You are on page 1of 1239

‫الكتاب ‪ :‬تفسير القرآن العظيم‬

‫المؤلف ‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي [ ‪774- 700‬‬
‫هـ ]‬
‫المحقق ‪ :‬سامي بن محمد سلمة‬
‫الناشر ‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع‬
‫الطبعة ‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‬
‫عدد الجزاء ‪8 :‬‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‬
‫‪www.qurancomplex.com‬‬
‫[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ‪ ،‬والصفحات مذيلة بحواشي المحقق ]‬

‫وذِكر أبي طالب في هذا ‪ ،‬غريب جدا ‪ ،‬بل منكر ؛ لن هذه الية مدنية ‪ ،‬ثم إن هذه القصة‬
‫واجتماع قريش على هذا الئتمار والمشاورة على الثبات أو النفي أو القتل ‪ ،‬إنما كان ليلة الهجرة‬
‫سواء ‪ ،‬وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلث سنين لما تمكنوا منه واجترءوا عليه بعد‬
‫موت عمه أبي طالب ‪ ،‬الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه‪ .‬والدليل على صحة ما قلنا ‪ :‬ما‬
‫رواه المام محمد بن إسحاق بن َيسَار صاحب "المغازي" عن عبد ال بن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬وحدثني الكلبي ‪ ،‬عن باذان مولى أم هانئ ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن‬
‫نفرًا من قريش من أشراف كل قبيلة ‪ ،‬اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة ‪ ،‬فاعترضهم (‪ )1‬إبليس في‬
‫صورة شيخ جليل ‪ ،‬فلما رأوه قالوا ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬شيخ من نجد ‪ ،‬سمعت أنكم اجتمعتم ‪،‬‬
‫فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي‪ .‬قالوا ‪ :‬أجل ‪ ،‬ادخل فدخل معهم فقال ‪ :‬انظروا‬
‫في شأن هذا الرجل ‪ ،‬وال ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره‪ .‬قال ‪ :‬فقال قائل منهم ‪ :‬احبسوه‬
‫في وثاق ‪ ،‬ثم تربصوا به ريب المنون ‪ ،‬حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء ‪ :‬زهير‬
‫والنابغة ‪ ،‬إنما هو كأحدهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فصرخ عدو ال الشيخ النجدي فقال ‪ :‬وال ما هذا لكم برأي ‪،‬‬
‫وال ليخرجنه ربه من محبسه (‪ )2‬إلى أصحابه ‪ ،‬فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ‪،‬‬
‫فيمنعوه منكم ‪ ،‬فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلدكم‪ .‬قال ‪ :‬فانظروا في غير هذا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال قائل منهم ‪ :‬أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه ‪ ،‬فإنه إذا خرج لن يضركم ما‬
‫صنع وأين وقع ‪ ،‬إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم ‪ ،‬وكان أمره في غيركم ‪ ،‬فقال الشيخ النجدي ‪:‬‬
‫وال ما هذا لكم برأي ‪ ،‬ألم تروا حلوة [قوله] (‪ )3‬وطلوة لسانه ‪ ،‬وأخذ القلوب ما تسمع (‪ )4‬من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حديثه ؟ وال لئن فعلتم ‪ ،‬ثم استعرض العرب ‪ ،‬ليجتمعن عليكم (‪ )5‬ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم‬
‫من بلدكم ويقتل أشرافكم‪ .‬قالوا ‪ :‬صدق وال ‪ ،‬فانظروا بابا غير هذا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال أبو جهل ‪ ،‬لعنه ال ‪ :‬وال لشيرن عليكم برأي ما أراكم تصرمونه (‪ )6‬بعد ‪ ،‬ما أرى‬
‫غيره‪ .‬قالوا ‪ :‬وما هو ؟ قال ‪ :‬نأخذ من كل قبيلة غلما شابا وسيطا نهدًا ‪ ،‬ثم يعطى كل غلم‬
‫منهم سيفا صارما ‪ ،‬ثم يضربونه ضربة رجل واحد ‪ ،‬فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل [كلها] (‪)7‬‬
‫فل أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها‪ .‬فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل ‪،‬‬
‫واسترحنا وقطعنا عنا أذاه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال الشيخ النجدي ‪ :‬هذا وال الرأي‪ .‬القول ما قال الفتى ل رأي غيره ‪ ،‬قال ‪ :‬فتفرقوا على‬
‫ذلك وهم مجمعون له (‪)8‬‬
‫فأتى جبريل النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأمره أل يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ‪،‬‬
‫وأخبره بمكر القوم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪" :‬واعترضهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬من حبسه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ما نشبع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بصرتموه"‬
‫(‪ )7‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م‪.‬‬

‫( ‪)4/44‬‬

‫فلم يبت رسول ال صلى ال عليه وسلم في بيته تلك الليلة ‪ ،‬وأذن ال له عند ذلك بالخروج ‪،‬‬
‫وأنزل ال عليه بعد قدومه المدينة "النفال" يذكر نعمه (‪ )1‬عليه وبلءه عنده ‪ { :‬وَإِذْ َي ْمكُرُ ِبكَ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ َأوْ َيقْتُلُوكَ َأوْ يُخْ ِرجُوكَ وَ َي ْمكُرُونَ وَ َي ْمكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ } وأنزل‬
‫[ال] (‪ )2‬في قولهم ‪" :‬تربصوا به ريب المنون ‪ ،‬حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء" ‪،‬‬
‫{ َأمْ َيقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَ ّبصُ ِبهِ رَ ْيبَ ا ْلمَنُونِ } [الطور ‪ ]30 :‬وكان ذلك اليوم يسمى "يوم الزحمة"‬
‫(‪ )3‬للذي اجتمعوا عليه من الرأي (‪)4‬‬
‫وعن السّ ّديّ نحو هذا السياق ‪ ،‬وأنزل ال في إرادتهم إخراجه قوله تعالى ‪ { :‬وَإِنْ كَادُوا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لَيَسْ َتفِزّو َنكَ مِنَ ال ْرضِ لِيُخْ ِرجُوكَ مِ ْنهَا وَِإذًا ل يَلْبَثُونَ خِل َفكَ إِل قَلِيل } [السراء ‪.]76 :‬‬
‫عقْبَة ‪،‬‬
‫وكذا روى ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وروي عن مجاهد ‪ ،‬وعُرْوة بن الزبير ‪ ،‬وموسى بن ُ‬
‫وقتادة ‪ ،‬ومِقْسَم ‪ ،‬وغير واحد ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬
‫وقال يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ :‬فأقام رسول ال صلى ال عليه وسلم ينتظر أمر ال ‪،‬‬
‫حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت به ‪ ،‬وأرادوا به ما أرادوا ‪ ،‬أتاه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فأمره أل‬
‫يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه (‪ )5‬فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم علي بن أبي طالب ‪،‬‬
‫فأمره أن يبيت على فراشه وأن يتسجى ببُرد له أخضر ‪ ،‬ففعل‪ .‬ثم خرج رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم على القوم وهم على بابه ‪ ،‬وخَرَج معه بحفنة من تراب ‪ ،‬فجعل يذرها على رؤوسهم ‪،‬‬
‫حكِيمِ } إلى‬
‫وأخذ ال بأبصارهم عن نبيه محمد صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ ‪ { :‬يس وَا ْلقُرْآنِ ا ْل َ‬
‫قوله ‪ { :‬فَأَغْشَيْنَاهُمْ َفهُمْ ل يُ ْبصِرُونَ } [يس ‪.]9 - 1 :‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬روي عن عكرمة ما يؤكد هذا (‪)6‬‬
‫وقد روى [أبو حاتم] (‪ )7‬ابن حِبّان في صحيحه ‪ ،‬والحاكم في مستدركه ‪ ،‬من حديث عبد ال بن‬
‫عثمان بن خُثَيْم ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬دخلت فاطمةُ على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وهي تبكي ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما يبكيك يا بُنَيّة ؟" قالت ‪ :‬يا أبت ‪[ ،‬و] (‪ )8‬ما لي ل أبكي ‪،‬‬
‫وهؤلء المل من قريش في الحجْر يتعاقدون باللت والعُزّى ومناة الثالثة الخرى ‪ ،‬لو قد رأوك‬
‫لقاموا إليك فيقتلونك ‪ ،‬وليس منهم إل من قد عرف نصيبه من دمك‪ .‬فقال ‪" :‬يا بنية ‪ ،‬ائتني‬
‫ب َوضُوء"‪ .‬فتوضأ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم خرج إلى المسجد‪ .‬فلما رأوه قالوا ‪ :‬إنما‬
‫هو ذا (‪ )9‬فطأطؤوا رؤوسهم ‪ ،‬وسقطت أذقانهم بين أيديهم ‪ ،‬فلم يرفعوا أبصارهم‪ .‬فتناول رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم بها ‪ ،‬وقال ‪" :‬شاهت الوجوه"‪ .‬فما أصاب رجل‬
‫حصَاة من حصياته إل قُتل يوم بدر كافرا‪.‬‬
‫منهم َ‬
‫ثم قال الحاكم ‪ :‬صحيح على شرط مسلم ‪ ،‬ولم يخرجاه ‪ ،‬ول أعرف له علة (‪)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬نعمته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الرحمة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )13/494‬من طريق ابن إسحاق به‪.‬‬
‫(‪ )5‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬به"‪.‬‬
‫(‪ )6‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)470 ، 2/469‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ك ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من د‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬ها هو ذا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬صحيح ابن حبان برقم (‪" )1691‬موارد" والمستدرك (‪.)3/157‬‬

‫( ‪)4/45‬‬

‫س ِمعْنَا َلوْ نَشَاءُ َلقُلْنَا مِ ْثلَ َهذَا إِنْ َهذَا إِلّا َأسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ (‪ )31‬وَإِذْ‬
‫وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ َ‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‬
‫حجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫حقّ مِنْ عِنْ ِدكَ فََأ ْمطِرْ عَلَيْنَا ِ‬
‫قَالُوا الّلهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا ُهوَ الْ َ‬
‫‪َ )32‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُي َعذّ َبهُ ْم وَأَ ْنتَ فِيهِ ْم َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َب ُه ْم وَهُمْ َيسْ َتغْفِرُونَ (‪)33‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬أخبرني عثمان الجَزَري ‪ ،‬عن ِمقْسَم مولى‬
‫ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَإِذْ َي ْمكُرُ ِبكَ الّذِينَ َكفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ } قال ‪ :‬تشاورت‬
‫قريش ليلة بمكة ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق ‪ -‬يريدون النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ -‬وقال بعضهم ‪ :‬بل اقتلوه‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬بل أخرجوه‪ .‬فأطلع ال نبيه على ذلك ‪ ،‬فبات علي‬
‫رضي ال عنه على فراش رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وخرج رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم (‪ )1‬حتى لحق بالغار ‪ ،‬وبات المشركون يحرسون عليّا يحسبونه النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فلما أصبحوا ثاروا إليه ‪ ،‬فلما رأوا عليّا رَدّ ال تعالى مكرهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أين صاحبك هذا ؟‬
‫قال ‪ :‬ل أدري‪ .‬فاقتصا (‪ )2‬أثره ‪ ،‬فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ‪ ،‬فصعدوا في الجبل فمرّوا‬
‫بالغار ‪ ،‬فرأوا على بابه نسج العنكبوت ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ‪،‬‬
‫فمكث فيه ثلث ليال (‪)3‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن جعفر بن الزبير ‪ ،‬عن عُ ْروَة بن الزبير في قوله ‪:‬‬
‫{ وَ َي ْمكُرُونَ وَ َي ْمكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ } أي ‪ :‬فمكرت بهم بكيدي المتين ‪ ،‬حتى خلصتك‬
‫منهم‪.‬‬
‫س ِمعْنَا َلوْ نَشَاءُ َلقُلْنَا مِ ْثلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِل َأسَاطِي ُر الوّلِينَ (‪ )31‬وَإِذْ‬
‫{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ َ‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‬
‫حجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫حقّ مِنْ عِنْ ِدكَ فََأ ْمطِرْ عَلَيْنَا ِ‬
‫قَالُوا الّلهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا ُهوَ الْ َ‬
‫‪َ )32‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُي َعذّ َبهُ ْم وَأَ ْنتَ فِيهِ ْم َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َب ُه ْم وَهُمْ َيسْ َتغْفِرُونَ (‪} )33‬‬
‫يخبر تعالى عن كفر قريش وعُ ُتوّهم وتمرّدهم وعنادهم ‪ ،‬ودعواهم الباطل عند سماع آياته حين‬
‫س ِمعْنَا َلوْ نَشَاءُ َلقُلْنَا مِ ْثلَ َهذَا } وهذا منهم قول ل فعل ‪ ،‬وإل فقد‬
‫تتلى عليهم أنهم يقولون ‪َ { :‬قدْ َ‬
‫تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فل يجدون إلى ذلك سبيل‪ .‬وإنما هذا قول منهم‬
‫َيغُرّون به أنفسهم ومن اتبعهم على باطلهم‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬كما قد نص على ذلك سعيد بن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جُبَيْر ‪ ،‬والسّ ّديّ ‪ ،‬وابن جُرَيج وغيرهم ؛ فإنه ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬كان قد ذهب إلى بلد فارس ‪ ،‬وتعلم‬
‫من أخبار ملوكهم ُرسْتم واسفنديار ‪ ،‬ولما قدم وجد رسول ال صلى ال عليه وسلم قد بعثه ال ‪،‬‬
‫وهو يتلو على الناس القرآن ‪ ،‬فكان إذا قام صلى ال عليه وسلم (‪ )4‬من مجلس ‪ ،‬جلس فيه‬
‫النضر فيحدثهم من أخبار أولئك ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬بال أيهما أحسن قصصا ؟ أنا أو محمد ؟ ولهذا لما‬
‫أمكن ال تعالى منه يوم بدر ووقع في السارى ‪ ،‬أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أن تضرب‬
‫رقبته صبرا بين يديه ‪ ،‬ففُعل ذلك ‪ ،‬ول الحمد‪ .‬وكان الذي أسره المقداد بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬فاقتصوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )1/348‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/27‬فيه عثمان بن عمرو الجزري وثقه ابن‬
‫حبان وضعفه غيره ‪ ،‬وبقية رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ك ‪ ،‬د ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬

‫( ‪)4/46‬‬

‫السود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كما قال ابن جرير ‪:‬‬


‫شعْبَة ‪ ،‬عن أبي ِبشْر ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر‬
‫حدثنا محمد بن بشّار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫طعَيْمة بن عَدِي ‪،‬‬
‫عقْبَةَ بن أبي ُمعَيْط و ُ‬
‫قال ‪ :‬قَتَل النبي صلى ال عليه وسلم يوم بدر صبرا ُ‬
‫والنضر بن الحارث‪ .‬وكان المقداد أسر النضر ‪ ،‬فلما أمر بقتله ‪ ،‬قال المقداد ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫أسيري‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬إنه كان يقول في كتاب ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ما‬
‫يقول"‪ .‬فأمر رسول ال (‪ )1‬صلى ال عليه وسلم بقتله ‪ ،‬فقال المقداد ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أسيري‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اللهم اغن المقداد من فضلك"‪ .‬فقال المقداد ‪ :‬هذا الذي‬
‫س ِمعْنَا َلوْ َنشَاءُ َلقُلْنَا مِ ْثلَ هَذَا‬
‫أردت‪ .‬قال ‪ :‬وفيه أنزلت هذه الية ‪ { :‬وَِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ َ‬
‫إِنْ َهذَا إِل أَسَاطِي ُر الوّلِينَ } (‪)2‬‬
‫وكذا رواه هُشَيْم ‪ ،‬عن أبي بشر جعفر بن أبي َوحْشِيّة ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ؛ أنه قال ‪" :‬المطعم‬
‫بن عدي" "بدل طعيمة" (‪ )3‬وهو غلط ؛ لن المطعم بن عدي لم يكن حيا يوم بدر ؛ ولهذا قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يومئذ ‪" :‬لو كان المطعم (‪ )4‬حيا ‪ ،‬ثم سألني (‪ )5‬في هؤلء النّتْنَى‬
‫(‪ )6‬لوهبتهم له" (‪ - )7‬يعني ‪ :‬السارى ‪ -‬لنه كان قد أجار رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم‬
‫رجع من الطائف‪.‬‬
‫ومعنى ‪ { :‬أَسَاطِيرُ الوّلِينَ } وهو جمع أسطورة ‪ ،‬أي ‪ :‬كتبهم اقتبسها ‪ ،‬فهو يتعلم منها ويتلوها‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫على الناس‪ .‬وهذا هو الكذب البحت ‪ ،‬كما أخبر ال عنهم في الية الخرى ‪َ { :‬وقَالُوا أَسَاطِيرُ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ إِنّهُ‬
‫الوّلِينَ اكْتَتَ َبهَا َف ِهيَ ُتمْلَى عَلَ ْيهِ ُبكْ َر ًة وََأصِيل ُقلْ أَنزَلهُ الّذِي َيعَْلمُ السّرّ فِي ال ّ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا } [الفرقان ‪.]6 ، 5 :‬أي ‪ :‬لمن تاب إليه وأناب ؛ فإنه يتقبل منه ويصفح عنه‪.‬‬
‫كَانَ َ‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا‬
‫حجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫حقّ مِنْ عِنْ ِدكَ فََأمْطِرْ عَلَيْنَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذْ قَالُوا الّلهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا ُهوَ الْ َ‬
‫ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ } هذا من كثرة جهلهم وعُ ُتوّهم وعنادهم وشدة تكذيبهم ‪ ،‬وهذا مما عِيبُوا به ‪ ،‬وكان‬
‫الولى لهم أن يقولوا ‪" :‬اللهم ‪ ،‬إن كان هذا هو الحق من عندك ‪ ،‬فاهدنا له ‪ ،‬ووفقنا لتباعه"‪.‬‬
‫ولكن استفتحوا على أنفسهم ‪ ،‬واستعجلوا العذاب ‪ ،‬وتقديم العقوبة كما قال تعالى ‪ { :‬وَيَسْ َتعْجِلُو َنكَ‬
‫شعُرُونَ } [العنكبوت ‪، ]53 :‬‬
‫سمّى َلجَاءَ ُهمُ ا ْلعَذَابُ وَلَيَأْتِيَ ّنهُمْ َبغْتَ ًة وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫جلٌ مُ َ‬
‫ب وََلوْل َأ َ‬
‫بِا ْلعَذَا ِ‬
‫ب وَاقِعٍ ِل ْلكَافِرينَ‬
‫جلْ لَنَا قِطّنَا قَ ْبلَ َيوْمِ ا ْلحِسَابِ } [ص ‪ { ، ]16 :‬سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫عّ‬‫{ َوقَالُوا رَبّنَا َ‬
‫لَيْسَ َلهُ دَافِعٌ مِنَ اللّهِ ذِي ا ْل َمعَارِجِ } [المعارج ‪ ، ]3 - 1 :‬وكذلك قال الجهلة من المم السالفة ‪،‬‬
‫سمَاءِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ } [الشعراء ‪]187 :‬‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫سقِطْ عَلَيْنَا ِك َ‬
‫كما قال قوم شعيب له ‪ { :‬فَأَ ْ‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا‬
‫حقّ مِنْ عِ ْن ِدكَ فََأمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫‪ ،‬وقال هؤلء ‪ { :‬الّلهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا ُهوَ الْ َ‬
‫ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)13/504‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)13/504‬‬
‫(‪ )4‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬المطعم بن عدي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪" :‬وسألني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬السبى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3139‬من حديث جبير بن مطعم ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/47‬‬

‫شعْبَة ‪ ،‬عن عبد الحميد ‪ ،‬صاحب الزيّادي ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬هو أبو جهل بن هشام‬
‫قال ُ‬
‫سمَاءِ َأوِائْتِنَا ِبعَذَابٍ َألِيمٍ }‬
‫ح ّقمِنْ عِ ْن ِدكَ فََأمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫قال ‪ { :‬الّل ُهمّ إِنْ كَانَ َهذَا ُهوَ ا ْل َ‬
‫فنزلت { َومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيعَذّ َبهُ ْم وَأَ ْنتَ فِيهِ ْم َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُ ْم وَهُمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ } الية‪.‬‬
‫رواه البخاري عن أحمد ومحمد بن النضر ‪ ،‬كلهما عن عُبَيد ال بن ُمعَاذ ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن شعبة‬
‫‪ ،‬به (‪)1‬‬
‫وأحمد هذا هو ‪ :‬أحمد بن النضر بن عبد الوهاب‪ .‬قاله الحاكم أبو أحمد ‪ ،‬والحاكم أبو عبد ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النيسابوري ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَإِذْ قَالُوا الّلهُمّ إِنْ‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا ِبعَذَابٍ َألِيمٍ } قال ‪ :‬هو‬
‫حقّ مِنْ عِنْ ِدكَ فََأ ْمطِرْ عَلَيْنَا حِجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫كَانَ هَذَا ُهوَ الْ َ‬
‫ب وَاقِعْ لِ ْلكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِع }‬
‫النضر بن الحارث بن كلدة ‪ ،‬قال ‪ :‬فأنزل ال ‪ { :‬سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫[المعارج ‪ ]2 - 1 :‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والسدي ‪ :‬إنه النضر بن‬
‫جلْ لَنَا ِقطّنَا قَ ْبلَ َي ْومِا ْلحِسَابِ } [ص ‪:‬‬
‫الحارث ‪ -‬زاد عطاء ‪ :‬فقال ال تعالى ‪َ { :‬وقَالُوا رَبّنَا عَ ّ‬
‫‪ ]16‬وقال { وََلقَدْ جِئْ ُتمُونَا فُرَادَى َكمَا خََلقْنَاكُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ } [النعام ‪ ]94 :‬وقال { سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَابٍ‬
‫وَاقِعٍ لِ ْلكَافِرينَ لَيْسَ َلهُ دَا ِفعٌ } [المعارج ‪ ، ]2 ، 1 :‬قال عطاء ‪ :‬ولقد أنزل فيه بضع عشرة آية من‬
‫كتاب ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وقال ابن مُ ْر ُدوَيْه ‪ :‬حدثنا محمد بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث ‪ ،‬حدثنا أبو غسان‬
‫حدثنا أبو ُتمَيْلة ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬عن ابن بُرَيْدة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬رأيت عمرو بن العاص واقفا‬
‫يوم ُأحُد على فرس ‪ ،‬وهو يقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن كان ما يقول محمد حقا ‪ ،‬فاخسف بي وبفرسي"‪.‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬وَإِذْ قَالُوا الّلهُمّ إِنْ كَانَ َهذَا ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ عِنْ ِدكَ } الية ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ذلك‬
‫سفهة هذه المة وجهلتها (‪ )2‬فعاد ال بعائدته ورحمته على سفهة هذه المة وجهلتها‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُي َعذّ َبهُ ْم وَأَ ْنتَ فِيهِ ْم َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َب ُه ْم وَهُمْ َيسْ َت ْغفِرُونَ } قال ابن‬
‫عكْرِمة بن عمار ‪ ،‬عن أبي‬
‫أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود ‪ ،‬حدثنا ِ‬
‫سمَاك الحنفي ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون ‪ :‬لبيك اللهم‬
‫ُزمَيْل ِ‬
‫لبيك ‪ ،‬لبيك ل شريك لك (‪ )3‬فيقول النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قَ ْد قد"! ويقولون ‪ :‬ل شريك لك‬
‫‪ ،‬إل شريكا هو لك ‪ ،‬تملكه وما ملك‪ .‬ويقولون ‪ :‬غفرانك ‪ ،‬غفرانك ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ‬
‫لِ ُيعَذّ َبهُ ْم وَأَ ْنتَ فِيهِ ْم َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُ ْم وَ ُهمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ } قال ابن عباس ‪ :‬كان فيهم أمانان ‪:‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والستغفار ‪ ،‬فذهب النبي صلى ال عليه وسلم وبقي الستغفار (‪)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4649 ، 4648‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬وجهلها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬لك لبيك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الطبري في تفسير (‪ )13/511‬من طريق أبي حذيفة موسى بن مسعود به‪.‬‬

‫( ‪)4/48‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني الحارث ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا أبو َمعْشَر ‪ ،‬عن يزيد بن رُومَان‬
‫ومحمد بن قيس قال قالت قريش بعضها لبعض ‪ :‬محمد أكرمه ال من بيننا ‪ { :‬الّلهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ } فلما أمسوا ندموا على ما‬
‫حقّ مِنْ عِ ْن ِدكَ فََأمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫ُهوَ الْ َ‬
‫قالوا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬غفرانك اللهم! فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ [لِ ُيعَذّ َبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِ ْم َومَا كَانَ‬
‫اللّهُ] ُمعَذّ َبهُ ْم وَ ُهمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ } (‪ )1‬إلى قوله ‪ { :‬وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ } [النفال ‪.]34 :‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيعَذّ َبهُ ْم وَأَ ْنتَ فِيهِمْ } يقول ‪ :‬ما كان‬
‫ال ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ‪ ،‬ثم قال ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َب ُه ْم وَهُمْ‬
‫يَسْ َت ْغفِرُونَ } يقول ‪ :‬وفيهم من قد سبق له من ال الدخولُ في اليمان ‪ ،‬وهو الستغفار ‪-‬‬
‫يستغفرون ‪ ،‬يعني ‪ :‬يصلون ‪ -‬يعني بهذا أهل مكة‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬وعطية ال َعوْفي ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬والسّ ّديّ نحو ذلك‪.‬‬
‫وروي عن مُجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫وقال الضحاك وأبو مالك ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُمْ وَهُمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ } يعني ‪ :‬المؤمنين الذين كانوا‬
‫بمكة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الغفار بن داود ‪ ،‬حدثنا النضر بن عَرَبي [قال] (‪)2‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬إن ال جعل في هذه المة أمانين ل يزالون معصومين مجارين من قوارع‬
‫العذاب ما داما بين أظهرهم ‪ :‬فأمان قبضه ال إليه ‪ ،‬وأمان بقي فيكم ‪ ،‬قوله ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ‬
‫لِ ُيعَذّ َبهُ ْم وَأَ ْنتَ فِيهِ ْم َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُ ْم وَ ُهمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ }‬
‫قال (‪ )3‬أبو صالح عبد الغفار ‪ :‬حدثني بعض أصحابنا ‪ ،‬أن النضر بن عربي حدثه هذا الحديث ‪،‬‬
‫عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وروى ابن مَ ْر ُدوَيه وابن جرير ‪ ،‬عن أبي موسى الشعري نحوًا من هذا (‪ )4‬وكذا رُوي عن‬
‫قتادة وأبي العلء النحوي المقرئ‪.‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا سفيان بن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا ابن ُنمَيْر ‪ ،‬عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ‪،‬‬
‫عن عباد بن يوسف ‪ ،‬عن أبي بردة بن أبي موسى ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬أنزل ال عليّ أمانين لمتي ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيعَذّ َبهُ ْم وَأَ ْنتَ فِيهِ ْم َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُ ْم وَهُمْ‬
‫يَسْ َت ْغفِرُونَ } فإذا مضيت ‪ ،‬تركتُ فيهم الستغفار إلى يوم القيامة" (‪)5‬‬
‫ويشهد لهذا (‪ )6‬ما رواه المام أحمد في مسنده ‪ ،‬والحاكم في مستدركه ‪ ،‬من حديث عبد ال بن‬
‫وهب ‪ :‬أخبرني عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن دَرَاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)13/513‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪ )3082‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب ‪ ،‬وإسماعيل بن مهاجر‬
‫يضعف في الحديث‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬لصحة هذا"‪.‬‬

‫( ‪)4/49‬‬

‫غوِي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم‪.‬‬


‫قال ‪" :‬إن الشيطان قال ‪ :‬وعزتك يا رب ‪ ،‬ل أبرح أ ْ‬
‫فقال الرب ‪ :‬وعزتي وجللي ‪ ،‬ل أزال أغفر لهم ما استغفروني"‪.‬‬
‫ثم قال الحاكم ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه (‪)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا معاوية بن عمرو ‪ ،‬حدثنا ِرشْدِين ‪ -‬هو ابن سعد ‪ -‬حدثني معاوية بن‬
‫سعد التّجيبي ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن َفضَالة بن عُبَيد ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬العبد‬
‫آمن من عذاب ال ما استغفر ال ‪ ،‬عز وجل" (‪)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )3/29‬والمستدرك (‪ )4/261‬وهذا سياق الحاكم‪ .‬وأما سياق أحمد في المسند من‬
‫طريق ابن لهيعة عن دراج به‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)6/20‬‬

‫( ‪)4/50‬‬

‫جدِ الْحَرَا ِم َومَا كَانُوا َأوْلِيَا َءهُ إِنْ َأوْلِيَا ُؤهُ إِلّا ا ْلمُ ّتقُونَ‬
‫َومَا َل ُهمْ أَلّا ُيعَذّ َب ُهمُ اللّهُ وَهُمْ َيصُدّونَ عَنِ ا ْل َمسْ ِ‬
‫ن صَلَا ُت ُهمْ عِنْدَ الْبَ ْيتِ إِلّا ُمكَا ًء وَ َتصْدِيَةً فَذُوقُوا ا ْلعَذَابَ ِبمَا‬
‫وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪َ )34‬ومَا كَا َ‬
‫كُنْتُمْ َت ْكفُرُونَ (‪)35‬‬

‫جدِ الْحَرَا ِم َومَا كَانُوا َأوْلِيَا َءهُ إِنْ َأوْلِيَا ُؤهُ إِل ا ْلمُتّقُونَ‬
‫{ َومَا َلهُمْ أَل ُي َعذّ َبهُمُ اللّ ُه وَهُمْ َيصُدّونَ عَنِ ا ْلمَسْ ِ‬
‫ن صَل ُتهُمْ عِنْدَ الْبَ ْيتِ إِل ُمكَاءً وَ َتصْدِيَةً فَذُوقُوا ا ْلعَذَابَ ِبمَا‬
‫وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ (‪َ )34‬ومَا كَا َ‬
‫كُنْتُمْ َت ْكفُرُونَ (‪} )35‬‬
‫يخبر تعالى أنهم أهل لن يعذبهم ‪ ،‬ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بين أظهرهم ؛ ولهذا لما خرج من بين أظهرهم ‪ ،‬أوقع ال بهم بأسه يوم بدر ‪ ،‬فقُتل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صناديدهم وأسرت سُراتهم‪ .‬وأرشدهم تعالى إلى الستغفار من الذنوب ‪ ،‬التي هم متلبسون بها من‬
‫الشرك والفساد‪.‬‬
‫قال قتادة والسّدّي وغيرهما ‪ :‬لم يكن القوم يستغفرون ‪ ،‬ولو كانوا يستغفرون لما عذبوا‪.‬‬
‫واختاره ابن جرير ‪ ،‬فلول ما كان بين أظهرهم من المستضعفين من المؤمنين المستغفرين ‪،‬‬
‫لوقع بهم البأس الذي ل يرد ‪ ،‬ولكن دفع عنهم بسبب أولئك ‪ ،‬كما قال تعالى في يوم الحديبية ‪{ :‬‬
‫جدِ ا ْلحَرَا ِم وَا ْلهَ ْديَ َم ْعكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ َمحِلّ ُه وََلوْل رِجَالٌ ُم ْؤمِنُونَ‬
‫هُمُ الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوكُمْ عَنِ ا ْلمَسْ ِ‬
‫حمَتِهِ مَنْ‬
‫خلَ اللّهُ فِي رَ ْ‬
‫وَنِسَاءٌ ُم ْؤمِنَاتٌ َلمْ َتعَْلمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَ ُتصِي َبكُمْ مِ ْنهُمْ َمعَ ّرةٌ ِبغَيْرِ عِلْمٍ لِ ُيدْ ِ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا } [الفتح ‪.]25 :‬‬
‫يَشَاءُ َلوْ تَزَيّلُوا َلعَذّبْنَا الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْنهُمْ َ‬
‫حمَيد ‪ ،‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬عن جعفر بن أبي المغيرة ‪ ،‬عن ابن أبزى قال‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن ُ‬
‫‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم بمكة ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيعَذّ َبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } قال ‪:‬‬
‫فخرج النبي صلى ال عليه وسلم إلى المدينة ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُ ْم وَ ُهمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ‬
‫} قال ‪ :‬وكان أولئك البقية من المؤمنين (‪ )1‬الذين بقوا فيها يستغفرون ‪ -‬يعني بمكة ‪ -‬فلما‬
‫جدِ ا ْلحَرَا ِم َومَا كَانُوا‬
‫خرجوا ‪ ،‬أنزل ال ‪َ { :‬ومَا َلهُمْ أَل ُي َعذّ َبهُمُ اللّ ُه وَهُمْ َيصُدّونَ عَنِ ا ْلمَسْ ِ‬
‫َأوْلِيَا َءهُ } قال ‪ :‬فأذن ال في فتح مكة ‪ ،‬فهو العذاب الذي وعدهم‪.‬‬
‫ورُوي عن ابن عباس ‪ ،‬وأبي مالك والضحاك ‪ ،‬وغير واحد نحو هذا‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن هذه الية ناسخة لقوله ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُمْ وَهُمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ } على أن يكون‬
‫المراد صدور الستغفار منهم أنفسهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬المسلمين"‪.‬‬

‫( ‪)4/50‬‬

‫حمَيد ‪ ،‬حدثنا يحيى بن واضح ‪ ،‬عن الحسين بن واقد ‪ ،‬عن يزيد‬


‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن ُ‬
‫النحوي ‪ ،‬عن عكرمة والحسن البصري قال قال في "النفال" ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيعَذّ َب ُه ْم وَأَ ْنتَ فِي ِهمْ‬
‫َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُمْ وَهُمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ } فنسختها الية التي تليها ‪َ { :‬ومَا َلهُمْ أَل ُيعَذّ َبهُمُ اللّهُ } إلى‬
‫قوله ‪ { :‬فَذُوقُوا ا ْلعَذَابَ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْكفُرُونَ } فقُوتلوا بمكة ‪ ،‬فأصابهم فيها الجوع والضر‪.‬‬
‫وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي (‪ُ )1‬تمَيْلة يحيى بن واضح (‪)2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا حجاج بن محمد ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج‬
‫وعثمان بن عطاء ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُ ْم وَ ُهمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ } ثم‬
‫سجِدِ الْحَرَامِ }‬
‫استثنى أهل الشرك فقال [تعالى] (‪َ { )3‬ومَا َلهُمْ أَل ُيعَذّ َبهُمُ اللّ ُه وَ ُهمْ َيصُدّونَ عَنِ ا ْلمَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جدِ الْحَرَا ِم َومَا كَانُوا َأوْلِيَا َءهُ إِنْ َأوْلِيَا ُؤهُ إِل‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َلهُمْ أَل ُيعَذّ َب ُهمُ اللّهُ وَهُمْ َيصُدّونَ عَنِ ا ْل َمسْ ِ‬
‫ن وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬وكيف ل يعذبهم ال وهم يصدون عن المسجد الحرام أي‬
‫ا ْلمُ ّتقُو َ‬
‫الذي ببكة ‪ ،‬يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلة عنده والطواف به ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا‬
‫كَانُوا َأوْلِيَا َءهُ } أي ‪ :‬هم ليسوا أهل المسجد الحرام ‪ ،‬وإنما أهله النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫س ِهمْ‬
‫وأصحابه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬مَا كَانَ لِ ْل ُمشْ ِركِينَ أَنْ َي ْعمُرُوا َمسَاجِدَ اللّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫جدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ‬
‫عمَاُلهُ ْم َوفِي النّارِ ُهمْ خَاِلدُونَ إِ ّنمَا َي ْعمُرُ مَسَا ِ‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫بِا ْل ُكفْرِ أُولَ ِئكَ حَبِ َ‬
‫الخِ ِر وََأقَامَ الصّل َة وَآتَى ال ّزكَا َة وَلَمْ َيخْشَ إِل اللّهَ َفعَسَى أُولَ ِئكَ أَنْ َيكُونُوا مِنَ ا ْل ُمهْتَدِينَ } [التوبة ‪:‬‬
‫جدِ الْحَرَا ِم وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ َأكْبَرُ‬
‫‪ ، ]18 ، 17‬وقال تعالى ‪َ { :‬وصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه َو ُكفْرٌ ِب ِه وَا ْلمَسْ ِ‬
‫عِنْدَ اللّهِ [وَا ْلفِتْنَةُ َأكْبَرُ مِنَ ا ْلقَ ْتلِ] } (‪ )4‬الية [البقرة ‪..]217 :‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر بن مَ ْر ُدوَيه في تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا سليمان بن أحمد ‪ -‬هو الطبراني ‪-‬‬
‫حدثنا جعفر بن إلياس بن صدقة المصري ‪ ،‬حدثنا ُنعَيْم بن حماد ‪ ،‬حدثنا نوح بن أبي مريم ‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن سعيد النصاري ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سئل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم من آلك ؟ قال (‪ )5‬كل تقي" ‪ ،‬وتل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إِنْ َأوْلِيَا ُؤهُ إِل‬
‫ا ْلمُ ّتقُونَ } (‪)6‬‬
‫وقال الحاكم في مستدركه ‪ :‬حدثنا أبو بكر الشافعي ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن الحسن ‪ ،‬حدثنا أبو حذيفة ‪،‬‬
‫حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبد ال بن عثمان بن خُثَيْم (‪ )7‬عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن جده قال ‪ :‬جمع رسول ال صلى ال عليه وسلم قريشا فقال ‪" :‬هل فيكم من غيركم ؟ " قالوا ‪:‬‬
‫فينا ابن أختنا (‪ )8‬وفينا حليفنا ‪ ،‬وفينا مولنا‪ .‬فقال ‪" :‬حليفنا منا ‪ ،‬وابن أختنا منا ‪ ،‬ومولنا منا ‪،‬‬
‫إن أوليائي منكم المتقون"‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬هذا [حديث] (‪ )9‬صحيح ‪ ،‬ولم يخرجاه (‪)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬وضاح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )5002‬مجمع البحرين" وقال ‪" :‬لم يروه عن يحيى‬
‫إل نوح تفرد به نعيم"‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/269‬فيه نوح بن أبي مريم وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬خيثم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬أخينا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬المستدرك (‪.)2/328‬‬

‫( ‪)4/51‬‬

‫وقال عُ ْروَة ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق في قوله تعالى ‪ { :‬إِنْ َأوْلِيَا ُؤهُ إِل ا ْلمُ ّتقُونَ } قال ‪ :‬هم‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬رضي ال عنهم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هم المجاهدون ‪ ،‬من كانوا ‪ ،‬وحيث كانوا‪.‬‬
‫ثم ذكر تعالى ما كانوا يعتمدونه عند المسجد الحرام ‪ ،‬وما كانوا يعاملونه به ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ومَا كَانَ‬
‫صَل ُتهُمْ عِنْدَ الْبَ ْيتِ إِل ُمكَا ًء وَ َتصْدِ َيةً } قال عبد ال (‪ )1‬بن عمر ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وأبو رجاء العطاردي ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬وحُجْر بن‬
‫عَنْبَس ‪ ،‬ونُبَيْط بن شُرَيْط ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هو الصفير ‪ -‬وزاد مجاهد‬
‫‪ :‬وكانوا يدخلون أصابعهم في أفواههم‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬ال ُمكَاء ‪ :‬الصفير على نحو طير أبيض يقال له ‪" :‬ال ُمكَاء" ‪ ،‬ويكون بأرض الحجاز‪.‬‬
‫والتصدية ‪ :‬التصفيق‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو خَلد سليمان بن خلد ‪ ،‬حدثنا يونس بن محمد المؤدب ‪ ،‬حدثنا‬
‫يعقوب ‪ -‬يعني ابن عبد ال الشعري ‪ -‬حدثنا جعفر بن أبي المغيرة ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن‬
‫ن صَل ُتهُمْ عِنْدَ الْبَ ْيتِ إِل ُمكَا ًء وَ َتصْدِيَةً } قال ‪ :‬كانت قريش تطوف‬
‫ابن عباس في قوله ‪َ { :‬ومَا كَا َ‬
‫بالكعبة (‪ )2‬عراة تصفر وتصفق‪ .‬والمكاء ‪ :‬الصفير ‪ ،‬وإنما شبهوا بصفير الطير وتصدية‬
‫التصفيق‪.‬‬
‫وهكذا روى علي بن أبي طلحة وال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وكذا روى عن ابن عمر ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫حجْر بن‬
‫ومحمد بن كعب ‪ ،‬وأبي سلمة بن عبد الرحمن ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطية العوفي ‪ ،‬و ُ‬
‫عَنْبَس ‪ ،‬وابن أبزَى نحو هذا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا أبو عمر ‪ ،‬حدثنا قُرّة ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن ابن عمر في‬
‫ن صَل ُتهُمْ عِ ْندَ الْبَ ْيتِ إِل ُمكَا ًء وَ َتصْدِيَةً } قال ‪ :‬المكاء ‪ :‬الصفير‪ .‬والتصدية ‪:‬‬
‫قوله ‪َ { :‬ومَا كَا َ‬
‫حكَى لنا عطية فعل ابن عمر ‪ ،‬فصفر ابن عمر ‪ ،‬وأمال خده ‪ ،‬وصفق‬
‫التصفيق‪ .‬قال قرة ‪ :‬و َ‬
‫بيديه‪.‬‬
‫وعن ابن عمر أيضًا أنه قال ‪ :‬كانوا يضعون خدودهم على الرض و ُيصَ ّفقُون و ُيصَفّرُون‪ .‬رواه‬
‫ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عنه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬كانوا يطوفون بالبيت على الشمال‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬وإنما كانوا يصنعون ذلك ليخلطوا بذلك على النبي صلى ال عليه وسلم صلته‪.‬‬
‫وقال الزهري ‪ :‬يستهزئون بالمؤمنين‪.‬‬
‫وعن سعيد بن جُبَيْر وعبد الرحمن بن زيد ‪ { :‬وَ َتصْدِيَة } قال ‪ :‬صدّهم الناس عن سبيل ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عبد الرزاق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬البيت"‪.‬‬

‫( ‪)4/52‬‬

‫حسْ َرةً ثُمّ ُيغْلَبُونَ‬


‫إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا يُ ْنفِقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ لِ َيصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُ ْن ِفقُونَهَا ُثمّ َتكُونُ عَلَ ْي ِهمْ َ‬
‫ج َعلَ الْخَبِيثَ َب ْعضَهُ عَلَى‬
‫جهَنّمَ ُيحْشَرُونَ (‪ )36‬لِ َيمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ وَيَ ْ‬
‫وَالّذِينَ َكفَرُوا ِإلَى َ‬
‫جهَنّمَ أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ (‪)37‬‬
‫جعََلهُ فِي َ‬
‫جمِيعًا فَيَ ْ‬
‫َب ْعضٍ فَيَ ْر ُكمَهُ َ‬

‫قوله ‪ { :‬فَذُوقُوا ا ْلعَذَابَ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْكفُرُونَ } قال الضحاك ‪ ،‬وابن جُرَيْج ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ :‬هو‬
‫ما أصابهم يوم َبدْر من القتل والسّبْي‪ .‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬ولم يحك غيره‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد قال ‪ :‬عذاب أهل القرار بالسيف ‪ ،‬وعذاب أهل التكذيب بالصيحة والزلزلة‪.‬‬
‫{ إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا يُ ْنفِقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ لِ َيصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُ ْن ِفقُو َنهَا ثُمّ َتكُونُ عَلَ ْيهِمْ حَسْ َرةً ُثمّ‬
‫ج َعلَ الْخَبِيثَ‬
‫حشَرُونَ (‪ )36‬لِ َيمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ وَيَ ْ‬
‫جهَنّمَ يُ ْ‬
‫ُيغْلَبُونَ وَالّذِينَ َكفَرُوا إِلَى َ‬
‫جهَنّمَ أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ (‪} )37‬‬
‫جعَلَهُ فِي َ‬
‫جمِيعًا فَيَ ْ‬
‫َب ْعضَهُ عَلَى َب ْعضٍ فَيَ ْر ُكمَهُ َ‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني الزهري ‪ ،‬ومحمد بن يحيى بن حِبّان ‪ ،‬وعاصم بن عمر بن قتادة ‪،‬‬
‫حصَيْن بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعيد بن معاذ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لما أصيبت قريش يوم بدر ‪،‬‬
‫وال ُ‬
‫ورجع فَلّهم إلى مكة ‪ ،‬ورجع أبو سفيان ِبعِيرِه ‪ ،‬مشى عبد ال بن أبي ربيعة ‪ ،‬وعكرمة بن أبي‬
‫جهل وصفوان بن أمية ‪ ،‬في رجال من قريش أصيب آباؤهم ‪ ،‬وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ‪ ،‬فكلموا‬
‫أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك (‪ )1‬العير من قريش تجارة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا معشر قريش ‪،‬‬
‫إن محمدا قد وَتَرَكم وقتل خياركم ‪ ،‬فأعينونا بهذا المال على حربه ‪ ،‬لعلنا أن ندرك منه ثأرًا بمن‬
‫أصيب منا! ففعلوا‪ .‬قال ‪ :‬ففيهم ‪ -‬كما ذكر عن ابن عباس ‪ -‬أنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫جهَنّمَ‬
‫َكفَرُوا يُ ْنفِقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ [لِ َيصُدّوا عَنْ سَبِيلِ الِ] } (‪ )2‬إلى قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ َكفَرُوا إِلَى َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حشَرُونَ } (‪)3‬‬
‫يُ ْ‬
‫حكَم بن عتيبة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬وابن أبزَى ‪:‬‬
‫وهكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وال َ‬
‫أنها نزلت (‪ )4‬في أبي سفيان ونفقته الموال في أُحُد لقتال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬نزلت في أهل بدر‪.‬‬
‫وعلى كل تقدير ‪ ،‬فهي عامة‪ .‬وإن كان سبب نزولها خاصا ‪ ،‬فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون‬
‫أموالهم ليصدوا عن اتباع طريق الحق ‪ ،‬فسيفعلون ذلك ‪ ،‬ثم تذهب أموالهم ‪ { ،‬ثُمّ َتكُونُ عَلَ ْيهِمْ‬
‫حسْ َرةً } أي ‪ :‬ندامة ؛ حيث لم ُتجْدِ شيئًا ؛ لنهم أرادوا إطفاء نور ال وظهور كلمتهم على كلمة‬
‫َ‬
‫الحق ‪ ،‬وال متم نوره ولو كره الكافرون ‪ ،‬وناصر دينه ‪ ،‬و ُمعْلِن كلمته ‪ ،‬ومظهر دينه على كل‬
‫دين‪ .‬فهذا الخزي لهم في الدنيا ‪ ،‬ولهم في الخرة عذاب النار ‪ ،‬فمن عاش منهم ‪ ،‬رأى بعينه‬
‫وسمع بأذنه ما يسوءه ‪ ،‬ومن قُتِل منهم أو مات ‪ ،‬فإلى الخِزْي البدي والعذاب السّ ْرمَ ِديّ ؛ ولهذا‬
‫جهَنّمَ يُحْشَرُونَ }‬
‫ن وَالّذِينَ َكفَرُوا إِلَى َ‬
‫حسْ َرةً ثُمّ ُيغْلَبُو َ‬
‫قال ‪ { :‬فَسَيُ ْن ِفقُونَهَا ثُمّ َتكُونُ عَلَ ْي ِهمْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه الطبري في تفسيره (‪.)13/532‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬أنزلت"‪.‬‬

‫( ‪)4/53‬‬

‫ضتْ سُنّةُ الَْأوّلِينَ (‪َ )38‬وقَاتِلُوهُمْ‬


‫ف وَإِنْ َيعُودُوا َفقَدْ َم َ‬
‫ُقلْ لِلّذِينَ َكفَرُوا إِنْ يَنْ َتهُوا ُي ْغفَرْ َلهُمْ مَا َقدْ سََل َ‬
‫حَتّى لَا َتكُونَ فِتْنَ ٌة وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ فَإِنِ انْ َت َهوْا فَإِنّ اللّهَ ِبمَا َي ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪ )39‬وَإِنْ َتوَّلوْا‬
‫فَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َموْلَاكُمْ ِن ْعمَ ا ْل َموْلَى وَ ِنعْمَ ال ّنصِيرُ (‪)40‬‬

‫وقوله تعالى ‪ { :‬لِ َيمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله‬
‫‪ { :‬لِ َيمِيزَ اللّهُ ا ْلخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ } فيميز أهل السعادة من أهل الشقاء (‪ )1‬وقال السّدّي ‪ :‬يميز‬
‫المؤمن من الكافر‪ .‬وهذا يحتمل أن يكون هذا التمييز في الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬ثُمّ َنقُولُ‬
‫لِلّذِينَ أَشْ َركُوا َمكَا َنكُمْ أَنْتُ ْم وَشُ َركَا ُؤكُمْ فَزَيّلْنَا بَيْ َن ُهمْ } [يونس ‪ ، ]28 :‬وقال تعالى { وَ َيوْمَ َتقُومُ‬
‫عةُ َي ْومَئِذٍ يَ َتفَ ّرقُونَ } [الروم ‪ ، ]14 :‬وقال في الية الخرى ‪َ { :‬ي ْومَئِذٍ َيصّدّعُونَ } [الروم ‪]43‬‬
‫السّا َ‬
‫‪ ،‬وقال تعالى ‪ { :‬وَامْتَازُوا الْ َيوْمَ أَ ّيهَا ا ْلمُجْ ِرمُونَ } [يس ‪.]59 :‬‬
‫ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا ‪ ،‬بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين ‪ ،‬وتكون "اللم" معللة لما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعل ال للكفار من مال ينفقون في الصد عن سبيل ال ‪ ،‬أي ‪ :‬إنما أقدرناهم على ذلك ؛ { لِ َيمِيزَ‬
‫اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ } أي ‪ :‬من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين ‪ ،‬أو يعصيه بالنكول عن ذلك كما‬
‫ن وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ نَا َفقُوا َوقِيلَ‬
‫ج ْمعَانِ فَبِإِذْنِ اللّ ِه وَلِ َيعْلَمَ ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫قال تعالى ‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ َيوْمَ الْ َتقَى الْ َ‬
‫َلهُمْ َتعَاَلوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َأوِ ا ْد َفعُوا قَالُوا َلوْ َنعَْلمُ قِتَال لتّ َبعْنَاكُمْ } الية [آل عمران ‪، 166 :‬‬
‫‪ ، ]167‬وقال تعالى ‪ { :‬مَا كَانَ اللّهُ لِ َيذَرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنْ ُتمْ عَلَيْهِ حَتّى َيمِيزَ ا ْلخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ‬
‫َومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيطِْل َعكُمْ عَلَى ا ْلغَ ْيبِ } الية [آل عمران ‪ ، ]179 :‬وقال تعالى ‪ { :‬أَمْ حَسِبْ ُتمْ أَنْ‬
‫تَ ْدخُلُوا الْجَنّ َة وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَا َهدُوا مِ ْنكُ ْم وَ َيعْلَمَ الصّابِرِينَ } [آل عمران ‪]142 :‬ونظيرتها في‬
‫براءة أيضا‪.‬‬
‫فمعنى الية على هذا ‪ :‬إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم ‪ ،‬وأقدرناهم على إنفاق الموال وبذلها في‬
‫ذلك ؛ ليتميز (‪ )2‬الخبيث من الطيب ‪ ،‬فيجعل الخبيث بعضه على بعض ‪ { ،‬فَيَ ْر ُكمَهُ } أي ‪:‬‬
‫جعَلُهُ‬
‫يجمعه كله ‪ ،‬وهو جمع الشيء بعضه على بعض ‪ ،‬كما قال تعالى في السحاب ‪ُ { :‬ثمّ يَ ْ‬
‫جهَنّمَ أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ } أي ‪:‬‬
‫جعََلهُ فِي َ‬
‫ُركَامًا } [النور ‪]43 :‬أي ‪ :‬متراكما متراكبا ‪ { ،‬فَيَ ْ‬
‫هؤلء هم الخاسرون في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ضتْ سُنّ ُة الوّلِينَ (‪)38‬‬
‫ف وَإِنْ َيعُودُوا َفقَدْ َم َ‬
‫{ ُقلْ لِلّذِينَ َكفَرُوا إِنْ يَنْ َتهُوا ُي ْغفَرْ َلهُمْ مَا قَدْ سََل َ‬
‫َوقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْنَ ٌة وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ فَإِنِ انْ َت َهوْا فَإِنّ اللّهَ ِبمَا َي ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪ )39‬وَإِنْ‬
‫َتوَّلوْا فَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َموْلكُمْ ِنعْمَ ا ْل َموْلَى وَ ِنعْمَ ال ّنصِيرُ (‪} )40‬‬
‫يقول تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم ‪ُ { :‬قلْ لِلّذِينَ َكفَرُوا إِنْ يَنْ َتهُوا } أي ‪ :‬عما هم فيه من الكفر‬
‫والمشاقة والعناد ويدخلوا في السلم والطاعة والنابة ‪ ،‬يغفر لهم ما قد سَلَف ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬
‫كفرهم ‪ ،‬وذنوبهم وخطاياهم ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪ ،‬من حديث أبي وائل عن ابن مسعود ؛ أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من أحْسَن في السلم ‪ ،‬لم يُؤاخَذ بما عمل في الجاهلية ‪،‬‬
‫ومن أساء في السلم ‪ ،‬أخذ بالول والخر" (‪)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الشقاوة"‬
‫(‪ )2‬في د ‪ ،‬م ‪" :‬ليميز ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )6921‬وصحيح مسلم برقم (‪.)120‬‬

‫( ‪)4/54‬‬

‫جبّ ما قبله (‪)1‬‬


‫وفي الصحيح أيضًا ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬السلم َي ُ‬
‫والتوبة تجب ما كان قبلها"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ َيعُودُوا } أي ‪ :‬يستمروا على ما هم فيه ‪ { ،‬فَقَدْ َمضَتْ سُنّ ُة الوّلِينَ } أي ‪ :‬فقد‬
‫مضت سنتنا في الولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم ‪ ،‬أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة‪.‬‬
‫ضتْ سُنّ ُة الوّلِينَ } أي ‪ :‬في قريش يوم بدر وغيرها من المم‪ .‬وقال السدي‬
‫وقوله ‪َ { :‬فقَدْ َم َ‬
‫ومحمد بن إسحاق ‪ :‬أي ‪ :‬يوم بدر‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْنَ ٌة وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } قال البخاري ‪ :‬حدثنا الحسن بن عبد‬
‫العزيز ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن يحيى ‪ ،‬حدثنا حَ ْيوَة بن شُرَيْح ‪ ،‬عن بكر بن عمرو ‪ ،‬عن ُبكَيْر ‪ ،‬عن‬
‫نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن رجل جاءه فقال ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن ‪ ،‬أل تسمع ما ذكر ال في كتابه ‪:‬‬
‫{ وَإِنْ طَا ِئفَتَانِ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } الية [الحجرات ‪ ، ]9 :‬فما يمنعك أل تقاتل كما ذكر ال في‬
‫كتابه ؟ فقال ‪ :‬يا ابن أخي ‪ ،‬أُعَيّر بهذه الية ول أقاتل ‪ ،‬أحب إلي من أن أُعَيّر بالية التي يقول‬
‫ال ‪ ،‬عز وجل ‪َ { : :‬ومَنْ َيقْ ُتلْ ُم ْؤمِنًا مُ َت َعمّدًا } إلى آخر (‪ )2‬الية [النساء ‪ ، ]93 :‬قال ‪ :‬فإن ال‬
‫تعالى يقول ‪َ { :‬وقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْنَةٌ } ؟ قال ابن عمر ‪ :‬قد فعلنا على عهد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم إذ كان السلم قليل وكان الرجل يُفتن في دينه ‪ :‬إما أن يقتلوه ‪ ،‬وإما أن يوثقوه ‪ ،‬حتى‬
‫كثر السلم فلم تكن فتنة ‪ ،‬فلما رأى أنه ل يوافقه فيما يريد ‪ ،‬قال ‪ :‬فما قولك في علي وعثمان ؟‬
‫قال ابن عمر ‪ :‬ما قولي في علي وعثمان ؟ أما عثمان فكان ال قد عفا عنه ‪ ،‬وكرهتم أن يعفو‬
‫عنه ‪ ،‬وأما علي فابن عم رسول ال صلى ال عليه وسلم وخَتَنُه ‪ -‬وأشار بيده ‪ -‬وهذه ابنته أو ‪:‬‬
‫بنته ‪ -‬حيث ترون‪.‬‬
‫وحدثنا أحمد بن يونس ‪ ،‬حدثنا زُهَيْر ‪ ،‬حدثنا بَيَان أن وَبَرة حدثه قال ‪ :‬حدثني سعيد بن جُبَيْر قال‬
‫‪ :‬خرج علينا ‪ -‬أو ‪ :‬إلينا ‪ -‬ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬فقال رجل ‪ :‬كيف ترى في قتال الفتنة‬
‫؟ فقال ‪ :‬وهل تدري ما الفتنة ؟ كان محمد صلى ال عليه وسلم يقاتل المشركين ‪ ،‬وكان الدخول‬
‫عليهم فتنة ‪ ،‬وليس بقتالكم على الملك‪.‬‬
‫هذا كله سياق البخاري ‪ ،‬رحمه ال (‪)3‬‬
‫وقال عبيد ال ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أنه أتاه رجلن في فتنة ابن الزبير فقال إن الناس قد‬
‫صنعوا ما ترى ‪ ،‬وأنت ابن عمر بن الخطاب ‪ ،‬وأنت صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فما يمنعك أن تخرج ؟ قال ‪ :‬يمنعني أن ال حرم عليّ دم أخي المسلم‪ .‬قالوا ‪ :‬أو لم يقل ال ‪:‬‬
‫{ َوقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْنَةٌ وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } ؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬ما كان قبله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬آخرها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4651 ، 4650‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/55‬‬

‫قال ‪ :‬قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة ‪ ،‬وكان الدين كله ل ‪ ،‬وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ‪،‬‬
‫ويكون الدين لغير ال‪.‬‬
‫وكذا رواه حمّاد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن أيوب بن عبد ال اللخمي قال ‪ :‬كنت عند عبد‬
‫ال بن عمر (‪ )1‬رضي ال عنهما ‪ ،‬فأتاه رجل فقال ‪ :‬إن ال يقول ‪َ { :‬وقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ‬
‫فِتْنَ ٌة وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } فقال (‪ )2‬ابن عمر ‪ :‬قاتلت أنا وأصحابي حتى كان الدين كله ل ‪،‬‬
‫وذهب الشرك ولم تكن فتنة ‪ ،‬ولكنك وأصحابك تقاتلون حتى تكون فتنة ‪ ،‬ويكون الدين لغير ال‪.‬‬
‫رواهما ابن مَرْ ُدوَيه‪.‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم التّ ْيمِي ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال ذو البطين ‪ -‬يعني‬
‫وقال أبو َ‬
‫أسامة بن زيد ‪ -‬ل أقاتل رجل يقول ‪ :‬ل إله إل ال أبدا‪ .‬قال ‪ :‬فقال سعد بن مالك ‪ :‬وأنا وال ل‬
‫أقاتل رجل يقول ‪ :‬ل إله إل ال أبدا‪ .‬فقال رجل ‪ :‬ألم يقل ال ‪َ { :‬وقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْنَةٌ‬
‫وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } ؟ فقال قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة ‪ ،‬وكان الدين كله ل‪ .‬رواه ابن مردويه‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬وقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْنَةٌ } يعني ‪[ :‬حتى] (‪ )3‬ل يكون‬
‫شرك ‪ ،‬وكذا قال أبو العالية ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والربيع عن أنس ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ومُقاتِل‬
‫بن حَيّان ‪ ،‬وزيد بن أسلم‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬بلغني عن الزهري ‪ ،‬عن عُ ْروَة بن الزبير وغيره من علمائنا ‪ { :‬حَتّى ل‬
‫َتكُونَ فِتْ َنةٌ } حتى ل يفتن مسلم عن دينه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ ،‬قال ‪ :‬يخلص‬
‫التوحيد ل‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة ‪ ،‬وابن جُرَيْج ‪ { :‬وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } أن يقال ‪ :‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬ويكون التوحيد خالصا ل ‪ ،‬ليس فيه شرك ‪ ،‬ويخلع ما دونه من النداد‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ { :‬وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } ل يكون مع دينكم كفر‪.‬‬
‫ويشهد له (‪ )4‬ما ثبت في الصحيحين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬أمرت أن‬
‫أقاتل الناس حتى يقولوا ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬فإذا قالوها ‪ ،‬عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها ‪،‬‬
‫وحسابهم على ال ‪ ،‬عز وجل" (‪ )5‬وفي الصحيحين عن أبي موسى الشعري قال ‪ :‬سُئِل رسول‬
‫حمِيّة ‪ ،‬ويقاتل رِيَاءً ‪ ،‬أيّ ذلك في سبيل‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل َ‬
‫ال ‪ ،‬عز وجل ؟ فقال ‪" :‬من قاتل لتكون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬لهذا"‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )25‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )22‬من حديث عبد ال بن‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)4/56‬‬

‫كلمة ال هي العليا ‪ ،‬فهو في سبيل ال ‪ ،‬عز وجل" (‪)1‬‬


‫وقوله ‪ { :‬فَإِنِ انْ َت َهوْا } أي ‪ :‬بقتالكم عما هم فيه من الكفر ‪ ،‬فكفوا عنه (‪ )2‬وإن لم تعلموا (‪)3‬‬
‫بواطنهم ‪ { ،‬فَإِنّ الَ ِبمَا َي ْعمَلُونَ َبصِيرٌ } (‪ )4‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَإِنْ تَابُوا وََأقَامُوا الصّل َة وَآ َتوُا‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ } [التوبة ‪ ، ]5 :‬وفي الية الخرى ‪ { :‬فَإِ ْ‬
‫ال ّزكَاةَ فَخَلّوا سَبِيَلهُمْ إِنّ اللّهَ َ‬
‫الدّينِ } [التوبة ‪.]11 :‬‬
‫وقال ‪َ { :‬وقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْنَ ٌة وَ َيكُونَ الدّينُ لِ فَإِنِ انْ َت َهوْا فَل عُ ْدوَانَ إِل عَلَى الظّاِلمِينَ }‬
‫[البقرة ‪.]193 :‬وفي الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لسامة ‪ -‬لما عل ذلك‬
‫الرجل بالسيف ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل إله إل ال" ‪ ،‬فضربه فقتله ‪ ،‬فذكر ذلك لرسول ال ‪ -‬فقال لسامة ‪:‬‬
‫"أقتلته بعد ما قال ‪ :‬ل إله إل ال ؟ وكيف تصنع بل إله إل ال يوم القيامة ؟" قال ‪ :‬يا رسول‬
‫ش َق ْقتَ عن قلبه ؟" ‪ ،‬وجعل يقول ويكرر عليه ‪" :‬من لك بل إله‬
‫ال ‪ ،‬إنما قالها تعوذا‪ .‬قال ‪" :‬هل َ‬
‫إل ال يوم القيامة ؟" قال أسامة ‪ :‬حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إل ذلك اليوم (‪)6( )5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ َتوَّلوْا فَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َموْلكُمْ ِنعْمَ ا ْل َموْلَى وَ ِنعْمَ ال ّنصِيرُ } أي ‪ :‬وإن استمروا على‬
‫خلفكم ومحاربتكم ‪ { ،‬فَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َموْلكُمْ } سيدكم وناصركم على أعدائكم ‪ ،‬فنعم المولى‬
‫ونعم النصير‪.‬‬
‫وقال محمد بن جرير ‪ :‬حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبان العطار ‪،‬‬
‫حدثنا هشام بن عروة ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ :‬أن عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن أشياء ‪ ،‬فكتب‬
‫إليه عروة ‪" :‬سلم عليك ‪ ،‬فإني أحمد إليك ال الذي ل إله إل هو‪ .‬أما بعد ‪ ،‬فإنك كتبت إلي‬
‫تسألني عن مخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم من مكة ‪ ،‬وسأخبرك (‪ )7‬به ‪ ،‬ول حول ول‬
‫قوة إل بال‪ .‬كان من شأن مخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم من مكة ‪ ،‬أن ال أعطاه النبوة ‪،‬‬
‫فَ ِنعْم النّ ِبيّ ‪ ،‬ونعم السيد ‪ ،‬ونعم العشيرة ‪ ،‬فجزاه ال خيرًا ‪ ،‬وعرّفنا وجهه في الجنة ‪ ،‬وأحيانا‬
‫على ملته ‪ ،‬وأماتنا عليها ‪ ،‬وبعثنا عليه وإنه لما دعا قومه لما بعثه ال له من الهدى والنور الذي‬
‫أنزل عليه ‪ ،‬لم يبعدوا منه أول ما دعاهم إليه ‪ ،‬وكادوا يسمعون منه ‪ ،‬حتى ذكر طواغيتهم ‪ ،‬وقدم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ناس من الطائف من قريش ‪ ،‬لهم أموال ‪ ،‬أنكر ذلك عليه الناس واشتدوا عليه وكرهوا ما قال ‪،‬‬
‫وأغروا به من أطاعهم ‪ ،‬فانصفق عنه عامة الناس ‪ ،‬فتركوه إل من حفظه ال منهم ‪ ،‬وهم قليل‪.‬‬
‫فمكث بذلك ما قدر ال أن يمكث ‪ ،‬ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين ال من‬
‫أبنائهم وإخوانهم ‪ ،‬وقبائلهم ‪ ،‬فكانت فتنة شديدة الزلزال ‪ ،‬فافتُتِن من افتتن ‪ ،‬وعصم ال من شاء‬
‫منهم ‪ ،‬فلما ُفعِل ذلك بالمسلمين ‪ ،‬أمرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض‬
‫الحبشة‪ .‬وكان‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )2810‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1904‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬عنهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬إن كنتم ل تعلمون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬تعملون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬يومئذ"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )4269‬وصحيح مسلم برقم (‪.)96‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬وسأحدثك"‪.‬‬

‫( ‪)4/57‬‬

‫بالحبشة ملك صالح يقال له ‪" :‬النجاشي" ‪ ،‬ل يظلم أحد بأرضه ‪ ،‬وكان يُثْنَى عليه مع ذلك ‪،‬‬
‫سكَنًا لتجارهم ‪ ،‬يجدون فيها رفاغا‬
‫وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش ‪ ،‬يتجرون فيها ‪ ،‬وكانت مَ ْ‬
‫من الرزق وأمنا ومتجرا حسنا ‪ ،‬فأمرهم بها النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذهب إليها عامتهم لما‬
‫قهروا بمكة ‪ ،‬وخاف (‪ )1‬عليهم الفتن‪ .‬ومكث هو فلم يبرح‪ .‬فمكث بذلك سنوات يشتدون على من‬
‫أسلم منهم‪ .‬ثم إنه فشا السلم فيها ‪ ،‬ودخل فيه رجال من أشرافهم ومنعتهم‪ .‬فلما رأوا ذلك‪.‬‬
‫استرخوا استرخاءة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وعن أصحابه ‪ ،‬وكانت الفتنة الولى هي‬
‫أخرجت من خرج من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم قِبل أرض الحبشة مخافتها ‪،‬‬
‫وفرارا مما كانوا فيه من الفتن والزلزال ‪ ،‬فلما استرخى عنهم ودخل في السلم من دخل منهم ‪،‬‬
‫تحدث باسترخائهم عنهم ‪ ،‬فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬أنه ‪ :‬قد استرخي عمن كان منهم بمكة ‪ ،‬وأنهم ل يفتنون ‪ ،‬فرجعوا إلى مكة ‪،‬‬
‫وكادوا يأمنون بها ‪ ،‬وجعلوا يزدادون ويكثرون‪ .‬وأنه أسلم من النصار بالمدينة ناس كثير ‪ ،‬وفشا‬
‫بالمدينة السلم ‪ ،‬وطفق أهل المدينة يأتون رسول ال صلى ال عليه وسلم بمكة ‪ ،‬فلما رأت‬
‫قريش ذلك ‪ ،‬تآمرت على أن يفتنوهم ويشتدوا ‪ ،‬فأخذوهم ‪ ،‬فحرصوا على أن يفتنوهم ‪ ،‬فأصابهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جهد شديد ‪ ،‬فكانت (‪ )2‬الفتنة الخيرة ‪ ،‬فكانت فتنتان ‪ :‬فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض‬
‫الحبشة ‪ ،‬حين أمرهم النبي صلى ال عليه وسلم بها ‪ ،‬وأذن لهم في الخروج إليها ‪ -‬وفتنة لما‬
‫رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة‪ .‬ثم إنه جاء رسول ال صلى ال عليه وسلم من المدينة‬
‫سبعون نقيبًا ‪ ،‬رؤوس الذين أسلموا ‪ ،‬فوافوه بالحج ‪ ،‬فبايعوه بالعقبة ‪ ،‬وأعطوه عهودهم على أنا‬
‫منك وأنت منا ‪ ،‬وعلى أن (‪ )3‬من جاء من أصحابك أو جئتنا ‪ ،‬فإنا (‪ )4‬نمنعك مما نمنع منه‬
‫أنفسنا ‪ ،‬فاشتدت عليهم قريش عند ذلك ‪ ،‬فأمر صلى ال عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى‬
‫المدينة ‪ ،‬وهي الفتنة الخرة التي أخرج فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه ‪ ،‬وخرج هو‬
‫‪ ،‬وهي التي أنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فيها ‪َ { :‬وقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْنَةٌ وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } (‬
‫‪)5‬‬
‫ثم رواه عن يونس بن عبد العلى ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي الزّنَاد ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن عروة بن الزبير ‪ :‬أنه كتب إلى الوليد ‪ -‬يعني ابن عبد الملك بن مروان ‪ -‬بهذا ‪ ،‬فذكر مثله‬
‫(‪ )6‬وهذا صحيح إلى عروة ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وخافوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وكانت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فإنما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)13/539‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)13/542‬‬

‫( ‪)4/58‬‬

‫ن وَابْنِ‬
‫ل وَلِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫خ ُمسَ ُه وَلِلرّسُو ِ‬
‫شيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ ُ‬
‫وَاعَْلمُوا أَ ّنمَا غَ ِنمْ ُتمْ مِنْ َ‬
‫ن وَاللّهُ عَلَى ُكلّ‬
‫ج ْمعَا ِ‬
‫السّبِيلِ إِنْ كُنْ ُتمْ َآمَنْتُمْ بِاللّ ِه َومَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا َيوْمَ ا ْلفُ ْرقَانِ َيوْمَ الْ َتقَى ا ْل َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪)41‬‬
‫َ‬

‫ن وَابْنِ‬
‫س ُه وَلِلرّسُولِ وَِلذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫خمُ َ‬
‫شيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ ُ‬
‫{ وَاعَْلمُوا أَ ّنمَا غَ ِنمْتُمْ مِنْ َ‬
‫ن وَاللّهُ عَلَى ُكلّ‬
‫ج ْمعَا ِ‬
‫السّبِيلِ إِنْ كُنْ ُتمْ آمَنْتُمْ بِاللّ ِه َومَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا َيوْمَ ا ْلفُ ْرقَانِ َيوْمَ الْ َتقَى ا ْل َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪} )41‬‬
‫َ‬
‫يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصا لهذه المة الشريفة ‪ ،‬من بين سائر المم المتقدمة ‪ ،‬من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إحلل المغانم‪ .‬و"الغنيمة" ‪ :‬هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب‪ .‬و"الفيء" ‪ :‬ما‬
‫أخذ منهم بغير ذلك ‪ ،‬كالموال التي يصالحون عليها ‪ ،‬أو يتوفون عنها ول وارث لهم ‪ ،‬والجزية‬
‫والخراج ونحو ذلك‪ .‬هذا مذهب المام الشافعي في طائفة من علماء السلف (‪ )1‬والخلف‪.‬‬
‫ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق (‪ )2‬عليه الغنيمة ‪ ،‬والغنيمة على الفيء أيضا ؛ ولهذا‬
‫ذهب قتادة إلى أن هذه الية ناسخة لية "الحشر" ‪ { :‬مَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلقُرَى فَلِلّهِ‬
‫وَلِلرّسُولِ وَِلذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِينِ } الية [الحشر ‪ ، ]7 :‬قال ‪ :‬فنسخت آية "النفال" تلك‬
‫‪ ،‬وجعلت الغنائم ‪ :‬أربعة أخماسها (‪ )3‬للمجاهدين ‪ ،‬وخمسًا منها لهؤلء المذكورين‪ .‬وهذا الذي‬
‫قاله بعيد ؛ لن هذه الية نزلت بعد وقعة بَدْر ‪ ،‬وتلك نزلت في بني ال ّنضِير ‪ ،‬ول خلف بين‬
‫علماء السير والمغازي قاطبة أن بني النضير بعد بدر ‪ ،‬هذا أمر ل يشك فيه ول يرتاب ‪ ،‬فمن‬
‫يفرق بين معنى الفيء والغنيمة يقول ‪ :‬تلك نزلت في أموال الفيء وهذه في المغانم‪ .‬ومن يجعل‬
‫أمر المغانم والفيء راجعا (‪ )4‬إلى رأي المام يقول ‪ :‬ل منافاة بين آية الحشر وبين التخميس إذا‬
‫رآه المام ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫خمُسَهُ } توكيد لتخميس كل قليل وكثير‬
‫شيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ ُ‬
‫وقوله (‪ )5‬تعالى ‪ { :‬وَاعَْلمُوا أَ ّنمَا غَ ِنمْتُمْ مِنْ َ‬
‫غلّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ُثمّ ُت َوفّى ُكلّ َنفْسٍ‬
‫حتى الخيط (‪ )6‬والمخيط ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َيغُْللْ يَ ْأتِ ِبمَا َ‬
‫ظَلمُونَ } [آل عمران ‪.]161 :‬‬
‫ت وَهُمْ ل يُ ْ‬
‫مَا كَسَ َب ْ‬
‫خ ُمسَ ُه وَلِلرّسُولِ } اختلف المفسرون هاهنا ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬ل نصيب من‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَنّ لِلّهِ ُ‬
‫الخمس يجعل في الكعبة‪.‬‬
‫قال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع ‪ ،‬عن أبي العالية الرّيَاحي قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة ‪ ،‬تكون أربعة أخماس لمن شهدها ‪ ،‬ثم يأخذ الخمس‬
‫فيضرب بيده فيه ‪ ،‬فيأخذ منه الذي قبض كفه ‪ ،‬فيجعله للكعبة (‪ )7‬وهو سهم ال‪ .‬ثم يقسم ما بقي‬
‫على خمسة أسهم ‪ ،‬فيكون سهم للرسول ‪ ،‬وسهم لذوي القربى ‪ ،‬وسهم لليتامى ‪ ،‬وسهم للمساكين ‪،‬‬
‫وسهم لبن السبيل (‪)8‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬ذكر ال هاهنا استفتاح كلم للتبرك ‪ ،‬وسهم (‪ )9‬لرسوله عليه السلم (‪)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬علماء من السلف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ما يطلق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في د ‪" :‬الربعة الخماس" ‪ ،‬وفي ك ‪" :‬أربعة أخماس"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ك ‪" :‬راجع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪" :‬ويقول" ‪ ،‬وفي م ‪" :‬فقوله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬الخياط"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في د ‪" :‬في الكعبة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)13/550‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬وسهمه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)4/59‬‬

‫قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا بعث‬
‫خمّس الغنيمة ‪ ،‬فضرب ذلك الخمس في خمسة‪ .‬ثم قرأ ‪ { :‬وَاعَْلمُوا أَ ّنمَا غَ ِنمْتُمْ مِنْ‬
‫سَرِيّة فغنموا ‪َ ،‬‬
‫خمُسَهُ } مفتاح كلم ‪ ،‬ل ما في‬
‫خ ُمسَ ُه وَلِلرّسُولِ } [قال ‪ :‬وقوله] (‪ { )1‬فَأَنّ لِلّهِ ُ‬
‫شيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ ُ‬
‫َ‬
‫السموات وما في الرض ‪ ،‬فجعل سهم ال وسهم الرسول واحدًا‪.‬‬
‫وهكذا قال إبراهيم النّخَعي ‪ ،‬والحسن بن محمد ابن الحنفية‪ .‬والحسن البصري ‪ ،‬والشعبي ‪،‬‬
‫وعَطاء بن أبي رباح ‪ ،‬وعبد ال بن بريدة (‪ )2‬وقتادة ‪ ،‬ومغيرة ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬أن سهم ال‬
‫ورسوله واحد‪.‬‬
‫ويؤيد هذا ما رواه المام الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناد صحيح ‪ ،‬عن عبد ال بن شقيق ‪ ،‬عن‬
‫رجل من بلقين قال ‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بوادي القُرى ‪ ،‬وهو يعرض‬
‫فرسًا ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما تقول في الغنيمة ؟ فقال ‪" :‬ل خمسها ‪ ،‬وأربعة أخماس للجيش"‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فما أحد أولى به من أحد ؟ قال ‪ " :‬ل ول السهم تستخرجه من جنبك ‪ ،‬ليس أنت أحق به‬
‫من أخيك المسلم" (‪)3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا عمران بن موسى ‪ ،‬حدثنا عبد الوارث ‪ ،‬حدثنا أبان ‪ ،‬عن الحسن قال ‪:‬‬
‫أوصى أبو بكر بالخمس (‪ )4‬من ماله ‪ ،‬وقال ‪ :‬أل أرضى من مالي بما رضي ال لنفسه (‪)5‬‬
‫ثم اختلف قائلو هذا القول ‪ ،‬فروى علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كانت الغنيمة تقسم (‬
‫‪ )6‬على خمسة أخماس ‪ ،‬فأربعة منها بين من قاتل عليها ‪ ،‬وخمس واحد يقسم على أربعة (‪)7‬‬
‫فربع ل وللرسول ولذي القربى ‪ -‬يعني ‪ :‬قرابة النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬فما كان ل وللرسول‬
‫فهو لقرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ولم يأخذ النبي صلى ال عليه وسلم من الخمس شيئًا‬
‫‪[ ،‬والربع الثاني لليتامى ‪ ،‬والربع الثالث للمساكين ‪ ،‬والربع الرابع لبن السبيل]‪)8( .‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو َم ْعمَر المِ ْنقَرِي ‪ ،‬حدثنا عبد الوارث بن سعيد ‪ ،‬عن‬
‫سهُ‬
‫خمُ َ‬
‫شيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ ُ‬
‫حسين المعلم ‪ ،‬عن عبد ال بن بُرَ ْيدَة في قوله ‪ { :‬وَاعَْلمُوا أَ ّنمَا غَ ِنمْتُمْ مِنْ َ‬
‫وَلِلرّسُولِ } قال ‪ :‬الذي ل فلنبيه ‪ ،‬والذي للرسول لزواجه‪.‬‬
‫وقال عبد الملك بن أبي سليمان ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح قال ‪ :‬خمس ال والرسول (‪ )9‬واحد ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يحمل منه ويصنع فيه ما شاء ‪ -‬يعني ‪ :‬النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من تفسير الطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد ال بن أبي بريدة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬السنن الكبرى (‪.)6/324‬‬
‫(‪ )4‬في جميع النسخ ‪" :‬أوصى الحسن بالخمس" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)13/550‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬تخمس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬أربعة أخماس"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ما بين المعقوفين عن تفسير الطبري‪.‬‬
‫(‪ )9‬في د ‪" :‬خمس ال وخمس الرسول"‪.‬‬

‫( ‪)4/60‬‬

‫وهذا أعم وأشمل ‪ ،‬وهو أن الرسول (‪ )1‬صلى ال عليه وسلم (‪ )2‬يتصرف في الخمس الذي‬
‫جعله ال له بما شاء ‪ ،‬ويرده في أمته كيف شاء ‪ -‬ويشهد لهذا ما رواه المام أحمد حيث قال ‪:‬‬
‫حدثنا إسحاق بن عيسى ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن أبي بكر بن عبد ال بن أبي مريم ‪ ،‬عن‬
‫أبي سلم العرج ‪ ،‬عن المقدام بن معد يكرب الكندي ‪ :‬أنه جلس مع عبادة بن الصامت ‪ ،‬وأبي‬
‫الدرداء ‪ ،‬والحارث بن معاوية الكندي ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬فتذاكروا حديث رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال أبو الدرداء لعبادة ‪ :‬يا عبادة ‪ ،‬كلمات رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة‬
‫كذا وكذا في شأن الخماس ؟ فقال عبادة ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى بهم في‬
‫غزوة إلى بعير من المغنم ‪ ،‬فلما سلم قام (‪ )3‬رسول ال صلى ال عليه وسلم فتناول وَبَرة بين‬
‫أنملتيه فقال ‪" :‬إن هذه من غنائمكم ‪ ،‬وإنه ليس لي فيها إل نصيبي معكم إل الخمس ‪ ،‬والخمس‬
‫مردود عليكم ‪ ،‬فأدوا الخيط والمخيط ‪ ،‬وأكبر (‪ )4‬من ذلك وأصغر ‪ ،‬ول تغلوا ‪ ،‬فإن الغلول نار‬
‫وعار على أصحابه في الدنيا والخرة ‪ ،‬وجاهدوا الناس في ال (‪ )5‬القريب والبعيد ‪ ،‬ول تبالوا‬
‫في ال لومة لئم ‪ ،‬وأقيموا حدود ال في الحضر والسفر ‪ ،‬وجاهدوا في [سبيل] (‪ )6‬ال ‪ ،‬فإن‬
‫الجهاد باب من أبواب الجنة [عظيم] (‪ )7‬ينجي به ال من الهم والغم" (‪)8‬‬
‫هذا حديث حسن عظيم ‪ ،‬ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه‪ .‬ولكن روى المام‬
‫أحمد أيضًا ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده عن عبد‬
‫ال بن عمرو ‪ ،‬عن (‪ )9‬رسول ال صلى ال عليه وسلم نحوه في قصة الخمس والنهي عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الغلول (‪)10‬‬
‫وعن عمرو بن عَبَسة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى بهم إلى بعير من المغنم ‪ ،‬فلما‬
‫سلم أخذ وبرة (‪ )11‬من ذلك البعير ثم قال ‪" :‬ول يحل لي من غنائمكم مثل هذه ‪ ،‬إل الخمس ‪،‬‬
‫والخمس مردود فيكم"‪ .‬رواه أبو داود والنسائي (‪)12‬‬
‫وقد كان للنبي صلى ال عليه وسلم من المغانم (‪ )13‬شيء يصطفيه لنفسه عبدًا أو أمة أو فرسًا أو‬
‫سيفًا أو نحو ذلك ‪ ،‬كما نص على ذلك محمد بن سيرين وعامر الشعبي ‪ ،‬وتبعهما على ذلك أكثر‬
‫العلماء‪.‬‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬والترمذي ‪ -‬وحسنه ‪ -‬عن ابن عباس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫تنفل سيفه ذا (‪)14‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪" :‬وهو أنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وأكثر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬في سبيل ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسند أحمد‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسند أحمد‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)5/316‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )2/184‬وسنن أبي داود برقم (‪.)2694‬‬
‫(‪ )11‬في د ‪" :‬أخذ منه وبرة"‪.‬‬
‫(‪ )12‬سنن أبي داود برقم (‪.)2755‬‬
‫(‪ )13‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬الغنيمة"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬ذو"‪.‬‬

‫( ‪)4/61‬‬

‫الفَقَار يوم بدر ‪ ،‬وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد (‪)1‬‬
‫وعن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كانت صفية من الصّفي‪ .‬رواه أبو داود في سننه (‪)2‬‬
‫وروى أيضًا بإسناده ‪ ،‬والنسائي أيضًا عن يزيد بن عبد ال قال ‪ :‬كنا بالمِرْبَد إذ دخل رجل معه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قطعة أديم ‪ ،‬فقرأناها فإذا فيها ‪" :‬من محمد رسول ال إلى بني زهير بن أقيش ‪ ،‬إنكم إن شهدتم أن‬
‫ل إله إل ال ‪ ،‬وأن محمدًا رسول ال ‪ ،‬وأقمتم الصلة ‪ ،‬وآتيتم الزكاة ‪ ،‬وأديتم الخمس من‬
‫المغنم ‪ ،‬وسهم النبي وسهم الصّفي ‪ ،‬أنتم آمنون بأمان ال ورسوله"‪ .‬فقلنا ‪ :‬من كتب لك هذا ؟‬
‫فقال ‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪)3‬‬
‫فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرر هذا وثبوته ؛ ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له‬
‫صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬إن الخمس يتصرف فيه المام بالمصلحة للمسلمين ‪ ،‬كما يتصرف في مال الفيء‪.‬‬
‫وقال شيخنا المام العلمة ابن تيمية ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬وهذا قول مالك وأكثر السلف ‪ ،‬وهو أصح‬
‫القوال‪.‬‬
‫فإذا ثبت هذا وعلم ‪ ،‬فقد اختلف أيضا في الذي كان يناله عليه السلم (‪ )4‬من الخمس ‪ ،‬ماذا‬
‫يُصنع به من بعده ؟ فقال قائلون ‪ :‬يكون لمن يلي المر من بعده‪ .‬روى هذا عن أبي بكر وعلي‬
‫وقتادة جماعة ‪ ،‬وجاء فيه حديث مرفوع (‪)5‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬يصرف في مصالح المسلمين‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل هو مردود على بقية الصناف ‪ :‬ذوي القربى ‪ ،‬واليتامى ‪ ،‬والمساكين ‪ ،‬وابن‬
‫السبيل ‪ ،‬اختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل سهم النبي صلى ال عليه وسلم وسهم ذوي القربى مردودان على اليتامى‬
‫والمساكين وابن السبيل‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وذلك قول جماعة من أهل العراق‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن الخمس جميعه لذوي القربى كما رواه ابن جرير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/271‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1561‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪.)2994‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪.)2994‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )6/303‬من طريق الوليد بن جميع عن أبي الطفيل ‪ :‬لما‬
‫سألت فاطمة أبا بكر عن الخمس فقال ‪ :‬إني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إذا‬
‫أطعم ال نبيا طعمة ثم قبضه كانت للذي يلي بعده" فلما وليت رأيت أن أرده على المسلمين‪.‬‬

‫( ‪)4/62‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدثنا الحارث ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا عبد الغفار ‪ ،‬حدثنا المِ ْنهَال بن عمرو ‪ ،‬وسألت عبد ال‬
‫بن محمد بن علي ‪ ،‬وعلي بن الحسين ‪ ،‬عن الخمس فقال هو لنا‪ .‬فقلت لعلي ‪ :‬فإن ال يقول ‪:‬‬
‫ن وَابْنَ السّبِيلِ } فقال يتامانا ومساكيننا‪.‬‬
‫{ وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي َ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬وأبو ُنعَيْم ‪ ،‬وأبو أسامة ‪ ،‬عن قيس بن مسلم ‪ :‬سألت الحسن بن محمد ابن‬
‫شيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ‬
‫الحنفية ‪ ،‬رحمه ال تعالى ‪ ،‬عن قول ال (‪ )1‬تعالى ‪ { :‬وَاعَْلمُوا أَ ّنمَا غَ ِنمْ ُتمْ مِنْ َ‬
‫س ُه وَلِلرّسُولِ } قال (‪ )2‬هذا مفتاح كلم ‪ ،‬ل (‪ )3‬الدنيا والخرة‪ .‬ثم اختلف الناس في هذين‬
‫خمُ َ‬
‫ُ‬
‫السهمين بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال قائلون ‪ :‬سهم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫تسليما للخليفة من بعده‪ .‬وقال قائلون ‪ :‬لقرابة النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال قائلون ‪ :‬سهم‬
‫القرابة لقرابة الخليفة‪ .‬فاجتمع قولهم (‪ )4‬على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعُدة في سبيل‬
‫ال ‪ ،‬فكانا على ذلك في خلفة أبي بكر وعمر ‪ ،‬رضي ال عنهما (‪)5‬‬
‫قال (‪ )6‬العمش ‪ ،‬عن إبراهيم (‪ )7‬كان أبو بكر وعمر يجعلن سهم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫في الكراع والسلح ‪ ،‬فقلت لبراهيم ‪ :‬ما كان علي يقول فيه ؟ قال ‪ :‬كان [علي] (‪ )8‬أشدهم فيه‪.‬‬
‫وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء ‪ ،‬رحمهم ال‪.‬‬
‫وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب ؛ لن بني المطلب وازروا بني‬
‫هاشم في الجاهلية [وفي أول السلم] (‪ )9‬ودخلوا معهم في الشعب غضبا لرسول ال صلى ال‬
‫حمِيّة للعشيرة وأنفة وطاعة لبي‬
‫عليه وسلم وحماية له ‪ :‬مسلمهم طاعة ل ولرسوله ‪ ،‬وكافرهم َ‬
‫طالب عم رسول ال‪ .‬وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل ‪ -‬وإن كانوا أبناء عمهم ‪ -‬فلم يوافقوهم على‬
‫ذلك ‪ ،‬بل حاربوهم ونابذوهم ‪ ،‬ومالئوا بطون قريش على حرب الرسول ؛ ولهذا كان ذَ ّم أبي‬
‫طالب لهم في قصيدته اللمية أشد من غيرهم ‪ ،‬لشدة قربهم‪ .‬ولهذا يقول في أثناء قصيدته (‪)10‬‬
‫عقُوبة شرّ عاجل غير آجلِ‬
‫جَزَى ال عَنّا عبدَ شمس ونَوفل ُ‬
‫شعِيرةلهُ شَاهدٌ مِنْ َنفْسه غير عائلِ‬
‫بميزان قسْط ل يَخيس َ‬
‫طلِ‬
‫سفُهت أحلمُ قوم تَبَدّلوابني خَلَف قَيْضا بنا والغَيَا ِ‬
‫لقد َ‬
‫خطُوب الوائلِ (‪)11‬‬
‫ونحنُ الصّميم من ذؤابة هاشموآل ُقصَى في ال ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪" :‬عن قوله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬كلم ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬رأيهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪" :‬رضي ال عنهما وأرضاهما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬إبراهيم قال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ك ‪" :‬قصيدته اللمية"‪.‬‬
‫(‪ )11‬البيات في السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/277‬‬

‫( ‪)4/63‬‬

‫وقال جبير بن مطعم بن عدي [بن نوفل] (‪ )1‬مشيت أنا وعثمان بن عفان ‪ -‬يعني ابن أبي العاص‬
‫بن أمية بن عبد شمس ‪ -‬إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أعطيت بني‬
‫المطلب من خمس خيبر وتركتنا ‪ ،‬ونحن وَهُم منك بمنزلة واحدة ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنما بنو هاشم وبنو‬
‫عبد المطلب شيء واحد"‪.‬‬
‫رواه مسلم (‪ )2‬وفي بعض روايات هذا الحديث ‪" :‬إنهم لم يفارقونا في جاهلية ول إسلم" (‪)3‬‬
‫وهذا قول جمهور العلماء أنهم بنو هاشم وبنو المطلب‪.‬‬
‫خصَيْف ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬علم ال‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وقال آخرون ‪ :‬هم بنو هاشم‪ .‬ثم روى عن ُ‬
‫أن في بني هاشم فقراء ‪ ،‬فجعل لهم الخمس مكان الصدقة‪.‬‬
‫وفي رواية عنه قال ‪ :‬هم قرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم الذين ل تحل لهم الصدقة‪.‬‬
‫ثم روى عن علي بن الحسين نحو ذلك‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وقال آخرون ‪ :‬بل هم قريش كلها‪.‬‬
‫حدثني يونس بن عبد العلى ‪ ،‬حدثني عبد ال بن نافع ‪ ،‬عن أبي َمعْشَر ‪ ،‬عن سعيد المقْبُرِي قال‬
‫‪ :‬كتب َنجْدَة إلى عبد ال بن عباس يسأله عن "ذي القربى" ‪ ،‬فكتب إليه ابن عباس ‪ :‬كنا نقول ‪ :‬إنا‬
‫هم فأبى ذلك علينا قومنا ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬قريش كلها ذوو قربى (‪)5( )4‬‬
‫وهذا الحديث في صحيح مسلم ‪ ،‬وأبي داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي من حديث سعيد المقبري عن‬
‫يزيد بن هرمُز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن ذوي القربى فذكره إلى قوله ‪" :‬فأبى ذلك‬
‫علينا قومنا" (‪ )6‬والزيادة من أفراد أبي معشر نَجِيح بن عبد الرحمن المدني ‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ‪ ،‬حدثنا المعتمر بن‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن حَنَش ‪ ،‬عن ِ‬
‫خمْس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم"‪.‬‬
‫غسَالة اليدي ؛ لن لكم من ُ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬رغبت لكم عن ُ‬
‫هذا حديث حسن السناد ‪ ،‬وإبراهيم بن مهدي هذا وَثّقه أبو حاتم ‪ ،‬وقال يحيى بن معين (‪)7‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أجده في صحيح مسلم ول عزاه المزي له في تحفة الشراف ‪ ،‬ولم أجزم بوهم الحافظ هنا‬
‫؛ لن الزيلعي عزاه للصحيحين في تخريج الكشاف (‪ ، )2/30‬ورواه البخاري في صحيحه برقم (‬
‫‪ )3140‬من طريق سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )3‬الرواية في سنن النسائي (‪.)7/130‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬قرابة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)13/555‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪ )1812‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2982‬وسنن الترمذي برقم (‪)1556‬‬
‫وسنن النسائي (‪ ، )7/128‬وهو عند أبي داود والنسائي من حديث الزهري عن يزيد‪.‬‬
‫(‪ )7‬في د ‪" :‬سعيد"‪.‬‬

‫( ‪)4/64‬‬

‫يأتي بمناكير (‪ )1‬وال أعلم‪.‬‬


‫وقوله ‪ { :‬وَالْيَتَامَى } أي ‪ :‬يتامى المسلمين‪ .‬واختلف العلماء هل يختص باليتام الفقراء ‪ ،‬أو يعم‬
‫الغنياء والفقراء ؟ على قولين‪.‬‬
‫و { ا ْلمَسَاكِينِ } هم المحاويج الذين ل يجدون ما يسد خلتهم ومسكنتهم‪.‬‬
‫{ وَابْنِ السّبِيلِ } هو المسافر ‪ ،‬أو المريد للسفر ‪ ،‬إلى مسافة تقصر فيها الصلة ‪ ،‬وليس له ما‬
‫ينفقه في سفره ذلك‪ .‬وسيأتي تفسير ذلك في آية الصدقات من سورة "براءة" ‪ ،‬إن شاء ال تعالى ‪،‬‬
‫وبه الثقة ‪ ،‬وعليه التكلن‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ كُنْ ُتمْ آمَنْ ُتمْ بِاللّ ِه َومَا أَنزلْنَا عَلَى عَ ْبدِنَا } أي ‪ :‬امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس في‬
‫الغنائم ‪ ،‬إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر وما أنزل على رسوله ؛ ولهذا جاء في الصحيحين ‪،‬‬
‫من حديث عبد ال بن عباس ‪ ،‬في حديث وفد عبد القيس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫لهم ‪" :‬وآمركم بأربع وأنهاكم عن أربع ‪ :‬آمركم باليمان بال ثم قال ‪ :‬هل تدرون ما اليمان‬
‫بال ؟ شهادةُ أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن محمدًا رسول ال ‪ ،‬وإقام الصلة وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وأن تؤدوا‬
‫الخمس من المغنم‪ "..‬الحديث بطوله (‪ )2‬فجعل أداء الخمس من جملة اليمان ‪ ،‬وقد بوّب البخاري‬
‫على ذلك في "كتاب اليمان" من صحيحه فقال ‪( :‬باب أداء الخمس من اليمان) ‪ ،‬ثم أورد حديث‬
‫ابن عباس هذا ‪ ،‬وقد بسطنا الكلم عليه في "شرح البخاري" ول الحمد والمنة (‪)3‬‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪َ { :‬ومَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا َيوْمَ ا ْلفُ ْرقَانِ } أي ‪ :‬في القسمة ‪ ،‬وقوله ‪َ { :‬يوْمَ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } ينبه تعالى على نعمته (‪ )4‬وإحسانه إلى خلقه بما فَرَق‬
‫ج ْمعَانِ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫الْ َتقَى ا ْل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫به بين الحق والباطل ببدر ويسمى "الفرقان" ؛ لن ال تعالى أعلى فيه كلمة اليمان على كلمة‬
‫الباطل ‪ ،‬وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طالب وال َعوْفِي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬يوْمَ ا ْلفُ ْرقَانِ } يوم بدر ‪ ،‬فَرَق ال فيه بين‬
‫الحق والباطل‪ .‬رواه الحاكم‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬ومِقْسَم وعبيد ال بن عبد ال ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬و ُمقَاتل بن حيان ‪ ،‬وغير‬
‫واحد ‪ :‬أنه يوم بدر‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عُ ْروَة بن الزبير في قوله ‪َ { :‬يوْمَ ا ْلفُ ْرقَانِ }‬
‫يوم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬ميزان العتدال للذهبي (‪.)1/68‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )53‬وصحيح مسلم برقم (‪.)17‬‬
‫(‪ )3‬وانظر كلم الحافظ ابن حجر في ‪ :‬فتح الباري (‪.)135 - 1/129‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬نعمه"‪.‬‬

‫( ‪)4/65‬‬

‫س َفلَ مِ ْنكُ ْم وََلوْ َتوَاعَدْتُمْ لَاخْتََلفْتُمْ فِي ا ْلمِيعَادِ‬


‫صوَى وَال ّركْبُ أَ ْ‬
‫إِذْ أَنْ ُتمْ بِا ْلعُ ْد َوةِ الدّنْيَا وَهُمْ بِا ْل ُع ْد َوةِ ا ْلقُ ْ‬
‫حيّ عَنْ بَيّنَ ٍة وَإِنّ اللّهَ‬
‫ضيَ اللّهُ َأمْرًا كَانَ َم ْفعُولًا لِ َيهِْلكَ مَنْ هََلكَ عَنْ بَيّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ َ‬
‫وََلكِنْ لِ َيقْ ِ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪)42‬‬
‫لَ َ‬

‫فرق ال [فيه] (‪ )1‬بين الحق والباطل ‪ ،‬وهو يوم بدر ‪ ،‬وهو أول مشهد شهده رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة ‪ ،‬فالتقوا يوم الجمعة لتسعَ عشرةَ ‪ -‬أو ‪ :‬سبع‬
‫عشرة ‪ -‬مضت من رمضان ‪ ،‬وأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يومئذ ثلثمائة وبضعة‬
‫عشر رجل والمشركون ما بين اللف والتسعمائة‪.‬‬
‫فهزم ال المشركين ‪ ،‬وقتل منهم زيادة على السبعين ‪ ،‬وأسر منهم مثل ذلك‪.‬‬
‫وقد روى الحاكم في مستدركه ‪ ،‬من حديث العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن السود ‪ ،‬عن ابن‬
‫مسعود ‪ ،‬قال في ليلة القدر ‪ :‬تحروها لحدى عشرة يبقين (‪ )2‬فإن صبيحتها (‪ )3‬يوم بدر‪ .‬وقال‬
‫‪ :‬على شرطهما (‪)4‬‬
‫وروي مثله عن عبد ال بن الزبير أيضًا ‪ ،‬من حديث جعفر بن بُ ْرقَان ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا يحيى بن واضح ‪ ،‬حدثنا يحيى بن يعقوب أبو طالب ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عوْن محمد بن عبيد ال الثقفي (‪ )5‬عن أبي عبد الرحمن السلمي قال ‪ :‬قال الحسن بن‬
‫عن ابن َ‬
‫علي ‪ :‬كانت ليلة "الفرقان يوم التقى الجمعان" لسبع عشرة من رمضان (‪ )6‬إسناد جيد قوي‪.‬‬
‫ورواه ابن مَ ْر ُدوَيه ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن عبد ال بن حبيب ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬كانت ليلة‬
‫الفرقان ‪ ،‬ليلة التقى الجمعان ‪ ،‬في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشر مضت من شهر رمضان‪.‬‬
‫وهو الصحيح عند أهل المغازي والسير‪.‬‬
‫وقال يزيد بن أبي حبيب إمام أهل الديار المصرية في زمانه ‪ :‬كان يوم بدر يوم الثنين ولم يتابع‬
‫على هذا ‪ ،‬وقول الجمهور مقدم عليه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫س َفلَ مِ ْنكُمْ وََلوْ َتوَاعَدْ ُتمْ لخْتََلفْتُمْ فِي ا ْلمِيعَادِ‬
‫صوَى وَال ّر ْكبُ أَ ْ‬
‫{ ِإذْ أَنْتُمْ بِا ْلعُ ْد َوةِ الدّنْيَا وَ ُهمْ بِا ْلعُ ْد َوةِ ا ْل ُق ْ‬
‫سمِيعٌ‬
‫حيّ عَنْ بَيّنَ ٍة وَإِنّ اللّهَ لَ َ‬
‫ضيَ اللّهُ َأمْرًا كَانَ َم ْفعُول لِ َيهِْلكَ مَنْ هََلكَ عَنْ بَيّنَ ٍة وَيَحْيَا مَنْ َ‬
‫وََلكِنْ لِ َيقْ ِ‬
‫عَلِيمٌ (‪} )42‬‬
‫يقول تعالى [مخبرًا] (‪ )7‬عن يوم الفرقان ‪ { :‬إِذْ أَنْ ُتمْ بِا ْلعُ ْد َوةِ الدّنْيَا } أي ‪ :‬إذ أنتم نزول بعدوة‬
‫الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة ‪ { ،‬وَ ُهمْ } أي ‪ :‬المشركون نزول { بِا ْلعُ ْد َوةِ ا ْل ُقصْوَى } أي ‪:‬‬
‫البعيدة التي من ناحية مكة ‪ { ،‬وال ّر ْكبُ } أي ‪ :‬العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من التجارة‬
‫سفَلَ مِ ْنكُمْ } أي ‪ :‬مما يلي سيف البحر { وََلوْ َتوَاعَدْتُمْ } أي ‪ :‬أنتم والمشركون إلى مكان‬
‫{ َأ ْ‬
‫{ لخْتََلفْتُمْ فِي ا ْلمِيعَادِ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من د ‪ ،‬ك‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬بقين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬فإن في صبيحتها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المستدرك (‪.)3/20‬‬
‫(‪ )5‬في جميع النسخ ‪" :‬عن ابن عون ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال الثقفي" ‪ ،‬والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)13/562‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/66‬‬

‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬وحدثني يحيى بن عباد بن عبد ال بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه في هذه الية قال‬
‫‪ :‬ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ‪ ،‬ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ‪ ،‬ما لقيتموهم ‪ { ،‬وََلكِنْ‬
‫لِ َي ْقضِيَ اللّهُ َأمْرًا كَانَ َمفْعُول } أي ‪ :‬ليقضي ال ما أراد بقدرته من إعزاز السلم وأهله ‪ ،‬وإذلل‬
‫الشرك وأهله ‪ ،‬عن غير مل منكم ‪ ،‬ففعل ما أراد من ذلك بلطفه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وفي حديث كعب بن مالك قال ‪ :‬إنما خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم والمسلمون يريدون‬
‫عِيرَ قريش ‪ ،‬حتى جمع ال بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد (‪)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثني ابن عُلَيّة ‪ ،‬عن ابن عون ‪ ،‬عن عمير بن إسحاق قال ‪:‬‬
‫أقبل أبو سفيان في الركب من الشام ‪ ،‬وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وأصحابه ‪ ،‬فالتقوا ببدر ‪ ،‬ل يشعر هؤلء بهؤلء ‪ ،‬ول هؤلء بهؤلء ‪ ،‬حتى التقت السقاة ‪ ،‬ونهد‬
‫الناس بعضهم لبعض (‪)2‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق في السيرة ‪ :‬ومضى رسول ال صلى ال عليه وسلم على وجهه ذلك حتى‬
‫جهَنيين ‪ ،‬يلتمسان‬
‫إذا كان قريبًا من "الصفراء" بعث بَسْبَس بن عمرو ‪ ،‬وعدي بن أبي الزّغباء ال ُ‬
‫الخبر عن أبي سفيان ‪ ،‬فانطلقا حتى إذا وردا بدرًا فأناخا بعيريهما إلى تل من البطحاء ‪ ،‬فاستقيا‬
‫في شَنّ لهما من الماء ‪ ،‬فسمعا جاريتين يَختصمان ‪ ،‬تقول إحداهما لصاحبتها ‪ :‬اقضيني حقي‪.‬‬
‫وتقول الخرى ‪ :‬إنما تأتي العير غدا أو بعد غد ‪ ،‬فأقضيك حقك‪ .‬فَخَلّص بينهما مَجْدي بن‬
‫عمرو ‪ ،‬وقال ‪ :‬صَدقت ‪ ،‬فسمع ذلك (‪َ )3‬بسْبَسُ وعَ ِديّ ‪ ،‬فجلسا على بعيريهما ‪ ،‬حتى أتيا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فأخبراه الخبر‪ .‬وأقبل أبو سفيان حين وليا وقد حَذِر ‪ ،‬فتقدم أمام عيره‬
‫وقال لمجدي بن عمرو ‪ :‬هل أحسست على هذا الماء من أحد تنكره ؟ فقال ‪ :‬ل وال ‪ ،‬إل أني قد‬
‫رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل ‪ ،‬فاستقيا في شَنّ لهما ‪ ،‬ثم انطلقا‪ .‬فجاء أبو سفيان إلى مُناخ‬
‫بعيريهما ‪ ،‬فأخذ من أبعارهما ‪َ ،‬ففَتّه ‪ ،‬فإذا فيه النوى ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذه وال علئف يثرب‪ .‬ثم رجع‬
‫سريعًا فضرب وجه عيره ‪ ،‬فانطلق بها فَسَاحَل حتى إذا رأى أن قد أحرز عيره بعث إلى قريش‬
‫فقال ‪ :‬إن ال قد نجى عيرَكم وأموالكم ورجالكم ‪ ،‬فارجعوا‪.‬‬
‫فقال أبو جهل ‪ :‬وال (‪ )4‬ل نرجع حتى نأتي بدرا ‪ -‬وكانت بدرُ سوقًا من أسواق العرب ‪ -‬فنقيم‬
‫سقَى بها الخمر ‪ ،‬وتعزف علينا القيان ‪،‬‬
‫بها ثلثا ‪ ،‬فَنُطْعمُ بها الطعام ‪ ،‬وننحَرُ بها الجُزُر (‪ )5‬ونُ ْ‬
‫وتسمع بنا العرب وبسيرنا ‪ ،‬فل يزالون يهابوننا بعدها أبدا‪.‬‬
‫فقال الخنس بن شُرَيْق ‪ :‬يا معشر بني زُهَرة ‪ ،‬إن ال قد َنجّى أموالكم ‪ ،‬ونَجّى صاحبكم ‪،‬‬
‫فارجعوا‪ .‬فأطاعوه ‪ ،‬فرجعت بنو زهرة ‪ ،‬فلم يشهدوها ول بنو عدي (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪.)3951‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)13/567‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬بذلك"‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ل وال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الجزور"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/617‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/67‬‬

‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬وحدثني يزيد بن ُروَمان ‪ ،‬عن عروة بن الزبير قال ‪ :‬وبعث رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬حين دنا من بدر ‪ -‬عليّ بن أبي طالب ‪ ،‬وسعدَ بن أبي وقاص ‪ ،‬والزبير‬
‫سقَاةً لقريش ‪ :‬غلما لبني (‪)1‬‬
‫بن العوام ‪ ،‬في نفر من أصحابه ‪ ،‬يتجسسون له الخبر فأصابوا ُ‬
‫سعيد بن العاص ‪ ،‬وغلما لبني الحجاج ‪ ،‬فأتوا بهما رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فوجدوه‬
‫يصلي ‪ ،‬فجعل أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يسألونهما ‪ :‬لمن أنتما ؟ (‪ )2‬فيقولن ‪:‬‬
‫نحن سُقاة لقريش ‪ ،‬بعثونا نسقيهم من الماء‪ .‬فكره القوم خبرهما ‪ ،‬ورجَوا أن يكونا لبي سفيان ‪،‬‬
‫فضربوهما فلما ذلقوهما قال نحن لبي سفيان‪ .‬فتركوهما ‪ ،‬وركع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وسجد سجدتين ‪ ،‬ثم سلم وقال ‪" :‬إذا صدَقاكم ضربتموهما ‪ ،‬وإذا كذباكم تركتموهما‪ .‬صدقا ‪ ،‬وال‬
‫إنهما لقريش ‪ ،‬أخبراني عن قريش"‪ .‬قال هم وراء هذا الكَثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ‪-‬‬
‫والكثيب ‪ :‬ال َعقَ ْنقَل ‪ -‬فقال لهما رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كم القوم ؟ " قال كثير‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"ما عدّتهم ؟ " قال ما ندري‪ .‬قال ‪" :‬كم ينحَرُون كل يوم ؟ " قال يوما تسعًا ‪ ،‬ويوما عشرًا ‪ ،‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬القوم ما بين التسعمائة إلى اللف"‪ .‬ثم قال لهما ‪" :‬فمن فيهم من‬
‫أشراف قريش ؟ " قال عتبة بن ربيعة ‪ ،‬وشيبة بن ربيعة ‪ ،‬وأبو البخْتري بن هشام ‪ ،‬وحكيم بن‬
‫طعَيمة بن عدي بن [نوفل ‪ ،‬والنضر‬
‫حِزَام ‪ ،‬ونوفل بن خويلد ‪ ،‬والحارث بن عامر بن نوفل ‪ ،‬و ُ‬
‫بن الحارث ‪ ،‬و َز َمعَة بن السود ‪ ،‬وأبو جهل بن هشام ‪ ،‬وأمية] (‪ )3‬بن خلف ‪ ،‬ونُبَيْه ومُنَبّه ابنا‬
‫الحجاج ‪ ،‬وسهيل بن عمرو ‪ ،‬وعمرو بن عبد ود‪ .‬فأقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم على‬
‫الناس فقال ‪" :‬هذه مكة قد ألقت إليكم أفلذ كبدها" (‪)4‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬رحمه ال تعالى ‪ :‬وحدثني عبد ال بن أبي بكر بن حزم ‪ :‬أن سعد بن‬
‫معاذ قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬لما التقى الناس يوم بدر ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أل نبني لك‬
‫عريشًا تكون فيه ‪ ،‬ونُنِيخ إليك ركائبك ‪ ،‬ونلقى عدونا ‪ ،‬فإن أظفرنا ال عليهم وأعزنا فذاك ما‬
‫نحب ‪ ،‬فقال ‪ :‬وإن تكن الخرى فتَجلسَ على ركائبك ‪ ،‬وتلحق بمن وراءنا من قومنا ‪ ،‬فقد ‪ -‬وال‬
‫‪ -‬تخلف عنك أقوام ما نحن بأشدّ لك حبا منهم ‪ ،‬لو علموا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك ‪،‬‬
‫ويوادونك وينصرونك‪ .‬فأثنى عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم خيرًا ‪ ،‬ودعا له به‪ .‬فبُ ِنيَ له‬
‫عريش ‪ ،‬فكان فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر ‪ ،‬ما معهما غيرهما (‪)5‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وارتحلت قريش حين أصبحت ‪ ،‬فلما أقبلت ورآها رسول ال صلى ال عليه‬
‫صوّب من ال َعقَنْقَل ‪ -‬وهو الكثيب ‪ -‬الذي جاءوا منه إلى الوادي قال ‪" :‬اللهم هذه (‪)6‬‬
‫وسلم ُت َ‬
‫قريش قد أقبلت بفخرها وخيلئها تحادك وتكذب رسولك ‪ ،‬اللهم أحنهم الغداة" (‪)7‬‬
‫حيّ عَنْ بَيّنَةٍ } قال محمد بن إسحاق ‪ :‬أي ليكفر من‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ َيهِْلكَ مَنْ َهَلكَ عَنْ بَيّنَ ٍة وَيَحْيَى مَنْ َ‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬لبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬أنتم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/616‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/620‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬اللهم إن هذه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/621‬‬

‫( ‪)4/68‬‬

‫إِذْ يُرِي َكهُمُ اللّهُ فِي مَنَا ِمكَ قَلِيلًا وََلوْ أَرَا َكهُمْ كَثِيرًا َلفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الَْأمْ ِر وََلكِنّ اللّهَ سَلّمَ إِنّهُ عَلِيمٌ‬
‫بِذَاتِ الصّدُورِ (‪ )43‬وَإِذْ يُرِي ُكمُو ُهمْ إِذِ الْ َتقَيْتُمْ فِي أَعْيُ ِن ُكمْ قَلِيلًا وَ ُيقَلُّلكُمْ فِي أَعْيُ ِنهِمْ لِ َي ْقضِيَ اللّهُ َأمْرًا‬
‫كَانَ َمفْعُولًا وَإِلَى اللّهِ تُ ْرجَعُ الُْأمُورُ (‪)44‬‬

‫كفر بعد الحجة ‪ ،‬لما رأى من الية والعبرة ‪ ،‬ويؤمن من آمن على مثل ذلك‪.‬‬
‫سطُ ذلك أنه (‪ )1‬تعالى يقول ‪ :‬إنما جمعكم مع عدوكم في مكان واحد على‬
‫وهذا تفسير جيد‪ .‬وبَ ْ‬
‫غير ميعاد ‪ ،‬لينصركم عليهم ‪ ،‬ويرفع كلمة الحق على الباطل ‪ ،‬ليصير المر ظاهرًا ‪ ،‬والحجة‬
‫قاطعة ‪ ،‬والبراهين ساطعة ‪ ،‬ول يبقى لحد حجة ول شبهة ‪ ،‬فحينئذ { َيهِْلكَ مَنْ هََلكَ } أي ‪:‬‬
‫يستمر في الكفر من استمر فيه على بصيرة من أمره أنه مبطل ‪ ،‬لقيام الحجة عليه ‪ { ،‬وَيَحْيَى مَنْ‬
‫حيّ } أي ‪ :‬يؤمن من آمن { عَنْ بَيّنَةٍ } أي ‪ :‬حجة وبصيرة‪ .‬واليمان هو حياة القلوب ‪ ،‬قال ال‬
‫َ‬
‫جعَلْنَا لَهُ نُورًا َيمْشِي بِهِ فِي النّاسِ } [النعام ‪ ، ]122 :‬وقالت‬
‫تعالى ‪َ { :‬أ َومَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَا ُه وَ َ‬
‫عائشة في قصة الفك ‪ :‬فيّ هلك من هلك أي ‪ :‬قال فيها ما قال من الكذب والبهتان والفك‪.‬‬
‫علِيمٌ } أي ‪ :‬بكم وأنكم‬
‫سمِيعٌ } أي ‪ :‬لدعائكم وتضرعكم واستغاثتكم به { َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّ اللّهَ لَ َ‬
‫تستحقون النصر على أعدائكم الكفرة المعاندين‪.‬‬
‫{ ِإذْ يُرِي َكهُمُ اللّهُ فِي مَنَا ِمكَ قَلِيل وََلوْ أَرَا َكهُمْ كَثِيرًا َلفَشِلْتُ ْم وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي المْ ِر وََلكِنّ اللّهَ سَلّمَ إِنّهُ‬
‫ضيَ اللّهُ‬
‫عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ (‪ )43‬وَإِذْ يُرِي ُكمُوهُمْ ِإذِ الْ َتقَيْتُمْ فِي أَعْيُ ِنكُمْ قَلِيل وَ ُيقَلُّلكُمْ فِي أَعْيُ ِنهِمْ لِ َي ْق ِ‬
‫ج ُع المُورُ (‪} )44‬‬
‫َأمْرًا كَانَ َم ْفعُول وَإِلَى اللّهِ تُرْ َ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬أراه ال إياهم في منامه (‪ )2‬قليل فأخبر النبي صلى ال عليه وسلم أصحابه بذلك ‪،‬‬
‫فكان تثبيتا لهم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكذا قال ابن إسحاق وغير واحد‪ .‬وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه رآهم بعينه التي ينام بها‪.‬‬
‫وقد روى ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يوسف بن موسى المدبر ‪ ،‬حدثنا أبو قتيبة ‪ ،‬عن سهل‬
‫السراج ‪ ،‬عن الحسن في قوله ‪ِ { :‬إذْ يُرِي َكهُمُ اللّهُ فِي مَنَا ِمكَ قَلِيل } قال ‪ :‬بعينك‪.‬‬
‫وهذا القول غريب ‪ ،‬وقد صرح بالمنام هاهنا ‪ ،‬فل حاجة إلى التأويل الذي ل دليل عليه (‪)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوْأَرَا َكهُمْ كَثِيرًا َلفَشِلْ ُتمْ } أي ‪ :‬لجبنتم عنهم واختلفتم فيما بينكم ‪ { ،‬وََلكِنّ اللّهَ سَلّمَ } أي‬
‫‪ :‬من ذلك ‪ :‬بأن أراكهم قليل { إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } أي ‪ :‬بما تجنه الضمائر ‪ ،‬وتنطوي عليه‬
‫الحشاء ‪ ،‬فيعلم خائنة العين وما تخفي الصدور‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذْ يُرِي ُكمُو ُهمْ إِذِ الْ َتقَيْتُمْ فِي أَعْيُ ِن ُكمْ قَلِيل } وهذا أيضًا من لطفه تعالى بهم ‪ ،‬إذ أراهم‬
‫إياهم قليل في رأي العين ‪ ،‬فيجرؤهم عليهم ‪ ،‬ويطمعهم فيهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أن ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ ‪" :‬أراهم ال في منامه" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬له"‪.‬‬

‫( ‪)4/69‬‬

‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِذَا َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَا ْذكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ (‪)45‬‬

‫قال أبو إسحاق السّبِيعي ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لقد‬
‫قُلّلُوا في أعيننا يوم بدر ‪ ،‬حتى قلت لرجل إلى جانبي ‪ :‬تراهم سبعين ؟ قال ‪ :‬ل بل [هم] (‪ )1‬مائة‬
‫‪ ،‬حتى أخذنا رجل منهم فسألناه ‪ ،‬قال (‪ )2‬كنا ألفا‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير (‪)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُيقَلُّلكُمْ فِي أَعْيُ ِنهِمْ } قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا سليمان بن حرب ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪،‬‬
‫عن الزبير بن الخرّيت (‪ )4‬عن (‪ )5‬عكرمة ‪ { :‬وَإِذْ يُرِي ُكمُوهُمْ ِإذِ الْ َتقَيْتُمْ فِي أَعْيُ ِنكُمْ قَلِيل وَ ُيقَلُّلكُمْ‬
‫فِي أَعْيُ ِن ِهمْ } قال ‪ :‬حضض بعضهم على بعض‪.‬‬
‫إسناد صحيح‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني يحيى بن عباد بن عبد ال بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه في قوله تعالى ‪:‬‬
‫ضيَ اللّهُ َأمْرًا كَانَ َم ْفعُول } أي ‪ :‬ليلقي بينهم الحرب ‪ ،‬للنقمة ممن أراد النتقام منه ‪،‬‬
‫{ لِ َي ْق ِ‬
‫والنعام على من أراد تمام النعمة عليه من أهل وليته‪.‬‬
‫ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كل من الفريقين بالخر ‪ ،‬وقلّله في عينه ليطمع فيه ‪ ،‬وذلك عند‬
‫المواجهة‪ .‬فلما التحم القتال وأيد ال المؤمنين بألف من الملئكة مردفين ‪ ،‬بقي حزب الكفار يرى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حزب اليمان ضعفيه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬قدْ كَانَ َلكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْ َتقَتَا فِئَةٌ ُتقَا ِتلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ‬
‫ن وَاللّهُ ُيؤَيّدُ بِ َنصْ ِرهِ مَنْ يَشَاءُ إِ ّنفِي ذَِلكَ َلعِبْ َرةً لولِي‬
‫وَأُخْرَى كَافِ َرةٌ يَ َروْ َنهُمْ مِثْلَ ْيهِمْ رَ ْأيَ ا ْلعَيْ ِ‬
‫ال ْبصَارِ } [آل عمران ‪ ، ]13 :‬وهذا هو الجمع بين هاتين اليتين ‪ ،‬فإن كل منها (‪ )6‬حق‬
‫وصدق ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا َلقِيتُمْ فِ َئةً فَاثْبُتُوا وَا ْذكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا َلعَّل ُكمْ ُتفْلِحُونَ (‪} )45‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من د ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)13/572‬‬
‫(‪ )4‬في د ‪" :‬الحارث"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في د ‪" :‬وعن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬منهما"‪.‬‬

‫( ‪)4/70‬‬

‫حكُ ْم وَاصْبِرُوا إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ (‪)46‬‬


‫وَأَطِيعُوا اللّ َه وَرَسُوَل ُه وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَ ْذ َهبَ رِي ُ‬

‫حكُ ْم وَاصْبِرُوا إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ (‬


‫{ وََأطِيعُوا اللّ َه وَرَسُولَ ُه وَل تَنَازَعُوا فَ َتفْشَلُوا وَتَ ْذ َهبَ رِي ُ‬
‫‪} )46‬‬
‫هذا تعليم ال (‪ )1‬عباده المؤمنين آداب اللقاء ‪ ،‬وطريق الشجاعة عند مواجهة العداء ‪[ ،‬فقال] (‬
‫‪ { )2‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِإذَا َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا }‬
‫ثبت في الصحيحين ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي أوفى ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه انتظر‬
‫في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال ‪ " :‬يا أيها الناس ‪ ،‬ل‬
‫تتمنوا لقاء العدو ‪ ،‬واسألوا ال العافية ‪ ،‬فإذا لقيتموهم فاصبروا (‪ )3‬واعلموا أن الجنة تحت ظلل‬
‫السيوف"‪ .‬ثم قام النبي صلى ال عليه وسلم وقال ‪ " :‬اللهم ‪ ،‬مُنزل الكتاب ‪ ،‬ومُجري السحاب ‪،‬‬
‫وهازم الحزاب ‪ ،‬اهزمهم وانصرنا عليهم" (‪)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬تعليم من ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من د‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فاثبتوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )2818‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1742‬‬

‫( ‪)4/70‬‬

‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن زياد ‪ ،‬عن عبد ال بن يزيد ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تتمنوا لقاء العدو ‪ ،‬واسألوا ال‬
‫العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا ال فإن أجلبوا (‪ )1‬وضجوا (‪ )2‬فعليكم بالصمت (‪)3‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ‪ ،‬حدثنا أمية بن ِبسْطام ‪ ،‬حدثنا‬
‫معتمر بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ثابت بن زيد ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن زيد بن أرقم ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬إن ال يحب الصمت عند ثلث ‪ :‬عند تلوة القرآن ‪ ،‬وعند الزّحف ‪ ،‬وعند الجنازة" (‬
‫‪)4‬‬
‫وفي الحديث الخر المرفوع يقول ال تعالى ‪" :‬إن عبدي كلّ عبدي الذي يذكرني وهو مناجز‬
‫قرنه (‪ )5‬أي ‪ :‬ل يشغله ذلك الحال عن ذكرى ودعائي واستعانتي‪.‬‬
‫وقال سعيد بن أبي عَرُوبة ‪ ،‬عن قتادة في هذه الية ‪ ،‬قال ‪ :‬افترض (‪ )6‬ال ذكره عند أشغل ما‬
‫تكونون (‪ )7‬عند الضراب بالسيوف‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬عن ابن جُريج ‪،‬‬
‫عن عطاء قال ‪ :‬وجب النصات والذكر عند الزحف ‪ ،‬ثم تل هذه الية ‪ ،‬قلت ‪ :‬يجهرون‬
‫بالذكر ؟ قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫وقال أيضًا ‪ :‬قُرئ علي يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أنبأنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني عبد ال بن عياش (‪)8‬‬
‫عن يزيد بن قوذر ‪ ،‬عن كعب الحبار قال ‪ :‬ما من شيء أحب إلى ال تعالى من قراءة القرآن‬
‫والذكر ‪ ،‬ولول ذلك ما أمر الناس بالصلة والقتال ‪ ،‬أل ترون أنه أمر الناس بالذكر عند القتال ‪،‬‬
‫فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَا ْذكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ }‬
‫سمْرُ‬
‫قال الشاعر ‪ :‬ذكرتك والخَطى يخطرُ بَيْنَنَا َوقَد َنهََلتْ فِينَا المُ َث ّقفَةُ ال ّ‬
‫شوَاجِ ٌرفِينَا وَبِيضُ ا ْلهِنْدِ َتقْطُر منْ َدمِي‬
‫وقال عنترة ‪ )9( :‬وَلقَد َذكَرْتُك وال ّرمَاحُ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬جلبوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وصيحوا"‬
‫(‪ )3‬مصنف عبد الرزاق برقم (‪ )9518‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )9/153‬من طريق ابن‬
‫وهب ‪ ،‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ )12/463‬من طريق عبد بن سليمان ‪ ،‬كلهما عن عبد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الرحمن بن زياد به‪.‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الكبير (‪ )5/213‬وفيه راو لم يسم‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3580‬من طريق عفير بن معدان عن أبي دوس اليحصبي‬
‫عن ابن عائذ عن عمارة بن زعكرة مرفوعا ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من هذا‬
‫الوجه ‪ ،‬ليس إسناده بالقوي ‪ ،‬ول نعرف لعمارة بن زعكرة عن النبي صلى ال عليه وسلم إل هذا‬
‫الحديث الواحد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬فرض"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ما يكون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬عباس"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬آخر"‪.‬‬

‫( ‪)4/71‬‬

‫س وَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَاللّهُ ِبمَا َي ْعمَلُونَ‬


‫وَلَا َتكُونُوا كَالّذِينَ خَ َرجُوا مِنْ دِيَارِ ِهمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّا ِ‬
‫س وَإِنّي جَارٌ َلكُمْ فََلمّا‬
‫عمَاَلهُ ْم َوقَالَ لَا غَاِلبَ َلكُمُ الْ َيوْمَ مِنَ النّا ِ‬
‫مُحِيطٌ (‪ )47‬وَإِذْ زَيّنَ َل ُهمُ الشّ ْيطَانُ أَ ْ‬
‫عقِبَيْ ِه َوقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكُمْ إِنّي أَرَى مَا لَا تَ َروْنَ إِنّي َأخَافُ اللّ َه وَاللّهُ‬
‫تَرَا َءتِ ا ْلفِئَتَانِ َن َكصَ عَلَى َ‬
‫شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪ِ )48‬إذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ غَرّ َهؤُلَاءِ دِي ُنهُمْ َومَنْ يَ َت َو ّكلْ عَلَى‬
‫حكِيمٌ (‪)49‬‬
‫اللّهِ فَإِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬

‫[فوددت تقبيل السيوف لنهالمعت كبارق ثغرك المتبسم] (‪)1‬‬


‫فأمر تعالى بالثبات عند قتال العداء والصبر على مبارزتهم ‪ ،‬فل يفروا ول ينكلوا ول يجبنوا ‪،‬‬
‫وأن يذكروا ال في تلك الحال ول ينسوه بل يستعينوا (‪ )2‬به ويتكلوا عليه ‪ ،‬ويسألوه النصر على‬
‫أعدائهم ‪ ،‬وأن يطيعوا ال ورسوله في حالهم ذلك‪ .‬فما أمرهم ال تعالى به ائتمروا ‪ ،‬وما نهاهم‬
‫عنه انزجروا ‪ ،‬ول يتنازعوا فيما بينهم أيضا فيختلفوا فيكون سببا لتخاذلهم وفشلهم‪.‬‬
‫حكُمْ } أي ‪ :‬قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من القبال ‪ { ،‬وَاصْبِرُوا إِنّ اللّهَ مَعَ‬
‫{ وَتَ ْذ َهبَ رِي ُ‬
‫الصّابِرِينَ }‬
‫وقد كان للصحابة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬في باب الشجاعة والئتمار بأمر (‪ )3‬ال ‪ ،‬وامتثال ما‬
‫أرشدهم إليه ‪ -‬ما لم يكن لحد من المم والقرون قبلهم ‪ ،‬ول يكون لحد ممن بعدهم ؛ فإنهم‬
‫ببركة الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬وطاعته فيما أمرهم ‪ ،‬فتحوا القلوب (‪ )4‬والقاليم‬
‫شرقا وغربا في المدة اليسيرة ‪ ،‬مع قلة عَدَدهم بالنسبة إلى جيوش سائر القاليم ‪ ،‬من الروم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبُوش وأصناف السودان والقبْط ‪ ،‬وطوائف بني آدم ‪،‬‬
‫قهروا الجميع حتى عََلتْ كلمة ال ‪ ،‬وظهر دينه على سائر الديان ‪ ،‬وامتدت (‪ )5‬الممالك‬
‫السلمية في مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬في أقل من ثلثين سنة ‪ ،‬فرضي ال عنهم وأرضاهم‬
‫أجمعين ‪ ،‬وحشرنا في زمرتهم ‪ ،‬إنه كريم وهاب‪.‬‬
‫س وَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَاللّهُ ِبمَا‬
‫{ وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ خَ َرجُوا مِنْ دِيَارِ ِهمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّا ِ‬
‫س وَإِنّي جَارٌ‬
‫عمَاَلهُ ْم َوقَالَ ل غَاِلبَ َلكُمُ الْ َيوْمَ مِنَ النّا ِ‬
‫َي ْعمَلُونَ ُمحِيطٌ (‪ )47‬وَإِذْ زَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ أَ ْ‬
‫عقِبَيْ ِه َوقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِ ْن ُكمْ إِنّي أَرَى مَا ل تَ َروْنَ إِنّي َأخَافُ‬
‫َلكُمْ فََلمّا تَرَا َءتِ ا ْلفِئَتَانِ َن َكصَ عَلَى َ‬
‫شدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪ِ )48‬إذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ غَرّ َهؤُلءِ دِي ُنهُ ْم َومَنْ‬
‫اللّ َه وَاللّهُ َ‬
‫حكِيمٌ (‪} )49‬‬
‫يَ َت َوكّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالخلص في القتال في سبيله وكثرة ذكره ‪ ،‬ناهيًا لهم عن التشبه‬
‫بالمشركين في خروجهم من ديارهم { بَطَرًا } أي ‪ :‬دفعا للحق ‪ { ،‬وَرِئَاءَ النّاسِ } وهو ‪ :‬المفاخرة‬
‫والتكبر عليهم ‪ ،‬كما قال أبو جهل ‪ -‬لما قيل له ‪ :‬إن العير قد نجا فارجعوا ‪ -‬فقال ‪ :‬ل وال ل‬
‫نرجع حتى نرد ماء بدر ‪ ،‬وننحر الجُزُر ‪ ،‬ونشرب الخمر ‪ ،‬وتعزف (‪ )6‬علينا القيان ‪ ،‬وتتحدث‬
‫العرب بمكاننا فيها يومنا أبدا ‪ ،‬فانعكس ذلك عليه أجمع ؛ لنهم لما وردوا ماء بدر وردوا به‬
‫الحمام ‪ ،‬و ُرمُوا في أطواء بدر مهانين أذلء ‪ ،‬صغرة أشقياء في عذاب سرمدي أبدي ؛ ولهذا قال‬
‫‪ { :‬وَاللّهُ ِبمَا َي ْعمَلُونَ ُمحِيطٌ } أي ‪ :‬عالم بما جاءوا به وله ‪ ،‬ولهذا جازاهم على ذلك شر الجزاء‬
‫لهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪" :‬يستغيثوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬بأوامر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬الثغور"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في د ‪" :‬واشتهرت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪" :‬وتضرب"‪.‬‬

‫( ‪)4/72‬‬

‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي في قوله تعالى ‪ { :‬وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ‬
‫خَ َرجُوا مِنْ دِيَارِ ِهمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ } قالوا ‪ :‬هم المشركون ‪ ،‬الذين قاتلوا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يوم بدر‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬لما خرجت قريش من مكة إلى بدر ‪ ،‬خرجوا بالقيان والدفوف ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫س وَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَاللّهُ ِبمَا‬
‫{ وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ خَ َرجُوا مِنْ دِيَارِ ِهمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّا ِ‬
‫َي ْعمَلُونَ ُمحِيطٌ }‬
‫س وَإِنّي جَارٌ َلكُمْ } الية‬
‫عمَاَل ُه ْم َوقَالَ ل غَاِلبَ َلكُمُ الْ َيوْمَ مِنَ النّا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذْ زَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ أَ ْ‬
‫‪ :‬حسّن لهم ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬ما جاؤوا له وما هموا به ‪ ،‬وأطمعهم أنه ل غالب لهم اليوم من الناس ‪،‬‬
‫ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم من عدوهم بني بكر فقال ‪ :‬أنا جار لكم ‪ ،‬وذلك أنه‬
‫ج ْعشُم ‪ ،‬سيد بني مُدْلج ‪ ،‬كبير تلك الناحية ‪ ،‬وكل ذلك‬
‫تبدى لهم في صورة سُرَاقة بن مالك بن ُ‬
‫منه ‪ ،‬كما قال [ال] (‪ )1‬تعالى عنه ‪َ { :‬يعِدُ ُه ْم وَ ُيمَنّيهِمْ َومَا َي ِعدُهُمُ الشّيْطَانُ إِل غُرُورًا } [النساء ‪:‬‬
‫‪.]120‬‬
‫قال ابن جريج (‪ )2‬قال ابن عباس في هذه الية ‪ :‬لما كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع‬
‫المشركين ‪ ،‬وألقى في قلوب المشركين ‪ :‬أن أحدا لن يغلبكم ‪ ،‬وإني جار لكم‪ .‬فلما التقوا ‪ ،‬ونظر‬
‫عقِبَيْه } قال ‪ :‬رجع مدبرا ‪ ،‬وقال ‪ { :‬إِنّي أَرَى مَا ل‬
‫علَى َ‬
‫الشيطان إلى إمداد الملئكة ‪َ { ،‬ن َكصَ َ‬
‫تَ َروْنَ } الية‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين ‪ ،‬معه‬
‫رايته ‪ ،‬في صورة رجل من بني مدلج ‪ ،‬والشيطان في صورة سراقة بن مالك (‪ )3‬بن جعشم ‪،‬‬
‫س وَإِنّي جَارٌ َل ُكمْ } فلما اصطف الناس أخذ‬
‫فقال الشيطان للمشركين ‪ { :‬ل غَاِلبَ َلكُمُ الْ َي ْومَ مِنَ النّا ِ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ‪ ،‬فولوا مدبرين‬
‫وأقبل جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إلى إبليس ‪ ،‬فلما رآه ‪ -‬وكانت يده في يد رجل من المشركين ‪-‬‬
‫انتزع يده ثم ولى مدبرا هو وشيعته ‪ ،‬فقال الرجل ‪ :‬يا سراقة ‪ ،‬أتزعم أنك لنا جار ؟ فقال ‪ { :‬إِنّي‬
‫أَرَى مَا ل تَ َروْنَ إِنّي َأخَافُ اللّ َه وَاللّهُ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ } وذلك حين رأى الملئكة‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن إبليس خرج مع‬
‫قريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ‪ ،‬فلما حضر القتال ورأى الملئكة ‪ ،‬نكص على‬
‫عقبيه ‪ ،‬وقال ‪ { :‬إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكُمْ } فتشبث (‪ )4‬الحارث بن هشام فنخر في وجهه ‪ ،‬فخر صعقا ‪،‬‬
‫فقيل له ‪ :‬ويلك يا سراقة ‪ ،‬على هذه الحال تخذلنا وتبرأ منا‪ .‬فقال ‪ { :‬إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكُمْ إِنّي أَرَى مَا‬
‫ل تَ َروْنَ إِنّي َأخَافُ اللّ َه وَاللّهُ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ }‬
‫وقال محمد بن عمر الواقدي ‪ :‬أخبرني عمر بن عقبة ‪ ،‬عن شعبة ‪ -‬مولى ابن عباس ‪ -‬عن ابن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬مالك المدلجي"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ك ‪" :‬فتشبث به"‪.‬‬

‫( ‪)4/73‬‬

‫عباس قال ‪ :‬لما تواقف الناس أغمي على رسول ال صلى ال عليه وسلم ساعة ثم كشف عنه ‪،‬‬
‫فبشر الناس بجبريل في جند من الملئكة ميمنة الناس ‪ ،‬وميكائيل في جند آخر ميسرة الناس ‪،‬‬
‫وإسرافيل في جند آخر ألف‪ .‬وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ‪،‬‬
‫يدبر المشركين ويخبرهم أنه ل غالب لهم (‪ )1‬اليوم من الناس‪ .‬فلما أبصر عدوّ ال الملئكة ‪،‬‬
‫نكص على عقبيه ‪ ،‬وقال ‪ { :‬إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكُمْ إِنّي أَرَى مَا ل تَ َروْنَ } فتشبث به الحارث بن هشام‬
‫‪ ،‬وهو يرى أنه سراقة لما سمع من كلمه ‪ ،‬فضرب في صدر الحارث ‪ ،‬فسقط الحارث ‪ ،‬وانطلق‬
‫إبليس (‪ )2‬ل يرى حتى سقط في البحر ‪ ،‬ورفع ثوبه وقال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬موعدك الذي وعدتني (‪)3‬‬
‫وفي الطبراني عن رفاعة بن رافع قريب من هذا السياق وأبسط منه (‪ )4‬ذكرناه في السيرة‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني يزيد بن رومان ‪ ،‬عن عروة بن الزبير قال ‪ :‬لما أجمعت (‪)5‬‬
‫قريش المسير (‪ )6‬ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب ‪ ،‬فكاد ذلك أن يثنيهم ‪ ،‬فتبدى لهم‬
‫إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ‪ -‬وكان من أشراف بني كنانة ‪ -‬فقال ‪ :‬أنا‬
‫جار لكم أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه ‪ ،‬فخرجوا سراعا‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك (‪ )7‬ل‬
‫ينكرونه ‪ ،‬حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان ‪ ،‬كان الذي رآه حين نكص الحارث بن هشام ‪-‬‬
‫أو ‪ :‬عمير بن وهب ‪ -‬فقال ‪ :‬أين ‪ ،‬أي سراق ؟ (‪ )8‬ومثل عدو ال فذهب ‪ -‬قال ‪ :‬فأوردهم ثم‬
‫أسلمهم ‪ -‬قال ‪ :‬ونظر عدو ال إلى جنود ال ‪ ،‬قد أيد ال بهم رسوله (‪ )9‬والمؤمنين فانتكص (‬
‫‪ )10‬على عقبيه ‪ ،‬وقال ‪ { :‬إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكُمْ إِنّي أَرَى مَا ل تَ َروْنَ } وصدق عدو ال ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫{ إِنّي َأخَافُ اللّ َه وَاللّهُ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ } (‪ )11‬وهكذا روي عن السدي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن‬
‫البصري ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬رحمهم ال‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬وذكر لنا أنه رأى جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬تنزل معه (‪ )12‬الملئكة ‪ ،‬فعلم عدو ال‬
‫أنه ل يدان له بالملئكة فقال ‪ { :‬إِنّي أَرَى مَا ل تَ َروْنَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ } وكذب عدو ال ‪ ،‬وال ما‬
‫به مخافة ال ‪ ،‬ولكن علم أنه ل قوة له ول منعة ‪ ،‬وتلك عادة عدو ال لمن أطاعه واستقاد له ‪،‬‬
‫حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم ‪ ،‬وتبرأ منهم عند ذلك‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يعني بعادته لمن أطاعه قوله تعالى ‪َ { :‬كمَثَلِ الشّيْطَانِ ِإذْ قَالَ لِلنْسَانِ ا ْكفُرْ فََلمّا َكفَرَ قَالَ‬
‫ضيَ المْرُ‬
‫إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ } [الحشر ‪ ، ]16 :‬وقوله تعالى ‪َ { :‬وقَالَ الشّ ْيطَانُ َلمّا ُق ِ‬
‫عوْ ُتكُمْ‬
‫ق َووَعَدْ ُتكُمْ فَأَخَْلفْ ُتكُ ْم َومَا كَانَ لِي عَلَ ْيكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِل أَنْ دَ َ‬
‫حّ‬‫إِنّ اللّ َه وَعَ َدكُ ْم وَعْدَ الْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خيّ إِنّي َكفَ ْرتُ ِبمَا‬
‫خكُ ْم َومَا أَنْتُمْ ِب ُمصْ ِر ِ‬
‫سكُمْ مَا أَنَا ِب ُمصْرِ ِ‬
‫فَاسْتَجَبْ ُتمْ لِي فَل تَلُومُونِي وَلُومُوا أَ ْنفُ َ‬
‫أَشْ َركْ ُتمُونِ مِنْ قَ ْبلُ إِنّ الظّاِلمِينَ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [إبراهيم ‪.]22 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬لكم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬إبليس هاربا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغازي للواقدي (‪.)1/70‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الكبير (‪ )5/42‬من طريق عبد العزيز بن عمران عن رفاعة بن يحيى بن معاذ بن‬
‫رفاعة عن رفاعة بن رافع ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )6/82‬وفيه عبد‬
‫العزيز بن عمران وهو ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في د ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬اجتمعت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬للسير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ك ‪" :‬مالك المدلجي ‪ ،‬وكان من أشراف ركانة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في د ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى أين يا سراقة" ‪ ،‬وفي ك ‪ ،‬م ‪" :‬أين أين سراقة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬رسله"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬فنكص"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬إني أخاف عقاب ال" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في د ‪" :‬نزل مع"‪.‬‬

‫( ‪)4/74‬‬

‫وقال يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني عبد ال بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ‪،‬‬
‫عن بعض بني ساعدة قال ‪ :‬سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول ‪ :‬لو كنت‬
‫معكم الن ببدر ومعي بصري ‪ ،‬لخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملئكة ل أشك ول أتمارى‬
‫(‪)1‬‬
‫فلما نزلت الملئكة ورآها إبليس ‪ ،‬وأوحى ال إليهم ‪ :‬أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ‪ ،‬وتثبيتهم أن‬
‫الملئكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬أبشر فإنهم ليسوا بشيء ‪ ،‬وال‬
‫معكم ‪ ،‬كروا عليهم‪ .‬فلما رأى إبليس الملئكة نكص على عقبيه ‪ ،‬وقال ‪ { :‬إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكُمْ إِنّي‬
‫أَرَى مَا ل تَ َروْنَ } وهو في صورة سراقة ‪ ،‬وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول ‪ :‬ل يهولنكم‬
‫خذلن سراقة إياكم ‪ ،‬فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه‪ .‬ثم قال ‪ :‬واللت والعزى ل نرجع‬
‫حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال ‪ ،‬فل تقتلوهم وخذوهم أخذًا‪ .‬وهذا من أبي جهل لعنه ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كقول فرعون للسحرة لما أسلموا ‪ { :‬إِنّ هَذَا َل َمكْرٌ َمكَرْ ُتمُوهُ فِي ا ْلمَدِينَةِ لِ ُتخْرِجُوا مِ ْنهَا أَ ْهَلهَا }‬
‫[العراف ‪ ، ]123 :‬وكقوله { إِنّهُ َلكَبِي ُركُمُ الّذِي عَّل َمكُمُ السّحْرَ } [طه ‪ ، ]71 :‬وهو من باب‬
‫البهت والفتراء ‪ ،‬ولهذا كان أبو جهل فرعون هذه المة‪.‬‬
‫وقال مالك بن أنس ‪ ،‬عن إبراهيم بن أبي عبلة (‪ )2‬عن طلحة بن عبيد ال بن كَرِيز ؛ أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما رُ ِئيَ إبليس في يوم هو فيه أصغر ول أحقر ول أدحر ول‬
‫أغيظ منه في يوم عرفة وذلك مما يرى من تنزل الرحمة والعفو عن الذنوب إل ما رأى يوم‬
‫بدر"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما رأى يوم بدر ؟ قال ‪" :‬أما إنه رأى جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬يزغ‬
‫الملئكة" (‪)3‬‬
‫هذا مرسل من هذا الوجه‪.‬‬
‫ن وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ غَرّ َهؤُلءِ دِي ُنهُمْ } قال علي بن أبي طلحة ‪،‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُو َ‬
‫عن ابن عباس في هذه الية قال ‪ :‬لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل ال المسلمين في أعين‬
‫المشركين ‪ ،‬وقلل المشركين في أعين المسلمين فقال المشركون ‪ { :‬غَرّ َهؤُلءِ دِي ُنهُمْ } وإنما قالوا‬
‫ذلك من قلتهم في أعينهم ‪ ،‬فظنوا (‪ )4‬أنهم سيهزمونهم ‪ ،‬ل يشكون في ذلك ‪ ،‬فقال ال ‪َ { :‬ومَنْ‬
‫حكِيمٌ }‬
‫يَ َت َوكّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬رأوا عصابة من المؤمنين تشددت لمر ال ‪ ،‬وذكر لنا أن أبا جهل عدو ال لما‬
‫أشرف على محمد صلى ال عليه وسلم وأصحابه قال ‪ :‬وال ل يعبدوا ال بعد اليوم ‪ ،‬قسوة‬
‫وعتوا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/633‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬علية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الموطأ (‪ )1/422‬وانظر كلم المام ابن عبد البر عن هذا الحديث في ‪ :‬التمهيد (‪.)1/115‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وظنوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/75‬‬

‫عذَابَ الْحَرِيقِ (‪)50‬‬


‫وََلوْ تَرَى ِإذْ يَ َت َوفّى الّذِينَ َكفَرُوا ا ْلمَلَا ِئ َكةُ َيضْرِبُونَ وُجُو َه ُه ْم وَأَدْبَارَ ُه ْم وَذُوقُوا َ‬
‫ذَِلكَ ِبمَا َق ّد َمتْ أَ ْيدِيكُ ْم وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ ِبظَلّامٍ ِل ْلعَبِيدِ (‪)51‬‬

‫وقال ابن جُرَيْج في قوله ‪ { :‬إِذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ } هم قوم كانوا من‬
‫المنافقين بمكة ‪ ،‬قالوه يوم بدر‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال عامر الشعبي ‪ :‬كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالسلم ‪ ،‬فخرجوا مع المشركين يوم‬
‫بدر ‪ ،‬فلما رأوا قلة المسلمين قالوا ‪ { :‬غَرّ َهؤُلءِ دِي ُن ُهمْ }‬
‫ن وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ غَرّ َهؤُلءِ دِي ُن ُهمْ‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ ،‬عز وجل ‪ِ { :‬إذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُو َ‬
‫} قال ‪ :‬فئة من قريش ‪[ :‬أبو] (‪ )1‬قيس بن الوليد بن المغيرة ‪ ،‬وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ‪،‬‬
‫والحارث بن زمعة بن السود بن المطلب ‪ ،‬وعلي بن أمية بن خلف ‪ ،‬والعاص بن منبه بن‬
‫الحجاج ‪ ،‬خرجوا مع قريش من مكة وهم على الرتياب فحبسهم ارتيابهم ‪ ،‬فلما رأوا قلة أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قالوا ‪ { :‬غَرّ َهؤُلءِ دِي ُنهُمْ } حتى قدموا على ما قدموا عليه ‪،‬‬
‫مع قلة عددهم وكثرة عدوهم‪.‬‬
‫وهكذا قال محمد بن إسحاق بن يسار ‪ ،‬سواء‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا محمد بن ثور ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الحسن‬
‫في هذه الية ‪ ،‬قال ‪ :‬هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر ‪ ،‬فسموا منافقين ‪ -‬قال معمر ‪ :‬وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬هم قوم كانوا أقروا بالسلم ‪ ،‬وهم بمكة فخرجوا مع المشركين يوم بدر ‪ ،‬فلما رأوا قلة‬
‫المسلمين قالوا ‪ { :‬غَرّ َهؤُلءِ دِي ُن ُهمْ } (‪)2‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ يَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ } أي ‪ :‬يعتمد على جنابه ‪ { ،‬فَإِنّ اللّهَ عَزِيزٌ } أي ‪ :‬ل يُضام من‬
‫التجأ إليه ‪ ،‬فإن ال عزيز منيع الجناب ‪ ،‬عظيم السلطان ‪ ،‬حكيم في أفعاله ‪ ،‬ل يضعها إل في‬
‫مواضعها ‪ ،‬فينصر من يستحق النصر ‪ ،‬ويخذل من هو أهل لذلك‪.‬‬
‫ن وُجُو َههُ ْم وَأَدْبَا َرهُ ْم وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ (‬
‫{ وََلوْ تَرَى إِذْ يَ َت َوفّى الّذِينَ كَفَرُوا ا ْلمَل ِئكَةُ َيضْرِبُو َ‬
‫‪ )50‬ذَِلكَ ِبمَا َق ّد َمتْ أَ ْيدِيكُ ْم وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ ِبظَلمٍ لِ ْلعَبِيدِ (‪} )51‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولو عاينت يا محمد حال توفي الملئكة أرواح الكفار ‪ ،‬لرأيت أمرا عظيما هائل‬
‫فظيعا منكرا ؛ إذ يضربون وجوههم وأدبارهم ‪ ،‬ويقولون لهم ‪ { :‬ذُوقُوا عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ }‬
‫قال ابن جريج ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬وأدبارهم } استاههم ‪ ،‬قال ‪ :‬يوم بدر‪.‬‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬إذا أقبل المشركون (‪ )3‬بوجوههم إلى المسلمين ‪ ،‬ضربوا‬
‫وجوههم بالسيوف ‪ ،‬وإذا ولوا أدركتهم الملئكة فضربوا أدبارهم‪.‬‬
‫قال ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد قوله ‪ { :‬إِذْ يَ َت َوفّى الّذِينَ َكفَرُوا ا ْلمَل ِئكَةُ َيضْرِبُونَ وُجُو َه ُهمْ‬
‫وَأَدْبَارَ ُهمْ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام والطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)14/13‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬المشركين" وهو خطأ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/76‬‬

‫يوم بدر‪.‬‬
‫وقال َوكِيع ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن شعبة ‪،‬‬
‫عن يعلى بن مسلم ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪َ { :‬يضْرِبُونَ وُجُو َههُ ْم وَأَدْبَا َرهُمْ } قال ‪ :‬وأستاههم (‪)1‬‬
‫ولكن ال َيكْنِي‪.‬‬
‫غفْرة (‪)2‬‬
‫وكذا قال عمر مولى ُ‬
‫وعن الحسن البصري قال ‪ :‬قال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك (‬
‫‪ )3‬قال ما ذاك ؟ قال ‪" :‬ضرب الملئكة (‪." )4‬‬
‫رواه ابن جرير (‪ )5‬وهو مرسل‪.‬‬
‫وهذا السياق ‪ -‬وإن كان سببه وقعة بدر ‪ -‬ولكنه عام في حق كل كافر ؛ ولهذا لم يخصصه تعالى‬
‫ن وُجُو َههُمْ‬
‫بأهل بدر ‪ ،‬بل قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِذْ يَ َت َوفّى الّذِينَ َكفَرُوا ا ْلمَل ِئكَةُ َيضْرِبُو َ‬
‫وَأَدْبَارَ ُهمْ } وفي سورة القتال مثلها (‪ )6‬وتقدم في سورة النعام [عند] (‪ )7‬قوله ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِذِ‬
‫سكُمُ } [النعام ‪]93 :‬أي ‪ :‬باسطو‬
‫سطُو أَيْدِيهِمْ أَخْ ِرجُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ت وَا ْلمَل ِئكَةُ بَا ِ‬
‫غمَرَاتِ ا ْل َموْ ِ‬
‫الظّاِلمُونَ فِي َ‬
‫أيديهم بالضرب فيهم ‪ ،‬يأمرونهم إذ استصعبت أنفسهم ‪ ،‬وامتنعت من الخروج من الجساد أن‬
‫تخرج قهرًا‪ .‬وذلك إذ بشروهم بالعذاب والغضب من ال ‪ ،‬كما [جاء] (‪ )8‬في حديث البراء ‪ :‬إن‬
‫ملك الموت ‪ -‬إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة ‪ -‬يقول ‪ :‬اخرجي أيتها‬
‫سمُوم وحميم ‪ ،‬وظل من يحموم ‪ ،‬فتتفرق في بدنه ‪ ،‬فيستخرجونها من جسده ‪،‬‬
‫النفس الخبيثة إلى َ‬
‫كما يخرج السفود من الصوف المبلول فتخرج معها العروق والعصب ؛ ولهذا أخبر (‪ )9‬تعالى أن‬
‫الملئكة تقول لهم ‪ { :‬وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ }‬
‫وقوله تعالى ‪ { : :‬ذَِلكَ ِبمَا َق ّد َمتْ أَيْدِيكُمْ } أي ‪ :‬هذا الجزاء بسبب ما عملتم من العمال السيئة في‬
‫حياتكم الدنيا ‪ ،‬جازاكم ال بها هذا الجزاء ‪ { ،‬وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ ِبظَلمٍ لِ ْلعَبِيدِ } أي ‪ :‬ل يظلم أحدا من‬
‫خلقه ‪ ،‬بل هو الحكم العدل ‪ ،‬الذي ل يجور ‪ ،‬تبارك وتعالى وتقدس وتنزه الغني الحميد ؛ ولهذا‬
‫جاء في الحديث الصحيح عند مسلم ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬من رواية أبي ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال تعالى يقول ‪ :‬يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ‪،‬‬
‫وجعلته بينكم محرمًا فل تظالموا‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ‪ ،‬فمن وجد خيرًا‬
‫فليحمد ال ‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه" (‪ )10‬ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬وأستاههم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬عمرة"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬الشوك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬ذاك ضرب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/16‬‬
‫(‪ )6‬يشير ابن كثير ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬إلى الية ‪ 27 :‬من سورة محمد‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )10‬صحيح مسلم برقم (‪.)2577‬‬

‫( ‪)4/77‬‬

‫شدِيدُ ا ْلعِقَابِ‬
‫ن وَالّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ َكفَرُوا بِآَيَاتِ اللّهِ فَأَخَ َذهُمُ اللّهُ بِذُنُو ِبهِمْ إِنّ اللّهَ َق ِويّ َ‬
‫عوْ َ‬
‫كَدَ ْأبِ َآلِ فِرْ َ‬
‫(‪)52‬‬

‫عوْنَ وَالّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ َكفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ فََأخَذَ ُهمُ اللّهُ بِذُنُو ِبهِمْ إِنّ اللّهَ َق ِويّ شَدِيدُ‬
‫{ َكدَ ْأبِ آلِ فِرْ َ‬
‫ا ْل ِعقَابِ (‪} )52‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬فعل هؤلء المشركون المكذبون (‪ )1‬بما أرسلت به يا محمد ‪ ،‬كما فعل المم‬
‫المكذبة قبلهم ‪ ،‬ففعلنا بهم ما هو دأبنا ‪ ،‬أي ‪ :‬عادتنا وسنتنا في أمثالهم من المكذبين من آل‬
‫فرعون ومن قبلهم من المم المكذبة بالرسل ‪ ،‬الكافرين بآيات ال‪ { .‬فََأخَذَ ُهمُ اللّهُ بِذُنُو ِبهِمْ } [أي ‪:‬‬
‫شدِيدُ ا ْل ِعقَابِ } أي ‪ :‬ل يغلبه‬
‫بسبب ذنوبهم أهلكهم ‪ ،‬فأخذهم أخذ عزيز مقتدر] (‪ { )2‬إِنّ اللّهَ َق ِويّ َ‬
‫غالب ‪ ،‬ول يفوته هارب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬المشركين المكذبين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م‪.‬‬

‫( ‪)4/78‬‬

‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪)53‬‬


‫سهِ ْم وَأَنّ اللّهَ َ‬
‫ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ َلمْ َيكُ ُمغَيّرًا ِن ْعمَةً أَ ْن َع َمهَا عَلَى َقوْمٍ حَتّى ُيغَيّرُوا مَا بِأَ ْنفُ ِ‬
‫عوْنَ َو ُكلّ‬
‫ن وَالّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ كَذّبُوا بِآَيَاتِ رَ ّبهِمْ فَأَهَْلكْنَا ُهمْ بِذُنُو ِبهِمْ وَأَغْ َرقْنَا َآلَ فِرْ َ‬
‫عوْ َ‬
‫كَدَ ْأبِ َآلِ فِرْ َ‬
‫كَانُوا ظَاِلمِينَ (‪ )54‬إِنّ شَرّ ال ّدوَابّ عِنْدَ اللّهِ الّذِينَ َكفَرُوا َفهُمْ لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪ )55‬الّذِينَ عَاهَ ْدتَ مِ ْنهُمْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ع ْهدَهُمْ فِي ُكلّ مَ ّر ٍة وَهُمْ لَا يَ ّتقُونَ (‪ )56‬فَِإمّا تَ ْثقَفَ ّنهُمْ فِي الْحَ ْربِ َفشَرّدْ ِبهِمْ مَنْ خَ ْل َفهُمْ‬
‫ثُمّ يَ ْن ُقضُونَ َ‬
‫َلعَّلهُمْ َي ّذكّرُونَ (‪)57‬‬

‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‬
‫سهِ ْم وَأَنّ اللّهَ َ‬
‫{ ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ لَمْ َيكُ ُمغَيّرًا ِن ْعمَةً أَ ْن َع َمهَا عَلَى َقوْمٍ حَتّى ُيغَيّرُوا مَا بِأَ ْنفُ ِ‬
‫عوْنَ‬
‫ن وَالّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ كَذّبُوا بِآيَاتِ رَ ّبهِمْ فَأَهَْلكْنَاهُمْ ِبذُنُو ِبهِمْ وَأَغْ َرقْنَا آلَ فِرْ َ‬
‫عوْ َ‬
‫‪ )53‬كَدَ ْأبِ آلِ فِرْ َ‬
‫َوكُلّ كَانُوا ظَاِلمِينَ (‪} )54‬‬
‫يخبر تعالى عن تمام عدله ‪ ،‬وقسطه في حكمه ‪ ،‬بأنه تعالى ل يغير نعمة أنعمها على أحد (‪ )1‬إل‬
‫سهِ ْم وَإِذَا أَرَادَ‬
‫بسبب ذنب ارتكبه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ل ُيغَيّرُ مَا ِب َقوْمٍ حَتّى ُيغَيّرُوا مَا بِأَ ْنفُ ِ‬
‫عوْنَ }‬
‫اللّهُ ِب َقوْمٍ سُوءًا فَل مَرَدّ َل ُه َومَا َلهُمْ مِنْ دُونِهِ مِ ْنوَالٍ } [الرعد ‪ ، ]11 :‬وقوله { كَدَ ْأبِ آلِ فِرْ َ‬
‫أي ‪ :‬كصنعه (‪ )2‬بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته ‪ ،‬أهلكهم بسبب ذنوبهم ‪ ،‬وسلبهم تلك‬
‫النعم التي أسداها إليهم من جنات وعيون ‪ ،‬وزروع وكنوز ومقام كريم ‪ ،‬ونعمة كانوا فيها فاكهين‬
‫‪ ،‬وما ظلمهم ال في ذلك ‪ ،‬بل (‪ )3‬كانوا هم الظالمين‪.‬‬
‫عهْدَ ُهمْ‬
‫{ إِنّ شَرّ ال ّدوَابّ عِ ْندَ اللّهِ الّذِينَ َكفَرُوا َفهُمْ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪ )55‬الّذِينَ عَاهَ ْدتَ مِ ْنهُمْ ُثمّ يَ ْن ُقضُونَ َ‬
‫فِي ُكلّ مَ ّر ٍة وَهُمْ ل يَ ّتقُونَ (‪ )56‬فَِإمّا تَ ْث َقفَ ّنهُمْ فِي ا ْلحَ ْربِ فَشَرّدْ ِبهِمْ مَنْ خَ ْلفَهُمْ َلعَّلهُمْ يَ ّذكّرُونَ (‬
‫‪} )57‬‬
‫أخبر تعالى أن شر ما دب على وجه الرض هم الذين كفروا فهم ل يؤمنون ‪ ،‬الذين كلما عاهدوا‬
‫عهدا نقضوه ‪ ،‬وكلما أكدوه باليمان نكثوه ‪ { ،‬وَهُمْ ل يَ ّتقُونَ } أي ‪ :‬ل يخافون من ال في شيء‬
‫ارتكبوه من الثام‪.‬‬
‫{ فَِإمّا تَ ْث َقفَ ّنهُمْ فِي ا ْلحَ ْربِ } أي ‪ :‬تغلبهم وتظفر بهم في حرب ‪ { ،‬فَشَرّدْ ِبهِمْ مَنْ خَ ْلفَهُمْ } أي ‪ :‬نكل‬
‫بهم ‪ ،‬قاله ‪ :‬ابن عباس ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وابن‬
‫عيينة ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬قوم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪ ،‬ك ‪" : ،‬كصنيعهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ولكن"‪.‬‬

‫( ‪)4/78‬‬

‫حبّ ا ْلخَائِنِينَ (‪)58‬‬


‫سوَاءٍ إِنّ اللّهَ لَا يُ ِ‬
‫وَِإمّا َتخَافَنّ مِنْ َقوْمٍ خِيَانَةً فَانْ ِبذْ إِلَ ْيهِمْ عَلَى َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ومعناه ‪ :‬غَلّظ عقوبتهم وأثخنهم قتل ليخاف من سواهم من العداء ‪ ،‬من العرب وغيرهم ‪،‬‬
‫ويصيروا لهم عبرة { َلعَّلهُمْ يَ ّذكّرُونَ }‬
‫وقال السدي ‪ :‬يقول ‪ :‬لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيُصنع (‪ )1‬بهم مثل ذلك‪.‬‬
‫حبّ الْخَائِنِينَ (‪} )58‬‬
‫سوَاءٍ إِنّ اللّهَ ل ُي ِ‬
‫{ وَِإمّا َتخَافَنّ مِنْ َقوْمٍ خِيَا َنةً فَانْبِذْ إِلَ ْي ِهمْ عَلَى َ‬
‫يقول تعالى لنبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ { )2‬وَِإمّا َتخَافَنّ مِنْ َقوْمٍ } قد عاهدتهم { خِيَانَةً }‬
‫سوَاءٍ } أي‬
‫أي ‪ :‬نقضًا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود ‪ { ،‬فَانْ ِبذْ إِلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬عهدهم { عَلَى َ‬
‫‪ :‬أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم ‪ ،‬وهم حرب لك ‪ ،‬وأنه‬
‫ل عهد بينك وبينهم على السواء ‪ ،‬أي ‪ :‬تستوي أنت وهم في ذلك ‪ ،‬قال الراجز‪ .‬فَاضْ ِربْ وُجُوهَ‬
‫الغُدر [العْداء] (‪ )3‬حتى يجيبوك إلى السواء (‪)4‬‬
‫سوَاءٍ } أي ‪ :‬على مهل ‪ { ،‬إِنّ اللّ َه ل‬
‫وعن الوليد بن مسلم أنه قال في قوله ‪ { :‬فَانْبِذْ ِإلَ ْيهِمْ عَلَى َ‬
‫حبّ ا ْلخَائِنِينَ } أي ‪ :‬حتى ولو في حق الكفارين ‪ ،‬ل يحبها أيضًا‪.‬‬
‫يُ ِ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة (‪ )5‬عن أبي الفيض ‪ ،‬عن سليم بن عامر ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬كان معاوية يسير في أرض الروم ‪ ،‬وكان بينه وبينهم أمد ‪ ،‬فأراد أن يدنو منهم ‪ ،‬فإذا‬
‫انقضى المد غزاهم ‪ ،‬فإذا شيخ على دابة يقول ‪ :‬ال أكبر [ال أكبر] (‪ )6‬وفاء ل غدرا ‪ ،‬إن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ومن كان بينه وبين قوم عهد فل يحلّنّ عقدة ول يشدها‬
‫حتى ينقضي أمدها ‪ ،‬أو ينبذ إليهم على سواء" قال ‪ :‬فبلغ ذلك معاوية ‪ ،‬فرجع ‪ ،‬وإذا الشيخ عمرو‬
‫بن عبسة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫وهذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن شعبة وأخرجه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪،‬‬
‫وابن حبان في صحيحه من طرق عن شعبة ‪ ،‬به (‪ )7‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال الزبيري ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن عطاء بن‬
‫السائب ‪ ،‬عن أبي البختري عن سلمان ‪ -‬يعني الفارسي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ :‬أنه انتهى إلى حصن‬
‫‪ -‬أو ‪ :‬مدينة ‪ -‬فقال لصحابه ‪ :‬دعوني أدعوهم كما رأيت رسول ال (‪ )8‬صلى ال عليه وسلم‬
‫يدعوهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنما كنت رجل منهم (‪ )9‬فهداني ال عز وجل للسلم ‪ ،‬فإذا أسلمتم فلكم ما لنا‬
‫وعليكم ما علينا ‪ ،‬وإن أبيتم فأدوا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬فنصنع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من د ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬الرجز في تفسير الطبري (‪.)14/27‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪" :‬سعيد"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬مسند أحمد (‪ )4/111‬ومسند الطيالسي برقم (‪ )1155‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2759‬وسنن‬
‫الترمذي برقم (‪ )1580‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)8732‬‬
‫(‪ )8‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬منكم"‪.‬‬

‫( ‪)4/79‬‬

‫طعْتُمْ مِنْ ُق ّو ٍة َومِنْ رِبَاطِ‬


‫وَلَا يَحْسَبَنّ الّذِينَ َكفَرُوا سَ َبقُوا إِ ّن ُهمْ لَا ُيعْجِزُونَ (‪ )59‬وَأَعِدّوا َل ُهمْ مَا اسْ َت َ‬
‫الْخَ ْيلِ تُرْهِبُونَ ِبهِ عَ ُدوّ اللّ ِه وَعَ ُد ّوكُ ْم وَ َآخَرِينَ مِنْ دُو ِنهِمْ لَا َتعَْلمُو َنهُمُ اللّهُ َيعَْل ُمهُ ْم َومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ‬
‫شيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ ُيوَفّ إِلَ ْي ُك ْم وَأَنْتُمْ لَا ُتظَْلمُونَ (‪)60‬‬
‫َ‬

‫حبّ الْخَائِنِينَ } يفعل بهم‬


‫الجزية وأنتم صاغرون ‪ ،‬فإن أبيتم نابذناكم على سواء ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ ل ُي ِ‬
‫ذلك ثلثة أيام ‪ ،‬فلما كان اليوم الرابع غدا الناس إليها ففتحوها بعون ال (‪)1‬‬
‫طعْ ُتمْ مِنْ ُق ّوةٍ َومِنْ رِبَاطِ‬
‫حسَبَنّ الّذِينَ َكفَرُوا سَ َبقُوا إِ ّنهُمْ ل ُيعْجِزُونَ (‪ )59‬وَأَعِدّوا َلهُمْ مَا اسْتَ َ‬
‫{ وَل يَ ْ‬
‫الْخَ ْيلِ تُرْهِبُونَ ِبهِ عَ ُدوّ اللّ ِه وَعَ ُد ّوكُ ْم وَآخَرِينَ مِنْ دُو ِنهِمْ ل َتعَْلمُو َنهُمُ اللّهُ َيعَْل ُمهُ ْم َومَا تُ ْن ِفقُوا مِنْ‬
‫شيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ ُيوَفّ إِلَ ْي ُك ْم وَأَنْتُمْ ل تُظَْلمُونَ (‪} )60‬‬
‫َ‬
‫حسَبَنّ } يا محمّد { الّذِينَ َكفَرُوا سَ َبقُوا } أي ‪:‬‬
‫يقول تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَل تَ ْ‬
‫فاتونا فل نقدر عليهم ‪ ،‬بل هم تحت قهر قدرتنا وفي قبضة مشيئتنا فل يعجزوننا ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫ح ُكمُونَ } [العنكبوت ‪]4 :‬أي ‪ :‬يظنون ‪،‬‬
‫سبَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ أَنْ يَسْ ِبقُونَا سَاءَ مَا َي ْ‬
‫‪َ { :‬أمْ حَ ِ‬
‫ض َومَأْوَا ُهمُ النّا ُر وَلَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ }‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬ل َتحْسَبَنّ الّذِينَ َكفَرُوا ُمعْجِزِينَ فِي ال ْر ِ‬
‫جهَنّمُ‬
‫[النور ‪ ، ]57 :‬وقال تعالى (‪ { )2‬ل َيغُرّ ّنكَ َتقَّلبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمّ مَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ } [آل عمران ‪.]197 ، 196 :‬‬
‫ثم أمر تعالى بإعداد آلت الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والمكان والستطاعة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَأَعِدّوا‬
‫طعْتُمْ } أي ‪ :‬مهما أمكنكم ‪ { ،‬مِنْ ُق ّوةٍ َومِنْ رِبَاطِ الْخَ ْيلِ }‬
‫َلهُمْ مَا اسْتَ َ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هارون بن معروف ‪ ،‬حدثنا ابن وَهْب ‪ ،‬أخبرني عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن‬
‫ش َفيّ ‪ ،‬أنه سمع عقبة بن عامر يقول ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أبي علي ُثمَامة بن ُ‬
‫طعْتُمْ مِنْ ُق ّوةٍ } أل إن القوة الرمي ‪ ،‬أل إن القوة‬
‫يقول وهو على المنبر ‪ { :‬وَأَعِدّوا َل ُهمْ مَا اسْ َت َ‬
‫الرمي" (‪)3‬‬
‫رواه مسلم ‪ ،‬عن هارون بن معروف ‪ ،‬وأبو داود عن سعيد بن منصور ‪ ،‬وابن ماجة عن يونس‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بن عبد العلى ‪ ،‬ثلثتهم عن عبد ال بن وهب ‪ ،‬به (‪)4‬‬
‫ولهذا الحديث طرق أخر ‪ ،‬عن عقبة بن عامر ‪ ،‬منها ما رواه الترمذي ‪ ،‬من حديث صالح بن‬
‫كَيْسان ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عنه (‪)5‬‬
‫وروى المام أحمد وأهل السنن ‪ ،‬عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ارموا‬
‫واركبوا ‪ ،‬وأن ترموا خير من أن تركبوا" (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )5/440‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )1548‬من طريق أبي عوانة ‪ ،‬عن عطاء‬
‫بن السائب ‪ ،‬عن أبي البختري به نحوه ‪ ،‬وقال ‪" :‬حديث سلمان حديث حسن ل نعرفه إل من‬
‫حديث عطاء بن السائب ‪ ،‬وسمعت محمدا يقول ‪ :‬أبو البختري لم يدرك سلمان ؛ لنه لم يدرك‬
‫عليا ‪ ،‬وسلمان مات قبل علي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ذكرت جملة "أل إن القوة الرمي" ثلث مرات‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )4/156‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1917‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2514‬وسنن ابن ماجة‬
‫برقم (‪.)13/28‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪ )3083‬وقال ‪" :‬صالح بن كيسان لم يدرك عقبة بن عامر ‪ ،‬وقد أدرك‬
‫ابن عمر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)4/144‬‬

‫( ‪)4/80‬‬

‫وقال المام مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبي صالح السمان ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬الخيل لثلثة ‪ :‬لرجل أجْر ‪ ،‬ولرجل ستر ‪ ،‬وعلى‬
‫رجل وزر ؛ فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل ال ‪ ،‬فأطال لها في مرج ‪ -‬أو ‪ :‬روضة ‪-‬‬
‫فما أصابت في طيلها ذلك من المرج ‪ -‬أو ‪ :‬الروضة ‪ -‬كانت له حسنات ‪ ،‬ولو أنها قطعت طيلها‬
‫فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ‪ ،‬ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ‪،‬‬
‫ولم يرد أن يسقي به ‪ ،‬كان ذلك حسنات له ؛ فهي لذلك الرجل أجر‪ .‬ورجل ربطها تغنّيًا وتعففا ‪،‬‬
‫ولم ينس حق ال في رقابها ول ظهورها ‪ ،‬فهي له ستر ‪ ،‬ورجل ربطها فخرًا ورياء ونواء فهي‬
‫على ذلك وزر"‪ .‬وسئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الحمر فقال ‪" :‬ما أنزل ال علي فيها‬
‫شيئا إل هذه الية الجامعة الفاذة ‪َ { :‬فمَنْ َي ْعمَلْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ خَيْرًا يَ َرهُ َومَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ شَرّا‬
‫يَ َرهُ } [الزلزلة ‪.]8 ، 7 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رواه البخاري ‪ -‬وهذا لفظه ‪ -‬ومسلم ‪ ،‬كلهما من حديث مالك (‪)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬أخبرنا شريك ‪ ،‬عن ال ّركَيْن بن الربيع (‪ )2‬عن القاسم بن‬
‫حسان ؛ عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬الخيل ثلثة ‪ :‬ففرس‬
‫للرحمن ‪ ،‬وفرس للشيطان ‪ ،‬وفرس للنسان ‪ ،‬فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل ال ‪،‬‬
‫فعلفه وروثه وبوله ‪ ،‬وذكر ما شاء ال‪ .‬وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه ‪ ،‬وأما‬
‫فرس النسان فالفرس يرتبطها النسان يلتمس بطنها ‪ ،‬فهي ستر من فقر" (‪)3‬‬
‫وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الرمي أفضل من ركوب الخيل ‪ ،‬وذهب المام مالك إلى أن‬
‫الركوب أفضل من الرمي ‪ ،‬وقول الجمهور أقوى للحديث ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج وهشام (‪ )4‬قال حدثنا ليث ‪ ،‬حدثني يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن‬
‫ابن شماسة ‪ :‬أن معاوية بن حديج (‪ )5‬مر على أبي ذر ‪ ،‬وهو قائم عند فرس له ‪ ،‬فسأله ما تعالج‬
‫من فرسك هذا ؟ فقال ‪ :‬إني أظن أن هذا الفرس قد استجيب له دعوته! قال ‪ :‬وما دعاء بهيمة من‬
‫البهائم ؟ قال ‪ :‬والذي نفسي بيده ما من فرس إل وهو يدعو كل سحر فيقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬أنت خولتني‬
‫عبدا من عبادك ‪ ،‬وجعلت رزقي بيده ‪ ،‬فاجعلني أحب إليه من أهله وماله وولده (‪)6‬‬
‫سوَيْد‬
‫قال ‪ :‬وحدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن عبد الحميد بن جعفر ؛ حدثني يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن ُ‬
‫بن قيس ؛ عن معاوية بن حديج (‪ )7‬؛ عن أبي ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬إنه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الموطأ (‪ )2/414‬ومن طريقه ‪ ،‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )2371‬وأما مسلم فرواه‬
‫من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن أبي صالح به برقم (‪.)987‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬الربيع بن الركين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)1/395‬‬
‫(‪ )4‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬هاشم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬خديج"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)5/162‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬خديج"‪.‬‬

‫( ‪)4/81‬‬

‫ليس من فرس عربي إل يؤذن له مع كل فجر ‪ ،‬يدعو بدعوتين ‪ ،‬يقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إنك خولتني من‬
‫خولتني من بني آدم ‪ ،‬فاجعلني من أحب أهله وماله إليه" أو "أحب أهله وماله إليه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رواه النسائي ‪ ،‬عن عمرو بن علي الفلس ‪ ،‬عن يحيى القطّان ‪ ،‬به (‪)1‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا الحسين بن إسحاق الّتسْتُ ِريّ ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا‬
‫يحيى بن حمزة ‪ ،‬حدثنا المطعم بن المقدام الصنعاني ‪ ،‬عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال لبن‬
‫الحنظلية ‪ -‬يعني ‪ :‬سهل ‪ : -‬حدّثنا حديثا سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ‪،‬‬
‫وأهلها معانون عليها ‪ ،‬ومن ربط فرسًا في سبيل ال كانت النفقة عليه ‪ ،‬كالماد يده بالصدقة ل‬
‫يقبضها" (‪)2‬‬
‫والحاديث الواردة في فضل ارتباط الخيل كثيرة ‪ ،‬وفي صحيح البخاري ‪ ،‬عن عُ ْروَة ابن أبي‬
‫الجعد البارقي (‪ )3‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬الخيل معقود في نواصيها الخير إلى‬
‫يوم القيامة ‪ :‬الجر والمغنم" (‪)4‬‬
‫وقوله ‪" :‬ترهبون" أي ‪ :‬تخوفون { بِهِ عَ ُدوّ اللّهِ وَعَ ُد ّوكُمْ } أي ‪ :‬من الكفار { وَآخَرِينَ مِنْ دُو ِنهِمْ }‬
‫قال مجاهد ‪ :‬يعني ‪ :‬قريظة ‪ ،‬وقال السدي ‪ :‬فارس ‪ ،‬وقال سفيان الثوري ‪ :‬قال ابن يمان ‪ :‬هم‬
‫الشياطين التي في الدور‪ .‬وقد ورد حديث بمثل ذلك ‪ ،‬قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫ح ْمصِي ‪ ،‬حدثنا أبو حيوة ‪ -‬يعني ‪ :‬شريح بن يزيد المقرئ ‪-‬‬
‫حدثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج ال ِ‬
‫حدثنا سعيد بن سنان ‪ ،‬عن ابن عريب ‪ -‬يعني ‪ :‬يزيد بن عبد ال بن عريب ‪ -‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫جده أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول في قوله ‪ { :‬وَآخَرِينَ مِنْ دُو ِنهِمْ ل َتعَْلمُو َنهُمُ }‬
‫قال ‪" :‬هم الجن" (‪)5‬‬
‫ورواه الطبراني ‪ ،‬عن إبراهيم بن دُحَيْم ؛ عن أبيه ‪ ،‬عن محمد بن شعيب ؛ عن سعيد بن سنان (‬
‫‪ )6‬عن يزيد بن عبد ال بن عريب ‪ ،‬به ‪ ،‬وزاد ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل يخبل‬
‫بيت فيه عتيق من الخيل" (‪)7‬‬
‫وهذا الحديث منكر ‪ ،‬ل يصح إسناده ول متنه‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هم المنافقون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )5/170‬وسنن النسائي (‪.)6/223‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الكبير (‪.)6/98‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬المبارك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)2850‬‬
‫(‪ )5‬ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده برقم (‪" )650‬بغية الباحث" حدثنا داود بن رشيد عن‬
‫أبي حيوة به‪.‬‬
‫(‪ )6‬في جميع النسخ ‪" :‬سنان بن سعيد بن سنان" والتصويب من المعجم الكبير‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير (‪ )17/188‬ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم (‪ : )1089‬حدثنا ابن أبي عاصم‬
‫عن دحيم به نحوه‪.‬‬

‫( ‪)4/82‬‬

‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪)61‬‬


‫وَإِنْ جَ َنحُوا لِلسّ ْلمِ فَاجْنَحْ َلهَا وَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬

‫ن َومِنْ أَ ْهلِ ا ْلمَدِي َنةِ‬


‫حوَْلكُمْ مِنَ العْرَابِ مُنَا ِفقُو َ‬
‫وهذا أشبه القوال ‪ ،‬ويشهد له قوله ‪َ { :‬و ِممّنْ َ‬
‫مَرَدُوا عَلَى ال ّنفَاقِ ل َتعَْل ُمهُمْ نَحْنُ َنعَْل ُمهُمْ } [التوبة ‪.]101 :‬‬
‫شيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ ُي َوفّ إِلَ ْي ُك ْم وَأَنْتُ ْم لتُظَْلمُونَ } أي ‪ :‬مهما أنفقتم في‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ َ‬
‫الجهاد ‪ ،‬فإنه يوفى إليكم على التمام (‪ )1‬والكمال ‪ ،‬ولهذا جاء في حديث (‪ )2‬رواه أبو داود ‪ :‬أن‬
‫الدرهم يضاعف ثوابه في سبيل ال إلى سبعمائة ضعف (‪ )3‬كما تقدم في قوله تعالى ‪ { :‬مَ َثلُ‬
‫الّذِينَ يُ ْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ َكمَ َثلِ حَبّةٍ أَنْبَ َتتْ سَبْعَ سَنَا ِبلَ فِي ُكلّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبّ ٍة وَاللّهُ‬
‫عفُ ِلمَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة ‪.]261 :‬‬
‫ُيضَا ِ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي ‪،‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬حدثنا الشعث بن إسحاق ‪ ،‬عن جعفر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان يأمر أل يتصدق إل على أهل السلم ‪ ،‬حتى‬
‫شيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ ُي َوفّ إِلَ ْي ُكمْ } فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك‬
‫نزلت ‪َ { :‬ومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ َ‬
‫من كل دين‪ .‬وهذا أيضًا غريب‪.‬‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪} )61‬‬
‫{ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ َلهَا وَ َت َوكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬إليكم وأنتم ل تظلمون على التمام"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪" :‬في الحديث الذي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ )2498‬ولفظه ‪" :‬إن الصلة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في‬
‫سبيل ال بسبعمائة ضعف" وقد تقدم نحو هذا اللفظ عند تفسير الية ‪ 261 :‬من سورة البقرة من‬
‫حديث عمران بن حصين‪.‬‬

‫( ‪)4/83‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حسْ َبكَ اللّهُ ُهوَ الّذِي أَيّ َدكَ بِ َنصْ ِرهِ وَبِا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )62‬وَأَّلفَ بَيْنَ قُلُو ِبهِمْ‬
‫وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ َيخْدَعُوكَ فَإِنّ َ‬
‫حكِيمٌ (‪)63‬‬
‫جمِيعًا مَا أَّلفْتَ بَيْنَ قُلُو ِبهِ ْم وََلكِنّ اللّهَ أَّلفَ بَيْ َنهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫َلوْ أَ ْنفَ ْقتَ مَا فِي الْأَ ْرضِ َ‬

‫خدَعُوكَ فَإِنّ حَسْ َبكَ اللّهُ ُهوَ الّذِي أَيّ َدكَ بِ َنصْ ِر ِه وَبِا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )62‬وَأَّلفَ بَيْنَ‬
‫{ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَ ْ‬
‫حكِيمٌ (‬
‫جمِيعًا مَا أَّل ْفتَ بَيْنَ قُلُو ِبهِ ْم وََلكِنّ اللّهَ أَّلفَ بَيْ َن ُهمْ إِنّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫قُلُو ِبهِمْ َلوْ أَ ْنفَ ْقتَ مَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫‪} )63‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم عهدهم على سواء ‪ ،‬فإن استمروا على حربك‬
‫ومنابذتك فقاتلهم ‪ { ،‬وَإِنْ جَنَحُوا } أي ‪ :‬مالوا { لِلسّلْمِ } أي ‪ :‬المسالمة والمصالحة والمهادنة ‪،‬‬
‫{ فَاجْنَحْ َلهَا } أي ‪ :‬فمل إليها ‪ ،‬واقبل منهم ذلك ؛ ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح‬
‫ووضع الحرب بينهم وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم تسع سنين ؛ أجابهم إلى ذلك مع ما‬
‫اشترطوا من الشروط الخر‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ‪ ،‬حدثنا فضيل بن سليمان ‪-‬‬
‫يعني ‪ :‬النميري ‪ -‬حدثنا محمد بن أبي يحيى ‪ ،‬عن إياس بن عمرو السلمي ‪ ،‬عن علي بن أبي‬
‫طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنه سيكون بعدى اختلف‬
‫‪ -‬أو ‪ :‬أمر ‪ -‬فإن استطعت أن يكون السلم ‪ ،‬فافعل" (‪)1‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬نزلت في بني قريظة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زوائد المسند (‪ )1/90‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/234‬رجاله ثقات"‪.‬‬

‫( ‪)4/83‬‬

‫وهذا فيه نظر ؛ لن السياق كله في وقعة بدر ‪ ،‬وذكرها مكتنف لهذا كله‪.‬‬
‫وقول ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪:‬‬
‫إن هذه الية منسوخة بآية السيف في "براءة" ‪ { :‬قَاتِلُوا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَل بِالْ َيوْمِ الخِرِ }‬
‫الية [التوبة ‪ ]29 :‬فيه نظر أيضًا ؛ لن آية براءة فيها المر بقتالهم إذا أمكن ذلك ‪ ،‬فأما إذا كان‬
‫العدو كثيفًا ‪ ،‬فإنه تجوز مهادنتهم ‪ ،‬كما دلت عليه هذه الية الكريمة ‪ ،‬وكما فعل النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يوم الحديبية ‪ ،‬فل منافاة ول نسخ ول تخصيص ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ } أي ‪ :‬صالحهم وتوكل على ال ‪ ،‬فإن ال كافيك وناصرك ‪ ،‬ولو‬
‫كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا ‪ { ،‬فَإِنّ حَسْ َبكَ اللّهُ } أي ‪ :‬كافيك وحده‪.‬‬
‫ثم ذكر نعمته عليه بما أيده به من المؤمنين المهاجرين والنصار ؛ فقال ‪ُ { :‬هوَ الّذِي أَيّ َدكَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَأَّلفَ بَيْنَ قُلُو ِبهِمْ } أي ‪ :‬جمعها على اليمان بك ‪ ،‬وعلى طاعتك ومناصرتك‬
‫بِ َنصْ ِرهِ وَبِا ْلمُ ْؤمِنِي َ‬
‫جمِيعًا مَا أَّل ْفتَ بَيْنَ قُلُو ِبهِمْ } أي ‪ :‬لما كان بينهم من العداوة‬
‫وموازرتك { َلوْ أَ ْنفَ ْقتَ مَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫والبغضاء فإن النصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية ‪ ،‬بين الوس والخزرج ‪ ،‬وأمور‬
‫يلزم منها التسلسل في الشر ‪ ،‬حتى قطع ال ذلك بنور اليمان ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ‬
‫حفْ َرةٍ مِنَ النّارِ‬
‫شفَا ُ‬
‫خوَانًا َوكُنْتُمْ عَلَى َ‬
‫عدَاءً فَأَّلفَ بَيْنَ قُلُو ِبكُمْ فََأصْبَحْ ُتمْ بِ ِن ْعمَتِهِ ِإ ْ‬
‫علَ ْيكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَ ْ‬
‫اللّهِ َ‬
‫فَأَ ْنقَ َذكُمْ مِ ْنهَا كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ آيَاتِهِ َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ } [آل عمران ‪.]103 :‬‬
‫وفي الصحيحين أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما خطب النصار في شأن غنائم حنين قال‬
‫لهم ‪" :‬يا معشر النصار ‪ ،‬ألم أجدكم ضلل فهداكم ال بي ‪ ،‬وعالة فأغناكم ال بي ‪ ،‬وكنتم‬
‫متفرقين فألفكم ال بي" كلما قال شيئا قالوا ‪ :‬ال ورسوله َأمَنّ‪)1( .‬‬
‫حكِيمٌ } أي ‪ :‬عزيز الجناب ‪ ،‬فل يخيب رجاء‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وََلكِنّ اللّهَ أَّلفَ بَيْ َن ُهمْ إِنّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫من توكل عليه ‪ ،‬حكيم في أفعاله وأحكامه‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أنبأنا علي بن بشر الصيرفي القزويني‬
‫في منزلنا ‪ ،‬أنبأنا أبو عبد ال محمد بن الحسن (‪ )2‬القنديلي الستراباذي ‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق‬
‫إبراهيم بن محمد بن النعمان الصفار ‪ ،‬حدثنا ميمون بن الحكم ‪ ،‬حدثنا بكر بن الشرود ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن مسلم الطائفي ‪ ،‬عن إبراهيم بن ميسرة ‪ ،‬عن طاوس ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قرابة‬
‫الرحم تقطع ‪ ،‬ومنة النعمة تكفر ‪ ،‬ولم ير مثل تقارب القلوب ؛ يقول ال تعالى ‪َ { :‬لوْ أَ ْنفَ ْقتَ مَا‬
‫جمِيعًا مَا أَّل ْفتَ بَيْنَ قُلُو ِبهِمْ } وذلك موجود في الشعر ‪ :‬إذا َمتّ ذو القربى إليك‬
‫فِي ال ْرضِ َ‬
‫برحمه َفغَشّك واس َتغْنى فليس بذي رحم‬
‫ولكن ذا القربى الذي إن دعوتهأجاب ومن يرمي العدو الذي ترمي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4330‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1061‬من حديث عبد ال بن يزيد بن‬
‫عاصم ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ "الحسين" والتصويب من الشعب والميزان‪.‬‬

‫( ‪)4/84‬‬

‫قال ‪ :‬ومن ذلك قول القائل ‪ :‬ولقد صحبت الناس ثم سبرتهموبلوت ما وصلوا من السباب‬
‫فإذا القرابة ل ُتقَرّب قاطعاوإذا المودة َأقْ َربُ السْبَاب‬
‫قال البيهقي ‪ :‬ل أدري هذا موصول بكلم ابن عباس ‪ ،‬أو هو من قول من دونه من الرواة ؟ (‪)1‬‬
‫وقال أبو إسحاق السبيعي ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬سمعته‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جمِيعًا مَا أَّل ْفتَ بَيْنَ قُلُو ِبهِمْ } الية ‪ ،‬قال ‪ :‬هم المتحابون في‬
‫يقول ‪َ { :‬لوْ أَ ْن َف ْقتَ مَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫ال ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬نزلت في المتحابين في ال‪.‬‬
‫رواه النسائي والحاكم في مستدركه ‪ ،‬وقال ‪ :‬صحيح (‪)2‬‬
‫وقال عبد الرازق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن طاوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إن الرحم‬
‫لتقطع ‪ ،‬وإن النعمة لتكفر ‪ ،‬وإن ال إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ { :‬لوْ‬
‫جمِيعًا مَا أَّل ْفتَ بَيْنَ قُلُو ِبهِمْ }‬
‫أَ ْنفَ ْقتَ مَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫رواه الحاكم أيضًا‪.‬‬
‫وقال أبو عمرو الوزاعي ‪ :‬حدثني عبدة بن أبي لُبَابة ‪ ،‬عن مجاهد ‪ -‬ولقيته فأخذ بيدي فقال ‪ :‬إذا‬
‫تراءى المتحابان في ال ‪ ،‬فأخذ أحدهما بيد صاحبه ‪ ،‬وضحك إليه ‪ ،‬تحاتت خطاياهما كما يتحات‬
‫ورق الشجر‪ .‬قال عبدة ‪ :‬فقلت له ‪ :‬إن هذا ليسير! فقال ‪ :‬ل تقل ذلك ؛ فإن ال تعالى يقول ‪َ { :‬لوْ‬
‫جمِيعًا مَا أَّل ْفتَ بَيْنَ قُلُو ِبهِمْ } !‪ .‬قال عبدة ‪ :‬فعرفت أنه أفقه مني (‪)3‬‬
‫أَ ْنفَ ْقتَ مَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬حدثنا ابن يمان (‪ )4‬عن إبراهيم الخوزي (‪ )5‬عن الوليد بن‬
‫أبي مغيث ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت لمجاهد ‪:‬‬
‫جمِيعًا مَا أَّل ْفتَ‬
‫بمصافحة يغفر لهما ؟ فقال مجاهد ‪ :‬أما سمعته يقول ‪َ { :‬لوْ أَ ْن َف ْقتَ مَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫بَيْنَ قُلُو ِبهِ ْم وََلكِنّ اللّهَ أَّلفَ بَيْ َن ُهمْ } ؟ فقال الوليد لمجاهد ‪ :‬أنت أعلم مني‪.‬‬
‫وكذا روى طلحة بن ُمصَرّف ‪ ،‬عن مجاهد‪.‬‬
‫وقال ابن عون ‪ ،‬عن عمير بن إسحاق قال ‪ :‬كنا نحدث (‪ )6‬أن أول ما يرفع من الناس ‪[ -‬أو قال‬
‫‪ :‬عن الناس] (‪ - )7‬اللفة‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا الحسين بن إسحاق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬شعب اليمان للبيهقي برقم (‪.)9034‬‬
‫(‪ )2‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11210‬والمستدرك (‪.)2/329‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/46‬‬
‫(‪ )4‬في هـ ‪" :‬حدثنا أبو يمان" والتصويب من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬الجزري"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬نتحدث"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من الطبري‪.‬‬

‫( ‪)4/85‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حسْ ُبكَ اللّ ُه َومَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )64‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ حَ ّرضِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ عَلَى ا ْلقِتَالِ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ َ‬
‫ن وَإِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ مِئَةٌ َيغْلِبُوا أَ ْلفًا مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا بِأَ ّنهُمْ‬
‫عشْرُونَ صَابِرُونَ َيغْلِبُوا مِائَتَيْ ِ‬
‫إِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ ِ‬
‫ض ْعفًا فَإِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ مِئَ ٌة صَابِ َرةٌ َيغْلِبُوا‬
‫خفّفَ اللّهُ عَ ْنكُ ْم وَعَلِمَ أَنّ فِيكُ ْم َ‬
‫َقوْمٌ لَا َي ْفقَهُونَ (‪ )65‬الْآَنَ َ‬
‫ن وَإِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ أَ ْلفٌ َيغْلِبُوا أَ ْلفَيْنِ بِِإذْنِ اللّ ِه وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ (‪)66‬‬
‫مِائَتَيْ ِ‬

‫التستري ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن عمر القواريري ‪ ،‬حدثنا سالم بن غيلن ‪ ،‬سمعت جعدا أبا عثمان ‪،‬‬
‫حدثني أبو عثمان النهدي ‪ ،‬عن سلمان الفارسي ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬
‫المسلم إذا لقي أخاه المسلم ‪ ،‬فأخذ بيده ‪ ،‬تحاتت عنهما ذنوبهما ‪ ،‬كما يتحات الورق عن الشجرة‬
‫اليابسة في يوم ريح عاصف ‪ ،‬وإل غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحار (‪)2( )1‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ حَسْ ُبكَ اللّ ُه َومَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )64‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ حَ ّرضِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَلَى ا ْلقِتَالِ‬
‫ن وَإِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ مِائَةٌ َيغْلِبُوا أَ ْلفًا مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا بِأَ ّنهُمْ‬
‫عشْرُونَ صَابِرُونَ َيغْلِبُوا مِائَتَيْ ِ‬
‫إِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ ِ‬
‫ض ْعفًا فَإِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ مِائَ ٌة صَابِ َرةٌ َيغْلِبُوا‬
‫خفّفَ اللّهُ عَ ْنكُ ْم وَعَلِمَ أَنّ فِيكُ ْم َ‬
‫َقوْمٌ ل َيفْ َقهُونَ (‪ )65‬النَ َ‬
‫ن وَإِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ أَ ْلفٌ َيغْلِبُوا أَ ْلفَيْنِ بِِإذْنِ اللّ ِه وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ (‪} )66‬‬
‫مِائَتَيْ ِ‬
‫يحرض تعالى نبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬والمؤمنين على القتال ومناجزة العداء ومبارزة‬
‫القران ‪ ،‬ويخبرهم أنه حسبهم ‪ ،‬أي ‪ :‬كافيهم وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم ‪ ،‬وإن كثرت‬
‫أعدادهم وترادفت أمدادهم ‪ ،‬ولو قل عدد المؤمنين‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن موسى ‪ ،‬أنبأنا سفيان ‪،‬‬
‫حسْ ُبكَ اللّ ُه َومَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } قال ‪:‬‬
‫عن شوذب (‪ )3‬عن الشعبي في قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ َ‬
‫حسبك ال ‪ ،‬وحسب من شهد معك‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وروي عن عطاء الخراساني ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد [بن أسلم] (‪ )4‬مثله‪.‬‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ حَ ّرضِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَلَى ا ْلقِتَالِ } أي ‪ :‬حثهم وذمر (‪ )5‬عليه ‪ ،‬ولهذا كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يحرض على القتال عند صفهم ومواجهة العدو ‪ ،‬كما قال‬
‫عدَدهم وعُدَدهم ‪" :‬قوموا إلى جنة عرضها السموات‬
‫لصحابه يوم بدر ‪ ،‬حين أقبل المشركون في َ‬
‫والرض"‪ .‬فقال عمير بن الحُمام ‪ :‬عرضها السموات والرض ؟! فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬نعم" فقال ‪ :‬بخ بخ ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ " قال (‪ )6‬رجاء أن أكون من‬
‫أهلها! قال ‪" :‬فإنك من أهلها" فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه ‪ ،‬وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن ‪،‬‬
‫ثم ألقى بقيتهن من يده ‪ ،‬وقال ‪ :‬لئن أنا حييت حتى آكلهن إنها لحياة طويلة! ثم تقدم فقاتل حتى‬
‫قتل ‪ ،‬رضي ال عنه (‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬البحر"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬المعجم الكبير (‪ )6/256‬وفيه ‪" :‬مثل زبد البحر" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/37‬رجاله‬
‫رجال الصحيح غير سالم بن غيلن وهو ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬ك ‪" :‬عن ابن شوذب" والمثبت من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وذمرهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )1901‬من حديث أنس ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/86‬‬

‫وقد روي عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ :‬أن هذه الية نزلت حين أسلم عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬وكمل به الربعون‪.‬‬
‫وفي هذا نظر ؛ لن هذه الية مدنية ‪ ،‬وإسلم عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى أرض الحبشة وقبل‬
‫الهجرة إلى المدينة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ن وَإِنْ َيكُنْ‬
‫ن صَابِرُونَ َيغْلِبُوا مِائَتَيْ ِ‬
‫ثم قال تعالى مُبَشّرًا للمؤمنين وآمرا ‪ { :‬إِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ عِشْرُو َ‬
‫مِ ْنكُمْ مِائَةٌ َيغْلِبُوا أَ ْلفًا مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا } كل واحد بعشرة (‪ )1‬ثم نسخ هذا المر وبقيت البشارة‪.‬‬
‫قال عبد ال بن المبارك ‪ :‬حدثنا جرير بن حازم ‪ ،‬حدثني الزبير بن الخِرّيت (‪ )2‬عن عكرمة ‪،‬‬
‫عشْرُونَ صَابِرُونَ َيغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } شق ذلك على‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬إِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ ِ‬
‫خفّفَ‬
‫المسلمين حين فرض ال عليهم أل يفر واحد من عشرة ‪ ،‬ثم جاء التخفيف ‪ ،‬فقال ‪ { :‬النَ َ‬
‫اللّهُ عَ ْن ُكمْ } إلى قوله ‪َ { :‬يغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قال ‪ :‬خفف ال عنهم من العدة ‪ ،‬ونقص من الصبر بقدر‬
‫ما خفف عنهم‪.‬‬
‫وروى البخاري من حديث ابن المبارك ‪ ،‬نحوه (‪)3‬‬
‫وقال سعيد بن منصور ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية قال ‪:‬‬
‫خفّفَ اللّهُ عَ ْنكُ ْم وَعَلِمَ‬
‫كتب عليهم أل يفر عشرون من مائتين ‪ ،‬ثم خفف ال عنهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬النَ َ‬
‫ض ْعفًا } فل ينبغي لمائة أن يفروا من مائتين‪.‬‬
‫أَنّ فِيكُ ْم َ‬
‫وروى البخاري ‪ ،‬عن علي بن عبد ال ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬به ونحوه (‪)4‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت‬
‫هذه الية ثقلت على المسلمين ‪ ،‬وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين ‪ ،‬ومائة ألفًا ‪ ،‬فخفف ال عنهم‬
‫ض ْعفًا } الية ‪ ،‬فكانوا إذا كانوا‬
‫خ ّففَ اللّهُ عَ ْنكُ ْم وَعَِلمَ أَنّ فِيكُ ْم َ‬
‫فنسخها بالية الخرى فقال ‪ { :‬النَ َ‬
‫على الشطر من عدو لهم (‪ )5‬لم ينبغ لهم أن يفروا من عدوهم ‪ ،‬وإذا كانوا دون ذلك ‪ ،‬لم يجب‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليهم قتالهم ‪ ،‬وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم‪.‬‬
‫وروى علي بن أبي طلحة والعوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬نحو ذلك‪ .‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وروي عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬والضحاك نحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ‪ ،‬من حديث المسيب بن شريك ‪ ،‬عن ابن عون ‪ ،‬عن نافع ‪،‬‬
‫ن صَابِرُونَ َيغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قال ‪ :‬نزلت‬
‫عن ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ { :‬إِنْ َيكُنْ مِ ْنكُمْ عِشْرُو َ‬
‫فينا أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬لعشرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪" :‬الزبير بن الحارث" والمثبت من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م الطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4653‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4652‬‬
‫(‪ )5‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬عدوهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/87‬‬

‫مَا كَانَ لِنَ ِبيّ أَنْ َيكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَ ْرضِ تُرِيدُونَ عَ َرضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الَْآخِ َرةَ‬
‫عظِيمٌ (‪َ )68‬فكُلُوا ِممّا‬
‫سكُمْ فِيمَا َأخَذْ ُتمْ عَذَابٌ َ‬
‫حكِيمٌ (‪َ )67‬لوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَ َبقَ َلمَ ّ‬
‫وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪)69‬‬
‫غَ ِنمْتُمْ حَلَالًا طَيّبًا وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬

‫وروى الحاكم في مستدركه ‪ ،‬من حديث أبي عمرو بن العلء ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن‬
‫ض ْعفًا } رفع ‪ ،‬ثم قال‬
‫خفّفَ اللّهُ عَ ْنكُ ْم وَعَلِمَ أَنّ فِيكُ ْم َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قرأ ‪ { :‬النَ َ‬
‫‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه (‪)1‬‬
‫{ مَا كَانَ لِنَ ِبيّ أَنْ َيكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُ ْثخِنَ فِي ال ْرضِ تُرِيدُونَ عَ َرضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الخِ َرةَ‬
‫عذَابٌ عَظِيمٌ (‪َ )68‬فكُلُوا ِممّا‬
‫خذْتُمْ َ‬
‫س ُكمْ فِيمَا أَ َ‬
‫حكِيمٌ (‪َ )67‬لوْل كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ َلمَ ّ‬
‫وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪} )69‬‬
‫غَ ِنمْتُمْ حَلل طَيّبًا وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن عاصم ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬استشار‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس في السارى يوم بدر ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن ال قد أمكنكم منهم" فقام‬
‫عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬اضرب أعناقهم‪ .‬فأعرض عنه النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ،‬ثم عاد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إن ال قد أمكنكم منهم ‪ ،‬وإنما هم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إخوانكم بالمس"‪ .‬فقام عمر فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬اضرب أعناقهم‪ .‬فأعرض عنه النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ثم عاد النبي صلى ال عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك ‪ ،‬فقام أبو بكر الصديق ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬نرى أن تعفو عنهم ‪ ،‬وأن تقبل منهم الفداء‪ .‬قال ‪ :‬فذهب‬
‫عن وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم ما كان فيه من الغم ‪ ،‬فعفا عنهم ‪ ،‬وقبل منهم الفداء‪ .‬قال‬
‫‪ :‬وأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪َ { :‬لوْل كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ } الية (‪)2‬‬
‫وقد سبق في أول السورة حديث ابن عباس في صحيح مسلم بنحو ذلك‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬لما كان يوم بدر قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما تقولون في هؤلء (‪ )3‬السارى ؟ " قال ‪ :‬فقال أبو بكر ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬قومك وأهلك ‪ ،‬استبقهم واستتبهم ‪ ،‬لعل ال أن يتوب عليهم‪ .‬قال ‪ :‬وقال عمر ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أخرجوك ‪ ،‬وكذبوك ‪ ،‬فقدمهم فاضرب أعناقهم‪ .‬قال ‪ :‬وقال عبد ال بن رواحة ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أنت في واد كثير الحطب ‪ ،‬فأضرم الوادي عليهم نارًا ‪ ،‬ثم ألقهم فيه‪[ .‬قال ‪ :‬فقال‬
‫العباس ‪ :‬قطعت رحمك] (‪ )4‬قال ‪ :‬فسكت رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئًا ‪،‬‬
‫ثم قام فدخل فقال ناس ‪ :‬يأخذ بقول أبي بكر‪ .‬وقال ناس ‪ :‬يأخذ بقول عمر‪ .‬وقال ناس ‪ :‬يأخذ‬
‫بقول عبد ال بن رواحة‪ .‬ثم خرج عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬إن ال ليلين‬
‫قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ‪ ،‬وإن ال ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من‬
‫الحجارة ‪ ،‬وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قال ‪َ { :‬فمَنْ تَ ِبعَنِي فَإِنّهُ مِنّي َومَنْ‬
‫غفُورٌرَحِيمٌ } [إبراهيم ‪ ، ]36 :‬وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫عصَانِي فَإِ ّنكَ َ‬
‫َ‬
‫حكِيمُ } [المائدة ‪ ، ]118 :‬وإن‬
‫ك وَإِنْ َت ْغفِرْ َل ُهمْ فَإِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫قال ‪ { :‬إِنْ ُت َعذّ ْبهُمْ فَإِ ّنهُمْ عِبَا ُد َ‬
‫مثلك يا عمر مثل موسى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المستدرك (‪.)2/239‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/243‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬هذه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬والمسند والطبري‪.‬‬

‫( ‪)4/88‬‬

‫طمِسْ عَلَى َأ ْموَاِلهِ ْم وَاشْ ُددْ عَلَى قُلُو ِبهِمْ فَل ُي ْؤمِنُوا حَتّى يَ َروُا ا ْل َعذَابَ‬
‫عليه السلم ‪ ،‬قال ‪ { :‬رَبّنَا ا ْ‬
‫اللِيمَ } [يونس ‪ ، ]88 :‬وإن مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلم ‪ ،‬قال ‪َ { :‬ربّ ل َتذَرْ عَلَى‬
‫ال ْرضِ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ دَيّارًا } [نوح ‪ ، ]26 :‬أنتم عالة فل ينفلتن أحد منهم إل بفداء أو ضربة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عنق"‪ .‬قال ابن مسعود ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إل سهيل بن بيضاء ‪ ،‬فإنه يذكر السلم ‪ ،‬فسكت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليّ حجارة من السماء مني‬
‫في ذلك اليوم ‪ ،‬حتى قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إل سهيل بن بيضاء" فأنزل ال تعالى‬
‫‪ { :‬مَا كَانَ لِنَ ِبيّ أَنْ َيكُونَ َلهُ أَسْرَى } إلى آخر الية‪.‬‬
‫رواه المام أحمد والترمذي ‪ ،‬من حديث أبي معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬والحاكم في مستدركه ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه (‪ )1‬وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر‬
‫‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم نحوه (‪ )2‬وفي الباب عن أبي‬
‫أيوب النصاري‪.‬‬
‫وروى ابن مردويه أيضا ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬والحاكم في مستدركه ‪ ،‬من حديث عبيد ال بن موسى ‪:‬‬
‫حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن إبراهيم بن مهاجر ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬لما أسر السارى يوم‬
‫بدر ‪ ،‬أسر العباس فيمن أسر ‪ ،‬أسره رجل من النصار ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد أوعدته النصار أن يقتلوه‪.‬‬
‫فبلغ ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني لم أنم الليلة من‬
‫أجل عمي العباس ‪ ،‬وقد زعمت النصار أنهم قاتلوه" فقال له عمر ‪ :‬فآتهم ؟ قال ‪" :‬نعم" فأتى‬
‫عمر النصار فقال لهم ‪ :‬أرسلوا العباس فقالوا ‪ :‬ل وال ل نرسله‪ .‬فقال لهم عمر ‪ :‬فإن كان‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم رضى ؟ قالوا ‪ :‬فإن كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم رضى‬
‫فخذه‪ .‬فأخذه عمر فلما صار في يده قال له ‪ :‬يا عباس ‪ ،‬أسلم ‪ ،‬فوال لن تسلم أحب إلي من أن‬
‫يسلم الخطاب ‪ ،‬وما ذاك إل لما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يعجبه إسلمك ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فاستشار رسول ال صلى ال عليه وسلم أبا بكر ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬عشيرتك‪ .‬فأرسلهم ‪ ،‬فاستشار‬
‫عمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬اقتلهم ‪ ،‬ففاداهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬مَا كَانَ لِنَ ِبيّ أَنْ‬
‫َيكُونَ َلهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِي ال ْرضِ } (‪ )3‬الية‪.‬‬
‫قال الحاكم ‪ :‬صحيح السناد ‪ ،‬ولم يخرجاه (‪)4‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن هشام ‪ -‬هو ابن حسان ‪ -‬عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن عبيدة ‪ ،‬عن علي‬
‫‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬جاء جبريل إلى النبي صلى ال عليه وسلم يوم بدر فقال ‪ :‬خَيّر‬
‫أصحابك في السارى ‪ :‬إن شاءوا الفداء ‪ ،‬وإن شاؤوا القتل على أن يقتل منهم مقبل مثلهم‪ .‬قالوا‬
‫‪ :‬الفداء ويقتل منا‪.‬‬
‫رواه الترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن حبان في صحيحه من حديث الثوري ‪ ،‬به (‪ )5‬وهذا حديث‬
‫غريب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/383‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3084‬والمستدرك (‪ )3/21‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا‬
‫حديث حسن وأبو عبيدة بن عبد ال لم يسمع من أبيه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬ذكرهما السيوطي في الدر المنثور (‪.)107 ، 4/104‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬تكون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المستدرك (‪ )2/329‬وقال الذهبي ‪" :‬على شرط مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪ )1567‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )8662‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا‬
‫حديث غريب من حديث الثوري ل نعرفه إل من حديث ابن أبي زائدة"‪.‬‬

‫( ‪)4/89‬‬

‫جدا‪.‬‬
‫وقال ابن عون [عن محمد بن سيرين] (‪ )1‬عن عبيدة ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم في أسارى يوم بدر ‪" :‬إن شئتم قتلتموهم ‪ ،‬وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء ‪،‬‬
‫واستشهد منكم بعدتهم"‪ .‬قال ‪ :‬فكان آخر السبعين ثابت بن قيس ‪ ،‬قتل يوم اليمامة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه (‪)2‬‬
‫ومنهم من روى هذا الحديث عن عبيدة مرسل (‪ )3‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬مَا كَانَ لِنَ ِبيّ أَنْ‬
‫عظِيمٌ } قال ‪ :‬غنائم بدر ‪ ،‬قبل أن يحلها لهم ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫َيكُونَ َلهُ أَسْرَى } فقرأ حتى بلغ ‪ { :‬عَذَابٌ َ‬
‫لول أني ل أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه ‪ ،‬لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم‪.‬‬
‫وكذا روى ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ :‬سبق منه أل يعذب أحدا شهد بدرا‪ .‬وروى نحوه عن سعد بن أبي وقاص ‪،‬‬
‫وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعطاء‪.‬‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن أبي هاشم (‪ )4‬عن مجاهد ‪َ { :‬لوْل كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ } أي ‪ :‬لهم بالمغفرة‬
‫ونحوه عن سفيان الثوري ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬لوْل كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَ َبقَ } يعني ‪ :‬في أم‬
‫سكُمْ فِيمَا َأخَذْتُمْ } من السارى { عَذَابٌ‬
‫الكتاب الول أن المغانم والسارى حلل لكم ‪َ { ،‬لمَ ّ‬
‫عَظِيمٌ } قال ال تعالى ‪َ { :‬فكُلُوا ِممّا غَ ِنمْتُمْ } الية‪ .‬وكذا روى العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وروي‬
‫مثله عن أبي هريرة ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وقتادة‬
‫والعمش أيضا ‪ :‬أن المراد { َلوْل كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَ َبقَ } لهذه المة بإحلل الغنائم وهو اختيار ابن‬
‫جرير ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫ويستشهد لهذا القول بما أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أعطيت خمسا ‪ ،‬لم يعطهن أحد من النبياء قبلي ‪ :‬نصرت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بالرعب مسيرة شهر ‪ ،‬وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا ‪ ،‬وأحلت لي الغنائم ولم تحل لحد‬
‫قبلي ‪ ،‬وأعطيت الشفاعة ‪ ،‬وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة" (‪)5‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬لم تحل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من المستدرك ودلئل النبوة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/140‬والبيهقي في دلئل النبوة (‪ )3/139‬من طريق إبراهيم‬
‫بن عرعرة قال ‪ :‬أخبرنا أزهر ‪ ،‬عن ابن عون ‪ ،‬عن محمد عن عبيدة ‪ ،‬عن علي به ‪ ،‬وقال ابن‬
‫عرعرة ‪" :‬رددت هذا على أزهر فأبى إل أن يقول ‪ :‬عبيدة عن علي" وصححه الحاكم وقال ‪:‬‬
‫"على شرط الشيخين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )14/67‬من طريق ابن علية عن ابن عون عن ابن سيرين عن‬
‫عبيدة به مرسل‪.‬‬
‫(‪ )4‬في د ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )335‬وصحيح مسلم برقم (‪.)521‬‬

‫( ‪)4/90‬‬

‫الغنائم لسود الرؤوس غيرنا" (‪)1‬‬


‫غفُورٌ َرحِيمٌ } فعند ذلك‬
‫ولهذا قال ال تعالى ‪َ { :‬فكُلُوا ِممّا غَ ِنمْتُمْ حَلل طَيّبًا وَا ّتقُوااللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫أخذوا من السارى الفداء‪.‬‬
‫وقد روى المام أبو داود في سننه ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي ‪ ،‬حدثنا سفيان بن‬
‫حبيب ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي العنبس ‪ ،‬عن أبي الشعثاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة (‪)2‬‬
‫وقد استقر الحكم في السرى (‪ )3‬عند جمهور العلماء ‪ :‬أن المام مخير فيهم ‪ :‬إن شاء قتل ‪ -‬كما‬
‫فعل ببني قريظة ‪ -‬وإن شاء فادى بمال ‪ -‬كما فعل بأسرى بدر ‪ -‬أو بمن أسر من المسلمين ‪-‬‬
‫كما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم في تلك الجارية وابنتها اللتين كانتا في سبي سلمة بن‬
‫الكوع ‪ ،‬حيث ردهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين ‪ ،‬وإن شاء‬
‫استرق من أسر‪ .‬هذا مذهب المام الشافعي وطائفة من العلماء ‪ ،‬وفي المسألة خلف آخر بين‬
‫الئمة مقرر في موضعه من كتب الفقه‪.‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3085‬من طريق معاوية بن عمرو عن زائدة ‪ ،‬عن العمش‬
‫به نحوه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث العمش"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪.)2691‬‬
‫(‪ )3‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬السارى"‬

‫( ‪)4/91‬‬

‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ ِلمَنْ فِي أَ ْيدِيكُمْ مِنَ الَْأسْرَى إِنْ َيعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُو ِبكُمْ خَيْرًا ُيؤْ ِتكُمْ خَيْرًا ِممّا أُخِذَ مِ ْنكُمْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )70‬وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَ َتكَ َفقَدْ خَانُوا اللّهَ مِنْ قَ ْبلُ فََأ ْمكَنَ مِ ْنهُ ْم وَاللّهُ‬
‫وَ َيغْفِرْ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫حكِيمٌ (‪)71‬‬
‫عَلِيمٌ َ‬

‫خذَ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ ِلمَنْ فِي أَيْدِي ُكمْ مِنَ السْرَى إِنْ َيعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُو ِبكُمْ خَيْرًا ُيؤْ ِتكُمْ خَيْرًا ِممّا أُ ِ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )70‬وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَ َتكَ َفقَدْ خَانُوا اللّهَ مِنْ قَ ْبلُ فََأ ْمكَنَ مِ ْنهُمْ‬
‫مِ ْنكُ ْم وَ َيغْفِرْ َلكُمْ وَاللّهُ َ‬
‫حكِيمٌ (‪} )71‬‬
‫وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني العباس بن عبد ال بن مغفل ‪ ،‬عن بعض أهله ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال يوم بدر ‪" :‬إني قد عرفت أن‬
‫أناسا من بني هاشم وغيرهم ‪ ،‬قد أخرجوا كرها ‪ ،‬ل حاجة لهم بقتالنا ‪ ،‬فمن لقي (‪ )1‬منكم أحدا‬
‫منهم ‪ -‬أي ‪ :‬من بني هاشم ‪ -‬فل يقتله ‪ ،‬ومن لقي أبا البختري بن هشام فل يقتله ‪ ،‬ومن لقي‬
‫العباس بن عبد المطلب فل يقتله ‪ ،‬فإنه إنما أخرج مستكرها"‪ .‬فقال أبو حذيفة بن عتبة ‪ :‬أنقتل‬
‫آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس ؟ ! وال لئن لقيته للجمنه بالسيف ؟ فبلغت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال لعمر بن الخطاب ‪" :‬يا أبا حفص" ‪ -‬قال عمر ‪ :‬وال إنه‬
‫لول يوم كناني فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" -‬أيضرب وجه عم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بالسيف ؟ " فقال عمر ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ائذن لي فأضرب عنقه ‪ ،‬فوال لقد نافق‪ .‬فكان‬
‫أبو حذيفة يقول بعد ذلك ‪ :‬وال ما آمن من تلك الكلمة التي قلت ‪ ،‬ول أزال منها خائفا ‪ ،‬إل أن‬
‫يكفرها ال عني بشهادة‪ .‬فقتل يوم اليمامة شهيدا ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬شهد"‪.‬‬

‫( ‪)4/91‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وبه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما أمسى رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم بدر ‪ ،‬والسارى‬
‫محبوسون بالوثاق ‪ ،‬بات رسول ال صلى ال عليه وسلم ساهرا أول الليل ‪ ،‬فقال له أصحابه ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬ما لك ل تنام ؟ ‪ -‬وقد أسر العباس رجل من النصار ‪ -‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬سمعت أنين عمي العباس في وثاقه" فأطلقوه ‪ ،‬فسكت ‪ ،‬فنام رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬وكان أكثر السارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلب ‪ ،‬وذلك أنه كان‬
‫رجل مُوسرا فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهبا (‪)1‬‬
‫وفي صحيح البخاري ‪ ،‬من حديث موسى بن عقبة ‪ ،‬قال ابن شهاب ‪ :‬حدثني أنس بن مالك أن‬
‫رجال من النصار استأذنوا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬ائذَنْ لنا فَلْنَتْ ُركْ لبن أختنا‬
‫عباس فداءه‪ .‬قال (‪ )2‬ل وال ل تَذَرون منه درهما" (‪)3‬‬
‫وقال يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن رُومان ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ -‬وعن‬
‫الزهري ‪ ،‬عن جماعة سماهم قالوا ‪ :‬بعثت قريش إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في فداء‬
‫أسراهم ‪ ،‬ففدى (‪ )4‬كل قوم أسيرهم بما رضوا ‪ ،‬وقال العباس ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد كنت مسلما!‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ال أعلم بإسلمك ‪ ،‬فإن يكن كما تقول فإن ال يجزيك ‪،‬‬
‫وأما ظاهرك فقد كان علينا ‪ ،‬فافتد نفسك وابنيْ أخيك ‪ :‬نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ‪،‬‬
‫وعَقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ‪ ،‬وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر" قال ‪:‬‬
‫ما ذاك عندي يا رسول ال! قال ‪" :‬فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ؟ فقلت (‪ )5‬لها ‪ :‬إن‬
‫أصبتُ في سفري هذا ‪ ،‬فهذا المال الذي دفنته لبَني ‪ :‬الفضل ‪ ،‬وعبد ال ‪ ،‬وقُثم"‪ .‬قال ‪ :‬وال يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬إني لعلم أنك رسول ال ‪ ،‬إن هذا لشيء ما علمه أحد (‪ )6‬غيري وغيرُ أم الفضل ‪،‬‬
‫فاحسب لي يا رسول ال ما أصبتم مني ‪ :‬عشرين أوقية من مال كان معي فقال ؟ رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل ذاك شيء أعطانا ال تعالى منك"‪ .‬ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه ‪،‬‬
‫وأنزل ال ‪ ،‬عز وجل فيه ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ ِلمَنْ فِي أَ ْيدِيكُمْ مِنَ السْرَى إِنْ َيعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُو ِبكُمْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } (‪ )7‬قال العباس ‪ :‬فأعطاني ال‬
‫خَيْرًا ُيؤْ ِتكُمْ خَيْرًا ِممّا ُأخِذَ مِ ْنكُمْ وَ َيغْفِرْ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫مكان العشرين الوقية في السلم عشرين عبدا ‪ ،‬كلهم في يده مال يضرب به ‪ ،‬مع ما أرجو من‬
‫مغفرة ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وقد روى ابن إسحاق أيضا ‪ ،‬عن ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية بنحو‬
‫مما تقدم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬ذهب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4026‬‬
‫(‪ )4‬في ك ‪" :‬يفادى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في د ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في د ‪" :‬السرى"‪.‬‬

‫( ‪)4/92‬‬

‫وقال (‪ )1‬أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا ابن إدريس [عن ابن إسحاق ] (‪ )2‬عن‬
‫ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال العباس ‪ :‬في نزلت ‪ { :‬مَا كَانَ لِنَ ِبيّ أَنْ‬
‫َيكُونَ َلهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِي ال ْرضِ } فأخبرت النبيّ صلى ال عليه وسلم بإسلمي ‪ ،‬وسألته‬
‫أن يحاسبني بالعشرين الوقية التي أخذ (‪ )3‬مني ‪ ،‬فأبى ‪ ،‬فأبدلني ال بها عشرين عبدا ‪ ،‬كلهم‬
‫تاجر ‪ ،‬مالي في يده‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق أيضا ‪ :‬حدثني الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال‬
‫ابن رئاب قال ‪ :‬كان العباس بن عبد المطلب يقول ‪ :‬فيّ نزلت ‪ -‬وال ‪ -‬حين ذكرت لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إسلمي ‪ -‬ثم ذكر نحو الحديث الذي قبله‪.‬‬
‫وقال ابن جُريج ‪ ،‬عن عطاء الخراساني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ ِلمَنْ فِي أَ ْيدِيكُمْ مِنَ‬
‫السْرَى } عباس وأصحابه‪ .‬قال ‪ :‬قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬آمنا بما جئت به ‪ ،‬ونشهد‬
‫أنك رسول ال ‪ ،‬لننصحن لك على قومنا‪ .‬فأنزل ال ‪ { :‬إِنْ َيعَْلمِ اللّهُ فِي قُلُو ِبكُمْ خَيْرًا ُيؤْ ِتكُمْ خَيْرًا‬
‫خذَ مِ ْنكُمْ } إيمانا وتصديقا ‪ ،‬يخلف (‪ )4‬لكم خيرا مما أخذ منكم { وَ َيغْفِرْ َلكُمْ } الشرك الذي‬
‫ِممّا أُ ِ‬
‫كنتم عليه‪ .‬قال ‪ :‬فكان العباس يقول ‪ :‬ما أحب أن هذه الية لم تنزل فينا ‪ ،‬وأن لي الدنيا ‪ ،‬لقد قال‬
‫‪ُ { :‬يؤْ ِتكُمْ خَيْرًا ِممّا ُأخِذَ مِ ْنكُمْ } فقد أعطاني خيرا مما أخذ مني مائة ضعف ‪ ،‬وقال ‪ { :‬وَ َيغْفِرْ َلكُمْ‬
‫} وأرجو أن يكون (‪ )5‬غُفر لي‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬كان العباس أسر يوم بدر ‪ ،‬فافتدى نفسه‬
‫بأربعين أوقية من ذهب ‪ ،‬فقال العباس حين قرئت هذه الية ‪ :‬لقد أعطانا (‪ )6‬ال ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫خَصلتين ‪ ،‬ما أحب أن لي بهما الدنيا ‪ :‬إني أسرت يوم بدر َففَدَيت نفسي بأربعين أوقية‪ .‬فآتاني‬
‫أربعين عبدا ‪ ،‬وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا ال ‪ ،‬جل ثناؤه‪.‬‬
‫وقال قتادة في تفسير هذه الية ‪ :‬ذُكر لنا أن رسول (‪ )7‬ال صلى ال عليه وسلم لما قدم عليه مال‬
‫البحرين ثمانون ألفا ‪ ،‬وقد توضأ لصلة الظهر ‪ ،‬فما أعطى يومئذ ساكتًا ول حرم سائل وما‬
‫صلى يومئذ حتى فرقه ‪ ،‬فأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي ‪ ،‬فأخذ‪ .‬قال ‪ :‬فكان العباس يقول ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا خير مما أخذ منا ‪ ،‬وأرجو المغفرة‪.‬‬
‫وقال يعقوب بن سفيان ‪ :‬حدثنا عمرو بن عاصم ‪ ،‬حدثنا سليمان بن المغيرة ‪ ،‬عن حميد بن هلل‬
‫قال ‪ :‬بعث ابن الحضرمي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم من البحرين ثمانين ألفا ‪ ،‬ما أتاه‬
‫مال أكثر منه ل قَبلُ ول بَعدُ‪ .‬قال ‪ :‬فنثرت على حصير ونودي بالصلة‪ .‬قال ‪ :‬وجاء رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فمثل قائما على المال ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬وقال أيضا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أخذت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ك ‪ : :‬نخلف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يكون قد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أعطاه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ك ‪" :‬نبي"‪.‬‬

‫( ‪)4/93‬‬

‫وجاء أهل المسجد فما كان يومئذ عد ٌد ول وزنٌ ‪ ،‬ما كان إل قَ ْبضًا ‪[ ،‬قال] (‪ )1‬وجاء العباس بن‬
‫عبد المطلب يحثى في خَميصة عليه ‪ ،‬وذهب يقوم فلم يستطع ‪ ،‬قال ‪ :‬فرفع رأسه إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ارفع علي‪ .‬قال ‪ :‬فتبسم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم حتى خرج ضاحكه ‪ -‬أو ‪ :‬نابه ‪ -‬وقال له ‪" :‬أعدْ من المال طائفة ‪ ،‬وقم بما تطيق"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ففعل ‪ ،‬وجعل العباس يقول ‪ -‬وهو منطلق ‪ : -‬أما إحدى اللتين وعدنا ال فقد أنجزنا ‪ ،‬وما ندري‬
‫ما يصنع في الخرى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ ِلمَنْ فِي أَ ْيدِيكُمْ مِنَ السْرَى } (‪ )2‬الية ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هذا‬
‫خير مما أخذ منا ‪ ،‬ول أدري ما يصنع ال في الخرى (‪ )3‬فما زال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم مائل على ذلك المال ‪ ،‬حتى ما بقي منه درهم ‪ ،‬وما بعث إلى أهله بدرهم ‪ ،‬ثم أتى الصلة‬
‫فصلى (‪)4‬‬
‫حديث آخر في ذلك ‪ :‬قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أنبأنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أخبرني أبو الطيب‬
‫حمَش بن عصام ‪ ،‬حدثنا حفص بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا‬
‫محمد بن محمد بن عبد ال السعيدي ‪ ،‬حدثنا مَ ْ‬
‫ط ْهمَان ‪ ،‬عن عبد العزيز بن صهيب ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬أتي رسول ال صلى‬
‫إبراهيم بن َ‬
‫ال عليه وسلم بمال من البحرين ‪ ،‬فقال ‪" :‬انثروه في المسجد"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكان أكثر مال أتى به رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فخرج إلى الصلة ولم يلتفت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إليه ‪ ،‬فلما قضى الصلة جاء فجلس إليه‪ .‬فما كان يرى أحدا إل أعطاه ‪ ،‬إذ جاء العباس فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أعطني فإني فاديت نفسي ‪ ،‬وفاديت عَقيل‪ .‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"خذ"‪ .‬فحثا في ثوبه ‪ ،‬ثم ذهب ُيقِلّه فلم يستطع ‪ ،‬فقال ‪ :‬مُرْ بعضهم يرفعه إليّ‪ .‬قال ‪" :‬ل"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فارفعه أنت عليّ‪ .‬قال ‪" :‬ل" فنثر منه ثم احتمله على كاهله ‪ ،‬ثم انطلق ‪ ،‬فما زال رسول ال‬
‫عجَبًا من حِرْصه ‪ ،‬فما قام رسول ال صلى‬
‫خفِيَ عنه ‪َ ،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم يتبعه بصره حتى َ‬
‫ال عليه وسلم وثَمّ منها درهم (‪)5‬‬
‫وقد رواه البخاري في مواضع من صحيحه تعليقا بصيغة الجزم ‪ ،‬يقول ‪" :‬وقال إبراهيم بن‬
‫طهمان" ويسوقه ‪ ،‬وفي بعض السياقات أتم من هذا (‪)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَ َتكَ } أي ‪ :‬فيما أظهروا لك من القوال ‪َ { ،‬فقَدْ خَانُوا اللّهَ مِنْ قَ ْبلُ } أي‬
‫حكِيمٌ } أي ‪ :‬عليم‬
‫‪ :‬من قبل بدر بالكفر به ‪ { ،‬فََأ ْمكَنَ مِ ْنهُمْ } أي ‪ :‬بالسار يوم بدر ‪ { ،‬وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫بما يفعله ‪ ،‬حكيم فيه‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬نزلت في عبد ال بن سعد بن أبي سَرْح الكاتب حين ارتد ‪ ،‬ولحق بالمشركين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪" :‬السرى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬الخرة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )3/329‬من طريق هاشم بن القاسم عن سليمان بن المغيرة به‬
‫نحوه ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬السنن الكبرى (‪ )6/356‬ووقع فيه "محمد بن محمد بن عبد ال الشعيري"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)3165 ، 3049 ، 421‬‬

‫( ‪)4/94‬‬

‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ َآ َووْا وَ َنصَرُوا أُولَ ِئكَ‬


‫إِنّ الّذِينَ َآمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫شيْءٍ حَتّى ُيهَاجِرُوا وَإِنِ‬
‫ن وَلَايَ ِتهِمْ مِنْ َ‬
‫ض وَالّذِينَ َآمَنُوا وََلمْ ُيهَاجِرُوا مَا َلكُمْ مِ ْ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْع ٍ‬
‫َب ْع ُ‬
‫ق وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪)72‬‬
‫اسْتَ ْنصَرُوكُمْ فِي الدّينِ َفعَلَ ْيكُمُ ال ّنصْرُ إِلّا عَلَى َقوْمٍ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْ َنهُمْ مِيثَا ٌ‬

‫وقال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن عطاء الخراساني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬نزلت في عباس وأصحابه ‪ ،‬حين‬
‫قالوا ‪ :‬لننصحن لك على قومنا‪.‬‬
‫وفسرها السّ ّديّ على العموم ‪ ،‬وهو أشمل وأظهر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَالّذِينَ آ َووْا وَ َنصَرُوا أُولَ ِئكَ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَا َهدُوا بَِأ ْموَاِلهِمْ وَأَنْفُ ِ‬
‫شيْءٍ حَتّى ُيهَاجِرُوا وَإِنِ‬
‫ن وَليَ ِتهِمْ مِنْ َ‬
‫ض وَالّذِينَ آمَنُوا وََلمْ ُيهَاجِرُوا مَا َلكُمْ مِ ْ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْع ٍ‬
‫َب ْع ُ‬
‫اسْتَ ْنصَرُوكُمْ فِي الدّينِ َفعَلَ ْيكُمُ ال ّنصْرُ إِل عَلَى َقوْمٍ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْ َنهُمْ مِيثَاقٌ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‬
‫‪} )72‬‬
‫ذكر تعالى أصناف المؤمنين ‪ ،‬وقسمهم إلى مهاجرين ‪ ،‬خرجوا من ديارهم وأموالهم ‪ ،‬وجاؤوا‬
‫لنصر ال ورسوله ‪ ،‬وإقامة دينه ‪ ،‬وبذلوا أموالهم وأنفسهم في ذلك‪ .‬وإلى أنصار ‪ ،‬وهم ‪:‬‬
‫المسلمون من أهل المدينة إذ ذاك ‪ ،‬آووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم ‪ ،‬وواسوهم في أموالهم ‪،‬‬
‫ونصروا ال ورسوله بالقتال معهم ‪ ،‬فهؤلء بعضهم أولى ببعض (‪ )1‬أي ‪ :‬كل منهم أحق بالخر‬
‫من كل أحد ؛ ولهذا آخى رسول ال صلى ال عليه وسلم بين المهاجرين والنصار ‪ ،‬كل اثنين‬
‫خوَان ‪ ،‬فكانوا يتوارثون بذلك إرثًا مقدمًا على القرابة ‪ ،‬حتى نسخ ال تعالى ذلك بالمواريث ‪،‬‬
‫أَ‬
‫ثبت ذلك في صحيح البخاري ‪ ،‬عن ابن عباس (‪ )2‬ورواه ال َعوْفي ‪ ،‬وعلي بن أبي طلحة ‪ ،‬عنه (‬
‫‪ )3‬وقال (‪ )4‬مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن شريك ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن جَرير ‪ -‬هو ابن‬
‫عبد ال البجلي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬المهاجرون‬
‫والنصار أولياء بعضهم لبعض ‪ ،‬والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى‬
‫يوم القيامة" تفرد به أحمد (‪)5‬‬
‫عكْرِمة ‪ -‬يعني ابن إبراهيم الزدي ‪ -‬حدثنا‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا شيبان (‪ )6‬حدثنا ِ‬
‫شقِيق ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫عاصم ‪ ،‬عن َ‬
‫"المهاجرون والنصار ‪ ،‬والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف ‪ ،‬بعضهم أولياء بعض في الدنيا‬
‫والخرة"‪ .‬هكذا رواه في مسند عبد ال بن مسعود (‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬بعضهم أولياء بعض"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)6747‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/78‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وقاله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)4/363‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬سفيان"‪.‬‬
‫(‪ )7‬مسند أبي يعلى (‪ )8/446‬وفيه عكرمة بن إبراهيم ‪ ،‬ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)4/95‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد أثنى ال ورسوله على المهاجرين والنصار في غير ما آية في (‪ )1‬كتابه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ن الوّلُونَ مِنَ ا ْل ُمهَاجِرِينَ وَال ْنصَا ِر وَالّذِينَ اتّ َبعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ َرضِيَ اللّهُ عَ ْنهُ ْم وَ َرضُوا‬
‫{ وَالسّا ِبقُو َ‬
‫عَنْ ُه وَأَعَدّ َلهُمْ جَنّاتٍ َتجْرِي تَحْ َتهَا ال ْنهَارُ } الية [التوبة ‪ ، ]100 :‬وقال ‪َ { :‬لقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى‬
‫عةِ ا ْلعُسْ َرةِ } الية‪[ .‬التوبة ‪ ، ]117 :‬وقال تعالى‬
‫ن وَالنْصَارِ الّذِينَ اتّ َبعُوهُ فِي سَا َ‬
‫ي وَا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫النّ ِب ّ‬
‫‪ِ { :‬ل ْلفُقَرَاءِ ا ْل ُمهَاجِرِينَ الّذِينَ ُأخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وََأمْوَاِلهِمْ يَبْ َتغُونَ َفضْل مِنَ اللّهِ وَ ِرضْوَانًا‬
‫ن وَالّذِينَ تَ َبوّءُوا الدّا َر وَاليمَانَ مِنْ قَبِْلهِمْ يُحِبّونَ مَنْ‬
‫وَيَ ْنصُرُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّا ِدقُو َ‬
‫سهِ ْم وََلوْ كَانَ ِبهِمْ‬
‫جدُونَ فِي صُدُورِ ِهمْ حَاجَةً ِممّا أُوتُوا وَ ُيؤْثِرُونَ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫هَاجَرَ إِلَ ْيهِ ْم وَل يَ ِ‬
‫خصَاصَةٌ } الية [الحشر ‪.]9 ، 8 :‬‬
‫َ‬
‫جةً ِممّا أُوتُوا } أي ‪ :‬ل يحسدونهم على‬
‫وأحسن ما قيل في قوله ‪ { :‬وَل َيجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَا َ‬
‫فضل ما أعطاهم ال على هجرتهم ‪ ،‬فإن ظاهر اليات تقديم المهاجرين على النصار ‪ ،‬وهذا أمر‬
‫مجمع عليه بين العلماء ‪ ،‬ل يختلفون في ذلك ‪ ،‬ولهذا قال المام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد‬
‫الخالق البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا محمد بن َم ْعمَر ‪ ،‬حدثنا مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن حذيفة قال ‪ :‬خَيّرني رسولُ ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بين الهجرة والنصرة ‪ ،‬فاخترت الهجرة (‪)2‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعرفه إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫ن وَليَتِهِمْ } [قرأ حمزة ‪" :‬وليتهم" بالكسر ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ ُيهَاجِرُوا مَا َل ُكمْ مِ ْ‬
‫شيْءٍ حَتّى ُيهَاجِرُوا } هذا هو الصنف‬
‫والباقون بالفتح ‪ ،‬وهما واحد كالدّللة والدّللة] (‪ { )3‬مِنْ َ‬
‫الثالث من المؤمنين ‪ ،‬وهم الذين آمنوا ولم يهاجروا ‪ ،‬بل أقاموا في َبوَاديهم ‪ ،‬فهؤلء ليس لهم في‬
‫المغانم نصيب ‪ ،‬ول في خُمسها إل ما حضروا فيه القتال ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا وَكيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن علقمة بن مَرْثَد ‪ ،‬عن سليمان بن بُرَيْدة ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬بُرَيْدة بن‬
‫حصَيب السلمي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا بعث أميرا‬
‫ال ُ‬
‫على سرية أو جيش ‪ ،‬أوصاه في خاصة نفسه بتقوى ال ومن معه من المسلمين خيرًا ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"اغزوا باسم ال في سبيل ال ‪ ،‬قاتلوا من كفر بال ‪ ،‬إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى‬
‫إحدى ثلث خصال ‪ -‬أو ‪ :‬خلل ‪ -‬فأيتهن ما أجابوك (‪ )4‬إليها فاقبل منهم ‪ ،‬و ُكفّ عنهم ‪ :‬ادعهم‬
‫إلى السلم ‪ ،‬فإن أجابوك فاقبل منهم ‪ ،‬وكف عنهم ‪ ،‬ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار‬
‫المهاجرين ‪ ،‬وأعلمهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين ‪ ،‬وأن عليهم ما على المهاجرين‪ .‬فإن‬
‫أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند البزار برقم (‪" )2718‬كشف الستار" وفيه علي بن زيد ‪ ،‬ضعيف‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬زيادة من د ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ما أجابوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/96‬‬

‫ض َوفَسَادٌ كَبِيرٌ (‪)73‬‬


‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ إِلّا َت ْفعَلُوهُ َتكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫وَالّذِينَ َكفَرُوا َب ْع ُ‬

‫المسلمين ‪ ،‬يجري عليهم حكم ال الذي يجري على المؤمنين ‪ ،‬ول يكون لهم في الفيء والغنيمة‬
‫نصيب ‪ ،‬إل أن يجاهدوا مع المسلمين ‪ ،‬فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية‪ .‬فإن أجابوا فاقبل‬
‫منهم وكف عنهم ‪ ،‬فإن أبوا فاستعن بال ثم قاتلهم"‪.‬‬
‫انفرد به (‪ )1‬مسلم ‪ ،‬وعنده زيادات أخر (‪)2‬‬
‫ق وَاللّهُ ِبمَا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنِ اسْتَ ْنصَرُوكُمْ فِي الدّينِ َفعَلَ ْيكُمُ ال ّنصْرُ إِل عَلَى َقوْمٍ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْ َنهُمْ مِيثَا ٌ‬
‫َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ } يقول تعالى ‪ :‬وإن استنصروكم هؤلء العراب ‪ ،‬الذين لم يهاجروا في قتال ديني‬
‫‪ ،‬على عدو لهم فانصروهم ‪ ،‬فإنه واجب عليكم نصرهم ؛ لنهم إخوانكم في الدين ‪ ،‬إل أن‬
‫يستنصروكم على قوم من الكفار { بَيْ َنكُمْ وَبَيْ َنهُمْ مِيثَاقٌ } أي ‪ :‬مهادنة إلى مدة ‪ ،‬فل تخفروا‬
‫ذمتكم ‪ ،‬ول تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم‪ .‬وهذا مروي عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫ض َوفَسَادٌ كَبِيرٌ (‪} )73‬‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ إِل َت ْفعَلُوهُ َتكُنْ فِتْنَةٌ فِي ال ْر ِ‬
‫{ وَالّذِينَ َكفَرُوا َب ْع ُ‬
‫لما ذكر تعالى أن المؤمنين بعضُهم أولياء بعض ‪ ،‬قطع الموالة بينهم وبين الكفار ‪ ،‬كما قال‬
‫الحاكم في مستدركه ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ‪ ،‬حدثنا أبو سعد (‪ )3‬يحيى بن منصور الهروي ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫أبان ‪ ،‬حدثنا محمد بن يزيد وسفيان بن حسين ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن علي بن الحسين ‪ ،‬عن عمرو‬
‫بن عثمان ‪ ،‬عن أسامة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل يتوارث أهل ملتين ‪ ،‬ول يرث‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ إِل َت ْفعَلُوهُ َتكُنْ فِتْ َنةٌ‬
‫مسلم كافرًا ‪ ،‬ول كافر مسلما" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَالّذِينَ َكفَرُوا َب ْع ُ‬
‫ض َوفَسَادٌ كَبِيرٌ } ثم قال الحاكم ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه (‪)4‬‬
‫فِي ال ْر ِ‬
‫قلت ‪ :‬الحديث في الصحيحين من رواية أسامة بن زيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬ل يرث المسلم الكافر ول الكافر المسلم" (‪ )5‬وفي المسند والسنن ‪ ،‬من حديث عمرو بن شعيب‬
‫‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل يتوارث أهل ملتين شتى" (‬
‫‪ )6‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا محمد ‪[ ،‬عن محمد بن ثور] (‪ )7‬عن معمر ‪ ،‬عن الزهري ‪ :‬أن‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬انفرد بإخراجه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )5/352‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1731‬‬
‫(‪ )3‬في جميع النسخ ‪" :‬أبو سعيد" والتصويب من كتب الرجال‪.‬‬
‫(‪ )4‬المستدرك (‪.)2/240‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )6764‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1614‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )2/195‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2911‬ولم أقع عليه في سنن الترمذي ‪ ،‬وإنما أشار‬
‫إليه عند حديث أسامة بن زيد ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬

‫( ‪)4/97‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذ على رجل دخل في السلم فقال ‪" :‬تقيم الصلة ‪ ،‬وتؤتي‬
‫الزكاة ‪ ،‬وتحج البيت ‪ ،‬وتصوم رمضان ‪ ،‬وأنك ل ترى نار مشرك إل وأنت له حرب" (‪)1‬‬
‫وهذا مرسل من هذا الوجه ‪ ،‬وقد روي متصل من وجه آخر ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬أنه قال ‪" :‬أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني المشركين" ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ل يتراءى ناراهما"‬
‫(‪)2‬‬
‫وقال أبو داود في آخر كتاب الجهاد ‪ :‬حدثنا محمد بن داود بن سفيان ‪ ،‬أخبرني يحيى بن حسان ‪،‬‬
‫سمُرَة بن جُنْدُب [حدثني خبيب بن‬
‫أنبأنا سليمان بن موسى أبو داود ‪ ،‬حدثنا جعفر بن سعد بن َ‬
‫سليمان ‪ ،‬عن أبيه سليمان بن سمرة] (‪ )3‬عن سمرة بن جندب ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله" (‪)4‬‬
‫وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن مَرْ ُدوَيه ‪ ،‬من حديث حاتم بن إسماعيل ‪ ،‬عن عبد ال بن هرمز ‪ ،‬عن‬
‫محمد وسعيد ابنى عبيد ‪ ،‬عن أبي حاتم (‪ )5‬المزني قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إذا أتاكم من تَرْضون دينه وخلقه فأنكحوه إل تفعلوا (‪ )6‬تكن فتنة في الرض وفساد عريض"‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وإن كان ؟ قال ‪" :‬إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه" ثلث مرات‪.‬‬
‫وأخرجه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث حاتم بن إسماعيل ‪ ،‬به بنحوه (‪)7‬‬
‫ثم رُويَ من حديث عبد الحميد بن سليمان ‪ ،‬عن ابن (‪ )8‬عَجْلن ‪ ،‬عن ابن وَثيمةَ ال ّنصْري (‪)9‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا أتاكم من‬
‫ترضون خلقه ودينه فزوجوه ‪ ،‬إل تفعلوا (‪ )10‬تكن فتنة في الرض وفساد عريض" (‪)11‬‬
‫ض َوفَسَادٌ كَبِيرٌ } أي ‪ :‬إن لم تجانبوا المشركين‬
‫ومعنى قوله تعالى ‪ { :‬إِل َت ْفعَلُوهُ َتكُنْ فِتْ َنةٌ فِي ال ْر ِ‬
‫وتوالوا المؤمنين ‪ ،‬وإل وقعت الفتنة في الناس ‪ ،‬وهو التباس المر ‪ ،‬واختلط المؤمن بالكافر ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فيقع بين الناس فساد منتشر طويل عريض‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)14/82‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )2645‬والترمذي في السنن برقم (‪ )1604‬والنسائي في‬
‫السنن (‪ )8/36‬من حديث جرير بن عبد ال ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬وأبي داود‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪.)2787‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬حازم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪" :‬تفعلوه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه أبو داود في المراسيل برقم (‪ )224‬والترمذي في السنن برقم (‪.)1085‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬أبي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬ابن أبي وثيمة النصري"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ك ‪" :‬تفعلوه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )1084‬من طريق عبد الحميد بن سليمان به ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"حديث أبي هريرة قد خولف عبد الحميد ابن سليمان في هذا الحديث ‪ ،‬ورواه الليث بن سعد عن‬
‫ابن عجلن عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم مرسل ثم قال ‪ :‬وحديث الليث أشبه ‪،‬‬
‫ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا"‪.‬‬

‫( ‪)4/98‬‬

‫حقّا َلهُمْ‬
‫وَالّذِينَ َآمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَالّذِينَ َآ َووْا وَ َنصَرُوا أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمؤْمِنُونَ َ‬
‫َمغْفِ َر ٌة وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (‪ )74‬وَالّذِينَ َآمَنُوا مِنْ َب ْع ُد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا َم َعكُمْ فَأُولَ ِئكَ مِ ْنكُ ْم وَأُولُو‬
‫علِيمٌ (‪)75‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫الْأَرْحَامِ َب ْع ُ‬

‫حقّا َلهُمْ‬
‫{ وَالّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آ َووْا وَ َنصَرُوا أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ َ‬
‫َمغْفِ َر ٌة وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (‪ )74‬وَالّذِينَ آمَنُوا مِنْ َب ْع ُد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا َم َعكُمْ فَأُولَ ِئكَ مِ ْنكُ ْم وَأُولُو‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪} )75‬‬
‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫الرْحَامِ َب ْع ُ‬
‫لما ذكر تعالى حكم المؤمنين في الدنيا ‪ ،‬عطف بذكر ما لهم في الخرة ‪ ،‬فأخبر عنهم بحقيقة‬
‫اليمان ‪ ،‬كما تقدم في أول السورة ‪ ،‬وأنه سيجازيهم بالمغفرة والصفح عن ذنوب إن كانت ‪،‬‬
‫وبالرزق الكريم ‪ ،‬وهو الحسن الكثير الطيب الشريف ‪ ،‬دائم مستمر أبدا ل ينقطع ول ينقضي ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ول يسأم ول يمل لحسنه وتنوعه‪.‬‬
‫ثم ذكر أن التباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليه من اليمان والعمل الصالح فهم معهم في‬
‫ن وَال ْنصَا ِر وَالّذِينَ اتّ َبعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ َرضِيَ‬
‫ن الوّلُونَ مِنَ ا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫الخرة كما قال ‪ { :‬وَالسّا ِبقُو َ‬
‫اللّهُ عَ ْن ُه ْم وَ َرضُوا عَ ْن ُه وَأَعَدّ َلهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي َتحْ َتهَا ال ْنهَارُ } الية [التوبة ‪ ، ]100 :‬وقال ‪:‬‬
‫ج َعلْ فِي‬
‫خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِاليمَانِ وَل تَ ْ‬
‫غفِرْ لَنَا وَل ْ‬
‫{ وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َب ْعدِهِمْ َيقُولُونَ رَبّنَاا ْ‬
‫قُلُوبِنَا غِل لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِ ّنكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر ‪]10 :‬وفي الحديث المتفق عليه ‪ ،‬بل‬
‫المتواتر من طرق صحيحة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬المرء مع من‬
‫أحب" ‪ ،‬وفي الحديث الخر ‪" :‬من أحب قوما حُشر معهُم" (‪)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن شريك ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن جرير قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬المهاجرون والنصار أولياء بعضهم لبعض ‪ ،‬والطلقاء من‬
‫قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة"‪ .‬قال شريك ‪ :‬فحدثنا العمش ‪،‬‬
‫عن تميم بن سلمة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن هلل ‪ ،‬عن جرير ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫مثله‪.‬‬
‫تفرد به أحمد من هذين الوجهين (‪)2‬‬
‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ الِ } أي ‪ :‬في حكم ال ‪ ،‬وليس‬
‫وأما قوله تعالى ‪ { :‬وَُأوْلُوا ال ْرحَامِ َب ْع ُ‬
‫المراد بقوله ‪ { :‬وَُأوْلُوا الرْحَامِ } خصوصية ما يطلقه علماء الفرائض على القرابة ‪ ،‬الذين ل‬
‫فرض لهم ول هم عصبة ‪ ،‬بل ُيدْلون بوارث ‪ ،‬كالخالة ‪ ،‬والخال ‪ ،‬والعمة ‪ ،‬وأولد البنات ‪،‬‬
‫وأولد الخوات ‪ ،‬ونحوهم ‪ ،‬كما قد يزعمه بعضهم ويحتج بالية ‪ ،‬ويعتقد ذلك صريحا في‬
‫المسألة ‪ ،‬بل الحق أن الية‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جاء من حديث أبي قرصافة وجابر ‪ ،‬أما حديث جابر فرواه الطبراني في المعجم الكبير (‬
‫‪ )3/19‬من طريق زياد عن عزة بنت عياض عن أبي قرصافة مرفوعا بلفظ ‪" :‬من أحب قوما‬
‫حشره ال في زمرتهم" ‪ ،‬وفي إسناده من ل يعرف‪ .‬رواه الخطيب في تاريخه (‪ )5/196‬من‬
‫طريق إسماعيل بن يحيى عن سفيان عن عبد ال بن محمد بن عقيل عن جابر مرفوعا بلفظ ‪:‬‬
‫"من أحب قوما على أعمالهم‪ .‬حشر يوم القيامة في زمرتهم ‪ ،‬فحوسب بحسابهم وإن لم يعمل‬
‫أعمالهم" وإسماعيل بن يحيى ‪ ،‬ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)4/343‬‬

‫( ‪)4/99‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عامة تشمل جميع القرابات‪ .‬كما نص ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة وغير‬
‫واحد ‪ :‬على أنها ناسخة للرث بالحلف والخاء اللذين كانوا يتوارثون بهما أو ل وعلى هذا‬
‫فتشمل ذوي الرحام بالسم الخاص‪ .‬ومن لم يورثهم يحتج بأدلة من أقواها حديث ‪" :‬إن ال قد‬
‫أعطى كل ذي حق حقه ‪ ،‬فل وصِيّة لوارث" ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فلو كان ذا حق لكان له فرض في كتاب‬
‫ال مسمى ‪ ،‬فلما لم يكن كذلك لم يكن وارثا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫آخر [تفسير] (‪ )1‬سورة "النفال" ‪ ،‬ول الحمد والمنة ‪ ،‬وعليه (‪[ )2‬الثقة و] (‪ )3‬التكلن وهو‬
‫حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وبه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/100‬‬

‫شهُرٍ‬
‫بَرَا َءةٌ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَا َهدْتُمْ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪ )1‬فَسِيحُوا فِي الْأَ ْرضِ أَرْ َبعَةَ أَ ْ‬
‫وَاعَْلمُوا أَ ّن ُكمْ غَيْرُ ُمعْجِزِي اللّ ِه وَأَنّ اللّهَ مُخْزِي ا ْلكَافِرِينَ (‪)2‬‬

‫[بسم ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬وبه أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل] (‪)1‬‬
‫تفسير سورة التوبة (‪)2‬‬
‫مدنية (‪)3‬‬
‫شهُرٍ‬
‫{ بَرَا َءةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدْ ُتمْ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪َ )1‬فسِيحُوا فِي ال ْرضِ أَرْ َبعَةَ أَ ْ‬
‫وَاعَْلمُوا أَ ّن ُكمْ غَيْرُ ُمعْجِزِي اللّ ِه وَأَنّ اللّهَ مُخْزِي ا ْلكَافِرِينَ (‪} )2‬‬
‫هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كما قال البخاري‪.‬‬
‫حدثنا [أبو] (‪ )4‬الوليد ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق قال ‪ :‬سمعت البراء يقول ‪ :‬آخر آية نزلت‬
‫‪َ { :‬يسْ َتفْتُو َنكَ ُقلِ اللّهُ ُيفْتِيكُمْ فِي ا ْلكَللَةِ } [النساء ‪ ]176 :‬وآخر سورة نزلت براءة (‪.)5‬‬
‫وإنما ل يبسمل (‪ )6‬في أولها لن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في المصحف المام ‪،‬‬
‫والقتداء في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي ال عنه وأرضاه ‪ ،‬كما قال الترمذي ‪:‬‬
‫سهْل بن‬
‫حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعد ‪ ،‬ومحمد بن جعفر (‪ )7‬وابن أبي عَ ِديّ ‪ ،‬و َ‬
‫يوسف قالوا ‪ :‬حدثنا عوف بن أبي جَميلة (‪ )8‬أخبرني يزيد الفارسي ‪ ،‬أخبرني ابن عباس قال ‪:‬‬
‫قلت لعثمان بن عفان ‪ :‬ما حملكم أن عمدتم إلى النفال ‪ ،‬وهي من المثاني ‪ ،‬وإلى براءة وهي من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ } ووضعتموها (‬
‫المئين ‪ ،‬فقرنتم (‪ )9‬بينهما ‪ ،‬ولم تكتبوا بينهما سطر { بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫طوّل ‪ ،‬ما حملكم على ذلك ؟ فقال عثمان ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ )10‬في السبع ال ّ‬
‫مما يأتي عليه الزمان وهو يُنزل (‪ )11‬عليه السور ذوات العدد ‪ ،‬فكان إذا نزل عليه الشيءُ دعا‬
‫بعض من كان يكتب ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ضعوا هذه اليات في السورة التي يُذْكر فيها كذا وكذا ‪ ،‬فإذا‬
‫نزلت (‪ )12‬عليه الية فيقول ‪" :‬ضعوا هذه (‪ )13‬في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا" ‪ ،‬وكانت‬
‫النفال من أول ما نزل (‪ )14‬بالمدينة ‪ ،‬وكانت براءة من آخر القرآن ‪ ،‬وكانت قصتها شبيهة‬
‫بقصتها (‪ )15‬وحَس ْبتُ أنها منها ‪ ،‬وقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها ‪،‬‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ } فوضعتها في‬
‫فمن أجل ذلك قرنت بينهما ‪ ،‬ولم أكتب بينهما سطر { بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫السبع الطول (‪.)16‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ك‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬براءة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ك‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحح البخاري برقم (‪.)4645‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪" :‬ل تبسمل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬محمد بن أبي جعفر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬حملة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في د ‪" :‬وقرنتم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في د ‪" :‬ووضعتموهما"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬تنزل"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬أنزلت"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬هذه الية"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نزلت"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪" :‬بعضها"‪.‬‬
‫(‪ )16‬سنن الترمذي برقم (‪.)3086‬‬

‫( ‪)4/101‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكذا رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن حبّان في صحيحه ‪ ،‬والحاكم في مستدركه ‪ ،‬من‬
‫طرق أخر ‪ ،‬عن عوف العرابي ‪ ،‬به (‪ )1‬وقال الحاكم ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه‪.‬‬
‫وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬لما رجع من غزوة تبوك‬
‫وهم بالحج ‪ ،‬ثم ذُكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك ‪ ،‬وأنهم‬
‫يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم ‪ ،‬فبعث أبا بكر الصديق ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أميرًا على الحج‬
‫هذه السنة ‪ ،‬ليقيم للناس مناسكهم ‪ ،‬ويعلم المشركين أل يحجوا بعد عامهم هذا ‪ ،‬وأن ينادي في‬
‫الناس ببراءة ‪ ،‬فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب ليكون مبلغًا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عصَبَة له ‪ ،‬كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫‪ ،‬لكونه َ‬
‫فقوله ‪ { :‬بَرَا َءةٌ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِهِ } أي ‪ :‬هذه براءة ‪ ،‬أي ‪ :‬تبرؤ من ال ورسوله { إِلَى الّذِينَ‬
‫شهُرٍ }‬
‫عَاهَدْ ُتمْ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ َفسِيحُوا فِي ال ْرضِ أَرْ َبعَةَ أَ ْ‬
‫اختلف المفسرون ها هنا اختلفا كثيرا ‪ ،‬فقال قائلون ‪ :‬هذه الية لذوي العهود المطلقة غير‬
‫المؤقتة ‪ ،‬أو من له عهد دون أربعة أشهر ‪ ،‬فيكمل له أربعة أشهر ‪ ،‬فأما من كان له عهد مؤقّت‬
‫حبّ‬
‫عهْدَ ُهمْ إِلَى مُدّ ِتهِمْ إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫فأجله إلى مدته ‪ ،‬مهما كان ؛ لقوله تعالى ‪ { :‬فَأَ ِتمّوا إِلَ ْيهِمْ َ‬
‫ا ْلمُ ّتقِينَ } [التوبة ‪ ]4 :‬ولما سيأتي في الحديث ‪" :‬ومن كان بينه وبين رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم عهد فعهده إلى مدته"‪ .‬وهذا أحسن القوال وأقواها ‪ ،‬وقد اختاره ابن جرير ‪ ،‬رحمه ال ‪،‬‬
‫ظيّ ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫ورُوي عن الكلبي ومحمد بن كعب القُرَ ِ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬بَرَا َءةٌ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِهِ ِإلَى الّذِينَ عَا َهدْتُمْ‬
‫شهُرٍ } قال ‪ :‬حد ال للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر ‪،‬‬
‫مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ فَسِيحُوا فِي ال ْرضِ أَرْ َبعَةَ َأ ْ‬
‫يسيحون في الرض حيثما شاءوا ‪ ،‬وأجل أجل من ليس له عهد ‪ ،‬انسلخَ الشهر الحرم ‪[ ،‬من‬
‫يوم النحر إلى انسلخ المحرم ‪ ،‬فذلك خمسون ليلة ‪ ،‬فإذا انسلخ الشهر الحرم ] (‪ )2‬أمره بأن‬
‫يضع السيف فيمن ل عهد له‪.‬‬
‫وكذا رواه العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وقال [الضحاك] (‪ )3‬بعد قوله ‪ :‬فذلك خمسون ليلة ‪ :‬فأمر ال نبيه إذا انسلخ المحرم أن يضع‬
‫السيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهد ‪ ،‬يقتلهم حتى يدخلوا في السلم‪ .‬وأمر ممن كان له عهد إذا‬
‫انسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الخر ‪ ،‬أن يضع فيهم السيف (‪)4‬‬
‫حتى يدخلوا في السلم‪.‬‬
‫وقال أبو معشر المدني ‪ :‬حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا ‪ :‬بعث رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع ‪ ،‬وبعث علي بن أبي طالب بثلثين آية أو أربعين‬
‫آية من "براءة" فقرأها‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/57‬وسنن أبي داود برقم (‪ )786‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪)8007‬‬
‫والمستدرك (‪.)2/330‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬من ت ‪" :‬السيف أيضا"‪.‬‬

‫( ‪)4/102‬‬

‫ن وَرَسُوُلهُ فَإِنْ تُبْتُمْ‬


‫وَأَذَانٌ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ َيوْمَ الْحَجّ الَْأكْبَرِ أَنّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫َف ُهوَ خَيْرٌ َلكُ ْم وَإِنْ َتوَلّيْ ُتمْ فَاعَْلمُوا أَ ّنكُمْ غَيْرُ ُمعْجِزِي اللّ ِه وَبَشّرِ الّذِينَ َكفَرُوا ِبعَذَابٍ َألِيمٍ (‪)3‬‬

‫على الناس ‪ ،‬يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الرض ‪ ،‬فقرأها عليهم يوم عرفة ‪ ،‬أجّل‬
‫المشركين عشرين من ذي الحجة ‪ ،‬والمحرم ‪ ،‬وصفر ‪ ،‬وشهر ربيع الول ‪ ،‬وعشرا من ربيع‬
‫الخر ‪ ،‬وقرأها عليهم في منازلهم ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل يحجن بعد عامنا هذا مشرك ‪ ،‬ول يطوفن بالبيت‬
‫عريان‪.‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬بَرَا َءةٌ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِهِ } إلى أهل العهد ‪ :‬خزاعة ‪ ،‬ومُدْلِج ‪،‬‬
‫ومن كان له عهد أو غيرهم‪ .‬أقبل (‪ )1‬رسول ال صلى ال عليه وسلم من تبوك حين فرغ ‪ ،‬فأراد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الحج ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إنما يحضر المشركون فيطوفون عُرَاة ‪ ،‬فل‬
‫أحب أن أحج حتى ل يكون ذلك"‪ .‬فأرسل أبا بكر وعليًا ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬فطافا بالناس في ذي‬
‫المجَاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها بالمواسم كلها ‪ ،‬فآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة‬
‫أشهر ‪ ،‬فهي الشهر المتواليات ‪ :‬عشرون من ذي الحجة إلى عشر يخلون من ربيع الخر ‪ ،‬ثم‬
‫ل عهد لهم ‪ ،‬وآذن الناس كلّهم بالقتال إل أن يؤمنوا‪.‬‬
‫وهكذا روي عن السدي ‪ :‬وقتادة‪.‬‬
‫وقال الزهري ‪ :‬كان ابتداء التأجيل من شوال وآخره سلخ المحرم‪.‬‬
‫وهذا القول غريب ‪ ،‬وكيف يحاسبون بمدة لم يبلغهم حكمها ‪ ،‬وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر ‪،‬‬
‫حين نادى أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بذلك ‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫ج الكْبَرِ أَنّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ ا ْل ُمشْ ِركِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ‬
‫{ وَأَذَانٌ مِنَ اللّ ِه وَرَسُوِلهِ إِلَى النّاسِ َيوْمَ الْحَ ّ‬
‫تُبْتُمْ َف ُهوَ خَيْرٌ َلكُ ْم وَإِنْ َتوَلّيْتُمْ فَاعَْلمُوا أَ ّنكُمْ غَيْرُ ُمعْجِزِي اللّهِ وَبَشّرِ الّذِينَ كَفَرُوا ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪} )3‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وإعلم { مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِهِ } و َتقَدّم وإنذار إلى الناس ‪َ { ،‬يوْمَ الْحَجّ الكْبَرِ } وهو يوم‬
‫النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعا (‪ { )2‬أَنّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ ا ْل ُمشْ ِركِينَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَرَسُولُهُ } أي ‪ :‬بريء منهم أيضا‪.‬‬
‫ثم دعاهم إلى التوبة إليه فقال ‪ { :‬فَإِنْ تُبْ ُتمْ } أي ‪ :‬مما أنتم فيه من الشرك والضلل { َف ُهوَ خَيْرٌ‬
‫َلكُ ْم وَإِنْ َتوَلّيْتُمْ } أي ‪ :‬استمررتم على ما أنتم عليه { فَاعَْلمُوا أَ ّنكُمْ غَيْرُ ُمعْجِزِي اللّهِ } بل هو قادر‬
‫‪ ،‬وأنتم في قبضته ‪ ،‬وتحت قهره ومشيئته ‪ { ،‬وَبَشّرِ الّذِينَ َكفَرُوا ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي ‪ :‬في الدنيا‬
‫بالخزي والنّكال ‪ ،‬وفي الخرة بالمقامع والغلل‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا عبد ال بن يوسف ‪ ،‬حدثنا الليث ‪ ،‬حدثني عَقيل ‪ ،‬عن ابن‬
‫حمَيد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال ‪ :‬بعثني أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫شهاب قال ‪ :‬أخبرني ُ‬
‫في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬إقبال" ‪ ،‬وفي د ‪" :‬فقدم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪" :‬وأكبرها جميعا"‪.‬‬

‫( ‪)4/103‬‬

‫حجّة في المُؤذّنين ‪ ،‬بعثهم يوم (‪ )1‬النحر ‪ ،‬يُؤذّنون بمنى ‪ :‬أل يحج بعد العام مشرك ‪ ،‬ول‬
‫تلك ال َ‬
‫يطوف (‪ )2‬بالبيت عريان‪ .‬قال حميد ‪ :‬ثم أردف النبيّ صلى ال عليه وسلم بعلي بن أبي طالب ‪،‬‬
‫ن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر ببراءة وأل يحج‬
‫فأمره أن ُيؤَذّن ببراءة‪ .‬قال أبو هريرة ‪ :‬فأذّ َ‬
‫بعد العام مشرك ‪ ،‬ول يطوف بالبيت عريان (‪)3‬‬
‫شعَيب ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬أخبرني حميد بن عبد‬
‫ورواه البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬أخبرنا ُ‬
‫الرحمن أن أبا هريرة قال ‪ :‬بعثني أبو بكر فيمن يُؤذّن يوم النحر بمنى ‪ :‬ل يحج بعد العام مشرك‬
‫‪ ،‬ول يطوف (‪ )4‬بالبيت عُريان ‪ ،‬ويوم الحج الكبر يوم النحر ‪ ،‬وإنما قيل ‪" :‬الكبر" ‪ ،‬من أجل‬
‫قول الناس ‪" :‬الحج الصغر" ‪ ،‬فَنَبَذَ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ‪ ،‬فلم يحج عام حجة الوداع‬
‫الذي حج فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم مشرك‪.‬‬
‫وهذا لفظ البخاري في كتاب "الجهاد" (‪)5‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن ابن المسيب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬بَرَا َءةٌ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِهِ } قال ‪ :‬لما كان النبي صلى ال عليه وسلم زمن‬
‫جعِرّانة ‪ ،‬ثم أمرَ أبا بكر على تلك الحجة ‪ -‬قال معمر ‪ :‬قال الزهري ‪ :‬وكان‬
‫حنين ‪ ،‬اعتمر من ال ِ‬
‫أبو هريرة يحدّث أن أبا بكر أمرَ أبا هريرة أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر (‪ )6‬قال أبو هريرة‬
‫‪ :‬ثم أتبعنا النبي صلى ال عليه وسلم عليا ‪ ،‬وأمره أن يؤذن ببراءة ‪ ،‬وأبو بكر على الموسم كما‬
‫هو ‪ ،‬أو قال ‪ :‬على هيئته (‪)7‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا السياق فيه غرابة ‪ ،‬من جهة أن أمير (‪ )8‬الحج كان سنة عمرة الجِعرّانة إنما هو عَتّاب بن‬
‫أسيد ‪ ،‬فأما أبو بكر إنما كان أميرًا سنة تسع‪.‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن مغيرة ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن مُحرّر بن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنت مع علي بن أبي طالب ‪ ،‬حين بعثه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫إلى أهل مكة "ببراءة" ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما كنتم تنادون ؟ قال ‪ :‬كنا ننادي ‪ :‬أل يدخل الجنة إل مؤمن ‪ ،‬ول‬
‫يطوف بالبيت عريان ‪ ،‬ومن كان بينه وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم عهد فإن أجله (‪- )9‬‬
‫أو أمَدَه ‪ -‬إلى أربعة أشهر ‪ ،‬فإذا مضت الربعة الشهر فإن ال بريء من المشركين ورسوله ‪،‬‬
‫ول يحج هذا البيت بعد العام مشرك‪ .‬قال ‪ :‬فكنت (‪ )10‬أنادي حتى صَحل صوتي (‪)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬بعثهم في يوم "‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يطوفن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4655‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ول يطوفن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)3177‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬في حجة أبي بكر بمكة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬الذي في تفسير عبد الرزاق هو ما جاء في الصحيح ولعله رواه في المصنف‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أمر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬فأجله"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وكنت"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)2/299‬‬

‫( ‪)4/104‬‬

‫وقال الشعبي ‪ :‬حدثني مُحَرر بن أبي هريرة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنت مع ابن أبي طالب (‪ )1‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬حين بعثه رسول ال صلى ال عليه وسلم ينادي ‪ ،‬فكان إذا صَحل ناديتُ‪ .‬قلت ‪ :‬بأي‬
‫شيء كنتم تنادون ؟ قال ‪ :‬بأربع ‪ :‬ل يطوف (‪ )2‬بالكعبة عريان ‪ ،‬ومن كان له عهد مع رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فعهده إلى مدته ‪ ،‬ول يدخل الجنة إل نفس مؤمنة ‪ ،‬ول يحج بعد عامنا‬
‫مشرك‪.‬‬
‫رواه ابن جرير من غير ما وجه ‪ ،‬عن الشعبي‪ .‬ورواه شعبة ‪ ،‬عن مغيرة ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬به إل‬
‫أنه قال ‪ :‬ومن كان بينه وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم عهد ‪ ،‬فعهده إلى أربعة أشهر‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وذكر تمام الحديث (‪)4( )3‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وأخشى أن يكون وهما من بعض نقلته ؛ لن الخبار متظاهرة في الجل بخلفه‬
‫(‪)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن سِماك ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث ب"براءة" مع أبي بكر ‪ ،‬فلما بلغ ذا الحليفة قال ‪" :‬ل‬
‫يبلغها إل أنا أو رجل من أهل بيتي"‪ .‬فبعث بها مع علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه (‪)6‬‬
‫ورواه الترمذي في التفسير ‪ ،‬عن بندار ‪ ،‬عن عفان وعبد الصمد ‪ ،‬كلهما عن حماد بن سلمة به‬
‫(‪ )7‬ثم قال ‪ :‬حسن غريب من حديث أنس ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن أحمد بن حنبل ‪ :‬حدثنا محمد بن سليمان ‪ُ -‬لوَين (‪ - )8‬حدثنا محمد بن جابر ‪،‬‬
‫عن سماك ‪ ،‬عن حَنَش ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت عشر آيات من "براءة"‬
‫على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬دعا النبي صلى ال عليه وسلم أبا بكر ‪ ،‬فبعثه بها ليقرأها على‬
‫أهل مكة ‪ ،‬ثم دعاني فقال (‪ )9‬أدرك أبا بكر ‪ ،‬فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه ‪ ،‬فاذهب إلى أهل‬
‫جحْفة ‪ ،‬فأخذت الكتاب منه ‪ ،‬ورجع أبو بكر إلى النبي صلى ال‬
‫مكة فاقرأه عليهم"‪ .‬فلحقته بال ُ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬نزل في شيء ؟ فقال ‪" :‬ل ولكن جبريل جاءني فقال ‪ :‬لن‬
‫يؤدي عنك إل أنت أو رجل منك" (‪)10‬‬
‫هذا إسناد فيه ضعف‪.‬‬
‫وليس المراد أن أبا بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬رجع من فوره ‪ ،‬بل بعد قضائه للمناسك التي أمره‬
‫عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كما جاء مبينا في الرواية الخرى‪.‬‬
‫وقال عبد ال أيضا ‪ :‬حدثني أبو بكر ‪ ،‬حدثنا عمرو بن حماد ‪ ،‬عن أسباط بن نصر ‪ ،‬عن‬
‫سماك ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كنت مع علي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ل يطف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬تمامه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)105 - 14/103‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/105‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)3/283‬‬
‫(‪ )7‬سنن الترمذي برقم (‪.)3090‬‬
‫(‪ )8‬في ك ‪" :‬ابن لوين"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬فقلت"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )10‬زوائد المسند (‪.)1/151‬‬

‫( ‪)4/105‬‬

‫عن حنش ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حين بعثه ب"براءة"‬
‫قال ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬إني لست باللسن ول بالخطيب ‪ ،‬قال ‪" :‬ما ُبدّ لي أن أذهب بها أنا أو تذهب بها‬
‫أنت"‪ .‬قال ‪ :‬فإن كان ول بدّ فسأذهب أنا‪ .‬قال ‪" :‬انطلق (‪ )1‬فإن ال يثبت لسانك ويهدي قلبك"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم وضع يده على فيه (‪)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن زيد بن يُثَيع ‪ -‬رجل من َهمْدان ‪: -‬‬
‫سألنا عليا ‪ :‬بأي شيء بعثت ؟ يعني ‪ :‬يوم بعثه النبي صلى ال عليه وسلم مع أبي بكر في الحجة‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬بعثت بأربع ‪ :‬ل يدخل الجنة إل نفس مؤمنة ‪ ،‬ول يطوف بالبيت عريان ‪ ،‬ومن كان بينه‬
‫وبين النبي صلى ال عليه وسلم عهد فعهده (‪ )3‬إلى مدته ‪ ،‬ول يحج المشركون والمسلمون بعد‬
‫عامهم هذا‪.‬‬
‫ورواه الترمذي عن قلبة ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬به (‪ )4‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫كذا قال ‪ ،‬ورواه شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق فقال ‪ :‬عن زيد بن يُثَيع (‪ )5‬وهم فيه‪ .‬ورواه الثوري ‪،‬‬
‫عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن بعض أصحابه ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن زكريا ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن زيد بن‬
‫يُثَيع ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم حين أنزلت "براءة" بأربع ‪ :‬أل‬
‫يطوف بالبيت عريان ‪ ،‬ول يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا ‪ ،‬ومن كان بينه وبين‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عهد فهو إلى مدته ‪ ،‬ول يدخل الجنة إل نفس مؤمنة (‪)6‬‬
‫ثم رواه ابن جرير ‪ ،‬عن محمد بن عبد العلى ‪ ،‬عن ابن ثور ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪،‬‬
‫عن الحارث ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬أمرت بأربع‪ .‬فذكره (‪)7‬‬
‫وقال إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن زيد بن يُثَيع قال ‪ :‬نزلت براءة فبعث رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أبا بكر ‪ ،‬ثم أرسل عليًا ‪ ،‬فأخذها منه ‪ ،‬فلما رجع أبو بكر قال ‪ :‬نزل (‪ )8‬في شيء ؟‬
‫قال ‪ " :‬ل ولكن أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي"‪ .‬فانطلق إلى أهل مكة ‪ ،‬فقام فيهم‬
‫بأربع ‪ :‬ل يدخل مكة مشرك بعد عامه هذا ‪ ،‬ول يطوف بالبيت عريان ‪ ،‬ول يدخل الجنة إل نفس‬
‫مسلمة ‪ ،‬ومن كان بينه وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم عهد ‪ ،‬فعهده إلى مدته (‪)10( )9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فانطلق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زوائد المسند (‪ )1/150‬وفي إسناده أسباط بن نصر وحنش بن المعتمر متكلم فيهما‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في د ‪" :‬فعهدته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )1/79‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3092‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أثيل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)14/106‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)14/105‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬هل نزل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ك ‪" :‬إلى مدته هنا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )14/107‬من طريق إسرائيل به‪.‬‬

‫( ‪)4/106‬‬

‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن حكيم (‪ )1‬بن حكيم بن عباد بن حُنَيْف ‪ ،‬عن أبي جعفر محمد بن‬
‫علي بن الحسين بن علي قال ‪ :‬لما نزلت "براءة" على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد كان‬
‫(‪ )2‬بعث أبا بكر ليقيم الحج للناس ‪ ،‬فقيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬لو بعثت إلى أبي بكر‪ .‬فقال ‪" :‬ل‬
‫يؤدي عني إل رجل من أهل بيتي"‪ .‬ثم دعا عليا فقال ‪" :‬اخرج بهذه القصة (‪ )3‬من صدر براءة ‪،‬‬
‫وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى ‪ :‬أنه ل يدخل الجنة كافر ‪ ،‬ول يحج بعد العام مشرك‬
‫‪ ،‬ول َيطُف (‪ )4‬بالبيت عريان ‪ ،‬ومن كان له عند رسول ال صلى ال عليه وسلم عهد فعهده إلى‬
‫مدته"‪.‬‬
‫فخرج علي (‪ )5‬رضي ال عنه ‪ ،‬على ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم العضباء ‪ ،‬حتى أدرك‬
‫أبا بكر في الطريق (‪ )6‬فلما رآه أبو بكر قال ‪ :‬أمير أو مأمور ؟ قال (‪ )7‬بل مأمور ‪ ،‬ثم مضيا (‬
‫‪ )8‬فأقام أبو بكر للناس الحج ‪[ ،‬والعرب] (‪ )9‬إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي‬
‫كانوا عليها في الجاهلية حتى إذا كان يوم النحر ‪ ،‬قام علي بن أبي طالب فأذن في الناس بالذي‬
‫أمره رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إنه ل يدخل الجنة كافر ‪ ،‬ول يحج‬
‫بعد العام ‪ ،‬ول يطف (‪ )10‬بالبيت عريان ‪ ،‬ومن كان له عهد عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فهو إلى مدته‪ .‬فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ‪ ،‬ولم يطف بالبيت عريان ‪ ،‬ثم قدما على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬فكان هذا من "براءة" فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العام ‪ ،‬وأهل‬
‫المدة إلى الجل المسمى‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن عبد الحكم ‪ ،‬أخبرنا أبو زُرْعة وهب ال بن راشد ‪،‬‬
‫أخبرنا حَ ْيوَة بن شُريح ‪ :‬أخبرنا أبو (‪ )11‬صخر ‪ :‬أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة‬
‫يقول ‪ :‬سمعت أبا الصهباء البكري وهو يقول ‪ :‬سألت علي بن أبي طالب (‪ )12‬عن "يوم الحج‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الكبر" فقال ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث أبا بكر بن أبي قُحَافة يقيم للناس الحج ‪،‬‬
‫وبعثني معه بأربعين آية من " براءة" ‪ ،‬حتى أتى عرفة فخطب الناس يوم عرفة ‪ ،‬فلما قضى‬
‫ي فقال ‪ :‬قم ‪ ،‬يا علي ‪ ،‬فأدّ رسالة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقمت فقرأت‬
‫خطبته التفت إل ّ‬
‫عليهم أربعين آية من "براءة" ‪ ،‬ثم صَدَرنا فأتينا منى ‪ ،‬فرميت الجمرة ونحرتُ البدنة ‪ ،‬ثم حلقت‬
‫رأسي ‪ ،‬وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضروا كلهم خطبة أبي بكر يوم عرفة ‪ ،‬فطفت أتتبع‬
‫بها الفساطيط أقرؤها عليهم ‪ ،‬فمن ثم إخال حسبتم أنه يوم النحر [أل وهو يوم النحر] (‪ )13‬أل‬
‫وهو (‪ )14‬يوم عرفة (‪)15‬‬
‫جحَيفة عن يوم الحج الكبر ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ :‬سألت أبا ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬حكم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وكان قد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬اخرج من هذه القصة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬يطوف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬علي بن أبي طالب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬بالطريق"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬مضينا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ك ‪" :‬يطوف"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في د ‪" :‬سألت عليا"‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من د‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ك ‪" :‬أهو"‪.‬‬
‫(‪ )15‬تفسير الطبري (‪.)14/113‬‬

‫( ‪)4/107‬‬

‫يوم عرفة‪ .‬فقلت ‪ :‬أمِنْ عندك أم من أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬كل في ذلك (‪)1‬‬
‫وقال عبد الرزاق أيضا ‪ ،‬عن جُرَيْج ‪ ،‬عن عطاء قال ‪ :‬يوم الحج الكبر ‪ ،‬يوم عرفة‪.‬‬
‫عمَر بن الوليد الشّنّي ‪ :‬حدثنا شهاب بن عباد ال َعصَريّ ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت عمر بن‬
‫وقال ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الخطاب يقول ‪ :‬هذا يوم عرفة ‪ ،‬هذا يوم الحج الكبر ‪ ،‬فل يصومنه أحد‪ .‬قال ‪ :‬فحججت بعد أبي‬
‫فأتيت المدينة ‪ ،‬فسألت عن أفضل أهلها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬سعيد بن المسيب ‪ ،‬فأتيته فقلت ‪ :‬إني سألت عن‬
‫أفضل أهل المدينة فقالوا ‪ :‬سعيد بن المسيب ‪ ،‬فأخبرني عن صوم يوم عرفة ؟ فقال ‪ :‬أخبرك‬
‫عمن هو أفضل مني مائة ضعف عمر ‪ -‬أو ‪ :‬ابن عمر ‪ -‬كان ينهى عن صومه ‪ ،‬ويقول (‪ )2‬هو‬
‫يوم الحج الكبر‪.‬‬
‫رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (‪ )3‬وهكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬وعبد ال بن الزبير ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وطاوس ‪ :‬أنهم قالوا ‪ :‬يوم عرفة هو يوم الحج الكبر‪.‬‬
‫وِ‬
‫وقد ورد فيه حديث مرسل رواه ابن جُرَيْج ‪ :‬أخبرت عن محمد بن قيس بن مَخْرَمة أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم خطب يوم عرفة ‪ ،‬فقال ‪" :‬هذا يوم الحج الكبر" (‪)4‬‬
‫سوَر بن مخرمة ‪ ،‬عن رسول‬
‫وروي من وجه آخر عن ابن جريج ‪ ،‬عن محمد بن قيس ‪ ،‬عن المِ ْ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أنه خطبهم بعرفات فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أما بعد ‪ ،‬فإن هذا‬
‫يوم الحج الكبر"‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أنه يوم النحر‪.‬‬
‫قال هُشَيْم ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬يوم‬
‫الحج الكبر يوم النحر‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق السّبِيعي ‪ ،‬عن الحارث العور ‪ ،‬سألت عليًا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن يوم الحج‬
‫الكبر ‪ ،‬فقال ‪[ :‬هو] (‪ )5‬يوم النحر‪.‬‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن الحكم ‪ :‬سمعت يحيى بن الجزار يحدث عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه خرج‬
‫يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة ‪ ،‬فجاء رجل فأخذ بلجام دابته ‪ ،‬فسأله عن الحج الكبر ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬هو يومك هذا ‪ ،‬خَل سبيلها‪.‬‬
‫وقال عبد الرازق ‪ ،‬عن سفيان عن شعبة (‪ )6‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي‬
‫أوفى أنه قال ‪ :‬يوم الحج الكبر يوم النحر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/241‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وهو يقول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)14/114‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)14/116‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬عن شعبة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/108‬‬

‫وروى شعبة وغيره ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬به نحوه‪ .‬وهكذا (‪ )1‬رواه هشيم وغيره ‪ ،‬عن‬
‫الشيباني عن عبد ال بن أبي أوفى‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن عبد ال بن سنان قال ‪ :‬خطبنا المغيرة بن شعبة يوم الضحى على بعير فقال‬
‫‪ :‬هذا يوم الضحى ‪ ،‬وهذا يوم النحر ‪ ،‬وهذا يوم الحج الكبر‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬الحج الكبر ‪ ،‬يوم‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن ِ‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ِ‬
‫النحر‪.‬‬
‫جحَيْفة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬وعبد ال بن شداد بن الهاد ‪ ،‬ونافع بن جُبَير بن‬
‫وكذا روي عن أبي ُ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وأبي جعفر الباقر ‪ ،‬والزهري ‪،‬‬
‫خعِي ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫مطعم ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وإبراهيم النّ َ‬
‫وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا ‪ :‬يوم الحج الكبر هو يوم النحر‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقد تقدم الحديث عن أبي هريرة في صحيح البخاري ‪ :‬أن أبا بكر بعثهم يوم النحر يؤذنون‬
‫بمنى ‪ ،‬وقد ورد في ذلك أحاديث أخر ‪ ،‬كما قال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني سهل بن‬
‫محمد السجستاني ‪ ،‬حدثنا أبو جابر الحرمي ‪ ،‬حدثنا هشام بن الغاز الجرشي ‪ -‬عن نافع ‪ ،‬عن‬
‫ابن عمر قال ‪ :‬وقف رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬هذا يوم الحج الكبر" (‪)2‬‬
‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن مَرْدُويه من حديث أبي جابر ‪ -‬واسمه محمد بن عبد الملك ‪ ،‬به‬
‫‪ ،‬ورواه ابن مردويه أيضا من حديث الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن هشام بن الغاز ‪ ،‬به‪ .‬ثم رواه من‬
‫حديث سعيد بن عبد العزيز ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة عن مرة ال َهمْداني ‪ ،‬عن رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪ :‬قام فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم على ناقة حمراء مخضرمة ‪ ،‬فقال ‪" :‬أتدرون‬
‫أي يوم يومكم هذا ؟" قالوا ‪ :‬يوم النحر‪ .‬قال ‪" :‬صدقتم ‪ ،‬يوم الحج الكبر" (‪)3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أحمد بن المقدام ‪ ،‬حدثنا يزيد بن زُرَيع ‪ ،‬حدثنا ابن عون ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫سيرين ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬لما كان ذلك اليوم ‪ ،‬قعد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم على بعير له ‪ ،‬وأخذ الناس بخطامه ‪ -‬أو ‪ :‬زمامه ‪ -‬فقال ‪" :‬أي يوم هذا ؟"‬
‫قال ‪ :‬فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه ‪ ،‬فقال ‪" :‬أليس هذا يوم الحج الكبر" (‪)4‬‬
‫وهذا إسناد صحيح ‪ ،‬وأصله مخرج في الصحيح‪.‬‬
‫وقال أبو الحوص ‪ ،‬عن شبيب بن غرقدة ‪ ،‬عن سليمان بن عمرو بن الحوص ‪ ،‬عن أبيه قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬وكذا"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)14/124‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/125‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ )14/123‬وأصله في صحيح البخاري برقم (‪ )4406‬وصحيح مسلم برقم (‬
‫‪.)1679‬‬

‫( ‪)4/109‬‬

‫ع ْهدَهُمْ‬
‫علَ ْيكُمْ َأحَدًا فَأَ ِتمّوا إِلَ ْيهِمْ َ‬
‫إِلّا الّذِينَ عَاهَدْ ُتمْ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ ُثمّ لَمْ يَ ْنقُصُوكُمْ شَيْئًا وََلمْ يُظَاهِرُوا َ‬
‫جدْ ُتمُوهُمْ‬
‫ث وَ َ‬
‫شهُرُ الْحُ ُرمُ فَاقْتُلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ حَ ْي ُ‬
‫حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )4‬فَإِذَا ا ْنسَلَخَ الَْأ ْ‬
‫إِلَى مُدّ ِتهِمْ إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫خلّوا سَبِيَلهُمْ‬
‫حصُرُوهُ ْم وَا ْقعُدُوا َلهُمْ ُكلّ مَ ْرصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وََأقَامُوا الصّلَا َة وَآَ َتوُا ال ّزكَاةَ فَ َ‬
‫وَخُذُو ُه ْم وَا ْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪)5‬‬
‫إِنّ اللّهَ َ‬

‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم في حجة الوداع ‪ ،‬فقال ‪" :‬أي يوم هذا ؟" فقالوا ‪ :‬اليوم‬
‫الحج الكبر (‪)1‬‬
‫وعن سعيد بن المسيب أنه قال ‪ :‬يوم الحج الكبر اليوم الثاني من يوم النحر‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال مجاهد أيضا ‪ :‬يوم الحج الكبر أيام الحج كلها‪.‬‬
‫وكذا قال أبو عبيد ‪ ،‬قال سفيان ‪" :‬يوم الحج" ‪ ،‬و"يوم الجمل" ‪ ،‬و"يوم صفين" أي ‪ :‬أيامه كلها‪.‬‬
‫وقال سهل السراج ‪ :‬سئل الحسن البصري عن يوم الحج الكبر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لكم وللحج الكبر ‪،‬‬
‫ذاك عام حج فيه أبو بكر ‪ ،‬الذي استخلفه رسول ال صلى ال عليه وسلم فحج بالناس‪ .‬رواه ابن‬
‫أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن ابن عون ‪ :‬سألت محمدا ‪ -‬يعني ابن‬
‫سيرين ‪ -‬عن يوم الحج الكبر فقال ‪ :‬كان يوما وافق فيه حج رسول ال صلى ال عليه وسلم حج‬
‫أهل الوبر (‪)2‬‬
‫عهْدَهُمْ‬
‫{ إِل الّذِينَ عَا َهدْتُمْ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ ُثمّ َلمْ يَ ْنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَ ْيكُمْ َأحَدًا فَأَ ِتمّوا إِلَ ْيهِمْ َ‬
‫حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪} )4‬‬
‫إِلَى مُدّ ِتهِمْ إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫هذا استثناء من ضرب مدة التأجيل بأربعة أشهر ‪ ،‬لمن له عهد مطلق ليس بمؤقت ‪ ،‬فأجله ‪،‬‬
‫أربعة أشهر ‪ ،‬يسيح في الرض ‪ ،‬يذهب فيها لينجو بنفسه حيث شاء ‪ ،‬إل من له عهد مؤقت ‪،‬‬
‫فأجله إلى مدته المضروبة التي عوهد عليها ‪ ،‬وقد تقدمت الحاديث ‪" :‬ومن كان له عهد مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فعهده إلى مدته" وذلك بشرط أل ينقض المعاهد عهده ‪ ،‬ولم‬
‫يظاهر على المسلمين أحدا ‪ ،‬أي ‪ :‬يمالئ عليهم من سواهم ‪ ،‬فهذا الذي يوفى له بذمته وعهده (‪)3‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حبّ ا ْلمُتّقِينَ } أي ‪:‬‬
‫إلى مدته ؛ ولهذا حرض (‪ )4‬ال تعالى على الوفاء بذلك فقال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫الموفين بعهدهم‪.‬‬
‫حصُرُو ُه ْم وَا ْقعُدُوا َلهُمْ‬
‫خذُوهُ ْم وَا ْ‬
‫جدْ ُتمُوهُ ْم وَ ُ‬
‫ث وَ َ‬
‫شهُرُ الْحُ ُرمُ فَاقْتُلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ حَ ْي ُ‬
‫{ فَِإذَا انْسَلَخَ ال ْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪} )5‬‬
‫ُكلّ مَ ْرصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وََأقَامُوا الصّل َة وَآ َتوُا ال ّزكَاةَ فَخَلّوا سَبِيَلهُمْ إِنّ اللّهَ َ‬
‫اختلف المفسرون في المراد بالشهر الحرم هاهنا ‪ ،‬ما هي ؟ فذهب ابن جرير إلى أنها [الربعة]‬
‫سكُمْ } الية‬
‫(‪ )5‬المذكورة في قوله تعالى ‪ { :‬مِ ْنهَا أَرْ َب َعةٌ حُ ُرمٌ ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ فَل َتظِْلمُوا فِيهِنّ أَ ْنفُ َ‬
‫[التوبة ‪ ، ]36 :‬قاله أبو جعفر الباقر ‪ ،‬لكن قال ابن جرير ‪ :‬آخر الشهر الحرم في حقهم المحرم‬
‫وهذا الذي ذهب إليه حكاه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ‪ ،‬وإليه ذهب الضحاك أيضًا ‪ ،‬وفيه‬
‫نظر ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2159‬عن هناد عن أبي الحوص به بأطول منه ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)14/121‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بعهده وذمته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فرض"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/110‬‬

‫والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس في رواية العوفي عنه ‪ ،‬وبه قال مجاهد ‪،‬‬
‫وعمرو بن شعيب ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬أن‬
‫شهُرٍ }‬
‫المراد بها أشهر التسيير الربعة المنصوص عليها في قوله ‪َ { :‬فسِيحُوا فِي ال ْرضِ أَرْ َب َعةَ أَ ْ‬
‫شهُرُ ا ْلحُرُمُ } أي ‪ :‬إذا انقضت الشهر الربعة التي حرمنا‬
‫[التوبة ‪ُ ]2 :‬ثمّ قَالَ { فَإِذَا انْسَلَخَ ال ْ‬
‫عليكم فيها قتالهم ‪ ،‬وأجلناهم فيها ‪ ،‬فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم ؛ لن عود العهد على مذكور أولى‬
‫من مقدر ؛ ثم إن الشهر الربعة المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد في هذه السورة‬
‫الكريمة‪.‬‬
‫ث وَجَدْ ُتمُوهُمْ } أي ‪ :‬من الرض‪ .‬وهذا عام ‪ ،‬والمشهور‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاقْتُلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ حَ ْي ُ‬
‫تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله ‪ { :‬وَل ُتقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ا ْل َمسْجِدِ الْحَرَامِ حَتّى ُيقَاتِلُوكُمْ فِيهِ‬
‫فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } [البقرة ‪]191 :‬‬
‫خذُوهُمْ } أي ‪ :‬وأسروهم ‪ ،‬إن شئتم قتل وإن شئتم أسرا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حصُرُو ُه ْم وَا ْقعُدُوا َلهُمْ ُكلّ مَ ْرصَدٍ } أي ‪ :‬ل تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم ‪ ،‬بل‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم ‪ ،‬والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم‬
‫الواسع ‪ ،‬وتضطروهم إلى القتل أو السلم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَإِنْ تَابُوا وََأقَامُوا الصّل َة وَآ َتوُا ال ّزكَاةَ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ }‬
‫فَخَلّوا سَبِيَلهُمْ إِنّ اللّهَ َ‬
‫ولهذا اعتمد الصديق ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬في قتال مانعي الزكاة على هذه الية الكريمة وأمثالها ‪،‬‬
‫حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الفعال ‪ ،‬وهي الدخول في السلم ‪ ،‬والقيام بأداء واجباته‪ .‬ونبه‬
‫بأعلها على أدناها ‪ ،‬فإن أشرف الركان بعد الشهادة الصلة ‪ ،‬التي هي حق ال ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحاويج ‪ ،‬وهي أشرف الفعال المتعلقة‬
‫بالمخلوقين ؛ ولهذا كثيرا ما يقرن ال بين الصلة والزكاة ‪ ،‬وقد جاء في الصحيحين (‪ )1‬عن ابن‬
‫عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس‬
‫حتى يشهدوا (‪ )2‬أن ل إله إل ال وأن محمدًا رسول ال ‪ ،‬ويقيموا الصلة ‪ ،‬ويؤتوا الزكاة"‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أمرتم بإقام‬
‫الصلة وإيتاء الزكاة ‪ ،‬ومن لم يزك فل صلة له‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬أبى ال أن يقبل الصلة إل بالزكاة ‪ ،‬وقال ‪ :‬يرحم ال أبا‬
‫بكر ‪ ،‬ما كان أفقهه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق ‪ ،‬أنبأنا عبد ال بن المبارك ‪ ،‬أنبأنا حميد الطويل ‪ ،‬عن‬
‫أنس ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل‬
‫ال وأن محمدا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يقولوا"‬

‫( ‪)4/111‬‬

‫رسول ال ‪ ،‬فإذا شهدوا أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال ‪ ،‬واستقبلوا قبلتنا ‪ ،‬وأكلوا‬
‫ذبيحتنا ‪ ،‬وصلوا صلتنا ‪ ،‬فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إل بحقها ‪ ،‬لهم ما للمسلمين ‪،‬‬
‫وعليهم ما عليهم"‪.‬‬
‫ورواه البخاري في صحيحه وأهل السنن إل ابن ماجه ‪ ،‬من حديث عبد ال بن المبارك ‪ ،‬به (‪)1‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا عبد العلى بن واصل السدي ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫موسى ‪ ،‬أخبرنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس [عن أنس] (‪ )2‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من فارق الدنيا على الخلص ل وحده ‪ ،‬وعبادته ل يشرك به شيئا ‪،‬‬
‫فارقها وال عنه راض" ‪ -‬قال ‪ :‬وقال أنس ‪ :‬هو دين ال الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن‬
‫ربهم ‪ ،‬قبل هرج الحاديث ‪ ،‬واختلف الهواء ‪ ،‬وتصديق ذلك في كتاب ال في آخر ما أنزل ‪،‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَإِنْ تَابُوا وََأقَامُوا الصّل َة وَآ َتوُا ال ّزكَاةَ َفخَلّوا سَبِيَلهُمْ } ‪ -‬قال ‪ :‬توبتهم خلع‬
‫الوثان ‪ ،‬وعبادة ربهم ‪ ،‬وإقام الصلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬ثم قال في آية أخرى ‪ { :‬فَإِنْ تَابُوا‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّينِ } (‪[ )3‬التوبة ‪]11 :‬‬
‫وََأقَامُوا الصّل َة وَآ َتوُا ال ّزكَاةَ فَِإ ْ‬
‫ورواه ابن مردويه‪.‬‬
‫حكّام بن‬
‫ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "الصلة" له ‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬أنبأنا َ‬
‫سِلْم (‪ )4‬حدثنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬به سواء (‪)5‬‬
‫وهذه الية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم ‪ :‬إنها نسخت كل عهد بين‬
‫النبي (‪ )6‬صلى ال عليه وسلم وبين أحد من المشركين ‪ ،‬وكل عهد ‪ ،‬وكل مدة‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬لم يبق لحد من المشركين عهد ول ذمة ‪ ،‬منذ‬
‫نزلت براءة وانسلخ الشهر الحرم ‪ ،‬ومدة من كان له عهد من المشركين قبل أن تنزل (‪)7‬‬
‫أربعة أشهر ‪ ،‬من يوم أذن ببراءة إلى عشر من أول شهر ربيع الخر‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ ،‬قال ‪ :‬أمره ال تعالى أن يضع السيف‬
‫فيمن عاهد إن لم يدخلوا في السلم ‪ ،‬ونقض ما كان سمي لهم من العقد والميثاق ‪ ،‬وأذهب‬
‫الشرط الول‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن موسى النصاري قال ‪ :‬قال سفيان (‪ )8‬قال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )3/199‬وصحيح البخاري برقم (‪ )392‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2641‬وسنن‬
‫الترمذي برقم (‪ )2608‬وسنن النسائي (‪.)8/109‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )14/135‬ورواه ابن ماجة في السنن برقم (‪ )70‬من طريق عبيد ال بن‬
‫موسى بنحوه ‪ ،‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/56‬هذا إسناد ضعيف ‪ ،‬الربيع بن أنس‬
‫ضعيف هنا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ك ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تعظيم قدر الصلة برقم (‪.)1‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬تنزل براءة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬سفيان بن عيينة"‪.‬‬

‫( ‪)4/112‬‬

‫سمَعَ كَلَامَ اللّهِ ثُمّ أَبِْل ْغهُ مَ ْأمَنَهُ ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ َقوْمٌ لَا‬
‫حدٌ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ اسْتَجَا َركَ فَأَجِ ْرهُ حَتّى يَ ْ‬
‫وَإِنْ أَ َ‬
‫َيعَْلمُونَ (‪)6‬‬

