا ه عا ذا َ إ م ه د ه ع ب ن فو ُ مو ْ ل وا ة كا َ
قوا
ّ ِ ِ
صد َ ُ ن ذي
َّ
ل ا َ
ك
ُ
ئ
َ
َ ل أو
َ حين ال ْ ْبأ ْ ِس ُ ِ ِ ْ َ ِ
و
َ
ء
ِ را ض
َ ُ
وال ء
ِ
َ
سا ال ْبّزأ ْ
َ َ ِ ِ ِ َ َ ِ َ ّ ّ َ ال ُ َ َ
ن" ]البقرة.[177 : مت ّقو َ ُ م ال ُ ْ ه ُ وأول َئ ِك ُ
َ َ
قا وإيماًنا ,وجعلت أعمال البر فالية اعتبرت هذه الخصال تصدي ً
هذه من اليمان .ووجه الدللة من الية ما فسره رسول الله ×
حيث روى عبد الرزاق) (1وغيره عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه
سأل رسول الله × عن اليمان فتل عليه هذه الية +ل َي ْ َ
س َ أنه
م " .....إلى آخرها ..والحديث رجاله ْ ُ ك ه
َ جو ُ ُ و لوا ّ و ال ْ ِ ّ )َ ُ (2
ت أن ر ب
ثقات .
ومن فقه المام البخاري وفطنته -وهو البصير في الحديث
والتفسير -أنه جعل هذه الية وما فيها من خصال البر من أمور
اليمان ,وضمن باب أسماه »باب أمور اليمان« وقرنها مع اليات
الولى من سورة »المؤمنون« التي تتحدث عن صفات المؤمنين,
ومع الحديث الذي يقرر أن اليمان بضع وستون شعبة).(3
ومن هذه اليات :ثلث آيات أوردها المام البخاري في صحيحه
ضمن باب» :من قال إن اليمان هو العمل« وهي قوله تعالى:
ُ
ن" ]الزخرف: مُلو َ ع َ م تَ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ ها ب ِ َ مو َ رث ْت ُ ُ ة ال ِّتي أو ِ جن ّ ُ ك ال ْ َ وت ِل ْ َ َ +
[72قال ابن حجر في الفتح» :وقد نقل جماعة من المفسرين أن
معناه :تؤمنون«) (4والثانية قوله تعالى: ن" لو َ م ُ ع َ قوله هنا +ت َ ْ
ُ َ َ َ
ن" ]الحجر: ملو َ ع َ ما كاُنوا ي َ ْ َ ع ّ نَ عي َ م ِ ج َ مأ ْ ه ْ سألن ّ ُ ك ل َن َ ْ وَرب ّ َ ف َ َ +
.[93،92
قال البخاري عن» :ل إله إل الله« قال ابن حجر في الشرح:
يدخل فيها المسلم والكافر ,فإن الكافر مخاطب بالتوحيد بل
خلف ,بخلف باقي العمال ففيها الخلف ..فالسؤال عن التوحيد
متفق عليه ,فهذا هو دليل التخصيص ,وحمل الية عليه أولى,
5
)( صحيح البخاري ,كتاب اليمان ,باب دعاؤكم إيمانكم ).(1/9
1
)( هو المام العلمة الحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني ,صاحب المصنف,
رحل الئمة إليه ,من اليمن ,وله أوهام مغمورة في سعة علمه ,توفي 211هـ,
العبر ).(1/283
2
)( فتح الباري ,كتاب اليمان ,باب أمور اليمان ).(1/74
3
)( المصدر نفسه ).(1/74
4
)( فتح الباري ,كتاب اليمان ,باب :من قال إن اليمان هو العمل ).(1/109
154
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
155
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( رواه البخاري ,كتاب اليمان ,باب :أداء الخمس من اليمان ) (1/23رقم .53
2
)( هو المام العابد الحجة الثقة عبد الرحمن بن عمر الوزاعي الفقيه ,روى عن
عا في الكتابة,سا في العلم والعمل والتباع ,بار ً
خلق كثير من التابعين ,وكان رأ ً
كان يكثر من الصلة والعبادة وقيام الليل ,توفي في بيروت عام 158هـ ,تهذيب
التهذيب ) ,(6/238شذرات الذهب ).(1/341
3
)( هو إمام المشرق إسحاق بن إبراهيم المروزي ثم النيسابوري الحافظ ابن
راهويه ,عالم خراسان والعراق في عصره ,توفي سنة 238هـ ,حلية الولياء
.9/234
4
)( انظر :الطحاوية ,ص .373
5
)( من الزهاد الكبار والعباد المشهورين اشتهر بالتصوف السني وبالحكم
الجميلة.
6
)( اليمان لابن تيمية.163 :
7
)( هو سفيان بن مسروق شيخ السلم من أهل الحديث ,توفي 161هـ ,سير
أعلم النبلء ).(7/229
8
)( هو معمر بن راشد أبو عمر البصري من تلميذ عبد الرزاق الصنعاني ت
153هـ ,ميزان العتدال .4/154
9
)( هو محمد أبو محمد بن عيينة بن أبي عمران الهللي ,توفي 198هـ ,تهذيب
التهذيب ).(4/117
156
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
1
)( حذيفة بن اليمان صحابي جليل صاحب سر رسول الله ×.
2
)( هو إبراهيم بن يزيد النخعي ,توفي 96هـ ,تهذيب التهذيب ).(1/177
3
)( من سادات التابعين اشتهر بالعلم والعبادة والزهد ,توفي 110هـ بالبصرة.
4
)( هو عطاء بن أبي رباح فقيه أهل الحجاز ,أفضل أهل زمانه ,توفي 114هـ,
العبر ).(1/108
5
ما وأدًبا )ت
)( طاوس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن أحد العلم عل ً
106هـ( ,العبر ).(1/99
6
)( كان من المجاهدين العاملين جمعت فيه خصال الخير توفي 181هـ ,وفيات
العيان ).(3/32
7
)( مسلم مع شرح النووي ,كتاب اليمان ).(147-1/146
8
)( رواه البخاري ,كتاب اليمان ,باب :قول النبي ×» :بني السلم على خمس«
).(1/9
157
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
158
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
غ
من ي َب ْت َ ِ و َويراء من كل دين غير دين السلم :قال تعالىَ +َ :
ن
م َ ة ِ خَر ِ في ال ِ و ِ ه َ و ُ ه َ من ْ ُ ل ِ قب َ َ ن يُ ْ فل َ ْسل َم ِ ِديًنا َ غي َْر ال ِ ْ َ
ن" ]آل عمران.[85 : ري َ س ِ خا ِ ْ
ال َ
)(1
ثم هي نفي وإثبات ,تنفي أربعة أمور وتثبت أربعة أمور.
تنفي اللهة ,والطواغيت ,والنداد ,والرباب.
فاللهة :ما قصدته بشيء من جلب خير أو دفع ضر ,فأنت
متخذه إلًها.
ض ,أو ُرشح للعبادة. عبد وهو را ٍ والطواغيت :من ُ
والنداد :ما جذبك عن دين السلم ,من أهل ,أو مسكن ,أو
خ ُ
ذ من ي َت ّ ِ س َ ن الّنا ِ م َ و ِ عشيرة ,أو مال َفهو ند لقوله تعالىَ + :
ه" ]البقرة.[165 : ب الل ِ ح ّ م كَ ُ ه ْ حّبون َ ُ دا ي ُ ِ دا ًه أن ْ َ ن الل ِ دو ِ من ُ ِ
وأطعته مصداًقا لقوله الحقم أ َ والرباب :من َأفتاك بمخالفة
نُ ِ دو من وُر َ ُ ْ ْ َ ً ّ
با با ر ه َ ن با هْ م َ ه ْحَباَر ُ ذوا أ ْ خ ُتعالى+ :ات ّ َ
ه] "....التوبة.[31: الل ِ
وتثبت أربعة أمور:
-1القصد :وهو كونك ما تقصد إل الله.
َ
د
ش ّ مُنوا أ َ نآ َ ذي َ وال ّ ِ -2والتعظيم والمحبة :لقوله تعالىَ + :
ه" ]البقرة.[165 : حّبا لل ِ ُ
ه
ك الل ُ س َ س ْ م َ وِإن ي َ ْ -3والخوف والرجاء لقوله تعالىَ + :
ه
ضل ِ ِف ْ فل َ َرادّ ل ِ َ ر َ رد ْ ْ ِ ْ ٍ
ي خ َ ب ك َ وِإن ي ّ ِ و َ ه َ ه إ ِل ّ ُ ف لَ ُ ش َ كا ِ فل َ َ ضّر َ بِ ُ
م" ]يونس: حي
ّ ِ ُ ر ال ر
ُ فو ُ غ
َ ل ا و ه و ه
ُ ِ ْ ِ َ ِ ِ َ ُ َ د با ع ن م ء شا َ َ ي من ه
ُ ِ ِ َ ب ب يصي ُ
.[107
ولقد جاء القرآن من أوله إلى آخره يبين معنى ل إله إل الله,
ينفي الشرك وتوابعه ويقرر الخلص وشرائعه ,فكل قول وعمل
صالح يحبه الله ويرضاه هو من مدلولت كلمة الخلص ,لن
ما),(4
ً التزا دللتها على الدين كله إما مطابقة) ,(2وإما تضمًنا) ,(3وإما
يقرر ذلك أن الله سماها كلمة التقوى.
-4والتقوى :أن يتقي سخط الله وعقابه بترك الشرك
والمعاصي ,وإخلص العبادة لله ,واتباع أمره على ما شرعه ,كما
قال ابن مسعود رضي الله عنه» :أن تعمل بطاعة الله ,على نور
1
انظر :الولء والبراء في السلم لمحمد سعيد القحطاني ,ص .25 )(
2
دللة المطابقة :هي دللة اللفظ على معناه. )(
3
دللة التضمين :هي دللة اللفظ على جزء من معناه. )(
4
دللة اللتزام :هي دللة اللفظ على معنى خارج عنه لكنه لزم له. )(
159
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
من الله ,ترجو ثواب الله ,وأن تترك معصية الله ,على نور من
الله ,تخاف
عقاب الله«).(1
لقد تم لصحاب رسول الله × معرفة هذه الكلمة والتزام
أحكامها والعمل بمقتضاها ولوازمها.
قال سفيان بن عيينة عندما سأله رجل عن اليمان فقال :قول
وعمل ,قال :يزيد وينقص؟ قال :يزيد ما شاء الله ,وينقص حتى ل
يبقى منه مثل هذه ,وأشار سفيان بيده ,قال الرجل :كيف نصنع
بقوم عندنا يزعمون :أن اليمان قول ل عمل؟ قال سفيان :كان
القول قولهم قبل أن تقرر أحكام اليمان وحدوده ,إن الله عز
دا × إلى الناس كلهم كافة أن يقولوا :ل إله وجل بعث نبينا محم ً
إل الله ,وأنه رسول الله .فلما قالوها عصموا بها دماءهم وأموالهم
إل بحقها وحسابهم على الله عز وجل ,فلما علم الله عز وجل
صدق ذلك من قلوبهم ,أمره أن يأمرهم بالصلة ,فأمرهم ففعلوا,
فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم القرار الول ول صلتهم ,فلما علم
الله جل وعل صدق ذلك من قلوبهم ,أمره أن يأمرهم بالهجرة
إلى المدينة ,فأمرهم ففعلوا ,فوالله لو لم يفعلوا ما نفهم القرار
الول ول صلتهم ,فلما علم الله تبارك وتعالى صدق ذلك من
قلوبهم ,أمرهم بالرجوع إلى مكة ليقاتلوا آباءهم وأبناءهم ,حتى
يقولوا كقولهم ,ويصلوا صلتهم ,ويهاجروا هجرتهم ,فأمرهم
ففعلوا ,فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم القرار الول ول صلتهم ول
هجرتهم ,ول قتالهم ,فلما علم الله عز وجل صدق ذلك من
دا ,وأن يحلقوا قلوبهم أمره أن يأمرهم بالطواف بالبيت تعب ً
رءوسهم تذلل ً ففعلوا ,فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم القرار الول,
ول صلتهم ,ول هجرتهم ,ول قتلهم آباءهم ,فلما علم الله عز وجل
صدق ذلك من قلوبهم أمرهم أن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم
بها ,فأمرهم ففعلوا حتى أتوا بها قليلها وكثيرها ,فوالله لو لم
يفعلوا ما نفعهم القرار الول ول صلتهم ,ول هجرتهم ,ول قتالهم
آباءهم ول طوافهم ,فلما علم الله تبارك وتعالى الصدق من
اليمان وحدوده قال عز وجل: شرائعن َك ُم َ عليهم من تتابعم أ َ قلوبهم فيما
مِتي ع َ
م نِ ْعل َي ْك ُ ْ
ت َ
م ُ
م ْوأ ت ْ َ
َ ْ دي
ِ م
ْ ُ ك َ ل ت
ُ ْ لمَ ْ ك َ و
ْ َ يْ ل ا قل لهم+ :
نا" ]المائدة.[3: م ِدي ًسل ََ ِ ْ ل ا م ت لَ ُ
ُ ك ضي ُوَر ِ
َ
قال سفيان الثوري :فمن ترك خلة من خلل اليمان كان بها
عندنا كافًرا ومن تركها كسل ً أو تهاوًنا بها ,أدبناه وكان بها عندنا
سنة أبلغها عني من سألك هكذا( ال ّ صا,ناق ً
)2
من الناس .
1
)( انظر :المورد العذب الزلل .مجموعة الرسائل النجدية ).(4/99
2
)( كتاب الشريعة لبي بكر محمد بن الحسين الجري ,ص .104
160
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
1
)( معارج القبول للشيخ الحافظ الحكمي ).(1/418
2
)( وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني روى عن أبي هريرة وأبي سعيد
وابن عباس وابن عمر ,توفي 110هـ ,انظر :تهذيب التهذيب ).(1/167
3
)( رواه البخاري ,كتاب الجنائز ,باب :من كان آخر كلمه :ل إله إل الله ).(2/87
4
)( رواه مسلم ,كتاب اليمان ,باب :الدليل من مات على التوحيد ) (1/55رقم
.43
5
)( معارج القبول ).(2/419
161
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال
رسول الله ×» :أشهد أن ل إله إل الله وأني رسول الله ,ل يلقى
بهما عبد غير شاك فيهما إل دخل الجنة« ).(1
الشرط الثالث :القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه:
وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء
من قبلها ,وانتقامه
ممن ردها وأباها.
َ
من ة ّ قْري َ ٍ في َ ك ُِ قب ْل ِ َ من َ سل َْنا ِ ما أْر َ ك َ وك َذَل ِ َ قال تعالىَ + :
على َ وإ ِّنا َ ة َ م ٍ
على أ ّ َ جدَْنا آَباءََنا َ و َنا َ ها إ ِ ّ مت َْرفو َ ُ ل ُ قا َ ر إ ِل ّ َ ذي ٍ نّ ِ
َ ُ ْ َ َ َ ْ
مْ ّ ت جد َ و
ّ َ ما م
ِ دى َ ه
ْ أ ب
ْ ِ م ك ُ ت ئ
ْ
جَُ ْ ِو ل و أ لَ قا ن
ُ
َ دو ُ َ تق م
ّ هم ِ آ ََ ِ
ر ثا
مَنا ْ َ ْ َ
ق ت ن َ
فا نَ روِ ُ ف كا َ ه ب
ْ ِ ُ ْ ِ ِ م ت ل س ر أ ما ِّ ِ َ ب نا إ لوا قاَ م ُ
علي ْ ِ َ َ ْ
ك ء با آ ه َ
ن" ]الزخرف.[25-23 : مكذِّبي َ َ ْ
ة ال ُ قب َ ُ
عا ِ ن َ ف كا َ َ فان ْظُْر كي ْ َ
َ م َ ه ْ من ْ ُ ِ
سل ً إ َِلى َ وقال تعالى+ :ول َ َ َ
م
ه ْ م ِ و ِ ق ْ ك َُر ُ قب ْل ِ َ ن َ م ْ سل َْنا ِ قدْ أْر َ َ
قاح ّ ن َ كا َ و َ موا َ جَر ُنأ ْ ذي َ ن ال ّ ِ م َ مَنا ِ ق ْ فان ْت َ َ ت َ هم ِبال ْب َي َّنا ِ ءو ُ جا ُ ف َ َ
ن" ]الروم.[47: مِني َ ؤ ِ م ْ ْ
صُر ال ُ علي َْنا ن َ ْ َ َ
وفي الحديث الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن
النبي × قال» :مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل
ضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكل الغيث الكثير أصاب أر ً
والعشب الكثير ,وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها
الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ,وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي
قيعان ل تمسك ماء ول تنبت كل ,فذلك مثل من فقه في دين الله
ساومثل من لم يرفع بذلك رأ ً ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم,
ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به«).(2
الشرط الرابع :النقياد لما دلت عليه ,المنافي لترك ذلك:
قال تعالى+ :وأ َِنيبوا إَلى ربك ُم َ
ه] " ...الزمر: موا ل َ ُ سل ِ ُ وأ ْ َ ّ ْ َ ِ ُ َ
.[54
َ َ
ه
ه لل ِ
ه ُج َو ْ م َ سل َ َنأ ْ م ْ
م ّن ِديًنا ِ س ُ ح َ نأ ْ م ْو َ وقال تعالىَ + :
ن" ]النساء.[125 : س ٌح ِ م ْو ُه َو ُ َ
ن
س ٌ ح ِم ْو ُ ه َو ُ
ه َ ه إ َِلى الل ِ
ه ُج َ
و ْم َ سل ِ ْمن ي ُ ْ و َ وقال تعالىَ +:
قى" وث ْ َ ْ
ة ال ُ و ِعْر َ ْ
ك ِبال ُ س َ
م َست َ ْدا ْق ِف ََ
]لقمان.[22:
1
)( رواه مسلم ,كتاب اليمان ,باب :الدليل من مات على التوحيد )(1/57،56
رقم .27
2
)( رواه البخاري ,كتاب العلم ,باب :فضل من عَِلم وعلم ) (1/32رقم .79
162
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
1
)( الحديث مروي في الربعين النووية ص ,134قال فيه النووي :وهو حديث
حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
2
)( تفسير ابن كثير ).(1/533
3
ما ) (1/47رقم .128)( رواه البخاري ,كتاب العلم ,باب :من خص بالعلم قو ً
163
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
164
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
165
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ن
ذي َوال ّ ِوالفروج ,قال تعالىَ + : ْ
هزيلة ل تتجاوز شهوات البطون
ْ
وىمث ْ ًوالّناُر َ
م َ
عا ُ
ل الن ْ َ ُ
ما ت َأك ُ وي َأك ُُلو َ
ن كَ َ ن َ عو َ مت ّ ُ
فُروا ي َت َ َ كَ َ
م" ]محمد.[12 : ه ْلّ ُ
بخلف مجتمع اليمان والسلم المبني على الحب في الله والرضا
بكل ما صدر عن الله عز وجل واهب الحياة ومنشئ الخلق ,وصاحب
المر والنهي المطلق في الوجود كله ,وهذا أمر طبيعي ,في أن يحب
النسان ربه ,وخالقه ورازقه ,لن النفوس مجبولة على حب من أحسن
إليها ,وأي إحسان كإحسان من خلق فقدر وشرع فيسر ,وجعل النسان
في أحسن تقويم ,ووعد من أطاعه بجنة الخلد التي فيها ما ل عين رأت
ول أذن سمعت ,ول خطر على قلب بشر.
لهذا كله ولكثر منه ,أحب المؤمنون ربهم حًبا ل يقاس بغيره
مما هو دونه ,فقدموا أنفسهم وأهليهم وأموالهم في سبيل الله,
بل تردد أو منة ,بل اعتبروا ذلك تفضل ً من الله عليهم ,أن فتح لهم
باب الجهاد والستشهاد في سبيله ويسر لهم أسبابه ,فقاموا بذلك
الواجب خير قيام).(1
إن اليمان الحقيقي بالله ,هو الذي ينبعث منه الحب في الله الذي
يحرك إرادة القلب ,ويوجهها إلى المحبوبات وترك المحظورات,
وكلما ازداد اليمان بالله في نفس المؤمن كلما ازدادت المحبة في
وا ,والكدر صفاء ,واللم شفاء, الله لديه قوة وصلبة ,وتحول المر حل ً
جها ًوالبتلء رحمة ,والحجام عن نصرة أهل الحق خيانة, والنصرة دا,
عا عن السلم. وتراج ً
فالحب في الله أخص من الرضا وأعمق أثًرا حيث إنه الضمان
الوحيد لترابط المجتمع واحترام حقوقه) ,(2ولذلك ورد في الحديث
الشريف » :ل تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ,ول تؤمنوا حتى
تحابوا ,أول أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟
أفشوا السلم بينكم«).(3
فحقيقة المحبة في الله ل تتم إل بموافقة الباري جل وعل في
حب ما يحب
وبغض ما يبغض).(4
ولذلك فأكمل الخلق وأفضلهم وأعلهم إيماًنا من كان أقربهم
إلى الله في محبته ,وأقواهم في طاعته ,وأتمهم عبودية له).(5
1
انظر :كتاب اليمان وأثره في الحياة ,د .القرضاوي ,ص .12-5 )(
2
انظر :الموالة والمعاداة للجلعود ).(1/245 )(
3
رواه مسلم ,كتاب اليمان ,بيان ل يدخل الجنة إل المؤمنون ) (1/74رقم .93 )(
4
انظر :مجموعة التوحيد ,ص .423-422 )(
166
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
167
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
دونه شيء لنه ل نافع إل الله ,وهو المحيي والمميت ,وهو صاحب
الحكم والسلطة والسيادة .ومن ثم ينزع من القلب كل خوف إل
منه سبحانه ,فل يطاطئ الرأس أمام أحد من الخلق ,ول يتضرع
إليه ,ول يتكفف له ,ول يرتع من كبريائه وعظمته ,لن الله هو
العظيم القادر ,وهذا بخلف المشرك والكافر.
-2ينشأ من اليمان بهذه الكلمة من أنفة النفس وعزتها:
تواضع من غير ذل ,وترفع من غير كبر ,فل يكاد ينفخ أوداجه
شيطان الغرور ويزهيه بقوته وكفاءته لنه يعلم ويستيقن أن الله
الذي وهبه كل ما عنده قادر على سلبه إياه إذا شاء ,أما الملحد
فإنه يتكبر ويبطر إذا حصلت له نعمة عاجلة.
-3المؤمن بهذه الكلمة :يعلم علم اليقين أنه ل سبيل إلى
النجاة والفلح إل بتزكية النفس والعمل الصالح.
-4من آثار اليمان الصحيح عدم تسرب اليأس ,والبعد عن
القنوط ,لنه يؤمن أن الملك والخزائن لله رب العالمين ,لذلك
فهو على طمأنينة وسكينة ,وأمل ,حتى ولو طرد العبد أو أهين
وضاقت عليه سبل العيش.
من آثار كلمة اليمان والتوحيد في نفس العبد إعطاء قوة -5
عظيمة من العزم والقدام والصبر والثبات والتوكل والتطلع إلى
معالي المور ابتغاء مرضاة الله تعالى ,مع شعوره أن وراءه قوة
مالك السماء والرض ,فيكون ثباته ورسوخه وصلبته التي يستمدها
من هذا التصور ,كالجبال الراسية ,وأنى للكفر والشرك بمثل هذه
القوة والثبات؟.
من آثار اليمان الحقيقي تشجيع النسان وامتلء قلبه جرأة؛ -6
لن الذي يجبن النسان ويوهن عزمه شيئان :حبه للنفس والمال
دا ًغير الله يميت النسان ,فإيمان والهل ,أو اعتقاده أن هناك أح
ل ًمن هذين السببين ,فيجعله المرء بل إله إل الله يرفع عن قبله ك
بأن الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله ,فعندئذ يضحي في موق ً
نا
سبيل مرضاة ربه بكل غال ورخيص عنده .وينزع الثاني بأن يلقي في
روعه أنه ل يقدر على سلب الحياة منه إنسان ول حيوان ول قنبلة ول
مدفع ,ول سيف ول حجر ,وإنما يقدر ذلك الله وحده .من أجل ذلك ل
يكون في الدنيا أشجع ول أجرأ ممن يؤمن بالله تعالى ,فل يكاد يخيفه
أو يثبت في وجهه زحف الجيوش ,ول السيوف المسلولة ,ول مطر
الرصاص والقنابل.
ومن -ثمار اليمان الصحيح ,التحلي بالخلق الرفيعة والتطهر من 7
الخلق الوضيعة.
صا على التمسك -8ومن ثمار اليمان على العبد تجعله حري ً
بشرع الله تعالى ومحاف ً
ظا عليه.
-9ومن ثمار اليمان تربية العبد على أن يكون جندًيا من جنود
168
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
169
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
170
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
1
)( المصدر نفسه ).(6/3353
171
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
تحقيـــــــــق العبـــــــادة
ل :معنى العبادة في اللغة والشرع: أو ً
أ -في اللغة :العبادة والعبدية والعبودية :الطاعة).(1
وفي لسان العرب :أصل العبودية :الخضوع والتذلل.
والتعبد :التنسك ,والعبادة :الطاعة.
والتعبد :التذلل ,والتعبيد :التذليل.
بعير معبد :مذلل ,وطريق معبد :مسلوك مذلل).(2
دا إلىويرى أبو العلى المودوي في معنى العبادة استنا ً
الستعمال اللغوي لمادة )ع ب د( أن أصل معنى العبادة هو
الذعان الكلي ,والخضوع الكامل والطاعة المطلقة).(3
ب -العبادة في الشرع :خضوع وحب) ,(4والعبادة المأمور بها
العبد تتضمن معنى الذل والخضوع لله ,ومعنى الحب فهي تتضمن
غاية الذل لله بغاية المحبة له).(5
قال ابن تيمية -رحمه الله) :-والله هو المعبود الذي يستحق
غاية الحب والعبودية والجلل والكرام والخوف والرجاء.(6) (.....
وينص ابن القيم -رحمه الله :-على أن )العبادة تجمع أصلين
غاية الحب بغاية الذل والخضوع() .(7ودعائم هذه العبادة التي
تنتظم أعمال النسان كلها القلبية ,والعملية الفردية والجماعية:
المحبة والخوف والرجاء ,وقد جعل ابن القيم هذه الثلث في قلب
المؤمن) :بمنزلة الطائر ,فالمحبة رأسه ,والخوف والرجاء جناحاه
فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران ,ومتى قطع
الرأس مات الطائر ,ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد
1
القاموس المحيط كتاب )الدال( ,فصل )العين( .378 )(
2
لسان العرب ,كتاب الدال ,فصل العين المهملة .3/271 )(
3
المصطلحات الربعة في القرآن للمودودي ,ص .97 )(
4
العبادة في السلم للقرضاوي ,ص .31 )(
5
انظر :مجموع الفتاوى ).(1/207 )(
6
المصدر نفسه ).(28/35 )(
7
مدارج السالكين ).(1/74 )(
172
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
173
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
174
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
175
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
دليل وتشبيه على المعنى العام المقصود إثباته هنا فمن ذلك:
قوله ×» :إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة ,وهو يحتسبها
كانت له صدقة« ).(1
قوله ×» :كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم«).(2
قوله ×» :دينار أنفقته في سبيل الله ,ودينار أنفقته
في رقبة ,ودينار تصدقت به على المسكين ,ودينار
أنفقته على أهلك ,أعظمها أجًرا الذي أنفقته على
أهلك« ).(3
سلمي من النا س عليه صدقة ,كل يوم تطلع فيه وقال ×» :كل ُ
الشم س تعدل بين الثنين صدقة ,وتعين الرجل على دابته فيحمل عليها,
أو ترفع له متاعه صدقة ,والكلمة الطيبة صدقة ,وكل خطوة تخطوها
إلى الصلة صدقة ,ودل الطريق صدقة ,وتميط الذى عن الطريق
صدقة«).(4
وأما الستدلل على عموم العبادة وشمولها لحياة النسان
بفعل السلف وفهمهم ففيما روى البخاري في صحيحه عن أبي
بردة) (5في قصة بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن ,وفي آخره
قال أبو موسى لمعاذ :فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال» :أنام أول
الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب الله لي,
فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي«) .(6وفي كلم معاذ رضي
الله عنه ,دليل أن المباحات يؤجر عليها بالقصد والنية.
وهذا الفهم يجعل المسلم يقبل على شئون الحياة كلها وكله
ما بالشروط التية: حرص على إتقانها لكونها عبادة لله تعالى ملتز ً
عا في نظر السلم ,أما العمال -1أن يكون العمل مشرو ً
التي ينكرها الدين
فل تكون عبادة بأي حال من الحوال ,قال الرسول × ..» :إن
الله تعالى طيب ل يقبل
1
)( رواه البخاري ,كتاب اليمان ,باب :ما جاء أن العمال بالنيات ) (1/24رقم
.55
2
)( سلسلة الحاديث الصحيحة لللباني ).(3/22
3
)( رواه مسلم ,كتاب الزكاة ,باب :النفقة على العيال والمملوك ).(1/191
4
)( رواه البخاري ,كتاب الصلح ,باب :فضل الصلح بين الناس ) (3/227رقم
.2707
5
)( هو التابعي الثقة أبو بردة حارث ,وقيل عامر بن أبي موسى عبد الله بن
قيس الشعري ,ثقة كثير الحديث ,تولى قضاء الكوفة للحجاج ,ثم عزله ,ت
107هـ ،انظر :سير أعلم النبلء ).(4/343
6
)( البخاري ,كتاب المغازي ,باب :بعثة أبي موسى ومعاذ إلى اليمن )(5/156
رقم .43،42
176
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
177
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
178
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
179
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
180
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
181
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
سك َ ٌ
ن ك َصل َت َ َ
ن َ
م إِ ّ
ه ْ ل َ َ
ص ّ وت َُز ّ ت ُطَ ّ
علي ْ ِ و َ
ها َ
م بِ َ
ه ْ
كي ِ م َ
ه ْ
هُر ُ
م" ]التوبة.[103 : لّ ُ
ه ْ
و)الصوم( له عمله الساسي في تربية الرادة النسانية,
والضمير الحي اليقظ الذي يتعامل على أساس من رقابة الله
تعالى له ,واطلعه عليه ,فضل ً عن غرس خليقة الصبر ,والضبط
النفسي بالمساك الطويل عن شهوتي البطن والفرج وبالكف عن
اللغو ,والصخب ,والقدرة على تغيير عاداته حتى ل يتعود الجمود,
أوتستعبده
)(1
عاداته وتقاليده .
ثالًثا :إصلح الجانب الجتماعي:
ويظهر ذلك في الصلة ودورها في إيجاد العلقات الجتماعية,
وذلك واضح في الحكمة من صلة الجماعة ,لن اجتماع المسلمين
راغبين في الله ,راجين ,راهبين ,مسلمين وجوههم إليه خاصية
عجيبة في نزول البركات ,وتدلي الرحمة ,فيحدث التعاون,
والتعارف ,والوحدة والجتماع على الخير.
ثم تأتي صلة الجمعة :فتجمع أهل الحي على هيئة جامعة أكثر
من ذلك في كل يوم جمعة ,حيث شرع الله لنا خطبتها تذكيًرا
ما للمسلمين بما يصلح دينهم ودنياهم ,كحد أدنى للتثقيف وتعلي ً
العام في أمور الدين ,ثم تأتي صلة العيد ,فتجمع أهل المدينة
كلها مرتين في السنة في عيد الفطر والضحى ,يخرجن البكار
والعواتق) ,(2بل والحيض يشهدن الخير ودعوة المسلمين ,ويعتزلن
)(3
المصلى كما جاء في الحديث الصحيح الذي ترويه أم عطية
)(4
رضي الله عنها قالت» :أمرنا أن نخرج العواتق وذوات الخدور« .
)(5
182
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
183
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
رضي الله عنهم ,التي تهب على المسلمين منها روح الخلص,
والبذل ,والعطاء والنقياد المطلق لمر الله عز وجل).(1
دا,
ومن ناحية أخرى فالحج نظام يوجب على الجميع زًيا واح ً
وحركة واحدة ,وكلمة واحدة ,وطاعة واحدة .وبتثبيت العتقاد,
والخلق وإصلح الجتماع تأخذ العبادات السلمية دورها العظيم
في بناء الحياة النسانية على أرفع القواعد ,وأنبل الغايات,
وأكرمها وأطهرها ,وتأخذ بالنسان إلى أفق أرفع من التراب
والطين ,ومتاع الحياة الفانية ,حيث تربطه بالحي الباقي ,وبالنعيم
الخالد ,فهي غسيل مستمر لدران المادة ,وتهذيب لطغيانها,
وعبادات السلم تقوم في أساسها على مراعاة الرقابة اللهية,
وابتغاء الخرة ,دون واسطة بين العبد وربه في العبادات كلها
وتحرر النسان من عبودية الكهنوت وطقوسها ورسومها).(2
ما بالًغا ببيان حقيقة العبودية
إن القرآن الكريم اهتم اهتما ً
ودعوة الناس إلى تحقيقها كما ينبغي ,كما ب ّّين شروط قبول
العبادة وأمر المسلمين باللتزام بها ,ووجه الناس إلى مفاهيم
أصيلة في العبودية وحذرهم من الشرك ومن النحراف عن معنى
العبودية الصحيح ,كما أشار إلى أهمية الجانب العبادي في حياة
الناس في تثبيت العتقاد ,وتأسيس القيم والخلق وزرعها
وغرسها في نفوس المؤمنين ,كما اهتم ببيان الجانب العبادي في
إصلح النواحي الجتماعية ,وركز القرآن في توجيهاته الكريمة في
مجال العبادة على إفراد الله وحده في العبادة وتحرير العبادة من
رق الكهنوت ,واهتم بمسألة التوازن بين الروح والجسد ,وفتح
مجال الرخص والتخفيضات في العبادة ,هذا كله من أجل أن
تحقق المة عبوديتها لخالقها سبحانه وتعالى من أيسر الطرق
وأسهل السبل وأخف التكاليف ,وجعل طريق تحقيق العبودية
طا من شروط التمكين لهذه المة العظيمة. شر ً
إن تقرير حقيقة العبودية في حياة الناس يصحح تصوراتهم
ومشاعرهم ,كما يصحح حياتهم وأوضاعهم ,فل يمكن أن تستقر
التصورات والمشاعر ,ول أن تستقر الحياة والوضاع ,على أساس
سليم قويم ,إل بهذه المعرفة وما يتبعها من إقرار ,وما يتبع القرار
من آثار عندما تستقر هذه الحقيقة بجوانبها في نفوس الناس
وفي حياتهم يلتزمون بمنهجه وشريعته ويستشعرون العزة أمام
المتجبرين والطغاة ,حين يخرون لله راكعين ساجدين يذكرونه ول
دا إل الله تصلح حياتهم وترقى وتكرم على يذكرون أح ً
هذا الساس.
1
)( انظر :المنهاج القرآني في التشريع.465 :
2
)( المصدر نفسه.468 :
184
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
3
)( في ظلل القرآن ).(2/820
185
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثالث
محاربــــــــــة الشـــــــرك
ومن شروط التمكين المهمة؛ محاربة الشرك بجميع أشكاله
وأنواعه؛ ولذلك على الجماعة المسلمة والتي تسعى لتحكيم شرع
الله تعالى أن تعرف حقيقة الشرك وخطره وأسبابه وأدلة بطلنه
وأنواعه وأن تنقي صفها منه بجميع الساليب الشرعية ,ول يمكن
للنسان أن يحذر من الشرك وأن يحذر غيره إل إذا عرفه وعرف
خطره.
ومعرفة الشرك وما يتعلق به له فوائد عديدة:
أحدها :أن النسان يمكنه بمعرفة الشرك أن يحذر من الوقوع
فيه.
الثاني :أنه يمكنه أن يحذر غيره.
الثالث :أنه يظهر له بذلك حسن السلم والتوحيد ,وذلك أنه
إذا عرف الشرك وظهر له بطلنه ,عرف أن ضده وهو التوحيد
أفضل العمال ,وبضدها تتميز الشياء إلى غير ذلك من الفوائد.
ولهذه السباب وغيرها فقد اهتم الدعاة الصادقون والعلماء
المخلصون والقادة الربانيون ببيان الشرك وأقسامه وأسبابه
وخطره وجميع ما يتعلق به ,وبينوا أن تحقيق اليمان الصحيح ل
يتم ول يقبل من صاحبه إل بترك الشرك والبعد عنه.
يقول الشيخ السعدي -رحمه الله) :-ول يتم توحيد العبادة حتى
يخلص العبد لله في جميع إرادته وأقواله وأفعاله ,وحتى يدع
عا
الشرك الكبر المنافي للتوحيد كل المنافاة ,وهو أن يصرف نو ً
من العبادة لغير الله تعالى ,وتحقيق هذا التوحيد وتمامه أن يدع
الشرك الصغر وهو :كل وسيلة يتوسل بها إلى الشرك الكبر
كالحلف بغير الله ,ويسير
الرياء ونحو ذلك( ).(1
أما حقيقة الشرك بالله) :أن يعبد المخلوق كما يعبد الله ,أو
يعظم كما يعظم الله ,أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية
واللوهية( ).(2
أما أقسام الشرك فقسمه العلماء إلى نوعين :شرك في
الربوبية ,وشرك في اللوهية قال السعدي -رحمه الله) :-الشرك
1
)( الفتاوى السعدية للعلمة عبد الرحمن السعدي ,ص .13
2
)( الشيخ عبد الرحمن السعدي وجهوده في توضيح العقيدة لعبد الرزاق العباد,
ص .178
186
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
قا
نوعان :شرك في ربوبيته تعالى كشرك الثانوية الذين يثبتون خال ً
مع الله ,وشرك في ألوهيته ,كشرك المشركين الذين يعبدون الله
ويعبدون غيره ويشركون بينه وبين المخلوقين ,ويسوونهم مع الله
في خصائص ألوهيته( ).(1
لقد وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة في التحذير
من الشرك ,وبيان خطره ,وأنه أعظم ذنب عصى الله به ,وأنه ل
دا ل نصير له ول حميم ول أضل من فاعله ,وأنه مخلد في النار أب ً
ه َ ْ َ ه ل َ يَ ْ
فُر أن ي ُشَرك ب ِ ِ غ ِ ن الل َ شفيع يطاع ,قال تعالى+ :إ ِ ّ
د ق ِ ف َ ه َ رك ِبالل ِ ْ ِ ش ْ ّ ي من َ َ و ُ ء شا َ ّ ي من ك لِ َ ن ذَل ِ َ دو َ ما ُ فُر َ غ ِ وي َ ْ َ
ما" ]النساء.[48: ً ظيِ ع
َ ماِ ً ْ ث إ رى فت َ َ ا ْ
ما فُر َ غ ِ وي َ ْ ه َ ك بِ ِ شَر َ فُر َأن ي ُ ْ غ ِ ه ل َ يَ ْ ن الل َ وقال تعالى+ :إ ِ ّ
ضل َل ً َ ل ض ّ َ ْ د ق ف َ ه َ ِ بالل ِ ْ
ك رِ ْ
ش ُ ي من َ َ و ُ ء شا من ي ّ َ ك لِ َ ن ذَل ِ َ دو َ ُ
ما نَ أ َ ك َ
ف ه بالل ك ْ ر ش ْ ي من و + تعالى: وقال "دا عي
َ ّ ِ ِ ِ ُ َ َ َ [، 116 ]النساء: ً ِ بَ
في ّ ُ ِ ح ري ال ه
ِ ُِ ب وي ه
ْ ُ ْ َ ْ ِ ت و أ ر ي ّ ط ال ه
ُ ف ُ َ ط خ
َ ْ ت َ
ف ء
ِ ما ّ َ س ال ن م
َ ّ ِ َ ر خ
كي إ ِل َي ْ َ َ ح ِ أو ْ د َ
ق َ ل و
َ + تعالى: وقال [، 31 ]الحج: " ق
ٍ حي ِ س
َ ن
كا ٍ م َ َ
مل َ
ك ُ ع
َ ن َ ط ب ح ي َ ل ت ْ ك ر شْ َ أ ن ِ ئ َ ل َ
ك ِ ل ب ق َ من ن ذي ّ ل ا لى َ إ و
َ ّ َ ْ َ َ َ ْ ْ ِ َ ِ َ
ن" ]الزمر.[65 : ري َ س ِ خا ِ ن ال ْ َ م َ ن ِ كون َ ّ ول َِت َ ُ َ
والحاديث الواردة في ذم المشركين كثيرة منها:
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :سمعت رسول
الله × يقول» :من مات يشرك بالله شيًئا دخل النار« ).(2
وحديث جابر بن عبد الله قال :سمعت رسول الله × يقول:
»من لقى الله ل يشرك به شيًئا دخل الجنة« ).(3
وحديث أبي بكرة) (4رضي الله عنه قال :كنا عند رسول الله
× فقال» :أل أنبئكم بأكبر الكبائر« ثلًثا »الشراك بالله وعقوق
الوالدين وشهادة الزور« وكان رسول الله × متكًئا فجلس ,فما
زال يكررها حتى قلنا ليته سكت«).(5
إن تفشي الشرك في المجتمعات السلمية سبب في ضياعها
وانحرافها عن هدى المولى عز وجل ,فمن أعظم الظلم ,وأبعد
الضلل ,عدم إخلص العبادة لرب العالمين وتسوية المخلوق مع
الخلق العليم.
1
)( الرياض الناضرة للسعدي ,ص .244
2
)( مسلم ,كتاب اليمان ,باب :من مات ل يشرك بالله شيًئا ) (1/94رقم .92
3
)( المصدر السابق نفسه ,رقم .92
4
)( هو نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو أبو بكرة الثقفي ,تدلى إلى رسول الله
× من حصن الطائف في )بكرة( فاشتهر بأبي بكرة وأسلم وأعتقه رسول الله
× يومئذ ,وكان من فضلء الصحابة وسكن البصرة توفي بالبصرة سنة 50هـ,
انظر :أسد الغابة ) ,(5/38الصابة ).(3/542
5
)( مسلم ,كتاب اليمان ,باب :بيان الكبائر ) (1/91رقم .143
187
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
فالله وحده المتفرد بالعبودية فهو مالك النفع والضر ,الذي ما
من نعمة إل منه ,ل يدفع النقم إل هو الذي له الكمال المطلق من
جميع الوجوه ,والغنى التام لجميع وجوه العتبارات.
إن الشرك هو الذنب الوحيد المتميز عن بقية الذنوب بعدم
المغفرة لصاحبه إذا مات ولم يتب منه ,وأما بقية الذنوب فإن
صاحبها إن مات ولم يتب منها فإنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه
وإن شاء غفر له.
إن الذنوب التي دون الشرك جعل الله لمغفرتها أسباًبا كثيرة
كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا والبرزخ ويوم
القيامة ,وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض وشفاعة الشافعين ,ومن
دون ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل اليمان والتوحيد ,وهذا
بخلف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة,
وأغلق دونه أبواب الرحمة ,فل تنفعه الطاعات دون التوحيد ,ول
تفيده الشدائد والمحن شيًئا.
إن الشرك بالله تمجه وترفضه الفطرة السليمة ,ولقد بقى
البشر بعد آدم قروًنا طويلة وهم أمة واحدة على التوحيد والهدي,
ثم أدخلت عليهم الشياطين الشرور المتنوعة بطرق كثيرة ,فكان
قوم نوح قد مات منهم أناس صالحون فحزنوا عليهم فجاءهم
إبليس وأمرهم أن يصوروا تماثيلهم ليتذكروا أحوالهم ,فكان هذا
باب الشر العظيم.
فلما مات الذين صوروهم لهذا المعنى خلف من بعدهم خلف
قل فيهم العلم واستفزهم الشيطان وأغواهم حتى أوقعهم في
حا عليه السلم يعرفونه ويعرفون الشرك ,ثم بعث الله فيهم نو ً
ما ه َ دوا الل َ عب ُ ُوم ِ ا ْ َ
وأمانته وكمال أخلقه فقالَ+ :يا ق ْ صدقه
ه" ]العراف .[59:إل أنهم عصوه وما آمن معه إل ه َ
غي ُْر ُ ن إ ِل َ ٍ م ْكم ّ لَ ُ
قليل.
إن الله تعالى خلق الناس على فطرة التوحيد ثم استطاعت
الوثنية المظلمة الشياطين أن تميل بالناس وتنحرف بهم نحو
ث
ع َ بفَ ة ُ والشرك العظيم ,قال تعالىَ + :
َ َ ً ن الّنا ُ ّ ً َ ِ َ
د ح وا ة م أ س كا َ
ن" ]البقرة.[213: ري َ ذ ِمن ِ و ُ ن َ ري َ ش ِ مب َ ّن ُ ه الن ّب ِّيي َ الل ُ
أي :أن الناس كانوا على ملة آدم عليه السلم حتى عبدوا
حا عليه السلم فكان أول رسول بعثه إليهم نو ً الصنام فبعث الله
الله إلى أهل الرض).(1
ه
ت الل ِ فطَْر َ فا ِ حِني ً ن َ ِ دي
ك ِلل ّ ه َ ج َو ْ َ م ق ْ فأ َ ِوقال تعالىَ + :
ن دي ُ َ
ه ذَل ِك ال ّ ق الل ِ ْ دي َ َ َ فطََر ال َّنا َ ال ِّتي َ
خل ِ ل لِ َ
َ
ها ل ت َب ْ ِ علي ْ َ س َ
َ
ن" ]الروم.[30: مو َ عل ُ س ل َ يَ ْ ن أك ْث ََر الّنا ِ ولك ِ ّ م َ قي ّ ُال ْ َ
1
)( انظر :تفسير ابن كثير ).(1/250
188
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
َ في ك ُ ّ ُ ول َ َ
دواعب ُ ُ
نا ْ سول ً أ ِ ة ّر ُم ٍ
لأ ّ عث َْنا ِقد ْ ب َ َ وقال تعالىَ + :
ت" ]النحل .[36:وقال ×»:كل مولود يولد ُ ّ
جت َن ُِبوا الطاغو َ وا ْه َ
الل َ
على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه« ).(1
وهذه الدلة الدامغة التي ذكرناها تدل على أن الناس كانوا
على التوحيد وأن الشرك طارئ وحادث فيهم.
إن الجماعة المسلمة التي رضيت بالله رًبا وبالسلم ديًنا
وبمحمد × رسول ً تحرص على تحقيق التوحيد ومحاربة الشرك
وهي تسعى لتحكيم شرع الله ,لنها تعلم علم اليقين أن من
شروط التمكين وإقامة دولة السلم تحقيق التوحيد وتهذيبه
وتصفيته من الشرك الكبر والصغر ,ومن البدع القولية
والعتقادية ,والبدع الفعلية العملية ,ومن المعاصي وذلك بكمال
الخلص لله في القوال والفعال والرادات ,وبالسلمة من
الشرك الكبر المناقض لصل التوحيد ,ومن الشرك الصغر
المنافي لكماله وبالسلمة من البدع) ,(2وتربي الناس على
الستعانة بالله في جميع أمور حياتهم والستعانة به والنذر له
والذبح له وحده سبحانه وتعالى وأن تكون الحاكمية لله رب
العالمين.
وهي تحارب شرك القبور ,وكذلك شرك القوانين الوضعية
وتدعو إلى إفراد العبودية لله وحده في جميع شئون الحياة
نل إِ ّ ق ْالنسانية ,ولسان حالها ومقالها قول الله تعالىُ + :
ن لَ مي َ َ
عال ِ ب ال ْ َه َر ّماِتي لل ِم َو َ
ي َ حَيا َ م ْ و َ كي َ
س ِ
ون ُ ُصل َِتي َ َ
ه" ]النعام.[162،163: ك لَ ُ
ري َش ِ َ
لذلك لبد من محاربة الشرك ومداخله وألوانه وجميع طرقه
لن الشرك ذلة في الدنيا وعذاب أليم في الخرة ,ولن من
متطلبات اليمان ولوازمه محاربة ضده أل وهو الشرك.
