You are on page 1of 7

‫اكتشاف شواطئ الذات األربعة‬

‫موسم الهجرة إلى الشمال صرخة من اجل أنسنة العالم‬

‫بقلم‪ :‬برايان جيبسون‬


‫ترجمة‪ :‬عبدالكرمي عبدالفتاح‬

‫موسم الهجرة إلى الشمال إحدى أكثر الروايات العربية شعبية وإثارة للجدل في القرن العشرين‪ .‬وقد مت تناولها بشكل كبير على أنها حتليل‬
‫درامي للسياسات الكولونيالية‪ ،‬حيث يدرك الراوي خطورة حتوله إلى عربي « متأورب» يرغب في إشفاء غليله باالنتقام من الشمال‪ /‬الغرب الذي »‬
‫شرقنه« (‪ .)١‬بالطبع معظم نقاد رواية الطيب صالح ركزَّوا هذه القراءة‪ ،‬انطالقا ً من اتخاذ مصطفى سعيد شخصية شرقية ساعية إلى اخضاع‬
‫النساء االجنليزيات من أجل أن يثأر جملتمعه متبعا ً نفس الطرق التي مت بها اختراق وامتالك اجلنوب‪ /‬شرق بواسطة الشمال‪/‬الغرب‪.‬‬
‫مثل هذه القراءات للرواية عادة ما تؤدي إلى التركيز على شخصية مصطفى سعيد‪ ،‬والذي هو حقيقة بطل ثانوي؛ وهذه تؤدي أيضا ً لربط القراءة‬
‫الكولونيالية للكتاب بالقراءة اجلنسية‪.‬‬
‫تأسيسا ً على هذه القراءات‪ ،‬أركز على التصورات الذكورية في الرواية‪ .‬هذه التصورات بداية تثير اشكاليات ومن ثم تفضي إلى فهم القراءة‬
‫الكولونيالية واجلنسية املعقدة في قرية سودانية كما يراها رجل سوداني متأورب‪ .‬ذلك إن الراوي اجملهول هو الذي يكشف ان الرواية بقدر ما هي‬
‫حول معضلة ذكورته‪ ،‬بقدرما هي حول جنسنة السياسات الكولونيالية‪ .‬يواجه الراوي ثالثة أنواع من الذكورة‪:‬‬
‫رجل زائف‪ ،‬ذاتي‪ ،‬شهواني متأورب‪ ،‬سوداني مغرور مدفوع جنسياً‪ ،‬يرغب في تدمير نفسه عبر اجلنس؛ ورجل من جيل أبوي قدمي يعيش ببساطة‬
‫منتظرا ً أجله بصبر ومعيرا ً قليل اهتمام إلى نفسه‪.‬‬
‫أوال ً عبر العجز وثانيا ً عبر ر ّد الفعل‪ .‬يرفض الراوي النموذجني األولني‪ ،‬ويُض ِّمن عناصر النموذج الثالث فيما هو أساسا قطيعة جذرية مع الذكورة‪.‬‬
‫ً‬
‫فهو يتبنى فردية تتجاوز النوع من أجل توازن الذات واجملتمع‪.‬‬
‫شواطئ الذات‬
‫‪٢‬‬
‫بدأ ً من السطر األول ( والحقا ً في الرواية) يقدم الراوي القارئ إلى عالم ذكوري مفترضا ً ان جمهوره ذكور‪ « :‬عدت إلى أهلي يا سادتي بعد‬
‫غيبة طويلة‪ ،‬سبعة أعوام على وجه التحديد‪ ،‬كنت خاللها أتعلم في أوروبا » القرية التي عاد إليها هذا الرجل اجملهول‪ ،‬هي عالم يهيمن عليه‬
‫الرجال‪،‬مجتمع أبوي خانق‪ « ،‬حيث النساء ضحية لعبة السلطة والغواية » (‪ « ، )٢‬هذا البلد فيه الرجال قوامون على النساء » (‪.)٩‬‬
‫يقول ود الريس‪ ،‬وهو رأي ظل يردده محجوب صديق الراوي « أنت تعرف نظام احلياة هنا‪ .‬املرأة للرجل» (‪ .)10‬حيث يشاهد الرجال وحدهم مرتبطني‬
‫باألرض‪ ،‬قاماتهم متكئة على احملاريث أو منحنية على املعاول يحرثون األرض‪ .‬مثل هذا الرمز القضيبي دائما ً يرد باالرتباط مع مصطفى سعيد‪.‬‬
‫الرجال يتناولون طعامهم في الديوان مع بعضهم البعض ‪ ،‬وتأتي اإلشارة إلى الرجال وحدهم كحكايات متناقلة ‪ ،‬متاما ً كما يحكي الراوي هذه‬
‫الرواية إلى رجال آخرين‪ ،‬ورمبا يتم نقلها إلى أبناء مصطفى سعيد الذين هما حتت رعايته‪ ،‬حكايات نادرة عن النيل وأساطير الفيضانات‪ ،‬هي بعض‬
‫حكاوي اآلباء لألبناء‪ .‬في هذه القرية حيث يستيقظ الراوي » في الغرفة التي تشهد جدرانها على ترهات حياتي في طفولتها ومطلع شبابها«‬
‫(‪ )١١‬سوف يعاني الراوي نضجا ً آخر ومعرفة لنمط الرجل الذي سيكونه‪.‬‬

‫‪٣‬‬
‫ألول وهلة يبدو انه رجل مغرور‪ ،‬فالراوي يحكي للقراء مبباهاة « فقد كنت أحسب أن املاليني العشرة في القطر كلهم سمعوا بانتصاري (‬
‫األكادميي) في اخلارج » (‪ ، )12‬ويواصل حديثه إلى مصطفى سعيد متصنعا ً التواضع بأنه كان ينقب في حياة شاعر إجنليزي مغمور ‪ .‬واغتاظ حينما‬
‫ضحك الرجل ملء وجهه متناسيا ً وقاره العلمي‪.‬‬
‫إال انه من الواضح ان الراوي سوف يتغير ‪ ،‬ألنه يقول « واحلق يقال كنت تلك األيام مزهوا ً بنفسي حسن الظن بها » (‪ . )13‬انه مصطفى سعيد‬
‫بكشفه عن أكذوبة شخصيته سوف يغير رؤية الراوي عن طبيعته الذكورية ‪ ،‬بإلقائه في خضم شكوكه مما يدفعه جتاه مجتمع إنساني أكثر‬
‫صدقاً‪.‬‬

‫‪٤‬‬
‫مثل هذه املعاجلة تقتضي انفصال الراوي عن مصطفى سعيد‪ ،‬ليس ألن االثنان مدفوعان ذاتياً‪ ،‬بل ألنهما باستمرار يبدوان كصورة مرآة‬
‫لبعضهما البعض‪ ،‬من رجل يفترض ان الراوي ابن ملصطفى سعيد إلى توهم الراوي إنعكاس صورته على املرآة انها مصطفى سعيد‪ .‬وتشير‬
‫( باتريشيا جيسي) ان ابتسامة مصطفى سعيد » كانت غامضة مثل شخص يحدث نفسه« (‪ ، )14‬وهذه إحدى أولى املصادفات التي تشير‬
‫إلى االزدواجية بني الراوي ومصطفى سعيد‪ .‬انه مثل مصطفى سعيد تعلم في اجنلترا‪ ،‬وقضى سبع سنوات باخلارج‪ ،‬نفس السنوات التي‬
‫قضاها مصطفى سعيد في السجن الغتياله امرأة اجنليزية ( جني مورس)؛ ويتعلق الراوي بحب حسنة بنت محمود أرملة مصطفى سعيد‪،‬‬
‫وفي نهاية الكتاب‪ ،‬يسبح الراوي في النيل في ذات املوقع الذي غرق فيه مصطفى سعيد‪.‬‬