‫علي بن أبي طالب ‪ :‬بعث النبي صلى ال عليه وسلم بأربعة أسياف ‪ :‬سيف في المشركين من‬
‫خذُوهُمْ ] } (‪)2‬‬
‫ث وَجَدْ ُتمُو ُهمْ [وَ ُ‬
‫العرب (‪ )1‬قال ال ‪ { :‬فَاقْتُلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ حَ ْي ُ‬
‫هكذا رواه مختصرا ‪ ،‬وأظن أن السيف الثاني هو قتال أهل الكتاب في قوله ‪ { :‬قَاتِلُوا الّذِينَ ل‬
‫حقّ مِنَ الّذِينَ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَل بِالْ َيوْ ِم الخِ ِر وَل ُيحَ ّرمُونَ مَا حَرّمَ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه وَل يَدِينُونَ دِينَ الْ َ‬
‫أُوتُوا ا ْلكِتَابَ حَتّى ُي ْعطُوا الْجِزْ َيةَ عَنْ يَدٍ وَهُ ْم صَاغِرُونَ } [التوبة ‪ ]29 :‬والسيف الثالث ‪ :‬قتال‬
‫المنافقين في قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَاهِدِ ا ْل ُكفّا َر وَا ْلمُنَا ِفقِينَ [وَاغُْلظْ عَلَ ْيهِمْ] } [التوبة ‪، 73 :‬‬
‫والتحريم ‪ )3( ]9 :‬والرابع ‪ :‬قتال الباغين في قوله ‪ { :‬وَإِنْ طَا ِئفَتَانِ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فََأصْلِحُوا‬
‫بَيْ َن ُهمَا فَإِنْ َب َغتْ ِإحْدَا ُهمَا عَلَى الخْرَى َفقَاتِلُوا الّتِي تَ ْبغِي حَتّى َتفِيءَ ِإلَى َأمْرِ اللّهِ } [الحجرات ‪]9 :‬‬
‫ثم اختلف المفسرون في آية السيف هذه ‪ ،‬فقال الضحاك والسدي ‪ :‬هي منسوخة بقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ فَِإمّا مَنّا َبعْدُ وَِإمّا ِفدَاءً } [محمد ‪ ]4 :‬وقال قتادة بالعكس‪.‬‬
‫سمَعَ كَلمَ اللّهِ ثُمّ أَبِْلغْهُ مَ ْأمَنَهُ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْ ٌم ل‬
‫{ وَإِنْ َأحَدٌ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ اسْ َتجَا َركَ فَأَجِ ْرهُ حَتّى َي ْ‬
‫َيعَْلمُونَ (‪} )6‬‬
‫يقول تعالى لنبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ { :‬وَإِنْ َأحَدٌ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ } الذين أمرتك بقتالهم ‪،‬‬
‫وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم ‪ { ،‬اسْ َتجَا َركَ } أي ‪ :‬استأمنك ‪ ،‬فأجبه إلى طلبته { حَتّى‬
‫سمَعَ كَلمَ اللّهِ } أي ‪[ :‬القرآن] (‪ )4‬تقرؤه عليه وتذكر له شيئًا من [أمر] (‪ )5‬الدين تقيم عليه به‬
‫يَ ْ‬
‫حجة ال ‪ { ،‬ثُمّ أَبِْلغْهُ مَ ْأمَنَهُ } أي ‪ :‬وهو آمن مستمر المان حتى يرجع إلى بلده وداره ومأمنه ‪،‬‬
‫{ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬إنما شرعنا أمان مثل هؤلء ليعلموا دين ال ‪ ،‬وتنتشر دعوة‬
‫ال في عباده‪.‬‬
‫وقال ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬في تفسير هذه الية ‪ ،‬قال ‪ :‬إنسان يأتيك يسمع ما تقول وما‬
‫أنزل عليك ‪ ،‬فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلم ال ‪ ،‬وحتى يبلغ مأمنه ‪ ،‬حيث جاء‪.‬‬
‫ومن هذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعطي المان لمن جاءه ‪ ،‬مسترشدًا أو في رسالة ‪،‬‬
‫كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش ‪ ،‬منهم ‪ :‬عروة بن مسعود ‪ ،‬و ِمكْرَز بن‬
‫حفص ‪ ،‬وسهيل بن عمرو ‪ ،‬وغيرهم واحدًا بعد واحد ‪ ،‬يترددون في القضية بينه وبين المشركين‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ ،‬فرأوا من إعظام المسلمين رسول ال صلى ال عليه وسلم ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك‬
‫ول قيصر ‪ ،‬فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم بذلك ‪ ،‬وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية‬
‫أكثرهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬سيف في المشركين وسيف في العرب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/113‬‬

‫ولهذا أيضا لما قدم رسول مسيلمة الكذاب على رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له ‪" :‬أتشهد (‬
‫‪ )1‬أن مسيلمة رسول ال ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لول أن الرسل ل‬
‫تقتل لضربت عنقك" (‪ )2‬وقد قيض ال له ضرب العنق في إمارة ابن مسعود على الكوفة ‪ ،‬وكان‬
‫يقال له ‪ :‬ابن النواحة ‪ ،‬ظهر عنه في زمان ابن مسعود أنه يشهد لمسيلمة بالرسالة ‪ ،‬فأرسل إليه‬
‫ابن مسعود فقال له ‪ :‬إنك الن لست في رسالة ‪ ،‬وأمر به فضربت عنقه ‪ ،‬ل رحمه ال ولعنه‪.‬‬
‫والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار السلم في أداء رسالة أو تجارة ‪ ،‬أو طلب صلح أو‬
‫مهادنة أو حمل جزية ‪ ،‬أو نحو ذلك من السباب ‪ ،‬فطلب من المام أو نائبه أمانًا ‪ ،‬أعطي أمانًا‬
‫ما دام مترددًا في دار السلم ‪ ،‬وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه‪ .‬لكن قال العلماء ‪ :‬ل يجوز أن‬
‫يمكن من القامة في دار السلم سنة ‪ ،‬ويجوز أن يمكن من إقامة أربعة أشهر ‪ ،‬وفيما بين ذلك‬
‫فيما (‪ )3‬زاد على أربعة أشهر ونقص عن سنة قولن ‪ ،‬عن المام الشافعي وغيره من العلماء ‪،‬‬
‫رحمهم ال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬أما تشهد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في المسند (‪ )3/487‬وأبو داود في السنن برقم (‪ )2761‬من طريق سلمة بن‬
‫الفضل عن محمد بن إسحاق عن سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم عن أبيه قال ‪ :‬كنت عند النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم حين جاءه رسل مسيلمة ‪ ،‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/114‬‬

‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ َفمَا اسْ َتقَامُوا‬


‫ع ْهدٌ عِنْدَ اللّ ِه وَعِنْدَ َرسُولِهِ إِلّا الّذِينَ عَا َهدْتُمْ عِ ْندَ ا ْلمَ ْ‬
‫كَ ْيفَ َيكُونُ لِ ْلمُشْ ِركِينَ َ‬
‫حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪)7‬‬
‫َلكُمْ فَاسْ َتقِيمُوا َلهُمْ إِنّ اللّهَ ُي ِ‬

‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ َفمَا‬


‫عهْدٌ عِ ْندَ اللّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِل الّذِينَ عَا َهدْتُمْ عِ ْندَ ا ْلمَ ْ‬
‫{ كَ ْيفَ َيكُونُ لِ ْلمُشْ ِركِينَ َ‬
‫حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪} )7‬‬
‫اسْ َتقَامُوا َل ُكمْ فَاسْ َتقِيمُوا َل ُهمْ إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫يبين تعالى (‪ )1‬حكمته في البراءة من المشركين ونظرته إياهم أربعة أشهر ‪ ،‬ثم بعد ذلك السيف‬
‫عهْدٌ } وأمان ويتركون فيما هم فيه وهم‬
‫المرهف أين ثقفوا ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬كَيْفَ َيكُونُ لِ ْلمُشْ ِركِينَ َ‬
‫جدِ ا ْلحَرَامِ } يعني يوم‬
‫مشركون بال كافرون (‪ )2‬به وبرسوله ‪ { ،‬إِل الّذِينَ عَاهَدْ ُتمْ عِنْدَ ا ْلمَسْ ِ‬
‫الحديبية ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬هُمُ الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوكُمْ عَنِ ا ْل َمسْجِدِ الْحَرَا ِم وَا ْلهَ ْديَ َم ْعكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ‬
‫مَحِلّهُ } الية [الفتح ‪َ { ، ]25 :‬فمَا اسْ َتقَامُوا َل ُكمْ فَاسْ َتقِيمُوا َل ُهمْ } أي ‪ :‬مهما (‪ )3‬تمسكوا بما‬
‫عاقدتموهم عليه وعاهدتموهم من ترك الحرب بينكم وبينهم عشر سنين { فَاسْ َتقِيمُوا َلهُمْ إِنّ اللّهَ‬
‫حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ } وقد فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ذلك والمسلمون ‪ ،‬استمر العقد والهدنة مع‬
‫يُ ِ‬
‫أهل مكة من ذي القعدة في سنة ست ‪ ،‬إلى أن نقضت قريش العهد ومالئوا حلفاءهم بني بكر على‬
‫خزاعة أحلف رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقتلوهم معهم في الحرم أيضا ‪ ،‬فعند ذلك غزاهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم في رمضان سنة ثمان ‪ ،‬ففتح ال عليه البلد الحرام ‪ ،‬ومكنه من‬
‫نواصيهم ‪ ،‬ول الحمد والمنة ‪ ،‬فأطلق من أسلم منهم بعد القهر والغلبة عليهم ‪ ،‬فسموا الطلقاء ‪،‬‬
‫وكانوا قريبا من ألفين ‪ ،‬ومن استمر على كفره وفر من رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث إليه‬
‫عكْرِمة‬
‫بالمان والتسيير في الرض أربعة أشهر ‪ ،‬يذهب حيث شاء ‪ :‬منهم صفوان بن أمية ‪ ،‬و ِ‬
‫بن أبي جهل وغيرهما ‪ ،‬ثم هداهم ال بعد ذلك إلى السلم التام ‪ ،‬وال المحمود على جميع ما‬
‫يقدره ويفعله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يبين تعالى أن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ك ‪" : ،‬كافرين" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في د ‪" :‬فمهما"‪.‬‬

‫( ‪)4/114‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علَ ْيكُمْ لَا يَ ْرقُبُوا فِيكُمْ ِإلّا وَلَا ِذمّةً يُ ْرضُو َنكُمْ بَِأ ْفوَا ِههِمْ وَتَأْبَى قُلُو ُبهُ ْم وََأكْثَرُهُمْ‬
‫ظهَرُوا َ‬
‫كَ ْيفَ وَإِنْ َي ْ‬
‫سقُونَ (‪ )8‬اشْتَ َروْا بِآَيَاتِ اللّهِ َثمَنًا قَلِيلًا َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِ ّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )9‬لَا‬
‫فَا ِ‬
‫يَ ْرقُبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ إِلّا وَلَا ِذمّةً وَأُولَئِكَ ُهمُ ا ْل ُمعْتَدُونَ (‪ )10‬فَإِنْ تَابُوا وََأقَامُوا الصّلَا َة وَآَ َتوُا ال ّزكَاةَ‬
‫صلُ الْآَيَاتِ ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ (‪)11‬‬
‫ن وَنُ َف ّ‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫فَإِ ْ‬

‫ظهَرُوا عَلَ ْيكُمْ ل يَ ْرقُبُوا فِيكُمْ إِل وَل ِذمّةً يُ ْرضُو َنكُمْ بَِأ ْفوَا ِههِمْ وَتَأْبَى قُلُو ُبهُ ْم وََأكْثَرُهُمْ‬
‫ف وَإِنْ يَ ْ‬
‫{ كَ ْي َ‬
‫سقُونَ (‪} )8‬‬
‫فَا ِ‬
‫يقول تعالى محرضا للمؤمنين على معاداة المشركين والتبري منهم ‪ ،‬ومبينا أنهم ل يستحقون أن‬
‫يكون لهم عهد لشركهم بال وكفرهم برسول ال (‪ )1‬ولو أنهم إذ ظهروا (‪ )2‬على المسلمين‬
‫وأدِيلوا عليهم ‪ ،‬لم يبقوا ولم يذروا ‪ ،‬ول راقبوا فيهم إل ول ذمة‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬والعوفي عن ابن عباس ‪" :‬الل" ‪ :‬القرابة ‪" ،‬والذمة" ‪ :‬العهد‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬و ِ‬
‫وكذا قال الضحاك والسدي ‪ ،‬كما قال تميم بن ُمقْبِل ‪:‬‬
‫أفسد الناس خُلوفٌ خلفوا‪ ...‬قطعوا اللّ وأعراقَ الرحم (‪)3‬‬
‫وقال حسان بن ثابت ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫وجدناهُمُ كاذبًا إِّلهُمْ‪ ...‬وذو اللّ والعهد ل يكذب (‪)4‬‬
‫وقال ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬ل يَ ْرقُبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ إِل } قال ‪ :‬ال‪ .‬وفي رواية ‪ :‬ل‬
‫يرقبون ال ول غيره‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن علية ‪ ،‬عن سليمان ‪ ،‬عن أبي مجلز في قوله تعالى ‪:‬‬
‫{ ل يَ ْرقُبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ إِل وَل ِذمّةً } مثل قوله ‪" :‬جبرائيل" ‪" ،‬ميكائيل" ‪" ،‬إسرافيل" ‪[ ،‬كأنه يقول ‪:‬‬
‫يضيف "جبر" ‪ ،‬و"ميكا" ‪ ،‬و"إسراف" ‪ ،‬إلى "إيل" ‪ ،‬يقول عبد ال ‪ { :‬ل يَ ْرقُبُونَ فِي ُمؤْمِنٍ إِل } ] (‬
‫‪ )5‬كأنه يقول ‪ :‬ل يرقبون ال‪.‬‬
‫والقول الول أشهر وأظهر ‪ ،‬وعليه الكثر‪.‬‬
‫وعن مجاهد أيضا ‪" :‬الل" ‪ :‬العهد‪ .‬وقال قتادة ‪" :‬الل" ‪ :‬الحلف‪.‬‬
‫{ اشْتَ َروْا بِآيَاتِ اللّهِ َثمَنًا قَلِيل َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِ ّن ُهمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )9‬ل يَ ْرقُبُونَ فِي‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي‬
‫ُم ْؤمِنٍ إِل وَل ِذمّ ًة وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمعْتَدُونَ (‪ )10‬فَإِنْ تَابُوا وََأقَامُوا الصّل َة وَآ َتوُا ال ّزكَاةَ فَِإ ْ‬
‫صلُ اليَاتِ ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ (‪} )11‬‬
‫ن وَ ُن َف ّ‬
‫الدّي ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪" :‬برسوله صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ظاهروا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيت في تفسير الطبري (‪.)14/148‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬قال المعلق على طبعة الشعب ‪ :‬هكذا نسبه ابن كثير إلى حسان بن ثابت ‪ ،‬ولم نجده في‬
‫ديوانه‪ .‬والبيت في تفسير الطبري غير منسوب ‪ 15/148‬وأما بيت حسان الذي استشهد به‬
‫الطبري فهو لعمرك إن إلك من قريش‪ ...‬كإل الشقب من رأل النعام‬
‫وهذا البيت في ديوان حسان ص ‪ ، 336‬واللسان ‪ ،‬مادة "ألل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من الطبري (‪.)14/146‬‬

‫( ‪)4/115‬‬

‫طعَنُوا فِي دِي ِنكُمْ َفقَاتِلُوا أَ ِئمّةَ ا ْلكُفْرِ إِ ّنهُمْ لَا أَ ْيمَانَ َلهُمْ َلعَّلهُمْ‬
‫عهْ ِدهِ ْم وَ َ‬
‫وَإِنْ َنكَثُوا أَ ْيمَا َن ُهمْ مِنْ َبعْدِ َ‬
‫يَنْ َتهُونَ (‪)12‬‬

‫يقول تعالى ذما للمشركين وحثا للمؤمنين على قتالهم ‪ { :‬اشْتَ َروْا بِآيَاتِ اللّهِ َثمَنًا قَلِيل } يعني ‪:‬‬
‫أنهم اعتاضوا عن اتباع آيات ال بما التهوا به من أمور الدنيا الخسيسة ‪َ { ،‬فصَدّوا عَنْ سَبِيِلهِ }‬
‫أي ‪ :‬منعوا المؤمنين من اتباع الحق ‪ { ،‬إِ ّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ ل يَ ْرقُبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ إِل وَل‬
‫ِذمّةً } تقدم تفسيره ‪ ،‬وكذا الية التي بعدها ‪ { :‬فَإِنْ تَابُوا وََأقَامُوا الصّلةَ } إلى آخرها ‪ ،‬تقدمت‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي بكر ‪ ،‬حدثنا أبو جعفر‬
‫الرازي ‪ ،‬حدثنا الربيع بن أنس قال ‪ :‬سمعت أنس بن مالك يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من فارق الدنيا على الخلص ل وعبادته ‪ ،‬ل يشرك (‪ )1‬به ‪ ،‬وأقام الصلة ‪ ،‬وآتى‬
‫الزكاة ‪ ،‬فارقها وال عنه راض ‪ ،‬وهو دين ال الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم ‪ ،‬قبل‬
‫هَرْج الحاديث واختلف الهواء"‪ .‬وتصديق ذلك في كتاب ال ‪ { :‬فَإِنْ تَابُوا } يقول ‪ :‬فإن خلعوا‬
‫الوثان وعبادتها { وََأقَامُوا الصّل َة وَآ َتوُا ال ّزكَاةَ َفخَلّوا سَبِيَلهُمْ } وقال في آية أخرى ‪ { :‬فَإِنْ تَابُوا‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّينِ }‬
‫وََأقَامُوا الصّل َة وَآ َتوُا ال ّزكَاةَ فَِإ ْ‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬آخر الحديث عندي وال أعلم ‪" :‬فارقها وهو عنه راض" ‪ ،‬وباقيه عندي من كلم‬
‫الربيع بن أنس (‪)2‬‬
‫طعَنُوا فِي دِي ِنكُمْ َفقَاتِلُوا أَ ِئمّةَ ا ْل ُكفْرِ إِ ّنهُمْ ل أَ ْيمَانَ َلهُمْ َلعَّلهُمْ‬
‫عهْدِ ِه ْم وَ َ‬
‫{ وَإِنْ َنكَثُوا أَ ْيمَا َنهُمْ مِنْ َب ْعدِ َ‬
‫يَنْ َتهُونَ (‪} )12‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وإن نكث هؤلء المشركون الذين عاهدتموهم على مدة معينة أيمانهم ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫طعَنُوا فِي دِي ِن ُكمْ } أي ‪ :‬عابوه وانتقصوه‪ .‬ومن هاهنا أخذ قتل من سب‬
‫عهودهم ومواثيقهم ‪ { ،‬وَ َ‬
‫الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬أو من طعن في دين السلم أو ذكره بتنقص ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ َفقَاتِلُوا أَ ِئمّةَ ا ْل ُكفْرِ إِ ّنهُمْ ل أَ ْيمَانَ َلهُمْ َلعَّلهُمْ يَنْ َتهُونَ } أي ‪ :‬يرجعون عما هم فيه من الكفر والعناد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والضلل‪.‬‬
‫وقد قال قتادة وغيره ‪ :‬أئمة الكفر كأبي جهل ‪ ،‬وعتبة ‪ ،‬وشيبة ‪ ،‬وأمية بن خلف ‪ ،‬وعدد رجال‪.‬‬
‫وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال ‪ :‬مر سعد برجل من الخوارج ‪ ،‬فقال الخارجي ‪ :‬هذا‬
‫من أئمة الكفر‪ .‬فقال سعد ‪ :‬كذبت ‪ ،‬بل أنا قاتلت أئمة الكفر‪ .‬رواه ابن مردويه‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن زيد بن وهب ‪ ،‬عن حذيفة أنه قال ‪ :‬ما قوتل أهل هذه الية بعد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬ل شريك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/331‬من طريق أحمد بن مهران عن عبيد ال بن موسى‬
‫بنحوه ‪ ،‬ولم يفرق بين المرفوع والموقوف ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح السناد" وتعقبه الذهبي قلت ‪:‬‬
‫"صدر الحديث مرفوع وسائره مدرج فيما أرى"‪.‬‬

‫( ‪)4/116‬‬

‫شوْ َنهُمْ فَاللّهُ َأحَقّ‬


‫أَلَا ُتقَاتِلُونَ َق ْومًا َنكَثُوا أَ ْيمَا َنهُ ْم وَ َهمّوا بِإِخْرَاجِ الرّسُولِ وَهُمْ بَ َدءُوكُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ أَ َتخْ َ‬
‫ش ْوهُ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪)13‬‬
‫خَ‬‫أَنْ تَ ْ‬

‫وروى عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬مثله‪.‬‬


‫والصحيح أن الية عامة ‪ ،‬وإن كان سبب نزولها مشركي قريش فهي عامة لهم ولغيرهم ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقال الوليد بن مسلم ‪ :‬حدثنا صفوان بن عمرو ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن جُبَير بن نفير ‪ :‬أنه كان في‬
‫عهد أبي بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬إلى الناس حين وجههم إلى الشام ‪ ،‬قال ‪ :‬إنكم ستجدون قوما‬
‫محوقة رءوسهم ‪ ،‬فاضربوا معاقد الشيطان منهم بالسيوف ‪ ،‬فوال لن أقتل رجل منهم أحب إلي‬
‫من أن أقتل سبعين من غيرهم ‪ ،‬وذلك بأن ال يقول ‪َ { :‬فقَاتِلُوا أَ ِئمّةَ ا ْل ُكفْرِ } رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫شوْ َنهُمْ فَاللّهُ َأحَقّ‬
‫{ أَل ُتقَاتِلُونَ َقوْمًا َنكَثُوا أَ ْيمَا َنهُ ْم وَ َهمّوا بِإِخْرَاجِ الرّسُولِ وَهُمْ َبدَءُوكُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ أَتَخْ َ‬
‫ش ْوهُ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪} )13‬‬
‫خَ‬‫أَنْ تَ ْ‬

‫( ‪)4/117‬‬

‫شفِ صُدُورَ َقوْمٍ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )14‬وَيُ ْذ ِهبْ‬


‫قَاتِلُوهُمْ ُيعَذّ ْب ُهمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُ ْم وَ ُيخْزِهِ ْم وَيَ ْنصُ ْركُمْ عَلَ ْي ِه ْم وَيَ ْ‬
‫حكِيمٌ (‪)15‬‬
‫علِيمٌ َ‬
‫غَيْظَ قُلُو ِبهِ ْم وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ف صُدُورَ َقوْمٍ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )14‬وَيُذْ ِهبْ‬
‫ش ِ‬
‫{ قَاتِلُو ُهمْ ُيعَذّ ْبهُمُ اللّهُ بِأَ ْيدِيكُ ْم وَيُخْزِ ِه ْم وَيَ ْنصُ ْركُمْ عَلَ ْيهِ ْم وَيَ ْ‬
‫حكِيمٌ (‪} )15‬‬
‫علِيمٌ َ‬
‫غَيْظَ قُلُو ِبهِ ْم وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ َ‬
‫وهذا أيضا تهييج وتحضيض وإغراء على قتال المشركين الناكثين ليمانهم ‪ ،‬الذين هموا بإخراج‬
‫الرسول من مكة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذْ َي ْمكُرُ ِبكَ الّذِينَ َكفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ َأوْ َيقْتُلُوكَ َأوْ يُخْ ِرجُوكَ‬
‫ن وَ َي ْمكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ } [النفال ‪.]30 :‬‬
‫وَ َي ْمكُرُو َ‬
‫جهَادًا فِي سَبِيلِي‬
‫وقال تعالى ‪ُ { :‬يخْرِجُونَ الرّسُولَ وَإِيّاكُمْ أَنْ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ رَ ّبكُمْ [إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْ ُتمْ ِ‬
‫وَابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِي] } (‪ )1‬الية [الممتحنة ‪ ]1 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَإِنْ كَادُوا لَيَسْ َتفِزّونَكَ مِنَ ال ْرضِ‬
‫لِيُخْ ِرجُوكَ مِ ْنهَا وَإِذًا ل َيلْبَثُونَ خِل َفكَ إِل قَلِيل } [السراء ‪]76 :‬وقوله { وَهُمْ َبدَءُوكُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ }‬
‫قيل ‪ :‬المراد بذلك يوم بدر ‪ ،‬حين خرجوا لنصر عيرهم (‪ )2‬فلما نجت وعلموا بذلك استمروا‬
‫على وجوههم (‪ )3‬طلبا للقتال ‪ ،‬بغيا وتكبرا ‪ ،‬كما تقدم بسط ذلك‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد نقضهم العهد وقتالهم (‪ )4‬مع حلفائهم بني بكر لخزاعة أحلف رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى (‪ )5‬سار إليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم عام الفتح ‪ ،‬وكان ما كان ‪ ،‬ول‬
‫الحمد‪.‬‬
‫ش ْوهُ إِنْ كُنْتُمْ ُمؤْمِنِينَ } (‪ )6‬يقول تعالى ‪ :‬ل تخشوهم‬
‫حقّ أَنْ َتخْ َ‬
‫شوْ َنهُمْ فَاللّهُ أَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬أَ َتخْ َ‬
‫واخشون ‪ ،‬فأنا أهل أن يخشى العباد من سطوتي وعقوبتي ‪ ،‬فبيدي المر ‪ ،‬وما شئت كان ‪ ،‬وما‬
‫لم أشأ لم يكن‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في د ‪" :‬خرجوا لعيرهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬وجههم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬بقتالهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬حين"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪" :‬أتخشوهم" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/117‬‬

‫أَمْ حَسِبْ ُتمْ أَنْ تُتْ َركُوا وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَا َهدُوا مِ ْنكُ ْم وَلَمْ يَتّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّ ِه وَلَا رَسُولِهِ وَلَا‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَلِيجَ ًة وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)16‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم قال تعالى عزيمة على المؤمنين ‪ ،‬وبيانا لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على‬
‫شفِ‬
‫إهلك العداء بأمر من عنده ‪ { :‬قَاتِلُوهُمْ ُي َعذّ ْبهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُ ْركُمْ عَلَ ْي ِه ْم وَيَ ْ‬
‫صُدُورَ َقوْمٍ ُم ْؤمِنِينَ } وهذا عام في المؤمنين كلهم‪.‬‬
‫ف صُدُورَ َقوْمٍ ُم ْؤمِنِينَ } يعني ‪ :‬خزاعة‪.‬‬
‫ش ِ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬والسدي في هذه الية ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫وأعاد (‪ )1‬الضمير في قوله ‪ { :‬وَيُذْ ِهبْ غَيْظَ قُلُو ِبهِمْ } عليهم أيضا‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذنٍ لعمر بن عبد العزيز ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن مسلم بن يسار‬
‫‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا غضبت أخذ بأنفها ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬يا عويش ‪ ،‬قولي ‪ :‬اللهم ‪ ،‬رب النبي محمد (‪ )2‬اغفر ذنبي ‪ ،‬وأذهب غيظ قلبي ‪،‬‬
‫وأجرني من مضلت الفتن"‪.‬‬
‫ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم ‪ ،‬عن الباغندي ‪ ،‬عن هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن‬
‫أبي الجون ‪ ،‬عنه (‪)3‬‬
‫حكِيمٌ }‬
‫{ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ } أي ‪ :‬من عباده ‪ { ،‬وَاللّهُ عَلِيمٌ } أي ‪ :‬بما يصلح عباده ‪َ { ،‬‬
‫في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية ‪ ،‬فيفعل ما يشاء ‪ ،‬ويحكم ما يريد ‪ ،‬وهو العادل الحاكم الذي‬
‫ل يجور أبدا ‪ ،‬ول يضيع مثقال ذرة من خير وشر ‪ ،‬بل يجازي عليه في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَل رَسُولِهِ وَل‬
‫حسِبْتُمْ أَنْ تُتْ َركُوا وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِ ْنكُ ْم وََلمْ يَتّ ِ‬
‫{ َأمْ َ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَلِيجَ ًة وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪} )16‬‬
‫حسِبْتُمْ } أيها المؤمنون أن نترككم مهملين ‪ ،‬ل نختبركم بأمور يظهر فيها أهل‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬أمْ َ‬
‫خذُوا مِنْ دُونِ‬
‫العزم الصادق من الكاذب ؟ ولهذا قال ‪ { :‬وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِ ْنكُ ْم وََلمْ يَتّ ِ‬
‫اللّ ِه وَل رَسُولِ ِه وَل ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَلِيجَةً } أي ‪ :‬بطانة ودخيلة (‪ )4‬بل هم في الظاهر والباطن على‬
‫النصح ل ولرسوله ‪ ،‬فاكتفى بأحد القسمين عن الخر ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫وما أدري إذا يممت أرضا‪ ...‬أريد الخير أيهما يليني‪...‬‬
‫سبَ النّاسُ أَنْ يُتْ َركُوا أَنْ َيقُولُوا آمَنّا وَ ُه ْم ل‬
‫وقد قال ال تعالى في الية الخرى ‪[ { :‬الم] َأحَ ِ‬
‫ن وََلقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ فَلَ َيعَْلمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَ َدقُوا وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلكَاذِبِينَ } (‪[ )5‬العنكبوت ‪1 :‬‬
‫ُيفْتَنُو َ‬
‫‪ ]3 -‬وقال تعالى ‪َ { :‬أمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَ ْدخُلُوا الْجَنّ َة وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَا َهدُوا مِ ْنكُ ْم وَ َيعْلَمَ الصّابِرِينَ‬
‫} [آل عمران ‪]142 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وأعادوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬محمدا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ دمشق (‪" )19/335‬المخطوط") ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق أبي‬
‫العميس عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة ومن طريق سلمة بن علي عن هشام بن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عروة عن عائشة‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬دخلة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/118‬‬

‫عمَاُلهُ ْم َوفِي‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫سهِمْ بِا ْل ُكفْرِ أُولَ ِئكَ حَ ِب َ‬
‫مَا كَانَ لِ ْلمُشْ ِركِينَ أَنْ َي ْعمُرُوا مَسَاجِدَ اللّهِ شَا ِهدِينَ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫جدَ اللّهِ مَنْ َآمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الَْآخِ ِر وََأقَامَ الصّلَا َة وَآَتَى ال ّزكَاةَ‬
‫النّارِ ُهمْ خَاِلدُونَ (‪ )17‬إِ ّنمَا َي ْعمُرُ مَسَا ِ‬
‫وَلَمْ َيخْشَ إِلّا اللّهَ َفعَسَى أُولَ ِئكَ أَنْ َيكُونُوا مِنَ ا ْل ُمهْ َتدِينَ (‪)18‬‬

‫ب َومَا كَانَ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬مَا كَانَ اللّهُ لِ َيذَرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنْ ُتمْ عَلَيْهِ حَتّى َيمِيزَ ا ْلخَبِيثَ مِنَ الطّ ّي ِ‬
‫اللّهُ لِيُطِْل َعكُمْ عَلَى ا ْلغَ ْيبِ } [آل عمران ‪]179 :‬‬
‫والحاصل أنه تعالى لما شرع الجهاد لعباده ‪ ،‬بين أن له فيه حكمة ‪ ،‬وهو اختبار (‪ )1‬عبيده ‪ :‬من‬
‫يطيعه ممن يعصيه ‪ ،‬وهو تعالى العالم بما كان وما يكون ‪ ،‬وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ؟‬
‫فيعلم الشيء قبل كونه ‪ ،‬ومع كونه على ما هو عليه ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه ‪ ،‬ول راد‬
‫لما قدره وأمضاه‪.‬‬
‫عمَاُلهُ ْم َوفِي‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫سهِمْ بِا ْل ُكفْرِ أُولَ ِئكَ حَبِ َ‬
‫جدَ اللّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫{ مَا كَانَ لِ ْل ُمشْ ِركِينَ أَنْ َي ْعمُرُوا َمسَا ِ‬
‫جدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وََأقَامَ الصّلةَ وَآتَى ال ّزكَاةَ‬
‫النّارِ ُهمْ خَاِلدُونَ (‪ )17‬إِ ّنمَا َي ْعمُرُ مَسَا ِ‬
‫وَلَمْ َيخْشَ إِل اللّهَ َف َعسَى أُولَ ِئكَ أَنْ َيكُونُوا مِنَ ا ْل ُمهْتَدِينَ (‪} )18‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ما ينبغي للمشركين بال أن يعمروا مساجد ال التي بنيت على اسمه وحده ل شريك‬
‫له‪ .‬ومن قرأ ‪" :‬مسجد ال" فأراد به المسجد الحرام ‪ ،‬أشرف المساجد في الرض ‪ ،‬الذي بني من‬
‫أول يوم على عبادة ال وحده ل شريك له‪ .‬وأسسه خليل الرحمن هذا ‪ ،‬وهم شاهدون على أنفسهم‬
‫بالكفر ‪ ،‬أي ‪ :‬بحالهم وقالهم ‪ ،‬كما قال السّدّي ‪ :‬لو سألت النصراني ‪ :‬ما دينك ؟ لقال ‪:‬‬
‫نصراني ‪ ،‬واليهودي ‪ :‬ما دينك ؟ لقال يهودي ‪ ،‬والصابئي ‪ ،‬لقال ‪ :‬صابئي ‪ ،‬والمشرك ‪ ،‬لقال ‪:‬‬
‫مشرك‪.‬‬
‫عمَاُلهُمْ } أي ‪ :‬بشركهم ‪َ { ،‬وفِي النّارِ ُهمْ خَاِلدُونَ } كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا َلهُمْ‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫{ أُولَ ِئكَ حَبِ َ‬
‫ن وََلكِنّ‬
‫جدِ ا ْلحَرَا ِم َومَا كَانُوا َأوْلِيَا َءهُ إِنْ َأوْلِيَا ُؤهُ إِل ا ْلمُ ّتقُو َ‬
‫صدّونَ عَنِ ا ْلمَسْ ِ‬
‫أَل ُيعَذّ َبهُمُ اللّ ُه وَهُمْ َي ُ‬
‫جدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ‬
‫َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ } [النفال ‪ ]34 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِ ّنمَا َي ْعمُرُ مَسَا ِ‬
‫الخِرِ } فشهد تعالى باليمان لعمار المساجد ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا سريج (‪ )2‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ؛ أن دراجا أبا السمح حدثه ‪ ،‬عن أبي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا رأيتم الرجل يعتاد‬
‫جدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ‬
‫المسجد (‪ )3‬فاشهدوا له باليمان ؛ قال ال تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا َي ْعمُرُ مَسَا ِ‬
‫الخِرِ }‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬وابن مردويه ‪ ،‬والحاكم في مستدركه من حديث عبد ال بن وهب ‪ ،‬به (‪)4‬‬
‫وقال (‪ )5‬عبد بن حميد في مسنده ‪ :‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا صالح المري ‪ ،‬عن ثابت‬
‫البناني ‪ ،‬عن ميمون بن سياه ‪ ،‬وجعفر بن زيد ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إنما عمار المساجد هم أهل ال" (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬إخبار"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬شريح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المساجد"‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/68‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3093‬والمستدرك (‪ )2/332‬ودراج عن أبي الهيثم‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )5‬في د ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬فيه صالح المري وهو ضعيف ‪ ،‬وقد اختلف عليه فيه كما سيأتي في رواية البزار‪.‬‬

‫( ‪)4/119‬‬

‫ورواه الحافظ أبو بكر البزار ‪ ،‬عن عبد الواحد بن غياث ‪ ،‬عن صالح بن بشير المري ‪ ،‬عن‬
‫ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنما (‪ )1‬عمار المساجد هم أهل ال"‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعلم رواه عن ثابت غير صالح (‪)2‬‬
‫وقد روى الدارقطني في الفراد من طريق حكامة بنت عثمان بن دينار ‪ ،‬عن أبيها ‪ ،‬عن أخيه‬
‫مالك بن دينار ‪ ،‬عن أنس مرفوعا ‪" :‬إذا أراد ال بقوم عاهة ‪ ،‬نظر إلى أهل المساجد ‪ ،‬فصرف‬
‫عنهم"‪ .‬ثم قال ‪ :‬غريب (‪)3‬‬
‫وروى الحافظ البهاء في المستقصى ‪ ،‬عن أبيه بسنده إلى أبي أمية الطرسوسي ‪ :‬حدثنا منصور‬
‫بن صقير ‪ ،‬حدثنا صالح المرى ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس مرفوعا ‪" :‬يقول ال ‪ :‬وعزتي وجللي ‪،‬‬
‫إني لهم بأهل الرض عذابا ‪ ،‬فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في ‪ ،‬وإلى‬
‫المستغفرين بالسحار ‪ ،‬صرفت ذلك عنهم"‪ .‬ثم قال ابن عساكر ‪ :‬حديث غريب (‪)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا روح ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬حدثنا العلء بن زياد ‪ ،‬عن معاذ بن‬
‫جبل ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن الشيطان ذئب النسان ‪ ،‬كذئب الغنم يأخذ الشاة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القاصية والناحية ‪ ،‬فإياكم والشعاب ‪ ،‬وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد" (‪)5‬‬
‫وقال عبد الرازق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون الودي قال ‪ :‬أدركت‬
‫أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وهم يقولون ‪ :‬إن المساجد بيوت ال في الرض ‪ ،‬وإنه حق‬
‫على ال أن يكرم من زاره فيها (‪)6‬‬
‫وقال المسعودي ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت وعدي بن ثابت ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬من سمع النداء بالصلة ثم لم يجب ويأتي المسجد ويصلي ‪ ،‬فل‬
‫صلة له ‪ ،‬وقد عصى ال ورسوله ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا َي ْعمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ‬
‫الخِرِ } الية رواه ابن مردويه‪.‬‬
‫وقد روي مرفوعا من وجه آخر ‪ ،‬وله شواهد من وجوه أخر ليس هذا موضع بسطها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬إن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند البزار برقم (‪" )433‬كشف الستار" ورواه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )3/66‬من‬
‫طريق هاشم بن القاسم عن صالح المري به ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )2/23‬فيه صالح‬
‫المرى وهو ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬لم أعثر عليه في الطراف لبن القيسراني‪.‬‬
‫(‪ )4‬وفيه منصور بن صقير ‪ ،‬قال أبو حاتم ‪ :‬ليس بالقوي‪ .‬وقال العقيلي ‪ :‬في حديثه بعض الوهم‬
‫‪ ،‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )4/61‬من طريق سعيد بن أشعث عن صالح المري به نحوه ‪،‬‬
‫ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )9051‬من طريق عبدان عن معاذ بن خالد بن شقيق عن‬
‫صالح المري به نحوه ‪ ،‬وصالح المرى ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )5/232‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )2/23‬العلء بن زياد لم يسمع من معاذ"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )9052‬من طريق أحمد بن منصور عن عبد الرزاق‬
‫عن معمر عن رجل من قريش رفع الحديث ‪ ،‬فذكر نحوه ‪ ،‬وهو معضل‪.‬‬

‫( ‪)4/120‬‬

‫جدِ ا ْلحَرَامِ َكمَنْ َآمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الَْآخِ ِر وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لَا‬
‫عمَا َرةَ ا ْلمَسْ ِ‬
‫ج وَ ِ‬
‫سقَايَةَ ا ْلحَا ّ‬
‫جعَلْ ُتمْ ِ‬
‫أَ َ‬
‫يَسْ َتوُونَ عِنْدَ اللّ ِه وَاللّهُ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪ )19‬الّذِينَ َآمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ‬
‫ظمُ دَ َرجَةً عِ ْندَ اللّ ِه وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَائِزُونَ (‪)20‬‬
‫سهِمْ أَعْ َ‬
‫بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأقَامَ الصّلةَ } أي ‪ :‬التي هي أكبر عبادات البدن ‪ { ،‬وَآتَى ال ّزكَاةَ } أي ‪ :‬التي هي‬
‫أفضل العمال المتعدية إلى بر الخلئق ‪ { ،‬وََلمْ يَخْشَ إِل اللّهَ } أي ‪ :‬ولم يخف إل من ال‬
‫تعالى ‪ ،‬ولم يخش سواه ‪َ { ،‬ف َعسَى أُولَ ِئكَ أَنْ َيكُونُوا مِنَ ا ْل ُمهْتَدِينَ }‬
‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬إِ ّنمَا َي ْعمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ‬
‫الخِرِ } يقول ‪ :‬من وحد ال ‪ ،‬وآمن باليوم الخر يقول ‪ :‬من آمن بما أنزل ال ‪ { ،‬وََأقَامَ‬
‫الصّلةَ } يعني ‪ :‬الصلوات الخمس ‪ { ،‬وَلَمْ َيخْشَ إِل اللّهَ } يقول ‪ :‬لم يعبد إل ال ‪ -‬ثم قال ‪:‬‬
‫{ َفعَسَى أُولَ ِئكَ [ أَنْ َيكُونُوا مِنَ ا ْل ُمهْتَدِينَ ] } (‪ )1‬يقول ‪ :‬إن أولئك هم المفلحون ‪ ،‬كقوله لنبيه‬
‫حمُودًا } [السراء ‪ ]79 :‬يقول ‪ :‬إن ربك‬
‫عسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَامًا مَ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬‬
‫سيبعثك مقاما محمودا وهي الشفاعة ‪ ،‬وكل "عسى" في القرآن فهي واجبة‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق بن يسار ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬و"عسى" من ال حق‪.‬‬
‫سجِدِ الْحَرَامِ َكمَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه ل‬
‫عمَارَةَ ا ْلمَ ْ‬
‫سقَايَةَ الْحَاجّ وَ ِ‬
‫جعَلْتُمْ ِ‬
‫{ َأ َ‬
‫يَسْ َتوُونَ عِنْدَ اللّ ِه وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪ )19‬الّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَا َهدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ‬
‫ظمُ دَ َرجَةً عِ ْندَ اللّ ِه وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَائِزُونَ (‪} )20‬‬
‫سهِمْ أَعْ َ‬
‫بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من د‪.‬‬

‫( ‪)4/121‬‬

‫ن وَجَنّاتٍ َلهُمْ فِيهَا َنعِيمٌ مُقِيمٌ (‪ )21‬خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ‬
‫ضوَا ٍ‬
‫حمَةٍ مِنْ ُه وَ ِر ْ‬
‫يُبَشّرُ ُهمْ رَ ّبهُمْ بِ َر ْ‬
‫خوَا َنكُمْ َأوْلِيَاءَ إِنِ اسْ َتحَبّوا ا ْل ُكفْرَ عَلَى‬
‫خذُوا آَبَا َء ُك ْم وَإِ ْ‬
‫عظِيمٌ (‪ )22‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا تَتّ ِ‬
‫أَجْرٌ َ‬
‫خوَا ُنكُمْ‬
‫ن َومَنْ يَ َتوَّلهُمْ مِ ْنكُمْ فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ (‪ُ )23‬قلْ إِنْ كَانَ آَبَا ُؤكُ ْم وَأَبْنَا ُؤكُ ْم وَإِ ْ‬
‫الْإِيمَا ِ‬
‫حبّ إِلَ ْي ُكمْ‬
‫ضوْ َنهَا أَ َ‬
‫شوْنَ َكسَادَهَا َومَسَاكِنُ تَ ْر َ‬
‫خَ‬‫جكُ ْم وَعَشِيرَ ُتكُمْ وََأمْوَالٌ اقْتَ َرفْ ُتمُوهَا وَتِجَا َرةٌ تَ ْ‬
‫وَأَ ْزوَا ُ‬
‫سقِينَ (‬
‫جهَادٍ فِي سَبِيِلهِ فَتَرَ ّبصُوا حَتّى يَأْ ِتيَ اللّهُ بَِأمْ ِر ِه وَاللّهُ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫مِنَ اللّ ِه وَرَسُوِل ِه وَ ِ‬
‫عجَبَ ْتكُمْ كَثْرَ ُتكُمْ فََلمْ ُتغْنِ عَ ْنكُمْ شَيْئًا َوضَاقَتْ‬
‫‪َ )24‬لقَدْ َنصَ َركُمُ اللّهُ فِي َموَاطِنَ كَثِي َر ٍة وَ َيوْمَ حُنَيْنٍ ِإذْ أَ ْ‬
‫سكِينَ َتهُ عَلَى رَسُولِ ِه وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‬
‫عَلَ ْيكُمُ الْأَ ْرضُ ِبمَا َرحُ َبتْ ثُ ّم وَلّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (‪ )25‬ثُمّ أَنْ َزلَ اللّهُ َ‬
‫وَأَنْ َزلَ جُنُودًا َلمْ تَ َروْهَا وَعَ ّذبَ الّذِينَ كَفَرُوا وَذَِلكَ جَزَاءُ ا ْلكَافِرِينَ (‪ُ )26‬ثمّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ‬
‫سجِدَ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )27‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِ ّنمَا ا ْلمُشْ ِركُونَ نَجَسٌ فَلَا َيقْرَبُوا ا ْلمَ ْ‬
‫عَلَى مَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ َ‬
‫حكِيمٌ (‬
‫س ْوفَ ُيغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ َ‬
‫خفْتُمْ عَيَْلةً فَ َ‬
‫الْحَرَامَ َبعْدَ عَا ِم ِهمْ هَذَا وَإِنْ ِ‬
‫‪ )28‬قَاتِلُوا الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَلَا بِالْ َيوْمِ الَْآخِ ِر وَلَا يُحَ ّرمُونَ مَا حَرّمَ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه وَلَا يَدِينُونَ‬
‫دِينَ ا ْلحَقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ حَتّى ُيعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَ ٍد وَ ُه ْم صَاغِرُونَ (‪َ )29‬وقَاَلتِ الْ َيهُودُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عُزَيْرٌ ابْنُ اللّ ِه َوقَاَلتِ ال ّنصَارَى ا ْل َمسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَِلكَ َقوُْلهُمْ بَِأ ْفوَا ِه ِهمْ ُيضَاهِئُونَ َقوْلَ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫خذُوا أَحْبَا َرهُ ْم وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّ ِه وَا ْلمَسِيحَ ابْنَ‬
‫مِنْ قَ ْبلُ قَاتََل ُهمُ اللّهُ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ (‪ )30‬اتّ َ‬
‫طفِئُوا‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪ )31‬يُرِيدُونَ أَنْ ُي ْ‬
‫مَرْيَ َم َومَا ُأمِرُوا إِلّا لِ َيعْبُدُوا إَِلهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ سُبْحَا َنهُ َ‬
‫سلَ رَسُولَهُ‬
‫نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلّا أَنْ يُ ِتمّ نُو َر ُه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ (‪ُ )32‬هوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُشْ ِركُونَ (‪ )33‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِنّ كَثِيرًا‬
‫بِا ْلهُدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِيُ ْ‬
‫ل وَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَالّذِينَ َيكْنِزُونَ الذّ َهبَ‬
‫طِ‬‫مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ النّاسِ بِالْبَا ِ‬
‫جهَنّمَ فَ ُت ْكوَى‬
‫حمَى عَلَ ْيهَا فِي نَارِ َ‬
‫وَا ْلفِضّ َة وَلَا يُ ْن ِفقُو َنهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَ َبشّرْهُمْ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪َ )34‬يوْمَ يُ ْ‬
‫سكُمْ َفذُوقُوا مَا كُنْتُمْ َتكْنِزُونَ (‪ )35‬إِنّ عِ ّدةَ‬
‫ظهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَ ْنفُ ِ‬
‫ِبهَا جِبَا ُه ُه ْم وَجُنُو ُبهُ ْم وَ ُ‬
‫ت وَالْأَ ْرضَ مِ ْنهَا أَرْ َبعَةٌ حُ ُرمٌ ذَِلكَ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫شهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ َي ْومَ خََلقَ ال ّ‬
‫عشَرَ َ‬
‫شهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا َ‬
‫ال ّ‬
‫سكُ ْم َوقَاتِلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ كَافّةً َكمَا ُيقَاتِلُو َنكُمْ كَافّ ًة وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ‬
‫الدّينُ ا ْلقَيّمُ فَلَا تَظِْلمُوا فِيهِنّ أَ ْنفُ َ‬
‫ضلّ ِبهِ الّذِينَ كَفَرُوا يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَ ّرمُونَهُ عَامًا‬
‫ا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )36‬إِ ّنمَا النّسِيءُ زِيَا َدةٌ فِي ا ْل ُكفْرِ ُي َ‬
‫عمَاِلهِ ْم وَاللّهُ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلكَافِرِينَ‬
‫لِ ُيوَاطِئُوا عِ ّدةَ مَا حَرّمَ اللّهُ فَ ُيحِلّوا مَا حَرّمَ اللّهُ زُيّنَ َلهُمْ سُوءُ أَ ْ‬
‫(‪ )37‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا مَا َلكُمْ إِذَا قِيلَ َلكُمُ ا ْنفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَ ْرضِ أَ َرضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا‬
‫الدّنْيَا مِنَ الْآَخِ َرةِ َفمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا فِي الَْآخِ َرةِ إِلّا قَلِيلٌ (‪ )38‬إِلّا تَ ْنفِرُوا ُيعَذّ ْبكُمْ َ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪ )39‬إِلّا تَ ْنصُرُوهُ َفقَدْ َنصَ َرهُ اللّهُ‬
‫وَيَسْتَبْ ِدلْ َق ْومًا غَيْ َركُ ْم وَلَا َتضُرّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫جهُ الّذِينَ َكفَرُوا ثَا ِنيَ اثْنَيْنِ إِذْ ُهمَا فِي ا ْلغَارِ إِذْ َيقُولُ ِلصَاحِبِهِ لَا َتحْزَنْ إِنّ اللّهَ َمعَنَا فَأَنْ َزلَ‬
‫إِذْ َأخْرَ َ‬
‫سفْلَى َوكَِلمَةُ اللّهِ ِهيَ ا ْلعُلْيَا وَاللّهُ‬
‫ج َعلَ كَِلمَةَ الّذِينَ َكفَرُوا ال ّ‬
‫سكِينَتَهُ عَلَ ْي ِه وَأَيّ َدهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَ َروْهَا َو َ‬
‫اللّهُ َ‬
‫سكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ‬
‫خفَافًا وَ ِثقَالًا وَجَا ِهدُوا بَِأ ْموَاِلكُمْ وَأَنْفُ ِ‬
‫حكِيمٌ (‪ )40‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫عَزِيزٌ َ‬
‫شقّ ُة وَسَ َيحِْلفُونَ‬
‫صدًا لَاتّ َبعُوكَ وََلكِنْ َبعُ َدتْ عَلَ ْي ِهمُ ال ّ‬
‫سفَرًا قَا ِ‬
‫كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪َ )41‬لوْ كَانَ عَ َرضًا قَرِيبًا وَ َ‬
‫عفَا اللّهُ عَ ْنكَ ِلمَ أَذِ ْنتَ‬
‫سهُ ْم وَاللّهُ َيعْلَمُ إِ ّن ُهمْ َلكَاذِبُونَ (‪َ )42‬‬
‫طعْنَا َلخَرَجْنَا َم َعكُمْ ُيهِْلكُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫بِاللّهِ َلوِ اسْتَ َ‬
‫ص َدقُوا وَ َتعْلَمَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )43‬لَا يَسْتَأْذِ ُنكَ الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الَْآخِرِ‬
‫ن َ‬
‫َلهُمْ حَتّى يَتَبَيّنَ َلكَ الّذِي َ‬
‫سهِ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )44‬إِ ّنمَا يَسْتَ ْأذِ ُنكَ الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ‬
‫أَنْ يُجَاهِدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُو ُبهُمْ َفهُمْ فِي رَيْ ِبهِمْ يَتَرَدّدُونَ (‪ )45‬وََلوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدّوا َلهُ عُ ّد ًة وََلكِنْ كَ ِرهَ‬
‫ضعُوا‬
‫طهُمْ َوقِيلَ ا ْقعُدُوا مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ (‪َ )46‬لوْ خَ َرجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلّا خَبَالًا وَلََأوْ َ‬
‫اللّهُ انْ ِبعَا َثهُمْ فَثَبّ َ‬
‫سمّاعُونَ َلهُ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّاِلمِينَ (‪َ )47‬لقَدِ ابْ َت َغوُا ا ْلفِتْنَةَ مِنْ قَ ْبلُ‬
‫خِلَاَل ُكمْ يَ ْبغُو َنكُمُ ا ْلفِتْنَ َة َوفِيكُمْ َ‬
‫ظهَرَ َأمْرُ اللّ ِه وَهُمْ كَارِهُونَ (‪َ )48‬ومِ ْنهُمْ مَنْ َيقُولُ ا ْئذَنْ لِي وَلَا‬
‫ق وَ َ‬
‫حّ‬‫َوقَلّبُوا َلكَ الُْأمُورَ حَتّى جَاءَ الْ َ‬
‫سؤْ ُه ْم وَإِنْ ُتصِ ْبكَ‬
‫حسَنَةٌ تَ ُ‬
‫جهَنّمَ َل ُمحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ (‪ )49‬إِنْ ُتصِ ْبكَ َ‬
‫سقَطُوا وَإِنّ َ‬
‫َتفْتِنّي أَلَا فِي ا ْلفِتْنَةِ َ‬
‫ُمصِيبَةٌ َيقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا َأمْرَنَا مِنْ قَ ْبلُ وَيَ َتوَّلوْا وَهُمْ فَ ِرحُونَ (‪ُ )50‬قلْ لَنْ ُيصِيبَنَا إِلّا مَا كَ َتبَ اللّهُ لَنَا‬
‫ن وَ َنحْنُ‬
‫ُهوَ َموْلَانَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪ُ )51‬قلْ َهلْ تَرَ ّبصُونَ بِنَا إِلّا ِإحْدَى ا ْلحُسْنَيَيْ ِ‬
‫نَتَرَ ّبصُ ِبكُمْ أَنْ ُيصِي َبكُمُ اللّهُ ِبعَذَابٍ مِنْ عِ ْن ِدهِ َأوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَ ّبصُوا إِنّا َم َعكُمْ مُتَرَ ّبصُونَ (‪ُ )52‬قلْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سقِينَ (‪َ )53‬ومَا مَ َن َعهُمْ أَنْ ُتقْ َبلَ مِ ْنهُمْ َنفَقَا ُتهُمْ‬
‫طوْعًا َأوْ كَرْهًا لَنْ يُ َتقَ ّبلَ مِ ْنكُمْ إِ ّنكُمْ كُنْتُمْ َق ْومًا فَا ِ‬
‫أَ ْنفِقُوا َ‬
‫إِلّا أَ ّنهُمْ كَفَرُوا بِاللّ ِه وَبِرَسُوِل ِه وَلَا يَأْتُونَ الصّلَاةَ إِلّا وَهُمْ ُكسَالَى وَلَا يُ ْن ِفقُونَ إِلّا وَ ُهمْ كَارِهُونَ (‪)54‬‬
‫سهُمْ وَهُمْ‬
‫فَلَا ُتعْجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم وَلَا َأوْلَادُهُمْ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيعَذّ َبهُمْ ِبهَا فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَتَزْهَقَ أَ ْنفُ ُ‬
‫حِلفُونَ بِاللّهِ إِ ّنهُمْ َلمِ ْنكُ ْم َومَا ُهمْ مِ ْنكُ ْم وََلكِ ّنهُمْ َقوْمٌ َيفْ َرقُونَ (‪َ )56‬لوْ َيجِدُونَ مَلْجَأً َأوْ‬
‫كَافِرُونَ (‪ )55‬وَيَ ْ‬
‫جمَحُونَ (‪َ )57‬ومِ ْنهُمْ مَنْ يَ ْلمِ ُزكَ فِي الصّ َدقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِ ْنهَا‬
‫َمغَارَاتٍ َأوْ مُدّخَلًا َلوَّلوْا إِلَيْهِ وَهُمْ َي ْ‬
‫خطُونَ (‪ )58‬وََلوْ أَ ّن ُهمْ َرضُوا مَا آَتَا ُهمُ اللّهُ وَرَسُولُ ُه َوقَالُوا‬
‫طوْا مِ ْنهَا ِإذَا هُمْ يَسْ َ‬
‫َرضُوا وَإِنْ َلمْ ُيعْ َ‬
‫حسْبُنَا اللّهُ سَ ُيؤْتِينَا اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ (‪ )59‬إِ ّنمَا الصّ َدقَاتُ لِ ْل ُفقَرَاءِ‬
‫َ‬
‫ن َوفِي سَبِيلِ اللّ ِه وَابْنِ السّبِيلِ‬
‫علَ ْيهَا وَا ْلمُؤَّلفَةِ قُلُو ُبهُ ْم َوفِي ال ّرقَابِ وَا ْلغَا ِرمِي َ‬
‫ن وَا ْلعَامِلِينَ َ‬
‫وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫حكِيمٌ (‪َ )60‬ومِ ْنهُمُ الّذِينَ ُي ْؤذُونَ النّ ِبيّ وَ َيقُولُونَ ُهوَ ُأذُنٌ ُقلْ أُذُنُ خَيْرٍ َلكُمْ‬
‫فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‬
‫حمَةٌ لِلّذِينَ َآمَنُوا مِ ْن ُك ْم وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ َلهُمْ َ‬
‫ن وَرَ ْ‬
‫ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَ ُي ْؤمِنُ ِل ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫حقّ أَنْ يُ ْرضُوهُ إِنْ كَانُوا ُم ْؤمِنِينَ (‪ )62‬أَلَمْ َيعَْلمُوا‬
‫‪ )61‬يَحِْلفُونَ بِاللّهِ َل ُكمْ لِيُ ْرضُوكُ ْم وَاللّ ُه وَرَسُولُهُ أَ َ‬
‫حذَرُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ‬
‫جهَنّمَ خَاِلدًا فِيهَا ذَِلكَ ا ْلخِ ْزيُ ا ْلعَظِيمُ (‪ )63‬يَ ْ‬
‫أَنّهُ مَنْ ُيحَا ِددِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنّ لَهُ نَارَ َ‬
‫حذَرُونَ (‪ )64‬وَلَئِنْ‬
‫أَنْ تُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْ سُو َرةٌ تُنَبّ ُئ ُهمْ ِبمَا فِي قُلُو ِبهِمْ ُقلِ اسْ َتهْزِئُوا إِنّ اللّهَ ُمخْرِجٌ مَا تَ ْ‬
‫سَأَلْ َتهُمْ لَ َيقُولُنّ إِ ّنمَا كُنّا َنخُوضُ وَنَ ْل َعبُ ُقلْ أَبِاللّ ِه وَآَيَا ِت ِه وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ َتسْ َتهْزِئُونَ (‪ )65‬لَا َتعْتَذِرُوا قَدْ‬
‫َكفَرْتُمْ َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ إِنْ َن ْعفُ عَنْ طَا ِئفَةٍ مِ ْنكُمْ ُنعَ ّذبْ طَا ِئفَةً بِأَ ّنهُمْ كَانُوا مُجْ ِرمِينَ (‪ )66‬ا ْلمُنَا ِفقُونَ‬
‫ف وَيَقْ ِبضُونَ أَيْدِ َيهُمْ َنسُوا اللّهَ‬
‫ضهُمْ مِنْ َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْلمُ ْنكَ ِر وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْل َمعْرُو ِ‬
‫وَا ْلمُنَافِقَاتُ َب ْع ُ‬
‫جهَنّمَ خَالِدِينَ‬
‫ت وَا ْلكُفّارَ نَارَ َ‬
‫ن وَا ْلمُنَافِقَا ِ‬
‫سقُونَ (‪ )67‬وَعَدَ اللّهُ ا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫فَنَسِ َيهُمْ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫فِيهَا ِهيَ حَسْ ُب ُه ْم وََلعَ َنهُمُ اللّهُ وََلهُمْ عَذَابٌ ُمقِيمٌ (‪ )68‬كَالّذِينَ مِنْ قَبِْل ُكمْ كَانُوا أَشَدّ مِ ْن ُكمْ ُق ّوةً وََأكْثَرَ‬
‫خضْتُمْ‬
‫َأ ْموَالًا وََأوْلَادًا فَاسْ َتمْ َتعُوا بِخَلَا ِقهِمْ فَاسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبخَلَا ِقكُمْ َكمَا اسْ َتمْتَعَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ بِخَلَا ِقهِمْ وَ ُ‬
‫عمَاُلهُمْ فِي الدّنْيَا وَالْآَخِ َر ِة وَأُولَ ِئكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (‪ )69‬أََلمْ يَأْ ِتهِمْ نَبَأُ‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫كَالّذِي خَاضُوا أُولَ ِئكَ حَبِ َ‬
‫ن وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَاتِ أَتَ ْتهُمْ رُسُُل ُهمْ‬
‫ح وَعَا ٍد وَ َثمُو َد َو َقوْمِ إِبْرَاهِي َم وََأصْحَابِ مَدْيَ َ‬
‫الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ َقوْمِ نُو ٍ‬
‫ضهُمْ‬
‫سهُمْ َيظِْلمُونَ (‪ )70‬وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ َب ْع ُ‬
‫بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْنهَوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَ ُيقِيمُونَ الصّلَا َة وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَيُطِيعُونَ اللّهَ‬
‫حكِيمٌ (‪ )71‬وَعَدَ اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ‬
‫ح ُمهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ سَيَ ْر َ‬
‫ضوَانٌ مِنَ اللّهِ َأكْبَرُ ذَِلكَ‬
‫ن وَ ِر ْ‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا َومَسَاكِنَ طَيّ َبةً فِي جَنّاتِ عَدْ ٍ‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ‬
‫ن وَاغْلُظْ عَلَ ْي ِه ْم َومَأْوَا ُهمْ َ‬
‫ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ (‪ )72‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَا ِهدِ ا ْل ُكفّارَ وَا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫ا ْل َمصِيرُ (‪ )73‬يَحِْلفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وََلقَدْ قَالُوا كَِلمَةَ ا ْل ُكفْ ِر َوكَفَرُوا َبعْدَ ِإسْلَا ِمهِ ْم وَ َهمّوا ِبمَا لَمْ يَنَالُوا‬
‫َومَا َن َقمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّ ُه وَرَسُولُهُ مِنْ َفضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا َيكُ خَيْرًا َلهُ ْم وَإِنْ يَ َتوَّلوْا ُيعَذّ ْبهُمُ اللّهُ‬
‫ي وَلَا َنصِيرٍ (‪َ )74‬ومِ ْنهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ‬
‫ن وَِل ّ‬
‫عَذَابًا َألِيمًا فِي الدّنْيَا وَالْآَخِ َر ِة َومَا َلهُمْ فِي الْأَ ْرضِ مِ ْ‬
‫ن وَلَ َنكُونَنّ مِنَ الصّالِحِينَ (‪ )75‬فََلمّا آَتَاهُمْ مِنْ َفضْلِهِ بَخِلُوا ِب ِه وَ َتوَلّوْا‬
‫لَئِنْ آَتَانَا مِنْ َفضْلِهِ لَ َنصّ ّدقَ ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عقَ َبهُمْ ِنفَاقًا فِي قُلُو ِبهِمْ إِلَى َيوْمِ يَ ْلقَوْنَهُ ِبمَا َأخَْلفُوا اللّهَ مَا وَعَدُو ُه وَ ِبمَا كَانُوا‬
‫وَهُمْ ُمعْ ِرضُونَ (‪ )76‬فَأَ ْ‬
‫جوَاهُمْ وَأَنّ اللّهَ عَلّامُ ا ْلغُيُوبِ (‪ )78‬الّذِينَ يَ ْلمِزُونَ‬
‫َيكْذِبُونَ (‪ )77‬أَلَمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ سِرّ ُه ْم وَنَ ْ‬
‫سخَرُونَ مِ ْنهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِ ْنهُمْ‬
‫جهْدَ ُهمْ فَيَ ْ‬
‫طوّعِينَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ فِي الصّ َدقَاتِ وَالّذِينَ لَا َيجِدُونَ إِلّا ُ‬
‫ا ْلمُ ّ‬
‫وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )79‬اسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ َأوْ لَا َتسْ َت ْغفِرْ َل ُهمْ إِنْ تَسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ سَ ْبعِينَ مَ ّرةً فَلَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ‬
‫سقِينَ (‪ )80‬فَرِحَ ا ْلمُخَّلفُونَ ِب َم ْقعَدِ ِهمْ خِلَافَ‬
‫ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِ ِه وَاللّهُ لَا َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه َوقَالُوا لَا تَ ْنفِرُوا فِي ا ْلحَرّ ُقلْ نَارُ‬
‫رَسُولِ اللّ ِه َوكَرِهُوا أَنْ ُيجَاهِدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫حكُوا قَلِيلًا وَلْيَ ْبكُوا كَثِيرًا جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْكسِبُونَ (‪)82‬‬
‫جهَنّمَ أَشَدّ حَرّا َلوْ كَانُوا َي ْفقَهُونَ (‪ )81‬فَلْ َيضْ َ‬
‫َ‬
‫ج َعكَ اللّهُ إِلَى طَا ِئفَةٍ مِ ْنهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِ ْلخُرُوجِ َف ُقلْ لَنْ تَخْ ُرجُوا َم ِعيَ أَ َبدًا وَلَنْ ُتقَاتِلُوا َم ِعيَ‬
‫فَإِنْ رَ َ‬
‫صلّ عَلَى َأحَدٍ مِ ْنهُمْ مَاتَ أَ َبدًا‬
‫عَ ُدوّا إِ ّنكُمْ َرضِيتُمْ بِا ْل ُقعُودِ َأوّلَ مَ ّرةٍ فَا ْقعُدُوا مَعَ ا ْلخَاِلفِينَ (‪ )83‬وَلَا ُت َ‬
‫سقُونَ (‪ )84‬وَلَا ُتعْجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم وََأوْلَادُ ُهمْ‬
‫وَلَا َتقُمْ عَلَى قَبْ ِرهِ إِ ّنهُمْ َكفَرُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه َومَاتُوا وَهُمْ فَا ِ‬
‫سهُ ْم وَ ُهمْ كَافِرُونَ (‪ )85‬وَإِذَا أُنْزَِلتْ سُو َرةٌ أَنْ‬
‫إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُي َعذّ َبهُمْ ِبهَا فِي الدّنْيَا وَتَزْ َهقَ أَ ْنفُ ُ‬
‫ط ْولِ مِ ْنهُ ْم َوقَالُوا ذَرْنَا َنكُنْ مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ (‪)86‬‬
‫َآمِنُوا بِاللّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَ َنكَ أُولُو ال ّ‬
‫خوَاِلفِ َوطُبِعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َفهُمْ لَا َيفْ َقهُونَ (‪َ )87‬لكِنِ الرّسُولُ وَالّذِينَ َآمَنُوا‬
‫َرضُوا بِأَنْ َيكُونُوا مَعَ ا ْل َ‬
‫سهِ ْم وَأُولَ ِئكَ َلهُمُ ا ْلخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪ )88‬أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ جَنّاتٍ‬
‫َمعَهُ جَاهَدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا ذَِلكَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪ )89‬وَجَاءَ ا ْل ُمعَذّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِ ُيؤْذَنَ‬
‫ضعَفَاءِ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )90‬لَ ْيسَ عَلَى ال ّ‬
‫َلهُ ْم َو َقعَدَ الّذِينَ كَذَبُوا اللّ َه وَرَسُولَهُ سَ ُيصِيبُ الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْنهُمْ َ‬
‫جدُونَ مَا يُ ْن ِفقُونَ حَرَجٌ إِذَا َنصَحُوا لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى‬
‫وَلَا عَلَى ا ْلمَ ْرضَى وَلَا عَلَى الّذِينَ لَا يَ ِ‬
‫جدُ مَا‬
‫حمَِل ُهمْ قُ ْلتَ لَا أَ ِ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )91‬وَلَا عَلَى الّذِينَ ِإذَا مَا أَ َت ْوكَ لِتَ ْ‬
‫ل وَاللّهُ َ‬
‫حسِنِينَ مِنْ سَبِي ٍ‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫حمُِلكُمْ عَلَيْهِ َتوَّلوْا وَأَعْيُ ُنهُمْ َتفِيضُ مِنَ ال ّدمْعِ حَزَنًا أَلّا َيجِدُوا مَا يُ ْن ِفقُونَ (‪ )92‬إِ ّنمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ‬
‫أَ ْ‬
‫ف وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َفهُمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪)93‬‬
‫خوَاِل ِ‬
‫ك وَهُمْ أَغْنِيَاءُ َرضُوا بِأَنْ َيكُونُوا َمعَ الْ َ‬
‫يَسْتَأْذِنُو َن َ‬
‫جعْتُمْ إِلَ ْيهِمْ ُقلْ لَا َتعْتَذِرُوا لَنْ ُن ْؤمِنَ َلكُمْ َقدْ نَبّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَا ِركُمْ وَسَيَرَى اللّهُ‬
‫َيعْتَذِرُونَ إِلَ ْيكُمْ ِإذَا َر َ‬
‫شهَا َدةِ فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )94‬سَيَحِْلفُونَ بِاللّهِ‬
‫عمََلكُ ْم وَرَسُولُهُ ُثمّ تُرَدّونَ إِلَى عَاِلمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫َ‬
‫جهَنّمُ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا‬
‫س َومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫َلكُمْ ِإذَا ا ْنقَلَبْتُمْ إِلَ ْي ِهمْ لِ ُتعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمْ فَأَعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمْ إِ ّنهُمْ ِرجْ ٌ‬
‫سقِينَ‬
‫ضوْا عَ ْنهُمْ فَإِنّ اللّهَ لَا يَ ْرضَى عَنِ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ‬
‫ضوْا عَ ْنهُمْ فَإِنْ تَ ْر َ‬
‫َيكْسِبُونَ (‪ )95‬يَحِْلفُونَ َلكُمْ لِتَ ْر َ‬
‫حكِيمٌ‬
‫شدّ ُكفْرًا وَ ِنفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلّا َيعَْلمُوا حُدُودَ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ عَلَى َرسُولِ ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫(‪ )96‬الْأَعْرَابُ أَ َ‬
‫سمِيعٌ‬
‫سوْ ِء وَاللّهُ َ‬
‫(‪َ )97‬ومِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتّخِذُ مَا يُ ْنفِقُ َمغْ َرمًا وَيَتَرَ ّبصُ ِبكُمُ ال ّدوَائِرَ عَلَ ْيهِمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬
‫خذُ مَا يُ ْنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللّ ِه َوصََلوَاتِ‬
‫عَلِيمٌ (‪َ )98‬ومِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الْآَخِ ِر وَيَتّ ِ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )99‬وَالسّا ِبقُونَ الَْأوّلُونَ‬
‫حمَتِهِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫الرّسُولِ أَلَا إِ ّنهَا قُرْبَةٌ َلهُمْ سَ ُيدْخُِل ُهمُ اللّهُ فِي َر ْ‬
‫ضيَ اللّهُ عَ ْنهُ ْم وَ َرضُوا عَنْ ُه وَأَعَدّ َلهُمْ جَنّاتٍ‬
‫حسَانٍ َر ِ‬
‫ن وَالْأَ ْنصَا ِر وَالّذِينَ اتّ َبعُو ُهمْ بِإِ ْ‬
‫مِنَ ا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫حوَْلكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ‬
‫تَجْرِي َتحْ َتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪َ )100‬و ِممّنْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َومِنْ َأ ْهلِ ا ْلمَدِينَةِ مَ َردُوا عَلَى ال ّنفَاقِ لَا َتعَْل ُمهُمْ َنحْنُ َنعَْل ُمهُمْ سَ ُن َعذّ ُبهُمْ مَرّتَيْنِ ثُمّ يُرَدّونَ إِلَى عَذَابٍ‬
‫عمَلًا صَاِلحًا وَآَخَرَ سَيّئًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَ ْيهِمْ‬
‫عَظِيمٍ (‪ )101‬وَ َآخَرُونَ اعْتَ َرفُوا بِذُنُو ِبهِمْ خَلَطُوا َ‬
‫ن صَلَا َتكَ‬
‫طهّرُ ُه ْم وَتُ َزكّيهِمْ ِبهَا َوصَلّ عَلَ ْيهِمْ إِ ّ‬
‫خذْ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم صَ َدقَةً تُ َ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ُ )102‬‬
‫إِنّ اللّهَ َ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪ )103‬أَلَمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ُهوَ َيقْ َبلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِدهِ وَيَأْخُذُ الصّ َدقَاتِ‬
‫سكَنٌ َلهُمْ وَاللّهُ َ‬
‫َ‬
‫ن وَسَتُرَدّونَ‬
‫عمََلكُ ْم وَرَسُوُل ُه وَا ْل ُمؤْمِنُو َ‬
‫عمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ َ‬
‫وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ (‪َ )104‬و ُقلِ ا ْ‬
‫جوْنَ لَِأمْرِ اللّهِ ِإمّا ُيعَذّ ُبهُمْ‬
‫شهَا َدةِ فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )105‬وَ َآخَرُونَ مُرْ َ‬
‫ب وَال ّ‬
‫إِلَى عَالِمِ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫سجِدًا ضِرَارًا َوكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ‬
‫حكِيمٌ (‪ )106‬وَالّذِينَ اتّخَذُوا مَ ْ‬
‫وَِإمّا يَتُوبُ عَلَ ْيهِ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫ش َهدُ إِ ّنهُمْ‬
‫ل وَلَيَحِْلفُنّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا ا ْلحُسْنَى وَاللّهُ يَ ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَإِ ْرصَادًا ِلمَنْ حَا َربَ اللّ َه وَرَسُولَهُ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫حقّ أَنْ َتقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ‬
‫سجِدٌ ُأسّسَ عَلَى ال ّت ْقوَى مِنْ َأ ّولِ َيوْمٍ أَ َ‬
‫َلكَاذِبُونَ (‪ )107‬لَا َتقُمْ فِيهِ أَ َبدًا َلمَ ْ‬
‫ضوَانٍ‬
‫طهّرِينَ (‪َ )108‬أ َفمَنْ َأسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى َت ْقوَى مِنَ اللّ ِه وَ ِر ْ‬
‫حبّ ا ْل ُم ّ‬
‫طهّرُوا وَاللّهُ يُ ِ‬
‫يُحِبّونَ أَنْ يَ َت َ‬
‫جهَنّ َم وَاللّهُ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ‬
‫شفَا جُ ُرفٍ هَارٍ فَا ْنهَارَ بِهِ فِي نَارِ َ‬
‫خَيْرٌ َأمْ مَنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى َ‬
‫حكِيمٌ (‪ )110‬إِنّ‬
‫(‪ )109‬لَا يَزَالُ بُنْيَا ُن ُهمُ الّذِي بَ َنوْا رِي َبةً فِي قُلُو ِبهِمْ إِلّا أَنْ َتقَطّعَ قُلُو ُبهُ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫ن وَ ُيقْتَلُونَ‬
‫سهُ ْم وََأ ْموَاَلهُمْ بِأَنّ َلهُمُ الْجَنّةَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُو َ‬
‫اللّهَ اشْتَرَى مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَ ْنفُ َ‬
‫حقّا فِي ال ّتوْرَاةِ وَالْإِ ْنجِيلِ وَالْقُرْآَنِ َومَنْ َأ ْوفَى ِب َعهْ ِدهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَ ْي ِعكُمُ الّذِي‬
‫وَعْدًا عَلَيْهِ َ‬
‫جدُونَ‬
‫بَا َيعْتُمْ بِهِ وَذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪ )111‬التّائِبُونَ ا ْلعَابِدُونَ ا ْلحَامِدُونَ السّا ِئحُونَ الرّا ِكعُونَ السّا ِ‬
‫ف وَالنّاهُونَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَالْحَا ِفظُونَ ِلحُدُودِ اللّ ِه وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )112‬مَا كَانَ‬
‫الَْآمِرُونَ بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫ن وََلوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمْ أَ ّنهُمْ َأصْحَابُ‬
‫ي وَالّذِينَ َآمَنُوا أَنْ َيسْ َت ْغفِرُوا لِ ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫لِلنّ ِب ّ‬
‫ع ُدوّ لِلّهِ‬
‫عدَهَا إِيّاهُ فََلمّا تَبَيّنَ َلهُ أَنّهُ َ‬
‫جحِيمِ (‪َ )113‬ومَا كَانَ اسْ ِت ْغفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلّا عَنْ َموْعِ َد ٍة وَ َ‬
‫الْ َ‬
‫ضلّ َق ْومًا َبعْدَ ِإذْ َهدَاهُمْ حَتّى يُبَيّنَ َلهُمْ مَا‬
‫تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِيمَ لََأوّاهٌ حَلِيمٌ (‪َ )114‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُي ِ‬
‫ت َومَا َلكُمْ مِنْ‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ ُيحْيِي وَ ُيمِي ُ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪ )115‬إِنّ اللّهَ َلهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫يَ ّتقُونَ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫ن وَالْأَ ْنصَارِ الّذِينَ اتّ َبعُوهُ‬
‫ي وَا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫ن وَِليّ وَلَا َنصِيرٍ (‪َ )116‬لقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى النّ ِب ّ‬
‫دُونِ اللّهِ مِ ْ‬
‫فِي سَاعَةِ ا ْل ُعسْ َرةِ مِنْ َبعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِ ْنهُمْ ُثمّ تَابَ عَلَ ْيهِمْ إِنّهُ ِبهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (‬
‫س ُهمْ‬
‫ت َوضَاقَتْ عَلَ ْيهِمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫‪ )117‬وَعَلَى الثّلَاثَةِ الّذِينَ خُّلفُوا حَتّى إِذَا ضَا َقتْ عَلَ ْيهِمُ الْأَ ْرضُ ِبمَا َرحُ َب ْ‬
‫وَظَنّوا أَنْ لَا مَ ْلجَأَ مِنَ اللّهِ إِلّا إِلَيْهِ ثُمّ تَابَ عَلَ ْيهِمْ لِيَتُوبُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ (‪ )118‬يَا أَ ّيهَا‬
‫حوَْلهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ‬
‫الّذِينَ َآمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه َوكُونُوا مَعَ الصّا ِدقِينَ (‪ )119‬مَا كَانَ لَِأ ْهلِ ا ْلمَدِينَ ِة َومَنْ َ‬
‫صبٌ وَلَا‬
‫ظمٌَأ وَلَا َن َ‬
‫سهِمْ عَنْ َنفْسِهِ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ لَا ُيصِي ُبهُمْ َ‬
‫خّلفُوا عَنْ رَسُولِ اللّ ِه وَلَا يَرْغَبُوا بِأَ ْنفُ ِ‬
‫أَنْ يَتَ َ‬
‫ع َملٌ‬
‫ع ُدوّ نَيْلًا إِلّا كُ ِتبَ َلهُمْ بِهِ َ‬
‫خ َمصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَلَا يَطَئُونَ َموْطِئًا َيغِيظُ ا ْل ُكفّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ َ‬
‫مَ ْ‬
‫طعُونَ وَادِيًا‬
‫صغِي َرةً وَلَا كَبِي َر ًة وَلَا َيقْ َ‬
‫حسِنِينَ (‪ )120‬وَلَا يُ ْن ِفقُونَ َن َفقَةً َ‬
‫صَالِحٌ إِنّ اللّهَ لَا ُيضِيعُ َأجْرَ ا ْلمُ ْ‬
‫إِلّا كُ ِتبَ َلهُمْ لِ َيجْزِ َيهُمُ اللّهُ َأحْسَنَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪َ )121‬ومَا كَانَ ا ْل ُمؤْمِنُونَ لِيَ ْنفِرُوا كَافّةً فََلوْلَا َنفَرَ‬
‫حذَرُونَ (‪)122‬‬
‫جعُوا إِلَ ْيهِمْ َلعَّلهُمْ يَ ْ‬
‫ن وَلِيُنْذِرُوا َق ْو َمهُمْ إِذَا َر َ‬
‫مِنْ ُكلّ فِ ْر َقةٍ مِ ْنهُمْ طَا ِئفَةٌ لِيَ َتفَ ّقهُوا فِي الدّي ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا قَاتِلُوا الّذِينَ يَلُو َنكُمْ مِنَ ا ْل ُكفّارِ وَلْ َيجِدُوا فِيكُمْ غِ ْلظَ ًة وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ ا ْلمُ ّتقِينَ (‬
‫‪ )123‬وَإِذَا مَا أُنْزَِلتْ سُو َرةٌ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َيقُولُ أَ ّيكُمْ زَادَتْهُ هَ ِذهِ إِيمَانًا فََأمّا الّذِينَ َآمَنُوا فَزَادَ ْتهُمْ إِيمَانًا‬
‫سهِ ْم َومَاتُوا وَهُمْ‬
‫وَهُمْ َيسْتَبْشِرُونَ (‪ )124‬وََأمّا الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ فَزَادَ ْتهُمْ ِرجْسًا إِلَى ِرجْ ِ‬
‫كَافِرُونَ (‪َ )125‬أوَلَا يَ َروْنَ أَ ّنهُمْ ُيفْتَنُونَ فِي ُكلّ عَامٍ مَ ّرةً َأوْ مَرّتَيْنِ ُثمّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ َي ّذكّرُونَ (‬
‫حدٍ ثُمّ ا ْنصَ َرفُوا صَ َرفَ اللّهُ‬
‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ َهلْ يَرَا ُكمْ مِنْ أَ َ‬
‫‪ )126‬وَإِذَا مَا أُنْزَِلتْ سُو َرةٌ نَظَرَ َب ْع ُ‬
‫سكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ‬
‫قُلُو َبهُمْ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ لَا َيفْ َقهُونَ (‪َ )127‬لقَدْ جَا َءكُمْ َرسُولٌ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫ت وَ ُهوَ‬
‫عَلَ ْيكُمْ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪ )128‬فَإِنْ َتوَّلوْا َف ُقلْ حَسْ ِبيَ اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ عَلَيْهِ َت َوكّلْ ُ‬
‫َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ (‪)129‬‬

‫ضوَانٍ َوجَنّاتٍ َل ُهمْ فِيهَا َنعِيمٌ ُمقِيمٌ (‪ )21‬خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا إِنّ اللّهَ‬
‫ح َمةٍ مِنْ ُه وَ ِر ْ‬
‫{ يُ َبشّرُهُمْ رَ ّب ُهمْ بِرَ ْ‬
‫خوَا َنكُمْ َأوْلِيَاءَ إِنِ اسْ َتحَبّوا ا ْل ُكفْرَ عَلَى‬
‫خذُوا آبَا َء ُك ْم وَإِ ْ‬
‫عِنْ َدهُ َأجْرٌ عَظِيمٌ (‪ )22‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬
‫خوَا ُنكُمْ‬
‫الِيمَانِ َومَنْ يَ َتوَّلهُمْ مِ ْنكُمْ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ (‪ُ )23‬قلْ إِنْ كَانَ آبَا ُؤكُ ْم وَأَبْنَا ُؤكُمْ وَإِ ْ‬
‫حبّ إِلَ ْي ُكمْ‬
‫ضوْ َنهَا أَ َ‬
‫شوْنَ َكسَادَهَا َومَسَاكِنُ تَ ْر َ‬
‫خَ‬‫جكُ ْم وَعَشِيرَ ُتكُمْ وََأمْوَالٌ اقْتَ َرفْ ُتمُوهَا وَتِجَا َرةٌ تَ ْ‬
‫وَأَ ْزوَا ُ‬
‫جهَادٍ فِي سَبِيِلهِ فَتَرَ ّبصُوا حَتّى يَأْ ِتيَ اللّهُ بَِأمْ ِر ِه وَاللّهُ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ ا ْلفَاسِقِينَ (‬
‫مِنَ اللّ ِه وَرَسُوِل ِه وَ ِ‬
‫‪})24‬‬
‫أمر ال تعالى بمباينة الكفار به ‪ ،‬وإن كانوا آباء أو أبناء ‪ ،‬ونهى عن موالتهم إذا ( اسْتَحَبّوا ) أي‬
‫‪ :‬اختاروا الكفر على اليمان ‪ ،‬وتوعد على ذلك كما قال تعالى ‪ { :‬ل َتجِدُ َقوْمًا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ‬
‫خوَا َنهُمْ َأوْ عَشِيرَ َتهُمْ‬
‫وَالْ َيوْمِ الخِرِ ُيوَادّونَ مَنْ حَادّ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وََلوْ كَانُوا آبَا َءهُمْ َأوْ أَبْنَا َءهُمْ َأوْ ِإ ْ‬
‫أُولَ ِئكَ كَ َتبَ فِي قُلُو ِبهِ ُم الِيمَانَ وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مِ ْن ُه وَيُدْخُِل ُهمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ } الية‬
‫[المجادلة ‪.]22 :‬‬
‫وروى الحافظ [أبو بكر] (‪ )1‬البيهقي من حديث عبد ال بن شوذب قال ‪ :‬جعل أبو أبي عبيدة بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/121‬‬

‫جدُ َق ْومًا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ الْآَخِرِ ُيوَادّونَ مَنْ حَادّ اللّ َه وَرَسُولَهُ وََلوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ َأوْ أَبْنَاءَ ُهمْ‬
‫لَا تَ ِ‬
‫ن وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخُِل ُهمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ‬
‫عشِيرَ َتهُمْ أُولَ ِئكَ كَ َتبَ فِي قُلُو ِبهِمُ الْإِيمَا َ‬
‫خوَا َنهُمْ َأوْ َ‬
‫َأوْ إِ ْ‬
‫ضيَ اللّهُ عَ ْنهُ ْم وَ َرضُوا عَ ْنهُ أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ اللّهِ أَلَا إِنّ حِ ْزبَ اللّهِ هُمُ‬
‫تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َر ِ‬
‫ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪)22‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الجراح ينعت له اللهة يوم بدر ‪ ،‬وجعل أبو عبيدة يحيد عنه ‪ ،‬فلما أكثر الجراح قصده ابنه أبو‬
‫جدُ َق ْومًا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ الخِرِ } الية [المجادلة‬
‫عبيدة فقتله ‪ ،‬فأنزل ال فيه هذه الية ‪ { :‬ل تَ ِ‬
‫‪)1( ]22 :‬‬
‫ثم أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر (‪ )2‬أهله وقرابته وعشيرته على ال وعلى رسوله وجهاد‬
‫جكُ ْم وَعَشِيرَ ُتكُ ْم وََأ ْموَالٌ‬
‫خوَا ُنكُمْ وَأَزْوَا ُ‬
‫في سبيله ‪ ،‬فقال ‪ُ ( :‬قلْ إِنْ كَانَ آبَا ُؤكُ ْم وَأَبْنَا ُؤكُ ْم وَإِ ْ‬
‫ضوْنَهَا ) أي ‪:‬‬
‫شوْنَ كَسَا َدهَا َومَسَاكِنُ تَ ْر َ‬
‫اقْتَ َرفْ ُتمُوهَا ) أي ‪ :‬اكتسبتموها وحصلتموها ( وَتِجَا َرةٌ َتخْ َ‬
‫جهَادٍ فِي‬
‫حبّ إِلَ ْيكُمْ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِ ِه َو ِ‬
‫تحبونها لطيبها وحسنها ‪ ،‬أي ‪ :‬إن كانت هذه الشياء ( أَ َ‬
‫سَبِيلِهِ فَتَرَ ّبصُوا ) أي ‪ :‬فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم ؛ ولهذا قال ‪ ( :‬حَتّى يَأْ ِتيَ‬
‫سقِينَ )‬
‫اللّهُ بَِأمْ ِر ِه وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬عن زهرة بن معبد ‪ ،‬عن جده قال ‪:‬‬
‫كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬وال لنت يا‬
‫رسول ال أحب إلي من كل شيء إل من نفسي فقال رسول ال (‪ )3‬صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل‬
‫يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه"‪ .‬فقال عمر ‪ :‬فأنت الن وال أحب إلي من نفسي‪.‬‬
‫فقال رسول ال ‪" :‬الن يا عمر" (‪)4‬‬
‫انفرد بإخراجه (‪ )5‬البخاري ‪ ،‬فرواه عن يحيى بن سليمان ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن حيوة بن شريح‬
‫‪ ،‬عن أبي عقيل زهرة بن معبد ‪ ،‬أنه سمع جده عبد ال بن هشام ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بهذا (‪)6‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يؤمن‬
‫أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" (‪)7‬‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬من حديث أبي عبد الرحمن الخراساني ‪ ،‬عن‬
‫عطاء الخراساني ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"إذا تبايعتم بالعينة ‪ ،‬وأخذتم بأذناب البقر ‪ ،‬ورضيتم بالزرع ‪ ،‬وتركتم الجهاد ‪ ،‬سلط ال عليكم ذل‬
‫ل ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (‪)8‬‬
‫وروى المام أحمد أيضا عن يزيد بن هارون ‪ ،‬عن أبي جناب ‪ ،‬عن شهر بن حوشب أنه سمع‬
‫عبد ال ابن عمرو عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بنحو ذلك (‪ )9‬وهذا شاهد للذي قبله ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن البيهقي الكبرى (‪ )9/27‬من طريق الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى عن ضمرة بن‬
‫ربيعة عن عبد ال بن شوذب ‪ ،‬وقال البيهقي ‪" :‬هذا منقطع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬أحب"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)4/336‬‬
‫(‪ )5‬في د ‪" :‬انفرد به"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)6632‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )14‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )2/42‬وسنن أبي داود برقم (‪.)3462‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/84‬‬

‫( ‪)4/124‬‬

‫َلقَدْ َنصَ َركُمُ اللّهُ فِي َموَاطِنَ كَثِي َرةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ِإذْ أَعْجَبَ ْت ُكمْ كَثْرَ ُتكُمْ فََلمْ ُتغْنِ عَ ْنكُمْ شَيْئًا َوضَا َقتْ‬
‫سكِينَ َتهُ عَلَى رَسُولِ ِه وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‬
‫عَلَ ْيكُمُ الْأَ ْرضُ ِبمَا َرحُ َبتْ ثُ ّم وَلّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (‪ )25‬ثُمّ أَنْ َزلَ اللّهُ َ‬
‫وَأَنْ َزلَ جُنُودًا َلمْ تَ َروْهَا وَعَ ّذبَ الّذِينَ كَفَرُوا وَذَِلكَ جَزَاءُ ا ْلكَافِرِينَ (‪)26‬‬

‫{ َلقَدْ َنصَ َركُمُ اللّهُ فِي َموَاطِنَ كَثِي َر ٍة وَ َيوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَ ْتكُمْ كَثْرَ ُت ُكمْ فَلَمْ ُتغْنِ عَ ْن ُكمْ شَيْئًا َوضَا َقتْ‬
‫سكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‬
‫عَلَ ْيكُ ُم الَ ْرضُ ِبمَا رَحُ َبتْ ُث ّم وَلّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (‪ُ )25‬ثمّ أَنْ َزلَ اللّهُ َ‬
‫وَأَنْ َزلَ جُنُودًا َلمْ تَ َروْهَا وَعَ ّذبَ الّذِينَ كَفَرُوا وَذَِلكَ جَزَاءُ ا ْلكَافِرِينَ (‪})26‬‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬هذه أول آية نزلت من [سورة] (‪" )1‬براءة"‪.‬‬
‫يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم‬
‫مع رسوله (‪ )2‬وأن ذلك من عنده تعالى ‪ ،‬وبتأييده وتقديره ‪ ،‬ل بعَددهم ول بعُددهم ونبههم على‬
‫أن النصر من عنده ‪ ،‬سواء قل الجمع أو كثر ‪ ،‬فإن يوم حُنين أعجبتهم كثرتهم ‪ ،‬ومع هذا ما‬
‫أجدى ذلك عنهم شيئا فولوا مدبرين إل القليل منهم مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ثم أنزل‬
‫[ال] (‪ )3‬نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه ‪ ،‬كما سنبينه إن شاء ال تعالى‬
‫مفصل ليعلمهم (‪ )4‬أن النصر من عنده تعالى وحده وبإمداده وإن قل الجمع ‪ ،‬فكم من فئة قليلة‬
‫غلبت فئة كثيرة بإذن ال ‪ ،‬وال مع الصابرين‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وهب بن جرير ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬سمعت يونس يحدث عن الزهري ‪،‬‬
‫عن عبيد ال ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خير الصحابة أربعة ‪،‬‬
‫وخير السرايا أربعمائة ‪ ،‬وخير الجيوش أربعة آلف ‪ ،‬ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي (‪ )5‬ثم قال ‪ )6( :‬هذا حديث حسن غريب ‪ ،‬ل يسنده كبير أحد‬
‫غير جرير بن حازم ‪ ،‬وإنما روي عن الزهري ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم مرسل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد رواه ابن ماجه والبيهقي وغيره ‪ ،‬عن أكثم بن الجون ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫بنحوه (‪ )7‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد كانت وقعة ‪" :‬حُنين" بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة ‪ ،‬وذلك لما فرغ عليه‬
‫السلم (‪ )8‬من فتح مكة ‪ ،‬وتمهدت أمورها ‪ ،‬وأسلم عامة أهلها ‪ ،‬وأطلقهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فبلغه أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في د ‪" :‬ليعلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )1/294‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2611‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1555‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )2827‬وسنن البيهقي الكبرى (‪ )9/263‬من طريق أبي سلمة العاملي‬
‫عن الزهري عن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لكثم بن الجون ‪ ،‬فذكر نحو حديث‬
‫ابن عباس‪ .‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )2/412‬هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف أبي سلمة‬
‫العاملي الزدي وعبد الملك بن محمد الصنعاني"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬رسوله ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)4/125‬‬

‫هوازن جمعوا له ليقاتلوه ‪ ،‬وأن أميرهم مالك بن عوف ال ّنضْري ‪ ،‬ومعه ثقيف بكمالها ‪ ،‬وبنو‬
‫جُشم وبنو سعد بن بكر ‪ ،‬وأوزاع من بني هلل ‪ ،‬وهم قليل ‪ ،‬وناس من بني عمرو بن عامر ‪،‬‬
‫وعوف بن عامر ‪ ،‬وقد أقبلوا معهم النساء والولدان والشاء والنّعم ‪ ،‬وجاءوا ب َقضّهم وقَضِيضهم‬
‫فخرج إليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم في جيشه الذي جاء (‪ )1‬معه للفتح ‪ ،‬وهو عشرة‬
‫آلف من المهاجرين والنصار وقبائل العرب ‪ ،‬ومعه الذين أسلموا من أهل مكة ‪ ،‬وهم الطلقاء‬
‫في ألفين أيضا ‪ ،‬فسار بهم إلى العدو ‪ ،‬فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له "حنين" ‪ ،‬فكانت فيه‬
‫الوقعة في أول النهار في غلس الصبح ‪ ،‬انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن ‪ ،‬فلما‬
‫تواجهوا لم يشعر المسلمون إل بهم قد ثاوروهم (‪ )2‬ورشقوا بالنبال ‪ ،‬وأصلتوا السيوف ‪ ،‬وحملوا‬
‫حملة رجل واحد ‪ ،‬كما أمرهم ملكهم‪ .‬فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين ‪ ،‬كما قال ال ‪ ،‬عز وجل‬
‫(‪ )3‬وثبت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫العدو ‪ ،‬والعباس عمه آخذ بركابها اليمن ‪ ،‬وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها‬
‫اليسر ‪ ،‬يثقلنها لئل تسرع السير ‪ ،‬وهو ينوه باسمه ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ويدعو المسلمين‬
‫إلى الرجعة [ويقول] (‪ " : )4‬أين يا عباد ال ؟ إليّ أنا رسول ال" ‪ ،‬ويقول في تلك الحال ‪:‬‬
‫أنا النبي ل كذب‪ ...‬أنا ابن عبد المطلب‪...‬‬
‫وثبت معه من أصحابه قريب من مائة ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬ثمانون ‪ ،‬فمنهم ‪ :‬أبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪،‬‬
‫رضي ال عنهما ‪ ،‬والعباس وعلي ‪ ،‬والفضل بن عباس ‪ ،‬وأبو سفيان بن الحارث ‪ ،‬وأيمن بن أم‬
‫أيمن ‪ ،‬وأسامة بن زيد ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬رضي ال عنهم ثم أمر صلى ال عليه وسلم عمه العباس ‪-‬‬
‫وكان جهير الصوت ‪ -‬أن ينادي بأعلى صوته ‪ :‬يا أصحاب الشجرة ‪ -‬يعني شجرة بيعة‬
‫الرضوان ‪ ،‬التي بايعه المسلمون من المهاجرين والنصار تحتها ‪ ،‬على أل يفروا عنه ‪ -‬فجعل‬
‫ينادي بهم ‪ :‬يا أصحاب السمرة (‪ )5‬ويقول تارة ‪ :‬يا أصحاب سورة البقرة ‪ ،‬فجعلوا يقولون ‪ :‬يا‬
‫لبيك ‪ ،‬يا لبيك ‪ ،‬وانعطف الناس فجعلوا يتراجعوا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى إن‬
‫الرجل منهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع ‪ ،‬لبس درعه ‪ ،‬ثم انحدر عنه ‪ ،‬وأرسله ‪ ،‬ورجع‬
‫بنفسه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فلما رجعت (‪ )6‬شرذمة منهم ‪ ،‬أمرهم عليه السلم (‬
‫‪ )7‬أن يصدقوا الحملة ‪ ،‬وأخذ قبضة من التراب بعدما دعا ربه واستنصره ‪ ،‬وقال ‪" :‬اللهم أنجز‬
‫لي ما وعدتني" ثم رمى القوم بها ‪ ،‬فما بقي إنسان منهم إل أصابه منها في عينيه وفمه ما شغله‬
‫عن القتال ‪ ،‬ثم انهزموا ‪ ،‬فاتبع (‪ )8‬المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون ‪ ،‬وما تراجع بقية الناس‬
‫إل والسارى مجدلة بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا يعلى بن عطاء ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫يسار أبي همام ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن الفهري ‪ -‬واسمه يزيد بن أسيد ‪ ،‬ويقال ‪ :‬يزيد بن أنيس ‪،‬‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي جاءوا" ‪ ،‬وفي د ‪" :‬الذين جاءوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بادروهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الشجرة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬اجتمعت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬واتبع"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/126‬‬

‫ويقال ‪ :‬كُرْز ‪ -‬قال ‪ :‬كنت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة حنين ‪ ،‬فسرنا في يوم‬
‫قائظ شديد الحر ‪ ،‬فنزلنا تحت ظلل الشجر ‪ ،‬فلما زالت الشمس لبست لمتي وركبت فرسي ‪،‬‬
‫فانطلقت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو في فسطاطه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬السلم عليك يا رسول‬
‫ال ورحمة ال ‪ ،‬حان الرواح ؟ فقال ‪" :‬أجل"‪ .‬فقال ‪" :‬يا بلل" فثار من تحت سمرة (‪ )1‬كأن ظله‬
‫ظل طائر ‪ ،‬فقال ‪ :‬لبيك وسعديك ‪ ،‬وأنا فداؤك (‪ )2‬فقال ‪" :‬أسرج لي فرسي"‪ .‬فأخرج سرجا دفتاه‬
‫من ليف ‪ ،‬ليس فيهما أش ٌر ول بَطَر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأسرج ‪ ،‬فركب وركبنا ‪ ،‬فصاففناهم عشيتنا وليلتنا ‪ ،‬فتشامت الخيلن ‪ ،‬فولى المسلمون‬
‫مدبرين ‪ ،‬كما قال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ُ ( :‬ث ّم وَلّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"يا عباد ال ‪ ،‬أنا عبد ال ورسوله" ‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬يا معشر المهاجرين ‪ ،‬أنا عبد ال ورسوله"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ثم اقتحم رسول ال صلى ال عليه وسلم عن فرسه (‪ )3‬فأخذ كفا من تراب ‪ ،‬فأخبرني الذي كان‬
‫أدنى إليه مني ‪ :‬أنه ضرب به وجوههم ‪ ،‬وقال ‪" :‬شاهت الوجوه"‪ .‬فهزمهم ال عز وجل‪ .‬قال‬
‫يعلى بن عطاء ‪ :‬فحدثني أبناؤهم ‪ ،‬عن آبائهم ‪ ،‬أنهم قالوا ‪ :‬لم يبق منا أحد إل امتلت عيناه وفمه‬
‫ترابا ‪ ،‬وسمعنا صلصلة بين السماء والرض ‪ ،‬كإمرار الحديد على الطست (‪ )4‬الجديد‪.‬‬
‫وهكذا رواه الحافظ البيهقي في "دلئل النبوة" من حديث أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن حماد بن سلمة‬
‫به (‪)5‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن جابر ‪ ،‬عن أبيه‬
‫جابر عن عبد ال قال ‪ :‬فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين ‪ ،‬فسبق رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إليه ‪ ،‬فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأحنائه ‪ ،‬وأقبل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وأصحابه ‪ ،‬حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح ‪ ،‬فلما انحط الناس ثارت في وجوههم‬
‫الخيل ‪ ،‬فاشتدت عليهم ‪ ،‬وانكفأ الناس منهزمين ‪ ،‬ل ُيقْبِل أحد عن أحد ‪ ،‬وانحاز رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ذات اليمين يقول ‪" :‬أيها الناس (‪ )6‬هلموا إليّ أنا رسول ال ‪ ،‬أنا رسول ال ‪ ،‬أنا‬
‫محمد بن عبد ال" فل شيء ‪ ،‬وركبت البل بعضها بعضا (‪ )7‬فلما رأى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أمر الناس قال ‪" :‬يا عباس ‪ ،‬اصرخ ‪ :‬يا معشر النصار ‪ ،‬يا أصحاب السمرة"‪.‬‬
‫فأجابوه ‪ :‬لبيك ‪ ،‬لبيك ‪ ،‬فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره ‪ ،‬فل يقدر على ذلك ‪ ،‬فيقذف درعه‬
‫في عنقه ‪ ،‬ويأخذ سيفه وقوسه ‪ ،‬ثم َيؤُمّ الصوت ‪ ،‬حتى اجتمع إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم منهم مائة ‪ ،‬فاستعرض الناسُ فاقتتلوا ‪ ،‬وكانت الدعوة أول ما كانت بالنصار ‪ ،‬ثم جعلت‬
‫آخرًا بالخزرج (‪ )8‬وكانوا صُبُرًا عند الحرب ‪ ،‬وأشرف رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫ركائبه (‪ )9‬فنظر إلى مُجتَلَد القوم ‪ ،‬فقال ‪" :‬الن حمي الوَطيس" ‪ :‬قال ‪ :‬فوال ما راجعه الناس‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إل والسارى عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ملقَون ‪ ،‬فقتل ال منهم من قتل ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬شجرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬فداك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬قرب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الطشت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )5/286‬ودلئل النبوة (‪.)5/141‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬يأيها الناس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ك ‪" :‬بعض"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬بالخروج"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬ركابه"‪.‬‬

‫( ‪)4/127‬‬

‫وانهزم منهم من انهزم ‪ ،‬وأفاء ال على رسوله أموالهم وأبناءهم‪.‬‬


‫وفي الصحيحين من حديث شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن البراء بن عازب ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪،‬‬
‫أنه قال له رجل ‪ :‬يا أبا عمارة ‪ ،‬أفررتم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حمَلنا‬
‫لكن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يفرّ ‪ ،‬إن هوازن كانوا قوما ُرمَاة ‪ ،‬فلما لقيناهم و َ‬
‫عليهم انهزموا ‪ ،‬فأقبل الناس على الغنائم ‪ ،‬فاستقبلونا بالسهام ‪ ،‬فانهزم الناس ‪ ،‬فلقد رأيت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجام بغلة رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫البيضاء ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫أنا النبي ل كذب‪ ...‬أنا ابن عبد المطلب (‪)1‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامة ‪ ،‬إنه في مثل هذا اليوم في حَومة الوَغَى ‪ ،‬وقد‬
‫انكشف عنه جيشه ‪ ،‬هو مع ذلك (‪ )2‬على بغلة وليست سريعة الجري ‪ ،‬ول تصلح لك ّر ول لفرّ‬
‫ول لهرب ‪ ،‬وهو مع هذا (‪ )3‬أيضًا يركضها إلى وجوههم وينوّه باسمه ليعرفه من لم يعرفه ‪،‬‬
‫صلوات ال وسلمه عليه دائمًا إلى يوم الدين ‪ ،‬وما هذا كله إل ثقة بال ‪ ،‬وتوكل عليه ‪ ،‬وعلمًا‬
‫منه بأنه سينصره ‪ ،‬ويتم ما أرسله به ‪ ،‬ويظهر دينه على سائر الديان ؛ ولهذا قال تعالى ‪ُ ( :‬ثمّ‬
‫سكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ ) أي ‪ :‬طمأنينته وثباته على رسوله ‪ ( ،‬وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ) أي ‪:‬‬
‫أَنزلَ اللّهُ َ‬
‫الذين معه ‪ ( ،‬وَأَنزلَ جُنُودًا َلمْ تَ َروْهَا ) وهم الملئكة ‪ ،‬كما قال المام أبو جعفر بن جرير ‪:‬‬
‫[حدثنا القاسم قال] (‪ )4‬حدثني الحسن بن عرفة قال ‪ :‬حدثني المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن عوف ‪-‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هو ابن أبي جميلة العرابي ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت عبد الرحمن مولى ابن بُرْثُن ‪ ،‬حدثني رجل كان مع‬
‫المشركين يوم حنين قال ‪ :‬لما التقينا نحن وأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين (‬
‫‪ )5‬لم يقوموا لنا حَلَب شاة ‪ -‬قال ‪ :‬فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم ‪ ،‬حتى انتهينا إلى‬
‫صاحب البغلة البيضاء ‪ ،‬فإذا هو رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬فتلقانا عنده رجال بيض‬
‫حسان الوجوه ‪ ،‬فقالوا لنا ‪ :‬شاهت الوجوه ‪ ،‬ارجعوا‪ .‬قال ‪ :‬فانهزمنا ‪ ،‬وركبوا أكتافنا ‪ ،‬فكانت‬
‫إياها‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أنبأنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬حدثني محمد بن أحمد بن بَالُويَه ‪،‬‬
‫حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي (‪ )6‬حدثنا عفان بن مسلم ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا‬
‫حصِيرة ‪ ،‬حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال‬
‫الحارث بن َ‬
‫عنه ‪ :‬كنت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حُنين ‪ ،‬فولى عنه الناس ‪ ،‬وبقيتُ معه في‬
‫ثمانين رجل من المهاجرين والنصار ‪ ،‬قدمنا ولم نولهم الدبر ‪ ،‬وهم الذين أنزل ال عليهم‬
‫السكينة‪ .‬قال ‪ :‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم على بغلته يمضي ُقدُما ‪ ،‬فحادَت بغلته ‪ ،‬فمال‬
‫عن السرج ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ارتفع رفعك ال‪ .‬قال ‪" :‬ناولني كفًا من التراب"‪ .‬فناولته ‪ ،‬قال ‪ :‬فضرب به‬
‫وجوههم ‪ ،‬فامتلت أعينهم ترابًا ‪ ،‬قال ‪" :‬أين‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )2864‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1776‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وهو مع هذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬ذلك"‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يوم حنين في آثارهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪" :‬الجرمي"‪.‬‬

‫( ‪)4/128‬‬

‫المهاجرون (‪ )1‬والنصار ؟" قلت ‪ :‬هم هناك‪ .‬قال ‪" :‬اهتف بهم"‪ .‬فهتفت بهم ‪ ،‬فجاءوا وسيوفهم‬
‫بأيمانهم ‪ ،‬كأنها (‪ )2‬الشهب ‪ ،‬وولى المشركون أدبارهم‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد في مسنده عن عفان ‪ ،‬به نحوه (‪)3‬‬
‫عكْرِمة مولى ابن‬
‫وقال الوليد بن مسلم ‪ :‬حدثني عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن أبي بكر الهُذلي ‪ ،‬عن ِ‬
‫عباس ‪ ،‬عن شيبة بن عثمان قال ‪ :‬لما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين قد عَرى ‪،‬‬
‫ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما ‪ ،‬فقلت ‪ :‬اليوم أدرك ثأري منه ‪ -‬قال ‪ :‬فذهبت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لجيئه عن يمينه ‪ ،‬فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائمًا ‪ ،‬عليه درع بيضاء كأنها فضة ‪ ،‬يكشف‬
‫عمّه ولن يخذله ‪ -‬قال ‪ :‬فجئته (‪ )4‬عن يساره ‪ ،‬فإذا أنا بأبي سفيان بن‬
‫عنها العجاج ‪ ،‬فقلت ‪َ :‬‬
‫سوّره‬
‫الحارث بن عبد المطلب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ابن عمه ولن يخذله‪ .‬فجئته من خلفه ‪ ،‬فلم يبق إل أن أ َ‬
‫حشَني ‪ ،‬فوضعت‬
‫شوَاظ من نار بيني وبينه ‪ ،‬كأنه برق ‪ ،‬فخفت أن َتمْ َ‬
‫سورة بالسيف ‪ ،‬إذ رفع لي ُ‬
‫يدي على بصري ومشيت القهقري ‪ ،‬فالتفت رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ‪" :‬يا شيبَ ‪ ،‬يا‬
‫شيب (‪ )5‬ادن مني (‪ )6‬اللهم أذهب عنه الشيطان"‪ .‬قال ‪ :‬فرفعت إليه بصري ‪ ،‬ولهو أحب إلي‬
‫من سمعي وبصري ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا شيب (‪ )7‬قاتل الكفار"‪.‬‬
‫رواه البيهقي من حديث الوليد ‪ ،‬فذكره (‪ )8‬ثم روى من حديث أيوب بن جابر ‪ ،‬عن صدقة بن‬
‫سعيد ‪ ،‬عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال ‪ :‬خرجت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين‬
‫‪ ،‬وال ما أخرجني إسلم ول معرفة به ‪ ،‬ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ‪ ،‬فقلت وأنا‬
‫واقف معه ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني أرى خيل بُلقا ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا شيبة ‪ ،‬إنه ل يراها إل كافر"‪ .‬فضرب‬
‫بيده في (‪ )9‬صدري ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اهد شيبة" ‪ ،‬ثم ضربها الثانية ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اهد‬
‫شيبة" ‪ ،‬ثم ضربها الثالثة ثم قال ‪" :‬اللهم اهد شيبة"‪ .‬قال ‪ :‬فوال ما رفع يده عن صدري في الثالثة‬
‫حتى ما كان أحد من خلق ال أحب إليّ منه ‪ ،‬وذكر تمام الحديث ‪ ،‬في التقاء الناس وانهزام‬
‫المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى هزم ال المشركين (‪)10‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني والدي إسحاق بن يَسَار ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن جُبَير بن مطعم ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إنا لمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين ‪ ،‬والناس يقتتلون ‪ ،‬إذ‬
‫نظرت إلى مثل البِجَاد السود يهوي من السماء ‪ ،‬حتى وقع بيننا وبين القوم ‪ ،‬فإذا نمل منثور قد‬
‫مل الوادي ‪ ،‬فلم يكن إل هزيمة القوم ‪ ،‬فما كنا نشك أنها الملئكة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬المهاجرين" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬كأنهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬دلئل النبوة (‪ )5/142‬والمسند (‪.)1/454‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ثم جئته"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬يا شبيب يا شبيب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬ادن مني يا شيب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬يا شبيب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)5/145‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يده على"‪.‬‬
‫(‪ )10‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)5/146‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/129‬‬

‫سوَائي ‪ -‬وكان شهد‬


‫وقال سعيد بن السائب بن يسار ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت يزيد بن عامر ال ّ‬
‫حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد ‪ -‬فكنا نسأله عن الرعب الذي ألقى ال في قلوب المشركين يوم‬
‫حنين ‪ ،‬فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطّسْت (‪ )1‬فيطنّ ‪ ،‬فيقول (‪ )2‬كنا نجد في أجوافنا مثل‬
‫هذا‪.‬‬
‫وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد (‪ )3‬فال أعلم‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن محمد بن رافع ‪ ،‬عن عبد الرزاق أنبأنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن َهمّام قال ‪ :‬هذا ما‬
‫حدثنا أبو هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نصرت بالرعب ‪ ،‬وأوتيت جوامع‬
‫الكلم" (‪)4‬‬
‫ن وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَ َروْهَا‬
‫علَى َرسُولِ ِه وَعَلَى ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫سكِينَتَهُ َ‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ ( :‬ثُمّ أَنزلَ اللّهُ َ‬
‫وَعَ ّذبَ الّذِينَ َكفَرُوا وَذَِلكَ جَزَاءُ ا ْلكَافِرِينَ ) (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الطشت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ثم يقول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أسد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)523‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فأنزل" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/130‬‬

‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪)27‬‬


‫علَى مَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ َ‬
‫ثُمّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ َ‬

‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪} )27‬‬


‫{ ُثمّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ عَلَى مَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ َ‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬هذه أول آية نزلت من [سورة] (‪" )1‬براءة"‪.‬‬
‫يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم‬
‫مع رسوله (‪ )2‬وأن ذلك من عنده تعالى ‪ ،‬وبتأييده وتقديره ‪ ،‬ل بعَددهم ول بعُددهم ونبههم على‬
‫أن النصر من عنده ‪ ،‬سواء قل الجمع أو كثر ‪ ،‬فإن يوم حُنين أعجبتهم كثرتهم ‪ ،‬ومع هذا ما‬
‫أجدى ذلك عنهم شيئا فولوا مدبرين إل القليل منهم مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ثم أنزل‬
‫[ال] (‪ )3‬نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه ‪ ،‬كما سنبينه إن شاء ال تعالى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مفصل ليعلمهم (‪ )4‬أن النصر من عنده تعالى وحده وبإمداده وإن قل الجمع ‪ ،‬فكم من فئة قليلة‬
‫غلبت فئة كثيرة بإذن ال ‪ ،‬وال مع الصابرين‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وهب بن جرير ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬سمعت يونس يحدث عن الزهري ‪،‬‬
‫عن عبيد ال ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خير الصحابة أربعة ‪،‬‬
‫وخير السرايا أربعمائة ‪ ،‬وخير الجيوش أربعة آلف ‪ ،‬ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي (‪ )5‬ثم قال ‪ )6( :‬هذا حديث حسن غريب ‪ ،‬ل يسنده كبير أحد‬
‫غير جرير بن حازم ‪ ،‬وإنما روي عن الزهري ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم مرسل‪.‬‬
‫وقد رواه ابن ماجه والبيهقي وغيره ‪ ،‬عن أكثم بن الجون ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫بنحوه (‪ )7‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد كانت وقعة ‪" :‬حُنين" بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة ‪ ،‬وذلك لما فرغ عليه‬
‫السلم (‪ )8‬من فتح مكة ‪ ،‬وتمهدت أمورها ‪ ،‬وأسلم عامة أهلها ‪ ،‬وأطلقهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فبلغه أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في د ‪" :‬ليعلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )1/294‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2611‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1555‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )2827‬وسنن البيهقي الكبرى (‪ )9/263‬من طريق أبي سلمة العاملي‬
‫عن الزهري عن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لكثم بن الجون ‪ ،‬فذكر نحو حديث‬
‫ابن عباس‪ .‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )2/412‬هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف أبي سلمة‬
‫العاملي الزدي وعبد الملك بن محمد الصنعاني"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬رسوله ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)4/130‬‬

‫هوازن جمعوا له ليقاتلوه ‪ ،‬وأن أميرهم مالك بن عوف ال ّنضْري ‪ ،‬ومعه ثقيف بكمالها ‪ ،‬وبنو‬
‫جُشم وبنو سعد بن بكر ‪ ،‬وأوزاع من بني هلل ‪ ،‬وهم قليل ‪ ،‬وناس من بني عمرو بن عامر ‪،‬‬
‫وعوف بن عامر ‪ ،‬وقد أقبلوا معهم النساء والولدان والشاء والنّعم ‪ ،‬وجاءوا ب َقضّهم وقَضِيضهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فخرج إليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم في جيشه الذي جاء (‪ )1‬معه للفتح ‪ ،‬وهو عشرة‬
‫آلف من المهاجرين والنصار وقبائل العرب ‪ ،‬ومعه الذين أسلموا من أهل مكة ‪ ،‬وهم الطلقاء‬
‫في ألفين أيضا ‪ ،‬فسار بهم إلى العدو ‪ ،‬فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له "حنين" ‪ ،‬فكانت فيه‬
‫الوقعة في أول النهار في غلس الصبح ‪ ،‬انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن ‪ ،‬فلما‬
‫تواجهوا لم يشعر المسلمون إل بهم قد ثاوروهم (‪ )2‬ورشقوا بالنبال ‪ ،‬وأصلتوا السيوف ‪ ،‬وحملوا‬
‫حملة رجل واحد ‪ ،‬كما أمرهم ملكهم‪ .‬فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين ‪ ،‬كما قال ال ‪ ،‬عز وجل‬
‫(‪ )3‬وثبت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحر‬
‫العدو ‪ ،‬والعباس عمه آخذ بركابها اليمن ‪ ،‬وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها‬
‫اليسر ‪ ،‬يثقلنها لئل تسرع السير ‪ ،‬وهو ينوه باسمه ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ويدعو المسلمين‬
‫إلى الرجعة [ويقول] (‪ )4‬أين يا عباد ال ؟ إليّ أنا رسول ال" ‪ ،‬ويقول في تلك الحال ‪:‬‬
‫أنا النبي ل كذب‪ ...‬أنا ابن عبد المطلب‪...‬‬
‫وثبت معه من أصحابه قريب من مائة ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬ثمانون ‪ ،‬فمنهم ‪ :‬أبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪،‬‬
‫رضي ال عنهما ‪ ،‬والعباس وعلي ‪ ،‬والفضل بن عباس ‪ ،‬وأبو سفيان بن الحارث ‪ ،‬وأيمن بن أم‬
‫أيمن ‪ ،‬وأسامة بن زيد ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬رضي ال عنهم ثم أمر صلى ال عليه وسلم عمه العباس ‪-‬‬
‫وكان جهير الصوت ‪ -‬أن ينادي بأعلى صوته ‪ :‬يا أصحاب الشجرة ‪ -‬يعني شجرة بيعة‬
‫الرضوان ‪ ،‬التي بايعه المسلمون من المهاجرين والنصار تحتها ‪ ،‬على أل يفروا عنه ‪ -‬فجعل‬
‫ينادي بهم ‪ :‬يا أصحاب السمرة (‪ )5‬ويقول تارة ‪ :‬يا أصحاب سورة البقرة ‪ ،‬فجعلوا يقولون ‪ :‬يا‬
‫لبيك ‪ ،‬يا لبيك ‪ ،‬وانعطف الناس فجعلوا يتراجعوا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى إن‬
‫الرجل منهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع ‪ ،‬لبس درعه ‪ ،‬ثم انحدر عنه ‪ ،‬وأرسله ‪ ،‬ورجع‬
‫بنفسه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فلما رجعت (‪ )6‬شرذمة منهم ‪ ،‬أمرهم عليه السلم (‬
‫‪ )7‬أن يصدقوا الحملة ‪ ،‬وأخذ قبضة من التراب بعدما دعا ربه واستنصره ‪ ،‬وقال ‪" :‬اللهم أنجز‬
‫لي ما وعدتني" ثم رمى القوم بها ‪ ،‬فما بقي إنسان منهم إل أصابه منها في عينيه وفمه ما شغله‬
‫عن القتال ‪ ،‬ثم انهزموا ‪ ،‬فاتبع (‪ )8‬المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون ‪ ،‬وما تراجع بقية الناس‬
‫إل والسارى مجدلة بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا يعلى بن عطاء ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫يسار أبي همام ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن الفهري ‪ -‬واسمه يزيد بن أسيد ‪ ،‬ويقال ‪ :‬يزيد بن أنيس ‪،‬‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي جاءوا" ‪ ،‬وفي د ‪" :‬الذين جاءوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بادروهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الشجرة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬اجتمعت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬واتبع"‪.‬‬

‫( ‪)4/126‬‬

‫ويقال ‪ :‬كُرْز ‪ -‬قال ‪ :‬كنت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة حنين ‪ ،‬فسرنا في يوم‬
‫قائظ شديد الحر ‪ ،‬فنزلنا تحت ظلل الشجر ‪ ،‬فلما زالت الشمس لبست لمتي وركبت فرسي ‪،‬‬
‫فانطلقت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو في فسطاطه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬السلم عليك يا رسول‬
‫ال ورحمة ال ‪ ،‬حان الرواح ؟ فقال ‪" :‬أجل"‪ .‬فقال ‪" :‬يا بلل" فثار من تحت سمرة (‪ )1‬كأن ظله‬
‫ظل طائر ‪ ،‬فقال ‪ :‬لبيك وسعديك ‪ ،‬وأنا فداؤك (‪ )2‬فقال ‪" :‬أسرج لي فرسي"‪ .‬فأخرج سرجا دفتاه‬
‫من ليف ‪ ،‬ليس فيهما أش ٌر ول بَطَر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأسرج ‪ ،‬فركب وركبنا ‪ ،‬فصاففناهم عشيتنا وليلتنا ‪ ،‬فتشامت الخيلن ‪ ،‬فولى المسلمون‬
‫مدبرين ‪ ،‬كما قال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬ثُ ّم وَلّيْ ُتمْ مُدْبِرِينَ } فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"يا عباد ال ‪ ،‬أنا عبد ال ورسوله" ‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬يا معشر المهاجرين ‪ ،‬أنا عبد ال ورسوله"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ثم اقتحم رسول ال صلى ال عليه وسلم عن فرسه (‪ )3‬فأخذ كفا من تراب ‪ ،‬فأخبرني الذي كان‬
‫أدنى إليه مني ‪ :‬أنه ضرب به وجوههم ‪ ،‬وقال ‪" :‬شاهت الوجوه"‪ .‬فهزمهم ال عز وجل‪ .‬قال‬
‫يعلى بن عطاء ‪ :‬فحدثني أبناؤهم ‪ ،‬عن آبائهم ‪ ،‬أنهم قالوا ‪ :‬لم يبق منا أحد إل امتلت عيناه وفمه‬
‫ترابا ‪ ،‬وسمعنا صلصلة بين السماء والرض ‪ ،‬كإمرار الحديد على الطست (‪ )4‬الجديد‪.‬‬
‫وهكذا رواه الحافظ البيهقي في "دلئل النبوة" من حديث أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن حماد بن سلمة‬
‫به (‪)5‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن جابر ‪ ،‬عن أبيه‬
‫جابر عن عبد ال قال ‪ :‬فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين ‪ ،‬فسبق رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إليه ‪ ،‬فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأحنائه ‪ ،‬وأقبل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وأصحابه ‪ ،‬حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح ‪ ،‬فلما انحط الناس ثارت في وجوههم‬
‫الخيل ‪ ،‬فاشتدت عليهم ‪ ،‬وانكفأ الناس منهزمين ‪ ،‬ل ُيقْبِل أحد عن أحد ‪ ،‬وانحاز رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ذات اليمين يقول ‪" :‬أيها الناس (‪ )6‬هلموا إليّ أنا رسول ال ‪ ،‬أنا رسول ال ‪ ،‬أنا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫محمد بن عبد ال" فل شيء ‪ ،‬وركبت البل بعضها بعضا (‪ )7‬فلما رأى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أمر الناس قال ‪" :‬يا عباس ‪ ،‬اصرخ ‪ :‬يا معشر النصار ‪ ،‬يا أصحاب السمرة"‪.‬‬
‫فأجابوه ‪ :‬لبيك ‪ ،‬لبيك ‪ ،‬فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره ‪ ،‬فل يقدر على ذلك ‪ ،‬فيقذف درعه‬
‫في عنقه ‪ ،‬ويأخذ سيفه وقوسه ‪ ،‬ثم َيؤُمّ الصوت ‪ ،‬حتى اجتمع إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم منهم مائة ‪ ،‬فاستعرض الناسُ فاقتتلوا ‪ ،‬وكانت الدعوة أول ما كانت بالنصار ‪ ،‬ثم جعلت‬
‫آخرًا بالخزرج (‪ )8‬وكانوا صُبُرًا عند الحرب ‪ ،‬وأشرف رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫ركائبه (‪ )9‬فنظر إلى مُجتَلَد القوم ‪ ،‬فقال ‪" :‬الن حمي الوَطيس" ‪ :‬قال ‪ :‬فوال ما راجعه الناس‬
‫إل والسارى عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ملقَون ‪ ،‬فقتل ال منهم من قتل ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬شجرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬فداك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬قرب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الطشت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )5/286‬ودلئل النبوة (‪.)5/141‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬يأيها الناس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ك ‪" :‬بعض"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬بالخروج"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬ركابه"‪.‬‬

‫( ‪)4/127‬‬

‫وانهزم منهم من انهزم ‪ ،‬وأفاء ال على رسوله أموالهم وأبناءهم‪.‬‬


‫وفي الصحيحين من حديث شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن البراء بن عازب ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪،‬‬
‫أنه قال له رجل ‪ :‬يا أبا عمارة ‪ ،‬أفررتم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حمَلنا‬
‫لكن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يفرّ ‪ ،‬إن هوازن كانوا قوما ُرمَاة ‪ ،‬فلما لقيناهم و َ‬
‫عليهم انهزموا ‪ ،‬فأقبل الناس على الغنائم ‪ ،‬فاستقبلونا بالسهام ‪ ،‬فانهزم الناس ‪ ،‬فلقد رأيت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجام بغلة رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫البيضاء ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫أنا النبي ل كذب‪ ...‬أنا ابن عبد المطلب (‪)1‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامة ‪ ،‬إنه في مثل هذا اليوم في حَومة الوَغَى ‪ ،‬وقد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫انكشف عنه جيشه ‪ ،‬هو مع ذلك (‪ )2‬على بغلة وليست سريعة الجري ‪ ،‬ول تصلح لك ّر ول لفرّ‬
‫ول لهرب ‪ ،‬وهو مع هذا (‪ )3‬أيضًا يركضها إلى وجوههم وينوّه باسمه ليعرفه من لم يعرفه ‪،‬‬
‫صلوات ال وسلمه عليه دائمًا إلى يوم الدين ‪ ،‬وما هذا كله إل ثقة بال ‪ ،‬وتوكل عليه ‪ ،‬وعلمًا‬
‫منه بأنه سينصره ‪ ،‬ويتم ما أرسله به ‪ ،‬ويظهر دينه على سائر الديان ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬ثُمّ‬
‫سكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ } أي ‪ :‬طمأنينته وثباته على رسوله ‪ { ،‬وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪:‬‬
‫أَنزلَ اللّهُ َ‬
‫الذين معه ‪ { ،‬وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَ َروْهَا } وهم الملئكة ‪ ،‬كما قال المام أبو جعفر بن جرير ‪:‬‬
‫[حدثنا القاسم قال] (‪ )4‬حدثني الحسن بن عرفة قال ‪ :‬حدثني المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن عوف ‪-‬‬
‫هو ابن أبي جميلة العرابي ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت عبد الرحمن مولى ابن بُرْثُن ‪ ،‬حدثني رجل كان مع‬
‫المشركين يوم حنين قال ‪ :‬لما التقينا نحن وأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين (‬
‫‪ )5‬لم يقوموا لنا حَلَب شاة ‪ -‬قال ‪ :‬فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم ‪ ،‬حتى انتهينا إلى‬
‫صاحب البغلة البيضاء ‪ ،‬فإذا هو رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬فتلقانا عنده رجال بيض‬
‫حسان الوجوه ‪ ،‬فقالوا لنا ‪ :‬شاهت الوجوه ‪ ،‬ارجعوا‪ .‬قال ‪ :‬فانهزمنا ‪ ،‬وركبوا أكتافنا ‪ ،‬فكانت‬
‫إياها‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أنبأنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬حدثني محمد بن أحمد بن بَالُويَه ‪،‬‬
‫حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي (‪ )6‬حدثنا عفان بن مسلم ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا‬
‫حصِيرة ‪ ،‬حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال‬
‫الحارث بن َ‬
‫عنه ‪ :‬كنت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حُنين ‪ ،‬فولى عنه الناس ‪ ،‬وبقيتُ معه في‬
‫ثمانين رجل من المهاجرين والنصار ‪ ،‬قدمنا ولم نولهم الدبر ‪ ،‬وهم الذين أنزل ال عليهم‬
‫السكينة‪ .‬قال ‪ :‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم على بغلته يمضي ُقدُما ‪ ،‬فحادَت بغلته ‪ ،‬فمال‬
‫عن السرج ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ارتفع رفعك ال‪ .‬قال ‪" :‬ناولني كفًا من التراب"‪ .‬فناولته ‪ ،‬قال ‪ :‬فضرب به‬
‫وجوههم ‪ ،‬فامتلت أعينهم ترابًا ‪ ،‬قال ‪" :‬أين‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )2864‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1776‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وهو مع هذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬ذلك"‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يوم حنين في آثارهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪" :‬الجرمي"‪.‬‬

‫( ‪)4/128‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المهاجرون (‪ )1‬والنصار ؟" قلت ‪ :‬هم هناك‪ .‬قال ‪" :‬اهتف بهم"‪ .‬فهتفت بهم ‪ ،‬فجاءوا وسيوفهم‬
‫بأيمانهم ‪ ،‬كأنها (‪ )2‬الشهب ‪ ،‬وولى المشركون أدبارهم‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد في مسنده عن عفان ‪ ،‬به نحوه (‪)3‬‬
‫عكْرِمة مولى ابن‬
‫وقال الوليد بن مسلم ‪ :‬حدثني عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن أبي بكر الهُذلي ‪ ،‬عن ِ‬
‫عباس ‪ ،‬عن شيبة بن عثمان قال ‪ :‬لما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين قد عَرى ‪،‬‬
‫ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما ‪ ،‬فقلت ‪ :‬اليوم أدرك ثأري منه ‪ -‬قال ‪ :‬فذهبت‬
‫لجيئه عن يمينه ‪ ،‬فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائمًا ‪ ،‬عليه درع بيضاء كأنها فضة ‪ ،‬يكشف‬
‫عمّه ولن يخذله ‪ -‬قال ‪ :‬فجئته (‪ )4‬عن يساره ‪ ،‬فإذا أنا بأبي سفيان بن‬
‫عنها العجاج ‪ ،‬فقلت ‪َ :‬‬
‫سوّره‬
‫الحارث بن عبد المطلب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ابن عمه ولن يخذله‪ .‬فجئته من خلفه ‪ ،‬فلم يبق إل أن أ َ‬
‫حشَني ‪ ،‬فوضعت‬
‫شوَاظ من نار بيني وبينه ‪ ،‬كأنه برق ‪ ،‬فخفت أن َتمْ َ‬
‫سورة بالسيف ‪ ،‬إذ رفع لي ُ‬
‫يدي على بصري ومشيت القهقري ‪ ،‬فالتفت رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ‪" :‬يا شيبَ ‪ ،‬يا‬
‫شيب (‪ )5‬ادن مني (‪ )6‬اللهم أذهب عنه الشيطان"‪ .‬قال ‪ :‬فرفعت إليه بصري ‪ ،‬ولهو أحب إلي‬
‫من سمعي وبصري ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا شيب (‪ )7‬قاتل الكفار"‪.‬‬
‫رواه البيهقي من حديث الوليد ‪ ،‬فذكره (‪ )8‬ثم روى من حديث أيوب بن جابر ‪ ،‬عن صدقة بن‬
‫سعيد ‪ ،‬عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال ‪ :‬خرجت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين‬
‫‪ ،‬وال ما أخرجني إسلم ول معرفة به ‪ ،‬ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ‪ ،‬فقلت وأنا‬
‫واقف معه ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني أرى خيل بُلقا ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا شيبة ‪ ،‬إنه ل يراها إل كافر"‪ .‬فضرب‬
‫بيده في (‪ )9‬صدري ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اهد شيبة" ‪ ،‬ثم ضربها الثانية ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اهد‬
‫شيبة" ‪ ،‬ثم ضربها الثالثة ثم قال ‪" :‬اللهم اهد شيبة"‪ .‬قال ‪ :‬فوال ما رفع يده عن صدري في الثالثة‬
‫حتى ما كان أحد من خلق ال أحب إليّ منه ‪ ،‬وذكر تمام الحديث ‪ ،‬في التقاء الناس وانهزام‬
‫المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى هزم ال المشركين (‪)10‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني والدي إسحاق بن يَسَار ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن جُبَير بن مطعم ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إنا لمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين ‪ ،‬والناس يقتتلون ‪ ،‬إذ‬
‫نظرت إلى مثل البِجَاد السود يهوي من السماء ‪ ،‬حتى وقع بيننا وبين القوم ‪ ،‬فإذا نمل منثور قد‬
‫مل الوادي ‪ ،‬فلم يكن إل هزيمة القوم ‪ ،‬فما كنا نشك أنها الملئكة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬المهاجرين" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬كأنهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬دلئل النبوة (‪ )5/142‬والمسند (‪.)1/454‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ثم جئته"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬يا شبيب يا شبيب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في د ‪" :‬ادن مني يا شيب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬يا شبيب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)5/145‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يده على"‪.‬‬
‫(‪ )10‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)5/146‬‬

‫( ‪)4/129‬‬

‫خفْتُمْ عَيَْلةً‬
‫جدَ الْحَرَامَ َبعْدَ عَا ِمهِمْ هَذَا وَإِنْ ِ‬
‫جسٌ فَلَا َيقْرَبُوا ا ْلمَسْ ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِ ّنمَا ا ْلمُشْ ِركُونَ نَ َ‬
‫حكِيمٌ (‪ )28‬قَاتِلُوا الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَلَا‬
‫س ْوفَ ُيغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ َ‬
‫فَ َ‬
‫حقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ حَتّى‬
‫بِالْ َيوْمِ الَْآخِ ِر وَلَا يُحَ ّرمُونَ مَا حَرّمَ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْ َ‬
‫ُيعْطُوا ا ْلجِزْيَةَ عَنْ َي ٍد وَهُ ْم صَاغِرُونَ (‪)29‬‬

‫سوَائي ‪ -‬وكان شهد‬


‫وقال سعيد بن السائب بن يسار ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت يزيد بن عامر ال ّ‬
‫حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد ‪ -‬فكنا نسأله عن الرعب الذي ألقى ال في قلوب المشركين يوم‬
‫حنين ‪ ،‬فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطّسْت (‪ )1‬فيطنّ ‪ ،‬فيقول (‪ )2‬كنا نجد في أجوافنا مثل‬
‫هذا‪.‬‬
‫وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد (‪ )3‬فال أعلم‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن محمد بن رافع ‪ ،‬عن عبد الرزاق أنبأنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن َهمّام قال ‪ :‬هذا ما‬
‫حدثنا أبو هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نصرت بالرعب ‪ ،‬وأوتيت جوامع‬
‫الكلم" (‪)4‬‬
‫سكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِ ِه وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَ َروْهَا‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬ثُمّ أَنزلَ اللّهُ َ‬
‫وَعَ ّذبَ الّذِينَ َكفَرُوا وَذَِلكَ جَزَاءُ ا ْلكَافِرِينَ } (‪)5‬‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ } قد تاب ال على بقية‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ َ‬
‫جعِرّانة ‪ ،‬وذلك بعد الوقعة‬
‫هوازن ‪ ،‬وأسلموا وقدموا عليه مسلمين ‪ ،‬ولحقوه وقد قارب مكة عند ال ِ‬
‫بقريب من عشرين يوما ‪ ،‬فعند ذلك خَيّرهم بين سبيهم وبين أموالهم ‪ ،‬فاختاروا سبيهم ‪ ،‬وكانوا‬
‫ستة آلف أسير ما بين صبي وامرأة ‪ ،‬فرده عليهم ‪ ،‬وقسم أموالهم بين الغانمين ‪ ،‬ونفل أناسا من‬
‫الطلقاء ليتألف قلوبهم على السلم ‪ ،‬فأعطاهم مائةً مائةً من البل ‪ ،‬وكان من جملة من أعطي‬
‫مائة مالك بن عوف ال ّنضْري ‪ ،‬واستعمله على قومه كما كان ‪ ،‬فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمّد‪...‬‬
‫ت ول سَمعتُ بمثْلِه‪ ...‬في النّاس كُلّهم بمثل ُم َ‬
‫ما إنْ رَأي ُ‬
‫عمّا في غَد‪...‬‬
‫أ ْوفَى وأعْطَى للجزيل إذا اجتُدى‪ ...‬ومَتى َتشَأ يُخْب ْركَ َ‬
‫ي َوضَرْب ُكلّ ُمهَنّد‪...‬‬
‫س ْمهَر ّ‬
‫وإذَا الكتيبة عَرّ َدتْ أنيابُها‪ ...‬بال ّ‬
‫َفكَأنّه ليث على أشْبَاله‪ ...‬وسط الهَبَاءة (‪ )6‬خَادر في مَ ْرصَد‬
‫خفْتُمْ‬
‫سجِدَ ا ْلحَرَامَ َبعْدَ عَا ِمهِمْ َهذَا وَإِنْ ِ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِ ّنمَا ا ْلمُشْ ِركُونَ نَجَسٌ فَل َيقْرَبُوا ا ْلمَ ْ‬
‫حكِيمٌ (‪ )28‬قَاتِلُوا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ‬
‫سوْفَ ُيغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ َ‬
‫عَيْلَةً َف َ‬
‫حقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ‬
‫وَل بِالْ َيوْ ِم الخِ ِر وَل ُيحَ ّرمُونَ مَا حَرّمَ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه وَل يَدِينُونَ دِينَ الْ َ‬
‫حَتّى ُيعْطُوا ا ْلجِزْيَةَ عَنْ يَ ٍد وَهُمْ صَاغِرُونَ (‪} )29‬‬
‫أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين دينًا وذاتًا بنفي المشركين ‪ ،‬الذين هم نَجَس دينًا ‪ ،‬عن المسجد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الطشت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ثم يقول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أسد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)523‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فأنزل" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬المياه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬المناة"‪.‬‬

‫( ‪)4/130‬‬

‫الحرام ‪ ،‬وأل يقربوه بعد نزول هذه الية‪ .‬وكان نزولها في سنة تسع ؛ ولهذا بعث رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عليا صحبة أبي بكر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬عامئذ ‪ ،‬وأمره أن ينادي في‬
‫المشركين ‪ :‬أل يحج بعد العام مشرك ‪ ،‬ول يطوف (‪ )1‬بالبيت عريان‪ .‬فأتم ال ذلك ‪ ،‬وحكم به‬
‫شرعا وقدرا‪.‬‬
‫وقال عبد الرازق ‪ :‬أخبرنا ابن جُرَيْج ‪ ،‬أخبرني أبو الزبير ‪ ،‬أنه سمع جابر بن عبد ال يقول في‬
‫جدَ ا ْلحَرَامَ َب ْعدَ عَا ِمهِمْ َهذَا } إل أن يكون عبدًا‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا ا ْل ُمشْ ِركُونَ َنجَسٌ فَل َيقْرَبُوا ا ْلمَسْ ِ‬
‫‪ ،‬أو أحدا من أهل الذمة (‪)2‬‬
‫وقد روي مرفوعا من وجه آخر ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حُسَين (‪ )3‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن‬
‫سوّار ‪ -‬عن الحسن ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل‬
‫الشعث ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن َ‬
‫يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا مشرك ‪ ،‬إل أهل العهد وخدمهم (‪)5( " )4‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تفرد به أحمد مرفوعا ‪ ،‬والموقوف أصح إسنادا‪.‬‬
‫وقال المام أبو عمرو الوزاعي ‪ :‬كتب عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬أن امنعوا اليهود‬
‫والنصارى من دخول مساجد المسلمين ‪ ،‬وأتبع نهيه قول ال ‪ { :‬إِ ّنمَا ا ْل ُمشْ ِركُونَ َنجَسٌ }‬
‫سجِدَ ا ْلحَرَامَ َبعْدَ عَا ِمهِمْ َهذَا }‪.‬‬
‫وقال عطاء ‪ :‬الحرم كله مسجد ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فَل َيقْرَبُوا ا ْلمَ ْ‬
‫ودلت هذه الية الكريمة على نجاسة المشرك كما دلت [على طهارة المؤمن ‪ ،‬ولما] (‪ )6‬ورد في‬
‫[الحديث] (‪ )7‬الصحيح ‪" :‬المؤمن ل ينجس" (‪ )8‬وأما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس‬
‫البدن والذات ؛ لن ال تعالى أحل طعام أهل الكتاب ‪ ،‬وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم‪.‬‬
‫وقال أشعث ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬من صافحهم فليتوضأ‪ .‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫سوْفَ ُيغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ } قال ابن إسحاق ‪ :‬وذلك أن الناس قالوا ‪:‬‬
‫خفْتُمْ عَيْلَةً َف َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ ِ‬
‫لتنقطعن عنا السواق ‪ ،‬ولتهلكن (‪ )9‬التجارة وليذهبن ما كنا نصيب فيها من المرافق ‪ ،‬فنزلت (‬
‫سوْفَ ُيغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ } من وجه غير ذلك ‪ { -‬إِنْ شَاءَ } إلى قوله ‪:‬‬
‫خفْتُمْ عَيْلَةً َف َ‬
‫‪ { )10‬وَإِنْ ِ‬
‫{ وَ ُه ْم صَاغِرُونَ } أي ‪ :‬إن هذا عوض ما تخوفتم من قطع تلك السواق ‪ ،‬فعوضهم ال بما قطع‬
‫عنهم من أمر الشرك ‪ ،‬ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب ‪ ،‬من الجزية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يطوفن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/245‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬حسن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وخدمكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )3/392‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )4/10‬فيه أشعث بن سوار وفيه ضعف وقد‬
‫وثق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )283‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬ولفظه ‪" :‬إن المسلم ل‬
‫ينجس"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وليمكن"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فنزل"‪.‬‬

‫( ‪)4/131‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬وقتادة والضحاك ‪،‬‬
‫وهكذا رُوي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫حكِيم } أي ‪ :‬فيما يأمر به وينهى عنه ؛ لنه الكامل في‬
‫{ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ } أي ‪ :‬بما يصلحكم ‪َ { ،‬‬
‫أفعاله وأقواله ‪ ،‬العادل في خلقه وأمره ‪ ،‬تبارك وتعالى ؛ ولهذا عوضهم عن تلك المكاسب بأموال‬
‫الجزية التي يأخذونها من أهل الذمة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬قَاتِلُوا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَل بِالْ َيوْمِ الخِ ِر وَل‬
‫يُحَ ّرمُونَ مَا حَرّمَ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه وَل َيدِينُونَ دِينَ ا ْلحَقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ حَتّى ُيعْطُوا ا ْلجِزْيَةَ‬
‫عَنْ يَ ٍد وَ ُه ْم صَاغِرُونَ } فهم في نفس المر لما كفروا بمحمد صلى ال عليه وسلم (‪ )1‬لم يبق لهم‬
‫إيمان صحيح بأحد من الرسل ‪ ،‬ول بما جاءوا به ‪ ،‬وإنما يتبعون آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما‬
‫هم فيه ‪ ،‬ل لنه شرع ال ودينه ؛ لنهم لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيمانا صحيحا لقادهم ذلك‬
‫إلى اليمان بمحمد ‪ ،‬صلوات ال عليه ‪ ،‬لن جميع النبياء [القدمين] (‪ )2‬بشروا به ‪ ،‬وأمروا‬
‫باتباعه ‪ ،‬فلما جاء وكفروا (‪ )3‬به ‪ ،‬وهو أشرف الرسل ‪ ،‬عُلِم أنهم ليسوا متمسكين بشرع النبياء‬
‫القدمين لنه من عند ال ‪ ،‬بل لحظوظهم وأهوائهم ‪ ،‬فلهذا ل ينفعهم إيمانهم ببقية النبياء ‪ ،‬وقد‬
‫كفروا بسيدهم وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬قَاتِلُوا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَل بِالْ َي ْومِ‬
‫الخِ ِر وَل ُيحَ ّرمُونَ مَا حَرّمَ اللّ ُه وَرَسُوُل ُه وَل َيدِينُونَ دِينَ ا ْلحَقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ } وهذه‬
‫الية الكريمة [نزلت] (‪ )4‬أول المر بقتال أهل الكتاب ‪ ،‬بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل‬
‫الناس في دين ال أفواجا ‪ ،‬فلما استقامت (‪ )5‬جزيرة العرب أمر ال ورسوله بقتال أهل الكتابين‬
‫اليهود والنصارى ‪ ،‬وكان ذلك في سنة تسع ؛ ولهذا تجهز رسول ال صلى ال عليه وسلم لقتال‬
‫الروم ودعا الناس إلى ذلك ‪ ،‬وأظهره لهم ‪ ،‬وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم ‪،‬‬
‫فََأوْعَبوا معه ‪ ،‬واجتمع من المقاتلة (‪ )6‬نحو [من] (‪ )7‬ثلثين ألفا ‪ ،‬وتخلف بعضُ الناس من أهل‬
‫المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم ‪ ،‬وكان ذلك في عام جَدْب ‪ ،‬ووقت قَيْظ وحر ‪،‬‬
‫وخرج ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬يريد الشام لقتال الروم ‪ ،‬فبلغ تبوك ‪ ،‬فنزل بها وأقام على مائها (‪ )8‬قريبًا‬
‫من عشرين يومًا ‪ ،‬ثم استخار ال في الرجوع ‪ ،‬فرجع عامه ذلك لضيق الحال وضعف الناس ‪،‬‬
‫كما سيأتي بيانه بعد إن شاء ال‪.‬‬
‫وقد استدلّ بهذه الية الكريمة مَن يرى أنه ل تؤخذ الجزية إل من أهل الكتاب ‪ ،‬أو من أشباههم‬
‫كالمجوس ‪ ،‬لما (‪ )9‬صح فيهم الحديث أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذها من مجوس هجر‬
‫(‪ )10‬وهذا مذهب الشافعي ‪ ،‬وأحمد ‪ -‬في المشهور عنه ‪ -‬وقال أبو حنيفة ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬بل‬
‫تؤخذ من جميع العاجم ‪ ،‬سواء كانوا (‪ )11‬من أهل الكتاب أو من المشركين ‪ ،‬ول تؤخذ من‬
‫العرب إل من أهل الكتاب‪.‬‬
‫وقال المام مالك ‪ :‬بل يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتابيّ ‪ ،‬ومجوسي ‪ ،‬ووثني‬
‫‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فلما جاءوا كفروا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في جمع النسخ ‪" :‬واستقامت" ‪ ،‬وصوبناه ليستقيم النص‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪" :‬القابلة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في د ‪" :‬وأقام بها قريبا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في هـ ‪" :‬من هجر" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬من يهود هجر" والمثبت من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ك ‪" :‬سواء أن كانوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/132‬‬

‫وغير ذلك ‪ ،‬ولمأخذ هذه المذاهب وذكر أدلتها مكان غير هذا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬حَتّى ُي ْعطُوا الْجِزْ َيةَ } أي ‪ :‬إن لم يسلموا ‪ { ،‬عَنْ يَدٍ } أي ‪ :‬عن قهر لهم وغلبة ‪،‬‬
‫{ وَ ُه ْم صَاغِرُونَ } أي ‪ :‬ذليلون حقيرون مهانون‪ .‬فلهذا ل يجوز إعزاز أهل الذمة ول رفعهم‬
‫صغَرة أشقياء ‪ ،‬كما جاء في صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫على المسلمين ‪ ،‬بل هم أذلء َ‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل تبدءوا اليهود والنصارى بالسلم ‪ ،‬وإذا‬
‫لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" (‪)1‬‬
‫ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬تلك الشروط المعروفة في‬
‫إذللهم وتصغيرهم وتحقيرهم ‪ ،‬وذلك مما رواه الئمة الحفاظ ‪ ،‬من رواية (‪ )2‬عبد الرحمن بن‬
‫غَنْم الشعري قال ‪ :‬كتبت لعمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬حين صالح نصارى من أهل‬
‫الشام ‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬هذا كتاب لعبد ال عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا ‪،‬‬
‫إنكم لما قدمتم علينا سألناكم المان لنفسنا وذرارينا (‪ )3‬وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على‬
‫ص ْومَعة راهب ‪ ،‬ول‬
‫أنفسنا أل نحدث في مدينتنا ول فيما حولها ديرًا ول كنيسة ‪ ،‬ول قِلية ول َ‬
‫نجدد ما خرب منها ‪ ،‬ول نحيي منها ما كان خطط (‪ )4‬المسلمين ‪ ،‬وأل نمنع كنائسنا أن ينزلها‬
‫أحد من المسلمين في ليل ول نهار ‪ ،‬وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ‪ ،‬وأن ينزل من مر بنا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من المسلمين ثلثة أيام نطعمهم ‪ ،‬ول نأوي في كنائسنا ول منازلنا جاسوسًا ‪ ،‬ول نكتم غشًا‬
‫للمسلمين ‪ ،‬ول نعلم أولدنا القرآن ‪ ،‬ول نظهر شركا ‪ ،‬ول ندعو إليه أحدًا ؛ ول نمنع أحدًا من‬
‫ذوي قرابتنا الدخول في السلم إن أرادوه ‪ ،‬وأن نوقر المسلمين ‪ ،‬وأن نقوم لهم من مجالسنا إن‬
‫أرادوا الجلوس ‪ ،‬ول نتشبه بهم في شيء من ملبسهم ‪ ،‬في قلنسوة ‪ ،‬ول عمامة ‪ ،‬ول نعلين ‪،‬‬
‫ول فرق شعر ‪ ،‬ول نتكلم بكلمهم ‪ ،‬ول نكتني بكُنَاهم ‪ ،‬ول نركب السروج ‪ ،‬ول نتقلد السيوف ‪،‬‬
‫ول نتخذ شيئا من السلح ‪ ،‬ول نحمله معنا ‪ ،‬ول ننقش خواتيمنا بالعربية ‪ ،‬ول نبيع الخمور ‪،‬‬
‫وأن نجز مقاديم رءوسنا ‪ ،‬وأن نلزم زِينا حيثما كنا ‪ ،‬وأن نشد الزنانير على أوساطنا ‪ ،‬وأل نظهر‬
‫الصليب على كنائسنا ‪ ،‬وأل نظهر صلبنا ول كتبنا (‪ )5‬في شيء من طرق المسلمين ول‬
‫أسواقهم ‪ ،‬ول نضرب نواقيسنا في كنائسنا إل ضربا خفيا ‪ ،‬وأل نرفع أصواتنا بالقراءة في‬
‫كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين ‪ ،‬ول نخرج شعانين ول باعوثًا ‪ ،‬ول نرفع أصواتنا مع‬
‫موتانا ‪ ،‬ول نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ول أسواقهم ‪ ،‬ول نجاورهم بموتانا‬
‫‪ ،‬ول نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ‪ ،‬وأن نرشد المسلمين ‪ ،‬ول نطلع عليهم في‬
‫منازلهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)2167‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬حديث"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وذرياتنا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما كان في خطط"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬صليبا ول كساء"‪.‬‬

‫( ‪)4/133‬‬

‫َوقَاَلتِ الْ َيهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ َوقَالَتِ ال ّنصَارَى ا ْلمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَِلكَ َقوُْلهُمْ بَِأ ْفوَا ِههِمْ ُيضَاهِئُونَ َق ْولَ‬
‫خذُوا أَحْبَا َرهُ ْم وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ قَ ْبلُ قَاتََل ُهمُ اللّهُ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ (‪ )30‬اتّ َ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ (‪)31‬‬
‫وَا ْلمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ َومَا ُأمِرُوا إِلّا لِ َيعْ ُبدُوا إَِلهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ سُ ْبحَانَهُ َ‬

‫قال ‪ :‬فلما أتيت عمر بالكتاب ‪ ،‬زاد فيه ‪ :‬ول نضرب أحدًا من المسلمين ‪ ،‬شرطنا لكم ذلك على‬
‫ظفْنا على‬
‫أنفسنا وأهل ملتنا ‪ ،‬وقبلنا عليه المان ‪ ،‬فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم َووَ َ‬
‫أنفسنا ‪ ،‬فل ذمة لنا ‪ ،‬وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق‪.‬‬
‫{ َوقَاَلتِ الْ َيهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّ ِه َوقَاَلتِ ال ّنصَارَى ا ْلمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَِلكَ َقوُْلهُمْ بَِأ ْفوَا ِههِمْ ُيضَاهِئُونَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َقوْلَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ قَ ْبلُ قَاتََلهُمُ اللّهُ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ (‪ )30‬اتّخَذُوا َأحْبَارَهُمْ وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‬
‫حدًا ل إِلَهَ إِل ُهوَ سُبْحَانَهُ َ‬
‫اللّ ِه وَا ْلمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَ َم َومَا ُأمِرُوا إِل لِ َيعْبُدُوا إَِلهًا وَا ِ‬
‫‪} )31‬‬
‫وهذا إغراء من ال تعالى للمؤمنين على قتال المشركين الكفار من اليهود والنصارى ‪ ،‬لمقالتهم‬
‫هذه المقالة الشنيعة ‪ ،‬والفِرْية على ال تعالى ‪ ،‬فأما اليهود فقالوا في العُزَير ‪" :‬إنه ابن ال" ‪ ،‬تعالى‬
‫[ال] (‪ )1‬عن ذلك علوا كبيرا‪ .‬وذكر السدي وغيره أن الشبهة التي حصلت لهم في ذلك ‪ ،‬أن‬
‫العمالقة لما غلبت على بني إسرائيل ‪ ،‬فقتلوا علماءهم وسَبَوا كبارهم ‪ ،‬بقي العزير يبكي على بني‬
‫إسرائيل وذهاب العلم منهم ‪ ،‬حتى سقطت جفون عينيه ‪ ،‬فبينا هو ذات يوم إذ مَرّ على جبانة ‪،‬‬
‫وإذ (‪ )2‬امرأة تبكي عند قبر وهي تقول ‪ :‬وامطعماه! واكاسياه! [فقال لها ويحك] (‪ )3‬من كان‬
‫يطعمك قبل هذا ؟ قالت ‪ :‬ال‪ .‬قال ‪ :‬فإن ال حي ل يموت! قالت ‪ :‬يا عزير فمن كان يُعلم العلماء‬
‫قبل بني إسرائيل ؟ قال ‪ :‬ال‪ .‬قالت ‪ :‬فلم تبكي عليهم ؟ فعرف أنه شيء قد وُعظ به‪ .‬ثم قيل له ‪:‬‬
‫صلّ هناك ركعتين ‪ ،‬فإنك ستلقى هناك شيخا ‪ ،‬فما أطعمك‬
‫اذهب إلى نهر كذا فاغتسل منه ‪ ،‬و َ‬
‫فكله‪ .‬فذهب ففعل ما أمر به ‪ ،‬فإذا شيخ فقال له ‪ :‬افتح فمك‪ .‬ففتح فمه‪ .‬فألقى فيه شيئًا كهيئة‬
‫الجمرة العظيمة ‪ ،‬ثلث مرات ‪ ،‬فرجع عُزَير وهو من أعلم الناس بالتوراة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬قد جئتكم بالتوراة‪ .‬فقالوا ‪ :‬يا عُزَير ‪ ،‬ما كنت كَذّابا‪ .‬فعمد فربط على إصبع من‬
‫أصابعه قلما ‪ ،‬وكتب التوراة بإصبعه كلها ‪ ،‬فلما تراجع الناس من عَ ُدوّهم ورجع العلماء ‪،‬‬
‫وأخبروا بشأن عزير ‪ ،‬فاستخرجوا النسخ التي كانوا أودعوها في الجبال ‪ ،‬وقابلوها (‪ )4‬بها ‪،‬‬
‫فوجدوا ما جاء به صحيحا ‪ ،‬فقال بعض جهلتهم ‪ :‬إنما صنع هذا لنه ابن ال‪.‬‬
‫وأما ضَلل النصارى في المسيح فظاهر ؛ ولهذا كَذّب ال سبحانه الطائفتين فقال ‪ { :‬ذَِلكَ َقوُْلهُمْ‬
‫بَِأ ْفوَا ِههِمْ } أي ‪ :‬ل مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلقهم ‪ { ،‬يضاهئون } أي ‪ :‬يشابهون‬
‫{ َق ْولَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬من قبلهم من المم ‪ ،‬ضلوا كما ضل هؤلء ‪ { ،‬قَاتََلهُمُ اللّهُ }‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬لعنهم ال ‪ { ،‬أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ } ؟ أي ‪ :‬كيف يضلون عن الحق ‪ ،‬وهو ظاهر ‪،‬‬
‫ويعدلون إلى الباطل ؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬وإذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬د ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وقابلوه"‪.‬‬

‫( ‪)4/134‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خذُوا أَحْبَا َرهُ ْم وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّ ِه وَا ْلمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ } روى المام‬
‫[وقوله] (‪ { )1‬اتّ َ‬
‫أحمد ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وابن جرير من طرق ‪ ،‬عن عدي بن حاتم ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه لما بلغته‬
‫دعوة رسول ال صلى ال عليه وسلم فرّ إلى الشام ‪ ،‬وكان قد تنصر في الجاهلية ‪ ،‬فأسرت أخته‬
‫وجماعة من قومه ‪ ،‬ثمّ منّ رسول ال صلى ال عليه وسلم على أخته وأعطاها ‪ ،‬فرجعت إلى‬
‫أخيها ‪ ،‬ورَغّبته في السلم وفي القدوم على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقدم عَ ِديّ‬
‫المدينة ‪ ،‬وكان رئيسا في قومه طيئ ‪ ،‬وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم ‪ ،‬فتحدّث الناس بقدومه‬
‫ع ِديّ صليب من فضة ‪ ،‬فقرأ رسول ال‬
‫‪ ،‬فدخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم وفي عنق َ‬
‫صلى ال عليه وسلم هذه الية ‪ { :‬اتّخَذُوا َأحْبَارَهُمْ وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ } قال ‪ :‬فقلت ‪:‬‬
‫إنهم لم يعبدوهم‪ .‬فقال ‪" :‬بلى ‪ ،‬إنهم حرموا عليهم الحلل ‪ ،‬وأحلوا (‪ )2‬لهم الحرام ‪ ،‬فاتبعوهم ‪،‬‬
‫فذلك عبادتهم إياهم"‪ .‬وقال (‪ )3‬رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا عدي ‪ ،‬ما تقول ؟ أيُفرّك (‪)4‬‬
‫أن يقال ‪ :‬ال أكبر ؟ فهل تعلم شيئًا أكبر من ال ؟ ما يُفرك ؟ أيفرّك أن يقال (‪ )5‬ل إله إل ال ؟‬
‫فهل تعلم من إله إل ال" ؟ ثم دعاه إلى السلم فأسلم ‪ ،‬وشهد شهادة الحق ‪ ،‬قال ‪ :‬فلقد رأيتُ‬
‫وجهه استبشر ثم قال ‪" :‬إن اليهود مغضوب عليهم ‪ ،‬والنصارى ضالون" (‪)6‬‬
‫وهكذا قال حذيفة بن اليمان ‪ ،‬وعبد ال بن عباس ‪ ،‬وغيرهما في تفسير ‪ { :‬اتّخَذُوا َأحْبَارَ ُهمْ‬
‫وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ } إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬استنصحوا الرجال ‪ ،‬وتركوا (‪ )7‬كتاب ال وراء ظهورهم‪.‬‬
‫ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬ومَا ُأمِرُوا إِل لِ َيعْ ُبدُوا إَِلهًا وَاحِدًا } أي ‪ :‬الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام ‪،‬‬
‫وما حلله حل ‪ ،‬وما شرعه اتبع ‪ ،‬وما حكم به نفذ‪.‬‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ } أي ‪ :‬تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء والعوان‬
‫{ ل إَِلهَ إِل ُهوَ سُبْحَا َنهُ َ‬
‫والضداد والولد ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وحللوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وقال له"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أيسرك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ما نقول أيسرك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪ )3095‬وتفسير الطبري (‪ )211 - 209 /14‬من طريق عبد السلم بن‬
‫حرب عن غطيف بن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم رضي ال عنه ‪ ،‬وقال‬
‫الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث عبد السلم بن حرب وغطيف بن أعين‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ليس بمعروف في الحديث"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في د ‪" :‬ونبذوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/135‬‬

‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وَيَأْبَى اللّهُ إِلّا أَنْ يُتِمّ نُو َر ُه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ (‪ُ )32‬هوَ الّذِي‬
‫يُرِيدُونَ أَنْ ُي ْ‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُشْ ِركُونَ (‪)33‬‬
‫سلَ رَسُولَهُ بِا ْلهُدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِيُ ْ‬
‫أَرْ َ‬

‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِل أَنْ يُتِمّ نُو َر ُه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ (‪ُ )32‬هوَ‬
‫{ يُرِيدُونَ أَنْ يُ ْ‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَ ِرهَ ا ْلمُشْ ِركُونَ (‪} )33‬‬
‫حقّ لِ ُي ْ‬
‫سلَ رَسُولَهُ بِا ْلهُدَى َودِينِ الْ َ‬
‫الّذِي أَ ْر َ‬

‫( ‪)4/135‬‬

‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ } (‪ )1‬أي ‪ :‬ما‬


‫يقول تعالى ‪ :‬يريد هؤلء الكفار من المشركين وأهل الكتاب { أَنْ يُ ْ‬
‫بعث به رسوله من الهدى ودين الحق ‪ ،‬بمجرد جدالهم وافترائهم ‪ ،‬فمثلهم في ذلك كمثل من يريد‬
‫أن يطفئ شعاع الشمس ‪ ،‬أو نور القمر بنفخه ‪ ،‬وهذا ل سبيل إليه ‪ ،‬فكذلك ما أرسل ال به‬
‫رسوله ل بد أن يتم ويظهر ؛ ولهذا قال تعالى مقابل لهم فيما راموه وأرادوه ‪ { :‬وَيَأْبَى اللّهُ إِل أَنْ‬
‫يُتِمّ نُو َر ُه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ }‬
‫والكافر ‪ :‬هو الذي يستر الشيء ويغطيه ‪ ،‬ومنه سمي الليل "كافرا" ؛ لنه يستر الشياء ‪ ،‬والزارع‬
‫جبَ ا ْلكُفّارَ نَبَاتُهُ } [الحديد ‪)2( ]20 :‬‬
‫عَ‬‫كافرا ؛ لنه يغطي الحب في الرض كما قال ‪ { :‬أَ ْ‬
‫حقّ } فالهدى ‪ :‬هو ما جاء به من‬
‫سلَ َرسُولَهُ بِا ْلهُدَى وَدِينِ الْ َ‬
‫ثم قال تعالى ‪ُ { :‬هوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫الخبارات الصادقة ‪ ،‬واليمان الصحيح ‪ ،‬والعلم النافع ‪ -‬ودين الحق ‪ :‬هي العمال [الصالحة] (‬
‫‪ )3‬الصحيحة النافعة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ } أي ‪ :‬على سائر الديان ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح ‪ ،‬عن رسول ال‬
‫{ لِ ُي ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن ال َزوَى لي الرض مشارقها ومغاربها ‪ ،‬وسيبلغ ملك أمتي ما‬
‫زُوي لي منها" (‪)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن محمد بن أبي يعقوب ‪ :‬سمعت‬
‫شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قَبِيصة ‪ -‬أو ‪ :‬قبيصة بن مسعود ‪ -‬يقول ‪ :‬صلى هذا الحي‬
‫من "مُحَارب" الصبح ‪ ،‬فلما صلوا قال شاب منهم ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"إنه سيفتح لكم مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬وإن عمالها في النار ‪ ،‬إل من اتقى ال وأدى المانة"‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا سليم بن عامر ‪ ،‬عن تميم الداري ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ليبلغن هذا المرُ ما بلغ‬
‫ل والنهار ‪ ،‬ول يترك ال بيت مَدَر ول وَبَر إل أدخله هذا الدين ‪ ،‬بعِزّ عزيز ‪ ،‬أو بِ ُذلّ ذليل ‪،‬‬
‫اللي ُ‬
‫عزا يعز ال به السلم ‪ ،‬وذل يذل ال به الكفر" ‪ ،‬فكان تميم الداري يقول ‪ :‬قد عرفت ذلك في‬
‫أهل بيتي ‪ ،‬لقد أصاب من أسلم منهم الخيرَ والشرفَ والعزّ ‪ ،‬ولقد أصاب من كان منهم كافرا‬
‫الذل والصغار والجزية (‪)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن عبد ربه ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثني ابن جابر ‪ ،‬سمعت‬
‫سليم بن عامر قال ‪ :‬سمعت المقداد بن السود يقول ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬ل يبقى على وجه الرض بيت مَدَر ول وَبَر ‪ ،‬إل أدخله ال كلمة السلم بعزّ عزيز ‪ ،‬أو‬
‫بذلّ ذليل ‪ ،‬إما يعزهم ال فيجعلهم من أهلها ‪ ،‬وإما يذلهم فيدينون لها" (‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ليطفئوا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ ‪" :‬يعجب" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ك‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪ )2889‬من حديث ثوبان رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)5/366‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )4/103‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )6/14‬رجال أحمد رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )6/4‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (‪" )1631‬موارد" من طريق عبد الرحمن‬
‫بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم به‪.‬‬

‫( ‪)4/136‬‬

‫طلِ وَيَصُدّونَ عَنْ‬


‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِنّ كَثِيرًا مِنَ الَْأحْبَا ِر وَالرّهْبَانِ لَيَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ النّاسِ بِالْبَا ِ‬
‫سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ َيكْنِزُونَ الذّ َهبَ وَا ْل ِفضّ َة وَلَا يُ ْنفِقُو َنهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّ ْرهُمْ ِبعَذَابٍ َألِيمٍ (‪َ )34‬يوْمَ‬
‫سكُمْ فَذُوقُوا مَا‬
‫ظهُورُهُمْ َهذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَ ْنفُ ِ‬
‫جهَنّمَ فَ ُت ْكوَى ِبهَا جِبَا ُههُ ْم وَجُنُو ُبهُ ْم َو ُ‬
‫حمَى عَلَ ْيهَا فِي نَارِ َ‬
‫يُ ْ‬
‫كُنْتُمْ َتكْنِزُونَ (‪)35‬‬

‫وفي المسند أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي عَ ِديّ ‪ ،‬عن ابن عون ‪ ،‬عن ابن سيرين ‪ ،‬عن أبي‬
‫حذيفة ‪ ،‬عن عدي بن حاتم سمعه (‪ )1‬يقول ‪ :‬دخلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫"يا عدي ‪ ،‬أسلم تسلم"‪ .‬فقلت ‪ :‬إني من أهل دين‪ .‬قال ‪" :‬أنا أعلم بدينك منك"‪ .‬فقلت ‪ :‬أنت أعلم‬
‫بديني مني ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬ألست من ال ّركُوسِيّة ‪ ،‬وأنت تأكل مرباع قومك ؟"‪ .‬قلت ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فإن هذا ل يحل لك في دينك"‪ .‬قال ‪ :‬فلم َيعْدُ أن قالها فتواضعت لها ‪ ،‬قال ‪" :‬أما إني أعلم ما‬
‫ض َعفَةُ الناس ومن ل قوة له ‪ ،‬وقد َرمَتْهم العرب ‪،‬‬
‫الذي يمنعك من السلم ‪ ،‬تقول ‪ :‬إنما اتبعه َ‬
‫أتعرف الحيرة ؟" قلت ‪ :‬لم أرها ‪ ،‬وقد سمعت بها‪ .‬قال ‪" :‬فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬ليتمن ال هذا‬
‫ظعِينة من الحيرة ‪ ،‬حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ‪ ،‬ولتفتحن (‪)2‬‬
‫المر حتى تخرج ال ّ‬
‫كنوز كسرى بن هرمز"‪ .‬قلت ‪ :‬كسرى بن هرمز ؟‪ .‬قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬كسرى بن هرمز ‪ ،‬وليُبْذَلنّ‬
‫المال حتى ل يقبله أحد"‪ .‬قال عدي بن حاتم ‪ :‬فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ‪ ،‬فتطوف بالبيت في‬
‫غير جوار أحد ‪ ،‬ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لتكونن‬
‫الثالثة ؛ لن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد قالها (‪.)3‬‬
‫شيّ ‪ ،‬حدثنا خالد بن الحارث ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد‬
‫وقال مسلم ‪ :‬حدثنا أبو معن زيد بن يزيد ال ّرقَا ِ‬
‫بن جعفر ‪ ،‬عن السود بن العلء ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫ت والعُزّى"‪.‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ل يذهب الليل والنهار حتى ُتعْبَد الل ُ‬
‫سلَ رَسُولَهُ‬
‫فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن كنت لظن حين أنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ُ { :‬هوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫بِا ْلهُدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ } إلى قوله ‪ { :‬وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُشْ ِركُونَ } أن ذلك تام ‪ ،‬قال ‪" :‬إنه سيكون من ذلك‬
‫ما شاء ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ثم يبعث ال ريحا طيبة [فيتوفى كلّ من كان في قلبه مثقال حَبّة خردل‬
‫من إيمان] (‪ )4‬فيبقى من ل خير فيه ‪ ،‬فيرجعون إلى دين آبائهم" (‪)5‬‬
‫طلِ وَ َيصُدّونَ عَنْ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّ كَثِيرًا مِنَ الحْبَا ِر وَالرّهْبَانِ لَيَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ النّاسِ بِالْبَا ِ‬
‫سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ َيكْنزونَ الذّ َهبَ وَا ْل ِفضّ َة وَل يُ ْن ِفقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْ ُهمْ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪َ )34‬يوْمَ‬
‫سكُمْ فَذُوقُوا مَا‬
‫ظهُورُهُمْ َهذَا مَا كَنزتُ ْم ل ْنفُ ِ‬
‫جهَنّمَ فَ ُت ْكوَى ِبهَا جِبَا ُههُ ْم وَجُنُو ُبهُ ْم َو ُ‬
‫حمَى عَلَ ْيهَا فِي نَارِ َ‬
‫يُ ْ‬
‫كُنْتُمْ َتكْنزونَ (‪} )35‬‬
‫قال السدي ‪ :‬الحبار من اليهود ‪ ،‬والرهبان من النصارى‪.‬‬
‫ن وَالحْبَارُ‬
‫وهو كما قال ‪ ،‬فإن الحبار هم علماء اليهود ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬لوْل يَ ْنهَاهُمُ الرّبّانِيّو َ‬
‫حتَ } [المائدة ‪]63 :‬‬
‫عَنْ َقوِْلهِمُ الثْ َم وََأكِْلهِمُ السّ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سمعته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وليفتحن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )378 ، 4/377‬وكأن الحافظ اختصره هنا‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)2907‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/137‬‬

‫والرهبان ‪ :‬عباد النصارى ‪ ،‬والقسيسون ‪ :‬علماؤهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَنّ مِ ْنهُمْ قِسّيسِينَ‬
‫وَرُهْبَانًا وَأَ ّنهُمْ ل يَسْ َتكْبِرُونَ } [المائدة ‪]82 :‬‬
‫والمقصود ‪ :‬التحذير من علماء السوء وعُبّاد الضلل (‪ )1‬كما قال سفيان بن عيينة ‪ :‬من فسد من‬
‫علمائنا كان فيه شبه من اليهود ‪ ،‬ومن فسد من عُبّادنا كان فيه شبه من النصارى‪ .‬وفي الحديث‬
‫الصحيح ‪" :‬لتركبنّ سَنَن من كان قبلكم حَذْو القُذّة بالقُذّة"‪ .‬قالوا ‪ :‬اليهود والنصارى ؟ قال ‪" :‬فمن ؟‬
‫"‪ .‬وفي رواية ‪ :‬فارس والروم ؟ قال ‪" :‬وَمَن (‪ )2‬الناس إل هؤلء ؟" (‪)3‬‬
‫والحاصل التحذير من التشبه بهم في أحوالهم وأقوالهم ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬لَيَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ النّاسِ‬
‫طلِ } وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم في الناس ‪ ،‬يأكلون أموالهم بذلك ‪،‬‬
‫بِالْبَا ِ‬
‫كما كان لحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف ‪ ،‬ولهم عندهم خَرْج وهدايا وضرائب تجيء إليهم‬
‫‪ ،‬فلما بعث ال رسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ )4‬استمروا على ضللهم وكفرهم وعنادهم ‪،‬‬
‫طمعا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات ‪ ،‬فأطفأها ال بنور النبوة ‪ ،‬وسلبهم إياها ‪ ،‬وعوضهم بالذلة‬
‫والمسكنة ‪ ،‬وباءوا بغضب من ال‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } أي ‪ :‬وهم مع أكلهم الحرام يصدون الناس عن اتباع‬
‫الحق ‪ ،‬ويُلبسون الحق بالباطل ‪ ،‬ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعون إلى الخير ‪،‬‬
‫وليسوا كما يزعمون ‪ ،‬بل هم دعاة إلى النار ‪ ،‬ويوم القيامة ل ينصرون‪.‬‬
‫ب وَا ْل ِفضّةَ وَل يُ ْنفِقُو َنهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّ ْرهُمْ ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ } هؤلء‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ َيكْنزونَ الذّ َه َ‬
‫هم القسم الثالث من رءوس الناس ‪ ،‬فإن الناس عالة على العلماء ‪ ،‬وعلى العُبّاد ‪ ،‬وعلى أرباب‬
‫الموال ‪ ،‬فإذا فسدت أحوال هؤلء فسدت أحوال الناس ‪ ،‬كما قال بعضهم (‪)5‬‬
‫وَهَل أ ْفسَدَ الدّينَ إل المُلوكُ‪ ...‬وَأحبارُ سُو ٍء وَرُهْبَانُها?‪...‬‬
‫وأما الكنز فقال مالك ‪ ،‬عن عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر أنه قال ‪ :‬هو المال الذي ل تؤدى‬
‫منه الزكاة‪.‬‬
‫وروى الثوري وغيره عن عُبَيد ال (‪ )6‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬ما أُدّي زكاتُه فليس بكنز‬
‫وإن كان تحت سبع أرضين ‪ ،‬وما (‪ )7‬كان ظاهرا ل تؤدى زكاته فهو كنز (‪ )8‬وقد رُوي هذا‬
‫عن ابن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬الضللة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬أ ‪" :‬فمن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3456‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2669‬من حديث أبي‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سعيد الخدري رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في د ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬هو عبد ال بن المبارك رحمه ال‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )4/82‬من طريق سفيان عن عبد ال بن دينار عن ابن عمر‬
‫مرفوعا وقال ‪" :‬ليس هذا بمحفوظ ‪ ،‬وإنما المشهور عن سفيان عن عبيد ال عن نافع عن ابن‬
‫عمر موقوفا"‪.‬‬

‫( ‪)4/138‬‬

‫عباس ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬وأبي هريرة موقوفا ومرفوعا (‪ )1‬وعمر بن الخطاب ‪ ،‬نحوه ‪ ،‬رضي ال عنهم‬
‫‪" :‬أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الرض ‪ ،‬وأيما مال لم تؤد زكاته فهو‬
‫كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الرض"‪.‬‬
‫وروى البخاري من حديث الزهري ‪ ،‬عن خالد بن أسلم قال ‪ :‬خرجنا مع عبد ال بن عمر ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬هذا قبل أن تنزل الزكاة ‪ ،‬فلما نزلت جعلها ال طُهرًا للموال (‪)2‬‬
‫خذْ مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ }‬
‫وكذا قال عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬وعراك بن مالك ‪ :‬نسخها قوله تعالى ‪ُ { :‬‬
‫[التوبة ‪]103 :‬‬
‫وقال سعيد بن محمد بن زياد ‪ ،‬عن أبي أمامة أنه قال ‪ :‬حلية السيوف من الكنز ما أحدثكم إل ما‬
‫سمعت‪.‬‬
‫ج ْعدَة بن هبيرة ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن أبي حصين ‪ ،‬عن أبي الضّحَى ‪ ،‬عن َ‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أربعة آلف فما دونها نفقة ‪ ،‬فما كان أكثر منه (‪ )3‬فهو كنز‪.‬‬
‫وهذا غريب‪ .‬وقد جاء في مدح التقلل من الذهب والفضة وذم التكثر (‪ )4‬منهما ‪ ،‬أحاديث كثيرة ؛‬
‫ولنورد منها هنا طرفا يدل على الباقي ‪ ،‬فقال عبد الرازق ‪ :‬أخبرنا الثوري ‪ ،‬أخبرني أبو حصين‬
‫‪ ،‬عن أبي الضحى ‪ ،‬بن جعدة بن هبيرة ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ‬
‫ب وَا ْل ِفضّةَ وَل يُ ْن ِفقُو َنهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ } قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تَبّا للذهب ‪،‬‬
‫َيكْنزونَ الذّ َه َ‬
‫تَبّا للفضة" يقولها ثلثا ‪ ،‬قال ‪ :‬فشق ذلك على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وقالوا ‪:‬‬
‫فأي مال نتخذ ؟ فقال ‪ :‬عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنا أعلم لكم ذلك فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن‬
‫أصحابك قد شق عليهم [و] (‪ )5‬قالوا ‪ :‬فأيّ مال نتخذ ؟ قال ‪" :‬لسانا ذاكرا ‪ ،‬وقلبا شاكرا (‪)6‬‬
‫وزوجة تعين أحدكم على دينه" (‪)7‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬حدثني سالم ‪ ،‬حدثني عبد‬
‫ال بن أبي الهُذَيْل ‪ ،‬حدثني صاحب لي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬تبا للذهب‬
‫والفضة"‪ .‬قال ‪ :‬فحدثني صاحبي أنه انطلق مع عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قولك ‪:‬‬
‫"تبا للذهب والفضة" ‪ ،‬ماذا ندخر ؟‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لسانا ذاكرا ‪ ،‬وقلبا‬
‫شاكرا ‪ ،‬وزوجة تُعين على الخرة" (‪)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أما حديث ابن عباس ‪ ،‬فرواه الطبري في تفسيره (‪ )14/225‬من طريق علي بن أبي طلحة‬
‫عن ابن عباس موقوفا ‪ ،‬وأما حديث جابر ‪ ،‬فرواه ابن عدي في الكامل (‪ )7/189‬من طريق‬
‫يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ‪ ،‬ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (‪)8/12‬‬
‫من طريق خصيف عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ‪ ،‬وأما حديث أبي هريرة ‪ ،‬فرواه الترمذي‬
‫في السنن برقم (‪ )618‬قال العراقي ‪" :‬إسناده جيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)1404‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬أ ‪" :‬أكثر من ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬التكثير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ذاكرا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ذكره الزيلعي في تخريج الكشاف (‪ )2/71‬وعزاه لعبد الرزاق في تفسيره بعد أن ذكر من‬
‫حديث ثوبان وعمر ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬الحاصل أنه حديث ضعيف لما فيه من الضطراب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)5/366‬‬

‫( ‪)4/139‬‬

‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن سالم بن أبي الجعد ‪ ،‬عن ثوبان قال ‪ :‬لما نزل في الفضة والذهب (‪ )2‬ما نزل قالوا ‪ :‬فأي‬
‫المال نتخذ ؟ قال [عمر ‪ :‬أنا أعلم ذلك لكم فأوضع (‪ )3‬على بعير فأدركه ‪ ،‬وأنا في أثره ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬أي المال نتخذ ؟ قال] (‪ )4‬ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعين‬
‫أحدكم في (‪ )5‬أمر الخرة "‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد (‪ )6‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫‪ ،‬وحكي عن البخاري أن سالما لم يسمعه من ثوبان‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ولهذا رواه بعضهم عنه مرسل وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا حميد بن مالك ‪ ،‬حدثنا يحيى بن يعلى‬
‫المحاربي ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا غَيْلن بن جامع المحاربي ‪ ،‬عن عثمان أبي اليقظان ‪ ،‬عن جعفر‬
‫بن إياس ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ { :‬وَالّذِينَ َيكْنزونَ الذّ َهبَ‬
‫وَا ْلفِضّةَ } الية ‪ ،‬كَبُر ذلك على المسلمين ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ما يستطيع أحد منا أن يترك لولده ما ل يبقى‬
‫بعده‪ .‬فقال عمر ‪ :‬أنا أفرّج عنكم‪ .‬فانطلق عمر واتبعه ثوبان ‪ ،‬فأتى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬يا نبيّ ال ‪ ،‬إنه قد كَبُر على أصحابك هذه الية‪ .‬فقال نبيّ ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن‬
‫ال لم يفرض الزكاة إل ليطيب بها ما بقي من أموالكم ‪ ،‬وإنما فرض المواريث من أموال تبقى‬
‫بعدكم"‪ .‬قال ‪ :‬فكبّر عمر ‪ ،‬ثم قال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل أخبرك بخير ما يكنز المرء‬
‫؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته ‪ ،‬وإذا أمرها أطاعته ‪ ،‬وإذا غاب عنها حفظته"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والحاكم في مستدركه ‪ ،‬وابن مردويه من حديث يحيى بن يعلى ‪ ،‬به (‪ )7‬وقال‬
‫الحاكم ‪ :‬صحيح على شرطهما ‪ ،‬ولم يخرجاه‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا روح ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬عن حسان بن عطية قال ‪ :‬كان‬
‫شفْ َرةِ نعْبَث بها‪.‬‬
‫شداد بن أوس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬في سفر ‪ ،‬فنزل منزل فقال لغلمه ‪ :‬ائتنا بال ّ‬
‫فأنكرت عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إل وأنا أخْطمُها وأزمّها غير كلمتي هذه ‪ ،‬فل‬
‫تحفظونها (‪ )8‬علي ‪ ،‬واحفظوا ما أقول لكم ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إذا‬
‫كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلء الكلمات ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إنى أسألك الثبات في المر ‪،‬‬
‫والعزيمة على الرشد ‪ ،‬وأسألك شكر نعمتك ‪ ،‬وأسألك حسن عبادتك ‪ ،‬وأسألك قلبا سليما ‪ ،‬وأسألك‬
‫لسانا صادقا ‪ ،‬وأسألك من خير ما تعلم ‪ ،‬وأعوذ بك من شر ما تعلم ‪ ،‬وأستغفرك لما تعلم ‪ ،‬إنك‬
‫أنت علم الغيوب" (‪)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬في الذهب والفضة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬أعلم لكم ذلك قال ‪ :‬فأوضع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" ،‬علي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )5/282‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3094‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)1856‬‬
‫(‪ )7‬سنن أبي داود برقم (‪ )1664‬والمستدرك (‪ )2/333‬قال الذهبي ‪" :‬وعثمان ل أعرفه والخبر‬
‫عجيب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬تحفظوها"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)4/123‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/140‬‬

‫ظهُورُهُمْ هَذَا مَا‬


‫جهَنّمَ فَ ُت ْكوَى ِبهَا جِبَا ُههُمْ وَجُنُو ُبهُ ْم وَ ُ‬
‫حمَى عَلَ ْيهَا فِي نَارِ َ‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬يوْمَ ُي ْ‬
‫سكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ َتكْنزونَ } أي ‪ :‬يقال لهم هذا الكلم تبكيتا وتقريعا وتهكما ‪ ،‬كما في‬
‫كَنزتُ ْم ل ْنفُ ِ‬
‫حمِيمِ ذُقْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ } [الدخان ‪]49 ، 48 :‬‬
‫سهِ مِنْ عَذَابِ ا ْل َ‬
‫قوله ‪ { :‬ثُ ّم صُبّوا َفوْقَ رَأْ ِ‬
‫أي ‪ :‬هذا بذاك ‪ ،‬وهو (‪ )1‬الذي كنتم تكنزون لنفسكم ؛ ولهذا يقال ‪ :‬من أحب شيئا وقدمه على‬
‫طاعة ال ‪ ،‬عذب به‪ .‬وهؤلء لما كان جمع هذه الموال آثر عندهم من رضا ال عنهم ‪ ،‬عذبوا‬
‫بها ‪ ،‬كما كان أبو لهب ‪ ،‬لعنه ال ‪ ،‬جاهدًا في عداوة الرسول ‪ ،‬صلوات ال [وسلمه] (‪ )2‬عليه (‬
‫‪ )3‬وامرأته تعينه في ذلك ‪ ،‬كانت يوم القيامة عونًا على عذابه أيضا { فِي جِيدِهَا } أي ‪[ :‬في] (‪)4‬‬
‫سدٍ } [المسد ‪ ]5 :‬أي ‪ :‬تجمع من الحطب في النار وتلقي عليه ‪ ،‬ليكون ذلك‬
‫عنقها { حَ ْبلٌ مِنْ مَ َ‬
‫أبلغ في عذابه ممن هو أشفق عليه ‪ -‬كان ‪ -‬في الدنيا ‪ ،‬كما أن هذه الموال لما كانت أعز‬
‫الشياء على أربابها ‪ ،‬كانت أضر الشياء عليهم في الدار الخرة ‪ ،‬فيحمى عليها في نار جهنم ‪،‬‬
‫وناهيك بحرها ‪ ،‬فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم‪.‬‬
‫قال سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عبد ال بن مرة ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ :‬وال‬
‫الذي ل إله غيره ‪ ،‬ل يكوى عبد بكنز فيمس دينار دينارًا ‪ ،‬ول درهم درهما ‪ ،‬ولكن يوسّع جلده ‪،‬‬
‫فيوضع كل دينار ودرهم على حدته (‪)6( )5‬‬
‫وقد رواه ابن مرْدُويه ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا ‪ ،‬ول يصح رفعه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن طاوس ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬بلغني أن الكنز يتحول يوم‬
‫القيامة شجاعا يتبع صاحبه ‪ ،‬وهو يفر منه ويقول ‪ :‬أنا كنزك! ل يدرك منه شيئا إل أخذه‪.‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا بشر ‪ ،‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن سالم‬
‫جعْد ‪ ،‬عن َمعْدَان بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ثوبان أن نبي (‪ )7‬ال صلى ال عليه وسلم كان‬
‫بن أبي ال َ‬
‫يقول ‪" :‬من ترك بعده كنزا مَثَل له يوم القيامة شُجاعًا أقرع له زبيبتَان ‪ ،‬يتبعه ‪ ،‬يقول ‪ :‬ويلك ما‬
‫ص ِقصَها (‪ )9‬ثم‬
‫أنت ؟ فيقول ‪ :‬أنا كنزك الذي تركته (‪ )8‬بعدك! ول يزال يتبعه حتى يُلقمه يده فَ ُيقَ ْ‬
‫يتبعها سائر جسده"‪.‬‬
‫ورواه ابن حبان في صحيحه ‪ ،‬من حديث يزيد ‪ ،‬عن سعيد به (‪ )10‬وأصل هذا الحديث في‬
‫الصحيحين من رواية أبي الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة رضي ال عنه (‪)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬زيادة من ك‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬جلده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )14/233‬من طريق سفيان به‪.‬‬
‫(‪ )7‬في د ‪" :‬رسول"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬كنزته"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في د ‪ ،‬أ ‪" :‬فيقضمها"‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪ )14/232‬وصحيح ابن حبان برقم (‪" )803‬موارد" ورواه ابن خزيمة في‬
‫صحيحه برقم (‪ )2255‬من طريق بشر ابن معاذ به‪.‬‬
‫(‪ )11‬صحيح البخاري برقم (‪ )4659‬ولم أعثر عليه في صحيح مسلم من هذا الطريق‪.‬‬

‫( ‪)4/141‬‬

‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬من حديث سهيل بن أبي صالح ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ :‬أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما من رجل ل يؤدي زكاة ماله إل جعل (‪ )1‬يوم القيامة صفائح من‬
‫نار يكوى (‪ )2‬بها جنبه وجبهته وظهره ‪ ،‬في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ‪ ،‬حتى يقضى بين‬
‫الناس ‪ ،‬ثم يَرَى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" وذكر تمام الحديث (‪)3‬‬
‫حصَيْن ‪ ،‬عن زيد بن وهب‬
‫وقال البخاري في تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن ُ‬
‫قال ‪ :‬مررت على أبي ذر بالرّبَذة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما أنزلك بهذه الرض ‪ ،‬قال (‪ )4‬كنا بالشام ‪ ،‬فقرأت‬
‫ب وَا ْل ِفضّ َة وَل يُ ْن ِفقُو َنهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَ َبشّرْهُمْ ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ } فقال معاوية ‪:‬‬
‫‪ { :‬وَالّذِينَ َيكْنزونَ الذّ َه َ‬
‫ما هذه فينا (‪ )5‬ما هذه إل في أهل الكتاب‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬إنها لفينا وفيهم (‪)6‬‬
‫ورواه ابن جرير من حديث عبثر بن القاسم ‪ ،‬عن حصين ‪ ،‬عن زيد بن وهب ‪ ،‬عن أبي ذر ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬فذكره وزاد ‪ :‬فارتفع في ذلك بيني وبينه القول ‪ ،‬فكتب إلى عثمان يشكوني ‪،‬‬
‫فكتب إليّ عثمان أن أقبل إليه ‪ ،‬قال ‪ :‬فأقبلت ‪ ،‬فلما قدمت المدينة ركبني (‪ )7‬الناس كأنهم لم‬
‫يروني قبل يومئذ ‪ ،‬فشكوت ذلك إلى عثمان ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬تَنَحّ قريبا‪ .‬قلت ‪ :‬وال لن أدع ما كنت‬
‫أقول (‪)8‬‬
‫قلت ‪ :‬كان من مذهب أبي ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال ‪ ،‬وكان‬
‫يفتي [الناس] (‪ )9‬بذلك ‪ ،‬ويحثهم عليه ‪ ،‬ويأمرهم به ‪ ،‬ويغلظ في خلفه ‪ ،‬فنهاه معاوية فلم ينته ‪،‬‬
‫فخشي أن يضر بالناس في هذا ‪ ،‬فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان ‪ ،‬وأن يأخذه إليه ‪،‬‬
‫فاستقدمه عثمان إلى المدينة ‪ ،‬وأنزله بالربذة وحده ‪ ،‬وبها مات ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬في خلفة‬
‫عثمان‪ .‬وقد اختبره معاوية ‪ ،‬رضي ال عنه (‪ )10‬وهو عنده ‪ ،‬هل يوافق عمله قوله ؟ فبعث إليه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بألف دينار ‪ ،‬ففرقها من يومه ‪ ،‬ثم بعث إليه الذي أتاه بها فقال ‪ :‬إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك‬
‫فأخطأت ‪ ،‬فهات الذهب! فقال ‪ :‬ويحك! إنها خرجت ‪ ،‬ولكن إذا جاء مالي حاسبناك (‪ )11‬به‪.‬‬
‫وهكذا روى علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس أنها عامة ‪:‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬هي في أهل القبلة‪.‬‬
‫وقال الحنف بن قيس ‪ :‬قدمت المدينة ‪ ،‬فبينا أنا في حلقة فيها مَل من قريش ‪ ،‬إذ جاء رجل‬
‫أخشن الثياب ‪ ،‬أخشن الجسد ‪ ،‬أخشن الوجه ‪ ،‬فقام عليهم فقال ‪ :‬بشر الكانزين ب َرضْف يحمى‬
‫عليه في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في د ‪" :‬جعل له"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فتكوى" ‪ ،‬وفي د ‪ ،‬أ ‪" :‬فيكوى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)987‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬ما هذا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4660‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ولقيني"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)14/227‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حاسبناه"‪.‬‬

‫( ‪)4/142‬‬

‫نار جهنم ‪ ،‬فيوضع على حَلمة َثدْي أحدهم حتى يخرج من ُن ْغضِ كتفه ‪ ،‬ويوضع على نغض كتفه‬
‫حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل ‪ -‬قال ‪ :‬فوضع القوم رءوسهم ‪ ،‬فما رأيت أحدا منهم َرجَع إليه‬
‫شيئا ‪ -‬قال ‪ :‬وأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما رأيت هؤلء إل كرهوا ما قلت‬
‫لهم‪ .‬فقال ‪ :‬إن هؤلء ل يعلمون شيئا‪.‬‬
‫وفي الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لبي ذَرّ ‪" :‬ما يسرني أن عندي مثل أحد‬
‫ذهبا يمر عليه ثالثة وعندي منه شيء إل دينار أرصده لدين" (‪)1‬‬
‫فهذا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬هو الذي حدا أبا ذر على القول بهذا‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن سعيد بن أبي الحسن ‪ ،‬عن عبد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال بن الصامت ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه كان مع أبي ذر ‪ ،‬فخرج عطاؤه ومعه جارية له ‪ ،‬فجعلت‬
‫تقضي حوائجه ‪ ،‬ففضلت معها سبعة ‪ ،‬فأمرها أن تشتري به فلوسا‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬لو ادخرته‬
‫للحاجة تَنُوبك وللضيف ينزل بك! قال ‪ :‬إن خليلي عهد إليّ أنْ أيما ذهب أو فضة أوكِي (‪ )2‬عليه‬
‫‪ ،‬فهو جمر على صاحبه ‪ ،‬حتى يفرغه في سبيل ال ‪ ،‬عز وجل (‪)3‬‬
‫ورواه عن يزيد ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬به وزاد ‪ :‬إفراغا (‪)4‬‬
‫وقال الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي بكر الشبلي في ترجمته ‪ ،‬عن محمد بن مهدي ‪ :‬حدثنا‬
‫عمرو بن أبي سلمة ‪ ،‬عن صدقة بن عبد ال ‪ ،‬عن طلحة بن زيد ‪ ،‬عن أبي فَ ْروَة الرّهاوي ‪ ،‬عن‬
‫عطاء ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الق ال‬
‫فقيرًا ول تلقه غنيا"‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف لي بذلك ؟ قال ‪" :‬ما سُئِلتَ فل َتمْنَع ‪ ،‬وما رُزقْت‬
‫فل تَخْبَأ" ‪ ،‬قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف لي بذلك ؟ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هو ذاك‬
‫وإل فالنار" (‪ )5‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا جعفر بن سليمان ‪ ،‬حدثنا عتيبة ‪ ،‬عن بريد بن أصرم (‪)6‬‬
‫صفّة ‪ ،‬وترك دينارين ‪ -‬أو ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬سمعت عليًا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬مات رجل من أهل ال ّ‬
‫درهمين ‪ -‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كيّتان ‪ ،‬صلوا على صاحبكم" (‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)6444‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أيما ذهبا وفضة أولى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)5/156‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )5/175‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/240‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور (‪ )28/168‬ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (‬
‫‪ )14/390‬في ترجمة الشبلى من طريق محمد بن مهدي المصري به‪.‬‬
‫(‪ )6‬في جميع النسخ ‪" :‬عيينة عن يزيد بن الصرم" والتصويب من المسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)1/101‬‬

‫( ‪)4/143‬‬

‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ مِ ْنهَا أَرْ َبعَةٌ‬


‫شهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ َيوْمَ خََلقَ ال ّ‬
‫عشَرَ َ‬
‫شهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا َ‬
‫إِنّ عِ ّدةَ ال ّ‬
‫سكُ ْم َوقَاتِلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ كَافّةً َكمَا ُيقَاتِلُو َنكُمْ كَافّ ًة وَاعَْلمُوا أَنّ‬
‫حُ ُرمٌ ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ فَلَا َتظِْلمُوا فِيهِنّ أَ ْنفُ َ‬
‫اللّهَ َمعَ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪)36‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد روي هذا من طرف أخر (‪)1‬‬
‫عجْلن قال ‪ :‬مات رجل من أهل‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن أبي أمامة صُدَي بن َ‬
‫شهْر بن َ‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن َ‬
‫صفّة ‪ ،‬فوجد في مئزره دينار ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كيّة"‪ .‬ثم تُوفي رجل‬
‫ال ّ‬
‫آخر فوجد في مئزره ديناران ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كيتان" (‪)2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي ‪ ،‬حدثنا معاوية‬
‫بن يحيى الطرابلسي ‪ ،‬حدثني أرطاة ‪ ،‬حدثني أبو عامر ال َهوْزَني ‪ ،‬سمعت ثوبان مولى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض ‪ ،‬إل جعل ال بكل‬
‫قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا محمد بن خداش ‪ ،‬حدثنا سيف بن محمد الثوري ‪ ،‬حدثنا العمش ‪،‬‬
‫عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"ل يوضع الدينار على الدينار ‪ ،‬ول الدرهم على الدرهم ‪ ،‬ولكن ُيوَسّع جلده فيكوى (‪ )3‬بها‬
‫جباههم وجنوبهم وظهورهم ‪ ،‬هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" (‪ )4‬سيف ‪ -‬هذا ‪-‬‬
‫كذاب ‪ ،‬متروك‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضَ مِ ْنهَا أَرْ َب َعةٌ‬
‫شهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ َيوْمَ خَلَقَ ال ّ‬
‫شهُورِ عِ ْندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ َ‬
‫{ إِنّ عِ ّدةَ ال ّ‬
‫سكُ ْم َوقَاتِلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ كَافّةً َكمَا ُيقَاتِلُونَكُمْ كَافّ ًة وَاعَْلمُوا أَنّ‬
‫حُ ُرمٌ ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ فَل َتظِْلمُوا فِيهِنّ أَ ْنفُ َ‬
‫اللّهَ َمعَ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪} )36‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬أخبرنا أيوب ‪ ،‬أخبرنا محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي َبكْرَة ‪ ،‬أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم خطب في حجته ‪ ،‬فقال ‪" :‬أل إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق ال‬
‫السموات والرض ‪ ،‬السنة اثنا عشر شهرًا ‪ ،‬منها أربعة [حرم ‪ ،‬ثلثة] (‪ )5‬متواليات ‪ :‬ذو‬
‫القعدة ‪ ،‬وذو الحجة ‪ ،‬والمحرم ‪ ،‬ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان"‪ .‬ثم قال ‪" :‬أي يوم‬
‫هذا ؟ " قلنا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ‪ ،‬قال ‪" :‬أليس يوم النحر‬
‫؟ " قلنا ؛ بلى‪ .‬ثم قال ‪" :‬أي شهر هذا ؟ " قلنا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه‬
‫بغير اسمه ‪ ،‬قال ‪" :‬أليس ذا الحجة ؟" قلنا ‪ :‬بلى‪ .‬ثم قال ‪" :‬أي بلد هذا ؟"‪ .‬قلنا ‪ :‬ال ورسوله‬
‫أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في مسنده (‪ )138 ، 1/137‬من طريق قطن بن نسير ومحمد بن عبيد وحبان بن‬
‫هلل كلهم عن جعفر بن سليمان به نحوه ‪ ،‬وجاء من حديث عبد ال بن مسعود رواه أحمد في‬
‫مسنده (‪ ، )1/412‬وجاء من حديث سلمة بن الكوع رواه أحمد في مسنده (‪ )4/47‬من حديث‬
‫طويل ‪ ،‬وجاء من حديث أبي هريرة رواه أحمد في مسنده (‪.)2/429‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في مسنده (‪ )5/253‬والطبري في تفسيره (‪ )14/222‬من طريق قتادة به‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فتكوى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه ابن مردويه كما في الدر المنثور للسيوطي (‪.)4/179‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)4/144‬‬

‫قال ‪" :‬أليست البلدة ؟" قلنا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪" :‬فإن دماءكم وأموالكم ‪ -‬قال ‪ :‬وأحسبه قال ‪ :‬وأعراضكم‬
‫‪ -‬عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ‪ ،‬في شهركم هذا ‪ ،‬في بلدكم هذا ‪ ،‬وستلقون ربكم فيسألكم عن‬
‫أعمالكم ‪ ،‬أل ل ترجعوا بعدي ضُلل يضرب بعضكم رقاب بعض ‪ ،‬أل هل بلغت ؟ أل ليبلغ‬
‫الشاهد الغائب منكم ‪ ،‬فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من يسمعه (‪)2( )1‬‬
‫ورواه البخاري في التفسير وغيره ‪ ،‬ومسلم من حديث أيوب ‪ ،‬عن محمد ‪ -‬وهو ابن سيرين ‪-‬‬
‫عن عبد الرحمن بن أبي َبكْرَة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به (‪)3‬‬
‫وقد قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن َم ْعمَر ‪ ،‬حدثنا روح ‪ ،‬حدثنا أشعث ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الزمان قد‬
‫استدار كهيئته يوم خلق ال السموات والرض ‪ ،‬وإن عدة الشهور عند ال اثنا عشر شهرا في‬
‫كتاب ال يوم خلق السموات والرض منها أربعة حرم ‪ ،‬ثلثة متواليات ‪ ،‬ورجب مضر بين‬
‫جمادى وشعبان" (‪)4‬‬
‫ورواه البَزّار ‪ ،‬عن محمد بن معمر ‪ ،‬به (‪ )5‬ثم قال ‪ :‬ل يروى عن أبي هريرة إل من هذا الوجه‬
‫عوْن وقُرّة ‪ ،‬عن ابن سيرين ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به‪.‬‬
‫‪ ،‬وقد رواه ابن َ‬
‫وقال ابن جرير أيضًا ‪ :‬حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ‪ ،‬حدثنا زيد بن حُبَاب ‪ ،‬حدثنا‬
‫موسى بن عبيدة الربَذي ‪ ،‬حدثني صدقة بن يسار ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬خطب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق فقال ‪" :‬أيها الناس ‪ ،‬إن الزمان قد‬
‫استدار ‪ ،‬فهو اليوم كهيئته يوم خلق ال السموات والرض ‪ ،‬وإن عدة الشهور عند ال اثنا عشر‬
‫شهرا منها أربعة حرم ‪ ،‬أولهن َرجَب مضر بين جمادى وشعبان ‪ ،‬وذو القعدة ‪ ،‬وذو الحجة ‪،‬‬
‫والمحرم" (‪)6‬‬
‫وروى ابن مَ ْردُويه من حديث موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمرو ‪ ،‬مثله أو‬
‫نحوه‪.‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ :‬حدثني علي بن زيد ‪ ،‬عن أبي حُرّة (‪ )7‬حدثني الرقاشي ‪ ،‬عن عمه ‪-‬‬
‫وكانت له صحبة ‪ -‬قال ‪ :‬كنت آخذًا بزمام ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم في أوسط أيام‬
‫التشريق ‪ ،‬أذود الناس عنه ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل إن الزمان قد استدار‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كهيئته يوم خلق ال السموات والرض ‪ ،‬وإن عدة الشهور عند ال اثنا عشر شهرًا في كتاب ال‬
‫يوم خلق السموات والرض ‪ ،‬منها أربعة حرم فل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬أ ‪" :‬سمعه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)5/37‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4662‬وبرقم (‪ )5550 ، 7447 ، 4406 ، 3197‬وصحيح مسلم‬
‫برقم (‪.)1679‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)14/235‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬معاوية"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪ )14/234‬وموسى بن عبيده ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬حمزة"‪.‬‬

‫( ‪)4/145‬‬

‫تظلموا فيهن أنفسكم" (‪)1‬‬


‫وقال سعيد بن منصور ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس في‬
‫قوله ‪ { :‬مِ ْنهَا أَرْ َب َعةٌ حُ ُرمٌ } قال ‪ :‬محرم ‪ ،‬ورجب ‪ ،‬وذو القعدة ‪ ،‬وذو الحجة‪.‬‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم في الحديث ‪ " :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق ال السموات‬
‫والرض" ‪ ،‬تقرير منه ‪ ،‬صََلوَات ال وسلمه عليه ‪ ،‬وتثبيت للمر على ما جعله ال تعالى في‬
‫أول المر من غير تقديم ول تأخير ‪ ،‬ول زيادة ول نقص ‪ ،‬ول نسيء ول تبديل ‪ ،‬كما قال في‬
‫تحريم مكة ‪" :‬إن هذا البلد حرمه ال يوم خلق السموات والرض ‪ ،‬فهو حرام بحرمة ال إلى يوم‬
‫القيامة" ‪ ،‬وهكذا قال هاهنا ‪" :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق ال السموات والرض" أي ‪:‬‬
‫المر اليوم شرعا كما ابتدأ ال ذلك في كتابه يوم خلق السموات والرض‪.‬‬
‫وقد قال بعض المفسرين والمتكلمين على هذا الحديث ‪ :‬إن المراد بقوله ‪" :‬قد استدار كهيئته يوم‬
‫خلق ال السموات والرض" ‪ ،‬أنه اتفق أن حج رسول ال صلى ال عليه وسلم في تلك السنة في‬
‫ذي الحجة ‪ ،‬وأن العرب قد كانت نسأت النسيء ‪ ،‬يحجون في كثير من السنين ‪ ،‬بل أكثرها ‪ ،‬في‬
‫غير ذي الحجة ‪ ،‬وزعموا أن حجة الصديق في سنة تسع كانت في ذي القعدة ‪ ،‬وفي هذا نظر ‪،‬‬
‫كما سنبينه إذا تكلمنا على النسيء‪.‬‬
‫وأغرب منه ما رواه الطبراني ‪ ،‬عن بعض السلف ‪ ،‬في جملة حديث ‪ :‬أنه اتفق حج المسلمين‬
‫واليهود والنصارى في يوم واحد ‪ ،‬وهو يوم النحر ‪ ،‬عام حجة الوداع ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫[حاشية فصل] (‪)2‬‬
‫ذكر الشيخ علم الدين السّخاوي في جزء جمعه سماه "المشهور في أسماء اليام والشهور" ‪ :‬أن‬
‫المحرم سمي بذلك لكونه شهرا محرما ‪ ،‬وعندي أنه سمي بذلك تأكيدا لتحريمه ؛ لن العرب‬
‫كانت تتقلب به ‪ ،‬فتحله عاما وتحرمه عاما ‪ ،‬قال ‪ :‬ويجمع على محرمات ‪ ،‬ومحارم ‪ ،‬ومحاريم‪.‬‬
‫صفِرَ المكان" ‪ :‬إذا‬
‫صفر ‪ :‬سمي بذلك لخلو بيوتهم منه ‪ ،‬حين يخرجون للقتال والسفار ‪ ،‬يقال ‪َ " :‬‬
‫خل ويجمع على أصفار كجمل وأجمال‪.‬‬
‫شهر ربيع أول ‪ :‬سمي بذلك لرتباعهم فيه‪ .‬والرتباع القامة في عمارة الربع ‪ ،‬ويجمع على‬
‫أربعاء كنصيب وأنصباء ‪ ،‬وعلى أربعة ‪ ،‬كرغيف وأرغفة‪.‬‬
‫ربيع الخر ‪ :‬كالول‪.‬‬
‫جمادى ‪ :‬سمي بذلك لجمود الماء فيه‪ .‬قال ‪ :‬وكانت الشهور في حسابهم ل تدور‪ .‬وفي هذا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في مسنده (‪ )73 ، 5/72‬من طريق حماد بن سلمة بأطول منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/146‬‬

‫نظر ؛ إذ كانت شهورهم منوطة بالهلة ‪ ،‬ول بد من دورانها ‪ ،‬فلعلهم سموه بذلك ‪ ،‬أول ما سمي‬
‫عند جمود الماء في البرد ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫وَلَيلَةٍ منْ جُمادى ذَاتِ أ ْندِيَة‪ ...‬ل يُ ْبصِرُ العبدُ في ظَلماتها الطّنُبَا‪...‬‬
‫ل يَنْبَحُ الكلبُ فيها غَير وَاح َدةٍ‪ ...‬حَتّى يَُلفّ عَلَى خُرْطُومه الذّنَبَا‪...‬‬
‫جمَاديات ‪ ،‬كحبارى وحُبَاريات ‪ ،‬وقد يذكر ويؤنث ‪ ،‬فيقال ‪ :‬جمادى الولى والول ‪،‬‬
‫ويُجمع على ُ‬
‫وجمادى الخر والخرة‪.‬‬
‫رجب ‪ :‬من الترجيب ‪ ،‬وهو التعظيم ‪ ،‬ويجمع على أرجاب ‪ ،‬و ِرجَاب ‪ ،‬و َرجَبات‪.‬‬
‫شعْبانات (‪)1‬‬
‫شعَابين و َ‬
‫شعبان ‪ :‬من تشعب القبائل وتفرقها للغارة ويجمع على َ‬
‫ورمضان ‪ :‬من شدة الرمضاء ‪ ،‬وهو الحر ‪ ،‬يقال ‪" :‬رمضت الفصال" ‪ :‬إذا عطشت ‪ ،‬ويجمع‬
‫على َر َمضَانات ورَماضين وأ ْر ِمضَة قال ‪ :‬وقول من قال ‪" :‬إنه اسم من أسماء ال" ؛ خطأ ل‬
‫يعرج عليه ‪ ،‬ول يلتفت إليه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬قد ورد فيه حديث ؛ ولكنه ضعيف ‪ ،‬وبينته في أول كتاب الصيام‪.‬‬
‫شوّالت‪.‬‬
‫شوَاويل و َ‬
‫شوَاول و َ‬
‫شوال ‪ :‬من شالت البل بأذنابها للطراق ‪ ،‬قال ‪ :‬ويجمع على َ‬
‫القعدة ‪ :‬بفتح القاف ‪ -‬قلت ‪ :‬وكسرها ‪ -‬لقعودهم فيه عن القتال والترحال ‪ ،‬ويجمع على ذوات‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القعدة‪.‬‬
‫الحجة ‪ :‬بكسر الحاء ‪ -‬قلت ‪ :‬وفتحها ‪ -‬سمي بذلك ليقاعهم الحج فيه ‪ ،‬ويجمع على ذوات‬
‫الحجة‪.‬‬
‫أسماء اليام ‪ :‬أولها الحد ‪ ،‬ويجمع على آحاد ‪ ،‬وأُحاد ووحود‪ .‬ثم يوم الثنين ‪ ،‬ويجمع على‬
‫أثانين‪ .‬الثلثاء ‪ :‬يمد ‪ ،‬ويُ َذكّر ويؤنث ‪ ،‬ويجمع على ثلثاوات وأثالث‪ .‬ثم الربعاء بالمد ‪ ،‬ويجمع‬
‫على أربعاوات وأرابيع‪ .‬والخميس ‪ :‬يجمع على أخمسة وأخامس ‪ ،‬ثم الجمعة ‪ -‬بضم الميم ‪،‬‬
‫جمُعات‪.‬‬
‫جمَع و ُ‬
‫وإسكانها ‪ ،‬وفتحها أيضا ‪ -‬ويجمع على ُ‬
‫السبت ‪ :‬مأخوذ من السّبْت ‪ ،‬وهو القطع ؛ لنتهاء العدد عنده‪ .‬وكانت العرب تسمي اليام أول ‪،‬‬
‫ثم أهون ‪ ،‬ثم جُبَار ‪ ،‬ثم دبار ‪ ،‬ثم مؤنس ‪ ،‬ثم العروبة ‪ ،‬ثم شيار ‪ ،‬قال الشاعر ‪ -‬من العرب‬
‫العرباء العاربة المتقدمين ‪: -‬‬
‫ش وأن يَومِي‪ ...‬بأوّل أو بأهون أو جُبَار‪...‬‬
‫أُرَجّي أن أعي َ‬
‫أو التالي دُبَار فإن أفُْتهُ‪ ...‬فمؤنس أو عروبةَ أو شيار‪...‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬وشعابات"‪.‬‬

‫( ‪)4/147‬‬

‫وقوله تعالى ‪ { :‬مِ ْنهَا أَرْ َبعَةٌ حُرُمٌ } فهذا مما كانت العرب أيضا في الجاهلية (‪ )1‬تحرمه ‪ ،‬وهو‬
‫الذي كان عليه جمهورهم ‪ ،‬إل طائفة منهم يقال لهم ‪" :‬البَسْل" ‪ ،‬كانوا يحرمون من السنة ثمانية‬
‫أشهر ‪ ،‬تعمقا وتشديدًا‪.‬‬
‫وأما قوله ‪" :‬ثلث متواليات ‪ :‬ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ‪ ،‬ورجب مضر الذي بين جمادى‬
‫وشعبان ‪[ ،‬فإنما أضافه إلى مضر ‪ ،‬ليبين صحة قولهم في رجب أنه الشهر الذي بين جمادى‬
‫وشعبان] (‪ )2‬ل كما كانت تظنه ربيعة من أنّ رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال ‪،‬‬
‫وهو رمضان اليوم ‪ ،‬فبين ‪ ،‬عليه [الصلة و] (‪ )3‬السلم ‪ ،‬أنه رجب مضر ل رجب ربيعة‪.‬‬
‫وإنما كانت الشهر المحرمة أربعة ‪ ،‬ثلثة سَ ْردٌ وواحد فرد ؛ لجل أداء مناسك الحج والعمرة ‪،‬‬
‫فحرم قبل شهر الحج شهر ‪ ،‬وهو ذو القعدة ؛ لنهم يقعدون فيه عن القتال ‪ ،‬وحُرّم شهر ذي‬
‫الحجة لنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك ‪ ،‬وحرم بعده شهر آخر ‪ ،‬وهو المحرم‬
‫؛ ليرجعوا فيه إلى نائي أقصى بلدهم آمنين ‪ ،‬وحرم رجب في وسط الحول ‪ ،‬لجل زيارة البيت‬
‫والعتمار به ‪ ،‬لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب ‪ ،‬فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنا‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ } أي ‪ :‬هذا هو الشرع المستقيم ‪ ،‬من امتثال أمر ال فيما جعل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حذْو بها على ما سبق في كتاب ال الول‪.‬‬
‫من الشهر الحرم ‪ ،‬وال َ‬
‫سكُمْ } أي ‪ :‬في هذه الشهر المحرمة ؛ لنه آكد وأبلغ في الثم‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬فَل َتظِْلمُوا فِيهِنّ أَ ْنفُ َ‬
‫من غيرها ‪ ،‬كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ { :‬ومَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ‬
‫بِظُ ْلمٍ نُ ِذ ْقهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الحج ‪ ]25 :‬وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الثام ؛ ولهذا تغلظ فيه‬
‫الدية في مذهب الشافعي ‪ ،‬وطائفة كثيرة من العلماء ‪ ،‬وكذا في حَقّ من قتل في الحرم أو قتل ذا‬
‫محرم‪.‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ِمهْران ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬في قوله ‪:‬‬
‫سكُمْ } قال ‪ :‬في الشهور كلها‪.‬‬
‫{ فَل َتظِْلمُوا فِيهِنّ أَ ْنفُ َ‬
‫شهْرًا }‬
‫شهُورِ عِ ْندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ َ‬
‫ع ّدةَ ال ّ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ { :‬إِنّ ِ‬
‫سكُمْ } في كلّهن ‪ ،‬ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما ‪،‬‬
‫الية { فَل َتظِْلمُوا فِيهِنّ أَ ْنفُ َ‬
‫وعَظم حُرُماتهن ‪ ،‬وجعل الذنب فيهن أعظم ‪ ،‬والعمل الصالح والجر أعظم‪.‬‬
‫سكُمْ } إن الظلم في الشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬فَل َتظِْلمُوا فِيهِنّ أَ ْنفُ َ‬
‫‪ ،‬من الظلم فيما سواها ‪ ،‬وإن كان الظلم على كل حال عظيما ‪ ،‬ولكن ال يعظم من أمره ما يشاء‪.‬‬
‫صفَايا من خلقه ‪ ،‬اصطفى من الملئكة رسل ومن الناس رسل واصطفى‬
‫قال ‪ :‬إن ال اصطفى َ‬
‫من الكلم ِذكْرَه ‪ ،‬واصطفى من الرض المساجد ‪ ،‬واصطفى من الشهور رمضان والشهر‬
‫الحرم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬جاهليتها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/148‬‬

‫واصطفى من اليام يوم الجمعة ‪ ،‬واصطفى من الليالي ليلة القدر ‪َ ،‬فعَظّموا ما عظم ال ‪ ،‬فإنما‬
‫ُتعَظم المور (‪ )1‬بما عظمها ال به عند أهل الفهم وأهل العقل‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن قيس بن مسلم ‪ ،‬عن الحسن بن محمد بن الحنفية ‪ :‬بأل تحرموهن كحرمتهن (‬
‫‪)2‬‬
‫سكُمْ } أي ‪ :‬ل تجعلوا حرامها حلل ول حللها‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ { :‬فَل َتظِْلمُوا فِيهِنّ أَ ْنفُ َ‬
‫حراما ‪ ،‬كما فعل أهل الشرك ‪ ،‬فإنما النسيء الذي كانوا يصنعون من ذلك ‪ ،‬زيادة في الكفر‬
‫ضلّ بِهِ الّذِينَ َكفَرُوا } الية [التوبة ‪.]37 :‬‬
‫{ ُي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا القول اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَاتِلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ كَافّةً } أي ‪ :‬جميعكم (‪َ { )3‬كمَا ُيقَاتِلُو َنكُمْ كَافّةً } أي ‪ :‬جميعهم ‪،‬‬
‫{ وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ ا ْلمُ ّتقِينَ }‬
‫وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام ‪ :‬هل هو منسوخ أو محكم ؟ على‬
‫قولين ‪:‬‬
‫سكُمْ } وأمر‬
‫أحدهما ‪ -‬وهو الشهر ‪ :‬أنه منسوخ ؛ لنه تعالى قال هاهنا ‪ { :‬فَل َتظِْلمُوا فِيهِنّ أَ ْنفُ َ‬
‫بقتال المشركين وظاهر السياق مشعر بأنه أمر بذلك أمرًا عاما ‪ ،‬فلو كان محرما ما في الشهر‬
‫الحرام لوشك أن يقيده بانسلخها ؛ ولن رسول ال صلى ال عليه وسلم حاصر أهل الطائف في‬
‫شهر حرام ‪ -‬وهو ذو القعدة ‪ -‬كما ثبت في الصحيحين ‪ :‬أنه خرج إلى هوازن في شوال ‪ ،‬فلما‬
‫كسرهم واستفاء أموالهم ‪ ،‬ورجع فَلّهم ‪ ،‬فلجئوا إلى الطائف ‪ -‬عَمد إلى الطائف فحاصرها أربعين‬
‫يوما ‪ ،‬وانصرف ولم يفتتحها (‪ )4‬فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام‪.‬‬
‫والقول الخر ‪ :‬أن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام ‪ ،‬وأنه لم ينسخ تحريم الحرام ‪ ،‬لقوله‬
‫شهْرَ الْحَرَامَ } [الية] (‪[ )5‬المائدة ‪] 2 :‬‬
‫شعَائِرَ اللّهِ وَل ال ّ‬
‫حلّوا َ‬
‫تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُ ِ‬
‫شهْرِ ا ْلحَرَا ِم وَا ْلحُ ُرمَاتُ ِقصَاصٌ َفمَنِ اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ فَاعْتَدُوا عَلَ ْيهِ ِبمِ ْثلِ‬
‫شهْرُ ا ْلحَرَامُ بِال ّ‬
‫وقال ‪ { :‬ال ّ‬
‫شهُرُ الْحُ ُرمُ فَاقْتُلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ }‬
‫مَا اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ } الية[البقرة ‪ ]194 :‬وقال ‪ { :‬فَِإذَا انْسَلَخَ ال ْ‬
‫[الية] [التوبة ‪)6( ]50 :‬‬
‫وقد تقدم أنها الربعة المقررة في كل سنة ‪ ،‬ل أشهر التسيير على أحد القولين‪.‬‬
‫وأما قوله تعالى ‪َ { :‬وقَاتِلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ كَافّةً َكمَا ُيقَاتِلُو َنكُمْ كَافّةً } فيحتمل أنه منقطع عما قبله ‪،‬‬
‫وأنه حكم مستأنف ‪ ،‬ويكون من باب التهييج والتحضيض ‪ ،‬أي ‪ :‬كما يجتمعون لحربكم إذا‬
‫حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضا لهم إذا حاربتموهم ‪ ،‬وقاتلوهم بنظير ما يفعلون ‪ ،‬ويحتمل أنه أذن‬
‫للمؤمنين بقتال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعظم من المور"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬لحرمتهن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬جميعهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يفتحها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/149‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شهْرِ‬
‫شهْرُ الْحَرَامُ بِال ّ‬
‫المشركين في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬ال ّ‬
‫سجِدِ الْحَرَامِ‬
‫الْحَرَا ِم وَالْحُ ُرمَاتُ ِقصَاصٌ } [البقرة ‪ ]194 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَل ُتقَاتِلُوهُمْ عِ ْندَ ا ْلمَ ْ‬
‫حَتّى ُيقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } الية[البقرة ‪ ، ]191 :‬وهكذا الجواب عن حصار رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أهل الطائف ‪ ،‬واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر الحرام ‪ ،‬فإنه من‬
‫(‪ )1‬تتمة قتال هوازن وأحلفها من ثقيف ‪ ،‬فإنهم هم الذين ابتدءوا القتال ‪ ،‬وجمعوا الرجال ‪،‬‬
‫ودعوا إلى الحرب والنزال ‪ ،‬فعندما قصدهم رسول ال صلى ال عليه وسلم كما تقدم ‪ ،‬فلما‬
‫تحصنوا بالطائف ذهب إليهم لينزلهم من حصونهم ‪ ،‬فنالوا من المسلمين ‪ ،‬وقتلوا جماعة ‪،‬‬
‫واستمر الحصار بالمجانيق وغيرها قريبا من أربعين يوما‪ .‬وكان ابتداؤه في شهر حلل ‪ ،‬ودخل‬
‫الشهر الحرام ‪ ،‬فاستمر فيه أياما ‪ ،‬ثم قفل عنهم لنه يغتفر في الدوام ما ل يغتفر في البتداء ‪،‬‬
‫وهذا هو أمر مقرر ‪ ،‬وله نظائر كثيرة ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ولنذكر الحاديث الواردة في ذلك (‪ )2‬وقد‬
‫حررنا ذلك في السيرة ‪ ،‬وال أعلم (‪)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا ولم أجد شيئا من ذلك ‪ ،‬ورفع في هـ ‪ ،‬ك فراغ قدر أربعة أسطر ‪ ،‬ووصل الكلم في‬
‫باقي النسخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬والحمد ل"‪.‬‬

‫( ‪)4/150‬‬

‫ع ّدةَ مَا‬
‫ضلّ بِهِ الّذِينَ َكفَرُوا ُيحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَ ّرمُونَهُ عَامًا لِ ُيوَاطِئُوا ِ‬
‫إِ ّنمَا النّسِيءُ زِيَا َدةٌ فِي ا ْل ُكفْرِ ُي َ‬
‫عمَاِلهِ ْم وَاللّهُ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلكَافِرِينَ (‪)37‬‬
‫حَرّمَ اللّهُ فَيُحِلّوا مَا حَرّمَ اللّهُ زُيّنَ َلهُمْ سُوءُ أَ ْ‬

‫ضلّ ِبهِ الّذِينَ كَفَرُوا يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَ ّرمُونَهُ عَامًا لِ ُيوَاطِئُوا عِ ّدةَ مَا‬
‫{ إِ ّنمَا النّسِيءُ زِيَا َدةٌ فِي ا ْل ُكفْرِ ُي َ‬
‫عمَاِلهِ ْم وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلكَافِرِينَ (‪} )37‬‬
‫حَرّمَ اللّهُ فَيُحِلّوا مَا حَرّمَ اللّهُ زُيّنَ َلهُمْ سُوءُ أَ ْ‬
‫هذا مما ذم ال تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع ال بآرائهم الفاسدة ‪ ،‬وتغييرهم أحكام‬
‫ال بأهوائهم الباردة ‪ ،‬وتحليلهم ما حرم ال وتحريمهم ما أحل ال ‪ ،‬فإنهم كان فيهم من القوة‬
‫الغضَبِية والشهامة والحمية ما استطالوا به مدة الشهر الثلثة في التحريم المانع لهم من قضاء‬
‫أوطارهم من قتال أعدائهم ‪ ،‬فكانوا قد أحدثوا قبل السلم بمدة تحليل المحرم وتأخيره إلى صفر ‪،‬‬
‫فيحلون الشهر الحرام ‪ ،‬ويحرمون الشهر الحلل ‪ ،‬ليواطئوا عدة الشهر الربعة (‪ )1‬كما قال‬
‫شاعرهم ‪ -‬وهو عمير بن قيس المعروف ‪ -‬بجذل الطعان ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َلقَدْ عَلمت مَعد أنّ قَومِي‪ ...‬كرَامُ النّاس أنّ َل ُهمْ كِراما‪...‬‬
‫شهُورَ الحِل َنجْعُلهَا حَرَاما‪...‬‬
‫ألسْنا الناسئينَ على مَعد‪ُ ...‬‬
‫فأيّ النّاسِ لَم تُدْرَك بوتْر?‪ ...‬وأيّ النّاس لم ُنعْلك لجاما? (‪)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬ليواطئوا عدة ما حرم ال الشهر الربعة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/45‬‬

‫( ‪)4/150‬‬

‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬إِ ّنمَا النّسِيءُ زِيَا َدةٌ فِي ا ْل ُكفْرِ } قال ‪ :‬النسيء‬
‫أنّ جُنادة بن عوف بن أمية الكناني ‪ ،‬كان يوافي الموسم في كل عام ‪ ،‬وكان يكنى "أبا ُثمَامة" ‪،‬‬
‫فينادي ‪ :‬أل إن أبا ثمامة ل يُحاب ول يُعاب ‪ ،‬أل وإن صفر العام الول حلل‪ .‬فيحله للناس ‪،‬‬
‫فيحرم صفرا عاما ‪ ،‬ويحرم المحرم عاما ‪ ،‬فذلك قول ال ‪ { :‬إِ ّنمَا النّسِيءُ زِيَا َدةٌ فِي ا ْل ُكفْرِ } [إلى‬
‫قوله ‪ { :‬الكافرين } وقوله { إِ ّنمَا النّسِيءُ زِيَا َدةٌ فِي ا ْلكُفْرِ } ] (‪ )1‬يقول ‪ :‬يتركون المحرم عاما ‪،‬‬
‫وعاما يحرمونه‪.‬‬
‫وروى العوفي عن ابن عباس نحوه‪.‬‬
‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام إلى الموسم على‬
‫حمار له ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إني ل أعاب ول أجاب ‪ ،‬ول مَرَدّ لما أقول ‪ ،‬إنا قد حَرّمنا‬
‫المحرم ‪ ،‬وأخرنا صفر‪ .‬ثم يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته ‪ ،‬ويقول ‪ :‬إنا قد حرمنا‬
‫ع ّدةَ مَا حَرّمَ اللّهُ } قال ‪ :‬يعني الربعة { فَ ُيحِلّوا مَا‬
‫صفر ‪ ،‬وأخرنا المحرم‪ .‬فهو قوله ‪ { :‬لِ ُيوَاطِئُوا ِ‬
‫حَرّمَ اللّهُ } لتأخير هذا الشهر الحرام‪.‬‬
‫وروي عن أبي وائل ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة نحو هذا‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله ‪ { :‬إِ ّنمَا النّسِيءُ زِيَا َدةٌ فِي ا ْل ُكفْرِ } الية ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا‬
‫رجل من بني كنانة يقال له ‪" :‬القََلمّس" ‪ ،‬وكان في الجاهلية ‪ ،‬وكانوا في الجاهلية ل يغيرُ بعضهم‬
‫على بعض في الشهر الحرام ‪ ،‬يلقى الرجل قاتل أبيه ول َي ُمدّ إليه يده ‪ ،‬فلما كان هو ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫اخرجوا بنا‪ .‬قالوا له ‪ :‬هذا المحرم! قال ‪ :‬ننسئه العام ‪ ،‬هما العام صفران ‪ ،‬فإذا كان العام القابل‬
‫قضينا جعلناهما مُحرّمين‪ .‬قال ‪ :‬ففعل ذلك ‪ ،‬فلما كان عام قابل قال ‪ :‬ل تغزُوا في صفر ‪،‬‬
‫حرموه مع المحرم ‪ ،‬هما محرمان‪.‬‬
‫فهذه صفة غريبة في النسيء ‪ ،‬وفيها نظر ؛ لنهم في عام إنما يحرمون على هذا ثلثة أشهر فقط‬
‫‪ ،‬وفي العام الذي يليه يحرمون خمسة أشهر ‪ ،‬فأين هذا من قوله تعالى ‪ُ { :‬يحِلّونَهُ عَامًا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ع ّدةَ مَا حَرّمَ اللّهُ }‪.‬‬
‫وَيُحَ ّرمُونَهُ عَامًا لِ ُيوَاطِئُوا ِ‬
‫وقد روي عن مجاهد صفة أخرى غريبة أيضا ‪ ،‬فقال عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪ { :‬إِ ّنمَا النّسِيءُ زِيَا َدةٌ فِي ا ْل ُكفْرِ } الية ‪ ،‬قال ‪ :‬فرض ال ‪ ،‬عز وجل‬
‫‪ ،‬الحج في ذي الحجة‪ .‬قال ‪ :‬وكان المشركون يسمون الشهر ذا الحجة ‪ ،‬والمحرم ‪ ،‬وصفر ‪،‬‬
‫وربيع ‪ ،‬وربيع ‪ ،‬وجمادى ‪ ،‬وجمادى ‪ ،‬ورجب ‪ ،‬وشعبان ‪ ،‬ورمضان ‪ ،‬وشوال (‪ )2‬وذا القعدة‪.‬‬
‫وذا الحجة يحجون فيه مرة أخرى ثم يسكتون عن المحرم ول يذكرونه ‪ ،‬ثم يعودون فيسمون‬
‫صفر صفر ‪ ،‬ثم يسمون رجب جمادى الخرة ‪ ،‬ثم يسمون شعبان رمضان ‪ ،‬ثم يسمون شوال‬
‫رمضان ‪ ،‬ثم يسمون ذا القعدة شوال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وشوال"‪.‬‬

‫( ‪)4/151‬‬

‫ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة ‪ ،‬ثم يسمون المحرم ذا الحجة ‪ ،‬فيحجون فيه ‪ ،‬واسمه عندهم ذو (‪)1‬‬
‫الحجة ‪ ،‬ثم عادوا بمثل هذه القصة فكانوا يحجون في كل شهر عامين ‪ ،‬حتى وافق حجة أبي بكر‬
‫الخر من العامين في القعدة (‪ )2‬ثم حج النبي صلى ال عليه وسلم حجته التي حج ‪ ،‬فوافق ذا‬
‫الحجة ‪ ،‬فذلك حين يقول النبي صلى ال عليه وسلم في خطبته ‪" :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم‬
‫خلق ال السموات والرض"‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله مجاهد فيه نظر أيضا ‪ ،‬وكيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة ‪،‬‬
‫ج الكْبَرِ أَنّ اللّهَ‬
‫وأنى هذا ؟ وقد قال ال تعالى ‪ { :‬وَأَذَانٌ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ َيوْمَ الْحَ ّ‬
‫ن وَرَسُولُهُ } الية[التوبة ‪ ، ]3 :‬وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر ‪ ،‬فلو لم‬
‫بَرِيءٌ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫ج الكْبَرِ } ول يلزم من فعلهم النسيء هذا الذي‬
‫تكن في ذي الحجة لما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ ا ْلحَ ّ‬
‫ذكره ‪ ،‬من دوران السنة عليهم ‪ ،‬وحجهم في كل شهر عامين ؛ فإن النسيء حاصل بدون هذا ‪،‬‬
‫فإنهم لما كانوا يحلون شهر المحرم عاما يحرمون عوضه صفرا ‪ ،‬وبعده ربيع وربيع إلى آخر‬
‫[السنة والسنة بحالها على نظامها وعدتها وأسماء شهورها ثم في العام القابل يحرمون المحرم‬
‫ويتركونه على تحريمه ‪ ،‬وبعده صفر ‪ ،‬وربيع وربيع إلى آخرها] (‪ )3‬فيحلونه عاما ويحرمونه‬
‫عاما ؛ ليواطئوا عدة ما حرم ال ‪ ،‬فيحلوا ما حرم ال ‪ ،‬أي ‪ :‬في تحريم أربعة أشهر من السنة ‪،‬‬
‫إل أنهم تارة يقدمون تحريم الشهر الثالث من الثلثة المتوالية وهو المحرم ‪ ،‬وتارة ينسئونه إلى‬
‫صفر ‪ ،‬أي ‪ :‬يؤخرونه‪ .‬وقد قدمنا الكلم على قوله صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الزمان قد استدار‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كهيئته يوم خلق ال السموات والرض ‪ ،‬السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ‪ ،‬ثلثة متوالية ‪:‬‬
‫ذو القعدة ‪ ،‬وذو الحجة ‪ ،‬والمحرم ‪ ،‬ورجب مضر" ‪ ،‬أي ‪ :‬أن المر في عدة (‪ )4‬الشهور وتحريم‬
‫ما هو محرم منها ‪ ،‬على ما سبق في كتاب ال من العدد والتوالي ‪ ،‬ل كما يعتمده جهلة العرب ‪،‬‬
‫من فصلهم تحريم بعضها بالنسيء عن بعض ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا صالح بن بشر بن سلمة الطبراني ‪ ،‬حدثنا مكي بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا‬
‫موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر أنه قال ‪ :‬وقف رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بالعقبة ‪ ،‬فاجتمع إليه من شاء ال من المسلمين ‪ ،‬فحمد ال وأثنى عليه بما هو له أهل (‪)5‬‬
‫ثم قال ‪" :‬وإنما النسيء من الشيطان ‪ ،‬زيادة في الكفر ‪ ،‬يضل به الذين كفروا ‪ ،‬يحلونه عاما‬
‫ويحرمونه عاما"‪ .‬فكانوا يحرمون المحرم عاما ‪ ،‬ويستحلون صفر (‪ )6‬ويستحلون المحرم ‪ ،‬وهو‬
‫النسيء (‪)7‬‬
‫وقد تكلم المام محمد بن إسحاق على هذا في كتاب "السيرة" كلمًا جيدًا ومفيدًا حسنًا ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان‬
‫أول من نسأ الشهور على العرب ‪ ،‬فأحل منها ما حرم ال ‪ ،‬وحرم منها ما أحل ال ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫"القَلمّس" ‪ ،‬وهو ‪ :‬حذيفة بن عبد مُدْرِكة ُفقَيم (‪ )8‬بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك‬
‫بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬ذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬ذي القعدة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬هذه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بما هو أهله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬صفر منه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه أبو الشيخ الصبهاني كما في الدر المنثور (‪.)5/188‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد بن فقيم"‪.‬‬

‫( ‪)4/152‬‬

‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا مَا َلكُمْ ِإذَا قِيلَ َلكُمُ ا ْنفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَ ْرضِ أَ َرضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا‬
‫عذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْ ِدلْ‬
‫مِنَ الْآَخِ َرةِ َفمَا مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا فِي الَْآخِ َرةِ إِلّا قَلِيلٌ (‪ )38‬إِلّا تَ ْنفِرُوا ُيعَذّ ْبكُمْ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪)39‬‬
‫َق ْومًا غَيْ َر ُك ْم وَلَا َتضُرّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كنانة بن خُزَيمة بن مدْرِكة بن إلياس بن ُمضَر بن نزار بن مَعدّ بن عدنان ‪ ،‬ثم قام بعده على ذلك‬
‫ابنه عَبّاد ثم من بعد عباد ابنه قَلَع بن عباد ‪ ،‬ثم ابنه أمية بن قلع ‪ ،‬ثم ابنه عوف بن أمية ‪ ،‬ثم ابنه‬
‫أبو ثمامة جنادة بن عوف ‪ ،‬وكان آخرهم ‪ ،‬وعليه قام السلم‪ .‬فكانت العرب إذا فرغت من حجها‬
‫اجتمعت إليه ‪ ،‬فقام فيهم خطيبًا ‪ ،‬فحرم رجبا ‪ ،‬وذا القعدة ‪ ،‬وذا الحجة ‪ ،‬ويحل المحرم عاما ‪،‬‬
‫ويجعل مكانه صفر ‪ ،‬ويحرمه عاما ليواطئ عدة ما حرم ال ‪ ،‬فيحل ما حرم ال ‪ ،‬يعني ‪ :‬ويحرم‬
‫ما أحل ال‪.‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا مَا َلكُمْ إِذَا قِيلَ َلكُمُ ا ْنفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْ ُتمْ إِلَى ال ْرضِ أَ َرضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا‬
‫ن الخِ َرةِ َفمَا مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا فِي الخِ َرةِ إِل قَلِيلٌ (‪ )38‬إِل تَ ْنفِرُوا ُيعَذّ ْبكُمْ َ‬
‫الدّنْيَا مِ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪} )39‬‬
‫وَيَسْتَبْ ِدلْ َق ْومًا غَيْ َركُ ْم وَل َتضُرّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫هذا شروع في عتاب من تخلّف عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك ‪ ،‬حين طابت‬
‫حمَارّة (‪ )1‬القيظ ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا مَا َلكُمْ إِذَا‬
‫الثمار والظلل في شدة الحر و َ‬
‫قِيلَ َلكُمُ ا ْنفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ } أي ‪ :‬إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل ال { اثّاقَلْ ُتمْ إِلَى ال ْرضِ } أي‬
‫‪ :‬تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار ‪ { ،‬أَ َرضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا مِنَ‬
‫الخِ َرةِ } أي ‪ :‬ما لكم فعلتم (‪ )2‬هكذا أرضا منكم بالدنيا بدل من الخرة‬
‫ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا ‪ ،‬ورغب في الخرة ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬فمَا مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا فِي الخِ َرةِ‬
‫إِل قَلِيلٌ } كما قال المام أحمد‪.‬‬
‫حدثنا َوكِيع ويحيى بن سعيد قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن قيس ‪ ،‬عن المس َتوْرِد أخي‬
‫بني ِفهْر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما الدنيا في الخرة إل كما يجعل إصبعه‬
‫هذه في اليم ‪ ،‬فلينظر بما ترجع ؟ (‪ )3‬وأشار بالسبابة‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم (‪)4‬‬
‫حمْصي ‪ ،‬حدثنا الربيع بن َروْح ‪،‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا بشر بن مسلم بن (‪ )5‬عبد الحميد ال ِ‬
‫حدثنا محمد بن خالد الوهبي ‪ ،‬حدثنا زياد ‪ -‬يعني الجصاص ‪ -‬عن أبي عثمان قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا أبا‬
‫هريرة ‪ ،‬سمعت من إخواني بالبصرة أنك تقول ‪ :‬سمعت نبي ال يقول ‪" :‬إن ال يجزي بالحسنة‬
‫ألف ألف حسنة" قال أبو هريرة ‪ :‬بل سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن ال‬
‫يجزي بالحسنة ألفي ألف‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وحماوة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬صنعتم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يرجع"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )4/228‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2858‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫( ‪)4/153‬‬

‫إِلّا تَ ْنصُرُوهُ فَقَدْ َنصَ َرهُ اللّهُ ِإذْ أَخْ َرجَهُ الّذِينَ َكفَرُوا ثَا ِنيَ اثْنَيْنِ ِإذْ ُهمَا فِي ا ْلغَارِ ِإذْ َيقُولُ ِلصَاحِبِهِ لَا‬
‫سفْلَى‬
‫ج َعلَ كَِلمَةَ الّذِينَ كَفَرُوا ال ّ‬
‫سكِينَتَهُ عَلَ ْي ِه وَأَيّ َدهُ ِبجُنُودٍ لَمْ تَ َروْهَا وَ َ‬
‫تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ َمعَنَا فَأَنْ َزلَ اللّهُ َ‬
‫حكِيمٌ (‪)40‬‬
‫َوكَِلمَةُ اللّهِ ِهيَ ا ْلعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬

‫حسنة" ثم تل هذه الية ‪َ { :‬فمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا فِي الخِ َرةِ إِل قَلِيلٌ } (‪)2( )1‬‬
‫فالدنيا ما مضى منها وما بقي منها عند ال قليل‪.‬‬
‫وقال [سفيان] (‪ )3‬الثوري ‪ ،‬عن العمش في الية ‪َ { :‬فمَا مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا فِي الخِ َرةِ إِل قَلِيلٌ }‬
‫قال ‪ :‬كزاد الراكب‪.‬‬
‫وقال عبد العزيز بن أبي حازم (‪ )4‬عن أبيه ‪ :‬لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاةُ قال ‪:‬‬
‫ائتوني بكفني الذي أكفن فيه ‪ ،‬أنظر إليه (‪ )5‬فلما وضع بين يديه نَظَر إليه فقال ‪ :‬أمَا لي من كَبِير‬
‫(‪ )6‬ما أخلف من الدنيا إل هذا ؟ ثم ولى ظهره فبكى وهو يقول أفّ لك من دار‪ .‬إن كان كثيرُك‬
‫لقليل ‪ ،‬وإن كان قليلك لقصير ‪ ،‬وإن كنا منك لفي غرور‪.‬‬
‫ثم توعد تعالى على ترك الجهاد فقال ‪ { :‬إِل تَ ْنفِرُوا ُي َعذّ ْبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } قال ابن عباس ‪ :‬استنفر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حيا من العرب ‪ ،‬فتثاقلوا عنه ‪ ،‬فأمسك ال عنهم القَطْر فكان‬
‫عذابهم‪.‬‬
‫{ وَيَسْتَ ْب ِدلْ َقوْمًا غَيْ َركُمْ } أي ‪ :‬لنصرة نبيه وإقامة دينه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنْ تَ َتوَّلوْا يَسْتَبْ ِدلْ‬
‫َق ْومًا غَيْ َر ُكمْ ثُمّ ل َيكُونُوا َأمْثَاَلكُمْ } [محمد ‪.]38 :‬‬
‫{ وَل َتضُرّوهُ شَيْئًا } أي ‪ :‬ول تضروا ال شيئًا بتوليكم عن الجهاد ‪ ،‬و ُنكُولكم وتثاقلكم عنه ‪،‬‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } أي ‪ :‬قادر على النتصار من العداء بدونكم‪.‬‬
‫{ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫خفَافًا وَ ِثقَال } وقوله { مَا كَانَ ل ْهلِ ا ْلمَدِينَةِ َومَنْ‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن هذه الية ‪ ،‬وقوله ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫حوَْلهُمْ مِنَ العْرَابِ أَنْ يَ َتخَّلفُوا عَنْ َرسُولِ اللّهِ } [التوبة ‪ ]120 :‬إنهن منسوخات بقوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫{ َومَا كَانَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ لِيَ ْنفِرُوا كَافّةً فََلوْل َنفَرَ مِنْ ُكلّ فِ ْرقَةٍ مِ ْنهُمْ طَا ِئفَةٌ } [التوبة ‪ ]122 :‬رُوي هذا‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وزيد بن أسلم‪ .‬ورده (‪ )7‬ابن جرير وقال ‪ :‬إنما هذا فيمن‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬و ِ‬
‫دعاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الجهاد ‪ ،‬فتعين عليهم ذلك ‪ ،‬فلو تركوه لعوقبوا عليه‪.‬‬
‫وهذا له اتجاه ‪ ،‬وال [سبحانه و] (‪ )8‬تعالى أعلم [بالصواب] (‪)9‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ إِل تَ ْنصُرُوهُ َفقَدْ َنصَ َرهُ اللّهُ ِإذْ أَخْ َرجَهُ الّذِينَ َكفَرُوا ثَا ِنيَ اثْنَيْنِ إِذْ ُهمَا فِي ا ْلغَارِ ِإذْ َيقُولُ ِلصَاحِ ِبهِ‬
‫ج َعلَ كَِلمَةَ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫سكِينَتَهُ عَلَ ْي ِه وَأَيّ َدهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَ َروْهَا َو َ‬
‫ل َتحْزَنْ إِنّ اللّهَ َمعَنَا فَأَنزلَ اللّهُ َ‬
‫حكِيمٌ (‪} )40‬‬
‫سفْلَى َوكَلِمَةُ اللّهِ ِهيَ ا ْلعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬ما الحياة" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه عبد ال بن أحمد في زوائد الزهد ‪ ،‬وابن مردويه في تفسيره كما في الدر المنثور (‬
‫‪.)5/193‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬حاتم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬كثير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/154‬‬

‫يقول تعالى ‪ { :‬إِل تَ ْنصُرُوهُ } أي ‪ :‬تنصروا رسوله ‪ ،‬فإن ال ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه ‪،‬‬
‫جهُ الّذِينَ َكفَرُوا ثَا ِنيَ اثْنَيْنِ [إِذْ ُهمَا فِي ا ْلغَارِ] } (‪ )1‬أي ‪ :‬عام الهجرة ‪،‬‬
‫كما تولى نصره { إِذْ َأخْرَ َ‬
‫لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه ‪ ،‬فخرج منهم هاربًا صحبة صدّيقه وصاحبه أبي بكر بن‬
‫أبي قحافة ‪ ،‬فلجأ إلى غار ثور ثلثة أيام ليرجع الطَّلبُ الذين خرجوا في آثارهم ‪ ،‬ثم يسيرا نحو‬
‫المدينة ‪ ،‬فجعل أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يجزع أن َيطّلع عليهم أحد ‪ ،‬فيخلص إلى الرسول ‪،‬‬
‫سكّنه ويَثبّته ويقول ‪ " :‬يا أبا بكر ‪،‬‬
‫عليه السلم (‪ )2‬منهم أذى ‪ ،‬فجعل النبي صلى ال عليه وسلم يُ َ‬
‫ما ظنك باثنين ال ثالثهما" ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬أنبأنا ثابت ‪ ،‬عن أنس أن أبا بكر حدثه قال ‪ :‬قلت للنبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ونحن في الغار ‪ :‬لو أن أحدهم (‪ )3‬نظر إلى قدميه لبصرنا تحت قدميه‪ .‬قال ‪ :‬فقال ‪" :‬يا‬
‫أبا بكر ‪ ،‬ما ظنك باثنين ال ثالثهما"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين (‪)4‬‬
‫سكِينَتَهُ عَلَ ْيهِ } أي ‪ :‬تأييده ونصره عليه ‪ ،‬أي ‪ :‬على الرسول في‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فَأَنزلَ اللّهُ َ‬
‫أشهر القولين ‪ :‬وقيل ‪ :‬على أبي بكر ‪ ،‬وروي عن ابن عباس وغيره ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لن الرسول لم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تزل معه سكينة ‪ ،‬وهذا ل ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَأَيّ َدهُ بِجُنُودٍ لَمْ‬
‫سفْلَى َوكَِلمَةُ اللّهِ ِهيَ ا ْلعُلْيَا }‬
‫ج َعلَ كَِلمَةَ الّذِينَ َكفَرُوا ال ّ‬
‫تَ َروْهَا } أي ‪ :‬الملئكة ‪َ { ،‬و َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يعني { كَِلمَةَ الّذِينَ َكفَرُوا } الشرك و { كَِلمَةُ اللّهِ } هي ‪ :‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي موسى الشعري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سئل رسول ال صلى ال‬
‫حمِيّة ‪ ،‬ويقاتل رياء ‪ ،‬أي ذلك في سبيل ال ؟ فقال ‪:‬‬
‫عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ‪ ،‬ويقاتل َ‬
‫"من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال" (‪)5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ عَزِيزٌ } أي ‪ :‬في انتقامه وانتصاره ‪ ،‬منيع الجناب ‪ ،‬ل يُضام من لذ ببابه ‪،‬‬
‫حكِيمٌ } في أقواله وأفعاله‪.‬‬
‫واحتمى بالتمسك بخطابه ‪َ { ،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ك‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أحدا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )1/4‬وصحيح البخاري برقم (‪ )3653‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2381‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )2810‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1904‬‬

‫( ‪)4/155‬‬

‫سكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪)41‬‬
‫خفَافًا وَ ِثقَالًا وَجَا ِهدُوا بَِأ ْموَاِلكُمْ وَأَنْفُ ِ‬
‫ا ْنفِرُوا ِ‬

‫سكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪)41‬‬
‫خفَافًا وَ ِثقَال وَجَا ِهدُوا بَِأ ْموَاِلكُمْ وَأَنْفُ ِ‬
‫{ ا ْنفِرُوا ِ‬
‫}‬
‫خفَافًا‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي الضحَى مسلم بن صَبيح ‪ :‬هذه الية ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫وَثِقَال }‬

‫( ‪)4/155‬‬

‫أول ما نزل من سورة براءة‪.‬‬


‫حضْرمي أنه ذكر له أن ناسا كانوا عسى أن يكون‬
‫وقال معتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬زعم َ‬
‫خفَافًا وَثِقَال } الية‪.‬‬
‫أحدهم عليل أو كبيرا ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إني ل آثم ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫أمر ال تعالى بالنفير العام مع الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬عام غزوة تبوك ‪ ،‬لقتال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أعداء ال من الروم الكفرة من أهل الكتاب ‪ ،‬وحَتّم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال‬
‫خفَافًا وَ ِثقَال }‬
‫في المَنْشَط وال َمكْرَه والعسر واليسر ‪ ،‬فقال ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫وقال علي بن زيد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن أبي طلحة ‪ :‬كهول وشَبَابًا (‪ )1‬ما أسمع ال عَذَر أحدًا ‪ ،‬ثم‬
‫خرج إلى الشام فقاتل حتى قُتل‪.‬‬
‫خفَافًا وَثِقَال‬
‫وفي رواية ‪ :‬قرأ (‪ )2‬أبو طلحة سورة براءة ‪ ،‬فأتى على هذه الية ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫سكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ } فقال ‪ :‬أرى ربنا يستنفرنا شيوخًا وشَبَابًا (‪ )3‬جهزوني‬
‫وَجَا ِهدُوا بَِأ ْموَاِلكُمْ وَأَنْفُ ِ‬
‫يا بَ ِنيّ‪ .‬فقال بنوه ‪ :‬يرحمك ال ‪ ،‬قد غزوت مع رسول ال حتى مات ‪ ،‬ومع أبي بكر حتى مات ‪،‬‬
‫ومع عمر حتى مات ‪ ،‬فنحن نغزو عنك‪ .‬فأبى ‪ ،‬فركب البحر فمات ‪ ،‬فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه‬
‫فيها إل بعد تسعة أيام ‪ ،‬فلم يتغير ‪ ،‬فدفنوه بها (‪)4‬‬
‫شمْر بن عطية ‪،‬‬
‫عكْرِمة وأبي صالح ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬و َ‬
‫وهكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬و ِ‬
‫خفَافًا وَ ِثقَال‬
‫ومقاتل بن حَيّان ‪ ،‬والشعبي وزيد بن أسلم ‪ :‬أنهم قالوا في تفسير هذه الية ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫عكْرِمة والضحاك ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫} قالوا ‪ :‬كهول وشبابا (‪ )5‬وكذا قال ِ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬شبابا (‪ )6‬وشيوخا ‪ ،‬وأغنياء ومساكين‪ .‬وكذا قال أبو صالح ‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫وقال الحكم بن عُتيبة ‪ :‬مشاغيل وغير مشاغيل‪.‬‬
‫خفَافًا وَ ِثقَال } يقول ‪ :‬انفروا نشاطا وغير‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله تعالى ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫نشاط‪ .‬وكذا قال قتادة‪.‬‬
‫خفَافًا وَثِقَال } قالوا ‪ :‬فإن فينا الثقيل ‪ ،‬وذا الحاجة ‪،‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مُجاهد ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫والضيعة (‪ )7‬والشغل ‪ ،‬والمتيسر به أمر ‪ ،‬فأنزل ال وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا‬
‫وثقال وعلى ما كان منهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وشبانا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو في رواية أنه قال ‪." :‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وشبانا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬وشبانا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬شبانا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬والصنعة"‪.‬‬

‫( ‪)4/156‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال الحسن بن أبي الحسن البصري أيضا ‪ :‬في العسر واليسر‪ .‬وهذا كله من مقتضيات العموم‬
‫في الية ‪ ،‬وهذا اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫وقال المام أبو عمرو الوزاعي ‪ :‬إذا كان النفير إلى دُروب الروم نفرَ الناس إليها خفافا‬
‫وركبانا ‪ ،‬وإذا كان النفير إلى هذه السواحل نفروا إليها خفافا وثقال وركبانا ومشاة‪ .‬وهذا تفصيل‬
‫في المسألة‪.‬‬
‫وقد روي عن ابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬وعطاء الخراساني وغيرهم أن هذه الية منسوخة‬
‫بقوله تعالى ‪ { :‬فََلوْل َنفَرَ مِنْ ُكلّ فِ ْرقَةٍ مِ ْنهُمْ طَا ِئفَةٌ } وسيأتي الكلم على ذلك إن شاء ال‪.‬‬
‫خفَافًا وَ ِثقَال } يقول ‪ :‬غنيًا وفقيرًا ‪ ،‬وقويًا وضعيفًا فجاءه رجل يومئذ‬
‫وقال السدي قوله ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫‪ ،‬زعموا أنه المقداد ‪ ،‬وكان عظيما سمينًا ‪ ،‬فشكا إليه وسأله أن يأذن له ‪ ،‬فأبى فنزلت يومئذ (‪)1‬‬
‫خفَافًا وَ ِثقَال } فلما نزلت هذه الية اشتد على الناس شأنها فنسخها ال ‪ ،‬فقال ‪ { :‬لَيْسَ‬
‫{ ا ْنفِرُوا ِ‬
‫جدُونَ مَا يُ ْنفِقُونَ حَرَجٌ ِإذَا َنصَحُوا لِلّهِ‬
‫علَى الّذِينَ ل يَ ِ‬
‫ضعَفَا ِء وَل عَلَى ا ْلمَ ْرضَى وَل َ‬
‫عَلَى ال ّ‬
‫وَرَسُولِهِ } [التوبة ‪.]91 :‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّة ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن محمد قال ‪ :‬شهد أبو أيوب‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه وسلم بدرا ثم لم يتخلف عن غَزاة للمسلمين إل وهو في آخرين إل‬
‫خفَافًا وَثِقَال } فل أجدني إل خفيفًا أو‬
‫عاما واحدًا قال ‪ :‬وكان أبو أيوب يقول ‪ :‬قال ال ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫ثقيل (‪)2‬‬
‫سكُوني ‪ ،‬حدثنا َبقِيّة ‪ ،‬حدثنا حَرِيز ‪ ،‬حدثني عبد‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني سعيد بن عمر ال ّ‬
‫الرحمن بن ميسرة ‪ ،‬حدثني أبو راشد الحُبْراني قال ‪ :‬وافيت المقدام بن السود فارس رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ‪ ،‬وقد فضل عنها من عظمه‬
‫خفَافًا‬
‫‪ ،‬يريد الغزو ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬لقد أعذر ال إليك فقال ‪ :‬أتت علينا سورة "البعوث (‪ { )3‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫وَثِقَال } (‪)4‬‬
‫وبه قال ابن جرير ‪ :‬حدثني حيان بن زيد الشّرْعِبي قال ‪ :‬نفرنا مع صفوان بن عمرو ‪ ،‬وكان‬
‫واليا على حمص قِبَل الفسُوس ‪ ،‬إلى الجراجمة فلقيت شيخًا كبيرًا هما ‪ ،‬وقد سقط حاجباه على‬
‫عينيه ‪ ،‬من أهل دمشق ‪ ،‬على راحلته ‪ ،‬فيمن أغار‪ .‬فأقبلت إليه (‪ )5‬فقلت ‪ :‬يا عم ‪ ،‬لقد أعذر ال‬
‫إليك‪ .‬قال ‪ :‬فرفع حاجبيه (‪ )6‬فقال ‪ :‬يا ابن أخي ‪ ،‬استنفرنا ال خفافا وثقال إنه من يحبه ال يبتليه‬
‫‪ ،‬ثم يعيده ال فيبقيه (‪ )7‬وإنما يبتلي ال من عباده من شكر وصبر وذكر ‪ ،‬ولم يعبد إل ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل (‪)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فنزلت هذه الية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)14/267‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬د ‪" :‬البعوث" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)14/268‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬حاجبه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فيقتنيه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/264‬‬

‫( ‪)4/157‬‬

‫طعْنَا‬
‫شقّ ُة وَسَ َيحِْلفُونَ بِاللّهِ َلوِ اسْ َت َ‬
‫سفَرًا قَاصِدًا لَاتّ َبعُوكَ وََلكِنْ َبعُ َدتْ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫َلوْ كَانَ عَ َرضًا قَرِيبًا وَ َ‬
‫عفَا اللّهُ عَ ْنكَ لِمَ َأذِ ْنتَ َلهُمْ حَتّى يَتَبَيّنَ‬
‫سهُ ْم وَاللّهُ َيعَْلمُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪َ )42‬‬
‫لَخَ َرجْنَا َم َعكُمْ ُيهِْلكُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫َلكَ الّذِينَ صَ َدقُوا وَ َتعْلَمَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )43‬لَا يَسْتَأْذِ ُنكَ الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الَْآخِرِ أَنْ ُيجَاهِدُوا‬
‫سهِ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )44‬إِ ّنمَا َيسْتَأْذِ ُنكَ الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الَْآخِرِ‬
‫بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫وَارْتَا َبتْ قُلُو ُبهُمْ َف ُهمْ فِي رَيْ ِب ِهمْ يَتَرَدّدُونَ (‪)45‬‬

‫ثم رغب تعالى في النفقة في سبيله ‪ ،‬وبذل المهج في مرضاته ومرضاة رسوله ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫سكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َل ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬هذا خير لكم في‬
‫{ وَجَاهِدُوا بَِأ ْموَاِلكُ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬ولنكم تغرمون في النفقة قليل فيغنيكم ال أموال عدوكم في الدنيا ‪ ،‬مع ما يدخر‬
‫لكم من الكرامة في الخرة ‪ ،‬كما قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬وتَكفّل ال للمجاهد (‪ )1‬في‬
‫سبيله إن (‪ )2‬توفاه أن يدخله الجنة ‪ ،‬أو يرده إلى منزله نائل ما نال من أجر أو غنيمة" (‪)3‬‬
‫ل وَ ُهوَ كُ ْرهٌ َل ُك ْم وَعَسَى أَنْ َتكْرَهُوا شَيْئًا وَ ُهوَ خَيْرٌ َلكُ ْم وَعَسَى‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ ا ْلقِتَا ُ‬
‫أَنْ تُحِبّوا شَيْئًا وَ ُهوَ شَرّ َلكُمْ وَاللّهُ َيعْلَمُ وَأَنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ } [البقرة ‪.]216 :‬‬
‫ومن هذا القبيل ما رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن أبي عَ ِديّ ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس ؛ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لرجل‬
‫‪" :‬أسلم"‪ .‬قال ‪ :‬أجدني كارها‪ .‬قال ‪" :‬أسلم وإن كنت كارها" (‪)4‬‬
‫طعْنَا‬
‫شقّ ُة وَسَ َيحِْلفُونَ بِاللّهِ َلوِ اسْ َت َ‬
‫سفَرًا قَاصِدًا لتّ َبعُوكَ وََلكِنْ َبعُ َدتْ عَلَ ْي ِهمُ ال ّ‬
‫{ َلوْ كَانَ عَ َرضًا قَرِيبًا وَ َ‬
‫سهُ ْم وَاللّهُ َيعَْلمُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪} )42‬‬
‫لَخَ َرجْنَا َم َعكُمْ ُيهِْلكُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫يقول تعالى موبّخًا للذين تخلفوا عن النبي (‪ )5‬صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك ‪ ،‬وقعدوا عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم بعد ما استأذنوه في ذلك ‪ ،‬مظهرين أنهم ذوو أعذار ‪ ،‬ولم يكونوا كذلك‬
‫سفَرًا قَاصِدًا } أي ‪ :‬قريبا‬
‫‪ ،‬فقال ‪َ { :‬لوْ كَانَ عَ َرضًا قَرِيبًا } قال ابن عباس ‪ :‬غنيمة قريبة ‪ { ،‬وَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شقّةُ } أي ‪ :‬المسافة‬
‫أيضا ‪ { ،‬لتّ َبعُوكَ } أي ‪ :‬لكانوا جاءوا معك لذلك ‪ { ،‬وََلكِنْ َب ُع َدتْ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫طعْنَا لَخَ َرجْنَا َم َعكُمْ } أي ‪ :‬لو‬
‫إلى الشام ‪ { ،‬وَسَ َيحِْلفُونَ بِاللّهِ } أي ‪ :‬لكم إذا رجعتم إليهم { َلوِ اسْ َت َ‬
‫سهُ ْم وَاللّهُ َيعَْلمُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ }‬
‫لم تكن لنا أعذار لخرجنا معكم ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ُ { :‬يهِْلكُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫ص َدقُوا وَ َتعْلَمَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )43‬ل يَسْتَ ْأذِ ُنكَ الّذِينَ‬
‫ن َ‬
‫عفَا اللّهُ عَ ْنكَ لِمَ َأذِ ْنتَ َلهُمْ حَتّى يَتَبَيّنَ َلكَ الّذِي َ‬
‫{ َ‬
‫سهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )44‬إِ ّنمَا َيسْتَأْذِ ُنكَ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ أَنْ ُيجَا ِهدُوا بَِأ ْموَاِلهِمْ وَأَنْفُ ِ‬
‫الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ وَارْتَا َبتْ قُلُو ُبهُمْ َفهُمْ فِي رَيْ ِب ِهمْ يَتَرَدّدُونَ (‪} )45‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬للمجاهدين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بأن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7463‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )1876‬من حديث أبي‬
‫هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)3/109‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬

‫( ‪)4/158‬‬

‫طهُ ْم َوقِيلَ ا ْقعُدُوا مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ (‪)46‬‬


‫ع ّد ًة وََلكِنْ كَ ِرهَ اللّهُ انْ ِبعَا َثهُمْ فَثَبّ َ‬
‫عدّوا لَهُ ُ‬
‫وََلوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَ َ‬
‫سمّاعُونَ َلهُ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ‬
‫ضعُوا خِلَاَلكُمْ يَ ْبغُونَكُمُ ا ْلفِتْنَةَ َوفِيكُمْ َ‬
‫َلوْ خَ َرجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلّا خَبَالًا وَلَأَ ْو َ‬
‫بِالظّاِلمِينَ (‪)47‬‬

‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو حصين بن [يحيي بن] (‪ )1‬سليمان الرازي (‪ )2‬حدثنا‬
‫سعَر (‪ )3‬عن عون قال ‪ :‬هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا ؟ بدأ بالعفو‬
‫سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن مِ ْ‬
‫عفَا اللّهُ عَ ْنكَ ِلمَ أَذِ ْنتَ َلهُمْ } وكذا قال ُموَرّق ال ِعجْلي وغيره‪.‬‬
‫قبل المعاتبة فقال ‪َ { :‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬عاتبه كما تسمعون ‪ ،‬ثم أنزل التي في سورة النور ‪ ،‬فرخّص له في أن يأذن لهم إن‬
‫شاء ‪ { :‬فَِإذَا اسْتَ ْأذَنُوكَ لِ َب ْعضِ شَأْ ِن ِهمْ فَأْذَنْ ِلمَنْ شِ ْئتَ مِ ْنهُمْ } [النور ‪ ]62 :‬وكذا رُوي عن عطاء‬
‫الخراساني‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬نزلت هذه الية في أناس قالوا ‪ :‬استأذِنُوا رسول ال فإن أذن لكم فاقعدوا ‪ ،‬وإن لم‬
‫يأذن لكم فاقعدوا‪.‬‬
‫ن صَ َدقُوا } أي ‪ :‬في إبداء العذار ‪ { ،‬وَ َتعْلَمَ ا ْلكَاذِبِينَ } (‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬حَتّى يَتَبَيّنَ َلكَ الّذِي َ‬
‫‪ )4‬يقول تعالى ‪ :‬هل تركتهم لما استأذنوك ‪ ،‬فلم تأذن لحد منهم في القعود ‪ ،‬لتعلم الصادق منهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في إظهار طاعتك من الكاذب ‪ ،‬فإنهم قد كانوا مصرين على القعود عن الغزو [وإن لم تأذن لهم‬
‫فيه‪ .‬ولهذا أخبر تعالى أنه ل يستأذنه في القعود عن الغزو] (‪ )5‬أحد يؤمن بال ورسوله ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫{ ل يَسْتَ ْأذِ ُنكَ } أي ‪ :‬في القعود عن الغزو { الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بَِأ ْموَاِلهِمْ‬
‫علِيمٌ بِا ْلمُ ّتقِينَ‬
‫س ِهمْ } ؛ لن أولئك يرون الجهاد قربة ‪ ،‬ولما ندبهم إليه بادروا وامتثلوا‪ { .‬وَاللّهُ َ‬
‫وَأَنْفُ ِ‬
‫إِ ّنمَا يَسْتَ ْأذِ ُنكَ } أي ‪ :‬في القعود ممن ل عذر له { الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ الخِرِ } أي ‪ :‬ل‬
‫يرجون ثواب ال في الدار الخرة على أعمالهم ‪ { ،‬وَارْتَا َبتْ قُلُو ُبهُمْ } أي ‪ :‬شكت في صحة ما‬
‫جئتهم به ‪َ { ،‬فهُمْ فِي رَيْ ِبهِمْ يَتَ َردّدُونَ } أي ‪ :‬يتحيرون ‪ُ ،‬يقَ ّدمُون رجل ويؤخرون أخرى ‪ ،‬وليست‬
‫لهم قدم ثابتة في شيء ‪ ،‬فهم قوم حيارى هَلْكى ‪ ،‬ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء ‪ ،‬ومن يضلل ال‬
‫فلن تجد له سبيل‪.‬‬
‫طهُ ْم َوقِيلَ ا ْقعُدُوا مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ (‬
‫ع ّد ًة وََلكِنْ كَ ِرهَ اللّهُ انْ ِبعَا َثهُمْ فَثَبّ َ‬
‫{ وََلوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لعَدّوا لَهُ ُ‬
‫سمّاعُونَ َلهُمْ‬
‫ضعُوا خِلَلكُمْ يَ ْبغُو َنكُمُ ا ْلفِتْنَ َة َوفِيكُمْ َ‬
‫‪َ )46‬لوْ خَ َرجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِل خَبَال وَل ْو َ‬
‫وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّاِلمِينَ (‪} )47‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََلوْ أَرَادُوا ا ْلخُرُوجَ } أي ‪ :‬معك إلى الغزو { لعَدّوا َلهُ عُ ّدةً } أي ‪ :‬لكانوا تأهبوا‬
‫ط ُهمْ } أي ‪:‬‬
‫له ‪ { ،‬وََلكِنْ كَ ِرهَ اللّهُ انْ ِبعَا َث ُهمْ } أي ‪ :‬أبغض أن يخرجوا معك (‪ )6‬قَدرًا ‪ { ،‬فَثَبّ َ‬
‫أخرهم ‪َ { ،‬وقِيلَ ا ْقعُدُوا مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ } أي ‪ :‬قدرًا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من الجرح والتعديل ‪ .4/2/364‬مستفادا من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الداري"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬مشرف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ويعلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬معكم"‪.‬‬

‫( ‪)4/159‬‬

‫ثم بين [ال تعالى] (‪ )1‬وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين‪ .‬فقال ‪َ { :‬لوْ خَرَجُوا فِي ُكمْ مَا زَادُوكُمْ‬
‫ضعُوا خِلَل ُكمْ يَ ْبغُو َنكُمُ ا ْلفِتْنَةَ } أي ‪ :‬ولسرعوا‬
‫إِل خَبَال } أي ‪ :‬لنهم جبناء مخذولون ‪ { ،‬وَل ْو َ‬
‫سمّاعُونَ َل ُهمْ } أي ‪ :‬مطيعون لهم‬
‫السير والمشي بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة ‪َ { ،‬وفِيكُمْ َ‬
‫ومستحسنون لحديثهم وكلمهم ‪ ،‬يستنصحونهم وإن كانوا ل يعلمون حالهم ‪ ،‬فيؤدي هذا إلى وقوع‬
‫شر بين المؤمنين وفساد كبير‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمّاعُونَ َل ُهمْ } أي ‪ :‬عيون يسمعون لهم‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وابن جرير ‪َ { :‬وفِيكُمْ َ‬
‫الخبار وينقلونها إليهم‪.‬‬
‫وهذا ل يبقى له اختصاص بخروجهم معهم ‪ ،‬بل هذا عام في جميع الحوال ‪ ،‬والمعنى الول‬
‫أظهر في المناسبة بالسياق ‪ ،‬وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان فيما بلغني ‪ -‬من استأذن ‪ -‬من ذوي الشرف منهم ‪ :‬عبد ال بن أبي‬
‫جدّ بن قيس ‪ ،‬وكانوا أشرافا في قومهم ‪ ،‬فثبطهم ال ‪ ،‬لعلمه بهم ‪ :‬أن يخرجوا معه (‬
‫ابن سلول وال َ‬
‫‪ )2‬فيفسدوا عليه جنده ‪ ،‬وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه ‪ ،‬لشرفهم‬
‫سمّاعُونَ َلهُمْ } (‪)3‬‬
‫فيهم ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬وفِيكُمْ َ‬
‫ثم أخبر تعالى عن تمام علمه فقال ‪ { :‬وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّاِلمِينَ } فأخبر بأنه [يعلم] (‪ )4‬ما كان ‪ ،‬وما‬
‫يكون ‪ ،‬وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬لوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِل‬
‫خَبَال } فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا ومع هذا ما خرجوا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ‬
‫علِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا‬
‫رُدّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَنْهُ وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ } [النعام ‪ ]28 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ َ‬
‫س َم َعهُمْ لَ َتوَّلوْا وَهُمْ ُمعْ ِرضُونَ } [النفال ‪ ]23 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَ ْي ِهمْ‬
‫س َم َعهُ ْم وََلوْ َأ ْ‬
‫لْ‬
‫عظُونَ ِبهِ َلكَانَ‬
‫سكُمْ َأوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَا ِركُمْ مَا َفعَلُوهُ إِل قَلِيلٌ مِ ْنهُمْ وَلَوْ أَ ّنهُمْ َفعَلُوا مَا يُو َ‬
‫أَنِ اقْتُلُوا أَ ْنفُ َ‬
‫عظِيمًا وََلهَدَيْنَاهُ ْم صِرَاطًا مُسْ َتقِيمًا } [النساء ‪66 :‬‬
‫خَيْرًا َلهُ ْم وَأَشَدّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنّا َأجْرًا َ‬
‫‪ ]68 -‬واليات في هذا كثيرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ك‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬معهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/281‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك‪.‬‬

‫( ‪)4/160‬‬

‫ظهَرَ َأمْرُ اللّ ِه وَهُمْ كَارِهُونَ (‪)48‬‬


‫ق وَ َ‬
‫حّ‬‫َلقَدِ ابْ َت َغوُا ا ْلفِتْنَةَ مِنْ قَ ْبلُ َوقَلّبُوا َلكَ الُْأمُورَ حَتّى جَاءَ الْ َ‬

‫ظهَرَ َأمْرُ اللّ ِه وَهُمْ كَارِهُونَ (‪} )48‬‬


‫ق وَ َ‬
‫حّ‬‫ك المُورَ حَتّى جَاءَ الْ َ‬
‫ل َوقَلّبُوا َل َ‬
‫{ َلقَدِ ابْ َت َغوُا ا ْلفِتْنَةَ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫ك المُورَ‬
‫ل َوقَلّبُوا َل َ‬
‫يقول تعالى محرضا لنبيه عليه السلم على المنافقين ‪َ { :‬لقَدِ ابْ َت َغوُا ا ْلفِتْنَةَ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫} أي ‪ :‬لقد أعملوا فكرهم وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك وخذلن دينك وإخماله مدة‬
‫طويلة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/160‬‬

‫طةٌ بِا ْلكَافِرِينَ (‪ )49‬إِنْ‬


‫جهَنّمَ َلمُحِي َ‬
‫سقَطُوا وَإِنّ َ‬
‫َومِ ْنهُمْ مَنْ َيقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا َتفْتِنّي أَلَا فِي ا ْلفِتْنَةِ َ‬
‫ل وَيَ َتوَّلوْا وَ ُهمْ فَرِحُونَ (‪)50‬‬
‫سؤْهُمْ وَإِنْ ُتصِ ْبكَ ُمصِيبَةٌ َيقُولُوا قَدْ َأخَذْنَا َأمْرَنَا مِنْ قَ ْب ُ‬
‫ُتصِ ْبكَ حَسَ َنةٌ تَ ُ‬
‫ُقلْ لَنْ ُيصِيبَنَا إِلّا مَا كَ َتبَ اللّهُ لَنَا ُهوَ َموْلَانَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪)51‬‬

‫وذلك أول مقدم النبي صلى ال عليه وسلم المدينة رمته العرب عن قوس واحدة ‪ ،‬وحاربته يهود‬
‫المدينة ومنافقوها ‪ ،‬فلما نصره ال يوم بدر وأعلى كلمته ‪ ،‬قال عبد ال بن أبي وأصحابه ‪ :‬هذا‬
‫أمر قد َتوَجّه‪ .‬فدخلوا في السلم ظاهرًا ‪ ،‬ثم كلما أعز ال السلم وأهله غاظهم (‪ )1‬ذلك‬
‫ظهَرَ َأمْرُ اللّ ِه وَهُمْ كَارِهُونَ }‬
‫ق وَ َ‬
‫حّ‬‫وساءهم ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬حَتّى جَاءَ الْ َ‬
‫جهَنّمَ َل ُمحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ (‪} )49‬‬
‫سقَطُوا وَإِنّ َ‬
‫{ َومِ ْنهُمْ مَنْ َيقُولُ ا ْئذَنْ لِي وَل َتفْتِنّي أَل فِي ا ْلفِتْنَةِ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ومن المنافقين من يقول لك يا محمد ‪ { :‬ا ْئذَنْ لِي } في القعود { وَل َتفْتِنّي }‬
‫سقَطُوا } أي ‪:‬‬
‫بالخروج معك ‪ ،‬بسبب الجواري من نساء الروم ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬أَل فِي ا ْلفِتْنَةِ َ‬
‫قد سقطوا في الفتنة بقولهم هذا‪ .‬كما قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬ويزيد بن رُومان ‪،‬‬
‫وعبد ال بن أبي بكر ‪ ،‬وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم قالوا ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫جدّ العامَ في جلد‬
‫وسلم ذات يوم ‪ ،‬وهو في جهازه ‪ ،‬للجد بن قيس أخي بني سلمة ‪" :‬هل لك يا َ‬
‫بني الصفر ؟" فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أو تأذن لي ول تفتني ‪ ،‬فوال لقد عرف قومي ما رجل أشد‬
‫عجبًا بالنساء مني ‪ ،‬وإني أخشى إن رأيت نساء بني الصفر ل أصبر عنهن‪ .‬فأعرض عنه‬
‫جدّ بن قيس نزلت هذه ‪َ { :‬ومِ ْنهُمْ مَنْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ‪" :‬قد أذنت لك"‪ .‬ففي ال َ‬
‫َيقُولُ ائْذَنْ لِي وَل َتفْتِنّي } الية ‪ ،‬أي ‪ :‬إن كان إنما يخشى من نساء بني الصفر وليس ذلك به ‪،‬‬
‫فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه ‪،‬‬
‫أعظم (‪)2‬‬
‫وهكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬أنها نزلت في الجد بن قيس‪ .‬وقد كان الجد‬
‫بن قيس هذا من أشراف بني سلمة ‪ ،‬وفي الصحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لهم ‪:‬‬
‫"من سيدكم يا بني سلمة ؟" قالوا ‪ :‬الجد بن قيس ‪ ،‬على أنا نُ َبخّله (‪ )3‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫جعْد بِشْر بن البراء بن‬
‫عليه وسلم ‪" :‬وأي داء أدوأ من البخل ‪ ،‬ولكن سَيّدكم الفتى البيض ال َ‬
‫َمعْرُور"‪.‬‬
‫جهَنّمَ َلمُحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ } أي ‪ :‬ل مَحيد لهم عنها ‪ ،‬ول مَحيص ‪ ،‬ول‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَإِنّ َ‬
‫مَهرَب‪.‬‬
‫ل وَيَ َتوَلّوْا وَ ُهمْ فَرِحُونَ (‬
‫خذْنَا َأمْرَنَا مِنْ قَ ْب ُ‬
‫سؤْهُ ْم وَإِنْ ُتصِ ْبكَ ُمصِيبَةٌ َيقُولُوا َقدْ أَ َ‬
‫{ إِنْ ُتصِ ْبكَ حَسَنَةٌ تَ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ُ )50‬قلْ لَنْ ُيصِيبَنَا إِل مَا كَ َتبَ اللّهُ لَنَا ُهوَ َموْلنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪} )51‬‬
‫يعلم تبارك وتعالى نبيه بعداوة هؤلء له ؛ لنه مهما أصابه من { حَسَ َنةٌ } أي ‪ :‬فتح ونصر وظفر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أغاظهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه عنهم الطبري في تفسيره (‪.)14/287‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬نبجله"‪.‬‬

‫( ‪)4/161‬‬

‫ن وَنَحْنُ نَتَرَ ّبصُ ِبكُمْ أَنْ ُيصِي َبكُمُ اللّهُ ِبعَذَابٍ مِنْ عِنْ ِدهِ َأوْ‬
‫حسْنَيَيْ ِ‬
‫حدَى الْ ُ‬
‫ُقلْ َهلْ تَرَ ّبصُونَ بِنَا إِلّا إِ ْ‬
‫طوْعًا َأوْ كَرْهًا لَنْ يُ َتقَ ّبلَ مِ ْنكُمْ إِ ّنكُمْ كُنْ ُتمْ َق ْومًا‬
‫بِأَيْدِينَا فَتَرَ ّبصُوا إِنّا َم َعكُمْ مُتَرَ ّبصُونَ (‪ُ )52‬قلْ أَ ْنفِقُوا َ‬
‫سقِينَ (‪َ )53‬ومَا مَ َن َعهُمْ أَنْ ُتقْبَلَ مِ ْنهُمْ َن َفقَا ُتهُمْ إِلّا أَ ّنهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَبِرَسُولِ ِه وَلَا يَأْتُونَ الصّلَاةَ إِلّا‬
‫فَا ِ‬
‫وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُ ْن ِفقُونَ إِلّا وَ ُهمْ كَارِهُونَ (‪)54‬‬

‫خذْنَا‬
‫على العداء ‪ ،‬مما يسره ويسر أصحابه ‪ ،‬ساءهم ذلك ‪ { ،‬وَإِنْ ُتصِ ْبكَ ُمصِيبَةٌ َيقُولُوا َقدْ أَ َ‬
‫َأمْرَنَا مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬قد احترزنا من متابعته من قبل هذا ‪ { ،‬وَيَ َتوَّلوْا وَ ُهمْ فَرِحُونَ } فأرشد ال‬
‫تعالى رسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬إلى جوابهم في عداوتهم هذه التامة ‪ ،‬فقال ‪ُ { :‬قلْ }‬
‫أي ‪ :‬لهم { لَنْ ُيصِيبَنَا إِل مَا كَ َتبَ اللّهُ لَنَا } أي ‪ :‬نحن تحت مشيئة ال ‪ ،‬وقدره ‪ُ { ،‬هوَ َموْلنَا }‬
‫أي ‪ :‬سيدنا وملجؤنا { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬ونحن متوكلون عليه ‪ ،‬وهو حسبنا‬
‫ونعم الوكيل‪.‬‬
‫ن وَنَحْنُ نَتَرَ ّبصُ ِبكُمْ أَنْ ُيصِي َبكُمُ اللّهُ ِبعَذَابٍ مِنْ عِنْ ِدهِ َأوْ‬
‫حسْنَيَيْ ِ‬
‫حدَى الْ ُ‬
‫{ ُقلْ َهلْ تَرَ ّبصُونَ بِنَا إِل إِ ْ‬
‫طوْعًا َأوْ كَرْهًا لَنْ يُ َتقَ ّبلَ مِ ْنكُمْ إِ ّنكُمْ كُنْ ُتمْ َق ْومًا‬
‫بِأَيْدِينَا فَتَرَ ّبصُوا إِنّا َم َعكُمْ مُتَرَ ّبصُونَ (‪ُ )52‬قلْ أَ ْنفِقُوا َ‬
‫سقِينَ (‪َ )53‬ومَا مَ َن َعهُمْ أَنْ ُتقْبَلَ مِ ْنهُمْ َن َفقَا ُتهُمْ إِل أَ ّنهُمْ َكفَرُوا بِاللّ ِه وَبِرَسُولِ ِه وَل يَأْتُونَ الصّلةَ إِل‬
‫فَا ِ‬
‫وَهُمْ كُسَالَى وَل يُ ْنفِقُونَ إِل وَ ُهمْ كَارِهُونَ (‪} )54‬‬
‫يقول تعالى ‪ُ { :‬قلْ } لهم يا محمد ‪َ { :‬هلْ تَرَ ّبصُونَ بِنَا } ؟ أي ‪ :‬تنتظرون بنا { إِل ِإحْدَى‬
‫ظفَرٌ بكم‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪ { .‬وَنَحْنُ نَتَرَ ّبصُ‬
‫حسْنَيَيْنِ } شهادَة أو َ‬
‫الْ ُ‬
‫ِبكُمْ أَنْ ُيصِي َبكُمُ اللّهُ ِب َعذَابٍ مِنْ عِ ْن ِدهِ َأوْ بِأَيْدِينَا } أي ‪ :‬ننتظر بكم هذا أو هذا ‪ ،‬إما أن يصيبكم ال‬
‫بقارعة من عنده أو بأيدينا ‪ ،‬بسبي أو بقتل ‪ { ،‬فَتَرَ ّبصُوا إِنّا َم َعكُمْ مُتَرَ ّبصُونَ }‬
‫طوْعًا َأوْ كَرْهًا } أي ‪ :‬مهما أنفقتم من نفقة طائعين أو مكرهين { لَنْ يُ َتقَ ّبلَ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ أَ ْن ِفقُوا َ‬
‫سقِينَ }‬
‫مِ ْنكُمْ إِ ّنكُمْ كُنْ ُتمْ َق ْومًا فَا ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم أخبر تعالى عن سبب ذلك ‪ ،‬وهو أنهم ل يتقبل منهم ‪ { ،‬إِل أَ ّنهُمْ َكفَرُوا بِاللّ ِه وَبِرَسُولِهِ } أي ‪:‬‬
‫[قد كفروا] (‪ )1‬والعمال إنما تصح باليمان ‪ { ،‬وَل يَأْتُونَ الصّلةَ إِل وَهُمْ كُسَالَى } أي ‪ :‬ليس‬
‫لهم قصد صحيح ‪ ،‬ول همة في العمل ‪ { ،‬وَل يُ ْن ِفقُونَ } نفقة { إِل وَهُمْ كَارِهُونَ }‬
‫وقد أخبر الصادق المصدوق أن ال ل يمل حتى تملوا ‪ ،‬وأنه طيب ل يقبل إل طيبا ؛ فلهذا ل‬
‫يتقبل ال من هؤلء نفقة ول عمل لنه إنما يتقبل من المتقين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/162‬‬

‫سهُمْ وَهُمْ‬
‫فَلَا ُتعْجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم وَلَا َأوْلَادُهُمْ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيعَذّ َبهُمْ ِبهَا فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَتَزْهَقَ أَ ْنفُ ُ‬
‫كَافِرُونَ (‪)55‬‬

‫سهُ ْم وَهُمْ‬
‫{ فَل ُت ْعجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم وَل َأوْلدُ ُهمْ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُي َعذّ َبهُمْ ِبهَا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَتَزْ َهقَ أَ ْنفُ ُ‬
‫كَافِرُونَ (‪} )55‬‬
‫يقول تعالى لرسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ { :‬فَل ُتعْجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُمْ وَل َأوْلدُهُمْ } كما قال‬
‫تعالى ‪ { :‬وَل َت ُمدّنّ عَيْنَ ْيكَ إِلَى مَا مَ ّتعْنَا بِهِ أَ ْزوَاجًا مِ ْنهُمْ زَهْ َرةَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا لِ َنفْتِ َنهُمْ فِي ِه وَرِزْقُ رَ ّبكَ‬
‫خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى } [طه ‪]131 :‬‬

‫( ‪)4/162‬‬

‫جدُونَ مَ ْلجَأً َأوْ َمغَارَاتٍ َأوْ‬


‫وَيَحِْلفُونَ بِاللّهِ إِ ّنهُمْ َلمِ ْنكُ ْم َومَا هُمْ مِ ْنكُمْ وََلكِنّهُمْ َقوْمٌ َيفْ َرقُونَ (‪َ )56‬لوْ يَ ِ‬
‫عطُوا مِ ْنهَا َرضُوا وَإِنْ‬
‫جمَحُونَ (‪َ )57‬ومِ ْنهُمْ مَنْ يَ ْلمِ ُزكَ فِي الصّ َدقَاتِ فَإِنْ أُ ْ‬
‫خلًا َلوَّلوْا إِلَيْ ِه وَهُمْ يَ ْ‬
‫مُدّ َ‬
‫حسْبُنَا اللّهُ‬
‫سخَطُونَ (‪ )58‬وََلوْ أَ ّنهُمْ َرضُوا مَا آَتَاهُمُ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه َوقَالُوا َ‬
‫طوْا مِ ْنهَا إِذَا ُهمْ يَ ْ‬
‫لَمْ ُي ْع َ‬
‫سَ ُيؤْتِينَا اللّهُ مِنْ َفضْلِ ِه وَرَسُولُهُ إِنّا ِإلَى اللّهِ رَاغِبُونَ (‪)59‬‬

‫شعُرُونَ }‬
‫ل وَبَنِينَ نُسَا ِرعُ َلهُمْ فِي ا ْلخَيْرَاتِ بَل ل يَ ْ‬
‫حسَبُونَ أَ ّنمَا ُنمِدّ ُهمْ بِهِ مِنْ مَا ٍ‬
‫وقال ‪ { :‬أَيَ ْ‬
‫[المؤمنون ‪]56 ، 55 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيعَذّ َبهُمْ ِبهَا فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا } قال الحسن البصري ‪ :‬بزكاتها ‪ ،‬والنفقة‬
‫منها في سبيل ال‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هذا من المقدم والمؤخر ‪ ،‬تقديره ‪ :‬فل تعجبك أموالهم ول أولدهم ‪[ ،‬في الحياة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الدنيا] (‪ )1‬إنما يريد ال ليعذبهم بها [في الخرة] (‪)2‬‬
‫واختار ابن جرير قول الحسن ‪ ،‬وهو القول القَوي الحسن‪.‬‬
‫سهُ ْم وَهُمْ كَافِرُونَ } أي ‪ :‬ويريد أن يميتهم حين يميتهم على الكفر ‪ ،‬ليكون‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتَزْ َهقَ أَ ْنفُ ُ‬
‫ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم ‪ ،‬عياذا بال من ذلك ‪ ،‬وهذا يكون من باب الستدراج لهم فيما هم‬
‫فيه‪.‬‬
‫حِلفُونَ بِاللّهِ إِ ّنهُمْ َلمِ ْنكُ ْم َومَا ُهمْ مِ ْنكُ ْم وََلكِ ّنهُمْ َقوْمٌ َيفْ َرقُونَ (‪َ )56‬لوْ َيجِدُونَ مَلْجَأً َأوْ َمغَارَاتٍ َأوْ‬
‫{ وَيَ ْ‬
‫جمَحُونَ (‪} )57‬‬
‫مُدّخَل َلوَّلوْا إِلَ ْي ِه وَهُمْ َي ْ‬
‫يخبر ال تعالى نبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬عن جزعهم وفزعهم وفرقهم وهلعهم أنهم‬
‫{ َيحِْلفُونَ بِاللّهِ إِ ّنهُمْ َلمِ ْن ُكمْ } يمينًا مؤكدة ‪َ { ،‬ومَا هُمْ مِ ْنكُمْ } أي ‪ :‬في نفس المر ‪ { ،‬وََلكِ ّنهُمْ َقوْمٌ‬
‫َيفْ َرقُونَ } أي ‪ :‬فهو الذي حملهم على الحلف‪َ { .‬لوْ َيجِدُونَ مَ ْلجَأً } أي ‪ :‬حصنا يتحصنون به ‪،‬‬
‫وحرزا يحترزون به ‪َ { ،‬أوْ َمغَارَاتٍ } وهي التي في الجبال ‪َ { ،‬أوْ مُدّخَل } وهو السّرَب في‬
‫ج َمحُونَ }‬
‫الرض والنفَق‪ .‬قال ذلك في الثلثة ابنُ عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪َ { :‬لوَّلوْا إِلَيْ ِه وَ ُهمْ يَ ْ‬
‫أي ‪ :‬يسرعون في ذهابهم عنكم ‪ ،‬لنهم إنما يخالطونكم كرها ل محبة ‪ ،‬وودوا أنهم ل يخالطونكم‬
‫‪ ،‬ولكن للضرورة أحكام ؛ ولهذا ل يزالون في هم وحزن وغَمّ ؛ لن السلم وأهله ل يزال في‬
‫ع ّز ونصر ورفعة ؛ فلهذا كلما سُرّ المؤمنون ساءهم ذلك ‪ ،‬فهم يودون أل يخالطوا المؤمنين ؛‬
‫ج َمحُونَ }‬
‫ولهذا قال ‪َ { :‬لوْ َيجِدُونَ مَلْجَأً َأوْ َمغَارَاتٍ َأوْ مُدّخَل َلوَّلوْا إِلَيْ ِه وَ ُهمْ يَ ْ‬
‫خطُونَ (‬
‫طوْا مِ ْنهَا إِذَا هُمْ َيسْ َ‬
‫عطُوا مِ ْنهَا َرضُوا وَإِنْ لَمْ ُيعْ َ‬
‫{ َومِ ْنهُمْ مَنْ يَ ْلمِ ُزكَ فِي الصّ َدقَاتِ فَإِنْ أُ ْ‬
‫‪ )58‬وََلوْ أَ ّن ُهمْ َرضُوا مَا آتَا ُهمُ اللّهُ وَرَسُولُ ُه َوقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَ ُيؤْتِينَا اللّهُ مِنْ َفضْلِ ِه وَرَسُولُهُ إِنّا‬
‫إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ (‪} )59‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/163‬‬

‫يقول تعالى ‪َ { :‬ومِنْهمْ } أي ومن المنافقين { مَنْ َي ْلمِ ُزكَ } أي ‪ :‬يعيب عليك { فِي } قَسْم‬
‫{ الصّ َدقَاتِ } إذا فرقتها ‪ ،‬ويتهمك في ذلك ‪ ،‬وهم المتهمون (‪ )1‬المأبونون ‪ ،‬وهم مع هذا ل‬
‫طوْا مِ ْنهَا ِإذَا‬
‫عطُوا مِ ْنهَا َرضُوا وَإِنْ َلمْ ُيعْ َ‬
‫ينكرون للدين ‪ ،‬وإنما ينكرون لحظ أنفسهم ؛ ولهذا إن { أُ ْ‬
‫خطُونَ } أي ‪ :‬يغضبون لنفسهم‪.‬‬
‫هُمْ يَسْ َ‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ :‬أخبرني داود بن أبي عاصم قال ‪ :‬أتي النبي صلى ال عليه وسلم بصدقة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فقسمها هاهنا وهاهنا حتى ذهبت‪ .‬قال ‪ :‬ووراءه رجل من النصار فقال ‪ :‬ما هذا بالعدل ؟ فنزلت‬
‫هذه الية‪.‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪َ { :‬ومِ ْنهُمْ مَنْ يَ ْلمِ ُزكَ فِي الصّ َدقَاتِ } يقول ‪ :‬ومنهم من يطعن عليك في‬
‫الصدقات‪ .‬وذُكر لنا أن رجل من [أهل] (‪ )2‬البادية حديثَ عهد بأعرابية ‪ ،‬أتى رسول (‪ )3‬ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وهو يقسم ذهبا وفضة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬وال لئن كان ال أمرك أن تعدل ‪،‬‬
‫ما عدلت‪ .‬فقال نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ويلك فمن ذا يعدل عليك بعدي"‪ .‬ثم قال نبي ال ‪:‬‬
‫"احذروا هذا وأشباهه ‪ ،‬فإن في أمتي أشباه هذا ‪ ،‬يقرءون القرآن ل يجاوز (‪ )4‬تَرَاقيَهم ‪ ،‬فإذا‬
‫خرجوا فاقتلوهم ‪ ،‬ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم"‪ .‬وذكر لنا أن نبي ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كان يقول ‪" :‬والذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئا ول أمنعكموه ‪ ،‬إنما أنا خازن"‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكره قتادة شبيه بما رواه الشيخان من حديث الزهري ‪ ،‬عن أبي سلمة (‪ )5‬عن أبي‬
‫خوَيصرة ‪ -‬واسمه حُرْقوص ‪ -‬لما اعترض على النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫سعيد في قصة ذي ال ُ‬
‫ت وخسرتُ إن لم أكن‬
‫حين قسم غنائم حنين ‪ ،‬فقال له ‪ :‬اعدل ‪ ،‬فإنك لم تعدل‪ .‬فقال ‪" :‬لقد خِب ُ‬
‫أعدل"‪ .‬ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد رآه مقفيا (‪ )6‬إنه يخرج من ضِ ْئضِئ هذا قوم‬
‫يحقرُ أحدكم صلته مع صلتهم ‪ ،‬وصيامه مع صيامهم ‪ ،‬يمرقون من الدين مُرُوق السهم من‬
‫ال ّرمِيّة ‪ ،‬فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ‪ ،‬فإنهم شر قتلى تحت أديم السماء" وذكر بقية الحديث (‪)7‬‬
‫ثم قال تعالى مُنَبّها لهم على ما هو خير من ذلك لهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وََلوْ أَ ّن ُهمْ َرضُوا مَا آتَاهُمُ اللّهُ‬
‫وَرَسُولُ ُه َوقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَ ُيؤْتِينَا اللّهُ مِنْ َفضْلِ ِه وَرَسُوُلهُ إِنّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ } فتضمنت هذه‬
‫الية الكريمة أدبا عظيما وسرا شريفا ‪ ،‬حيث جعل الرضا بما آتاه ال ورسوله والتوكل على ال‬
‫وحده ‪ ،‬وهو قوله ‪َ { :‬وقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ } وكذلك الرغبة إلى ال وحده في التوفيق لطاعة الرسول‬
‫وامتثال أوامره ‪ ،‬وترك زواجره ‪ ،‬وتصديق أخباره ‪ ،‬والقتفاء بآثاره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬المبهمون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬نبي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ل يتجاوز"‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي سالم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مقتفيا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )3610‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1064‬‬

‫( ‪)4/164‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن َوفِي‬
‫ب وَا ْلغَا ِرمِي َ‬
‫إِ ّنمَا الصّ َدقَاتُ لِ ْل ُفقَرَاءِ وَا ْلمَسَاكِينِ وَا ْلعَامِلِينَ عَلَ ْيهَا وَا ْل ُمؤَّلفَةِ قُلُو ُبهُ ْم َوفِي ال ّرقَا ِ‬
‫حكِيمٌ (‪)60‬‬
‫سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّ ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬

‫ب وَا ْلغَا ِرمِينَ َوفِي‬


‫ن وَا ْلعَامِلِينَ عَلَ ْيهَا وَا ْل ُمؤَلّفَةِ قُلُو ُبهُمْ َوفِي ال ّرقَا ِ‬
‫{ إِ ّنمَا الصّ َدقَاتُ لِ ْلفُقَرَا ِء وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫حكِيمٌ (‪} )60‬‬
‫سَبِيلِ اللّهِ وَاِبْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّ ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫لما ذكر [ال] (‪ )1‬تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى ال عليه وسلم ولمزهم إياه‬
‫في َقسْم الصدقات ‪ ،‬بين تعالى أنه هو الذي قسمها وبين حكمها ‪ ،‬وتولى أمرها بنفسه ‪ ،‬ولم يَكلْ‬
‫قَسْمها إلى أحد غيره ‪ ،‬فجزّأها لهؤلء المذكورين ‪ ،‬كما رواه المام أبو داود في سننه من حديث‬
‫عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ‪ -‬وفيه ضعف ‪ -‬عن زياد بن نعيم ‪ ،‬عن زياد بن الحارث الصُدَائي‬
‫‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت النبي صلى ال عليه وسلم فبايعته ‪ ،‬فأتى رجل فقال ‪ :‬أعطني من‬
‫الصدقة فقال له ‪" :‬إن ال لم يرض بحكم نبي ول غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو ‪ ،‬فجزأها‬
‫ثمانية أصناف ‪ ،‬فإن كنت من تلك الجزاء أعطيتك" (‪ )2‬وقد اختلف العلماء في هذه الصناف‬
‫الثمانية ‪ :‬هل يجب استيعاب الدفع إليها أو إلى ما أمكن منها ؟ على قولين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنه يجب ذلك ‪ ،‬وهو قول الشافعي وجماعة‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنه ل يجب استيعابها ‪ ،‬بل يجوز الدفع إلى واحد منها ‪ ،‬ويعطى جميعَ الصدقة مع وجود‬
‫الباقين‪ .‬وهو قول مالك وجماعة من السلف والخلف ‪ ،‬منهم ‪ :‬عمر ‪ ،‬وحذيفة ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وأبو‬
‫العالية ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬وميمون بن ِمهْران‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وهو قول عامة أهل العلم ‪ ،‬وعلى هذا فإنما ذكرت الصناف هاهنا لبيان‬
‫المصرف ل لوجوب استيعاب العطاء‪.‬‬
‫ولوجوه الحجاج والمآخذ مكان غير هذا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وإنما قدم الفقراء هاهنا لنهم أحوج من البقية على المشهور ‪ ،‬لشدة فاقتهم وحاجتهم ‪ ،‬وعند أبي‬
‫حنيفة أن المسكين أسوأ حال من الفقير ‪ ،‬وهو كما قال ‪ ،‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا‬
‫عوْن ‪ ،‬عن محمد قال ‪ :‬قال عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬الفقير ليس بالذي ل‬
‫ابن عُلَيّة ‪ ،‬أنبأنا ابن َ‬
‫مال له ‪ ،‬ولكن الفقير الخلق الكسب‪ .‬قال ابن علية ‪ :‬الخلق ‪ :‬المحا َرفُ عندنا (‪)3‬‬
‫والجمهور على خلفه‪ .‬ورُوي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وابن زيد‪ .‬واختار‬
‫ابن جرير وغير واحد أن الفقير ‪ :‬هو المتعفف الذي ل يسأل الناس شيئا ‪ ،‬والمسكين ‪ :‬هو الذي‬
‫يسأل ويطوف ويتبع الناس‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬الفقير ‪ :‬من به زمانة ‪ ،‬والمسكين ‪ :‬الصحيح الجسم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪)1630‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)14/308‬‬

‫( ‪)4/165‬‬

‫وقال الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ :‬هم فقراء المهاجرين‪ .‬قال سفيان الثوري ‪ :‬يعني ‪:‬‬
‫ب منها شيئا‪.‬‬
‫ول ُيعْطَى العرا ُ‬
‫وكذا روي عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬وسعيد بن عبد الرحمن بن أبْزَى‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ :‬ل تقولوا لفقراء المسلمين مساكين ‪ ،‬وإنما المساكين مساكين أهل الكتاب‪.‬‬
‫وقال ِ‬
‫ولنذكر أحاديث تتعلق بكل من الصناف الثمانية‪.‬‬
‫فأما "الفقراء" ‪ ،‬فعن ابن عمرو (‪ )1‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تحل الصدقة‬
‫لغَ ِنيّ ول لذي مِرّة سَويّ"‪ .‬رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي (‪)2‬‬
‫ولحمد أيضا ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه عن أبي هريرة ‪ ،‬مثله (‪)3‬‬
‫ع ِديّ بن الخيار ‪ :‬أن رجلين أخبراه ‪ :‬أنهما أتيا النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وعن عبيد ال بن َ‬
‫حظّ‬
‫يسألنه من الصدقة ‪ ،‬فقلب إليهما البصر ‪ ،‬فرآهما جَلْدين ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن شئتما أعطيتكما ‪ ،‬ول َ‬
‫فيها لغني ول لقوي مكتسب"‪.‬‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي (‪ )4‬بإسناد جيد قوي‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح [والتعديل ‪ :‬أبو بكر العبسي قال ‪ :‬قرأ عمر ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫‪ { :‬إِ ّنمَا الصّ َدقَاتُ لِ ْلفُقَرَاءِ } قال ‪ :‬هم أهل الكتاب] (‪ )5‬روى عنه عمر بن نافع ‪ ،‬سمعت أبي‬
‫يقول ذلك (‪)6‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا قول غريب جدا بتقدير صحة السناد ‪ ،‬فإن أبا بكر هذا ‪ ،‬وإن لم ينص أبو حاتم على‬
‫جهالته ‪ ،‬لكنه في حكم المجهول‪.‬‬
‫وأما المساكين ‪ :‬فعن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس ‪ ،‬فتردّه اللقمة واللقمتان ‪ ،‬والتمرة‬
‫والتمرتان"‪ .‬قالوا ‪ :‬فما المسكين (‪ )7‬يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬الذي ل يجدُ غنًى يغنيه ‪ ،‬ول ُيفْطَن له‬
‫فيتصدق عليه ‪ ،‬ول يسأل الناس شيئا"‪.‬‬
‫رواه الشيخان ‪ :‬البخاري ومسلم (‪)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬بن عمر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/164‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1634‬وسنن الترمذي برقم (‪.)652‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )2/377‬وسنن النسائي (‪ )5/99‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)1839‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )4/224‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1633‬وسنن النسائي (‪.)5/99‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬الجرح والتعديل (‪ )9/341‬وقد وقع سقط هناك‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬المساكين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )1479‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1039‬‬