وبعد أن ذكرت الية الكريمة شروط الستخلف والتمكين
والمن ,أرشدت اليات التي بعدها إلى كيفية المحافظة على هذا
التمكين والمن ،وإلى العدة الفعلية للمة السلمية أل وهي:
التصال بالله ,وتقويم القلب بإقامة الصلة ,والستعلء على الشح,
وتطهير النفس والجماعة بإيتاء الزكاة ,وطاعة الرسول × والرضا
بحكمه ,وتنفيذ شريعة الله في الصغيرة والكبيرة ,وتحقيق المنهج
ن" ]النمل [46:في الرض من مو َ
ح ُ عل ّك ُ ْ
م ت ُْر َ الذي أراده للحياة+ :ل َ َ
الفساد والنحدار والخوف والقلق والضلل ,وفي الخرة من
الغضب والعذاب والنكال .إن المة السلمية عندما تسير على
1
)( مسلم ,كتاب القدر ,باب :كل مولود يولد على الفطرة ) (4/2047رقم
.2658
2
)( انظر :الشيخ عبد الرحمن السعدي وجهوده في توضيح العقيدة ,ص .191
189
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
190
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
1
)( انظر :ركائز اليمان لمحمد قطب ,ص .141،140
191
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)(2
وفي النهاية يفقد نفسه بعد أن يفقد أمنه وطمأنينته:
جل ً مث َل ً ّر ُ ه َ ب الل ُ ضَر َ َ +
ن
ِ يا
َ وَ
ْ ِتسَ ي ْ
ل ه
َ لٍ ج
ُ ر
َ ّ ل ما َ
َ ً لس ً لجُ ر و
َ َ ن
َ سو َُ ِ ك شاَ َ تمُ ُ ء َ
كا رَ ش ُ ه
في ِ ِ
م لَ ه
ُ ُ ْر َ ثْ ك أ لْ ب
ِ َه لل د م
َ ْ ُ ح ْ ل ا ً ل َ ث م َ
ن" ]الزمر.[29: مو َ عل َ ُ يَ ْ
-5إحباط العمل:
كقب ْل ِ َ
من َ ن ِ وإ َِلى ال ّ ِ
ذي َ َ ي إ ِل َي ْ َ
ك َ قدْ ُأو ِ
ح ول َ َ
قال تعالىَ +َ :
ن"ري َ س ِ
خا ِ ْ
ن ال َم َ ن ِ ُ َ
ولت َكون َ ّ ملك َ َ ُ ع َن َ َ
حب َط ّ شَرك ْ َ
ت لي َ ْ ن أَ ْ
ل َئ ِ ْ
]الزمر.[65 :
هذه بعض الثار التي تحدث للنسان الذي يقع في الشرك ول
شك أن تلك الثار تبعد المجتمع من التمكين الرباني.
2
)( انظر :ركائز اليمان ,ص .145-144
192
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
المبحث الرابع
تقـــــوى الله عز وجـــــل
حَنا وا ل َ َ وات ّ َ ل ال ْ ُه َ قال تعالى+ :ول َو أ َن أ َ
فت َ ْ ق ْ مُنوا َ قَرى آ َ ء وال َ ْ َ ْ ّ
كن ك َذُّبوا"... ول َ ِ ض
ْ ِ َر َ ِ ما ن ال ّ َ
س م َ ت ّ م ب ََر َ
كا ٍ ه ْ
ِ عل َي ْ
َ
]العراف.[96:
إن من شروط التمكين المهمة -التي نضيفها إلى المباحث
السابقة -تقوى الله عز وجل ,لن تقوى الله لها ثمرات عظيمة
مفي الدنيا والخرة ,وهذه الثمرات تظهر على الفراد ,ومن ث ّ
على الجماعة المسلمة التي تسعى لتحكيم شرع الله والتمكين
لدينه .إن تقوى الله تعالى تجعل بين العبد وبين ما يخشاه من ربه
ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك ,وهي أن تعمل
بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ,وأن تترك معصية
الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
ل :ثمرات التقوى العاجلة والجلة: أو ً
-1المخرج من كل ضيق والرزق من حيث ل يحتسب العبد:
ه
ق ُوي َْرُز ْ
جاَ خَر ًم ْ
ه َعل ل ّ ُ ج َه يَ ْق الل َمن ي ّت ّ ِ و َقال تعالىَ + :
ب" ]الطلق.[3،2 : س ُ ث ل َ يَ ْ
حت َ ِ حي ْ ُن َم ْ
ِ
-2السهولة واليسر في كل أمر:
َ
سًرا" ه يُ ْر ِ
م ِ
نأ ْ م ْ ه ِعل ل ّ ُ ج َه يَ ْق الل َمن ي َت ّ ِ و َقال تعالىَ + :
]الطلق.[4:
قال سيد قطب رحمه الله» :واليسر في المر غاية ما يرجوه
النسان ,وإنها لنعمة كبرى أن يجعل الله المور ميسرة لعبد من
عباده؛ فل عنت ول مشقة ول عسر ول ضيق يأخذ المور بيسر
في شعوره وتقديره ,وينالها بيسر في حركته وعمله ,ويرضاها
ي
ي ن َدِ ّخ ّحصيلتها( ونتيجتها ,ويعيش من هذا في يسر َر ِ بيسر في
حتى يلقى الله«). 1
-3تيسير العلم النافع:
ء
ي ٍ
ش ْ ل َ ه ب ِك ُ ّ
والل ُ
ه َ
م الل ُ عل ّ ُ
مك ُ ُ وي ُ َ
ه َ وات ّ ُ
قوا الل َ قال تعالىَ + :
م" ]البقرة.[282 :
عِلي ٌ
َ
قال العلمة محمد رشيد رضا) :أي اتقوا لله في جميع ما
أمركم به ونهاكم عنه ,وهو يعلمكم ما فيه قيام مصالحكم وحفظ
أموالكم وتقوية رابطتكم ,فإنكم لول هدايته ل تعلمون ذلك ,وهو
1
)( في ظلل القرآن ).(6/3602
193
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
سبحانه العليم بكل شيء ,فإذا شرع شيًئا فإنما يشرعه عن علم
محيط بأسباب درء المفاسد وجلب المصالح لمن تبعه شرعه,
وكرر لفظ الجللة لكمال التذكير وقوة التأثير( ) ,(1لقد تكرر لفظ
ه
والل ُ ه َ م الل ُ مك ُ ُ عل ّ ُ وي ُ َ ه َ قوا الل َ وات ّ ُ الجللة في قوله تعالىَ + :
م" ثلث مرات ,فالولى حث على التقوى, عِلي ٌ ء َ ي ٍ ش ْ ل َ ب ِك ُ ّ
والثانية وعد ٌ بإنعامه ,والثالثة تعظيم شأنه سبحانه وتعالى.
-4إطلق نور البصيرة:
نا" ]النفال: قا ً فْر َ م ُ عل ل ّك ُ ْ ج َه يَ ْ قوا الل َ قال تعالىِ+ :إن ت َت ّ ُ
را يفرق به إن تقوى الله تعالى في المور كلها تعطي صاحبها نو ً .[29
بين الحق والباطل ,وبين دقائق الشبهات التي ل يعلمهن كثير من
الناس ,وعندما تسيطر تقوى الله على الصف المسلم يصبح يتحرك
بفرقان رباني.
-5محبة الله عز وجل ومحبة ملئكته والقبول في الرض:
َ
ه
ن الل َ فإ ِ ّ قى َ وات ّ َ ه َ د ِ
ه ِ ع ْفى ب ِ َ و َ نأ ْ م ْ قال تعالى+ :ب ََلى َ
ن" ]آل عمران.[76 : قي َ مت ّ ِ ب ال ْ ُ ح ّ يُ ِ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله × أنه قال:
»إذا أحب الله العبد قال لجبريل :قد أحببت فلًنا فأحبه ,فيحبه
جبريل عليه السلم ,ثم ينادي في أهل السماء ,إن الله قد أحب
فلًنا فأحبوه ,فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في
الرض«).(2
-6نصرة الله عز وجل وتأييده وتسديده:
ه
قوا الل َ وات ّ ُ المقصودة بقول الله عز وجلَ + : المعية وهي
ْ َ
ن" ]البقرة .[194:فهذه المعية هي ُ ّ ِ َ قي ت م ل ا ع م
َ َ َ ه الل ن
ّ أ موا عل َ ُ وا ْ َ
معية التأييد والنصرة والتسديد ,وهي معية الله عز وجل لنبيائه
وأوليائه ,ومعيته للمتقين والصابرين وهي تقتضي التأييد والحفظ
خا َ
فا قال تعالى َلموسى عليه السلم وهارون+ :ل َ ت َ َ َ والعانة كما
رى" ]طه.[46: وأ َ ع َ م ُ
س َ ما أ ْ عك ُ َ م َ إ ِن ِّني َ
َ
ما
ن َ م أي ْ َ عك ُ ْ م َ و َ ه َ و ُ أما المعية العامة مثل قوله تعالىَ + :
ول َ ِ َ س ناّ ال نم َ ن ِ فو َ خ ُست َ ْ م" ]الحديد .[4 :وقوله+ :ي َ ْ ك ُن ْت ُ ْ
ن
م َضى ِ ما ل َ ي َْر َ ن َ م إ ِذْ ي ُب َي ُّتو َ ه ْع ُ م َ و َ ه َو ُ ه َ ن الل ِ م َ ن ِ فو َ خ ُ ست َ ْ يَ ْ
ل" ]النساء .[108:فتستوجب من العبد الحذر والخوف ومراقبة و ِ ال ْق ْ
َ
الله عز وجل.
-7البركات من السماء والرض:
1
)( تفسير المنار ).(3/128
2
)( مسلم ,كتاب البر والصلة والداب ,باب :إذا أحب الله تعالى ) (4/2030رقم
.2637
194
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
195
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
قال ابن كثير -رحمه الله) :-يرشدهم تعالى إلى السلمة من
شر الشرار وكيد الفجار باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على
الله الذي هو محيط بأعدائهم ,فل حول ول قوة لهم إل به ,وهو
الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن( ).(1
إنه تعليم من الله تعالى للمسلمين في كيفية الستعانة على
أعداء الله وكيدهم.
-10حفظ الذرية الضعاف بعناية الله تعالى عز وجل:
ةم ذُّري ّ ً ه ْف ًِ خل ْ ِ ن َ م ْ كوا ِ و ت ََر ُ ن لَ ْ ذي َ ش ال ّ ِ خ َ ول ْي َ ْ قال تعالىََ + :
دا" ً دي ِ سَ ل وْ َ
ق لوا ُ قو ُ ي ْ
َ َ َ ل و ه الل قوا ُ ّ ت َ ي ْ ل َ
ف م عل ْ ِ ْ
ه ي فوا َ خا ُفا َ عا ً ض َ ِ
]النساء ,[9:وفي الية إشارة إلى إرشاد المسلمين الذي يخشون
ترك ذرية ضعاف بالتقوى في سائر شئونهم حتى تحفظ أبناؤهم
ويدخلوا تحت حفظ
الله وعنايته ,ويكون في إشعارها تهديد بضياع أولدهم إن فقدوا
تقوى الله ,وإشارة
إلى أن تقوى الصول تحفظ الفروع ,وأن الرجال الصالحين
يحفظون في ذريتهم الضعاف كما في آيةَ + :
ن
كا َ ف َ داُر َ ج َ ما ال ْ ِ وأ ّ َ
ن كا َ و َ ما َ ه َ ه ك َن ٌْز ل ّ ُ حت َ ُ ن تَ ْ كا َ و َ ة َ دين َ ِ م ِ في ال ْ َ ن ِ مي ْ ِ ن ي َِتي َ مي ْ ِغل َ َ ل َِ ُ
حا" ]الكهف .[82:فإن الغلمين حفظا ببركة أبيهما في صال ِ ً ما َ ه َ أُبو ُ
أنفسهما ومالهما).(2
-11سبب لقبول العمال التي بها سعادة العباد في الدنيا
والخرة:
ن" ]المائدة.[27: قي َ مت ّ ِ ن ال ْ ُ م َ ه ِ ل الل ُ قب ّ ُ ما ي َت َ َ قال تعالى+ :إ ِن ّ َ
ولهذا لبد من الدعاة العاملين والعلماء الراسخين من
استحضار هذه المعاني العظيمة ,فإن أعمالنا مهما كان حجمها
وتضحياتنا مهما كانت ضخامتها ل تقبل إل من المتقين ,لنهم هم
الذين يستشعرون أن كل خير هو من الله وحده.
-12سبب النجاة من عذاب الدنيا:
قال الله تعالىَ + :
مى ع َ حّبوا ال ْ َ ست َ َ فا ْ م َ ه ْ هدَي َْنا ُ ف َ مودُ َ ما ث َ ُ وأ ّ َ
كاُنوا ما َ ن بِ َ هو ِ ب ال ْ ُ ذا ِ ع َ ة ال ْ َ ق ُ ع َ صا ِ م َ ه ْ خذَت ْ ُ فأ َ َ دى َ ه َ عَلى ال ْ ُ َ
ن" ]فصلت: ُ
وكاُنوا يت ّقو َ َ مُنوا َ نآ َ ذي َ ّ
جي َْنا ال ِ ون َ ّ نَ سُبو َ ْ
ي َك ِ
.[18،17
إن الله تعالى سلم أهل اليمان والتقوى من بين أظهر
الكافرين دون أن يمسهم سوء أو أن ينالهم من ذلك ضرر ,بسبب
1
)( تفسير القرآن العظيم ).(1/329
2
)( انظر :محاسن التأويل للقاسمي ).(5/47
196
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
1
)( تفسير ابن كثير ).(4/382
197
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
.(7/124
198
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
البخاري ،كتاب اليمان ،باب :من استبرأ لدينه ) (1/22رقم .22 )( 2
البخاري ،فضائل الصحابة ،باب مناقب الحسن والحسين ).(4/261 )( 3
199
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الفصل الثاني
أســـــــباب التمكــــــــــين
تمهيد:
إن الخذ بالسباب التي تؤدي إلى التمكين أمر أرشدنا إليه
سيد المرسلين × ،وقد أمر القرآن الكريم ،وحثنا على الخذ بها
عُتم َ َ َ
ست َط ْما ا ْ
م ّه ْ
دوا ل ُع ّ
وأ ِالله تعالى بالعداد الشامل فقالَ + :
ل" ]النفال.[60 : ط ال ْ َ
خي ْ ِ من ّرَبا ِ
و ِ
ة َو ٍ من ُ
ق ّ ّ
والعداد في حقيقته أخذ بالسباب.
وأشارت الية الكريمة إلى المر بإعداد:
-2ومن رباط الخيل. -1ما استطعتم من قوة.
والغاية:
-1ترهبون به عدو الله وعدوكم -2 .وآخرين من دونهم ل
تعلمونهم.
وإعداد القوة ،لفظ عام يشمل كل قوة ،فقوة العقيدة
واليمان قوة ،وقوة الصف والتلحم قوة ،وقوة السلح والساعد
قوة .ورباط الخيل إشارة إلى السلح الثقيل ،وإشارة إلى وجوب
وجوده في أيدي المسلمين ل تأخذه شراء أو هبة من أحد.
ول يمنع من الحفاظ على الخيل كجزء من العداد السلمي،
لنها عند اللتحام أقوى من التحام الفراد بغير أفراس ،وقد أثبتت
الحروب الحديثة أهمية الخيل كما حدث للمجاهدين في جبال
)( نفس المصدر السابق ).(9/550 1
200
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( انظر :مفردات القرآن كتاب السين ،ص ،220المعجم الوسيط ،ص .426 2
201
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ض ذَُلول ً َ َ
شوا م ُ فا ْ م الْر َ ل ل َك ُ ُ ع َ ج َ ذي َ و ال ّ ِ ه َ وقال سبحانهُ + :
شوُر" ]الملك..[15 : ه الن ّ ُ َ
وإ ِلي ْ ِ ه َ ق ِ من ّرْز ِ وك ُلوا ِ ُ ها َ مَناك ِب ِ َ في َ ِ
ولقد أخبرنا القرآن الكريم أن الله تعالى طلب من السيدة
مريم أن تباشر
ك َ
هّزي إ ِلي ْ ِ و ُ السباب وهي في أشد حالت ضعفها ,قال تعالىَ + :
ق ْ خل َ ِ
ط سا ِ ة تُ َ ع الن ّ ْ جذ ْ ِ بِ ِ
جن ِّيا" ]مريم.[25 : ك ُرطًَبا َ عل َي ْ ِ َ
وهكذا يؤكد القرآن الكريم على ضرورة مباشرة السباب في كل
المور والحوال).(1
»ولقد قدر الله سبحانه وتعالى لدينه أن ينتصر ،وللمسلمين
أن ُيمكنوا ،وللمشركين أن ينهزموا ،ومع ذلك فهل قال الله تعالى
للمسلمين :ما دمت قدرت لكم النصر والتمكين فاقعدوا وانتظروا
م
ه ْ دوا ل َ ُ ع ّ وأ َ ِ إنفاذي قدري ،وهو لبد نافذ؟ كل ،وإنما قال لهمَ + :
و
ه ُ َ ِ ِ َ ُ ّ
د ع ه ب ن بو ل ت ُْر ِ خي ْ ِ ط ال ْ َ من ّرَبا ِ و ِ
ة َ و ٍ ق ّمن ُ عُتم ّ ست َطَ ْ ما ا ْ ّ
شاءُ و يَ َ َ
َ ْ ل و َ
ك ِ لَ ذ + تعالى: وقال [ 60 ]النفال: "... م
ْ ُ ك وّ ُ د ع
َ و
َ ه
ِ الل
ض" ]محمد.[4 : ع ٍ م ب ِب َ ْضك ُ ْ ع َ و بَ ْكن ل ّي َب ْل ُ َ ول َ ِ م َ ه ْ من ْ ُصَر ِ ه ل َن ْت َ َ الل ُ
توي ُث َب ّ ْ م َ صْرك ُ ْ ه ي َن ْ ُ صُروا الل َ َ وقال عز وجلِ+ :إن ت َن ْ ُ
م" ]محمد [7 :فلبد من اتخاذ السباب للنصر والتمكين،
)(2
مك ُ ْ دا َ ق َأ ْ
وإن كان ذلك قدًرا مقدوًرا من عند الله .
»وليس الله -سبحانه وتعالى -عاجزا عن نصرة الحق بغير
الدوات البشرية ،وهو الذي يقول للشيء كن فيكون ،ولكن هكذا
اقتضت مشيئته وهكذا تجري سننه«).(3
ورسول الله × وهو أفضل المتوكلين كان أوعى الناس لهذه
السنة الربانية ،فكان وهو يؤسس لبناء الدولة السلمية يأخذ بكل
ما في وسعه من أسباب ،ول يترك شيئا يسير جزافا ،والمتتبع
للسيرة النبوية يلمس ذلك تماما» ..ففي الهجرة -على سبيل
المثال -لم يترك رسول الله × أمرا من المور إل أعد له عدته،
وحسب له حسابه ،ورسم له خطته على نحو يستوعب كل
الطاقات والوسائل.
فقد أعد النبي × الرواحل والدليل ،واختار الرفيق والمكان
الذي سيتوارى فيه -هو وصاحبه -حتى يهدأ الطلب ،ويفتر
الحماس ،وأحاط ذلك كله بما يمكن للبشر من أخذ الحذر،
والكتمان ،وأسباب الحتياط ،وترك للرادة اللهية -بعد ذلك -ما
)( انظر :التمكين للمة السلمية في ضوء القرآن لمحمد سيد ،ص .248 1
)( مفاهيم ينبغي أن تصحح لمحمد قطب ،ص 263 ،262بتصرف يسير. 2
)( حول التفسير السلمي للتاريخ محمد قطب ،ص .104 3
202
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
ل حيلة له فيه).(1
وكذلك المر بالنسبة لغزوة بدر ،وأحد ،والحزاب ...وجميع
غزواته ×
وكل أموره.
وكان × يوجه أصحابه دائما إلى مراعاة هذه السنة الربانية،
في أمورهم الدنيوية والخروية على السواء ,ففي أمورهم كان
النبي × يرشدهم دائما إلى الخذ بما يمكن من أسباب للوصول
إلى حياة كريمة بعيدا عن ذل السؤال ومهانة العوز والحاجة ،روى
أبو داود والترمذي عن أنس أن رجل من النصار أتى النبي ×
فسأله عطاء ،فقال الرسول × :أما في بيتك شيء؟ قال:
بلى .حلس نلبس بعضه ،ونبسط بعضه ،وقعب نشرب فيه ،قال:
ائتني بهما ،فأتاه بهما ،فأخذهما رسول الله × بيده وقال :من
يشتري مني هذين؟ قال رجل :أنا آخذهما بدرهم ،قال رسول
الله × :من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلثا ،فقال رجل :أنا
آخذهما بدرهمين ،فأعطاهما إياه فأخذ الدرهمين ،وأعطاهما
ما فانبذه إلى أهلك، النصاري ،وقال له :اشتر بأحدهما طعا ً
واشتر بالخر قدوما فائتني به ،فأتاه به ،فشد فيه رسول
عودا بيده ،ثم قال :اذهب فاحتطب وبع ،ول أرينك ً الله ×
خمسة عشر يوما ,فجاء وقد أصاب عشرة دراهم ،فاشترى
طعاما ,فقال له رسول الله × :هذا خير ً ببعضها ثوبًا ،وببعضها
لك من أن تجئ المسألة نكتة سوداء في وجهك يوم
القيامة).(2
»وهذا نفس المعنى الذي أشار إليه أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب حين قال للكسالى القابعين في المسجد ينتظرون
الرزق :ل يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول» :اللهم ارزقني«
وقد علم أن السماء ل تمطر ذهًبا ول فضة ،وإن الله تعالى يقول:
ن َ صل َةُ َ ذا ُفإ ِ ََ +
م ْ غوا ِواب ْت َ ُ
ض َ
في الْر ِ شُروا ِ
فان ْت َ ِ ت ال ّضي َ ِ
ق ِ
ه] "...الجمعة.[10 : ل الل ِض ِ ف َْ
نعم ،لبد من بذل الجهد ،لن الخذ بالسباب والكدح للحصول
على ما يرغب النسان في تحقيقه هو ذاته من سنن الله
تعالى.(3) «...
وكذلك بالنسبة لمر الخرة ،لبد من الخذ بالسباب حتى يصل
ن م ْ
و َتعالىَ + : النسان إلى ما يرجو من رحمة الله وجنته ،قال
َ ُ أ ََرادَ ال َ ِ
ن
َ َ
كا كَ ِ ئ لأو َ
ف ن
م ٌ م ْ
ؤ ِ و ُ
ه َ
و ُ
ها َ
عي َ َ
س ْ عى ل َ َ
ها َ س َ
و َ
خَرةَ َ
كوًرا" ]السراء [19 :لقد كان في وجدان المة ش ُ
م ْ هم ّ عي ُ ُ
س ْ
َ
)( أولويات الحركة السلمية في المرحلة المقبلة ,د .القرضاوي ،ص .18 ،17 1
)( رواه أبو داود ،كتاب الزكاة ،باب :ما تجوز فيه المسألة ).(2/120 2
203
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الغزو الثقافي يمتد من فراغنا للغزالي ،ص .150 :147 2
204
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( رواه الترمذي في صفة القيامة باب ) (4/668) (60رقم .537 3
)( انظر :التوكل على الله تعالى وعلقته بالسباب ،د .عبد الله الدميجي ،ص 4
.179
)( الترمذي ،كتاب الزهد ،باب التوكل على الله ) (4/573رقم ،2344حسن 5
صحيح.
)( انظر :التمكين للمة السلمية ،ص .254 6
205
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
نعتمد عليها وحدها وإنما نتوكل على الله مع الخذ بها ,وعلى
المسلم أن يتقي في باب السباب أمرين:
-1العتماد عليها ،والتوكل عليها ،والثقة بها ورجاؤها وخوفها,
فهذا شرك يرق ويغلظ ،وبين ذلك.
-2ترك ما أمر الله به من السباب ،هذا أيضا قد يكون كفرا
وظلما وبين ذلك ,بل على العبد أن يفعل ما أمره الله به من
المر ،ويتوكل على الله توكل من يعتقد أن المر كله بمشيئة الله،
سبق بها علمه ،وحكمه ،وأن السبب ل يضر ول ينفع ول يعطي ول
يمنع ,ول يقضي ول يحكم ،ول يحصل للعبد ما ل تسبق له به
المشيئة اللهية ول يصرف عنه ما سبق به الحكم والعلم ،فيأتي
بالسباب إتيان من ل يرى النجاة والفرح والوصول إل بها ،ويتوكل
على الله توكل من يرى أنها ل تنجيه ول تحصل له فلحا ول توصله
دا ,ويضرعإلى المقصود ،فيجرد عزمه للقيام بها حرصا واجتها ً
قلبه من العتماد عليها والركون إليها تجريدا للتوكل واعتمادا على
الله وحده) .(1وقد جمع النبي × بين هذين الصلين في الحديث
الصحيح ،حيث يقول» :احرص على ما ينفعك ،واستعن بالله
ول تعجز.(2) «...
فأمره بالحرص على السباب والستعانة بالمسبب ونهاه عن
العجز وهو نوعان:
-1تقصير في السباب وعدم الحرص عليها.
-2وتقصير في الستعانة بالله وترك تجريدها.
فالدين كله ظاهره وباطنه ،وشرائعه وحقائقه تحت هذه
الكلمات النبوية).(3
إن استيعاب وفهم سنة الخذ بالسباب لفراد المة السلمية
وجماعتها من ضروريات فقه التمكين لهذا الدين.
ثانًيا :إرشاد القرآن للعداد:
إن أمر التمكين لهذا الدين يحتاج إلى جميع أنواع القوى ،على
اختلفها وتنوعها ،ولذلك اهتم القرآن الكريم اهتماما كبيرا في
إرشاد المة للخذ بأسباب القوة وأوجب الله تعالى على المة
الخذ بأسبابها ،لن التمكين لهذا الدين طريقه الوصول إلى القوى
بمفهومها الشامل ،وقد قال الصوليون» :وما ل يتم الواجب إل به
فهو واجب«).(4
مدارج السالكين ).(3/501 )( 1
مسلم :كتاب القدر باب المر بالقوة ) (4/2052رقم .2664 )( 2
في ظلل القرآن ) (2/919تفسير آية 54من سورة المائدة. )( 4
206
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( مسلم مع شرح النووي ،كتاب الجهاد ،باب :فضل الرمي ).(13/64 4
) (3،مسلم ،كتاب اليمان ،باب :إن الدين النصيحة ).(1/74 5
6
207
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
208
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( انظر :ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ لبي الحسن الندوي ،ص .225 3
209
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ المير شكيب أرسلن ،ص 2
.164
210
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
المبحث الثاني
الســــــــباب المعنــــــوية
ويحتل العداد المعنوي المكانة الولى ،حتى إن التمكين
ليرتبط بالدرجة الولى بمدى الخذ بهذه السباب ومن أهمها:
أولً :إعداد الفراد الربانيين:
ولقد رسم لنا النبي × منهجا متميزا في تربية الفراد على
معاني الربانية وتحمل أداء رسالة رب البرية ،وكان × مهتما ببناء
القاعدة الصلبة وتربية أتباعه على معاني العقيدة الصحيحة ،فقد
حرص × منذ اليوم الول من بعثته على أن يعطي الناس التصور
الصحيح عن ربهم وعن حقه عليهم ،مدركا أن هذا التصور سيورث
التصديق واليقين عند من صفت نفوسهم ،واستقامت فطرتهم،
ولقد ركز النبي × في تربيته لصحابه على عدة جوانب منها:
أن الله منزه عن النقائص ،موصوف بالكمالت التي ل -1
تتناهى فهو سبحانه واحد ل شريك له ،ولم يتخذ صاحبة ول ولدا.
وأنه سبحانه خالق كل شيء ،ومالكه ،ومدبر أمره +أ َل َ -2
ق
ُ ْ لخَ ه ال ْ
لَ ُ
مُر" ]العراف.[54 : وال ْ َ
وأنه تعالى جده مصدر كل نعمة في هذا الوجود ،دقت -3
ه" ن الل ِ
م َ ة َ
ف ِ م ٍ
َ ع
ْ ّ ن من
ّ ُ
كم ب ما
َ َ ِ و + خفيت أو ظهرت عظمت، أو
]النحل.[53 :
وأن علمه محيط بكل شيء ،فل تخفى عليه خافية في
الرض ،ول في السماء ،ول ما يخفى النسان وما يعلن+:وأ َ
-4
نَ ّ الله َ َ
عل ْ ً
ما" ]الطلق.[12 : ء ِ
ي ٍ
ش ْ حا َ
ط ب ِك ُ ّ
ل َ قدْ أ َ َ
وأنه سبحانه يقيد على النسان أعماله بواسطة ملئكته، -5
في كتاب ل يترك صغيرة ول كبيرة إل أحصاها ،وسينشر ذلك في
ل إ ِل ّ
و ٍ من َ
ق ْ ف ُ
ظ ِ ما ي َل ْ ِ
اللحظة المناسبة والوقت المناسب َ +
د" ]ق.[18 :
عِتي ٌ
ب َ
قي ٌ ل َدَي ْ ِ
ه َر ِ
وأنه سبحانه يبتلي عباده بأمور تخالف ما يحبون ،وما -6
يهوون ،ليعرف الناس معادنهم ،من منهم يرضى بقضاء الله
وقدره ،ويسلم له ظاهرا وباطنا ،فيكون جديرا بالخلفة والمامة
والسيادة ،ومن منهم يغضب ويسخط ،فل يساوي شيئا ،ول يسند
خل َق ال ْموت وال ْحياةَ ل ِيبل ُوك ُ َ
م أي ّك ُ ْ
م َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ذي َ َإليه شيء+ :ال ّ ِ
211
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
.160
212
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( انظر :منهج الرسول × في غرس الروح الجهادية ،د .سيد نوح ص .34 :19 1
213
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ن
دو َ ري ُ ي يُ ِ ش ّ ع ِ وال ْ َ
ة َ دا ِ غ َ هم ِبال ْ َ ن َرب ّ ُ عو َ ن ي َدْ ُ ذي َ ع ال ّ ِ م َك َ س َ ف َ نَ ْ
ول َ ة الدّن َْيا َ َ حَيا ِ ْ
ة ال َ زين َ َ َ َ
َ ريدُ ِ م تُ ْ ِ ه ْعن ْ ُعي َْناك َ
ْ
عد ُ َ
ْ
ول َت َ ْ ه َ ه ُ ج َ و ْ َ
ه ر
ْ ُ ُ م أ نَ كا و ه
َ ُ َ وا ه
َ ع
َ َ ب ّ ت وا َ نا
َ ر
ِ ك ذِ عن َ هُ َ ب لقَ نا
َ ل َ
ف ْ
غ أ ن
َ ْم عْ ِ ط تُ
طا" ]الكهف.[28 : فُر ً ُ
فالية الكريمة تأمر النبي × بأن يصبر على تقصير وأخطاء
المستجيبين لدعوته ،وأن يصبر على كثرة تساؤلتهم خاصة إن
كانت خاطئة ،وأن يصبر على ترددهم في قبول التوجيهات ،وأن
يجتهد في تصبيرهم على فتنة أعداء الدعوة ،وأن يوضح لهم
طبيعة طريق الدعوة ،وأنها شاقة ,وأن ل يغرر مغرر ليبعده عنهم،
وأن ل يسمع فيهم منتقصا ،ول يطيع فيهم متكبرا أغفل الله قلبه
عن حقيقة المور وجوهرها).(1
هذه المنهجية التي رسمها رسول الله × في إعداد الفراد
إعدادا ربانيا على زعماء وقادة الحركات السلمية أن يسيروا
على نفس المنهج الذي سار عليه رسول الله × ,والذي في
حقيقته تفسير للقرآن الكريم ،وإن اليات الكريمة السابقة من
سورة الكهف تصف لنا الشخصية الربانية في عدة صفات منها:
أ -الصبر:
ك". س َف َ صب ِْر ن َ ْوا ْفي قوله تعالىَ + :
إن كلمة الصبر تتردد في القرآن الكريم وفي أحاديث النبي ×
ويوصى الناس بعضهم بعضا وتبلغ أهميتها أن تصير صفة من أربع
للفئة الناجية من الخسران.
ر إ ِل ّ س ٍخ ْفي ُ ن لَ ِسا َ ن ال ِن ْ َ ر إ ِ ّ ص ِ
ع ْ وال ْ َ ّ قال تعالىَ + :
وا
ص ْ وا َ وت َ َ
ق َح ّ ْ
وا ِبال َص ْ
وا َ وت َ َ
ت َ حا ِ صال ِ َ
ملوا ال ّ ُ ع ِو َ
مُنوا َ
نآ َ ذي َ
ال ِ
ر" ]العصر [3-1 :فحكم المولى عز وجل على جميع الناس ِبال ّ ِ
ْ بص
بالخسران إل من أتى بهذه المور الربعة.
-1اليمان بالله.
-2العمل الصالح.
-3التواصي بالحق.
-4التواصي بالصبر.
لن نجاة النسان ل تكون إل إذا أكمل النسان نفسه باليمان
والعمل الصالح وكمل غيره بالنصح والرشاد ،فيكون قد جمع بين
حق الله ،وحق العباد ،والتواصي بالصبر ضرورة لن القيام على
اليمان والعمل الصالح ،وحراسة الحق والعدل من أعسر ما
يواجه الفرد والجماعة ،ولبد من الصبر على جهاد النفس ،وجهاد
214
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
215
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
م أ َّنيب ل َك ُ ْ جا َست َ َ فا ْ م َ ن َرب ّك ُ ْ غيُثو َ ست َ ِ وجل+ :إ ِذْ ت َ ْ الله عز
َ ْ ْ َ
ن" ]النفال [9 :فأمده الله في َ مْرِد ِ ة ُ ملئ ِك ِ ن ال َ م َف ّ م )ب ِ(1أل ٍ مدّك ُ ْ م ِ
ُ
بالملئكة ..وهكذا كان يدعو الله في جميع معاركه ومن ذلك
قوله» :اللهم منزل الكتاب ،سريع الحساب ،مجري السحاب،
هازم الحزاب ،اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم« وكان
يقول عند لقاء العدو »اللهم أنت عضدي ،وأنت نصيري ،بك أجول،
وبك أصول ،وبل أقاتل« ).(2
ج -الخلص:
ه" ]الكهف [28 :ولبد ه ُ ج َ و ْ ن َ دو َ ري ُ ويظهر في قوله تعالى+ :ي ُ ِ
عند إعداد الفراد إعدادا ربانيا أن يتربى المسلم على أن تكون
أقواله وأعماله وجهاده كلها لوجه الله وابتغاء مرضاته وحسن
مثوبته ،من غير نظر إلى مغنم أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر,
وحتى يصبح جنديا من أجل العقيدة والمنهج الرباني ولسان حاله
هماِتي لل ِ م َو َ ي َحَيا َ م ْ و َ كي َ ُ س ِ ون ُ ُ تي َ صل َ ِ ن َ ل إِ ّ ق ْ قوله تعالىُ + :
ت" ]النعام.[162 : ِ ْ ُ ر م أ كَ ِ ل َ ذ ب و
ُ َ ِ ه َ ل كَ ريِ ش َ َ ل نمي َ عال َ ِ ب ال ْ َ َر ّ
إن الخلص ركن من أركان قبول العمل ،ومعلوم أن العمل
عند الله تعالى ل يقبل إل بالخلص وتصحيح النية وبموافقة السنة
والشرع.
وبالخلص تتحقق صحة الباطن ،وقد جاء فيه قوله ×» :إنما
العمال بالنيات«) (3فهذا هو ميزان الباطن ،وأما في موافقة
)(4
عمل ليس عليه أمرنا فهو رد« . ً السنة ،فقد قال ×» :من عمل
من و َ
الله المرين في أكثر من آية ,قال تعالىَ + : وقد جمع
سكَ م َ ست َ ْدا ْ َ
ن فق ِ َ س ٌ ح ِ م ْو ُ ه َ و ُ ه َ ه إ ِلى الل ِ َ ه ُ ج َ و ْ
م َ سل ِ ْ يُ ْ
قى" ]لقمان ،[22 :فإسلم الوجه لله ،إخلص القصد وث ْ َُ ْ ل ا ةِ ِبال ْ ْ َ
و ر ع
ُ
والعمل له ،والحسان فيه ،ومتابعة الرسول × وسنته.
د -الثبات:
ة
زين َ َريدُ ِ م تُ ِه ْعن ْ ُك َ عي َْنا َ
عد ُ َ ول َ ت َ ْْ ويظهر في قوله تعالىَ + :
ة الدّن َْيا" ]الكهف .[28 :وهذا الثبات المذكور فرع عن ثبات حَيا ِال َ
نِ َ م + تعالى: قال الرباني، الداعية به يتسم أن ينبغي أعم
من هم ّ من ْ ُف ِه َعل َي ْ ِ ه َدوا الل َ ه ُ عا َ ما َقوا َصد َ ُ
ل َ جا ٌ ر َ
ن ِ مِني َ م ْ
ؤ ِ ال ْ ُ
ديل ً" ]الحزاب: ُ
ما ب َدّلوا ت َب ْ ِ
و َ من َينت َظُِر َ هم ّ من ْ ُو ِ
ه َ حب َ ُضى ن َ ْ ق َ َ
.[23
)( مسلم ) (3/1383كتاب الجهاد والسير ،باب المداد بالملئكة ) (3/1383رقم 1
.1763
)( صحيح أبي داود ) (2/499كتاب الجهاد ،باب :ما يدعي عند اللقاء )(2/499 2
رقم .2291
)( صحيح أبي داود ).(2/286 3
)( البخاري ) ،(5/172كتاب آيات القرآن ،باب :إن الناس قد جمعوا ).(5/203 4
216
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
مسلم ,كتاب اليمان ،باب ما جاء في القدر ) (1/38رقم .8 )( 2
مسلم ,كتاب القدر ،باب كل شيء بقدر ) (4/2045رقم .2655 )( 3
مسلم ,كتاب القدر ،باب المر بالقوة وترك العجز ) (4/2053رقم .2664 )( 4
217
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :اليمان بالقضاء والقدر لمحمد إبراهيم ،ص .25 2
218
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
َ
ة إ ِل ّ ب ِإ ِذْ ِ
ن صيب َ ٍ
م ِ
من ّ
ب ِ
صا َ -6الهداية كما قال تعالىَ + :
ما أ َ
د
ه ِ
ه يَ ْ
ن ِبالل ِم ْ من ي ُ ْ
ؤ ِ و َ
ه َ الل ِ
ه" ]التغابن.[11 : قل ْب َ ُ
َ
-7الكرم ،فالذي يؤمن بالقدر ،وأن الفقر والغنى بيد الله ,وأنه
ل يفتقر إل إذا قدر الله له ذلك ،فإنه ينفق ول يبالي.
-8الخلص ،فالذي يؤمن بالقدر ل يعمل لجل الناس ،لعلمه
أنهم ل ينفعونه إل بشيء قد كتبه الله له.
-9إحسان الظن بالله وقوة الرجاء ،فالمؤمن بالقدر حسن
الظن بالله ،قوى الرجاء به في كل أحواله.
-10الخوف والحذر من الله ،فالمؤمن بالقدر على حذر من
الله تعالى ،إذ ل يأمن مكر الله إل القوم الخاسرون ،فل يغتر
بعمله مهما كان كثيرا ،فإن القلوب بين أصبعين من أصابع
الرحمن يقلبها حيث يشاء والخواتيم علمها عند الله.
-11اليمان بالقدر يقضي على كثير من المراض التي تفتك
بالمجتمعات وتزرع الحقاد بينهم ,وذلك مثل رذيلة الحسد،
فالمؤمن ل يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ،فاليمان
منه بأن الله هو الذي رزقهم وقدر لهم ذلك ،فأعطى من شاء
ومنع من شاء ابتلء وامتحانا منه عز وجل ،وأنه حين يحسد غيره،
إنما يعترض على القدر).(1
-12التوكل واليقين والستسلم لله ،والعتماد عليه كما قال
ه ل ََنا" ]التوبة.[51 :
ب الل ُما ك َت َ َ قل ّلن ي ّ ِ
صيب ََنا إ ِل ّ َ تعالىُ + :
عدم العتماد على الكهان والمنجمين والمشعوذين والتمسح -13
بأتربة القبور ودعاء غير الله ،وصرف شيء من أنواع العبادة لغير
الله ،لنها ل تملك لنفسها نفعا ول ضرا.
-14التواضع ،فالمؤمن بالقدر إذا رزقه الله بمال ،أو جاه ،أو
علم ،أو غير ذلك تواضع لله ،لعلمه أن هذا من الله ،ولو شاء الله
لنتزعه منه ،وإنه على كل شيء قدير.
-15ومن ثمرات اليمان بالقدر ،السلمة من العتراض على
أحكام الله الشرعية ،وأقداره الكونية والتسليم لله في ذلك كله.
-16ومن ثمراته الجد والحزم في المور ,والحرص على كل
خير ديني أو دنيوي ،كما في قوله ×» :احرص على ما ينفعك
واستعن بالله ول تعجز ،وإن أصابك شيء فل تقل لو
أني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء
)( انظر :مجلة البحوث السلمية ،عدد ،34ص ،250مبحث وسطية أهل السنة 1
في القدر.
219
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
فعل«).(1
-17الشكر ،فالمؤمن بالقدر يعلم أن ما به من نعمة فمن
الله وحده ،وأن الله هو الدافع لكل مكروه ونقمة ،فينبعث بسبب
ذلك إلى شكر الله إذ هو المنعم المتفضل الذي قدر له ذلك وهو
المستحق للشكر ،وهذا ل يعني أل يشكر الناس.
-18الرضا ،فيرضى بالله ربا مدبرا مشرعا ،فتمتلئ نفسه
بالرضا عن ربه فإذا رضي بالله أرضاه الله عز وجل» ،فالرضا باب
الله العظم وجنة الدنيا ،ومستراح العابدين «).(2
حرمت منه أمم -19فرح المؤمن بذلك اليمان بالقدر الذي ُ
فب ِذَل ِكَ
ه َمت ِ ِ
ح َ
وب َِر ْ
ه َ
ل الل ِ
ض ِ ف ْ ل بِ َق ْكثيرة ,قال تعالىُ + :
ن" ]يونس.[58 : عو َم ُ
ج َما ي َ ْ
م ّخي ٌْر ّ
و َ
ه َ
حوا ُ فل ْي َ ْ
فَر ُ َ
-20الستقامة على المنهج سواء في السراء والضراء ،فالعباد
فيهم قصور ،ونقص وضعف ل يستقيمون على منهج سواء إل من
آمن بالقدر ،فإن النعمة ل تبطره والمصيبة ل تقنطه.
-21عدم اليأس من انتصار الحق ,فالمؤمن بالقدر يعلم
علم اليقين أن العاقبة للمتقين ،وأن قدر الله في ذلك نافذ ل
محالة ،فل يدب اليأس إلى قلبه ،ول يعرف إليه طريقا مهما
احلولكت ظلمة الباطل.
-22علو الهمة وعدم الرضا بالدون ،وعدم الرضا بالواقع
الليم ،فالمؤمن بالقدر تجده عالي الهمة ل يرضى بالدون ول
بالواقع الليم المر ،ول يستسلم له محتجًا بالقدر ،إذ أن هذا ليس
مجال الحتجاج بالقدر ،لنه ليس من المصائب ،والحتجاج بالقدر
إنما يسوغ عند المصائب دون المعائب ،بل إن إيمانه بالقدر يحتم
سعيا حثيثًا لتغيير هذا الواقع حسب قدرته
ً عليه أن يسعى
واستطاعته).(3
-23اليمان بالقدر على وجه الحقيقة يكشف للنسان حكمة
سىع َ و ََالله عز وجل فيما يقدره من خير أو شر ,قال َ تعالىَ + :
شي ْئاً حّبوا َ
سى أن ت ُ ِ ع َو َم َخي ٌْر ل ّ َك ُ ْو َ ه َ
و ُشي ًْئا َ
هوا َ أن ت َك َْر ُ
ن" ]البقرة.[216 : مو َ َ
عل ُ َ
م ل تَ ْ وأن ْت ُ ْ م َ َ
عل ُ ه يَ ْ
والل ُم َ ُ ّ
شّر لك ْ و َ ه َ
و ُ
َ
)(4
كامنة كم نعمة ل تستقل
بشكرها
)( مسلم ،كتاب القدر ،باب المر بالمعروف والنهي عن المنكر ) (4/2052رقم 1
.2664
)( جامع العلوم والحكم لبن رجب ).(2/476 2
)( (2) ,انظر :جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى ،للغرناطي ).(3/52 4
220
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
وقال آخر:
طي الحوادث محبوب تجري المور على حكم
ومكروه القضاء وفي
)(1
أرجوه وربما سرني ما كنت
أحذره
-24ومن ثمراته :عزة النفس والقناعة والتحرر من رق
المخلوقين ،فالمؤمن بالقدر يعلم أن رزقه مكتوب ،وأنه لن يموت
حتى يستوفي رزقه ،ويدرك أن الله كافيه وحسبه ورازقه ،وأن
العباد مهما حاولوا إيصال الرزق له ،أو منعه عنه فلن يستطيعوا
إل بشيء قد كتبه الله ،فينبعث بذلك إلى القناعة وعزة النفس
والجمال في الطلب وترك التكالب على الدنيا والتحرر من رق
المخلوقين ،وقطع الطمع مما في أيديه ,والتوجه بالقلب إلى رب
العالمين ،وهذا أساس فلحه ورأس نجاحه).(2
-25سكون القلب وطمأنينة النفس وراحة البال ،فهذه
المور من ثمرات اليمان بالقضاء والقدر ،وهي هدف منشود،
فكل من على وجه البسيطة يبتغيها ويبحث عنها ،وإنك لتجد عند
خواص المسلمين من العلماء العاملين ،والعباد القانتين المتبعين،
من سكون القلب ،وطمأنينة النفس ما ل يخطر على بال ،ول
يدور حول ما يشبهه خيال فلهم في ذلك الشأن القدم المعلي
والنصيب الوفى ,فهذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز
يقول» :أصبحت وما لي سرور إل في مواضع القضاء والقدر«).(3
وهذا شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله -يقول) :إن في
الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الخرة( ).(4
ويقول مقولته المشهورة التي قالها عندما اقتيد إلى السجن:
)ما يصنع أعدائي بي ،أنا جنتي وبستاني في صدري ،أينما رحلت
فهي معي ل تفارقني ،إن حبسي خلوة ،وقتلي شهادة ،وإخراجي
من بلدي سياحة( ).(5
إن هذه الثمار المباركة نتيجة طبيعية عندما يتربى الفراد على
مفهوم القضاء والقدر كما جاء في القرآن الكريم وسنة سيد
المرسلين ,وتجعلهم يسعون بما يملكون من أجل التمكين لدين
الله وإقامة شرع الله ويستبشرون بسقوط الشهداء في الطريق
ول يهابون أحدا إل الله تعالى.
1
)( انظر :جنة الرضا في التسليم لما قدر اللهـ وقضى،ـ للغرناطي ) 3/529
)( الشهادة الزكية في ثناء الئمة على ابن تيمية لمرعي الحنبلي ،ص .34 4
)( شيخ السلم ابن تيمية جهاده ودعوته وعقيدته ،أحمد القطان ومحمد الزين، 5
ص .101
221
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
222
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
223
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( البخاري ،كتاب العتصام ،باب قول النبي ×» :ل تزال (8/189) «...رقم 1
.7311
)( مفتاح دار السعادة ).(1/140 2
)( انظر :قواعد في التعامل مع العلماء ،د .اللويحق ،ص .26 4
)( البخاري ،كتاب الجنائز ،باب :ثناء الناس على الميت ) (2/132رقم .1367 5
224
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
المدينة المشهور بربيعة الرأي ،كان من أهل الجتهاد )ت 136هـ( ,سير أعلم
النبلء ).(6/89
)( هو المام يحيى بن سعيد أبو سعيد القطان توفي )198هـ( ,تهذيب التهذيب 2
.11/16
)( صفة الفتوى والمستفتي لبن حمدان ).(7 3
225
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
226
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
227
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المراء تبع لطاعة لعلماء ،ولما كان قيام السلم بطائفتي العلماء
والمراء ،وكان الناس لهم تبعا ،كان صلح العالم بصلح هاتين
الطائفتين ،وفساده بفسادهما«).(1
أوجب الرجوع الدليل الثاني :أن الله -سبحانه وتعالى -
ْ ه َ َ ُ َ إليهم وسؤالهم عما أشكل قال تعالىَ + :
ل الذّك ِ
ر سألوا أ ْ فا ْ
ن" ]النبياء.[7 : مو َ عل َ ُ
ِإن ك ُن ُْتم ل َ ت َ ْ
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره -رحمه الله :-
)وعموم هذه الية ،فيها مدح أهل العلم ،وأن أعلى أنواعه :العلم
بالكتاب المنزل ،فإن الله أمر من ل يعلم بالرجوع إليهم في جميع
الحوادث ,وفي ضمنه تعديل لهل العلم وتزكية لهم حيث أمر
بسؤالهم وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعية( ).(2
الدليل الثالث :أن الله -سبحانه وتعالى -عظم قدرهم
فأشهدهم دون غيرهم على أعظم مشهود.
شهد الل َ
مل َئ ِك َ ُ
ة وال ْ َ َ و
َ ه إ ِل ّ ُ
ه ه ل َ إ ِل َ َ ه أن ّ ُ ُ ُ يقول سبحانهَ ِ َ +:
م"ُ كيِ حَ ْ ل ا زُ زي ِ ع
َ ْ ل ا و
َ هُ ّ ل إ
ِ َ ِ ه َ ل إ َ ل ط
ِ س
ْ قِ ما ِبال ْ قائ ِ ً عل ْم ِ َ وأوُلو ال ْ ِ َ
]آل عمران.[18 :
قال العلمة السعدي -رحمه الله -في تفسيره لهذه الية:
)وفي هذه الية فضيلة العلم والعلماء ،لن الله خصهم بالذكر من
دون البشر ،وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملئكته ،وجعل
شهادتهم من أكبر الدلة والبراهين على توحيده ودينه ،وجزائه,
وأنه يجب على المكلفين قبول هذه الشهادة العادلة الصادقة.