‫‪٥‬‬
‫شبح مصطفى سعيد يخيم على الرواية مهددا ً بالهيمنة على السرد‪ ،‬بذات القدر الذي يالزم فيه شبحه ذهن الراوي منذ اليوم األول لعودته إلى‬
‫البلدة « فجأة تذكرت وجها ً رأيته بني املستقبلني لم أعرفه‪ ،‬سألتهم عنه‪ ..‬وقال أبي هذا مصطفى سعيد»(‪ » ، )15‬صورة مصطفى سعيد القلقة‬
‫التي حتوم كشبح« ( د‪ .‬علي عبداهلل عباس ــ مالحظات على رواية موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين ــ السودان في رسائل ومدونات ــ‬
‫مجلد ‪ ٤٧٩١ ٥٤‬ص ‪ ، )60 ٦٤‬تشير أساسا ً إلى أن مصطفى سعيد قد مات‪ ،‬حكم على نفسه باملوت مع جني مورس دون أن يتبعها (‪ ، )٣‬وعودته‬
‫إلى السودان ما هي إال محض انتظار ذاتي للتنفيذ‪ ،‬متاما ً مثل غموض ابتسامته » كالطيف الساخر«‪.‬‬
‫ويضيف مصطفى سعيد إلى حالة ال وجوده بتالوته شعرا ً اجنليزيا ً مليء باالشارات إلى رجال متوهمني‪:‬‬
‫« هؤالء نساء فال ندرز‬
‫ينتظرن الضائعني‬
‫ينتظرن الضائعني الذين أبدا ً لن يجيء بهم القطار‬
‫إلى أحضان هؤالء النسوة ذوات الوجوه امليتة‬
‫ينتظرن الضائعون (‪ )...‬في عتمة الليل» (‪.)16‬‬
‫تالوة مصطفى سعيد ألبيات الشعر االجنليزية لم تبدد توهم الراوي عنه كمزارع سوداني بسيط‪ ،‬بل قدمت فكرة الذكورة كقناع‪ ،‬حتت وهم أن‬
‫النساء الزائفات ينتظرن املعانقة‪ ،‬بذات القدر الذي توحي به عبارة » وحملني القطار إلى محطة فكتوريا وعالم جني مورس» للراوي والقارئ ان‬
‫أكذوبة مصطفى سعيد سوف تضعه وجها ً لوجه مع املرأة االجنليزية القدرية‪.‬‬
‫قدم نفسه كشرقي متوحش وغريب من أجل غواية‬ ‫إثارة الراوي ملصطفى سعيد جعلته يكشف عن نفسه انه ( أكذوبة) ‪ ،‬عطيل مزيف‪ ،‬رجل ّ‬
‫النساء‪ ،‬واألهم من ذلك ان رؤى مصطفى سعيد الشعرية اربكت عالم الراوي املتصالح‪ ،‬وعجلت بأزمة هويته الذكورية » وخامرني بغتة شعور‬
‫فظيع‪ ،‬شيء مثل الكابوس كأمنا نحن الرجال اجملتمعني في تلك الغرفة لم نكن حقيقة‪ ،‬إمنا وهما ً من األوهام« (‪.)17‬‬

‫‪6‬‬
‫إذا كان الراوي املتأورب بانهماكه الذاتي وغروره كان في خطر دائم من أن يصبح مثل مصطفى سعيد‪ ،‬فإن روايته تنذره بذلك‪ .‬مصطفى سعيد‬
‫الذي نشأ يتيما ً بدا وكأنه ورث عن أمه نزعة االتخفي ( ص ‪ ، )٣‬بالتأكيد لم يكن يتأثر بشيء » كان مثل شيء كرة املطاط تلقيها في املاء فال تبتل‪،‬‬
‫ترميها على األرض فتقفز« » آلة صماء« (‪ ، )17‬رغم كل ثقافته وإرادته احلرة املفترضة ومستقبله املشرق‪ ،‬لم يختر مصطفى سعيد أكثر من أن‬
‫عليهمحاصرتهن ‪ ،‬وكقمم جبال كي يولج ذاته املندفعة فيهن‬
‫ّ‬ ‫يكون غازياً‪ ،‬رجل سوف » يحرر إفريقيا بذكره« (‪ ، )19‬والذي يعتبر النساء كاملدن‬
‫كالوتد‪ .‬فاجلنس عنده يحقق قمة األنانية كما قال‪ ،‬ومع ذلك فإن الصور التي تختزل مصطفى سعيد كلها ثاقبة وقضيبية «عقلي كان مدية‬
‫حادة تقطع في برودة وفعالية » ويقول « عقلي يقطع كأسنان محراث » (‪ ، )20‬والحقا ً الصور الدقيقة للقوس والسهم ترتبط بقدره القضيبي‬
‫مع جني مورس «وتر القوس مشدود‪ ،‬وال بد للسهم أن ينطلق» (‪.)21‬‬
‫إن تشبيه عقل مصطفى سعيد » كمدية حادة« أو بأسلحة شبيهة ( القوس ــ السيف ــ الرمح ــ النشاب) تتناسل حتى تبلغ ذروة التداعي‬
‫املوضوعي‪ ،‬وصورة مصطفى سعيد » كجراح« في غرفة نومه « غرفة عمليات في مستشفى» (‪ ، )٢٢‬هذه الصورة متزج فكرة العنف القضيبي‬
‫مع فعل من نوع ذكورة مستشرقة (‪ .)٤‬في السرير يغرز مصطفى سعيد اخلنجر في صدر جني مورس ويقتلها في دوامة االنحدار العنيدة للرمز‬
‫الشرقي القدري املفتون باألنثى الغربية (‪ ، )٥‬والتي بدورها امتألت رعبا ً مرضيا ً بالشخصية القضيبية الغربية اآلتية من اجلنوب‪ /‬الشرق‪ ،‬جني‬
‫أمسكت باخلنجر بلهفة » فاحتة فخذيها أكثر« » وتأوهت« (‪ ، )23‬وضغط مصطفى سعيد اخلنجر في صدرها حتى غاب وأخيرا ً امتلكها وهي‬
‫تتوسله » تعال معي‪ .‬تعال معي‪ .‬ال تدعني أذهب وحدي« (‪ .)24‬حتالف ثنائي مزاوجة بني اجلنس واملوت في هذه النهاية القدرية‪ .‬غير أن مصطفى‬
‫سعيد أناني جدا ً حتى في اتباع موضوع شهوته إلى العالم اآلخر‪ ،‬وباملقابل يعود إلى اجلنوب‪/‬الشرق‪ ،‬حيث في غرفة سرية متمركزة أوروبيا ً يحتفظ‬
‫بصور النساء األوروبيات الالئي اغتصبهن‪ ،‬وصورة جلني مورس ومع الكتب األوروبية‪ ،‬مدفأة بكامل هيئتها ــ كراسي فكتورية ــ مرآة ــ كتب ودفاتر‪،‬‬
‫صور زيتية ‪ .‬هذا هو مركز الكون الشخصي ملصطفى سعيد‪ ،‬احساسه البارد كأن جوف صدره « مصبوب بالصخر» (‪ )25‬ولكنه مشكل بالكتابات‬
‫والصور‪ :‬ذكريات عن نفسه وغزواته اجلنسية العقيمة‪.‬‬