‫( ‪)4/166‬‬

‫وأما العاملون عليها ‪ :‬فهم الجباة والسعاة يستحقون منها قسطا على ذلك ‪ ،‬ول يجوز أن يكونوا‬
‫من أقرباء رسول ال صلى ال عليه وسلم الذين تحرم عليهم الصدقة ‪ ،‬لما ثبت في صحيح مسلم‬
‫عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ‪ :‬أنه انطلق هو والفضل بن عباس يسألن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ليستعملهما على الصدقة ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن الصدقة ل تحل لمحمد ول لل محمد ‪،‬‬
‫إنما هي أوساخ الناس" (‪)1‬‬
‫وأما المؤلفة قلوبهم ‪ :‬فأقسام ‪ :‬منهم من يعطى ليُسلم ‪ ،‬كما أعطى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫صفوان بن أمية من غنائم حنين ‪ ،‬وقد كان شهدها مشركا‪ .‬قال ‪ :‬فلم يزل يعطيني حتى صار‬
‫أحبّ الناس إليّ بعد أن كان أبغض الناس إلي ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا زكريا بن عدي ‪ ،‬أنا (‪ )2‬ابن المبارك ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫المسيب ‪ ،‬عن صفوان بن أمية قال ‪ :‬أعطاني رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين ‪ ،‬وإنه‬
‫لبغض الناس إلي ‪ ،‬فما زال يعطيني حتى صار وإنه لحب الناس إلي‪.‬‬
‫ورواه مسلم والترمذي ‪ ،‬من حديث يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به (‪)3‬‬
‫ومنهم من ُيعْطَى ليحسُن إسلمه ‪ ،‬ويثبت قلبه ‪ ،‬كما أعطى يوم حنين أيضا جماعة من‬
‫صناديد الطلقاء وأشرافهم ‪ :‬مائة من البل ‪ ،‬مائة من البل وقال ‪" :‬إني لعطي الرجل وغيره‬
‫أحب إلي منه ‪ ،‬مخافة أن َيكُبّه ال على وجهه في نار جهنم" (‪)4‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي سعيد ‪ :‬أن عليا بعث إلى النبي صلى ال عليه وسلم ب ُذهَيبة في تربتها‬
‫من اليمن فقسمها بين أربعة نفر ‪ :‬القرع بن حابس ‪ ،‬وعُيَينة بن بدر ‪ ،‬وعلقمة بن عُلثة ‪ ،‬وزيد‬
‫الخير ‪ ،‬وقال ‪" :‬أتألفهم" (‪)5‬‬
‫ومنهم من يُعطَى لما يرجى من إسلم نظرائه‪ .‬ومنهم من يُعطَى ليجبي الصدقات ممن يليه ‪ ،‬أو‬
‫ليدفع عن حَوزة المسلمين الضرر من (‪ )6‬أطراف البلد‪ .‬ومحل تفصيل هذا في كتب الفروع ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهل تعطى المؤلفة على السلم بعد النبي صلى ال عليه وسلم ؟ فيه خلف ‪ ،‬فرُوي عن عمر ‪،‬‬
‫وعامر الشعبي وجماعة ‪ :‬أنهم ل يُعطَون بعده ؛ لن ال قد أعز السلم وأهله ‪ ،‬ومَكّن لهم في‬
‫البلد ‪ ،‬وأذل لهم رقاب العباد‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل يُعطَون ؛ لنه عليه الصلة والسلم (‪ )7‬قد أعطاهم بعد فتح مكة وكسر‬
‫هَوازن ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)1072‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬أخبرنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )6/465‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2313‬وسنن الترمذي برقم (‪.)666‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )1478‬من حديث سعد بن أبي وقاص رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )3344‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1064‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)4/167‬‬

‫وهذا أمر قد يحتاج إليه فيصرف إليهم‪.‬‬


‫وأما الرقاب ‪ :‬فرُوي عن الحسن البصري ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جُبَير ‪ ،‬والنّخعي ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬أنهم المكاتَبون ‪ ،‬وروي عن أبي موسى الشعري‬
‫نحوه ‪ ،‬وهو قول الشافعي والليث‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪ :‬ل بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة ‪ ،‬وهو مذهب المام أحمد بن‬
‫حنبل ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬وإسحاق ‪ ،‬أي ‪ :‬إن الرقاب أعم من أن يعطى المكاتب ‪ ،‬أو يشتري رقبة فيعتقها‬
‫استقلل‪ .‬وقد ورد في ثواب العتاق وفك الرقبة أحاديث كثيرة ‪ ،‬وأن ال يعتق بكل عضو منها‬
‫عضوا من مُعتقها حتى الفَرْج بالفرج ‪ ،‬وما ذاك إل لن (‪ )1‬الجزاء من جنس العمل ‪َ { ،‬ومَا‬
‫تُجْ َزوْنَ إِل مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } [الصافات ‪]39 :‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ثلثة حق على ال‬
‫عونُهم ‪ :‬الغازي في سبيل ال ‪ ،‬والمكاتب الذي يريد الداء ‪ ،‬والناكح الذي يريد العفاف"‪.‬‬
‫رواه المام أحمد وأهل السنن إل أبا داود (‪)2‬‬
‫وفي المسند عن البراء بن عازب قال ‪ :‬جاء رجل فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬دُلّني على عمل يقربني‬
‫من الجنة ويباعدني من النار‪ .‬فقال ‪" :‬أعتق النسَمة وفك الرقبة"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أو ليسا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واحدا ؟ قال ‪" :‬ل عتق النسمة أن تُفرد بعتقها ‪ ،‬وفك الرقبة أن تعين في ثمنها" (‪)3‬‬
‫وأما الغارمون ‪ :‬فهم أقسام ‪ :‬فمنهم من تحمّل حمالة أو ضمن دينا فلزمه فأجحف بماله ‪ ،‬أو غرم‬
‫في أداء دينه أو في معصية ثم تاب ‪ ،‬فهؤلء يدفع إليهم‪ .‬والصل في هذا الباب حديث قَبِيصة بن‬
‫مخارق الهللي قال ‪ :‬تحملت حمالة فأتيت رسول ال (‪ )4‬صلى ال عليه وسلم أسأله فيها ‪ ،‬فقال‬
‫‪" :‬أقم حتى تأتينا الصدقة ‪ ،‬فنأمر لك بها"‪ .‬قال ‪ :‬ثم قال ‪" :‬يا قَبِيصة ‪ ،‬إن المسألة ل تحل إل لحد‬
‫ثلثة ‪ :‬رجل تحمّل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ‪ ،‬ثم يمسك‪ .‬ورجل أصابته جائحة‬
‫اجتاحت ماله ‪ ،‬فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ‪ :‬أو قال ‪ :‬سدادًا من عيش ‪-‬‬
‫ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلثة من ذوي الحجا من قومه ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬لقد أصابت فلنا فاقة‬
‫فحلت له المسألة ‪ ،‬حتى يصيب قواما من عيش ‪ -‬أو قال سدادا من عيش ‪ -‬فما سواهن من‬
‫المسألة سحت ‪ ،‬يأكلها صاحبها سحتا"‪ .‬رواه مسلم (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/251‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1655‬وسنن النسائي (‪ )6/61‬وسنن ابن ماجه برقم‬
‫(‪ )2518‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)4/299‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم ‪.)1044(1‬‬

‫( ‪)4/168‬‬

‫وعن أبي سعيد قال ‪ :‬أصيب رجل في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم في ثمار ابتاعها ‪،‬‬
‫فكثر دينه ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم (‪ )1‬تصدقوا عليه"‪ .‬فتصدق الناس (‪ )2‬فلم يبلغ ذلك‬
‫وفاء دينه ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم لغرمائه ‪" :‬خذوا ما وجدتم ‪ ،‬وليس لكم إل ذلك"‪ .‬رواه‬
‫مسلم (‪)3‬‬
‫جوْني ‪ ،‬عن‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬أنبأنا صدقة بن موسى ‪ ،‬عن أبي عمران ال َ‬
‫قيس بن زيد عن قاضي المصرين (‪ )4‬عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬يدعو ال بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا بن آدم ‪،‬‬
‫فيم أخذت هذا الدين ؟ وفيم ضيعت حقوق الناس ؟ فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك تعلم أني أخذته فلم آكل‬
‫ولم أشرب ولم أضيع ‪ ،‬ولكن أتى على يدي إما حرق وإما سرق وإما وضيعة‪ .‬فيقول ال ‪ :‬صدق‬
‫عبدي ‪ ،‬أنا أحق من قضى عنك اليوم‪ .‬فيدعو ال بشيء فيضعه في كفة ميزانه ‪ ،‬فترجح حسناته‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫على سيئاته ‪ ،‬فيدخل الجنة بفضل ال ورحمته" (‪)5‬‬
‫وأما في سبيل ال ‪ :‬فمنهم الغزاة الذين ل حق لهم في الديوان ‪ ،‬وعند المام أحمد ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫وإسحاق ‪ :‬والحج من سبيل ال ‪ ،‬للحديث‪.‬‬
‫وكذلك ابن السبيل ‪ :‬وهو المسافر المجتاز في بلد ليس معه شيء يستعين به على سفره ‪ ،‬فيعطى‬
‫من الصدقات ما يكفيه إلى بلده وإن كان له مال‪ .‬وهكذا الحكم فيمن أراد إنشاء سفر من بلده‬
‫وليس معه شيء ‪ ،‬فيعطى من مال الزكاة كفايته في ذهابه وإيابه‪ .‬والدليل على ذلك الية ‪ ،‬وما‬
‫رواه المام أبو داود وابن ماجه من حديث َم ْعمَر ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يَسَار ‪ ،‬عن‬
‫أبي سعيد ‪ ،‬رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تحل الصدقة لغنيّ إل‬
‫لخمسة ‪ :‬العامل عليها ‪ ،‬أو رجل اشتراها بماله ‪ ،‬أو غارم ‪ ،‬أو غاز في سبيل ال ‪ ،‬أو مسكين‬
‫تصدق عليه منها فأهدى لغني" (‪)6‬‬
‫وقد رواه السفيانان ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء مرسل‪ .‬ولبي داود عن عطية العوفي ‪ ،‬عن‬
‫أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تحل الصدقة لغني إل في سبيل‬
‫ال ‪ ،‬وابن السبيل ‪ ،‬أو جار فقير فيُهدي لك أو يدعوك" (‪)7‬‬
‫حكِيمٌ }‬
‫وقوله ‪ { :‬فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ } أي حكما مقدرا بتقدير ال وفَ ْرضِه وقَسْمه (‪ { )8‬وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫حكِيمٌ } فيما يفعله ويقوله ويشرعه‬
‫أي ‪ :‬عليم بظواهر المور وبواطنها وبمصالح عباده ‪َ { ،‬‬
‫ويحكم به ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فقال صلى ال عليه وسلم لغرمائه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الناس عليه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)1556‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬المصريين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)198 ، 1/197‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪ )1635‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)1841‬‬
‫(‪ )7‬سنن أبي داود برقم (‪ )1637‬وعطية العوفي ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقسمته"‪.‬‬

‫( ‪)4/169‬‬

‫حمَةٌ‬
‫ي وَ َيقُولُونَ ُهوَ ُأذُنٌ ُقلْ أُذُنُ خَيْرٍ َلكُمْ ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ وَيُ ْؤمِنُ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَرَ ْ‬
‫َومِ ْنهُمُ الّذِينَ ُيؤْذُونَ النّ ِب ّ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪)61‬‬
‫لِلّذِينَ َآمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ َرسُولَ اللّهِ َلهُمْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫ح َمةٌ‬
‫ي وَيَقُولُونَ ُهوَ أُذُنٌ ُقلْ ُأذُنُ خَيْرٍ َل ُكمْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَ ُي ْؤمِنُ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَرَ ْ‬
‫{ َومِ ْنهُمُ الّذِينَ ُيؤْذُونَ النّ ِب ّ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪} )61‬‬
‫لِلّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ َرسُولَ اللّهِ َلهُمْ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ومن المنافقين قوم يُؤذون رسولَ ال صلى ال عليه وسلم بالكلم فيه ويقولون ‪:‬‬
‫{ ُهوَ ُأذُنٌ } أي ‪ :‬من قال له شيئا صدقه ‪ ،‬ومن حدثه فينا صدقه ‪ ،‬فإذا جئنا وحلفنا له صدقنا‪.‬‬
‫روي معناه عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة‪ .‬قال ال تعالى ‪ُ { :‬قلْ أُذُنُ خَيْرٍ َلكُمْ } أي ‪ :‬هو أذن‬
‫خير ‪ ،‬يعرف الصادق من الكاذب ‪ُ { ،‬ي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَ ُي ْؤمِنُ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬ويصدق المؤمنين ‪،‬‬
‫ح َمةٌ لِلّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُمْ } أي ‪ :‬وهو حجة على الكافرين ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ رَسُولَ‬
‫{ وَرَ ْ‬
‫اللّهِ َلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }‪.‬‬

‫( ‪)4/170‬‬

‫يَحِْلفُونَ بِاللّهِ َل ُكمْ لِيُ ْرضُوكُ ْم وَاللّ ُه وَرَسُولُهُ َأحَقّ أَنْ يُ ْرضُوهُ إِنْ كَانُوا ُم ْؤمِنِينَ (‪ )62‬أَلَمْ َيعَْلمُوا أَنّهُ‬
‫جهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَِلكَ الْخِ ْزيُ ا ْل َعظِيمُ (‪َ )63‬يحْذَرُ ا ْلمُنَافِقُونَ أَنْ‬
‫مَنْ يُحَادِدِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَأَنّ َلهُ نَارَ َ‬
‫حذَرُونَ (‪)64‬‬
‫تُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْ سُو َرةٌ تُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا فِي قُلُو ِبهِمْ ُقلِ اسْ َتهْزِئُوا إِنّ اللّهَ ُمخْرِجٌ مَا تَ ْ‬

‫{ َيحِْلفُونَ بِاللّهِ َلكُمْ لِيُ ْرضُوكُ ْم وَاللّ ُه وَرَسُولُهُ َأحَقّ أَنْ يُ ْرضُوهُ إِنْ كَانُوا ُم ْؤمِنِينَ (‪ )62‬أََلمْ َيعَْلمُوا أَنّهُ‬
‫جهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَِلكَ الْخِ ْزيُ ا ْل َعظِيمُ (‪} )63‬‬
‫مَنْ يُحَادِدِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَأَنّ َلهُ نَارَ َ‬
‫قال قتادة في قوله تعالى ‪َ { :‬يحِْلفُونَ بِاللّهِ َلكُمْ لِيُ ْرضُوكُمْ } الية ‪ ،‬قال ‪ :‬ذكر لنا أن رجل من‬
‫المنافقين قال ‪ :‬وال إن هؤلء لخيارنا وأشرافنا ‪ ،‬وإن كان ما يقول محمد حقا ‪ ،‬لهم شر من‬
‫الحمير‪ .‬قال ‪ :‬فسمعها رجل من المسلمين فقال ‪ :‬وال إن ما يقول محمد لحق ‪ ،‬ولنت أشر من‬
‫الحمار‪ .‬قال ‪ :‬فسعى بها الرجل إلى النبي (‪ )1‬صلى ال عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فأرسل إلى الرجل‬
‫فدعاه فقال ‪" :‬ما حملك على الذي قلت ؟" فجعل يلتعن ‪ ،‬ويحلف بال ما قال ذلك‪ .‬وجعل الرجل‬
‫حِلفُونَ بِاللّهِ َلكُمْ‬
‫المسلم يقول ‪ :‬اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب‪ .‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬يَ ْ‬
‫لِيُ ْرضُوكُمْ وَاللّ ُه وَرَسُولُهُ َأحَقّ أَنْ يُ ْرضُوهُ إِنْ كَانُوا ُم ْؤمِنِينَ }‬
‫جهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا } (‪ )2‬أي ‪ :‬ألم‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬أَلَمْ َيعَْلمُوا أَنّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَأَنّ لَهُ نَارَ َ‬
‫يتحققوا ويعلموا أنه من حاد (‪ )3‬ال ‪ ،‬أي ‪ :‬شاقه وحاربه وخالفه ‪ ،‬وكان في حَدّ وال ورسوله في‬
‫حدّ { فأن له نار جهنم خالدا فيها } أي ‪ :‬مهانًا معذبا ‪ { ،‬ذلك الخزي العظيم } أي ‪ :‬وهذا هو الذل‬
‫العظيم ‪ ،‬والشقاء الكبير‪.‬‬
‫{ َيحْذَرُ ا ْلمُنَافِقُونَ أَنْ تُنزلَ عَلَ ْيهِمْ سُو َرةٌ تُنَبّ ُئ ُهمْ ِبمَا فِي قُلُو ِبهِمْ ُقلِ اسْ َتهْزِئُوا إِنّ اللّهَ ُمخْرِجٌ مَا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حذَرُونَ (‪} )64‬‬
‫تَ ْ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬يقولون القول بينهم ‪ ،‬ثم يقولون ‪ :‬عسى ال أل يفشي علينا سرنا هذا‪.‬‬
‫سهِمْ َلوْل‬
‫وهذه الية شبيهة بقوله تعالى ‪ { :‬وَإِذَا جَاءُوكَ حَ ّي ْوكَ ِبمَا َلمْ يُحَ ّيكَ ِبهِ اللّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫جهَنّمُ َيصَْلوْ َنهَا فَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ } [المجادلة ‪]8 :‬‬
‫حسْ ُبهُمْ َ‬
‫ُيعَذّبُنَا اللّهُ ِبمَا َنقُولُ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬نبي ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬تعلموا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يحاد"‪.‬‬

‫( ‪)4/170‬‬

‫ض وَنَ ْل َعبُ ُقلْ أَبِاللّ ِه وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ َتسْ َتهْزِئُونَ (‪ )65‬لَا‬
‫وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ لَ َيقُولُنّ إِ ّنمَا كُنّا َنخُو ُ‬
‫َتعْتَذِرُوا قَدْ َكفَرْتُمْ َب ْعدَ إِيمَا ِنكُمْ إِنْ َن ْعفُ عَنْ طَا ِئفَةٍ مِ ْنكُمْ ُنعَ ّذبْ طَا ِئفَةً بِأَ ّن ُهمْ كَانُوا مُجْ ِرمِينَ (‪)66‬‬

‫وقال في هذه الية ‪ { :‬قل استهزءوا إن ال مخرج ما تحذرون } أي ‪ :‬إن ال سينزل على رسوله‬
‫سبَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ‬
‫ما يفضحكم به ‪ ،‬ويبين له (‪ )1‬أمركم كما قال ‪ { :‬أَمْ حَ ِ‬
‫عمَاَل ُكمْ } [محمد ‪( ]30 ، 29 :‬‬
‫ضغَانَهُمْ } إلى قوله ‪ { :‬وَلَ َتعْ ِرفَ ّنهُمْ فِي لَحْنِ ا ْل َق ْولِ وَاللّهُ َيعْلَمُ أَ ْ‬
‫اللّهُ َأ ْ‬
‫‪ )2‬؛ ولهذا قال قتادة ‪ :‬كانت تسمى هذه السورة "الفاضحة" ‪ ،‬فاضحة المنافقين‪.‬‬
‫ض وَنَ ْلعَبُ ُقلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِ ِه وَرَسُولِهِ كُنْ ُتمْ تَسْ َتهْزِئُونَ (‪ )65‬ل‬
‫{ وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ لَ َيقُولُنّ إِ ّنمَا كُنّا نَخُو ُ‬
‫َتعْتَذِرُوا قَدْ َكفَرْتُمْ َب ْعدَ إِيمَا ِنكُمْ إِنْ َن ْعفُ عَنْ طَا ِئفَةٍ مِ ْنكُمْ ُنعَ ّذبْ طَا ِئفَةً بِأَ ّن ُهمْ كَانُوا مُجْ ِرمِينَ (‪} )66‬‬
‫قال أبو معشر المديني (‪ )3‬عن محمد بن كعب القُرَظي وغيره قالوا ‪ :‬قال رجل من المنافقين ‪ :‬ما‬
‫أرى قُرّاءنا هؤلء إل أرغبنا بطونا ‪ ،‬وأكذبنا ألسنة ‪ ،‬وأجبننا عند اللقاء‪ .‬فرُفع ذلك إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فجاء إلى رسول ال وقد ارتحل وركب ناقته ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنما‬
‫كنا نخوض ونلعب‪ .‬فقال ‪ { :‬أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } إلى قوله ‪ { :‬مجرمين } وإن‬
‫رجليه لتنسفان (‪ )4‬الحجارة وما يلتفت إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو متعلق بنسعة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن وهب ‪ :‬أخبرني هشام بن سعد ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر قال ‪:‬‬
‫قال رجل في غزوة تبوك في مجلس (‪ )5‬ما رأيت مثل قُرائنا هؤلء ‪ ،‬أرغبَ بطونا ‪ ،‬ول أكذبَ‬
‫ألسنًا ‪ ،‬ول أجبن عند اللقاء‪ .‬فقال رجل في المسجد ‪ :‬كذبتَ ‪ ،‬ولكنك منافق‪ .‬لخبرن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فبلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم ونزل القرآن‪ .‬قال عبد ال بن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حقَب ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم تَنكُبُه (‪ )6‬الحجارة (‪ )7‬وهو‬
‫عمر ‪ :‬وأنا رأيته متعلقا ب َ‬
‫يقول ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنما كنا نخوض ونلعب‪ .‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ { :‬أبال‬
‫وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }‪.‬‬
‫وقد رواه الليث ‪ ،‬عن هشام بن سعد ‪ ،‬بنحو من هذا (‪)8‬‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ :‬وقد كان جماعة من المنافقين منهم وَديعة بن ثابت ‪ ،‬أخو بني أمية بن زيد ‪،‬‬
‫خشّن (‪ )9‬بن حُميّر‬
‫من بني عمرو بن عوف ‪ ،‬ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له ‪ :‬مُ َ‬
‫يشيرون إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪:‬‬
‫أتحسبون جِل َد بني الصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ؟ وال لكأنا بكم غدا ُمقَرّنين في الحبال ‪،‬‬
‫إرجافا وترهيبا للمؤمنين ‪ ،‬فقال ُمخَشّن (‪)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬لكم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬إسرارهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬المعدني"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في هـ ‪" :‬ليسفعان" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ليشفعان" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مجلس يوما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يركبه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬بالحجارة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه الطبري في تفسير (‪.)334 ، 14/333‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬مخشي"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬مخشي"‪.‬‬

‫( ‪)4/171‬‬

‫ف وَ َيقْبِضُونَ أَيْدِ َيهُمْ‬


‫ضهُمْ مِنْ َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْلمُ ْنكَ ِر وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْل َمعْرُو ِ‬
‫ن وَا ْلمُنَا ِفقَاتُ َب ْع ُ‬
‫ا ْلمُنَا ِفقُو َ‬
‫جهَنّمَ‬
‫ت وَا ْلكُفّارَ نَارَ َ‬
‫ن وَا ْلمُنَافِقَا ِ‬
‫سقُونَ (‪ )67‬وَعَدَ اللّهُ ا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫نَسُوا اللّهَ فَنَسِ َيهُمْ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫حسْ ُبهُ ْم وََلعَ َنهُمُ اللّ ُه وََلهُمْ عَذَابٌ ُمقِيمٌ (‪)68‬‬
‫خَاِلدِينَ فِيهَا ِهيَ َ‬

‫حمَيّر ‪ :‬وال لوددتُ أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة ‪ ،‬وإما نَ ْنفَلتُ أن‬
‫بن ُ‬
‫ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬لعمار بن ياسر‬
‫‪" :‬أدرك القوم ‪ ،‬فإنهم قد احترقوا ‪ ،‬فسلهم عما قالوا ‪ ،‬فإن أنكروا فقل ‪ :‬بلى ‪ ،‬قلتم كذا وكذا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فانطلق إليهم عمار ‪ ،‬فقال ذلك لهم ‪ ،‬فأتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم يعتذرون إليه ‪ ،‬فقال‬
‫وديعة بن ثابت ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم واقف على راحلته ‪ ،‬فجعل يقول وهو آخذ‬
‫حقَبها ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنما كنا نخوض ونلعب ‪[ ،‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ لَ َيقُولُنّ‬
‫بَ‬
‫حمّير ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قعد بي اسمي واسم‬
‫خشّن (‪ )2‬بن ُ‬
‫ض وَنَ ْل َعبُ } ] (‪ )1‬فقال مُ َ‬
‫إِ ّنمَا كُنّا نَخُو ُ‬
‫حمّير ‪ ،‬فتسمى (‪ )4‬عبد الرحمن ‪ ،‬وسأل‬
‫أبي‪ .‬فكان الذي عفى عنه في هذه الية ُمخَشّن (‪ )3‬بن ُ‬
‫ال أن يقتل (‪ )5‬شهيدا ل يعلم بمكانه ‪ ،‬فقتل يوم اليمامة ‪ ،‬فلم يوجد له أثر (‪)6‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬وَلَئِنْ سََألْ َتهُمْ لَ َيقُولُنّ إِ ّنمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَ ْلعَبُ } قال ‪ :‬فبينما النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم في غزوة تبوك ‪ ،‬وركب من المنافقين يسيرون بين يديه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يظن هذا أن يفتح قصور‬
‫الروم وحصونها‪ .‬هيهات هيهات‪ .‬فأطلع ال نبيه صلى ال عليه وسلم على ما قالوا ‪ ،‬فقال ‪" :‬عَليّ‬
‫بهؤلء النفر"‪ .‬فدعاهم ‪ ،‬فقال ‪" :‬قلتم كذا وكذا"‪ .‬فحلفوا ما كنا إل نخوض ونلعب‪.‬‬
‫عكْرِمة في تفسير هذه الية ‪ :‬كان رجل ممن إن شاء ال عفا عنه يقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إني أسمع‬
‫وقال ِ‬
‫آية أنا أعنَى بها ‪ ،‬تقشعر منها الجلود ‪ ،‬وتجيب منها القلوب ‪ ،‬اللهم ‪ ،‬فاجعل وفاتي قتل في سبيلك‬
‫‪ ،‬ل يقول أحد ‪ :‬أنا غسّلت ‪ ،‬أنا كفنت ‪ ،‬أنا دفنت ‪ ،‬قال ‪ :‬فأصيب يوم اليمامة ‪ ،‬فما أحد من‬
‫المسلمين إل وقد وجد غيره (‪)7‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل َتعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ } أي ‪ :‬بهذا المقال الذي استهزأتم به { إِنْ َن ْعفُ عَنْ‬
‫طَا ِئفَةٍ مِ ْنكُمْ ُن َع ّذبْ طَا ِئفَةً } أي ‪ :‬ل ُيعْفى عن جميعكم ‪ ،‬ول بد من عذاب بعضكم ‪ { ،‬بِأَ ّن ُهمْ كَانُوا‬
‫مُجْ ِرمِينَ } أي ‪ :‬مجرمين بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة‪.‬‬
‫ضهُمْ مِنْ َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْلمُ ْنكَ ِر وَيَ ْنهَوْنَ عَنِ ا ْل َمعْرُوفِ وَيَقْ ِبضُونَ أَ ْيدِ َيهُمْ‬
‫{ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَا ْلمُنَافِقَاتُ َب ْع ُ‬
‫جهَنّمَ‬
‫ت وَا ْلكُفّارَ نَارَ َ‬
‫ن وَا ْلمُنَافِقَا ِ‬
‫سقُونَ (‪ )67‬وَعَدَ اللّهُ ا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫نَسُوا اللّهَ فَنَسِ َيهُمْ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫حسْ ُبهُ ْم وََلعَ َنهُمُ اللّ ُه وََلهُمْ عَذَابٌ ُمقِيمٌ (‪} )68‬‬
‫خَاِلدِينَ فِيهَا ِهيَ َ‬
‫يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلف صفات المؤمنين ‪ ،‬ولما كان المؤمنون (‪)8‬‬
‫يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ‪ ،‬كان هؤلء { يَ ْأمُرُونَ بِا ْلمُ ْنكَ ِر وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْل َمعْرُوفِ‬
‫وَيَقْ ِبضُونَ أَيْدِ َيهُمْ } أي ‪ :‬عن النفاق في سبيل ال ‪ { ،‬نَسُوا اللّهَ } أي ‪ :‬نسوا ذكر ال ‪ { ،‬فَنَسِ َيهُمْ }‬
‫أي ‪ :‬عاملهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وسيرة ابن هشام‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬مخشي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬مخشي"‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فسمى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أن يقتله"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/524‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬عبرة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ك ‪" :‬المؤمنين" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/172‬‬

‫معاملة من نسيهم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬وقِيلَ الْ َيوْمَ نَ ْنسَاكُمْ َكمَا نَسِي ُتمْ ِلقَاءَ َي ْو ِمكُمْ َهذَا } [الجاثية ‪]34 :‬‬
‫سقُونَ } أي ‪ :‬الخارجون عن طريق الحق ‪ ،‬الداخلون في طريق‬
‫(‪ { )1‬إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ هُمُ ا ْلفَا ِ‬
‫الضللة‪.‬‬
‫جهَنّمَ } أي ‪ :‬على هذا الصنيع الذي ذكر‬
‫ت وَا ْلكُفّارَ نَارَ َ‬
‫ن وَا ْلمُنَافِقَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَعَدَ اللّهُ ا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫عنهم ‪ { ،‬خَاِلدِينَ فِيهَا } أي ‪ :‬ماكثين فيها مخلدين ‪ ،‬هم والكفار ‪ِ { ،‬هيَ حَسْ ُبهُمْ } أي ‪ :‬كفايتهم في‬
‫العذاب ‪ { ،‬وََلعَ َنهُمُ اللّهُ } أي ‪ :‬طردهم وأبعدهم ‪ { ،‬وََلهُمْ عَذَابٌ ُمقِيمٌ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فاليوم" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/173‬‬

‫خلَا ِقهِمْ فَاسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبخَلَا ِقكُمْ َكمَا‬


‫كَالّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ كَانُوا َأشَدّ مِ ْنكُمْ ُق ّوةً وََأكْثَرَ َأ ْموَالًا وََأوْلَادًا فَاسْ َتمْ َتعُوا بِ َ‬
‫عمَاُلهُمْ فِي الدّنْيَا وَالْآَخِ َرةِ‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫خضْتُمْ كَالّذِي خَاضُوا أُولَ ِئكَ حَبِ َ‬
‫اسْ َتمْتَعَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ بِخَلَا ِقهِ ْم َو ُ‬
‫وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ (‪)69‬‬

‫شدّ مِ ْنكُمْ ُق ّو ًة وََأكْثَرَ َأ ْموَال وََأوْلدًا فَاسْ َتمْ َتعُوا بِخَل ِقهِمْ فَاسْ َتمْ َتعْتُمْ بِخَل ِقكُمْ‬
‫{ كَالّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ كَانُوا أَ َ‬
‫عمَاُلهُمْ فِي الدّنْيَا‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫خضْتُمْ كَالّذِي خَاضُوا أُولَ ِئكَ حَ ِب َ‬
‫َكمَا اسْ َتمْتَعَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ ِبخَل ِقهِ ْم وَ ُ‬
‫وَالخِ َرةِ وَأُولَئِكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ (‪} )69‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬أصاب هؤلء من عذاب ال في الدنيا والخرة كما أصاب من قبلهم ‪ ،‬وقد كانوا أشد‬
‫منهم قوة وأكثر أموال وأولدا ‪ { ،‬فَاسْ َتمْ َتعُوا بِخَل ِق ِهمْ } قال الحسن البصري ‪ :‬بدينهم ‪َ { ،‬كمَا‬
‫خضْ ُتمْ كَالّذِي خَاضُوا } أي ‪ :‬في الكذب والباطل ‪ { ،‬أُولَ ِئكَ‬
‫اسْ َتمْتَعَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ بِخَل ِقهِ ْم وَ ُ‬
‫عمَاُلهُمْ } أي ‪ :‬بطلت مساعيهم ‪ ،‬فل ثواب لهم عليها لنها فاسدة { فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫حَ ِب َ‬
‫وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ } ؛ لنهم لم يحصل لهم عليها ثواب‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬كَالّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ }‬
‫عمَر بن عَطَاء ‪ ،‬عن ِ‬
‫قال ابن جُرَيْج عن ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الية ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬ما أشبه الليلة بالبارحة ‪ { ،‬كَالّذِينَ مِنْ قَبِْل ُكمْ } هؤلء بنو إسرائيل ‪ ،‬شبهنا‬
‫ضبّ‬
‫بهم ‪ ،‬ل أعلم إل أنه قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جُحر َ‬
‫لدخلتموه"‪.‬‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ :‬وأخبرني زياد بن سعد ‪ ،‬عن محمد بن زيد (‪ )1‬بن مهاجر ‪ ،‬عن سعيد بن أبي‬
‫سعيد المَقْبُري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"والذي نفسي بيده ‪ ،‬لتتبعن سَنَن الذين من قبلكم ‪ ،‬شبرا بشبر ‪ ،‬وذراعا بذراع ‪ ،‬وباعا بباع ‪،‬‬
‫ضبّ لدخلتموه"‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن هم يا رسول ال ؟ أهل الكتاب ؟ قال ‪َ " :‬فمَه" (‬
‫جحْر َ‬
‫حتى لو دخلوا ُ‬
‫‪)2‬‬
‫وهكذا رواه أبو َمعْشَر ‪ ،‬عن سعيد المقبري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فذكره وزاد ‪ :‬قال أبو هريرة ‪ :‬اقرءوا إن شئتم القرآن‪ { .‬كَالّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ كَانُوا َأشَدّ مِ ْنكُمْ ُق ّوةً‬
‫وََأكْثَرَ َأ ْموَال وََأوْلدًا فَاسْ َتمْ َتعُوا ِبخَل ِقهِمْ فَاسْ َتمْ َتعْتُمْ بِخَل ِقكُمْ َكمَا اسْ َتمْتَعَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ ِبخَل ِقهِمْ }‬
‫خضْتُمْ كَالّذِي خَاضُوا } قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كما صنعت‬
‫قال أبو هريرة ‪ :‬الخلق ‪ :‬الدين‪َ { .‬و ُ‬
‫فارس والروم ؟ قال ‪" :‬فهل الناس إل هم" (‪)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬زياد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/342‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/341‬‬

‫( ‪)4/173‬‬

‫ن وَا ْل ُمؤْ َتفِكَاتِ أَتَ ْتهُمْ‬


‫ح وَعَا ٍد وَ َثمُو َد َو َقوْمِ إِبْرَاهِي َم وََأصْحَابِ مَدْيَ َ‬
‫أَلَمْ يَأْ ِت ِهمْ نَبَأُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ َقوْمِ نُو ٍ‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ (‪ )70‬وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ‬
‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْنهَوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَ ُيقِيمُونَ الصّلَا َة وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَاةَ‬
‫َب ْع ُ‬
‫حكِيمٌ (‪)71‬‬
‫ح ُمهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫وَيُطِيعُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ سَيَرْ َ‬

‫وهذا الحديث له شاهد في الصحيح (‪)1‬‬


‫ن وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَاتِ‬
‫ح وَعَا ٍد وَ َثمُو َد َو َقوْمِ إِبْرَاهِيمَ وََأصْحَابِ َمدْيَ َ‬
‫{ أََلمْ يَأْ ِتهِمْ نَبَأُ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ َقوْمِ نُو ٍ‬
‫سهُمْ َيظِْلمُونَ (‪} )70‬‬
‫أَتَ ْتهُمْ ُرسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانَ اللّهُ لِيَظِْل َمهُمْ وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫يقول تعالى واعظا لهؤلء المنافقين المكذبين للرسل ‪ { :‬أَلَمْ يَأْ ِتهِمْ نَبَأُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ } أي ‪ :‬ألم‬
‫تخبروا خبر من كان قبلكم من المم المكذبة للرسل { َقوْمِ نُوحٍ } وما أصابهم من الغرق العام‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لجميع أهل الرض ‪ ،‬إل من آمن بعبده ورسوله نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ { ،‬وَعَادٍ } كيف أهلكوا‬
‫بالريح العقيم ‪ ،‬لما كذبوا هودا ‪ ،‬عليه السلم ‪ { ،‬وَ َثمُودَ } كيف أخذتهم الصيحة لما كذبوا‬
‫صالحا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وعقروا الناقة ‪َ { ،‬و َقوْمِ إِبْرَاهِيمَ } كيف نصره ال عليهم وأيده بالمعجزات‬
‫الظاهرة عليهم ‪ ،‬وأهلك ملكهم النمروذ بن كنعان بن كوش الكنعاني لعنه ال ‪ { ،‬وََأصْحَابِ َمدْيَنَ }‬
‫وهم قوم شعيب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وكيف أصابتهم (‪ )2‬الرجفة والصيحة وعذاب يوم (‪ )3‬الظلة ‪،‬‬
‫{ وَا ْل ُمؤْ َتفِكَاتِ } قوم لوط ‪ ،‬وقد كانوا يسكنون في مدائن ‪ ،‬وقال في الية الخرى ‪ { :‬وَا ْل ُمؤْ َتفِكَةَ‬
‫أَ ْهوَى } [النجم ‪ ] ، 53 :‬أي ‪ :‬المة المؤتفكة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أم قراهم ‪ ،‬وهي "سدوم"‪ .‬والغرض ‪ :‬أن‬
‫ال تعالى أهلكهم عن آخرهم بتكذيبهم نبي ال لوطا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وإتيانهم الفاحشة التي لم‬
‫يسبقهم بها أحد من العالمين‪.‬‬
‫{ أَتَ ْت ُهمْ رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ } أي ‪ :‬بالحجج والدلئل القاطعات ‪َ { ،‬فمَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُمْ } أي ‪:‬‬
‫س ُهمْ‬
‫بإهلكه إياهم ؛ لنه أقام عليهم الحجة بإرسال الرسل وإزاحة العلل { وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫يَظِْلمُونَ } أي ‪ :‬بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم الحق ‪ ،‬فصاروا إلى ما صاروا إليه من العذاب‬
‫والدمار‪.‬‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَيُقِيمُونَ‬
‫{ وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ َب ْع ُ‬
‫حكِيمٌ (‪} )71‬‬
‫ح ُمهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫الصّلةَ وَيُؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَيُطِيعُونَ اللّ َه وَرَسُوَلهُ أُولَ ِئكَ سَيَرْ َ‬
‫لما ذكر [ال] (‪ )4‬تعالى صفات المنافقين الذميمة ‪ ،‬عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة ‪ ،‬فقال‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ } أي ‪ :‬يتناصرون ويتعاضدون ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪" :‬المؤمن‬
‫‪َ { :‬ب ْع ُ‬
‫للمؤمن كالبنان يشد بعضه (‪ )5‬بعضا" وشبك بين أصابعه (‪ )6‬وفي الصحيح أيضا ‪" :‬مثل‬
‫المؤمنين في توادهم وتراحمهم ‪ ،‬كمثل الجسد الواحد ‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر‬
‫الجسد بالحمى والسهر" (‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في صحيح البخاري برقم (‪ )7319‬من طريق محمد بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي‬
‫هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أصابهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ك‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬بعضهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )481‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2585‬من حديث أبي موسى الشعري‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )6011‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2586‬من حديث النعمان بن بشير‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/174‬‬

‫وَعَدَ اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا َومَسَاكِنَ طَيّ َبةً فِي جَنّاتِ‬
‫ضوَانٌ مِنَ اللّهِ َأكْبَرُ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪)72‬‬
‫ن وَ ِر ْ‬
‫عَدْ ٍ‬

‫ف وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ } كما قال تعالى ‪ { :‬وَلْ َتكُنْ مِ ْنكُمْ ُأمّةٌ َيدْعُونَ إِلَى‬
‫وقوله ‪ { :‬يَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫ف وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } [آل عمران ‪]104 :‬‬
‫الْخَيْرِ وَيَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَ ُيقِيمُونَ الصّلةَ وَيُؤْتُونَ ال ّزكَاةَ } أي ‪ :‬يطيعون ال ويحسنون إلى خلقه ‪،‬‬
‫ح ُمهُمُ اللّهُ } أي ‪:‬‬
‫{ وَيُطِيعُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ } أي ‪ :‬فيما أمر ‪ ،‬وترك ما عنه زجر ‪ { ،‬أُولَ ِئكَ سَيَرْ َ‬
‫حكِيمٌ } أي ‪ :‬عزيز ‪ ،‬من أطاعه أعزه ‪،‬‬
‫سيرحم ال من اتصف بهذه الصفات ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫حكِيمٌ } في قسمته هذه الصفات لهؤلء ‪ ،‬وتخصيصه‬
‫فإن العزة ل ولرسوله وللمؤمنين ‪َ { ،‬‬
‫المنافقين بصفاتهم المتقدمة ‪ ،‬فإن له الحكمة في جميع ما يفعله ‪ ،‬تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َومَسَاكِنَ طَيّ َبةً فِي‬
‫{ وَعَدَ اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫جَنّاتِ عَدْنٍ وَ ِرضْوَانٌ مِنَ اللّهِ َأكْبَرُ ذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪} )72‬‬
‫يخبر تعالى بما أعده للمؤمنين به والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم في { جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ‬
‫تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا } أي ‪ :‬ماكثين فيها أبدا ‪َ { ،‬ومَسَاكِنَ طَيّ َبةً } أي ‪ :‬حسنة البناء ‪ ،‬طيبة‬
‫القرار ‪ ،‬كما جاء في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي موسى‬
‫عبد ال بن قيس الشعري ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬جنتان من‬
‫ذهب آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى‬
‫ربهم إل رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" (‪)1‬‬
‫وبه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن للمؤمن في الجنة َلخَ ْيمَة من لؤلؤة واحدة‬
‫جوّفة ‪ ،‬طولها ستون ميل في السماء ‪ ،‬للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم ‪ ،‬ل يرى بعضهم‬
‫مُ َ‬
‫بعضا" أخرجاه (‪)2‬‬
‫وفي الصحيحين أيضا ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من آمن بال‬
‫ورسوله ‪ ،‬وأقام الصلة وصام رمضان ‪ ،‬فإن (‪ )3‬حقا على ال أن يدخله الجنة ‪ ،‬هاجر في سبيل‬
‫ال ‪ ،‬أو جلس في أرضه التي ولد فيها"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أفل نخبر الناس ؟ قال ‪" :‬إن في‬
‫الجنة مائة درجة ‪ ،‬أعدها ال للمجاهدين في سبيله ‪ ،‬بين كل درجتين كما بين السماء والرض ‪،‬‬
‫فإذا سألتم ال فاسألوه الفردوس ‪ ،‬فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ‪ ،‬ومنه َتفَجّر أنهار الجنة ‪ ،‬وفوقه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عرش الرحمن" (‪)4‬‬
‫وعند الطبراني والترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من رواية زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يَسَار ‪ ،‬عن معاذ‬
‫بن جبل ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ ...‬فذكر مثله (‪)5‬‬
‫وللترمذي عن عبادة بن الصامت ‪ ،‬مثله (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4878‬وصحيح مسلم برقم (‪.)180‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4879‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2838‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬كان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )7423‬من طريق فليح عن هلل ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير (‪ )20/158‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2530‬وعند ابن ماجه القطعة الثانية منه‬
‫برقم (‪ ، )4331‬وقد أشار الحافظ إلى الختلف على عطاء بن يسار‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪.)2531‬‬

‫( ‪)4/175‬‬

‫وعن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد (‪ )1‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن أهل‬
‫الجنة ليتراءون الغُرفة في الجنة ‪ ،‬كما تراؤون الكوكب في السماء"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين (‪)2‬‬
‫ثم ليعلم (‪ )3‬أن أعلى منزلة في الجنة مكانٌ يقال له ‪" :‬الوسيلة" لقربه من العرش ‪ ،‬وهو مسكن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم من الجنة ‪ ،‬كما قال المام أحمد [بن حنبل] (‪)4‬‬
‫حدثنا عبد الرازق ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن كعب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا صليتم علي فسلوا ال لي الوسيلة" قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما الوسيلة ؟‬
‫قال ‪" :‬أعلى درجة في الجنة ‪ ،‬ل ينالها إل رجل واحد ‪ ،‬وأرجو أن أكون أنا هو" (‪)5‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬من حديث كعب بن علقمة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن جُبَير ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫عمرو بن العاص ؛ أنه سمع النبي صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما‬
‫يقول ‪ ،‬ثم صلّوا عليّ ‪ ،‬فإنه من صلى علي صلة صلى ال عليه بها عشرا ‪ ،‬ثم سلوا لي الوسيلة‬
‫‪ ،‬فإنها منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد ال ‪ ،‬وأرجو أنى أكون أنا هو ‪ ،‬فمن سأل لي‬
‫الوسيلة حلت عليه الشفاعة يوم القيامة" (‪)6‬‬
‫[وفي صحيح البخاري ‪ ،‬من حديث محمد بن المنكدر ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬من قال حين يسمع النداء ‪ :‬اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلة القائمة ‪ ،‬آت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫محمدا الوسيلة والفضيلة ‪ ،‬وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ‪ ،‬إل حلت له الشفاعة يوم القيامة"] (‬
‫‪)7‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن علي البار ‪ ،‬حدثنا الوليد بن عبد الملك‬
‫الحراني ‪ ،‬حدثنا موسى بن أعين ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن محمد بن عمرو بن عطاء ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬سلوا ال لي الوسيلة ‪ ،‬فإنه لم يسألها لي عبد‬
‫في الدنيا إل كنت له شهيدا ‪ -‬أو شفيعا ‪ -‬يوم القيامة" (‪)8‬‬
‫وفي مسند المام أحمد ‪ ،‬من حديث سعد (‪ )9‬أبي مجاهد الطائي ‪ ،‬عن أبي المدله ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬حدثنا عن الجنة ‪ ،‬ما بناؤها ؟ قال ‪" :‬لبنة‬
‫ذهب ‪ ،‬ولبنة فضة ‪ ،‬وملطها المسك ‪ ،‬وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ‪ ،‬وترابها الزعفران ‪ ،‬من‬
‫يدخلها ينعم ل يبأس ‪ ،‬ويخلد ل يموت ‪ ،‬ل تبلى ثيابه ول يفنى شبابه" (‪)10‬‬
‫وروي عن ابن عمر مرفوعا ‪ ،‬نحوه (‪)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )6555‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2830‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬لتعلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)2/256‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪.)1384‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪ .‬وهو في صحيح البخاري برقم (‪.)614‬‬
‫(‪ )8‬المعجم الوسط برقم (‪" )639‬مجمع البحرين"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عن سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)2/304‬‬
‫(‪ )11‬رواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (‪ )96‬من طريق عمر بن ربيعة عن الحسن البصري‬
‫عن ابن عمر رضي ال عنه مرفوعا نحو حديث أبي هريرة‪.‬‬

‫( ‪)4/176‬‬

‫وعند الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن النعمان بن سعد ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن في الجنة لغُرفا يرى ظهورها من‬
‫بطونها ‪ ،‬وبطونها من ظهورها"‪ .‬فقام أعرابي فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬لمن هي ؟ فقال ‪" :‬لمن طيب‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الكلم ‪ ،‬وأطعم الطعام ‪ ،‬وأدام الصيام ‪ ،‬وصلى بالليل والناس نيام" (‪)1‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حديث غريب‪.‬‬
‫ورواه الطبراني ‪ ،‬من حديث عبد ال بن عمرو وأبي مالك الشعري ‪ ،‬كل منهما عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬بنحوه (‪ )2‬وكل من السنادين جيد حسن ‪ ،‬وعنده (‪ )3‬أن السائل هو "أبو مالك" ‪،‬‬
‫فال أعلم‪.‬‬
‫شمّر إلى الجنة ؟ فإن‬
‫وعن أسامة بن زيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل هل مُ َ‬
‫خطَر لها ‪ ،‬هي ‪ -‬ورب الكعبة ‪ -‬نور يتلل وريحانة َتهْتَزّ ‪ ،‬وقصر مَشيدٌ ‪ ،‬ونهر ُمطّرد‬
‫الجنة ل َ‬
‫‪ ،‬وثمرة َنضِيجة ‪ ،‬وزوجة حسناء جَميلة ‪ ،‬وحُلَل كثيرة ‪ ،‬ومقام في (‪ )4‬أبد ‪ ،‬في دار سليمة ‪،‬‬
‫وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية"‪ .‬قالوا ‪ :‬نعم يا رسول ال ‪ ،‬نحن المشمرون‬
‫لها ‪ ،‬قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬إن شاء ال"‪ .‬فقال القوم ‪ :‬إن شاء ال‪ .‬رواه ابن ماجه (‪)5‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَ ِرضْوَانٌ مِنَ اللّهِ َأكْبَرُ } أي ‪ :‬رضا ال عنهم أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من‬
‫النعيم ‪ ،‬كما قال المام مالك ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن أبي‬
‫خدْري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن ال ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫سعيد ال ُ‬
‫يقول لهل الجنة ‪ :‬يا أهل الجنة ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬لبيك يا ربنا وسعديك ‪ ،‬والخير في يدك‪ .‬فيقول ‪ :‬هل‬
‫رضيتم ؟ فيقولون ‪ :‬وما لنا ل نرضى يا رب ‪ ،‬وقد أعطيتنا ما لم تُعط أحدا من خلقك‪ .‬فيقول ‪:‬‬
‫أل أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول ‪ :‬أحل عليكم‬
‫رضواني فل أسخط عليكم بعده أبدا" أخرجاه من حديث مالك (‪)6‬‬
‫وقال أبو عبد ال الحسين بن إسماعيل المحاملي ‪ :‬حدثنا الفضل الرّخاميّ ‪ ،‬حدثنا الفِرْياني ‪ ،‬عن‬
‫سفيان ‪ ،‬عن محمد بن المُ ْنكَدِر ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة قال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ :‬هل تشتهون شيئا فأزيدكم ؟ قالوا ‪ :‬يا ربنا‬
‫‪ ،‬ما خير مما أعطيتنا ؟ قال ‪ :‬رضواني أكبر"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪.)2527‬‬
‫(‪ )2‬أما حديث عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ ،‬فرواه أيضا المام أحمد في مسنده (‪ )2/173‬من‬
‫طريق حيي بن عبد ال عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما‪.‬‬
‫وأما حديث أبي مالك الشعري فهو في المعجم الكبير (‪ )3/301‬وسيأتي عند تفسير الية ‪20 :‬‬
‫من سورة الزمر‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وعنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ومقام به في"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )4332‬من طريق الضحاك المعافري ‪ ،‬عن سليمان بن موسى ‪ ،‬عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كريب ‪ ،‬عن أسامة بن زيد به‪ .‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/325‬هذا إسناد فيه مقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )6549‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2829‬‬

‫( ‪)4/177‬‬

‫ورواه البزار في مسنده ‪ ،‬من حديث الثوري (‪ )1‬وقال الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "صفة‬
‫الجنة" ‪ :‬هذا عندي على شرط الصحيح ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (‪ )238‬والحاكم في المستدرك (‪ )1/82‬من طريق محمد‬
‫بن يوسف الفريابي به نحوه ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"‪.‬‬

‫( ‪)4/178‬‬

‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ )73‬يَحِْلفُونَ بِاللّهِ‬


‫ن وَاغْلُظْ عَلَ ْيهِ ْم َومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَاهِدِ ا ْل ُكفّا َر وَا ْلمُنَافِقِي َ‬
‫مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَِلمَةَ ا ْل ُكفْرِ َو َكفَرُوا َبعْدَ إِسْلَا ِمهِ ْم وَ َهمّوا ِبمَا َلمْ يَنَالُوا َومَا َن َقمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا وَالَْآخِ َرةِ‬
‫وَرَسُولُهُ مِنْ َفضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا َيكُ خَيْرًا َلهُ ْم وَإِنْ يَ َتوَّلوْا ُيعَذّ ْبهُمُ اللّهُ َ‬
‫ي وَلَا َنصِيرٍ (‪)74‬‬
‫َومَا َل ُهمْ فِي الْأَ ْرضِ مِنْ وَلِ ّ‬

‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ )73‬يَحِْلفُونَ‬


‫ن وَاغْلُظْ عَلَ ْي ِه ْم َومَأْوَا ُهمْ َ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَا ِهدِ ا ْل ُكفّارَ وَا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫بِاللّهِ مَا قَالُوا وََلقَدْ قَالُوا كَِلمَةَ ا ْل ُكفْ ِر َوكَفَرُوا َبعْدَ ِإسْل ِمهِ ْم وَ َهمّوا ِبمَا لَمْ يَنَالُوا َومَا َن َقمُوا إِل أَنْ‬
‫أَغْنَاهُمُ اللّ ُه وَرَسُولُهُ مِنْ َفضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا َيكُ خَيْرًا َل ُه ْم وَإِنْ يَ َتوَّلوْا ُي َعذّ ْبهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا‬
‫ي وَل َنصِيرٍ (‪} )74‬‬
‫ن وَِل ّ‬
‫وَالخِ َرةِ َومَا َل ُهمْ فِي ال ْرضِ مِ ْ‬
‫أمر تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم ‪ ،‬كما أمره بأن‬
‫يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين ‪ ،‬وأخبره أن مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار‬
‫الخرة‪ .‬وقد تقدم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال ‪ :‬بعث رسول ال صلى ال عليه‬
‫شهُرُ ا ْلحُرُمُ فَاقْتُلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ } [التوبة ‪:‬‬
‫وسلم بأربعة أسياف ‪ ،‬سيف للمشركين ‪ { :‬فَإِذَا انْسَلَخَ ال ْ‬
‫‪ ]5‬وسيف للكفار أهل الكتاب ‪ { :‬قَاتِلُوا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَل بِالْ َيوْمِ الخِ ِر وَل يُحَ ّرمُونَ مَا‬
‫حَرّمَ اللّهُ وَرَسُولُ ُه وَل َيدِينُونَ دِينَ ا ْلحَقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ حَتّى ُيعْطُوا ا ْلجِزْيَةَ عَنْ َي ٍد وَهُمْ‬
‫صَاغِرُونَ } [التوبة ‪ ]29 :‬وسيف للمنافقين ‪ { :‬جَاهِدِ ا ْلكُفّا َر وَا ْلمُنَا ِفقِينَ } [التوبة ‪ ، 73 :‬التحريم ‪:‬‬
‫‪ ]9‬وسيف للبغاة ‪َ { :‬فقَاتِلُوا الّتِي تَ ْبغِي حَتّى َتفِيءَ إِلَى َأمْرِ اللّهِ } [الحجرات ‪]9 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف (‪ )1‬إذا أظهروا النفاق ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود في قوله تعالى ‪ { :‬جَاهِدِ ا ْل ُكفّا َر وَا ْلمُنَافِقِينَ } قال ‪ :‬بيده ‪[ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‬
‫فإن لم يستطع فبقلبه] (‪ )2‬فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬أمره ال تعالى بجهاد الكفار بالسيف ‪ ،‬والمنافقين باللسان ‪ ،‬وأذهب الرفق‬
‫عنهم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬جاهد الكفار بالسيف ‪ ،‬واغلظ على المنافقين بالكلم ‪ ،‬وهو مجاهدتهم‪ .‬وعن‬
‫مقاتل ‪ ،‬والربيع مثله‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة ‪ :‬مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم‪.‬‬
‫وقد يقال ‪ :‬إنه ل منافاة بين هذه القوال ‪ ،‬لنه تارة يؤاخذهم بهذا ‪ ،‬وتارة بهذا بحسب الحوال ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يحِْلفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَِل َمةَ ا ْل ُكفْرِ َو َكفَرُوا َب ْعدَ إِسْل ِمهِمْ } قال قتادة ‪ :‬نزلت في‬
‫جهَني وأنصاري ‪ ،‬فعل الجهني على النصاري ‪،‬‬
‫عبد ال بن أبي ‪ ،‬وذلك أنه اقتتل رجلن ‪ُ :‬‬
‫فقال عبد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بالسيف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬

‫( ‪)4/178‬‬

‫ال للنصار ‪ :‬أل تنصروا أخاكم ؟ وال (‪ )1‬ما مثلنا ومثل محمد إل كما قال القائل ‪" :‬سمّن كلبك‬
‫جعْنَا ِإلَى ا ْل َمدِينَةِ لَ ُيخْرِجَنّ العَزّ مِ ْنهَا ال َذلّ } [المنافقون ‪ ]8 :‬فسعى بها‬
‫يأكلك" ‪ ،‬وقال ‪ { :‬لَئِنْ رَ َ‬
‫رجل من المسلمين إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأرسل إليه فسأله ‪ ،‬فجعل يحلف بال ما‬
‫قاله ‪ ،‬فأنزل ال فيه هذه الية (‪)2‬‬
‫وروى إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ‪ ،‬عن عمه موسى بن عقبة قال ‪ :‬فحدثنا عبد ال بن‬
‫الفضل ‪ ،‬أنه سمع أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬حزنت على من أصيب بالحرّة من‬
‫قومي ‪ ،‬فكتب إلي زيد بن أرقم ‪ ،‬وبلغه شدة حزني ‪ ،‬يذكر أنه سمع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اغفر للنصار ولبناء النصار" ‪ -‬وشك ابن الفضل في أبناء أبناء النصار‬
‫‪ -‬قال ابن الفضل ‪ :‬فسأل أنسا بعض من كان عنده عن زيد بن أرقم ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو الذي يقول له‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أوفى ال له بأذنه"‪ .‬وذاك حين سمع رجل من المنافقين يقول ‪-‬‬
‫ورسول ال صلى ال عليه وسلم يخطب ‪ : -‬لئن كان هذا صادقا فنحن (‪ )3‬شر من الحمير ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فقال زيد بن أرقم ‪ :‬فهو وال صادق ‪ ،‬ولنت شر من الحمار‪ .‬ثم رُفع ذلك إلى رسول ال ‪،‬‬
‫فجحده القائل ‪ ،‬فأنزل ال هذه الية تصديقا لزيد ‪ -‬يعني قوله ‪ { :‬يَحِْلفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا } الية‪.‬‬
‫رواه البخاري في صحيحه ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي أويس ‪ ،‬عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة‪ .‬إلى‬
‫قوله ‪" :‬هذا الذي أوفى ال له بأذنه" (‪ )4‬ولعل ما بعده من قول موسى بن عقبة ‪ ،‬وقد رواه محمد‬
‫بن فُلَيح ‪ ،‬عن موسى بن عقبة بإسناده ثم قال ‪ :‬قال ابن شهاب‪ .‬فذكر ما بعده عن موسى ‪ ،‬عن‬
‫ابن شهاب‪.‬‬
‫والمشهور في هذه القصة أنها كانت في غزوة بني المصطلق ‪ ،‬فلعل الراوي وَهَم في ذكر الية ‪،‬‬
‫وأراد أن يذكر غيرها فذكرها ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫[حاشية] (‪)5‬‬
‫قال "الموي" في مغازيه ‪ :‬حدثنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن عبد ال‬
‫بن كعب بن مالك ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أخذني قومي فقالوا ‪:‬‬
‫إنك امرؤ شاعر ‪ ،‬فإن شئت أن تعتذر إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ببعض العلة ‪ ،‬ثم يكون‬
‫ذنبا تستغفر ال منه‪ .‬وذكر الحديث بطوله ‪ ،‬إلى أن قال ‪ :‬وكان ممن تخلف من المنافقين ‪ ،‬ونزل‬
‫سوَيد بن الصامت ‪،‬‬
‫فيه القرآن منهم ‪ ،‬ممن كان مع النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬الجُلس بن ُ‬
‫عمَير بن سعد ‪ ،‬وكان عمير في حجره ‪ ،‬فلما نزل القرآن وذكرهم ال بما ذكر مما‬
‫وكان على أم ُ‬
‫أنزل في المنافقين ‪ ،‬قال الجلس ‪ :‬وال لئن كان هذا الرجل صادقا فيما يقول لنحن شر من‬
‫الحمير [قال] (‪ )6‬فسمعها عمير بن سعد فقال ‪ :‬وال ‪ -‬يا جلس ‪ -‬إنك لحب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فوال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/364‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬لنحن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4906‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ك‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ك‪.‬‬

‫( ‪)4/179‬‬

‫الناس إلي ‪ ،‬وأحسنهم عندي بلء ‪ ،‬وأعزهم علي أن يصله (‪ )1‬شيء يكرهه ‪ ،‬ولقد قلت مقالة لئن‬
‫ذكرتها لتفضحنك ولئن كتمتها لتهلكني ‪ ،‬ولحداهما أهون علي من الخرى‪ .‬فمشى إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكر له ما قال الجلس‪ .‬فلما بلغ ذلك الجلس خرج حتى يأتي النبي صلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فحلف بال ما قال ما قال عمير بن سعد ‪ ،‬ولقد كذب علي‪ .‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل‬
‫‪ ،‬فيه ‪ { :‬يَحِْلفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وََلقَدْ قَالُوا كَِلمَةَ ا ْلكُفْ ِر َو َكفَرُوا َبعْدَ ِإسْل ِمهِمْ } إلى آخر الية‪ .‬فوقفه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عليها‪ .‬فزعموا أن الجلس تاب فحسنت توبته ‪ ،‬ونزع فأحسن‬
‫النزوع (‪ )2‬هكذا جاء هذا "مدرجا" في الحديث متصل به ‪ ،‬وكأنه وال أعلم من كلم ابن إسحاق‬
‫نفسه ‪ ،‬ل من كلم كعب بن مالك‪.‬‬
‫وقال عروة بن الزبير ‪ :‬نزلت هذه الية في الجلس بن سويد بن الصامت ‪ ،‬أقبل هو وابن امرأته‬
‫حمُرنا هذه التي‬
‫مُصعب من قُبَاء ‪ ،‬فقال الجلس ‪ :‬إن كان ما جاء به محمد حقا فنحن أشر من ُ‬
‫نحن عليها‪ .‬فقال مصعب ‪ :‬أما وال ‪ -‬يا عدو ال ‪ -‬لخبرن رسول ال صلى ال عليه وسلم بما‬
‫قلت ‪ :‬فأتيت النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وخفت أن ينزل في القرآن (‪ )3‬أو تصيبني قارعة ‪ ،‬أو‬
‫أن أخلط (‪ )4‬بخطيئته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أقبلت أنا والجلس من قباء ‪ ،‬فقال كذا وكذا ‪،‬‬
‫ولول مخافة أن أخلط (‪ )5‬بخطيئة أو تصيبني قارعة ما أخبرتك‪ .‬قال ‪ :‬فدعا الجلس فقال ‪" :‬يا‬
‫جلس ‪ ،‬أقلت الذي قاله مصعب ؟" فحلف ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬يَحِْلفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وََلقَدْ قَالُوا كَِلمَةَ‬
‫ا ْل ُكفْرِ َو َكفَرُوا َب ْعدَ إِسْل ِمهِمْ } الية‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان الذي قال تلك المقالة ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬الجلس بن سويد بن‬
‫الصامت ‪ ،‬فرفعها عليه رجل كان في حجره ‪ ،‬يقال له ‪ :‬عمير بن سعيد ‪ ،‬فأنكرها ‪ ،‬فحلف بال‬
‫ما قالها ‪ :‬فلما نزل فيه القرآن تاب ونزع وحسنت توبته ‪ ،‬فيما بلغني‪.‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني أيوب بن إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن رجاء ‪،‬‬
‫حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم جالسا في ظل شجرة فقال ‪" :‬إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني الشيطان ‪ ،‬فإذا جاء‬
‫فل تكلموه"‪ .‬فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ‪ ،‬فدعاه رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬علم‬
‫تشتمني أنت وأصحابك ؟" فانطلق الرجل فجاء بأصحابه ‪ ،‬فحلفوا بال ما قالوا ‪ ،‬حتى تجاوز عنهم‬
‫‪ ،‬فأنزل (‪ )6‬ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬يَحِْلفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا } الية (‪)7‬‬
‫وذلك بَيّنٌ فيما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب "دلئل النبوة" من حديث محمد بن إسحاق ‪،‬‬
‫عن العمش عن عمرو بن مُرة ‪ ،‬عن [أبي] (‪ )8‬البختري ‪ ،‬عن حذيفة بن اليمان ‪ ،‬رضي ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬يصله إليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/519‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬قرآنا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أختلط"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أختلط"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬وأنزل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)14/363‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬

‫( ‪)4/180‬‬

‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت آخذا بخطام ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم أقود به ‪ ،‬وعمار يسوق الناقة‬
‫‪ -‬أو أنا ‪ :‬أسوقه ‪ ،‬وعمار يقوده ‪ -‬حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوه‬
‫فيها ‪ ،‬قال ‪ :‬فأنبهت رسول ال صلى ال عليه وسلم [بهم] (‪ )1‬فصرخ بهم فولوا مدبرين ‪ ،‬فقال‬
‫لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هل عرفتم القوم ؟ قلنا ‪ :‬ل يا رسول ال ‪ ،‬قد كانوا‬
‫متلثمين ‪ ،‬ولكنا قد عرفنا الركاب‪ .‬قال ‪" :‬هؤلء المنافقون إلى يوم القيامة ‪ ،‬وهل تدرون (‪ )2‬ما‬
‫أرادوا ؟" قلنا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬أرادوا أن يزحموا (‪ )3‬رسول ال في العقبة ‪ ،‬فيلقوه منها"‪ .‬قلنا ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أو ل تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ قال ‪" :‬ل أكره‬
‫أن تتحدث العرب بينها أن محمدا قاتل بقوم حتى [إذا] (‪ )4‬أظهره ال بهم أقبل عليهم يقتلهم" ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪" :‬اللهم ارمهم بالدبيلة"‪ .‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما الدبيلة ؟ قال ‪" :‬شهاب من نار يقع على‬
‫نياط قلب أحدهم فيهلك" (‪)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬أخبرنا الوليد بن عبد ال بن جميع ‪ ،‬عن أبي الطفيل‬
‫قال ‪ :‬لما أقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم من غزوة تبوك ‪ ،‬أمر مناديا فنادى ‪ :‬إن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أخذ العقبة فل يأخذها أحد‪ .‬فبينما رسول ال صلى ال عليه وسلم يقوده‬
‫حذيفة ويسوقه عمار ‪ ،‬إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل فغشوا عمارا وهو يسوق برسول‬
‫ال ‪ ،‬وأقبل عمار ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يضرب وجوه الرواحل ‪ ،‬فقال رسول ال (‪ )6‬صلى ال‬
‫عليه وسلم لحذيفة ‪" :‬قد ‪ ،‬قد" حتى هبط رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪[ ،‬فلما هبط] (‪ )7‬نزل‬
‫ورجع عمار ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا عمار ‪ ،‬هل عرفت القوم ؟" فقال ‪ :‬قد عرفت عامة الرواحل ‪ ،‬والقوم‬
‫متلثمون‪ .‬قال ‪" :‬هل تدري ما أرادوا ؟" قال ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬أرادوا أن ينفروا برسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فيطرحوه"‪ .‬قال ‪ :‬فسار عمار رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال ‪ :‬نشدتك (‪ )8‬بال كم تعلم كان أصحاب العقبة ؟ قال ‪ :‬أربعة عشر‪ .‬فقال ‪ :‬إن كنت‬
‫منهم فقد كانوا خمسة عشر‪ .‬قال ‪ :‬فعذر (‪ )9‬رسول ال صلى ال عليه وسلم منهم ثلثة قالوا ‪:‬‬
‫وال ما سمعنا منادي رسول ال ‪ ،‬وما علمنا ما أراد القوم‪ .‬فقال عمار ‪ :‬أشهد أن الثني عشر‬
‫الباقين حرب ل ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد (‪)10‬‬
‫وهكذا روى ابن لهيعة ‪ ،‬عن أبي السود ‪ ،‬عن عُ ْروَة بن الزبير نحو هذا ‪ ،‬وأن رسول ال صلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال عليه وسلم أمر أن يمشي الناس في بطن الوادي ‪ ،‬وصعد هو وحذيفة وعمار العقبة ‪ ،‬فتبعهم‬
‫هؤلء النفر الرذلون ‪ ،‬وهم متلثمون ‪ ،‬فأرادوا سلوك العقبة ‪ ،‬فأطلع ال على مرادهم رسول ال‬
‫(‪ )11‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأمر حذيفة فرجع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ترون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬يزاحموا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )5‬دلئل النبوة (‪.)5/260‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬أنشدك"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬فعد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )5/453‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )6/195‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬رسوله"‪.‬‬

‫( ‪)4/181‬‬

‫إليهم ‪ ،‬فضرب وجوه رواحلهم ‪ ،‬ففزعوا ورجعوا مقبوحين ‪ ،‬وأعلم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم حذيفة وعمارا بأسمائهم ‪ ،‬وما كانوا هموا به من الفتك (‪ )1‬به ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪،‬‬
‫وأمرهما أن يكتما عليهم (‪)2‬‬
‫سمّى جماعة منهم ‪ ،‬فال أعلم (‪)3‬‬
‫وكذلك روى يونس بن ُبكَير ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬إل أنه َ‬
‫وكذا قد حكي (‪ )4‬في معجم الطبراني ‪ ،‬قاله البيهقي‪ .‬ويشهد لهذه القصة بالصحة ‪ ،‬ما رواه مسلم‬
‫‪:‬‬
‫جمَيع ‪ ،‬حدثنا أبو الطفيل قال ‪:‬‬
‫حدثنا زهير بن حرب ‪ ،‬حدثنا أبو أحمد الكوفي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن ُ‬
‫كان [بين] (‪ )5‬رجل من أهل العقبة [وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنشدك بال ‪،‬‬
‫كم كان أصحاب العقبة] (‪ )6‬قال ‪ :‬فقال له القوم ‪ :‬أخبره إذ سألك‪ .‬قال ‪ :‬كنا نخبر أنهم أربعة‬
‫عشر ‪ ،‬فإن كنت منهم فقد كان القوم (‪ )7‬خمسة عشر ‪ ،‬وأشهد بال أن اثني عشر منهم حرب ل‬
‫ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد ‪ ،‬وعذر ثلثة قالوا ‪ :‬ما سمعنا منادي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول علمنا بما أراد القوم‪ .‬وقد كان في حرة فمشى ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن الماء قليل ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فل يسبقني إليه أحد" ‪ ،‬فوجد قوما قد سبقوه ‪ ،‬فلعنهم (‪ )8‬يومئذ (‪)9‬‬
‫وما رواه مسلم أيضا ‪ ،‬من حديث قتادة ‪ ،‬عن أبي َنضْرة ‪ ،‬عن قيس بن عباد ‪ ،‬عن عمار بن‬
‫ياسر قال ‪ :‬أخبرني حذيفة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬في أصحابي اثنا عشر‬
‫منافقا ‪ ،‬ل يدخلون الجنة ‪ ،‬ول يجدون ريحها حتى يلج [الجمل] (‪ )10‬في سم الخياط ‪ :‬ثمانية‬
‫تكفيكهم الدّبَيْلة ‪ :‬سراج من نار يظهر بين أكتافه حتى ينجم من صدورهم" (‪)11‬‬
‫ولهذا كان حذيفة يقال له ‪" :‬صاحب السر ‪ ،‬الذي ل يعلمه غيره" أي ‪ :‬من تعيين جماعة من‬
‫المنافقين ‪ ،‬وهم هؤلء ‪ ،‬قد أطلعه عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم دون غيره ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد ترجم الطبراني في مسند حذيفة تسمية أصحاب العقبة ‪ ،‬ثم روى عن علي بن عبد العزيز ‪،‬‬
‫عن الزبير بن بكار أنه قال ‪ :‬هم ُمعَتّب بن قشير ‪ ،‬ووديعة بن ثابت ‪ ،‬وجد بن عبد ال بن نَبْتَل‬
‫بن الحارث من بني عمرو بن عوف ‪ ،‬والحارث بن يزيد الطائي ‪ ،‬وأوس بن قَيْظِي ‪ ،‬والحارث‬
‫سوَيْد ‪،‬‬
‫بن ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬القتل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي في دلئل النبوة (‪.)5/256‬‬
‫(‪ )3‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)5/257‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ك ‪" :‬فقد كانوا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬فلعنوه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪.)2779‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )11‬صحيح مسلم برقم (‪.)2779‬‬

‫( ‪)4/182‬‬

‫ن وَلَ َنكُونَنّ مِنَ الصّاِلحِينَ (‪ )75‬فََلمّا آَتَا ُهمْ مِنْ‬


‫َومِ ْنهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ َفضْلِهِ لَ َنصّ ّدقَ ّ‬
‫خَلفُوا اللّهَ‬
‫عقَ َبهُمْ ِنفَاقًا فِي قُلُو ِبهِمْ إِلَى َيوْمِ يَ ْل َقوْنَهُ ِبمَا أَ ْ‬
‫خلُوا ِب ِه وَ َتوَّلوْا وَ ُهمْ ُمعْ ِرضُونَ (‪ )76‬فَأَ ْ‬
‫َفضْلِهِ بَ ِ‬
‫جوَاهُمْ وَأَنّ اللّهَ عَلّامُ ا ْلغُيُوبِ (‬
‫مَا وَعَدُوهُ وَ ِبمَا كَانُوا َيكْذِبُونَ (‪ )77‬أَلَمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ سِرّ ُه ْم وَنَ ْ‬
‫‪)78‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وسعد بن زرارة (‪ )1‬وقيس بن فهد ‪ ،‬وسويد وداعس من بني الحبلي ‪ ،‬وقيس بن عمرو بن‬
‫سهل ‪ ،‬وزيد بن اللصيت ‪ ،‬وسللة بن الحمام ‪ ،‬وهما من بني قينقاع أظهرا السلم (‪)2‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َن َقمُوا إِل أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّ ُه وَرَسُولُهُ مِنْ َفضْلِهِ } أي ‪ :‬وما للرسول عندهم ذنب إل أن‬
‫ال أغناهم ببركته ويمن سفارته ‪ ،‬ولو تمت عليهم السعادة لهداهم ال لما جاء به ‪ ،‬كما قال ‪ ،‬عليه‬
‫السلم (‪ )3‬للنصار ‪" :‬ألم أجدكم ضُلل فهداكم ال بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم ال بي ؟ وعالة‬
‫فأغناكم ال بي ؟" كلما قال شيئا قالوا ‪ :‬ال ورسوله أمن‪.‬‬
‫وهذه الصيغة تقال حيث ل ذنب كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا َنقَمُوا مِ ْنهُمْ إِل أَنْ ُي ْؤمِنُوا بِاللّهِ ا ْلعَزِيزِ‬
‫حمِيدِ } [البروج ‪ ]8 :‬وكما قال ‪ ،‬عليه السلم (‪ )4‬ما ينقم ابن جميل إل أن كان فقيرا فأغناه‬
‫الْ َ‬
‫ال"‪.‬‬
‫ثم دعاهم ال تبارك وتعالى إلى التوبة فقال ‪ { :‬فَإِنْ يَتُوبُوا َيكُ خَيْرًا َلهُ ْم وَإِنْ يَ َتوَّلوْا ُيعَذّ ْبهُمُ اللّهُ‬
‫عَذَابًا َألِيمًا فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ } أي ‪ :‬وإن يستمروا على طريقهم { ُي َعذّ ْبهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا‬
‫} أي ‪ :‬بالقتل والهم والغم ‪ { ،‬والخرة } أي ‪ :‬بالعذاب والنكال والهوان والصغار ‪َ { ،‬ومَا َلهُمْ فِي‬
‫ي وَل َنصِيرٍ } أي ‪ :‬وليس لهم أحد يسعدهم ول ينجدهم ‪ ،‬ول يحصل لهم خيرا ‪،‬‬
‫ن وَِل ّ‬
‫ال ْرضِ مِ ْ‬
‫ول يدفع عنهم شرا‪.‬‬
‫ن وَلَ َنكُونَنّ مِنَ الصّالِحِينَ (‪ )75‬فََلمّا آتَاهُمْ مِنْ‬
‫{ َومِ ْنهُمْ مَنْ عَا َهدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ َفضْلِهِ لَ َنصّ ّدقَ ّ‬
‫خَلفُوا اللّهَ‬
‫عقَ َبهُمْ ِنفَاقًا فِي قُلُو ِبهِمْ إِلَى َيوْمِ يَ ْل َقوْنَهُ ِبمَا أَ ْ‬
‫خلُوا ِب ِه وَ َتوَّلوْا وَ ُهمْ ُمعْ ِرضُونَ (‪ )76‬فَأَ ْ‬
‫َفضْلِهِ بَ ِ‬
‫جوَاهُمْ وَأَنّ اللّهَ عَلمُ ا ْلغُيُوبِ‬
‫مَا وَعَدُوهُ وَ ِبمَا كَانُوا َيكْذِبُونَ (‪ )77‬أَلَمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ سِرّ ُه ْم وَنَ ْ‬
‫(‪} )78‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ومن المنافقين من أعطى ال عهده وميثاقه ‪ :‬لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله ‪،‬‬
‫وليكونن من الصالحين‪ .‬فما وفى بما قال ‪ ،‬ول صدق فيما ادعى ‪ ،‬فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن‬
‫في قلوبهم إلى يوم يلقون (‪ )5‬ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬يوم القيامة ‪ ،‬عياذا بال من ذلك‪.‬‬
‫وقد ذكر كثير من المفسرين ‪ ،‬منهم ابن عباس ‪ ،‬والحسن البصري ‪ :‬أن سبب نزول هذه الية‬
‫الكريمة في "ثعلبة بن حاطب النصاري"‪.‬‬
‫وقد ورد فيه حديث رواه ابن جرير هاهنا وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث مُعان (‪ )6‬بن ِرفَاعة ‪ ،‬عن‬
‫علي بن يزيد ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن ‪ ،‬مولى عبد الرحمن بن يزيد بن‬
‫معاوية ‪ ،‬عن أبي أمامة الباهلي ‪ ،‬عن ثعلبة بن حاطب النصاري ‪ ،‬أنه قال لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬ادع ال أن يرزقني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬وابرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الكبير (‪.)167 - 3/165‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬إلى يوم يلقوا" وهو خطأ ‪ ،‬والصواب ‪ :‬في جميع النسخ ‪" :‬يلقوا"‬
‫والصواب ما أثبتناه "إلى يوم يلقون" ؛ لن الفعل المضارع لم يسبق بناصب ول بجازم‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬معاذ"‪.‬‬

‫( ‪)4/183‬‬

‫جهْ َدهُمْ فَ َيسْخَرُونَ مِ ْنهُمْ‬


‫جدُونَ ِإلّا ُ‬
‫ت وَالّذِينَ لَا يَ ِ‬
‫طوّعِينَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ فِي الصّ َدقَا ِ‬
‫الّذِينَ َي ْلمِزُونَ ا ْل ُم ّ‬
‫سخِرَ اللّهُ مِ ْن ُه ْم وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)79‬‬
‫َ‬

‫مال‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير ل‬
‫تطيقه"‪ .‬قال ‪ :‬ثم قال مرة أخرى ‪ ،‬فقال ‪" :‬أما ترضى أن تكون مثل نبي ال ‪ ،‬فوالذي نفسي بيده‬
‫لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا وفضة لسارت"‪ .‬قال ‪ :‬والذي بعثك بالحق لئن دعوت ال‬
‫فرزقني مال لعطين كل ذي حق حقه‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اللهم ارزق ثعلبة‬
‫مال"‪ .‬قال ‪ :‬فاتخذ غنما ‪ ،‬فنمت كما ينمو الدود ‪ ،‬فضاقت عليه المدينة ‪ ،‬فتنحى عنها ‪ ،‬فنزل واديا‬
‫من أوديتها ‪ ،‬حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ‪ ،‬ويترك ما سواهما‪ .‬ثم نمت‬
‫وكَثُرت ‪ ،‬فتنحى حتى ترك الصلوات إل الجمعة ‪ ،‬وهي تنمو كما ينمو الدود ‪ ،‬حتى ترك الجمعة‪.‬‬
‫فطفق يتلقى الركبان (‪ )1‬يوم الجمعة ‪ ،‬يسألهم عن الخبار ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬ما فعل ثعلبة" ؟ فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة‪ .‬فأخبروه بأمره فقال ‪:‬‬
‫ص َدقَةً‬
‫"يا ويح ثعلبة ‪ ،‬يا ويح ثعلبة ‪ ،‬يا ويح ثعلبة"‪ .‬وأنزل ال جل ثناؤه ‪ { :‬خُذْ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم َ‬
‫طهّرُ ُه ْم وَتُ َزكّيهِمْ ِبهَا } الية [التوبة ‪ ]103 :‬قال ‪ :‬ونزلت عليه فرائض الصدقة ‪ ،‬فبعث رسول‬
‫تُ َ‬
‫جهَيْنَة ‪ ،‬ورجل من سليم ‪ ،‬وكتب لهما‬
‫ال صلى ال عليه وسلم رجلين على الصدقة ‪ :‬رجل من ُ‬
‫كيف يأخذان الصدقة من المسلمين ‪ ،‬وقال لهما ‪" :‬مُرا بثعلبة ‪ ،‬وبفلن ‪ -‬رجل من بني سليم ‪-‬‬
‫فخذا صدقاتهما"‪ .‬فخرجا حتى أتيا ثعلبة ‪ ،‬فسأله الصدقة ‪ ،‬وأقرآه كتاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذه إل جزية‪ .‬ما هذه إل أخت الجزية‪ .‬ما أدري ما هذا انطلقا حتى تفرُغا ثم‬
‫عُودا إلي‪ .‬فانطلقا وسمع بهما السلمي ‪ ،‬فنظر إلى خيار أسنان إبله ‪ ،‬فعزلها للصدقة ‪ ،‬ثم‬
‫استقبلهما (‪ )2‬بها فلما رأوها قالوا ‪ :‬ما يجب عليك هذا ‪ ،‬وما نريد أن نأخذ هذا منك‪ .‬قال ‪ :‬بلى ‪،‬‬
‫فخذوها ‪ ،‬فإن نفسي بذلك طيبة ‪ ،‬وإنما هي له‪ .‬فأخذوها منه‪ .‬فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى‬
‫مَرّا بثعلبة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أروني كتابكما فنظر فيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذه إل أخت الجزية‪ .‬انطلقا حتى أرى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رأيي‪ .‬فانطلقا حتى أتيا النبي (‪ )3‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلما رآهما قال ‪" :‬يا ويح ثعلبة" قبل أن‬
‫يكلمهما ‪ ،‬ودعا للسلمي بالبركة ‪ ،‬فأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪َ { :‬ومِ ْنهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ َفضْلِهِ لَ َنصّ ّدقَنّ } إلى قوله ‪ { :‬وَ ِبمَا كَانُوا َيكْذِبُونَ } قال‬
‫‪ :‬وعند رسول ال صلى ال عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة ‪ ،‬فسمع ذلك ‪ ،‬فخرج حتى أتاه فقال‬
‫‪ :‬ويحك يا ثعلبة‪ .‬قد أنزل ال فيك كذا وكذا‪ .‬فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فسأله أن يقبل منه صدقته ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن ال منعني أن أقبل منك صدقتك"‪ .‬فجعل يحثو على رأسه‬
‫التراب ‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪[" :‬هذا] (‪ )4‬عملك ‪ ،‬قد أمرتك فلم تطعني"‪ .‬فلما‬
‫أبى أن يقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم رجع إلى منزله ‪ ،‬فقُبِض رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ولم يقبل منه شيئا‪ .‬ثم أتى أبا بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬حين استخلف ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد علمت‬
‫منزلتي من رسول ال ‪ ،‬وموضعي من النصار ‪ ،‬فاقبل صدقتي‪ .‬فقال أبو بكر ‪ :‬لم يقبلها منك‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأبى أن يقبلها ‪ ،‬فقبض أبو بكر ولم يقبلها‪ .‬فلما وَلِي عمر ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬أتاه فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬اقبل صدقتي‪ .‬فقال ‪ :‬لم يقبلها رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ول أبو بكر ‪ ،‬وأنا (‪ )5‬أقبلها منك! فقبض ولم يقبلها ؛ ثم ولي عثمان ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫‪[ ،‬فأتاه] (‪ )6‬فسأله أن يقبل صدقته ‪ ،‬فقال ‪ :‬لم يقبلها رسول ال صلى ال عليه وسلم ول أبو بكر‬
‫ول عمر ‪ ،‬وأنا أقبلها منك! فلم يقبلها منه ‪ ،‬وهلك ثعلبة في خلفة عثمان (‪)7‬‬
‫خَلفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَ ِبمَا كَانُوا َيكْذِبُونَ } أي ‪ :‬أعقبهم النفاق في قلوبهم‬
‫وقوله تعالى ‪ِ { :‬بمَا أَ ْ‬
‫بسبب إخلفهم الوعد وكذبهم ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال ‪" :‬آية المنافق ثلث ‪ :‬إذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف ‪ ،‬وإذا اؤتمن خان" (‪ )8‬وله شواهد‬
‫كثيرة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫جوَا ُه ْم وَأَنّ اللّهَ عَلمُ ا ْلغُيُوبِ } يخبرهم تعالى أنه يعلم‬
‫وقوله ‪ { :‬أََلمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ سِرّهُ ْم وَنَ ْ‬
‫السر وأخفى ‪ ،‬وأنه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنه إن حصل لهم أموال تصدقوا منها وشكروا‬
‫عليها ‪ ،‬فإنه أعلم بهم من أنفسهم ؛ لنه تعالى علم الغيوب ‪ ،‬أي ‪ :‬يعلم كل غيب وشهادة ‪ ،‬وكل‬
‫سر ونجوى ‪ ،‬ويعلم ما ظهر وما بطن‪.‬‬
‫سخَرُونَ مِ ْن ُهمْ‬
‫جهْدَ ُهمْ فَيَ ْ‬
‫جدُونَ إِل ُ‬
‫طوّعِينَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ فِي الصّ َدقَاتِ وَالّذِينَ ل يَ ِ‬
‫{ الّذِينَ يَ ْلمِزُونَ ا ْلمُ ّ‬
‫سخِرَ اللّهُ مِ ْن ُه ْم وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪} )79‬‬
‫َ‬
‫وهذه أيضا من صفات المنافقين ‪ :‬ل يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الحوال ‪ ،‬حتى ول‬
‫المتصدقون يسلمون منهم ‪ ،‬إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا ‪ :‬هذا مراء ‪ ،‬وإن جاء بشيء‬
‫يسير قالوا ‪ :‬إن ال لغني عن صدقة هذا‪ .‬كما قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا عبيد ال بن سعيد ‪ ،‬حدثنا أبو النعمان البصري ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن سليمان ‪ ،‬عن أبي‬
‫وائل ‪ ،‬عن أبي مسعود قال ‪ :‬لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا ‪ ،‬فجاء رجل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فتصدق بشيء كثير ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬مرائى‪ .‬وجاء رجل فتصدق بصاع ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إن ال لغني عن‬
‫جدُونَ إِل‬
‫ت وَالّذِينَ ل يَ ِ‬
‫طوّعِينَ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ فِي الصّ َدقَا ِ‬
‫صدقة هذا‪ .‬فنزلت { الّذِينَ يَ ْلمِزُونَ ا ْل ُم ّ‬
‫جهْ َدهُمْ } الية‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقد رواه مسلم أيضا في صحيحه ‪ ،‬من حديث شعبة به (‪)9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا الجريري ‪ ،‬عن أبي السليل قال ‪ :‬وقف علينا رجل في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الركاب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬استقبلهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬فأنا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )14/370‬وقد أنكر العلماء هذه القصة وقالوا ببطلنها ‪ ،‬فممن قال بذلك‬
‫المام ابن حزم ‪ ،‬قال في المحلى (‪" : )208 ، 11/207‬على أنه قد روينا أثرا ل يصح وأنها‬
‫نزلت في ثعلبة بن حاطب ‪ ،‬وهذا باطل ؛ لن ثعلبة بدري معروف ‪ ،‬ثم ساق الحديث بإسناده من‬
‫طريق معان بن رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة وقال ‪" :‬وهذا‬
‫باطل ل شك ؛ لن ال أمر بقبض زكوات أموال المسلمين ‪ ،‬وأمر عليه السلم عند موته أل يبقى‬
‫في جزيرة العرب دينان فل يخلو ثعلبة من أن يكون مسلما ففرض على أبي بكر وعمر قبض‬
‫زكاته ول بد ول فسحة في ذلك ‪ ،‬وإن كان كافرا ففرض أل يبقى في جزيرة العرب فسقط هذا‬
‫الثر بل شك ‪ ،‬وفي رواته معان بن رفاعة ‪ ،‬والقاسم بن عبد الرحمن وعلي بن يزيد ‪ -‬هو ابن‬
‫عبد الملك ‪ -‬وكلهم ضعفاء‪ .‬وللفاضل عداب الحمش رسالة في نقد هذه القصة جمع فيها أقوال‬
‫أهل العلم فيها سماها "ثعلبة بن حاطب الصحابي المفترى عليه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )33‬وصحيح مسلم برقم (‪ )59‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم(‪ )1415‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1018‬‬

‫( ‪)4/184‬‬

‫مجلسنا بالبقيع فقال ‪ :‬حدثني أبي ‪ -‬أو ‪ :‬عمي أنه رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم بالبقيع ‪،‬‬
‫وهو يقول ‪" :‬من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة" ؟ قال ‪ :‬فحللت من عمامتي لوثا أو‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لوثين ‪ ،‬وأنا أريد أن أتصدق بهما ‪ ،‬فأدركني ما يدرك ابن آدم ‪ ،‬فعقدت على عمامتي‪ .‬فجاء رجل‬
‫لم أر بالبقيع رجل أشد سوادا [ول] (‪ )1‬أصغر منه ‪ ،‬ول أدمّ ببعير (‪ )2‬ساقه ‪ ،‬لم أر بالبقيع ناقة‬
‫أحسن منها ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أصدقة ؟ قال ‪" :‬نعم" فقال ‪ :‬دونك هذه الناقة‪ .‬قال ‪ :‬فلمزه‬
‫رجل فقال ‪ :‬هذا يتصدق بهذه فوال لهي خير منه‪ .‬قال ‪ :‬فسمعها رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال ‪" :‬كذبت بل هو خير منك ومنها" ثلث مرات ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ويل لصحاب المئين من البل"‬
‫ثلثا‪ .‬قالوا ‪ :‬إل من يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬إل من قال بالمال هكذا وهكذا" ‪ ،‬وجمع بين كفيه عن‬
‫يمينه وعن شماله ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬قد أفلح المزهد المجهد" ثلثا ‪ :‬المزهد في العيش ‪ ،‬المجهد في‬
‫العبادة (‪)3‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ ،‬وقال ‪ :‬جاء عبد الرحمن بن عوف‬
‫بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وجاءه رجل من النصار بصاع من‬
‫طعام ‪ ،‬فقال بعض المنافقين ‪ :‬وال ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إل رياء‪ .‬وقالوا ‪ :‬إن كان ال‬
‫ورسوله لغنيين عن هذا الصاع (‪)4‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج إلى الناس يوما فنادى‬
‫فيهم ‪ :‬أن اجمعوا صدقاتكم‪ .‬فجمع الناس صدقاتهم ‪ ،‬ثم جاء رجل من آخرهم بصاع من تمر ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هذا صاع من تمر بت ليلتي أجر بالجرير الماء ‪ ،‬حتى نلت صاعين من‬
‫تمر ‪ ،‬فأمسكت أحدهما ‪ ،‬وأتيتك بالخر‪ .‬فأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ينثره في‬
‫الصدقات‪ .‬فسخر منه رجال ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن ال ورسوله لغنيان عن هذا‪ .‬وما يصنعان (‪ )5‬بصاعك‬
‫من شيء‪ .‬ثم إن عبد الرحمن بن عوف قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هل بقي أحد من‬
‫أهل الصدقات ؟ فقال "ل" (‪ )6‬فقال له عبد الرحمن بن عوف ‪ :‬فإن عندي مائة أوقية من ذهب في‬
‫الصدقات‪ .‬فقال له عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬أمجنون أنت ؟ قال ‪ :‬ليس بي جنون‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فعلت (‪ )7‬ما فعلت ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬مالي ثمانية آلف ‪ ،‬أما أربعة آلف فأقرضها ربي ‪ ،‬وأما‬
‫أربعة آلف فلي‪ .‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بارك ال لك فيما أمسكت وفيما‬
‫أعطيت"‪ .‬ولمزه المنافقون فقالوا ‪ :‬وال ما أعطى عبد الرحمن عطيته إل رياء‪ .‬وهم كاذبون ‪،‬‬
‫إنما كان به متطوعا ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عذره وعذر صاحبه المسكين الذي جاء بالصاع‬
‫طوّعِينَ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ فِي الصّ َدقَاتِ } الية‪.‬‬
‫من التمر ‪ ،‬فقال تعالى في كتابه ‪ { :‬الّذِينَ يَ ْلمِزُونَ ا ْل ُم ّ‬
‫وكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ :‬كان المطوعون من المؤمنين في الصدقات ‪ :‬عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬تصدق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬بعير"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)5/34‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيرة (‪.)14/382‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يصنعون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬ل لم يبق أحد غيرك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال أفعلت"‪.‬‬

‫( ‪)4/186‬‬

‫بأربعة آلف درهم ‪ ،‬وعاصم بن عدي أخا بني العجلن ‪ ،‬وذلك أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم رغب في الصدقات ‪ ،‬وحض عليها ‪ ،‬فقام عبد الرحمن بن عوف فتصدق بأربعة آلف ‪،‬‬
‫وقام عاصم فتصدق بمائة وسق من تمر ‪ ،‬فلمزوهما وقالوا ‪ :‬ما هذا إل رياء‪ .‬وكان الذي تصدق‬
‫بجهده ‪ :‬أبو عقيل أخو بني أنيف الراشي حليف بني عمرو بن عوف ‪ ،‬أتى بصاع من تمر‬
‫فأفرغه في الصدقة ‪ ،‬فتضاحكوا به وقالوا ‪ :‬إن ال لغني عن صاع أبي عَقيل‪.‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن عمر (‪ )1‬بن أبي‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا طالوت بن عباد ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تصدقوا فإني أريد‬
‫أن أبعث بعثا"‪ .‬قال ‪ :‬فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬عندي أربعة آلف ‪،‬‬
‫ألفين أقرضهما ربي ‪ ،‬وألفين لعيالي‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بارك ال لك فيما‬
‫أعطيت (‪ )2‬وبارك لك فيما أمسكت"‪ .‬وبات رجل من النصار فأصاب صاعين من تمر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬أصبت صاعين من تمر ‪ :‬صاع أقرضه (‪ )3‬لربي ‪ ،‬وصاع لعيالي‪ .‬قال ‪ :‬فلمزه‬
‫المنافقون وقالوا ‪ :‬ما أعطى الذي أعطى ابن عوف إل رياء! وقالوا ‪ :‬ألم يكن ال ورسوله غنيين‬
‫ت وَالّذِينَ ل‬
‫طوّعِينَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ فِي الصّ َدقَا ِ‬
‫عن صاع هذا ؟ فأنزل ال ‪ { :‬الّذِينَ يَ ْلمِزُونَ ا ْلمُ ّ‬
‫سخِرَ اللّهُ مِ ْنهُمْ] } (‪ )4‬الية (‪)5‬‬
‫سخَرُونَ مِ ْن ُهمْ [ َ‬
‫جهْدَ ُهمْ فَيَ ْ‬
‫جدُونَ إِل ُ‬
‫يَ ِ‬
‫ثم رواه عن أبي كامل ‪ ،‬عن أبي عوانة ‪ ،‬عن عمر بن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبيه مرسل (‪ )6‬قال ‪:‬‬
‫ولم يسنده أحد إل طالوت‪.‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬حدثنا زيد بن الحُبَاب ‪ ،‬عن موسى بن‬
‫عبيدة ‪ ،‬حدثني خالد بن يسار ‪ ،‬عن ابن أبي عقيل ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬بت أجر الجرير على‬
‫ظهري ‪ ،‬على صاعين من تمر ‪ ،‬فانقلبت بأحدهما إلى أهلي يتبلغون به ‪ ،‬وجئت بالخر أتقرب‬
‫[به] (‪ )7‬إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبرته ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬انثره في الصدقة"‪ .‬قال ‪ :‬فسخر القوم وقالوا ‪ :‬لقد كان ال غنيا عن صدقة هذا المسكين‪.‬‬
‫طوّعِينَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ فِي الصّ َدقَاتِ } اليتين (‪)8‬‬
‫فأنزل ال ‪ { :‬الّذِينَ يَ ْلمِزُونَ ا ْلمُ ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬أعطيته"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أقرضته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪" )2216‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/32‬وفيه عمرو‬
‫بن أبي سلمة ‪ ،‬وثقه العجلي ‪ ،‬وأبو خيثمة وابن حبان وضعفه شعبة وغيره ‪ ،‬وبقية رجالهما‬
‫ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند البزار برقم (‪" )2216‬كشف الستار" قال الحافظ ابن حجر في الفتح (‪ )8/332‬بعد أن‬
‫ساق هذه الرواية المرسلة ‪" :‬وكذلك أخرجه عبد بن حميد عن يونس بن محمد عن أبي عوانة ‪،‬‬
‫وأخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن مردويه من طرق أخرى عن أبي عوانة مرسل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)14/388‬‬

‫( ‪)4/187‬‬

‫وكذا رواه الطبراني من حديث زيد بن الحباب (‪ )1‬به‪ .‬وقال ‪ :‬اسم أبي عقيل ‪ :‬حباب‪ .‬ويقال ‪:‬‬
‫عبد الرحمن بن عبد ال بن ثعلبة‪.‬‬
‫سخِرَ اللّهُ مِ ْنهُمْ } وهذا من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم‬
‫سخَرُونَ مِ ْنهُمْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَيَ ْ‬
‫بالمؤمنين ؛ لن الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬فعاملهم معاملة من سخر بهم ‪ ،‬انتصارا للمؤمنين في‬
‫الدنيا ‪ ،‬وأعد للمنافقين في الخرة عذابا أليما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪ )4/45‬وقد وقع فيه ‪" :‬عن زيد بن الحباب عن خالد بن يسار" فأسقط موسى‬
‫بن عبيدة في رواية ؛ ولذا قال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/33‬رجاله ثقات إل أن خالد بن يسار لم‬
‫أجد من وثقه ول جرحه" لكن الزيلعي في تخريج الكشاف (‪ )2/88‬عزاه للطبراني في معجمه من‬
‫طريق موسى بن عبيدة عن خالد بن يسار ‪ ،‬فلعله سقط من نسخ الطبراني أو توهم فيه الزيلعي‪.‬‬
‫تنبيه ‪ :‬كذا وقع هنا وعند الطبراني ‪" :‬اسم أبي عقيل حباب" ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر في الصابة (‬
‫‪" : )1/389‬كذا وقع عند الطبراني ‪ ،‬والصواب حبحاب"‪.‬‬

‫( ‪)4/188‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ َأوْ لَا َتسْ َتغْفِرْ َلهُمْ إِنْ تَسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ سَ ْبعِينَ مَ ّرةً فَلَنْ َيغْفِرَ اللّهُ َلهُمْ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َكفَرُوا بِاللّهِ‬
‫سقِينَ (‪)80‬‬
‫وَرَسُولِ ِه وَاللّهُ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬

‫{ اسْ َت ْغفِرْ َل ُهمْ َأوْ ل َتسْ َت ْغفِرْ َل ُهمْ إِنْ تَسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ سَ ْبعِينَ مَ ّرةً فَلَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َكفَرُوا بِاللّهِ‬
‫سقِينَ (‪} )80‬‬
‫وَرَسُولِ ِه وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْلقَوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫يخبر تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم بأن هؤلء المنافقين ليسوا أهل للستغفار ‪ ،‬وأنه لو استغفر‬
‫لهم ‪ ،‬ولو سبعين مرة فإن ال ل يغفر لهم‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن السبعين إنما ذكرت حسما لمادة الستغفار لهم ؛ لن العرب في أساليب كلمها تذكر‬
‫السبعين في مبالغة كلمها ‪ ،‬ول تريد التحديد بها ‪ ،‬ول أن يكون ما زاد عليها بخلفها‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل لها مفهوم ‪ ،‬كما روى العوفي عن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫لما نزلت هذه الية ‪" :‬أسمع ربي قد رخص لي فيهم ‪ ،‬فوال لستغفرن أكثر من سبعين مرة ‪،‬‬
‫سوَاءٌ عَلَ ْيهِمْ َأسْ َت ْغفَرْتَ َلهُمْ أَمْ َلمْ تَسْ َت ْغفِرْ‬
‫لعل ال أن يغفر لهم! فقال ال من شدة غضبه عليهم ‪َ { :‬‬
‫سقِينَ } [المنافقون ‪]6 :‬‬
‫َلهُمْ لَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬لما َثقُل عبد ال بن أبي ‪ ،‬انطلق ابنه إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إن أبي‬
‫قد احتضر ‪ ،‬فأحب أن تشهده وتصلي عليه‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما اسمك"‪ .‬قال‬
‫الحباب بن عبد ال‪ .‬قال ‪" :‬بل أنت عبد ال بن عبد ال ‪ ،‬إن الحباب اسم شيطان"‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق‬
‫معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عرق ‪ ،‬وصلى عليه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬أتصلي عليه [وهو منافق] (‬
‫‪ )1‬؟ قال ‪" :‬إن ال قال ‪ { :‬إِنْ تَسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ سَ ْبعِينَ مَ ّرةً } ولستغفرن له سبعين وسبعين وسبعين"‪.‬‬
‫وكذا روي عن عُ ْروَة بن الزبير ومجاهد بن جُبَير ‪ ،‬وقتادة بن دِعَامة‪ .‬رواها ابن جرير بأسانيده‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/188‬‬

‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ‬


‫فَرِحَ ا ْلمُخَّلفُونَ ِب َمقْعَ ِدهِمْ خِلَافَ َرسُولِ اللّ ِه َوكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫حكُوا قَلِيلًا وَلْيَ ْبكُوا‬
‫ضَ‬‫جهَنّمَ َأشَدّ حَرّا َلوْ كَانُوا َيفْ َقهُونَ (‪ )81‬فَلْ َي ْ‬
‫َوقَالُوا لَا تَ ْنفِرُوا فِي الْحَرّ ُقلْ نَارُ َ‬
‫كَثِيرًا جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪)82‬‬

‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ‬


‫{ فَرِحَ ا ْلمُخَّلفُونَ ِب َم ْقعَدِ ِهمْ خِلفَ رَسُولِ اللّ ِه َوكَرِهُوا أَنْ ُيجَا ِهدُوا بَِأ ْموَاِلهِمْ وَأَنْفُ ِ‬
‫حكُوا قَلِيل وَلْيَ ْبكُوا‬
‫شدّ حَرّا َلوْ كَانُوا َي ْف َقهُونَ (‪ )81‬فَلْ َيضْ َ‬
‫جهَنّمَ أَ َ‬
‫َوقَالُوا ل تَ ْنفِرُوا فِي ا ْلحَرّ ُقلْ نَارُ َ‬
‫كَثِيرًا جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪} )82‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى ذَامّا للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك ‪،‬‬
‫سهِمْ فِي سَبِيلِ‬
‫وفرحوا بمقعدهم (‪ )1‬بعد خروجه ‪َ { ،‬وكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا } معه { بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫اللّ ِه َوقَالُوا } أي ‪ :‬بعضهم لبعض ‪ { :‬ل تَ ْنفِرُوا فِي ا ْلحَرّ } ؛ وذلك أن الخروج في (‪ )2‬غزوة‬
‫تبوك كان في شدة الحر ‪ ،‬عند طيب الظلل والثمار ‪ ،‬فلهذا قالوا (‪ { )3‬ل تَ ْنفِرُوا فِي ا ْلحَرّ } قال‬
‫شدّ حَرّا }‬
‫جهَنّمَ } التي تصيرون إليها بسبب مخالفتكم { أَ َ‬
‫ال تعالى لرسوله ‪ { :‬قل } لهم ‪ { :‬نَارُ َ‬
‫مما فررتم منه من الحر ‪ ،‬بل أشد حرا من النار ‪ ،‬كما قال المام مالك ‪ ،‬عن أبي الزّناد ‪ ،‬عن‬
‫العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬نار بني آدم التي يوقدون‬
‫بها جزءٌ من سبعين جزءًا [من نار جهنم" فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن كانت لكافية‪ .‬قال (‪ )4‬إنها‬
‫فضلت عليها بتسعة وستين جزءا] (‪ )5‬أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ‪ ،‬به (‪)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي (‬
‫‪ )7‬صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ‪ ،‬وضربت‬
‫بالبحر مرتين ‪ ،‬ولول ذلك ما جعل [ال] (‪ )8‬فيها منفعة لحد" (‪ )9‬وهذا أيضا إسناده صحيح (‬
‫‪)10‬‬
‫وقد روى المام أبو عيسى الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬عن عباس الدوري ‪ ،‬عن يحيى بن أبي بكير (‬
‫‪ )11‬عن شريك ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أوقد على النار ألف سنة حتى احمرّت ‪ ،‬ثم أوقد عليها ألف سنة حتى‬
‫ابيضّت ‪ ،‬ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ‪ ،‬فهي سوداء كالليل المظلم"‪ .‬ثم قال الترمذي ‪ :‬ل‬
‫أعلم أحدا رفعه غير يحيى (‪)12‬‬
‫كذا قال‪ .‬وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه عن إبراهيم بن محمد ‪ ،‬عن محمد بن الحسين بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بقعودهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ك ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والموطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬الموطأ (‪ )2/994‬وصحيح البخاري برقم (‪ )3265‬ورواه مسلم في صحيحه برقم (‪)2843‬‬
‫من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ك ‪" :‬أن رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ . ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/244‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إسناد جيد صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫(‪ )12‬سنن الترمذي برقم (‪ )2591‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )4320‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث أبي‬
‫هريرة في هذا موقوف أصح ‪ ،‬ول أعلم أحدا رفعه غير يحيى بن أبي بكير عن شريك"‪.‬‬

‫( ‪)4/189‬‬

‫مكرم ‪ ،‬عن عبيد ال بن سعد (‪ )1‬عن عمه ‪ ،‬عن شريك ‪ -‬وهو ابن عبد ال النخعي ‪ -‬به‪.‬‬
‫وروى أيضا ابن مردويه من رواية مبارك بن فضالة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬تل رسول ال‬
‫حجَا َرةُ } [التحريم ‪ ]6 :‬قال ‪" :‬أُوقد عليها ألف عام‬
‫س وَالْ ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬نَارًا َوقُودُهَا النّا ُ‬
‫حتى ابيضت ‪ ،‬وألف عام حتى احمرت ‪ ،‬وألف عام حتى اسودت ‪ ،‬فهي سوداء كالليل ‪ ،‬ل‬
‫يضيء لهبها" (‪)2‬‬
‫وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني من حديث تمام بن نَجِيح ‪ -‬وقد اختلف فيه ‪ -‬عن الحسن ‪،‬‬
‫عن أنس مرفوعا ‪" :‬لو أن شرارة بالمشرق ‪ -‬أي من نار جهنم ‪ -‬لوجد حرها مَنْ بالمغرب" (‪)3‬‬
‫وروى الحافظ أبو يعلى عن إسحاق بن أبي إسرائيل ‪ ،‬عن أبي عبيدة الحداد ‪ ،‬عن هشام بن‬
‫حسان (‪ )4‬عن محمد بن شبيب ‪ ،‬عن جعفر بن أبي وحشية ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو كان هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون ‪،‬‬
‫وفيهم رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نفسه ‪ ،‬لحترق المسجد ومن فيه" (‪ )5‬غريب‪.‬‬
‫وقال العمش عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن النعمان بن بشير قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لمن له نعلن وشِرَاكان من نار ‪ ،‬يغلي منهما دماغه كما‬
‫يغلي المرجل ‪ ،‬ل يرى أحدا من أهل النار أشدّ عذابا منه ‪ ،‬وإنه أهونهم عذابا"‪ .‬أخرجاه في‬
‫الصحيحين ‪ ،‬من حديث العمش (‪)6‬‬
‫وقال مسلم أيضا ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي ُبكَيْر (‪ )7‬حدثنا زهير بن‬
‫محمد ‪ ،‬عن سهيل بن أبي صالح ‪ ،‬عن النعمان بن أبي عياش (‪ )8‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار ‪،‬‬
‫يغلي دماغه من حرارة نعليه" (‪)9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن ابن عجلن ‪ ،‬سمعت أبي ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن أدنى أهل النار عذابا رجل يجعل له نعلن يغلي منهما دماغه" (‬
‫‪)10‬‬
‫وهذا إسناد جيد قوي ‪ ،‬رجاله على شرط مسلم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )799‬من طريق سهل بن حماد عن مبارك بن فضالة‬
‫به نحوه‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الوسط برقم (‪" )4841‬مجمع البحرين" وأشار الحافظ هنا إلى الختلف في حال تمام‬
‫بن نجيح ‪ ،‬قال المنذري في الترغيب والترهيب (‪" : )4/362‬في إسناده احتمال للتحسين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في جميع النسخ ‪" :‬حسام" والتصويب من أبي يعلى‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند أبي يعلى (‪ )12/22‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )4/307‬من طريق إسحاق بن أبي‬
‫إسرائيل به ‪ ،‬وقال المنذري في الترغيب والترهيب (‪" : )4/363‬إسناده حسن ‪ ،‬وفي متنه نكارة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )6562‬وصحيح مسلم برقم (‪.)213+‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬عباس"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪.)211‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)2/438‬‬

‫( ‪)4/190‬‬

‫والحاديث والثار النبوية في هذا كثيرة ‪ ،‬وقال ال تعالى في كتابه العزيز ‪ { :‬كَل إِ ّنهَا َلظَى‬
‫صهَرُ بِهِ‬
‫حمِيمُ ُي ْ‬
‫سهِمُ ا ْل َ‬
‫صبّ مِنْ َفوْقِ ُرءُو ِ‬
‫شوَى } [المعارج ‪ ]16 ، 15 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬ي َ‬
‫نزاعَةً لِل ّ‬
‫غمّ أُعِيدُوا فِيهَا‬
‫مَا فِي ُبطُو ِنهِ ْم وَالْجُلُودُ وََلهُمْ َمقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُّلمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا مِنْ َ‬
‫س ْوفَ ُنصْلِيهِمْ‬
‫عذَابَ الْحَرِيقِ } [الحج ‪ ]22 - 19 :‬وقال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِنَا َ‬
‫وَذُوقُوا َ‬
‫جلُودُهُمْ َبدّلْنَا ُهمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِ َيذُوقُوا ا ْل َعذَابَ } [النساء ‪]56 :‬‬
‫جتْ ُ‬
‫نَارًا كُّلمَا َنضِ َ‬
‫جهَنّمَ َأشَدّ حَرّا َلوْ كَانُوا َيفْ َقهُونَ } أي ‪:‬‬
‫وقال تعالى في هذه الية الكريمة [الخرى] (‪ُ { )1‬قلْ نَارُ َ‬
‫لو أنهم يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرسول في سبيل ال في الحر ‪ ،‬ليتقوا به حَرّ جهنم ‪ ،‬الذي‬
‫هو أضعاف أضعاف هذا ‪ ،‬ولكنهم كما قال الخر (‪)2‬‬
‫كالمستجير من الرمضاء بالنار‬
‫وقال الخر ‪:‬‬
‫عُم ُركَ بالحميَة أفْنَيْتَه‪ ...‬مَخَافَةَ البارد والحَار‪...‬‬
‫ن المعَاصِي حَذرَ النّار‪...‬‬
‫وَكانَ أولَى بك أنْ تَتقي‪ ...‬مِ َ‬
‫حكُوا قَلِيل‬
‫ثم قال [ال] (‪ )3‬تعالى جل جلله ‪ ،‬متوعدا لهؤلء المنافقين على صنيعهم هذا ‪ { :‬فَلْ َيضْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَلْيَ ْبكُوا كَثِيرًا جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ }‬
‫قال ابن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الدنيا قليل ‪ ،‬فليضحكوا فيها ما شاءوا ‪ ،‬فإذا انقطعت الدنيا‬
‫وصاروا إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬استأنفوا بكاء ل ينقطع أبدا‪ .‬وكذا قال أبو رَزِين ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة‬
‫‪ ،‬والربيع بن خُثَيم ‪ ،‬وعون العقيلي (‪ )4‬وزيد بن أسلم‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا عبد ال بن عبد الصمد بن أبي خداش ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫حميد (‪ )5‬عن ابن المبارك ‪ ،‬عن عمران بن زيد ‪ ،‬حدثنا يزيد الرّقاشي ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬ابكوا ‪ ،‬فإن لم تبكوا فتباكوا ‪ ،‬فإن‬
‫أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ‪ ،‬حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء‬
‫سفُنًا أُ ْزجِ َيتْ فيها لَجرَت"‪.‬‬
‫فتقرح العيون‪ .‬فلو أن ُ‬
‫ورواه ابن ماجه من حديث العمش ‪ ،‬عن يزيد الرقاشي ‪ ،‬به (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وصدر البيت ‪ :‬والمستجير بعمرو عند كربته وذكره داود النطاكي في مصارع العشاق (ص‬
‫‪.)219‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الفضلي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في جميع النسخ ‪" :‬محمد بن جبير" والتصويب من أبي يعلى‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند أبي يعلى (‪ )162 - 7/161‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )4324‬وقال البوصيري في الزوائد‬
‫(‪" : )3/323‬هذا إسناد فيه يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف"‪.‬‬

‫( ‪)4/191‬‬

‫ج َعكَ اللّهُ إِلَى طَا ِئفَةٍ مِ ْنهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِ ْلخُرُوجِ َف ُقلْ لَنْ تَخْ ُرجُوا َم ِعيَ أَ َبدًا وَلَنْ ُتقَاتِلُوا َم ِعيَ‬
‫فَإِنْ رَ َ‬
‫صلّ عَلَى َأحَدٍ مِ ْنهُمْ مَاتَ أَ َبدًا‬
‫عَ ُدوّا إِ ّنكُمْ َرضِيتُمْ بِا ْل ُقعُودِ َأوّلَ مَ ّرةٍ فَا ْقعُدُوا مَعَ ا ْلخَاِلفِينَ (‪ )83‬وَلَا ُت َ‬
‫سقُونَ (‪)84‬‬
‫وَلَا َتقُمْ عَلَى قَبْ ِرهِ إِ ّنهُمْ َكفَرُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه َومَاتُوا وَهُمْ فَا ِ‬

‫وقال الحافظ أبو بكر بن عبد ال بن محمد بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا محمد بن العباس ‪ ،‬حدثنا حماد‬
‫الجزري ‪ ،‬عن زيد بن ُرفَيْع ‪ ،‬رفعه قال ‪" :‬إن أهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ‪ ،‬ثم‬
‫بكوا القيح زمانا" قال ‪" :‬فتقول لهم الخَزَنَة ‪ :‬يا معشر الشقياء ‪ ،‬تركتم البكاء في الدار المرحوم‬
‫فيها أهلها في الدنيا ‪ ،‬هل تجدون اليوم من تستغيثون به ؟ قال ‪ :‬فيرفعون (‪ )1‬أصواتهم ‪ :‬يا أهل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الجنة ‪ ،‬يا معشر الباء والمهات والولد ‪ ،‬خرجنا من القبور عطاشا ‪ ،‬وكنا طول الموقف‬
‫عطاشا ‪ ،‬ونحن اليوم عطاش ‪ ،‬فأفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم ال ‪ ،‬فيدعون أربعين سنة‬
‫ل يجيبهم ‪ ،‬ثم يجيبهم ‪ { :‬إِ ّنكُمْ مَاكِثُونَ } [الزخرف ‪ ]77 :‬فييأسون من كل خير" (‪)2‬‬
‫ج َعكَ اللّهُ إِلَى طَا ِئفَةٍ مِ ْنهُمْ فَاسْتَ ْأذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ َف ُقلْ لَنْ َتخْرُجُوا َم ِعيَ أَبَدًا وَلَنْ ُتقَاتِلُوا َم ِعيَ‬
‫{ فَإِنْ َر َ‬
‫عَ ُدوّا إِ ّنكُمْ َرضِيتُمْ بِا ْل ُقعُودِ َأوّلَ مَ ّرةٍ فَا ْقعُدُوا مَعَ ا ْلخَاِلفِينَ (‪} )83‬‬
‫ج َعكَ اللّهُ } أي ‪ :‬ردك ال من غَ ْزوَتك‬
‫يقول تعالى آمرا لرسوله عليه الصلة والسلم (‪ { )3‬فَإِنْ رَ َ‬
‫هذه { إِلَى طَا ِئفَةٍ مِ ْن ُهمْ } قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجل { فَاسْتَ ْأذَنُوكَ لِ ْلخُرُوجِ }‬
‫أي ‪ :‬معك إلى غزوة أخرى ‪َ { ،‬ف ُقلْ لَنْ تَخْ ُرجُوا َم ِعيَ أَ َبدًا وَلَنْ ُتقَاتِلُوا َم ِعيَ عَ ُدوّا } أي ‪ :‬تعزيرا‬
‫لهم وعقوبة‪ .‬ثم علل ذلك بقوله ‪ { :‬إِ ّنكُمْ َرضِي ُتمْ بِا ْل ُقعُودِ َأ ّولَ مَ ّرةٍ } وهذا كقوله تعالى ‪ { :‬وَ ُنقَلّبُ‬
‫َأفْئِدَ َتهُمْ وَأَ ْبصَارَهُمْ َكمَا لَمْ ُي ْؤمِنُوا بِهِ َأ ّولَ مَ ّرةٍ } [النعام ‪ ]110 :‬فإن من جزاء السيئة السيئة بعدها‬
‫كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ‪ ،‬كما قال في عُمرة الحديبية ‪ { :‬سَ َيقُولُ ا ْلمُخَّلفُونَ إِذَا‬
‫خذُوهَا ذَرُونَا نَتّ ِب ْعكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدّلُوا كَلمَ اللّهِ ُقلْ لَنْ تَتّ ِبعُونَا كَذَِلكُمْ قَالَ اللّهُ‬
‫انْطََلقْتُمْ إِلَى َمغَانِمَ لِتَأْ ُ‬
‫مِنْ قَ ْبلُ } [الفتح ‪]15 :‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬فَا ْقعُدُوا مَعَ ا ْلخَاِلفِينَ } قال ابن عباس ‪ :‬أي الرجال الذين تخلفوا عن الغزاة‪ .‬وقال‬
‫قتادة ‪ { :‬فَا ْقعُدُوا مَعَ ا ْلخَاِلفِينَ } أي ‪ :‬مع النساء‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وهذا ل يستقيم ؛ لن جمع النساء ل يكون بالياء والنون ‪ ،‬ولو أريد النساء لقال ‪:‬‬
‫فاقعدوا مع الخوالف ‪ ،‬أو الخالفات ‪ ،‬ورجح قول ابن عباس رضي ال عنهما (‪)5( )4‬‬
‫علَى قَبْ ِرهِ إِ ّن ُهمْ َكفَرُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه َومَاتُوا وَ ُهمْ‬
‫صلّ عَلَى َأحَدٍ مِ ْنهُمْ مَاتَ أَ َبدًا وَل َتقُمْ َ‬
‫{ وَل ُت َ‬
‫سقُونَ (‪} )84‬‬
‫فَا ِ‬
‫أمر ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم أن يَبْرَأ من المنافقين ‪ ،‬وأل يصلي (‪ )6‬على أحد منهم‬
‫إذا مات ‪ ،‬وأل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فيرفعوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صفة النار (ق ‪ 152‬ظاهرية) وله شواهد من حديث أبي موسى الشعري وأبي سعيد الخدري‬
‫‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/405‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ونهاه أن يصلي"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/192‬‬

‫يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له ؛ لنهم كفروا بال ورسوله ‪ ،‬وماتوا عليه‪ .‬وهذا حكم عام‬
‫في كل من عرف نفاقه ‪ ،‬وإن كان سبب نزول الية في عبد ال بن أُ َبيّ بن سلول رأس‬
‫المنافقين ‪ ،‬كما قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا عُبَيد بن إسماعيل ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬عن عبيد ال ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬لما‬
‫توفي عبد ال ‪ -‬هو ابن أبي ‪ -‬جاء ابنه عبد ال بن عبد ال إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فسأله أن يعطيه قميصه ُيكَفّن فيه أباه ‪ ،‬فأعطاه ‪ ،‬ثم سأله أن يصلي عليه ‪ ،‬فقام رسولُ ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ليصلي عليه ‪ ،‬فقام عمر فأخذ بثوب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إنما خيرني ال فقال ‪ { :‬اسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ َأوْ ل تَسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ إِنْ تَسْ َت ْغفِرْ َل ُهمْ سَ ْبعِينَ مَ ّرةً فَلَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ‬
‫َلهُمْ } وسأزيده على السبعين"‪ .‬قال ‪ :‬إنه منافق! قال ‪ :‬فصلى عليه [رسولُ ال صلى ال عليه‬
‫حدٍ مِ ْنهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَل َتقُمْ عَلَى قَبْ ِرهِ }‬
‫صلّ عَلَى أَ َ‬
‫وسلم] (‪ )1‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬آية ‪ { :‬وَل ُت َ‬
‫وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن أبي أسامة حماد بن أسامة ‪ ،‬به (‪)2‬‬
‫ثم رواه البخاري عن إبراهيم بن المنذر ‪ ،‬عن أنس بن عياض ‪ ،‬عن عبيد ال ‪ -‬وهو ابن عمر ‪-‬‬
‫العمري ‪ -‬به وقال ‪ :‬فصلى عليه ‪ ،‬وصلينا معه ‪ ،‬وأنزل ال ‪ { :‬وَل ُتصَلّ عَلَى َأحَدٍ مِ ْنهُمْ مَاتَ‬
‫أَبَدًا } الية‪.‬‬
‫وهكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد القطان ‪ ،‬عن عبيد ال ‪ ،‬به (‪)3‬‬
‫وقد رُوي من حديث عمرَ بن الخطاب نفسه أيضا بنحو من هذا ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬حدثني الزهري ‪ ،‬عن عبيد ال بن عبد ال ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬سمعت عمرَ بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه‪ .‬يقول لما تُوفي عبد ال بن [أبي دعي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم للصلة عليه ‪ ،‬فقام إليه ‪ ،‬فلما وقف عليه يريد الصلة تحولتُ‬
‫حتى قمت في صدره ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أعلى عَ ُدوّ ال عبد ال بن] (‪ )4‬أبي القائل يوم كذا‬
‫‪ :‬كذا وكذا ‪ُ -‬يعَدّد أيامه ‪ -‬قال ‪ :‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم يتبسم ‪ ،‬حتى إذا أكثرت عليه‬
‫قال ‪" :‬أخّر عني يا عمر ‪ ،‬إني خُيّرت فاخترتُ ‪ ،‬قد قيل لي ‪ { :‬اسْ َت ْغفِرْ َل ُهمْ َأ ْو ل َتسْ َت ْغفِرْ َل ُهمْ إِنْ‬
‫تَسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ سَ ْبعِينَ مَ ّرةً فَلَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ } [التوبة ‪ ]80 :‬لو أعلم أنى إن زدت على السبعين غُفر‬
‫ب لي‬
‫ج ٌ‬
‫له لزدت"‪ .‬قال ‪ :‬ثم صلى عليه ‪ ،‬ومشى معه ‪ ،‬وقام على قبره حتى فُرغ منه ‪ -‬قال ‪َ :‬فعَ َ‬
‫وجراءتي على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وال ورسوله أعلم! قال ‪ :‬فوال ما كان إل‬
‫صلّ عَلَى َأحَدٍ مِ ْنهُمْ مَاتَ أَ َبدًا وَل َتقُمْ عَلَى قَبْ ِرهِ إِ ّن ُهمْ‬
‫يسيرًا حتى نزلت هاتان اليتان ‪ { :‬وَل ُت َ‬
‫سقُونَ }‬
‫َكفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِ ِه َومَاتُوا وَ ُهمْ فَا ِ‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4670‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2774‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4672‬والمسند (‪.)2/18‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)4/193‬‬

‫فما صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بعده على منافق ‪ ،‬ول قام على قبره ‪ ،‬حتى قبضه ال ‪،‬‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي في "التفسير" من حديث محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به (‪ )1‬وقال ‪:‬‬
‫عقَيل ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به ‪،‬‬
‫حسن صحيح‪ .‬ورواه البخاري عن يحيى بن ُبكَير ‪ ،‬عن الليث ‪ ،‬عن ُ‬
‫فذكر مثله وقال ‪" :‬أخّر عني يا عمر"‪ .‬فلما أكثرت عليه قال ‪" :‬إنّي خُيّرت فاخترتُ ‪ ،‬ولو أعلم‬
‫أنى إن زدت على السبعين ُي ْغفَر (‪ )2‬له لزدت عليها"‪ .‬قال ‪ :‬فصلى عليه رسول ال صلى ال‬
‫صلّ عَلَى َأحَدٍ‬
‫عليه وسلم ثم انصرف ‪ ،‬فلم يلبث إل يسيرا حتى نزلت اليتان من براءة ‪ { :‬وَل ُت َ‬
‫مِ ْنهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَل َتقُمْ عَلَى قَبْ ِرهِ } الية ‪ ،‬فعجبتُ بعد من جُرْأتي على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم أعلم‪)3( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي عُبَيد ‪ ،‬حدثنا عبد الملك ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر قال‬
‫‪ :‬لما مات عبد ال بن أبيّ ‪ ،‬أتى ابنه النبيّ صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنك إن لم‬
‫تأته لم نزل ُنعَيّر بهذا‪ .‬فأتاه النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فوجده قد أدخل في حفرته ‪ ،‬فقال ‪ :‬أفل‬
‫قبل أن تدخلوه! فَأخرجَ من حُفرته ‪ ،‬وتَفَل عليه من قرنه إلى قدمه ‪ ،‬وألبسه قميصه‪.‬‬
‫ورواه النسائي ‪ ،‬عن أبي داود الحراني ‪ ،‬عن يعلى بن عبيد ‪ ،‬عن عبد الملك ‪ -‬وهو ابن أبي‬
‫سليمان به (‪)4‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا عبد ال بن عثمان ‪ ،‬أخبرنا ابن عُيَينة ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬سمع جابر بن عبد‬
‫ال قال ‪ :‬أتى النبيّ صلى ال عليه وسلم عبد ال بن أبيّ بعد ما أدخل في قبره ‪ ،‬فأمر به فأخرج ‪،‬‬
‫ووضع على ركبتيه ‪ ،‬ونفث عليه من ريقه ‪ ،‬وألبسه قميصه ‪ ،‬وال أعلم (‪)5‬‬
‫وقد رواه أيضا في غير موضع مع مسلم والنسائي ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬به (‬
‫‪)6‬‬
‫وقال المام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا عمرو بن علي ‪،‬‬
‫حدثنا يحيى ‪ ،‬حدثنا مجالد ‪ ،‬حدثنا عامر ‪ ،‬حدثنا جابر(ح) وحدثنا يوسف بن موسى ‪ ،‬حدثنا عبد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الرحمن بن مغراء الدوسي ‪ ،‬حدثنا مجالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬لما مات رأس المنافقين‬
‫‪ -‬قال يحيى بن سعيد ‪ :‬بالمدينة ‪ -‬فأوصى أن يصلي عليه النبي (‪ )7‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فجاء‬
‫ابنه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/16‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3097‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬لغفر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4671‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/371‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)9665‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)5795‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )3008 ، 1350 ، 1270‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2773‬وسنن‬
‫النسائي (‪.)38 ، 4/37‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬

‫( ‪)4/194‬‬

‫إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك ‪ -‬وهذا الكلم في حديث عبد الرحمن بن مغراء ‪ -‬قال يحيى‬
‫حدٍ مِ ْنهُمْ مَاتَ‬
‫صلّ عَلَى أَ َ‬
‫في حديثه ‪ :‬فصلى عليه ‪ ،‬وألبسه قميصه ‪ ،‬فأنزل ال تعالى ‪ { :‬وَل ُت َ‬
‫أَبَدًا وَل َتقُمْ عَلَى قَبْ ِرهِ } وزاد عبد الرحمن ‪ :‬وخلع النبي صلى ال عليه وسلم قميصه ‪ ،‬فأعطاه‬
‫إياه ‪ ،‬ومشى فصلى عليه ‪ ،‬وقام على قبره ‪ ،‬فأتاه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما ولى قال ‪ { :‬وَل‬
‫علَى قَبْ ِرهِ } (‪ )1‬وهذا إسناد ل بأس به ‪ ،‬وما قبله شاهد له‪.‬‬
‫صلّ عَلَى َأحَدٍ مِ ْنهُمْ مَاتَ أَ َبدًا وَل َتقُمْ َ‬
‫ُت َ‬
‫وقال المام أبو جعفر الطبري ‪ :‬حدثنا [أحمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا] (‪ )2‬أبو أحمد ‪ ،‬حدثنا حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬عن يزيد الرقاشي ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أراد أن يصلي على‬
‫حدٍ مِ ْنهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَل َتقُمْ عَلَى‬
‫صلّ عَلَى أَ َ‬
‫عبد ال بن أبيّ ‪ ،‬فأخذ جبريل بثوبه وقال ‪ { :‬وَل ُت َ‬
‫قَبْ ِرهِ }‬
‫ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ ،‬من حديث يزيد الرقاشي (‪ )3‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أرسل عبد ال بن أبيّ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو مريض ‪ ،‬فلما دخل‬
‫عليه قال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أهلكك حبّ يهود"‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنما أرسلتُ‬
‫إليك لتستغفر لي ‪ ،‬ولم أرسل إليك لتؤنبني! ثم سأله عبد ال أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه ‪،‬‬
‫صلّ عَلَى َأحَدٍ مِ ْنهُمْ‬
‫فأعطاه إياه ‪ ،‬وصلى عليه ‪ ،‬وقام على قبره ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬وَل ُت َ‬
‫مَاتَ أَ َبدًا وَل َتقُمْ عَلَى قَبْ ِرهِ }‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد ذكر بعض السلف أنه إنما ألبسه قميصه ؛ لن عبد ال بن أُبيّ لما قدم العباس طُلب له قميص‬
‫‪ ،‬فلم يُوجَد على تفصيله إل ثوب عبد ال بن أُبيّ ؛ لنه كان ضخمًا طويل ففعل ذلك به رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬مكافأة له ‪ ،‬فال أعلم ‪ ،‬ولهذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد‬
‫نزول هذه الية الكريمة عليه ل يصلي على أحد من المنافقين ‪ ،‬ول يقوم على قبره ‪ ،‬كما قال‬
‫المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬حدثني عبد ال بن أبي قتادة عن أبيه قال ‪ :‬كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إذا دعي لجنازة سأل عنها ‪ ،‬فإن أثني عليها خيرًا قام فصلى عليها ‪ ،‬وإن‬
‫أثني عليها غير ذلك قال لهلها ‪" :‬شأنكم بها" ‪ ،‬ولم يصل عليها (‪)4‬‬
‫جهِل حاله ‪ ،‬حتى يصلي عليها حذيفة بن‬
‫وكان عمر بن الخطاب ل يصلي على جنازة من ُ‬
‫اليمان ؛ لنه كان يعلم أعيان منافقين قد أخبره (‪ )5‬بهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ؛ ولهذا‬
‫كان يقال له ‪" :‬صاحب السر" الذي ل يعلمه غيره أي من الصحابة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه ابن ماجه في السنن برقم (‪ )1524‬من طريق يحيى بن سعيد عن مجالد به نحوه‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )14/407‬ومسند أبي يعلى (‪.)7/145‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)5/299‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أعلمه"‪.‬‬

‫( ‪)4/195‬‬

‫سهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (‬


‫وَلَا ُتعْجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم وََأوْلَادُ ُهمْ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُيعَذّ َبهُمْ ِبهَا فِي الدّنْيَا وَتَزْهَقَ أَ ْنفُ ُ‬
‫ط ْولِ مِ ْنهُ ْم َوقَالُوا ذَرْنَا‬
‫‪ )85‬وَإِذَا أُنْزَِلتْ سُو َرةٌ أَنْ َآمِنُوا بِاللّ ِه َوجَاهِدُوا مَعَ َرسُولِهِ اسْتَ ْأذَ َنكَ أُولُو ال ّ‬
‫َنكُنْ مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ (‪)86‬‬

‫عمَر أنه أراد أن يصلي على جنازة رجل ‪ ،‬فَمرَزَه‬


‫وقال أبو عُبَيد في كتاب "الغريب" ‪ ،‬في حديث ُ‬
‫حُذيفة ‪ ،‬كأنه أراد أن َيصُده عن الصلة عليها ‪ ،‬ثم حكي عن بعضهم أن "المرز" بلغة أهل اليمامة‬
‫هو ‪ :‬القَرْص بأطراف الصابع‪.‬‬
‫ولما نهى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عن الصلة على المنافقين والقيام على قبورهم للستغفار لهم ‪ ،‬كان‬
‫هذا الصنيعُ من أكبر القُرُبات في حق المؤمنين ‪ ،‬فشرع ذلك‪ .‬وفي فعله الجر الجزيل ‪ ،‬لما (‪)1‬‬
‫ثبت في الصحاح وغيرها من حديث أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شهد الجنازة حتى يصلّي عليها فله قيراط ‪ ،‬ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان"‪ .‬قيل ‪ :‬وما‬
‫القيراطان ؟ قال ‪" :‬أصغرهما مثل أحد" (‪)2‬‬
‫وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات فقد قال أبو داود ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ‪ ،‬أخبرنا‬
‫هشام ‪ ،‬عن عبد ال بن بَحير ‪ ،‬عن هانئ ‪ -‬وهو أبو سعيد البربري ‪ ،‬مولى عثمان بن عفان ‪-‬‬
‫عن عثمان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف‬
‫عليه وقال ‪" :‬استغفروا لخيكم ‪ ،‬واسألوا له التثبيت ‪ ،‬فإنه الن يسأل"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه أبو داود ‪ ،‬رحمه ال (‪)3‬‬
‫سهُ ْم وَهُمْ كَافِرُونَ‬
‫{ وَل ُتعْجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم وََأوْلدُهُمْ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُيعَذّ َب ُهمْ ِبهَا فِي الدّنْيَا وَتَزْ َهقَ أَ ْنفُ ُ‬
‫(‪} )85‬‬
‫قد تقدم تفسير نظير هذه الية الكريمة (‪ )4‬ول الحمد‪.‬‬
‫طوْلِ مِ ْنهُ ْم َوقَالُوا ذَرْنَا َنكُنْ‬
‫{ وَإِذَا أُنزَلتْ سُو َرةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللّ ِه وَجَا ِهدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَ َنكَ أُولُو ال ّ‬
‫مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ (‪} )86‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )1325‬ومسلم في صحيحه برقم (‪.)945‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪.)3221‬‬
‫(‪ )4‬انظر تفسير الية ‪ 55 :‬من هذه السورة‪.‬‬

‫( ‪)4/196‬‬

‫خوَاِلفِ َوطُبِعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َفهُمْ لَا َيفْ َقهُونَ (‪)87‬‬
‫َرضُوا بِأَنْ َيكُونُوا مَعَ ا ْل َ‬

‫ف وَطُبِعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َفهُمْ ل َيفْ َقهُونَ (‪} )87‬‬


‫خوَاِل ِ‬
‫{ َرضُوا بِأَنْ َيكُونُوا مَعَ الْ َ‬
‫يقول تعالى منكرًا وذامًا للمتخلفين عن الجهاد ‪ ،‬الناكلين عنه مع القدرة عليه ‪ ،‬ووجود السعة‬
‫طوْل ‪ ،‬واستأذنوا الرسول في القعود ‪ ،‬وقالوا ‪ { :‬ذَرْنَا َنكُنْ مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ } ورضوا لنفسهم‬
‫وال ّ‬
‫بالعار والقعود في البلد مع النساء ‪ ،‬وهن الخوالف ‪ ،‬بعد خروج الجيش ‪ ،‬فإذا وقع الحرب كانوا‬
‫أجبن الناس ‪ ،‬وإذا كان َأمْنٌ كانوا أكثر الناس كلمًا ‪ ،‬كما قال [ال] (‪ )1‬تعالى ‪ ،‬عنهم في الية‬
‫الخرى ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/196‬‬

‫ت وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ‬


‫س ِه ْم وَأُولَ ِئكَ َل ُهمُ الْخَيْرَا ُ‬
‫ل وَالّذِينَ َآمَنُوا َمعَهُ جَا َهدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَنْفُ ِ‬
‫َلكِنِ الرّسُو ُ‬
‫(‪ )88‬أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ (‪ )89‬وَجَاءَ‬
‫ا ْل ُمعَذّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِ ُيؤْذَنَ َل ُه ْم َو َقعَدَ الّذِينَ َكذَبُوا اللّ َه وَرَسُولَهُ سَ ُيصِيبُ الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْنهُمْ عَذَابٌ‬
‫أَلِيمٌ (‪)90‬‬

‫خوْفُ رَأَيْ َتهُمْ يَ ْنظُرُونَ إِلَ ْيكَ تَدُورُ أَعْيُ ُن ُهمْ كَالّذِي ُيغْشَى عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َموْتِ فَإِذَا ذَ َهبَ‬
‫{ فَِإذَا جَاءَ ا ْل َ‬
‫حدَادٍ } [الحزاب ‪ ]19 :‬أي ‪ :‬علت ألسنتهم بالكلم الحاد القوي في المن ‪،‬‬
‫خ ْوفُ سََلقُوكُمْ بِأَلْسِ َنةٍ ِ‬
‫الْ َ‬
‫وفي الحرب أجبن شيء ‪ ،‬وكما قال الشاعر (‪)1‬‬
‫أفي السّلم أعيارًا جفَا ًء وَغ ْلظَةً‪ ...‬وَفي الحَرْب أشباهُ الّنسَاءِ العَوا ِركِ (‪)2‬‬
‫وقال تعالى (‪ )3‬في الية الخرى ‪ { :‬وَ َيقُولُ الّذِينَ آمَنُوا َلوْل نزَلتْ سُو َرةٌ فَإِذَا أُنزَلتْ سُو َرةٌ‬
‫شيّ عَلَيْهِ مِنَ‬
‫ح َكمَ ٌة وَ ُذكِرَ فِيهَا ا ْلقِتَالُ رَأَ ْيتَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ يَنْظُرُونَ إِلَ ْيكَ َنظَرَ ا ْل َمغْ ِ‬
‫مُ ْ‬
‫ا ْل َم ْوتِ فََأوْلَى َلهُمْ طَاعَ ٌة َو َق ْولٌ َمعْرُوفٌ فَِإذَا عَزَ َم المْرُ فََل ْو صَ َدقُوا اللّهَ َلكَانَ خَيْرًا َلهُمْ [ َف َهلْ عَسَيْ ُتمْ‬
‫إِنْ َتوَلّيْتُمْ أَنْ ُتفْسِدُوا فِي ال ْرضِ] [الية] (‪[ )4‬محمد ‪)5( } ]22 - 20 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَطُ ِبعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ } أي ‪ :‬بسبب (‪ )6‬نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرسول في سبيل‬
‫ال ‪َ { ،‬ف ُهمْ ل َيفْ َقهُونَ } أي ‪ :‬ل يفهمون ما فيه صلح لهم فيفعلوه ‪ ،‬ول ما فيه مضرة لهم‬
‫فيجتنبوه‪.‬‬
‫ت وَأُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫سهِ ْم وَأُولَ ِئكَ َلهُمُ ا ْلخَيْرَا ُ‬
‫{ َلكِنِ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ جَاهَدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪ )88‬أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪} )89‬‬
‫لما ذكر تعالى ذم المنافقين ‪ ،‬بيّن ثناء المؤمنين ‪ ،‬وما لهم في آخرتهم ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬لكِنِ الرّسُولُ‬
‫وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ جَا َهدُوا } إلى آخر اليتين من بيان حالهم ومآلهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأُولَ ِئكَ َلهُمُ ا ْلخَيْرَاتُ } أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ ،‬في جنات الفردوس والدرجات العلى‪.‬‬
‫{ وَجَاءَ ا ْل ُمعَذّرُونَ مِنَ العْرَابِ لِ ُيؤْذَنَ َلهُ ْم َو َقعَدَ الّذِينَ كَذَبُوا اللّ َه وَرَسُولَهُ سَ ُيصِيبُ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫مِ ْنهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪} )90‬‬
‫ثم بَيّن تعالى حال ذوي العذار في ترك الجهاد ‪ ،‬الذين جاءوا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يعتذرون إليه ‪ ،‬ويبينون له ما هم فيه من الضعف ‪ ،‬وعدم القدرة على الخروج ‪ ،‬وهم من أحياء‬
‫العرب ممن حول المدينة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيت في السيرة النبوية لبن هشام (‪ )1/656‬منسوبا إلى هند بنت عتبة ‪ ،‬والعيار ‪ :‬جميع‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عير وهو الحمار ‪ ،‬والعوارك ‪ :‬هن الحوائض‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬العوازل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪" :‬بسببهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/197‬‬

‫جدُونَ مَا يُ ْن ِفقُونَ حَرَجٌ إِذَا َنصَحُوا لِلّهِ‬


‫ض َعفَا ِء وَلَا عَلَى ا ْلمَ ْرضَى وَلَا عَلَى الّذِينَ لَا يَ ِ‬
‫لَيْسَ عَلَى ال ّ‬
‫حمَِل ُهمْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )91‬وَلَا عَلَى الّذِينَ ِإذَا مَا أَ َت ْوكَ لِتَ ْ‬
‫ل وَاللّهُ َ‬
‫حسِنِينَ مِنْ سَبِي ٍ‬
‫وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ا ْلمُ ْ‬
‫حمُِلكُمْ عَلَيْهِ َتوَّلوْا وَأَعْيُ ُنهُمْ َتفِيضُ مِنَ ال ّدمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا يُ ْن ِفقُونَ (‪ )92‬إِ ّنمَا‬
‫جدُ مَا َأ ْ‬
‫قُ ْلتَ لَا أَ ِ‬
‫ف وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِمْ‬
‫خوَاِل ِ‬
‫ك وَهُمْ أَغْنِيَاءُ َرضُوا بِأَنْ َيكُونُوا مَعَ الْ َ‬
‫السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأْذِنُو َن َ‬
‫َفهُمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪)93‬‬

‫قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬إنه كان يقرأ ‪" :‬وَجَاءَ ال ُمعْذَرُون" بالتخفيف ‪ ،‬ويقول ‪ :‬هم أهل‬
‫العذر‪.‬‬
‫حمَيد ‪ ،‬عن مجاهد سواء‪.‬‬
‫وكذا روى ابن عيينة ‪ ،‬عن ُ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وبلغني أنهم َنفَر من بني غفار منهم ‪ :‬خُفاف بن إيماء بن َرحَضة‪.‬‬
‫وهذا القول هو الظهر في معنى الية ؛ لنه قال بعد هذا ‪َ { :‬و َقعَدَ الّذِينَ كَذَبُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ } أي‬
‫‪ :‬لم يأتوا فيعتذروا‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج عن مجاهد ‪ { :‬وَجَاءَ ا ْل ُمعَذّرُونَ مِنَ العْرَابِ } قال ‪ :‬نفر من بني غفار ‪ ،‬جاءوا‬
‫فاعتذروا فلم يُعذرْهم ال‪ .‬وكذا قال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬والقول الول أظهر (‬
‫‪ )1‬وال أعلم ‪ ،‬لما قدمنا من قوله بعده ‪َ { :‬و َقعَدَ الّذِينَ كَذَبُوا اللّ َه وَرَسُولَهُ } أي ‪ :‬وقعد آخرون‬
‫من العراب عن المجيء للعتذار ‪ ،‬ثم أوعدهم بالعذاب الليم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬سَ ُيصِيبُ الّذِينَ كَفَرُوا‬
‫مِ ْنهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }‬
‫جدُونَ مَا يُ ْنفِقُونَ حَرَجٌ ِإذَا َنصَحُوا لِلّهِ‬
‫علَى الّذِينَ ل يَ ِ‬
‫ضعَفَا ِء وَل عَلَى ا ْلمَ ْرضَى وَل َ‬
‫{ لَ ْيسَ عَلَى ال ّ‬
‫حمَِلهُمْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )91‬وَل عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا أَ َت ْوكَ لِ َت ْ‬
‫ل وَاللّهُ َ‬
‫حسِنِينَ مِنْ سَبِي ٍ‬
‫وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ا ْلمُ ْ‬
‫حمُِلكُمْ عَلَ ْيهِ َتوَّلوْا وَأَعْيُ ُنهُمْ َتفِيضُ مِنَ ال ّدمْعِ حَزَنًا أَل يَجِدُوا مَا يُ ْن ِفقُونَ (‪ )92‬إِ ّنمَا‬
‫قُ ْلتَ ل َأجِدُ مَا أَ ْ‬
‫ف وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِمْ‬
‫خوَاِل ِ‬
‫ك وَهُمْ أَغْنِيَاءُ َرضُوا بِأَنْ َيكُونُوا مَعَ الْ َ‬
‫السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأْذِنُو َن َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َفهُمْ ل َيعَْلمُونَ (‪} )93‬‬
‫ثم بين تعالى العذار التي ل حَرَج على من قعد فيها عن القتال ‪ ،‬فذكر منها ما هو لزم للشخص‬
‫ل ينفك عنه ‪ ،‬وهو الضعف في التركيب الذي ل يستطيع معه الجلد في الجهاد ‪ ،‬ومنه العمى‬
‫والعَرَج ونحوهما ‪ ،‬ولهذا بدأ به‪ .‬ما هو عارض بسبب مرض عَنّ له في بدنه ‪ ،‬شغله عن‬
‫الخروج في سبيل ال ‪ ،‬أو بسبب فقره (‪ )2‬ل يقدر على التجهز للحرب ‪ ،‬فليس على هؤلء حَرَج‬
‫إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم ‪ ،‬ولم يرجفوا بالناس ‪ ،‬ولم يُثَبّطوهم ‪ ،‬وهم محسنون في‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ }‬
‫حالهم هذا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬مَا عَلَى ا ْل ُمحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللّهُ َ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن عبد العزيز بن رفيع ‪ ،‬عن أبي ثمامة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫الحواريون ‪ :‬يا روح ال ‪ ،‬أخبرنا عن الناصح ل ؟ قال ‪ :‬الذي يُؤثِر حق ال على حق الناس ‪،‬‬
‫وإذا حدث له أمران ‪ -‬أو ‪ :‬بدا له أمر الدنيا وأمر الخرة ‪ -‬بدأ بالذي للخرة ثم تفرغ للذي‬
‫للدنيا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أولى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقر"‪.‬‬

‫( ‪)4/198‬‬

‫وقال الوزاعي ‪ :‬خرج الناس إلى الستسقاء ‪ ،‬فقام فيهم بلل بن سعد ‪ ،‬فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪ :‬يا معشر من حضر ‪ :‬ألستم مقرين بالساءة ؟ قالوا ‪ :‬اللهم نعم‪ .‬فقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إنا نسمعك‬
‫تقول ‪ { :‬مَا عَلَى ا ْل ُمحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } اللهم ‪ ،‬وقد أقررنا بالساءة فاغفر لنا وارحمنا واسقِنا‪.‬‬
‫ورفع يديه ورفعوا أيديهم فَسُقوا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬نزلت هذه الية في عائذ بن عمرو المزني‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عبيد ال الرازي ‪ ،‬حدثنا ابن جابر ‪ ،‬عن ابن‬
‫فروة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬عن زيد بن ثابت قال ‪ :‬كنت أكتبُ لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فكنت أكتب "براءة" فإني لواضعُ القلم على أذني إذ أمرْنا بالقتال ‪ ،‬فجعل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه ‪ ،‬إذا جاء أعمى فقال ‪ :‬كيف بي يا رسول ال وأنا أعمى‬
‫ض َعفَا ِء وَل عَلَى ا ْلمَ ْرضَى } الية (‪)2‬‬
‫؟ فأنزل ال (‪ { )1‬لَيْسَ عَلَى ال ّ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرَ الناس‬
‫أن ينبعثوا غازين معه ‪ ،‬فجاءته عصابة من أصحابه ‪ ،‬فيهم عبد ال بن ُمغَفّل المزني (‪ )3‬فقالوا ‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬احملنا‪ .‬فقال لهم ‪" :‬وال ل (‪ )4‬أجد ما أحملكم عليه"‪ .‬فتولوا ولهم بكاء ‪ ،‬وعزّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ‪ ،‬ول يجدون نفقة ول محمل‪ .‬فلما رأى ال ح ْرصَهم على محبته‬
‫ض َعفَا ِء وَل عَلَى ا ْلمَ ْرضَى وَل عَلَى‬
‫ومحبة رسوله أنزل عذرهم في كتابه ‪ ،‬فقال ‪ { :‬لَيْسَ عَلَى ال ّ‬
‫الّذِينَ ل َيجِدُونَ مَا يُ ْنفِقُونَ حَرَجٌ } إلى قوله تعالى ‪َ { :‬ف ُهمْ ل َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫حمَِلهُمْ } نزلت في بني مقرن من مزينة‪.‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ { :‬وَل عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا أَ َت ْوكَ لِ َت ْ‬
‫عمَيْر (‪ - )5‬ومن‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬كانوا سبعة نفر ‪ ،‬من بني عمرو بن عوف ‪ :‬سالم بن ُ‬
‫بني واقف ‪ :‬هَرَمي (‪ )6‬بن عمرو ‪ -‬ومن بني مازن بن النجار ‪ :‬عبد الرحمن بن كعب ‪ ،‬ويكنى‬
‫أبا ليلى ‪ -‬ومن بني ال ُمعَلى ‪[ :‬سلمان بن صخر ‪ -‬ومن بني حارثة ‪ :‬عبد الرحمن بن يزيد ‪ ،‬أبو‬
‫عبلة ‪ ،‬وهو الذي تصدق بعرضه فقبله ال منه] (‪ )7‬ومن بني سَلِمة ‪ :‬عمرو بن عَنَمة (‪ )8‬وعبد‬
‫ال بن عمرو المزني‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق في سياق غزوة تبوك ‪ :‬ثم إن رجال من المسلمين أتوا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فنزلت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه الدارقطني في الفراد كما في الطراف لبن طاهر (ق ‪ )134‬وقال ‪" :‬غريب من‬
‫حديث أبي فروة ‪ -‬مسلم بن سالم عنه ‪ -‬أي ابن أبي ليلى ‪ -‬عن زيد ‪ ،‬تفرد به محمد بن جابر‬
‫عنه ‪ ،‬وهو غريب من حديث ابن أبي ليلى ل يعلم حدث به عنه غير أبي فروة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد ال بن معقل بن مقرن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪" :‬عوف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في جميع النسخ ‪" :‬حرمى" والتصويب من أسد الغابة والصابة‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬والطبري ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬فضل ال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ك ‪" :‬عنزة"‪.‬‬

‫( ‪)4/199‬‬

‫عمَير‬
‫وهم البكاءون ‪ ،‬وهم سبعة نفر من النصار وغيرهم ‪ ،‬من بني عمرو بن عوف ‪ :‬سالم بن ُ‬
‫(‪ )1‬وعلبة بن زيد أخو بني حارثة ‪ ،‬وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ‪ ،‬أخو بني مازن بن‬
‫النجار ‪ ،‬وعمرو بن الحمام بن الجموح ‪ ،‬أخو بني سَلِمة ‪ ،‬وعبد ال بن ال ُم َغفّل المزني ؛ وبعض‬
‫الناس يقول ‪ :‬بل هو عبد ال بن عمرو المزني ‪ ،‬وهَرَميّ بن عبد ال ‪ ،‬أخو بني واقف ‪،‬‬
‫وعِرْباض (‪ )2‬بن سارية الفزاري ‪ ،‬فاستحملوا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكانوا أهل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حاجة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل أجد ما أحملكم عليه فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أل يجدوا ما ينفقون (‬
‫‪)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمر بن الودي ‪ ،‬حدثنا وَكيع ‪ ،‬عن الربيع ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد خلفتم بالمدينة أقواما ‪ ،‬ما أنفقتم من نفقة ‪ ،‬ول قطعتم‬
‫واديا ‪ ،‬ول نلتم من عدو نيل إل وقد شَركوكم في الجر" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَل عَلَى الّذِينَ ِإذَا مَا أَ َت ْوكَ‬
‫حمُِلكُمْ عَلَ ْيهِ } الية‪.‬‬
‫حمَِلهُمْ قُ ْلتَ ل َأجِدُ مَا َأ ْ‬
‫لِتَ ْ‬
‫وأصل هذا الحديث في الصحيحين من حديث (‪ )4‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬
‫بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا ‪ ،‬ول سرتم [مسيرًا] (‪ )5‬إل وهم معكم"‪ .‬قالوا ‪ :‬وهم بالمدينة ؟ قال‬
‫‪" :‬نعم ‪ ،‬حبسهم العذر" (‪)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد خلفتم بالمدينة رجال (‪ )7‬ما قطعتم واديًا ‪ ،‬ول سلكتم طريقًا إل‬
‫شَركوكم في الجر ‪ ،‬حبسهم المرض"‪.‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به (‪)8‬‬
‫ثم رد تعالى الملمة على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء ‪ ،‬وأنّبَهم في رضاهم بأن يكونوا‬
‫مع النساء الخوالف في الرحال ‪ { ،‬وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َفهُمْ ل َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عوف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في جميع النسخ ‪" :‬عياض" والتصويب من ابن هشام‪ .‬مستفاد من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )3‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/518‬‬
‫(‪ )4‬بعدها بياض في جميع النسخ قدر كلمة‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )2839‬من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه وصحيح مسلم برقم (‬
‫‪ )1911‬من حديث جابر بن عبد ال رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أقواما"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )3/300‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1911‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)2765‬‬

‫( ‪)4/200‬‬

‫جعْتُمْ إِلَ ْيهِمْ ُقلْ لَا َتعْتَذِرُوا لَنْ ُن ْؤمِنَ َلكُمْ َقدْ نَبّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَا ِركُمْ وَسَيَرَى اللّهُ‬
‫َيعْتَذِرُونَ إِلَ ْيكُمْ ِإذَا َر َ‬
‫شهَا َدةِ فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )94‬سَيَحِْلفُونَ بِاللّهِ‬
‫عمََلكُ ْم وَرَسُولُهُ ُثمّ تُرَدّونَ إِلَى عَاِلمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جهَنّمُ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا‬
‫س َومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫َلكُمْ ِإذَا ا ْنقَلَبْتُمْ إِلَ ْي ِهمْ لِ ُتعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمْ فَأَعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمْ إِ ّنهُمْ ِرجْ ٌ‬
‫سقِينَ‬
‫ضوْا عَ ْنهُمْ فَإِنّ اللّهَ لَا يَ ْرضَى عَنِ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ‬
‫ضوْا عَ ْنهُمْ فَإِنْ تَ ْر َ‬
‫َيكْسِبُونَ (‪ )95‬يَحِْلفُونَ َلكُمْ لِتَ ْر َ‬
‫(‪)96‬‬

‫جعْتُمْ إِلَ ْيهِمْ ُقلْ ل َتعْتَذِرُوا لَنْ ُن ْؤمِنَ َلكُمْ َقدْ نَبّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَا ِر ُك ْم وَسَيَرَى اللّهُ‬
‫{ َيعْ َتذِرُونَ ِإلَ ْيكُمْ إِذَا رَ َ‬
‫شهَا َدةِ فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )94‬سَيَحِْلفُونَ بِاللّهِ‬
‫عمََلكُ ْم وَرَسُولُهُ ُثمّ تُرَدّونَ إِلَى عَاِلمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫َ‬
‫جهَنّمُ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا‬
‫س َومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫َلكُمْ ِإذَا ا ْنقَلَبْتُمْ إِلَ ْي ِهمْ لِ ُتعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمْ فَأَعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمْ إِ ّنهُمْ ِرجْ ٌ‬
‫سقِينَ‬
‫ضوْا عَ ْنهُمْ فَإِنّ اللّهَ ل يَ ْرضَى عَنِ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ‬
‫ضوْا عَ ْنهُمْ فَإِنْ تَ ْر َ‬
‫َيكْسِبُونَ (‪ )95‬يَحِْلفُونَ َلكُمْ لِتَ ْر َ‬
‫(‪} )96‬‬

‫( ‪)4/200‬‬

‫حكِيمٌ (‪)97‬‬
‫شدّ ُكفْرًا وَ ِنفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلّا َيعَْلمُوا حُدُودَ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ عَلَى رَسُوِل ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫الْأَعْرَابُ أَ َ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‬
‫سوْءِ وَاللّهُ َ‬
‫َومِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتّخِذُ مَا يُ ْنفِقُ َمغْ َرمًا وَيَتَرَ ّبصُ ِبكُمُ ال ّدوَائِرَ عَلَ ْيهِمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬
‫‪َ )98‬ومِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الَْآخِ ِر وَيَتّخِذُ مَا يُ ْنفِقُ قُرُبَاتٍ عِ ْندَ اللّ ِه َوصَلَوَاتِ الرّسُولِ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪)99‬‬
‫حمَتِهِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫أَلَا إِ ّنهَا قُرْبَةٌ َلهُمْ سَ ُيدْخُِل ُهمُ اللّهُ فِي َر ْ‬

‫ل ل َتعْ َتذِرُوا لَنْ‬


‫أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم ‪ُ { ،‬ق ْ‬
‫ُن ْؤمِنَ َل ُكمْ } أي ‪ :‬لن نصدقكم ‪ { ،‬قَدْ نَبّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَا ِركُمْ } أي ‪ :‬قد أعلمنا ال أحوالكم ‪،‬‬
‫عمََلكُ ْم وَرَسُولُهُ } أي ‪ :‬سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا ‪ُ { ،‬ثمّ تُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ‬
‫{ وَسَيَرَى اللّهُ َ‬
‫شهَا َدةِ فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ } (‪ )1‬أي ‪ :‬فيخبركم بأعمالكم ‪ ،‬خيرها وشرها ‪،‬‬
‫ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫ويجزيكم عليها‪.‬‬
‫ثم أخبر عنهم أنهم سيحلفون معتذرين لتعرضوا عنهم فل ُتؤَنّبُوهم ‪ { ،‬فَأَعْ ِرضُوا عَ ْنهُمْ } احتقارا‬
‫لهم ‪ { ،‬إِ ّنهُمْ ِرجْسٌ } أي ‪ :‬خُبثاء نجس بواطنهم واعتقاداتهم ‪َ { ،‬ومَ ْأوَاهُمْ } في آخرتهم { جهنم } {‬
‫جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ } أي ‪ :‬من الثام والخطايا‪.‬‬
‫سقِينَ } أي ‪:‬‬
‫وأخبر أنهم وإن رضوا عنهم بحلفهم (‪ )2‬لهم ‪ { ،‬فَإِنّ اللّهَ ل يَ ْرضَى عَنِ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ‬
‫الخارجين عن طاعته وطاعة رسوله ‪ ،‬فإن الفسق هو الخروج ‪ ،‬ومنه سميت الفأرة " ُفوَيسقة"‬
‫لخروجها من جُحرها للفساد ‪ ،‬ويقال ‪" :‬فسقت الرطبة" ‪ :‬إذا خرجت من أكمامها (‪)3‬‬
‫حكِيمٌ (‬
‫شدّ ُكفْرًا وَ ِنفَاقًا وَأَجْدَرُ أَل َيعَْلمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِ ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫{ العْرَابُ أَ َ‬
‫سمِيعٌ‬
‫سوْ ِء وَاللّهُ َ‬
‫علَ ْيهِمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬
‫‪َ )97‬ومِنَ العْرَابِ مَنْ يَتّخِذُ مَا يُ ْنفِقُ َمغْ َرمًا وَيَتَرَ ّبصُ ِبكُمُ ال ّدوَائِرَ َ‬
‫خذُ مَا يُ ْنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللّ ِه َوصََلوَاتِ‬
‫عَلِيمٌ (‪َ )98‬ومِنَ العْرَابِ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَيَتّ ِ‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪} )99‬‬
‫حمَتِهِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫الرّسُولِ أَل إِ ّنهَا قُرْبَةٌ َلهُمْ سَيُ ْدخُِلهُمُ اللّهُ فِي رَ ْ‬
‫أخبر تعالى أن في العراب كفارا ومنافقين ومؤمنين ‪ ،‬وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد‬
‫‪ ،‬وأجدر ‪ ،‬أي ‪ :‬أحرى أل يعلموا حدود ما أنزل ال على رسوله ‪ ،‬كما قال العمش عن إبراهيم‬
‫صوْحان وهو يحدث أصحابه ‪ ،‬وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوَند‬
‫قال ‪ :‬جلس أعرابي إلى زيد بن َ‬
‫‪ ،‬فقال العرابي ‪ :‬وال إن حديثك ليعجبني ‪ ،‬وإن يدك لتريبني فقال زيد ‪ :‬ما يُريبك من يدي ؟‬
‫إنها الشمال‪ .‬فقال العرابي ‪ :‬وال ما أدري ‪ ،‬اليمين يقطعون أو الشمالَ ؟ فقال زيد بن صوحان‬
‫علَى َرسُولِهِ }‬
‫حدُودَ مَا أَنزلَ اللّهُ َ‬
‫(‪ )4‬صدق ال ‪ { :‬العْرَابُ أَشَدّ ُكفْرًا وَ ِنفَاقًا وََأجْدَرُ أَل َيعَْلمُوا ُ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن َمهْدِي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي موسى ‪ ،‬عن وهب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ستردون" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بحلفانهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬كمامها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ك ‪" :‬صوخان"‪.‬‬

‫( ‪)4/201‬‬

‫بن مُنَبّه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من سكن البادية جفا ‪ ،‬ومن اتبع‬
‫غفَل ‪ ،‬ومن أتى السلطان افتتن"‪.‬‬
‫الصيد َ‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي من طرق ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬به (‪ )1‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث الثوري‪.‬‬
‫ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث ال منهم رسول وإنما كانت البعثة من أهل‬
‫سلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِل رِجَال نُوحِي إِلَ ْيهِمْ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلقُرَى } [يوسف ‪:‬‬
‫القرى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا أَرْ َ‬
‫‪ ]109‬ولما أهدى ذلك العرابي تلك الهدية لرسول ال صلى ال عليه وسلم فردّ عليه أضعافها‬
‫سيّ" (‬
‫حتى رضي ‪ ،‬قال ‪" :‬لقد هممت أل أقبل هدية إل من قُرشي ‪ ،‬أو َثقَفي أو أنصاري ‪ ،‬أو َدوْ ِ‬
‫‪ )2‬؛ لن هؤلء كانوا يسكنون المدن ‪ :‬مكة ‪ ،‬والطائف ‪ ،‬والمدينة ‪ ،‬واليمن ‪ ،‬فهم ألطف أخلقًا‬
‫من العراب ‪ :‬لما في طباع العراب من الجفاء‪.‬‬
‫حديث [العرابي] (‪ )3‬في تقبيل الولد ‪ :‬قال مسلم ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيْب قال‬
‫حدثنا أبو أسامة وابن ُنمَيْر ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬قدم ناس من العراب‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬أتقبّلون صبيانكم ؟ قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬ولكنا وال ما‬
‫نقبّل‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬وَأمْلكُ أن كان ال نزع منكم الرحمة ؟"‪ .‬وقال ابن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نمير ‪" :‬من قلبك الرحمة" (‪)4‬‬
‫حكِيمٌ } فيما قسم‬
‫حكِيمٌ } أي ‪ :‬عليم بمن يستحق أن يعلمه اليمان والعلم ‪َ { ،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫بين عباده من العلم والجهل واليمان والكفر والنفاق ‪ ،‬ل يسأل عما يفعل ‪ ،‬لعلمه وحكمته‪.‬‬
‫خذُ مَا يُ ْنفِقُ } أي ‪ :‬في سبيل ال { َمغْ َرمًا } أي ‪ :‬غرامة وخسارة ‪،‬‬
‫وأخبر تعالى أن منهم { مَنْ يَتّ ِ‬
‫سوْءِ } أي ‪:‬‬
‫{ وَيَتَرَ ّبصُ ِبكُمُ ال ّدوَائِرَ } أي ‪ :‬ينتظر بكم (‪ )5‬الحوادث والفات ‪ { ،‬عَلَ ْيهِمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ } أي ‪ :‬سميع لدعاء عباده ‪ ،‬عليم بمن‬
‫هي منعكسة عليهم والسوء دائر عليهم ‪ { ،‬وَاللّهُ َ‬
‫يستحق النصر ممن يستحق الخذلن‪.‬‬
‫خذُ مَا يُ ْنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللّ ِه َوصََلوَاتِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِنَ العْرَابِ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَيَتّ ِ‬
‫الرّسُولِ } هذا هو القسم الممدوح من العراب ‪ ،‬وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل ال قربة‬
‫يتقربون بها عند ال ‪ ،‬ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم ‪ { ،‬أَل إِ ّنهَا قُرْبَةٌ َلهُمْ } أي ‪ :‬أل إن ذلك‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ }‬
‫حمَتِهِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫حاصل لهم ‪ { ،‬سَ ُيدْخُِل ُهمُ اللّهُ فِي َر ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/357‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2859‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2256‬وسنن النسائي‬
‫(‪.)7/195‬‬
‫(‪ )2‬رواه النسائي في السنن (‪ )6/279‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)2317‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/202‬‬

‫ضيَ اللّهُ عَ ْن ُه ْم وَ َرضُوا عَنْهُ‬


‫ن وَالْأَ ْنصَا ِر وَالّذِينَ اتّ َبعُوهُمْ بِِإحْسَانٍ َر ِ‬
‫وَالسّا ِبقُونَ الَْأوّلُونَ مِنَ ا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫حوَْلكُمْ مِنَ‬
‫وَأَعَدّ َلهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي َتحْ َتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا ذَِلكَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪َ )100‬و ِممّنْ َ‬
‫ن َومِنْ أَ ْهلِ ا ْلمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى ال ّنفَاقِ لَا َتعَْل ُمهُمْ َنحْنُ َنعَْل ُمهُمْ سَ ُنعَذّ ُبهُمْ مَرّتَيْنِ ُثمّ‬
‫الْأَعْرَابِ مُنَا ِفقُو َ‬
‫عظِيمٍ (‪)101‬‬
‫يُرَدّونَ إِلَى عَذَابٍ َ‬

‫ن الوّلُونَ مِنَ ا ْل ُمهَاجِرِينَ وَال ْنصَا ِر وَالّذِينَ اتّ َبعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ َرضِيَ اللّهُ عَ ْنهُ ْم وَ َرضُوا‬
‫{ وَالسّا ِبقُو َ‬
‫عَنْ ُه وَأَعَدّ َلهُمْ جَنّاتٍ َتجْرِي تَحْ َتهَا ال ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا ذَِلكَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪} )100‬‬
‫يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والنصار والتابعين لهم بإحسان ‪ ،‬ورضاهم‬
‫عنه بما أعدّ لهم من جنات النعيم ‪ ،‬والنعيم المقيم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال الشعبي ‪ :‬السابقون الولون من المهاجرين والنصار من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية‪.‬‬
‫وقال أبو موسى الشعري ‪ ،‬وسعيد بن المسيب ‪ ،‬ومحمد بن سيرين ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬هم‬
‫الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ن الوّلُونَ مِنَ‬
‫وقال محمد بن كعب القرظي ‪ :‬مرّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ ‪ { :‬وَالسّا ِبقُو َ‬
‫ي بن كعب‪ .‬فقال ‪ :‬ل‬
‫ن وَال ْنصَارِ } فأخذ عمر بيده فقال ‪ :‬من أقرأك هذا ؟ فقال ‪ :‬أب ّ‬
‫ا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫تفارقني حتى أذهب بك إليه‪ .‬فلما جاءه قال عمر ‪ :‬أنت أقرأت هذا هذه الية هكذا ؟ قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وسمعتَها من رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة ل‬
‫يبلغها أحد بعدنا ‪ ،‬فقال أبيّ ‪ :‬تصديق هذه الية في أول سورة الجمعة ‪ { :‬وَآخَرِينَ مِ ْنهُمْ َلمّا‬
‫حكِيمُ } [الجمعة ‪ ]3 :‬وفي سورة الحشر ‪ { :‬وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َبعْ ِدهِمْ‬
‫حقُوا ِبهِ ْم وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫يَلْ َ‬
‫خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِاليمَانِ } [الحشر ‪ ]10 :‬وفي النفال ‪ { :‬وَالّذِينَ‬
‫غفِرْ لَنَا وَل ْ‬
‫َيقُولُونَ رَبّنَا ا ْ‬
‫آمَنُوا مِنْ َبعْ ُد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا َم َعكُمْ فَأُولَ ِئكَ مِ ْنكُمْ } [النفال ‪ ]75 :‬إلى آخر الية ‪ ،‬رواه ابن‬
‫جرير (‪)1‬‬
‫ن الوّلُونَ‬
‫قال ‪ :‬وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤها برفع "النصار" عطفا على { وَالسّا ِبقُو َ‬
‫}‬
‫فقد أخبر ال العظيم أنه قد رضي عن السابقين الولين من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم‬
‫بإحسان ‪ :‬فيا ويل من أبغضهم أو سَبّهم أو أبغض أو سبّ بعضهم ‪ ،‬ول سيما سيدُ الصحابة بعد‬
‫الرسول وخيرهم وأفضلهم ‪ ،‬أعني الصديق الكبر والخليفة العظم أبا بكر بن أبي قحافة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويُبغضونهم ويَسُبّونهم ‪،‬‬
‫عياذًا بال من ذلك‪ .‬وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة ‪ ،‬وقلوبهم منكوسة ‪ ،‬فأين هؤلء من‬
‫اليمان بالقرآن ‪ ،‬إذ يسبّون من رضي ال عنهم ؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬ويسبون من سبه ال ورسوله ‪ ،‬ويوالون من يوالي ال ‪ ،‬ويعادون من يعادي ال ‪ ،‬وهم‬
‫متبعون ل مبتدعون ‪ ،‬ويقتدون ول يبتدون ولهذا هم حزب ال المفلحون وعباده المؤمنون‪.‬‬
‫ن َومِنْ أَ ْهلِ ا ْلمَدِي َنةِ مَرَدُوا عَلَى ال ّنفَاقِ ل َتعَْل ُمهُمْ َنحْنُ َنعَْل ُمهُمْ‬
‫حوَْلكُمْ مِنَ العْرَابِ مُنَا ِفقُو َ‬
‫{ َو ِممّنْ َ‬
‫عذَابٍ عَظِيمٍ (‪} )101‬‬
‫سَ ُنعَذّ ُب ُهمْ مَرّتَيْنِ ثُمّ يُ َردّونَ إِلَى َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)14/438‬‬

‫( ‪)4/203‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يخبر تعالى رسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬أن في أحياء العرب ممن حول المدينة منافقين ‪،‬‬
‫وفي أهل المدينة أيضا منافقون { مَرَدُوا عَلَى ال ّنفَاقِ } أي ‪ :‬مرنوا واستمروا عليه ‪ :‬ومنه يقال ‪:‬‬
‫شيطان مريد ومارد ‪ ،‬ويقال ‪ :‬تمرد فلن على ال ‪ ،‬أي ‪ :‬عتا وتجبر‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل َتعَْل ُمهُمْ َنحْنُ َنعَْل ُمهُمْ } ل ينافي قوله تعالى ‪ { :‬وََلوْ نَشَاءُ لرَيْنَا َكهُمْ فََلعَ َرفْ َتهُمْ بِسِيمَا ُهمْ‬
‫وَلَ َتعْ ِرفَ ّنهُمْ فِي َلحْنِ ا ْل َق ْولِ } الية[محمد ‪ ]30 :‬؛ لن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها‬
‫‪ ،‬ل أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين‪ .‬وقد كان يعلم أن في بعض‬
‫من يخالطه من أهل المدينة نفاقا ‪ ،‬وإن كان يراه صباحا ومساء ‪ ،‬وشاهد هذا بالصحة ما رواه‬
‫المام أحمد في مسنده حيث قال ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن النعمان بن سالم ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن جُبَير بن مطعم ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في جُحر ثعلب وأصغى إليّ رسول ال صلى ال عليه وسلم برأسه فقال‬
‫‪" :‬إن في أصحابي منافقين" (‪)1‬‬
‫ومعناه ‪ :‬أنه قد يبوح بعض المنافقين والمرجفين من الكلم بما ل صحة له ‪ ،‬ومن مثلهم صَدَر‬
‫هذا الكلم الذي سمعه جُبَير بن مطعم‪ .‬وتقدم في تفسير قوله ‪ { :‬وَ َهمّوا ِبمَا َلمْ يَنَالُوا } [التوبة ‪:‬‬
‫‪ ]74‬أنه عليه السلم (‪ )2‬أعلم حُذَيفة بأعيان أربعة عشر أو خمسة عشر منافقًا ‪ ،‬وهذا تخصيص‬
‫ل يقتضي أنه اطلع على أسمائهم وأعيانهم كلهم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "أبي عمر البيروتي" من طريق هشام بن عمار ‪ :‬حدثنا‬
‫صدقة بن خالد ‪ ،‬حدثنا بن جابر ‪ ،‬حدثني شيخ بيروت يكنى أبا عمر ‪ ،‬أظنه حدثني عن أبي‬
‫الدرداء ؛ أن رجل يقال له "حرملة" أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬اليمان هاهنا ‪ -‬وأشار‬
‫بيده إلى لسانه ‪ -‬والنفاق هاهنا ‪ -‬وأشار بيده إلى قلبه ولم يذكر ال إل قليل‪ .‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اللهم اجعل له لسانا ذاكرا ‪ ،‬وقلبا شاكرا ‪ ،‬وارزقه حُبّي ‪ ،‬وحبّ من‬
‫يحبني ‪ ،‬وصَيّر أمره إلى خير"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنه كان لي أصحاب من المنافقين وكنت‬
‫رأسا فيهم ‪ ،‬أفل آتيك بهم ؟ قال ‪" :‬من أتانا استغفرنا له ‪ ،‬ومن أصر على دينه فال أولى به ‪ ،‬ول‬
‫تخرقن على أحد سترا" (‪)3‬‬
‫قال ‪ :‬وكذا رواه أبو أحمد الحاكم ‪ ،‬عن أبي بكر الباغندي ‪ ،‬عن هشام بن عمار ‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن قتادة في هذه الية أنه قال ‪ :‬ما بال أقوام يتكلفون علم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)4/83‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور (‪.)29/76‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/204‬‬

‫الناس ؟ فلن في الجنة وفلن في النار‪ .‬فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال ‪ :‬ل أدري! لعمري أنت‬
‫بنفسك (‪ )1‬أعلم منك بأحوال الناس ‪ ،‬ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه النبياء قبلك‪ .‬قال نبي ال نوح ‪{ :‬‬
‫قَالَ َومَا عِ ْلمِي ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } [الشعراء ‪ ]112 :‬وقال نبي ال شعيب ‪َ { :‬بقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ‬
‫حفِيظٍ } [هود ‪ ]86 :‬وقال ال لنبيه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل َتعَْل ُمهُمْ‬
‫كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ َومَا أَنَا عَلَ ْيكُمْ ِب َ‬
‫نَحْنُ َنعَْل ُمهُمْ } (‪.)2‬‬
‫وقال السدي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية قال ‪ :‬قام رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم خطيبا يوم الجمعة فقال ‪" :‬اخرج يا فلن ‪ ،‬فإنك منافق ‪ ،‬واخرج يا فلن فإنك منافق"‪.‬‬
‫فأخرج من المسجد ناسا منهم ‪ ،‬فضحهم‪ .‬فجاء عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم حياء‬
‫أنه لم يشهد الجمعة (‪ )3‬وظن أن الناس قد انصرفوا ‪ ،‬واختبئوا هم من عمر ‪ ،‬ظنوا أنه قد علم‬
‫بأمرهم‪ .‬فجاء عمر فدخل المسجد فإذا الناس لم يصلوا ‪ ،‬فقال له رجل من المسلمين ‪ :‬أبشر يا‬
‫عمر ‪ ،‬قد (‪ )4‬فضح ال المنافقين اليوم‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬فهذا العذاب الول حين أخرجهم من‬
‫المسجد ‪ ،‬والعذاب الثاني عذاب القبر (‪)5‬‬
‫وكذا قال الثوري ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن أبي مالك نحو هذا‪.‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ { :‬سَ ُنعَذّ ُب ُهمْ مَرّتَيْنِ } يعني ‪ :‬القتل والسباء (‪ )6‬وقال ‪ -‬في رواية ‪ -‬بالجوع‬
‫عظِيمٍ }‬
‫‪ ،‬وعذاب القبر ‪ُ { ،‬ثمّ يُرَدّونَ إِلَى عَذَابٍ َ‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬عذاب الدنيا ‪ ،‬وعذاب القبر ‪ ،‬ثم يردون إلى عذاب النار‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬عذاب في الدنيا ‪ ،‬وعذاب في القبر (‪)7‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد ‪ :‬أما عذاب في الدنيا فالموال والولد ‪ ،‬وقرأ قول ال (‪ { )8‬فَل‬
‫ُتعْجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم وََأوْلدُهُمْ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُيعَذّ َب ُهمْ ِبهَا فِي الدّنْيَا } [التوبة ‪ ]85 :‬فهذه المصائب لهم‬
‫عذاب ‪ ،‬وهي للمؤمنين أجر ‪ ،‬وعذاب في الخرة في النار { ثُمّ يُ َردّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } قال ‪:‬‬
‫النار‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ { :‬سَ ُنعَذّ ُبهُمْ مَرّتَيْنِ } قال ‪ :‬هو ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬ما هم فيه من أمر السلم‬
‫‪ ،‬وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ‪ ،‬ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ‪ ،‬ثم‬
‫العذاب العظيم الذي يردون إليه ‪ ،‬عذاب الخرة والخلد فيه‪.‬‬
‫وقال سعيد ‪ ،‬عن قتادة في قوله ‪ { :‬سَ ُن َعذّ ُبهُمْ مَرّتَيْنِ } عذاب الدنيا ‪ ،‬وعذاب القبر ‪ُ { ،‬ثمّ يُرَدّونَ‬
‫إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في جميع النسخ ‪" :‬بنصيبك" والتصويب من الطبري‪ .‬مستفاد من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/253‬‬
‫(‪ )3‬في أ" ‪" :‬المسجد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فقد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/441‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬والسبي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬النار"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬قوله" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬قول ال تعالى"‪.‬‬

‫( ‪)4/205‬‬

‫غفُورٌ‬
‫عسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَ ْيهِمْ إِنّ اللّهَ َ‬
‫عمَلًا صَالِحًا وَ َآخَرَ سَيّئًا َ‬
‫وَآَخَرُونَ اعْتَ َرفُوا بِذُنُو ِبهِمْ خََلطُوا َ‬
‫رَحِيمٌ (‪)102‬‬

‫ذكر لنا أن نبي ال صلى ال عليه وسلم أسرّ إلى حذيفة باثني عشر رجل من المنافقين ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"ستة منهم تكفيكهم الدّبَيْلة ‪ :‬سراج من نار جهنم ‪ ،‬يأخذ في كتف أحدهم حتى يفضي إلى صدره ‪،‬‬
‫وستة يموتون موتًا"‪ .‬وذكر لنا أن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كان إذا مات رجل ممن‬
‫يُرى أنه منهم ‪ ،‬نظر إلى حذيفة ‪ ،‬فإن صلى عليه وإل تركه‪ .‬وَذُكر لنا أن عمر قال لحذيفة ‪:‬‬
‫أنشدك بال ‪ ،‬أمنهم أنا ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬ول أومن منها أحدًا بعدك‪)1( .‬‬
‫عمَل صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَ ْي ِهمْ إِنّ اللّهَ‬
‫{ وَآخَرُونَ اعْتَ َرفُوا بِذُنُو ِبهِمْ خَلَطُوا َ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪} )102‬‬
‫َ‬
‫لما بَيّن تعالى حال المنافقين المتخلفين عن الغَزاة رغبة عنها وتكذيبًا وشكا ‪ ،‬شرع في بيان حال‬
‫المذنبين الذين تأخروا عن الجهاد كسل وميل إلى الراحة ‪ ،‬مع إيمانهم وتصديقهم بالحق ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫{ وَآخَرُونَ اعْتَ َرفُوا بِذُنُو ِبهِمْ } أي ‪ :‬أقروا بها واعترفوا فيما بينهم وبين رَبّهم ‪ ،‬ولهم أعمال أخرَ‬
‫صالحة ‪ ،‬خلطوا هذه بتلك ‪ ،‬فهؤلء تحت عفو ال وغفرانه‪.‬‬
‫وهذه الية ‪ -‬وإن كانت نزلت في أناس معينين ‪ -‬إل أنها عامة في كل المذنبين الخاطئين‬
‫المخلصين المتلوثين‪.‬‬
‫وقد قال مجاهد ‪ :‬إنها نزلت في أبي لُبَابة لما قال لبني قريظة ‪ :‬إنه الذبح ‪ ،‬وأشار بيده إلى حلقه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ { :‬وَآخَرُونَ } نزلت في أبي لُبابة وجماعة من أصحابه ‪ ،‬تخلفوا عن غزوة تبوك‬
‫‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬أبو لبابة وخمسة معه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬وسبعة معه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬وتسعة معه ‪ ،‬فلما رجع‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم من غزوته (‪ )2‬ربطوا أنفسهم بسواري المسجد ‪ ،‬وحلفوا ل يحلهم إل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلما أنزل ال هذه الية ‪ { :‬وَآخَرُونَ اعْتَ َرفُوا بِذُنُو ِبهِمْ } أطلقهم‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وعفا عنهم‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا مُؤمّل بن هشام ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا عوف ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫سمُرَة بن جُنْدَب قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لنا ‪" :‬أتاني الليلة آتيان (‬
‫رجاء ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫‪ )3‬فابتعثاني فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولَبِن فضة ‪ ،‬فتلقانا رجال شَطْر من خلقهم كأحسن‬
‫ما أنت رَاء ‪ ،‬وشطر كأقبح ما أنت راء ‪ ،‬قال لهم ‪ :‬اذهبوا َف َقعُوا في ذلك النهر‪ .‬فوقعوا فيه ‪ ،‬ثم‬
‫رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم ‪ ،‬فصاروا في أحسن صورة ‪ ،‬قال لي ‪ :‬هذه جنة عدن ‪،‬‬
‫وهذا منزلك‪ .‬قال أما القوم الذين كانوا شَطر منهم حَسَن وشطر منهم قبيح ‪ ،‬فإنهم خلطوا عمل‬
‫صالحًا وآخر سيئًا ‪ ،‬فتجاوز ال عنهم"‪.‬‬
‫هكذا رواه مختصرًا ‪ ،‬في تفسير هذه الية‪)4( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪ .)14/443‬والدبيلة ‪ :‬خراج ودمل كبير يظهر في الجوف فيقتل‬
‫صاحبه غالبا‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬من غزوة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬اثنان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4674‬‬

‫( ‪)4/206‬‬

‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‬
‫سكَنٌ َلهُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫طهّرُ ُه ْم وَتُ َزكّيهِمْ ِبهَا َوصَلّ عَلَ ْيهِمْ إِنّ صَلَا َتكَ َ‬
‫خذْ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم صَ َدقَةً تُ َ‬
‫ُ‬
‫ت وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ (‬
‫خذُ الصّ َدقَا ِ‬
‫‪ )103‬أََلمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ُهوَ َيقْبَلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَيَأْ ُ‬
‫‪)104‬‬

‫سمِيعٌ عَلِيمٌ‬
‫سكَنٌ َل ُه ْم وَاللّهُ َ‬
‫ن صَل َتكَ َ‬
‫علَ ْيهِمْ إِ ّ‬
‫صلّ َ‬
‫طهّرُهُ ْم وَتُ َزكّيهِمْ ِبهَا َو َ‬
‫{ خُذْ مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ صَ َدقَةً ُت َ‬
‫ت وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ (‬
‫خذُ الصّ َدقَا ِ‬
‫(‪ )103‬أََلمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ُهوَ َيقْبَلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَيَأْ ُ‬
‫‪} )104‬‬
‫أمر ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم بأن يأخُذَ من أموالهم صدقَة يطهرهم ويزكيهم بها ‪،‬‬
‫وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في "أموالهم" إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عمل صالحًا‬
‫وآخر سيئا ؛ ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى المام ل‬
‫يكون ‪ ،‬وإنما كان هذا خاصًا برسول ال (‪ )1‬صلى ال عليه وسلم ؛ ولهذا احتجوا بقوله تعالى ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سكَنٌ َل ُهمْ } وقد َردّ عليهم‬
‫ن صَل َتكَ َ‬
‫علَ ْيهِمْ إِ ّ‬
‫صلّ َ‬
‫طهّرُهُ ْم وَتُ َزكّيهِمْ ِبهَا َو َ‬
‫{ خُذْ مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ صَ َدقَةً ُت َ‬
‫هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر وسائر الصحابة ‪ ،‬وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة‬
‫‪ ،‬كما كانوا يُؤدونها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى قال الصديق ‪ :‬وال لو منعوني‬
‫عِقال ‪ -‬وفي رواية ‪ :‬عَناقًا ‪ -‬يُؤدّونه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم لقاتلنهم على منعه‪( .‬‬
‫‪)2‬‬
‫علَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬ادع لهم واستغفر لهم ‪ ،‬كما رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن عبد ال‬
‫صلّ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬و َ‬
‫بن أبي أوفى قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أُ ِتيَ بصدقة قوم صَلّى عليهم ‪ ،‬فأتاه‬
‫أبي بصدقته فقال ‪" :‬اللهم صَل على آل أبي أوفى" (‪ )3‬وفي الحديث الخر ‪ :‬أن امرأة قالت ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬صلّ عليّ وعلى زوجي‪ .‬فقال ‪" :‬صلى ال عليك ‪ ،‬وعلى زوجك"‪)4( .‬‬
‫ن صَلتك } ‪ :‬قرأ بعضهم ‪" :‬صلواتك" على الجمع ‪ ،‬وآخرون قرءوا ‪ { :‬إِنّ صَل َتكَ }‬
‫وقوله ‪ { :‬إ ّ‬
‫على الفراد‪.‬‬
‫سكَنٌ َلهُمْ } قال ابن عباس ‪ :‬رحمة لهم‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬وقار‪.‬‬
‫{ َ‬
‫سمِيعٌ } أي ‪ :‬لدعائك { عَلِيمٌ } أي ‪ :‬بمن يستحق ذلك منك ومن هو أهل له‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ َ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا أبو ال ُعمَيْس ‪ ،‬عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة ‪ ،‬عن ابن‬
‫لحذيفة ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا دعا لرجل أصابته ‪ ،‬وأصابت ولده ‪،‬‬
‫وولد ولده‪)5( .‬‬
‫سعَر ‪ ،‬عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة ‪ ،‬عن ابن لحذيفة ‪ -‬قال‬
‫ثم رواه عن أبي ُنعَيم ‪ ،‬عن مِ ْ‬
‫مسعر ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬بالنبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7285 ، 7284‬بلفظ ‪" :‬لو منعنوني عقال" قال ‪" :‬وقال‬
‫ابن بكير وعبد ال عن الليث ‪" :‬عناقا وهو أصح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪ )1078‬والبخاري في صحيحه برقم (‪.)1497‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )1533‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )10256‬من حديث‬
‫جابر بن عبد ال ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)5/385‬‬

‫( ‪)4/207‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد ذكره مرة عن حذيفة ‪ : -‬إن صلة النبي صلى ال عليه وسلم لتُدرك الرجل وولده وولد‬
‫ولده‪)1( .‬‬
‫خذُ الصّ َدقَاتِ } هذا تهييج إلى التوبة‬
‫وقوله ‪ { :‬أََلمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ُهوَ َيقْبَلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَيَأْ ُ‬
‫والصدقة اللتين كل منها (‪ )2‬يحطّ الذنوب ويمحصها ويمحقها‪.‬‬
‫وأخبر تعالى أن كل من تاب إليه تاب عليه ‪ ،‬ومن تصدق بصدقة من كسب حلل فإن ال تعالى‬
‫يتقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها ‪ ،‬حتى تصير التمرة مثل أحد‪ .‬كما جاء بذلك الحديث ‪ ،‬عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬كما قال الثوري ووكيع ‪ ،‬كلهما عن عباد بن منصور ‪ ،‬عن القاسم‬
‫بن محمد أنه سمع أبا هريرة يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال يقبل الصدقة‬
‫ويأخذها بيمينه فيربيها لحدكم ‪ ،‬كما يربي أحدكم مهره ‪ ،‬حتى إن اللقمة لتَصير مثل أحد" ‪،‬‬
‫وتصديق ذلك في كتاب ال ‪ ،‬عز وجل ‪[ { :‬أََلمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ] ُهوَ َيقْ َبلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَيَ ْأخُذُ‬
‫الصّ َدقَاتِ } (‪ )3‬و[قوله] (‪َ { )4‬ي ْمحَقُ اللّهُ الرّبَا وَيُرْبِي الصّ َدقَاتِ } [البقرة ‪)5( .]276 :‬‬
‫وقال الثوري والعمش كلهما ‪ ،‬عن عبد ال بن السائب ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي قتادة قال ‪ :‬قال‬
‫عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬إن الصدقة تقع في يد ال عز وجل قبل أن تقع في يد‬
‫خذُ الصّ َدقَاتِ } (‪.)6‬‬
‫السائل‪ .‬ثم قرأ هذه الية ‪ { :‬أََلمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ُهوَ َيقْبَلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَيَأْ ُ‬
‫س ْكسَكي الدمشقي ‪ -‬وأصله‬
‫وقد روى ابن عساكر في تاريخه ‪ ،‬في ترجمة عبد ال بن الشاعر ال ّ‬
‫حمصي ‪ ،‬وكان أحد الفقهاء ‪ ،‬روى عن معاوية وغيره ‪ ،‬وحكى عنه حوشب بن سيف السكسكي‬
‫الحمصي ‪ -‬قال ‪ :‬غزا الناس في زمان معاوية ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وعليهم عبد الرحمن بن خالد‬
‫بن الوليد ‪َ ،‬ف َغلّ رجل من المسلمين مائة دينار رومية‪ .‬فلما قفل الجيش نَدم وأتى الميرَ ‪ ،‬فأبى أن‬
‫يقبلها منه ‪ ،‬وقال ‪ :‬قد تفرق الناس ولن أقبلها منك ‪ ،‬حتى تأتي ال بها يوم القيامةَ فجعل الرجل‬
‫يستقرئ الصحابة ‪ ،‬فيقولون له مثل ذلك ‪ ،‬فلما قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه ‪ ،‬فأبى‬
‫عليه‪ .‬فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع ‪ ،‬فمر بعبد ال بن الشاعر السكسكي ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما‬
‫يبكيك ؟ فذكر له أمره ‪ ،‬فقال أمطيعُني أنت ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فقال ‪ :‬اذهب إلى معاوية فقل له ‪ :‬اقبل‬
‫مني خُمسك ‪ ،‬فادفع إليه عشرين دينارًا ‪ ،‬وانظر الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش ‪ ،‬فإن‬
‫ال يقبل التوبة عن عباده ‪ ،‬وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم ففعل الرجل ‪ ،‬فقال معاوية ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ :‬لن أكون أفتيتُه بها أحب إلي من كل شيء أملكه ‪ ،‬أحسن الرجل"‪)7( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)400 /5‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬منهما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ك‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ك‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪ .)14/461‬تنبيه ‪ :‬وقع خطأ في الية هنا وعند الطبري ‪ ،‬وما‬
‫أثبتناه هو الصواب‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬تعلموا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تاريخ دمشق (‪" )9/401‬المخطوط"‪.‬‬

‫( ‪)4/208‬‬

‫شهَا َدةِ فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا‬


‫عمََلكُ ْم وَرَسُولُهُ وَا ْلمُ ْؤمِنُونَ وَسَتُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫عمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ َ‬
‫َوقُلِ ا ْ‬
‫كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)105‬‬

‫شهَا َدةِ فَيُنَبّ ُئ ُكمْ‬


‫ب وَال ّ‬
‫عمََلكُ ْم وَرَسُولُ ُه وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَسَتُ َردّونَ إِلَى عَاِلمِ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫عمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ َ‬
‫{ َو ُقلِ ا ْ‬
‫ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪} )105‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬هذا وَعيد ‪ ،‬يعني من ال تعالى للمخالفين أوامره بأن أعمالهم ستع َرضُ عليه تبارك‬
‫وتعالى ‪ ،‬وعلى الرسول ‪ ،‬وعلى المؤمنين‪ .‬وهذا كائن ل محالة يوم القيامة ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬ي ْومَئِذٍ‬
‫خفَى مِ ْنكُمْ خَافِ َيةٌ } [الحاقة ‪ )1( ، ]18 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ تُبْلَى السّرَائِرُ }‬
‫ُتعْ َرضُونَ ل تَ ْ‬
‫صلَ مَا فِي الصّدُورِ } [العاديات ‪ ]10 :‬وقد يظهر ذلك للناس في الدنيا‬
‫ح ّ‬
‫[الطارق ‪ ، ]9 :‬وقال { وَ ُ‬
‫‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا دَرّاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬لو أن أحدكم يعمل في صخرة صَماء ليس لها باب ول‬
‫ُكوّة ‪ ،‬لخرج ال عمله للناس كائنًا ما كان"‪.)2( .‬‬
‫وقد ورد ‪ :‬أن أعمال الحياء تُعرَض على الموات من القرباء والعشائر في البرزخ ‪ ،‬كما قال‬
‫أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا الصلت بن دينار ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم ‪ ،‬فإن‬
‫كان خيرًا استبشروا به ‪ ،‬وإن كان غير ذلك قالوا ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ألهمهم أن يعملوا بطاعتك"‪)3( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عمّن سمع أنسًا يقول ‪ :‬قال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الموات ‪ ،‬فإن كان خيرًا استبشروا‬
‫به ‪ ،‬وإن كان غير ذلك قالوا ‪ :‬اللهم ‪ ،‬ل تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا"‪)4( .‬‬
‫عمَلُوا‬
‫وقال البخاري ‪ :‬قالت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬إذا أعجبك حُسن عمل امرئ ‪ ،‬فقل ‪ { :‬ا ْ‬
‫عمََلكُ ْم وَرَسُولُ ُه وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ } (‪.)5‬‬
‫فَسَيَرَى اللّهُ َ‬
‫وقد ورد في الحديث شبيه بهذا ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَيد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل عليكم أن‬
‫حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له ؟ فإن العامل يعمل زمانًا من عمره ‪ -‬أو ‪ :‬بُرهَة من دهره‬
‫‪ -‬بعمل صالح لو مات عليه لدخل الجنة ‪ ،‬ثم يتحول فيعمل عمل سيئًا ‪ ،‬وإن العبد ليعمل البرهة‬
‫من دهره بعمل سيئ ‪ ،‬لو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يعرضون ل يخفى"‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )3/28‬ودراج عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسند الطيالسي برقم (‪.)1794‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/164‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )2/228‬وفيه رجل لم يسم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري (‪" 13/503‬فتح")‪.‬‬

‫( ‪)4/209‬‬

‫حكِيمٌ (‪)106‬‬
‫جوْنَ لَِأمْرِ اللّهِ ِإمّا ُيعَذّ ُب ُه ْم وَِإمّا يَتُوبُ عَلَ ْيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫وَآَخَرُونَ مُرْ َ‬

‫مات عليه دخل النار ‪ ،‬ثم يتحول فيعمل عمل صالحًا ‪ ،‬وإذا أراد ال بعبد خيرًا استعمله قبل‬
‫موته"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال وكيف يستعمله ‪ :‬قال ‪" :‬يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه" (‪ )1‬تفرد‬
‫به أحمد من هذا الوجه‪.‬‬
‫حكِيمٌ (‪} )106‬‬
‫ن لمْرِ اللّهِ ِإمّا ُي َعذّ ُبهُ ْم وَِإمّا يَتُوبُ عَلَ ْي ِه ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫جوْ َ‬
‫{ وَآخَرُونَ مُرْ َ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬والضحاك وغير واحد ‪ :‬هم الثلثة الذين خلفوا ‪ ،‬أي ‪ :‬عن‬
‫قال ابن عباس ومجاهدُ و ِ‬
‫التوبة ‪ ،‬وهم ‪ :‬مرارة بن الربيع ‪ ،‬وكعب بن مالك ‪ ،‬وهلل بن أمية ‪ ،‬قعدوا عن غزوة تبوك في‬
‫جملة من قعد ‪ ،‬كسل وميل إلى الدّعَة والحفظ وطيب الثمار والظلل ‪ ،‬ل شكا ونفاقا ‪ ،‬فكانت‬
‫منهم طائفة رَبَطوا أنفسهم بالسواري ‪ ،‬كما فعل أبو لُبابة وأصحابه ‪ ،‬وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم‬
‫هؤلء الثلثة المذكورون ‪ ،‬فنزلت توبة أولئك قبل هؤلء ‪ ،‬وأرجى هؤلء عن التوبة حتى نزلت‬
‫ن وَال ْنصَارِ } الية [التوبة ‪]117 :‬‬
‫ي وَا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫الية التية ‪ ،‬وهي قوله ‪َ { :‬لقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى النّ ِب ّ‬
‫سهُمْ] }‬
‫‪ { ،‬وَعَلَى الثّلثَةِ الّذِينَ خُّلفُوا حَتّى إِذَا ضَا َقتْ عَلَ ْيهِمُ ال ْرضُ ِبمَا رَحُ َبتْ [ َوضَا َقتْ عَلَ ْيهِمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫(‪ )2‬الية [التوبة ‪ ، ]118 :‬كما سيأتي بيانه في حديث كعب بن مالك‪.‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إمّا ُي َعذّ ُبهُ ْم وَِإمّا يَتُوبُ عَلَ ْي ِهمْ } أي ‪ :‬هم تحت عفو ال ‪ ،‬إن شاء فعل بهم هذا ‪ ،‬وإن‬
‫حكِيمٌ } أي ‪ :‬عليم بمن يستحق‬
‫شاء فعل بهم ذاك ‪ ،‬ولكن رحمته تغلب غضبه ‪ ،‬وهو { عَلِيمٌ َ‬
‫العقوبة ممن يستحق العفو ‪ ،‬حكيم في أفعاله وأقواله ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )3/120‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/211‬ورجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ك‪.‬‬

‫( ‪)4/210‬‬

‫سجِدًا ضِرَارًا َو ُكفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَإِ ْرصَادًا ِلمَنْ حَا َربَ اللّ َه وَرَسُولَهُ مِنْ‬
‫وَالّذِينَ اتّخَذُوا مَ ْ‬
‫شهَدُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )107‬لَا َتقُمْ فِيهِ أَبَدًا َل َمسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى‬
‫حسْنَى وَاللّهُ يَ ْ‬
‫قَ ْبلُ وَلَ َيحِْلفُنّ إِنْ أَرَدْنَا ِإلّا الْ ُ‬
‫طهّرِينَ (‪)108‬‬
‫حبّ ا ْلمُ ّ‬
‫طهّرُوا وَاللّهُ يُ ِ‬
‫حقّ أَنْ َتقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ ُيحِبّونَ أَنْ يَتَ َ‬
‫ال ّت ْقوَى مِنْ َأ ّولِ َيوْمٍ أَ َ‬

‫ن وَإِ ْرصَادًا ِلمَنْ حَا َربَ اللّ َه وَرَسُولَهُ مِنْ‬


‫جدًا ضِرَارًا َو ُكفْرًا وَ َتفْرِيقًا بَيْنَ ا ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫خذُوا مَسْ ِ‬
‫{ وَالّذِينَ اتّ َ‬
‫شهَدُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )107‬ل َتقُمْ فِيهِ أَبَدًا َل َمسْجِدٌ أُسّسَ‬
‫قَ ْبلُ وَلَ َيحِْلفُنّ إِنْ أَرَدْنَا إِل ا ْلحُسْنَى وَاللّهُ َي ْ‬
‫طهّرِينَ (‬
‫حبّ ا ْلمُ ّ‬
‫طهّرُوا وَاللّهُ ُي ِ‬
‫حقّ أَنْ َتقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ ُيحِبّونَ أَنْ يَتَ َ‬
‫عَلَى ال ّتقْوَى مِنْ َأ ّولِ َي ْومٍ أَ َ‬
‫‪} )108‬‬
‫سبب نزول هذه اليات (‪ )1‬الكريمات ‪ :‬أنه كان بالمدينة قبل مَقدَم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫إليها رجل من الخزرج يقال له ‪" :‬أبو عامر الراهبُ" ‪ ،‬وكان قد تَ َنصّر في الجاهلية وقرأ علْم أهل‬
‫الكتاب ‪ ،‬وكان فيه عبادة في الجاهلية ‪ ،‬وله شرف في الخزرج كبير‪ .‬فلما قَدم رسولُ ال صلى‬
‫ال عليه وسلم مهاجرًا إلى المدينة ‪ ،‬واجتمع المسلمون عليه ‪ ،‬وصارت للسلم كلمة عالية ‪،‬‬
‫وأظهرهم ال يوم بدر ‪ ،‬شَرِق اللعين أبو عامر بريقه ‪ ،‬وبارز بالعداوة ‪ ،‬وظاهر بها ‪ ،‬وخرج‬
‫فارّا إلى كفار مكة من مشركي قريش فألّبهم على حرب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب ‪ ،‬وقدموا عام أحد ‪ ،‬فكان من أمر المسلمين ما كان ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫( ‪)4/210‬‬

‫وامتحنهم ال ‪ ،‬وكانت العاقبة للمتقين‪)1( .‬‬


‫وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين ‪ ،‬فوقع في إحداهن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وأصيب ذلك اليوم ‪ ،‬فجرح في وجهه وكُسِرت ربَاعِيتُه اليمنى السفلى ‪ ،‬وشُجّ رأسه ‪،‬‬
‫صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من النصار ‪ ،‬فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته‬
‫‪ ،‬فلما عرفوا كلمه قالوا ‪ :‬ل أنعم ال بك عينا يا فاسق يا عدو ال ‪ ،‬ونالوا منه وسبّوه‪ .‬فرجع‬
‫وهو يقول ‪ :‬وال لقد أصاب قومي بعدي شَر‪ .‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد دعاه إلى‬
‫ال قبل فراره ‪ ،‬وقرأ عليه من القرآن ‪ ،‬فأبى أن يسلم وتمرّد ‪ ،‬فدعا عليه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أن يموت بعيدًا طريدًا ‪ ،‬فنالته هذه الدعوة‪.‬‬
‫وذلك أنه لما فرغ الناس (‪ )2‬من أحد ‪ ،‬ورأى أمر الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ )3‬في‬
‫ارتفاع وظهور ‪ ،‬ذهب إلى هرقل ‪ ،‬ملك الروم ‪ ،‬يستنصره على النبي صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فوعده ومَنّاه ‪ ،‬وأقام عنده ‪ ،‬وكتب إلى جماعة من قومه من النصار من أهل النفاق والريب‬
‫يعدهم ويُمنّيهم أنه سيقدمُ بجيش يقاتل به رسول ال صلى ال عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه‬
‫‪ ،‬وأمرهم أن يتخذوا له مَعقل يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لداء كُتُبه ويكونَ مرصدًا له إذا‬
‫قدم عليهم بعد ذلك ‪ ،‬فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء ‪ ،‬فبنوه وأحكموه ‪ ،‬وفرغوا منه‬
‫قبل خروج النبي صلى ال عليه وسلم إلى تبوك ‪ ،‬وجاءوا فسألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ‪ ،‬ليحتجوا بصلته ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيه على تقريره وإثباته ‪،‬‬
‫وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية ‪ ،‬فعصمه ال من الصلة فيه‬
‫فقال ‪" :‬إنا على سفر ‪ ،‬ولكن إذا رجعنا إن شاء ال"‪.‬‬
‫فلما قفل ‪ ،‬عليه السلم (‪ )4‬راجعًا إلى المدينة من تبوك ‪ ،‬ولم يبق بينه وبينها إل يوم أو بعض‬
‫يوم ‪ ،‬نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضّرار ‪ ،‬وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة‬
‫المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء ‪ ،‬الذي أسس من أول يوم على التقوى‪ .‬فبعث رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم إلى ذلك المسجد من َهدَمه قبل مقدمه المدينة ‪ ،‬كما قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن‬
‫سجِدًا ضِرَارًا [ َوكُفْرًا وَ َتفْرِيقًا بَيْنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ] } (‪ )5‬وهم‬
‫ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ اتّخَذُوا مَ ْ‬
‫أناس من النصار ‪ ،‬ابتنوا مسجدًا ‪ ،‬فقال لهم أبو عامر ‪ ،‬ابنوا مسجدًا واستعدوا بما استطعتم من‬
‫قوة ومن سلح ‪ ،‬فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ‪ ،‬فآتي بجند من الروم وأخرج محمدًا‬
‫وأصحابه‪ .‬فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬قد فرغنا من بناء‬
‫مسجدنا ‪ ،‬فنحب (‪ )6‬أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة‪ .‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬ل َتقُمْ فِيهِ أَبَدًا‬
‫جدٌ أُسّسَ عَلَى ال ّتقْوَى مِنْ َأ ّولِ َيوْمٍ } إلى { وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ }‪.‬‬
‫َلمَسْ ِ‬
‫وكذا رُوي عن سعيد بن جُبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعروة بن الزبير ‪ ،‬وقتادة وغير واحد من العلماء‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق بن يَسَار ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬ويزيد بن رومان ‪ ،‬وعبد ال بن أبي بكر ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬للتقوى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المسلمون"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬فتجب"‪.‬‬

‫( ‪)4/211‬‬

‫عمَر بن قتادة وغيرهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يعني ‪ :‬من‬
‫وعاصم بن ُ‬
‫تبوك ‪ -‬حتى نزل بذي أوان ‪ -‬بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار ‪ -‬وكان أصحاب مسجد‬
‫الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة‬
‫والحاجة ‪ ،‬والليلة المطيرة ‪ ،‬والليلة الشاتية ‪ ،‬وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه‪ .‬فقال ‪" :‬إني على‬
‫جناح سَفر وحال شُغل ‪ -‬أو كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ولو قد قدمنا إن شاء ال‬
‫تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه"‪ .‬فلما نزل بذي أوان أتاه خبرُ المسجد ‪ ،‬فدعا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم مالك بن الدّخْشُم أخا بني سالم بن عوف ‪ ،‬ومعن بن عدي ‪ -‬أو ‪ :‬أخاه عامر بن عدي‬
‫‪ -‬أخا بلعجلن فقال ‪" :‬انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ‪ ،‬فاهدماه وحرقاه"‪ .‬فخرجا سريعين‬
‫حتى أتيا بني سالم بن عوف ‪ ،‬وهم رهط مالك بن الدّخشم ‪ ،‬فقال مالك لمعن ‪ :‬أنظرني حتى‬
‫سعَفا من النخل ‪ ،‬فأشعل فيه نارًا ‪ ،‬ثم خرجا يَشتدّان‬
‫أخرج إليك بنار من أهلي‪ .‬فدخل أهله فأخذ َ‬
‫حتى دخل المسجد وفيه أهله ‪ ،‬فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه‪ .‬ونزل فيهم من القرآن ما نزل ‪:‬‬
‫جدًا ضِرَارًا َو ُكفْرًا } إلى آخر القصة‪ .‬وكان الذين بنوه اثني عشر رجل خذام‬
‫خذُوا مَسْ ِ‬
‫{ وَالّذِينَ اتّ َ‬
‫بن خالد ‪ ،‬من بني عُبَيد بن زيد ‪ ،‬أحد (‪ )1‬بني عمرو بن عوف ‪ ،‬ومن داره أخرج مسجد الشقاق‬
‫‪ ،‬وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وهو إلى بني أمية بن زيد ‪ ،‬ومعتّب بن قُشير ‪ ،‬من [بني] (‪)2‬‬
‫ضُبَيعة بن زيد ‪ ،‬وأبو حبيبة بن الذعر ‪ ،‬من بني ضُبَيعة بن زيد ‪ ،‬وعَبّاد بن حُنَيف ‪ ،‬أخو سهل‬
‫جمّع بن جارية ‪ ،‬وزيد بن‬
‫بن حنيف ‪ ،‬من بني عمرو بن عوف ‪ ،‬وجارية بن عامر ‪ ،‬وابناه ‪ :‬مُ َ‬
‫جارية ونَبْتَل [بن] (‪ )3‬الحارث ‪ ،‬وهم من بني ضبيعة ‪ ،‬وبحزج وهو من بني ضبيعة ‪ ،‬وبجاد بن‬
‫عُثمان وهو من بني ضُبَيعة ‪[ ،‬ووديعة بن ثابت ‪ ،‬وهو إلى بني أمية] (‪ )4‬رهط أبي لبابة بن عبد‬
‫المنذر‪)5( .‬‬
‫حسْنَى } أي ‪ :‬ما أردناه ببنيانه إل خيرًا‬
‫حِلفُنّ } أي ‪ :‬الذين بنوه { إِنْ أَ َردْنَا إِل الْ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَيَ ْ‬
‫ش َهدُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ } أي ‪ :‬فيما قصدوا وفيما نوَوا ‪ ،‬وإنما‬
‫ورفقًا بالناس ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَاللّهُ يَ ْ‬
‫بنوه ضِرارا لمسجد قُباء ‪ ،‬وكفرا بال ‪ ،‬وتفريقًا بين المؤمنين ‪ ،‬وإرصادًا لمن حارب ال ورسوله‬
‫‪ ،‬وهو أبو عامر الفاسق ‪ ،‬الذي يقال له ‪" :‬الراهب" لعنه ال‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬ل َتقُمْ فِيهِ أَبَدًا } نهي من ال لرسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬والمة تَبَع له في‬
‫ذلك ‪ ،‬عن أن يقوم فيه ‪ ،‬أي ‪ :‬يصلي فيه أبدا‪.‬‬
‫ثم حثه على الصلة في مسجد قُباء الذي أسس من أول يوم بنائه على التقوى ‪ ،‬وهي طاعة ال ‪،‬‬
‫وطاعة رسوله ‪ ،‬وجمعا لكلمة المؤمنين ومَعقل وموئل للسلم وأهله ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫{ َل َمسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى ال ّت ْقوَى مِنْ َأوّلِ َيوْمٍ َأحَقّ أَنْ َتقُومَ فِيهِ } والسياق إنما هو في معرض مسجد‬
‫قباء ؛ ولهذا جاء‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬جد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام‪.‬‬
‫(‪ )5‬السيرة النبوية لبن هشام (‪ )2/530‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ .)14/468‬وانظر الكلم‬
‫على هذه الرواية وتفنيدها في كتاب الفاضل ‪ :‬عداب الحمش "ثعلبة بن حاطب المفترى عليه (ص‬
‫‪.)138‬‬

‫( ‪)4/212‬‬

‫في الحديث الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬صلة في مسجد قُباء كعُمرة"‪)1( .‬‬
‫وفي الصحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يزورُ مسجد قُباء راكبًا وماشيًا (‪ )2‬وفي‬
‫الحديث ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما بناه وأسسه أول قدومه ونزوله على بني عمرو‬
‫جهَة القبلة (‪ )3‬فال أعلم‪.‬‬
‫بن عوف ‪ ،‬كان جبريل هو الذي عَيّن له ِ‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا معاوية بن هشام ‪ ،‬عن يونس بن الحارث ‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن أبي ميمونة ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال‬
‫طهّرُوا } قال ‪ :‬كانوا‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬نزلت هذه الية في أهل قباء ‪ { :‬فِيهِ رِجَالٌ ُيحِبّونَ أَنْ يَتَ َ‬
‫يستنجون بالماء ‪ ،‬فنزلت فيهم الية‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث يونس بن الحارث ‪ ،‬وهو ضعيف ‪ ،‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا الحسن بن علي المعمري ‪ ،‬حدثنا محمد بن حميد الرازي ‪ ،‬حدثنا سلمة بن‬
‫الفضل ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت هذه‬
‫عوَيم بن‬
‫طهّرُوا } بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى ُ‬
‫الية ‪ { :‬فِيهِ رِجَالٌ ُيحِبّونَ أَنْ يَتَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ساعدة فقال ‪" :‬ما هذا الطهور الذي أثنى ال عليكم ؟"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما خرج منا رجل‬
‫ول امرأة من الغائط إل غسل فرجه ‪ -‬أو قال ‪ :‬مقعدته ‪ -‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪" .‬هو‬
‫هذا"‪)4( .‬‬
‫عوَيم بن‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حُسَين بن محمد ‪ ،‬حدثنا أبو أويس ‪ ،‬حدثنا شرحبيل ‪ ،‬عن ُ‬
‫حدّثه أن النبي صلى ال عليه وسلم أتاهم في مسجد قُباء ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن ال‬
‫ساعدة النصاري ‪ :‬أنه َ‬
‫تعالى قد أحسن [عليكم الثناء] (‪ )5‬في الطّهور في قصة مسجدكم ‪ ،‬فما هذا الطهور الذي تطهرون‬
‫به ؟" فقالوا ‪ :‬وال ‪ -‬يا رسول ال ‪ -‬ما نعلم شيئًا إل أنه كان لنا جيران من اليهود ‪ ،‬فكانوا‬
‫يغسلون أدبارهم من الغائط ‪ ،‬فغسلنا كما غسلوا‪.‬‬
‫ورواه ابن خُزيمة في صحيحه‪)6( .‬‬
‫وقال ُهشَيْم ‪ ،‬عن عبد الحميد المدني ‪ ،‬عن إبراهيم بن إسماعيل النصاري ‪ :‬أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )324‬وابن ماجه في السنن برقم (‪ )1411‬من طريق أبي‬
‫أسامة ‪ -‬عبد الحميد بن جعفر ‪ -‬عن أبي البرد مولى بني الخطمة ‪ -‬عن أسيد بن ظهير‬
‫النصاري رضي ال عنه ‪ ،‬وبه‪ .‬وقال الترمذي ‪ -‬كما في تحفة الشرف (‪" : )1/275‬حديث‬
‫حسن صحيح ‪ ،‬ول نعرف لسيد بن ظهير شيئا يصح غير هذا الحديث ‪ ،‬ول نعرفه إل من حديث‬
‫أبي أسامة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪ )1399‬من حديث عبد ال بن عمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ )44‬وسنن الترمذي برقم (‪ ، )3100‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)357‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الكبير (‪ )11/67‬وفيه محمد بن حميد وهو ضعيف ‪ ،‬وابن إسحاق مدلس وقد عنعن‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/422‬وصحيح ابن خزيمة برقم (‪ )83‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/212‬وفيه‬
‫شرحبيل بن سعد ضعفه مالك وابن معين وأبو زرعة ووثقه ابن حبان"‪.‬‬

‫( ‪)4/213‬‬

‫حبّ‬
‫طهّرُوا وَاللّهُ ُي ِ‬
‫ل ُعوَيم بن ساعدة‪" .‬ما هذا الذي أثنى ال عليكم ‪ { :‬فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَنْ يَتَ َ‬
‫طهّرِينَ } قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا نغسل الدبار بالماء‪)1( .‬‬
‫ا ْلمُ ّ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن عُمارة السدي ‪ ،‬حدثنا محمد بن سعد ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن‬
‫محمد ‪ ،‬عن شرحبيل بن سعد قال ‪ :‬سمعت خُزَيمة بن ثابت يقول ‪ :‬نزلت هذه الية ‪ { :‬فِيهِ رِجَالٌ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طهّرِينَ } قال ‪ :‬كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط‪)2( .‬‬
‫حبّ ا ْل ُم ّ‬
‫طهّرُوا وَاللّهُ يُ ِ‬
‫يُحِبّونَ أَنْ يَ َت َ‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد بن حنبل ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا مالك ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن م ْغوَل ‪-‬‬
‫سمعت سيارا أبا الحكم ‪ ،‬عن شهر بن حوشب ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن سلم قال ‪ :‬لما (‪ )3‬قدم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يعني ‪ :‬قباء ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قد أثنى عليكم في‬
‫طهّرُوا وَاللّهُ‬
‫الطهور خيرًا ‪ ،‬أفل تخبروني ؟"‪ .‬يعني ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬فِيهِ ِرجَالٌ يُحِبّونَ أَنْ يَ َت َ‬
‫طهّرِينَ } فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا نجده مكتوبًا علينا في التوراة ‪ :‬الستنجاءُ بالماء‪( .‬‬
‫حبّ ا ْل ُم ّ‬
‫يُ ِ‬
‫‪)4‬‬
‫وقد صرح بأنه مسجد قباء جماعة من السلف ‪ ،‬رواه علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬ورواه‬
‫عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عُ ْروَة بن الزبير‪ .‬وقاله عطية العوفي ‪ ،‬وعبد‬
‫الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬ونقله البغوي عن سعيد بن جُبَير ‪،‬‬
‫وقتادة‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث الصحيح ‪ :‬أن مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي هو في جوف‬
‫المدينة ‪ ،‬هو المسجد الذي أسس على التقوى‪ .‬وهذا صحيح‪ .‬ول منافاة بين الية وبين هذا ؛ لنه‬
‫إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم ‪ ،‬فمسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بطريق الولى والحرى ؛ ولهذا قال المام أحمد بن حنبل في مسنده ‪:‬‬
‫حدثنا أبو نُعيم ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن عامر السلمي ‪ ،‬عن عمران بن أبي أنس ‪ ،‬عن سهل بن‬
‫سعد ‪ ،‬عن أبيّ بن كعب ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬المسجد الذي أسس على التقوى‬
‫مسجدي هذا"‪ .‬تفرد به أحمد‪)5( .‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا ربيعة بن عثمان التيمي ‪ ،‬عن عمران بن أبي‬
‫أنس ‪ ،‬عن سهل بن سعد الساعدي قال ‪ :‬اختلف رجلن على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫س على التقوى ‪ ،‬فقال أحدهما ‪ :‬هو مسجد رسول ال (‪ )6‬صلى ال عليه‬
‫في المسجد الذي أسّ َ‬
‫وسلم‪ .‬وقال الخر ‪ :‬هو مسجد قباء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/487‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/487‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬لقد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)6/6‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)5/116‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الرسول"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/214‬‬

‫فأتيا النبي صلى ال عليه وسلم فسأله ‪ ،‬فقال ‪" :‬هو مسجدي هذا" (‪ )1‬تفرد به أحمد أيضا‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬حدثنا ليث ‪ ،‬عن عمران بن أبي أنس ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬تمارى رجلن في المسجد الذي أسس على‬
‫التقوى ‪ ،‬فقال أحدهما ‪ :‬هو مسجد قباء ‪ ،‬وقال الخر ‪ :‬هو مسجد النبي صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هو مسجدي هذا" (‪ )2‬تفرد به أحمد‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق بن عيسى ‪ ،‬حدثنا ليث ‪ ،‬حدثني عمران بن أبي‬
‫أنس ‪ ،‬عن ابن أبي سعيد ‪ ،‬عن أبيه أنه قال ‪ :‬تمارى رجلن في المسجد الذي أسس على التقوى‬
‫من أول يوم ‪ ،‬فقال رجل ‪ :‬هو مسجد قباء ‪ ،‬وقال الخر ‪ :‬هو مسجد رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هو مسجدي"‪.‬‬
‫وكذا رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة ‪ ،‬عن الليث (‪ )3‬وصححه الترمذي ‪ ،‬ورواه مسلم كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن أُنَيْس بن أبي يحيى ‪ ،‬حدثني أبي قال ‪ :‬سمعت أبا‬
‫سعيد الخدري قال ‪ :‬اختلف رجلن ‪ :‬رجل من بني خَدْرة ‪ ،‬ورجل من بني عمرو بن عوف في‬
‫المسجد الذي أسس على التقوى ‪ ،‬فقال الخدري ‪ :‬هو مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وقال ال َعمْري ‪ :‬هو مسجد قباء ‪ ،‬فأتيا رسول ال صلى ال عليه وسلم فسأله عن ذلك ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"هو هذا المسجد" لمسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقال ‪" :‬في ذاك [خير كثير] (‪ )4‬يعني‬
‫‪ :‬مسجد قباء‪)5( .‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ -‬حدثنا حميد‬
‫الخراط المدني ‪ ،‬سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن أبي سعيد (‪ )6‬فقلت ‪ :‬كيف سمعت أباك يقول‬
‫في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ فقال أبي ‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فدخلت‬
‫عليه في بيت لبعض نسائه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أين المسجد (‪ )7‬الذي أسس على التقوى ؟‬
‫قال ‪ :‬فأخذ كفا من حصباء فضرب به الرض ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬هو مسجدكم هذا"‪ .‬ثم قال ‪[ :‬فقلتُ له ‪:‬‬
‫هكذا] (‪ )8‬سمعتَ أباك يذكره ؟‪.‬‬
‫رواه مسلم منفردًا به عن محمد بن حاتم ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬به (‪ )9‬ورواه عن أبي بكر بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )5/331‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/34‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/89‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )3/7‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3099‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11228‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪ .‬وفي أ ‪" :‬خير كبير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)3/23‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال ‪ :‬مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أي مسجد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪ )14/477‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1398‬‬

‫( ‪)4/215‬‬

‫أبي شيبة وغيره ‪ ،‬عن حاتم بن إسماعيل ‪ ،‬عن حميد الخراط ‪ ،‬به‪)1( .‬‬
‫وقد قال بأنه مسجد النبي صلى ال عليه وسلم جماعة من السلف والخلف ‪ ،‬وهو مروي عن عمر‬
‫بن الخطاب ‪ ،‬وابنه عبد ال ‪ ،‬وزيد بن ثابت ‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫طهّرُوا‬
‫سجِدٌ أُسّسَ عَلَى ال ّت ْقوَى مِنْ َأوّلِ َيوْمٍ َأحَقّ أَنْ َتقُومَ فِيهِ فِيهِ ِرجَالٌ يُحِبّونَ أَنْ يَ َت َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬لمَ ْ‬
‫طهّرِينَ } دليل على استحباب الصلة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها‬
‫حبّ ا ْلمُ ّ‬
‫وَاللّهُ ُي ِ‬
‫على عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وعلى استحباب الصلة مع جماعة الصالحين ‪ ،‬والعباد‬
‫العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء ‪ ،‬والتنزه عن (‪ )2‬ملبسة القاذورات‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬سمعت‬
‫شبيبا أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ؛ أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم صَلّى بهم الصبح فقرأ بهم (‪ )3‬الروم فأوهم ‪ ،‬فلما انصرف قال ‪" :‬إنه يلبس علينا‬
‫القرآن ‪ ،‬إن أقواما منكم يصلون معنا ل يحسنون الوضوء ‪ ،‬فمن شهد الصلة معنا فليحسن‬
‫الوضوء"‪.‬‬
‫ثم رواه من طريقين آخرين ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن شبيب أبي روح من ذي الكَلع ‪:‬‬
‫أنه صلى مع النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكره (‪ )4‬فدل هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام‬
‫في العبادة ‪ ،‬ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها‪.‬‬
‫طهّرِينَ } إن الطهور بالماء لحسن ‪ ،‬ولكنهم‬
‫حبّ ا ْلمُ ّ‬
‫وقال أبو العالية في قوله تعالى ‪ { :‬وَاللّهُ ُي ِ‬
‫المطهرون من الذنوب‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ :‬التوبة من الذنب ‪ ،‬والتطهير من الشرك‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث المروي من طرق ‪ ،‬في السنن وغيرها ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال لهل قباء ‪" :‬قد أثنى ال عليكم في الطهور ‪ ،‬فماذا تصنعون ؟" فقالوا ‪ :‬نستنجي بالماء‪.‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا عبد ال بن شبيب ‪ ،‬حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ‪ :‬وجدته في كتاب أبي ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبيد ال بن عبد ال ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫طهّرِينَ } فسألهم‬
‫حبّ ا ْلمُ ّ‬
‫طهّرُوا وَاللّهُ ُي ِ‬
‫نزلت هذه الية في أهل قباء‪ { .‬فِيهِ رِجَالٌ ُيحِبّونَ أَنْ يَتَ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬إنا نُتْ ِبعُ الحجارة الماء‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬تفرد به محمد بن عبد العزيز ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬ولم يرو عنه سوى ابنه‪)5( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)1398‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)472 ، 3/471‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪ )247‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/212‬فيه محمد بن عبد العزيز بن‬
‫عمر الزهري ضعفه البخاري والنسائي وهو الذي أشار بجلد مالك"‪.‬‬

‫( ‪)4/216‬‬

‫شفَا جُ ُرفٍ هَارٍ فَا ْنهَارَ‬


‫َأ َفمَنْ أَسّسَ بُنْيَا َنهُ عَلَى َتقْوَى مِنَ اللّ ِه وَ ِرضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ َأسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى َ‬
‫جهَنّ َم وَاللّهُ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪ )109‬لَا يَزَالُ بُنْيَا ُنهُمُ الّذِي بَ َنوْا رِيبَةً فِي قُلُو ِبهِمْ إِلّا‬
‫بِهِ فِي نَارِ َ‬
‫حكِيمٌ (‪)110‬‬
‫أَنْ َتقَطّعَ قُلُو ُبهُ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬

‫قلت ‪ :‬وإنما ذكرته بهذا اللفظ لنه مشهور بين الفقهاء (‪ )1‬ولم يعرفه كثير من المحدّثين‬
‫المتأخرين ‪ ،‬أو كلهم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫شفَا جُ ُرفٍ هَارٍ‬
‫ضوَانٍ خَيْرٌ َأمْ مَنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى َ‬
‫{ َأ َفمَنْ َأسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى َت ْقوَى مِنَ اللّ ِه وَ ِر ْ‬
‫جهَنّ َم وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪ )109‬ل يَزَالُ بُنْيَا ُنهُمُ الّذِي بَ َنوْا رِيبَةً فِي‬
‫فَا ْنهَارَ بِهِ فِي نَارِ َ‬
‫حكِيمٌ (‪} )110‬‬
‫قُلُو ِبهِمْ إِل أَنْ َتقَطّعَ قُلُو ُبهُ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ل يستوي من أسس بنيانه على تقوى ال ورضوان ‪ ،‬ومن بنى مسجدا ضرارا‬
‫وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ‪ ،‬وإرصادا لمن حارب ال ورسوله من قبل ‪ ،‬فإنما بنى هؤلء بنيانهم‬
‫جهَنّمَ وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ }‬
‫حفِيرة مثاله { فِي نَارِ َ‬
‫شفَا جُ ُرفٍ هَارٍ } أي ‪ :‬طرف َ‬
‫{ عَلَى َ‬
‫أي ‪ :‬ل يصلح عمل المفسدين‪.‬‬
‫قال جابر بن عبد ال ‪ :‬رأيت المسجد الذي بني ضرارا يخرج منه الدخان على عهد النبي (‪)2‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حفَروا فوجدوا الدخان يخرج منه‪ .‬وكذا قال قتادة‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج (‪ )3‬ذُكر لنا أن رجال (‪َ )4‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال خلف بن ياسين الكوفي ‪ :‬رأيت مسجد المنافقين الذي ذكره ال تعالى في القرآن ‪ ،‬وفيه جحر‬
‫يخرج منه الدخان ‪ ،‬وهو اليوم مَزْبلة‪ .‬رواه ابن جرير (‪ )5‬رحمه ال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل يَزَالُ بُنْيَا ُنهُمُ الّذِي بَ َنوْا رِيبَةً فِي قُلُو ِبهِمْ } أي ‪ :‬شكا ونفاقا بسبب إقدامهم على هذا‬
‫الصنيع الشنيع ‪ ،‬أورثهم نفاقا في قلوبهم ‪ ،‬كما أشرب عابدو العجل حبه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل أَنْ َتقَطّعَ قُلُو ُبهُمْ } أي ‪ :‬بموتهم‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وزيد بن‬
‫أسلم ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وحبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغير واحد‬
‫من علماء السلف‪.‬‬
‫حكِيمٌ } في مجازاتهم عنها ‪ ،‬من خير وشر‪)6( .‬‬
‫{ وَاللّهُ عَلِيمٌ } أي ‪ :‬بأعمال خلقه ‪َ { ،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬الفقهاء به"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬رجل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/494‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬عليها"‪.‬‬

‫( ‪)4/217‬‬

‫ن وَ ُيقْتَلُونَ‬
‫سهُ ْم وََأ ْموَاَلهُمْ بِأَنّ َلهُمُ الْجَنّةَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَ َيقْتُلُو َ‬
‫إِنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَ ْنفُ َ‬
‫حقّا فِي ال ّتوْرَاةِ وَالْإِ ْنجِيلِ وَالْقُرْآَنِ َومَنْ َأ ْوفَى ِب َعهْ ِدهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَ ْي ِعكُمُ الّذِي‬
‫وَعْدًا عَلَيْهِ َ‬
‫بَا َيعْتُمْ بِهِ وَذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪)111‬‬

‫س ُه ْم وََأمْوَاَلهُمْ بِأَنّ َلهُمُ ا ْلجَنّةَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَ َيقْتُلُونَ‬


‫{ إِنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَ ْنفُ َ‬
‫ن َومَنْ َأ ْوفَى ِب َعهْ ِدهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَ ْبشِرُوا بِبَ ْي ِعكُمُ‬
‫ل وَا ْلقُرْآ ِ‬
‫حقّا فِي ال ّتوْرَاةِ وَالنْجِي ِ‬
‫ن وَعْدًا عَلَ ْيهِ َ‬
‫وَيُقْتَلُو َ‬
‫الّذِي بَا َيعْ ُتمْ بِ ِه وَذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪} )111‬‬
‫يخبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة ‪ ،‬وهذا من‬
‫فضله وكرمه وإحسانه ‪ ،‬فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عباده المطيعين له ؛‬
‫ولهذا قال الحسن البصري وقتادة ‪ :‬بايعهم وال فأغلى ثمنهم‪.‬‬
‫شمِر بن عطية ‪ :‬ما من مسلم إل ول ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في عُنُقه بيعة ‪ ،‬وفّى بها أو مات‬
‫وقال َ‬
‫عليها ‪ ،‬ثم تل هذه الية‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ولهذا يقال ‪ :‬من حمل في سبيل ال بايع ال ‪ ،‬أي ‪ :‬قَبِل هذا العقد ووفى به‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب القُرَظي وغيره ‪ :‬قال عبد ال بن رواحة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يعني ليلة العقبةِ ‪ : -‬اشترط لربك ولنفسك ما شئت! فقال ‪" :‬أشترط لربي‬
‫أن تعبدوه ول تشركوا به شيئا ‪ ،‬وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم"‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال ‪" :‬الجنة"‪ .‬قالوا ‪ :‬رَبِح البيعُ ‪ ،‬ل ُنقِيل ول نستقيل ‪ ،‬فنزلت ‪( :‬‬
‫سهُ ْم وََأ ْموَاَلهُمْ } الية‪.‬‬
‫‪ { )1‬إِنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَ ْنفُ َ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَ َيقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } أي ‪ :‬سواء قتلوا أو قُتلوا ‪ ،‬أو اجتمع لهم هذا‬
‫وهذا ‪ ،‬فقد وجبت لهم الجنة ؛ ولهذا جاء في الصحيحين ‪" :‬وتكفل ال لمن خرج في سبيله ‪ ،‬ل‬
‫يخرجه إل جهاد في سبيلي ‪ ،‬وتصديق برسلي ‪ ،‬بأن توفاه أن يدخله الجنة ‪ ،‬أو يرجعه إلى مسكنه‬
‫الذي خرج منه ‪ ،‬نائل ما نال من أجر أو غنيمة"‪)2( .‬‬
‫حقّا فِي ال ّتوْرَا ِة وَالنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ } تأكيد لهذا الوعد ‪ ،‬وإخبار بأنه قد كتبه‬
‫وقوله ‪ { :‬وَعْدًا عَلَيْهِ َ‬
‫على نفسه الكريمة ‪ ،‬وأنزله على رسله في كتبه الكبار ‪ ،‬وهي (‪ )3‬التوراة المنزلة على موسى ‪،‬‬
‫والنجيل المنزل على عيسى ‪ ،‬والقرآن المنزل على محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ َأ ْوفَى ِب َعهْ ِدهِ مِنَ اللّهِ } [أي ‪ :‬ول واحد أعظم وفاءً بما عاهد عليه من ال] (‪ )4‬فإنه‬
‫ل يخلف الميعاد ‪ ،‬وهذا كقوله تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َأصْدَقُ مِنَ الِ حَدِيثًا } [النساء ‪َ {]87 :‬ومَنْ َأصْدَقُ‬
‫مِنَ اللّهِ قِيل } [النساء ‪ ]122 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَاسْتَبْشِرُوا بِبَ ْي ِعكُمُ الّذِي بَا َيعْتُمْ بِ ِه وَذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ‬
‫ا ْلعَظِيمُ } أي ‪ :‬فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى بهذا العهد ‪ ،‬بالفوز العظيم ‪ ،‬والنعيم (‬
‫‪ )5‬المقيم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فنزل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )3123‬وصحيح مسلم برقم (‪)1876‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والمغنم"‪.‬‬

‫( ‪)4/218‬‬

‫جدُونَ الَْآمِرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ‬


‫التّائِبُونَ ا ْلعَابِدُونَ ا ْلحَامِدُونَ السّا ِئحُونَ الرّا ِكعُونَ السّا ِ‬
‫ا ْلمُ ْنكَ ِر وَالْحَافِظُونَ ِلحُدُودِ اللّ ِه وَبَشّرِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ (‪)112‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن المِرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ‬
‫{ التّائِبُونَ ا ْلعَا ِبدُونَ الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّا ِكعُونَ السّاجِدُو َ‬
‫ا ْلمُ ْنكَ ِر وَالْحَافِظُونَ ِلحُدُودِ اللّ ِه وَبَشّرِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ (‪} )112‬‬

‫( ‪)4/218‬‬

‫هذا نعتُ المؤمنين الذين اشترى ال منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات الجميلة والخلل الجليلة ‪:‬‬
‫{ التّائِبُونَ } من الذنوب كلها ‪ ،‬التاركون للفواحش ‪ { ،‬ا ْلعَابِدُونَ } أي ‪ :‬القائمون بعبادة ربهم‬
‫ص القوال الحمد (‪ )1‬؛ فلهذا قال ‪:‬‬
‫خ ّ‬
‫محافظين عليها ‪ ،‬وهي القوال والفعال فمن أ َ‬
‫{ ا ْلحَامِدُونَ } ومن أفضل العمال الصيامُ ‪ ،‬وهو ترك الملذّ من الطعام والشراب والجماع ‪ ،‬وهو‬
‫المراد بالسياحة هاهنا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬السّائِحُونَ } كما وصف أزواج النبي (‪ )2‬صلى ال عليه‬
‫وسلم بذلك في قوله تعالى ‪ { :‬سَا ِئحَاتٍ } [التحريم ‪ ]5 :‬أي ‪ :‬صائمات ‪ ،‬وكذا الركوع والسجود ‪،‬‬
‫جدُونَ } وهم مع ذلك ينفعون خلق ال ‪،‬‬
‫وهما عبارة عن الصلة ‪ ،‬ولهذا قال ‪ { :‬الرّا ِكعُونَ السّا ِ‬
‫ويرشدونهم إلى طاعة ال بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ‪ ،‬مع العلم بما ينبغي فعله ويجب‬
‫تركُه ‪ ،‬وهو حفظ حدود ال في تحليله وتحريمه ‪ ،‬علما وعمل فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق ؛‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } لن اليمان يشمل هذا كله ‪ ،‬والسعادة كل السعادة لمن اتصف به‪.‬‬
‫[بيان (‪ )3‬أن المراد بالسياحة الصيام] ‪)4( :‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن زِرّ ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ { :‬السّائِحُونَ }‬
‫الصائمون‪ .‬وكذا رُوي عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬والعوفي عن ابن عباس‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كل ما ذكر ال في القرآن السياحة ‪ ،‬هم الصائمون‪.‬‬
‫وكذا قال الضحاك ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا أبو أحمد ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن يزيد ‪ ،‬عن الوليد‬
‫بن عبد ال ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬سياحةُ هذه المة الصيام‪)5( .‬‬
‫وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وأبو عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬والضحاك بن مُزاحم‬
‫‪ ،‬وسفيان بن عُيينة وغيرهم ‪ :‬أن المراد بالسائحين ‪ :‬الصائمون‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ { :‬السّا ِئحُونَ } الصائمون شهر رمضان‪.‬‬
‫وقال أبو (‪ )6‬عمرو العَبْدي ‪ { :‬السّائِحُونَ } الذين يديمون الصيام من المؤمنين‪.‬‬
‫وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا ‪ ،‬وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن عبد ال بن بَزِيع ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الحمد ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الرسول"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ذكر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/505‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬

‫( ‪)4/219‬‬

‫حدثنا حكيم بن حزام ‪ ،‬حدثنا سليمان ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬السائحون هم الصائمون" (‪)1‬‬
‫[ثم رواه عن بُنْدَار ‪ ،‬عن ابن مهدي ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن سليمان العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة أنه قال ‪ { :‬السّا ِئحُونَ } الصائمون]‪)2( .‬‬
‫وهذا الموقوف أصح‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن عمر بن الحارث ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن‬
‫عمَير قال ‪ :‬سئل النبي صلى ال عليه وسلم عن السائحين فقال ‪" :‬هم الصائمون"‪)3( .‬‬
‫عُبَيد بن ُ‬
‫وهذا مرسل جيد‪.‬‬
‫فهذه (‪ )4‬أصح القوال وأشهرها ‪ ،‬وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد ‪ ،‬وهو ما روى أبو داود‬
‫في سننه ‪ ،‬من حديث أبي أمامة أن رجل قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ائذن لي في السياحة‪ .‬فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬سياحة (‪ )5‬أمتي الجهاد في سبيل ال"‪)6( .‬‬
‫وقال ابن المبارك ‪ ،‬عن ابن َلهِيعة ‪ :‬أخبرني عُمارة بن غَزِيّة ‪ :‬أن السياحة ذكرت عند رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أبدلنا ال بذلك الجهاد في سبيل‬
‫ال ‪ ،‬والتكبير على كل شرف"‪)7( .‬‬
‫عكْرِمة أنه قال ‪ :‬هم طلبة العلم‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هم المهاجرون‪.‬‬
‫وعن ِ‬
‫رواهما ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الرض ‪ ،‬والتفرد في‬
‫شواهق الجبال والكهوف والبراري ‪ ،‬فإن هذا ليس بمشروع إل في أيام الفتَن والزلزل في‬
‫الدين ‪ ،‬كما ثبت في صحيح البخاري ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري (‪ )8‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬يوشك أن يكون خير مال الرجل (‪ )9‬غَنَم يَتْبَع بها شَعفَ الجبال ‪ ،‬ومواقع القَطْر ‪،‬‬
‫يفر بدينه من الفتن"‪)10( .‬‬
‫وقال العوفي وعلي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَالْحَا ِفظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ } قال ‪:‬‬
‫حدُودِ اللّهِ } قال ‪:‬‬
‫القائمون بطاعة ال‪ .‬وكذا قال الحسن البصري ‪ ،‬وعنه رواية ‪ { :‬وَا ْلحَافِظُونَ لِ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لفرائض‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)14/503‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)14/502‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وهذا" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فهذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬سياح"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪.)2486‬‬
‫(‪ )7‬وهذا معضل ‪ ،‬عمارة بن غزية لم يدرك أحدا من الصحابة‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬عن أبي هريرة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬المسلم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬صحيح البخاري برقم (‪.)19‬‬

‫( ‪)4/220‬‬

‫ن وََلوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمْ أَ ّنهُمْ‬
‫ي وَالّذِينَ َآمَنُوا أَنْ َيسْ َت ْغفِرُوا لِ ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫مَا كَانَ لِلنّ ِب ّ‬
‫َأصْحَابُ ا ْلجَحِيمِ (‪َ )113‬ومَا كَانَ اسْ ِت ْغفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلّا عَنْ َموْعِ َد ٍة وَعَدَهَا إِيّاهُ فََلمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ‬
‫عَ ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِيمَ لََأوّاهٌ حَلِيمٌ (‪)114‬‬

‫ال ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬القائمون على أمر ال‪.‬‬


‫ن وََلوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمْ‬
‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْ َت ْغفِرُوا لِ ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫{ مَا كَانَ لِلنّ ِب ّ‬
‫عدَهَا إِيّاهُ فََلمّا تَبَيّنَ َلهُ‬
‫جحِيمِ (‪َ )113‬ومَا كَانَ اسْ ِت ْغفَارُ إِبْرَاهِي َم لبِيهِ إِل عَنْ َموْعِ َد ٍة وَ َ‬
‫صحَابُ الْ َ‬
‫أَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫ع ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِ ْنهُ إِنّ إِبْرَاهِي َم لوّاهٌ حَلِيمٌ (‪} )114‬‬
‫أَنّهُ َ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن ابن المسيب ‪ ،‬عن أبيه‬
‫حضَرت أبا طالب الوفاة (‪ )1‬دخل عليه النبي صلى ال عليه وسلم وعنده أبو جهل ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬لما َ‬
‫وعبد ال بن أبي أمية ‪ ،‬فقال ‪" :‬أيْ عَمّ ‪ ،‬قل ‪ :‬ل إله إل ال‪ .‬كلمة أحاجّ لك بها عند ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل"‪ .‬فقال أبو جهل وعبد ال بن أبي أمية ‪ :‬يا أبا طالب ‪ ،‬أترغب عن ملّة عبد المطلب ؟ [قال ‪:‬‬
‫فلم يزال يكلمانه ‪ ،‬حتى قال آخر شيء كلمهم به ‪ :‬على (‪ )2‬ملة عبد المطلب]‪ )3( .‬فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك"‪ .‬فنزلت ‪ { :‬مَا كَانَ لِلنّ ِبيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ‬
‫يَسْ َت ْغفِرُوا لِ ْل ُمشْ ِركِينَ وََلوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمْ أَ ّن ُهمْ َأصْحَابُ ا ْلجَحِيمِ } قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ونزلت فيه ‪ { :‬إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ أَحْبَ ْبتَ } [القصص ‪ ]56 :‬أخرجاه‪)4( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الخليل ‪ ،‬عن‬
‫علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت رجل يستغفر لبويه ‪ ،‬وهما مشركان ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أيستغفر‬
‫الرجل لبويه وهما مشركان ؟ فقال ‪ :‬أو لم يستغفر إبراهيم لبيه ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فنزلت ‪ { :‬مَا كَانَ لِلنّ ِبيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ َيسْ َتغْفِرُوا لِ ْلمُشْ ِركِينَ } إلى قوله ‪ { :‬فََلمّا‬
‫تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَ ُدوّ لِلّهِ } قال ‪" :‬لما مات" ‪ ،‬فل أدري قاله سفيان أو قاله إسرائيل ‪ ،‬أو هو (‪ )5‬في‬
‫الحديث "لما مات"‪)6( .‬‬
‫قلت هذا ثابت عن مجاهد أنه قال ‪ :‬لما مات‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا زهير ‪ ،‬حدثنا زبيد بن الحارث اليامي (‪)7‬‬
‫عن محارب بن دثار ‪ ،‬عن ابن بُرَيْدة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنا مع النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فنزل‬
‫بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ‪ ،‬فصلى ركعتين ‪ ،‬ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه َتذْرِفان ‪ ،‬فقام‬
‫إليه عمر بن الخطاب وفَداه بالب والم ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما لك ؟ قال ‪" :‬إني سألت‬
‫ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في الستغفار لمي ‪ ،‬فلم يأذن لي ‪ ،‬فدمعت عيناي رحمة لها من النار ‪ ،‬وإني‬
‫كنت نهيتكم عن ثلث ‪ :‬نهيتكم عن زيارة القبور‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الفائدة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال ‪ :‬أنا على ملة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )5/533‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4675‬وصحيح مسلم برقم (‪.)24‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)1/99‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬السامي"‪.‬‬

‫( ‪)4/221‬‬

‫فزوروها ‪ ،‬لتذكركم زيارتُها خيرًا ‪ ،‬ونهيتكم عن لحوم الضاحي بعد ثلث ‪ ،‬فكلوا وأمسكوا ما‬
‫شئتم ‪ ،‬ونهيتكم عن الشربة في الوعية ‪ ،‬فاشربوا في أي وعاء (‪ )1‬ول تشربوا مسكرا"‪)2( .‬‬
‫وروى ابن جرير ‪ ،‬من حديث علقمة بن مَرْثد ‪ ،‬عن سليمان بن بُرَيدة ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لما قدم مكة أتى رَسْمَ قبر ‪ ،‬فجلس إليه ‪ ،‬فجعل يخاطب ‪ ،‬ثم قام مستعبرًا‪.‬‬
‫فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا رابنا ما صنعت‪ .‬قال ‪" :‬إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي ‪ ،‬فأذن لي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ ،‬واستأذنته في الستغفار لها فلم يأذن لي"‪ .‬فما رئي باكيا أكثر من يومئذ‪)3( .‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ ،‬في تفسيره ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا خالد بن خِداش ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن وهب ‪،‬‬
‫عن ابن جرَيج عن أيوب بن هانئ ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬خرجَ رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يوما إلى المقابر ‪ ،‬فاتبعناه ‪ ،‬فجاء حتى جلس إلى قبر منها ‪ ،‬فناجاه طويل ثم‬
‫بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب ‪ ،‬فدعاه ثم دعانا ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما أبكاكم ؟" فقلنا ‪:‬‬
‫بكينا لبكائك‪ .‬قال ‪" :‬إن القبر الذي جلستُ عنده قبر آمنة ‪ ،‬وإني استأذنتُ ربي في زيارتها فأذن‬
‫لي" (‪ )4‬ثم أورده من وجه آخر ‪ ،‬ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبا منه ‪ ،‬وفيه ‪" :‬وإني‬
‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ‬
‫استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي ‪ ،‬وأنزل علي ‪ { :‬مَا كَانَ لِلنّ ِب ّ‬
‫يَسْ َت ْغفِرُوا لِ ْل ُمشْ ِركِينَ وََلوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى } فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة ‪ ،‬وكنت نهيتكم عن‬
‫زيارة القبور فزوروها ‪ ،‬فإنها تذكر الخرة"‪)5( .‬‬
‫حديث آخر في معناه ‪ :‬قال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن علي المروزي ‪ ،‬حدثنا أبو الدرداء عبد‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫العزيز (‪ )6‬بن منيب ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن عبد ال بن كَيْسَان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ِ‬
‫عباس ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر ‪ ،‬فلما هبط من ثنية‬
‫عُسْفان أمر أصحابه ‪ :‬أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم ‪ ،‬فذهب فنزل على قبر أمّه ‪ ،‬فناجى‬
‫ربّه طويل ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه ‪ ،‬وبكى هؤلء لبكائه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ما بكى نبي ال بهذا المكان إل‬
‫وقد أُحدثَ في أمته شيء ل تُطيقه‪ .‬فلما بكى هؤلء قام فرجع إليهم ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما يبكيكم ؟"‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫يا نبي ال ‪ ،‬بكينا لبكائك ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬لعله أحدث في أمتك شيء ل تطيقه ‪ ،‬قال ‪" :‬ل وقد كان‬
‫بعضه ‪ ،‬ولكن نزلت على قبر أمي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬أي وعاء شئتم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)5/355‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )14/512‬ورواه البيهقي في دلئل النبوة (‪ )1/189‬من طريق سفيان عن‬
‫علقمة بن مرثد به نحوه‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/336‬ومن طريقه البيهقي في دلئل النبوة (‪ )1/189‬من‬
‫طريق بحر بن نصر عن ابن وهب به نحوه‪.‬‬
‫(‪ )5‬وأصل الحديث رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )976‬عن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪:‬‬
‫زار النبي صلى ال عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله‪ .‬فقال ‪" :‬استأذنت ربي في أن‬
‫أستغفر لها فلم يؤذن لي ‪ ،‬واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ‪ ،‬فزوروا القبور فإنها تذكر‬
‫الموت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬أبو الدرداء عن عبد العزيز"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/222‬‬

‫فدعوت ال أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة ‪ ،‬فأبى ال أن يأذن لي ‪ ،‬فرحمتها وهي أمّي ‪،‬‬
‫عدَهَا إِيّاهُ فََلمّا‬
‫فبكيت ‪ ،‬ثم جاءني جبريل فقال ‪َ { :‬ومَا كَانَ اسْ ِت ْغفَارُ إِبْرَاهِي َم لبِيهِ إِل عَنْ َموْعِ َد ٍة وَ َ‬
‫تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَ ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ } فتبرّأ أنت من أمك ‪ ،‬كما تبرأ إبراهيم من أبيه ‪ ،‬فرحمْتُها وهي‬
‫أمي ‪ ،‬ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعًا ‪ ،‬فرفع عنهم اثنتين ‪ ،‬وأبى أن يرفع عنهم اثنتين ‪:‬‬
‫دعوتُ ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغَرَق من الرض ‪ ،‬وأل يلبسهم شيعا ‪ ،‬وأل يذيق‬
‫بعضهم بأس بعض ‪ ،‬فرفع ال عنهم الرجم من السماء ‪ ،‬والغرق من الرض ‪ ،‬وأبى ال أن يرفع‬
‫عنهم القتل والهرج"‪ .‬وإنما عدل إلى قبر أمه لنها كانت مدفونة تحت كَداء (‪ )1‬وكانت عُسْفان‬
‫لهم‪)2( .‬‬
‫وهذا حديث غريب وسياق عجيب ‪ ،‬وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب‬
‫"السابق واللحق" بسند مجهول ‪ ،‬عن عائشة في حديث فيه قصة أن ال أحيا أمّه فآمنت ثم عادت‪.‬‬
‫جمَاعة مجهولون ‪ :‬أن ال أحيا له أباه وأمه (‬
‫(‪ )3‬وكذلك ما رواه السهيلي في "الروض" بسند فيه َ‬
‫‪ )4‬فآمنا به‪)5( .‬‬
‫وقد قال الحافظ ابن دِحْيَةَ ‪[ :‬هذا الحديث موضوع يرده القرآن والجماع ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَل‬
‫ن وَهُمْ ُكفّارٌ } [النساء ‪ .]18 :‬وقال أبو عبد ال القرطبي ‪ :‬إن مقتضى هذا الحديث‪...‬‬
‫الّذِينَ َيمُوتُو َ‬
‫وردّ عَلَى ابن دِحية] (‪ )6‬في هذا الستدلل بما حاصله ‪ :‬أن هذه حياة جديدة ‪ ،‬كما رجعت الشمس‬
‫بعد غيبوبتها فصلى عَِليّ العصر ‪ ،‬قال الطحاوي ‪ :‬وهو [حديث] (‪ )7‬ثابت ‪ ،‬يعني ‪ :‬حديث‬
‫الشمس‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬فليس إحياؤهما يمتنع عقل ول شرعا ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد سمعت أن ال أحيا عمه أبا‬
‫طالب ‪ ،‬فآمن به‪)8( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كذا وكذا" ‪ ،‬وفي ك ‪" :‬كذا وكذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الكبير (‪.)11/374‬‬
‫(‪ )3‬ساقه القرطبي في ‪ :‬التذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة (ص ‪ )16‬وقال ‪ :‬خرجه أبو‬
‫بكر أحمد بن علي الخطيب في كتاب السابق واللحق ‪ ،‬وأبو حفص عمر بن شاهين في الناسخ‬
‫والمنسوخ ‪ ،‬ول يصح الحديث‪ .‬لمخالفته ما في صحيح مسلم برقم (‪ )976‬من حديث أبي هريرة‬
‫قال ‪ :‬زار النبي صلى ال عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله‪ .‬فقال ‪" :‬استأذنت ربي في أن‬
‫أستغفر لها فلم يأذن لي ‪ ،‬واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ‪ ،‬فزوروا القبور فإنها تذكر‬
‫الموت" ولضعف إسناده‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وآمنة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬الروض النف (‪.)1/113‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬التذكرة (ص ‪ .)17‬وما ذكره القرطبي ل يصح ؛ أما إحياؤهما وإيمانهما فل يمتنع عقل ‪،‬‬
‫وأما شرعا فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أنس ؛ أن رجل قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أين أبي ؟‬
‫قال ‪" :‬في النار" فلما قفا دعاه وقال ‪" :‬إن أبي وأباك في النار" ومنع النبي صلى ال عليه وسلم من‬
‫الستغفار لمه ‪ ،‬وهذا المنع متأخر بخلف من قال بأن ما جاء في أنهما ‪ -‬أي أبواه صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬في النار منسوخ بحديث عائشة الذي رواه الخطيب ‪ ،‬فإن دعوى النسخ غير قائمة‬
‫ول تعتمد على أصل‪ .‬وأما قول القرطبي بأنه سمع أن ال أحيا عمه أبا طالب‪ ...‬إلخ ‪ ،‬فهذا أبعد‬
‫عن الصحة ؛ فإن في الصحيح من حديث أبي سعيد ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم شفع له عند‬
‫ال فهو في النار يجعل ضحاح من نار تحت قدميه يغلي منها دماغه ‪ ،‬وفي صحيح مسلم مرفوعا‬
‫‪" :‬أهون أهل النار عذابا أبو طالب" فمن يكون في النار كيف يقال ‪ :‬إنه آمن في قبره ؟!‬

‫( ‪)4/223‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا كله متوقف على صحة الحديث ‪ ،‬فإذا صح فل مانع منه (‪ )1‬وال أعلم‪.‬‬
‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْ َت ْغفِرُوا لِ ْلمُشْ ِركِينَ }‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬مَا كَانَ لِلنّ ِب ّ‬
‫الية ‪ ،‬فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم أراد أن يستغفر لمه ‪ ،‬فنهاه ال عن ذلك (‪ )2‬فقال ‪:‬‬
‫"فإنّ إبراهيم خليل ال استغفر لبيه" ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ { :‬ومَا كَانَ اسْ ِتغْفَارُ إِبْرَاهِي َم لبِيهِ إِل عَنْ َموْعِ َدةٍ‬
‫وَعَدَهَا إِيّاهُ } (‪ )3‬الية‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬في هذه الية ‪ :‬كانوا يستغفرُون لهم ‪ ،‬حتى نزلت هذه‬
‫الية ‪ ،‬فلما [نزلت (‪ )4‬أمسكوا عن الستغفار لمواتهم ‪ ،‬ولم ينههم أن يستغفروا للحياء حتى‬
‫يموتوا] (‪ )5‬ثم أنزل ال ‪َ { :‬ومَا كَانَ اسْ ِت ْغفَارُ إِبْرَاهِيمَ لبِيهِ } الية‪.‬‬
‫وقال قتادة في هذه الية ‪ :‬ذُكر لنا أن رجال من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم قالوا ‪ :‬يا نبي‬
‫ال ‪ ،‬إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ‪ ،‬ويصل الرحام ‪ ،‬وي ُفكّ العاني ‪ ،‬ويوفي بالذمم ؛ أفل‬
‫نستغفر لهم ؟ قال ‪ :‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلى ‪ ،‬وال إني لستغفر لبي كما استغفر‬
‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْ َت ْغفِرُوا ِل ْلمُشْ ِركِينَ } حتى بلغ ‪:‬‬
‫إبراهيم لبيه"‪ .‬فأنزل ال ‪ { :‬مَا كَانَ لِلنّ ِب ّ‬
‫{ ا ْلجَحِيمِ } ثم عذر ال تعالى إبراهيم ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ومَا كَانَ اسْ ِتغْفَارُ إِبْرَاهِي َم لبِيهِ إِل عَنْ َموْعِ َدةٍ‬
‫وَعَدَهَا إِيّاهُ فََلمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَ ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ } قال ‪ :‬وذُكر لنا أن نبي ال قال ‪" :‬أوحى إليّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كلمات ‪ ،‬فدخلن في أذني ووقَرْن في قلبي ‪ :‬أمِ ْرتُ أل أستغفرَ لمن مات مشركا ‪ ،‬ومن أعطى‬
‫ضلَ ماله فهو خيرٌ له ‪ ،‬ومن أمسك فهو شرٌ له ‪ ،‬ول يلوم ال على كَفاف"‪.‬‬
‫َف ْ‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن الشيباني ‪ ،‬عن سعيد بن جُبير قال ‪ :‬مات رجل يهودي وله ابن (‪ )6‬مسلم ‪،‬‬
‫فلم يخرج معه ‪ ،‬فذكر ذلك لبن عباس فقال ‪ :‬فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ‪ ،‬ويدعو له‬
‫بالصلح ما دام حيا ‪ ،‬فإذا مات وكّله إلى شأنه ثم قال ‪َ { :‬ومَا كَانَ اسْ ِتغْفَارُ إِبْرَاهِي َم لبِيهِ إِل عَنْ‬
‫َموْعِ َد ٍة وَعَدَهَا إِيّاهُ فََلمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَ ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ } لم َي ْدعُ‪.‬‬
‫[قلت] (‪ )7‬وهذا يشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب قال ‪ :‬لما‬
‫مات أبو طالب قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن عمك الشيخ الضال قد مات‪ .‬قال ‪" :‬اذهب َفوَاره ول‬
‫تُحْدثَنّ شيئا حتى تأتيني"‪ .‬وذكر تمام الحديث‪)8( .‬‬
‫ويروى أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما مَرّت به جنازة عمه أبي طالب قال ‪َ " :‬وصَلتكَ‬
‫حمٌ يا عم"‪)9( .‬‬
‫رَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقد رأيت أن ذلك ل يصح‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬إياها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أنزلت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ك ‪" :‬ولد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬سنن أبي داود برقم (‪.)3214‬‬
‫(‪ )9‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )1/260‬من طريق الفضل بن موسى ‪ ،‬عن إبراهيم بن عبد‬
‫الرحمن ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬عن ابن جريج عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس مرفوعا ولفظه ‪" :‬وصلتك‬
‫رحم وجزيت خيرا يا عم"‪ .‬وإبراهيم بن عبد الرحمن قال ابن عدي ‪" :‬أحاديثه عن كل من روى‬
‫ليست بمستقيمة" ثم قال ‪" :‬وعامة أحاديثه غير محفوظة"‪.‬‬

‫( ‪)4/224‬‬

‫وقال عطاء بن أبي رباح ‪ :‬ما كنت لدع الصلة على أحد من أهل القبلة ‪ ،‬ولو كانت حبشية‬
‫حبلى من الزنا ؛ لني لم أسمع ال حجب الصلة إل على المشركين ‪ ،‬يقول ال ‪ ،‬عز وجل ‪:‬‬
‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْ َت ْغفِرُوا لِ ْلمُشْ ِركِينَ }‪.‬‬
‫{ مَا كَانَ لِلنّ ِب ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وروى ابنُ جَرير ‪ ،‬عن ابن َوكِيع ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عصمة بن زامل ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت أبا‬
‫هريرة يقول ‪ :‬رحم ال رجل استغفر لبي هريرة ولمه‪ .‬قلت ‪ :‬ولبيه ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬إن أبي‬
‫مات مشركا‪)1( .‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلمّا تَبَيّنَ َلهُ أَنّهُ عَ ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ } قال ابن عباس ‪ :‬ما زال إبراهيم يستغفر لبيه حتى‬
‫مات ‪ ،‬فلما تبين له أنه عدو ل تبرأ منه‪ .‬وفي رواية ‪ :‬لما مات تبين له أنه عدو ل‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬رحمهم ال‪.‬‬
‫وقال عُبَيْد بن عمير ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ :‬إنه يتبرأ منه [في] (‪ )2‬يوم القيامة حين يلقى أباه ‪ ،‬وعلى‬
‫وجه أبيه الغُبرة والقُتْرة فيقول ‪ :‬يا إبراهيم ‪ ،‬إني كنت أعصيك وإني اليوم ل أعصيك‪ .‬فيقول ‪:‬‬
‫أيْ رَبي ‪ ،‬ألم تعدني أل تخزني يوم يبعثون ؟ فأيّ خزْي أخزى من أبي البعد ؟ فيقال ‪ :‬انظر إلى‬
‫ما وراءك ‪ ،‬فإذا هو بِذِيخٍ متلطخ ‪ ،‬أي ‪ :‬قد مسخ ضِبْعانًا ‪ ،‬ثم يسحب بقوائمه ‪ ،‬ويلقى في النار‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ إِبْرَاهِي َم لوّاهٌ حَلِيمٌ } قال سفيان الثوري وغير واحد ‪ ،‬عن عاصم بن َبهْدَلة ‪ ،‬عن‬
‫زِرّ بن حُبَيش ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود أنه قال ‪ :‬الواه ‪ :‬الدّعّاء‪ .‬وكذا روي من غير وجه ‪ ،‬عن‬
‫ابن مسعود‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ :‬حدثنا الحجاج بن مِنْهال ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد بن َبهْرام ‪ ،‬حدثنا‬
‫شهْر بن حَوشب ‪ ،‬عن عبد ال بن شداد بن الهاد قال ‪ :‬بينما رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫َ‬
‫جالس قال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما الوّاه ؟ قال ‪" :‬المتضرع" ‪ ،‬قال ‪ { :‬إِنّ إِبْرَاهِي َم لوّاهٌ حَلِيمٌ }‬
‫(‪)3‬‬
‫ورواه (‪ )4‬ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك ‪ ،‬عن عبد الحميد بن َبهْرَام ‪ ،‬به ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫المتضرع ‪ :‬الدّعّاء‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن ُكهَيْل ‪ ،‬عن مسلم البَطِين عن أبي العُبَيْديْن أنه سأل ابن مسعود عن‬
‫الواه ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو الرحيم‪.‬‬
‫وبه قال مجاهد ‪ ،‬وأبو ميسرة عمرو بن شُرَحْبيل ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬أنه الرحيم ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬بعباد ال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)14/517‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)14/531‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫( ‪)4/225‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬الوّاه ‪ :‬الموقن بلسان الحبشة‪.‬‬
‫وقال ابن المبارك ‪ ،‬عن خالد ‪ ،‬عن ِ‬
‫(‪ )1‬وكذا قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنه الموقن‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك‪ .‬وقال علي بن‬
‫أبي طلحة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الواه ‪ :‬المؤمن ‪ -‬زاد علي بن أبي طلحة عنه ‪ :‬المؤمن‬
‫التواب‪ .‬وقال العوفي عنه ‪ :‬هو المؤمن بلسان الحبشة‪ .‬وكذا قال ابن جُرَيْج ‪ :‬هو المؤمن بلسان‬
‫الحبشة‪.‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا موسى ‪ ،‬حدثنا ابن لهِيعة ‪ ،‬عن الحارث بن يزيد ‪ ،‬عن علي بن رباح ‪ ،‬عن‬
‫عقبة بن عامر ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لرجل يقال له "ذو البِجادين" ‪" :‬إنه أواه" ‪،‬‬
‫وذلك أنه رجل (‪ )2‬كثير الذكر ل في القرآن ويرفع صوته في الدعاء‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير‪)3( .‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬والشعبي ‪ :‬الواه ‪ :‬المسبّح‪ .‬وقال ابن وهب ‪ ،‬عن معاوية بن صالح ‪ ،‬عن‬
‫أبي الزاهرية ‪ ،‬عن جُبَير بن نفير ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ل يحافظ على‬
‫شفَى بن مانع ‪ ،‬عن أيوب ‪ :‬الواه ‪ :‬الذي إذا ذكر خطاياه استغفر‬
‫سبحة الضحى إل أواه‪ .‬وقال ُ‬
‫منها‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ :‬الواه ‪ :‬الحفيظ الوجل ‪ ،‬يذنب الذنب سرا ‪ ،‬ثم يتوب منه سرا‪.‬‬
‫ذكر ذلك كلّه ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا المحاربي ‪ ،‬عن حجاج ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫مسلم بن يناق ‪ :‬أن رجل كان يكثر ذكر ال ويسبّح ‪ ،‬فذكر ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫‪" :‬إنه أواه"‪)4( .‬‬
‫وقال أيضا حدثنا أبو كُرَيب ‪ ،‬حدثنا ابن يمان ‪ ،‬حدثنا المِ ْنهَال بن خليفة ‪ ،‬عن حَجّاج بن أرطأة ‪،‬‬
‫عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم دفن ميتا ‪ ،‬فقال ‪" :‬رحمك ال إن‬
‫كنتَ لواها"! يعني ‪ :‬تَلءً للقرآن (‪ )5‬وقال شعبة ‪ ،‬عن أبي يونس الباهلي قال ‪ :‬سمعت رجل‬
‫بمكة ‪ -‬وكان أصله روميا ‪ ،‬وكان قاصا ‪ -‬يحدث عن أبي ذر قال ‪ :‬كان رجل يطوف بالبيت‬
‫الحرام ويقول في دعائه ‪" :‬أوّه أوّه" ‪ ،‬فذُكر ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إنه أواه‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فخرجت ذات ليلة ‪ ،‬فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليل ومعه المصباح‪.‬‬
‫هذا حديث غريب رواه ابن جرير ومشاه‪)6( .‬‬
‫وروي عن كعب الحبار أنه قال ‪ { )7( :‬إِنّ إِبْرَاهِيمَ لوّاهٌ } قال ‪ :‬كان إذا ذكر النار قال ‪" :‬أوّه‬
‫من النار"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الحبشية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رجل كان كثير الذكر"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )4/159‬وتفسير الطبري (‪ )14/533‬وحسنه الهيثمي في المجمع (‪ )9/369‬وفيه ابن‬
‫لهيعة متكلم فيه‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)14/529‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/530‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪ .)14/530‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )1/368‬من طريق شعبة به ‪ ،‬وقال‬
‫‪" :‬إسناده معضل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنه قال ‪ :‬سمعت"‪.‬‬

‫( ‪)4/226‬‬

‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪ )115‬إِنّ‬


‫ضلّ َق ْومًا َب ْعدَ إِذْ هَدَا ُهمْ حَتّى يُبَيّنَ َلهُمْ مَا يَ ّتقُونَ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫َومَا كَانَ اللّهُ لِ ُي ِ‬
‫ي وَلَا َنصِيرٍ (‪)116‬‬
‫ن وَِل ّ‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ يُحْيِي وَ ُيمِيتُ َومَا َلكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِ ْ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬

‫وقال ابن جُرَيْج عن ابن عباس ‪ { :‬إِنّ إِبْرَاهِي َم لوّاهٌ } قال ‪ :‬فقيه‪.‬‬
‫قال المام العلم أبو جعفر بن جرير ‪ :‬وأولى القوال قول من قال ‪ :‬إنّه الدعّاء ‪ ،‬وهو المناسب‬
‫للسياق ‪ ،‬وذلك أن ال تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لبيه عن موعدة وعدها إياه ‪ ،‬وقد‬
‫كان إبراهيم كثير الدعاء حليما عمن ظلمه وأناله مكروها ؛ ولهذا استغفر لبيه مع شدة أذاه (‪)1‬‬
‫ك وَاهْجُرْنِي مَلِيّا‪ .‬قَالَ سَلمٌ‬
‫جمَ ّن َ‬
‫غبٌ أَ ْنتَ عَنْ آِلهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْ َتهِ لرْ ُ‬
‫في قوله ‪ { :‬أَرَا ِ‬
‫حفِيّا } [مريم ‪ ، ]47 ، 46 :‬فحلم عنه مع أذاه له ‪ ،‬ودعا له‬
‫عَلَ ْيكَ سَأَسْ َت ْغفِرُ َلكَ رَبّي إِنّهُ كَانَ بِي َ‬
‫واستغفر ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِنّ إِبْرَاهِي َم لوّاهٌ حَلِيمٌ } (‪)2‬‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪ )115‬إِنّ‬
‫ضلّ َق ْومًا َبعْدَ ِإذْ َهدَاهُمْ حَتّى يُبَيّنَ َلهُمْ مَا يَ ّتقُونَ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫{ َومَا كَانَ اللّهُ لِ ُي ِ‬
‫ن وَِليّ وَل َنصِيرٍ (‪} )116‬‬
‫ت َومَا َل ُكمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِ ْ‬
‫ت وَالرْضِ ُيحْيِي وَ ُيمِي ُ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة وحكمه العادل ‪ :‬إنه ل يضل قوما بعد بلغ (‪ )3‬الرسالة‬
‫إليهم ‪ ،‬حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََأمّا َثمُودُ َفهَدَيْنَاهُمْ فَاسْ َتحَبّوا‬
‫ا ْل َعمَى عَلَى ا ْل ُهدَى } الية [فصلت ‪.]17 :‬‬
‫ضلّ َقوْمًا َبعْدَ إِذْ َهدَا ُهمْ حَتّى يُبَيّنَ َل ُهمْ مَا يَ ّتقُونَ }‬
‫وقال مجاهد في قوله تعالى ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُي ِ‬
‫قال ‪ :‬بيان ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬للمؤمنين في الستغفار للمشركين خاصة ‪ ،‬وفي بيانه طاعته‬
‫ومعصيته عامة ‪ ،‬فافعلوا أو ذَروا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬يقول ال تعالى ‪ :‬وما كان ال ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين‬
‫بالضلل بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم لليمان به وبرسوله ‪ ،‬حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فتتركوا ‪ ،‬فأما قبل أن يبين لكم كراهيته (‪ )4‬ذلك بالنهي عنه ‪ ،‬ثم تتعدوا نهيه إلى ما نهاكم عنه ‪،‬‬
‫فإنه ل يحكم عليكم بالضلل ‪ ،‬فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي ‪ ،‬وأما من‬
‫لم يُؤمَر ولم يُ ْنهَ فغير كائن مطيعا أو عاصيًا فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه‪.‬‬
‫ي وَل‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ يُحْيِي وَ ُيمِيتُ َومَا َلكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِ ّ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َلهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫َنصِيرٍ } قال ابن جرير ‪ :‬هذا تحريض من ال لعباده المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر ‪،‬‬
‫وأن (‪ )5‬يثقوا بنصر ال مالك السماوات والرض ‪ ،‬ولم يرهبوا من أعدائه فإنه ل ولي لهم من‬
‫دون ال ‪ ،‬ول نصير لهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪" :‬أذاه له"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)14/532‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬إبلغ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬كراهية"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬وأنهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/227‬‬

‫ن وَالْأَ ْنصَارِ الّذِينَ اتّ َبعُوهُ فِي سَاعَةِ ا ْلعُسْ َرةِ مِنْ َب ْعدِ مَا كَادَ يَزِيغُ‬
‫ي وَا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫علَى النّ ِب ّ‬
‫َلقَدْ تَابَ اللّهُ َ‬
‫علَ ْيهِمْ إِنّهُ ِبهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)117‬‬
‫قُلُوبُ فَرِيقٍ مِ ْنهُمْ ثُمّ تَابَ َ‬

‫سواه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن أبي دلمة البغدادي ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ‪ ،‬حدثنا‬
‫سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن صفوان بن مُحْرِز ‪ ،‬عن حكيم بن حزام قال ‪ :‬بينا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم ‪" :‬هل تسمعون ما أسمع ؟" قالوا ما نسمع من شيء‪ .‬فقال‬
‫ط ‪ ،‬وما فيها من‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني لسمع أطيط السماء ‪ ،‬وما تلم أن تَئ ّ‬
‫موضع شبر إل وعليه ملك ساجد أو قائم"‪)1( .‬‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬ما من موضع خرمة (‪ )2‬إبرة من الرض إل وملك موكل بها ‪ ،‬يرفع علم‬
‫ذلك إلى ال ‪ ،‬وإن ملئكة السماء لكثر من عدد التراب ‪ ،‬وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم‬
‫إلى مُخّه مسيرة مائة عام‪.‬‬
‫ن وَال ْنصَارِ الّذِينَ اتّ َبعُوهُ فِي سَاعَةِ ا ْلعُسْ َرةِ مِنْ َبعْدِ مَا كَادَ‬
‫ي وَا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫{ َلقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى النّ ِب ّ‬
‫يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِ ْنهُمْ ُثمّ تَابَ عَلَ ْيهِمْ إِنّهُ ِبهِمْ َرءُوفٌ َرحِيمٌ (‪} )117‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال مجاهد وغير واحد ‪ :‬نزلت هذه الية في غزوة تبوك ‪ ،‬وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من‬
‫المر في سنة مُجدبة وحر شديد ‪ ،‬وعسر من الزاد والماء‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬خرجوا إلى الشام عام تبوك في َلهَبان الحر ‪ ،‬على ما يعلم ال من الجهد ‪ ،‬أصابهم‬
‫فيها جهد شديد ‪ ،‬حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين (‪ )3‬كانا يشقان التمرة بينهما ‪ ،‬وكان النفر يتداولون‬
‫التمرة بينهم ‪ ،‬يمصها هذا ‪ ،‬ثم يشرب عليها ‪ ،‬ثم يمصها هذا ‪ ،‬ثم يشرب عليها ‪[ ،‬ثم يمصها‬
‫هذا ‪ ،‬ثم يشرب عليها] (‪ )4‬فتاب ال عليهم وأقفلهم من غزوتهم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني عمرو بن الحارث ‪،‬‬
‫عن سعيد بن أبي هلل ‪ ،‬عن عتبة بن أبي عتبة ‪ ،‬عن نافع بن جُبَير بن مطعم ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫عباس ؛ أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة ‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب ‪ :‬خرجنا مع رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد ‪ ،‬فنزلنا منزل فأصابنا فيه عَطَش ‪ ،‬حتى ظننا أن‬
‫رقابنا ستنقطع (‪[ )5‬حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء ‪ ،‬فل يرجع حتى يظن أن رقبته‬
‫ستنقطع] (‪ )6‬حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فَرْثه فيشربه ‪ ،‬ويجعل ما بقي على كبده ‪ ،‬فقال‬
‫عوّدك في الدعاء خيرا ‪ ،‬فادع لنا‪ .‬قال ‪:‬‬
‫أبو بكر الصديق ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن ال عز وجل ‪ ،‬قد َ‬
‫"تحب ذلك"‪ .‬قال ‪ :‬نعم! فرفع يديه فلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )3/201‬وأبو نعيم في الحلية (‪ )2/217‬من طريق عبد‬
‫الوهاب بن عطاء به نحوه ‪ ،‬وقال أبو نعيم ‪" :‬هذا حديث غريب من حديث صفوان بن محرز عن‬
‫حكيم تفرد به عن قتادة سعيد بن أبي عروبة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬خرم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬رجلين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ستقطع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬

‫( ‪)4/228‬‬

‫يرجعهما حتى مالت السماء فأظَلّت (‪ )1‬ثم سكبت ‪ ،‬فملئوا ما معهم ‪ ،‬ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها‬
‫جاوزت العسكر‪)2( .‬‬
‫ن وَال ْنصَارِ الّذِينَ اتّ َبعُوهُ فِي سَاعَةِ‬
‫ي وَا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫وقال ابن جرير في قوله ‪َ { :‬لقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى النّ ِب ّ‬
‫ا ْلعُسْ َرةِ } أي ‪ :‬من النفقة والظهر والزاد والماء ‪ { ،‬مِنْ َبعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِ ْنهُمْ } (‪)3‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أي ‪ :‬عن الحق ويشك في دين رسول ال صلى ال عليه وسلم ويرتاب ‪ ،‬بالذي نالهم من المشقة‬
‫علَ ْيهِمْ } يقول ‪ :‬ثم رزقهم النابة إلى ربهم ‪ ،‬والرجوع إلى‬
‫والشدة في سفره وغزوه ‪ { ،‬ثُمّ تَابَ َ‬
‫الثبات على دينه ‪ { ،‬إِنّهُ ِبهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فأهطلت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )14/541‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (‪" )1707‬موارد" والحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )1/159‬من طريق حرملة ابن يحيى ‪ ،‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪" )1841‬كشف‬
‫الستار" من طريق أصبغ بن الفرج كلهما عن ابن وهب به نحوه ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬هذا حديث‬
‫صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"‪ .‬قال المؤلف ابن كثير في السيرة (‪" : )4/16‬إسناد‬
‫جيد ‪ ،‬ولم يخرجوه من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يزيغ"‪.‬‬

‫( ‪)4/229‬‬

‫سهُ ْم وَظَنّوا‬
‫ت َوضَا َقتْ عَلَ ْي ِهمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫وَعَلَى الثّلَا َثةِ الّذِينَ خُّلفُوا حَتّى إِذَا ضَا َقتْ عَلَ ْي ِهمُ الْأَ ْرضُ ِبمَا رَحُ َب ْ‬
‫أَنْ لَا مَ ْلجَأَ مِنَ اللّهِ إِلّا إِلَيْهِ ثُمّ تَابَ عَلَ ْيهِمْ لِيَتُوبُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ (‪ )118‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫َآمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه َوكُونُوا مَعَ الصّا ِدقِينَ (‪)119‬‬

‫سهُمْ‬
‫ت َوضَا َقتْ عَلَ ْي ِهمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫{ وَعَلَى الثّلثَةِ الّذِينَ خُّلفُوا حَتّى ِإذَا ضَا َقتْ عَلَ ْيهِمُ ال ْرضُ ِبمَا رَحُ َب ْ‬
‫ن ل مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِل إِلَيْهِ ثُمّ تَابَ عَلَ ْيهِمْ لِيَتُوبُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ (‪ )118‬يَا أَ ّيهَا‬
‫وَظَنّوا أَ ْ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه َوكُونُوا مَعَ الصّا ِدقِينَ (‪} )119‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد ال ‪ ،‬عن‬
‫عمه محمد بن مسلم الزهري ‪ ،‬أخبرني عبد الرحمن بن عبد ال بن كعب بن مالك ‪ ،‬أن عبد ال‬
‫بن كعب بن مالك ‪ -‬وكان قائد كعب من بنيه (‪ )1‬حين عَمى ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت كعب بن مالك‬
‫يحدّث حديثه حين تخلف عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك ‪ ،‬فقال كعب بن‬
‫مالك ‪ :‬لم أتخلف عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزاة غيرها (‪ )2‬قط إل في غزوة تبوك‬
‫‪ ،‬غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ‪ ،‬ولم يعاتَب أحدٌ تخلف عنها ‪ ،‬وإنما خرج رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يريد عِير قريش ‪ ،‬حتى جمع ال بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد ‪ ،‬ولقد شهدتُ‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا على السلم ‪ ،‬وما أحب أن لي بها‬
‫مشهد بدر ‪ ،‬وإن كانت بدر أ ْذكَر في الناس منها وأشهر ‪ ،‬وكان من خبري حين تخلفت عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ول أيسر مني حين تخلّفت‬
‫عنه في تلك الغزاة ‪ ،‬وال ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ‪ ،‬وكان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قَلّما يريد غزوة يغزوها إل وَرّى بغيرها ‪ ،‬حتى كانت تلك الغزوة‬
‫فغزاها رسول ال صلى ال عليه وسلم في حَرّ شديد ‪ ،‬واستقبل سفرا بعيدا ومفازًا ‪ ،‬واستقبل‬
‫جهَه‬
‫عدوا كثيرًا (‪ )3‬فَجَلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم ‪ ،‬فأخبرهم وَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بيته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬غزاها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬كبيرا"‪.‬‬

‫( ‪)4/229‬‬

‫الذي يريد ‪ ،‬والمسلمون مع رسول ال صلى ال عليه وسلم كثير ‪ ،‬ل يجمعهم كتاب حافظ ‪ -‬يريد‬
‫الديوان ‪ -‬فقال كعب ‪َ :‬ف َقلّ رجل يريد أن يتغيب إل ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي‬
‫من ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وغزا رسول ال صلى ال عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل ‪،‬‬
‫وأنا إليها أصعر‪ .‬فتجهز إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنون معه ‪ ،‬وطفقت أغدو لكي‬
‫أتجهز معهم ‪ ،‬فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا ‪ ،‬فأقول لنفسي ‪ :‬أنا قادر على ذلك إذا أردت ‪،‬‬
‫فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمّر (‪ )1‬بالناس الجد ‪ ،‬فأصبح رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫غاديا والمسلمون معه ‪ ،‬ولم أقض من جهازي شيئا ‪ ،‬وقلت ‪ :‬الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه (‬
‫‪ )2‬فغدوت بعدما فصلوا لتجهز ‪ ،‬فرجعت ولم أقض شيئا من جهازي‪ .‬ثم غدوت فرجعت ولم‬
‫أقض شيئا ‪ ،‬فلم يزل [ذلك] (‪ )3‬يَتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو ‪ ،‬فهممت أن أرتحل‬
‫فأدركهم ‪ -‬وليت أنّي فعلتُ ‪ -‬ثم لم يقدر ذلك لي ‪ ،‬فطفقت إذا خرجتُ في الناس بعد [خروج] (‬
‫‪ )4‬رسول ال صلى ال عليه وسلم [ َفطُفتُ فيهم] (‪ )5‬يحزنني أل أرى إل رجل َمغْموصا عليه في‬
‫النفاق ‪ ،‬أو رجل ممن عذره ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ولم يذكرني رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى‬
‫بلغ تبوك ‪ ،‬فقال وهو جالس في القوم بتبوك ‪" :‬ما فعل كعب بن مالك ؟" قال رجل من بني سَلمة‬
‫عطْفيه‪ .‬فقال له معاذ بن جبل ‪ :‬بئسما قلت! وال يا‬
‫‪ :‬حبسه يا رسول ال بُرْداه ‪ ،‬والنظر في َ‬
‫رسول ال ما علمنا عليه إل خيرا! فسكت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال كعب بن مالك ‪:‬‬
‫فلما بلغني أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد تَوجّه قافل من تبوك حضرني بَثّي (‪ )6‬فطفقت‬
‫أتذكر (‪ )7‬الكَذب ‪ ،‬وأقول ‪ :‬بماذا أخرج من سخطه غدا ؟ أستعين على ذلك كلّ ذي رأي من‬
‫أهلي‪ .‬فلما قيل ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أظلّ قادما ‪ ،‬زاح عني الباطل وعرفت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أني لم أنج منه بشيء أبدا‪ .‬فأجمعتُ صدقه ‪ ،‬وصَبّح رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكان إذا‬
‫قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ‪ ،‬ثم جلس للناس‪ .‬فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون‬
‫فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ‪ -‬وكانوا بضعة وثمانين رجل ‪ -‬فقبل منهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم علنيتهم ويستغفر لهم ‪ ،‬ويكل سرائرهم إلى ال تعالى ‪ ،‬حتى جئت ‪ ،‬فلما سلّمت عليه‬
‫تبسم تبسم المغضب ‪ ،‬ثم قال لي ‪" :‬تعال" ‪ ،‬فجئت أمشي حتى جلستُ بين يديه ‪ ،‬فقال لي ‪" :‬ما‬
‫خلّفك ‪ ،‬ألم تك قد اشتريت ظهرك" ؟ قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني لو جلست عند غيرك من‬
‫أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سَخَطه بعذر ‪ ،‬لقد أعطيتُ جَدَل ولكنه وال لقد علمتُ لئن حَدّثتك‬
‫اليوم حديث كَذب ترضى به عني ‪ ،‬ليوشكن ال يُسْخطك علي ‪ ،‬ولئن حدثتك بصدق تَجدُ عَليّ فيه‬
‫‪ ،‬إني لرجو أقرب عقبى ذلك [عفوًا] (‪ )8‬من ال ‪ ،‬عز وجل (‪ )9‬وال ما كان لي عذر ‪ ،‬وال ما‬
‫كنت قط أفرغ ول أيسر مني حين تخلفت عنك قال ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما‬
‫هذا فقد صدق ‪ ،‬فقم حتى يقضي ال فيك"‪ .‬فقمت وبادرني رجال من بني سلمة واتبعوني ‪ ،‬فقالوا‬
‫عجَزت أل تكون اعتذرت إلى رسول ال‬
‫لي ‪ :‬وال ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ‪ ،‬ولقد َ‬
‫صلى ال عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون (‪ )10‬فقد كان كافيك [من ذنبك] (‪ )11‬استغفار‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لك‪ .‬قال ‪ :‬فوال ما زالوا يؤنّبوني حتى أردت أن أرجع فأُكذّب‬
‫نفسي ‪ :‬قال ‪ :‬ثم قلت لهم ‪ :‬هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪[ ،‬لقيه معك] (‪ )12‬رجلن ‪ ،‬قال‬
‫ما قلتَ ‪ ،‬وقيل لهما مثل ما قيل لك‪ .‬قلت ‪ :‬فمن هما ؟ قالوا ‪ :‬مُرَارة بن الربيع العامري ‪ ،‬وهلل‬
‫بن أمية الواقفي‪ .‬فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة‪ .‬قال ‪ :‬فمضيت حين‬
‫ذكروهما لي ‪ -‬قال ‪ :‬ونهى رسول ال صلى ال عليه وسلم المسلمين عن كلمنا ‪ -‬أيها الثلثة ‪-‬‬
‫من بين من تخلف عنه ‪ ،‬فاجتنَبنَا الناس وتغيّروا لنا ‪ ،‬حتى تنك َرتْ لي في نفسي الرضُ ‪ ،‬فما‬
‫هي بالرض التي كنت أعرف ‪ ،‬فلبثنا على ذلك خمسين ليلة‪ .‬فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في‬
‫بيوتهما يبكيان ‪ ،‬وأما أنا فكنت أشَب القوم وأجلَدهم ‪ ،‬فكنت أشهد الصلة مع المسلمين ‪ ،‬وأطوف‬
‫بالسواق فل يكلمني أحد ‪ ،‬وآتي رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلة‬
‫فأسلم ‪ ،‬وأقول في نفسي ‪ :‬حَرّك شفتيه برد السلم عليّ أم ل ؟ ثم أصلي قريبا منه ‪ ،‬وأسارقه‬
‫النظر ‪ ،‬فإذا أقبلت على صلتي نظر إلي ‪ ،‬فإذا التفت نحوه أعرَض ‪ ،‬حتى إذا طال علي ذلك من‬
‫هجر المسلمين مَشَيت حتى تسورت حائط أبي قتادة ‪ -‬وهو ابن عمي ‪ ،‬وأحب الناس إلي ‪-‬‬
‫فسلمت عليه ‪ ،‬فوال ما رد علي السلم ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬يا أبا قتادة ‪ ،‬أنشدُك ال ‪ :‬هل تعلم أني أحب‬
‫ال ورسوله ؟ قال ‪ :‬فسكت‪ .‬قال ‪ :‬فعدتُ فنشدته [فسكت ‪ ،‬فعدت فنشدته] (‪ )13‬فقال ‪ :‬ال‬
‫ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪ :‬ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدار‪ .‬فبينا (‪ )14‬أنا أمشي بسوق‬
‫طيّ من أنباط الشام ‪ ،‬ممن (‪ )15‬قَدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول ‪ :‬من يدل على كعب‬
‫المدينة إذا نَ َب ِ‬
‫بن مالك ؟ قال ‪ :‬فطفِقَ الناس يشيرون له إليّ ‪ ،‬حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان ‪ ،‬وكنت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كاتبا (‪ )16‬فإذا فيه ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك ال بدار هَوان ول‬
‫َمضْيَعة ‪ ،‬فالحق بنا نُواسكَ‪ .‬قال ‪ :‬فقلت حين قرأتها ‪ :‬وهذا أيضًا من البلء‪ .‬قال ‪ :‬فتيممت به‬
‫التنور فَسَجرته (‪ )17‬حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ‪ ،‬إذا برسول رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يأتيني ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فقلت ‪ :‬أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال ‪ :‬بل اعتزلها ول تقربها‪ .‬قال ‪ :‬وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك‬
‫قال ‪ :‬فقلت لمرأتي ‪ :‬الحقي بأهلك ‪ ،‬فكوني عندهم حتى يقضي ال في هذا المر‪ .‬قال ‪ :‬فجاءت‬
‫امرأة هلل بن أمية رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت له ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن هلل شيخ‬
‫ضائع ليس له خادم ‪ ،‬فهل تكره أن أخدمه ؟ قال ‪" :‬ل ولكن ل يقربَنّك" قالت ‪ :‬وإنه وال ما به‬
‫حركة إلى شيء ‪ ،‬وال ما يزال يبكي من لدن أن كان من أمرك ما كان إلى يومه هذا‪ .‬قال ‪ :‬فقال‬
‫لي بعض أهلي ‪ :‬لو استأذنت رسول ال صلى ال عليه وسلم في امرأتك ‪ ،‬فقد أذن لمرأة هلل‬
‫بن أمية أن تخدمه‪ .‬قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬وال ل أستأذن فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وما أدري‬
‫ما يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا استأذنته وأنا رجل شاب ؟ قال ‪ :‬فلبثنا [بعد ذلك] (‬
‫‪ )18‬عشر ليال ‪ ،‬فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلمنا قال ‪ :‬ثم صليت صلة الفجر‬
‫صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ‪ ،‬فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر ال تعالى منا‬
‫‪ :‬قد ضاقت علي نفسي ‪ ،‬وضاقت علي الرض بما رحبت سمعت صارخا أوفى على جبل سَلْع‬
‫يقول بأعلى صوته ‪ :‬يا كعب بن مالك ‪ ،‬أبشر‪ .‬قال ‪ :‬فخررت ساجدا ‪ ،‬وعرفت أن (‪ )19‬قد جاء‬
‫فرج ‪ ،‬فآذن رسول ال صلى ال عليه وسلم بتوبة ال علينا حين صلى الفجر ‪ ،‬فذهب الناس‬
‫يبشروننا ‪ ،‬وذهب قِبَل صاحبيّ مبشرون ‪ ،‬وركض إلي رجُل فرسًا ‪ ،‬وسعى ساع من أسلم وأوفى‬
‫على الجبل ‪ ،‬فكان الصوت أسرع من الفرس‪ .‬فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ‪ ،‬فنزعت‬
‫(‪ )20‬ثوبي ‪ ،‬فكسوتهما إياه ببشارته ‪ ،‬وال ما أملك غيرهما يومئذ ‪ ،‬واستعرت ثوبين فلبستهما ‪،‬‬
‫وانطلقت أؤم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ‪ ،‬يقولون‬
‫‪ :‬لِ َيهْنك توبة ال عليك‪ .‬حتى دخلت المسجد ‪ ،‬فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم جالس في‬
‫المسجد حوله الناس ‪ ،‬فقام إليّ طلحة بن عبيد ال يُهرول ‪ ،‬حتى صافحني وهَنّأني ‪ ،‬وال ما قام‬
‫إلي رجل من المهاجرين غيره قال ‪ :‬فكان كعب ل ينساها لطلحة‪ .‬قال كعب ‪ :‬فلما سلمت على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال وهو يبرُق وجهه من السرور ‪" :‬أبشر بخير يوم مَرّ عليك منذ‬
‫ولدتك أمّك"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أمن عندك يا رسول ال أم من عند ال ؟ قال ‪" :‬ل بل من عند ال"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا سُرّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ‪ ،‬حتى‬
‫يعرف ذلك منه‪ .‬فلما جلست بين يديه قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن من توبتي أن أنخلع من مالي‬
‫صدقة إلى ال وإلى رسوله‪ .‬قال ‪" :‬أمسك عليك بعض مالك ‪ ،‬فهو خير لك"‪ .‬قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬فإني‬
‫أمسك سهمي الذي بخيبر‪ .‬وقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنما نجاني ال بالصدق ‪ ،‬وإن من توبتي أل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أحدث إل صدقا ما بقيت‪ .‬قال ‪ :‬فوال ما أعلم أحدا من المسلمين أبله ال من الصدق في الحديث‬
‫منذ ذكرت ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم أحسن مما أبلني ال تعالى ‪ ،‬وال ما تعمدت‬
‫كَذبَةً منذ قلت ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم إلى يومي هذا ‪ ،‬وإني لرجو أن يحفظني ال‬
‫ن وَال ْنصَارِ الّذِينَ اتّ َبعُوهُ‬
‫ي وَا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫فيما بقي‪ .‬قال ‪ :‬وأنزل ال تعالى ‪َ { :‬لقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى النّ ِب ّ‬
‫فِي سَاعَةِ ا ْل ُعسْ َرةِ مِنْ َبعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِ ْنهُمْ ُثمّ تَابَ عَلَ ْيهِمْ إِنّهُ ِبهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‪.‬‬
‫سهُ ْم َوظَنّوا‬
‫وَعَلَى الثّل َثةِ الّذِينَ خُّلفُوا حَتّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَ ْيهِمُ الرْضُ ِبمَا َرحُ َبتْ َوضَا َقتْ عَلَ ْيهِمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫ن ل مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِل إِلَيْهِ ثُمّ تَابَ عَلَ ْيهِمْ لِيَتُوبُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ‪ .‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا‬
‫أَ ْ‬
‫ا ّتقُوا اللّ َه َوكُونُوا مَعَ الصّا ِدقِينَ } قال كعب ‪ :‬فوال ما أنعم ال علي من نعمة قط بعد أن هداني‬
‫للسلم أعظمَ في نفسي من صدقي رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يومئذ أل أكون َكذَبْتُه فأهلك‬
‫كما هلك الذين كَذَبوه [حين كَذَبُوه] (‪ )21‬؛ فإن ال تعالى قال للذين كَذَبوه حين أنزل الوحي شر ما‬
‫قال لحد ‪ ،‬قال (‪ )22‬ال تعالى ‪ { :‬سَيَحِْلفُونَ بِاللّهِ َلكُمْ إِذَا ا ْنقَلَبْتُمْ إِلَ ْيهِمْ لِ ُتعْ ِرضُوا عَ ْنهُمْ فَأَعْ ِرضُوا‬
‫ضوْا‬
‫ضوْا عَ ْن ُهمْ فَإِنْ تَ ْر َ‬
‫جهَنّمُ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ‪َ .‬يحِْلفُونَ َلكُمْ لِتَ ْر َ‬
‫س َومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫عَ ْنهُمْ إِ ّنهُمْ رِجْ ٌ‬
‫سقِينَ } [التوبة ‪ .]96 ، 95 :‬قال ‪ :‬وكنا خُلّفنا ‪ -‬أيها الثلثة‬
‫عَ ْنهُمْ فَإِنّ اللّهَ ل يَ ْرضَى عَنِ ا ْلقَوْمِ ا ْلفَا ِ‬
‫‪ -‬عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول ال صلى ال عليه وسلم حين حلفوا ‪ ،‬فبايعهم واستغفر‬
‫لهم ‪ ،‬وأرجأ رسولُ ال أمرَنا ‪ ،‬حتى قضى ال فيه ‪ ،‬فبذلك قال ال تعالى ‪ { )23( :‬وَعَلَى الثّلثَةِ‬
‫الّذِينَ خُّلفُوا } وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خُلّفنا بتخلفنا عن الغزو ‪ ،‬وإنما هو‬
‫عمن حلف له واعتذر إليه ‪ ،‬فقبل منه‪.‬‬
‫هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته ‪ ،‬رواه صاحبا الصحيح ‪ :‬البخاري ومسلم من حديث‬
‫الزهري ‪ ،‬بنحوه‪)24( .‬‬
‫فقد تضمن هذا الحديث تفسير هذه الية الكريمة بأحسن الوجوه وأبسطها‪ .‬وكذا رُوي عن غير‬
‫واحد من السلف في تفسيرها ‪ ،‬كما رواه العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال في‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬وَعَلَى الثّلثَةِ الّذِينَ خُّلفُوا } قال ‪ :‬هم كعب بن مالك ‪ ،‬وهلل بن أمية ‪ ،‬ومُرارة‬
‫بن ربيعة وكلهم من النصار‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي وغير واحد ‪ -‬وكلهم قال ‪ :‬مُرارة بن ربيعة‪.‬‬
‫[وكذا في مسلم ‪ :‬مرارة بن ربيعة في بعض نسخه ‪ ،‬وفي بعضها ‪ :‬مرارة بن الربيع]‪)25( .‬‬
‫وفي رواية عن سعيد بن جُبَير ‪ :‬ربيع بن مرارة‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬ربيع بن مرارة (‪ )26‬أو مرارة (‪ )27‬بن ربيع‪.‬‬
‫وفي رواية عن الضحاك ‪ :‬مُرارة بن الربيع ‪ ،‬كما وقع في الصحيحين ‪ ،‬وهو الصواب‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬فسموا رجلين شهدا بدرا" ‪ ،‬قيل ‪ :‬إنه خطأ من الزهري ‪ ،‬فإنه ل ُيعْرَف شُهو ُد واحد من‬
‫هؤلء الثلثة بدرا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ولما ذكر تعالى ما فرّج به عن هؤلء الثلثة من الضيق والكرب ‪ ،‬من هجر المسلمين إياهم نحوا‬
‫من خمسين ليلة بأيامها ‪ ،‬وضاقت عليهم أنفسهم ‪ ،‬وضاقت عليهم الرض بما َرحُبت ‪ ،‬أي ‪ :‬مع‬
‫سعتها ‪ ،‬فسدّدت عليهم المسالك والمذاهب ‪ ،‬فل يهتدون ما يصنعون ‪ ،‬فصبروا لمر ال ‪،‬‬
‫واستكانوا لمر ال ‪ ،‬وثبتوا حتى فرج ال عنهم بسبب صدقهم رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫تخلفهم ‪ ،‬وأنه كان عن غير عذر ‪ ،‬فعوقبوا على ذلك هذه المدة ‪ ،‬ثم تاب ال عليهم ‪ ،‬فكان (‪)28‬‬
‫عاقبة صدقهم خيرا لهم وتوبة عليهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه َوكُونُوا َمعَ‬
‫الصّا ِدقِينَ } أي ‪ :‬اصدُقوا والزموا الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا‬
‫من أموركم ‪ ،‬ومخرجا ‪ ،‬وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش عن شقيق (‬
‫‪ )29‬؛ عن عبد ال ‪ ،‬هو ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ‪ ،‬وما يزال الرجل‬
‫يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند ال صديقا ‪ ،‬وإياكم والكذب ‪ ،‬فإن الكذب يهدي إلى‬
‫الفجور ‪ ،‬وإن الفجور يهدي إلى النار ‪ ،‬وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ‪ ،‬حتى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬استمر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ألحقهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬شيء"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أتفكر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬المخلفون"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬وبينا"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪" :‬فيمن"‪.‬‬
‫(‪ )16‬في ت ‪" :‬وكتب كتابا"‪.‬‬
‫(‪ )17‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فسجرته فيها"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )18‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )19‬في أ ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫(‪ )20‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فنزعت له"‪.‬‬
‫(‪ )21‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )22‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )23‬في ت ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )24‬المسند (‪ )459 - 3/456‬وصحيح البخاري برقم (‪ )889‬وبرقم (‪ )2757‬وصحيح مسلم‬
‫برقم (‪.)2769‬‬
‫(‪ )25‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )26‬في جميع النسخ ‪" :‬مرار" بدون هاء ‪ ،‬والتصويب من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )27‬في جميع النسخ ‪" :‬مرار" بدون هاء ‪ ،‬والتصويب من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )28‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫(‪ )29‬في أ ‪" :‬سفيان"‪.‬‬

‫( ‪)4/230‬‬

‫سهِمْ عَنْ‬
‫حوَْلهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَ َتخَّلفُوا عَنْ رَسُولِ اللّ ِه وَلَا يَرْغَبُوا بِأَ ْنفُ ِ‬
‫مَا كَانَ لِأَ ْهلِ ا ْلمَدِي َن ِة َومَنْ َ‬
‫خ َمصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَلَا َيطَئُونَ َموْطِئًا َيغِيظُ‬
‫صبٌ وَلَا َم ْ‬
‫ظمٌَأ وَلَا َن َ‬
‫َنفْسِهِ َذِلكَ بِأَ ّنهُمْ لَا ُيصِي ُبهُمْ َ‬
‫ع َملٌ صَالِحٌ إِنّ اللّهَ لَا ُيضِيعُ أَجْرَ ا ْلمُحْسِنِينَ (‪)120‬‬
‫ع ُدوّ نَ ْيلًا إِلّا كُ ِتبَ َلهُمْ ِبهِ َ‬
‫ا ْل ُكفّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ َ‬
‫حسَنَ مَا كَانُوا‬
‫ن وَادِيًا ِإلّا كُ ِتبَ َل ُهمْ لِيَجْزِ َي ُهمُ اللّهُ أَ ْ‬
‫طعُو َ‬
‫صغِي َرةً وَلَا كَبِي َرةً وَلَا َيقْ َ‬
‫وَلَا يُ ْنفِقُونَ َن َفقَ ًة َ‬
‫َي ْعمَلُونَ (‪)121‬‬