وفي ضمن ذلك تعديلهم ،وأن الخلق تبع لهم ،وأنهم هم الئمة
المتبوعون ،وفي هذا من الفضل والشرف وعلو المكانة ما ل
يقادر قدره( ).(3
الدليل الرابع :أنهم أهل الفهم عن الله عز وجل:
ها قل ُ َ ع ِ ما ي َ ْ و َ س َ ها ِللّنا ِ رب ُ َض ِ ل نَ ْ مَثا ُ ك ال ْ وت ِل ْ َ
قال تعالىَ + :
ن" ]العنكبوت.[43 : مو َ إ ِل ّ ال ْ َ
عال ِ ُ
إن المثال تضرب للناس كلهم ولكن تعقلها وفهمها خاص بأهل
العلم ,قال ابن كثير -رحمه الله) :وما يفهمها ويتدبرها إل
الراسخون في العلم المتضلعون منه( ).(4
وقال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله ) :-وما يعقلها( أي:
بفهمها وتدبرها وتطبيقها على ما ضربت له ،وعقلها في القلب،
أعلم الموقعين ) (1/10بتحقيق عبد الرؤوف سعد. )( 1
228
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)إل العالمون( :أي :أهل العلم الحقيقي الذي وصل العلم إلى
قلوبهم.
وهذا مدح للمثال التي يضربها ،وحث على تدبرها وتعقلها،
ومدح لمن يعقلها ،وأنه عنوان على أنه من أهل العلم ،فعلم أن
من لم يعقلها ليس من العالمين).(1
الدليل الخامس :أن أهل العلم أبصر الناس بالبشر ومداخل
مو َ ي ال ْي َ ْ خْز َ ن ال ْ ِ م إِ ّ عل ْ َن ُأوُتوا ال ْ ِ ذي َ ل ال ّ ِ قا َ الشر ،قال تعالىَ + :
ن" ]النحل.[27 : ري َ ف ِ كا ِ عَلى ال ْ َ سوءَ َ وال ْ ّ َ
قال الشيخ العلمة ابن سعدي -رحمه الله :-
ن
م" أي :العلماء الربانيون +إ ِ ّ عل ْ َ ن ُأوُتوا ال ْ ِ ذي َ ل ال ّ ِ قا َ َ +
سوءَ" أي :سوء العذاب وال ّ ْ م" أي :يوم القيامة َ + و َ ْ
ي الي َ ْ خْز َ ال ْ ِ
ن". ري َ ف ِ كا ِ عَلى ال ْ َ َ +
وفي هذه فضيلة أهل العلم ،وأنهم الناطقون بالحق في هذه
الدنيا ،ويوم يقوم الشهاد ،وأن لقولهم اعتبارا عند الله وعند
خلقه).(2
ن ُأوُتوا ذي َ ل ال ّ ِ قا َ و َ
ْ ْويقول َسبحانه في سياق قصة قارونَ + :
خي ٌْر] "....القصص.[80 : ه َ ب الل ِ وا ُ م ثَ َ وي ْلك ُ ْ م َ عل َ ال ِ
فأهل العلم هنا كانوا متميزين عن غيرهم ،فهم بصراء بالشر
وعلماء بالخير ،فلما رأوا الناس يتمنون مثل ما أوتي قارون،
حذروهم من الشر ،وبينوا لهم الخير ،وأن الدار الخرة خير لمن
آمن وعمل صالحا.
العلماء على +وأ َ ولم يعرف هؤلء الذين تمنوا حظوظ الدنيا أن
ن ذي ّ ل ا ح بص بقارون عندها:
َ ِ َ ْ َ َ
س ُ
ط ب ي ه الل ن اللهن ويك َأ َ لو ُ قو
الحق إل حينما حلت عقوبة
س يَ ُ م َ
ََ َ ْ ُ ّ َ َ ْ م ِ ه ِبال ْ كان َ ُ وا َ من ّ ْ تَ َ
عل َي َْنا ه َ ُ الل نّ ّ م أن َ ل و َ ل ر
َ ِ ِ ْ ََ َ ِ ُ ْد ق ْ ي و ه د با ع
ِ نّ َ ِ ْم ُ ء شا َ ي من َ ِ ل َ ق زال ّ ْ
ر
ن"]القصص.[82 : َ رو ِ ُ ف كا ل ا ح ُ ِ ُ ل ف ْ ي َ ل ه َ
خ َ َ َِ َ ْ ّ ُ
ن أ ك يو نا ب ف س لَ َ
ولما كان العلماء هم العارفين بالشر صاروا هم الذين ينهون
نم الّرّبان ِّيو َ
َ َ ه ُها ُ ول َ ي َن ْ َ تعالى+ :ل َ ْ ْ قالث ْم وأ َ الناس عن الوقوع فيه،
ما كاُنوا س َ ت لب ِئ ْ َ ح َ س ْ م ال ّ ه ُ ِ ِ ل ك َ َ ِ ل ا مه ُول ِ ِ ق ْ عن َ حَباُر َ وال ْ َ
ن" ]المائدة.[63 : عو َ صن َ ُ يَ ْ
أي :هل نهاهم العلماء المتصدون لنفع الناس عن هذه الشرور
العظيمة ،وهم -أي :العلماء -العارفون بالشر ومداخل الشر
فكان لزاما أن يبينوا للناس.
والنا س عليهم لزوم طاعة العلماء والستجابة لتحذيرهم من الشر
)( تفسير السعدي ).(6/89 1
229
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ونهيهم عن المعاصي).(1
هذه بعض الدلة في القرآن الكريم ،وأقوال المفسرين فيها
ترشدنا إلى أهمية العلماء في قيادة المة وقيادة الصفوة التي
تقود المة.
وقد جاءت الحاديث النبوية في إرشاد المة إلى منزلة
العلماء:
الدليل الول :أن العلماء ورثة النبياء ،وهم
المفضلون بعد النبياء على سائر البشر:
عن أبي الدرداء) (2قال :سمعت رسول الله × يقول:
»فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على
سائر الكواكب ،وإن العلماء ورثة النبياء ،وإن النبياء
درهما ،ولكنهم ورثوا العلم ,فمن لم يورثوا دينارا ول
أخذه أخذ بحظ وافر« ).(3
قال المام ابن رجب) - (4رحمه الله » :-يعني أنهم ورثوا ما
جاء به النبياء من العلم ،فهم خلفوا النبياء في أممهم بالدعوة
إلى الله وإلى طاعته ،والنهي عن معاصي الله والذود عن دين
الله«).(5
الدليل الثاني :إن العلماء هم المبلغون عن النبياء:
قال الرسول ×» :تسمعون ويسمع منكم ،ويسمع ممن يسمع
منكم« ).(6
فبين × أن هذا العلم يؤخذ بالتلقي وكل جيل من أهل العلم
يبلغه لمن بعدهم.
وهؤلء المبلغون هم المستحقون لدعوة النبي ×» :نضر الله
عبدا سمع مقالتي ،فحفظها ووعاها ،وأداها ،فرب ً
حامل فقه غير فقيه ،ورب حامل فقه إلى من هو
أفقه منه«.
ولقد جمع العلماء بين نقل أقوال الرسول × إلى من بعدهم،
وفقه تلك القوال وفهمها ،فالعالم حامل فقه وفقيه.
)( هو الصحابي الجليل عويمر بن عامر الخزرجي النصاري ،توفي عام 133هـ، 2
الصابة ).(3/46
)( رواه أبو داود ،كتاب العلم ،باب الحث على طلب العلم ) (317/3رقم 3
.3641
)( هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي ،توفي 795هـ، 4
)( أبو داود ،كتاب العلم ،باب :فضل نشر العلم ) (3/322رقم .3660 6
230
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
.3116
)( رفع الملم عن الئمة العلم )ص .(11 2
231
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
232
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
-2مقاصد الشريعة.
-3الموازنة بين المصالح والمفاسد.
-4الدلة التفصيلية.
ول يمكن للعوام ،بل وصغار العلم فهم القضايا الكلية العامة،
وإن كان يمكنهم فهم النصوص الجزئية ،وكذلك فهم مقاصد
الشريعة ل يكون إل باستقراء مجمل النصوص وتصرفات الشارع،
ففقه المقاصد فقه عزيز ،ل يناله كل أحد بل ل يصل إليه إل من
ارتقى في مدارج العلم ،واطلع على واقع الحال ،وقلب النظر في
الحتمالت التي
يظن حدوثها.
والموازنة بين المصالح والمفاسد تحتاج إلى فهم للشريعة
ومقاصدها وفهم للواقع ومراتب المصالح والمفاسد وهذا كله ل
يكون إل للعلماء) .(1إن تصدر العامة الذين ل يفهمون كتاب الله
وسنة رسوله × يشتت المسلمين ويفرق وحدتهم ،لن العوام ل
يتصور اتفاقهم على أمر إذا لم يكن لهم سراة يصدرون عن
رأيهم ،ولذلك كان الرد إلى أهل الحل والعقد.
إن قيام مسألة النكار في المور العامة هو على فهم مسألة
عظيمة هي ،المكان وعدم المكان ,وتحديد هذا المكان وعدمه
ليس إلى جمهور الناس وعوامهم ،بل هو إلى العلماء بشرع الله
البصراء بواقع الناس).(2
فلبد من وضع الثقة بالعلماء الربانيين ،فكثير من الناس من
يطالب العلماء بعمل من العمال هم عنه ممتنعون ،وما امتناعهم
عنه إل لنظرهم من مآلت المور وعواقبها.
إذ بعض المصالح قد يمتنع عنه لما يؤدي إليه من المآل من
المفاسد العظمى ،والدين السلمي يراعي المصالح ،فل يقر
اعتبار مصلحة دنيا على حساب وقوع مفسدة عظمى.
أل ترى أن قتل المنافق الثابت نفاقه ،المعروف باستهزائه
بآيات الله وبرسوله × ،وبالمؤمنين ..أمر مشروع بل موجب
للقتل ،وهو الردة ومفارقة الدين؟
فقد امتنع عنه النبي × لما يفضي إليه هذا القتل من المفاسد,
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) (3أنه قال :كنا مع النبي ×
في غزاة ،فكسع رجل من المهاجرين رجل من النصار ،فقال
النصاري :يا للنصار ،وقال المهاجري ،يا للمهاجرين ،فقال رسول
)( انظر :قواعد في التعامل مع العلماء ،ص .121 1
)( هو جابر بن عبد الله النصاري السلمي ،من أهل بيعة الرضوان ،شهد مع 3
النبي × 19غزوة) ،ت 78هـ( وقيل غير ذلك ،انظر :الستيعاب )، 2/109
.(110
233
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الله ×» :ما بال دعوى الجاهلية« قالوا :يا رسول الله ,كسع رجل
من المهاجرين رجل من النصار ,فقال» :دعوها فإنها منتنة«
فسمعها عبد الله بن أبي ،فقال :قد فعلوها ،والله لئن رجعنا إلى
المدينة ليخرجن العز منها الذل ,قال عمر :دعني أضرب عنق
هذا المنافق ،فقال» :دعه ل يتحدث الناس أن محمدا يقتل
أصحابه« ).(1
إن النبي × امتنع عن قتل المنافق خشية أن يتحدث الناس أن
رسول الله × يقتل أصحابه في وقت كانت الدعوة فيه في طور
النتشار ،مما ينفر الناس عن اليمان برسالة محمد × ,وهذا
المحظور أعظم من المصلحة المتحققة بقتل هذا المنافق).(2
إن وضع الثقة في العلماء الربانيين لخطوة مباركة نحو تحكيم
شرع الله والتمكين لدينه.
إن القيادة الربانية والتي على رأسها العلماء الذين وصلوا إلى
درجة النظر في فقه السلم من كتاب الله وسنة رسوله × هم
الذين يجب أن يقودوا العمل السلمي والدعوة إلى الله.
إن أعداءنا من اليهود والنصارى والملحدة والعلمانيين أيقنوا
أن من أسباب قوة المسلمين التفافهم حول علمائهم وقادتهم،
لذلك شنوا هجوما عنيفا من أجل زعزعة ثقة المة في علمائها
وقادتها ,واستعملوا أساليب متنوعة للتشويه والطعن فيهم لن
العلماء هم الوصلة الحقيقية بين المة وقرآنها وسنة نبيها ×.
وقد لحظ الستعمار الوروبي الحديث ذلك ،وما الثورات التي
فجرت الستعمار إل بقيادة العلماء والقادة الربانيين من المغرب
إلى المشرق في كل ديار المسلمين.
ولذلك قام اليهود والنصارى والملحدة بتشويه صورة القادة
والعلماء بواسطة المسرح ،والتلفاز ،والمجلة والجريدة ,والنوادي,
والغناء وكل وسائل العلم .وإذا أردت أن تعرف هجومهم
العلمي ابتداء من العقود الماضية ،فلتراجع كتاب المشايخ
والستعمار للستاذ حسني عثمان ،فإنه أكد أن القيادة الحكيمة
وهي تسعى لتحكيم شرع الله تعالى ،وإقامة دولة السلم توقن
إيقانا جازما أن المجتمع لن يكون إسلميا بجرة قلم ،أو بقرار
يصدر من ملك أو رئيس أو مجلس قيادة أو برلمان.
إنما يتحقق ذلك بطرق التدرج ،والعداد والتهيئة الفكرية
والنفسية والخلقية والجتماعية ,وإقامة البدائل السلمية
للوضاع الجاهلية التي تأسست عليها مؤسسات عدة لزمنة
عديدة.
)( البخاري ،كتاب التفسير ،باب تفسير سورة المنافقين ) (79-6رقم .4907 1
234
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( عبد الله بن سبأ اليهودي قيل :أصله من صنعاء وقيل غير ذلك رأس الطائفية 2
السبئية التي كانت تقول بألوهية علي ,أظهر السلم ونشر الفتنة بين
المسلمين وتذرع بحب آل البيت وكانت له مصائب عظيمة على المسلمين,
235
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( هو بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي العدوي ،فقيه معتزلي ،عارف 2
)( نص الشاطبي على أن أسباب الوقوع في الختلف ثلثة أمور وهي :الجهل، 4
واتباع الهوى ،والتصميم على اتباع العوائد وإن فسدت وإن كانت مخالفة للحق
)العتصام.(180 – 2/172 :
)( انظر :وجوب لزوم الجماعة وذم التفرق ،ص .137 5
)( القاموس المحيط للفيروز آبادي ) ,(4 ،3/3الصحاح للجوهري )(3/1183 6
236
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
237
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
238
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( البخاري كتاب العلم ،باب :كيف يقبض العلم ) (1/39رقم .100 2
)( شرح النووي ،كتاب العلم ،باب :رفع العلم وقبضه ) (337 ،2/336رقم 3
.2136
)( انظر :وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق ص .171 4
239
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
على قلبه«).(1
وأما في الصطلح :ميلن النفس إلى ما تستلذه من الشهوات
من غير داعية الشرع).(2
ويعتبر اتباع الهوى من أهم السباب في نشأة الكثير من
الفرق الضالة ،والطوائف المنحرفة ،لن أصحاب هذه الفرق
قدموا أهواءهم على الشرع أول ،ثم حاولوا جاهدين أن يستدلوا
بالشريعة على أهوائهم ،وحرفوا النصوص والدلة لتوافق ما هم
عليه من البدع ،فلم يأخذوا الدلة الشرعية مأخذ الفتقار إليها ،بل
اعتمدوا على آرائهم وعقولهم في تقرير ما هم عليه ،ثم جعلوا
الشريعة مصدرا ثانويا ،نظروا فيها بناء على ما قرروه وأصلوه،
ولجل ذلك كان علماء السلف الصالح يطلقون على أهل البدع
وفرق الضللة لفظة »أهل الهواء«) ،(3بل كانوا يطلقونها على كل
من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء والعباد).(4
ولذلك فكل مخالف لما بعث الله به رسوله × من الوامر
والنواهي ،والعبادات ،والطاعات إنما يكون متبعا لهواه ،ول يكون
متبعا لدين شرعه الله تبارك وتعالى).(5 ً
والهوى من السباب التي لجلها خالفت كثير من المم أنبياءها
فاستكبروا ولم يقبلوا الحق والهدى والنور الذي جاءتهم به
أنبياؤهم ،عليهم السلم.
سل َْنا ل َ قدْ أ َ َ قال تعالى+ :ل َ َ
وأْر َ سَراِئي َ َ َ ميَثاقَ ب َِني إ ِ ْ خذَْنا ِ
م
ه ْ س ُ ف ُ وى أن ْ ُ ه َ َ
ما ل ت َ ْ ل بِ َ سو ٌ م َر ُ ه ْجاءَ ُ ما َ سل ً ك ُل ّ َ م ُر ُ ه ِْ إ ِل َي ْ
ن" ]المائدة.[70 : قت ُُلو َ قا ي َ ْ ري ً ف ِ و َقا ك َذُّبوا َ ري ً ف ِ َ
إن الله تعالى ذكر داود عليه السلم وبّين في كتابه أسباب
المحافظة على التمكين وذكر من ذلك البتعاد عن الهوى ,قال
َ عل َْنا َ
ن
م ب َي ْ َ حك ُ ْ فا ْ ض َ في الْر ِ ة ِ خِلي َ
ف ً ك َ ج َ ودُ إ ِّنا َ دا ُ تعالىَ+ :يا َ
ن
ه إِ ّ ل الل ِ سِبي ِعن َ ضلك َ َ ّ في ُ ِوى َ ه َ ْ
ع ال َ َ
ول ت َت ّب ِ ق َ ح ّ س ِبال ْ َ
َ ِ ّ ال ّّنا ِ
سوا ن ما
ِ ُ ِ َ َ ُ ب د ديشَ ب
ٌ َ
ذا ع
َ م ه
ِ ُ ْ ل ه الل ل بي
َ ِ ِ س عن َ ن
َ لو ض
ن َ ِ
ي ذي َ ال ِ
ب" ]ص.[26 : سا ِ ح َ ْ
م ال ِ و َ يَ ْ
يقول ابن تيمية -رحمه الله » :-ونفس الهوى -وهو الحب
والبغض الذي في النفس -ل يلم عليه ،فإن ذلك قد ل يملك ,وإنما
انظر :جامع العلوم والحكم لبن رجب ،ص .36 )( 5
240
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( النسائي ،كتاب السهو ،باب :الدعاء بعد الذكر ) (3/55صححه اللباني رحمه 3
الله.
)( رواه الترمذي وصححه اللباني -رحمه الله -كما في صحيح سنن الترمذي ) 4
(3/183
241
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
242
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
ساروا فيه ،وأن منهج القرآن والسنة الذي سلكه السلف الصالح
هو أفضل السبل على الطلق ونذكر من هؤلء العلم:
-1الجويني) - (1رحمه الله:-
لقد ذم علم الكلم في آخر حياته ونصح المة أن يجتنبوه،
حيث قال» :ل تشتغلوا بعلم الكلم ،فلو عرفت أن الكلم يبلغ بي
ما بلغ ما اشتغلت به «).(2
-2أبو حامد الغزالي ): (3
نصر مذهب السلف في آخر حياته وقال» :الدليل على أن
مذهب السلف هو الحق ،أن نقيضه بدعة ،والبدعة مذمومة
وضللة«).(4
ذمه لعلم الكلم ،حيث قال» :إن الصحابة رضي الله عنهم
كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد
× فما زادوا على أدلة القرآن شيئا ،وما ركبوا ظهر اللجاج في
وضع المقاييس العقلية ،وترتيب المقدمات ,كل ذلك لعلمهم بأن
ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش ,ومن ل يقنعه أدلة القرآن ل
يقمعه إل السيف والسنان ،فما بعد بيان الله بيان«).(5
إن المنهجية الخاطئة التي قدمت العقل على النقل أدت إلى
فساد النتائج وبالتالي إلى ظهور الفرق واختلف المناهج
والتصورات والقيم والمعتقدات ,وكل ذلك أثر في وحدة المة
وساهم في تمزيقها وتشتيتها وتفريقها وإضعافها ،وزوال هيبتها
وملكها وسلطانها ,ولذلك أرى أن محاربة المدارس الكلمية
والنزعات الفلسفية ودعوة الناس إلى اللتزام بكتاب الله وسنة
سيد النام × من أسباب التمكين.
هـ -التقليد والتعصب والحرص على اتباع العوائد:
-1تعريف التقليد لغة واصطلحا:
-التقليد لغة :هو جعل القلدة في العنق).(6
-اصطلحا :هو الرجوع إلى قوة ل حجة لقائله عليه).(7
)( هو إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف أبو المعالي ركن الدين, 1
)( هو محمد بن محمد الغزالي الطوسي له مائتا مصنف ,توفي عام 505هـ, 3
)( جامع بيان العلم وفضله لبن عبد البر ).(2/117 7
243
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
244
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( الدر النفيس في إخلص كلمة التوحيد للشوكاني ،ص).(29 – 28 1
245
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
246
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
فعن أبي هريرة قال :قال رسول الله ×» :إن الله
يرضى لكم ثلثا ،أن تعبدوه ول تشركوا به شيئا ،وأن
تعتصموا بحبل الله جميعًا ول تفرقوا ،وأن تناصحوا من
وله الله أمركم«).(1
إن طريق العتصام بحبل الله أن نلتزم بكتاب الله وسنة
رسوله × ,وهذا الصل من آكد الصول في هذا الدين العظيم،
يقول ابن تيمية -رحمه الله :-
»وهذا الصل العظيم :وهو السلم ،ومما عظمت وصية الله
تعالى به في كتابه ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب
وغيرهم ،ومما عظمت به وصية النبي × ،في مواطن عامة
وخاصة«).(2
ولذلك أمر الله تعالى ورسوله × بكل ما يحفظ على
المسلمين جماعتهم وألفتهم ،ونهيا عن كل ما يعكر صفو هذا المر
العظيم ،إن ما حصل من فرقة بين المسلمين وتدابر وتقاطع،
وتناحر ،بسبب عدم مراعاة هذا الصل وضوابطه ،مما ترتب عليه
شيعا وأحزابًا
ً تفرق في الصفوف ،وضعف في التحاد ،وأصبحوا
كل حزب بما لديهم فرحون.
وهذا المر وإن كان مما قدره الله عز وجل كونًا ،ووقع كما
قدر ,إل أنه -سبحانه -لم يأمر به شرعًا ،فوحدة المسلمين
واجتماعهم مطلب شرعي ،ومقصد عظيم من مقاصد الشريعة،
بل من أهم أسباب التمكين لدين الله تعالى ,ونحن مأمورون
ه ل َ يُ َ
غي ُّر ن الل َبالصبر قال تعالى+ :إ ِ ّ بالتواصي بالحق والتواصي
م" ]الرعد.[11 : ُ َ ما ب ِ َ
ه ْ
س ِ
ما ب ِأن ْف ِ
غي ُّروا َ
حّتى ي ُ َ
وم ٍ َ
ق ْ َ
فلبد من تضافر الجهود بين الدعاة وقادة الحركات السلمية
وبين علماء المسلمين ،وطلبة العلم لصلح ذات البين إصلحًا
حقيقيا ل تلفيقًيا لن أنصاف الحلول تفسد أكثر مما تصلح ,قال ً
الشيخ السعدي -رحمه الله » :-الجهاد نوعان :جهاد يقصد به
صلح المسلمين ،وإصلحهم في عقائدهم وأخلقهم وآدابهم،
وجميع شئونهم الدينية والدنيوية ،وفي تربيتهم العلمية ,وهذا النوع
هو الجهاد وقوامه ،وعليه يتأسس النوع الثاني ،وهو جهاد يقصد به
دفع المعتدين على السلم والمسلمين من الكفار والمنافقين
والملحدين وجميع أعداء الدين ومقاومتهم ,وهذا نوعان :جهاد
بالحجة والبرهان واللسان ،وجهاد بالسلح المناسب في كل وقت
247
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
وزمان« ).(1
ثم أفرد فصل بعنوان »الجهاد المتعلق بالمسلمين بقيام اللفة
واتفاق الكلمة«) ،(2وبعد أن ذكر اليات والحاديث الدالة على
وجوب تعاون المسلمين ووحدتهم قال» :فإن من أعظم الجهاد
السعي في تحقيق هذا الصل في تأليف قلوب المسلمين،
واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية والدنيوية«).(3
ولذلك نرى أن الخذ بالسباب نحو تأليف قلوب المسلمين
وتوحيد صفهم
من أعظم الجهاد لن هذه الخطوة مهمة جدا في إعزاز المسلمين
وإقامة دولتهم ،وتحكيم شرع ربهم.
ومن أهم السباب في تحقيق هذا الهدف المنشود أن
يجتمع المسلمون على أصول ثابتة:
أ -وحدة العقيدة:
ل يمكن أن تقوم وحدة للمسلمين ،ما لم تجمعهم عقيدة
واحدة ،والعقيدة تشكل أساسا مهما في البناء الفردي
والجتماعي ,وهي القاعدة التي تقوم عليها العمال والعلقات
والخلق ،فإذا كانت العقيدة مشوهة أو مزورة فإن البناء ل
يستقيم ،ول يستطيع أن يواجه العاصير والفتن حتى ينهار.
وإن العقيدة التي تصلح لجمع شتات المسلمين هي ما كان
منبعها كتاب الله وسنة رسوله × ,ويمكن التدليل على كل أصل
من أصولها ،أو جزئية من جزئياتها ،ثم إن السلف الصالح الذين
استقاموا على عقيدة السلم الحق دونوا هذه العقيدة تدوينا
يميزها عن عقائد أهل الفرق والضلل).(4
إن سلمة العتقاد وصحته هي الطريق الوحيد لقامة المجتمع
المسلم المترابط المتآلف ،ول سبيل إلى اجتماع المة السلمية
قاطبة ،ووحدة صفها ،وعزها وسعادتها في الدنيا والخرة إل
بالعودة الصحيحة إلى السلم الصافي ،النقي ،الخالص من
شوائب الشرك والبدع والهواء والتعصب واتباع العوائد الفاسدة،
وهذا يتطلب من كل مسلم أن ينبذ كل المذاهب والمناهج الحادثة
المخالفة لما كان عليه سلف المة ،وأن تكون له عناية فائقة
بمذهب السلف الصالح ،وعقيدتهم ومنهجهم.
يقول شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله ) :-وإذا تأمل اللبيب
)( كيف تستعيد المة السلمية مكانتها من جديد؟ د .الشقر ،ص .69 4
248
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
» :من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله × ،فإنهم كانوا
أبر هذه المة قلوبا ،وأعمقها علما ،وأقلها تكلفا ،وأقومها هديا،
وأحسنها حالً ،قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ،وإقامة دينه،
فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم ،فإنهم كانوا على الهدى
)( مسلم ،كتاب الصحابة ،باب فضل الصحابة ) (4/1963رقم .2533 3
)( أخرجه مالك في الموطأ ،كتاب الجامع ،باب النهي عن القول بالقدر ،رقم 4
.1619
249
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المستقيم«).(1
ب -تحكيم الكتاب والسنة:
إن المسلمين ل يكون لهم شأن ,ول عز ،ول نصير ،ول فلح
في الدنيا ول نجاة في الخرة ،إل بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله
× ،على مستوى الفراد ،والسر والجماعات ،والقبائل ,ومن ثم
على مستوى الدولة عند الوصول إليها.
والدلة القرآنية الكريمة تدل على وجوب التحاكم إلى شرع
الله على مستوى المحكومين ،وكذلك أمرت الحكام بذلك.
-1من القرآن الكريم:
َ َ َ
عوا طي ُ وأ ِ ه َ عوا الل َ طي ُ مُنوا أ ِ نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ تعالىَ+ :يا أي ّ َ ُ
قال
م فِإن َ من ْك ُْ ر ِ م ِ وأوِلي ال ْ سول َ َ الّر ُ
م ل ِإن ك ُن ْت ُ ْ ِ سو ُ رَ ّ وال ه
ِ الل لى َ إ ُ ه دو ّ ر ف َ ء
ٍ ي ش َ في ِ مْ ُ تعْ ت ََناَز
خي ٌْر ك َ ر ذَل ِ َ
ِ
خ ِ ه وال ْ ْي َوم ُال َ ِ بالل ن َ نو ُ مؤَ ِتُ ْ
ِ
ويل ً" ]النساء.[59 :
ْ ِ َ حسن ِت َأ ْ
ِ و ْ َ ُ أ َ
لذي أن َْز َ َ ّ و ال َ َ َ
وقال تعالى+ :أ َ
ب يع ِل َمون أ َّ ه َ و ُ ما َ حك ً غي َ ه أب ْت َ ِ غي َْر الل ِ ف َ
ه
ُ ن َِ َ َ ْ ُ َ تا ك ْ ل ا م ه
َ ِ َ َ ْ َ ُ ُ نا ي ت آ ن ذي ّ ل وا ً ل صف ّ م َ ب ُ م ال ْك َِتا َ إ ِل َي ْك ُ ُ
ت م ْ وت َ ّ نَ ري َ مت َ ِ م ْن ال ُ ْ م َ ن ِ فل ت َكون َ ّ ُ َ ق َ ح ّ ْ
من ّرب ّك ِبال َ َ ل ّ من َّز ٌ ُ
ع مي
ّ ِ ُ س ال و ه و ه
ُ َ ّ ِ ِ ِ َ ِ ِ َ ُ َت ما ل َ ك ل ل د ب م ّ ل ً ل د
َ ْ ع
َ و ً
قا د
ِ ْ ص َ
ك ة َ ّ
ب ر م ُ ك َل ِ َ
م" ]النعام.[115 ،114 : عِلي ُ ال ْ َ
ه إ َِلى م ُ حك ْ ُ
ف ُ ء َ ي ٍ ش ْ من َ ه ِ في ِ م ِ فت ُ ْ خت َل َ ْ ما ا ْ و َ وقال تعالىَ + :
ُ َ ْ ّ َ
ب" ]الشورى.[10 : ه أِني ُ وإ ِلي ْ ِ َ تُ ل ك و
َ َ ت هِ ْ ي ل ع
َ بي ه َر ّ م الل ُ ه ذَل ِك ُ ُ الل ِ
-2ومن السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :خطب رسول الله × في
حجة الوداع فقال» :يا أيها الناس :إني قد تركت فيكم ما
إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا ،كتاب الله وسنتي« ).(2
-3ومن أقوال السلف:
قال ابن تيمية -رحمه الله ) :-وكان من أعظم ما أنعم الله به
عليهم -أي السلف الصالح -اعتصامهم بالكتاب والسنة ،فكان
من الصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه
ل يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن ،ل برأيه ول بذوقه ،ول
معقوله ،ول قياسه ،ول وجده ،فإنهم ثبت عنهم بالبراهين
القطعيات واليات البينات أن الرسول × جاء بالهدى ودين الحق،
)( مسلم ،كتاب الحج ،باب حجة النبي × ) (2/890رقم .1218 2
250
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
251
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
252
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( انظر :رسالة التعاليم ،د .محمد عبد الله الخطيب ،ص .296 2
253
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
254
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
بدورها على حقيقة العقيدة السلمية لما كان لتلك المبادئ أي أثر
تطبيقي وإيجابي في شد أزر المجتمع السلمي ودعم كيانه).(1
لم يكن ما أقامه الرسول × بين أصحابه من مبدأ التآخي
مجرد شعار في كلمة أجراها على ألسنتهم ،وإنما كان حقيقة
عملية تتصل بواقع الحياة وبكل أوجه العلقات القائمة بين النصار
والمهاجرين ،ولذلك جعل النبي × من هذه الخوة مسئولية
حقيقية تشيع بين هؤلء الخوة ,وكانت هذه المسئولية محققة
فيما بينهم على خير وجه .لقد كانت رابطة الخوة بين الصحابة
الكرام من أسباب قوتهم ونصرة الله لهم.
إن مناط الخوة وأساسها ،إنما هو رابط السلم وعقيدته
الصحيحة وهي من أهم أسباب وحدة الصف ،وقوة البنيان بين
أفراد المة المسلمة التي تسعى لتحكيم شرع الله تعالى ،كما ل
ننسى أن من أسباب وحدة صفوف المة :العلم النافع ،والخلص
وتجريد المتابعة ،وغير ذلك من السباب المعنوية التي جاءت في
كتاب الله وسنة رسوله × لتوحيد صفوف المة إل أنني ذكرت
أهمها خوفا من الطناب والطالة.
إن التحابب بين المسلمين والحرص على روابط الخوة
المستمدة من اليمان والعقيدة سر قوة المة ،ومفتاح نجاحها.
***
255
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثالث
الســــــــباب الماديـــــــة
بعد أن بينت أهم أسباب التمكين المعنوية رأيت من المناسب
أن أتطرق إلى السباب والوسائل المادية المهمة ،من تدريب،
وإعداد عدة ،وتوفير كوادر في كل مناشط الحياة ،وهذا يحتاج إلى
تخطيط وإدارة واعية ،وتنظيم متين يشرف على إعداد خطة بينة
المعالم ،محددة الهداف ،متطورة المناهج ،شرعية في أسبابها
ووسائلها ،ل تعتمد على الشخاص والفراد وإنما تهتم بنظام
المؤسسات حتى يستمر النشاط ويتطور ويراعى الوصول إلى
المعلومات الصحيحة ،والحصاءات الدقيقة ،وتعتمد على
الدراسات والمكانات ،والتحليلت العلمية ،والمقارنات
الموضوعية والمكانات المادية والبشرية القائمة والمحتملة،
وتدرس جميع العوائق المادية والمعنوية ،الداخلية والخارجية،
الواقعية والمتوقعة ،دون تهويل أو تهوين .ويشرف على وضع هذه
الفاق والخطط البعيدة جهاز متخصص متكامل من خبراء
ضا يستعينون بكل من متمكنين ,متنوعي الثقافة يكمل بعضهم بع ً
يرون الستفادة منه برأي أو معلومة ،من أفراد أو أجهزة أو لجان
متخصصة ,ومن الضروري بمكان أن تهتم الحركة بمبدأ التفرغ،
والتخصص ،ومراكز المعلومات وبالعداد المادي ،والمني
والسياسي والعلمي والعسكري.
أولً :التفرغ ،والتخصص ،ومراكز البحوث:
أ -التفرغ:
إن من أسباب التمكين لهذا الدين والنطلق بدعوة الله بين
الناس أن تهتم الحركات السلمية على المستوى القطري،
والقليمي والدولي بمبدأ التفرغ لصحاب القدرات المتميزة في
المواقع المهمة ,وخصوصا في مجال العلم والفكر ،ومجال التربية
والتكوين ،ومجال الدعوة والعلم ،ومجال السياسة والتخطيط،
ومجال القتصاد والمال ،ومجال المن والستخبارات ،وكل
مجالت الحياة اللزمة لتحكيم شرع الله على جميع أفراد الشعب
ومؤسسات الدولة.
إن العمال العظيمة تحتاج إلى أوقات كبيرة وجهود ضخمة
وهمم عالية ،ولذلك تضطر الحركة السلمية إلى مبدأ التفرغ مع
التنوع والتكامل ،حتى تسد كل الثغرات في العمل السلمي ،ول
يقع تركيز في جانب فيتضخم على جانب آخر فيهمل ،ول بد من
توفير المال اللزم لهذه المشاريع لنها من أعظم القربات إلى
256
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
الله تعالى ,كما يجوز أخذ مال الزكاة أو الصدقة أو الوقف أو
الوصية أو الهبة أو الهدية لسد هذه الثغرات المهمة.
كما ينبغي توفير كل ما يحتاجه المتفرغ وذووه من الجر
الكافي حتى يتفرغ للعطاء والبذل مع مراعاة عدم السراف
والبذخ ,ولبد من الخوف من الله تعالى عند اختيار المتفرغ بحيث
يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب دون محاباة لعمرو أو
ْ
ن" مي ُ ي ال َ ِ
و ّ ت ال ْ َ
ق ِ جْر َ
ست َأ َ
نا ْ
م ِ
خي َْر َ
ن َزيد) ،(1قال تعالى+ :إ ِ ّ
]القصص.[26 :
ب -إعداد المختصين:
من الضرورات اللزمة التوجه لعداد متخصصين في جوانب
الحياة كافة ،إن عصرنا في حاجة شديدة للتخصص الدقيق ،فإن
الذكاء وحده والعقل اللمعي وحده ل يكفي والمواهب وحدها ل
تكفي ،والموسوعية في كل فن والفتاء في كل علم ل يفيد.
فالذي يفيد الدراسة العلمية المتخصصة ،القادرة على أن
تساير العصر ،وتلبي الحاجة وتتقن العمل الذي يسند إليها ,وهذا
الحسان أو التقان ل يتم في عصرنا إل بالتخصص ،وما ل يتم
الواجب إل به فهو واجب.
يقول الدكتور القرضاوي في هذا الباب) :خذ مثل موضوعًا
كالعلم ،وما يتطلبه من تخصصات متنوعة ,إن كتابة النص علم،
وكتابته في صورة حوار علم،وإخراجه علم ،وأداؤه وتنفيذه علم،
وتسويقه علم ،والخراج الذاعي غير الخراج التلفزيوني ،غير
الخراج المسرحي.(2) (...
إن الحركات السلمية غنية بالنوابغ والقدرات والكفاءات
القادرة على أسلمة كل المواقع الحيوية والمفصلية في الحياة
وإنما تحتاج إلى ترتيب أولوياتها وتوجيه طاقاتها بحيث ل تتكدس
ول تتراكم النوابغ في مجالت الهندسة والطب والصيدلة ،وإنما
تتوزع على مواقع أخرى في الدراسات النسانية والجتماعية من
علوم النفس والتربية والجتماع والقتصاد والعلوم السياسية
بحيث تدخل أدمغة الحركات السلمية في صميم مجتمعاتها ول
تترك أي مجال حيوي يؤثر في الحياة النسانية.
إن مبدأ التخصص يعين الحركات السلمية على سد الثغرات
المتعددة في جوانب الحياة المتنوعة والتي لبد من دخولها من
أجل التمكين لدين الله تعالى.
)( انظر :أولويات الحركة السلمية للقرضاوي ،ص .193 1
257
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
258
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
259
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
260
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
الجنوب.
وبفضل الله تعالى ثم بالتخطيط السليم استطاع السودان أن
يفشل مخططات العداء وأن يقطع شوطا بعيدا في قضاياه
السياسية والداخلية ،وظهر من أبنائه أداء سياسي متميز ونبوغ فذ
أقنع الصدقاء والعداء بقدرتهم في إدارة اللعبة السياسية.
-وفي قطاع العلقات الخارجية ،تعرض المركز للتغييرات
السياسية الدولية للعقد المقبل ،وطبيعة القوى السياسية في
الحياة الدولية ،وتوازن المصالح وتوازن القوى ،ووضع الهداف
العليا لسياسة السودان الخارجية في السياسة القليمية والدولية،
وتعرض للمواجهات وللوسائل في تحقيق العلقات الخارجية،
ووضع خططا وبرامج لتدعيم وزارة الخارجية وتطوير الوزارة في
مجالتها البشرية والمادية وأجهزتها ومعداتها.
وحقق السودان بفضل الله تعالى انتصارات رائعة في
السياسة الدولية واستطاع أن يعقد علقات متينة مع دول قوية
مثل الصين ،وروسيا ،وفرنسا ،كما استطاع أن يشكل علقات
حيوية مع جنوب إفريقيا ،ونيجيريا وغيرها من الدول السلمية
والعربية والسيوية والفريقية.
إن السودان اليوم يمثل تجربة رائعة وفريدة من نوعها لنصار
المشروع السلمي الحضاري ،وسوف نتعرض للتجربة السودانية
عند تكلمنا عن مراحل التنفيذ واختيار السلميين لخيار القوة في
الوصول للحكم.
-أما في قطاع المن والدفاع ،فبّين المواجهات والهداف،
ووضع المبادئ الساسية للشرطة والبرامج الرئيسية في مجال
منع الجريمة واكتشاف ما يقع منها ،ووضع قانونا للوراق الثبوتية
والهجرة وتأهيل رجال الشرطة على مستوى الضباط وضباط
الصف ،وتزويدهم بكل الوسائل الحديثة لداء مهمتهم على أكمل
وجه.
إن الشعب السوداني بكل فصائله عندما يقارن بين الحالة
المنية في عهد النقاذ ومن قبلهم يسلم بأن الدولة السلمية
استطاعت بفضل الله أن تحقق المن والسلمة لمواطنيها
والفضل ما شهدت به العداء.
إن من أهم السباب المادية التي يجب علينا أن نهتم بها في عملنا
الدءوب لتمكين دين الله الهتمام بالتفرغ وإعداد المتخصصين،
وإنشاء المراكز التي تهتم بالبحاث والعلوم.
ثانيًا :التخطيط والدارة:
إن التخطيط السليم والدارة الناجحة في العمل السلمي من
261
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الدارة في السلم نقل عن التخطيط والرقابة أساس نجاح الدارة ص 2
.97
262
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
إن يوسف عليه السلم فسر الرؤيا وزاد عليها أن قدم خطة
عملية تستغرق القطر كله والشعب المصري كله ،أي أن خطته
اعتمدت على التشغيل الكامل للمة والبرمجة الكاملة للوقت ،ثم
التشغيل الكامل لطاقة كل فرد في المة ،وهذا الذي أراده يوسف
ن" إن الذي يخطط له عو َ عليه السلم وعبر عنه بقوله +ت َْزَر ُ
يوسف عليه السلم هو مضاعفة النتاج وتقليل الستهلك ،لن
الزمات والظروف الستثنائية تحتاج إلى سلوك استثنائي ،ولن
سلوك الناس في الزمات غير سلوكهم في الظروف العادية،
استرخاء وبطالة ،فإن هذه المة تكون في حالة خلل خطير يحتاج
إلى علج ومعالج خبير).(3
إن يوسف عليه السلم قسم خطته إلى ثلث مراحل:
-1تزرعون سبع سنين دأبا.
-2ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد.
-3ثم يأتي عام يغاث فيه الناس.
وتظهر ملمح هذه الخطة في التي:
-1الطابع الغالب على المرحلة الولى هو النتاج والدخار مع
استهلك محدود ،فيوسف عليه السلم حدد خطط النتاج بالزراعة
وحدد استمرار النتاج الزراعي سبع سنين العمل فيها دائب ل
ينقطع ،ومع هذا الجهد الكبير في النتاج المستمر كان هناك تحديد
ْ
ن" وأمر ما ت َأك ُُلو َ
م ّقِليل ً ّ واضح للستهلك يبدو في قوله+ :إ ِل ّ َ
يوسف بحفظ السنابل المخزونة من الغلل كاملة كما هي
ه".سنب ُل ِ ِ
في ُ َ +
فذَُروهُ ِ
-2فإذا ما انتهت سنوات النتاج السبع ،بما فيها من جهد
متصل دائب ،واستهلك محدود كان على الخطة أن تقابل تحديًا
ضخما هو توفير القوات سبع سنين عجاف ،وبعبارة أخرى :بعد ً
النتاج والجهد الدائب في المرحلة الولى سيأتي تحمل أيضا في
المرحلة الثانية وهو تحمل يحتاج إلى تنظيم دقيق يصل فيه
الطعام إلى كل فم.
-3ومع هذا التحمل والتنظيم الدقيق ،ينبغي أل تأتي هذه
السنوات العجاف على كل المدخرات ،وإنما كان يوسف عليه
ن" فكان هذا صُنو َح ِما ت ُ ْ
م ّقِليل ً ّ السلم واضحا في قوله +إ ِل ّ َ
الجزء المدخر هو »الخميرة« التي تستطيع بها المة أن تقابل
متطلبات البذر الجديد بعد السنوات العجاف ،أي إعادة استثمار
المدخرات.
)( انظر :سورة يوسف دراسة تحليلية ،د .أحمد نوفل ،ص .409 3
263
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
264
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
265
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المجنح الذي ل يرتبط بالواقع ،ومن هنا صارح يوسف عليه السلم
الشعب بالشدائد التي تنتظره ،لكنها ليست المصارحة التي تثبط
أو تقعد عن العمل ,ولكنها التي تدفع للعمل وتزيد الهمة وتضاعف
من
الجهد والطاقة.
إن السبع التي تلي الرخاء ستكون مجدبة ل تعطي بل تأخذ
وتأكل فهي تقتضي حرصا واحتياطا).(1
قال سيد قطب -رحمه الله ):-ثم يأتي من بعد ذلك سبع
شداد -ل زرع فيهن -يأكلن ما قدمتم لهن ,وكأن هذه السنوات
هي التي تأكل بذاتها كل ما يقدم لها لشدة نهمها وجوعها+ :إ ِل ّ
ن" أي إل قليل مما تحفظونه وتصونونه من صُنو َ ح ِما ت ُ ْ قِليل ً ّ
م ّ َ
التهامها ،ثم تنقضي هذه السنوات الشداد العجاف المجدبة ،التي
تأتي على ما خزنتم وادخرتم من سنوات الخصب ,تنقضي ويعقبها
عام رخاء ،يغاث الناس فيه بالزرع والماء ،وتنمو كرومهم
فيعصرونها خمرا وسمسمهم وخسهم فيعصرونها زيتًا .وهنا نلحظ
أن هذا العام الرخاء ل يقابله رمز في رؤيا الملك فهو إذن من
العلم اللدني الذي علمه الله يوسف عليه السلم ،فبشر به
الساقي ليبشر الملك والناس ،بالخلص من الجدب والجوع بعام
رخي رغيد.(2) (...
ونلحظ في اليات القرآنية الكريمة التي تكلمت عن خطة
يوسف عليه السلم عنصر المل والتفاؤل ,وهذا المر مهم في
د ذَل ِ َ ْ
ه
في ِ م ِ عا ٌ
ك َ ع ِ
من ب َ ْ الخطة الناجحة ،قال تعالى+ :ث ُ ّ
م ي َأِتي ِ
ن" ]يوسف.[49 : صُرو َ
ع ِ
ه يَ ْ
في ِو ِ س َث الّنا ُ غا ُ
يُ َ
إن بعد الشدة التي أشار إليها يوسف انفراجا ورخاء ،وستعود
المور بإذن الله تعالى إلى سيرتها الولى ،ولكن بداية العودة
تكون عاما مباركا غير معهود العطاء وفرة وكثرة ،وكأن الخير فيه
سيفيض بغير جهد ،فهو عام فيه يغاث الناس أي :يسقون الغيث،
أو يغاثون :ينجدون من الغوث ،وكل ذلك متلزم» ،وفيه يعصرون«
إشارة أخرى إلى فيض الخير ،فل يلجأ الناس إلى العصر للثمار إل
بعد أن تفيض عن حاجة الستهلك الساسية وهي الكل.
ولبد من المل والتفاؤل في أي خطة ،وإل فإن كان ل أمل
فما الداعي إلى العمل ،ولقد حرك يوسف عليه السلم دوافع
العمل عندهم بتحذيرهم من شدة سنوات القحط ،ثم حركها ثانية
بفتح نافذة المل).(3
266
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
267
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
تحقيق هذا المر ،هو التخطيط والتدبير حتى يضمن نجاح مهمته،
ولقد كان للهجرة مقدماتها ومنها:
-1حسن اختيار الرسول × للمكان ،وكان هذا بوحي من الله
عز وجل.
-2والمدينة لنها توفي بالمقصد ،وتتناسب مع الهدف.
-3وبها صلت القربى ،بنو النجار أخوال جده عبد المطلب من
قبيلتي الوس والخزرج.
-4الموقع القتصادي للمدينة حيث غنائها بمائها وزرعها
وثروتها التجارية.
-5منيعة بحصونها ولها سيادة وسلطان بأهلها من الوس
والخزرج.
-6تجارة مكة تمر عبرها إلى الشام ،لموقعها الستراتيجي.
-7مجاورة أهلها لهل الكتاب وسماعهم منهم ،يجعلهم أكثر
قربا للستماع للدعوة الجديدة.
* التمهيد للهجرة:
-بيعة العقبة الولى:
كانت خير تمهيد لتنفيذ الهجرة ثم تلتها بيعة العقبة الثانية ثم
بيعة العقبة الكبرى ،والعقبة مكان مرتفع شرقي مكة على يسار
الطريق للقاصد منى من مكة ،ولقد لقى الرسول × في العقبة
الولى:
-1ستة نفر كلهم من الخزرج.
-2دعاهم وعرض عليهم السلم فاستجابوا.
-3انصرفوا إلى المدينة وبدأوا ينشرون السلم فيها.
-4لم تبق دار من دور النصار إل فيها ذكر لرسول الله ×.
-5واعدوا النبي × أن يقابلوه في الموسم القادم في نفس
المكان.
-بيعة العقبة الثانية:
ولما حل الموسم جاء من المدينة اثنا عشر رجل من قبيلة
الخزرج منهم النفر الستة الذين بايعوه في العقبة الولى ،واثنان
من قبيلة الوس:
268
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
269
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
270
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
271
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :قضايا أساسية على طريق الدعوة للستاذ مصطفى مشهور نقلً عن 2
272
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
273
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
سبهم وشتمهم.
إن قوة القتصاد السلمي ووصول الموال إلى قبضة
المسلمين ستكون عامل من عوامل قوة الدعوة السلمية,
وستتحكم المنظومة السلمية على القتصاد العالمي وستعرض
على العالم سوقًا إسلمية ومنظومة شركات إسلمية.