‫‪٧‬‬
‫غير أن مقتنياته هذه فقط تكشف مدى خواء رمز مصطفى سعيد‪ ،‬وأساسا ً رمز القضيب الشرقي « للقسوة اجلنسانية» (‪ ، )26‬وباألحرى‬
‫يصح هذا في ضوء ممارسة قدماء املصريني لعبادة القضيب ( بوردو ص ‪ ، )٧٨‬وألسلوب مصطفى سعيد الغريب جداً‪ ،‬اجلنوبي‪ /‬الشرقي في سحر‬
‫نساء لندن ( من آن همند وشيال غرينوود إلى إزابيال سيمور وجني مورس) نساء « اقتراح ملرجعية وسلطة ذكورية » ( بوردو ‪ )٧٨‬إذن مثل كل الرموز‬
‫القضيبية يثير مصطفى سعيد في النساء رعبا ً من أجل « سلطانه« الذي يعتمد حتديدا ً على » التفوق الذكوري» الشرقي ( بوردو ‪ )٧٨‬ويصبح‬
‫رمزا ً » للمدخل الالمحسوس والذي ينفتح إلى حدود عربدة باخوسية‪ ،‬وأحاسيس جنسية هذيانية ( فرانتز فانون ‪ )٧٧١‬حتى ميكنه االستيالء على‬
‫« الصدور البيضاء ( من أجل أن) أسيطر على احلضارة البيضاء وشرفها وأجعلهما ملكي» (‪ ، )27‬في « عالم دعاني إلى معركة‪ ،‬عالم كل ما فيه‬
‫اسئلة محق أو نصر» (‪.)٦‬‬
‫وفي محاولته امتالك النساء البيض بفعل جنسي لكولونيالية معكوسة وتسييس‪ ،‬إال أن مصطفى سعيد في النهاية يحاول فقط أن‬
‫ميتلك‪ ،‬أن يصبح أنانياً‪ ،‬وراضيا ً عن نفسه‪ .‬هو الذكر الشهواني‪ ،‬املدفوع ذاتياً‪ ،‬والذي » يهتم كثيرا ً لالشباع اجلنسي« ‪ ،‬أكثر من أي شيء (‪ .)28‬غير‬
‫أن مصطفى سعيد هو ذكر مثالي العربي الغازي ألهل بلدته‪ .‬وفي القطار موظف متقاعد يبدو أصغر من سنه بعشرين عاماً‪ ،‬يتذكر امجاد‬
‫مصطفى سعيد عندما كان طالبا ً معه في كلية غردون في السودان (‪ ..» )29‬ونتوقع أن يصير له شأن عظيم« (‪ .)30‬ويتذكر شاب محاضر في‬
‫اجلامعة » وعلى وجهه ذات الفرح الذي حملته على وجه املأمور املتقاعد« ‪ » ،‬مصطفى سعيد كان أول سوداني يتزوج اجنليزية« (‪ .)31‬وقال أحد الوزراء‬
‫السودانيني وهو ميجد مصطفى سعيد » يا له من رجل‪ ،‬إنه أعظم االفريقيني الذين عرفتهم‪ ..‬يا إلهي‪ ،‬ذلك الرجل كانت النساء تتساقط عليه‬
‫كالذباب« (‪.)32‬‬

‫‪٨‬‬
‫غير إنه بخالف إشارة الراوي االفتتاحية عن سنواته السبع التي قضاها في اجنلترا‪ ،‬والتي تعكس سنوات حبس مصطفى سعيد في إجنلترا‪،‬‬
‫واملشهد اخلتامي و املثير للراوي وهو يسبح في النيل‪ ،‬ناسخا ً أسلوب موت مصطفى سعيد املفترض‪ ،‬فكل أوجه شخصية الراوي ومعاناتها توحي‬
‫للقارئ بأنه سوف لن ينسخ منوذج مصطفى سعيد في صورته الذكورية‪ .‬بل على عكس فإن مصطفى سعيد‪ ،‬عند عودته للعيش في السودان‪،‬‬
‫أثبت قوة فعالة لتغيير اجملتمع و زلك مبساعدته الق ِّيمة في جلنة تنظيم املشروع الزراعي (‪ ، )٣٣‬فإن الراوي و من خالل عمله كموظف بيروقراطي‬
‫في احلكومة السودانية ويعمل مع النخبة احلاكمة املرائية‪ ،‬و التي ال هم لها إال بطونها ومتعها احلسية‪ ،‬بدا تافها ً ) (‪ ، )34‬فالراوي لم يقدم أي‬
‫شيء إلى مجتمعه‪ ،‬كما أشار الي ذلك محجوب‪ ،‬صديق طفولته « وأنت ماذا تصنع في اخلرطوم ؟ وما قيمة ان يكون واحد منّا في احلكومة‬
‫وال يعمل شيئاً» (‪ )35‬ويجيب الراوي بأسى « املوظفوناملدنيون أمثالي ال يستطيعون أن يغيروا شيئا ً » (‪ .)36‬وفي رواية الطيب صالح « الدولة‪..‬‬
‫مؤسسة ذكورية» ( كونيل ‪ ، )٣٧‬تؤكد على عنّة الراوي ورؤسائه الذين املعجبون بفحولة مصطفى سعيد (‪ .)37‬وعندما أتيحت للراوي الفرصة في‬
‫أن ينقذ حسنة بنت محمود‪ ،‬أرملة مصطفى سعيد‪ ،‬من قدرها السيء في أن تتزوج ود الريس قسراً‪ ،‬وذلك باتخاذها زوجا ً له‪ ،‬وبالتالي يحل نفسه‬
‫محل الرجل الذي ظن خطأ انه شبيهه من عدة أوجه‪ ،‬إال أن الراوي لم يفعل ذلك‪ .‬وهكذا‪ ،‬في البدء عبر الرفض الظاهر وتاليا ً عن طريق محاكاة‬
‫مشهد السباحة في النيل‪ ،‬كما سيبني الحقا ً في نهاية الكتاب ــ فالراوي يرفض جتسيد مصطفى سعيد كنموذج للفحولة‪ ،‬مدركا ً انها ليست‬
‫أكثر من « أنانيته وغروره‪ ..‬هذه املهزلة» (‪ .)38‬بالتأكيد فالراوي في دخيلة نفسه أيضاً‪ ،‬يهزأ‪ ،‬من القلب‪ ،‬لنوع الرجل الذي كانه مصطفى سعيد‪،‬‬
‫متقدما ً نحو انعكاس صورته على املرآة في الغرفة السرية‪ ،‬ظانا ً إياها مصطفى سعيد « وخطوت نحوه في حقد» (‪ ، )39‬ومن ثم اشعاله النار‬
‫في قسم من الغرفة‪ .‬بالطبع إن الراوي‪ ،‬بعمله هذا‪ ،‬يعبر عن كراهية كبيرة جلانب من نفسه‪ ،‬والتي متادت في غيها ومنت مستبدة بهواجس رواية‬
‫مصطفى سعيد‪ ،‬وبإحراقه مقتنيات مصطفى سعيد وحتى هجره ملنزل مصطفى سعيد وسباحته في النهر‪ ،‬كلها صورة معكوسة ملا فعله‬
‫مصطفى سعيد مبقتنياته الشرقية أمام جني مورس‪ ،‬وتعكس أيضا ً الطريقة التي مات بها مصطفى سعيد‪ ،‬ولكن في النهاية‪ ،‬إن قرارات الـراوي‬
‫و أفكاره واملشهد النهائي للكتاب وهو مأخوذ بني الشمال واجلنوب الشرق والغرب في النهر الرمزي‪ ،‬هي التي ستقرر ما إذا كان سوف يتخذ اخلطوة‬
‫التراجيدية النهائية نحو تبني شخصية مصطفى سعيد‪ ،‬أم سيضرب نحو شاطئ جديد‪.‬‬