‫يكتب عند ال كذابا"‪.‬‬


‫أخرجاه في الصحيحين‪)1( .‬‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬أنه قال ‪[ :‬إن] (‪ )2‬الكذب ل يصلح منه جد ول هزل ‪ ،‬اقرءوا إن شئتم ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه َوكُونُوا مِنَ الصّا ِدقِينَ } (‪ - )3‬هكذا قرأها ‪ -‬ثم قال ‪ :‬فهل تجدون لحد فيه‬
‫رخصة‪.‬‬
‫وعن عبد ال بن عمر ‪ { :‬ا ّتقُوا اللّ َه َوكُونُوا مَعَ الصّا ِدقِينَ } مع محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫وأصحابه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬مع أبي بكر وعمر وأصحابهما‪)4( .‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬إن أردت أن تكون مع الصادقين ‪ ،‬فعليك بالزهد في الدنيا ‪ ،‬والكف عن‬
‫أهل الملة‪.‬‬
‫سهِمْ‬
‫حوَْلهُمْ مِنَ العْرَابِ أَنْ يَ َتخَّلفُوا عَنْ َرسُولِ اللّ ِه وَل يَرْغَبُوا بِأَ ْنفُ ِ‬
‫{ مَا كَانَ ل ْهلِ ا ْلمَدِي َن ِة َومَنْ َ‬
‫خ َمصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَل َيطَئُونَ َموْطِئًا َيغِيظُ‬
‫صبٌ وَل مَ ْ‬
‫ظمَأٌ وَل َن َ‬
‫عَنْ َنفْسِهِ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ ل ُيصِي ُبهُمْ َ‬
‫حسِنِينَ (‬
‫ع َملٌ صَالِحٌ إِنّ اللّهَ ل ُيضِيعُ َأجْرَ ا ْلمُ ْ‬
‫ا ْل ُكفّارَ وَل يَنَالُونَ مِنْ عَ ُدوّ نَيْل إِل كُ ِتبَ َلهُمْ بِهِ َ‬
‫‪} )120‬‬
‫يعاتب تعالى المتخلّفين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تَبُوك ‪ ،‬من أهل المدينة ومن‬
‫حولها من أحياء العرب ‪ ،‬ورغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل من المشقة ‪ ،‬فإنهم َنقَصُوا‬
‫صبٌ } وهو ‪ :‬التعب‬
‫ظمَأٌ } وهو ‪ :‬العطش { وَل َن َ‬
‫أنفسهم من الجر ؛ لنهم (‪ { )5‬ل ُيصِي ُبهُمْ َ‬
‫خ َمصَةٌ } وهي ‪ :‬المجاعة (‪ { )6‬وَل يَطَئُونَ َموْطِئًا َيغِيظُ ا ْل ُكفّارَ } أي ‪ :‬ينزلون منزل (‪)7‬‬
‫{ وَل مَ ْ‬
‫يُرهبُ عدوهم { وَل يَنَالُونَ } منه ظفرًا وغلبة عليه إل كتب ال لهم بهذه العمال التي ليست‬
‫داخلة تحت قدرتهم ‪ ،‬وإنما هي ناشئة عن أفعالهم ‪ ،‬أعمال صالحة وثوابا جزيل { إِنّ اللّ َه ل‬
‫عمَل } [الكهف ‪.]30 :‬‬
‫ُيضِيعُ أَجْرَ ا ْلمُحْسِنِينَ } كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّا ل ُنضِيعُ َأجْرَ مَنْ َأحْسَنَ َ‬
‫ن وَادِيًا إِل كُ ِتبَ َلهُمْ لِيَجْزِ َيهُمُ اللّهُ َأحْسَنَ مَا كَانُوا‬
‫طعُو َ‬
‫صغِي َر ًة وَل كَبِي َر ًة وَل َيقْ َ‬
‫{ وَل يُ ْنفِقُونَ َنفَقَ ًة َ‬
‫َي ْعمَلُونَ (‪} )121‬‬
‫صغِي َر ًة وَل كَبِي َرةً } أي ‪ :‬قليل ول كثيرا‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ول ينفق هؤلء الغزاة في سبيل ال { َنفَقَ ًة َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/384‬وصحيح البخاري برقم (‪ )6094‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2607‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬مع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬وأصحابهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لنه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬المجامعة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬مال"‪.‬‬

‫( ‪)4/234‬‬

‫ن وَلِيُنْذِرُوا‬
‫َومَا كَانَ ا ْل ُمؤْمِنُونَ لِيَ ْنفِرُوا كَافّةً فََلوْلَا َنفَرَ مِنْ ُكلّ فِ ْرقَةٍ مِ ْنهُمْ طَا ِئفَةٌ لِيَ َتفَ ّقهُوا فِي الدّي ِ‬
‫جعُوا إِلَ ْيهِمْ َلعَّلهُمْ يَحْذَرُونَ (‪)122‬‬
‫َق ْومَهُمْ إِذَا َر َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طعُونَ وَادِيًا } أي ‪ :‬في السير إلى العداء { إِل كُ ِتبَ َلهُمْ } ولم يقل ها هنا "به" لن هذه‬
‫{ وَل َيقْ َ‬
‫أفعال صادرة عنهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِيَجْزِ َي ُهمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫وقد حصل لمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬من هذه الية الكريمة حظ وافر ‪،‬‬
‫ونصيب عظيم ‪ ،‬وذلك أنه أنفق في هذه الغزوة النفقات الجليلة ‪ ،‬والموال الجزيلة ‪ ،‬كما قال عبد‬
‫ال بن المام أحمد ‪:‬‬
‫سكَن بن المغيرة ‪ ،‬حدثني‬
‫حدثنا أبو موسى العنزي ‪ ،‬حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ‪ ،‬حدثني َ‬
‫الوليد بن أبي هاشم ‪ ،‬عن فرقد أبي طلحة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن خَبّاب السلمي قال ‪ :‬خطب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فحث على جيش العسرة ‪ ،‬فقال عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫‪ :‬عليّ مائة بعير بأحلسها وأقتابها‪ .‬قال ‪ :‬ثم حث ‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬عليّ مائة أخرى بأحلسها‬
‫وأقتابها‪ .‬قال ‪ :‬ثم نزل مرْقاة من المنبر ثم حث ‪ ،‬فقال عثمان بن عفان ‪ :‬علىّ مائة أخرى‬
‫بأحلسها وأقتابها‪ .‬قال ‪ :‬فرأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول بيده هكذا ‪ -‬يحركها‪.‬‬
‫وأخرج عبد الصمد يده كالمتعجب ‪" :‬ما على عثمان ما عمل بعد هذا"‪)1( .‬‬
‫ش ْوذَب ‪ ،‬عن‬
‫ضمْرَة ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن َ‬
‫وقال عبد ال أيضا ‪ :‬حدثنا هارون بن معروف ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫سمُرة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سمرة قال ‪:‬‬
‫عبد ال بن القاسم ‪ ،‬عن كثير مولى عبد الرحمن بن َ‬
‫جهّز النبي صلى ال‬
‫جاء عثمان إلى النبي صلى ال عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين (‪َ )2‬‬
‫عليه وسلم جيش العسرة قال ‪ :‬فصبها في حجر النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فجعل النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم يقلبها بيده ويقول ‪" :‬ما ضَرّ ابن عفان ما عمل بعد اليوم"‪ .‬يرددها مرارا‪)3( .‬‬
‫ن وَادِيًا إِل كُ ِتبَ َلهُمْ } الية ‪ :‬ما ازداد قوم من أهليهم في‬
‫طعُو َ‬
‫وقال قتادة في قوله تعالى ‪ { :‬وَل َيقْ َ‬
‫سبيل ال بعدًا إل ازدادوا من ال قربا‪.‬‬
‫ن وَلِيُنْذِرُوا‬
‫{ َومَا كَانَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ لِيَ ْنفِرُوا كَافّةً فََلوْل َنفَرَ مِنْ ُكلّ فِ ْرقَةٍ مِ ْنهُمْ طَا ِئفَةٌ لِيَ َتفَ ّقهُوا فِي الدّي ِ‬
‫جعُوا إِلَ ْيهِمْ َلعَّلهُمْ يَحْذَرُونَ (‪} )122‬‬
‫َق ْومَهُمْ إِذَا َر َ‬
‫هذا بيان من ال تعالى لما أراد من نَفير الحياء مع الرسول في غزوة تبوك ‪ ،‬فإنه قد ذهب طائفة‬
‫من السلف إلى أنه كان يجب النفير على كل مسلم إذا خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم ؛‬
‫خفَافًا وَثِقَال } [التوبة ‪ ، ]41 :‬وقال ‪ { :‬مَا كَانَ ل ْهلِ ا ْلمَدِي َن ِة َومَنْ‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫حوَْلهُمْ مِنَ العْرَابِ أَنْ يَ َتخَّلفُوا عَنْ َرسُولِ اللّهِ } [التوبة ‪ ، ]120 :‬قالوا ‪ :‬فنسخ ذلك بهذه الية‪.‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زوائد المسند (‪ )4/75‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3700‬من طريق السكن بن المغيرة‬
‫به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه ل نعرفه إل من حديث السكن بن‬
‫المغيرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬حتى"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬زوائد المسند (‪ )5/63‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3701‬من طريق الحسن بن واقع‬
‫عن ضمرة بن ربيعة به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه"‪.‬‬

‫( ‪)4/235‬‬

‫وقد يقال ‪ :‬إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الحياء كلها ‪ ،‬وشرذمة من كل قبيلة إن لم يخرجوا‬
‫كلهم ‪ ،‬ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي عليه ‪ ،‬وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم‬
‫بما كان من أمر العدو ‪ ،‬فيجتمع لهم المران في هذا ‪ :‬النفير المعين وبعده ‪ ،‬صلوات ال وسلمه‬
‫عليه ‪ ،‬تكون الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد ؛ فإنه فرض كفاية على الحياء‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ومَا كَانَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ لِيَ ْنفِرُوا كَافّةً } يقول ‪ :‬ما كان‬
‫المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى ال عليه وسلم وحده ‪ { ،‬فََلوْل َنفَرَ مِنْ ُكلّ فِ ْرقَةٍ مِ ْنهُمْ‬
‫طَا ِئفَةٌ } يعني ‪ :‬عصبة ‪ ،‬يعني ‪ :‬السرايا ‪ ،‬ول يَتَسرّوا (‪ )1‬إل بإذنه ‪ ،‬فإذا رجعت السرايا وقد‬
‫نزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن ال قد أنزل على‬
‫نبيكم قرآنا ‪ ،‬وقد تعلمناه‪ .‬فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل ال على نبيهم بعدهم ‪ ،‬ويبعث سرايا‬
‫أخرى ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬لِيَ َتفَ ّقهُوا فِي الدّينِ } يقول ‪ :‬ليتعلموا ما أنزل ال على نبيهم ‪ ،‬وليعلموا‬
‫حذَرُونَ }‪.‬‬
‫السرايا إذا رجعت إليهم { َلعَّلهُمْ يَ ْ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬نزلت هذه الية في أناس من أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬خرجوا في‬
‫البوادي ‪ ،‬فأصابوا من الناس معروفا ‪ ،‬ومن الخصب (‪ )2‬ما ينتفعون به ‪ ،‬ودعوا من وجدوا من‬
‫الناس إلى الهدى ‪ ،‬فقال الناس لهم ‪ :‬ما نراكم إل وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا‪ .‬فوجدوا في‬
‫أنفسهم من ذلك تحرجا ‪ ،‬وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬فََلوْل َنفَرَ مِنْ ُكلّ فِ ْرقَةٍ مِ ْنهُمْ طَا ِئفَةٌ } يبتغون (‪ )3‬الخير ‪ { ،‬لِيَ َتفَ ّقهُوا [فِي‬
‫الدّينِ] } (‪ )4‬وليستمعوا ما في الناس ‪ ،‬وما أنزل ال بعدهم ‪ { ،‬وَلِيُنْذِرُوا َق ْو َمهُمْ } الناس كلهم { ِإذَا‬
‫حذَرُونَ }‪.‬‬
‫جعُوا إِلَ ْيهِمْ َلعَّلهُمْ يَ ْ‬
‫رَ َ‬
‫وقال قتادة في هذه الية ‪ :‬هذا إذا بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم الجيوش ‪ ،‬أمرهم ال أل‬
‫يُع َروْا (‪ )5‬نبيّه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وتقيم طائفة مع رسول ال تتفقه في الدين ‪ ،‬وتنطلق طائفة‬
‫تدعو قومها ‪ ،‬وتحذرهم وقائع ال فيمن خل قبلهم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يحلْ لحد من المسلمين أن‬
‫يتخلف عنه ‪ ،‬إل أهل العذار‪ .‬وكان إذا أقام فاسترت السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إل بإذنه ‪،‬‬
‫فكان الرجل إذا استرى فنزل بعده قرآن ‪ ،‬تله رسول (‪ )6‬ال صلى ال عليه وسلم على أصحابه‬
‫القاعدين (‪ )7‬معه ‪ ،‬فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إن ال أنزل بعدكم على نبيه قرآنا‪ .‬فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين ‪ ،‬وهو قوله ‪َ { :‬ومَا كَانَ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنُونَ لِيَ ْنفِرُوا كَافّةً } يقول إذا أقام رسول ال { فََلوْل َنفَرَ مِنْ ُكلّ فِ ْرقَةٍ مِ ْنهُمْ طَا ِئفَةٌ } يعني بذلك‬
‫‪ :‬أنه ل ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعا ونبي ال صلى ال عليه وسلم قاعد ‪ ،‬ولكن إذا قعد نبي‬
‫ال تسرت السرايا ‪ ،‬وقعد معه عُظْم (‪ )8‬الناس‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في جميع النسخ ‪" :‬يسيروا" والمثبت من الطبري ومستفاد من ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ك ‪" :‬الخطب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يتبعون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أن ل يغزوا" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬أن يغزوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬نبي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬القاعدون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عظيم"‪.‬‬

‫( ‪)4/236‬‬

‫وقال [علي] (‪ )1‬بن أبي طلحة أيضا عن ابن عباس ‪ :‬قوله ‪َ { :‬ومَا كَانَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ لِيَ ْنفِرُوا كَافّةً }‬
‫فإنها ليست في الجهاد ‪ ،‬ولكن لما دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم على مُضر بالسنين أجدبت‬
‫بلدهم ‪ ،‬وكانت القبيلة منهم تُقبِل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ‪ ،‬ويعتلّوا بالسلم وهم‬
‫كاذبون‪ .‬فضيقوا على أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وأجهدوهم‪ .‬فأنزل ال يخبر رسوله أنهم‬
‫ليسوا مؤمنين ‪ ،‬فردهم رسول ال إلى عشائرهم ‪ ،‬وحذّر قومهم أن يفعلوا فعلهم ‪ ،‬فذلك قوله ‪:‬‬
‫جعُوا إِلَ ْي ِهمْ َلعَّلهُمْ َيحْذَرُونَ }‪.‬‬
‫{ وَلِيُنْذِرُوا َق ْو َمهُمْ ِإذَا رَ َ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة ‪ ،‬فيأتون‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬فيسألونه عما يريدون من أمر دينهم ‪ ،‬ويتفقهون في دينهم ‪ ،‬ويقولون‬
‫لنبي ال ‪ :‬ما تأمرنا أن نفعله ؟ وأخبرنا [ما نقول] (‪ )2‬لعشائرنا إذا قدمنا انطلقنا إليهم‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فيأمرهم نبي ال بطاعة ال وطاعة رسوله ‪ ،‬ويبعثهم إلى قومهم بالصلة والزكاة‪ .‬وكانوا إذا أتوا‬
‫قومهم نادوا ‪ :‬إن من أسلم فهو منا ‪ ،‬وينذرونهم ‪ ،‬حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه ‪ ،‬وكان رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يخبرهم وينذرهم قومهم ‪ ،‬فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى السلم‬
‫وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة‪.‬‬
‫عذَابًا أَلِيمًا (‪[ } )4‬التوبة ‪:‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪[ :‬الشريفة] (‪ { )3‬إِل تَ ْنفِرُوا ُيعَذّ ْبكُمْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حوَْلهُمْ مِنَ العْرَابِ أَنْ يَ َتخَّلفُوا [عَنْ رَسُولِ اللّهِ] } [التوبة ‪:‬‬
‫‪ ، ]39‬و { مَا كَانَ ل ْهلِ ا ْل َمدِينَ ِة َومَنْ َ‬
‫‪ )5( ، ]120‬قال المنافقون ‪ :‬هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه‪ .‬وقد كان‬
‫ناس من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقهونهم ‪ ،‬فأنزل ال ‪،‬‬
‫عز وجل ‪َ { :‬ومَا كَانَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ لِيَ ْنفِرُوا كَافّةً فََلوْل َنفَرَ مِنْ ُكلّ فِ ْرقَةٍ مِ ْنهُمْ طَا ِئفَةٌ } الية ‪ ،‬ونزلت‬
‫‪ { :‬وَالّذِينَ يُحَاجّونَ فِي اللّهِ مِنْ َبعْدِ مَا اسْتُجِيبَ َلهُ } الية [الشورى ‪.]16 :‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ { :‬فََلوْل َنفَرَ مِنْ ُكلّ فِ ْرقَةٍ مِ ْنهُمْ طَا ِئفَةٌ لِيَ َتفَ ّقهُوا فِي الدّينِ } قال ‪ :‬ليتفقه‬
‫الذين خرجوا ‪ ،‬بما يردهم ال من الظهور على المشركين ‪ ،‬والنصرة ‪ ،‬وينذروا قومهم إذا رجعوا‬
‫إليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬يعذبكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/237‬‬

‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا قَاتِلُوا الّذِينَ يَلُو َنكُمْ مِنَ ا ْل ُكفّارِ وَلْ َيجِدُوا فِيكُمْ غِ ْلظَ ًة وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ ا ْلمُ ّتقِينَ (‬
‫‪)123‬‬

‫ظ ًة وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ ا ْلمُ ّتقِينَ‬


‫جدُوا فِيكُمْ غِلْ َ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الّذِينَ يَلُو َنكُمْ مِنَ ا ْل ُكفّا ِر وَلْيَ ِ‬
‫(‪} )123‬‬
‫أمر ال تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أول فأول القرب فالقرب إلى حوزة السلم ؛ ولهذا بدأ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب ‪ ،‬فلما فرغ منهم وفتح ال عليه‬
‫مكة والمدينة ‪ ،‬والطائف ‪ ،‬واليمن واليمامة ‪ ،‬وهجر ‪ ،‬وخيبر ‪ ،‬وحضرموت ‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫أقاليم جزيرة العرب ‪،‬‬

‫( ‪)4/237‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين ال أفواجا ‪ ،‬شرع في قتال أهل الكتاب ‪ ،‬فتجهز‬
‫لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب ‪ ،‬وأولى الناس بالدعوة إلى السلم لكونهم‬
‫أهل الكتاب ‪ ،‬فبلغ تبوك ثم رجع لجل جهْد الناس وجَدْب البلد (‪ )1‬وضيق الحال ‪ ،‬وكان ذلك‬
‫سنة تسع من هجرته ‪ ،‬عليه السلم‪)2( .‬‬
‫حجّة الوداع‪ .‬ثم عاجلته المنية ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪،‬‬
‫ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجته َ‬
‫بعد الحجة بأحد وثمانين يوما ‪ ،‬فاختاره ال لما عنده‪.‬‬
‫وقام بالمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وقد مال الدين ميلة كاد أن‬
‫ينجفل ‪ ،‬فثبته ال تعالى به فوطد القواعد ‪ ،‬وثبت الدعائم‪ .‬ورد شارد الدين وهو راغم‪ .‬ورد أهل‬
‫(‪ )3‬الردة إلى السلم ‪ ،‬وأخذ الزكاة ممن منعها من الطغام ‪ ،‬وبين الحق لمن جهله ‪ ،‬وأدى عن‬
‫الرسول ما حمله‪ .‬ثم شرع في تجهيز الجيوش السلمية إلى الروم عَبَ َدةِ الصلبان (‪ )4‬وإلى‬
‫الفرس عبدة النيران ‪ ،‬ففتح ال ببركة سفارته البلد ‪ ،‬وأرغم أنفس كسرى وقيصر ومن أطاعهما‬
‫من العباد‪ .‬وأنفق كنوزهما في سبيل ال ‪ ،‬كما أخبر بذلك رسول الله‪.‬‬
‫وكان تمام المر على يدي وصيّه من بعده ‪ ،‬وولي عهده الفاروق الوّاب ‪ ،‬شهيد المحراب ‪ ،‬أبي‬
‫حفص عمر بن الخطاب ‪ ،‬فأرغم ال به أنوف الكفرة الملحدين ‪ ،‬وقمع الطغاة والمنافقين ‪،‬‬
‫واستولى على الممالك شرقًا وغربًا‪ .‬وحملت إليه خزائن الموال من سائر القاليم بعدًا وقُربا‪.‬‬
‫ففرقها على الوجه الشرعي ‪ ،‬والسبيل المرضي‪.‬‬
‫ثم لما مات شهيدًا وقد عاش حميدًا ‪ ،‬أجمع الصحابة من المهاجرين والنصار‪ .‬على خلفة أمير‬
‫المؤمنين [أبي عمرو] (‪ )5‬عثمان بن عفان شهيد الدار‪ .‬فكسى السلم [بجلله] (‪ )6‬رياسة حلة‬
‫سابغة‪ .‬وأمدت (‪ )7‬في سائر القاليم على رقاب العباد حجة ال البالغة ‪ ،‬وظهر السلم في‬
‫مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬وعلت كلمة ال وظهر دينه‪ .‬وبلغت المة الحنيفية من أعداء ال غاية‬
‫علَوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار ‪ ،‬امتثال لقوله‬
‫مآربها ‪ ،‬فكلما َ‬
‫تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الّذِينَ يَلُو َنكُمْ مِنَ ا ْل ُكفّارِ } وقوله تعالى ‪ { :‬وَلْ َيجِدُوا فِيكُمْ‬
‫ظةً } [أي ‪ :‬وليجد الكفار منكم (‪ )8‬غلظة] (‪ )9‬عليهم في قتالكم لهم ‪ ،‬فإن المؤمن الكامل هو‬
‫غِلْ َ‬
‫س ْوفَ يَأْتِي اللّهُ‬
‫الذي يكون رفيقا لخيه المؤمن ‪ ،‬غليظًا على عدوه الكافر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَ َ‬
‫علَى ا ْلكَافِرِينَ } [المائدة ‪ ، ]54 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫ِبقَوْمٍ ُيحِ ّبهُ ْم وَ ُيحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَعِ ّزةٍ َ‬
‫حمَاءُ بَيْ َنهُمْ } [الفتح ‪ ، ]29 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫حمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ َمعَهُ َأشِدّاءُ عَلَى ا ْلكُفّارِ ُر َ‬
‫{ ُم َ‬
‫ن وَاغْلُظْ عَلَ ْي ِهمْ } [التوبة ‪ ، 73 :‬والتحريم ‪ ، ]9 :‬وفي‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَا ِهدِ ا ْل ُكفّارَ وَا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫ضحُوك في‬
‫الحديث ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أنا الضّحوك القَتّال" ‪ ،‬يعني ‪ :‬أنه َ‬
‫وجه وليه ‪،‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬الناس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬آل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الصنام"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬وامتدت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيكن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/238‬‬

‫وَإِذَا مَا أُنْزَِلتْ سُو َرةٌ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َيقُولُ أَ ّي ُكمْ زَادَ ْتهُ َه ِذهِ إِيمَانًا فََأمّا الّذِينَ َآمَنُوا فَزَادَ ْتهُمْ إِيمَانًا وَ ُهمْ‬
‫س ِه ْم َومَاتُوا وَ ُهمْ كَافِرُونَ (‬
‫يَسْتَبْشِرُونَ (‪ )124‬وََأمّا الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ فَزَادَ ْتهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْ ِ‬
‫‪)125‬‬

‫قَتّال لهامة عدوه‪.‬‬


‫وقوله ‪ { :‬وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ ا ْلمُ ّتقِينَ } أي ‪ :‬قاتلوا الكفار ‪ ،‬وتوكلوا على ال ‪ ،‬واعلموا أن ال‬
‫معكم إن اتقيتموه وأطعتموه‪.‬‬
‫وهكذا المر لما كانت القرون الثلثة الذين هم خير هذه المة ‪ ،‬في غاية الستقامة ‪ ،‬والقيام‬
‫بطاعة ال تعالى ‪ ،‬لم يزالوا ظاهرين على عدوهم ‪ ،‬ولم تزل الفتوحات كثيرة ‪ ،‬ولم تزل العداء‬
‫في سَفال وخسار‪ .‬ثم لما وقعت الفتن والهواء والختلفات بين الملوك ‪ ،‬طمع العداء في‬
‫أطراف البلد ‪ ،‬وتقدموا إليها ‪ ،‬فلم يمانعوا لشغل الملوك بعضهم ببعض ‪ ،‬ثم تقدموا إلى حوزة‬
‫السلم ‪ ،‬فأخذوا من الطراف بلدانا كثيرة ‪ ،‬ثم لم يزالوا حتى استحوذوا على كثير من بلد‬
‫السلم ‪ ،‬ول ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬المر من قبل ومن بعد‪ .‬فكلما (‪ )1‬قام ملك من ملوك السلم ‪ ،‬وأطاع‬
‫أوامر ال ‪ ،‬وتوكل على ال ‪ ،‬فتح ال عليه من البلد ‪ ،‬واسترجع من العداء بحسبه ‪ ،‬وبقدر ما‬
‫فيه من ولية ال‪ .‬وال المسئول المأمول أن يمكن المسلمين من نواصي أعدائه الكافرين ‪ ،‬وأن‬
‫يعلي كلمتهم في سائر القاليم ‪ ،‬إنه جواد كريم‪.‬‬
‫{ وَإِذَا مَا أُنزَلتْ سُو َرةٌ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َيقُولُ أَ ّيكُمْ زَادَتْهُ هَ ِذهِ إِيمَانًا فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَزَادَ ْتهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ‬
‫س ِه ْم َومَاتُوا وَ ُهمْ كَافِرُونَ (‬
‫يَسْتَبْشِرُونَ (‪ )124‬وََأمّا الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ فَزَادَ ْتهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْ ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪} )125‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَإِذَا مَا أُنزَلتْ سُو َرةٌ } فمن المنافقين { مَنْ َيقُولُ أَ ّي ُكمْ زَادَ ْتهُ هَ ِذهِ إِيمَانًا } ؟ أي ‪:‬‬
‫يقول بعضهم لبعض أيكم زادته هذه السورة إيمانا ؟ قال ال تعالى ‪ { :‬فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَزَادَ ْتهُمْ‬
‫إِيمَانًا وَهُمْ َيسْتَبْشِرُونَ }‪.‬‬
‫وهذه الية من أكبر الدلئل على أن اليمان يزيد وينقص ‪ ،‬كما هو مذهب أكثر السلف والخلف‬
‫من أئمة العلماء ‪ ،‬بل قد حكى الجماع على ذلك غير واحد ‪ ،‬وقد بسط الكلم على هذه المسألة‬
‫سهِمْ }‬
‫في أول "شرح البخاري" رحمه ال ‪ { ،‬وََأمّا الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ فَزَادَ ْتهُمْ ِرجْسًا إِلَى ِرجْ ِ‬
‫شفَاءٌ‬
‫أي ‪ :‬زادتهم شكا إلى شكهم ‪ ،‬وريبا إلى ريبهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَنُنزلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ‬
‫ن وَل يَزِيدُ الظّاِلمِينَ إِل خَسَارًا } [السراء ‪ ، ]82 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ لِلّذِينَ‬
‫حمَةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫وَرَ ْ‬
‫عمًى أُولَ ِئكَ يُنَا َدوْنَ مِنْ َمكَانٍ‬
‫شفَاءٌ وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ فِي آذَا ِنهِ ْم َوقْ ٌر وَ ُهوَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫آمَنُوا ُهدًى وَ ِ‬
‫َبعِيدٍ } [فصلت ‪ ، ]44 :‬وهذا من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سببا لضللهم ودمارهم ‪،‬‬
‫كما أن سيئ المزاج لو غذي بما غذي به ل يزيده إل خبال ونقصا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فلما"‪.‬‬

‫( ‪)4/239‬‬

‫َأوَلَا يَ َروْنَ أَ ّنهُمْ ُيفْتَنُونَ فِي ُكلّ عَامٍ مَ ّرةً َأوْ مَرّتَيْنِ ُثمّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ َي ّذكّرُونَ (‪ )126‬وَإِذَا مَا‬
‫حدٍ ثُمّ ا ْنصَ َرفُوا صَ َرفَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ بِأَ ّن ُهمْ َقوْمٌ‬
‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ َهلْ يَرَا ُكمْ مِنْ أَ َ‬
‫أُنْزَِلتْ سُو َرةٌ نَظَرَ َب ْع ُ‬
‫لَا َيفْ َقهُونَ (‪)127‬‬

‫ن وَل هُمْ َي ّذكّرُونَ (‪ )126‬وَإِذَا مَا‬


‫{ َأوَل يَ َروْنَ أَ ّنهُمْ ُيفْتَنُونَ فِي ُكلّ عَامٍ مَ ّرةً َأوْ مَرّتَيْنِ ُثمّ ل يَتُوبُو َ‬
‫حدٍ ثُمّ ا ْنصَ َرفُوا صَ َرفَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ بِأَ ّن ُهمْ َقوْمٌ‬
‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ َهلْ يَرَا ُكمْ مِنْ أَ َ‬
‫أُنزَلتْ سُو َرةٌ نَظَرَ َب ْع ُ‬
‫ل َي ْف َقهُونَ (‪} )127‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬أول يرى هؤلء المنافقون (‪ { )1‬أَ ّن ُهمْ ُيفْتَنُونَ } أي ‪ :‬يختبرون { فِي ُكلّ عَامٍ مَ ّرةً َأوْ‬
‫مَرّتَيْنِ ثُمّ ل يَتُوبُونَ وَل ُهمْ يَ ّذكّرُونَ } أي ‪ :‬ل يتوبون من ذنوبهم السالفة ‪ ،‬ول هم يذكرون فيما‬
‫يستقبل من أحوالهم‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬يختبرون بالسّنة والجوع‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬بالغزو في السنة مرة أو مرتين‪.‬‬
‫وقال شريك ‪ ،‬عن جابر ‪ -‬هو الجعفي ‪ -‬عن أبي الضّحى ‪ ،‬عن حذيفة ‪َ { :‬أوَل يَ َروْنَ أَ ّنهُمْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ُيفْتَنُونَ فِي ُكلّ عَامٍ مَ ّرةً َأوْ مَرّتَيْنِ } قال ‪ :‬كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين ‪ ،‬فيضل بها فئام‬
‫من الناس كثير‪ .‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫وفي الحديث عن أنس ‪" :‬ل يزداد المر إل شدة ‪ ،‬ول يزداد الناس إل شحا ‪ ،‬وما من عام إل‬
‫والذي بعده شر منه" ‪ ،‬سمعته من نبيكم صلى ال عليه وسلم‪)2( .‬‬
‫حدٍ ثُمّ ا ْنصَ َرفُوا صَ َرفَ اللّهُ‬
‫ضهُمْ ِإلَى َب ْعضٍ َهلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا مَا أُنزَلتْ سُو َرةٌ نَظَرَ َب ْع ُ‬
‫قُلُو َبهُمْ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َي ْفقَهُونَ } (‪ )3‬هذا أيضا إخبار عن المنافقين أنهم إذا أنزلت سورة على رسول‬
‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ } أي ‪َ :‬تَلفّتُوا ‪َ { ،‬هلْ يَرَاكُمْ مِنْ َأحَدٍ ُثمّ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪َ { ،‬نظَرَ َب ْع ُ‬
‫ا ْنصَ َرفُوا } أي ‪ :‬تولوا عن الحق وانصرفوا عنه ‪ ،‬وهذا حالهم في الدين ل يثبتون عند الحق ول‬
‫حمُرٌ مُسْتَ ْنفِ َرةٌ‪ .‬فَ ّرتْ‬
‫يقبلونه ول يقيمونه كما قال تعالى ‪َ { :‬فمَا َل ُهمْ عَنِ التّ ْذكِ َرةِ ُمعْ ِرضِينَ‪ .‬كَأَ ّنهُمْ ُ‬
‫طعِينَ‪ .‬عَنِ الْ َيمِينِ‬
‫سوَ َرةٍ } [المدثر ‪ ، ]51 - 49 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬فمَالِ الّذِينَ َكفَرُوا قِبََلكَ ُمهْ ِ‬
‫مِنْ قَ ْ‬
‫شمَالِ عِزِينَ } [المعارج ‪ ، ]37 ، 36 :‬أي ‪ :‬ما لهؤلء القوم يتقللون عنك يمينا وشمال‬
‫وَعَنِ ال ّ‬
‫هروبا من الحق ‪ ،‬وذهابا إلى الباطل‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ ا ْنصَ َرفُوا صَ َرفَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ } كقوله ‪ { :‬فََلمّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ } [الصف ‪]5 :‬‬
‫‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬المنافقين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث مركب من حديثين عن أنس ‪ :‬الول ‪ :‬رواه ابن ماجه في السنن برقم (‪)4039‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )4/441‬من طريق محمد بن خالد الجندي ‪ ،‬عن أبان ابن صالح ‪ ،‬عن‬
‫الحسن ‪ ،‬عن أنس رضي ال عنه مرفوعا ‪" :‬ل يزداد المر إل شدة ‪ ،‬ول الدنيا إل إدبارا ‪ ،‬ول‬
‫الناس إل شحا ‪ ،‬ول تقوم الساعة إل على شرار الناس ‪ ،‬وما المهدى إل عيسى ابن مريم" ففيه‬
‫ضعف ونكارة بينهما المؤلف ‪ -‬الحافظ ابن كثير في النهاية في الفتن والملحم (‪ .)1/32‬وأما‬
‫الثاني ‪ :‬فرواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7068‬من طريق سفيان عن الزبير بن عدي قال ‪:‬‬
‫أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج ‪ ،‬فقال ‪" :‬اصبروا فإنه ل يأتي عليكم زمان‬
‫إل والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم" سمعته من نبيكم صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬رآكم"‪.‬‬

‫( ‪)4/240‬‬

‫علَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَ ْيكُمْ بِا ْل ُمؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)128‬‬
‫سكُمْ عَزِيزٌ َ‬
‫َلقَدْ جَا َءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫حسْ ِبيَ اللّهُ لَا إَِلهَ إِلّا ُهوَ عَلَ ْيهِ َت َوكّ ْلتُ وَ ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْل َعظِيمِ (‪)129‬‬
‫فَإِنْ َتوَّلوْا َف ُقلْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ بِأَ ّن ُهمْ َقوْمٌ ل َيفْ َقهُونَ } أي ‪ :‬ل يفهمون عن ال خطابه ‪ ،‬ول يقصدون لفهمه ول يريدونه ‪ ،‬بل‬
‫هم في شده (‪ )1‬عنه ونفور منه فلهذا صاروا إلى ما صاروا إليه‪.‬‬
‫سكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَ ْيكُمْ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ رَءُوفٌ َرحِيمٌ (‪)128‬‬
‫{ َلقَدْ جَا َء ُكمْ رَسُولٌ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫حسْ ِبيَ اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ عَلَ ْيهِ َت َوكّ ْلتُ وَ ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْل َعظِيمِ (‪} )129‬‬
‫فَإِنْ َتوَّلوْا َف ُقلْ َ‬
‫يقول تعالى ممتنا على المؤمنين بما أرسل إليهم رسول من أنفسهم ‪ ،‬أي ‪ :‬من جنسهم وعلى لغتهم‬
‫‪ ،‬كما قال إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ { :‬رَبّنَا وَا ْب َعثْ فِيهِمْ رَسُول مِ ْنهُمْ } [البقرة ‪ ، ]129 :‬وقال تعالى‬
‫سهِمْ } [آل عمران ‪ ، ]164 :‬وقال تعالى‬
‫‪َ { :‬لقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِذْ َب َعثَ فِيهِمْ َرسُول مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫سكُمْ } أي ‪ :‬منكم وبلغتكم ‪ ،‬كما قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ‪،‬‬
‫‪َ { :‬لقَدْ جَا َء ُكمْ رَسُولٌ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى ‪ :‬إن ال بعث فينا رسول منا ‪ ،‬نعرف نسبه وصفته ‪ ،‬ومدخله‬
‫ومخرجه ‪ ،‬وصدقه وأمانته ‪ ،‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫وقال سفيان بن عُيينة ‪ ،‬عن جعفر بن محمد ‪ ،‬عن أبيه في قوله تعالى ‪َ { :‬لقَدْ جَا َءكُمْ َرسُولٌ مِنْ‬
‫سكُمْ } قال ‪ :‬لم يصبه شيء من ولدة الجاهلية ‪ ،‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خرجت من نكاح‬
‫أَ ْنفُ ِ‬
‫‪ ،‬ولم أخرج من سِفاح"‪.‬‬
‫وقد وصل هذا من وجه آخر ‪ ،‬كما قال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهُ ْرمُزي في‬
‫كتابه "الفاصل بين الراوي والواعي" ‪ :‬حدثنا أبو أحمد يوسف بن هارون بن زياد ‪ ،‬حدثنا ابن أبي‬
‫عمر ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر بن محمد قال ‪ :‬أشهد على أبي لحدثني ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن‬
‫علي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح ‪ ،‬من‬
‫لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يمسني (‪ )2‬من سفاح الجاهلية شيء"‪)3( .‬‬
‫وقوله ‪ { :‬عَزِيزٌ عَلَ ْيهِ مَا عَنِتّمْ } أي ‪ :‬يعز عليه الشيء الذي َيعْ َنتُ أمته ويشق عليها ؛ ولهذا جاء‬
‫في الحديث المروي من طرق عنه أنه قال ‪" :‬بعثت بالحنيفية السمحة" (‪ )4‬وفي الصحيح ‪" :‬إن‬
‫هذا الدين يسر" (‪ )5‬وشريعته كلها سهلة سمحة كاملة ‪ ،‬يسيرة على من يسرها ال تعالى عليه‪.‬‬
‫{ حَرِيصٌ عَلَ ْيكُمْ } أي ‪ :‬على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والخروي إليكم‪.‬‬
‫قال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال الحضرمي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد ال بن يزيد المقرئ ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬شغل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لم يصبني" ‪ ،‬وفي ك ‪" :‬لم يمسسني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفاصل بين الراوي والواعي (ص ‪ )136‬ورواه الطبراني في الوسط برقم (‪" )3483‬مجمع‬
‫البحرين" من طريق عبد الرحمن الرازي ‪ ،‬عن محمد بن أبي عمر به ‪ ،‬وفيه محمد بن جعفر بن‬
‫محمد بن علي متكلم فيه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد في مسنده (‪ )5/266‬عن أبي أمامة ‪ ،‬و(‪ )6/233‬عن عائشة رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )39‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/241‬‬

‫حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن فِطْر ‪ ،‬عن أبي الطفيل ‪ ،‬عن أبي ذر قال‪ .‬تركنا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وما طائر (‪ )1‬يقلب جناحيه في الهواء إل وهو يذكرنا منه علما ‪ -‬قال ‪ :‬وقال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬ما بقي شيء يُقرب من الجنة ويباعد من النار إل وقد بين لكم"‪)2( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا [أبو] (‪َ )3‬فطَن ‪ ،‬حدثنا السعودي ‪ ،‬عن الحسن بن سعد ‪ ،‬عن عبدة‬
‫النّهدي ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال لم يحرم‬
‫حُرمة إل وقد علم أنه سيطلعها منكم مُطّلَع ‪ ،‬أل وإني آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النار ‪ ،‬كتهافت‬
‫الفراش ‪ ،‬أو الذباب"‪)4( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد بن جُدْعان ‪،‬‬
‫عن يوسف بن ِمهْرَان ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتاه ملكان ‪ ،‬فيما‬
‫يرى النائم ‪ ،‬فقعد أحدهما عند (‪ )5‬رجليه والخر عند رأسه‪ .‬فقال الذي عند رجليه للذي عند‬
‫رأسه ‪ :‬اضرب مثل هذا ومثل أمته‪ .‬فقال ‪ :‬إن مثله (‪ )6‬ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى‬
‫رأس مفازة (‪ )7‬فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة (‪ )8‬ول ما يرجعون به ‪ ،‬فبينما هم‬
‫كذلك إذ أتاهم رجل في حُلّة حِبَرَة فقال ‪ :‬أرأيتم إن ورَدت بكم رياضا معشبة ‪ ،‬وحياضا رواء‬
‫تتبعوني ؟ فقالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق بهم ‪ ،‬فأوردهم رياضا معشبة ‪ ،‬وحياضا رواء ‪ ،‬فأكلوا‬
‫وشربوا وسمنوا ‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬ألم ألفكم على تلك الحال ‪ ،‬فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة‬
‫وحياضا رواء أن تتبعوني ؟ فقالوا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فإن بين أيديكم رياضا هي أعشب من هذه ‪،‬‬
‫وحياضا هي أروى من هذه ‪ ،‬فاتبعوني‪ .‬فقالت طائفة ‪ :‬صدق ‪ ،‬وال لنتبعنه وقالت طائفة ‪ :‬قد‬
‫رضينا بهذا نقيم عليه‪)9( .‬‬
‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا سلمة بن شبيب وأحمد بن منصور قال حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان حدثنا‬
‫عكْرِمة عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ أن أعرابيا جاء إلى رسول ال صلى ال‬
‫أبي ‪ ،‬عن ِ‬
‫عكْرِمة ‪ :‬أراه قال ‪" :‬في دم" ‪ -‬فأعطاه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ليستعينه في شيء ‪ -‬قال ِ‬
‫عليه وسلم شيئا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أحسنت إليك ؟" قال العرابي ‪ :‬ل ول أجملت‪ .‬فغضب بعض‬
‫المسلمين ‪ ،‬وهموا أن يقوموا إليه ‪ ،‬فأشار رسول ال إليهم ‪ :‬أن كفوا‪ .‬فلما قام رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وبلغ إلى منزله ‪ ،‬دعا العرابي إلى البيت ‪ ،‬فقال له ‪" :‬إنك جئتنا فسألتنا‬
‫فأعطيناك ‪ ،‬فقلت ما قلت" فزاده رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا ‪ ،‬وقال ‪" :‬أحسنت إليك ؟"‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فقال العرابي ‪ :‬نعم ‪ ،‬فجزاك ال من أهل وعشيرة خيرًا‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنك‬
‫جئتنا تسألنا (‪ )10‬فأعطيناك ‪ ،‬فقلت ما قلت ‪ ،‬وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء ‪ ،‬فإذا‬
‫جئت (‪ )11‬فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ‪ ،‬حتى يذهب عن صدورهم"‪ .‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬فلما جاء‬
‫العرابي‪ .‬قال (‪ )12‬إن صاحبكم كان‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وما من طائر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الكبير (‪ )2/155‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/265‬رجاله رجال الصحيح غير‬
‫محمد بن عبد ال بن يزيد المقرئ وهو ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)1/390‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬مثل هذا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ك ‪" :‬مغازة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ك ‪" :‬المغازة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )1/267‬وعلى بن زيد بن جدعان ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬فسألنا" وفي أ ‪" :‬فسألتنا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬خرجت"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)4/242‬‬

‫جاءنا فسألنا فأعطيناه ‪ ،‬فقال ما قال ‪ ،‬وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي ‪[ ،‬كذلك يا‬
‫أعرابي ؟] (‪ )1‬قال العرابي ‪ :‬نعم ‪ ،‬فجزاك ال من أهل وعشيرة خيرًا‪ .‬فقال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن مثلي ومثل هذا العرابي كمثل رجل كانت له ناقة ‪ ،‬فشردت عليه ‪ ،‬فاتبعها‬
‫الناس فلم يزيدوها إل نفورا‪ .‬فقال لهم صاحب الناقة ‪ :‬خلوا بيني وبين ناقتي ‪ ،‬فأنا أرفق بها ‪،‬‬
‫وأعلم بها‪ .‬فتوجه إليها وأخذ لها (‪ )2‬من قَتَام الرض ‪ ،‬ودعاها حتى جاءت واستجابت ‪ ،‬وشد‬
‫عليها رحْلها وإنه لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار"‪ .‬ثم قال البزار ‪ :‬ل نعلمه يروى إل من‬
‫هذا الوجه‪)3( .‬‬
‫قلت ‪ :‬وهو ضعيف بحال إبراهيم بن الحكم بن أبان ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫حكَ ِلمَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‪.‬‬
‫خ ِفضْ جَنَا َ‬
‫وقوله ‪ { :‬بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } كما قال تعالى ‪ { :‬وَا ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ص ْوكَ َف ُقلْ إِنّي بَرِيءٌ ِممّا َت ْعمَلُونَ‪ .‬وَ َت َوكّلْ عَلَى ا ْلعَزِيزِ الرّحِيمِ } [الشعراء ‪.]217 - 215 :‬‬
‫ع َ‬
‫فَإِنْ َ‬
‫وهكذا أمره تعالى‪.‬‬
‫وهذه (‪ )4‬الية الكريمة ‪ ،‬وهي قوله تعالى ‪ { :‬فَإِنْ َتوَّلوْا } أي ‪ :‬تولوا عما جئتهم به من الشريعة‬
‫العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة ‪َ { ،‬ف ُقلْ حَسْ ِبيَ اللّهُ } أي ‪ :‬ال كافيّ ‪ ،‬ل إله إل هو عليه‬
‫ق وَا ْل َمغْ ِربِ ل إَِلهَ إِل ُهوَ فَاتّخِ ْذهُ َوكِيل } [المزمل ‪.]9 :‬‬
‫توكلت ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ربّ ا ْلمَشْ ِر ِ‬
‫{ وَ ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْل َعظِيمِ } أي ‪ :‬هو مالك كل شيء وخالقه ‪ ،‬لنه رب العرش العظيم ‪ ،‬الذي‬
‫هو سقف المخلوقات وجميع الخلئق من السموات والرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش‬
‫مقهورون بقدرة ال تعالى ‪ ،‬وعلمه محيط بكل شيء ‪َ ،‬وقَدَره نافذ في كل شيء ‪ ،‬وهو على كل‬
‫شيء وكيل‪.‬‬
‫قال عبد ال بن (‪ )5‬المام أحمد ‪ :‬حدثني محمد بن أبي بكر ‪ ،‬حدثنا بشر بن عمر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪،‬‬
‫عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ِمهْرَان ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬عن أبي بن كعب‬
‫سكُمْ } إلى آخر السورة‪( .‬‬
‫قال ‪ :‬آخر آية نزلت من القرآن هذه الية ‪َ { :‬لقَدْ جَا َء ُكمْ رَسُولٌ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫‪)6‬‬
‫وقال عبد ال بن المام أحمد ‪ :‬حدثنا روح بن عبد المؤمن ‪ ،‬حدثنا عمر بن شقيق ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بن كعب ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ أنهم‬
‫جمعوا القرآن في مصاحف في خلفة أبي بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فكان رجال يكتبون ويملي‬
‫عليهم أبي بن كعب ‪ ،‬فلما انتهوا إلى هذه الية من سورة براءة ‪ { :‬ثُمّ ا ْنصَ َرفُوا صَ َرفَ اللّهُ‬
‫قُلُو َبهُمْ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َي ْفقَهُونَ } [التوبة ‪ ، ]127 :‬فظنوا أن هذا آخر ما أنزل (‪ )7‬من القرآن‪ .‬فقال‬
‫لهم أبي بن كعب ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين ‪َ { :‬لقَدْ جَا َءكُمْ رَسُولٌ‬
‫سكُمْ عَزِيزٌ عَلَ ْيهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَ ْيكُمْ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }‬
‫مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبزار‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فأخذها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسند البزار برقم (‪" )2476‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )9/15‬وفيه إبراهيم‬
‫بن الحكم بن أبان وهو متروك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬في هذه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ساقطة من النسخ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زوائد المسند (‪ )5/117‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/36‬وفيه علي بن زيد بن جدعان‬
‫وهو ثقة سيئ الحفظ ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات" قلت ‪ :‬أجمع الئمة على تضعيف علي بن زيد بن‬
‫جدعان‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ما نزل"‪.‬‬

‫( ‪)4/243‬‬

‫إلى ‪ { :‬وَ ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْل َعظِيمِ } قال ‪" :‬هذا (‪ )1‬آخر ما أنزل (‪ )2‬من القرآن" قال ‪ :‬فختم بما‬
‫فُتح به ‪ ،‬بال الذي ل إله إل هو ‪ ،‬وهو قول ال تعالى ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ َرسُولٍ إِل‬
‫نُوحِي إِلَيْهِ أَنّهُ ل إِلَهَ إِل أَنَا فَاعْ ُبدُونِ } [النبياء ‪ )3( ]25 :‬غريب (‪ )4‬أيضا‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن بحر ‪ ،‬حدثنا محمد بن سلمة ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن عباد ‪ ،‬عن أبيه عباد بن عبد ال بن الزبير ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أتى الحارث بن‬
‫سكُمْ } إلى عمر بن الخطاب‬
‫خَزَمة (‪ )5‬بهاتين اليتين من آخر براءة ‪َ { :‬لقَدْ جَا َءكُمْ َرسُولٌ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬من معك على هذا ؟ قال ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬وال إني لشهد (‪ )6‬لسمعتها من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ووعيتها وحفظتها‪ .‬فقال عمر ‪ :‬وأنا أشهد لسمعتها من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ثم قال ‪ :‬لو كانت ثلث آيات لجعلتها سورة على حدة ‪ ،‬فانظروا سورة من القرآن ‪،‬‬
‫فضعوها فيها‪ .‬فوضعوها في آخر براءة‪)7( .‬‬
‫وقد تقدم أن عمر بن الخطاب هو الذي أشار على أبي بكر الصديق ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬بجمع‬
‫القرآن ‪ ،‬فأمر زيد بن ثابت فجمعه‪ .‬وكان عمر يحضرهم وهم يكتبون ذلك‪ .‬وفي الصحيح أن‬
‫زيدا قال ‪ :‬فوجدت آخر سورة "براءة" مع خزيمة بن ثابت ‪ -‬أو ‪ :‬أبي خزيمة (‪ )8‬وقدمنا أن‬
‫جماعة من الصحابة تذكروا (‪ )9‬ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كما قال خزيمة بن‬
‫ثابت حين ابتدأهم بها ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد روى أبو داود ‪ ،‬عن يزيد بن محمد ‪ ،‬عن عبد الرزاق بن عمر ‪ -‬وقال ‪ :‬كان من ثقات‬
‫المسلمين من المتعبدين ‪ ،‬عن مدرك بن سعد ‪ -‬قال يزيد ‪ :‬شيخ ثقة ‪ -‬عن يونس بن ميسرة ‪ ،‬عن‬
‫أم الدرداء ‪ ،‬عن أبي الدرداء قال ‪ :‬من قال إذا أصبح وإذا أمسى ‪ :‬حسبي ال ل إله إل هو ‪ ،‬عليه‬
‫توكلت ‪ ،‬وهو رب العرش العظيم ‪ ،‬سبع مرات ‪ ،‬إل كفاه ال ما أهمه‪)11( )10( .‬‬
‫وقد رواه ابن عساكر في ترجمة "عبد الرزاق بن عمر" هذا ‪ ،‬من رواية أبى زُرْعَة الدمشقي ‪،‬‬
‫عنه ‪ ،‬عن أبي سعد مُدْرِك بن أبي سعد الفزاري ‪ ،‬عن يونس بن ميسرة بن حليس ‪ ،‬عن أم‬
‫الدرداء ‪ ،‬سمعت أبا الدرداء يقول ‪ :‬ما من عبد يقول ‪ :‬حسبي ال ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬عليه توكلت ‪،‬‬
‫وهو رب العرش العظيم ‪ ،‬سبع مرات ‪ ،‬صادقا كان بها أو كاذبا ‪ ،‬إل كفاه ال ما َهمّه‪)12( .‬‬
‫وهذه زيادة غريبة‪ .‬ثم رواه في ترجمة عبد الرزاق أبي محمد ‪ ،‬عن أحمد بن عبد ال بن عبد‬
‫الرزاق ‪ ،‬عن جده عبد الرزاق بن عمر ‪ ،‬بسنده فرفعه (‪ )13‬فذكر مثله بالزيادة‪ .‬وهذا منكر ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫آخر سورة براءة ‪ ،‬والحمد ل وحده‪)14( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إن هذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ما نزل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬إل نوحي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زوائد المسند (‪.)5/134‬‬
‫(‪ )5‬في ك ‪" :‬خزيمة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أشهد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)1/199‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)4679‬‬
‫(‪ )9‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يذكروا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ك ‪" :‬ما يغمه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬سنن أبي داود برقم (‪.)5081‬‬
‫(‪ )12‬تاريخ دمشق (‪" 10/291‬المخطوط")‪.‬‬
‫(‪ )13‬تاريخ دمشق (‪" 10/312‬المخطوط")‪.‬‬
‫(‪ )14‬جاء في ك ‪[ :‬رابع عشر من ربيع الول سنة ثمانين في سبع من الهجرة النبوية ‪ ،‬وحسبنا‬
‫ال ونعم الوكيل ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العظيم]‪.‬‬

‫( ‪)4/244‬‬

‫جلٍ مِ ْنهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ وَبَشّرِ‬


‫عجَبًا أَنْ َأ ْوحَيْنَا إِلَى رَ ُ‬
‫حكِيمِ (‪َ )1‬أكَانَ لِلنّاسِ َ‬
‫الر تِ ْلكَ آَيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْل َ‬
‫الّذِينَ َآمَنُوا أَنّ َلهُمْ َقدَ َم صِ ْدقٍ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ قَالَ ا ْلكَافِرُونَ إِنّ َهذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (‪)2‬‬

‫تفسير سورة يونس‬


‫[وهي مكية] (‪)1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫جلٍ مِ ْن ُهمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ‬
‫حكِيمِ (‪َ )1‬أكَانَ لِلنّاسِ عَجَبًا أَنْ َأوْحَيْنَا إِلَى َر ُ‬
‫{ الر تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ الْ َ‬
‫صدْقٍ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ قَالَ ا ْلكَافِرُونَ إِنّ َهذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (‪} )2‬‬
‫وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا أَنّ َلهُمْ قَدَ َم ِ‬
‫أما الحروف المقطعة في أوائل السور ‪ ،‬فقد تقدم الكلم عليها [مستوفى] (‪ )2‬في أوائل (‪ )3‬سورة‬
‫البقرة‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال أبو الضحى ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله تعالى ‪" :‬الر" ‪ ،‬أي ‪ :‬أنا ال أرى‪ .‬وكذا قال الضحاك‬
‫وغيره‪.‬‬
‫حكِيمِ } أي ‪ :‬هذه آيات القرآن المحكم المبين وقال مجاهد ‪ { :‬الر تِ ْلكَ آيَاتُ‬
‫{ تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ الْ َ‬
‫حكِيمِ } [قال ‪ :‬التوراة والنجيل]‪)4( .‬‬
‫ا ْلكِتَابِ الْ َ‬
‫[وقال الحسن ‪ :‬التوراة والزبور]‪)5( .‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ } قال ‪ :‬الكتب التي كانت قبل القرآن‪.‬‬
‫وهذا القول ل أعرف وجهه ول معناه‪.‬‬
‫س وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا } الية ‪،‬‬
‫جلٍ مِ ْنهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّا َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أكَانَ لِلنّاسِ عَجَبًا أَنْ َأوْحَيْنَا إِلَى َر ُ‬
‫يقول تعالى منكرا على من تعجب من الكفار من إرسال المرسلين من البشر ‪ ،‬كما أخبر تعالى‬
‫عن القرون الماضية من (‪ )6‬قولهم ‪ { :‬أَبَشَرٌ َيهْدُونَنَا } [ التغابن ‪ ] 6 :‬وقال هود وصالح لقومهما‬
‫جلٍ مِ ْنكُمْ } [ العراف ‪ ] 69 : 63 :‬وقال تعالى‬
‫عجِبْتُمْ أَنْ جَا َء ُكمْ ِذكْرٌ مِنْ رَ ّبكُمْ عَلَى َر ُ‬
‫‪َ { :‬أوَ َ‬
‫عجَابٌ } [ ص ‪.] 5 :‬‬
‫شيْءٌ ُ‬
‫ج َعلَ الِلهَةَ إَِلهًا وَاحِدًا إِنّ َهذَا لَ َ‬
‫مخبرا عن كفار قريش أنهم قالوا ‪َ { :‬أ َ‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬لما بعث ال تعالى محمدا صلى ال عليه وسلم رسول أنكرت‬
‫العرب ذلك ‪ ،‬أو من أنكر منهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ال أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فأنزل ال عز‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من تفسير الطبري (‪ )15/11‬مستفاد من ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬من ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬

‫( ‪)4/245‬‬

‫علَى ا ْلعَرْشِ يُدَبّرُ الَْأمْرَ مَا مِنْ‬


‫ت وَالْأَ ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫إِنّ رَ ّبكُمُ اللّهُ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫شفِيعٍ إِلّا مِنْ َب ْعدِ إِذْ ِنهِ ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّب ُكمْ فَاعْبُدُوهُ َأفَلَا َت َذكّرُونَ (‪)3‬‬
‫َ‬

‫جلٍ مِ ْنهُمْ }‬
‫وجل ‪َ { :‬أكَانَ لِلنّاسِ عَجَبًا أَنْ َأوْحَيْنَا إِلَى َر ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬أَنّ َلهُمْ قَ َد َم صِ ْدقٍ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ } اختلفوا فيه ‪ ،‬فقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في قوله ‪ { :‬أَنّ َلهُمْ قَ َد َم صِ ْدقٍ [عِنْدَ رَ ّبهِمْ] } (‪ )1‬يقول ‪ :‬سبقت لهم السعادة في الذكر الول‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬أَنّ َل ُهمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ } يقول ‪ :‬أجرا حسنا ‪ ،‬بما قدموا‪.‬‬
‫وكذا قال الضحاك ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ .‬وهذا كقوله تعالى ‪:‬‬
‫حسَنًا مَاكِثِينَ‬
‫{ لِيُ ْنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُ ْن ُه وَيُبَشّرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّاِلحَاتِ أَنّ َلهُمْ َأجْرًا َ‬
‫فِيهِ أَ َبدًا } [ الكهف ‪] 3 ، 2 :‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬أَنّ َل ُهمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ } قال ‪ :‬العمال الصالحة صلتهم وصومهم‬
‫وصدقتهم وتسبيحهم‪.‬‬
‫[وقال عمرو بن الحارث عن قتادة أو الحسن { أَنّ َل ُهمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ] } (‪ )2‬قال ‪ :‬محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم شفيع لهم‪ .‬وكذا قال زيد بن أسلم ‪ ،‬ومقاتل بن حيان‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬سَلفُ صدق عند ربهم‪.‬‬
‫واختار ابن جرير قول مجاهد ‪ -‬أنها العمال الصالحة التي قدموها ‪ -‬قال ‪ :‬كما يقال ‪" :‬له قدم‬
‫في السلم" ومنه قول [حسان] (‪ )3‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫لنا القَدَمُ (‪ )4‬العُليا إليك وخَ ْلفُنا لوّلِنا في طاعَة الِ تَابعُ‪...‬‬
‫وقول ذي الرّمة ‪:‬‬
‫طمّت على البَحْرِ (‪)5‬‬
‫سبِ العَا ِديّ َ‬
‫لكُم َقدَمٌ ل يُنْكرُ الناسُ أنها‪ ...‬مَعَ الح َ‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬قَالَ ا ْلكَافِرُونَ إِنّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ } (‪ )6‬أي ‪ :‬مع أنا بعثنا إليهم رسول منهم ‪،‬‬
‫رجل من جنسهم ‪ ،‬بشيرا ونذيرا ‪ { ،‬قَالَ ا ْلكَافِرُونَ إِنّ َهذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ } (‪ )7‬أي ‪ :‬ظاهر ‪ ،‬وهم‬
‫الكاذبون في ذلك‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ يُدَبّ ُر المْرَ مَا‬
‫{ إِنّ رَ ّبكُمُ اللّهُ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫شفِيعٍ إِل مِنْ َبعْدِ ِإذْنِهِ ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّبكُمْ فَاعْ ُبدُوهُ َأفَل َت َذكّرُونَ (‪} )3‬‬
‫مِنْ َ‬
‫يخبر تعالى أنه رب العالم جميعه ‪ ،‬وأنه خَلَق السموات والرض في ستة أيام ‪ -‬قيل ‪ :‬كهذه اليام‬
‫‪ ،‬وقيل ‪ :‬كل يوم كألف سنة مما تعدون‪ .‬كما سيأتي بيانه [إن شاء ال تعالى] (‪ )8‬ثم استوى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬قدم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)15/16‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬لسحر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬لسحر"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/246‬‬

‫على العرش ‪ ،‬والعرش أعظم المخلوقات وسقفها‪.‬‬


‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا حجاج بن حمزة ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال ‪:‬‬
‫سمعت سعد (‪ )1‬الطائي يقول ‪ :‬العرش ياقوتة حمراء‪.‬‬
‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬خلقه ال من نوره‪.‬‬
‫وهذا غريب‪.‬‬
‫ت وَل فِي ال ْرضِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ ُيدَبّ ُر المْرَ } أي ‪ :‬يدبر أمر الخلئق ‪ { ،‬ل َيعْ ُزبُ عَ ْنهُ مِ ْثقَالُ ذَ ّرةٍ فِي ال ّ‬
‫} [ سبأ ‪ ، ] 3 :‬ول يشغله شأن عن شأن ‪ ،‬ول تغلّظه (‪ )2‬المسائل ‪ ،‬ول يتبرم بإلحاح الملحين (‬
‫‪ )3‬ول يلهيه تدبير الكبير عن الصغير ‪ ،‬في الجبال والبحار والعمران والقفار ‪َ { ،‬ومَا مِنْ دَابّةٍ فِي‬
‫عهَا ُكلّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ هود ‪َ { .] 6 :‬ومَا‬
‫ال ْرضِ إِل عَلَى اللّهِ رِ ْز ُقهَا وَ َيعْلَمُ مُسْ َتقَرّهَا َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫طبٍ وَل يَابِسٍ إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [‬
‫ض وَل َر ْ‬
‫ظُلمَاتِ ال ْر ِ‬
‫ن وَ َرقَةٍ إِل َيعَْل ُمهَا وَل حَبّةٍ فِي ُ‬
‫سقُطُ مِ ْ‬
‫تَ ْ‬
‫النعام ‪)4( .] 59 :‬‬
‫وقال الدراوردي ‪ ،‬عن سعد بن إسحاق بن كعب [بن عجرة] (‪ )5‬أنه قال حين نزلت هذه الية ‪{ :‬‬
‫ت وَالرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ } لقيهم ركب عظيم (‪[ )6‬ل يرون إل‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫إِنّ رَ ّبكُمُ اللّهُ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫أنهم] (‪ )7‬من العرب ‪ ،‬فقالوا لهم ‪ :‬من أنتم ؟ قالوا‪ .‬من الجن ‪ ،‬خرجنا من المدينة ‪ ،‬أخرجتنا هذه‬
‫الية‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫شفَعُ عِ ْن َدهُ إِل بِإِذْنِهِ } [‬
‫شفِيعٍ إِل مِنْ َبعْدِ ِإذْنِهِ } كقوله تعالى ‪ { :‬مَنْ ذَا الّذِي يَ ْ‬
‫[وقوله] (‪ { )8‬مَا مِنْ َ‬
‫شفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِل مِنْ َبعْدِ أَنْ‬
‫سمَاوَاتِ ل ُتغْنِي َ‬
‫البقرة ‪ ] 255 :‬وكقوله تعالى ‪َ { :‬وكَمْ مِنْ مََلكٍ فِي ال ّ‬
‫شفَاعَةُ عِ ْن َدهُ إِل ِلمَنْ أَذِنَ َلهُ } [‬
‫يَأْذَنَ اللّهُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَيَ ْرضَى } [ النجم ‪ ] 26 :‬وقوله ‪ { :‬وَل تَ ْنفَعُ ال ّ‬
‫سبأ ‪.] 23 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّبكُمْ فَاعْ ُبدُوهُ َأفَل َت َذكّرُونَ } (‪ )9‬أي ‪ :‬أفردوه بالعبادة وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫{ َأفَل َت َذكّرُونَ } (‪ )10‬أي ‪ :‬أيها المشركون في أمركم ‪ ،‬تعبدون مع ال غيره ‪ ،‬وأنتم تعلمون أنه‬
‫المتفرد بالخلق ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬وَلَئِنْ سَأَلْ َت ُهمْ مَنْ خََل َقهُمْ لَ َيقُولُنّ اللّهُ } [ الزخرف ‪ ، ] 87 :‬وقوله‬
‫سمَاوَاتِ السّ ْب ِع وَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ َأفَل تَ ّتقُونَ } [ المؤمنون ‪:‬‬
‫‪ُ { :‬قلْ مَنْ َربّ ال ّ‬
‫‪ )11( ، ] 87 - 86‬وكذا الية التي قبلها والتي بعدها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬سعدا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول يغلطه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪+" :‬باللجاج الملجين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يسقط"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬لقي ‪ -‬ثم بياض ‪ -‬ركبا عظيما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬يتذكرون"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬يتذكرون"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬ال"‪.‬‬

‫( ‪)4/247‬‬

‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ‬
‫حقّا إِنّهُ يَبْ َدأُ الْخَ ْلقَ ُثمّ ُيعِي ُدهُ لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫جمِيعًا وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫ج ُعكُمْ َ‬
‫إِلَيْهِ مَ ْر ِ‬
‫ج َعلَ‬
‫حمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ ِبمَا كَانُوا َي ْكفُرُونَ (‪ُ )4‬هوَ الّذِي َ‬
‫ط وَالّذِينَ َكفَرُوا َلهُمْ شَرَابٌ مِنْ َ‬
‫بِا ْلقِسْ ِ‬
‫حسَابَ مَا خََلقَ اللّهُ ذَِلكَ إِلّا بِا ْلحَقّ‬
‫ن وَالْ ِ‬
‫عدَدَ السّنِي َ‬
‫س ضِيَاءً وَالْ َقمَرَ نُورًا َوقَدّ َرهُ مَنَا ِزلَ لِ َتعَْلمُوا َ‬
‫شمْ َ‬
‫ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ‬
‫ل وَال ّنهَا ِر َومَا خََلقَ اللّهُ فِي ال ّ‬
‫صلُ الْآَيَاتِ ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ (‪ )5‬إِنّ فِي اخْتِلَافِ اللّ ْي ِ‬
‫ُيفَ ّ‬
‫لَآَيَاتٍ ِلقَوْمٍ يَ ّتقُونَ (‪)6‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ‬
‫حقّا إِنّهُ يَبْدَأُ ا ْلخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ لِيَجْ ِزيَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫جمِيعًا وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫ج ُعكُمْ َ‬
‫{ إِلَ ْيهِ مَرْ ِ‬
‫حمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ ِبمَا كَانُوا َي ْكفُرُونَ (‪} )4‬‬
‫ط وَالّذِينَ َكفَرُوا َلهُمْ شَرَابٌ مِنْ َ‬
‫بِا ْلقِسْ ِ‬
‫أخبر تعالى أن إليه مرجع الخلئق يوم القيامة ‪ ،‬ل يترك منهم أحدا حتى يعيده كما بدأه‪ .‬ثم ذكر‬
‫علَيْهِ } [ الروم ‪:‬‬
‫تعالى أنه كما بدأ الخلق كذلك يعيده ‪ { ،‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْدَأُ ا ْلخَلْقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ وَ ُهوَ َأ ْهوَنُ َ‬
‫‪.] 27‬‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ بِا ْلقِسْطِ } أي ‪ :‬بالعدل والجزاء الوفى ‪ { ،‬وَالّذِينَ َكفَرُوا‬
‫{ لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫حمِي ٍم وَعَذَابٌ َألِيمٌ ِبمَا كَانُوا َي ْكفُرُونَ } أي ‪ :‬بسبب كفرهم يعذبون يوم القيامة‬
‫َلهُمْ شَرَابٌ مِنْ َ‬
‫حمُومٍ } [ الواقعة ‪ { .] 43 ، 42 :‬هَذَا فَلْ َيذُوقُوهُ‬
‫ظلّ مِنْ َي ْ‬
‫حمِي ٍم وَ ِ‬
‫سمُومٍ وَ َ‬
‫بأنواع العقاب ‪ ،‬من { َ‬
‫جهَنّمُ الّتِي ُي َك ّذبُ ِبهَا‬
‫شكِْلهِ أَ ْزوَاجٌ } [ ص ‪ { .] 58 ، 57 :‬هَ ِذهِ َ‬
‫ق وَآخَرُ مِنْ َ‬
‫حمِيمٌ وَغَسّا ٌ‬
‫َ‬
‫حمِيمٍ آنٍ } [ الرحمن ‪.] 44 ، 43 :‬‬
‫ا ْلمُجْ ِرمُونَ يَطُوفُونَ بَيْ َنهَا وَبَيْنَ َ‬
‫خلَقَ‬
‫ن وَا ْلحِسَابَ مَا َ‬
‫س ضِيَا ًء وَا ْل َقمَرَ نُورًا َوقَدّ َرهُ مَنَا ِزلَ لِ َتعَْلمُوا عَ َددَ السّنِي َ‬
‫شمْ َ‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫{ ُهوَ الّذِي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حقّ ُي َفصّلُ اليَاتِ ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ (‪ )5‬إِنّ فِي اخْتِلفِ اللّ ْيلِ وَال ّنهَارِ َومَا خَلَقَ اللّهُ فِي‬
‫اللّهُ ذَِلكَ إِل بِالْ َ‬
‫ض ليَاتٍ ِل َقوْمٍ يَ ّتقُونَ (‪} )6‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْر ِ‬
‫ال ّ‬
‫يخبر تعالى عما خلق من اليات الدالة على كمال قدرته ‪ ،‬وعظيم سلطانه ‪ ،‬وأنه جعل الشعاع‬
‫الصادر عن جرم الشمس ضياء وشعاع القمر نورا ‪ ،‬هذا فن وهذا فن آخر ‪ ،‬ففاوت بينهما لئل‬
‫يشتبها ‪ ،‬وجعل سلطان الشمس بالنهار ‪ ،‬وسلطان القمر بالليل ‪ ،‬وقدر القمر منازل ‪ ،‬فأول ما يبدو‬
‫صغيرًا ‪ ،‬ثم يتزايد نُوره وجرمه ‪ ،‬حتى يستوسق ويكمل إبداره ‪ ،‬ثم يشرع في النقص حتى يرجع‬
‫إلى حاله الول في تمام شهر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَا ْل َقمَرَ قَدّرْنَاهُ مَنَا ِزلَ حَتّى عَادَ كَا ْلعُرْجُونِ‬
‫شمْسُ يَنْ َبغِي َلهَا أَنْ تُدْ ِركَ ا ْل َقمَ َر وَل اللّ ْيلُ سَابِقُ ال ّنهَا ِر َو ُكلّ فِي فََلكٍ َيسْبَحُونَ } [ يس ‪:‬‬
‫ا ْلقَدِيمِ ل ال ّ‬
‫حسْبَانًا ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ } [ النعام ‪.] 96 :‬‬
‫شمْسَ وَالْ َقمَرَ ُ‬
‫‪ .] 40 ، 39‬وقال ‪ { :‬وَال ّ‬
‫عدَدَ السّنِينَ‬
‫وقال في هذه الية الكريمة ‪ { :‬وقدره } أي ‪ :‬القمر { َوقَدّ َرهُ مَنَا ِزلَ لِ َتعَْلمُوا َ‬
‫وَالْحِسَابَ } فبالشمس تعرف اليام ‪ ،‬وبسير القمر تعرف الشهور والعوام‪.‬‬
‫حقّ } أي ‪ :‬لم يخلقه عبثا بل له حكمة عظيمة في ذلك ‪ ،‬وحجة بالغة ‪،‬‬
‫{ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَِلكَ إِل بِالْ َ‬
‫سمَا َء وَال ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا بَاطِل ذَِلكَ ظَنّ الّذِينَ كَفَرُوا َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ‬
‫كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا خََلقْنَا ال ّ‬
‫جعُونَ‬
‫خَلقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَ ّنكُمْ إِلَيْنَا ل تُرْ َ‬
‫َكفَرُوا مِنَ النّارِ } [ ص ‪ .] 27 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬أفَحَسِبْ ُتمْ أَ ّنمَا َ‬
‫فَ َتعَالَى اللّهُ ا ْلمَِلكُ ا ْلحَقّ ل إَِلهَ إِل ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلكَرِيمِ } [ المؤمنون ‪.] 116 ، 115 :‬‬
‫صلُ اليَاتِ } أي ‪ :‬نبين الحجج والدلة { ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ }‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ن َف ّ‬

‫( ‪)4/248‬‬

‫وقوله ‪ { :‬إِنّ فِي اخْتِلفِ اللّ ْيلِ وَال ّنهَارِ } أي ‪ :‬تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب هذا ‪ ،‬وإذا ذهب هذا‬
‫جاء هذا ‪ ،‬ل يتأخر عنه شيئا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬يغْشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ َيطْلُبُهُ حَثِيثًا } [ العراف ‪:‬‬
‫شمْسُ يَنْ َبغِي َلهَا أَنْ تُدْ ِركَ ا ْل َقمَ َر وَل اللّ ْيلُ سَابِقُ ال ّنهَارِ } [ يس ‪، ] 40 :‬‬
‫‪ ، ] 54‬وقال ‪ { :‬ل ال ّ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ حُسْبَانًا ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ }‬
‫شمْ َ‬
‫سكَنًا وَال ّ‬
‫ج َعلَ اللّ ْيلَ َ‬
‫ح وَ َ‬
‫ق الصْبَا ِ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬فَاِل ُ‬
‫[ النعام ‪.] 96 :‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ } أي ‪ :‬من اليات الدالة على عظمته تعالى ‪ ،‬كما‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا خََلقَ اللّهُ فِي ال ّ‬
‫علَ ْيهَا وَهُمْ عَ ْنهَا ُمعْ ِرضُونَ ] } [ يوسف ‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ [ َيمُرّونَ َ‬
‫قال ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ آ َيةٍ فِي ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ ] َومَا ُتغْنِي اليَاتُ وَالنّذُرُ عَنْ‬
‫‪[ )1( ، ] 105‬وقال (‪ُ { )2‬قلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي ال ّ‬
‫َقوْمٍ ل ُي ْؤمِنُونَ } [ يونس ‪ )3( .] 101 :‬وقال ‪َ { :‬أفَلَمْ يَ َروْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُمْ مِنَ‬
‫ت وَال ْرضِ وَاخْتِلفِ اللّ ْيلِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫سمَاءِ وَال ْرضِ } [ سبأ ‪ )4( .] 9 :‬وقال ‪ { :‬إِنّ فِي خَ ْلقِ ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫ت لولِي اللْبَابِ } [ آل عمران ‪ .] 190 :‬أي ‪ :‬العقول ‪ ،‬وقال هاهنا ‪ { :‬ليَاتٍ ِلقَوْمٍ‬
‫وَال ّنهَارِ ليَا ٍ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يَ ّتقُونَ } أي ‪ :‬عقاب ال ‪ ،‬وسخطه ‪ ،‬وعذابه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪ :‬و "قوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ينظروا"‪.‬‬

‫( ‪)4/249‬‬

‫طمَأَنّوا ِبهَا وَالّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (‪)7‬‬


‫إِنّ الّذِينَ لَا يَرْجُونَ ِلقَاءَنَا وَ َرضُوا بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا وَا ْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َيهْدِيهِمْ رَ ّب ُهمْ بِإِيمَا ِنهِمْ‬
‫أُولَ ِئكَ مَ ْأوَاهُمُ النّارُ ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪ )8‬إِنّ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫عوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَا َنكَ الّل ُه ّم وَتَحِيّ ُتهُمْ فِيهَا سَلَا ٌم وَ َآخِرُ‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهِمُ الْأَ ْنهَارُ فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪ )9‬دَ ْ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)10‬‬
‫عوَا ُهمْ أَنِ ا ْل َ‬
‫دَ ْ‬

‫طمَأَنّوا ِبهَا وَالّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (‪)7‬‬


‫{ إِنّ الّذِينَ ل يَ ْرجُونَ ِلقَاءَنَا وَ َرضُوا بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا وَا ْ‬
‫أُولَ ِئكَ مَ ْأوَاهُمُ النّارُ ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪} )8‬‬
‫يقول ال تعالى مخبرًا عن حال الشقياء الذين كفروا بلقاء ال يوم القيامة ول يرجون في لقاء ال‬
‫شيئا ‪ ،‬ورضوا بهذه الحياة الدنيا (‪ )1‬واطمأنت إليها أنفسهم‪.‬‬
‫قال الحسن ‪ :‬وال ما زينوها ول رفعوها ‪ ،‬حتى رضوا بها وهم غافلون عن آيات ال الكونية فل‬
‫يتفكرون فيها ‪ ،‬والشرعية فل يأتمرون بها ‪ ،‬بأن مأواهم يوم معادهم النار ‪ ،‬جزاء على ما كانوا‬
‫يكسبون في دنياهم من الثام والخطايا والجرام ‪ ،‬مع ما هم فيه من الكفر بال ورسوله واليوم‬
‫الخر‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َي ْهدِيهِمْ رَ ّبهُمْ بِإِيمَا ِنهِمْ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهِمُ ال ْنهَارُ فِي جَنّاتِ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ‬
‫عوَاهُمْ أَنِ الْ َ‬
‫عوَا ُهمْ فِيهَا سُ ْبحَا َنكَ الّلهُ ّم وَتَحِيّ ُت ُهمْ فِيهَا سَلمٌ وَآخِرُ دَ ْ‬
‫ال ّنعِيمِ (‪ )9‬دَ ْ‬
‫(‪} )10‬‬
‫وهذا إخبار عن حال السعداء الذين آمنوا بال وصدقوا المرسلين ‪ ،‬وامتثلوا ما أمروا ‪ ،‬به فعملوا‬
‫الصالحات ‪ ،‬بأنه سيهديهم بإيمانهم‪.‬‬
‫يحتمل أن تكون "الباء" هاهنا سببية فتقديره ‪ :‬بسبب إيمانهم في الدنيا يهديهم ال يوم القيامة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الدنية"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/249‬‬

‫على الصراط ‪ ،‬حتى يجوزوه ويخلصُوا إلى الجنة‪ .‬ويحتمل أن تكون للستعانة ‪ ،‬كما قال مجاهد‬
‫في قوله ‪َ { :‬يهْدِي ِهمْ رَ ّبهُمْ بِإِيمَا ِنهِمْ } قال ‪[ :‬يكون لهم نورا يمشون به]‪)1( .‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج في [قوله ‪َ { :‬يهْدِيهِمْ رَ ّب ُهمْ بِإِيمَا ِنهِمْ } قال] (‪ : )2‬يمثُل له عمله في صورة حسنة‬
‫وريح طيبة إذا قام من قبره ‪ ،‬يعارض صاحبه ويبشره بكل خير ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬من أنت ؟ فيقول ‪:‬‬
‫أنا عملك‪ .‬فيجعل (‪ )3‬له نورا‪ .‬من بين يديه حتى يدخله (‪ )4‬الجنة ‪ ،‬فذلك قوله تعالى ‪َ { :‬يهْدِيهِمْ‬
‫رَ ّبهُمْ بِإِيمَا ِنهِمْ } والكافر َيمْ ُثلُ له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيلزم صاحبه ويلزّه (‪)5‬‬
‫حتى يقذفه في النار‪.‬‬
‫وروي نحوه عن قتادة مرسل فال أعلم‪.‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ‬
‫عوَا ُهمْ أَنِ ا ْل َ‬
‫عوَاهُمْ فِيهَا سُ ْبحَا َنكَ الّلهُمّ وَتَحِيّ ُتهُمْ فِيهَا سَل ٌم وَآخِرُ دَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬دَ ْ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬هذا حال أهل الجنة‪.‬‬
‫عوَا ُهمْ فِيهَا سُ ْبحَا َنكَ الّلهُمّ } [قال ‪ :‬إذا مر بهم الطير‬
‫قال ابن جريج ‪ :‬أخبرتُ أن قوله ‪ { :‬دَ ْ‬
‫يشتهونه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬سبحانك اللهم] (‪ )6‬وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما يشتهونه ‪ ،‬فيسلم عليهم ‪،‬‬
‫فيردون عليه‪ .‬فذلك قوله ‪ { :‬وَتَحِيّ ُتهُمْ فِيهَا سَلمٌ } قال ‪ :‬فإذا أكلوا حمدوا ال ربهم ‪ ،‬فذلك قوله ‪:‬‬
‫حمْدُ ِللّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }‬
‫عوَا ُهمْ أَنِ ا ْل َ‬
‫{ وَآخِرُ دَ ْ‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ :‬إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم ‪ { :‬سُ ْبحَا َنكَ الّلهُمّ } قال ‪:‬‬
‫فيقوم على أحدهم عشرة آلف خادم ‪ ،‬مع كل خادم صحفة من ذهب ‪ ،‬فيها طعام ليس في الخرى‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬فيأكل منهن كلهن‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬إذا أراد أحدهم أن يدعو بشيء قال ‪ { :‬سُ ْبحَا َنكَ الّلهُمّ }‬
‫وهذه الية فيها شبه من قوله ‪ { :‬تَحِيّ ُت ُهمْ َيوْمَ يَ ْل َقوْنَهُ سَلمٌ وَأَعَدّ َلهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا } [ الحزاب ‪44 :‬‬
‫س َمعُونَ فِيهَا َل ْغوًا وَل تَأْثِيمًا إِل قِيل سَلمًا سَلمًا } [ الواقعة ‪.] 26 ، 25 :‬‬
‫] ‪ ،‬وقوله ‪ { :‬ل َي ْ‬
‫علَ ْيهِمْ مِنْ ُكلّ‬
‫وقوله ‪ { :‬سَلمٌ َقوْل مِنْ َربّ َرحِيمٍ } [ يس ‪ .] 58 :‬وقوله ‪ { :‬وَا ْلمَل ِئكَةُ يَ ْدخُلُونَ َ‬
‫عقْبَى الدّارِ } [ الرعد ‪.] 24 ، 23 :‬‬
‫بَابٍ سَلمٌ عَلَ ْي ُكمْ ِبمَا صَبَرْتُمْ فَ ِنعْمَ ُ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } هذا فيه دللة على أن ال تعالى هو المحمود‬
‫عوَا ُهمْ أَنِ ا ْل َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآخِرُ دَ ْ‬
‫أبدا ‪ ،‬المعبود على طول المدى ؛ ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه واستمراره ‪ ،‬وفي ابتداء‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْ ِدهِ ا ْلكِتَابَ }‬
‫كتابه ‪ ،‬وعند ابتداء تنزيله ‪ ،‬حيث يقول تعالى ‪ { :‬الْ َ‬
‫ت وَال ْرضَ } [ النعام ‪ ] 1 :‬إلى غير ذلك من‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫[ الكهف ‪ { ، ] 1 :‬الْ َ‬
‫الحوال التي يطول بسطها ‪ ،‬وأنه‬
‫__________‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فنجعل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يدخل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ويلده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/250‬‬

‫ضيَ إِلَ ْيهِمْ َأجَُلهُمْ فَنَذَرُ الّذِينَ لَا يَرْجُونَ ِلقَاءَنَا فِي‬
‫جلُ اللّهُ لِلنّاسِ الشّرّ اسْ ِتعْجَاَلهُمْ بِالْخَيْرِ َل ُق ِ‬
‫وََلوْ ُي َع ّ‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ (‪)11‬‬
‫ُ‬

‫المحمود في الول و[في] (‪ )1‬الخر ‪ ،‬في الحياة الدنيا وفي الخرة ‪ ،‬في جميع الحوال ؛ ولهذا‬
‫جاء في الحديث ‪" :‬إن أهل الجنة يُ ْل َهمُونَ التسبيح والتحميد كما يُ ْل َهمُونَ ال ّنفَس" (‪ )2‬وإنما يكون‬
‫ذلك كذلك لما يرون من تضاعف نعم ال عليهم ‪ ،‬فتكرّر (‪ )3‬وتعاد وتزاد ‪ ،‬فليس لها انقضاء ول‬
‫أمد ‪ ،‬فل إله إل هو ول رب سواه‪.‬‬
‫جلُ اللّهُ لِلنّاسِ الشّرّ اسْ ِت ْعجَاَلهُمْ بِا ْلخَيْرِ َل ُقضِيَ إِلَ ْيهِمْ أَجَُل ُهمْ فَنَذَرُ الّذِينَ ل يَرْجُونَ ِلقَاءَنَا فِي‬
‫{ وََلوْ ُيعَ ّ‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ (‪} )11‬‬
‫ُ‬
‫يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده ‪ :‬أنه ل يستجيب لهم (‪ )4‬إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو‬
‫أولدهم (‪ )5‬في حال ضجرهم وغضبهم ‪ ،‬وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك ‪ ،‬فلهذا ل‬
‫يستجيب (‪ )6‬لهم ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬لطفا ورحمة ‪ ،‬كما يستجيب لهم إذا دعوا لنفسهم أو لموالهم‬
‫جلُ اللّهُ لِلنّاسِ الشّرّ اسْ ِتعْجَاَل ُهمْ بِالْخَيْرِ‬
‫وأولدهم بالخير والبركة والنماء ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََلوْ ُي َع ّ‬
‫َل ُقضِيَ إِلَ ْيهِمْ َأجَُلهُمْ } (‪ )7‬أي ‪ :‬لو استجاب لهم كل ما دعوه به في ذلك ‪ ،‬لهلكهم ‪ ،‬ولكن ل‬
‫ينبغي الكثار من ذلك ‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن َم ْعمَر ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن محمد ‪ ،‬حدثنا حاتم بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن‬
‫مجاهد أبو حَزْرَة عن عبادة بن الوليد ‪ ،‬حدثنا جابر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"ل تدعوا على أنفسكم ‪ ،‬ل تدعوا على أولدكم ‪ ،‬ل تدعوا على أموالكم ‪ ،‬ل توافقوا من ال ساعة‬
‫فيها إجابة فيستجيب (‪ )8‬لكم"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬من حديث حاتم بن إسماعيل ‪ ،‬به‪)9( .‬‬
‫وقال البزار ‪[ :‬و] (‪ )10‬تفرد به عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت النصاري ‪ ،‬لم يشاركه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أحد فيه ‪ ،‬وهذا كقوله تعالى ‪ { :‬وَيَ ْدعُ النْسَانُ بِالشّرّ دُعَا َءهُ بِا ْلخَيْ ِر َوكَانَ النْسَانُ عَجُول }‬
‫[ السراء ‪.] 11 :‬‬
‫جلُ اللّهُ لِلنّاسِ الشّرّ اسْ ِتعْجَاَلهُمْ بِالْخَيْرِ } هو قول‬
‫وقال مجاهد في تفسير هذه الية ‪ { :‬وَلَوْ (‪ُ )11‬ي َع ّ‬
‫النسان لولده وماله إذا غضب عليه ‪" :‬اللهم ل تبارك فيه والعنه"‪ .‬فلو يعجل لهم الستجابة في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2835‬من حديث جابر رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيكرر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ل يستحب منهم" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ل يستجيب منهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأموالهم وأولدهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ل يستحب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬تعجل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬فيستحب"‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن أبي داود برقم (‪ )1532‬ورواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )3009‬بأطول منه من طريق‬
‫حاتم بن إسماعيل‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ :‬ولول‪.‬‬

‫( ‪)4/251‬‬

‫شفْنَا عَنْ ُه ضُ ّرهُ مَرّ كَأَنْ َلمْ يَدْعُنَا إِلَى‬


‫وَإِذَا مَسّ الْإِ ْنسَانَ الضّرّ دَعَانَا لِجَنْ ِبهِ َأوْ قَاعِدًا َأوْ قَا ِئمًا فََلمّا كَ َ‬
‫ضُرّ مَسّهُ َكذَِلكَ زُيّنَ لِ ْلمُسْ ِرفِينَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )12‬وََلقَدْ أَ ْهَلكْنَا ا ْلقُرُونَ مِنْ قَبِْلكُمْ َلمّا ظََلمُوا‬
‫جعَلْنَا ُكمْ خَلَا ِئفَ‬
‫وَجَاءَ ْتهُمْ رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َومَا كَانُوا لِ ُي ْؤمِنُوا َكذَِلكَ نَجْزِي ا ْل َقوْمَ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ (‪ُ )13‬ثمّ َ‬
‫فِي الْأَ ْرضِ مِنْ َب ْعدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَ ْيفَ َت ْعمَلُونَ (‪)14‬‬

‫ذلك ‪ ،‬كما يستجاب لهم في الخير لهلكهم‪.‬‬


‫شفْنَا عَنْ ُه ضُ ّرهُ مَرّ كَأَنْ َلمْ يَدْعُنَا‬
‫{ وَإِذَا مَسّ النْسَانَ الضّرّ دَعَانَا لِجَنْ ِبهِ َأوْ قَاعِدًا َأوْ قَا ِئمًا فََلمّا كَ َ‬
‫إِلَى ضُرّ مَسّهُ كَ َذِلكَ زُيّنَ لِ ْلمُسْ ِرفِينَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪} )12‬‬
‫يخبر تعالى عن النسان وضجره وقلقه إذا مسه الضر ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَإِذَا مَسّهُ الشّرّ فَذُو دُعَاءٍ‬
‫عَرِيضٍ } [ فصلت ‪ ] 51 :‬أي ‪ :‬كثير ‪ ،‬وهما في معنى واحد ؛ وذلك لنه إذا أصابته شدة قلق‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لها وجزع منها ‪ ،‬وأكثر الدعاء عند ذلك ‪ ،‬فدعا ال في كشفها وزوالها عنه في حال اضطجاعه‬
‫وقعوده وقيامه ‪ ،‬وفي جميع أحواله ‪ ،‬فإذا فرج ال شدته وكشف كربته ‪ ،‬أعرض ونأى بجانبه ‪،‬‬
‫وذهب كأنه ما كان به من ذاك شيء ‪ { ،‬مَرّ كَأَنْ َلمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرّ َمسّهُ }‬
‫ثم ذم تعالى مَنْ هذه صفته وطريقته (‪ )1‬فقال ‪ { :‬كَ َذِلكَ زُيّنَ لِ ْلمُسْ ِرفِينَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } فأما من‬
‫رزقه ال الهداية والسداد والتوفيق والرشاد ‪ ،‬فإنه مستثنى من ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِل الّذِينَ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } [ هود ‪ ، ] 11 :‬وكقول (‪ )2‬رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬عجبا‬
‫صَبَرُوا وَ َ‬
‫لمر المؤمن (‪ )3‬ل يقضي ال له قضاء إل كان خيرا له ‪ :‬إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له‬
‫‪ ،‬وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له" ‪ ،‬وليس ذلك لحد إل للمؤمن‪)4( .‬‬
‫{ وََلقَدْ أَ ْهَلكْنَا ا ْلقُرُونَ مِنْ قَبِْلكُمْ َلمّا ظََلمُوا وَجَاءَ ْت ُهمْ رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َومَا كَانُوا لِ ُي ْؤمِنُوا َكذَِلكَ نَجْزِي‬
‫جعَلْنَا ُكمْ خَل ِئفَ فِي الرْضِ مِنْ َبعْ ِدهِمْ لِنَ ْنظُرَ كَ ْيفَ َت ْعمَلُونَ (‪} )14‬‬
‫ا ْل َقوْمَ ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ُ )13‬ثمّ َ‬
‫أخبر تعالى عما أحلّ بالقرون الماضية ‪ ،‬في تكذيبهم الرسل فيما جاءوهم به من البينات والحجج‬
‫الواضحات ‪ ،‬ثم استخلف ال هؤلء القومَ من بعدهم ‪ ،‬وأرسل إليهم رسول لينظر طاعتهم له ‪،‬‬
‫واتباعهم رسوله ‪ ،‬وفي صحيح مسلم من حديث أبي َنضْرَة ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫خضِرة ‪ ،‬وإن ال مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون ‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الدنيا حلوة َ‬
‫فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"‪)5( .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة فهد (‪ )6‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن ثابت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وطريقه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكما قال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عجبا للمؤمن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2999‬من حديث صهيب الرومي رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)2742‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬مهد" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬شهد" والتصويب من الطبري‪.‬‬

‫( ‪)4/252‬‬

‫البُناني ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ؛ أن عوف بن مالك قال لبي بكر ‪ :‬رأيت فيما يرى النائم‬
‫كأن سَبَبًا دُلّي من السماء ‪ ،‬فانتُشط رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم أعيد ‪ ،‬فانتُشط أبو بكر ‪،‬‬
‫ثم ذُرعَ (‪ )1‬الناس حول المنبر ‪ ،‬ففضل عمر بثلث أذرع إلى المنبر‪ .‬فقال عمر ‪ :‬دعنا من‬
‫رؤياك ‪ ،‬ل أ َربَ لنا فيها! فلما استخلف عمر قال ‪ :‬يا عوف ‪ ،‬رؤياك! فقال ‪ :‬وهل لك في رؤياي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من حاجة ؟ أولم تنتهرني (‪ )2‬؟ فقال ‪ :‬ويحك! إني ‪ :‬كرهت أن تنعَى لخليفة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم نفسه! فقصّ عليه الرؤيا ‪ ،‬حتى إذا بلغ ‪" :‬ذُرع (‪ )3‬الناس إلى المنبر بهذه الثلث‬
‫الذرع" ‪ ،‬قال ‪ :‬أما إحداهن فإنه كائن خليفة‪ .‬وأما الثانية فإنه ل يخاف في ال لومة لئم‪ .‬وأما‬
‫جعَلْنَاكُمْ خَل ِئفَ فِي ال ْرضِ مِنْ َبعْدِ ِهمْ‬
‫الثالثة فإنه شهيد‪ .‬قال ‪ :‬فقال ‪ :‬يقول ال تعالى ‪ُ { :‬ثمّ َ‬
‫لِنَنْظُرَ كَ ْيفَ َت ْعمَلُونَ } فقد استُخلفت (‪ )4‬يا ابن أم عمر ‪ ،‬فانظر كيف تعمل ؟ وأما قوله ‪" :‬فإني ل‬
‫أخاف في ال لومة لئم" ‪ ،‬فما شاء ال! وأما قوله ‪[ :‬إني] (‪ )5‬شهيد فَأَنّى لعمر الشهادة‬
‫والمسلمون مطيفون به‪)6( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬درع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬تنتهزني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬درع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬استخلف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)15/39‬‬

‫( ‪)4/253‬‬

‫وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آَيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالَ الّذِينَ لَا يَرْجُونَ ِلقَاءَنَا ا ْئتِ ِبقُرْآَنٍ غَيْرِ َهذَا َأوْ بَدّلْهُ ُقلْ مَا َيكُونُ‬
‫عذَابَ َيوْمٍ عَظِيمٍ‬
‫عصَ ْيتُ رَبّي َ‬
‫لِي أَنْ أُبَدَّلهُ مِنْ تِ ْلقَاءِ َنفْسِي إِنْ أَتّبِعُ إِلّا مَا يُوحَى إَِليّ إِنّي َأخَافُ إِنْ َ‬
‫عمُرًا مِنْ قَبْلِهِ َأفَلَا َت ْعقِلُونَ (‪)16‬‬
‫(‪ُ )15‬قلْ َلوْ شَاءَ اللّهُ مَا تََلوْتُهُ عَلَ ْي ُك ْم وَلَا أَدْرَا ُكمْ بِهِ َفقَدْ لَبِ ْثتُ فِيكُمْ ُ‬

‫{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالَ الّذِينَ ل يَرْجُونَ ِلقَاءَنَا ا ْئتِ ِبقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا َأوْ َبدّلْهُ ُقلْ مَا َيكُونُ‬
‫عظِيمٍ‬
‫عصَ ْيتُ رَبّي عَذَابَ َيوْمٍ َ‬
‫لِي أَنْ أُبَدَّلهُ مِنْ تِ ْلقَاءِ َنفْسِي إِنْ أَتّبِعُ إِل مَا يُوحَى إَِليّ إِنّي أَخَافُ إِنْ َ‬
‫عمُرًا مِنْ قَبْلِهِ َأفَل َتعْقِلُونَ (‪)16‬‬
‫(‪ُ )15‬قلْ َلوْ شَاءَ اللّهُ مَا تََلوْتُهُ عَلَ ْي ُك ْم وَل َأدْرَاكُمْ ِبهِ َفقَدْ لَبِ ْثتُ فِيكُمْ ُ‬
‫}‬
‫يخبر تعالى عن تعنّت الكفار من مشركي قريش الجاحدين الحقّ المعرضين عنه ‪ ،‬أنهم إذا قَرَأ‬
‫حجَجه الواضحة قالوا له ‪ { :‬ا ْئتِ ِبقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا }‬
‫عليهم الرسول صلى ال عليه وسلم كتاب ال و ُ‬
‫أي ‪ :‬رد هذا وجئنا بغيره من نمط آخر ‪ ،‬أو َبدّله إلى وضع آخر ‪ ،‬قال ال لنبيه ‪ ،‬صلوات ال‬
‫وسلمه عليه ‪ُ { ،‬قلْ مَا َيكُونُ لِي أَنْ أُبَدَّلهُ مِنْ تِ ْلقَاءِ َنفْسِي } أي ‪ :‬ليس هذا إلي ‪ ،‬إنما أنا عبد‬
‫عذَابَ‬
‫عصَ ْيتُ رَبّي َ‬
‫مأمور ‪ ،‬ورسول مبلغ عن ال ‪ { ،‬إِنْ أَتّ ِبعُ إِل مَا يُوحَى إَِليّ إِنّي َأخَافُ إِنْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َيوْمٍ عَظِيمٍ }‬
‫ثم قال محتجا عليهم في صحة ما جاءهم به ‪ُ { :‬قلْ َلوْ شَاءَ اللّهُ مَا تََلوْتُهُ عَلَ ْي ُك ْم وَل َأدْرَاكُمْ ِبهِ }‬
‫أي ‪ :‬هذا إنما جئتكم به عن إذن ال لي في ذلك ومشيئته وإرادته ‪ ،‬والدليل على أني لست أتقوله‬
‫من عندي ول افتريته (‪ )1‬أنكم عاجزون عن معارضته ‪ ،‬وأنكم تعلمون صدقي وأمانتي منذ نشأت‬
‫بينكم إلى حين بعثني ال عز وجل ‪ ،‬ل تنتقدون علي شيئا تَغمصوني به ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَقَدْ لَبِ ْثتُ‬
‫عمُرًا مِنْ قَبْلِهِ َأفَل َت ْعقِلُونَ } أي ‪ :‬أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل ؛ ولهذا لما‬
‫فِيكُمْ ُ‬
‫سأل هرقل ملك الروم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أفتريه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬أقربه"‪.‬‬

‫( ‪)4/253‬‬

‫َفمَنْ أَظَْلمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ َكذِبًا َأوْ كَ ّذبَ بِآَيَاتِهِ إِنّهُ لَا ُيفْلِحُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪)17‬‬

‫أبا (‪ )1‬سفيان ومن معه ‪ ،‬فيما سأله من صفة النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬هل (‪ )2‬كنتم‬
‫تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال أبو سفيان ‪ :‬فقلت ‪ :‬ل ‪ -‬وقد كان أبو سفيان إذ ذاك‬
‫رأس الكفرة وزعيم المشركين ‪ ،‬ومع هذا اعترف (‪ )3‬بالحق ‪:‬‬
‫ضلُ ما شَه َدتْ به العداءُ‪...‬‬
‫وَالفَ ْ‬
‫فقال له هرقل ‪ :‬فقد أعرف (‪ )4‬أنه لم يكن لي َدعَ الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على ال‪)5( .‬‬
‫!‬
‫وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة ‪ :‬بعث ال فينا رسول نعرف نسبه وصدقه وأمانته‬
‫‪ ،‬وقد كانت مدة مقامه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بين أظهرنا (‪ )6‬قبل النبوة أربعين سنة‪ .‬وعن سعيد بن‬
‫المسيب ‪ :‬ثلثا وأربعين سنة‪ .‬والصحيح المشهور الول‪.‬‬
‫{ َفمَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا َأوْ كَ ّذبَ بِآيَا ِتهِ إِنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪} )17‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ل أحد أظلم ول أعتى ول أشد إجراما { ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا } و َتقَوّل (‪)7‬‬
‫على ال ‪ ،‬وزعم أن ال أرسله ‪ ،‬ولم يكن كذلك ‪ ،‬فليس أحد أكبر جرمًا ول أعظم ظُلما من هذا ‪،‬‬
‫ومثل هذا ل يخفى أمره على الغبياء ‪ ،‬فكيف يشتبه حال هذا بالنبياء! فإن من قال هذه المقالة‬
‫صادقا أو كاذبا ‪ ،‬فل بد أن ال يَنصب عليه من الدلة على برّه أو فُجُوره ما (‪ )8‬وأظهر من‬
‫الشمس ‪ ،‬فإن الفرق بين محمد صلى ال عليه وسلم وبين مسيلمة الكذاب [لعنة ال] (‪ )9‬لمن‬
‫شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى ووقت نصف الليل في حنْدس الظلماء ‪َ ،‬فمِنْ سيما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كل منهما وكلمه وفعاله يَستدّل من له بصيرة على صدق محمد صلى ال عليه وسلم وكذب‬
‫مسيلمة الكذاب ‪ ،‬وسَجَاح ‪ ،‬والسود العَنْسي‪)10( .‬‬
‫جفَل الناس ‪ ،‬فكنت فيمن‬
‫قال عبد ال بن سلم ‪ :‬لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة ا ْن َ‬
‫انجفل ‪ ،‬فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب ‪ ،‬فكان أول ما سمعته يقول ‪" :‬يا أيها‬
‫الناس أفشوا السلم ‪ ،‬وأطعموا الطعام ‪[ ،‬وصلوا الرحام] (‪ )11‬وصلوا بالليل والناس نيام ‪،‬‬
‫تدخلون الجنة بسلم"‪)12( .‬‬
‫ولما قَدم ضمام بن ثعلبة على رسول ال صلى ال عليه وسلم في (‪ )13‬قومه بني سعد بن بكر‬
‫قال لرسول ال فيما قال له (‪ )14‬من رفع هذه السماء ؟ قال ‪" :‬ال"‪ .‬قال ‪ :‬ومن نصب هذه الجبال‬
‫؟ قال ‪" :‬ال"‪ .‬قال ‪ :‬ومن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬لبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فهل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أعرف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أعترف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ربه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أضهرهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ويقول"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وما"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬العبسي"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ :‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )12‬رواه أحمد في المسند (‪ )5/451‬والترمذي في السنن برقم (‪ )2485‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث‬
‫صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬فيما قاله"‪.‬‬

‫( ‪)4/254‬‬

‫سطَح‬
‫سطح هذه الرض ؟ قال ‪" :‬ال"‪ .‬قال ‪ :‬فبالذي رفع هذه السماء ‪ ،‬ونصب هذه الجبال ‪ ،‬و َ‬
‫هذه الرض ‪ :‬ال أرسلك إلى الناس كلهم ؟ قال ‪" :‬اللهم نعم" ثم (‪ )1‬سأله عن الصلة ‪ ،‬والزكاة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والحج ‪ ،‬والصيام ‪ ،‬ويحلف عند كل واحدة (‪ )2‬هذه اليمين ‪ ،‬ويحلف رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬صدقت ‪ ،‬والذي بعثك بالحق ل أزيد على ذلك ول أنقص‪)3( .‬‬
‫فاكتفى هذا الرجل بمجرد هذا ‪ ،‬وقد أيقن بصدقه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬بما رأى وشاهد‬
‫من الدلئل الدالة عليه ‪ ،‬كما قال حسان بن ثابت ‪:‬‬
‫لَو لم َتكُن (‪ )4‬فيه آياتٌ مُبَيّنة كانت بَديهَتُه (‪ )5‬تَأتيكَ بالخَبَرِ‬
‫وأما مسيلمة فمن شاهده من ذَوي البصائر ‪ ،‬علم أمره ل محالة ‪ ،‬بأقواله الركيكة التي ليست‬
‫بفصيحة ‪ ،‬وأفعاله غير الحسنة بل القبيحة ‪ ،‬وقرآنه الذي يخلد به في النار يوم الحسرة (‪)6‬‬
‫حيّ ا ْلقَيّومُ ل تَ ْأخُ ُذهُ سِنَ ٌة وَل َنوْمٌ‬
‫والفضيحة ‪ ،‬وكم من فرق بين قوله تعالى ‪ { :‬اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ ا ْل َ‬
‫شفَعُ عِ ْن َدهُ إِل بِإِذْنِهِ َيعْلَمُ مَا بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُمْ‬
‫ت َومَا فِي ال ْرضِ مَنْ ذَا الّذِي يَ ْ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫ظ ُهمَا وَ ُهوَ‬
‫حفْ ُ‬
‫ض وَل يَئُو ُدهُ ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْر َ‬
‫سعَ كُرْسِيّهُ ال ّ‬
‫شيْءٍ مِنْ عِ ْل ِمهِ إِل ِبمَا شَا َء وَ ِ‬
‫وَل ُيحِيطُونَ بِ َ‬
‫ا ْلعَِليّ ا ْلعَظِيمُ } [ البقرة ‪ .] 255 :‬وبين عُلك (‪ )7‬مسيلمة قبحه ال ولعنه ‪" :‬يا ضفدع بنت (‪)8‬‬
‫الضفدعين ‪ ،‬نقي كما تنقين ل الماء تكدرين ‪ ،‬ول الشارب تمنعين"‪ .‬وقوله ‪ -‬قُبّح ولعن ‪" : -‬لقد‬
‫خدّره (‪)9‬‬
‫صفَاق وحَشَى"‪ .‬وقوله ‪َ -‬‬
‫أنعم ال على الحبلى ‪ ،‬إذ أخرج منها نَسَمة تسعى ‪ ،‬من بين ِ‬
‫ال في نار جهنم ‪ ،‬وقد فعل ‪" : -‬الفيل وما أدراك ما الفيل ؟ له زُلقُومٌ (‪ )10‬طويل" وقوله ‪-‬‬
‫أبعده ال من رحمته ‪" :‬والعاجنات عجنا ‪ ،‬والخابزات خبزا ‪ ،‬واللقمات (‪ )11‬لقما ‪ ،‬إهالة‬
‫وسمنا ‪ ،‬إن قريشا قوم يعتدون" إلى غير ذلك من الهذيانات والخرافات التي يأنف الصبيان أن‬
‫يتلفظوا بها ‪ ،‬إل على وجه السخرية والستهزاء ؛ ولهذا أرغم ال أنفه ‪ ،‬وشرب يوم "حديقة‬
‫الموت" حتفه‪ .‬ومَزّق (‪ )12‬شمله‪ .‬ولعنه صحبُه وأهله‪ .‬وقدموا على الصديق تائبين ‪ ،‬وجاءوا في‬
‫دين ال راغبين ‪ ،‬فسألهم الصديق خليفة الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬ورضي [ال] (‬
‫‪ )13‬عنه ‪ -‬أن يقرءوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة لعنه ال ‪ ،‬فسألوه أن يعفيهم من ذلك ‪ ،‬فأبى‬
‫عليهم إل أن يقرءوا شيئا منه ليسمعه من لم يسمعه من الناس ‪ ،‬فيعرفوا فضل ما هم عليه (‪)14‬‬
‫من الهدى والعلم‪ .‬فقرءوا عليه من هذا الذي ذكرناه وأشباهه ‪ ،‬فلما فرغوا قال لهم الصديق ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ :‬ويحكم! أين كان يُذهب بعقولكم ؟ وال إن هذا لم يخرج من إلّ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬قال ‪ :‬ثم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬واحد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )12‬من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه بنحو هذا السياق‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يكن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬بدايته"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الحشر"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬علل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬بين"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬خلده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬زلوم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فاللقمات"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وتمزق"‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬

‫( ‪)4/255‬‬

‫شفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّهِ ُقلْ أَتُنَبّئُونَ اللّهَ‬


‫وَ َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لَا َيضُرّهُ ْم وَلَا يَ ْن َف ُعهُ ْم وَ َيقُولُونَ َهؤُلَاءِ ُ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ (‪َ )18‬ومَا كَانَ النّاسُ إِلّا‬
‫ت وَلَا فِي الْأَ ْرضِ سُ ْبحَانَ ُه وَ َتعَالَى َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫ِبمَا لَا َيعْلَمُ فِي ال ّ‬
‫ضيَ بَيْ َن ُهمْ فِيمَا فِيهِ َيخْتَِلفُونَ (‪)19‬‬
‫ح َدةً فَاخْتََلفُوا وََلوْلَا كَِل َمةٌ سَ َب َقتْ مِنْ رَ ّبكَ َل ُق ِ‬
‫ُأمّ ًة وَا ِ‬

‫وذكروا أن وفد عمرو بن العاص على مسيلمة ‪ ،‬وكان صديقا له في الجاهلية ‪ ،‬وكان عمرو لم‬
‫يسلم بعدُ ‪ ،‬فقال له مسيلمة ‪ :‬ويحك يا عمرو ‪ ،‬ماذا أنزل على صاحبكم ‪ -‬يعني ‪ :‬رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬في هذه المدة ؟ فقال ‪ :‬لقد سمعت أصحابه يقرءون سورة عظيمة قصيرة‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ‬
‫فقال ‪ :‬وما هي ؟ فقال ‪ { :‬وَا ْل َعصْرِ إِنّ النْسَانَ َلفِي خُسْرٍ إِل الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ق وَ َتوَاصَوْا بِالصّبْرِ } [سورة العصر] ‪ ،‬ففكر مسيلمة ساعة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وقد أنزل‬
‫حّ‬‫صوْا بِالْ َ‬
‫وَ َتوَا َ‬
‫حقْرٌ َنقْر ‪ ،‬كيف‬
‫عليّ مثله‪ .‬فقال ‪ :‬وما هو ؟ فقال ‪" :‬يا وَبْرُ (‪ )1‬إنما أنت أذنان وصدر ‪ ،‬وسائرك َ‬
‫ترى يا عمرو ؟" فقال له عمرو ‪ )2( :‬وال إنك لتعلم أني أعلم أنك لتكذب" ‪ ،‬فإذا كان هذا من‬
‫مشرك في حال شركه ‪ ،‬لم يشتبه عليه حال محمد صلى ال عليه وسلم وصدقه ‪ ،‬وحال مسيلمة ‪-‬‬
‫لعنه ال ‪ -‬وكذبه ‪ ،‬فكيف بأولي (‪ )3‬البصائر والنهى ‪ ،‬وأصحاب العقول السليمة المستقيمة‬
‫ي وَلَمْ يُوحَ‬
‫حيَ إَِل ّ‬
‫والحجى! ولهذا قال ال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا َأوْ قَالَ أُو ِ‬
‫شيْ ٌء َومَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِ ْثلَ مَا أَنزلَ اللّهُ } [ النعام ‪ )4( ، ] 93 :‬وقال في هذه الية الكريمة‬
‫إِلَيْهِ َ‬
‫‪َ { :‬ومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا َأوْ كَ ّذبَ بِآيَاتِهِ إِنّهُ ل ُيفْلِحُ الظّاِلمُونَ } [ النعام ‪، ] 21 :‬‬
‫وكذلك من كذّب بالحق الذي جاءت به الرسل ‪ ،‬وقامت عليه الحجج ‪ ،‬ل أحد أظلم منه كما جاء‬
‫في الحديث ‪" :‬أعتى الناس على ال رجلٌ قتل نبيا ‪ ،‬أو قتله نبي"‪)5( .‬‬
‫شفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّهِ ُقلْ أَتُنَبّئُونَ اللّهَ‬
‫{ وَ َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا ل َيضُرّهُ ْم وَل يَ ْن َفعُهُمْ وَيَقُولُونَ َهؤُلءِ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪َ )18‬ومَا كَانَ النّاسُ إِل‬
‫سمَاوَاتِ وَل فِي ال ْرضِ سُبْحَانَهُ وَ َتعَالَى َ‬
‫ِبمَا ل َيعَْلمُ فِي ال ّ‬
‫ح َدةً فَاخْتََلفُوا وََلوْل كَِلمَةٌ سَ َبقَتْ مِنْ رَ ّبكَ َل ُقضِيَ بَيْ َنهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَِلفُونَ (‪} )19‬‬
‫ُأمّ ًة وَا ِ‬
‫ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع ال غيره ‪ ،‬ظانين أن تلك اللهة تنفعهم شفاعتُها عند‬
‫ال ‪ ،‬فأخبر تعالى أنها ل تنفع ول تضر ول تملك شيئا ‪ ،‬ول يقع شيء مما يزعمون فيها ‪ ،‬ول‬
‫ت وَل فِي ال ْرضِ }‪.‬‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫يكون هذا أبدا ؛ ولهذا قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ أَتُنَبّئُونَ اللّهَ ِبمَا ل َيعْلَمُ فِي ال ّ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬معناه أتخبرون (‪ )6‬ال بما ل يكون في السماوات ول في الرض ؟ ثم نزه‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ }‪.‬‬
‫نفسه عن شركهم وكفرهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬سُبْحَا َن ُه وَ َتعَالَى َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يا وبر وبر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بأول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فمن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه المام أحمد في المسند (‪ )1/407‬من حديث عبد ال بن مسعود ولفظه ‪" :‬أشد الناس‬
‫عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيا"‪ .‬وروى البخاري في صحيحه برقم (‪ )4073‬من‬
‫حديث أبي هريرة ‪" :‬اشتد غضب ال على من يقتله رسول ال في سبيل ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬تخبرون"‪.‬‬

‫( ‪)4/356‬‬

‫وَيَقُولُونَ َلوْلَا أُنْ ِزلَ عَلَ ْيهِ آَ َيةٌ مِنْ رَبّهِ َف ُقلْ إِ ّنمَا ا ْلغَ ْيبُ لِلّهِ فَانْ َتظِرُوا إِنّي َم َعكُمْ مِنَ ا ْلمُنْتَظِرِينَ (‪)20‬‬

‫ثم أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس ‪ ،‬كائن بعد أن لم يكن ‪ ،‬وأن الناس كلهم كانوا على‬
‫دين واحد ‪ ،‬وهو السلم ؛ قال ابن عباس ‪ :‬كان بين آدم ونوح عشرة قرون ‪ ،‬كلهم على‬
‫السلم ‪ ،‬ثم وقع الختلف بين الناس ‪ ،‬وعُبدت الصنام والنداد والوثان ‪ ،‬فبعث ال الرسل‬
‫حيّ عَنْ بَيّ َنةٍ‬
‫بآياته وبيناته وحُجَجه البالغة وبراهينه الدامغة ‪ { ،‬لِ َيهِْلكَ مَنْ هََلكَ عَنْ بَيّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ َ‬
‫} [ النفال ‪.] 42 :‬‬
‫ضيَ بَيْ َن ُهمْ فِيمَا فِيهِ َيخْتَِلفُونَ } أي ‪ :‬لول ما تقدم من ال‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوْل كَِلمَةٌ سَ َب َقتْ مِنْ رَ ّبكَ َل ُق ِ‬
‫تعالى أنه ل يعذب أحدا إل بعد قيام الحجة عليه ؛ وأنه قد أجل الخلق إلى أجل معدود لقضى بينهم‬
‫فيما فيه اختلفوا ‪ ،‬فأسعد المؤمنين ‪ ،‬وأع َنتَ الكافرين‪.‬‬
‫علَيْهِ آ َيةٌ مِنْ رَبّهِ َف ُقلْ إِ ّنمَا ا ْلغَ ْيبُ لِلّهِ فَانْ َتظِرُوا إِنّي َم َعكُمْ مِنَ ا ْلمُنْتَظِرِينَ (‪)20‬‬
‫{ وَ َيقُولُونَ َلوْل أُنزلَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫}‬
‫أي ‪ :‬ويقول هؤلء الكفرة [الملحدون] (‪ )1‬المكذبون المعاندون ‪" :‬لول أنزل على محمد آية من‬
‫ربه" ‪ ،‬يعنون كما أعطى ال ثمود الناقة ‪ ،‬أو أن (‪ )2‬يحول لهم الصفا ذهبا ‪ ،‬أو يزيح عنهم جبال‬
‫مكة ويجعل مكانها بساتين وأنهارا ‪ ،‬ونحو ذلك مما ال عليه قادر (‪ )3‬ولكنه حكيم في أفعاله‬
‫ج َعلَ َلكَ خَيْرًا مِنْ ذَِلكَ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا‬
‫وأقواله ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬تَبَا َركَ الّذِي إِنْ شَاءَ َ‬
‫سلَ بِاليَاتِ‬
‫ج َعلْ َلكَ ُقصُورًا } [ الفرقان ‪ ] 11 ، 10 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا مَ َنعَنَا أَنْ نُرْ ِ‬
‫ال ْنهَارُ وَ َي ْ‬
‫خوِيفًا }‬
‫سلُ بِاليَاتِ إِل َت ْ‬
‫ن وَآتَيْنَا َثمُودَ النّاقَةَ مُ ْبصِ َرةً فَظََلمُوا ِبهَا َومَا نُرْ ِ‬
‫إِل أَنْ كَ ّذبَ ِبهَا الوّلُو َ‬
‫[ السراء ‪ ، ] 59 :‬يقول تعالى ‪ :‬إن سنتي في خلقي أني إذا آتيتهم ما سألوا ‪ ،‬فإن آمنوا وإل‬
‫عاجلتهم بالعقوبة‪ .‬ولهذا لما خيّر رسول ال ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بين أن يُعطى ما سألوا ‪،‬‬
‫فإن أجابوا وإل عُوجلوا ‪ ،‬وبين أن يتركهم ويُنْظرهم ‪ ،‬اختار إنظارهم ‪ ،‬كما حلم عنهم غير مرة ‪،‬‬
‫صلوات ال عليه ؛ ولهذا قال تعالى إرشادا لنبيه إلى الجواب عما سألوا ‪َ { :‬ف ُقلْ إِ ّنمَا ا ْلغَ ْيبُ لِلّهِ }‬
‫أي ‪ :‬المر كله ل ‪ ،‬وهو يعلم العواقب في المور ‪ { ،‬فَانْ َتظِرُوا إِنّي َم َعكُمْ مِنَ ا ْلمُنْتَظِرِينَ } أي ‪:‬‬
‫إن كنتم ل تؤمنون حتى تشاهدوا ما سألتم فانتظروا حكم ال فيّ وفيكم‪ .‬هذا مع أنهم قد شاهدوا‬
‫من معجزاته ‪ ،‬عليه السلم (‪ )4‬أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم إلى القمر ليلة إبداره ‪،‬‬
‫فانشق باثنتين (‪ )5‬فرقة من وراء الجبل ‪ ،‬وفرقة من دونه‪ .‬وهذا أعظم من سائر اليات الرضية‬
‫مما سألوا وما لم يسألوا ‪ ،‬ولو علم ال منهم أنهم سألوا ذلك استرشادا وتثبّتا لجابهم ‪ ،‬ولكن علم‬
‫أنهم إنما يسألون عنادا وتعنتا ‪ ،‬فتركهم فيما رابهم ‪ ،‬وعلم أنهم ل يؤمن (‪ )6‬منهم أحد ‪ ،‬كما قال‬
‫ن وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آيَةٍ حَتّى يَ َروُا ا ْل َعذَابَ‬
‫حقّتْ عَلَ ْيهِمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُو َ‬
‫تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َ‬
‫اللِيمَ } [ يونس ‪ ، ] 97 ، 96 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ أَنّنَا نزلْنَا إِلَ ْيهِمُ ا ْلمَل ِئكَةَ َوكَلّ َمهُمُ ا ْل َموْتَى‬
‫جهَلُونَ } [ النعام ‪:‬‬
‫شيْءٍ قُبُل مَا كَانُوا لِ ُي ْؤمِنُوا إِل أَنْ َيشَاءَ اللّ ُه وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ َي ْ‬
‫وَحَشَرْنَا عَلَ ْي ِهمْ ُكلّ َ‬
‫‪، ] 111‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬مما ال قادر عليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬باثنين"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ولكن ممن لم يؤمن"‪.‬‬

‫( ‪)4/257‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمَاءِ َفظَلّوا فِيهِ َيعْ ُرجُونَ‬
‫ولما فيهم من المكابرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ فَ َتحْنَا عَلَ ْيهِمْ بَابًا مِنَ ال ّ‬
‫سحُورُونَ } [ الحجر ‪ ، ] 15 ، 14 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫سكّ َرتْ أَ ْبصَارُنَا َبلْ َنحْنُ َقوْمٌ مَ ْ‬
‫َلقَالُوا إِ ّنمَا ُ‬
‫سحَابٌ مَ ْركُومٌ } [ الطور ‪ ، ] 44 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ‬
‫سمَاءِ سَا ِقطًا َيقُولُوا َ‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫{ وَإِنْ يَ َروْا كِ ْ‬
‫نزلْنَا عَلَ ْيكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فََل َمسُوهُ بِأَ ْيدِيهِمْ َلقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ َهذَا إِل سِحْرٌ مُبِينٌ } [ النعام ‪:‬‬
‫‪ ، ] 7‬فمثل هؤلء أقل من أن يجابوا إلى ما سألوه ؛ لنه ل فائدة في جواب هؤلء ؛ لنه دائر‬
‫على تعنتهم وعنادهم ‪ ،‬لكثرة فجورهم وفسادهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَانْتَظِرُوا إِنّي َم َعكُمْ مِنَ ا ْلمُنْتَظِرِينَ‬
‫}‬

‫( ‪)4/258‬‬

‫حمَةً مِنْ َبعْ ِد ضَرّاءَ مَسّ ْتهُمْ ِإذَا َلهُمْ َمكْرٌ فِي آَيَاتِنَا ُقلِ اللّهُ َأسْ َرعُ َمكْرًا إِنّ رُسُلَنَا‬
‫وَإِذَا َأ َذقْنَا النّاسَ َر ْ‬
‫َيكْتُبُونَ مَا َت ْمكُرُونَ (‪ُ )21‬هوَ الّذِي ُيسَيّ ُركُمْ فِي الْبَ ّر وَالْ َبحْرِ حَتّى إِذَا كُنْتُمْ فِي ا ْلفُ ْلكِ وَجَرَيْنَ ِبهِمْ‬
‫ن وَظَنّوا أَ ّنهُمْ أُحِيطَ ِبهِمْ‬
‫صفٌ َوجَاءَ ُهمُ ا ْل َموْجُ مِنْ ُكلّ َمكَا ٍ‬
‫بِرِيحٍ طَيّ َب ٍة َوفَرِحُوا ِبهَا جَاءَ ْتهَا رِيحٌ عَا ِ‬
‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَ ِذهِ لَ َنكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ (‪ )22‬فََلمّا أَ ْنجَا ُهمْ إِذَا هُمْ‬
‫دَ َ‬
‫س ُكمْ مَتَاعَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ ِإلَيْنَا‬
‫يَ ْبغُونَ فِي الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِ ّنمَا َبغْ ُيكُمْ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫ج ُعكُمْ فَنُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)23‬‬
‫مَرْ ِ‬

‫حمَةً مِنْ َبعْ ِد ضَرّاءَ َمسّ ْتهُمْ إِذَا َلهُمْ َمكْرٌ فِي آيَاتِنَا ُقلِ اللّهُ أَسْ َرعُ َمكْرًا إِنّ‬
‫{ وَإِذَا أَ َذقْنَا النّاسَ رَ ْ‬
‫ك وَجَرَيْنَ‬
‫رُسُلَنَا َيكْتُبُونَ مَا َت ْمكُرُونَ (‪ُ )21‬هوَ الّذِي يُسَيّ ُر ُكمْ فِي الْبَ ّر وَالْبَحْرِ حَتّى إِذَا كُنْتُمْ فِي ا ْلفُ ْل ِ‬
‫ف وَجَا َءهُمُ ا ْل َموْجُ مِنْ ُكلّ َمكَانٍ َوظَنّوا أَ ّنهُمْ ُأحِيطَ‬
‫ص ٌ‬
‫ِبهِمْ بِرِيحٍ طَيّبَ ٍة َوفَرِحُوا ِبهَا جَاءَ ْتهَا رِيحٌ عَا ِ‬
‫عوُا اللّهَ ُمخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ لَئِنْ أَ ْنجَيْتَنَا مِنْ َه ِذهِ لَ َنكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ (‪ )22‬فََلمّا أَنْجَاهُمْ ِإذَا ُهمْ‬
‫ِبهِمْ دَ َ‬
‫سكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا ُثمّ إِلَيْنَا‬
‫حقّ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِ ّنمَا َبغْ ُيكُمْ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫يَ ْبغُونَ فِي ال ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫ج ُعكُمْ فَنُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪} )23‬‬
‫مَرْ ِ‬
‫يخبر (‪ )1‬تعالى أنه إذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم ‪ ،‬كالرخاء بعد الشدة ‪ ،‬والخصب‬
‫(‪ )2‬بعد الجدب ‪ ،‬والمطر بعد القحط ونحو ذلك { ِإذَا َلهُمْ َمكْرٌ فِي آيَاتِنَا }‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬استهزاء وتكذيب‪ .‬كما قال ‪ { :‬وَِإذَا مَسّ النْسَانَ الضّرّ دَعَانَا لِجَنْ ِبهِ َأوْ قَاعِدًا َأوْ قَا ِئمًا‬
‫شفْنَا عَنْ ُه ضُ ّرهُ مَرّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرّ مَسّهُ } [ يونس ‪ ، ] 12 :‬وفي الصحيح أن رسول‬
‫فََلمّا كَ َ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم صلى بهم الصبح على (‪ )3‬أثر سماء ‪ -‬مطر (‪ - )4‬أصابهم (‪ )5‬من‬
‫الليل ثم قال ‪" :‬هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟" قالوا (‪ )6‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬قال ‪ :‬أصبح‬
‫من عبادي مؤمن بي وكافر ‪ ،‬فأما من قال ‪ :‬مُطرنا بفضل ال ورحمته ‪ ،‬فذلك مؤمن بي كافر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بالكوكب ‪ ،‬وأما من قال ‪ :‬مطرنا بنوء كذا وكذا ‪ ،‬فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب"‪)7( .‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلِ اللّهُ أَسْ َرعُ َمكْرًا } أي ‪ :‬أشد استدراجا وإمهال حتى يظن الظان من المجرمين أنه‬
‫ليس بمعذب ‪ ،‬وإنما هو في مهلة ‪ ،‬ثم يؤخذ على غرة منه ‪ ،‬والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع‬
‫ما يفعله ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فخبر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬والخصيب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أي مطر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أصابتهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬قلنا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )846‬وصحيح مسلم برقم (‪.)71‬‬

‫( ‪)4/258‬‬

‫س وَالْأَ ْنعَامُ‬
‫سمَاءِ فَاخْتَلَطَ ِبهِ نَبَاتُ الْأَ ْرضِ ِممّا يَ ْأ ُكلُ النّا ُ‬
‫إِ ّنمَا مَ َثلُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا َكمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ال ّ‬
‫خ َذتِ الْأَ ْرضُ زُخْ ُر َفهَا وَازّيّ َنتْ وَظَنّ أَهُْلهَا أَ ّن ُهمْ قَادِرُونَ عَلَ ْيهَا أَتَاهَا َأمْرُنَا لَيْلًا َأوْ َنهَارًا‬
‫حَتّى إِذَا أَ َ‬
‫صلُ الْآَيَاتِ ِلقَوْمٍ يَ َتفَكّرُونَ (‪ )24‬وَاللّهُ َيدْعُو إِلَى دَارِ‬
‫حصِيدًا كَأَنْ َلمْ َتغْنَ بِالَْأمْسِ َكذَِلكَ ُنفَ ّ‬
‫جعَلْنَاهَا َ‬
‫فَ َ‬
‫السّلَا ِم وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪)25‬‬

‫ويحصونه عليه ‪ ،‬ثم يعرضون على عالم الغيب والشهادة ‪ ،‬فيجازيه على الحقير والجليل (‪)1‬‬
‫والنقير والقِطْمير‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى أنه ‪ُ { :‬هوَ الّذِي يُسَيّ ُركُمْ فِي الْبَ ّر وَالْ َبحْرِ } أي ‪ :‬يحفظكم (‪ )2‬ويكلؤكم بحراسته‬
‫ك وَجَرَيْنَ ِب ِهمْ بِرِيحٍ طَيّبَ ٍة َوفَرِحُوا ِبهَا } أي ‪ :‬بسرعة سيرهم رافقين ‪،‬‬
‫{ حَتّى إِذَا كُنْ ُتمْ فِي ا ْلفُلْ ِ‬
‫صفٌ } أي ‪ :‬شديدة { َوجَاءَ ُهمُ ا ْل َموْجُ‬
‫فبينما (‪ )3‬هم كذلك إذ { جَاءَ ْتهَا } أي ‪ :‬تلك السفن { رِيحٌ عَا ِ‬
‫عوُا اللّهَ‬
‫مِنْ ُكلّ َمكَانٍ } أي ‪ :‬اغتلم البحر عليهم { وَظَنّوا أَ ّنهُمْ ُأحِيطَ ِب ِهمْ } أي ‪ :‬هلكوا { دَ َ‬
‫مُخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ } أي ‪ :‬ل يدعون معه صنما ول وثنا ‪ ،‬بل يفردونه بالدعاء والبتهال ‪ ،‬كما قال‬
‫ضلّ مَنْ َتدْعُونَ إِل إِيّاهُ فََلمّا َنجّاكُمْ ِإلَى الْبَرّ أَعْ َرضْتُ ْم َوكَانَ‬
‫سكُمُ الضّرّ فِي الْبَحْرِ َ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَإِذَا َم ّ‬
‫عوُا اللّهَ ُمخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ لَئِنْ أَ ْنجَيْتَنَا مِنْ‬
‫النْسَانُ َكفُورًا } [ السراء ‪ ، ] 67 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬دَ َ‬
‫هَ ِذهِ } أي ‪ :‬هذه الحال { لَ َنكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ } أي ‪ :‬ل نشرك بك أحدا ‪ ،‬ولنفردنك (‪ )4‬بالعبادة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هناك كما أفردناك بالدعاء هاهنا ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬فََلمّا أَ ْنجَاهُمْ } أي ‪ :‬من تلك الورطة { إِذَا هُمْ‬
‫حقّ } أي ‪ :‬كأن لم يكن من ذاك شيء (‪ { )5‬كَأَنْ َلمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرّ‬
‫يَ ْبغُونَ فِي ال ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫مَسّهُ }‬
‫سكُمْ } أي ‪ :‬إنما يذوق وبال هذا البغي أنتم‬
‫علَى أَ ْنفُ ِ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِ ّنمَا َبغْ ُيكُمْ َ‬
‫أنفسكم ول تضرون (‪ )6‬به أحدا غيركم ‪ ،‬كما جاء في الحديث ‪" :‬ما من ذنب أجدر (‪ )7‬أن يعجل‬
‫ال عقوبته في الدنيا ‪ ،‬مع ما يَدخر (‪ )8‬ال لصاحبه في الخرة ‪ ،‬من البغي وقطيعة الرحم"‪)9( .‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا } أي ‪ :‬إنما لكم متاع في الحياة الدنيا الدنيئة الحقيرة { ُثمّ إِلَيْنَا‬
‫ج ُعكُمْ } أي ‪ :‬مصيركم ومآلكم (‪ { )10‬فننبئكم } أي ‪ :‬فنخبركم بجميع أعمالكم ‪ ،‬ونوفيكم (‪)11‬‬
‫مَرْ ِ‬
‫إياها ‪ ،‬فمن وجد خيرا فليحمد ال ‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه‪.‬‬
‫س وَال ْنعَامُ‬
‫سمَاءِ فَاخْتََلطَ بِهِ نَبَاتُ ال ْرضِ ِممّا يَ ْأ ُكلُ النّا ُ‬
‫{ إِ ّنمَا مَ َثلُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َكمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ ال ّ‬
‫ت وَظَنّ أَهُْلهَا أَ ّنهُمْ قَادِرُونَ عَلَ ْيهَا أَتَاهَا َأمْرُنَا لَيْل َأوْ َنهَارًا‬
‫خ َذتِ الرْضُ ُزخْ ُر َفهَا وَازّيّنَ ْ‬
‫حَتّى إِذَا أَ َ‬
‫صلُ اليَاتِ ِلقَوْمٍ يَ َتفَكّرُونَ (‪ )24‬وَاللّهُ َيدْعُو إِلَى دَارِ‬
‫حصِيدًا كَأَنْ َلمْ َتغْنَ بِالمْسِ كَذَِلكَ ُن َف ّ‬
‫جعَلْنَاهَا َ‬
‫فَ َ‬
‫السّل ِم وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪} )25‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬القليل والحقير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يحيطكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فبينا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ولنفردك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كأن لم يكن شيء من ذاك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬يضرون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أحذر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬يؤخر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )4902‬والترمذي في السنن برقم (‪ )2511‬وابن ماجه في‬
‫السنن برقم (‪ )4211‬من حديث أبي بكرة رضي ال عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬ومآبكم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬ونوفكم"‪.‬‬

‫( ‪)4/259‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضرب [تبارك و] (‪ )1‬تعالى مثل لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها ‪ ،‬بالنبات‬
‫الذي أخرجه ال من الرض بما أنزل (‪ )2‬من السماء من الماء ‪ ،‬مما يأكل الناس من زرع (‪)3‬‬
‫وثمار ‪ ،‬على اختلف أنواعها وأصنافها ‪ ،‬وما تأكل (‪ )4‬النعام من أب و َقضْب وغير ذلك ‪،‬‬
‫{ حَتّى إِذَا َأخَ َذتِ ال ْرضُ زُخْ ُر َفهَا } أي ‪ :‬زينتها الفانية ‪ { ،‬وَازّيّ َنتْ } أي ‪ :‬حَسُنت بما خرج من‬
‫(‪ )5‬رُباها من زهور َنضِرة مختلفة الشكال واللوان ‪ { ،‬وَظَنّ أَهُْلهَا } الذين زرعوها وغرسوها‬
‫(‪ { )6‬أَ ّنهُمْ قَادِرُونَ عَلَ ْيهَا } أي ‪ :‬على جَذاذها وحصادها فبيناهم (‪ )7‬كذلك إذ جاءتها صاعقة ‪ ،‬أو‬
‫ريح بادرة ‪ ،‬فأيبست أوراقها ‪ ،‬وأتلفت ثمارها ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬أَتَاهَا َأمْرُنَا لَيْل َأوْ َنهَارًا‬
‫حصِيدًا } (‪ )8‬أي ‪ :‬يبسا بعد [تلك] (‪ )9‬الخضرة والنضارة ‪ { ،‬كَأَنْ َلمْ َتغْنَ بِالمْسِ } أي‬
‫جعَلْنَاهَا َ‬
‫فَ َ‬
‫‪ :‬كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬كَأَنْ َلمْ َتغْنَ } كأن لم تنعم‪.‬‬
‫وهكذا المور بعد زوالها كأنها لم تكن ؛ ولهذا جاء في الحديث (‪ )10‬يؤتى بأنعم أهل الدنيا ‪،‬‬
‫غمْسَة ثم يقال له ‪ :‬هل رأيت خيرًا قط ؟ [هل مر بك نعيم قط ؟] (‪ )11‬فيقول ‪:‬‬
‫ف ُي ْغمَس في النار َ‬
‫ل‪ .‬ويؤتى بأشد الناس عذابًا في الدنيا (‪ )12‬فيغمس في النعيم غمسة ‪ ،‬ثم يقال له ‪ :‬هل رأيت‬
‫بؤسا قط ؟ فيقول ‪ :‬ل" (‪)13‬‬
‫وقال تعالى إخبارًا عن المهلكين ‪ { :‬فََأصْ َبحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَا ِثمِينَ كَأَنْ لَمْ َيغْ َنوْا فِيهَا } [ هود ‪94 :‬‬
‫‪.] 95 ،‬‬
‫صلُ اليَاتِ } أي ‪ :‬نبين الحُجج والدلة ‪ِ { ،‬لقَوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ } فيعتبرون‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬كذَِلكَ ُنفَ ّ‬
‫بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريعًا مع اغترارهم بها ‪ ،‬وتمكنهم (‪ )14‬بمواعيدها و َتفَلّتها (‬
‫‪ )15‬منهم ‪ ،‬فإن من طبعها الهرب ممن طلبها ‪ ،‬والطلب لمن هرب منها ‪ ،‬وقد ضرب ال مثل‬
‫الحياة الدنيا بنبات الرض ‪ ،‬في غير ما آية من كتابه العزيز ‪ ،‬فقال في سورة الكهف ‪:‬‬
‫سمَاءِ فَاخْتََلطَ بِهِ نَبَاتُ ال ْرضِ فََأصْبَحَ هَشِيمًا‬
‫{ وَاضْ ِربْ َلهُمْ مَ َثلَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا َكمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ ال ّ‬
‫شيْءٍ مُقْتَدِرًا } [ الكهف ‪ ، ] 45 :‬وكذا في سورة الزمر (‪)16‬‬
‫ح َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫تَذْرُوهُ الرّيَا ُ‬
‫والحديد (‪ )17‬يضرب بذلك مثل الحياة الدنيا كماء‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني الحارث (‪ )18‬حدثنا عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا ابن عُيَيْنَةَ ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫دينار ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال ‪ :‬سمعت مروان‬
‫‪ -‬يعني ‪ :‬ابن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنزل ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬زروع"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يأكل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وعرشوها"‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فبيناها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جاءها" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويؤتى بأبأس أهل الدنيا"‪.‬‬
‫(‪ )13‬سنن ابن ماجه برقم (‪.)4321‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وتمسكهم"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪" :‬وتفلها"‪.‬‬
‫(‪ )16‬الية ‪.21 :‬‬
‫(‪ )17‬الية ‪20 :‬‬
‫(‪ )18‬في ت ‪" :‬الحرب"‪.‬‬

‫( ‪)4/260‬‬

‫الحكم ‪ -‬يقرأ على المنبر ‪" :‬وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وما كان ال ليهلكها (‪ )1‬إل‬
‫بذنوب أهلها" ‪ ،‬قال ‪ :‬قد قرأتها وليست في المصحف فقال عباس بن عبد ال بن عباس ‪ :‬هكذا‬
‫يقرؤها ابن عباس‪ .‬فأرسلوا إلى ابن عباس فقال ‪ :‬هكذا أقرأني أبيّ بن كعب‪)2( .‬‬
‫وهذه قراءة غريبة ‪ ،‬وكأنها زيادة للتفسير‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السّلمِ } الية ‪ :‬لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة [عطبها و] (‪)3‬‬
‫زوالها ‪ ،‬رغّب في الجنة ودعا إليها ‪ ،‬وسماها دار السلم أي ‪ :‬من الفات ‪ ،‬والنقائص والنكبات ‪،‬‬
‫فقال ‪ { :‬وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السّل ِم وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ }‪.‬‬
‫قال أيوب عن أبي قِلبة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬قيل لي ‪ :‬لتنَمْ عينُك ‪ ،‬وليعقلْ‬
‫قلبك ‪ ،‬ولتسمع (‪ )4‬أذنك فنامت عيني ‪ ،‬وعقل قلبي ‪ ،‬وسمعت أذني‪ .‬ثم قيل ‪ :‬سيّدٌ بَنَى دارًا ‪ ،‬ثم‬
‫صنع مأدبة ‪ ،‬وأرسل داعيًا ‪ ،‬فمن أجاب الداعي دخل الدار ‪ ،‬وأكل من المأدبة ‪ ،‬ورضي عنه‬
‫السيد ‪ ،‬ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ‪ ،‬ولم يأكل من المأدبة ‪ ،‬ولم يرض عنه السيد فال‬
‫السيد ‪ ،‬والدار السلم ‪ ،‬والمأدبة الجنة ‪ ،‬والداعي محمد صلى ال عليه وسلم‪)5( .‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا حديث مرسل ‪ ،‬وقد جاء متصل من حديث الليث ‪ ،‬عن خالد بن يزيد (‪ )6‬عن سعيد بن أبي‬
‫هلل ‪ ،‬عن جابر (‪ )7‬بن عبد ال ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬خرج علينا رسولُ ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يومًا فقال ‪" :‬إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي ‪ ،‬وميكائيل عند رجلي ‪ ،‬يقول‬
‫عقَل قلبك ‪ ،‬إنما مَثَلُك‬
‫أحدهما لصاحبه ‪ :‬اضرب له مثل‪ .‬فقال ‪ :‬اسمع سَمعت أذنك ‪ ،‬واعقل َ‬
‫ومثل أمّتك كمثل ملك اتخذ دارا ‪ ،‬ثم بنى فيها بيتًا ‪ ،‬ثم جعل فيها مأدبة ‪ ،‬ثم بعث رسول يدعو‬
‫الناس إلى طعامه ‪ ،‬فمنهم من أجاب الرسول ‪ ،‬ومنهم من تركه ‪ ،‬فال الملك ‪ ،‬والدار السلم ‪،‬‬
‫والبيت الجنة ‪ ،‬وأنت يا محمد الرسُول ‪ ،‬فمن أجابك دخل السلم ‪ ،‬ومن دخل السلم دخل الجنة‬
‫‪ ،‬ومن دخل الجنة أكل منها" رواه ابن جرير‪)8( .‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬حدثني خُلَيْد ال َعصَري ‪ ،‬عن أبي الدرداء قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"ما من يوم طلعت فيه شمسه إل وبجنَبَتَيْها ملكان يناديان يسمعهما (‪ )9‬خلق ال كلهم إل الثقلين ‪:‬‬
‫يا أيها الناس ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ليهلكهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )15/57‬وانظر تعليق الستاذ محمود شاكر في الحاشية ‪ ،‬فقد ذكر أن هذا‬
‫السناد هالك‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وليسمع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)15/60‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سويد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬جبار"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪ )15/61‬وعلقه البخاري في الصحيح برقم (‪ )7281‬ورواه الترمذي في‬
‫السنن برقم (‪ )2860‬من طريق قتيبة عن الليث به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث مرسل ‪ ،‬سعيد‬
‫بن أبي هلل لم يدرك جابر بن عبد ال" قال ‪" :‬وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم بإسناد أصح من هذا" قلت ‪ :‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7281‬من‬
‫طريق يزيد عن سليم بن حيان ‪ ،‬عن سعيد بن أبي ميناء ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يسمعه"‪.‬‬

‫( ‪)4/261‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل و َكفَى ‪ ،‬خير مما كثر وألهى"‪ .‬قال ‪ :‬وأنزل ذلك في (‪ )1‬القرآن ‪ ،‬في‬
‫هلموا إلى ربكم ‪ ،‬إن ما ق ّ‬
‫قوله ‪ { :‬وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السّل ِم وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } رواه ابن أبي حاتم ‪،‬‬
‫وابن جرير‪)2( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )15/60‬ورواه أحمد في مسنده (‪ )5/197‬من طريق همام عن قتادة بنحوه‪.‬‬

‫( ‪)4/262‬‬

‫صحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‬


‫ق وُجُو َههُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلّةٌ أُولَ ِئكَ َأ ْ‬
‫لِلّذِينَ أَحْسَنُوا ا ْلحُسْنَى وَزِيَا َد ٌة وَلَا يَرْ َه ُ‬
‫(‪)26‬‬

‫ق وُجُو َههُمْ قَتَ ٌر وَل ذِلّةٌ أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ هُمْ فِيهَا‬
‫{ لِلّذِينَ َأحْسَنُوا ا ْلحُسْنَى وَزِيَا َد ٌة وَل يَرْ َه ُ‬
‫خَاِلدُونَ (‪} )26‬‬
‫يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا باليمان والعمل الصالح أبدله (‪ )1‬الحسنى في الدار‬
‫حسَانِ إِل الحْسَانُ } [ الرحمن ‪.] 60 :‬‬
‫الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬هلْ جَزَاءُ ال ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَزِيَادَة } هي (‪ )2‬تضعيف ثواب العمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ‪،‬‬
‫وزيادة على ذلك [أيضا] (‪ )3‬ويشمل ما يعطيهم ال في الجنان من ال ُقصُور والحُور والرضا عنهم‬
‫‪ ،‬وما أخفاه لهم من قرة أعين ‪ ،‬وأفضل من ذلك وأعله النظرُ إلى وجهه (‪ )4‬الكريم ‪ ،‬فإنه زيادة‬
‫أعظم من جميع ما أعطوه ‪ ،‬ل يستحقونها بعملهم ‪ ،‬بل بفضله ورحمته (‪ )5‬وقد روي تفسير‬
‫الزيادة بالنظر إلى وجه ال (‪ )6‬الكريم ‪ ،‬عن أبي بكر الصديق ‪ ،‬وحذيفة بن اليمان ‪ ،‬وعبد ال بن‬
‫عباس [قال البغوي وأبو موسى وعبادة بن الصامت] (‪ )7‬وسعيد بن المسيب ‪ ،‬وعبد الرحمن بن‬
‫أبي ليلى ‪ ،‬وعبد الرحمن بن سابط ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وعامر بن سعد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والضحاك‬
‫‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وغيرهم من السلف والخلف‪.‬‬
‫وقد وردت في ذلك أحاديثُ كثيرة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فمن ذلك ما رواه‬
‫المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عفان ‪ ،‬أخبرنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت البُناني ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬عن‬
‫حسْنَى وَزِيَا َدةٌ }‬
‫حسَنُوا الْ ُ‬
‫صهيب ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تل هذه الية ‪ { :‬لِلّذِينَ أَ ْ‬
‫وقال ‪" :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة ‪ ،‬وأهل النار النار ‪ ،‬نادى مناد ‪ :‬يا أهل الجنة ‪ ،‬إن لكم عند ال‬
‫موعدًا يريد أن يُنْجِ َز ُكمُوه‪ .‬فيقولون ‪ :‬وما هو ؟ ألم يُثقّل موازيننا ‪ ،‬ويبيض وجوهنا ‪ ،‬ويدخلنا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الجنة ‪ ،‬ويزحزحنا من النار ؟"‪ .‬قال ‪" :‬فيكشف (‪ )8‬لهم الحجاب ‪ ،‬فينظرون إليه ‪ ،‬فوال ما‬
‫أعطاهم ال شيئا أحب إليهم من النظر إليه ‪ ،‬ول أقر لعينهم"‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم وجماعة من الئمة ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به‪)9( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أن لهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تشمل هي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وجه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ورحمته"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وجهه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬فكشف"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪ )181‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2552‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم (‪ )11234‬وابن ماجه في السنن برقم (‪.)187‬‬

‫( ‪)4/262‬‬

‫صمٍ كَأَ ّنمَا أُغْشِ َيتْ‬


‫وَالّذِينَ كَسَبُوا السّيّئَاتِ جَزَاءُ سَيّئَةٍ ِبمِثِْلهَا وَتَرْ َه ُقهُمْ ذِلّةٌ مَا َل ُهمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عَا ِ‬
‫طعًا مِنَ اللّ ْيلِ مُظِْلمًا أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)27‬‬
‫وُجُو ُههُمْ ِق َ‬

‫وقال ابن جرير ‪ :‬أخبرنا يونس ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ :‬أخبرنا شبيب ‪ ،‬عن أبان (‪ )1‬عن أبي َتمِيمَة‬
‫الهُجَيْمي ؛ أنه سمع أبا موسى الشعري يحدث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال‬
‫صوْت ُيسْم ُع أوّلهم وآخرهم ‪ : -‬إن ال وعدكم‬
‫يبعث يوم القيامة مناديا ينادي ‪ :‬يا أهل الجنة ‪ -‬ب َ‬
‫الحسنى وزيادة ‪ ،‬الحسنى ‪ :‬الجنة‪ .‬وزيادة ‪ :‬النظر إلى وجه الرحمن عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه أيضا ابنُ أبي حاتم ‪ ،‬من حديث أبي بكر الهُذلي (‪ )3‬عن أبي تميمة الهجيمي ‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضًا ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن المختار (‪ )4‬عن ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن‬
‫عطاء ‪ ،‬عن كعب بن عُجْرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ‪ { :‬لِلّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى‬
‫وَزِيَا َدةٌ } قال ‪ :‬النظر إلى وجه الرحمن عز وجل‪)5( .‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا ابن عبد الرحيم (‪ )6‬حدثنا عمرو بن أبي سلمة ‪ ،‬سمعت زهيرًا عمن سمع أبا‬
‫العالية ‪ ،‬حدثنا أبيّ بن كعب ‪ :‬أنه سأل رسولَ ال صلى ال عليه وسلم عن قول ال عز وجل ‪{ :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لِلّذِينَ أَحْسَنُوا ا ْلحُسْنَى وَزِيَا َدةٌ } قال ‪" :‬الحسنى ‪ :‬الجنة ‪ ،‬والزيادة ‪ :‬النظر إلى وجه ال عز وجل"‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم أيضا من حديث زهير ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ق وُجُو َه ُهمْ قَتَرٌ } أي ‪ :‬قتام وسواد في عَرَصات المحشر ‪ ،‬كما يعتري‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَل يَ ْرهَ ُ‬
‫وجوه الكفرة الفجرة من القُتْرة والغُبْرة ‪ { ،‬وَل ِذلّةٌ } أي ‪ :‬هوان وصغار ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يحصل لهم‬
‫إهانة في الباطن ‪ ،‬ول في الظاهر ‪ ،‬بل هم كما قال تعالى في حقهم ‪َ { :‬ف َوقَاهُمُ اللّهُ شَرّ ذَِلكَ الْ َيوْمِ‬
‫وَلَقّا ُهمْ َنضْ َرةً وَسُرُورًا } أي ‪ :‬نضرة في وجوههم ‪ ،‬وسرورًا في قلوبهم ‪ ،‬جعلنا ال منهم بفضله‬
‫ورحمته ‪ ،‬آمين‪.‬‬
‫غشِ َيتْ‬
‫{ وَالّذِينَ كَسَبُوا السّيّئَاتِ جَزَاءُ سَيّئَةٍ ِبمِثِْلهَا وَتَرْ َه ُقهُمْ ذِلّةٌ مَا َلهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَ ّنمَا أُ ْ‬
‫طعًا مِنَ اللّ ْيلِ مُظِْلمًا أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪} )27‬‬
‫وُجُو ُههُمْ ِق َ‬
‫لما أخبر تعالى عن حال السعداء الذين يُضاعف لهم الحسنات ‪ ،‬ويزدادون (‪ )8‬على ذلك ‪ ،‬عطف‬
‫بذكر حال الشقياء ‪ ،‬فذكر عدله تعالى فيهم ‪ ،‬وأنه يجازيهم على السيئة بمثلها ‪ ،‬ل يزيدهم على‬
‫ذلك ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأبان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )15/65‬وابن وهب روى عن شبيب مناكير وأبان بن أبي عياش ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬الهذل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬المختار به"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )15/68‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )5/204‬من طريق محمد بن حميد به ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬غريب من حديث عطاء وابن جريج تفرد به إبراهيم بن المختار"‪ .‬وإبراهيم بن المختار‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عبد الرحمن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )15/69‬ورواه الللكائي في السنة برقم (‪ )780‬من طرق الوليد بن مسلم‬
‫عن زهير بن محمد عمن سمع أبا العالية يحدث عن أبي بن كعب فذكره مرفوعا‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ويزادون"‪.‬‬

‫( ‪)4/263‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جمِيعًا ثُمّ َنقُولُ لِلّذِينَ أَشْ َركُوا َمكَا َنكُمْ أَنْ ُت ْم وَشُ َركَا ُؤكُمْ فَزَيّلْنَا بَيْ َنهُ ْم َوقَالَ شُ َركَاؤُهُمْ مَا‬
‫وَ َيوْمَ نَحْشُ ُرهُمْ َ‬
‫شهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمْ إِنْ كُنّا عَنْ عِبَادَ ِتكُمْ َلغَافِلِينَ (‪ )29‬هُنَاِلكَ تَبْلُو‬
‫كُنْتُمْ إِيّانَا َتعْ ُبدُونَ (‪َ )28‬ف َكفَى بِاللّهِ َ‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪)30‬‬
‫ق َو َ‬
‫ت وَرُدّوا إِلَى اللّهِ َموْلَاهُمُ ا ْلحَ ّ‬
‫ُكلّ َنفْسٍ مَا َأسَْلفَ ْ‬

‫{ وَتَرْ َه ُقهُم } أي ‪ :‬تعتريهم وتعلوهم ذلة من معاصيهم وخوفهم منها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَتَرَاهُمْ‬
‫خفِيّ } [ الشورى ‪ ، ] 45 :‬وقال تعالى ‪{ :‬‬
‫شعِينَ مِنَ ال ّذلّ يَ ْنظُرُونَ مِنْ طَ ْرفٍ َ‬
‫ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا خَا ِ‬
‫طعِينَ‬
‫خصُ فِيهِ ال ْبصَارُ * ُمهْ ِ‬
‫عمّا َي ْع َملُ الظّاِلمُونَ إِ ّنمَا ُيؤَخّرُ ُهمْ لِ َيوْمٍ َتشْ َ‬
‫وَل َتحْسَبَنّ اللّهَ غَافِل َ‬
‫سهِمْ ل يَرْ َتدّ إِلَ ْيهِمْ طَ ْر ُفهُ ْم وََأفْئِدَ ُتهُمْ َهوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النّاسَ َيوْمَ يَأْتِي ِهمُ ا ْلعَذَاب } [ إبراهيم‬
‫ُمقْنِعِي رُءُو ِ‬
‫‪ ، ] 44 - 42 :‬وقوله { مَا َل ُهمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ } أي ‪ :‬من مانع ول واق يقيهم العذاب ‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى ‪َ { :‬يقُولُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ أَيْنَ ا ْل َمفَرّ * كَل ل وَزَرَ * إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْلمُسْ َتقَرّ } [ القيامة‬
‫‪.] 12 - 10 :‬‬
‫طعًا مِنَ اللّ ْيلِ ُمظِْلمًا } إخبار عن سواد وجوههم في الدار‬
‫ت وُجُو ُه ُهمْ قِ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬كَأَ ّنمَا أُغْشِ َي ْ‬
‫ت وُجُو ُه ُهمْ َأ َكفَرْتُمْ َبعْدَ‬
‫سوَ ّد ْ‬
‫سوَ ّد وُجُوهٌ فََأمّا الّذِينَ ا ْ‬
‫ض وُجُو ٌه وَتَ ْ‬
‫الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ تَبْ َي ّ‬
‫حمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا‬
‫ت وُجُو ُههُمْ َففِي رَ ْ‬
‫إِيمَا ِنكُمْ فَذُوقُوا ا ْلعَذَابَ ِبمَا كُنْتُمْ َتكْفُرُونَ * وََأمّا الّذِينَ ابْ َيضّ ْ‬
‫حكَةٌ‬
‫سفِ َر ٌة ضَا ِ‬
‫خَاِلدُونَ } [ آل عمران ‪ ، ] 107 ، 106 :‬وكما قال تعالى ‪ { :‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ مُ ْ‬
‫مُسْتَبْشِ َر ٌة َووُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ عَلَ ْيهَا غَبَ َرةٌ تَرْ َه ُقهَا قَتَ َرةٌ أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل َكفَرَةُ ا ْلفَجَ َرةُ } [ عبس ‪.] 42 - 38 :‬‬
‫الية‪.‬‬
‫جمِيعًا ُثمّ َنقُولُ لِلّذِينَ أَشْ َركُوا َمكَا َنكُمْ أَنْتُ ْم وَشُ َركَا ُؤكُمْ فَزَيّلْنَا بَيْ َنهُ ْم َوقَالَ شُ َركَاؤُهُمْ‬
‫{ وَ َيوْمَ َنحْشُرُ ُهمْ َ‬
‫شهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمْ إِنْ كُنّا عَنْ عِبَادَ ِتكُمْ َلغَافِلِينَ (‪ )29‬هُنَاِلكَ‬
‫مَا كُنْتُمْ إِيّانَا َتعْ ُبدُونَ (‪َ )28‬ف َكفَى بِاللّهِ َ‬
‫ق َوضَلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪} )30‬‬
‫حّ‬‫ت وَرُدّوا إِلَى اللّهِ َموْلهُمُ الْ َ‬
‫تَبْلُو ُكلّ َنفْسٍ مَا َأسَْلفَ ْ‬
‫حشُرُهُمْ } أي ‪ :‬أهل الرض كلهم ‪ ،‬من إنس وجن (‪ )1‬وبر وفاجر ‪ ،‬كما‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَ َيوْمَ نَ ْ‬
‫حدًا } [ الكهف ‪.] 47 :‬‬
‫حشَرْنَاهُمْ فََلمْ ُنغَادِرْ مِ ْن ُهمْ أَ َ‬
‫قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫{ ُثمّ َنقُولُ لِلّذِينَ أَشْ َركُوا َمكَا َنكُمْ أَنْتُمْ وَشُ َركَاؤُكُمْ } أي ‪ :‬الزموا أنتم وهم مكانًا معينًا ‪ ،‬امتازوا فيه‬
‫عن مقام المؤمنين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَامْتَازُوا الْ َيوْمَ أَ ّيهَا ا ْلمُجْ ِرمُونَ } [ يس ‪ ، ] 59 :‬وقال‬
‫عةُ َي ْومَئِذٍ يَ َتفَ ّرقُونَ } [ الروم ‪ ، ] 14 :‬وفي الية الخرى ‪َ { :‬ي ْومَئِذٍ َيصّدّعُونَ }‬
‫{ وَ َيوْمَ َتقُومُ السّا َ‬
‫[ الروم ‪ ] 43 :‬أي ‪ :‬يصيرون صِدعين ‪ ،‬وهذا يكون إذا جاء الرب تعالى لفصل القضاء ؛ ولهذا‬
‫قيل ‪ :‬ذلك (‪ )2‬يستشفع المؤمنون إلى ال تعالى أن يأتي لفصل القضاء ويريحنا من مقامنا هذا ‪،‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪" :‬نحن يوم القيامة على َكوْم فوق الناس‪)4( )3( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" ،‬من جن وإنس"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬وقع هنا بياض في هـ ‪ ،‬ووصل في ت ‪ ،‬أ‪ .‬وحديث الستشفاع رواه البخاري في صحيحه‬
‫برقم (‪ )4476‬من حديث أنس رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬النار"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد في المسند (‪ )3/345‬من حديث جابر رضي ال عنه‪ .‬والكوم ‪ :‬الموضع المشرف‬
‫العال‪.‬‬

‫( ‪)4/264‬‬

‫وقال ال تعالى في هذه الية الكريمة إخبارًا عما يأمر به المشركين (‪ )1‬وأوثانهم يوم القيامة ‪:‬‬
‫{ َمكَا َنكُمْ أَنْ ُت ْم وَشُ َركَا ُؤكُمْ فَزَيّلْنَا بَيْ َنهُمْ َوقَالَ شُ َركَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيّانَا َتعْ ُبدُونَ } أنكروا عبادتهم ‪،‬‬
‫علَ ْيهِ ْم ضِدّا } الية‪ [ .‬مريم‬
‫وتبرءوا منهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪[ { :‬كَل] سَ َيكْفُرُونَ ِبعِبَادَ ِتهِ ْم وَ َيكُونُونَ َ‬
‫‪ )2( .] 82 :‬وقال ‪ { :‬إِذْ تَبَرّأَ الّذِينَ اتّ ِبعُوا مِنَ الّذِينَ اتّ َبعُوا } [ البقرة ‪ ، ] 166 :‬وقال { َومَنْ‬
‫ن وَإِذَا‬
‫ضلّ ِممّنْ َيدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ ل َيسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَا ِئهِمْ غَافِلُو َ‬
‫َأ َ‬
‫حشِرَ النّاسُ كَانُوا َلهُمْ أَعْدَاءً َوكَانُوا ِبعِبَادَ ِتهِمْ كَافِرِينَ } [ الحقاف ‪.] 6 ، 5 :‬‬
‫ُ‬
‫وقال في هذه الية إخبارًا عن قول الشركاء فيما راجعوا فيه عابديهم عند ادعائهم عبادتهم ‪:‬‬
‫شهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمْ إِنْ كُنّا عَنْ عِبَادَ ِتكُمْ َلغَافِلِينَ } أي ‪ :‬ما كنا نشعر بها ول نعلم ‪،‬‬
‫{ َف َكفَى بِاللّهِ َ‬
‫وإنما أنتم كنتم تعبدوننا من حيث ل ندري بكم ‪ ،‬وال شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا‬
‫‪ ،‬ول أمرناكم بها ‪ ،‬ول رضينا منكم بذلك‪.‬‬
‫وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع ال غيره ‪ ،‬ممن ل يسمع ول يبصر ‪ ،‬ول يغني‬
‫عنهم شيئًا ‪ ،‬ولم يأمرهم بذلك ول رضي به ول أراده ‪ ،‬بل تبرأ منهم في وقت أحوج ما يكونون‬
‫إليه ‪ ،‬وقد تركوا (‪ )3‬عبادة الحي القيوم ‪ ،‬السميع البصير ‪ ،‬القادر على كل شيء ‪ ،‬العليم بكل‬
‫شيء وقد أرسل رسله وأنزل كتبه ‪ ،‬آمرا بعبادته وحده ل شريك له ‪ ،‬ناهيًا عن عبادة ما سواه ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬وَلَقَدْ َبعَثْنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ َرسُول أَنِ اُعْ ُبدُوا اللّ َه وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َهدَى‬
‫ح ّقتْ عَلَ ْيهِ الضّللَةُ } [ النحل ‪ ، ] 36 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ‬
‫اللّ ُه َومِ ْنهُمْ مَنْ َ‬
‫رَسُولٍ إِل نُوحِي إِلَ ْيهِ أَنّهُ ل إَِلهَ إِل أَنَا فَاعْبُدُونِ } [ النبياء ‪ )4( ، ] 25 :‬وقال ‪ { :‬وَاسَْألْ مَنْ‬
‫حمَنِ آِلهَةً ُيعْ َبدُونَ } [ الزخرف ‪.] 45 :‬‬
‫جعَلْنَا مِنْ دُونِ الرّ ْ‬
‫أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ ُرسُلِنَا َأ َ‬
‫والمشركون أنواع وأقسام كثيرون ‪ ،‬قد ذكرهم ال في كتابه ‪ ،‬وبَيّن أحوالهم وأقوالهم ‪ ،‬ورَد عليهم‬
‫فيما هم فيه أتم رد‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬هُنَاِلكَ تَبْلُو ُكلّ َنفْسٍ مَا أَسَْل َفتْ } أي ‪ :‬في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس‬
‫وتعلم ما أسلفت من [عملها من] (‪ )5‬خير وشر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ تُبْلَى السّرَائِرُ } [ الطارق‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ ، ] 9 :‬وقال تعالى ‪ { :‬يُنَبّأُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا قَدّ َم وَأَخّرَ } [ القيامة ‪ ، ] 13 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫حسِيبًا } [ السراء ‪:‬‬
‫سكَ الْ َيوْمَ عَلَ ْيكَ َ‬
‫{ وَنُخْرِجُ لَهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ كِتَابًا َي ْلقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَا َبكَ َكفَى بِ َنفْ ِ‬
‫‪.] 14 ، 13‬‬
‫وقد قرأ بعضهم ‪ { :‬هُنَاِلكَ تَتْلُو ُكلّ َنفْسٍ مَا أَسَْل َفتْ } وفسّرها بعضهم بالقراءة ‪ ،‬وفسّرها بعضهم‬
‫بمعنى تتبع ما قدمته من خير وشر ‪ ،‬وفسّرها بعضهم بحديث ‪" :‬تتبع كل أمة ما كانت تعبد ‪ ،‬فيتبع‬
‫من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المشركون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يكون إليه وقد ترك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬نوحي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/265‬‬

‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّيتِ‬


‫س ْم َع وَالْأَ ْبصَارَ َومَنْ ُيخْرِجُ الْ َ‬
‫سمَاءِ وَالْأَ ْرضِ َأمْ مَنْ َيمِْلكُ ال ّ‬
‫ُقلْ مَنْ يَرْ ُز ُق ُكمْ مِنَ ال ّ‬
‫حقّ‬
‫حيّ َومَنْ يُدَبّرُ الَْأمْرَ فَسَ َيقُولُونَ اللّهُ َفقُلْ َأفَلَا تَ ّتقُونَ (‪ )31‬فَذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّب ُكمُ الْ َ‬
‫وَيُخْرِجُ ا ْلمَ ّيتَ مِنَ ا ْل َ‬
‫سقُوا أَ ّنهُمْ لَا‬
‫ح ّقتْ كَِل َمةُ رَ ّبكَ عَلَى الّذِينَ َف َ‬
‫حقّ إِلّا الضّلَالُ فَأَنّى ُتصْ َرفُونَ (‪َ )32‬كذَِلكَ َ‬
‫َفمَاذَا َبعْدَ الْ َ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ (‪)33‬‬

‫كان يعبد الشمس الشمس ‪ ،‬ويتبع من كان يعبد القمر القمر ‪ ،‬ويتبع من كان يعبد الطواغيت‬
‫الطواغيت" الحديث‪)1( .‬‬
‫حقّ } أي ‪ :‬ورجعت المور كلها إلى ال الحكم العدل ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَرُدّوا إِلَى اللّهِ َموْل ُهمُ الْ َ‬
‫ففصلها ‪ ،‬وأدخل أهل الجنة الجنة ‪ ،‬وأهل النار النار‪.‬‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ } أي ‪ :‬ذهب عن المشركين { مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ } أي ‪ :‬ما كانوا يعبدون من دون ال‬
‫{ َو َ‬
‫افتراء عليه‪.‬‬
‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّيتِ‬
‫سمْ َع وَالبْصَا َر َومَنْ يُخْرِجُ الْ َ‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ أَمْ مَنْ َيمِْلكُ ال ّ‬
‫{ ُقلْ مَنْ يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫حقّ َفمَاذَا‬
‫حيّ َومَنْ يُدَبّرُ المْرَ فَسَ َيقُولُونَ اللّهُ َف ُقلْ َأفَل (‪ )31‬فَذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّب ُكمُ الْ َ‬
‫وَيُخْرِجُ ا ْلمَ ّيتَ مِنَ ا ْل َ‬
‫سقُوا أَ ّنهُمْ ل ُي ْؤمِنُونَ‬
‫ح ّقتْ كَِل َمةُ رَ ّبكَ عَلَى الّذِينَ َف َ‬
‫َبعْدَ ا ْلحَقّ إِل الضّللُ فَأَنّى ُتصْ َرفُونَ (‪َ )32‬كذَِلكَ َ‬
‫(‪} )33‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية الله (‪ )2‬فقال ‪ُ { :‬قلْ مَنْ‬
‫سمَا ِء وَالرْضِ } أي ‪ :‬من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر ‪ ،‬فيشق (‪ )3‬الرض‬
‫يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫حدَائِقَ غُلْبًا َوفَا ِكهَةً وَأَبّا }‬
‫شقًا بقدرته ومشيئته ‪ ،‬فيخرج منها { حَبّا وَعِنَبًا َو َقضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْل وَ َ‬
‫سكَ رِ ْزقَهُ }‬
‫[ عبس ‪ ، ] 31 - 27 :‬أإله مع ال ؟ فسيقولون ‪ :‬ال ‪َ { ،‬أمّنْ هَذَا الّذِي يَرْ ُز ُقكُمْ إِنْ َأ ْم َ‬
‫سمْعَ وَال ْبصَارَ } [ يونس ‪ ] 31 :‬؟ (‪ )4‬؟ أي ‪:‬‬
‫[ الملك ‪ ] 21 :‬؟ ‪ ،‬وكذلك قوله ‪َ { :‬أمّنْ َيمِْلكُ ال ّ‬
‫الذي وهبكم هذه القوة السامعة ‪ ،‬والقوة الباصرة ‪ ،‬ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها ‪ ،‬كما قال‬
‫شكُرُونَ } [ الملك ‪:‬‬
‫سمْ َع وَال ْبصَارَ وَالفْئِ َدةَ قَلِيل مَا َت ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ّ‬
‫تعالى ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ الّذِي أَنْشََأكُ ْم وَ َ‬
‫س ْم َعكُ ْم وَأَ ْبصَا َركُ ْم َوخَتَمَ عَلَى قُلُو ِبكُمْ مَنْ إَِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ‬
‫‪ ، ] 23‬وقال { ُقلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َأخَذَ اللّهُ َ‬
‫بِهِ } [ النعام ‪.] 46 :‬‬
‫حيّ } أي ‪ :‬بقدرته العظيمة ‪ ،‬ومنته‬
‫ت وَيُخْرِجُ ا ْلمَ ّيتَ مِنَ ا ْل َ‬
‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّي ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ يُخْرِجُ الْ َ‬
‫العميمة ‪ ،‬وقد تقدم ذكر الخلف في ذلك ‪ ،‬وأن الية عامة في ذلك كله‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ يُدَبّ ُر المْرَ } أي ‪ :‬من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ول يجار عليه ‪ ،‬وهو‬
‫المتصرف الحاكم الذي ل معقب لحكمه ‪ ،‬ول يُسأل عما يفعل وهم يُسْألُون ‪ { ،‬يَسْأَلُهُ مَنْ فِي‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ ُكلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن ‪ ، ] 29 :‬فالملك كله العلوي والسفلي ‪ ،‬وما‬
‫ال ّ‬
‫فيهما من ملئكة وإنس وجان ‪ ،‬فقيرون إليه ‪ ،‬عبيد له ‪ ،‬خاضعون لديه ‪ { ،‬فَسَ َيقُولُونَ اللّهُ } أي ‪:‬‬
‫هم يعلمون ذلك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )182‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وحدانيته اللهية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويشق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬قل من" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/266‬‬

‫ويعترفون به ‪َ { ،‬ف ُقلْ َأفَل تَ ّتقُونَ } أي ‪ :‬أفل تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم ؟‪.‬‬
‫حقّ إِل الضّللُ فَأَنّى ُتصْ َرفُونَ } أي ‪ :‬فهذا الذي‬
‫وقوله ‪َ { :‬فذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّبكُمُ ا ْلحَقّ َفمَاذَا َبعْدَ الْ َ‬
‫اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة ‪َ { ،‬فمَاذَا َب ْعدَ‬
‫حقّ إِل الضّللُ } أي ‪ :‬فكل معبود سواه باطل ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬واحد (‪ )1‬ل شريك له‪.‬‬
‫الْ َ‬
‫{ فَأَنّى ُتصْ َرفُونَ } (‪ )2‬أي ‪ :‬فكيف تصرفون (‪ )3‬عن عبادته إلى عبادة ما سواه ‪ ،‬وأنتم تعلمون‬
‫أنه الرب الذي خلق كل شيء ‪ ،‬والمتصرف في كل شيء ؟‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سقُوا أَ ّنهُمْ ل ُي ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬كما كفر هؤلء‬
‫ح ّقتْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ عَلَى الّذِينَ فَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬كَ َذِلكَ َ‬
‫المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع ال غيره ‪ ،‬مع أنهم يعترفون بأنه الخالق الرازق‬
‫المتصرف في الملك وحده ‪ ،‬الذي بعث رسله بتوحيده ؛ فلهذا حقت عليهم كلمة ال أنهم أشقياء من‬
‫ح ّقتْ كَِلمَةُ ا ْلعَذَابِ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ } [ الزمر ‪.] 71 :‬‬
‫ساكني النار ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬قَالُوا بَلَى وََلكِنْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل إله إل هو لن الله واحد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يصرفون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يصرفون"‪.‬‬

‫( ‪)4/267‬‬

‫خلْقَ ُثمّ ُيعِي ُدهُ ُقلِ اللّهُ يَبْدَأُ ا ْلخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ (‪ُ )34‬قلْ َهلْ‬
‫ُقلْ َهلْ مِنْ شُ َركَا ِئكُمْ مَنْ يَ ْبدَأُ الْ َ‬
‫حقّ َأ َفمَنْ َيهْدِي إِلَى ا ْلحَقّ َأحَقّ أَنْ يُتّبَعَ َأمْ مَنْ لَا‬
‫حقّ ُقلِ اللّهُ َي ْهدِي لِلْ َ‬
‫مِنْ شُ َركَا ِئكُمْ مَنْ َي ْهدِي إِلَى الْ َ‬
‫حقّ‬
‫ح ُكمُونَ (‪َ )35‬ومَا يَتّ ِبعُ َأكْثَرُهُمْ إِلّا ظَنّا إِنّ الظّنّ لَا ُيغْنِي مِنَ الْ َ‬
‫َيهِدّي إِلّا أَنْ ُيهْدَى َفمَا َلكُمْ كَ ْيفَ تَ ْ‬
‫شَيْئًا إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبمَا َي ْفعَلُونَ (‪)36‬‬

‫{ ُقلْ َهلْ مِنْ شُ َركَا ِئ ُكمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ ُقلِ اللّهُ يَ ْبدَأُ ا ْلخَلْقَ ُثمّ ُيعِي ُدهُ فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ (‪ُ )34‬قلْ‬
‫حقّ أَنْ يُتّبَعَ َأمْ مَنْ‬
‫حقّ َأ َفمَنْ َيهْدِي إِلَى ا ْلحَقّ أَ َ‬
‫حقّ ُقلِ اللّهُ َي ْهدِي لِلْ َ‬
‫َهلْ مِنْ شُ َركَا ِئكُمْ مَنْ َي ْهدِي إِلَى الْ َ‬
‫حقّ شَيْئًا‬
‫ل َي ِهدّي إِل أَنْ ُيهْدَى َفمَا َلكُمْ كَ ْيفَ (‪َ )35‬ومَا يَتّ ِبعُ َأكْثَرُهُمْ إِل ظَنّا إِنّ الظّنّ ل ُيغْنِي مِنَ الْ َ‬
‫إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبمَا َي ْفعَلُونَ (‪} )36‬‬
‫وهذا إبطال لدعواهم فيما أشركوا بال غيره ‪ ،‬وعبدوا من الصنام والنداد ‪ُ { ،‬قلْ َهلْ مِنْ‬
‫شُ َركَا ِئكُمْ مَنْ يَ ْبدَأُ ا ْلخَلْقَ ُثمّ ُيعِي ُدهُ } أي ‪ :‬من بدأ خلق هذه السموات والرض ثم ينشئ (‪ )1‬ما‬
‫فيهما من الخلئق ‪ ،‬ويفرق أجرام السموات والرض ويبدلهما بفناء ما فيهما ‪ ،‬ثم يعيد الخلق (‪)2‬‬
‫خلقًا جديدًا ؟ { ُقلِ اللّهُ } هو الذي يفعل هذا ويستقل به ‪ ،‬وحده ل شريك له ‪ { ،‬فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ } أي‬
‫‪ :‬فكيف تصرفون عن طريق الرشد إلى الباطل ؟!‬
‫{ ُقلْ َهلْ مِنْ شُ َركَا ِئ ُكمْ مَنْ َيهْدِي إِلَى ا ْلحَقّ ُقلِ اللّهُ َيهْدِي لِ ْلحَقّ } أي ‪ :‬أنتم تعلمون أن شركاءكم ل‬
‫تقدر على هداية ضال ‪ ،‬وإنما يهدي الحيارى والضلل ‪ ،‬ويقلب القلوب من الغي إلى الرشد ال ‪،‬‬
‫الذي ل إله إل هو‪.‬‬
‫حقّ أَنْ يُتّ َبعَ َأمّنْ ل َيهِدّي إِل أَنْ ُيهْدَى } أي ‪َ :‬أفَيُتّبَع [العبد الذي يهدي‬
‫حقّ أَ َ‬
‫{ َأ َفمَنْ َي ْهدِي إِلَى الْ َ‬
‫إلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يفنى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الخلئق"‪.‬‬

‫( ‪)4/267‬‬

‫َومَا كَانَ هَذَا ا ْلقُرْآَنُ أَنْ ُيفْتَرَى مِنْ دُونِ اللّ ِه وََلكِنْ َتصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَ ْفصِيلَ ا ْلكِتَابِ لَا رَ ْيبَ‬
‫طعْتُمْ مِنْ دُونِ‬
‫فِيهِ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )37‬أَمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ ُقلْ فَأْتُوا ِبسُو َرةٍ مِثِْل ِه وَادْعُوا مَنِ اسْ َت َ‬
‫اللّهِ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪َ )38‬بلْ كَذّبُوا ِبمَا َلمْ يُحِيطُوا ِبعِ ْلمِ ِه وََلمّا يَأْ ِتهِمْ تَ ْأوِيلُهُ كَذَِلكَ كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ‬
‫علَمُ‬
‫قَبِْلهِمْ فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الظّاِلمِينَ (‪َ )39‬ومِ ْنهُمْ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِ ِه َومِ ْنهُمْ مَنْ لَا ُي ْؤمِنُ ِب ِه وَرَ ّبكَ أَ ْ‬
‫بِا ْل ُمفْسِدِينَ (‪)40‬‬

‫الحق ويُ َبصّر بعد العمى ‪ ،‬أم الذي ل يهدي إلى شيء إل] (‪ )1‬أن يهدى ‪ ،‬لعماه وبكمه ؟ كما قال‬
‫سمَ ُع وَل يُ ْبصِ ُر وَل ُيغْنِي عَ ْنكَ شَيْئًا }‬
‫تعالى إخبارًا عن إبراهيم أنه قال ‪ { :‬يَا أَ َبتِ لِمَ َتعْبُدُ مَا ل َي ْ‬
‫خَلقَكُ ْم َومَا َت ْعمَلُون } [ الصافات ‪:‬‬
‫[ مريم ‪ ، ] 42 :‬وقال لقومه ‪ { :‬أَ َتعْبُدُونَ مَا تَ ْنحِتُونَ وَاللّهُ َ‬
‫‪ ] 96 ، 95‬إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬
‫ح ُكمُونَ } أي ‪ :‬فما بالكم (‪ )2‬يُذْ َهبُ بعقولكم ‪ ،‬كيف سويتم بين ال وبين‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَا َلكُمْ كَ ْيفَ َت ْ‬
‫خَلقه ‪ ،‬وعدلتم هذا بهذا ‪ ،‬وعبدتم هذا وهذا ؟ وهل أفردتم الرب جل جلله المالك الحاكم الهادي‬
‫من الضللة بالعبادة وحده ‪ ،‬وأخلصتم إليه الدعوة والنابة‪.‬‬
‫ثم بين تعالى أنهم ل يتبعون في دينهم هذا دليل ول برهانًا ‪ ،‬وإنما هو ظن منهم ‪ ،‬أي ‪ :‬توهم‬
‫وتخيل ‪ ،‬وذلك ل يغني عنهم شيئا ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبمَا َيفْعَلُونَ } تهديد لهم ‪ ،‬ووعيد شديد ؛ لنه‬
‫تعالى أخبر (‪ )3‬أنه سيجازيهم على ذلك أتم الجزاء‪.‬‬
‫بل‬
‫{ َومَا كَانَ َهذَا ا ْلقُرْآنُ أَنْ ُيفْتَرَى مِنْ دُونِ اللّ ِه وََلكِنْ َتصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ َيدَيْ ِه وَ َت ْفصِيلَ ا ْلكِتَا ِ‬
‫طعْتُمْ مِنْ‬
‫رَ ْيبَ فِيهِ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )37‬أَمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ ُقلْ فَأْتُوا ِبسُو َرةٍ مِثِْل ِه وَادْعُوا مَنِ اسْ َت َ‬
‫دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪َ )38‬بلْ كَذّبُوا ِبمَا لَمْ ُيحِيطُوا ِبعِ ْلمِهِ وََلمّا يَأْ ِت ِهمْ تَ ْأوِيلُهُ كَذَِلكَ َك ّذبَ الّذِينَ‬
‫مِنْ قَبِْلهِمْ فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الظّاِلمِينَ (‪َ )39‬ومِ ْنهُمْ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِ ِه َومِ ْنهُمْ مَنْ ل ُي ْؤمِنُ بِ ِه وَرَ ّبكَ‬
‫سدِينَ (‪} )40‬‬
‫أَعْلَمُ بِا ْلمُفْ ِ‬
‫هذا بيان لعجاز القرآن ‪ ،‬وأنه ل يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ‪ ،‬ول بعشر سور ‪ ،‬ول بسورة‬
‫من مثله ‪ ،‬لنه بفصاحته وبلغته ووَجازته وحَلوته ‪ ،‬واشتماله على المعاني العزيزة (‪)4‬‬
‫[للعزيرة] (‪ )5‬النافعة في الدنيا والخرة ‪ ،‬ل يكون إل من عند ال الذي ل يشبهه شيء في ذاته‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ول صفاته ‪ ،‬ول في أفعاله وأقواله ‪ ،‬فكلمه ل يشبه كلم المخلوقين ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬ومَا‬
‫كَانَ هَذَا ا ْلقُرْآنُ أَنْ ُيفْتَرَى مِنْ دُونِ اللّهِ } (‪ )6‬أي ‪ :‬مثل هذا القرآن ل يكون إل من عند ال ‪ ،‬ول‬
‫صدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَ ْيهِ } أي ‪ :‬من الكتب المتقدمة ‪ ،‬ومهيمنا‬
‫يشبه هذا كلم (‪ )7‬البشر ‪ { ،‬وََلكِنْ َت ْ‬
‫عليها ‪ ،‬ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َت ْفصِيلَ ا ْلكِتَابِ ل رَ ْيبَ فِيهِ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬وبيان الحكام والحلل والحرام ‪،‬‬
‫بيانًا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬لكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يخبر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ا ‪" :‬الغزيرة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬لهذا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بكلم"‪.‬‬

‫( ‪)4/268‬‬

‫شافيًا كافيًا حقًا ل مرية فيه من ال رب العالمين ‪ ،‬كما تقدم في حديث الحارث العور ‪ ،‬عن علي‬
‫بن أبي طالب ‪" :‬فيه خَبَرُ ما قبلكم ‪ ،‬ونبأ ما بعدكم ‪ ،‬وفصل ما بينكم" ‪ ،‬أي ‪ :‬خَبَر عما سلف‬
‫وعما سيأتي ‪ ،‬وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه ال ويرضاه‪.‬‬
‫طعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ ُقلْ فَأْتُوا بِسُو َرةٍ مِثْلِ ِه وَادْعُوا مَنِ اسْتَ َ‬
‫صَا ِدقِينَ } أي ‪ :‬إن ادعيتم وافتريتم وشككتم في أن هذا من عند ال ‪ ،‬وقلتم كذبًا ومَيْنا ‪" :‬إن هذا‬
‫من عند محمد" ‪ ،‬فمحمد بشر مثلكم ‪ ،‬وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن ‪ ،‬فأتوا أنتم بسورة (‪)1‬‬
‫مثله ‪ ،‬أي ‪ :‬من جنس القرآن ‪ ،‬واستعينوا على ذلك بكل من قَدرتم عليه من إنس وجان‪.‬‬
‫وهذا هو المقام الثالث في التحدي ‪ ،‬فإنه تعالى تحداهم ودعاهم ‪ ،‬إن كانوا صادقين في دعواهم ‪،‬‬
‫أنه من عند محمد ‪ ،‬فلتعارضوه (‪ )2‬بنظير ما جاء به وحده واستعينوا بمن شئتم (‪ )3‬وأخبر أنهم‬
‫س وَالْجِنّ عَلَى أَنْ‬
‫ل يقدرون على ذلك ‪ ،‬ول سبيل لهم إليه ‪ ،‬فقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ لَئِنِ اجْ َت َمعَتِ النْ ُ‬
‫ظهِيرًا } [ السراء ‪ ، ] 88 :‬ثم‬
‫ضهُمْ لِ َب ْعضٍ َ‬
‫يَأْتُوا ِبمِ ْثلِ هَذَا ا ْلقُرْآنِ ل يَأْتُونَ ِبمِثْلِ ِه وََلوْ كَانَ َب ْع ُ‬
‫تقاصر معهم إلى عشر سور منه ‪ ،‬فقال في أول سورة هود ‪ { :‬أَمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ ُقلْ فَأْتُوا ِب َعشْرِ‬
‫طعْ ُتمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِدقِينَ } [ هود ‪ )4( ، ] 13 :‬ثم‬
‫سوَرٍ مِثْلِهِ ُمفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَ َ‬
‫ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تنازل إلى سورة ‪ ،‬فقال في هذه السورة ‪َ { :‬أمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ ُقلْ فَأْتُوا بِسُو َرةٍ مِثْلِ ِه وَادْعُوا مَنِ‬
‫طعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ } (‪ )5‬وكذا في سورة البقرة ‪ -‬وهي مدنية ‪ -‬تحداهم‬
‫اسْ َت َ‬
‫بسورة منه ‪ ،‬وأخبر أنهم ل يستطيعون ذلك أبدا ‪ ،‬فقال ‪ { :‬فَإِنْ لَمْ َت ْفعَلُوا وَلَنْ َتفْعَلُوا فَا ّتقُوا النّارَ }‬
‫الية ‪ [ :‬البقرة ‪.] 24 :‬‬
‫هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم ‪ ،‬وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى في هذا الباب ‪ ،‬ولكن‬
‫جاءهم من ال ما ل قِ َبلَ لحد به ‪ ،‬ولهذا آمن من آمن منهم بما عرف من بلغة هذا الكلم‬
‫وحلوته ‪ ،‬وجزالته وطلوته ‪ ،‬وإفادته وبراعته ‪ ،‬فكانوا أعلم الناس به ‪ ،‬وأفهمهم له ‪ ،‬وأتبعهم له‬
‫وأشدهم (‪ )6‬له انقيادا ‪ ،‬كما عرف السحرة ‪ ،‬لعلمهم (‪ )7‬بفنون السحر ‪ ،‬أن هذا الذي فعله موسى‬
‫‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ل يصدر إل عن مُؤيّد مُسَدد مرسل من ال ‪ ،‬وأن هذا ل يستطاع لبشر إل بإذن‬
‫ال‪ .‬وكذلك عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ُ ،‬بعِث في زمان علماء الطب ومعالجة المرضى ‪ ،‬فكان يبرئ‬
‫الكمه والبرص ‪ ،‬ويحيي الموتى بإذن ال ‪ ،‬ومثل هذا ل مدخل للعلج والدواء فيه ‪ ،‬فعرف من‬
‫عرف منهم أنه عبد ال (‪ )8‬ورسوله ؛ ولهذا جاء في الصحيح ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال ‪" :‬ما من نبي من النبياء إل وقد أوتي من اليات ما آمن على مثله البشر ‪ ،‬وإنما‬
‫كان الذي أوتيته وحيا أوحاه ال إلي ‪ ،‬فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من مثله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فليعارضوه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وليستعينوا بمن شاءوا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ما" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ما" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأشهرهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بعلمهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬من عبد ال" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬من عند ال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )4981‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )152‬من حديث أبي‬
‫هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/269‬‬

‫ل وَأَنَا بَرِيءٌ ِممّا َت ْعمَلُونَ (‪َ )41‬ومِ ْنهُمْ‬


‫ع َم ُ‬
‫عمَُل ُكمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ ِممّا أَ ْ‬
‫عمَلِي وََلكُمْ َ‬
‫وَإِنْ كَذّبُوكَ فَ ُقلْ لِي َ‬
‫سمِعُ الصّمّ وََلوْ كَانُوا لَا َي ْعقِلُونَ (‪)42‬‬
‫مَنْ يَسْ َت ِمعُونَ إِلَ ْيكَ َأفَأَ ْنتَ تُ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪َ { :‬بلْ كَذّبُوا ِبمَا َلمْ يُحِيطُوا ِبعِ ْلمِ ِه وََلمّا يَأْ ِتهِمْ تَ ْأوِيلُهُ } يقول ‪ :‬بل كذب هؤلء بالقرآن ‪ ،‬ولم‬
‫يفهموه ول عرفوه ‪ { ،‬وََلمّا يَأْ ِتهِمْ تَ ْأوِيلُهُ } أي ‪ :‬ولم يُحصّلوا ما فيه من الهدى ودين الحق إلى‬
‫حين تكذيبهم به جهل وسفهًا { كَذَِلكَ َك ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ } أي ‪ :‬من المم السالفة { فَانْظُرْ كَ ْيفَ‬
‫كَانَ عَاقِبَةُ الظّاِلمِينَ } أي ‪ :‬فانظر كيف أهلكناهم بتكذيبهم رسلنا ظلمًا وعلوا ‪ ،‬وكفرا وعنادًا‬
‫وجهل فاحذروا أيها المكذبون أن يصيبكم ما أصابهم‪.‬‬
‫سدِينَ } أي ‪ :‬ومن هؤلء‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِ ْنهُمْ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِ ِه َومِ ْنهُمْ مَنْ ل ُي ْؤمِنُ بِ ِه وَرَ ّبكَ أَعْلَمُ بِا ْلمُفْ ِ‬
‫الذين بُعثتَ (‪ )1‬إليهم يا محمد من يؤمن (‪ )2‬بهذا القرآن ‪ ،‬ويتبعك وينتفع بما أرسلت به ‪،‬‬
‫{ َومِ ْنهُمْ مَنْ ل ُي ْؤمِنُ بِهِ } بل يموت على ذلك ويبعث عليه ‪ { ،‬وَرَ ّبكَ أَعْلَمُ بِا ْل ُمفْسِدِينَ } أي ‪ :‬وهو‬
‫أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه ‪ ،‬ومن يستحق الضللة فيضله ‪ ،‬وهو العادل الذي ل يجور ‪ ،‬بل‬
‫يعطي كل ما يستحقه ‪ ،‬تبارك وتعالى وتقدس وتنزه ‪ ،‬ل إله إل هو‪.‬‬
‫ع َملُ وَأَنَا بَرِيءٌ ِممّا َت ْعمَلُونَ (‪)41‬‬
‫عمَُلكُمْ أَنْ ُتمْ بَرِيئُونَ ِممّا أَ ْ‬
‫عمَلِي وََلكُمْ َ‬
‫{ وَإِنْ كَذّبُوكَ َف ُقلْ لِي َ‬
‫سمِعُ الصّمّ وَلَوْ كَانُوا ل َيعْقِلُونَ (‪} )42‬‬
‫َومِ ْنهُمْ مَنْ يَسْ َت ِمعُونَ إِلَ ْيكَ َأفَأَ ْنتَ ُت ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ت في ت ‪" :‬الذين من بعثت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سيؤمن"‪.‬‬

‫( ‪)4/270‬‬

‫ي وََلوْ كَانُوا لَا يُ ْبصِرُونَ (‪ )43‬إِنّ اللّهَ لَا يَظِْلمُ النّاسَ شَيْئًا‬
‫َومِ ْنهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَ ْيكَ َأفَأَ ْنتَ َت ْهدِي ا ْل ُعمْ َ‬
‫سهُمْ َيظِْلمُونَ (‪)44‬‬
‫وََلكِنّ النّاسَ أَ ْنفُ َ‬

‫ي وََلوْ كَانُوا ل يُ ْبصِرُونَ (‪ )43‬إِنّ اللّهَ ل َيظْلِمُ النّاسَ‬


‫{ َومِ ْنهُمْ مَنْ يَ ْنظُرُ إِلَ ْيكَ َأفَأَ ْنتَ َتهْدِي ا ْل ُع ْم َ‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ (‪} )44‬‬
‫شَيْئًا وََلكِنّ النّاسَ أَ ْنفُ َ‬
‫يقول تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬وإن كذبك (‪ )1‬هؤلء المشركون ‪ ،‬فتبرأ منهم ومن عملهم‬
‫عمَُلكُمْ } كقوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ يَاأَ ّيهَا ا ْلكَافِرُونَ * ل أَعْبُدُ مَا َتعْ ُبدُونَ * وَل‬
‫عمَلِي وََلكُمْ َ‬
‫‪َ { ،‬ف ُقلْ لِي َ‬
‫أَنْتُمْ عَا ِبدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَل أَنَا عَا ِبدٌ مَا عَبَدْ ُتمْ * وَل أَنْ ُتمْ عَابِدُونَ مَا أَعْ ُبدُ * َلكُمْ دِي ُنكُ ْم وَِليَ دِين } [‬
‫سورة الكافرون ]‪ .‬وقال إبراهيم الخليل وأتباعه لقومهم المشركين ‪ { :‬إِنّا بُرَآءُ مِ ْنكُ ْم َو ِممّا َتعْبُدُونَ‬
‫مِنْ دُونِ اللّهِ َكفَرْنَا ِبكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ ا ْل َعدَا َوةُ وَالْ َب ْغضَاءُ أَ َبدًا حَتّى ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه َوحْ َدهُ }‬
‫[ الممتحنة ‪.]4 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِ ْنهُمْ مَنْ يَسْ َت ِمعُونَ إِلَ ْيكَ } أي ‪ :‬يسمعون (‪ )2‬كلمك الحسن ‪ ،‬والقرآن العظيم ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والحاديث الصحيحة الفصيحة (‪ )3‬النافعة في القلوب والبدان والديان ‪ ،‬وفي هذا كفاية‬
‫عظيمة ‪ ،‬ولكن ليس ذلك إليك ول إليهم ‪ ،‬فإنك ل تقدر على إسماع الصم ‪ -‬وهو الطرش ‪-‬‬
‫فكذلك ل تقدر على هداية هؤلء ‪ ،‬إل أن يشاء ال‪.‬‬
‫{ َومِ ْنهُمْ مَنْ يَ ْنظُرُ إِلَ ْيكَ } أي ‪ :‬ينظرون إليك وإلى ما أعطاك ال من التؤدة ‪ ،‬والسمت الحسن ‪،‬‬
‫والخلق العظيم ‪ ،‬والدللة الظاهرة ‪ ،‬على نبوءتك لولي البصائر (‪ )4‬والنهى ‪ ،‬وهؤلء ينظرون‬
‫كما ينظر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وإن كذبوك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يستمعون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬الفصيحة الصحيحة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬البصار"‪.‬‬

‫( ‪)4/270‬‬

‫خسِرَ الّذِينَ كَذّبُوا بِِلقَاءِ اللّهِ َومَا‬


‫وَ َيوْمَ يَحْشُ ُرهُمْ كَأَنْ َلمْ يَلْبَثُوا إِلّا سَاعَةً مِنَ ال ّنهَارِ يَ َتعَا َرفُونَ بَيْ َنهُمْ َقدْ َ‬
‫كَانُوا ُمهْ َتدِينَ (‪)45‬‬

‫غيرهم ‪ ،‬ول يحصل لهم من الهداية شيء مما (‪ )1‬يحصل لغيرهم ‪ ،‬بل المؤمنون ينظرون إليك‬
‫بعين الوقار ‪ ،‬والكافرون ينظرون إليك بعين الحتقار ‪ { ،‬وَإِذَا رََأ ْوكَ إِنْ يَتّخِذُو َنكَ إِل هُ ُزوًا أَ َهذَا‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ حِينَ‬
‫ن صَبَرْنَا عَلَ ْيهَا وَ َ‬
‫الّذِي َب َعثَ اللّهُ رَسُول * إِنْ كَادَ لَ ُيضِلّنَا عَنْ آِلهَتِنَا َلوْل أَ ْ‬
‫ضلّ سَبِيل } [ الفرقان ‪.] 42 ، 41 :‬‬
‫يَ َروْنَ ا ْلعَذَابَ مَنْ َأ َ‬
‫ثم أخبر تعالى أنه ل يظلم أحدا شيئًا ‪ ،‬وإن كان قد هدى به من هدى [من الغي] (‪ )2‬وبصر به‬
‫من العمى ‪ ،‬وفتح به أعينا عميا ‪ ،‬وآذانا صما ‪ ،‬وقلوبًا غلفا ‪ ،‬وأضل به عن اليمان (‪)3‬‬
‫آخرين ‪ ،‬فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء ‪ ،‬الذي ل ُيسْأل عما يفعل وهم يسألون ‪ ،‬لعلمه‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ }‬
‫وحكمته وعدله ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ل يَظِْلمُ النّاسَ شَيْئًا وََلكِنّ النّاسَ أَ ْنفُ َ‬
‫وفي الحديث عن أبي ذر (‪ )4‬عن النبي (‪ )5‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فيما يرويه عنه ربه عز وجل‬
‫‪" :‬يا عبادي ‪ ،‬إني حرّمت الظلم على نفسي ‪ ،‬وجعلته بينكم محرما فل تظالموا ‪ -‬إلى أن قال في‬
‫آخره ‪ :‬يا عبادي ‪ ،‬إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ‪ ،‬ثم أوفيكم إياها ‪ ،‬فمن وجد خيرا فليحمد ال ‪،‬‬
‫ن إل نفسه"‪ .‬رواه مسلم بطوله‪)6( .‬‬
‫ومن وجد غير ذلك فل يَلُومَ ّ‬
‫خسِرَ الّذِينَ كَذّبُوا بِِلقَاءِ اللّهِ‬
‫{ وَ َيوْمَ َيحْشُرُ ُهمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِل سَاعَةً مِنَ ال ّنهَارِ يَ َتعَا َرفُونَ بَيْ َنهُمْ َقدْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َومَا كَانُوا ُمهْتَدِينَ (‪} )45‬‬
‫يقول تعالى مُذكّرًا للناس قيام الساعة وحشرهم من أجداثهم إلى عَرَصات القيامة ‪ :‬كأنهم (‪ )7‬يوم‬
‫يوافونها لم يلبثوا في الدنيا { إِل سَاعَةً مِنَ ال ّنهَارِ } كما قال تعالى ‪ { :‬كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْ َنهَا َلمْ يَلْبَثُوا‬
‫ضحَاهَا } [ النازعات ‪ ، ] 46 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ يُ ْنفَخُ فِي الصّو ِر وَنَحْشُرُ‬
‫إِل عَشِيّةً َأ ْو ُ‬
‫علَمُ ِبمَا َيقُولُونَ ِإذْ َيقُولُ َأمْثَُلهُمْ‬
‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ َي ْومَئِذٍ زُ ْرقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْ َنهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِل عَشْرًا * نَحْنُ أَ ْ‬
‫سمُ‬
‫طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِل َي ْومًا } [ طه ‪ ، ] 104 - 102 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَيَوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ ُيقْ ِ‬
‫عةٍ كَذَِلكَ كَانُوا ُي ْؤ َفكُونَ * َوقَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْل َم وَاليمَانَ َلقَدْ لَبِثْ ُتمْ فِي‬
‫ا ْلمُجْ ِرمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَا َ‬
‫كِتَابِ اللّهِ إِلَى َيوْمِ الْ َب ْعثِ َفهَذَا َيوْمُ الْ َب ْعثِ وََلكِ ّنكُمْ كُنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ } [ الروم ‪.] 56 ، 55 :‬‬
‫وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الخرة كما قال ‪ { :‬قَالَ كَمْ لَبِثْ ُتمْ فِي ال ْرضِ‬
‫عَ َددَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا َي ْومًا َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ فَاسَْألِ ا ْلعَادّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِل قَلِيل َلوْ أَ ّنكُمْ كُنْتُمْ‬
‫َتعَْلمُونَ } [ المؤمنون ‪.] 114 ، 112 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يَ َتعَا َرفُونَ بَيْ َنهُمْ } أي ‪ :‬يعرف البناء الباء (‪ )8‬والقرابات بعضهم لبعض ‪ ،‬كما كانوا‬
‫في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وأضل عن اليمان به"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حديث أبي ذر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪.)2577‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكأنهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الباء البناء‪.‬‬

‫( ‪)4/271‬‬

‫شهِيدٌ عَلَى مَا َي ْفعَلُونَ (‪ )46‬وَِل ُكلّ‬


‫ج ُعهُمْ ُثمّ اللّهُ َ‬
‫وَِإمّا نُرِيَ ّنكَ َب ْعضَ الّذِي َنعِدُ ُهمْ َأوْ نَ َت َوفّيَ ّنكَ فَإِلَيْنَا مَرْ ِ‬
‫ط وَ ُهمْ لَا ُيظَْلمُونَ (‪)47‬‬
‫ضيَ بَيْ َن ُهمْ بِا ْلقِسْ ِ‬
‫ُأمّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُوُلهُمْ ُق ِ‬

‫الدنيا ‪ ،‬ولكن كل مشغول بنفسه { فَِإذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ فَل أَنْسَابَ بَيْ َن ُهمْ َي ْومَئِ ٍذ وَل يَ َتسَاءَلُونَ }‬
‫حمِيمًا * يُ َبصّرُونَهُمْ َي َودّ ا ْلمُجْ ِرمُ َلوْ َيفْتَدِي‬
‫حمِيمٌ َ‬
‫[ المؤمنون ‪ ، ] 101 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَل يَسَْألُ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جمِيعًا ثُمّ يُنْجِيهِ‬
‫مِنْ عَذَابِ َي ْومِئِذٍ بِبَنِيهِ َوصَاحِبَتِ ِه وَأَخِيهِ * َو َفصِيلَتِهِ الّتِي ُت ْؤوِيهِ * َومَنْ فِي ال ْرضِ َ‬
‫* كَل } [ المعارج ‪.] 15 ، 10 :‬‬
‫خسِرَ الّذِينَ َكذّبُوا بِِلقَاءِ اللّ ِه َومَا كَانُوا ُمهْتَدِينَ } كقوله تعالى ‪ { :‬وَيْلٌ َي ْومَئِذٍ‬
‫وقوله ‪َ { :‬قدْ َ‬
‫لِ ْل ُمكَذّبِينَ } [ المرسلت ‪ .] 15 :‬لنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ‪ ،‬أل ذلك هو الخسران‬
‫المبين‪ .‬فهذه هي الخسارة العظيمة ‪ ،‬ول خسارة أعظم من خَسارة من فُرّق بينه وبين أحبته (‪)1‬‬
‫يوم الحسرة والندامة‪.‬‬
‫شهِيدٌ عَلَى مَا َيفْعَلُونَ (‪)46‬‬
‫ج ُع ُهمْ ثُمّ اللّهُ َ‬
‫{ وَِإمّا نُرِيَ ّنكَ َب ْعضَ الّذِي َن ِعدُهُمْ َأوْ نَ َت َوفّيَ ّنكَ فَإِلَيْنَا مَرْ ِ‬
‫ط وَهُمْ ل ُيظَْلمُونَ (‪} )47‬‬
‫سِ‬‫ضيَ بَيْ َنهُمْ بِا ْلقِ ْ‬
‫وَِلكُلّ ُأمّةٍ رَسُولٌ فَِإذَا جَاءَ رَسُوُلهُمْ ُق ِ‬
‫يقول تعالى مخاطبا لرسوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَِإمّا نُرِيَ ّنكَ َب ْعضَ الّذِي َنعِدُ ُهمْ } أي ‪ :‬ننتقم (‬
‫ج ُعهُمْ } أي ‪ :‬مصيرهم ومتقَلَبهم ‪،‬‬
‫‪ )2‬منهم في حياتك لتقرّ عينُك منهم ‪َ { ،‬أوْ نَ َت َوفّيَ ّنكَ فَإِلَيْنَا مَرْ ِ‬
‫وال شهيد على أفعالهم بعدك‪.‬‬
‫وقد قال الطبراني ‪ :‬حدثنا عبد ال بن أحمد ‪ ،‬حدثنا عقبة بن مكرم ‪ ،‬حدثنا أبو بكر الحنفي ‪،‬‬
‫حدثنا داود بن الجارود ‪ ،‬عن أبي الطفيل (‪ )3‬عن حذيفة بن أسيد ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬عُرضت عليّ أمتي البارحة لدى هذه الحجرة ‪ ،‬أولها وآخرها‪ .‬فقال رجل ‪ :‬يا رسول‬
‫صوّروا لي في الطين ‪ ،‬حتى إني‬
‫ال ‪ ،‬عرض عليك من خُلِق ‪ ،‬فكيف من لم يخلق ؟ فقال ‪ُ " :‬‬
‫لعْرَفُ بالنسان منهم من أحدكم بصاحبه"‪)4( .‬‬
‫ورواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬عن عقبة بن مكرم ‪ ،‬عن يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن زياد‬
‫بن المنذر ‪ ،‬عن أبي الطفيل ‪ ،‬عن حذيفة بن أسيد ‪ ،‬به نحوه‪)5( .‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَِل ُكلّ ُأمّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ َرسُوُلهُمْ } قال مجاهد ‪ :‬يعني يوم القيامة‪.‬‬
‫ظَلمُونَ } كما قال تعالى ‪ { :‬وَأَشْ َر َقتِ الرْضُ بِنُورِ رَ ّبهَا َو ُوضِعَ‬
‫ط وَهُمْ ل يُ ْ‬
‫سِ‬‫ضيَ بَيْ َنهُمْ بِا ْلقِ ْ‬
‫{ ُق ِ‬
‫حقّ (‪ )6‬وَ ُهمْ ل يُظَْلمُونَ } [ الزمر ‪ ، ] 69 :‬فكل‬
‫شهَدَا ِء َو ُقضِيَ بَيْ َنهُمْ بِالْ َ‬
‫ن وَال ّ‬
‫ا ْلكِتَابُ وَجِيءَ بِالنّبِيّي َ‬
‫أمة تعرض على ال بحضرة رسولها ‪ ،‬وكتابُ أعمالها من خير وشر موضوعٌ شاهد عليهم ‪،‬‬
‫وحفظتهم من الملئكة شهودٌ أيضا أمة بعد أمة‪ .‬وهذه المة الشريفة وإن كانت آخر المم في‬
‫الخلق ‪ ،‬إل أنها أول المم يوم القيامة يفصل بينهم ‪ ،‬ويقضى لهم ‪ ،‬كما جاء في الصحيحين عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬نحن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أخيه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ينتقم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في جميع النسخ ‪" :‬أبي السليل" والتصويب من المعجم الكبير للطبراني‪.‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الكبير (‪.)3/181‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير (‪ )3/181‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/69‬وفيه زياد بن المنذر وهو‬
‫كذاب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو خطأ"‪.‬‬

‫( ‪)4/272‬‬

‫وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ُ )48‬قلْ لَا َأمِْلكُ لِ َنفْسِي ضَرّا وَلَا َن ْفعًا ِإلّا مَا شَاءَ اللّهُ‬
‫ع ًة وَلَا يَسْ َتقْ ِدمُونَ (‪ُ )49‬قلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ‬
‫جلٌ ِإذَا جَاءَ َأجَُلهُمْ فَلَا َيسْتَأْخِرُونَ سَا َ‬
‫ِل ُكلّ ُأمّةٍ أَ َ‬
‫ن َوقَدْ كُنْتُمْ ِبهِ‬
‫جلُ مِنْهُ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ (‪ )50‬أَ ُثمّ إِذَا مَا َوقَعَ َآمَنْتُمْ بِهِ َآلْآَ َ‬
‫بَيَاتًا َأوْ َنهَارًا مَاذَا َيسْ َتعْ ِ‬
‫تَسْ َتعْجِلُونَ (‪ُ )51‬ثمّ قِيلَ لِلّذِينَ ظََلمُوا ذُوقُوا عَذَابَ ا ْلخُلْدِ َهلْ ُتجْ َزوْنَ إِلّا ِبمَا كُنْتُمْ َت ْكسِبُونَ (‪)52‬‬

‫الخرون السابقون يوم القيامة ‪ ،‬المقضى لهم قبل الخلئق" (‪ )1‬فأمته إنما حازت َقصَب السبق‬
‫لشرف رسولها ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه [دائمًا] (‪ )2‬إلى يوم الدين‪.‬‬
‫{ وَ َيقُولُونَ مَتَى هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِدقِينَ (‪ُ )48‬قلْ ل َأمِْلكُ لِ َنفْسِي ضَرّا وَل َن ْفعًا إِل مَا شَاءَ اللّهُ‬
‫جلٌ ِإذَا جَاءَ َأجَُلهُمْ فَل يَسْتَ ْأخِرُونَ سَاعَةً وَل يَسْ َتقْ ِدمُونَ (‪ُ )49‬قلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ‬
‫ِل ُكلّ ُأمّةٍ أَ َ‬
‫ن َوقَدْ كُنْ ُتمْ بِهِ‬
‫جلُ مِنْهُ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ (‪ )50‬أَ ُثمّ إِذَا مَا َوقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آل َ‬
‫بَيَاتًا َأوْ َنهَارًا مَاذَا َيسْ َتعْ ِ‬
‫تَسْ َتعْجِلُونَ (‪ُ )51‬ثمّ قِيلَ لِلّذِينَ ظََلمُوا ذُوقُوا عَذَابَ ا ْلخُلْدِ َهلْ ُتجْ َزوْنَ إِل ِبمَا كُنْتُمْ َتكْسِبُونَ (‪} )52‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن كفر هؤلء المشركين في استعجالهم العذَاب وسؤالهم عن وقته قبل‬
‫جلُ ِبهَا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا وَالّذِينَ آمَنُوا‬
‫التعين ‪ ،‬مما ل فائدة فيه لهم (‪ )3‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يسْ َتعْ ِ‬
‫شفِقُونَ مِ ْنهَا وَ َيعْلَمُونَ أَ ّنهَا ا ْلحَقّ } [ الشورى ‪ ] 18 :‬أي ‪ :‬كائنة ل محالة وواقعة ‪ ،‬وإن لم‬
‫مُ ْ‬
‫يعلموا وقتها عينا ‪ ،‬ولهذا أرشَدَ رسوله صلى ال عليه وسلم إلى جوابهم فقال ‪ُ { :‬قلْ ل َأمِْلكُ‬
‫لِ َنفْسِي ضَرّا وَل َن ْفعًا إِل مَا شَاءَ اللّهُ } أي ‪ :‬ل أقول إل ما علّمني ‪ ،‬ول أقدر على شيء مما‬
‫استأثر به إل أن يُطلعني عليه ‪ ،‬فأنا عبده ورسوله إليكم ‪ ،‬وقد أخبرتكم بمجيء الساعة وأنها كائنة‬
‫جلٌ } أي ‪ :‬لكل قرن مدّة من العمر مقدّرة (‪)5‬‬
‫‪ ،‬ولم يطلعني على وقتها ‪[ ،‬ولكن] (‪ِ { )4‬ل ُكلّ ُأمّةٍ َأ َ‬
‫فإذا انقضى أجلهم { فَل يَسْتَ ْأخِرُونَ سَاعَةً وَل يَسْ َتقْ ِدمُونَ } كما قال تعالى ‪ { :‬وَلَنْ ُيؤَخّرَ اللّهُ َنفْسًا‬
‫إِذَا جَاءَ أَجَُلهَا } [ المنافقون ‪ ، ] 11 :‬ثم أخبرهم أن عذاب ال سيأتيهم بغتة ‪ ،‬فقال ‪ُ { :‬قلْ أَ َرأَيْتُمْ‬
‫جلُ مِنْهُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ أَثُمّ ِإذَا مَا َوقَعَ‬
‫عذَابُهُ بَيَاتًا َأوْ َنهَارًا } أي ‪ :‬ليل أو نهارا ‪ { ،‬مَاذَا يَسْ َتعْ ِ‬
‫إِنْ أَتَاكُمْ َ‬
‫ل صَالِحًا إِنّا‬
‫جعْنَا َن ْعمَ ْ‬
‫س ِمعْنَا فَا ْر ِ‬
‫آمَنْتُمْ بِه } يعني ‪ :‬أنهم إذا جاءهم العذاب قالوا ‪ { :‬رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬
‫مُوقِنُونَ } [ السجدة ‪ ، ] 12 :‬وقال تعالى ‪ { :‬فََلمّا رََأوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْ َد ُه َو َكفَرْنَا ِبمَا كُنّا‬
‫خسِرَ هُنَاِلكَ‬
‫بِهِ مُشْ ِركِينَ فََلمْ َيكُ يَ ْن َف ُعهُمْ إِيمَا ُنهُمْ َلمّا رََأوْا بَأْسَنَا سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ خََلتْ فِي عِبَا ِد ِه وَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ا ْلكَافِرُونَ } [ غافر ‪.] 85 ، 84 :‬‬
‫عذَابَ الْخُ ْلدِ } أي ‪ :‬يوم القيامة يقال لهم هذا ‪ ،‬تبكيتا وتقريعًا ‪،‬‬
‫{ ُثمّ قِيلَ (‪ )6‬لِلّذِينَ ظََلمُوا ذُوقُوا َ‬
‫سحْرٌ َهذَا أَمْ أَنْتُ ْم ل‬
‫جهَنّمَ دَعّا * َه ِذهِ النّارُ الّتِي كُنْتُمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ * َأفَ ِ‬
‫كقوله ‪َ { :‬يوْمَ ُيدَعّونَ إِلَى نَارِ َ‬
‫سوَاءٌ عَلَ ْيكُمْ إِ ّنمَا تُجْ َزوْنَ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } [ الطور‬
‫تُ ْبصِرُونَ * اصَْلوْهَا فَاصْبِرُوا َأوْ ل َتصْبِرُوا َ‬
‫‪.] 16 - 13 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هذا اللفظ في صحيح مسلم برقم (‪ )856‬من حديث حذيفة رضي ال عنه ‪ ،‬وروى البخاري‬
‫أوله برقم (‪ )876‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم فيه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬تقدر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬قل"‪.‬‬

‫( ‪)4/273‬‬

‫ق َومَا أَنْتُمْ ِب ُمعْجِزِينَ (‪)53‬‬


‫حّ‬‫وَيَسْتَنْبِئُو َنكَ َأحَقّ ُهوَ ُقلْ إِي وَرَبّي إِنّهُ لَ َ‬

‫ق َومَا أَنْ ُتمْ ِب ُمعْجِزِينَ (‪} )53‬‬


‫{ وَيَسْتَنْبِئُو َنكَ َأحَقّ ُهوَ ُقلْ إِي وَرَبّي إِنّهُ َلحَ ّ‬

‫( ‪)4/274‬‬

‫ضيَ بَيْ َن ُهمْ‬


‫ب َو ُق ِ‬
‫وََلوْ أَنّ ِل ُكلّ َنفْسٍ ظََل َمتْ مَا فِي الْأَ ْرضِ لَافْ َت َدتْ ِب ِه وَأَسَرّوا النّدَامَةَ َلمّا رََأوُا ا ْلعَذَا َ‬
‫عدَ اللّهِ حَقّ وََلكِنّ‬
‫ن وَ ْ‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ أَلَا إِ ّ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫ط وَ ُهمْ لَا ُيظَْلمُونَ (‪ )54‬أَلَا إِنّ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫بِا ْلقِسْ ِ‬
‫جعُونَ (‪ )56‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ قَدْ جَاءَ ْت ُكمْ َموْعِظَةٌ‬
‫ت وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫َأكْثَرَهُمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪ُ )55‬هوَ ُيحْيِي وَ ُيمِي ُ‬
‫حمَتِهِ فَ ِبذَِلكَ‬
‫حمَةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ُ )57‬قلْ ِب َفضْلِ اللّ ِه وَبِرَ ْ‬
‫شفَاءٌ ِلمَا فِي الصّدُو ِر وَهُدًى وَ َر ْ‬
‫مِنْ رَ ّبكُ ْم وَ ِ‬
‫ج َمعُونَ (‪)58‬‬
‫فَلْ َيفْرَحُوا ُهوَ خَيْرٌ ِممّا َي ْ‬

‫ب َو ُقضِيَ بَيْ َنهُمْ‬


‫{ وََلوْ أَنّ ِل ُكلّ َنفْسٍ ظََل َمتْ مَا فِي ال ْرضِ لفْتَ َدتْ بِ ِه وََأسَرّوا النّدَامَةَ َلمّا رََأوُا ا ْلعَذَا َ‬
‫ط وَ ُهمْ ل يُظَْلمُونَ (‪} )54‬‬
‫بِا ْلقِسْ ِ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ويستخبرونك { َأحَقّ ُهوَ } أي ‪ :‬المعاد والقيامة من الجداث بعد صيرورة الجسام‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ترابا‪ُ { .‬قلْ إِي وَرَبّي إِنّهُ َلحَقّ َومَا أَنْ ُتمْ ِب ُمعْجِزِينَ } أي ‪ :‬ليس صيرورتكم ترابا بمعجز ال عن‬
‫إعادتكم كما بدأكم من العدم ‪ { :‬إِ ّنمَا َأمْ ُرهُ ِإذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ َيقُولَ َلهُ كُنْ فَ َيكُونُ } [ يس ‪( .] 82 :‬‬
‫‪)1‬‬
‫وهذه الية ليس لها نظير في القرآن إل آيتان أخريان ‪ ،‬يأمر ال تعالى رسوله أن يقسم به على‬
‫من أنكر المعاد في سورة سبأ ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل تَأْتِينَا السّاعَةُ ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتَأْتِيَ ّنكُمْ } [ سبأ‬
‫عمِلْ ُتمْ‬
‫‪ .] 3 :‬وفي التغابن ‪ { :‬زَعَمَ الّذِينَ َكفَرُوا أَنْ لَنْ يُ ْبعَثُوا ُقلْ َبلَى وَرَبّي لَتُ ْبعَثُنّ ثُمّ لَتُنَ ّبؤُنّ ِبمَا َ‬
‫وَذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ } [ التغابن ‪.] 7 :‬‬
‫ثم أخبر تعالى أنه إذا قامت القيامة يودّ الكافر لو افتدى من عذاب ال بملء الرض ذهبا ‪،‬‬
‫سطِ } أي ‪ :‬بالحق ‪ { ،‬وَ ُهمْ ل يُظَْلمُونَ }‪.‬‬
‫ب َو ُقضِيَ بَيْ َنهُمْ بِا ْلقِ ْ‬
‫{ وَأَسَرّوا النّدَامَةَ َلمّا رََأوُا ا ْلعَذَا َ‬
‫ق وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ (‪ُ )55‬هوَ‬
‫حّ‬‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ أَل إِ ّ‬
‫{ أَل إِنّ ِللّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫جعُونَ (‪} )56‬‬
‫يُحْيِي وَ ُيمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْ َ‬
‫يخبر تعالى أنه مالك السموات والرض ‪ ،‬وأنّ وعده حقّ كائن ل محالة ‪ ،‬وأنه يحيي ويميت‬
‫وإليه مرجعهم ‪ ،‬وأنه القادر على ذلك ‪ ،‬العليم بما تفرّق من الجسام وتمزّق في سائر أقطار‬
‫الرض والبحار والقفار [سبحانه وتعالى تقدست أسماؤه وجل ثناؤه]‪)2( .‬‬
‫حمَةٌ لِ ْل ُمؤْمِنِينَ (‪)57‬‬
‫شفَاءٌ ِلمَا فِي الصّدُورِ وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّاسُ قَدْ جَاءَ ْت ُكمْ َموْعِظَةٌ مِنْ رَ ّب ُك ْم وَ ِ‬
‫ج َمعُونَ (‪} )58‬‬
‫حمَ ِتهِ فَبِذَِلكَ فَلْ َيفْرَحُوا ُهوَ خَيْرٌ ِممّا يَ ْ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَبِرَ ْ‬
‫ُقلْ ِب َف ْ‬
‫يقول تعالى ممتنا على خلقه بما أنزل إليهم من القرآن العظيم على رسوله الكريم ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ‬
‫شفَاءٌ ِلمَا فِي الصّدُورِ } أي ‪ :‬من‬
‫ظةٌ مِنْ رَ ّبكُمْ } أي ‪ :‬زاجر عن الفواحش ‪ { ،‬وَ ِ‬
‫قَدْ جَاءَ ْتكُمْ َموْعِ َ‬
‫حمَةً } أي ‪ :‬محصلٌ لها‬
‫الشُبَه والشكوك ‪ ،‬وهو إزالة ما فيها من رجس ودَنَس ‪ { ،‬وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫الهداية والرحمة من ال تعالى‪ .‬وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه ‪ ،‬كما قال‬
‫خسَارًا }‬
‫ح َمةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَل يَزِيدُ الظّاِلمِينَ إِل َ‬
‫شفَا ٌء وَرَ ْ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَنُنزلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ‬
‫شفَاءٌ وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ فِي آذَا ِنهِمْ‬
‫[ السراء ‪ ، ] 82 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ لِلّذِينَ آمَنُوا ُهدًى وَ ِ‬
‫عمًى أُولَ ِئكَ يُنَا َدوْنَ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ } [ فصلت ‪.] 44 :‬‬
‫َوقْرٌ وَ ُهوَ عَلَ ْي ِهمْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬إنما قوله" والصواب مل أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/274‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعَلْ ُتمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ُقلْ آَللّهُ َأذِنَ َلكُمْ َأمْ عَلَى اللّهِ َتفْتَرُونَ‬
‫ُقلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ َلكُمْ مِنْ رِ ْزقٍ فَ َ‬
‫س وََلكِنّ‬
‫(‪َ )59‬ومَا ظَنّ الّذِينَ َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ َلذُو َفضْلٍ عَلَى النّا ِ‬
‫شكُرُونَ (‪)60‬‬
‫َأكْثَرَهُمْ لَا يَ ْ‬

‫ج َمعُونَ } (‪ )1‬أي ‪ :‬بهذا‬


‫حمَتِهِ فَبِذَِلكَ فَلْ َيفْرَحُوا ُهوَ خَيْرٌ ِممّا يَ ْ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَبِ َر ْ‬
‫وقوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ ِبفَ ْ‬
‫الذي جاءهم من ال من الهدى ودين الحق (‪ )2‬فليفرحوا ‪ ،‬فإنه أولى ما يفرحون به ‪ُ { ،‬هوَ خَيْرٌ‬
‫ج َمعُونَ } أي ‪ :‬من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة ل محالة ‪ ،‬كما قال ابن‬
‫ِممّا يَ ْ‬
‫أبي حاتم ‪ ،‬في تفسير هذه الية ‪" :‬و ُذكِر عن بَقيّة (‪ - )3‬يعني ابن الوليد ‪ -‬عن صفوان بن عمرو‬
‫‪ ،‬سمعت أيفع بن عبد الكلعي يقول ‪ :‬لما قُدم خراجُ العراق إلى عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬خرج‬
‫عمَ ُر ومولى له فجعل عمر يعد البل ‪ ،‬فإذا هي (‪ )4‬أكثر من ذلك ‪ ،‬فجعل عمر يقول ‪ :‬الحمد ل‬
‫ُ‬
‫تعالى ‪ ،‬ويقول موله ‪ :‬هذا وال من فضل ال ورحمته‪ .‬فقال عمر ‪ :‬كذبت‪ .‬ليس هذا ‪ ،‬هو الذي‬
‫ج َمعُونَ } وهذا مما‬
‫حمَتِهِ فَ ِبذَِلكَ فَلْ َيفْرَحُوا ُهوَ خَيْرٌ ِممّا َي ْ‬
‫يقول ال تعالى ‪ُ { :‬قلْ ِب َفضْلِ اللّ ِه وَبِرَ ْ‬
‫يجمعون‪.‬‬
‫وقد (‪ )5‬أسنده (‪ )6‬الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ ،‬فرواه عن أبي زُرْعَة الدمشقي ‪ ،‬عن حَيوة بن‬
‫شُرَيح ‪ ،‬عن بقية ‪ ،‬فذكره‪)7( .‬‬
‫جعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا َوحَلل ُقلْ آللّهُ َأذِنَ َلكُمْ َأمْ عَلَى اللّهِ‬
‫{ ُقلْ أَرَأَيْ ُتمْ مَا أَنزلَ اللّهُ َلكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَ َ‬
‫َتفْتَرُونَ (‪َ )59‬ومَا ظَنّ الّذِينَ َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ َلذُو َفضْلٍ عَلَى النّاسِ‬
‫شكُرُونَ (‪} )60‬‬
‫وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ ل يَ ْ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬نزلت إنكارًا‬
‫على المشركين فيما كانوا يحرمون ويحلون من البحائر والسوائب والوصايا ‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬
‫ث وَال ْنعَامِ َنصِيبًا } [ النعام ‪ ] 136 :‬اليات‪.‬‬
‫جعَلُوا لِلّهِ ِممّا ذَرَأَ مِنَ الْحَ ْر ِ‬
‫{ وَ َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬سمعت أبا الحوص‬
‫‪ -‬وهو عوف بن [مالك بن] (‪ )8‬نضلة ‪ -‬يحدث عن أبيه قال ‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وأنا َقشْف الهيئة ‪ ،‬فقال ‪" :‬هل لك مال ؟" قال ‪ :‬قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬من أي المال ؟" قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬من كل المال ‪ ،‬من البل والرقيق والخيل والغنم‪ .‬فقال (‪ )9‬إذا آتاك مال فَلْيُرَ عليك"‪ .‬وقال‬
‫‪" :‬هل تنتج إبل قومك صحاحا آذانُها ‪ ،‬فتعمَد إلى موسى فتقطع آذانها ‪ ،‬فتقول ‪ :‬هذه بحر‬
‫وتشقها ‪ ،‬أو تشق جلودها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وبرحمة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ذكر عن نفسه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬هو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أسند"‪.‬‬
‫(‪ )7‬أورده السيوطي في الدر المنثور (‪ )4/368‬وعزاه لبن أبي حاتم والطبراني‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والنعم قال"‪.‬‬

‫( ‪)4/275‬‬

‫وتقول ‪ :‬هذه صُرُم ‪ ،‬وتحرمها (‪ )1‬عليك وعلى أهلك ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬فإن ما آتاك ال لك‬
‫حل ‪ ،‬وساعد ال أشد من ساعدك ‪ ،‬وموسى ال أحد من موساك" وذكر تمام الحديث‪)2( .‬‬
‫ثم رواه عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو ‪ ،‬عن عمه أبي الحوص (‪)3‬‬
‫وعن َبهْز بن أسد ‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬به (‪)4‬‬
‫وهذا حديث جيد قوي السناد‪.‬‬
‫وقد أنكر [ال] (‪ )5‬تعالى على من حَرّم ما أحل ال ‪ ،‬أو أحل ما حرم بمجرد الراء والهواء ‪،‬‬
‫التي (‪ )6‬ل مستند لها ول دليل عليها‪ .‬ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ومَا ظَنّ الّذِينَ‬
‫َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَة } أي ‪ :‬ما ظنهم أن يُصنَع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َلذُو َفضْلٍ عَلَى النّاسِ } قال ابن جرير ‪ :‬في تركه معاجلتهم (‪ )7‬بالعقوبة في‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ويحتمل أن يكون المراد لذو فضل على الناس فيما أباح لهم مما خلقه من المنافع في‬
‫الدنيا ‪ ،‬ولم يحرم عليهم إل ما هو ضار لهم في دنياهم أو دينهم‪.‬‬
‫شكُرُونَ } بل يحرمون ما أنعم ال [به] (‪ )8‬عليهم ‪ ،‬ويضيقون على أنفسهم ‪،‬‬
‫{ وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ ل يَ ْ‬
‫فيجعلون بعضا حلل وبعضا حراما‪ .‬وهذا قد وقع فيه المشركون فيما شرعوه لنفسهم ‪ ،‬وأهل‬
‫الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم‪ .‬وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد‬
‫بن أبي الحواري ‪ ،‬حدثنا رباح ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن سليمان ‪ ،‬حدثنا موسى بن الصباح في قول ال‬
‫ضلٍ عَلَى النّاسِ } قال ‪ :‬إذا كان يوم القيامة ‪ ،‬يؤتى بأهل ولية ال عز‬
‫عز وجل ‪ { :‬إِنّ اللّهَ لَذُو َف ْ‬
‫وجل ‪ ،‬فيقومون بين يدي ال عز وجل ثلثة أصناف قال ‪ :‬فيؤتى برجل من الصنف الول فيقول‬
‫‪ :‬عبدي ‪ ،‬لماذا عملت ؟ فيقول ‪ :‬يا رب ‪ :‬خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها ‪ ،‬وحورها‬
‫ونعيمها ‪ ،‬وما أعددت لهل طاعتك فيها ‪ ،‬فأسهرتُ ليلي وأظمأتُ نهاري شوقا إليها‪ .‬قال ‪ :‬فيقول‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال تعالى ‪ :‬عبدي ‪ ،‬إنما عملت للجنة ‪ ،‬هذه الجنة فادخلها ‪ ،‬ومن فضلي عليك أن أعتقتك من‬
‫النار ‪[ ،‬ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي] (‪ )9‬قال ‪ :‬فيدخل هو ومن معه الجنة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم يؤتى برجل من الصنف الثاني ‪ ،‬قال ‪ :‬فيقول ‪ :‬عبدي ‪ ،‬لماذا عملت ؟ فيقول ‪ :‬يا رب ‪،‬‬
‫خلقت نارا وخلقت أغللها وسعيرها وسمومها ويحمُومها ‪ ،‬وما أعددت لعدائك وأهل معصيتك‬
‫فيها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬حرام ويحرمها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/473‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)4/137‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)3/473‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬معالجتهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/276‬‬

‫شهُودًا ِإذْ ُتفِيضُونَ‬


‫ع َملٍ إِلّا كُنّا عَلَ ْيكُمْ ُ‬
‫ن َومَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا َت ْعمَلُونَ مِنْ َ‬
‫َومَا َتكُونُ فِي شَأْ ٍ‬
‫ك وَلَا َأكْبَرَ إِلّا‬
‫صغَرَ مِنْ ذَِل َ‬
‫سمَا ِء وَلَا َأ ْ‬
‫ض وَلَا فِي ال ّ‬
‫فِي ِه َومَا َيعْ ُزبُ عَنْ رَ ّبكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَ ّرةٍ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (‪)61‬‬

‫فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفا منها‪ .‬فيقول ‪ :‬عبدي ‪ ،‬إنما عملت ذلك خوفا من ناري ‪)1( ،‬‬
‫فإني قد أعتقتك من النار ‪ ،‬ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي‪ .‬فيدخل هو ومن معه الجنة‪.‬‬
‫ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث ‪ ،‬فيقول ‪ :‬عبدي ‪ ،‬لماذا عملت ؟ فيقول ‪ :‬رب (‪ )2‬حبًا لك ‪،‬‬
‫وشوقا إليك ‪ ،‬وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقا إليك وحبا لك ‪ ،‬فيقول تبارك وتعالى‬
‫‪ :‬عبدي ‪ ،‬إنما عملت حبا لي وشوقا إلي ‪ ،‬فيتجلى له الرب جل جلله ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ها أنا ذا ‪ ،‬انظر‬
‫إلي ثم يقول ‪ :‬من فضلي عليك أن أعتقك من النار ‪ ،‬وأبيحك جنتي ‪ ،‬وأزيرَك ملئكتي ‪ ،‬وأسلم‬
‫عليك بنفسي‪ .‬فيدخل هو ومن معه الجنة‪.‬‬
‫شهُودًا إِذْ ُتفِيضُونَ‬
‫ع َملٍ إِل كُنّا عَلَ ْيكُمْ ُ‬
‫ن وَل َت ْعمَلُونَ مِنْ َ‬
‫ن َومَا تَ ْتلُو مِ ْنهُ مِنْ قُرْآ ٍ‬
‫{ َومَا َتكُونُ فِي شَأْ ٍ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك وَل َأكْبَرَ‬
‫صغَرَ مِنْ ذَِل َ‬
‫سمَا ِء وَل َأ ْ‬
‫فِي ِه َومَا َيعْ ُزبُ عَنْ رَ ّبكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَ ّرةٍ فِي ال ْرضِ وَل فِي ال ّ‬
‫إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (‪} )61‬‬
‫يخبر تعالى نبيه ‪ ،‬صلوات ال عليه وسلمه (‪ )3‬أنه (‪ )4‬يعلم جميع أحواله وأحوال أمته ‪ ،‬وجميع‬
‫الخلئق في كل ساعة وآن ولحظة ‪ ،‬وأنه ل يعزُب عن علمه وبصره مثقالُ ذرة في حقارتها‬
‫وصغرها في السموات ول في الرض ‪ ،‬ول أصغر منها ول أكبر إل في كتاب مبين ‪ ،‬كقوله ‪{ :‬‬
‫ن وَ َرقَةٍ إِل َيعَْل ُمهَا‬
‫سقُطُ مِ ْ‬
‫وَعِنْ َدهُ َمفَاتِحُ (‪ )5‬ا ْلغَ ْيبِ ل َيعَْل ُمهَا إِل ُه َو وَ َيعْلَمُ مَا فِي الْبَ ّر وَالْ َبحْ ِر َومَا َت ْ‬
‫طبٍ وَل يَابِسٍ إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ النعام ‪ ، ] 59 :‬فأخبر‬
‫وَل حَبّةٍ فِي ظُُلمَاتِ ال ْرضِ وَل َر ْ‬
‫تعالى أنه يعلم حركة الشجار وغيرها من الجمادات وكذلك الدواب السارحة في قوله ‪َ { :‬ومَا مِنْ‬
‫شيْءٍ ُثمّ إِلَى‬
‫ض وَل طَائِرٍ َيطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِل ُأمَمٌ َأمْثَاُلكُمْ مَا فَرّطْنَا فِي ا ْلكِتَابِ مِنْ َ‬
‫دَابّةٍ فِي ال ْر ِ‬
‫رَ ّبهِمْ ُيحْشَرُونَ } [ النعام ‪ ، ] 38 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا مِنْ دَابّةٍ فِي ال ْرضِ إِل عَلَى اللّهِ رِ ْز ُقهَا‬
‫عهَا ُكلّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ هود ‪.] 6 :‬‬
‫وَ َيعْلَمُ مُسْ َتقَرّهَا َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫وإذا كان هذا علمه بحركات هذه الشياء ‪ ،‬فكيف بعلمه بحركات المكلفين المأمورين بالعبادة ‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وَ َتوَ ّكلْ عَلَى ا ْلعَزِيزِ الرّحِيمِ الّذِي يَرَاكَ حِينَ َتقُو ُم وَ َتقَلّ َبكَ فِي السّاجِدِينَ } [ الشعراء‬
‫ن وَل َت ْعمَلُونَ‬
‫ن َومَا تَ ْتلُو مِ ْنهُ مِنْ قُرْآ ٍ‬
‫‪ ] 219 - 217 :‬؛ ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬ومَا َتكُونُ فِي شَأْ ٍ‬
‫شهُودًا ِإذْ ُتفِيضُونَ فِيهِ } أي ‪ :‬إذ تأخذون في ذلك الشيء نحن مشاهدون‬
‫ع َملٍ إِل كُنّا عَلَ ْي ُكمْ ُ‬
‫مِنْ َ‬
‫لكم راءون سامعون ‪ ،‬ولهذا قال ‪ ،‬عليه السلم (‪ )6‬لما سأله جبريل عن الحسان [قال] (‪ )7‬أن‬
‫تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"‪)8( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬النار"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ربي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬بأنه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬مفاتح"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )8‬من حديث عمر بن الخطاب الطويل‪.‬‬

‫( ‪)4/277‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَلَا ُهمْ يَحْزَنُونَ (‪ )62‬الّذِينَ َآمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ (‪َ )63‬لهُمُ الْ ُبشْرَى‬
‫أَلَا إِنّ َأوْلِيَاءَ اللّهِ لَا َ‬
‫فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الَْآخِ َرةِ لَا تَ ْبدِيلَ ِلكَِلمَاتِ اللّهِ ذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪)64‬‬

‫خوْفٌ عَلَ ْيهِمْ وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ (‪ )62‬الّذِينَ آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ (‪َ )63‬لهُمُ‬
‫{ أَل إِنّ َأوْلِيَاءَ اللّهِ ل َ‬
‫الْبُشْرَى فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ ل تَبْدِيلَ ِلكَِلمَاتِ اللّهِ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪} )64‬‬

‫( ‪)4/277‬‬

‫يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ‪ ،‬كما فسرهم (‪ )1‬ربهم ‪ ،‬فكل من كان تقيا‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِمْ } [أي] (‪ )2‬فيما يستقبلون من أهوال القيامة ‪ { ،‬وَل هُمْ‬
‫كان ل وليا ‪ :‬أنه { ل َ‬
‫يَحْزَنُونَ } على ما وراءهم في الدنيا‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن مسعود ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ :‬أولياء ال الذين إذا رءوا ُذكِر‬
‫ال‪.‬‬
‫وقد ورد هذا في حديث مرفوع كما قال البزار ‪:‬‬
‫حدثنا علي بن حَرْب الرازي ‪ ،‬حدثنا محمد بن سعيد بن سابق ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن عبد ال‬
‫الشعري ‪ -‬وهو القمي ‪ -‬عن جعفر بن أبي المغيرة ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫قال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬مَنْ أولياء ال ؟ قال ‪" :‬الذين إذا رءُوا ذُكر ال"‪ .‬ثم قال البزار ‪ :‬وقد‬
‫روي عن سعيد مرسل‪)3( .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو هشام الرّفاعي ‪ ،‬حدثنا ابن فضيل (‪ )4‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن عمارة بن‬
‫القعقاع ‪ ،‬عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير البَجَلي ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن من عباد ال عبادا يغبطهم (‪ )5‬النبياء والشهداء"‪ .‬قيل‬
‫‪ :‬من هم يا رسول ال ؟ لعلنا نحبهم‪ .‬قال ‪" :‬هم قوم تحابوا (‪ )6‬في ال من غير أموال ول أنساب‬
‫‪ ،‬وجوههم نور على منابر من نور ‪ ،‬ل يخافون إذا خاف الناس ‪ ،‬ول يحزنون إذا حزن الناس"‪.‬‬
‫خوْفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ } (‪)7‬‬
‫ثم قرأ ‪ { :‬أَل إِنّ َأوْلِيَاءَ اللّهِ ل َ‬
‫ثم رواه أيضا أبو داود ‪ ،‬من حديث جرير ‪ ،‬عن عمارة بن القعقاع ‪ ،‬عن أبي زرعة بن عمرو بن‬
‫جرير ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بمثله‪)8( .‬‬
‫وهذا أيضا إسناد جيد ‪ ،‬إل أنه منقطع بين أبي زرعة وعمر بن الخطاب ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فسر بهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬مسند البزار برقم (‪" )3626‬كشف الستار"‪ .‬والمرسل رواه الطبري في تفسيره (‪)15/119‬‬
‫من طريق أشعث بن إسحاق ‪ ،‬عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مرسل‪.‬‬
‫(‪ )4‬في جميع النسخ "أبو فضيل" ‪ ،‬وكذا وقع في مخطوطة الطبري وصوبه المعلق‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يعطيهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬تحابون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )15/20‬ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11236‬عن واصل بن‬
‫عبد العلى عن محمد بن فضيل عن أبيه وعمارة بن القعقاع ‪ -‬هكذا مقرونا ‪ -‬كلهما عن أبي‬
‫زرعة عن أبي هريرة به نحوه ‪ ،‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (‪ )2508‬من طريق عبد‬
‫الرحمن بن صالح عن ابن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة به‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪ )15/121‬وسنن أبي داود برقم (‪.)3527‬‬

‫( ‪)4/278‬‬

‫حوْشَب ‪،‬‬
‫شهْر بن َ‬
‫وفي حديث المام أحمد ‪ ،‬عن أبي النضر ‪ ،‬عن عبد الحميد بن َبهْرَام ‪ ،‬عن َ‬
‫عن عبد الرحمن بن غَنْم ‪ ،‬عن أبي مالك الشعري قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تتصل (‪ )1‬بينهم أرحام متقاربة ‪ ،‬تحابوا في ال ‪،‬‬
‫وتصافوا في ال ‪ ،‬يضع ال لهم يوم القيامة منابر من نور ‪ ،‬فيجلسهم عليها ‪ ،‬يفزع الناس ول‬
‫يفزعون ‪ ،‬وهم أولياء ال ‪ ،‬الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون"‪ .‬والحديث متطول‪)3( )2( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن َذ ْكوَان أبي صالح ‪،‬‬
‫عن رجل ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ‪َ { :‬لهُمُ‬
‫الْبُشْرَى فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } قال ‪" :‬الرؤيا الصالحة يراها المسلم ‪ ،‬أو تُرى له"‪)4( .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني أبو السائب ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن‬
‫عطاء بن يسار ‪ ،‬عن رجل من أهل مصر ‪ ،‬عن أبي الدرداء في قوله ‪َ { :‬لهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ‬
‫الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } قال ‪ :‬سأل رجل أبا الدرداء (‪ )5‬عن هذه الية ‪ ،‬فقال ‪ :‬لقد سألت عن شيء‬
‫ما سمعتُ [أحدًا] (‪ )6‬سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسولَ ال ‪ ،‬فقال ‪" :‬هي الرؤيا الصالحة يراها‬
‫الرجل المسلم ‪ ،‬أو تُرَى له ‪ ،‬بشراه في الحياة الدنيا ‪ ،‬وبشراه في الخرة [الجنة]‪)7( .‬‬
‫ثم رواه ابن جرير من حديث سفيان ‪ ،‬عن ابن الم ْن َكدِر ‪ ،‬عن عَطَاء بن يَسَار ‪ ،‬عن رجل من أهل‬
‫مصر ‪ ،‬أنه سأل أبا الدرداء عن هذه الية ‪ ،‬فذكر نحو ما تقدم‪)8( .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ :‬حدثنا الحجاج بن مِ ْنهَال ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬عن عاصم بن‬
‫َبهْدَلَة ‪ ،‬عن أبي صالح قال ‪ :‬سمعت أبا الدرداء ‪ ،‬وسئل عن ‪ { :‬الّذِينَ آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ َلهُمُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الْبُشْرَى } فذكر نحوه سواء‪)9( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا أبان ‪ ،‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن عبادة بن‬
‫الصامت ؛ أنه سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أرأيت قول ال تعالى ‪:‬‬
‫{ َل ُهمُ الْبُشْرَى فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } ؟ فقال ‪" :‬لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من‬
‫أمتي ‪ -‬أو ‪ :‬أحد قبلك" قال ‪" :‬تلك الرؤيا الصالحة ‪ ،‬يراها الرجل الصالح أو تُرَى له"‪.‬‬
‫وكذا رواه أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن عمران القَطّان ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬به (‪ )10‬ورواه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يتصل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يطول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)5/343‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)6/445‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬سأل رجل من أهل مصر أبا الدرداء"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪ )15/128‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3106‬من طريق سفيان عن‬
‫محمد بن المنكدر به نحوه‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪ )15/136‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3106‬من طريق أحمد بن عبدة‬
‫عن حماد بن زيد به‪.‬‬
‫(‪ )10‬مسند المام أحمد (‪ )5/315‬وهو في مسند الطيالسي برقم (‪ )583‬عن حرب بن شداد ‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن أبي سلمة قال ‪ :‬نبئت أن عبادة بن الصامت فذكره ‪ ،‬وهو منقطع قال‬
‫ابن حجر ‪" :‬رجاله ثقات إل أنه معلول ‪ ،‬فإن أبا سلمة لم يسمع من عبادة"‪.‬‬

‫( ‪)4/279‬‬

‫الوزاعي ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬فذكره‪ .‬ورواه علي بن المبارك ‪ ،‬عن يحيى ‪ ،‬عن أبي‬
‫سلمة قال ‪ :‬نُبّئنا عن عبادة بن الصامت ‪ ،‬سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن هذه الية ‪،‬‬
‫فذكره‪.‬‬
‫حمْصيّ ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا عمر بن عمرو بن‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني أبو حميد ال ِ‬
‫حمُوسي ‪ ،‬عن حميد بن عبد ال المزني قال ‪ :‬أتى رجل عبادة بن الصامت فقال ‪ :‬آية في‬
‫عبد ال ْ‬
‫كتاب ال أسألك عنها ‪ ،‬قول ال تعالى ‪َ { :‬لهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا } ؟ فقال عبادة ‪ :‬ما سألني‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عنها أحد قبلك ‪ ،‬سألت عنها نبي ال فقال مثل ذلك ‪" :‬ما سألني عنها أحد قبلك ‪ ،‬الرؤيا‬
‫الصالحة ‪ ،‬يراها العبد المؤمن في المنام أو تُرَى له"‪)1( .‬‬
‫صفْوان ‪ ،‬عن عبادة بن الصامت ؛‬
‫ثم رواه من حديث موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن أيوب بن خالد بن َ‬
‫أنه قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬لهُمُ الْ ُبشْرَى فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } فقد عرفنا‬
‫بشرى الخرة الجنة ‪ ،‬فما بشرى الدنيا ؟ قال ‪" :‬الرؤيا الصالحة يراها العبد أو تُرَى له ‪ ،‬وهي‬
‫جزء من أربعة وأربعين جزءا أو سبعين جزءا من النبوة"‪)2( .‬‬
‫وقال [المام] (‪ )3‬أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا َبهْز ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬حدثنا أبو عمران ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫الصامت ‪ ،‬عن أبي ذر ؛ أنه قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬الرجل يعمل العمل فيحمده (‪ )4‬الناس عليه ‪،‬‬
‫ويثنون عليه به ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تلك عاجل بشرى المؤمن"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا حسن ‪ -‬يعني الشيب ‪ -‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا دَرّاج ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن جُبَيْر ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪َ { :‬لهُمُ‬
‫الْبُشْرَى فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } قال ‪" :‬الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن ‪ ،‬هي جزء من‬
‫تسعة وأربعين جزءا من النبوة ‪ ،‬فمن رأى [ذلك] (‪ )6‬فليخبر بها ‪ ،‬ومن رأى سوى ذلك فإنما هو‬
‫من الشيطان ليَحْزُنه ‪ ،‬فلينفث (‪ )7‬عن يساره ثلثا ‪ ،‬وليكبر (‪ )8‬ول يخبر بها أحدا" (‪ )9‬لم‬
‫يخرجوه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أنبأنا ابن وَهْب ‪ ،‬حدثني عمرو بن الحارث ‪ ،‬أن دَرّاجا أبا‬
‫السمح حدثه عن عبد الرحمن بن جُبَيْر ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال ‪َ { :‬ل ُهمُ الْبُشْرَى فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا } الرؤيا الصالحة يبشّرها المؤمن ‪ ،‬جزء من ستة‬
‫وأربعين جزءا من النبوة"‪)10( .‬‬
‫وقال أيضا ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن أبي حاتم المؤدّب ‪ ،‬حدثنا عمار بن محمد ‪ ،‬حدثنا‬
‫العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬لهُمُ الْ ُبشْرَى فِي‬
‫الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } قال ‪" :‬هي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)15/129‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)15/132‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويحمده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )5/156‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2642‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ ‪ ،‬والمسند ‪ ،‬وفي ت ‪" :‬تلك"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فليتفت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وليسكت"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )2/219‬وابن لهيعة ودراج ضعيفان‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪.)15/139‬‬

‫( ‪)4/280‬‬

‫في الدنيا الرؤيا الصالحة ‪ ،‬يراها العبد أو تُرَى له ‪ ،‬وهي في الخرة الجنة"‪)1( .‬‬
‫ثم رواه عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن أبي بكر بن عَيّاش ‪ ،‬عن أبي حصين ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة أنه قال ‪ :‬الرؤيا الحسنة بشرى من ال ‪ ،‬وهي من المبشّرات‪)2( .‬‬
‫هكذا رواه من هذه الطريق موقوفا‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ ،‬عن ابن سيرين ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الرؤيا الحسنة هي البشرى ‪ ،‬يراها المسلم أو تُرَى‬
‫له"‪)3( .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني أحمد بن حماد الدّولبي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبيد ال بن أبي يزيد ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن سِبَاع بن ثابت ‪ ،‬عن أم كُرْز الكعبية ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬ذهبت النبوة ‪ ،‬وبقيت المبشرات"‪)4( .‬‬
‫وهكذا روي عن ابن مسعود ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعُ ْروَة بن الزبير ‪ ،‬ويحيى‬
‫بن أبي كثير ‪ ،‬وإبراهيم النّخَعي ‪ ،‬وعطاء بن أبي رباح ‪ :‬أنهم فسروا ذلك بالرؤيا الصالحة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بذلك (‪ )5‬بشرى الملئكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة كما في قوله تعالى‬
‫‪ { :‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ُثمّ اسْ َتقَامُوا تَتَنزلُ عَلَ ْي ِهمُ ا ْلمَل ِئكَةُ أَل تَخَافُوا وَل تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا‬
‫س ُكمْ‬
‫بِالْجَنّةِ الّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ َنحْنُ َأوْلِيَا ُؤكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َر ِة وََلكُمْ فِيهَا مَا َتشْ َتهِي أَ ْنفُ ُ‬
‫غفُورٍ َرحِيمٍ } [ فصلت ‪.] 32 - 30 :‬‬
‫وََلكُمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ نزل مِنْ َ‬
‫وفي حديث البراء ‪" :‬أن المؤمن إذا حضره الموت ‪ ،‬جاءه ملئكة بيض الوجوه ‪ ،‬بيض الثياب ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ‪ ،‬ورب غير غضبان‪ .‬فتخرج من فمه ‪،‬‬
‫كما تسيل القطرة من فم السقاء"‪.‬‬
‫وأما بشراهم في الخرة ‪ ،‬فكما قال تعالى ‪ { :‬ل َيحْزُ ُنهُمُ ا ْلفَ َزعُ الكْبَرُ وَتَتََلقّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ هَذَا َي ْومُكُمُ‬
‫سعَى‬
‫الّذِي كُنْ ُتمْ تُوعَدُونَ } [ النبياء ‪ .] 103 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ي ْومَ تَرَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ َي ْ‬
‫نُورُهُمْ بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ ُبشْرَاكُمُ الْ َيوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَِلكَ ُهوَ‬
‫ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ } [ الحديد ‪)6( .] 12 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬ل تَبْدِيلَ ِلكَِلمَاتِ اللّهِ } أي ‪ :‬هذا الوعد ل يبدل ول يخلف ول يغير ‪ ،‬بل هو مقرر‬
‫مثبت كائن ل محالة ‪ { :‬ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ } (‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)15/131‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)15/130‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)15/130‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ )15/133‬ورواه ابن ماجه في السنن برقم (‪ )3896‬من طريق هارون‬
‫الحمال عن سفيان به ‪ ،‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/212‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات"‬
‫وأبو زيد لم يوثقه سوى ابن حبان ‪ ،‬ولم يرو عنه سوى ابنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المراد من ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وذلك الفوز العظيم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وذلك" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/281‬‬

‫سمَاوَاتِ َومَنْ فِي‬


‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪ )65‬أَلَا إِنّ ِللّهِ مَنْ فِي ال ّ‬
‫جمِيعًا ُهوَ ال ّ‬
‫وَلَا يَحْزُ ْنكَ َقوُْلهُمْ إِنّ ا ْلعِ ّزةَ لِلّهِ َ‬
‫ض َومَا يَتّ ِبعُ الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ شُ َركَاءَ إِنْ يَتّ ِبعُونَ إِلّا الظّنّ وَإِنْ هُمْ ِإلّا يَخْ ُرصُونَ (‬
‫الْأَ ْر ِ‬
‫س َمعُونَ (‪)67‬‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَال ّنهَارَ مُ ْبصِرًا إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِل َقوْمٍ يَ ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْيلَ لِ َت ْ‬
‫‪ُ )66‬هوَ الّذِي َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ إِنْ عِنْ َد ُكمْ مِنْ سُ ْلطَانٍ‬
‫خذَ اللّهُ وَلَدًا سُ ْبحَانَهُ ُهوَ ا ْلغَنِيّ َلهُ مَا فِي ال ّ‬
‫قَالُوا اتّ َ‬
‫ِبهَذَا أَ َتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا َتعَْلمُونَ (‪ُ )68‬قلْ إِنّ الّذِينَ َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ لَا ُيفْلِحُونَ (‪)69‬‬
‫ج ُعهُمْ ُثمّ نُذِي ُقهُمُ ا ْل َعذَابَ الشّدِيدَ ِبمَا كَانُوا َي ْكفُرُونَ (‪)70‬‬
‫مَتَاعٌ فِي الدّنْيَا ثُمّ إِلَيْنَا مَرْ ِ‬

‫سمَاوَاتِ َومَنْ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪ )65‬أَل إِنّ ِللّهِ مَنْ فِي ال ّ‬
‫جمِيعًا ُهوَ ال ّ‬
‫{ وَل يَحْزُ ْنكَ َقوُْلهُمْ إِنّ ا ْلعِ ّزةَ لِلّهِ َ‬
‫ن وَإِنْ ُهمْ إِل يَخْ ُرصُونَ‬
‫ض َومَا يَتّبِعُ الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ شُ َركَاءَ إِنْ يَتّ ِبعُونَ إِل الظّ ّ‬
‫فِي ال ْر ِ‬
‫س َمعُونَ (‪} )67‬‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ يَ ْ‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَال ّنهَارَ مُ ْبصِرًا إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْيلَ لِ َت ْ‬
‫(‪ُ )66‬هوَ الّذِي َ‬
‫يقول تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَل َيحْزُ ْنكَ } قولُ هؤلء المشركين ‪ ،‬واستعن بال‬
‫سمِيعُ‬
‫عليهم ‪ ،‬وتوكل عليه ؛ فإن العزة ل جميعا ‪ ،‬أي ‪ :‬جميعها له ولرسوله وللمؤمنين ‪ُ { ،‬هوَ ال ّ‬
‫ا ْلعَلِيمُ } أي ‪ :‬السميع لقوال عباده العليم بأحوالهم‪)1( .‬‬
‫ثم أخبر تعالى أن له ملك السموات والرض ‪ ،‬وأن المشركين يعبدون الصنام ‪ ،‬وهي ل تملك‬
‫شيئا ‪ ،‬ل (‪ )2‬ضرًا ول نفعا ‪ ،‬ول دليل لهم على عبادتها ‪ ،‬بل إنما يتبعون في ذلك ظنونهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وتخرصهم وكذبهم وإفكهم‪.‬‬
‫ثم أخبر أنه الذي جعل لعباده الليل ليسكنوا فيه ‪ ،‬أي ‪ :‬يستريحون فيه من َنصَبهم وكللهم‬
‫وحَرَكاتهم ‪ { ،‬وَال ّنهَارَ مُ ْبصِرًا } أي ‪ :‬مضيئا لمعاشهم وسعيهم ‪ ،‬وأسفارهم ومصالحهم ‪ { ،‬إِنّ فِي‬
‫س َمعُونَ } أي ‪ :‬يسمعون هذه الحجج والدلة ‪ ،‬فيعتبرون (‪ )3‬بها ‪ ،‬ويستدلون‬
‫ك ليَاتٍ ِلقَوْمٍ َي ْ‬
‫ذَِل َ‬
‫على عظمة خالقها ‪ ،‬ومقدرها ومسيرها‪.‬‬
‫ت َومَا فِي ال ْرضِ إِنْ عِنْ َد ُكمْ مِنْ سُ ْلطَانٍ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ قَالُوا اتّخَذَ اللّ ُه وَلَدًا سُبْحَا َنهُ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫ب ل ُيفِْلحُونَ (‬
‫ِبهَذَا أَ َتقُولُونَ (‪ )4‬عَلَى اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ (‪ُ )68‬قلْ إِنّ الّذِينَ َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ‬
‫ج ُعهُمْ ُثمّ نُذِي ُقهُمُ ا ْل َعذَابَ الشّدِيدَ ِبمَا كَانُوا َي ْكفُرُونَ (‪} )70‬‬
‫‪ )69‬مَتَاعٌ فِي الدّنْيَا ثُمّ ِإلَيْنَا مَرْ ِ‬
‫يقول تعالى منكرًا على من ادعى أن له ولدًا ‪ { :‬سُبْحَانَهُ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ } أي ‪ :‬تقدس عن ذلك ‪ ،‬هو‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ } أي ‪:‬‬
‫الغني عن كل ما سواه ‪ ،‬وكل شيء فقير إليه ‪َ { ،‬لهُ مَا فِي ال ّ‬
‫فكيف يكون له ولد مما خلق ‪ ،‬وكل شيء مملوك له ‪ ،‬عبد له ؟! { إِنْ عِنْ َدكُمْ مِنْ سُ ْلطَانٍ ِبهَذَا }‬
‫علَى اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ }‬
‫أي ‪ :‬ليس عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان! { أَ َتقُولُونَ َ‬
‫حمَنُ وَلَدًا َلقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدّا‬
‫خذَ الرّ ْ‬
‫إنكار ووعيد أكيد ‪ ،‬وتهديد شديد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَالُوا اتّ َ‬
‫ن وَلَدًا َومَا يَنْ َبغِي‬
‫حمَ ِ‬
‫عوْا لِلرّ ْ‬
‫ض وَتَخِرّ ا ْلجِبَالُ هَدّا أَنْ دَ َ‬
‫سمَاوَاتُ يَ َتفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ ال ْر ُ‬
‫َتكَادُ ال ّ‬
‫حصَاهُمْ‬
‫حمَنِ عَبْدًا َلقَدْ َأ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ إِل آتِي الرّ ْ‬
‫خ َذ وَلَدًا إِنْ ُكلّ مَنْ فِي ال ّ‬
‫حمَنِ أَنْ يَتّ ِ‬
‫لِلرّ ْ‬
‫وَعَدّهُمْ عَدّا َوكُّلهُمْ آتِيهِ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فَ ْردًا } [ مريم ‪.] 95 - 88 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عليم بهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ويعتبرون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أيقولون"‪.‬‬

‫( ‪)4/282‬‬

‫ثم توعد تعالى الكاذبين عليه المفترين ‪ ،‬ممن زعم أنه له ولدا ‪ ،‬بأنهم ل يفلحون في الدنيا ول في‬
‫الخرة ‪ ،‬فأما في الدنيا فإنهم إذا استدرجهم وأملى لهم متعهم قليل ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ ‪،‬‬
‫ج ُعهُمْ } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪،‬‬
‫كما قال ها هنا ‪ { :‬مَتَاعٌ فِي الدّنْيَا } أي ‪ :‬مدة قريبة ‪ { ،‬ثُمّ إِلَيْنَا مَرْ ِ‬
‫{ ُثمّ نُذِي ُقهُمُ ا ْل َعذَابَ الشّدِيدَ } أي ‪ :‬الموجع المؤلم { ِبمَا كَانُوا َي ْكفُرُونَ } أي ‪ :‬بسبب كفرهم‬
‫وافترائهم وكذبهم على ال ‪ ،‬فيما ادعوه من الفك والزور‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/283‬‬

‫وَا ْتلُ عَلَ ْي ِهمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ يَا َقوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَ ْي ُكمْ َمقَامِي وَتَ ْذكِيرِي بِآَيَاتِ اللّهِ َفعَلَى اللّهِ‬
‫ي وَلَا تُ ْنظِرُونِ (‪)71‬‬
‫غمّةً ثُمّ ا ْقضُوا إَِل ّ‬
‫ج ِمعُوا َأمْ َركُ ْم وَشُ َركَا َءكُمْ ثُمّ لَا َيكُنْ َأمْ ُركُمْ عَلَ ْي ُكمْ ُ‬
‫َت َوكّلْتُ فََأ ْ‬
‫فَإِنْ َتوَلّيْتُمْ َفمَا سَأَلْ ُت ُكمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْ ِريَ إِلّا عَلَى اللّ ِه وَُأمِ ْرتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪َ )72‬فكَذّبُوهُ‬
‫ف وَأَغْ َرقْنَا الّذِينَ َكذّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ‬
‫جعَلْنَاهُمْ خَلَا ِئ َ‬
‫فَنَجّيْنَا ُه َومَنْ َمعَهُ فِي ا ْلفُ ْلكِ َو َ‬
‫ا ْلمُنْذَرِينَ (‪)73‬‬

‫{ وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ِإذْ قَالَ ِل َقوْمِهِ يَا َقوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَ ْيكُمْ َمقَامِي وَتَ ْذكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ َفعَلَى اللّهِ‬
‫ي وَل تُ ْنظِرُونِ (‪)71‬‬
‫غمّةً ثُمّ ا ْقضُوا إَِل ّ‬
‫ج ِمعُوا َأمْ َركُ ْم وَشُ َركَا َءكُمْ ثُمّ ل َيكُنْ َأمْ ُر ُكمْ عَلَ ْيكُمْ ُ‬
‫َت َوكّلْتُ فََأ ْ‬
‫فَإِنْ َتوَلّيْتُمْ َفمَا سَأَلْ ُت ُكمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْ ِريَ إِل عَلَى اللّ ِه وَُأمِ ْرتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْل ُمسِْلمِينَ (‪َ )72‬فكَذّبُوهُ‬
‫جعَلْنَاهُمْ خَل ِئفَ وَأَغْ َرقْنَا الّذِينَ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ‬
‫فَنَجّيْنَا ُه َومَنْ َمعَهُ فِي ا ْلفُ ْلكِ َو َ‬
‫ا ْلمُنْذَرِينَ (‪} )73‬‬
‫يقول تعالى لنبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ { :‬وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬أخبرهم واقصص عليهم ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬على كفار مكة الذين يكذبونك ويخالفونك { نَبَأَ نُوحٍ } أي ‪ :‬خبره مع قومه الذين كذبوه ‪،‬‬
‫كيف أهلكهم ال و َدمّرهم بالغرق أجمعين عن آخرهم ‪ ،‬ليحذر هؤلء أن يصيبهم من الهلك‬
‫والدمار ما أصاب أولئك‪ { .‬إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ يَا َقوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَ ْيكُمْ } أي ‪ :‬عَظُم عليكم ‪َ { ،‬مقَامِي‬
‫} أي فيكم بين أظهركم ‪ { ،‬وَتَ ْذكِيرِي } إياكم { بِآيَاتِ اللّهِ } أي ‪ :‬بحججه وبراهينه ‪َ { ،‬فعَلَى اللّهِ‬
‫ج ِمعُوا َأمْ َركُمْ‬
‫َت َوكّلْتُ } أي ‪ :‬فإني ل أبالي ول أكف عنكم (‪ )1‬سواء عظم عليكم أو ل! { فَأَ ْ‬
‫وَشُ َركَا َءكُمْ } أي ‪ :‬فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم الذين تدعون من دون ال ‪ ،‬من صَنَم ووثن ‪ { ،‬ثُ ّم ل‬
‫غمّةً } أي ‪ :‬ول تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا ‪ ،‬بل افصلوا حالكم معي ‪ ،‬فإن كنتم‬
‫َيكُنْ َأمْ ُركُمْ عَلَ ْيكُمْ ُ‬
‫تزعمون أنكم محقون ‪ ،‬فاقضوا إلي ول تنظرون ‪ ،‬أي ‪ :‬ول تؤخروني ساعة واحدة ‪ ،‬أي ‪ :‬مهما‬
‫قدرتم فافعلوا ‪ ،‬فإني ل أباليكم (‪ )2‬ول أخاف منكم ‪ ،‬لنكم لستم على شيء ‪ ،‬كما قال هود لقومه‬
‫جمِيعًا ثُمّ ل تُنْظِرُونِ إِنّي‬
‫شهَدُوا أَنّي بَرِيءٌ ِممّا تُشْ ِركُونَ مِنْ دُونِهِ َفكِيدُونِي َ‬
‫شهِدُ اللّ َه وَا ْ‬
‫‪ { :‬إِنّي ُأ ْ‬
‫خذٌ بِنَاصِيَ ِتهَا إِنّ رَبّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ }‬
‫َت َوكّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبّي وَرَ ّبكُمْ مَا مِنْ دَابّةٍ إِل ُهوَ آ ِ‬
‫[ هود ‪.] 56 - 54 :‬‬
‫{ فَإِنْ َتوَلّيْ ُتمْ } أي ‪ :‬كذبتم وأدبرتم عن الطاعة ‪َ { ،‬فمَا سَأَلْ ُت ُكمْ مِنْ أَجْرٍ } أي ‪ :‬لم أطلب منكم على‬
‫نصحي إياكم شيئا ‪ { ،‬إِنْ أَجْ ِريَ إِل عَلَى اللّهِ وَُأمِرْتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ } أي ‪ :‬وأنا ممتثل ما‬
‫أمرت به‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول أفكر عنكم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبالكم"‪.‬‬

‫( ‪)4/283‬‬

‫ثُمّ َبعَثْنَا مِنْ َب ْع ِدهِ رُسُلًا إِلَى َق ْو ِمهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانُوا لِ ُي ْؤمِنُوا ِبمَا َكذّبُوا ِبهِ مِنْ قَ ْبلُ كَذَِلكَ‬
‫نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ ا ْل ُمعْتَدِينَ (‪)74‬‬

‫من السلم ل عز وجل ‪ ،‬والسلم هو دين [جميع] (‪ )1‬النبياء من أولهم إلى آخرهم ‪ ،‬وإن‬
‫جعَلْنَا مِ ْنكُمْ شِرْعَ ًة َومِ ْنهَاجًا } [ المائدة‬
‫تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ِ { :‬ل ُكلّ َ‬
‫‪ .] 48 :‬قال ابن عباس ‪ :‬سبيل وسنة‪ .‬فهذا نوح يقول ‪ { :‬وَُأمِ ْرتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ }‬
‫[ النمل ‪ ، ] 91 :‬وقال تعالى عن إبراهيم الخليل ‪ِ { :‬إذْ قَالَ لَهُ رَبّهُ أَسِْلمْ قَالَ أَسَْل ْمتُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ‬
‫طفَى َلكُمُ الدّينَ فَل َتمُوتُنّ إِل وَأَنْتُمْ مُسِْلمُونَ } [‬
‫صَ‬‫َووَصّى ِبهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِي ِه وَ َي ْعقُوبُ يَابَ ِنيّ إِنّ اللّهَ ا ْ‬
‫ك وَعَّلمْتَنِي مِنْ تَ ْأوِيلِ الحَادِيثِ‬
‫البقرة ‪ ، ] 132 ، 131 :‬وقال يوسف ‪َ { :‬ربّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ا ْلمُ ْل ِ‬
‫حقْنِي بِالصّاِلحِينَ }‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ أَ ْنتَ وَلِيّي فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ َت َوفّنِي مُسِْلمًا وَأَلْ ِ‬
‫فَاطِرَ ال ّ‬
‫سِلمِينَ }‬
‫[ يوسف ‪َ .] 101 :‬وقَالَ مُوسَى { يَا َقوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ َفعَلَيْهِ َت َوكّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُ ْ‬
‫علَيْنَا صَبْرًا وَ َتوَفّنَا مُسِْلمِينَ } [ العراف ‪:‬‬
‫[ يونس ‪ .] 84 :‬وقالت (‪ )2‬السحرة ‪ { :‬رَبّنَا َأفْ ِرغْ َ‬
‫‪ .] 126‬وقالت بلْقيس ‪َ { :‬ربّ إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي وَأَسَْل ْمتُ مَعَ سُلَ ْيمَانَ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [ النمل ‪:‬‬
‫ح ُكمُ ِبهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسَْلمُوا }‬
‫‪ .] 44‬وقال [ال] (‪ )3‬تعالى ‪ { :‬إِنّا أَنزلْنَا ال ّتوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَ ْ‬
‫حوَارِيّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنّا‬
‫[ المائدة ‪ ، ] 44 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَإِذْ َأوْحَ ْيتُ إِلَى الْ َ‬
‫سكِي‬
‫شهَدْ بِأَنّنَا ُمسِْلمُونَ } [ المائدة ‪ ] 111 :‬وقال خاتم الرسل وسيد البشر ‪ُ { :‬قلْ إِنّ صَلتِي وَنُ ُ‬
‫وَا ْ‬
‫ت وَأَنَا َأ ّولُ ا ْلمُسِْلمِينَ } [ النعام ‪162 :‬‬
‫ي َو َممَاتِي لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ ل شَرِيكَ لَ ُه وَبِذَِلكَ ُأمِ ْر ُ‬
‫َومَحْيَا َ‬
‫‪ ] 163 ،‬أي ‪ :‬من هذه المة ؛ ولهذا قال في الحديث الثابت عنه ‪" :‬نحن معاشر النبياء أولد‬
‫عَلت ‪ ،‬ديننا واحد" (‪ )4‬أي ‪ :‬وهو عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وإن تنوعت شرائعنا ‪ ،‬وذلك‬
‫معنى قوله ‪" :‬أولد علت" ‪ ،‬وهم ‪ :‬الخوة من أمهات شتى والب واحد‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬فكَذّبُوهُ فَنَجّيْنَا ُه َومَنْ َمعَهُ } (‪ )5‬أي ‪ :‬على دينه { فِي ا ْلفُ ْلكِ } وهي ‪ :‬السفينة ‪،‬‬
‫جعَلْنَاهُمْ خَل ِئفَ } أي ‪ :‬في الرض ‪ { ،‬وَأَغْ َرقْنَا الّذِينَ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ‬
‫{ وَ َ‬
‫ا ْلمُنْذَرِينَ } أي ‪ :‬يا محمد كيف أنجينا المؤمنين ‪ ،‬وأهلكنا المكذبين‪.‬‬
‫{ ُثمّ َبعَثْنَا مِنْ َبعْ ِدهِ ُرسُل إِلَى َقوْ ِمهِمْ َفجَاءُوهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانُوا لِ ُي ْؤمِنُوا ِبمَا كَذّبُوا بِهِ مِنْ قَ ْبلُ كَذَِلكَ‬
‫نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ ا ْل ُمعْتَدِينَ (‪} )74‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ثم بعثنا من بعد نوح رسل إلى قومهم ‪ ،‬فجاءوهم بالبينات ‪ ،‬أي ‪ :‬بالحجج والدلة‬
‫والبراهين على صدق ما جاءوهم به ‪َ { ،‬فمَا كَانُوا لِ ُي ْؤمِنُوا ِبمَا َكذّبُوا بِهِ مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬فما كانت‬
‫المم لتؤمن بما جاءتهم به رسلهم ‪ ،‬بسبب تكذيبهم إياهم أول ما أرسلوا إليهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪{ :‬‬
‫وَنُقَّلبُ َأفْئِدَ َتهُمْ وَأَ ْبصَارَهُمْ َكمَا لَمْ ُي ْؤمِنُوا بِهِ َأ ّولَ مَ ّرةٍ } [ النعام ‪.] 110 :‬‬
‫علَى قُلُوبِ ا ْل ُمعْتَدِينَ } أي ‪ :‬كما طبع ال على قلوب هؤلء ‪ ،‬فما آمنوا‬
‫وقوله ‪ { :‬كَ َذِلكَ نَطْبَعُ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3443‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والذين"‬

‫( ‪)4/284‬‬

‫عوْنَ َومَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا َق ْومًا مُجْ ِرمِينَ (‪)75‬‬
‫ثُمّ َبعَثْنَا مِنْ َب ْعدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْ َ‬
‫حقّ َلمّا جَا َءكُمْ‬
‫حقّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنّ هَذَا َلسِحْرٌ مُبِينٌ (‪ )76‬قَالَ مُوسَى أَ َتقُولُونَ لِلْ َ‬
‫فََلمّا جَاءَهُمُ الْ َ‬
‫عمّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَ َتكُونَ َل ُكمَا ا ْلكِبْرِيَاءُ‬
‫سحْرٌ هَذَا وَلَا ُيفْلِحُ السّاحِرُونَ (‪ )77‬قَالُوا َأجِئْتَنَا لِتَ ْلفِتَنَا َ‬
‫أَ ِ‬
‫فِي الْأَ ْرضِ َومَا َنحْنُ َل ُكمَا ِب ُم ْؤمِنِينَ (‪)78‬‬

‫بسبب تكذيبهم المتقدم ‪ ،‬هكذا يطبع ال على قلوب من أشبههم ممن بعدهم ‪ ،‬ويختم على قلوبهم ‪،‬‬
‫فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الليم‪.‬‬
‫والمراد ‪ :‬أن ال تعالى أهلك المم المكذبة للرسل ‪ ،‬وأنجى (‪ )1‬من آمن بهم ‪ ،‬وذلك من بعد‬
‫نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فإن الناس كانوا من قبله من (‪ )2‬زمان آدم عليه السلم على السلم ‪ ،‬إلى‬
‫أن أحدث الناس عبادة الصنام ‪ ،‬فبعث ال إليهم نوحا ‪ ،‬عليه السلم ؛ ولهذا يقول له المؤمنون‬
‫يوم القيامة ‪ :‬أنت أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬كان بين آدم ونوح عشرة قرون ‪ ،‬كلهم على السلم‪.‬‬
‫ح َوكَفَى بِرَ ّبكَ بِذُنُوبِ عِبَا ِدهِ خَبِيرًا َبصِيرًا }‬
‫وقال ال تعالى ‪َ { :‬وكَمْ أَهَْلكْنَا مِنَ ا ْلقُرُونِ مِنْ َبعْدِ نُو ٍ‬
‫[ السراء ‪ ، ] 17 :‬وفي هذا إنذار عظيم لمشركي العرب الذين كذبوا بسيد الرسل وخاتم النبياء‬
‫والمرسلين ‪ ،‬فإنه إذا كان قد أصاب من كذب بتلك الرسل ما ذكره ال تعالى من العقاب وال ّنكَال ‪،‬‬
‫فماذا (‪ )3‬ظن هؤلء وقد ارتكبوا أكبر من أولئك ؟‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن َومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا َق ْومًا ُمجْ ِرمِينَ (‬
‫عوْ َ‬
‫{ ُثمّ َبعَثْنَا مِنْ َبعْدِ ِهمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْ َ‬
‫حقّ َلمّا‬
‫حقّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (‪ )76‬قَالَ مُوسَى أَ َتقُولُونَ لِلْ َ‬
‫‪ )75‬فََلمّا جَاءَهُمُ الْ َ‬
‫جدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَ َتكُونَ َل ُكمَا‬
‫عمّا وَ َ‬
‫سحْرٌ َهذَا وَل ُيفْلِحُ السّاحِرُونَ (‪ )77‬قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَ ْلفِتَنَا َ‬
‫جَا َءكُمْ أَ ِ‬
‫ا ْلكِبْرِيَاءُ فِي ال ْرضِ َومَا َنحْنُ َل ُكمَا ِب ُم ْؤمِنِينَ (‪} )78‬‬
‫عوْنَ َومَلَئِهِ } أي ‪ :‬قومه‪.‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬ثُمّ َبعَثْنَا } من بعد تلك الرسل { مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْ َ‬
‫(‪ { )4‬بِآيَاتِنَا } أي ‪ :‬حجَجنا وبراهيننا ‪ { ،‬فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا َق ْومًا ُمجْ ِرمِينَ } أي ‪ :‬استكبروا عن‬
‫اتباع الحق والنقياد له ‪ { ،‬فََلمّا جَا َءهُمُ ا ْلحَقّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنّ هَذَا َلسِحْرٌ مُبِينٌ } كأنهم ‪ -‬قبّحهم‬
‫جحَدُوا ِبهَا‬
‫ال ‪ -‬أقسموا على ذلك ‪ ،‬وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ َ‬
‫سدِينَ } [ النمل ‪.]14 :‬‬
‫سهُمْ ظُ ْلمًا وَعُُلوّا فَانْظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْلمُفْ ِ‬
‫وَاسْتَ ْيقَنَ ْتهَا أَ ْنفُ ُ‬
‫سحْرٌ َهذَا وَل ُيفْلِحُ السّاحِرُونَ‬
‫{ قََالَ } لهم { مُوسَى } منكرا عليهم ‪ { :‬أَ َتقُولُونَ لِ ْلحَقّ َلمّا جَا َء ُكمْ أَ ِ‬
‫علَيْهِ آبَاءَنَا } أي ‪ :‬الدّين الذي كانوا عليه ‪ { ،‬وَ َتكُونَ‬
‫عمّا وَجَدْنَا َ‬
‫قَالُوا أَجِئْتَنَا لِ َت ْلفِتَنَا } أي ‪ :‬تثنينا { َ‬
‫ض َومَا نَحْنُ َل ُكمَا‬
‫َل ُكمَا } أي ‪ :‬لك ولهارون { ا ْلكِبْرِيَاء } أي ‪ :‬العظمة والرياسة { فِي ال ْر ِ‬
‫ِب ُم ْؤمِنِينَ }‪.‬‬
‫وكثيرًا ما يذكر ال تعالى قصة موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مع فرعون في كتابه العزيز ؛ لنها من‬
‫أعجب القصص ‪ ،‬فإن فرعون حَذر من موسى كل (‪ )5‬الحذر ‪ ،‬فسخره القدر أن رَبّى هذا الذي‬
‫يُحذّر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ونجى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أي إلى قومه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬

‫( ‪)4/285‬‬

‫منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد ‪ ،‬ثم ترعرع وعقد ال له سببا أخرجه من بين أظهرهم ‪،‬‬
‫ورزقه النبوة والرسالة والتكليم ‪ ،‬وبعثه إليه ليدعوه إلى ال تعالى ليعبده (‪ )1‬ويرجع إليه ‪ ،‬هذا ما‬
‫كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان ‪ ،‬فجاءه برسالة ال ‪ ،‬وليس له وزير سوى أخيه‬
‫هارون عليه (‪ )2‬السلم ‪ ،‬فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية ‪ ،‬والنفس الخبيثة البية ‪ ،‬وقوى‬
‫رأسه وتولّى بركنه ‪ ،‬وادعى ما ليس له ‪ ،‬وتجهرم على ال ‪ ،‬وعتا وبغى وأهان حزب اليمان‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من بني إسرائيل ‪ ،‬وال تعالى يحفظ رسوله موسى وأخاه هارون ‪ ،‬ويحوطهما ‪ ،‬بعنايته ‪،‬‬
‫ويحرسهما بعينه التي ل تنام ‪ ،‬ولم تزل (‪ )3‬المحاجة والمجادلة واليات تقوم على يدي موسى‬
‫شيئا (‪ )4‬بعد شيء ‪ ،‬ومرة (‪ )5‬بعد مرة ‪ ،‬مما يبهر العقول ويدهش اللباب ‪ ،‬مما ل يقوم له‬
‫شيء ‪ ،‬ول يأتي به إل من هو مؤيد من ال ‪ ،‬وما تأتيهم من آية إل هي أكبر من أختها ‪ ،‬وصمم‬
‫فرعون َومَلَؤه ‪ -‬قبحهم ال ‪ -‬على التكذيب بذلك كله ‪ ،‬والجحد والعناد والمكابرة ‪ ،‬حتى أحل ال‬
‫بهم بأسه الذي ل يُرَد ‪ ،‬وأغرقهم في صبيحة (‪ )6‬واحدة أجمعين ‪َ { ،‬فقُطِعَ دَابِرُ ا ْلقَوْمِ الّذِينَ ظََلمُوا‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [ النعام ‪.] 45 :‬‬
‫وَالْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيعبده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ولم يزل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬شيء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وكره"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬صيحة"‪.‬‬

‫( ‪)4/286‬‬

‫عوْنُ ائْتُونِي ِب ُكلّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (‪ )79‬فََلمّا جَاءَ السّحَ َرةُ قَالَ َلهُمْ مُوسَى أَ ْلقُوا مَا أَنْ ُتمْ مُ ْلقُونَ (‬
‫َوقَالَ فِرْ َ‬
‫ع َملَ ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪)81‬‬
‫‪ )80‬فََلمّا أَ ْل َقوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْ ُتمْ بِهِ السّحْرُ إِنّ اللّهَ سَيُبْطُِلهُ إِنّ اللّهَ لَا ُيصْلِحُ َ‬
‫وَيُحِقّ اللّهُ ا ْلحَقّ ِبكَِلمَاتِ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪)82‬‬

‫عوْنُ ائْتُونِي ِب ُكلّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (‪ )79‬فََلمّا جَاءَ السّحَ َرةُ قَالَ َلهُمْ مُوسَى أَ ْلقُوا مَا أَنْتُمْ مُ ْلقُونَ‬
‫{ َوقَالَ فِرْ َ‬
‫سدِينَ (‬
‫ع َملَ ا ْل ُمفْ ِ‬
‫(‪ )80‬فََلمّا أَ ْل َقوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْ ُتمْ بِهِ السّحْرُ إِنّ اللّهَ سَيُبْطُِلهُ إِنّ اللّهَ ل ُيصْلِحُ َ‬
‫حقّ ِبكَِلمَاتِ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪} )82‬‬
‫‪ )81‬وَيُحِقّ اللّهُ الْ َ‬
‫ذكر تعالى (‪ )1‬قصة السحرة مع موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في سورة العراف ‪ ،‬وقد تقدم الكلم‬
‫عليها هناك‪ .‬وفي هذه السورة ‪ ،‬وفي سورة طه ‪ ،‬وفي الشعراء ؛ وذلك أن فرعون ‪ -‬لعنه ال ‪-‬‬
‫أراد أن يَ َتهَرّج على الناس ‪ ،‬ويعارض ما جاء به موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من الحق المبين ‪،‬‬
‫بزخارف (‪ )2‬السحرة والمشعبذين ‪ ،‬فانعكَس عليه النظام ‪ ،‬ولم يحصل له ذلك المرام ‪ ،‬وظهرت‬
‫جدِينَ قَالُوا آمَنّا بِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ‬
‫(‪ )3‬البراهين اللهية في ذلك المحفل العام ‪ ،‬و { فَأُ ْل ِقيَ السّحَ َرةُ سَا ِ‬
‫َربّ مُوسَى وَهَارُونَ } [ الشعراء ‪ ] 48 - 46 :‬فظن فرعون أن (‪ )4‬يستنصر بالسحّار ‪ ،‬على‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رسول عالم السرار ‪ ،‬فخاب وخسر الجنة ‪ ،‬واستوجب النار‪.‬‬
‫عوْنُ ائْتُونِي ِب ُكلّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فََلمّا جَاءَ السّحَ َرةُ قَالَ َلهُمْ مُوسَى أَ ْلقُوا مَا أَنْتُمْ مُ ْلقُونَ } (‪)5‬‬
‫{ َوقَالَ فِرْ َ‬
‫؛ وإنما قال لهم ذلك لنهم اصطفوا ‪ -‬وقد وعدوا من فرعون بالتقريب والعطاء الجزيل ‪ { -‬قَالُوا‬
‫ي وَِإمّا أَنْ َنكُونَ َأ ّولَ مَنْ أَ ْلقَى قَالَ َبلْ أَ ْلقُوا } [ طه ‪ ، ] 66 ، 65 :‬فأراد‬
‫يَامُوسَى ِإمّا أَنْ تُ ْلقِ َ‬
‫موسى أن تكون ال َبدَاءة منهم ‪ ،‬ليرى الناس ما صنعوا ‪ ،‬ثم يأتي بالحق بعده فيدمغ باطلهم ؛ ولهذا‬
‫سحْرٍ عَظِيمٍ } [ العراف ‪، ] 116 :‬‬
‫س وَاسْتَرْهَبُوهُ ْم وَجَاءُوا بِ ِ‬
‫سحَرُوا أَعْيُنَ النّا ِ‬
‫لما { َأ ْلقَوْا َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ذكر ال سبحانه"‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬من خوارق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وأظهرت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬سحار"‪.‬‬

‫( ‪)4/286‬‬

‫عوْنَ َلعَالٍ فِي‬


‫عوْنَ َومَلَ ِئهِمْ أَنْ َيفْتِنَهُمْ وَإِنّ فِرْ َ‬
‫خ ْوفٍ مِنْ فِرْ َ‬
‫َفمَا َآمَنَ ِلمُوسَى إِلّا ذُرّيّةٌ مِنْ َق ْومِهِ عَلَى َ‬
‫ض وَإِنّهُ َلمِنَ ا ْلمُسْ ِرفِينَ (‪)83‬‬
‫الْأَ ْر ِ‬

‫خفْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ العْلَى وَأَ ْلقِ مَا فِي َيمِي ِنكَ َت ْلقَفْ مَا صَ َنعُوا‬
‫سهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا ل تَ َ‬
‫جسَ فِي َنفْ ِ‬
‫{ فََأوْ َ‬
‫إِ ّنمَا صَ َنعُوا كَ ْيدُ سَاحِ ٍر وَل ُيفْلِحُ السّاحِرُ حَ ْيثُ أَتَى } [ طه ‪ ، ] 69 ، 67 :‬فعند ذلك قال موسى لما‬
‫حقّ‬
‫حقّ اللّهُ الْ َ‬
‫ن وَيُ ِ‬
‫ع َملَ ا ْل ُمفْسِدِي َ‬
‫ألقوا ‪ { :‬مَا جِئْ ُتمْ بِهِ السّحْرُ إِنّ اللّهَ سَيُ ْبطِلُهُ إِنّ اللّهَ ل ُيصْلِحُ َ‬
‫ِبكَِلمَاتِ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُجْ ِرمُونَ }‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عمار بن الحارث ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪ -‬يعني الدّشْ َت ِكيّ ‪-‬‬
‫أخبرنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن لَيْث ‪ -‬وهو ابن أبي سليم ‪ -‬قال ‪ :‬بلغني أن هؤلء اليات شفاء‬
‫من السحر بإذن ال تعالى ‪ ،‬تقرأ في إناء فيه ماء ‪ ،‬ثم يصب على رأس المسحور ‪ :‬الية التي من‬
‫ع َملَ‬
‫سورة يونس ‪ { :‬فََلمّا أَ ْلقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ ِبهِ السّحْرُ إِنّ اللّهَ سَيُ ْبطِلُهُ إِنّ اللّهَ ل ُيصْلِحُ َ‬
‫طلَ مَا‬
‫ق وَ َب َ‬
‫حقّ ِبكَِلمَاتِ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُجْ ِرمُونَ } والية الخرى ‪َ { :‬ف َوقَعَ ا ْلحَ ّ‬
‫حقّ اللّهُ الْ َ‬
‫ن وَيُ ِ‬
‫ا ْل ُمفْسِدِي َ‬
‫كَانُوا َي ْعمَلُونَ } [ العراف ‪ ، ] 122 - 118 :‬وقوله { إِ ّنمَا صَ َنعُوا كَيْدُ سَاحِ ٍر وَل ُيفْلِحُ السّاحِرُ‬
‫حَ ْيثُ أَتَى } [ طه ‪.] 69 :‬‬
‫عوْنَ َلعَالٍ‬
‫عوْنَ َومَلَ ِئهِمْ أَنْ َيفْتِ َنهُمْ وَإِنّ فِرْ َ‬
‫خ ْوفٍ مِنْ فِرْ َ‬
‫{ َفمَا آمَنَ ِلمُوسَى إِل ذُرّيّةٌ مِنْ َق ْومِهِ عَلَى َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ض وَإِنّهُ َلمِنَ ا ْل ُمسْ ِرفِينَ (‪} )83‬‬
‫فِي ال ْر ِ‬
‫يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مع ما جاء به من اليات (‪ )1‬البينات والحجج‬
‫القاطعات والبراهين الساطعات ‪ ،‬إل قليل من قوم فرعون ‪ ،‬من الذرية ‪ -‬وهم الشباب (‪- )2‬‬
‫على وجل وخوف منه ومن مَلَئه ‪ ،‬أن يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر ؛ لن فرعون كان‬
‫جبارا عنيدا مسرفا في التمرد والعتوّ ‪ ،‬وكانت (‪ )3‬له سَطْوة ومَهابة ‪ ،‬تخاف رعيته منه خوفا‬
‫شديدا‪.‬‬
‫عوْنَ‬
‫خ ْوفٍ مِنْ فِرْ َ‬
‫قال العوفي ‪ :‬عن ابن عباس ‪َ { :‬فمَا آمَنَ ِلمُوسَى إِل ذُرّيّةٌ مِنْ َق ْومِهِ عَلَى َ‬
‫َومَلَ ِئهِمْ أَنْ َيفْتِ َنهُمْ } قال ‪ :‬فإن الذرية التي آمنت لموسى ‪ ،‬من أناس غير بني إسرائيل ‪ ،‬من قوم‬
‫فرعون يسير ‪ ،‬منهم ‪ :‬امرأة فرعون ‪ ،‬ومؤمن آل فرعون ‪ ،‬وخازن فرعون ‪ ،‬وامرأة خازنه‪.‬‬
‫وروى علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬فمَا آمَنَ ِلمُوسَى إِل ذُرّيّةٌ مِنْ َقوْمِهِ }‬
‫يقول ‪ :‬بني إسرائيل‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة(الذرية) ‪ :‬القليل‪.‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ { :‬إِل ذُرّيّةٌ مِنْ َقوْمِهِ } يقول ‪ :‬بني إسرائيل‪ .‬قال ‪ :‬هم أولد الذين أرسل‬
‫إليهم موسى ‪ ،‬من طول الزمان ‪ ،‬ومات آباؤهم‪.‬‬
‫واختار ابن جرير قول مجاهد في الذرية ‪ :‬أنها من بني إسرائيل ل من قوم فرعون ‪ ،‬لعود‬
‫الضمير على أقرب المذكورين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬اليمان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الشاب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فكانت"‪.‬‬

‫( ‪)4/287‬‬

‫َوقَالَ مُوسَى يَا َقوْمِ إِنْ كُنْ ُتمْ َآمَنْتُمْ بِاللّهِ َفعَلَيْهِ َت َوكّلُوا إِنْ كُنْ ُتمْ مُسِْلمِينَ (‪َ )84‬فقَالُوا عَلَى اللّهِ َت َوكّلْنَا‬
‫حمَ ِتكَ مِنَ ا ْلقَوْمِ ا ْلكَافِرِينَ (‪)86‬‬
‫جعَلْنَا فِتْنَةً لِ ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ (‪ )85‬وَنَجّنَا بِ َر ْ‬
‫رَبّنَا لَا َت ْ‬

‫وفي هذا نظر ؛ لنه أراد بالذرية الحداث والشباب (‪ )1‬وأنهم من بني إسرائيل ‪ ،‬فالمعروف أن‬
‫بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬واستبشروا به ‪ ،‬وقد كانوا يعرفون نعته وصفته‬
‫والبشارة به من كتبهم المتقدمة ‪ ،‬وأن ال تعالى سينقذهم به من أسر فرعون ويظهرهم عليه ؛‬
‫ولهذا لما بلغ هذا فرعون حَذَر كل الحذر فلم يُجْد عنه شيئا‪ .‬ولما جاء موسى آذاهم فرعون (‪)2‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عسَى رَ ّب ُكمْ أَنْ ُيهِْلكَ عَ ُد ّوكُمْ‬
‫أشد الذى ‪ ،‬و { قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ تَأْتِيَنَا َومِنْ َب ْعدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ َ‬
‫وَيَسْتَخِْل َفكُمْ فِي ال ْرضِ فَيَ ْنظُرَ كَ ْيفَ َت ْعمَلُونَ } [ العراف ‪ .]129 :‬وإذا تقرر هذا فكيف يكون‬
‫المراد إل ذرية من قوم موسى ‪ ،‬وهم بنو إسرائيل ؟‪.‬‬
‫ن َومَلَ ِئهِمْ } أي ‪ :‬وأشراف قومهم أن يفتنهم ‪ ،‬ولم يكن في بني إسرائيل من‬
‫عوْ َ‬
‫خوْفٍ مِنْ فِرْ َ‬
‫{ عَلَى َ‬
‫يخاف منه أن يَفتِنَ عن اليمان سوى قارون ‪ ،‬فإنه كان من قوم موسى ‪ ،‬فبغى عليهم ؛ لكنه كان‬
‫طاويا (‪ )3‬إلى فرعون ‪ ،‬متصل به ‪ ،‬متعلقا بحباله (‪ )4‬ومن قال ‪ :‬إن الضمير في قوله ‪:‬‬
‫{ َومَلَ ِئهِمْ } عائد إلى فرعون ‪ ،‬وعظم الملك (‪ )5‬من أجل اتباعه أو بحذف "آل" فرعون ‪ ،‬وإقامة‬
‫المضاف إليه مقامه ‪ -‬فقد أبعد ‪ ،‬وإن كان ابن جرير قد حكاهما عن بعض النحاة‪ .‬ومما يدل على‬
‫أنه لم يكن في بني إسرائيل إل مؤمن قوله تعالى ‪:‬‬
‫سِلمِينَ (‪َ )84‬فقَالُوا عَلَى اللّهِ َت َوكّلْنَا‬
‫{ َوقَالَ مُوسَى يَا َقوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ َفعَلَيْهِ َت َوكّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُ ْ‬
‫حمَ ِتكَ مِنَ ا ْل َقوْمِ ا ْلكَافِرِينَ (‪} )86‬‬
‫جعَلْنَا فِتْنَةً لِ ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪ )85‬وَنَجّنَا بِرَ ْ‬
‫رَبّنَا ل تَ ْ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن موسى أنه قال لبني إسرائيل ‪ { :‬يَا َقوْمِ إِنْ كُنْ ُتمْ آمَنْ ُتمْ بِاللّهِ َفعَلَ ْيهِ َت َوكّلُوا إِنْ‬
‫كُنْتُمْ مُسِْلمِينَ } أي ‪ :‬فإن ال كاف من توكل عليه ‪ { ،‬أَلَيْسَ اللّهُ ِبكَافٍ عَ ْب َدهُ } [ الزمر ‪، ] 36 :‬‬
‫{ َومَنْ يَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ َف ُهوَ حَسْ ُبهُ } [ الطلق ‪.] 3 :‬‬
‫وكثيرا ما يقرن ال بين العبادة والتوكل ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ { :‬فَاعْبُ ْدهُ وَتَ َو ّكلْ عَلَيْهِ } [ هود ‪:‬‬
‫ق وَا ْل َمغْ ِربِ ل‬
‫حمَنُ آمَنّا ِب ِه وَعَلَيْهِ َت َوكّلْنَا } [ الملك ‪َ { ، ] 29 :‬ربّ ا ْل َمشْرِ ِ‬
‫‪ُ { ، ] 123‬قلْ ُهوَ الرّ ْ‬
‫إِلَهَ إِل ُهوَ فَاتّخِ ْذ ُه َوكِيل } [ المزمل ‪ ، ] 9 :‬وأمر ال تعالى المؤمنين أن يقولوا في كل صلواتهم (‬
‫‪ )6‬مرات متعددة ‪ { :‬إِيّاكَ َنعْ ُب ُد وَإِيّاكَ نَسْ َتعِينُ } [ الفاتحة ‪.] 5 :‬‬
‫جعَلْنَا فِتْ َنةً لِ ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ } أي ‪:‬‬
‫علَى اللّهِ َت َوكّلْنَا رَبّنَا ل تَ ْ‬
‫وقد امتثل بنو إسرائيل ذلك ‪ ،‬فقالوا ‪َ { :‬‬
‫ل تظفرهم بنا ‪ ،‬وتسلطهم (‪ )7‬علينا ‪ ،‬فيظنوا أنهم إنما سلطوا لنهم على الحق ونحن على الباطل‬
‫‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" ،‬والشاب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬لفرعون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬طاويا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬بحاله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬للملك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬صلتهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أي يظفركم ويسلطهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/288‬‬

‫جعَلُوا بُيُو َتكُمْ قِبَْل ًة وََأقِيمُوا الصّلَا َة وَبَشّرِ‬


‫وََأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وََأخِيهِ أَنْ تَ َبوّآَ ِلقَ ْو ِم ُكمَا ِب ِمصْرَ بُيُوتًا وَا ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)87‬‬

‫جلَز ‪ ،‬وأبي الضّحى‪.‬‬


‫فيفتنوا (‪ )1‬بذلك‪ .‬هكذا روي عن أبي مِ ْ‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح وغيره واحد ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬ل تعذبنا بأيدي قوم فرعون ‪ ،‬ول بعذاب من‬
‫عندك ‪ ،‬فيقول قوم فرعون ‪ :‬لو كانوا على حق ما عذبوا ‪ ،‬ول سُلّطنا عليهم ‪ ،‬فيفتنوا (‪ )2‬بنا‪.‬‬
‫جعَلْنَا فِتْ َنةً لِ ْل َقوْمِ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا ابن عُيَيْ َنةَ ‪ ،‬عن ابن َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬رَبّنَا ل تَ ْ‬
‫الظّاِلمِينَ } [أي] (‪ )3‬ل تسلطهم علينا ‪ ،‬فيفتنونا‪.‬‬
‫حمَ ِتكَ } أي ‪ :‬خلصنا برحمة منك وإحسان ‪ { ،‬مِنَ ا ْل َقوْمِ ا ْلكَافِرِينَ } أي ‪ :‬الذين كفروا‬
‫{ وَنَجّنَا بِرَ ْ‬
‫الحق وستروه ‪ ،‬ونحن قد آمنا بك وتوكلنا علي‪.‬‬
‫جعَلُوا بُيُو َتكُمْ قِبْلَ ًة وََأقِيمُوا الصّلةَ‬
‫{ وََأوْحَيْنَا ِإلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَ َبوّآ ِل َق ْو ِمكُمَا ِب ِمصْرَ بُيُوتًا وَا ْ‬
‫وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪} )87‬‬
‫يذكر تعالى سبب إنجائه بني إسرائيل من فرعون وقومه ‪ ،‬وكيفية خلصهم منهم (‪ )4‬وذلك أن ال‬
‫تعالى أمر موسى وأخاه هارون ‪ ،‬عليهما السلم { أَنْ تَ َبوّءَا } أي ‪ :‬يتخذا لقومهما بمصر بيوتا‪.‬‬
‫جعَلُوا بُيُو َتكُمْ قِبَْلةً } (‪ )5‬فقال الثوري وغيره ‪ ،‬عن‬
‫واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى ‪ { :‬وَا ْ‬
‫جعَلُوا بُيُو َتكُمْ قِبْلَةً } قال ‪ :‬أمرُوا أن يتخذوها‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَا ْ‬
‫خصَيْف ‪ ،‬عن ِ‬
‫ُ‬
‫مساجد‪.‬‬
‫جعَلُوا بُيُو َتكُمْ قِبْلَةً } قال ‪ :‬كانوا خائفين‬
‫وقال الثوري أيضا ‪ ،‬عن ابن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ { :‬وَا ْ‬
‫‪ ،‬فأمروا أن يصلوا في بيوتهم‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪،‬‬
‫وأبوه زيد بن أسلم ‪ :‬وكأن هذا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬لما اشتد بهم البلء من قبَل فرعون وقومه ‪،‬‬
‫وضيقوا عليهم ‪ ،‬أمروا بكثرة الصلة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْ َتعِينُوا بِالصّبْرِ‬
‫وَالصّلةِ } [البقرة ‪ .]156 :‬وفي الحديث ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا حزبه أمر‬
‫جعَلُوا بُيُو َتكُمْ قِبْلَةً وََأقِيمُوا‬
‫صلى‪ .‬أخرجه أبو داود‪ )6( .‬ولهذا (‪ )7‬قال تعالى في هذه الية ‪ { :‬وَا ْ‬
‫الصّلةَ وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬بالثواب والنصر القريب‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬في تفسير هذه الية قال ‪ :‬قالت بنو إسرائيل لموسى ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ :‬ل نستطيع أن نظهر صلتنا مع الفراعنة ‪ ،‬فأذن ال تعالى لهم أن يصلوا في بيوتهم ‪،‬‬
‫جعَلُوا بُيُو َتكُمْ قِبَْلةً } قال ‪ :‬لما خاف بنو‬
‫وأمروا أن يجعلوا بيوتهم قبل القبلة‪ .‬وقال مجاهد ‪ { :‬وَا ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إسرائيل من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيفتتنوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيفتتنوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬منه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وجعلوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪ )1319‬من حديث حذيفة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكذا"‪.‬‬

‫( ‪)4/289‬‬

‫ن َومَلََأهُ زِينَ ًة وََأ ْموَالًا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا رَبّنَا لِ ُيضِلّوا عَنْ سَبِيِلكَ‬
‫عوْ َ‬
‫َوقَالَ مُوسَى رَبّنَا إِ ّنكَ آَتَ ْيتَ فِرْ َ‬
‫طمِسْ عَلَى َأ ْموَاِلهِمْ وَاشْ ُددْ عَلَى قُلُو ِبهِمْ فَلَا ُي ْؤمِنُوا حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ الْأَلِيمَ (‪)88‬‬
‫رَبّنَا ا ْ‬

‫فرعون أن يقتلوا (‪ )1‬في الكنائس الجامعة ‪ ،‬أمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة ‪،‬‬
‫يصلون فيها سرًا‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫جعَلُوا بُيُو َتكُمْ قِبْلَةً } أي ‪ :‬يقابل بعضها بعضا‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ { :‬وَا ْ‬
‫عوْنَ َومَلهُ زِينَةً وََأمْوَال فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا رَبّنَا لِ ُيضِلّوا عَنْ سَبِيِلكَ‬
‫{ َوقَالَ مُوسَى رَبّنَا إِ ّنكَ آتَ ْيتَ فِرْ َ‬
‫طمِسْ عَلَى َأ ْموَاِلهِمْ وَاشْ ُددْ عَلَى قُلُو ِبهِمْ فَل ُي ْؤمِنُوا حَتّى يَ َروُا ا ْل َعذَابَ اللِيمَ (‪} )88‬‬
‫رَبّنَا ا ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أن يصلوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/290‬‬