وسترتفع رايات المسلمين ومعنوياتهم عندما يرون رجال
المال المسلمين الذين ينفقون أموالهم سرا وعلنية ابتغاء مرضاة
الله ,وينطلق الدعاة في كل مكان مبشرين ومنذرين وخلفهم
مؤسسات وشركات تدعمهم وتقف بجانبهم ،كل على ثغر ،وكل
يسعى لتمكين دين الله في الرض.
إن العداد المالي والقوة القتصادية ستكون في خدمة المة
والدعوة والسياسة والفكر ،وسيسند حركة التغيير الشاملة من
أجل التمكين لدين الله في الرض.
ولبد أن تهتم الحركات السلمية بميدان الصناعة والزراعة
والعقار والستيراد والتصدير ،وبخاصة في البلد الحرة التي ل ينال
أموالنا فيها ظلم ،وفي العالم الكبير الفسيح متسع للستثمار).(1
إن الهيمنة على القتصاد وتحكيم شرع الله فيه جهاد عظيم
ولها آثار على المجتمعات البشرية من أهمها:
-1إنقاذ البشرية وبخاصة المسلمون من مساوئ النظمة
الوضعية حتى إن علماء الغرب يقولون بذلك ،يقول جاك أوستري:
إن طريق النتماء ليس محصورا في المذهبين المعروفين بل
هناك مذهب اقتصادي ثالث راجح هو المذهب السلمي) ،(2وبذلك
يتحرر المسلمون من التبعية القتصادية ويبرز للعالم هذا النظام،
ومن هنا تأتي أهمية طريق النظام القتصادي في السلم ،وبيان
الحكام الشرعية لمعالجة جميع مشاكل الحياة.
-2استغلل الموارد البشرية والمادية السلمية استغلل
اقتصاديا يؤدي إلى الرفاهية العامة للشعوب السلمية مما يساعد
المسلمين على قيام الصناعات الثقيلة ,وبذلك تتحقق للمسلمين
القوة والمنعة التي تحرر أراضيهم المحتلة ,كل ذلك وفق برامج
تنمية متكاملة ،فالسلم ليس مجرد تراث ،بل فيه طريق التنمية
السليم ،وبذلك ل يبقى العالم السلمي مجرد سوق مالي وسلعي
للشرق أو الغرب.
-3وجود القتصاد السلمي يؤدي إلى الوحدة السياسية بين
شعوب السلم ،حيث إن القتصاد ينطلق من الشريعة ،والشريعة
)( صناعة الحياة ،ص .47 ،46 1
)( السلم والتنمية القتصادية ,جاك أوستري ،ترجمة نبيل الطويل ،ص .1000 2
274
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
275
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
276
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
)( العينة :أن يبيع السلعة بثمن معلوم لجل ثم يشتريها منه في الحال بأقل. 2
277
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
278
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
أفرادها.
-2نشر الوعي والحقائق الثابتة وتثقيف العقول وتنوير
الذهان ،ومحاربة الخرافات والساطير والبدع الضارة حتى يتغير
أسلوب الحياة وتتغير الفكار إلى الفضل والحسن وذلك بعرض
الجوانب اليجابية من الحياة عرضا إعلميا مناسبا وعرض
المعلومات والفكار الحديثة والعصرية التي تؤدي لنهضة المة
وزيادة وعيها وثقافتها.
-3دفع عجلة التنمية القتصادية والجتماعية والسياسية
وإحداث التغيير فيها للفضل ،وذلك بتخطيط إعلمي سليم يتم به
نقل التقنية الحديثة إلى أقصى مدى من البث والدعاية ,ويلزم
هذا العلم ويواكب خطوات التقدم القتصادي والجتماعي
والسياسي وشرح حقائقه وأهدافه.
-4المحافظة على شخصية المجتمع بكل معتقداته وآدابه
وتراثه وتاريخه ,وتعميق كل هذا بوسائل العلم المختلفة حتى
يظل المجتمع متماسكا بشخصيته المعروفة باستمرار.
-5تحقيق الترابط التام بين الحاكم والمحكوم بحيث تنسجم
وتتوافق القاعدة العريضة من المجتمع مع القمة مما يدفع
المجتمع إلى التقدم السريع والعمل البناء.
-6قلب الحكومات وإيجاد الضطرابات :فقد يقوم العلم
بذلك نتيجة للصراع الفكري أو الصراع الجتماعي أو الصراع
السياسي ,فتذاع أخبار وحقائق تثير الناس مما يخلق الفوضى في
المجتمع ,ويكون من نتيجة ذلك تغيير الوزارات أو قلب الحكومات
أو تقرير مصائر الدول أو إيجاد الحقد والكراهية نحو طبقة معينة
أو مجتمع معين) (1إلى غير ذلك من المور.
ولقد أرشد القرآن الكريم المة إلى الخذ بأسلوب العلم في
دعوة الخلق ونهج نهجا متميزا في إيصال الحقائق إلى الناس؛ فمثل
نرى القرآن الكريم جعل الحداث مدخل إلى قلوب الناس وعقولهم
لرشادهم وتوجيههم لما فيه السعادة والفلح في الدنيا والخرة.
فنجده ينزل في كثير من الحيان إثر حادثة أو سؤال مراعيا
في ذلك الوقت المناسب وما نزل منه ابتداء فأسبابه قائمة في
الواقع وإن لم يكن لحادثة معينة.
وقد سأل اليهود الرسول × عن هذه الظاهرة الغريبة ،التي ما
عهدوها من قبل في الكتب السماوية السابقة والتي كانت تنزل
جملة واحدة.
)( انظر :فقه الدعوة السلمية والعلم عند المودودي لفاروق الصاوي ،ص ،20 1
.21
279
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال) :قالت اليهود :يا أبا
القاسم لول أنزل هذا القرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة على
نذي َ ل ال ّ ِ قا َ و َ )(2
موسى ،فنزل قوله تعالى ردا على سؤالهم َ + :
ك ل ِن ُث َب ّ َ
ت حدَةً ك َذَل ِ َ وا ِ ة َمل َ ً
ج ْْ
ن ُ ه ال ْ ُ
قْرآ ُ عل َي ْ ِ
ل َ ول َ ن ُّز َ فُروا ل َ ْكَ َ
جئ َْناكَ ّ
ل إ ِل ِ َ
مث ٍ َ
ول ي َأُتون َك ب ِ ََ ً ْ
وَرت ّلَناهُ ت َْرِتيل َ ك َ َ َ ُ
به فؤاد
سيًرا" ]الفرقان.[33 ،32 : ن تَ ْ ِبا ِل ْحق َ َ
ف ِ س َح َ وأ ْ ِ َ ّ َ
إن نزول القرآن الكريم منجما حسب الحداث والوقائع كان له
أهداف إعلمية عظيمة ل يمكن تحقيقها في مدة قصيرة من
الزمن إل بهذا السلوب المعجز.
ومن أهم هذه الهداف العلمية:
-1مساعدة الرسول × على حل المشاكل الجتماعية
المتجددة ،فمن ذلك أن عبد الله بن رواحة تزوج من أمة له
سوداء بعد أن أعتقها إثر ضربه لها وهي أمة مؤمنة ,فطعن عليه
ناس من المسلمين فقالوا :تزوج أمة وكانوا يريدون أن ينكحوا
إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم ,فنزل قوله تعالى:
َ
خي ٌْرة َ من َ ٌ ؤ ِ م ْ ة ّ م ٌ ول َ ن َ م ّ ؤ ِ حّتى ي ُ ْ ت َ كا ِ ر َ ش ِ م ْ
َ حوا ال ْ ُ ول َ ت َن ْك ِ ُ َ +
ح ُّتى ن َ َ كي ِ ر ش ْ
َ ُ َ ِ م ْ ل ا حوا ُ ِ ك ْ نُ ت َ لوْ َ م ُ ك ْ ت َ ب جَ ع
ْ أ وَ ْ َ ل و ة
ٍ َ ك ر
ِ ْ
ش م
ّ من ّ
ك م أول َئ ِ َ جب َك ُ ْ ع َ وأ ْ ول ْ ك َ ر ٍ ِ شم ْ من ّ خي ٌْر ّ ن َ م ٌ ؤ ِ م ْ عب ْدٌ ّ ول َ َ مُنوا َ ؤ ِ يُ ْ
ة ب ِإ ِذْن ِ ِ
ه فَر ِ غ ِ م ْ وال ْ َ ة َ جن ّ ِ عو إ َِلى ال ْ َ ه ي َدْ ُ والل ُ ر َ ن إ َِلى الّنا ِ عو َ ي َدْ ُ
ن" ]البقرة.[221 : م ي َت َذَكُرو َّ ه ْ عل ُ ّ سل َ َ ناّ لل
ِ ه
ِ ِ ت يا َ آ نُ ّ ي وي ُب ََ
ِ
فكان العرف السائد في الجاهلية وحتى ظهور السلم أن
التفاضل بين الناس بالنساب والحساب فقط ،وكان هذا الحدث
وما حصل فيه من استغراب وقيل وقال قد أتاح الفرصة لعلم
الناس بمقياس السلم الحقيقي في التفاضل بين الناس؛ وهو
تقوى الله عز وجل واليمان به وبرسوله × .وهذا المقياس فيه
رفع من شأن المؤمن وإعلم بشرفه على الكافر ،ولو كان هذا
المؤمن عبدا أو أمة ،وكما ل يخفى فإن فيه تصغيرا لشأن الكافر
وإعلما بتفاهته ولو كان أشرف الناس في حسبه ونسبه .ونزول
هذه اليات عقب هذا الحدث الذي هيأ النفوس وأثار انتباهها إعلم
لكل الطرفين بذلك.
-2مساعدة الرسول × في الجابة الموجهة إليه من قبل
المؤمنين أو الكافرين؛ عندما بعث المشركون إلى اليهود بالمدينة
يسألونهم عن أمره فقالت اليهود عنه أشياء ثلثة ،فإن لم يجب
عنها أو أجاب عنها جميعا فهو ليس بنبي ,وإن أجاب عن اثنين ولم
يجب عن الثالث فهو نبي وهذه المور الثلثة هي:
* فتية فقدوا في الزمن الول ما كان من أمرهم؟
)( التقان في علوم القرآن للسيوطي )(1/42 2
280
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
281
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :مذكرات في الدعوة السلمية ،عبد الغفار عزيز ،ص .5 2
282
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
ه" م بِ ِ قب ْت ُ ْعو ِما ُ ل َ مث ْ ِ قُبوا ب ِ ِ عا ِ ف َ م َ قب ْت ُ ْ عا َ ن َ وإ ِ ْ قال تعالىَ + :
]النحل ,[126 :فلبد من الدفاع عن هذه العقيدة وعن حريتها وحرية
القائمين على تبليغها »لكي ل تهون في نفوس الناس ,فالدعوة
المهينة ل يعتنقها أحد«).(1
-5القدوة الحسنة:
ن" ]النحل ,[126 :فالعفو صاِبري َ خي ٌْر ّلل ّ و َ ه َ م لَ ُ صب َْرت ُ ْ ن َ ول َئ ِ ْ
َ +
عند المقدرة في بعض الحيان يكون أعمق أثرا وأكثر فائدة من
النتقام والضرب بيد من حديد على يد الظالم يصبح حتميا ،لن
فيه دفع الضرر وإعلما لمن خلفهم ولكل من سولت له نفسه
الضرار بهذه الدعوة وأهلها أن هذا هو المصير الذي ينتظره،
والجدير بالذكر أن هاتين القاعدتين )أعني)(2الجهاد والقدوة
الحسنة( تمثلن السلوب العلمي العملي في السلم ..وبعد أن
أرشدنا القرآن الكريم إلى القواعد الساسية للسلوب العلمي
الناجح الذي تنتهجه في نشر هذه الدعوة الخالدة ،أشار إشارة
واضحة إلى ما سيلقيه الرسول × والمسلمون من أساليب
إعلمية مضادة شيطانية للقضاء على هذه الرسالة والنيل منها,
فحثهم على الصبر في هذا الصراع العلمي المرير بين الحق
والباطل وأن العاقبة ستكون له وللمؤمنين ,والخزي والفشل
ن
َ رو مك ُ ُ ما ي َ ْ
م ّ ق ّ ضي ْ ٍ في َ ك ِ ول َ ت َ ُ لعداء هذا الدين قال تعالىَ + :
ن" ]النحل،127: سُنو َ ح ِ م ْ هم ّ ن ُ ذي َ ّ
وال ِ وا َ ق ْ ن ات ّ َ ذي َ ع ال ّ ِ م َ
ه َ ن الل َ إِ ّ
.[128
ومن الملحظ أن القرآن الكريم قد انتهج هذا الدستور مع
الرسول × ,فأول ما نزل من القرآن الكريم هو إعلم الرسول ×
قرأ ْ
اليماني العريض« ,قال َتعالى+ :ا ْ ْ َ
)(3
بحقيقة »قاعدة التصور
قَرأ قا ْ لع َ نْ م ِ ن َ ساِ َ ْ ن ل ا ق
َ َ لخَ خل َ َ
ق ذي َ ك ال ّ ِ سم ِ َرب ّ َ ِبا ْ
َ ٍ ّ َ ْ ّ
ّ ْ
مْ ل ما ن سا
ِْ َ َ َ ن ل ا مَ لعَ ِ م ل َ
ق ل با
َ ِ م ل ع
َ ذي ِ ل ا م َ ُر ك ال َ
ك وَرب َّ
م" ]العلق.[5-1 : عل َ ْ يَ ْ
»فالله هو الذي خلق وهو الذي علم ,فمنه البدء والنشأة ,ومنه
التعليم والمعرفة ..والنسان يتعلم ما يتعلم ويعلم ما يعلم..
فمصدر هذا كله هو الله الذي خلق
والذي علم«).(4
وكانت هذه هي البداية مع الرسول × فأول ما نزل عليه من
القرآن الكريم كان الهدف منه إعلم الرسول × بقاعدة التصور
اليماني واليمان بها ،فلما علم هذه القاعدة وآمن بها أمره الله
)( في ظلل القرآن ).(4/2202 1
)( (3) ,انظر السلوب العلمي في القرآن الكريم ،محمد الطلبي ،ص .35 2
3
)( انظر :السلوبـ العلميـ في القرآن الكريم ،ص .35
283
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
284
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
285
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
عون َ َ
ك ن إ ِذْ ي َُباي ِ ُمِني َ م ْ
ؤ ِ َ ن ال ْ ُ ع ِ ه َ ي الل ُ ض َ قدْ َر ِ قال تعالى+ :ل َ َ
ة
كين َ َ س ِ
ل ال ّ م فأن َْز َ َ ه ْ ُ ُ ة َ ت ال ّ
في قلوب ِ ِ ما ِ م َ عل ِ َ ف َ جَر ِ شَ َ ح َ
َ
تَ ْ
ريًبا" ]الفتح.[18 : ِ َ
ق حا
ً ْ ت َ
ف م
ُ ْه َ ب َ
ثا أ و
ع ِ ْ َ
م هْ ي ل َ
خرج رسول الله × مع بعض أصحابه وكانوا نحوا من ألف
وخمسمائة من المدينة قاصدين بيت الله الحرام للزيارة ,وكان
هذا بعد غزوة الحزاب بعام »فلما اقتربوا من مكة وجدوا قريشا
تستعد لقتالهم ،فبعث إليهم الرسول × عثمان بن عفان يقترح
عليهم عقد صلح بين الفريقين وسرت شائعة بأن عثمان قد
قتل«).(1
فلجأ الرسول × إلى أسلوب إعلمي يشعر القرشيين بقوة
المسلمين وأنهم على استعداد لقتالهم والنتصار عليهم فجمع
أصحابه ودعاهم إلى المبايعة »فبايعوه تحت شجرة على قتال
المشركين وأن ل يفروا حتى يموتوا« فلما علمت قريش بهذه
البيعة وأن المسلمين عازمون على الدخول في الحرب معهم
دخل الرعب في قلوبهم ,واضطروا في الدخول في المفاوضات
السلمية التي كانت الهدف الساسي للرسول × من استخدام
هذا السلوب .وكانت قريش ترفض هذه المفاوضات فعقد معهم
»هدنة الحديبية« التي اعتبرها الله -تعالى -فتحا للمؤمنين وامتن
مِبيًنا" ]الفتح.[1 : حا ّ فت ْ ًك َ حَنا ل َ َ فت َ ْ بها على رسوله × بقوله+ :إ ِّنا َ
-4البعثات النبوية:
ه
د ِ عَلى َ
عب ْ ِ ن َ قا َ فْر َ ل ال ْ ُ ذي ن َّز َ ك ال ّ ِ قال تعالى+ :ت ََباَر َ
ذيًرا" ]الفرقان.[1 : ن نَ ِ مي َ عال َ ِ ن ل ِل ْ َكو َ ل ِي َ ُ
في هذه الية الغاية التي من أجلها أنزل القرآن على الرسول
× ,وهي إنذار العالمين وتخويفهم من بأس الله ونقمته ,وبيان
رضا الله من سخطه ،وفي هذا دللة واضحة على أن هذه الرسالة
عالمية »وغايتها نقل هذه البشرية كلها من عهد إلى عهد ,ومن
نهج إلى نهج عن طريق هذا الفرقان الذي نزله الله على عبده
ليكون للعالمين نذيرا«).(2
وإذا كانت هذه الدعوة عالمية فلبد أن يكون إعلمها كذلك،
فالرسول × والمسلمون مكلفون بتبليغ هذه الرسالة إلى جميع
الناس بشتى الساليب العلمية.
ولذا فإننا نرى الرسول × عند أول فرصة وجدها بعد صلح
الحديبية قام بإرسال البعوث الدينية إلى القبائل العربية المجاورة,
)( العلم في صدر السلم ،ص .161 1
286
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
287
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
288
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
289
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
290
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
291
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
292
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
293
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( مسلم ،كتاب المارة ،باب ثبوت الجنة للشهيد ) (3/1510رقم .1501 3
294
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
مسلم ،كتاب الجهاد والسير ،باب :المداد بالملئكة ) (3/1383رقم .1767 )( 2
مسلم ،كتاب المارة ،باب ثبوت الجنة للشهيد ).1901 (3/1501 )( 4
295
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر ,توفي 463هـ ،تذكرة الحفاظ ) 1
.(3/1128
)( الستيعاب ).(2/812 2
296
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
297
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
298
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
رواه أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري عن أبيه ).(8/18 )( 3
البخاري ،كتاب المغازي ،باب :غزوة الخندق (5/59) ،رقم .4115 )( 4
البخاري ،كتاب المغازي ،باب :غزوة الخندق (5/59) ،رقم .4115 )( 5
مسلم ،كتاب الجهاد والسير ,باب غزوة الحزاب ) (3/1414رقم .1788 )( 6
299
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
يجدِ هذا السلوب لجأ إلى أسلوب الجزم والحزم في المر ،فعين
واحدا بنفسه فقال» :قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم ،ول تذعرهم ً
ي«. عل ّ
وفي هذا معنى تربوي وهو أن القيادة الناجحة هي التي توجه
جنودها إلى أهدافها عن طريق الترغيب والتشجيع ،ول تلجأ إلى
المر والحزم إل عند الضرورة.
قال حذيفة »:فمضيت كأنما أمشي في حمام فإذا أبو سفيان
يصلى ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد القوس وأردت أن أرميه
ثم ذكرت قول رسول الله × :ل تذعرهم علي,ولو رميته لصبته
فرجعت كأنما أمشي في حمام ،فأتيت النبي ×وأصابني البرد حين
رجعت وقررت ,فأخبرت رسول الله ×فألبسني فضل عباءة كانت
عليه يصلي فيها ،فلم أبرح نائما حتى الصبح ،فلما أن أصبح قال
رسول الله ×» :قم يا نومان« ).(1
ونستنبط من هذا الموقف دروسًا مهمة منها:
-1اختيار الرسول × حذيفة ليقوم بمهمة التجسس على
الحزاب يدل على معرفته × بمعادن الرجال ،وأن معدن حذيفة
معدن ثمين) ,(2فهو شجاع ول يقوم بهذه العمال إل من كان ذا
شجاعة نادرة ،فهذا العمل يكلفه حياته فلو اكتشفه العداء لكانت
عقوبته الموت صلبا ،ومع هذا أقدم على تنفيذ الوامر.
-2وضوح المر العسكري الذي وجهه الرسول × إلى حذيفة.
-3النضباط العسكري الذي كان يتحلى به حذيفة في تنفيذ
الوامر ونجاحه في الدور الذي أمر به وقيامه بالمهمة خير قيام،
ورجع وقدم المعلومات اليقينية الصادقة للرسول ×.
وفي فتح مكة لما قرر النبي × فتحها حرص على مباغتة
قريش ,وكتم المر حتى ل يصل الخبر إلى قريش فتعد العدة
لمجابهته وتصده قبل أن يبدأ في تنفيذ هدفه ,وشرع في الخذ
بالسباب التية لتحقيق مبدأ المباغتة:
-1أنه كتم أمره حتى عن أقرب الناس إليه:
قال ابن إسحاق -رحمه الله ) :-إن أبا بكر دخل على عائشة
وهي تغربل حنطة فقال :ما هذا؟ أمركم رسول الله × بالجهاز؟
قالت :نعم ،قال :وإلى أين؟ قالت :ما سمى لنا شيئًا ،غير أنه قد
أمرنا بالجهاز( ).(3
ضم: -2أنه بعث سرية بقيادة أبي قتادة إلى بطن إ َ
)( المصدر نفسه. 1
)( السيرة النبوية دراسة تحليلية ،د .محمد أبو فارس ،ص .366 2
300
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
والعقيق.
ميل عن
ً )( ذو خشب :موضع على مرحلة من المدينة إلى الشام يبعد 35 2
المدينة.
)( السقيا :موضع يقع في وادي القرى :معجم البلدان ).(3/288 3
301
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( البخاري ،كتاب المغازي ،باب غزوة الفتح ) (5/105رقم .4274 1
302
الباب الثاني :شروط التمكين وأسبابه
303
مراحـــــــــل التمكـــين
وأهدافـــــه
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
305
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
تمهيد:
إن التمكين لدين الله في الرض يمر بمراحل لبد منها ,وهذه
المراحل هي :مرحلة التعريف ،ومرحلة العداد والتربية ،ومرحلة
المغالبة ،ومرحلة الظهور ,وكل هذه المراحل سنستعرضها في
مباحث مستقلة في هذا الباب -إن شاء الله -ونركز على السنن
الربانية التي تمر بها حركة التمكين لدين الله تعالى.
وأما أهداف التمكين فجامعها قول الله تعالى:
وا صل َةَ َ
وآت َ ُ موا ال ّ قا ُض أَ َِ في ال َْر م ِ مك ّّنا ُ
ه ْ ن ِإن ّ +ال ّ ِ
ذي َ َ
ة
قب َ ُعا ِ ه َ
ولل ِر َمن ْك َ ِ ْ
ن ال ُ ْ الّز َ
ع ِ
وا َ ه ْون َ َ
ف َ
عُرو ِم ْ
مُروا ِبال َ وأ َ كاةَ َ ُ
ر" ]الحج.[41 : ال ُ ِ
مو
ويدخل تحت مفهوم هذه الية الكريمة أهداف الدولة السلمية
التي تسعى لتحقيقها ,وهي في حقيقتها تحقيق العبودية لله بحيث
ل يعبد في الرض سواه ,ومحاربة الباطل بأشكاله وأنواعه،
ومناصرة الحق وأتباعه .ففي هذا الباب نحاول أن نبين أهداف
التمكين التي تسعى الدولة لتحقيقها من ترسيخ دعائم الدولة،
ونظام الحكم الشرعي ،وإيجاد الحاكم الصالح ،والرعية الصالحة،
ووضع نظام عام للدولة ،ونشر دعوة الله في العالم كله وإقامة
المر بالمعروف والنهي عن المنكر ,وجلب المصالح للمة ودفع
المفاسد وإحياء الخلق الكريمة وإحياء فريضة الجهاد وغير ذلك
من المور التي سنوضحها في هذا الباب تحت مباحث متعددة
بإذن الله تعالى.
***
306
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
الفصل الول
مراحــــــــل التمكـــــــين
تمهيد:
إن دعوة الله أمانة يتحملها أهل اليمان الصحيح ،وهذه المانة
ثقيلة في حد ذاتها ،وكذلك حملها وأداؤها ،والوفاء بها ،فكيف وهي
متعلقة بدين الله تعالى؟
ولذلك من أعظم المانات وأشدها ثقل أمانة الدعوة التي
تحتاج إلى رجال مؤمنين يتخلقون بأفضل الخلق الربانية
ونفوسهم مليئة باليمان العميق ،فهم على استعداد تام لتبليغ دين
الله ,ولذلك يسعون بدين الله حتى يتمكن من قلوب الناس
وإقامة دولة اليمان والسلم.
إن مرحلة التمكين أو إقامة دولة اليمان تسبقها مراحل
استخلصها العلماء من دراسة كتاب الله ودراسة التاريخ المتأنية،
ولعل من أهم هذه المراحل:
-مرحلة الدعوة والتعريف بالسلم.
-مرحلة اختيار العناصر التي تحمل الدعوة.
-مرحلة المغالبة.
-مرحلة الظهور.
وسنحاول خلل هذا الفصل دراسة هذه المراحل وتحديد السمات
التي تتميز بها كل مرحلة وكيفية تحقيقها والنتقال بها إلى المرحلة التي
تليها لسيما المرحلة الخيرة مرحلة التمكين.
إن استيعاب مراحل التمكين يعين الدعاة إلى الله على تحقيق
هدفهم المنشود من التمكين لهذا الدين كما يبصرهم بحقيقة
الطريق ,ومعرفة عوائق التمكين التي تعترض تحقيق أهدافهم
وكيفية التغلب عليها من خلل القرآن الكريم وسيرة سيد
المرسلين ,وتاريخ المة المجيد والتعامل مع سنن الله الربانية
المبثوثة في الكون والحياة والشعوب والمجتمعات.
307
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الول
مرحلة الدعوة والتعريف بالسلم
إن الخطوة الولى في سبيل إقامة الدولة المسلمة أو التمكين
للسلم هو التعريف به والدعوة إليه ،وقد كان هذا نهج النبياء
والمرسلين ومنهج القرآن ،والدعاة إلى الله هم ورثة النبياء،
والنبياء عليهم السلم ل يورثون مال ول عقارا ،ولكنهم يورثون
علما ودعوة ومبادئ وقيما وأخلقا وعقيدة صحيحة وتصورا سليما
للكون والحياة والنسان والخلق العليم.
إن الله سبحانه وتعالى قد بين لنا في كتابه وظيفة رسل الله
سل َْنا ِ َ
سول ً م َر ُفيك ُ ْ ما أْر َ والدعاة إليه كما في قوله تعالى+ :ك َ َ
ب ْ
م الك َِتا َ ُ
مك ُ ّ
عل ُ وي ُ َم َ كيك ُ ْ
وي َُز ّ عل َي ْك ُ ْ
م آَيات َِنا َ م ي َت ُْلو َ من ْك ُ ْ ّ
ن" ]البقرة.[151 : مو َ عل ُ َ ُ
م ت َكوُنوا ت َ ْ َ
ما ل ْ مكم ّ ُ ّ
عل ُ وي ُ َ
َ ة
َ م
َ ْ ك ح
ِ ْ ل وا
َ
وتمثل هذه الواجبات المور التية:
معل َي ْك ُ ْ
أولً :تبليغ وحي الله إلى الناس ،وتعريفهم به +ي َت ُْلو َ
آَيات َِنا" ويكون هذا التبليغ بالمور التية:
-1شرح أصول السلم وقواعده للناس.
-2تفسير نصوص القرآن والسنة تفسيرا متبعا لمنهج السلف
وملئما للعصر الذي يتم فيه التفسير من حيث السلوب
والوسيلة.
-3جمع الناس على السلم ومبادئه وأخلقه وتوجيههم نحو
الفهم والعمل.
-4استهداف كل الناس بالدعوة سواء كانوا مشركين أو
نصارى أو يهودا أو ملحدة أو علمانيين أو منافقين أو
فاسقين أو عصاة مع إعطاء الولوية للصف الداخلي
للمة).(1
-5بيان الخطار التي تواجهها المة السلمية من أعدائها
والعمل على اجتيازها في حدود ما تتطلبه المرحلة.
ثانيًا :تزكية الناس ،أي تزكية نفوسهم وتطهير وتنميتها
بالخيرات والبركات في الدنيا والخرة ،بحيث يصير النسان في
الدنيا مستحقًا للوصاف المحمودة ،وفي الخرة الجر والمثوبة،
م" والتزكية بهذا كيك ُ ْوي َُز ّ
وذلك في قوله سبحانه وتعالىَ + :
من َ كيّ زَ ُ ي ه
ُ الل لِ َ ب + تعالى: المعنى ،تارة تنسب إلى الله
)( انظر :حقيقة الدعوة إلى الله ,د .علي عبد الحليم ).(1/263 1
308
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
شاءُ] "...النساء [49 :وتارة تنسب إلى النبي × لكونه واسطة في يَ َ
م". ُ
وي َُزكيك ّْ وصول ذلك إلى الناس كما في هذه الية َ +
فالداعية إلى الله يطهر نفوس الناس بوحي الله ،وينمي
أرواحهم وعقولهم وأبدانهم ،ويرتفع بهم إلى المستوى الذي كرمه
ربه وفضله على كثير من خلقه.
وهذه التزكية تربية ذات منهج ووسائل تنقل النسان من واقعه
إلى ما هو أفضل وأكرم وأحسن له في أمر دينه ودنياه.
ثالثًا :التعليم ،تعليم الناس العلم النافع ،أي القرآن والحكمة،
بم ال ْك َِتا َ مك ُ ُ عل ّ ُ وي ُ َوذلك في قوله سبحانه من هذه اليةَ + :
ة" فهو واجب النبي × ,وواجب الدعاة إلى الله إلى يوم م َ حك ْ َ وال ْ ِ َ
ب" هو القرآن الكريم ،وهو هدى للناس كل الناس، الدين و+ال ْك َِتا َ
فما من خير للبشرية في دينها ودنياها إل نوه عنه القرآن الكريم،
ماوما من شيء من هذا وذاك إل اشتمل عليه القرآن الكريمّ + :
لل كُ ّ صي َ ف ِ وت َ ْ ء" ]النعامَ + ,[28 : ي ٍ ش ْ من َ ب ِ في ال ْك َِتا ِ فّرطَْنا ِ َ
ء" ]النحل.[89 : ي ٍش ْ ل َ ُ ّ
ء" ]يوسف [111 :و +ت ِب َْياًنا لك ّ ي ٍ ش ْ َ
إن تعليم الناس كتاب الله وسنة رسوله × ينقلهم من ظلم
الجهل إلى نور العلم ،ومن ضلل الباطل إلى هداية الحق ،وهذا
ن" أي مو َ عل َ ُ كوُنوا ت َ ْ م تَ ُ ما ل َ ْ كم ّ م ُ عل ّ ُ
وي ُ َيظهر في قوله تعالىَ + :
يبصركم بحاضركم ،ويرسم لكم أسلم طريق لمستقبلكم.
إن هذه الواجبات المنوطة بالدعاة تحتاج إلى تميز إيماني
وتفوق روحاني ،ورصيد علمي وزاد ثقافي ورجاحة عقل وقوة
حجة ،ورحابة صدر وسماحة نفس حتى يستطيع الدعاة تحقيق
واجباتهم المذكورة.
إن القرآن الكريم قد بّين واجبات الدعاة في آيات كثيرة ,ومن
نغو َ ن ي ُب َل ّ ُ ذي َ اليات الجامعة في هذا الباب قوله تعالى+َ :ال ّ ِ
فى وك َ َ ه َ دا إ ِل ّ الل َ ح ً نأ َ و َ ش ْ خ َ ول َ ي َ ْ ه َ ون َ ُ ش ْ خ َ وي َ ْ
ه َ ت الل ِ سال َ ِ ر َ ِ
سيًبا" ]الحزاب.[29 : ح ِ ه َ ِبالل ِ
إن التقصير في القيام بهذا الواجب ،إثم ومعصية ,ولقد بّين
ما ن َ مو َ ن ي َك ْت ُ ُ ذي َ ن ال ّ ِ َالمولى عز وجل ذلك في قوله تعالى+ :إ ِ ّ
في ِ ِ س نا ما َ ّ ّ ُ ِ ّ
لل ه نا ي ب د َ ع ِ من ب َ ْ دى ِ ه َ وال ْ ُ ت َ ن ال ْب َي َّنا ِ مُ َ أن َْزل َْنا ِ
ن" ]البقرة.[159 : عُنو َ ّ
م الل ِ ه ُ عن ُ ُ ْ
وي َل َ ه َ م الل ُ ه ُ عن ُ ُ َ َ
ب أولئ ِك َيل َ ال ْك َِتا ِ
والمعنى أن من عرف الحق ،فقد وجب عليه أن يبينه للناس،
ومن لم يفعل فقد أثم.
كما نعى الله ذلك الكتمان على أهل الكتاب في قوله تعالى:
309
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ربيعة.
)( هو مالك بن الحويرث ،أبو سليمان الليثي ،صحابي نزل البصرة ،مات سنة 2
)( هو شعبة بين الحجاج الوردي أبو بسطام الواسطي ،ثقة ،حافظ متقن ,كان 6
)( البخاري ،كتاب اليمان ،باب :أداء الخمس ) (1/23رقم .53 9
)( البخاري ،كتاب أحاديث النبياء ،باب ما ذكر من بني إسرائيل ) (4/175رقم 10
.4361
310
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
311
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
312
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
بذلك أعداء الله ،بل إنهم يسعون لذلك ويثيرونه ،فعلى الداعية
الحصيف أن يفوت عليهم الفرصة وأن يخذلهم باتباع الحق ,وفهم
حقيقة الختلف المبني على الجتهاد وإحسان الظن بإخوانه،
والتماس العذر لهم ،والحرص على حماية أعراضهم وسمعتهم،
والحرص على التعاون ،وإشاعة الخير) ,(1وله في ذلك نماذج من
الئمة والعلماء ,فهذا المام أحمد بن حنبل جاء في سيرته أنه إذا
بلغه عن شخص صلح أو زهد وقيام بحق واتباع لمر سأل عنه،
وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة ،وأحب أن يعرف أحواله ،وهذا
الشافعي يناظر يونس الصدفي فيختلفان ويفترقان ,قال يونس:
فلقيني )أي الشافعي( فأخذ بيدي ثم قال :يا أبا موسى أل يستقيم
أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة) ،(2وهذا ابن المبارك
سمع رجل ينال من آخر وينتقده فقال له ابن المبارك :هل قاتلت
الترك؟ قال :ل ،قال :فهل قاتلت الفرس؟ قال :ل ،قال :فهل
قاتلت الديلم؟ قال :ل ،قال :أفسلم منك الترك والفرس والديلم
ول يسلم منك أخوك المسلم؟ ).(3
فكن أنت محتال لزلته عذرا إذا ما بدت من صاحب لك
زلة
كأن به عن كل فاحشة وقرا أحب الفتى ينفي الفواحش
سمعه
ول مانع خيرا ول قائل هجرا سليم دواعي الصدر ل
باسط أذى
إن في أعدائنا كفاية لستنفاد جهودنا في حربهم ،ومواجهتهم,
فكيف نغفل عن هذا ونوجه سهامنا لبعضنا؟ ).(4
إن نجاح الدعاة في تنظيم جهودهم ووضعها وفق خطة
شاملة وتوحيد قيادتهم يعين العاملين في مجال الدعوة على
تحقيق أهدافهم ,ويستطيعون أن يبذلوا طاقاتهم في البناء
وانتقاء العناصر الجيدة التي تعتز وتنتمي إلى السلم وتثبت
على هذا العتزاز وتتجرد ممن سواه ،وتورثه إلى غيرها من
الناس ،وممن يظهر حماسهم والتزامهم الحاسم بكل ما هو
إسلمي .ويستطيع الدعاة أن يفرزوا قاعدة قوية بين الناس
تؤمن بالعمل الجماعي للسلم وتراه فرضا عليها ،وعلى كل
المسلمين القادرين على العمل ,وتكون تلك القاعدة طليعة
لقاعدة أوسع من العاملين للسلم ،في عمل جماعي تشرف
عليه لجان مشكلة على جميع مستوياته الفكرية ,والثقافية،
والجتماعية ،والقتصادية والسياسية ،والتربوية ،والحركية
)( انظر :مقومات الداعية الناجح ،ص .149 1
)( نزهة الفضلء ،تهذيب سير أعلم النبلء ،د .محمد حسن عقيل.(2/734) ، 2
313
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :أسس الدعوة ،محمد سيد الوكيل ،ص .21 1
)( انظر :حكمة الدعوة وصفة الدعاة لبي الحسن الندوي ،ص .8 2
314
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :الدعوة السلمية بين الفردية والجماعية ،سليمان مرزوق ،ص .19 3
315
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :كيف ندعو الناس ،عبد البديع خضر ،ص .75 2
316
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
317
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
318
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
وما يقرب منه ,فيصير أنسه بالله بدل عن أنسه بالخلق ،فيعده
بذلك لنسه به يوم الوحشة في القبور حين ل أنيس ,ول ما يفرح
به سواه«).(1
كل ذلك ينعكس على الداعية فتظهر على شخصيته آثار
اليمان الصحيح المتحرك ومن أبرزها:
-1التحرر من عبودية غير الله:
اليمان قوة عظمى يستعلي بها المؤمن على كل قوى الرض،
وكل شهوات الدنيا ويصبح حرا ل سلطان لحد عليه إل لله ،فل
يخاف إل الله ،ول يذل إل لله ،ول يطلب إل من الله ,ول يأمل إل
من الله ،ول يتوكل إل على الله ،ولليمان تأثير كبير في أعظم
أمرين يسيطران على حياة البشر وهما :الخوف على الرزق،
والخوف على الحياة.
أما الول :فل يخفى كم أذل الحرص أعناق الرجال ،وكم
يشغل الناس حب المال ,وكم باع أناس مبادئهم ،وخانوا أمتهم
وتنكروا لماضيهم لما ذهب الذهب بأبصارهم وسبي قلوبهم ،أما
المؤمن فحقائق اليمان تمل قلبه فل يتأثر بشيء من هذا لن في
ماو َم َ قك ُ ْ
رْز ُء ِ ما ِس َفي ال ّ و ِقلبه قول الحق جل وعلَ + :
ن" ]الذاريات.[22 : دو َ ع ُ ُتو َ
ق
ه الّرْز َ عن ْدَ الل ِ غوا ِ فاب ْت َ ُولنه يعلم من بيده الرزقَ + :
ه" ]العنكبوت [17 :وأنه ل يملك أحد من شك ُُروا ل َ ُ وا ْ دوهُ َ عب ُ ُ وا ْ َ
ه لَ ِ الل ن
ُ ِدو من ن دو
ِ َ َ ْ ُ ُ َ ِ ب ع ت ن ذي ّ ل ا ن
ِ ّ إ + شيئا ذلك من البشر
قا" ]العنكبوت ,[17 :وفوق ذلك يعلم حقيقة الرزق رْز ً
م ِ ن ل َك ُ ْ كو َ مل ِ ُ يَ ْ
خي ٌْرك َ رْزقُ َرب ّ َ و
َ ِ + بقوله: ويرتبط المحدودة وقيمته الدنيا في
قى" ]طه.[131 : وأ َب ْ َ َ
فاٍد" ]ص.[54 : من ن ّ َ ه ِ َ
ما ل ُ قَنا َ رْز ُ َ
ذا ل ِ ه َن َ وقوله+:إ ِ ّ
وحديث المصطفى ×» :لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح
بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء« ).(2
ومن هذه المنطلقات اليمانية قال الشافعي -رحمه الله :-
وإذا مت لست أعدم قبرا أنا إن عشت لست أعدم
قوتا
ً
)(3
قهرا همتي همة الملوك ونفسي
)( الترمذي ،كتاب الزهد ،باب :ما جاء في هوان الدنيا على الله ،حديث رقم 2
.2320
)( انظر :مقومات الداعية الناجح ،ص .36 3
319
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ول ينسى خبر سحرة فرعون لما آمنوا وهددوا بالموت هتفوا
َ
ة ه ال ْ َ
حَيا َ ذ ِ
ه ِ
ضي َ ما ت َ ْ
ق ِ ض إ ِن ّ َ ت َ
قا ٍ ما أن َ
ض َ
ق ِ فا ْ
قائلينَ + :
الدّن َْيا" ]طه.[72 :
-2الخشية من الله:
ن
ذي َ وهي من أعظم آثار اليمان وأبرز أوصاف المؤمنين +ال ّ ِ
ن" ]النبياء: قو َ ف ُ ش ِ م ْ ة ُ ع ِسا َن ال ّ م َ
هم ّ و ُب َ م ِبال ْ َ
غي ْ ِ ه ْ ن َرب ّ ُ و َ خ َ
ش ْ يَ ْ
.[49
ن
و َ ش ْ خ َ ول َ ي َ ْ ه َ ون َ ُ
ش ْ خ َوي َ ْ
ه َ سال َ ِ
ت الل ِ ر َن ِ غو َ ن ي ُب َل ّ ُ ذي َ َ +ال ّ ِ
ه" ]الحزاب.[39 : ّ
دا إ ِل الل َ ح ً أ َ
وقدوتهم في ذلك النبي × حيث يقول» :إني لخشاكم لله
وأتقاكم له« ).(2
»والخشية أخص من الخوف ،فهي خوف مقرون بمعرفة«)،(3
وعندما تعمر الخشية والخوف قلب الداعية المؤمن يتميز عن
الغافلين والعابثين؛ لن الخوف يحول بين صاحبه وبين محارم الله,
قال إبراهيم بن سفيان» :إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع
الشهوات منها وطرد الدنيا عنها«).(4
320
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
321
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
صارت الجساد لها قبورا ،وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه
صارت بورا ،وهو سلحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق ،وماؤهم
الذي يطفئون به التهاب الحريق ،ودواء أسقامهم الذي متى
فارقهم انتكست َ به القلوب«) (1والذكر هو العبادة المطلوبة بل حد
ه ِذك ًْرا ك َِثيًرا" مُنوا اذْك ُُروا الل َ نآ َذي َ ها ال ّ ِينتهي إليه َ+يا أي ّ َ
ح
سب ّ ْف َل َ ِ ْ يّ ل ال ء
ِ نا
َ آ نْ م
ِ و
َ + به تختص وقت ]الحزاب [41 :وبل
ر
ِ هاف الن ّ َوأ َطَْرا َ َ
ن ضى" ]طه [130 :وبل حال تستثنى منه +ال ّ ِ
ذي َ ك ت َْر َعل ّ َ
لَ َ
م" ]آل عمران.[191 : ه ْجُنوب ِ ِعَلى ُ و َ دا َعو ً و ُ
ق ُ ما َ قَيا ً ه ِ ن الل َ ي َذْك ُُرو َ
والذاكرون هم السابقون في رياض الجنة يرتعون ,وبوصية
المصطفى × يعملون ،وبمباهاة الملئكة يسعدون).(2
والستغفار من أعظم الذكار وكان المصطفى × يستغفر في
اليوم والليلة سبعين مرة).(3
وأخبر أمته أن »من لزم الستغفار جعل الله له من كل ضيق
مخرجا ،ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث ل يحتسب« ) ،(4ولذا
فلبد للداعية من الذكار ليحيى الله قلبه ،ولبد له من الستغفار
ليمحو الله ذنبه.
وأعظم الذكر تلوة القرآن التي هي من أقوى الصلت بالله
التي يحتاجها الدعاة ،ولها أثرها في واقع الدعوة والحياة» ،ومن
الصلة بالله إعزاز كتاب الله وإدمان تلوته وتدبر معانيه ،وعقد
مقارنة مستمرة بين المثل التي يحدو العالم إليها ،والواقع الذي
ثوى الناس فيه ،لتكون هذه المقارنة حافزا على تذكير الناس
بالحق ،وقيادتهم إلى الله ،وتأهليهم ،وقرب الداعية من كتاب الله
يجب أن يكون متعة لروحه وسكنا لفؤاده وشعاعا لعقله ،ووقودا
لحركته ومرقاة لدرجته«) ،(5والصلة بالقرآن موجبة للتميز كما قال
ابن مسعود » :ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس
نائمون ،وبنهاره إذا الناس مفطرون ،وبحزنه إذا الناس يفرحون،
وببكائه إذا الناس يضحكون ،وبصمته إذا الناس يخوضون،
وبخشوعه إذا الناس يختالون ،وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًا
محزونا حكيمًا حليمًا سكينًا ،ول ينبغي لحامل القرآن أن يكون ً
)(6
صياحا ول حديدًا« . ً جافيا ول غافلً ول سخابًا ول ً
والخلصة أن التميز اليماني من أعظم أسباب نجاح الداعية،
إذ ليس النجاح بفصاحة اللسان ول قوة البرهان ول كثرة العوان،
المصدر نفسه ،ص .463 )( 1
البخاري ،كتاب الدعوات ،باب استغفار النبي × ) (2/178رقم .1518 )( 3
أبو داود ،كتاب الصلة ،باب :الستغفار ) (2/178رقم .1518 )( 4
322
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
بل هو مع ذلك وقبل ذلك بتوفيق الله الذي يخص به أولياءه ,ول
شك »أن الدعاة الذين يكرسون أوقاتهم لله لدفع الناس إلى
سبيله ،لبد أن يكون شعورهم بالله أعمق ،وارتباطهم به أوثق،
وشغلهم به أدوم ،ورقابتهم له أوضح«).(1
لقد قصر بعض الدعاة والجماعات السلمية في العناية بهذا
الجانب المهم بسبب تضخيم العناية بالجوانب الفكرية والسياسية
وغيرها ,والمطلوب التوازن والشمولية وإعطاء كل جانب حقه من
الهتمام.
ثانيا :الرصيد العلمي والزاد الثقافي:
وهذا أساس لبد منه حتى يجد الناس عند الداعية إجابة
للتساؤلت ،وحلول للمشكلت ,إضافة إلى ذلك هو العدة التي بها
يعلم الناس أحكام الشرع ،ويبصرهم بحقائق الواقع ،وبه أيضا
يكون الداعية قادرا على القناع وتفنيد الشبهات ،ومتقنا في
العرض ،ومبدعا في التوعية والتوجيه)» .(2وإذا كانت الدعوة إلى
الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي ل تحصل إل بالعلم
الذي يدعو به وإليه ،ولبد من كمال الدعوة من البلوغ في العلم
إلى حد يصل إليه السعي«) .(3والخوض في غمار الدعوة وميادينها
لبد للداعي من علم وإل ترتب على ذلك آثار وخيمة لن »العامل
على غير علم كالسالك على غير طريق ،والعامل على غير علم ما
يفسد أكثر مما يصلح«).(4
وكما قال معاذ بن جبل » :العلم إمام العمل والعمل تابعه،
وهذا ظاهر فإن القصد العمل ،والعمل إن لم يكن بعلم كان جهل
وضلل واتباعا للهوى«).(5
وطبيعة مهمة الداعي خطيرة ونظرة الناس إليه ،واعتدادهم
به ،وأخذهم عنه يجعل أمر العلم »أشد ضرورة للداعي إلى الله
لن ما يقوم به من الدين منسوب إلى رب العالمين ،فيجب أن
يكون الداعي على بصيرة وعلم بما يدعو إليه ،وبشرعية ما يقوله
ويفعله ويتركه ،فإذا فقد العلم المطلوب اللزم له كان جاهل بما
يريده ,ووقع في الخبط والخلط والقول على الله ورسوله بغير
علم ،فيكون ضرره أكثر من إصلحه ،وقد يأمر بالمنكر وينهى عن
المعروف لجهله بما أحله الشرع وأوجبه وبما منعه وحرمه «).(6
ولبد للداعية أن يوقن أن »العلم أشرف ما رغب فيه الراغب
مع الله ،ص .190 )( 1
أصول الدعوة ،د .عبد الكريم زيدان ،ص .135 )( 6
323
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( أبو داود ،كتاب العلم ،باب الحث على العلم ) (4/57رقم .3641 2
324
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
الذي ذكره المام أحمد حين قال» :الحمد لله الذي جعل في كل
فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى
ويصبرون منهم على الذى ،يحيون بكتاب الله تعالى الموتى،
ويبصرون بنور الله أهل العمى ،فكم من قتيل لبليس قد أحيوه،
وكم من ضال تائه قد هدوه ،فما أحسن أثرهم على الناس وما
أقبح الناس عليهم«) .(1وأهل العلم والبصيرة من الدعاة شهد
التاريخ أنهم »هم من اهتدى بهم الحائر ،وسار بهم الواقف ،وأقبل
بهم المعرض ،وكمل بهم الناقص ،ورجع بهم الناكص ،وتقوى
بهم الضعيف«).(2
ومن أهم العلوم التي يجب أن يهتم بها الدعاة علم القدوم
على الخرة الذي قل وجوده بين الناس ،وبين طلب العلم ،والذي
بدونه ل يعتبر العالم عالما وإن حفظ الشروح والمتون والحكام,
ومل رأسه منها ورددها على لسانه .إن هذا العلم لب العلوم
وغايته ،وكل مسلم محتاج إليه ,والعالم أشد حاجة إليه ،والداعي
أحوج من الجميع إليه .إن هذا العلم هو الذي فقهه الصحابة
الكرام وأشربت به قلوبهم وتنورت به عقولهم فضنوا بوقتهم أن
يذهب سدى من غير طاعة الله ودعوة إليه ،فاجتهدوا في أمور
الخير وسارعوا في الخيرات ،وحرصوا على الطاعات وتسابقوا
في الدرجات حتى
جاءتهم آجالهم).(3
إن الداعية عندما يتصدر للوعظ والرشاد والتربية والتعليم
مطالب بقدر من العلم والثقافة التي تعينه على مهمته ،وتؤهله
لها ،والمهم من ذلك يتركز في جانبين:
أ -الجانب الشرعي:
لبد للداعية أن يعرف »أن أولى العلوم وأفضلها علم الدين،
لن الناس بمعرفته يرشدون وبجهله يضلون«) ,(4وعلى الداعية أن
يتعلم الحد الدنى من العلوم الشرعية الساسية ومن أهمها ما
يلي:
-1علم العقيدة السلمية :أن يتعلم أصول العقيدة من كتاب
معتمد مختصر على مذهب أهل السنة والجماعة ككتاب :لمعة
العتقاد لبن قدامة ،أو غيره.