‫‪٩‬‬
‫هناك أربعة اشواطئ للنجاة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإن منوذج مصطفى سعيد هو فقط أحد الطرق التي ميكن اتباعها‪ ،‬وود الريس أيضا ً نوع آخر من الذكور‬
‫في الراوية‪ ،‬وشبيه مصطفي سعيد ظاهريا ً ‪ ،‬إال انه يختلف عنه أساساً‪ ،‬فاالثنان « أنانيان جداً» (‪ ، )40‬وود الريس أيضا ً مفرط جنسياً‪ ،‬ولكنه‬
‫مختلف عن مصطفي سعيد فهو ال يفكر إلاّ في اجلنسفقط ‪ ،‬كما أشارت بنت مجذوب املسترجلة « عقلك كله في رأس ذكرك‪ ،‬ورأس ذكرك‬
‫صغير مثل عقلك» (‪ .)41‬ود الريس يعبر عن نشاطه اجلنسي عبر الزواج‪ ،‬ورغباته الدنيوية حتمله علي اجلهل (‪ ، )42‬ولذا كان عزمه على أن يتزوج‬
‫حسنة بنت محمود‪ ،‬متجاهالً أخذ موافقتها‪ ،‬مؤكدا ً أن النساء في القرية السودانية‪ ،‬متاما ً كالنساء االجنليزيات ملصطفى سعيد ليس إال متاع(‬
‫وأبلغ مثل غرفته السرية) (‪ .)43‬بعكس مصطفى سعيد‪ ،‬فإن ذكورة ود الريس الفظة حتتقر أخذ موافقة النساء وحتتقر رغباتهن على السواء‪،‬‬
‫مثل اغتصابه اآلثم حلسنة بنت محمود‪ .‬وكما ذكر د‪ .‬علي د‪ .‬عبداهلل عباس » املرأة بالنسبة لود الريس هي مجرد شيء« (‪ ، )٤٤‬وعلى عكس جد‬
‫فضل أن يختار اجلنس بدال ً عن االستعداد لآلخرة (‪ .)45‬من املناسب إذن انه سوف يجد املوت في اجلنس؛‬‫متصاب ّ‬‫ٍ‬ ‫الراوي‪ ،‬فإن ود الريس كرجل ككهل‬
‫ً‬
‫وبتحوير ساخر لرواية مصطفى سعيد‪ ،‬فإن حسنة بنت محمود األرملة السودانية للرجل الغازي بأوروبا‪ ،‬تطعن زوجها اجلائع جنسيا‪ ،‬ود الريس‪،‬‬
‫عدة مرات في « بطنه وفي صدره وفي محسنه» (‪ ، )46‬بينما عضها هو في كل شبر من جسمها ‪ ،‬وأخيرا ً متكن من قتلها قبل أن ميوت‪.‬‬
‫إ ّن وفاته أسعدت زوجته الكبيرة ( مبروكة) التي قالت إن زوجها الشهواني » حفر قبره بيده« (‪.)47‬‬

‫‪10‬‬
‫إلى حد ما كما أشار د‪ .‬علي عبداهلل عباس‪ ،‬الطيب صالح ينتقد أسلوب معاملة النساء في القرية عبر شخصية ود الريس‪ ،‬ولكن الراوي هو‬
‫الذي يقدم بوضوح شديد أكذوبة ود الريس الذكورية‪ ،‬والتي ال يتري « في املرأة غير انها امرأة»وكان قد توقع ماذا سيحدث عندم سمع صوت حسنة‬
‫يشق عتمة الليل كشفرة سكني حادة (‪ ، )48‬و مبا أنه ليس « معصوما ً من جرثومة العدوى» (‪ ، )49‬الشبق الذي أصاب مصطفى سعيد وود الريس‪،‬‬
‫فإنه عزم على أن ال يتزوج حسنة بنت محمود‪ ،‬ألنه آنذاك سوف يكون وببساطة قد امتلك امرأة من أجل أن يحول دون امتالكها بواسطة رجل آخر‪،‬‬
‫وعليه سوف يكون متاما ً مثل ود الريس‪ ،‬والذي يعرف الراوي انه سبق أن تزوج امرأة‪ ،‬ألن زوجها احملتضر طلب منه « أوصيك بزوجتي خيراً‪ ،‬ولم يجد‬
‫خيرا ً من زواجها» (‪ ، )50‬والراوي يدرك ايضا ً انه بعكس اقتراب مصطفى سعيد من املوت عبر اجلنس‪ ،‬فإن ود الريس يدرأ عن نفسه املوت عبر اجلنس‪:‬‬
‫وحسنة هي « القربان الذي يريد ود الريس أن يذبحه على حافة القبر‪ ،‬ويرشي به املوت فيمهله عاما ً أو عامني» (‪ ، )51‬ولكن حل الراوي ــ أو موقفه‬
‫املتراجع ــ العاجز يظهر إدانة محجوب له « ملاذا لم تفعل أنت؟ ملاذا لم تتزوجها؟ فقط تفلح في الكالم»(‪)٧( .)52‬‬

‫‪١١‬‬
‫إ ّن الغمز املستمر للراوي بواسطة محجوب حول عجزه‪ ،‬ومداعبته صديقه القدمي بأنه «مجنون مثل ود الريس» و « أصبحت عاشق آخر الزمن»‬
‫وادعاؤه أن حسنة «‪ ..‬ما كانت تستاهل الدفن» (‪ ، )53‬مختذال ً إياها إلى شيء وهي ميتة‪ ،‬متاما ً كما كانت شيئا ً في حياة ود الريس‪ ،‬كل هذا الغمز ا‬
‫يدفع الراوي في أن يتصرف بتهور ‪ ،‬فيبدأ بضرب وركل صديقه بعنف مدافعا ً عن كل محاولة لوصفه كقروي وزير نساء كما مت تصوير ود الريس‪ ،‬وفي‬
‫النهاية ‪ ،‬رمبا كانت سلب ّية الراوي سببا ً في موت حسنة‪ ،‬ولكن زواجه منها قد يجعل الراوي متماهيا ً مع النموذج الذكوري والذي ميثله مصطفى‬
‫سعيد وإلى حد كبير ود الريس‪ ،‬ورغم ذلك‪ ،‬فإن حب الراوي حلسنة يثير اشكاليات وتعقيدات‪ :‬فهو يشعر أن هذا احلب غير عادي‪ ،‬ألنه يفسخ العهد‬
‫الذي قطعه ملصطفى سعيد بأنه سيكون وصيا ً على زوجته وابنيه‪ ،‬غير انه من أجل أن يؤمن لها وألبنائها حياة مستقرة كوصي‪ ،‬عليه أن يتزوجها‬
‫لينقذها من أن تُكره على زواج ود الريس‪ ،‬على كل‪ ،‬فهو وبعمله هذا‪ ،‬يعبر عن خيانته لزوجته وابنته‪ ،‬معترفا ً صراحة أن حسنــة بنت محمود هي‬
‫« املرأة الوحيدة التي أحببتها» (‪ .)54‬رمبا مأخوذا ً بهذه اخليارات وبشكوكه النفسية‪ ،‬فالراوي ال يتعرض إال استجابة إلى اهانات محجوب‪ ،‬وعنفه‬
‫جتاه صديق طفولته‪ ،‬هو ردة فعل ضد التجانس االجتماعي القوي والوحيد لعاطفة الذكر في النص‪ ،‬والتي وضعت الراوي نهائيا ً إلى جانب املرأة‪.‬‬

‫التقاليد و �شواطئ املجتمع‬


‫‪12‬‬
‫‪،‬جد الراوي ميثل الشاطئ الثالث‪ ،‬وهو بأية حال ليس رجل ذاتي‪ .‬ويبدو أن الراوي يتعلق به أكثر من أي رجل آخر‪ ،‬الرتباطه باملاضي‬ ‫إن حاج حمد ّ‬
‫ورسوخه كنموزج جملتمع القرية‪.‬‬
‫عند عودته إلى السودان متنى الراوي أن يكون مثل « تلك النخلة‪ ،‬مخلوق له أصل‪ ،‬له جذور وهــدف» ( موسم الهجــرة ص ‪.)٦‬إذن حاج أحمـد‬
‫هو « رمز اجملتمع املتصالح الذيالذي شكله االسالم الشعبي) (‪ ، )٥٥‬هذا االرتباط بني الدين وماضي اجملتمع متثله صورة الساقية على النيل « تخيلت‬
‫جدي جالسا ً على فروة صالته وفي يده مسبحته من خشب الصندل‪ ،‬تدور في حركة دائبة كقواديس الساقية» (‪)56‬‬
‫إن حاج أحمد‪ ،‬بعكس ود الريس‪ ،‬فهو ليس انانيا ً وليس شهوانياً‪ ،‬ولكنهزجل يعمل آلخرته‪ .‬كبير في السن و حكيم ومحل مشورة اآلخرين‪،‬إن‬
‫موت والدته املبكر جعت جل اهتمامه موجه نحو أرضه وعائلته‪ ،‬وال يهتم كثيرا ً للجنس والشهوة أو األنانية‪ ، )57( ،‬وهو مرتبط أيضا ً بجمال‬
‫وتناسق الطبيعة متاما ً مثل داره « هذه الدار الكبيرة‪ ..‬مبنية من الطني نفسه الذي يزرع فيه القمح‪ ،‬قائمة على أطراف احلقل متاماً‪ ،‬وتكون امتدادا ً‬
‫له‪ ..‬إإن النظر إليها مبوضوعية مينحك إحساسا ً بأنها كيان هش لن يقوى على البقاء ‪.‬ولكنها تغالب الزمن بشيء من العجز» (‪ ، )58‬إذن فجد‬
‫الراوي يقوي «احساسه باألمن »‪.)59( ..‬‬