‫عوَ ُت ُكمَا فَاسْ َتقِيمَا وَلَا تَتّ ِبعَانّ سَبِيلَ الّذِينَ لَا َيعَْلمُونَ (‪)89‬‬
‫قَالَ َقدْ ُأجِي َبتْ دَ ْ‬

‫عوَ ُت ُكمَا فَاسْ َتقِيمَا وَل تَتّ ِبعَانّ سَبِيلَ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ (‪} )89‬‬
‫{ قَالَ قَدْ أُجِي َبتْ دَ ْ‬
‫هذا إخبار من ال تعالى عما دعا به موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على فرعون َومَلَئه ‪ ،‬لما أبوا قبول‬
‫الحق واستمروا على ضللهم وكفرهم معاندين جاحدين ‪ ،‬ظلما وعلوا وتكبرًا وعتوا ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫عوْنَ َومَلهُ زِينَةً } أي ‪ :‬من أثاث الدنيا ومتاعها ‪ { ،‬وأموال } أي ‪ :‬جزيلة‬
‫{ رَبّنَا إِ ّنكَ آتَ ْيتَ فِرْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كثيرة ‪ { ،‬فِي } هذه { ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا رَبّنَا لِ َيضِلّوا عَنْ سَبِيِلكَ } ‪ -‬بفتح الياء ‪ -‬أي ‪ :‬أعطيتهم ذلك‬
‫وأنت تعلم أنهم ل يؤمنون بما أرسلتني به إليهم استدراجا منك لهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬لِ َنفْتِ َنهُمْ فِيهِ‬
‫}‬
‫وقرأ آخرون ‪ { :‬لِ ُيضِلّوا } بضم الياء ‪ ،‬أي ‪ :‬ليفتتن بما أعطيتهم من شئت من خلقك ‪ ،‬ليظن من‬
‫أغويته أنك إنما أعطيت هؤلء هذا لحبك إياهم (‪ )1‬واعتنائك بهم‪.‬‬
‫طمِسْ عَلَى َأ ْموَاِلهِمْ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬أي ‪ :‬أهلكها‪ .‬وقال الضحاك ‪ ،‬وأبو‬
‫{ رَبّنَا ا ْ‬
‫العالية ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ :‬جعلها ال حجارة منقوشة كهيئة ما كانت‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة‪.‬‬
‫سكّرهم حجارة‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب القُرَظي ‪ :‬اجعل (‪ُ )2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي ُبكَيْر ‪ ،‬عن أبي َمعْشَر‬
‫‪ ،‬حدثني محمد بن قيس ‪ :‬أن محمد بن كعب قرأ سورة يونس على عمر بن عبد العزيز ‪َ { :‬وقَالَ‬
‫طمِسْ عَلَى َأ ْموَاِلهِمْ } إلى آخرها [فقال له ‪:‬‬
‫عوْنَ َومَلهُ } إلى قوله ‪ { :‬ا ْ‬
‫مُوسَى رَبّنَا إِ ّنكَ آتَ ْيتَ فِرْ َ‬
‫عمر يا أبا حمزة (‪ )3‬أي شيء الطمس ؟ قال ‪ :‬عادت أموالهم كلها حجارة] (‪ )4‬فقال عمر بن‬
‫عبد العزيز لغلم له ‪ :‬ائتني بكيس‪[ .‬فجاءه بكيس] (‪ )5‬فإذا فيه حمص وبيض ‪ ،‬قد قطع حول‬
‫حجارة‪.‬‬
‫شدُدْ عَلَى قُلُو ِبهِمْ } قال ابن عباس ‪ :‬أي اطبع عليها ‪ { ،‬فَل ُي ْؤمِنُوا حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫اللِيمَ }‬
‫وهذه الدعوة كانت من موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬غضبًا ل ولدينه على فرعون وملئه ‪ ،‬الذين تبين له‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬جعل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يا أبا جمرة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/290‬‬

‫عوْنُ وَجُنُو ُدهُ َبغْيًا وَعَ ْدوًا حَتّى ِإذَا أَدْ َر َكهُ ا ْلغَرَقُ قَالَ َآمَ ْنتُ‬
‫وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْ َب َعهُمْ فِرْ َ‬
‫عصَ ْيتَ قَ ْبلُ َوكُ ْنتَ مِنَ‬
‫ن َوقَدْ َ‬
‫ل وَأَنَا مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪ )90‬آَلْآَ َ‬
‫أَنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا الّذِي َآمَ َنتْ ِبهِ بَنُو إِسْرَائِي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪ )91‬فَالْ َيوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَ ِنكَ لِ َتكُونَ ِلمَنْ خَ ْل َفكَ آَيَ ًة وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا َلغَافِلُونَ (‬
‫‪)92‬‬

‫ب ل َتذَرْ عَلَى‬
‫أنه ل خير فيهم ‪ ،‬ول يجيء منهم شيء كما دعا نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ر ّ‬
‫ك وَل يَِلدُوا إِل فَاجِرًا َكفّارًا } [نوح ‪، 26 :‬‬
‫ال ْرضِ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ دَيّارًا إِ ّنكَ إِنْ َتذَرْهُمْ ُيضِلّوا عِبَا َد َ‬
‫‪ ]27‬؛ ولهذا استجاب ال تعالى لموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيهم (‪ )1‬هذه الدعوة ‪ ،‬التي أمّنَ عليها‬
‫عوَ ُت ُكمَا }‬
‫أخوه هارون ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬قَدْ ُأجِي َبتْ دَ ْ‬
‫قال أبو العالية ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ :‬دعا‬
‫موسى وأمّنَ هارون ‪ ،‬أي ‪ :‬قد أجبناكما فيما سألتما من تدمير آل فرعون‪.‬‬
‫وقد يحتج بهذه الية من يقول ‪" :‬إن تأمين المأموم على قراءة الفاتحة يُنزل منزلة (‪ )2‬قراءتها ؛‬
‫لن موسى دعا وهارون أمن"‪.‬‬
‫عوَ ُتكُمَا فَاسْ َتقِيمَا [وَل تَتّ ِبعَانّ سَبِيلَ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ ] } (‪ )3‬أي ‪:‬‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬قَالَ َقدْ أُجِي َبتْ دَ ْ‬
‫كما أجيبت دعوتكما فاستقيما على أمري‪.‬‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬فَاسْ َتقِيمَا } فامضيا لمري ‪ ،‬وهي الستقامة‪ .‬قال ابن جريج ‪:‬‬
‫يقولون ‪ :‬إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة‪.‬‬
‫وقال محمد بن علي بن الحسين ‪ :‬أربعين يوما‪.‬‬
‫ع ْدوًا حَتّى إِذَا أَدْ َركَهُ ا ْلغَ َرقُ قَالَ‬
‫ن وَجُنُو ُدهُ َبغْيًا وَ َ‬
‫عوْ ُ‬
‫{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْ َب َعهُمْ فِرْ َ‬
‫عصَ ْيتَ قَ ْبلُ‬
‫ن َوقَدْ َ‬
‫ل وَأَنَا مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪ )90‬آل َ‬
‫آمَ ْنتُ أَنّهُ ل إَِلهَ إِل الّذِي آمَ َنتْ ِبهِ بَنُو إِسْرَائِي َ‬
‫َوكُنْتَ مِنَ ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪ )91‬فَالْ َيوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَ ِنكَ لِ َتكُونَ ِلمَنْ خَ ْل َفكَ آيَ ًة وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ عَنْ آيَاتِنَا‬
‫َلغَافِلُونَ (‪} )92‬‬
‫يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده ؛ فإن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر صحبة‬
‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وهم ‪ -‬فيما قيل ‪ -‬ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية ‪ ،‬وقد كانوا استعاروا‬
‫من القبط حُلِيّا كثيرا ‪ ،‬فخرجوا به معهم ‪ ،‬فاشتد حَنَق فرعون عليهم ‪ ،‬فأرسل في المدائن حاشرين‬
‫يجمعون له جنوده من أقاليمه ‪ ،‬فركب وراءهم في أبهة عظيمة ‪ ،‬وجيوش هائلة لما يريده ال‬
‫تعالى بهم ‪ ،‬ولم يتخلف عنه أحد ممن له دولة وسلطان في سائر مملكته ‪ ،‬فلحقوهم وقت شروق‬
‫ج ْمعَانِ قَالَ َأصْحَابُ مُوسَى إِنّا َلمُدْ َركُونَ } [الشعراء ‪ ]61 :‬وذلك أنهم‬
‫الشمس ‪ { ،‬فََلمّا تَرَاءَى الْ َ‬
‫لما انتهوا إلى ساحل البحر ‪ ،‬وأدركهم فرعون ‪ ،‬ولم يبق إل أن يتقاتل (‪ )4‬الجمعان ‪ ،‬وألح‬
‫أصحاب موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عليه في السؤال كيف المخلص مما نحن فيه ؟ فيقول ‪ :‬إني‬
‫أمرت أن أسلك هاهنا ‪ { ،‬كَل إِنّ َمعِيَ رَبّي سَ َيهْدِينِ } [الشعراء ‪]62 :‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يتنزل منزلة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أن يتقابل"‪.‬‬

‫( ‪)4/291‬‬

‫فعندما ضاق المر اتسع ‪ ،‬فأمره ال تعالى أن يضرب البحر بعصاه ‪ ،‬فضربه فانفلق البحر ‪،‬‬
‫طوْدِ ا ْل َعظِيمِ } [الشعراء ‪ ]63 :‬أي ‪ :‬كالجبل العظيم ‪ ،‬وصار اثني عشر طريقًا‬
‫{ َفكَانَ ُكلّ فِرْقٍ كَال ّ‬
‫‪ ،‬لكل سبط واحد‪ .‬وأمر ال الريح ف َنشّفت أرضه ‪ { ،‬فَاضْ ِربْ َلهُمْ طَرِيقًا فِي الْ َبحْرِ يَبَسًا ل تَخَافُ‬
‫دَ َركًا وَل تَخْشَى } [طه ‪ ]77 :‬وتخرق الماء بين الطرق كهيئة الشبابيك ‪ ،‬ليرى كل قوم الخرين‬
‫لئل يظنوا أنهم هلكوا‪ .‬وجازت بنو إسرائيل البحر ‪ ،‬فلما خرج آخرهم منه انتهى فرعون وجنوده‬
‫إلى حافته من الناحية الخرى ‪ ،‬وهو في مائة ألف أدهم سوى بقية اللوان ‪ ،‬فلما رأى ذلك هاله‬
‫وأحجم وهاب وهم بالرجوع ‪ ،‬وهيهات ولت حين مناص ‪ ،‬نفذ القدر ‪ ،‬واستجيبت الدعوة‪ .‬وجاء‬
‫جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على فرس ‪ -‬وديق حائل ‪ -‬فمر إلى جانب حصان فرعون فحمحم إليها‬
‫وتقدم جبريل فاقتحم البحر ودخله ‪ ،‬فاقْتحم الحصان وراءه ‪ ،‬ولم يبق فرعون يملك من نفسه‬
‫شيئا ‪ ،‬فتجلد لمرائه ‪ ،‬وقال لهم ‪ :‬ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا ‪ ،‬فاقتحموا كلهم عن آخرهم‬
‫وميكائيل في ساقتهم ‪ ،‬ل يترك أحدا منهم ‪ ،‬إل ألحقه بهم‪ .‬فلما استوسقوا فيه وتكاملوا ‪ ،‬وهم‬
‫أولهم بالخروج منه ‪ ،‬أمر الُ القدير البحرَ أن يرتطم عليهم ‪ ،‬فارتطم عليهم ‪ ،‬فلم ينج منهم أحد ‪،‬‬
‫وجعلت المواج ترفعهم وتخفضهم ‪ ،‬وتراكمت المواج فوق فرعون ‪ ،‬وغشيته سكرات الموت ‪،‬‬
‫ل وَأَنَا مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ } فآمن حيث‬
‫فقال وهو كذلك ‪ { :‬آمَ ْنتُ أَنّهُ ل إَِلهَ إِل الّذِي آمَ َنتْ ِبهِ بَنُو إِسْرَائِي َ‬
‫ح َد ُه َوكَفَرْنَا ِبمَا كُنّا بِهِ ُمشْ ِركِينَ فَلَمْ َيكُ يَ ْن َف ُعهُمْ‬
‫ل ينفعه اليمان ‪ { ،‬فََلمّا رََأوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْ‬
‫خسِرَ هُنَاِلكَ ا ْلكَافِرُونَ } [غافر ‪، 84 :‬‬
‫إِيمَا ُنهُمْ َلمّا رََأوْا بَأْسَنَا سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ خََلتْ فِي عِبَا ِد ِه وَ َ‬
‫‪.]85‬‬
‫عصَ ْيتَ قَ ْبلُ } أي ‪:‬‬
‫ن َوقَدْ َ‬
‫وهكذا (‪ )1‬قال ال تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال ‪ { :‬آل َ‬
‫أهذا (‪ )2‬الوقت تقول ‪ ،‬وقد عصيت ال قبل هذا فيما بينك وبينه ؟ { َوكُ ْنتَ مِنَ ا ْل ُمفْسِدِينَ } أي ‪:‬‬
‫جعَلْنَاهُمْ أَ ِئمّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ل يُ ْنصَرُونَ }‬
‫في الرض الذين أضلوا الناس ‪ { ،‬وَ َ‬
‫[القصص ‪]41 :‬‬
‫وهذا الذي حكى ال تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله (‪ )3‬ذاك من أسرار الغيب التي (‪)4‬‬
‫أعلم ال بها رسوله ؛ ولهذا قال المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬رحمه ال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدثنا سليمان بن حرب ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن مهْران ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لما قال فرعون ‪ { :‬آمَ ْنتُ أَنّهُ ل إَِلهَ إِل‬
‫الّذِي آمَ َنتْ ِبهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ } قال ‪ :‬قال لي جبريل ‪[ :‬يا محمد] (‪ )5‬لو رأيتني وقد أخذت [حال] (‬
‫‪ )6‬من حال البحر ‪ ،‬فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة"‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ولهذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬حالة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)4/292‬‬

‫ورواه الترمذي ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم في تفاسيرهم ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به (‪)1‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قال لي جبريل ‪ :‬لو رأيتني‬
‫وأنا آخذ من حال البحر ‪ ،‬فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة"‪ .‬وقد رواه أبو عيسى‬
‫الترمذي أيضا ‪ ،‬وابن جرير أيضا ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬به (‪ )2‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫غريب صحيح‪.‬‬
‫ووقع في رواية عند ابن جرير ‪ ،‬عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن غُنْدَر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن عطاء‬
‫وعَ ِديّ ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رفعه أحدهما ‪ -‬وكأن (‪ )3‬الخر لم يرفعه ‪ ،‬فال (‪)4‬‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشَجّ ‪ ،‬حدثنا أبو خالد الحمر ‪ ،‬عن عمر بن عبد ال بن‬
‫َيعْلَى الثقفي ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما أغرق (‪ )5‬ال فرعون ‪ ،‬أشار‬
‫بأصبعه ورفع صوته ‪ { :‬آمَ ْنتُ أَنّهُ ل إِلَهَ إِل الّذِي آمَ َنتْ بِهِ بَنُو ِإسْرَائِيلَ } (‪ )6‬قال ‪ :‬فخاف‬
‫جبريل أن تسبق رحمة ال فيه غضبه ‪ ،‬فجعل يأخذ الحال بجناحيه فيضرب به وجهه فيرمسه‪.‬‬
‫وكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن سفيان بن َوكِيع ‪ ،‬عن أبي خالد ‪ ،‬به موقوفا (‪)7‬‬
‫وقد روي من حديث أبي هريرة أيضا ‪ ،‬فقال ابن جرير ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حكّام ‪ ،‬عن عَنْبَسة ‪ -‬هو ابن (‪ )8‬سعيد ‪ -‬عن كثير بن زاذان ‪ ،‬عن أبي‬
‫حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قال لي‬
‫جبريل ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬لو رأيتني وأنا أغطّه وأدس من الحال (‪ )9‬في فيه ‪ ،‬مخافة أن تدركه رحمة‬
‫ال فيغفر له" يعني ‪ :‬فرعون (‪)10‬‬
‫كثير بن زاذان هذا قال ابن َمعِين ‪ :‬ل أعرفه ‪ ،‬وقال أبو زُرْعَة وأبو حاتم ‪ :‬مجهول ‪ ،‬وباقي‬
‫رجاله ثقات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/309‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3107‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪ )3108‬وتفسير الطبري (‪ )192 - 15/190‬ورواه الحاكم في المستدرك‬
‫(‪ )2/340‬من طريق النضر بن شميل عن شعبة به ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬هذا حديث صحيح على‬
‫شرط الشيخين ولم يخرجاه ؛ لن أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس" ورواه البيهقي في‬
‫شعب اليمان برقم (‪ )9392‬فذكرت روايات الرفع والوقف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فكأن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لما غرق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬أن ل إله"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )15/193‬ورواه السرقسطي في غريب الحديث ‪ ،‬كما في تخريج الكشاف (‬
‫‪ )2/138‬عن موسى بن هارون ‪ ،‬عن يحيى الحماني عن أبي خالد الحمر به نحوه‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬الجبال"‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪ )15/191‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )9390‬من طريق حكام‬
‫الرازي به‪.‬‬

‫( ‪)4/293‬‬

‫ق وَرَ َزقْنَاهُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ َفمَا اخْتََلفُوا حَتّى جَاءَ ُهمُ ا ْلعِلْمُ إِنّ رَ ّبكَ‬
‫وَلَقَدْ َبوّأْنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ مُ َبوّأَ صِ ْد ٍ‬
‫َيقْضِي بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َيخْتَِلفُونَ (‪)93‬‬

‫وقد أرسل هذا الحديث جماعة من السلف ‪ :‬قتادة ‪ ،‬وإبراهيم التيمي ‪ ،‬وميمون بن ِمهْران‪ .‬ونقل‬
‫عن الضحاك بن قيس ‪ :‬أنه خطب بهذا للناس ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬فَالْ َيوْمَ نُ َنجّيكَ بِبَدَ ِنكَ لِ َتكُونَ ِلمَنْ خَ ْل َفكَ آيَةً } قال ابن عباس وغيره من السلف ‪ :‬إن بعض‬
‫بني إسرائيل شكّوا في موت فرعون ‪ ،‬فأمر ال تعالى البحر أن يلقيه بجسده (‪ )1‬بل روح ‪،‬‬
‫وعليه درعه المعروفة [به] (‪ )2‬على نجوة (‪ )3‬من الرض وهو المكان المرتفع ‪ ،‬ليتحققوا موته‬
‫وهلكه ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فَالْ َيوْمَ نُنَجّيكَ } أي ‪ :‬نرفعك على نَشز (‪ )4‬من الرض ‪ { ،‬بِبَدَنِك }‬
‫قال مجاهد ‪ :‬بجسدك‪ .‬وقال الحسن ‪ :‬بجسم ل روح فيه‪ .‬وقال عبد ال بن شداد ‪ :‬سويا صحيحا ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬لم يتمزق ليتحققوه ويعرفوه‪ .‬وقال أبو صخر ‪ :‬بدرعك (‪)5‬‬
‫وكل هذه القوال ل منافاة بينها ‪ ،‬كما تقدم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ َتكُونَ ِلمَنْ خَ ْلفَكَ آيَةً } أي ‪ :‬لتكون لبني إسرائيل دليل على موتك وهلكك ‪ ،‬وأن ال (‬
‫‪ )6‬هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده ‪ ،‬وأنه ل يقوم لغضبه شيء ؛ ولهذا قرأ بعض السلف ‪" :‬‬
‫لِ َتكُونَ ِلمَنْ خََل َقكَ آيَةً وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ عَنْ آيَاتِنَا َلغَافِلُونَ" (‪ )7‬أي ‪ :‬ل يتعظون (‪ )8‬بها ‪ ،‬ول‬
‫يعتبرون‪ .‬وقد كان [إهلك فرعون وملئه] (‪ )9‬يوم عاشوراء ‪ ،‬كما قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا غُ ْندَر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬قدم النبي صلى ال عليه وسلم المدينَة ‪ ،‬واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا ‪ :‬هذا‬
‫يوم ظهر فيه موسى على فرعون‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم لصحابه ‪" :‬أنتم أحق بموسى‬
‫منهم ‪ ،‬فصوموه" (‪)10‬‬
‫ق وَرَ َزقْنَاهُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ َفمَا اخْتََلفُوا حَتّى جَاءَهُمُ ا ْلعِلْمُ إِنّ رَ ّبكَ‬
‫{ وََلقَدْ َبوّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُ َبوَّأ صِ ْد ٍ‬
‫َيقْضِي بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َيخْتَِلفُونَ (‪} )93‬‬
‫يخبر تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل من النعم الدينية والدنيوية ف { مُ َبوَّأ صِ ْدقٍ } (‪ )11‬قيل‬
‫‪ :‬هو بلد مصر والشام ‪ ،‬مما يلي بيت المقدس ونواحيه ‪ ،‬فإن ال تعالى لما أهلك فرعون وجنوده‬
‫استقرت يد الدولة الموسوية على بلد مصر بكمالها ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬وََأوْرَثْنَا ا ْلقَوْمَ الّذِينَ‬
‫ض َو َمغَارِ َبهَا الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا وَ َت ّمتْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ا ْلحُسْنَى عَلَى بَنِي‬
‫ضعَفُونَ مَشَارِقَ الرْ ِ‬
‫كَانُوا ُيسْ َت ْ‬
‫ن َوقَ ْومُ ُه َومَا كَانُوا َيعْرِشُونَ } [العراف ‪]137 :‬‬
‫عوْ ُ‬
‫إِسْرَائِيلَ ِبمَا صَبَرُوا وَ َدمّرْنَا مَا كَانَ َيصْنَعُ فِرْ َ‬
‫ك وََأوْرَثْنَاهَا بَنِي‬
‫ت وَعُيُونٍ َوكُنُو ٍز َومَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَِل َ‬
‫وقال في الية الخرى ‪ { :‬فَأَخْ َرجْنَاهُمْ مِنْ جَنّا ٍ‬
‫إِسْرَائِيلَ } [الشعراء ‪ )12( ]59 - 57 :‬ولكن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بجسده سويا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬نحوه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يرفعك على بشر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬تذرعك"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وأنه تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬الغافلون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬يتعضون"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬صحيح البخاري برقم (‪.)4680‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬فالمبوأ"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كم تركوا من جنات وعيون وزروع"‪.‬‬

‫( ‪)4/294‬‬

‫استمروا مع موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬طالبين إلى بلد بيت المقدس [وهي بلد الخليل عليه السلم‬
‫فاستمر موسى بمن معه طالبا بيت المقدس] (‪ )1‬وكان فيه قوم من العمالقة ‪[ ،‬فنكل بنو إسرائيل‬
‫عن قتال العمالقة] (‪ )2‬فشردهم ال تعالى في التيه أربعين سنة ‪ ،‬ومات فيه (‪ )3‬هارون ‪ ،‬ثم ‪،‬‬
‫موسى ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نون ‪ ،‬ففتح ال عليهم بيت المقدس ‪،‬‬
‫واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصر حينا من الدهر ‪ ،‬ثم عادت إليهم ‪ ،‬ثم أخذها‬
‫ملوك اليونان ‪ ،‬وكانت تحت أحكامهم (‪ )4‬مدة طويلة ‪ ،‬وبعث ال عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬في تلك المدة ‪ ،‬فاستعانت اليهود ‪ -‬قبحهم (‪ )5‬ال ‪ -‬على معاداة عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫بملوك اليونان ‪ ،‬وكانت تحت أحكامهم ‪ ،‬ووشوا عندهم ‪ ،‬وأوحوا إليهم أن هذا يفسد عليكم الرعايا‬
‫فبعثوا (‪ )6‬من يقبض عليه ‪ ،‬فرفعه ال إليه ‪ ،‬وشُبّه لهم بعض الحواريين بمشيئة ال وقدره (‪)7‬‬
‫حكِيمًا }‬
‫فأخذوه فصلبوه ‪ ،‬واعتقدوا أنه هو ‪َ { ،‬ومَا قَتَلُوهُ َيقِينًا َبلْ َر َفعَهُ اللّهُ إِلَيْ ِه َوكَانَ اللّهُ عَزِيزًا َ‬
‫[النساء ‪ ]158 ، 157 :‬ثم بعد المسيح ‪ ،‬عليه السلم بنحو [من] (‪ )8‬ثلثمائة سنة ‪ ،‬دخل قسطنطين‬
‫أحد ملوك اليونان ‪ -‬في دين النصرانية ‪ ،‬وكان فيلسوفا قبل ذلك‪ .‬فدخل في دين النصارى قيل ‪:‬‬
‫تقية ‪ ،‬وقيل ‪ :‬حيلة ليفسده ‪ ،‬فوضعت له الساقفة منهم قوانين وشريعة وبدعًا أحدثوها ‪ ،‬فبنى لهم‬
‫الكنائس والبيَع الكبار والصغار ‪ ،‬والصوامع والهياكل ‪ ،‬والمعابد ‪ ،‬والقليات‪ .‬وانتشر دين‬
‫النصرانية (‪ )9‬في ذلك الزمان ‪ ،‬واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير وتحريف ‪ ،‬ووضع‬
‫وكذب ‪ ،‬ومخالفة لدين المسيح‪ .‬ولم يبق على دين المسيح على الحقيقة منهم إل القليل من الرهبان‬
‫‪ ،‬فاتخذوا لهم الصوامع في البراري والمهامه والقفار ‪ ،‬واستحوذت يدُ النصارى على مملكة الشام‬
‫والجزيرة وبلد الروم ‪ ،‬وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينية ‪ ،‬وال ُقمَامة ‪ ،‬وبيت لحم ‪،‬‬
‫حوْران كبُصرى وغيرها من البلدان بناءات هائلة‬
‫وكنائس [بلد] (‪ )10‬بيت المقدس ‪ ،‬ومدن َ‬
‫محكمة ‪ ،‬وعبدوا الصليب من حينئذ ‪ ،‬وصلوا إلى الشرق ‪ ،‬وصوروا الكنائس ‪ ،‬وأحلوا لحم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الخنزير ‪ ،‬وغير ذلك مما أحدثوه من (‪ )11‬الفروع في دينهم والصول ‪ ،‬ووضعوا له المانة‬
‫الحقيرة ‪ ،‬التي يسمونها الكبيرة ‪ ،‬وصنفوا له القوانين ‪،‬‬
‫وبسط هذا يطول‪.‬‬
‫والغرض أن يدهم لم تزل على هذه البلد إلى أن انتزعها (‪ )12‬منهم الصحابة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنهم ‪ ،‬وكان فتح بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬ول‬
‫الحمد والمنة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَرَ َزقْنَاهُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ } أي ‪ :‬الحلل ‪ ،‬من الرزق الطيب النافع المستطاب طبعا‬
‫وشرعا‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَا اخْتََلفُوا حَتّى جَا َءهُمُ ا ْلعِ ْلمُ } أي ‪ :‬ما اختلفوا في شيء من المسائل إل من بعد ما‬
‫جاءهم العلم ‪ ،‬أي ‪ :‬ولم يكن لهم أن يختلفوا ‪ ،‬وقد بين ال لهم وأزال عنهم اللبس‪ .‬وقد ورد في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في أثنائها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬حكامهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬لعنهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬فعثوا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬وقدرته"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬النصارى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬انتزعتها"‪.‬‬

‫( ‪)4/295‬‬

‫شكّ ِممّا أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ فَاسَْألِ الّذِينَ َيقْرَءُونَ ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكَ َلقَدْ جَا َءكَ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبكَ‬
‫فَإِنْ كُ ْنتَ فِي َ‬
‫فَلَا َتكُونَنّ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ (‪ )94‬وَلَا َتكُونَنّ مِنَ الّذِينَ كَذّبُوا بِآَيَاتِ اللّهِ فَ َتكُونَ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ (‪ )95‬إِنّ‬
‫ح ّقتْ عَلَ ْي ِهمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪ )96‬وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آَيَةٍ حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ الْأَلِيمَ (‪)97‬‬
‫الّذِينَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحديث ‪ :‬أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة ‪ ،‬وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين‬
‫فرقة ‪ ،‬وستفترق هذه المة على ثلث وسبعين فرقة ‪ ،‬منها واحدة في الجنة ‪ ،‬وثنتان وسبعون في‬
‫النار‪ .‬قيل ‪ :‬من هم (‪ )1‬يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬ما أنا عليه وأصحابي"‪.‬‬
‫رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللفظ ‪ ،‬وهو في السنن والمسانيد (‪ )2‬ولهذا قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّ‬
‫رَ ّبكَ َيقْضِي بَيْ َنهُمْ } أي ‪ :‬يفصل بينهم { َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َيخْتَِلفُونَ }‬
‫حقّ مِنْ رَ ّبكَ‬
‫شكّ ِممّا أَنزلْنَا إِلَ ْيكَ فَاسَْألِ الّذِينَ َيقْرَءُونَ ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكَ َلقَدْ جَا َءكَ الْ َ‬
‫{ فَإِنْ كُ ْنتَ فِي َ‬
‫فَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ (‪ )94‬وَل َتكُونَنّ مِنَ الّذِينَ كَذّبُوا بِآيَاتِ اللّهِ فَ َتكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (‪ )95‬إِنّ‬
‫ح ّقتْ عَلَ ْي ِهمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪ )96‬وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آ َيةٍ حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ (‪} )97‬‬
‫الّذِينَ َ‬
‫قال قتادة بن دِعَامة ‪ :‬بلغنا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل أشك ول أسأل" (‪)3‬‬
‫وكذا قال ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وهذا فيه تثبيت (‪ )4‬للمة ‪ ،‬وإعلم‬
‫لهم أن صفة نبيهم صلى ال عليه وسلم موجودة (‪ )5‬في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب ‪،‬‬
‫جدُونَهُ َمكْتُوبًا عِ ْندَهُمْ فِي ال ّتوْرَاةِ‬
‫ي ال ّميّ الّذِي يَ ِ‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ الرّسُولَ النّ ِب ّ‬
‫وَالنْجِيلِ } الية [العراف ‪ .]157 :‬ثم مع هذا العلم يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم ‪،‬‬
‫يلبسون ذلك ويحرفونه ويبدلونه ‪ ،‬ول يؤمنون به مع قيام الحجة عليهم ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِنّ‬
‫ن وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آيَةٍ حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ } أي ‪ :‬ل‬
‫ح ّقتْ عَلَ ْي ِهمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُو َ‬
‫الّذِينَ َ‬
‫يؤمنون إيمانا ينفعهم ‪ ،‬بل حين ل ينفع نفسًا إيمانها ؛ ولهذا لما دعا موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على‬
‫طمِسْ عَلَى َأ ْموَاِلهِ ْم وَاشْ ُددْ عَلَى قُلُو ِبهِمْ فَل ُي ْؤمِنُوا حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ‬
‫فرعون وملئه قال ‪ { :‬رَبّنَا ا ْ‬
‫حشَرْنَا‬
‫اللِيمَ } [يونس ‪ ، ]88 :‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ أَنّنَا نزلْنَا إِلَ ْي ِهمُ ا ْلمَل ِئكَ َة َوكَّل َمهُمُ ا ْل َموْتَى وَ َ‬
‫جهَلُونَ } [النعام ‪ ]111 :‬ثم‬
‫شيْءٍ قُبُل مَا كَانُوا لِ ُي ْؤمِنُوا إِل أَنْ يَشَاءَ اللّ ُه وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ يَ ْ‬
‫عَلَ ْيهِمْ ُكلّ َ‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬من هو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المستدرك (‪ )1/129‬من حديث عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ ،‬وجاء من حديث معاوية‬
‫وأنس وعوف بن مالك قال العراقي ‪" :‬أسانيدها جياد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه عبد الرزاق في تفسيره (‪ )15/202‬عن معمر عن قتادة به مرسل‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬تتبيت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه موجود"‪.‬‬

‫( ‪)4/296‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شفْنَا عَ ْنهُمْ عَذَابَ ا ْلخِ ْزيِ فِي الْحَيَاةِ‬
‫فََلوْلَا كَا َنتْ قَرْ َيةٌ َآمَ َنتْ فَ َن َفعَهَا إِيمَا ُنهَا إِلّا َقوْمَ يُونُسَ َلمّا َآمَنُوا كَ َ‬
‫الدّنْيَا َومَ ّتعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (‪)98‬‬

‫شفْنَا عَ ْنهُمْ عَذَابَ ا ْلخِ ْزيِ فِي‬


‫{ فََلوْل كَا َنتْ قَرْ َيةٌ آمَ َنتْ فَ َن َفعَهَا إِيمَا ُنهَا إِل َقوْمَ يُونُسَ َلمّا آمَنُوا كَ َ‬
‫الْحَيَاةِ الدّنْيَا َومَ ّتعْنَاهُمْ ِإلَى حِينٍ (‪} )98‬‬

‫( ‪)4/296‬‬

‫يقول تعالى ‪ :‬فهل كانت قرية آمنت بكمالها من المم السالفة الذين بعثنا إليهم الرسل ‪ ،‬بل ما‬
‫أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول إل كذبه قومه ‪ ،‬أو أكثرهم كما قال تعالى ‪ { :‬يَا حَسْ َرةً عَلَى‬
‫ا ْلعِبَادِ مَا يَأْتِي ِهمْ مِنْ رَسُولٍ إِل كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ } [ يس ‪َ { ، ]30 :‬كذَِلكَ مَا أَتَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ‬
‫مِنْ رَسُولٍ إِل قَالُوا سَاحِرٌ َأوْ َمجْنُونٌ } [الذاريات ‪َ { ، ]52 :‬وكَذَِلكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ فِي قَرْيَةٍ‬
‫جدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّ ٍة وَإِنّا عَلَى آثَارِ ِهمْ ُمقْتَدُونَ } [الزخرف ‪( ]23 :‬‬
‫مِنْ نَذِيرٍ إِل قَالَ مُتْ َرفُوهَا إِنّا وَ َ‬
‫‪ )2( )1‬وفي الحديث الصحيح ‪" :‬عرض علي النبياء ‪ ،‬فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس ‪،‬‬
‫والنبي معه الرجل والنبي معه الرجلن ‪ ،‬والنبي ليس معه أحد" (‪ )3‬ثم ذكر كثرة أتباع موسى ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬ثم ذكر كثرة أمته ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬كثرة سدت الخافقين الشرقي (‪)4‬‬
‫والغربي‪.‬‬
‫والغرض أنه لم توجد (‪ )5‬قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى ‪ ،‬إل قوم يونس ‪ ،‬وهم‬
‫أهل نِينَوى ‪ ،‬وما كان إيمانهم إل خوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم ‪ ،‬بعد ما‬
‫عاينوا أسبابه ‪ ،‬وخرج رسولهم من بين أظهرهم ‪ ،‬فعندها جأروا إلى ال واستغاثوا به ‪،‬‬
‫وتضرعوا (‪ )6‬لديه‪ .‬واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم ‪ ،‬وسألوا ال تعالى أن يرفع‬
‫عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم‪ .‬فعندها رحمهم ال ‪ ،‬وكشف عنهم العذاب وأخروا ‪ ،‬كما قال‬
‫شفْنَا عَ ْنهُمْ عَذَابَ ا ْلخِ ْزيِ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َومَ ّتعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }‪.‬‬
‫تعالى ‪ { :‬إِل َقوْمَ يُونُسَ َلمّا آمَنُوا كَ َ‬
‫واختلف المفسرون ‪ :‬هل كُشف عنهم العذاب الخروي مع الدنيوي ؟ أو إنما كشف عنهم في الدنيا‬
‫فقط ؟ على قولين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬إنما كان ذلك في الحياة الدنيا ‪ ،‬كما هو مقيد في هذه الية‪ .‬والقول‬
‫الثاني فيهما لقوله تعالى ‪ { :‬وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَ ْلفٍ َأوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا َفمَ ّتعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }‬
‫[الصافات ‪ ]148 ، 147 :‬فأطلق عليهم اليمان ‪ ،‬واليمان منقذ من العذاب الخروي ‪ ،‬وهذا هو‬
‫الظاهر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال قتادة في تفسير هذه الية ‪ :‬لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب ‪ ،‬فتركت ‪ ،‬إل‬
‫قوم يونس ‪ ،‬لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم ‪ ،‬قذف ال في قلوبهم التوبة ‪ ،‬ولبسوا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عجّوا إلى ال أربعين ليلة‪ .‬فلما عرف ال منهم الصدق‬
‫المسوح ‪ ،‬وفَرّقوا بين كل بهيمة وولدها ثم َ‬
‫من قلوبهم ‪ ،‬والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف ال عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم ‪-‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬وذكر أن قوم يونس كانوا بنينوى أرض الموصل‪.‬‬
‫وكذا روي عن ابن مسعود ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ ،‬وكان ابن‬
‫مسعود يقرؤها ‪َ " :‬فهَل كَا َنتْ قَرْيَةٌ آمَ َنتْ"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وما أرسلنا في قرية من نبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مهتدون" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )5752‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )220‬من حديث عبد ال‬
‫بن عباس رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والشرقي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يوجد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وضرعوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/297‬‬

‫جمِيعًا َأفَأَ ْنتَ ُتكْ ِرهُ النّاسَ حَتّى َيكُونُوا ُمؤْمِنِينَ (‪َ )99‬ومَا‬
‫وََلوْ شَاءَ رَ ّبكَ لََآمَنَ مَنْ فِي الْأَ ْرضِ كُّلهُمْ َ‬
‫ج َعلُ الرّجْسَ عَلَى الّذِينَ لَا َي ْعقِلُونَ (‪ُ )100‬قلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي‬
‫كَانَ لِ َنفْسٍ أَنْ ُت ْؤمِنَ إِلّا بِإِذْنِ اللّ ِه وَيَ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َومَا ُتغْنِي الْآَيَاتُ وَالنّذُرُ عَنْ َقوْمٍ لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪َ )101‬ف َهلْ يَنْتَظِرُونَ إِلّا مِ ْثلَ أَيّامِ‬
‫ال ّ‬
‫سلَنَا وَالّذِينَ َآمَنُوا‬
‫الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَبِْلهِمْ ُقلْ فَانْ َتظِرُوا إِنّي َم َعكُمْ مِنَ ا ْلمُنْتَظِرِينَ (‪ُ )102‬ثمّ نُنَجّي رُ ُ‬
‫حقّا عَلَيْنَا نُنْجِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)103‬‬
‫كَذَِلكَ َ‬

‫وقال أبو عمران ‪ ،‬عن أبي الجَلْد قال ‪ :‬لما نزل بهم (‪ )1‬العذاب ‪ ،‬جعل يدور على رءوسهم‬
‫كقطع الليل المظلم ‪ ،‬فمشوا إلى رجل من علمائهم فقالوا ‪ :‬علمنا دعاء ندعوا به ‪ ،‬لعل ال يكشف‬
‫(‪ )2‬عنا العذاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬قولوا ‪ :‬يا حيّ حين ل حيّ ‪ ،‬يا محيي الموتى (‪ )3‬ل إله إل أنت‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فكشف عنهم العذاب‪.‬‬
‫وتمام القصة سيأتي مفصل في سورة الصافات إن شاء ال‪.‬‬
‫جمِيعًا َأفَأَ ْنتَ ُتكْ ِرهُ النّاسَ حَتّى َيكُونُوا ُم ْؤمِنِينَ (‪)99‬‬
‫ك لمَنَ مَنْ فِي ال ْرضِ كُّلهُمْ َ‬
‫{ وََلوْ شَاءَ رَ ّب َ‬
‫ج َعلُ الرّجْسَ عَلَى الّذِينَ ل َيعْقِلُونَ (‪} )100‬‬
‫َومَا كَانَ لِ َنفْسٍ أَنْ ُت ْؤمِنَ إِل بِإِذْنِ اللّ ِه وَ َي ْ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََلوْ شَاءَ رَ ّبكَ } ‪ -‬يا محمد ‪ -‬لذن لهل الرض كلهم في اليمان بما جئتهم به ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج َعلَ النّاسَ ُأمّةً‬
‫فآمنوا كلّهم ‪ ،‬ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كما قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ شَاءَ رَ ّبكَ لَ َ‬
‫جهَنّمَ مِنَ‬
‫ك لمْلنّ َ‬
‫ك وَلِذَِلكَ خََل َقهُمْ وَ َتمّتْ كَِلمَةُ رَ ّب َ‬
‫حمَ رَ ّب َ‬
‫وَاحِ َد ًة وَل يَزَالُونَ مُخْتَِلفِينَ إِل مَنْ رَ ِ‬
‫ج َمعِينَ } [هود ‪ ، ]119 ، 118 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬أفَلَمْ يَيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا أَنْ َلوْ يَشَاءُ‬
‫الْجِنّ ِة وَالنّاسِ َأ ْ‬
‫جمِيعًا } [الرعد ‪ ]31 :‬؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬أفَأَ ْنتَ ُتكْ ِرهُ النّاسَ } أي ‪ :‬تلزمهم‬
‫اللّهُ َلهَدَى النّاسَ َ‬
‫ضلّ مَنْ‬
‫وتلجئهم { حَتّى َيكُونُوا ُمؤْمِنِينَ } أي ‪ :‬ليس ذلك عليك ول إليك ‪ ،‬بل [إلى] (‪ )4‬ال { ُي ِ‬
‫سكَ عَلَ ْيهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر ‪ { ، ]8 :‬لَيْسَ عَلَ ْيكَ هُدَا ُه ْم وََلكِنّ‬
‫يَشَاءُ وَ َيهْدِي مَنْ َيشَاءُ فَل َتذْ َهبْ َنفْ ُ‬
‫سكَ أَل َيكُونُوا ُم ْؤمِنِينَ } [الشعراء ‪{ ، ]3 :‬‬
‫خعٌ َنفْ َ‬
‫اللّهَ َي ْهدِي مَنْ يَشَاءُ } [البقرة ‪َ { ، ]272 :‬لعَّلكَ بَا ِ‬
‫غ وَعَلَيْنَا ا ْلحِسَابُ } [الرعد ‪:‬‬
‫إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ أَحْبَ ْبتَ } [القصص ‪ { ، ]56 :‬فَإِ ّنمَا عَلَ ْيكَ الْبَل ُ‬
‫ستَ عَلَ ْيهِمْ ِبمُصيْطِرٍ } [الغاشية ‪ ]22 ، 21 :‬إلى غير ذلك من‬
‫‪ { ، ]40‬فَ َذكّرْ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ َذكّرٌ َل ْ‬
‫اليات الدالة على أن ال تعالى هو الفعال لما يريد ‪ ،‬الهادي من يشاء ‪ ،‬المضل لمن يشاء ‪ ،‬لعلمه‬
‫ج َعلُ الرّجْسَ } (‪ )5‬وهو‬
‫وحكمته وعدله ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا كَانَ لِ َنفْسٍ أَنْ ُت ْؤمِنَ إِل بِإِذْنِ اللّ ِه وَيَ ْ‬
‫ج ال وأدلته ‪ ،‬وهو العادل في كل‬
‫الخبال (‪ )6‬والضلل ‪ { ،‬عَلَى الّذِينَ ل َي ْعقِلُونَ } أي ‪ :‬حج َ‬
‫ذلك ‪ ،‬في هداية من هدى ‪ ،‬وإضلل من ضل‪.‬‬
‫ض َومَا ُتغْنِي اليَاتُ وَالنّذُرُ عَنْ َقوْمٍ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪َ )101‬ف َهلْ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْر ِ‬
‫{ ُقلِ ا ْنظُرُوا مَاذَا فِي ال ّ‬
‫خَلوْا مِنْ قَبِْل ِهمْ ُقلْ فَانْتَظِرُوا إِنّي َم َعكُمْ مِنَ ا ْلمُنْتَظِرِينَ (‪ )102‬ثُمّ نُ َنجّي‬
‫يَنْتَظِرُونَ إِل مِ ْثلَ أَيّامِ الّذِينَ َ‬
‫حقّا عَلَيْنَا نُنْجِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪} )103‬‬
‫رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا كَذَِلكَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬لما نزل بقوم يونس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أن يكشف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يا محيي الموتى يا حي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يؤمن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬الجبال"‪.‬‬

‫( ‪)4/298‬‬

‫شكّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْ ُبدُ الّذِينَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّ ِه وََلكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ‬
‫ُقلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنْ كُنْ ُتمْ فِي َ‬
‫ج َهكَ لِلدّينِ حَنِيفًا وَلَا َتكُونَنّ مِنَ‬
‫الّذِي يَ َت َوفّاكُ ْم وَُأمِ ْرتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )104‬وَأَنْ َأقِ ْم وَ ْ‬
‫ك وَلَا َيضُ ّركَ فَإِنْ َفعَ ْلتَ فَإِ ّنكَ ِإذًا مِنَ الظّاِلمِينَ (‬
‫ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪ )105‬وَلَا َت ْدعُ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لَا يَ ْنفَ ُع َ‬
‫‪)106‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يرشدُ تعالى عباده إلى التفكر في آلئه (‪ )1‬وما خلق في السموات والرض من اليات الباهرة‬
‫لذوي اللباب ‪ ،‬مما في السموات (‪ )2‬من كواكب نيرات ‪ ،‬ثوابت وسيارات ‪ ،‬والشمس والقمر ‪،‬‬
‫والليل والنهار ‪ ،‬واختلفهما ‪ ،‬وإيلج أحدهما في الخر ‪ ،‬حتى يطول هذا ويقصر هذا ‪ ،‬ثم يقصر‬
‫هذا ويطول هذا ‪ ،‬وارتفاع السماء واتساعها ‪ ،‬وحسنها وزينتها ‪ ،‬وما أنزل ال منها من مطر‬
‫فأحيا به الرض بعد موتها ‪ ،‬وأخرج فيها من أفانين الثمار والزروع والزاهير ‪ ،‬وصنوف النبات‬
‫‪ ،‬وما ذرأ فيها من دوابّ مختلفة الشكال واللوان والمنافع ‪ ،‬وما فيها من جبال وسهول (‪)3‬‬
‫وقفار وعمران وخراب‪ .‬وما في البحر من العجائب والمواج ‪ ،‬وهو مع هذا [مسخر] (‪ )4‬مذلل‬
‫للسالكين ‪ ،‬يحمل سفنهم ‪ ،‬ويجري بها برفق بتسخير القدير له ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫ت وَالنّذُرُ عَنْ َقوْ ٍم ل ُي ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬وأي شيء تُجدي اليات السماوية‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا ُتغْنِي اليَا ُ‬
‫والرضية ‪ ،‬والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على صدقها ‪ ،‬عن قوم ل يؤمنون ‪ ،‬كما‬
‫ن وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آيَةٍ حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ }‬
‫ك ل ُي ْؤمِنُو َ‬
‫حقّتْ عَلَ ْيهِمْ كَِل َمةُ رَ ّب َ‬
‫قال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َ‬
‫[يونس ‪.]69 ، 96 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ف َهلْ يَنْتَظِرُونَ إِل مِ ْثلَ أَيّامِ الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَبِْلهِمْ } أي ‪ :‬فهل ينتظر هؤلء المكذبون لك‬
‫يا محمد من النقمة والعذاب إل مثل أيام ال في الذين خلوا من قبلهم من المم المكذبة لرسلهم ‪{ ،‬‬
‫ُقلْ فَانْ َتظِرُوا إِنّي َم َعكُمْ مِنَ ا ْلمُنْتَظِرِينَ ُثمّ نُنَجّي ُرسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا } (‪ )5‬أي ‪ :‬ونهلك المكذبين‬
‫حقّا عَلَيْنَا نُنْجِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } [أي] (‪ )6‬حقا ‪ :‬أوجبه تعالى على نفسه الكريمة ‪:‬‬
‫بالرسل ‪ { ،‬كَذَِلكَ َ‬
‫ح َمةَ } [النعام ‪ ]12 :‬كما جاء في الصحيحين ‪ ،‬عن رسول ال صلى‬
‫سهِ الرّ ْ‬
‫كقوله { كَ َتبَ عَلَى َنفْ ِ‬
‫ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن ال كتب كتابا فهو عنده فوق العرش ‪ :‬إن رحمتي سبقت (‪)7‬‬
‫غضبي" (‪)8‬‬
‫شكّ مِنْ دِينِي فَل أَعْبُدُ الّذِينَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّ ِه وََلكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ‬
‫{ ُقلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي َ‬
‫ج َهكَ لِلدّينِ حَنِيفًا وَل َتكُونَنّ مِنَ‬
‫الّذِي يَ َت َوفّاكُ ْم وَُأمِ ْرتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )104‬وَأَنْ َأقِ ْم وَ ْ‬
‫ك وَل َيضُ ّركَ فَإِنْ َفعَ ْلتَ فَإِ ّنكَ إِذًا مِنَ الظّاِلمِينَ‬
‫ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪ )105‬وَل تَ ْدعُ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا ل يَ ْنفَ ُع َ‬
‫(‪} )106‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إلى التفكر في الية لياته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬السماء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وهول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فإنى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تغلب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )7554‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2751‬من حديث أبي هريرة رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/299‬‬

‫شفَ لَهُ إِلّا ُه َو وَإِنْ يُرِ ْدكَ ِبخَيْرٍ فَلَا رَادّ ِل َفضْلِهِ ُيصِيبُ ِبهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ‬
‫سكَ اللّهُ ِبضُرّ فَلَا كَا ِ‬
‫وَإِنْ َيمْسَ ْ‬
‫عِبَا ِد ِه وَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪)107‬‬

‫شفَ َلهُ إِل ُه َو وَإِنْ يُرِ ْدكَ ِبخَيْرٍ فَل رَادّ ِلفَضْلِهِ ُيصِيبُ بِهِ مَنْ َيشَاءُ‬
‫سكَ اللّهُ ِبضُرّ فَل كَا ِ‬
‫سْ‬‫{ وَإِنْ َيمْ َ‬
‫مِنْ عِبَا ِد ِه وَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪} )107‬‬
‫يقول تعالى لرسوله محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ :‬قل ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إن كنتم في شك من‬

‫( ‪)4/299‬‬

‫ضلّ‬
‫ضلّ فَإِ ّنمَا َي ِ‬
‫ُقلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ َقدْ جَا َءكُمُ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّب ُكمْ َفمَنِ اهْتَدَى فَإِ ّنمَا َيهْ َتدِي لِ َنفْسِ ِه َومَنْ َ‬
‫ح ُكمَ اللّهُ وَ ُهوَ خَيْرُ ا ْلحَا ِكمِينَ‬
‫ك وَاصْبِرْ حَتّى يَ ْ‬
‫عَلَ ْيهَا َومَا أَنَا عَلَ ْيكُمْ ِب َوكِيلٍ (‪ )108‬وَاتّبِعْ مَا يُوحَى إِلَ ْي َ‬
‫(‪)109‬‬

‫صحة ما جئتكم من الدين الحنيف ‪ ،‬الذي أوحاه ال إلي ‪ ،‬فها أنا ل أعبد الذين تعبدون من دون‬
‫ال ‪ ،‬ولكن أعبد ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وهو الذي يتوفاكم كما أحياكم ‪ ،‬ثم إليه مرجعكم ؛ فإن‬
‫كانت آلهتكم التي تدعون من دون ال (‪ )1‬حقا ‪ ،‬فأنا ل أعبدها (‪ )2‬فادعوها فلتضرني ‪ ،‬فإنها ل‬
‫تضر ول تنفع ‪ ،‬وإنما الذي بيده الضر والنفع هو ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وأمرت أن أكون من‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫ج َهكَ لِلدّينِ حَنِيفًا وَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ } أي ‪ :‬أخلص العبادة ل وحده‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنْ َأ ِق ْم وَ ْ‬
‫حنيفا ‪ ،‬أي ‪ :‬منحرفا عن الشرك ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ } وهو معطوف على‬
‫قوله ‪ { :‬وَُأمِرْتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ }‬
‫سكَ اللّهُ ِبضُرّ } إلى آخرها ‪ ،‬بيان لن الخير والشر والنفع والضر إنما هو‬
‫سْ‬‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ َيمْ َ‬
‫راجع إلى ال تعالى وحده ل يشاركه (‪ )3‬في ذلك أحد ‪ ،‬فهو الذي يستحق العبادة وحده ‪ ،‬ل‬
‫شريك له‪.‬‬
‫روى الحافظ ابن عساكر ‪ ،‬في ترجمة صفوان بن سليم ‪ ،‬من طريق عبد ال بن وهب ‪ :‬أخبرني‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يحيى بن أيوب عن عيسى بن موسى ‪ ،‬عن صفوان بن سليم ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬اطلبوا الخير دهركم كله ‪ ،‬وتعرضوا لنفحات رحمة ال ‪ ،‬فإن ل‬
‫نفحات من رحمته ‪ ،‬يصيب بها من يشاء من عباده واسألوه أن يستر عوراتكم ‪ ،‬ويؤمن روعاتكم"‬
‫(‪)4‬‬
‫ثم رواه من طريق الليث ‪ ،‬عن عيسى بن موسى ‪ ،‬عن صفوان ‪ ،‬عن رجل من أشجع ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة مرفوعا ؛ بمثله سواء (‪)5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ } أي ‪ :‬لمن تاب إليه وتوكل عليه ‪ ،‬ولو من أيّ ذنب كان ‪ ،‬حتى‬
‫من الشرك به ‪ ،‬فإنه يتوب عليه‪.‬‬
‫ضلّ‬
‫ضلّ فَإِ ّنمَا َي ِ‬
‫حقّ مِنْ رَ ّبكُمْ َفمَنِ اهْتَدَى فَإِ ّنمَا َيهْتَدِي لِ َنفْسِهِ َومَنْ َ‬
‫{ ُقلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ قَدْ جَا َءكُمُ الْ َ‬
‫ح ُكمَ اللّهُ وَ ُهوَ خَيْرُ ا ْلحَا ِكمِينَ‬
‫ك وَاصْبِرْ حَتّى يَ ْ‬
‫عَلَ ْيهَا َومَا أَنَا عَلَ ْيكُمْ ِب َوكِيلٍ (‪ )108‬وَاتّبِعْ مَا يُوحَى إِلَ ْي َ‬
‫(‪} )109‬‬
‫يقول تعالى آمرا لرسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬أن يخبر الناس أن الذي جاءهم به من عند‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬من دون ال من شيء حقا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أعبد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" ،‬ل يشركه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ دمشق (‪" )8/328‬المخطوط") ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )1121‬من‬
‫طريق عبد ال بن وهب به ‪ ،‬ورواه ابن عبد البر في التمهيد (‪ )5/339‬والبيهقي في شعب اليمان‬
‫برقم (‪ )1122‬من طريق عمرو بن الربيع بن طاق عن يحيى بن أيوب به نحوه ورمز له‬
‫السيوطي بالضعف في الجامع‪.‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ دمشق (‪" 8/328‬المخطوط") ورواه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة برقم (‪ )27‬من‬
‫طريق رويم بن يزيد عن الليث به مرفوعا ‪ ،‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )1123‬من‬
‫طريق يحيى بن بكير عن الليث به مرفوعا‪ .‬وقال البيهقي ‪" :‬هذا هو المحفوظ دون الول" والول‬
‫حديث أنس‪.‬‬

‫( ‪)4/300‬‬

‫ال هو الحق الذي ل مرية فيه ول شك ‪ ،‬فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود نفع ذلك التباع على‬
‫نفسه ‪[ ،‬ومن ضل عنه (‪ )1‬فإنما يرجع وبال ذلك عليه (‪)3( ] )2‬‬
‫{ َومَا أَنَا عَلَ ْي ُكمْ ِب َوكِيلٍ } أي ‪ :‬وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين به ‪ ،‬وإنما أنا نذير لكم ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والهداية على ال تعالى‪.‬‬
‫ك وَاصْبِرْ } أي ‪ :‬تمسك بما أنزل ال عليك وأوحاه (‪ )4‬واصبر على‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاتّبِعْ مَا يُوحَى إِلَ ْي َ‬
‫حكُمَ اللّهُ } أي ‪ :‬يفتح بينك وبينهم ‪ { ،‬وَ ُهوَ خَيْرُ ا ْلحَا ِكمِينَ }‬
‫مخالفة من خالفك من الناس ‪ { ،‬حَتّى يَ ْ‬
‫أي ‪ :‬خير الفاتحين بعدله (‪ )5‬وحكمته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬عن ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬على نفسه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأوحاه إليك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لعدله"‪.‬‬

‫( ‪)4/301‬‬

‫تفسير سورة هود‬


‫[وهي مكية] (‪.)1‬‬
‫قال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا خلف بن هشام البزار ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫عكْرِمة قال ‪ :‬قال أبو بكر ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ما شَيّبك ؟ قال ‪ " :‬شيبتني‬
‫ِ‬
‫هود ‪ ،‬والواقعة ‪ ،‬وعم يتساءلون ‪ ،‬وإذا الشمس كورت " (‪.)2‬‬
‫وقال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا معاوية بن هشام ‪ ،‬عن شيبان‬
‫‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال أبو بكر ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد شبت ؟‬
‫قال ‪ " :‬شيبتني هود ‪ ،‬والواقعة ‪ ،‬والمرسلت ‪ ،‬وعم يتساءلون ‪ ،‬وإذا الشمس كورت " (‪ )3‬وفي‬
‫رواية ‪ " :‬هود وأخواتها "‪.‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا عبدان بن أحمد ‪ ،‬حدثنا حماد (‪ )4‬بن الحسن ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سلم ‪،‬‬
‫حدثنا عمر بن محمد ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬شيبتني هود وأخواتها ‪ :‬الواقعة ‪ ،‬والحاقة ‪ ،‬وإذا الشمس كورت " وفي رواية ‪ " :‬هود‬
‫وأخواتها " (‪.)5‬‬
‫وقد روي من حديث ابن مسعود ‪ ،‬فقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في معجمه‬
‫الكبير ‪ :‬حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا أحمد بن طارق الرائشي (‪ ، )6‬حدثنا عمرو‬
‫بن ثابت ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ أن أبا بكر قال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬ما شيبك ؟ قال ‪ " :‬هود ‪ ،‬والواقعة " (‪.)7‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمرو بن ثابت متروك ‪ ،‬وأبو إسحاق لم يدرك ابن مسعود‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند أبي يعلى (‪ )1/102‬وهو منقطع وقد تكلم عليه والذي بعده ‪ ،‬الحافظ الدارقطني في‬
‫العلل (‪ )211 - 3/193‬بما يكفي‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪ )3297‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب ل نعرفه من حديث‬
‫ابن عباس إل من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬جميع النسخ ‪" :‬حجاج" والتصويب من المعجم الكبير‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير (‪ )6/183‬ورواه الدارقطني في العلل (‪ )1/210‬من طريق أحمد بن طارق‬
‫به ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )3/192‬عمر بن صهبان متروك" وسعيد بن سلم كذاب‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمعجم الكبير ‪" :‬الوابشي" ولم أجد ترجمته‪.‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير (‪ )126 ، 10/125‬وهو عنده من طريق عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن‬
‫أبي الحوص عن ابن مسعود فلعله سقط من نسخة ابن كثير وال أعلم‪ .‬وللستزادة في أحاديث‬
‫الباب ‪ :‬فقد توسع الفاضل محمد طرهوني في تتبعها انظر كتابه ‪ :‬موسوعة فضائل القرآن _‬
‫‪.)308 - 1/295‬‬

‫( ‪)4/302‬‬

‫حكِيمٍ خَبِيرٍ (‪ )1‬أَلّا َتعْبُدُوا إِلّا اللّهَ إِنّنِي َل ُكمْ مِنْهُ نَذِيرٌ‬
‫ح ِك َمتْ آَيَاُتهُ ثُمّ ُفصَّلتْ مِنْ لَدُنْ َ‬
‫الر كِتَابٌ أُ ْ‬
‫سمّى وَ ُي ْؤتِ ُكلّ ذِي‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫وَبَشِيرٌ (‪ )2‬وَأَنِ اسْ َتغْفِرُوا رَ ّبكُمْ ُثمّ تُوبُوا إِلَيْهِ ُيمَ ّت ْعكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى َأ َ‬
‫ج ُعكُ ْم وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ‬
‫ضلٍ َفضْلَ ُه وَإِنْ َتوَّلوْا فَإِنّي أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ عَذَابَ َيوْمٍ كَبِيرٍ (‪ )3‬إِلَى اللّهِ مَ ْر ِ‬
‫َف ْ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪)4‬‬
‫َ‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫حكِيمٍ خَبِيرٍ (‪ )1‬أَل َتعْبُدُوا إِل اللّهَ إِنّنِي َلكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ‬
‫ح ِك َمتْ آيَاتُهُ ُثمّ ُفصَّلتْ مِنْ لَدُنْ َ‬
‫{ الر كِتَابٌ ُأ ْ‬
‫سمّى وَ ُي ْؤتِ ُكلّ ذِي‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫وَبَشِيرٌ (‪ )2‬وَأَنِ اسْ َتغْفِرُوا رَ ّبكُمْ ُثمّ تُوبُوا إِلَيْهِ ُيمَ ّت ْعكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى َأ َ‬
‫ج ُعكُ ْم وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ‬
‫ضلٍ َفضْلَ ُه وَإِنْ َتوَّلوْا فَإِنّي أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ عَذَابَ َيوْمٍ كَبِيرٍ (‪ )3‬إِلَى اللّهِ مَ ْر ِ‬
‫َف ْ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪} )4‬‬
‫َ‬
‫قد تقدم الكلم على حروف الهجاء في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا ‪ ،‬وبال‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ح ِك َمتْ آيَاتُهُ ُثمّ ُفصَّلتْ } أي ‪ :‬هي محكمة في لفظها ‪ ،‬مفصلة في معناها ‪ ،‬فهو‬
‫وأما قوله ‪ُ { :‬أ ْ‬
‫كامل صورة ومعنى‪ .‬هذا معنى ما روي عن مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫حكِيمٍ خَبِيرٍ } أي ‪ :‬من عند ال الحكيم في أقواله ‪ ،‬وأحكامه ‪ ،‬الخبير بعواقب‬
‫وقوله ‪ { :‬مِنْ َلدُنْ َ‬
‫المور‪.‬‬
‫{ أَل َتعْبُدُوا إِل اللّهَ } أي ‪ :‬نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة (‪ )1‬ال وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رَسُولٍ إِل نُوحِي إِلَيْهِ أَنّهُ ل إِلَهَ إِل أَنَا فَاعْ ُبدُونِ }‬
‫[النبياء ‪ ، ]25 :‬قال ‪ { :‬وََلقَدْ َبعَثْنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ رَسُول أَنِ اُعْبُدُوا اللّ َه وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ } [النحل‬
‫‪.]36 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّنِي َلكُمْ مِنْهُ نَذِي ٌر وَبَشِيرٌ } (‪ )2‬أي ‪ :‬إني لكم نذير من العذاب إن خالفتموه ‪ ،‬وبشير‬
‫بالثواب إن أطعتموه ‪ ،‬كما جاء في الحديث الصحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صعد‬
‫الصفا ‪ ،‬فدعا بطون قريش القرب ثم القرب ‪ ،‬فاجتمعوا ‪ ،‬فقال (‪ )3‬يا معشر قريش ‪ ،‬أرأيتم لو‬
‫أخبرتكم أن خيل تصبحكم (‪ ، )4‬ألستم مصدقي ؟" فقالوا ‪ :‬ما جربنا عليك كذبا‪ .‬قال ‪" :‬فإني نذير‬
‫لكم بين (‪ )5‬يدي عذاب شديد" (‪.)6‬‬
‫سمّى وَ ُي ْؤتِ ُكلّ ذِي‬
‫جلٍ ُم َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنِ اسْ َتغْفِرُوا رَ ّبكُمْ ُثمّ تُوبُوا ِإلَيْهِ ُيمَ ّت ْعكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى َأ َ‬
‫ضلٍ َفضْلَهُ } أي ‪ :‬وآمركم (‪ )7‬بالستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى ال عز وجل فيما‬
‫َف ْ‬
‫جلٍ‬
‫تستقبلونه ‪ ،‬وأن تستمروا (‪ )8‬على ذلك ‪ُ { ،‬يمَ ّت ْعكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا } أي ‪ :‬في الدنيا { إِلَى َأ َ‬
‫ع ِملَ‬
‫ضلٍ َفضْلَهُ } أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ ،‬قاله قتادة ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬مَنْ َ‬
‫سمّى وَ ُي ْؤتِ ُكلّ ذِي َف ْ‬
‫مُ َ‬
‫صَالِحًا مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيّبَ ًة وَلَنَجْزِيَ ّن ُهمْ أَجْ َرهُمْ بَِأحْسَنِ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ‬
‫} [النحل ‪)10( )9( ، ]97 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بعباده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬تصحبكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )4971‬من حديث ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يأمركم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يستقبلونه وأن يستمروا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" ،‬فليحيينه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬بأحسن الذي كانوا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/303‬‬

‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ إِنّهُ‬


‫خفُوا مِ ْنهُ أَلَا حِينَ يَسْ َتغْشُونَ ثِيَا َبهُمْ َيعَْلمُ مَا يُسِرّو َ‬
‫صدُورَهُمْ لِيَسْ َت ْ‬
‫أَلَا إِ ّنهُمْ يَثْنُونَ ُ‬
‫عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ (‪)5‬‬

‫وقد جاء في الصحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لسعد ‪" :‬وإنك لن تنفق نفقة تبتغي‬
‫بها وجه ال ‪ ،‬إل أجِرْت بها ‪ ،‬حتى ما تجعل في فِي (‪ )1‬امرأتك" (‪.)2‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثت عن المسيب بن شريك ‪ ،‬عن أبي بكر ‪ ،‬عن سعيد بن جُبير ‪ ،‬عن ابن‬
‫ضلٍ َفضْلَهُ } قال ‪ :‬من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ‪ ،‬ومن‬
‫مسعود في قوله ‪ { :‬وَ ُي ْؤتِ ُكلّ ذِي َف ْ‬
‫عمل حسنة كتبت له عشر حسنات‪ .‬فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر‬
‫حسنات ‪ ،‬وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات‪ .‬ثم‬
‫يقول ‪ :‬هلك من غلب آحاده أعشاره (‪.)3‬‬
‫عذَابَ َيوْمٍ كَبِيرٍ } هذا تهديد شديد لمن تولى عن أوامر ال‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ َتوَّلوْا فَإِنّي أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫ج ُعكُمْ } أي ‪:‬‬
‫تعالى ‪ ،‬وكذب رسله ‪ ،‬فإن العذاب يناله يوم معاده (‪ )4‬ل محالة ‪ { ،‬إِلَى اللّهِ مَ ْر ِ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } أي ‪ :‬وهو القادر على ما يشاء من إحسانه إلى‬
‫معادكم يوم القيامة ‪ { ،‬وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫أوليائه ‪ ،‬وانتقامه من أعدائه ‪ ،‬وإعادة (‪ )5‬الخلئق يوم القيامة ‪ ،‬وهذا مقام الترهيب ‪ ،‬كما أن‬
‫الول مقام ترغيب‪.‬‬
‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ إِنّهُ‬
‫خفُوا مِ ْنهُ أَل حِينَ َيسْ َتغْشُونَ ثِيَا َبهُمْ َيعْلَمُ مَا يُسِرّو َ‬
‫صدُورُهُمْ لِ َيسْتَ ْ‬
‫{ أَل إِ ّنهُمْ يَثْنُونَ ُ‬
‫عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ (‪} )5‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم ‪ ،‬وحال وقاعهم ‪ ،‬فأنزل ال هذه‬
‫الية‪ .‬رواه البخاري من حديث ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن محمد بن عباد بن جعفر ؛ أن ابن عباس قرأ ‪:‬‬
‫"أَل إِ ّن ُهمْ تَثْنوني (‪ )6‬صُدُورهُم" ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أبا عباس ‪ ،‬ما تثنوني (‪ )7‬صدورهم ؟ قال ‪ :‬الرجل‬
‫كان يجامع امرأته فيستحيي ‪ -‬أو ‪ :‬يتخلى فيستحيي فنزلت ‪" :‬أَل إِ ّنهُمْ تَثْنوني (‪ )8‬صُدُورهُم"‪.‬‬
‫وفي لفظ آخر له ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا ‪ ،‬فيفضوا إلى السماء ‪ ،‬وأن‬
‫يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ‪ ،‬فنزل ذلك فيهم‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا الحميدي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا عمرو قال ‪ :‬قرأ (‪ )9‬ابن عباس "أَل إِ ّنهُمْ يَثْنوني‬
‫خفُوا مِنْهُ أَل حِينَ يَسْتغْشُونَ ثِيَا َبهُم"‪.‬‬
‫صُدُورهُم لِ َيسْتَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في فم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )6373‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1628‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)15/231‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬معاذه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وإعادته"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تثنون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تثنون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يثنون"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫( ‪)4/304‬‬

‫قال البخاري ‪ :‬وقال غيره ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬يسْ َتغْشُونَ } يغطون رءوسهم (‪.)1‬‬
‫وقال ابن عباس في رواية أخرى في تفسير هذه الية ‪ :‬يعني به الشك في ال ‪ ،‬وعمل السيئات ‪،‬‬
‫وكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئًا أو‬
‫عملوه ‪ ،‬يظنون أنهم يستخفون من ال بذلك ‪ ،‬فأعلمهم ال تعالى أنهم (‪ )2‬حين يستغشون ثيابهم‬
‫عند منامهم في ظلمة الليل ‪َ { ،‬يعْلَمُ مَا ُيسِرّونَ } (‪ )3‬من القول ‪َ { :‬ومَا ُيعْلِنُونَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ‬
‫الصّدُورِ } أي ‪ :‬يعلم ما تكن صدورهم من النيات والضمائر والسرائر‪ .‬وما أحسن ما قال زهير‬
‫بن أبي سلمى في معلقته المشهورة ‪:‬‬
‫فَل َتكْ ُتمُنّ ال ما في نفوسكم‪ ...‬ليخفى ‪ ،‬فمهما يُكتم (‪ )4‬ال َيعْلم‪...‬‬
‫يُؤخَر فيوضَع في كتاب فَيُدخَر‪ ...‬ليوم حساب ‪ ،‬أو ُيعَجل فَيُنْقمِ (‪)6( )5‬‬
‫فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود الصانع وعلمه بالجزئيات ‪ ،‬وبالمعاد وبالجزاء ‪ ،‬وبكتابة‬
‫العمال في الصحف ليوم القيامة‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن شداد ‪ :‬كان أحدهم إذا مر برسول ال صلى ال عليه وسلم ثنى (‪ )7‬صدره ‪،‬‬
‫وغطى رأسه فأنزل ال ذلك‪.‬‬
‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ‬
‫وعود الضمير (‪ )8‬على ال أولى ؛ لقوله ‪ { :‬أَل حِينَ َيسْ َتغْشُونَ ثِيَا َبهُمْ َيعْلَمُ مَا يُسِرّو َ‬
‫}‪.‬‬
‫وقرأ ابن عباس ‪" :‬أَل إِ ّنهُمْ تَثْنوني (‪ )9‬صُدُورُهُم" ‪ ،‬برفع الصدور على الفاعلية ‪ ،‬وهو قريب‬
‫المعنى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4683 - 4681‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يسرونه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬تكتم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فينتقم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬البيت في تفسير الطبري (‪.)15/233‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثنى عنه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الضمير أول"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يثنوني"‪.‬‬

‫( ‪)4/305‬‬

‫عهَا ُكلّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (‪)6‬‬


‫علَى اللّهِ رِ ْز ُقهَا وَ َيعْلَمُ مُسْ َتقَرّهَا َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫َومَا مِنْ دَابّةٍ فِي الْأَ ْرضِ إِلّا َ‬

‫عهَا ُكلّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (‪)6‬‬


‫{ َومَا مِنْ دَابّةٍ فِي ال ْرضِ إِل عَلَى اللّهِ رِ ْز ُقهَا وَ َيعْلَمُ مُسْ َتقَرّهَا َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫}‬
‫أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات ‪ ،‬من سائر دواب الرض ‪ ،‬صغيرها وكبيرها ‪ ،‬بحريها‬
‫عهَا } أي ‪ :‬يعلم أين مُنتهى سيرها في الرض ‪ ،‬وأين‬
‫‪ ،‬وبريها ‪ ،‬وأنه { َيعَْلمُ مُسْ َتقَرّهَا َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫تأوي إليه من وكرها ‪ ،‬وهو مستودعها‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة وغيره ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَ َيعْلَمُ مُسْ َتقَرّهَا } أي ‪ :‬حيث تأوي ‪،‬‬
‫عهَا } حيث تموت‪.‬‬
‫{ َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫عهَا } في الصلب ‪ ،‬كالتي في النعام ‪ :‬وكذا‬
‫وعن مجاهد ‪ُ { :‬مسْ َتقَرّهَا } في الرحم ‪َ { ،‬ومُسْ َتوْدَ َ‬
‫روي عن ابن عباس والضحاك ‪ ،‬وجماعة‪ .‬وذكر (‪ )1‬ابن أبي حاتم أقوال المفسرين هاهنا ‪ ،‬كما‬
‫ذكره‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬

‫( ‪)4/305‬‬

‫عمَلًا‬
‫حسَنُ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّا ٍم َوكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ا ْلمَاءِ لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّي ُكمْ أَ ْ‬
‫وَ ُهوَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫سحْرٌ مُبِينٌ (‪ )7‬وَلَئِنْ َأخّرْنَا‬
‫وَلَئِنْ قُ ْلتَ إِ ّنكُمْ مَ ْبعُوثُونَ مِنْ َبعْدِ ا ْل َموْتِ لَ َيقُولَنّ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ هَذَا إِلّا ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سهُ أَلَا َيوْمَ يَأْتِي ِهمْ لَيْسَ َمصْرُوفًا عَ ْنهُ ْم وَحَاقَ ِبهِمْ مَا‬
‫عَ ْنهُمُ ا ْل َعذَابَ إِلَى ُأمّةٍ َمعْدُو َدةٍ لَ َيقُولُنّ مَا يَحْبِ ُ‬
‫كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪)8‬‬

‫عند تلك الية ‪ )1( :‬فال أعلم ‪ ،‬وأن جميع ذلك مكتوب في كتاب عند ال مبين عن جميع ذلك ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا مِنْ دَابّةٍ فِي ال ْرضِ وَل طَائِرٍ يَطِيرُ ِبجَنَاحَ ْيهِ إِل ُأمَمٌ َأمْثَاُلكُمْ مَا فَرّطْنَا فِي‬
‫حشَرُونَ } [النعام ‪ ، ]38 :‬وقوله (‪ { : )2‬وَعِنْ َدهُ َمفَاتِحُ ا ْلغَ ْيبِ ل‬
‫شيْءٍ ثُمّ إِلَى رَ ّب ِهمْ يُ ْ‬
‫ا ْلكِتَابِ مِنْ َ‬
‫ظُلمَاتِ‬
‫ن وَ َرقَةٍ إِل َيعَْل ُمهَا وَل حَبّةٍ فِي ُ‬
‫سقُطُ مِ ْ‬
‫َيعَْل ُمهَا إِل ُهوَ وَ َيعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْ ِر َومَا تَ ْ‬
‫ب وَل يَا ِبسٍ إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [النعام ‪.]59 :‬‬
‫ط ٍ‬
‫ال ْرضِ وَل رَ ْ‬
‫حسَنُ‬
‫شهُ عَلَى ا ْلمَاءِ لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّي ُكمْ أَ ْ‬
‫ت وَالرْضَ فِي سِتّةِ أَيّا ٍم َوكَانَ عَرْ ُ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ وَ ُهوَ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫عمَل وَلَئِنْ قُ ْلتَ إِ ّن ُكمْ مَ ْبعُوثُونَ مِنْ َبعْدِ ا ْل َموْتِ لَ َيقُولَنّ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ هَذَا إِل سِحْرٌ مُبِينٌ (‪ )7‬وَلَئِنْ‬
‫َ‬
‫أَخّرْنَا عَ ْن ُهمُ ا ْلعَذَابَ إِلَى ُأمّةٍ َمعْدُو َدةٍ لَ َيقُولُنّ مَا َيحْبِسُهُ أَل َي ْومَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ َمصْرُوفًا عَ ْنهُ ْم وَحَاقَ ِبهِمْ‬
‫مَا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪} )8‬‬
‫يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء ‪ ،‬وأنه خلق السموات والرض في ستة أيام ‪ ،‬وأن عرشه‬
‫كان على الماء قبل ذلك ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن جامع بن شَدّاد ‪ ،‬عن صفوان بن مُحْرِزْ ‪ ،‬عن عمران بن‬
‫حصين قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اقبلوا البشرى يا بني تميم"‪ .‬قالوا ‪ :‬قد بشرتنا‬
‫فأعطنا‪ .‬قال ‪" :‬اقبلوا البشرى يا أهل اليمن"‪ .‬قالوا ‪ :‬قد قبلنا ‪ ،‬فأخبرنا عن أول هذا المر كيف‬
‫كان ؟ قال ‪" :‬كان ال قبل كل شيء ‪ ،‬وكان عرشه على الماء ‪ ،‬وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل‬
‫شيء"‪ .‬قال ‪ :‬فأتاني آت فقال ‪ :‬يا عمران ‪ ،‬انحلت ناقتك من عقالها‪ .‬قال ‪ :‬فخرجت في إثرها ‪،‬‬
‫فل أدري ما كان بعدي (‪.)3‬‬
‫وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة (‪ )4‬؛ فمنها ‪ :‬قالوا ‪ :‬جئناك‬
‫نسألك عن أول هذا المر فقال ‪" :‬كان ال ولم يكن شيء قبله ‪ -‬وفي رواية ‪ :‬غيره ‪ -‬وفي رواية‬
‫‪ :‬معه ‪ -‬وكان عرشه على الماء ‪ ،‬وكتب في الذكر كلّ شيء ‪ ،‬ثم خلق السموات والرض"‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو بن العاص قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬إن ال قدّر مقادير الخلئق قبل أن يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنة ‪ ،‬وكان عرشه‬
‫على الماء" (‪.)5‬‬
‫وقال البخاري في تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬أخبرنا شعيب ‪ ،‬حدثنا أبو الزّنَادِ ‪ ،‬عن‬
‫العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬قال ال‬
‫عز وجل ‪ :‬أنفِق أُنفقْ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬عند تفسير الية ‪ 98 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)4/431‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )7418 ، 4386 ، 4365 ، 3191 ، 3190‬ولم أعثر عليه في‬
‫صحيح مسلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)2653‬‬

‫( ‪)4/306‬‬

‫عليك"‪ .‬وقال ‪" :‬يد ال ملى ل يَغيضها نفقة ‪ ،‬سحّاءَ الليلَ والنهار" وقال "أفرأيتم (‪ )1‬ما أنفق منذ‬
‫خلق السموات والرض ‪ ،‬فإنه لم يَغض ما في يده ‪ ،‬وكان عرشه على الماء ‪ ،‬وبيده الميزان‬
‫يخفض ويرفع" (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن َيعْلَى بن عَطَاء ‪ ،‬عن‬
‫َوكِيع بن عُدُس ‪ ،‬عن عمه أبي رَزِين ‪ -‬واسمه َلقِيط بن عامر بن المنتفق (‪ )3‬ال ُعقَيْلي ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫عمَاء ‪ ،‬ما تحته هواء‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال ‪" :‬كان في َ‬
‫وما فوقه هواء ‪ ،‬ثم خلق العرش بعد ذلك"‪.‬‬
‫وقد رواه الترمذي في التفسير ‪ ،‬وابن ماجه في السنن من حديث يزيد بن هارون به (‪ )4‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫علَى ا ْلمَاءِ } قبل أن يخلق شيئا‪ .‬وكذا قال وهب بن مُنبّه ‪ ،‬وضمرة‬
‫وقال مجاهد ‪َ { :‬وكَانَ عَرْشُهُ َ‬
‫بن حبيب ‪ ،‬وقاله قتادة ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪َ { :‬وكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ا ْلمَاءِ } ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق‬
‫السموات والرض‪.‬‬
‫علَى ا ْلمَاءِ } فلما خلق السموات والرض ‪ ،‬قسم ذلك الماء‬
‫وقال الربيع بن أنس ‪َ { :‬وكَانَ عَرْشُهُ َ‬
‫قسمين ‪ ،‬فجعل نصفا تحت العرش ‪ ،‬وهو البحر المسجور‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬إنما سمي العرش عرشا لرتفاعه‪.‬‬
‫وقال إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬سمعت سعدا الطائي يقول ‪ :‬العرش ياقوتة حمراء‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّا ٍم َوكَانَ‬
‫وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫عَرْشُهُ عَلَى ا ْلمَاءِ } فكان كما (‪ )5‬وصف نفسه تعالى ‪ ،‬إذ ليس إل الماء وعليه العرش ‪ ،‬وعلى‬
‫العرش ذو الجلل والكرام ‪ ،‬والعزة والسلطان ‪ ،‬والملك والقدرة ‪ ،‬والحلم والعلم ‪ ،‬والرحمة‬
‫والنعمة ‪ ،‬الفعال لما يريد‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن المِ ْنهَال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬سئل ابن عباس عن قول ال ‪:‬‬
‫شهُ عَلَى ا ْلمَاءِ } على أي شيء كان الماء ؟ قال ‪ :‬على متن الريح‪.‬‬
‫{ َوكَانَ عَرْ ُ‬
‫عمَل } أي ‪ :‬خلق السموات والرض لنفع عباده الذين خلقهم‬
‫حسَنُ َ‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّيكُمْ أَ ْ‬
‫سمَا َء وَال ْرضَ‬
‫ليعبدوه وحده ل شريك له ‪ ،‬ولم يخلق ذلك عبثا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا خََلقْنَا ال ّ‬
‫َومَا بَيْ َن ُهمَا بَاطِل ذَِلكَ ظَنّ الّذِينَ َكفَرُوا َفوَ ْيلٌ ِللّذِينَ َكفَرُوا مِنَ النّارِ } [ص ‪ )6( ، ]27 :‬وقال‬
‫جعُونَ فَ َتعَالَى اللّهُ ا ْلمَِلكُ ا ْلحَقّ ل إَِلهَ إِل ُهوَ‬
‫تعالى ‪َ { :‬أ َفحَسِبْتُمْ أَ ّنمَا خََلقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَ ّنكُمْ ِإلَيْنَا ل تُ ْر َ‬
‫َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلكَرِيمِ } [المؤمنون ‪، ]116 ، 115 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أرأيت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4684‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المتفق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )4/11‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3109‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)182‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬مما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬السموات"‪.‬‬

‫( ‪)4/307‬‬

‫ن وَالنْسَ إِل لِ َيعْ ُبدُونِ } [الذاريات ‪.]56 :‬‬


‫وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا خََلقْتُ ا ْلجِ ّ‬
‫عمَل }‬
‫عمَل } ولم يقل ‪ :‬أكثر عمل بل { َأحْسَنُ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬لِيَبْلُوكُمْ } أي ‪ :‬ليختبركم { أَ ّيكُمْ َأحْسَنُ َ‬
‫ول يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا ل عز وجل ‪ ،‬على شريعة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين بطل وحبط‪.‬‬
‫سحْرٌ مُبِينٌ }‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَئِنْ قُ ْلتَ إِ ّنكُمْ مَ ْبعُوثُونَ مِنْ َبعْدِ ا ْل َم ْوتِ لَ َيقُولَنّ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ هَذَا إِل ِ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولئن أخبرت يا محمد هؤلء المشركين أن ال سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم ‪ ،‬مع‬
‫أنهم يعلمون أن ال تعالى هو الذي خلق السموات والرض ‪[ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَلَئِنْ سَأَلْ َت ُهمْ مَنْ‬
‫سخّرَ‬
‫ت وَالرْضَ] وَ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫خََل َقهُمْ لَ َيقُولُنّ اللّهُ } [الزخرف ‪ { ، ]87 :‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََلقَ ال ّ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ لَ َيقُولُنّ اللّهُ } [العنكبوت ‪ )1( ، ]61 :‬وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم‬
‫شمْ َ‬
‫ال ّ‬
‫القيامة ‪ ،‬الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون من البداءة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْ َدأُ الْخَ ْلقَ‬
‫ح َدةٍ }‬
‫س وَا ِ‬
‫ثُمّ ُيعِي ُدهُ وَ ُهوَ َأ ْهوَنُ عَلَيْهِ } [الروم ‪ ، ]27 :‬وقال تعالى ‪ { :‬مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َبعْ ُثكُمْ إِل كَ َنفْ ٍ‬
‫سحْرٌ مُبِينٌ } أي ‪ :‬يقولون كفرا وعنادا ما نصدقك (‪)3‬‬
‫[لقمان ‪ ]28 :‬وقولهم (‪ { : )2‬إِنْ َهذَا إِل ِ‬
‫على وقوع البعث ‪ ،‬وما يذكر ذلك (‪ )4‬إل من سحرته ‪ ،‬فهو يتبعك على ما تقول‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَئِنْ َأخّرْنَا عَ ْنهُمُ ا ْل َعذَابَ إِلَى ُأمّةٍ َمعْدُو َدةٍ لَ َيقُولُنّ مَا يَحْ ِبسُهُ } يقول تعالى ‪ :‬ولئن أخرنا‬
‫العذاب والمؤاخذة عن هؤلء المشركين إلى أجل معدود وأمد محصور ‪ ،‬وأوعدناهم به إلى مدة‬
‫مضروبة ‪ ،‬ليقولن تكذيبا واستعجال { مَا َيحْبِسُهُ } أي ‪ :‬يؤخر هذا العذاب عنا ‪ ،‬فإن سجاياهم قد‬
‫ألفت التكذيب والشك ‪ ،‬فلم يبق لهم محيص عنه ول محيد‪.‬‬
‫و"المة" تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة ‪ ،‬فيراد بها ‪ :‬المد ‪ ،‬كقوله في هذه الية ‪:‬‬
‫{ إِلَى ُأمّةٍ َمعْدُو َدةٍ } وقوله في [سورة] (‪ )5‬يوسف ‪َ { :‬وقَالَ الّذِي َنجَا مِ ْن ُهمَا وَا ّدكَرَ َبعْدَ ُأمّةٍ }‬
‫[يوسف ‪ ، ]45 :‬وتستعمل في المام المقتدى به ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ُأمّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا‬
‫وَلَمْ َيكُ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ } [النحل ‪ ، ]120 :‬وتستعمل في الملة والدين ‪ ،‬كقوله إخبارا عن المشركين‬
‫جدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّ ٍة وَإِنّا عَلَى آثَارِ ِهمْ ُمقْتَدُونَ } [الزخرف ‪ ، ]23 :‬وتستعمل‬
‫أنهم قالوا ‪ { :‬إِنّا وَ َ‬
‫سقُونَ } [القصص ‪، ]23 :‬‬
‫ن َوجَدَ عَلَ ْيهِ ُأمّةً مِنَ النّاسِ يَ ْ‬
‫في الجماعة ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وََلمّا وَ َردَ مَاءَ مَدْيَ َ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ َبعَثْنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ رَسُول أَنِ اُعْ ُبدُوا اللّ َه وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ } [النحل ‪، ]36 :‬‬
‫ضيَ بَيْ َنهُمْ بِا ْلقِسْطِ وَهُمْ ل يُظَْلمُونَ } [يونس ‪:‬‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬وَِل ُكلّ ُأمّةٍ َرسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُوُلهُمْ ُق ِ‬
‫‪.]47‬‬
‫والمراد من المة هاهنا ‪ :‬الذين يبعث فيهم الرسول (‪ )6‬مؤمنهم وكافرهم ‪ ،‬كما [جاء] (‪ )7‬في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ما يصدقك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وما تذكره من ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬الرسل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)4/308‬‬

‫ح َمةً ثُمّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنّهُ لَيَئُوسٌ َكفُورٌ (‪ )9‬وَلَئِنْ َأ َذقْنَاهُ َن ْعمَاءَ َبعْ َد ضَرّاءَ‬
‫وَلَئِنْ أَ َذقْنَا الْإِ ْنسَانَ مِنّا رَ ْ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ أُولَ ِئكَ‬
‫ن صَبَرُوا وَ َ‬
‫مَسّتْهُ لَ َيقُولَنّ َذ َهبَ السّيّئَاتُ عَنّي إِنّهُ َلفَرِحٌ فَخُورٌ (‪ )10‬إِلّا الّذِي َ‬
‫َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وََأجْرٌ كَبِيرٌ (‪)11‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صحيح مسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسمع بي أحد من هذه المة ‪ ،‬يهودي ول نصراني ‪ ،‬ثم ل‬
‫يؤمن بي إل دخل النار" (‪.)1‬‬
‫جتْ لِلنّاسِ } [آل‬
‫وأما أمة التباع ‪ ،‬فهم المصدقون للرسل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬كُنْتُمْ خَيْرَ ُأمّةٍ أُخْ ِر َ‬
‫عمران ‪ ]110 :‬وفي الصحيح ‪ " :‬فأقول ‪ :‬أمتي أمتي"‪.‬‬
‫ق وَبِهِ‬
‫وتستعمل المة في الفرقة والطائقة ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬ومِنْ َقوْمِ مُوسَى ُأمّةٌ َيهْدُونَ بِا ْلحَ ّ‬
‫َيعْدِلُونَ } [العراف ‪ ، ]159 :‬وقال تعالى ‪ { :‬مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ ُأمّةٌ قَا ِئمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّ ْيلِ‬
‫وَهُمْ َيسْجُدُونَ } [آل عمران ‪.]113 :‬‬
‫ح َمةً ثُمّ نزعْنَاهَا مِنْهُ إِنّهُ لَيَئُوسٌ َكفُورٌ (‪ )9‬وَلَئِنْ َأ َذقْنَاهُ َن ْعمَاءَ َبعْ َد ضَرّاءَ‬
‫{ وَلَئِنْ َأ َذقْنَا النْسَانَ مِنّا رَ ْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَ ِئكَ‬
‫ن صَبَرُوا وَ َ‬
‫مَسّتْهُ لَ َيقُولَنّ َذ َهبَ السّيّئَاتُ عَنّي إِنّهُ َلفَرِحٌ فَخُورٌ (‪ )10‬إِل الّذِي َ‬
‫َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وََأجْرٌ كَبِيرٌ (‪} )11‬‬
‫يخبر تعالى عن النسان وما فيه من الصفات الذميمة ‪ ،‬إل من رحم ال من عباده المؤمنين ‪ ،‬فإنه‬
‫إذا أصابته شدة بعد نعمة ‪ ،‬حصل له يأس (‪ )2‬وقنوط من الخير بالنسبة إلى المستقبل ‪ ،‬وكفر‬
‫وجحود لماضي الحال ‪ ،‬كأنه لم ير خيرا ‪ ،‬ولم يَرْج (‪ )3‬بعد ذلك فرجا‪ .‬وهكذا إن (‪ )4‬أصابته‬
‫نعمة بعد نقمة { لَ َيقُولَنّ ذَ َهبَ السّيّئَاتُ عَنّي } أي ‪ :‬يقول ‪ :‬ما بقي ينالني بعد هذا ضيم ول سوء ‪،‬‬
‫{ إِنّهُ َلفَرِحٌ فَخُورٌ } أي ‪ :‬فرح بما في يده ‪ ،‬بطر فخور على غيره‪ .‬قال ال تعالى ‪ { :‬إِل الّذِينَ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ } أي ‪ :‬في الرخاء والعافية ‪ { ،‬أُولَ ِئكَ‬
‫صَبَرُوا } أي ‪ :‬في الشدائد والمكاره ‪ { ،‬وَ َ‬
‫َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ } أي ‪ :‬بما يصيبهم من الضراء ‪ { ،‬وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } بما أسلفوه في زمن الرخاء ‪ ،‬كما‬
‫جاء في الحديث ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يصيب المؤمن هَ ّم ول غَمّ ‪ ،‬ول َنصَب ول َوصَب ‪،‬‬
‫ول حَزَن حتى الشوكة يشاكها ‪ ،‬إل كَفّرَ الُ عنه بها من خطاياه (‪ ، )6( )5‬وفي الصحيحين ‪:‬‬
‫"والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يقضي ال للمؤمن قضاء إل كان خيرا له ‪ ،‬إن أصابته سراء فشكر كان (‬
‫‪ )7‬خيرا له ‪ ،‬وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له ‪ ،‬وليس ذلك لحد غير المؤمن" (‪ )8‬وهكذا‬
‫صوْا‬
‫ت وَ َتوَا َ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬وَا ْل َعصْرِ إِنّ النْسَانَ َلفِي خُسْرٍ إِل الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ق وَ َتوَاصَوْا بِالصّبْرِ } [ سورة العصر] ‪ ،‬وقال تعالى ‪ { :‬إِنّ النْسَانَ خُِلقَ هَلُوعًا إِذَا مَسّهُ‬
‫حّ‬‫بِالْ َ‬
‫الشّرّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِل ا ْل ُمصَلّينَ } الية [المعارج ‪.]22 - 19 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )153‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إياس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول يرجوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬إذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول حزن إل كفر ال بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬روى مسلم نحوه في صحيحه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد (‪ )2573‬ومن حديث أبي‬
‫هريرة وحده (‪.)2574‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪ )299‬بلفظ ‪" :‬عجبا للمؤمن إن أمره كله خير" من حديث صهيب الرومي‬
‫رضي ال عنه وليس في صحيح البخاري‪.‬‬

‫( ‪)4/309‬‬

‫ك َوضَائِقٌ بِ ِه صَدْ ُركَ أَنْ َيقُولُوا َلوْلَا أُنْ ِزلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ َأوْ جَاءَ َمعَهُ‬
‫فََلعَّلكَ تَا ِركٌ َب ْعضَ مَا يُوحَى إِلَ ْي َ‬
‫شيْءٍ َوكِيلٌ (‪)12‬‬
‫مََلكٌ إِ ّنمَا أَ ْنتَ نَذِي ٌر وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬

‫ك َوضَائِقٌ بِهِ صَدْ ُركَ أَنْ َيقُولُوا َلوْل أُنزلَ عَلَيْهِ كَنز َأوْ جَاءَ َمعَهُ‬
‫{ فََلعَّلكَ تَا ِركٌ َب ْعضَ مَا يُوحَى إِلَ ْي َ‬
‫شيْءٍ َوكِيلٌ (‪} )12‬‬
‫مََلكٌ إِ ّنمَا أَ ْنتَ نَذِي ٌر وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬

‫( ‪)4/310‬‬

‫طعْ ُتمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ‬


‫سوَرٍ مِثْلِهِ ُمفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَ َ‬
‫أَمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ ُقلْ فَأْتُوا ِبعَشْرِ ُ‬
‫سِلمُونَ‬
‫صَا ِدقِينَ (‪ )13‬فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا َل ُكمْ فَاعَْلمُوا أَ ّنمَا أُنْ ِزلَ ِبعِلْمِ اللّ ِه وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ َف َهلْ أَنْتُمْ مُ ْ‬
‫عمَاَلهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (‪ )15‬أُولَ ِئكَ‬
‫(‪ )14‬مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَ َتهَا ُنوَفّ إِلَ ْيهِمْ أَ ْ‬
‫طلٌ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪)16‬‬
‫الّذِينَ لَيْسَ َلهُمْ فِي الَْآخِ َرةِ إِلّا النّا ُر َوحَبِطَ مَا صَ َنعُوا فِيهَا وَبَا ِ‬

‫طعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ‬


‫ت وَادْعُوا مَنِ اسْ َت َ‬
‫سوَرٍ مِثِْلهِ ُمفْتَرَيَا ٍ‬
‫{ َأمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ ُقلْ فَأْتُوا ِبعَشْرِ ُ‬
‫ن ل إِلَهَ إِل ُهوَ َف َهلْ أَنْتُمْ‬
‫صَا ِدقِينَ (‪ )13‬فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا َل ُكمْ فَاعَْلمُوا أَ ّنمَا أُنزلَ ِبعِلْمِ اللّ ِه وَأَ ْ‬
‫مُسِْلمُونَ (‪} )14‬‬
‫يقول تعالى مسليّا لرسوله ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬عما كان يتعنت به المشركون ‪ ،‬فيما كانوا‬
‫طعَا َم وَ َيمْشِي‬
‫يقولونه عن الرسول ‪ -‬كما أخبر تعالى عنهم ‪َ { : -‬وقَالُوا مَالِ َهذَا الرّسُولِ يَ ْأ ُكلُ ال ّ‬
‫سوَاقِ َلوْل أُنزلَ إِلَ ْيهِ مََلكٌ فَ َيكُونَ َمعَهُ نَذِيرًا َأوْ يُ ْلقَى إِلَيْهِ كَنز َأوْ َتكُونُ لَهُ جَنّةٌ يَ ْأ ُكلُ مِ ْنهَا‬
‫فِي ال ْ‬
‫سحُورًا } [الفرقان ‪ .]8 ، 7 :‬فأمر ال تعالى رسوله ‪،‬‬
‫َوقَالَ الظّاِلمُونَ إِنْ تَتّ ِبعُونَ إِل َرجُل مَ ْ‬
‫صلوات ال تعالى وسلمه عليه ‪ ،‬وأرشده إلى أل يضيق بذلك منهم صَدْرُه ‪ ،‬ول يهيدنه ذلك ول‬
‫يُثْنينّه عن دعائهم إلى ال عز وجل آناء الليل وأطراف النهار ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَلَقَدْ َنعَْلمُ أَ ّنكَ‬
‫ك َوكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَ ّبكَ حَتّى يَأْتِ َيكَ الْ َيقِينُ‬
‫ح ْمدِ رَ ّب َ‬
‫ق صَدْ ُركَ ِبمَا َيقُولُونَ * فَسَبّحْ بِ َ‬
‫َيضِي ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك َوضَائِقٌ بِ ِه صَدْ ُركَ‬
‫} [ الحجر ‪ ، ]99 - 97 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬فََلعَّلكَ تَا ِركٌ َب ْعضَ مَا يُوحَى إِلَ ْي َ‬
‫أَنْ َيقُولُوا } أي ‪ :‬لقولهم ذلك ‪ ،‬فإنما أنت نذير ‪ ،‬ولك أسوة بإخوانك من الرسل قبلك ‪ ،‬فإنهم كُذبُوا‬
‫وأوذُوا فصبروا حتى أتاهم نصر ال عز وجل‪.‬‬
‫ثم بين تعالى إعجاز القرآن ‪ ،‬وأنه ل يستطيع البشر التيان بمثله ‪ ،‬ول بعشر سور [من] (‪ )1‬مثله‬
‫‪ ،‬ول بسورة من مثله ؛ لن كلم الرب ل يشبهه كلم المخلوقين ‪ ،‬كما أن صفاته ل تشبه صفات‬
‫المحدثات (‪ ، )2‬وذاته ل يشبهها شيء ‪ ،‬تعالى وتقدس وتنزه ‪ ،‬ل إله إل هو ول رب سواه‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬فَإِنْ لَمْ يَسْ َتجِيبُوا َلكُمْ } أي ‪ :‬فإن لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم (‪ )3‬إليه ‪،‬‬
‫فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك ‪ ،‬وأن هذا الكلم منزل من عند ال ‪ ،‬متضمن (‪ )4‬علمه وأمره‬
‫ونهيه ‪ { ،‬وَأَنْ ل إَِلهَ إِل ُهوَ َف َهلْ أَنْ ُتمْ مُسِْلمُونَ } (‪.)5‬‬
‫عمَاَلهُمْ فِيهَا وَ ُهمْ فِيهَا ل يُبْخَسُونَ (‪ )15‬أُولَ ِئكَ‬
‫{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَ َتهَا ُن َوفّ إِلَ ْيهِمْ أَ ْ‬
‫طلٌ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪} )16‬‬
‫الّذِينَ لَيْسَ َلهُمْ فِي الخِ َرةِ إِل النّا ُر َوحَبِطَ مَا صَ َنعُوا فِيهَا وَبَا ِ‬
‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬في هذه الية ‪ :‬إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا ‪ ،‬وذلك‬
‫أنهم ل يظلمون نقيرا ‪ ،‬يقول ‪ :‬من عمل صالحا التماس الدنيا ‪ ،‬صوما أو صلة أو تهجدا بالليل ‪،‬‬
‫ل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المخلوقين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما دعوتهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬متضمنا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وأنه"‪.‬‬

‫( ‪)4/310‬‬

‫حمَةً أُولَ ِئكَ ُي ْؤمِنُونَ‬


‫َأ َفمَنْ كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ َومِنْ قَبِْلهِ كِتَابُ مُوسَى ِإمَامًا وَرَ ْ‬
‫ك وََلكِنّ َأكْثَرَ‬
‫حقّ مِنْ رَ ّب َ‬
‫بِ ِه َومَنْ َي ْكفُرْ ِبهِ مِنَ الَْأحْزَابِ فَالنّارُ َموْعِ ُدهُ فَلَا َتكُ فِي مِرْ َيةٍ مِنْهُ إِنّهُ الْ َ‬
‫النّاسِ لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪)17‬‬

‫يعمله (‪ )1‬إل التماس الدنيا ‪ ،‬يقول ال ‪ :‬أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة ‪ ،‬وحبط عمله‬
‫الذي كان يعمله التماس الدنيا ‪ ،‬وهو في الخرة من الخاسرين‪.‬‬
‫وهكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال أنس بن مالك ‪ ،‬والحسن ‪ :‬نزلت في اليهود والنصارى‪ .‬وقال مجاهد وغيره ‪ :‬نزلت في أهل‬
‫الرياء (‪.)2‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬من كانت الدنيا همه وَسَدَمه (‪ )3‬وطَلِبَته ونيته ‪ ،‬جازاه ال بحسناته في الدنيا ‪ ،‬ثم‬
‫يفضي إلى الخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء‪ .‬وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا‬
‫ويثاب عليها في الخرة‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث المرفوع نحو من هذا (‪.)4‬‬
‫جهَنّمَ َيصْلهَا‬
‫جعَلْنَا لَهُ َ‬
‫عجّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا َنشَاءُ ِلمَنْ نُرِيدُ ثُمّ َ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬مَنْ كَانَ يُرِيدُ ا ْلعَاجِلَةَ َ‬
‫شكُورًا كُل‬
‫سعْ ُيهُمْ مَ ْ‬
‫سعْ َيهَا وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَأُولَ ِئكَ كَانَ َ‬
‫سعَى َلهَا َ‬
‫مَ ْذمُومًا َمدْحُورًا َومَنْ أَرَادَ الخِ َر َة وَ َ‬
‫علَى‬
‫ضهُمْ َ‬
‫عطَاءُ رَ ّبكَ َمحْظُورًا ا ْنظُرْ كَ ْيفَ َفضّلْنَا َب ْع َ‬
‫ك َومَا كَانَ َ‬
‫ُنمِدّ َهؤُل ِء وَ َهؤُلءِ مِنْ عَطَاءِ رَ ّب َ‬
‫َب ْعضٍ وَلَلخِ َرةُ َأكْبَرُ دَ َرجَاتٍ وََأكْبَرُ َت ْفضِيل } [السراء ‪ )5( ، ]21 - 18 :‬وقال تعالى ‪ { :‬مَنْ‬
‫كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الخِ َرةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْ ِث ِه َومَنْ كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَا لَهُ فِي الخِ َرةِ‬
‫مِنْ َنصِيبٍ } [الشورى ‪.]20 :‬‬
‫حمَةً أُولَ ِئكَ ُي ْؤمِنُونَ‬
‫{ َأ َفمَنْ كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّ ِه وَيَتْلُوهُ شَا ِهدٌ مِنْ ُه َومِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى ِإمَامًا وَ َر ْ‬
‫ك وََلكِنّ َأكْثَرَ‬
‫بِ ِه َومَنْ َي ْكفُرْ ِبهِ مِنَ الحْزَابِ فَالنّارُ َموْعِ ُدهُ فَل َتكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنّهُ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّب َ‬
‫النّاسِ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪} )17‬‬
‫يخبر تعالى عن حال المؤمنين الذين هم على فطرة ال تعالى التي فطر عليها عباده ‪ ،‬من‬
‫ج َهكَ لِلدّينِ حَنِيفًا فِطْ َرةَ اللّهِ الّتِي َفطَرَ‬
‫العتراف له بأنه ل إله إل هو ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فََأقِ ْم وَ ْ‬
‫النّاسَ عَلَ ْيهَا ل تَبْدِيلَ ِلخَلْقِ اللّهِ ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ } [الروم ‪ ، ]30 :‬وفي الصحيحين عن أبي هريرة‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة ‪ ،‬فأبواه ُي َهوّدانه ويُ َنصّرانه‬
‫جمْعاء ‪ ،‬هل ُتحِسّون فيها من جدعاء ؟" (‪ .)6‬وفي صحيح‬
‫و ُيمَجّسانه ‪ ،‬كما تولد البهيمة بهيمة َ‬
‫مسلم عن عياض بن حمار ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ل يعلمه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الربا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وشدته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬لعل الحافظ يقصد الحديث الذي رواه البزار والطبراني من حديث أنس ولفظه ‪" :‬من كانت‬
‫الدنيا همته وسدمه ‪ ،‬ولها شخص وإياها ‪+‬ينوى ‪ ،‬جعل ال الفقر بين عينيه وشتت عليه ضيعته ‪،‬‬
‫ولم يأته منها إل ما كتب له منها ‪ ،‬ومن كانت الخرة همته وسدمه ‪ ،‬ولها شخص ‪ ،‬وإياها ‪+‬ينوى‬
‫‪ ،‬جعل ال عز وجل الغنى في قلبه وجمع عليه ضيعته وأتته الدنيا وهي صاغرة"‪ .‬ورواه الترمذي‬
‫في السنن برقم (‪ )2465‬عن أنس بأخصر من هذا ‪ ،‬ورواه ابن ماجه في السنن عن زيد بن ثابت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مرفوعا بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ما يشاء"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )1385‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2658‬‬

‫( ‪)4/311‬‬

‫قال ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬إني خلقت عبادي حُ َنفَاء ‪ ،‬فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ‪،‬‬
‫وحَ ّر َمتْ عليهم ما أحللت لهم" (‪ .)1‬وفي المسند والسنن ‪" :‬كل مولود يولد على هذه الملة ‪ ،‬حتى‬
‫يُعرِب عنه لسانه" (‪ )2‬الحديث ‪ ،‬فالمؤمن باق على هذه الفطرة‪[ .‬وقوله ‪ { :‬وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ }‬
‫أي] (‪ : )3‬وجاءه شاهد من ال ‪ ،‬وهو ما أوحاه إلى النبياء ‪ ،‬من الشرائع المطهرَة ال ُم َكمّلَة‬
‫المعظّمة المُخْتَ َتمَةِ بشريعة محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه وعليهم أجمعين‪ .‬ولهذا قال ابن‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وأبو العالية ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وإبراهيم النّخَعي ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬وغير‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫واحد في قوله تعالى ‪ { :‬وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِ ْنهُ } إنه جبريل عليه السلم‪.‬‬
‫وعن علي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬هو محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وكلهما قريب في المعنى ؛ لن كل من جبريل ومحمد ‪ ،‬صلوات ال عليهما ‪ ،‬بلّغ رسالة ال‬
‫تعالى ‪ ،‬فجبريل إلى محمد ‪ ،‬ومحمد إلى المة (‪.)4‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو عليّ‪ .‬وهو ضعيف ل يثبت له قائل ‪ ،‬والول والثاني هو الحق ؛ وذلك أن المؤمن‬
‫عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة ‪ ،‬والتفاصيل تؤخذ من الشريعة ‪ ،‬والفطرة‬
‫تصدقها وتؤمن بها ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬أ َفمَنْ كَانَ عَلَى بَيّ َنةٍ مِنْ رَبّ ِه وَيَتْلُوهُ شَا ِهدٌ مِنْهُ } وهو‬
‫القرآن ‪ ،‬بلّغه جبريل إلى النبي [محمد] (‪ )5‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وبلغه النبي محمد إلى أمته‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬ومِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى } أي ‪ :‬ومن قبل [هذا] (‪ )6‬القرآن كتاب موسى ‪ ،‬وهو‬
‫ح َمةً } أي ‪ :‬أنزل ال تعالى إلى تلك المة إماما لهم ‪ ،‬وقدوة (‪ )7‬يقتدون‬
‫التوراة ‪ِ { ،‬إمَامًا وَرَ ْ‬
‫بها ‪ ،‬ورحمة من ال بهم‪ .‬فمن آمن بها حق اليمان قاده ذلك إلى اليمان بالقرآن ؛ ولهذا قال‬
‫تعالى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ ُي ْؤمِنُونَ ِبهِ }‪.‬‬
‫ثم قال تعالى متوعدا لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه ‪َ { :‬ومَنْ َي ْكفُرْ بِهِ مِنَ الحْزَابِ فَالنّارُ َموْعِ ُدهُ‬
‫} أي ‪ :‬ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الرض مشركيهم ‪ :‬أهل (‪ )8‬الكتاب وغيرهم ‪ ،‬من سائر‬
‫طوائف بني آدم على اختلف ألوانهم وأشكالهم وأجناسهم ‪ ،‬ممن بلغه القرآن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫{ لنْذِ َر ُكمْ بِ ِه َومَنْ بَلَغَ } [النعام ‪ ، ]19 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ ِإلَ ْيكُمْ‬
‫ن الحْزَابِ فَالنّارُ َموْعِ ُدهُ } وفي‬
‫جمِيعًا } [العراف ‪ .]158 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َي ْكفُرْ بِهِ مِ َ‬
‫َ‬
‫صحيح مسلم ‪ ،‬من حديث شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الشعري ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسمع بي أحد‬
‫من هذه المة يهودي أو نصراني ‪ ،‬ثم ل يؤمن بي إل دخل النار" (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)2865‬‬
‫(‪ )2‬رواه المام أحمد في المسند (‪ )3/353‬من طريق أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن الحسن‬
‫عن جابر به‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أمته"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وأهل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬كذا ‪ ،‬والحديث في صحيح مسلم برقم (‪ )153‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬وإنما رواه بهذا السند‬
‫الطبري في تفسيره (‪ )15/281‬وأحمد في مسنده (‪ )4/396‬وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (‬
‫‪.)8/261‬‬

‫( ‪)4/312‬‬

‫شهَادُ َهؤُلَاءِ الّذِينَ كَذَبُوا‬


‫علَى اللّهِ كَذِبًا أُولَ ِئكَ ُيعْ َرضُونَ عَلَى رَ ّبهِ ْم وَ َيقُولُ الْأَ ْ‬
‫َومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى َ‬
‫عوَجًا وَهُمْ‬
‫علَى الظّاِلمِينَ (‪ )18‬الّذِينَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَيَ ْبغُو َنهَا ِ‬
‫عَلَى رَ ّبهِمْ أَلَا َلعْ َنةُ اللّهِ َ‬
‫بِالْآَخِ َرةِ هُمْ كَافِرُونَ (‪)19‬‬

‫وقال أيوب السختياني ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬كنت ل أسمع بحديث عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم على وجهه إل وجدت مصداقه ‪ -‬أو قال ‪ :‬تصديقه ‪ -‬في القرآن ‪ ،‬فبلغني أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل يسمع بي أحد من هذه المة ‪ ،‬ول يهودي ول نصراني ‪ ،‬فل‬
‫يؤمن بي إل دخل النار"‪ .‬فجعلت أقول ‪ :‬أين مصداقه في كتاب ال ؟ قال ‪ :‬وقلما سمعت عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إل وجدت له تصديقا في القرآن ‪ ،‬حتى وجدت هذه الية ‪َ { :‬ومَنْ‬
‫َي ْكفُرْ ِبهِ مِنَ الحْزَابِ فَالنّارُ َموْعِ ُدهُ } قال ‪" :‬من الملل كلها" (‪.)1‬‬
‫حقّ مِنْ رَ ّبكَ } أي ‪ :‬القرآن حق من ال ‪ ،‬ل مرية فيه ول‬
‫قوله ‪ { :‬فَل َتكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنّهُ الْ َ‬
‫شك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬الم تَنزيلُ ا ْلكِتَابِ ل رَ ْيبَ فِيهِ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [السجدة ‪، ]2 ، 1 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬الم ذَِلكَ ا ْلكِتَابُ ل رَ ْيبَ فِيهِ [هُدًى لِ ْلمُتّقِينَ] } [ البقرة ‪.)2( ]2 ، 1 :‬‬
‫صتَ ِب ُم ْؤمِنِينَ‬
‫س وََلوْ حَ َر ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل ُي ْؤمِنُونَ } كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا َأكْثَرُ النّا ِ‬
‫طعْ َأكْثَرَ مَنْ فِي الرْضِ ُيضِلّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ }‬
‫} [يوسف ‪ ، ]103 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَإِنْ تُ ِ‬
‫[النعام ‪ ، ]116 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلقَ ْد صَدّقَ عَلَ ْيهِمْ إِبْلِيسُ ظَنّهُ فَاتّ َبعُوهُ إِل فَرِيقًا مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ }‬
‫[سبأ ‪.]20 :‬‬
‫شهَادُ َهؤُلءِ الّذِينَ‬
‫{ َومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُولَ ِئكَ ُيعْ َرضُونَ عَلَى رَ ّبهِمْ وَيَقُولُ ال ْ‬
‫عوَجًا‬
‫كَذَبُوا عَلَى رَ ّبهِمْ أَل َلعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّاِلمِينَ (‪ )18‬الّذِينَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَيَ ْبغُو َنهَا ِ‬
‫وَهُمْ بِالخِ َرةِ هُمْ كَافِرُونَ (‪} )19‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)15/280‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/313‬‬

‫عفُ َلهُمُ ا ْل َعذَابُ مَا‬


‫ض َومَا كَانَ َل ُهمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ َأوْلِيَاءَ ُيضَا َ‬
‫أُولَ ِئكَ لَمْ َيكُونُوا ُمعْجِزِينَ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا‬
‫سهُ ْم َو َ‬
‫س ْم َع َومَا كَانُوا يُ ْبصِرُونَ (‪ )20‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ خَسِرُوا أَ ْنفُ َ‬
‫كَانُوا َيسْتَطِيعُونَ ال ّ‬
‫َيفْتَرُونَ (‪ )21‬لَا جَرَمَ أَ ّنهُمْ فِي الَْآخِ َرةِ ُهمُ الَْأخْسَرُونَ (‪)22‬‬

‫عفُ َلهُمُ ا ْل َعذَابُ‬


‫ض َومَا كَانَ َلهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ َأوْلِيَاءَ ُيضَا َ‬
‫{ أُولَ ِئكَ َلمْ َيكُونُوا ُمعْجِزِينَ فِي ال ْر ِ‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ مَا‬
‫سهُ ْم َو َ‬
‫س ْم َع َومَا كَانُوا يُ ْبصِرُونَ (‪ )20‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ خَسِرُوا أَ ْنفُ َ‬
‫مَا كَانُوا َيسْتَطِيعُونَ ال ّ‬
‫كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪ )21‬ل جَرَمَ أَ ّنهُمْ فِي الخِ َرةِ ُهمُ الخْسَرُونَ (‪} )22‬‬
‫يبين تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الخرة على رءوس الخلئق ؛ من الملئكة ‪،‬‬
‫والرسل ‪ ،‬والنبياء ‪ ،‬وسائر البشر والجان ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا َبهْز وعفان قال أخبرنا َهمّام ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن صفوان بن ُمحْرِز قال ‪ :‬كنت آخذًا بيد ابن‬
‫عمر ‪ ،‬إذ عرض له رجل قال ‪ :‬كيف سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول في النجوى‬
‫يوم القيامة ؟ قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يقول ‪" :‬إن ال عز وجل يدني‬
‫المؤمن ‪ ،‬فيضع عليه ك َنفَه ‪ ،‬ويستره من الناس ‪ ،‬ويقرره بذنوبه ‪ ،‬ويقول له ‪ :‬أتعرف ذنب كذا (‬
‫‪ )1‬؟ أتعرف ذنب كذا (‪ )2‬؟ أتعرف ذنب كذا (‪ )3‬؟ حتى إذا قَرّره بذنوبه ‪ ،‬ورأى في نفسه أنه‬
‫قد هلك قال ‪ :‬فإني قد سترتها عليك في الدنيا ‪ ،‬وإني أغفرها لك اليوم‪ .‬ثم يعطى كتاب حسناته ‪،‬‬
‫شهَادُ َهؤُلءِ الّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَ ّبهِمْ أَل َلعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّاِلمِينَ‬
‫وأما الكفار والمنافقون فيقول ‪ { :‬ال ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫}‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬كذا وكذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬كذا وكذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬كذا وكذا"‪.‬‬

‫( ‪)4/313‬‬

‫أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ‪ ،‬من حديث قتادة به (‪.)1‬‬


‫عوَجًا } أي يردّون الناسَ عن اتباع الحق وسلوك‬
‫وقوله ‪ { :‬الّذِينَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَيَ ْبغُو َنهَا ِ‬
‫عوَجًا } أي ‪:‬‬
‫طريق (‪ )2‬الهدى الموصلة إلى ال عز وجل ويجنبونهم (‪ )3‬الجنة ‪ { ،‬وَيَ ْبغُو َنهَا ِ‬
‫ويريدون أن يكون طريقهم (‪ )4‬عوجا غير معتدلة ‪ { ،‬وَهُمْ بِالخِ َرةِ هُمْ كَافِرُونَ } أي ‪ :‬جاحدون‬
‫بها مكذبون بوقوعها وكونها‪.‬‬
‫ض َومَا كَانَ َلهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ َأوْلِيَاءَ } أي ‪ :‬بل كانوا‬
‫{ أُولَ ِئكَ َلمْ َيكُونُوا ُمعْجِزِينَ فِي ال ْر ِ‬
‫تحت قهره وغلبته ‪ ،‬وفي قبضته وسلطانه ‪ ،‬وهو قادر على النتقام منهم في الدار الدنيا قبل‬
‫خصُ فِيهِ ال ْبصَارُ } [إبراهيم ‪ ، ]42 :‬وفي الصحيحين ‪" :‬إن‬
‫شَ‬‫الخرة ‪ ،‬ولكن { ُي َؤخّرُهُمْ لِ َي ْومٍ تَ ْ‬
‫ال ليُملي للظالم ‪ ،‬حتى إذا أخذَه لم ُيفْلته" ؛ (‪ )5‬ولهذا قال تعالى ‪ُ { :‬يضَاعَفُ َلهُمُ ا ْلعَذَابُ مَا كَانُوا‬
‫سمْ َع َومَا كَانُوا يُ ْبصِرُونَ } أي ‪ :‬يضاعف عليهم العذاب ‪ ،‬وذلك لن ال تعالى جعل‬
‫يَسْ َتطِيعُونَ ال ّ‬
‫لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ‪ ،‬فما أغنى عنهم سمعهم ول أبصارهم ول أفئدتهم [من شيء] (‪ ، )6‬بل‬
‫صمّا عن سماع الحق ‪ ،‬عُميا عن اتباعه ‪ ،‬كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار ‪:‬‬
‫كانوا ُ‬
‫سعِيرِ } [ الملك ‪ ، ]10 :‬وقال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ‬
‫سمَعُ َأوْ َن ْع ِقلُ مَا كُنّا فِي َأصْحَابِ ال ّ‬
‫{ َوقَالُوا َلوْ كُنّا نَ ْ‬
‫َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَا ُهمْ عَذَابًا َفوْقَ ا ْلعَذَابِ ِبمَا كَانُوا ُيفْسِدُونَ } [النحل ‪ ]88 :‬؛ ولهذا‬
‫ح القوال أنهم مكلفون‬
‫يعذبون على كل أمر تركوه ‪ ،‬وعلى كل نهي ارتكبوه ؛ ولهذا كان أص ّ‬
‫بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الخرة‪.‬‬
‫سهُ ْم َوضَلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ } أي ‪ :‬خسروا أنفسهم لنهم‬
‫خسِرُوا أَ ْنفُ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َ‬
‫دخلوا (‪ )7‬نارا حامية ‪ ،‬فهم معذبون فيها ل ُيفَتّر عنهم من عذابها طرفة عين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪{ :‬‬
‫سعِيرًا } [السراء ‪.]97 :‬‬
‫كُّلمَا خَ َبتْ زِدْنَاهُمْ َ‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ } أي ‪ :‬ذهب عنهم { مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ } من دون ال من النداد والصنام ‪ ،‬فلم‬
‫و{ َ‬
‫حشِرَ النّاسُ كَانُوا َل ُهمْ أَعْدَاءً‬
‫تُجْد عنهم شيئًا ‪ ،‬بل ضرتهم كل الضرر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذَا ُ‬
‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آِلهَةً لِ َيكُونُوا َلهُمْ‬
‫َوكَانُوا ِبعِبَادَ ِت ِهمْ كَافِرِينَ } [الحقاف ‪ ، ]6 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَاتّ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عِزّا كَل سَ َي ْكفُرُونَ ِبعِبَادَ ِتهِ ْم وَ َيكُونُونَ عَلَ ْيهِمْ ضِدّا } [مريم ‪ )8( ، ]82 ، 81 :‬وقال الخليل لقومه ‪:‬‬
‫ضكُمْ بِ َب ْعضٍ‬
‫{ إِ ّنمَا اتّخَذْ ُتمْ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانًا َموَ ّدةَ بَيْ ِنكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ُثمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُ َب ْع ُ‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا َومَ ْأوَاكُمُ النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [العنكبوت ‪ )9( ، ]25 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫وَيَ ْلعَنُ َب ْع ُ‬
‫ط َعتْ ِبهِمُ السْبَابُ } [البقرة ‪ ]166 :‬؛‬
‫{ ِإذْ تَبَرّأَ الّذِينَ اتّ ِبعُوا مِنَ الّذِينَ اتّ َبعُوا وَرََأوُا ا ْلعَذَابَ وَ َتقَ ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/74‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4685‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1768‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬طرق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وبحبحة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬طريق الحق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم "‪ "4086‬وصحيح مسلم برقم "‪ "2583‬من حديث أبي موسى الشعري‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أدخلوا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ويكونوا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬ويوم"‪.‬‬

‫( ‪)4/314‬‬

‫ت وَأَخْبَتُوا إِلَى رَ ّبهِمْ أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)23‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫إِنّ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫سمِيعِ َهلْ يَسْ َتوِيَانِ مَثَلًا َأفَلَا َت َذكّرُونَ (‪)24‬‬
‫عمَى وَالَْأصَ ّم وَالْ َبصِي ِر وَال ّ‬
‫مَ َثلُ ا ْلفَرِيقَيْنِ كَالْأَ ْ‬

‫إلى غير ذلك من اليات الدالة على خسرهم (‪ )1‬ودمارهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ل جَرَمَ أَ ّنهُمْ فِي‬
‫الخِ َرةِ ُهمُ الخْسَرُونَ } يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الخرة ؛ لنهم‬
‫استبدلوا بالدركات عن الدرجات ‪ ،‬واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن ‪ ،‬وعن شرب الرحيق‬
‫ظلّ من يحموم ‪ ،‬وعن الحور العين بطعام من غِسْلين ‪ ،‬وعن‬
‫المختوم ‪ ،‬بَسمُوم وحميم ‪ ،‬و ِ‬
‫القصور العالية بالهاوية ‪ ،‬وعن قرب الرحمن ‪ ،‬ورؤيته بغضب الديان وعقوبته ‪ ،‬فل جرم أنهم‬
‫في الخرة هم الخسرون‪.‬‬
‫ت وََأخْبَتُوا إِلَى رَ ّب ِهمْ أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ الْجَنّةِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪)23‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫سمِيعِ َهلْ يَسْ َتوِيَانِ مَثَل َأفَل تَ َذكّرُونَ (‪} )24‬‬
‫مَ َثلُ ا ْلفَرِيقَيْنِ كَالعْمَى وَالصَ ّم وَالْ َبصِي ِر وَال ّ‬
‫سعَداء ‪ ،‬وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ‪ ،‬فآمنت‬
‫لما ذكر تعالى حال الشقياء ثَنّى بذكر ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قلوبهم وعَملت جوارحهم العمال الصالحة قول وفعل من التيان بالطاعات وترك المنكرات ‪،‬‬
‫وبهذا ورثوا الجنات ‪ ،‬المشتملة على الغرف العاليات ‪ ،‬والسرر المصفوفات ‪ ،‬والقطوف‬
‫الدانيات ‪ ،‬والفرش المرتفعات ‪ ،‬والحسان الخيرات ‪ ،‬والفواكه المتنوعات ‪ ،‬والمآكل المشتهيات (‬
‫‪ )2‬والمشارب المستلذات ‪ ،‬والنظر إلى خالق الرض والسموات ‪ ،‬وهم في ذلك خالدون ‪ ،‬ل‬
‫يموتون ول يهرمون ول يمرضون ‪ ،‬وينامون (‪ )3‬ول يتغطّون ‪ ،‬ول يبصقون ول يتمخطون ‪،‬‬
‫إن هو إل رَشْحُ مِسك يعرقون‪.‬‬
‫ثم ضرب [ال] (‪ )4‬تعالى مثل الكافرين والمؤمنين ‪ ،‬فقال ‪ { :‬مَ َثلُ ا ْلفَرِيقَيْنِ } أي ‪ :‬الذين وصفهم‬
‫سعَداء ‪ ،‬فأولئك كالعمى والصم ‪ ،‬وهؤلء كالبصير والسميع‪ .‬فالكافر‬
‫أول بالشقاء والمؤمنين ال ّ‬
‫أعمى عن وجه الحق في الدنيا ‪ ،‬وفي الخرة ل يهتدي إلى خير ول يعرفه ‪ ،‬أصم عن سماع‬
‫س َم َعهُمْ لَ َتوَّلوْا وَ ُهمْ‬
‫س َمعَهُمْ وَلَوْ َأ ْ‬
‫الحجَج ‪ ،‬فل (‪ )5‬يسمع ما ينتفع به ‪ { ،‬وََلوْ عَِلمَ اللّهُ فِي ِهمْ خَيْرًا ل ْ‬
‫ُمعْ ِرضُونَ } [النفال ‪ ، ]23 :‬وأما المؤمن ففَطِن ذكي لبيب ‪ ،‬بصير بالحق ‪ ،‬يميز (‪ )6‬بينه وبين‬
‫الباطل ‪ ،‬فيتبعُ الخير ويترك الشر ‪ ،‬سميع للحجة ‪ ،‬يفرق بينها وبين الشبهة ‪ ،‬فل يَرُوج (‪ )7‬عليه‬
‫باطل ‪ ،‬فهل يستوي هذا وهذا‪.‬‬
‫{ َأفَل َت َذكّرُونَ } أفل تعتبرون وتفرقون بين هؤلء وهؤلء ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ { :‬ل‬
‫صحَابُ الْجَنّةِ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ } [الحشر ‪ ]20 :‬وقال { َومَا‬
‫يَسْ َتوِي َأصْحَابُ النّا ِر وََأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأ ْ‬
‫ل وَل ا ْلحَرُو ُر َومَا َيسْ َتوِي الحْيَا ُء وَل‬
‫ظّ‬‫عمَى وَالْ َبصِي ُر وَل الظُّلمَاتُ وَل النّو ُر وَل ال ّ‬
‫يَسْ َتوِي ال ْ‬
‫حقّ‬
‫سمِعٍ مَنْ فِي ا ْلقُبُورِ إِنْ أَ ْنتَ إِل َنذِيرٌ إِنّا أَ ْرسَلْنَاكَ بِالْ َ‬
‫سمِعُ مَنْ َيشَا ُء َومَا أَ ْنتَ ِبمُ ْ‬
‫المْوَاتُ إِنّ اللّهَ يُ ْ‬
‫بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ ُأمّةٍ إِل خَل فِيهَا َنذِيرٌ } [فاطر ‪.]24 - 19 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬خسارهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬المشهوات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل ينامون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬مميز"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فل يزوح"‪.‬‬

‫( ‪)4/315‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ إِنّي َل ُكمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )25‬أَنْ لَا َتعْبُدُوا إِلّا اللّهَ إِنّي أَخَافُ عَلَ ْي ُكمْ عَذَابَ‬
‫َيوْمٍ أَلِيمٍ (‪َ )26‬فقَالَ ا ْلمَلَأُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َق ْومِهِ مَا نَرَاكَ إِلّا بَشَرًا مِثْلَنَا َومَا نَرَاكَ اتّ َب َعكَ إِلّا الّذِينَ ُهمْ‬
‫ي َومَا نَرَى َلكُمْ عَلَيْنَا مِنْ َفضْلٍ َبلْ نَظُّن ُكمْ كَاذِبِينَ (‪)27‬‬
‫أَرَاذِلُنَا بَا ِديَ الرّ ْأ ِ‬

‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ إِنّي َلكُمْ َنذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )25‬أَنْ ل َتعْبُدُوا إِل اللّهَ إِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ‬
‫عَذَابَ َيوْمٍ أَلِيمٍ (‪َ )26‬فقَالَ ا ْلمَل الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َق ْومِهِ مَا نَرَاكَ إِل بَشَرًا مِثْلَنَا َومَا نَرَاكَ اتّ َب َعكَ إِل‬
‫ضلٍ َبلْ نَظُّنكُمْ كَاذِبِينَ (‪} )27‬‬
‫ي َومَا نَرَى َلكُمْ عَلَيْنَا مِنْ َف ْ‬
‫الّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَا ِديَ الرّ ْأ ِ‬
‫يخبر تعالى عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وكان أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض من المشركين‬
‫عَبَدة الصنام أنه قال لقومه ‪ { :‬إِنّي َلكُمْ َنذِيرٌ مُبِينٌ } أي ‪ :‬ظاهر النّذَارَة لكم من عذاب ال إن أنتم‬
‫عذَابَ َي ْومٍ أَلِيمٍ }‬
‫عبدتم غير ال ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَنْ ل َتعْبُدُوا إِل اللّهَ } وقوله { إِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫أي إن استمررتم على ما أنتم عليه عَذّبكم ال عذابا أليما مُوجعًا شاقًا في الدار الخرة‪.‬‬
‫{ َفقَالَ ا ْلمَل الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َق ْومِهِ } والمل هم ‪ :‬السادة والكبراء من الكافرين منهم ‪ { :‬مَا نَرَاكَ‬
‫إِل بَشَرًا مِثْلَنَا } أي ‪ :‬لست بملك ‪ ،‬ولكنك بشر ‪ ،‬فكيف أوحي إليك من دوننا ؟ ثم ما نراك (‪)1‬‬
‫اتبعك إل أراذلنا (‪ )2‬كالباعة والحاكة وأشباههم ولم يتبعك الشراف ول الرؤساء [منا] (‪ )3‬ثم‬
‫هؤلء الذين اتبعوك لم يكن عن تَ َر ّو منهم ول فكرة ول نظر ‪ ،‬بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك‬
‫فاتبعوك (‪ )4‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا نَرَاكَ اتّ َب َعكَ إِل الّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَا ِديَ الرّ ْأيِ } أي ‪ :‬في أول‬
‫ضلٍ } يقولون ‪ :‬ما رأينا لكم علينا فضيلة في خَلْق ول‬
‫بادئ الرأي ‪َ { ،‬ومَا نَرَى َلكُمْ عَلَيْنَا مِنْ َف ْ‬
‫خُلُق ‪ ،‬ول رزق ول حال ‪َ ،‬لمّا دخلتم في دينكم هذا ‪َ { ،‬بلْ نَظُّنكُمْ كَاذِبِينَ } أي ‪ :‬فيما تَدّعونه (‪)5‬‬
‫لكم من البر والصلح والعبادة ‪ ،‬والسعادة في الدار الخرة إذا صرتم إليها‪.‬‬
‫هذا اعتراض الكافرين على نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وأتباعه ‪ ،‬وذلك دليل على جهلهم وقلة علمهم‬
‫وعقلهم ‪ ،‬فإنه ليس بعار على الحق َرذَالة من اتبعه ‪ ،‬فإن الحق في نفسه صحيح ‪ ،‬وسواء اتبعه‬
‫الشراف أو الراذل (‪ )6‬بل الحق الذي ل شك فيه أن أتباع الحق هم الشراف ‪ ،‬ولو كانوا فقراء‬
‫‪ ،‬والذين يأبونه هم الراذل ‪ ،‬ولو كانوا أغنياء‪ .‬ثم الواقع غالبا أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس ‪،‬‬
‫والغالب على الشراف والكبراء مخالفته ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وكَذَِلكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ فِي قَرْيَةٍ‬
‫جدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّ ٍة وَإِنّا عَلَى آثَارِ ِهمْ ُمقْتَدُونَ } [الزخرف ‪، ]23 :‬‬
‫مِنْ نَذِيرٍ إِل قَالَ مُتْ َرفُوهَا إِنّا وَ َ‬
‫(‪ )7‬ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬قال له فيما قال ‪ :‬أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم ؟ قال ‪ :‬بل ضعفاؤهم‪ .‬فقال هرقل ‪:‬‬
‫هم أتباع الرسل‪.‬‬
‫وقولهم (‪ { )8‬بَا ِديَ الرّأَي } ليس بمذمة ول عيب ؛ لن الحق إذا وضح ل يبقى للتروي (‪ )9‬ول‬
‫للفكر مجال ‪ ،‬بل ل بد من اتباع الحق والحالة هذه لكل ذي زكاء وذكاء ول يفكر وينزوي هاهنا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إل عَ ِييّ أو غبي (‪ .)10‬والرسل ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين ‪ ،‬إنما جاءوا بأمر جلي‬
‫واضح‪.‬‬
‫وقد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل نراك‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أرذلنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬واتبعوك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬تدعوهم" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬تدعونهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الرذال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬من نبي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬للروي" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬للردي"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬غني"‪.‬‬

‫( ‪)4/316‬‬

‫حمَةً مِنْ عِ ْن ِدهِ َف ُعمّيَتْ عَلَ ْيكُمْ أَنُلْ ِز ُم ُكمُوهَا‬


‫علَى بَيّ َنةٍ مِنْ رَبّي وَآَتَانِي َر ْ‬
‫قَالَ يَا َقوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُ ْنتُ َ‬
‫وَأَنْتُمْ َلهَا كَارِهُونَ (‪)28‬‬

‫جاء في الحديث أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما دعوت أحدًا إلى السلم إل كانت له‬
‫كَ ْبوَة ‪ ،‬غير أبي بكر ‪ ،‬فإنه لم يَتََلعْثَم" (‪ )1‬أي ‪ :‬ما تردد ول تروّى ‪ ،‬لنه رأى أمرا جليا عظيما‬
‫واضحا ‪ ،‬فبادر إليه وسارع‪.‬‬
‫عمْي عن الحق ‪ ،‬ل يسمعون‬
‫وقولهم ‪َ { :‬ومَا نَرَى َلكُمْ عَلَيْنَا مِنْ َفضْلٍ } هم ل يرون ذلك ؛ لنهم ُ‬
‫ول يبصرون ‪ :‬بل هم في ريبهم يترددون ‪ ،‬في ظلمات الجهل يعمهون ‪ ،‬وهم الفاكون الكاذبون ‪،‬‬
‫القلون الرذلون ‪ ،‬وفي الخرة هم الخسرون‪.‬‬
‫ح َمةً مِنْ عِنْ ِدهِ َف ُعمّ َيتْ عَلَ ْيكُمْ أَنُلْ ِز ُم ُكمُوهَا‬
‫{ قَالَ يَا َقوْمِ أَ َرأَيْتُمْ إِنْ كُ ْنتُ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّي وَآتَانِي رَ ْ‬
‫وَأَنْتُمْ َلهَا كَارِهُونَ (‪} )28‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن نوح ما ردّ على قومه في ذلك ‪ { :‬أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ كُ ْنتُ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّي } أي‬
‫‪ :‬على يقين وأمر جلي ‪ ،‬ونبوة صادقة ‪ ،‬وهي الرحمة العظيمة من ال به وبهم ‪َ { ،‬ف ُعمّ َيتْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عَلَ ْيكُمْ } أي ‪ :‬خفيت عليكم ‪ ،‬فلم تهتدوا إليها ‪ ،‬ول عرفتم قدرها ‪ ،‬بل بادرتم إلى تكذيبها وردها ‪،‬‬
‫{ أَنُلْ ِز ْم ُكمُوهَا } أي ‪َ :‬نغْضبكم (‪ )2‬بقبولها وأنتم لها كارهون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ذكره المؤلف في البداية والنهاية (‪ )3/27‬عن ابن إسحاق وهو منقطع‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬نغصبكم"‪.‬‬

‫( ‪)4/317‬‬

‫وَيَا َقوْمِ لَا أَسْأَُل ُكمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْ ِريَ ِإلّا عَلَى اللّ ِه َومَا أَنَا ِبطَارِدِ الّذِينَ َآمَنُوا إِ ّن ُهمْ مُلَاقُو رَ ّب ِهمْ‬
‫جهَلُونَ (‪ )29‬وَيَا َقوْمِ مَنْ يَ ْنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ طَ َردْ ُتهُمْ َأفَلَا َت َذكّرُونَ (‪ )30‬وَلَا‬
‫وََلكِنّي أَرَاكُمْ َق ْومًا َت ْ‬
‫ك وَلَا َأقُولُ لِلّذِينَ تَ ْزدَرِي أَعْيُ ُنكُمْ لَنْ‬
‫ب وَلَا َأقُولُ إِنّي مََل ٌ‬
‫َأقُولُ َل ُكمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللّهِ وَلَا أَعْلَمُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫سهِمْ إِنّي إِذًا َلمِنَ الظّاِلمِينَ (‪)31‬‬
‫ُيؤْتِ َيهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا فِي أَ ْنفُ ِ‬

‫{ وَيَا َقوْمِ ل أَسَْأُلكُمْ عَلَيْهِ مَال إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى اللّ ِه َومَا أَنَا ِبطَارِدِ الّذِينَ آمَنُوا إِ ّن ُهمْ مُلقُو رَ ّب ِهمْ‬
‫جهَلُونَ (‪ )29‬وَيَا َقوْمِ مَنْ يَ ْنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ طَ َردْ ُتهُمْ َأفَل َت َذكّرُونَ (‪} )30‬‬
‫وََلكِنّي أَرَاكُمْ َق ْومًا َت ْ‬
‫يقول لقومه ‪ :‬ل أسألكم على نصحي [لكم] (‪ )1‬مال ؛ أجرة آخذها منكم ‪ ،‬إنما أبتغي الجر من‬
‫ال عز وجل ‪َ { ،‬ومَا أَنَا بِطَارِدِ الّذِينَ آمَنُوا } كأنهم طلبوا منه أن يطرد المؤمنين عنه ‪ ،‬احتشاما‬
‫ونفاسة منهم أن يجلسوا معهم ‪ ،‬كما سأل أمثالهم خاتم (‪ )2‬الرسل صلى ال عليه وسلم أن يطرد‬
‫عنهم (‪ )3‬جماعة من الضعفاء ويجلس معهم مجلسا خاصا ‪ ،‬فأنزل ال تعالى ‪ { :‬وَل َتطْرُدِ الّذِينَ‬
‫سكَ مَعَ الّذِينَ َيدْعُونَ رَ ّبهُمْ بِا ْلغَدَاةِ‬
‫شيّ } [النعام ‪ { ، ]52 :‬وَاصْبِرْ َنفْ َ‬
‫يَدْعُونَ رَ ّبهُمْ بِا ْل َغدَا ِة وَا ْلعَ ِ‬
‫ضهُمْ‬
‫جهَ ُه وَل َتعْدُ عَيْنَاكَ عَ ْنهُمْ } [الكهف ‪ ، ]28 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬وكَذَِلكَ فَتَنّا َب ْع َ‬
‫ن وَ ْ‬
‫شيّ يُرِيدُو َ‬
‫وَا ْلعَ ِ‬
‫علَمَ بِالشّاكِرِينَ } اليات [النعام ‪.]53 :‬‬
‫بِ َب ْعضٍ لِ َيقُولُوا أَ َهؤُلءِ مَنّ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَ ْيسَ اللّهُ بِأَ ْ‬
‫ك وَل َأقُولُ لِلّذِينَ تَزْدَرِي‬
‫{ وَل َأقُولُ َل ُكمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللّهِ وَل أَعَْلمُ ا ْلغَ ْيبَ وَل َأقُولُ إِنّي مََل ٌ‬
‫سهِمْ إِنّي ِإذًا َلمِنَ الظّاِلمِينَ (‪} )31‬‬
‫أَعْيُ ُنكُمْ لَنْ ُيؤْتِ َيهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ ِبمَا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬لخاتم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عنه"‪.‬‬

‫( ‪)4/317‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جدَالَنَا فَأْتِنَا ِبمَا َتعِدُنَا إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪ )32‬قَالَ إِ ّنمَا يَأْتِيكُمْ‬
‫قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فََأكْثَ ْرتَ ِ‬
‫صحِي إِنْ أَرَ ْدتُ أَنْ أَ ْنصَحَ َل ُكمْ إِنْ كَانَ اللّهُ‬
‫بِهِ اللّهُ إِنْ شَا َء َومَا أَنْتُمْ ِب ُم ْعجِزِينَ (‪ )33‬وَلَا يَ ْن َفعُكُمْ ُن ْ‬
‫جعُونَ (‪َ )34‬أمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ ُقلْ إِنِ افْتَرَيُْتهُ َفعََليّ ِإجْرَامِي وَأَنَا‬
‫يُرِيدُ أَنْ ُي ْغوِيَكُمْ ُهوَ رَ ّبكُ ْم وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫بَرِيءٌ ِممّا تُجْ ِرمُونَ (‪)35‬‬

‫يخبرهم أنه رسول من ال ‪ ،‬يدعو إلى عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬بإذن ال له في ذلك ‪ ،‬ول‬
‫يسألهم على ذلك أجرا ‪ ،‬بل هو يدعو من لقيه من شريف ووضيع ‪ ،‬فمن استجاب له فقد نجا‪.‬‬
‫ويخبرهم (‪ )1‬أنه ل يَقدِر على التصرف في خزائن ال ‪ ،‬ول يعلم من الغيب إل ما أطلعه ال‬
‫عليه ‪ ،‬وليس هو بمَلك من الملئكة ‪ ،‬بل بشر مرسل ‪ ،‬مؤيد بالمعجزات‪ .‬ول أقولُ عن هؤلء‬
‫الذين تحتقرونهم وتزدرونهم (‪ : )2‬إنه (‪ )3‬ليس لهم عند ال ثواب على إيمانهم ال أعمل بما في‬
‫أنفسهم ‪ ،‬فإن كانوا مؤمنين باطنًا ‪ ،‬كما هو الظاهر من حالهم ‪ ،‬فلهم جزاء الحسنى ‪ ،‬ولو قطع لهم‬
‫أحد بشر بعد ما آمنوا ‪ ،‬لكان ظالما قائل ما ل علم له به‪.‬‬
‫{ قَالُوا يَا نُوحُ َقدْ جَادَلْتَنَا فََأكْثَ ْرتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا ِبمَا َتعِدُنَا إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪ )32‬قَالَ إِ ّنمَا يَأْتِيكُمْ‬
‫بِهِ اللّهُ إِنْ شَا َء َومَا أَنْتُمْ ِب ُم ْعجِزِينَ (‪ )33‬وَل يَ ْن َف ُعكُمْ ُنصْحِي إِنْ أَ َر ْدتُ أَنْ أَ ْنصَحَ َلكُمْ إِنْ كَانَ اللّهُ‬
‫جعُونَ (‪} )34‬‬
‫يُرِيدُ أَنْ ُي ْغوِيَكُمْ ُهوَ رَ ّبكُ ْم وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن استعجال قوم نوح نقمة ال وعذابه وسخطه ‪ ،‬والبلء موكل بالمنطق ‪:‬‬
‫{ قَالُوا يَا نُوحُ َقدْ جَادَلْتَنَا فََأكْثَ ْرتَ جِدَالَنَا } أي ‪ :‬حاججتنا فأكثرت من ذلك ‪ ،‬ونحن ل نتبعك { فَأْتِنَا‬
‫ِبمَا َتعِدُنَا } أي ‪ :‬من النقمة والعذاب ‪ ،‬ادع علينا بما شئت ‪ ،‬فليأتنا ما تدعو به (‪ { ، )4‬إِنْ كُ ْنتَ‬
‫مِنَ الصّا ِدقِينَ قَالَ إِ ّنمَا يَأْتِيكُمْ ِبهِ اللّهُ إِنْ شَا َء َومَا أَنْ ُتمْ ِب ُمعْجِزِينَ } أي ‪ :‬إنما الذي يعاقبكم ويعجلها‬
‫صحِي إِنْ أَرَ ْدتُ أَنْ أَ ْنصَحَ َلكُمْ إِنْ كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ‬
‫لكم ال الذي ل يُعجِزُه شيء ‪ { ،‬وَل يَ ْنفَ ُعكُمْ ُن ْ‬
‫ُي ْغوِ َيكُمْ } أي ‪ :‬أي شيء يُجدِي عليكم إبلغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي ‪ ،‬إن كان ال يريد‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬هو مالك أزمة المور ‪ ،‬والمتصرف (‪)5‬‬
‫إغواءكم ودماركم ‪ُ { ،‬هوَ رَ ّب ُك ْم وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫الحاكم العادل الذي ل يجور ‪ ،‬له الخلق وله المر ‪ ،‬وهو المبدئ المعيد ‪ ،‬مالك الدنيا والخرة‪.‬‬
‫{ َأمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ ُقلْ إِنِ افْتَرَيُْتهُ َفعََليّ ِإجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ ِممّا تُجْ ِرمُونَ (‪} )35‬‬
‫هذا كلم معترض في وسط هذه القصة ‪ ،‬مؤكد لها ومقرر بشأنها (‪ .)6‬يقول تعالى لمحمد (‪)7‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أم يقول (‪ )8‬هؤلء الكافرون الجاحدون ‪ :‬افترى هذا وافتعله من عنده { ُقلْ‬
‫إِنِ افْتَرَيْتُهُ َفعََليّ ِإجْرَامِي } أي ‪ :‬فإثم ذلك علي ‪ { ،‬وَأَنَا بَرِيءٌ ِممّا تُجْ ِرمُونَ } أي ‪ :‬ليس ذلك‬
‫مفتعل ول مفترى (‪ ، )9‬لني أعلم ما عند ال من العقوبة لمن كذب عليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وتخبرهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يحتقرونهم ويزدرونهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬إنهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬من تدعونه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬بدعوته"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬المتصرف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬لشأنها"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لنبيه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أم يقولون"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬مفتريا"‪.‬‬

‫( ‪)4/318‬‬

‫حيَ ِإلَى نُوحٍ أَنّهُ لَنْ ُي ْؤمِنَ مِنْ َق ْومِكَ إِلّا مَنْ َقدْ َآمَنَ فَلَا تَبْتَ ِئسْ ِبمَا كَانُوا َيفْعَلُونَ (‪ )36‬وَاصْنَعِ‬
‫وَأُو ِ‬
‫ا ْلفُ ْلكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الّذِينَ ظََلمُوا إِ ّنهُمْ ُمغْ َرقُونَ (‪)37‬‬

‫حيَ إِلَى نُوحٍ أَنّهُ لَنْ ُي ْؤمِنَ مِنْ َق ْو ِمكَ إِل مَنْ َقدْ آمَنَ فَل تَبْتَ ِئسْ ِبمَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ (‪)36‬‬
‫{ وَأُو ِ‬
‫وَاصْنَعِ ا ْلفُ ْلكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَل تُخَاطِبْنِي فِي الّذِينَ ظََلمُوا إِ ّنهُمْ ُمغْ َرقُونَ (‪} )37‬‬

‫( ‪)4/319‬‬

‫وَ َيصْنَعُ ا ْلفُ ْلكَ َوكُّلمَا مَرّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ َقوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَإِنّا َنسْخَرُ مِ ْنكُمْ َكمَا‬
‫حلّ عَلَ ْيهِ عَذَابٌ ُمقِيمٌ (‪)39‬‬
‫سوْفَ َتعَْلمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ ُيخْزِي ِه وَ َي ِ‬
‫سخَرُونَ (‪َ )38‬ف َ‬
‫تَ ْ‬

‫سخَرُ مِ ْنكُمْ َكمَا‬


‫سخَرُوا مِنّا فَإِنّا نَ ْ‬
‫سخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَ ْ‬
‫علَيْهِ مَل مِنْ َق ْومِهِ َ‬
‫ك َوكُّلمَا مَرّ َ‬
‫{ وَ َيصْنَعُ ا ْلفُ ْل َ‬
‫حلّ عَلَ ْيهِ عَذَابٌ ُمقِيمٌ (‪} )39‬‬
‫سوْفَ َتعَْلمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ ُيخْزِي ِه وَ َي ِ‬
‫سخَرُونَ (‪َ )38‬ف َ‬
‫تَ ْ‬
‫يخبر تعالى أنه أوحى إلى نُوح لما استعجل قومُه نقمة ال بهم وعذابه لهم ‪ ،‬فدعا عليهم نوحُ‬
‫دعوته التي قال ال تعالى (‪ )1‬مخبرًا عنه أنه قال ‪َ { :‬ربّ ل تَذَرْ عَلَى ال ْرضِ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ دَيّارًا‬
‫} [نوح ‪َ { ، ]26 :‬فدَعَا رَبّهُ أَنّي َمغْلُوبٌ فَانْ َتصِرْ } [القمر ‪ ، ]10 :‬فعند ذلك أوحى ال تعالى إليه‬
‫‪ { :‬أَنّهُ لَنْ ُي ْؤمِنَ مِنْ َق ْو ِمكَ إِل مَنْ قَدْ آمَنَ } فل تحزن عليهم ول َي ُهمّنك أمرهم‪.‬‬
‫{ وَاصْنَعِ ا ْلفُ ْلكَ } يعني ‪ :‬السفينة { بِأَعْيُنِنَا } أي ‪ :‬بمرأى منا ‪َ { ،‬ووَحْيِنَا } أي ‪ :‬وتعليمنا لك ماذا‬
‫تصنعه ‪ { ،‬وَل تُخَاطِبْنِي فِي الّذِينَ ظََلمُوا إِ ّن ُهمْ ُمغْ َرقُونَ }‪.‬‬
‫فقال بعض السلف ‪ :‬أمره ال تعالى أن يغرِز (‪ )2‬الخشب ويقطّعه وييبسه ‪ ،‬فكان ذلك في مائة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سنة ‪ ،‬ونَجَرها في مائة سنة أخرى ‪ ،‬وقيل ‪ :‬في أربعين سنة ‪ ،‬فال (‪ )3‬أعلم‪.‬‬
‫وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة ‪ :‬أن ال أمره أن يصنعها من خشب الساج ‪ ،‬وأن يجعل طولها‬
‫ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا‪.‬‬
‫وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار ‪ ،‬وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬كان‬
‫طولها ثلثمائة ذراع ‪ ،‬في عرض خمسين‪.‬‬
‫وعن الحسن ‪ :‬طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلثمائة ذراع‪.‬‬
‫وعنه مع ابن عباس ‪ :‬طولها ألف ومائتا ذراع ‪ ،‬في عرض ستمائة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬طولها ألفا ذراع ‪ ،‬وعرضها مائة ذراع ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫قالوا كلهم ‪ :‬وكان ارتفاعها في السماء ثلثين ذراعا ‪ ،‬ثلث طبقات ‪ ،‬كل طبقة عشرة أذرع ‪،‬‬
‫فالسفلى للدواب والوحوش ‪ :‬والوسطى للنس ‪ :‬والعليا للطيور‪ .‬وكان بابها في عرضها ‪ ،‬ولها‬
‫غطاء من فوقها مطبق عليها‪.‬‬
‫وقد ذكر المام أبو جعفر بن جرير أثرا غريبا ‪ ،‬من حديث علي بن زيد بن جُدْعَان ‪ ،‬عن يوسف‬
‫بن ِمهْران ‪ ،‬عن عبد ال بن عباس ؛ أنه قال ‪ :‬قال الحواريون لعيسى ابن مريم ‪ :‬لو بعثت لنا‬
‫رجل شهد السفينة فحدّثنا عنها‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق بهم حتى أتى (‪ )4‬إلى كَثيب من تراب ‪ ،‬فأخذ كفا‬
‫من ذلك التراب بكفه ‪ ،‬قال (‪ )5‬أتدرون ما هذا ؟ قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا كعب (‪)6‬‬
‫حام بن نوح‪ .‬قال ‪ :‬وضرب الكثيب بعصاه ‪ ،‬قال ‪ :‬قم بإذن ال فإذا هو قائم ينفُض التراب عن‬
‫رأسه ‪ ،‬قد شاب‪ .‬قال له‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يغرس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬انتهى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬قبر"‪.‬‬

‫( ‪)4/319‬‬

‫ن وَأَهَْلكَ إِلّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ‬


‫ح ِملْ فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجَيْنِ اثْنَيْ ِ‬
‫حَتّى إِذَا جَاءَ َأمْرُنَا َوفَارَ التّنّورُ قُلْنَا ا ْ‬
‫ن َومَا َآمَنَ َمعَهُ إِلّا قَلِيلٌ (‪)40‬‬
‫ل َومَنْ َآمَ َ‬
‫ا ْل َقوْ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬هكذا هلكت ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬ولكني متّ وأنا شابّ ‪ ،‬ولكنني ظننت أنها‬
‫الساعة ‪ ،‬فمن ثمّ شبت‪ .‬قال ‪ :‬حدّثنا عن سفينة نوح ؟ قال ‪ :‬كان طولها ألف ذراع ومائتي (‪)1‬‬
‫ذراع ‪ ،‬وعرضها ستمائة ذراع ‪ ،‬وكانت ثلث طبقات ‪ ،‬فطبقة فيها الدواب والوحوش ‪ ،‬وطبقة‬
‫فيها النس ‪ ،‬وطبقة فيها الطير ‪ ،‬فلما كثر أرواث الدواب ‪ ،‬أوحى ال عز وجل إلى نوح ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬أن اغمز ذَنَب الفيل ‪ ،‬فغمزه ‪ ،‬فوقع منه خنزير وخنزيرة ‪ ،‬فأقبل على الروث ‪ ،‬فلما‬
‫وقع الفأر بخَرَزِ السفينة يقرضه وحبالها ‪ ،‬أوحى إلى نوح ؛ أن اضرب بين عيني السد ‪ ،‬فخرج‬
‫من منخره سنّور وسنورة ‪ ،‬فأقبل على الفأر‪ .‬فقال له عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬كيف علم نوح أن‬
‫البلد قد غرقت ؟ قال ‪ :‬بعث الغراب يأتيه بالخبر ‪ ،‬فوجد جيفة فوقع عليها ‪ ،‬فدعا عليه‬
‫بالخوف ‪ ،‬فلذلك ل يألف البيوت قال ‪ :‬ثم بعث الحمامة ‪ ،‬فجاءت بورق زيتون بمنقارها ‪ ،‬وطين‬
‫برجليها ‪ ،‬فعلم أن البلد قد غَرِقت‪ .‬قال ‪ :‬فط ّوقَها الخضرة التي في عنقها ‪ ،‬ودعا لها أن تكون‬
‫في أنس وأمان ‪ ،‬فمن ثم تألف البيوت‪ .‬قال ‪ :‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أل ننطلق به (‪ )2‬إلى أهلينا‬
‫فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال ‪ :‬كيف يتبعكم من ل رزق له ؟ قال ‪ :‬فقال له ‪ :‬عد بإذن ال ‪ ،‬فعاد‬
‫ترابا (‪)3‬‬
‫سخِرُوا مِنْهُ } أي ‪ :‬يَطْنزون به ويكذبون بما‬
‫ك َوكُّلمَا مَرّ عَلَ ْيهِ مَل مِنْ َق ْومِهِ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيصْنَعُ ا ْلفُ ْل َ‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ }‬
‫يتوعدهم به من الغرق ‪ { ،‬قَالَ إِنْ َتسْخَرُوا مِنّا فَإِنّا َنسْخَرُ مِ ْنكُمْ َكمَا َتسْخَرُونَ فَ َ‬
‫حلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ‬
‫وعيد شديد ‪ ،‬وتهديد أكيد ‪ { ،‬مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } أي ‪ :‬يهنه في الدنيا ‪ { ،‬وَيَ ِ‬
‫ُمقِيمٌ } أي ‪ :‬دائم مستمر أبدا‪.‬‬
‫ن وَأَهَْلكَ إِل مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ‬
‫ح ِملْ فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجَيْنِ اثْنَيْ ِ‬
‫{ حَتّى إِذَا جَاءَ َأمْرُنَا َوفَارَ التّنّورُ قُلْنَا ا ْ‬
‫ن َومَا آمَنَ َمعَهُ إِل قَلِيلٌ (‪} )40‬‬
‫ل َومَنْ آمَ َ‬
‫ا ْل َقوْ ُ‬
‫هذه مُواعدة من ال تعالى لنوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إذا جاء أمر ال من المطار المتتابعة ‪ ،‬والهَتّان‬
‫سمَاءِ ِبمَاءٍ مُ ْن َهمِرٍ َوفَجّرْنَا‬
‫الذي ل ُيقْلع ول يَفتُر ‪ ،‬بل هو كما قال تعالى ‪َ { :‬ففَتَحْنَا أَ ْبوَابَ ال ّ‬
‫ح وَ ُدسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً‬
‫حمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَ ْلوَا ٍ‬
‫ال ْرضَ عُيُونًا فَالْ َتقَى ا ْلمَاءُ عَلَى َأمْرٍ قَدْ ُقدِ َر وَ َ‬
‫ِلمَنْ كَانَ ُكفِرَ } [القمر ‪.]14 - 11 :‬‬
‫وأما قوله ‪َ { :‬وفَارَ التّنّورُ } فعن ابن عباس ‪ :‬التنور ‪ :‬وجه الرض ‪ ،‬أي ‪ :‬صارت الرض‬
‫عيونا تفور ‪ ،‬حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار ‪ ،‬صارت تفور ماء ‪ ،‬وهذا قول‬
‫جمهور السلف وعلماء الخلف‪.‬‬
‫وعن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬التنور ‪ :‬فَلَق الصبح ‪ ،‬وتنوير الفجر ‪ ،‬وهو ضياؤه‬
‫وإشراقه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ومائتا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)15/311‬‬

‫( ‪)4/320‬‬

‫والول أظهر‪.‬‬
‫وقال مجاهد والشعبي ‪ :‬كان هذا التنور بالكوفة ‪ ،‬وعن ابن عباس ‪ :‬عين بالهند‪ .‬وعن قتادة ‪:‬‬
‫عين بالجزيرة ‪ ،‬يقال لها ‪ :‬عين الوردة‪.‬‬
‫وهذه أقوال غريبة‪.‬‬
‫فحينئذ أمر ال نوحا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين ‪ -‬من صنوف‬
‫المخلوقات ذوات الرواح ‪ ،‬قيل ‪ :‬وغيرها من النباتات ‪ -‬اثنين‪ .‬ذكرا وأنثى ‪ ،‬فقيل ‪ :‬كان أول‬
‫من أدخل من الطيور الدرة ‪ ،‬وآخر من أدخل من الحيوانات الحمار ‪ ،‬فدخل إبليس متعلقًا بذنبه ‪،‬‬
‫فدخل بيده (‪ ، )1‬وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه ‪ ،‬فجعل يقول له نوح ‪:‬‬
‫مالك ؟ ويحك‪ .‬ادخل‪ .‬فينهض ول يقدر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ادخل وإن كان إبليس معك فدخل في السفينة‪.‬‬
‫وذكر أبو عبيدة بن عبد ال بن مسعود أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم السد ‪ ،‬حتى ألقيت عليه‬
‫الحمى‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صالح كاتب الليث ‪ ،‬حدثني الليث ‪ ،‬حدثني‬
‫هشام بن سعد ‪ ،‬عن زيد بن أسلم‪ .‬عن أبيه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬لما حمل‬
‫نوح في السفينة من كل زوجين اثنين ‪ ،‬قال أصحابه ‪ :‬وكيف يطمئن أو ‪ :‬تطمئن ‪ -‬المواشي‬
‫حمّى نزلت الرض ‪ ،‬ثم شكوا الفأرة‬
‫ومعها (‪ )2‬السد ؟ فسلط ال عليه الحمى ‪ ،‬فكانت أول ُ‬
‫فقالوا ‪ :‬ال ُفوَيسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا‪ .‬فأوحى ال إلى السد ‪ ،‬فعطس ‪ ،‬فخرجت الهرة‬
‫منه ‪ ،‬فتخبأت الفأرة منها (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَهَْلكَ إِل مَنْ سَ َبقَ عَلَ ْيهِ ا ْل َقوْلُ } أي ‪" :‬واحمل فيها أهلك ‪ ،‬وهم أهل بيته وقرابته" إل‬
‫من سبق عليه القول منهم ‪ ،‬ممن لم يؤمن بال ‪ ،‬فكان منهم ابنه "يام" الذي انعزل وحده ‪ ،‬وامرأة‬
‫نوح وكانت كافرة بال ورسوله‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ آمَنَ } أي ‪ :‬من قومك ‪َ { ،‬ومَا آمَنَ َمعَهُ إِل قَلِيلٌ } أي ‪ :‬نزر (‪ )4‬يسير مع طول‬
‫المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إل خمسين عاما ‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ :‬كانوا ثمانين نفسا منهم (‬
‫‪ )5‬نساؤهم‪ .‬وعن كعب الحبار ‪ :‬كانوا اثنين وسبعين نفسا‪ .‬وقيل ‪ :‬كانوا عشرة‪ .‬وقيل ‪ :‬إنما‬
‫كانوا نوح وبنوه (‪ )6‬الثلثة سام ‪ ،‬وحام ‪ ،‬ويافث ‪ ،‬وكنائِنِه الربع نساء هؤلء الثلثة وامرأة يام‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل امرأةُ نوح كانت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬بيديه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ومعنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وهذا مرسل ‪ ،‬وقد ورد في سفينة نوح غير ما ذكره الحافظ وأكثرها من رواية عبد الرحمن‬
‫بن زيد بن أسلم‪ .‬قال ابن حبان ‪" :‬كان ممن يقلب الخبار حتى كثر ذلك في روايته من رفع‬
‫المراسيل وإسناد الموقوف ‪ ،‬فاستحق الترك"‪ .‬ومما رواه في شأن سفينة نوح ما أورده ابن حجر‬
‫في التهذيب (‪ )6/179‬عن الساجي قال ‪ :‬حدثنا الربيع ‪ ،‬حدثنا الشافعي قال ‪ :‬قيل لعبد الرحمن بن‬
‫زيد ‪ :‬حدثك أبوك عن جدك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬إن سفينة نوح طافت‬
‫بالبيت وصلت خلف المقام ركعتين ؟!" قال ‪ :‬نعم‪ .‬وقد ذكر رجل لمالك حديثا منقطعا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح!!‪ .‬وانظر كتاب ‪ :‬السرائيليات في كتب‬
‫التفسير لمحمد أبو شهبة (ص ‪.)218‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نفر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬معهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬إنما كان وبنوه"‪.‬‬

‫( ‪)4/321‬‬

‫سمِ اللّهِ مَجْرَاهَا َومُرْسَاهَا إِنّ رَبّي َل َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )41‬وَ ِهيَ َتجْرِي ِبهِمْ فِي َموْجٍ‬
‫َوقَالَ ا ْركَبُوا فِيهَا بِ ْ‬
‫ل وَنَادَى نُوحٌ ابْنَ ُه َوكَانَ فِي َمعْ ِزلٍ يَا بُ َنيّ ا ْر َكبْ َمعَنَا وَلَا َتكُنْ مَعَ ا ْلكَافِرِينَ (‪ )42‬قَالَ سََآوِي‬
‫كَالْجِبَا ِ‬
‫صمُنِي مِنَ ا ْلمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْ َيوْمَ مِنْ َأمْرِ اللّهِ إِلّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْ َن ُهمَا ا ْل َموْجُ َفكَانَ‬
‫إِلَى جَ َبلٍ َي ْع ِ‬
‫مِنَ ا ْل ُمغْ َرقِينَ (‪)43‬‬

‫معهم في السفينة ‪ ،‬وهذا فيه َنظَرٌ ‪ ،‬بل الظاهر أنها هلكت ؛ لنها كانت على دين قومها ‪ ،‬فأصابها‬
‫ما أصابهم ‪ ،‬كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قَومها ‪ ،‬وال أعلم وأحكم‪.‬‬
‫{ َوقَالَ ا ْركَبُوا فِيهَا ِبسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا َومُرْسَاهَا إِنّ رَبّي َل َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )41‬وَ ِهيَ تَجْرِي ِب ِهمْ فِي‬
‫َموْجٍ كَا ْلجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَ ُه َوكَانَ فِي َمعْ ِزلٍ يَا بُ َنيّ ا ْر َكبْ َمعَنَا وَل َتكُنْ مَعَ ا ْلكَافِرِينَ (‪ )42‬قَالَ‬
‫صمُنِي مِنَ ا ْلمَاءِ قَالَ ل عَاصِمَ الْ َيوْمَ مِنْ َأمْرِ اللّهِ إِل مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْ َن ُهمَا‬
‫سَآوِي إِلَى جَ َبلٍ َي ْع ِ‬
‫ا ْل َموْجُ َفكَانَ مِنَ ا ْل ُمغْ َرقِينَ (‪} )43‬‬
‫يقول تعالى إخبارًا عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة ‪ { :‬ا ْركَبُوا‬
‫فِيهَا بِسْمِ اللّهِ َمجْرَاهَا َومُرْسَاهَا } أي ‪ :‬بسم ال يكون جَرْيُها على وجه الماء ‪ ،‬وبسم ال يكون‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫منتهى سيرها ‪ ،‬وهو رُسُوها‪.‬‬
‫وقرأ أبو رجاء العَطاردي ‪" :‬بسْمِ الِ ُمجْرِيَها ومُرْسِيهَا"‪.‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي نَجّانَا مِنَ ا ْلقَوْمِ‬
‫وقال ال تعالى (‪ { : )1‬فَإِذَا اسْ َتوَ ْيتَ أَ ْنتَ َومَنْ َم َعكَ عَلَى ا ْلفُ ْلكِ َف ُقلِ الْ َ‬
‫ن َو ُقلْ َربّ أَنزلْنِي مُنزل مُبَا َركًا وَأَ ْنتَ خَيْرُ ا ْلمُنزلِينَ } [المؤمنون ‪ ]29 ، 28 :‬؛ (‪ )2‬؛‬
‫الظّاِلمِي َ‬
‫ولهذا تستحب التسمية في ابتداء المور ‪ :‬عند الركوب على السفينة وعلى الدابة ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫ظهُو ِرهِ ثُمّ‬
‫ج َعلَ َل ُكمْ مِنَ ا ْلفُ ْلكِ وَال ْنعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ لِتَسْ َتوُوا عَلَى ُ‬
‫‪ { :‬وَالّذِي خََلقَ ال ْزوَاجَ كُّلهَا َو َ‬
‫ن وَإِنّا إِلَى‬
‫سخّرَ لَنَا َهذَا َومَا كُنّا لَهُ ُمقْرِنِي َ‬
‫تَ ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ رَ ّبكُمْ إِذَا اسْ َتوَيْتُمْ عَلَيْ ِه وَ َتقُولُوا سُبْحَانَ الّذِي َ‬
‫رَبّنَا َلمُ ْنقَلِبُونَ } [ الزخرف ‪ ، ]14 - 12 :‬وجاءت السنة بالحث على ذلك ‪ ،‬والندب إليه ‪ ،‬كما‬
‫سيأتي في سورة "الزخرف" ‪ ،‬إن شاء ال وبه الثقة‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ‪ ،‬حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ‪-‬‬
‫وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي ‪ ،‬حدثنا محمد بن موسى الحَرشي ‪ -‬قال حدثنا عبد الحميد بن‬
‫الحسن الهللي ‪ ،‬عن َنهْشل بن سعيد ‪ ،‬عن الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا ‪ :‬بسم ال الملك ‪َ { ،‬ومَا قَدَرُوا‬
‫عمّا‬
‫طوِيّاتٌ بِ َيمِي ِنهِ سُ ْبحَانَ ُه وَ َتعَالَى َ‬
‫جمِيعًا قَ ْبضَتُهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَالسّماوَاتُ مَ ْ‬
‫اللّهَ حَقّ قَدْ ِر ِه وَال ْرضُ َ‬
‫سمِ اللّهِ َمجْرَاهَا َومُرْسَاهَا إِنّ رَبّي َلغَفُورٌ رَحِيمٌ } (‪.)3‬‬
‫يُشْ ِركُونَ } [الزمر ‪ { ، ]67 :‬بِ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ رَبّي َل َغفُورٌ َرحِيمٌ } مناسب عند (‪ )4‬ذكر النتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين‬
‫ب وَإِنّهُ َل َغفُورٌ َرحِيمٌ } [العراف ‪:‬‬
‫ذكْرُ أنه غفور رحيم ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ لَسَرِيعُ ا ْل ِعقَا ِ‬
‫‪ ، ]167‬وقال ‪{ :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" ،‬وإذا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الكبير (‪ )12/124‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/132‬فيه نهشل بن سعيد وهو‬
‫متروك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عندما"‪.‬‬

‫( ‪)4/322‬‬

‫ضيَ الَْأمْ ُر وَاسْ َت َوتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ‬


‫سمَاءُ َأقِْلعِي وَغِيضَ ا ْلمَا ُء َو ُق ِ‬
‫ك وَيَا َ‬
‫َوقِيلَ يَا أَ ْرضُ ابَْلعِي مَا َء ِ‬
‫َوقِيلَ ُبعْدًا لِ ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪)44‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَإِنّ رَ ّبكَ لَذُو َم ْغفِ َرةٍ لِلنّاسِ عَلَى ظُ ْل ِمهِ ْم وَإِنّ رَ ّبكَ َلشَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ } [الرعد ‪ ، ]6 :‬إلى غير ذلك من‬
‫اليات التي يقرن فيها بين انتقامه ورحمته‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ِهيَ تَجْرِي ِب ِهمْ فِي َموْجٍ كَا ْلجِبَالِ } أي ‪ :‬السفينة سائرة بهم على وجه الماء ‪ ،‬الذي قد‬
‫طَبّق (‪ )1‬جميع الرض ‪ ،‬حتى طفت (‪ )2‬على رءوس الجبال ‪ ،‬وارتفع عليها بخمسة عشر‬
‫ذراعا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بثمانين ميل وهذه السفينة على وجه الماء سائرة بإذن ال وتحت كَنَفه وعنايته (‬
‫جعََلهَا َلكُمْ تَ ْذكِ َرةً‬
‫حمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِ َيةِ لِ َن ْ‬
‫طغَى ا ْلمَاءُ َ‬
‫‪ )3‬وحراسته وامتنانه كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّا َلمّا َ‬
‫ح وَدُسُرٍ َتجْرِي‬
‫حمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَ ْلوَا ٍ‬
‫ن وَاعِيَةٌ } [الحاقة ‪ ، ]12 ، 11 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬و َ‬
‫وَ َتعِ َيهَا ُأذُ ٌ‬
‫بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً ِلمَنْ كَانَ ُكفِرَ وَلَقَدْ تَ َركْنَاهَا آيَةً َفهَلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ } [ القمر ‪.]15 - 13 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَنَادَى نُوحٌ ابْ َن ُه َوكَانَ فِي َمعْ ِزلٍ يَا بُ َنيّ ا ْر َكبْ َمعَنَا وَل َتكُنْ َمعَ ا ْلكَافِرِينَ } هذا هو‬
‫البن الرابع ‪ ،‬واسمه "يام" ‪ ،‬وكان كافرا ‪ ،‬دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم‬
‫صمُنِي مِنَ ا ْلمَاءِ } وقيل ‪ :‬إنه اتخذ‬
‫ول يغرق مثل ما يغرق الكافرون ‪ { ،‬قَالَ سَآوِي إِلَى جَ َبلٍ َي ْع ِ‬
‫له مركبا من زُجاج ‪ ،‬وهذا من السرائيليات ‪ ،‬وال أعلم بصحته‪ .‬والذي نص عليه القرآن أنه قال‬
‫صمُنِي مِنَ ا ْلمَاءِ } اعتقد بجهله أن الطوفان ل يبلغ إلى رءوس الجبال ‪،‬‬
‫‪ { :‬قَالَ سَآوِي إِلَى جَ َبلٍ َي ْع ِ‬
‫صمَ‬
‫وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجّاه ذلك من الغرق ‪ ،‬فقال له أبوه نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ { :‬ل عَا ِ‬
‫حمَ } أي ‪ :‬ليس شيء يعصم اليوم من أمر ال‪ .‬وقيل ‪ :‬إن عاصما‬
‫الْ َيوْمَ مِنْ َأمْرِ اللّهِ إِل مَنْ رَ ِ‬
‫سوّ ‪ { ،‬وَحَالَ بَيْ َن ُهمَا ا ْل َموْجُ َفكَانَ‬
‫بمعنى معصوم ‪ ،‬كما يقال ‪" :‬طاعم وكاس" ‪ ،‬بمعنى مطعوم ومك ُ‬
‫مِنَ ا ْل ُمغْ َرقِينَ }‪.‬‬
‫ي المْ ُر وَاسْ َت َوتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ‬
‫سمَاءُ َأقِْلعِي وَغِيضَ ا ْلمَا ُء َو ُقضِ َ‬
‫ك وَيَا َ‬
‫{ َوقِيلَ يَا أَ ْرضُ ابَْلعِي مَا َء ِ‬
‫َوقِيلَ ُبعْدًا لِ ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪} )44‬‬
‫يخبر تعالى أنه لما غرق (‪ )4‬أهل الرض إل أصحاب السفينة ‪ ،‬أمر (‪ )5‬الرض أن تبلع ماءها‬
‫الذي نبع منها واجتمع عليها ‪ ،‬وأمر السماء أن تُقلعَ عن المطر ‪ { ،‬وَغِيضَ ا ْلمَاءُ } أي ‪ :‬شرع في‬
‫ي المْرُ } أي ‪ :‬فُرغَ من أهل الرض قاطبة ‪ ،‬ممن كفر بال ‪ ،‬لم يبق منهم‬
‫النقص ‪َ { ،‬و ُقضِ َ‬
‫دَيّار ‪ { ،‬وَاسْ َت َوتْ } السفينة بمن فيها { عَلَى ا ْلجُو ِديّ } قال مجاهد ‪ :‬وهو جبل بالجزيرة ‪،‬‬
‫تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت ‪ ،‬وتواضع هو ل عز وجل ‪ ،‬فلم يغرق ‪ ،‬وأرست‬
‫عليه سفينة نوح عليه السلم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬استوت عليه شهرا حتى نزلوا منها ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬قد أبقى (‪ )6‬ال سفينة نوح ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬على الجُودي من أرض الجزيرة عِبرة وآية حتى رآها أوائل هذه المة ‪ ،‬وكم من سفينة‬
‫قد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬طبق به"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬طفف"‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وغايته" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ورعايته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أغرق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنه أمر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أقفى"‪.‬‬

‫( ‪)4/323‬‬

‫كانت بعدها فهلكت ‪ ،‬وصارت رمادًا (‪.)1‬‬


‫وقال الضحاك ‪ :‬الجُوديّ ‪ :‬جبل بالموصل ‪ :‬وقال بعضهم ‪ :‬هو الطور‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن رافع ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبيد ‪ ،‬عن توبة (‪ )2‬بن‬
‫سالم قال ‪ :‬رأيت زِرّ بن حُبَيش يصلي في الزاوية حين يُدخل من أبواب كِندة على يمينك فسألته‬
‫ستْ من هاهنا‪.‬‬
‫إنك لكثير (‪ )3‬الصلة هاهنا يوم الجمعة ‪ ! :‬قال ‪ :‬بلغني أن سفينة نوح أرْ َ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان مع نوح في السفينة ثمانون رجل‬
‫وقال عِلْباء بن أحمد ‪ ،‬عن ِ‬
‫معهم أهلوهم ‪ ،‬وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوما ‪ ،‬وإن ال وجّه السفينة إلى مكة فدارت‬
‫بالبيت أربعين يوما ‪ ،‬ثم وجهها ال إلى الجُو ِديّ فاستقرت عليه ‪ ،‬فبعث نوح الغرابَ ليأتيه بخبر‬
‫الرض ‪ ،‬فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ‪ ،‬ولطخت‬
‫رجليها بالطين ‪ ،‬فعرف نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أن الماء قد نضب ‪ ،‬فهبط إلى أسفل الجُو ِديّ ‪،‬‬
‫فابتنى قرية وسماها ثمانين ‪ ،‬فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ‪ ،‬إحداها‬
‫اللسان (‪ )4‬العربي‪ .‬فكان بعضهم ل يفقه كلم بعض ‪ ،‬وكان نوح عليه السلم يُعبّر عنهم‪.‬‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬إن السفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن تستقر على الجوديّ‪.‬‬
‫وقال قتادة وغيره ‪ :‬ركبوا في عاشر شهر رجب فساروا مائة وخمسين واستقرت بهم على‬
‫الجودي شهرًا ‪ ،‬وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم‪ .‬وقد ورد نحو هذا في‬
‫حديث مرفوع رواه ابن جرير (‪ .)5‬وأنهم صاموا يومهم ذاك (‪ ، )6‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو جعفر ‪ ،‬حدثنا عبد الصمد بن حَبِيب الزدي ‪ ،‬عن أبيه حبيب بن‬
‫عبد ال ‪ ،‬عن شُبَيل ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬مر النبي صلى ال عليه وسلم بأناس من اليهود ‪ ،‬وقد‬
‫صاموا يوم عاشوراء ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا الصوم ؟ قالوا ‪ :‬هذا اليوم الذي نجى ال موسى وبني‬
‫إسرائيل من الغرق ‪ ،‬وغرق فيه فرعون ‪ ،‬وهذا يوم استوت (‪ )7‬فيه السفينة على الجُو ِديّ ‪،‬‬
‫فصامه (‪ )8‬نوح وموسى ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬شكرًا ل عز وجل‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أنا أحق بموسى ‪ ،‬وأحق بصوم هذا اليوم"‪ .‬فصام ‪ ،‬وقال لصحابه ‪" :‬من كان أصبح منكم صائما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فليتم صومه ‪ ،‬ومن كان أصاب من غَذاء أهله ‪ ،‬فليتم بقية يومه" (‪)9‬‬
‫وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه ‪ ،‬ولبعضه شاهدٌ في الصحيح (‪.)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬مدادا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تربة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ" "لتكثر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬لسان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )15/335‬وهو موضوع‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬استقرت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فصام"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/359‬‬
‫(‪ )10‬في صحيح البخاري برقم (‪ )4680‬من حديث عبد ال بن عباس رضي ال عنهما قال ‪ :‬قدم‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا يوم ظهر فيه موسى‬
‫على فرعون ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم لصحابه ‪" :‬أنتم أحق بموسى منهم ‪ ،‬فصوموا"‪.‬‬

‫( ‪)4/324‬‬

‫حكَمُ الْحَا ِكمِينَ (‪)45‬‬


‫ق وَأَ ْنتَ َأ ْ‬
‫حّ‬‫ن وَعْ َدكَ الْ َ‬
‫وَنَادَى نُوحٌ رَبّهُ َفقَالَ َربّ إِنّ ابْنِي مِنْ َأهْلِي وَإِ ّ‬

‫وقوله ‪َ { :‬وقِيلَ ُبعْدًا لِ ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ } أي ‪ :‬هلكًا وخسارًا (‪ )1‬لهم وبعدا (‪ )2‬من رحمة ال ‪،‬‬
‫فإنهم قد هلكوا عن آخرهم ‪ ،‬فلم يبق لهم بقية‪.‬‬
‫وقد روى المام أبو جعفر بن جرير والحبر أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيريهما (‪ )3‬من حديث‬
‫موسى بن يعقوب (‪ )4‬الزمعي ‪ ،‬عن قائد ‪ -‬مولى عبيد ال بن أبي رافع ‪ -‬أن إبراهيم بن عبد‬
‫الرحمن بن أبي ربيعة أخبره ‪ :‬أن عائشة زوج النبي صلى ال عليه وسلم أخبرته ‪ :‬أن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬لو رحم ال من قوم نوح أحدًا لرحم أم الصبي" ‪ ،‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬كان نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مكث في قومه ألف سنة [إل خمسين عاما] (‪، )5‬‬
‫يعني وغرس مائة سنة الشجر ‪ ،‬فعظمت وذهبت كل مذهب ‪ ،‬ثم قطعها ‪ ،‬ثم جعلها سفينة ويمرون‬
‫عليه ويسخرون منه ويقولون ‪ :‬تعمل (‪ )6‬سفينة في البَرّ ‪ ،‬فكيف تجري ؟ قال ‪ :‬سوف تعلمون‪.‬‬
‫فلما فرغ ونَبَع الماء ‪ ،‬وصار في السكك خشِيت أمّ الصبي عليه ‪ ،‬وكانت تحبه حبا شديدًا ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فخرجت إلى الجبل ‪ ،‬حتى بلغت ثلثه (‪ )7‬فلما بلغها الماء [ارتفعت حتى بلغت ثلثيه ‪ ،‬فلما بلغها‬
‫الماء] (‪ )8‬خرجت به حتى استوت على الجبل ‪ ،‬فلما بلغ رقبتها رفعته بيديها فغرقا فلو رحم ال‬
‫منهم أحدا لرحم أم الصبي" (‪.)9‬‬
‫وهذا حديث غريب من هذا الوجه ‪ ،‬وقد روي عن كعب الحبار ‪ ،‬ومجاهد بن جبر قصةُ هذا‬
‫الصبي وأمه بنحو من هذا‪.‬‬
‫حكَمُ ا ْلحَا ِكمِينَ (‪} )45‬‬
‫ق وَأَ ْنتَ َأ ْ‬
‫ن وَعْ َدكَ ا ْلحَ ّ‬
‫{ وَنَادَى نُوحٌ رَبّهُ َفقَالَ َربّ إِنّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِ ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هلك وخسارا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وبعد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تفسيرهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعقوب بن موسى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من الدر المنثور‪ .‬مستفاد من ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬يعمل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قتله"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من الدر المنثور‪ .‬مستفاد من ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪ )15/310‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/342‬من طريق سعيد بن أبي‬
‫مريم عن موسى بن يعقوب به نحوه ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح السناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي‬
‫قلت ‪" :‬إسناده مظلم وموسى بن يعقوب ليس بذاك"‪.‬‬

‫( ‪)4/325‬‬

‫ظكَ أَنْ‬
‫ع َملٌ غَيْ ُر صَالِحٍ فَلَا َتسْأَلْنِ مَا لَيْسَ َلكَ بِهِ عِ ْلمٌ إِنّي أَعِ ُ‬
‫قَالَ يَا نُوحُ إِنّهُ لَيْسَ مِنْ أَهِْلكَ إِنّهُ َ‬
‫َتكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (‪ )46‬قَالَ َربّ إِنّي أَعُوذُ ِبكَ أَنْ َأسْأََلكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْ ٌم وَإِلّا َت ْغفِرْ لِي‬
‫حمْنِي َأكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (‪)47‬‬
‫وَتَرْ َ‬

‫ظكَ أَنْ‬
‫عُ‬‫علْمٌ إِنّي أَ ِ‬
‫ع َملٌ غَيْ ُر صَالِحٍ فَل تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ َلكَ بِهِ ِ‬
‫{ قَالَ يَا نُوحُ إِنّهُ لَيْسَ مِنْ أَهِْلكَ إِنّهُ َ‬
‫َتكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (‪ )46‬قَالَ َربّ إِنّي أَعُوذُ ِبكَ أَنْ َأسْأََلكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْ ٌم وَإِل َت ْغفِرْ لِي‬
‫حمْنِي َأكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (‪} )47‬‬
‫وَتَرْ َ‬
‫هذا سؤال استعلم وكشف من نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عن حال ولده الذي غرق ‪َ { ،‬فقَالَ َربّ إِنّ‬
‫ابْنِي مِنْ أَهْلِي } أي ‪ :‬وقد وعدتني بنجاة أهلي ‪ ،‬ووعدُك الحق الذي ل يخلف ‪ ،‬فكيف غرق وأنت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أحكم الحاكمين ؟ { قَالَ يَا نُوحُ إِنّهُ لَيْسَ مِنْ أَهِْلكَ } أي ‪ :‬الذين وعدت إنجاءهم (‪ )1‬؛ لني (‪)2‬‬
‫إنما وعدتك (‪ )3‬بنجاة من آمن من أهلك ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَأَ ْهَلكَ إِل مَنْ سَبَقَ عَلَ ْيهِ ا ْل َقوْلُ } [هود ‪:‬‬
‫‪ ، ]40‬فكان هذا الولد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬نجاتهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الذين أي ‪ :‬ليس من أهلك وعدت بنجاتهم لنما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعدناك"‪.‬‬

‫( ‪)4/325‬‬

‫ممن سَبَق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبيّ ال نوحا ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫وقد نص غير واحد من الئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه ‪ ،‬وإنما كان‬
‫ابن زِنْية (‪ ، )1‬ويحكى القول بأنه ليس بابنه ‪ ،‬وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫ع َملٌ غَيْرُ‬
‫عمَير ‪ ،‬وأبي جعفر الباقر ‪ ،‬وابن جُرَيج ‪ ،‬واحتج بعضهم بقوله ‪ { :‬إِنّهُ َ‬
‫وعُبَيد بن ُ‬
‫صَالِحٍ } وبقوله ‪َ { :‬فخَانَتَاهمُا } [التحريم ‪ ، ]10 :‬فممن قاله الحسن البصري ‪ ،‬احتج بهاتين‬
‫اليتين‪ .‬وبعضهم يقول ‪ :‬كان ابن امرأته‪ .‬وهذا يحتمل (‪ )2‬أن يكون أراد ما أراد الحسن ‪ ،‬أو‬
‫أراد أنه نسب إليه مجازا ‪ ،‬لكونه كان ربيبًا عنده ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ :‬ما زنت امرأة نبي قط ‪ ،‬قال ‪ :‬وقوله ‪ { :‬إِنّهُ لَيْسَ مِنْ‬
‫أَهِْلكَ } أي ‪ :‬الذين وعدتك نجاتهم (‪.)3‬‬
‫وقولُ ابن عباس في هذا هو الحق الذي ل محيد عنه ‪ ،‬فإن ال سبحانه (‪ )4‬أغير من أن يمكن (‬
‫‪ )5‬امرأة نبي من الفاحشة (‪ )6‬ولهذا غضب ال على الذين رمَوا أم المؤمنين عائشة بنتَ الصدّيق‬
‫زوج النبي صلى ال عليه وسلم (‪ ، )7‬وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه ؛ ولهذا‬
‫عصْبَةٌ مِ ْنكُمْ ل َتحْسَبُوهُ شَرّا َلكُمْ َبلْ ُهوَ خَيْرٌ َلكُمْ ِل ُكلّ امْ ِرئٍ‬
‫قال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالفْكِ ُ‬
‫عظِيمٌ } إلى قوله { إِذْ تََل ّقوْنَهُ بِأَلْسِنَ ِت ُكمْ‬
‫سبَ مِنَ الثْ ِم وَالّذِي َتوَلّى كِبْ َرهُ مِ ْنهُمْ َلهُ عَذَابٌ َ‬
‫مِ ْنهُمْ مَا اكْتَ َ‬
‫عظِيمٌ } [النور ‪.]15 - 11 :‬‬
‫وَتَقُولُونَ بَِأ ْفوَا ِه ُكمْ مَا لَيْسَ َل ُكمْ بِهِ عِ ْل ٌم وَتَحْسَبُونَهُ هَيّنًا وَ ُهوَ عِنْدَ اللّهِ َ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬هو ابنه‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة وغيره ‪ ،‬عن ِ‬
‫عمِل عمل غير صالح" ‪،‬‬
‫غير أنه خالفه في العمل والنية‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬في بعض الحروف ‪" :‬إنه َ‬
‫والخيانة تكون على غير باب‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث أن رسول ال قرأ بذلك ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن أسماء بنت يزيد قالت ‪ ،‬سمعت رسول‬
‫شهْر بن َ‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ع ِملَ غَيْ َر صَالِح" ‪ ،‬وسمعته يقول (‪ { : )8‬يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقرأ ‪" :‬إِنّهُ َ‬
‫جمِيعًا } ول يبالي { إِنّهُ ُهوَ‬
‫حمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ َي ْغفِرُ الذّنُوبَ َ‬
‫سهِمْ ل َتقْنَطُوا مِنْ رَ ْ‬
‫أَسْ َرفُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ } [الزمر ‪.)9( ]53 :‬‬
‫شهْر بن‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا هارون النحوي ‪ ،‬عن ثابت البُنَاني ‪ ،‬عن َ‬
‫عمِل غَيْرَ صَالِح" (‪.)10‬‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن أم سلمة أن رسول ال قرأها ‪" :‬إنه َ‬
‫َ‬
‫أعاده أحمد أيضا في مسنده (‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ليس منك إنما هو ولد زنية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬محتمل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بنجاتهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يمكن من"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬هذه الفاحشة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬زوج النبي صلى ال عليه وسلم بالفاحشة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬يقرأ"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)6/454‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)6/294‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)6/322‬‬

‫( ‪)4/326‬‬

‫عذَابٌ‬
‫سهُمْ مِنّا َ‬
‫ك وَعَلَى ُأ َممٍ ِممّنْ َم َعكَ وَُأمَمٌ سَ ُنمَ ّت ُعهُمْ ثُمّ َيمَ ّ‬
‫قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ ِبسَلَامٍ مِنّا وَبَ َركَاتٍ عَلَ ْي َ‬
‫أَلِيمٌ (‪)48‬‬

‫أم سلمة هي (‪ )1‬أم المؤمنين والظاهر ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أنها أسماء (‪ )2‬بنت يزيد ‪ ،‬فإنها تكنى بذلك‬
‫أيضا (‪.)3‬‬
‫وقال عبد الرزاق أيضًا ‪ :‬أخبرنا الثوري وابن عيينة ‪ ،‬عن موسى بن أبي عائشة ‪ ،‬عن سليمان‬
‫بن قَتّة قال ‪ :‬سمعت ابن عباس ‪ -‬سُئِل ‪ -‬وهو إلى جَنْب الكعبة ‪ -‬عن قول ال ‪ { :‬فَخَانَتَا ُهمَا }‬
‫[التحريم ‪ ، ]10 :‬قال ‪ :‬أما وإنه لم يكن بالزنا ‪ ،‬ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون ‪ ،‬وكانت‬
‫ع َملٌ غَيْ ُر صَالِحٍ } قال ابن عيينة ‪ :‬وأخبرني عمار‬
‫هذه تدل على الضياف‪ .‬ثم قرأ ‪ { :‬إِنّهُ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال ُدهْبِي (‪ )4‬أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال ‪ :‬كان ابن نوح ‪ ،‬إن ال ل يكذب! قال تعالى ‪:‬‬
‫{ وَنَادَى نُوحٌ ابْ َنهُ } قال ‪ :‬وقال بعض العلماء ‪ :‬ما فجرت امرأة نبي قط (‪.)5‬‬
‫وكذا روي عن مجاهد أيضًا ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وميمون بن ِمهْران وثابت بن الحجاج ‪،‬‬
‫وهو اختيار أبي جعفر بن جرير ‪ ،‬وهو الصواب [الذي] (‪ )6‬ل شك فيه‪.‬‬
‫[وقوله] (‪: )7‬‬
‫سهُمْ مِنّا‬
‫ك وَُأمَمٌ سَ ُنمَ ّت ُعهُمْ ُثمّ َيمَ ّ‬
‫ك وَعَلَى ُأمَمٍ ِممّنْ َم َع َ‬
‫{ قِيلَ يَا نُوحُ اهْ ِبطْ بِسَلمٍ مِنّا وَبَ َركَاتٍ عَلَ ْي َ‬
‫عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪} )48‬‬
‫يخبر تعالى عما قيل لنوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين أرست السفينة على الجوديّ ‪ ،‬من السلم عليه ‪،‬‬
‫وعلى من معه من المؤمنين ‪ ،‬وعلى كل مؤمن من ذريته إلى يوم القيامة ‪ ،‬كما قال محمد بن‬
‫كعب ‪ :‬دخل في هذا السلم كلّ مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ‪ ،‬وكذلك في العذاب والمتاع كل‬
‫كافر وكافرة إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬ولما أراد أن يكف (‪ )8‬الطوفان أرسل ريحا على وجه الرض ‪ ،‬فسكن‬
‫الماء ‪ ،‬وانسدت ينابيع الرض الغمر الكبر (‪ )9‬وأبواب السماء ‪ ،‬يقول ال تعالى (‪َ { : )10‬وقِيلَ‬
‫ي َوقِيلَ‬
‫ضيَ المْ ُر وَاسْ َت َوتْ عَلَى الْجُو ِد ّ‬
‫سمَاءُ َأقِْلعِي وَغِيضَ ا ْلمَا ُء َو ُق ِ‬
‫يَا أَ ْرضُ ابَْلعِي مَا َءكِ [وَيَا َ‬
‫ُبعْدًا لِ ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ] } (‪)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هند"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إنما هي أسماء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال الطبري في تفسيره (‪" : )15/348‬ول نعلم هذه القراءة قرأ بها أحد من قرأة المصار إل‬
‫بعض المتأخرين ‪ ،‬واعتل في ذلك بخبر روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قرأ ذلك‬
‫كذلك ‪ ،‬غير صحيح السند ‪ ،‬وذلك حديث روي عن شهر بن حوشب ‪ ،‬فمرة يقول ‪ :‬عن أم‬
‫سلمة ‪ ،‬ومرة يقول عن أسماء بنت يزيد‪ ، .‬ول نعلم أبنت يزيد يريد ؟ ول نعلم لشهر سماعا يصح‬
‫عن أم سلمة"‪ .‬وانظر ‪ :‬حاشية الستاذ محمود شاكر عليه فقد أفاد وأجاد‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الذهبي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)15/343‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬يكف ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )9‬قال الستاذ محمود شاكر في حاشيته على الطبري (‪" : )15/239‬هكذا في المخطوطة‬
‫والمطبوعة ‪" :‬الغمر الكبر"‪ .‬وأنا أرجح أنه خطأ محض ‪ ،‬وأن الصواب ‪" :‬الغوط الكبر" وبهذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اللفظ رواه صاحب اللسان في مادة (غوط)"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يقول ال تعالى لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫( ‪)4/327‬‬

‫ت وَلَا َق ْو ُمكَ مِنْ قَ ْبلِ َهذَا فَاصْبِرْ إِنّ ا ْلعَاقِبَةَ‬


‫تِ ْلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ نُوحِيهَا ِإلَ ْيكَ مَا كُ ْنتَ َتعَْل ُمهَا أَ ْن َ‬
‫لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪)49‬‬

‫فجعل الماء ينقص ويَغيض ويُدْبِرُ ‪ ،‬وكان استواء الفلك على الجودي ‪ ،‬فيما يزعم أهل التوراة ‪،‬‬
‫في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه ‪ ،‬وفي أول يوم من الشهر العاشر ‪ ،‬رُئي رءوس‬
‫الجبال‪ .‬فلما مضى بعد ذلك أربعون يومًا ‪ ،‬فتح نوح ُكوّة الفُلْك التي ركب (‪ )1‬فيها ‪ ،‬ثم أرسل‬
‫الغرابَ لينظر له ما صنع الماء ‪ ،‬فلم يرجع إليه‪ .‬فأرسل الحمامة فرجعت إليه ‪ ،‬لم تجد لرجليها‬
‫موضعا ‪ ،‬فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها‪ .‬ثم مضى (‪ )2‬سبعة أيام ‪ ،‬ثم أرسلها لتنظر له‪.‬‬
‫فرجعت حين أمست ‪ ،‬وفي فيها وَرَق زيتون (‪ )3‬فعلم نوح أن الماء قد َقلّ عن وجه الرض‪ .‬ثم‬
‫مكث سبعة أيام ‪ ،‬فلم ترجع ‪ ،‬فعلم نوح أن الرض قد بَرَزَت ‪ ،‬فلما كملت السنة فيما بين أن‬
‫أرسل ال الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ‪ ،‬ودخل يوم واحد من الشهر الول من سنة‬
‫اثنتين ‪ ،‬برز وجه الرض ‪ ،‬وظهر اليَبَس (‪ )4‬وكشف نوح غطاء الفلك ورأى وجه الرض ‪،‬‬
‫وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين ‪ ،‬في سبع وعشرين ليلة منه { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلمٍ مِنّا‬
‫ك وَعَلَى ُأمَمٍ ِممّنْ َم َعكَ] } (‪[ )5‬إلى آخر] (‪ )6‬الية (‪.)7‬‬
‫[وَبَ َركَاتٍ عَلَ ْي َ‬
‫{ تِ ْلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ نُوحِيهَا إِلَ ْيكَ مَا كُ ْنتَ َتعَْل ُمهَا أَ ْنتَ وَل َق ْو ُمكَ مِنْ قَ ْبلِ َهذَا فَاصْبِرْ إِنّ ا ْلعَاقِبَةَ‬
‫لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪} )49‬‬
‫يقول تعالى لنبيه [ورسوله محمد] (‪ )8‬صلى ال عليه وسلم (‪ .)9‬هذه القصة وأشباههَا (‪ { )10‬مِنْ‬
‫أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ } يعني ‪ :‬من أخبار الغيوب السالفة نوحيها إليك على وجهها [وجليتها] (‪ ، )11‬كأنك‬
‫شاهدها (‪ { ، )12‬نُوحِيهَا إِلَ ْيكَ } أي ‪ :‬نعلمك بها وحيا (‪ )13‬منا إليك ‪ { ،‬مَا كُ ْنتَ َتعَْل ُمهَا أَ ْنتَ وَل‬
‫َق ْومُكَ مِنْ قَ ْبلِ َهذَا } أي ‪ :‬لم يكن عندك ول عند أحد من قومك علم بها ‪ ،‬حتى يقول من يكذبك ‪:‬‬
‫إنك تعلمتها (‪ )14‬منه ‪ ،‬بل أخبرك ال بها مطابقة لما كان عليه المر الصحيح ‪ ،‬كما تشهد به‬
‫كتب النبياء قبلك ‪ ،‬فاصبر على تكذيب من كذبك من قومك ‪ ،‬وأذاهم لك ‪ ،‬فإنا سننصرك (‪)15‬‬
‫ونحوطك بعنايتنا ‪ ،‬ونجعل العاقبة لك ولتباعك في الدنيا والخرة ‪ ،‬كما فعلنا [بإخوانك] (‪)16‬‬
‫بالمرسلين (‪ )17‬حيث نصرناهم على أعدائهم ‪ { ،‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا [فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شهَادُ َيوْمَ ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ َم ْعذِرَ ُتهُ ْم وََلهُمُ الّلعْ َن ُة وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ] } [غافر ‪، 51 :‬‬
‫وَ َيوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫‪، ]52‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صنع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مضت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬زيتونة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬النسر" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬البشر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)15/338‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وما أشبهها"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬مشاهد لها"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬بوحي"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬تعلمها"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪" :‬سنؤيدك ‪ :‬ونبصرك" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فإنا سنؤيدك"‪.‬‬
‫(‪ )16‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )17‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من المرسلين"‪.‬‬

‫( ‪)4/328‬‬

‫وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا َلكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلّا مُفْتَرُونَ (‪ )50‬يَا َقوْمِ‬
‫علَى الّذِي فَطَرَنِي َأفَلَا َت ْعقِلُونَ (‪ )51‬وَيَا َقوْمِ اسْ َت ْغفِرُوا رَ ّبكُمْ ُثمّ‬
‫لَا أَسْأَُل ُكمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْ ِريَ إِلّا َ‬
‫سمَاءَ عَلَ ْيكُمْ ِمدْرَارًا وَيَزِ ْدكُمْ ُق ّوةً إِلَى ُقوّ ِتكُ ْم وَلَا تَ َتوَّلوْا مُجْ ِرمِينَ (‪ )52‬قَالُوا يَا‬
‫سلِ ال ّ‬
‫تُوبُوا إِلَ ْيهِ يُرْ ِ‬
‫هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَ ٍة َومَا َنحْنُ بِتَا ِركِي آَِلهَتِنَا عَنْ َقوِْلكَ َومَا َنحْنُ َلكَ ِب ُم ْؤمِنِينَ (‪)53‬‬

‫(‪ )1‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ سَ َب َقتْ كَِلمَتُنَا ِلعِبَادِنَا ا ْلمُرْسَلِينَ إِ ّنهُمْ َلهُمُ ا ْلمَ ْنصُورُونَ [وَإِنّ جُ ْندَنَا َلهُمُ‬
‫ا ْلغَالِبُونَ] } [الصافات ‪ )2( ، ]173 - 171 :‬وقال تعالى ‪ { :‬فَاصْبِرْ إِنّ ا ْلعَاقِبَةَ لِ ْلمُ ّتقِينَ }‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ وَإِلَى عَادٍ أَخَا ُهمْ هُودًا قَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا َلكُمْ مِنْ إَِلهٍ غَيْ ُرهُ إِنْ أَنْ ُتمْ إِل ُمفْتَرُونَ (‪ )50‬يَا‬
‫َقوْمِ ل أَسْأَُلكُمْ عَلَيْهِ َأجْرًا إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى الّذِي فَطَرَنِي َأفَل َت ْعقِلُونَ (‪ )51‬وَيَا َقوْمِ اسْ َت ْغفِرُوا‬
‫سمَاءَ عَلَ ْيكُمْ ِمدْرَارًا وَيَزِ ْدكُمْ ُق ّوةً إِلَى ُقوّ ِتكُ ْم وَل تَ َتوَلّوْا ُمجْ ِرمِينَ (‪} )52‬‬
‫سلِ ال ّ‬
‫رَ ّبكُمْ ُثمّ تُوبُوا إِلَ ْيهِ يُرْ ِ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولقد أرسلنا ‪ { ،‬إِلَى عَادٍ َأخَاهُمْ هُودًا } آمرا لهم بعبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬ناهيا‬
‫لهم (‪ )3‬عن [عبادة] (‪ )4‬الوثان التي افتروها واختلقوا لها أسماء اللهة ‪ ،‬وأخبرهم أنه ل يريد‬
‫منهم أجرة على هذا النصح والبلغ من ال ‪ ،‬إنما يبغي ثوابه [على ذلك وأجره] (‪ )5‬من ال الذي‬
‫فطره { َأفَل َت ْعقِلُونَ } من يدعوكم إلى ما يصلحكم في الدنيا والخرة من غير أجرة (‪.)6‬‬
‫ثم أمرهم بالستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة ‪ ،‬وبالتوبة عما يستقبلون [من العمال السابقة]‬
‫(‪ )7‬ومن اتصف بهذه الصفة يسر ال عليه رزقه ‪ ،‬وسهل عليه أمره وحفظ [عليه] (‪ )8‬شأنه‬
‫سمَاءَ عَلَ ْيكُمْ مِدْرَارًا } [نوح ‪ ، ]11 :‬و[كما جاء] (‪ )10‬وفي‬
‫سلِ ال ّ‬
‫[وقوته] (‪ )9‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬يُرْ ِ‬
‫الحديث ‪" :‬من لزم (‪ )11‬الستغفار جعل ال له من كل هَم فرجا ‪ ،‬ومن كل ضيق مخرجا ‪،‬‬
‫ورزقه من حيث ل يحتسب"‪.‬‬
‫{ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَ ٍة َومَا نَحْنُ بِتَا ِركِي آِلهَتِنَا عَنْ َقوِْلكَ َومَا نَحْنُ َلكَ ِب ُم ْؤمِنِينَ (‪} )53‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ونهاهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من غير جعل ول أجر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أكثر من"‪.‬‬

‫( ‪)4/329‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ش َهدُوا أَنّي بَرِيءٌ ِممّا تُشْ ِركُونَ (‪)54‬‬
‫شهِدُ اللّ َه وَا ْ‬
‫إِنْ َنقُولُ إِلّا اعْتَرَاكَ َب ْعضُ آَِلهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنّي أُ ْ‬
‫جمِيعًا ُثمّ لَا تُ ْنظِرُونِ (‪ )55‬إِنّي َت َوكّ ْلتُ عَلَى اللّهِ رَبّي وَرَ ّبكُمْ مَا مِنْ دَابّةٍ إِلّا ُهوَ‬
‫مِنْ دُونِهِ َفكِيدُونِي َ‬
‫َآخِذٌ بِنَاصِيَ ِتهَا إِنّ رَبّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪)56‬‬

‫شهَدُوا أَنّي بَرِيءٌ ِممّا تُشْ ِركُونَ (‬


‫ش ِهدُ اللّ َه وَا ْ‬
‫{ إِنْ َنقُولُ إِل اعْتَرَاكَ َب ْعضُ آِلهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنّي أُ ْ‬
‫جمِيعًا ُثمّ ل تُنْظِرُونِ (‪ )55‬إِنّي َت َوكّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبّي وَرَ ّبكُمْ مَا مِنْ دَابّةٍ‬
‫‪ )54‬مِنْ دُونِهِ َفكِيدُونِي َ‬
‫إِل ُهوَ آخِذٌ بِنَاصِيَ ِتهَا إِنّ رَبّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪} )56‬‬
‫يخبر (‪ )1‬تعالى [إخبارًا عن قوم هود] (‪ )2‬أنهم قالوا لنبيهم ‪ { :‬مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ } أي ‪ :‬بحجة [ول‬
‫دللة] (‪[ )3‬ول] (‪ )4‬وبرهان على ما تدعيه ‪َ { ،‬ومَا َنحْنُ بِتَا ِركِي آِلهَتِنَا عَنْ َقوِْلكَ } أي ‪ :‬بمجرد‬
‫قولك ‪" :‬اتركوهم" نتركهم ‪َ { ،‬ومَا َنحْنُ َلكَ ِب ُم ْؤمِنِينَ } [أي] (‪ )5‬بمصدقين ‪ { ،‬إِنْ َنقُولُ إِل اعْتَرَاكَ‬
‫َب ْعضُ آِلهَتِنَا بِسُوءٍ } يقولون ‪ :‬ما نظن إل أن بعض اللهة أصابك بجنون وخبَل في عقلك بسبب‬
‫نهيك عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/329‬‬

‫فَإِنْ َتوَّلوْا َفقَدْ أَبَْلغْ ُتكُمْ مَا أُرْسِ ْلتُ ِبهِ إِلَ ْيكُ ْم وَيَسْ َتخِْلفُ رَبّي َق ْومًا غَيْ َركُ ْم وَلَا َتضُرّونَهُ شَيْئًا إِنّ رَبّي‬
‫حمَةٍ مِنّا وَنَجّيْنَا ُهمْ مِنْ‬
‫حفِيظٌ (‪ )57‬وََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا َنجّيْنَا هُودًا وَالّذِينَ َآمَنُوا َمعَهُ بِ َر ْ‬
‫شيْءٍ َ‬
‫عَلَى ُكلّ َ‬
‫عصَوْا رُسَُل ُه وَاتّ َبعُوا َأمْرَ ُكلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ (‪)59‬‬
‫حدُوا بِآَيَاتِ رَ ّب ِه ْم وَ َ‬
‫عَذَابٍ غَلِيظٍ (‪ )58‬وَتِ ْلكَ عَادٌ جَ َ‬
‫وَأُتْ ِبعُوا فِي َه ِذهِ الدّنْيَا َلعْ َن ًة وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ أَلَا إِنّ عَادًا َكفَرُوا رَ ّبهُمْ أَلَا ُبعْدًا ِلعَادٍ َقوْمِ هُودٍ (‪)60‬‬

‫شهَدُوا } [أي أنتم أيضا] (‪ { )1‬أَنّي بَرِيءٌ ِممّا تُشْ ِركُونَ‬


‫ش ِهدُ اللّهَ وَا ْ‬
‫عبادتها وعيبك لها { قَالَ إِنّي أُ ْ‬
‫جمِيعًا } أي ‪ :‬أنتم‬
‫مِنْ دُونِهِ } (‪ .)2‬يقول ‪ :‬إني بريء من جميع النداد والصنام ‪َ { ،‬فكِيدُونِي َ‬
‫وآلهتكم إن كانت حقا ‪[ ،‬ف ذروها تكيدني] (‪ { ، )3‬ثُمّ ل تُ ْنظِرُونِ } أي ‪ :‬طرفة عين [واحدة] (‬
‫‪.)4‬‬
‫علَى اللّهِ رَبّي وَرَ ّبكُمْ مَا مِنْ دَابّةٍ إِل ُهوَ آخِذٌ بِنَاصِيَ ِتهَا } أي ‪[ :‬هي] (‪)5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّي َت َوكّ ْلتُ َ‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تحت قهره وسلطانه ‪ ،‬وهو الحاكم العادل الذي ل يجور في حكمه ‪ ،‬فإنه على صراط مستقيم‪.‬‬
‫قال الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن صفوان بن عمرو (‪ )6‬عن أيفع بن عبد الكلعي أنه قال في قوله تعالى‬
‫خذٌ بِنَاصِيَ ِتهَا إِنّ رَبّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } قال ‪ :‬فيأخذ بنواصي عباده‬
‫‪ { :‬مَا مِنْ دَابّةٍ إِل ُهوَ آ ِ‬
‫فيلقى المؤمن (‪ )7‬حتى يكون له (‪ )8‬أشفق من الوالد لولده (‪ )9‬ويقال للكافر ‪ { :‬مَا غَ ّركَ بِرَ ّبكَ‬
‫ا ْلكَرِيمِ } [النفطار ‪.]6 :‬‬
‫وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودللة قاطعة على صدق ما جاءهم به ‪ ،‬وبطلن ما هم عليه من‬
‫جمَاد ل تسمع ول تبصر ‪ ،‬ول تُوالي ول تُعادي ‪،‬‬
‫عبادة الصنام التي ل تنفع ول تضر ‪ ،‬بل هي َ‬
‫وإنما يستحق إخلص العبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬الذي بيده الملك ‪ ،‬وله التصرف ‪ ،‬وما من‬
‫شيء إل تحت ملكه وقهره وسلطانه ‪ ،‬فل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫{ فَإِنْ َتوَّلوْا َفقَدْ أَبَْلغْ ُتكُمْ مَا أُرْسِ ْلتُ بِهِ إِلَ ْي ُك ْم وَيَسْتَخِْلفُ رَبّي َق ْومًا غَيْ َركُ ْم وَل َتضُرّونَهُ شَيْئًا إِنّ رَبّي‬
‫حمَةٍ مِنّا وَنَجّيْنَا ُهمْ مِنْ‬
‫حفِيظٌ (‪ )57‬وََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا َنجّيْنَا هُودًا وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ بِ َر ْ‬
‫شيْءٍ َ‬
‫عَلَى ُكلّ َ‬
‫عصَوْا رُسَُل ُه وَاتّ َبعُوا َأمْرَ ُكلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ (‪)59‬‬
‫حدُوا بِآيَاتِ رَ ّب ِه ْم وَ َ‬
‫عَذَابٍ غَلِيظٍ (‪ )58‬وَتِ ْلكَ عَادٌ جَ َ‬
‫وَأُتْ ِبعُوا فِي َه ِذهِ الدّنْيَا َلعْ َن ًة وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ أَل إِنّ عَادًا َكفَرُوا رَ ّبهُمْ أَل ُبعْدًا ِلعَادٍ َقوْمِ هُودٍ (‪} )60‬‬
‫يقول لهم [رسولهم] (‪ )10‬هود ‪ :‬فإن تولوا عما جئتكم به من عبادة ال ربكم وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫فقد قامت عليكم الحجة بإبلغي إياكم رسالة ال التي بعثني بها ‪ { ،‬وَيَسْتَخِْلفُ رَبّي َق ْومًا غَيْ َر ُكمْ }‬
‫(‪ )11‬يعبدونه وحده ل يشركون به [شيئًا] (‪ )12‬ول يبالي بكم ‪ :‬فإنكم ل تضرونه بكفركم بل (‬
‫حفِيظٌ } أي ‪ :‬شاهد وحافظ لقوال عباده‬
‫شيْءٍ َ‬
‫‪ )13‬يعود وَبَال ذلك عليكم ‪ { ،‬إِنّ رَبّي عَلَى ُكلّ َ‬
‫وأفعالهم ويجزيهم (‪ )14‬عليها إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬تدعون" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬محرز"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬للمؤمن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬بولده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ال" وهو خطأ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكفركم وإنما"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬وتجزيهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/330‬‬

‫وَإِلَى َثمُودَ َأخَا ُه ْم صَالِحًا قَالَ يَا َقوْمِ اعْ ُبدُوا اللّهَ مَا َلكُمْ مِنْ إَِلهٍ غَيْ ُرهُ ُهوَ أَنْشََأ ُكمْ مِنَ الْأَ ْرضِ‬
‫وَاسْ َت ْعمَ َركُمْ فِيهَا فَاسْ َت ْغفِرُوهُ ُثمّ تُوبُوا إِلَ ْيهِ إِنّ رَبّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (‪ )61‬قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُ ْنتَ فِينَا‬
‫شكّ ِممّا َتدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (‪)62‬‬
‫جوّا قَ ْبلَ هَذَا أَتَ ْنهَانَا أَنْ َنعْبُدَ مَا َيعْ ُبدُ آَبَاؤُنَا وَإِنّنَا َلفِي َ‬
‫مَرْ ُ‬

‫{ وََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا } وهو [ما أرسل ال عليهم من] (‪ )1‬الريح العقيم [التي ل تمر بشيء إل جعلته‬
‫كالرميم] (‪ )2‬فأهلكهم ال عن آخرهم ‪ ،‬ونجى [من بينهم رسولهم] (‪ )3‬هودا وأتباعه [المؤمنين] (‬
‫‪ )4‬من عذاب غليظ برحمته تعالى ولطفه‪.‬‬
‫عصَوا رسل ال ‪ ،‬وذلك أن من كفر‬
‫جحَدُوا بِآيَاتِ رَ ّبهِمْ } [أي] (‪ )5‬كفروا بها ‪ ،‬و َ‬
‫{ وَتِ ْلكَ عَادٌ َ‬
‫بنبي فقد كفر بجميع النبياء ‪ ،‬لنه ل فرق بين أحد منهم في وجوب اليمان به ‪ ،‬فعاد كفروا بهود‬
‫‪ ،‬فنزل كفرهم [به] (‪ )6‬منزلة من كفر بجميع الرسل ‪ { ،‬وَاتّ َبعُوا َأمْرَ ُكلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ } تركوا‬
‫اتباع رسولهم الرشيد ‪ ،‬واتبعوا أمر كل جبار عنيد‪ .‬فلهذا أتبعوا في هذه الدنيا لعنة من ال ومن‬
‫عباده المؤمنين كلما ذكروا وينادى عليهم يوم القيامة على رءوس الشهاد (‪ { ، )7‬أَل إِنّ عَادًا‬
‫َكفَرُوا رَ ّبهُمْ [أَل ُب ْعدًا ِلعَادٍ َقوْمِ هُودٍ] } (‪.)8‬‬
‫قال السّدّي ‪ :‬ما بُعث نبي بعد عاد إل لعنوا على لسانه‪.‬‬
‫{ وَإِلَى َثمُودَ َأخَاهُ ْم صَاِلحًا قَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا َلكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ ُهوَ أَنْشََأكُمْ مِنَ ال ْرضِ‬
‫وَاسْ َت ْعمَ َركُمْ فِيهَا فَاسْ َت ْغفِرُوهُ ُثمّ تُوبُوا إِلَ ْيهِ إِنّ رَبّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (‪} )61‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولقد أرسلنا { إِلَى َثمُودَ } وهم الذين كانوا يسكنون (‪ )9‬مدائن الحجر بين تبوك‬
‫والمدينة ‪ ،‬وكانوا بعد عاد ‪ ،‬فبعث ال منهم (‪َ { )10‬أخَا ُه ْم صَالِحًا } فأمرهم (‪ )11‬بعبادة ال وحده‬
‫[ل شريك له الخالق الرازق] (‪ )12‬؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬هوَ أَ ْنشََأكُمْ مِنَ ال ْرضِ } أي ‪ :‬ابتدأ خلقكم‬
‫منها ‪[ ،‬من الرض التي] (‪ )13‬خلق منها أباكم آدم ‪ { ،‬وَاسْ َت ْعمَ َركُمْ فِيهَا } أي ‪ :‬جعلكم [فيها] (‬
‫عمّارا تعمرونها وتستغلونها ‪ ،‬لسالف ذنوبكم ‪ُ { ،‬ثمّ تُوبُوا إِلَيْهِ } فيما تستقبلونه ؛ { إِنّ رَبّي‬
‫‪ُ )14‬‬
‫ع َوةَ الدّاعِ إِذَا‬
‫قَرِيبٌ ُمجِيبٌ } كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذَا سَأََلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَ ْ‬
‫دَعَانِ } الية [البقرة ‪.]186 :‬‬
‫شكّ ِممّا‬
‫جوّا قَ ْبلَ هَذَا أَتَ ْنهَانَا أَنْ َنعْبُدَ مَا َيعْ ُبدُ آبَاؤُنَا وَإِنّنَا َلفِي َ‬
‫{ قَالُوا يَا صَالِحُ َقدْ كُ ْنتَ فِينَا مَرْ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (‪} )62‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬عليهم على رءوس الخلئق يوم القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬يستكبرون"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيهم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬فأمره"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )14‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/331‬‬

‫عصَيْتُهُ‬
‫حمَةً َفمَنْ يَ ْنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ َ‬
‫علَى بَيّ َنةٍ مِنْ رَبّي وَآَتَانِي مِ ْنهُ رَ ْ‬
‫قَالَ يَا َقوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُ ْنتُ َ‬
‫َفمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (‪)63‬‬

‫حمَةً َفمَنْ يَ ْنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ‬


‫{ قَالَ يَا َقوْمِ أَ َرأَيْتُمْ إِنْ كُ ْنتُ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّي وَآتَانِي مِنْهُ َر ْ‬
‫خسِيرٍ (‪} )63‬‬
‫عصَيْتُهُ َفمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَ ْ‬
‫َ‬
‫يذكر تعالى ما كان من الكلم بين صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وبين قومه ‪ ،‬وما كان عليه قومه من‬
‫جوّا قَ ْبلَ َهذَا } أي ‪ :‬كنا نرجوك في عقلك قبل أن‬
‫الجهل والعناد في قولهم ‪ { :‬قَدْ كُ ْنتَ فِينَا مَرْ ُ‬
‫تقول ما‬

‫( ‪)4/331‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عذَابٌ قَرِيبٌ‬
‫وَيَا َقوْمِ هَ ِذهِ نَا َقةُ اللّهِ َلكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَ ْأ ُكلْ فِي أَ ْرضِ اللّهِ وَلَا َت َمسّوهَا بِسُوءٍ فَيَ ْأخُ َذكُمْ َ‬
‫ك وَعْدٌ غَيْرُ َمكْذُوبٍ (‪ )65‬فََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا َنجّيْنَا‬
‫(‪َ )64‬ف َعقَرُوهَا َفقَالَ َتمَ ّتعُوا فِي دَا ِركُمْ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ ذَِل َ‬
‫ح َمةٍ مِنّا َومِنْ خِ ْزيِ َي ْومِئِذٍ إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْلقَ ِويّ ا ْلعَزِيزُ (‪ )66‬وَأَخَذَ الّذِينَ‬
‫صَالِحًا وَالّذِينَ َآمَنُوا َمعَهُ بِرَ ْ‬
‫حةُ فََأصْبَحُوا فِي دِيَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ (‪ )67‬كَأَنْ َلمْ َيغْ َنوْا فِيهَا أَلَا إِنّ َثمُودَ َكفَرُوا رَ ّبهُمْ أَلَا‬
‫ظََلمُوا الصّيْ َ‬
‫جلٍ‬
‫ُبعْدًا لِ َثمُودَ (‪ )68‬وََلقَدْ جَا َءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْ ُبشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ َفمَا لَ ِبثَ أَنْ جَاءَ ِبعِ ْ‬
‫خفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى‬
‫صلُ إِلَيْهِ َنكِرَ ُه ْم وََأوْجَسَ مِ ْنهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا َت َ‬
‫حَنِيذٍ (‪ )69‬فََلمّا رَأَى أَيْدِ َي ُهمْ لَا َت ِ‬
‫سحَاقَ َي ْعقُوبَ (‪)71‬‬
‫ق َومِنْ وَرَاءِ إِ ْ‬
‫ح َكتْ فَبَشّرْنَاهَا بِِإسْحَا َ‬
‫َقوْمِ لُوطٍ (‪ )70‬وَامْرَأَتُهُ قَا ِئ َمةٌ َفضَ ِ‬

‫شكّ ِممّا تَدْعُونَا إِلَ ْيهِ‬


‫قلت! { أَتَ ْنهَانَا أَنْ َنعْ ُبدَ مَا َيعْبُدُ آبَاؤُنَا } وما كان عليه أسلفنا ‪ { ،‬وَإِنّنَا َلفِي َ‬
‫مُرِيبٍ } أي ‪[ :‬في] (‪ )1‬شك كثير (‪.)2‬‬
‫{ قَالَ يَا َقوْمِ أَ َرأَيْتُمْ إِنْ كُ ْنتُ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّي } فيما أرسلني به إليكم على يقين وبرهان [من ال]‬
‫عصَيْتُهُ } وتركت دعوتكم إلى الحق وعبادة‬
‫حمَةً َفمَنْ يَ ْنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ َ‬
‫(‪ { ، )3‬وَآتَانِي مِنْهُ َر ْ‬
‫ال وحده ‪ ،‬فلو تركته (‪ )4‬لما نفعتموني ولما زدتموني { غَيْرَ َتخْسِيرٍ } أي ‪ :‬خسارة‪.‬‬
‫{ وَيَا َقوْمِ هَ ِذهِ نَاقَةُ اللّهِ َل ُكمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَ ْأ ُكلْ فِي أَ ْرضِ اللّ ِه وَل َتمَسّوهَا بِسُوءٍ فَيَ ْأخُ َذكُمْ عَذَابٌ‬
‫قَرِيبٌ (‪َ )64‬ف َعقَرُوهَا َفقَالَ َتمَ ّتعُوا فِي دَا ِركُمْ ثَلثَةَ أَيّامٍ ذَِلكَ وَعْدٌ غَيْرُ َمكْذُوبٍ (‪ )65‬فََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا‬
‫حمَةٍ مِنّا َومِنْ خِ ْزيِ َي ْومِئِذٍ إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْل َق ِويّ ا ْلعَزِيزُ (‪ )66‬وََأخَذَ‬
‫نَجّيْنَا صَاِلحًا وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ بِرَ ْ‬
‫حةُ فََأصْبَحُوا فِي دِيَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ (‪ )67‬كَأَنْ َلمْ َيغْ َنوْا فِيهَا أَل إِنّ َثمُودَ َكفَرُوا‬
‫الّذِينَ ظََلمُوا الصّيْ َ‬
‫رَ ّبهُمْ أَل ُبعْدًا لِ َثمُودَ (‪} )68‬‬
‫وتقدم الكلم على هذه القصة مستوفى في سورة "العراف" (‪ )5‬بما أغنى عن إعادته ها هنا ‪،‬‬
‫وبال التوفيق‪.‬‬
‫جلٍ حَنِيذٍ (‪ )69‬فََلمّا‬
‫{ وََلقَدْ جَا َءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْ ُبشْرَى قَالُوا سَلمًا قَالَ سَلمٌ َفمَا لَ ِبثَ أَنْ جَاءَ ِبعِ ْ‬
‫خفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى َقوْمِ لُوطٍ (‪)70‬‬
‫صلُ إِلَ ْيهِ َنكِرَهُ ْم وََأوْجَسَ مِ ْنهُمْ خِيفَةً قَالُوا ل َت َ‬
‫رَأَى أَيْدِ َي ُه ْم ل َت ِ‬
‫سحَاقَ َيعْقُوبَ (‪} )71‬‬
‫ن وَرَاءِ إِ ْ‬
‫ق َومِ ْ‬
‫ح َكتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَا َ‬
‫وَامْرَأَتُهُ قَا ِئمَةٌ َفضَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كبير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فلو تركت ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬عند تفسير اليات ‪.78 - 73‬‬

‫( ‪)4/332‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شيْءٌ عَجِيبٌ (‪ )72‬قَالُوا أَ َتعْجَبِينَ مِنْ َأمْرِ‬
‫عجُو ٌز وَهَذَا َبعْلِي شَ ْيخًا إِنّ َهذَا َل َ‬
‫قَاَلتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِ ُد وَأَنَا َ‬
‫حمِيدٌ َمجِيدٌ (‪)73‬‬
‫حمَةُ اللّ ِه وَبَ َركَاتُهُ عَلَ ْيكُمْ أَ ْهلَ الْبَ ْيتِ إِنّهُ َ‬
‫اللّهِ َر ْ‬

‫عجِيبٌ (‪ )72‬قَالُوا أَ َت ْعجَبِينَ مِنْ َأمْرِ‬


‫شيْءٌ َ‬
‫{ قَاَلتْ يَا وَيْلَتَا أَأَِل ُد وَأَنَا عَجُو ٌز وَ َهذَا َبعْلِي شَيْخًا إِنّ هَذَا لَ َ‬
‫حمِيدٌ َمجِيدٌ (‪} )73‬‬
‫حمَةُ اللّ ِه وَبَ َركَاتُهُ عَلَ ْيكُمْ أَ ْهلَ الْبَ ْيتِ إِنّهُ َ‬
‫اللّهِ َر ْ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََلمّا جَا َءتْ ُرسُلُنَا } وهم الملئكة ‪ ،‬إبراهيم بالبشرى ‪ ،‬قيل ‪ :‬تبشره (‪)1‬‬
‫بإسحاق ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بهلك قوم لوط‪ .‬ويشهد للول قوله تعالى ‪ { :‬فََلمّا ذَ َهبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ال ّر ْوعُ‬
‫وَجَاءَ ْتهُ الْبُشْرَى ُيجَادِلُنَا فِي َقوْمِ لُوطٍ } [هود ‪ { ، ]74 :‬قَالُوا سَلمًا قَالَ سَلمٌ } أي ‪ :‬عليكم‪.‬‬
‫قال علماء (‪ )2‬البيان ‪ :‬هذا أحسن مما حَيّوه به ؛ لن الرفع يدل على الثبوت والدوام (‪.)3‬‬
‫جلٍ حَنِيذٍ } أي ‪ :‬ذهب (‪ )4‬سريعا ‪ ،‬فأتاهم بالضيافة ‪ ،‬وهو عجل ‪ :‬فتى البقر‬
‫{ َفمَا لَ ِبثَ أَنْ جَاءَ ِب ِع ْ‬
‫‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬تبشيره"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬علمنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والستقرار"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فذهب"‪.‬‬

‫( ‪)4/332‬‬

‫حَنِيذ ‪[ :‬وهو] (‪ )1‬مَشْوي [شيًا ناضجًا] (‪ )2‬على ال ّرضْف ‪ ،‬وهي الحجارة المُحْماة‪.‬‬
‫هذا معنى ما روي عن ابن عباس [ومجاهد] (‪ )3‬وقتادة [والضحاك ‪ ،‬والسدي] (‪ )4‬وغير واحد ‪،‬‬
‫سمِينٍ َفقَرّبَهُ إِلَ ْيهِمْ قَالَ أَل تَ ْأكُلُونَ }‬
‫جلٍ َ‬
‫كما قال في الية الخرى ‪ { :‬فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ ِب ِع ْ‬
‫[الذاريات ‪.]27 ، 26 :‬‬
‫وقد تضمّنت هذه الية آداب الضيافة من وجوه كثيرة‪.‬‬
‫صلُ إِلَيْهِ َنكِرَ ُهمْ } تَنَكرهم ‪ { ،‬وََأوْجَسَ مِ ْنهُمْ خِيفَةً } وذلك أن‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلمّا رَأَى أَ ْيدِ َيهُمْ ل َت ِ‬
‫الملئكة ل همة لهم إلى الطعام ول يشتهونه ول يأكلونه ؛ فلهذا رأى حالهم معرضين (‪ )5‬عما‬
‫جاءهم به ‪ ،‬فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نَكرهم ‪ { ،‬وََأوْجَسَ مِ ْن ُهمْ خِيفَةً }‪.‬‬
‫قال السدّي ‪ :‬لما بعث ال الملئكة لقوم لوط (‪ )6‬أقبلت تمشي في صُور رجال شبان (‪ )7‬حتى‬
‫سمِينٍ‬
‫جلٍ َ‬
‫نزلوا على إبراهيم فتضيفوه ‪ ،‬فلما رآهم [إبراهيم] (‪ )8‬أجَلّهم ‪ { ،‬فَرَاغَ إِلَى َأهْلِهِ َفجَاءَ ِبعِ ْ‬
‫} فذبحه ثم شواه في الرضف (‪[ .)9‬فهو الحنيد حين شواه] (‪ )10‬وأتاهم به فقعد معهم ‪ ،‬وقامت‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سارة تخدمهم (‪ )11‬فذلك حين يقول ‪" :‬وامرأته قائمة وهو جالس" في قراءة ابن مسعود ‪" :‬فلما‬
‫قَربه إليهم قال أل تأكلون قالوا ‪ :‬يا إبراهيم إنا ل نأكل طعاما إل بثمن‪ .‬قال فإن لهذا ثمنا‪ .‬قالوا (‬
‫‪ )12‬وما ثمنه ؟ قال ‪ :‬تذكرون اسم ال على أوله ‪ ،‬وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى‬
‫صلُ إِلَيْهِ َنكِرَ ُهمْ } يقول ‪:‬‬
‫ميكائيل فقال ‪ :‬حُق لهذا أن يتخذه ربه خليل" ‪ { ،‬فََلمّا رَأَى أَ ْيدِ َيهُمْ ل َت ِ‬
‫فلما رآهم ل يأكلون فزع منهم ‪ ،‬وأوجس منهم خيفة ‪ ،‬فلما نظرت إليه (‪ )13‬سارة أنه قد أكرمهم‬
‫وقامت هي تخدمهم ‪ ،‬ضحكت وقالت ‪ :‬عجبا لضيافنا هؤلء ‪[ ،‬إنا] (‪ )14‬نخدمهم بأنفسنا كرامة‬
‫(‪ )15‬لهم ‪ ،‬وهم ل يأكلون طعامنا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا نصر بن علي ‪[ ،‬حدثنا] (‪ )16‬نوح بن قيس ‪،‬‬
‫عن عثمان بن مِحْصن في ضيف إبراهيم قال ‪ :‬كانوا أربعة ‪ :‬جبريل ‪ ،‬وميكائيل ‪ ،‬وإسرافيل ‪،‬‬
‫ورفائيل‪ .‬قال نوح بن قيس ‪ :‬فزعم نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم ‪ ،‬فقرب إليهم‬
‫العجل ‪ ،‬مسحه جبريل بجناحه ‪ ،‬فقام يدرج حتى لحق بأمه ‪ ،‬وأم العجل في الدار‪.‬‬
‫ط وَامْرَأَتُهُ قَا ِئمَةٌ‬
‫خفْ [إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى َقوْمِ لُو ٍ‬
‫وقوله تعالى إخبارا عن الملئكة ‪ { :‬قَالُوا ل تَ َ‬
‫ح َكتْ] } (‪ )17‬أي قالوا ‪ :‬ل تخف منا ‪ ،‬إنا ملئكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم (‪.)18‬‬
‫َفضَ ِ‬
‫فضحكت (‪ )19‬سارة استبشارًا [منها] (‪ )20‬بهلكهم ‪ ،‬لكثرة فسادهم ‪ ،‬وغِلَظ كفرهم وعنادهم ‪،‬‬
‫فلهذا جوزيت بالبشارة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬معرضا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الملئكة لمهلك قوم لوط"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬شباب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬الرصف"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬إليهم"‪.‬‬
‫(‪ )14‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )15‬في ت ‪" :‬تكرمة"‪.‬‬
‫(‪ )16‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )17‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )18‬في ت ‪" :‬إلى قوم لوط لندمر عليهم ونهلكهم كما ذكر في الية الخرى"‪.‬‬
‫(‪ )19‬في ت ‪" :‬وضحكت"‪.‬‬
‫(‪ )20‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/333‬‬

‫بالولد بعد الياس‪.‬‬


‫وقال قتادة ‪ :‬ضحكت [امرأته] (‪ )1‬وعجبت [من] (‪ )2‬أن قوما يأتيهم (‪ )3‬العذاب وهم في غفلة‬
‫[فضحكت من ذلك وعجبت فبشرناها بإسحاق]‪.‬‬
‫ح َكتْ } أي ‪ :‬حاضت‪.‬‬
‫ن وَرَاءِ ِإسْحَاقَ َي ْعقُوبَ } قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬فضَ ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِ ْ‬
‫وقول محمد بن قيس ‪ :‬إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط‬
‫‪ ،‬وقول الكلبي إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم ‪ -‬ضعيفان جدا ‪ ،‬وإن كان ابن‬
‫جرير قد رواهما بسنده إليهما ‪ ،‬فل يلتفت إلى ذلك ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال وهب بن مُنَبّه ‪ :‬إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق‪ .‬وهذا مخالف لهذا السياق ‪ ،‬فإن البشارة‬
‫صريحة مُرتبة على‪.‬‬
‫سحَاقَ َي ْعقُوبَ } أي ‪ :‬بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل ؛‬
‫ق َومِنْ وَرَاءِ إِ ْ‬
‫{ فَ َبشّرْنَاهَا (‪ )4‬بِِإسْحَا َ‬
‫حضَرَ َيعْقُوبَ ا ْل َموْتُ إِذْ قَالَ‬
‫شهَدَاءَ إِذْ َ‬
‫فإن يعقوب ولد إسحاق ‪ ،‬كما قال في آية البقرة ‪َ { :‬أمْ كُنْتُمْ ُ‬
‫حدًا وَنَحْنُ‬
‫سمَاعِيلَ وَِإسْحَاقَ إَِلهًا وَا ِ‬
‫ك وَإِلَهَ آبَا ِئكَ إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ‬
‫لِبَنِيهِ مَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ َب ْعدِي قَالُوا َنعْبُدُ إَِل َه َ‬
‫سِلمُونَ } [البقرة ‪.]133 :‬‬
‫لَهُ مُ ْ‬
‫ومن هاهنا استدل من استدل بهذه الية ‪ ،‬على أن الذبيح إنما هو إسماعيل ‪ ،‬وأنه يمتنع أن يكون‬
‫هو إسحاق ؛ لنه وقعت البشارة به ‪ ،‬وأنه سيولد له يعقوب ‪ ،‬فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو‬
‫طفل (‪ )5‬صغير ‪ ،‬ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده‪ .‬ووعد ال حق ل خُ ْلفَ فيه ‪ ،‬فيمتنع‬
‫أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه ‪ ،‬فتعين أن يكون هو إسماعيل وهذا من أحسن الستدلل وأصحه‬
‫وأبينه ‪ ،‬ول الحمد‪.‬‬
‫عجِيبٌ] } (‪ )6‬حكى قولها في‬
‫شيْءٌ َ‬
‫{ قَاَلتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُو ٌز وَهَذَا َبعْلِي شَ ْيخًا [إِنّ هَذَا لَ َ‬
‫عجُوزٌ } وفي‬
‫هذه الية ‪ ،‬كما حكى فعلها في الية الخرى ‪ ،‬فإنها ‪ { :‬قَاَلتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِ ُد وَأَنَا َ‬
‫عقِيمٌ } [الذاريات ‪ ، ]29 :‬كما‬
‫عجُوزٌ َ‬
‫ج َههَا َوقَاَلتْ َ‬
‫ت وَ ْ‬
‫صكّ ْ‬
‫الذاريات ‪ { :‬فََأقْبََلتِ امْرَأَتُهُ فِي صَ ّرةٍ َف َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب‪ { .‬قَالُوا أَ َتعْجَبِينَ مِنْ َأمْرِ اللّهِ } أي ‪ :‬قالت‬
‫الملئكة لها ‪ ،‬ل تعجبي من أمر ال ‪ ،‬فإنه إذا أراد شيئًا أن (‪ )7‬يقول له ‪" :‬كن" فيكون ‪ ،‬فل‬
‫تعجبي من هذا ‪ ،‬وإن كنت عجوزا [كبيرة] (‪ )8‬عقيما ‪ ،‬وبعلك [وهو زوجها الخليل عليه السلم ‪،‬‬
‫وإن كان] (‪ )9‬شيخا كبيرا ‪ ،‬فإن ال على ما يشاء قدير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أتاهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فبشرت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬غلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ "الية"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬إنما"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/334‬‬

‫ع وَجَاءَ ْتهُ الْبُشْرَى ُيجَادِلُنَا فِي َقوْمِ لُوطٍ (‪ )74‬إِنّ إِبْرَاهِيمَ َلحَلِيمٌ َأوّاهٌ‬
‫فََلمّا ذَ َهبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ال ّروْ ُ‬
‫ك وَإِ ّنهُمْ آَتِي ِهمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (‪)76‬‬
‫مُنِيبٌ (‪ )75‬يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْ ِرضْ عَنْ هَذَا إِنّهُ قَدْ جَاءَ َأمْرُ رَ ّب َ‬

‫حمِيدٌ مَجِيدٌ } أي ‪ :‬هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله‬


‫حمَةُ اللّ ِه وَبَ َركَاتُهُ عَلَ ْيكُمْ َأ ْهلَ الْبَ ْيتِ إِنّهُ َ‬
‫{ َر ْ‬
‫محمود ‪ ،‬ممجد في صفاته وذاته ؛ ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا ‪ :‬قد علمنا السلم عليك ‪،‬‬
‫فكيف الصلة عليك يا رسول ال ؟ قال ‪ :‬قولوا ‪" :‬اللهم صل على محمد ‪ ،‬وعلى آل محمد ‪ ،‬كما‬
‫صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما باركت على [إبراهيم‬
‫و] (‪ )1‬آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد مجيد" (‪.)2‬‬
‫{ فََلمّا ذَ َهبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ال ّر ْوعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى ُيجَادِلُنَا فِي َقوْمِ لُوطٍ (‪ )74‬إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ َأوّاهٌ‬
‫ك وَإِ ّنهُمْ آتِي ِهمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (‬
‫مُنِيبٌ (‪ )75‬يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْ ِرضْ عَنْ هَذَا إِنّهُ قَدْ جَاءَ َأمْرُ رَ ّب َ‬
‫‪} )76‬‬
‫يخبر تعالى عن [خليله] (‪ )3‬إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه لما ذهب عنه الروع ‪ ،‬وهو ما أوْجَس‬
‫من الملئكة خيفة ‪ ،‬حين لم يأكلوا ‪ ،‬وبشروه بعد ذلك بالولد [وطابت نفسه] (‪ )4‬وأخبروه بهلك‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قوم لوط ‪ ،‬أخذ يقول كما قال (‪[ )5‬عنه] (‪ )6‬سعيد بن جبير في الية (‪ )7‬قال ‪ :‬لما جاءه جبريل‬
‫ومن معه ‪ ،‬قالوا له (‪ { )8‬إِنّا ُمهِْلكُو أَ ْهلِ َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ [إِنّ أَهَْلهَا كَانُوا ظَاِلمِينَ] } [العنكبوت ‪، ]31 :‬‬
‫(‪ )9‬قال لهم [إبراهيم] (‪ )10‬أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬أفتهلكون قرية‬
‫فيها مائتا مؤمن ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنا ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ثلثون ؟ قالوا ل حتى بلغ خمسة قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬أرأيتكم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها‬
‫؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬فقال إبراهيم عليه السلم عند ذلك ‪ { :‬إِنّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعَْلمُ ِبمَنْ فِيهَا لَنُنَجّيَنّهُ‬
‫وَأَهْلَهُ إِل امْرَأَتَهُ } الية [العنكبوت ‪ ، ]32 :‬فسكت عنهم واطمأنت نفسه‪.‬‬
‫وقال قتادة وغيره قريبا من هذا ‪ -‬زاد ابن إسحاق ‪ :‬أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد ؟ قالوا ‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فإن كان فيها لوط يدفع به عنهم العذاب ‪ ،‬قالوا ‪ { :‬نَحْنُ أَعَْلمُ ِبمَنْ فِيهَا [لَنُ َنجّيَنّ ُه وَأَهَْلهُ إِل‬
‫امْرَأَتَهُ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ] } [العنكبوت ‪)11( .]32 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ َأوّاهٌ مُنِيبٌ } مدح (‪ )12‬إبراهيم بهذه الصفات الجميلة ‪ ،‬وقد تقدم‬
‫تفسيرها [في سورة براءة] (‪.)13‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْ ِرضْ عَنْ هَذَا إِنّهُ قَدْ جَاءَ َأمْرُ رَ ّبكَ [وَإِ ّنهُمْ آتِي ِهمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَ ْردُودٍ] } (‬
‫‪)14‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4797‬وصحيح مسلم برقم (‪ )406‬من حديث كعب بن عجرة ‪،‬‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬قاله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في قوله ‪ :‬يجادلنا في قوم لوط"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬فقالوا لبراهيم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪ .‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مدح له"‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )14‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/335‬‬

‫عصِيبٌ (‪ )77‬وَجَا َءهُ َق ْومُهُ‬


‫سلُنَا لُوطًا سِيءَ ِبهِ ْم َوضَاقَ ِبهِمْ ذَرْعًا َوقَالَ هَذَا َيوْمٌ َ‬
‫وََلمّا جَا َءتْ رُ ُ‬
‫طهَرُ َلكُمْ فَا ّتقُوا اللّ َه وَلَا‬
‫ُيهْرَعُونَ ِإلَيْ ِه َومِنْ قَ ْبلُ كَانُوا َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ قَالَ يَا َقوْمِ َهؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنّ أَ ْ‬
‫ق وَإِ ّنكَ‬
‫حّ‬‫جلٌ رَشِيدٌ (‪ )78‬قَالُوا َلقَدْ عَِل ْمتَ مَا لَنَا فِي بَنَا ِتكَ مِنْ َ‬
‫تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِ ْنكُمْ َر ُ‬
‫لَ َتعْلَمُ مَا نُرِيدُ (‪)79‬‬

‫حقّت عليهم الكلمة بالهلك ‪ ،‬وحلول البأس الذي ل يُرد عن القوم‬


‫أي ‪ :‬إنه قد نفذ فيهم القضاء ‪ ،‬و َ‬
‫المجرمين‪.‬‬
‫عصِيبٌ (‪ )77‬وَجَا َءهُ َق ْومُهُ‬
‫{ وََلمّا جَا َءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ ِبهِمْ وَضَاقَ ِبهِمْ ذَرْعًا َوقَالَ َهذَا َيوْمٌ َ‬
‫طهَرُ َلكُمْ فَا ّتقُوا اللّهَ وَل‬
‫ُيهْرَعُونَ ِإلَيْ ِه َومِنْ قَ ْبلُ كَانُوا َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ قَالَ يَا َقوْمِ َهؤُلءِ بَنَاتِي هُنّ َأ ْ‬
‫ق وَإِ ّنكَ‬
‫حّ‬‫جلٌ رَشِيدٌ (‪ )78‬قَالُوا َلقَدْ عَِل ْمتَ مَا لَنَا فِي بَنَا ِتكَ مِنْ َ‬
‫تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِ ْنكُمْ َر ُ‬
‫لَ َتعْلَمُ مَا نُرِيدُ (‪} )79‬‬
‫يخبر تعالى عن قُدوم رسله من الملئكة (‪ )1‬بعد ما أعلموا (‪ )2‬إبراهيم بهلكهم ‪ ،‬وفارقوه‬
‫وأخبروه بإهلك ال قوم لوط هذه الليلة‪ .‬فانطلقوا من عنده ‪ ،‬فأتوا لوطا (‪ )3‬عليه السلم ‪ ،‬وهو‬
‫‪ -‬على ما (‪ )4‬قيل ‪ -‬في أرض له [يعمرها] (‪ )5‬وقيل ‪[ :‬بل كان] (‪ )6‬في منزله ‪ ،‬ووردوا عليه‬
‫وهم في أجمل صورة تكون ‪ ،‬على هيئة شبان (‪ )7‬حسان الوجوه ‪ ،‬ابتلء من ال [واختبارا] (‪)8‬‬
‫وله الحكمة والحجة البالغة ‪[ ،‬فنزلوا عليه] (‪ )9‬فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم ‪ ،‬وخشي إن لم‬
‫عصِيبٌ }‪.‬‬
‫ُيضِفْهم (‪ )10‬أن يضيفهم أحد من قومه ‪ ،‬فينالهم بسوء ‪َ { ،‬وقَالَ هَذَا َيوْمٌ َ‬
‫قال ابن عباس [ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق] (‪ )11‬وغير واحد [من الئمة] (‪ )12‬شديد‬
‫بلؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع [قومه] (‪ )13‬عنهم ‪ ،‬ويشق عليه ذلك‪.‬‬
‫وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له [يعمل فيها] (‪ )14‬فتضيّفوه (‪ )15‬فاستحيا منهم ‪ ،‬فانطلق‬
‫أمامهم وقال (‪ )16‬لهم في أثناء الطريق ‪ ،‬كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه ‪ :‬إنه وال يا هؤلء‬
‫ما أعلم على وجه الرض أهل بلد أخبث من هؤلء‪ .‬ثم مشى قليل ثم أعاد ذلك عليهم ‪ ،‬حتى‬
‫كرره أربع مرات قال قتادة ‪ :‬وقد كانوا أمروا أل يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬خرجت الملئكة من عند إبراهيم نحو قرية (‪ )17‬لوط (‪ )18‬فبلغوا (‪ )19‬نهر‬
‫سدون نصف النهار ‪ ،‬ولقوا بنت (‪ )20‬لوط تستقي [من الماء لهلها وكانت له ابنتان اسم الكبرى‬
‫رثيا والصغرى زغرتا] (‪ )21‬فقالوا [لها] (‪ )22‬يا جارية ‪ ،‬هل من منزل ؟ فقالت [لهم] (‪)23‬‬
‫مكانكم حتى آتيكم ‪ ،‬وفَرقت عليهم من قومها ‪ ،‬فأتت أباها فقالت ‪ :‬يا أبتاه ‪ ،‬أدرك فتيانا على باب‬
‫المدينة ‪ ،‬ما رأيت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من الملئكة الذين فارقوا إبراهيم الخليل عليه السلم بعد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أعلموه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فأتوا على لوط" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فأتوا لوط"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو فيما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬شباب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يضيفهم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )14‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيضيفوه"‪.‬‬
‫(‪ )16‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )17‬في ت ‪" :‬قوم"‪.‬‬
‫(‪ )18‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لوط فأتوها نصف النهار ‪ ،‬فبلغوا"‪.‬‬
‫(‪ )19‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فلما بلغوا"‪.‬‬
‫(‪ )20‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ابنة"‪.‬‬
‫(‪ )21‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )22‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )23‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/336‬‬

‫وجوه قوم [هي] (‪ )1‬أحسن منهم ‪ ،‬ل يأخذهم قومك فيفضحوهم ‪ ،‬و[قد] (‪ )2‬كان قومه نهوه أن‬
‫يضيف رجل فقالوا ‪ :‬خل عنا فلْ ُنضِف (‪ )3‬الرجال‪ .‬فجاء بهم ‪ ،‬فلم يعلم بهم أحد إل أهل بيته (‪)4‬‬
‫فخرجت امرأته فأخبرت قومها [فقالت ‪ :‬إن في بيت لوط رجال ما رأيت مثل وجوههم قط] (‪، )5‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فجاءوا (‪ )6‬يهرعون إليه‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي ‪ :‬يسرعون ويهرولون [في مشيتهم ويجمرون] (‪ )7‬من فرحهم بذلك‬
‫[وروي في هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة وشمر بن عطية وسفيان بن‬
‫عيينة] (‪.)8‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِنْ قَ ْبلُ كَانُوا َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ } أي ‪ :‬لم يزل هذا من سجيتهم [إلى وقت آخر] (‪)9‬‬
‫حتى أخذوا وهم على ذلك الحال‪.‬‬
‫طهَرُ َلكُمْ } يرشدهم إلى نسائهم ‪ ،‬فإن النبي للمة بمنزلة‬
‫وقوله ‪ { :‬قَالَ يَا َقوْمِ َهؤُلءِ بَنَاتِي هُنّ أَ ْ‬
‫الوالد [للرجال والنساء] (‪ ، )10‬فأرشدهم إلى ما هو أنفع (‪ )11‬لهم في الدنيا والخرة ‪ ،‬كما قال‬
‫جكُمْ َبلْ‬
‫لهم في الية الخرى ‪ { :‬أَتَأْتُونَ ال ّذكْرَانَ مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خََلقَ َلكُمْ رَ ّبكُمْ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫أَنْتُمْ َقوْمٌ عَادُونَ } [الشعراء ‪ ، ]166 ، 165 :‬وقوله في الية الخرى ‪ { :‬قَالُوا َأوَلَمْ نَ ْن َهكَ عَنِ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ } [الحجر ‪ ]70 :‬أي ‪ :‬ألم (‪ )12‬ننهك عن ضيافة الرجال { قَالَ َهؤُلءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْ ُتمْ‬
‫سكْرَ ِتهِمْ َي ْع َمهُونَ } [الحجر ‪ ، ]72 ، 71 :‬وقال في هذه الية الكريمة ‪:‬‬
‫فَاعِلِينَ‪َ .‬ل َعمْ ُركَ إِ ّنهُمْ َلفِي َ‬
‫طهَرُ َلكُمْ } قال (‪ )13‬مجاهد ‪ :‬لم يكن بناته ‪ ،‬ولكن كن من أمّتِهِ ‪ ،‬وكل نبي‬
‫{ َهؤُلءِ بَنَاتِي هُنّ أَ ْ‬
‫أبو أمّتِه‪.‬‬
‫وكذا روي عن قتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ :‬أمرهم أن يتزوجوا النساء ‪ ،‬ولم يعرض عليهم سفاحا‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬يعني نساءهم ‪ ،‬هن بَنَاته ‪ ،‬وهو أب لهم (‪ )14‬ويقال في بعض القراءات (‬
‫‪ )15‬النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم‪.‬‬
‫وكذا روي عن الربيع بن أنس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَا ّتقُوا اللّ َه وَل تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } أي ‪ :‬اقبلوا ما آمركم به من القتصار على نسائكم‬
‫جلٌ رَشِيدٌ } أي ‪[ :‬ليس منكم رجل] (‪ )17‬فيه خير ‪ ،‬يقبل ما آمره به ‪،‬‬
‫(‪ { ، )16‬أَلَيْسَ مِ ْنكُمْ َر ُ‬
‫ويترك ما أنهاه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فلنضيف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بيت لوط"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فجاءه قومه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬النفع"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أو لم"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هن بناته هو نبيهم"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬القراءة"‪.‬‬
‫(‪ )16‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أي اقبلوا ما آمركم به من إتيانكم نساءكم واقتصاركم عليهن وترككم الفواحش‬
‫من إتيان الذكران من العالمين"‪.‬‬
‫(‪ )17‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/337‬‬

‫سلُ رَ ّبكَ لَنْ َيصِلُوا إِلَ ْيكَ‬


‫قَالَ َلوْ أَنّ لِي ِب ُكمْ ُق ّوةً َأوْ َآوِي إِلَى ُركْنٍ شَدِيدٍ (‪ )80‬قَالُوا يَا لُوطُ إِنّا رُ ُ‬
‫حدٌ إِلّا امْرَأَ َتكَ إِنّهُ ُمصِي ُبهَا مَا َأصَا َبهُمْ إِنّ َموْعِدَهُمُ‬
‫ل وَلَا يَلْ َت ِفتْ مِ ْنكُمْ أَ َ‬
‫طعٍ مِنَ اللّ ْي ِ‬
‫فَأَسْرِ بِأَهِْلكَ ِبقِ ْ‬
‫الصّبْحُ أَلَيْسَ الصّبْحُ ِبقَرِيبٍ (‪)81‬‬

‫عنه ؟‬
‫{ قَالُوا َلقَدْ عَِل ْمتَ مَا لَنَا فِي بَنَا ِتكَ مِنْ حَقّ } أي ‪ :‬إنك تعلم (‪ )1‬أن نساءنا ل أرب لنا فيهن ول‬
‫نشتهيهن ‪ { ،‬وَإِ ّنكَ لَ َتعَْلمُ مَا نُرِيدُ } أي ‪ :‬ليس لنا غرض إل في الذكور ‪ ،‬وأنت تعلم ذلك ‪ ،‬فأي‬
‫حاجة في تكرار القول علينا في ذلك ؟‬
‫قال السدي ‪ { :‬وَإِ ّنكَ لَ َتعْلَمُ مَا نُرِيدُ } إنما نريد الرجال‪.‬‬
‫سلُ رَ ّبكَ لَنْ َيصِلُوا إِلَ ْيكَ‬
‫شدِيدٍ (‪ )80‬قَالُوا يَا لُوطُ إِنّا رُ ُ‬
‫{ قَالَ َلوْ أَنّ لِي ِبكُمْ ُق ّوةً َأوْ آوِي إِلَى ُركْنٍ َ‬
‫ل وَل يَلْ َت ِفتْ مِ ْنكُمْ َأحَدٌ إِل امْرَأَ َتكَ إِنّهُ ُمصِي ُبهَا مَا َأصَا َبهُمْ إِنّ َموْعِدَهُمُ‬
‫طعٍ مِنَ اللّ ْي ِ‬
‫فَأَسْرِ بِأَهِْلكَ ِبقِ ْ‬
‫الصّبْحُ أَلَيْسَ الصّبْحُ ِبقَرِيبٍ (‪} )81‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن نبيه لوط ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬إن لوطا توعدهم بقوله (‪َ { : )2‬لوْ أَنّ لِي ِب ُكمْ‬
‫ُق ّوةً [َأوْ آوِي إِلَى ُركْنٍ شَدِيدٍ ] } (‪ )3‬أي ‪ :‬لكنت نكلت بكم وفعلت بكم الفاعيل [من العذاب‬
‫والنقمة وإحلل البأس بكم] (‪ )4‬بنفسي وعشيرتي ‪ ،‬ولهذا ورد في الحديث ‪ ،‬من طريق محمد بن‬
‫عمرو بن علقمة ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫"رحمة ال على لوط ‪ ،‬لقد كان يأوي إلى ركن شديد ‪ -‬يعني ‪ :‬ال عز وجل ‪ -‬فما بعث ال بعده‬
‫من نبي إل في ثروة من قومه" (‪.)5‬‬
‫[وروي من حديث الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا ومن حديث‬
‫أبي الزناد عن العرج عن أبي هريرة به ‪ ،‬ومن حديث ابن لهيعة عن أبي يونس سمع أبا هريرة‬
‫به وأرسله الحسن وقتادة] (‪.)6‬‬
‫فعند ذلك أخبرته الملئكة أنهم (‪ )7‬رُسل ال إليه ‪ ،‬و[وبشروه] (‪ )8‬أنهم ل وصول لهم إليه [ول‬
‫سلُ رَ ّبكَ لَنْ َيصِلُوا إِلَ ْيكَ } وأمروه أن يسري بأهله من آخر الليل‬
‫خلوص] (‪ { )9‬قَالُوا يَا لُوطُ إِنّا رُ ُ‬
‫‪ ،‬وأن يتّبع أدبارهم ‪ ،‬أي ‪ :‬يكون ساقة لهله ‪ { ،‬وَل يَلْ َتفِتْ مِ ْنكُمْ َأحَدٌ } أي ‪ :‬إذا سمعت (‪ )10‬ما‬
‫نزل بهم ‪ ،‬ول تهولنّكم (‪ )11‬تلك الصوات المزعجة ‪ ،‬ولكن استمروا ذاهبين [كما أنتم] (‪.)12‬‬
‫{ إِل امْرَأَ َتكَ } قال الكثرون ‪ :‬هو استثناء من المثبت (‪ )13‬وهو قوله ‪ { :‬فََأسْرِ بِأَهِْلكَ } تقديره {‬
‫إِل امْرَأَ َتكَ } وكذلك قرأها ابن مسعود ونصب هؤلء امرأتك ؛ لنه من مثبت (‪، )14‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لتعلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه السلم إنه توعدهم بهذا الكلم وهو قوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3116‬من طريق الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو‬
‫به ‪ ،‬ورواه عن طريق عبدة وعبد الرحيم عن محمد بن عمرو ونحو حديث الفضل بن موسى ‪،‬‬
‫وقال الترمذي ‪" :‬وهذا ‪ -‬أي الطريق الثاني ‪ -‬أصح من رواية الفضل بن موسى وهذا حديث‬
‫حسن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬بأنهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إذا سمعتم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪+" :‬ولتهيلنكم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬من المبيت"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬من مبيت"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/338‬‬

‫فوجب نصبه عندهم‪.‬‬


‫حدٌ إِل امْرَأَ َتكَ }‬
‫وقال آخرون من القراء والنحاة ‪ :‬هو استثناء من قوله ‪ { :‬وَل يَلْ َت ِفتْ مِ ْنكُمْ أَ َ‬
‫فجّوزوا الرفع والنصب ‪ ،‬وذكر هؤلء [وغيرهم من السرائيليات] (‪ )1‬أنها خرجت معهم ‪ ،‬وأنها‬
‫لما سمعت الوَجْبَة التفتت وقالت (‪ )2‬واقوماه‪ .‬فجاءها حجر من السماء فقتلها (‪.)3‬‬
‫ثم قربوا له هلك قومه تبشيرًا له ؛ لنه قال لهم ‪" :‬أهلكوهم الساعة" ‪ ،‬فقالوا ‪ { :‬إِنّ َموْعِدَ ُهمُ‬
‫ط وقُوف على الباب وعُكوف قد جاءوا يُهرعون إليه‬
‫الصّبْحُ أَلَيْسَ الصّبْحُ ِبقَرِيبٍ } هذا وقومُ لُو ِ‬
‫من كل جانب ‪ ،‬ولوط واقف على (‪ )4‬الباب يدافعهم ويردعهم وينهاهم عما هم فيه ‪ ،‬وهم ل‬
‫يقبلون منه ‪ ،‬بل يتوعدونه ‪ ،‬فعند ذلك خرج عليهم جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فضرب وجوههم‬
‫بجناحه ‪ ،‬فطمس أعينهم ‪ ،‬فرجعوا وهم ل يهتدون الطريق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ‬
‫ح ُهمْ ُبكْ َرةً عَذَابٌ مُسْ َتقِرّ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ] }‬
‫طمَسْنَا أَعْيُ َن ُهمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ [وََلقَ ْد صَبّ َ‬
‫ضَيْفِهِ َف َ‬
‫[القمر ‪.)5( ]39 - 37 :‬‬
‫وقال َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن حذيفة بن اليمان قال ‪ :‬كان إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬يأتي (‪ )6‬قوم‬
‫لوط ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أنَهاكم (‪ )7‬ال أن َتعَرّضوا لعقوبته ؟ فلم يطيعوه ‪ ،‬حتى إذا بلغ الكتاب أجله [لمحل‬
‫عذابهم وسطوات الرب بهم قال] (‪ )8‬انتهت الملئكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له ‪ ،‬فدعاهم‬
‫إلى الضيافة فقالوا ‪ :‬إنا ضيوفك (‪ )9‬الليلة ‪ ،‬وكان ال قد عهد إلى جبريل أل يُعذبهم حتى يشهد‬
‫عليهم لوط ثلث شَهادات فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة ‪ ،‬ذكر ما يعمل قومه من الشر‬
‫[والدواهي العظام] (‪ ، )10‬فمشى معهم ساعة ‪ ،‬ثم التفت إليهم فقال ‪ :‬أما تعلمون ما يعمل أهل‬
‫هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الرض شرا منهم‪ .‬أين أذهب بكم ؟ إلى قومي وهم [من] (‪)11‬‬
‫أشر خلق ال ‪ ،‬فالتفت جبريل إلى الملئكة فقال ‪ :‬احفظوها (‪ )12‬هذه واحدة‪ .‬ثم مشى معهم‬
‫ساعة ‪ ،‬فلما توسط القرية وأشفق عليهم واستحيا منهم قال ‪ :‬أما تعلمون ما يعمل أهل هذه‬
‫القرية ؟ ما أعلم على وجه الرض أشر منهم ‪ ،‬إن قومي أشر خلق ال‪ .‬فالتفت جبريل إلى‬
‫الملئكة فقال ‪ :‬احفظوا ‪ ،‬هاتان اثنتان ‪ ،‬فلما انتهى إلى باب الدار بكى حياء منهم وشفقة عليهم‬
‫فقال (‪ )13‬إن قومي أشر من خلق ال ؟ أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه‬
‫الرض أهل قرية شرًا (‪ )14‬منهم‪ .‬فقال جبريل للملئكة ‪ :‬احفظوا ‪ ،‬هذه ثلث ‪ ،‬قد حق العذاب‪.‬‬
‫فلما دخلوا ذهبت عجوز السوء فصعدت فلوحت بثوبها ‪ ،‬فأتاها الفساق يُهرَعون سراعا ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫ما عندك ؟ قالت ‪ :‬ضَيّف لوطًا قوم (‪ )15‬ما رأيت قط أحسن وجوها منهم ‪ ،‬ول أطيب ريحًا‬
‫منهم‪ .‬فهُرعوا يسارعون إلى الباب ‪ ،‬فعالجهم لوط على الباب ‪ ،‬فدافعوه طويل هو داخل وهم‬
‫طهَرُ َل ُكمْ } فقام‬
‫خارج ‪ ،‬يناشدهم ال ويقول ‪َ { :‬هؤُلءِ بَنَاتِي هُنّ أَ ْ‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فقتلتها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يأتيهم يعني"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنهاكم ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬مضيفوك"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬احفظوا"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أشر"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الليلة\"‪.‬‬

‫( ‪)4/339‬‬

‫الملك فَلَزّ (‪ )1‬بالباب ‪ -‬يقول فسده (‪ - )2‬واستأذن جبريل في عقوبتهم ‪ ،‬فأذن ال له ‪ ،‬فقام في‬
‫الصورة التي يكون فيها في السماء ‪ ،‬فنشر جناحه‪ .‬ولجبريل جناحان ‪ ،‬وعليه وشاح من درّ‬
‫منظوم ‪ ،‬وهو براق الثنايا ‪ ،‬أجلى الجبين ‪ ،‬ورأسه حُ ُبكٌ حُبُك مثل المرجان وهو اللؤلؤ ‪ ،‬كأنه‬
‫سلُ رَ ّبكَ لَنْ َيصِلُوا إِلَ ْيكَ } امض يا لوط عن‬
‫الثلج ‪ ،‬ورجله إلى الخضرة‪ .‬فقال يا لوط ‪ { :‬إِنّا ُر ُ‬
‫الباب ودعني وإياهم ‪ ،‬فتنحى لوط عن الباب ‪ ،‬فخرج إليهم ‪ ،‬فنشر جناحه ‪ ،‬فضرب به وجوههم‬
‫عمْيًا ل يعرفون الطريق [ول يهتدون بيوتهم] (‪ )3‬ثم أمر لوط‬
‫ضربة شدخ أعينهم ‪ ،‬فصاروا ُ‬
‫فاحتمل بأهله في ليلته قال ‪ { :‬فََأسْرِ بِأَهِْلكَ ِبقِطْعٍ مِنَ اللّ ْيلِ } (‪.)4‬‬
‫وروي عن محمد بن كعب [القرظي] (‪ )5‬وقتادة ‪ ،‬والسدي نحو هذا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فكن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فشده" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬نسده"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)15/429‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/340‬‬

‫س ّومَةً عِنْدَ‬
‫جعَلْنَا عَالِ َيهَا سَافَِلهَا وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهَا حِجَا َرةً مِنْ سِجّيلٍ مَ ْنضُودٍ (‪ )82‬مُ َ‬
‫فََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا َ‬
‫ك َومَا ِهيَ مِنَ الظّاِلمِينَ بِ َبعِيدٍ (‪)83‬‬
‫رَ ّب َ‬

‫س ّومَةً عِ ْندَ‬
‫سجّيلٍ مَ ْنضُودٍ (‪ )82‬مُ َ‬
‫حجَا َرةً مِنْ ِ‬
‫جعَلْنَا عَالِ َيهَا سَافَِلهَا وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهَا ِ‬
‫{ فََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا َ‬
‫ك َومَا ِهيَ مِنَ الظّاِلمِينَ بِ َبعِيدٍ (‪} )83‬‬
‫رَ ّب َ‬
‫جعَلْنَا عَالِ َيهَا } وهي [قريتهم‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬فََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا } وكان ذلك عند طلوع الشمس ‪َ { ،‬‬
‫سدُوم [ومعاملتها] (‪ { )2‬سَافَِلهَا } كقوله (‪[ { )3‬وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَةَ َأ ْهوَى] َفغَشّاهَا مَا‬
‫العظيمة وهي] (‪َ )1‬‬
‫غَشّى } [النجم ‪ )4( ]54 ، 53 :‬أي ‪ :‬أمطرنا (‪ )5‬عليها حجارة من "سجيل" وهي بالفارسية ‪:‬‬
‫حجارة من طين ‪ ،‬قاله ابن عباس وغيره‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬أي من "سنك" وهو الحجر ‪ ،‬و"كل" (‪ )6‬وهو الطين ‪ ،‬وقد قال في الية الخرى ‪:‬‬
‫{ حِجَا َرةً مِنْ طِينٍ } [الذاريات ‪ ]33 :‬أي ‪ :‬مستحجرة قوية شديدة‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬مشوية ‪[ ،‬وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬مطبوخة قوية صلبة] (‪ )7‬وقال البخاري‪" .‬سِجيل" ‪ :‬الشديد الكبير‪ .‬سجيل وسجين‬
‫واحد ‪ ،‬اللم والنون أختان ‪ ،‬وقال تميم بن مُقبِل ‪:‬‬
‫سجّينا (‪)9‬‬
‫ض ضَاحِيةٌ‪ ...‬ضَرْبًا تواصَت به البطال (‪ِ )8‬‬
‫وَرَجْلَةٍ َيضْربُون البَ ْي َ‬
‫وقوله ‪ { :‬مَ ْنضُودٍ } قال بعضهم ‪ :‬منضودة في السماء ‪ ،‬أي ‪ :‬معدة لذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ { :‬مَ ْنضُودٍ } أي ‪ :‬يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم‪.‬‬
‫س ّومَةً } أي ُمعْلمَة مختومة ‪ ،‬عليها أسماء أصحابها ‪ ،‬كل حجر مكتوب عليه اسم الذي‬
‫وقوله ‪ { :‬مُ َ‬
‫ينزل عليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬كما قال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أمطر"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وحل" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬وجيل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬الباطيل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪" )8/352‬فتح"‪.‬‬

‫( ‪)4/340‬‬

‫حمّرٍة‪.‬‬
‫طوّقة ‪ ،‬بها َنضْحٌ من ُ‬
‫س ّومَةً } [أي] (‪ )1‬مُ َ‬
‫عكْرِمة ‪ { :‬مُ َ‬
‫وقال قتادة و ِ‬
‫وذكروا أنها نزلت على أهل البلد ‪ ،‬وعلى المتفرقين في القرى مما حولها ‪ ،‬فبينا أحدهم يكون عند‬
‫(‪ )2‬الناس يتحدّث ‪ ،‬إذ جاءه حجر من السماء فسقط عليه من بين الناس ‪ ،‬فدّمره ‪ ،‬فتتبعهم (‪)3‬‬
‫الحجارة من سائر البلد ‪ ،‬حتى أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق منهم أحد‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬أخذ جبريلُ قوم لوط من سَرْحهم ودورهم ‪ ،‬حملهم بمواشيهم وأمتعتهم ‪ ،‬ورفعهم‬
‫حتى سمع أهل السماء نُباح كلبهم ثم أكفأهم (‪[ )4‬وقال] (‪ )5‬وكان حملهم على خوافي (‪ )6‬جناحه‬
‫اليمن‪ .‬قال ‪ :‬ولما قلبها كان أول ما سقط منها شُذانها (‪.)7‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬بلغنا أن جبريل أخذ بعروة (‪ )8‬القرية الوسطى ‪ ،‬ثم ألوَى بها إلى جو السماء ‪ ،‬حتى‬
‫سخْرًا (‬
‫سمع أهل السماء (‪ )9‬ضواغي كلبهم ‪ ،‬ثم دمر بعضها على بعض ‪ ،‬ثم أتبع شُذّاذ القوم ُ‬
‫‪ - )10‬قال ‪ :‬وذكر لنا أنهم كانوا أربع قرى ‪ ،‬في كل قرية مائة ألف ‪ -‬وفي رواية ‪[ :‬كانوا] (‬
‫‪ )11‬ثلث قرى ‪ ،‬الكبرى منها سَدُوم‪ .‬قال ‪ :‬وبلغنا أن إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان يشرف على‬
‫سدوم ‪ ،‬ويقول ‪ :‬سدوم ‪ ،‬يومٌ ‪ ،‬ما لَك ؟‪.‬‬
‫وفي رواية عن قتادة وغيره ‪ :‬بلغنا أن جبريل عليه السلم ‪ ،‬لما أصبح نشر جناحه ‪ ،‬فانتسف به‬
‫أرضهم بما فيها من ُقصُورها ودوابها وحجارتها وشجرها ‪ ،‬وجميع ما فيها ‪ ،‬فضمها في جناحه ‪،‬‬
‫فحواها وطواها في جوف جناحه ‪ ،‬ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ‪ ،‬حتى سمع سكان السماء‬
‫أصوات الناس والكلب ‪ ،‬وكانوا أربعة آلف ألف ‪ ،‬ثم قلبها ‪ ،‬فأرسلها إلى الرض منكوسة ‪،‬‬
‫وَ َدمْدَم بعضها على بعض ‪ ،‬فجعل عاليها سافلها ‪ ،‬ثم أتبعها حجارة من سجيل‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب القُرَظي ‪ :‬كانت قرى قوم لوط خمس قريات ‪" :‬سدوم" ‪ ،‬وهي العظمى ‪،‬‬
‫و"صعبة" (‪ )12‬و"صعوة" و"عثرة" (‪ )13‬و"دوما" ‪ ،‬احتملها جبريل بجناحه ‪ ،‬ثم صعد بها ‪ ،‬حتى‬
‫إنّ أهل السماء الدنيا ليسمعون نابحة كلبها ‪ ،‬وأصوات دجاجها ‪ ،‬ثم كفأها على وجهها ‪ ،‬ثم أتبعها‬
‫سجّيلٍ } (‪)14‬‬
‫حجَا َرةً مِنْ ِ‬
‫جعَلْنَا عَالِ َيهَا سَافَِلهَا وََأ ْمطَرْنَا عَلَ ْيهَا ِ‬
‫ال بالحجارة ‪ ،‬يقول ال تعالى ‪َ { :‬‬
‫فأهلكها ال وما حولها من المؤتفكات‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬لما أصبح قوم لوط ‪ ،‬نزل جبريل فاقتلع الرض من سبع أرضين ‪ ،‬فحملها حتى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بلغ بها السماء ‪ ،‬حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلبهم ‪ ،‬وأصوات ديوكهم ‪ ،‬ثم قلبها فقتلهم ‪،‬‬
‫فذلك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فيتبعهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أكفأها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حوافي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬شرفاتها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬بعزوة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سمع الملئكة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صخرا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صبعة"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعمرة"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فجعلنا"‪.‬‬

‫( ‪)4/341‬‬

‫ل وَا ْلمِيزَانَ‬
‫شعَيْبًا قَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا َلكُمْ مِنْ إَِلهٍ غَيْ ُر ُه وَلَا تَ ْن ُقصُوا ا ْل ِمكْيَا َ‬
‫وَإِلَى َمدْيَنَ أَخَاهُمْ ُ‬
‫عذَابَ َي ْومٍ مُحِيطٍ (‪)84‬‬
‫إِنّي أَرَاكُمْ ِبخَيْ ٍر وَإِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ َ‬

‫قوله (‪ { )1‬وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَةَ أَ ْهوَى } [النجم ‪ ، ]53 :‬ومن لم يمت حين سقط للرض ‪ ،‬أمطر ال عليه‬
‫وهو تحت الرض الحجارة ‪ ،‬ومن كان منهم شاذا في الرض يتبعهم في القرى ‪ ،‬فكان الرجل‬
‫يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله ‪ ،‬فذلك قوله (‪ )2‬عز وجل ‪ { :‬وََأمْطَرْنَا عَلَ ْي ِهمْ } أي ‪ :‬في القرى‬
‫حجارة من سجيل‪ .‬هكذا قال السدي‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا ِهيَ مِنَ الظّاِلمِينَ بِ َبعِيدٍ } أي ‪ :‬وما هذه النقمة ممن تَشَبّه بهم في ظلمهم ‪ ،‬ببعيد (‪)3‬‬
‫عنه‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث المروي في السنن (‪ )4‬عن ابن عباس مرفوعًا (‪ " )5‬من وجدتموه يعمل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمل قوم لوط ‪ ،‬فاقتلوا الفاعل والمفعول به" (‪.)6‬‬
‫وذهب المام الشافعي في قول عنه وجماعة من العلماء إلى أن اللئط يقتل ‪ ،‬سواء كان محصنًا‬
‫أو غير (‪ )7‬محصن ‪ ،‬عمل بهذا الحديث‪.‬‬
‫وذهب المام أبو حنيفة [رحمه ال إلى] (‪ )8‬أنه يلقى من شاهق ‪ ،‬ويُتبَع بالحجارة ‪ ،‬كما فعل ال‬
‫بقوم لوط ‪ ،‬وال سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‪.‬‬
‫ل وَا ْلمِيزَانَ‬
‫شعَيْبًا قَالَ يَا َقوْمِ اعْ ُبدُوا اللّهَ مَا َل ُكمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ وَل تَ ْن ُقصُوا ا ْل ِمكْيَا َ‬
‫{ وَإِلَى مَدْيَنَ َأخَا ُهمْ ُ‬
‫عذَابَ َي ْومٍ مُحِيطٍ (‪} )84‬‬
‫إِنّي أَرَاكُمْ ِبخَيْ ٍر وَإِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولقد أرسلنا إلى مدين ‪ -‬وهم قبيلة من العرب ‪ ،‬كانوا يسكنون بين الحجاز والشام ‪،‬‬
‫قريبًا من بلد معان ‪ ،‬في بلد يعرف بهم ‪ ،‬يقال لها "مدين" فأرسل ال إليهم شعيبا ‪ ،‬وكان من‬
‫شعَيْبًا } يأمرهم بعبادة ال تعالى وحده ‪ ،‬وينهاهم عن‬
‫أشرفهم (‪ )9‬نسبًا‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬أَخَاهُمْ ُ‬
‫التطفيف (‪ )10‬في المكيال والميزان { إِنّي أَرَاكُمْ ِبخَيْ ٍر وَإِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ عَذَابَ َيوْمٍ مُحِيطٍ } أي ‪:‬‬
‫في معيشتكم ورزقكم فأخاف أن تُسلَبوا ما أنتم فيه بانتهاككم محارم ال ‪ { ،‬وَإِنّي أَخَافُ عَلَ ْي ُكمْ‬
‫عَذَابَ َيوْمٍ ُمحِيطٍ } (‪ )11‬أي ‪ :‬في الدار الخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فذلك حين يقول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قول ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ببعد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪ )4462‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1456‬وسنن ابن ماجة برقم (‪، )2561‬‬
‫وقال الترمذي ‪" :‬وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم من هذا‬
‫الوجه ‪ ،‬وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال ‪" :‬ملعون من عمل‬
‫عمل قوم لوط" ولم يذكر فيه القتل وذكر فيه ‪" :‬ملعون من أتى بهيمة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أو لم يكن محصنا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أشرافهم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬الطفيف"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬عظيم"‪.‬‬

‫( ‪)4/342‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سدِينَ (‬
‫ط وَلَا تَ ْبخَسُوا النّاسَ أَشْيَا َءهُ ْم وَلَا َتعْ َثوْا فِي الْأَ ْرضِ مُفْ ِ‬
‫ل وَا ْلمِيزَانَ بِا ْلقِسْ ِ‬
‫وَيَا َقوْمِ َأ ْوفُوا ا ْل ِمكْيَا َ‬
‫شعَ ْيبُ َأصَلَا ُتكَ تَ ْأمُ ُركَ‬
‫حفِيظٍ (‪ )86‬قَالُوا يَا ُ‬
‫ن َومَا أَنَا عَلَ ْيكُمْ ِب َ‬
‫‪َ )85‬بقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ َل ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِي َ‬
‫أَنْ نَتْ ُركَ مَا َيعْبُدُ آَبَاؤُنَا َأوْ أَنْ َن ْفعَلَ فِي َأ ْموَالِنَا مَا نَشَاءُ إِ ّنكَ لَأَ ْنتَ الْحَلِيمُ الرّشِيدُ (‪)87‬‬

‫ط وَل تَ ْبخَسُوا النّاسَ أَشْيَا َءهُ ْم وَل َتعْ َثوْا فِي ال ْرضِ‬
‫{ وَيَا َقوْمِ َأ ْوفُوا ا ْل ِمكْيَالَ وَا ْلمِيزَانَ بِا ْلقِسْ ِ‬
‫حفِيظٍ (‪} )86‬‬
‫ن َومَا أَنَا عَلَ ْيكُمْ ِب َ‬
‫ُمفْسِدِينَ (‪َ )85‬بقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ َل ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِي َ‬
‫ينهاهم (‪ )1‬أول عن نقص المكيال والميزان إذا أعطوا الناس ‪ ،‬ثم أمرهم بوفاء الكيل والوزن‬
‫بالقسط آخذين ومعطين ‪ ،‬ونهاهم عن العيث (‪ )2‬في الرض بالفساد ‪ ،‬وقد كانوا يقطعون‬
‫الطريق‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬بقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ َلكُمْ } قال ابن عباس ‪ :‬رزق ال خَيْر لكم‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ :‬رزق ال خير [لكم] (‪ )3‬من بخسكم الناس‪.‬‬
‫وقال الربيع بن أنس ‪ :‬وصية ال خير لكم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬طاعة ال [خير لكم] (‪.)4‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬حظكم من ال خير لكم‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪" :‬الهلك" في العذاب ‪ ،‬و"البقية" في الرحمة‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪َ { :‬بقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ َلكُمْ } أي ‪ :‬ما يفضُل لكم من الربح بعد وفاء الكيل‬
‫والميزان { خَيْرٌ َلكُمْ } أي ‪ :‬من أخذ أموال الناس قال ‪ :‬وقد روي هذا عن ابن عباس‪.‬‬
‫عجَ َبكَ كَثْ َرةُ ا ْلخَبِيثِ } [المائدة ‪:‬‬
‫ب وََلوْ أَ ْ‬
‫قلت ‪ :‬ويشبه قوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ ل يَسْ َتوِي ا ْلخَبِيثُ وَالطّ ّي ُ‬
‫‪.]100‬‬
‫حفِيظٍ } أي ‪ :‬برقيب ول حفيظ ‪ ،‬أي ‪ :‬افعلوا ذلك ل عز وجل‪ .‬ل‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا أَنَا عَلَ ْيكُمْ بِ َ‬
‫تفعلوه (‪ )5‬ليراكم الناس ‪ ،‬بل ل عز وجل‪.‬‬
‫ك لنْتَ‬
‫شعَ ْيبُ َأصَل ُتكَ تَ ْأمُ ُركَ أَنْ نَتْ ُركَ مَا َيعْبُدُ آبَاؤُنَا َأوْ أَنْ َن ْف َعلَ فِي َأ ْموَالِنَا مَا نَشَاءُ إِ ّن َ‬
‫{ قَالُوا يَا ُ‬
‫الْحَلِيمُ الرّشِيدُ (‪} )87‬‬
‫يقولون له على سبيل التهكم ‪ ،‬قَبّحهم ال ‪َ { :‬أصَل ُتكَ } (‪ ، )6‬قال العمش ‪ :‬أي ‪ :‬قرآنك (‪)7‬‬
‫{ تَ ْأمُ ُركَ أَنْ نَتْ ُركَ مَا َيعْ ُبدُ آبَاؤُنَا } أي ‪ :‬الوثان والصنام ‪َ { ،‬أوْ أَنْ َن ْفعَلَ فِي َأ ْموَالِنَا مَا نَشَاءُ }‬
‫فنترك التطفيف (‪ )8‬على قولك ‪ ،‬هي أموالنا نفعل فيها ما نريد‪.‬‬
‫[قال الحسن] (‪ )9‬في قوله ‪َ { :‬أصَل ُتكَ تَ ْأمُ ُركَ أَنْ نَتْ ُركَ مَا َيعْبُدُ آبَاؤُنَا } (‪ )10‬إيْ وال ‪ ،‬إن‬
‫صلته‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نهاهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬العيب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" ،‬ل تفعلوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬أصلواتك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬قراءتك"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬الطفيف"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬أصلواتك"‪.‬‬

‫( ‪)4/343‬‬

‫علَى بَيّ َنةٍ مِنْ رَبّي وَرَ َزقَنِي مِنْهُ رِ ْزقًا حَسَنًا َومَا أُرِيدُ أَنْ أُخَاِلفَكُمْ إِلَى مَا‬
‫قَالَ يَا َقوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُ ْنتُ َ‬
‫ت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (‪)88‬‬
‫ط ْعتُ َومَا َت ْوفِيقِي إِلّا بِاللّهِ عَلَيْهِ َت َوكّلْ ُ‬
‫أَ ْنهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلّا الِْإصْلَاحَ مَا اسْ َت َ‬

‫لتأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم‪.‬‬


‫وقال الثوري في قوله ‪َ { :‬أوْ أَنْ َنفْ َعلَ فِي َأ ْموَالِنَا مَا َنشَاءُ } يعنون الزكاة‪.‬‬
‫ك ل ْنتَ الْحَلِيمُ الرّشِيدُ } قال ابن عباس ‪ ،‬وميمون بن ِمهْرَان ‪ ،‬وابن جُرَيْج ‪ ،‬وابن‬
‫وقولهم ‪ { :‬إِ ّن َ‬
‫أسلم ‪ ،‬وابن جرير ‪ :‬يقولون ذلك ‪ -‬أعداء ال ‪ -‬على سبيل الستهزاء ‪ ،‬قبحهم ال ولعنهم عن‬
‫رحمته ‪ ،‬وقد َف َعلْ‪.‬‬
‫حسَنًا َومَا أُرِيدُ أَنْ أُخَاِل َفكُمْ إِلَى‬
‫{ قَالَ يَا َقوْمِ أَ َرأَيْتُمْ إِنْ كُ ْنتُ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّي وَرَ َزقَنِي مِ ْنهُ رِ ْزقًا َ‬
‫ط ْعتُ َومَا َت ْوفِيقِي إِل بِاللّهِ عَلَ ْيهِ َت َوكّ ْلتُ وَإِلَ ْيهِ أُنِيبُ (‪)88‬‬
‫مَا أَ ْنهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِل الصْلحَ مَا اسْ َت َ‬
‫}‬
‫يقول لهم أرأيتم يا قوم { إِنْ كُ ْنتُ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّي } أي ‪ :‬على بصيرة فيما أدعو إليه ‪،‬‬
‫{ وَرَ َزقَنِي مِنْهُ رِ ْزقًا حَسَنًا } قيل ‪ :‬أراد النبوة‪ .‬وقيل ‪ :‬أراد الرزق الحلل ‪ ،‬ويحتمل المرين‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪َ { :‬ومَا أُرِيدُ أَنْ ُأخَاِل َفكُمْ إِلَى مَا أَ ْنهَاكُمْ عَنْهُ } أي ‪ :‬ل أنهاكم عن شيء (‪ )1‬وأخالف‬
‫أنا في السر فأفعله خفية (‪ )2‬عنكم ‪ ،‬كما قال قتادة في قوله ‪َ { :‬ومَا أُرِيدُ أَنْ أُخَاِلفَكُمْ إِلَى مَا أَ ْنهَا ُكمْ‬
‫ط ْعتُ } أي ‪:‬‬
‫عَنْهُ } يقول ‪ :‬لم أكن لنهاكم عن أمر وأركَبَه (‪ { )3‬إِنْ أُرِيدُ إِل الصْلحَ مَا اسْتَ َ‬
‫فيما آمركم وأنهاكم ‪ ،‬إنما مرادي إصلحكم جهدي وطاقتي ‪َ { ،‬ومَا َت ْوفِيقِي } أي ‪ :‬في إصابة‬
‫الحق فيما أريده { إِل بِاللّهِ عَلَيْهِ َت َوكّ ْلتُ } في جميع أموري ‪ { ،‬وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي ‪ :‬أرجع ‪ ،‬قاله‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مجاهد وغيره‪.‬‬
‫حجَير (‪)4‬‬
‫سوَيد بن ُ‬
‫عةَ ُ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا أبو قَزْ َ‬
‫الباهلي ‪ ،‬عن حكيم بن معاوية ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬أن أخاه مالكًا قال ‪ :‬يا معاوية ‪ ،‬إن محمدًا أخذ‬
‫جيراني ‪ ،‬فانطَلق إليه ‪ ،‬فإنه قد كلمك وعرفك ‪ ،‬فانطلقت معه فقال ‪ :‬دع لي جيراني ‪ ،‬فقد كانوا‬
‫أسلموا‪ .‬فأعرض عنه‪[ .‬فقام مُ َتمَعطًا] (‪ )5‬فقال ‪ :‬أما وال لئن فَعلتَ إن الناس يزعمون أنك تأمر‬
‫بالمر وتخالف إلى غيره‪ .‬وجعلت أجرّه وهو يتكلم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ما‬
‫تقول ؟" فقال ‪ :‬إنك وال لئن فعلت ذلك‪ .‬إن الناس ليزعمون أنك لتأمر بالمر وتخالف إلى غيره‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال ‪" :‬أوَ قد قالوها ‪ -‬أو قائلهم ‪ -‬ولئن فعلت ذلك ما ذاك إل عليّ ‪ ،‬وما عليهم من ذلك‬
‫من شيء ‪ ،‬أرسلوا له جيرانه (‪.)6‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن َبهْز (‪ )7‬بن حكيم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الشيء"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬خيفة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وأرتكبه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ابن حجر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪، .‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)4/447‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬شهر"‪.‬‬

‫( ‪)4/344‬‬

‫قال ‪ :‬أخذ النبي صلى ال عليه وسلم ناسًا من قومي في ُتهَمة فحبسهم ‪ ،‬فجاء رجل من قومي إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يخطب ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬علم تحبس جيرتي ؟ فصَمت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم [عنه] (‪ )1‬فقال ‪ :‬إن ناسًا ليقولون ‪ :‬إنك تنهى عن الشيء‬
‫وتستخلي به ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما يقول ؟" قال ‪ :‬فجعلت أعرض بينهما الكلم‬
‫مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي دَعوة ل يفلحون بعدها أبدًا ‪ ،‬فلم يزل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم به حتى فهمها ‪ ،‬فقال ‪" :‬أو قد قالوها ‪ -‬أو ‪ :‬قائلها منهم ‪ -‬وال لو فعلتُ لكان عليّ‬
‫وما كان عليهم ‪ ،‬خلوا له عن جيرانه" (‪.)2‬‬
‫ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا سليمان بن بلل ‪ ،‬عن‬
‫ربيعة بن أبي عبد الرحمن ‪ ،‬عن عبد الملك بن سعيد بن سويد النصاري قال ‪ :‬سمعت أبا حميد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأبا أسيد يقولن ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم ‪،‬‬
‫وتلين له أشعاركم وأبشاركم ‪ ،‬وترون أنه منكم قريب ‪ ،‬فأنا أولكم به ‪ ،‬وإذا سمعتم الحديث عني‬
‫تُنكره قلوبكم ‪ ،‬وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم ‪ ،‬وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه" (‪.)3‬‬
‫هذا (‪ )4‬إسناد صحيح ‪ ،‬وقد أخرج مسلم بهذا السند حديث ‪" :‬إذا دخل أحدكم المسجد فليقل ‪ :‬اللهم‬
‫‪ ،‬افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إني أسألك من فضلك" (‪.)5‬‬
‫ومعناه ‪ -‬وال أعلم ‪ : -‬مهما بلغكم عني من خير فأنا أولكم به ومهما يكن من مكروه فأنا أبعدكم‬
‫منه ‪َ { ،‬ومَا أُرِيدُ أَنْ ُأخَاِل َفكُمْ إِلَى مَا أَ ْنهَاكُمْ [عَ ْنهُ] } (‪.)6‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن عَزْرَة (‪ )7‬عن الحسن العُرَني ‪ ،‬عن يحيى بن الجزار ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬أن امرأة‬
‫جاءت ابن مسعود قالت (‪ )8‬أتنهى عن الواصلة ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقالت [المرأة] (‪ )9‬فلعله في بعض‬
‫نسائك ؟ فقال ‪ :‬ما حفظت إذا وصية العبد الصالح ‪َ { :‬ومَا أُرِيدُ أَنْ أُخَاِل َفكُمْ إِلَى مَا أَ ْنهَاكُمْ عَ ْنهُ }‪.‬‬
‫وقال عثمان بن أبي شيبة ‪ :‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن أبي سليمان العتبي (‪ )10‬قال ‪ :‬كانت تجيئنا كتب‬
‫عمر بن عبد العزيز فيها المر والنهي ‪ ،‬فيكتب في آخرها ‪ :‬وما كانت (‪ )11‬من ذلك إل كما قال‬
‫ت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }‪.‬‬
‫العبد الصالح ‪َ { :‬ومَا َت ْوفِيقِي إِل بِاللّهِ عَلَ ْيهِ َت َوكّلْ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )5/2‬ورواه أبو داود في السنن برقم (‪ )3630‬عن عبد الرزاق والترمذي في السنن‬
‫برقم (‪ )1417‬عن ابن المبارك كلهما من طريق معمر به مختصرا جدا ‪ ،‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫"حديث بهز عن أبيه عن جده حديث حسن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/497‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)713‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عروة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الضبي"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وما كنت" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬وما كتب"‪.‬‬

‫( ‪)4/345‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شقَاقِي أَنْ ُيصِي َبكُمْ مِ ْثلُ مَا َأصَابَ َقوْمَ نُوحٍ َأوْ َقوْمَ هُودٍ َأوْ َقوْمَ صَالِحٍ َومَا َقوْمُ‬
‫وَيَا َقوْمِ لَا يَجْ ِرمَ ّن ُكمْ ِ‬
‫شعَ ْيبُ مَا‬
‫لُوطٍ مِ ْنكُمْ بِ َبعِيدٍ (‪ )89‬وَاسْ َت ْغفِرُوا رَ ّبكُمْ ثُمّ تُوبُوا إِلَ ْيهِ إِنّ رَبّي رَحِي ٌم وَدُودٌ (‪ )90‬قَالُوا يَا ُ‬
‫جمْنَاكَ َومَا أَ ْنتَ عَلَيْنَا ِبعَزِيزٍ (‪ )91‬قَالَ‬
‫طكَ لَ َر َ‬
‫ضعِيفًا وَلَوْلَا رَ ْه ُ‬
‫ل وَإِنّا لَنَرَاكَ فِينَا َ‬
‫َنفْقَهُ كَثِيرًا ِممّا َتقُو ُ‬
‫ظهْرِيّا إِنّ رَبّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ مُحِيطٌ (‪)92‬‬
‫خذْ ُتمُوهُ وَرَا َء ُكمْ ِ‬
‫يَا َقوْمِ أَرَ ْهطِي أَعَزّ عَلَ ْيكُمْ مِنَ اللّ ِه وَاتّ َ‬

‫ح َومَا‬
‫شقَاقِي أَنْ ُيصِي َبكُمْ مِ ْثلُ مَا َأصَابَ َقوْمَ نُوحٍ َأوْ َقوْمَ هُودٍ َأوْ َقوْ َم صَالِ ٍ‬
‫{ وَيَا َقوْمِ ل َيجْ ِرمَ ّنكُمْ ِ‬
‫َقوْمُ لُوطٍ مِ ْنكُمْ بِ َبعِيدٍ (‪ )89‬وَاسْ َت ْغفِرُوا رَ ّبكُمْ ثُمّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنّ رَبّي َرحِي ٌم َودُودٌ (‪} )90‬‬
‫شقَاقِي } أي ‪ :‬ل تحملنكم عداوتي وبغضي على الصرار على‬
‫يقول لهم ‪ { :‬وَيَا َقوْمِ ل يَجْ ِرمَ ّنكُمْ ِ‬
‫ما أنتم عليه من الكفر والفساد ‪ ،‬فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح ‪ ،‬وقوم هود ‪ ،‬وقوم صالح ‪،‬‬
‫وقوم لوط من النقمة والعذاب‪.‬‬
‫شقَاقِي } يقول ‪ :‬ل يحملنكم فراقي‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ { :‬وَيَا َقوْمِ ل َيجْ ِرمَ ّنكُمْ ِ‬
‫وقال السدي ‪ :‬عداوتي ‪ ،‬على أن تتمادوا في الضلل والكفر ‪ ،‬فيصيبكم من العذاب ما أصابهم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عوف ‪ ،‬حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ‪ ،‬حدثنا‬
‫ابن أبي غَنيّة ‪ ،‬حدثني عبد الملك بن أبي سليمان ‪ ،‬عن أبي ليلى الكندي قال ‪ :‬كنت مع مولي‬
‫أمسك دابته ‪ ،‬وقد أحاط الناس بعثمان بن عفان ؛ إذ أشرف علينا من داره فقال ‪ { :‬وَيَا َقوْ ِم ل‬
‫شقَاقِي أَنْ ُيصِي َبكُمْ مِ ْثلُ مَا َأصَابَ َقوْمَ نُوحٍ َأوْ َقوْمَ هُودٍ َأوْ َقوْ َم صَالِحٍ } يا قوم ‪ ،‬ل‬
‫يَجْ ِرمَ ّنكُمْ ِ‬
‫تقتلوني ‪ ،‬إنكم إن تقتلوني كنتم هكذا ‪ ،‬وشَبّك بين أصابعه‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َقوْمُ لُوطٍ مِ ْن ُكمْ بِ َبعِيدٍ } [قيل ‪ :‬المراد في الزمان ‪ ،‬كما قال قتادة في قوله ‪َ { :‬ومَا‬
‫َقوْمُ لُوطٍ مِ ْنكُمْ بِ َبعِيدٍ } يعني] (‪ )1‬إنما أهلكوا (‪ )2‬بين أيديكم بالمس ‪ ،‬وقيل ‪ :‬في المكان ‪،‬‬
‫ويحتمل المران ‪ { ،‬وَاسْ َت ْغفِرُوا رَ ّب ُكمْ ثُمّ تُوبُوا إِلَيْهِ } أي ‪ :‬استغفروه من سالف الذنوب ‪ ،‬وتوبوا‬
‫فيما تستقبلونه من العمال السيئة ‪ { ،‬إِنّ رَبّي رَحِي ٌم وَدُودٌ } أي ‪ :‬لمن تاب وأناب‪.‬‬
‫جمْنَاكَ َومَا أَ ْنتَ‬
‫طكَ لَ َر َ‬
‫ضعِيفًا وََلوْل َرهْ ُ‬
‫ل وَإِنّا لَنَرَاكَ فِينَا َ‬
‫شعَ ْيبُ مَا َن ْفقَهُ كَثِيرًا ِممّا َتقُو ُ‬
‫{ قَالُوا يَا ُ‬
‫ظهْرِيّا إِنّ رَبّي ِبمَا‬
‫خذْ ُتمُوهُ وَرَا َء ُكمْ ِ‬
‫عَلَيْنَا ِبعَزِيزٍ (‪ )91‬قَالَ يَا َقوْمِ أَرَ ْهطِي أَعَزّ عَلَ ْيكُمْ مِنَ اللّ ِه وَاتّ َ‬
‫َت ْعمَلُونَ ُمحِيطٌ (‪} )92‬‬
‫شعَ ْيبُ مَا َنفْقَهُ كَثِيرًا ِممّا َتقُولُ } أي ‪ :‬ما نفهم ول نعقل كثيرًا من قولك ‪ ،‬وفي آذاننا‬
‫يقولون ‪ { :‬يَا ُ‬
‫ضعِيفًا }‪.‬‬
‫وقر ‪ ،‬ومن بيننا وبينك حجاب‪ { .‬وَإِنّا لَنَرَاكَ فِينَا َ‬
‫قال (‪ )3‬سعيد بن جبير ‪ ،‬والثوري ‪ :‬كان ضرير البصر‪ .‬قال الثوري ‪ :‬وكان يقال له ‪ :‬خطيب‬
‫النبياء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬هلكوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬

‫( ‪)4/346‬‬

‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ ُيخْزِي ِه َومَنْ ُهوَ كَا ِذبٌ‬
‫عمَلُوا عَلَى َمكَانَ ِتكُمْ إِنّي عَا ِملٌ َ‬
‫وَيَا َقوْمِ ا ْ‬
‫ح َمةٍ مِنّا وَأَخَ َذتِ‬
‫شعَيْبًا وَالّذِينَ َآمَنُوا َمعَهُ بِرَ ْ‬
‫وَارْتَقِبُوا إِنّي َم َعكُمْ َرقِيبٌ (‪ )93‬وََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا َنجّيْنَا ُ‬
‫حةُ فََأصْبَحُوا فِي دِيَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ (‪ )94‬كَأَنْ َلمْ َيغْ َنوْا فِيهَا أَلَا ُبعْدًا ِلمَدْيَنَ َكمَا‬
‫الّذِينَ ظََلمُوا الصّيْ َ‬
‫َبعِ َدتْ َثمُودُ (‪)95‬‬