-2علم التفسير :أن يطلع على تفسير موجز موثوق يشتمل
على معاني الكلمات وأسباب النزول والمعنى الجمالي ،ويفيد في
انظر :مقومات الدعوة والداعية الناجح ،ص .53 -51 )( 4
325
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
326
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
327
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
بفن آخر قبل أن يتقن الول ،وعلى بلد حتى ل ينتقل إلى بلد آخر
من غير ضرورة ,فإن ذلك كله يفرق المور ويشغل القلب ويضيع
الوقات ويؤذي العلم«).(1
ب -الثقافة السلمية:
ل شك أن الداعية يحتاج بشكل ملح إلى الثقافة العامة وكذلك
الثقافة المعاصرة» :إن حركة الداعية حركة واسعة ،وانتشاره
كبير واتصالته كثيرة وهو ل شك يلتقي بأنواع كثيرة من البشر,
كل له مزاجه وثقافته واطلعه ,فلبد للداعية أن يشبع هذه
الثقافات ويلم بشيء منها حتى يشارك من يخاطبه كل حسب
ثقافته كمدخل من مداخل الدعوة«).(2
ولبد من العتراف بوجود الخلل في هذه الثقافات عند كثير
من الدعاة »فهناك عجز في المعرفة بالحاضر المعيش والواقع
المعاصر ،وهناك جهل بالخرين نقع فيه بين التهويل والتهوين ,مع
أن الخرين يعرفون عنا كل شيء وقد كشفونا حتى النخاع ،بل
هناك جهل بأنفسنا فنحن إلى اليوم ل نعرف حقيقة مواطن القوة
فينا ول نقاط الضعف لدينا ،وكثيرا ما نضخم الشيء الهين ،ونهون
الشيء العظيم ،سواء في إمكاناتنا أم في عيوبنا«).(3
إن من المهم بمكان أن يتمكن الداعية عند عرضه للسلم من
بيان محاسن الدين ،ومقاصد الشريعة ،ويفند مزاعم خصوم
السلم وشبهاتهم ،وإظهار الكمال في أنظمة السلم الجتماعية
والقتصادية وغيرها ،وأنها ترعى جميع المصالح وتسد أبواب
الفساد ،وأنها صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان ,وأمثال هذه
الموضوعات ,ومن المهم بمكان ،أن يستوعب الداعية المذاهب
الفكرية المعاصرة كالشيوعية والرأسمالية ،والقومية والبعثية
والماسونية ،وأن يبين عوارها وبطلنها وما تعارض مع العقيدة
السلمية ودين السلم ،وأن يكون على دراية بأساليب العداء
وغزوهم الفكري والدور العملي للصهيونية والماسونية
ومخططاتهم وأساليبهم ،والتنصير ومؤسساته وأدواره ،وأن يطالع
الكتب النافعة في هذا المجال مثل »الغارة على العالم
السلمي« تأليف أ.ل -شاتليه ,وترجمة محب الدين الخطيب
ومساعد اليافي وأساليب الغزو الفكري للدكتور على جريشة
ومحمد شريف وغيرها من الكتب.
إذا توافر للداعية رصيد علمي مناسب وزاد ثقافي جيد كان
ذلك سببا مهما في نجاح الداعية في مرحلة التعريف.
)( تعليم المتعلم للزرنوجي ،ص .44 1
328
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
329
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
(6/178
)( المصدر نفسه ).(6/178 2
)( البخاري،كتاب الطلق ،باب :إذا عّرض بنفي الولد ،الفتح ).(9/442 5
330
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
مستفتيا عما وقع له من الريبة ،فلما ً فهذا الرجل جاء سائلً
ضرب له المثل أذعن ،وقال ابن العربي» :فيه دليل على صحة
القياس والعتبار بالنظر«).(1
جـ -أسلوب المرار والبطال:
وهو أسلوب قوي في إفحام المعاندين أصحاب الغرور
والصلف بإمرار أقوالهم وعدم العتراض على بعض حججهم
الباطلة منعا للجدل والنزاع خلوصا إلى حجة قاطعة تدمغهم
وتبطل بها حجتهم تلك فتبطل الولى بالتبع.
ومن المثلة القرآنية:
َ
ذي م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ إبراهيم مع النمرود+ :أل َ ْ قصةه أ َ قال تعالى في
مهي ُ ل إ ِب َْرا ِقا َ ك إ ِذْ َ مل ْ َُ ه ال ْ
ُ ن آَتاهُ الل ْ ِ ّ في َرب م ِ هي َ ج إ ِب َْرا ِ حا ّ َ
ل قا َ ت َ مي ل أ ََنا أ ُحيي وأ ُ َ قاَ ت مي ي و يي ح ي ذي ّ لا ي
ُ ِ َ ِ ْ ُ ِ ُ َ ِ ْ ُ ِ َر َ ّ ب
ه
َ الل ن
ِ ّ إفَ م
إ ِب ْ َْرا ِ ُ
هي
ت َ ْ ْ َ م ْ ْ ي َأِتي ِبال ّ
ه َ ب فب ُ ِ ر ِ
غ ِ م ْ ن ال َ م َ ها ِ ت بِ َ ق فأ ِ رْ ِ
ش ِ ن ال َ م َ س ِ م ِ ش ْ
م
و َ ْ َ
ق ل ا دي ِ ه ْ َ ي َ ل هُ والل ف َ َ ر ذي ك َ َ ال ّ ِ
ن" ]البقرة.[258 : مي َ ظال ِ ِ ال ّ
وقد أحسن صاحب الظلل في توضيح هذا السلوب حيث قال:
»عّرف إبراهيم بالصفة التي ل يمكن أن يشاركه فيها أحد ،ول
يمكن أن يزعمها أحد ...وهذا الملك يسأله عمن يدين له بالربوبية،
حِييذي ي ُ ْ ي ال ّ ِ
ويراه مصدر الحكم والتشريع وغيره ،قال َ+رب ّ َ
ت" فهو من ثم الذي يحكم ويشرع ،ثم قال تعليقا على قوله مي
وي ُ ِ
ت" لم يرد إبراهيم عليه السلم أن تعالى+ُ :أ ََنا أ ُحيي ُ َ
مي ُ وأ ِ َ ِ ْ
يسترسل معه في جدل حول معنى الحياء والماتة مع رجل
يماري ويداور في تلك الحقيقة الهائلة ،حقيقة منح الحياة وسلبها،
هذا السر الذي لم تدرك منه البشرية حتى اليوم شيئا ،وعندئذ
عدل عن هذه السنة الكونية الحقيقية إلى سنة أخرى ظاهرة
مرئية ،وعدل عن طريقة العرض المجرد للسنة الكونية والصفة
ت" إلى طريقة مي ُ وي ُ ِ
حِيي َ ي ال ّ ِ
ذي ي ُ ْ اللهية في قولهَ+ :رب ّ َ
التحدي ,وطلب تغيير سنة الله لمن ينكر وتنعت ويجادل في الله
«).(2
وعلق بمثل قوله السعدي في تفسيره فقال» :فلما رآه
قال إبراهيم الخليل مموها تمويها ربما راج على الهمج والرعاع
ه ي َأ ِْتي َ الل ن ملزما بتصديق قوله :إن كان كما يزعم َ +
فإ ِ ّ
ق "...الية فأتى )أي إبراهيم( بهذا الذي ل ر ِ ش ِم ْن ال ْ َ م َ
س ِ
م ِ ِبال ّ
ش ْ
331
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
332
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
333
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
من حيث يريد السبق ،ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب
بحرمانه ،وبخلف التباطؤ والكسل فهو أيضا يعرض للتخلف
والحرمان من تحقق النتائج التي يرجوها«) ،(1وقد امتدح النبي ×
الشج فقال» :إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله :الحلم
والناة« ).(2
ومن المثلة من سيرة النبي × ما رواه أنس بن مالك حيث
قال» :جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس،
فنهاهم النبي × ,فلما قضى بوله أمر النبي × بذنوب ماء أهريق
عليه«).(3
لقد كانت مواقف النبي × التي تبين حلمه كثيرة جدا.
جـ -العفو والصفح:
ومن مستلزمات الحلم الذي فيه كظم للغيظ وضبط للغضب،
ثم الناة التي فيها تبصر بالمور وتأن في التصرف مع الستناد
للرحمة بالجاهلين ,كل ذلك يثمر العفو والصفح »لن القلوب
الكبيرة قلما تستجيشها دوافع القسوة فهي أبدا إلى الصفح
والحنان أدنى منها إلى الحفيظة والضغان«) .(4وما دام الداعي
المسلم ينظر إلى من يدعوه نظرة الرحمة والشفقة عليهم فإنه
فو ْ
مْر وأ ُ ع ْ َ َ ذ ال ْ َ خ ِ ويصفح عنهم في حق نفسه ،قال تعالىُ + : يعفورف وأ َ
ن" ]العراف.[199 : َ ليِ ه ِ جاَ ْ لا ن ع
َ ض
ِ ْ ر ع
ْ ع ْ ِ َ ِبال ْ ُ
ِ
فإذا كان هذا هو شأن الداعي المسلم بالنسبة لمن يدعوهم
ويحتمل صدور الذى منهم فإن عفو الداعي وصفحه عن أصحابه
م ه ْوْر ُ شا ِ و َ م َ ه ْ فْر ل َ ُ غ ِ ست َ ْ وا ْ م َ ه ْ عن ْ ُ ف َ ع ُ فا ْ أوسع ,قال تعالىَ + :
ر" ]آل عمران.[159 : م ِ
في ال ْ ِ
وعندما وقعت حادثة الفك ،كان وقعها على آل أبي بكر شديدا
فلما نزلت البراءة حلف أبو بكر أل ينفق على مسطح بن أثاثة,
منك ُ ْ
م ل ِ ض ِ ف ْ ل ُأوُلو ال ْ َ ِ ول َ ي َأ ْت َ تعالىَ + : قوله فأنزل الله َ في ذلك
ن ْ ْ ُ ْ ُ ة أن ي ُ ْ
ري َ ج ِ ها ِ م َ وا َل ُ ن َ كي َ سا ِ مَ َ وال َ ؤُتوا أوِلي القْرَبى َ ع ِس َ
وال ّ َ
فَر غ ِن أن ي ّ ْ حّبو َ حوا أل َ ت ُ ِ ف ُص َ ْ َ ي ْ لوَ فوا ُ ع
ْ َ ي ْ لوَ ه
ِ الل ل بي
ََ ِ ِ س في ِ
م" ]النور .[22 :فصفح الصديق وعفا حي ٌ فوٌر ّر ِ غ ُ ه َ والل ُ م َ ه لك ُ ْالل ُ
واستمر في نفقته على مسطح.
إن رحابة الصدر وسماحة النفس تتضمن الرحمة التي تدعو
التأثير
ذلكهي أ َ إلى الحلم الذي يقود إلى العفو ,فيكون من وراء
ن س
ِ َ ْ َ ُ ح تي ِ ع ِبال ّ ف ْ التلقائي لن النسان يتأثر بالحسان +ادْ َ
1
)( الخلق السلميةـ ) .(2/353
)( مسلم ،كتاب اليمان ،باب :المر باليمان بالله ورسوله ).(1/48 2
)( البخاري ،كتاب الطهارة ،باب :صب الماء على البول في المسجد )الفتح( ) 3
.(1/324
)( خلق المسلم ،ص .204 4
334
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
َ
م" ]فصلت.[34 :
مي ٌ
ح ِ
ي َ
ول ِ ّ وةٌ ك َأن ّ ُ
ه َ دا َع َ
ه َ وب َي ْن َ ُ
ك َ ذا ال ّ ِ
ذي ب َي ْن َ َ َ
فإ ِ َ
وهذا أمر مشاهد حيث نرى أن من كان سمح النفس يستطيع
»أن يظفر بأكبر قسط من محبة الناس له ،وثقة الناس به ،لنه
يعاملهم بالسماحة والبشر ولين الجانب ،والتغاضي عن السيئات
والنقائص ،فإذا دعاه الواجب إلى تقديم النصح كان في نصحه
رقيقا لينا ،سمحا ،يسر بالنصيحة ول يريد الفضيحة ،يسد الثغرات
ول ينشر الزلت والعثرات«).(1
هذه يعض العدة التي لبد منها للدعاة الذين يتصدرون الناس
لدعوتهم إلى السلم.
المراعاة والتدرج في السلم:
إن المراعاة والتدرج لزمان للتغيير وحصول الستجابة ،لن
تغيير النفوس وإزاحتها عن مألوفاتها ،ونقلها من ميولها أمر ليس
سهل ،كما أن تغيير العراف التي تجذرت في النفوس ،واستقرت
في العقول وتواطأ الناس عليها ل تتغير بأمر يصدر أو دعوة توجه،
ولذلك لبد في الدعاة من مراعاة الطبائع والفهام ،والمقاصد
والنيات ،والحوال الخاصة ،والعراف والعوائد العامة ،والولويات،
والمصالح والمفاسد ،والوقات عندما يتصدرون لدعوة الناس
وتعريفهم بالسلم.
إن التدرج سنة ربانية من سنن الله تعالى في خلقه وكونه،
وهو من السنن الهامة التي يجب على المة أفرادا وجماعات أن
تراعيها وهي تعمل للتمكين.
ومراعاة سنة التدرج في العمل للتمكين يعني أن تتدرج المة
في عملها للتمكين من السهل إلى الصعب ،ومن الصعب إلى
الصعب ,ومن الهدف القريب إلى الهدف البعيد ،ومن الخطة
الجزئية إلى الخطة الكلية) ...(2وهكذا.
فلقد بدأت الدعوة السلمية في زمن النبي × متدرجة تسير
بالناس سيرا دقيقا ،حيث بدأت بمرحلة الصطفاء والتأسيس ثم
مرحلة المواجهة والمقارنة ثم مرحلة النصر والتمكين ،وما كان
يمكن أن تبدأ هذه جميعها في وقت واحد وإل كانت المشقة
والعجز ،وما كان يمكن كذلك أن يقدم واحد منها على الخرى،
وإل كان الخلل والرباك).(3
واعتبار هذه السنة في غاية الهمية »ذلك أن بعض العاملين
في حقل الدعوة السلمية يحسبون أن التمكين يمكن أن يتحقق
)( الخلق السلمية ).(2/443 1
)( انظر :التمكين للمة السلمية في ضوء القرآن الكريم ،ص .226 2
)( منهج أهل السنة والجماعة في قضية التغيير ،ص 69 ،68بتصرف. 3
335
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
رواه البخاري ،كتاب فضائل القرآن ،باب :تأليف القرآن. )( 3
336
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
بطريق التدرج«).(1
يقول أبو العلي المودودي» :إننا درسنا القرآن الكريم والسنة
المطهرة دراسة عميقة علمنا كيف وبأي تدرج وانسجام تم التغيير
السلمي في بلد العرب ،ومنها إلى العالم كله على يد النبي ×,
فلقد كانت المور تسير رويدا رويدا حسب مجراها الطبيعي حتى
تستقر في مستقرها الذي أراده الله رب العالمين.(2) «...
إن المة السلمية التي تتطلع اليوم إلى تمكين الله تعالى لها لبد
أن تراعي في عملها سنة التدرج ،فما هدم في أعوام ل يمكن أن
يبنى في أيام ,فعليها أن تتبنى سياسة النفس الطويل والصبر
الجميل ،فتصبر على البذرة حتى تنبت ،وعلى النبتة حتى تورق ،وعلى
الورقة حتى تزهر ،وعلى الزهرة حتى تثمر ،وعلى الثمرة حتى تنضج،
وتؤتي أكلها بإذن ربها).(3
وينبغي للدعاة العاملين اليوم للسلم أن» :يراعوا في عملهم
سنة التدرج في تحقيق ما يريدون من أهداف ،آخذين في العتبار
سمو الهدف ومبلغ المكانات وكثرة المعوقات ,فل ينبغي أن
يستعجل الشيء قبل أن يبلغ الجل المقدور لمثله ،فإن الزرع إذا
حصد قبل إبانه ،والثمر إذا قطف قبل أوانه ل ينتفع به النفع
المرجو ،بل قد يضر ول ينفع ,فإذا كان النبات ل يؤتي أكله إل بعد
أشهر أو سنة ,وبعض الشجر ل يثمر قبل سنوات عدة فإن بعض
العمال الكبيرة ل تقطع ثمارها إل بعد عقود من السنين ,وكلما
كان العمل عظيما وقاعدته متسعة كانت ثمرته أبطأ.
وقد يبدأ جيل عمل تأسيسيا ذا شأن فل يستفيد منه الجيل
الثاني ،أو الثالث ،أو ما بعد ذلك ،ول ضير في ذلك ما دام كل
شيء يسير في خطه المعلوم وطريقه المرسوم«).(4
نعم فالقدار طويلة النفاس ،والصراع بين الحق والباطل ل
جولتين ,إنه قد تنكشف عقباه في سنة أو سنتين ,ول في جولة أو
ة نس ف ْ لَ أَ ك َ
ك )(5
ِ َ َ ٍ عن ْدَ َر ّ
ب ما ِ
و ً
ن يَ ْ
وإ ِ ّ
يستوعب السنين والقرون َ +..
ن" ]الحج.[47 :دو َع ّ
ما ت َ ُ
م ّ
ّ
إن استيعاب سنة التدرج يعين الدعاة على التعامل الصحيح مع
الناس ولبد للدعاة الذين يعرفون الناس بالسلم أن تكون لهم
قدرة على التخطيط والتنظيم وحسن الدارة ،ول يخفى أن هذه
المور المذكورة من صميم كل مرحلة من مراحل التمكين بل هي
من صميم أي عمل يراد له أن يحقق أهدافه ،وأن يصل إلى غايته.
الخصائص العامة للسلم للقرضاوي ،ص 166وما بعدها. )( 1
الصحوة السلمية بين الجمود والتطرف ،ص .107 ،106 )( 4
337
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
338
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ،د .علي عبد الحليم.(302 -1/295) ، 1
339
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
مرحلة اختيار العناصر التي تحمل الدعوة
إن رسل الله الكرام عليهم أفضل الصلوات والسلم عندما
بلغوا رسالت الله إلى أقوامهم ،اختاروا من الناس من استجاب
لدعوتهم وغرسوا في نفوسهم المعاني اليمانية والخلق الربانية
حتى يستطيعوا أن يحملوا معهم دعوة الله إلى الناس ،فهذا
رسول الله موسى قام بهذه المهمة الشاقة ,وذاك رسول الله
عيسى الذي اختار أنصاره الحواريين الذين حملوا دعوته ورسالته
من بعده ,وإن كان بعضهم انحرف عن المنهج الرباني الصحيح،
ومن سيرة النبي × نرى أن هذه المرحلة واضحة المعالم في
اختيار العناصر التي لها استعداد لتحمل تكاليف ومشاق ومصاعب
الدعوة إلى الله.
وقد اهتم كثير من الدعاة إلى الله بهذه المرحلة وأعطوها
اهتماما خاصا على مر العصور ،وكر الدهور ،ول زال المهتمون
بأمر الدعوة والذين يسعون لتطبيق شرع الله تعالى يعطون هذه
المرحلة أوقاتهم وجهدهم ،ولقد أرشد َالقرآن الكريم المة إلى
عُتمست َطَ ْ
ما ا ْ م ّه ْ دوا ل َ ُ ع ّ
وأ ِ
الهتمام بالعداد في قوله تعالىَ + :
هو الل ِّ ُ د ع
َ ه
ِ ِ ب نَ بوه ُ
ل ت ُْر ِ ط ال ْ َ
خي ْ ِ من ّرَبا ِ و ِ
ة َ و ٍ ق ّمن ُ ّ
م] "...النفال.[60 : ُ
عد ُ ّ ْ
كو و َ
َ
إن العداد في الية الكريمة كلمة عامة تبدأ بالعداد النفسي،
وتنتهي بكل أنواع العداد المادية التي قد تحتاج إليها المعركة،
والمسلم في هذه المرحلة بالذات عليه أن يعد نفسه للقاء أعداء
الله ،فيأخذ نفسه بكل أسباب القوة ،ويحول بينه وبين أي سبب
من أسباب الضعف ،ويعيش منتظرا ذلك اليوم الذي يجاهد فيه
في سبيل الله ،ويقاتل أعداءه ،ويسعى لزالة الحواجز التي تمنع
دخول الناس في السلم ،وتمنع تحكيم شرع الرحمن).(1
إن مرحلة اختيار العناصر اللزمة لتحمل الدعوة وتربيتهم على
الكتاب والسنة
من أهم المراحل في تمكين دين الله ،كما أن أهدافها أكثر دقة
من أهداف المرحلة
التي قبلها.
أول :أهم أهداف هذه المرحلة:
الهدف الول :الصطفاء:
وهو الختيار والنتقاء للعناصر التي أنهت مرحلة التعريف
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ،د .علي عبد الحليم ).(1/447 1
340
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
341
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الصفات ،أو تلك الشروط ،وفق تلك المعايير التي ذكرنا يكون له
انسجام وملءمة لطاقته
اً موقع آخر في العمل السلمي أكثر
وقدراته ،وأفيد للعمل ،لن من المور التي تهلك العمال توسيدها
إلى غير أهلها.
الهدف الثاني :التوظيف:
أي تحديد العمل للفرد ،وتقديره في حدود إمكانات الفرد
وطاقته ,ويحدد له الزمن المناسب لداء العمل ,وإسناد العمل
المناسب للفرد المناسب يستوجب على من يشرف على العمل
أن يكون على علم ووعي وإدراك لما يلي:
الهدف من كل عمل من العمال. -1تحديد
الوسائل التي تكفل للعمل النجاح -2تحديد
الفرد والفراد الملئمين للعمل. -3تحديد
الطار الزمني للعمل. -4تحديد
الهدف الثالث :العداد والتربية:
ونعني بهذا الهدف تهيئة الفراد وتجهيزهم وتنمية قواهم الجسدية
والخلقية والعقلية ،ليكونوا أقوياء قادرين على حمل أعباء الجهاد في
سبيل الله ،ولذلك تعتبر مرحلة العداد والتربية من أهم مراحل
الدعوة إلى الله ،لنها تكون أفرادا متكاملي البناء ،وحسبهم أنهم
قادرون على حمل أعباء الجهاد الذي كما هو معروف سنام السلم،
وأعلى منزلة بين منازله.
الهدف الرابع :النضباط:
وذلك بالوصول بالفراد إلى النضباط وحفظهم بالحزم حفظا
جيدا ،وإحكام إعدادهم وتكوينهم والقيام على أمرهم خير قيام.
إن حياة المسلم العادي منضبطة في كل شيء ،وفق القوانين
التي جاء بها السلم ,فمن باب أولى الذين يعدون لحمل تكاليف
الجهاد ,فالمسلم منضبط وفق الشرع في العقيدة والفكر ،وفي
العبادة ،وفي الخلق والسلوك وفي المعاملت كلها ،وفي الكلم
والصمت وفي الزي والمأكل والمشرب والمنكح ،وفي النوم
واليقظة ،وفي الحقوق والواجبات ،وفي محاسبة النفس ,وفي
الدعوة إلى الله والعمل من أجل السلم ،وفي اللتزام بوعده
وموعده ،وفي النتماء والعتزاز بأنه مسلم.
وليس المسلمون في ذلك سواء فمنهم من ينضبط وفق هذه
المعايير ،ومنهم من يقصر في بعضها ،ومنهم من يلبس عليه
342
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
343
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ضى رب َ َ
دوا إ ِل ّ إ ِّيا ُ
ه عب ُ ُ ك أل ّ ت َ ْ َ ّ ق َ و َ ولذلك قال سبحانهَ + :
ساًنا" ]السراء.[23 : ح َ ن إِ ْ وال ِدَي ْ ِ وِبال ْ َ َ
والعبادات التي تسمو بالروح وتطهر النفس نوعان:
النوع الول :العبادات المفروضة كالطهارة ،والصلة،
والصيام ،والزكاة،
والحج وغيرها.
النوع الثاني :العبادات بمعناها الواسع ،الذي يشمل كل عمل
يعمله النسان أو يتركه ،بل كل شعور يقبل عليه النسان تقرًبا به
إلى الله تعالى ،بل يدخل فيها كل شعور يطرده النسان من
نفسه تقربا به إلى الله تعالى ،مادامت نية المتعبد بهذا العمل هي
إرضاء الله سبحانه وتعالى ،فكل المور ،مع نية التقرب إلى الله
سبحانه وتعالى عبادة يثاب صاحبها ،وتربى روحه تربية حسنة).(1
إن أثر تربية الروح يتمثل في أمور عديدة نشير إلى أهمها فيما
يلي :توثيق صلة النسان بربه سبحانه وتعالى ،وتوضيح صلة
النسان بالكون وما فيه ،وترشيد هذه الصلة ،وتحبيب النسان
لخيه المسلم ،وحرصه على هدايته وحب الخير له ,وتحبيب
النسان لمخلوقات الله كلها ،والتعامل معها ،وفق منهج السلم
ونظامه ،وتحبيب النسان في الخير عموما والتقرب به إلى الله,
واستعلء النسان على شهواته ،وسيطرته على نزعاته ،وتوجيه
ذلك كله ،وفق منهج الله ،ونظامه في الحياة الدنيا ،واستعلء
النسان على القوة المادية ،وعدم الوقوع في أسرها ،بل إعطاؤها
حجمها الصحيح ،ومكانها المناسب ،وتتكون في العبد ملكة يستمد
بها القوة من الله وحده).(2
ثالثًا :التربية العقلية:
ونعني بها تربية المخ وتنمية قدرته على النظر والتأمل والتفكر
والتدبر ،وذلك هو الذي يؤهله لحمل أعباء الدعوة إلى الله ،وهذا
المطلب القرآني أرشد إليه ربنا سبحانه وتعالى في محكم تنزيله،
في ذا ِ ما َل ان ْظُُروا َ ق ِ وجعله أمرًا لكل إنسان ,قال تعالىُ + :
َ
وم ٍ ل ّ َ
عن ق ْ ُ
والن ّذُر َ ت َ غِني ال ََيا ُ ما ت ُ ْ و َ ض َ والْر ِ ت َ وا ِ ما َس َ ال ّ
ن" ]يونس.[101 : مُنو َ ؤ ِيُ ْ
في سيُروا ِ ف ِ ن َ سن َ ٌ م ُ قب ْل ِك ُ ْ من َ ت ِ خل َ ْ قدْ َ وقوله تعالىَ + :
ن" ]آل عمران: ذِّبي َ َ مكُ ْ ة ال قب َ ُ
عا ِ ن َ ف كا ََ فان ْظُُروا ك َي ْ َ ض َ ِ ال َْر
فان ْظُُروا ض َ َ ق ْ .[137وقوله سبحانهُ + :
في َ الْر َ ِ سيُروا ِ ل ِ
ه
ن الل َ خَرةَ إ ِ ّ ئ الن ّشأةَ ال ِ ْ ش ُ ه ُين ِ م الل ُ ق ثُ ّ خل ْ َف ب َدَأ َ ال ْ َ ك َي ْ َ
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ،د .علي عبد الحليم ).(1/472،471 1
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ،د .علي عبد الحليم ).(1/472،471 2
344
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
345
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
346
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
يستحق.
وأما الثار العملية من هذا التوجيه الرباني في العقل فتتمثل
في أمور من أهمها:
-1تنقية العقل من الوهم والخرافة ،والدجل والمسلمات
المبنية على الظنون والوهام وتربيته على التريث والتثبت ،حتى ل
يتسرع فيظلم ويندم وحينئذ ل
ينفع الندم.
-2تعويد العقل على إدراك حقيقة هذا الكون الذي يعيش فيه
وإلزامه بأن يتعرف على الحق عن قرب ويقين.
-3إقدار العقل على التأمل والنظر في حكمة الله سبحانه
وتعالى ،فيما شرعه للناس من منهج ونظام ،يحقق لهم سعادة
الدارين ،وتمكين العقل من التأمل في تاريخ البشرية ،وهذا
التاريخ هو أكبر كتاب وأوسعه أبوابًا وفصول ليخرج بفائدة جليلة
يستطيع أن يقارن بدقة وحسم بين الكفر واليمان ،وأعمال
المؤمنين وضلل الكافرين.
رابعا :تربية الجسم: ً
إن الله تعالى أخبرنا أنه خلق آدم عليه السلم من سللة من
والبصرأ َ طين ،ثم سواه ونفخ فيه من َروحه ،وجعل له السمع
وب َدَ خل َ ُ َ
ه قَ ء َي ٍ
ش ْ ل َ ن كُ ّ س َ ح َ ذي أ ْ والفؤاد ,قال تعالى+ :ال ّ ِ
من ة ّ َ
سل َل ٍ من ُ ه ِ َ
سل ُ ل نَ ْ ع َج َم َ ن ثُ ّ طي
من ِ ن ِ ِ سا
ق ال ِن ْ َ خل ْ ََ
ُ َ ٍ
مُ ك ل َ
ل ع ج و ه
ّ ِ ِ َ َ َح رو منِ ِ ِ ه في َ
خ فَ ن و ه وا س م
ّ ِ ٍ َ ّ َ ّ َُ َ َ ُ ث ن هي م ء
ٍ ما ّ
ن" ]السجدة-7 : شك ُُرو َ ما ت َ ْقِليل ً ّ فئ ِدَةَ َ وال ْ َ َر صا
َ ْ بل واَ ع
َ م
ْ س
ّ ال
.[9
وهذه اليات إشارة إلى أن النسان يتكون من طاقات ثلث
منحها الله للنسان :طاقة العقل ،وطاقة الروح ،وطاقة الجسم،
استخلفهَ الله في الرض ،وطلب منه أن يعمرها ,قال سبحانه: ثم
ها" ]هود.[61 : في مُ كر م ع تس وا ض رَ ل ا ن م كمُ أ َ
ش أنَ و
ْ ِ َ ْ َ ْ َ َ ْ ِ َ ّ َ َ ُ +
ه
وقد بينت منهج السلم في تربية الروح والعقل ،ولبد من بيان
منهج القرآن الكريم في تربية الجسم البشري ،بحيث يؤدي
وظيفته دون إسراف أو تقتير ،ودون محاباة لطاقة من طاقاته،
على حساب طاقة أخرى ،ولذلك أرشد القرآن إلى ما أحله الله
من الطيبات ،واجتناب ما حرم الله من الخبائث ,وأنكر على أولئك
الذين يحرمون أبدانهم من تلبية حاجاتها على الوجه المشروع،
ه
ع َ ِ ِ
د با ج لِ ِ ه ال ِّتي أ َ ْ
خَر َ ة الل ِزين َ َ
م ِحّر َ
ن َ
م ْ
ل َ ق ْفقد قال تعالىُ + :
ق" ]العراف.[32 : ن الّرْز ِم َ
ت ِ وال ْطّي َّبا ِ
َ
347
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
َ
مات َ موا طَي َّبا ِ حّر ُمُنوا ل َ ت ُ َ نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ َ وقال تعالىَ+ :يا أي ّ َ
َ ن دي َ عت َ ِ ب ال ْ ُ
م ْ ح ّ ه ل َ يُ ِ ن الل َ دوا إ ِ ّ عت َ ُول َ ت َ ْ م َ ه ل َك ُ ْ
ل الل ُ ح ّ أ َ
م
ْ ُ تْ ن أ ذي ِ ّ ل ا ه
َ الل قوا ُ ّ ت وا
َ با
ً ّ ي َ ط ً ل َ ل ح
َ ه
ُ الل م ُ ُ كقَ زَ رّ َما م
ِ لواُ ُ ك و
َ
ن" م ْ
بِ ِ ُ ِ ُ َ
نو ؤ م ه
]المائدة.[88 ،87 :
ول شك أن تحقيق هذه الحاجات ،يمكن النسان من أداء
وظائفه ،التي وظفه الله لها في الرض من عبادة الله واستخلف
في الرض ،وإعمارها ،وتعارف وتعاون وتناصر وتمكن وأمر
بمعروف ونهي عن المنكر وجهاد في سبيل الله ،وبغير تحقيقها ل
يكون شيء من ذلك).(1
ولذلك ضبطت الشريعة -على نحو دقيق -حاجات الجسم البشري
على النحو التالي:
-1ضبط حاجته إلى الطعام والشراب بقول الله تعالى:
فوا"ر ُ ول َ ت ُ ْ
س ِ +وك ُُلوا َ
وا ْ
شَرُبوا َ
]العراف.[31 :
-2وضبط حاجته إلى الملبس والمأوى ،بأن أوجب من اللباس
ما يستره العورة ،ويحفظ الجسم ،من عاديات الحر والبرد،
وأوجب ما يكون زينة عند الذهاب إلى المسجد قال تعالىَ+ :يا
د" ]العراف[31 : ج ٍ س ِ م ْ ل َ عن ْدَ ك ُ ّ م ِ زين َت َك ُ ْ ذوا ِ خ ُ م ُ ب َِني آدَ َ
كمل لَ ُ ع َ ج َ ه َوالل ُ -3وضبط الحاجة إلى المأوى بقوله تعالىَ +:
سك ًَنا" ]النحل.[8: م َ من ب ُُيوت ِك ُ ْ ّ
-4وضبط حاجته إلى الزواج والسرة ،بإباحة النكاح ،بل إيجابه
في بعض
ن
ذي َ وال ّ ِ َ + تعالى: قال
عَلى أ َزواجهم أ َ
واللواط، والمخادنة، الزنا وتحريم الحيان،
ت ْ َ ك َ ل م ما و
َ ِ ِ ْ ْ َ َ ْ َ ّ ل ِ إ ن َ ظو ُ ف
ِ حا َ م ف ُ ِ ِ ْ
ه ج رو م لِ ُ ه ْ
َُ
وَراءَ ذَل ِ َ
ك َ غىَ تب
َ ِ ْ َ ا ن م َ
ف نِ َ مي لو ُ م
ْ ُ َ ر يغَ م
ِّ ُ ْه ن إ َ
ف مأ ْ َُ ُ ُ ْ
ه ن ما ي
ن" ]المؤمنون.[7 -5 : دو َ عا ُ ْ
م ال َ ه ُ ك ُ فأول َئ ِ َ َ
-5وضبط حاجته إلى التملك والسيادة ،بأن أباح التملك للمال
والعقار ،ولكن حرم الحتكار ،واكتناز الموال ،قال تعالى:
ة الدّن َْيا"]الكهف.[46: حَيا ِ ة ال ْ َ زين َ ُ ن ِ وال ْب َُنو َ ل َ ما ُ +ال ْ َ
-6وضبط السلم السيادة بتحريم الظلم والعدوان والبغي,
ن" ]النعام [21 :وقال تعالى: مو َ ظال ِ ُ ح ال ّ فل ِ ُ ه ل َ يُ ْ قال َتعالى+ :إ ِن ّ ُ
سبحانه وتعالى أنه مع با" ]الفرقان[37 : ً ذا َ ع
َ ن
َ مي ِ ِ ل عت َدَْنا ِلل ّ
ظا وأ ْ َ +
ة م
ْ ّ ً ُ أ م ُ ك نا ْ
َ َ َ لع ج كَ ِ ل َ ذ َ ك و + تعالى: قال وسطا المة هذه جعل
َ
س" ]البقرة.[143 : داءَ َ َ كوُنوا ُ طا ل ّت َ ُ س ً
على الّنا ِ ه َ ش َ و َ َ
)( فقه الدعوة إلى الله ).(1/487 1
348
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
350
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
351
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
352
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( هو الصحابي كاتب الوحي وصهر الرسول × ,تولى خلفة المسلمين وتوفي 3
.(10/529
)( الترمذي ،كتاب البر والصلة ،باب :ما جاء في التجارب ).(4/379 5
)( مسلم ،كتاب اليمان ،باب :تفاضل أهل اليمان ).(1/71 8
353
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
من غيرها ،ولن تفرقها أكثر من تفرق البل والبقر ،لمكان ضبط
البل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة ،ومع أكثرية تفرقها
فهي أسرع انقيادا من غيرها).(1
ثم بعد رعيهم الغنم جربوا الناس ،وعرفوا طبائعهم ،فازدادوا
تجارب إلى تجاربهم ،ولهذا قال موسى × لمحمد × عندما
فرضت عليه الصلة خمسين صلة في كل يوم ليلة السراء
والمعراج» :إن أمتك ل تستطيع خمسين صلة كل يوم ،وإني والله
جربت الناس قبلك ،وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ،فارجع
إلى ربك فاسأله التخفيف لمتك ,فما زال النبي × يراجع ربه
ويضع عنه حتى أمر بخمس صلوات كل يوم« ).(2
فموسى × قد جرب الناس ،وعلم أن أمة محمد × أضعف
من بني إسرائيل أجسادا ،وأقل منهم قوة ،والعادة أن ما يعجز
عنه القوي فالضعيف من باب أولى).(3
فالداعية بتجاربه بالسفر ،ومعاشرته الجماهير ،وتعرفه على
عوائد الناس وعقائدهم ،وأوضاعهم ،ومشكلتهم ،واختلف
طبائعهم وقدراتهم ،سيكون له الثر الكبير في نجاح دعوته
وابتعاده عن الوقوع في الخطأ ،لنه إذا وقع في خطأ في منهجه
في الدعوة إلى الله ،أو أموره الخرى ل يقع فيه مرة أخرى ،وإذا
خدع مرة لم يخدع مرة أخرى ،بل يستفيد من تجاربه وخبراته
ولهذا قال ×» :ل يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين« ).(4
وقال» :كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون« ).(5
وسبيل الستفادة من التجارب والخبرات هو خوضها ,فمثل من
أراد إصلح المتدينين وتوجيههم فعليه أن يعيش معهم في
مساجدهم ،ومجتمعاتهم ،ومجالسهم ،وإذا أراد إصلح الفلحين
والعمال عاش معهم في قراهم ومصانعهم ،وإذا أراد أن يصلح
المعاملت التجارية بين الناس ،فعليه أن يختلط بهم في أسواقهم
ومتاجرهم ،وأنديتهم ،ومجالسهم ،وإذا أراد أن يصلح الوضاع
السياسية فعليه أن يختلط بالسياسيين ويتعرف إلى تنظيماتهم
ويستمع لخطبهم ،ويقرأ لهم برامجهم ,ثم يتعرف إلى البيئة التي
يعيشون فيها ،والثقافة التي حصلوا عليها والتجاه الذي يندفعون
نحوه ،ليعرف كيف يخاطبهم بما ل تنفر منه نفوسهم ،وكيف
يسلك في إصلحهم بما ل يدعوهم إلى محاربته عن كره نفس
واندفاع عاطفي ,فيحرم نفسه من الدعوة إلى الله ويحرم الناس
انظر :الحكمة في الدعوة إلى الله ،ص .104 )( 1
البخاري مع الفتح ،كتاب مناقب النصار ،باب :المعراج ).(7/202 )( 2
البخاري مع الفتح ,كتاب مناقب النصار ،باب :المعراج ).(7/202 )( 4
الترمذي ،كتاب صفة القيامة ،باب :حدثنا هناد ).(4/659 )( 5
354
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
من علم) ،(1وهذا يؤهله إلى أن يحدث الناس بما يعرفون ول
يحدثهم حديثا ل تبلغه عقولهم ،قال علي » :حدثوا الناس بما
يعرفون ،أتحبون أن يكذب الله ورسوله«).(2
وقال ابن مسعود » :ما أنت بمحدث قومًا حديثًا ل تبلغه
عقولهم إل كان
لبعضهم فتنة«).(3
وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة المسئولون عن إعداد الربانيين
حتى يورثوهم خبراتهم وتجاربهم في الحياة ومعرفتهم بشئون
الناس).(4
ب -أن يكون ذا سياسة حكيمة:
إن النبي × هو أسوتنا وقدوتنا ،وإمام الدعاة إلى الله ،فقد
عظيما في سياسته الحكيمة فكان له عظيم النفع ً سلك مسلكًا
والثر في نجاح دعوته ،وإنشاء دولته ،وقوة سلطانه ،ورفعة
مقامه ،ولم يعرف في تاريخ السياسات البشرية أن رجل من
الساسة المصلحين في أي أمة من المم كان له مثل هذا الثر
من من المصلحين المبرزين -سواء كان قائدا محنكا ،أو العظيم ،و َ
مربيا حكيما -اجتمع لديه من رجاحة العقل ،وأصالة الرأي ،وقوة
العزم ،وصدق الفراسة ما اجتمع في رسول الله ×؟ ولقد برهن
على وجود ذلك فيه ،صحة رأيه ،وصواب تدبيره ،وحسن تأليفه،
ومكارم أخلقه ×).(5
وأهم الطرق في السياسة الحكيمة في الدعوة إلى الله كثيرة
منها ما يأتي:
-1تحري أوقات الفراغ ،والنشاط ،والحاجة عند المدعوين:
حتى ل يملوا عن الستماع ويفوتهم من الرشاد والتعليم
النافع ،والنصائح الغالية الشيء الكثير ،وقد ثبت عن النبي × أنه
كان يتخول أصحابه بالموعظة كراهة السآمة عليهم ،فعن عبد الله
بن مسعود قال» :كان النبي × يتخولنا بالموعظة في اليام
كراهة السآمة علينا«).(6
ولهذا طبق الصحابة هذه السياسة ،فقد كان عبد الله بن
.(1/225
)( مسلم ،في المقدمة ،باب :النهي عن الحديث بكل ما سمع ).(1/111 3
)( انظر :هداية المرشدين ،للشيخ علي بن محفوظ ،ص .31 ،24 5
ما دون قوم ))( البخاري مع الفتح ,كتاب العلم ،باب :من خص بالعلم قو ً
6
.(1/225
355
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
البخاري ،كتاب الذان ،باب :وجوب صلة الجماعة ) (1/179رقم .644 )( 3
البخاري ،كتاب الذان ،باب :رفع البصر في الصلة ) (1/205رقم .750 )( 4
356
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
وقال ×» :ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ،لكني أصلي وأنام،
وأصوم وأفطر ،وأتزوج النساء ،فمن رغب عن سنتي فليس
مني«).(1
ولما بلغه أن قوما اشترطوا الولء بعد بيع المة فخطب الناس
فقال» :ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله ،من
اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له ،وإن شرط مائة
مرة ،شرط الله أحق وأوثق« ).(2
وهذا إرشاد نبوي حكيم في عدم مواجهة الناس بالعتاب ستًرا
فا ,ويستطيع أن يخاطب الناس عن طريق قا بهم ،وتلط ً عليهم ورف ً
مخاطبة الجمهور إذا كان المدعو المقصود بينهم ومن جملتهم
وهذا من أحكم الساليب.
-4إعطاء الوسائل صورة ما تصل إليه:
كقوله ×» :من دل على خير فله مثل أجر فاعله«).(3
فقد صور × الدللة على فعل الخير في صورة الفعل نفسه،
وكقوله ×» :من جهز غازيا فقد غزا« ).(4
وقال ×» :إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ،قيل :يا
رسول الله ،وكيف يلعن الرجل والديه؟ ،قال :يسب الرجل أبا
الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه«).(5
وهذا أصل في سد الذرائع ،ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى
محرم يحرم عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد إلى ما يحرم) ،(6كما
ه
ن الل ِدو ِ
من ُ ن ِعو َ ن ي َدْ ُ
ذي َ سّبوا ال ّ ِ ول َ ت َ ُقال تعالىَ + :
علم ٍ" ]النعام.[108 : ْ ر ِ غي ْ ِوا ب ِ َ
عدْ ً ه َ سّبوا الل َ َ
في َ ُ
من يسب أبا الغير وأمه صورة من يسب فقد أعطى النبي ×
والديه ،لنه تسبب في سبهما.
-5أن تكون له مقدرة على ضرب المثال:
قال ×» :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ،وشبك
بين أصابعه« ).(7
وقد مثل النبي × المؤمنين في تبادل الرحمة والمودة
مسلم ،كتاب الفضائل ،باب :علمه × وشدة خشيته ).(4/1829 )( 1
مسلم ،كتاب العتق ،باب :إنما الولء لمن أعتق ).(2/1142 )( 2
مسلم ،كتاب المارة ،باب :فضل إعانة الغازي في سبيل الله ).(3/1506 )( 3
البخاري ،كتاب الدب ،باب :ل يسب الرجل والديه ) (7/92رقم .5973 )( 5
البخاري ،كتاب الصلة ،باب :تشبيك الصابع ) (1/565رقم .481 )( 7
357
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( البخاري ،كتاب الدب ،باب :رحمة الناس والبهائم (1/103) ،رقم .6011 1
358
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
359
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
360
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( مسلم ،كتاب الفضائل ،باب :كان رسول الله × أحسن الناس خلقا ) 2
(4/1804رقم .2312
361
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
]القصص.[24 :
ورضي الله عن ابن عوف عندما عرض عليه أخوه سعد بن
الربيع أن يشاطره ماله وبيته ويتزوج إحدى نسائه فقال له:
بارك الله لك في مالك وأهلك ولكن دلني على السوق).(1
لقد علم أن الغنى في قناعة النفس ورضا القلب وغناه عن
التطلع لما في أيدي الناس من حظوظ الدنيا.
جـ -الصفات الحركية والدعوية:
-1يجب أن يتولد لدى جيل التمكين شعور ذاتي
بمسئولية العمل للسلم :واستعداد كامل لتلبية حاجات
هذه المسئولية من النفس والجهد ،فهو ل ينتظر التكليف الحركي
لينهض بالعباء والمسئوليات ،وإنما يتولد في أعماقه شعور
بالمسئولية ويجري في عروقه إحساس رباني بالتكليف.
فهذا أبو بكر الصديق عندما التزم بالسلم تفجرت فيه
الذاتية الحركية فذهب إلى بلل بن رباح ،وعبد الرحمن بن عوف،
وعثمان بن عفان والزبير بن العوام ،ودعاهم للسلم فأسلموا،
وقد ذكر لنا القرآن الكريم قصة مؤمن آل فرعون وكيف قام
بدعوة قومه إلى اليمان بدعوة موسى عليه السلم.
-2يؤمن بالواقعية والعملية :فهو بعيد عن الغوغائية
ويحتكم إلى الحقائق ل إلى الوهام ،ول ينسى وهو يتطلع إلى
السماء أنه واقع على الرض ،فل يجري وراء خيال كاذب ول أماني
موهومة فيسبح في غير ماء ،ويطير بغير جناح ،جيل كبير المال
ولكنه واقعي التفكير ،ول ييأس من روح الله ول يقنط من رحمة
ربه لكنه يعرف حدود قدراته ،ودوائر إمكاناته ،يراعي سنن الله
في كونه كما يراعي أحكامه في شرعه ويتبنى سياسة النفس
الطويل والصبر الجميل ،يؤمن بالعلم ويحترم العقل ،ول يتبع
الظن وما تهوى النفس ،ويرفض الخرافة.
-3جيل عمل وبناء جماعي :فل يقف أبناؤه عند التغني
بأمجاد الماضي ،ول عند النواح على هزائم الحاضر ،ول عند
التمني لنتصارات المستقبل ،إنما يؤمن بالعمل والعطاء والنتاج،
وأن اليمان الحق ما وقر في القلب وصدقه العمل ،وما خلق الله
ن الناس إل ليعملوا بل ما خلقهم إل +ل ِيبل ُوك ُم أ َيك ُ َ
س ُح َ
مأ َْ ْ َ ْ ّ ْ
مل ً" ]الملك.[2 :
ع َ
َ
وقد علموا من حقائق التاريخ وقراءة الواقع أن أهل الباطل
يتكتلون حول باطلهم فأولى بأهل الحق أن يتجمعوا حول حقهم
)( انظر :أسد الغابة ).(2/196 1
362
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
َ
م فا ك َأن ّ ُ
ه ْ ص ّ
ه َ
سِبيل ِ ِ
في َ قات ُِلو َ
ن ِ ن يُ َ ب ال ّ ِ
ذي َ ح ّ
ه يُ ِ
ن الل َ+إ ِ ّ
ص" ]الصف.[4 : صو ٌ مْر ُن ّب ُن َْيا ٌ
لهذا صمموا على أن يبحثوا على أشباههم ممن ينشدون الحق
ويرفضون الباطل ,ويدعون إلى الخير وينكرون الشر ,ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ،فمضوا في طريق العمل الجماعي
يعملون في صمت ،ويبنون في صبر ويجاهدون بل كلل ،ول ملل،
وعزموا على أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى متكاتفين في
السراء والضراء.