‫‪13‬‬
‫مصطفى سعيد‪ ،‬أيضا ً يحب حاج أحمد لصبره وتقواه‪ ،‬ونشاطه‪ ،‬رغم بلوغه التسعني‪.‬‬
‫« ها ذاك رجل» (‪ ، )60‬قالها مصطفى سعيد‪ .‬حاج أحمد أيضا ً يعرف سر شخصية مصطفى سعيد املتضخمة ذكورة‪ ،‬بالرغم من أنه لم يفض‬
‫جده الذي عاش على سجيته عاش عمرا ً طويالً‪ ،‬رابطا ً‬‫السر ألحد‪ ،‬وال حتى للراوي نفسه‪ » ،‬جدك يعرف السر« (‪ ، )61‬الراوي يحس بروع ورهبة جتاه ّ‬
‫تتسام فوق الزمن » وذلك الصوت النحيل املطمئن‪ ،‬يقوم جسرا ً بيني وبني الساعة القلقة التي لم تتشكل بعد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بني املوت وامليالد في حلظة‬
‫الساعات التي استوعبت أحداثها ومضت‪ ،‬وأصبحت لبنات في صرح له مدلوالت وأبعاد‪ ،‬نحن مبقاييس العالم الصناعي األوروبي‪ ،‬فالحون فقراء‪،‬‬
‫ولكنني حني أعانق جدي أحس بالغنى‪ ،‬كأنها نغمة من دقات قلب الكون نفسه« (‪ ، )62‬حقا ً ان اجلد هو « رمز ومعلم الحتاد االنسان مع الطبيعة‬
‫والكون» و « جزء من التاريخ » (‪ .)63‬وقد أوصى مصطفى سعيد الراوي على ولديه « ألنني حملت فيك صورة جدك» (‪ .)64‬ويتمنى مصطفى سعيد‬
‫أن التوازن الذي حمله في الراوي‪ ،‬االرتباط باألرض واجملتمع‪ ،‬والذي ورثه الراوي عن جده‪ ،‬سوف متكن الوصي من حماية ولديه من االصــابة بجرثومــة‬
‫« عدوى الرحيل» (‪ ، )65‬مبعنى آخر فإن مصطفى سعيد يرى في الراوي مجموعة من أفضل القيم الذكورية‪ ،‬تلك الشبيهة بجده‪ ،‬والتي يتمنى أن‬
‫تنتقل إلى ولديه عبر االحتكاك بالراوي‪ ،‬مانعة إياهما من اختيار الشخصية الذكورية الذاتية الشبقة التي تبناها في اجنلترا‪ ،‬والتي الزمته كظله‬
‫حتى مماته‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ولكن الراوي ال ميكن أن يتبنى القيم األبوية جليل جده‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص موافقتهم على الزواج القسري لود الريس إلى حسنة حاج أحمد‬
‫يشجع الراوي على اقناع حسنة بنت محمود لتتزوج ود الريس‪ ،‬ولكن الراوي يصر على أن حسنة » حرة التصرف» (‪ ، )٦٦‬ويحس « بغيظ حقيقي»‬
‫(‪ )67‬جتاه موقف جده‪ ،‬إنه ليس من شاكلة الذاكرة األبوية جلده أو أبيه ( الذي ضحك من ردة فعل الراوي لزواج حسنة عنوة إلى ود الريس) (‪، )68‬‬
‫فالراوي من نسيج مختلف‪ « ،‬فيزداد الغيظ في صدري ضراوة» (‪ ، )69‬ويرفض مناقشة األمر مع جده حاج أحمد » وسمعت جدي ينادي ورائي فلم‬
‫التفت« (‪ ، )70‬فالراوي على يقني من أن الزواج األبوي القسري لود الريس من حسنة هو شر متاما ً كما هو واثق من أن »‪ ..‬املوت وامليالد وفيضان النيل‪،‬‬
‫وحصاد القمح« ‪ ،‬هني « جزءا ً من نظام الكون» (‪.)71‬‬

‫‪15‬‬
‫جدهالتقليدية متاما ً مثل رفضه ملصطفى سعيد وود الريس كنموذجني للذكر ‪ ،‬يتركز حول معاملتهم للمرأة‪،‬‬ ‫إن مقت الراوي لشخص ّية ّ‬
‫وبشكل خاص معاملتهم حلسنة بنت محمود (‪.)٨‬‬
‫إن الراوي يكره الكيفية التي عامل بها ود الريس وحاج أحمد حسنة ( وكيف ينظر إليها رجال مثل محجوب) ‪ ،‬ومقتهلذكريات مصطفى سعيد‬
‫في غرفته السرية ‪ ،‬هي التي دفعته للتحرك ‪ :‬مشاجرته حملجوب ‪ ،‬إحراقه جزء من الغرفة‪ ،‬دخوله في النيل في محاولة مليالد ثان « عاريا ً متاما ً كما‬
‫ولدتني أمي» وفي يأس » ال بد من القيام بعمل ما« (‪ ، )72‬إال أن الراوي لم يكن ينوي اتباع خطى مصطفى سعيد‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬هذه محاكمة مائية‪،‬‬
‫تعميد وبحث من الراويعن الشاطئ الذكوري الرابع‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ذلك الشاطئ هو هوية الراوي‪ ،‬ـ « غرميي في الداخل وال بد من مواجهته» (‪ ، )73‬و بعد رفضه للنموذجني املتمثلني في مصطفى سعيد وود‬
‫الريس‪ ،‬وابتعده إلى حد ما عن جده احملافظ وانحيازه الذكوري‪ ،‬فإن الراوي في الواقع ال يسبح نحو الشاطئ وفي مشهد العاجز متاماً‪ ،‬يصرخ طالبا ً‬
‫النجدة‪ .‬ان هذا النداء للمساعدة‪ ،‬على كل‪ ،‬هو الذي يشير إلى ميالد الراوي االجتماعي‪ ،‬انه ليس « رجل« وحسب‪ ،‬بل إنسان تسامى فوق حدود‬
‫النوع‪ ،‬ويدرك فرديته‪ ،‬ويررك فس نفس القت واقعه االجتماعي‪.‬‬
‫فالراوي يعي أهمية احلياة مع األسرة‪ ،‬حياة ضاربة جذورها في اجملتمع واألرض‪ ،‬كما بينها له جده ‪ ،‬ولكنه يبحث عن حياة اخري حيث كل فرد في‬
‫اجملتمع ــ رجل كان وامرأة ــ لهم قيمتهم ويعتمد عليهم انها ذكورة ليست محددة بالرجولة أو بكيفية معاملة الراوي للمرأة ــ على كل‪ ،‬فهو‬
‫يظهر اهتماما ً ضئيالً بزوجته وابنته عبر النص ــ ولكنه بفردية مرتكزة على اجملتمع‪ ،‬وعليه‪ ،‬تقريبا ً يسود صوت أنثوي‪ /‬ذكوري الصفحات األخيرة‬
‫من النص‪ ،‬الصوت اجلديد للراوي‪ ،‬ليس كصوت مصطفى سعيد « لم أدعه يكمل القصة» (‪.)74‬‬