‫ضعِيفًا } قال ‪ :‬أنت واحد] (‪.)1‬‬


‫[وقال السدي ‪ { :‬وَإِنّا لَنَرَاكَ فِينَا َ‬
‫ضعِيفًا } يعنون ‪ :‬ذليل ؛ لن عشيرتك ليسوا على دينك ‪،‬‬
‫[وقال أبو روق ‪ { :‬وَإِنّا لَنَرَاكَ فِينَا َ‬
‫فأنت ذليل ضعيف] (‪.)2‬‬
‫طكَ } أي ‪ :‬قومك وعشيرتك ؛ لول معزة قومك علينا لرجمناك ‪ ،‬قيل (‪ )3‬بالحجارة ‪،‬‬
‫{ وََلوْل َرهْ ُ‬
‫وقيل ‪ :‬لسبَبْنَاك ‪َ { ،‬ومَا أَ ْنتَ عَلَيْنَا ِبعَزِيزٍ } أي ‪ :‬ليس لك عندنا معزة‪.‬‬
‫{ قَالَ يَا َقوْمِ أَ َرهْطِي أَعَزّ عَلَ ْي ُكمْ مِنَ اللّهِ } يقول ‪ :‬أتتركوني لجل قومي ‪ ،‬ول تتركوني إعظاما‬
‫ظهْرِيّا } أي ‪ :‬نبذتموه خلفكم ‪،‬‬
‫لجناب ال أن تنالوا نبيه بمساءة‪ .‬وقد اتخذتم جانب ال { وَرَا َء ُكمْ ِ‬
‫ل تطيعونه ول تعظمونه ‪ { ،‬إِنّ رَبّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ مُحِيطٌ } أي ‪ :‬هو يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم‬
‫بها‪.‬‬
‫عذَابٌ يُخْزِي ِه َومَنْ ُهوَ كَا ِذبٌ‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ َ‬
‫عمَلُوا عَلَى َمكَانَ ِتكُمْ إِنّي عَا ِملٌ َ‬
‫{ وَيَا َقوْمِ ا ْ‬
‫ح َمةٍ مِنّا وَأَخَ َذتِ‬
‫شعَيْبًا وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ بِرَ ْ‬
‫وَارْتَقِبُوا إِنّي َم َعكُمْ َرقِيبٌ (‪ )93‬وََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا َنجّيْنَا ُ‬
‫حةُ فََأصْبَحُوا فِي دِيَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ (‪ )94‬كَأَنْ َلمْ َيغْ َنوْا فِيهَا أَل ُب ْعدًا ِلمَدْيَنَ َكمَا‬
‫الّذِينَ ظََلمُوا الصّيْ َ‬
‫َبعِ َدتْ َثمُودُ (‪} )95‬‬
‫عمَلُوا عَلَى َمكَانَ ِتكُمْ } أي ‪ :‬على‬
‫لما يئس نبيّ ال شعيب من استجابة قومه له ‪ ،‬قال ‪ :‬يا قوم ‪ { ،‬ا ْ‬
‫سوْفَ َتعَْلمُونَ مَنْ‬
‫طريقتكم ‪ ،‬وهذا تهديد ووعيد شديد ‪ { ،‬إِنّي عَا ِملٌ } على طريقتي ومنهجي { َ‬
‫عذَابٌ يُخْزِيهِ } أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪َ { ،‬ومَنْ ُهوَ كَا ِذبٌ } أي ‪ :‬مني ومنكم ‪ { ،‬وَارْ َتقِبُوا }‬
‫يَأْتِيهِ َ‬
‫أي ‪ :‬انتظروا { إِنّي َم َعكُمْ َرقِيبٌ }‪.‬‬
‫حمَةٍ مِنّا وََأخَ َذتِ الّذِينَ ظََلمُوا }‬
‫شعَيْبًا وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ بِ َر ْ‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬وََلمّا جَاءَ َأمْرُنَا نَجّيْنَا ُ‬
‫حةُ فََأصْبَحُوا فِي دِيَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ } وقوله { جَاثمِيِنَ } أي ‪ :‬هامدين ل حِرَاك‬
‫وهم قومه ‪ { ،‬الصّيْ َ‬
‫بهم‪ .‬وذكر هاهنا أنه أتتهم صيحة ‪ ،‬وفي العراف رجفة ‪ ،‬وفي الشعراء عذاب يوم الظلة ‪ ،‬وهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أمة واحدة ‪ ،‬اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقَمُ كلها‪ .‬وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه ‪ ،‬ففي‬
‫ب وَالّذِينَ آمَنُوا َم َعكَ مِنْ قَرْيَتِنَا } [العراف ‪، ]88 :‬‬
‫شعَ ْي ُ‬
‫العراف لما قالوا ‪ { :‬لَنُخْ ِرجَ ّنكَ يَا ُ‬
‫ناسب أن يذكر هناك الرجفة ‪ ،‬فرجفت بهم الرض التي ظلموا بها ‪ ،‬وأرادوا إخراج نبيهم منها ‪،‬‬
‫وهاهنا لما أساءوا الدب في مقالتهم على نبيهم ناسب ذكر الصيحة التي أسكتتهم (‪ )4‬وأخمدتهم ‪،‬‬
‫سمَاءِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ } [الشعراء ‪:‬‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫سقِطْ عَلَيْنَا كِ َ‬
‫وفي الشعراء لما قالوا ‪ { :‬فَأَ ْ‬
‫عذَابَ َي ْومٍ عَظِيمٍ } [الشعراء ‪ ، ]189 :‬وهذا من‬
‫خذَ ُهمْ عَذَابُ َيوْمِ الظّلّةِ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫‪ ، ]189‬قال { فَأَ َ‬
‫السرار الغريبة الدقيقة ‪ ،‬ول الحمد والمنة كثيرًا دائمًا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬قتل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أسكنتهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/347‬‬

‫ن َومَا َأمْرُ‬
‫عوْ َ‬
‫عوْنَ َومَلَئِهِ فَاتّ َبعُوا َأمْرَ فِرْ َ‬
‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُ ْلطَانٍ مُبِينٍ (‪ )96‬إِلَى فِرْ َ‬
‫عوْنَ بِ َرشِيدٍ (‪)97‬‬
‫فِرْ َ‬

‫وقوله ‪ { :‬كَأَنْ َلمْ َيغْ َنوْا فِيهَا } أي ‪ :‬يعيشوا في دارهم قبل ذلك ‪ { ،‬أَل ُبعْدًا ِلمَدْيَنَ َكمَا َبعِ َدتْ‬
‫َثمُودُ } وكانوا جيرانهم قريبًا منهم في الدار ‪ ،‬وشبيهًا بهم في الكفر و َقطْع الطريق ‪ ،‬وكانوا عرَبا‬
‫شبههم‪.‬‬
‫عوْنَ َومَا َأمْرُ‬
‫ن َومَلَئِهِ فَاتّ َبعُوا َأمْرَ فِرْ َ‬
‫عوْ َ‬
‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (‪ )96‬إِلَى فِرْ َ‬
‫عوْنَ بِ َرشِيدٍ (‪} )97‬‬
‫فِرْ َ‬

‫( ‪)4/348‬‬

‫َيقْدُمُ َق ْومَهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فََأوْرَ َدهُمُ النّارَ وَبِئْسَ ا ْلوِرْدُ ا ْل َموْرُودُ (‪ )98‬وَأُتْ ِبعُوا فِي َه ِذهِ َلعْنَ ًة وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ‬
‫بِئْسَ ال ّر ْفدُ ا ْلمَ ْرفُودُ (‪)99‬‬

‫{ َيقْ ُدمُ َق ْومَهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فََأوْرَدَ ُهمُ النّا َر وَبِئْسَ ا ْلوِرْدُ ا ْل َموْرُودُ (‪ )98‬وَأُتْ ِبعُوا فِي هَ ِذهِ َلعْنَةً وَيَوْمَ‬
‫ا ْلقِيَامَةِ بِئْسَ ال ّر ْفدُ ا ْلمَ ْرفُودُ (‪} )99‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن إرسال موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بآياته وبيناته ‪ ،‬وحججه ودلئله الباهرة‬
‫عوْنَ } أي‬
‫القاطعة إلى فرعون لعنه ال ‪ ،‬وهو ملك ديار مصر على أمة القبط ‪ { ،‬فَاتّ َبعُوا َأمْرَ فِرْ َ‬
‫عوْنَ بِرَشِيدٍ } أي ‪ :‬ليس فيه رشد‬
‫‪ :‬مسلكه ومنهجه وطريقته في الغي والضلل ‪َ { ،‬ومَا َأمْرُ فِرْ َ‬
‫ول هدى ‪ ،‬وإنما هو جهل وضلل ‪ ،‬وكفر وعناد ‪ ،‬وكما أنهم اتبعوه في الدنيا ‪ ،‬وكان ُمقَدمهم‬
‫ورئيسهم ‪ ،‬كذلك هو يُقدمهم يوم القيامة إلى نار جهنم ‪ ،‬فأوردهم إياها ‪ ،‬وشربوا من حياض (‪)1‬‬
‫عوْنُ‬
‫رَدَاها ‪ ،‬وله في ذلك الحظ الوفر ‪ ،‬من العذاب الكبر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ف َعصَى فِرْ َ‬
‫سعَى‬
‫عصَى ثُمّ َأدْبَرَ يَ ْ‬
‫خذًا وَبِيل } [المزمل ‪ ، ]16 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ف َك ّذبَ وَ َ‬
‫خذْنَاهُ أَ ْ‬
‫الرّسُولَ فَأَ َ‬
‫فَحَشَرَ فَنَادَى َفقَالَ أَنَا رَ ّب ُكمُ العْلَى فََأخَ َذهُ اللّهُ َنكَالَ الخِ َر ِة وَالولَى إِنّ فِي ذَِلكَ َلعِبْ َرةً ِلمَنْ َيخْشَى }‬
‫[النازعات ‪ ، ]26 - 21 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬يقْدُمُ َق ْومَهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فََأوْرَدَهُمُ النّا َر وَبِئْسَ ا ْلوِرْدُ‬
‫ا ْل َموْرُودُ } وكذلك شأن المتبوعين يكونون مُوفرين في العذاب يوم المعاد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ض ْعفٌ وََلكِنْ ل َتعَْلمُونَ } [العراف ‪ )2( ، ]38 :‬وقال تعالى إخبارًا عن الكَفَرة أنهم‬
‫{ [قَالَ] ِل ُكلّ ِ‬
‫ض ْعفَيْنِ مِنَ ا ْلعَذَابِ‬
‫طعْنَا سَادَتَنَا َوكُبَرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيلَ رَبّنَا آ ِتهِ ْم ِ‬
‫يقولون في النار ‪ { :‬رَبّنَا إِنّا أَ َ‬
‫وَا ْلعَ ْنهُمْ َلعْنًا كَبِيرًا } [الحزاب ‪.]68 ، 67 :‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هُشَيْم ‪ ،‬حدثنا أبو الجهم ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬امرؤ القيس حامل لواء شعراء الجاهلية إلى‬
‫النار" (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأُتْ ِبعُوا فِي هَ ِذهِ َلعْنَةً وَيَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ بِ ْئسَ ال ّرفْدُ ا ْلمَ ْرفُودُ } أي ‪ :‬أتبعناهم زيادة على ما‬
‫جازيناهم من عذاب النار لعنة في هذه الحياة الدنيا ‪ { ،‬وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ بِئْسَ ال ّرفْدُ ا ْلمَ ْرفُودُ }‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬زيدوا لعنة يوم القيامة ‪ ،‬فتلك لعنتان‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬بِئْسَ ال ّرفْدُ ا ْلمَ ْرفُودُ } قال ‪ :‬لعنة الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫وكذا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬خاص"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)2/228‬‬

‫( ‪)4/348‬‬

‫سهُمْ َفمَا‬
‫حصِيدٌ (‪َ )100‬ومَا ظََلمْنَا ُه ْم وََلكِنْ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلقُرَى َن ُقصّهُ عَلَ ْيكَ مِ ْنهَا قَائِمٌ وَ َ‬
‫شيْءٍ َلمّا جَاءَ َأمْرُ رَ ّبكَ َومَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (‬
‫أَغْ َنتْ عَ ْنهُمْ َآِلهَ ُتهُمُ الّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خ َذهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (‪ )102‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَةً ِلمَنْ‬
‫‪َ )101‬وكَذَِلكَ َأخْذُ رَ ّبكَ إِذَا َأخَذَ ا ْلقُرَى وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ إِنّ أَ ْ‬
‫جلٍ‬
‫شهُودٌ (‪َ )103‬ومَا ُن َؤخّ ُرهُ إِلّا لَِأ َ‬
‫س َوذَِلكَ َيوْمٌ مَ ْ‬
‫جمُوعٌ َلهُ النّا ُ‬
‫خَافَ عَذَابَ الَْآخِ َرةِ َذِلكَ َيوْمٌ مَ ْ‬
‫سعِيدٌ (‪)105‬‬
‫ي وَ َ‬
‫شقِ ّ‬
‫َمعْدُودٍ (‪َ )104‬يوْمَ يَ ْأتِ لَا َتكَلّمُ َنفْسٌ إِلّا بِِإذْنِهِ َفمِ ْنهُمْ َ‬

‫جعَلْنَاهُمْ أَ ِئمّةً يَدْعُونَ إِلَى النّا ِر وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة ل‬


‫قال الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وهكذا قوله (‪ )1‬تعالى ‪ { :‬وَ َ‬
‫يُ ْنصَرُونَ وَأَتْ َبعْنَا ُهمْ فِي هَ ِذهِ الدّنْيَا َلعْنَ ًة وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ُهمْ مِنَ ا ْل َمقْبُوحِينَ } [القصص ‪، ]42 ، 41 :‬‬
‫عوْنَ أَشَدّ‬
‫خلُوا آلَ فِرْ َ‬
‫غ ُدوّا وَعَشِيّا وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ أَدْ ِ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬النّارُ ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا ُ‬
‫ا ْلعَذَابِ } [غافر ‪.]46 :‬‬
‫سهُمْ َفمَا‬
‫ظَلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ظَلمْنَاهُ ْم وََلكِنْ َ‬
‫حصِيدٌ (‪َ )100‬ومَا َ‬
‫{ ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلقُرَى َن ُقصّهُ عَلَ ْيكَ مِ ْنهَا قَائِ ٌم وَ َ‬
‫شيْءٍ َلمّا جَاءَ َأمْرُ رَ ّبكَ َومَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (‬
‫أَغْ َنتْ عَ ْنهُمْ آِلهَ ُتهُمُ الّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ َ‬
‫‪} )101‬‬
‫لما ذكر تعالى خبر هؤلء النبياء ‪ ،‬وما جرى لهم مع أممهم ‪ ،‬وكيف أهلك الكافرين ونَجّى‬
‫المؤمنين قال ‪ { :‬ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلقُرَى } أي ‪ :‬من أخبارها { َن ُقصّهُ عَلَ ْيكَ مِ ْنهَا قَائِمٌ } (‪ )2‬أي ‪:‬‬
‫سهُمْ‬
‫ظَلمْنَاهُمْ } أي ‪ :‬إذ أهلكناهم ‪ { ،‬وََلكِنْ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫حصِيدٌ } أي ‪ :‬هالك دائر ‪َ { ،‬ومَا َ‬
‫عامر ‪َ { ،‬و َ‬
‫} أي ‪ :‬بتكذيبهم رسلنا وكفرهم بهم ‪َ { ،‬فمَا أَغْ َنتْ عَ ْن ُهمْ آِلهَ ُتهُمُ } أي ‪ :‬أصنامهم وأوثانهم التي‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬ما نفعوهم ول أنقذوهم لما جاء أمر‬
‫كانوا يعبدونها ويدعونها ‪ { ،‬مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ َ‬
‫ال بإهلكهم ‪َ { ،‬ومَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } (‪.)3‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬أي غير تخسير ‪ ،‬وذلك أن سبب هلكهم و َدمَارهم إنما كان‬
‫باتباعهم تلك اللهة وعبادتهم إياها (‪ )4‬فبهذا أصابهم ما أصابهم ‪ ،‬وخسروا بهم ‪ ،‬في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫خ َذهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (‪} )102‬‬
‫{ َوكَذَِلكَ َأخْذُ رَ ّبكَ إِذَا َأخَذَ ا ْلقُرَى وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ إِنّ أَ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بنظائرهم وأشباههم‬
‫خ َذهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } وفي الصحيحين عن أبي موسى الشعري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫وأمثالهم ‪ { ،‬إِنّ أَ ْ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال ليُملي للظالم ‪ ،‬حتى إذا أخذه لم يُفلته" ‪ ،‬ثم قرأ‬
‫خ َذهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َأخْذُ رَ ّبكَ ِإذَا َأخَذَ ا ْلقُرَى وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ إِنّ أَ ْ‬
‫} (‪.)5‬‬
‫شهُودٌ (‪)103‬‬
‫س وَذَِلكَ َيوْمٌ مَ ْ‬
‫جمُوعٌ لَهُ النّا ُ‬
‫عذَابَ الخِ َرةِ ذَِلكَ َيوْمٌ َم ْ‬
‫ك ليَةً ِلمَنْ خَافَ َ‬
‫{ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫سعِيدٌ (‪} )105‬‬
‫ي وَ َ‬
‫شقِ ّ‬
‫جلٍ َمعْدُودٍ (‪َ )104‬يوْمَ يَ ْأتِ ل َتكَلّمُ َنفْسٌ إِل بِِإذْنِهِ َفمِ ْنهُمْ َ‬
‫َومَا ُن َؤخّ ُرهُ إِل ل َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا كقوله"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬نقصها" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬تثبيت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬إياهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4686‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2583‬‬

‫( ‪)4/349‬‬

‫واعتبارا على صدق موعُودنا في الدار الخرة ‪ { ،‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا‬
‫سكِنَ ّنكُمُ‬
‫شهَادُ } [غافر ‪ ، ]51 :‬وقال تعالى ‪ { :‬فََأوْحَى إِلَ ْيهِمْ رَ ّب ُهمْ لَ ُنهِْلكَنّ الظّاِلمِينَ وَلَنُ ْ‬
‫وَ َيوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫ف وَعِيدِ } [إبراهيم ‪.]14 ، 13 :‬‬
‫ال ْرضَ مِنْ َب ْعدِهِمْ ذَِلكَ ِلمَنْ خَافَ َمقَامِي وَخَا َ‬
‫جمُوعٌ لَهُ النّاسُ } (‪ )1‬أي ‪ :‬أولهم وآخرهم ‪ ،‬فل يبقى منهم أحد ‪ ،‬كما‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ َيوْمٌ َم ْ‬
‫حدًا } [الكهف ‪.]47 :‬‬
‫حشَرْنَاهُمْ فََلمْ ُنغَادِرْ مِ ْن ُهمْ أَ َ‬
‫قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫شهُودٌ } أي ‪ :‬يوم عظيم تحضره الملئكة كلهم ‪ ،‬ويجتمع فيه الرسل جميعهم ‪،‬‬
‫{ وَذَِلكَ َي ْومٌ مَ ْ‬
‫وتحشر فيه الخلئق بأسرهم ‪ ،‬من النس والجن والطير والوحوش والدواب ‪ ،‬ويحكم فيهم (‪)2‬‬
‫العادل الذي ل يظلم مثقال ذرة ‪ ،‬وإن تك حسنة يضاعفها‪.‬‬
‫جلٍ َمعْدُودٍ } أي ‪ :‬ما نؤخر إقامة يوم القيامة إل لنه (‪ )3‬قد سبقت‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا ُنؤَخّ ُرهُ إِل ل َ‬
‫كلمة ال وقضاؤه وقدره ‪ ،‬في وجود أناس معدودين من ذرية آدم ‪ ،‬وضرب مدة معينة إذا انقضت‬
‫وتكامل وجود أولئك المقدر خروجهم من ذرية آدم ‪ ،‬أقام ال الساعة ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا ُنؤَخّ ُرهُ‬
‫جلٍ َم ْعدُودٍ } أي ‪ :‬لمدة مؤقتة ل يزاد عليها ول ينتقص منها ‪َ { ،‬يوْمَ يَ ْأتِ ل َتكَلّمُ َنفْسٌ إِل‬
‫إِل ل َ‬
‫بِإِذْنِهِ } (‪ )4‬يقول ‪ :‬يوم يأتي هذا اليوم وهو يوم القيامة ‪ ،‬ل يتكلم أحد [يومئذ] (‪ )5‬إل بإذن ال‬
‫حمَنُ‬
‫صفّا ل يَ َتكَّلمُونَ إِل مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّ ْ‬
‫تعالى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ َيقُومُ الرّوحُ وَا ْلمَل ِئكَ ُة َ‬
‫سمَعُ إِل َهمْسًا }‬
‫حمَنِ فَل َت ْ‬
‫ش َعتِ الصْوَاتُ لِلرّ ْ‬
‫صوَابًا } [النبأ ‪ ، ]38 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬وخَ َ‬
‫ل َ‬
‫َوقَا َ‬
‫[طه ‪ ، ]108 :‬وفي الصحيحين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل ‪:‬‬
‫"ول يتكلم يومئذ إل الرسل ‪ ،‬ودعوى الرسل يومئذ ‪ :‬اللهُم سَلّم سلّم (‪.)7( )6‬‬
‫سعِيدٌ } أي ‪ :‬فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬فَرِيقٌ فِي‬
‫ي وَ َ‬
‫شقِ ّ‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمِ ْنهُمْ َ‬
‫سعِيرِ } [الشورى ‪.]7 :‬‬
‫الْجَنّ ِة َوفَرِيقٌ فِي ال ّ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ :‬حدثنا موسى بن حيان ‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن عمرو ‪ ،‬حدثنا‬
‫سليمان بن (‪ )8‬سفيان ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬عن عمر (‪ )9‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫سعِيدٌ } سألت النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قلت ‪ )10( :‬يا رسول‬
‫ي وَ َ‬
‫شقِ ّ‬
‫قال ‪ :‬لما نزلت { َفمِ ْنهُمْ َ‬
‫ال ‪ ،‬علم نعمل (‪ )11‬؟ على شيء قد فُرغ منه ‪ ،‬أم على شيء لم يفرغ منه ؟ فقال ‪" :‬على شيء‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قد فرغ منه يا عمر وجرت به القلم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قبلها في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إن في ذلك لية لمن خاف عذاب الخرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إل أنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يأتي" وفي أ‪" .‬يأتيهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬اللهم سلم اللهم سلم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )806‬وصحيح مسلم برقم (‪.)182‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عمر بن الخطاب"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬فقلت"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬على ما يعمل"‪.‬‬

‫( ‪)4/350‬‬

‫س َموَاتُ وَالْأَ ْرضُ‬


‫شهِيقٌ (‪ )106‬خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَا َمتِ ال ّ‬
‫شقُوا َففِي النّارِ َلهُمْ فِيهَا َزفِي ٌر وَ َ‬
‫فََأمّا الّذِينَ َ‬
‫إِلّا مَا شَاءَ رَ ّبكَ إِنّ رَ ّبكَ َفعّالٌ ِلمَا يُرِيدُ (‪)107‬‬

‫ولكن كل ميسر لما خلق له" (‪.)1‬‬


‫ثم بين (‪ )2‬تعالى حال الشقياء وحال السعداء ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫سمَاوَاتُ‬
‫شهِيقٌ (‪ )106‬خَاِلدِينَ فِيهَا مَا دَا َمتِ ال ّ‬
‫شقُوا َففِي النّارِ َل ُهمْ فِيهَا َزفِي ٌر وَ َ‬
‫{ فََأمّا الّذِينَ َ‬
‫وَالرْضُ إِل مَا شَاءَ رَ ّبكَ إِنّ رَ ّبكَ َفعّالٌ ِلمَا يُرِيدُ (‪} )107‬‬
‫شهِيقٌ } قال ابن عباس ‪ :‬الزفير في الحلق ‪ ،‬والشهيق في الصدر‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬لهُمْ فِيهَا َزفِيرٌ وَ َ‬
‫أي ‪ :‬تنفسهم زفير ‪ ،‬وأخذهم النفس شهيق ‪ ،‬لما هم فيه من العذاب ‪ ،‬عياذا بال من ذلك‪.‬‬
‫سمَاوَاتُ وَال ْرضُ } قال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬من عادة العرب إذا‬
‫{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَا َمتِ ال ّ‬
‫أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت ‪" :‬هذا دائم دوامَ السموات والرض" ‪ ،‬وكذلك يقولون ‪:‬‬
‫هو باق ما اختلف الليلُ والنهار ‪ ،‬وما سمر ابنا سَمير ‪ ،‬وما للت ال ُعفْر (‪ )3‬بأذنابها‪ .‬يعنون‬
‫بذلك كلمة ‪" :‬أبدا" ‪ ،‬فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفونه بينهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬خَاِلدِينَ فِيهَا مَا دَا َمتِ‬
‫سمَاوَاتُ وَال ْرضُ }‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قلت ‪ :‬ويحتمل أن المراد بما دامت السموات والرض ‪ :‬الجنس ؛ لنه ل بدّ في عالم الخرة من‬
‫سمَاوَاتُ } [إبراهيم ‪]48 :‬‬
‫ض وَال ّ‬
‫سموات وأرض ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ تُ َب ّدلُ ال ْرضُ غَيْرَ ال ْر ِ‬
‫سمَاوَاتُ وَال ْرضُ } قال ‪ :‬تبدل سماء غير (‬
‫؛ ولهذا قال الحسن البصري في قوله ‪ { :‬مَا دَا َمتِ ال ّ‬
‫‪ )4‬هذه السماء ‪ ،‬وأرض غير هذه الرض ‪ ،‬فما دامت تلك السماء وتلك الرض‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن سفيان بن حسين ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪:‬‬
‫سمَاوَاتُ وَال ْرضُ } قال ‪ :‬لكل جنة سماء وأرض‪.‬‬
‫{ مَا دَا َمتِ ال ّ‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬ما دامت الرض أرضًا ‪ ،‬والسماء سماءً‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل مَا شَاءَ رَ ّبكَ إِنّ رَ ّبكَ َفعّالٌ ِلمَا يُرِيدُ } كقوله تعالى ‪ { :‬النّارُ مَ ْثوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِل‬
‫علِيمٌ } [النعام ‪.]128 :‬‬
‫حكِيمٌ َ‬
‫مَا شَاءَ اللّهُ إِنّ رَ ّبكَ َ‬
‫وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الستثناء ‪ ،‬على أقوال كثيرة ‪ ،‬حكاها الشيخ أبو الفرج‬
‫بن الجوزي في كتابه "زاد المسير" (‪ )5‬وغيره من علماء التفسير ‪ ،‬ونقل كثيرًا منها المام أبو‬
‫جعفر بن جرير ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في كتابه (‪ )6‬واختار هو ما نقله عن خالد بن َمعْدَان ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬وأبي سِنَان ‪ ،‬ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضًا ‪ :‬أن الستثناء عائد على‬
‫العُصاة من أهل التوحيد ‪ ،‬ممن يخرجهم ال من النار بشفاعة الشافعين ‪ ،‬من الملئكة والنبيين‬
‫والمؤمنين ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3111‬عن بندار ‪ ،‬عن أبي عامر العقدي ‪ -‬عبد الملك بن‬
‫عمرو به ‪ -‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ل نعرفه إل من حديث عبد‬
‫الملك بن عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وبين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ : :‬الغفر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يبدل بهما غير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زاد المسير (‪.)161 ، 4/160‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)15/485‬‬

‫( ‪)4/351‬‬

‫عطَاءً غَيْرَ‬
‫س َموَاتُ وَالْأَ ْرضُ إِلّا مَا شَاءَ رَ ّبكَ َ‬
‫سعِدُوا َففِي ا ْلجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَا َمتِ ال ّ‬
‫وََأمّا الّذِينَ ُ‬
‫مَجْذُوذٍ (‪)108‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حين يشفعون في أصحاب الكبائر ‪ ،‬ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين ‪ ،‬فتخرج من النار من لم يعمل‬
‫خيرا قط ‪ ،‬وقال يوما من الدهر ‪ :‬ل إله إل ال‪ .‬كما وردت بذلك الخبار الصحيحة المستفيضة‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بمضمون ذلك من حديث أنس ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬وأبي سعيد ‪ ،‬وأبي‬
‫هريرة ‪ ،‬وغيرهم من الصحابة (‪ ، )1‬ول يبقى بعد ذلك في النار إل من وجب عليه الخلود فيها‬
‫ول محيد له عنها‪ .‬وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الية الكريمة‪.‬‬
‫وقد روي في تفسيرها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وابن مسعود (‪، )2‬‬
‫جلَز ‪،‬‬
‫وأبي هريرة ‪ ،‬وعبد ال بن عمرو ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬وأبي سعيد ‪ ،‬من الصحابة‪ .‬وعن أبي مِ ْ‬
‫والشعبي ‪ ،‬وغيرهما من التابعين‪ .‬وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وإسحاق بن راهويه‬
‫وغيرهما من الئمة ‪ -‬أقوال غريبة‪ .‬وورد حديث غريب في معجم الطبراني الكبير ‪ ،‬عن أبي‬
‫عجْلن الباهلي ‪ ،‬ولكن سنده ضعيف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫أمامة صُ َدىّ بن َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ال أعلم بثنياه‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬هي منسوخة بقوله ‪ { :‬خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } [النساء ‪.]57 :‬‬
‫ت وَالرْضُ إِل مَا شَاءَ رَ ّبكَ عَطَاءً‬
‫سمَاوَا ُ‬
‫سعِدُوا َففِي الْجَنّةِ خَاِلدِينَ فِيهَا مَا دَا َمتِ ال ّ‬
‫{ وََأمّا الّذِينَ ُ‬
‫جذُوذٍ (‪} )108‬‬
‫غَيْرَ مَ ْ‬
‫سعِدُوا } وهم أتباع الرسل ‪َ { ،‬ففِي ا ْلجَنّةِ } أي ‪ :‬فمأواهم الجنة ‪،‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََأمّا الّذِينَ ُ‬
‫ت وَالرْضُ إِل مَا شَاءَ رَ ّبكَ }‬
‫سمَاوَا ُ‬
‫{ خَالِدِينَ فِيهَا } أي ‪ :‬ماكثين مقيمين فيها أبدا ‪ { ،‬مَا دَا َمتِ ال ّ‬
‫معنى الستثناء هاهنا ‪ :‬أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ‪ ،‬ليس أمرا واجبا بذاته ‪ ،‬بل هو موكول‬
‫إلى مشيئة ال تعالى ‪ ،‬فله المنة عليهم [دائمًا] (‪ ، )3‬ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون‬
‫النّفس‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬والحسن البصري ‪ :‬هي في حق عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ‪ ،‬ثم‬
‫عطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } أي ‪ :‬غير مقطوع (‪ - )4‬قاله ابن عباس‬
‫أخرجوا منها‪ .‬وعقب ذلك بقوله ‪َ { :‬‬
‫‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبو العالية وغير واحد ‪ ،‬لئل يتوهم متوهم بعد ذكره المشيئة أن ثم انقطاعًا ‪ ،‬أو‬
‫لبسا ‪ ،‬أو شيئًا (‪ )5‬بل ختم له بالدوام وعدم النقطاع‪ .‬كما بين هنا (‪ )6‬أن عذاب أهل النار في‬
‫النار دائما مردود إلى مشيئته ‪ ،‬وأنه (‪ )7‬ب َعدْله وحكمته عذبهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ َفعّالٌ ِلمَا‬
‫ل وَهُمْ ُيسْأَلُونَ } [النبياء ‪ ، ]23 :‬وهنا طيب‬
‫عمّا َي ْفعَ ُ‬
‫يُرِيدُ } [هود ‪َ ]107 :‬كمَا قَالَ { ل يُسَْألُ َ‬
‫عطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }‪.‬‬
‫القلوب وثَبّت المقصود بقوله ‪َ { :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر أحاديث الشفاعة عند تفسير سورة السراء في أولها‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وابن مسعود وابن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬منقطع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ثم انقطاع أو لبس أو شيء"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هناك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وأن"‪.‬‬

‫( ‪)4/352‬‬

‫يا أهل الجنة ‪ ،‬خُلُود فل (‪ )1‬موت ‪ ،‬ويا أهل النار ‪ ،‬خلود فل (‪ )2‬موت (‪.)3‬‬
‫وفي الصحيحين (‪ )4‬أيضا ‪" :‬فيقال (‪ )5‬يا أهل الجنة ‪ ،‬إن لكم أن تعيشوا فل تموتوا أبدا ‪ ،‬وإن‬
‫لكم أن تشبوا فل تهْرَموا أبدا ‪ ،‬وإن لكم أن تصحوا فل تسقموا أبدا ‪ ،‬وإن لكم أن تنعموا فل‬
‫تبَأسوا أبدا" (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4730‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2849‬من حديث أبي سعيد الخدري‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وفي الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪ )2837‬من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي ال عنهما ‪ ،‬ولم أعثر‬
‫عليه في البخاري‪.‬‬

‫( ‪)4/353‬‬

‫ل وَإِنّا َل ُم َوفّوهُمْ َنصِي َبهُمْ غَيْرَ‬


‫فَلَا َتكُ فِي مِرْيَةٍ ِممّا َيعْبُدُ َهؤُلَاءِ مَا َيعْبُدُونَ إِلّا َكمَا َيعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫ضيَ بَيْ َن ُه ْم وَإِ ّنهُمْ‬
‫مَ ْنقُوصٍ (‪ )109‬وََلقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ فَاخْتُِلفَ فِي ِه وََلوْلَا كَِل َمةٌ سَ َب َقتْ مِنْ رَ ّبكَ َل ُق ِ‬
‫عمَاَلهُمْ إِنّهُ ِبمَا َي ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪)111‬‬
‫شكّ مِ ْنهُ مُرِيبٍ (‪ )110‬وَإِنّ كُلّا َلمّا لَ ُي َوفّيَ ّنهُمْ رَ ّبكَ أَ ْ‬
‫َلفِي َ‬

‫{ فَل َتكُ فِي مِرْيَةٍ ِممّا َيعْبُدُ َهؤُلءِ مَا َيعْبُدُونَ إِل َكمَا َيعْ ُبدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَ ْبلُ وَإِنّا َل ُم َوفّوهُمْ َنصِي َبهُمْ‬
‫غَيْرَ مَ ْنقُوصٍ (‪ )109‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ فَاخْتُِلفَ فِي ِه وََلوْل كَِلمَةٌ سَ َبقَتْ مِنْ رَ ّبكَ َل ُقضِيَ بَيْ َنهُمْ‬
‫عمَاَلهُمْ إِنّهُ ِبمَا َي ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‬
‫شكّ مِنْهُ مُرِيبٍ (‪ )110‬وَإِنّ كُل َلمّا لَ ُي َوفّيَ ّنهُمْ رَ ّبكَ أَ ْ‬
‫وَإِ ّنهُمْ َلفِي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪} )111‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬فَل َتكُ فِي مِرْيَةٍ ِممّا َيعْبُدُ َهؤُلءِ } المشركون ‪ ،‬إنه باطل وجَهل وضلل ‪ ،‬فإنهم‬
‫إنما يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس لهم مُستَنَد فيما هم فيه إل اتباع الباء في‬
‫الجهالت ‪ ،‬وسيجزيهم ال على ذلك أتم الجزاء فيعذب كافرهم عذابًا ل يعذبه أحدا من العالمين ‪،‬‬
‫وإن كان لهم حسنات فقد وفاهم ال إياها في الدنيا قبل الخرة‪.‬‬
‫جعْفي ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَإِنّا َل ُم َوفّو ُهمْ َنصِي َبهُمْ‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن جابر ال ُ‬
‫غَيْرَ مَ ْنقُوصٍ } قال ‪ :‬ما (‪ )1‬وعدوا فيه من خير أو شر‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬لموفوهم من العذاب نصيبهم غير منقوص‪ .‬ثم ذكر تعالى أنه‬
‫آتى موسى الكتاب ‪ ،‬فاختلف الناس فيه ‪ ،‬فمن مؤمن به ‪ ،‬ومن كافر به ‪ ،‬فلك بمن سلف من‬
‫النبياء قبلك يا محمد أسوة ‪ ،‬فل يغيظنك تكذيبهم لك ‪ ،‬ول يهيدنّك ذلك‪.‬‬
‫ضيَ بَيْ َن ُهمْ } قال ابن جرير ‪ :‬لول ما تقدم من تأجيله العذاب (‪)2‬‬
‫{ وََلوْل كَِل َمةٌ سَ َب َقتْ مِنْ رَ ّبكَ َل ُق ِ‬
‫إلى أجل معلوم ‪ ،‬لقضى ال بينهم‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة ‪ ،‬أنه ل يعذب أحدا إل بعدم (‪ )3‬قيام الحجة عليه ‪ ،‬وإرسال‬
‫الرسول إليه ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬ومَا كُنّا ُمعَذّبِينَ حَتّى نَ ْب َعثَ رَسُول } [السراء ‪ ]15 :‬؛ فإنه قد قال في‬
‫سمّى فَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُونَ }‬
‫جلٌ مُ َ‬
‫الية الخرى ‪ { :‬وََلوْل كَِلمَةٌ سَ َب َقتْ مِنْ رَ ّبكَ َلكَانَ لِزَامًا وَأَ َ‬
‫[طه ‪.]130 ، 129 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وبما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬العباد" وفي أ ‪" :‬الميعاد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إل بعد"‪.‬‬

‫( ‪)4/353‬‬

‫ط َغوْا إِنّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪ )112‬وَلَا تَ ْركَنُوا إِلَى الّذِينَ‬


‫ك وَلَا تَ ْ‬
‫فَاسْ َتقِمْ َكمَا ُأمِ ْرتَ َومَنْ تَابَ َم َع َ‬
‫سكُمُ النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ َأوْلِيَاءَ ُثمّ لَا تُ ْنصَرُونَ (‪ )113‬وََأقِمِ الصّلَاةَ طَ َر َفيِ‬
‫ظََلمُوا فَ َتمَ ّ‬
‫حسَنَاتِ ُيذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَِلكَ ِذكْرَى لِلذّاكِرِينَ (‪ )114‬وَاصْبِرْ فَإِنّ اللّهَ لَا‬
‫ال ّنهَا ِر وَزَُلفًا مِنَ اللّ ْيلِ إِنّ الْ َ‬
‫ُيضِيعُ أَجْرَ ا ْلمُحْسِنِينَ (‪)115‬‬

‫شكّ مِنْهُ مُرِيبٍ‬


‫ثم أخبر أن الكافرين في شك ‪ -‬مما جاءهم به الرسول ‪ -‬قوي ‪ ،‬فقال { وَإِ ّنهُمْ َلفِي َ‬
‫}‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم أخبرنا (‪ )1‬تعالى أنه سيجمع الولين والخرين من المم ‪ ،‬ويجزيهم بأعمالهم ‪ ،‬إن خيرًا فخير‬
‫عمَاَلهُمْ إِنّهُ ِبمَا َي ْعمَلُونَ خَبِيرٌ } أي ‪ :‬عليم‬
‫‪ ،‬وإن شرًا فشر ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَإِنّ كُل َلمّا لَ ُي َوفّيَ ّنهُمْ رَ ّبكَ أَ ْ‬
‫بأعمالهم جميعها ‪ ،‬جليلها وحقيرها ‪ ،‬صغيرها وكبيرها‪.‬‬
‫وفي هذه الية قراءات كثيرة ‪ ،‬ويرجع معناها إلى هذا الذي ذكرناه ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ { :‬وَإِنْ‬
‫حضَرُونَ } [يس ‪.]32 :‬‬
‫جمِيعٌ َلدَيْنَا مُ ْ‬
‫ُكلّ َلمّا َ‬
‫ط َغوْا إِنّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪ )112‬وَل تَ ْركَنُوا إِلَى الّذِينَ‬
‫{ فَاسْ َتقِمْ َكمَا ُأمِ ْرتَ َومَنْ تَابَ َم َعكَ وَل تَ ْ‬
‫سكُمُ النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ َأوْلِيَاءَ ُثمّ ل تُ ْنصَرُونَ (‪} )113‬‬
‫ظََلمُوا فَ َتمَ ّ‬
‫يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الستقامة ‪ ،‬وذلك من أكبر العون على‬
‫النصر على العداء ومخالفة الضداد ونهى عن الطغيان ‪ ،‬وهو البغي ‪ ،‬فإنه مَصرَعة حتى ولو‬
‫كان على مشرك‪ .‬وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد ‪ ،‬ل يغفل عن شيء ‪ ،‬ول يخفى عليه‬
‫شيء‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَ ْركَنُوا ِإلَى الّذِينَ ظََلمُوا } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬ل تُدهنُوا‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو الركون إلى الشرك‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬ل ترضوا أعمالهم‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬ول تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫سكُمُ النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم ‪ { ،‬فَ َتمَ ّ‬
‫مِنْ َأوْلِيَاءَ ثُمّ ل تُ ْنصَرُونَ } أي ‪ :‬ليس لكم من دونه (‪ )2‬من ولي ينقذكم ‪ ،‬ول ناصر يخلصكم من‬
‫عذابه‪.‬‬
‫حسَنَاتِ ُيذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَِلكَ ِذكْرَى لِلذّاكِرِينَ (‬
‫{ وََأقِمِ الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَا ِر وَزَُلفًا مِنَ اللّ ْيلِ إِنّ الْ َ‬
‫‪ )114‬وَاصْبِرْ فَإِنّ اللّهَ ل ُيضِيعُ أَجْرَ ا ْلمُحْسِنِينَ (‪} )115‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وََأقِمِ الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَارِ } قال ‪ :‬يعني الصبح‬
‫والمغرب وكذا قال الحسن ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ -‬في رواية ‪ -‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هي الصبح والعصر‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هي الصبح في أول النهار ‪ ،‬والظهر والعصر من آخره‪ .‬وكذا قال محمد بن كعب‬
‫القُرَظي ‪ ،‬والضحاك في رواية عنه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم أخبر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬من دون ال"‪.‬‬

‫( ‪)4/354‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَزَُلفًا مِنَ اللّ ْيلِ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬يعني صلة العشاء‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ -‬في رواية ابن المبارك ‪ ،‬عن مبارك بن َفضَالة ‪ ،‬عنه ‪ { :‬وَزَُلفًا مِنَ اللّ ْيلِ } يعني‬
‫المغرب والعشاء قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هما زُ ْلفَتَا (‪ )1‬الليل ‪ :‬المغرب والعشاء" (‬
‫‪ .)2‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬إنها صلة المغرب والعشاء‪.‬‬
‫وقد يحتمل أن تكون هذه الية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة السراء ؛ فإنه إنما كان‬
‫يجب من الصلة صلتان ‪ :‬صلة قبل طلوع الشمس ‪ ،‬وصلة قبل غروبها‪ .‬وفي أثناء الليل قيام‬
‫عليه وعلى المة ‪ ،‬ثم نسخ في حق المة ‪ ،‬وثبت وجوبه عليه ‪ ،‬ثم نسخ عنه أيضًا ‪ ،‬في قول ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ الْحَسَنَاتِ ُيذْهِبْنَ السّيّئَاتِ } يقول ‪ :‬إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة ‪ ،‬كما جاء‬
‫في الحديث الذي رواه المام أحمد وأهل السنن ‪ ،‬عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال ‪:‬‬
‫كنت إذا سمعتُ من رسول ال صلى ال عليه وسلم حديثا نفعني ال بما شاء أن ينفعني منه ‪ ،‬وإذا‬
‫حدثني عنه أحد استحلفته ‪ ،‬فإذا حلف لي صدقته ‪ ،‬وحدثني أبو بكر ‪ -‬وصدق أبو بكر ‪ -‬أنه سمع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ما من مسلم يذنب ذنبا ‪ ،‬فيتوضأ ويصلي ركعتين ‪ ،‬إل‬
‫غفر له" (‪.)3‬‬
‫وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ :‬أنه توضأ لهم كوضُوء رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هكذا رأيتُ رسول ال يتوضأ ‪ ،‬وقال ‪" :‬من توضأ نحو وضوئي هذا ‪ ،‬ثم‬
‫غفِرَ له ما تقدم من ذنبه" (‪.)4‬‬
‫حدّث فيهما نفسه ‪ُ ،‬‬
‫صلى ركعتين ل يُ َ‬
‫عقِيل زُهْرَة بن َمعْبَد ‪ :‬أنه سمع‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬وأبو جعفر بن جرير ‪ ،‬من حديث أبي َ‬
‫الحارث مولى عثمان يقول ‪ :‬جلس عثمان يوما وجلسنا معه ‪ ،‬فجاءه المؤذن فدعا عثمان بماء في‬
‫إناء أظنه سيكون فيه قدر ُم ّد ‪ ،‬فتوضأ ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يتوضأ‬
‫غفِر له ما‬
‫وضوئي هذا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬من توضأ وضوئي هذا ‪ ،‬ثم قام فصلى (‪ )5‬صلة الظهر ‪ُ ،‬‬
‫كان بينه وبين صلة الصبح ‪ ،‬ثم صلى العصر غفر له ما بينه وبين صلة الظهر ‪ ،‬ثم صلى‬
‫المغرب غفر له ما بينه وبين صلة العصر ‪ ،‬ثم صلى العشاء غفر له ما بينه وبين صلة المغرب‬
‫‪ ،‬ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ‪ ،‬ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلة‬
‫العشاء ‪ ،‬وهن الحسنات يذهبن السيئات" (‪.)6‬‬
‫وفي الصحيح (‪ )7‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‬
‫‪" :‬أرأيتم لو أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬زلفيا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)15/508‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )1/2‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1521‬وسنن الترمذي برقم (‪ )406‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم (‪ )10247‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )1395‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث علي حديث‬
‫حسن ‪ ،‬ل نعرفه إل من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )159‬وصحيح مسلم برقم (‪.)245‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يصلي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )1/71‬وتفسير الطبري (‪.)15/511‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وفي الصحيحين"‪.‬‬

‫( ‪)4/355‬‬

‫غمْرًا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ‪ ،‬هل يُبقي من درنه شيئا ؟" قالوا ‪ :‬ل يا‬
‫بباب أحدكم نهرًا َ‬
‫رسول ال ‪ :‬قال ‪" :‬وكذلك الصلوات الخمس ‪ ،‬يمحو ال بهن الذنوب والخطايا" (‪.)1‬‬
‫وقال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا أبو الطاهر (‪ )2‬وهارون بن سعيد قال حدثنا ابن وَهْب ‪ ،‬عن أبي‬
‫صخر ‪ :‬أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حَدَثه عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ؛ أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬الصلوات الخمس ‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة ‪ ،‬ورمضان إلى رمضان ‪،‬‬
‫ُمكَفّرَات ما بينهن إذا (‪ )3‬اجتنبت الكبائر" (‪.)4‬‬
‫ض ْمضَم بن زُرْعَة ‪،‬‬
‫حكَم بن نافع (‪ )5‬حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ال َ‬
‫عن شُرَيْح بن عبيد ‪ ،‬أن أبا رُهْم السمعي كان يحدّث ‪ :‬أن أبا أيوب النصاري حدثه أن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬إن كل صلة تحطّ ما بين يديها من خطيئة" (‪)6‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عوف (‪ )7‬حدثنا محمد بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن‬
‫ضمضم بن زرعة ‪ ،‬عن شريح بن عبيد ‪ ،‬عن أبي مالك الشعري قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم "جعلت الصلوات كفارات لما بينهن ؛ فإن ال قال ‪ { :‬إِنّ ا ْلحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ } (‬
‫‪.)8‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ،‬حدثنا يزيد بن زُرَيع ‪ ،‬عن سليمان التيمي ‪ ،‬عن أبي‬
‫عثمان النهدي ‪ ،‬عن ابن مسعود ؛ أن رجل أصاب من امرأة قُبْلَة ‪ ،‬فأتى النبي صلى ال عليه‬
‫حسَنَاتِ يُذْهِبْنَ‬
‫وسلم فأخبره ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬وََأ ِقمِ الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَا ِر وَزَُلفًا مِنَ اللّ ْيلِ إِنّ الْ َ‬
‫السّيّئَاتِ } فقال الرجل ‪ :‬إلى هذا يا رسول ال ؟ (‪ )9‬قال ‪" :‬لجميع أمتي كلهم"‪.‬‬
‫هكذا رواه في كتاب الصلة ‪ ،‬وأخرجه في التفسير عن مُسَدّد ‪ ،‬عن يزيد بن زُرَيع ‪ ،‬بنحوه (‪)10‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬وأهل السنن إل أبا داود ‪ ،‬من طرق عن أبي عثمان النهدي ‪ ،‬واسمه عبد‬
‫الرحمن بن ُملّ ‪ ،‬به (‪.)11‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن جرير ‪ -‬وهذا لفظه ‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )528‬وصحيح مسلم برقم (‪.)667‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أبو طاهر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)233‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬بن رافع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)5/413‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬عون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪ )15/513‬ومحمد بن إسماعيل ضعيف ولم يسمع من أبيه‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬يا رسول ‪+‬ألى هذا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬صحيح البخاري برقم (‪ )526‬وبرقم (‪.)4687‬‬
‫(‪ )11‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2763‬والمسند (‪ )1/385‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3114‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم (‪ )11247‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)1398‬‬

‫( ‪)4/356‬‬

‫سمَاك بن حرب ‪ :‬أنه سمع إبراهيم بن يزيد يُحدّث عن علقمة والسود ‪ ،‬عن ابن‬
‫من طُرُق ‪ :‬عن ِ‬
‫مسعود قال ‪ :‬جاء رجل إلى النبي (‪ )1‬صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني وجدت‬
‫امرأة في بستان ‪ ،‬ففعلت بها كل شيء ‪ ،‬غير أني لم أجامعها ‪ ،‬قَبّلتها ولزمتها ‪ ،‬ولم أفعل غير‬
‫ذلك ‪ ،‬فافعل بي ما شئت‪ .‬فلم يقل رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا ‪ ،‬فذهب الرجل ‪ ،‬فقال‬
‫عمر ‪ :‬لقد ستر ال عليه ‪ ،‬لو ستر على نفسه‪ .‬فأتبعه رسول ال صلى ال عليه وسلم بصرَه ثم‬
‫قال ‪" :‬ردوه عليّ"‪ .‬فردّوه عليه ‪ ،‬فقرأ عليه ‪ { :‬وََأقِمِ الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَا ِر وَزَُلفًا مِنَ اللّ ْيلِ إِنّ‬
‫حسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَِلكَ ِذكْرَى لِلذّاكِرِينَ } فقال معاذ ‪ -‬وفي رواية عمر ‪ : -‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫الْ َ‬
‫أله وحده ‪ ،‬أم للناس كافة ؟ فقال ‪" :‬بل للناس كافة" (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد ‪ ،‬حدثنا أبان بن إسحاق ‪ ،‬عن الصباح بن محمد ‪ ،‬عن‬
‫مُرّة ال َهمْداني ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال قسم‬
‫بينكم أخلقكم (‪ )3‬كما قسم بينكم أرزاقكم ‪ ،‬وإن ال يعطي (‪ )4‬الدنيا من يحب ومن ل يحب ‪،‬‬
‫ول يعطي الدين (‪ )5‬إل من أحب‪ .‬فمن أعطاه ال الدين فقد أحبه ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسلم‬
‫عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ‪ ،‬ول يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه"‪ .‬قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬وما بوائقه يا نبي ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سبُ عبد مال حراما فينفق منه فيبارك له فيه ‪ ،‬ول يتصدق‬
‫(‪ )6‬؟ قال ‪" :‬غشه وظلمه ‪ ،‬ول يك ِ‬
‫فيقبل منه ‪ ،‬ول يتركه خلف ظهره إل كان زادَه إلى النار ‪ ،‬إن ال ل يمحو السيئ بالسيئ ‪ ،‬ولكنه‬
‫يمحو السيئ بالحسن ‪ ،‬إن الخبيث ل يمحو الخبيث" (‪.)7‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو السائب ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم قال ‪ :‬كان‬
‫ت منها ما ينال‬
‫فلن ابن معتب رجل من النصار ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬دخلت على امرأة فنِ ْل ُ‬
‫الرجل من أهله ‪ ،‬إل أني لم أجامعها فلم يدر رسول ال صلى ال عليه وسلم ما يجيبه ‪ ،‬حتى‬
‫نزلت هذه الية ‪ { :‬وََأقِمِ الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَا ِر وَزُلَفًا مِنَ اللّ ْيلِ إِنّ الْحَسَنَاتِ ُيذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَِلكَ‬
‫ِذكْرَى لِلذّاكِرِينَ } (‪ )8‬فدعاه رسول ال ‪ ،‬فقرأها عليه (‪.)9‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬أنه عمرو بن غَزِيّة النصاري التمار‪ .‬وقال مقاتل ‪ :‬هو أبو نفيل عامر بن‬
‫قيس النصاري ‪ ،‬وذكر الخطيب البغدادي أنه أبو اليَسر ‪ :‬كعب بن عمرو‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/445‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2763‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4468‬وسنن الترمذي‬
‫برقم (‪ )3112‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )7323‬وتفسير الطبري (‪.)15/515‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬آجالكم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬معطى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الخرة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬يا رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)1/387‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أقم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)15/519‬‬

‫( ‪)4/357‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس وعفان قال حدثنا حماد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن سلمة ‪ -‬عن علي بن زيد‬
‫‪ -‬قال عفان ‪ :‬أنبأنا علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ٍمهْران ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن رجل أتى عمر‬
‫قال (‪ )1‬امرأة جاءت تبايعه ‪ ،‬فأدخلتها الدولج ‪ ،‬فأصبت منها ما دون الجماع ‪ ،‬فقال ‪ :‬ويحك‪.‬‬
‫لعلها ُمغِيبة في سبيل ال ؟ قال ‪ :‬أجل‪ .‬قال ‪ :‬فائت أبا بكر فاسأله (‪ )2‬قال ‪ :‬فأتاه فسأله ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫لعلها مُغيبة في سبيل ال ؟ فقال مثل قول عمر ‪ ،‬ثم أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال له مثل‬
‫ذلك ‪ ،‬قال ‪" :‬فلعلها مُغيبة في سبيل ال"‪ .‬ونزل القرآن ‪ { :‬وََأقِمِ الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَارِ وَزُلَفًا مِنَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اللّ ْيلِ إِنّ ا ْلحَسَنَاتِ يُ ْذهِبْنَ السّيّئَاتِ } (‪ )3‬إلى آخر الية ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ألي خاصة أم‬
‫للناس عامة ؟ فضرب ‪ -‬يعني ‪ :‬عمر ‪ -‬صدره (‪ )4‬بيده وقال ‪ :‬ل ول نُعمَة عين ‪ ،‬بل للناس‬
‫عامة‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬صدق عمر" (‪.)5‬‬
‫وروى المام أبو جعفر بن جرير من حديث قيس بن الربيع ‪ ،‬عن عثمان بن موهب ‪ ،‬عن موسى‬
‫بن طلحة ‪ ،‬عن أبي اليسر كعب بن عمرو النصاري قال ‪ :‬أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬إن في البيت تمرا أطيب وأجود من هذا ‪ ،‬فدخلت ‪ ،‬فأهويت إليها فقبلتها ‪ ،‬فأتيت عمر‬
‫فسألته ‪ ،‬فقال ‪ :‬اتق ال ‪ ،‬واستر على نفسك ‪ ،‬ول تخبرنّ أحدا‪ .‬فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر‬
‫فسألته ‪ ،‬فقال ‪ :‬اتق ال ‪ ،‬واستر على نفسك ‪ ،‬ول تخبرنّ أحدا‪ .‬قال ‪ :‬فلم أصبر حتى أتيت النبي‬
‫خلَفتَ رجل غازيا في سبيل ال في أهله بمثل هذا ؟"‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأخبرته ‪ ،‬فقال ‪" :‬أ َ‬
‫حتى ظننت أني من أهل النار ‪ ،‬حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ‪ .‬فأطرق رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ساعة ‪ ،‬فنزل جبريل ‪ ،‬فقال ‪[" :‬أين] (‪ )6‬أبو اليسر ؟"‪ .‬فجئت ‪ ،‬فقرأ علي ‪ { :‬وََأقِمِ‬
‫الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَا ِر وَزَُلفًا مِنَ اللّ ْيلِ } إلى { ِذكْرَى لِلذّاكِرِينَ } فقال إنسان ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أله‬
‫خاصة أم للناس عامة ؟ قال (‪ " )7‬لِلنّاس عامة" (‪.)8‬‬
‫وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني ‪ :‬حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ‪ ،‬حدثنا يوسف بن‬
‫موسى ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬عن معاذ بن‬
‫جبل ؛ أنه كان قاعدا عند النبي صلى ال عليه وسلم فجاءه رجل فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما تقول‬
‫في رجل أصاب من امرأة ل تحل له ‪ ،‬فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إل قد أصاب‬
‫منها ‪ ،‬غير أنه لم يجامعها ؟ فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬توضأ وضوءا حَسَنا ‪ ،‬ثم قم‬
‫فصل" (‪ )9‬قال ‪ :‬فأنزل ال عز وجل هذه الية ‪ ،‬يعني قوله ‪ { :‬وََأقِمِ الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَا ِر وَزَُلفًا‬
‫مِنَ اللّ ْيلِ } فقال معاذ ‪ :‬أهي له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ قال ‪" :‬بل للمسلمين عامة"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فسله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أقم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عن صدره"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )1/245‬وعلى بن زيد ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)15/523‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬فصلى"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/358‬‬

‫ورواه ابن جرير من طرق ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا محمد بن مسلم ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن يحيى بن جعدة ؛ أن رجل‬
‫من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ذكر امرأة وهو جالس مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ،‬فاستأذنه لحاجة ‪ ،‬فأذن له ‪ ،‬فذهب يطلبها فلم يجدها ‪ ،‬فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم بالمطر ‪ ،‬فوجد المرأة جالسة على غدير ‪ ،‬فدفع في صدرها وجلس بين رجليها ‪،‬‬
‫فصار ذكره مثل الهُدْبة ‪ ،‬فقام نادما حتى أتى النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره بما صنع ‪ ،‬فقال‬
‫له ‪" :‬استغفر ربك ‪ ،‬وصلّ أربع ركعات"‪ .‬قال ‪ :‬وتل عليه ‪ { :‬وََأقِمِ الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَارِ وَزُلَفًا‬
‫مِنَ اللّ ْيلِ } الية (‪.)2‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني عبد ال بن أحمد بن شَبّويه ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬حدثني عمرو‬
‫بن الحارث حدثني عبد ال بن سالم ‪ ،‬عن الزبيدي ‪ ،‬عن سليم بن عامر ؛ أنه سمع أبا أمامة يقول‬
‫‪ :‬إن رجل أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أقم فيّ حد ال ‪ -‬مرة أو ثنْتِين ‪-‬‬
‫فأعرض عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم أقيمت الصلة ‪ ،‬فلما فرغ النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم من الصلة قال ‪" :‬أين هذا الرجل القائل ‪ :‬أقم فيّ حد ال ؟" قال ‪ :‬أنا ذا ‪ :‬قال ‪" :‬أتممت‬
‫الوضوء وصليت معنا آنفا ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك ‪ ،‬ول تعد"‪.‬‬
‫وأنزل ال على رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪ { : )3‬وََأقِمِ الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَا ِر وَزَُلفًا مِنَ اللّ ْيلِ‬
‫إِنّ ا ْلحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَِلكَ ِذكْرَى لِلذّاكِرِينَ } (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أنبأنا علي بن زيد ‪ ،‬عن أبي عثمان قال‬
‫غصْنا يابسا فهزّه حتى تحاتّ ورقة (‪ ، )5‬ثم‬
‫‪ :‬كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة ‪ ،‬فأخذ منها ُ‬
‫قال ‪ :‬يا أبا عثمان ‪ ،‬أل تسألني لم أفعل هذا ؟ فقلت ‪ :‬لم تفعله (‪ )6‬؟ قال ‪ :‬هكذا فعل بي رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة ‪ ،‬فأخذ منها يابسا فهزه حتى تحات ورقة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"يا سلمان ‪ ،‬أل تسألني ‪ :‬لم أفعل هذا ؟"‪ .‬قلت ‪ :‬ولم تفعله ؟ فقال ‪" :‬إن المسلم إذا توضأ فأحسن‬
‫الوضوء ‪ ،‬ثم صلى الصلوات الخمس ‪ ،‬تحاتت خطاياه كما يتحات (‪ )7‬هذا الورق‪ .‬وقال ‪ { :‬وََأقِمِ‬
‫حسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَِلكَ ِذكْرَى لِلذّاكِرِينَ } (‪)9( )8‬‬
‫الصّلةَ طَ َر َفيِ ال ّنهَا ِر وَزَُلفًا مِنَ اللّ ْيلِ إِنّ الْ َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬عن ميمون بن أبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الدارقطني (‪ )1/134‬وتفسير الطبري (‪ )522 - 15/520‬ورواه الترمذي في السنن‬
‫برقم (‪ )3113‬من طريق عبد الملك بن عمير به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث ليس إسناده‬
‫بمتصل ‪ ،‬عبد ال بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ ‪ ،‬وروى شعبة هذا الحديث عن عبد الملك بن‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمير ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬مرسل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/274‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬على رسوله"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ )15/521‬ورواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2765‬من طريق شداد بن عبد‬
‫ال ‪ ،‬عن أبي أمامة بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ورقه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬قلت ولم يفعله"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬يتحاتت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أقم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)5/437‬‬

‫( ‪)4/359‬‬

‫فََلوْلَا كَانَ مِنَ ا ْلقُرُونِ مِنْ قَبِْلكُمْ أُولُو َبقِيّةٍ يَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلفَسَادِ فِي الْأَ ْرضِ ِإلّا قَلِيلًا ِممّنْ أَنْجَيْنَا مِ ْنهُمْ‬
‫وَاتّبَعَ الّذِينَ ظََلمُوا مَا أُتْ ِرفُوا فِي ِه َوكَانُوا مُجْ ِرمِينَ (‪َ )116‬ومَا كَانَ رَ ّبكَ لِ ُيهِْلكَ ا ْلقُرَى بِظُ ْل ٍم وَأَهُْلهَا‬
‫ُمصْلِحُونَ (‪)117‬‬

‫شبيب ‪ ،‬عن معاذ ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له ‪" :‬يا معاذ ‪ ،‬أتبع‬
‫السيئة الحسنة تمحها ‪ ،‬وخالق الناس بخلق حسن" (‪.)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن حبيب ‪ ،‬عن ميمون بن أبي‬
‫شبيب ‪ ،‬عن أبي ذر ؛ أن رسول (‪ )2‬ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬اتق ال حيثما كنت ‪ ،‬وأتبع‬
‫السيئة الحسنة تمحها ‪ ،‬وخالق الناس بخلق حسن" (‪.)3‬‬
‫شمْر بن عطية ‪ ،‬عن أشياخه ‪ ،‬عن أبي ذر‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن َ‬
‫قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أوصني‪ .‬قال ‪" :‬إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أمن الحسنات ‪ :‬ل إله إل ال ؟ قال ‪" :‬هي أفضل الحسنات" (‪.)4‬‬
‫جمّاني ‪ ،‬حدثنا عثمان بن عبد الرحمن‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا هذيل بن إبراهيم ال ُ‬
‫الزهري ‪ ،‬من ولد سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما قال عَبْد ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬في ساعة من ليل أو نهار ‪ ،‬إل طَلَست ما في‬
‫الصحيفة من السيئات ‪ ،‬حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات" (‪.)5‬‬
‫عثمان بن عبد الرحمن ‪ ،‬يقال له ‪ :‬الوقاصي‪ .‬فيه ضعف‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا بشر بن آدم وزيد بن أخرم قال حدثنا الضحاك بن مَخْلَد ‪،‬‬
‫حدثنا مستور بن عباد ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ؛ أن رجل قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما تركت من‬
‫حاجة ول داجة ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تشهد أن ل إله إل ال وأني رسول ال ؟‬
‫"‪ .‬قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪" :‬فإن هذا يأتي على ذلك" (‪.)6‬‬
‫تفرد به من هذا الوجه مستور‪.‬‬
‫{ فََلوْل كَانَ مِنَ ا ْلقُرُونِ مِنْ قَبِْلكُمْ أُولُو َبقِيّةٍ يَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلفَسَادِ فِي ال ْرضِ إِل قَلِيل ِممّنْ أَنْجَيْنَا مِ ْن ُهمْ‬
‫وَاتّبَعَ الّذِينَ ظََلمُوا مَا أُتْ ِرفُوا فِي ِه َوكَانُوا مُجْ ِرمِينَ (‪َ )116‬ومَا كَانَ رَ ّبكَ لِ ُيهِْلكَ ا ْلقُرَى بِظُ ْل ٍم وَأَهُْلهَا‬
‫ُمصْلِحُونَ (‪} )117‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬فهل وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ‪ ،‬ينهون عما كان يقع بينهم من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)5/228‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أن النبي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)5/153‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)5/169‬‬
‫(‪ )5‬مسند أبي يعلى (‪ )6/204‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/82‬فيه عثمان بن عبد الرحمن‬
‫الزهري ‪ ،‬وهو متروك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند البزار برقم (‪" )3067‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/83‬رجاله‬
‫ثقات"‪.‬‬

‫( ‪)4/360‬‬

‫الشرور والمنكرات والفساد في الرض‪.‬‬


‫وقوله ‪ { :‬إِل قَلِيل } أي ‪ :‬قد وجد منهم من هذا الضرب قليل ‪ ،‬لم يكونوا كثيرا ‪ ،‬وهم الذين‬
‫أنجاهم ال عند حلول غِيَره ‪ ،‬وفجأة ِنقَمه ؛ ولهذا أمر تعالى هذه المة الشريفة أن يكون فيها من‬
‫يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَلْ َتكُنْ مِ ْنكُمْ ُأمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ا ْلخَيْرِ‬
‫وَيَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } [آل عمران ‪ .]104 :‬وفي الحديث‬
‫‪" :‬إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه ‪ ،‬أوشك أن َي ُع ّمهُم ال بعقاب" ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فََلوْل‬
‫كَانَ مِنَ ا ْلقُرُونِ مِنْ قَبِْلكُمْ أُولُو َبقِيّةٍ يَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلفَسَادِ فِي ال ْرضِ إِل قَلِيل ِممّنْ أَنْجَيْنَا مِ ْن ُهمْ }‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاتّبَعَ الّذِينَ ظََلمُوا مَا أُتْ ِرفُوا فِيهِ } أي ‪ :‬استمروا على ما هم فيه من المعاصي‬
‫والمنكرات ‪ ،‬ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك ‪ ،‬حتى َفجَأهم العذابُ ‪َ { ،‬وكَانُوا مُجْ ِرمِينَ }‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إل وهي ظالمة [لنفسها] (‪ )1‬ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه‬
‫سهُمْ } [ هود ‪:‬‬
‫قط حتى يكونوا هم الظالمين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا ظََلمْنَاهُ ْم وََلكِنْ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫‪ ، ]101‬وقال { َومَا رَ ّبكَ ِبظَلمٍ ِل ْلعَبِيدِ } [فصلت ‪.]46 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/361‬‬

‫خَلقَهُمْ‬
‫ك وَلِذَِلكَ َ‬
‫حمَ رَ ّب َ‬
‫ج َعلَ النّاسَ ُأمّ ًة وَاحِ َد ًة وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَِلفِينَ (‪ )118‬إِلّا مَنْ رَ ِ‬
‫وََلوْ شَاءَ رَ ّبكَ َل َ‬
‫ج َمعِينَ (‪)119‬‬
‫جهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَ ْ‬
‫وَ َتمّتْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ لََأمْلَأَنّ َ‬

‫ك وَلِذَِلكَ‬
‫حمَ رَ ّب َ‬
‫ح َدةً وَل يَزَالُونَ مُخْتَِلفِينَ (‪ )118‬إِل مَنْ رَ ِ‬
‫ج َعلَ النّاسَ ُأمّ ًة وَا ِ‬
‫{ وََلوْ شَاءَ رَ ّبكَ لَ َ‬
‫ج َمعِينَ (‪} )119‬‬
‫جهَنّمَ مِنَ ا ْلجِنّ ِة وَالنّاسِ أَ ْ‬
‫ك لمْلنّ َ‬
‫خََل َقهُ ْم وَ َت ّمتْ كَِلمَةُ رَ ّب َ‬
‫يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كُلّهم أمة واحدة ‪ ،‬من إيمان أو كفران (‪ )1‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫جمِيعًا } [يونس ‪.]99 :‬‬
‫ك لمَنَ مَنْ فِي ال ْرضِ كُّلهُمْ َ‬
‫{ وََلوْ شَاءَ رَ ّب َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يَزَالُونَ مُخْتَِلفِينَ إِل مَنْ رَحِمَ رَ ّبكَ } أي ‪ :‬ول يزال الخُ ْلفُ بين الناس في أديانهم‬
‫واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم‪.‬‬
‫قال (‪ )2‬عكرمة ‪ { :‬مُخْتَِلفِينَ } في الهدى (‪ .)3‬وقال الحسن البصري ‪ { :‬مُخْتَِلفِينَ } في الرزق ‪،‬‬
‫يُسخّر بعضهم بعضا ‪ ،‬والمشهورُ الصحيح الول‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل مَنْ َرحِمَ رَ ّبكَ } أي ‪ :‬إل المرحومين من أتباع الرسل ‪ ،‬الذين تمسكوا بما أمروا به‬
‫من الدين (‪ .)4‬أخبرتهم به رسل ال إليهم ‪ ،‬ولم يزل ذلك دأبهم ‪ ،‬حتى كان النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم المي خاتم الرسل والنبياء ‪ ،‬فاتبعوه وصدقوه ‪ ،‬ونصروه ووازروه ‪ ،‬ففازوا بسعادة الدنيا‬
‫والخرة ؛ لنهم الفرقة الناجية ‪ ،‬كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن ‪ ،‬من طرق‬
‫يشد بعضها بعضا ‪" :‬إن اليهود افترقت على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكفران"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الهوى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الذي" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬الذين"‪.‬‬

‫( ‪)4/361‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إحدى (‪ )1‬وسبعين فرقة ‪ ،‬وإن النصارى افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ‪ ،‬وستفترق أمتي (‪)2‬‬
‫على ثلث وسبعين فرقة ‪ ،‬كلها في النار إل فرقة واحدة"‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن هم يا رسول ال ؟ قال ‪:‬‬
‫"ما أنا عليه وأصحابي"‪.‬‬
‫رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة (‪)3‬‬
‫حمَ رَ ّبكَ }‬
‫وقال عطاء ‪ { :‬وَل يَزَالُونَ ُمخْتَِلفِينَ } يعني ‪ :‬اليهود والنصارى والمجوس { إِل مَنْ رَ ِ‬
‫يعني ‪ :‬الحنَيفيّة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أهلُ رحمة ال أهل الجماعة ‪ ،‬وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم ‪ ،‬وأهل معصيته أهل‬
‫فرقة ‪ ،‬وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلِذَِلكَ خََل َقهُمْ } قال الحسن البصري ‪ -‬في رواية عنه ‪ : -‬وللختلف خَلَقهم‪.‬‬
‫سعِيدٌ } [هود‬
‫ي وَ َ‬
‫ش ِق ّ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬خلقهم فريقين ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬فمِ ْنهُمْ َ‬
‫‪.]105 :‬‬
‫وقيل ‪ :‬للرحمة خلقهم‪ .‬قال ابن وهب ‪ :‬أخبرني مسلم بن خالد ‪ ،‬عن ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن‬
‫طاوس ؛ أن رجلين اختصما إليه فأكثرا (‪ )4‬فقال طاوس ‪ :‬اختلفتما فأكثرتما (‪ ! )5‬فقال أحد‬
‫الرجلين ‪ :‬لذلك خلقنا‪ .‬فقال طاوس ‪ :‬كذبت‪ .‬فقال ‪ :‬أليس ال يقول ‪ { :‬وَل يَزَالُونَ ُمخْتَِلفِينَ إِل مَنْ‬
‫ك وَلِذَِلكَ خََلقَهُمْ } قال ‪ :‬لم يخلقهم ليختلفوا ‪ ،‬ولكن خلقهم للجماعة والرحمة‪ .‬كما قال‬
‫حمَ رَ ّب َ‬
‫رَ ِ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب‪ .‬وكذا قال‬
‫الحكم بن أبان ‪ ،‬عن ِ‬
‫ن وَالنْسَ إِل‬
‫مجاهد والضحاك وقتادة‪ .‬ويرجع معنى هذا القول إلى قوله تعالى ‪َ { :‬ومَا خََلقْتُ ا ْلجِ ّ‬
‫لِ َيعْبُدُونِ } [الذاريات ‪.]56 :‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل المراد ‪ :‬وللرحمة والختلف خلقهم ‪ ،‬كما قال الحسن البصري في رواية عنه في قوله‬
‫ك وَلِذَِلكَ خََلقَهُمْ } قال ‪ :‬الناس مختلفون على أديان شتى ‪،‬‬
‫حمَ رَ ّب َ‬
‫‪ { :‬وَل يَزَالُونَ مُخْتَِلفِينَ إِل مَنْ رَ ِ‬
‫{ إِل مَنْ َرحِمَ رَ ّبكَ } فمن رحم ربك غير مختلف‪ .‬قيل له ‪ :‬فلذلك خلقهم ؟ [قال] (‪ )6‬خلق هؤلء‬
‫لجنته ‪ ،‬وخلق هؤلء لناره ‪ ،‬وخلق هؤلء لرحمته ‪ ،‬وخلق هؤلء لعذابه‪.‬‬
‫وكذا (‪ )7‬قال عطاء بن أبي رَبَاح ‪ ،‬والعمش‪.‬‬
‫ك وَِلذَِلكَ‬
‫وقال ابن وَهْب ‪ :‬سألت مالكا عن قوله تعالى ‪ { :‬وَل يَزَالُونَ ُمخْتَِلفِينَ إِل مَنْ َرحِمَ رَ ّب َ‬
‫خََل َقهُمْ } قال ‪ :‬فريق في الجنة وفريق في السعير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬اثنين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬هذه المة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخريجه عند تفسير الية ‪ 93 :‬من سورة يونس‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فأكثروا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وأكثرتما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وكذلك"‪.‬‬

‫( ‪)4/362‬‬

‫ظ ٌة وَ ِذكْرَى‬
‫ك وَجَا َءكَ فِي هَ ِذهِ ا ْلحَقّ َومَوْعِ َ‬
‫سلِ مَا نُثَ ّبتُ بِهِ ُفؤَا َد َ‬
‫َوكُلّا َن ُقصّ عَلَ ْيكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرّ ُ‬
‫علَى َمكَانَ ِتكُمْ إِنّا عَامِلُونَ (‪ )121‬وَانْتَظِرُوا إِنّا‬
‫عمَلُوا َ‬
‫لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪َ )120‬و ُقلْ لِلّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ ا ْ‬
‫مُنْتَظِرُونَ (‪)122‬‬

‫وقد اختار هذا القول ابن جرير ‪ ،‬وأبو عبيدة (‪ )1‬والفراء‪.‬‬


‫وعن مالك فيما رويناه عنه في التفسير ‪ { :‬وَلِذَِلكَ خََل َقهُمْ } قال ‪ :‬للرحمة ‪ ،‬وقال قوم ‪ :‬للختلف‪.‬‬
‫ج َمعِينَ } يخبر تعالى أنه قد سبق في‬
‫جهَنّمَ مِنَ ا ْلجِنّ ِة وَالنّاسِ أَ ْ‬
‫ك لمْلنّ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َت ّمتْ كَِلمَةُ رَ ّب َ‬
‫قضائه وقدره ‪ ،‬لعلمه التام وحكمته النافذة ‪ ،‬أن ممن (‪ )2‬خلقه من يستحق الجنة ‪ ،‬ومنهم من‬
‫يستحق النار ‪ ،‬وأنه ل بد أن يمل جهنم من هذين الثقلين الجن والنس ‪ ،‬وله الحجة البالغة‬
‫والحكمة التامة‪ .‬وفي الصحيحين عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ض َعفَةُ الناس‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬اختصمت الجنة والنار ‪ ،‬فقالت الجنة ‪ :‬ما لي ل يدخلني إل َ‬
‫وسَقطُهم ؟ وقالت النار ‪ :‬أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين‪ .‬فقال ال عز وجل للجنة ‪ ،‬أنت رحمتي‬
‫أرحم بك من أشاء‪ .‬وقال للنار ‪ :‬أنت عذابي ‪ ،‬أنتقم بك ممن أشاء ‪ ،‬ولكل واحدة منكما ملؤها‪.‬‬
‫فأما الجنة فل يزال فيها فضل ‪ ،‬حتى ينشئ ال لها خلقا يسكن فضل الجنة ‪ ،‬وأما النار فل تزال‬
‫تقول ‪ :‬هل من مزيد ؟ حتى يضع عليه ربّ العزة قَدمه ‪ ،‬فتقول ‪ :‬قَطْ قط ‪ ،‬وعزتك" (‪.)3‬‬
‫ق َو َموْعِظَ ٌة وَ ِذكْرَى‬
‫حّ‬‫ك وَجَا َءكَ فِي َه ِذهِ الْ َ‬
‫سلِ مَا نُثَ ّبتُ بِهِ ُفؤَا َد َ‬
‫{ َوكُل َن ُقصّ عَلَ ْيكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرّ ُ‬
‫لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪} )120‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكل أخبار نقصها عليك ‪ ،‬من أنباء الرسل المتقدمين قبلك مع أممهم ‪ ،‬وكيف جرى‬
‫لهم من المحاجات والخصومات ‪ ،‬وما احتمله النبياء من التكذيب والذى ‪ ،‬وكيف نصر ال حزبه‬
‫المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين ‪ -‬كل هذا مما نثبت به فؤادك ‪ -‬يا محمد ‪ -‬أي ‪ :‬قلبك ‪ ،‬ليكون‬
‫لك بمن مضى من إخوانك من المرسلين أسْوةً‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَجَا َءكَ فِي هَ ِذهِ ا ْلحَقّ } أي ‪[ :‬في] (‪ )4‬هذه السورة‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫وجماعة من السلف‪ .‬وعن الحسن ‪ -‬في رواية عنه ‪ -‬وقتادة ‪ :‬في هذه الدنيا‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والصحيح ‪ :‬في هذه السورة المشتملة على قصص النبياء وكيف َنجّاهم (‪ )5‬ال والمؤمنين بهم ‪،‬‬
‫صصُ حق ‪ ،‬ونبأ صدق ‪ ،‬وموعظة يرتدع بها الكافرون ‪ ،‬وذكرى‬
‫وأهلك الكافرين ‪ ،‬جاءك فيها َق َ‬
‫يتوقر (‪ )6‬بها المؤمنون‪.‬‬
‫علَى َمكَانَ ِتكُمْ إِنّا عَامِلُونَ (‪ )121‬وَانْتَظِرُوا إِنّا مُنْ َتظِرُونَ (‪} )122‬‬
‫عمَلُوا َ‬
‫{ َو ُقلْ لِلّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ا ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأبو عبيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )7449‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2846‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنجاهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يتذكر"‪.‬‬

‫( ‪)4/363‬‬

‫عمّا‬
‫جعُ الَْأمْرُ كُلّهُ فَاعْ ُب ْد ُه وَ َتوَ ّكلْ عَلَيْ ِه َومَا رَ ّبكَ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ وَإِلَيْهِ يُرْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫وَلِلّهِ غَ ْيبُ ال ّ‬
‫َت ْعمَلُونَ (‪)123‬‬

‫يقول تعالى آمرا رسوله أن يقول للذين ل يؤمنون بما جاء به من ربه على وجه التهديد ‪:‬‬
‫عمَلُوا عَلَى َمكَانَ ِتكُمْ } أي ‪ :‬على طريقتكم ومنهجكم ‪ { ،‬إِنّا عَامِلُونَ } أي ‪ :‬على طريقتنا‬
‫{اْ‬
‫ومنهجنا ‪ { ،‬وَانْ َتظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ } أي ‪ :‬فستعلمون من تكون له عاقبة الدار ‪ ،‬إنه ل يفلح‬
‫الظالمون‪.‬‬
‫وقد أنجز ال لرسوله وعده ‪ ،‬ونصره وأيده ‪ ،‬وجعل كلمته هي العليا ‪ ،‬وكلمة الذين كفروا‬
‫السفلى ‪ ،‬وال عزيز حكيم‪.‬‬
‫عمّا‬
‫ج ُع المْرُ كُلّهُ فَاعْبُ ْد ُه وَ َت َو ّكلْ عَلَ ْي ِه َومَا رَ ّبكَ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ وَإِلَيْهِ يُرْ َ‬
‫{ وَلِلّهِ غَ ْيبُ ال ّ‬
‫َت ْعمَلُونَ (‪} )123‬‬
‫يخبر تعالى أنه عالم غيب السموات والرض ‪ ،‬وأنه إليه المرجع والمآب ‪ ،‬وَس ُي َوفّى كل عامل‬
‫عمله يوم الحساب ‪ ،‬فله الخلق والمر‪ .‬فأمر تعالى بعبادته والتوكل عليه ؛ فإنه كاف من توكل‬
‫عليه وأناب إليه‪.‬‬
‫عمّا َت ْعمَلُونَ } (‪ )1‬أي ‪ :‬ليس يخفى عليه ما عليه مكذبوك يا محمد ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا رَ ّبكَ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫بل هو عليم بأحوالهم وأقوالهم وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء في الدنيا والخرة ‪ ،‬وسينصرك‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وحزبك عليهم في الدارين‪ .‬وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬عن جعفر‬
‫جوْني ‪ ،‬عن عبد ال بن رباح ‪ ،‬عن كعب (‪ )2‬قال ‪ :‬خاتمة‬
‫بن سليمان ‪ ،‬عن أبي عمران ال َ‬
‫"التوراة" خاتمة "هود" [وال أعلم] (‪ )3‬تم تفسير سورة هود‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يعملون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬كعب الحبار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/364‬‬

‫الر تِ ْلكَ آَيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪ )1‬إِنّا أَنْزَلْنَاهُ قُ ْرآَنًا عَرَبِيّا َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ (‪َ )2‬نحْنُ َن ُقصّ عَلَ ْيكَ أَحْسَنَ‬
‫ن وَإِنْ كُ ْنتَ مِنْ قَبِْلهِ َلمِنَ ا ْلغَافِلِينَ (‪)3‬‬
‫ا ْل َقصَصِ ِبمَا َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ هَذَا ا ْلقُرْآَ َ‬

‫تفسير سورة يوسف‬


‫[وهي مكية] (‪)1‬‬
‫روى الثعلبي وغيره ‪ ،‬من طريق سَلم بن سليم ‪ -‬ويقال ‪ :‬سليم ‪ -‬المدائني ‪ ،‬وهو متروك ‪ ،‬عن‬
‫هارون بن كثير ‪ -‬وقد نصّ على جهالته أبو حاتم ‪ -‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي أمامة‬
‫‪ ،‬عن أبي بن كعب قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬علموا أرقاءكم سورة يوسف ‪،‬‬
‫فإنه أيما مسلم تلها ‪ ،‬أو علمها أهله ‪ ،‬أو ما (‪ )2‬ملكت يمينه ‪َ ،‬هوّن ال عليه سكرات الموت ‪،‬‬
‫وأعطاه من القوة أل يحسد مسلما " (‪.)3‬‬
‫وهذا من هذا الوجه ل يصح ‪ ،‬لضعف إسناده بالكلية‪ .‬وقد ساقه له (‪ )4‬الحافظ ابن عساكر متابعا‬
‫من طريق القاسم بن الحكم ‪ ،‬عن هارون بن كثير ‪ ،‬به ‪ -‬ومن طريق شَبَابة ‪ ،‬عن مخلد بن عبد‬
‫الواحد البصري (‪ )5‬عن علي بن زيد بن جدعان ‪ -‬وعن عطاء بن أبي ميمونة ‪ ،‬عن زر بن‬
‫حُبَيش ‪ ،‬عن أُبي بن كعب ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فذكر نحوه (‪ )6‬وهو منكر من‬
‫سائر طرقه‪.‬‬
‫وروى البيهقي في " الدلئل " أن طائفة من اليهود حين سمعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يتلو هذه السورة أسلموا لموافقتها ما عندهم‪ .‬وهو من رواية الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫{ الر تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪ )1‬إِنّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ (‪ )2‬نَحْنُ َن ُقصّ عَلَ ْيكَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَإِنْ كُ ْنتَ مِنْ قَبِْلهِ َلمِنَ ا ْلغَافِلِينَ (‪} )3‬‬
‫حسَنَ ا ْل َقصَصِ ِبمَا َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ هَذَا ا ْلقُرْآ َ‬
‫أَ ْ‬
‫أما الكلم على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة "البقرة"‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ } أي ‪ :‬هذه آيات الكتاب ‪ ،‬وهو القرآن ‪ { ،‬ا ْلمُبِينِ } أي ‪ :‬الواضح‬
‫الجلي ‪ ،‬الذي يفصح عن الشياء المبهمة ويفسرها ويبينها (‪.)7‬‬
‫{ إِنّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ } وذلك لن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها ‪،‬‬
‫وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس ؛ فلهذا أنزلَ أشرف الكتب بأشرف اللغات ‪ ،‬على أشرف‬
‫الرسل ‪ ،‬بسفارة (‪ )8‬أشرف الملئكة ‪ ،‬وكان ذلك في أشرف بقاع الرض ‪ ،‬وابتدئ إنزاله في‬
‫أشرف‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الثعلبي (‪/7‬ل ‪" 61‬المحمودية") وأورده الزيلعي في تخريج الكشاف (‪ )2/179‬من‬
‫رواية الثعلبي في تفسيره ‪ ،‬ورواه الواحدي في الوسيط (‪ )2/599‬من طريق إبراهيم بن شريف‬
‫عن أحمد بن يونس عن سلم بن سليم به‪.‬‬
‫(‪ )4‬في جميع النسخ ‪" :‬وقد ساقه" وهذا التعبير غير صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬جميع النسخ ‪" :‬محمد بن عبد الواحد النضري" ‪ ،‬وفي أ ‪ ،‬ت ‪" :‬مخلد بن عبد الواحد‬
‫النضري" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )6‬نقله الزيلعي في تخريج الكشاف (‪ )2/180‬عن المؤلف‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وتفسيرها وتبينها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬كسفارة"‪.‬‬

‫( ‪)4/365‬‬

‫شهور السنة وهو رمضان ‪ ،‬فكمل من كل الوجوه ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬نَحْنُ َنقُصّ عَلَ ْيكَ َأحْسَنَ‬
‫ا ْل َقصَصِ ِبمَا َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ هَذَا ا ْلقُرْآنَ } بسبب إيحائنا إليك هذا القرآن‪.‬‬
‫وقد وَرَدَ في سبب نزول هذه اليات ما رواه ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثني نصر بن عبد الرحمن الوْ ِديّ (‪ .)1‬حدثنا حكام الرازي ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن عمرو ‪ -‬هو‬
‫ابن قيس الملئي ‪ -‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬لو قصصت علينا ؟ فنزلت ‪:‬‬
‫صصِ } (‪.)2‬‬
‫{ َنحْنُ َن ُقصّ عَلَ ْيكَ أَحْسَنَ ا ْلقَ َ‬
‫ورواه من وجه آخر ‪ ،‬عن عمرو بن قيس مرسل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن سعيد (‪ )3‬العطار (‪ ، )4‬حدثنا عمرو بن محمد ‪ ،‬أنبأنا خَلد الصفار‬
‫‪ ،‬عن عمرو بن قيس ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة (‪ ، )5‬عن مصعب بن سعد عن عن سعد قال ‪ :‬أنزل‬
‫على النبي صلى ال عليه وسلم القرآن ‪ ،‬قال ‪ :‬فتل عليهم زمانا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬لو‬
‫قصصتَ علينا‪ .‬فأنزل ال عز وجل ‪ { :‬الر تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ } إلى قوله ‪َ { :‬لعَّلكُمْ‬
‫َت ْعقِلُونَ } (‪ .)6‬ثم تل عليهم زمانا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬لو حدثتنا‪ .‬فأنزل ال عز وجل ‪:‬‬
‫حسَنَ ا ْلحَدِيثِ } الية [الزمر ‪ ، ]23 :‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫{ اللّهُ نزلَ أَ ْ‬
‫ورواه الحاكم من حديث إسحاق بن رَاهَويه ‪ ،‬عن عمرو بن محمد القرَشي العَنْقزي ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫عوْن بن عبد ال قال ‪َ :‬ملّ أصحابُ رسول‬
‫وروى ابن جرير بسنده (‪ ، )8‬عن المسعودي ‪ ،‬عن َ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم مَلّ َة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬حَدثنا‪[ .‬فأنزل ال ‪ { :‬اللّهُ نزلَ َأحْسَنَ‬
‫حدِيثِ } ثم مَلّوا ملة أخرى فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬حدثنا] (‪ )9‬فوق الحديث ودون القرآن ‪-‬‬
‫الْ َ‬
‫يعنون القصص ‪ -‬فأنزل ال ‪ { :‬الر تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ إِنّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا َلعَّلكُمْ َتعْقِلُونَ‬
‫ن وَإِنْ كُ ْنتَ مِنْ قَبْلِهِ َلمِنَ ا ْلغَافِلِينَ }‬
‫صصِ ِبمَا َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ َهذَا ا ْلقُرْآ َ‬
‫حسَنَ ا ْل َق َ‬
‫نَحْنُ َن ُقصّ عَلَ ْيكَ أَ ْ‬
‫فأرادوا الحديث ‪ ،‬فدلّهم على أحسن الحديث ‪ ،‬وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص (‪.)10‬‬
‫ومما يناسب ذكره عند هذه الية الكريمة ‪ ،‬المشتملة على مدح القرآن ‪ ،‬وأنه كاف عن كل ما‬
‫سواه من الكتب ما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا سُرَيْج بن النعمان ‪ ،‬أخبرنا هُشَيْم ‪ ،‬أنبأنا مجالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال ؛ أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الوذي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)15/552‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬القطان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قرة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪(" :‬لعلكم تعقلون) الية"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )15/553‬والمستدرك (‪ )2/345‬وقال ‪" :‬حديث صحيح السناد ولم يخرجاه"‬
‫ووافقه الذهبي ‪ ،‬وحسنه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية برقم (‪.)3652‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬بسند"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪.)15/552‬‬

‫( ‪)4/366‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمر بن الخطاب أتى النبي صلى ال عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ‪ ،‬فقرأه على‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فغضب وقال ‪" :‬أمُتَهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده ‪،‬‬
‫لقد جئتكم بها بيضاء نقية ‪ ،‬ل تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذّبونه ‪ ،‬أو بباطل فتصدقونه ‪،‬‬
‫والذي نفسي بيده ‪ ،‬لو أن موسى كان حيا ‪ ،‬لما (‪ )1‬وسعه إل أن يتبعني" (‪)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫ثابت قال ‪ :‬جاء عمر إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني مررت بأخ‬
‫لي من قريظة ‪ ،‬فكتب لي جوامع من التوراة ‪ ،‬أل أعرضها عليك ؟ قال ‪ :‬فتغير وجه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال عبد ال بن ثابت ‪ :‬فقلت له ‪ :‬أل ترى ما بوجه (‪ )3‬رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ؟ فقال عمر ‪ :‬رضينا بال ربا ‪ ،‬وبالسلم دينا ‪ ،‬وبمحمد رسول‪ .‬قال ‪ :‬فسُرّي عن‬
‫النبي (‪ )4‬صلى ال عليه وسلم وقال ‪" :‬والذي نفس محمد بيده ‪ ،‬لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه‬
‫حظّي من المم ‪ ،‬وأنا حظكم من النبيين" (‪.)5‬‬
‫وتركتموني لضللتم ‪ ،‬إنكم َ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا عبد الغفار بن عبد ال بن الزبير ‪ ،‬حدثنا علي بن‬
‫سهِر ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن خليفة بن قيس ‪ ،‬عن خالد بن عُ ْرفَطة قال ‪ :‬كنت‬
‫مُ ْ‬
‫جالسا عند عمر ‪ ،‬إذ أتي برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس ‪ ،‬فقال له عمر ‪ :‬أنت فلن بن‬
‫فلن العبدي ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬وأنت النازل بالسوس ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬فضربه بقناة معه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫سمِ اللّه‬
‫فقال الرجل ‪ :‬ما لي يا أمير المؤمنين ؟ فقال له عمر ‪ :‬اجلس‪ .‬فجلس ‪ ،‬فقرأ عليه ‪ { :‬بِ ْ‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ الر تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ إِنّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ َنحْنُ َن ُقصّ عَلَ ْيكَ‬
‫الرّ ْ‬
‫صصِ] } (‪ )6‬إلى قوله ‪َ { :‬لمِنَ ا ْلغَافِلِينَ } فقرأها (‪ )7‬ثلثا ‪ ،‬وضربه ثلثا ‪ ،‬فقال له‬
‫[َأحْسَنَ ا ْل َق َ‬
‫الرجل ‪ :‬ما لي يا أمير المؤمنين ؟ فقال ‪ :‬أنت الذي نسخت كتاب دانيال! قال ‪ :‬مرني بأمرك‬
‫أتبعه‪ .‬قال ‪ :‬انطلق فامحه بالحميم والصوف البيض ‪ ،‬ثم ل تقْرأه (‪ )8‬ول تُقرئه أحدا من الناس ‪،‬‬
‫فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لنهكنّك عقوبة ‪ ،‬ثم قال له ‪ :‬اجلس ‪ ،‬فجلس‬
‫بين يديه ‪ ،‬فقال ‪ :‬انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ‪ ،‬ثم جئت به في أديم ‪ ،‬فقال لي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما هذا في يدك يا عمر ؟"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كتاب‬
‫نسخته لنزداد (‪ )9‬به علما إلى علمنا‪ .‬فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى احمرّت‬
‫وجنتاه ‪ ،‬ثم نودي بالصلة جامعة ‪ ،‬فقالت النصار ‪ :‬أغضب نبيكم صلى ال عليه وسلم ؟ السلح‬
‫السلح‪ .‬فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إني‬
‫قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ‪ ،‬واخ ُتصِر لي اختصارا ‪ ،‬ولقد أتيتكم بها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/378‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ما توجه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)3/365‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقرأها عليه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ل يقرأه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬ليزداد"‪.‬‬

‫( ‪)4/367‬‬

‫بيضاء نقية فل تَتهوّكوا ‪ ،‬ول يغرنكم المتهوّكون"‪ .‬قال عمر ‪ :‬فقمت فقلت ‪ :‬رضيت بال ربا‬
‫وبالسلم دينا ‪ ،‬وبك رسول‪ .‬ثم نزل رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪.)1‬‬
‫وقد رواه ابن أبي حاتم في تفسيره مختصرا ‪ ،‬من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬به‪ .‬وهذا‬
‫حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬وعبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شَيبَة (‪ )2‬الواسطي ‪ ،‬وقد ضعفوه‬
‫وشيخه‪ .‬قال البخاري ‪ :‬ل يصح حديثه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد روي له شاهد من وجه آخر ‪ ،‬فقال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم السماعيلي ‪:‬‬
‫أخبرني الحسن بن سفيان ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن سفيان ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلء‬
‫الزبيدي ‪ ،‬حدثني عمرو بن الحارث ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن سالم الشعري ‪ ،‬عن الزبيدي ‪ ،‬حدثنا‬
‫حدّثهم ‪ :‬أن رجلين كانا بحمص في خلفة عمر ‪ ،‬رضي ال‬
‫سليم بن عامر ‪ :‬أن جُبَير بن ُنفَير َ‬
‫عنه ‪ ،‬فأرسل إليهما فيمن أرسل من أهل حمص ‪ ،‬وكانا قد اكتتبا من اليهود صلصفة (‪)3‬‬
‫فأخذاها معهما يستفتيان فيها أمير المؤمنين ويقولون ‪ :‬إن رضيها لنا أمير المؤمنين ازددنا فيها‬
‫رغبة‪ .‬وإن نهانا عنها رفضناها ‪ ،‬فلما قدما عليه قال إنا بأرض أهل الكتابين ‪ ،‬وإنا نسمع منهم‬
‫كلما تقشعر منه جلودنا ‪ ،‬أفنأخذ منه أو نترك ؟ فقال ‪ :‬لعلكما كتبتما منه شيئا‪ .‬قال (‪ )4‬ل‪ .‬قال ‪:‬‬
‫سأحدثكما ‪ ،‬انطلقت في حياة رسول ال (‪ )5‬صلى ال عليه وسلم حتى أتيت خيبر ‪ ،‬فوجدت‬
‫يهوديا يقول قول أعجبني ‪ ،‬فقلت ‪ :‬هل أنت مكتبي ما تقول ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فأتيت بأديم ‪ ،‬فأخذ يملي‬
‫علي ‪ ،‬حتى كتبت في الكرُع‪ .‬فلما رجعت قلت ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬وأخبرته ‪ ،‬قال ‪" :‬ائتني به"‪.‬‬
‫فانطلقت أرغب عن المشي رجاء أن أكون أتيت (‪ )6‬رسول ال ببعض ما يحب ‪ ،‬فلما أتيت به‬
‫قال ‪" :‬اجلس اقرأ عليّ"‪ .‬فقرأت ساعة ‪ ،‬ثم نظرت إلى وجهه فإذا هو يتلوّن ‪ ،‬فتحيرت من‬
‫الفَرق ‪ ،‬فما استطعت أجيز (‪ )7‬منه حرفا ‪ ،‬فلما رأى الذي بي َدفَعه (‪ )8‬ثم جعل يتبعه رسما‬
‫رسما فيمحوه بريقه ‪ ،‬وهو يقول ‪" :‬ل تتبعوا هؤلء ‪ ،‬فإنهم قد هَوكوا و َت َهوّكوا" ‪ ،‬حتى محا آخره‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حرفًا حرفا‪ .‬قال عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬فلو علمت أنكما كتبتما منه شيئًا جعلتكما نكال لهذه‬
‫المة! قال وال ما نكتب منه شيئًا أبدا‪ .‬فخرجا بصلصفتهما (‪ )9‬فحفرا لها (‪ )10‬فلم يألُوا أن‬
‫يعمّقَا ‪ ،‬ودفناها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أعثر عليه في المطبوع من مسند أبي يعلى ‪ ،‬وأورده الهيثمي في المجمع (‪ )1/182‬وقال ‪:‬‬
‫"رواه أبو يعلى ‪ ،‬وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ‪ ،‬ضعفه أحمد وجماعة"‪ .‬ورواه المقدسي‬
‫في المختارة برقم (‪ )115‬من طريق أبي يعلى وقال ‪" :‬عبد الرحمن بن إسحاق أخرج له مسلم‬
‫وابن حبان"‪ .‬يقصد عبد الرحمن بن إسحاق المدني وهو أثبت من الواسطي وفترتهما متقاربة ‪،‬‬
‫لكن المزني ذكر علي بن مسهر من الرواة عن الواسطي الضعيف ‪ ،‬وقد رجح المؤلف هنا أنه‬
‫الواسطي‪ .‬وكذا في مسند عمر بن الخطاب (‪ )2/591‬وقال ‪" :‬وزعم الحافظ الضياء المقدسي في‬
‫كتابه "المختارة" أنه الذي روى له مسلم كما (أظن صوابه كذا) قال ‪ :‬وأما شيخه خليفة بن قيس‬
‫فقال فيه أبو حاتم الرازي ‪ :‬شيخ ليس بالمعروف‪ .‬وقال البخاري ‪ :‬لم يصح حديثه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ابن شيبة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪" :‬ملصق" بدون نقط ‪ ،‬والمثبت من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬جئت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أحبر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬دفعته"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬بصفيهما" والمثبت من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬فحفراها"‪.‬‬

‫( ‪)4/368‬‬

‫جدِينَ (‪)4‬‬
‫س وَا ْلقَمَرَ رَأَيْ ُتهُمْ لِي سَا ِ‬
‫شمْ َ‬
‫عشَرَ َك ْوكَبًا وَال ّ‬
‫سفُ لِأَبِيهِ يَا أَ َبتِ إِنّي رَأَ ْيتُ َأحَدَ َ‬
‫إِذْ قَالَ يُو ُ‬

‫فكان آخر العهد منها (‪.)1‬‬


‫جعْفي ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن عبد ال بن ثابت‬
‫وكذا روى الثوري ‪ ،‬عن جابر بن يزيد ال ُ‬
‫النصاري ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬بنحوه (‪ )2‬وروى أبو داود في المراسيل ‪ ،‬من حديث أبي‬
‫قِلبة ‪ ،‬عن عمر نحوه (‪ .)3‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جدِينَ (‪} )4‬‬
‫س وَا ْل َقمَرَ رَأَيْ ُت ُهمْ لِي سَا ِ‬
‫شمْ َ‬
‫سفُ لبِيهِ يَا أَ َبتِ إِنّي َرأَ ْيتُ َأحَدَ عَشَرَ َك ْوكَبًا وَال ّ‬
‫{ ِإذْ قَالَ يُو ُ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬اذكر لقومك يا محمد في َقصَصك عليهم من قصة يوسف إذ قال لبيه ‪ ،‬وأبوه هو ‪:‬‬
‫يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪ ،‬يوسف بن‬
‫يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه البخاري ‪ ،‬فرواه (‪ )4‬عن عبد ال بن محمد ‪ ،‬عن عبد الصمد به (‪ )5‬وقال‬
‫البخاري أيضا ‪:‬‬
‫حدثنا محمد ‪ ،‬أخبرنا عبدة ‪ ،‬عن عُبَيْد ال ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سُئِل رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أي الناس أكرم ؟ قال ‪" :‬أكرمهم عند ال‬
‫أتقاهم"‪ .‬قالوا ‪ :‬ليس عن هذا نسألك‪ .‬قال ‪" :‬فأكرم الناس يوسف نبي ال ‪ ،‬ابن نبي ال ‪ ،‬ابن نبي‬
‫ال ‪ ،‬ابن خليل ال"‪ .‬قالوا ‪ :‬ليس عن هذا نسألك‪ .‬قال ‪" :‬فعن معادن العرب تسألوني ؟" قالوا ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال ‪" :‬فخياركم في الجاهلية خياركم في السلم إذا فَقِهوا"‪ .‬ثم قال ‪ :‬تابعه أبو أسامة ‪ ،‬عن‬
‫عبيد ال (‪.)6‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬رؤيا النبياء وحي‪.‬‬
‫وقد تكلم المفسرون على تعبير هذا المنام ‪ :‬أن الحد عشر كوكبا عبارة عن إخوته ‪ ،‬وكانوا أحد‬
‫عشر رجل [سواه] (‪ )7‬والشمس والقمر عبارة عن أبيه وأمه‪ .‬رُوي هذا عن ابن عباس ‪،‬‬
‫والضحاك ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )5/136‬عن الطبراني ‪ ،‬عن عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن‬
‫العلء الحمصي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث به‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخريجه في المسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬المراسيل برقم (‪.)455‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/96‬وصحيح البخاري برقم (‪.)4688‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4689‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)4/369‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقتادة وسفيان الثوري ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وقد وقع تفسيرها بعد أربعين سنة ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬ثمانين سنة ‪ ،‬وذلك حين رفع أبويه على العرش ‪ ،‬وهو سريره ‪ ،‬وإخوته بين يديه ‪:‬‬
‫حقّا } [يوسف ‪.]100 :‬‬
‫جعََلهَا رَبّي َ‬
‫سجّدًا َوقَالَ يَا أَ َبتِ َهذَا تَ ْأوِيلُ ُرؤْيَايَ مِنْ قَ ْبلُ قَدْ َ‬
‫{ وَخَرّوا َلهُ ُ‬
‫وقد جاء في حديث تسمية هذه الحد عشر كوكبا ‪ -‬فقال المام أبو جعفر بن جرير‪.‬‬
‫حدثني علي بن سعيد الكندي ‪ ،‬حدثنا الحكم بن ظهير ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سابط ‪،‬‬
‫[عن جابر] (‪ )1‬قال ‪ :‬أتى النبي صلى ال عليه وسلم رجل من يهود يقال له ‪" :‬بستانة اليهودي" ‪،‬‬
‫فقال له ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ‪ ،‬ما أسماؤها ؟ قال ‪:‬‬
‫فسكت النبي صلى ال عليه وسلم ساعة فلم يجبه بشيء ‪ ،‬ونزل [عليه] (‪ )2‬جبريل ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬فأخبره بأسمائها‪ .‬قال ‪ :‬فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم إليه فقال ‪" :‬هل أنت مؤمن‬
‫إن أخبرتك بأسمائها ؟" فقال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬خرتان (‪ )3‬والطارِقُ ‪ ،‬والذّيّال (‪ )4‬وذو الكَ َنفَات ‪،‬‬
‫عمُودَان ‪ ،‬وا ْلفَيلَقُ ‪ ،‬وال ُمصَبّحُ ‪ ،‬والضّرُوحُ ‪ ،‬وذو الفرغ ‪ ،‬والضّيَاُء ‪ ،‬والنّور"‬
‫وقابس ‪ ،‬ووَثّاب ‪ ،‬و َ‬
‫‪ ،‬فقال اليهودي ‪ :‬إيْ وال ‪ ،‬إنها لسماؤها (‪.)5‬‬
‫ورواه البيهقي في "الدلئل" ‪ ،‬من حديث سعيد (‪ )6‬بن منصور ‪ ،‬عن الحكم بن ظهير‪ .‬وقد روى‬
‫هذا الحديث الحافظان أبو يعلى الموصلي وأبو بكر البزار في مسنديهما ‪ ،‬وابن أبي حاتم في‬
‫تفسيره (‪ )7‬أما أبو يعلى فرواه عن أربعة من شيوخه عن الحكم بن ظهير ‪ ،‬به وزاد ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لما رآها يوسف َقصّها على أبيه يعقوب ‪ ،‬فقال له أبوه ‪ :‬هذا أمر‬
‫متشتت يجمعه ال من بعد ؛ قال ‪ :‬والشمس أبوه ‪ ،‬والقمر أمه"‪.‬‬
‫ضعّفه الئمة ‪ ،‬وتركه الكثرون ‪ ،‬وقال الجوزجاني ‪:‬‬
‫تفرد به الحكم بن ظهير الفزاري (‪ )8‬وقد َ‬
‫ساقط ‪ ،‬وهو صاحب حديث حُسْن يوسف‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ، :‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪" :‬حرثان" وفي ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جريان" والمثبت من ميزان العتدال ‪ .1/572‬مستفاد من‬
‫ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬والدثال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)15/555‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬دلئل النبوة للبيهقي (‪ )6/277‬ومسند البزار برقم (‪" )2220‬كشف الستار"‪ .‬وقد وقع اختلف‬
‫في أسماء الكواكب في هذه المصادر وليست بالمهمة ‪ ،‬والحديث حكم عليه ابن الجوزي بالوضع‪.‬‬
‫(‪ )8‬لم يتفرد به بل توبع ‪ ،‬فرواه الحاكم في المستدرك (‪ )4/396‬من طريق طلحة عن أسباط بن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نصر ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سابط ‪ ،‬عن جابر به نحوه ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح‬
‫على شرط مسلم ولم يخرجاه" قال الزيلعي ‪" :‬وسند الحاكم وارد على البزار في قوله ‪ :‬ل نعلم له‬
‫طريقا غيره ‪ ،‬وعلى البيهقي في قوله ‪ :‬تفرد به الحكم بن ظهير ولهما عذرهما" تخريج الكشاف (‬
‫‪.)2/161‬‬

‫( ‪)4/370‬‬

‫ع ُدوّ مُبِينٌ (‪)5‬‬


‫خوَ ِتكَ فَ َيكِيدُوا َلكَ كَيْدًا إِنّ الشّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ َ‬
‫علَى ِإ ْ‬
‫صصْ ُرؤْيَاكَ َ‬
‫قَالَ يَا بُ َنيّ لَا َتقْ ُ‬

‫ع ُدوّ مُبِينٌ (‪} )5‬‬


‫خوَ ِتكَ فَ َيكِيدُوا َلكَ كَيْدًا إِنّ الشّ ْيطَانَ لِلنْسَانِ َ‬
‫صصْ ُرؤْيَاكَ عَلَى ِإ ْ‬
‫{ قَالَ يَا بُ َنيّ ل َتقْ ُ‬

‫( ‪)4/370‬‬

‫علَ ْيكَ وَعَلَى َآلِ َي ْعقُوبَ َكمَا أَ َت ّمهَا عَلَى‬


‫ث وَيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ َ‬
‫ك وَ ُيعَّل ُمكَ مِنْ تَ ْأوِيلِ الَْأحَادِي ِ‬
‫َوكَذَِلكَ يَجْتَبِيكَ رَ ّب َ‬
‫حكِيمٌ (‪)6‬‬
‫سحَاقَ إِنّ رَ ّبكَ عَلِيمٌ َ‬
‫أَ َبوَ ْيكَ مِنْ قَ ْبلُ إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ‬

‫يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لبنه يوسف حين َقصّ عليه ما رأى من هذه الرؤيا ‪ ،‬التي‬
‫تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيما زائدًا ‪ ،‬بحيث يخرون له ساجدين إجلل وإكراما‬
‫واحتراما (‪ )1‬فخشي يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدوه (‪)2‬‬
‫خوَ ِتكَ‬
‫صصْ ُرؤْيَاكَ عَلَى ِإ ْ‬
‫على ذلك ‪ ،‬فيبغوا له الغوائل ‪ ،‬حسدا منهم له ؛ ولهذا قال له ‪ { :‬ل َت ْق ُ‬
‫فَ َيكِيدُوا َلكَ كَيْدًا } أي ‪ :‬يحتالوا لك حيلةً يُرْدُونَك فيها‪ .‬ولهذا ثبتت السنة عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إذا رأى أحدكم ما يحب فليحدث به ‪ ،‬وإذا رأى ما يكره فليتحوّل إلى جنبه‬
‫الخر وليتفل عن يساره ثلثا ‪ ،‬وليستعذ بال من شرها ‪ ،‬ول يحدث بها أحدًا ‪ ،‬فإنها لن تضره" (‬
‫‪ .)3‬وفي الحديث الخر الذي رواه المام أحمد ‪ ،‬وبعض أهل السنن ‪ ،‬من رواية معاوية بن حيدة‬
‫القشيري أنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الرؤيا على رجل طائر ما لم ُتعَبر ‪،‬‬
‫فإذا عُبرت وقعت" (‪ )4‬ومن هذا يؤخذ المر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر ‪ ،‬كما ورد في‬
‫حديث ‪" :‬استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها ‪ ،‬فإن كل ذي نعمة محسود" (‪)5‬‬
‫ث وَيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكَ وَعَلَى آلِ َي ْعقُوبَ َكمَا أَ َت ّمهَا‬
‫ك وَ ُيعَّل ُمكَ مِنْ تَ ْأوِيلِ الحَادِي ِ‬
‫{ َوكَذَِلكَ َيجْتَبِيكَ رَ ّب َ‬
‫حكِيمٌ (‪} )6‬‬
‫سحَاقَ إِنّ رَ ّبكَ عَلِيمٌ َ‬
‫عَلَى أَ َبوَ ْيكَ مِنْ قَ ْبلُ إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لولده يوسف ‪ :‬إنه كما اختارك (‪ )6‬ربك ‪ ،‬وأراك هذه‬
‫الكواكب مع الشمس والقمر ساجدة لك ‪َ { ،‬وكَذَِلكَ َيجْتَبِيكَ رَ ّبكَ } أي ‪ :‬يختارك ويصطفيك‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لنبوته ‪ { ،‬وَ ُيعَّلمُكَ مِنْ تَ ْأوِيلِ الحَادِيثِ } قال مجاهد وغير واحد ‪ :‬يعني تعبير الرؤيا‪.‬‬
‫{ وَيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكَ } أي ‪ :‬بإرسالك واليحاء إليك ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬كمَا أَ َت ّمهَا عَلَى أَ َبوَ ْيكَ مِنْ قَ ْبلُ‬
‫سحَاقَ } ولده ‪ ،‬وهو الذبيح في قول ‪ ،‬وليس بالرجيح ‪ { ،‬إِنّ رَ ّبكَ‬
‫إِبْرَاهِيمَ } وهو الخليل ‪ { ،‬وَإِ ْ‬
‫حكِيمٌ } أي ‪[ :‬هو] (‪ )7‬أعلم حيث يجعل رسالته ‪ ،‬كما قال في الية الخرى‪.‬‬
‫عَلِيمٌ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬واحتراما وإكراما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فيحسدونه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء من حديث جابر ‪ ،‬وأم سلمة ‪ ،‬وأبي قتادة ‪ :‬أما حديث جابر ‪ ،‬فرواه مسلم في صحيحه‬
‫برقم (‪ ، )2262‬وأما حديث أم سلمة ‪ ،‬فرواه النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ ، )10741‬وأما‬
‫حديث أبي قتادة ‪ ،‬فرواه أحمد في المسند (‪ )5/296‬وهذا لفظه‪.‬‬
‫(‪ )4‬لم أعثر عليه من حديث معاوية ‪ ،‬وإنما من حديث لقيط بن عامر رضي ال عنه ‪ ،‬رواه أحمد‬
‫في المسند (‪ )4/10‬وأبو داود في السنن برقم (‪ )5020‬والترمذي في السنن برقم (‪ )2278‬وابن‬
‫ماجه في السنن برقم (‪.)3914‬‬
‫(‪ )5‬رواه العقيلي في الضعفاء (‪ )2/109‬وابن عدي في الكامل (‪ )3/404‬وأبو نعيم في الحلية (‬
‫‪ )6/96‬من طريق سعيد بن سالم العطار عن ثور بن يزيد ‪ ،‬عن خالد بن معدان عن معاذ به‬
‫مرفوعا ‪ ،‬وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (‪ )2/165‬وقال أبو حاتم في العلل (‪: )2/258‬‬
‫"حديث منكر"‪ .‬وآفته سعيد بن سلم العطار فهو كذاب‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬اختار"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)4/371‬‬

‫حبّ إِلَى أَبِينَا مِنّا وَنَحْنُ‬


‫ف وَأَخُوهُ أَ َ‬
‫س ُ‬
‫خوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسّا ِئلِينَ (‪ِ )7‬إذْ قَالُوا لَيُو ُ‬
‫سفَ وَِإ ْ‬
‫َلقَدْ كَانَ فِي يُو ُ‬
‫جهُ أَبِيكُ ْم وَ َتكُونُوا‬
‫خلُ َلكُ ْم وَ ْ‬
‫سفَ َأوِ اطْ َرحُوهُ أَ ْرضًا َي ْ‬
‫عصْبَةٌ إِنّ أَبَانَا َلفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (‪ )8‬اقْتُلُوا يُو ُ‬
‫ُ‬
‫جبّ يَلْ َتقِطْهُ َب ْعضُ‬
‫ف وَأَ ْلقُوهُ فِي غَيَابَةِ ا ْل ُ‬
‫س َ‬
‫مِنْ َبعْ ِدهِ َق ْومًا صَالِحِينَ (‪ )9‬قَالَ قَا ِئلٌ مِ ْنهُمْ لَا َتقْتُلُوا يُو ُ‬
‫السّيّا َرةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (‪)10‬‬

‫حبّ إِلَى أَبِينَا مِنّا وَنَحْنُ‬


‫ف وَأَخُوهُ َأ َ‬
‫س ُ‬
‫خوَتِهِ آيَاتٌ لِلسّائِلِينَ (‪ )7‬إِذْ قَالُوا لَيُو ُ‬
‫ف وَإِ ْ‬
‫س َ‬
‫{ َلقَدْ كَانَ فِي يُو ُ‬
‫جهُ أَبِيكُ ْم وَ َتكُونُوا‬
‫خلُ َلكُ ْم وَ ْ‬
‫سفَ َأوِ اطْ َرحُوهُ أَ ْرضًا َي ْ‬
‫عصْبَةٌ إِنّ أَبَانَا َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ (‪ )8‬اقْتُلُوا يُو ُ‬
‫ُ‬
‫طهُ َب ْعضُ‬
‫جبّ يَلْ َتقِ ْ‬
‫سفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَا َبةِ الْ ُ‬
‫مِنْ َبعْ ِدهِ َق ْومًا صَالِحِينَ (‪ )9‬قَالَ قَا ِئلٌ مِ ْنهُمْ ل َتقْتُلُوا يُو ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫السّيّا َرةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (‪} )10‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬لقد كان في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات ‪ ،‬أي عبرةٌ ومواعظُ للسائلين عن‬
‫ف وَأَخُوهُ‬
‫س ُ‬
‫ذلك ‪ ،‬المستخبرين عنه ‪ ،‬فإنه خبر عجيب ‪ ،‬يستحق أن يستخبر عنه ‪ِ { ،‬إذْ قَالُوا لَيُو ُ‬
‫حبّ إِلَى أَبِينَا مِنّا } أي ‪ :‬حلفوا فيما يظنون ‪ :‬وال ليوسف وأخوه ‪ -‬يعنون بنيامين ‪ ،‬وكان شقيقه‬
‫أَ َ‬
‫عصْبَةٌ } أي ‪ :‬جماعة ‪ ،‬فكيف أحب ذينك الثنين أكثر من‬
‫حبّ إِلَى أَبِينَا مِنّا وَنَحْنُ ُ‬
‫لمه ‪َ { -‬أ َ‬
‫الجماعة ؛ { إِنّ أَبَانَا َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ } يعنون في تقديمهما علينا ‪ ،‬ومحبته إياهما أكثر منا‪.‬‬
‫واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف ‪ ،‬وظاهر هذا السياق يدل على خلف ذلك ‪ ،‬ومن‬
‫الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك ‪ ،‬وفي هذا نظر‪ .‬ويحتاج مُدّعي ذلك إلى دليل ‪ ،‬ولم‬
‫سمَاعِيلَ‬
‫يذكروا سوَى قوله تعالى ‪ { :‬قُولُوا آمَنّا بِاللّ ِه َومَا أُنزلَ إِلَيْنَا َومَا أُنزلَ إِلَى إِبْرَاهِي َم وَِإ ْ‬
‫ق وَ َيعْقُوبَ وَالسْبَاطِ } [البقرة ‪ ، ]136 :‬وهذا فيه احتمال ؛ لن بطون بني إسرائيل يقال‬
‫وَإِسْحَا َ‬
‫لهم ‪ :‬السباط ‪ ،‬كما يقال للعرب ‪ :‬قبائل ‪ ،‬وللعجم ‪ :‬شعوب ؛ يذكر تعالى أنه أوحى إلى النبياء‬
‫من أسباط بني إسرائيل ‪ ،‬فذكرهم إجمال لنهم كثيرون ‪ ،‬ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة‬
‫يوسف ‪ ،‬ولم يقم دليل على أعيان هؤلء أنهم أوحي إليهم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫خلُ َلكُمْ وَجْهُ أَبِي ُكمْ } يقولون ‪ :‬هذا الذي يزاحمكم في محبة‬
‫سفَ َأوِ اطْرَحُوهُ أَ ْرضًا يَ ْ‬
‫{ اقْتُلُوا يُو ُ‬
‫أبيكم لكم ‪ ،‬أعدموه من وجه أبيكم ‪ ،‬ليخلو لكم وحدكم ‪ ،‬إما بأن تقتلوه ‪ ،‬أو تلقوه في أرض من‬
‫الراضي ‪ -‬تستريحوا منه ‪ ،‬وتختلوا أنتم بأبيكم ‪ ،‬وتكونوا من (‪ )1‬بعد إعدامه قوما صالحين‪.‬‬
‫فأضمروا التوبة قبل الذنب‪.‬‬
‫{ قَالَ قَا ِئلٌ مِ ْنهُمْ } قال قتادة ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ :‬كان أكبرهم واسمه روبيل‪ .‬وقال السدي ‪ :‬الذي‬
‫سفَ } أي ‪ :‬ل َتصِلوا (‪ )2‬في عداوته‬
‫قال ذلك يهوذا‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬هو شمعون { ل َتقْتُلُوا يُو ُ‬
‫وبغضه إلى قتله ‪ ،‬ولم يكن لهم (‪ )3‬سبيلٌ إلى قتله ؛ لن ال تعالى كان يريد منه أمرًا ل بدّ من‬
‫إمضائه وإتمامه ‪ ،‬من اليحاء إليه بالنبوة ‪ ،‬ومن التمكين له ببلد مصر والحكم بها ‪ ،‬فصرفهم ال‬
‫عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب ‪ ،‬وهو أسفله‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬وهي بئر بيت المقدس‪.‬‬
‫طهُ َب ْعضُ السّيّا َرةِ } أي ‪ :‬المارة من المسافرين ‪ ،‬فتستريحوا بهذا ‪ ،‬ول حاجة إلى قتله‪.‬‬
‫{ يَلْ َتقِ ْ‬
‫{ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } أي ‪ :‬إن كنتم عازمين على ما تقولون‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق بن يسار ‪ :‬لقد اجتمعوا على أمر عظيم ‪ ،‬من قطيعة الرحم ‪ ،‬وعقوق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وتكونوا من بعده ‪ ،‬أي من بعد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ل تغلوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬له"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/372‬‬

‫ب وَإِنّا‬
‫ف وَإِنّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (‪ )11‬أَرْسِ ْلهُ َمعَنَا غَدًا يَرْ َت ْع وَيَ ْلعَ ْ‬
‫س َ‬
‫قَالُوا يَا أَبَانَا مَا َلكَ لَا تَ ْأمَنّا عَلَى يُو ُ‬
‫لَهُ َلحَافِظُونَ (‪ )12‬قَالَ إِنّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ َتذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَ ْأكُلَهُ الذّ ْئبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (‪)13‬‬
‫عصْبَةٌ إِنّا إِذًا َلخَاسِرُونَ (‪)14‬‬
‫ب وَنَحْنُ ُ‬
‫قَالُوا لَئِنْ َأكَلَهُ الذّ ْئ ُ‬

‫الوالد ‪ ،‬وقلة الرأفة بالصغير الضّرَع الذي ل ذنب له ‪ ،‬وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة‬
‫والفضل ‪ ،‬وخطره عند ال ‪ ،‬مع حق الوالد على ولده ‪ ،‬ليفرقوا بينه وبين ابنه (‪ )1‬وحبيبه ‪ ،‬على‬
‫كبر سنه ‪ ،‬و ِرقّة عظمه ‪ ،‬مع مكانه من ال فيمن أحبه طفل صغيرا ‪ ،‬وبين أبيه على ضعف قوته‬
‫وصغر سنه ‪ ،‬وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه ‪ ،‬يغفر ال لهم وهو أرحم الراحمين ‪ ،‬فقد‬
‫احتملوا أمرا عظيما‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل ‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫ف وَإِنّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (‪ )11‬أَرْسِ ْلهُ َمعَنَا غَدًا يَرْ َت ْع وَيَ ْلعَبْ‬
‫س َ‬
‫علَى يُو ُ‬
‫ك ل تَ ْأمَنّا َ‬
‫{ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا َل َ‬
‫وَإِنّا لَهُ َلحَافِظُونَ (‪} )12‬‬
‫لما تواطئوا على أخذه وطَرْحه في البئر ‪ ،‬كما أشار عليهم أخوهم الكبير رُوبيل ‪ ،‬جاءوا أباهم‬
‫ف وَإِنّا َلهُ لَنَاصِحُونَ } وهذه‬
‫س َ‬
‫يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقالوا ‪ { :‬يَا أَبَانَا مَا َلكَ ل تَ ْأمَنّا عَلَى يُو ُ‬
‫توطئة وسلف ودعوى ‪ ،‬وهم يريدون خلف ذلك ؛ لما له في قلوبهم من الحسد لحب أبيه له ‪،‬‬
‫{ أَ ْرسِلْهُ َمعَنَا } أي ‪ :‬ابعثه معنا ‪ { ،‬غَدًا نَرْ َت ْع وَنَ ْل َعبْ } وقرأ بعضهم بالياء { يَرْتَ ْع وَيَ ْل َعبْ }‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يسعى وينشط‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬والضحاك والّسدّي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫{ وَإِنّا َلهُ لَحَا ِفظُونَ } يقولون ‪ :‬ونحن نحفظه ونحوطه من أجلك‪.‬‬
‫{ قَالَ إِنّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ َتذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَ ْأكُلَهُ الذّ ْئبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (‪ )13‬قَالُوا لَئِنْ َأكَلَهُ‬
‫عصْ َبةٌ إِنّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (‪} )14‬‬
‫ب وَنَحْنُ ُ‬
‫الذّ ْئ ُ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نبيه (‪ )2‬يعقوب أنه قال لبنيه في جواب ما سألوا من إرسال يوسف معهم‬
‫إلى الرعي في الصحراء ‪ { :‬إِنّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ َتذْهَبُوا بِهِ } أي ‪ :‬يشق علي مفارقتُهُ مدة ذهابكم به‬
‫إلى أن يرجع ‪ ،‬وذلك لفَرْط محبته له ‪ ،‬لما يتوسم فيه من الخير العظيم ‪ ،‬وشمائل النبوة والكمال‬
‫في الخُلُق والخلق ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬
‫ب وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } يقول ‪ :‬وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَخَافُ أَنْ يَ ْأكَُلهُ الذّ ْئ ُ‬
‫ورَعْيتكم (‪ )3‬فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم ل تشعرون ‪ ،‬فأخذوا من فمه هذه الكلمة ‪ ،‬وجعلوها عذرهم‬
‫عصْبَةٌ إِنّا إِذًا‬
‫ب وَنَحْنُ ُ‬
‫فيما فعلوه ‪ ،‬وقالوا مجيبين عنها في الساعة الراهنة ‪ { :‬لَئِنْ َأكَلَهُ الذّ ْئ ُ‬
‫لَخَاسِرُونَ } يقولون ‪ :‬لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ‪ ،‬ونحن جماعة ‪ ،‬إنا إذًا لهالكون‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عاجزون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أبيه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن نبي ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ورعيكم"‪.‬‬

‫( ‪)4/373‬‬

‫ب وََأوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبّئَ ّنهُمْ بَِأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا‬


‫ج ّ‬
‫جعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ ا ْل ُ‬
‫ج َمعُوا أَنْ يَ ْ‬
‫فََلمّا ذَهَبُوا ِب ِه وَأَ ْ‬
‫شعُرُونَ (‪)15‬‬
‫يَ ْ‬

‫ب وََأوْحَيْنَا ِإلَيْهِ لَتُنَبّئَ ّنهُمْ بَِأمْرِهِمْ َهذَا وَهُمْ ل‬


‫ج ّ‬
‫جعَلُوهُ فِي غَيَا َبةِ الْ ُ‬
‫ج َمعُوا أَنْ َي ْ‬
‫{ فََلمّا ذَهَبُوا بِ ِه وََأ ْ‬
‫شعُرُونَ (‪} )15‬‬
‫يَ ْ‬

‫( ‪)4/373‬‬

‫سفَ عِ ْندَ مَتَاعِنَا فََأكَلَهُ‬


‫ق وَتَ َركْنَا يُو ُ‬
‫وَجَاءُوا أَبَا ُهمْ عِشَاءً يَ ْبكُونَ (‪ )16‬قَالُوا يَا أَبَانَا إِنّا َذهَبْنَا نَسْتَ ِب ُ‬
‫سوّلَتْ َلكُمْ‬
‫ب َومَا أَ ْنتَ ِب ُم ْؤمِنٍ لَنَا وََلوْ كُنّا صَا ِدقِينَ (‪ )17‬وَجَاءُوا عَلَى َقمِيصِهِ بِدَمٍ كَ ِذبٍ قَالَ َبلْ َ‬
‫الذّ ْئ ُ‬
‫صفُونَ (‪)18‬‬
‫جمِيلٌ وَاللّهُ ا ْلمُسْ َتعَانُ عَلَى مَا َت ِ‬
‫سكُمْ َأمْرًا َفصَبْرٌ َ‬
‫أَ ْنفُ ُ‬

‫ج َمعُوا أَنْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬فلما ذهب (‪ )1‬به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك ‪ { ،‬وَأَ ْ‬
‫جبّ } هذا فيه تعظيم لما فعلوه أنهم اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب‬
‫جعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ ا ْل ُ‬
‫يَ ْ‬
‫‪ ،‬وقد أخذوه من عند أبيه فيما يُظهرونه له إكراما له ‪ ،‬وبسطا وشرحًا لصدره ‪ ،‬وإدخال للسرور‬
‫عليه ‪ ،‬فيقال ‪ :‬إن يعقوب (‪ )2‬عليه السلم ‪ ،‬لما بعثه معهم ضمه إليه ‪ ،‬وقَبّله ودعا له‪.‬‬
‫وقال (‪ )3‬السدي وغيره ‪ :‬إنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الذى له ‪ ،‬إل أن غابوا عن‬
‫عين أبيه وتواروا عنه ‪ ،‬ثم شرعوا يؤذونه بالقول ‪ ،‬من شتم ونحوه ‪ ،‬والفعل من ضَرْب ونحوه ‪،‬‬
‫ثم جاءوا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا على رميه فيه فربطوه بحبل ودلوه فيه ‪ ،‬فجعل إذا لجأ إلى‬
‫واحد منهم لطمه وشَتمه ‪ ،‬وإذا تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه ‪ ،‬ثم قطعوا به الحبل من‬
‫نصف المسافة ‪ ،‬فسقط في الماء فغمره ‪ ،‬فصعد إلى صخرة تكون في وسطه ‪ ،‬يقال لها ‪:‬‬
‫"الراغوفة" (‪ )4‬فقام فوقها‪.‬‬
‫شعُرُونَ } يقول تعالى ذاكرًا لطفه‬
‫قال ال تعال ‪ { :‬وََأوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبّئَ ّنهُمْ بَِأمْرِ ِهمْ هَذَا وَهُمْ ل يَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ورحمته وعائدته (‪ )5‬وإنزاله اليسر في حال العسر ‪ :‬إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق‬
‫‪ ،‬تطييبًا لقلبه ‪ ،‬وتثبيتًا له ‪ :‬إنك ل تحزن مما (‪ )6‬أنت فيه ‪ ،‬فإن لك من ذلك فرجًا ومخرجًا حسنًا‬
‫‪ ،‬وسينصرك ال عليهم ‪ ،‬ويعليك ويرفع درجتك ‪ ،‬وستخبرهم (‪ )7‬بما فعلوا معك من هذا الصنيع‪.‬‬
‫شعُرُونَ } بإيحاء ال إليه‪.‬‬
‫شعُرُونَ } ‪ -‬قال [مجاهد و] (‪ )8‬قتادة ‪ { :‬وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُه ْم ل َي ْ‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك ‪ ،‬وهم ل يعرفونك ‪ ،‬ول يستشعرون بك ‪ ،‬كما‬
‫قال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثني الحارث ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا صدقة بن عُبادة السدي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬سمعت ابن‬
‫عباس يقول ‪ :‬لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون ‪ ،‬قال ‪ :‬جيء‬
‫بالصّواع ‪ ،‬فوضعه على يده ‪ ،‬ثم نقره فطن ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنه ليخبرني هذا الجام ‪ :‬أنه كان لكم أخ من‬
‫أبيكم يقال له "يوسف" ‪ ،‬يدنيه دونكم ‪ ،‬وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب ‪ -‬قال ‪ :‬ثم نقره‬
‫فطنّ ‪ -‬فأتيتم أباكم فقلتم ‪ :‬إن الذئب أكله ‪ ،‬وجئتم على قميصه بدم كَذب ‪ -‬قال ‪ :‬فقال بعضهم‬
‫لبعض ‪ :‬إن هذا الجام ليخبره بخبركم‪ .‬قال ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ :‬ل نرى (‪ )9‬هذه الية‬
‫شعُرُونَ } (‪.)10‬‬
‫نزلت إل فيهم ‪ { :‬لَتُنَبّئَ ّنهُمْ بَِأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫سفَ عِ ْندَ مَتَاعِنَا فََأكَلَهُ‬
‫ق وَتَ َركْنَا يُو ُ‬
‫{ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَ ْبكُونَ (‪ )16‬قَالُوا يَا أَبَانَا إِنّا َذهَبْنَا نَسْتَ ِب ُ‬
‫سوّلَتْ َلكُمْ‬
‫ب َومَا أَ ْنتَ ِب ُم ْؤمِنٍ لَنَا وََلوْ كُنّا صَا ِدقِينَ (‪ )17‬وَجَاءُوا عَلَى َقمِيصِهِ بِدَمٍ كَ ِذبٍ قَالَ َبلْ َ‬
‫الذّ ْئ ُ‬
‫صفُونَ (‪} )18‬‬
‫جمِيلٌ وَاللّهُ ا ْلمُسْ َتعَانُ عَلَى مَا َت ِ‬
‫سكُمْ َأمْرًا َفصَبْرٌ َ‬
‫أَ ْنفُ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذهب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يوسف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فذكر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الراغوف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وعائد به"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وسيجزيهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬فل يرى" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فل نرى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪.)15/576‬‬

‫( ‪)4/374‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى مخبرا عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعدما ألقوه في غيابة الجب ‪ :‬أنهم (‪ )1‬رجعوا‬
‫إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون ‪ ،‬ويظهرون السف والجزع على يوسف ويتغممون لبيهم ‪،‬‬
‫سفَ عِ ْندَ‬
‫وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا ‪ { :‬إِنّا ذَهَبْنَا نَسْتَ ِبقُ } أي ‪ :‬نترامى ‪ { ،‬وَتَ َركْنَا يُو ُ‬
‫مَتَاعِنَا } أي ‪ :‬ثيابنا وأمتعتنا ‪ { ،‬فََأكَلَهُ الذّ ْئبُ } وهو الذي كان [قد] (‪ )2‬جزع منه ‪ ،‬وحذر عليه‪.‬‬
‫وقولهم ‪َ { :‬ومَا أَ ْنتَ ِب ُم ْؤمِنٍ لَنَا وََلوْ كُنّا صَا ِدقِينَ } تلّطفٌ عظيم في تقرير ما يحاولونه ‪ ،‬يقولون ‪:‬‬
‫ونحن نعلم أنك ل تصدقنا ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬لو كنا عندك صادقين ‪ ،‬فكيف وأنت تتهمنا في ذلك ‪،‬‬
‫لنك خشيت أن يأكله الذئب ‪ ،‬فأكله الذئب ‪ ،‬فأنت معذور في تكذيبك لنا ؛ لغرابة ما وقع ‪،‬‬
‫وعجيب ما اتفق لنا في أمرنا هذا‪.‬‬
‫{ وَجَاءُوا عَلَى َقمِيصِهِ بِدَمٍ كَ ِذبٍ } أي ‪ :‬مكذوب مفترى‪ .‬وهذا من الفعال التي يؤكدون بها ما‬
‫سخْلة ‪ -‬فيما ذكره مجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد‬
‫تمالئوا عليه من المكيدة ‪ ،‬وهو أنهم عمدوا إلى َ‬
‫‪ -‬فذبحوها ‪ ،‬ولطخوا ثوب يوسف بدمها ‪ ،‬موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب ‪ ،‬وقد‬
‫أصابه من دمه ‪ ،‬ولكنهم نسوا أن يخرقوه ‪ ،‬فلهذا لم يَرُج هذا الصنيع على نبي ال يعقوب ‪ ،‬بل‬
‫سكُمْ َأمْرًا‬
‫سوَّلتْ َلكُمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫قال لهم معرضًا عن كلمهم إلى ما وقع في نفسه من تمالئهم عليه ‪َ { :‬بلْ َ‬
‫جمِيلٌ } أي ‪ :‬فسأصبر صبرًا جميل على هذا المر الذي قد اتفقتم عليه ‪ ،‬حتى يفرجه ال‬
‫َفصَبْرٌ َ‬
‫صفُونَ } أي ‪ :‬على ما تذكرون من الكذب والمحال‪.‬‬
‫بعونه ولطفه ‪ { ،‬وَاللّهُ ا ْلمُسْ َتعَانُ عَلَى مَا َت ِ‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَجَاءُوا عَلَى َقمِيصِهِ بِ َدمٍ‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن ِ‬
‫كَ ِذبٍ } قال ‪ :‬لو أكله السبع لخرق القميص‪ .‬وكذا قال الشعبي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬الصبر الجميل ‪ :‬الذي ل جزع فيه‪.‬‬
‫وروى ُهشَيْم ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يحيى ‪ ،‬عن حبّان بن أبي جَبَلة قال ‪ :‬سئل رسول ال صلى‬
‫جمِيلٌ } فقال ‪" :‬صبر ل شكوى (‪ )3‬فيه" وهذا مرسل (‪.)4‬‬
‫ال عليه وسلم عن قوله ‪َ { :‬فصَبْرٌ َ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬قال الثوري عن بعض أصحابه أنه قال ‪ :‬ثلث من الصبر ‪ :‬أل تحدث‬
‫بوجعك ‪ ،‬ول بمصيبتك ‪ ،‬ول تزكي نفسك (‪.)5‬‬
‫وذكر البخاري هاهنا حديث عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬في الفك حتى ذكر قولها ‪ :‬وال ل أجد‬
‫صفُونَ } (‪.)7‬‬
‫جمِيلٌ وَاللّهُ ا ْلمُسْ َتعَانُ عَلَى مَا َت ِ‬
‫لي ولكم مثل إل أبا يوسف (‪َ { ، )6‬فصَبْرٌ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ل قوى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)15/585‬‬
‫(‪ )5‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/277‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬إل يعقوب" وفي أ ‪" :‬إل أبا يوسف إذ قال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪.)4690‬‬

‫( ‪)4/375‬‬

‫علِيمٌ ِبمَا‬
‫وَجَا َءتْ سَيّا َرةٌ فَأَ ْرسَلُوا وَارِدَ ُهمْ فَأَدْلَى دَ ْل َوهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَا ٌم وَأَسَرّوهُ ِبضَاعَ ًة وَاللّهُ َ‬
‫َي ْعمَلُونَ (‪ )19‬وَشَ َر ْوهُ بِ َثمَنٍ َبخْسٍ دَرَاهِمَ َمعْدُو َد ٍة َوكَانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ (‪)20‬‬

‫{ وَجَا َءتْ سَيّا َرةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِ َدهُمْ فََأدْلَى دَ ْل َوهُ قَالَ يَا بُشْرَى َهذَا غُل ٌم وَأَسَرّوهُ ِبضَاعَ ًة وَاللّهُ عَلِيمٌ‬
‫ِبمَا َي ْعمَلُونَ (‪ )19‬وَشَ َر ْوهُ بِ َثمَنٍ َبخْسٍ دَرَاهِمَ َمعْدُو َد ٍة َوكَانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ (‪} )20‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عما جرى ليوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين ألقاه إخوته ‪ ،‬وتركوه في ذلك الجب‬
‫فريدا وحيدًا ‪ ،‬فمكث في البئر ثلثة أيام ‪ ،‬فيما قاله أبو بكر بن عياش (‪)1‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬لما ألقاه إخوته جلسوا حول البئر يومهم ذلك ‪ ،‬ينظرون ما يصنع وما‬
‫يُصنع به ‪ ،‬فساق ال له سَيّارة ‪ ،‬فنزلوا قريبًا من تلك (‪ )2‬البئر ‪ ،‬وأرسلوا واردهم ‪ -‬وهو الذي‬
‫يتطلب لهم الماء ‪ -‬فلما جاء تلك (‪ )3‬البئر ‪ ،‬وأدلى دلوه فيها ‪ ،‬تشبث يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيها‬
‫‪ ،‬فأخرجه واستبشر به ‪ ،‬وقال ‪ { :‬يَا بُشْرَى َهذَا غُلمٌ }‬
‫وقرأ بعض القراء ‪" :‬يا بشرى" ‪ ،‬زعم السدي أنه اسم رجل ناداه ذلك الرجل الذي أدلى دلوه ‪،‬‬
‫معلما له أنه أصاب غلمًا‪ .‬وهذا القول من السدي غريب ؛ لنه لم يُسبَق إلى تفسير هذه القراءة‬
‫بهذا إل في رواية عن ابن عباس ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وإنما معنى القراءة على هذا النحو يرجع إلى‬
‫القراءة الخرى ‪ ،‬ويكون قد أضاف البشرى إلى نفسه ‪ ،‬وحذف ياء الضافة وهو يريدها ‪ ،‬كما‬
‫تقول العرب ‪" :‬يا نفسُ اصبري" ‪ ،‬و"يا غلم أقبل" ‪ ،‬بحذف حرف الضافة ‪ ،‬ويجوز الكسر حينئذ‬
‫والرفع ‪ ،‬وهذا منه ‪ ،‬وتفسرها القراءة الخرى { يَا بُشْرَى" } وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَسَرّوهُ ِبضَاعَةً } أي ‪ :‬وأسره الواردون من بقية السيارة وقالوا ‪ :‬اشتريناه وتبضّعناه‬
‫من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه إذا علموا خبره‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن جرير‪.‬‬
‫هذا قول‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ { :‬وَأَسَرّوهُ ِبضَاعَةً } يعني ‪ :‬إخوة يوسف ‪ ،‬أسروا شأنه ‪،‬‬
‫وكتموا أن يكون أخاهم وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته ‪ ،‬واختار البيع‪ .‬فذكره إخوته‬
‫لوارد القوم ‪ ،‬فنادى أصحابه ‪ { :‬يَا بُشْرَى هَذَا غُلمٌ } يباع ‪ ،‬فباعه إخوته‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ عَلِيمٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬يعلم ما يفعله إخوة يوسف ومشتروه ‪ ،‬وهو قادر على‬
‫تغيير ذلك ودفعه ‪ ،‬ولكن له حكمة وقَدرَ سابق ‪ ،‬فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاه ‪ ،‬أل له الخلق‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والمر ‪ ،‬تبارك ال رب العالمين‪.‬‬
‫وفي هذا تعريض لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم (‪ ، )4‬وإعلمه له بأنني عالم بأذى قومك ‪،‬‬
‫وأنا قادر على النكار عليهم ‪ ،‬ولكني سأملي لهم ‪ ،‬ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم ‪ ،‬كما جعلت‬
‫ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" ،‬ابن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬صلوات ال عليه" وفي أ ‪" :‬صلوات ال عليه وسلمه"‪.‬‬

‫( ‪)4/376‬‬

‫َوقَالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ ِمصْرَ لِامْرَأَتِهِ َأكْ ِرمِي مَ ْثوَاهُ عَسَى أَنْ يَ ْن َفعَنَا َأوْ نَتّخِ َذ ُه وََلدًا َوكَذَِلكَ َمكّنّا‬
‫ث وَاللّهُ غَاِلبٌ عَلَى َأمْ ِر ِه وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ‬
‫ض وَلِ ُنعَّلمَهُ مِنْ تَ ْأوِيلِ الْأَحَادِي ِ‬
‫سفَ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫لِيُو ُ‬
‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا َوكَذَِلكَ نَجْزِي ا ْل ُمحْسِنِينَ (‪)22‬‬
‫ش ّدهُ آَتَيْنَاهُ ُ‬
‫(‪ )21‬وََلمّا بَلَغَ أَ ُ‬

‫خسٍ دَرَاهِمَ َمعْدُو َدةٍ } يقول تعالى ‪ :‬وباعه إخوته بثمن قليل ‪ ،‬قاله مجاهد‬
‫وقوله ‪ { :‬وَشَ َر ْوهُ بِ َثمَنٍ بَ ْ‬
‫عكْرِمة‪.‬‬
‫وِ‬
‫والبخس ‪ :‬هو النقص ‪ ،‬كما (‪ )1‬قال تعالى ‪ { :‬فَل َيخَافُ بَخْسًا وَل رَ َهقًا } [الجن ‪ ]13 :‬أي ‪:‬‬
‫ن قليل ‪ ،‬وكانوا مع ذلك فيه من الزاهدين ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس لهم رغبة‬
‫اعتاض عنه إخوته بثمن دُو ٍ‬
‫فيه ‪ ،‬بل لو سألوه (‪ )2‬بل شيء لجابوا‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬إن الضمير في قوله ‪ { :‬وَشَ َر ْوهُ } عائد على إخوة‬
‫يوسف‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬بل هو عائد على السيارة‪.‬‬
‫والول أقوى ؛ لن قوله ‪َ { :‬وكَانُوا فِيهِ مِنَ الزّا ِهدِينَ } إنما أراد إخوته ‪ ،‬ل أولئك السيارة ؛ لن‬
‫السيارة استبشروا به وأسروه بضاعة ‪ ،‬ولو كانوا فيه زاهدين لما اشتروه ‪ ،‬فيرجح من هذا أن‬
‫الضمير في { وَشَ َر ْوهُ } إنما هو لخوته‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪َ { :‬بخْسٍ } الحرام‪ .‬وقيل ‪ :‬الظلم‪ .‬وهذا وإن كان كذلك ‪ ،‬لكن ليس هو المراد‬
‫هنا ؛ لن هذا معلوم يعرفه كل أحد أن ثمنه حرام على كل حال ‪ ،‬وعلى كل أحد ‪ ،‬لنه نبي ابن‬
‫نبي ‪ ،‬ابن نبي ‪ ،‬ابن خليل الرحمن ‪ ،‬فهو الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪ ،‬وإنما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المراد هنا بالبخس الناقص أو الزيوف أو كلهما ‪ ،‬أي ‪ :‬إنهم إخوته ‪ ،‬وقد باعوه ومع هذا بأنقص‬
‫الثمان ؛ ولهذا قال ‪ { :‬دَرَاهِمَ َم ْعدُو َدةٍ } فعن ابن مسعود باعوه بعشرين درهما ‪ ،‬وكذا قال ابن‬
‫عباس ‪ ،‬و َنوْف ال َبكَالي ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطية ال َعوْفي وزاد ‪ :‬اقتسموها درهمين درهمين‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬اثنان وعشرون درهما‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ :‬أربعون درهمًا‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق و ِ‬
‫وقال الضحاك في قوله ‪َ { :‬وكَانُوا فِيهِ مِنَ الزّا ِهدِينَ } وذلك أنهم لم يعلموا نبوته‬
‫ومنزلته عند ال عز وجل‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬لما باعوه جعلوا يتبعونهم ويقولون لهم ‪ :‬استوثقوا منه ل يأبق حتى وقفوه بمصر ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬من يبتاعني وليبشر ؟ فاشتراه الملك ‪ ،‬وكان مسلمًا‪.‬‬
‫{ َوقَالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ ِمصْرَ لمْرَأَتِهِ َأكْ ِرمِي مَ ْثوَاهُ عَسَى أَنْ يَ ْن َفعَنَا َأوْ نَتّخِ َذهُ وَلَدًا َوكَذَِلكَ َمكّنّا‬
‫سل‬
‫ث وَاللّهُ غَاِلبٌ عَلَى َأمْ ِر ِه وََلكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ‬
‫ض وَلِ ُنعَّلمَهُ مِنْ تَ ْأوِيلِ الحَادِي ِ‬
‫سفَ فِي ال ْر ِ‬
‫لِيُو ُ‬
‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا َوكَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُحْسِنِينَ (‪} )22‬‬
‫َيعَْلمُونَ (‪ )21‬وََلمّا بَلَغَ أَشُ ّدهُ آتَيْنَاهُ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وكما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬لو سئلوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/377‬‬

‫يخبر تعالى بألطافه بيوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه قيض له الذي اشتراه من مصر ‪ ،‬حتى اعتنى به‬
‫عسَى أَنْ‬
‫وأكرمه ‪ ،‬وأوصى أهله به ‪ ،‬وتوسم فيه الخير والفلح ‪ ،‬فقال لمرأته ‪َ { :‬أكْ ِرمِي مَ ْثوَاهُ َ‬
‫يَ ْن َفعَنَا َأوْ نَتّخِ َذ ُه وَلَدًا } وكان الذي اشتراه من مصر عزيزها ‪ ،‬وهو الوزير بها‪[ .‬قال] (‪)1‬‬
‫العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬وكان اسمه قطفير‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬اسمه إطفير (‪ )2‬بن روحيب ‪ ،‬وهو العزيز ‪ ،‬وكان على خزائن مصر ‪،‬‬
‫وكان الملك يومئذ الريّان بن الوليد ‪ ،‬رجل من العماليق قال ‪ :‬واسم امرأته راعيل بنت رعائيل‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬اسمها زليخا‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق أيضا ‪ ،‬عن محمد بن السائب ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان‬
‫الذي باعه بمصر مالك بن دعر بن بُويب (‪ )3‬بن عنقا بن مديان بن إبراهيم ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود أنه قال ‪ :‬أفرس الناس ثلثة ‪ :‬عزيز‬
‫مصر حين قال لمرأته ‪َ { :‬أكْ ِرمِي مَ ْثوَاهُ } والمرأة التي قالت لبيها [عن موسى] (‪ { : )4‬يَا أَ َبتِ‬
‫ي المِينُ } [القصص ‪ ]26 :‬وأبو بكر الصديق حين استخلف‬
‫اسْتَ ْأجِ ْرهُ إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَ ْأجَ ْرتَ ا ْلقَ ِو ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنهما (‪.)5‬‬
‫سفَ فِي ال ْرضِ } يعني ‪ :‬بلد‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أنقذنا يوسف من إخوته ‪َ { ،‬وكَذَِلكَ َمكّنّا لِيُو ُ‬
‫مصر ‪ { ،‬وَلِ ُنعَّلمَهُ مِنْ تَ ْأوِيلِ الحَادِيثِ } قال مجاهد والسدي ‪ :‬هو تعبير الرؤيا ‪ { ،‬وَاللّهُ غَاِلبٌ‬
‫عَلَى َأمْ ِرهِ } أي (‪ )6‬إذا أراد شيئا فل يرد ول يمانع ول يخالف ‪ ،‬بل هو الغالب لما سواه‪.‬‬
‫قال سعيد بن جبير في قوله ‪ { :‬وَاللّهُ غَاِلبٌ عَلَى َأمْ ِرهِ } أي ‪ :‬فعال لما يشاء‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ } يقول ‪ :‬ل يدرون حكمته في خلقه ‪ ،‬وتلطفه لما يريد (‬
‫‪.)7‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلمّا بَلَغَ } أي ‪ :‬يوسف عليه السلم { َأشُ ّدهُ } أي ‪ :‬استكمل عقله (‪ )8‬وتم خلقه‪ { .‬آتَيْنَاهُ‬
‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا } يعني ‪ :‬النبوة ‪ ،‬إنه حباه بها بين أولئك القوام ‪َ { ،‬وكَذَِلكَ نَجْزِي ا ْل ُمحْسِنِينَ } أي ‪:‬‬
‫ُ‬
‫إنه كان محسنًا في عمله ‪ ،‬عامل بطاعة ربه تعالى‪.‬‬
‫وقد اخُتلِف في مقدار المدة التي بلغ فيها أشده ‪ ،‬فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة ‪ :‬ثلث وثلثون‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬بضع وثلثون‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬عشرون‪ .‬وقال الحسن ‪ :‬أربعون سنة‪ .‬وقال‬
‫عكرمة ‪ :‬خمس وعشرون سنة‪ .‬وقال السدي ‪ :‬ثلثون سنة‪ .‬وقال سعيد بن جبير ‪ :‬ثمانية عشرة‬
‫سنة‪ .‬وقال المام مالك ‪ ،‬وربيعة ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬والشعبي ‪ :‬الشد الحلم‪ .‬وقيل غير ذلك ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إظفير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬نويب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)16/19‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬فهو"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يريده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬خلقه"‪.‬‬

‫( ‪)4/378‬‬

‫وال (‪ )1‬أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/379‬‬

‫حسَنَ‬
‫ب َوقَاَلتْ هَ ْيتَ َلكَ قَالَ َمعَاذَ اللّهِ إِنّهُ رَبّي أَ ْ‬
‫وَرَاوَدَتْهُ الّتِي ُهوَ فِي بَيْ ِتهَا عَنْ َنفْسِ ِه وَغَّل َقتِ الْأَ ْبوَا َ‬
‫مَ ْثوَايَ إِنّهُ لَا ُيفْلِحُ الظّاِلمُونَ (‪)23‬‬

‫ب َوقَاَلتْ هَ ْيتَ َلكَ قَالَ َمعَاذَ اللّهِ إِنّهُ رَبّي‬


‫س ِه وَغَّلقَتِ ال ْبوَا َ‬
‫{ وَرَاوَدَتْهُ الّتِي ُهوَ فِي بَيْ ِتهَا عَنْ َنفْ ِ‬
‫حسَنَ مَ ْثوَايَ إِنّهُ ل ُيفْلِحُ الظّاِلمُونَ (‪} )23‬‬
‫أَ ْ‬
‫يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر ‪ ،‬وقد أوصاها زوجها به وبإكرامه‬
‫[ { وَرَاوَدَتْهُ الّتِي ُهوَ فِي بَيْ ِتهَا] عَنْ َنفْسِهِ } أي ‪ :‬حاولته على (‪ )1‬نفسه ‪ )2( ،‬ودعته إليها ‪ ،‬وذلك‬
‫أنها أحبته حبًا شديدًا لجماله وحسنه وبهائه ‪ ،‬فحملها ذلك على أن تجملت له ‪ ،‬وغلقت عليه‬
‫البواب ‪ ،‬ودعته إلى نفسها ‪َ { ،‬وقَاَلتْ هَ ْيتَ َلكَ } فامتنع من ذلك أشد المتناع ‪ ،‬و { قَالَ َمعَاذَ اللّهِ‬
‫إِنّهُ رَبّي [َأحْسَنَ مَ ْثوَايَ] } (‪ )3‬وكانوا يطلقون "الرب" (‪ )4‬على السيد والكبير ‪ ،‬أي ‪ :‬إن بعلك‬
‫ربي أحسن (‪ )5‬مثواي أي ‪ :‬منزلي وأحسن إلي ‪ ،‬فل أقابله بالفاحشة في أهله ‪ { ،‬إِنّهُ ل ُيفْلِحُ‬
‫الظّاِلمُونَ } قال ذلك مجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد اختلف القراء في قراءة ‪ { :‬هَ ْيتَ َلكَ } فقرأه كثيرون بفتح الهاء ‪ ،‬وإسكان الياء ‪ ،‬وفتح التاء‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬معناه ‪ :‬أنها تدعوه إلى نفسها‪ .‬وقال علي بن أبي‬
‫طلحة ‪ ،‬والعوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬هَ ْيتَ َلكَ } تقول ‪ :‬هلم لك‪ .‬وكذا قال زِرّ بن حبيش ‪،‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬والحسن وقتادة‪.‬‬
‫وِ‬
‫قال عمرو بن عبُيَد ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬وهي كلمة بالسريانية ‪ ،‬أي ‪ :‬عليك‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ { :‬هَ ْيتَ َلكَ } أي ‪ :‬هلم لك ‪ ،‬وهي بالقبطية‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬هي لغة عربية (‪ )6‬تدعوه بها‪.‬‬
‫حوْرَانية‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬وقال عكرمة ‪ { :‬هَ ْيتَ َلكَ } هَلُم لك بال َ‬
‫سهَيْل الواسطي ‪،‬‬
‫وهكذا ذكره معلقًا ‪ ،‬وقد أسنده المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني أحمد بن ُ‬
‫حدثنا قُرّة بن قيسى ‪ ،‬حدثنا النضر بن عربي الجَزَري (‪ ، )7‬عن عكرمة مولى ابن عباس في‬
‫قوله ‪ { :‬هَ ْيتَ َلكَ } قال ‪ :‬هلم لك‪ .‬قال ‪ :‬هي بالحورانية‪.‬‬
‫وقال أبو عبيد القاسم بن سلم ‪ :‬وكان الكسائي يحكي (‪ )8‬هذه القراءة ‪ -‬يعني ‪ { :‬هَ ْيتَ َلكَ } ‪-‬‬
‫حوْران ‪ ،‬وقعت إلى أهل الحجاز ‪ ،‬معناها ‪ :‬تعال‪ .‬وقال أبو عبيد ‪:‬‬
‫ويقول ‪ :‬هي لغة ‪ ،‬لهل َ‬
‫سألت شيخًا عالمًا من أهل حوران ‪ ،‬فذكر أنها لغتهم يعرفها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أكرم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬غريبة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪+" :‬غربي ‪+‬الحوري"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يحب"‪.‬‬

‫( ‪)4/379‬‬

‫واستشهد المام ابن جرير على هذه القراءة بقول (‪ )1‬الشاعر لعلي بن أبى طالب ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪:‬‬
‫أَبْلْغ َأمِيَر المؤمِنين‪ ...‬أَخا العِراَقِ إذَا أَتَينَا‪...‬‬
‫ق وَأَهْلَهُ‪ ...‬عُ ُنقٌ إليكَ َفهَيتَ هَيْتا‪...‬‬
‫إنّ العِرا َ‬
‫يقول ‪ :‬فتعال واقترب (‪)2‬‬
‫وقرأ ذلك آخرون ‪" :‬هِئتُ لك" بكسر الهاء والهمزة ‪ ،‬وضم التاء ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬تهيأت لك ‪ ،‬من قول‬
‫القائل ‪ :‬هئت للمر أهىِ هيْئَة وممن روي عنه هذه القراءة ابن عباس ‪ ،‬وأبو عبد الرحمن السلمي‬
‫‪ ،‬وأبو وائل ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وكلهم يفسرها بمعنى ‪ :‬تهيأت لك‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وكان أبو عمرو والكسائي ينكران هذه القراءة‪ .‬وقرأ عبد ال بن إسحاق (‪)3‬‬
‫هيت" ‪ " ،‬بفتح الهاء وكسر التاء ‪ :‬وهي غريبة‪.‬‬
‫وقرأ آخرون ‪ ،‬منهم عامة أهل المدينة "هَ ْيتُ" بفتح الهاء ‪ ،‬وضم التاء ‪ ،‬وأنشد (‪ )4‬قول الشاعر ‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫لَيسَ قَومِي بال ْبعَدِين ِإذَا مَا‪ ...‬قَالَ دَاعٍ منَ العَشِي ِرةَ ‪ :‬هَيتُ‪...‬‬
‫قال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي وائل قال ‪ :‬قال ابن مسعود ‪ :‬قد سمعت‬
‫القَرَأة فسمعتهم متقاربين ‪ ،‬فاقرءوا كما عُلّمتم ‪ ،‬وإياكم والتنطع والختلف ‪ ،‬فإنما هو كقول‬
‫أحدكم ‪" :‬هلم" و"تعال" ثم قرأ عبد ال ‪ { :‬هَ ْيتَ َلكَ } فقال ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن ‪ ،‬إن ناسا يقرءونها‬
‫‪" :‬هَ ْيتُ [لَك]" (‪ )6‬؟ فقال عبد ال ‪ :‬إني أقرأها كما عُلّمت ‪ ،‬أحبّ إلي (‪)7‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا ابن عُيَيْنة ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن أبي وائل قال ‪ :‬قال‬
‫عبد ال ‪ { :‬هَ ْيتَ َلكَ } فقال له مسروق ‪ :‬إن ناسا يقرءونها ‪" :‬هَ ْيتُ لَك" ؟ فقال ‪ :‬دعوني ‪ ،‬فإني‬
‫أقرأ كما أقْرِئتُ ‪ ،‬أحب إلي (‪)8‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال أيضًا ‪ :‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا آدم بن أبي إياس ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن شقيق ‪ ،‬عن ابن مسعود‬
‫قال ‪ { :‬هَ ْيتَ َلكَ } بنصب الهاء والتاء ول بهمز‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬قول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)16/25‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عبد ال بن أبي إسحاق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأنشدوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬هو طرفة بن العبد ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري (‪.)16/30‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/279‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)16/31‬‬

‫( ‪)4/380‬‬

‫وَلَقَدْ َه ّمتْ ِب ِه وَهَمّ ِبهَا َلوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبّهِ كَذَِلكَ لِ َنصْ ِرفَ عَنْهُ السّو َء وَا ْلفَحْشَاءَ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا‬
‫ا ْلمُخَْلصِينَ (‪)24‬‬

‫وقال (‪ )1‬آخرون ‪" :‬هِ ْيتُ لَك" ‪ ،‬بكسر الهاء ‪ ،‬وإسكان الياء ‪ ،‬وضم التاء‪.‬‬
‫قال أبو عُبَيدة معمر بن المثنى ‪" :‬هيت" ل تثنى ول تجمع ول تؤنث ‪ ،‬بل يخاطب الجميع بلفظ‬
‫واحد ‪ ،‬فيقال ‪ :‬هيتَ لَك ‪ ،‬وهيتَ لك ‪ ِ ،‬وهيتَ لكما ‪ ،‬وهيتَ لكم ‪ ،‬وهيتَ لهن (‪)2‬‬
‫{ وََلقَدْ َه ّمتْ بِهِ وَهَمّ ِبهَا َلوْل أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبّهِ كَذَِلكَ لِ َنصْ ِرفَ عَنْهُ السّو َء وَا ْلفَحْشَاءَ إِنّهُ مِنْ‬
‫عِبَادِنَا ا ْل ُمخَْلصِينَ (‪} )24‬‬
‫اختلفت أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام ‪ ،‬وقد روي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬وطائفة من السلف في ذلك ما ذكره ابن جرير وغيره ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫خطَرات حديث (‪ )3‬النفس‪ .‬حكاه البغوي عن بعض أهل‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬المراد بهمه بها َهمّ َ‬
‫التحقيق ‪ ،‬ثم أورد (‪ )4‬البغوي هاهنا حديث عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬إذا َهمّ‬
‫عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة ‪ ،‬فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها ‪ ،‬وإن هم بسيئة فلم يعملها‬
‫فاكتبوها حسنة ‪ ،‬فإنما تركها من جَرّائي ‪ ،‬فإن عملها فاكتبوها بمثلها" (‪.)5‬‬
‫وهذا الحديث مخرج في الصحيحين (‪ )6‬وله ألفاظ كثيرة ‪ ،‬هذا منها‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقيل ‪ :‬هم بضربها‪ .‬وقيل ‪ :‬تمناها زوجة‪ .‬وقيل ‪ { :‬وَهَمّ ِبهَا َلوْل أَنْ رَأَى بُ ْرهَانَ رَبّهِ } أي ‪ :‬فلم‬
‫يهم بها‪.‬‬
‫وفي هذا القول نظر من حيث العربية ‪ ،‬ذكره ابن جرير وغيره (‪.)7‬‬
‫وأما البرهان الذي رآه ففيه أقوال أيضا ‪ :‬فعن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬ومحمد‬
‫بن سيرين ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبي صالح ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬رأى‬
‫صورة أبيه يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عاضا على أصبعه بفمه (‪.)8‬‬
‫وقيل عنه في رواية ‪ :‬فضرب في صدر يوسف‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬رأى خيال (‪ )9‬الملك ‪ ،‬يعني ‪ :‬سيده ‪ ،‬وكذا قال محمد بن إسحاق‬
‫‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وقرأ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وحديث"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وأورد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬معالم التنزيل (‪.)4/231‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )7501‬وصحيح مسلم برقم (‪.)205‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )39 ، 16/38‬وما ذكره الحافظ هنا في معنى الهم غير مسلم به ‪ ،‬والراجح‬
‫هو ما اختاره أبو حيان في تفسيره ونقله عنه العلمة الشنقيطي في "أضواء البيان" (‪ )3/60‬وقال‬
‫‪" :‬والجواب الثاني ‪ -‬وهو الذي اختاره أبو حيان ‪ -‬أن يوسف لم يقع منه هم أصل ‪ ،‬بل هو‬
‫‪+‬منفى عنه لوجود البرهان‪ "...‬وانظر بقية كلمه هناك‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعظه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تمثال"‪.‬‬

‫( ‪)4/381‬‬

‫وَاسْتَ َبقَا الْبَابَ َوقَ ّدتْ َقمِيصَهُ مِنْ دُبُ ٍر وَأَ ْلفَيَا سَيّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَاَلتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهِْلكَ سُوءًا‬
‫شهِدَ شَاهِدٌ مِنْ َأهِْلهَا إِنْ كَانَ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )25‬قَالَ ِهيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ َنفْسِي وَ َ‬
‫إِلّا أَنْ ُيسْجَنَ َأوْ َ‬
‫ت وَ ُهوَ مِنَ‬
‫ت وَ ُهوَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )26‬وَإِنْ كَانَ َقمِيصُهُ ُقدّ مِنْ دُبُرٍ َفكَذَ َب ْ‬
‫َقمِيصُهُ قُدّ مِنْ قُ ُبلٍ َفصَ َد َق ْ‬
‫سفُ‬
‫الصّا ِدقِينَ (‪ )27‬فََلمّا رَأَى َقمِيصَهُ ُقدّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنّهُ مِنْ كَيْ ِدكُنّ إِنّ كَ ْي َدكُنّ عَظِيمٌ (‪ )28‬يُو ُ‬
‫أَعْ ِرضْ عَنْ َهذَا وَاسْ َت ْغفِرِي ِلذَنْ ِبكِ إِ ّنكِ كُ ْنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (‪)29‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فيما حكاه عن بعضهم ‪ :‬إنما هو خيال إطفير سيده ‪ ،‬حين دنا من الباب (‪.)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن أبي مودود (‪ )2‬سمعت من محمد بن كعب‬
‫القُرَظي قال ‪ :‬رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت ‪ ،‬فإذا كتاب في حائط البيت ‪ { :‬وَل َتقْرَبُوا الزّنَا‬
‫إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيل } [السراء ‪]32 :‬‬
‫وكذا رواه أبو َمعْشَر المدني ‪ ،‬عن محمد بن كعب‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن وهب ‪ ،‬أخبرني نافع بن يزيد ‪ ،‬عن أبي صخر قال ‪ :‬سمعت القرظي يقول في ‪:‬‬
‫"البرهان" الذي رأى يوسف ‪ :‬ثلث آيات من كتاب ال { وَإِنّ عَلَ ْيكُمْ َلحَافِظِينَ } الية [النفطار ‪:‬‬
‫‪ ، ]10‬وقوله ‪َ { :‬ومَا َتكُونُ فِي شَأْنٍ } الية ‪[ :‬يونس ‪ ، ]61 :‬وقوله ‪َ { :‬أ َفمَنْ ُهوَ قَا ِئمٌ عَلَى ُكلّ‬
‫َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ } [الرعد ‪]33 :‬قال نافع ‪ :‬سمعت أبا هلل يقول مثل قول القرظي ‪ ،‬وزاد آية‬
‫رابعة { وَل َتقْرَبُوا الزّنَا } [السراء ‪]32 :‬‬
‫وقال الوزاعي ‪ :‬رأى آية من كتاب ال في الجدار تنهاه (‪ )3‬عن ذلك‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬والصواب أن يقال ‪ :‬إنه رأى من آيات ال ما زجره عما كان هم به ‪ ،‬وجائز أن‬
‫يكون صورة يعقوب ‪ ،‬وجائز أن يكون [صورة] (‪ )4‬الملك ‪ ،‬وجائز أن يكون ما رآه مكتوبا من‬
‫الزجر عن ذلك‪ .‬ول حجة قاطعة على تعيين شيء من ذلك ‪ ،‬فالصواب أن يطلق كما قال ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقوله ‪ { :‬كَذَِلكَ لِ َنصْ ِرفَ عَنْهُ السّو َء وَا ْلفَحْشَاءَ } أي ‪ :‬كما أريناه برهانا صرفه عما كان‬
‫فيه ‪ ،‬كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره‪.‬‬
‫{ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا ا ْلمُخَْلصِينَ } أي ‪ :‬من المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الخيار ‪،‬‬
‫صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬
‫ب َوقَ ّدتْ َقمِيصَهُ مِنْ دُبُ ٍر وَأَ ْلفَيَا سَيّدَهَا َلدَى الْبَابِ قَاَلتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بَِأهِْلكَ سُوءًا‬
‫{ وَاسْتَ َبقَا الْبَا َ‬
‫شهِدَ شَا ِهدٌ مِنْ أَهِْلهَا إِنْ كَانَ‬
‫سجَنَ َأوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )25‬قَالَ ِهيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ َنفْسِي وَ َ‬
‫إِل أَنْ يُ ْ‬
‫ت وَ ُهوَ مِنَ‬
‫ت وَ ُهوَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )26‬وَإِنْ كَانَ َقمِيصُهُ ُقدّ مِنْ دُبُرٍ َفكَذَ َب ْ‬
‫َقمِيصُهُ قُدّ مِنْ قُ ُبلٍ َفصَ َد َق ْ‬
‫سفُ‬
‫الصّا ِدقِينَ (‪ )27‬فََلمّا رَأَى َقمِيصَهُ ُقدّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنّهُ مِنْ كَيْ ِدكُنّ إِنّ كَ ْي َدكُنّ عَظِيمٌ (‪ )28‬يُو ُ‬
‫أَعْ ِرضْ عَنْ َهذَا وَاسْ َت ْغفِرِي ِلذَنْ ِبكِ إِ ّنكِ كُ ْنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (‪} )29‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في الفتاوى (‪" : )10/297‬وما ينقل من أنه حل‬
‫سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة وأنه رأى صورة يعقوب عاضا على يده وأمثال ذلك ‪،‬‬
‫فهو مما لم يخبر ال به ول رسوله ‪ ،‬وما لم يكن كذلك ‪ ،‬فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من‬
‫أعظم الناس كذبا على النبياء ‪ ،‬وقدحا فيهم ‪ ،‬وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله ‪ ،‬لم ينقل من‬
‫ذلك أحد عن نبينا صلى ال عليه وسلم حرفا واحدا"‪ .‬وانظر ‪ :‬السرائيليات في كتب التفسير‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لمحمد أبو شهبة (ص ‪.)225 - 220‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مردود"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والجدار نهاه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/382‬‬

‫يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب ‪ ،‬يوسف هارب ‪ ،‬والمرأة تطلبه ليرجع إلى‬
‫البيت ‪ ،‬فلحقته في أثناء ذلك ‪ ،‬فأمسكت بقميصه [من ورائه] (‪َ )1‬فقَدّته (‪ )2‬قدًا فظيعا ‪ ،‬يقال ‪ :‬إنه‬
‫سقط عنه ‪ ،‬واستمر يوسف هاربا ذاهبا ‪ ،‬وهي في إثره ‪ ،‬فألفيا سيدها ‪ -‬وهو زوجها ‪ -‬عند‬
‫الباب ‪ ،‬فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها ‪ ،‬وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف‬
‫سجَنَ } أي ‪ :‬يحبس ‪،‬‬
‫بدائها ‪ { :‬مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهِْلكَ سُوءًا } أي ‪ )3( :‬فاحشة ‪ { ،‬إِل أَنْ يُ ْ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ } أي ‪ :‬يضرب ضربا شديدًا موجعا‪ .‬فعند ذلك انتصر يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫{ َأوْ َ‬
‫بالحق ‪ ،‬وتبرأ مما رمته به من الخيانة ‪ ،‬وقال بارا صادقا (‪ِ { )4‬هيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ َنفْسِي } وذكر‬
‫شهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهِْلهَا إِنْ كَانَ َقمِيصُهُ قُدّ مِنْ قُ ُبلٍ }‬
‫أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه ‪ { ،‬وَ َ‬
‫أي ‪ :‬من قدامه ‪َ { ،‬فصَ َد َقتْ } أي ‪ :‬في قولها إنه أرادها على نفسها ‪ ،‬لنه يكون لما دعاها وأبت‬
‫عليه دفعته في صدره ‪ ،‬فقدت قميصه ‪ ،‬فيصح ما قالت ‪ { :‬وَإِنْ كَانَ َقمِيصُهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ َفكَذَ َبتْ‬
‫وَ ُهوَ مِنَ الصّا ِدقِينَ } وذلك يكون كما وقع لما هرب منها ‪ ،‬وتطلبته أمسكت بقميصه من ورائه‬
‫لتردّه إليها ‪ ،‬فقدت قميصه من ورائه‪.‬‬
‫وقد اختلفوا في هذا الشاهد ‪ :‬هل هو صغير أو كبير ‪ ،‬على قولين لعلماء السلف ‪ ،‬فقال عبد‬
‫الرزاق ‪:‬‬
‫شهِدَ شَا ِهدٌ مِنْ أَهِْلهَا } قال ‪ :‬ذو‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَ َ‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن ِ‬
‫أخبرنا إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬
‫لحية‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن ابن أبي مُلَ ْيكَة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان من خاصة الملك‪ .‬وكذا قال‬
‫مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ :‬إنه كان رجل‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ ،‬والسدي ‪ :‬كان ابن عمها‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬كان من خاصة الملك‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد‪.‬‬
‫شهِدَ شَاهِدٌ مِنْ َأهِْلهَا } قال ‪ :‬كان صبيا في المهد‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫وكذا رُوي عن أبي هريرة ‪ ،‬وهلل بن يَسَاف ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وسعيد بن جبير والضحاك بن مُزاحم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ :‬أنه كان صبيا في الدار‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد ‪ ،‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد‬
‫‪ -‬هو ابن سلمة ‪ -‬أخبرني عطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقدت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تعني"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬صادقا بارا"‪.‬‬

‫( ‪)4/383‬‬

‫ش َغ َفهَا حُبّا إِنّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‬


‫س َوةٌ فِي ا ْلمَدِي َنةِ امْرََأةُ ا ْلعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ َنفْسِهِ َقدْ َ‬
‫َوقَالَ نِ ْ‬
‫(‪)30‬‬

‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬تكلم أربعة وهم صغار" ‪ ،‬فذكر فيهم شاهد يوسف (‪.)1‬‬
‫ورواه غيره عن حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أنه قال ‪ :‬تكلم أربعة‬
‫وهم صغار ‪ :‬ابن ماشطة بنت فرعون ‪ ،‬وشاهد يوسف ‪ ،‬وصاحب جُرَيْج ‪ ،‬وعيسى ابن مريم (‬
‫‪.)2‬‬
‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬كان من أمر ال ‪ ،‬ولم يكن إنسيا‪ .‬وهذا قول غريب‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلمّا رَأَى َقمِيصَهُ ُقدّ مِنْ دُبُرٍ } أي ‪ :‬فلما تحقق زوجها صدقَ يوسف وكذبها فيما قذفته‬
‫ورمته به ‪ { ،‬قَالَ إِنّهُ مِنْ كَيْ ِدكُنّ } أي ‪ :‬إن هذا البهت واللّطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به‬
‫عظِيمٌ }‬
‫من جملة كيدكن ‪ { ،‬إِنّ كَيْ َدكُنّ َ‬
‫سفُ أَعْ ِرضْ عَنْ هَذَا } أي ‪ :‬اضرب‬
‫ثم قال آمرا ليوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بكتمان ما وقع ‪ :‬يا { يُو ُ‬
‫عن هذا [المر] (‪ )3‬صفحا ‪ ،‬فل تذكره لحد ‪ { ،‬وَاسْ َت ْغفِرِي ِلذَنْ ِبكِ } يقول لمرأته وقد كان لين‬
‫العريكة سهل أو أنه عذرها ؛ لنها رأت ما ل صبر لها عنه ‪ ،‬فقال لها ‪ { :‬وَاسْ َتغْفِرِي لِذَنْ ِبكِ }‬
‫أي ‪ :‬الذي (‪ )4‬وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ‪ ،‬ثم َقذْفه بما هو بريء منه ‪ ،‬استغفري من‬
‫هذا الذي وقع منك ‪ { ،‬إِ ّنكِ كُ ْنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }‬
‫شغَ َفهَا حُبّا إِنّا لَنَرَاهَا فِي ضَللٍ‬
‫سهِ قَدْ َ‬
‫س َوةٌ فِي ا ْلمَدِينَةِ امْرََأةُ ا ْلعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ َنفْ ِ‬
‫{ َوقَالَ نِ ْ‬
‫مُبِينٍ (‪} )30‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )16/55‬ورواه أحمد في المسند (‪ )1/310‬والحاكم في المستدرك (‪)2/496‬‬
‫من طريق حماد بن سلمة به ‪ ،‬وصححه الحاكم ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه العلء بن عبد الجبار عن حماد موقوفا أخرجه الطبري في تفسيره (‪.)16/54‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬للذي"‪.‬‬

‫( ‪)4/384‬‬

‫سكّينًا َوقَالَتِ اخْرُجْ‬


‫ل وَاحِ َدةٍ مِ ْنهُنّ ِ‬
‫ن وَأَعْتَ َدتْ َلهُنّ مُ ّتكًَأ وَآَ َتتْ ُك ّ‬
‫س ِم َعتْ ِب َمكْرِهِنّ أَرْسََلتْ إِلَ ْيهِ ّ‬
‫فََلمّا َ‬
‫ن َوقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا ِإلّا مََلكٌ كَرِيمٌ (‪)31‬‬
‫طعْنَ أَيْدِ َيهُ ّ‬
‫عَلَ ْيهِنّ فََلمّا رَأَيْنَهُ َأكْبَرْ َن ُه َوقَ ّ‬
‫قَاَلتْ فَذَِلكُنّ الّذِي ُلمْتُنّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ َنفْسِهِ فَاسْ َت ْعصَ َم وَلَئِنْ لَمْ َيفْ َعلْ مَا َآمُ ُرهُ لَ ُيسْجَنَنّ‬
‫حبّ إَِليّ ِممّا َيدْعُونَنِي إِلَ ْي ِه وَإِلّا َتصْ ِرفْ عَنّي‬
‫وَلَ َيكُونَنْ مِنَ الصّاغِرِينَ (‪ )32‬قَالَ َربّ السّجْنُ َأ َ‬
‫سمِيعُ‬
‫ن وََأكُنْ مِنَ ا ْلجَاهِلِينَ (‪ )33‬فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبّهُ َفصَ َرفَ عَ ْنهُ كَيْدَهُنّ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫صبُ إِلَ ْيهِ ّ‬
‫كَيْدَهُنّ َأ ْ‬
‫ا ْلعَلِيمُ (‪)34‬‬

‫سكّينًا َوقَاَلتِ اخْرُجْ‬


‫ح َدةٍ مِ ْنهُنّ ِ‬
‫ن وَأَعْتَ َدتْ َلهُنّ مُ ّتكَأً وَآ َتتْ ُكلّ وَا ِ‬
‫س ِمعَتْ ِب َمكْرِهِنّ أَ ْرسََلتْ إِلَ ْيهِ ّ‬
‫{ فََلمّا َ‬
‫ن َوقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِل مََلكٌ كَرِيمٌ (‪)31‬‬
‫طعْنَ أَيْدِ َيهُ ّ‬
‫عَلَ ْيهِنّ فََلمّا رَأَيْنَهُ َأكْبَرْ َن ُه َوقَ ّ‬
‫قَاَلتْ فَذَِلكُنّ الّذِي ُلمْتُنّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ َنفْسِهِ فَاسْ َت ْعصَ َم وَلَئِنْ لَمْ َيفْ َعلْ مَا آمُ ُرهُ لَ ُيسْجَنَنّ‬
‫حبّ إَِليّ ِممّا َيدْعُونَنِي إِلَ ْي ِه وَإِل َتصْ ِرفْ عَنّي‬
‫وَلَ َيكُونًا مِنَ الصّاغِرِينَ (‪ )32‬قَالَ َربّ السّجْنُ َأ َ‬
‫سمِيعُ‬
‫ن وََأكُنْ مِنَ ا ْلجَاهِلِينَ (‪ )33‬فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبّهُ َفصَ َرفَ عَ ْنهُ كَيْدَهُنّ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫صبُ إِلَ ْيهِ ّ‬
‫كَيْدَهُنّ َأ ْ‬
‫ا ْلعَلِيمُ (‪} )34‬‬
‫يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع في المدينة ‪ ،‬وهي مصر ‪ ،‬حتى تحدث الناس به ‪،‬‬
‫س َوةٌ فِي ا ْلمَدِينَةِ } مثل نساء المراء [و] (‪ )1‬الكبراء ‪ ،‬ينكرن على امرأة العزيز ‪ ،‬وهو‬
‫{ َوقَالَ نِ ْ‬
‫الوزير ‪ ،‬ويعبن ذلك عليها ‪ { :‬امْرََأةُ ا ْلعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ َنفْسِهِ } أي ‪ :‬تحاول غلمها عن‬
‫نفسه ‪ ،‬وتدعوه إلى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/384‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ش َغ َفهَا حُبّا } أي قد ‪ :‬وصل حبه إلى شغاف قلبها‪ .‬وهو غلفه‪.‬‬
‫نفسها ‪َ { ،‬قدْ َ‬
‫شغَف دون ذلك ‪ ،‬والشغاف ‪ :‬حجاب‬
‫شغَف ‪ :‬الحب القاتل ‪ ،‬وال ّ‬
‫قال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬ال ّ‬
‫القلب‪.‬‬
‫{ إِنّا لَنَرَاهَا فِي ضَللٍ مُبِينٍ } أي ‪ :‬في صنيعها هذا من حبها فتاها ‪ ،‬ومراودتها إياه عن نفسه‪.‬‬
‫س ِمعَتْ ِب َمكْرِهِنّ } قال بعضهم ‪ :‬بقولهن‪ .‬وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬بل (‪ )1‬بَلَغهُنّ حُسْنُ‬
‫{ فََلمّا َ‬
‫يوسف ‪ ،‬فأحببن أن يرينه ‪ ،‬فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته ‪ ،‬فعند ذلك { أَرْسََلتْ إِلَ ْيهِنّ }‬
‫أي ‪ :‬دعتهن إلى منزلها لتضيفهن { وَأَعْتَ َدتْ َلهُنّ مُ ّتكَأً }‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هو المجلس المعد ‪،‬‬
‫فيه مفارش ومخاد وطعام ‪ ،‬فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج (‪ )2‬ونحوه‪ .‬ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫سكّينًا } وكان هذا مكيدة منها ‪ ،‬ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته ‪،‬‬
‫ح َدةٍ مِ ْنهُنّ ِ‬
‫ل وَا ِ‬
‫{ وَآ َتتْ ُك ّ‬
‫{ َوقَاَلتِ اخْرُجْ عَلَ ْيهِنّ } وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر ‪ { ،‬فََلمّا } خرج و { رَأَيْنَهُ‬
‫َأكْبَرْنَهُ } أي ‪ :‬أعظمن شأنه ‪ ،‬وأجللن قدره ؛ وجعلن يقطعن أيديهن دَهَشا برؤيته ‪ ،‬وهن يظنن‬
‫أنهن يقطعن الترج (‪ )3‬بالسكاكين ‪ ،‬والمراد ‪ :‬أنهن حززن أيديهن بها ‪ ،‬قاله غير واحد‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬قطعن أيديهن حتى ألقينها ‪ ،‬فال (‪ )4‬أعلم‪.‬‬
‫وقد ذكر عن زيد بن أسلم أنها قالت لهن بعدما أكلن وطابت أنفسهن ‪ ،‬ثم وضعت بين أيديهن‬
‫أترجا (‪ )5‬وآتت كل واحدة منهن سكينا ‪ :‬هل لكن في النظر إلى يوسف ؟ قلن ‪ :‬نعم‪ .‬فبعثت إليه‬
‫تأمره أن اخرج إليهن (‪ )6‬فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن ‪ ،‬ثم أمرته أن يرجع فرجع ليرينه مقبل‬
‫ومدبرا ‪ ،‬وهن يحززن في أيديهن ‪ ،‬فلما أحسسن باللم جعلن يولولن ‪ ،‬فقالت ‪ :‬أنتن من نظرة‬
‫واحدة فعلتن هكذا ‪ ،‬فكيف ألم أنا ؟ فقلن حاش ل ما هذا بشرا إن هذا إل ملك كريم ‪ ،‬ثم قلن لها‬
‫‪ :‬وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا ‪ ،‬لنهن لم يرين في البشر شبهه ول قريبا منه ‪ ،‬فإنه ‪،‬‬
‫صلوات ال عليه وسلم (‪ )7‬كان قد أعطي شطر الحسن ‪ ،‬كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في‬
‫حديث السراء ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مر بيوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في السماء الثالثة‬
‫‪ ،‬قال ‪" :‬فإذا هو قد أعطي شطر الحسن" (‪)8‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أعطي‬
‫يوسف وأمه شطر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قيل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أترنج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ‪" :‬الترج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أترنجا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عليهن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وسلمه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )162‬من حديث أنس رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/285‬‬

‫الحسن" (‪ )1‬وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود‬
‫قال ‪ :‬أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق أيضا ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬كان وجه يوسف مثل البرق ‪،‬‬
‫وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به‪.‬‬
‫ورواه الحسن البصري مرسل عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬أعطي يوسف وأمه ثلث‬
‫حسن أهل الدنيا ‪ ،‬وأعطى الناس الثلثين ‪ -‬أو قال ‪ :‬أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث" (‪)2‬‬
‫وقال سفيان ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد عن ربيعة الجُرَشي قال ‪ :‬قسم الحسن نصفين ‪ ،‬فأعطي‬
‫يوسف وأمه سارة نصف الحسن‪ .‬والنصف الخر بين سائر الخلق‪.‬‬
‫وقال المام أبو القاسم السهيلي ‪ :‬معناه ‪ :‬أن يوسف كان على النصف من حسن آدم ‪ ،‬عليه السلم‬
‫‪ ،‬فإن ال خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها ‪ ،‬ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله ‪،‬‬
‫وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه‪.‬‬
‫فلهذا قال هؤلء النسوة عند رؤيته ‪ { :‬حَاشَ لِلّهِ } قال مجاهد وغير واحد ‪ :‬معاذ ال ‪ { ،‬مَا هَذَا‬
‫بَشَرًا } وقرأ بعضهم ‪" :‬ما هذا بِشِرىً" أي ‪ :‬بمشترى‪.‬‬
‫{ إِنْ هَذَا إِل مََلكٌ كَرِيمٌ قَاَلتْ َفذَِلكُنّ الّذِي ُلمْتُنّنِي فِيهِ } تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق بأن‬
‫يحبّ لجماله وكماله‪.‬‬
‫{ وََلقَدْ رَاوَدُْتهُ عَنْ َنفْسِهِ فَاسْ َت ْعصَمَ } أي ‪ :‬فامتنع‪ .‬قال بعضهم ‪ :‬لما رأين جماله الظاهر ‪،‬‬
‫أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن ‪ ،‬وهي (‪ )3‬العفة مع هذا الجمال ‪ ،‬ثم قالت تتوعد (‪)4‬‬
‫ن وَلَ َيكُونَنْ مِنَ الصّاغِرِينَ } فعند ذلك استعاذ يوسف ‪ ،‬عليه‬
‫{ وَلَئِنْ َلمْ َي ْفعَلْ مَا آمُ ُرهُ لَ ُيسْجَنَ ّ‬
‫حبّ إَِليّ ِممّا َيدْعُونَنِي إِلَ ْيهِ } أي ‪ :‬من‬
‫السلم ‪ ،‬من شرهن وكيدهن ‪ ،‬وقال ‪َ { :‬ربّ السّجْنُ َأ َ‬
‫صبُ إِلَ ْيهِنّ } أي ‪ :‬إن وكلتني إلى نفسي ‪ ،‬فليس لي من‬
‫الفاحشة ‪ { ،‬وَإِل َتصْ ِرفْ عَنّي كَيْ َدهُنّ َأ ْ‬
‫نفسي قدرة ‪ ،‬ول أملك لها ضرا ول نفعا إل بحولك وقوتك ‪ ،‬أنت المستعان وعليك التكلن ‪ ،‬فل‬
‫تكلني إلى نفسي‪.‬‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ }‬
‫ن وََأكُنْ مِنَ ا ْلجَاهِلِينَ فَاسْ َتجَابَ لَهُ رَبّهُ َفصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنّ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫صبُ إِلَ ْيهِ ّ‬
‫{ َأ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عصَمه ال عصمة عظيمة ‪ ،‬وحماه فامتنع منها أشد المتناع ‪،‬‬
‫وذلك أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪َ ،‬‬
‫واختار السجن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )16/80‬والحاكم في المستدرك (‪ )2/570‬وابن عدي في الكامل (‬
‫‪ )5/385‬من طريق عفان عن حماد بن سلمة به ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط‬
‫مسلم ولم يخرجاه"‪ .‬قال ابن عدي ‪" :‬وهذا الحديث ما أعلم رفعه أحد غير عفان ‪ ،‬وغيره أوقفه‬
‫عن حماد بن سلمة ‪ ،‬وعفان أشهر وأوثق وأصدق من أن يقال فيه شيء مما ينسب إلى الضعف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)16/80‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عليهن وهو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تتوعده"‪.‬‬

‫( ‪)4/386‬‬

‫حدُ ُهمَا‬
‫خلَ َمعَهُ السّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَ َ‬
‫سجُنُنّهُ حَتّى حِينٍ (‪ )35‬وَ َد َ‬
‫ثُمّ َبدَا َلهُمْ مِنْ َب ْعدِ مَا رََأوُا الْآَيَاتِ لَيَ ْ‬
‫ح ِملُ َفوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَ ْأ ُكلُ الطّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنَا‬
‫خمْرًا َوقَالَ الْآَخَرُ إِنّي أَرَانِي َأ ْ‬
‫عصِرُ َ‬
‫إِنّي أَرَانِي أَ ْ‬
‫بِتَ ْأوِيلِهِ إِنّا نَرَاكَ مِنَ ا ْل ُمحْسِنِينَ (‪)36‬‬

‫على ذلك ‪ ،‬وهذا في غاية مقامات الكمال ‪ :‬أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته ‪ ،‬وهي‬
‫امرأة عزيز مصر ‪ ،‬وهي مع هذا في (‪ )1‬غاية الجمال والمال ‪ ،‬والرياسة ويمتنع من ذلك ‪،‬‬
‫ويختار السجن على ذلك ‪ ،‬خوفا من ال ورجاء ثوابه‪.‬‬
‫ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬سبعة يظلهم ال في ظله يوم‬
‫ل ظل إل ظله ‪ :‬إمام عادل ‪ ،‬وشاب نشأ في عبادة ال (‪ )2‬ورجل قلبه معلق بالمسجد (‪ )3‬إذا‬
‫خرج منه حتى يعود إليه ‪ ،‬ورجلن تحابا في ال اجتمعا عليه وافترقا (‪ )4‬عليه ‪ ،‬ورجل تصدق‬
‫بصدقة فأخفاها حتى ل تعلم شماله ما أنفقت يمينه ‪ ،‬ورجل ذكر ال خاليا ففاضت عيناه ‪ ،‬ورجل‬
‫دعته امرأة ذات جمال ومنصب ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني أخاف ال" (‪)5‬‬
‫سجُنُنّهُ حَتّى حِينٍ (‪} )35‬‬
‫{ ُثمّ بَدَا َلهُمْ مِنْ َبعْدِ مَا َرَأوُا اليَاتِ لَيَ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين ‪ ،‬أي ‪ :‬إلى مدة ‪ ،‬وذلك‬
‫بعدما عرفوا براءته ‪ ،‬وظهرت اليات ‪ -‬وهي الدلة ‪ -‬على صدقه في عفته ونزاهته‪ .‬فكأنهم ‪-‬‬
‫وال أعلم ‪ -‬إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاما (‪ )6‬أن هذا راودها عن نفسها ‪ ،‬وأنهم سجنوه‬
‫على ذلك‪ .‬ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة ‪ ،‬امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نسب إليه من الخيانة ‪ ،‬فلما تقرر ذلك خرج وهو َن ِقيّ العرض ‪ ،‬صلوات ال عليه وسلمه‪.‬‬
‫وذكر السّدّي ‪ :‬أنهم إنما سجنوه لئل يشيع ما كان منها (‪ )7‬في حقه ‪ ،‬ويبرأ عرضه فيفضحها‪.‬‬
‫ح ِملُ َفوْقَ‬
‫خمْرًا َوقَالَ الخَرُ إِنّي أَرَانِي َأ ْ‬
‫عصِرُ َ‬
‫حدُ ُهمَا إِنّي أَرَانِي أَ ْ‬
‫خلَ َمعَهُ السّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَ َ‬
‫{ وَ َد َ‬
‫رَأْسِي خُبْزًا تَ ْأ ُكلُ الطّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنَا بِتَ ْأوِيلِهِ إِنّا نَرَاكَ مِنَ ا ْل ُمحْسِنِينَ (‪} )36‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬كان أحدهما ساقي الملك ‪ ،‬والخر خبازه‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان اسم الذي على الشراب "نبوا" ‪ ،‬والخر "مجلث"‪.‬‬
‫قال السدي ‪ :‬وكان سبب حبس الملك إياهما أنه توهم أنهما تمال على سمه في طعامه وشرابه‪.‬‬
‫وكان (‪ )8‬يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قد اشتهر في السجن بالجود (‪ )9‬والمانة وصدق الحديث ‪،‬‬
‫وحسن السّمت وكثرة العبادة ‪ ،‬صلوات ال عليه وسلمه ‪ ،‬ومعرفة التعبير والحسان إلى أهل‬
‫السجن وعيادة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬في طاعة ال عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في المسجد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وتفرقا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )1423‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1031‬من حديث أبي هريرة رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬اتهاما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬منهما"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬بالجودة"‪.‬‬

‫( ‪)4/387‬‬

‫طعَامٌ تُرْ َزقَا ِنهِ إِلّا نَبّأْ ُت ُكمَا بِتَ ْأوِيلِهِ قَ ْبلَ أَنْ يَأْتِ َي ُكمَا ذَِل ُكمَا ِممّا عَّلمَنِي رَبّي إِنّي تَ َر ْكتُ مِلّةَ‬
‫قَالَ لَا يَأْتِي ُكمَا َ‬
‫َقوْمٍ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَهُمْ بِالْآَخِ َرةِ هُمْ كَافِرُونَ (‪)37‬‬

‫مرضاهم والقيام بحقوقهم‪ .‬ولما دخل هذان (‪ )1‬الفتيان إلى السجن ‪ ،‬تآلفا به وأحباه حبا شديدا ‪،‬‬
‫وقال له ‪ :‬وال لقد أحببناك حبا زائدا‪ .‬قال (‪ )2‬بارك ال فيكما ‪ ،‬إنه ما أحبني أحد إل دخل عليّ‬
‫من محبته ضرر ‪ ،‬أحبتني عمتي فدخل علي الضرر بسببها ‪ ،‬وأحبني أبي فأوذيت بسببه ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأحبتني امرأة العزيز فكذلك ‪ ،‬فقال وال ما نستطيع إل ذلك ‪ ،‬ثم إنهما رأيا مناما ‪ ،‬فرأى الساقي‬
‫أنه يعصر خمرا ‪ -‬يعني عنبا ‪ -‬وكذلك هي في قراءة عبد ال بن مسعود ‪" :‬إني أراني أعصر‬
‫عنبا"‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أحمد بن سِنَان ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪ ،‬عن شَرِيك ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن زيد بن وهب ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ :‬أنه قرأها ‪" :‬أعصر عنبا"‪.‬‬
‫خمْرًا } يعني ‪ :‬عنبا‪ .‬قال ‪ :‬وأهل عمان يسمّون‬
‫عصِرُ َ‬
‫وقال الضحاك في قوله ‪ { :‬إِنّي أَرَانِي أَ ْ‬
‫العنب خمرا‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬رأيت (‪ )3‬فيما يرى النائم أني غرست حَبَلة من عنب ‪ ،‬فنبتت‪ .‬فخرج فيه عناقيد ‪،‬‬
‫فعصرتهن ثم سقيتهن الملك‪ .‬قال (‪ )4‬تمكث في السجن ثلثة أيام ‪ ،‬ثم تخرج فتسقيه خمرا‪.‬‬
‫ح ِملُ َفوْقَ رَ ْأسِي خُبْزًا تَ ْأ ُكلُ الطّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنَا بِتَ ْأوِيلِهِ‬
‫وقال الخر ‪ -‬وهو الخباز ‪ { : -‬إِنّي أَرَانِي أَ ْ‬
‫إِنّا نَرَاكَ مِنَ ا ْل ُمحْسِنِينَ }‬
‫والمشهور عند الكثرين ما ذكرناه ‪ ،‬وأنهما رأيا مناما وطلبا تعبيره‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع وابن حميد قال حدثنا جرير ‪ ،‬عن عمارة بن القعقاع ‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬ما رأى صاحبا يوسف شيئا ‪ ،‬إنما كانا تحالما ليجربا عليه‪.‬‬
‫طعَامٌ تُرْ َزقَانِهِ إِل نَبّأْ ُت ُكمَا بِتَ ْأوِيلِهِ قَ ْبلَ أَنْ يَأْتِ َي ُكمَا ذَِل ُكمَا ِممّا عَّلمَنِي رَبّي إِنّي تَ َر ْكتُ‬
‫{ قَالَ ل يَأْتِي ُكمَا َ‬
‫مِلّةَ َقوْمٍ ل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَهُمْ بِالخِ َرةِ هُمْ كَافِرُونَ (‪} )37‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وقال عكرمة ‪ :‬قال له رأيت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫( ‪)4/388‬‬

‫ضلِ‬
‫شيْءٍ ذَِلكَ مِنْ َف ْ‬
‫ق وَ َيعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْ ِركَ بِاللّهِ مِنْ َ‬
‫وَاتّ َبعْتُ مِلّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِي َم وَإِسْحَا َ‬
‫شكُرُونَ (‪)38‬‬
‫س وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا َي ْ‬
‫علَيْنَا وَعَلَى النّا ِ‬
‫اللّهِ َ‬

‫ضلِ‬
‫شيْءٍ ذَِلكَ مِنْ َف ْ‬
‫سحَاقَ وَ َيعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْ ِركَ بِاللّهِ مِنْ َ‬
‫{ وَاتّ َب ْعتُ مِلّةَ آبَائِي إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ‬
‫شكُرُونَ (‪} )38‬‬
‫س وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل يَ ْ‬
‫علَيْنَا وَعَلَى النّا ِ‬
‫اللّهِ َ‬
‫يخبرهما يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنهما (‪ )1‬مهما رأيا في نومهما من حلم ‪ ،‬فإنه عارف (‪)2‬‬
‫طعَامٌ تُرْ َزقَانِهِ إِل نَبّأْ ُت ُكمَا بِتَ ْأوِيلِهِ‬
‫بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ل يَأْتِي ُكمَا َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قَ ْبلَ أَنْ يَأْتِ َي ُكمَا }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عالم"‪.‬‬

‫( ‪)4/388‬‬

‫سمَاءً‬
‫يَا صَاحِ َبيِ السّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُ َتفَ ّرقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ (‪ )39‬مَا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلّا أَ ْ‬
‫ح ْكمُ إِلّا لِلّهِ َأمَرَ أَلّا َتعْبُدُوا إِلّا إِيّاهُ ذَِلكَ‬
‫سمّيْ ُتمُوهَا أَنْتُ ْم َوآَبَا ُؤكُمْ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ ِبهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْ ُ‬
‫َ‬
‫الدّينُ ا ْلقَيّ ُم وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ (‪)40‬‬

‫طعَامٌ تُرْ َزقَانِهِ } [في نومكما] (‪ { )1‬إِل نَبّأْ ُت ُكمَا بِتَ ْأوِيلِهِ قَ ْبلَ أَنْ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬يقول ‪ { :‬ل يَأْتِي ُكمَا َ‬
‫يَأْتِ َي ُكمَا } وكذا قال السدي‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا محمد‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫بن يزيد ‪ -‬شيخ له ‪ -‬حدثنا رشدين ‪ ،‬عن الحسن بن ثوبان ‪ ،‬عن ِ‬
‫ما أدري لعل يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان يعتاف وهو كذلك ‪ ،‬لني أجد في كتاب ال حين قال‬
‫طعَامٌ تُرْ َزقَانِهِ إِل نَبّأْ ُت ُكمَا بِتَ ْأوِيلِهِ } قال ‪ :‬إذا جاء الطعام حلوا أو مرا‬
‫للرجلين ‪ { :‬ل يَأْتِي ُكمَا َ‬
‫أعتاف عند ذلك‪ .‬ثم قال ابن عباس ‪ :‬إنما علم فعلم‪ .‬وهذا أثر (‪ )2‬غريب‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬وهذا إنما هو من تعليم ال إياي ؛ لني اجتنبت ملة الكافرين بال واليوم الخر ‪ ،‬فل‬
‫ق وَ َيعْقُوبَ } يقول ‪ :‬هجرت‬
‫يرجون ثوابا ول عقابا في المعاد‪ { .‬وَاتّ َبعْتُ مِلّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَا َ‬
‫طريق الكفر والشرك ‪ ،‬وسلكت طريق هؤلء المرسلين ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين ‪،‬‬
‫وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى ‪ ،‬واتبع المرسلين ‪ ،‬وأعرض عن طريق الظالمين (‪)3‬‬
‫فإنه يهدي قلبه ويعلّمه ما لم يكن يعلمه ‪ ،‬ويجعله إماما يقتدى (‪ )4‬به في الخير ‪ ،‬وداعيا إلى سبيل‬
‫الرشاد‪.‬‬
‫ضلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النّاسِ } هذا التوحيد ‪ -‬وهو‬
‫شيْءٍ ذَِلكَ مِنْ َف ْ‬
‫{ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْ ِركَ بِاللّهِ مِنْ َ‬
‫ضلِ اللّهِ عَلَيْنَا } أي ‪ :‬أوحاه إلينا ‪ ،‬وأمرنا‬
‫القرار بأنه ل إله إل هو وحده ل شريك له ‪ { ،‬مِنْ َف ْ‬
‫شكُرُونَ } (‪ )5‬أي ‪ :‬ل‬
‫به { وَعَلَى النّاسِ } إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك { وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل يَ ْ‬
‫يعرفون نعمة ال عليهم بإرسال الرسل إليهم ‪ ،‬بل { بَدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ُكفْرًا وَأَحَلّوا َق ْو َمهُمْ دَارَ الْ َبوَارِ‬
‫} [ إبراهيم ‪.]28 :‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سِنَان ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا حجاج ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ابن عباس ؛ أنه كان يجعل الجد أبا ‪ ،‬ويقول ‪ :‬وال فمن (‪ )6‬شاء لعناه عند الحجْر ‪ ،‬ما ذكر ال‬
‫سحَاقَ‬
‫جدا ول جدة ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ -‬يعني إخبارا عن يوسف ‪ { :‬وَاتّ َب ْعتُ مِلّةَ آبَائِي إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ‬
‫وَ َيعْقُوبَ }‬
‫حدُ ا ْل َقهّارُ (‪ )39‬مَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِهِ إِل‬
‫{ يَا صَاحِ َبيِ السّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَ ّرقُونَ خَيْرٌ َأمِ اللّهُ ا ْلوَا ِ‬
‫حكْمُ إِل لِلّهِ َأمَرَ أَل َتعْبُدُوا إِل إِيّاهُ‬
‫سمّيْ ُتمُوهَا أَنْتُ ْم وَآبَا ُؤكُمْ مَا أَنزلَ اللّهُ ِبهَا مِنْ سُ ْلطَانٍ إِنِ الْ ُ‬
‫سمَاءً َ‬
‫أَ ْ‬
‫ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّ ُم وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ (‪} )40‬‬
‫ثم إن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أقبل على الفتيين بالمخاطبة ‪ ،‬والدعاء لهما إلى عبادة ال وحده ل‬
‫شريك له وَخَلْع ما سواه من الوثان التي يعبدها قومهما ‪ ،‬فقال ‪ { :‬أَأَرْبَابٌ مُ َتفَ ّرقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ‬
‫حدُ ا ْل َقهّارُ }‬
‫ا ْلوَا ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أمر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الضالين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يهتدي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ل يعلمون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لمن"‪.‬‬

‫( ‪)4/389‬‬

‫ضيَ‬
‫خمْرًا وََأمّا الَْآخَرُ فَ ُيصَْلبُ فَتَ ْأ ُكلُ الطّيْرُ مِنْ رَ ْأسِهِ ُق ِ‬
‫سقِي رَبّهُ َ‬
‫يَا صَاحِ َبيِ السّجْنِ َأمّا َأحَ ُد ُكمَا فَيَ ْ‬
‫الَْأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْ َتفْتِيَانِ (‪)41‬‬

‫[أي] (‪ )1‬الذي وَلِى (‪ )2‬كل شيء بِعزّ جلله ‪ ،‬وعظمة (‪ )3‬سلطانه‪.‬‬


‫ج ْهلُ (‪ )4‬منهم ‪ ،‬وتسمية من تلقاء‬
‫ثم بين لهما أنّ التي يعبدونها ويسمّونها آلهة ‪ ،‬إنما هو َ‬
‫أنفسهم ‪ ،‬تلقاها خَلَفهم عن سَلَفهم ‪ ،‬وليس لذلك مستند من عند ال ؛ ولهذا قال ‪ { :‬مَا أَنزلَ اللّهُ ِبهَا‬
‫مِنْ سُ ْلطَانٍ } أي ‪ :‬حجة ول برهان‪.‬‬
‫ثم أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كلّه ل ‪ ،‬وقد أمر عباده قاطبة أل يعبدوا إل‬
‫إياه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ذلك الدين القيم أي ‪ :‬هذا الذي أدعوكم إليه من تَوحيد ال ‪ ،‬وإخلص العمل له ‪،‬‬
‫هو الدين المستقيم ‪ ،‬الذي أمر ال به وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه ‪ { ،‬وََلكِنّ َأكْثَرَ‬
‫س وََلوْ حَ َرصْتَ ِب ُم ْؤمِنِينَ }‬
‫النّاسِ ل َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬فلهذا كان أكثرهم مشركين‪َ { .‬ومَا َأكْثَرُ النّا ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫[يوسف ‪.]103 :‬‬
‫وقد قال ابن جريج ‪ :‬إنما عَ َدلَ بهم يوسف عن تعبير الرؤيا إلى هذا ‪ ،‬لنه عَرَف أنها ضارّة‬
‫لحدهما ‪ ،‬فأحب أن يشغلهما بغير ذلك ‪ ،‬لئل يعاودوه فيها ‪ ،‬فعاودوه ‪ ،‬فأعاد عليهم الموعظة‪( .‬‬
‫‪)5‬‬
‫وفي هذا الذي قاله نظر ؛ لنه قد وَعَدَهما أول بتعبيرها (‪ )6‬ولكن جعل سؤالهما له على وجه‬
‫التعظيم والحترام ُوصْلة وسببا إلى دعائهما إلى التوحيد والسلم ‪ ،‬لما رأى في سجيتهما من‬
‫قبول الخير والقبال عليه ‪ ،‬والنصات إليه ‪ ،‬ولهذا لما فرغ من دعوتهما ‪ ،‬شرع في تعبير‬
‫رؤياهما ‪ ،‬من غير تكرار سؤال فقال ‪:‬‬
‫ضيَ‬
‫خمْرًا وََأمّا الخَرُ فَ ُيصَْلبُ فَتَ ْأ ُكلُ الطّيْرُ مِنْ رَ ْأسِهِ ُق ِ‬
‫سقِي رَبّهُ َ‬
‫ح ُد ُكمَا فَيَ ْ‬
‫{ يَا صَاحِ َبيِ السّجْنِ َأمّا أَ َ‬
‫المْرُ الّذِي فِيهِ َتسْ َتفْتِيَانِ (‪} )41‬‬
‫خمْرًا } وهو الذي رأى أنه يعصر‬
‫سقِي رَبّهُ َ‬
‫ح ُد ُكمَا فَيَ ْ‬
‫يقول لهما ‪ { :‬يَا صَاحِ َبيِ السّجْنِ َأمّا أَ َ‬
‫خمرا ‪ ،‬ولكنه لم يعينّه لئل يحزن ذاك ‪ ،‬ولهذا أبهمه في قوله ‪ { :‬وََأمّا الخَرُ فَ ُيصَْلبُ فَتَ ْأكُلُ الطّيْرُ‬
‫مِنْ رَأْسِهِ } وهو في نفس المر الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا‪.‬‬
‫ثم أعلمهما أن هذا قد فُرغ منه ‪ ،‬وهو واقع ل محالة ؛ لن الرؤيا على رجل طائر ما لم ُتعَبر ‪،‬‬
‫فإذا عُبّرَت َوقَعت‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن عمارة بن القعقاع عن إبراهيم ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬لما قال ما قال‬
‫ي المْرُ الّذِي فِيهِ تَسْ َتفْتِيَانِ }‬
‫وأخبرهما ‪ ،‬قال ما رأينا شيئا‪ .‬فقال ‪ُ { :‬قضِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬دل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعظيم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جعل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)16/102‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بتعبيرهما"‪.‬‬

‫( ‪)4/390‬‬

‫َوقَالَ لِلّذِي ظَنّ أَنّهُ نَاجٍ مِ ْن ُهمَا ا ْذكُرْنِي عِنْدَ رَ ّبكَ فَأَ ْنسَاهُ الشّ ْيطَانُ ِذكْرَ رَبّهِ فَلَ ِبثَ فِي السّجْنِ ِبضْعَ‬
‫سِنِينَ (‪)42‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ورواه محمد بن فضيل (‪ )1‬عن عمارة ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن علقمة ‪ ،‬عن ابن مسعود به ‪ ،‬وكذا‬
‫فسره مجاهد ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وحاصله أن من تحلّم بباطل وفَسّره ‪،‬‬
‫فإنه يُلزَم بتأويله ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬وقد ورد في الحديث الذي رواه المام أحمد ‪ ،‬عن معاوية بن حَيْدة‬
‫‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الرؤيا على رجل طائر ما لم ُتعَبر (‪ )2‬فإذا عُبّرت وقعت" (‬
‫‪)3‬‬
‫وفي مسند أبي َيعْلَى ‪ ،‬من طريق يزيد الرّقاشي ‪ ،‬عن أنس مرفوعا ‪" :‬الرؤيا لول عابر" (‪)4‬‬
‫{ َوقَالَ لِلّذِي ظَنّ أَنّهُ نَاجٍ مِ ْن ُهمَا ا ْذكُرْنِي عِ ْندَ رَ ّبكَ فَأَنْسَاهُ الشّيْطَانُ ِذكْرَ رَبّهِ فَلَ ِبثَ فِي السّجْنِ ِبضْعَ‬
‫سِنِينَ (‪} )42‬‬
‫لما ظن (‪ )5‬يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬نجاة أحِدهما ‪ -‬وهو الساقي ‪ -‬قال له يوسف خفية عن الخر‬
‫وال أعلم ‪ ،‬لئل يشعره أنه المصلوب قال له ‪ { :‬ا ْذكُرْنِي عِنْدَ رَ ّبكَ } يقول ‪ :‬اذكر قصتي عند‬
‫ربك (‪ - )6‬وهو الملك ‪ -‬فنسى ذلك الموصَى أن ُي َذكّر موله بذلك ‪ ،‬وكان من جملة مكايد‬
‫الشيطان ‪ ،‬لئل يطلع نبي ال من السجن‪.‬‬
‫هذا هو الصواب أن الضمير في قوله ‪ { :‬فَأَنْسَاهُ الشّيْطَانُ ِذكْرَ رَبّهِ } عائد على الناجي ‪ ،‬كما قال‬
‫مجاهد ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق وغير واحد‪ .‬ويقال ‪ :‬إن الضمير عائد على يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وأسند ابن جرير هاهنا‬
‫رواه ابن جرير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد أيضا ‪ ،‬و ِ‬
‫حديثا فقال ‪:‬‬
‫عمْرو بن محمد ‪ ،‬عن إبراهيم بن يزيد (‪ )7‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن‬
‫حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو لم يقل ‪ -‬يعني ‪ :‬يوسف ‪-‬‬
‫ِ‬
‫الكلمة التي قال ‪ :‬ما لبث في السجن طول ما لبث‪ .‬حيث يبتغي الفرج من عند غير ال" (‪.)8‬‬
‫وهذا الحديث ضعيف جدا ؛ لن سفيان بن َوكِيع ضعيف ‪ ،‬وإبراهيم بن يزيد ‪ -‬هو الخُوزي ‪-‬‬
‫أضعف منه أيضا‪ .‬وقد رُوي عن الحسن وقتادة مرسل عن كل منهما ‪ ،‬وهذه المرسَلت هاهنا ل‬
‫تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وأما "البضع" ‪ ،‬فقال مجاهد وقتادة ‪ :‬هو ما بين الثلث إلى التسع‪ .‬وقال وهب بن مُنَبّه ‪ :‬مكث‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فضل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يعبر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخريجه عند تفسير الية ‪ "5" :‬من هذه السورة‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه ابن ماجة في السنن برقم (‪ )3915‬من طريق عبد ال بن نمير ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫يزيد الرقاشي ‪ ،‬عن أنس موقوفا ‪ ،‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/216‬هذا إسناد فيه يزيد‬
‫وهو ضعيف"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬علم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الملك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬عن يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)16/112‬‬

‫( ‪)4/391‬‬

‫خضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا‬


‫عجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ ُ‬
‫سمَانٍ يَ ْأكُُلهُنّ سَبْعٌ ِ‬
‫َوقَالَ ا ْلمَِلكُ إِنّي أَرَى سَ ْبعَ َبقَرَاتٍ ِ‬
‫أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ َأفْتُونِي فِي ُرؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِل ّرؤْيَا َتعْبُرُونَ (‪)43‬‬

‫أيوب في البلء سبعًا ويوسف في السجن سبعًا ‪ ،‬وعذاب (‪ )1‬بختنصر سبعا‪.‬‬


‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ :‬فلبث في السجن بضع سنين قال ‪ :‬ثنتا (‪)2‬‬
‫عشرة سنة‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬أربع عشرة سنة‪.‬‬
‫خضْ ٍر وَأُخَرَ يَا ِبسَاتٍ‬
‫ف وَسَبْعَ سُنْبُلتٍ ُ‬
‫سمَانٍ يَ ْأكُُلهُنّ سَ ْبعٌ عِجَا ٌ‬
‫{ َوقَالَ ا ْلمَِلكُ إِنّي أَرَى سَبْعَ َبقَرَاتٍ ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا ا ْلمَل َأفْتُونِي فِي ُرؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِل ّرؤْيَا َتعْبُرُونَ (‪} )43‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعذب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثنتى"‪.‬‬

‫( ‪)4/392‬‬

‫ضغَاثُ َأحْلَا ٍم َومَا َنحْنُ بِتَ ْأوِيلِ الَْأحْلَامِ ِبعَاِلمِينَ (‪َ )44‬وقَالَ الّذِي َنجَا مِ ْن ُهمَا وَا ّدكَرَ َبعْدَ ُأمّةٍ أَنَا‬
‫قَالُوا َأ ْ‬
‫عجَافٌ‬
‫سمَانٍ يَ ْأكُُلهُنّ سَبْعٌ ِ‬
‫سفُ أَ ّيهَا الصّدّيقُ َأفْتِنَا فِي سَ ْبعِ َبقَرَاتٍ ِ‬
‫أُنَبّ ُئكُمْ بِتَ ْأوِيلِهِ فَأَ ْرسِلُونِ (‪ )45‬يُو ُ‬
‫خضْ ٍر وَأُخَرَ يَا ِبسَاتٍ َلعَلّي أَ ْرجِعُ إِلَى النّاسِ َلعَّلهُمْ َيعَْلمُونَ (‪ )46‬قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ‬
‫وَسَبْعِ سُنُْبلَاتٍ ُ‬
‫شدَادٌ‬
‫حصَدْ ُتمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُِلهِ إِلّا قَلِيلًا ِممّا تَ ْأكُلُونَ (‪ )47‬ثُمّ يَأْتِي مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ سَ ْبعٌ ِ‬
‫سِنِينَ دَأَبًا َفمَا َ‬
‫س َوفِيهِ‬
‫حصِنُونَ (‪ُ )48‬ثمّ يَأْتِي مِنْ َبعْدِ َذِلكَ عَامٌ فِيهِ ُيغَاثُ النّا ُ‬
‫يَ ْأكُلْنَ مَا قَ ّدمْتُمْ َلهُنّ إِلّا قَلِيلًا ِممّا ُت ْ‬
‫َي ْعصِرُونَ (‪)49‬‬

‫ضغَاثُ أَحْل ٍم َومَا َنحْنُ بِتَ ْأوِيلِ الحْلمِ ِبعَاِلمِينَ (‪َ )44‬وقَالَ الّذِي َنجَا مِ ْن ُهمَا وَا ّدكَرَ َبعْدَ ُأمّةٍ‬
‫{ قَالُوا َأ ْ‬
‫سمَانٍ يَ ْأكُُلهُنّ سَبْعٌ‬
‫سفُ أَ ّيهَا الصّدّيقُ َأفْتِنَا فِي سَبْعِ َبقَرَاتٍ ِ‬
‫أَنَا أُنَبّ ُئكُمْ بِتَ ْأوِيِلهِ فَأَرْسِلُونِ (‪ )45‬يُو ُ‬
‫خضْ ٍر وَأُخَرَ يَا ِبسَاتٍ َلعَلّي أَ ْرجِعُ إِلَى النّاسِ َلعَّلهُمْ َيعَْلمُونَ (‪ )46‬قَالَ‬
‫ف وَسَبْعِ سُنْبُلتٍ ُ‬
‫عِجَا ٌ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِل قَلِيل ِممّا تَ ْأكُلُونَ (‪ )47‬ثُمّ يَأْتِي مِنْ َبعْدِ‬
‫تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا َفمَا َ‬
‫حصِنُونَ (‪ُ )48‬ثمّ يَأْتِي مِنْ َبعْدِ َذِلكَ عَامٌ فِيهِ‬
‫شدَادٌ يَ ْأكُلْنَ مَا َق ّدمْتُمْ َلهُنّ إِل قَلِيل ِممّا ُت ْ‬
‫ذَِلكَ سَبْعٌ ِ‬
‫س َوفِيهِ َي ْعصِرُونَ (‪} )49‬‬
‫ُيغَاثُ النّا ُ‬
‫هذه الرؤيا من مَلك مصر مما قَدّر ال تعالى أنها كانت سببا لخروج يوسفَ ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من‬
‫السجن مُعزّزًا مكرما ‪ ،‬وذلك أن المَلك رأى هذه الرؤيا ‪ ،‬فهالته وتَعجّب من أمرها ‪ ،‬وما يكون‬
‫تفسيرها ‪ ،‬فجمع الكهنة والحُزَاة وكبراء دولته وأمراءه و َقصّ عليهم ما رأى ‪ ،‬وسألهم عن تأويلها‬
‫ضغَاثُ َأحْلمٍ } أي ‪ :‬أخلط اقتضت رؤياك هذه (‬
‫‪ ،‬فلم يعرفوا ذلك ‪ ،‬واعتذروا إليه بأن هذه { َأ ْ‬
‫‪َ { )1‬ومَا نَحْنُ بِتَ ْأوِيلِ الحْلمِ ِبعَاِلمِينَ } أي ‪ :‬ولو كانت رؤيا صحيحة من أخلط ‪ ،‬لما كان لنا‬
‫معرفة بتأويلها ‪ ،‬وهو تعبيرها‪ .‬فعند ذلك َت َذكّرَ ذلك الذي نجا من ذينك الفتيين اللذين (‪ )2‬كانا في‬
‫السجن مع يوسف ‪ ،‬وكان الشيطان قد أنساه ما وصّاه به يوسف ‪ ،‬من ذكر أمره للملك ‪ ،‬فعند ذلك‬
‫تذكر { َبعْدَ ُأمّةٍ } أي ‪ :‬مدة ‪ -‬وقرأ بعضهم ‪" :‬بعد َأمِةٍ" أي ‪ :‬بعد نسيان ‪ ،‬فقال للملك والذين‬
‫جمعهم لذلك ‪ { :‬أَنَا أُنَبّ ُئكُمْ بِتَ ْأوِيلِهِ } أي ‪ :‬بتأويل هذا المنام ‪ { ،‬فَأَرْسِلُونِ } أي ‪ :‬فابعثون إلى‬
‫سفُ أَ ّيهَا الصّدّيقُ‬
‫يوسف الصديق إلى السجن‪ .‬ومعنى الكلم ‪ :‬فبعثوا (‪ )3‬فجاء‪ .‬فقال ‪ { :‬يُو ُ‬
‫َأفْتِنَا } وذكر المنام الذي رآه الملك ‪ ،‬فعند ذلك ذكر له يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬تعبيرها من غير‬
‫تعنيف لذلك الفتى في نسيانه ما وصاه به ‪ ،‬ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك ‪ ،‬بل قال ‪:‬‬
‫{ تَزْرَعُونَ سَ ْبعَ سِنِينَ دَأَبًا } أي (‪ )4‬يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات ‪ ،‬ففسر البقر‬
‫بالسنين ؛ لنها تثير الرض التي تُسْتغل منها الثمرات والزروع ‪ ،‬وهن السنبلت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رؤيا في هذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فبعثوه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬إذ"‪.‬‬

‫( ‪)4/392‬‬

‫طعْنَ‬
‫س َوةِ اللّاتِي قَ ّ‬
‫جعْ إِلَى رَ ّبكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النّ ْ‬
‫َوقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِي بِهِ فََلمّا جَا َءهُ الرّسُولُ قَالَ ارْ ِ‬
‫سفَ عَنْ َنفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا‬
‫أَيْدِ َيهُنّ إِنّ رَبّي ِبكَيْ ِدهِنّ عَلِيمٌ (‪ )50‬قَالَ مَا خَطْ ُبكُنّ ِإذْ رَاوَدْتُنّ يُو ُ‬
‫س ِه وَإِنّهُ َلمِنَ‬
‫حصَ ا ْلحَقّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ َنفْ ِ‬
‫حصْ َ‬
‫عَِلمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَاَلتِ امْرََأةُ ا ْلعَزِيزِ الْآَنَ َ‬
‫ب وَأَنّ اللّهَ لَا َيهْدِي كَيْدَ ا ْلخَائِنِينَ (‪)52‬‬
‫الصّا ِدقِينَ (‪ )51‬ذَِلكَ لِ َيعْلَمَ أَنّي َلمْ أَخُ ْنهُ بِا ْلغَ ْي ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حصَدْتُمْ َفذَرُوهُ فِي سُنْبُِلهِ إِل‬
‫الخضر ‪ ،‬ثم أرشدهم إلى ما يعتمدونه في تلك السنين فقال ‪َ { :‬فمَا َ‬
‫قَلِيل ِممّا تَ ْأكُلُونَ } أي ‪ :‬مهما استغللتم (‪ )1‬في هذه السبع السنين الخصب فاخزنوه في سنبله ‪،‬‬
‫ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع الفساد إليه ‪ ،‬إل المقدار الذي تأكلونه ‪ ،‬وليكن قليل قليل ل‬
‫تسرفوا فيه ‪ ،‬لتنتفعوا في السبع الشداد ‪ ،‬وهن السبع السنين المُحْل التي تعقب هذه السبع‬
‫جدْب يؤكل فيها ما‬
‫متواليات ‪ ،‬وهن البقرات العجاف اللتي يأكلن السّمان ؛ لن سنى (‪ )2‬ال َ‬
‫ج َمعَوه في سنى (‪ )3‬الخصب ‪ ،‬وهن السنبلت اليابسات‪.‬‬
‫َ‬
‫وأخبرهم أنهن ل ينبتن شيئا ‪ ،‬وما بذروه فل يرجعون منه إلى شيء ؛ ولهذا قال ‪ { :‬يَ ْأكُلْنَ مَا‬
‫حصِنُونَ }‬
‫قَ ّدمْتُمْ َلهُنّ إِل قَلِيل ِممّا ُت ْ‬
‫ثم بشرهم بعد الجَدْب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك { عَامٌ فِيهِ ُيغَاثُ النّاسُ } أي ‪ :‬يأتيهم‬
‫الغيث ‪ ،‬وهو المَطرُ ‪ ،‬وتُغل البلد ‪ ،‬ويَعصرُ الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم ‪ ،‬من زيت‬
‫ونحوه ‪ ،‬وسكر ونحوه حتى قال بعضهم ‪ :‬يدخل (‪ )4‬فيه حلب اللبن أيضًا‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس { َوفِيهِ َي ْعصِرُونَ } يحلبون‪.‬‬
‫طعْنَ‬
‫س َوةِ اللتِي َق ّ‬
‫{ َوقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِي ِبهِ فََلمّا جَا َءهُ الرّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَ ّبكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النّ ْ‬
‫سفَ عَنْ َنفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا‬
‫أَيْدِ َيهُنّ إِنّ رَبّي ِبكَيْ ِدهِنّ عَلِيمٌ (‪ )50‬قَالَ مَا خَطْ ُبكُنّ ِإذْ رَاوَدْتُنّ يُو ُ‬
‫حقّ أَنَا رَاوَدُْتهُ عَنْ َنفْسِ ِه وَإِنّهُ َلمِنَ‬
‫حصَ الْ َ‬
‫صَ‬‫ح ْ‬
‫عَِلمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَاَلتِ امْرََأةُ ا ْلعَزِيزِ النَ َ‬
‫ب وَأَنّ اللّهَ ل َيهْدِي كَ ْيدَ الْخَائِنِينَ (‪} )52‬‬
‫الصّا ِدقِينَ (‪ )51‬ذَِلكَ لِ َيعْلَمَ أَنّي َلمْ أَخُ ْنهُ بِا ْلغَ ْي ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬استغليتم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سنين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سنين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويدخل"‪.‬‬

‫( ‪)4/393‬‬

‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪)53‬‬


‫َومَا أُبَ ّرئُ َنفْسِي إِنّ ال ّنفْسَ لََأمّا َرةٌ بِالسّوءِ إِلّا مَا َرحِمَ رَبّي إِنّ رَبّي َ‬

‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪} )53‬‬


‫حمَ رَبّي إِنّ رَبّي َ‬
‫س لمّا َرةٌ بِالسّوءِ إِل مَا رَ ِ‬
‫{ َومَا أُبَ ّرئُ َنفْسِي إِنّ ال ّنفْ َ‬
‫يقول تعالى إخبارًا عن الملك لما رجعوا إليه بتعبير رؤياه ‪ ،‬التي كان رآها ‪ ،‬بما أعجبه وأينقه ‪،‬‬
‫فعرف فضل يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وعلمه [وحسن اطلعه على رؤياه] (‪ )1‬وحسن أخلقه على‬
‫من ببلده من رعاياه ‪ ،‬فقال { ائْتُونِي بِهِ } أي ‪ :‬أخرجوه من السجن وأحضروه‪ .‬فلما جاءه الرسول‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بذلك امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته ‪ ،‬ونزاهة عرضه ‪ ،‬مما نسب إليه‬
‫من جهة امرأة العزيز ‪ ،‬وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه ‪ ،‬بل كان ظلما وعدوانا ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫طعْنَ أَ ْيدِ َيهُنّ إِنّ رَبّي ِبكَيْدِهِنّ عَلِيمٌ }‬
‫س َوةِ اللتِي قَ ّ‬
‫{ ا ْرجِعْ إِلَى رَ ّبكَ فَاسَْألْهُ مَا بَالُ النّ ْ‬
‫وقد وردت السنة بمدحه على ذلك ‪ ،‬والتنبيه على فضله وشرفه ‪ ،‬وعُُلوّ قدره وصبره ‪ ،‬صلوات‬
‫ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/393‬‬

‫وسلمه عليه ‪ ،‬ففي المسند والصحيحين من حديث الزهري ‪ ،‬عن سعيد وأبي سلمة ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نحن أحق بالشك من‬
‫طمَئِنّ قَلْبِي } [البقرة‬
‫حيِ ا ْل َموْتَى قَالَ َأوََلمْ ُت ْؤمِنْ قَالَ بَلَى وََلكِنْ لِيَ ْ‬
‫إبراهيم إذ قال { َربّ أَرِنِي كَ ْيفَ تُ ْ‬
‫‪ ]260 :‬ويرحم ال لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ‪ ،‬ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف‬
‫لجبت الداعي" (‪)1‬‬
‫وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي‬
‫س َوةِ اللتِي‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ‪ { :‬فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النّ ْ‬
‫طعْنَ أَ ْيدِ َيهُنّ إِنّ رَبّي ِبكَيْدِهِنّ عَلِيمٌ } فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو كنت أنا لسرعت‬
‫قَ ّ‬
‫الجابة ‪ ،‬وما ابتغيت العذر" (‪.)2‬‬
‫عكْرِمة قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا ابن عُيَيْنَة ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه ‪ ،‬وال يغفر له ‪ ،‬حين سُئل عن‬
‫البقرات العِجاف والسّمان ‪ ،‬ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني‪ .‬ولقد عجبت من‬
‫يوسف وصبره وكرمه ‪ ،‬وال يغفر له ‪ ،‬حين أتاه الرسول ‪ ،‬ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ‪َ ،‬‬
‫ولكنه أراد أن يكون له العذر"‪ .‬هذا حديث مرسل (‪)3‬‬
‫سفَ عَنْ َنفْسِهِ } إخبار عن الملك حين جمع النّسوة‬
‫خطْ ُبكُنّ إِذْ رَاوَدْتُنّ يُو ُ‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬قَالَ مَا َ‬
‫اللتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز ‪ ،‬فقال مخاطبا لهن كلهن ‪ -‬وهو يريد امرأة وزيره ‪ ،‬وهو‬
‫سهِ } يعني ‪ :‬يوم‬
‫سفَ عَنْ َنفْ ِ‬
‫خطْ ُبكُنّ } أي ‪ :‬شأنكن وخبركن { إِذْ رَاوَدْتُنّ يُو ُ‬
‫العزيز ‪ { : -‬مَا َ‬
‫علَيْهِ مِنْ سُوءٍ } أي ‪ :‬قالت النسوة جوابا للملك ‪ :‬حاش ل أن‬
‫الضيافة ؟ { قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَِلمْنَا َ‬
‫حصَ‬
‫حصْ َ‬
‫يكون يوسف مُ ّت َهمَا ‪ ،‬وال ما علمنا عليه من سوء‪ .‬فعند ذلك { قَاَلتِ امْرََأةُ ا ْلعَزِيزِ النَ َ‬
‫حقّ }‬
‫الْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬تقول الن ‪ :‬تبين الحق وظهر وبرز‪.‬‬
‫س ِه وَإِنّهُ َلمِنَ الصّا ِدقِينَ } أي ‪ :‬في قوله ‪ِ { :‬هيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ َنفْسِي } { ذَِلكَ‬
‫{ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ َنفْ ِ‬
‫لِ َيعْلَمَ أَنّي َلمْ أَخُ ْنهُ بِا ْلغَ ْيبِ } تقول ‪ :‬إنما اعترفت بهذا على نفسي ‪ ،‬ذلك ليعلم زوجي أن لم أخنه‬
‫في نفس المر ‪ ،‬ول وقع المحذور الكبر ‪ ،‬وإنما راودت هذا الشاب مراودة ‪ ،‬فامتنع ؛ فلهذا‬
‫ن َومَا أُبَ ّرئُ َنفْسِي } تقول المرأة ‪:‬‬
‫اعترفتُ ليعلم أني بريئة ‪ { ،‬وَأَنّ اللّهَ ل َيهْدِي كَيْدَ ا ْلخَائِنِي َ‬
‫ولست أبرئ نفسي ‪ ،‬فإن النفس تتحدث (‪ )4‬وتتمنى ؛ ولهذا راودته لنها أمارة بالسوء ‪ { ،‬إِل مَا‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } (‪.)6‬‬
‫(‪َ )5‬رحِمَ رَبّي } أي ‪ :‬إل من عصمه ال تعالى ‪ { ،‬إِنّ رَبّي َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/326‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4694‬وصحيح مسلم برقم (‪.)151‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/347‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/40‬وفيه محمد بن عمرو ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الحديث"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير عبد الرزاق (‪ )282 ، 1/281‬وقد وصله إسحاق بن راهويه في مسنده ومن طريقه‬
‫الطبراني في المعجم الكبير (‪ )11/249‬من طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي عن عمرو بن دينار ‪،‬‬
‫عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس مرفوعا بنحوه‪ .‬وفيه إبراهيم بن يزيد وهو متروك‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تحدث"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت أ ‪" :‬عن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬لغفور" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/394‬‬

‫جعَلْنِي‬
‫َوقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِي بِهِ َأسْتَخِْلصْهُ لِ َنفْسِي فََلمّا كَّلمَهُ قَالَ إِ ّنكَ الْ َيوْمَ لَدَيْنَا َمكِينٌ َأمِينٌ (‪ )54‬قَالَ ا ْ‬
‫حفِيظٌ عَلِيمٌ (‪)55‬‬
‫عَلَى خَزَائِنِ الْأَ ْرضِ إِنّي َ‬

‫وهذا القول هو الشهر والليق والنسب بسياق القصة ومعاني الكلم‪ .‬وقد حكاه الماوردي في‬
‫تفسيره ‪ ،‬وانتدب لنصره المام العلمة أبو العباس ابن تَيميّة ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬فأفرده بتصنيف على‬
‫حدة (‪)1‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن ذلك من كلم يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من قوله ‪ { :‬ذَِلكَ لِ َيعْلَمَ أَنّي َلمْ أَخُ ْنهُ } في‬
‫زوجته { بِا ْلغَ ْيبِ } اليتين أي ‪ :‬إنما َردَ ْدتُ الرسول ليعلم الملك براءتي وليعلم العزيز { أَنّي لَمْ‬
‫س لمّا َرةٌ‬
‫ن َومَا أُبَ ّرئُ َنفْسِي إِنّ ال ّنفْ َ‬
‫أَخُ ْنهُ } في زوجته { بِا ْلغَ ْيبِ } { وَأَنّ اللّهَ ل َيهْدِي كَيْدَ ا ْلخَائِنِي َ‬
‫بِالسّوءِ } [الية] (‪ )2‬وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ول ابن أبي حاتم سواه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن ِ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬لما جمع الملك النسوة فسألهن ‪ :‬هل راودتن يوسف عن نفسه ؟ { قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ‬
‫حقّ أَنَا رَاوَدُْتهُ عَنْ َنفْسِ ِه وَإِنّهُ َلمِنَ‬
‫حصَ الْ َ‬
‫صَ‬‫ح ْ‬
‫مَا عَِلمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَاَلتِ امْرََأةُ ا ْلعَزِيزِ النَ َ‬
‫سفُ { ذَِلكَ لِ َيعَْلمَ أَنّي لَمْ َأخُنْهُ بِا ْلغَ ْيبِ [وَأَنّ اللّهَ ل َيهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ] } (‪ )3‬قال‬
‫الصّا ِدقِينَ } قَالَ يُو ُ‬
‫‪ :‬فقال له جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬ول يوم هممت بما هممت به‪ .‬فقال ‪َ { :‬ومَا أُبَ ّرئُ َنفْسِي إِنّ‬
‫س لمّا َرةٌ بِالسّوءِ } (‪)4‬‬
‫ال ّنفْ َ‬
‫وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وابن أبي ال ُهذَيل ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬والسّدي‪ .‬والقول الول أقوى وأظهر ؛ لن سياق الكلم كله من كلم امرأة العزيز‬
‫بحضرة الملك ‪ ،‬ولم يكن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عندهم ‪ ،‬بل بعد ذلك أحضره الملك‪.‬‬
‫{ َوقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِي ِبهِ أَسْ َتخِْلصْهُ لِ َنفْسِي فََلمّا كَّلمَهُ قَالَ إِ ّنكَ الْ َيوْمَ َلدَيْنَا َمكِينٌ َأمِينٌ (‪ )54‬قَالَ‬
‫حفِيظٌ عَلِيمٌ (‪} )55‬‬
‫جعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الرْضِ إِنّي َ‬
‫اْ‬
‫يقول تعالى إخبارًا عن الملك حين تحقق براءة يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ونزاهة عرْضه مما نسب‬
‫إليه ‪ ،‬قال ‪ { :‬ائْتُونِي ِبهِ أَسْ َتخِْلصْهُ لِ َنفْسِي } أي ‪ :‬أجعله من خاصّتي وأهل مشورتي { فََلمّا كَّلمَهُ }‬
‫خلْق وخُلُق وكمال قال‬
‫أي ‪ :‬خاطبه الملك وعرفه ‪ ،‬ورأى فضله وبراعته ‪ ،‬وعلم ما هو عليه من َ‬
‫له الملك ‪ { :‬إِ ّنكَ الْ َيوْمَ لَدَيْنَا َمكِينٌ َأمِينٌ } أي ‪ :‬إنك عندنا قد بقيت ذا مكانة وأمانة ‪ ،‬فقال يوسف ‪،‬‬
‫حفِيظٌ عَلِيمٌ } مدح نفسه ‪ ،‬ويجوز للرجل ذلك إذا‬
‫جعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ ال ْرضِ إِنّي َ‬
‫عليه السلم ‪ { :‬ا ْ‬
‫حفِيظٌ } أي ‪ :‬خازن أمين ‪ { ،‬عَلِيمٌ } ذو علم وبصرَ بما يتوله (‬
‫جهِل أمره ‪ ،‬للحاجة‪ .‬وذكر أنه { َ‬
‫ُ‬
‫‪.)5‬‬
‫جدْب‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫قال شيبة بن نعامة ‪ :‬حفيظ لما استودعتني ‪ ،‬عليم ِبسِني ال َ‬
‫جعَل على‬
‫وسأل العمل لعلمه بقدرته عليه ‪ ،‬ولما في ذلك من المصالح للناس (‪ )6‬وإنما سأل أن ُي ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬مجموع الفتاوى لبن تيمية (‪.)10/298‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)16/143‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬نتوله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬مصالح الناس"‪.‬‬

‫( ‪)4/395‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَتِنَا مَنْ نَشَا ُء وَلَا ُنضِيعُ َأجْرَ‬
‫سفَ فِي الْأَ ْرضِ يَتَ َبوّأُ مِ ْنهَا حَ ْيثُ َيشَاءُ ُنصِيبُ بِرَ ْ‬
‫َوكَذَِلكَ َمكّنّا لِيُو ُ‬
‫حسِنِينَ (‪ )56‬وَلَأَجْرُ الَْآخِ َرةِ خَيْرٌ لِلّذِينَ َآمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ (‪)57‬‬
‫ا ْلمُ ْ‬

‫خزائن (‪ )1‬الرض ‪ ،‬وهي الهرام التي (‪ )2‬يجمع فيها الغلت ‪ ،‬لما يستقبلونه من السنين التي‬
‫أخبرهم بشأنها ‪ ،‬ليتصرف لهم على الوجه الحوط والصلح والرشد ‪ ،‬فأجيب إلى ذلك رغبةً فيه‬
‫‪ ،‬وتك ِرمَةً له ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫حمَتِنَا مَنْ َنشَا ُء وَل ُنضِيعُ أَجْرَ‬
‫سفَ فِي ال ْرضِ يَتَ َبوّأُ مِ ْنهَا حَ ْيثُ َيشَاءُ ُنصِيبُ بِرَ ْ‬
‫{ َوكَذَِلكَ َمكّنّا لِيُو ُ‬
‫حسِنِينَ (‪ )56‬وَلجْرُ الخِ َرةِ خَيْرٌ لِلّذِينَ آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ (‪} )57‬‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫سفَ فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬أرض مصر ‪ { ،‬يَتَ َبوّأُ مِ ْنهَا حَ ْيثُ َيشَاءُ }‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َمكّنّا لِيُو ُ‬
‫قال السّدّي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬يتصرف فيها كيف يشاء‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬يتخذ منها منزل حيث يشاء (‪ )3‬بعد الضيق والحبس والسار‪ُ { .‬نصِيبُ‬
‫حمَتِنَا مَنْ َنشَا ُء وَل ُنضِيعُ أَجْرَ ا ْلمُحْسِنِينَ } أي ‪ :‬وما أضعنا صبر يوسف على أذى إخوته ‪،‬‬
‫بِرَ ْ‬
‫وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز ؛ فلهذا أعقبه ال عز وجل السلمة والنصر والتأييد ‪،‬‬
‫{ وَل ُنضِيعُ أَجْرَ ا ْلمُحْسِنِينَ وَلجْرُ الخِ َرةِ خَيْرٌ لِلّذِينَ آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ } يخبر تعالى أن ما‬
‫ادخره (‪ )4‬ال لنبيه يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في الدار الخرة أعظم وأكثر (‪ )5‬وأجل ‪ ،‬مما خوله‬
‫عطَاؤُنَا فَامْنُنْ‬
‫من التصرف والنفوذ في الدنيا كما قال تعالى في حق سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪َ { :‬هذَا َ‬
‫حسْنَ مَآبٍ } [ص ‪.]40 ، 39 :‬‬
‫حسَابٍ وَإِنّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُ ْلفَى وَ ُ‬
‫سكْ ِبغَيْرِ ِ‬
‫َأوْ َأمْ ِ‬
‫والغرض أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وله مَلك مصر الريانُ بن الوليد الوزارة في بلد مصر ‪،‬‬
‫مكان الذي اشتراه من مصر زوج التي راودته ‪ ،‬وأسلم الملك على يدي يوسف ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫جعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ ال ْرضِ إِنّي‬
‫قاله مجاهد‪ .‬وقال محمد بن إسحاق لما قال يوسف للملك ‪ { :‬ا ْ‬
‫حفِيظٌ عَلِيمٌ } قال الملك ‪ :‬قد فعلت‪ .‬فوله فيما ذكروا عمل إطفير (‪ )6‬وعزل إطفير (‪ )7‬عما كان‬
‫َ‬
‫سفَ فِي ال ْرضِ يَتَ َبوّأُ مِ ْنهَا حَ ْيثُ َيشَاءُ ُنصِيبُ‬
‫عليه ‪ ،‬يقول ال عز وجل ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َمكّنّا لِيُو ُ‬
‫حمَتِنَا مَنْ َنشَا ُء وَل ُنضِيعُ أَجْرَ ا ْلمُحْسِنِينَ } فذكر لي ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن إطفير (‪ )8‬هَلك في تلك‬
‫بِرَ ْ‬
‫الليالي ‪ ،‬وأن الملك الريان بن الوليد زوّج يوسف امرأة إطفير (‪ )9‬راعيل ‪ ،‬وأنها حين دخلت‬
‫عليه قال ‪ :‬أليس هذا خيرا مما كنت تريدين ؟ قال ‪ :‬فيزعمون أنها قالت ‪ :‬أيها الصديق ‪ ،‬ل‬
‫تلمني ‪ ،‬فإني كنت امرأة كما ترى حسناء جميلة ‪ ،‬ناعمة في ملك ودنيا ‪ ،‬وكان صاحبي ل يأتي‬
‫النساء ‪ ،‬وكنت كما جعلك ال في حسنك وهيئتك (‪ )10‬على ما رأيت ‪ ،‬فيزعمون أنه وجدها‬
‫عذراء ‪ ،‬فأصابها فولدت له رجلين أفرائيم بن يوسف ‪ ،‬وميشا بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬خزان"‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬شاء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ذخره"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وأكبر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬إظفير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬إظفير"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬إظفير"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬إظفير"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وهيبتك"‪.‬‬

‫( ‪)4/396‬‬

‫جهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي‬


‫جهّزَهُمْ ِب َ‬
‫سفَ َفدَخَلُوا عَلَ ْيهِ َفعَ َر َفهُ ْم وَهُمْ لَهُ مُ ْنكِرُونَ (‪ )58‬وََلمّا َ‬
‫خ َوةُ يُو ُ‬
‫وَجَاءَ ِإ ْ‬
‫ل وَأَنَا خَيْرُ ا ْلمُنْزِلِينَ (‪ )59‬فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَ ْيلَ َل ُكمْ‬
‫بِأَخٍ َلكُمْ مِنْ أَبِي ُكمْ أَلَا تَ َروْنَ أَنّي أُوفِي ا ْلكَ ْي َ‬
‫جعَلُوا ِبضَاعَ َتهُمْ‬
‫عِنْدِي وَلَا َتقْرَبُونِ (‪ )60‬قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنّا َلفَاعِلُونَ (‪َ )61‬وقَالَ ِلفِتْيَانِهِ ا ْ‬
‫جعُونَ (‪)62‬‬
‫فِي ِرحَاِلهِمْ َلعَّل ُهمْ َيعْ ِرفُو َنهَا ِإذَا ا ْنقَلَبُوا إِلَى أَهِْلهِمْ َلعَّل ُهمْ يَرْ ِ‬

‫يوسف (‪ )1‬وولد لفرائيم نون ‪ ،‬والد يوشع بن نون ‪ ،‬ورحمة امرأة أيوب ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫وقال الفضيل بن عياض ‪ :‬وقفت امرأة العزيز على ظهر الطريق ‪ ،‬حتى مَرّ يوسف ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫الحمد ل الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته ‪ ،‬والملوك عبيدا بمعصيته‪.‬‬
‫جهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي‬
‫جهّزَهُمْ ِب َ‬
‫سفَ فَ َدخَلُوا عَلَيْهِ َفعَ َر َفهُمْ وَهُمْ لَهُ مُ ْنكِرُونَ (‪ )58‬وََلمّا َ‬
‫خ َوةُ يُو ُ‬
‫{ وَجَاءَ ِإ ْ‬
‫بِأَخٍ َلكُمْ مِنْ أَبِي ُكمْ أَل تَ َروْنَ أَنّي أُوفِي ا ْلكَ ْيلَ وَأَنَا خَيْرُ ا ْلمُنزلِينَ (‪ )59‬فَإِنْ َلمْ تَأْتُونِي ِبهِ فَل كَ ْيلَ َلكُمْ‬
‫جعَلُوا ِبضَاعَ َتهُمْ‬
‫عِنْدِي وَل َتقْرَبُونِ (‪ )60‬قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَ ْنهُ أَبَا ُه وَإِنّا َلفَاعِلُونَ (‪َ )61‬وقَالَ ِلفِتْيَانِهِ ا ْ‬
‫جعُونَ (‪} )62‬‬
‫فِي ِرحَاِلهِمْ َلعَّل ُهمْ َيعْ ِرفُو َنهَا ِإذَا ا ْنقَلَبُوا إِلَى أَهِْلهِمْ َلعَّل ُهمْ يَرْ ِ‬
‫ذكر السّدي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وغيرهما من المفسرين ‪ :‬أن السبب الذي أقدم إخوة يوسف‬
‫بلد مصر ‪ ،‬أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما باشر الوزارة بمصر ‪ ،‬ومضت السبع السنين‬
‫المخصبة ‪ ،‬ثم تلتها سنينُ الجدب ‪ ،‬وع ّم القحط بلد مصر بكمالها ‪ ،‬ووصل إلى بلد كنعان ‪،‬‬
‫وهي التي فيها يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وأولده‪ .‬وحينئذ احتاط يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬للناس في‬
‫غلتهم ‪ ،‬وجمعها أحسن (‪ )2‬جمع ‪ ،‬فحصل من ذلك مبلغ عظيم ‪ ،‬وأهراءَ متعددة هائلة ‪ ،‬وورد‬
‫عليه الناس من سائر القاليم والمعاملت ‪ ،‬يمتارون لنفسهم وعيالهم ‪ ،‬فكان ل يعطى الرجل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أكثر من حمل بعير في السنة‪ .‬وكان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ل يشبع نفسه ول يأكل هو والملك وجنودهما‬
‫إل أكلة واحدة في وسط النهار ‪ ،‬حتى يتكفى الناس بما في أيديهم مدة السبع سنين‪ .‬وكان رحمة‬
‫من ال على أهل مصر‪.‬‬
‫وما ذكره بعض المفسرين من أنه باعهم في السنة الولى بالموال ‪ ،‬وفي الثانية بالمتاع ‪ ،‬وفي‬
‫الثالثة بكذا ‪ ،‬وفي الرابعة بكذا ‪ ،‬حتى باعهم بأنفسهم وأولدهم بعدما َتمَلّك عليهم جميع ما يملكون‬
‫‪ ،‬ثم أعتقهم وردّ عليهم أموالهم كلها ‪ ،‬ال (‪ )3‬أعلم بصحة ذلك ‪ ،‬وهو من السرائيليات التي ل‬
‫تصدق ول تكذب‪.‬‬
‫والغرض أنه كان في جملة من ورد للميرة إخوةُ يوسف ‪ ،‬عن أمر أبيهم لهم في ذلك ‪ ،‬فإنه بلغهم‬
‫أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه ‪ ،‬فأخذوا معهم بضاعة يعتاضون بها طعاما ‪ ،‬وركبوا‬
‫عشرة نفر ‪ ،‬واحتبس يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عنده بنيامين شقيق يوسف ‪ ،‬عليهما (‪ )4‬السلم ‪،‬‬
‫وكان أحب ولده إليه بعد يوسف‪ .‬فلما دخلوا على يوسف ‪ ،‬وهو جالس في أبهته ورياسته وسيادته‬
‫‪ ،‬عرفهم حين نظر إليهم ‪ { ،‬وَهُمْ َلهُ مُ ْنكِرُونَ } أي ‪ :‬ل يعرفونه ؛ لنهم فارقوه وهو صغير حدث‬
‫فباعوه (‪ )5‬للسيارة ‪ ،‬ولم يدروا أين يذهبون به ‪ ،‬ول كانوا يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى‬
‫ما صار إليه ‪ ،‬فلهذا لم يعرفوه ‪ ،‬وأما هو فعرفهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وهذا مما لم يرد به الكتاب ول السنة ‪ ،‬فمثله ل يعتمد فيه على رواية ابن إسحاق رحمه ال‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أتم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وباعوه"‪.‬‬

‫( ‪)4/397‬‬

‫ل وَإِنّا لَهُ لَحَا ِفظُونَ (‪)63‬‬


‫سلْ َمعَنَا أَخَانَا َنكْ َت ْ‬
‫جعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنّا ا ْلكَ ْيلُ فَأَرْ ِ‬
‫فََلمّا رَ َ‬

‫فذكر السدي وغيره ‪ :‬أنه شرع يخاطبهم ‪ ،‬فقال لهم كالمنكر عليهم ‪ :‬ما أقدمكم بلدي ؟ قالوا ‪:‬‬
‫أيها العزيز ‪ ،‬إنا قدمنا للميرة‪ .‬قال ‪ :‬فلعلكم عيون ؟ قالوا ‪ :‬معاذ ال‪ .‬قال ‪ :‬فمن أين أنتم ؟ قالوا ‪:‬‬
‫من بلد كنعان ‪ ،‬وأبونا يعقوب نبي ال‪ .‬قال ‪ :‬وله أولد غيركم ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬كنا اثني عشر ‪،‬‬
‫فذهب أصغرنا ‪ ،‬هلك في البَرِيّة ‪ ،‬وكان أحبنا إلى أبيه ‪ ،‬وبقي شقيقه فاحتبسه (‪ )1‬أبوه ليتسلى به‬
‫عنه‪ .‬فأمر بإنزالهم وإكرامهم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جهَازِهِمْ } أي ‪َ :‬وفّاهم كيلهم ‪ ،‬وحمل لهم أحمالهم قال ‪ :‬ائتوني بأخيكم هذا الذي‬
‫جهّزَهُمْ ِب َ‬
‫{ وََلمّا َ‬
‫ذكرتم ‪ ،‬لعلم صدقكم فيما ذكرتم ‪ { ،‬أَل تَ َروْنَ أَنّي أُوفِي ا ْلكَ ْيلَ وَأَنَا خَيْرُ ا ْلمُنزلِينَ } يرغبهم في‬
‫الرجوع إليه ‪ ،‬ثم رَهّبَهم فقال ‪ { :‬فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَل كَ ْيلَ َلكُمْ عِنْدِي وَل َتقْرَبُونِ } أي ‪ :‬إن لم‬
‫تقدموا به معكم في المرة الثانية ‪ ،‬فليس لكم عندي ميرة ‪ { ،‬وَل َتقْرَبُونِ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ‬
‫وَإِنّا َلفَاعِلُونَ } أي ‪ :‬سنحرص على مجيئه إليك بكل ممكن ول نبقي مجهودا لتعلم صدقنا فيما‬
‫قلناه‪.‬‬
‫وذكر السدي ‪ :‬أنه أخذ منهم رهائن حتى يقدموا به معهم‪ .‬وفي هذا نظر ؛ لنه أحسن إليهم‬
‫ورغبهم كثيرا ‪ ،‬وهذا لحرصه (‪ )2‬على رجوعهم‪.‬‬
‫جعَلُوا ِبضَاعَ َتهُمْ } وهي التي قدموا بها ليمتاروا عوضا عنها { فِي‬
‫{ َوقَالَ ِلفِتْيَانِهِ } أي ‪ :‬غلمانه { ا ْ‬
‫جعُونَ } بها‪.‬‬
‫رِحَاِل ِهمْ } أي ‪ :‬في أمتعتهم من حيث ل يشعرون ‪َ { ،‬لعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫قيل ‪ :‬خشي يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أل يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون للميرة بها‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫تذمم أن يأخذ من أبيه وإخوته عوضا عن الطعام‪ .‬وقيل ‪ :‬أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم‬
‫تحرجًا وتورعًا لنه يعلم ذلك منهم (‪ )3‬وال أعلم‪.‬‬
‫ل وَإِنّا لَهُ َلحَافِظُونَ (‬
‫سلْ َمعَنَا َأخَانَا َنكْ َت ْ‬
‫جعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنّا ا ْلكَ ْيلُ فَأَ ْر ِ‬
‫{ فََلمّا َر َ‬
‫‪} )63‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فاحبسوه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ولهذا بحرصه" وفي أ ‪" :‬ولهذا يحرضهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬منهم ذلك"‪.‬‬

‫( ‪)4/398‬‬

‫حمِينَ (‪)64‬‬
‫قَالَ َهلْ َآمَ ُنكُمْ عَلَ ْيهِ إِلّا َكمَا َأمِنْ ُتكُمْ عَلَى َأخِيهِ مِنْ قَ ْبلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَ ُهوَ أَ ْرحَمُ الرّا ِ‬

‫حمِينَ (‬
‫{ قَالَ َهلْ آمَ ُن ُكمْ عَلَيْهِ إِل َكمَا َأمِنْ ُتكُمْ عَلَى َأخِيهِ مِنْ قَ ْبلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَ ُهوَ أَ ْرحَمُ الرّا ِ‬
‫‪} )64‬‬
‫يخبر تعالى عنهم إنهم رجعوا إلى أبيهم { قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنّا ا ْلكَ ْيلُ } يعنون بعد هذه المرة ‪ ،‬إن‬
‫لم ترسل معنا أخانا بنيامين ‪ ،‬فأرسله معنا نكتل‪.‬‬
‫وقرأ بعضهم ‪[ :‬يكتل] (‪ )1‬بالياء ‪ ،‬أي يكتل هو ‪ { ،‬وَإِنّا َلهُ َلحَافِظُونَ } أي ‪ :‬ل تخف عليه فإنه‬
‫سلْهُ َمعَنَا غَدًا يَرْتَ ْع وَيَ ْل َعبْ وَإِنّا َلهُ لَحَا ِفظُونَ } (‬
‫سيرجع إليك‪ .‬وهذا كما قالوا له في يوسف ‪ { :‬أَرْ ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ )2‬؛ ولهذا قال لهم ‪َ { :‬هلْ آمَ ُنكُمْ عَلَ ْيهِ إِل َكمَا َأمِنْ ُتكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬هل أنتم صانعون‬
‫به إل كما صنعتم بأخيه من قبل ‪ ،‬تغيبونه عني ‪ ،‬وتحولون بيني وبينه ؟ { فَاللّهُ خَيْرٌ حفظًا } وقرأ‬
‫بعضهم ‪" :‬حَا ِفظًا"‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نرتع ونلعب"‪.‬‬

‫( ‪)4/398‬‬

‫جدُوا ِبضَاعَ َتهُمْ رُ ّدتْ إِلَ ْيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَ ْبغِي هَ ِذهِ ِبضَاعَتُنَا ُر ّدتْ ِإلَيْنَا‬
‫عهُ ْم وَ َ‬
‫وََلمّا فَ َتحُوا مَتَا َ‬
‫حفَظُ َأخَانَا وَنَزْدَادُ كَ ْيلَ َبعِيرٍ ذَِلكَ كَ ْيلٌ يَسِيرٌ (‪ )65‬قَالَ لَنْ أُ ْرسِلَهُ َم َعكُمْ حَتّى ُتؤْتُونِ‬
‫وَ َنمِيرُ َأهْلَنَا وَنَ ْ‬
‫ل َوكِيلٌ (‪َ )66‬وقَالَ‬
‫َموْثِقًا مِنَ اللّهِ لَتَأْتُنّنِي ِبهِ إِلّا أَنْ يُحَاطَ ِبكُمْ فََلمّا آَ َت ْوهُ َموْ ِث َقهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا َنقُو ُ‬
‫شيْءٍ إِنِ‬
‫يَا بَ ِنيّ لَا تَ ْدخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِ ٍد وَادْخُلُوا مِنْ أَ ْبوَابٍ مُ َتفَ ّرقَةٍ َومَا أُغْنِي عَ ْنكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ َ‬
‫خلُوا مِنْ حَ ْيثُ َأمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا‬
‫ت وَعَلَيْهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْلمُ َتوَكّلُونَ (‪ )67‬وََلمّا دَ َ‬
‫ح ْكمُ إِلّا لِلّهِ عَلَيْهِ َت َوكّ ْل ُ‬
‫الْ ُ‬
‫عّلمْنَاهُ وََلكِنّ‬
‫جةً فِي َنفْسِ َي ْعقُوبَ َقضَاهَا وَإِنّهُ َلذُو عِلْمٍ ِلمَا َ‬
‫شيْءٍ إِلّا حَا َ‬
‫كَانَ ُيغْنِي عَ ْن ُهمْ مِنَ اللّهِ مِنْ َ‬
‫َأكْثَرَ النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ (‪)68‬‬

‫حمِينَ } أي ‪ :‬هو أرحم الراحمين بي ‪ ،‬وسيرحم كبري وضعفي ووجدي بولدي ‪،‬‬
‫{ وَ ُهوَ أَ ْرحَمُ الرّا ِ‬
‫وأرجو من ال أن يرده علي ‪ ،‬ويجمع شملي به ‪ ،‬إنه أرحم الراحمين‪.‬‬
‫عهُمْ وَجَدُوا ِبضَاعَ َتهُمْ ُر ّدتْ إِلَ ْيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَ ْبغِي َه ِذهِ ِبضَاعَتُنَا رُ ّدتْ إِلَيْنَا‬
‫{ وََلمّا فَتَحُوا مَتَا َ‬
‫حفَظُ َأخَانَا وَنزدَادُ كَ ْيلَ َبعِيرٍ ذَِلكَ كَ ْيلٌ يَسِيرٌ (‪ )65‬قَالَ لَنْ أُ ْرسِلَهُ َم َعكُمْ حَتّى ُتؤْتُونِ‬
‫وَ َنمِيرُ َأهْلَنَا وَنَ ْ‬
‫َموْثِقًا مِنَ اللّهِ لَتَأْتُنّنِي ِبهِ إِل أَنْ ُيحَاطَ ِبكُمْ فََلمّا آ َت ْوهُ َموْثِ َقهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا َنقُولُ َوكِيلٌ (‪} )66‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولما فتح إخوة يوسف متاعهم ‪ ،‬وجدوا بضاعتهم ردّت إليهم ‪ ،‬وهي التي كان أمر‬
‫يوسف فتيانه بوضعها في رحالهم ‪ ،‬فلما وجدوها في متاعهم { قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَ ْبغِي } ؟ أي ‪ :‬ماذا‬
‫نريد ؟ { َه ِذهِ ِبضَاعَتُنَا رُ ّدتْ إِلَيْنَا } كما قال قتادة‪ .‬ما نبغي وراء هذا (‪ )1‬؟ إن بضاعتنا ردت إلينا‬
‫وقد أوفي لنا الكيل‪.‬‬
‫حفَظُ َأخَانَا وَنزدَادُ كَ ْيلَ‬
‫{ وَ َنمِيرُ أَهْلَنَا } أي ‪ :‬إذا أرسلت أخانا معنا نأتي بالميرة إلى أهلنا ‪ { ،‬وَنَ ْ‬
‫َبعِيرٍ } وذلك أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان يعطي كل رجل حمل بعير‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬حمل‬
‫حمار‪ .‬وقد يسمى في بعض اللغات بعيرا ‪ ،‬كذا قال‪.‬‬
‫{ ذَِلكَ كَ ْيلٌ َيسِيرٌ } هذا من تمام الكلم وتحسينه ‪ ،‬أي ‪ :‬إن هذا يسير في مقابلة أخذ أخيهم ما يعدل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا‪.‬‬
‫{ قَالَ لَنْ أُ ْرسِلَهُ َم َعكُمْ حَتّى ُتؤْتُونِ َموْ ِثقًا مِنَ اللّهِ } أي ‪ :‬تحلفون (‪ )2‬بالعهود والمواثيق ‪ { ،‬لَتَأْتُنّنِي‬
‫بِهِ إِل أَنْ ُيحَاطَ ِب ُكمْ } إل أن تغلبوا كلكم ول تقدرون على تخليصه‪.‬‬
‫ل َوكِيلٌ }‬
‫{ فََلمّا آ َت ْوهُ َموْ ِث َقهُمْ } أكده عليهم فقال ‪ { :‬اللّهُ عَلَى مَا َنقُو ُ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وإنما فعل ذلك ؛ لنه لم يجد بدا من بعثهم لجل الميرة ‪ ،‬التي ل غنى لهم عنها‬
‫‪ ،‬فبعثه معهم‪.‬‬
‫ح ٍد وَا ْدخُلُوا مِنْ أَ ْبوَابٍ مُ َتفَ ّرقَ ٍة َومَا أُغْنِي عَ ْنكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ‬
‫ب وَا ِ‬
‫ي ل َتدْخُلُوا مِنْ بَا ٍ‬
‫{ َوقَالَ يَا بَ ِن ّ‬
‫خلُوا مِنْ حَ ْيثُ َأمَرَهُمْ‬
‫ت وَعَلَيْهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْلمُ َت َوكّلُونَ (‪ )67‬وََلمّا دَ َ‬
‫حكْمُ إِل لِلّهِ عَلَيْهِ َت َوكّلْ ُ‬
‫شيْءٍ إِنِ الْ ُ‬
‫َ‬
‫جةً فِي َنفْسِ َي ْعقُوبَ َقضَاهَا وَإِنّهُ لَذُو عِلْمٍ ِلمَا‬
‫شيْءٍ إِل حَا َ‬
‫أَبُوهُمْ مَا كَانَ ُيغْنِي عَ ْنهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ َ‬
‫عَّلمْنَا ُه وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ (‪} )68‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬هذه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬تحلفوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/399‬‬

‫سفَ َآوَى إِلَ ْيهِ أَخَاهُ قَالَ إِنّي أَنَا َأخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪)69‬‬
‫وََلمّا دَخَلُوا عَلَى يُو ُ‬

‫يقول تعالى ‪ ،‬إخبارا عن يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬إنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى‬
‫مصر ‪ ،‬أل يدخلوا كلهم من باب واحد ‪ ،‬وليدخلوا من أبواب متفرقة ‪ ،‬فإنه كما قال ابن عباس ‪،‬‬
‫ومحمد بن كعب ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسّدّي ‪ :‬إنه خشي عليهم العين ‪ ،‬وذلك أنهم‬
‫كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ‪ ،‬ومنظر وبهاء ‪ ،‬فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم ؛ فإن‬
‫العين حق ‪ ،‬تستنزل الفارس عن فرسه‪.‬‬
‫وروى ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن إبراهيم النّخّعي في قوله ‪ { :‬وَا ْدخُلُوا مِنْ أَ ْبوَابٍ مُتَفَ ّرقَةٍ } قال ‪ :‬علم‬
‫أنه سيلقى إخوته في بعض البواب‪.‬‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬هذا الحتراز ل يرد قدر ال وقضاءه (‪ )1‬؛‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا أُغْنِي عَ ْنكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ َ‬
‫ت وَعَلَيْهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ‬
‫حكْمُ إِل لِلّهِ عَلَيْهِ َت َوكّ ْل ُ‬
‫فإن ال إذا أراد شيئا ل يخالف ول يمانع (‪ { )2‬إِنِ ا ْل ُ‬
‫جةً فِي‬
‫شيْءٍ إِل حَا َ‬
‫ن وََلمّا َدخَلُوا مِنْ حَ ْيثُ َأمَرَ ُهمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ ُيغْنِي عَ ْنهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ َ‬
‫ا ْلمُ َت َوكّلُو َ‬
‫َنفْسِ َيعْقُوبَ َقضَاهَا } قالوا ‪ :‬هي دفع إصابة العين لهم ‪ { ،‬وَإِنّهُ لَذُو عِ ْلمٍ ِلمَا عَّلمْنَاهُ } قال قتادة‬
‫سل‬
‫والثوري ‪ :‬لذو عمل بعلمه‪ .‬وقال ابن جرير ‪ :‬لذو علم لتعليمنا إياه ‪ { ،‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َيعَْلمُونَ }‬
‫سفَ آوَى إِلَيْهِ َأخَاهُ قَالَ إِنّي أَنَا أَخُوكَ فَل تَبْتَئِسْ ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪} )69‬‬
‫{ وََلمّا َدخَلُوا عَلَى يُو ُ‬
‫يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه بنيامين ‪ ،‬فأدخلهم دار‬
‫كرامته ومنزل ضيافته ‪ ،‬وأفاض عليهم الصلة واللطاف والحسان ‪ ،‬واختلى بأخيه فأطلعه على‬
‫شأنه ‪ ،‬وما جرى له ‪ ،‬وعَرّفه أنه أخوه ‪ ،‬وقال له ‪" :‬ل تبتئس" أي ‪ :‬ل تأسف على ما صنعوا بي‬
‫‪ ،‬وأمره بكتمان ذلك عنهم ‪ ،‬وأل يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه ‪ ،‬وتواطأ معه أنه‬
‫سيحتال على أن يبقيه عنده ‪ ،‬مُعزّزًا مكرما معظما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬قضاء ال وقدره"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ل يمانع ول يخالف"‪.‬‬

‫( ‪)4/400‬‬

‫حلِ أَخِيهِ ثُمّ َأذّنَ ُمؤَذّنٌ أَيّ ُتهَا ا ْلعِيرُ إِ ّن ُكمْ لَسَا ِرقُونَ (‪)70‬‬
‫سقَايَةَ فِي َر ْ‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫جهَازِ ِهمْ َ‬
‫جهّزَ ُهمْ بِ َ‬
‫فََلمّا َ‬
‫ح ْملُ َبعِيرٍ وَأَنَا ِبهِ‬
‫ك وَِلمَنْ جَاءَ بِهِ ِ‬
‫صوَاعَ ا ْلمَِل ِ‬
‫قَالُوا وََأقْبَلُوا عَلَ ْي ِهمْ مَاذَا َت ْفقِدُونَ (‪ )71‬قَالُوا َن ْفقِ ُد ُ‬
‫زَعِيمٌ (‪)72‬‬

‫حلِ َأخِيهِ ُثمّ أَذّنَ ُمؤَذّنٌ أَيّ ُتهَا ا ْلعِيرُ إِ ّنكُمْ لَسَا ِرقُونَ (‪)70‬‬
‫سقَايَةَ فِي رَ ْ‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫جهَازِهِمْ َ‬
‫جهّزَهُمْ ِب َ‬
‫{ فََلمّا َ‬
‫ح ْملُ َبعِيرٍ وَأَنَا ِبهِ‬
‫ك وَِلمَنْ جَاءَ بِهِ ِ‬
‫صوَاعَ ا ْلمَِل ِ‬
‫قَالُوا وََأقْبَلُوا عَلَ ْي ِهمْ مَاذَا َت ْفقِدُونَ (‪ )71‬قَالُوا َن ْفقِ ُد ُ‬
‫زَعِيمٌ (‪} )72‬‬
‫حمّل لهم أبعرتهم طعاما ‪ ،‬أمر بعض فتيانه أن يضع "السقاية" ‪ ،‬وهي ‪ :‬إناء من‬
‫لما جهزهم و َ‬
‫فضة في قول الكثرين‪ .‬وقيل ‪ :‬من ذهب ‪ -‬قاله ابن زيد ‪ -‬كان يشرب فيه ‪ ،‬ويكيل للناس به من‬
‫عزّة الطعام إذ ذاك ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد‪.‬‬
‫صوَاعَ ا ْلمَِلكِ } قال ‪ :‬كان‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ُ { :‬‬
‫من‬

‫( ‪)4/400‬‬

‫ض َومَا كُنّا سَا ِرقِينَ (‪ )73‬قَالُوا َفمَا جَزَا ُؤهُ إِنْ كُنْتُمْ‬
‫عِلمْتُمْ مَا جِئْنَا لِ ُنفْسِدَ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫قَالُوا تَاللّهِ َلقَدْ َ‬
‫حلِهِ َف ُهوَ جَزَا ُؤهُ كَذَِلكَ َنجْزِي الظّاِلمِينَ (‪ )75‬فَ َبدَأَ بَِأوْعِيَ ِتهِمْ‬
‫كَاذِبِينَ (‪ )74‬قَالُوا جَزَا ُؤهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ا ْلمَِلكِ‬
‫سفَ مَا كَانَ لِيَأْ ُ‬
‫ن وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَِلكَ ِكدْنَا لِيُو ُ‬
‫جهَا مِ ْ‬
‫قَ ْبلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمّ اسْتَخْ َر َ‬
‫علِيمٌ (‪)76‬‬
‫إِلّا أَنْ َيشَاءَ اللّهُ نَ ْرفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَا ُء َو َفوْقَ ُكلّ ذِي عِلْمٍ َ‬

‫فضة يشربون فيه ‪ ،‬وكان مثل المكوك ‪ ،‬وكان للعباس مثلُه في الجاهلية ‪ ،‬فوضعها في متاع‬
‫بنيامين من حيث ل يشعر أحد ‪ ،‬ثم نادى مناد بينهم ‪ { :‬أَيّ ُتهَا ا ْلعِيرُ إِ ّنكُمْ لَسَا ِرقُونَ } فالتفتوا إلى‬
‫صوَاعَ ا ْلمَِلكِ } أي ‪ :‬صاعه الذي يكيل به ‪ { ،‬وَِلمَنْ جَاءَ‬
‫المنادي وقالوا ‪ { :‬مَاذَا َتفْقِدُونَ قَالُوا َن ْفقِدُ ُ‬
‫جعَالة ‪ { ،‬وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } وهذا من باب الضمان والكفالة‪.‬‬
‫ح ْملُ َبعِيرٍ } وهذا من باب ال ُ‬
‫بِهِ ِ‬
‫ض َومَا كُنّا سَا ِرقِينَ (‪ )73‬قَالُوا َفمَا جَزَا ُؤهُ إِنْ كُنْتُمْ‬
‫سدَ فِي ال ْر ِ‬
‫{ قَالُوا تَاللّهِ َلقَدْ عَِلمْتُمْ مَا جِئْنَا لِ ُنفْ ِ‬
‫حلِهِ َف ُهوَ جَزَا ُؤهُ كَذَِلكَ َنجْزِي الظّاِلمِينَ (‪ )75‬فَ َبدَأَ بَِأوْعِيَ ِتهِمْ‬
‫كَاذِبِينَ (‪ )74‬قَالُوا جَزَا ُؤهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَ ْ‬
‫خذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ا ْلمَِلكِ‬
‫سفَ مَا كَانَ لِيَأْ ُ‬
‫ن وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَِلكَ ِكدْنَا لِيُو ُ‬
‫جهَا مِ ْ‬
‫قَ ْبلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمّ اسْتَخْ َر َ‬
‫إِل أَنْ يَشَاءَ اللّهُ نَ ْر َفعُ دَ َرجَاتٍ مَنْ َنشَا ُء َو َفوْقَ ُكلّ ذِي عِ ْلمٍ عَلِيمٌ (‪} )76‬‬
‫لما اتهمهم أولئك الفتيان بالسرقة ‪ ،‬قال لهم إخوة يوسف ‪ { :‬تَاللّهِ َلقَدْ عَِلمْ ُتمْ مَا جِئْنَا لِ ُنفْسِدَ فِي‬
‫ال ْرضِ َومَا كُنّا سَا ِرقِينَ } أي ‪ :‬لقد تحققتم وعلمتم منذ (‪ )1‬عرفتمونا ‪ ،‬لنهم (‪ )2‬شاهدوا منهم‬
‫سيرة حسنة ‪ ،‬أنّا ما جئنا للفساد في الرض ‪ ،‬وما كنا سارقين ‪ ،‬أي ‪ :‬ليست سجايانا تقتضي هذه‬
‫الصفة ‪ ،‬فقال (‪ )3‬لهم الفتيان ‪َ { :‬فمَا جَزَا ُؤهُ } أي ‪ :‬السارق ‪ ،‬إن كان فيكم { إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ } أي‬
‫جدَ فِي رَحِْلهِ َف ُهوَ‬
‫ن وُ ِ‬
‫‪ :‬أي شيء يكون عقوبته إن وجدنا فيكم من أخذه (‪ )4‬؟ { قَالُوا جَزَا ُؤهُ مَ ْ‬
‫جَزَا ُؤهُ كَذَِلكَ َنجْزِي الظّاِلمِينَ }‬
‫وهكذا كانت شريعة إبراهيم ‪ :‬أن السارق يدفع إلى المسروق منه‪ .‬وهذا هو الذي أراد يوسف ‪،‬‬
‫جهَا مِنْ‬
‫عليه السلم ؛ ولهذا بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ‪ ،‬أي فتشها قبله ‪ ،‬تورية ‪ُ { ،‬ثمّ اسْ َتخْرَ َ‬
‫وِعَاءِ أَخِيهِ } فأخذه منهم بحكم اعترافهم والتزامهم وإلزاما لهم بما يعتقدونه ؛ ولهذا قال تعالى ‪{ :‬‬
‫سفَ } وهذا من الكيد المحبوب المراد الذي يحبه ال ويرضاه ‪ ،‬لما فيه من الحكمة‬
‫كَذَِلكَ كِدْنَا لِيُو ُ‬
‫والمصلحة المطلوبة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا كَانَ لِيَ ْأخُذَ َأخَاهُ فِي دِينِ ا ْلمَِلكِ } أي ‪ :‬لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر ‪ ،‬قاله‬
‫الضحاك وغيره‪.‬‬
‫وإنما قيض ال له أن (‪ )5‬التزم له إخوته بما التزموه ‪ ،‬وهو كان يعلم ذلك من شريعتهم ؛ ولهذا‬
‫مدحه تعالى فقال ‪ { :‬نَ ْرفَعُ دَ َرجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } كما قال تعالى ‪ { :‬يَ ْرفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُمْ‬
‫ت وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ } [المجادلة ‪.]11 :‬‬
‫وَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ دَرَجَا ٍ‬
‫{ َو َفوْقَ ُكلّ ذِي عِ ْلمٍ عَلِيمٌ } قال الحسن البصري ‪ :‬ليس عالم إل فوقه عالم ‪ ،‬حتى ينتهي إلى ال‬
‫عز وجل‪ .‬وكذا َروَى عبد الرزاق ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬عن عبد العلى الثعلبي ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫جبير‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬مذ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ل لنهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فيهم من أخذها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أنه"‪.‬‬

‫( ‪)4/401‬‬

‫سفُ فِي َنفْسِ ِه وَلَمْ يُ ْبدِهَا َلهُمْ قَالَ أَنْ ُتمْ شَرّ َمكَانًا‬
‫قَالُوا إِنْ يَسْ ِرقْ َفقَدْ سَ َرقَ أَخٌ َلهُ مِنْ قَ ْبلُ فََأسَرّهَا يُو ُ‬
‫صفُونَ (‪)77‬‬
‫وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا َت ِ‬

‫قال كنا عند ابن عباس فتحدث بحديث عجيب ‪ ،‬فتعجب رجل فقال ‪ :‬الحمد ل فوق كل ذي علم‬
‫عليم [فقال ابن عباس ‪ :‬بئس ما قلت ‪ ،‬ال العليم ‪ ،‬وهو فوق كل عالم] (‪ )1‬وكذا روى سماك ‪،‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬وفَوْقَ ُكلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } قال ‪ :‬يكون هذا أعلم من هذا ‪ ،‬وهذا‬
‫عن ِ‬
‫أعلم من هذا ‪ ،‬وال فوق كل عالم‪ .‬وهكذا (‪ )2‬قال عكرمة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪َ { :‬و َفوْقَ ُكلّ ذِي عِ ْلمٍ عَلِيمٌ } حتى ينتهي العلم إلى ال ‪ ،‬منه بُدئ وتعلمت العلماء ‪،‬‬
‫وإليه يعود ‪ ،‬وفي قراءة عبد ال " َوفَوْقَ ُكلّ عالم عليم"‪.‬‬
‫سفُ فِي َنفْسِ ِه وََلمْ يُبْدِهَا َلهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرّ َمكَانًا‬
‫{ قَالُوا إِنْ َيسْرِقْ َفقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَ ْبلُ فَأَسَرّهَا يُو ُ‬
‫صفُونَ (‪} )77‬‬
‫وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا َت ِ‬
‫وقال (‪ )3‬إخوة يوسف لما رأوا الصّواع قد أخرج من متاع بنيامين ‪ { :‬إِنْ يَسْ ِرقْ َفقَدْ سَ َرقَ أَخٌ َلهُ‬
‫مِنْ قَ ْبلُ } يتنصلون إلى العزيز من التشبه (‪ )4‬به ‪ ،‬ويذكرون أن هذا فعل كما َفعَل أخ له من‬
‫قبل ‪ ،‬يعنون به يوسف ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫قال سعيد بن جبير ‪ ،‬عن قتادة (‪ )5‬كان يوسف قد سرق صنما لجده ‪ ،‬أبي أمه ‪ ،‬فكسره‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬كان أول ما دخل على‬
‫يوسف من البلء ‪ ،‬فيما بلغني ‪ ،‬أن عمته ابنة إسحاق ‪ ،‬وكانت أكبر ولد إسحاق ‪ ،‬وكانت إليها‬
‫منطقة إسحاق ‪ ،‬وكانوا يتوارثونها بالكبر ‪ ،‬فكان من اختباها (‪ )6‬ممن وليها كان له سَلَما ل ينازع‬
‫فيه ‪ ،‬يصنع فيه ما يشاء (‪ )7‬وكان يعقوب حين ولُد له يوسف قد حضنته عمته ‪ ،‬فكان منها وإليها‬
‫‪ ،‬فلم يُحب أحدٌ شيئا من الشياء حبها إياه ‪ ،‬حتى إذا ترعرع وبلغ سنوات وقعت نفس يعقوب‬
‫عليه فأتاها ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أخيّه (‪ )8‬سلّمى إليّ يوسف ‪ ،‬فوال ما أقدر على أن يغيب عني ساعة‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قالت ‪ :‬فوال ما أنا بتاركته‪ .‬ثم قالت ‪ :‬فدعه عندي أياما أنظر إليه وأسكن عنه ‪ ،‬لعل ذلك يسلّيني‬
‫عنه ‪ -‬أو كما قالت‪ .‬فلما خرج من عندها يعقوب ‪ ،‬عمدت إلى منطقة إسحاق ‪ ،‬فحزمتها على‬
‫يوسف من تحت ثيابه ‪ ،‬ثم قالت ‪ :‬فقدت منطقة إسحاق ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فانظروا من أخذها ومن‬
‫أصابها ؟ فالتمست ثم قالت ‪ :‬اكشفوا أهل البيت‪ .‬فكشفوهم فوجدوها مع يوسف‪ .‬فقالت ‪ :‬وال إنه‬
‫لي لسَلَمٌ ‪ ،‬أصنع فيه ما شئت‪ .‬فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر‪ .‬فقال لها ‪ :‬أنت وذاك ‪ ،‬إن كان فعل‬
‫ذلك فهو سَلَم لك ما أستطيع غير ذلك‪ .‬فأمسكته فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت‪ .‬قال ‪ :‬فهو الذي‬
‫يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه ‪ { :‬إِنْ َيسْرِقْ َفقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَ ْبلُ } (‬
‫‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الشبه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقتادة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬اختانها"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما شاء"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يا أخته"‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الطبري في تفسير (‪.)16/196‬‬

‫( ‪)4/402‬‬

‫حسِنِينَ (‪)78‬‬
‫قَالُوا يَا أَ ّيهَا ا ْلعَزِيزُ إِنّ َلهُ أَبًا شَ ْيخًا كَبِيرًا َفخُذْ َأحَدَنَا َمكَانَهُ إِنّا نَرَاكَ مِنَ ا ْلمُ ْ‬

‫سفُ فِي َنفْسِهِ } (‪ )1‬يعني ‪ :‬الكلمة التي بعدها ‪ ،‬وهي قوله ‪ { :‬أَنْ ُتمْ شَرّ َمكَانًا‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَسَرّهَا يُو ُ‬
‫صفُونَ } (‪ )2‬أي ‪ :‬تذكرون‪ .‬قال هذا في نفسه ‪ ،‬ولم يبده لهم ‪ ،‬وهذا من باب‬
‫وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا َت ِ‬
‫الضمار قبل الذكر ‪ ،‬وهو كثير ‪ ،‬كقول الشاعر ‪)3( :‬‬
‫جَزَى بَنُوه أبا الغيلن عن كبَرٍ‪ ...‬وحسْن فعل (‪ )4‬كما يُجزَى سنمّار‬
‫وله شواهد كثيرة في القرآن والحديث واللغة ‪ ،‬في منثورها وأخبارها وأشعارها‪.‬‬
‫سهِ } قال ‪ :‬أسر في نفسه ‪ { :‬أَنْ ُتمْ شَرّ َمكَانًا‬
‫سفُ فِي َنفْ ِ‬
‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬فََأسَرّهَا يُو ُ‬
‫صفُونَ }‬
‫وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا َت ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدَنَا َمكَانَهُ إِنّا نَرَاكَ مِنَ ا ْلمُحْسِنِينَ (‪})78‬‬
‫خذْ أَ َ‬
‫{ قَالُوا يَا أَ ّيهَا ا ْلعَزِيزُ إِنّ لَهُ أَبًا شَ ْيخًا كَبِيرًا فَ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فأسر هذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يصفون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو سليط بن سعد ‪ ،‬والبيت من شواهد ابن عقيل في شرحه على اللفية لبن مالك برقم (‬
‫‪.)153‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ظن"‪.‬‬

‫( ‪)4/403‬‬

‫جدْنَا مَتَاعَنَا عِنْ َدهُ إِنّا إِذًا َلظَاِلمُونَ (‪ )79‬فََلمّا اسْتَيْ َئسُوا مِ ْنهُ خََلصُوا‬
‫ن وَ َ‬
‫خذَ إِلّا مَ ْ‬
‫قَالَ َمعَاذَ اللّهِ أَنْ نَأْ ُ‬
‫سفَ‬
‫نَجِيّا قَالَ كَبِيرُ ُهمْ أَلَمْ َتعَْلمُوا أَنّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَ ْيكُمْ َموْ ِثقًا مِنَ اللّ ِه َومِنْ قَ ْبلُ مَا فَرّطْتُمْ فِي يُو ُ‬
‫جعُوا إِلَى أَبِيكُمْ‬
‫حكُمَ اللّهُ لِي وَ ُهوَ خَيْرُ الْحَا ِكمِينَ (‪ )80‬ارْ ِ‬
‫فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَ ْرضَ حَتّى يَ ْأذَنَ لِي أَبِي َأوْ يَ ْ‬
‫شهِدْنَا إِلّا ِبمَا عَِلمْنَا َومَا كُنّا لِ ْلغَ ْيبِ حَا ِفظِينَ (‪ )81‬وَاسَْألِ ا ْلقَرْيَةَ‬
‫َفقُولُوا يَا أَبَانَا إِنّ ابْ َنكَ سَرَقَ َومَا َ‬
‫الّتِي كُنّا فِيهَا وَا ْلعِيرَ الّتِي َأقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنّا َلصَا ِدقُونَ (‪)82‬‬

‫جدْنَا مَتَاعَنَا عِنْ َدهُ إِنّا إِذًا لَظَاِلمُونَ (‪} )79‬‬


‫ن وَ َ‬
‫{ قَالَ َمعَاذَ اللّهِ أَنْ نَ ْأخُذَ إِل مَ ْ‬
‫لما تعين أخْذ بنيامين وتقرر تركه عند يوسف بمقتضى اعترافهم ‪ ،‬شرعوا يترققون له ويعطفونه‬
‫عليهم ‪ ،‬ف { قَالُوا يَا أَ ّيهَا ا ْلعَزِيزُ إِنّ َلهُ أَبًا شَ ْيخًا كَبِيرًا } يعنون ‪ :‬وهو يحبه حبا شديدا ويتسلى به‬
‫عوَضًا عنه ‪ { ،‬إِنّا نَرَاكَ مِنَ‬
‫عن ولده الذي فقده ‪َ { ،‬فخُذْ َأحَدَنَا َمكَانَهُ } أي ‪ :‬بدله ‪ ،‬يكون عندك ِ‬
‫جدْنَا‬
‫ن وَ َ‬
‫حسِنِينَ } (‪ )1‬أي ‪ :‬من العادلين المنصفين القابلين للخير‪ { .‬قَالَ َمعَاذَ اللّهِ أَنْ نَ ْأخُذَ إِل مَ ْ‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫مَتَاعَنَا عِنْ َدهُ } أي ‪ :‬كما قلتم واعترفتم ‪ { ،‬إِنّا إِذًا َلظَاِلمُونَ } [أي] (‪ )2‬إن أخذنا بريئا بسقيم‪.‬‬
‫علَ ْيكُمْ َموْثِقًا مِنَ اللّ ِه َومِنْ‬
‫{ فََلمّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خََلصُوا نَجِيّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ َتعَْلمُوا أَنّ أَبَا ُكمْ قَدْ َأخَذَ َ‬
‫حكُمَ اللّهُ لِي وَ ُهوَ خَيْرُ ا ْلحَا ِكمِينَ‬
‫سفَ فَلَنْ أَبْرَحَ ال ْرضَ حَتّى يَ ْأذَنَ لِي أَبِي َأوْ َي ْ‬
‫قَ ْبلُ مَا فَرّطْتُمْ فِي يُو ُ‬
‫ش ِهدْنَا إِل ِبمَا عَِلمْنَا َومَا كُنّا ِل ْلغَ ْيبِ‬
‫ق َومَا َ‬
‫جعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنّ ابْ َنكَ سَرَ َ‬
‫(‪ )80‬ارْ ِ‬
‫حَا ِفظِينَ (‪ )81‬وَاسَْألِ ا ْلقَرْيَةَ الّتِي كُنّا فِيهَا وَا ْلعِيرَ الّتِي َأقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنّا َلصَا ِدقُونَ (‪} )82‬‬
‫يخبر تعالى عن إخوة يوسف ‪ :‬أنهم لما يئسوا من تخليص أخيهم بنيامين ‪ ،‬الذي قد التزموا لبيهم‬
‫برده إليه ‪ ،‬وعاهدوه على ذلك ‪ ،‬فامتنع عليهم ذلك ‪ { ،‬خََلصُوا } أي ‪ :‬انفردوا عن الناس { َنجِيّا }‬
‫يتناجون فيما بينهم‪.‬‬
‫{ قَالَ كَبِيرُ ُهمْ } وهو رُوبيل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يهوذا ‪ ،‬وهو الذي أشار عليهم بإلقائه في البئر عندما همّوا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬لنراك" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/403‬‬

‫حكِيمُ (‬
‫جمِيعًا إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ ا ْل َ‬
‫عسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي ِبهِمْ َ‬
‫جمِيلٌ َ‬
‫سكُمْ َأمْرًا َفصَبْرٌ َ‬
‫سوَّلتْ َل ُكمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫قَالَ َبلْ َ‬
‫ضتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ َف ُهوَ كَظِيمٌ (‪ )84‬قَالُوا تَاللّهِ‬
‫ف وَابْ َي ّ‬
‫س َ‬
‫سفَى عَلَى يُو ُ‬
‫‪ )83‬وَ َتوَلّى عَ ْنهُ ْم َوقَالَ يَا أَ َ‬
‫شكُو بَثّي وَحُزْنِي إِلَى‬
‫سفَ حَتّى َتكُونَ حَ َرضًا َأوْ َتكُونَ مِنَ ا ْلهَاِلكِينَ (‪ )85‬قَالَ إِ ّنمَا َأ ْ‬
‫َتفْتَأُ َت ْذكُرُ يُو ُ‬
‫اللّ ِه وَأَعَْلمُ مِنَ اللّهِ مَا لَا َتعَْلمُونَ (‪)86‬‬

‫بقتله ‪ ،‬قال لهم ‪ { :‬أَلَمْ َتعَْلمُوا أَنّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَ ْيكُمْ َموْ ِثقًا مِنَ اللّهِ } لتردنّه إليه ‪ ،‬فقد رأيتم كيف‬
‫تعذر عليكم ذلك مع ما تقدم لكم من إضاعة يوسف عنه ‪ { ،‬فَلَنْ أَبْرَحَ ال ْرضَ } أي ‪ :‬لن أفارق‬
‫حكُمَ اللّهُ لِي } قيل ‪:‬‬
‫هذه البلدة ‪ { ،‬حَتّى يَ ْأذَنَ لِي أَبِي } في الرجوع إليه راضيًا عني ‪َ { ،‬أوْ يَ ْ‬
‫بالسيف‪ .‬وقيل ‪ :‬بأن يمكنني من أخذ أخي ‪ { ،‬وَ ُهوَ خَيْرُ الْحَا ِكمِينَ } (‪.)1‬‬
‫ثم أمرهم أن يخبروا أباهم بصورة ما وقع ‪ ،‬حتى يكون عذرا لهم عنده ويتنصلوا إليه ‪ ،‬ويبرءوا‬
‫مما وقع بقولهم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا كُنّا لِ ْلغَ ْيبِ حَا ِفظِينَ } قال عكرمة وقتادة ‪ :‬ما [كنا] (‪ )2‬نعلم أن ابنك سرق (‪.)3‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬ما علمنا في الغيب أنه يسرق (‪ )4‬له شيئا ‪ ،‬إنما سألنا (‪)5‬‬
‫ما جزاء السارق ؟‬
‫{ وَاسَْألِ ا ْلقَرْيَةَ الّتِي كُنّا فِيهَا } قيل ‪ :‬المراد مصر‪ .‬قاله قتادة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬غيرها ‪ { ،‬وَا ْلعِيرَ الّتِي‬
‫َأقْبَلْنَا فِيهَا } أي ‪ :‬التي رافقناها ‪ ،‬عن صدقنا وأمانتنا وحفظنا وحراستنا ‪ { ،‬وَإِنّا َلصَا ِدقُونَ } فيما‬
‫أخبرناك به ‪ ،‬من أنه سرق وأخذوه بسرقته‪.‬‬
‫حكِيمُ‬
‫جمِيعًا إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ الْ َ‬
‫جمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي ِبهِمْ َ‬
‫سكُمْ َأمْرًا َفصَبْرٌ َ‬
‫سوَّلتْ َلكُمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫{ قَالَ َبلْ َ‬
‫ضتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ َف ُهوَ كَظِيمٌ (‪ )84‬قَالُوا‬
‫ف وَابْ َي ّ‬
‫س َ‬
‫سفَى عَلَى يُو ُ‬
‫(‪ )83‬وَ َتوَلّى عَ ْنهُ ْم َوقَالَ يَا أَ َ‬
‫شكُو بَثّي وَحُزْنِي‬
‫سفَ حَتّى َتكُونَ حَ َرضًا َأوْ َتكُونَ مِنَ ا ْلهَاِلكِينَ (‪ )85‬قَالَ إِ ّنمَا َأ ْ‬
‫تَاللّهِ َتفْتَأُ تَ ْذكُرُ يُو ُ‬
‫إِلَى اللّ ِه وَأَعَْلمُ مِنَ اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ (‪} )86‬‬
‫سكُمْ َأمْرًا‬
‫سوَّلتْ َل ُكمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫قال لهم كما قال لهم حين جاءوا على قميص يوسف بدم كذب ‪َ { :‬بلْ َ‬
‫جمِيلٌ }‬
‫َفصَبْرٌ َ‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬لما جاءوا يعقوب وأخبروه بما يجري اتهمهم ‪ ،‬وظن أنها كفعلتهم بيوسف‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جمِيلٌ } (‪.)6‬‬
‫سكُمْ َأمْرًا َفصَبْرٌ َ‬
‫سوَّلتْ َلكُمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫{ قَالَ َبلْ َ‬
‫وقال بعض الناس ‪ :‬لما كان صنيعهم (‪ )7‬هذا مرتبا على فعلهم الول ‪ ،‬سُحب (‪ )8‬حكم الول‬
‫جمِيلٌ }‬
‫سكُمْ َأمْرًا َفصَبْرٌ َ‬
‫سوَّلتْ َلكُمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫عليه ‪ ،‬وصح قوله ‪َ { :‬بلْ َ‬
‫ثم ترجى (‪ )9‬من ال أن يرد عليه أولده الثلثة ‪ :‬يوسف وأخاه بنيامين ‪ ،‬وروبيل الذي أقام بديار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أحكم الحاكمين" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يسرق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سرق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سألناه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬صبرنا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬اسحب" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬استحب"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬يرجى"‪.‬‬

‫( ‪)4/304‬‬

‫مصر ينتظر أمر ال فيه ‪ ،‬إما أن يرضى عنه أبوه فيأمره بالرجوع إليه ‪ ،‬وإما أن يأخذ أخاه خفية‬
‫حكِيمُ } في‬
‫جمِيعًا إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ } أي ‪ :‬العليم بحالي ‪ { ،‬الْ َ‬
‫عسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي ِب ِهمْ َ‬
‫؛ ولهذا قال ‪َ { :‬‬
‫أفعاله وقضائه وقدره‪.‬‬
‫سفَ } أي ‪ :‬أعرض عن بنيه وقال متذكرا حُزنَ يوسف‬
‫سفَى عَلَى يُو ُ‬
‫{ وَ َتوَلّى عَ ْن ُه ْم َوقَالَ يَا أَ َ‬
‫سفَ } جَدّد له حزنُ البنين (‪ )1‬الحزن الدفين‪.‬‬
‫سفَى عَلَى يُو ُ‬
‫القديم الول ‪ { :‬يَا َأ َ‬
‫صفُريّ ‪ ،‬عن سعيد بن جبير أنه قال ‪ :‬لم يعط‬
‫قال عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا الثوري ‪ ،‬عن سفيان ال ُع ْ‬
‫سفَى عَلَى‬
‫أحد غيرَ هذه المة السترجاع ‪ ،‬أل تسمعون إلى قول يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ { :‬يَا أَ َ‬
‫ضتْ عَيْنَاهُ مِنَ ا ْلحُزْنِ َف ُهوَ َكظِيمٌ } أي ‪ :‬ساكت ل يشكو أمره إلى مخلوق (‪ )2‬قاله‬
‫سفَ وَابْ َي ّ‬
‫يُو ُ‬
‫قتادة وغيره‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪َ { :‬ف ُهوَ كَظِيمٌ } كميد حزين‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة [حدثنا أبو موسى] ‪ ،‬عن علي بن زيد (‪)3‬‬
‫عن الحسن ‪ ،‬عن الحنف بن قيس ‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن داود عليه السلم ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب ‪ ،‬فاجعلني لهم رابعا‪ .‬فأوحى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال تعالى إليه أن يا داود ‪ ،‬إن إبراهيم ألقي في النار بسببي فصبر ‪ ،‬وتلك بلية لم تنلك ‪ ،‬وإن‬
‫إسحاق بذل مهجة (‪ )4‬دمه في سببي فصبر ‪ ،‬وتلك بلية لم تنلك ‪ ،‬وإن يعقوب أخذت منه حبيبه‬
‫حتى ابيضت عيناه من الحزن ‪ ،‬فصبر ‪ ،‬وتلك بلية لم تنلك"‪.‬‬
‫وهذا مرسل ‪ ،‬وفيه نكارة (‪ )5‬؛ فإن الصحيح أن إسماعيل هو الذبيح ‪ ،‬ولكن علي بن زيد بن‬
‫جدْعَان له مناكير وغرائب كثيرة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأقرب ما في هذا أن يكون قد حكاه الحنف بن قيس ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬عن بني (‪ )6‬إسرائيل ككعب‬
‫ووهب ونحوهما ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬فإن السرائيليين ينقلون أن يعقوب كتب إلى يوسف لما احتبس‬
‫أخاه بسبب السرقة يتلطف له في رده ‪ ،‬ويذكر له أنهم أهل بيت مصابون بالبلء ‪ ،‬فإبراهيم ابتلي‬
‫بالنار ‪ ،‬وإسحاق بالذبح ‪ ،‬ويعقوب بفراق يوسف ‪ ،‬في حديث طويل ل يصح ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬فعند‬
‫سفَ }‬
‫ذلك رق له بنوه ‪ ،‬وقالوا له على سبيل الرفق به والشفقة عليه ‪ { :‬قَالُوا تَاللّهِ َتفْتَأُ تَ ْذكُرُ يُو ُ‬
‫أي ‪ :‬ل تفارق تَ َذكّر يوسف ‪ { ،‬حَتّى َتكُونَ حَ َرضًا } أي ‪ :‬ضعيف الجسم ‪ ،‬ضعيف القوة ‪َ { ،‬أوْ‬
‫َتكُونَ مِنَ ا ْلهَاِلكِينَ } يقولون ‪ :‬وإن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلك والتلف‪.‬‬
‫شكُو بَثّي وَحُزْنِي }‬
‫شكُو بَثّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ } أي ‪ :‬أجابهم عما قالوا بقوله ‪ { :‬إِ ّنمَا أَ ْ‬
‫{ قَالَ إِ ّنمَا َأ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الثنين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير عبد الرزاق (‪ )1/284‬وروى موصول ول يصح‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬مهجته"‬
‫(‪ )5‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ )11/554‬عن عفان ‪ ،‬عن حماد بن سلمة به‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬عن بعض بني"‪.‬‬

‫( ‪)4/405‬‬

‫أي ‪ :‬همي وما أنا فيه { إِلَى اللّهِ } وحده { وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬أرجو منه كل‬
‫خير‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ { :‬وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ } [يعني رؤيا يوسف أنها صدق وأن ال ل بد أن‬
‫يظهرها وينجزها‪ .‬وقال العوفي عن ابن عباس ‪ { :‬وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ } (‪ )1‬أعلم أن‬
‫رؤيا يوسف صادقة ‪ ،‬وأني سوف أسجد له‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غَنَيّة ‪ ،‬عن‬
‫حفص بن عمر بن أبي الزبير ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬كان ليعقوب النبي ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أخ مُؤاخ له ‪ ،‬فقال له ذات يوم ‪ :‬ما الذي‬
‫أذهب بصرك وقوّس ظهرك ؟ قال ‪ :‬الذي (‪ )2‬أذهب بصري البكاء (‪ )3‬على يوسف ‪ ،‬وأما الذي‬
‫قوس ظهري فالحزن على بنيامين ‪ ،‬فأتاه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا يعقوب ‪ ،‬إن ال يُقرئك‬
‫السلم ويقول لك ‪ :‬أما تستحيي أن تشكوني إلى غيري ؟ فقال يعقوب ‪ :‬إنما أشكو بثي وحزني‬
‫إلى ال‪ .‬فقال جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬ال أعلم بما تشكو" (‪.)4‬‬
‫وهذا حديث غريب ‪ ،‬فيه نكارة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أما الذي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فالبكاء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/348‬من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن يحيى بن عبد‬
‫الملك بن أبي غنية ‪ ،‬عن حفص بن عمر ابن الزبير ‪ ،‬عن أنس بنحوه ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬حفص بن‬
‫عمر بن الزبير ‪ ،‬وأظن الزبير وهما من الراوي فإنه حفص بن عمر بن عبد ال بن أبي طلحة‬
‫النصاري"‪ .‬ورواه إسحاق بن راهويه ومن طريقه الحاكم في المستدرك (‪ )2/348‬من طريق‬
‫يحيى بن عبد الملك ‪ ،‬عن أنس بن مالك مرسل‪ .‬ورواه ابن أبي الدنيا في "الفرج بعد الشدة" برقم‬
‫(‪ )47‬من طريق زافر بن سليمان عن يحيى بن عبد الملك عن رجل ‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي‬
‫ال عنه مرفوعا‪ .‬ورواه الطبراني في الوسط برقم (‪" )3341‬مجمع البحرين" من طريق وهب بن‬
‫بقية عن يحيى بن عبد المطلب عن حصين بن عمر الحمسي عن أبي الزبير عن أنس مرفوعا‪.‬‬
‫وبهذا يتبين أن الحديث مضطرب‪.‬‬

‫( ‪)4/406‬‬

‫ف وَأَخِي ِه وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ َروْحِ اللّهِ إِنّهُ لَا يَيْ َئسُ مِنْ َروْحِ اللّهِ إِلّا‬
‫س َ‬
‫يَا بَ ِنيّ اذْهَبُوا فَ َتحَسّسُوا مِنْ يُو ُ‬
‫ا ْل َقوْمُ ا ْلكَافِرُونَ (‪ )87‬فََلمّا دَخَلُوا عَلَ ْيهِ قَالُوا يَا أَ ّيهَا ا ْلعَزِيزُ مَسّنَا وَأَ ْهلَنَا الضّ ّر وَجِئْنَا بِ ِبضَاعَةٍ مُ ْزجَاةٍ‬
‫ل وَ َتصَدّقْ عَلَيْنَا إِنّ اللّهَ يَجْزِي ا ْلمُ َتصَ ّدقِينَ (‪)88‬‬
‫فََأوْفِ لَنَا ا ْلكَ ْي َ‬