-4جيل دعوة وجهاد :كما كان الصحابة من المهاجرين
والنصار ل يشغلهم جهاد عن جهاد ول ميدان عن ميدان ,فهم
دائما في صراع متواصل مع الفجرة في الداخل والكفرة في
الخارج ،ل يلقون سلحهم ول يستريحون من كفاحهم حتى ل تكون
فتنة ويكون الدين كله لله.
قد ترى أحدهم وهو العربي يقاوم الزحف الشيوعي الحمر
الصرب في البوسنة, في أفغانستان ،وترى آخر وهو أفغاني يقاتل
َ
ض"ع ٍ ول َِياءُ ب َ ْ
مأ ْ ه ْ ض ُ ع ُ فُروا ب َ ْ ن كَ َذي َ وال ّ ِ فالكفر ملة واحدة َ +
]النفال.[73 :
َ
ض" ]التوبة: ع ٍ ول َِياءُ ب َ ْ
مأ ْ ه ْ ض ُع ُت بَ ْمَنا ُ م ْ
ؤ ِ وال ْ ُن َ
مُنو َ م ْ
ؤ ِ وال ْ ُ
َ +
.[71
يجاهدون في سبيل الله في كل معركة تطلبهم وبكل سلح
يمكنهم.
-5جيل توازن واعتدال :فهم متوازنون معتدلون على
صراط مستقيم ل يميلون إلى اليمين ول ينحرفون إلى الشمال ,ل
يغرقون في الماديات ول يغرقون في الروحانيات ،يعلمون أن
لربهم عليهم حقا وأن لنفسهم عليهم حقا ،وأن لسرهم عليهم
حقا ،ولمجتمعهم عليهم حقا ,فهم يعطون كل ذي حق حقه ،غير
جانحين إلى الفراط ول مائلين إلى التفريط ،يأخذون بالعزائم ول
يغفلون الرخص ,فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى
عزائمه ..يبشرون ول ينفرون ،وييسرون ول يعسرون ،ويجادلون
ةعظَ ِو ِ وال ْ َ
م ْ ة َ
م ِ ك ِبال ْ ِ
حك ْ َ ل َرب ّ َسِبي َ ِ ع إ َِلى َ بالتي هي أحسن +ادْ ُ
ن" ]النحل .[125 :يفرقون س ُ ح َيأ ْ َ ه
ِ تي ِ ّ ل م ِبا جاِدل ْ ُ
ه ْ و َ
ة َ
سن َ ِ ال ْ َ
ح َ
بين الصول والفروع ،والكليات والجزئيات ،والقضايا المصيرية
والمسائل الجانبية ،ويمزجون بين الروح والمادة ،والعقل والقلب،
وبين الثبات على الغايات والتطور في الساليب ،بين أداء
الواجبات وطلب الحقوق ،بين الحرص على القديم والستفادة من
الجديد ،فل ينقطعون عن الماضي ول ينعزلون عن الحاضر،
فرسان بالنهار ورهبان بالليل ،ل تلهيهم نافلة عن فريضة ول فرض
363
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
عن مثله.
-6جيل منضبط :يعيش جو النطلقة بضوابطه فيتحرك
بدعوته وفكره بين الناس مراعيا الضوابط الحركية حتى ل تكون
حركة غوغاء ,ول تمنعه الطاعة من إبداء آرائه في جو من
الصراحة والوضوح وتتسع صدوره لراء المخالفين ،ول يجد
غضاضة في التنازل عن رأيه إذا استقر رأي الشورى على رأي
آخر ،يعرف ما الذي يعلن من دعوته فل يتردد في الجهر به
وتعليمه للناس ,وما الذي يسر فل يبوح به ول لقرب الناس إليه.
د -الصفات النفسية:
من الصفات النفسية التي يجب أن يتحلى بها جيل التمكين:
-1إرادة قوية ل يتطرق إليها لين ول ضعف :يقول
ن ك َِثيٌر َ َ
هُنوا
و َ
ما َ ف َ رب ّّيو َ
ِ ه
ع ُ
م َل َ ي َ
قات َ َ من ن ّب ِ ّوك َأّين ّ تعالىَ + :
َ
نوا" ]آل ست َ َ
كا ُ ما ا ْ و
َ َ فواُ ع ُ ض
َ ما و
َ َ ه
ِ الل ل
ِ ِبي سَ في
ِ م
صاب َ ْ
ه
ُ ما أ َ
لِ َ
عمران [146 :ومن مظاهرها:
-معرفة الهدف والصرار على تحقيقه والوفاء له.
-الهمة العالية والعمل الدائب المتواصل.
-محاسبة النفس بشدة والنتصار عليها.
مخالطة الناس والصبر على أذاهم. -
الصبر وتحمل المشاق والصعاب والتغاضي عن الهفوات. -
-الصراحة في الحق والنصياع له والعتراف بالخطأ وعدم
إفشاء السر.
-استشراف المل وعدم اليأس وسياسة النفس الطويل.
-2تضحية عزيزة ل يحول دونها طمع ول بخل:
ومن مظاهر التضحية العزيزة:
-وضع الدعوة في قمة الولويات مع استصحاب نية
التضحية.
-القدوة في بذل العزيز على النفس )المال -الراحة -
النفس -فراق الهل(...
-تربية من يعولهم على البذل والعطاء والتضحية.
ربط المصير بالمصير وأن يوطن ظروفه مع ظروف -
364
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
الدعوة.
-تخليص النفس من كل مظاهر الطمع والبخل.
-تقديم مصلحة الدعوة على المصلحة الفردية.
-الستعداد الكامل لتنفيذ المر على أي حال وتحت أي
ظرف.
-3وفاء ثابت ل يعدو عليه تلون ول غدر :ومن أنواع
الوفاء :وفاء مع الله -مع الدعوة -مع الخوة -مع النفس -مع
الناس.
ومن مظاهر الوفاء الثابت:
-العتراف بالجميل وتوريث الدعوة وفتح مجالت عمل
جديدة.
-الستمرارية في العمل حتى في أحلك الظروف.
-المصارحة والنصيحة بآدابها الشرعية.
-حمل الهل والقارب على احترام الدعوة والتحمس لها.
-تفقد الغائب والشعور بآلم الخرين.
-إيثار المصلحة الدعوية على المصلحة الفردية.
-الذب والدفاع عن السلم وقياداته وعلمائه.
-4ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم
من الخطأ فيه أو النحراف عنه أو المساومة عليه
أو الخديعة بغيره:
-إخلص الوجهة لله وتصحيح النية دائما.
-وضوح الهدف وطبيعة الطريق وكيفية الوصول إلى
الهداف.
-استشعار ثقل المانة والتبعة الملقاة على الدعاة.
-التمسك بالقرآن والسنة وفهم السلف الصالح.
-العمل الجاد والمتواصل الذي يؤدي إلى أفضل النتائج بأقل
مجهود.
-عدم الجتهاد في الثوابت.
-محاسبة النفس واتهامها عند الختلف.
-5التزان النفسي »النفعالي« :وهي صفة مهمة
يجب أن يتصف بها صاحب الشخصية السوية المتزنة ,ومن أهم
365
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( سنن البيهقي ) (7/233قال البيهقي :هذا منقطع ومع انقطاعه فيه مجالد 1
وهو ضعيف.
)( الطبري في تاريخه ).(4/30 2
366
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
حقه ،والجهاد حقه ،ولكل حقه ،ويكون إمام محراب وقائد حرب
مثله كمثل عبد الله بن المبارك المجاهد الذي كتب إلى أخ له
عابد اعتكف في الحرم وترك مسيرة الجهاد فقال له:
)(1
تلعب يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
إن النبي × حرص كل الحرص في طور الدعوة السرية أن
يربي أصحابه على صفات جيل التمكين ,ونلحظ من خلل دراستنا
للسيرة أنه × قام بإعلن الدعوة على قريش والمشركين بعد
العداد الجيد وبناء القاعدة الصلبة على أسس عقدية وخلقية
وأمنية وتنظيمية ،وحان موعد إعلن الدعوة بنزول قوله تعالى:
ن] "...الشعراء [214 :فخرج رسول الله شيَرت َ َ
ك ال ْ َ +
قَرِبي َ ع ِذْر َوأن َِ
× حتى صعد الصفا فهتف :يا صباحاه ,فاجتمعت إليه قريش،
فقال» :يا بني فلن ،يا بني عبد مناف ،يا بني عبد
المطلب ،أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيل تخرج بسفح هذا
الجبل أكنتم مصدقي؟« قالوا :ما جربنا عليك كذبا ،قال:
»فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد« ,فقال أبو لهب :تبا
)(2
دا
ت يَ ََلك ،أما جمعتنا إل لهذا ثم قام ,فنزلت هذه السورة +ت َب ّ ْ
ب" ]المسد.[1 : وت َ ّب َ أِبي ل َ َ
ه ٍ
»ومن الطبيعي أن يبدأ الرسول × دعوته العلنية بإنذار
عشيرته القربين ،إذ إن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية ،فبدء
الدعوة بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته ،كما أن
القيام بالدعوة في مكة لبد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد
من مركز ديني خطير ،فجلبها إلى حظيرة السلم لبد أن يكون
له وقع كبير على بقية القبائل ،على أن هذا ل يعني أن رسالة
السلم كانت في أدوارها الولى محدودة بقريش ،لن السلم كما
يتجلى من القرآن اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق
رسالته العالمية«).(3
ولقد كانت النتيجة المباشرة لهذا الصدع هي الصد والعراض
والسخرية واليذاء والتكذيب ،والكيد المدبر المدروس ،ولقد اشتد
الصراع بين النبي × وصحبه ،وبين شيوخ الوثنية وزعمائها ,وأصبح
الناس في مكة يتناقلون أخبار ذلك الصراع في كل مكان ،وهذا
في حد ذاته مكسب عظيم للدعوة ،ساهم فيه أشد وألد أعدائها،
ممن كانوا يشيعون في القبائل قالة السوء عنها ،فليس كل الناس
يسلمون بدعاوى القرشيين ،بل كان يوجد من مختلف القبائل من
يتابع الخبار ،ويتحرى الصواب فيظفر به.
وكانت الوسيلة العلمية في ذلك العصر تناقل الناس للخبار
)( انظر :عبد الله بن المبارك المام القدوة لمحمد عثمان. 1
367
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
368
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :التمكين للمة السلمية في ضوء القرآن الكريم ،ص .235 2
369
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
انظر :التمكين للمة السلمية في ضوء القرآن الكريم ،ص .237 )( 1
)( المصدر نفسه ).(2/1090 في ظلل القرآن ).(1/593 )( 3
4
370
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( سنن الترمذي ) (4/601حديث حسن )( تفسير ابن كثير ).(3/405 2
صحيح. 3
)( مسلم شرح النووي )مجلد (17/151) (6كتاب القيامة والجنة والنار. 4
371
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
372
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
انظر :الوفود في العهد المكي ،وأثره العلمي لعلي السطل ،ص .37 )( 1
373
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
374
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
375
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
376
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
الحديد المتصلة بتيار الكهرباء ،وإذا كان أعداء الله كانوا يقلبون
أولياء الله على حر الرمضاء ظهرا بربط أيديهم ويجرونهم
بالحبال ،فإن أعداء الله الن يسحبون أولياءه باللت السريعة
كالسيارات في الشوارع ويدخلون الواحد منهم عجلة السيارة بعد
أن يضموا رأسه مع رجليه ويديرونها باللت وهو مكشوف العورة،
ويملون الحواض بالماء الساخن في شدة الحر أيام الصيف
ويقذفون فيها بالمؤمن مجردا من ثيابه ويبقى فيها الساعات حتى
ينسلخ جلده ،ويملونها في أيام الشتاء والبرد القارس بالماء البارد
ويلقونه فيها كذلك ,ويودعون ولي الله في حجرة ضيقة لنومه
وطعامه وشرابه وفضلته ويجيعون الكلب المدربة ويضعونها معه
في حجرته لتنهش جسمه وتكثر من العواء والنباح على رأسه,
ويضربونه بالسياط حتى تسيل الدماء وقد تتجاوز دفعة الضرب
في المرة الواحدة خمسمائة سوط ويتركونه حتى يتورم جسمه،
ثم يلهبونه بالسياط في مواضع الضرب السابقة ويسيل قيحه
وينتن جسمه فل يسمحون لطبيب يداوي جراحه ويأمرونه مع
زملئه من أمثاله بالجري وهم في تلك الحال لمسافات طويلة
ومن أظهر التعب ضربوه حتى يغمى عليه أو يموت وهكذا).(1
وهكذا تمر المحن والبتلءات على الفراد والجماعات لتصقل
العاملين في ساحة العمل السلمي على مستوى الفراد والجماعات,
وتمضي هذه السنة في كل الزمنة والمكنة إلى عصرنا الحاضر,
ويتعرض الدعاة إلى البلء والمحن ويمضون في طريقهم المرسوم
باستعلء إيماني عظيم ل يبالون غير نصرة دينهم ورفع كلمة الله في
الر ض ,وينشد شاديهم في داخل السجون ومن وراء القضبان وهو يرى
أفواج رفاقه تشنق رقابهم كل يوم وينتظر نف س المصير فل يتزعزع
اليمان ،وإنما يزداد صلبة وتشتاق النف س إلى خالقها ,ورفقة النبيين
والصديقين والصالحين والشهداء ،ويبين الشادي المؤمن أن الحرية هي
حرية القلب الذي خلقت عبوديته لخالقه وإن كبله أعداء الله بالقيود
وأحاطوه بأسوار السجون والمعتقلت فهو يقول:
أخي أنت حر بتلك القيود أخي أنت حر وراء السدود
فماذا يضيرك كيد العبيد إذا كنت بالله مستعصما
377
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
إن طور البلء لبد منه قبل التمكين ,وتخرج الدعوة والدعاة
بعد هذا الطور أصلب عودا وأقوى مما كانت عليه لتنطلق لتحطيم
عروش الطغاة وتبدد الظلم لتبني حياة إسلمية صحيحة راشدة.
***
)( انظر :الجهاد في سبيل الله ) (2/223وهذا الشادي هو سيد قطب رحمه الله 1
تعالى.
378
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المبحث الثالث
مرحـــــــلة المغالبــــــة
إن من أهم المراحل في العمل السلمي هي هذه المرحلة،
حيث هي مرحلة التركيز والتخصص ،لسد ثغرات العمل السلمي
كله ،من حيث الكم ومن حيث النوع ومن حيث الستجابة لكل
متطلبات الدعوة وأعبائها في كل مراحلها ،كما أن هذه المرحلة
يعقبها التمكين لدين الله بإذنه سبحانه وتعالى ،إن أجمع تعريف
لهذه المرحلة :أنها مرحلة المؤمنين ،الذين صدقوا ما عاهدوا الله
عليه ،وأعدوا للعمل السلمي ما يحتاج إليه من حكمة وقوة ،إنها
مرحلة المجاهدين في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العلياء).(1
إن أفراد هذه المرحلة اكتسبوا من المعارف والخبرات
والتجارب والعلوم النافعة حتى وصلوا إلى النضج السليم ،ولشك
أن لكل مرحلة من مراحل الدعوة السلمية أولويات تقدم على
غيرها ،ومن أهم هذه الولويات أن يكون على رأس هذه المرحلة
فقهاء وعلماء قد بلغوا درجة النظر في الدين وفي معرفة كيف
تسعى لتحكيم شرع الله ،إن العلماء هم :هداة الناس الذين ل
يخلو زمان منهم حتى يأتي أمر الله ,فهم رأس الطائفة المنصورة
إلى قيام الساعة ,يقول الرسول ×» :ل تزال طائفة من أمتي
قائمة بأمر الله ل يضرهم من خذلهم ،أو خالفهم حتى يأتي أمر
الله وهم ظاهرون على الناس«).(2
ومن الولويات في هذه المرحلة:
الهتمام بالفراد المتخصصين القادرين على سد ثغرات العمل
السلمي في كل مجالته ،بمعنى أن يختار من أفراد هذه المرحلة
مجموعات تتخصص في دراسة المجالت التي لبد منها في تكوين
الدول ليصبحوا علماء متخصصين في كل مجالت الحياة النسانية,
وتصبغ روح الشريعة عليها كلها ،وعلى سبيل المثال في مجال علم
الجتماع ،وفي مجال علم السياسة ،وفي مجال القتصاد ،وفي مجال
التربية ،وفي مجال العلم ،وفي مجال علوم الزراعة والمياه ،وفي
مجال علوم طبقات الرض والتعدين ،وفي مجال علوم الفضاء ،وفي
مجال علوم الصناعة والتقنية ،وفي كل مجال يحتاج إليه ،وفي مجال
فقه الدعوة والحركة والتنظيم ،وفي مجال فن القيادة والتخطيط،
وفي مجال ظروف العالم السلمي واحتياجاته ،وفي كل مجال علمي
أو فني من هذه المجالت ،يتفرع إلى عشرات التخصصات الدقيقة
)( البخاري ،كتاب العتصام ،باب :قول النبي ×» :ل تزال طائفة(8/189) «.. 2
رقم .7311
379
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
والكثر دقة).(1
ومن الولويات:
تعميق النتماء للدين السلمي وللدعوة إلى الله ,ويحرص
العاملون أن يتمثلوا السلم العملي في سلوكهم وأخلقهم بحيث
يصبحون أعلما حية للسلم ولدعوته ،وكل ذلك طريقه عمق
النتماء إلى السلم ،وعمق العتزاز به ،ويحرص الخ العامل أن
يكون واسع الفق ،عميق الفهم ،متين الخلق قوي الجسم،
مستوعبا لقضايا العالم السلمي المعاصر ،قادرا على تحليل هذه ً
القضايا ،ومتصورا حل أو حلول لها في موضوعية وواقعية وتجريد
للحق .إن أفراد هذه المرحلة حري بهم أن يكونوا متجذرين في
انتمائهم للسلم ،ولدعوته ويعمقوا ولءهم لمنهج الرحمن ونظام
الدين وشريعة السلم ,ويكونوا هم جنود هذه المرحلة من العمل
والتنفيذ والممارسة والتطبيق لكل ما تعلموه في المراحل
السابقة ,مستمرين في أعمالهم ،دون ملل أو تراخ ،وأن يكونوا
أصحاب عزيمة صادقة ،وإصرار في بلوغ الهدف ،مع التأني
والصبر والجادة والحسان مع عدم استعجال النصر من الله ،لن
ذلك أمر متروك لله سبحانه ،يجعله على يد من يشاء من عباده،
)(2
ولكنه يقين سوف يتحقق ما دمنا بالحق عاملين مجاهدين
إن طبيعة مرحلة المغالبة تختلف عن سواها من المراحل،
ومجمل طبيعة هذه المرحلة يكمن في أنها :مرحلة الجهاد
المتواصل ،والصبر على البتلء ،والصرار على مواصلة السعي
في الطريق ،حتى تتحقق إحدى الحسنيين :النصر ،والتمكين لدين
الله في عباد الله ،أو الحصول على الشهادة في سبيل الله ،كما
لبد في هذه المرحلة من كمال الطاعة ولبد من اللتزام بتحقيق
الهداف المرسومة ،ويمكننا القول بأن طبيعة هذه المرحلة يكمن
في كلمة واحدة :الجهاد ،ونعني به :الجهاد بكل أنواعه :جهاد
اللسان ،وجهاد العمل في كل مجالته ،وجهاد قتال أعداء الله،
وجهاد المرابطة في سبيل الله ،وجهاد الستعداد لكل معركة في
سبيل الله ،وجهاد لكل عمل يتطلبه السلم ،ولبد لكل فرد وصل
إلى هذه المرحلة أن يكون جهده ووقته وماله في سبيل الله).(3
وفي هذه المرحلة تكون الجماعة السلمية القائمة على أمر
الدعوة السلمية قد اقتفت سنة النبياء والرسل في دعوة المم,
فحرصت على غرس اليمان في النفوس وتوطيد العقيدة في
القلوب ,ففي الحرص على هذا الصل العظيم سعادة للناس في
الدنيا والخرة ,قال سيد قطب -رحمه الله » :-ظل القرآن
المكي ينزل على رسول الله × ثلثة عشر عاما كاملة يحدثه فيها
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ).(526 ،1/525 1
380
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
عن قضية واحدة ل تتغير ،ولكن طريقة عرضها ل تكاد تتكرر ،لقد
كان يعالج القضية الولى ،والقضية الكبرى ،والقضية الساسية في
هذا الدين الجديد ،قضية العقيدة ،ممثلة في قاعدتها الرئيسية:
اللوهية والعبودية وما بينهما من علقة ..ولم يتجاوز القرآن
المكي هذه القضية الساسية إلى شيء يقوم عليها من التعريفات
المتعلقة بنظام الحياة إل بعد أن علم الله أنها قد استوفت ما
تستحقه من البيان ,وأنها استقرت استقرارًا متينًا ثابتًا في قلوب
العصبة المختارة من بني النسان التي قدر الله أن يقوم هذا
الدين عليها ،وأن تتولى هي إنشاء النظام الواقعي الذي يتمثل فيه
هذا الدين«) ،(1إن الهتمام بالجانب العقدي والمفهوم اليماني
وتربية المة عليه ينبغي أن يستمر إلى أن يلقى الله عز وجل،
فإنه مهما بلغ النسان من اليمان فإنه ل يستغنى عن التذكير به
والزدياد منه ،ولبد من إعداد القاعدة الصلبة التي تلتحم مع
الجماهير وتتحرك نحو تطبيق شرع الله ،والتمكين لدينه سبحانه
وتعالى ،قال سيد قطب رحمه الله وهو يقرر ضرورة إعداد هذه
القاعدة» :لقد كان الله سبحانه يعلم أن هذا المنهج «...ثم تكلم
عن سنة البتلء ،ثم قال» :فالتوسع الفقي قبل قيام هذه القاعدة
خطر ماحق يهدد وجود أية حركة ل تسلك طريق الدعوة الولى
من هذه الناحية ول تراعي طبيعة المنهج الحركي الرباني النبوي
الذي سارت عليه الجماعة«).(2
وأجمل ذلك في مكان آخر بقوله» :لقد قامت كل عقيدة
بالصفوة المختارة ل بالزبد الذي يذهب جفاء ول بالهشيم الذي
تذروه الرياح«).(3
لبد من الهتمام بتقوية اليمان وتزكية الخلق الفاضلة وكثرة
الطاعة لله ولرسوله × ,والبعد عن المعصية ,والتوعية الكاملة
والفقه في الدين ,ومعرفة مشكلت العصر وحلها ،والتدريب
العملي على البذل والنفاق ,وإيثار الدعوة السلمية بالنفس
والنفيس ,والخلص الكامل ،والتجرد لله وحده ،وهذا العداد مع
صعوبته وطول مدته التي تحتاج إلى صبر وجلد خير من العجلة
في جمع جماهير ذوي عواطف تبهج النفس وتنعشها ،عواطف
يظهر أصحابها الطاعة والحب والتفاني في سبيل العقيدة في
وقت الرخاء ،أما وقت الشدة فإنها كالزبد الذي يذهب جفاء
والهشيم الذي تذروه الرياح).(4
إن بناء القاعدة الصلبة على أسس من منهج أهل السنة
381
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :العتصام للشاطبي ) ،(1/58والنتقاء في فضائل الئمة الثلثة الفقهاء، 2
382
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( أبو داود ،كتاب الجهاد ،باب :دوام الجهاد ) (3/11رقم .2484 1
383
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( مسلم ،كتاب المارة ،باب :قوله × »ل تزال طائفة (1/1524) «..رقم 1
.176
)( انظر :صفة الغرباء ،ص .177 2
)( العينة :هي أن يشتري من رجل سلعة بثمن معلوم مؤجل ثم يبيعها له بأقل 3
من الثمن.
)( أبو داود ،كتاب البيوع ،باب :النهي عن العينة ) (3/740رقم .3462 4
384
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( أبو داود ،كتاب الملحم ،باب :ما يذكر في قرن المائة ) (4/280رقم 291 2
إسناده صحيح.
)( هو أ حمد بن علي بن محمد العسقلني أبو الفضل )ت 852هـ( انظر :العلم 3
).(179 – 1/178
)( فتح الباري ،كتاب العتصام ،باب» :ل تزال طائفة (13/12) «...رقم .7312 4
)( هو أبو السعادات مبارك بن محمد بن الثير توفي عام 606هـ ،انظر :جامع 5
الصول.
385
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
386
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( أبو داود ،كتاب الجهاد ،باب :دوام الجهاد ،رقم ).(3/11) (2484 2
)( انظر :الطبراني )الكبير( ترجمة أبي أمامة رقمها .(8/171) 736 3
)( مسلم ،كتاب المارة ،باب :قول النبي ×» :ل تزال طائفة (3/1523) «..رقم 6
.170
387
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :من وسائل دفع الفرية للشيخ سلمان العودة ،ص .67 3
388
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( الجهاد ميادينه وأساليبه ،د .محمد نعيم ياسين ،ص .235 2
389
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
390
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
البخاري،كتاب الحج ،باب فضل الحج المبرور ) (2/172رقم .1519 )( 4
391
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الجهاد ميادينه وأساليبه ،د .محمد ياسين ،ص .238 2
392
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
393
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الجهاد في سبيل الله ،د .عبد الله أحمد القادري ).(2/235 2
394
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
الدعوة إلى السلم ،حسن أدهم جرار ،ص .121 )( 1
395
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الرابع
مرحــــلة التمكــــــــين
إن مرحلة التمكين هي ذروة العمل السلمي المنظم ،وهي
تمثل الثمرة الناضجة إذا مثلت المراحل التي سبقتها التربة
الصالحة والبذرة الصالحة ،والتعهد والرعاية ،وأن الجهد الذي
أوصل إلى هذه المرحلة كله من توفيق الله ،ويستطيع أن يمس
المؤمن أثر توفيق الله سبحانه وتعالى في الوصول إلى مرحلة
التمكين لدينه في الرض في دراسته القرآنية المتأنية ،أو في
نظرته التاريخية المستوعبة للتاريخ السلمي المجيد ومرحلة
التمكين في الدعوة
إلى الله تعني أن الله تبارك وتعالى يمكن لدينه في الرض ،عن
طريق المؤمنين الذين يعملون الصالحات ،وأن هذا التمكين
يسبقه الستخلف والملك والسلطان ,ويعقبه أمن بعد خوف ،كما
أن الوصول إلى التمكين يكون بعد تحقق شروطه من إيمان
وعمل صالح ،وتحقيق العبودية ،ومحاربة الشرك ،وتقوى الله ،كما
طا منها إقامة الصلة ،وإيتاء الزكاة ،وطاعة أن لستمراره شرو ً
الرسول × ,وهذه الثلثة هي إجمال للسلم كله ,فالصلة عماد
الدين وهي دليل السلم وعلمته ،وهي تنهى عن الفحشاء
والمنكر ،والزكاة تراحم وتكافل ،ودفع لحاجات المحتاجين الذين
ء" قَرا ِ ف َ ت ل ِل ْ ُ قا ُ صد َ َ ما ال ّ حدد الله سبحانه أنواعهم في آية +إ ِن ّ َ
]التوبة [60 :كما هي طهارة لقلب المزكي ،وطهارة لماله ،وطاعة
الرسول × هي اللتزام بكل ما أمر والنتهاء عن كل ما نهى,
ه
عدَ الل ُ و َ وذلك السلم كله ,وما ذكرته يوضحه قوله تعالىَ + :
في م ِ ْ ه
ُ ّ ن فخل ِ َ ست َ ْ ت ل َي َ ْ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ ع ِ و َ مَ َ من ْك ُ ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ ال ّ َ ِ
ن لهم َ مك ّن َ ّ ولي ُ َ َ م َ ه ْ من َ ّ ض كَ َ
فه ُم ْ أ َ قب ْل ِ ِ َ
ن ِ
َ
ذي َ ف ال ِ
َ
خل َ ست َ ْ ما ا ْ
ّ الْر ِ
مًنا َ ْ ِ َ ْ ِ ِ ْ ْ و خ د ع ب من ّ هم ن ل د
ُ ْ َ ُ َ ّ ّ ُ ب ي ل و م ه ل ضى ْ َ َ ت ر ا ذي ِ لا م
ه ُ ِدين َ ُ
عدَ ذَل ِكَ من كفَر ب َ ْ َ َ و َ شي ًْئا َ ن ِبي َ ركو ُ ش ِ َ
دون َِني ل ي ُ ْ ع ُب ُ ُ يَ ْ
ة
كا َ وآُتوا الّز َ َ ة َ ل ص ال موا قيِ قو َن وأ َ ُ س فا َ ْ ل ا م ه ُ َ
ك ِ ئ َ ل أو َ
ف
َ ّ ُ َ َ ِ ُ َ
ن" ]النور.[56 ،55 : مو
ْ ُ ْ َ ُ َ ح ر ت م ُ ك ّ ل ع
َ َ ل َ
ل سو ّ ُ ر ال عوا َ ِ ُطي أ و
وستظل الطاعة للرسول × وإقام الصلة وإيتاء الزكاة،
ن
ِ َ ذي ّ ل ا + مصاحبة للتمكين ل تنفك عنه ،ول ينفك عنها ،قال تعالى:
ة
كا َ وا الّز َ وآت َ ُ صل َةَ َ موا ال ّ قا ُ ض أَ َ في ال َْر م ِ ه ْ مك ّّنا ُ إن ّ
ر" مو ُ ل ا ة بق عا ه ولل ر َ ك ن م ْ ل ا ن ع وا
ِ
ه ن و ف رو ع م ْ ل با روا ِ َ
ِ ُ ُ َ ِ َ ِ ِ َ ْ ُ ِ َ ْ َ َ َ ِ ُ ْ َ ِ م ُ وأ َ َ
]الحج.[41 :
وفي هذه الية النص على المر بالمعروف والنهي عن المنكر،
وهو من صميم ما أمر الرسول × به).(1
396
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
إن القرآن الكريم إذا تدبره المؤمنون وتفقهوا فيه رأوا حكما
وسننا تعين من أخذ بها للوصول إلى غايته النبيلة ،ول شك أن
مرحلة التمكين وإن كانت قمة المراحل إل أنها ليست آخر
المراحل ,فبعدها استمرار التمكين والمحافظة عليه ،وإن من وراء
التمكين أموًرا عظيمة وأهوال ً جسيمة ومسئوليات كبرى أمام
التحديات الضخمة والعداء المتكالبين .ولبد من استمرار الدعاة
إلى الله بواجبات مراحل التعريف والعداد والمغالبة والتمكين
إلى قيام الساعة ،ويوم يعدل الدعاة عن هذا العمل الموازي
لمرحلة التمكين ،فعندئذ يحدث التراجع والنتكاس وتنشأ الجيال
الجديدة فل تجد من يعّرفها ،ول من يربيها ول من يفقهها ويعلمها
ويقودها.
إن بعض الناس قد يرون هذه المرحلة بعيدة المنال.
وإن بعضهم ليراها مستحيلة التحقيق.
وإن بعضهم ليراها قريبة جدا.
أما الذين يرونها بعيدة المنال ،فهم على صواب طالما بقي
المسلمون غير محققين لشروط التمكين ،لن التمكين لدين الله
في الرض حقيقة قرآنية ثابتة ،إذا توافرت
لها شروطها).(1
إن التمكين لدين الله في الرض مطلب عزيز دعا إليه الدين،
وعمل صالح يؤجر عليه فاعله أعظم الثواب ،وليس العمل لتمكين
دين الله في الرض عسيرا ،أو فوق مستوى طاقة المسلمين ،لن
الله ل يكلف نفسا إل وسعها ،بل ممكن وفي مقدور العاملين من
أجل السلم ولكونه ممكنا فقد وعد الله تعالى به المؤمنين الذين
يعملون الصالحات.
إن التمكين لدين الله في الرض إرادة إلهية كي يظهر هذا
الدين الخاتم َعلى الدين كله يوما من اليام ،قال الله تعالى:
ه
هَر ُ ْ ن ال ْ َ ه ِبال ْ ُ سول َ ُ س َ و ال ّ ِ
ق ل ِي ُظ ِ ح ّ وِدي ِ دى َ ه َ
ْ
ل َر ُ
َ
ذي أْر َ
ّ
ه َ ُ +
ن" ]الصف ,[9 :وقد أمر ركو َ ُ مش ِ ْ رهَ ال ُ َ
وك ِ ول ْ ه َ ن كل ُِ دي ِ عَلى ال ّ َ
الله نبيه × والمؤمنين أن يقيموا هذا الشرع أي يجعلوه قائمًا،
كم ع لَ ُ شَر َ دائما مستمرًا محفوظًا مستقرًا ,قال الله تعالىَ + : ً
ما و َ
ك يَ ل إ نا ي ح و َ أ ذي ّ ل وا حا نو ه ب صى و ما ن دي ال ن
َ َ ْ َ َ ْ ََ ِ ْ ِ ِ ُ ً َ ِ ّ ِ َ َ ّ م َ ّ
ول َن َ دي َ موا ال ّ قي ُ نأ ِ سى أ ْ عي َ و ِ َ سى مو َ و ُ َ مهي َ ه إ ِب َْرا ِ صي َْنا ب ِ ِ و ّ َ
ه
ه الل ُ م إ ِل َي ْ ِ ه ْ عو ُ ما ت َدْ ُ ن َ كي َ ر ِ ش ِ م ْ عَلى ال ْ ُ ه ك َب َُر َ في ِ قوا ِ فّر ُ ت َت َ َ
من ِ ْ َ ه
ِ ي َ ل إ دي ِ ه ي
َ َ ْ و ُ ء شا َ َ ي من ه
ِ
ِ ْ َ ي َ ل إ بي ج َِ ت يَ ْ
ب" ]الشورى.[13 : ي ُِني ُ
إن التمكين لدين الله هو الهدف الكبر لكل مفردات العمل
)( المصدر السابق نفسه ).(2/716 1
397
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
398
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
399
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
انظر :واقعنا المعاصر لمحمد قطب ،ص ،117وما بعدها. )( 3
400
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
401
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أرجائها.
-وتسلل العداء إلى كيان الدولة وشرعوا في نخرها ،ودخلت
اليدي الجنبية وكانت بدايتها المشئومة في عهد السلطان سليم،
والذي اشتهر باسم سليمان القانوني).(1
وأما المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فقد كانت المة قد تخلت
عنه بالنسبة لحكامها منذ زمن بعيد ،ولم يكن من المتوقع أن تعود إليه
في الجو العسكري الذي قامت فيه الدولة العثمانية.
-وانشغل المسلمون عن دينهم الصحيح ببدع ،وخرافات،
ص ،وران عليهم جو التواكل والقعود عن الخذ بالسباب. ومعا ٍ
ولكن على الرغم من ذلك لم يكن السلم ذاته في نفوسهم
موضع نقاش ل بوصفه عقيدة ،ول بوصفه منهجا للحكم ،بل ظل
حيا محفوظا من التحريف والتبديل ،وظلت مشاعل الصلح
متسلسلة بعضها من بعض ل تطفئها العواصف).(2
ودخل العالم مرحلة جديدة من تاريخه مع بداية القرن السابع
عشر الميلدي حيث شن الغرب النصراني حروبه على أنحاء المة
السلمية ،وقد سماها بعض الباحثين» :الحملت الصليبية
الخيرة«).(3
وفي هذه المرة كان الموقف قد تغير كثيرا عن ذي قبل ،فقد
انحرف المسلمون انحرافا شديدا عن حقيقة السلم ،سواء في
التصور أو السلوك ،وفسدت المفاهيم لدى المة السلمية.
-ففسد مفهوم العقيدة ،وانحصر في مجرد النطق بالشهادتين
دون النظر إلى العمل وتبع ذلك :التواكل المقيت ،والسلبية،
والوهن ،والعجز.
وفسد مفهوم العبادة الشامل ،فانحصر في شعائر التعبد
المحدودة.
وفسد كذلك مفهوم العمل الصالح فانحصر في مجرد الركعات
والتسبيحات والوراد.
-وتخلف المسلمون كثيرا في مجالت الحياة ،بعد أن عجزوا عن
الخذ بأسباب التقدم.
-كما تقطعت أواصر الخاء بين المة السلمية ،فضعفت قوتهم،
وذهبت هيبتهم).(4
وقد ظلت هذه العوامل الرهيبة ،وغيرها تساور العالم السلمي،
تولي الحكم من سنة 1520م إلى 1566م. )( 1
402
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
403
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :مجموعة الرسائل ،ص ،132 ،131ومجلة الوعي الكويتية ،عدد ربيع 2
404
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المبحث الخامس
الحركات السلمية ودورها في العودة إلى التمكين
بدأت بشائر العودة إلى التمكين ومظاهره مع الحركات
السلمية منذ القرنين الماضيين ,وتوارثت الجيال الحاضرة تلك
التجارب التي تركت لنا معالم فقه التمكين ,ومن أهم هذه
الحركات:
أولً :حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد
بن أحمد بن راشد التميمي ،ولد سنة 1115هـ1703 ،م في بلدة
العينية الواقعة شمال الرياض ,بينها وبين الرياض مسيرة سبعين
كيلو مترا ،أو ما يقارب ذلك من جهة الغرب).(1
ونشأ على حب العلم ،فطلبه منذ صغره وظهر منه نبوغ
وتميز ،فحفظ القرآن الكريم ودرس الفقه الحنبلي والتفسير
والحديث ،وتتلمذ على كتب ابن تيمية في الفقه والعقائد والرأي
وأعجب بها أيما إعجاب ,وتأثر بكتب ابن القيم ،وابن عروة
الحنبلي وغيرهم من فحول هذا المنهل السلفي).(2
ورحل في طلب العلم إلى مكة ،والمدينة ،والبصرة،
والحساء ،وتعرض لفتن عديدة عندها جاهر بآرائه في العراق ثم
رجع بعد ذلك إلى نجد.
أ -إعلن دعوته:
وعندما رجع إلى حريملء ببلد نجد بدأ بدعوته بالمر بالمعروف
والنهي عن المنكر والشتغال بالعلم والتعليم ،والدعوة إلى عقيدة
التوحيد الصافية ،وحذر من الشرك ومخاطره وأنواعه ,وتعرض
لمحاولة اغتيال من بعض السفهاء في حريملء وانتقل بعد ذلك
إلى بلدته العينية وتلقاه أميرها بالترحيب وشجعه على أمر
الدعوة ،فأقام الشرع ونفذ الحدود ،وهدم القباب ولم يستمر في
حريملء طويل بسب بضغط أمير الحساء على أمير حريملء لقتل
الشيخ محمد بن عبد الوهاب فخرج ماشيًا على القدام إلى
الدرعية.
ب -تحالفه مع محمد بن سعود:
استطاع محمد بن عبد الوهاب أن يتحالف مع المير محمد بن
سعود الذي قدم ماله ورجاله من أجل دعوة التوحيد ،وكان هذا
)( انظر :إمام التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،أحمد القطان ،ص .35 1
405
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
انظر :إمام التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،ص .46 ،45 )( 1
انظر :إمام التوحيد محمد بن عبد الوهاب ،ص .53 )( 3
406
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
407
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
408
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
409
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الفصل الثاني
أهـــــــــــداف التمكــــــــين
تمهيد:
إن من القضايا المهمة التي يجب بحثها أهداف التمكين
ومقاصده الساسية ،وإذا رجعنا لنصوص القرآن والسنة نجد أن
من أهداف التمكين ما يلي:
-1أن يتمكن المجتمع المسلم من إقامة سلطة سياسية
تستند على مبادئ واضحة وقواعد بينة وأصول متينة ،وتستمد تلك
القواعد والصول من القرآن الكريم و نظام الحكومة في عصر
النبي × والزمن الراشدي حيث ساد القانون اللهي ،والعدل بين
الناس ,والمساواة ,وظهرت مسئولية الحاكم ،والرعية ،وطبق
نظام الشورى ،وإقامة نظام الحياة السلمية على المر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،والدعوة إلى الله ،والجهاد في
ترجمة عملية سبيله ،وإقامة الحدود ...إلخ ،وقد كان ذلك كله
َ في ال َْر
ةَ
صل َ موا ال ّ َ
ض أقا ُ ِ م ِ مك ّّنا ُ
ه ْ ن ِإن ّ لقوله تعالى+ :الَّ ِ
ذي َ
ه
ولل ِ ر َ َ
من ْك ِ ْ
ن ال ُ ْ وا الّز َ
ع ِ
وا َ ه ْ
ون َ َ
ف َعُرو ِ م ْمُروا ِبال َوأ َ كاةَ َ ة ال ُ وآت َ ُ َ
ر" ]الحج.[41 : ُ ِ مو ُ ق َ
ب عا ِ َ
كما يقول الدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله » :-إن الية
الكريمة تصرح بالنتائج التي تترتب على انتصار المؤمنين في هذا
القتال المشروع ،فهي ليست استعمار الشعوب ،ول أكل خيراتها،
ول انتهاب ثرواتها ،ول إذلل كرامتها ،وإنما هي نتائج لمصلحة
النسانية ،ولفوائد المجتمعات فهي:
-1لنشر السمو الروحي في العالم عن طريق العبادة
ة"صل َ َ موا ال ّ قا ُ +أ َ َ
-2ولنشر العدالة الجتماعية بين الشعوب عن طريق الزكاة
ة" كا َ وا الّز َ وآت َ ُ َ +
-3ولتحقيق التعاون على خير المجتمع وكرامته ورقيه
َ +
ف"
عُرو ِ م ْمُروا ِبال ْ َ وأ َ َ
وا
ه ْ ون َ َ -4وللتعاون على مكافحة الشر والجريمة والفساد َ +
ر" ن ال ْ ُ
من ْك َ ِ ع ِ َ
تلك هي النتائج التي تترتب على انتصار المؤمنين في قتالهم
أعداءهم من إقامة دولة إسلمية تعمل على سمو الروح ،وتكافل
المجتمع ،ورقي النسان عن طريق الخير ،ومنع انحداره عن
طريق الشر ،فأية غاية إنسانية أنبل من هذه الغاية التي شرع من
410
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( السيرة النبوية للدكتور مصطفى السباعي ،ص .110 ،109 1
)( انظر :نظام الحكم في السلم ،د .عارف خليل أبو عيد ،ص .70 -68 2
411
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الول
إقامـــــة المجتمع المســـــــلم
إن من أهداف التمكين إقامة المجتمع المسلم الذي تتحقق
فيه العبودية الشاملة لله تعالى ،ولذلك لبد من إقامة دولة
السلم بدعائمها ودستورها ،وقواعدها ومبادئها ،ولبد من إقامة
فريضة المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،والدعوة إلى مكارم
الخلق ،وتطبيق الحدود ،وتعليم المة ما ينفعها في الدنيا
والخرة ،وممارسة قواعد النظام السياسي السلمي من الشورى
والعدالة والمساواة ...إلخ.
أول :إقامة دولة السلم ودعائمها ودستورها:
إن من الوسائل المهمة في تحقيق العبودية لله تعالى -بحيث
ل يعبد في الرض سواه -إقامة دولة إسلمية ،تحارب الباطل
بأشكاله وأنواعه ،وتناصر الحق وأتباعه ,وللدولة السلمية دعائم
مهمة تقوم عليها ،ومبادئ تستند لها وأهداف تسعى لتحقيقها،
وقواعد تعمل على ترسيخها ،إن السعي لقامة دولة إسلمية
ينبعث من كون الدولة جزًءا من تحقيق السلم الشامل ،ولم تكن
هذه الدولة فكرة نظرية مجردة ،بل كانت واقعا عاشه المسلمون
فترة طويلة من الزمان قامت في كنفها حضارة وانتشر خللها
السلم في شتى أنحاء العالم ،ورغم أن الدولة مرت بفترات من
القوة والضعف ودب الوهن في جسمها فإنها ظلت متمسكة
بالساس الذي قامت عليه ،ولم تتنازل عن الميثاق الذي ربط
عراها وهو الكتاب والسنة ،وتبلور من النظرية والتطبيق أسس
معينة ميزت الدولة السلمية وجعلتها نموذجا حاولت البشرية أن
ترتقي إليه من خلل نظمها النسانية ولكن هيهات.
أما تلك الدعائم التي قامت عليها الدولة السلمية وميزتها عن
غيرها فتتمثل
فيما يأتي:
القوة والضعف ،والسلمة والمرض ،ولكنها لم تتنازل أبدا عن
سر بقائها وهو دستورها الوحيد المتمثل في الكتاب والسنة ،إن
أجيال المسلمين في الماضي البعيد ،والحاضر القريب توقن إيقانا
راسخا بأن هناك ارتباطا وثيقا بين دولة السلم وعقيدة السلم،
فقوة الدولة رفعة للعقيدة ،وحماية للعقيدة ،ومما يدل على عمق
الشعور بالرتباط بين الدولة والعقيدة لدى جماهير المسلمين
خلل التاريخ السلمي أنه -وكما هو موجود بكثرة في كتب
الحديث والسير والتاريخ -كان علماء المسلمين وقواد جيوشهم
وأفاضل كل عصر ،إذا بايعوا الخليفة منذ عهد أبي بكر فمن بعده
412
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ) (2/537عبد العزيز مصطفى. 1
413
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أساس دين الله تعالى على ألسنة جميع رسله ل تختلف باختلف
الزمنة والمكنة«).(1
ويقول الستاذ سيد قطب -رحمه الله » :-لقد رسم يوسف
عليه السلم بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة كل
معالم هذا الدين ،وكل مقومات هذه العقيدة ،كما هز بها كل
هزا شديدًا. قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية ّ
إن الطاغوت ل يقوم في الرض إل مدعيًا أخص خصائص
اللوهية ،وهي الربوبية ،أي حق تعبيد الناس لمره وشرعه،
ودينونتهم لفكره وقانونه ,وهو إذ يزاول هذا في عالم الواقع يدعيه
-ولم ينطق بلسانه -فالعمل دليل أقوى من القول ،وإن
الطاغوت ل يقوم إل في غيبة الدين القيم والعقيدة الصالحة عن
قلوب الناس ،فما يمكن أن يقوم وقد استقر في اعتقاد الناس
فعل أن الحكم لله وحده ،لن العبادة ل تكون إل لله وحده، ً
والخضوع للحكم عبادة ،بل هي) (2أصل مدلول العبادة«).(3
لقد نزل القرآن الكريم من أجل تحقيق العبودية والحاكمية لله
د
عب ُ ِ فا ْ ق َ ح ّ ب ِبال ْ َ ك ال ْك َِتا َ تعالى ،قال سبحانه+ :إ ِّنا أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ
ن ال ْ َ َ
ص" ]الزمر[3 ،2 : خال ِ ُ دي ُ ه ال ّ ن أل َ لل ِ ديَ َ ه ال ّ صا ل ّ ُ خل ِ ً م ْ ه ُ الل َ
ن َ ْ ي َ ب م
َ ُ ك ح
ْ َ ت ِ ل ق
ّ ح َ ْ ل با ِ ب َ تاَ ِ ك ْ ل ا كَ ْ ي َ ل ِ إ نا
َ ْ ل زَ ْ ن أ نا ّ ِ إ + سبحانه: وقال
ه" ]النساء [105 :فكما أن تحقيق العبودية ك الل ُ ما أ ََرا َ س بِ َ الّنا ِ
غاية من إنزال الكتاب فكذلك تطبيق الحاكمية غاية من إنزاله،
وكما أن العبادة ل تكون إل عن وحي منزل ،فكذلك ل ينبغي أن
منزل ،أو بما له أصل في شرع منزل).(4 يحكم إل بشرع ُ
قد أ َرسل َْنا رسل ََنا بال ْبيَنات َ
مه ُ ع ُ م َ وأن َْزل َْنا َ ِ ََ ِ َ ّ ُ ُ قال تعالى+ :ل َ َ ْ ْ َ
د
دي َ ح ِ ْ
وأن َْزلَنا ال َ ْ ط َ س ِ ق ْ ْ
س ِبال ِ م الّنا ُ قو َ ن ل ِي َ ُ ميَزا َ وال ْ ِ ب َ ال ْك َِتا َْ
ه
صُر ُ من ي َن ْ ُ ه َ م الل ُ عل َ َ ول ِي َ ْ س َ ع ِللّنا ِ ف ُ مَنا ِ و َ ديدٌ َ ش ِ س َ ه ب َأ ٌ في ِ ِ
زيٌز" ]الحديد [25 :فالكتاب ِ ع
َ ي
ّ و
ِ َ
ق ه َ الل نّ ِ ِإ ب ْ ي غ
َ ْ ل با ِ ه
ُ َ لس ُ ر
َ ُ و
عدل لقامة الناس على ً والميزان هما :ما نقل صدقًا ،وما شرع
رادعا لكل ً شريعة الحق اتباعًا للرسل ،فمن أبى فقد جعل الحديد
معاند بعد قيام الحجة) .(5إن إقامة حكم الله على المجتمع من
واذْك ُُروا خلل الدولة عهد وميثاق ذكره الله تعالى في قولهَ + :
م قل ْ ْ
ُ ت ه إ ِذْ ُ كم ب ِ ِ ق ُواث َ َ ذي َ ه ال ّ ِ ق ُ ميَثا َ و ِ م َ عل َي ْك ُ ْ ه َ
َ ة الل ِ م َ ع َنِ ْ
ر" دو ِ ص ُ ت ال ّ َ
م ب ِذا ِ عِلي ٌ ه َ ن الل َ ه إِ ّ وات ّقوا الل َ ُ عَنا َ وأ ط َْ عَنا َ م ْ س ِ َ
]المائدة [7 :فهذا تذكير من الله لعباده المؤمنين بنعمته عليهم في
تفسير المنار ).(12/309 )( 1
هكذا الضمير في الصل المطبوع )هي( ولعل الوفق للسياق )هو(. )( 2
414
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
يقصد بقية أمور الشريعة المتعلقة بالسياسة والقتصاد والجتماع. )( 4
415
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
من طاعته والعمل بأحكامه ،وما قال هذا مسلم قط ،ول
يقوله،ومن قال فقد خرج عن ملة السلم جملة ورفضه كله،
وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم«).(1
إن كلمة التوحيد »ل إله إل الله « أقرت أن الحاكمية لله عز
وجل ،وهي من أولى خصائص اللوهية ،التي ينفرد بها سبحانه
وتعالى ،وليس لحد من البشر كائنا من كان ،أن يدعيها ,فالمشرع
والمحل والمحرم هو الله عز وجل ،ومما ل شك فيه أن مفهوم
الحاكمية يشمل جميع نواحي الحياة النسانية ،فإلى جانب العلقة
بين النسان وخالقه من شعائر تعبدية ،فإن هذا المفهوم يشمل
أيضا العلقات بين النسان ونفسه ،والعلقة بين النسان وأسرته
وأقاربه ،وما له عليهم وما لهم عليه من حقوق التربية والرعاية
مثل ،وكذلك علقة النسان بأخيه النسان وأخيرا علقة النسان
بالسلطة الحاكمة ،فيطيعها ما دامت مطبقة لشرع الله ومنفذة
لوامره).(2
لقد كانت الشريعة الربانية مهيمنة على المجتمع النبوي،
والمجتمع الراشدي ،وفي العصر الول يتجلى في زمن عمر بن
عبد العزيز الذي صبغ أوامر دولته وإجراءاته في كل شئون الدولة
بصبغة الله تبارك وتعالى ,وذلك ما أعلنه منذ الساعات الولى
لتولية أمر المسلمين ،إذ قال» :يا أيها الناس :إنه ليس بعد نبيكم
نبي ،وليس بعد الكتاب الذي أنزل عليكم كتاب ،فما أحل الله على
لسان نبيه فهو حلل إلى يوم القيامة ،وما حرم الله على لسان
نبيه فهو حرام إلى يوم القيامة ،أل إني لست بقاض ،وإنما أنا
منفذ لله ،ولست بمبتدع ،ولكني متبع ،أل إنه ليس لحد أن يطاع
بمعصية الله عز وجل.(3)«...