‫‪17‬‬
‫الصوت اجلديد والهوية مع ما يحيط بهما‪ ،‬يخلقان توازن بني الذات والغيرية‪ » ،‬األنا« واجملتمع‪ « :‬استقرت حركات جسمي مع قوى املاء إلى‬
‫تناسق مريح» (‪ .)75‬إن الراوي في مكان حيث كل اجتاهات البوصلة تتالقى ــ » تلفت مينة ويسرة فإذا أنا في منتصف الطريق بني الشمال واجلنوب«‬
‫(‪ )76‬مركز عامله (‪ ، )٧٧‬إال انه يصرخ طالبا ً النجدة من اجملتمع‪ ،‬هذه ليست فقط أزمة ذكورة بل معضلة وجود إنساني « ثم أصبحت بني العمى‬
‫والبصر‪ ،‬كنت أعي وال أعي‪ ،‬هل أنا نائم أم يقظان؟ هل أنا حي أم ميت؟ » (‪ .)78‬عندما يكون الراوي في النهر‪ ،‬إنها حلظة خارج حدود الزمان‪ ،‬شبيهة‬
‫إلى حد بعيد بتلك األحاسيس التي تسبق لقاؤه مع جده (‪ )79‬أو عندما كان في حلظة غائبا ً عن الوعي‪ ،‬ابنا ً ملصطفى سعيد (‪ .)80‬الفرق هنا أن‬
‫معاناة الراوي‪ ،‬حلظات احلياة املبهمة ومشارفته املوت‪ ،‬كلها منفصلة متاما ً عن أي منوذج ذكوري‪ ،‬حقيقة متت والدة جديدة للراوي‪ ،‬فقد مت تزويد بروح‬
‫وهوية جديدتني‪ » :‬وفجأة‪ ،‬وبقوة ال أدري من أين جاءتني رفعت قامتي في املاء« (‪ ، )81‬في منتصف الطريق بني الشمال واجلنوب‪ ،‬الشرق والغرب‪،‬‬
‫فوجئ الراوي بحالة من عدم اكتمال الوجود‪ ،‬غير انه يحس بانتظام‪ ،‬دقات قلوب الكون » في حلظة ال أدري هل طالت أم قصرت‪ ..‬ساد السكون‬
‫والظالم فترة‪ ..‬بعدها حملت السماء تبعد وتقرب والشاطئ يعلو ويهبط« (‪ ، )82‬وأخيرا ً يقرر‪ ،‬ظمئي إلى سيجارة‪ ،‬تذكر البدوي الذي صور حبه للحياة‬
‫بالتدخني‪ » ،‬وأخذ يشفط الدخان بنهم فوق الوصف« (‪ ، )83‬متبعا ً ذلك بتلوي مصروع شارف املوت‪ ،‬ثم عاد إنسانا ً إلى احلياة‪ ،‬هذه الصورة الغريبة‬
‫للنشوة السريعة للشخص يبدو أنها أصابت الراوي في ذلك الوقت بسعادة خارقة‪ ،‬حيث غنى واحتفل ورقص « ورقصوا كما ترقص البنات« (‪، )84‬‬
‫مجموعة من البدويني‪ ،‬حيث بدت له كل واحدة منهن جميلة وكن متشابهات » كأنهن قبائل جن» (‪ ، )85‬وكما يدعى جون‪ .‬إ‪ .‬ديفدسون‪ » ،‬التدخني‬
‫دائما ً فصل اجتماعي في ‪ 89‬مرجع سابق إلى الشمال« ( ص ‪ ، )٩٣‬في النهر‪ ،‬تلك الرغبة العارمة للسيجارة » كانت جوعا ً كانت ظمأ« (‪ )86‬للحياة‬
‫واجملتمع وعجلت بـ«حلظة اليقظة من الكابوس» (‪.)87‬‬

‫‪18‬‬
‫وجد الراوي نفسه وهويته االنسانية‪ ،‬فهو يدرك انه ليس جزءا ً من النهر‪ ،‬ذلك‪ ،‬إنه ال يرغب في أن ميوت‪ ،‬وأيضا ً إنه وجد في شخصيته االنسانية‬
‫خارج مناذج الذكورة قوة ــ قوة تقوم على الفردية التي توازن الواجبات الشخصية اعتمادا ً على اجملتمع‪.‬‬
‫» فكرت إنني إذا مت في تلك اللحظة فإنني أكون قد مت كما ولدت‪ ،‬دون إرادتي‪ ،‬طوال حياتي لم اختر ولم أقرر‪ ،‬إنني أقرر اآلن أنني اختار احلياة‪،‬‬
‫سأحيا ألن ثمة أناس قليلني أحب أن أبقى معهم أطول وقت ممكن‪ ،‬وألن علي واجبات يجب أن أؤديها‪ ..‬وحركت قدمي وذراعي بصعوبة حتى صارت‬
‫قامتي كلها فوق املاء‪ ،‬وبكل ما بقيت لي من الطاقة صرخت‪ ..‬النجدة‪ ..‬النجدة« (‪.)٨٨‬‬
‫بالطبع الراوي هو » األنا« والطفرة السابقة تركز على جسده ونفسه‪ ،‬ولكن مثل هذه الذاتية سويت في النهاية بصرخة االستغاثة البائسة‪،‬‬
‫السرد يثبت أن الراوي يحيا (‪ ، )89‬مؤكدا ً أهمية اجملتمع‪ ،‬ألن أفراد اجملتمع هم الذين سوف ينقذون الراوي من نفسه في النهر‪ .‬دون انكار‪ ،‬فإن » الناس«‬
‫الذين سيبقى الراوي حيا ً ليروي لهم هذه الرواية هم ذكور‪ ،‬وكثيرا ً مما سبق ــ وصايته على أبناء مصطفى سعيد‪ ،‬مظهره الفتقاده االهتمام‬
‫بالنسبة ألمه‪ ،‬تشير نحو استمرارية سيادة ذهنية ذكورية من جانب الراوي‪ ،‬وعلى كل‪ » ،‬فالراوي يعطي االنطباع بأنه سوف يؤكد عادته السابقة‬
‫بالتردد والسلبية« (‪ ، )90‬وحده الراوي هو الذي سيعاني أزمة وحل هويته الذاتية هو الشخصية الوحيدة التي تنمو وأيضا ً تتحول في الرواية‪ ،‬بنهاية‬
‫الكتاب لم يختر الراوي » ولم أختر« (‪ ، )91‬لم يعد لديه عامله » عاملي كان عريضاً‪ ،‬اآلن قد تقلص وارتد على عقبيه حتى صرت أنا وال عالم غيري«‬
‫(‪ ، )92‬حقد الراوي على ما متثله ذكورة مصطفى سعيد ــ حقد الذات املتحولة عبر الشهوة الذاتية للجنس ونزوة امتالك النساء ــ تالشت‪ ،‬وفي‬
‫النهاية انتصر بحبه لآلخرين‪ ،‬وهو ما متناه الراوي‪ ،‬وهو ما وجده‪ ،‬باختصار عندما رقص مع البدو‪ ،‬وانه استسلم لتوسله اليائس للنجدة من أولئك‬
‫الذين يحبهم وما زالوا يحبونه‪ ،‬إنه مجتمعه‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ذات مصطفى سعيد قادته إلى املوت‪ ،‬تدفعه شخصية مركبة‪ ،‬ذكورة شرقية وغرور جنسي‪ » ،‬لكل املقاصد واألغراض ( لـ) موته تلك الليلة« ‪،‬‬
‫مع جني مورس (‪ » ، )93‬مصطفى سعيد بنفسه يخبرنا » كانت حياتي قد اكتملت ليلتها«‪ » ..‬ولم يكن ثمة مبرر للبقاء« (‪ ، )94‬كلما في األمر ــ‬
‫تأجلت ساعة التنفيذ« (‪ ، )95‬ود الريس أيضا ً في سعيه ليدمر نفسه موتا ً عبر اجلنس‪ ،‬في املقابل ميوت على يدي نفس املرأة التي سعى المتالكها‪.‬‬
‫حتى حاج أحمد لم يكن لديه دافع للموت أو مقاومته‪ ،‬مقضيا ً بقية حياته ورعا ً ولكن بسلبية‪ ،‬وفقا ً للقواعد األبوية التي حددها االسالم‪ ،‬الذي‬
‫أنقذ الراوي من أن يرسوا على إحدى شواطئ الذكورة الثالث امللوثة‪ ،‬هو أيضاً‪ ،‬مبعنى آخر‪ ،‬السرد نفسه‪ ،‬سرد يظهر رجل يتحرى حول معضلة‬
‫ذكورته ويعيد اكتشاف انسانيته‪ ،‬فالراوي أنقذ بفضل وعيه الذاتي‪ ،‬بإدراكه بأنه أيضا ً » لست معصوما ً من جرثومة العدوى« (‪ » ، )96‬عدوى األنانية‪،‬‬
‫الشهوة‪ ،‬اجلنس العدوانية‪ » ،‬عدوى الرحيل« (‪ )97‬التي أظهرت بواسطة مصطفى سعد وود الريس‪ ،‬والتي » يتنزى بها جسم الكون« (‪ ، )98‬وتقود‬
‫إلى موت جني مورس ( ومصطفى سعيد مبعنى آخر) حيث‪ » ،‬الكون مباضيه وحاضره ومستقبله اجتمع في نقطة واحدة ليس قبلها وال بعدها‬
‫شيء« (‪ ، )٩٩‬الراوي أيضا ً يضع نفسه عند مفترق طرق في النهر‪ ،‬ولكن يعلم بوجود عالم فوقه وفوق أي ذكورة أنانية قد يختارها التباعها‪ ،‬النهر‬
‫يطهر الراوي من أية جرثومة بدائية‪ ،‬ارتداد ذكوري وجد منذ أزمان سحيقة وتُذكره بأن أمامه حياة اجتماعية‪ ،‬حيث يستطيع الناس النضال ضد‬
‫القيود األبوية‪ ،‬مقاومة أنانية الشهوة العنيفة‪ ،‬ويتوقون إلى احلياة ال إلى املوت‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫إنه الراوي وحده الذي يعمل بإرادة حرة في حلظة تسامي ووالدة جديدة‪ ،‬يقاوم املوت في الوقت الذي يعيد فيه اكتشاف إنسانيته‪ :‬احلياة ليست‬
‫حول الوجود ضمن احلدود املقيدة لدوافع الذكورة الذاتية‪ ،‬بل هي‪ ،‬حول العيش ببساطة وفي جتانس سويا ً مع احتياجات النفس والفضائل الكبرى‬
‫للمجتمع‪ ،‬إال ان تلك الصرخة » النجدة« لم تلبث كونها حتذيرا ً » للسادة« والقارئ‪ ،‬بل هي مبثابة رسالة من الطيب صالح إلى العالم أجمع‪،‬‬
‫بأن ليس هناك إنسان منعزل إلى نفسه‪ ،‬مغرور‪ ،‬وذو دوافع جنسية ذاتية ميكنه أن يعيش مبعزل عن اآلخرين‪ .‬هذه قصة رويت لرجال آخرين‪ ،‬قصة‬
‫حول الذكورة‪ ،‬متاما ً كأساطير الفيضانات » يحدث بها اآلباء أبناءهم« (‪ ، )100‬إنها أيضا ً قصة تخبرهم أن ال يكونوا رجاال ً مثل آباءهم‪ ،‬بل أن يكونوا‬
‫مواطنني في اجملتمع‪ ،‬رواية الطيب صالح » موسم الهجرة إلى الشمال« تنادي‪ ،‬في النهاية‪ ،‬ليس بعالم للرجال‪ ،‬بل مبجتمع أكثر إنسانية‪.‬‬
‫هوام�ش امل�ؤلف‪:‬‬
‫‪ ١‬سوف استخدم شمال‪ /‬غرب وجنوب‪/‬شرق خالل هذا املقال لإلشارة إلى العالم األوروبي‪ /‬الغرب في موازاة إفريقيا‪ /‬الشرق ( في األصل االسالم) وذلك تباعا ً » شرقنة« (‬
‫‪ ) ORIENTALIZATION‬هي عبارتي‪ ،‬وأشير هنا تاريخيا ً إلى صناعة األوروبيني للرموز واجملازات والصور املقولبة عندما يتحدثون‪ ،‬أو يكتبون عن » معرفتهم« عن الشرق ( عادة‬
‫العرب) من أجل دعم وتكريس رؤى األصولية العرقية في الشرق‪ ( .‬إدوارد سعيد ــ االستشراق ــ ص ‪)٢٣‬‬