‫سفَ وَأَخِي ِه وَل تَيْأَسُوا مِنْ َروْحِ اللّهِ إِنّهُ ل يَيْئَسُ مِنْ َروْحِ اللّهِ إِل‬
‫حسّسُوا مِنْ يُو ُ‬
‫{ يَا بَ ِنيّ اذْهَبُوا فَتَ َ‬
‫ا ْل َقوْمُ ا ْلكَافِرُونَ (‪ )87‬فََلمّا دَخَلُوا عَلَ ْيهِ قَالُوا يَا أَ ّيهَا ا ْلعَزِيزُ مَسّنَا وَأَ ْهلَنَا الضّ ّر وَجِئْنَا بِ ِبضَاعَةٍ مُ ْزجَاةٍ‬
‫ل وَ َتصَدّقْ عَلَيْنَا إِنّ اللّهَ يَجْزِي ا ْلمُ َتصَ ّدقِينَ (‪} )88‬‬
‫فََأوْفِ لَنَا ا ْلكَ ْي َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إنه ندب بنيه على (‪ )1‬الذهاب في الرض ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين‪.‬‬
‫والتحسس (‪ )2‬يكون في الخير ‪ ،‬والتجسس يستعمل في الشر‪.‬‬
‫و َنهّضهم وبشرهم وأمرهم أل ييأسوا من روح ال ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يقطعوا رجاءهم وأملهم من ال فيما‬
‫يرومونه ويقصدونه (‪ )3‬فإنه ل يقطع الرجاء ‪ ،‬ويقطع الياس من ال إل القوم الكافرون (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلمّا دَخَلُوا عَلَ ْيهِ } تقدير الكلم ‪ :‬فذهبوا فدخلوا بلد (‪ )5‬مصر ‪ ،‬ودخلوا على يوسف ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬والتجسس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويقصدون له"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الكافرين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬بلد"‪.‬‬

‫( ‪)4/406‬‬

‫{ قَالُوا يَا أَ ّيهَا ا ْلعَزِيزُ مَسّنَا وَأَهْلَنَا الضّرّ } يعنون من الجدب والقحط وقلة الطعام ‪ { ،‬وَجِئْنَا‬
‫بِ ِبضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ } أي ‪ :‬ومعنا ثمن الطعام الذي تمتاره ‪ ،‬وهو ثمن قليل‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫وغير واحد‪.‬‬
‫خلَق الغِرارة ‪ ،‬والحبل ‪ ،‬والشيء ‪ ،‬وفي رواية عنه‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬الرديء (‪ )1‬ل يَنفُق ‪ ،‬مثل َ‬
‫‪ :‬الدراهم الرديئة التي ل تجوز إل بنقصان‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬والّسدي‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير [وعكرمة] (‪ )2‬هي الدراهم الفُسُول‪.‬‬
‫وقال أبو صالح ‪ :‬هو الصنوبر وحبة الخضراء‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬كاسدة ل تنفق‪.‬‬
‫حبّ ال ُبطْم الخضر والصنوبر‪.‬‬
‫وقال أبو صالح ‪ :‬جاءوا ب َ‬
‫وأصل الزجاء ‪ :‬الدفع لضعف الشيء ‪ ،‬كما قال حاتم الطائي ‪:‬‬
‫ن ضَيفٌ مُ َدفّعٌ‪ ...‬وَأرمَلَةٌ تُزْجي َمعَ الليل أرمَل (‪)3‬‬
‫ليَبْك عَلى مِلْحَا َ‬
‫وقال أعشى بني ثعلبة ‪:‬‬
‫طفَالَها (‪)4‬‬
‫الوَاهبُ المائةِ الهجَان وعَبدِها‪ ...‬عُوذًا تُ َزجّي خَ ْلفَها أ ْ‬
‫وقوله إخبارا عنهم ‪ { :‬فََأ ْوفِ لَنَا ا ْلكَ ْيلَ } أي ‪ :‬أعطنا بهذا الثمن القليل ما كنت تعطينا قبل ذلك‪.‬‬
‫وقرأ ابن مسعود ‪" :‬فأوقرْ ركابنا وتصدق علينا"‪.‬‬
‫وقال ابن جريج ‪ { :‬وَ َتصَدّقْ عَلَيْنَا } برَدّ أخينا إلينا‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علَيْنَا } يقولون ‪ :‬تصدق علينا بقبض هذه البضاعة‬
‫وقال سعيد بن جبير والسدي ‪ { :‬وَ َتصَدّقْ َ‬
‫المزجاة ‪ ،‬وتجوز فيها‪.‬‬
‫وسئل سفيان بن عُيُيْنَة ‪ :‬هل حرمت الصدقة على أحد من النبياء قبل النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ؟ فقال ‪ :‬ألم تسمع قوله ‪ { :‬فََأ ْوفِ لَنَا ا ْلكَ ْيلَ وَ َتصَدّقْ عَلَيْنَا إِنّ اللّهَ َيجْزِي ا ْلمُ َتصَ ّدقِينَ } رواه‬
‫ابن جرير عن الحارث ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عنه (‪.)6( )5‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا الحارث ‪ ،‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا مروان بن معاوية ‪ ،‬عن عثمان بن السود‬
‫‪ :‬سمعت مجاهدا وسئل ‪ :‬هل يكره أن يقول الرجل في دعائه ‪ :‬اللهم تصدق علي ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫إنما الصدقة لمن يبتغي الثواب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الردي الذي ل "‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيت في تفسير الطبري (‪.)16/235‬‬
‫(‪ )4‬البيت في تفسير الطبري (‪.)16/235‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬به"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)16/242‬‬

‫( ‪)4/407‬‬

‫سفُ‬
‫سفُ قَالَ أَنَا يُو ُ‬
‫ف وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (‪ )89‬قَالُوا أَئِ ّنكَ لَأَ ْنتَ يُو ُ‬
‫س َ‬
‫قَالَ َهلْ عَِلمْتُمْ مَا َفعَلْتُمْ بِيُو ُ‬
‫حسِنِينَ (‪ )90‬قَالُوا تَاللّهِ‬
‫ق وَ َيصْبِرْ فَإِنّ اللّهَ لَا ُيضِيعُ َأجْرَ ا ْلمُ ْ‬
‫وَهَذَا َأخِي قَدْ مَنّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنّهُ مَنْ يَتّ ِ‬
‫حمُ‬
‫َلقَدْ آَثَ َركَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنّا َلخَاطِئِينَ (‪ )91‬قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَ ْيكُمُ الْ َيوْمَ َي ْغفِرُ اللّهُ َل ُك ْم وَ ُهوَ أَرْ َ‬
‫حمِينَ (‪)92‬‬
‫الرّا ِ‬

‫سفُ قَالَ أَنَا‬


‫ك ل ْنتَ يُو ُ‬
‫ف وَأَخِيهِ إِذْ أَنْ ُتمْ جَاهِلُونَ (‪ )89‬قَالُوا أَئِ ّن َ‬
‫س َ‬
‫{ قَالَ َهلْ عَِلمْتُمْ مَا َفعَلْتُمْ بِيُو ُ‬
‫ق وَ َيصْبِرْ فَإِنّ اللّهَ ل ُيضِيعُ أَجْرَ ا ْل ُمحْسِنِينَ (‪)90‬‬
‫سفُ وَ َهذَا َأخِي َقدْ مَنّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنّهُ مَنْ يَتّ ِ‬
‫يُو ُ‬
‫قَالُوا تَاللّهِ َلقَدْ آثَ َركَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنّا لَخَاطِئِينَ (‪ )91‬قَالَ ل تَثْرِيبَ عَلَ ْيكُمُ الْ َيوْمَ َي ْغفِرُ اللّهُ َل ُك ْم وَ ُهوَ‬
‫حمِينَ (‪} )92‬‬
‫حمُ الرّا ِ‬
‫أَرْ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد‬
‫والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب ‪ ،‬وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه ‪ ،‬مع ما هو‬
‫فيه من الملك والتصرف والسعة ‪ ،‬فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وبدره البكاء ‪ ،‬فتعرف إليهم ‪ ،‬يقال (‪ )1‬إنه رفع التاج عن جبهته ‪ ،‬وكان فيها شامة ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫ف وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } ؟ يعني ‪ :‬كيف فرقوا بينه وبينه { إِذْ أَنْ ُتمْ‬
‫س َ‬
‫{ َهلْ عَِلمْ ُتمْ مَا َفعَلْتُمْ بِيُو ُ‬
‫جَا ِهلُونَ } أي ‪ :‬إنما حملكم على هذا (‪ )2‬الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه ‪ ،‬كما قال بعض‬
‫جهَالَةٍ } إلى‬
‫عمِلُوا السّوءَ ِب َ‬
‫السلف ‪ :‬كل من عصى ال فهو جاهل ‪ ،‬وقرأ ‪ُ { :‬ثمّ إِنّ رَ ّبكَ لِلّذِينَ َ‬
‫قوله ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ مِنْ َبعْدِهَا َلغَفُورٌ رَحِيمٌ } [النحل ‪.]119 :‬‬
‫والظاهر ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إنما تعرف إليهم بنفسه ‪ ،‬بإذن ال له في‬
‫ذلك ‪ ،‬كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الوليين (‪ )3‬بأمر ال تعالى له في ذلك ‪ ،‬وال‬
‫أعلم ‪ ،‬ولكن لما ضاق الحال واشتد المر ‪ ،‬فَرّج ال تعالى من ذلك الضيق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ك ل ْنتَ‬
‫{ فَإِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ يُسْرًا إِنّ مَعَ ا ْل ُعسْرِ يُسْرًا } (‪[ )4‬الشرح ‪ ، ]6 ، 5 :‬فعند ذلك قالوا ‪ { :‬أَئِ ّن َ‬
‫سفُ } ؟‬
‫يُو ُ‬
‫سفُ"‪ .‬والقراءة‬
‫سفُ" ‪ ،‬وقرأ ابن مُحَ ْيصِن ‪" :‬إنّك لنتَ (‪ )6‬يُو ُ‬
‫وقرأ أبيّ بن كعب ‪" :‬أو أنت (‪ )5‬يُو ُ‬
‫المشهورة هي الولى ؛ لن الستفهام يدل على الستعظام ‪ ،‬أي ‪ :‬إنهم تَعجّبوا من ذلك أنهم‬
‫يترددون إليه من سنتين وأكثر ‪ ،‬وهم ل يعرفونه ‪ ،‬وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه ‪ ،‬فلهذا قالوا‬
‫سفُ وَ َهذَا أَخِي } { َقدْ مَنّ اللّهُ عَلَيْنَا } أي ‪:‬‬
‫سفُ قَالَ أَنَا يُو ُ‬
‫ك ل ْنتَ يُو ُ‬
‫على سبيل الستفهام ‪ { :‬أَئِ ّن َ‬
‫بجمعه بيننا بعد التفرقة وبعد المدة ‪ { ،‬إِنّهُ مَنْ يَتّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنّ اللّهَ ل ُيضِيعُ أَجْرَ ا ْلمُحْسِنِينَ قَالُوا‬
‫تَاللّهِ َلقَدْ آثَ َركَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنّا لَخَاطِئِينَ } يقولون معترفين له بالفضل والثرة عليهم في الخلق‬
‫والخلق ‪ ،‬والسعة والملك ‪ ،‬والتصرف والنبوة أيضا ‪ -‬على قول من لم يجعلهم أنبياء ‪ -‬وأقروا له‬
‫بأنهم أساءوا إليه وأخطئوا في حقه‪.‬‬
‫{ قَالَ ل تَثْرِيبَ عَلَ ْيكُمُ الْ َيوْمَ } يقول ‪ :‬ل تأنيب عليكم ول عَتْب عليكم اليوم ‪ ،‬ول أعيد (‪ )7‬ذنبكم‬
‫في حقي بعد اليوم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الولتين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أو إنك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأنت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول أعيد عليكم"‪.‬‬

‫( ‪)4/408‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج َمعِينَ (‪ )93‬وََلمّا َفصَلَتِ‬
‫جهِ أَبِي يَ ْأتِ َبصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهِْلكُمْ أَ ْ‬
‫اذْهَبُوا ِب َقمِيصِي َهذَا فَأَ ْلقُوهُ عَلَى وَ ْ‬
‫سفَ َلوْلَا أَنْ ُتفَنّدُونِ (‪ )94‬قَالُوا تَاللّهِ إِ ّنكَ َلفِي ضَلَاِلكَ ا ْلقَدِيمِ (‪)95‬‬
‫ا ْلعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنّي لََأجِدُ رِيحَ يُو ُ‬

‫حمِينَ }‬
‫ثم زادهم الدعاء لهم بالمغفرة فقال ‪َ { :‬ي ْغفِرُ اللّهُ َلكُ ْم وَ ُهوَ أَ ْرحَمُ الرّا ِ‬
‫قال السدي ‪ :‬اعتذروا إلى يوسف ‪ ،‬فقال ‪ { :‬ل تَثْرِيبَ عَلَ ْيكُمُ الْ َيوْمَ } يقول ‪ :‬ل أذكر لكم ذنبكم‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق والثوري ‪ { :‬ل تَثْرِيبَ عَلَ ْيكُمُ [الْ َيوْمَ] } (‪ )1‬أي ‪ :‬ل تأنيب عليكم اليوم عندي فيما‬
‫حمِينَ }‬
‫حمُ الرّا ِ‬
‫صنعتم { َي ْغفِرُ اللّهُ َلكُمْ } أي ‪ :‬يستر ال عليكم فيما فعلتم ‪ { ،‬وَ ُهوَ أَرْ َ‬
‫ج َمعِينَ (‪ )93‬وََلمّا َفصََلتِ‬
‫{ اذْهَبُوا ِب َقمِيصِي هَذَا فَأَ ْلقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَ ْأتِ َبصِيرًا وَأْتُونِي بَِأهِْلكُمْ َأ ْ‬
‫سفَ َلوْل أَنْ ُتفَنّدُونِ (‪ )94‬قَالُوا تَاللّهِ إِ ّنكَ َلفِي ضَلِلكَ ا ْلقَدِيمِ (‬
‫جدُ رِيحَ يُو ُ‬
‫ا ْلعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنّي ل ِ‬
‫‪} )95‬‬
‫جهِ أَبِي يَ ْأتِ َبصِيرًا } وكان قد عَميَ من كثرة البكاء‬
‫يقول ‪ :‬اذهبوا بهذا القميص ‪ { ،‬فَأَ ْلقُوهُ عَلَى وَ ْ‬
‫ج َمعِينَ } أي ‪ :‬بجميع بني يعقوب‪.‬‬
‫‪ { ،‬وَأْتُونِي بِأَهِْلكُمْ َأ ْ‬
‫{ وََلمّا َفصََلتِ ا ْلعِيرُ } أي ‪ :‬خرجت من مصر ‪ { ،‬قَالَ أَبُوهُمْ } يعني ‪ :‬يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫سفَ َلوْل أَنْ ُتفَنّدُونِ } تنسبوني إلى الفَنَد والكِبَر‪.‬‬
‫لمن بقي عنده من بنيه ‪ { :‬إِنّي لجِدُ رِيحَ يُو ُ‬
‫قال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي سِنَان ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي ال ُهذَيْل قال ‪ :‬سمعت ابن‬
‫عباس يقول ‪ { :‬وََلمّا َفصََلتِ ا ْلعِيرُ } قال ‪ :‬لما خرجت العير ‪ ،‬هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح‬
‫سفَ َلوْل أَنْ ُتفَنّدُونِ } قال ‪ :‬فوجد ريحه من مسيرة‬
‫قميص يوسف فقال ‪ { :‬إِنّي لجِدُ رِيحَ يُو ُ‬
‫ثمانية أيام (‪.)2‬‬
‫وكذا رواه سفيان الثوري ‪ ،‬وشعبة ‪ ،‬وغيرهما عن أبي سِنَان ‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال الحسن وابن جُرَيْج ‪ :‬كان بينهما ثمانون فرسخا ‪ ،‬وكان بينه وبينه منذ افترقا ثمانون سنة‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬لوْل أَنْ ُتفَنّدُونِ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪:‬‬
‫سفّهون‪.‬‬
‫تُ َ‬
‫وقال مجاهد أيضا ‪ ،‬والحسن ‪ :‬تُهرّمون‪.‬‬
‫وقولهم ‪ { :‬إِ ّنكَ َلفِي ضَلِلكَ ا ْلقَدِيمِ } قال ابن عباس ‪ :‬لفي خطئك القديم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أي من حب يوسف ل تنساه ول تسله ‪ ،‬قالوا لوالدهم كلمةً غليظة ‪ ،‬لم يكن ينبغي‬
‫لهم أن يقولوها لوالدهم ‪ ،‬ول لنبي ال صلى ال عليه وسلم (‪ )3‬وكذا قال السدي ‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/286‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/409‬‬

‫ج ِههِ فَارْتَدّ َبصِيرًا قَالَ أََلمْ َأ ُقلْ َلكُمْ إِنّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لَا َتعَْلمُونَ (‬
‫فََلمّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَ ْلقَاهُ عَلَى وَ ْ‬
‫س ْوفَ َأسْ َت ْغفِرُ َل ُكمْ رَبّي إِنّهُ ُهوَ‬
‫‪ )96‬قَالُوا يَا أَبَانَا اسْ َتغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنّا كُنّا خَاطِئِينَ (‪ )97‬قَالَ َ‬
‫ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪)98‬‬

‫جهِهِ فَارْ َتدّ َبصِيرًا قَالَ أَلَمْ َأ ُقلْ َلكُمْ إِنّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ‬
‫{ فََلمّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَ ْلقَاهُ عَلَى وَ ْ‬
‫س ْوفَ َأسْ َت ْغفِرُ َل ُكمْ رَبّي إِنّهُ ُهوَ‬
‫(‪ )96‬قَالُوا يَا أَبَانَا اسْ َتغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنّا كُنّا خَاطِئِينَ (‪ )97‬قَالَ َ‬
‫ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪} )98‬‬
‫قال ابن عباس والضحاك ‪ { :‬الْبَشِيرُ } البريد‪.‬‬
‫وقال مجاهد والسدي ‪ :‬كان يهوذا بن يعقوب‪.‬‬
‫قال السدي ‪ :‬إنما جاء به لنه هو الذي جاء بالقميص وهو ملطخ بدم كَذب ‪ ،‬فأراد (‪ )1‬أن يغسل‬
‫ذلك بهذا ‪ ،‬فجاء بالقميص فألقاه على وجه أبيه ‪ ،‬فرجع بصيرا‪.‬‬
‫علَمُ مِنَ اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬أعلم أن ال سيرده‬
‫وقال لبنيه عند ذلك ‪ { :‬أَلَمْ َأ ُقلْ َلكُمْ إِنّي أَ ْ‬
‫سفَ َلوْل أَنْ ُتفَنّدُونِ } ؟‪ .‬فعند ذلك قالوا لبيهم مترفقين له ‪:‬‬
‫جدُ رِيحَ يُو ُ‬
‫إليّ ‪ ،‬وقلت لكم ‪ { :‬إِنّي ل ِ‬
‫سوْفَ أَسْ َت ْغفِرُ َلكُمْ رَبّي إِنّهُ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ } أي‬
‫{ يَا أَبَانَا اسْ َت ْغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنّا كُنّا خَاطِئِينَ قَالَ َ‬
‫‪ :‬من تاب إليه تاب عليه‪.‬‬
‫قال ابن مسعود ‪ ،‬وإبراهيم التّ ْي ِميّ ‪ ،‬وعمرو بن قيس ‪ ،‬وابن جُرَيْج وغيرهم ‪ :‬أرجأهم إلى وقت‬
‫السّحَر‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني أبو السائب ‪ ،‬حدثنا ابن إدريس ‪ ،‬سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر‬
‫عن محارب بن دثار قال ‪ :‬كان عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يأتي المسجد فيسمع (‪ )2‬إنسانا يقول ‪:‬‬
‫"اللهم دعوتني فأجبت ‪ ،‬وأمرتني فأطعت ‪ ،‬وهذا السّحَرُ فاغفر لي"‪ .‬قال ‪ :‬فاستمع الصوت فإذا هو‬
‫من دار عبد ال بن مسعود‪ .‬فسأل عبد ال عن ذلك فقال ‪ :‬إن يعقوب أخّر بنيه إلى السحر بقوله ‪:‬‬
‫سوْفَ أَسْ َت ْغفِرُ َلكُمْ رَبّي } (‪)3‬‬
‫{ َ‬
‫وقد ورد في الحديث أن ذلك كان ليلة جمعة ‪ ،‬كما قال ابن جرير ‪ :‬أيضا ‪ :‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا‬
‫سليمان بن عبد الرحمن أبو (‪ )4‬أيوب الدمشقي ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬أنبأنا ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن عطاء‬
‫س ْوفَ أَسْ َت ْغفِرُ َلكُمْ رَبّي }‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬‬
‫وِ‬
‫يقول ‪ :‬حتى تأتي ليلة الجمعة ‪ ،‬وهو قول أخي يعقوب لبنيه (‪.)5‬‬
‫وهذا غريب من هذا الوجه ‪ ،‬وفي رفعه نظر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فأحب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فسمع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)16/261‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )16/262‬وهذا إسناد فيه ثلث علل ‪ :‬الولى ‪ :‬عنعنه ابن جريج وهو مدلس‬
‫لم يصرح بالسماع‪ .‬الثانية ‪ :‬الوليد بن مسلم القرشي كان يهم في رفع الحاديث ويدلس تدليس‬
‫التسوية‪ .‬الثالثة ‪ :‬سليمان بن عبد الرحمن تكلم فيه من جهة حفظه وبمثل هذا السند روي حديث‬
‫دعاء نسيان القرآن ‪ ،‬وسبق الكلم عليه في فضائل القرآن‪.‬‬

‫( ‪)4/410‬‬

‫سفَ َآوَى إِلَ ْيهِ أَ َبوَيْ ِه َوقَالَ ا ْدخُلُوا ِمصْرَ إِنْ شَاءَ اللّهُ َآمِنِينَ (‪ )99‬وَ َرفَعَ أَ َبوَيْهِ‬
‫فََلمّا َدخَلُوا عَلَى يُو ُ‬
‫حقّا َوقَدْ َأحْسَنَ‬
‫جعََلهَا رَبّي َ‬
‫ش وَخَرّوا لَهُ سُجّدًا َوقَالَ يَا أَ َبتِ هَذَا تَ ْأوِيلُ ُرؤْيَايَ مِنْ قَ ْبلُ َقدْ َ‬
‫عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫خوَتِي إِنّ‬
‫ن وَجَاءَ ِبكُمْ مِنَ الْ َب ْدوِ مِنْ َبعْدِ أَنْ نَ َزغَ الشّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِ ْ‬
‫بِي إِذْ َأخْرَجَنِي مِنَ السّجْ ِ‬
‫حكِيمُ (‪)100‬‬
‫رَبّي لَطِيفٌ ِلمَا يَشَاءُ إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ ا ْل َ‬

‫سفَ آوَى إِلَيْهِ أَ َبوَيْ ِه َوقَالَ ادْخُلُوا ِمصْرَ إِنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ (‪ )99‬وَ َرفَعَ أَ َبوَيْهِ‬
‫{ فََلمّا دَخَلُوا عَلَى يُو ُ‬
‫حقّا َوقَدْ َأحْسَنَ‬
‫جعََلهَا رَبّي َ‬
‫ش وَخَرّوا لَهُ سُجّدًا َوقَالَ يَا أَ َبتِ هَذَا تَ ْأوِيلُ ُرؤْيَايَ مِنْ قَ ْبلُ َقدْ َ‬
‫عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫خوَتِي إِنّ‬
‫ن وَجَاءَ ِبكُمْ مِنَ الْ َب ْدوِ مِنْ َبعْدِ أَنْ نزغَ الشّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِ ْ‬
‫بِي إِذْ َأخْرَجَنِي مِنَ السّجْ ِ‬
‫حكِيمُ (‪} )100‬‬
‫رَبّي لَطِيفٌ ِلمَا يَشَاءُ إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ ا ْل َ‬
‫يخبر تعالى عن ورود يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وقدومه بلد (‪)1‬‬
‫مصر ‪ ،‬لما كان يوسف قد تقدم إلى إخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين ‪ ،‬فتحملوا عن آخرهم وترحلوا‬
‫من بلد كنعان قاصدين بلد (‪ )2‬مصر ‪ ،‬فلما أخبر يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬باقترابهم خرج لتلقيهم‬
‫‪ ،‬وأمر [الملك] (‪ )3‬أمراءه وأكابر الناس بالخروج [مع يوسف] (‪ )4‬لتلقي نبي ال يعقوب ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬ويقال ‪ :‬إن الملك خرج أيضا لتلقيه ‪ ،‬وهو الشبه‪.‬‬
‫وقد أشكل قوله ‪ { :‬آوَى إِلَيْهِ أَ َبوَيْ ِه َوقَالَ ادْخُلُوا ِمصْرَ } على كثير (‪ )5‬من المفسرين ‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم ‪ :‬هذا من المقدم والمؤخر ‪ ،‬ومعنى الكلم ‪َ { :‬وقَالَ ا ْدخُلُوا ِمصْرَ إِنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ }‬
‫وآوى إليه أبويه ‪ ،‬ورفعهما على العرش‪.‬‬
‫وقد رد ابن جرير هذا‪ .‬وأجاد في ذلك‪ .‬ثم اختار ما حكاه عن السّدّي ‪ :‬أن يوسف آوى إليه أبويه‬
‫لما تلقاهما ‪ ،‬ثم لما وصلوا باب البلد قال ‪ { :‬ا ْدخُلُوا ِمصْرَ إِنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ }‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وفي هذا نظر أيضا ؛ لن اليواء إنما يكون في المنزل ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬آوَى إِلَ ْيهِ أَخَاهُ } وفي الحديث‬
‫‪" :‬من أوى محدثا" وما المانع أن يكون قال لهم بعدما دخلوا عليه وآواهم إليه ‪ { :‬ادْخُلُوا ِمصْرَ }‬
‫وضمّنه ‪ :‬اسكنوا مصر { إِنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ } أي ‪ :‬مما كنتم فيه من الجهد والقحط ‪ ،‬ويقال ‪-‬‬
‫وال أعلم ‪ : -‬إن ال تعالى رفع عن أهل مصر بقية السنين المجدبة ببركة قدوم يعقوب عليهم ‪،‬‬
‫كما رفع بقية السنين التي دعا بها رسول ال صلى ال عليه وسلم على أهل مكة حين قال ‪" :‬اللهم‬
‫أعني عليهم بسبع كسبع يوسف" ‪ ،‬ثم لما تضرعوا إليه واستشفعوا لديه ‪ ،‬وأرسلوا أبا سفيان في‬
‫ذلك ‪ ،‬فدعا لهم ‪ ،‬فَ ُرفِعَ عنهم بقية ذلك ببركة دعائه ‪ ،‬عليه السلم (‪.)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬آوَى إِلَ ْيهِ أَ َبوَيْهِ } قال السدي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬إنما كان أباه (‪)7‬‬
‫وخالته ‪ ،‬وكانت أمه قد ماتت قديما‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق وابن جرير ‪ :‬كان أبوه وأمه يعيشان‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬ولم يقم دليل على موت أمه ‪ ،‬وظاهر القرآن يدل على حياتها‪ .‬وهذا الذي نصره‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ديار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬كثيرين"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )1007‬من حديث عبد ال بن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أبوه"‪.‬‬

‫( ‪)4/411‬‬

‫هو المنصور الذي يدل عليه السياق‪.‬‬


‫علَى ا ْلعَرْشِ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬يعني السرير ‪ ،‬أي‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َرفَعَ أَ َبوَيْهِ َ‬
‫‪ :‬أجلسهما معه على سريره‪.‬‬
‫سجّدًا } أي ‪ :‬سجد له أبواه وإخوته الباقون ‪ ،‬وكانوا أحد عشر رجل { َوقَالَ يَا أَ َبتِ‬
‫{ وَخَرّوا َلهُ ُ‬
‫شمْسَ‬
‫حدَ عَشَرَ َك ْوكَبًا وَال ّ‬
‫هَذَا تَ ْأوِيلُ ُرؤْيَايَ مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬التي كان قصها على أبيه { إِنّي رَأَ ْيتُ أَ َ‬
‫جدِينَ } [يوسف ‪]4 :‬‬
‫وَا ْلقَمَرَ رَأَيْ ُتهُمْ لِي سَا ِ‬
‫وقد كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلّموا على الكبير يسجدون له ‪ ،‬ولم يزل هذا جائزًا من لدن‬
‫آدم إلى شريعة عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فحرم هذا في هذه الملة ‪ ،‬وجُعل السجود مختصا بجناب‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الرب سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫هذا مضمون قول قتادة وغيره‪.‬‬
‫وفي الحديث أن معاذا قدم الشام ‪ ،‬فوجدهم يسجدون لساقفتهم ‪ ،‬فلما رجع سجد لرسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما هذا يا معاذ ؟" فقال ‪ :‬إني رأيتهم يسجدون لساقفتهم ‪ ،‬وأنت أحق أن‬
‫يسجد لك يا رسول ال فقال ‪" :‬لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لحد ‪ ،‬لمرت الزوجة (‪ )1‬أن تسجد‬
‫لزوجها من عِظم (‪ )2‬حقه عليها" (‪)3‬‬
‫وفي حديث آخر ‪ :‬أن سلمان لقي النبي صلى ال عليه وسلم في بعض طُرُق المدينة ‪ ،‬وكان‬
‫سلمان حديث عهد بالسلم ‪ ،‬فسجد للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل تسجد لي يا سلمان ‪،‬‬
‫واسجد للحي الذي ل يموت" (‪.)4‬‬
‫سجّدًا ‪ ،‬فعندها قال يوسف ‪ { :‬يَا أَ َبتِ‬
‫والغرض أن هذا كان جائزا في شريعتهم ؛ ولهذا خروا له ُ‬
‫حقّا } أي ‪ :‬هذا ما آل إليه المر ‪ ،‬فإن التأويل يطلق‬
‫جعََلهَا رَبّي َ‬
‫هَذَا تَ ْأوِيلُ ُرؤْيَايَ مِنْ قَ ْبلُ قَدْ َ‬
‫على ما يصير إليه المر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬هلْ يَنْظُرُونَ إِل تَ ْأوِيلَهُ َيوْمَ يَأْتِي تَ ْأوِيلُهُ } [العراف‬
‫‪ ]53 :‬أي ‪ :‬يوم القيامة يأتيهم ما وعدوا من خير وشر‪.‬‬
‫حسَنَ بِي إِذْ‬
‫حقّا } أي ‪ :‬صحيحة صِدْقا ‪ ،‬يذكر نعم ال عليه ‪َ { ،‬وقَدْ أَ ْ‬
‫جعََلهَا رَبّي َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬قدْ َ‬
‫ن وَجَاءَ ِب ُكمْ مِنَ الْبَ ْدوِ } أي ‪ :‬البادية‪.‬‬
‫أَخْ َرجَنِي مِنَ السّجْ ِ‬
‫قال ابن جُرَيْج وغيره ‪ :‬كانوا أهل بادية وماشية‪ .‬وقال ‪ :‬كانوا يسكنون بالعَربَات من أرض‬
‫فلسطين ‪ ،‬من غور الشام‪ .‬قال ‪ :‬وبعض يقول ‪ :‬كانوا بالولج من ناحية شعب أسفل من‬
‫حسمَى ‪ ،‬وكانوا أصحاب بادية وشاء (‪ )5‬وإبل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المرأة"‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عظيم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد في المسند (‪ )4/381‬وابن ماجه في السنن برقم (‪ )1853‬من حديث معاذ رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬وصححه ابن حبان‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (‪ )2/103‬من طريق شهر بن حوشب ‪ ،‬عن سلمان رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬وسيأتي عند تفسير الية ‪ 58 :‬من سورة الفرقان‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وماشية"‪.‬‬

‫( ‪)4/412‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ت وَلِيّي فِي‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ أَ ْن َ‬
‫ك وَعَّلمْتَنِي مِنْ تَ ْأوِيلِ الَْأحَادِيثِ فَاطِرَ ال ّ‬
‫َربّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ ا ْلمُ ْل ِ‬
‫حقْنِي بِالصّالِحِينَ (‪)101‬‬
‫الدّنْيَا وَالَْآخِ َرةِ َت َوفّنِي مُسِْلمًا وَأَ ْل ِ‬

‫خوَتِي } [ثم قال] (‪ { )1‬إِنّ رَبّي لَطِيفٌ ِلمَا َيشَاءُ } أي ‪ :‬إذا‬


‫{ مِنْ َب ْعدِ أَنْ نزغَ الشّ ْيطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِ ْ‬
‫حكِيمُ } في أفعاله‬
‫أراد أمرا قيض له أسبابا ويسره وقدره ‪ { ،‬إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ } بمصالح عباده { ا ْل َ‬
‫وأقواله ‪ ،‬وقضائه وقدره ‪ ،‬وما يختاره ويريده‪.‬‬
‫قال أبو عثمان النهدي ‪ ،‬عن سليمان (‪ )2‬كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة‪.‬‬
‫قال عبد ال بن شداد ‪ :‬وإليها (‪ )3‬ينتهي أقصى الرؤيا‪ .‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب الثقفي ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ ،‬عن الحسن قال ‪:‬‬
‫كان منذ (‪ )4‬فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ‪ ،‬ثمانون سنة ‪ ،‬لم يفارق في الحزن قلبه ‪،‬‬
‫ودموعه تجري على خديه ‪ ،‬وما على وجه الرض عبد أحب إلى ال من يعقوب (‪.)5‬‬
‫وقال ُهشَيْم ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬ثلث وثمانون سنة‪.‬‬
‫وقال مبارك بن فضالة ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ‪ ،‬فغاب‬
‫عن أبيه ثمانين (‪ )6‬سنة ‪ ،‬وعاش بعد ذلك ثلثا وعشرين سنة ‪ ،‬فمات وله عشرون ومائة سنة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان بينهما خمس وثلثون سنة‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬ذُكر ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين (‪ )7‬سنة أو نحوها ‪ ،‬وأن يعقوب ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ‪ ،‬ثم قبضه ال إليه‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق السّبِيعي ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬دخل بنو إسرائيل‬
‫مصر ‪ ،‬وهم ثلثة وستون إنسانا ‪ ،‬وخرجوا منها وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن مسروق ‪ :‬دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون من بين رجل وامرأة‪ .‬وال (‪)8‬‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقال موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن محمد بن كعب القُرَظي ‪ ،‬عن عبد ال بن شداد ‪ :‬اجتمع آل يعقوب‬
‫إلى يوسف بمصر‪ .‬وهم ستة وثمانون إنسانا ‪ ،‬صغيرهم وكبيرهم ‪ ،‬وذكرهم وأنثاهم ‪ ،‬وخرجوا‬
‫منها وهم ستمائة ألف ونيف‪.‬‬
‫ت وَلِيّي فِي‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ أَ ْن َ‬
‫ك وَعَّلمْتَنِي مِنْ تَ ْأوِيلِ الحَادِيثِ فَاطِرَ ال ّ‬
‫{ َربّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ا ْلمُ ْل ِ‬
‫حقْنِي بِالصّالِحِينَ (‪} )101‬‬
‫الدّنْيَا وَالخِ َرةِ َت َوفّنِي مُسِْلمًا وَأَلْ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عن سلمان قال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وإليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬مذ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)1/273‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ثمانون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪ :‬أربعون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فال"‪.‬‬

‫( ‪)4/413‬‬

‫هذا دعاء من يوسف الصديق ‪ ،‬دعا به ربه عز وجل ‪ ،‬لما تمت النعمة عليه ‪ ،‬باجتماعه بأبويه‬
‫وإخوته ‪ ،‬وما مَنّ ال به عليه من النبوة والملك ‪ ،‬سأل ربه عز وجل ‪ ،‬كما أتم نعمته عليه في‬
‫الدنيا أن يستمر بها عليه في الخرة ‪ ،‬وأن يتوفاه مسلما حين يتوفاه‪ .‬قاله الضحاك ‪ ،‬وأن يلحقه‬
‫بالصالحين ‪ ،‬وهم إخوانه من النبيين والمرسلين ‪ ،‬صلوات ال وسلمه [عليه و] (‪ )1‬عليهم‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قاله عند احتضاره ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين عن‬
‫عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم جعل يرفع أصبعه عند الموت ‪،‬‬
‫ويقول ‪" :‬اللهم في الرفيق العلى ‪ ،‬اللهم في الرفيق العلى ‪ ،‬اللهم في الرفيق العلى" (‪.)2‬‬
‫ويحتمل أنه سأل الوفاة على السلم واللحاق بالصالحين إذا حان أجله ‪ ،‬وانقضى عمره ؛ ل أنه‬
‫سأل ذلك منجزا ‪ ،‬كما يقول الداعي لغيره ‪" :‬أماتك ال على السلم"‪ .‬ويقول الداعي ‪" :‬اللهم أحينا‬
‫مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين"‪.‬‬
‫سِلمًا‬
‫ويحتمل أنه سأل ذلك منجزًا ‪ ،‬وكان ذلك سائغا في ملتهم ‪ ،‬كما قال قتادة ‪ :‬قوله ‪َ { :‬ت َوفّنِي مُ ْ‬
‫حقْنِي بِالصّاِلحِينَ } لما جمع ال شمله وأقر عينه ‪ ،‬وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها‬
‫وَأَلْ ِ‬
‫وغضارتها ‪ ،‬فاشتاق (‪ )3‬إلى الصالحين قبله ‪ ،‬وكان ابن عباس يقول ‪ :‬ما تمنى نبي قط الموت‬
‫قبل يوسف ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫وكذا ذكر ابن جرير (‪ )4‬والسدي عن ابن عباس ‪ :‬أنه أول نبي دعا بذلك‪ .‬وهذا يحتمل أنه أول‬
‫خلَ‬
‫ي وَِلمَنْ دَ َ‬
‫غفِرْ لِي وَِلوَالِ َد ّ‬
‫من سأل الوفاة على السلم‪ .‬كما أن نوحا أول من قال ‪َ { :‬ربّ ا ْ‬
‫بَيْ ِتيَ ُم ْؤمِنًا } [نوح ‪ ]28 :‬ويحتمل أنه أول من سأل نجاز ذلك ‪ ،‬وهو ظاهر سياق قتادة ‪ ،‬ولكن‬
‫هذا ل يجوز (‪ )5‬في شريعتنا‪.‬‬
‫قال المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن صهيب‬
‫‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل يتمنين أحدكم الموت لضُرّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نزل به ‪ ،‬فإن كان ل بدّ (‪ )6‬متمنيا الموت فليقل ‪ :‬اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي ‪ ،‬وتوفني‬
‫إذا كانت الوفاة خيرًا لي" (‪.)7‬‬
‫[ورواه البخاري ومسلم ‪ ،‬وعندهما ‪ " :‬ل يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنا فيزداد ‪،‬‬
‫وإما مسيئا فلعله يستعتب ‪ ،‬ولكن ليقل ‪ :‬اللهم ‪ ،‬أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ‪ ،‬وتوفني إذا كانت‬
‫الوفاة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4437‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2444‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬واشتاق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جريج"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل يجوز هذا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كان ول بد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)3/101‬‬

‫( ‪)4/414‬‬

‫خيرًا لي" (‪.)2( ] )1‬‬


‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا ُمعُان بن رفاعة ‪ ،‬حدثني علي بن يزيد ‪ ،‬عن القاسم‬
‫‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬جلسنا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكّرنا ورقّقنا ‪ ،‬فبكى سعد بن‬
‫أبي وقاص فأكثر البكاء ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ليتني مت! فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا سعد أعندي‬
‫تتمنى الموت ؟" فردّد ذلك [ثلث] (‪ )3‬مرات ثم قال ‪" :‬يا سعد ‪ ،‬إن كنت خلقت للجنة ‪ ،‬فما طال‬
‫(‪ )4‬عمرك ‪ ،‬أو حَسُن من عملك ‪ ،‬فهو خير لك" (‪)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا أبو يونس ‪ -‬هو سُلَيم بن جُبير ‪ -‬عن‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ؛ أنه قال ‪" :‬ل يتمنين أحدكم الموت ول يدعوَن (‪)6‬‬
‫به من قبل أن يأتيه ‪ ،‬إل أن يكون قد وَثق بعمله ‪ ،‬فإنه إذا مات أحدكم انقطع عنه عمله ‪ ،‬وإنه ل‬
‫يزيد المؤمن عمره (‪ )7‬إل خيرًا" تفرد به أحمد (‪)8‬‬
‫وهذا فيما إذا كان الضر خاصا به ‪ ،‬أما إذا كان (‪ )9‬فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت ‪ ،‬كما قال‬
‫ال تعالى إخبارًا عن السحرة لما أرادهم فرعون عن دينهم وتهدّدهم بالقتل قالوا ‪ { :‬رَبّنَا َأفْ ِرغْ‬
‫عَلَيْنَا صَبْرًا وَ َت َوفّنَا ُمسِْلمِينَ } [العراف ‪ ]126 :‬وقالت مريم لما أجاءها المخاض ‪ ،‬وهو الطلق ‪،‬‬
‫إلى جذع النخلة { يَا لَيْتَنِي ِمتّ قَ ْبلَ هَذَا َوكُ ْنتُ نَسْيًا مَنْسِيّا } [مريم ‪ ]23 :‬لما تعلم من أن الناس‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقذفونها بالفاحشة ؛ لنها لم تكن ذات زوج وقد حملت وولدت ‪ ،‬فيقول القائل أنى لها هذا ؟ ولهذا‬
‫سوْءٍ‬
‫ختَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ َ‬
‫واجهوها أول بأن قالوا ‪ { :‬يَا مَرْ َيمُ َلقَدْ جِ ْئتِ شَيْئًا فَرِيّا يَا ُأ ْ‬
‫َومَا كَا َنتْ ُأ ّمكِ َبغِيّا } [مريم ‪ ]28 ، 27 :‬فجعل ال لها من ذلك الحال فرجا ومخرجا ‪ ،‬وأنطق‬
‫الصبي في المهد بأنه عبد ال ورسوله ‪ ،‬وكان (‪ )10‬آية عظيمة ومعجزة باهرة صلوات ال‬
‫وسلمه عليه (‪ )11‬وفي حديث معاذ ‪ ،‬الذي رواه المام أحمد والترمذي ‪ ،‬في قصة المنام والدعاء‬
‫الذي فيه ‪" :‬وإذا أردت بقوم فتنة ‪ ،‬فتوفني إليك غير مفتون" (‪.)12‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سلمة ‪ ،‬أنا عبد العزيز بن محمد ‪ ،‬عن عمرو عن (‪ )13‬عاصم عن‬
‫(‪ )14‬عمر بن قتادة ‪ ،‬عن محمود بن لبيد ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬اثنتان يكرههما‬
‫ابن آدم الموت ‪ ،‬والموت خير‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )6351‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2680‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فأطال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)5/266‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل يدعو"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عمله"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)2/350‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬كان فيه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪ )5/243‬وسنن الترمذي برقم (‪ .)3235‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح ‪ ،‬سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬

‫( ‪)4/415‬‬

‫للمؤمن [من الفتنة] (‪ )1‬ويكره قلة المال ‪ ،‬وقلة المال أقل للحساب" (‪.)2‬‬
‫فعند حُلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت ؛ ولهذا قال علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في آخر إمارته لما رأى أن المور ل تجتمع له ‪ ،‬ول يزداد المر إل شدة قال ‪ :‬اللهمّ ‪ ،‬خذني‬
‫إليك ‪ ،‬فقد سئمتهم وسئموني‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬لما وقعت له تلك المحن وجرى له ما جرى مع أمير خراسان ‪ :‬اللهم‬
‫توفني إليك‪.‬‬
‫وفي الحديث ‪" :‬إن الرجل ليمر بالقبر ‪ -‬أي في زمان الدجال ‪ -‬فيقول ‪ :‬يا ليتني مكانك" (‪ )3‬لما‬
‫يرى من الفتن والزلزل والبلبل والمور الهائلة التي هي فتنة لكل مفتون‪.‬‬
‫قال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬و ُذكِرَ أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا ‪ ،‬استغفر لهم أبوهم ‪،‬‬
‫فتاب ال عليهم وعفا عنهم ‪ ،‬وغفر لهم ذنوبهم‪.‬‬
‫[ذكر من قال ذلك] (‪: )4‬‬
‫حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسن ‪ ،‬حدثني حجاج ‪ ،‬عن صالح المري ‪ ،‬عن يزيد الرّقاشي ‪ ،‬عن أنس‬
‫بن مالك قال ‪ :‬إن ال تعالى لما جمع ليعقوب شمله ‪ ،‬وأقر عينه (‪ )5‬خل ولدُه نجيًا ‪ ،‬فقال بعضهم‬
‫لبعض ‪ :‬ألستم قد علمتم ما صنعتم ‪ ،‬وما لقي منكم الشيخ ‪ ،‬وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا ‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فيغرّكم عفوهما عنكم ‪ ،‬فكيف لكم بربكم ؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين‬
‫يديه ‪ ،‬ويوسف إلى جنب أبيه قاعدًا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا أبانا ‪ ،‬إنا أتيناك في أمر ‪ ،‬لم نأتك في مثله قط ‪،‬‬
‫ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله‪ .‬حتى حَرّكوه ‪ ،‬والنبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬أرحم البرية ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما‬
‫لكم يا بَنيّ ؟ قالوا ‪ :‬ألست قد علمت ما كان منا إليك ‪ ،‬وما كان منا إلى أخينا يوسف ؟ قال ‪ :‬بلى‪.‬‬
‫عفَوتما ؟ قال بلى‪ .‬قالوا ‪ :‬فإن عفوكما ل يغني عنا شيئا ‪ ،‬إن كان ال لم يعف‬
‫قالوا ‪ :‬أو لستما قد َ‬
‫عنا‪ .‬قال ‪ :‬فما تريدون يا بني ؟ قالوا ‪ :‬نُريدُ أن تدعوَ ال لنا ‪ ،‬فإذا جاءك الوحي من ال بأنه قد‬
‫عفا عما صنعنا قرّت أعيننا ‪ ،‬واطمأنت قلوبنا ‪ ،‬وإل فل قُرّة عين في الدنيا أبدًا لنا‪ .‬قال ‪ :‬فقام‬
‫الشيخ فاستقبل القبلة ‪ ،‬وقام يوسف خلف أبيه ‪ ،‬وقاموا خلفهما أذلّة خاشعين‪ .‬قال ‪ :‬فدعا وأمّن‬
‫يوسف ‪ ،‬فلم يُجبْ فيهم عشرين سنة ‪ -‬قال صالح المري (‪ )6‬يخيفهم ‪ -‬قال ‪ :‬حتى إذا كان رأس‬
‫العشرين نزل جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على يعقوب فقال ‪ :‬إن ال بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب‬
‫دعوتك في ولدك ‪ ،‬وأنه قد عفا عما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)5/427‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم في صحيح برقم (‪ )157/54‬من حديث أبي هريرة بلفظ "والذي نفسي بيده ل‬
‫تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول ‪ :‬يا ليتني كنت مكان صاحب هذا‬
‫القبر ‪ ،‬وليس به الدين إل البلء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬شمله بعينه" والمثبت من الطبري"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ :‬المزى"‪.‬‬

‫( ‪)4/416‬‬

‫ج َمعُوا َأمْرَهُ ْم وَ ُهمْ َي ْمكُرُونَ (‪َ )102‬ومَا َأكْثَرُ‬


‫ك َومَا كُ ْنتَ لَدَ ْي ِهمْ إِذْ َأ ْ‬
‫ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ نُوحِيهِ إِلَ ْي َ‬
‫صتَ ِب ُم ْؤمِنِينَ (‪)103‬‬
‫س وََلوْ حَ َر ْ‬
‫النّا ِ‬

‫صنعوا ‪ ،‬وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة (‪.)1‬‬


‫هذا الثر موقوف عن أنس ‪ ،‬ويزيد الرقاشي وصالح المري (‪ )2‬ضعيفان جدا‪.‬‬
‫وذكر السدي ‪ :‬أن يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما حضره الموت ‪ ،‬أوصى إلى يوسف بأن يدفن عند‬
‫إبراهيم وإسحاق ‪ ،‬فلما مات صَبّره وأرسله إلى الشام ‪ ،‬فدفن عندهما ‪ ،‬عليهم (‪ )3‬السلم‪.‬‬
‫ج َمعُوا َأمْرَ ُه ْم وَهُمْ َي ْمكُرُونَ (‪َ )102‬ومَا َأكْثَرُ‬
‫ك َومَا كُ ْنتَ َلدَ ْيهِمْ ِإذْ َأ ْ‬
‫{ ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ نُوحِيهِ إِلَ ْي َ‬
‫صتَ ِب ُم ْؤمِنِينَ (‪} )103‬‬
‫س وََلوْ حَ َر ْ‬
‫النّا ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)16/281‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬المزي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عليهما"‪.‬‬

‫( ‪)4/417‬‬

‫َومَا َتسْأَُلهُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ ُهوَ إِلّا ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ (‪)104‬‬

‫{ َومَا تَسْأَُل ُهمْ عَلَيْهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ ُهوَ إِل ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ (‪} )104‬‬
‫يقول تعالى لعبده ورسوله محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬لما قص عليه نبأ إخوة يوسف ‪،‬‬
‫وكيف رفعه ال عليهم ‪ ،‬وجعل له العاقبة والنصر والملك والحكم ‪ ،‬مع ما أرادوا به من السوء‬
‫والهلك والعدام ‪ :‬هذا وأمثاله يا محمد من أخبار الغيوب السابقة ‪ { ،‬نُوحِيهِ إِلَ ْيكَ } ونعلمك به‬
‫لما فيه من العبرة لك والتعاظ لمن خالفك ‪َ { ،‬ومَا كُ ْنتَ َلدَ ْيهِمْ } حاضرا عندهم ول مشاهدا لهم‬
‫ج َمعُوا َأمْرَ ُهمْ } أي ‪ :‬على إلقائه في الجب ‪ { ،‬وَ ُهمْ َي ْمكُرُونَ } به ‪ ،‬ولكنا أعلمناك به وحيا‬
‫{ ِإذْ َأ ْ‬
‫إليك ‪ ،‬وإنزال عليك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ لَدَ ْي ِهمْ إِذْ يُ ْلقُونَ َأقْل َمهُمْ أَ ّيهُمْ َيكْ ُفلُ مَرْيَ َم َومَا‬
‫صمُونَ } [آل عمران ‪]44 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ بِجَا ِنبِ ا ْلغَرْ ِبيّ إِذْ َقضَيْنَا‬
‫كُ ْنتَ َلدَ ْيهِمْ ِإذْ يَخْ َت ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إِلَى مُوسَى المْ َر َومَا كُ ْنتَ مِنَ الشّاهِدِينَ } [القصص ‪]44 :‬إلى أن قال ‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ بِجَا ِنبِ الطّورِ‬
‫علَ ْيهِمْ‬
‫حمَةً مِنْ رَ ّبكَ } [القصص ‪ ]46 :‬وقال { َومَا كُ ْنتَ ثَاوِيًا فِي أَ ْهلِ مَدْيَنَ تَتْلُو َ‬
‫إِذْ نَادَيْنَا وََلكِنْ رَ ْ‬
‫صمُونَ‬
‫آيَاتِنَا وََلكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ } [القصص ‪ ]45 :‬وقال { مَا كَانَ ِليَ مِنْ عِلْمٍ بِا ْلمَل العْلَى ِإذْ يَخْ َت ِ‬
‫إِنْ يُوحَى إَِليّ إِل أَ ّنمَا أَنَا نَذِيرٌ ُمبِ } [ص ‪]70 ، 69 :‬‬
‫يقرر تعالى أنه رسوله ‪ ،‬وأنه قد أطلعه على أنباء ما قد سبق مما فيه عبرة للناس ونجاة لهم في‬
‫صتَ‬
‫س وََلوْ حَ َر ْ‬
‫دينهم ودنياهم ؛ ومع هذا ما آمن أكثر الناس ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا َأكْثَرُ النّا ِ‬
‫ِب ُم ْؤمِنِينَ } وقال { وَإِنْ تُطِعْ َأكْثَرَ مَنْ فِي ال ْرضِ ُيضِلّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } [النعام ‪ ]116 :‬إلى‬
‫غير ذلك من اليات‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا تَسْأَُل ُهمْ عَلَيْهِ مِنْ َأجْرٍ } أي ‪ :‬وما تسألهم يا محمد على هذا النصح والدعاء إلى‬
‫جعَالة ول أجرة على ذلك ‪ ،‬بل تفعله ابتغاء وجه ال ‪ ،‬ونصحا‬
‫الخير والرشد من أجر ‪ ،‬أي ‪ :‬من ُ‬
‫لخلقه‪.‬‬
‫{ إِنْ ُهوَ إِل ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬يتذكرون به ويهتدون ‪ ،‬وينجون به في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫( ‪)4/417‬‬

‫ت وَالْأَ ْرضِ َيمُرّونَ عَلَ ْيهَا وَ ُهمْ عَ ْنهَا ُمعْ ِرضُونَ (‪َ )105‬ومَا ُي ْؤمِنُ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫َوكَأَيّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي ال ّ‬
‫عةُ‬
‫َأكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلّا وَ ُهمْ مُشْ ِركُونَ (‪َ )106‬أفََأمِنُوا أَنْ تَأْتِ َي ُهمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ َأوْ تَأْتِ َيهُمُ السّا َ‬
‫شعُرُونَ (‪)107‬‬
‫َبغْتَ ًة وَهُمْ لَا يَ ْ‬

‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ َيمُرّونَ عَلَ ْيهَا وَ ُهمْ عَ ْنهَا ُمعْ ِرضُونَ (‪َ )105‬ومَا ُي ْؤمِنُ‬
‫{ َوكَأَيّنْ مِنْ آ َيةٍ فِي ال ّ‬
‫َأكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِل وَهُمْ ُمشْ ِركُونَ (‪َ )106‬أفََأمِنُوا أَنْ تَأْتِ َيهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ َأوْ تَأْتِ َيهُمُ السّاعَةُ‬
‫شعُرُونَ (‪} )107‬‬
‫َبغْتَ ًة وَهُمْ ل َي ْ‬
‫يخبر تعالى عن [غفلة] (‪ )1‬أكثر الناس عن التفكر في آيات ال ودلئل توحيده ‪ ،‬بما خلقه ال في‬
‫السموات والرض من كواكب زاهرات ثوابت ‪ ،‬وسيارات وأفلك دائرات ‪ ،‬والجميع مسخرات ‪،‬‬
‫وكم في الرض من قطع متجاورات وحدائق وجنات وجبال راسيات ‪ ،‬وبحار زاخرات ‪ ،‬وأمواج‬
‫متلطمات ‪ ،‬وقفار شاسعات ‪ ،‬وكم من أحياء وأموات ‪ ،‬وحيوان ونبات ‪ ،‬وثمرات متشابهة‬
‫ومختلفات ‪ ،‬في الطعوم والروائح واللوان والصفات ‪ ،‬فسبحان الواحد الحد ‪ ،‬خالق أنواع‬
‫المخلوقات ‪ ،‬المتفرد بالدوام والبقاء والصمدية ذي السماء والصفات‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا ُي ْؤمِنُ َأكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِل وَهُمْ مُشْ ِركُونَ } قال ابن عباس ‪ :‬من إيمانهم ‪ ،‬إذا قيل لهم ‪:‬‬
‫من خلق السموات ؟ ومن خلق الرض ؟ ومن خلق الجبال ؟ قالوا ‪" :‬ال" ‪ ،‬وهم مشركون به‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعطاء وعكرمة ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪.‬‬
‫وهكذا في الصحيحين (‪ )2‬أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم ‪ :‬لبيك ل شريك لك ‪ ،‬إل شريكًا‬
‫هو لك ‪ ،‬تملكه وما ملك‪ .‬وفي الصحيح ‪ :‬أنهم كانوا إذا قالوا ‪" :‬لبيك ل شريك لك" يقول رسول‬
‫سبُ ‪ ،‬ل تزيدوا على هذا (‪.)3‬‬
‫سبُ حَ ْ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قَدْ قَدْ" ‪ ،‬أي حَ ْ‬
‫وقال ال تعالى ‪ { :‬إِنّ الشّ ْركَ َلظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان ‪ ]13 :‬وهذا هو الشرك العظم الذي يعبد مع‬
‫ال غيره ‪ ،‬كما في الصحيحين‪ .‬عن ابن مسعود قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أيّ الذنب أعظم ؟ قال ‪:‬‬
‫"أن تجعل ل ندا وهو خََلقَك" (‪.)4‬‬
‫وقال الحسن البصري في قوله ‪َ { :‬ومَا ُي ْؤمِنُ َأكْثَرُ ُهمْ بِاللّهِ إِل وَ ُهمْ مُشْ ِركُونَ } قال ‪ :‬ذلك المنافق‬
‫يعمل إذا عمل رياء الناس ‪ ،‬وهو مشرك بعمله ذاك ‪ ،‬يعني قوله تعالى ‪ { :‬إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ ُيخَادِعُونَ‬
‫س وَل َي ْذكُرُونَ اللّهَ إِل قَلِيل }‬
‫عهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصّلةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النّا َ‬
‫اللّ َه وَ ُهوَ خَادِ ُ‬
‫[النساء ‪.]142 :‬‬
‫وثمّ شرك آخر خفي ل يشعر به غالبًا فاعله ‪ ،‬كما روى حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عاصم بن أبي‬
‫النّجُود ‪ ،‬عن عُ ْروَة قال ‪ :‬دخل حذيفة على مريض ‪ ،‬فرأى في عضده سيرًا فقطعه ‪ -‬أو ‪:‬‬
‫انتزعه ‪ -‬ثم قال ‪َ { :‬ومَا ُي ْؤمِنُ َأكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِل وَهُمْ مُشْ ِركُونَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في صحيح مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)1185/22‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4477‬وصحيح مسلم برقم (‪.)68‬‬

‫( ‪)4/418‬‬

‫وفي الحديث ‪" :‬من حلف بغير ال فقد أشرك"‪ .‬رواه الترمذي وحسنّهَ من رواية ابن عمر (‪)1‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيره ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال ّرقَى والتّمائِم وال ّتوَلة شرْك" (‪.)2‬‬
‫وفي لفظ لهما ‪[" :‬الطيَرة شرك] (‪ )3‬وما منّا إل ولكن ال يذهبه بالتوكل" (‪.)4‬‬
‫ورواه المام أحمد بأبسط من هذا فقال ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫مُرّة ‪ ،‬عن يحيى الجزار (‪ )5‬عن ابن أخي ‪ ،‬زينب [عن زينب] (‪ )6‬امرأة عبد ال بن مسعود‬
‫قالت ‪ :‬كان عبد ال إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح (‪ )7‬وبزق كراهية أن يهجم منا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمْرَة فأدخلتها‬
‫على أمر يكرهه ‪ ،‬قالت ‪ :‬وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من ال ُ‬
‫تحت السرير ‪ ،‬قالت ‪ :‬فدخل فجلس إلى جانبي ‪ ،‬فرأى في عنقي خيطا ‪ ،‬قال ‪ :‬ما هذا الخيط ؟‬
‫قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬خيط ُرقِى لي فيه‪ .‬قالت ‪ :‬فأخذه فقطعه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إن آل عبد ال لغنياءٌ عن‬
‫الشرك ‪ ،‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن الرقى والتمائم وال ّتوَلة شرك"‪ .‬قالت ‪،‬‬
‫قلت له ‪ :‬لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف ‪ ،‬فكنت أختلف إلى فلن اليهودي يرقيها ‪ ،‬فكان إذا‬
‫رقاها سكنت ؟ قال ‪ :‬إنما ذاك من الشيطان‪ .‬كان ينخسها بيده ‪ ،‬فإذا رقيتها كف عنها ‪ :‬إنما كان‬
‫يكفيك أن تقولي كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أذهب البأس رب الناس ‪ ،‬اشف وأنت‬
‫س َقمًا" (‪.)8‬‬
‫الشافي ‪ ،‬ل شفاء إل شفاؤك ‪ ،‬شفاء ل يغادر َ‬
‫وفي حديث آخر رواه المام أحمد ‪ ،‬عن َوكِيع ‪ ،‬عن ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن عيسى بن عبد الرحمن‬
‫عكَيْم (‪ )9‬وهو مريض نعوده ‪ ،‬فقيل له ‪َ :‬تعَلّقت شيئا ؟ فقال ‪ :‬أتعلق‬
‫قال ‪ :‬دخلنا على عبد ال بن ُ‬
‫شيئا! وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من َتعَلّق شيئا ُو ِكلَ إليه" (‪ )10‬ورواه النسائي‬
‫عن أبي هريرة (‪.)11‬‬
‫وفي مسند المام أحمد ‪ ،‬من حديث عقبة بن عامر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"من علّق تميمة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪.)1535‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/381‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3883‬ورواه ابن ماجه في السنن برقم (‪.)3530‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند وسنن أبي داود‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )1/389‬وسنن أبي داود برقم (‪.)3910‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يحيى بن الجزار"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬تنجيح"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)1/381‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬حكيم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )4/310‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2072‬من طريق عبد الرحمن بن أبي‬
‫ليلى به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬وحديث عبد ال بن حكيم إنما نعرفه من حديث عبد الرحمن بن أبي‬
‫ليلى ‪ ،‬وعبد ال بن حكيم لم يسمع النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكان في زمن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬كتب إلينا رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬سنن النسائي (‪.)7/112‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/419‬‬

‫فقد أشرك" وفي رواية ‪" :‬من َتعّلق تميمة فل أتم ال له ‪ ،‬ومن تعلق ودَعَةً فل ودع ال له" (‪)1‬‬
‫وعن العلء ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬قال ال ‪ :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك ‪ ،‬ومن عمل عمل أشرك فيه معي‬
‫غيري تركته وشِرْكه"‪ .‬رواه مسلم (‪.)2‬‬
‫وعن أبي سعيد بن أبي فضالة قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إذا جمع ال‬
‫الولين والخرين ليوم ل ريب فيه ‪ ،‬ينادي مناد ‪ :‬من كان أشرك في عمل عمله ل فليطلب ثوابه‬
‫من عند غير ال ‪ ،‬فإن ال أغنى الشركاء عن الشرك"‪ .‬رواه أحمد (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا لَيْث ‪ ،‬عن يزيد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن الهاد ‪ -‬عن عمرو ‪ ،‬عن‬
‫خوَف ما أخاف عليكم الشرك‬
‫محمود بن لبيد ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن أ ْ‬
‫الصغر"‪ .‬قالوا ‪ :‬وما الشرك الصغر يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬الرياء ‪ ،‬يقول ال يوم القيامة إذا‬
‫جزى الناس بأعمالهم ‪ :‬اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ‪ ،‬فانظروا هل تجدون عندهم‬
‫جزاء" (‪.)4‬‬
‫وقد رواه إسماعيل بن جعفر ‪ ،‬عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ‪ ،‬عن عاصم بن عمر بن‬
‫قتادة ‪ ،‬عن محمود بن لَبِيد ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬أنبأنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬أنبأنا ابن هُبَيْرة ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي‬
‫‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من ردته الطيرة عن‬
‫حاجة ‪ ،‬فقد أشرك"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما كفارة ذلك ؟ قال ‪" :‬أن يقول أحدهم ‪ :‬اللهم ل خير‬
‫إل خيرك (‪ )6‬ول طير إل طيرك ‪ ،‬ول إله غيرك" (‪.)7‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد ال بن نمير ‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمي ‪ ،‬عن أبي‬
‫علي ‪ -‬رجل من بني كاهل ‪ -‬قال ‪ :‬خطبنا أبو موسى الشعري فقال ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬اتقوا هذا‬
‫الشرك ‪ ،‬فإنه أخفى من دَبِيب النمل‪ .‬فقام عبد ال بن حَزْن وقيس بن المضارب فقال وال‬
‫لتخرجن (‪ )8‬مما قلت أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأذون ‪ ،‬قال ‪ :‬بل أخرج مما قلت ‪،‬‬
‫خطبنا رسول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/156‬وقال المنذري في الترغيب (‪" : )4/307‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2985‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)4/215‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )5/428‬وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬رواه البغوي في شرح السنة (‪ )14/333‬من طريق علي بن حجر ‪ ،‬عن إسماعيل بن جعفر‬
‫به‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ل غير إل غيرك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/220‬ورواه ابن السنى في عمل اليوم والليلة (ص ‪ )293‬من طريق ابن وهب ‪،‬‬
‫عن ابن لهيعة به ‪ ،‬فصح الحديث بحمد ال‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ليخرجن"‪.‬‬

‫( ‪)4/420‬‬

‫ال صلى ال عليه وسلم [ذات يوم] (‪ )1‬فقال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من‬
‫دبيب النمل"‪ .‬فقال له من شاء ال أن يقول ‪ :‬فكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول‬
‫ال ؟ قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬اللهم إنا نعوذ بك [من] (‪ )2‬أن نشرك بك شيئا نعلمه ‪ ،‬ونستغفرك لما ل‬
‫نعلمه" (‪.)3‬‬
‫صدّيق ‪ ،‬كما رواه الحافظ أبو يعلى‬
‫وقد روي من وجه آخر ‪ ،‬وفيه أن السائل في ذلك هو ال ّ‬
‫الموصلي ‪ ،‬من حديث عبد العزيز بن مسلم ‪ ،‬عن لَيْث بن أبي سليم ‪ ،‬عن أبي محمد ‪ ،‬عن َمعْقِل‬
‫بن يَسَار قال ‪ :‬شهدت النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أو قال ‪ :‬حدثني أبو بكر الصديق عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل"‪ .‬فقال أبو بكر ‪ :‬وهل‬
‫الشرك إل من دعا مع ال إلها آخر ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الشرك فيكم أخفى‬
‫صغِير ذلك وكبيره ؟ قل ‪ :‬اللهم ‪ ،‬أعوذ‬
‫من دبيب النمل"‪ .‬ثم قال ‪" :‬أل أدلّك على ما يُذهب عنك َ‬
‫بك أن أشرك بك وأنا أعلم ‪ ،‬وأستغفرك مما ل أعلم" (‪.)4‬‬
‫وقد رواه الحافظ أبو القاسم البغوي ‪ ،‬عن شيبان بن فَرّوخ ‪ ،‬عن يحيى بن كثير ‪ ،‬عن الثوري ‪،‬‬
‫عن إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن قيس بن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي بكر الصديق قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا"‪ .‬قال ‪ :‬فقال أبو بكر ‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬فكيف النجاة والمخرج من ذلك ؟ فقال ‪" :‬أل أخبرك بشيء إذا قلته برئتَ من قليله‬
‫وكثيره وصغيره وكبيره ؟"‪ .‬قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رسول ال ‪ ،‬قال ‪" :‬قل ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إني أعوذ بك أن‬
‫أشرك بك وأنا أعلم ‪ ،‬وأستغفرك لما ل أعلم" (‪.)5‬‬
‫قال الدارقطني ‪ :‬يحيى بن كثير هذا يقال له ‪" :‬أبو النضر" ‪ ،‬متروك الحديث‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وصححه ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث يعلى بن عطاء‬
‫‪ ،‬سمعت عمرو بن عاصم (‪ )6‬سمعت أبا هريرة قال ‪ :‬قال أبو بكر الصديق ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬علمني شيئا أقوله إذا أصبحتُ ‪ ،‬وإذا أمسيتُ ‪ ،‬وإذا أخذت مضجعي‪ .‬قال ‪" :‬قل ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اللهم ‪ ،‬فاطر السموات والرض ‪ ،‬عالم الغيب والشهادة ‪ ،‬ربّ كل شيء ومليكه ‪ ،‬أشهد أن ل إله‬
‫إل أنت ‪ ،‬أعوذ بك من شر نفسي ‪ ،‬ومن شر الشيطان وشركه" (‪.)7‬‬
‫وزاد أحمد في رواية له من حديث ليث من أبي سليم ‪[ ،‬عن مجاهد] (‪ )8‬عن أبي بكر الصديق‬
‫قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)4/403‬‬
‫(‪ )4‬مسند أبي يعلى (‪ )1/62‬ورواه ابن جريج عن ليث ‪ ،‬عن أبي محمد ‪ ،‬عن حذيفة نحوه ‪،‬‬
‫وأخرجه أبو يعلى في المسند (‪ )1/60‬وأبو محمد مجهول ‪ ،‬وليث بن أبي سليم ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )7/112‬من طريق يحيى بن محمد البختري ‪ ،‬عن شيبان بن‬
‫فروخ به نحوه ‪ ،‬وقال ‪" :‬تفرد به عن الثوري يحيى بن كثير"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬عاص" والمثبت من ت والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )1/9‬وسنن أبي داود برقم (‪ )5067‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3392‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم (‪.)7691‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/421‬‬

‫ُقلْ هَ ِذهِ سَبِيلِي َأدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى َبصِي َرةٍ أَنَا َومَنِ اتّ َبعَنِي وَسُبْحَانَ اللّ ِه َومَا أَنَا مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‬
‫‪َ )108‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِلّا رِجَالًا نُوحِي إِلَ ْيهِمْ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلقُرَى َأفََلمْ يَسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَنْظُرُوا‬
‫كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِه ْم وَلَدَارُ الَْآخِ َرةِ خَيْرٌ لِلّذِينَ ا ّتقَوْا َأفَلَا َت ْعقِلُونَ (‪)109‬‬

‫أمرني رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أقول‪ ...‬فذكر هذا الدعاء وزاد في آخره ‪" :‬وأن أقترف‬
‫على نفسي سُوءًا أو أجُرّه إلى مسلم" (‪.)1‬‬
‫شعُرُونَ } أي ‪:‬‬
‫عةُ َبغْتَ ًة وَ ُه ْم ل َي ْ‬
‫عذَابِ اللّهِ َأوْ تَأْتِ َي ُهمُ السّا َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أفََأمِنُوا أَنْ تَأْتِ َيهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ َ‬
‫أفأمن هؤلء المشركون [بال] (‪ )2‬أن يأتيهم أمر يغشاهم من حيث ل يشعرون ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫شعُرُونَ‬
‫سفَ اللّهُ ِبهِمُ ال ْرضَ َأوْ يَأْتِ َي ُهمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ حَ ْيثُ ل َي ْ‬
‫{ َأفََأمِنَ الّذِينَ َمكَرُوا السّيّئَاتِ أَنْ َيخْ ِ‬
‫خ ّوفٍ فَإِنّ رَ ّبكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [النحل ‪:‬‬
‫خذَهُمْ فِي َتقَلّ ِبهِمْ َفمَا ُهمْ ِب ُمعْجِزِينَ َأوْ يَ ْأخُذَ ُهمْ عَلَى تَ َ‬
‫َأوْ يَأْ ُ‬
‫‪ ]47 - 45‬وقال تعالى ‪َ { :‬أفََأمِنَ َأ ْهلُ ا ْلقُرَى أَنْ يَأْتِ َي ُهمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَا ِئمُونَ َأوََأمِنَ أَ ْهلُ ا ْلقُرَى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أَنْ يَأْتِ َيهُمْ بَ ْأسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَ ْلعَبُونَ َأفََأمِنُوا َمكْرَ اللّهِ فَل يَ ْأمَنُ َمكْرَ اللّهِ إِل ا ْل َقوْمُ الْخَاسِرُونَ }‬
‫[العراف ‪.] 99 - 97 :‬‬
‫{ ُقلْ َه ِذهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى َبصِي َرةٍ أَنَا َومَنِ اتّ َبعَنِي وَسُ ْبحَانَ اللّهِ َومَا أَنَا مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‬
‫‪} )108‬‬
‫يقول [ال] (‪ )3‬تعالى لعبد ورسوله إلى الثقلين ‪ :‬النس والجن ‪ ،‬آمرًا له أن يخبر الناس ‪ :‬أن هذه‬
‫سبيله ‪ ،‬أي طريقه ومسلكه وسنته ‪ ،‬وهي الدعوة إلى شهادة أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫يدعو إلى ال بها على َبصِيرة من ذلك ‪ ،‬ويقين وبرهان ‪ ،‬هو وكلّ من اتبعه ‪ ،‬يدعو إلى ما دعا‬
‫إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَسُ ْبحَانَ اللّهِ } أي ‪ :‬وأنزه ال وأجلّه وأعظّمه وأقدّسه ‪ ،‬عن أن يكون له شريك أو‬
‫نظير ‪ ،‬أو عديل أو نديد ‪ ،‬أو ولد أو والد أو صاحبة ‪ ،‬أو وزير أو مشير ‪ ،‬تبارك وتعالى وتقدس‬
‫شيْءٍ إِل‬
‫ن وَإِنْ مِنْ َ‬
‫سمَاوَاتُ السّبْ ُع وَال ْرضُ َومَنْ فِيهِ ّ‬
‫وتنزه عن ذلك كله علوا كبيرا ‪ُ { ،‬تسَبّحُ لَهُ ال ّ‬
‫غفُورًا } [السراء ‪.]44 :‬‬
‫حهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيمًا َ‬
‫حمْ ِد ِه وََلكِنْ ل َتفْ َقهُونَ َتسْبِي َ‬
‫يُسَبّحُ ِب َ‬
‫{ َومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِل ِرجَال نُوحِي إِلَ ْيهِمْ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلقُرَى َأفََلمْ يَسِيرُوا فِي ال ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا‬
‫كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِه ْم وَلَدَارُ الخِ َرةِ خَيْرٌ لِلّذِينَ ا ّت َقوْا َأفَل َتعْقِلُونَ (‪} )109‬‬
‫يخبر تعالى أنه إنما أرسلَ رسُلَه من الرجال ل من النساء‪ .‬وهذا قول جمهور العلماء ‪ ،‬كما دل‬
‫عليه سياق هذه الية الكريمة ‪ :‬أن ال تعالى لم يُوحِ إلى امرأة من بنات بني آدم وَحي تشريع‪.‬‬
‫وزعم بعضهم ‪ :‬أن سارة امرأة الخليل ‪ ،‬وأم موسى ‪ ،‬ومريم أم عيسى نبيات ‪ ،‬واحتجوا بأن‬
‫الملئكة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/14‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/422‬‬

‫ضعِيهِ‬
‫بشرت سارة بإسحاق ‪ ،‬ومن وراء إسحاق يعقوب ‪ ،‬وبقوله ‪ { :‬وََأوْحَيْنَا إِلَى ُأمّ مُوسَى أَنْ أَ ْر ِ‬
‫} الية‪[ .‬القصص ‪ ، ]7 :‬وبأن الملك جاء إلى مريم فبشرها بعيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وبقوله تعالى‬
‫طفَاكِ عَلَى نِسَاءِ ا ْلعَاَلمِينَ يَا مَرْيَمُ‬
‫ك وَاصْ َ‬
‫طهّ َر ِ‬
‫طفَاكِ وَ َ‬
‫صَ‬‫‪ { :‬وَِإذْ قَاَلتِ ا ْلمَل ِئكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ ا ْ‬
‫جدِي وَا ْركَعِي مَعَ الرّا ِكعِينَ } [ آل عمران ‪.]43 ، 42 :‬‬
‫اقْنُتِي لِرَ ّبكِ وَاسْ ُ‬
‫وهذا القدر حاصل لهن ‪ ،‬ولكن ل يلزم من هذا أن يكن نبيات بذلك ‪ ،‬فإن أراد القائل بنبوتهن هذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القدر من التشريف ‪ ،‬فهذا ل شك فيه ‪ ،‬ويبقى الكلم معه في أن هذا ‪ :‬هل يكفي في النتظام في‬
‫سلك النبوة بمجرده أم ل ؟ الذي عليه [أئمة] (‪ )1‬أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وهو الذي نقله الشيخ أبو‬
‫الحسن علي بن إسماعيل الشعري عنهم ‪ :‬أنه ليس في النساء نبية ‪ ،‬وإنما فيهن صديقات ‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى مخبرا عن أشرفهن مريمَ بنت عمران حيث قال ‪ { :‬مَا ا ْل َمسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِل َرسُولٌ قَدْ‬
‫طعَامَ } [المائدة ‪ ]75 :‬فوصفها في أشرف مقاماتها‬
‫ل وَُأمّ ُه صِدّيقَةٌ كَانَا يَ ْأكُلنِ ال ّ‬
‫سُ‬‫خََلتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّ ُ‬
‫بالصدّيقية ‪ ،‬فلو كانت نبيّة لذكر ذلك في مقام التشريف والعظام ‪ ،‬فهي صديقة بنص القرآن‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِل ِرجَال نُوحِي إِلَ ْي ِهمْ مِنْ أَ ْهلِ‬
‫ا ْلقُرَى } (‪ )2‬أي ‪ :‬ليسوا من أهل السماء كما قلتم‪ .‬وهذا القول من ابن عباس يعتضد بقوله تعالى‬
‫سوَاقِ } الية [الفرقان ‪:‬‬
‫طعَامَ وَ َيمْشُونَ فِي ال ْ‬
‫سلْنَا قَبَْلكَ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ إِل إِ ّنهُمْ لَيَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫‪َ { :‬ومَا أَرْ َ‬
‫ص َدقْنَاهُمُ ا ْلوَعْدَ‬
‫طعَا َم َومَا كَانُوا خَاِلدِينَ ثُ ّم َ‬
‫جعَلْنَاهُمْ جَسَدًا ل يَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫‪ ]20‬وقوله تعالى ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫فَأَنْجَيْنَا ُه ْم َومَنْ نَشَا ُء وَأَ ْهَلكْنَا ا ْلمُسْ ِرفِينَ } [النبياء ‪ ]9 ، 8 :‬وقوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ مَا كُ ْنتُ ِبدْعًا مِنَ‬
‫سلِ } الية [الحقاف ‪.]9 :‬‬
‫الرّ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬مِنْ َأ ْهلِ ا ْلقُرَى } المراد بالقرى ‪ :‬المدن ‪ ،‬ل أنهم من أهل البوادي ‪ ،‬الذين هم أجفى‬
‫الناس طباعا وأخلقا‪ .‬وهذا هو المعهود المعروف أن أهل المدن أرقّ طباعا ‪ ،‬وألطف من أهل‬
‫سوادهم ‪ ،‬وأهل الريف والسواد أقرب حال من الذين يسكنون في البوادي ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫شدّ ُكفْرًا وَ ِنفَاقًا وَأَجْدَرُ أَل َيعَْلمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ } [التوبة ‪.]97 :‬‬
‫{ العْرَابُ أَ َ‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬مِنْ أَ ْهلِ ا ْلقُرَى } لنهم أعلم وأحلم من أهل العمود‪.‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪ :‬أن رجل من العراب أهدى لرسول ال صلى ال عليه وسلم ناقة ‪ ،‬فلم يزل‬
‫يعطيه ويزيده حتى رضي ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد هممت أل أَ ّت ِهبَ هِ َب ًة إل‬
‫من قرشي ‪ ،‬أو أنصاري ‪ ،‬أو ثقفي ‪ ،‬أو َدوْسِي"‪)3( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن يحيى بن وثاب ‪ ،‬عن شيخ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يوحى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد في المسند (‪ )1/295‬من حديث ابن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)4/423‬‬

‫جيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدّ بَأْسُنَا عَنِ‬


‫ل وَظَنّوا أَ ّنهُمْ َقدْ كُذِبُوا جَاءَ ُهمْ َنصْرُنَا فَنُ ّ‬
‫سُ‬‫حَتّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرّ ُ‬
‫ا ْل َقوْمِ ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪)110‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال العمش ‪ :‬هو [ابن] (‪ )1‬عمر ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ‪ ،‬خير من الذي ل‬
‫يخالطهم ول يصبر على أذاهم"‪)2( .‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أفََلمْ يَسِيرُوا فِي ال ْرضِ } [يعني ‪ :‬هؤلء المكذبين لك يا محمد في الرض ‪)3( ] ،‬‬
‫{ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ } أي ‪ :‬من المم المكذبة للرسل ‪ ،‬كيف دمر ال‬
‫عليهم ‪ ،‬وللكافرين أمثالها ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬أفََلمْ يَسِيرُوا فِي ال ْرضِ فَ َتكُونَ َلهُمْ قُلُوبٌ َي ْعقِلُونَ ِبهَا َأوْ‬
‫س َمعُونَ ِبهَا فَإِ ّنهَا ل َت ْعمَى ال ْبصَارُ وََلكِنْ َت ْعمَى ا ْلقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ } [الحج ‪، ]46 :‬‬
‫آذَانٌ يَ ْ‬
‫فإذا استمعوا (‪ )4‬خبر ذلك ‪ ،‬رأوا أن ال قد أهلك الكافرين ونجى المؤمنين ‪ ،‬وهذه كانت سنته‬
‫تعالى في خلقه ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَلَدَا ُر الخِ َرةِ خَيْرٌ ِللّذِينَ ا ّت َقوْا } (‪ )5‬أي ‪ :‬وكما أنجينا‬
‫المؤمنين في الدنيا ‪ ،‬كذلك كتبنا لهم النجاة في الدار الخرة أيضًا ‪ ،‬وهي خير لهم من الدنيا‬
‫شهَادُ َيوْمَ ل‬
‫بكثير ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َيوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ َمعْذِرَ ُت ُه ْم وََلهُمُ الّلعْنَةُ وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ } [غافر ‪.]51 ، 50 :‬‬
‫وأضاف الدار إلى الخرة فقال ‪ { :‬وَلَدَارُ الخِ َرةِ } كما يقال ‪" :‬صلة الولى" و"مسجد الجامع"‬
‫و"عام الول" و "بارحة الولى" و"يوم الخميس"‪ .‬قال الشاعر ‪ :‬أَ َت ْمدَحُ َف ْقعَسًا وَتذمّ (‪ )6‬عَبْسًا‪ ...‬أل‬
‫ل أ ّمكَ من هَجين‪...‬‬
‫وَلو أقْوتْ عَلَيك ديارُ عَ ْبسٍ‪ ...‬عَ َر ْفتَ ال ّذلّ عرْفانَ اليَقين (‪)7‬‬
‫جيَ مَنْ َنشَا ُء وَل يُرَدّ بَ ْأسُنَا عَنِ‬
‫سلُ َوظَنّوا أَ ّنهُمْ قَدْ ُكذِبُوا جَا َءهُمْ َنصْرُنَا فَ ُن ّ‬
‫{ حَتّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرّ ُ‬
‫ا ْل َقوْمِ ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪} )110‬‬
‫يخبر تعالى أن نصره ينزل على رسله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين ‪ ،‬عند ضيق الحال‬
‫وانتظار الفرج من ال تعالى في أحوج الوقات إلى ذلك ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ { :‬وَزُلْزِلُوا حَتّى‬
‫ل وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ مَتَى َنصْرُ اللّهِ أَل إِنّ َنصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } [البقرة ‪ ، ]214 :‬وفي‬
‫َيقُولَ الرّسُو ُ‬
‫قوله ‪ { :‬كُذِبُوا } قراءتان ‪ ،‬إحداهما بالتشديد ‪" :‬قد كُذّبُوا" ‪ ،‬وكذلك كانت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها‬
‫‪ ،‬تقرؤها ‪ ،‬قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا عبد العزيز بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬بن صالح ‪ ،‬عن ابن شهاب قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)2/43‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬استعملوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يتقون" وهو خطأ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وتمدح"‪.‬‬
‫(‪ )7‬البيتان في تفسير الطبري (‪.)16/295‬‬

‫( ‪)4/424‬‬

‫أخبرني عروة بن الزبير ‪ ،‬عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول ال ‪ { :‬حَتّى إِذَا اسْتَيْئَسَ‬
‫سلُ } قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أ ُكذِبوا أم ُكذّبوا ؟ فقالت عائشة ‪ :‬كُذّبوا‪ .‬فقلت ‪ :‬فقد استيقنوا أن قومهم قد‬
‫الرّ ُ‬
‫كَذّبوهم فما هو بالظن ؟ قالت ‪ :‬أجل ‪ ،‬لعمري لقد استيقنوا بذلك‪ .‬فقلت لها ‪ :‬وظنوا أنهم قد‬
‫كذبوا ؟ قالت (‪ )1‬معاذ ال ‪ ،‬لم تكن (‪ )2‬الرسل تظن ذلك بربها‪ .‬قلت ‪ :‬فما هذه الية ؟ قالت ‪:‬‬
‫هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ‪ ،‬فطال عليهم البلء ‪ ،‬واستأخر عنهم النصر ‪،‬‬
‫سلُ } ممّن كذبهم من قومهم ‪ ،‬وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذّبوهم ‪ ،‬جاءهم‬
‫{ حَتّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرّ ُ‬
‫نصر ال عند ذلك‪.‬‬
‫حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬أنبأنا شعيب ‪ ،‬عن الزهري قال ‪ :‬أخبرنا عُ ْروَة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬لعلها قد كُذِبوا‬
‫مخففة ؟ قالت ‪ :‬معاذ ال‪ .‬انتهى ما ذكره‪)3( .‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج أخبرني ابن أبى مُلَيْكة ‪ :‬أن ابن عباس قرأها ‪ { :‬وَظَنّوا أَ ّنهُمْ َقدْ كُذِبُوا } خفيفة ‪-‬‬
‫قال عبد ال هو ابن مُلَيْكة ‪ :‬ثم قال لي ابن عباس ‪ :‬كانوا بشرًا (‪ )4‬وتل ابن عباس ‪ { :‬حَتّى‬
‫ل وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ مَتَى َنصْرُ اللّهِ أَل إِنّ َنصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } [البقرة ‪ ، ]214 :‬قال ابن‬
‫َيقُولَ الرّسُو ُ‬
‫جريج ‪ :‬وقال لي ابن أبي مليكة ‪ :‬وأخبرني عروة عن عائشة ‪ :‬أنها خالفت ذلك وأبته ‪ ،‬وقالت ‪:‬‬
‫ما وعد ال محمدًا صلى ال عليه وسلم من شيء إل قد علم أنه سيكون حتى مات ‪ ،‬ولكنه لم يزل‬
‫البلء بالرسل حتى ظنوا أنّ من معهم من المؤمنين قد كذّبوهم‪ .‬قال ابن أبي مليكة في حديث‬
‫عروة ‪ :‬كانت عائشة تقرؤها "وظنوا أنهم قد كُذّبوا" مثقلة ‪ ،‬للتكذيب‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬أنا يونس بن عبد العلى قراءة ‪ ،‬أنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني سليمان بن بلل ‪،‬‬
‫عن يحيى بن سعيد قال ‪ :‬جاء إنسان إلى القاسم بن محمد فقال ‪ :‬إن محمد بن كعب القرظي يقول‬
‫ل وَظَنّوا أَ ّنهُمْ قَدْ كُذِبُوا } فقال القاسم ‪ :‬أخبره عني أني‬
‫سُ‬‫(‪ )5‬هذه الية ‪ { :‬حَتّى ِإذَا اسْتَيْئَسَ الرّ ُ‬
‫ل وَظَنّوا أَ ّنهُمْ َقدْ‬
‫سُ‬‫سمعت عائشة زوج النبي صلى ال عليه وسلم تقول ‪ { :‬حَتّى إِذَا اسْتَيأَسَ الرّ ُ‬
‫كُذِبُوا } تقول ‪ :‬كذبتهم أتباعهم‪ .‬إسناد صحيح أيضا‪.‬‬
‫والقراءة الثانية بالتخفيف ‪ ،‬واختلفوا في تفسيرها ‪ ،‬فقال ابن عباس ما تقدم ‪ ،‬وعن ابن مسعود ‪،‬‬
‫فيما رواه سفيان الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي الضّحى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد ال أنه قرأ‬
‫سلُ َوظَنّوا أَ ّنهُمْ قَدْ كُذِبُوا } مخففة ‪ ،‬قال عبد ال ‪ :‬هو الذي تكره‪)6( .‬‬
‫‪ { :‬حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرّ ُ‬
‫وهذا عن ابن مسعود وابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬مخالف لما رواه آخرون عنهما‪ .‬أما ابن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل وَظَنّوا‬
‫سُ‬‫عباس فروى العمش ‪ ،‬عن مسلم ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬حَتّى ِإذَا اسْتَيْأَسَ الرّ ُ‬
‫أَ ّنهُمْ َقدْ كُذِبُوا } قال ‪ :‬لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ‪ ،‬وظن قومهم أن الرسل قد كَذّبوهم‬
‫‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يكن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4696 ، 4695‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬بشروا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يقرأ"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬يكره"‪.‬‬

‫( ‪)4/425‬‬

‫صدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَ ْيهِ‬


‫صهِمْ عِبْ َرةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا ُيفْتَرَى وََلكِنْ َت ْ‬
‫َلقَدْ كَانَ فِي َقصَ ِ‬
‫حمَةً ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪)111‬‬
‫شيْءٍ وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫وَتَ ْفصِيلَ ُكلّ َ‬

‫جيَ مَنْ نَشَاءُ } (‪)1‬‬


‫جاءهم النصر على ذلك ‪ { ،‬فَ ُن ّ‬
‫وكذا روي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬وعمران بن الحارث السلمي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن معاوية وعلي‬
‫بن أبي طلحة ‪ ،‬والعوفي عن ابن عباس بمثله‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا عارم (‪ )2‬أبو النعمان ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬حدثنا‬
‫شعيب (‪ )3‬حدثنا إبراهيم بن أبي حُرة (‪ )4‬الجز ِريّ قال ‪ :‬سأل فتى من قريش سعيد بن جبير‬
‫فقال له ‪ :‬يا أبا عبد ال ‪ ،‬كيف هذا الحرف ‪ ،‬فإني إذا أتيت عليه تمنيت أني ل أقرأ هذه السورة ‪:‬‬
‫سلُ َوظَنّوا أَ ّنهُمْ قَدْ ُكذِبُوا } ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬حتى إذا استيأس الرسل من قومهم‬
‫{ حَتّى إِذَا اسْتَيأَسَ الرّ ُ‬
‫سلُ إليهم أن الرسل َكذَبوا‪ .‬فقال الضحاك بن مزاحم ‪ :‬ما رأيت كاليوم‬
‫أن يصدّقوهم ‪ ،‬وظن المر َ‬
‫قط رجل يدعى إلى علم فيتلكأ! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليل‪.‬‬
‫ثم روى ابن جرير أيضا من وجه آخر ‪ :‬أن مسلم بن يَسَار سأل سعيد بن جبير عن ذلك ‪ ،‬فأجابه‬
‫بهذا الجواب ‪ ،‬فقام إلى سعيد فاعتنقه ‪ ،‬وقال ‪ :‬فرّج ال عنك كما فَرجت عني‪.‬‬
‫وهكذا روي من غير وجه عن سعيد بن جبير أنه فسرها كذلك ‪ ،‬وكذا فسرها مجاهد بن جَبْر ‪،‬‬
‫وغير واحد من السلف ‪ ،‬حتى إن مجاهدا قرأها ‪" :‬وظنوا أنهم قد كَذَبوا" ‪ ،‬بفتح الذال‪ .‬رواه ابن‬
‫جرير ‪ ،‬إل أن بعض من فسرها كذلك يعيد الضمير في قوله ‪ { :‬وَظَنّوا أَ ّن ُهمْ قَدْ كُذِبُوا } إلى أتباع‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الرسل من المؤمنين ‪ ،‬ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم ‪ ،‬أي ‪ :‬وظن الكفار أن الرسل قد كَذبوا‬
‫‪ -‬مخففة ‪ -‬فيما وعدوا به من النصر‪.‬‬
‫وأما ابن مسعود فقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن فضيل (‪ )5‬عن‬
‫جَحش (‪ )6‬بن زياد الضبي ‪ ،‬عن تميم بن حَ ْذلَم قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن مسعود يقول في هذه‬
‫سلُ } من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم (‪ )7‬وظن قومهم حين أبطأ‬
‫الية ‪ { :‬حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرّ ُ‬
‫المر أنهم قد َكذَبوا ‪ ،‬بالتخفيف‪)8( .‬‬
‫فهاتان الروايتان عن كل من ابن مسعود وابن عباس ‪ ،‬وقد أنكرت ذلك عائشة على من فسرها‬
‫بذلك ‪ ،‬وانتصر لها ابن جرير ‪ ،‬ووجه المشهور عن الجمهور ‪ ،‬وزيف القول الخر بالكلية ‪،‬‬
‫ور ّدهُ وأبَاه ‪ ،‬ولم يقبله ول ارتضاه ‪ ،‬وال أعلم‪)9( .‬‬
‫حدِيثًا ُيفْتَرَى وََلكِنْ َتصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ‬
‫صهِمْ عِبْ َر ٌة لولِي اللْبَابِ مَا كَانَ َ‬
‫ص ِ‬
‫{ َلقَدْ كَانَ فِي َق َ‬
‫حمَةً ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪} )111‬‬
‫شيْءٍ وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫وَتَ ْفصِيلَ ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فننجي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬غارم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬شعبة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي حمزة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فضل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬محسن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مخففة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬انظر ما قالته عائشة في ‪ :‬تفسير الطبري (‪ )308 ، 16/307‬ورد الطبري لقول ابن عباس (‬
‫‪.)16/306‬‬

‫( ‪)4/426‬‬

‫يقول تعالى ‪ :‬لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم ‪ ،‬وكيف أنجينا (‪ )1‬المؤمنين وأهلكنا الكافرين‬
‫حدِيثًا ُيفْتَرَى } أي ‪ :‬وما كان لهذا القرآن أن‬
‫{ عِبْ َر ٌة لولِي اللْبَابِ } وهي العقول ‪ { ،‬مَا كَانَ َ‬
‫يفترى من دون ال ‪ ،‬أي ‪ :‬يكذب ويُختلق ‪ { ،‬وََلكِنْ َتصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَ ْيهِ } أي ‪ :‬من الكتب‬
‫المنزلة من السماء ‪ ،‬وهو يصدق ما فيها من الصحيح ‪ ،‬وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل‬
‫شيْءٍ } من تحليل وتحريم ‪ ،‬ومحبوب‬
‫وتغيير ‪ ،‬ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير ‪ { ،‬وَ َت ْفصِيلَ ُكلّ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ومكروه ‪ ،‬وغير ذلك من المر بالطاعات والواجبات والمستحبات ‪ ،‬والنهي عن المحرمات وما‬
‫شاكلها من المكروهات ‪ ،‬والخبار عن المور على الجلية ‪ ،‬وعن الغيوب المستقبلة المجملة‬
‫والتفصيلية ‪ ،‬والخبار عن الرب تبارك وتعالى بالسماء والصفات ‪ ،‬وتنزيهه عن مماثلة‬
‫حمَةً ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ } تهتدي به قلوبهم من الغي إلى الرشاد ‪،‬‬
‫المخلوقات ‪ ،‬فلهذا كان ‪ُ { :‬هدًى وَرَ ْ‬
‫ومن الضللة إلى السداد ‪ ،‬ويبتغون به الرحمة من رب العباد ‪ ،‬في هذه الحياة الدنيا ويوم المعاد‪.‬‬
‫فنسأل ال العظيم أن يجعلنا منهم في الدنيا والخرة ‪ ،‬يوم يفوز بالربح المُبْ َيضّة وجوههم‬
‫الناضرة ‪ ،‬ويرجع (‪ )2‬المسودّة وجوهُهم بالصفقة الخاسرة‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة يوسف ‪ ،‬ول الحمد والمنة وبه المستعان وعليه التكلن ‪ ،‬وهو حسبنا ونعم‬
‫الوكيل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نجينا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وترجع"‪.‬‬

‫( ‪)4/427‬‬

‫ق وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪ )1‬اللّهُ الّذِي‬


‫حّ‬‫ب وَالّذِي أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ الْ َ‬
‫المر تِ ْلكَ آَيَاتُ ا ْلكِتَا ِ‬
‫جلٍ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ َيجْرِي لِأَ َ‬
‫شمْ َ‬
‫ش وَسَخّرَ ال ّ‬
‫عمَدٍ تَ َروْ َنهَا ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫سمَاوَاتِ ِبغَيْرِ َ‬
‫َرفَعَ ال ّ‬
‫صلُ الْآَيَاتِ َلعَّل ُكمْ بِِلقَاءِ رَ ّبكُمْ تُوقِنُونَ (‪)2‬‬
‫سمّى ُيدَبّرُ الَْأمْرَ ُي َف ّ‬
‫مُ َ‬

‫تفسير سورة الرعد‬


‫[وهي مكية] (‪)1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ق وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪)2( } )1‬‬
‫{ المر ِت ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ وَالّذِي أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ا ْلحَ ّ‬
‫أما الكلم على الحروف المقطعة في أوائل السور ‪ ،‬فقد تقدم (‪ )3‬في أول سورة البقرة ‪ ،‬وقَدّمنا‬
‫أن كل سورة تَبتدأ بهذه الحروف ففيها النتصار للقرآن ‪ ،‬وتبيان أن نزوله (‪ )4‬من عند ال حق‬
‫ل شك فيه ول مرية ول ريب ؛ ولهذا قال ‪ { :‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ } أي ‪ :‬هذه آيات الكتاب ‪ ،‬وهو‬
‫القرآن ‪ ،‬وقيل ‪ :‬التوارة والنجيل‪ .‬قاله مجاهد وقتادة ‪ ،‬وفيه نظر (‪ )5‬بل هو بعيد‪.‬‬
‫حقّ }‬
‫ثم عطف على ذلك عطف صفات قوله ‪ { :‬وَالّذِي أُنزلَ إِلَ ْيكَ } أي ‪ :‬يا محمد ‪ { ،‬مِنْ رَ ّبكَ الْ َ‬
‫خبر تقدم مبتدؤه ‪ ،‬وهو قوله ‪ { :‬وَالّذِي أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ } هذا هو الصحيح المطابق لتفسير‬
‫مجاهد وقتادة‪ .‬واختار ابن جرير أن تكون الواو زائدة أو عاطفة صفة (‪ )6‬على صفة كما قدمنا ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واستشهد بقول الشاعر ‪:‬‬
‫إلى المَلك القَرْمِ وابن ال ُهمَام‪ ...‬وَلَيث الكتيبة في المُزْ َدحَمْ (‪)7‬‬
‫صتَ ِب ُم ْؤمِنِينَ }‬
‫س وََلوْ حَ َر ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل ُي ْؤمِنُونَ } كقوله ‪َ { :‬ومَا َأكْثَرُ النّا ِ‬
‫[يوسف ‪ ]103 :‬أي ‪ :‬مع هذا البيان والجلء والوضوح ‪ ،‬ل يؤمن أكثرهم لما فيهم من الشقاق‬
‫والعناد والنفاق‪.‬‬
‫س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ‬
‫شمْ َ‬
‫ش وَسَخّرَ ال ّ‬
‫عمَدٍ تَ َروْ َنهَا ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫سمَاوَاتِ ِبغَيْرِ َ‬
‫{ اللّهُ الّذِي َرفَعَ ال ّ‬
‫صلُ اليَاتِ َلعَّلكُمْ بِِلقَاءِ رَ ّبكُمْ تُوقِنُونَ (‪} )2‬‬
‫سمّى يُدَبّ ُر المْرَ ُي َف ّ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫يَجْرِي ل َ‬
‫يخبر ال تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه ‪ :‬أنه الذي بإذنه وأمره َرفَع السماوات بغير‬
‫عمَد ‪ ،‬بل بإذنه وأمره (‪ )8‬وتسخيره رفعها عن الرض بُعدًا ل تنال ول يدرك مداها ‪ ،‬فالسماء‬
‫الدنيا محيطة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬تقدم الكلم عليها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنه نزل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وفيه تطويل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لصفة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬البيت في تفسير الطبري (‪.)16/321‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بل بأمره وبإذنه"‪.‬‬

‫( ‪)4/428‬‬

‫بجميع الرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها (‪ )1‬وأرجائها ‪ ،‬مرتفعة‬
‫عليها من كل جانب على السواء ‪ ،‬وبعد ما بينها وبين الرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام‬
‫‪ ،‬وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام‪ .‬ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت ‪،‬‬
‫وبينها وبينها من البعد مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وسمكها خمسمائة عام ‪ ،‬ثم السماء الثالثة محيطة (‬
‫‪ )2‬بالثانية ‪ ،‬بما فيها ‪ ،‬وبينها (‪ )3‬وبينها خمسمائة عام ‪ ،‬وسمكها خمسمائة عام ‪ ،‬وكذا الرابعة‬
‫ت َومِنَ‬
‫سمَاوَا ٍ‬
‫خلَقَ سَبْعَ َ‬
‫والخامسة والسادسة والسابعة ‪ ،‬كما قال [ال] (‪ )4‬تعالى ‪ { :‬اللّهُ الّذِي َ‬
‫شيْءٍ‬
‫شيْءٍ َقدِي ٌر وَأَنّ اللّهَ قَدْ َأحَاطَ ِب ُكلّ َ‬
‫علَى ُكلّ َ‬
‫ل المْرُ بَيْ َنهُنّ لِ َتعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َ‬
‫ال ْرضِ مِثَْلهُنّ يَتَنز ُ‬
‫ن وما بينهن في الكرسي إل‬
‫عِ ْلمًا } [الطلق ‪ ]12 :‬وفي الحديث ‪" :‬ما السماواتُ السبع وما فيه ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كحلقة ملقاة بأرض فَلة ‪ ،‬والكرسي في العرش كتلك (‪ )5‬الحلقة في تلك الفلة (‪ )6‬وفي رواية ‪:‬‬
‫"والعرش ل يقدر قدره إل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وجاء عن بعض السلف أن بعد ما بين العرش إلى‬
‫الرض مسيرة خمسين ألف سنة ‪ ،‬وبعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة ‪ ،‬وهو من ياقوتة‬
‫حمراء‪.‬‬
‫عمَدٍ تَ َروْ َنهَا } روي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬أنهم ‪ :‬قالوا ‪:‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬بغَيْرِ َ‬
‫عمَد ولكن ل ترى‪.‬‬
‫لها َ‬
‫وقال إياس بن معاوية ‪ :‬السماء على الرض مثل القبة ‪ ،‬يعني بل عمد‪ .‬وكذا روي عن قتادة ‪،‬‬
‫سمَاءَ أَنْ َتقَعَ عَلَى ال ْرضِ إِل‬
‫سكُ ال ّ‬
‫وهذا هو اللئق بالسياق‪ .‬والظاهر من قوله تعالى ‪ { :‬وَ ُيمْ ِ‬
‫بِإِذْنِهِ } [الحج ‪ ]65 :‬فعلى هذا يكون قوله ‪ { :‬ترونها } تأكيدا لنفي ذلك ‪ ،‬أي ‪ :‬هي مرفوعة بغير‬
‫عمد كما ترونها‪ .‬هذا هو الكمل في القدرة‪ .‬وفي شعر أمية بن أبي الصلت الذي آمن شعره وكفر‬
‫قلبه ‪ ،‬كما ورد في الحديث (‪ )7‬ويروى لزيد بن عمرو بن نفيل ‪ ،‬رحمه ال ورضي عنه ‪:‬‬
‫حمَة‪َ ...‬بعَثتَ إلى مُوسَى رَسُول مُنَاديا‪...‬‬
‫ن وَ َر ْ‬
‫وأنتَ الذي مِنْ َفضْل مَ ّ‬
‫عوَا‪ ...‬إلى ال فرْعَونَ الذي كانَ طَاغيا‪...‬‬
‫فقلت له ‪ :‬فاذ َهبْ وهارونَ فاد ُ‬
‫سوّيت هَذه‪ ...‬بل [وتَد حَتّى اطمأنت (‪َ )8‬كمَا هيا‬
‫َوقُول له ‪َ :‬هلْ أنتَ َ‬
‫عمَد أ ْرفِقْ إذَا بَِك بانيَا ؟‪...‬‬
‫وقُول له ‪ :‬أأنتَ َرفّعتَ هَذه‪ ...‬بل] (‪َ )9‬‬
‫طهَا‪ ...‬مُنيرًا إذا ما جَنّك الليّل هاديا‬
‫سَ‬‫سوّيت وَ ْ‬
‫َوقُول لَه ‪ :‬هَل أنتَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جهاتها ونواحيها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬تحيط"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بينهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬كمثل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سبق الكلم على هذا الحديث والذي بعده مفصل عند تفسير الية ‪ 255 :‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه ابن عبد البر في التمهيد (‪ )4/7‬من طريق أبي بكر الهذلي عن عكرمة قال ‪ :‬قلت لبن‬
‫عباس ‪ :‬أرأيت ما جاء عن النبي صلى ال عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت ‪" :‬آمن شعره وكفر‬
‫قلبه ؟" قال ‪ :‬هو حق فما أنكرتم من ذلك ؟‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت أ ‪" :‬استقلت" ‪ ،‬والمثبت من سيرة ابن هشام‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وسيرة ابن هشام‪.‬‬

‫( ‪)4/429‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج َعلَ فِيهَا َزوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ُيغْشِي‬
‫ي وَأَ ْنهَارًا َومِنْ ُكلّ ال ّثمَرَاتِ َ‬
‫سَ‬‫ج َعلَ فِيهَا َروَا ِ‬
‫وَ ُهوَ الّذِي مَدّ الْأَ ْرضَ وَ َ‬
‫ت وَجَنّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ‬
‫اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ (‪َ )3‬وفِي الْأَ ْرضِ ِقطَعٌ مُتَجَاوِرَا ٌ‬
‫ضهَا عَلَى َب ْعضٍ فِي الُْأ ُكلِ إِنّ فِي‬
‫ضلُ َب ْع َ‬
‫ح ٍد وَ ُنفَ ّ‬
‫سقَى ِبمَا ٍء وَا ِ‬
‫ن وَغَيْرُ صِ ْنوَانٍ ُي ْ‬
‫ل صِ ْنوَا ٌ‬
‫ع وَنَخِي ٌ‬
‫وَزَرْ ٌ‬
‫ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪)4‬‬

‫ن الرضِ ضَاحيا?‪...‬‬
‫ستْ مِ َ‬
‫سلُ الشّمس غُدوةً‪ ...‬فيُصبحَ ما مَ ّ‬
‫وقُول له ‪ :‬مَنْ يُ ْر ِ‬
‫حبّ في الثّرَى‪ ...‬فيُصبحَ مِنْه العُشب َيهَْتّز رَابيا?‪...‬‬
‫َوقُول له ‪ :‬مَن يُنْبِت ال َ‬
‫وَيُْخِرجُ منْه حَبّه في رءوسه‪َ ...‬ففِي ذَاكَ آياتٌ لِمنْ كَانَ وَاعيَا (‪)1‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } تقدم تفسير ذلك في سورة "العراف" (‪ )2‬وأنه ُيمَرّر (‪ )3‬كما‬
‫جاء من غير تكييف ‪ ،‬ول تشبيه ‪ ،‬ول تعطيل ‪ ،‬ول تمثيل ‪ ،‬تعالى ال علوا كبيرا‪.‬‬
‫سمّى } قيل ‪ :‬المراد أنهما يجريان إلى‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫شمْسَ وَالْ َقمَرَ ُكلّ يَجْرِي ل َ‬
‫سخّرَ ال ّ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫شمْسُ َتجْرِي ِلمُسْ َتقَرّ َلهَا ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ‬
‫انقطاعهما بقيام الساعة ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ { :‬وَال ّ‬
‫ا ْلعَلِيمِ } [يس ‪.]38 :‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد إلى مستقرهما ‪ ،‬وهو تحت العرش مما يلي بطن الرض من الجانب الخر ‪،‬‬
‫فإنهما وسائر الكواكب إذا وصلوا هنالك ‪ ،‬يكونون أبعد ما يكون (‪ )4‬عن العرش ؛ لنه على‬
‫الصحيح الذي تقومُ عليه الدلة ‪ ،‬قبة مما يلي العالم من هذا الوجه ‪ ،‬وليس بمحيط كسائر‬
‫الفلك ؛ لنه (‪ )5‬له قوائم وحملة يحملونه‪ .‬ول يتصوّر هذا في الفلك المستدير ‪ ،‬وهذا واضح‬
‫لمن تَدَبّر ما وَرَ َدتْ به اليات والحاديث الصحيحة ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫وذكر الشمس والقمر ؛ لنهما أظهر الكواكب السيارة السبعة ‪ ،‬التي هي أشرف وأعظم‪.‬‬
‫من الثوابت ‪ ،‬فإذا كان قد سخر هذه ‪ ،‬فَلن يدخل في التسخير سائرُ الكواكب بطريق الولى‬
‫سجُدُوا لِلّهِ الّذِي خََل َقهُنّ إِنْ‬
‫س وَل ِل ْلقَمَ ِر وَا ْ‬
‫شمْ ِ‬
‫سجُدُوا لِل ّ‬
‫والحرى ‪ ،‬كما نبه (‪ )6‬بقوله تعالى ‪ { :‬ل تَ ْ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ وَالنّجُومَ‬
‫شمْ َ‬
‫كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْ ُبدُونَ } [فصلت ‪ ]37 :‬مع أنه قد صرح بذلك بقوله (‪ { )7‬وَال ّ‬
‫ق وَالمْرُ تَبَا َركَ اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [العراف ‪.]54 :‬‬
‫مُسَخّرَاتٍ بَِأمْ ِرهِ أَل لَهُ الْخَ ْل ُ‬
‫صلُ اليَاتِ َلعَّلكُمْ بِِلقَاءِ رَ ّب ُكمْ تُوقِنُونَ } أي ‪ :‬يوضح (‪ )8‬اليات والدللت الدالة على‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ي َف ّ‬
‫أنه ل إله إل هو ‪ ،‬وأنه يعيد الخلق إذا شاء كما ابتدأ خلقه‪.‬‬
‫ج َعلَ فِيهَا َز ْوجَيْنِ اثْنَيْنِ‬
‫ي وَأَ ْنهَارًا َومِنْ ُكلّ ال ّثمَرَاتِ َ‬
‫سَ‬‫ج َعلَ فِيهَا َروَا ِ‬
‫{ وَ ُهوَ الّذِي مَدّ ال ْرضَ وَ َ‬
‫ت وَجَنّاتٌ مِنْ‬
‫ك ليَاتٍ ِلقَوْمٍ يَ َتفَكّرُونَ (‪َ )3‬وفِي ال ْرضِ ِقطَعٌ مُتَجَاوِرَا ٌ‬
‫ُيغْشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫ضهَا عَلَى َب ْعضٍ فِي‬
‫ضلُ َب ْع َ‬
‫ح ٍد وَ ُنفَ ّ‬
‫سقَى ِبمَا ٍء وَا ِ‬
‫ن وَغَيْرُ صِنْوَانٍ ُي ْ‬
‫ل صِ ْنوَا ٌ‬
‫ع وَنَخِي ٌ‬
‫أَعْنَابٍ وَزَرْ ٌ‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪} )4‬‬
‫الكُلِ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬البيات في السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/228‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬تفسير الية ‪.54 :‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يمر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما يكون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬بينه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬في قوله"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نوضح"‪.‬‬

‫( ‪)4/430‬‬

‫لما ذكر تعالى العالم العلوي ‪ ،‬شرع في ذكر قدرته وحكمته وأحكامه للعالم السفلي ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫{ وَ ُهوَ الّذِي مَدّ ال ْرضَ } أي ‪ :‬جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض ‪ ،‬وأرساها بجبال‬
‫راسيات شامخات ‪ ،‬وأجرى فيها النهار والجداول والعيون لسقي ما جعل فيها من الثمرات‬
‫المختلفة اللوان والشكال والطعوم والروائح ‪ ،‬من كل زوجين اثنين ‪ ،‬أي ‪ :‬من كل شكل‬
‫صنفان‪.‬‬
‫{ ُيغْشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ } أي ‪ :‬جعل كل منهما (‪ )1‬يطلب الخر طلبا حثيثا ‪ ،‬فإذا ذهب هذا غَشيه‬
‫هذا ‪ ،‬وإذا انقضى هذا جاء الخر ‪ ،‬فيتصرف أيضا في الزمان كما تصرف في المكان والسكان‪.‬‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ } أي ‪ :‬في آلء ال وحكمته (‪ )2‬ودلئله‪.‬‬
‫{ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬وفِي الرْضِ ِقطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ } أي ‪ :‬أراضٍ تجاور (‪ )3‬بعضها بعضا ‪ ،‬مع أن هذه‬
‫طيبة تنبت ما ينتفع به الناس ‪ ،‬وهذه سَبَخة مالحة ل تنبت شيئا‪ .‬هكذا روي عن ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وكذا يدخل في هذه الية اختلف ألوان بقاع الرض ‪ ،‬فهذه تربة حمراء ‪ ،‬وهذه بيضاء ‪ ،‬وهذه‬
‫صفراء ‪ ،‬وهذه سوداء ‪ ،‬وهذه محجرة (‪ )4‬وهذه سهلة ‪ ،‬وهذه مرملة ‪ ،‬وهذه سميكة ‪ ،‬وهذه‬
‫رقيقة ‪ ،‬والكل متجاورات‪ .‬فهذه بصفتها ‪ ،‬وهذه بصفتها الخرى ‪ ،‬فهذا كله مما يدل على الفاعل‬
‫المختار ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫ب وَزَ ْرعٌ وَنَخِيلٌ } (‪ )5‬يحتمل (‪ )6‬أن تكون عاطفة على { جنات }‬
‫وقوله ‪ { :‬وَجَنّاتٌ مِنْ أَعْنَا ٍ‬
‫فيكون { وَزَ ْرعٌ وَنَخِيلٌ } (‪ )7‬مرفوعين‪ .‬ويحتمل أن يكون معطوفا على أعناب ‪ ،‬فيكون‬
‫مجرورا ؛ ولهذا قرأ بكل منهما طائفة من الئمة‪.‬‬
‫ن وَغَيْ ُر صِ ْنوَانٍ } الصنوان ‪ :‬هي الصول المجتمعة في منبت واحد ‪ ،‬كالرمان‬
‫وقوله ‪ { :‬صِ ْنوَا ٌ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والتين وبعض النخيل ‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وغير الصنوان ‪ :‬ما كان على أصل واحد ‪ ،‬كسائر الشجار ‪،‬‬
‫ومنه سمي عم الرجل صنو أبيه ‪ ،‬كما جاء في الحديث الصحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال لعمر ‪" :‬أما شعرت (‪ )8‬أن عم الرجل صنو أبيه ؟" (‪.)9‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬وشعبة ‪ ،‬عن أبى إسحاق ‪ ،‬عن البراء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬الصنوان ‪ :‬هي‬
‫النخلت في أصل واحد ‪ ،‬وغير الصنوان ‪ :‬المتفرقات‪ .‬وقاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬منها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وحكمه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يجاورها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬محجر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وزروع" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬تحتمل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وزروع" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬أما علمت"‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )983‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/431‬‬

‫جدِيدٍ أُولَ ِئكَ الّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّبهِمْ وَأُولَ ِئكَ الْأَغْلَالُ‬
‫جبٌ َقوُْلهُمْ أَئِذَا كُنّا تُرَابًا أَئِنّا َلفِي خَ ْلقٍ َ‬
‫جبْ َفعَ َ‬
‫وَإِنْ َتعْ َ‬
‫صحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪)5‬‬
‫فِي أَعْنَا ِق ِه ْم وَأُولَ ِئكَ َأ ْ‬

‫ضهَا عَلَى َب ْعضٍ فِي الكُلِ } قال العمش ‪ ،‬عن أبي‬


‫ضلُ َب ْع َ‬
‫ح ٍد وَ ُنفَ ّ‬
‫سقَى ِبمَا ٍء وَا ِ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ي ْ‬
‫ضهَا‬
‫ضلُ َب ْع َ‬
‫صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَ ُنفَ ّ‬
‫عَلَى َب ْعضٍ فِي ال ُكلِ } قال ‪" :‬ال ّدقَل والفارسي ‪ ،‬والحُلْو والحامض"‪ .‬رواه الترمذي وقال ‪ :‬حسن‬
‫غريب (‪.)1‬‬
‫أي ‪ :‬هذا الختلف في أجناس الثمرات والزروع ‪ ،‬في أشكالها وألوانها ‪ ،‬وطعومها وروائحها ‪،‬‬
‫وأوراقها وأزهارها‪.‬‬
‫عفِص ‪ ،‬وهذا عذب‬
‫فهذا في غاية الحلوة وذا في غاية الحموضة ‪ ،‬وذا (‪ )2‬في غاية المرارة وذا َ‬
‫وهذا (‪ )3‬جمع هذا وهذا ‪ ،‬ثم يستحيل إلى طعم آخر بإذن ال تعالى‪ .‬وهذا أصفر وهذا أحمر ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا أبيض وهذا أسود وهذا أزرق‪ .‬وكذلك الزهورات مع أن كلها يستمد (‪ )4‬من طبيعة واحدة ‪،‬‬
‫وهو الماء ‪ ،‬مع هذا الختلف الكبير الذي ل ينحصر ول ينضبط ‪ ،‬ففي ذلك آيات لمن كان واعيا‬
‫‪ ،‬وهذا من أعظم الدللت على الفاعل المختار ‪ ،‬الذي بقدرته فاوت بين الشياء وخلقها على ما‬
‫ك ليَاتٍ ِلقَوْمٍ َي ْعقِلُونَ }‬
‫يريد ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫جبٌ َقوُْلهُمْ أَئِذَا كُنّا تُرَابًا أَئِنّا َلفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَ ِئكَ الّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّبهِ ْم وَأُولَ ِئكَ‬
‫جبْ َف َع َ‬
‫{ وَإِنْ َت ْع َ‬
‫الغْللُ فِي أَعْنَا ِقهِ ْم وَأُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪} )5‬‬
‫جبْ } من تكذيب هؤلء‬
‫يقول تعالى لرسوله محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ { :‬وَإِنْ َتعْ َ‬
‫المشركين بأمر المعاد مع ما يشاهدونه من آيات ال سبحانه ودللته في خلقه على أنه القادر على‬
‫ما يشاء ‪ ،‬ومع ما يعترفون (‪ )5‬به من أنه ابتدأ خلق الشياء ‪ ،‬فكونها بعد أن لم تكن شيئا مذكورا‬
‫‪ ،‬ثم هم بعد هذا يكذبون خبره في أنه سيعيد العالمين خلقا جديدا ‪ ،‬وقد اعترفوا وشاهدوا ما هو‬
‫أعجب مما كذبوا به ‪ ،‬فالعجب من قولهم ‪ { :‬أَئِذَا كُنّا تُرَابًا أَئِنّا َلفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } وقد علم كل عالم‬
‫وعاقل أن خلق السموات والرض أكبر من خلق الناس ‪ ،‬وأن من بدأ الخلق فالعادة سهلة عليه ‪،‬‬
‫ض وَلَمْ َي ْعيَ بِخَ ْل ِقهِنّ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ‬
‫ت وَالرْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫كما قال تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ }‬
‫يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى بَلَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ثم نعت المكذبين بهذا فقال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّبهِ ْم وَأُولَ ِئكَ الغْللُ فِي أَعْنَا ِقهِمْ } أي ‪:‬‬
‫يسحبون بها في النار ‪ { ،‬وَأُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ } أي ‪ :‬ماكثون فيها أبدا ‪ ،‬ل‬
‫يحولون عنها ول يزولون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ .)3118‬والدقل ‪ :‬الرديء واليابس من التمر‪ .‬والفارسي ‪ :‬نوع من‬
‫التمر‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا قد جمع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬تستمد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعرفون"‪.‬‬

‫( ‪)4/432‬‬

‫ت وَإِنّ رَ ّبكَ لَذُو َم ْغفِ َرةٍ لِلنّاسِ عَلَى‬


‫وَيَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِالسّيّ َئةِ قَ ْبلَ الْحَسَ َن ِة َوقَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهِمُ ا ْلمَثُلَا ُ‬
‫ظُ ْل ِمهِمْ وَإِنّ رَ ّبكَ لَشَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪)6‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ وَيَسْ َت ْعجِلُو َنكَ بِالسّيّئَةِ قَ ْبلَ ا ْلحَسَنَةِ َوقَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهِمُ ا ْلمَثُلتُ وَإِنّ رَ ّبكَ َلذُو َمغْفِ َرةٍ لِلنّاسِ عَلَى‬
‫ظُ ْل ِمهِمْ وَإِنّ رَ ّبكَ لَشَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪} )6‬‬

‫( ‪)4/432‬‬

‫حسَنَةِ } أي ‪ :‬بالعقوبة ‪،‬‬


‫يقول تعالى ‪ { :‬ويستعجلونك } (‪ )1‬أي ‪ :‬هؤلء المكذبون { بِالسّيّئَةِ قَ ْبلَ الْ َ‬
‫علَيْهِ ال ّذكْرُ إِ ّنكَ َلمَجْنُونٌ * َلوْ مَا تَأْتِينَا‬
‫كما أخبر عنهم في قوله ‪َ { :‬وقَالُوا يَا أَ ّيهَا الّذِي نزلَ َ‬
‫بِا ْلمَل ِئكَةِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ * مَا نُنزلُ ا ْلمَل ِئكَةَ إِل بِا ْلحَقّ َومَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ } [الحجر ‪:‬‬
‫ب وَلَيَأْتِيَ ّنهُمْ َبغْتَةً‬
‫سمّى َلجَاءَ ُهمُ ا ْلعَذَا ُ‬
‫جلٌ مُ َ‬
‫ب وََلوْل أَ َ‬
‫‪ ]8 - 6‬وقال تعالى ‪ { :‬وَيَسْ َت ْعجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَا ِ‬
‫جهَنّمَ َلمُحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ } [العنكبوت ‪]54 ، 53 :‬‬
‫ب وَإِنّ َ‬
‫شعُرُونَ * يَسْ َت ْعجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَا ِ‬
‫وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫جلُ ِبهَا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا‬
‫ب وَاقِعٍ } [المعارج ‪ ]1 :‬وقال ‪َ { :‬يسْ َتعْ ِ‬
‫وقال ‪ { :‬سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫جلْ لَنَا قِطّنَا قَ ْبلَ‬
‫عّ‬‫حقّ } [الشورى ‪َ {]18 :‬وقَالُوا رَبّنَا َ‬
‫ش ِفقُونَ مِ ْنهَا وَ َيعَْلمُونَ أَ ّنهَا الْ َ‬
‫وَالّذِينَ آمَنُوا مُ ْ‬
‫َيوْمِ ا ْلحِسَابِ } [ص ‪ ]16 :‬أي ‪ :‬حسابنا وعقابنا ‪ ،‬كما قال مخبرا عنهم ‪ { :‬وَإِذْ قَالُوا الّل ُهمّ إِنْ كَانَ‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا ِبعَذَابٍ َألِيمٍ } [النفال ‪ ]32 :‬فكانوا‬
‫حقّ مِنْ عِنْ ِدكَ فََأ ْمطِرْ عَلَيْنَا حِجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫هَذَا ُهوَ الْ َ‬
‫(‪ )2‬يطلبون من الرسول أن يأتيهم بعذاب ال ‪ ،‬وذلك من شدة تكذيبهم وكفرهم وعنادهم‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪َ { :‬وقَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْل ِهمُ ا ْلمَثُلتُ } أي ‪ :‬قد أوقعنا نقمتنا بالمم الخالية وجعلناهم مثلة‬
‫وعبرة وعظة لمن اتعظ بهم‪.‬‬
‫خذُ‬
‫ثم أخبر تعالى أنه لول حلمه وعفوه [وغفره] (‪ )3‬لعالجهم بالعقوبة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ ُيؤَا ِ‬
‫ظهْرِهَا مِنْ دَابّةٍ } [فاطر ‪.)4( ]45 :‬‬
‫اللّهُ النّاسَ ِبمَا كَسَبُوا مَا تَ َركَ عَلَى َ‬
‫وقال تعالى في هذه الية الكريمة ‪ { :‬وَإِنّ رَ ّبكَ َلذُو َمغْفِ َرةٍ لِلنّاسِ عَلَى ظُ ْل ِمهِمْ } أي ‪ :‬إنه ذو عفو‬
‫وصفح (‪ )5‬وستر للناس مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار‪ .‬ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد‬
‫سعَ ٍة وَل‬
‫حمَ ٍة وَا ِ‬
‫العقاب ‪ ،‬ليعتدل الرجاء والخوف ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَإِنْ َكذّبُوكَ َف ُقلْ رَ ّب ُكمْ ذُو َر ْ‬
‫ب وَإِنّهُ َل َغفُورٌ‬
‫يُرَدّ بَ ْأسُهُ عَنِ ا ْل َقوْمِ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ } [النعام ‪ ]147 :‬وقال ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ لَسَرِيعُ ا ْل ِعقَا ِ‬
‫رَحِيمٌ } [العراف ‪ ]167 :‬وقال ‪ { :‬نَ ّبئْ عِبَادِي أَنّي أَنَا ا ْلغَفُورُ الرّحِي ُم وَأَنّ عَذَابِي ُهوَ ا ْل َعذَابُ‬
‫اللِيمُ } [الحجر ‪ ]50 ، 49 :‬إلى أمثال ذلك من اليات التي تجمع الرجاء والخوف‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪،‬‬
‫عن سعيد بن المسَيّب قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ { :‬وَإِنّ رَ ّبكَ َلذُو َمغْفِ َرةٍ لِلنّاسِ عَلَى ظُ ْل ِمهِ ْم وَإِنّ‬
‫شدِيدُ ا ْل ِعقَابِ } قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لول عفوُ ال وتجاوُزه ‪ ،‬ما هنأ أحدا‬
‫رَ ّبكَ لَ َ‬
‫العيش (‪ )6‬ولول وعيده (‪ )7‬وعقابه ‪ ،‬لتكل كل أحد" (‪.)8‬‬
‫وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن عثمان أبي حسان الزيادي ‪ :‬أنه رأى رب العزة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويستعجلك" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وكانوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الناس بظلمهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ذو صفح وغفر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬العريش"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وعده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ورواه الواحدي في الوسيط (‪ )3/6‬من طريق محمد بن أيوب ‪ ،‬عن موسى بن إسماعيل ‪ ،‬به‬
‫مرسل‪.‬‬

‫( ‪)4/433‬‬

‫وَيَقُولُ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْلَا أُنْ ِزلَ عَلَ ْيهِ آَ َيةٌ مِنْ رَبّهِ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ ْنذِ ٌر وَِلكُلّ َقوْمٍ هَادٍ (‪)7‬‬

‫النوم ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم واقف بين يديه يشفع في رجل من أمته ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ألم‬
‫ظ ْل ِمهِمْ } ؟ قال ‪ :‬ثم‬
‫يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرعد ‪ { :‬وَإِنّ رَ ّبكَ َلذُو َم ْغفِ َرةٍ لِلنّاسِ عَلَى ُ‬
‫انتبهت‪)1( .‬‬
‫{ وَ َيقُولُ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْل أُنزلَ عَلَ ْيهِ آ َيةٌ مِنْ رَبّهِ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ ْنذِ ٌر وَِل ُكلّ َقوْمٍ هَادٍ (‪} )7‬‬
‫يقول تعالى إخبارًا عن المشركين أنهم يقولون كفرا وعنادا ‪ :‬لول يأتينا بآية من ربه كما أرسل‬
‫الولون ‪ ،‬كما تعتنوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبا ‪ ،‬وأن يزيل (‪ )2‬عنهم الجبال ‪ ،‬ويجعل مكانها‬
‫ن وَآتَيْنَا‬
‫سلَ بِاليَاتِ إِل أَنْ َك ّذبَ ِبهَا الوّلُو َ‬
‫مروجا وأنهارا ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬ومَا مَ َنعَنَا أَنْ نُرْ ِ‬
‫خوِيفًا } [السراء ‪.]59 :‬‬
‫سلُ بِاليَاتِ إِل َت ْ‬
‫ظَلمُوا ِبهَا َومَا نُرْ ِ‬
‫َثمُودَ النّاقَةَ مُ ْبصِ َرةً فَ َ‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُنْذِرٌ } أي ‪ :‬إنما عليك أن تبلغ رسالة ال التي أمرك بها ‪ { ،‬لَيْسَ‬
‫عَلَ ْيكَ هُدَاهُ ْم وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [البقرة ‪.]272 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَِل ُكلّ َقوْمٍ هَادٍ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أي ‪ :‬ولكل قوم داع‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في تفسيرهما ‪ :‬يقول ال تعالى ‪ :‬أنت يا محمد منذر ‪ ،‬وأنا هادي‬
‫كل قوم ‪ ،‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ { :‬وَِل ُكلّ َقوْمٍ هَادٍ } أي ‪ :‬نبي‪ .‬كما قال ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ ُأمّةٍ إِل خَل فِيهَا َنذِيرٌ } [فاطر ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ ]24‬وبه قال قتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد‪.‬‬
‫وقال أبو صالح ‪ ،‬ويحيى بن رافع ‪ { :‬وَِل ُكلّ َقوْمٍ هَادٍ } أي ‪ :‬قائد‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬الهادي ‪ :‬القائد ‪ ،‬والقائد ‪ :‬المام ‪ ،‬والمام ‪ :‬العمل‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وأبي الضحى ‪ { :‬وَِل ُكلّ َقوْمٍ هَادٍ } قال هو محمد [رسول ال] (‪ )3‬صلى ال عليه‬
‫وعن ِ‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ { :‬وَِلكُلّ َقوْمٍ هَادٍ } من يدعوهم إلى ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني أحمد بن يحيى الصوفي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن الحسين‬
‫النصاري ‪ ،‬حدثنا معاذ بن مسلم بياع الهروي ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪،‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُنْذِ ٌر وَِل ُكلّ َقوْمٍ هَادٍ } قال ‪:‬‬
‫وضع رسول ال صلى ال عليه وسلم يده على صدره ‪ ،‬وقال ‪" :‬أنا المنذر ‪ ،‬ولكل قوم هاد"‪.‬‬
‫وأومأ بيده إلى منكب علي ‪ ،‬فقال ‪" :‬أنت الهادي يا علي ‪ ،‬بك يهتدي المهتدون من بعدي"‪.‬‬
‫وهذا الحديث فيه نكارة شديدة (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق (‪" )4/471‬المخطوط")‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يزيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ ، )16/357‬وقال الذهبي في ميزان العتدال (‪ )1/484‬بعد أن ساقه في‬
‫ترجمة الحسن بن الحسين‪" .‬رواه ابن جرير في تفسيره ‪ ،‬عن أحمد بن يحيى ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن‬
‫معاذ ‪ ،‬ومعاذ نكرة ‪ ،‬فلعل الفة منه"‪.‬‬

‫( ‪)4/434‬‬

‫شيْءٍ عِنْ َدهُ ِب ِمقْدَارٍ (‪ )8‬عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ‬


‫ح ِملُ ُكلّ أُنْثَى َومَا َتغِيضُ الْأَ ْرحَا ُم َومَا تَزْدَا ُد َو ُكلّ َ‬
‫اللّهُ َيعَْلمُ مَا تَ ْ‬
‫شهَا َدةِ ا ْلكَبِيرُ ا ْلمُ َتعَالِ (‪)9‬‬
‫وَال ّ‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا المطلب بن‬
‫زياد ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن عبد خير ‪ ،‬عن علي ‪ { :‬وَِلكُلّ َقوْمٍ هَادٍ } قال ‪ :‬الهادي ‪ :‬رجل من بني‬
‫هاشم ‪ :‬قال الجنيد (‪ )1‬هو علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وروي عن ابن عباس ‪ ،‬في إحدى الروايات ‪ ،‬وعن أبي جعفر محمد بن‬
‫علي ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شيْءٍ عِنْ َدهُ ِب ِمقْدَارٍ (‪ )8‬عَالِمُ‬
‫ح ِملُ ُكلّ أُنْثَى َومَا َتغِيضُ الرْحَا ُم َومَا تَزْدَا ُد َو ُكلّ َ‬
‫{ اللّهُ َيعْلَمُ مَا تَ ْ‬
‫شهَا َدةِ ا ْلكَبِيرُ ا ْلمُ َتعَالِ (‪} )9‬‬
‫ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫يخبر تعالى عن تمام علمه الذي ل يخفى عليه شيء ‪ ،‬وأنه محيط بما تحمله الحوامل من كل إناث‬
‫الحيوانات ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَامِ } [لقمان ‪ ]34 :‬أي ‪ :‬ما حملت من ذكر أو‬
‫أنثى ‪ ،‬أو حسن أو قبيح ‪ ،‬أو شقي أو سعيد ‪ ،‬أو طويل العمر أو قصيره ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬هوَ‬
‫علَمُ ِبمَنِ‬
‫سكُمْ ُهوَ أَ ْ‬
‫ض وَإِذْ أَنْ ُتمْ َأجِنّةٌ فِي بُطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ فَل تُ َزكّوا أَ ْنفُ َ‬
‫أَعْلَمُ ِب ُكمْ إِذْ أَنْشََأكُمْ مِنَ ال ْر ِ‬
‫ا ّتقَى } [النجم ‪.]32 :‬‬
‫وقال تعالى ‪َ { :‬يخُْل ُقكُمْ فِي بُطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ خَ ْلقًا مِنْ َب ْعدِ خَ ْلقٍ فِي ظُُلمَاتٍ ثَلثٍ } [الزمر ‪ ]6 :‬أي ‪:‬‬
‫جعَلْنَاهُ‬
‫خلقكم طورا من بعد طور ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ خََلقْنَا النْسَانَ مِنْ سُللَةٍ مِنْ طِينٍ ُثمّ َ‬
‫سوْنَا‬
‫ضغَةَ عِظَامًا َفكَ َ‬
‫ضغَةً فَخََلقْنَا ا ْل ُم ْ‬
‫طفَةَ عََلقَةً َفخََلقْنَا ا ْلعََلقَةَ ُم ْ‬
‫طفَةً فِي قَرَارٍ َمكِينٍ ثُمّ خََلقْنَا النّ ْ‬
‫نُ ْ‬
‫حمًا ُثمّ أَنْشَأْنَاهُ خَ ْلقًا آخَرَ فَتَبَا َركَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَاِلقِينَ } [المؤمنون ‪ ]14 : 12 :‬وفي‬
‫ا ْلعِظَامَ لَ ْ‬
‫الصحيحين عن ابن مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال (‪ )2‬صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن خلق أحدكم يجمع‬
‫في بطن أمه أربعين يوما ‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك ‪ ،‬ثم يكون مضغة مثل ذلك ‪ ،‬ثم يبعث إليه‬
‫ملك فيؤمر بأربع كلمات ‪َ :‬يكْتب رزقه ‪ ،‬وعمره ‪ ،‬وعمله ‪ ،‬وشقي أو سعيد" (‪.)3‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪" :‬فيقول الملك ‪ :‬أيْ رب ‪ ،‬أذكر أم أنثى ؟ أي رب ‪ ،‬أشقي أم سعيد ؟ فما‬
‫الرزق ؟ فما الجل ؟ فيقول ال ‪ ،‬ويكتب الملك" (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َتغِيضُ الرْحَا ُم َومَا تَزْدَادُ } قال البخاري ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن المنذر ‪ ،‬حدثنا َمعْن ‪،‬‬
‫حدثنا مالك ‪ ،‬عن عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"مفاتيح الغيب خمس ل يعلمها (‪ )5‬إل ال ‪ :‬ل يعلم ما في غد إل ال ‪ ،‬ول يعلم ما تغيض‬
‫الرحام إل ال ‪ ،‬ول يعلم متى يأتي المطر أحد إل ال ‪ ،‬ول تدري نفس بأي أرض تموت ‪ ،‬ول‬
‫يعلم متى تقوم الساعة إل ال" (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ابن الجنيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )3208‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2643‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2645‬من حديث حذيفة بن أسيد ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ل يعلمهن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4697‬‬

‫( ‪)4/435‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سقْط { َومَا تَ ْزدَادُ } يقول ‪ :‬ما‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ومَا َتغِيضُ ال ْرحَامُ } يعني ‪ :‬ال َ‬
‫زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما‪ .‬وذلك أن من النساء من تحمل عشرة‬
‫أشهر ‪ ،‬ومنهن من تحمل تسعة أشهر ‪ ،‬ومنهن من تزيد في الحمل ‪ ،‬ومنهن من تنقص ‪ ،‬فذلك‬
‫الغيض (‪ )1‬والزيادة التي ذكر ال تعالى ‪ ،‬وكل ذلك بعلمه تعالى‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬ومَا َتغِيضُ الرْحَا ُم َومَا تَزْدَادُ } قال ‪ :‬ما نقصت من‬
‫تسعة وما زاد عليها‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬وضعتني أمي وقد حملتني في بطنها سنتين ‪ ،‬وولدتني وقد نبتت ثنيّتي‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن جميلة بنت سعد ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬ل يكون الحمل أكثر من سنتين ‪ ،‬قدر‬
‫ما يتحرك ظِل مغْزَل‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪َ { :‬ومَا َتغِيضُ ال ْرحَا ُم َومَا تَزْدَادُ } قال ‪ :‬ما ترى من الدم في حملها ‪ ،‬وما تزداد‬
‫على تسعة أشهر‪ .‬وبه قال عطية العوفي وقتادة ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫وقال مجاهد أيضا ‪ :‬إذا رأت المرأة الدم دون التسعة زاد على التسعة ‪ ،‬مثل أيام الحيض‪ .‬وقاله‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫ِ‬
‫وقال مجاهد أيضا ‪َ { :‬ومَا َتغِيضُ ال ْرحَامُ } إراقة المرأة حتى يخس الولد { َومَا تَ ْزدَادُ } إن لم‬
‫تهرق المرأة تم الولد وعظم‪.‬‬
‫وقال مكحول ‪ :‬الجنين في بطن أمه ل يطلب ‪ ،‬ول يحزن ول يغتم ‪ ،‬وإنما يأتيه رزقه في بطن‬
‫أمه من دم حيضتها (‪ )2‬فمن ثم ل تحيض الحامل‪ .‬فإذا وقع إلى الرض استهل ‪ ،‬واستهلله‬
‫استنكار (‪ )3‬لمكانه ‪ ،‬فإذا قطعت سرته حول ال رزقه إلى ثديي أمه حتى ل يطلب ول يحزن ول‬
‫يغتم ‪ ،‬ثم يصير طفل يتناول الشيء بكفه فيأكله ‪ ،‬فإذا هو بلغ قال ‪ :‬هو الموت أو القتل ‪ ،‬أنّى لي‬
‫بالرزق ؟ فيقول مكحول ‪ :‬يا ويلك (‪ ! )4‬غَذاك وأنت في بطن أمك ‪ ،‬وأنت طفل صغير ‪ ،‬حتى‬
‫إذا اشتددت وعقلت قلت ‪ :‬هو الموت أو القتل ‪ ،‬أنى لي بالرزق ؟ ثم قرأ مكحول ‪ { :‬اللّهُ َيعْلَمُ مَا‬
‫شيْءٍ عِنْ َدهُ ِبمِقْدَارٍ }‬
‫ح ِملُ ُكلّ أُنْثَى َومَا َتغِيضُ الرْحَامُ َومَا تَ ْزدَا ُد َو ُكلّ َ‬
‫تَ ْ‬
‫شيْءٍ عِنْ َدهُ ِب ِمقْدَارٍ } أي ‪ :‬بأجل ‪ ،‬حفظ أرزاق خلقه وآجالهم ‪ ،‬وجعل لذلك‬
‫وقال قتادة ‪َ { :‬و ُكلّ َ‬
‫أجل معلومًا‪.‬‬
‫وفي الحديث الصحيح ‪ :‬أن إحدى بنات النبي صلى ال عليه وسلم بعثت إليه ‪ :‬أن ابنا لها في‬
‫الموت ‪ ،‬وأنها تحب أن يحضره‪ .‬فبعث إليها يقول ‪" :‬إن ل ما أخذ ‪ ،‬وله ما أعطى ‪ ،‬وكل شيء‬
‫عنده بأجل مسمى ‪ ،‬فمروها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الغيظ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬حيضها"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬استشكار"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يا ويحك"‪.‬‬

‫( ‪)4/436‬‬

‫ل وَسَا ِربٌ بِال ّنهَارِ (‪ )10‬لَهُ ُم َعقّبَاتٌ‬


‫خفٍ بِاللّ ْي ِ‬
‫جهَرَ ِب ِه َومَنْ ُهوَ مُسْتَ ْ‬
‫سوَاءٌ مِ ْنكُمْ مَنْ أَسَرّ ا ْل َق ْولَ َومَنْ َ‬
‫َ‬
‫سهِ ْم وَإِذَا‬
‫حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ اللّهِ إِنّ اللّهَ لَا ُيغَيّرُ مَا ِبقَوْمٍ حَتّى ُيغَيّرُوا مَا بِأَ ْنفُ ِ‬
‫مِنْ بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َي ْ‬
‫ن وَالٍ (‪)11‬‬
‫أَرَادَ اللّهُ ِب َقوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدّ َل ُه َومَا َل ُهمْ مِنْ دُونِهِ مِ ْ‬

‫فلتصبر ولتحتسب" الحديث بتمامه (‪)1‬‬


‫شهَا َدةِ } أي ‪ :‬يعلم كل شيء مما يشاهده العباد ومما يغيب عنهم ‪ ،‬ول‬
‫ب وَال ّ‬
‫وقوله ‪ { :‬عَاِلمُ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫يخفى (‪ )2‬عليه منه شيء‪ { .‬الكبير } الذي هو أكبر من كل شيء ‪ { ،‬المتعال } أي ‪ :‬على كل‬
‫شيء ‪ ،‬قد أحاط بكل شيء علما ‪ ،‬وقهر كل شيء ‪ ،‬فخضعت له الرقاب ودان له العباد ‪ ،‬طوعا‬
‫وكرها‪.‬‬
‫ل وَسَا ِربٌ بِال ّنهَارِ (‪ )10‬لَهُ‬
‫خفٍ بِاللّ ْي ِ‬
‫جهَرَ بِهِ َومَنْ ُهوَ مُسْ َت ْ‬
‫ل َومَنْ َ‬
‫سوَاءٌ مِ ْنكُمْ مَنْ َأسَرّ ا ْل َقوْ َ‬
‫{ َ‬
‫حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ اللّهِ إِنّ اللّهَ ل ُيغَيّرُ مَا ِب َقوْمٍ حَتّى ُيغَيّرُوا مَا‬
‫ُمعَقّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َي ْ‬
‫ن وَالٍ (‪} )11‬‬
‫سهِ ْم وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ ِب َقوْمٍ سُوءًا فَل مَرَدّ لَ ُه َومَا َلهُمْ مِنْ دُونِهِ مِ ْ‬
‫بِأَ ْنفُ ِ‬
‫يخبر تعالى عن إحاطة علمه بجميع خلقه ‪ ،‬سواء (‪ )3‬منهم من أسر قوله أو جهر به ‪ ،‬فإنه‬
‫خفَى } [طه ‪ ]7 :‬وقال‬
‫جهَرْ بِا ْل َق ْولِ فَإِنّهُ َيعْلَمُ السّ ّر وَأَ ْ‬
‫يسمعه ل يخفى عليه شيء كما قال ‪ { :‬وَإِنْ تَ ْ‬
‫خفُونَ َومَا ُتعْلِنُونَ } [النمل ‪ ]25 :‬وقالت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬سبحان الذي‬
‫‪ { :‬وَ َيعْلَمُ مَا تُ ْ‬
‫وسع سمعه الصوات ‪ ،‬وال لقد جاءت المجادلة تشتكي زوجها إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫سمِعَ اللّهُ َق ْولَ‬
‫وسلم ‪ ،‬وأنا في جنب البيت ‪ ،‬وإنه ليخفى عليّ بعض كلمها ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ { :‬قدْ َ‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ } [المجادلة ‪:‬‬
‫س َمعُ تَحَاوُ َر ُكمَا إِنّ اللّهَ َ‬
‫جهَا وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّ ِه وَاللّهُ يَ ْ‬
‫الّتِي تُجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬
‫‪.]1‬‬
‫خفٍ بِاللّ ْيلِ } أي ‪ :‬مختف في قعر بيته في ظلم الليل ‪ { ،‬وَسَا ِربٌ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ ُهوَ مُسْ َت ْ‬
‫بِال ّنهَارِ } أي ‪ :‬ظاهر ماش في بياض النهار وضيائه ‪ ،‬فإن كليهما (‪ )4‬في علم ال على السواء ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬أَل حِينَ يَسْ َت ْغشُونَ ثِيَا َب ُهمْ َيعْلَمُ مَا ُيسِرّونَ َومَا ُيعْلِنُونَ } [هود ‪ ]5 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫شهُودًا إِذْ ُتفِيضُونَ‬
‫ع َملٍ إِل كُنّا عَلَ ْيكُمْ ُ‬
‫ن وَل َت ْعمَلُونَ مِنْ َ‬
‫ن َومَا تَ ْتلُو مِ ْنهُ مِنْ قُرْآ ٍ‬
‫{ َومَا َتكُونُ فِي شَأْ ٍ‬
‫ك وَل َأكْبَرَ‬
‫صغَرَ مِنْ ذَِل َ‬
‫سمَا ِء وَل َأ ْ‬
‫فِي ِه َومَا َيعْ ُزبُ عَنْ رَ ّبكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَ ّرةٍ فِي ال ْرضِ وَل فِي ال ّ‬
‫إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [يونس ‪.]61 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ اللّهِ } أي ‪ :‬للعبد ملئكة يتعاقبون‬
‫وقوله ‪َ { :‬لهُ ُمعَقّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َي ْ‬
‫عليه ‪ ،‬حَرَس بالليل وحَرَس بالنهار ‪ ،‬يحفظونه من السواء (‪ )5‬والحادثات ‪ ،‬كما يتعاقب ملئكة‬
‫آخرون لحفظ العمال من خير أو شر ‪ ،‬ملئكة بالليل وملئكة بالنهار ‪ ،‬فاثنان عن اليمين و[عن]‬
‫(‪ )6‬الشمال يكتبان العمال ‪ ،‬صاحب اليمين يكتب الحسنات ‪ ،‬وصاحب الشمال يكتب السيئات ‪،‬‬
‫وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه ‪ ،‬واحدا (‪ )7‬من ورائه وآخر من قدامه ‪ ،‬فهو بين أربعة‬
‫أملك بالنهار ‪ ،‬وأربعة آخرين بالليل بدل حافظان وكاتبان ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪" :‬يتعاقبون‬
‫فيكم ملئكة بالليل وملئكة بالنهار ‪ ،‬ويجتمعون في صلة الصبح وصلة العصر ‪ ،‬فيصعد إليه‬
‫الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ل يخفى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وأنه سواء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬كلهما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬النواء"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وآخر"‪.‬‬

‫( ‪)4/437‬‬

‫كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون ‪ :‬أتيناهم وهم يصلون ‪ ،‬وتركناهم وهم يصلون" (‪ )1‬وفي الحديث‬
‫الخر ‪" :‬إن معكم من ل يفارقكم إل عند الخلء وعند الجماع ‪ ،‬فاستحيوهم وأكرموهم" (‪.)2‬‬
‫حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬لَهُ ُمعَقّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ يَ ْ‬
‫اللّهِ } والمعقبات من أمر ال ‪ ،‬وهي الملئكة‪.‬‬
‫حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ اللّهِ } قال ‪ :‬ملئكة يحفظونه من بين يديه‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬يَ ْ‬
‫وقال ِ‬
‫ومن خلفه ‪ ،‬فإذا جاء قدر ال خَلّوا عنه‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ما من عبد إل له (‪ )3‬مَلَك موكل ‪ ،‬يحفظه في نومه ويقظته من الجن والنس‬
‫والهوام ‪ ،‬فما منها شيء يأتيه يريده إل قال الملك ‪ :‬وراءك إل شيء يأذن ال فيه فيصيبه‪.‬‬
‫وقال الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬لَهُ ُم َعقّبَاتٌ مِنْ‬
‫بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ } قال ‪ :‬ذلك (‪ )4‬ملك من ملوك الدنيا ‪ ،‬له حرس من دونه حرس‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬لَهُ ُمعَقّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ َومِنْ خَ ْلفِهِ } يعني ‪ :‬ولي الشيطان ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عكْرِمة في تفسيرها ‪ :‬هؤلء المراء ‪ :‬المواكب من بين يديه ومن‬
‫يكون عليه الحرس‪ .‬وقال ِ‬
‫خلفه‪.‬‬
‫حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ اللّهِ } قال ‪ :‬هو السلطان (‬
‫وقال الضحاك ‪َ { :‬لهُ ُمعَقّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َي ْ‬
‫‪ )5‬المحترس (‪ )6‬من أمر ال ‪ ،‬وهم أهل الشرك‪.‬‬
‫عكْرِمة والضحاك بهذا أن حرس الملئكة للعبيد (‪)7‬‬
‫والظاهر ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬أن مُرَاد ابن عباس و ِ‬
‫يشبه حرس هؤلء لملوكهم وأمرائهم‪.‬‬
‫وقد روى المام أبو جعفر ابن جرير هاهنا حديثًا غريبا جدا فقال ‪:‬‬
‫حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن عبد السلم بن صالح القشيري ‪ ،‬حدثنا علي بن جرير ‪ ،‬عن‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عبد الحميد بن جعفر ‪ ،‬عن كنانة العدوي قال ‪ :‬دخل عثمان بن عفان على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أخبرني عن العبد ‪ ،‬كم معه من ملك (‬
‫‪ )8‬؟ فقال ‪" :‬ملك على يمينك على حسناتك ‪ ،‬وهو آمر (‪ )9‬على الذي على الشمال ‪ ،‬إذا عملت‬
‫حسنة كتبت عشرا ‪ ،‬فإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين ‪ :‬اكتب ؟ قال ‪ :‬ل‬
‫لعله يستغفر ال ويتوب‪ .‬فإذا قال ثلثا قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )7429 ، 555‬وصحيح مسلم برقم (‪.)632‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2800‬من طريق ليث ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬مرفوعا ‪ ،‬وأوله ‪" :‬إياكم والتحري فإن معكم"‪ .‬الحديث‪ .‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث‬
‫غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬به"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذكر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الشيطان"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬المحروس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬للعبد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كم ملك معه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو أمين"‪.‬‬

‫( ‪)4/438‬‬

‫نعم ‪ ،‬اكتب أراحنا ال منه ‪ ،‬فبئس القرين‪ .‬ما أقل مراقبته ل وأقل استحياءه منا"‪ .‬يقول ال ‪ { :‬مَا‬
‫يَ ْلفِظُ مِنْ َق ْولٍ إِل َلدَيْهِ َرقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق ‪ ]18 :‬وملكان من بين يديك ومن خلفك ‪ ،‬يقول ال ‪َ { :‬لهُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ اللّهِ } وملك قابض على ناصيتك ‪ ،‬فإذا‬
‫ُمعَقّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َي ْ‬
‫تواضعت ل رفعك ‪ ،‬وإذا تجبرت على ال قصمك ‪ ،‬وملكان على شفتيك ‪ ،‬ليس يحفظان عليك إل‬
‫الصلة على محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وملك قائم على فيك ل يَدَع الحية أن تدخل في فيك ‪،‬‬
‫وملكان على عينيك فهؤلء عشرة أملك على كل آدمي (‪ )1‬ينزلون (‪ )2‬ملئكة الليل على ملئكة‬
‫النهار ؛ لن ملئكة الليل سوى ملئكة النهار ‪ ،‬فهؤلء عشرون ملكا على كل آدمي وإبليس‬
‫بالنهار وولده بالليل" (‪.)3‬‬
‫قال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثني منصور ‪ ،‬عن سالم‬
‫بن أبي الجعد عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما منكم من‬
‫أحد إل وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملئكة"‪ .‬قالوا ‪ :‬وإياك يا رسول ال ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫"وإياي ‪ ،‬ولكن أعانني ال عليه (‪ )4‬فل يأمرني إل بخير"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم (‪.)5‬‬
‫حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ اللّهِ } قيل ‪ :‬المراد حفظُهم له من أمر ال‪ .‬رواه علي بن أبي طلحة ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ي ْ‬
‫وغيره ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وإليه ذهب مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وإبراهيم النّخَعي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ اللّهِ } قال ‪ :‬وفي بعض القراءات ‪" :‬يحفظونه بأمر ال"‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪َ { :‬ي ْ‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬لو تجلّى لبن آدم كل سهل وحزن ‪ ،‬لرأى كل شيء من ذلك شياطين (‪)6‬‬
‫خطّفتم‪.‬‬
‫لول أن ال وكّل بكم ملئكة عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم ‪ ،‬إذا لتُ ُ‬
‫وقال أبو أمامة (‪ )7‬ما من آدمي إل ومعه ملك يَذُود عنه ‪ ،‬حتى يسلمه للذي قدر له‪.‬‬
‫وقال أبو مِجْلَز ‪ :‬جاء رجل من مُرَاد إلى علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وهو يصلي ‪ ،‬فقال ‪ :‬احترس ‪،‬‬
‫فإن ناسًا من مراد يريدون قتلك‪ .‬فقال ‪ :‬إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدّر ‪ ،‬فإذا جاء‬
‫حصِينة‪)8( .‬‬
‫القَدَرُ خَليا بينه وبينه ‪ ،‬وإن الجل جنة َ‬
‫حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ اللّهِ } بأمر ال ‪ ،‬كما جاء في الحديث أنهم قالوا ‪ :‬يا رسول‬
‫وقال بعضهم ‪ { :‬يَ ْ‬
‫ال ‪ ،‬أرأيت ُرقَى نسترقي بها ‪ ،‬هل ترد من َقدَر ال شيئا ؟ فقال ‪" :‬هي من قَدَر ال" (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬على كل بني آدم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يبدلون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)16/370‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ولكن ال أعانني عليه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )1/397‬وصحيح مسلم برقم (‪)2814‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من ذلك ساء نفسه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أبو أسامة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)16/378‬‬
‫(‪ )9‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2065‬من حديث أبي خزامة وقال ‪" :‬حديث حسن"‪.‬‬

‫( ‪)4/439‬‬

‫حمْ ِدهِ وَا ْلمَلَا ِئكَةُ مِنْ‬


‫عدُ بِ َ‬
‫شئُ السّحَابَ ال ّثقَالَ (‪ )12‬وَيُسَبّحُ الرّ ْ‬
‫ط َمعًا وَيُنْ ِ‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫ُهوَ الّذِي يُرِي ُكمُ الْبَرْقَ َ‬
‫صوَاعِقَ فَ ُيصِيبُ ِبهَا مَنْ يَشَا ُء وَهُمْ ُيجَادِلُونَ فِي اللّ ِه وَ ُهوَ شَدِيدُ ا ْلمِحَالِ (‪)13‬‬
‫سلُ ال ّ‬
‫خِيفَتِ ِه وَيُرْ ِ‬

‫جهْم ‪،‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا حفص بن غياث ‪ ،‬عن أشعث ‪ ،‬عن َ‬
‫عن إبراهيم قال ‪ :‬أوحى ال إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل ‪ :‬أن قل لقومك ‪ :‬إنه ليس من أهل‬
‫قرية ول أهل بيت يكونون على طاعة ال فيتحولون منها إلى معصية ال ‪ ،‬إل تحول لهم مما‬
‫يحبون إلى ما يكرهون ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إن مصداق (‪ )1‬ذلك في كتاب ال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ل ُيغَيّرُ مَا ِب َقوْمٍ‬
‫سهِمْ }‬
‫حَتّى ُيغَيّرُوا مَا بِأَ ْنفُ ِ‬
‫وقد ورد هذا في حديث مرفوع ‪ ،‬فقال الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتابه "صفة‬
‫العرش" ‪ :‬حدثنا الحسن بن علي ‪ ،‬حدثنا الهيثم بن الشعث السلمي ‪ ،‬حدثنا أبو حنيفة اليمامي (‪)2‬‬
‫النصاري ‪ ،‬عن عمير بن عبد ال (‪ )3‬قال ‪ :‬خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫كنت إذا سكتّ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ابتدأني ‪ ،‬وإذا سألته عن الخبر أنبأني ‪ ،‬وإنه‬
‫حدثني عن ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قال ‪" :‬قال الرب ‪ :‬وعزتي وجللي ‪ ،‬وارتفاعي فوق عرشي ‪ ،‬ما‬
‫ت من معصيتي ‪ ،‬ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت‬
‫من أهل قرية ول أهل بيت كانوا على ما كره ُ‬
‫من طاعتي ‪ ،‬إل تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي" (‪.)4‬‬
‫وهذا غريب ‪ ،‬وفي إسناده من ل أعرفه‪.‬‬
‫حمْ ِد ِه وَا ْلمَل ِئكَةُ‬
‫شئُ السّحَابَ ال ّثقَالَ (‪ )12‬وَيُسَبّحُ الرّعْدُ ِب َ‬
‫ط َمعًا وَيُنْ ِ‬
‫خ ْوفًا َو َ‬
‫{ ُهوَ الّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ َ‬
‫صوَاعِقَ فَ ُيصِيبُ ِبهَا مَنْ يَشَا ُء وَهُمْ ُيجَادِلُونَ فِي اللّ ِه وَ ُهوَ شَدِيدُ ا ْلمِحَالِ (‪} )13‬‬
‫سلُ ال ّ‬
‫مِنْ خِيفَتِ ِه وَيُرْ ِ‬
‫يخبر تعالى أنه هو الذي يسخر البرق ‪ ،‬وهو ما يرى (‪ )5‬من النور اللمع ساطعا من خلل‬
‫السحاب‪.‬‬
‫وروى ابن جرير أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن البرق ‪ ،‬فقال ‪ :‬البرق ‪ :‬الماء‪.‬‬
‫ط َمعًا } قال قتادة ‪ :‬خوفا للمسافر ‪ ،‬يخاف أذاه ومشقته ‪ ،‬وطمعا للمقيم يرجو‬
‫خ ْوفًا َو َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬‬
‫بركته ومنفعته ‪ ،‬ويطمع في رزق ال‪.‬‬
‫شئُ السّحَابَ ال ّثقَالَ } أي ‪ :‬ويخلقها منشأة جديدة ‪ ،‬وهي لكثرة مائها ثقيلة قريبة إلى الرض‪.‬‬
‫{ وَيُنْ ِ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬والسحاب الثقال ‪ :‬الذي فيه الماء‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تصديق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬اليماني" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد الملك" ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )4‬صفة العرش برقم (‪ )19‬والهيثم مجهول وشيخه لم أجد له ترجمة‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ما ترى"‪.‬‬

‫( ‪)4/440‬‬

‫حمْ ِدهِ } [السراء ‪.]44 :‬‬


‫شيْءٍ إِل يُسَبّحُ ِب َ‬
‫حمْ ِدهِ } كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ َ‬
‫{ وَيُسَبّحُ الرّعْدُ ِب َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬أخبرني أبي قال ‪ :‬كنت جالسًا إلى جنب‬
‫حمَيْد بن عبد الرحمن في المسجد ‪ ،‬فمر شيخ من بني غفار ‪ ،‬فأرسل إليه حميد ‪ ،‬فلما أقبل قال ‪:‬‬
‫ُ‬
‫يا ابن أخي ‪ ،‬وسع (‪ )1‬له فيما بيني وبينك ‪ ،‬فإنه قد صحب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه ‪ ،‬فقال له حميد ‪ :‬ما الحديث الذي حدثتني عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ؟ فقال الشيخ ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن ال ينشئ‬
‫السحاب ‪ ،‬فينطق أحسن النطق ‪ ،‬ويضحك أحسن الضحك" (‪.)2‬‬
‫والمراد ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن نطقَها الرعدُ ‪ ،‬وضحكها البرقُ‪.‬‬
‫وقال موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن سعد بن إبراهيم قال ‪ :‬يبعث ال الغيث ‪ ،‬فل أحسن منه مضحكا ‪،‬‬
‫ول آنس منه منطقا ‪ ،‬فضحكه البرق ‪ ،‬ومنطقه الرعد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عبيد ال الرازي ‪ ،‬عن محمد بن مسلم قال ‪:‬‬
‫بلغنا أن البرق مَلكٌ له أربعة وجوه ‪ :‬وجه إنسان ‪ ،‬ووجه ثور ‪ ،‬ووجه نسر ‪ ،‬ووجه أسد ‪ ،‬فإذا‬
‫َمصَع (‪ )3‬بذنبه فذاك البرق‪)4( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا الحجاج ‪ ،‬حدثني أبو مطر ‪،‬‬
‫عن سالم ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا سَمع الرعْد والصواعق قال ‪:‬‬
‫"اللهم ‪ ،‬ل تقتلنا بغضبك ‪ ،‬ول تهلكنا بعذابك ‪ ،‬وعافنا قبل ذلك"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬والبخاري في كتاب الدب ‪ ،‬والنسائي في اليوم والليلة ‪ ،‬والحاكم في مستدركه ‪،‬‬
‫من حديث الحجاج بن أرطاة ‪ ،‬عن أبي مطر ‪ -‬ولم يسم به‪)5( .‬‬
‫وقال [المام] (‪ )6‬أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا أبو أحمد ‪ ،‬حدثنا‬
‫إسرائيل ‪ ،‬عن أبيه (‪ )7‬عن رجل ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رفع الحديث قال ‪ :‬إنه كان إذا سمع الرعد‬
‫قال ‪" :‬سبحان من يُسبّح الرعْد بحمده"‪)8( .‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وروي عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال ‪ :‬سبحان من سَبّحت له‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أوسع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)5/435‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬قصع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬وهذا ل أصل له من كتاب ول سنة ‪ ،‬وهو من الخيال‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/100‬وسنن الترمذي (‪ )3450‬والدب المفرد برقم (‪ )722‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم (‪ ، )10764‬وأما الحاكم فرواه في المستدرك (‪ )4/286‬من طريق عبد الواحد بن‬
‫زياد ‪ ،‬عن أبي مطر ‪ ،‬به‪ .‬ولم يذكر الحجاج بن أرطاة ‪ ،‬وقال ‪" :‬صحيح السناد ولم يخرجاه"‬
‫وأقره الذهبي ‪ ،‬وضعف النووي هذا الحديث في الذكار (ص ‪.)164‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن ليث"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪ )16/389‬ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في تخريج الكشاف (‪)2/184‬‬
‫من طريق محمد بن يحيى ‪ ،‬عن أحمد ابن إسحاق عن أبي أحمد ‪ ،‬عن عتاب بن زياد ‪ ،‬عن رجل‬
‫‪ ،‬عن أبي هريرة رفع الحدث‪ ...‬إلى آخره‪.‬‬

‫( ‪)4/441‬‬

‫وكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬والسود بن يزيد ‪ ،‬وطاوس ‪ :‬أنهم كانوا يقولون كذلك‪.‬‬
‫وقال الوزاعي ‪ :‬كان ابن أبي زكريا يقول ‪ :‬من قال حين يسمع الرعد ‪ :‬سبحان ال وبحمده ‪ ،‬لم‬
‫تصبه صاعقة‪.‬‬
‫وعن عبد ال بن الزبير (‪ )1‬أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال ‪ :‬سبحان الذي يسبّح‬
‫الرعدُ بحمده والملئكة من خيفته ‪ ،‬ويقول ‪ :‬إن هذا لوعيد (‪ )2‬شديدٌ لهل الرض‪ .‬رواه مالك‬
‫في الموطأ ‪ ،‬والبخاري في كتاب الدب‪)3( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سليمان بن داود الطيالسي ‪ ،‬حدثنا صَدَقة بن موسى ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫واسع ‪ ،‬عن شتيز (‪ )4‬بن نهار ‪ ،‬عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬قال‬
‫ربكم عز وجل ‪ :‬لو أن عبيدي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل ‪ ،‬وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ‪،‬‬
‫ولما أسمعتهم (‪ )5‬صوت الرعد"‪)6( .‬‬
‫جحْدري ‪ ،‬حدثنا يحيى بن‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا زكريا بن يحيى الساجي ‪ ،‬حدثنا أبو كامل ال َ‬
‫كثير أبو النضر ‪ ،‬حدثنا عبد الكريم ‪ ،‬حدثنا عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬إذا سمعتم الرعد فاذكروا ال ؛ فإنه ل يصيب ذاكرا"‪)7( .‬‬
‫صوَاعِقَ فَ ُيصِيبُ ِبهَا مَنْ يَشَاءُ } أي ‪ :‬يرسلها نقمَةً ينتقم بها ممن يشاء ‪ ،‬ولهذا‬
‫سلُ ال ّ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيُرْ ِ‬
‫تكثر في آخر الزمان ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن مصعب ‪ ،‬حدثنا عمارة (‪ )8‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة ‪ ،‬حتى يأتي‬
‫الرجل القوم فيقول ‪ :‬من صعق تلكم (‪ )9‬الغداة ؟ فيقولون صعِق فلن وفلن وفلن"‪)10( .‬‬
‫وقد روي في سبب نزولها ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪:‬‬
‫حدثنا إسحاق ‪ ،‬حدثنا علي بن أبي سارة الشّيباني ‪ ،‬حدثنا ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم بعث رجل مرة إلى رجل من فراعنة العرب فقال ‪" :‬اذهب فادعه لي"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فذهب إليه فقال ‪ :‬يدعوك رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال له ‪ :‬من رسول ال ؟ وما ال ؟‬
‫أمِن ذهب هو ؟ أم من فضة هو ؟ أم من نحاس هو ؟ قال ‪ :‬فرجع إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فأخبره ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بن عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الوعيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الموطأ (‪ )2/992‬والدب المفرد برقم (‪.)724‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عن شمس" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬شمير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬استمعتهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)2/359‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير (‪ )11/164‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/136‬فيه يحيى بن كثير وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬حماد"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قبلكم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)3/64‬‬

‫( ‪)4/442‬‬

‫قال لي كذا وكذا‪ .‬فقال ‪" :‬ارجع إليه الثانية"‪ .‬أراه ‪ ،‬فذهب فقال له مثلها‪ .‬فرجع إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك‪ .‬قال ‪" :‬ارجع إليه‬
‫فادعه"‪ .‬فرجع إليه الثالثة‪ .‬قال ‪ :‬فأعاد عليه ذلك الكلم‪ .‬فبينا هو يكلمه ‪ ،‬إذ بعث ال ‪ ،‬عز‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وجل ‪ ،‬سحابة حيال رأسه ‪ ،‬فرعدت ‪ ،‬فوقعت منها صاعقة ‪ ،‬فذهب بقحف رأسه فأنزل ال ‪:‬‬
‫صوَاعِقَ فَ ُيصِيبُ ِبهَا مَنْ يَشَا ُء وَهُمْ ُيجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَ ُهوَ شَدِيدُ ا ْلمِحَالِ }‬
‫سلُ ال ّ‬
‫{ وَيُرْ ِ‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث علي بن أبي سارة ‪ ،‬به (‪ )1‬ورواه الحافظ أبو بكر البزار ‪ ،‬عن‬
‫عبدة بن عبد ال ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪ ،‬عن ديلم بن غَزْوان ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬فذكر‬
‫نحوه‪)2( .‬‬
‫وقال ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد ‪ ،‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا أبان بن يزيد ‪ ،‬حدثنا أبو عمران الجوقي ‪،‬‬
‫صحَار العبدي ‪ :‬أنه بلغه أن نبي ال بعثه (‪ )3‬إلى جَبّار يدعوه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫عن عبد الرحمن بن ُ‬
‫أرأيتم (‪ )4‬ربكم ‪ ،‬أذهب هو ؟ أو فضة هو ؟ ألؤلؤ هو ؟ قال ‪ :‬فبينا هو يجادلهم ‪ ،‬إذ بعث ال‬
‫سحابة فرعدت فأرسل عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه ‪ ،‬ونزلت هذه الية‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬جاء يهودي فقال ‪ :‬يا محمد ‪،‬‬
‫أخبرني عن ربك ‪[ ،‬من أي شيء هو] (‪ )5‬من نحاس هو ؟ من لؤلؤ ؟ أو ياقوت ؟ قال ‪ :‬فجاءت‬
‫صوَاعِقَ فَ ُيصِيبُ ِبهَا مَنْ يَشَاءُ }‬
‫سلُ ال ّ‬
‫صاعقة فأخذته ‪ ،‬وأنزل ال ‪ { :‬وَيُرْ ِ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذُكر لنا أنّ رجل أنكر القرآن ‪ ،‬وكذب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأرسل ال‬
‫صوَاعِقَ } الية‪.‬‬
‫سلُ ال ّ‬
‫صاعقة فأهلكته وأنزل ‪ { :‬وَيُرْ ِ‬
‫وذكروا في سبب نزولها قصة عامر بن الطفيل وأربد (‪ )6‬بن ربيعة لما قدما على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم المدينة ‪ ،‬فسأله أن يجعل لهما نصف المر فأبى عليهما رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال له عامر بن الطفيل ‪ -‬لعنه ال ‪ :‬أما وال لمل ّنهَا عليك خيل جَرْدا ورجال‬
‫مردا‪ .‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يأبى ال عليك ذلك وأبناء قَيْلة (‪ )7‬يعني ‪:‬‬
‫النصار ‪ ،‬ثم إنهما هما بالفتك (‪ )8‬بالنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وجعل أحدهما يخاطبه ‪ ،‬والخر‬
‫يستل سيفه ليقتله من ورائه ‪ ،‬فحماه ال منهما وعصمه ‪ ،‬فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء‬
‫العرب ‪ ،‬يجمعان الناس لحربه ‪ ،‬عليه السلم (‪ )9‬فأرسل ال على أربد سحابة فيها صاعقة‬
‫فأحرقته‪ .‬وأما عامر بن الطفيل فأرسل ال عليه الطاعون ‪ ،‬فخرجت فيه غُدّة عظيمة ‪ ،‬فجعل‬
‫غدّة كغدّة البكر ‪ ،‬وموت في بيت سَلُولية (‪ )10‬؟ حتى ماتا (‪ )11‬لعنهما ال‬
‫يقول ‪ :‬يا آل عامر ‪ُ ،‬‬
‫‪ ،‬وأنزل ال في مثل ذلك ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند أبي يعلى (‪ )6/183‬وتفسير الطبري (‪ )16/392‬وعلي بن أبي سارة ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند البزار برقم (‪" )2221‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/42‬رجال البزار‬
‫‪ ،‬رجال الصحيح غير ديلم بن غزوان وهو ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بعث"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أرأيتكم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وأزيد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قبيلة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬بالقتل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬سلولته"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬مات"‪.‬‬

‫( ‪)4/443‬‬

‫صوَاعِقَ فَ ُيصِيبُ ِبهَا مَنْ يَشَاءُ } وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة ‪ ،‬أخو أربد يرثيه ‪:‬‬
‫سلُ ال ّ‬
‫{ وَيُرْ ِ‬
‫ف وَل‪ ...‬أرْهَب نَوء السّماك والسَد‪...‬‬
‫أخشَى عَلَى أَرْ َبدَ الحُتُو َ‬
‫فَجَعني الرّعْ ُد والصّواعِقُ بالـ‪ ...‬فارس يَوم الكريهَة النّجُدِ (‪)1‬‬
‫سعَدة بن سعد (‪ )2‬العطار ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن المنذر‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا مَ ْ‬
‫الحزامي ‪ ،‬حدثني عبد العزيز بن عمران ‪ ،‬حدثني عبد الرحمن وعبد ال ابنا زيد بن أسلم ‪ ،‬عن‬
‫أبيهما ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أن أربد بن قيس بن جَزْء بن جليد (‪ )3‬بن جعفر‬
‫بن كلب ‪ ،‬وعامر بن الطفيل بن مالك ‪ ،‬قدما المدينة على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فانتهيا إليه وهو جالس ‪ ،‬فجلسا بين يديه ‪ ،‬فقال عامر بن الطفيل ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ما تجعل لي إن‬
‫أسلمتُ ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لك ما للمسلمين ‪ ،‬وعليك ما عليهم"‪ .‬قال عامر‬
‫بن الطفيل ‪ :‬أتجعل لي المر إن أسلمت من بعدك ؟ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ليس‬
‫ذلك لك ول لقومك ‪ ،‬ولكن لك أعنّة الخيل"‪ .‬قال ‪ :‬أنا الن في أعنّة خيل نجد ‪ ،‬اجعل لي الوبَرَ‬
‫ولك المدَرَ‪ .‬قال رسول ال ‪" :‬ل"‪ .‬فلما قفل من عنده قال عامر ‪ :‬أما وال لملنّهَا عليك خيل‬
‫ورجال فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يمنعك ال"‪ .‬فلما خرج أربد وعامر ‪ ،‬قال عامر‬
‫‪ :‬يا أربد ‪ ،‬أنا أشغل عنك محمدا صلى ال عليه وسلم بالحديث ‪ ،‬فاضربه بالسيف ‪ ،‬فإن الناس إذا‬
‫قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يَرضَوا بالدية ‪ ،‬ويكرهوا الحرب ‪ ،‬فنعطيهم (‪ )4‬الدية‪ .‬قال أربد ‪:‬‬
‫أفعل‪ .‬فأقبل راجعين إليه ‪ ،‬فقال عامر ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬قم معي أكلمك‪ .‬فقام معه رسول ال صلى ال‬
‫سلّ أربدُ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فجلسا إلى الجدار ‪ ،‬ووقف معه رسول ال صلى ال عليه وسلم يكلمه ‪ ،‬و َ‬
‫السيف ‪ ،‬فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف ‪ ،‬فلم يستطع سل السيف ‪ ،‬فأبطأ‬
‫أربد على عامر بالضرب ‪ ،‬فالتفت رسول ال صلى ال عليه وسلم فرأى أربد ‪ ،‬وما يصنع ‪،‬‬
‫فانصرف عنهما‪ .‬فلما خرج عامر وأربد من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى إذا كانا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بالحَرّة ‪ ،‬حَرّة واقم نزل فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسَيد بن حضير فقال اشخصا يا عدوّي ال ‪،‬‬
‫حضَير الكتائب (‪ )5‬فخرجا حتى إذا‬
‫لعنكما ال‪ .‬فقال عامر ‪ :‬من هذا يا سعد ؟ قال ‪ :‬هذا أسَيد بن ُ‬
‫كانا بالرّقم ‪ ،‬أرسل ال على أربدَ صاعقة فقتلته ‪ ،‬وخرج عامر حتى إذا كان بالخريم ‪ ،‬أرسل ال‬
‫قرحة فأخذته فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول ‪ ،‬فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول ‪:‬‬
‫غدة كغدة الجمل في بيت سَلُولية (‪ )6‬ترغب أن يموت في بيتها! ثم ركب فرسه فأحضره حتى‬
‫ح ِملُ ُكلّ أُنْثَى َومَا َتغِيضُ الرْحَامُ } إلى قوله‬
‫مات عليه راجعا ‪ ،‬فأنزل ال فيهما ‪ { :‬اللّهُ َيعْلَمُ مَا َت ْ‬
‫ن وَالٍ } [الرعد ‪ - ]11 - 8 :‬قال ‪ :‬المعقبات من أمر ال يحفظون محمدًا‬
‫‪َ { :‬ومَا َلهُمْ مِنْ دُونِهِ مِ ْ‬
‫صوَاعِقَ فَ ُيصِيبُ ِبهَا مَنْ‬
‫سلُ ال ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم ذكر أربد وما قتله به ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَيُرْ ِ‬
‫يَشَاءُ } الية (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )382 - 16/379‬عن ابن زيد‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬سعيد" وما أثبتناه هو الصواب ؛ لوقوعه في المعجم الكبير والصغير هكذا ‪،‬‬
‫ولم أجد له ترجمة‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬خالد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فستعطيهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الكاتب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬سلولته"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير (‪ )381 - 10/379‬وفيه عبد العزيز بن عمران ‪ ،‬وعبد الرحمن وعبد ال ابنا‬
‫زيد بن أسلم ‪ ،‬وكلهم ضعاف‪.‬‬

‫( ‪)4/444‬‬

‫شكّون في عظمته ‪ ،‬وأنه ل إله إل هو ‪ { ،‬وَ ُهوَ شَدِيدُ‬


‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ } أي ‪ :‬يَ ُ‬
‫ا ْلمِحَالِ }‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬شديدة مماحَلَته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في كفره‪.‬‬
‫شعُرُونَ فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ‬
‫وهذه الية شبيهة بقوله ‪َ { :‬و َمكَرُوا َمكْرًا َومَكَرْنَا َمكْرًا وَهُمْ ل َي ْ‬
‫ج َمعِينَ } [النمل ‪.]51 ، 50 :‬‬
‫َمكْرِهِمْ أَنّا َدمّرْنَاهُمْ َوقَ ْو َمهُمْ َأ ْ‬
‫شدِيدُ ا ْل ِمحَالِ } أي ‪ :‬شديد الخذ‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬شديد القوة‪.‬‬
‫وعن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ { :‬وَ ُهوَ َ‬

‫( ‪)4/445‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سطِ َكفّيْهِ إِلَى ا ْلمَاءِ لِيَبُْلغَ فَاهُ‬
‫شيْءٍ إِلّا كَبَا ِ‬
‫ق وَالّذِينَ َيدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا َيسْتَجِيبُونَ َلهُمْ ِب َ‬
‫حّ‬‫ع َوةُ الْ َ‬
‫لَهُ دَ ْ‬
‫َومَا ُهوَ بِبَاِلغِ ِه َومَا دُعَاءُ ا ْلكَافِرِينَ إِلّا فِي ضَلَالٍ (‪)14‬‬

‫شيْءٍ إِل كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إِلَى ا ْلمَاءِ لِيَبْلُغَ‬


‫ق وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ل َيسْتَجِيبُونَ َلهُمْ بِ َ‬
‫ع َوةُ ا ْلحَ ّ‬
‫{ َلهُ دَ ْ‬
‫فَا ُه َومَا ُهوَ بِبَاِلغِ ِه َومَا دُعَاءُ ا ْلكَافِرِينَ إِل فِي ضَللٍ (‪} )14‬‬
‫ع َوةُ ا ْلحَقّ } قال ‪ :‬التوحيد‪ .‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫قال علي بن أبى طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ { :‬لَهُ دَ ْ‬
‫حقّ } [قال] (‪ )1‬ل إله إل‬
‫ع َوةُ الْ َ‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومالك عن محمد بن الم ْنكَدِر ‪ { :‬لَهُ دَ ْ‬
‫ال‪.‬‬
‫{ وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } (‪ )2‬أي ‪ :‬ومثل الذين يعبدون آلهة غير ال‪ { .‬كَبَاسِطِ كَفّيْهِ ِإلَى ا ْلمَاءِ‬
‫لِيَبْلُغَ فَاهُ } قال علي بن أبي طالب ‪ :‬كمثل الذي يتناول الماء من طرف البئر بيده ‪ ،‬وهو ل يناله‬
‫أبدا بيده ‪ ،‬فكيف يبلغ فاه ؟‪.‬‬
‫سطِ َكفّيْهِ } يدعو الماء بلسانه ‪ ،‬ويشير إليه [بيده] (‪ )3‬فل يأتيه أبدا‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬كَبَا ِ‬
‫وقيل ‪ :‬المراد كقابض يده على الماء ‪ ،‬فإنه ل يحكم منه على شيء ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪)4( :‬‬
‫ش ْوقًا إليكمُ‪ ...‬كَقَابض مَاء لَم تَسْقه (‪ )5‬أناملُه‪...‬‬
‫فَإنّي وَإيّاكُمْ وَ َ‬
‫وقال الخر ‪)6( :‬‬
‫ل القابضِ المَاءَ بِاليَد‪...‬‬
‫ت ممّا كانَ بَيْنِي وَبَيْنَها‪ ...‬مِن الوُدّ مِ ْث َ‬
‫فأصْبَح ُ‬
‫ومعنى الكلم ‪ :‬أن هذا الذي يبسط يده إلى الماء ‪ ،‬إما قابضا وإما متناول له من بُعد ‪ ،‬كما أنه ل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬تدعون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو ضابئ بن الحارث البرجمي ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري (‪ )16/399‬وأورده البغدادي في‬
‫خزانة الدب (‪ )4/80‬من أبيات سبعة قالها في الحبس‪ .‬اهـ مستفادا من حاشية الشعب‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يسقه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬هو الحوص بن محمد النصاري ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري (‪.)16/400‬‬

‫( ‪)4/445‬‬

‫طوْعًا َوكَرْهًا وَظِلَاُل ُهمْ بِا ْلغُ ُد ّو وَالَْآصَالِ (‪ُ )15‬قلْ مَنْ َربّ‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫سجُدُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫وَلِلّهِ يَ ْ‬
‫سهِمْ َن ْفعًا وَلَا ضَرّا ُقلْ َهلْ‬
‫خذْتُمْ مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ لَا َيمِْلكُونَ لِأَ ْنفُ ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ُقلِ اللّهُ ُقلْ َأفَاتّ َ‬
‫ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعَلُوا لِلّهِ شُ َركَاءَ خََلقُوا َكخَ ْلقِهِ فَتَشَابَهَ‬
‫عمَى وَالْ َبصِيرُ َأمْ َهلْ تَسْ َتوِي الظُّلمَاتُ وَالنّورُ َأمْ َ‬
‫يَسْ َتوِي الْأَ ْ‬
‫شيْ ٍء وَ ُهوَ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ (‪)16‬‬
‫الْخَ ْلقُ عَلَ ْيهِمْ ُقلِ اللّهُ خَالِقُ ُكلّ َ‬

‫ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه ‪ ،‬الذي جعله محل للشرب ‪ ،‬فكذلك هؤلء المشركون الذين‬
‫يعبدون مع ال إلها غيره ‪ ،‬ل ينتفعون بهم أبدا في الدنيا ول في الخرة ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا دُعَاءُ‬
‫ا ْلكَافِرِينَ إِل فِي ضَللٍ }‬
‫طوْعًا َوكَرْهًا وَظِلُل ُهمْ بِا ْلغُ ُد ّو وَالصَالِ (‪} )15‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ َ‬
‫جدُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫{ وَلِلّهِ يَسْ ُ‬
‫يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء ‪ ،‬ودان له كل شيء‪ .‬ولهذا يسجُد له كلّ‬
‫شيء طوعا من المؤمنين ‪ ،‬وكرها من المشركين ‪ { ،‬وَظِلُل ُهمْ بِا ْلغُ ُدوّ } أي ‪ :‬البُكر (‪)1‬‬
‫والصال ‪ ،‬وهو جمع أصيل وهو آخر النهار ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ‬
‫سجّدًا لِلّ ِه وَهُمْ دَاخِرُونَ } [النحل ‪.]48 :‬‬
‫شمَا ِئلِ ُ‬
‫ن وَال ّ‬
‫شيْءٍ يَ َتفَيّأُ ظِلُلهُ عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫َ‬
‫سهِمْ َن ْفعًا وَل‬
‫ن ل ْنفُ ِ‬
‫ت وَالرْضِ ُقلِ اللّهُ ُقلْ َأفَاتّخَذْ ُتمْ مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَا َء ل َيمِْلكُو َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ ُقلْ مَنْ َربّ ال ّ‬
‫جعَلُوا ِللّهِ شُ َركَاءَ خََلقُوا‬
‫ت وَالنّورُ َأمْ َ‬
‫عمَى وَالْ َبصِيرُ أَمْ َهلْ َتسْ َتوِي الظُّلمَا ُ‬
‫ضَرّا ُقلْ َهلْ يَسْ َتوِي ال ْ‬
‫شيْءٍ وَ ُهوَ ا ْلوَاحِدُ ا ْلقَهّارُ (‪} )16‬‬
‫كَخَ ْلقِهِ فَتَشَا َبهَ ا ْلخَلْقُ عَلَ ْي ِهمْ ُقلِ اللّهُ خَالِقُ ُكلّ َ‬
‫يقرر تعالى أنه ل إله إل هو ؛ لنهم معترفون (‪ )2‬أنه هو الذي خلق السموات والرض ‪ ،‬وهو‬
‫ربها ومدبرها ‪ ،‬وهم مع هذا قد اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم ‪ ،‬وأولئك اللهة ل تملك لنفسها (‬
‫‪ )3‬ول لعابديها بطريق الولى { َن ْفعًا وَل ضَرّا } أي ‪ :‬ل تحصل منفعة ‪ ،‬ول تدفع مضرة‪ .‬فهل‬
‫يَستَوي من عبد هذه اللهة مع ال ‪ ،‬ومن عبد ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وهو على نور من ربه ؟‬
‫جعَلُوا لِلّهِ شُ َركَاءَ‬
‫عمَى وَالْ َبصِيرُ َأمْ َهلْ تَسْ َتوِي الظُّلمَاتُ وَالنّورُ َأمْ َ‬
‫ولهذا قال ‪ُ { :‬قلْ َهلْ َيسْ َتوِي ال ْ‬
‫خََلقُوا كَخَ ْلقِهِ فَتَشَا َبهَ ا ْلخَلْقُ عَلَ ْي ِهمْ } (‪ )4‬أي ‪ :‬أجعل هؤلء المشركون مع ال آلهة تناظر الرب‬
‫وتماثله في الخلق ‪ ،‬فخلقوا كخلقه ‪ ،‬فتشابه الخلق عليهم ‪ ،‬فل يدرون أنها مخلوقة من مخلوق‬
‫غيره ؟ أي ‪ :‬ليس المر كذلك ‪ ،‬فإنه ل يشابهه شيء ول يماثله ‪ ،‬ول ندّ له ول عدْل (‪ )5‬له ‪،‬‬
‫ول وزير له ‪ ،‬ول ولد ول صاحبة ‪ ،‬تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪ .‬وإنما عبد هؤلء المشركون‬
‫معه آلهة هم يعترفون (‪ )6‬أنها مخلوقة له عبيد له ‪ ،‬كما كانوا يقولون في تلبيتهم ‪ :‬لبيك ل شريك‬
‫لك ‪ ،‬إل شريكا هو لك ‪ ،‬تملكه وما ملك‪ .‬وكما أخبر تعالى عنهم في قوله ‪ { :‬مَا َنعْبُدُ ُهمْ إِل‬
‫لِ ُيقَرّبُونَا إِلَى اللّهِ زُ ْلفَى } [الزمر ‪ )7( ]3 :‬فأنكر تعالى ذلك عليهم ‪ ،‬حيث اعتقدوا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪ :‬بالبكرات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يعرفون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬لنفسها"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يستوى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ول عديل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعرفون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬إنما"‪.‬‬

‫( ‪)4/446‬‬

‫سمَاءِ مَاءً فَسَاَلتْ َأوْدِيَةٌ ِبقَدَرِهَا فَاحْ َت َملَ السّ ْيلُ زَ َبدًا رَابِيًا َو ِممّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ‬
‫أَنْ َزلَ مِنَ ال ّ‬
‫جفَا ًء وََأمّا مَا يَ ْنفَعُ‬
‫طلَ فََأمّا الزّبَدُ فَيَذْ َهبُ ُ‬
‫ق وَالْبَا ِ‬
‫حّ‬‫ابْ ِتغَاءَ حِلْيَةٍ َأوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثُْلهُ كَذَِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ الْ َ‬
‫النّاسَ فَ َي ْم ُكثُ فِي الْأَ ْرضِ َكذَِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ الَْأمْثَالَ (‪)17‬‬

‫شفَاعَةُ عِ ْن َدهُ إِل ِلمَنْ أَذِنَ لَهُ } [سبأ ‪:‬‬


‫ذلك ‪ ،‬وهو تعالى ل يشفع عنده أحدإل بإذنه ‪ { ،‬وَل تَ ْنفَعُ ال ّ‬
‫شفَاعَ ُتهُمْ شَيْئًا إِل مِنْ َب ْعدِ أَنْ يَأْذَنَ اللّهُ ِلمَنْ َيشَاءُ‬
‫سمَاوَاتِ ل ُتغْنِي َ‬
‫‪َ { ، ]23‬وكَمْ مِنْ مََلكٍ فِي ال ّ‬
‫حمَنِ عَ ْبدًا َلقَدْ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ إِل آتِي الرّ ْ‬
‫وَيَ ْرضَى } [النجم ‪ ]26 :‬وقال ‪ { :‬إِنْ ُكلّ مَنْ فِي ال ّ‬
‫حصَا ُه ْم وَعَدّ ُهمْ عَدّا َوكُّلهُمْ آتِيهِ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فَرْدًا } [مريم ‪ ]95 - 93 :‬فإذا كان الجميع عبيدا ‪،‬‬
‫أَ ْ‬
‫فلم يعبد بعضهم بعضا بل دليل ول برهان ‪ ،‬بل بمجرد الرأي والختراع والبتداع ؟ ثم قد أرسل‬
‫رسله من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك ‪ ،‬وتنهاهم عن عبادة من سوى ال ‪ ،‬فكذبوهم‬
‫حدًا } [الكهف ‪.]49 :‬‬
‫وخالفوهم ‪ ،‬فحقت عليهم كلمة العذاب ل محالة ‪ { ،‬وَل يَظِْلمُ رَ ّبكَ أَ َ‬
‫سمَاءِ مَاءً َفسَاَلتْ َأوْدِيَةٌ ِبقَدَرِهَا فَاحْ َت َملَ السّ ْيلُ زَبَدًا رَابِيًا َو ِممّا يُوقِدُونَ عَلَ ْيهِ فِي النّارِ‬
‫{ أَنزلَ مِنَ ال ّ‬
‫جفَا ًء وََأمّا مَا يَ ْنفَعُ‬
‫طلَ فََأمّا الزّبَدُ فَيَذْ َهبُ ُ‬
‫ق وَالْبَا ِ‬
‫حّ‬‫ابْ ِتغَاءَ حِلْيَةٍ َأوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثُْلهُ كَذَِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ الْ َ‬
‫النّاسَ فَ َي ْم ُكثُ فِي ال ْرضِ كَذَِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ المْثَالَ (‪} )17‬‬
‫اشتملت هذه الية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه ‪ ،‬والباطل في اضمحلله‬
‫سمَاءِ مَاءً } أي ‪ :‬مطرا ‪ { ،‬فَسَاَلتْ َأوْدِيَةٌ ِبقَدَ ِرهَا } أي ‪ :‬أخذ‬
‫وفنائه ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬أَنزلَ مِنَ ال ّ‬
‫كل واد بحسبه ‪ ،‬فهذا كبير وسع كثيرا من الماء ‪ ،‬وهذا صغير فوسع بقدره ‪ ،‬وهو إشارة إلى‬
‫القلوب وتفاوتها ‪ ،‬فمنها ما يسع علما كثيرا ‪ ،‬ومنها ما ل يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها ‪،‬‬
‫{ فَاحْ َت َملَ السّ ْيلُ زَبَدًا رَابِيًا } أي ‪ :‬فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه الودية زَبَدٌ عال‬
‫عليه ‪ ،‬هذا مثل ‪ ،‬وقوله ‪َ { :‬ومِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ } هذا هو المثل الثاني ‪ ،‬وهو ما يسبك‬
‫في النار من ذهب أو فضة { ابْ ِتغَاءَ حِلْيَةٍ } أي ‪ :‬ليجعل حلية أو نحاسا أو حديدًا ‪ ،‬فيجعل متاعا‬
‫طلَ } أي ‪ :‬إذا‬
‫ق وَالْبَا ِ‬
‫حّ‬‫فإنه يعلوه زبد منه ‪ ،‬كما يعلو ذلك (‪ )1‬زبد منه‪ { .‬كَذَِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ الْ َ‬
‫اجتمعا ل ثبات للباطل ول دوام له ‪ ،‬كما أن الزبد ل يثبت مع الماء ‪ ،‬ول مع الذهب ونحوه مما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جفَاءً } أي ‪ :‬ل ينتفع به ‪،‬‬
‫يسبك في النار ‪ ،‬بل يذهب ويضمحل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فََأمّا الزّبَدُ فَ َيذْ َهبُ ُ‬
‫بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي ‪ ،‬ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح‪ .‬وكذلك خبث الذهب‬
‫والفضة والحديد والنحاس يذهب ‪ ،‬ل يرجع (‪ )2‬منه شيء ‪ ،‬ول يبقى إل الماء (‪ )3‬وذلك الذهب‬
‫ونحوه ينتفع به ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََأمّا مَا يَ ْنفَعُ النّاسَ فَ َي ْم ُكثُ فِي ال ْرضِ كَذَِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ‬
‫س َومَا َيعْقُِلهَا إِل ا ْلعَاِلمُونَ } [العنكبوت ‪:‬‬
‫المْثَالَ } كما قال تعالى ‪ { :‬وَتِ ْلكَ المْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّا ِ‬
‫‪.]43‬‬
‫قال بعض السلف ‪ :‬كنت إذا قرأتُ مثل من القرآن فلم أفهمه َبكَيت على نفسي ؛ لن ال تعالى‬
‫يقول ‪َ { :‬ومَا َي ْعقُِلهَا إِل ا ْلعَاِلمُونَ }‬
‫سمَاءِ مَاءً َفسَاَلتْ َأوْدِيَةٌ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬أَنزلَ مِنَ ال ّ‬
‫ِبقَدَرِهَا }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ذاك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬منه إلى شيء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويبقى الماء"‪.‬‬

‫( ‪)4/447‬‬

‫هذا مثل ضربه ال ‪ ،‬احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها ‪ ،‬فأما الشك فل ينفع معه‬
‫جفَاءً } [وهو الشك] (‪)1‬‬
‫العمل ‪ ،‬وأما اليقين فينفع ال به أهله‪ .‬وهو قوله ‪ { :‬فََأمّا الزّبَدُ فَيَذْ َهبُ ُ‬
‫{ وََأمّا مَا يَ ْنفَعُ النّاسَ فَ َي ْم ُكثُ فِي الرْضِ } وهو اليقين ‪ ،‬وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه‬
‫ويترك خَبَثه في النار ؛ فكذلك يقبل ال اليقين ويترك الشك‪.‬‬
‫سمَاءِ مَاءً فَسَاَلتْ َأوْدِ َيةٌ ِبقَدَرِهَا فَاحْ َت َملَ السّ ْيلُ‬
‫وقال العوفي عن ابن عباس قوله ‪ { :‬أَنزلَ مِنَ ال ّ‬
‫زَبَدًا رَابِيًا } يقول ‪ :‬احتمل السيل ما في الوادي من عود و ِدمْنَة (‪َ { )2‬و ِممّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ‬
‫} فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد ‪ ،‬فللنحاس والحديد خبث ‪ ،‬فجعل ال مثل‬
‫خبثه كزبد الماء ‪ ،‬فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة ‪ ،‬وأما ما ينفع الرض فما شربت من الماء‬
‫فأنبتت‪ .‬فجعل ذاك (‪ )3‬مثل العمل الصالح يبقى لهله ‪ ،‬والعمل السيئ يضمحل عن أهله ‪ ،‬كما‬
‫يذهب هذا الزبد ‪ ،‬فكذلك الهدى والحق جاءا من عند ال ‪ ،‬فمن عمل بالحق كان له ‪ ،‬ويبقى كما‬
‫يبقى ما ينفع الناس في الرض‪ .‬وكذلك الحديد ل يستطاع أن يعمل منه سكين ول سيف حتى‬
‫يدخل في النار فتأكل خبَثَه ‪ ،‬ويخرج جيده فينتفع به‪ .‬كذلك يضمحل الباطل إذا كان يوم القيامة ‪،‬‬
‫وأقيم الناس ‪ ،‬وعرضت العمال ‪ ،‬فيزيغ الباطل ويهلك ‪ ،‬وينتفع أهل الحق بالحق‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكذلك رُوي في تفسيرها عن مجاهد ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد من‬
‫السلف والخلف‪.‬‬
‫وقد ضرب ال ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬في أول سورة البقرة للمنافقين مثلين ناريا ومائيا ‪ ،‬وهما قوله‬
‫حوْلَهُ } الية [البقرة ‪ ، ]17 :‬ثم قال ‪َ { :‬أوْ‬
‫‪ { :‬مَثَُل ُهمْ َكمَ َثلِ الّذِي اسْ َت ْوقَدَ نَارًا فََلمّا َأضَا َءتْ مَا َ‬
‫سمَاءِ فِيهِ ظُُلمَاتٌ وَرَعْ ٌد وَبَرْقٌ } الية [ البقرة ‪ .]19 :‬وهكذا ضرب للكافرين في‬
‫َكصَيّبٍ مِنَ ال ّ‬
‫ظمْآنُ مَاءً }‬
‫عمَاُلهُمْ كَسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ َيحْسَبُهُ ال ّ‬
‫سورة النور مثلين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ كَفَرُوا أَ ْ‬
‫[ النور ‪ ]39 :‬الية ‪ ،‬والسراب إنما يكون في شدة الحر ؛ ولهذا جاء في الصحيحين ‪" :‬فيقال‬
‫لليهود يوم القيامة ‪ :‬فما تريدون ؟ فيقولون ‪ :‬أيْ رَبّنا ‪ ،‬عطشنا فاسقنا‪ .‬فيقال ‪ :‬أل تردون ؟‬
‫حطِم بعضها بعضا"‪.‬‬
‫فيردون النار فإذا هي كالسراب يَ ْ‬
‫سحَابٌ }‬
‫جيّ َيغْشَاهُ َموْجٌ مِنْ َف ْوقِهِ َموْجٌ مِنْ َف ْوقِهِ َ‬
‫ثم قال في المثل الخر ‪َ { :‬أوْ َكظُُلمَاتٍ فِي َبحْرٍ لُ ّ‬
‫الية [النور ‪ .]40 :‬وفي الصحيحين عن أبي موسى الشعري قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن مثل ما بعثني ال به من الهدى والعلم ‪ ،‬كمثل غيث أصاب أرضا ‪ ،‬فكان منها‬
‫طائفة قبلت الماء فأنبتت (‪ )4‬الكل والعشب الكثير ‪ ،‬وكانت منها أجادب أمسكت الماء ‪ ،‬فنفع ال‬
‫بها الناس ‪ ،‬فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا ‪ ،‬وأصابت طائفة منها [أخرى] (‪ )5‬إنما هي قيعان ل‬
‫تمسك ماء ول تنبت كل فذلك مثل من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ورمة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وأنبتت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والصحيحين‪.‬‬

‫( ‪)4/448‬‬

‫جمِيعًا َومِثْلَهُ َمعَهُ‬


‫حسْنَى وَالّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا َلهُ َلوْ أَنّ َلهُمْ مَا فِي الْأَ ْرضِ َ‬
‫لِلّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَ ّب ِهمُ الْ ُ‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ (‪)18‬‬
‫ب َومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫لَافْتَ َدوْا بِهِ أُولَ ِئكَ َل ُهمْ سُوءُ الْحِسَا ِ‬

‫فَقه في دين ال و َنفَعه ال بما بعثني (‪ )1‬ونفع به ‪َ ،‬فعَلِم وَعَلّم ‪ ،‬ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم‬
‫يقبل ُهدَى ال الذي أرسلت به"‪)2( .‬‬
‫فهذا مثل مائي ‪ ،‬وقال في الحديث الخر الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام بن مُنَبّه قال ‪ :‬هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬مثلي ومثلكم ‪ ،‬كمثل رجل استوقد نارًا ‪ ،‬فلما أضاءت ما حوله‬
‫(‪ )3‬جعل الفراش وهذه (‪ )4‬الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها ‪ ،‬وجعل يحجُزُهُنّ ويغلبنه‬
‫فيقتحمن فيها"‪ .‬قال ‪" :‬فذلكم مثلي ومثلكم ‪ ،‬أنا آخذ بحُجزكم عن النار ‪ ،‬هَلُمّ عن النار [هَُلمّ عن‬
‫النار ‪ ،‬هَُلمّ] (‪ )5‬فتغلبوني فتقتحمون فيها"‪ .‬وأخرجاه في الصحيحين أيضا (‪ )6‬فهذا مثل ناري‪.‬‬
‫جمِيعًا َومِثْلَهُ َمعَهُ‬
‫{ لِلّذِينَ اسْ َتجَابُوا لِرَ ّبهِمُ الْحُسْنَى وَالّذِينَ لَمْ َيسْتَجِيبُوا لَهُ َلوْ أَنّ َلهُمْ مَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ (‪} )18‬‬
‫ب َومَأْوَا ُهمْ َ‬
‫لفْتَ َدوْا بِهِ أُولَ ِئكَ َلهُمْ سُوءُ ا ْلحِسَا ِ‬
‫يخبر تعالى عن مآل السعداء والشقياء فقال ‪ { :‬لِلّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَ ّب ِهمُ } أي ‪ :‬أطاعوا ال ورسوله‬
‫‪ ،‬وانقادوا لوامره ‪ ،‬وصدقوا أخباره الماضية والتية ‪ ،‬فلهم { الحسنى } وهو الجزاء الحسن (‪)7‬‬
‫س ْوفَ ُنعَذّبُهُ ُثمّ يُرَدّ إِلَى رَبّهِ‬
‫كما قال تعالى مخبرًا عن ذي القرنين أنه قال ‪ { :‬قَالَ َأمّا مَنْ ظََلمَ فَ َ‬
‫حسْنَى وَسَ َنقُولُ لَهُ مِنْ َأمْرِنَا يُسْرًا }‬
‫ع ِملَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْ ُ‬
‫ن وَ َ‬
‫عذَابًا ُنكْرًا وََأمّا مَنْ آمَ َ‬
‫فَ ُيعَذّبُهُ َ‬
‫حسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَا َدةٌ } [يونس ‪.]26 :‬‬
‫[الكهف ‪ ]88 ، 87 :‬وقال تعالى ‪ { :‬لِلّذِينَ أَ ْ‬
‫جمِيعًا } أي ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ لَمْ َيسْتَجِيبُوا لَهُ } أي لم ‪ :‬يطيعوا ال { َلوْ أَنّ َلهُمْ مَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫في الدار الخرة ‪ ،‬لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب ال بملء الرض ذهبا ومثله معه لفتدوا‬
‫به ‪ ،‬ولكن ل يتقبل منهم ؛ لنه تعالى ل يقبل منهم يوم القيامة صرفا ول عدل { أُولَ ِئكَ َلهُمْ سُوءُ‬
‫حسَابِ } أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ ،‬أي ‪ :‬يناقشون على النقير والقطمير ‪ ،‬والجليل والحقير ‪ ،‬ومن‬
‫الْ ِ‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ }‬
‫نوقش الحساب عذب ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بعثني به"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )79‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2282‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ما حولها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )2/312‬وصحيح البخاري برقم (‪ )6482‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2284‬وهو عنده‬
‫من هذا الطريق‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬الخير"‪.‬‬

‫( ‪)4/449‬‬

‫عمَى إِ ّنمَا يَ َت َذكّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (‪)19‬‬


‫حقّ َكمَنْ ُهوَ أَ ْ‬
‫َأ َفمَنْ َيعْلَمُ أَ ّنمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ الْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمَى إِ ّنمَا يَتَ َذكّرُ أُولُو اللْبَابِ (‪} )19‬‬
‫{ َأ َفمَنْ َيعَْلمُ أَ ّنمَا أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ا ْلحَقّ َكمَنْ ُهوَ أَ ْ‬

‫( ‪)4/449‬‬

‫صلَ‬
‫الّذِينَ يُوفُونَ ِب َعهْدِ اللّ ِه وَلَا يَ ْن ُقضُونَ ا ْلمِيثَاقَ (‪ )20‬وَالّذِينَ َيصِلُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ ِبهِ أَنْ يُو َ‬
‫جهِ رَ ّبهِ ْم وََأقَامُوا الصّلَاةَ‬
‫ن صَبَرُوا ابْ ِتغَا َء وَ ْ‬
‫شوْنَ رَ ّبهُ ْم وَ َيخَافُونَ سُوءَ ا ْلحِسَابِ (‪ )21‬وَالّذِي َ‬
‫وَيَخْ َ‬
‫عقْبَى الدّارِ (‪ )22‬جَنّاتُ‬
‫وَأَنْ َفقُوا ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ سِرّا وَعَلَانِيَ ًة وَيَدْرَءُونَ بِا ْلحَسَنَةِ السّيّئَةَ أُولَ ِئكَ َل ُهمْ ُ‬
‫ج ِه ْم وَذُرّيّا ِتهِ ْم وَا ْلمَلَا ِئكَةُ َيدْخُلُونَ عَلَ ْي ِهمْ مِنْ ُكلّ بَابٍ (‬
‫عَدْنٍ َيدْخُلُو َنهَا َومَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَا ِئهِ ْم وَأَ ْزوَا ِ‬
‫عقْبَى الدّارِ (‪)24‬‬
‫‪ )23‬سَلَامٌ عَلَ ْيكُمْ ِبمَا صَبَرْتُمْ فَ ِنعْمَ ُ‬

‫يقول تعالى ‪ :‬ل يستوي من يعلم من الناس أن الذي { أُنزلَ إِلَ ْيكَ } يا محمد { مِنْ رَ ّبكَ } هوَ‬
‫{ الحق } أي ‪ :‬الذي ل شك فيه ول مرية ول لبس فيه ول اختلف فيه ‪ ،‬بل هو كله (‪ )1‬حق‬
‫يصدق بعضه بعضا ‪ ،‬ل يضاد شيء منه شيئا آخر ‪ ،‬فأخباره كلها حق ‪ ،‬وأوامره ونواهيه عدل ‪،‬‬
‫عدْل } [النعام ‪ ]115 :‬أي ‪ :‬صدقا في الخبار ‪،‬‬
‫ك صِ ْدقًا وَ َ‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬وَ َتمّتْ كَِلمَةُ رَ ّب َ‬
‫وعدل في الطلب ‪ ،‬فل يستوي من تحقق صدق (‪ )2‬ما جئت به يا محمد ‪ ،‬ومن هو أعمى ل‬
‫يهتدي إلى خير ول يفهمه ‪ ،‬ولو فهمه ما انقاد له ‪ ،‬ول صدقه ول اتبعه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬ل‬
‫صحَابُ الْجَنّةِ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ } [الحشر ‪ ]20 :‬وقال في هذه‬
‫يَسْ َتوِي َأصْحَابُ النّا ِر وََأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأ ْ‬
‫عمَى } أي ‪ :‬أفهذا كهذا ؟ ل‬
‫حقّ َكمَنْ ُهوَ أَ ْ‬
‫الية الكريمة ‪َ { :‬أ َفمَنْ َيعْلَمُ أَ ّنمَا أُنزلَ ِإلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ الْ َ‬
‫استواء‪)3( .‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنمَا يَ َت َذكّرُ أُولُو اللْبَابِ } أي ‪ :‬إنما يتعظ ويعتبر ويعقل أولو العقول السليمة الصحيحة‬
‫(‪ )4‬جعلنا ال منهم [بفضله وكرمه]‪)5( .‬‬
‫صلَ‬
‫{ الّذِينَ يُوفُونَ ِب َع ْهدِ اللّ ِه وَل يَ ْن ُقضُونَ ا ْلمِيثَاقَ (‪ )20‬وَالّذِينَ َيصِلُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُو َ‬
‫جهِ رَ ّبهِ ْم وََأقَامُوا الصّلةَ‬
‫ن صَبَرُوا ابْ ِتغَا َء وَ ْ‬
‫شوْنَ رَ ّبهُ ْم وَ َيخَافُونَ سُوءَ ا ْلحِسَابِ (‪ )21‬وَالّذِي َ‬
‫وَيَخْ َ‬
‫عقْبَى الدّارِ (‪ )22‬جَنّاتُ‬
‫حسَنَةِ السّيّئَةَ أُولَ ِئكَ َلهُمْ ُ‬
‫وَأَنْ َفقُوا ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ سِرّا وَعَلنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْ َ‬
‫ج ِه ْم وَذُرّيّا ِتهِ ْم وَا ْلمَل ِئكَةُ َيدْخُلُونَ عَلَ ْيهِمْ مِنْ ُكلّ بَابٍ (‬
‫عَدْنٍ َيدْخُلُو َنهَا َومَنْ صَلَحَ مِنْ آبَا ِئهِ ْم وَأَ ْزوَا ِ‬
‫عقْبَى الدّارِ (‪} )24‬‬
‫‪ )23‬سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ ِبمَا صَبَرْتُمْ فَ ِن ْعمَ ُ‬
‫عقْبَى الدّارِ } وهي العاقبة‬
‫يقول تعالى مخبرًا عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة ‪ ،‬بأن لهم { ُ‬
‫والنصرة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫{ الّذِينَ يُوفُونَ ِب َع ْهدِ اللّ ِه وَل يَ ْن ُقضُونَ ا ْلمِيثَاقَ } وليسوا كالمنافقين الذين إذا عاهد أحدهم غدر ‪،‬‬
‫وإذا خاصم فجر ‪ ،‬وإذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا ائتمن خان‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صلَ } من صلة الرحام ‪ ،‬والحسان إليهم وإلى الفقراء‬
‫{ وَالّذِينَ َيصِلُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ ِبهِ أَنْ يُو َ‬
‫شوْنَ رَ ّبهُمْ } أي ‪ :‬فيما يأتون وما يذرون من العمال ‪،‬‬
‫والمحاويج ‪ ،‬وبذل المعروف ‪ { ،‬وَيَخْ َ‬
‫يراقبون ال في ذلك ‪ ،‬ويخافون سوء الحساب في الدار الخرة‪ .‬فلهذا أمرهم على السداد‬
‫والستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدية‪.‬‬
‫ن صَبَرُوا ابْ ِتغَا َء وَجْهِ رَ ّب ِهمْ } أي ‪ :‬عن المحارم والمآثم ‪ ،‬ففطموا (‪ )6‬نفوسهم عن ذلك ل‬
‫{ وَالّذِي َ‬
‫عز‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كلمة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صحة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل سواء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الصحيحة السليمة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬فعظموا"‪.‬‬

‫( ‪)4/450‬‬

‫وجل ؛ ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه { وََأقَامُوا الصّلةَ } بحدودها ومواقيتها وركوعها وسجودها (‬
‫‪ )1‬وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي ‪ { ،‬وَأَنْ َفقُوا ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ } أي ‪ :‬على الذين يجب‬
‫عليهم النفاق لهم من زوجات وقرابات وأجانب ‪ ،‬من فقراء ومحاويج ومساكين ‪ { ،‬سِرّا‬
‫وَعَلنِيَةً } أي ‪ :‬في السر والجهر ‪ ،‬لم يمنعهم من ذلك حال من الحوال ‪ ،‬في آناء الليل وأطراف‬
‫حسَنَةِ السّيّئَةَ } أي ‪ :‬يدفعون القبيح بالحسن ‪ ،‬فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل‬
‫النهار ‪ { ،‬وَيَدْرَءُونَ بِالْ َ‬
‫ك وَبَيْنَهُ‬
‫حسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْ َن َ‬
‫صبرا واحتمال وصفحا وعفوا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬ا ْدفَعْ بِالّتِي ِهيَ أَ ْ‬
‫ن صَبَرُوا َومَا يَُلقّاهَا إِل ذُو حَظّ عَظِيمٍ } [فصلت ‪، 34 :‬‬
‫حمِي ٌم َومَا يَُلقّاهَا إِل الّذِي َ‬
‫عَدَا َوةٌ كَأَنّ ُه وَِليّ َ‬
‫‪ ]35‬؛ ولهذا قال مخبرًا عن هؤلء السعداء المتصفين بهذه الصفات الحسنة بأن لهم عقبى الدار ‪،‬‬
‫ثم فسر ذلك بقوله ‪ { :‬جَنّاتِ عَدْنٍ } والعدن ‪ :‬القامة ‪ ،‬أي ‪ :‬جنات إقامة يخلدون (‪ )2‬فيها‪.‬‬
‫وعن عبد ال بن عمرو أنه قال ‪ :‬إن في الجنة قصرا يقال له ‪" :‬عدن" ‪ ،‬حوله البروج والمروج ‪،‬‬
‫فيه خمسة آلف باب ‪ ،‬على كل باب خمسة آلف حِبْرة (‪ )3‬ل يدخله إل نبي أو صديق أو شهيد‪.‬‬
‫عدْنٍ } مدينة الجنة ‪ ،‬فيها الرسل والنبياء والشهداء وأئمة‬
‫وقال الضحاك في قوله ‪ { :‬جَنّاتِ َ‬
‫الهدى ‪ ،‬والناس حولهم بعد والجنات حولها‪ .‬رواهما ابن جرير‪.‬‬
‫جهِ ْم وَذُرّيّا ِتهِمْ } أي ‪ :‬يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من‬
‫ن صَلَحَ مِنْ آبَا ِئ ِه ْم وَأَ ْزوَا ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الباء والهلين والبناء ‪ ،‬ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين ؛ لتقر أعينهم بهم ‪ ،‬حتى إنه‬
‫(‪ )4‬ترفع (‪ )5‬درجة الدنى إلى درجة العلى ‪ ،‬من غير تنقيص لذلك العلى عن درجته ‪ ،‬بل‬
‫حقْنَا ِب ِهمْ ذُرّيّ َتهُمْ‬
‫امتنانًا من ال وإحسانا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُتهُمْ بِإِيمَانٍ أَ ْل َ‬
‫سبَ رَهِينٌ } [الطور ‪)7( )6( .]21 :‬‬
‫شيْءٍ ُكلّ امْ ِرئٍ ِبمَا كَ َ‬
‫عمَِل ِهمْ مِنْ ِ‬
‫َومَا َألَتْنَاهُمْ مِنْ َ‬
‫عقْبَى الدّارِ } أي ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْلمَل ِئكَةُ َيدْخُلُونَ عَلَ ْيهِمْ مِنْ ُكلّ بَابٍ سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ ِبمَا صَبَرْتُمْ فَ ِنعْمَ ُ‬
‫وتدخل عليهم الملئكة من هاهنا وهاهنا للتهنئة بدخول الجنة ‪ ،‬فعند (‪ )8‬دخولهم إياها تفد عليهم‬
‫الملئكة مسلمين مهنئين لهم بما حصل لهم من ال من التقريب والنعام ‪ ،‬والقامة في دار‬
‫السلم ‪ ،‬في جوار الصديقين والنبياء والرسل الكرام‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني سعيد بن أبي أيوب ‪ ،‬حدثنا (‪)9‬‬
‫سوَيْد الجذامي عن أبي عشانة المعافري ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ ،‬رضي‬
‫معروف بن ُ‬
‫ال عنهما (‪ )10‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬هل تدرون أول من يدخل الجنة‬
‫من خلق ال ؟" قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬أول من يدخل الجنة من خلق ال الفقراء‬
‫المهاجرون (‪ )11‬الذين تُسدّ بهم الثغور ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وسجودها وركوعها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬تخلدون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬حرة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬إنهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ترفع من"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬واتبعتهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ذرياتهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عند"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثني"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬المهاجرين"‪.‬‬

‫( ‪)4/451‬‬

‫وتُتّقَى بهم المكاره ‪ ،‬ويموت أحدهم وحاجته في صدره ل يستطيع لها قضاء ‪ ،‬فيقول ال تعالى‬
‫لمن يشاء من ملئكته ‪ :‬ائتوهم فحيوهم‪ .‬فتقول الملئكة ‪ :‬نحن سكان سمائك ‪ ،‬وخيرتك من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خلقك ‪ ،‬أفتأمرنا أن نأتي هؤلء فنسلم عليهم ؟ قال ‪ :‬إنهم كانوا عبادا يعبدونني ل (‪ )1‬يشركون‬
‫بي شيئًا ‪ ،‬وتُسَد (‪ )2‬بهم الثغور ‪ ،‬وتتقى (‪ )3‬بهم المكاره ‪ ،‬ويموت أحدهم وحاجته في صدره فل‬
‫يستطيع لها قضاء"‪ .‬قال ‪" :‬فتأتيهم الملئكة عند ذلك ‪ ،‬فيدخلون عليهم من كل باب ‪ { ،‬سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ‬
‫عقْبَى الدّارِ } (‪)4‬‬
‫ِبمَا صَبَرْتُمْ فَ ِنعْمَ ُ‬
‫ورواه أبو القاسم الطبراني ‪ ،‬عن أحمد بن رشدين ‪ ،‬عن أحمد بن صالح ‪ ،‬عن عبد ال بن وهب ‪،‬‬
‫عشّانة سمع عبد ال بن عمرو ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫عمْرو بن الحارث ‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫عن َ‬
‫قال ‪" :‬أول ثلة يدخلون الجنة فقراء المهاجرين ‪ ،‬الذين تتقى بهم المكاره ‪ ،‬وإذا أمروا سمعوا‬
‫وأطاعوا ‪ ،‬وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى سلطان لم ُت ْقضَ حتى يموت وهي في صدره ‪ ،‬وإن‬
‫ال يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي ‪،‬‬
‫وأوذوا في سبيلي ‪ ،‬وجاهدوا في سبيلي ؟ ادخلوا الجنة بغير عذاب ول حساب ‪ ،‬وتأتي الملئكة‬
‫فيسجدون ويقولون ‪ :‬ربنا نحن نسبحك الليل والنهار ‪ ،‬ونُقدس لك ‪ ،‬من هؤلء الذين آثرتهم‬
‫علينا ؟ فيقول الرب عز وجل ‪ :‬هؤلء عبادي الذين جاهدوا (‪ )5‬في سبيلي ‪ ،‬وأوذوا في سبيلي‬
‫عقْبَى الدّارِ } (‪)6‬‬
‫فتدخل عليهم الملئكة من كل باب ‪ { :‬سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ ِبمَا صَبَرْتُمْ فَ ِنعْمَ ُ‬
‫وقال عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن َبقِيّة بن الوليد ‪ ،‬حدثنا أرطاة بن المنذر ‪ ،‬سمعت رجل من مشيخة‬
‫الجند ‪ ،‬يقال له "أبو الحجاج" يقول ‪ :‬جلست إلى أبي أمامة فقال ‪ :‬إن المؤمن ليكون متكئًا على‬
‫أريكته إذا دخل الجنة ‪ ،‬وعنده سماطان من خدم ‪ ،‬وعند طرف السماطين باب مبوب ‪ ،‬فيقبل‬
‫الملك فيستأذن ‪ ،‬فيقول [أقصى الخدم] (‪ )7‬للذي يليه ‪" :‬مَلك يستأذن" ‪ ،‬ويقول الذي يليه للذي يليه‬
‫‪" :‬ملك يستأذن" ‪ ،‬حتى يبلغ المؤمن فيقول ‪ :‬ائذنوا‪ .‬فيقول أقربهم إلى المؤمن ‪ :‬ائذنوا ‪ ،‬ويقول‬
‫الذي يليه للذي يليه ‪ :‬ائذنوا حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب ‪ ،‬فيفتح له ‪ ،‬فيدخل فيسلم ثم‬
‫ينصرف‪ .‬رواه ابن جرير‪)8( .‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن أرطاة بن المنذر ‪ ،‬عن أبي الحجاج (‪)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويسد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويتقى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/168‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/259‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬قاتلوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير للطبراني برقم (‪" )152‬القطعة المفقودة" ورواه الحاكم في المستدرك (‪)2/71‬‬
‫من طريق محمد بن عبد ال عن ابن وهب ‪ ،‬به نحوه ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح السناد ولم‬
‫يخرجاه" ووافقه الذهبي‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)16/425‬‬
‫(‪ )9‬كذا وقع في تفسير الطبري ‪ ،‬ونقله أيضا ابن القيم في ‪+‬حادى الرواح (‪" )2/38‬أبو الحجاج"‬
‫وفي ترجمته في الجرح والتعديل (‪ )9/235‬والتاريخ الكبير (‪ )4/2/376‬والثقات لبن حبان (‬
‫‪" : )5/552‬يوسف اللهاني ‪ ،‬أبو الضحاك الحمصي ‪ ،‬سمع أبا أمامة وابن عمر ‪ ،‬وروي عنه‬
‫أرطاة بن المنذر"‪ .‬وانظر حاشية الستاذ محمود شاكر على تفسير الطبري (‪.)16/426‬‬

‫( ‪)4/452‬‬

‫صلَ وَ ُيفْسِدُونَ فِي الْأَ ْرضِ‬


‫طعُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ ِبهِ أَنْ يُو َ‬
‫عهْدَ اللّهِ مِنْ َب ْعدِ مِيثَاقِ ِه وَ َيقْ َ‬
‫وَالّذِينَ يَ ْن ُقضُونَ َ‬
‫أُولَ ِئكَ َلهُمُ الّلعْنَةُ وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ (‪ )25‬اللّهُ يَبْسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ َيقْدِ ُر َوفَرِحُوا بِا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا‬
‫َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا فِي الْآَخِ َرةِ إِلّا مَتَاعٌ (‪)26‬‬

‫يوسف اللهاني قال ‪ :‬سمعت أبا أمامة ‪ ،‬فذكر نحوه‪.‬‬


‫وقد جاء في الحديث ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يزور قبور الشهداء في رأس كل‬
‫عقْبَى الدّارِ } وكذا أبو بكر ‪ ،‬وعمر وعثمان‪( .‬‬
‫حول ‪ ،‬فيقول لهم ‪ { :‬سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ ِبمَا صَبَرْتُمْ فَ ِنعْمَ ُ‬
‫‪)1‬‬
‫سدُونَ فِي‬
‫ل وَيُفْ ِ‬
‫صَ‬‫طعُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُو َ‬
‫عهْدَ اللّهِ مِنْ َبعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْ َ‬
‫{ وَالّذِينَ يَ ْنقُضُونَ َ‬
‫ال ْرضِ أُولَ ِئكَ َلهُمُ الّلعْنَ ُة وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ (‪} )25‬‬
‫هذا حال الشقياء وصفاتهم ‪ ،‬وذكر مآلهم في الدار الخرة ومصيرهم إلى خلف ما صار إليه‬
‫المؤمنون ‪ ،‬كما أنهم اتصفوا بخلف صفاتهم في الدنيا ‪ ،‬فأولئك كانوا يوفون بعهد ال ويصلون ما‬
‫طعُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ ِبهِ أَنْ‬
‫ع ْهدَ اللّهِ مِنْ َب ْعدِ مِيثَاقِ ِه وَ َيقْ َ‬
‫أمر ال به أن يوصل ‪ ،‬وهؤلء { يَ ْن ُقضُونَ َ‬
‫ل وَ ُيفْسِدُونَ فِي ال ْرضِ } كما ثبت في الحديث ‪" :‬آية المنافق ثلث ‪ :‬إذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا‬
‫يُوصَ َ‬
‫وعد أخلف ‪ ،‬وإذا اؤتمن خان" وفي رواية ‪" :‬وإذا عاهد غدر ‪ ،‬وإذا خاصم فَجر"‪.‬‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ َل ُهمُ الّلعْنَةُ } وهي البعاد عن الرحمة ‪ { ،‬وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ } وهي سوء العاقبة‬
‫والمآل ‪ ،‬ومأواهم جهنم وبئس القرار‪)2( .‬‬
‫عهْدَ اللّهِ } الية ‪ ،‬قال ‪ :‬هي ست خصال في‬
‫وقال أبو العالية في قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ يَ ْنقُضُونَ َ‬
‫المنافقين إذا كان فيهم الظّهرة على الناس أظهروا هذه الخصال ‪ :‬إذا حدثوا كذبوا ‪ ،‬وإذا وعدوا‬
‫أخلفوا ‪ ،‬وإذا ائتمنوا خانوا ‪ ،‬ونقضوا عهد ال من بعد ميثاقه ‪ ،‬وقطعوا ما أمر ال به أن يوصل ‪،‬‬
‫وأفسدوا في الرض‪ .‬وإذا كانت الظّهرة عليهم أظهروا الثلث الخصال ‪ :‬إذا حدثوا كذبوا ‪ ،‬وإذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وعدوا أخلفوا ‪ ،‬وإذا ائتمنوا خانوا‪.‬‬
‫سطُ الرّ ْزقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَيَقْدِرُ َوفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا فِي الخِ َرةِ إِل مَتَاعٌ (‬
‫{ اللّهُ يَبْ ُ‬
‫‪} )26‬‬
‫يذكر تعالى أنه هو الذي يوسع الرزق على من يشاء ‪ ،‬ويقتره على من يشاء ‪ ،‬لما له في ذلك من‬
‫الحكمة والعدل‪ .‬وفرح هؤلء الكفار بما أوتوا في الحياة الدنيا استدراجا لهم وإمهال كما قال تعالى‬
‫شعُرُونَ } [المؤمنون ‪:‬‬
‫‪ { :‬أَ َيحْسَبُونَ أَ ّنمَا ُنمِدّهُمْ ِبهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ُنسَا ِرعُ َل ُهمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل ل يَ ْ‬
‫‪.]56 ، 55‬‬
‫ثم حقر الحياة الدنيا بالنسبة إلى ما ادخره تعالى لعباده المؤمنين في الدار الخرة فقال ‪َ { :‬ومَا‬
‫الْحَيَاةُ الدّنْيَا فِي الخِ َرةِ إِل مَتَاعٌ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )16/426‬عن سهيل عن محمد بن إبراهيم التيمي مرسل ‪ ،‬وهذا‬
‫معضل‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المهاد"‪.‬‬

‫( ‪)4/453‬‬

‫ضلّ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي ِإلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (‬


‫وَيَقُولُ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْلَا أُنْ ِزلَ عَلَ ْيهِ آَ َيةٌ مِنْ رَبّهِ ُقلْ إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫طمَئِنّ ا ْلقُلُوبُ (‪)28‬‬
‫طمَئِنّ قُلُو ُبهُمْ بِ ِذكْرِ اللّهِ أَلَا ِب ِذكْرِ اللّهِ تَ ْ‬
‫‪ )27‬الّذِينَ َآمَنُوا وَتَ ْ‬

‫ل وَالخِ َرةُ خَيْرٌ ِلمَنِ ا ّتقَى وَل ُتظَْلمُونَ فَتِيل } [النساء ‪ ]77 :‬وقال {‬
‫كما قال ‪ُ { :‬قلْ مَتَاعُ الدّنْيَا قَلِي ٌ‬
‫َبلْ ُتؤْثِرُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا وَالخِ َرةُ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى } [العلى ‪.]17 ، 16 :‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ويحيى بن سعيد قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن قيس ‪،‬‬
‫عن المستورد أخي بني فهر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما الدنيا في الخرة إل‬
‫كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم ‪ ،‬فلينظر بم ترجع" وأشار بالسبابة‪ .‬ورواه مسلم في‬
‫صحيحه‪)1( .‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مر ِبجَ ْديٍ أسكّ (‪ )2‬ميتٍ ‪ -‬والسك (‪)3‬‬
‫الصغير الذنين ‪ -‬فقال ‪" :‬وال للدنيا أهون على ال من هذا على أهله حين ألقوه"‪)4( .‬‬
‫ضلّ مَنْ يَشَاءُ وَ َيهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ‬
‫{ وَ َيقُولُ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْل أُنزلَ عَلَ ْيهِ آ َيةٌ مِنْ رَبّهِ ُقلْ إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫طمَئِنّ ا ْلقُلُوبُ (‪} )28‬‬
‫طمَئِنّ قُلُو ُبهُمْ بِ ِذكْرِ اللّهِ أَل بِ ِذكْرِ اللّهِ َت ْ‬
‫(‪ )27‬الّذِينَ آمَنُوا وَتَ ْ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/228‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2858‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أشك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والشك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2957‬من حديث جابر ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/454‬‬

‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ طُوبَى َل ُه ْم وَحُسْنُ مََآبٍ (‪)29‬‬


‫الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ طُوبَى َلهُ ْم َوحُسْنُ مَآبٍ (‪} )29‬‬


‫{ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫يخبر تعالى عن قيل (‪ )1‬المشركين ‪َ { :‬لوْل } أي ‪ :‬هل { أُنزلَ عَلَ ْيهِ آ َيةٌ مِنْ رَبّهِ } كما قالوا ‪:‬‬
‫ل الوّلُونَ } [النبياء ‪ ]5 :‬وقد تقدم الكلم على هذا غير مرة ‪ ،‬وإن ال قادر‬
‫سَ‬‫{ فَلْيَأْتِنَا بِآ َيةٍ َكمَا أُرْ ِ‬
‫على إجابة ما سألوا‪ .‬وفي الحديث ‪ :‬أن ال أوحى إلى رسوله لما سألوه أن يحول لهم الصفا‬
‫ذهبًا ‪ ،‬وأن يجري لهم ينبوعًا ‪ ،‬وأن يزيح الجبال من حول مكة فيصير مكانها مروج وبساتين ‪:‬‬
‫إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك ‪ ،‬فإن كفروا فإني أعذبهم عذابًا ل أعذبه أحدًا من العالمين ‪ ،‬وإن‬
‫شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة ‪ ،‬فقال ‪" :‬بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة" (‪ )2‬؛ ولهذا‬
‫قال لرسوله ‪ُ { :‬قلْ إِنّ اللّهَ ُيضِلّ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي ‪ :‬هو المضل والهادي ‪،‬‬
‫سواء بعث الرسول بآية على وفق ما اقترحوا ‪ ،‬أو لم يجبهم إلى سؤالهم ؛ فإن الهداية والضلل‬
‫ت وَالنّذُرُ عَنْ َقوْمٍ ل ُي ْؤمِنُونَ } [يونس ‪:‬‬
‫ليس منوطا بذلك ول عدمه ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬ومَا ُتغْنِي اليَا ُ‬
‫علَ ْيهِمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آ َيةٍ حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ‬
‫ح ّقتْ َ‬
‫‪ ]101‬وقال { إِنّ الّذِينَ َ‬
‫حشَرْنَا عَلَ ْيهِمْ ُكلّ‬
‫اللِيمَ } [يونس ‪ ]97 ، 96 :‬وقال { وََلوْ أَنّنَا نزلْنَا إِلَ ْي ِهمُ ا ْلمَل ِئكَ َة َوكَّل َمهُمُ ا ْل َموْتَى وَ َ‬
‫جهَلُونَ } [النعام ‪ ]111 :‬؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫شيْءٍ قُبُل مَا كَانُوا لِ ُي ْؤمِنُوا إِل أَنْ َيشَاءَ اللّ ُه وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ يَ ْ‬
‫َ‬
‫ضلّ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي ِإلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي ‪ :‬ويهدي من أناب إلى ال ‪ ،‬ورجع إليه ‪،‬‬
‫{ ُقلْ إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫واستعان به ‪ ،‬وتضرع لديه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬قتل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في المسند (‪ )1/242‬من حديث ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)4/454‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طمَئِنّ قُلُو ُبهُمْ ِب ِذكْرِ اللّهِ } أي ‪ :‬تطيب وتركن إلى جانب (‪ )1‬ال ‪ ،‬وتسكن عند‬
‫{ الّذِينَ آمَنُوا وَتَ ْ‬
‫طمَئِنّ ا ْلقُلُوبُ } أي ‪ :‬هو حقيق‬
‫ذكره ‪ ،‬وترضى به مولى ونصيرًا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَل ِب ِذكْرِ اللّهِ تَ ْ‬
‫بذلك‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ طُوبَى َلهُ ْم َوحُسْنُ مَآبٍ } قال ابن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫{ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫عكْرِمة ‪ :‬نعم مالهم‪.‬‬
‫فرح وقُرة عين‪ .‬وقال ِ‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬غبطة َلهُم‪ .‬وقال إبراهيم النّخعي ‪ :‬خير لهم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي كلمة عربية (‪ )2‬يقول الرجل ‪" :‬طوبى لك" ‪ ،‬أي ‪ :‬أصبت خيرًا‪ .‬وقال في رواية‬
‫‪ { :‬طُوبَى َل ُهمْ } حسنى لهم‪.‬‬
‫حسْنُ مَآبٍ } أي ‪ :‬مرجع‪.‬‬
‫{ وَ ُ‬
‫وهذه القوال شيء واحد ل منافاة بينها‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬طُوبَى َلهُمْ } قال ‪ :‬هي أرض الجنة بالحبشية‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ { :‬طُوبَى‬
‫سجُوح ‪ :‬طوبى اسم الجنة بالهندية‪ .‬وكذا روى السدي ‪ ،‬عن ِ‬
‫وقال سعيد بن مَ ْ‬
‫َلهُمْ } أي ‪ :‬الجنة‪ .‬وبه قال مجاهد‪.‬‬
‫عمِلُوا‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬لما خلق ال الجنة وفرغ منها قال ‪ { :‬الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫الصّالِحَاتِ طُوبَى َلهُ ْم َوحُسْنُ مَآبٍ } وذلك حين أعجبته‪.‬‬
‫حوْشَب قال ‪:‬‬
‫شهْر بن َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬عن جعفر ‪ ،‬عن َ‬
‫{ طُوبَى } شجرة في الجنة ‪ ،‬كل شجر الجنة منها ‪ ،‬أغصانها من وراء سور الجنة‪.‬‬
‫س َمىّ ‪ ،‬وأبي إسحاق السّبِيعي وغير واحد‬
‫وهكذا رُوي عن أبي هريرة ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومغيث بن ُ‬
‫من السلف ‪ :‬أن طوبى شجرة في الجنة ‪ ،‬في كل دار منها غصن منها‪.‬‬
‫وذكر بعضهم أن الرحمن ‪ ،‬تبارك وتعالى ‪ ،‬غرسها بيده من حبة لؤلؤة ‪ ،‬وأمرها أن تمتد ‪،‬‬
‫فامتدت إلى حيث يشاء ال تبارك وتعالى ‪ ،‬وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة ‪ ،‬من عسل‬
‫وخمر وماء ولبن‪)3( .‬‬
‫سمْح حدثه ‪ ،‬عن أبي الهيثم‬
‫وقد قال عبد ال بن وهب ‪ :‬حدثنا عمرو بن الحارث ‪ ،‬أن درّاجا أبا ال ّ‬
‫‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪[ ،‬مرفوعا ‪" :‬طوبى ‪ :‬شجرة في الجنة مسيرة مائة‬
‫سنة ‪ ،‬ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها"‪)4( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جناب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬غريبة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ولبن وماء"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )16/443‬قال أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪" :‬أحاديث دراج عن أبي الهيثم‬
‫عن أبي سعيد فيها ضعف"‪.‬‬

‫( ‪)4/455‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬سمعت عبد ال بن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا دَرّاج أبو السمح ‪،‬‬
‫أن أبا الهيثم حدثه ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري] (‪ )1‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أن رجل‬
‫قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬طوبى لمن رآك وآمن بك‪ .‬قال ‪" :‬طوبى لمن رآني وآمن بي ‪ ،‬ثم طوبى ‪،‬‬
‫ثم طوبى ‪ ،‬ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني"‪ .‬قال له رجل ‪ :‬وما طوبى ؟ قال ‪" :‬شجرة في الجنة‬
‫مسيرة مائة عام ‪ ،‬ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها"‪)2( .‬‬
‫وروى البخاري ومسلم جميعًا ‪ ،‬عن إسحاق بن راهويه ‪ ،‬عن مغيرة المخزومي ‪ ،‬عن وَهيب ‪،‬‬
‫عن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن في الجنة‬
‫شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها" قال ‪ :‬فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزّرَقي‬
‫خدْري ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن في الجنة شجرة‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬حدثني أبو سعيد ال ُ‬
‫جوَاد المضمّرَ السريع مائة عام ما يقطعها"‪)3( .‬‬
‫يسير الراكب ال َ‬
‫وفي صحيح البخاري ‪ ،‬من حديث يزيد بن زُرَيع ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬رضي ال‬
‫ظلّ َممْدُودٍ } [الواقعة ‪]30 :‬‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم في قول ال ‪ { :‬وَ ِ‬
‫قال ‪" :‬في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها"‪)4( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سُرَيْج ‪ ،‬حدثنا فُلَيْح ‪ ،‬عن هلل بن علي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي‬
‫عمرة ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬في الجنة شجرة يسير‬
‫ظلّ َممْدُودٍ } أخرجاه في الصحيحين‪)6( .‬‬
‫الراكب في ظلها مائة سنة (‪ )5‬اقرءوا إن شئتم { وَ ِ‬
‫وقال [المام] (‪ )7‬أحمد أيضًا ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قال حدثنا شعبة ‪ ،‬سمعت أبا‬
‫الضحاك يحدث عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن في الجنة شجرة‬
‫يسير الراكب في ظلها سبعين ‪ -‬أو ‪ :‬مائة ‪ -‬سنة هي شجرة الخلد"‪)8( .‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يحيى بن عباد بن عبد ال بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أسماء بنت‬
‫أبي بكر ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وذكر سدرة المنتهى‬
‫‪ ،‬قال ‪" :‬يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة ‪ -‬أو ‪ :‬قال ‪ : -‬يستظل في الفنن منها مائة‬
‫راكب ‪ ،‬فيها فراش الذهب ‪ ،‬كأن ثمرها القلل"‪ .‬رواه الترمذي‪)9( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/71‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )6552‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2827‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)3251‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عام"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)2/482‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)2/455‬‬
‫(‪ )9‬سنن الترمذي برقم (‪ )2541‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث حسن غريب" وفي بعض النسخ ‪" :‬حسن‬
‫صحيح غريب"‪.‬‬

‫( ‪)4/456‬‬

‫وقال إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن سعيد بن يوسف ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن أبي سلم السود‬
‫قال ‪ :‬سمعت أبا أمامة الباهلي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما منكم من أحد يدخل‬
‫الجنة إل انطلق به إلى طوبى ‪ ،‬فتفتح له أكمامها ‪ ،‬فيأخذ من أي ذلك شاء ‪ ،‬إن شاء أبيض ‪ ،‬وإن‬
‫شاء أحمر ‪ ،‬وإن شاء أصفر ‪ ،‬وإن شاء أسود ‪ ،‬مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن"‪)1( .‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا محمد بن ثور ‪ ،‬عن‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫شهْر بن َ‬
‫َم ْعمَر ‪ ،‬عن أشعث بن عبد ال ‪ ،‬عن َ‬
‫عمّا شاء ؛ فتفتق له عن الخيل بسروجها‬
‫طوبى شجرة في الجنة ‪ ،‬يقول ال لها ‪َ " :‬تفَتّقي لعبدي َ‬
‫ولجمها ‪ ،‬وعن البل بأزمتها ‪ ،‬وعما شاء من الكسوة"‪)2( .‬‬
‫وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرًا غريبًا عجيبا ‪ ،‬قال وهب ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬إن في‬
‫الجنة شجرة يقال لها ‪" :‬طوبى" ‪ ،‬يسير الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها ‪ ،‬زهرها رياط ‪،‬‬
‫وورقها برود ‪ ،‬وقضبانها عنبر ‪ ،‬وبطحاؤها ياقوت ‪ ،‬وترابها كافور ‪ ،‬وَوحَلها مسك ‪ ،‬يخرج من‬
‫أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ‪ ،‬وهي مجلس لهل الجنة ‪ ،‬فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم‬
‫ملئكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلسل من ذهب وجوهها كالمصابيح حسنا (‪ )3‬ووبرها‬
‫كخز المْرعِزّي (‪ )4‬من لينه ‪ ،‬عليها رحال ألواحها من ياقوت ‪ ،‬ودفوفها (‪ )5‬من ذهب ‪ ،‬وثيابها‬
‫من سندس وإستبرق ‪ ،‬فينيخونها ويقولون ‪ :‬إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال ‪:‬‬
‫فيركبونها ‪ ،‬فهي أسرع من الطائر ‪ ،‬وأوطأ من الفراش ‪ ،‬نجيا من غير َمهَنَة ‪ ،‬يسير الرجل إلى‬
‫جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ‪ ،‬ل تصيب (‪ )6‬أذن راحلة منها أذن الخرى ‪ ،‬ول بَرك راحلة‬
‫برك الخرى ‪ ،‬حتى إن شجرة لتتنحّى عن طريقهم ‪ ،‬لئل تفرق بين الرجل وأخيه‪ .‬قال ‪ :‬فيأتون‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ‪ ،‬فإذا رأوه قالوا ‪ :‬اللهم ‪ ،‬أنت‬
‫السلم ومنك السلم ‪ ،‬وحق لك الجلل والكرام‪ .‬قال ‪ :‬فيقول تعالى [عند ذلك] (‪ )7‬أنا السلم‬
‫ومني السلم ‪ ،‬وعليكم حقت رحمتي ومحبتي ‪ ،‬مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا‬
‫أمري"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فيقولون ‪ :‬ربنا لم نعبدك حق عبادتك ‪ ،‬ولم نقدرك حق قدرك ‪ ،‬فأذن لنا في السجود قُدامك‬
‫قال ‪ :‬فيقول ال ‪" :‬إنها ليست بدار نصب ول عبادة ‪ ،‬ولكنها دار مُلْك ونعيم ‪ ،‬وإني قد رفعت‬
‫عنكم نصب العبادة ‪ ،‬فسلوني ما شئتم ‪ ،‬فإن لكل رجل منكم أمنيته" فيسألونه ‪ ،‬حتى أن أقصرهم‬
‫أمنية ليقول ‪ :‬رب ‪ ،‬تنافس (‪ )8‬أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ‪ ،‬رب فآتنى مثل كل شيء‬
‫كانوا فيه من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة برقم (‪ )146‬من طريق أبي عتبة ‪ ،‬عن إسماعيل بن‬
‫عياش ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )16/438‬ورواه ابن المبارك في الزهد برقم (‪ )265‬من طريق معمر عن‬
‫الشعث ‪ ،‬به‪ .‬وشهر بن حوشب ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من حسنها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الرعزى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ورفرفها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل يصيب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬يتنافس"‪.‬‬

‫( ‪)4/457‬‬

‫يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا‪ .‬فيقول ال تعالى ‪" :‬لقد قصرت بك أمنيتك ‪ ،‬ولقد سألت دون‬
‫منزلتك ‪ ،‬هذا لك مني ‪[ ،‬وسأتحفك بمنزلتي] (‪ )1‬؛ لنه ليس في عطائي نكد ول تَصريد"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ثم يقول ‪" :‬اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم ‪ ،‬ولم يخطر لهم على بال"‪ .‬قال ‪ :‬فيعرضون‬
‫عليهم حتى َتقْصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم ‪ ،‬فيكون فيما يعرضون عليهم براذين ُمقْرنة ‪ ،‬على‬
‫كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ‪ ،‬على كل سرير منها قبة من ذهب مُفرّغة ‪ ،‬في كل قبة‬
‫منها فرش من فُرش الجنة مُتظاهرة ‪ ،‬في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ‪ ،‬على كل‬
‫جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة ‪ ،‬وليس في الجنة لون إل وهو فيهما (‪ )2‬ول ريح طيبة إل قد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عبقتا به (‪ )3‬ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة ‪ ،‬حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة ‪ ،‬يرى‬
‫مخهما من فوق سوقهما ‪ ،‬كالسلك البيض في ياقوتة حمراء ‪ ،‬يريان له من الفضل على صاحبته‬
‫(‪ )4‬كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ‪ ،‬ويرى هو لهما مثل ذلك ‪ ،‬ويدخل إليهما فيحييانه‬
‫ويقبلنه ويعتنقانه (‪ )5‬به ‪ ،‬ويقولن له ‪ :‬وال ما ظننا أن ال يخلق مثلك‪ .‬ثم يأمر ال تعالى‬
‫الملئكة فيسيرون بهم صفا في الجنة ‪ ،‬حتى ينتهى بكل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له‪)6( .‬‬
‫وقد روى هذا الثر ابن أبي حاتم بسنده ‪ ،‬عن وهب بن منبه ‪ ،‬وزاد ‪ :‬فانظروا إلى موهوب ربكم‬
‫الذي وهب لكم ‪ ،‬فإذا هو بقباب في الرفيق العلى ‪ ،‬وغرف مبنية من الدر والمرجان ‪ ،‬وأبوابها‬
‫من ذهب ‪ ،‬وسررها من ياقوت ‪ ،‬وفرشها من سندس وإستبرق ‪ ،‬ومنابرها من نور ‪ ،‬يفور من‬
‫أبوابها وعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري (‪ )7‬في النهار المضيء ‪ ،‬وإذا‬
‫بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها ‪ ،‬فلول أنه مُسَخر ‪ ،‬إذًا للتمع‬
‫البصارَ ‪ ،‬فما كان من تلك القصور من الياقوت [البيض ‪ ،‬فهو مفروش بالحرير (‪ )8‬البيض ‪،‬‬
‫وما كان منها من الياقوت الحمر فهو مفروش بالعبقري الحمر ‪ ،‬وما كان منها من الياقوت‬
‫الخضر] (‪ )9‬فهو مفروش بالسندس الخضر ‪ ،‬وما كان منها من الياقوت الصفر ‪ ،‬فهو مفروش‬
‫بالرجوان الصفر منزه (‪ )10‬بالزمرد الخضر ‪ ،‬والذهب الحمر ‪ ،‬والفضة البيضاء ‪ ،‬قوائمها‬
‫وأركانها من الجوهر ‪ ،‬وشُرُفها قباب من لؤلؤ ‪ ،‬وبروجها غُرَف من المرجان‪ .‬فلما انصرفوا إلى‬
‫ما أعطاهم ربهم ‪ ،‬قُرّبت لهم براذين من ياقوت أبيض ‪ ،‬منفوخ فيها الروح ‪ ،‬تَجنَبها الولدان‬
‫المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة بِرْذَون من تلك البراذين ‪ ،‬ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء ‪،‬‬
‫منظومة بالدر والياقوت ‪ ،‬سُرُوجها سُرُ ٌر موضونة ‪ ،‬مفروشة بالسندس والستبرق‪ .‬فانطلقت بهم‬
‫تلك البراذين تَزَف بهم ببطن (‪ )11‬رياض الجنة‪ .‬فلما انتهوا إلى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عبقا بهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬صاحبه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويعلقانه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)16/439‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬من الحرير"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬مبوبة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬وبطن"‪.‬‬

‫( ‪)4/458‬‬

‫حمَنِ‬
‫ك وَهُمْ َي ْكفُرُونَ بِالرّ ْ‬
‫سلْنَاكَ فِي ُأمّةٍ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهَا ُأمَمٌ لِتَتُْلوَ عَلَ ْيهِمُ الّذِي َأوْحَيْنَا إِلَ ْي َ‬
‫كَذَِلكَ أَرْ َ‬
‫ُقلْ ُهوَ رَبّي لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ عَلَيْهِ َت َوكّ ْلتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (‪)30‬‬

‫منازلهم ‪ ،‬وجدوا الملئكة ُقعُودًا على منابر من نور ‪ ،‬ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم‬
‫ويهنئوهم كرامَةَ ربهم‪ .‬فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تَطَاول به عليهم (‪ )1‬وما سألوا‬
‫وتمنوا ‪ ،‬وإذا على باب كلّ قصر من تلك القصور أربعة جنان ‪[ ،‬جنتان] (‪ )2‬ذواتا أفنان ‪،‬‬
‫وجنتان مُدْهامتان ‪ ،‬وفيهما عينان نضاختان ‪ ،‬وفيهما من كل فاكهة زوجان ‪ ،‬وحور مقصورات‬
‫في الخيام ‪ ،‬فلما تَبَيّنُوا (‪ )3‬منازلهم واستقروا قرارهم قال لهم ربهم ‪ :‬هل وجدتم ما وعدتكم (‪)4‬‬
‫حقا ؟ قالوا ‪ :‬نعم ورَبّنَا‪ .‬قال ‪ :‬هل رضيتم ثواب ربكم ؟ قالوا ‪ :‬ربنا ‪ ،‬رضينا فارض عنا قال ‪:‬‬
‫برضاي (‪ )5‬عنكم حللتم داري ‪ ،‬ونظرتم إلى وجهي ‪ ،‬وصافحتكم ملئكتي ‪ ،‬فهنيئًا هنيئًا لكم ‪،‬‬
‫عطَاءً غَيْرَ َمجْذُوذٍ } [هود ‪ ]108 :‬ليس فيه تنغيص ول تصريد‪ .‬فعند ذلك قالوا ‪ :‬الحمد ل‬
‫{ َ‬
‫الذي أذهب عنا الحزن ‪ ،‬وأدخلنا (‪ )6‬دار المقامة من فضله ‪ ،‬ل يمسنا فيها نصب ول يمسنا فيها‬
‫لغوب ‪ ،‬إن ربنا لغفور شكور‪.‬‬
‫وهذا سياق غريب ‪ ،‬وأثر عجيب ولبعضه شواهد ‪ ،‬ففي الصحيحين ‪ :‬أن ال تعالى يقول لذلك‬
‫الرجل الذي يكون آخر أهل الجنة دخول الجنة ‪ :‬تمن" ‪ ،‬فيتمنى (‪ )7‬حتى إذا انتهت به الماني‬
‫يقول ال تعالى ‪" :‬تمن من كذا وتمن من كذا" ‪ ،‬يذكره ‪ ،‬ثم يقول ‪" :‬ذلك لك ‪ ،‬وعشرة أمثاله"‪)8( .‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي ذر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ال ‪ ،‬عز وجل (‪ )9‬يا‬
‫عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم ‪ ،‬وإنسكم وجنكم ‪ ،‬قاموا في صعيد واحد ‪ ،‬فسألوني ‪ ،‬فأعطيت كل‬
‫إنسان (‪ )10‬مسألته ‪ ،‬ما نقص ذلك من ملكي شيئا ‪ ،‬إل كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر" ‪،‬‬
‫الحديث بطوله‪)11( .‬‬
‫وقال خالد بن َم ْعدَان ‪ :‬إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ‪ ،‬لها ضروع ‪ ،‬كلها ترضع صِبيَان‬
‫سقَط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة ‪ ،‬يتقلب فيه حتى تقوم القيامة ‪ ،‬فيبعث‬
‫أهل الجنة ‪ ،‬وإن َ‬
‫ابن أربعين سنة‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫حمَنِ‬
‫ك وَ ُهمْ َي ْكفُرُونَ بِالرّ ْ‬
‫{ َكذَِلكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي ُأمّةٍ َقدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهَا ُأمَمٌ لِتَتُْلوَ عَلَ ْيهِمُ الّذِي َأوْحَيْنَا إِلَ ْي َ‬
‫ُقلْ ُهوَ رَبّي ل إَِلهَ إِل ُهوَ عَلَيْهِ َت َوكّ ْلتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (‪} )30‬‬
‫علَ ْيهِمُ الّذِي َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ } أي ‪:‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أرسلناك يا محمد في هذه المة ‪ { :‬لِتَتُْلوَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تبلغهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عليهم ربهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تبوءوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ما وعد ربكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فبرضاى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬وأحلنا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فيمن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )6573‬وصحيح مسلم برقم (‪ )182‬من حديث أبي هريرة وأبي سعيد‬
‫‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬عن جبريل ‪ ،‬عن ال عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬إنسان منهم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬صحيح مسلم برقم (‪.)2577‬‬

‫( ‪)4/459‬‬

‫جمِيعًا َأفََلمْ‬
‫ط َعتْ ِبهِ الْأَ ْرضُ َأوْ كُلّمَ ِبهِ ا ْل َموْتَى َبلْ لِلّهِ الَْأمْرُ َ‬
‫وََلوْ أَنّ قُرْآَنًا سُيّ َرتْ ِبهِ الْجِبَالُ َأوْ ُق ّ‬
‫جمِيعًا وَلَا يَزَالُ الّذِينَ َكفَرُوا ُتصِي ُبهُمْ ِبمَا صَ َنعُوا‬
‫يَيْئَسِ الّذِينَ َآمَنُوا أَنْ َلوْ يَشَاءُ اللّهُ َلهَدَى النّاسَ َ‬
‫ي وَعْدُ اللّهِ إِنّ اللّهَ لَا ُيخِْلفُ ا ْلمِيعَادَ (‪)31‬‬
‫حلّ قَرِيبًا مِنْ دَارِ ِهمْ حَتّى يَأْ ِت َ‬
‫قَارِعَةٌ َأوْ َت ُ‬

‫رسالة ال إليهم ‪ ،‬كذلك أرسلنا في المم الماضية الكافرة بال ‪ ،‬وقد كُذّب الرسل من قبلك ‪ ،‬فلك‬
‫بهم أسوة ‪ ،‬وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا بأولئك ‪ ،‬فليحذر هؤلء من حلول النقم بهم ‪ ،‬فإن تكذيبهم لك‬
‫أشدّ من تكذيب غيرك من المرسلين ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬تَاللّهِ َلقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ُأمَمٍ مِنْ قَبِْلكَ فَزَيّنَ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ } [النحل ‪ ]63 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ كُذّ َبتْ‬
‫عمَاَلهُمْ َف ُهوَ وَلِ ّيهُمُ الْ َيوْ َم وََلهُمْ َ‬
‫َل ُهمُالشّيْطَانُ أَ ْ‬
‫علَى مَا ُكذّبُوا وَأُوذُوا حَتّى أَتَاهُمْ َنصْرُنَا وَل مُبَ ّدلَ ِلكَِلمَاتِ اللّ ِه وََلقَدْ جَا َءكَ‬
‫سلٌ مِنْ قَبِْلكَ َفصَبَرُوا َ‬
‫رُ ُ‬
‫مِنْ نَبَإِ ا ْلمُرْسَلِينَ } [النعام ‪ ]34 :‬أي ‪ :‬كيف نصرناهم ‪ ،‬وجعلنا العاقبة لهم ولتباعهم في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫حمَنِ } أي ‪ :‬هذه المة التي بعثناك فيهم يكفرون بالرحمن ‪ ،‬ل يقرون‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهمْ َي ْكفُرُونَ بِالرّ ْ‬
‫به ؛ لنهم كانوا يأنفون من وصف ال بالرحمن الرحيم ؛ ولهذا أنفوا يوم الحديبية أن يكتبوا "بسم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال الرحمن الرحيم" وقالوا ‪ :‬ما ندري ما الرحمن الرحيم‪ .‬قاله قتادة ‪ ،‬والحديث في صحيح‬
‫سمَاءُ‬
‫حمَنَ أَيّا مَا َتدْعُوا فَلَهُ ال ْ‬
‫البخاري (‪ )1‬وقد قال ال تعالى ‪ُ { :‬قلِ ادْعُوا اللّهَ َأوِ ادْعُوا الرّ ْ‬
‫حسْنَى } [السراء ‪ ]110 :‬وفي صحيح مسلم عن عبد ال بن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫الْ ُ‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬إن أحب السماء إلى ال عبد ال وعبد الرحمن (‪.)3( )2‬‬
‫{ ُقلْ ُهوَ رَبّي ل إِلَهَ إِل ُهوَ } أي ‪ :‬هذا الذي تكفرون به أنا مؤمن به ‪ ،‬معترف مقر له بالربوبية‬
‫واللهية ‪ ،‬هو ربي ل إله إل هو ‪ { ،‬عَلَ ْيهِ َت َوكّ ْلتُ } أي ‪ :‬في جميع أموري ‪ { ،‬وَإِلَيْهِ مَتَابِ } أي ‪:‬‬
‫إليه أرجع وأنيب ‪ ،‬فإنه ل يستحق ذلك أحد (‪ )4‬سواه‪.‬‬
‫جمِيعًا َأفَلَمْ‬
‫ط َعتْ بِهِ ال ْرضُ َأوْ كُلّمَ ِبهِ ا ْل َموْتَى َبلْ لِلّ ِه المْرُ َ‬
‫{ وََلوْ أَنّ قُرْآنًا سُيّ َرتْ بِهِ ا ْلجِبَالُ َأوْ قُ ّ‬
‫جمِيعًا وَل يَزَالُ الّذِينَ َكفَرُوا ُتصِي ُبهُمْ ِبمَا صَ َنعُوا‬
‫يَيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا أَنْ َلوْ يَشَاءُ اللّهُ َلهَدَى النّاسَ َ‬
‫ي وَعْدُ اللّهِ إِنّ اللّهَ ل يُخِْلفُ ا ْلمِيعَادَ (‪} )31‬‬
‫حلّ قَرِيبًا مِنْ دَارِ ِهمْ حَتّى يَأْ ِت َ‬
‫قَارِعَةٌ َأوْ َت ُ‬
‫يقول تعالى مادحا للقرآن الذي أنزله على محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ومفضل له على سائر‬
‫الكتب المنزلة قبله ‪ { :‬وََلوْ أَنّ قُرْآنًا سُيّ َرتْ بِهِ ا ْلجِبَالُ } أي ‪ :‬لو كان في الكتب الماضية كتاب‬
‫تسير به الجبال عن أماكنها ‪ ،‬أو تقطع به الرض وتنشق (‪ )5‬أو تكلم (‪ )6‬به الموتى في‬
‫قبورها ‪ ،‬لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره ‪ ،‬أو بطريق الولى أن يكون كذلك ؛ لما‬
‫فيه من العجاز الذي ل يستطيع النس والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله ‪ ،‬ول‬
‫بسورة من مثله ‪ ،‬ومع هذا فهؤلء المشركون كافرون به ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )2732 ، 2731‬عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة في قصة‬
‫غزوة الحديبية‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ زيادة ‪ :‬و"عبد الرحيم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)2132‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أحد ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وتشقق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وتشقق وتكلم"‪.‬‬

‫( ‪)4/460‬‬

‫جمِيعًا } (‪ )1‬أي ‪ :‬مرجع المور كلها إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ما شاء‬
‫جاحدون له ‪َ { ،‬بلْ لِلّ ِه المْرُ َ‬
‫ال كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬ومن يهد (‪ )2‬ال فل مضل له‪.‬‬
‫وقد يطلق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة ؛ لنه مشتق من الجميع ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام بن منبه قال ‪ :‬هذا ما حدثنا أبو هريرة قال ‪ :‬قال‬
‫خفّفَت (‪ )3‬على داود القراءة ‪ ،‬فكان يأمر بدابته أن تسرج ‪،‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ُ " :‬‬
‫فكان يقرأ القرآن من قبل أن تُسرج دابته ‪ ،‬وكان ل يأكل إل من عمل يديه"‪ .‬انفرد بإخراجه‬
‫البخاري‪)4( .‬‬
‫والمراد بالقرآن هنا الزبور‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أفََلمْ يَيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا } أي ‪ :‬من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو يتبينوا (‪ { )5‬أَنْ َلوْ‬
‫جمِيعًا } فإنه ليس ثم (‪ )6‬حجة ول معجزة أبلغ ول أنجع في النفوس‬
‫يَشَاءُ اللّهُ َل َهدَى النّاسَ َ‬
‫والعقول من هذا القرآن ‪ ،‬الذي لو أنزله ال على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية ال‪ .‬وثبت‬
‫في الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما من نبي إل وقد أوتي ما آمن على مثله‬
‫البشر ‪ ،‬وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه ال إلي ‪ ،‬فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" (‬
‫‪ )7‬معناه ‪ :‬أن معجزة كل نبي انقرضت بموته ‪ ،‬وهذا القرآن حجة باقية على الباد ‪ ،‬ل تنقضي‬
‫عجائبه ‪ ،‬ول َيخْلَقُ عن كثرة الردّ ‪ ،‬ول يشبع منه العلماء ‪ ،‬هو الفصل ليس بالهزل‪ .‬من تركه‬
‫من جبار قصمه ال ‪ ،‬ومن ابتغى الهدى من غيره أضله ال‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا منجاب بن الحارث ‪ ،‬أنبأنا بشر بن عمارة ‪ ،‬حدثنا‬
‫عمر بن حسان ‪ ،‬عن عطية العوفي قال ‪ :‬قلت له ‪ { :‬وََلوْ أَنّ قُرْآنًا سُيّ َرتْ بِهِ الْجِبَالُ } الية ‪،‬‬
‫قالوا لمحمد صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ‪ ،‬أو قطعت لنا‬
‫(‪ )8‬الرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح ‪ ،‬أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي‬
‫الموتى لقومه فأنزل ال هذه الية‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬هل تروون هذا الحديث عن أحد من أصحاب‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪)9( .‬‬
‫وكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬وغير واحد في سبب نزول هذه الية‬
‫‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم ‪ ،‬فُعل بقرآنكم‪.‬‬
‫جمِيعًا } قال ابن عباس ‪[ :‬أي] (‪ )10‬ل يصنع من ذلك إل ما يشاء ‪ ،‬ولم‬
‫وقوله ‪َ { :‬بلْ لِلّ ِه المْرُ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فلله" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يهده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬خفف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/314‬وصحيح البخاري برقم (‪.)3417‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ويعلموا ويتيقنوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ثمت"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )4981‬وصحيح مسلم برقم (‪ )152‬من حديث أبي هريرة رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بنا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬ورواه ابن مردويه في تفسيرة كما في تخريج الكشاف (‪ )2/191‬من طريق بشر بن عمارة‬
‫به ‪ ،‬وإسناده ضعيف جدا‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/461‬‬

‫عقَابِ (‪)32‬‬
‫سلٍ مِنْ قَبِْلكَ فََأمْلَ ْيتُ لِلّذِينَ َكفَرُوا ثُمّ َأخَذْ ُتهُمْ َفكَيْفَ كَانَ ِ‬
‫وَلَقَدِ اسْ ُتهْ ِزئَ بِرُ ُ‬

‫يكن ليفعل ‪ ،‬رواه ابن إسحاق بسنده عنه ‪ ،‬وقاله ابن جرير أيضًا‪.‬‬
‫وقال غير واحد من السلف في قوله ‪َ { :‬أفَلَمْ يَيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا } أفلم يعلم الذين آمنوا‪ .‬وقرأ (‪)1‬‬
‫آخرون ‪" :‬أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء ال لهدى الناس جميعا"‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬قد يئس (‪ )2‬الذين آمنوا أن يهدوا ‪ ،‬ولو يشاء ال لهدى الناس جميعا‪.‬‬
‫حلّ قَرِيبًا مِنْ دَا ِرهِمْ } أي ‪ :‬بسبب‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يَزَالُ الّذِينَ َكفَرُوا ُتصِي ُبهُمْ ِبمَا صَ َنعُوا قَارِعَةٌ َأوْ تَ ُ‬
‫تكذيبهم ‪ ،‬ل تزال القوارع تصيبهم في الدنيا ‪ ،‬أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا ‪ ،‬كما قال‬
‫جعُونَ } [الحقاف ‪ ]27 :‬وقال‬
‫حوَْلكُمْ مِنَ ا ْلقُرَى َوصَرّفْنَا اليَاتِ َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ أَهَْلكْنَا مَا َ‬
‫{ َأفَل يَ َروْنَ أَنّا نَأْتِي ال ْرضَ نَ ْن ُقصُهَا مِنْ َأطْرَا ِفهَا َأ َفهُمُ ا ْلغَالِبُونَ } [النبياء ‪)3( .]44 :‬‬
‫حلّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ } أي ‪ :‬القارعة‪ .‬وهذا هو الظاهر من السياق‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪َ { :‬أوْ تَ ُ‬
‫قال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا المسعودي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس في‬
‫حلّ قَرِيبًا‬
‫قوله ‪ { :‬وَل يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا ُتصِي ُبهُمْ ِبمَا صَ َنعُوا قَارِعَةٌ } (‪ )4‬قال ‪ :‬سرية ‪َ { ،‬أوْ َت ُ‬
‫ي وَعْدُ اللّهِ } قال ‪ :‬فتح مكة‪)5( .‬‬
‫مِنْ دَارِ ِهمْ } قال ‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم ‪ { ،‬حَتّى يَأْ ِت َ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬في رواية‪.‬‬
‫وهكذا قال ِ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ُ { :‬تصِي ُبهُمْ ِبمَا صَ َنعُوا قَارِعَةٌ } (‪ )6‬قال ‪ :‬عذاب من السماء ينزل‬
‫حلّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ } (‪ )7‬يعني ‪ :‬نزول رسول ال صلى ال عليه وسلم بهم وقتاله‬
‫عليهم { َأوْ تَ ُ‬
‫إياهم‪.‬‬
‫عكْرِمة في رواية عنه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬قَارِعَةٌ } أي ‪ :‬نكبة‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وقال ِ‬
‫ي وَعْدُ اللّهِ } يعني ‪ :‬فتح مكة‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫وكلهم قال ‪ { :‬حَتّى يَأْ ِت َ‬
‫خِلفُ ا ْلمِيعَادَ } أي ‪ :‬ل ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولتباعهم في الدنيا‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ل يُ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ف وَعْ ِدهِ ُرسُلَهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْ ِتقَامٍ } [إبراهيم ‪.]47 :‬‬
‫والخرة ‪ { ،‬فَل َتحْسَبَنّ اللّهَ مُخِْل َ‬
‫عقَابِ (‪} )32‬‬
‫خذْ ُتهُمْ َفكَ ْيفَ كَانَ ِ‬
‫سلٍ مِنْ قَبِْلكَ فََأمْلَ ْيتُ لِلّذِينَ َكفَرُوا ُثمّ أَ َ‬
‫{ وََلقَدِ اسْ ُتهْ ِزئَ بِ ُر ُ‬
‫يقول تعالى مسليا لرسوله صلى ال عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه ‪ { :‬وََلقَدِ اسْ ُتهْ ِزئَ‬
‫سلٍ مِنْ قَبِْلكَ } أي ‪ :‬فلك فيهم أسوة ‪ { ،‬فََأمْلَ ْيتُ لِلّذِينَ َكفَرُوا } أي ‪ :‬أنظرتهم وأجلتهم ‪ { ،‬ثُمّ‬
‫بِرُ ُ‬
‫خذْ ُتهُمْ } أخذةً رابية ‪ ،‬فكيف بلغك ما صنعت بهم وعاقبتهم ؟ كما قال تعالى ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْ َيةٍ‬
‫أَ َ‬
‫خذْ ُتهَا وَإَِليّ ا ْل َمصِيرُ } [الحج ‪]48 :‬‬
‫َأمْلَ ْيتُ َلهَا وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ ُثمّ أَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وقرأها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أيس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أفلم يروا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يصيبهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ومن طريق الطيالسي رواه الطبري في تفسيره (‪.)16/456‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬يصيبهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أو يحل"‪.‬‬

‫( ‪)4/462‬‬

‫سمّوهُمْ َأمْ تُنَبّئُونَهُ ِبمَا لَا َيعَْلمُ فِي‬


‫جعَلُوا لِلّهِ شُ َركَاءَ ُقلْ َ‬
‫َأ َفمَنْ ُهوَ قَائِمٌ عَلَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ وَ َ‬
‫ل َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا‬
‫الْأَ ْرضِ أَمْ ِبظَاهِرٍ مِنَ ا ْلقَ ْولِ َبلْ زُيّنَ لِلّذِينَ َكفَرُوا َمكْرُهُ ْم َوصُدّوا عَنِ السّبِي ِ‬
‫لَهُ مِنْ هَادٍ (‪)33‬‬

‫وفي الصحيحين ‪" :‬إن ال ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ‪ ،‬ثم قرأ رسول ال صلى ال عليه‬
‫خ َذهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود ‪)1( .]102 :‬‬
‫وسلم ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َأخْذُ رَ ّبكَ ِإذَا َأخَذَ ا ْلقُرَى وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ إِنّ أَ ْ‬
‫سمّوهُمْ أَمْ تُنَبّئُونَهُ ِبمَا ل َيعْلَمُ فِي‬
‫جعَلُوا لِلّهِ شُ َركَاءَ ُقلْ َ‬
‫ت وَ َ‬
‫{ َأ َفمَنْ ُهوَ قَا ِئمٌ عَلَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َب ْ‬
‫ل َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا‬
‫ال ْرضِ َأمْ بِظَاهِرٍ مِنَ ا ْل َقوْلِ َبلْ زُيّنَ لِلّذِينَ َكفَرُوا َمكْرُهُمْ وَصُدّوا عَنِ السّبِي ِ‬
‫لَهُ مِنْ هَادٍ (‪} )33‬‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬أ َفمَنْ ُهوَ قَائِمٌ عَلَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ } أي ‪ :‬حفيظ عليم رقيب على كل نفس‬
‫منفوسة ‪ ،‬يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر ‪ ،‬ول يخفى عليه خافية ‪َ { ،‬ومَا َتكُونُ فِي شَأْنٍ‬
‫شهُودًا إِذْ ُتفِيضُونَ فِيهِ } [يونس ‪]61 :‬‬
‫ع َملٍ إِل كُنّا عَلَ ْيكُمْ ُ‬
‫ن وَل َت ْعمَلُونَ مِنْ َ‬
‫َومَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآ ٍ‬
‫سقُطُ مِنْ وَ َرقَةٍ إِل َيعَْل ُمهَا } [النعام ‪ ]59 :‬وقال { َومَا مِنْ دَابّةٍ فِي ال ْرضِ‬
‫وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا تَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سوَاءٌ مِ ْنكُمْ‬
‫عهَا ُكلّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [هود ‪ ]6 :‬وقال { َ‬
‫إِل عَلَى اللّهِ رِ ْز ُقهَا وَ َيعْلَمُ مُسْ َتقَرّهَا َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫ل وَسَا ِربٌ بِال ّنهَارِ } [الرعد ‪ ]10 :‬وقال { َيعْلَمُ‬
‫خفٍ بِاللّ ْي ِ‬
‫جهَرَ بِ ِه َومَنْ ُهوَ مُسْ َت ْ‬
‫مَنْ أَسَرّ ا ْل َق ْولَ َومَنْ َ‬
‫خفَى } [طه ‪ ]7 :‬وقال { وَ ُهوَ َم َعكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُ ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ } [الحديد[‪ ]4‬أفمن‬
‫السّ ّر وََأ ْ‬
‫هو هكذا كالصنام التي يعبدونها (‪ )2‬ل تسمع ول تبصر ول تعقل ‪ ،‬ول تملك نفعا لنفسها ول‬
‫لعابديها ‪ ،‬ول كشف ضر عنها ول عن عابديها ؟ وحذف هذا الجواب اكتفاء بدللة السياق عليه ‪،‬‬
‫جعَلُوا لِلّهِ شُ َركَاءَ } أي ‪ :‬عبدوها معه ‪ ،‬من أصنام وأنداد وأوثان‪.‬‬
‫وهو قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫سمّو ُهمْ } أي ‪ :‬أعلمونا بهم ‪ ،‬واكشفوا عنهم حتى يُعرَفوا ‪ ،‬فإنهم ل حقيقة لهم ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ ُقلْ َ‬
‫{ َأمْ تُنَبّئُونَهُ ِبمَا ل َيعْلَمُ فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬ل وجود له ؛ لنه لو كان له (‪ )3‬وجود في الرض‬
‫لعلمها ؛ لنه ل تخفى عليه خافية‪.‬‬
‫{ َأمْ بِظَاهِرٍ مِنَ ا ْل َقوْلِ } قال مجاهد ‪ :‬بظن من القول‪.‬‬
‫وقال الضحاك وقتادة ‪ :‬بباطل من القول‪.‬‬
‫سمَاءٌ‬
‫أي إنما عبدتم هذه الصنام بظن منكم أنها تنفع وتضر ‪ ،‬وسميتموها آلهة ‪ { ،‬إِنْ ِهيَ إِل أَ ْ‬
‫ن َومَا َت ْهوَى ال ْنفُسُ وَلَقَدْ‬
‫سمّيْ ُتمُوهَا أَنْتُ ْم وَآبَا ُؤكُمْ مَا أَنزلَ اللّهُ ِبهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتّ ِبعُونَ إِل الظّ ّ‬
‫َ‬
‫جَاءَهُمْ مِنْ رَ ّب ِهمُ ا ْلهُدَى } [النجم ‪.]23 :‬‬
‫{ َبلْ زُيّنَ لِلّذِينَ َكفَرُوا َمكْرُ ُهمْ } قال مجاهد ‪ :‬قولهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ما هم عليه من الضلل والدعوة إليه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4686‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2583‬من حديث أبي موسى ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عبدوها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لها"‪.‬‬

‫( ‪)4/463‬‬

‫ن وَاقٍ (‪)34‬‬
‫ق َومَا َلهُمْ مِنَ اللّهِ مِ ْ‬
‫عذَابٌ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وََلعَذَابُ الْآَخِ َرةِ َأشَ ّ‬
‫َلهُمْ َ‬

‫آناء الليل وأطراف النهار ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَ ّيضْنَا َلهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيّنُوا َل ُهمْ مَا بَيْنَ أَيْدِي ِه ْم َومَا‬
‫ن وَالنْسِ إِ ّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } [فصلت‬
‫حقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقَ ْولُ فِي ُأ َممٍ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلجِ ّ‬
‫خَ ْل َفهُ ْم وَ َ‬
‫‪.]25 :‬‬
‫"وصَدّوا عن السّبِيل" ‪ :‬من قرأها بفتح الصاد ‪ ،‬معناه ‪ :‬أنهم لما زين لهم ما فيه وأنه حق ‪ ،‬دَعَوا‬
‫إليه وصَدّوا الناس عن اتباع طريق الرسل‪ .‬ومن قرأها { َوصُدّوا } (‪ )1‬أي ‪ :‬بما زين لهم من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صحة ما هم عليه ‪ ،‬صدوا به عن سبيل ال ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } َكمَا‬
‫قَالَ { َومَنْ يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ َتمِْلكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا } [المائدة ‪ ]41 :‬وقال { إِنْ َتحْ ِرصْ عَلَى‬
‫ل َومَا َل ُهمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [النحل ‪.]37 :‬‬
‫ضّ‬‫هُدَاهُمْ فَإِنّ اللّهَ ل َيهْدِي مَنْ ُي ِ‬
‫ن وَاقٍ (‪} )34‬‬
‫{ َل ُهمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وََلعَذَابُ الخِ َرةِ أَشَقّ َومَا َل ُهمْ مِنَ اللّهِ مِ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فصدوا عن السبيل"‪.‬‬

‫( ‪)4/464‬‬

‫عقْبَى الّذِينَ ا ّتقَوْا‬


‫ظّلهَا تِ ْلكَ ُ‬
‫عدَ ا ْلمُ ّتقُونَ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ ُأكُُلهَا دَائِ ٌم وَ ِ‬
‫مَ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي وُ ِ‬
‫وَعُقْبَى ا ْلكَافِرِينَ النّارُ (‪)35‬‬

‫عقْبَى الّذِينَ ا ّتقَوْا‬


‫{ مَ َثلُ ا ْلجَنّةِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُ ّتقُونَ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ ُأكُُلهَا دَائِ ٌم َوظِّلهَا تِ ْلكَ ُ‬
‫وَعُقْبَى ا ْلكَافِرِينَ النّارُ (‪} )35‬‬
‫ذكر تعالى عقاب الكفار وثواب البرار ‪ :‬فقال بعد ‪ ،‬إخباره عن حال (‪ )1‬المشركين وما هم عليه‬
‫من الكفر والشرك ‪َ { :‬ل ُهمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا } أي ‪ :‬بأيدي المؤمنين قتل وأسرا ‪ { ،‬وََلعَذَابُ‬
‫الخِ َرةِ } أي ‪ :‬الم ّدخَر [لهم] (‪ )2‬مع هذا الخزي في الدنيا ‪ " ،‬أشق " أي ‪ :‬من هذا بكثير ‪ ،‬كما‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم للمتلعنين ‪" :‬إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة" (‪)3‬‬
‫وهو كما قال ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬فإن عذاب الدنيا له انقضاء ‪ ،‬وذاك دائم أبدا في نار‬
‫هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفا ‪ ،‬ووثاق ل يتصور كثافته وشدته ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَ َي ْومَئِذٍ‬
‫عةِ‬
‫حدٌ } [الفجر ‪ ]26 ، 25 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬بلْ كَذّبُوا بِالسّا َ‬
‫ق وَثَاقَهُ أَ َ‬
‫ح ٌد وَل يُوثِ ُ‬
‫ل ُي َع ّذبُ عَذَابَهُ أَ َ‬
‫س ِمعُوا َلهَا َتغَيّظًا وَ َزفِيرًا وَِإذَا أُ ْلقُوا مِ ْنهَا‬
‫سعِيرًا إِذَا رَأَ ْت ُهمْ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ َ‬
‫وَأَعْتَدْنَا ِلمَنْ كَ ّذبَ بِالسّاعَةِ َ‬
‫عوْا هُنَاِلكَ ثُبُورًا ل تَدْعُوا الْ َيوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ُقلْ َأذَِلكَ‬
‫َمكَانًا ضَيّقًا ُمقَرّنِينَ دَ َ‬
‫خَيْرٌ َأمْ جَنّةُ ا ْلخُلْدِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُ ّتقُونَ كَا َنتْ َلهُمْ جَزَا ًء َو َمصِيرًا } [الفرقان ‪.]15 - 11 :‬‬
‫ولهذا قرن هذا بهذا ؛ فقال ‪ { :‬مَ َثلُ ا ْلجَنّةِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُتّقُونَ } أي ‪ :‬صفتها ونعتها ‪ { ،‬تَجْرِي مِنْ‬
‫تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ } أي ‪ :‬سارحة في أرجائها وجوانبها ‪ ،‬وحيث شاء أهلها ‪ ،‬يفجرونها تفجيرًا ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫عدَ ا ْلمُ ّتقُونَ فِيهَا أَ ْنهَارٌ‬
‫يصرفونها كيف شاءوا وأين شاءوا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬مَ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي وُ ِ‬
‫سلٍ‬
‫ن وَأَ ْنهَارٌ مِنْ عَ َ‬
‫خمْرٍ لَ ّذةٍ لِلشّارِبِي َ‬
‫ط ْعمُ ُه وَأَ ْنهَارٌ مِنْ َ‬
‫ن وَأَ ْنهَارٌ مِنْ لَبَنٍ َلمْ يَ َتغَيّرْ َ‬
‫مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِ ٍ‬
‫حمِيمًا‬
‫سقُوا مَاءً َ‬
‫ت َو َم ْغفِرَةٌ مِنْ رَ ّبهِمْ َكمَنْ ُهوَ خَالِدٌ فِي النّارِ وَ ُ‬
‫ُمصَفّى وََلهُمْ فِيهَا مِنْ ُكلّ ال ّثمَرَا ِ‬
‫َفقَطّعَ َأ ْمعَاءَ ُهمْ } [محمد ‪.]15 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أحوال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )1493‬من حديث ابن عمر رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)4/464‬‬

‫ظّلهَا } أي ‪ :‬فيها المطاعم (‪ )1‬والفواكه والمشارب ‪ ،‬ل انقطاع [لها] (‪)2‬‬


‫وقوله ‪ُ { :‬أكُُلهَا دَائِ ٌم وَ ِ‬
‫ول فناء‪.‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ ،‬من حديث ابن عباس في صلة الكسوف ‪ ،‬وفيه قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬رأيناك‬
‫تناولت شيئا في مقامك هذا ‪ ،‬ثم رأيناك تَكعْكعت فقال ‪" :‬إني رأيت الجنة ‪ -‬أو ‪ :‬أريت الجنة ‪-‬‬
‫فتناولت منها عنقودا ‪ ،‬ولو أخذته لكلتم منه ما بقيت الدنيا"‪)3( .‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا أبو خَيْ َثمَةَ ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن جعفر ‪ ،‬حدثنا عبيد ال ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫عَقيل ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬بينما نحن في صلة الظهر ‪ ،‬إذ تقدم رسولُ ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فتقدمنا ‪ ،‬ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر‪ .‬فلما قضى الصلة قال له أبي بن كعب ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫صنعت اليوم في الصلة شيئا ما رأيناك كنت تصنعه‪ .‬فقال ‪" :‬إني عرضت علي الجنة وما فيها‬
‫طفًا من عنب لتيكم به ‪ ،‬فحيل بيني وبينه ‪ ،‬ولو أتيتكم به‬
‫من الزهرة والنضرة ‪ ،‬فتناولت منها ِق ْ‬
‫لكل منه من بين السماء والرض ل يَ ْنقُصونَه"‪)4( .‬‬
‫وروى مسلم من حديث أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬شاهدا لبعضه‪)5( .‬‬
‫وعن عتبة بن عبد السلمي ‪ :‬أن أعرابيا سأل النبي صلى ال عليه وسلم عن الجنة ‪ ،‬فقال ‪ :‬فيها‬
‫عظَم العنقود ؟ قال ‪" :‬مسيرة شهر للغراب البقع (‪ )6‬ول يفتر"‪.‬‬
‫عنب ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬فما ِ‬
‫رواه أحمد‪)7( .‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا معاذ بن المثنى ‪ ،‬حدثنا علي بن المديني ‪ ،‬حدثنا ريحان بن سعيد ‪ ،‬عن‬
‫عبادة بن منصور ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن أبي قِلبة ‪ ،‬عن أبي أسماء ‪ ،‬عن َثوْبان قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى"‪)8( .‬‬
‫وعن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يأكل أهل الجنة ويشربون ‪،‬‬
‫ول يمتخطون ول يتغوّطون ول يبولون ‪ ،‬طعامهم (‪ )9‬جُشَاء كريح المسك ‪ ،‬ويلهمون التسبيح‬
‫والتقديس (‪ )10‬كما يلهمون النفس"‪ .‬رواه مسلم‪)11( .‬‬
‫وروى المام أحمد والنسائي ‪ ،‬من حديث العمش ‪ ،‬عن ثمامة (‪ )12‬بن عقبة (‪ )13‬سمعت زيد‬
‫بن أرقم قال ‪ :‬جاء رجل من أهل الكتاب فقال ‪ :‬يا أبا القاسم ‪ ،‬تزعم أن أهل الجنة يأكلون‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ويشربون ؟ قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الطعام"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )748‬وصحيح مسلم برقم (‪.)907‬‬
‫(‪ )4‬ورواه أحمد في المسند (‪ )3/352‬من طريق عبيد ال وحسين بن محمد ‪ ،‬عن عبيد ال به‬
‫نحوه‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)904‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ل يقع"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)4/184‬‬
‫(‪ )8‬المعجم الكبير (‪ )2/102‬وعباد بن منصور متكلم فيه‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬طعامهم ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬التسبيح والتكبير"‪.‬‬
‫(‪ )11‬صحيح مسلم برقم (‪.)2835‬‬
‫(‪ )12‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تمام" والتصويب من المسند‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬عقبة بن منبه"‪.‬‬

‫( ‪)4/465‬‬

‫نعم ‪ ،‬والذي نفس محمد بيده ‪[ ،‬إن الرجل من أهل الجنة] (‪ )1‬ليعطى قوة مائة رجل في الكل‬
‫والشرب والجماع والشهوة"‪ .‬قال ‪ :‬فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ‪ ،‬وليس في الجنة أذى‬
‫؟ قال ‪" :‬حاجة أحدهم رشح يفيض من جلودهم ‪ ،‬كريح المسك ‪ ،‬فيضمر بطنه"‪)2( .‬‬
‫وقال الحسن بن عرفة ‪ :‬حدثنا خلف بن خليفة ‪ ،‬عن حميد العرج ‪ ،‬عن عبد ال بن الحارث ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنك‬
‫لتنظر إلى الطير في الجنة ‪ ،‬فيخر بين يديك مشويا (‪.)4( )3‬‬
‫وجاء في بعض الحاديث ‪ :‬أنه إذا فُرغ منه عاد طائرًا كما كان بإذن ال تعالى‪.‬‬
‫وقد قال تعالى ‪َ { :‬وفَا ِكهَةٍ كَثِي َرةٍ ل َمقْطُوعَ ٍة وَل َممْنُوعَةٍ } [الواقعة ‪ ]33 ، 32 :‬وقال { وَدَانِ َيةً‬
‫عَلَ ْيهِمْ ظِلُلهَا وَذُلَّلتْ قُطُو ُفهَا تَذْلِيل } [النسان ‪.]14 :‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ سَ ُندْخُِلهُمْ‬
‫وكذلك ظلها ل يزول ول يقلص ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫طهّ َر ٌة وَنُ ْدخُِلهُمْ ظِل ظَلِيل }‬
‫جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدًا َلهُمْ فِيهَا أَ ْزوَاجٌ مُ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫[النساء ‪.]57 :‬‬
‫وقد تقدم في الصحيحين من غير وجه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن في الجنة‬
‫شجرة ‪ ،‬يسير الراكب المجد الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام ل يقطعها" ‪ ،‬ثم قرأ ‪:‬‬
‫ظلّ َممْدُودٍ } [الواقعة ‪.]30 :‬‬
‫{ وَ ِ‬
‫وكثيرا ما يقرن ال تعالى بين صفة الجنة وصفة النار ‪ ،‬ليرغب في الجنة ويحذّر من النار ؛‬
‫عقْبَى ا ْلكَافِرِينَ النّارُ }‬
‫عقْبَى الّذِينَ ا ّتقَوْا وَ ُ‬
‫ولهذا لما ذكر صفة الجنة بما ذكر ‪ ،‬قال بعده ‪ { :‬تِ ْلكَ ُ‬
‫صحَابُ النّا ِر وََأصْحَابُ الْجَنّةِ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ ُهمُ ا ْلفَائِزُونَ } [الحشر‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬ل َيسْ َتوِي َأ ْ‬
‫‪.]20 :‬‬
‫وقال بلل بن سعد خطيب دمشق في بعض خطبه ‪ :‬عباد ال (‪ )5‬هل جاءكم مخبر يخبركم أن‬
‫شيئا من عبادتكم (‪ )6‬تقبلت منكم ‪ ،‬أو أن شيئا من خطاياكم غفرت لكم ؟ { َأفَحَسِبْ ُتمْ أَ ّنمَا خََلقْنَاكُمْ‬
‫جعُونَ } [المؤمنون ‪ )7( ]115 :‬وال لو عُجّل لكم الثواب في الدنيا لستقللتم‬
‫عَبَثًا وَأَ ّنكُمْ إِلَيْنَا ل تُ ْر َ‬
‫كلكم ما افترض عليكم ‪ ،‬أو ترغبون (‪ )8‬في طاعة ال لتعجيل دنياكم ‪ ،‬ول تنافسون في جنة‬
‫عقْبَى ا ْلكَافِرِينَ النّارُ } رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫عقْبَى الّذِينَ ا ّتقَوْا وَ ُ‬
‫{ ُأكُُلهَا دَائِ ٌم َوظِّلهَا تِ ْلكَ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)4/367‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬مستويا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬جزء الحسن بن عرفة برقم (‪ )22‬وحميد العرج ضعيف وأورد الذهبي هذا الحديث في‬
‫الميزان (‪ )1/614‬من جملة مناكيره‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الرحمن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أعمالكم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أم حسبتم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أترغبون"‪.‬‬

‫( ‪)4/466‬‬

‫ك َومِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُ ْنكِرُ َب ْعضَهُ ُقلْ إِ ّنمَا ُأمِ ْرتُ أَنْ‬
‫وَالّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ ا ْلكِتَابَ َيفْرَحُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْي َ‬
‫ح ْكمًا عَرَبِيّا وَلَئِنِ اتّ َب ْعتَ َأ ْهوَاءَهُمْ‬
‫أَعْبُدَ اللّ َه وَلَا أُشْ ِركَ ِبهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مََآبِ (‪َ )36‬وكَذَِلكَ أَنْزَلْنَاهُ ُ‬
‫ي وَلَا وَاقٍ (‪)37‬‬
‫ن وَِل ّ‬
‫َبعْ َدمَا جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ مَا َلكَ مِنَ اللّهِ مِ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك َومِنَ الحْزَابِ مَنْ يُ ْنكِرُ َب ْعضَهُ ُقلْ إِ ّنمَا ُأمِ ْرتُ أَنْ‬
‫{ وَالّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ َيفْرَحُونَ ِبمَا أُنزلَ إِلَ ْي َ‬
‫ح ْكمًا عَرَبِيّا وَلَئِنِ اتّ َب ْعتَ أَ ْهوَاءَ ُهمْ‬
‫أَعْبُدَ اللّ َه وَل أُشْ ِركَ بِهِ إِلَيْهِ َأدْعُو وَإِلَ ْيهِ مَآبِ (‪َ )36‬وكَذَِلكَ أَنزلْنَاهُ ُ‬
‫ي وَل وَاقٍ (‪} )37‬‬
‫ن وَِل ّ‬
‫َبعْ َدمَا جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ مَا َلكَ مِنَ اللّهِ مِ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ } وهم قائمون بمقتضاه { َيفْرَحُونَ ِبمَا أُنزلَ إِلَ ْيكَ } أي ‪ :‬من‬
‫القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ‬
‫حقّ تِلوَتِهِ أُولَ ِئكَ ُي ْؤمِنُونَ ِب ِه َومَنْ َي ْكفُرْ بِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ } [البقرة ‪]121 :‬‬
‫ا ْلكِتَابَ يَتْلُونَهُ َ‬
‫وقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ آمِنُوا ِبهِ َأوْ ل ُت ْؤمِنُوا إِنّ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ مِنْ قَبِْلهِ إِذَا يُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ يَخِرّونَ‬
‫ن وَعْدُ رَبّنَا َل َم ْفعُول } [السراء ‪ ]108 ، 107 :‬أي ‪ :‬إن‬
‫لِل ْذقَانِ سُجّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِنْ كَا َ‬
‫كان ما وعدنا ال به في كتبنا من إرسال محمد صلى ال عليه وسلم لحقا وصدقا مفعول ل‬
‫ن وَيَزِيدُ ُهمْ‬
‫محالة ‪ ،‬وكائنا ‪ ،‬فسبحانه ما أصدق وعده ‪ ،‬فله الحمد وحده ‪ { ،‬وَيَخِرّونَ لِل ْذقَانِ يَ ْبكُو َ‬
‫خشُوعًا } [السراء ‪.]109 :‬‬
‫ُ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِنَ الحْزَابِ مَنْ يُ ْنكِرُ َب ْعضَهُ } أي ‪ :‬ومن الطوائف من يكذّب ببعض ما أنزل إليك‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪َ { :‬ومِنَ الحْزَابِ } اليهود والنصارى ‪ ،‬من ينكر بعضه ما جاءك من الحق‪ .‬وكذا‬
‫قال قتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫وهذا كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِنّ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ َلمَنْ ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ َومَا أُنزلَ إِلَ ْي ُك ْم َومَا أُنزلَ إِلَ ْي ِهمْ‬
‫شعِينَ لِلّهِ ل يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ َثمَنًا قَلِيل أُولَ ِئكَ َلهُمْ َأجْرُهُمْ عِنْدَ رَ ّبهِمْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ }‬
‫خَا ِ‬
‫[آل عمران ‪.]199 :‬‬
‫{ ُقلْ إِ ّنمَا ُأمِ ْرتُ أَنْ أَعْ ُبدَ اللّهَ وَل أُشْ ِركَ ِبهِ } أي ‪ :‬إنما بعثت بعبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬كما‬
‫أرسل النبياء من قبلي ‪ { ،‬إِلَيْهِ َأدْعُو } أي ‪ :‬إلى سبيله أدعو الناس ‪ { ،‬وَإِلَيْهِ مَآبِ } أي ‪:‬‬
‫مرجعي ومصيري‪.‬‬
‫ح ْكمًا عَرَبِيّا } أي ‪ :‬وكما أرسلنا قبلك المرسلين ‪ ،‬وأنزلنا عليهم الكتب‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَذَِلكَ أَنزلْنَاهُ ُ‬
‫من السماء ‪ ،‬كذلك أنزلنا عليك القرآن محكما معربا ‪ ،‬شرّفناك به وفضلناك على من سواك بهذا‬
‫حكِيمٍ‬
‫طلُ مِنْ بَيْنِ َيدَيْ ِه وَل مِنْ خَ ْلفِهِ تَنزيلٌ مِنْ َ‬
‫الكتاب المبين الواضح الجلي الذي { ل يَأْتِيهِ الْبَا ِ‬
‫حمِيدٍ } [فصلت ‪.]11 :‬‬
‫َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَئِنِ اتّ َب ْعتَ أَ ْهوَا َءهُمْ } أي ‪ :‬آراءهم ‪َ { ،‬بعْد مَا جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ } أي ‪ :‬من ال تعالى‬
‫ي وَل وَاقٍ } أي ‪ :‬من ال تعالى‪ .‬وهذا وعيد لهل العلم أن يتبعوا (‪)1‬‬
‫ن وَِل ّ‬
‫{ مَا َلكَ مِنَ اللّهِ مِ ْ‬
‫سبل أهل الضللة بعدما صاروا إليه من سلوك السنة النبوية والمحجة المحمدية ‪ ،‬على من جاء‬
‫بها أفضل الصلة والسلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يبتغوا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/467‬‬

‫جعَلْنَا َلهُمْ أَ ْزوَاجًا وَذُرّيّةً َومَا كَانَ لِ َرسُولٍ أَنْ يَأْ ِتيَ بِآَ َيةٍ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ‬
‫ك وَ َ‬
‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا ُرسُلًا مِنْ قَبِْل َ‬
‫جلٍ كِتَابٌ (‪َ )38‬ي ْمحُوا اللّهُ مَا َيشَا ُء وَيُثْ ِبتُ وَعِنْ َدهُ أُمّ ا ْلكِتَابِ (‪)39‬‬
‫ِل ُكلّ أَ َ‬

‫[والتحية والكرام]‪)1( .‬‬


‫جعَلْنَا َلهُمْ أَ ْزوَاجًا َوذُرّيّ ًة َومَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْ ِتيَ بِآيَةٍ إِل بِإِذْنِ اللّهِ‬
‫ك وَ َ‬
‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا رُسُل مِنْ قَبِْل َ‬
‫جلٍ كِتَابٌ (‪َ )38‬ي ْمحُوا اللّهُ مَا َيشَا ُء وَيُثْ ِبتُ وَعِنْ َدهُ أُمّ ا ْلكِتَابِ (‪} )39‬‬
‫ِل ُكلّ أَ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أرسلناك ‪ ،‬يا محمد ‪ ،‬رسول بشريا (‪ )2‬كذلك [قد] (‪ )3‬بعثنا المرسلين قبلك‬
‫بَشَرًا يأكلون الطعام ‪ ،‬ويمشون في السواق ويأتون الزوجات ‪ ،‬ويولد لهم ‪ ،‬وجعلنا لهم أزواجا‬
‫وذرية ‪ ،‬وقد قال [ال] (‪ )4‬تعالى لشرف الرسل وخاتمهم ‪ُ { :‬قلْ إِ ّنمَا أَنَا بَشَرٌ مِثُْلكُمْ يُوحَى إَِليّ }‬
‫[الكهف ‪.]110 :‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أما أنا فأصوم وأفطر ‪ ،‬وأقوم وأنام ‪،‬‬
‫وآكل الدسم (‪ )5‬وأتزوج النساء ‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني"‪)6( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬أنبأنا الحجاج بن أرطاة عن مكحول قال ‪ :‬قال أبو أيوب ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أربع من سنن المرسلين ‪ :‬التعطر ‪ ،‬والنكاح ‪ ،‬والسواك ‪،‬‬
‫والحناء" (‪.)7‬‬
‫وقد رواه أبو عيسى الترمذي ‪ ،‬عن سفيان بن َوكِيع عن حفص بن غِياث ‪ ،‬عن الحجاج ‪ ،‬عن‬
‫مكحول ‪ ،‬عن أبى الشمال (‪ )8‬عن أبي أيوب‪ ...‬فذكره ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وهذا أصح من الحديث الذي لم‬
‫يذكر فيه أبو الشمال (‪.)10( )9‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْ ِتيَ بِآيَةٍ إِل بِِإذْنِ اللّهِ } أي ‪ :‬لم يكن يأتي قومَه بخارق إل إذا ُأذِنَ‬
‫له فيه ‪ ،‬ليس ذلك إليه ‪ ،‬بل إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬يفعل ما يشاء ‪ ،‬ويحكم ما يريد‪.‬‬
‫جلٍ كِتَابٌ } أي ‪ :‬لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها ‪ ،‬وكل شيء عنده بمقدار ‪ { ،‬أَلَمْ‬
‫{ ِل ُكلّ َأ َ‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ إِنّ ذَِلكَ فِي كِتَابٍ إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ } [الحج ‪]70 :‬‬
‫َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا فِي ال ّ‬
‫(‪.)11‬‬
‫جلٍ كِتَابٌ } أي ‪ :‬لكل كتاب أجل يعني (‪)12‬‬
‫وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله ‪ِ { :‬ل ُكلّ َأ َ‬
‫لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند ال ومقدار معين ‪ ،‬فلهذا يمحو (‪ )13‬ما يشاء منها‬
‫ويثبت ‪ ،‬يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله ال على رسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ي ْمحُوا اللّهُ مَا َيشَا ُء وَيُثْ ِبتُ } اختلف المفسرون في ذلك ‪ ،‬فقال الثوري ‪ ،‬و َوكِيع ‪،‬‬
‫وهُشَيْم ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بشرا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬اللحم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )5063‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1401‬وليس فيهما ‪" :‬وآكل الدسم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)5/421‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬أبي السماك"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬أبو السماك"‪.‬‬
‫(‪ )10‬سنن الترمذي برقم (‪.)1080‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬السموات" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بمعنى"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬يمحى"‪.‬‬

‫( ‪)4/468‬‬

‫عن ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن المنهال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يدبر أمر السنة‬
‫‪ ،‬فيمحو ما يشاء ‪ ،‬إل الشقاء والسعادة ‪ ،‬والحياة والموت‪ .‬وفي رواية ‪َ { :‬ي ْمحُوا اللّهُ مَا َيشَاءُ‬
‫وَيُثْ ِبتُ } قال ‪ :‬كل شيء إل الحياة والموت ‪ ،‬والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪َ { :‬يمْحُوا اللّهُ مَا يَشَا ُء وَيُثْ ِبتُ } إل الحياة والموت ‪ ،‬والشقاء والسعادة ‪ ،‬فإنهما ل‬
‫يتغيران‪.‬‬
‫وقال منصور ‪ :‬سألت مجاهدا فقلت ‪ :‬أرأيت دعاء أحدنا يقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن كان اسمي في السعداء‬
‫فأثبته فيهم ‪ ،‬وإن كان في الشقياء فامحه عنهم واجعله في السعداء‪ .‬فقال ‪ :‬حسن‪ .‬ثم لقيته بعد‬
‫ذلك بحول أو أكثر ‪ ،‬فسألته عن ذلك ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إِنّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَا َركَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ فِيهَا‬
‫حكِيمٍ } [الدخان ‪ ]4 ، 3 :‬قال ‪ :‬يقضي في ليلة القدر ما يكون في السّنة من رزق‬
‫ُيفْرَقُ ُكلّ َأمْرٍ َ‬
‫أو مصيبة ‪ ،‬ثم يقدم ما (‪ )1‬يشاء ويؤخر ما (‪ )2‬يشاء ‪ ،‬فأما كتاب الشقاوة (‪ )3‬والسعادة فهو‬
‫ثابت ل يُغير (‪.)4‬‬
‫شقِيق بن سلمة ‪ :‬إنه كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي وائل َ‬
‫كنت كتبتنا أشقياء فامحه ‪ ،‬واكتبنا سعداء ‪ ،‬وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ‪ ،‬فإنك تمحو ما تشاء‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وتثبت وعندك أم الكتاب‪ .‬رواه ابن جرير (‪.)5‬‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ :‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن أبي‬
‫حكيمة (‪ )6‬عصمة ‪ ،‬عن أبي عثمان ال ّنهْدي ؛ أن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال وهو‬
‫يطوف بالبيت وهو يبكي ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبًا فامحه ‪ ،‬فإنك تمحو ما تشاء‬
‫وتثبت ‪ ،‬وعندك أم الكتاب ‪ ،‬فاجعله سعادة ومغفرة‪)7( .‬‬
‫وقال حماد عن خالد الحذّاء ‪ ،‬عن أبي قلبة عن ابن مسعود أنه كان يدعو بهذا الدعاء أيضا‪.‬‬
‫عكَيْم ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬بمثله‪.‬‬
‫ورواه شريك ‪ ،‬عن هلل بن حميد ‪ ،‬عن عبد ال بن ُ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا خصاف ‪ ،‬عن أبي حمزة ‪ ،‬عن إبراهيم ؛‬
‫أن كعبا قال لعمر بن الخطاب ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬لول آية في كتاب ال لنبأتك بما هو كائن إلى‬
‫يوم القيامة‪ .‬قال ‪ :‬وما هي ؟ قال ‪ :‬قول ال تعالى ‪َ { :‬يمْحُوا اللّهُ مَا يَشَا ُء وَيُثْ ِبتُ وَعِ ْن َدهُ أُمّ‬
‫ا ْلكِتَابِ } (‪.)8‬‬
‫ومعنى هذه القوال ‪ :‬أن القدار ينسخ ال ما يشاء منها ‪ ،‬ويثبت منها ما يشاء ‪ ،‬وقد يستأنس لهذا‬
‫القول (‪ )9‬بما رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬الشقاء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)16/480‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)16/481‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أبي حكيم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)16/481‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)16/484‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬القوال"‪.‬‬