ويتضح من هذا ،إدراك عمر لمفهوم الحاكمية لله عز وجل،
وإنه عازم على تطبيق حكم الله في كل أمر ،وأنه منفذ لله،
وبذلك يحقق الخلفة في الرض بتطبيق شرعه في خلقه ،وذلك
ما يبعث الله الرسل من أجله.
كما كتب إلى العمال ،فقال» :أما بعد :فإن الله بعث
ه ّ لُ ك ن عَلى ال ّ ْ ن ال ْ َ محمدا ×ِ+ :بال ْ ُ
ِ دي ِ هَرهُ َق ل ِي ُظ ِ
ح ّ وِدي ِ
دى َ ه َ
ن" ]التوبة [33 :وإن دين الله الذي بعث به ُ
ركو َ ش ِ م ْره َ ا ل ْ ُ ول َ ْ
و كَ ِ َ
محمد × كتابه الذي أنزل عليه أن يطاع الله فيه ،ويتبع أمره،
ويجتنب ما نهى عنه ،وتقام حدوده ،ويعمل بفرائضه ,ويحل حلله
ويحرم حرامه ،ويعترف بحقه ،ويحكم بما أنزل فيه ,فمن اتبع هدى
ل" ]الممتحنة: سِبي ِ
واءَ ال ّ
س َل َض ّ قد ْ َف َالله اهتدى ،ومن صد عنه َ +
)( الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر ،ص .89 1
)( انظر :النظام السياسي في السلم ،د .محمد أبو فارس ،ص .23 2
)( انظر :سيرة عمر بن عبد العزيز لبن الحكم ،ص .36 ،35 3
416
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :إدارة عمر بن عبد العزيز ،محمد القحطاني ،ص .278 2
417
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
418
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
419
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
420
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
انظر :تطبيق الشريعة السلمية ،د .عبد الله الطريقي ،ص .61 ،60 )( 1
421
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
انظر :مراتب الجماع للمام أبي محمد بن حزم ،ص .124 )( 2
الحكام السلطانية للقاضي أبي يعلي ،ص 19وللماوردي ،ص .4 )( 5
422
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :الفصل بين الملل والنحل ) ,(4/110ومراتب الجماع ،ص .125 4
)( البخاري ،كتاب الفتن ،باب ،18 :حديث رقم ،7099فتح الباري ).(13/58 5
)( البخاري،كتاب الحكام ،باب :المراء من قريش ،فتح الباري ) (13/122رقم 7
.7139
423
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
تفسير القرطبي ) ،(1/270انظر :الفصل بين الملل والنحل )(4/11 )( 2
424
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( الستة هم الذين نصح عمر المسلمين أن يختاروا واحدا منهم لولية المر 5
بعده حين طلب إليه أن يعهد عهدا ،وهم :علي ،وعثمان ،وعبد الرحمن بن
عوف ،وسعد بن أبي وقاص ،والزبير بن العوام ،وطلحة بن عبيد الله.
)( تفسير القرطبي ).(5/259 6
425
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
426
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( البخاري ،كتاب الحكام ،باب السمع والطاعة للمام ،حديث رقم ) 7145 3
.(8/135
427
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( مسلم ،كتاب المارة باب حكم من فرق أمر المسلمين ) (3/1480رقم 1
.1852
)( رواه أبو داود ،كتاب الدب ,باب تنزيل الناس منازلهم ،رقم الحديث ،4822 2
)( البداية والنهاية لبن كثير ) (6/306وقال ابن كثير :إسناده صحيح. 5
428
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :الشورى بين الصالة والمعاصرة ،عز الدين التميمي ،ص .17 2
)( انظر :دعوة سليمان ،علي منسي عشكان ،ص .69 3
429
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عبد الرءوف بن تمام بن عطية، 2
يكنى أبا محمد ،وهو من نسل زيد ابن محارب ,وكان فقيها عالما بالتفسير
والحكام والحديث والفقه والنحو واللغة ,توفي عام 546هـ ،انظرالديباج
المذهب في معرفة علماء المذهب ،ص .175 ،174
)( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ).(3/397 3
)( هو أبو بكر أحمد بن علي الرازي كان مشهورا بالزهد والورع ,تبحر في 4
العلوم وتلقى على يديه خلق كثير توفي 370هـ ،الطبقات السنية في تراجم
الحنفية ).(480 – 1/477
)( أحكام القرآن للجصاص ).(3/386 5
430
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المر عن المشاورة ،فإن الله تعالى أمر بها نبيه × ,فقال تعالى:
ذا ر َ
فإ ِ َ م ِ في ال ْ م ِ ه ْوْر ُ شا ِ و َ م َه ْفْر ل َ ُ غ ِ
ست َ ْ
وا ْم َ ه ْعن ْ ُف َ ع ُفا َْ +
ن" ]آل ّ
وكِلي َ مت َ َ ْ
ب ال ُ ح ّ ه يُ ِ ن الل َ ه إِ ّعلى الل ِ َ ل َ ّ
وك ْ ت َ
فت َ َ م َعَز ْ
َ
عمران.« (1) [159 :
ولقد ذهب إلى وجوب الشورى على الحاكم جماهير العلماء من
المحدثين ،وإليك بعضهم:
قال الستاذ حسن البنا -رحمه الله » :-ومن حق المة السلمية
أن تراقب الحاكم أدق مراقبة ،وأن تشير عليه بما ترى فيه من الخير,
وعليه أن يشاورها وأن يحترم إرادتها ،وأن يأخذ بالصالح من آرائها،
ر" م ِ في ال ْ م ِ ه ْ وْر ُ شا ِ و َ وقد أمر الله الحاكمين بذلك فقال+ :
م" ه َ ن ي ب رى شو ُ م هُ ر م وأثنى على المؤمنين خيرًا فقال+ :و َأ َ
ْ ُ ْ َ َ َ )ْْ (ُ 2
ونصت على ذلك سنة رسول الله × « .
وقال الستاذ المودودي» :والمير حتم عليه أن يسوس البلد
بمشاورة أهل الحل والعقد أعضاء مجلس الشورى ،وهو أمير
مادام مزودًا بثقة المة «).(3
وقال» :وخامسة قواعد الدولة السلمية حتمية تشاور قادة
الدولة وحكامها مع المسلمين والنزول على رضاهم ورأيهم
وإمضاء نظام حكم الشورى«).(4
وقال الشيخ شلتوت(5)-رحمه الله » :-أما الشورى فهي أسا س
الحكم الصالح ،وهي السبيل إلى تبين الحق ،ومعرفة الراء الناضجة،
من العناصر التي تقوم عليها الدولة عنصر
أمر بها القرآن ،وجعلها ا ً
السلمية ،ففي الكتاب الكريم سورة عرفت باسم) :الشورى( وقد
عنصرا من ً سميت بذلك لنها السورة الوحيدة التي قررت الشورى
اته طهارة القلب عناصر الشخصية اليمانية الحقة ،ونظمتها في عقد ،حب
واليمان والتوكل ،وطهارة الجوارح من الثم والفواح ش ،ومراقبة الله
بإقامة الصلة وحسن التضامن بالشورى«).(6
وقال الشيخ محمد أبو زهرة) - (7رحمه الله » :-أما الشرط
الثالث فهو أن يكون الختيار بشورى المسلمين ،والصل في ذلك
() 1السياسة الشرعية في إصلح الراعي والرعية ،ص .135
() 2مجموعة الرسائل للستاذ حسن البنا ،ص .361
() 3نظام الحياة في السلم – النظام السياسي ،ص .36
() 4الخلفة والملك ،ص .41
() 5هو أحد علماء مصر المشهورين ،وشيخ الزهر الشريف ،له مؤلفات كثيرة
في الفقه والتفسير والثقافة العامة ،توفي عام 1964هـ.
() 6السلم عقيدة وشريعة ،ص .459 ،458
هو( الشيخ الجليل محمد أبو زهرة أحد فحول علماء مصر المعدودين ,كان جريئًا) 7
عن السلم ،ل يخشى في ذلك لومة لئم ،له مصنفات كثيرة في مدافعً
في الحق ،ا
الفقه والصول وتاريخ التشريع ,ومن كتبه علم أصول الفقه ،والمام مالك،
والشافعي ،وأبو حنيفة ,وأحمد ،وابن حزم ،وابن تيمية ،وتاريخ المذاهب السلمية.
431
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( تاريخ المذاهب السلمية في السياسة والعقائد ،ص .94 ،93 1
)( ولد سنة 1880م بكفر الزيات والتحق بالزهر الشريف سنة 1900م ،بعد أن 2
حفظ القرآن الكريم ودرس في مدرسة القضاء الشرعي ،وتخرج فيها عام
1915م ،وعين مدرسًا بها وشارك في ثورة 1919م ,فبرزت مواهبه الخطابية
والكتابية ومارس القضاء ودرس في كلية الحقوق بجامعة القاهرة ) (22سنة،
توفي 1956م ،مقدمة كتابه أصول الفقه.
)( السياسة الشرعية أو نظام الدولة في الشئون الدستورية والخارجية والمالية، 3
ص .29-25
)( عبد القادر عودة من كبار المحامين في مصر ،درس الحقوق ونبغ فيها، 4
ودرس الفقه السلمي الجنائي دراسة شاملة ،وواعية ,وألف فيه كتابه المشهور
التشريع الجنائي السلمي ،وهو من أفضل الكتب في هذا المجال أعدمه جمال
عبد الناصر في محنة الخوان المسلمين في مصر وكان إعدامه – رحمه الله –
سنة 1955م.
)( السلم وأوضاعنا القانونية ،ص .132 – 122 5
432
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :حكم الشورى في السلم ،ونتيجتها ،د .محمد أبو فارس ،ص .32 ،31 2
)( هو محمد بن يوسف بن علي بن حيان الغرناطي الديب النحوي اللغوي 4
433
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
434
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
انظر :النظام السياسي في السلم لبي فارس ،ص .90 )( 2
435
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
436
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
437
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
438
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
439
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :دستور المة من القرآن والسنة ،د .عبد الناصر العطار ،ص)،173 2
.(174
440
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :الشورى بين الصالة والمعاصرة ،ص .59 ،58 2
441
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :النظام السياسي في السلم ،د .محمد أبو فارس ،ص .49 1
442
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
»عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح) (1يعدل به القوم،
)(3
فمر بسواد بن غزية) (2وهو مستقل من الصف ،قال ابن هشام
ويقال :مستنصل) (4من الصف -فطعنه في بطنه بالقدح -وقال:
استو يا سواد ،فقال :يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله
بالحق والعدل فأقدني ،فكشف رسول الله × عن بطنه وقال:
استقد ،قال :فاعتنقه فقبل بطنه ،فقال :ما حملك على هذا يا
سواد؟ قال :يا رسول الله ،حضر ما ترى ،فأردت أن يكون آخر
العهد بك أن يمس جلدي جلدك ,فدعا له رسول الله × بخير«...
).(5
وجاء يهودي يشتكي إليه أحد أصحابه قائل» :يا محمد ،إن لي
على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها ،قال :أعطه حقه ،قال:
والذي نفسي بيده ،ما أقدر عليها ،قد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر
فأرجو أن تغنمنا شيئا فأرجع فأقضيه ،قال :أعطه حقه ،وكان
رسول الله × إذا قال ثلثا لم يراجع.(6) «...
وكان × يقيم حدود الله على من وجب عليه ذلك في عدل
وإنصاف ل تأخذه في ذلك لومة لئم ول قرابة قريب ول مكانة
شريف ،فها هو × وهو الصادق المصدوق البار في قسمه :لو أن
ابنته سرقت لقام عليها ،ل يدفعه عنها كونها ابنة محمد ×.
أخرج المام البخاري عن عائشة رضي الله عنها» :أن قريشا
أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا :من يكلم فيها
رسول الله × ومن يجترئ عليه إل أسامة فقال :أتشفع في حد
من حدود الله؟ ثم قام فخطب فقال :يا أيها الناس إنما
ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف
تركوه ,وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ،وايم
الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد
يدها«).(7
وهكذا كان × يقيم العدل ،وينفذ الحدود في دولته.
وهذا عمر بن الخطاب يقيم العدل والقسط بين الناس ,يحكم
بالحق لرجل يهودي على مسلم ،ولم يحمله كفر اليهودي على
)( هو العلمة الخباري أبو بكر القرشي الكلبي مولهم المدني صاحب السيرة 2
مره النبي)( هو سواد بن غزية النصاري من بني عدي بن النجار ،شهد بدرا وأ ّ
2
بتهذيب سيرة ابن إسحاق وهو من أئمة اللغة ،توفي 418هـ ،انظر :سير أعلم
النبلء ).(10/429
)( مستنصل :أي خارج من نصل ،بمعنى خرج ،لسان العرب ).(11/662 4
)( سيرة ابن هشام (1/626) :تحقيق مصطفى السقا وزملئه. 5
)( البخاري،كتاب الحدود ،باب كراهية الشفاعة إذا رفع إلى السلطان )(12/87 7
رقم .6788
443
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ظلمه والحيف عليه ،أخرج المام مالك) (1من طريق سعيد بن
المسيب» :أن عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي،
فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له ،فقال له اليهودي :والله
لقد قضيت بالحق «).(2
وكان يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم ،فإذا اجتمعوا قال :يا
أيها الناس إني لم أبعث عمالي ليصيبوا من أبشاركم ،ول من
أموالكم ،إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم ،وليقسموا فيئكم بينكم ،فمن
فعل به غير ذلك فليقم ،فما قام أحد إل رجل واحد قام فقال :يا
أمير المؤمنين أن عاملك فلنا ضربني مائة سوط ،قال :فيم
ضربته؟ قم فاقتص منه ،فقام عمرو بن العاص فقال :يا أمير
المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من
بعدك ,فقال :أنا ل أقيد ،وقد رأيت رسول الله × يقيد من نفسه,
قال :فدعنا فلنرضه ،قال :دونكم فأرضوه ،فافتدى منه بمائتي
دينار كل سوط بدينارين) ،(3وإن لم يرضوه لقاده). (4
وجاء رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص واليه
على مصر قائل» :يا أمير المؤمنين ,عائذ بك من الظلم ،قال:
عذت معاذا ،قال :سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته ،فجعل
يضربني بالسوط ويقول :أنا ابن الكرمين.
فكتب عمر إلى عمرو رضي الله عنهما يأمره بالقدوم ويقدم
بابنه معه ،فقدم فقال عمر :أين المصري؟ خذ السوط فاضرب
فجعله يضربه بالسوط ويقول عمر :اضرب ابن الكرمين ،قال
أنس :فضرب ،فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه ،فما رفع عنه
حتى تمنينا أن يرفع عنه ،ثم قال عمر للمصري :،ضع على صلعة
عمرو ،فقال :يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استفيت
منه ،فقال عمر لعمرو :مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم
أحرارا؟ قال :يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني).(5
فانظر إلى هذه المواقف الرائعة لعدالة هذه المة ،رجل من
عامة الناس وفي رواية أنه ذمي من أقباط مصر ،يتظلم فيعطى
حقه ويقاد من ابن المير ,يجاء به وبأبيه ليعطي الرجل حقه
وينصف ,ثم انظر إلى الحاضرين من أصحاب النبي × كيف أحبوا
ذلك وأيدوه »فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه« ل تشفيا منه
ول شماتة بعمرو وابنه ،فالقوم فوق ذلك وأبعد ما يكونون عن
التشفي والشماتة ،ولكنهم جيل أحب العدل وعاشه وتربى عليه
)( هو مالك بن أنس بن أبي عامر بن عمرو ،إمام دار الهجرة ،ولد عام 53هـ، 1
)( انظر :فتوح مصر و المغرب لبن عبد الحكم.226 ،225 : 5
444
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
على يد رسول الله × ،لذا فهو يبغض الجور ول يحب رؤيته في
فا لها في عقيدتها ودينها وشرعها ،ويفرح المة ولو كان رجل ً مخال ً
أشد الفرح لرؤية العدالة ترمي بجذورها في أعماق المة ليؤخذ
حق ضعفائها وأتباعها من أقويائها).(1
إن الناس إذا شعروا بإقامة العدالة في مجتمعهم ،وسيادة
العدل في حياتهم ،على المسلمين وغير المسلمين ،تستقر
نفوسهم ،وتطمئن قلوبهم ،وتهدأ أحوالهم ،ويزدهر مجتمعهم
ويعمهم الخير والمن والمان والسلمة والسلم).(2
إن تحقق العدل اللهي في حياة البشرية هدف لكل مسلم
فرد أو جماعة ,حاكم أو محكوم ,ومن هنا كانت وظيفة كل نبي
د
ق ْورسول ومهمته أن يقيم في الناس القسط ،قال تعالى+ :ل َ َ
أ َرسل َْنا رسل ََنا بال ْبيَنات َ
ن
ميَزا َ وال ْ ِ ب َ م ال ْك َِتا َه ُ ع ُ
م َ وأن َْزل َْنا َ ِ َ ِ َ ّ ُ ُ ْ َ
ط"]الحديد.[25: س ِ ق ْ س ِبال ْ ِ م الّنا ُ قو َ ل ِي َ ُ
إن الدولة السلمية واجب عليها أن تقيم العدل بين الناس
وتفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه أن يصل
إلى حقه بأيسر السبل وأسرعها ،دون أن يكلفه ذلك جهد أو
مال) ,(3وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوسائل من شأنها أن تعيق
صاحب الحق من الوصول إلى حقه.
لقد أوجب السلم على الحكام أن يقيموا العدل بين الناس
دون النظر إلى لغاتهم أو أوطانهم أو أحوالهم الجتماعية ،فهو
يعدل بين المتخاصمين ويحكم بالحق ول يهمه أن يكون المحكوم
أصحاب عمل، عمال أو َ لهم أصدقاء أو أعداء ,أغنياء أو فقراء،
دُلواع ِعَلى أل ّ ت َ ْ وم ٍ َْ قَ ن
شَنآ ُ م َ من ّك ُ ْ ر َ ج ِ ول َ ي َ ْ َ + قال تعالى:
هو أ َ
وى" ]المائدة ,[8 :والمعنى ل يحملنكم َ قْ ّ ت لل
ِ ب ُ ر
َ ْ
ق دُلوا ُ َع ِا ْ
بغض قوم على ظلمهم ،ومقتضى هذا أنه ل يحملنكم حب قوم
على محاباتهم والميل معهم).(4
يقول الستاذ أبو علي المودودي -رحمه الله -معقبا على
قوله تعالىُ + :
م" ]الشورى [15 :ما نصه: ل ب َي ْن َك ُ ُد َع ِ تل ْ مْر ُ وأ ِ َ
»يعني أنني مأمور بالنصاف دون عداوة ،فليس من شأني أن
أتعصب لحد أو ضد أحد ،وعلقتي بالناس كلهم سواء ،وهي علقة
العدل والنصاف ،فأنا نصير من كان الحق في جانبه ،وخصيم من
كان الحق ضده ،وليس في ديني أي امتيازات لي فرد كائنا من
كان ،وليس لقاربي حقوق ،وللغرباء عني حقوق أخرى ،ول للكابر
عندي مميزات ل يحصل عليها الصاغر ،والشرفاء والوضعاء عندي
وسطية أهل السنة بين الفرق ،ص .170 انظر: )( 1
445
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
انظر :مبادئ نظام الحكم في السلم ،عبد الحميد متولي ،ص .385 )( 3
انظر :فلسفة التربية السلمية ،ماجد عرسان الكيلني ،ص .179 )( 5
انظر :الثقافة السلمية وتحديات العصر ،شوكت محمد ،ص .308 )( 6
446
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
تفريق بسبب الصل ،أو الجنس ،أو اللون ،أو الثروة ،أو الجاه ،أو
غيرها).(1
إن السلم جعل المساواة بين المسلمين في العبادات
والمعاملت والحدود وغيرها ,فما من عبادة إل وتبرز فيها
المساواة بين الناس بشكل واضح ،فالصلة مثل نجد فيها الناس
جميعا غنيهم وفقيرهم ,حاكمهم ومحكومهم ،شريفهم ووضيعهم
يصلون في مكان واحد هو المسجد ،ويقفون صفوفا متراصة,
الفقير بجانب الغني والحاكم بجانب المحكوم ،وفي صلة العيد
نجد الناس يقفون جميعا على صعيد واحد وفي العراء ل يظلهم
شيء
من الحر.
وفي الحج ماذا يلحظ المسلم ،إنه يجد الناس قد جاءوا
من كل حدب وصوب ،ومن كل فج عميق بلغات متباينة
وألوان مختلفة ،ومن أوطان متعددة ،وأجناس شتى،
ثياب ا بيضاء ،ويقفون موقفً ا واحدً ا هو عرفة،
يلبسون ً
ويطوفون طوافا معينا في وقت معين ،يقومون بسائر
المناسك متساوين ل يتفاضلون في الهيئة والوقت وغير
ذلك.
والصوم فريضة الله على الجميع ،فقراء وأغنياء ,ذكورًا وإناثًا،
قوما على قوم أو طبقة على طبقة أو حاكما على ً لم يميز
محكوم ،فأوجبه على جميع الناس ولم يعف منه أحدا حتى ولو
كان رئيس الدولة متى توافرت فيه شروط الوجوب ،وكذلك
الزكاة فقد فرضت على سائر القادرين عليها دون أن يستثنى أحد
منهم حتى ولو كان كريما سخيا يبذل أكثر من الزكاة المستحقة
في ماله ،وفي الحدود وسائر العقوبات فإن الناس أمام الشرع
سواء).(2
إن الناس جميعا في نظر السلم سواسية ،الحاكم والمحكوم،
الرجال والنساء ،العرب والعجم ،البيض والسود ،لقد ألغى
السلم الفوارق بين الناس بسبب الجنس واللون أو النسب أو
الطبقة ,والحكام والمحكومون كلهم في نظر الشرع سواء.
وجاءت ممارسات المسلمين التطبيقية خير شاهد على ذلك،
فهذا أبو بكر في أول خطبة له بعد أن تولى الخلفة يقول» :وليت
عليكم ولست بخيركم ،فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت
فقوموني ،القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه،
والضعيف فيكم قوي عنده حتى آخذ له حقه«).(3
)( انظر :مبادئ علم الدارة ،محمد نور الدين ،ص .116 1
447
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
انظر :نظام الحكم في السلم ،د .عارف خليل ،ص .271 )( 1
سيرة عمر بن عبد العزيز ،ابن عبد الحكم ،ص .112 )( 2
448
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
سيرة عمر بن عبد العزيز لبن الجوزي ،ص .273 )( 2
449
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
السلم تربية النسان ،إبراهيم سعادة ،ص .139 انظر: )( 2
نظام الحكم في السلم ،د .عارف خليل ،ص .151 انظر: )( 4
450
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
451
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
452
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
453
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( سيرة عمر بن عبد العزيز للمام ابن الجوزي ،ص .240 1
)( هو حفيد أبي بكر الصديق ،تابعي من الفقهاء السبعة ,توفي عام 112هـ ،ابن 2
سعد ).(5/344
)( الطبقات لبن سعد )(5/344 3
)( البخاري ،كتاب الحيل ،باب ما يكره من الحتيال في الفرار من الطاعون ) 4
(8/28رقم .6973
)( انظر :نظام الحكم في السلم ،د .عارف خليل ،ص .155 5
454
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المبحث الثاني
نشــــــــر الدعوة إلـــى الله
وذلك أن دين السلم ،دين دعوة مستمرة ،ل تتوقف ،حتى
تتوقف الحياة البشرية من على وجه الرض.
وممارسة الدعوة بعد التمكين هي الممارسة المجدية القادرة
على الوصول إلى أهدافها ,لن دولة وحكومة ترعيانها وتؤيدانها،
والحق مهما كان واضحًا ،فإنه بحاجة إلى قوة تؤيده وتحميه ،ذاك
الشأن هو سنة من سنن الله في الرض ،إن الدولة المحكمة
لشرع الله هي المناط بها إعداد وتهيئة وحماية الدعاة ،وتوفير
السبل والوسائل المعينة لهم على القيام بهذه المهمة ،وهي
المسئولة أيضا عن نشر هذه الدعوة في أرجاء الرض وربط
السياسة الخارجية على السس الدعوية العقدية ،قبل بنائها على
السس المصلحية النفعية ،وذلك كما كان يفعل رسول الله ×
َكان يقوم بتبليغ الدعوة ُإلى الفاق امتثال لقول الله تعالىَ+ :يا
ع ْ
ل ف َ م تَ ْوِإن ل ّ ْ
ك َ من ّرب ّ َ ك ِ ل إ ِل َي ْ َز َ
ما أن ْ ِ غ َل ب َل ّ ْ
سو ُ ها الّر ُ أي ّ َ
ه لَ َ الل ن إ
ِ ِ ّس نا
ّ ال ن م
ِ َ َ
ك م ص
ُ َ ْ ِ ُ ع ي ه والل َ
ف َ َ ْْ َ ِ َ ْ َ ُ َ
ه ت لسا ر ت غّ لب ما َ
ن" ]المائدة.[67 : ري َف ِ َ
م الكا ِ و َ َ
دي الق ْ ه ِ يَ ْ
وقد امتثل × للمر وأرسل إلى ملوك الرض فكتب إلى ملك
كتابا إل إذا كان مختومًا ،فاتخذ ً الروم ،فقيل له :إنهم ل يقرأون
خاتما من فضة ,وختم به الكتب إلى الملوك ،وبعث كتًبا ورسل ً ً
إلى ملوك فارس والروم ،والحبشة ومصر والبلقاء واليمامة في
يوم واحد ،ثم بعث إلى حكام عمان والبحرين واليمن وغيرهم).(1
إن الدولة المسلمة من أهدافها دعوة الناس إلى دين الله,
ولذلك ربما تؤسس وزارة أو مؤسسة أو هيئة خاصة بأمور الدعوة
وظيفتها إعانة الدعاة للتغلب على هموم الدعوة ،بكل ما أوتيت
من إمكانات فهي التي تشرف على:
-1إعداد الدعاة على المستوى الذي يتطلبه العصر الذي
يعيشون فيه ،والمجتمع الذي يمارسون فيه الدعوة ،إعدادا علميا
فنيا ميدانيا.
-2تنظيم وسائل العلم والتنسيق بينها لتؤدي مهمتها في
الدعوة إلى الله.
-3توجيه دعوة الله إلى عامة المسلمين والمقصرين في حق
دينهم ,وتوجيه الدعوة إلى غير المسلمين في العالم كله إلى غير
ذلك ،ودعوة المة المسلمة إلى الله تكون بالمر بالمعروف
)( انظر :زاد المعاد لبن القيم ).(124- 1/119 1
455
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
456
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
457
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
458
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( مسلم ،كتاب اليمان ،باب :المر بقتال الناس حتى يقولوا ل إله إل الله ) 3
(1/51رقم .32
459
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)(1
وهو من أجل حفظ الدين من عبث المرتدين. دينه فاقتلوه«
-2النفس:
جاءت شريعة السلم بأحكام القصاص للمحافظة على
النفس ،ودرء المفاسد الناشئة عن شيوع القتل وسفك الدماء
َ
معل َي ْك ُ ُ
ب َ مُنوا ك ُت ِ َ نآ َذي َ ها ال ّ ِ المحرمة ،كما قال تعالىَ+ :يا أي ّ َ
قت َْلى" ]البقرة.[178 : في ال ْ َ ص ِ صا ُ ق َ ال ْ ِ
ُ
بحَياةٌ َيا أوِلي الل َْبا ِ ص َصا ِ ق َ في ال ْ ِ م ِ ول َك ُ ْ َ ّوقال تعالىَ + :
ن" ]البقرة[179 : قو َ م ت َت ّ ُعلك ُ ْ ل َ
َ
سلطاًنا ْ ه ُول ِي ّ ِ ْ
علَنا ل ِ َج َ َ
ما فقدْ ََ مظلو ً ُ ْ ل َ ُ
من قت ِ َ و َ
وقال تعالىَ + :
ن
كا َ ه َ ّ ن
ِ ِ ُ إ ل ْ ت َ
ق ْ ل ا في رف ِ س ِ فل َ ي ُ ْ َ
صوًرا" ]السراء.[33 : َ ُْ ن م
-3العقل:
وقد جاءت الحكام الشرعية بالمحافظة على العقل الذي ميز
وكرمه ,فحرمت الخمر التي تذهب بالعقل وتغيبه الله به النسان
سُر ي م ْ ل وا ر م خ
َ ْ لا ما ن إ نوا مآ ن ذي ّ ل ا ها ي َ أ يا + تعالى: كما قال
ْ ُ َ َ ْ ِ ِّ َ ِ َ َ ُ َ ّ َ
ه"
جت َن ُِبو ُ
ن فا َْ َ
شي ْطا ِ ل ال ّ م ِ
ع َن َم ْس ّ ج ٌ ر ْم ِ َ
والْزل َ ُ ب َ
صا ُ
والن ََ
ن" ]المائدة [91 ،90 :وقال رسول َ هو َ
ّ ُ ت من تم ُ ْ ن أ لْ ه
َ َ
ف + قوله: إلى
الله ×» :كل مسكر خمر وكل خمر حرام« ) ،(2وشرع إقامة الحد
على السكران ،وحرم المخدرات والمفترات التي تؤثر على
سلمة العقل).(3
-4النسب:
جاءت الشريعة لدفع كل مفسدة تلحق بالنساب ،فإلى جانب
تحريم الزنى
ول َ ت َ ْ
قَرُبوا َ + تعالى: قوله من المعلوم الزناة على الحد وإيجاب
سِبيل ً" ]السراء.[32 : َ َ ء ساَ َ و ة
ً َ
ش ح
ِ فا َ نَ َ
كا ه
الّزَنى ِ ّ ُ
ن إ
مائ َ َ
ة ما ِ ه َمن ْ ُ
د ّ ح ٍوا ِ
ل َدوا ك ُ ّ جل ِ ُ
فا ْ والّزاِني َ ة َ وقوله+ :الّزان ِي َ ُ
ة" ]النور.[2 : جل ْدَ ٍ
َ
وإلى حد الرجم للمحصنين -إلى جانب ذلك ،أوجبت الشريعة
العدة على النساء عند مفارقة الزواج بطلق أو موت ،لئل يختلط
ماء الرجل بماء رجل آخر في رحم المرأة ،قال تعالى:
ء" ]البقرة.[228 : قُرو ٍة ُن ث َل َث َ َه ّ س ِ
ف ِ ن ب ِأ َن ْ ُ ص َ ت ي َت ََرب ّ ْ قا ُ مطَل ّ َ وال ْ ُ
َ +
)( البخاري ،كتاب الجهاد ،باب :ل يعذب الله ،فتح الباري ).(6/173 1
)( البخاري ،كتاب الشربة ،باب :الخمر من العسل ،فتح الباري ) (10/44رقم 2
.5585
)( انظر :الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ).(1/467 3
460
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
َ
ن
ص َ جا ي َت ََرب ّ ْ
وا ًن أْز َوي َذَُرو َم َ من ْك ُ ْن ِ و َ و ّ
ف ْ ن ي ُت َ َ
َ ذي َوال ّ َِ وقالَ َ + :
شًرا" ]البقرة .[234 :وكذلك منعت ع ْ و َ ر َ ه ٍ ش ُ ةأ ْ ع َن أْرب َ َ ه ّس ِ ب ِأن ْ ُ
ف ِ
الشريعة نكاح الحامل حتى تضع ،حتى ل يسقي الرجل بماء غيره,
ن"ه ّمل َ ُ
ح ْ ن َع َ
ض ْن َأن ي َ َ
ه ّ جل ُ ُ
َ
لأ َ ما ِ ح َ ت ال ْ وأول َ ُ
فقال تعالىُ + :
َ
]الطلق.[4 :
وهذه الحكام كلها يؤول تنفيذها إلى القاضي المسلم في
الدولة المسلمة إضافة إلى مسئولية الناس الشخصية عن تبعاتها
في المجتمع المسلم.
-5العرض:
إن شريعة السلم كفلت كل وسائل حماية العرض ،فنهت
المسلم عن أن يتكلم في حق أخيه بأي شيء يؤذيه ،وأوجبت حد
ن
ذي َ وال ّ ِ القذف ثمانين جلدة ،على من ْيقذف َ ,قال تعالىَ + :
مه ْدو ُ جل ِ ُفا ْ داءَ َ ه َ ش َ ة ُ ع ِ
م ي َأُتوا ب ِأْرب َ َ م لَ ْ ت ثُ ّ صَنا ِ ح َ م ْ ن ال ْ ُ مو َ ي َْر ُ
ة" ]النور.[4 : جل ْدَ ً ن َ َ ني ِ ماثَ َ
ضا" ع ً كم ب َ ْ ض ُ ع ُ غَتب ب ّ ْ ول َ ي َ ْ وحرمت الشريعة الغيبةَ + :
]الحجرات.[12 :
َ
ول َ م َ سك ُ ْ ف َ مُزوا أن ْ ُ ول َ ت َل ْ ِ ونهت عن ْ اللمز والتنابز باللقابَ +:
ب" ]الحجرات.[11 : قا ِ ت ََناب َُزوا ِبالل َ
وحرمت اللعن والسب وعموم الذى للمؤمنين ,قال تعالى:
سُبوا ما اك ْت َ َ ر َ
غي ْ ِت بِ َ مَنا ِ م ْ
ؤ ِ وال ْ ُن َ مِني َ ؤ ِ م ْن ال ْ ُ
ذو َ ؤ ُن يُ ْ ذي َ وال ّ ِ َ +
مِبيًنا" ]الحزاب.[58 : ما ّوإ ِث ْ ً هَتاًنا َ ملوا ب ُ ْ ُ حت َ َ
دا ْ ق ِ ف ََ
-6المال:
جاءت الشريعة السلمية لحفظ أموال الناس التي هي قوام
كل وسيلة لخذ المال بغير حق شرعي، السلم حرمل َ ت َأ ْ حياتهم ،وقد
ل" ]البقرة: ط با ْ ل با م ُ كَ ن ي ب م ُ ك َ ل وا م لوا أ َ ُ ُ ك و + تعالى: فقال
ِ ِ َ ْ ِ ْ َ ْ ْ َ َ
,[188وحرم السرقة وأوجب الحد على من ثبت عليه تلك
قطَ ُ
عوا فا ْ ة َ ق ُ ر َسا ِ وال ّ رقُ َ سا ِ وال ّ َالجريمة ,فقال تعالىَ + :
ه" ]المائدة.[38 : ن الل ِ م َ ً َ
سَبا ن َكال ّ ما ك َ َ جَزاءً ب ِ َ
ما َه َدي َ ُ
أي ْ ِ
وكذلك حرم السلم الربا الذي يهدد مصالح الفراد واقتصاد
مُنوا ل َ ت َأ ْك ُُلوا الّرَبا نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ
َ
َالدول ،فقال تعالىَ+ :يا أي ّ َ
ة" ]آل عمران.[130 : ف ً ع َ ضا َ
م َفا ّعا ًض َ أ ْ
وحرم كذلك الغش والحتكار والنهب والختلس والغلول وغير
ذلك من أشكال العتداء على المال ،وكل ذلك داخل في أكل
أموال الناس بالباطل المنهي عنه.
461
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
(18/80رقم .8939
462
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
ق إ ِل ّ َأن
ح ّ ر َ غي ْ ِ
هم ب ِ َ ر ِمن ِدَيا ِ جوا ِ ر ُ خ ِ ن أُ ْذي َ قال تعالى+ :ال ّ ِ
ض ْ َ َ قوُلوا َرب َّنا الل ُ يَ ُ
ع ٍ م ب ِب َ ْه ْض ُ ع َس بَ ْه الّنا َ ع الل ِ ول دَف ُ
َ ول ْ ه َ
م ها اس ُ في َ َ
جدُ ي ُذْكُر ِ سا ِم َو َ
ت َ وا ٌ
صل َ و َ ع َ وب ِي َ ٌع َ م ُوا ِ
ص َ
ت َ م ْ
هد ّ َلّ ُ
ه" ]الحج.[40 : الل ِ
إن النسان لبد له من أمر ونهي ودعوة ,فمن لم يأمر بالخير
ويدعُ إليه أمر بالشر).(1
-2رفع العقوبات العامة:
َ
تسب َ ْ ما ك َ َ فب ِ َ ة َ صيب َ ٍم ِ من ّ كم ّ صاب َ ُ ما أ َ و َ َ قال تعالىَ + :
م" ]الشورى [30 :وقال أيضا في الجواب عن سبب مصابهم
َ ديك ُ ْ أي ْ ِ
م" ]آل عمران.[165 : ِ ْ ُ ك س ُ
ف ن أ د ن
ُ َ ِ ْ ِ ْ ِ ْ ع ن م و ه ْ
ل قُ + أحد: يوم
فالكفر والمعاصي بأنواعها سبب للمصائب والمهالك.
ُ
م أوُلو ن ال ْ ُ
َ قب ْل ِك ُ ْمن َ ن ِ قُرو ِ َ م َ ن ِ كا َ ول َ َ فل َ ْ وقال تعالىَ + :
جي َْنا أن ن م م ً للي َ
ق ّ ل إ ض ر ل ا في د سا فَ ْ ل ا ن
َ ّ ّ ْ ِ ْ ِ ِ ِ َ ِ ع ِ
ن َ و َ ه ْة ي َن ْ َ قي ّ ٍ بَ ِ
م" ]هود.[116 : ه ْمن ْ ُ ِ
َ
ها هل ُ َوأ ْ قَرى ب ِظُل ْم ٍ َ ك ال ْ ُ هل ِ َ ك ل ِي ُ ْ ن َرب ّ َ كا َ ما َ و َوقالَ + :
ن" ]هود.[117 : حو َ صل ِ ُ م ْ ُ
وهذه إشارة تكشف عن سنة من سنن الله في المم ،فإن
المة التي يقع فيها الظلم والفساد فيجدان من ينهض لدفعهما هي
أمم ناجية ل يأخذها الله بالعذاب والتدمير ،أما المم التي يظلم
فيها الظالمون ،ويفسد فيها المفسدون فل ينهض من يدفع الظلم
والفساد ،أو يكون فيها من يستنكر ذلك ،ولكنه ل يبلغ أن يؤثر في
الواقع الفاسد فهي أمم مهددة بالدمار والهلك كما هي سنة الله
تعالى في خلقه .وبهذا تعلم أن دعاة الصلح المناهضين للطغيان
والظلم والفساد هم صمام المان للشعوب ،وهذا يبرز قيمة كفاح
المكافحين للخير والصلح الواقفين للظلم والفساد ،إنهم ل يؤدون
واجبهم لربهم ولدينهم فحسب ،إنما هم يحولون بهذا دون أممهم
وغضب الله واستحقاق النكال والضياع«).(2
-3استنزال الرحمة من الله تعالى ،لن الطاعة والمعروف
سببان للنعمة:
َ َ
م" زيدَن ّك ُ ْ مل ِ شك َْرت ُ ْ ن َ م ل َئ ِ ْ ن َرب ّك ُ ْ وإ ِذْ ت َأذّ َ قال تعالىَ + :
]إبراهيم .[7 :والقيام بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع من
العبودية لله.
)( انظر :المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،خالد السبت ،ص .72 1
463
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
464
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
يسعوا لسعادهم بها ،ولو كان الناس يقبلون دعوة المسلمين إلى
تحكيم هذا الكتاب عليهم أن يكتفوا بالدعوة إلى ذلك لنه يحقق
الهدف ،ولكن أكثر الناس ل يكفيهم أن يرفضوا تحكيم كتاب الله،
بل إنهم يقفون محاربين من أراد تحكيمهم بكل ما أوتوا من قوة،
وهذا يحتم على أولياء الله أن يجاهدوا أعداءه الذين يحاربونهم
من أجله«).(1
إن الدولة السلمية التي تسعى لتحقيق أهداف التمكين من
واجباتها تشكيل وزارة للجهاد في سبيل الله ،ووضع نظام للجهاد
يتلءم مع قيم الدين وآدابه في إعداد الجنود ،بعيدة عن النظمة
الوافدة أو المستوردة ،إن العداد للجهاد والهتمام به ليس عدوانا
على أحد ،حتى ولو كان من غير المسلمين ،إنما هو تأمين لحاضر
المسلمين ومستقبلهم وحماية لرضهم وعرضهم ومالهم ودينهم
ونفوسهم أمام أي معتد على واحدة من هذه التي يعتز بها كل
إنسان إن كان من أصحاب الفطر السوية).(2
إن الجهاد في سبيل الله -تعالى -من أهم مقومات التمكين،
والحديث عن الجهاد للحاطة بكل جوانبه أمر ل يحتمله هذا البحث
المتواضع ،ذلك أن أمر الجهاد عظيم فهو جزء ل يتجزأ من العقيدة
السلمية ومن رسالة المة السلمية.
إن الجهاد في سبيل الله مقوم أساسي من مقومات التمكين
للمة ،وإن الجهاد والتمكين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ,فل تمكين إل
بجهاد ،فإذا صدق الجهاد كان التمكين بإذن رب العالمين).(3
إن طبيعة هذا الدين :الجهاد وإنه من أخص خصائص المة
السلمية ،ولهذا لم يتركه المسلمون ولم يفرطوا فيه في أي
عصر من عصورهم.
ق
ح ّ ه َ في الل ِ دوا ِ ه ُ
جا ِو َ قال تعالى مخاطبا المة السلميةَ + :
ج ر
َ ٍ ح
َ ن
ْ م
ِ ن
ِ دي
ّ ال في ِ عل َي ْك ُ ْ
م ل َ ع َج َ ما َ و َ
َ جت ََباك ُ ْ
م وا ْ ه َ
ه ُ هاِد َ ِ ج َ ِ
في َ ِ و ُ
ل ْ ب َ
ق من ن مي
ُ ْ ِ ِ َ ِ لس م ْ لا م ُ ُ ك ما س و ه م
ْ ِْ َ ِ َ ُ َ َ ّ هي را بإ م ُ ك بي ِ أ ة
َ مل ّ ّ
عَلى داءَ َ ه َش َ كوُنوا ُ وت َ ُ م َ عل َي ْك ُ ْدا َ هي ًِ َ
ش ُ
ل سو ُ ر ّ ال ن
َ كو ُ َ يِ ل ذا َ ه َ
س" ]الحج»[78 :فالقرآن الكريم صريح في هذا النص الكريم أن الّنا ِ
الجهاد في سبيل الله فريضة على المسلمين ،كما فرض عليهم
الصلة والصيام والزكاة والحج ،وقد كشف الله -تعالى -عن سر
هذا التكليف ،وحكمة هذه الفريضة التي افترضها على المسلمين,
ين ّ لهم أنه اجتباهم واصطفاهم دون الناس ليكونوا سواس خلقه, فب
وأمناء على شريعته ,وخلفاءه في أرضه ,وورثة رسله في
)( الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته ،د .عبد الله القادري ).(2/159 1
465
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
دعوته«).(1
والية الكريمة -السابقة -جمعت كل ضروب الجهاد وأبوابه،
من قتال العدو ومن العداد لذلك ومن بذل المال والنفس،
ومجاهدة الشهوات ،ومجاهدة الشيطان ،وتشمل الجهاد باللسان
والدب والفكر والسياسة والقتصاد ..جهادا كامل يستوعب طاقة
المة كلها ،ويستوعب مواهبها وقدراتها ،فذلك أصل معنى الجهاد:
»استفراغ الوسع والطاقة ،وهو معنى مستمر ممتد ل يتوقف«).(2
والجهاد بهذا المعنى الشامل فرض عين أما القتال -وهو نوع
من أنواع الجهاد -فهو كفاية ،ول يتعين إل في الحالت التية:
-1إذا التقى الصفان.
-2إذا نزل الكفار ببلدة فيتعين على أهلها قتالهم.
-3إذا استنفر المام قوما لزمهم النفرة معه.
-4قال ابن قدامة في المغني» :وأقل ما يفعله المام مرة كل
عام«).(3
إن الجهاد ضروري لقيام الدعوة واستمرارها ،وهو وسيلة من
وسائلها ,يقول الستاذ /عدنان النحوي» :ونحن -معشر أمة
السلم -ل نريد القتال أساسا لجل القتال ،ول لجل الحرب,
وكذلك فلسنا أعداء لحد من الناس من حيث البتداء ،ولكن لنا
من بين الناس أعداء الذين هم أعداء الله ،والذين يوقدون نار
الحرب ،ويسعون للفساد في الرض ،ويفتنون الناس عن اليمان،
وت ويصدون عن سبيل الله ،والمؤمن يمضي بدعوته جاهدا كي يف ّ
فرصة الفساد والفساد ،ويطفئ نار الفتنة والهلك حتى تمضي
الدعوة السلمية تشق طريقها ،فإن أبوا إل المضي في إشعال
الفتنة والسعي في الفساد ،فإنه ل مفر من القتال ،وكما يقولون:
آخر الدواء الكي«).(4
»فالجهاد في سبيل الله -تعالى -ليس هدفا منفصل عن
الدعوة إلى الله ،بل هو مرتبط بها ارتباطا كامل ،يدور القتال لجل
الدعوة ،ويتوقف لجل الدعوة فهو إذن وسيلة من وسائل الدعوة
إلى الله ،وقوة من قواها لخراج الناس من عبادة العباد إلى
عبادة الله الواحد الحد ،وليمض الجيل المؤمن بالدعوة بكل
قواها ،وسلمة نهجها حتى تكون كلمة الله هي العليا.