‫يعتمد املؤلف برايان في استشهاداته على النسخة االجنليزية من رواية موسم الهجرة إلى الشمال‪ :‬الصادرة عن بورتسماوث هاينمان ‪ .٩٦٩١‬واعتمد املترجم على طبعة‬
‫دار العودة ــ بيروت ــ الطبعة الثانية ‪.٩٦٩١‬‬
‫(‪ )٢‬إفلني أكاد‪ » :‬السياسة اجلنسية«‪ :‬النساء في رواية موسم الهجرة إلى الشمال ــ كتاب دراسة حاالت ــ حترير منى تقي الدين أميوني اجلامعة األمريكية بيروت ــ ‪٥٨٩١‬‬
‫( ص ‪.)٤٦ ٥٥‬‬

‫(‪ )٣‬ميكن مناقشة أن األكذوبة اخملتلقة ملصطفى سعيد كشرقي‪ ،‬غازٍ قضيبي‪ ،‬ميوت في معركة إرادته مع الشهيدة األوروبية جني مورس‪ ،‬وتلك األكذوبة ثم اعتبارها مبدأ عاما ً‬
‫وإلى حد ما وأصبحت حياته‪ ،‬ما هي إال ظالً لذاته السابقة‪ ،‬عادت مرة أخرى إلى السودان لتتالشى وتخمل ببطء‪.‬‬

‫(‪ )٤‬هذا التمثيل الذكوري يناسب قناع » الذات الشهوانية‪ ،‬الشرقية الذكورية« الذي اختاره مصطفى سعيد ليرتديه‪ ،‬لكي » تتضمن كل مفردات اخلطاب االستشراقي‬
‫اخملتلفة‪ ..‬التي هي مجموعة صور متثيلية أو مجازات‪ .‬هذه الصور هي للشرقي األصيل ــ أو االسالم‪ ،‬الذي هو مجال اهتمامي األساسي هنا ــ كمطابقة أسلوب الذي‬
‫لشخصيات املسرحية« ( إدوارد سعيد ــ االستشراق ــ ص ‪.)١٧‬‬

‫(‪ )٥‬أنظر فراتز فانون ــ بخصوص عقدة الدوافع النفسجنسية خلق اسطورة » الزنوج‪ ..‬فقط يتحينون الفرصة للوثوب على املرأة البيضاء« ( فرانزفانون ــ بشرة سوداء‪ ،‬أقنعة‬
‫بيضاء ــ ‪ ٢٥٩١‬نيويورك ــ قروف ‪.)٧٦٩١‬‬

‫(‪ )٦‬قد يكون أكثر اختزاال ً أن نقول بأن الشرق مت صناعته ذكرا ً في هذا الكتاب‪ ،‬فيما مت جعل الغرب أنثى‪ ،‬املرأة االجنليزية جني مورس هي ذكر عدواني‪ ،‬مثالً‪ ،‬بينما يرفض الراوي أو‬
‫ينتقد عادات أبوية محددة في السودان ( مثل اتخاذه حسنة بنت محمود زوجة ثانية‪ ،‬أو الطريقة التي بها يعامل ود الريس ويتحدث عن نسائه)‪.‬‬

‫(‪ )٧‬على وجه الدقة‪ ،‬إن حديث الراوي املقنع‪ ،‬والذي يشكل السرد في الكتاب‪ ،‬سرد قصد به أن يوضح ملستمعيه الذكور ضرر هذه النماذج الذكورية والبديل األفضل لشخصية‬
‫اجتماعية‪.‬‬