وهو كذلك وسيلة من وسائل حماية الدعوة وحماية المسلمين
أنفسا ،ودارا ,وثروات ،ومنهاجا ،وهو كذلك وسيلة لدفع الدعوة
الرسائل ،حسن البنا ،ص .40 ،49 )( 1
466
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
في الرض حتى تبلغ الناس كافة ،حين ل تنفع الحكمة والموعظة
الحسنة ،ول يكفي جهاد اللسان والبيان ،وحين تصد الدعوة عن
غايتها ،وتقفل الدروب والمسالك أمامها ،وتبذل الجهود لخنقها«).(1
»وإذا انعزل القتال -الذي هو صورة من صور الجهاد في
سبيل الله -عن الدعوة بصورة أو بأخرى ،وإذا فقد أهدافه
اليمانية وخصائصه الربانية ،فقد جوهره وحقيقته ،وأصبح قتالً
كقتال سائر الناس في الرض ،عدوانًا وظلمًا ،واستعمارًا ،ونهبًا,
وجرائم تتلوها جرائم ،وحمية جاهلية ،السلم منها برئ«).(2
ومن أهم خصائص الجهاد أنه »في سبيل الله«:
إن المتدبر لكتاب الله -تعالى -يجد أن كلمة »في سبيل
دا ,ومعنى واسعًا ،ففي معظم آيات الجهاد عمقا بعي ًً الله« تأخذ
ه" أو ل الل ِ سِبي ِ في َ تأتي لفظة »الجهاد« مقرونة بقوله تعالىِ + :
فيَنا". ه" أو ِ + في الل ِ ِ +
لسِبي ِ في َ م ِ سك ُ ْ ف ِ وأ َن ْ ُ
م َوال ِك ُ ْم َ
َ
دوا ب ِأ ْ ه ُ جا ِ و َ قال تعالىَ + :
ه" ]التوبة.[41 :الل ِ
ه" ]الحج: هاِد ِ ج َ ق ِ ح ّ ه َ في الل ِ دوا ِ ه ُ
جا ِو َ وقال جل شأنهَ + :
.[78
سب ُل ََنا"
م ُ ه ْدي َن ّ ُه ِفيَنا ل َن َ ْ دوا ِ ه ُ جا َن َ ذي َوال ّ ِوقال سبحانهَ + :
]العنكبوت.[69 :
وإن لم ترد مثل هذه الكلمات فإنها تكون مفهومة ضمنا بحيث
يظل الجهاد في السلم جهادا في سبيل الله »فقط« وليس في
سبيل شيء آخر).(3
وقد سئل رسول الله × عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل
حمية ،ويقاتل رياء ،أي ذلك في سبيل الله؟ فقال» :من قاتل
لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله« ) .(4إن الجهاد في
سبيل الله له أهداف من أهمها :إقامة حكم الله ونظام السلم
في الرض ،دفع عدوان الكافرين ،نيل الشهادة في سبيل الله،
تصفية الصف السلمي من عناصر الفساد ,كما أن له ثمرات:
إعزاز المسلمين وإذلل الكافرين ،وحدة صفوف المسلمين ،هداية
المجاهدين وتسديد خطواتهم ،دخول الناس أفواجا في هذا الدين،
التزام المسلمين بالسلم ،والحرص على حمايته ،وعدم التفريط
فيه ،إسعاد الناس بنور السلم
وعدله ورحمته.
المصدر نفسه ).(2/164 )( 1
الترمذي ،كتاب فضائل الجهاد ،باب ما جاء فيمن يقاتل رياء ).(4/179 )( 4
467
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
468
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :الجهاد في سبيل الله ،د .عبد الله القادري ).(2/162 2
469
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ة
قْري َ ِ ه ال ْ َ ذ ِ ه ِ ن َ م ْ جَنا ِ ر ْ ِ ن َرب َّنا أ َ ْ
خ قوُلو َ ن يَ ُ ذي َ ن ال ّ ِ دا ِ ول ْ َ وال ْ ّ ِ َ
من ّ َ ّ ّ ُ َ
عل لَنا ِ ج َ وا ْ َ يا ّ ِ ل و
َ ك ْ ن ُ د ل من ِ نا َ ل عل َ ج
ْ وا َ ها َ لهْ أ م
َ ِ ِ ل ظا ال
صيًرا" ]النساء.[75 ،74 : ك نَ ِ ل ّدُن ْ
قال القرطبي -رحمه الله » :-حض على الجهاد ،ويتضمن
تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين
يسومونهم سوء العذاب ويفتنونهم عن الدين ،فأوجب تعالى
الجهاد لعلء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من
عباده ،وإن كان في ذلك تلف النفوس ,وتخليص الساري واجب
على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالموال وذلك أوجب
لكونها دون النفوس ،إذ هي أهون منها«).(1
وقال سيد قطب -رحمه الله » :-جاهد السلم ...ليدفع عن
المؤمنين الفتنة التي كانوا يسامونها وليكفل لهم المن على
أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم ,وقرر ذلك المبدأ العظيم ...:والفتنة
أشد من القتل ،فاعتبر العتداء على العقيدة واليذاء بسببها وفتنة
أهلها أشد من العتداء على الحياة ذاتها ،فالعقيدة أعظم قيمة في
الحياة وفق هذا المبدأ العظيم ,وإذا كان المؤمن مأذونا في القتال
ليدفع عن حياته وعن ماله فهو من باب أولى مأذون في القتال
ليدفع عن عقيدته ودينه.(2) «...
-أن يعتدي الكفار على ديار المسلمين:
قات ُِلون َك ُ ْ
م ن يُ َ ذي َ ه ال ّ ِ ل الل ِ سِبي ِ في َ قات ُِلوا ِ و َ قال تعالىَ + :
ثحي ْ ُ م َ ه ْ واقت ُلو ُُ ْ نَ دي َ َ عت َ ِ م ْ ْ
ب ال ُ ح ّ ه ل يُ َِ ن َ الل َ دوا إ ِ ّ عت َ ُ ول َ ت َ ْ َ
ةأ ََ ْ ُ ق ْ ثَ ِ
شدّ فت ْن َ ُوال ِ م َ جوك ْ خَر ُ ثأ ْ حي ْ ُ ن َ م ْ هم ّ جو ُ ر ُ ِ خ وأ ْ َ هم مو ُ فت ُ ُ
حّتى حَرام ِ َ د ال ْ َ ج ِ س ِ م ْ عن ْدَ ال ْ َ م ِ ه ْ قات ُِلو ُ ول َ ت ُ َ ل َ قت ْ ِ ن ال ْ َ م َ ِ
جَزاءُ َ
م كذل ِك َ َ َ ه ْ م فاقت ُلو ُُ ْ َ ُ
ه فِإن قات َلوك ُْ َ َ في ِ م ِ ُ
قات ِلوك ْ ُ يُ َ
م" ]البقرة-190 : حي ٌ فوٌر ّر ِ غ ُ ه َ ن الل َ فإ ِ ّ وا َ ه ْ ن ان ْت َ َ فإ ِ ِ نَ ري َ ف ِ كا ِ ال ْ َ
.[192
قد نص الفقهاء على أنه إذا اعتدى الكفار على ديار المسلمين
يتعين الجهاد للدفاع عن الديار ،لن العدو إذا احتلها سام المسلمين
عذابا ونفذ فيها أحكام الكفر وأجبر أهلها على الخضوع له ،فتصبح دار
كفر بعد أن كانت دار إسلم ،قال ابن قدامة رحمه الله» :وتعين
الجهاد في ثلثة مواضع ...الثاني :إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله
قتالهم ودفعهم«).(3
وقال بعض علماء الحنفية »وحاصله إن كل موضع خيف هجوم
العدو منه فرض على المام أو على أهل ذلك الموضع حفظه ،وإن
لم يقدروا فرض على القرب إليهم إعانتهم إلى حصول الكفاية
)( تفسير القرطبي ).(5/279 1
470
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
بمقاومة العدو«).(1
أن ينشر العدو الظلم بين رعاياها ،ولو كانوا كفاًرا -لن الله
سبحانه حرم على عباده الظلم ،والعدل في الرض واجب لكل
الناس ،وإذا لم يدفع المسلمون الظلم عن المظلومين أثموا لنهم
مأمورون بالجهاد في الرض لحقاق الحق وإبطال الباطل ,ونشر
العدل والقضاء على الظلم ,ول فلح لهم إل بذلك وهو المر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،وما كانوا خير أمة أخرجت للناس
س
ت ِللّنا ِ ج ْ ر َ خ ِ ة أُ ْ م ٍ
ُ
خي َْر أ ّ م َ إل بذلك كما قال تعالى+ :ك ُن ْت ُ ْ
ه" ن ِبالل ِ مُنو َ ْ
وت ُؤ ِ ر َ َ
من ْك ِ ْ
ن ال ُ ن ِبال ْ َ
َ ُ ع ِ ن َ و َ ه ْ وت َن ْ َ ف َ عُرو ِ م ْ مُرو َ َتأ ُ
على وم ٍ َ ْ قَ ن
ُ نآ َ ش َ مْ ك ّ ن مِ َ ر جْ َ ي َ ل و َ + تعالى: وقال , [ 110 عمران: ]آل
ه الل ن إ ه الل قوا ُ ت وا وى قْ ت لل ب ر ْ
ق هو أ َ لوا ُ د ع ا لوا ُ د ع ّ َ
َ َ ِ ّ ّ َ َ ّ ِ َ ُ َ ُ ِ ْ ِ أل ْ
َ ت
ن" ]المائدة.[8 : مُلو َ ع َ ما ت َ ْ خِبيٌر ب ِ َ َ
ومن العدل كف الظلم عن المظلوم الكافر الذي يبغضه
المسلم لكفره ،قال السرخسي -رحمه الله » :-وإن كان -يقصد
أحد ملوك أهل الحرب -طلب الذمة على أن يترك يحكم في أهل
مملكته بما شاء من قتل أو صلب أو غيره بما ل يصلح في دار
السلم لم يجب إلى ذلك ،لن التقرير على الظلم مع إمكان المنع
منه حرام«).(2
إن من واجب الدولة المسلمة أن تجاهد في سبيل الله للقضاء
على الظلم والظالمين).(3
-الوقوف ضد الدعاة إلى الله ومنعهم من تبليغ دعوة الله ،إن
المسلمين مفروض عليهم من قبل المولى عز وجل أن يبلغوا
سِبيِلي ه َ ذ ِ ه ِ ل َ ق ْ رسالت الله للناس كافة ،كما قال تعالىُ +:
عَلى بصير َ أ َدْ ُ
ه
ن الل ِ حا َ سب ْ َ و ُ عِني َ ن ات ّب َ َ م ِ و َ ة أَنا َ َ ِ َ ٍ ه َ عو َ إ َِلى الل ِ
ن" ]يوسف.[108 : كي َ ر ِ ش ِ م ْ ن ال ْ ُ م َما أَنا ِ و َ َ
وأعداء الله يصدون أولياءه عن تبليغ عباده دعوته ول يتركون
لهم سبيل إلى الناس ,كما ل يأذنون للدعاة أن يسمعوا الدعوة
إلى الله للناس ،ويضعون العراقيل ،والحواجز بين الدعوة ودعاتها
والناس ،ولذلك أوجب الله عز وجل على عباده المؤمنين قتال كل
من يصد عن سبيل الله تعالى.
َ
ض ّ
ل هأ َ ل الل ِ سِبي ِ عن َ دوا َ ص ّ و َ فُروا َ ن كَ َ ذي َ َ قال تعالى+ :ال ّ ِ
مامُنوا ب ِ َ وآ َ ت َ حا ِ صال ِ َ ملوا ال ّ ُ ع ِ و َ نوا َ م ُ نآ َ ذي َ وال ّ ِ َ م ه ْ مال َ ُ ع َ أ ْ
م ه
َ َ ْ ُ ْن ع ر ّ
ف َ ك م ه ب
َ ّ ِ َ ّ ّ ِ ْ ر من ق ح ْ ل ا و ه
َُ َ ّ ٍ َ ُ َو د م ح م لى َ ع
َ ل َ ن ُّز
َ َ ّ َ َ َ
عوا ن كفُروا ات ّب َ ُ ذي َ ن ال ِ م ذَل ِك ب ِأ ّ ه ْ ح َبال ُ صل َ وأ ْ م َ ه ْ سي َّئات ِ ِ َ
)( حاشية ابن عابدين ).(4/124 1
471
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ل َ
ك م ك َذَل ِ َ ه ْ ِ من ّرب ّ ق ِ ح ّ عوا ال ْ َ مُنوا ات ّب َ ُ ن آَ َ ذي َ ن ال ّ ِ وأ ّ ال َْباطِ َ َ
ن كفُروا َ َ ذي َ م ال ِّ قيت ُ ُ ذا ل ِ َ م فإ ِ َ َ هَْ َ
مَثال ُ سأ ْ
ْ ه ِللّنا ِ ب الل ُ ر ُ ض ِ يَ ْ
ما
ِ ّ إ فَ َ ق ثا َ و
َ ل ا دوا ّ ش ُ َ
ف م
ْ ه
ُ مو ُ ُ ت خن َ ْ ث أ ذا َ ِ إ تى ّ ح
َ بِ قا َ ر
ّ ال ب
َ ر
ف ْ ض
َ َ
و َ ل و كَ ِ ل َ ذ ها ر
َ ْ ُ ْ َ َ َ زا و َ أ ب ر ح ْ ل ا ع ض ت تى ح ء دا ف
َ ّ َ ْ ُ َ ِ ّ ِ َ ً َ ّما إ و د ع ب نا م
َ ْ َ َ َ
ن
ذي َوال ّ ِ ض َ ٍ ع
ْ َ ب ِ ب مْ ُ ك ض
َ ع ْ َ ب و
َ كن ل ّي َب ْل ُ
َ ِ ول َ
َ مْ هُ من ْصَر ِ ه ل َن ْت َ َ شاءُ الل ُ يَ َ
م" ]محمد.[4 -1 : ه ْ مال ُ َ ع َ لأ ْ ض ّ فلن ي ُ ِ َ ه َ ل الل ِ سِبي ِ في َ قت ِلوا ِ ُ ُ
قال سيد قطب -رحمه الله » :-وجاهد السلم ..لتقرير حرية
العقيدة -فقد جاء السلم بأكمل تصور للوجود والحياة ,وبأرقى
نظام لتطور الحياة ،جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشرية كلها ويبلغ
إلى أسماعها وإلى قلوبها ،فمن شاء بعد البيان والبلغ فليؤمن
ومن شاء فليكفر ,ول إكراه في الدين ،ولكن ينبغي قبل ذلك أن
تزول العقبات من طريق إبلغ هذا الخير للناس كافة كما جاء من
عند الله للناس كافة ,وأن تزول الحواجز التي تمنع الناس أن
يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضموا إلى موكب الهدى إذا أرادوا ،ومن
هذه الحواجز أن تكون هناك نظم طاغية في الرض تصد الناس
عن الستماع إلى الهدى وتفتن المهتدين أيضا ،فجاهد السلم
ليحطم هذه النظم الطاغية وليقيم مكانها نظاما عادل يكفل حرية
الدعوة إلى الحق في كل مكان ,وما يزال هذا الهدف قائما وما
يزال الجهاد مفروضا على المسلمين ليبلغوه وإن كانوا مسلمين«.
هذه بعض أهداف الجهاد التي تتحقق عند إقامة هذه
الفريضة).(1
ب -بعض ثمرات إقامة الجهاد في سبيل الله:
إن ثمرات إقامة الجهاد في سبيل الله كثيرة منها:
-1إعزاز المسلمين وإذلل الكافرين:
إن الجهاد في سبيل الله يعد قمة المر بالمعروف والنهي عن
بصفات القيادة المة المنكر ,ووصف المولى عز وجل هذه
ُ ُ
س
ت ِللّنا ِ ج ْ ر َ خ ِ ةأ ْ م ٍ خي َْر أ ّ م َ الرشيدة في قوله تعالى+ :ك ُن ْت ُ ْ
ه" ن ِبالل ِ مُنو َ ؤ ِ وت ُ ْ ر َ من ْك ِ َ ن ال ُ ْ ن ِبال ْ َ
ع ِ ن َ و َ ه ْ وت َن ْ َ ف َ عُرو ِ م ْ مُرو َ َتأ ُ
]آل عمران.[110 :
ف
عُرو ِ م ْ ن ِبال ْ َ مُرو َ قال القرطبي -رحمه الله -قولهَ+ :تأ ُ
ر" مدح لهذه المة ما أقاموا ذلك واتصفوا من ْك َ ِ ن ال ْ ُ ع ِ ن َ و َ ه ْوت َن ْ َ َ
به ،فإذا تركوا التغيير وتواطأوا على المنكر زال عنهم اسم المدح
ولحقهم اسم الذم وكان ذلك سببا لهلكهم).(2
قال سيد قطب -رحمه الله » :-وهذا ما ينبغي أن تدركه المة
المسلمة لتعرف حقيقتها وقيمتها ,وتعرف أنها أخرجت لتكون
)( في ظلل القرآن ).(3/294 1
472
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
طليعة وتكون لها القيادة بما أنها هي خير أمة والله يريد أن تكون
القيادة للخير ل للشر في هذه الرض«).(1
إن هذه المة تعمل على نشر الخير ،وصيانة المجتمعات من
عوامل الفساد ،لكي تبني مجتمعات صالحة على أسس من
المبادئ ،والعتقادات ،والتصورات ،والنظم ،والخلق ،والمعارف،
والعلوم المستمدة من المنهج الرباني الحكيم.
وهذه الهداف النبيلة تجعل قيادة المة تنازل قوى البغي في
ميادين الجهاد ،لن القوى الكافرة ،دائما وأبدا تعد العدة وتبذل
جهدها للقضاء على السلم والمسلمين ،ولهذا تركب المة
صهوات المجد ،وتسل سيوفها ضد أعداء البشرية ممن يعتقدون
الكفر والضلل والفساد ،فتكون ثمرة هذا الجهاد المبارك القضاء
على شوكة الكفر وإذللهم وإنزال الرعب في قلوبهم وتطهير
الرض من سيطرتهم.
إن المشركين والكفار ل يراعون في المسلمين -إذا قدروا
هُروا وِإن ي َظْ َ ف َ عليهم -عهدا ول قرابة ،قال تعالى+ :ك َي ْ َ
ة" ]التوبة.[80 : م ً ول َ ِذ ّ م إ ِل ّ َ فيك ُ ْ قُبوا ِ م ل َ ي َْر ُ عل َي ْك ُ ْ َ
ُ
وأول َئ ِ َ
ك ة َ م ً ول َ ِذ ّ ن إ ِل ّ َ م ٍ ؤ ِ م ْ في ُ ن ِ قُبو َ وقال تعالى+ :ل َ ي َْر ُ
ن" ]التوبة.[10 : دو َ عت َ ُ م ْ م ال ْ ُ ه ُ ُ
حّتى صاَرى َ ول َ الن ّ َ هودُ َ ك ال ْي َ ُ عن َ ضى َ ن ت َْر َ ول َ ْ وقالَ + :
م" ]البقرة .[120 :لهذا كان الجهاد في سبيل الله هو ه ْ مل ّت َ ُ ع ِ ت َت ّب ِ َ
الفيصل بين المسلمين وأعدائهم لنه يثمر -بإذن الله -القضاء
على قوة الكفر وإذلل طغاته وخزيهم وإلقاء الرعب في قلوبهم
نذي َ ه ال ّ ِ وَردّ الل ُ وغنيمة للمسلمين المجاهدين كما قالَ + :
ن ني م ؤْ م ْ ل ا ه الل فى وك َ َ خي ًْرا َ م ي ََناُلوا َ م لَ ْ ه ْ كَ َ
ُ ِ ِ َ
َ
ُ
ّ َ غي ْ َظِ ِ فُروا ب ِ َ
هم هُرو ُ ن ظا َ ذي َ ل ال ِ وأن َْز َ زيًزا َ ع ِ وّيا َ هق ِ َ ن الل ُ وكا َ ل َ قَتا َ
َ ال ْ ِ
مه ُ ُ في ُ قذ َ َ و َ ْ
قلوب ِ ُ ِ قا ِ وأ َ ف م َ ه ْ صي ِ صَيا ْ ِ من َ
ُ
ب ِ ل الك َِتا ِ ه ِ نأ ْ م ْ ّ
مْ ك َ ث ر
َ ْ َ و ً ري ِ فَ ن رو س
َ ُ َ َ َ َ ِ ُ َ َ أ ت و ن لو ت ْ
ق ت قا ً ري ِ َ
ف ب َ ع
ْ الّر
هن الل ُ كا َ و َ ها َ ؤو َ م ت َطَ ُ ضا ل ّ ْ وأْر ً م َ ه ْ وال َ ُ م َ وأ ْ م َ ه ْ وِدَياَر ُ م َ ه ْ ض ُ أ َْر َ
ديًرا" ]الحزاب.[27-25 : ق ِ ء َ ي ٍ ش ْ ل َ عَلى ك ُ ّ َ
إن الله تعالى قد رتب على الجهاد قتال الكافرين وتعذيب
أعداء الله وخزيهم ونصر المجاهدين عليهم وشفاء صدور
المؤمنين الذين أوغر أعداء الله صدورهم وإذهاب غيظ قلوبهم بما
يدخل عليهم من السرور بكسر شوكة أعداء الله والقضاء على
َ قات ُِلو ُ
ديك ُ ْ
م ه ب ِأي ْ ِ م الل ُ ه ُ عذّب ْ ُ م يُ َ ه ْ قوتهم ،كما قال تعالىَ + :
ن مِني َ مؤ ِ ْ وم ٍ ّ َ
دوَر ق ْ ص ُ ف ُ وي َش ِ ْ م َ ه ْ م َ َ صْرك ُ ْ
َ علي ْ ِ ُ
وي َن ْ ُ
َ
م َ ه ْ ز ِ خ ِ وي ُ ْ َ
ه
والل ُ َ ُ ء شا َ َ ي من َ لى ع
َ ه
ُ الل بُ تو ُ َ ي و
َ م ْ ه ِ ِ ب لو ق ُ ظ ْ ي َ
غ ب ْ ه
ِ ْ ذ ُ ي و َ
)( في ظلل القرآن ).(1/447 1
473
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
474
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( تاريخ السلم للذهبي عهد الخلفاء الراشدين ،ص .20 1
475
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
قضاعة ،ائت آبل ،ول تقصر من أمر رسول الله × ثم ودعه من
الجرف ورجع «).(1
والجرف :موضع قرب المدينة ،وهذه التعاليم النسانية
الرفيعة ،استمدها الصديق من فهمه العميق لحقيقة السلم
وهي ترد على كل من يتهم السلم بأنه دين الهمجية والوحشية
والعسف).(2
وسار أسامة حتى انتهى لما أمره به رسول الله × ,فبعث
الجنود إلى بلد قضاعة وأغار أسامة على »أبني« فسبى وغنم،
ورجع إلى المدينة ظافرا بعد أن غاب عنها أربعين يوما ,وكان إنفاذ
جيش أسامة من أعظم المور نفعا للمسلمين ،فإن العرب قالوا:
»لول أن لهؤلء قوة ما خرج مثل هؤلء من عندهم ولكن ندعهم
حتى يلقوا الروم ،فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين
فثبتوا على السلم«).(3
لقد أثبتت اليام والحداث سلمة رأي الصديق وصواب قراره
الذي اعتزم تنفيذه معتمدا في ذلك على الدقة التامة في التزام
المنهج النبوي ،والمر النبوي ,والتصميم الملهم في وقته المناسب
والنظر البعيد إلى المستقبل.
وقد اعترف كبار الصحابة بصواب ما ذهب إليه الصديق ورد
عمر فيما بعد قولته المشهورة» :ليلة من أبي بكر خير من عمر
وآل عمر«).(4
إن بعث أسامة في تلك اللحظة الحرجة لم يحدث أي أثر
سلبي على الموقف السلمي العام كما ظن الكثيرون ،بل على
العكس فإنه أحدث آثارا إيجابية أفادت الموقف العسكري
والسياسي والدعوى آنيا وفيما بعد ,فقد أحدث هذا الجيش في
أثناء مسيرته رعبا وخوفا لدى القبائل وأصحاب الديان الخرى
الذين اشرأبت أعناقهم عندما رأوا الفتنة قد ذر قرنها في الجزيرة
العربية بعد وفاة النبي × ،فكان الجيش ل يمر بحي من أحياء
العرب إل أرعبوا منهم وقالوا» :ما خرج هؤلء من قوم إل وبهم
منعة شديدة«) .(5ولهذا فإن بعث أسامة كان حربا نفسية رائعة
فيما حققته من مكاسب.
إن اختيار الطريق السهل في بعض الحيان يورد المهالك ،و
لكن أبا بكر اختار في تلك اللحظة الطريق الصعب الشاق المؤدي
إلى النجاة والنصر والفوز ,وكان حزما وحسما سجلهما التاريخ
تاريخ المم والملوك للطبري ).(4/47 )( 1
انظر :الخلفاء الراشدون ،عبد الوهاب النجار ،ص .47 )( 2
476
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
477
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أجل ماذا تضحي وتبذل ،ولذا كان الداء فائقا والتفاني عظيما).(1
-الفتوحات السلمية:
بعد أن انتهت حروب الردة ،وتوحدت كلمة المسلمين،
وأصبحت لهم قاعدة صلبة في جزيرة العرب كلها ،تحركت قيادة
المة بزعامة الصديق لتحقيق وعد الله بنصر دينه ،وإقامة
شرعه ،ودعوة الناس لعبادة الله ،وتحقيق عبوديته الشاملة في
كل نواحي الحياة والممات ،وكان لبد من تحرك المسلمين لزالة
كل العقبات التي تقف في وجه أداء هذه المانة للناس أجمعين،
حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله ،وبذلك تتحقق سيادة
شرع الله الحكيم على بني البشر ،ويصبح الجميع يدينون بحاكمية
الله سبحانه وتعالى المطلقة المتمثلة في خضوع الجميع لحكام
الله ورسوله ×.
لقد كان المسلمون بقيادة الصديق على يقين بما أخبر الله
ورسوله من النصر والتمكين ،وهذا اليقين من أخلق النصر في جيل
ن
دو َ ري ُ عنهم -انطلقا من قوله سبحانه+ َ :ي ُ َ ِ اللهه بأ َ الصحابة -رضي
ه
ِ َر ك و ل
َ ْ و ه
ِ ر
ِ نو ُ م ِ ت
ُ ُ ّ م ه والل ِ ْ َم ه ه
ِ وا ِ ََْ
ف ِ الل رفُئوا ُنو َ ل ِي ُطْ ِ
ق
ح ّ ن ال ْ َ وِدي ِ دى َ ه َ ه ِبال ْ ُ سول َ ُ ل َر ُ س َ ذي أْر َ و ال ّ ِ ه َ نُ فُرو َ كا ِال ْ َ
ن" ]الصف[9 ،8 : ركو َُ ش ِ م ْ ْ
رهَ ال ُ وك َِ ول َْ ه َ ّ
ن كل ِ ُ َ ْ
دي ِ على ال ّ هَرهُ َ ل ِي ُظ ِ
ة
حَيا ِ في ال ْ َ مُنوا ِ َ َ آ ن ذي
ِ ّ لواَ نا
َ َ ل س ر
ُ ُ ُ ُ ر ص ننَ َ ل نا
ّ ِ إ+ تعالى: وقال
هاُد" ]غافر.[51 : َ ْ
ش ال م ُ قو ُ الدّن ْ َ َ َ ْ َ َ
ي م و يو يا
لقد كان التحرك نحو العراق والشام من أجل نشر دين الله
تعالى مرحلة طبيعية بعد انتهاء حروب الردة ،فشرع الصديق
في إرسال الجيوش إلى العراق بقيادة خالد وأزاحت الطواغيت
من على رقاب الناس ،واستجاب العباد لدين الفطرة ودخلوا فيه
أفواجا ،ووجه جيوشه نحو الشام وواصل الخلفاء الراشدون من
بعده المسيرة التي ساهمت في إدخال أمم وشعوب في دين الله
تعالى.
-3إسعاد الناس بنور السلم وعدله ورحمته:
إن الجهاد في سبيل الله يحقق الرحمة للبشرية في الرض،
ويدفع الظلم والعتداء ،ويسعد الناس بهذا الدين الذي هو نور،
ي
ول ِ ّ
ه َ ويخرجهم من ظلمات الكفر والضلل ،قال تعالى+ :الل ُ
ن
ذي َ وال ّ ِر َت إ َِلى الّنو ِ ما ِ ن الظّل ُ َ م َ هم ّ ج ُ
ر ُ خ ِمُنوا ي ُ ْ ن آ ََذي َ ال ّ ِ
َ
ر إ ِلى ن الّنو ِ م َهم ّجون َ ُ ر ُ خ ِت يُ ْغو ُ ّ
م الطا ُ ه ُ ؤ ُول َِيا ُ
فُروا أ ْ كَ َ
َ ُ
ت أول َئ ِ َ
ن" ]البقرة: دو َخال ِ ُها َ
في َم ِ ه ْ ر ُ ب الّنا ِحا ُ ص َ
كأ ْ ما ِ الظّل ُ َ
.[257
وما أروع جهاد ذي القرنين في القرآن الكريم حيث تحرك
)( انظر :تاريخ صدر السلم ،ص .143 ،142 1
478
الباب الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
479
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
480
الخاتمــــــــــــــــة
الخاتمــــــــة
• إن فقه التمكين يعني دراسة أنواعه وشروطه وأسبابه
ومراحله وأهدافه ومعوقاته ومقوماته من أجل رجوع المة إلى ما
كانت عليه من السلطة والنفوذ والمكانة في دنيا الناس وتطبيق
شرع الله عز وجل.
• إن النصر والتمكين للمؤمنين له وجوه عدة ،وصور متنوعة
من أهمها تبليغ الرسالة ،وهزيمة العداء ،وإقامة الدولة.
• إن من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم،
تمكين الله تعالى للدعاة بتبليغ الرسالة وأداء المانة ،واستجابة
الخلق لهم ,ومن أمثلة ذلك :أصحاب القرية وأصحاب الخدود،
وتمكين الله تعالى لرسول الله × لتبليغ الرسالة في مكة.
• إن من أنواع التمكين ،هلك الكفار ونجاة المؤمنين
ونصرهم في المعارك كالذي حدث في قصة نوح عليه السلم مع
قومه ،وموسى عليه السلم مع قوم فرعون ،وطالوت مع جالوت،
ونبينا × في مغازيه كبدر وغيرها.
• إن من سنن الله الماضية في المجتمعات والشعوب والمم
سنة إنجاء المؤمنين المصدقين من أوليائه ،المعترفين برسالة
رسله وأنبيائه وإهلك الكافرين المكذبين لهم من أعدائه.
• إن السنن الربانية ثابتة في الكون وتقع على النسان في
كل زمان ومكان ,وسنة التدافع من السنن التي تتعلق بالتمكين
تعلقا وثيقا وهي من أهم سنن الله في الشعوب والمم.
• إن تولي أهل التوحيد واليمان أعباء الحكم لدولة غير
مؤمنة نوع من أنواع التمكين ،وقد أشار القرآن الكريم لهذا النوع
من التمكين في قصة يوسف عليه السلم ،ولقد شاركت بعض
الحركات السلمية حكوماتها في الحكم وحققت إنجازات مهمة
للسلم من أهمها :تجربة اليمن ،والردن ,وتركيا.
• إن من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم وصول
أهل التوحيد واليمان الصحيح إلى سدة الحكم وتوليهم لمقاليد
الدولة ،كما حدث لداود وسليمان عليهما السلم وذي القرنين.
• إن الستخلف في الرض والتمكين لدين الله ،وإبدال
الخوف أمنًا وعد من الله تعالى متى حقق المسلمون شروطه.
481
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
482
الخاتمــــــــــــــــة
483
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
484
الخاتمــــــــــــــــة
من أتى الله بقلب سليم ،وأن ينفعنا بما كتبنا وقرأنا وسمعنا.
عَلى
م َسل َ ٌ
و َ
نَ ص ُ
فو َ ما ي َ ِ
ع ّ
ة َ
عّز ِب ال ْ ِك َر ّ ن َرب ّ َحا َسب ْ َ ُ +
به َر ّ مدُ لل ِْ ح
َ ْ لواَ ن
َ ليِ س
مْر َال ْ ُ
ن" ]الصافات.[182 -180 : مي َ َ
عال ِال ْ َ
***
485
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
توصيات البحث
أسأل الله أن تكون هذه التوصيات خالصة لوجهه الكريم وأن
يهيئ لها القبول ،والسباب ،لتكون واقعا حيا في دنيا المسلمين.
توصيات إلى زعماء المة السلمية:
بأن يتقوا الله في أعمالهم وأقوالهم ،وفي حركاتهم وسكناتهم،
وأن يلتزموا بمنهج الله تعالى وشريعته ،وأن يعملوا على تفجير
طاقات المة ويحرصوا على توظيفها بما يعود بالخير على السلم
والمسلمين ،ويربوا شبابها على الرجولة والشهامة والبطولة،
ويمنعوا أسباب العجز والكسل والخمول.
توصيات إلى الجامعات السلمية:
أوصى رجال المة القائمين على جامعاتها كجامعة أم درمان
السلمية ,وجامعة المدينة المنورة ،وأم القرى بمكة ,والزهر
الشريف بمصر وغيرها ،أن يقوموا بواجبهم تجاه الدعوة إلى الله
تعالى ،وأل يكتفوا بمجرد البحاث والتأليف والكتابة والمحاضرة،
والمقالة ،وإنما عليهم أن ينتشروا في أوساط الناس لتعليمهم
وتوجيههم وتربيتهم وتثقيفهم ,فالناس في أشد الحاجة إلى علمهم
وجهدهم.
وأن يوجهوا طلبهم نحو البحاث التي تنفع السلم والمسلمين
وتعالج قضاياهم المعاصرة ،والمستجدة ,وأن يحرصوا على تخريج
أجيال واعية ،تستوعب حقيقة السلم ،وتحرص على نشره بين
الناس بكل الساليب المعاصرة وأن يكون لهؤلء الطلبة
المتخرجين المقدرة على التصدي لمحاولت الغزو الفكري ،التي
يقوم بها أعداء السلم من مبشرين ومستشرقين وعلمانيين
ويهود ونصارى وملحدة.
توصيات إلى أبناء المة السلمية:
أن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة نبيه × ليستمدوا منهما
عقائدهم وأخلقهم وعبادتهم ،وأن يكونوا يدا واحدة في وجه
أعدائهم.
وأن يسعوا بكل ما يملكون من أجل استرداد أراضيهم،
ومقدساتهم ،وإقامة حكم إسلمي في كل الراضي.
وعلى المة السلمية أن تتعامل مع سنن الله وقوانينه معاملة
المستبصر والعارف بها وأن تعمل على البذل والعطاء في كل
مجالت الحياة.
وأن تتحرر من هيمنة الستعمار والتبعية له بكل أشكالها
486
توصيات البحـــث
487
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
488
المراجـــــــــــــــع
489
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
490
المراجـــــــــــــــع
491
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
492
المراجـــــــــــــــع
493
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
السطل ،الطبعة الولى 1404هـ 1984 -م ،دار المنار الردن -
الزرقاء.
-120الولء والبراء ،محمد سعيد القحطاني ،دار طيبة ,مكة المكرمة،
الرياض ،الطبعة السادسة1413 ،هـ.
-121تاريخ الخلفاء ،للسيوطي ،بيروت ،دار الفكر ،بدون تاريخ نشر.
-122تاريخ السلم للذهبي عهد الخلفاء الراشدين ،تحقيق :عمر عبد السلم
تدمري ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،الطبعة الولى 1407هـ1987 ،م.
-123تاريخ المذاهب السلمية في السياسة والعقائد لبي زهرة محمد أبو
زهرة ,دار الفكر العربي ،مصر.
-124تاريخ المم والملوك ،الطبري ،أبو جعفر محمد بن جرير ،تحقيق :أبو
الفضل إبراهيم ،دار سويدان ،بيروت.
-125تحديات سياسية تواجه الحركة السلمية ،مصطفى الطحان ،مؤسسة
الفلح ،الكويت.
-126تذكرة الحفاظ للذهبي شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي كنيته أبو
عبد الله ت748 :هـ 1348-م ،مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية،
بحيدر آباد -الهند -الطبعة الثالثة سنة 1957م.
-127تطبيق الشريعة السلمية ،د .عبد الله عبد المحسن الطريقي،
مؤسسة الرسالة ،بيروت -لبنان ،الطبعة الولى1415 ،هـ1995 ،م.
-128تعليم المتعلم طريق التعلم :برهان الدين الزرنوجي ،تحقيق :صلح
محمد الحيمي ونذير حمدان ،دار ابن كثير ،الطبعة الثانية1407 ،هـ.
-129تفسير القرآن العظيم ،ابن كثير أبو الفداء إسماعيل ،تحقيق :عبد
العزيز غنيم ،وحمد أحمد عاشور ،ومحمد إبراهيم البناء ،مطبعة
الشعب ،القاهرة ،مصر.
-130تفسير البغوي ،المسمى معالم التنزيل ،لبي محمد الحسين بن مسعود
الفراء البغوي الشافعي ،تحقيق :خالد عبد الرحمن العك ،ومروان
سوار ،دار المعرفة بيروت.
-131تفسير البيقاعي المسمى »نظم الدرر في تناسب اليات والسور«
للمام برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر البيقاعي ،دار الكتب
العلمية ،بيروت -لبنان ،الطبعة الولى 1415هـ1995 ،م.
-132تفسير السعدي المسمى تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم
المنان ،للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تحقيق :محمد زهري
النجار ،المؤسسة السعدية بالرياض 1997م.
-133تفسير الطبري المسمى جامع البيان عن تأويل القرآن ،لبن جرير
الطبري ،دار الفكر ،بيروت -لبنان 1405هـ.
-134تفسير المنار ،محمد رشيد رضا ،دار المعرفة ،الطبعة الثانية ،بيروت.
-135تفسير المنير ،د .وهبة الزحيلي ،دار الفكر ،بيروت -لبنان ،الطبعة
الولى 1411هـ 1991 -م.
-136تفسير المراغي :حمد مصطفى المراغي ،دار الفكر بيروت -لبنان،
الطبعة الثالثة 1392هـ1974 ،م.
-137تفسير اللوسي المسمى روح المعاني في تفسير القرآن العظيم
والسبع المثاني :شهاب الدين السيد محمود اللوسي البغدادي ،طبعة
494
المراجـــــــــــــــع
495
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
496
المراجـــــــــــــــع
1989م.
-179شرح الكوكب المنير ،لمحمد بن أحمد الفتوحي ،دار العبيكان الرياض
-السعودية ،طبعة 1413هـ1991 ،م.
-180شرح النووي على صحيح مسلم ،يحيى بن شرف النووي ،المطبعة
المصرية ومكتبتها بالقاهرة 1349هـ.
-181شيخ السلم ابن تيمية ..جهاده ودعوته وعقيدته ،تأليف أحمد
القطان ومحمد الزين ،مراجعة الشيخ عبد العزيز بن باز ،مكتبة الندى
الكويت ،الطبعة الثانية 1409هـ.
-182صحيح مسلم للمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري
النيسابوري ،دار الحديث القاهرة ،الطبعة الولى 1412هـ1991 ،م.
-183صفة الغرباء ،سلمان العودة ،دار ابن الجوزي ،الطبعة الثانية 1412هـ،
1991م ،المملكة العربية السعودية.
-184صناعة الحياة ،محمد أحمد الراشد ،دار المنطلق ،دار المجتمع
السعودية ،الطبعة الثانية 1412هـ1992 ،م.
-185عمر بن عبد العزيز وسياسته في رد المظالم ،ماجدة زكريا فيصل،
مكتبة الطالب الجامعي ،مكة المكرمة ،طبعة سنة 1407هـ.
-186علل وأدوية للغزالي ،دار الدعوة ،القاهرة ،مصر 1411هـ1991 ،م.
-187فتح الباري بشرح صحيح البخاري لبن حجر العسقلني ,تصحيح
وتعقيب عبد العزيز بن باز ،دار الفكر ،طبعة 1411هـ1990 ،م.
-188فتح المجيد لكتاب التوحيد ،عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ،المكتبة
السلفية ،المدينة المنورة ،الطبعة الخامسة.
-189فتح القدير ،محمد بن علي بن محمد الشوكاني ،دار الخير ،بيروت،
الطبعة الولى 1412هـ1991 ،م.
-190فقه الدعوة إلى الله ,د .علي عبد الحليم محمود ،دار الوفاء ،مصر،
طبعة 1410هـ1990 ،م.
-191فقه الدعوة السلمية والعلم عند المودودي ،فاروق عبد الغني
الصاوي،دار المنار الحديثة مصر ،الطبعة الولى 1413هـ1992 ،م.
-192فقه المسئولية ،د .علي عبد الحليم محمود ،دار التوزيع والنشر
السلمية ،القاهرة ،الطبعة الولى 1415هـ1995 ،م.
-193فلسفة التربية السلمية ،ماجد عرسان الكيلني ،مكتبة هادي ،مكة
المكرمة طبعة عام 1409هـ.
-194في ظلل اليمان ,صلح عبد الفتاح الخالدي ،مكتبة المنار الردن -
الزرقاء ،الطبعة الولى 1407هـ 1987 -م.
-195في فقه الولويات دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة ،د .يوسف
القرضاوي ،الطبعة الولى 1415هـ 1995 -م.
-196نظريات التغيير ،منير شفيق ،الناشر للطباعة والنشر والتوزيع
والعلن بيروت -لبنان ،الطبعة الولى 1415هـ 1994 -م.
-197قيادة الرسول السياسية والعسكرية ،تأليف أحمد راتب عرموش،
الطبعة الولى 1409هـ1989 ،م ،دار النفائس بيروت -لبنان.
-198قادة الغرب يقولون دمروا السلم أبيدوا أهله ,جلل العالم ،مؤسسة
الرسالة ،بيروت -لبنان ،طبعة 1405هـ1985 ،م.
497
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
498
المراجـــــــــــــــع
-219ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ أبو الحسن علي الندوي ،دار
نهر النيل ،القاهرة -مصر ،الطبعة الثامنة 1409هـ1989 ،م.
-220مذكرات في الدعوة السلمية ,عبد الغفار محمد عزيز ,دار المعارف
السعودية للطباعة والنشر.
-221مراتب الجماع :أبو محمد علي بن حزم ،دار الفاق ،بيروت ،الطبعة
الولى 1978م.
-222مشاركة السلميين في السلطة ،عزام التميمي ،مركز أبحاث
الديمقراطية في جامعة ويستمنستر في لندن في العشرين من شباط
)فبراير( 1993م.
-223معارج القبول شرح سلم الوصول إلى علم الصول في التوحيد،
تأليف الشيخ الحافظ أحمد حكمي -رحمه الله -بتعليق عمر محمود
أبو عمر ،الناشر :دار ابن القيم للنشر والتوزيع ،الطبعة الولى
1410هـ1990 ،م.
-224معالم علي الطريق :سيد قطب ،دار الشروق ,القاهرة ،الطبعة
الولى 1400هـ1981 ،م.
-225مع الله )دراسات في الدعوة والدعاة( ,محمد الغزالي ,دار الكتب
الحديثة ،الطبعة الرابعة 1369هـ.
-226مع قصص السابقين ،صلح عبد الفتاح الخالدي ،دار القلم ،الطبعة
الولى 1409هـ 1989 -م.
-227مفاتيح الغيب )التفسير الكبير( ,فخر الرازي ،محمد عمر بن الحسين
الرازي ،دار الغد العربي ،القاهرة -مصر ،الطبعة الولى.
-228مفاهيم ينبغي أن تصحح ،محمد قطب ،دار الشروق ،القاهرة -مصر،
الطبعة الثامنة 1413هـ1993 ،م.
-229مفتاح دار السعادة ،للمام ابن القيم ,دار الكتب العلمية بيروت.
-230مقاصد الشريعة السلمية ،زيد بن محمد الرماني ،دار الغيث ،الرياض،
السعودية ،الطبعة الولى.
-231مقاصد المكلفين ،د .عمر الشقر ،مكتبة الفلح ,الكويت ،الطبعة
الولى 1401هـ.
-232مقدمة ابن خلدون ،دار القلم بيروت ,الطبعة الولى 1987م.
-233مقومات الداعية الناجح ،د .علي عمر بادحدح ،دار الندلس الخضراء،
السعودية ،الطبعة الولى 1417هـ1996 ،م.
-234من توجيهات السلم ،محمود شلتوت ،دار الشروق ،القاهرة ،طبع
مؤسسة دار الشعب.
-235منهج أهل السنة في قضية التغيير د .السيد محمد نوح ،دار الوفاء
المنصورة ،الطبعة الثانية 1412هـ1991 ،م.
-236منهج الرسول في غرس الروح الجهادية في نفوس أصحابه ،د .السيد
محمد السيد نوح ،الطبعة الولى 1411هـ 1990 -م ،نشرته جامعة
المارات العربية.
-237مواقف إسلمية ,د .عبد العزيز كامل ،دار المعارف ،سلسلة اقرأ
499
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1970م.
-238ملمح المجتمع المسلم ،د .القرضاوي ،مكتبة وهبة القاهرة ،مصر،
الطبعة الولى 1414هـ1993 ،م.
-239ميزان العتدال للمام الذهبي ،تحقيق :علي محمد البجاوي ،دار
المعرفة بيروت.
-240نظام الحياة في السلم للمودودي ،ترجمة محمد عاصم حداد،
الطبعة الثانية ،سنة الطبع 1377هـ1958 ،م ،دار الفكر -دمشق.
-241نظام الحكم في السلم ،د .عارف خليل أبو عيد ،دار النفائس،
عمان -الردن ،الطبعة الولى 1416هـ.
-242نظرات في رسالة التعاليم ،محمد عبد الله الخطيب ،محمد عبد الحليم
حامد ،دار التوزيع والنشر السلمية.
-243نزهة الفضلء في تهذيب سير أعلم النبلء ،تأليف :المام الذهبي،
تهذيب :محمد حسن عقيل موسى ،دار الندلس الخضراء ،جدة,
الطبعة الولى.
-244نظرية السلم وهديه في السياسة والقانون والدستور ،أبو العلى
المودودي ،تقديم :محمد عاصم حداد ،سنة الطبع 1387هـ1967 ،م،
دار الفكر.
-245نصب الراية للزيلعي ،جمال الدين الزيلعي ،دار إحياء التراث العربي،
بيروت ،الطبعة الثانية 1393هـ.
-246هداية المرشدين إلى طريق الوعظ والخطابة ،للشيخ علي محفوظ،
الطبعة التاسعة 1399هـ ،دار العتصام.
-247هذا الدين ،سيد قطب ،دار الشروق ،القاهرة -مصر ،الطبعة الرابعة
عشرة 1412هـ1992 ،م.
-248هكذا علمتني الحياة ،د .مصطفى السباعي ،الطبعة الثالثة 1406هـ،
المكتب السلمي.
-249هل نحن مسلمون؟ لمحمد قطب ،مؤسسة المدينة ،السعودية ،الطبعة
الثالثة1410 ،هـ 1989 -م.
-250واقعنا المعاصر ،محمد قطب ،مؤسسة المدينة ،السعودية ،الطبعة
الثالثة1410 ،هـ 1989 -م.
-251وجوب التعاون بين المسلمين ،عبد الرحمن السعدي ،المعارف -
الرياض ،طبعة 1402هـ.
-252وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق ،جمال الدين بن أحمد بن بشير
بادي ،دار الوطن ،الرياض ،السعودية الطبعة الولى1412 :هـ.
-253وسائل دفع الغربة ،سلمان العودة ،دار ابن الجوزي ،الحساء -
السعودية ،الطبعة الولى 1412هـ1992 ،م.
-254وسطية أهل السنة بين الفرق ،د .محمد باكريم محمد عبد الله ،دار
الراية ،الرياض -السعودية ،الطبعة الولى1415 ،هـ1994 ،م.
-255وفيات العيان وأنـبـاء الزمان ،لبن خلكان أبو العباس شمس الدين
أحمد ،تحقيق :إحسان عباس ،دار صادر بيروت.
-256يقظة السلم في تركيا ،أنور الجندي ،دار النصار ،القاهرة1979 ،م.
500
المراجـــــــــــــــع
***
501
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
502
الفهـــــــــــــــــرس
فهرس الموضوعات
الهداء 3...............................................................
المقدمة 5.............................................................
التمهيد 13..............................................................
الباب الول
أنواع التمكين في القرآن الكريم
تمهيد 21................................................................
الفصل الول :تبليغ الرسالة وأداء المانة 23.....................
المبحث الول :أصحاب القرية 23..................................
المبحث الثاني :أصحاب الخدود 30................................
المبحث الثالث :تمكين الله تعالى لرسول الله × لتبليغ الرسالة
في مكة 35.............................................................
الفصل الثاني :هلك الكافرين ونجاة المؤمنين ونصرهم في
المعارك 45.............................................................
المبحث الول :قصة نجاة نوح عليه السلم وهلك قومه 47. .
المبحث الثاني :موسى عليه السلم مع فرعون 51.............
المبحث الثالث :قصة طالوت عليه السلم مع بني إسرائيل 64
المبحث الرابع :الرسول صلوات الله وسلمه عليه مع قومه 76
الفصل الثالث :في المشاركة في الحكم 83.....................
المبحث الول :أدلة المانعين والقائلين بالجواز في المشاركة
بالحكم84...............................................................
أول :أدلة المانعين من المشاركة في الحكم 84.................
ثانيا :أدلة القائلين بالجواز 85.......................................
المبحث الثاني :شواهد من التاريخ الحديث في المشاركة 89
أول :الحركة السلمية في الردن 89..............................
ثانيا :الحركة السلمية في اليمن 98..............................
ثالثا :الحركة السلمية في تركيا 107...............................
الفصل الرابع :إقامة الدولة 123.....................................
المبحث الول :تمكين الله تعالى لداود وسليمان عليهما السلم
124
أول :داود عليه السلم 124............................................
ثانيا :فقه التمكين عند سليمان عليه السلم 132.................
المبحث الثاني :فقه التمكين عند ذي القرنين 144...............
أول :من هو ذو القرنين؟144..........................................
ثانيا :معالم التمكين عند ذي القرنين 146..........................
ثالثا :أخلقه القيادية وفقهه في إحياء الشعوب 149..............
503
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
504
الفهـــــــــــــــــرس
***
505