‫(‪ )٨‬بالطبع ظهور قلة من النساء في الرواية‪ ،‬أفضت إلى تغبيش فكرة الذكورة‪ ،‬والتي كثيرا ً ما مت تصوير سماتها الذكورة املفترضة للهيمنة والعنف اجلنسي‪ :‬بشاعة اخصاء‬
‫واغتيال حسنة لزوجها ود الريس‪ ،‬هو عبارة عن تكرار ذات النهج الذي اتبعه مصطفى سعيد في قتل جني مورس املهيمنة دوما ً وعدوانية جنسياً‪ ،‬زوجة ود الريس الكبرى وهي‬
‫تتصرف على غير العادة قالت » أي واهلل يا ولدي« عند سماعها نبأ موته و»زغردت« ( موسم الهجرة ص ‪ ، )٠٣١‬وحدها بنت مجذوب‪ ،‬امرأة طاعنة في السن‪ ،‬تدخن وتختلط‬
‫بالرجال » وهي تضحك بصوتها الرجالي املبحوح« ( موسم الهجرة ص ‪ )٩٧‬وحدها من غير احتشام هي القادرة على رواية حادثة مقتل ود الريس‪ .‬رواية ال يستطيع أحد اعادتها‪،‬‬
‫مثل هذه املشاهد تظهر تبني أكثر التعابير الذكورية عنفا ً من أجل مقاومة األبوية التي دوما ً تكرسها تلك التعابير ( مثل عندما » يتخذ« ود الريس النساء كزوجات حينما‬
‫يشاء مبا فيهن حسنة)‪.‬‬
‫‪ ٩‬موسم الهجرة إلى الشمال ــ ص ‪١٠١‬‬
‫‪ 10‬مرجع سابق ص ‪٢٠١‬‬
‫‪ ١١‬مرجع سابق ص ‪٥‬‬
‫‪ 12‬مرجع سابق ص ‪٢١‬‬
‫‪ 13‬مرجع سابق ص ‪٢١‬‬
‫‪ 14‬مرجع سابق ص‪٨‬‬
‫‪ 15‬مرجع سابق ص ‪٦‬‬
‫‪ 16‬مرجع سابق ص ‪٩‬‬
‫‪ 17‬مرجع سابق ص ‪٠١‬‬
‫‪ 18‬مرجع سابق ص ‪٢١ ١١‬‬
‫‪ 19‬مرجع سابق ص ‪٣١‬‬
‫‪ 20‬مرجع سابق ص ‪٥١ ٤١‬‬
‫‪ 21‬مرجع سابق ص ‪٦١‬‬
‫‪ 22‬مرجع سابق ص ‪٨١‬‬
‫‪ 23‬مرجع سابق ص ‪٦٦١‬‬
‫‪ 24‬مرجع سابق ص ‪٧٦١‬‬
‫‪ 25‬مرجع سابق ص ‪٠٣‬‬
‫‪ 26‬إدوارد سعيد ــ االستشراق ص ‪٤‬‬
‫‪ 27‬فرانتزفانون ص ‪٣٦‬‬
‫‪ 28‬مطر ص ‪٧١١‬‬
‫‪ 29‬مرجع سابق ص ‪٤٥‬‬
‫‪ 30‬مرجع سابق ص ‪٦٥‬‬
‫‪ 31‬مرجع سابق ص ‪٢٥‬‬
‫‪ 32‬مرجع سابق ص ‪٢٢١‬‬
‫‪ ٣٣‬مرجع سابق ص ‪ ٦١‬و‪٤٠١‬‬
‫‪ 34‬مرجع سابق ص ‪٣٢١‬‬
‫‪ 35‬مرجع سابق ص ‪٠٢١‬‬
‫‪ 36‬مرجع سابق ص ‪٣٢١‬‬
‫‪ 37‬انظر جيسي ‪٢٣١‬‬
‫‪ 38‬مرجع سابق ص ‪٦٥١‬‬
‫‪ 39‬مرجع سابق ص ‪٦٣١‬‬
‫‪ 40‬د‪ .‬علي عبداهلل عباس ص ‪١٥‬‬
‫‪ 41‬مرجع سابق ص ‪٧٨‬‬
‫‪ 42‬سليمان غطاس ‪٣٩‬‬
‫‪ 43‬سليمان غطاس ص ‪٠٠١‬‬
‫‪ ٤٤‬د‪ .‬علي عبداهلل عباس ص ‪٩٤‬‬
‫‪ 45‬نصر‪٩٩‬‬
‫‪ 46‬مرجع سابق ص ‪٨٢١‬‬
‫‪ 47‬مرجع سابق ص ‪٠٣١‬‬
‫‪ 48‬مرجع سابق ص ‪٢٨‬‬
‫‪ 49‬مرجع سابق ص ‪٧٠١‬‬
‫‪ 50‬مرجع سابق ص ‪٣٨‬‬
‫‪ 51‬مرجع سابق ص ‪٢٩‬‬
‫‪ 52‬مرجع سابق ص ‪٣٣١‬‬
‫‪ 53‬مرجع سابق ص ‪٤٣١‬‬
‫‪ 54‬مرجع سابق ص ‪٣٤١‬‬
‫‪ ٥٥‬أحمد عبدالرحيم نصر ص ‪٤٩‬‬
‫‪ 56‬مرجع سابق ص ‪٥٧ ٤٧‬‬
‫‪ 57‬مرجع سابق ص ‪٦٨‬‬
‫‪ 58‬مرجع سابق ص ‪٦٧ ٥٧‬‬
‫‪ 59‬مرجع سابق ص ‪٩‬‬
‫‪ 60‬مرجع سابق ص ‪٤١‬‬
‫‪ 61‬مرجع سابق ص ‪٤١‬‬
‫‪ 62‬مرجع سابق ص ‪٧٧‬‬
‫‪ 63‬مرجع سابق ص ‪٦٠١‬‬
‫‪ 64‬موسم الهجرة ص ‪١٧‬‬
‫‪ 65‬موسم الهجرة ص ‪١٧‬‬
‫‪ ٦٦‬مرجع سابق ‪٩٨‬‬
‫‪ 67‬موسم الهجرة ‪٠٩‬‬
‫‪ 68‬مرجع سابق ص ‪٠٩‬‬
‫‪ 69‬مرجع ص ‪٠٩‬‬
‫‪ 70‬مرجع سابق ص ‪٠٩‬‬
‫‪ 71‬مرجع سابق ص ‪٠٩‬‬
‫‪ 72‬مرجع سابق ص ‪٨٦١‬‬
‫‪ 73‬مرجع سابق ص ‪٥٣١‬‬
‫‪ 74‬مرجع سابق ص ‪٨٦١‬‬
‫‪ 75‬مرجع سابق ‪٩٦١ ٨٦١‬‬
‫‪ 76‬مرجع سابق ص ‪٩٦١‬‬
‫‪ ٧٧‬محمد صديق ص ‪٣٠١‬‬
‫‪ 78‬مرجع سابق ص ‪٩٦١‬‬
‫‪ 79‬مرجع سابق ص ‪٧٧‬‬
‫‪ 80‬مرجع سابق ص ‪٠٦ ٩٥‬‬
‫‪ ١٨‬مرجع سابق ص ‪٩٦١‬‬
‫‪ ٢٨‬مرجع سابق ص ‪٠٧١‬‬
‫‪ ٣٨‬مرجع سابق ص ‪٢١١‬‬
‫‪ ٤٨‬مرجع سابق ص ‪٦١١‬‬
‫‪ ٥٨‬مرجع سابق ص ‪٧١١‬‬
‫‪ ٦٨‬مرجع سابق ص ‪٠٧١‬‬
‫‪ ٧٨‬مرجع سابق ص ‪٠٧١‬‬
‫‪ ٨٨‬مرجع سابق ص ‪١٧١ ٠٧١‬‬
‫‪ ٩٨‬أنظر جيسي ‪٨٣١‬‬
‫‪ ٠٩‬جيسي ‪٨٣١‬‬
‫‪ ١٩‬مرجع سابق ص ‪٠٣١‬‬
‫‪ ٢٩‬مرجع سابق ‪٥٣١‬‬
‫‪ ٣٩‬د‪ .‬علي عبداهلل عباس ص ‪٤٥‬‬
‫‪ ٤٩‬مرجع سابق ص ‪٢٧ ١٧‬‬
‫‪ ٥٩‬د‪ .‬علي عبداهلل عباس ص ‪٤٥‬‬
‫‪ ٦٩‬مرجع سابق ص ‪٧٠١‬‬
‫‪ ٧٩‬مرجع سابق ص ‪١٧‬‬
‫‪ ٨٩‬مرجع سابق ص ‪٧٠١‬‬
‫‪ ٩٩‬مرجع سابق ص ‪٧٦١‬‬
‫‪ 100‬مرجع سابق ص ‪٩٤‬‬

You might also like