‫( ‪)4/469‬‬

‫جعْد ‪،‬‬
‫حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬وهو الثوري ‪ ،‬عن عبد ال بن عيسى ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي ال َ‬
‫عن َثوْبَان قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب ُيصِيبه ‪،‬‬
‫ول يرد القَدَر إل الدعاء ‪ ،‬ول يزيد في العمر إل البر"‪.‬‬
‫ورواه النسائي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به (‪.)1‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر (‪ )2‬وفي الحديث الخر ‪" :‬إن الدعاء والقضاء‬
‫ليعتلجان (‪ )3‬بين السماء والرض" (‪.)4‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن سهل بن عسكر ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن‬
‫عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إن ل لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬من درة بيضاء لها‬
‫َدفّتَان من ياقوت ‪ -‬والدفتان ‪ :‬لوحان ‪ -‬ل ‪ ،‬عز وجل [كل يوم ثلثمائة] (‪ )5‬وستون لحظة ‪،‬‬
‫يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‪)6( .‬‬
‫وقال الليث بن سعد ‪ ،‬عن زياد بن محمد ‪ ،‬عن محمد بن كعب القُرظي ‪ ،‬عن ُفضَالة بن عُبَيد ‪،‬‬
‫عن أبي الدرداء قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪[" :‬إن ال] (‪ )7‬يفتح الذكر في ثلث‬
‫ساعات يبقين من الليل ‪ ،‬في الساعة الولى منها ينظر في الذكر الذي ل ينظر فيه أحد غيره ‪،‬‬
‫فيمحو ما يشاء ويثبت"‪ .‬وذكر تمام الحديث‪ .‬رواه ابن جرير‪)8( .‬‬
‫وقال الكلبي ‪َ { :‬يمْحُوا اللّهُ مَا يَشَا ُء وَيُثْ ِبتُ } قال ‪ :‬يمحو من الرزق ويزيد فيه ‪ ،‬ويمحو من‬
‫الجل ويزيد فيه‪ .‬فقيل له ‪ :‬من حدثك بهذا ؟ فقال ‪ :‬أبو صالح ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال بن رئاب ‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬ثم سئل بعد ذلك عن هذه الية فقال ‪ :‬يكتب القول كله ‪ ،‬حتى إذا‬
‫كان يوم الخميس ‪ ،‬طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ول عقاب ‪ ،‬مثل قولك ‪ :‬أكلت وشربت ‪،‬‬
‫دخلت وخرجت ونحوه من الكلم ‪ ،‬وهو صادق ‪ ،‬ويثبت ما كان فيه الثواب ‪ ،‬وعليه العقاب‪)9( .‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الكتاب كتابان ‪ :‬فكتاب يمحو ال منه ما يشاء ويثبت وعنده أم‬
‫وقال ِ‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫ت وَعِنْ َدهُ ُأمّ ا ْلكِتَابِ } يقول ‪:‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬يمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِ ُ‬
‫هو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )5/227‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)90‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪ )2557‬من حديث أنس ولفظه ‪" :‬من سره أن يبسط عليه رزقه ‪ ،‬أو ينسأ‬
‫في أثره ‪ ،‬فليصل رحمه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ليتعلجان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬لم أعثر عليه بهذا اللفظ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من تفسير الطبري ‪ ،‬ومكانه في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثلث"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)16/489‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)16/488‬‬
‫(‪ )9‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)16/484‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/470‬‬

‫الرجل يعمل الزمان بطاعة ال ‪ ،‬ثم يعود لمعصية ال فيموت على ضللة ‪ ،‬فهو الذي يمحو ‪-‬‬
‫والذي يثبت ‪ :‬الرجل يعمل بمعصية ال ‪ ،‬وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة ال ‪،‬‬
‫وهو الذي يثبت‪.‬‬
‫شيْءٍ‬
‫وروي عن سعيد بن جُبَير ‪ :‬أنها بمعنى ‪ { :‬فَ َي ْغفِرُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ مَنْ يَشَا ُء وَالُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫قَدِيرٌ } [البقرة ‪.]284 :‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬يمْحُوا اللّهُ مَا يَشَا ُء وَيُثْ ِبتُ } يقول ‪ :‬يبدل ما يشاء‬
‫فينسخه ‪ ،‬ويثبت ما يشاء فل يبدله ‪ { ،‬وَعِنْ َدهُ ُأمّ ا ْلكِتَابِ } يقول ‪ :‬وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ‪،‬‬
‫الناسخ ‪ ،‬والمنسوخ ‪ ،‬وما يبدل ‪ ،‬وما يثبت كل ذلك في كتاب‪.‬‬
‫سهَا نَ ْأتِ بِخَيْرٍ‬
‫وقال قتادة في قوله ‪َ { :‬يمْحُوا اللّهُ مَا يَشَا ُء وَيُثْ ِبتُ } كقوله { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ َأوْ نُ ْن ِ‬
‫مِ ْنهَا َأوْ مِثِْلهَا } [البقرة ‪]106 :‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪َ { :‬يمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } قال ‪ :‬قالت كفار قريش‬
‫حين أنزلت ‪َ { :‬ومَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْ ِتيَ بِآيَةٍ إِل بِإِذْنِ اللّهِ } ما نراك يا محمد تملك من شيء ‪،‬‬
‫ولقد فُرغ من المر‪ .‬فأنزلت هذه الية تخويفا ‪ ،‬ووعيدًا لهم ‪ :‬إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما‬
‫شئنا ‪ ،‬ونحدث في كل رمضان ‪ ،‬فنمحو ونثبت (‪ )1‬ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم ‪ ،‬وما‬
‫نعطيهم ‪ ،‬وما نقسم لهم‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪َ { :‬يمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ } قال ‪ :‬من جاء أجله ‪َ ،‬فذَهَب ‪ ،‬ويثبت الذي هو‬
‫حيّ يجري إلى أجله‪.‬‬
‫وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَعِنْ َدهُ ُأمّ ا ْلكِتَابِ } قال ‪ :‬الحلل والحرام‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أي جملة الكتاب وأصله‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ { :‬وَعِنْ َدهُ ُأمّ ا ْلكِتَابِ } قال ‪ :‬كتاب عند رب العالمين‪.‬‬
‫وقال سُنَيد بن داود ‪ ،‬حدثني معتمر ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن سَيّار ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أنه سأل كعبًا عن‬
‫"أم الكتاب" ‪ ،‬فقال ‪ :‬عَلِم ال ‪ ،‬ما هو خالق ‪ ،‬وما خَ ْلقُه عاملون ‪ ،‬ثم قال (‪ )2‬لعلمه ‪" :‬كن كتابا"‪.‬‬
‫فكانا (‪ )3‬كتابا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَعِنْ َدهُ أُمّ ا ْلكِتَابِ } قال ‪ :‬الذكر ‪[ ،‬وال أعلم]‪)4( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيمحو ويثبت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/471‬‬

‫علَ ْيكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (‪َ )40‬أوََلمْ يَ َروْا أَنّا‬


‫وَإِنْ مَا نُرِيَ ّنكَ َب ْعضَ الّذِي َنعِدُ ُهمْ َأوْ نَ َت َوفّيَ ّنكَ فَإِ ّنمَا َ‬
‫ح ْكمِ ِه وَ ُهوَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ (‪)41‬‬
‫ح ُكمُ لَا ُم َعقّبَ ِل ُ‬
‫صهَا مِنْ أَطْرَا ِفهَا وَاللّهُ يَ ْ‬
‫نَأْتِي الْأَ ْرضَ نَ ْنقُ ُ‬

‫غ وَعَلَيْنَا ا ْلحِسَابُ (‪َ )40‬أوَلَمْ يَ َروْا‬


‫{ وَإِنْ مَا نُرِيَ ّنكَ َب ْعضَ الّذِي َنعِدُهُمْ َأوْ نَ َت َوفّيَنّكَ فَإِ ّنمَا عَلَ ْيكَ الْبَل ُ‬
‫ح ْكمِ ِه وَ ُهوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (‪} )41‬‬
‫حكُ ُم ل ُم َع ّقبَ ِل ُ‬
‫صهَا مِنْ أَطْرَا ِفهَا وَاللّهُ يَ ْ‬
‫أَنّا نَأْتِي ال ْرضَ نَ ْن ُق ُ‬
‫يقول تعالى لرسوله ‪ { :‬وَإِنْ مَا نُرِيَ ّنكَ } يا محمد { َب ْعضَ الّذِي َنعِ ُدهُمْ } أي ‪ :‬نعد أعداءك من‬
‫الخزي (‪ )1‬والنكال في الدنيا ‪َ { ،‬أوْ نَ َت َوفّيَ ّنكَ } [أي] (‪ )2‬قبل ذلك ‪ { ،‬فَإِ ّنمَا عَلَ ْيكَ الْبَلغُ } أي ‪:‬‬
‫إنما أرسلناك لتبلغهم رسالة ال وقد بلغت (‪ )3‬ما أمرت به ‪ { ،‬وَعَلَيْنَا ا ْلحِسَابُ } أي ‪ :‬حسابهم‬
‫ستَ عَلَ ْي ِهمْ ِب ُمصَيْطِرٍ إِل مَنْ َتوَلّى َو َكفَرَ‬
‫وجزاؤهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ف َذكّرْ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ َذكّرٌ لَ ْ‬
‫فَ ُيعَذّبُهُ اللّهُ ا ْل َعذَابَ الكْبَرَ إِنّ ِإلَيْنَا إِيَا َبهُمْ ُثمّ إِنّ عَلَيْنَا حِسَا َبهُمْ } [الغاشية ‪.]26 - 21 :‬‬
‫صهَا مِنْ َأطْرَا ِفهَا } قال ابن عباس ‪ :‬أو لم يروا أنا نفتح‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّا نَأْتِي الرْضَ نَ ْن ُق ُ‬
‫لمحمد الرض بعد الرض ؟‬
‫وقال في رواية ‪ :‬أو لم يروا إلى القرية تخرب ‪ ،‬حتى يكون العمران في ناحية ؟‬
‫عكْرِمة ‪ { :‬نَ ْن ُقصُهَا مِنْ َأطْرَا ِفهَا } قال ‪ :‬خرابها‪.‬‬
‫وقال مجاهد و ِ‬
‫وقال الحسن والضحاك ‪ :‬هو ظهور المسلمين على المشركين‪.‬‬
‫وقال العوفي عن ابن عباس ‪ :‬نقصان أهلها وبركتها‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬نقصان النفس والثمرات وخراب الرض‪.‬‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬لو كانت الرض تنقص لضاق عليك حُشّك ‪ ،‬ولكن تنقص النفس والثمرات‪ .‬وكذا‬
‫عكْرِمة ‪ :‬لو كانت الرض تنقص لم تجد مكانا تقعد فيه ‪ ،‬ولكن هو الموت‪.‬‬
‫قال ِ‬
‫وقال ابن عباس في رواية ‪ :‬خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها‪ .‬وكذا قال مجاهد‬
‫أيضا ‪ :‬هو موت العلماء‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم المصري‬
‫الواعظ (‪ )4‬سكن أصبهان ‪ ،‬حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المرئي بدمشق ‪ ،‬أنشدنا أبو بكر‬
‫الجرى بمكة قال ‪ :‬أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه ‪:‬‬
‫الرض تحيَا إذا ما عَاش عالمها‪ ...‬مَتَى ي ُمتْ عَالم منها يمُت طَرفُ‪...‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كالرض تحْيَا إذا ما الغيث حَل بها‪ ...‬وإن أبى عَاد في أكنافهَا التَّلفُ‪...‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الحزن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فعلت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬لم أعثر على ترجمته في المخطوط من تاريخ دمشق ول في المختصر لبن منظور‪.‬‬

‫( ‪)4/472‬‬

‫عقْبَى الدّارِ‬
‫س وَسَ َيعْلَمُ ا ْل ُكفّارُ ِلمَنْ ُ‬
‫سبُ ُكلّ َنفْ ٍ‬
‫جمِيعًا َيعْلَمُ مَا َتكْ ِ‬
‫َوقَدْ َمكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ فَلِلّهِ ا ْل َمكْرُ َ‬
‫(‪)42‬‬

‫والقول الول أولى ‪ ،‬وهو ظهور السلم على الشرك قرية بعد قرية ‪[ ،‬و َكفْرًا بعد َكفْر ‪ ،‬كما قال‬
‫حوَْلكُمْ مِنَ ا ْلقُرَى } [الحقاف ‪ ]27 :‬الية ‪ ،‬وهذا اختيار ابن جرير ‪،‬‬
‫تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ أَهَْلكْنَا مَا َ‬
‫رحمه ال] (‪)1‬‬
‫عقْبَى‬
‫سبُ ُكلّ َنفْسٍ وَسَ َيعَْلمُ ا ْل ُكفّارُ ِلمَنْ ُ‬
‫جمِيعًا َيعَْلمُ مَا َتكْ ِ‬
‫{ َوقَدْ َمكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ فَِللّهِ ا ْل َمكْرُ َ‬
‫الدّارِ (‪} )42‬‬
‫يقول ‪َ { :‬وقَدْ َمكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ } برسلهم ‪ ،‬وأرادوا إخراجهم من بلدهم ‪ ،‬فمكر ال بهم ‪،‬‬
‫وجعل العاقبة للمتقين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذْ َي ْمكُرُ ِبكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ َأوْ َيقْتُلُوكَ َأوْ‬
‫يُخْ ِرجُوكَ وَ َي ْمكُرُونَ وَ َيمْكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ } [النفال ‪ ]30 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬و َمكَرُوا‬
‫ج َمعِينَ‬
‫شعُرُونَ فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ َمكْرِهِمْ أَنّا َدمّرْنَا ُه ْم َوقَ ْو َمهُمْ َأ ْ‬
‫َمكْرًا َومَكَرْنَا َمكْرًا وَهُمْ ل َي ْ‬
‫فَتِ ْلكَ بُيُو ُتهُمْ خَاوِيَةً ِبمَا ظََلمُوا } الية [النمل ‪.]52 - 50 :‬‬
‫سبُ ُكلّ َنفْسٍ } أي ‪ :‬إنه تعالى عالم بجميع السرائر والضمائر ‪ ،‬وسيجزي‬
‫وقوله ‪َ { :‬يعَْلمُ مَا َتكْ ِ‬
‫كل عامل بعمله‪.‬‬
‫عقْبَى الدّارِ } أي ‪ :‬لمن تكون الدائرة والعاقبة ‪ ،‬لهم‬
‫{ وَسَ َيعَْلمُ ا ْلكَافِرُ } وقرئ ‪ { :‬ال ُكفّارُ } { ِلمَنْ ُ‬
‫أو لتباع الرسل ؟ كل بل هي لتباع الرسل في الدنيا والخرة ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/473‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شهِيدًا بَيْنِي وَبَيْ َنكُ ْم َومَنْ عِنْ َدهُ عِ ْلمُ ا ْلكِتَابِ (‪)43‬‬
‫ستَ مُرْسَلًا ُقلْ َكفَى بِاللّهِ َ‬
‫وَيَقُولُ الّذِينَ َكفَرُوا َل ْ‬

‫شهِيدًا بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ َومَنْ عِ ْن َدهُ عِلْمُ ا ْلكِتَابِ (‪} )43‬‬
‫ستَ مُرْسَل ُقلْ َكفَى بِاللّهِ َ‬
‫{ وَ َيقُولُ الّذِينَ َكفَرُوا لَ ْ‬
‫ستَ مُرْسَل } أي ‪ :‬ما أرسلك ال ‪ُ { ،‬قلْ َكفَى بِاللّهِ‬
‫يقول ‪ :‬ويكذبك هؤلء الكفار ويقولون ‪ { :‬لَ ْ‬
‫شهِيدًا بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ } أي ‪ :‬حسبي ال ‪ ،‬وهو الشاهد علي وعليكم ‪ ،‬شاهد علي فيما بلغت عنه من‬
‫َ‬
‫الرسالة ‪ ،‬وشاهد عليكم أيها المكذبون فيما تفترونه من البهتان‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ عِنْ َدهُ عِ ْلمُ ا ْلكِتَابِ } قيل ‪ :‬نزلت في عبد ال بن سلم قاله مجاهد‪.‬‬
‫وهذا القول غريب ؛ لن هذه الية مكية ‪ ،‬وعبد ال بن سلم إنما أسلم في أول مقدم رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم المدينة‪ .‬والظهر في هذا ما قاله العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬هم من (‪)1‬‬
‫اليهود والنصارى‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬منهم ابن سلم ‪ ،‬وسلمان ‪ ،‬وتميم الداري‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ -‬في رواية ‪ -‬عنه ‪ :‬هو ال تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬

‫( ‪)4/473‬‬

‫وكان سعيد بن جُبَيْر ينكر أن يكون المراد بها عبد ال بن سلم ‪ ،‬ويقول ‪ :‬هي مكية ‪ ،‬وكان‬
‫يقرؤها ‪" :‬ومن عنده عُِلمَ الكتابُ" ‪ ،‬ويقول ‪ :‬من عند ال‪.‬‬
‫وكذا قرأها مجاهد والحسن البصري‪.‬‬
‫وقد روى ابن جرير من حديث ‪ ،‬هارون العور ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سالم ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قرأها ‪"" :‬ومن عنده عُلِمَ الكتابُ" ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ل أصل له من حديث‬
‫الزهري عند الثقات‪)1( .‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ ،‬من طريق هارون بن موسى هذا ‪ ،‬عن سليمان بن‬
‫أرقم ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬عن الزهري ‪ ،‬عن سالم ‪ ،‬عن أبيه مرفوعا كذلك‪ .‬ول يثبت‪ )2( .‬وال‬
‫أعلم‬
‫والصحيح في هذا ‪ :‬أن { َومَنْ عِ ْن َدهُ } اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم ونعته في كتبهم المتقدمة ‪ ،‬من بشارات النبياء به ‪ ،‬كما قال تعالى ‪{ :‬‬
‫شيْءٍ فَسََأكْتُ ُبهَا لِلّذِينَ يَ ّتقُونَ وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَاةَ وَالّذِينَ ُهمْ بِآيَاتِنَا ُي ْؤمِنُونَ الّذِينَ‬
‫س َعتْ ُكلّ َ‬
‫حمَتِي وَ ِ‬
‫وَرَ ْ‬
‫يَتّ ِبعُونَ الرّسُولَ النّ ِبيّ ال ّميّ الّذِي َيجِدُونَهُ َمكْتُوبًا عِنْدَ ُهمْ فِي ال ّتوْرَاةِ وَالنْجِيلِ } الية[العراف ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ ]157 ، 156‬وقال تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ َيكُنْ َل ُهمْ آ َيةً أَنْ َيعَْلمَهُ عَُلمَاءُ بَنِي ِإسْرَائِيلَ } الية ‪[ :‬الشعراء ‪:‬‬
‫‪ .]197‬وأمثال ذلك مما فيه الخبار عن علماء بني إسرائيل ‪ :‬أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة‪.‬‬
‫وقد ورد في حديث الحبار ‪ ،‬عن عبد ال بن سلم بأنه أسلم بمكة قبل الهجرة‪ .‬قال الحافظ أبو‬
‫نعيم الصبهاني في كتاب "دلئل النبوة" ‪ ،‬وهو كتاب جليل ‪:‬‬
‫حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني ‪ ،‬حدثنا عَبْدان بن أحمد ‪ ،‬حدثنا محمد بن مصفى ‪ ،‬حدثنا الوليد‬
‫بن مسلم ‪ ،‬عن محمد بن حمزة بن يوسف ‪ ،‬بن عبد ال بن سلم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬أن عبد ال بن سلم‬
‫قال لحبار اليهود ‪ :‬إني أردت أن أجَدد (‪ )3‬بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدا (‪ )4‬فانطلق إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بمكة ‪ ،‬فوافاهم وقد انصرفوا من الحج ‪ ،‬فوجد رسول ال ‪،‬‬
‫بمنى ‪ ،‬والناس حوله ‪ ،‬فقام مع الناس ‪ ،‬فلما نظر إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أنت‬
‫عبد ال بن سلم ؟" قال ‪ :‬قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬ادن"‪ .‬فدنوت منه ‪ ،‬قال ‪" :‬أنشدك بال يا عبد ال بن‬
‫سلم ‪ ،‬أما تجدني في التوراة رسول ال ؟" فقلت له ‪ :‬انعت ربنا‪ .‬قال ‪ :‬فجاء جبريل حتى وقف‬
‫صمَدُ لَمْ يَِل ْد وَلَمْ يُولَدْ‬
‫بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال له ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ اللّهُ َأحَدٌ اللّهُ ال ّ‬
‫حدٌ } [سورة الخلص] فقرأها علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ابن‬
‫وَلَمْ َيكُنْ لَهُ كُ ُفوًا أَ َ‬
‫سلم ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأنك رسول ال‪ .‬ثم انصرف ابن سلم إلى المدينة فكتم إسلمه‪.‬‬
‫فلما هاجر رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المدينة وأنا فوق نخلة لي أجُدّها ‪ ،‬فألقيت نفسي ‪،‬‬
‫فقالت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)16/506‬‬
‫(‪ )2‬مسند أبي يعلى (‪ )9/424‬وقد وقع فيه ‪" :‬عبد الرحيم بن موسى" بدل من "هارون بن‬
‫موسى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أحدث" والمثبت من دلئل النبوة‪.‬‬
‫(‪ )4‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ‪" .‬عيدا" والمثبت من دلئل النبوة‪.‬‬

‫( ‪)4/474‬‬

‫أمي ‪[ :‬ل] (‪ )1‬أنت ‪ ،‬لو كان موسى بن عمران ما كان لك أن تلقي نفسك من رأس النخلة‪ .‬فقلت‬
‫‪ :‬وال لني أسر بقدوم رسول ال صلى ال عليه وسلم من موسى بن عمران إذ بُعث‪)2( .‬‬
‫وهذا حديث غريب جدا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬دلئل النبوة (‪ )1/125‬وهو في المعجم الكبير برقم (‪" )372‬القطعة المفقودة" وأعله الهيثمي‬
‫بالنقطاع‪.‬‬

‫( ‪)4/475‬‬

‫حمِيدِ (‬
‫الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَ ْيكَ لِ ُتخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَ ّب ِهمْ إِلَى صِرَاطِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬
‫شدِيدٍ (‪ )2‬الّذِينَ‬
‫عذَابٍ َ‬
‫ض َووَ ْيلٌ ِل ْلكَافِرِينَ مِنْ َ‬
‫ت َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫‪ )1‬اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫ع َوجًا أُولَ ِئكَ فِي ضَلَالٍ َبعِيدٍ (‬
‫يَسْ َتحِبّونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا عَلَى الْآَخِ َر ِة وَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَيَ ْبغُو َنهَا ِ‬
‫‪)3‬‬

‫تفسير سورة إبراهيم عليه السلم‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حمِيدِ‬
‫{ الر كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَ ْيكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلمَاتِ ِإلَى النّورِ بِِإذْنِ رَ ّبهِمْ إِلَى صِرَاطِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬
‫ض َووَيْلٌ لِ ْلكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (‪ )2‬الّذِينَ‬
‫ت َومَا فِي ال ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫(‪ )1‬اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫عوَجًا أُولَ ِئكَ فِي ضَللٍ َبعِيدٍ‬
‫يَسْ َتحِبّونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا عَلَى الخِ َر ِة وَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَيَ ْبغُو َنهَا ِ‬
‫(‪} )3‬‬
‫قد تقدم الكلم على الحروف المقطعة في أوائل السور‪.‬‬
‫{ كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَ ْيكَ } أي ‪ :‬هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد ‪ ،‬وهو القرآن العظيم ‪ ،‬الذي هو‬
‫أشرف كتاب أنزله ال من السماء ‪ ،‬على أشرف رسول بعثه ال في الرض ‪ ،‬إلى جميع أهلها‬
‫عربهم وعجمهم (‪.)1‬‬
‫{ لِ ُتخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ } أي ‪ :‬إنما بعثناك يا محمد بهذا الكتاب ؛ لتخرج الناس‬
‫ج ُهمْ مِنَ‬
‫مما هم فيه من الضلل والغي إلى الهدى والرشد ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬اللّ ُه وَِليّ الّذِينَ آمَنُوا ُيخْرِ ُ‬
‫الظُّلمَاتِ إِلَى النّو ِر وَالّذِينَ َكفَرُوا َأوْلِيَاؤُهُمُ الطّاغُوتُ ُيخْرِجُو َنهُمْ مِنَ النّورِ إِلَى الظُّلمَاتِ }‬
‫ج ُكمْ مِنَ الظُّلمَاتِ‬
‫الية[البقرة ‪ ، ]257 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬هوَ الّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْ ِدهِ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ لِ ُيخْرِ َ‬
‫إِلَى النّورِ } [الحديد ‪.]9 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬بِِإذْنِ رَ ّبهِمْ } أي ‪ :‬هو الهادي لمن قَدر له الهداية على يدي رسوله المبعوث عن أمره‬
‫يهديهم { إِلَى صِرَاطِ ا ْلعَزِيزِ } أي ‪ :‬العزيز الذي ل يمانع ول يغالب ‪ ،‬بل هو القاهر لكل ما سواه‬
‫‪" ،‬الحميد" أي ‪ :‬المحمود في جميع أفعاله وأقواله ‪ ،‬وشرعه وأمره ونهيه ‪ ،‬الصادق في خبره‪.‬‬
‫ت َومَا فِي ال ْرضِ } قرأه بعضهم مستأنفا مرفوعا ‪ ،‬وقرأه‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫آخرون على التباع صفة للجللة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ‬
‫ت وَال ْرضِ } [العراف ‪.]158 :‬‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫جمِيعًا الّذِي لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫َ‬
‫شدِيدٍ } أي ‪ :‬ويل لهم يوم القيامة إذ خالفوك يا محمد‬
‫عذَابٍ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ووَ ْيلٌ ِل ْلكَافِرِينَ مِنْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عربيهم وعجميهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/476‬‬

‫ضلّ اللّهُ مَنْ يَشَاءُ وَ َيهْدِي مَنْ َيشَا ُء وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ‬


‫َومَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلّا بِِلسَانِ َق ْومِهِ لِيُبَيّنَ َلهُمْ فَ ُي ِ‬
‫حكِيمُ (‪)4‬‬
‫الْ َ‬

‫وكذبوك‪.‬‬
‫ثم وصفهم بأنهم يستحبون الحياة الدنيا على الخرة ‪ ،‬أي ‪ :‬يقدمونها ويُؤثرونها عليها ‪ ،‬ويعملون‬
‫للدنيا ونَسُوا الخرة ‪ ،‬وتركوها وراء ظهورهم ‪ { ،‬وَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } وهي اتباع الرسل {‬
‫عوَجًا } أي ‪ :‬ويحبون أن تكون سبيل ال عوجًا مائلة عائلة (‪ )1‬وهي مستقيمة في نفسها‬
‫وَيَ ْبغُو َنهَا ِ‬
‫‪ ،‬ل يضرها من خالفها ول من خذلها ‪ ،‬فهم (‪ )2‬في ابتغائهم ذلك في جهل وضلل بعيد من الحق‬
‫‪ ،‬ل يرجى لهم ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬صلح‪.‬‬
‫{ َومَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِل بِِلسَانِ َق ْومِهِ لِيُبَيّنَ َلهُمْ فَ ُيضِلّ اللّهُ مَنْ يَشَاءُ وَ َيهْدِي مَنْ يَشَا ُء وَ ُهوَ‬
‫حكِيمُ (‪} )4‬‬
‫ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫هذا من لطفه تعالى بخلقه ‪ :‬أنه يرسل إليهم رسل (‪ )3‬منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما‬
‫أرسلوا به إليهم ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا وكيع ‪ ،‬عن عمر (‪ )4‬بن ذر قال ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬عن أبي ذر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬لم يبعث ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬نبيا إل بلغة قومه" (‪.)5‬‬
‫ضلّ اللّهُ مَنْ َيشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ َيشَاءُ } أي ‪ :‬بعد البيان وإقامة الحجة عليهم يضل‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ ُي ِ‬
‫تعالى من يشاء عن وجه الهدى ‪ ،‬ويهدي من يشاء إلى الحق ‪ { ،‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } الذي ما شاء‬
‫كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ‪ { ،‬الحكيم } في أفعاله ‪ ،‬فيضل من يستحق الضلل ‪ ،‬ويهدي من هو‬
‫أهل لذلك‪.‬‬
‫وقد كانت هذه سنة ال في خلقه ‪ :‬أنه ما بعث نبيا في أمة إل أن يكون بلغتهم ‪ ،‬فاختص كل نبي‬
‫بإبلغ رسالته إلى أمته دون غيرهم ‪ ،‬واختص محمد بن عبد ال رسول ال بعموم الرسالة إلى‬
‫سائر الناس ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين عن جابر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طهُن أحد من النبياء قبلي ‪ُ :‬نصِ ْرتُ بالرعب مسيرة شهر ‪ ،‬وجعلت لي‬
‫"أعطيت خمسًا لم يُع َ‬
‫طهُورًا ‪ ،‬وأحلّت لي الغنائم ولم تحل لحد قبلي ‪ ،‬وأعطيت الشفاعة ‪ ،‬وكان النبي‬
‫الرض مسجدًا و َ‬
‫يبعث إلى قومه ‪ ،‬وبعثت إلى الناس عامة" (‪.)6‬‬
‫جمِيعًا }‬
‫وله شواهد من وجوه كثيرة ‪ ،‬وقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ َ‬
‫[العراف ‪.]158 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عائلة ‪ :‬أي جائزة‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ففهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬رسول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )5/158‬ومجاهد لم يسمع من أبي ذر‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )335‬وصحيح مسلم برقم (‪.)521‬‬

‫( ‪)4/477‬‬

‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ َأخْرِجْ َق ْو َمكَ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّو ِر وَ َذكّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ إِنّ فِي ذَِلكَ‬
‫شكُورٍ (‪)5‬‬
‫لَآَيَاتٍ ِل ُكلّ صَبّارٍ َ‬

‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ َقوْ َمكَ مِنَ الظُّلمَاتِ ِإلَى النّو ِر وَ َذكّرْ ُهمْ بِأَيّامِ اللّهِ إِنّ فِي ذَِلكَ‬
‫شكُورٍ (‪} )5‬‬
‫ل صَبّارٍ َ‬
‫ليَاتٍ ِل ُك ّ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أرسلناك يا محمد وأنزلنا عليك الكتاب ‪ ،‬لتخرج الناس كلهم ‪ ،‬تدعوهم إلى‬
‫الخروج من الظلمات إلى النور ‪ ،‬كذلك أرسلنا موسى في بني إسرائيل بآياتنا‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬وهي التسع اليات‪.‬‬
‫{ أَنْ أَخْرِجْ َق ْو َمكَ مِنَ الظُّلمَاتِ } أي ‪ :‬أمرناه قائلين له ‪َ { :‬أخْرِجْ َق ْو َمكَ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ }‬
‫أي ‪ :‬ادعهم إلى الخير ‪ ،‬ليخرجوا من ظلمات ما كانوا فيه من الجهل والضلل إلى نور الهدى‬
‫وبصيرة اليمان‪.‬‬
‫{ وَ َذكّرْ ُهمْ بِأَيّامِ اللّهِ } أي ‪ :‬بأياديه ونعَمه عليهم ‪ ،‬في إخراجه إياهم من أسر فرعون‪.‬‬
‫وقهره وظلمه وغشمه ‪ ،‬وإنجائه إياهم من عدوهم ‪ ،‬وفلقه لهم البحر ‪ ،‬وتظليله إياهم بالغمام ‪،‬‬
‫وإنزاله عليهم المن والسلوى ‪ ،‬إلى غير ذلك من النعم‪ .‬قال ذلك مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقد ورد فيه الحديث المرفوع الذي رواه عبد ال بن المام أحمد بن حنبل في مسند أبيه حيث (‪)1‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ‪ :‬حدثني يحيى بن عبد ال مولى بني هاشم ‪ ،‬حدثنا محمد بن أبان الجعفي ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪،‬‬
‫عن سعيد بن جبير [عن ابن عباس ‪ ،‬عن أبي بن كعب ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله‬
‫تبارك وتعالى ‪ { :‬وَ َذكّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ } قال ‪" :‬بنعم ال تبارك وتعالى]" (‪.)2‬‬
‫[ورواه ابن جرير] (‪ )3‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث محمد بن أبان ‪ ،‬به (‪ )4‬ورواه عبد ال ابنه (‬
‫‪ )5‬أيضا موقوفا (‪ )6‬وهو أشبه‪.‬‬
‫شكُورٍ } أي ‪ :‬إن فيما صنعنا بأوليائنا بني إسرائيل حين‬
‫ل صَبّارٍ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِلكَ ليَاتٍ ِل ُك ّ‬
‫أنقذناهم من يد فرعون ‪ ،‬وأنجيناهم مما كانوا فيه من العذاب المهين ‪ ،‬لعبرة لكل صَبّار ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫في الضراء ‪ ،‬شكور ‪ ،‬أي ‪ :‬في السراء ‪ ،‬كما قال قتادة ‪ :‬نعم العبد ‪ ،‬عبد إذا ابتُلِي صَبَر ‪ ،‬وإذا‬
‫أعطي شكر‪.‬‬
‫وكذا جاء في الصحيح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن أمر المؤمن كُلّه عَجَب ‪،‬‬
‫ل يقضي ال له قضاء إل كان خيرًا له ‪ ،‬إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ‪ ،‬وإن أصابته‬
‫سراء شَكر فكان خيرا له" (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪" :‬في مسنده حديث قال" والمثبت من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زوائد المسند (‪ )5/122‬وتفسير الطبري (‪.)16/522‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬بن أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زوائد المسند (‪.)5/122‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪ )2999‬من حديث صهيب رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/478‬‬

‫عوْنَ َيسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ‬


‫وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ إِذْ أَ ْنجَاكُمْ مِنْ َآلِ فِرْ َ‬
‫شكَرْتُمْ‬
‫وَيُذَبّحُونَ أَبْنَا َءكُ ْم وَيَسْتَحْيُونَ ِنسَا َءكُ ْم َوفِي ذَِلكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَ ّبكُمْ عَظِيمٌ (‪ )6‬وَإِذْ تَأَذّنَ رَ ّبكُمْ لَئِنْ َ‬
‫جمِيعًا فَإِنّ‬
‫شدِيدٌ (‪َ )7‬وقَالَ مُوسَى إِنْ َت ْكفُرُوا أَنْ ُت ْم َومَنْ فِي الْأَ ْرضِ َ‬
‫لَأَزِيدَ ّنكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنّ عَذَابِي لَ َ‬
‫حمِيدٌ (‪)8‬‬
‫اللّهَ َلغَنِيّ َ‬

‫عوْنَ يَسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْل َعذَابِ‬


‫{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ ِإذْ أَنْجَا ُكمْ مِنْ آلِ فِرْ َ‬
‫شكَرْتُمْ‬
‫عظِيمٌ (‪ )6‬وَإِذْ تََأذّنَ رَ ّبكُمْ لَئِنْ َ‬
‫وَيُذَبّحُونَ أَبْنَا َءكُ ْم وَيَسْتَحْيُونَ ِنسَا َءكُ ْم َوفِي ذَِلكُمْ بَلءٌ مِنْ رَ ّبكُمْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جمِيعًا‬
‫عذَابِي لَشَدِيدٌ (‪َ )7‬وقَالَ مُوسَى إِنْ َتكْفُرُوا أَنْتُ ْم َومَنْ فِي ال ْرضِ َ‬
‫لزِيدَ ّنكُ ْم وَلَئِنْ َكفَرْتُمْ إِنّ َ‬
‫حمِيدٌ (‪} )8‬‬
‫فَإِنّ اللّهَ َلغَ ِنيّ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن موسى ‪ ،‬حين َذكّر قومه بأيام ال عندهم ونعمه عليهم ‪ ،‬إذ أنجاهم من آل‬
‫فرعون ‪ ،‬وما كانوا يسومونهم به من العذاب والذلل ‪ ،‬حين (‪ )1‬كانوا يذبحون من وجد من‬
‫أبنائهم ‪ ،‬ويتركون إناثهم فأنقذ ال بني إسرائيل من ذلك ‪ ،‬وهذه نعمة عظيمة ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬وفِي‬
‫عظِيمٌ } أي ‪ :‬نعمة عظيمة منه عليكم في ذلك ‪ ،‬أنتم عاجزون عن القيام‬
‫ذَِلكُمْ بَلءٌ مِنْ رَ ّبكُمْ َ‬
‫بشكرها‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬وفيما كان يصنعه بكم قوم فرعون من تلك الفاعيل { بلء } أي ‪ :‬اختبار عظيم‪ .‬ويحتمل‬
‫حسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ َلعَّل ُهمْ‬
‫أن يكون المراد هذا وهذا ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَبََلوْنَاهُمْ بِالْ َ‬
‫جعُونَ } [العراف ‪.]168 :‬‬
‫يَرْ ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذْ تَأَذّنَ رَ ّبكُمْ } أي ‪ :‬آذنكم وأعلمكم بوعده لكم‪ .‬ويحتمل أن يكون المعنى ‪ :‬وإذ أقسم‬
‫ربكم وآلى بعزته وجلله وكبريائه كما قال ‪ { :‬وَإِذْ تَأَذّنَ رَ ّبكَ لَيَ ْبعَثَنّ عَلَ ْي ِهمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ [مَنْ‬
‫يَسُو ُمهُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ ] (‪[ } )2‬العراف ‪.]167 :‬‬
‫شكَرْتُمْ لزِيدَ ّن ُكمْ } (‪ )4‬أي ‪ :‬لئن شكرتم نعمتي (‪ )5‬عليكم لزيدنكم منها ‪،‬‬
‫وقوله (‪ { )3‬لَئِنْ َ‬
‫عذَابِي لَشَدِيدٌ } وذلك بسلبها‬
‫{ وَلَئِنْ َكفَرْتُمْ } أي ‪ :‬كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها ‪ { ،‬إِنّ َ‬
‫عنهم ‪ ،‬وعقابه إياهم على كفرها‪.‬‬
‫وقد جاء في الحديث ‪" :‬إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" (‪.)6‬‬
‫وفي المسند ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مَرّ به سائل فأعطاه تمرة ‪ ،‬فَ َتسَخّطها ولم‬
‫يقبلها ‪ ،‬ثم مر به آخر فأعطاه إياها ‪ ،‬فقبلها وقال ‪ :‬تمرة من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فأمر له بأربعين درهما ‪ ،‬أو كما قال‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أسود ‪ ،‬حدثنا عمارة الصّيدلني ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬أتى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها ‪ -‬أو ‪ :‬وحش بها ‪ -‬قال ‪ :‬وأتاه آخر فأمر له‬
‫بتمرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬سبحان ال! تمرة من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال للجارية ‪" :‬اذهبي إلى‬
‫أم سلمة ‪ ،‬فأعطيه الربعين درهما التي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حيث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال ها هنا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وإذ تأذن ربكم لئن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬نعمة ال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬رواه أحمد في المسند (‪ )5/80‬وابن ماجة في السنن برقم (‪ )90‬من حديث ثوبان رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬وحسنه العراقي كما في الزوائد للبوصيري (‪.)1/61‬‬

‫( ‪)4/479‬‬

‫ح وَعَا ٍد وَ َثمُو َد وَالّذِينَ مِنْ َبعْدِ ِهمْ لَا َيعَْل ُمهُمْ إِلّا اللّهُ جَاءَ ْتهُمْ‬
‫أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ نَبَأُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ َقوْمِ نُو ٍ‬
‫شكّ ِممّا تَدْعُونَنَا‬
‫سلْتُمْ بِهِ وَإِنّا َلفِي َ‬
‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ فَ َردّوا أَيْدِ َيهُمْ فِي َأ ْفوَا ِه ِه ْم َوقَالُوا إِنّا كَفَرْنَا ِبمَا أُرْ ِ‬
‫إِلَيْهِ مُرِيبٍ (‪)9‬‬

‫عندها"‪.‬‬
‫تفرد به المام أحمد (‪.)1‬‬
‫وعمارة بن زاذان وثقه ابن حبّان ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬ويعقوب بن سفيان (‪ )2‬وقال ابن معين ‪ :‬صالح‪.‬‬
‫وقال أبو زُرْعَة ‪ :‬ل بأس به‪ .‬وقال أبو حاتم ‪ :‬يكتب حديثه ول يحتج به ‪ ،‬ليس بالمتين‪ .‬وقال‬
‫البخاري ‪ :‬ربما يضطرب في حديثه‪ .‬وعن أحمد أيضا أنه قال ‪ :‬روي عنه أحاديث منكرة‪ .‬وقال‬
‫أبو داود ‪ :‬ليس بذاك‪ .‬وضعفه الدارقطني ‪ ،‬وقال ابن عدي ‪ :‬ل بأس به ممن يكتب حديثه‪.‬‬
‫حمِيدٌ } أي ‪:‬‬
‫جمِيعًا فَإِنّ اللّهَ َلغَ ِنيّ َ‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬وقَالَ مُوسَى إِنْ َت ْكفُرُوا أَنْ ُت ْم َومَنْ فِي ال ْرضِ َ‬
‫هو غني عن شكر عباده ‪ ،‬وهو الحميد المحمود ‪ ،‬وإن كفره من كفره ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬إِنْ َت ْكفُرُوا‬
‫شكُرُوا يَ ْرضَهُ َلكُمْ } [الزمر ‪ ]7 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ عَ ْن ُك ْم وَل يَ ْرضَى ِلعِبَا ِدهِ ا ْل ُكفْ َر وَإِنْ تَ ْ‬
‫حمِيدٌ } [التغابن ‪.]6 :‬‬
‫{ َف َكفَرُوا وَ َتوَّلوْا وَاسْ َتغْنَى اللّ ُه وَاللّهُ غَ ِنيّ َ‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي ذر ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬أنه قال ‪" :‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم ‪ ،‬وإنسكم وجنكم ‪ ،‬كانوا على أتقى قلب رجل‬
‫منكم ‪ ،‬ما زاد ذلك في ملكي شيئا‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم ‪ ،‬وإنسكم وجنكم ‪ ،‬كانوا على‬
‫أفجر قلب رجل منكم ‪ ،‬ما نقص ذلك في (‪ )3‬ملكي شيئا‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم ‪،‬‬
‫وإنسكم وجنكم ‪ ،‬قاموا في صعيد واحد ‪ ،‬فسألوني ‪ ،‬فأعطيت كل إنسان مسألته ‪ ،‬ما نقص ذلك‬
‫من ملكي شيئًا ‪ ،‬إل كما ينقُص المخْيَط إذا أدخل في البحر"‪ .‬فسبحانه وتعالى الغني الحميد (‪.)4‬‬
‫ح وَعَا ٍد وَ َثمُو َد وَالّذِينَ مِنْ َبعْ ِدهِمْ ل َيعَْل ُمهُمْ إِل اللّهُ جَاءَ ْتهُمْ‬
‫{ أََلمْ يَأْ ِتكُمْ نَبَأُ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ُكمْ َقوْمِ نُو ٍ‬
‫شكّ ِممّا تَدْعُونَنَا‬
‫سلْتُمْ بِهِ وَإِنّا َلفِي َ‬
‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ فَ َردّوا أَيْدِ َيهُمْ فِي َأ ْفوَا ِه ِه ْم َوقَالُوا إِنّا كَفَرْنَا ِبمَا أُرْ ِ‬
‫إِلَيْهِ مُرِيبٍ (‪} )9‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬هذا من تمام قيل (‪ )5‬موسى لقومه (‪.)6‬‬
‫يعني ‪ :‬وتذكاره إياهم بأيام ال ‪ ،‬بانتقامه من المم المكذبة للرسل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وفيما قال (‪ )7‬ابن جرير نظر ؛ والظاهر أنه خبر مستأنف من ال تعالى لهذه المة ‪ ،‬فإنه قد قيل‬
‫‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)3/154‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)2577‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬قول"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)16/529‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قاله"‪.‬‬

‫( ‪)4/480‬‬

‫إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة ‪ ،‬فلو كان هذا من كلم موسى لقومه و َقصَه عليهم ذلك فل‬
‫شك (‪ )1‬أن تكون هاتان القصتان في "التوراة" ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وبالجملة فال تعالى قد قص علينا‬
‫خبر قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من المم المكذبة للرسل ‪ ،‬مما ل يحصي عددهم (‪ )2‬إل ال‬
‫عز وجل أتتهم رسلهم بالبينات ‪ ،‬أي ‪ :‬بالحجج والدلئل الواضحات الباهرات القاطعات‪.‬‬
‫وقال ابن (‪ )3‬إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬عن عبد ال أنه قال في قوله ‪ { :‬ل َيعَْل ُمهُمْ إِل اللّهُ‬
‫} كذب النسابون‪.‬‬
‫وقال عروة بن الزبير ‪ :‬ما وجدنا أحدا يعرف ما بعد معد بن عدنان‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ َردّوا أَيْدِ َيهُمْ فِي َأ ْفوَا ِههِمْ } اختلف المفسرون في معناه ‪ ،‬فقيل ‪ :‬معناه ‪ :‬أنهم أشاروا‬
‫إلى أفواه الرسل يأمرونهم (‪ )4‬بالسكوت عنهم ‪ ،‬لما دعوهم إلى ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيبًا لهم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل هو عبارة عن سكوتهم عن جواب الرسل‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬معناه ‪ :‬أنهم كذبوهم وردوا عليهم قولهم بأفواههم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وتوجيهه (‪ )5‬أن "في" ها هنا بمعنى "الباء" ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد سمع من العرب ‪:‬‬
‫"أدخلك ال بالجنة" يعنون ‪ :‬في الجنة ‪ ،‬وقال الشاعر ‪:‬‬
‫ستُ أرْغَب‪...‬‬
‫غبُ فِيهَا عَن لَقيطٍ ورهْطه‪ ...‬عَن سِنْبس َل ْ‬
‫وَأَرْ َ‬
‫يريد ‪ :‬أرغب بها (‪.)6‬‬
‫شكّ‬
‫قلت ‪ :‬ويؤيد قول مجاهد تفسير ذلك بتمام الكلم ‪َ { :‬وقَالُوا إِنّا َكفَرْنَا ِبمَا أُرْسِلْتُمْ بِ ِه وَإِنّا َلفِي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ِممّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } فكأن هذا [وال أعلم] (‪ )7‬تفسير لمعنى َردّ أيديهم في أفواههم‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬وإسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال في قوله ‪:‬‬
‫{ فَ َردّوا أَيْدِ َيهُمْ فِي َأ ْفوَا ِههِمْ } قال ‪ :‬عضوا عليها غيظا‪.‬‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬أبي هُبَيرَْة ابن مريم ‪ ،‬عن عبد ال أنه قال ذلك أيضا‪ .‬وقد اختاره‬
‫عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬ووجهه ابن جرير مختارًا له ‪ ،‬بقوله تعالى عن المنافقين ‪ { :‬وَإِذَا‬
‫عضّوا عَلَ ْيكُمُ النَا ِملَ مِنَ ا ْلغَيْظِ } [آل عمران ‪.]119 :‬‬
‫خََلوْا َ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬لما سمعوا كتاب (‪ )8‬ال عَجبوا ‪ ،‬ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لوشك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عدده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يأمروهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ويوجهه"‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)16/534‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬كلم"‪.‬‬

‫( ‪)4/481‬‬

‫ت وَالْأَ ْرضِ َيدْعُوكُمْ لِ َي ْغفِرَ َلكُمْ مِنْ ذُنُو ِبكُمْ وَيُؤَخّ َر ُكمْ إِلَى‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫شكّ فَاطِرِ ال ّ‬
‫قَاَلتْ رُسُُلهُمْ َأفِي اللّهِ َ‬
‫عمّا كَانَ َيعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ‬
‫سمّى قَالُوا إِنْ أَنْ ُتمْ إِلّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ َتصُدّونَا َ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫أَ َ‬
‫(‪)10‬‬

‫شكّ ِممّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } يقولون ‪ :‬ل نصدقكم‬


‫وقالوا ‪ { :‬إِنّا َكفَرْنَا ِبمَا أُرْسِلْ ُتمْ بِ ِه وَإِنّا َلفِي َ‬
‫فيما جئتم به ؛ فإن عندنا فيه شكا قويا‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ يَدْعُوكُمْ لِ َي ْغفِرَ َلكُمْ مِنْ ذُنُو ِبكُمْ وَيُؤَخّ َر ُكمْ إِلَى‬
‫شكّ فَاطِرِ ال ّ‬
‫سُلهُمْ َأفِي اللّهِ َ‬
‫{ قَاَلتْ رُ ُ‬
‫عمّا كَانَ َيعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُ ْلطَانٍ‬
‫سمّى قَالُوا إِنْ أَنْ ُتمْ إِل بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ َتصُدّونَا َ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫أَ َ‬
‫مُبِينٍ (‪} )10‬‬

‫( ‪)4/482‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علَى مَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ َومَا كَانَ لَنَا أَنْ‬
‫قَاَلتْ َلهُمْ رُسُُل ُهمْ إِنْ َنحْنُ إِلّا بَشَرٌ مِثُْلكُ ْم وََلكِنّ اللّهَ َيمُنّ َ‬
‫سلْطَانٍ إِلّا بِإِذْنِ اللّ ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُمؤْمِنُونَ (‪َ )11‬ومَا لَنَا أَلّا نَ َت َو ّكلَ عَلَى اللّ ِه َوقَدْ‬
‫نَأْتِ َيكُمْ بِ ُ‬
‫هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَ َنصْبِرَنّ عَلَى مَا َآذَيْ ُتمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْلمُ َت َوكّلُونَ (‪)12‬‬

‫{ قَاَلتْ َلهُمْ رُسُُلهُمْ إِنْ نَحْنُ إِل َبشَرٌ مِثُْلكُ ْم وََلكِنّ اللّهَ َيمُنّ عَلَى مَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِد ِه َومَا كَانَ لَنَا أَنْ‬
‫سلْطَانٍ إِل بِإِذْنِ اللّ ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪َ )11‬ومَا لَنَا أَل نَ َت َو ّكلَ عَلَى اللّ ِه َوقَدْ‬
‫نَأْتِ َيكُمْ بِ ُ‬
‫هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَ َنصْبِرَنّ عَلَى مَا آذَيْ ُتمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْلمُ َت َوكّلُونَ (‪} )12‬‬
‫يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة ‪ ،‬وذلك أن أممهم لما واجهوهم بالشك‬
‫شكّ }‬
‫فيما جاءوهم به من عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬قالت الرسل ‪َ { :‬أفِي اللّهِ َ‬
‫وهذا يحتمل شيئين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أفي وجوده شك ‪ ،‬فإن الفطر شاهدة بوجوده ‪ ،‬ومجبولة على‬
‫القرار به ‪ ،‬فإن العتراف به ضروري في الفطَر السليمة ‪ ،‬ولكن قد يعرض (‪ )1‬لبعضها شك‬
‫واضطراب ‪ ،‬فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده ؛ ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ } الذي خلقها وابتدعها على غير مثال سبق ‪،‬‬
‫إلى طريق معرفته بأنه { فَاطِرِ ال ّ‬
‫فإن شواهد الحدوث (‪ )2‬والخلق والتسخير ظاهر عليها ‪ ،‬فل بد لها من صانع ‪ ،‬وهو ال ل إله‬
‫إل هو ‪ ،‬خالق كل شيء وإلهه ومليكه‪.‬‬
‫شكّ } أي ‪ :‬أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك ‪ ،‬وهو‬
‫والمعنى الثاني في قولهم ‪َ { :‬أفِي اللّهِ َ‬
‫الخالق لجميع الموجودات ‪ ،‬ول (‪ )3‬يستحق العبادة إل هو ‪ ،‬وحده ل شريك له ؛ فإن غالب المم‬
‫كانت مقرة بالصانع ‪ ،‬ولكن تعبد (‪ )4‬معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من‬
‫ال زلفى‪.‬‬
‫وقالت لهم الرسل ‪ :‬ندعوكم (‪ )5‬ليغفر لكم من ذنوبكم ‪ ،‬أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ { ،‬وَيُؤَخّ َر ُكمْ إِلَى‬
‫سمّى } أي ‪ :‬في الدنيا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَأَنِ اسْ َت ْغفِرُوا رَ ّبكُمْ ثُمّ تُوبُوا إِلَ ْيهِ ُيمَ ّت ْعكُمْ مَتَاعًا‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫أَ َ‬
‫ضلٍ َفضْلَهُ } الية [هود ‪ ، ]3 :‬فقالت لهم المم محاجين في‬
‫سمّى وَ ُيؤْتِ ُكلّ ذِي َف ْ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫حسَنًا إِلَى أَ َ‬
‫َ‬
‫مقام الرسالة ‪ ،‬بعد تقدير تسليمهم للمقام الول ‪ ،‬وحاصل ما قالوه ‪ { :‬إِنْ أَنْتُمْ إِل َبشَرٌ مِثْلُنَا } أي‬
‫‪ :‬كيف نتبعكم بمجرد قولكم ‪ ،‬ولما نر منكم معجزة ؟ { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أي ‪ :‬خارق نقترحه‬
‫عليكم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬تعرض"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الحدث"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فل"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعبد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪" :‬وقالت لهم رسلهم ‪ :‬الرسل يدعوكم" ‪ ،‬والمثبت من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/482‬‬

‫َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِ ُرسُِلهِمْ لَ ُنخْرِجَ ّنكُمْ مِنْ أَ ْرضِنَا َأوْ لَ َتعُودُنّ فِي مِلّتِنَا فََأوْحَى إِلَ ْي ِهمْ رَ ّبهُمْ لَ ُنهِْلكَنّ‬
‫سكِنَ ّنكُمُ الْأَ ْرضَ مِنْ َبعْدِ ِهمْ ذَِلكَ ِلمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (‪ )14‬وَاسْ َتفْتَحُوا‬
‫الظّاِلمِينَ (‪ )13‬وَلَنُ ْ‬
‫سقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (‪ )16‬يَ َتجَرّعُ ُه وَلَا َيكَادُ يُسِيغُهُ‬
‫جهَنّ ُم وَيُ ْ‬
‫ن وَرَائِهِ َ‬
‫وَخَابَ ُكلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ (‪ )15‬مِ ْ‬
‫عذَابٌ غَلِيظٌ (‪)17‬‬
‫ن وَرَائِهِ َ‬
‫ن َومَا ُهوَ ِبمَ ّيتٍ َومِ ْ‬
‫وَيَأْتِيهِ ا ْل َم ْوتُ مِنْ ُكلّ َمكَا ٍ‬

‫قالت لهم رسلهم ‪ { :‬إِنْ نَحْنُ إِل َبشَرٌ مِثُْلكُمْ } أي ‪ :‬صحيح أنا بشر مثلكم في البشرية { وََلكِنّ اللّهَ‬
‫َيمُنّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ } أي ‪ :‬بالرسالة والنبوة { َومَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِ َيكُمْ ِبسُلْطَانٍ } على وفق‬
‫ما سألتم { إِل بِِإذْنِ اللّهِ } أي ‪ :‬بعد سؤالنا إياه ‪ ،‬وإذنه لنا في ذلك ‪ { ،‬وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬في جميع أمورهم‪.‬‬
‫ثم قالت الرسل ‪َ { :‬ومَا لَنَا أَل نَ َت َو ّكلَ عَلَى اللّهِ } أي ‪ :‬وما يمنعنا من التوكل عليه ‪ ،‬وقد هدانا‬
‫لقوم الطرق وأوضحها وأبينها ‪ { ،‬وَلَ َنصْبِرَنّ عَلَى مَا آذَيْ ُتمُونَا } أي ‪ :‬من الكلم السيئ ‪،‬‬
‫والفعال السخيفة ‪ { ،‬وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْلمُ َت َوكّلُونَ }‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِرُسُِلهِمْ لَنُخْ ِرجَ ّنكُمْ مِنْ أَ ْرضِنَا َأوْ لَ َتعُودُنّ فِي مِلّتِنَا فََأوْحَى إِلَ ْيهِمْ رَ ّب ُهمْ لَ ُنهِْلكَنّ‬
‫ف وَعِيدِ (‪ )14‬وَاسْ َتفْتَحُوا‬
‫سكِنَ ّنكُمُ ال ْرضَ مِنْ َبعْ ِدهِمْ ذَِلكَ ِلمَنْ خَافَ َمقَامِي وَخَا َ‬
‫الظّاِلمِينَ (‪ )13‬وَلَنُ ْ‬
‫سقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (‪ )16‬يَ َتجَرّعُ ُه وَل َيكَادُ يُسِي ُغهُ‬
‫جهَنّ ُم وَيُ ْ‬
‫ن وَرَائِهِ َ‬
‫وَخَابَ ُكلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ (‪ )15‬مِ ْ‬
‫عذَابٌ غَلِيظٌ (‪} )17‬‬
‫ن وَرَائِهِ َ‬
‫ن َومَا ُهوَ ِبمَ ّيتٍ َومِ ْ‬
‫وَيَأْتِيهِ ا ْل َم ْوتُ مِنْ ُكلّ َمكَا ٍ‬
‫يخبر تعالى عما توعدت به المم الكافرة رسلهم ‪ ،‬من الخراج من أرضهم ‪ ،‬والنفي من بين‬
‫ب وَالّذِينَ آمَنُوا َم َعكَ مِنْ‬
‫شعَ ْي ُ‬
‫أظهرهم ‪ ،‬كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به ‪ { :‬لَنُخْ ِرجَ ّنكَ يَا ُ‬
‫قَرْيَتِنَا َأوْ لَ َتعُودُنّ فِي مِلّتِنَا } [العراف ‪ ، ]88 :‬وقال قوم لوط ‪َ { :‬أخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَ ِتكُمْ‬
‫طهّرُونَ } [النمل ‪ ، ]56 :‬وقال تعالى إخبارا عن مشركي قريش ‪ { :‬وَإِنْ كَادُوا‬
‫إِ ّنهُمْ أُنَاسٌ يَتَ َ‬
‫لَيَسْ َتفِزّو َنكَ مِنَ ال ْرضِ لِيُخْ ِرجُوكَ مِ ْنهَا وَِإذًا ل يَلْبَثُونَ خِل َفكَ إِل قَلِيل } [السراء ‪ ، ]76 :‬وقال‬
‫ن وَ َي ْمكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ‬
‫ك وَ َي ْمكُرُو َ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَإِذْ َي ْمكُرُ ِبكَ الّذِينَ َكفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ َأوْ َيقْتُلُوكَ َأوْ ُيخْرِجُو َ‬
‫خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ } [النفال ‪.]30 :‬‬
‫وكان (‪ )1‬من صنعه تعالى ‪ :‬أنه أظهر رسوله ونصره ‪ ،‬وجعل له بسبب خروجه من مكة‬
‫أنصارًا وأعوانًا وجندا ‪ ،‬يقاتلون في سبيل ال ‪ ،‬ولم يزل يرقيه [ال] (‪ )2‬تعالى من شيء إلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شيء ‪ ،‬حتى فتح له مكة التي أخرجته ‪ ،‬ومكن له فيها ‪ ،‬وأرغم آناف أعدائه منهم ‪ ،‬و[من] (‪)3‬‬
‫سائر [أهل] (‪ )4‬الرض ‪ ،‬حتى دخل الناس في دين ال أفواجا ‪ ،‬وظهرت كلمة ال ودينه على‬
‫سائر الديان ‪ ،‬في مشارق الرض ومغاربها في أيسر زمان ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فََأوْحَى إِلَ ْيهِمْ‬
‫سكِنَ ّنكُمُ ال ْرضَ مِنْ َبعْدِ ِهمْ } كما قال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ سَ َبقَتْ كَِلمَتُنَا ِلعِبَادِنَا‬
‫ن وَلَنُ ْ‬
‫رَ ّبهُمْ لَ ُنهِْلكَنّ الظّاِلمِي َ‬
‫ا ْلمُرْسَلِينَ إِ ّن ُهمْ َلهُمُ ا ْلمَ ْنصُورُونَ وَإِنّ جُنْدَنَا َلهُمُ ا ْلغَالِبُونَ } [الصافات ‪ ، ]173 - 171 :‬وقال تعالى‬
‫‪ { :‬كَ َتبَ اللّهُ لغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ (‪ )5‬عَزِيزٌ } [المجادلة ‪ ، ]21 :‬وقال ‪ { :‬وََلقَدْ كَتَبْنَا‬
‫فِي الزّبُورِ مِنْ َب ْعدِ ال ّذكْرِ أَنّ ال ْرضَ يَرِ ُثهَا عِبَا ِديَ الصّالِحُونَ } [النبياء ‪، ]105 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬لقوى" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/483‬‬

‫{ قَالَ مُوسَى ِلقَ ْومِهِ اسْ َتعِينُوا بِاللّ ِه وَاصْبِرُوا إِنّ ال ْرضَ لِلّهِ يُورِ ُثهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِد ِه وَا ْلعَاقِبَةُ‬
‫ضعَفُونَ مَشَارِقَ‬
‫لِ ْلمُ ّتقِينَ } [العراف ‪ ، ]128 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََأوْرَثْنَا ا ْل َقوْمَ الّذِينَ كَانُوا ُيسْ َت ْ‬
‫ال ْرضِ َو َمغَارِ َبهَا الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا وَ َت ّمتْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ا ْلحُسْنَى عَلَى بَنِي ِإسْرَائِيلَ ِبمَا صَبَرُوا وَ َدمّرْنَا‬
‫عوْنُ َوقَ ْومُ ُه َومَا كَانُوا َيعْرِشُونَ } [العراف ‪.]137 :‬‬
‫مَا كَانَ َيصْنَعُ فِرْ َ‬
‫ف وَعِيدِ } أي ‪ :‬وعيدي (‪ )1‬هذا لمن خاف مقامي بين يدي‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكَ ِلمَنْ خَافَ َمقَامِي وَخَا َ‬
‫طغَى وَآثَرَ‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬وخشي من وعيدي ‪ ،‬وهو تخويفي وعذابي ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فََأمّا مَنْ َ‬
‫الْحَيَاةَ الدّنْيَا فَإِنّ ا ْلجَحِيمَ ِهيَ ا ْلمَ ْأوَى وََأمّا مَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّ ِه وَ َنهَى ال ّنفْسَ عَنِ ا ْل َهوَى فَإِنّ ا ْلجَنّةَ‬
‫ِهيَ ا ْلمَ ْأوَى } [النازعات ‪ ، ]41 - 37 :‬وقال ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ } [الرحمن ‪.]46 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬واستفتحوا } أي ‪ :‬استنصرت الرسل ربها على قومها‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫وقتادة‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬استفتحت المم على أنفسها ‪ ،‬كما قالوا ‪ { :‬الّل ُهمّ إِنْ كَانَ َهذَا‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ } [النفال ‪.]32 :‬‬
‫حقّ مِنْ عِ ْن ِدكَ فََأمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫ُهوَ الْ َ‬
‫ويحتمل أن يكون هذا مرادًا وهذا مرادًا ‪ ،‬كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر ‪ ،‬واستفتح‬
‫رسول ال واستنصر ‪ ،‬وقال ال تعالى للمشركين ‪ { :‬إِنْ تَسْ َتفْتِحُوا َفقَدْ جَا َءكُمُ ا ْلفَتْحُ وَإِنْ تَنْ َتهُوا َف ُهوَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خَيْرٌ َل ُكمْ } الية [النفال ‪ ، ]19 :‬وال أعلم‪.‬‬
‫جهَنّمَ ُكلّ‬
‫{ وَخَابَ ُكلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ } أي ‪ :‬متجبر في نفسه معاند للحق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَ ْلقِيَا فِي َ‬
‫ج َعلَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ فَأَ ْلقِيَاهُ فِي ا ْلعَذَابِ الشّدِيدِ } [ق ‪:‬‬
‫َكفّارٍ عَنِيدٍ مَنّاعٍ ِللْخَيْرِ ُمعْتَدٍ مُرِيبٍ الّذِي َ‬
‫‪.]26 - 24‬‬
‫وفي الحديث ‪" :‬إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة ‪ ،‬فتنادي الخلئق فتقول ‪ :‬إني وُكلت بكل جبار عنيد"‬
‫الحديث (‪.)2‬‬
‫خاب وخسر حين اجتهد النبياء في البتهال إلى ربها العزيز المقتدر‪.‬‬
‫جهَنّمُ } و"وراء" ها هنا بمعنى "أمام" ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وكَانَ وَرَاءَهُمْ مَِلكٌ‬
‫ن وَرَائِهِ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬مِ ْ‬
‫غصْبًا } [الكهف ‪ ، ]79 :‬وكان ابن عباس يقرؤها "وكان أمامهم ملك"‪.‬‬
‫سفِينَةٍ َ‬
‫خذُ ُكلّ َ‬
‫يَأْ ُ‬
‫أي ‪ :‬من وراء الجبار العنيد جهنم ‪ ،‬أي ‪ :‬هي له بالمرصاد ‪ ،‬يسكنها مخلدا يوم المعاد ‪ ،‬ويعرض‬
‫عليها غدوا وعشيا إلى يوم التناد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وعدى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في المسند (‪ )3/40‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬ورواه‬
‫الترمذي في السنن برقم (‪ )2574‬من طريق العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث حسن غريب صحيح"‪.‬‬

‫( ‪)4/484‬‬

‫سقَى مِنْ مَا ٍء صَدِيدٍ } أي ‪ :‬في النار ليس له شراب إل من حميم أو غساق ‪ ،‬فهذا (‪ )1‬في‬
‫{ وَيُ ْ‬
‫ق وَآخَرُ مِنْ‬
‫حمِيمٌ وَغَسّا ٌ‬
‫غاية الحرارة ‪ ،‬وهذا في غاية البرد والنتن ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬هذَا فَلْيَذُوقُوهُ َ‬
‫شكْلِهِ أَ ْزوَاجٌ } [ص ‪.]58 ، 57 :‬‬
‫َ‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ :‬الصديد ‪ :‬من القيح والدم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هو ما يسيل من لحمه وجلده‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬الصديد ‪ :‬ما يخرج من جوف الكافر‬
‫‪ ،‬قد خالط القيح والدم‪.‬‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما‬
‫شهْر بن َ‬
‫ومن حديث َ‬
‫عصَارة أهل النار" (‪.)3‬‬
‫طينة الخبال ؟ قال ‪" :‬صديد أهل النار" (‪ )2‬وفي رواية ‪ُ " :‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق ‪ ،‬أنبأنا عبد ال ‪ ،‬أنا صفوان بن عمرو ‪ ،‬عن عبيد ال‬
‫سقَى مِنْ‬
‫بن بُرْ ‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ‪ { :‬وَيُ ْ‬
‫عهُ } قال ‪ُ " :‬يقَ ّربُ إليه فيتكرهه ‪ ،‬فإذا أدنى منه شَوى وجهه ‪ ،‬ووقعت فروة رأسه‬
‫مَا ٍء صَدِيدٍ يَتَجَرّ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمِيمًا َفقَطّعَ‬
‫سقُوا مَاءً َ‬
‫‪ ،‬فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره‪ .‬يقول ال تعالى (‪ { )4‬وَ ُ‬
‫شوِي ا ْلوُجُوهَ بِئْسَ‬
‫َأ ْمعَاءَهُمْ } [محمد ‪ ، ]15 :‬ويقول ‪ { :‬وَإِنْ يَسْ َتغِيثُوا ُيغَاثُوا ِبمَاءٍ كَا ْل ُم ْهلِ يَ ْ‬
‫الشّرَابُ } (‪[ )5‬الكهف ‪.]29 :‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث عبد ال بن المبارك ‪ ،‬به (‪ )6‬ورواه هو وابن أبي حاتم ‪ :‬من‬
‫حديث َبقِيّة ابن الوليد ‪ ،‬عن صفوان بن عمرو ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يتجرعه } أي ‪ :‬يتغصصه ويتكرهه ‪ ،‬أي ‪ :‬يشربه قهرا وقسرا ‪ ،‬ل يضعه في فيه (‪)8‬‬
‫حدِيدٍ } [الحج ‪.]21 :‬‬
‫حتى يضربه الملك بمطراق من حديد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلهُمْ َمقَامِعُ مِنْ َ‬
‫{ وَل َيكَادُ يُسِي ُغهُ } أي ‪ :‬يزدرده لسوء لونه وطعمه وريحه ‪ ،‬وحرارته أو برده الذي ل يستطاع‪.‬‬
‫{ وَيَأْتِيهِ ا ْل َموْتُ مِنْ ُكلّ َمكَانٍ } أي ‪ :‬يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه‪.‬‬
‫قال ميمون بن ِمهْرَان ‪ :‬من كل عظم ‪ ،‬وعرق ‪ ،‬وعصب‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬حتى من أطراف شعره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فهذا حار"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في المسند (‪.)6/460‬‬
‫(‪ )3‬وهي رواية أبي ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬رواها أحمد في المسند (‪.)5/171‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)5/265‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪ )16/549‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2583‬من طريق عبد ال بن‬
‫المبارك به ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث غريب ‪ ،‬وهكذا قال محمد بن إسماعيل عن عبيد ال بن بسر ‪،‬‬
‫ول نعرف عبيد ال بن بسر إل في هذا الحديث"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )16/551‬من طريق حيوة بن شريح عن بقية به‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ل يضعه في فمه" وفي أ ‪" :‬ل يضيعه في فمه"‪.‬‬

‫( ‪)4/485‬‬

‫صفٍ لَا َيقْدِرُونَ ِممّا كَسَبُوا‬


‫عمَاُلهُمْ كَ َرمَادٍ اشْتَ ّدتْ بِهِ الرّيحُ فِي َيوْمٍ عَا ِ‬
‫مَ َثلُ الّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّب ِهمْ أَ ْ‬
‫شيْءٍ ذَِلكَ ُهوَ الضّلَالُ الْ َبعِيدُ (‪)18‬‬
‫عَلَى َ‬

‫وقال إبراهيم التيمي ‪ :‬من موضع كل شعرة ‪ ،‬أي ‪ :‬من جسده ‪ ،‬حتى من أطراف شعره‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ { :‬وَيَأْتِيهِ ا ْل َم ْوتُ مِنْ ُكلّ َمكَانٍ } أي ‪ :‬من أمامه وورائه ‪ ،‬وعن يمينه وشماله ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ومن فوقه (‪ )1‬ومن تحت أرجله (‪ )2‬ومن سائر أعضاء جسده‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَيَأْتِيهِ ا ْل َم ْوتُ مِنْ ُكلّ َمكَانٍ } قال ‪ :‬أنواع العذاب الذي يعذبه‬
‫ال بها يوم القيامة في نار جهنم ‪ ،‬وليس منها نوع إل الموت يأتيه منه لو كان يموت ‪ ،‬ولكن ل‬
‫عذَا ِبهَا [كَذَِلكَ َنجْزِي‬
‫خفّفُ عَ ْنهُمْ مِنْ َ‬
‫يموت ؛ لن ال تعالى قال ‪ { :‬ل ُي ْقضَى عَلَ ْيهِمْ فَ َيمُوتُوا وَل ُي َ‬
‫ُكلّ َكفُورٍ ] (‪[ } )3‬فاطر ‪.]36 :‬‬
‫ومعنى كلم ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬أنه ما من نوع من هذه النواع من [هذا] (‪ )4‬العذاب‬
‫إل إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت ‪ ،‬ولكنه ل يموت ليخلد في دوام العذاب‬
‫ن َومَا ُهوَ ِبمَ ّيتٍ }‬
‫والنكال ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَيَأْتِيهِ ا ْل َم ْوتُ مِنْ ُكلّ َمكَا ٍ‬
‫غلِيظٌ } أي ‪ :‬وله من بعد هذا الحال عذاب آخر غليظ ‪ ،‬أي ‪ :‬مؤلم‬
‫عذَابٌ َ‬
‫ن وَرَائِهِ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِ ْ‬
‫صعب شديد أغلظ من الذي قبله وأدهى وأمر‪ .‬وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم ‪ { :‬إِ ّنهَا‬
‫جحِيمِ طَ ْل ُعهَا كَأَنّهُ رُءُوسُ الشّيَاطِينِ فَإِ ّنهُ ْم لكِلُونَ مِ ْنهَا َفمَالِئُونَ مِ ْنهَا‬
‫صلِ الْ َ‬
‫شجَ َرةٌ تَخْرُجُ فِي َأ ْ‬
‫َ‬
‫جحِيمِ } [الصافات ‪، ]68 - 64 :‬‬
‫ج َعهُ ْم للَى الْ َ‬
‫حمِيمٍ ثُمّ إِنّ مَرْ ِ‬
‫شوْبًا مِنْ َ‬
‫الْبُطُونَ ُثمّ إِنّ َلهُمْ عَلَ ْيهَا لَ َ‬
‫فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم ‪ ،‬وتارة في شرب حميم ‪ ،‬وتارة يردون إلى الجحيم (‪)5‬‬
‫جهَنّمُ الّتِي ُيكَ ّذبُ ِبهَا ا ْل ُمجْ ِرمُونَ َيطُوفُونَ بَيْ َنهَا وَبَيْنَ‬
‫عياذا بال من ذلك ‪ ،‬وهكذا قال تعالى ‪ { :‬هَ ِذهِ َ‬
‫طعَامُ الثِيمِ كَا ْل ُمهْلِ َيغْلِي فِي‬
‫حمِيمٍ آنٍ } [الرحمن ‪ ، ]44 ، 43 :‬وقال تعالى ‪ { :‬إِنّ شَجَ َرةَ ال ّزقّومِ َ‬
‫َ‬
‫حمِيمِ ذُقْ‬
‫سهِ مِنْ عَذَابِ ا ْل َ‬
‫جحِيمِ ُث ّم صُبّوا َفوْقَ رَأْ ِ‬
‫سوَاءِ الْ َ‬
‫خذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى َ‬
‫حمِيمِ ُ‬
‫الْبُطُونِ َكغَ ْليِ الْ َ‬
‫إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ إِنّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ َتمْتَرُونَ } [الدخان ‪ ، ]50 - 43 :‬وقال ‪ { :‬وََأصْحَابُ‬
‫حمُومٍ ل بَا ِر ٍد وَل كَرِيمٍ } [الواقعة ‪- 41 :‬‬
‫ظلّ مِنْ يَ ْ‬
‫حمِي ٍم وَ ِ‬
‫سمُو ٍم وَ َ‬
‫شمَالِ فِي َ‬
‫شمَالِ مَا َأصْحَابُ ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫حمِيمٌ‬
‫جهَنّمَ َيصَْلوْ َنهَا فَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ َهذَا فَلْيَذُوقُوهُ َ‬
‫‪ ، ]44‬وقال تعالى ‪َ { :‬هذَا وَإِنّ لِلطّاغِينَ لَشَرّ مَآبٍ َ‬
‫شكِْلهِ أَ ْزوَاجٌ } [ص ‪ ، ]58 - 55 :‬إلى غير ذلك من اليات الدالة على تنوع‬
‫ق وَآخَرُ مِنْ َ‬
‫وَغَسّا ٌ‬
‫العذاب عليهم ‪ ،‬وتكراره وأنواعه وأشكاله ‪ ،‬مما ل يحصيه إل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬جزاء وفاقا ‪،‬‬
‫{ َومَا رَ ّبكَ بِظَلمٍ لِ ْلعَبِيدِ } [فصلت ‪.]46 :‬‬
‫صفٍ ل َيقْدِرُونَ ِممّا كَسَبُوا‬
‫عمَاُل ُهمْ كَ َرمَادٍ اشْ َت ّدتْ بِهِ الرّيحُ فِي َيوْمٍ عَا ِ‬
‫{ مَ َثلُ الّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّبهِمْ أَ ْ‬
‫شيْءٍ ذَِلكَ ُهوَ الضّللُ الْ َبعِيدُ (‪} )18‬‬
‫عَلَى َ‬
‫هذا مثل ضربه ال تعالى لعمال الكفار الذين عبدوا مع ال غيره ‪ ،‬وكذبوا رسله ‪ ،‬وبنوا أعمالهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فوقهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أرجلهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬جحيم"‪.‬‬

‫( ‪)4/486‬‬

‫على غير أساس صحيح ؛ فانهارت وعَ ِدمُوها أحوج ما كانوا إليها ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬مَ َثلُ الّذِينَ‬
‫عمَاُل ُهمْ } أي ‪ :‬مثل أعمال الذين كفروا يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من ال تعالى ؛‬
‫َكفَرُوا بِرَ ّبهِمْ أَ ْ‬
‫لنهم كانوا يحسبون أنهم على شيء ‪ ،‬فلم يجدوا شيئًا ‪ ،‬ول ألفوا حاصل إل كما يتحصّل من‬
‫صفٍ } أي ‪ :‬ذي ريح عاصفة قوية ‪ ،‬فل‬
‫الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة { فِي َيوْمٍ عَا ِ‬
‫[يقدرون على شيء من أعمالهم التي كسبوها في الدنيا إل كما] (‪ )1‬يقدرون على جمع هذا الرماد‬
‫جعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [الفرقان ‪:‬‬
‫ع َملٍ َف َ‬
‫عمِلُوا مِنْ َ‬
‫في هذا اليوم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَ ِدمْنَا إِلَى مَا َ‬
‫‪ ، ]23‬وقال تعالى ‪ { :‬مَ َثلُ مَا يُ ْنفِقُونَ فِي َه ِذهِ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َكمَ َثلِ رِيحٍ فِيهَا صِرّ َأصَا َبتْ حَ ْرثَ َقوْمٍ‬
‫سهُمْ فََأهَْلكَتْهُ } [آل عمران ‪ ، ]117 :‬وقال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُبْطِلُوا‬
‫ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫س وَل ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ َفمَثَلُهُ َكمَ َثلِ‬
‫ن وَالذَى كَالّذِي يُ ْنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النّا ِ‬
‫صَ َدقَا ِتكُمْ بِا ْلمَ ّ‬
‫شيْءٍ ِممّا َكسَبُوا وَاللّهُ ل َيهْدِي‬
‫صَ ْفوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فََأصَابَهُ وَابِلٌ فَتَ َركَ ُه صَ ْلدًا ل َيقْدِرُونَ عَلَى َ‬
‫ا ْل َقوْمَ ا ْلكَافِرِينَ } [البقرة ‪.]264 :‬‬
‫وقال في هذه الية ‪ { :‬ذَِلكَ ُهوَ الضّللُ الْ َبعِيدُ } أي ‪ :‬سعيهم وعملهم على غير أساس ول استقامة‬
‫حتى فقدوا ثوابهم أحوج ما هم إليه ‪ { ،‬ذَِلكَ ُهوَ الضّللُ الْ َبعِيدُ } (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هذا" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/487‬‬

‫حقّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِ ْبكُمْ وَيَأْتِ ِبخَلْقٍ جَدِيدٍ (‪َ )19‬ومَا ذَِلكَ‬
‫ت وَالْأَ ْرضَ بِالْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ خََلقَ ال ّ‬
‫عَلَى اللّهِ ِبعَزِيزٍ (‪)20‬‬

‫حقّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِ ْب ُك ْم وَيَ ْأتِ ِبخَلْقٍ جَدِيدٍ (‪َ )19‬ومَا ذَِلكَ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضَ بِالْ َ‬
‫{ أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ خَلَقَ ال ّ‬
‫عَلَى اللّهِ ِبعَزِيزٍ (‪} )20‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن قدرته على معاد البدان يوم القيامة ‪ ،‬بأنه خلق السموات والرض التي‬
‫هي أكبر من خلق الناس ‪ ،‬أفليس الذي قدر على خلق هذه السموات ‪ ،‬في ارتفاعها واتساعها‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وعظمتها وما فيها من الكواكب الثوابت والسيارات ‪ ،‬والحركات المختلفات ‪ ،‬واليات الباهرات ‪،‬‬
‫وهذه الرض بما فيها من مهاد ووهاد وأوتاد ‪ ،‬وبرارى وصحارى وقفار ‪ ،‬وبحار وأشجار ‪،‬‬
‫ونبات وحيوان ‪ ،‬على اختلف أصنافها ومنافعها ‪ ،‬وأشكالها وألوانها ؛ { َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ‬
‫ض وَلَمْ َي ْعيَ ِبخَ ْلقِهِنّ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ ا ْل َموْتَى بَلَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ت وَالرْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫خََلقَ ال ّ‬
‫خصِيمٌ مُبِينٌ‬
‫طفَةٍ فَإِذَا ُهوَ َ‬
‫} [الحقاف ‪ ، ]33 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَرَ النْسَانُ (‪ )1‬أَنّا خََلقْنَاهُ مِنْ ُن ْ‬
‫سيَ خَ ْلقَهُ قَالَ مَنْ ُيحْيِي ا ْلعِظَامَ وَ ِهيَ َرمِيمٌ ُقلْ ُيحْيِيهَا الّذِي أَنْشَأَهَا َأ ّولَ مَ ّرةٍ‬
‫َوضَرَبَ لَنَا مَثَل وَنَ ِ‬
‫خضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْ ُتمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ َأوَلَيْسَ الّذِي‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ الشّجَ ِر ال ْ‬
‫وَ ُهوَ ِب ُكلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الّذِي َ‬
‫ت وَالرْضَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ َيخْلُقَ مِثَْلهُمْ بَلَى وَ ُهوَ الْخَلقُ ا ْلعَلِيمُ إِ ّنمَا َأمْ ُرهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫خََلقَ ال ّ‬
‫جعُونَ } [يس ‪.]83 - 77 :‬‬
‫شيْ ٍء وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬
‫أَنْ َيقُولَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ فَسُ ْبحَانَ الّذِي بِيَ ِدهِ مََلكُوتُ ُكلّ َ‬
‫علَى اللّهِ ِبعَزِيزٍ } أي ‪ :‬بعظيم ول ممتنع ‪،‬‬
‫جدِي ٍد َومَا ذَِلكَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ َيشَأْ يُ ْذهِ ْبكُ ْم وَيَ ْأتِ بِخَ ْلقٍ َ‬
‫بل هو سهل عليه إذا خالفتم أمره ‪ ،‬أن يذهبكم ويأتي بآخرين على غير صفتكم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫حمِيدُ إِنْ يَشَأْ ُيذْهِ ْبكُ ْم وَيَ ْأتِ بِخَ ْلقٍ جَدِيدٍ َومَا‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّاسُ أَنْ ُتمُ ا ْلفُقَرَاءُ إِلَى اللّ ِه وَاللّهُ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ الْ َ‬
‫ذَِلكَ عَلَى اللّهِ ِبعَزِيزٍ } [فاطر ‪، ]17 - 15 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ولقد خلقنا النسان" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/487‬‬

‫ضعَفَاءُ لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا كُنّا َلكُمْ تَ َبعًا َف َهلْ أَنْتُمْ ُمغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذَابِ‬
‫جمِيعًا َفقَالَ ال ّ‬
‫وَبَرَزُوا لِلّهِ َ‬
‫سوَاءٌ عَلَيْنَا َأجَزِعْنَا أَ ْم صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (‪)21‬‬
‫شيْءٍ قَالُوا َلوْ هَدَانَا اللّهُ َل َهدَيْنَاكُمْ َ‬
‫اللّهِ مِنْ َ‬

‫وقال ‪ { :‬وَإِنْ تَ َتوَّلوْا َيسْتَبْ ِدلْ َق ْومًا غَيْ َركُمْ ثُمّ ل َيكُونُوا َأمْثَاَلكُمْ } [محمد ‪ ، ]38 :‬وقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫س ْوفَ يَأْتِي اللّهُ ِبقَوْمٍ ُيحِ ّبهُ ْم وَ ُيحِبّونَهُ } [المائدة ‪ ، ]54 :‬وقال‬
‫الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِ ْنكُمْ عَنْ دِينِهِ فَ َ‬
‫ن َوكَانَ اللّهُ عَلَى ذَِلكَ قَدِيرًا } [النساء ‪.]133 :‬‬
‫س وَيَ ْأتِ بِآخَرِي َ‬
‫‪ { :‬إِنْ يَشَأْ ُيذْهِ ْبكُمْ أَ ّيهَا النّا ُ‬
‫عذَابِ‬
‫ض َعفَاءُ لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا كُنّا َلكُمْ تَ َبعًا َفهَلْ أَنْ ُتمْ ُمغْنُونَ عَنّا مِنْ َ‬
‫جمِيعًا َفقَالَ ال ّ‬
‫{ وَبَرَزُوا لِلّهِ َ‬
‫سوَاءٌ عَلَيْنَا َأجَزِعْنَا أَ ْم صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (‪} )21‬‬
‫شيْءٍ قَالُوا َلوْ هَدَانَا اللّهُ َل َهدَيْنَاكُمْ َ‬
‫اللّهِ مِنْ َ‬
‫يقول ‪ { :‬وَبَرَزُوا [لِلّهِ] (‪ } )1‬أي ‪ :‬برزت الخلئق كلها ‪ ،‬برها وفاجرها ل وحده الواحد القهار ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬اجتمعوا له في براز (‪ )2‬من الرض ‪ ،‬وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحدا‪.‬‬
‫ضعَفَاءُ } وهم التباع لقادتهم وسادتهم وكبرائهم الذين استكبروا عن عبادة‪.‬‬
‫{ َفقَالَ ال ّ‬
‫ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وعن موافقة الرسل ‪ ،‬فقالوا لهم ‪ { :‬إِنّا كُنّا َلكُمْ تَ َبعًا } أي ‪ :‬مهما أمرتمونا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬فهل تدفعون عنا شيئًا من‬
‫ائتمرنا وفعلنا ‪َ { ،‬ف َهلْ أَنْتُمْ ُمغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِنْ َ‬
‫عذاب ال ‪ ،‬كما كنتم تعدوننا وتمنوننا ؟ فقالت القادة لهم ‪َ { :‬لوْ هَدَانَا اللّهُ َل َهدَيْنَاكُمْ } ولكن حق‬
‫علينا قول ربنا ‪ ،‬وسبق فينا وفيكم قدر ال ‪ ،‬وحقت كلمة العذاب على الكافرين‪.‬‬
‫سوَاءٌ عَلَيْنَا َأجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } أي ‪ :‬ليس لنا خَلص مما نحن فيه إن صبرنا‬
‫{ َ‬
‫عليه أو جزعنا منه‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬إن أهل النار قال بعضهم لبعض ‪ :‬تعالوا ‪ ،‬فإنما أدرك أهل‬
‫الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬تعالوا نبك ونتضرع إلى ال فبكوا وتضرعوا‬
‫‪ ،‬فلما رأوا ذلك ل ينفعهم قالوا ‪ :‬تعالوا ‪ ،‬فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر ‪ ،‬تعالوا حتى‬
‫سوَاءٌ عَلَيْنَا َأجَزِعْنَا أَمْ‬
‫نصبر فصبروا صبرا لم ير مثله ‪ ،‬فلم ينفعهم ذلك ‪ ،‬فعند ذلك قالوا (‪َ { )3‬‬
‫صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ }‬
‫قلت ‪ :‬والظاهر أن هذه المراجعة في النار بعد دخولهم إليها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذْ يَ َتحَاجّونَ فِي‬
‫ض َعفَاءُ لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا كُنّا َلكُمْ تَ َبعًا َف َهلْ أَنْتُمْ ُمغْنُونَ عَنّا َنصِيبًا مِنَ النّارِ قَالَ الّذِينَ‬
‫النّارِ فَ َيقُولُ ال ّ‬
‫حكَمَ بَيْنَ ا ْلعِبَادِ } [غافر ‪ ، ]48 ، 47 :‬وقال تعالى ‪ { :‬قَالَ ا ْدخُلُوا‬
‫اسْ َتكْبَرُوا إِنّا ُكلّ فِيهَا إِنّ اللّهَ قَدْ َ‬
‫ن وَالنْسِ فِي النّارِ كُّلمَا َدخََلتْ ُأمّةٌ َلعَ َنتْ أُخْ َتهَا حَتّى إِذَا ادّا َركُوا‬
‫فِي ُأ َممٍ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلكُمْ مِنَ ا ْلجِ ّ‬
‫ضعْفًا مِنَ (‪ )4‬النّارِ قَالَ ِل ُكلّ‬
‫عذَابًا ِ‬
‫جمِيعًا قَاَلتْ أُخْرَاهُ ْم لولهُمْ رَبّنَا َهؤُلءِ َأضَلّونَا فَآ ِتهِمْ َ‬
‫فِيهَا َ‬
‫ضلٍ فَذُوقُوا ا ْلعَذَابَ ِبمَا‬
‫ن َوقَاَلتْ أُول ُهمْ لخْرَا ُهمْ َفمَا كَانَ َلكُمْ عَلَيْنَا مِنْ َف ْ‬
‫ف وََلكِنْ ل َتعَْلمُو َ‬
‫ضعْ ٌ‬
‫ِ‬
‫كُنْتُمْ َتكْسِبُونَ } [العراف ‪، ]39 ، 38 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬برار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬

‫( ‪)4/488‬‬

‫ق َووَعَدْ ُتكُمْ فََأخَْلفْ ُتكُمْ َومَا كَانَ ِليَ عَلَ ْيكُمْ مِنْ‬
‫حّ‬‫عدَ الْ َ‬
‫ضيَ الَْأمْرُ إِنّ اللّ َه وَعَ َدكُ ْم وَ ْ‬
‫َوقَالَ الشّيْطَانُ َلمّا ُق ِ‬
‫خكُ ْم َومَا أَنْ ُتمْ‬
‫س ُكمْ مَا أَنَا ِب ُمصْرِ ِ‬
‫عوْ ُتكُمْ فَاسْ َتجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَ ْنفُ َ‬
‫سُ ْلطَانٍ إِلّا أَنْ دَ َ‬
‫خلَ الّذِينَ َآمَنُوا‬
‫خيّ إِنّي َكفَ ْرتُ ِبمَا أَشْ َركْ ُتمُونِ مِنْ قَ ْبلُ إِنّ الظّاِلمِينَ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )22‬وَأُدْ ِ‬
‫ِب ُمصْرِ ِ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِِإذْنِ رَ ّبهِمْ َتحِيّ ُتهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (‪)23‬‬
‫وَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طعْنَا الرّسُول َوقَالُوا رَبّنَا‬
‫طعْنَا اللّ َه وََأ َ‬
‫ب وُجُو ُههُمْ فِي النّارِ َيقُولُونَ يَا لَيْتَنَا َأ َ‬
‫وقال تعالى ‪َ { :‬ي ْومَ ُتقَلّ ُ‬
‫ب وَا ْلعَ ْنهُمْ َلعْنًا كَبِيرًا }‬
‫ضعْفَيْنِ مِنَ ا ْلعَذَا ِ‬
‫طعْنَا سَادَتَنَا َوكُبَرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيل رَبّنَا آ ِت ِه ْم ِ‬
‫إِنّا َأ َ‬
‫[الحزاب ‪.]68 - 66 :‬‬
‫وأما تخاصمهم في المحشر ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِذِ الظّاِلمُونَ (‪َ )1‬م ْوقُوفُونَ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ يَ ْرجِعُ‬
‫ضعِفُوا لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا َلوْل أَنْ ُتمْ َلكُنّا ُم ْؤمِنِينَ قَالَ الّذِينَ‬
‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ ا ْلقَ ْولَ َيقُولُ الّذِينَ اسْ ُت ْ‬
‫َب ْع ُ‬
‫ن َوقَالَ الّذِينَ‬
‫ن صَدَدْنَا ُكمْ عَنِ ا ْلهُدَى َب ْعدَ إِذْ جَا َء ُكمْ َبلْ كُنْتُمْ مُجْ ِرمِي َ‬
‫ض ِعفُوا أَ َنحْ ُ‬
‫اسْ َتكْبَرُوا لِلّذِينَ اسْ ُت ْ‬
‫ج َعلَ َلهُ أَنْدَادًا وَأَسَرّوا‬
‫ل وَال ّنهَارِ إِذْ تَ ْأمُرُونَنَا أَنْ َن ْكفُرَ بِاللّ ِه وَ َن ْ‬
‫ض ِعفُوا لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا َبلْ َمكْرُ اللّ ْي ِ‬
‫اسْ ُت ْ‬
‫جعَلْنَا الغْللَ فِي أَعْنَاقِ الّذِينَ كَفَرُوا َهلْ يُجْ َزوْنَ إِل مَا كَانُوا‬
‫ب وَ َ‬
‫(‪ )2‬النّدَامَةَ َلمّا رََأوُا ا ْلعَذَا َ‬
‫َي ْعمَلُونَ } [سبأ ‪.]33 - 31 :‬‬
‫ق َووَعَدْ ُتكُمْ فََأخَْلفْ ُتكُ ْم َومَا كَانَ لِي عَلَ ْي ُكمْ‬
‫حّ‬‫ضيَ المْرُ إِنّ اللّ َه وَعَ َدكُمْ وَعْدَ الْ َ‬
‫{ َوقَالَ الشّ ْيطَانُ َلمّا ُق ِ‬
‫خ ُك ْم َومَا أَنْتُمْ‬
‫سكُمْ مَا أَنَا ِب ُمصْرِ ِ‬
‫عوْ ُتكُمْ فَاسْتَجَبْ ُتمْ لِي فَل تَلُومُونِي وَلُومُوا أَ ْنفُ َ‬
‫مِنْ سُ ْلطَانٍ إِل أَنْ دَ َ‬
‫خلَ الّذِينَ آمَنُوا‬
‫خيّ إِنّي َكفَ ْرتُ ِبمَا أَشْ َركْ ُتمُونِ مِنْ قَ ْبلُ إِنّ الظّاِلمِينَ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )22‬وَأُدْ ِ‬
‫ِب ُمصْرِ ِ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَ ّبهِمْ تَحِيّ ُتهُمْ فِيهَا سَلمٌ (‬
‫وَ َ‬
‫‪} )23‬‬
‫يخبر تعالى عما خطب به إبليس [لعنه ال] (‪ )3‬أتباعه ‪ ،‬بعدما قضى ال بين عباده ‪ ،‬فأدخل‬
‫المؤمنين الجنات ‪ ،‬وأسكن الكافرين الدركات ‪ ،‬فقام فيهم إبليس ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬حينئذ خطيبا ليزيدهم‬
‫حزنا إلى حزنهم (‪ )4‬وغَبنا إلى غبْنهم ‪ ،‬وحسرة إلى حسرتهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إِنّ اللّ َه وَعَ َدكُ ْم وَعْدَ‬
‫حقّ } أي ‪ :‬على ألسنة رسله ‪ ،‬ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلمة ‪ ،‬وكان وعدًا حقا ‪ ،‬وخبرا‬
‫الْ َ‬
‫صدقا ‪ ،‬وأما أنا فوعدتكم وأخلفتكم ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪َ { :‬يعِدُ ُه ْم وَ ُيمَنّيهِ ْم َومَا َي ِعدُهُمُ الشّ ْيطَانُ إِل‬
‫غُرُورًا } [النساء ‪.]120 :‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَا كَانَ لِي عَلَ ْي ُكمْ مِنْ سُ ْلطَانٍ } أي ‪ :‬ما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه من دليل ول‬
‫عوْ ُتكُمْ فَاسْ َتجَبْتُمْ لِي } بمجرد ذلك ‪ ،‬هذا وقد أقامت‬
‫حجة على صدق ما وعدتكم به ‪ { ،‬إِل أَنْ دَ َ‬
‫عليكم الرسل الحجج والدلة الصحيحة على صدق ما جاءوكم به ‪ ،‬فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم‬
‫سكُمْ } فإن الذنب لكم ‪ ،‬لكونكم خالفتم الحجج‬
‫فيه ‪ { ،‬فَل تَلُومُونِي } اليوم ‪ { ،‬وَلُومُوا أَ ْنفُ َ‬
‫واتبعتموني بمجرد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المجرمون" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وأسر وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬خزيا إلى خزيهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/489‬‬

‫خكُمْ } أي ‪ :‬بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه ‪،‬‬


‫ما دعوتكم إلى الباطل ‪ { ،‬مَا أَنَا ِب ُمصْرِ ِ‬
‫خيّ } أي ‪ :‬بنافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال ‪ { ،‬إِنّي َكفَ ْرتُ ِبمَا‬
‫{ َومَا أَنْتُمْ ِب ُمصْرِ ِ‬
‫أَشْ َركْ ُتمُونِ مِنْ قَ ْبلُ }‬
‫قال قتادة ‪ :‬أي بسبب ما أشركتمون من قبل‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬يقول ‪ :‬إني جحدت أن أكون شريكا ل ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫ضلّ ِممّنْ َيدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ ل‬
‫وهذا الذي قال هو الراجح (‪ )1‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َأ َ‬
‫حشِرَ النّاسُ كَانُوا َلهُمْ أَعْدَا ًء َوكَانُوا‬
‫يَسْ َتجِيبُ َلهُ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة وَهُمْ عَنْ دُعَا ِئهِمْ غَافِلُونَ وَِإذَا ُ‬
‫ِبعِبَادَ ِتهِمْ كَافِرِينَ } [الحقاف ‪ ، ]6 ، 5 :‬وقال ‪ { :‬كَل سَ َيكْفُرُونَ ِبعِبَادَ ِتهِ ْم وَ َيكُونُونَ عَلَ ْي ِه ْم ضِدّا }‬
‫[مريم ‪.]82 :‬‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ }‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ الظّاِلمِينَ } أي ‪ :‬في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل { َلهُمْ َ‬
‫والظاهر من سياق الية ‪ :‬أن هذه الخطبة تكون من إبليس بعد دخولهم النار ‪ ،‬كما قدمنا‪ .‬ولكن قد‬
‫ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم ‪ -‬وهذا لفظه ‪ -‬وابن جرير من رواية عبد الرحمن بن زياد ‪:‬‬
‫حجْري ‪ ،‬عن عقبة بن عامر ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫حدثني دخين (‪ )2‬ال َ‬
‫"إذا جمع ال الولين والخرين ‪ ،‬فقضى بينهم ‪ ،‬ففرغ من القضاء ‪ ،‬قال المؤمنون ‪ :‬قد قضى بيننا‬
‫ربنا ‪ ،‬فمن يشفع لنا ؟ فيقولون ‪ :‬انطلقوا بنا إلى آدم ‪ -‬وذكر نوحا ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وموسى ‪،‬‬
‫وعيسى ‪ -‬فيقول عيسى ‪ :‬أدلكم على النبي المي‪ .‬فيأتوني ‪ ،‬فيأذن ال لي أن أقوم إليه فيثور (‪)3‬‬
‫[من] (‪ )4‬مجلسي من أطيب ريح شمها أحد قط ‪ ،‬حتى آتي ربي فيشفعني ‪ ،‬ويجعل لي نورا من‬
‫شعر رأسي إلى ظفر قدمي ‪ ،‬ثم يقول الكافرون هذا ‪ :‬قد وجد المؤمنون من يشفع لهم ‪ ،‬فمن يشفع‬
‫لنا ؟ ما هو إل إبليس هو الذي أضلنا ‪ ،‬فيأتون إبليس فيقولون ‪ :‬قد وجد المؤمنون من يشفع لهم ‪،‬‬
‫فقم أنت فاشفع لنا ‪ ،‬فإنك أنت أضللتنا‪ .‬فيقوم فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط ‪ ،‬ثم‬
‫ق َووَعَدْ ُتكُمْ‬
‫حّ‬‫ي المْرُ إِنّ اللّهَ وَعَ َدكُ ْم وَعْدَ الْ َ‬
‫يعظم نحيبهم (‪َ { )5‬وقَالَ (‪ )6‬الشّيْطَانُ َلمّا ُقضِ َ‬
‫سكُمْ }‬
‫عوْ ُتكُمْ فَاسْ َتجَبْتُمْ لِي فَل تَلُومُونِي وَلُومُوا أَ ْنفُ َ‬
‫سلْطَانٍ إِل أَنْ دَ َ‬
‫فَأَخَْلفْ ُتكُ ْم َومَا كَانَ لِي عَلَ ْيكُمْ مِنْ ُ‬
‫(‪.)7‬‬
‫وهذا سياق ابن أبي حاتم ‪ ،‬ورواه ابن المبارك عن ِرشْدين بن سعد ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن زياد‬
‫عقْبَة ‪ ،‬به مرفوعا (‪.)9‬‬
‫بن أنعم ‪ ،‬عن ُدخَيْن (‪ )8‬عن ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الرجح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬دجين"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيفور"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بجهنم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويقول" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )16/562‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )17/320‬من طريق ابن‬
‫وهب ‪ :‬أخبرني ابن نعيم (كذا في المعجم) عن دخين ‪ ،‬عن عقبة مرفوعا‪ .‬وقال الهيثمي في‬
‫المجمع (‪" : )10/376‬فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ‪ ،‬وهو ضعيف" وضعف السيوطي إسناده‬
‫أيضا‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬دجين"‪.‬‬
‫(‪ )9‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )16/562‬من طريق سويد بن نصر ‪ ،‬عن ابن المبارك به‪.‬‬

‫( ‪)4/490‬‬

‫سمَاءِ (‪)24‬‬
‫عهَا فِي ال ّ‬
‫شجَ َرةٍ طَيّبَةٍ َأصُْلهَا ثَا ِبتٌ َوفَرْ ُ‬
‫أَلَمْ تَرَ كَ ْيفَ ضَ َربَ اللّهُ مَثَلًا كَِلمَةً طَيّ َبةً كَ َ‬

‫سوَاءٌ عَلَيْنَا َأجَزِعْنَا َأ ْم صَبَرْنَا‬


‫وقال محمد بن كعب القُرظي ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬لما قال أهل النار ‪َ { :‬‬
‫مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } قال لهم إبليس ‪ { :‬إِنّ اللّ َه وَعَ َد ُك ْم وَعْدَ ا ْلحَقّ } الية ‪ ،‬فلما سمعوا مقالته مقتوا‬
‫عوْنَ إِلَى اليمَانِ فَ َت ْكفُرُونَ } [غافر ‪:‬‬
‫سكُمْ إِذْ تُدْ َ‬
‫أنفسهم ‪ ،‬فنودوا ‪َ { :‬ل َمقْتُ اللّهِ َأكْبَرُ مِنْ َمقْتِكُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫‪.]10‬‬
‫وقال عامر الشعبي ‪ :‬يقوم خطيبان يوم القيامة على رءوس الناس ‪ ،‬يقول ال لعيسى ابن مريم ‪{ :‬‬
‫أَأَ ْنتَ قُ ْلتَ لِلنّاسِ اتّخِذُونِي وَُأ ّميَ إَِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ } إلى قوله ‪ { :‬قَالَ اللّهُ هَذَا َيوْمُ يَ ْنفَعُ الصّا ِدقِينَ‬
‫صِ ْد ُقهُمْ } [المائدة ‪ ، ]119 ، 116 :‬قال ‪ :‬ويقوم إبليس ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬فيقول ‪َ { :‬ومَا كَانَ لِي عَلَ ْيكُمْ‬
‫عوْ ُتكُمْ فَاسْتَجَبْ ُتمْ لِي } الية‪.‬‬
‫مِنْ سُ ْلطَانٍ إِل أَنْ دَ َ‬
‫ثم لما ذكر تعالى مآل الشقياء وما صاروا إليه من الخزي وال ّنكَال‪ .‬وأن خطيبهم إبليس ‪ ،‬عطف‬
‫بحال السعداء وأنهم يدخلون يوم القيامة جنات تجري من تحتها النهار سارحة فيها حيث ساروا‬
‫وأين ساروا (‪ { )1‬خَاِلدِينَ فِيهَا } ماكثين أبدا ل يحولون ول يزولون ‪ { ،‬بِإِذْنِ رَ ّبهِمْ تَحِيّ ُتهُمْ فِيهَا‬
‫حتْ أَ ْبوَا ُبهَا َوقَالَ َلهُمْ خَزَنَ ُتهَا سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ } [الزمر‬
‫سَلمٌ } كما قال تعالى ‪ { :‬حَتّى ِإذَا جَاءُوهَا َوفُتِ َ‬
‫‪ ، ]73 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَا ْلمَل ِئكَةُ يَ ْدخُلُونَ عَلَ ْيهِمْ مِنْ ُكلّ بَابٍ سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ } [الرعد ‪]24 ، 23 :‬‬
‫عوَا ُهمْ فِيهَا سُ ْبحَا َنكَ الّلهُمّ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬وَيَُل ّقوْنَ فِيهَا َتحِيّ ًة وَسَلمًا } [الفرقان ‪ ، ]75 :‬وقال ‪ { :‬دَ ْ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [يونس ‪.]10 :‬‬
‫عوَا ُهمْ أَنِ ا ْل َ‬
‫وَتَحِيّ ُتهُمْ فِيهَا سَل ٌم وَآخِرُ دَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمَاءِ (‪} )24‬‬
‫عهَا فِي ال ّ‬
‫ت َوفَرْ ُ‬
‫شجَ َرةٍ طَيّبَةٍ َأصُْلهَا ثَا ِب ٌ‬
‫ف ضَ َربَ اللّهُ مَثَل كَِلمَةً طَيّبَةً كَ َ‬
‫{ أََلمْ تَرَ كَ ْي َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬شاءوا أين شاءوا" وفي أ ‪" :‬شاءوا حيث شاءوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/491‬‬

‫ُتؤْتِي ُأكَُلهَا ُكلّ حِينٍ بِِإذْنِ رَ ّبهَا وَ َيضْ ِربُ اللّهُ الَْأمْثَالَ لِلنّاسِ َلعَّل ُهمْ يَتَ َذكّرُونَ (‪َ )25‬ومَثَلُ كَِلمَةٍ خَبِيثَةٍ‬
‫كَشَجَ َرةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُ ّثتْ مِنْ َفوْقِ الْأَ ْرضِ مَا َلهَا مِنْ قَرَارٍ (‪)26‬‬

‫{ ُتؤْتِي ُأكَُلهَا ُكلّ حِينٍ بِإِذْنِ رَ ّبهَا وَ َيضْرِبُ اللّهُ المْثَالَ لِلنّاسِ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ (‪َ )25‬ومَثَلُ كَِلمَةٍ‬
‫خَبِي َثةٍ كَشَجَ َرةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُ ّثتْ مِنْ َفوْقِ ال ْرضِ مَا َلهَا مِنْ قَرَارٍ (‪} )26‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬مَثَل كَِلمَةً طَيّبَةً } شهادة أن ل إله إل ال ‪{ ،‬‬
‫عهَا‬
‫كَشَجَ َرةٍ طَيّبَةٍ } وهو المؤمن ‪َ { ،‬أصُْلهَا ثَا ِبتٌ } يقول ‪ :‬ل إله إل ال في قلب المؤمن ‪َ { ،‬وفَرْ ُ‬
‫سمَاءِ } يقول ‪ :‬يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء‪.‬‬
‫فِي ال ّ‬
‫عكْرِمة وقتادة وغير واحد ‪ :‬إن ذلك عبارة عن المؤمن‬
‫وهكذا قال الضحاك ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬و ِ‬
‫‪ ،‬وقوله الطيب ‪ ،‬وعمله الصالح ‪ ،‬وإن المؤمن كالشجرة من النخل ‪ ،‬ل يزال يرفع له عمل صالح‬
‫في كل حين ووقت ‪ ،‬وصباح ومساء‪.‬‬
‫وهكذا رواه السّدّي ‪ ،‬عن مُرّة ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬هي النخلة‪.‬‬
‫وشعبة ‪ ،‬عن معاوية بن قُرَة ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬هي النخلة‪.‬‬

‫( ‪)4/491‬‬

‫وحماد بن سلمة ‪ ،‬عن شعيب بن الحبحاب ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتي‬
‫بقناع بُسْر فقال ‪" )1( :‬ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة" قال ‪" :‬هي النخلة" (‪.)2‬‬
‫وروي من هذا الوجه ومن غيره ‪ ،‬عن أنس موقوفا (‪ )3‬وكذا نص عليه مسروق ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة وغيرهم‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا عُبَيدُ بن إسماعيل ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬عن عبيد ال ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن‬
‫عمر قال ‪ :‬كنا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬أخبروني عن شجرة تشبه ‪ -‬أو ‪:‬‬
‫كالرجل ‪ -‬المسلم ‪ ،‬ل يتحات ورقها [ول ول ول] (‪ )4‬تؤتي أكلها كل حين"‪ .‬قال ابن عمر ‪:‬‬
‫فوقع في نفسي أنها النخلة ‪ ،‬ورأيت أبا بكر وعمر ل يتكلمان ‪ ،‬فكرهت أن أتكلم ‪ ،‬فلما لم يقولوا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شيئا ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هي النخلة"‪ .‬فلما قمنا قلت لعمر ‪ :‬يا أبتا ‪ ،‬وال لقد‬
‫كان وقع في نفسي أنها النخلة‪ .‬قال ‪ :‬ما منعك أن تكلم ؟ قال ‪ :‬لم أركم تتكلمون ‪ ،‬فكرهت أن‬
‫أتكلم أو أقول شيئا‪ .‬قال عمر ‪ :‬لن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا (‪.)5‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬صحبت ابن عمر إلى المدينة ‪ ،‬فلم‬
‫أسمعه يحدث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم إل حديثا واحدا ‪ -‬قال ‪ :‬كنا عند رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فأتى بجمار‪ .‬فقال ‪" :‬من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم"‪ .‬فأردت أن‬
‫أقول ‪ :‬هي النخلة ‪ ،‬فنظرت فإذا أنا أصغر القوم ‪[ ،‬فسكت] (‪ )6‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬هي النخلة" أخرجاه (‪.)7‬‬
‫وقال مالك وعبد العزيز ‪ ،‬عن عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يوما لصحابه ‪" :‬إن من الشجر شجرة ل يطرح ورقها ‪ ،‬مثل المؤمن"‪ .‬قال ‪ :‬فوقع‬
‫الناس في شجر البوادي ‪ ،‬ووقع في قلبي أنها النخلة [فاستحييت ‪ ،‬حتى قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬هي النخلة]" (‪ )8‬أخرجاه أيضا (‪.)9‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أبان ‪ -‬يعني ابن زيد العطار‬
‫‪ -‬حدثنا قتادة ‪ :‬أن رجل قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ذهب أهل الدثور بالجور! فقال ‪" :‬أرأيت لو عمد‬
‫إلى متاع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقرأ" والمثبت من الطبري والترمذي‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )16/570‬والترمذي في السنن برقم (‪ )3119‬من طريق حماد بن‬
‫سلمة به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬وروى غير واحد مثل هذا موقوفا ‪ ،‬ول نعلم أحدا رفعه غير حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬ورواه معمر وحماد بن زيد وغير واحد ولم يرفعوه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أنس بن مالك نحوه موقوفا ‪ ،‬أخرجه‬
‫الترمذي في السنن برقم (‪ )3119‬ورواه حماد بن زيد ‪ ،‬عن شعيب بن الحبحاب ‪ ،‬عن أنس‬
‫موقوفا ‪ ،‬أخرجه الترمذي في السنن برقم (‪.)3119‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4698‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/12‬وصحيح البخاري برقم (‪ )72‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2811‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والصحيحين‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪ )131‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2811‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/492‬‬

‫الدنيا ‪ ،‬فركب بعضها على بعض أكان يبلغ السماء ؟ أفل أخبرك بعمل أصله في الرض وفرعه‬
‫في السماء ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ما هو يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬تقول ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬وال أكبر ‪ ،‬وسبحان ال‬
‫‪ ،‬والحمد ل" ‪ ،‬عشر مرات في دبر كل صلة ‪ ،‬فذاك أصله في الرض وفرعه في السماء" (‪.)1‬‬
‫وعن ابن عباس { كَشَجَ َرةٍ طَيّبَةٍ } قال ‪ :‬هي شجرة في الجنة‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬تؤْتِي ُأكَُلهَا ُكلّ حِينٍ } قيل ‪ :‬غُدوة وعَشيا‪ .‬وقيل ‪ :‬كل شهر‪ .‬وقيل ‪ :‬كل شهرين‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬كل ستة أشهر‪ .‬وقيل ‪ :‬كل سبعة أشهر‪ .‬وقيل ‪ :‬كل سنة‪.‬‬
‫والظاهر من السياق ‪ :‬أن المؤمن مثله كمثل شجرة ‪ ،‬ل يزال يوجد منها ثمر في كل وقت من‬
‫صيف أو شتاء ‪ ،‬أو ليل أو نهار ‪ ،‬كذلك المؤمن ل يزال يرفع له عمل صالح آناء الليل وأطراف‬
‫النهار في كل وقت وحين‪.‬‬
‫{ بِِإذْنِ رَ ّبهَا } أي ‪ :‬كامل حسنا كثيرا طيبا ‪ { ،‬وَ َيضْرِبُ اللّ ُه المْثَالَ لِلنّاسِ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ }‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَ َثلُ كَِلمَةٍ خَبِي َثةٍ كَشَجَ َرةٍ خَبِيثَةٍ } هذا مثل كفر الكافر ‪ ،‬ل أصل له ول ثبات ‪ ،‬وشبه‬
‫بشجرة الحنظل ‪ ،‬ويقال لها ‪" :‬الشريان"‪[ .‬رواه شعبة ‪ ،‬عن معاوية بن قُرّة ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪:‬‬
‫أنها شجرة الحنظل] (‪.)2‬‬
‫وقال أبو بكر البزار الحافظ ‪ :‬حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ‪ ،‬حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع ‪،‬‬
‫حدثنا شعبة ‪ ،‬عن معاوية بن قرة ‪ ،‬عن أنس ‪ -‬أحسَبه رفعه ‪ -‬قال ‪" :‬مثل كلمة طيبة كشجرة‬
‫شجَ َرةٍ خَبِي َثةٍ } قال ‪ :‬هي الشّرْيان (‪.)3‬‬
‫طيبة" ‪ ،‬قال ‪ :‬هي النخلة ‪َ { ،‬ومَ َثلُ كَِلمَةٍ خَبِي َثةٍ كَ َ‬
‫ثم رواه عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن غُ ْندَر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن معاوية ‪ ،‬عن أنس موقوفا (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ -‬هو ابن سلمة ‪ -‬عن‬
‫شعيب بن الحَبْحاب عن أنس بن مالك ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ومثل كلمة خبيثة‬
‫كشجرة خبيثة" هي الحنظلة"‪ .‬فأخبرت بذلك أبا العالية فقال ‪ :‬هكذا كنا نسمع‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به (‪ )5‬ورواه أبو يعلى في مسنده بأبسط من هذا‬
‫فقال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أورده السيوطي في الدر المنثور (‪ )5/22‬وعزاه لبن أبي حاتم ‪ ،‬وهو مرسل‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أنس مرفوعا مثله رواه الطبري في تفسيره‬
‫(‪.)585 ، 16/570‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )16/583‬عن محمد بن المثنى به موقوفا ‪ ،‬ورواه شبابة وعمرو‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بن الهيثم ‪ ،‬عن شعبة فأوقفوه‪ .‬انظر ‪ :‬تفسير الطبري (‪.)16/583‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)16/585‬‬

‫( ‪)4/493‬‬

‫ن وَ َي ْفعَلُ اللّهُ مَا‬


‫ضلّ اللّهُ الظّاِلمِي َ‬
‫يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ َآمَنُوا بِا ْل َق ْولِ الثّا ِبتِ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الْآَخِ َرةِ وَيُ ِ‬
‫يَشَاءُ (‪)27‬‬

‫حدثنا غسان ‪ ،‬عن حماد ‪ ،‬عن شعيب ‪ ،‬عن أنس ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتي بقناع‬
‫عليه ُبسْر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة ‪ ،‬أصلها ثابت وفرعها في السماء‪ .‬تؤتي أكلها‬
‫شجَ َرةٍ خَبِي َثةٍ اجْتُ ّثتْ مِنْ َفوْقِ ال ْرضِ‬
‫كل حين بإذن ربها فقال ‪" :‬هي النخلة" { َومَ َثلُ كَِلمَةٍ خَبِيثَةٍ كَ َ‬
‫مَا َلهَا مِنْ قَرَارٍ } قال ‪" :‬هي الحنظل" (‪ )1‬قال شعيب ‪ :‬فأخبرت بذلك أبا العالية فقال ‪ :‬كذلك كنا‬
‫نسمع (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬اجْتُ ّثتْ } أي ‪ :‬استؤصلت { مِنْ َفوْقِ ال ْرضِ مَا َلهَا مِنْ قَرَارٍ } أي ‪ :‬ل أصل لها ول‬
‫ثبات ‪ ،‬كذلك الكفر ل أصل له ول فرع ‪ ،‬ول يصعد للكافر عمل ‪ ،‬ول يتقبل منه شيء‪.‬‬
‫ن وَ َي ْف َعلُ اللّهُ‬
‫{ يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْل َقوْلِ الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ وَ ُيضِلّ اللّهُ الظّاِلمِي َ‬
‫مَا يَشَاءُ (‪} )27‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا أبو الوليد ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬أخبرني علقمة بن مَرْثَد قال ‪ :‬سمعت سعد بن‬
‫عبيدة ‪ ،‬عن البراء بن عازب ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬المسلم‬
‫إذا سئل في القبر ‪ ،‬شهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ‬
‫آمَنُوا بِا ْل َقوْلِ الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } (‪.)3‬‬
‫ورواه مسلم أيضا و َبقِيّة الجماعة كلهم ‪ ،‬من حديث شعبة ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن المِ ْنهَال بن عمرو ‪ ،‬عن زاذان ‪ ،‬عن‬
‫البراء بن عازب قال ‪ :‬خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في جنازة رجل من النصار ‪،‬‬
‫فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ‪ ،‬فجلس رسول ال صلى ال عليه وسلم وجلسنا حوله ‪ ،‬كأن على‬
‫رءوسنا الطير ‪ ،‬وفي يده عود يَنْكت به في الرض ‪ ،‬فرفع رأسه فقال ‪" :‬استعيذوا بال من عذاب‬
‫القبر" ‪ ،‬مرتين أو ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من‬
‫الخرة نزل إليه ملئكة من السماء ‪ ،‬بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ‪ ،‬معهم كفن من أكفان‬
‫الجنة وحَنُوط من حَنُوط الجنة ‪ ،‬حتى يجلسوا منه مد البصر‪ .‬ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس‬
‫عند رأسه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أيتها النفس الطيبة ‪ ،‬اخرجي إلى مغفرة من ال ورضوان"‪ .‬قال ‪" :‬فتخرج‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سقَاء فيأخذها ‪ ،‬فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ‪ ،‬حتى‬
‫تسيل كما تسيل القطرة من فِي ال ّ‬
‫يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنُوط ‪ ،‬ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على‬
‫وجه الرض‪ .‬فيصعدون بها ‪ ،‬فل يمرون ‪ -‬يعني بها ‪ -‬على مل من الملئكة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الحنظلة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3119‬عن عبد بن حميد ‪ ،‬عن أبي الوليد ‪ ،‬عن حماد بن‬
‫سلمة به نحوه ‪ ،‬وقد سبق الكلم عليه‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4699‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪ )2871‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4750‬وسنن الترمذي برقم (‪)3120‬‬
‫وسنن النسائي (‪ )4/101‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)4269‬‬

‫( ‪)4/494‬‬

‫إل قالوا ‪ :‬ما هذا الروح [الطيب] (‪ )1‬؟ فيقولون ‪ :‬فلن ابن فلن ‪ ،‬بأحسن أسمائه التي [كانوا] (‬
‫‪ )2‬يسمونه بها في الدنيا ‪ ،‬حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا ‪ ،‬فيستفتحون له ‪ ،‬فيفتح له ‪ ،‬فيشيعه‬
‫من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ‪ ،‬حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة ‪ ،‬فيقول ال ‪:‬‬
‫اكتبوا كتاب عبدي في عِليين ‪ ،‬وأعيدوه إلى الرض ‪ ،‬فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ‪ ،‬ومنها‬
‫أخرجهم تارة أخرى"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ف ُتعَاد روحه [في جسده] (‪ )3‬فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولن له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬ربي‬
‫ال‪ .‬فيقولن له ‪ :‬ما دينك ؟ فيقول ‪ :‬ديني السلم‪ .‬فيقولن له ‪ :‬ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم ؟‬
‫فيقول ‪ :‬هو رسول ال‪ .‬فيقولن له ‪ :‬وما علمك ؟ فيقول ‪ :‬قرأت كتاب ال ‪ ،‬فآمنت به وصدقت‪.‬‬
‫فينادي مناد من السماء ‪ :‬أن صدق عبدي ‪ ،‬فأفرشوه من الجنة ‪ ،‬وألبسوه من الجنة ‪ ،‬وافتحوا له‬
‫بابًا إلى الجنة ‪ -‬قال ‪ :‬فيأتيه من َر ْوحِها وطيبها ‪ ،‬ويفسح له في قبره مد بصره‪ .‬ويأتيه رجل‬
‫حسن الوجه ‪ ،‬حسن الثياب ‪ ،‬طيب الريح ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أبشر بالذي يسرك ‪ ،‬هذا يومك الذي كنت‬
‫توعد‪ .‬فيقول له من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير‪ .‬فيقول ‪ :‬أنا عملك الصالح‪ .‬فيقول ‪ :‬رب‬
‫أقم الساعة‪ .‬رب ‪ ،‬أقم الساعة ‪ ،‬حتى أرجع إلى أهلي ومالي"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الخرة ‪ ،‬نزل إليه من السماء‬
‫ملئكة سود الوجوه ‪ ،‬معهم المُسُوح ‪ ،‬فجلسوا منه مد البصر‪ .‬ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس‬
‫غضَب"‪ .‬قال ‪" :‬فتَفرق في‬
‫عند رأسه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أيتها النفس الخبيثة ‪ ،‬اخرجي إلى سَخَط من ال و َ‬
‫سفّود من الصوف المبلول ‪ ،‬فيأخذها ‪ ،‬فإذا أخذها لم يدعوها (‪)4‬‬
‫جسده ‪ ،‬فينتزعها كما ينتزع ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في يده طرفة عين ‪ ،‬حتى يجعلوها في تلك المسوح‪ .‬ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على‬
‫وجه الرض ‪ ،‬فيصعدون بها فل يمرون بها على مَل من الملئكة إل قالوا ‪ :‬ما هذا الروح‬
‫الخبيث ؟ فيقولون ‪ :‬فلن ابن فلن ‪ ،‬بأقبح أسمائه التي كان يسمونه بها في الدنيا [حتى ينتهى به‬
‫إلى السماء الدنيا] (‪ )5‬فيستفتح له فل يفتح له"‪ .‬ثم قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل ُتفَتّحُ‬
‫ج َملُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ } [العراف ‪ ، ]40 :‬فيقول‬
‫سمَا ِء وَل َيدْخُلُونَ ا ْلجَنّةَ حَتّى يَلِجَ الْ َ‬
‫َلهُمْ أَ ْبوَابُ ال ّ‬
‫ال ‪" :‬اكتبوا كتابه في سجين ‪ ،‬في الرض السفلى ‪ ،‬فتطرح روحه طرحا"‪ .‬ثم قرأ ‪َ { :‬ومَنْ‬
‫طفُهُ الطّيْرُ َأوْ َت ْهوِي بِهِ الرّيحُ فِي َمكَانٍ سَحِيقٍ } [الحج ‪:‬‬
‫خَ‬‫سمَاءِ فَتَ ْ‬
‫يُشْ ِركْ بِاللّهِ َفكَأَ ّنمَا خَرّ مِنَ ال ّ‬
‫‪.]31‬‬
‫"فتعاد روحه في جسده ‪ ،‬ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولن له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬هاه هاه ‪ ،‬ل‬
‫أدري‪ .‬فيقولن له ‪ :‬ما دينك ؟ فيقول ‪ :‬هاه هاه ‪ ،‬ل أدري‪ .‬فيقولن له ‪ :‬ما هذا الرجل الذي بعث‬
‫فيكم ؟ فيقول ‪ :‬هاه هاه ‪ ،‬ل أدري‪ .‬فينادي مناد من السماء ‪ :‬أن كذب فأفرشوه من النار ‪ ،‬وافتحوا‬
‫له بابا إلى النار‪ .‬فيأتيه من حرها وسمومها ‪ ،‬ويضيق عليه قبره ‪ ،‬حتى تختلف فيه أضلعه ‪،‬‬
‫ويأتيه رجل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬لم يدعها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)4/495‬‬

‫قبيح الوجه ‪ ،‬قبيح الثياب ‪ ،‬منتن الريح فيقول ‪ :‬أبشر بالذي يسوءك ‪ ،‬هذا يومك الذي كنت توعد‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬ومن أنت فوجهك [الوجه] (‪ )1‬يجيئ بالشر‪ .‬فيقول ‪ :‬أنا عملك الخبيث ‪ ،‬فيقول ‪ :‬رب ‪،‬‬
‫ل تقم الساعة"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود من حديث العمش ‪ ،‬والنسائي وابن ماجة من حديث المنهال بن عمرو ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن يونس بن خباب (‪ )3‬عن المِ ْنهَال بن‬
‫عمرو ‪ ،‬عن زاذان ‪ ،‬عن البراء بن عازب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬خرجنا مع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم إلى جنازة ‪ ،‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫وفيه ‪" :‬حتى إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والرض ‪[ ،‬وكل ملك في السماء] (‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ )4‬وفتحت أبواب السماء ‪ ،‬ليس من أهل باب إل وهم يدعون ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أن يعرج بروحه‬
‫من قبلهم"‪.‬‬
‫وفي آخره ‪" :‬ثم يقيض له أعمى أصم أبكم ‪ ،‬وفي يده مرزبّة لو ضرب بها جبل لكان ترابا ‪،‬‬
‫فيضربه ضربة فيصير ترابا‪ .‬ثم يعيده ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬كما كان ‪ ،‬فيضربه ضربة أخرى فيصيح‬
‫صيحة يسمعها كل شيء إل الثقلين"‪ .‬قال البراء ‪ :‬ثم يفتح له باب إلى النار ‪ ،‬ويمهد من فرش‬
‫النار (‪.)5‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن خَيْ َثمَة ‪ ،‬عن البراء في قوله تعالى ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا‬
‫بِا ْلقَ ْولِ الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا } قال ‪ :‬عذاب القبر‪.‬‬
‫وقال المسعودي ‪ ،‬عن عبد ال بن ُمخَارق ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬إن المؤمن إذا مات‬
‫أجلس في قبره ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ فيثبته ال ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ربي ال ‪،‬‬
‫وديني السلم ‪ ،‬ونبيي محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقرأ عبد ال ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْل َقوْلِ‬
‫الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } (‪.)6‬‬
‫وقال المام عبد بن حميد ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في مسنده ‪ :‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا شيبان بن عبد‬
‫الرحمن ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬حدثنا أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن العبد‬
‫إذا وضع في قبره ‪ ،‬وتولى عنه أصحابه ‪ ،‬إنه ليسمع قرع نعالهم"‪ .‬قال ‪" :‬فيأتيه ملكان فيقعدانه‬
‫فيقولن له ‪ :‬ما كنت تقول في هذا الرجل ؟" قال ‪" :‬فأما المؤمن فيقول ‪ :‬أشهد أنه عبد ال‬
‫ورسوله"‪ .‬قال ‪" :‬فيقال له ‪ :‬انظر إلى مقعدك من النار ‪ ،‬قد أبدلك ال به مقعدا من الجنة"‪ .‬قال‬
‫نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فيراهما جميعا"‪ .‬قال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )4/287‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4753‬وسنن النسائي برقم (‪ )4/78‬وسنن ابن ماجة‬
‫برقم (‪.)1548‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬يونس بن حبيب" والمثبت من ت والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)4/295‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)16/597‬‬

‫( ‪)4/496‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خضِرًا إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫قتادة ‪ :‬وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ‪ ،‬ويمل عليه َ‬
‫رواه مسلم عن عبد بن حميد ‪ ،‬به (‪ )1‬وأخرجه النسائي من حديث يونس بن محمد المؤدب ‪ ،‬به (‬
‫‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج ‪ ،‬أخبرني أبو الزبير ‪ ،‬أنه سأل جابر‬
‫بن عبد ال عن فَتّاني القبر فقال ‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن هذه المة تُبْتَلَى‬
‫في قبورها ‪ ،‬فإذا أدخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه ‪ ،‬جاء ملك شديد النتهار ‪ ،‬فيقول له ‪:‬‬
‫ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول المؤمن ‪ :‬أقول ‪ :‬إنه رسول ال وعبده‪ .‬فيقول له الملك ‪:‬‬
‫انظر إلى مقعدك الذي كان لك في النار ‪ ،‬قد أنجاك ال منه ‪ ،‬وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار‬
‫مقعدك الذي ترى من الجنة ‪ ،‬فيراهما كليهما‪ .‬فيقول المؤمن ‪ :‬دعوني أبشر أهلي‪ .‬فيقال له ‪:‬‬
‫اسكن‪ .‬وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أهله ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول ‪:‬‬
‫ل أدري ‪ ،‬أقول كما يقول الناس‪ .‬فيقال له ‪ :‬ل دريت ‪ ،‬هذا مقعدك الذي كان لك في الجنة ‪ ،‬قد‬
‫أبدلت مكانه مقعدك من النار"‪.‬‬
‫قال جابر ‪ :‬فسمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬يبعث كل عبد في القبر على ما مات ‪،‬‬
‫المؤمن على إيمانه ‪ ،‬والمنافق على نفاقه"‪.‬‬
‫إسناده (‪ )3‬صحيح على شرط مسلم ‪ ،‬ولم يخرجاه (‪.)5( )4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا عباد بن راشد ‪ ،‬عن داود بن أبي هند ‪ ،‬عن أبي‬
‫شهِدنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم جنازة ‪ ،‬فقال‬
‫نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري قال ‪َ :‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إن هذه المة تُبتَلى في قبورها ‪ ،‬فإذا النسان‬
‫دفن وتفرق عنه أصحابه ‪ ،‬جاءه ملك في يده مطراق فأقعده ‪ ،‬قال ‪ :‬ما تقول في هذا الرجل ؟ فإن‬
‫كان مؤمنا قال ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبد ال ورسوله (‪ )6‬فيقول له ‪:‬‬
‫صدقت‪ .‬ثم يفتح له بابا إلى النار ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هذا كان منزلك لو كفرت بربك ‪ ،‬فأما إذ آمنت فهذا‬
‫منزلك‪ .‬فيفتح له بابا إلى الجنة ‪ ،‬فيريد أن ينهض إليه ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬اسكن‪ .‬ويفسح له في قبره"‪.‬‬
‫"وإن كان كافرا أو منافقا يقول (‪ )7‬له ‪ :‬ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬سمعت‬
‫الناس يقولون شيئا (‪ )8‬فيقول ‪ :‬ل دريت ول تليت ول اهتديت‪ .‬ثم يفتح له بابا إلى الجنة ‪ ،‬فيقول‬
‫له ‪ :‬هذا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المنتخب لعبد بن حميد برقم (‪ )1178‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2870‬‬
‫(‪ )2‬سنن النسائي (‪.)4/97‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬إسناد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ولم يخرجوه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬الذي في المسند (‪ : )3/346‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬عن أبي الزبير به ‪،‬‬
‫وكذا في أطراف المسند لبن حجر (‪.)2/110‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬وأن محمدا رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيقول"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬شيئا فقلته"‪.‬‬

‫( ‪)4/497‬‬

‫منزلك لو آمنت بربك ‪ ،‬فأما إذ كفرت به فإن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أبدلك به هذا‪ .‬فيفتح (‪ )1‬له بابا‬
‫إلى النار ‪ ،‬ثم يقمَعه قمعةً بالمطراق يسمعها خَ ْلقُ ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬كلهم غير الثقلين"‪ .‬فقال بعض‬
‫القوم ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق (‪ )2‬إل هيل عند ذلك‪ .‬فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْل َقوْلِ الثّا ِبتِ } (‪.)3‬‬
‫وهذا أيضا إسناد ل بأس به ‪ ،‬فإن عباد بن راشد التميمي روى له البخاري مقرونا ‪ ،‬ولكن ضعفه‬
‫بعضهم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسين بن محمد ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن محمد بن عمرو بن عطاء ‪،‬‬
‫عن سعيد بن يَسَار ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم (‪ )4‬إن الميت تحضره‬
‫الملئكة ‪ ،‬فإذا كان الرجل الصالح قالوا ‪ :‬اخرجي أيتها النفس المطمئنة (‪ )5‬كانت في الجسد‬
‫الطيب ‪ ،‬اخرجي حميدة ‪ ،‬وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان"‪ .‬قال ‪" :‬فل يزال يقال لها‬
‫ذلك حتى تخرج ‪ ،‬ثم ُيعْرَج بها إلى السماء ‪ ،‬فيستفتح لها فيقال ‪ :‬من هذا ؟ فيقال ‪ :‬فلن‪ .‬فيقولون‬
‫‪ :‬مرحبا بالروح الطيبة كانت في الجسد الطيب ‪ ،‬ادخلي حميدة ‪ ،‬وأبشري بروح وريحان ‪ ،‬ورب‬
‫غير غضبان" قال ‪ :‬فل يزال يقال لها ذلك ‪ ،‬حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها ال عز وجل‪.‬‬
‫وإذا كان الرجل السوء قالوا ‪ :‬اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ‪ ،‬اخرجي‬
‫ذميمة ‪ ،‬وأبشري بحميم وغَسّاق ‪ ،‬وآخر من شكله أزواج‪ .‬فل يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ‪ ،‬ثم‬
‫يعرج بها إلى السماء ‪ ،‬فيستفتح لها فيقال ‪ :‬من هذا ؟ فيقال ‪ :‬فلن ‪ ،‬فيقال ‪ :‬ل مرحبا بالنفس‬
‫الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ‪ ،‬ارجعي ذميمة ‪ ،‬فإنه ل تفتح (‪ )6‬لك أبواب السماء‪ .‬فيرسل (‪)7‬‬
‫من السماء ‪ ،‬ثم يصير (‪ )8‬إلى القبر" ‪ ،‬فيجلس الرجل الصالح فيقال له مثل ما قيل في الحديث‬
‫الول ‪ ،‬ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل في الحديث الول‪.‬‬
‫ورواه النسائي وابن ماجة ‪ ،‬من طريق ابن أبي ذئب (‪ )9‬بنحوه (‪.)10‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا خرجت روح العبد المؤمن ‪،‬‬
‫تلقاها ملكان يصعدان بها‪ .‬قال حماد ‪ :‬فذكر من طيب ريحها وذكر المسك‪ .‬قال ‪ :‬ويقول أهل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جسَد كنت َت ْعمُرينه ‪ ،‬فيُنطَلَقُ‬
‫السماء ‪ :‬روح طيبة جاءت من قِبَل الرض ‪ ،‬صَلّى ال عليك وعلى َ‬
‫به إلى ربه عز وجل ‪ ،‬فيقول ‪ :‬انطلقوا به إلى آخر الجل‪ .‬وإن الكافر إذا خرجت روحه‪ .‬قال‬
‫حماد ‪ :‬وذكر من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ففتح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مطرقة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/3‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الطيبة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يفتح"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فترسل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬تصير"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬ابن أبي ذهاب" وفي أ ‪" :‬ابن أبي ذر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )2/364‬وسنن ابن ماجة برقم (‪ )4262‬وقال البوصيرى في الزوائد (‪: )3/311‬‬
‫"هذا إسناد صحيح رجاله ثقات"‪.‬‬

‫( ‪)4/498‬‬

‫نَتْنها وذكر مقتا ‪ ،‬ويقول أهل السماء ‪ :‬روح خبيثة جاءت من قبل الرض‪ .‬قال ‪ :‬فيقال ‪ :‬انطلقوا‬
‫به إلى آخر الجل‪ .‬قال أبو هريرة ‪ :‬فردّ رسول ال صلى ال عليه وسلم رَبْطَةً كانت عليه على‬
‫أنفه ‪ ،‬هكذا (‪.)1‬‬
‫وقال ابن حبان في صحيحه ‪ :‬حدثنا عمر بن محمد الهمداني ‪ ،‬حدثنا زيد بن أخزم ‪ ،‬حدثنا معاذ‬
‫بن هشام ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن قسامة بن زهير ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬إن المؤمن إذا قُبض ‪ ،‬أتته ملئكة الرحمة بحريرة بيضاء ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬اخرجي‬
‫إلى روح ال‪ .‬فتخرج كأطيب ريح مسك ‪ ،‬حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا يشمونه حتى يأتوا به‬
‫باب السماء ‪ ،‬فيقولون ما هذا الريح الطيبة التي جاءت من قِبل الرض ؟ ول يأتون سماء إل‬
‫قالوا مثل ذلك ‪ ،‬حتى يأتوا به أرواح المؤمنين ‪ ،‬فَلهُم أشدّ فرحًا به من أهل الغائب بغائبهم ‪،‬‬
‫فيقولون ‪ :‬ما فعل فلن ؟ فيقولون ‪ :‬دعوه حتى يستريح ‪ ،‬فإنه كان في غمّ! فيقول ‪ :‬قد مات ‪ ،‬أما‬
‫أتاكم ؟ فيقولون ‪ :‬ذُهب به إلى أمه الهاوية‪ .‬وأما الكافر فيأتيه ملئكة العذاب بمسْح فيقولون ‪:‬‬
‫اخرجي إلى غضب ال ‪ ،‬فتخرج كأنتن ريح جيفة ‪ ،‬فَيُذْهَب به إلى باب الرض" (‪.)2‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد روي أيضا من طريق َهمّام بن يحيى ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم بنحوه‪ .‬قال ‪" :‬فَيُسأل ‪ :‬ما فعل فلن ‪ ،‬ما فعل فلن ؟ ما فعلت فلنة ؟"‬
‫قال ‪" :‬وأما الكافر فإذا قُبضت نفسه ‪ ،‬وذُهب بها إلى باب الرض تقول خزنة الرض ‪ :‬ما وجدنا‬
‫ريحا أنتن من هذه‪ .‬فَيُبَْلغُ بها الرض السفلى" (‪.)3‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬وحدثني رجل ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬أرواح المؤمنين‬
‫تجمع بالجابية‪ .‬وأرواح الكفار تجمع ببرهوت ‪ ،‬سبخة بحضرموت‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو عيسى الترمذي ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا يحيى بن خلف ‪ ،‬حدثنا بشر بن المفضل ‪،‬‬
‫عن عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد المقْبرُِي ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا قبر الميت ‪ -‬أو قال ‪ :‬أحدكم ‪ -‬أتاه ملكان أسودان أزرقان (‪)4‬‬
‫يقال لحدهما ‪ :‬المنكر ‪ ،‬والخر ‪ :‬النكير ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول ما‬
‫كان يقول ‪ :‬هو عبد ال ورسوله ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‪.‬‬
‫فيقولن ‪ :‬قد كنا نعلم أنك تقول هذا‪ .‬ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين‪ .‬ثم ينوّر له‬
‫فيه ‪ ،‬ثم يقال له ‪ :‬نَمْ‪ .‬فيقول ‪ :‬أرجع إلى أهلي فأخبرهم ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬نَمْ نومةَ العروس الذي ل‬
‫حبّ أهله إليه ‪ ،‬حتى يبعثه ال من مضجعه ذلك‪ .‬وإن كان منافقا قال ‪ :‬سمعت الناس‬
‫يوقظه إل أ َ‬
‫يقولون فقلت مثلهم ‪ ،‬ل أدري‪ .‬فيقولن ‪ :‬قد كنا نعلم أنك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)2872‬‬
‫(‪ )2‬صحيح ابن حبان برقم (‪" )733‬موارد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح ابن حبان برقم (‪" )731‬موارد" ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )1/351‬من طريق‬
‫همام به نحوه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أزراق"‪.‬‬

‫( ‪)4/499‬‬

‫تقول ذلك ‪ ،‬فيقال (‪ )1‬للرض ‪ :‬التئمي عليه‪ .‬فتلتئم عليه ‪ ،‬فتختلف أضلعه ‪ ،‬فل يزال فيها‬
‫معذبا حتى يبعثه ال من مضجعه ذلك" (‪.)2‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْل َقوْلِ الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } قال‬
‫‪" :‬ذاك إذا قيل له في القبر ‪ :‬من ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول ‪ :‬ربي ال ‪ ،‬وديني السلم ‪ ،‬ونبيي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫محمد ‪ ،‬جاءنا بالبينات من عند ال ‪ ،‬فآمنت به وصدّقت‪ .‬فيقال له ‪ :‬صَ َد ْقتَ ‪ ،‬على هذا عشت ‪،‬‬
‫وعليه مت ‪ ،‬وعليه تبعث" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا مجاهد بن موسى والحسن بن محمد قال حدثنا يزيد ‪ ،‬أنبأنا محمد بن‬
‫عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة (‪ )4‬إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه‬
‫مدبرين ‪ ،‬فإذا كان مؤمنا كانت الصلة عند رأسه ‪ ،‬والزكاة عن يمينه ‪ ،‬والصيام عن يساره ‪،‬‬
‫وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والحسان إلى الناس عند رجليه ‪ ،‬فيؤتى من‬
‫عند رأسه فتقول الصلة ‪ :‬ما قبلي مدخل ‪ ،‬فيؤتى من عن يمينه فتقول الزكاة ‪ :‬ما قبلي مدخل‪.‬‬
‫خلٌ‪ .‬فيؤتى من عند رجليه فيقول (‪ )5‬فعل الخيرات ‪:‬‬
‫فيؤتى عن يساره فيقول الصيام ‪ :‬ما قِبَلي مَد َ‬
‫ما قِبَلي مدخل‪ .‬فيقال له اجلس‪.‬‬
‫فيجلس ‪ ،‬قد تَمثّلت (‪ )6‬له الشمس ‪ ،‬قد دنت للغروب ‪ ،‬فيقال له أخبرنا عما (‪ )7‬نسألك‪ .‬فيقول ‪:‬‬
‫دعوني (‪ )8‬حتى أصلي‪ .‬فيقال ‪ :‬إنك ستفعل ‪ ،‬فأخبرنا عما نسألك‪ .‬فيقول ‪ :‬وعَمّ تسألوني ؟ فيقال‬
‫‪ :‬أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم ‪ ،‬ماذا تقول فيه ‪ ،‬وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول ‪ :‬أمحمد ؟‬
‫فيقال له ‪ :‬نعم‪ .‬فيقول ‪ :‬أشهد أنه رسول ال ‪ ،‬وأنه جاءنا (‪ )9‬بالبينات من عند ال ‪ ،‬فصدقناه‪.‬‬
‫فيقال له ‪ :‬على ذلك حَييتَ ‪ ،‬وعلى ذلك متّ ‪ ،‬وعلى ذلك تبعث إن شاء ال‪ .‬ثم يفسح له في قبره‬
‫سبعون ذراعا ويُ َنوّر له فيه ‪ ،‬ويفتح له باب إلى الجنة ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬انظر إلى ما أعد ال لك فيها‪.‬‬
‫فيزداد غبطة [وسرورا] (‪ )10‬ثم يجعل نسمه في النسم الطيب ‪ ،‬وهي طير خضر تعلق بشجر‬
‫الجنة ‪ ،‬ويعاد الجسد إلى ما بدئ منه من التراب" ‪ ،‬وذلك قول ال ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْل َق ْولِ‬
‫الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } (‪.)11‬‬
‫ورواه ابن حبّان ‪ ،‬من طريق المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬وذكر جواب الكافر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ويقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪.)1071‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)16/596‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن أبي هريرة قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فتقول"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مثلت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬دعني"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جاء"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )11‬تفسير الطبري (‪.)597 ، 16/596‬‬

‫( ‪)4/500‬‬

‫وعذابه (‪.)1‬‬
‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا سعيد بن بحر القراطيسي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن القاسم ‪ ،‬حدثنا يزيد بن كَيْسان ‪،‬‬
‫عن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ -‬أحسَبه رفعه ‪ -‬قال ‪" :‬إن المؤمن ينزل به الموت ‪ ،‬ويعاين ما‬
‫يعاين ‪ ،‬فيودّ (‪ )2‬لو خرجت ‪ -‬يعني نفسُه ‪ -‬وال يحب لقاءه ‪ ،‬وإن المؤمن يصعد بروحه إلى‬
‫السماء ‪ ،‬فتأتيه أرواح المؤمنين ‪ ،‬فتستخبره (‪ )3‬عن معارفهم من أهل الرض ‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬تركت‬
‫فلنا في الرض (‪ )4‬أعجبهم ذلك‪ .‬وإذا قال ‪ :‬إن فلنا قد مات ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ما جيء به إلينا‪ .‬وإن‬
‫المؤمن يجلس في قبره ‪ ،‬فيسأل ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬ربي ال (‪ )5‬ويسأل ‪ :‬من نبيك ؟ فيقول ‪:‬‬
‫محمد نبيي (‪ )6‬فيقال ‪ :‬ماذا دينك ؟ قال ‪ :‬ديني السلم‪ .‬فيفتح له باب في قبره ‪ ،‬فيقول ‪ -‬أو ‪:‬‬
‫عدُو ال نزل به الموت‬
‫يقال ‪ -‬انظر إلى مجلسك‪ .‬ثم يرى القبر فكأنما كانت َر ْقدَة‪ .‬وإذا كان َ‬
‫وعاين ما عاين ‪ ،‬فإنه ل يحب أن تخرج روحه أبدا ‪ ،‬وال يبغض لقاءه ‪ ،‬فإذا جلس في قبره ‪-‬‬
‫أو ‪ :‬أجلس ‪ -‬يقال له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬ل أدري‪ .‬فيقال ‪ :‬ل دريت‪ .‬فيفتح له باب من جهنم ‪،‬‬
‫ثم يضرب (‪ )7‬ضربة يسمعها (‪ )8‬كل دابة إل الثقلين ‪ ،‬ثم يقال له ‪ :‬نم كما ينام المنهوش"‪ .‬قلت‬
‫لبي هريرة ‪ :‬ما المنهوش ؟ قال ‪ :‬الذي تنهشه الدواب والحيات ‪ ،‬ثم يضيق عليه قبره‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعلم رواه إل الوليد بن القاسم (‪.)9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا حُجَين بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة‬
‫الماجشون ‪ ،‬عن محمد بن المُنكَدِر قال ‪ :‬كانت أسماء ‪ -‬يعني بنت الصديق ‪ -‬رضي ال عنها ‪،‬‬
‫حفّ‬
‫تحدث عن النبي صلى ال عليه وسلم قالت ‪ :‬قال ‪" :‬إذا دخل النسان قبره ‪ ،‬فإن كان مؤمنا أ َ‬
‫به عملُه ‪ :‬الصلةُ والصيام" ‪ ،‬قال ‪" :‬فيأتيه الملك من نحو الصلة فترده ‪ ،‬ومن نحو الصيام‬
‫فيرده" ‪ ،‬قال ‪" :‬فيناديه ‪ :‬اجلس‪ .‬فيجلس‪ .‬فيقول له ‪ :‬ماذا تقول في هذا الرجل ؟ يعني النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬من ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قال أشهد أنه رسول ال ‪ ،‬قال ‪ :‬يقول ‪ :‬وما يدريك ؟‬
‫أدركته ؟ قال ‪ :‬أشهد أنه رسول ال‪ .‬قال ‪ :‬يقول ‪ :‬على ذلك عشتَ ‪ ،‬وعليه متّ ‪ ،‬وعليه تبعثُ‪.‬‬
‫وإن (‪ )10‬كان فاجرًا أو كافرًا ‪ ،‬جاءه الملك ليس بينه وبينه شيء يَرُدّه ‪ ،‬فأجلسه يقول ‪ :‬اجلس ‪،‬‬
‫ماذا تقول في هذا الرجل ؟ قال ‪ :‬أي رجل ؟ قال ‪ :‬محمد ؟ قال ‪ :‬يقول ‪ :‬وال ما أدري ‪ ،‬سمعت‬
‫الناس يقولون شيئا فقلته‪ .‬قال له الملك ‪ :‬على ذلك عشتَ ‪ ،‬وعليه متَ ‪ ،‬وعليه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح ابن حبان برقم (‪" )781‬موارد"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فود"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فيستخبرونه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬في الدنيا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ال ربي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نبيي محمد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يضربه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يسمع"‪.‬‬
‫(‪ )9‬مسند البزار برقم (‪" )874‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )3/52‬في الصحيح‬
‫طرف منه رواه البزار ورجاله ثقات خل سعيد بن بحر القراطيسى ‪+‬فإني لم أعرفه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬قال ‪ :‬وإن"‪.‬‬

‫( ‪)4/501‬‬

‫تبعثُ‪ .‬قال ‪ :‬وتسلّط عليه دابة في قبره ‪ ،‬معها سوط َتمْرَته (‪ )1‬جَمرةٌ مثل غَرْب (‪ )2‬البعير ‪،‬‬
‫تضربه ما شاء ال ‪ ،‬صماء ل تسمع صوتَه فترحَمه" (‪.)3‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬في هذه الية قال ‪ :‬إن المؤمن إذا حَضرَه‬
‫الموت شهدته الملئكة ‪ ،‬فسلموا عليه وبشروه بالجنة ‪ ،‬فإذا مات َمشَوا مع جنازته ‪ ،‬ثم صَلّوا‬
‫عليه مع الناس ‪ ،‬فإذا دفن أجلس في قبره فيقال له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬ربي ال‪ .‬فيقال له ‪ :‬من‬
‫رسولك ؟ فيقول ‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬فيقال له ‪ :‬ما شهادتك ؟ فيقول ‪ :‬أشهد أن ل إله إل‬
‫ال ‪ ،‬وأشهد أن محمدا رسول ال‪ .‬فيوسّع له في قبره مد َبصَره‪ .‬وأما الكافر فتنزل عليه‬
‫الملئكة ‪ ،‬فيبسطون أيديهم ‪" -‬والبسط" ‪ :‬هو الضرب ‪ -‬يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت‪.‬‬
‫فإذا أدخل قبره أقعد ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬من ربك ؟ فلم يَرْجع إليهم شيئا ‪ ،‬وأنساه ال ذكر ذلك‪ .‬وإذا قيل ‪:‬‬
‫من الرسول الذي بُعثَ إليك ؟ لم يهتد له ‪ ،‬ولم يرجع إليه شيئًا ‪ ،‬كذلك يضل ال الظالمين‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الودي ‪ ،‬حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا‬
‫إبراهيم بن يوسف ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عامر بن سعد البجلي ‪ ،‬عن أبي قتادة‬
‫النصاري في قوله تعالى ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْل َقوْلِ الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ }‬
‫الية ‪ ،‬قال ‪ :‬إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره ‪ ،‬فيقال (‪ )4‬له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬ال‪ .‬فيقال‬
‫له ‪ :‬من نبيك ؟ فيقول ‪ :‬محمد بن عبد ال‪ .‬فيقال له في ذلك مرات‪ .‬ثم يفتح له باب إلى النار ‪،‬‬
‫فيقال له ‪ :‬انظر إلى منزلك في النار لو زُغْت (‪ )5‬ثم يفتح له باب إلى الجنة ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬انظر‬
‫إلى منزلك [من الجنة إذ ثبت‪ .‬وإذا مات الكافر أجلس في قبره ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬من ربك ؟ من نبيك ؟‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فيقول ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬كنت أسمع الناس يقولون‪ .‬فيقال له ‪ :‬ل دريت‪ .‬ثم يفتح له باب إلى الجنة ‪،‬‬
‫فيقال له ‪ :‬انظر إلى منزلك] (‪ )6‬لو ثبت ‪ ،‬ثم يفتح له باب إلى النار ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬انظر إلى منزلك‬
‫إذ زغت (‪ )7‬فذلك قوله تعالى ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْل َق ْولِ الثّا ِبتِ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ‬
‫}‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن ابن طاوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْلقَ ْولِ‬
‫الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا } قال ‪ :‬ل إله إل ال ‪َ { ،‬وفِي الخِ َرةِ } المسألة في القبر (‪.)8‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ‪َ { ،‬وفِي الخِ َرةِ } في القبر‪ .‬وكذا‬
‫روي عن غير واحد من السلف‪.‬‬
‫وقال أبو عبد ال الحكيم الترمذي في كتابه "نوادر الصول" ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تمر به"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عرف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)6/352‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬لو رغبت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إذ رغبت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/296‬‬

‫( ‪)4/502‬‬

‫نافع ‪ ،‬عن ابن أبي ُفدَيْك ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن عبد ال (‪ )1‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن سمرة قال ‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم ‪ ،‬ونحن في مسجد‬
‫المدينة ‪ ،‬فقال ‪" :‬إني رأيت البارحة عجبًا ‪ ،‬رأيت رجل من أمتي [جاءه ملك الموت ليقبض روحه‬
‫‪ ،‬فجاءه برّه بوالديه (‪ )2‬فرد عنه‪ .‬ورأيت رجل من أمتي] (‪ )3‬قد بسط عليه عذاب القبر ‪ ،‬فجاءه‬
‫وُضوءه فاستنقذه من ذلك‪ .‬ورأيت رجل من أمتي [قد] (‪ )4‬احتوشته الشياطين ‪ ،‬فجاءه ذكر ال‬
‫فخلصه من بينهم‪ .‬ورأيت رجل من أمتي قد احتوشته ملئكة العذاب ‪ ،‬فجاءته صلته فاستنقذته‬
‫من أيديهم‪ .‬ورأيت رجل من أمتي يلهث عطشا ‪ ،‬كلما ورد حوضا مُنع منه ‪ ،‬فجاءه صيامه فسقاه‬
‫وأرواه‪ .‬ورأيت رجل من أمتي والنبيون قعود حلَقا حلقا ‪ ،‬وكلما دنا لحقة طردوه ‪ ،‬فجاءه اغتساله‬
‫من الجنابة ‪ ،‬فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي‪ .‬ورأيت رجل من أمتي [من] (‪ )5‬بين يديه ظلمة ‪ ،‬ومن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خلفه ظلمة ‪ ،‬وعن يمينه ظلمة ‪ ،‬وعن شماله ظلمة ‪ ،‬ومن فوقه ظلمة ‪ ،‬ومن تحته ظلمة ‪ ،‬وهو‬
‫متحير فيها ‪ ،‬فجاءته حجته وعمرته ‪ ،‬فاستخرجاه من الظلمة وأدخله النور ‪ ،‬ورأيت رجل من‬
‫أمتي يكلم المؤمنين فل يكلمونه ‪ ،‬فجاءته صلَة الرحم ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا معشر المؤمنين ‪ ،‬كلموه ‪،‬‬
‫فكلموه‪ .‬ورأيت رجل من أمتي يتقي وَهَج النّار أو شَررهَا بيده عن وجهه ‪ ،‬فجاءته صدقته‬
‫فصارت سترا على وجهه وظل على رأسه‪ .‬ورأيت رجل من أمتي قد أخذته الزبانية من كل‬
‫مكان ‪ ،‬فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ‪ ،‬فاستنقذاه من أيديهم ‪ ،‬وأدخله مع ملئكة‬
‫الرحمة‪ .‬ورأيت رجل من أمتي جاثيا على ركبتيه ‪ ،‬بينه وبين ال حجاب ‪ ،‬فجاءه حسن خُلُقه ‪،‬‬
‫فأخذ بيده فأدخله على ال ‪ ،‬عز وجل‪ .‬ورأيت رجل من أمتي قد هَوت صحيفته من قبل شماله ‪،‬‬
‫فجاءه خوفه من ال فأخذ صحيفته ‪ ،‬فجعلها في يمينه‪[ .‬ورأيت رجل من أمتي قد خف ميزانه ‪،‬‬
‫فجاءته أفراطه فثقلوا ميزانه] (‪ )6‬ورأيت رجل من أمتي قائما على شفير جهنم ‪ ،‬فجاءه وجَله من‬
‫ال ‪ ،‬فاستنقذه من ذلك ومضى‪ .‬ورأيت رجل من أمتي هوى في النار ‪ ،‬فجاءته دموعه التي بكى‬
‫من خشية ال في الدنيا فاستخرجته من النار ‪[ ،‬ورأيت رجل من أمتي قائما على الصراط يُرعَد‬
‫سعَفة ‪ ،‬فجاء حسن ظنه بال ‪ ،‬فسكّن رِعْدَته ‪ ،‬ومضى] (‪ )7‬ورأيت رجل من أمتي‬
‫كما ترعد ال ّ‬
‫على الصراط يزحف أحيانا ويحبو أحيانا ‪ ،‬فجاءته صلته عليّ ‪ ،‬فأخذت بيده فأقامته ومضى‬
‫على الصراط‪ .‬ورأيت رجل من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة ‪ ،‬فغلقت البواب دونه ‪ ،‬فجاءته‬
‫شهادة ‪ :‬أن ل إله إل ال ‪ ،‬ففتحت له البواب وأدخلته الجنة" (‪.)8‬‬
‫قال القرطبي بعد إيراده هذا الحديث من هذا الوجه ‪ :‬هذا حديث عظيم ‪ ،‬ذكرَ فيه أعمال خاصة‬
‫تنجي من أهوال خاصة‪ .‬أورده هكذا في كتابه "التذكرة" (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في التذكرة ‪" :‬عبد الرحمن بن أبي عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بوالدته"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والتذكرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والتذكرة‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والتذكرة‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والتذكرة‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والتذكرة‪.‬‬
‫(‪ )8‬ذكره الزبيدي في التحاف وعزاه للحكيم في النوادر وضعفه ‪ ،‬ورواه الخرائطي في مكارم‬
‫الخلق برقم (‪ )49‬من طريق سعيد بن عبد ال ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن‬
‫عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا بأخصر منه ‪ ،‬وذكر أن ابن تيمية كان يعظم شأن هذا الحديث‬
‫ويقول ‪" :‬شواهد الصحة عليه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬التذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة (ص ‪.)242 - 240‬‬

‫( ‪)4/503‬‬

‫وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في هذا حديثا غريبا مطول فقال ‪ :‬حدثنا أبو عبد ال (‪)1‬‬
‫أحمد بن إبراهيم الّنكْرِي ‪ ،‬حدثنا محمد بن بكر البرساني أبو عثمان ‪ ،‬حدثنا أبو عاصم الحبطي ‪-‬‬
‫وكان من خيار أهل البصرة ‪ ،‬وكان من أصحاب حزم ‪ ،‬وسلم بن أبي مطيع ‪ -‬حدثنا بكر بن‬
‫خنيس ‪ ،‬عن ضرار بن عمرو ‪ ،‬عن يزيد الرقاشي ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬عن تميم الداري ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يقول ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬لملك الموت ‪ :‬انطلق إلى وليي فأتني‬
‫به ‪ ،‬فإني قد ضَربته بالسراء والضراء ‪ ،‬فوجدته حيث أحب‪ .‬ائتني به فَلريحنّه (‪.)2‬‬
‫فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملئكة ‪ ،‬معهم أكفان وحَنُوط من الجنة ‪ ،‬ومعهم‬
‫ضبائر الريحان ‪ ،‬أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لونا ‪ ،‬لكل لون منها ريح سوى ريح‬
‫صاحبه ‪ ،‬ومعهم الحرير البيض فيه المسك الذفر‪ .‬فيجلس (‪ )3‬ملك الموت عند رأسه ‪ ،‬وتحف‬
‫به الملئكة‪ .‬ويضع كل ملك منهم يده على عضو من أعضائه ويَبْسط ذلك الحرير البيض‬
‫والمسك الذفَر تحت ذقنه ‪ ،‬ويفتَح له بابٌ إلى الجنة ‪ ،‬فإن نفسه لَتَعّللُ عند ذلك بطرف الجنة تارة‬
‫‪ ،‬وبأزواجها (‪[ )4‬مرة] (‪ )5‬وم ّرةً بكسواتها ومرة بثمارها ‪ ،‬كما ُيعَلّل الصبي أهله إذا بكى"‪ .‬قال‬
‫‪" :‬وإن أزواجه ليبتهشن عند ذلك ابتهاشًا"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬وتنزو الروح"‪ .‬قال البُرْسَاني ‪ :‬يريد أن تخرج من ال َعجَل إلى ما تحب‪ .‬قال ‪" :‬ويقول مَلَك‬
‫الموت ‪ :‬اخرجي يا أيتها الروح الطيبة ‪ ،‬إلى سدر مخضود ‪ ،‬وطلح منضود ‪ ،‬وظل ممدود ‪،‬‬
‫وماء مسكوب"‪ .‬قال ‪" :‬وَلمَلَك الموت أشدّ به لطفا من الوالدة بولدها ‪ ،‬يعرف أن ذلك الروح حبيب‬
‫سلّ روحه كما تسل الشعرة من‬
‫لربه ‪ ،‬فهو يلتمس بلطفه تحببا لديه رضاء للرب عنه ‪ ،‬فُت َ‬
‫العجين"‪ .‬قال ‪" :‬وقال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬الّذِينَ تَ َت َوفّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ طَيّبِينَ } [النحل ‪ ، ]32 :‬وقال‬
‫ن وَجَنّةُ َنعِيمٍ } [الواقعة ‪ ، ]89 ، 88 :‬قال ‪" :‬روح من‬
‫ح وَرَيْحَا ٌ‬
‫{ فََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْلمُقَرّبِينَ فَ َروْ ٌ‬
‫جهة الموت ‪ ،‬وريحان يتلقى به ‪ ،‬وجنة نعيم تقابله"‪ .‬قال ‪" :‬فإذا قَبض ملك الموت روحه ‪ ،‬قالت‬
‫الروح للجسد ‪ :‬جزاك ال عني خيرا ‪ ،‬فقد كنت سريعا بي إلى طاعة ال ‪ ،‬بطيئا بي عن معصية‬
‫ال ‪ ،‬فقد نجيت وأنجيت"‪ .‬قال ‪" :‬ويقول الجسد للروح مثل ذلك"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬وتبكي (‪ )6‬عليه بقاع الرض التي كان يطيع ال فيها ‪ ،‬وكل باب من السماء يصعد منه‬
‫عمله‪ .‬وينزل منه رزقه أربعين ليلة"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فإذا قَبَض ملك الموت روحه ‪ ،‬أقامت الخمسمائة من الملئكة عند جسده ‪ ،‬فل يقلبه (‪)7‬‬
‫بنو آدم لشق إل قلبته الملئكة قبلهم ‪ ،‬وغسلته وكفنته بأكفان قبل أكفان بني آدم ‪ ،‬وحنوط قبل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حنوط‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أبو عبد الرحمن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فلريحه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬قال ‪ . :‬فيجلس"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مرة بأزواجها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ويبكي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فل تقلبه"‪.‬‬

‫( ‪)4/504‬‬

‫بني آدم ‪ ،‬ويقوم من بين باب بيته إلى باب قبره صفّان من الملئكة ‪ ،‬يستقبلونه بالستغفار ‪،‬‬
‫فيصيح عند ذلك إبليس صيحة تتصدع (‪ )1‬منها عظام (‪ )2‬جسده"‪ .‬قال ‪" :‬ويقول لجنوده ‪ :‬الويل‬
‫لكم‪ .‬كيف خَلَص هذا العبد منكم ‪ ،‬فيقولون إن هذا كان عبدا معصوما"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فإذا صعد ملك الموت بروحه ‪ ،‬يستقبله جبريل في سبعين ألفا من الملئكة ‪ ،‬كل يأتيه‬
‫ببشارة من ربه سوى بشارة صاحبه"‪ .‬قال ‪" :‬فإذا انتهى ملك الموت بروحه إلى العرش ‪ ،‬خَرّ‬
‫الروح ساجدا"‪ .‬قال ‪" :‬يقول ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬لملك الموت ‪ :‬انطلق بروح عبدي فضعه في سدر‬
‫مخضود ‪ ،‬وطلح منضود ‪ ،‬وظل ممدود ‪ ،‬وماء مسكوب"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فإذا وضع في قبره ‪ ،‬جاءته الصلة فكانت عن يمينه ‪ ،‬وجاءه الصيام فكان عن يساره ‪،‬‬
‫وجاءه القرآن فكان عند رأسه ‪ ،‬وجاءه مشيه إلى الصلة فكان عند رجليه ‪ ،‬وجاءه الصبر فكان‬
‫ناحية القبر"‪ .‬قال ‪" :‬فيبعث ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عُ ُنقًا من العذاب"‪ .‬قال ‪" :‬فيأتيه عن يمينه" قال ‪:‬‬
‫"فتقول الصلة ‪ :‬وراءك وال ما زال دائبا عمره كله وإنما استراح الن حين وضع في قبره"‪ .‬قال‬
‫‪" :‬فيأتيه عن يساره ‪ ،‬فيقول الصيام مثل ذلك"‪ .‬قال ‪" :‬ثم يأتيه من عند رأسه ‪ ،‬فيقول القرآن‬
‫والذكر مثل ذلك"‪ .‬قال ‪" :‬ثم يأتيه من عند رجليه ‪ ،‬فيقول مشيه إلى الصلة مثل ذلك‪ .‬فل يأتيه‬
‫العذاب من ناحية يلتمس هل يجد مساغًا إل وجَد ولي ال قد أخذ جنته"‪ .‬قال ‪" :‬فينقمع العذاب عند‬
‫ذلك فيخرج"‪ .‬قال ‪" :‬ويقول الصبر لسائر العمال ‪ :‬أما إنه لم يمنعني أن أباشر أنا بنفسي إل أني‬
‫نظرت ما عندكم ‪ ،‬فإن عجزتم كنت أنا صاحبه ‪ ،‬فأما إذ أجزأتم عنه فأنا له ذخر عند الصراط‬
‫والميزان"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ويبعث ال ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف ‪ ،‬وأصواتهما كالرعد القاصف ‪ ،‬وأنيابهما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كالصياصي ‪ ،‬وأنفاسهما كاللهب ‪ ،‬يطآن في أشعارهما ‪ ،‬بين مَ ْنكِب كل واحد مسيرة كذا وكذا ‪،‬‬
‫وقد نزعت منهما الرأفة والرحمة ‪ ،‬يقال لهما ‪ :‬منكر ونكير ‪ ،‬في يد كل واحد منهما مطرقة ‪ ،‬لو‬
‫اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يُقلّوها"‪ .‬قال ‪" :‬فيقولن له ‪ :‬اجلس"‪ .‬قال ‪" :‬فيجلس فيستوي جالسا"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬وتقع أكفانه في حقويه"‪ .‬قال ‪" :‬فيقولن له ‪ :‬من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ومن يطيق الكلم عند ذلك ‪ ،‬وأنت تصف من المََلكَين ما تصف ؟‬
‫قال ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { " :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْل َقوْلِ الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ‬
‫ن وَيَ ْف َعلُ اللّهُ مَا َيشَاءُ }‬
‫ضلّ اللّهُ الظّاِلمِي َ‬
‫الدّنْيَا َوفِي الخِ َر ِة وَ ُي ِ‬
‫قال ‪" :‬فيقول ‪ :‬ربي ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وديني السلم الذي دانت به الملئكة ‪ ،‬ونبيي محمد‬
‫خاتم النبيين"‪ .‬قال ‪" :‬فيقولن ‪ :‬صدقت"‪ .‬قال ‪ :‬فيدفعان القبر ‪ ،‬فيوسعان من بين يديه أربعين‬
‫ذراعا ‪ ،‬وعن يمينه أربعين ذراعا ‪ ،‬وعن شماله (‪ )3‬أربعين ذراعا ‪ ،‬ومن خلفه أربعين ذراعا ‪،‬‬
‫ومن عند رأسه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يتصدع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بعض عظام"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وعن يساره"‪.‬‬

‫( ‪)4/505‬‬

‫أربعين ذراعا ‪ ،‬ومن عند رجليه أربعين ذراعا"‪ .‬قال ‪" :‬فيوسعان له مائتي ذراع"‪.‬‬
‫قال البرساني ‪ :‬فأحسبه ‪ :‬وأربعين ذراعا تحاط به (‪.)1‬‬
‫قال ‪" :‬ثم يقولن له ‪ :‬انظر فوقك ‪ ،‬فإذا باب مفتوح إلى الجنة"‪ .‬قال ‪" :‬فيقولن له ‪ :‬وليّ ال ‪ ،‬هذا‬
‫منزلك إذ أطعت ال"‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬والذي نفس محمد بيده (‪ )2‬إنه‬
‫يصل إلى قلبه عند ذلك فرحة ‪ ،‬ول ترتد أبدًا ‪ ،‬ثم يقال له ‪ :‬انظر تحتك"‪ .‬قال ‪" :‬فينظر تحته فإذا‬
‫باب مفتوح إلى النار قال ‪" :‬فيقولن ‪ :‬ولي ال نجوت آخر ما عليك"‪ .‬قال ‪ :‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة ل ترتد أبدا"‪ .‬قال ‪ :‬فقالت عائشة ‪ :‬يفتح له‬
‫سبعة وسبعون بابا إلى الجنة ‪ ،‬يأتيه ريحها وبردها ‪ ،‬حتى يبعثه ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وبالسناد المتقدم إلى النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ويقول ال تعالى لملك (‪ )3‬الموت ‪ :‬انطلق‬
‫إلى عدوي فأتني به ‪ ،‬فإني قد بسطت له رزقي ‪ ،‬ويَسّرت له نعمتي ‪ ،‬فأبى إل معصيتي ‪ ،‬فأتني‬
‫به لنتقم منه"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة ما رآها أحد من الناس َقطّ ‪ ،‬له اثنتا عشرة (‪)4‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سفُود من النار كثير الشوك ‪ ،‬ومعه خمسمائة من الملئكة ‪ ،‬معهم نحاس وجمر من‬
‫عينا ‪ ،‬ومعه َ‬
‫جمر جهنم ‪ ،‬ومعهم سياط من نار ‪ ،‬لينها لين السياط وهي نار تأجج"‪ .‬قال ‪" :‬فيضربه ملك الموت‬
‫بذلك السفود ضربة يغيبُ كل أصل شوكة من ذلك السفّود في أصل كل شعرة وعرق وظفر"‪ .‬قال‬
‫‪" :‬ثم يلويه ليا شديدا"‪ .‬قال ‪" :‬فينزع روحه من أظفار قدميه"‪ .‬قال ‪" :‬فيلقيها" في عقبيه (‪ )5‬ثم‬
‫يسكر (‪ )6‬عند ذلك عدو ال (‪ )7‬سكرة ‪ ،‬فيرفه ملك الموت عنه"‪ .‬قال ‪" :‬وتضرب (‪ )8‬الملئكة‬
‫وجهه ودُبُره بتلك السياط"‪[ .‬قال ‪" :‬فيشده ملك الموت شدة ‪ ،‬فينزع روحه من عقبيه ‪ ،‬فيلقيها في‬
‫ركبتيه ‪ ،‬ثم يسكر عدو ال عند ذلك سكرة ‪ ،‬فيرفه ملك الموت عنه"‪ .‬قال ‪" :‬فتضرب الملئكة‬
‫وجهه ودبره بتلك السياط"] (‪ )9‬قال ‪" :‬ثم ينتره (‪ )10‬ملك الموت نَتَرة ‪ ،‬فينزع روحه من ركبتيه‬
‫فيلقيها في حقويه"‪ .‬قال ‪" :‬فيسكر عدو ال عند ذلك سكرة ‪ ،‬فيرفّه ملك الموت عنه"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"وتضرب الملئكة (‪ )11‬وجهه ودُبُره بتلك السياط"‪ .‬قال ‪" :‬كذلك إلى صدره ‪ ،‬ثم كذلك إلى‬
‫حلقه"‪ .‬قال ‪ :‬ثم تبسط الملئكة ذلك النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه"‪ .‬قال ‪" :‬ويقول ملك الموت ‪:‬‬
‫سمُوم وحميم ‪ ،‬وظل من يحموم ‪ ،‬ل بارد ول كريم"‪.‬‬
‫اخرجي أيتها الروح اللعينة الملعونة إلى َ‬
‫قال ‪" :‬فإذا قبض ملك الموت روحه قال الروح للجسد ‪ :‬جزاك ال عني شرا ‪ ،‬فقد كنت سريعا بي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬محاط"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬والذي نفسي بيده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬إلى ملك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬اثني عشر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪" :‬ركبتيه" والمثبت من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬قال ‪ :‬فيسكر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬قال فيسكر عدو ال عند ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ويضرب"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فينتره"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬فيضرب" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فتضرب"‪.‬‬

‫( ‪)4/506‬‬

‫إلى معصية ال ‪ ،‬بطيئا بي عن طاعة ال ‪ ،‬فقد هلكت وأهلكت" قال ‪" :‬ويقول الجسد للروح مثل‬
‫ذلك ‪ ،‬وتلعنه بقاع الرض التي كان يعصي ال عليها ‪ ،‬وتنطلق جنود إبليس إليه فيبشرونه بأنهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قد أوردوا عبدا من ولد آدم النار"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فإذا وضع في قبره ضُيق عليه قبره حتى تختلف (‪ )1‬أضلعه ‪ ،‬حتى تدخل اليمنى في‬
‫اليسرى ‪ ،‬واليسرى في اليمنى" قال ‪" :‬ويبعث ال إليه أفاعي دُهمًا كأعناق البل يأخذن (‪)2‬‬
‫بأرنبته وإبهامي قدميه فيقرضنه حتى يلتقين في وسطه"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ويبعث ال ملكين أبصارهما (‪ )3‬كالبرق الخاطف ‪ ،‬وأصواتهما كالرعد القاصف ‪،‬‬
‫وأنيابهما كالصياصي ‪ ،‬وأنفاسهما كاللهب (‪ )4‬يطآن في أشعارهما ‪ ،‬بين منكبي كل واحد منهما‬
‫مسيرة كذا وكذا ‪ ،‬قد نزعت منهما الرأفة والرحمة يقال لهما ‪ :‬منكر ونكير ‪ ،‬في يد كل واحد‬
‫منهما مطرقة ‪ ،‬لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها" قال ‪" :‬فيقولن له ‪ :‬اجلس"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فيستوي جالسا" قال ‪" :‬وتقع أكفانه في حقويه" قال ‪" :‬فيقولن له ‪ :‬من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن‬
‫نبيك ؟ فيقول ‪ :‬ل أدري‪ .‬فيقولن ‪ :‬ل دريت ول تَليّت"‪[ .‬قال] (‪ )5‬فيضربانه ضربة يتطاير‬
‫شررها في قبره ‪ ،‬ثم يعودان"‪ .‬قال ‪" :‬فيقولن ‪ :‬انظر فوقك‪ .‬فينظر ‪ ،‬فإذا باب مفتوح من الجنة ‪،‬‬
‫فيقولن ‪ :‬هذا ‪ -‬عدو ال (‪ - )6‬منزلك لو أطعت ال"‪.‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة ل‬
‫ترتد أبدًا"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ويقولن له ‪ :‬انظر تحتك فينظر تحته ‪ ،‬فإذا باب مفتوح إلى النار ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬عدو ال ‪،‬‬
‫هذا منزلك إذ عصيت ال"‪.‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة ل‬
‫ترتد أبدا"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقالت عائشة ‪ :‬ويفتح له سبعة وسبعون بابًا إلى النار ‪ ،‬يأتيه [من] (‪ )7‬حرها وسمومها‬
‫حتى يبعثه ال إليها (‪.)8‬‬
‫هذا حديث غريب جدًا ‪ ،‬وسياق عجيب ‪ ،‬ويزيد الرقاشي ‪ -‬راويه عن أنس ‪ -‬له غرائب‬
‫ومنكرات ‪ ،‬وهو ضعيف الرواية عند الئمة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ولهذا قال أبو داود ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ -‬هو ابن يوسف ‪ -‬عن عبد‬
‫ال بن بَحير ‪ ،‬عن هانئ مولى عثمان ‪ ،‬عن عثمان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كان النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه فقال ‪" :‬استغفروا لخيكم ‪ ،‬واسألوا له بالتثبيت ‪،‬‬
‫فإنه الن يسأل" ‪ ،‬انفرد به أبو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يختلف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يأخذونه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أيضا وهما"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬كاللهيب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عدو ال هذا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬أورده ابن حجر في المطالب العالية (‪ )4/382‬وعزاه لبي يعلى قال ‪" :‬هذا حديث عجيب‬
‫السياق ‪ ،‬وهو شاهد لكثير مما ثبت في حديث البراء الطويل المشهور ‪ ،‬ولكن إسناده غريب وفيه‬
‫ضعف"‪.‬‬

‫( ‪)4/507‬‬

‫جهَنّمَ َيصَْلوْ َنهَا وَبِئْسَ ا ْلقَرَارُ‬


‫حلّوا َق ْو َمهُمْ دَارَ الْ َبوَارِ (‪َ )28‬‬
‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ َبدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَ َ‬
‫جعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادًا لِ ُيضِلّوا عَنْ سَبِيلِهِ ُقلْ َتمَ ّتعُوا فَإِنّ َمصِي َركُمْ إِلَى النّارِ (‪)30‬‬
‫(‪ )29‬وَ َ‬

‫داود (‪.)1‬‬
‫غمَرَاتِ‬
‫وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مَردُويه عند قوله تعالى ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِذِ الظّاِلمُونَ فِي َ‬
‫سطُو أَيْدِي ِهمْ } الية [النعام ‪ ]93 :‬حديثا مطول جدا ‪ ،‬من طريق غريب ‪ ،‬عن‬
‫ا ْل َم ْوتِ وَا ْلمَل ِئكَةُ بَا ِ‬
‫الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس مرفوعا ‪ ،‬وفيه غرائب أيضا (‪.)2‬‬
‫جهَنّمَ َيصَْلوْ َنهَا وَبِئْسَ‬
‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ُكفْرًا وَأَحَلّوا َق ْو َمهُمْ دَارَ الْ َبوَارِ (‪َ )28‬‬
‫جعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادًا لِ ُيضِلّوا عَنْ سَبِيلِهِ ُقلْ َتمَ ّتعُوا فَإِنّ َمصِي َركُمْ إِلَى النّارِ (‪} )30‬‬
‫ا ْلقَرَارُ (‪ )29‬وَ َ‬
‫(‪ )3‬قال البخاري ‪ :‬قوله ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ َبدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ كُفْرًا } ألم تعلم ؟ كقوله ‪ { :‬أََلمْ تَرَ‬
‫كَ ْيفَ } [إبراهيم ‪ { ]24 :‬أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ خَ َرجُوا } [البقرة ‪ ]243 :‬البوار ‪ :‬الهلك ‪ ،‬بار يبور‬
‫بَورًا ‪ ،‬و { َق ْومًا بُورًا } [الفرقان ‪ ، 18 :‬الفتح ‪ ]12 :‬هالكين‪.‬‬
‫حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن عطاء سمع ابن عباس ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى‬
‫الّذِينَ َبدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ُكفْرًا } قال ‪ :‬هم كفار أهل مكة (‪.)4‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬هو جبلة بن اليهم ‪ ،‬والذين اتبعوه من العرب ‪،‬‬
‫فلحقوا بالروم‪ .‬والمشهور الصحيح عن ابن عباس هو القول الول ‪ ،‬وإن كان المعنى يعم جميع‬
‫الكفار ؛ فإن ال تعالى بعث محمدا صلى ال عليه وسلم رحمة للعالمين ‪ ،‬ونعمة للناس ‪ ،‬فمن‬
‫قبلها وقام بشكرها دخل الجنة ‪ ،‬ومن ردها وكفرها دخل النار‪.‬‬
‫وقد روي عن علي نحو قول ابن عباس الول ‪ ،‬قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن القاسم بن أبي بزة ‪ ،‬عن أبي الطفيل ‪ :‬أن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ابن الكواء سأل عليا عن { الّذِينَ َبدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ُكفْرًا وَأَحَلّوا َق ْو َمهُمْ دَارَ الْ َبوَارِ } قال ‪ :‬كفار‬
‫قريش يوم بدر‪.‬‬
‫حدثنا المنذر بن شاذان ‪ ،‬حدثنا يعلى بن عبيد ‪ ،‬حدثنا بسام ‪ -‬هو الصيرفي (‪ - )5‬عن أبي‬
‫الطفيل قال ‪ :‬جاء رجل إلى علي فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬من الذين بدلوا نعمة ال كفرا وأحلوا‬
‫قومهم دار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود برقم (‪.)3221‬‬
‫(‪ )2‬ذكره السيوطي في الدر المنثور (‪ )3/318‬وقال ‪" :‬أخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن‬
‫عباس فذكره"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تنبيه ‪ :‬من هذه الية يبتدئ العتماد في تخريج الحاديث والثار في تفسير الطبري على‬
‫الطبعة المصورة عن الطبعة الميرية بعد أن كان العتماد على الطبعة التي حققها الفاضلن‬
‫الشيخ أحمد شاكر والستاذ محمود شاكر في ستة عشر مجلدا وطبعت في دار المعارف ‪ ،‬وال‬
‫أسأل أن يقيض لهذا الكتاب من يكمل تحقيقه فهو من أعظم كتب التفسير وأجلها ‪ ،‬وال المستعان‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4700‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الصرفي"‪.‬‬

‫( ‪)4/508‬‬

‫البوار ؟ قال ‪ :‬منافقو قريش‪.‬‬


‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن نفيل قال ‪ :‬قرأت على َمعْقِل ‪ ،‬عن ابن أبي حسين (‬
‫‪ )1‬قال ‪ :‬قام علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أل أحد يسألني عن القرآن ‪ ،‬فوال لو‬
‫أعلم اليوم أحدا أعلم مني به (‪ )2‬وإن كان من وراء البحار لتيته‪ .‬فقام عبد ال بن الكواء (‪)3‬‬
‫فقال ‪ :‬من الذين بدلوا نعمة ال كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار ؟ فقال ‪ :‬مشركو قريش ‪ ،‬أتتهم‬
‫نعمة (‪ )4‬ال ‪ :‬اليمان ‪ ،‬فبدلوا نعمة ال كفرا وأحلوا قومهم دار البوار‪.‬‬
‫وقال العدوي في قوله ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ َبدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ كُفْرًا } الية ‪ ،‬ذكر مسلم المستوفي (‪)5‬‬
‫عن علي أنه قال ‪ :‬هم الفجران من قريش ‪ :‬بنو أمية ‪ ،‬وبنو المغيرة ‪ ،‬فأما بنو المغيرة فأحلوا‬
‫قومهم دار البوار يوم بدر ‪ ،‬وأما بنو أمية فأحلوا قومهم دار البوار يوم أحد‪ .‬وكان أبو جهل يوم‬
‫بدر ‪ ،‬وأبو سفيان يوم أحد‪ .‬وأما دار البوار فهي جهنم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا محمد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا الحارث بن منصور ‪ ،‬عن‬
‫إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن مرة قال ‪ :‬سمعت عليا قرأ هذه الية ‪ { :‬وََأحَلّوا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َق ْومَهُمْ دَارَ الْ َبوَارِ } قال ‪ :‬هم الفجران من قريش ‪ :‬بنو أمية وبنو المغيرة ‪ ،‬فأما بنو المغيرة‬
‫فأهلكوا يوم بدر ‪ ،‬وأما بنو أمية فمتّعوا إلى حين‪.‬‬
‫ورواه أبو إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬نحوه ‪ ،‬وروي من غير وجه عنه‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن سعد ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬في قوله‬
‫‪َ { :‬ألَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ُكفْرًا } قال ‪ :‬هم الفجران من قريش ‪ :‬بنو المغيرة وبنو‬
‫أمية ‪ ،‬فأما بنو المغيرة فكُفيتمُوهُم يوم بدر ‪ ،‬وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين‪.‬‬
‫وكذا رواه حمزة الزيات ‪ ،‬عن عمرو بن مرة قال ‪ :‬قال ابن عباس لعمر بن الخطاب ‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين ‪ ،‬هذه الية ‪ { :‬الّذِينَ بَدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ُكفْرًا وَأَحَلّوا َق ْو َمهُمْ دَارَ الْ َبوَارِ } قال ‪ :‬هم الفجران‬
‫من قريش ‪ :‬أخوالي وأعمامك فأما أخوالي فاستأصلهم ال يوم بدر ‪ ،‬وأما أعمامك فأملى ال لهم‬
‫إلى حين‪.‬‬
‫وقال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة بن زيد (‪ )6‬هم كفار قريش الذين قتلوا يوم بدر‬
‫وكذا رواه مالك في تفسيرة عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر‪.‬‬
‫عوُا‬
‫جعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادًا لِ ُيضِلّوا عَنْ سَبِيلِهِ } أي ‪ :‬جعلوا له (‪ )7‬شركاء عبدوهم معه ‪ ،‬ودَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫الناس إلى ذلك‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مهدّدًا لهم (‪ )8‬ومتوعدا لهم على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم ‪ُ { :‬قلْ َتمَ ّتعُوا فَإِنّ‬
‫َمصِي َركُمْ إِلَى النّارِ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ت ‪ ،‬أ ‪ : :‬حنين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬به مني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬الكراء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نعم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬المسوف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وقتادة وابن زيد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬جعلوا ل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬له"‪.‬‬

‫( ‪)4/509‬‬

‫ُقلْ ِلعِبَا ِديَ الّذِينَ َآمَنُوا ُيقِيمُوا الصّلَا َة وَيُ ْنفِقُوا ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْمٌ لَا بَ ْيعٌ‬
‫فِي ِه وَلَا خِلَالٌ (‪)31‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أي ‪ :‬مهما قدرتم عليه في الدنيا فافعلوا ‪ ،‬فمهما يكن من شيء { فَإِنّ َمصِي َركُمْ إِلَى النّارِ } أي ‪:‬‬
‫مرجعكم وموئلكم إليها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬نمَ ّت ُعهُمْ قَلِيل ُثمّ َنضْطَرّ ُهمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } [لقمان ‪:‬‬
‫ج ُعهُمْ ُثمّ نُذِي ُقهُمُ ا ْلعَذَابَ الشّدِيدَ ِبمَا كَانُوا َي ْكفُرُونَ }‬
‫‪ ، ]24‬وقال تعالى ‪ { :‬مَتَاعٌ فِي الدّنْيَا ثُمّ إِلَيْنَا مَرْ ِ‬
‫[يونس ‪.]70 :‬‬
‫{ ُقلْ ِلعِبَا ِديَ الّذِينَ آمَنُوا ُيقِيمُوا الصّلةَ وَيُ ْن ِفقُوا ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلنِيَةً مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْ ٌم ل‬
‫بَيْعٌ فِيهِ وَل خِللٌ (‪} )31‬‬
‫يقول تعالى آمرًا العباد (‪ )1‬بطاعته والقيام بحقه ‪ ،‬والحسان إلى خلقه ‪ ،‬بأن يقيموا الصلة وهي‬
‫عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن ينفقوا مما رزقهم ال بأداء الزكوات ‪ ،‬والنفقة على القرابات‬
‫والحسان إلى الجانب‪.‬‬
‫والمراد بإقامتها هو ‪ :‬المحافظة على وقتها وحدودها ‪ ،‬وركوعها وخشوعها وسجودها‪.‬‬
‫وأمر تعالى بالنفاق مما رزق في السر ‪ ،‬أي ‪ :‬في الخفية ‪ ،‬والعلنية وهي ‪ :‬الجهر ‪ ،‬وليبادروا‬
‫إلى ذلك لخلص أنفسهم { مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْمٌ } وهو يوم القيامة ‪ ،‬وهو يوم { ل بَ ْيعٌ فِي ِه وَل‬
‫خِللٌ } أي ‪ :‬ل يقبل من أحد فدية بأن تباع (‪ )2‬نفسه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَالْ َيوْمَ ل ُيؤْخَذُ مِ ْنكُمْ‬
‫فِدْيَةٌ وَل مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا } [الحديد ‪.]15 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل خِللٌ } قال ابن جرير ‪ :‬يقول ‪ :‬ليس هناك مُخَالّة (‪ )3‬خليل ‪ ،‬فيصفح (‪ )4‬عمن‬
‫استوجب العقوبة ‪ ،‬عن العقاب ل ُمخَالّته ‪ ،‬بل هنالك العدل والقسط ‪ ،‬فالخلل مصدر ‪ ،‬من قول‬
‫القائل ‪" :‬خاللت فلنا ‪ ،‬فأنا أخاله مخالة وخلل" ‪ ،‬ومنه قول امرئ القيس ‪:‬‬
‫ستُ بمقْلى الخلل ول قَال (‪)5‬‬
‫خشْيَة الرّدَى‪ ...‬وَلَ ْ‬
‫صَرَفتُ ال َهوَى عَ ْنهُنّ من َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬إن ال قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلل يتخالون بها في الدنيا ‪ ،‬فينظر رجل من‬
‫يخالل وعلم صاحب ‪ ،‬فإن كان ل فليداوم ‪ ،‬وإن كان لغير ال فسيقطع عنه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والمراد من هذا أنه يخبر تعالى أنه ل ينفع أحدا بيع ول فدية ‪ ،‬ولو افتدى بملء الرض‬
‫ذهبا لو وجده ‪ ،‬ول ينفعه صداقة أحد ول شفاعة أحد إذا لقي ال كافرا ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَاتّقُوا‬
‫شفَاعَ ٌة وَل هُمْ يُ ْنصَرُونَ } [البقرة‬
‫ل وَل تَ ْن َف ُعهَا َ‬
‫َيوْما ل َتجْزِي َنفْسٌ عَنْ َنفْسٍ شَيْئا وَل ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا عَ ْد ٌ‬
‫‪ ، ]123 :‬وقال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا أَ ْنفِقُوا ِممّا رَ َزقْنَا ُكمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْمٌ ل بَيْعٌ فِيهِ‬
‫شفَاعَ ٌة وَا ْلكَافِرُونَ هُمُ الظّاِلمُونَ } [البقرة ‪.]254 :‬‬
‫وَل خُلّ ٌة وَل َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لعباده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يباع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬مخالطة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فصفح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬البيت في تفسير الطبري (‪.)13/149‬‬

‫( ‪)4/510‬‬

‫سخّرَ‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ ِبهِ مِنَ ال ّثمَرَاتِ رِ ْزقًا َلكُ ْم وَ َ‬
‫ض وَأَنْ َزلَ مِنَ ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر َ‬
‫اللّهُ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ دَائِبَيْنِ‬
‫شمْ َ‬
‫سخّرَ َلكُمُ ال ّ‬
‫َلكُمُ ا ْلفُ ْلكَ لِ َتجْ ِريَ فِي الْ َبحْرِ بَِأمْ ِر ِه وَسَخّرَ َلكُمُ الْأَ ْنهَارَ (‪ )32‬وَ َ‬
‫ل وَال ّنهَارَ (‪)33‬‬
‫وَسَخّرَ َل ُكمُ اللّ ْي َ‬

‫سمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ ِبهِ مِنَ ال ّثمَرَاتِ رِ ْزقًا َلكُمْ‬


‫ض وَأَنزلَ مِنَ ال ّ‬
‫ت وَالرْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ اللّهُ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ‬
‫شمْ َ‬
‫سخّرَ َلكُمُ ال ّ‬
‫وَسَخّرَ َل ُكمُ ا ْلفُ ْلكَ لِتَجْ ِريَ فِي الْ َبحْرِ بَِأمْ ِرهِ وَسَخّرَ َل ُكمُ ال ْنهَارَ (‪ )32‬وَ َ‬
‫سخّرَ َلكُمُ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ (‪} )33‬‬
‫ن وَ َ‬
‫دَائِبَيْ ِ‬

‫( ‪)4/511‬‬

‫حصُوهَا إِنّ الْإِنْسَانَ َلظَلُومٌ َكفّارٌ (‪)34‬‬


‫وَآَتَاكُمْ مِنْ ُكلّ مَا سَأَلْ ُتمُو ُه وَإِنْ َتعُدّوا ِن ْعمَةَ اللّهِ لَا ُت ْ‬

‫حصُوهَا إِنّ النْسَانَ َلظَلُومٌ َكفّارٌ (‪} )34‬‬


‫{ وَآتَا ُكمْ مِنْ ُكلّ مَا سَأَلْ ُتمُوهُ وَإِنْ َت ُعدّوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ل ُت ْ‬
‫يعدد تعالى نعمه على خلقه ‪ ،‬بأن خلق لهم السماوات سقفا محفوظًا (‪ )1‬والرض فراشًا ‪ ،‬وأنزل‬
‫من السماء ماء فأخرج به أزواجا من نبات شتى ‪ ،‬ما بين ثمار وزروع ‪ ،‬مختلفة اللوان‬
‫والشكال ‪ ،‬والطعوم والروائح والمنافع ‪ ،‬وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر ‪،‬‬
‫تجري عليه بأمر ال تعالى ‪ ،‬وسخر البحر يحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر ‪،‬‬
‫لجلب ما هنا إلى هناك ‪ ،‬وما هناك إلى هاهنا ‪ ،‬وسخر النهار تشق الرض من قطر إلى قطر ‪،‬‬
‫رزقا للعباد من شرب وسقي وغير ذلك من أنواع المنافع‪.‬‬
‫شمْسُ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ دَائِبَيْنِ } أي ‪ :‬يسيران ل يقران (‪ )2‬ليل ول نهارا ‪ { ،‬ل ال ّ‬
‫شمْ َ‬
‫سخّرَ َلكُمُ ال ّ‬
‫{ وَ َ‬
‫يَنْ َبغِي َلهَا أَنْ تُدْ ِركَ ا ْل َقمَ َر وَل اللّ ْيلُ سَابِقُ ال ّنهَا ِر َو ُكلّ فِي فََلكٍ َيسْبَحُونَ } [يس ‪ُ { ، ]40 :‬يغْشِي‬
‫ق وَالمْرُ تَبَا َركَ اللّهُ‬
‫سخّرَاتٍ بَِأمْ ِرهِ أَل َلهُ ا ْلخَلْ ُ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ وَالنّجُومَ مُ َ‬
‫شمْ َ‬
‫طلُبُهُ حَثِيثًا وَال ّ‬
‫اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ يَ ْ‬
‫َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [العراف ‪ ، ]54 :‬فالشمس والقمر يتعاقبان ‪ ،‬والليل والنهار عارضان (‪ )3‬فتارة‬
‫يأخذ هذا من هذا فيطول ‪ ،‬ثم يأخذ الخر من هذا فيقصر ‪ { ،‬يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَا ِر وَيُولِجُ ال ّنهَارَ‬
‫سمّى وَأَنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪[ } )4‬لقمان‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫س وَا ْلقَمَرَ ُكلّ يَجْرِي إِلَى َأ َ‬
‫شمْ َ‬
‫سخّرَ ال ّ‬
‫فِي اللّ ْيلِ وَ َ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ‬
‫شمْ َ‬
‫سخّرَ ال ّ‬
‫ل وَ َ‬
‫‪ ، ]29 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬ي َكوّرُ اللّ ْيلَ عَلَى ال ّنهَا ِر وَ ُيكَوّرُ ال ّنهَارَ عَلَى اللّ ْي ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمّى } [الزمر ‪.]5 :‬‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫ُكلّ َيجْرِي ل َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآتَا ُكمْ مِنْ ُكلّ مَا سَأَلْ ُتمُوهُ } يقول ‪ :‬هيأ لكم كل ما تحتاجون إليه في جميع أحوالكم مما‬
‫تسألونه بحالكم (‪ )5‬وقالكم‪.‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬من كل ما سألتموه وما لم تسألوه‪.‬‬
‫وقرأ بعضهم ‪" :‬وأتاكم من كل ما سألتموه"‪.‬‬
‫حصُوهَا } يخبر عن عجز العباد عن تعداد النعم فضل عن‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ َتعُدّوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ل تُ ْ‬
‫القيام بشكرها ‪ ،‬كما قال طلق بن حبيب ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬إن حق ال أثقل من أن يقوم به العباد ‪،‬‬
‫وإن نعم ال أكثر (‪ )6‬من أن يحصيها (‪ )7‬العباد ‪ ،‬ولكن أصبحوا توابين وامسُوا توابين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬مرفوعا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ل يفتران"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يتعارضان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أل وهو العزيز الغفار" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لحالكم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أكبر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تحصيها"‪.‬‬

‫( ‪)4/511‬‬

‫ج َعلْ َهذَا الْبَلَدَ َآمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَ ِنيّ أَنْ َنعْبُدَ الَْأصْنَامَ (‪َ )35‬ربّ إِ ّنهُنّ َأضْلَلْنَ‬
‫وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ َربّ ا ْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪)36‬‬
‫عصَانِي فَإِ ّنكَ َ‬
‫كَثِيرًا مِنَ النّاسِ َفمَنْ تَ ِبعَنِي فَإِنّهُ مِنّي َومَنْ َ‬

‫وفي صحيح البخاري ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬اللهم ‪ ،‬لك الحمد غير‬
‫َمكْ ِفيّ ول مودَع ‪ ،‬ول مستغنى عنه ربّنا" (‪.)1‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث ‪ ،‬حدثنا داود بن‬
‫المُحبّر ‪ ،‬حدثنا صالح الم ْريّ عن جعفر بن زيد العَبْدِي ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال ‪" :‬يخرج لبن آدم يوم القيامة ثلثة (‪ )2‬دواوين ‪ ،‬ديوان ‪ ،‬فيه العمل الصالح ‪،‬‬
‫وديوان فيه ذنوبه ‪ ،‬وديوان فيه النعم من ال تعالى عليه ‪ ،‬فيقول ال لصغر (‪ )3‬نعمه ‪ -‬أحسبَه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬في ديوان النعم ‪ :‬خذي ثمنك من عمله الصالح ‪ ،‬فتستوعب عمله الصالح كله ‪ ،‬ثم تَ َنحّى‬
‫وتقول ‪ :‬وعزتك ما استوفيت‪ .‬وتبقى الذنوب والنعم (‪ )4‬فإذا أراد ال أن يرحم قال ‪ :‬يا عبدي ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قد ضاعفتُ لك حسناتك وتجاوزت عن سيئاتك ‪ -‬أحسبه قال ‪ :‬ووهبت لك نعمي" (‪ )5‬غريب ‪،‬‬
‫وسنده ضعيف‪.‬‬
‫وقد روي في الثر ‪ :‬أن داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬يارب ‪ ،‬كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك‬
‫علي ؟ فقال ال تعالى ‪ :‬الن شكرتني يا داود ‪ ،‬أي ‪ :‬حين اعترفت بالتقصير عن أداء شكر النعم‪.‬‬
‫وقال الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬الحمد ل الذي ل يؤدى شكر نعمة من نعمه ‪ ،‬إل بنعمة (‪ )6‬تُوجِب‬
‫على مُؤدى ماضي نعَمه بأدائها ‪ ،‬نعمة حادثةَ توجب عليه شكره بها (‪.)7‬‬
‫وقال القائل في ذلك ‪:‬‬
‫لو كل جَارِحَة مني لهَا ُلغَةٌ‪ ...‬تُثْنيِ عَلَيكَ بما أولَيتَ مِنْ حَسنِ‪...‬‬
‫شكَرت به‪ ...‬إليكَ أبلغَ في الحسَان والمننِ‪...‬‬
‫َلكَانَ ما زَادَ شُكري إذ َ‬
‫ج َعلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَنْ َنعْ ُب َد الصْنَامَ (‪َ )35‬ربّ إِ ّنهُنّ َأضْلَلْنَ‬
‫{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ َربّ ا ْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪} )36‬‬
‫عصَانِي فَإِ ّنكَ َ‬
‫كَثِيرًا مِنَ النّاسِ َفمَنْ تَ ِبعَنِي فَإِنّهُ مِنّي َومَنْ َ‬
‫يذكر تعالى في هذا المقام محتجا على مشركي العرب ‪ ،‬بأن البلد الحرام مكة إنما وضعت أول ما‬
‫وضعت على عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن إبراهيم الذي كانت عامرة بسببه ‪ ،‬آهلة تبرأ ممن‬
‫ج َعلْ هَذَا الْبََلدَ آمِنًا } وقد استجاب ال له ‪،‬‬
‫عبد غير ال ‪ ،‬وأنه دعا لمكة بالمن فقال ‪َ { :‬ربّ ا ْ‬
‫حوِْلهِمْ } [العنكبوت ‪، ]67 :‬‬
‫طفُ النّاسُ مِنْ َ‬
‫جعَلْنَا حَ َرمًا آمِنًا وَيُ َتخَ ّ‬
‫فقال تعالى ‪َ { :‬أوََلمْ يَ َروْا أَنّا َ‬
‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )5458‬من حديث أبي أمامة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ثلث" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لصغرهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والنعم والعمل الصالح فيستوعب عمله الصالح كله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪" )3444‬كشف الستار" وفيه داود بن المحبر وصالح المرى وهما‬
‫ضعفيان‪.‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بنعمة حادثة" والمثبت من الرسالة‪.‬‬
‫(‪ )7‬الرسالة للشافعي (ص ‪.)8 ، 7‬‬

‫( ‪)4/512‬‬

‫ج َعلْ َأفْئِ َدةً‬


‫سكَ ْنتُ مِنْ ذُرّيّتِي ِبوَادٍ غَيْرِ ذِي زَ ْرعٍ عِنْدَ بَيْ ِتكَ ا ْل ُمحَرّمِ رَبّنَا لِ ُيقِيمُوا الصّلَاةَ فَا ْ‬
‫رَبّنَا إِنّي أَ ْ‬
‫شكُرُونَ (‪)37‬‬
‫مِنَ النّاسِ َت ْهوِي إِلَ ْيهِ ْم وَارْ ُز ْقهُمْ مِنَ ال ّثمَرَاتِ َلعَّل ُهمْ يَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ت ُوضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي (‪ )1‬بِ َبكّةَ مُبَا َركًا وَ ُهدًى لِ ْلعَاَلمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ َمقَامُ إِبْرَاهِيمَ‬
‫{ إِنّ َأوّلَ بَ ْي ٍ‬
‫ج َعلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا‬
‫َومَنْ دَخََلهُ كَانَ آمِنًا } [آل عمران ‪ ، ]97 ، 96 :‬وقال في هذه القصة ‪َ { :‬ربّ ا ْ‬
‫سمَاعِيلَ‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي وَ َهبَ لِي عَلَى ا ْلكِبَرِ إِ ْ‬
‫} فعرفه كأنه دعا به بعد بنائها ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ا ْل َ‬
‫وَإِسْحَاقَ } [إبراهيم ‪ ، ]39 :‬ومعلوم أن إسماعيل أكبر من إسحاق بثلث عشرة سنة ‪ ،‬فأما حين‬
‫ج َعلْ َهذَا بََلدًا‬
‫ذهب بإسماعيل وأمه وهو رضيع إلى مكان مكة ‪ ،‬فإنه دعا أيضا فقال ‪َ { :‬ربّ ا ْ‬
‫آمِنًا } [البقرة ‪ ، ]126 :‬كما ذكرناه هنالك في سورة البقرة مستقصى مطول‪.‬‬
‫وقال ‪ { :‬وَاجْنُبْنِي وَبَ ِنيّ أَنْ َنعْ ُب َد الصْنَامَ } ينبغي لكل داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته‪.‬‬
‫ثم ذكر أنه افتتن بالصنام خلئق من الناس وأنه برئ ممن عبدها ‪ ،‬ورد أمرهم (‪ )2‬إلى ال ‪ ،‬إن‬
‫شاء عذبهم (‪ )3‬وإن شاء غفر لهم (‪ )4‬كما قال عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ { :‬إِنْ ُتعَذّ ْبهُمْ فَإِ ّنهُمْ عِبَا ُدكَ‬
‫حكِيمُ } [المائدة ‪ ، ]118 :‬وليس في هذا أكثر من الرد إلى مشيئة‬
‫وَإِنْ َتغْفِرْ َلهُمْ فَإِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫ال تعالى ‪ ،‬ل تجويز (‪ )5‬وقوع ذلك‪.‬‬
‫سوَادة حدثه ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫قال عبد ال بن وهب ‪ :‬حدثنا عمرو بن الحارث ‪ ،‬أن بكر بن َ‬
‫جُبَير (‪ )6‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تل قول إبراهيم ‪َ { :‬ربّ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ } وقول (‪)7‬‬
‫عصَانِي فَإِ ّنكَ َ‬
‫إِ ّنهُنّ َأضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ َفمَنْ تَ ِبعَنِي فَإِنّهُ مِنّي َومَنْ َ‬
‫حكِيمُ } ورفع يديه‬
‫ك وَإِنْ َتغْفِرْ َلهُمْ فَإِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫عيسى عليه السلم ‪ { :‬إِنْ ُت َعذّ ْبهُمْ فَإِ ّنهُمْ عِبَا ُد َ‬
‫‪[ ،‬ثم] (‪ )8‬قال ‪" :‬اللهم أمتي ‪ ،‬اللهم أمتي ‪ ،‬اللهم أمتي" ‪ ،‬وبكى فقال ال ‪[ :‬يا جبريل] (‪ )9‬اذهب‬
‫إلى محمد ‪ -‬وربك أعلم وسله ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فسأله ‪ ،‬فأخبره رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ما قال ‪[ ،‬قال] (‪ )10‬فقال ال ‪ :‬اذهب إلى محمد ‪ ،‬فقل له ‪ :‬إنا سنرضيك في‬
‫أمتك ول نسوءك (‪.)11‬‬
‫ج َعلْ‬
‫سكَ ْنتُ مِنْ ذُرّيّتِي ِبوَادٍ غَيْرِ ذِي زَ ْرعٍ عِ ْندَ بَيْ ِتكَ ا ْلمُحَرّمِ رَبّنَا لِ ُيقِيمُوا الصّلةَ فَا ْ‬
‫{ رَبّنَا إِنّي َأ ْ‬
‫شكُرُونَ (‪} )37‬‬
‫َأفْئِ َدةً مِنَ النّاسِ َت ْهوِي إِلَ ْي ِه ْم وَارْ ُز ْقهُمْ مِنَ ال ّثمَرَاتِ َلعَّلهُمْ َي ْ‬
‫وهذا يدل على أن هذا دعاء ثان بعد الدعاء الول الذي دعا به عندما ولى عن هاجر وولدها ‪،‬‬
‫وذلك قبل بناء البيت ‪ ،‬وهذا كان بعد بنائه ‪ ،‬تأكيدًا ورغبة إلى ال ‪ ،‬عز وجل ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ عِ ْندَ بَيْ ِتكَ ا ْلمُحَرّمِ }‬
‫وقوله ‪ { :‬رَبّنَا لِ ُيقِيمُوا الصّلةَ } قال ابن جرير ‪ :‬هو متعلق بقوله ‪" :‬المحرم" أي ‪ :‬إنما جعلته‬
‫محرما ليتمكن أهله من إقامة الصلة عنده‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬للتي" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أمره"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عذبه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬له"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ل تحرير"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ابن جرير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )11‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)13/151‬‬

‫( ‪)4/513‬‬

‫سمَاءِ (‪)38‬‬
‫ض وَلَا فِي ال ّ‬
‫شيْءٍ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫خفَى عَلَى اللّهِ مِنْ َ‬
‫ن َومَا يَ ْ‬
‫خفِي َومَا ُنعْلِ ُ‬
‫رَبّنَا إِ ّنكَ َتعْلَمُ مَا ُن ْ‬
‫جعَلْنِي‬
‫سمِيعُ الدّعَاءِ (‪َ )39‬ربّ ا ْ‬
‫ل وَإِسْحَاقَ إِنّ رَبّي لَ َ‬
‫سمَاعِي َ‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي وَ َهبَ لِي عَلَى ا ْلكِبَرِ إِ ْ‬
‫الْ َ‬
‫ي وَلِ ْلمُ ْؤمِنِينَ َيوْمَ َيقُومُ‬
‫غفِرْ لِي وَلِوَاِل َد ّ‬
‫ُمقِيمَ الصّلَا ِة َومِنْ ذُرّيّتِي رَبّنَا وَتَقَ ّبلْ دُعَاءِ (‪ )40‬رَبّنَا ا ْ‬
‫حسَابُ (‪)41‬‬
‫الْ ِ‬

‫ج َعلْ َأفْ ِئ َدةً مِنَ النّاسِ َت ْهوِي إِلَ ْيهِمْ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ :‬لو قال ‪:‬‬
‫{ فَا ْ‬
‫"أفئدة الناس" لزدحم عليه فارس والروم واليهود (‪ )1‬والنصارى والناس كلهم ‪ ،‬ولكن قال ‪ { :‬مِنَ‬
‫النّاسِ } فاختص به المسلمون‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَارْ ُز ْقهُمْ مِنَ ال ّثمَرَاتِ } أي ‪ :‬ليكون ذلك عونا لهم على طاعتك وكما أنه { وَادٍ غَيْرِ ذِي‬
‫زَ ْرعٍ } فاجعل لهم ثمارا يأكلونها‪ .‬وقد استجاب ال ذلك ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬أوَلَمْ ُن َمكّنْ َل ُهمْ حَ َرمًا آمِنًا‬
‫شيْءٍ رِ ْزقًا مِنْ لَدُنّا } [القصص ‪ ]57 :‬وهذا من لطفه تعالى وكرمه ورحمته‬
‫يُجْبَى إِلَيْهِ َثمَرَاتُ ُكلّ َ‬
‫وبركته ‪ :‬أنه ليس في البلد الحرام مكة شجرة مثمرة ‪ ،‬وهي تجبى إليها ثمرات ما حولها ‪،‬‬
‫استجابة لخليله إبراهيم ‪ ،‬عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫سمَاءِ (‪)38‬‬
‫شيْءٍ فِي ال ْرضِ وَل فِي ال ّ‬
‫خفَى عَلَى اللّهِ مِنْ َ‬
‫خفِي َومَا ُنعْلِنُ َومَا َي ْ‬
‫{ رَبّنَا إِ ّنكَ َتعْلَمُ مَا ُن ْ‬
‫جعَلْنِي‬
‫سمِيعُ الدّعَاءِ (‪َ )39‬ربّ ا ْ‬
‫ل وَإِسْحَاقَ إِنّ رَبّي لَ َ‬
‫سمَاعِي َ‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي وَ َهبَ لِي عَلَى ا ْلكِبَرِ إِ ْ‬
‫الْ َ‬
‫ي وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ َيوْمَ َيقُومُ‬
‫غفِرْ لِي وَِلوَالِ َد ّ‬
‫ُمقِيمَ الصّلةِ َومِنْ ذُرّيّتِي رَبّنَا وَتَقَ ّبلْ دُعَاءِ (‪ )40‬رَبّنَا ا ْ‬
‫حسَابُ (‪} )41‬‬
‫الْ ِ‬
‫خفِي َومَا ُنعْلِنُ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يقول تعالى مخبرا عن إبراهيم خليله أنه قال ‪ { :‬رَبّنَا إِ ّنكَ َتعَْلمُ مَا نُ ْ‬
‫} أي ‪ :‬أنت تعلم قصدي في دعائي وما أردت بدعائي لهل هذا البلد ‪ ،‬وإنما هو القصد إلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رضاك والخلص لك ‪ ،‬فإنك تعلم الشياء كلها ظاهرها وباطنها ‪ ،‬ول يخفى عليك منها شيء في‬
‫الرض ول في السماء‪.‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي وَ َهبَ لِي‬
‫ثم حمد ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬على ما رزقه من الولد بعد الكبر ‪ ،‬فقال ‪ { :‬الْ َ‬
‫سمِيعُ الدّعَاءِ } أي ‪ :‬إنه ليستجيب لمن دعاه ‪ ،‬وقد استجاب‬
‫ل وَإِسْحَاقَ إِنّ رَبّي لَ َ‬
‫سمَاعِي َ‬
‫عَلَى ا ْلكِبَرِ إِ ْ‬
‫لي فيما سألته (‪ )2‬من الولد‪.‬‬
‫جعَلْنِي ُمقِيمَ الصّلةِ } أي ‪ :‬محافظا عليها مقيما لحدودها { َومِنْ ذُرّيّتِي } أي ‪:‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ربّ ا ْ‬
‫واجعلهم كذلك مقيمين (‪ )3‬الصلة { رَبّنَا وَ َتقَبّلْ دُعَاءِ } أي ‪ :‬فيما سألتك فيه كله‪.‬‬
‫غفِرْ لِي وَِلوَالِ َديّ } وقرأ بعضهم ‪" :‬ولوالدي" ‪ ،‬على الفراد وكان هذا قبل أن يتبرأ من‬
‫{ رَبّنَا ا ْ‬
‫حسَابُ }‬
‫أبيه (‪ )4‬لما تبين له عداوته (‪ )5‬ل ‪ ،‬عز وجل ‪ { ،‬وَلِ ْل ُمؤْمِنِينَ } أي ‪ :‬كلهم { َيوْمَ َيقُومُ الْ ِ‬
‫أي ‪ :‬يوم تحاسب عبادك فتجزيهم (‪ )6‬بأعمالهم ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر ‪[ ،‬وال أعلم] (‬
‫‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬واليهود والروم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فيما سألت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مقيمي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ابنه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أنه عدو"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬فيجزيهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/514‬‬

‫خصُ فِيهِ الْأَ ْبصَارُ (‪)42‬‬


‫شَ‬‫عمّا َي ْعمَلُ الظّاِلمُونَ إِ ّنمَا ُيؤَخّرُهُمْ لِ َيوْمٍ تَ ْ‬
‫وَلَا تَحْسَبَنّ اللّهَ غَافِلًا َ‬

‫خصُ فِيهِ ال ْبصَارُ (‪} )42‬‬


‫شَ‬‫عمّا َي ْع َملُ الظّاِلمُونَ إِ ّنمَا ُي َؤخّرُهُمْ لِ َيوْمٍ تَ ْ‬
‫حسَبَنّ اللّهَ غَافِل َ‬
‫{ وَل تَ ْ‬

‫( ‪)4/515‬‬

‫سهِمْ لَا يَرْتَدّ ِإلَ ْيهِمْ طَ ْر ُف ُه ْم وََأفْئِدَ ُتهُمْ َهوَاءٌ (‪ )43‬وَأَنْذِرِ النّاسَ َيوْمَ يَأْتِيهِمُ ا ْل َعذَابُ‬
‫طعِينَ ُمقْ ِنعِي رُءُو ِ‬
‫ُمهْ ِ‬
‫سمْتُمْ مِنْ‬
‫سلَ َأوَلَمْ َتكُونُوا َأ ْق َ‬
‫ك وَنَتّبِعِ الرّ ُ‬
‫عوَ َت َ‬
‫جبْ دَ ْ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ نُ ِ‬
‫فَ َيقُولُ الّذِينَ ظََلمُوا رَبّنَا أَخّرْنَا إِلَى أَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سهُ ْم وَتَبَيّنَ َلكُمْ كَ ْيفَ َفعَلْنَا ِبهِمْ‬
‫سكَنْ ُتمْ فِي َمسَاكِنِ الّذِينَ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫قَ ْبلُ مَا َلكُمْ مِنْ َزوَالٍ (‪ )44‬وَ َ‬
‫َوضَرَبْنَا َل ُكمُ الَْأمْثَالَ (‪َ )45‬وقَدْ َمكَرُوا َمكْرَهُ ْم وَعِنْدَ اللّهِ َمكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ َمكْرُ ُهمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ا ْلجِبَالُ‬
‫(‪)46‬‬

‫سهِمْ ل يَرْتَدّ إِلَ ْيهِمْ طَ ْر ُفهُ ْم وََأفْئِدَ ُتهُمْ َهوَاءٌ (‪ )43‬وَأَنْذِرِ النّاسَ َيوْمَ يَأْتِيهِمُ‬
‫طعِينَ ُمقْ ِنعِي ُرءُو ِ‬
‫{ ُمهْ ِ‬
‫ا ْلعَذَابُ }‬
‫عمّا َي ْع َملُ الظّاِلمُونَ } أي ‪ :‬ل تحسبه‬
‫يقول [تعالى شأنه] (‪ { )1‬وَل َتحْسَبَنّ اللّهَ } يا محمد { غَافِل َ‬
‫إذ (‪ )2‬أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم ‪ ،‬ل يعاقبهم على صنعهم (‪ )3‬بل هو يحصي‬
‫خصُ فِيهِ ال ْبصَارُ } أي ‪ :‬من شدة الهوال‬
‫ذلك عليهم ويعده عدا ‪ ،‬أي ‪ { :‬إِ ّنمَا ُيؤَخّ ُرهُمْ لِ َيوْمٍ تَشْ َ‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫طعِينَ } أي ‪:‬‬
‫ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر فقال ‪ُ { :‬مهْ ِ‬
‫طعِينَ إِلَى الدّاعِ [ َيقُولُ ا ْلكَافِرُونَ هَذَا َي ْومٌ عَسِرٌ ] (‪[ } )4‬القمر ‪:‬‬
‫مسرعين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬مهْ ِ‬
‫سمَعُ إِل‬
‫حمَنِ فَل تَ ْ‬
‫صوَاتُ لِلرّ ْ‬
‫ت ال ْ‬
‫ش َع ِ‬
‫عوَجَ َل ُه وَخَ َ‬
‫عيَ ل ِ‬
‫‪ ، ]8‬وقال تعالى ‪َ { :‬ي ْومَئِذٍ يَتّ ِبعُونَ الدّا ِ‬
‫ح َملَ ظُ ْلمًا } [طه ‪- 198 :‬‬
‫حيّ ا ْلقَيّومِ َوقَدْ خَابَ مَنْ َ‬
‫َهمْسًا } إلى قوله ‪ { :‬وَعَنَتِ ا ْلوُجُوهُ لِ ْل َ‬
‫صبٍ يُو ِفضُونَ } [المعارج‬
‫‪ ، ]111‬وقال تعالى ‪َ { :‬ي ْومَ يَخْ ُرجُونَ مِنَ الجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَ ّنهُمْ إِلَى ُن ُ‬
‫‪.]43 :‬‬
‫س ِهمْ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد وغير واحد ‪ :‬رافعي رءوسهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬مقْ ِنعِي رُءُو ِ‬
‫{ ل يَرْتَدّ إِلَ ْيهِمْ طَ ْر ُفهُمْ } أي ‪[ :‬بل] (‪ )5‬أبصارهم طائرة شاخصة ‪ ،‬يديمون النظر ل يطرفون‬
‫لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة (‪ )6‬لما يحل بهم ‪ ،‬عياذًا بال العظيم من ذلك ؛‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬وََأفْئِدَ ُت ُهمْ َهوَاءٌ } أي ‪ :‬وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة [الفزع و] (‪)7‬‬
‫الوجل والخوف‪ .‬ولهذا قال قتادة وجماعة ‪ :‬إن أمكنة أفئدتهم خالية لن القلوب لدى الحناجر قد‬
‫خرجت من أماكنها من شدة الخوف‪ .‬وقال بعضهم ‪َ { :‬هوَاءٌ } خراب ل تعي (‪ )8‬شيئا‪.‬‬
‫ولشدة ما أخبر ال تعالى [به] (‪ )9‬عنهم ‪ ،‬قال لرسوله ‪ { :‬وَأَنْذِرِ النّاسَ َيوْمَ يَأْتِيهِمُ ا ْلعَذَابُ }‪.‬‬
‫سمْ ُتمْ مِنْ‬
‫سلَ َأوَلَمْ َتكُونُوا َأقْ َ‬
‫ك وَنَتّبِعِ الرّ ُ‬
‫عوَ َت َ‬
‫جبْ دَ ْ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ ُن ِ‬
‫ظَلمُوا رَبّنَا أَخّرْنَا إِلَى َأ َ‬
‫{ فَ َيقُولُ الّذِينَ َ‬
‫سهُ ْم وَتَبَيّنَ َلكُمْ كَ ْيفَ َفعَلْنَا ِبهِمْ‬
‫سكَنْ ُتمْ فِي َمسَاكِنِ الّذِينَ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫قَ ْبلُ مَا َلكُمْ مِنْ َزوَالٍ (‪ )44‬وَ َ‬
‫َوضَرَبْنَا َل ُك ُم المْثَالَ (‪َ )45‬وقَدْ َمكَرُوا َمكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللّهِ َمكْرُهُ ْم وَإِنْ كَانَ َمكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ‬
‫(‪} )46‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إذا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صنيعهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬والمخافة والفكرة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬ل يعي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)4/515‬‬

‫جلٍ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن قيل الذين ظلموا أنفسهم ‪ ،‬عند معاينة العذاب ‪ { :‬رَبّنَا َأخّرْنَا إِلَى َأ َ‬
‫حدَهُمُ ا ْل َموْتُ قَالَ َربّ‬
‫سلَ } كما قال تعالى ‪ { :‬حَتّى ِإذَا جَاءَ أَ َ‬
‫ك وَنَتّبِعِ الرّ ُ‬
‫عوَ َت َ‬
‫جبْ دَ ْ‬
‫قَرِيبٍ ُن ِ‬
‫ع َملُ صَاِلحًا فِيمَا تَ َر ْكتُ كَل إِ ّنهَا كَِلمَةٌ ُهوَ قَائُِلهَا َومِنْ وَرَا ِئهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى َيوْمِ‬
‫جعُونِ َلعَلّي أَ ْ‬
‫ارْ ِ‬
‫يُ ْبعَثُونَ } [المؤمنون ‪ ، ]100 ، 99 :‬وقال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُ ْل ِه ُكمْ َأ ْموَاُلكُ ْم وَل‬
‫ن وَأَ ْنفِقُوا مِنْ مَا رَ َزقْنَاكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ‬
‫َأوْل ُدكُمْ عَنْ ِذكْرِ اللّ ِه َومَنْ َي ْفعَلْ َذِلكَ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُو َ‬
‫ق وََأكُنْ (‪ )1‬مِنَ الصّاِلحِينَ }‬
‫جلٍ قَرِيبٍ فََأصّدّ َ‬
‫ح َدكُمُ ا ْل َم ْوتُ فَ َيقُولَ َربّ َلوْل أَخّرْتَنِي إِلَى َأ َ‬
‫أَ َ‬
‫[المنافقون ‪ ، ]10 ، 9 :‬وقال تعالى مخبرا عنهم في حال محشرهم ‪ { :‬وََلوْ تَرَى ِإذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ‬
‫جعْنَا َن ْع َملْ صَاِلحًا إِنّا مُوقِنُونَ } [السجدة ‪]12 :‬‬
‫س ِمعْنَا فَا ْر ِ‬
‫سهِمْ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬
‫نَاكِسُو رُءُو ِ‬
‫‪ ،‬وقال تعالى ‪ { :‬وَلَوْ تَرَى ِإ ْذ ُوقِفُوا عَلَى النّارِ َفقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَ ّد وَل ُنكَ ّذبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَ َنكُونَ مِنَ‬
‫ل وََلوْ ُردّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَنْ ُه وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ }‬
‫خفُونَ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َبلْ َبدَا َلهُمْ مَا كَانُوا ُي ْ‬
‫[النعام ‪ ، ]28 ، 27 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَ ُهمْ َيصْطَ ِرخُونَ فِيهَا رَبّنَا أَخْ ِرجْنَا َن ْع َملْ صَاِلحًا غَيْرَ الّذِي‬
‫كُنّا َن ْع َملُ َأوَلَمْ ُن َعمّ ْركُمْ مَا يَتَ َذكّرُ فِيهِ مَنْ تَ َذكّ َر وَجَا َء ُكمُ النّذِيرُ فَذُوقُوا َفمَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َنصِيرٍ }‬
‫[فاطر ‪.]37 :‬‬
‫سمْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ مَا َلكُمْ مِنْ َزوَالٍ } أي ‪ :‬أو‬
‫وقال تعالى رادا عليهم في قولهم هذا ‪َ { :‬أوََلمْ َتكُونُوا َأ ْق َ‬
‫لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحال ‪ :‬أنه ل زوال لكم عما أنتم فيه ‪ ،‬وأنه ل معاد ول جزاء ‪،‬‬
‫فذوقوا هذا بذاك‪.‬‬
‫قال مجاهد وغيره ‪ { :‬مَا َلكُمْ مِنْ َزوَالٍ } أي ‪ :‬ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الخرة ‪ ،‬كما أخبر‬
‫حقّا } [النحل ‪:‬‬
‫عدًا عَلَيْهِ َ‬
‫ج ْهدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ ل يَ ْب َعثُ اللّهُ مَنْ َيمُوتُ بَلَى وَ ْ‬
‫سمُوا بِاللّهِ َ‬
‫عنهم تعالى ‪ { :‬وََأقْ َ‬
‫‪.]38‬‬
‫سهُ ْم وَتَبَيّنَ َلكُمْ كَ ْيفَ َفعَلْنَا ِبهِ ْم َوضَرَبْنَا َلكُ ُم المْثَالَ } أي ‪ :‬قد‬
‫سكَنْ ُتمْ فِي َمسَاكِنِ الّذِينَ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫{ وَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالمم المكذبة قبلكم ‪ ،‬ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر ‪ ،‬ولم يكن فيما‬
‫ح ْكمَةٌ بَاِلغَةٌ َفمَا ُتغْنِ النّذُرُ } [القمر ‪.]5 :‬‬
‫أوقعنا بهم مزدجر لكم (‪ِ { )2‬‬
‫وقد روى شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عبد الرحمن [بن دابيل] (‪ )3‬أن عليا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫قال في هذه الية ‪ { :‬وَإِنْ كَانَ َمكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ا ْلجِبَالُ } قال ‪ :‬أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في‬
‫ربه نسرين صغيرين ‪ ،‬فرباهما حتى استغلظا واستعلجا وشبا (‪.)4‬‬
‫قال ‪ :‬فأوثق رِجْل كل واحد منهما بوتد إلى تابوت ‪ ،‬وجوعهما ‪ ،‬وقعد هو ورجل آخر في التابوت‬
‫قال ‪ - :‬ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم ‪ -‬قال ‪ :‬فطارا [قال] (‪ )5‬وجعل يقول لصاحبه‬
‫‪ :‬انظر ‪ ،‬ما (‪ )6‬ترى ؟ قال ‪ :‬أرى كذا وكذا ‪ ،‬حتى قال ‪ :‬أرى الدنيا كلها كأنها ذباب‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فقال ‪ :‬صوب العصا ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وأكون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬لكم مزدجر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬بن دنيال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فشبا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ماذا"‪.‬‬

‫( ‪)4/516‬‬

‫فصوبها ‪ ،‬فهبطا‪ .‬قال ‪ :‬فهو قول ال ‪ ،‬عز وجل ‪" :‬وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال"‪ .‬قال أبو‬
‫إسحاق ‪ :‬وكذلك هي في قراءة عبد ال ‪" :‬وإن كاد مكرهم" (‪.)1‬‬
‫قلت ‪ :‬وكذا رُوي عن أبي بن كعب ‪ ،‬وعمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬أنهما قرآ ‪" :‬وإن‬
‫كاد" ‪ ،‬كما قرأ علي‪ .‬وكذا رواه سفيان الثوري ‪ ،‬وإسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عبد الرحمن‬
‫بن أذنان (‪ )2‬عن علي ‪ ،‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫وكذا رُوي عن عكرمة أن سياق هذه القصة لنمرود ملك كنعان ‪ :‬أنه رام أسباب السماء بهذه‬
‫الحيلة والمكر ‪ ،‬كما رام ذلك بعده فرعون ملك القبط في بناء الصرح ‪ ،‬فعجزا وضعفا‪ .‬وهما أقل‬
‫وأحقر ‪ ،‬وأصغر وأدحر‪.‬‬
‫وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر ‪ ،‬وأنه لما انقطع بصره عن الرض وأهلها ‪ ،‬نودي أيها‬
‫الطاغية ‪ :‬أين تريد ؟ َففَرق ‪ ،‬ثم سمع الصوت فوقه فصوب الرماح ‪ ،‬فصَوبت النسور ‪ ،‬ففزعت‬
‫الجبال من هدتها ‪ ،‬وكادت الجبال أن تزول من حس (‪ )3‬ذلك ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬وَإِنْ كَانَ َمكْرُهُمْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }‬
‫ونقل ابن جُريج (‪ )4‬عن مجاهد أنه قرأها ‪" :‬لَتَزُولُ منه الجبال" ‪ ،‬بفتح اللم الولى ‪ ،‬وضم (‪)5‬‬
‫الثانية‪.‬‬
‫وروى العوفي عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَإِنْ كَانَ َمكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ا ْلجِبَالُ } يقول ‪ :‬ما كان‬
‫مكرهم لتزول منه الجبال‪ .‬وكذا قال الحسن البصري ‪ ،‬ووجهه ابن جرير بأن هذا الذي فعلوه‬
‫بأنفسهم من كفرهم بال وشركهم به ‪ ،‬ما ضر ذلك شيئا من الجبال ول غيرها ‪ ،‬وإنما عاد وبال‬
‫ذلك على أنفسهم‪.‬‬
‫ض وَلَنْ تَبْلُغَ‬
‫قلت ‪ :‬ويشبه هذا إذا قوله تعالى ‪ { :‬وَل َتمْشِ فِي الرْضِ مَرَحًا إِ ّنكَ لَنْ تَخْ ِرقَ ال ْر َ‬
‫الْجِبَالَ طُول } [السراء ‪.]37 :‬‬
‫والقول الثاني في تفسيرها ‪ :‬ما رواه علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَإِنْ كَانَ َمكْرُهُمْ‬
‫ض وَتَخِرّ‬
‫شقّ ال ْر ُ‬
‫سمَاوَاتُ يَ َتفَطّرْنَ مِنْ ُه وَتَنْ َ‬
‫لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } يقول شركهم ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬تكَادُ ال ّ‬
‫ن وََلدًا } [مريم ‪ ، ]91 - 90 :‬وهكذا قال الضحاك وقتادة‪.‬‬
‫حمَ ِ‬
‫عوْا لِلرّ ْ‬
‫الْجِبَالُ َهدّا أَنْ دَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ ، )13/160‬وصوب العصا ‪ :‬خفضها وأنزلها أ‪ .‬هـ‪ .‬مستفادا من حاشية‬
‫الشعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أرباب" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬أريان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬من حين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ابن جرير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ورفع"‪.‬‬

‫( ‪)4/517‬‬

‫ف وَعْ ِدهِ رُسَُلهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْ ِتقَامٍ (‪َ )47‬يوْمَ تُبَ ّدلُ الْأَ ْرضُ غَيْرَ الْأَ ْرضِ‬
‫حسَبَنّ اللّهَ مُخِْل َ‬
‫فَلَا تَ ْ‬
‫س َموَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْل َقهّارِ (‪)48‬‬
‫وَال ّ‬

‫ف وَعْ ِدهِ ُرسُلَهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْ ِتقَامٍ (‪َ )47‬يوْمَ تُبَ ّدلُ ال ْرضُ غَيْرَ ال ْرضِ‬
‫{ فَل َتحْسَبَنّ اللّهَ مُخِْل َ‬
‫سمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْل َقهّارِ (‪} )48‬‬
‫وَال ّ‬
‫ع ِدهِ رُسُلَهُ } أي ‪ :‬من نصرتهم في‬
‫يقول تعالى مقررًا لوعده ومؤكدًا ‪ { :‬فَل تَحْسَبَنّ اللّهَ ُمخِْلفَ وَ ْ‬
‫الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد‪.‬‬
‫ثم أخبر أنه ذو عزة ل يمتنع (‪ )1‬عليه شيء أراده ‪ ،‬ول يغالب ‪ ،‬وذو انتقام ممن (‪ )2‬كفر به‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وجحده { وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ } [الطور ‪ ]11 :‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬يوْمَ تُ َب ّدلُ ال ْرضُ غَيْرَ ال ْرضِ‬
‫سمَاوَاتُ } أي ‪ :‬وعده هذا حاصل يوم تبدل الرض غير الرض ‪ ،‬وهي هذه على غير الصفة‬
‫وَال ّ‬
‫المألوفة المعروفة ‪ ،‬كما جاء في الصحيحين ‪ ،‬من حديث أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء ‪ ،‬كقرصة‬
‫النقي ‪ ،‬ليس فيها معلم لحد" (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي عدي ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن‬
‫عائشة أنها قالت ‪ :‬أنا أول الناس سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن هذه الية ‪َ { :‬يوْمَ تُبَ ّدلُ‬
‫حدِ ا ْل َقهّارِ } قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬أين الناس يومئذ يا‬
‫سمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ ا ْلوَا ِ‬
‫ض وَال ّ‬
‫ال ْرضُ غَيْرَ ال ْر ِ‬
‫رسول ال ؟ قال ‪" :‬على الصراط"‪.‬‬
‫رواه مسلم منفردًا به دون البخاري ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من حديث داود بن أبي هند ‪ ،‬به (‬
‫‪ )4‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫ورواه أحمد أيضا ‪ ،‬عن عفان ‪ ،‬عن وهيب (‪ )5‬عن داود ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عنها (‪ )6‬ولم يذكر‬
‫مسروقًا (‪.)7‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن حسان بن بلل المزني ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬أنها سألت رسول ال‬
‫سمَاوَاتُ } قال ‪ :‬قالت (‬
‫ض وَال ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم عن قول ال ‪َ { :‬يوْمَ تُ َب ّدلُ ال ْرضُ غَيْرَ ال ْر ِ‬
‫‪ )8‬يا رسول ال ‪ ،‬فأين الناس يومئذ ؟ قال ‪" :‬لقد سألتني (‪ )9‬عن شيء ما سألني عنه أحد من‬
‫أمتي ‪ ،‬ذاك أن الناس على جسر جهنم (‪.)11( )10‬‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬من حديث حبيب بن أبي عمرة ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬حدثتني‬
‫جمِيعًا قَ ْبضَتُهُ‬
‫عائشة أنها سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬عن قوله تعالى ‪ { :‬وَال ْرضُ َ‬
‫طوِيّاتٌ بِ َيمِي ِنهِ } [الزمر ‪، ]67 :‬‬
‫َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَالسّماوَاتُ مَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬تمتنع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بمن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )6521‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2790‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )6/35‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2791‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3121‬وابن ماجة برقم‬
‫(‪.)4279‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وهب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)6/134‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قلت"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬سألتني"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬على حشرهم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)13/166‬‬

‫( ‪)4/518‬‬

‫فأين الناس يومئذ يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬هم على متن جهنم" (‪.)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا الحسن ‪ ،‬حدثنا علي بن الجعد ‪ ،‬أخبرني القاسم ‪ ،‬سمعت الحسن قال ‪:‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬يا رسول ال ‪َ { ،‬يوْمَ تُ َب ّدلُ ال ْرضُ غَيْرَ ال ْرضِ } فأين الناس يومئذ ؟ قال ‪" :‬إن‬
‫هذا شيء ما سألني عنه أحد" ‪ ،‬قال ‪" :‬على الصراط يا عائشة"‪.‬‬
‫ورواه أحمد ‪ ،‬عن عفان (‪ )2‬عن القاسم بن الفضل ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫وقال المام مسلم بن الحجاج في صحيحه ‪ :‬حدثني الحسن بن علي الحلواني ‪ ،‬حدثنا أبو َتوْبة‬
‫الربيع بن نافع ‪ ،‬حدثنا معاوية بن سلم ‪ ،‬عن زيد ‪ -‬يعني ‪ :‬أخاه ‪ -‬أنه سمع أبا سلم ‪ ،‬حدثني‬
‫أبو أسماء الرّحَبِي ؛ أن ثوبان مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم حدثه قال ‪ :‬كنت قائما عند‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فجاءه (‪ )4‬حَبر من أحبار اليهود ‪ ،‬فقال ‪ :‬السلم عليك يا‬
‫محمد‪ .‬فدفعته دفعة كاد يُصرَع منها ‪ ،‬فقال ‪ :‬لم تدفعني ؟ فقلت ‪ :‬أل تقول ‪ :‬يا رسول ال ؟! فقال‬
‫سمّاه به أهله! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن اسمي‬
‫اليهودي ‪ :‬إنما ندعوه باسمه الذي َ‬
‫محمد الذي سماني به أهلي"‪ .‬فقال اليهودي ‪ :‬جئت أسألك‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أينفعك شيء إن حدثتك ؟" فقال ‪ :‬أسمع بأذني‪ .‬فنكت رسول ال صلى ال عليه وسلم بعود معه ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬سل"‪ .‬فقال اليهودي ‪ :‬أين يكون الناس يوم تبدل الرض غير الرض والسموات ؟ فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هم في الظلمة دون الجسر" (‪ )5‬قال ‪ :‬فمن أول الناس إجازة ؟‬
‫حفَتهُم حين يدخلون الجنة ؟ قال ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬فقال ‪[" :‬فقراء] (‪ )6‬المهاجرين"‪ .‬قال اليهودي ‪ :‬فما تُ ْ‬
‫"زيادة كبد النون" قال ‪ :‬فما غذاؤهم في أثرها ؟ قال ‪" :‬ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من‬
‫أطرافها"‪ .‬قال ‪ :‬فما شرابهم عليه ؟ قال ‪" :‬من عين فيها تسمى سلسبيل"‪ .‬قال ‪ :‬صدقت‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وجئت أسألك عن شيء ل يعلمه أحد من أهل الرض إل نبي أو رجل أو رجلن ؟ قال ‪" :‬أينفعك‬
‫إن حدثتك ؟" قال ‪ :‬أسمع بأذني‪ .‬قال ‪ :‬جئت أسألك عن الولد‪ .‬قال ‪" :‬ماء الرجل أبيض وماء‬
‫المرأة أصفر ‪ ،‬فإذا اجتمعا َفعَل منيّ الرجل منيّ المرأة أذكرا (‪ )7‬بإذن ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬وإذا عل‬
‫مني المرأة مني الرجل أنّثا بإذن ال" قال اليهودي ‪ :‬لقد صدقت ‪ ،‬وإنك لنبي‪ .‬ثم انصرف ‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ‪ ،‬وما لي علم بشيء منه ‪،‬‬
‫حتى أتاني ال به" (‪.)8‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫[و] (‪ )9‬قال أبو جعفر بن جرير الطبري ‪ :‬حدثني ابن عوف ‪ ،‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا ابن أبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)6/117‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عثمان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )13/166‬والمسند (‪.)6/101‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فجاء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الحشر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ذكرا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم ‪.)315( :‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)4/519‬‬

‫مريم ‪ ،‬حدثنا سعيد بن ثوبان الكَلعي ‪ ،‬عن أبي أيوب النصاري ‪ ،‬قال ‪ :‬أتى النبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم حَبْر من اليهود فقال ‪ :‬أرأيت إذ يقول ال في كتابه ‪َ { :‬يوْمَ تُبَ ّدلُ ال ْرضُ غَيْرَ ال ْرضِ‬
‫سمَاوَاتُ } فأين الخَلْق عند ذلك ؟ فقال ‪" :‬أضياف ال ‪ ،‬فلن يعجزهم ما لديه" (‪.)1‬‬
‫وَال ّ‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث أبي بكر بن عبد ال بن أبي مريم ‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال شعبة ‪ :‬أخبرنا أبو إسحاق ‪ ،‬سمعت عمرو بن ميمون ‪ -‬وربما قال ‪ :‬قال عبد ال ‪ ،‬وربما لم‬
‫يقل ‪ -‬فقلت له ‪ :‬عن عبد ال ؟ فقال ‪ :‬سمعت عمرو بن ميمون يقول ‪َ { :‬يوْمَ تُبَ ّدلُ ال ْرضُ غَيْرَ‬
‫ال ْرضِ } قال ‪ :‬أرض كالفضة البيضاء نقية ‪ ،‬لم يسفك فيها دم ‪ ،‬ولم يعمل عليها (‪ )2‬خطيئة ‪،‬‬
‫جمَهم‬
‫ينفذهم البصر ‪ ،‬ويسمعهم الداعي ‪ ،‬حفاةً عراة كما خلقوا‪ .‬قال ‪ :‬أراه قال ‪ :‬قياما حتى يُل ِ‬
‫العرق (‪.)3‬‬
‫وروي من وجه آخر عن شعبة عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬عن ابن‬
‫مسعود ‪ ،‬بنحوه‪ .‬وكذا رواه عاصم ‪ ،‬عن زرّ ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬لم يخبر به‪ .‬أورد ذلك كله ابن‬
‫جرير (‪.)4‬‬
‫عقِيل ‪ ،‬حدثنا سهل بن حماد‬
‫وقد قال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن عُبَيد بن َ‬
‫أبو عتاب ‪ ،‬حدثنا جرير بن أيوب ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬عن عبد ال ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في قول ال ‪ ،‬عز وجل ‪َ { :‬يوْمَ تُبَ ّدلُ ال ْرضُ غَيْرَ ال ْرضِ } قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫"أرض بيضاء لم يسقط عليها دم (‪ )5‬ولم يعمل عليها خطيئة"‪ .‬ثم قال ‪ :‬ل نعلم رفعه إل جرير بن‬
‫أيوب ‪ ،‬وليس بالقوي (‪.)6‬‬
‫جعْفي ‪،‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬حدثا معاوية بن هشام ‪ ،‬عن سنان (‪ )7‬عن جابر ال ُ‬
‫عن أبي جُبَيرة (‪ )8‬عن زيد قال ‪ :‬أرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى اليهود فقال ‪" :‬هل‬
‫تدرون لم أرسلت إليهم ؟" قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬أرسلت إليهم أسألهم عن قول ال ‪:‬‬
‫{ َيوْمَ تُبَ ّدلُ ال ْرضُ غَيْرَ الرْضِ } إنها تكون يومئذ بيضاء مثل الفضة"‪ .‬فلما جاءوا سألهم فقالوا ‪:‬‬
‫تكون بيضاء مثل ال ّنقِي (‪.)9‬‬
‫وهكذا رَوى عن علي ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وأنس بن مالك ‪ ،‬ومجاهد بن جبير ‪ :‬أنها تبدل يوم القيامة‬
‫بأرض من فضة‪.‬‬
‫وعن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬تصير الرض فضة ‪ ،‬والسموات ذهبا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)13/164‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)13/164‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)13/164‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬دما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند البزار برقم (‪" )3431‬كشف الستار" وجرير بن أيوب ضعفه الئمة‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬شيبان"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬عن ابن حبرة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)13/164‬‬

‫( ‪)4/520‬‬

‫وقال الربيع ‪ :‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بن كعب قال ‪ :‬تصير السموات جنانا‪.‬‬
‫وقال أبو ِمعْشر ‪ ،‬عن محمد بن كعب القرظي ‪ ،‬أو عن محمد بن قيس في قوله ‪َ { :‬يوْمَ تُبَ ّدلُ‬
‫ال ْرضُ غَيْرَ ال ْرضِ } قال ‪[ :‬تبدل] (‪ )1‬خبزة يأكل منها المؤمنون (‪ )2‬من تحت أقدامهم (‪.)3‬‬
‫وكذا َروَى َوكِيع ‪ ،‬عن عمر بن بشير الهمداني ‪ ،‬عن سعيد بن جبير في قوله ‪َ { :‬يوْمَ تُبَ ّدلُ‬
‫ال ْرضُ غَيْرَ ال ْرضِ } قال ‪ :‬تبدل خبزة بيضاء ‪ ،‬يأكل المؤمن من تحت قدميه‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن خَيْثَمة قال ‪ :‬قال عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ : -‬الرض كلها يوم القيامة (‪)4‬‬
‫نار ‪ ،‬والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ‪ ،‬ويُلجِمُ الناس العرقُ ‪ ،‬أو يبلغ منهم العرق ‪ ،‬ولم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يبلغوا الحساب‪.‬‬
‫وقال العمش أيضًا ‪ ،‬عن المِ ْنهَال بن عمرو ‪ ،‬عن قيس بن السكن (‪ )5‬قال ‪ :‬قال عبد ال ‪:‬‬
‫الرض كلها نار يوم القيامة ‪[ ،‬و] (‪ )6‬الجنة من ورائها ‪ ،‬ترى أكوابها وكواعبها ‪ ،‬والذي نفس‬
‫عبد ال بيده ‪ ،‬إن الرجل ليفيض عرقا حتى ترسخ (‪ )7‬في الرض قدمه ‪ ،‬ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه‬
‫‪ ،‬وما مسه الحساب‪ .‬قالوا (‪ )8‬مم ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال ‪ :‬مما يرى الناس يلقون (‪.)9‬‬
‫وقال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن كعب في قوله ‪َ { :‬يوْمَ تُ َب ّدلُ ال ْرضُ غَيْرَ‬
‫سمَاوَاتُ } قال ‪ :‬تصير السموات جنانا ‪ ،‬ويصير مكان البحر نارًا ‪ ،‬وتبدل الرض‬
‫ال ْرضِ وَال ّ‬
‫غيرها‪.‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه أبو داود ‪" :‬ل يركب البحر إل غاز أو حاج أو معتمر ‪ ،‬فإن تحت البحر‬
‫نارا ‪ -‬أو ‪ :‬تحت النار بحرا"‪)10( .‬‬
‫وفي حديث الصور المشهور المروي عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫"تبدل الرض غير الرض والسموات ‪ ،‬فيبسطها ويمدها مد الديم العكاظي ‪ ،‬ل ترى فيها عوجا‬
‫ول أمتا ‪ ،‬ثم يزجر ال الخلق زجرة ‪ ،‬فإذا هم في هذه المبدلة" (‪.)11‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَبَرَزُوا لِلّهِ } أي ‪ :‬خرجت الخلئق جميعها من قبورهم ل { ا ْلوَاحِدِ ا ْلقَهّارِ } أي ‪ :‬الذي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المؤمن"‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬قدميه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يوم القيامة كلها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ابن سكن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬يرسخ" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬يرشح"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)165 ، 13/164‬‬
‫(‪ )10‬سنن أبي داود برقم (‪ )2489‬ولفظه ‪" :‬فإن تحت البحر نارا ‪ ،‬وتحت النار بحرا" رواه من‬
‫طريق بشر أبي عبد ال ‪ ،‬عن بشير بن مسلم ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو مرفوعا ‪ ،‬وقد ضعف هذا‬
‫الحديث جماعة من الئمة‪ .‬انظر أقوالهم في ‪ :‬السلسلة الضعيفة برقم (‪.)478‬‬
‫(‪ )11‬سبق تخريج الحديث عند تفسير سورة النعام‪.‬‬

‫( ‪)4/521‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَ َتغْشَى ُوجُو َههُمُ النّارُ (‬
‫صفَادِ (‪ )49‬سَرَابِيُلهُمْ مِنْ َقطِرَا ٍ‬
‫وَتَرَى ا ْلمُجْ ِرمِينَ َي ْومَئِذٍ ُمقَرّنِينَ فِي الَْأ ْ‬
‫‪ )50‬لِيَجْ ِزيَ اللّهُ ُكلّ َنفْسٍ مَا كَسَ َبتْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (‪)51‬‬

‫قهر كل شيء وغلبه ‪ ،‬ودانت له الرقاب ‪ ،‬وخضعت له اللباب‪.‬‬


‫ن وَ َتغْشَى ُوجُو َههُمُ النّارُ (‬
‫{ وَتَرَى ا ْلمُجْ ِرمِينَ َي ْومَئِذٍ مُقَرّنِينَ فِي الصْفَادِ (‪ )49‬سَرَابِيُلهُمْ مِنْ َقطِرَا ٍ‬
‫‪ )50‬لِيَجْ ِزيَ اللّهُ ُكلّ َنفْسٍ مَا كَسَ َبتْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (‪} )51‬‬
‫سمَاوَاتُ } وتبرز الخلئق لديّانها ‪ ،‬ترى يا‬
‫ض وَال ّ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬يوْمَ تُ َب ّدلُ الرْضُ غَيْرَ ال ْر ِ‬
‫محمد يومئذ المجرمين ‪ ،‬وهم الذين أجرموا بكفرهم وفسادهم ‪ { ،‬مقرنين } أي ‪ :‬بعضهم إلى‬
‫بعض ‪ ،‬قد جمع بين النظراء أو الشكال (‪ )1‬منهم ‪ ،‬كل صنف إلى صنف ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫جتْ } [التكوير ‪:‬‬
‫جهُمْ } [الصافات ‪ ، ]22 :‬وقال ‪ { :‬وَإِذَا الّنفُوسُ ُزوّ َ‬
‫{ احْشُرُوا الّذِينَ ظََلمُوا وَأَ ْزوَا َ‬
‫عوْا هُنَاِلكَ ثُبُورًا } [الفرقان ‪ ، ]13 :‬وقال ‪:‬‬
‫‪ ، ]7‬وقال ‪ { :‬وَإِذَا أُ ْلقُوا مِ ْنهَا َمكَانًا ضَ ّيقًا ُمقَرّنِينَ دَ َ‬
‫صفَادِ } [ص ‪.]38 ، 37 :‬‬
‫غوّاصٍ وَآخَرِينَ ُمقَرّنِينَ فِي ال ْ‬
‫{ وَالشّيَاطِينَ ُكلّ بَنّا ٍء وَ َ‬
‫والصفاد ‪ :‬هي القيود ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والعمش ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد‪.‬‬
‫وهو مشهور في اللغة ‪ ،‬قال عمرو بن كلثوم‪.‬‬
‫فَآبُوا (‪ )2‬بالثياب وبالسّبايا وأُبْنَا بالمُلُوك (‪ُ )3‬مصَفّدينا (‪)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬سَرَابِيُلهُمْ مِنْ َقطِرَانٍ } أي ‪ :‬ثيابهم التي يلبسونها عليهم من قطران ‪ ،‬وهو الذي تُهنأ به‬
‫البل ‪ ،‬أي ‪ :‬تطلى ‪ ،‬قاله قتادة‪ .‬وهو ألصق شيء بالنار‪.‬‬
‫ويقال فيه ‪" :‬قَطِران" ‪ ،‬بفتح القاف وكسر الطاء ‪ ،‬وبفتح القاف وتسكين الطاء ‪ ،‬وبكسر القاف‬
‫وتسكين الطاء ‪ ،‬ومنه قول أبي النجم‪.‬‬
‫كأنّ قِطْرانًا إذَا تَلهَا‪ ...‬تَرْمي (‪ )5‬به الرّيح إلى مَجْراها (‪)6‬‬
‫وكان ابن عباس يقول ‪ :‬القَطران هو ‪ :‬النحاس المذاب ‪ ،‬وربما قرأها ‪" :‬سَرَابيلهم من قَطِران" أي‬
‫‪ :‬من نحاس حار قد انتهى حره‪ .‬وكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫وقتادة‪.‬‬
‫ح وُجُو َههُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ }‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َتغْشَى (‪ )7‬وُجُو َه ُهمُ النّارُ } كقوله ‪ { :‬تَ ْلفَ ُ‬
‫[المؤمنون ‪.]104 :‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬أنبأنا أبان بن يزيد ‪ ،‬عن يحيى بن أبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬النظر والشكال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فأتوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وابنا الملوك" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬وأبناء الملوك"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬البيت في تفسير الطبري (‪.)13/167‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يرمى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬البيت في تفسير الطبري (‪.)13/167‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ويغشى"‪.‬‬

‫( ‪)4/522‬‬

‫س وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِ َيعَْلمُوا أَ ّنمَا ُهوَ إَِل ٌه وَاحِدٌ وَلِيَ ّذكّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (‪)52‬‬
‫هَذَا بَلَاغٌ لِلنّا ِ‬

‫كثير ‪ ،‬عن زيد ‪ ،‬عن أبي سلم ‪ ،‬عن أبي مالك الشعري قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬أربع من أمر الجاهلية ل يُتْرَكن (‪ )1‬الفخر بالحساب ‪ ،‬والطعن في النساب ‪،‬‬
‫والستسقاء بالنجوم ‪ ،‬والنياحة ‪ ،‬والنائحة (‪ )2‬إذا لم تتب قبل موتها ‪ ،‬تقام يوم القيامة وعليها‬
‫سربال من قطران ‪ ،‬ودرْع من جَرَب"‪ .‬انفرد بإخراجه مسلم (‪.)3‬‬
‫وفي حديث القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬النائحة إذا لم تتب ‪ ،‬توقف في طريق (‪ )4‬بين الجنة والنار ‪ ،‬وسرابيلها من قطران ‪ ،‬وتغشى‬
‫وجهها النار" (‪.)5‬‬
‫عمِلُوا‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ َيجْ ِزيَ اللّهُ } أي ‪ :‬يوم (‪ )6‬القيامة ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ أَسَاءُوا ِبمَا َ‬
‫حسَنُوا بِالْحُسْنَى } [النجم ‪.]31 :‬‬
‫وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَ ْ‬
‫{ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ } يحتمل أن يكون كقوله (‪ )7‬تعالى ‪ { :‬اقْتَ َربَ لِلنّاسِ حِسَا ُب ُه ْم وَهُمْ فِي‬
‫غفْلَةٍ ُمعْ ِرضُونَ } ويحتمل أنه في حال محاسبته (‪ )8‬لعبده سريع النّجاز ؛ لنه يعلم كل شيء ‪،‬‬
‫َ‬
‫ول يخفى عليه خافية ‪ ،‬وإن جميع الخلق (‪ )9‬بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬
‫ح َدةٍ } [لقمان ‪ ، ]28 :‬وهذا معنى قول مجاهد ‪ { :‬سَرِيعُ‬
‫س وَا ِ‬
‫{ مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َبعْ ُثكُمْ إِل كَ َنفْ ٍ‬
‫حسَابِ } [إحصاء] (‪.)10‬‬
‫الْ ِ‬
‫ويحتمل أن يكون المعنيان مرادين ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ح ٌد وَلِيَ ّذكّرَ أُولُو اللْبَابِ (‪} )52‬‬
‫س وَلِيُ ْنذَرُوا ِب ِه وَلِ َيعَْلمُوا أَ ّنمَا ُهوَ إِلَ ٌه وَا ِ‬
‫{ هَذَا بَلغٌ لِلنّا ِ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬هذا القرآن بلغ للناس ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬لنْذِ َركُمْ بِ ِه َومَنْ بَلَغَ } [النعام ‪ ، ]19 :‬أي ‪ :‬هو‬
‫بلغ لجميع الخلق من إنس وجان ‪ ،‬كما قال في أول السورة ‪ { :‬الر كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَ ْيكَ لِتُخْرِجَ‬
‫النّاسَ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَ ّبهِمْ }‬
‫حدٌ } أي ‪ :‬يستدلوا بما فيه من‬
‫{ وَلِيُنْذَرُوا ِبهِ } أي ‪ :‬ليتعظوا (‪ )11‬به ‪ { ،‬وَلِ َيعَْلمُوا أَ ّنمَا ُهوَ إِلَ ٌه وَا ِ‬
‫الحجج والدللت على أنه ل إله إل هو (‪ { )12‬وَلِ َي ّذكّرَ أُولُو اللْبَابِ } أي ‪ :‬ذوو العقول‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ل بد لهن" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ل يزكهن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬والنابحة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )5/342‬وصحيح مسلم برقم (‪.)934‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الطريق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )8/238‬من طريق عبيد ال بن زحر ‪ ،‬عن علي بن‬
‫يزيد ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬وكلهم ضعفاء ‪ -‬عن أبي أمامة به‪ .‬وقد قال ابن حبان ‪" :‬إذا جاء الحديث من‬
‫طريق عبيد ال بن زحر عن علي بن يزيد ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬فهو مما صنعته أيديهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أي يقسم يوم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬قوله"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬محسباته"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬الخلئق"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يتعظوا"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إل ال"‪.‬‬

‫( ‪)4/523‬‬

‫الر تِ ْلكَ آَيَاتُ ا ْلكِتَابِ َوقُرْآَنٍ مُبِينٍ (‪ )1‬رُ َبمَا َيوَدّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا مُسِْلمِينَ (‪ )2‬ذَرْهُمْ يَ ْأكُلُوا‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ (‪)3‬‬
‫وَيَ َتمَ ّتعُوا وَيُ ْل ِههِمُ الَْأ َملُ فَ َ‬

‫تفسير سورة الحجر‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ب َوقُرْآنٍ مُبِينٍ (‪ )1‬رُ َبمَا َيوَدّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا مُسِْلمِينَ (‪ )2‬ذَرْ ُهمْ يَ ْأكُلُوا‬
‫{ الر تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَا ِ‬
‫سوْفَ َيعَْلمُونَ (‪} )3‬‬
‫وَيَ َتمَ ّتعُوا وَيُ ْل ِههِ ُم ال َملُ َف َ‬
‫قد تقدم الكلم على الحروف المقطعة في أوائل السور‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬رُ َبمَا َيوَدّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا مُسِْلمِينَ } إخبار عنهم أنهم سيندمون على ما كانوا فيه‬
‫من الكفر ‪ ،‬ويتمنون لو كانوا مع المسلمين في الدار الدنيا‪)1( .‬‬
‫ونقل (‪ )2‬السّ ّديّ في تفسيره بسنده المشهور عن ابن عباس ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وغيرهما من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الصحابة ‪ :‬أن الكفار (‪ )3‬لما عُرضوا على النار ‪ ،‬تمنوا أن لو كانوا مسلمين‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد أن كل كافر يود عند احتضاره أن لو كان مؤمنا‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هذا إخبار عن يوم القيامة ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِذْ ُوقِفُوا عَلَى النّارِ َفقَالُوا يَا‬
‫لَيْتَنَا نُرَدّ وَل ُنكَ ّذبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ } [النعام ‪]27 :‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬عن سلمة بن ُكهَيْل ‪ ،‬عن أبي الزعراء ‪ ،‬عن عبد ال في قوله ‪ { :‬رُ َبمَا َيوَدّ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا ُمسِْلمِينَ } قال ‪ :‬هذا في الجُهنَمين إذ رأوهم يخرجون من النار‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا المثنى ‪ ،‬حدثنا مسلم ‪ ،‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا ابن أبي فَرْوة العَبْدي ؛ أن‬
‫ابن عباس وأنس بن مالك كانا يتأولن هذه الية ‪ { :‬رُ َبمَا َي َودّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا ُمسِْلمِينَ }‬
‫يتأولنها ‪ :‬يوم يحبس ال أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار‪ .‬قال ‪ :‬فيقول لهم‬
‫المشركون ‪ :‬ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا‪ .‬قال ‪ :‬فيغضب ال لهم بفضل رحمته ‪،‬‬
‫فيخرجهم ‪ ،‬فذلك حين يقول ‪ { :‬رُ َبمَا َيوَدّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا مُسِْلمِينَ }‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا الثوري ‪ ،‬عن حماد ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن خصيف ‪ ،‬عن مجاهد قال‬
‫يقول أهل النار للموحدين ‪ :‬ما أغنى عنكم إيمانكم ؟ فإذا (‪ )4‬قالوا ذلك‪ .‬قال ‪ :‬أخرجوا من كان‬
‫في قلبه مثقال ذرة‪ .‬قال ‪ :‬فعند ذلك قوله ‪[ { :‬رُ َبمَا] َي َودّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا ُمسِْلمِينَ } (‪)6( )5‬‬
‫وهكذا روي عن الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبي العالية ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وقد ورد في ذلك أحاديث مرفوعة ‪،‬‬
‫فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬في الدار الدنيا مع المسلمين"‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أن كفار بدر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬فإذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/299‬‬

‫( ‪)4/524‬‬

‫حدثنا محمد بن العباس ‪ ،‬هو الخرم ‪ ،‬حدثنا محمد بن منصور الطوسي ‪ ،‬حدثنا صالح بن إسحاق‬
‫الجهبذ (‪ )1‬دلني عليه يحيى بن معين (‪ )2‬حدثنا ُمعَرّف (‪ )3‬بن واصل ‪ ،‬عن يعقوب بن أبي نباتة‬
‫(‪ )4‬عن عبد الرحمن الغر ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬إن ناسا من أهل ل إله إل ال يدخلون النار بذنوبهم ‪ ،‬فيقول لهم أهل اللت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والعزى ‪ :‬ما أغنى عنكم قولكم ‪ :‬ل إله إل ال وأنتم معنا في النار ؟‪ .‬فيغضب ال لهم ‪ ،‬فيخرجهم‬
‫‪ ،‬فيلقيهم في نهر الحياة ‪ ،‬فيبرءون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه ‪ ،‬فيدخلون الجنة ‪،‬‬
‫ويسمّون فيها الجهنميين" (‪ )5‬فقال رجل ‪ :‬يا أنس ‪ ،‬أنت سمعتَ هذا من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ؟ فقال أنس ‪ :‬سمعتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬من كذب علي متعمدًا ‪ ،‬فليتبوأ‬
‫مقعده من النار"‪ .‬نعم ‪ ،‬أنا سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول هذا‪.‬‬
‫ثم قال الطبراني ‪ :‬تفرد به الجهبذ (‪)7( )6‬‬
‫الحديث الثاني ‪ :‬وقال الطبراني أيضا ‪ :‬حدثنا عبد ال بن أحمد بن حنبل ‪ ،‬حدثنا أبو الشعثاء (‪)8‬‬
‫علي بن حسن الواسطي ‪ ،‬حدثنا خالد بن نافع الشعري ‪ ،‬عن سعيد بن أبي بردة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫أبي موسى ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا اجتمع أهل النار‬
‫في النار ‪ ،‬ومعهم من شاء ال من أهل القبلة ‪ ،‬قال الكفار للمسلمين ‪ :‬ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا ‪:‬‬
‫بلى‪ .‬قالوا ‪ :‬فما أغنى عنكم السلم! فقد صرتم (‪ )9‬معنا في النار ؟ قالوا ‪ :‬كانت لنا ذنوب‬
‫فأخذنا بها‪ .‬فسمع (‪ )10‬ال ما قالوا ‪ ،‬فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا ‪ ،‬فلما رأى‬
‫ذلك من بقي من الكفار قالوا ‪ :‬يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا"‪ .‬قال ‪ :‬ثم قرأ رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أعوذ بال من الشيطان الرجيم ‪ { ،‬الر ِت ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ َوقُرْآنٍ مُبِين رُ َبمَا‬
‫َيوَدّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا مُسِْلمِينَ } (‪)11‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث خالد بن نافع ‪ ،‬به ‪ ،‬وزاد فيه ‪( :‬بسم ال الرحمن الرحيم) ‪،‬‬
‫عوض الستعاذة‪.‬‬
‫الحديث الثالث ‪ :‬وقال الطبراني (‪ )12‬أيضا ‪ :‬حدثنا موسى بن هارون ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن راهويه‬
‫قال ‪ :‬قلت لبي أسامة ‪ :‬أحدثكم أبو روق (‪ - )13‬واسمه عطية بن الحارث ‪ : -‬حدثني صالح بن‬
‫أبي طريف قال ‪ :‬سألت أبا سعيد الخدري فقلت له ‪ :‬هل سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول في هذه الية ‪ { :‬رُ َبمَا َيوَدّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا مُسِْلمِينَ } ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬سمعته يقول ‪:‬‬
‫"يُخرج ال ناسا من المؤمنين من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الجهذ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪" :‬رأى علية بن موسى" والمثبت من المعجم‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ل ‪" :‬معروف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬يعقوب بن نباتة" والصواب ما أثبتناه من المعجم والتهذيب‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الجهنميون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬الجهبذ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الوسط برقم (‪" )4821‬مجمع البحرين" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/380‬فيه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من لم أعرفهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أبو السقا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حشرتم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬فيسمع"‪.‬‬
‫(‪ )11‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/45‬رواه الطبراني ‪ ،‬وفيه خالد بن نافع الشعري ‪ ،‬قال أبو‬
‫داود ‪ :‬متروك‪ .‬وقال الذهبي ‪ :‬هذا تجاوز في الحد فل يستحق الترك ‪ ،‬فقد حدث عنه أحمد بن‬
‫حنبل وغيره ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات" ورواه ابن أبي عاصم في السنة برقم (‪ )843‬والحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )2/242‬عن أبي الشعثاء به ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح السناد ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬وقال الطبراني الحديث الثالث"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬أبو أروق"‪.‬‬

‫( ‪)4/525‬‬

‫َومَا َأهَْلكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلّا وََلهَا كِتَابٌ َمعْلُومٌ (‪ )4‬مَا َتسْبِقُ مِنْ ُأمّةٍ أَجََلهَا َومَا يَسْتَ ْأخِرُونَ (‪)5‬‬

‫النار بعد ما يأخذ نقمته منهم" ‪ ،‬وقال ‪" :‬لما أدخلهم ال النار مع المشركين قال لهم المشركون ‪:‬‬
‫تزعمون أنكم أولياء ال في الدنيا ‪ ،‬فما بالكم معنا في النار ؟ فإذا سمع ال ذلك منهم ‪ ،‬أذن في‬
‫الشفاعة لهم فتشفع (‪ )1‬الملئكة والنبيون ‪ ،‬ويشفع (‪ )2‬المؤمنون ‪ ،‬حتى يخرجوا بإذن ال ‪ ،‬فإذا‬
‫رأى المشركون ذلك ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا ليتنا كنا مثلهم ‪ ،‬فتدركنا الشفاعة ‪ ،‬فنخرج معهم"‪ .‬قال ‪" :‬فذلك‬
‫جهَ ّنمِيّين (‪ )3‬من أجل‬
‫قول ال ‪ { :‬رُ َبمَا َيوَدّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا مُسِْلمِينَ } فيسمون في الجنة ال ُ‬
‫سَواد في وجوههم ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬يا رب ‪ ،‬أذهب عنا هذا السم ‪ ،‬فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة ‪،‬‬
‫فيذهب ذلك السم عنهم" ‪ ،‬فأقر به أبو أسامة ‪ ،‬وقال ‪ :‬نعم‪)4( .‬‬
‫الحديث الرابع (‪ )5‬وقال (‪ )6‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا العباس بن الوليد‬
‫حمْير (‪ )8‬عن‬
‫النرسي (‪ )7‬حدثنا مسكين أبو فاطمة ‪ ،‬حدثني اليمان بن يزيد ‪ ،‬عن محمد بن ِ‬
‫محمد بن علي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬منهم من تأخذه‬
‫النار إلى ركبتيه ‪ ،‬ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ‪ ،‬ومنهم من تأخذه النار إلى عنُقه ‪ ،‬على‬
‫قدر ذنوبهم وأعمالهم ‪ ،‬ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج منها ‪ ،‬ومنهم من يمكث فيها سنة ثم‬
‫يخرج منها ‪ ،‬وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى ‪ ،‬فإذا أراد ال أن يخرجوا‬
‫منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل (‪ )9‬الديان والوثان ‪ ،‬لمن في النار من أهل‬
‫التوحيد ‪ :‬آمنتم بال وكتبه ورسله ‪ ،‬فنحن وأنتم اليوم في النار سواء ‪ ،‬فيغضب ال لهم غضبا لم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يغضبه لشيء فيما مضى ‪ ،‬فيخرجهم إلى عين في الجنة ‪ ،‬وهو قوله ‪ { :‬رُ َبمَا َيوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا َلوْ‬
‫كَانُوا ُمسِْلمِينَ } (‪.)10‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَرْهُمْ يَ ْأكُلُوا وَيَ َتمَ ّتعُوا } تهديد لهم شديد ‪ ،‬ووعيد أكيد ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ َتمَ ّتعُوا فَإِنّ‬
‫َمصِي َركُمْ إِلَى النّارِ } [إبراهيم ‪ ]30 :‬وقوله ‪ { :‬كُلُوا وَ َتمَ ّتعُوا قَلِيل إِ ّنكُمْ ُمجْ ِرمُونَ } [المرسلت ‪:‬‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬عاقبة‬
‫‪ ]46‬ولهذا قال ‪ { :‬وَيُ ْل ِههِ ُم المَلُ } أي ‪ :‬عن التوبة والنابة ‪ { ،‬فَ َ‬
‫أمرهم‪.‬‬
‫{ َومَا أَهَْلكْنَا مِنْ قَرْ َيةٍ إِل وََلهَا كِتَابٌ َمعْلُومٌ (‪ )4‬مَا َتسْبِقُ مِنْ ُأمّةٍ أَجََلهَا َومَا يَسْتَ ْأخِرُونَ (‪} )5‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬إنه ما أهلك قرية إل بعد قيام الحجة عليها وانتهاء أجلها ‪ ،‬وإنه ل يؤخر أمة حان‬
‫هلكها (‪ )11‬عن ميقاتها ول يتقدمون عن مدتهم‪ .‬وهذا تنبيه لهل مكة ‪ ،‬وإرشاد لهم إلى القلع‬
‫عما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيشفع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وشفع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الجهنمية"‬
‫(‪ )4‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (‪" )2599‬موارد" من طريق عمر بن محمد بن أبان ‪ ،‬عن‬
‫أبي أسامة به نحوه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وقال الحديث الرابع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وحدثنا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬الزيني" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬الزينبي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جبير" ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬جبر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأهل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (‪ )2/457‬من طريق البغوي عن عباس بن الوليد‬
‫النرسي به ‪ ،‬ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (‪ )6/156‬وابن الجوزي في العلل المتناهية (‬
‫‪ )2/456‬من طريق إبراهيم بن محمد السامري ‪ ،‬عن عباد بن الوليد الغبري ‪ ،‬عن أبي فاطمة ‪،‬‬
‫عن اليمان بن يزيد به نحوه ‪ ،‬وقال ابن الجوزي ‪" :‬هذا حديث ل يصح وفيه جماعة مجاهيل"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬هلكهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/526‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َوقَالُوا يَا أَ ّيهَا الّذِي نُ ّزلَ عَلَيْهِ ال ّذكْرُ إِ ّنكَ َل َمجْنُونٌ (‪َ )6‬لوْ مَا تَأْتِينَا بِا ْلمَلَا ِئكَةِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‬
‫ق َومَا كَانُوا إِذًا مُ ْنظَرِينَ (‪ )8‬إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا ال ّذكْ َر وَإِنّا لَهُ لَحَا ِفظُونَ (‬
‫حّ‬‫‪ )7‬مَا نُنَ ّزلُ ا ْلمَلَا ِئكَةَ إِلّا بِالْ َ‬
‫‪ )9‬وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ فِي شِيَعِ الَْأوّلِينَ (‪َ )10‬ومَا يَأْتِيهِمْ مِنْ َرسُولٍ إِلّا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪)11‬‬
‫كَذَِلكَ نَسُْل ُكهُ فِي قُلُوبِ ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )12‬لَا ُي ْؤمِنُونَ بِ ِه َوقَدْ خََلتْ سُنّةُ الَْأوّلِينَ (‪)13‬‬

‫هم فيه من الشرك والعناد واللحاد ‪ ،‬الذي يستحقون به الهلك‪.‬‬


‫{ َوقَالُوا يَا أَ ّيهَا الّذِي نزلَ عَلَيْهِ ال ّذكْرُ إِ ّنكَ َلمَجْنُونٌ (‪َ )6‬لوْ مَا تَأْتِينَا بِا ْلمَل ِئكَةِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ‬
‫ق َومَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (‪ )8‬إِنّا َنحْنُ نزلْنَا ال ّذكْرَ وَإِنّا لَهُ َلحَافِظُونَ (‬
‫(‪ )7‬مَا نُنزلُ ا ْلمَل ِئكَةَ إِل بِا ْلحَ ّ‬
‫‪} )9‬‬
‫يخبر تعالى عن كفرهم وعتوهم وعنادهم في قولهم ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِي نزلَ عَلَيْهِ ال ّذكْرُ } أي ‪ :‬الذي‬
‫يدعي ذلك { إِ ّنكَ َلمَجْنُونٌ } أي ‪ :‬في دعائك إيانا إلى اتباعك وترك ما وجدنا عليه آباءنا‪َ { .‬لوْ‬
‫مَا } أي ‪ :‬هل { تَأْتِينَا بِا ْلمَل ِئكَةِ } أي ‪ :‬يشهدون لك بصحة ما جئت به { إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ }‬
‫كما قال فرعون ‪ { :‬فََلوْل أُ ْل ِقيَ عَلَيْهِ َأسَاوِ َرةٌ مِنْ ذَ َهبٍ َأوْ جَاءَ َمعَهُ ا ْلمَل ِئكَةُ ُمقْتَرِنِينَ } [الزخرف ‪:‬‬
‫سهِمْ‬
‫علَيْنَا ا ْلمَل ِئكَةُ َأوْ نَرَى رَبّنَا َلقَدْ اسْ َتكْبَرُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫‪َ { ]53‬وقَالَ الّذِينَ ل يَرْجُونَ ِلقَاءَنَا َلوْل أُنزلَ َ‬
‫ن وَ َيقُولُونَ حِجْرًا َمحْجُورًا }‬
‫وَعَ َتوْا عُ ُتوّا كَبِيرًا َيوْمَ يَ َروْنَ ا ْلمَل ِئكَةَ ل ُبشْرَى َي ْومَئِذٍ لِ ْلمُجْ ِرمِي َ‬
‫[الفلقان ‪]22 ، 21 :‬‬
‫ق َومَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ }‬
‫وكذا (‪ )1‬قال في هذه الية ‪ { :‬مَا نُنزلُ ا ْلمَل ِئكَةَ إِل بِا ْلحَ ّ‬
‫حقّ } بالرسالة والعذاب‪.‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ { :‬مَا نُنزلُ ا ْلمَل ِئكَةَ إِل بِالْ َ‬
‫ثم قرر تعالى أنه هو الذي أنزل الذكر ‪ ،‬وهو القرآن ‪ ،‬وهو الحافظ له من التغيير والتبديل‪.‬‬
‫ومنهم من أعاد الضمير في قوله تعالى ‪َ { :‬لهُ َلحَافِظُونَ } على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كقوله‬
‫ص ُمكَ مِنَ النّاسِ } [المائدة ‪ ]67 :‬والمعنى الول أولى ‪ ،‬وهو ظاهر السياق ‪[ ،‬وال‬
‫‪ { :‬وَاللّهُ َي ْع ِ‬
‫أعلم] (‪)2‬‬
‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ فِي شِيَ ِع الوّلِينَ (‪َ )10‬ومَا يَأْتِي ِهمْ مِنْ رَسُولٍ إِل كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪)11‬‬
‫كَذَِلكَ نَسُْل ُكهُ فِي قُلُوبِ ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )12‬ل ُي ْؤمِنُونَ ِب ِه َوقَدْ خََلتْ سُنّ ُة الوّلِينَ (‪} )13‬‬
‫يقول تعالى مسليًا لرسوله في تكذيب من كذّبه من كفار قريش ‪ :‬إنه أرسل من قَبْله في المم‬
‫الماضية ‪ ،‬وإنه ما أتى أمة رسول إل كذبوه واستهزؤوا به‪.‬‬
‫ثم أخبر أنه سلك التكذيب في قلوب المجرمين الذين عاندوا واستكبروا عن اتباع الهدى‪.‬‬
‫قال أنس ‪ ،‬والحسن البصري ‪َ { :‬كذَِلكَ نَسُْلكُهُ فِي قُلُوبِ ا ْلمُجْ ِرمِينَ } يعني ‪ :‬الشرك‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَدْ خََلتْ سُنّةُ الوّلِينَ } أي ‪ :‬قد علم ما فعل تعالى بمن كذب رسله من الهلك والدمار‬
‫‪ ،‬وكيف أنجى ال النبياء وأتباعهم في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهكذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/527‬‬

‫سكّ َرتْ أَ ْبصَارُنَا َبلْ نَحْنُ َقوْمٌ‬


‫سمَاءِ َفظَلّوا فِيهِ َيعْ ُرجُونَ (‪َ )14‬لقَالُوا إِ ّنمَا ُ‬
‫وََلوْ فَ َتحْنَا عَلَ ْيهِمْ بَابًا مِنَ ال ّ‬
‫مَسْحُورُونَ (‪)15‬‬

‫سكّ َرتْ أَ ْبصَارُنَا َبلْ َنحْنُ‬


‫سمَاءِ فَظَلّوا فِيهِ َيعْرُجُونَ (‪َ )14‬لقَالُوا إِ ّنمَا ُ‬
‫علَ ْيهِمْ بَابًا مِنَ ال ّ‬
‫{ وََلوْ فَتَحْنَا َ‬
‫سحُورُونَ (‪} )15‬‬
‫َقوْمٌ مَ ْ‬
‫يخبر تعالى عن قوة كفرهم وعنادهم ومكابرتهم للحق ‪ :‬أنه لو فتح لهم بابًا من السماء ‪ ،‬فجعلوا‬
‫سكّ َرتْ أَ ْبصَارُنَا }‬
‫يصعدون فيه ‪ ،‬لما صدّقوا بذلك ‪ ،‬بل قالوا ‪ُ { :‬‬
‫قال مجاهد وابن كثير ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬سدت أبصارنا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أخذت أبصارنا‪.‬‬
‫وقال العوفي عن ابن عباس ‪ :‬شُبه علينا ‪ ،‬وإنما سحرنا‪.‬‬
‫وقال الكلبي ‪ :‬عَميت أبصارنا‪.‬‬
‫سكّ َرتْ أَ ْبصَارُنَا } السكران (‪ )1‬الذي ل يعقل‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ُ { :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬السكر"‪.‬‬

‫( ‪)4/528‬‬

‫حفِظْنَاهَا مِنْ ُكلّ شَ ْيطَانٍ َرجِيمٍ (‪ )17‬إِلّا مَنِ‬


‫سمَاءِ بُرُوجًا وَزَيّنّاهَا لِلنّاظِرِينَ (‪ )16‬وَ َ‬
‫جعَلْنَا فِي ال ّ‬
‫وَلَقَدْ َ‬
‫ي وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ‬
‫سَ‬‫شهَابٌ مُبِينٌ (‪ )18‬وَالْأَ ْرضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا َروَا ِ‬
‫سمْعَ فَأَتْ َبعَهُ ِ‬
‫اسْتَ َرقَ ال ّ‬
‫ش َومَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَا ِزقِينَ (‪)20‬‬
‫جعَلْنَا َلكُمْ فِيهَا َمعَايِ َ‬
‫شيْءٍ َموْزُونٍ (‪ )19‬وَ َ‬
‫َ‬

‫حفِظْنَاهَا مِنْ ُكلّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (‪ )17‬إِل‬


‫سمَاءِ بُرُوجًا وَزَيّنّاهَا لِلنّاظِرِينَ (‪ )16‬وَ َ‬
‫جعَلْنَا فِي ال ّ‬
‫{ وََلقَدْ َ‬
‫سيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ‬
‫شهَابٌ مُبِينٌ (‪ )18‬وَالرْضَ مَ َددْنَاهَا وَأَ ْلقَيْنَا فِيهَا َروَا ِ‬
‫سمْعَ فَأَتْ َبعَهُ ِ‬
‫مَنِ اسْتَ َرقَ ال ّ‬
‫ش َومَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَا ِزقِينَ (‪} )20‬‬
‫جعَلْنَا َلكُمْ فِيهَا َمعَايِ َ‬
‫شيْءٍ َموْزُونٍ (‪ )19‬وَ َ‬
‫ُكلّ َ‬
‫يذكر تعالى خلقه السماء في ارتفاعها وما زَيّنَها به من الكواكب الثواقب ‪ ،‬لمن تأملها ‪ ،‬وكرر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النظر (‪ )1‬فيها ‪ ،‬يرى فيها من العجائب واليات الباهرات ‪ ،‬ما يحار نظره فيه‪ .‬ولهذا قال مجاهد‬
‫وقتادة ‪ :‬البروج هاهنا هي ‪ :‬الكواكب‪.‬‬
‫ج َعلَ فِيهَا سِرَاجًا َوقَمَرًا مُنِيرًا }‬
‫سمَاءِ بُرُوجًا وَ َ‬
‫ج َعلَ فِي ال ّ‬
‫قلت ‪ :‬وهذا كقوله تعالى ‪ { :‬تَبَا َركَ الّذِي َ‬
‫[الفرقان ‪ ]61 :‬ومنهم من قال ‪ :‬البروج هي ‪ :‬منازل الشمس والقمر‪.‬‬
‫وقال عطية العوفي ‪ :‬البروج هاهنا ‪ :‬هي قصور الحرس (‪)2‬‬
‫وجعل الشُهب حرسًا لها من مَرَدة الشياطين ‪ ،‬لئل يسمعوا (‪ )3‬إلى المل العلى ‪ ،‬فمن تمرد منهم‬
‫شهَابٌ مُبِينٌ } فأتلفه ‪ ،‬فربما يكون قد ألقى الكلمة التي‬
‫[وتقدم] (‪ )4‬لستراق السمع ‪ ،‬جاءه { ِ‬
‫سمعها قبل أن يدركه الشهاب إلى الذي هو دونه ‪ ،‬فيأخذها الخر ‪ ،‬ويأتي بها إلى وليه ‪ ،‬كما جاء‬
‫مصرحا به في الصحيح ‪ ،‬كما قال البخاري في تفسير هذه الية ‪:‬‬
‫حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا سفيان (‪ )5‬عن عمرو ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬يبلُغُ به‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬إذا قضى ال المر في السماء ‪ ،‬ضربت الملئكة بأجنحتها‬
‫خُضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صَفوان"‪ .‬قال علي ‪ ،‬وقال غيره ‪ :‬صفوان يَنفُذهم ذلك ‪ ،‬فإذا فُزّع‬
‫عن قلوبهم قالوا ‪ :‬ماذا قال ربكم ؟ قالوا ‪ :‬الذي قال ‪ :‬الحق ‪ ،‬وهو العلي الكبير‪ .‬فيسمعها مسترقو‬
‫السمع ‪ ،‬ومسترقو السمع ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬نظره"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الحرس فيها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬لئل يسمعوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬حدثنا ابن سفيان"‪.‬‬

‫( ‪)4/528‬‬

‫شيْءٍ إِلّا عِ ْندَنَا خَزَائِنُ ُه َومَا نُنَزّلُهُ إِلّا ِبقَدَرٍ َمعْلُومٍ (‪ )21‬وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ َلوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ‬
‫وَإِنْ مِنْ َ‬
‫ت وَنَحْنُ ا ْلوَارِثُونَ (‪)23‬‬
‫سقَيْنَا ُكمُو ُه َومَا أَنْتُمْ َلهُ بِخَازِنِينَ (‪ )22‬وَإِنّا لَنَحْنُ ُنحْيِي وَ ُنمِي ُ‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَ ْ‬
‫ال ّ‬
‫حكِيمٌ عَلِيمٌ (‬
‫حشُرُهُمْ إِنّهُ َ‬
‫وَلَقَدْ عَِلمْنَا ا ْلمُسْ َتقْ ِدمِينَ مِ ْنكُ ْم وََلقَدْ عَِلمْنَا ا ْلمُسْتَ ْأخِرِينَ (‪ )24‬وَإِنّ رَ ّبكَ ُهوَ يَ ْ‬
‫‪)25‬‬

‫هكذا واحد فوق آخر ‪ -‬ووصف سفيان بيده َففَرّج بين أصابع يده اليمنى ‪ ،‬نَصبَها بعضها (‪)1‬‬
‫فوق بعض ‪ -‬فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يَرْمي بها إلى صاحبه فيحرقَه ‪ ،‬وربما لم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يدركه [حتى] (‪ )2‬يَرْمي بها إلى الذي يليه ‪[ ،‬إلى الذي] (‪ )3‬هو أسفل منه ‪ ،‬حتى يلقوها إلى‬
‫الرض ‪ -‬وربما قال سفيان ‪ :‬حتى تنتهي إلى الرض فتلقى (‪ )4‬على فم الساحر ‪ -‬أو ‪ :‬الكاهن‬
‫‪ -‬فيكذب معها مائة كذبة (‪ )5‬فيقولون ‪ :‬ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا ‪ ،‬فوجدناه حقّا ؟‬
‫للكلمة التي سمعت من السماء" (‪)6‬‬
‫ثم ذكر ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬خلقه الرض ‪ ،‬ومده إياها وتوسيعها وبسطها ‪ ،‬وما جعل فيها من الجبال‬
‫الرواسي ‪ ،‬والودية والراضي والرمال ‪ ،‬وما أنبت فيها من الزروع والثمار المتناسبة‪.‬‬
‫شيْءٍ َموْزُونٍ } أي ‪ :‬معلوم‪ .‬وكذا قال سعيد بن جبير ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ { :‬مِنْ ُكلّ َ‬
‫وأبو مالك ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحكم بن عُتَيبة (‪ )7‬والحسن بن محمد ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫ومنهم من يقول ‪ :‬مقدر بقدر‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬من كل شيء يُوزَن (‪ )8‬ويقدر بقدر‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬ما تزنه [أهل] (‪)9‬‬
‫السواق‪.‬‬
‫ش َومَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَا ِزقِينَ } يذكر ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬أنه صرفهم في الرض‬
‫جعَلْنَا َلكُمْ فِيهَا َمعَايِ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫في صنوف [من] (‪ )10‬السباب والمعايش ‪ ،‬وهي جمع معيشة‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ لَسْ ُتمْ لَهُ بِرَا ِزقِينَ } قال مجاهد ‪ :‬وهي الدواب والنعام‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬هم العبيد والماء والدواب والنعام‪.‬‬
‫والقصد أنه ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬يمتن (‪ )11‬عليهم بما يسر لهم من أسباب المكاسب ووجوه السباب‬
‫وصنوف المعايش ‪ ،‬وبما سخر لهم من الدواب التي يركبونها والنعام التي يأكلونها ‪ ،‬والعبيد‬
‫والماء التي يستخدمونها ‪ ،‬ورزْقهم على خالقهم ل عليهم فلهم هم المنفعة ‪ ،‬والرزق على ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫شيْءٍ إِل عِنْدَنَا خَزَائِنُ ُه َومَا نُنزلُهُ إِل ِبقَدَرٍ َمعْلُومٍ (‪ )21‬وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ‬
‫[وقوله] (‪ { )12‬وَإِنْ مِنْ َ‬
‫ت وَنَحْنُ‬
‫سقَيْنَا ُكمُو ُه َومَا أَنْتُمْ لَهُ ِبخَازِنِينَ (‪ )22‬وَإِنّا لَنَحْنُ ُنحْيِي وَ ُنمِي ُ‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَ ْ‬
‫َلوَاقِحَ فَأَنزلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫حشُرُهُمْ‬
‫ا ْلوَارِثُونَ (‪ )23‬وََلقَدْ عَِلمْنَا ا ْل ُمسْ َتقْ ِدمِينَ مِ ْن ُك ْم وَلَقَدْ عَِلمْنَا ا ْلمُسْتَأْخِرِينَ (‪ )24‬وَإِنّ رَ ّبكَ ُهوَ يَ ْ‬
‫حكِيمٌ عَلِيمٌ (‪} )25‬‬
‫إِنّهُ َ‬
‫يخبر ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬أنه مالك كل شيء ‪ ،‬وأن كل شيء سهل عليه ‪ ،‬يسير لديه ‪ ،‬وأن (‪ )13‬عنده‬
‫خزائن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بعضا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيلقى"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كذبة فيصدق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4701‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬موزون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬موزون"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬يمتن تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأنه"‪.‬‬

‫( ‪)4/529‬‬

‫الشياء من جميع الصنوف ‪َ { ،‬ومَا نُنزلُهُ إِل ِبقَدَرٍ َمعْلُومٍ } كما يشاء وكما يريد ‪ ،‬ولما َلهُ في ذلك‬
‫من الحكمة البالغة ‪ ،‬والرحمة بعباده ‪ ،‬ل على [وجه] (‪ )1‬الوجوب ‪ ،‬بل هو كتب على نفسه‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫قال يزيد بن أبي زياد ‪ ،‬عن أبي جحيفة ‪ ،‬عن عبد ال ‪ :‬ما من عام بأمطر من عام ‪ ،‬ولكن ال‬
‫شيْءٍ إِل عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ َومَا‬
‫يقسمه حيث شاء (‪ )2‬عامًا هاهنا ‪ ،‬وعامًا هاهنا‪ .‬ثم قرأ ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ َ‬
‫نُنزلُهُ إِل ِبقَدَرٍ َمعْلُومٍ } رواه ابن جرير (‪)3‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسن (‪ )4‬حدثنا هُشَيْم ‪ ،‬أخبرنا إسماعيل بن سالم ‪ ،‬عن الحكم‬
‫بن عُتَيْبَة (‪ )5‬في قوله ‪َ { :‬ومَا نُنزلُهُ إِل ِبقَدَرٍ َمعْلُومٍ } قال ‪ :‬ما (‪ )6‬عام بأكثر مطرًا من عام ول‬
‫أقل ‪ ،‬ولكنه يُمطر قوم ويحرم آخرون وربما (‪ )7‬كان في البحر‪ .‬قال ‪ :‬وبلغنا أنه ينزل مع المطر‬
‫من الملئكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم ‪ ،‬يُحصُون كل قطرة حيث تقع وما تنبت (‪)9( )8‬‬
‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا داود ‪ -‬وهو ابن بكر (‪ )10‬التّسْتُري ‪ -‬حدثنا حبّان (‪ )11‬بن أغلب بن تميم ‪،‬‬
‫حدثني أبي ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خزائن ال الكلم ‪ ،‬فإذا أراد شيئا قال له ‪ :‬كن ‪ ،‬فكان" (‪)12‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ل يرويه إل أغلب ‪ ،‬ولم يكن بالقوي ‪ ،‬وقد حدث عنه غير واحد من المتقدمين ‪ ،‬ولم‬
‫يروه عنه إل ابنه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ َلوَاقِحَ } أي ‪ :‬تلقح السحاب فتدر ماء ‪ ،‬وتلقح الشجر فتتفتح عن أوراقها‬
‫وأكمامها‪.‬‬
‫هذه "الرياح" ذكرها بصيغة الجمع ‪ ،‬ليكون منها النتاج ‪ ،‬بخلف الريح العقيم فإنه أفردها ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ووصفها بالعقيم ‪ ،‬وهو عدم النتاج ؛ لنه ل يكون إل من (‪ )13‬شيئين فصاعدا‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن المِ ْنهَال بن عمرو ‪ ،‬عن قيس بن السكن ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود في قوله ‪:‬‬
‫{ وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ َلوَاقِحَ } قال ‪ :‬ترسل الرياح ‪ ،‬فتحمل الماء من السماء ‪ ،‬ثم َتمْرى السحاب ‪،‬‬
‫حتى تدر كما تَدر اللّقحَة‪.‬‬
‫وكذا قال ابن عباس ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬يبعثها ال على السحاب ‪ ،‬فتُلقحه ‪ ،‬فيمتلئ (‪ )14‬ماء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يشاء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)14/14‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الحسين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عيينة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بما" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ينبت"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)14/14‬‬
‫(‪ )10‬وفي مخطوطة مسند البزار ‪" :‬داود ‪ ،‬وهو ابن بكير"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في هـ ‪ ،‬وفي مخطوطة مسند البزار ‪" :‬حيان" ‪ ،‬والمثبت من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم (‪ )155‬من طريق محمد بن عبد العزيز ‪ ،‬عن حبان عن‬
‫أبيه به‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بين"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬فتمتلئ"‪.‬‬

‫( ‪)4/530‬‬

‫عمَير الليثي ‪ :‬يبعث ال المُبشرّة فتَقمّ الرض َقمّا ثم بعث ال المثيرة (‪ )1‬فتثير‬
‫وقال عُبَيْد بن ُ‬
‫السحاب ‪ ،‬ثم يبعث ال المؤلفة فتؤلف السحاب ‪ ،‬ثم يبعث ال اللواقح فتلقح الشجر ‪ ،‬ثم تل‬
‫{ وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ َلوَاقِحَ }‬
‫وقد روى ابن جرير ‪ ،‬من حديث عُبَيْس (‪ )2‬بن ميمون ‪ ،‬عن أبي ال ُمهَزّم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬الريح الجنوب من الجنة ‪ ،‬وهي [الريح اللواقح ‪ ،‬وهي التي] (‪)3‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ذكر ال في كتابه ‪ ،‬وفيها منافع للناس" (‪ )4‬وهذا إسناد ضعيف‪.‬‬
‫حمَيدي في مسنده ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا عمرو بن‬
‫وقال المام أبو بكر عبد ال بن الزبير ال ُ‬
‫جعْدبة الليثي ‪ :‬أنه سمع عبد ال بن مِخْراق ‪ ،‬يحدث عن أبي ذر قال ‪:‬‬
‫دينار ‪ ،‬أخبرني يزيد بن ُ‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال خلق في الجنة ريحا بعد الريح بسبع سنين ‪ ،‬وإن‬
‫من دونها بابا مغلقا ‪ ،‬وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب ‪ ،‬ولو فتح لذرت ما بين السماء والرض‬
‫من شيء ‪ ،‬وهي عند ال الزَيبُ ‪ ،‬وهي فيكم الجنوب" (‪)5‬‬
‫سقَيْنَا ُكمُوهُ } أي ‪ :‬أنزلناه لكم عَذْبًا يُمكنكم أن تشربوا منه ‪ ،‬ولو نشاء لجعلناه أجاجًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَ ْ‬
‫كما ينبه ال (‪ )6‬على ذلك في الية الخرى في سورة "الواقعة" ‪ ،‬وهو (‪ )7‬قوله ‪َ { :‬أفَرَأَيْتُمُ ا ْلمَاءَ‬
‫شكُرُونَ }‬
‫جعَلْنَاهُ أُجَاجًا فََلوْل َت ْ‬
‫الّذِي َتشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزلْ ُتمُوهُ مِنَ ا ْلمُزْنِ َأمْ نَحْنُ ا ْلمُنزلُونَ َلوْ َنشَاءُ َ‬
‫شجَرٌ فِيهِ‬
‫ب َومِنْهُ َ‬
‫سمَاءِ مَاءً َلكُمْ مِنْهُ شَرَا ٌ‬
‫[الواقعة ‪ ]70 - 68 :‬وفي قوله ‪ُ { :‬هوَ الّذِي أَنزلَ مِنَ ال ّ‬
‫تُسِيمُونَ } [النمل ‪]10 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا أَنْتُمْ لَهُ ِبخَازِنِينَ } قال سفيان الثوري ‪ :‬بمانعين‪.‬‬
‫ويحتمل أن المراد ‪ :‬وما أنتم له بحافظين ‪ ،‬بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ‪ ،‬ونجعله معينا وينابيع (‬
‫‪ )8‬في الرض ‪ ،‬ولو شاء تعالى لغاره وذهب به ‪ ،‬ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا ‪ ،‬وحفظه‬
‫في العيون والبار والنهار وغير ذلك‪ .‬ليبقى لهم في طول السنة ‪ ،‬يشربون ويسقون أنعامهم‬
‫وزروعهم وثمارهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّا لَ َنحْنُ نُحْيِي وَ ُنمِيتُ } إخبار عن قدرته تعالى على بدء الخلق وإعادته ‪ ،‬وأنه هو‬
‫الذي أحيا الخلق من العدم ‪ ،‬ثم يميتهم ثم يبعثهم (‪ )9‬كلهم ليوم الجمع‪.‬‬
‫وأخبر أنه ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬يرث الرض ومن عليها وإليه يرجعون‪.‬‬
‫ثم قال مخبرًا عن تمام علمه بهم ‪ ،‬أولهم وآخرهم ‪ { :‬وََلقَدْ عَِلمْنَا ا ْلمُسْ َتقْ ِدمِينَ مِ ْنكُ ْم وََلقَدْ عَِلمْنَا‬
‫ا ْلمُسْتَ ْأخِرِينَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الميثرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عنبس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)14/15‬‬
‫(‪ )5‬مسند الحميدي (‪ )1/71‬وفي إسناده يزيد بن جعدبة كذبه مالك وغيره‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وهي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وينابع"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬يبعث"‪.‬‬

‫( ‪)4/531‬‬

‫قال ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما (‪ )1‬المستقدمون ‪ :‬كل من هلك من لدن آدم ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫والمستأخرون ‪ :‬من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وروي نحوه عن عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬والشعبي ‪،‬‬
‫وغيرهم‪ .‬وهو اختيار ابن جرير ‪ ،‬رحمه ال (‪)2‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن رجل‬
‫(‪ )3‬عن مَرْوان بن الحكم أنه قال ‪ :‬كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء فأنزل ال‬
‫‪ { :‬وََلقَدْ عَِلمْنَا ا ْل ُمسْ َتقْ ِدمِينَ مِ ْنكُ ْم وََلقَدْ عَِلمْنَا ا ْلمُسْتَ ْأخِرِينَ } (‪)4‬‬
‫وقد ورد في هذا حديث غريب جدا ‪ ،‬فقال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثني (‪ )5‬محمد بن موسى الحَرَشِي ‪ ،‬حدثنا نوح بن قيس ‪ ،‬حدثنا عمرو بن مالك ‪ ،‬عن أبي‬
‫الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬كانت تصلي خلف رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم امرأة ‪ -‬قال ابن عباس ‪ :‬ل وال ما إنْ رأيت مثلها قط ‪ ،‬وكان بعض المسلمين إذا‬
‫صلوا استقدموا يعني ‪ :‬لئل يراها ‪ -‬وبعض يستأخرون ‪ ،‬فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت‬
‫أيديهم!! فأنزل ال ‪ { :‬وََلقَدْ عَِلمْنَا ا ْلمُسْ َتقْ ِدمِينَ مِ ْنكُ ْم وََلقَدْ عَِلمْنَا ا ْل ُمسْتَأْخِرِينَ }‬
‫وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره ‪ ،‬والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما (‬
‫‪ )6‬وابن ماجة من طرق عن نوح بن قيس الحُداني (‪ )7‬وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما ‪،‬‬
‫وحكي عن ابن معين تضعيفه ‪ ،‬وأخرج له مسلم وأهل السنن‪.‬‬
‫وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ‪ ،‬وقد رواه عبد الرزاق ‪ ،‬عن جعفر بن سليمان ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫عِلمْنَا ا ْلمُسْ َتقْ ِدمِينَ مِ ْنكُمْ } في‬
‫مالك وهو النكري (‪ )8‬أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله ‪ { :‬وَلَقَدْ َ‬
‫الصفوف في الصلة { وَا ْلمُسْتَأْخِرِينَ } فالظاهر أنه من كلم أبي الجوزاء فقط ‪ ،‬ليس فيه لبن‬
‫عباس ذكر (‪ )9‬وقد قال الترمذي ‪ :‬هذا أشبه من رواية نوح بن قيس (‪ )10‬وال أعلم‪.‬‬
‫وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬أنه سمع عون بن عبد ال يُذاكر‬
‫عِلمْنَا ا ْلمُسْ َتقْ ِدمِينَ مِ ْنكُ ْم وََلقَدْ عَِلمْنَا ا ْلمُسْتَ ْأخِرِينَ } وأنها في‬
‫محمد بن كعب في قوله ‪ { :‬وَلَقَدْ َ‬
‫صفوف‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬تفسير الطبري (‪.)17 ، 14/16‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن أبيه أخبرنا" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)14/18‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬حدثنا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬سننهما"‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )14/18‬والمسند (‪ )1/305‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3122‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم (‪ )11273‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)1046‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬البكري"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/301‬‬
‫(‪ )10‬سنن الترمذي برقم (‪ )3122‬وعبارته ‪" :‬وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث ‪ ،‬عن عمرو‬
‫بن مالك ‪ ،‬عن أبي الجوزاء نحوه ‪ ،‬ولم يذكر فيه عن ابن عباس ‪ ،‬وهذا أشبه أن يكون أصح من‬
‫حديث نوح"‪.‬‬

‫( ‪)4/532‬‬

‫سمُومِ (‬
‫حمَإٍ َمسْنُونٍ (‪ )26‬وَا ْلجَانّ خََلقْنَاهُ مِنْ قَ ْبلُ مِنْ نَارِ ال ّ‬
‫ن صَ ْلصَالٍ مِنْ َ‬
‫وَلَقَدْ خََلقْنَا الْإِنْسَانَ مِ ْ‬
‫‪)27‬‬

‫الصلة ‪ ،‬فقال محمد بن كعب ‪ :‬ليس هكذا ‪ { ،‬وََلقَدْ عَِلمْنَا ا ْل ُمسْ َتقْ ِدمِينَ مِ ْن ُكمْ } الميت والمقتول و‬
‫حكِيمٌ عَلِيمٌ } فقال عون بن عبد ال ‪:‬‬
‫{ ا ْل ُمسْتَأْخِرِينَ } من يُخلقُ َبعْدُ ‪ { ،‬وَإِنّ رَ ّبكَ ُهوَ َيحْشُرُ ُهمْ إِنّهُ َ‬
‫وفقك ال وجزاك خيرًا (‪)1‬‬
‫سمُومِ (‬
‫حمَإٍ َمسْنُونٍ (‪ )26‬وَا ْلجَانّ خََلقْنَاهُ مِنْ قَ ْبلُ مِنْ نَارِ ال ّ‬
‫{ وََلقَدْ خََلقْنَا النْسَانَ مِنْ صَ ْلصَالٍ مِنْ َ‬
‫‪} )27‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬المراد بالصلصال هاهنا ‪ :‬التراب اليابس‪.‬‬
‫ن صَ ْلصَالٍ كَا ْلفَخّا ِر وَخََلقَ الْجَانّ مَن مّارِجٍ مّنْ نّارٍ }‬
‫خلَقَ النْسَانَ مِ ْ‬
‫والظاهر أنه كقوله تعالى ‪َ { :‬‬
‫[الرحمن ‪]15 - 14 :‬‬
‫وعن مجاهد أيضا ‪ :‬الصلصال ‪ :‬المنتن‪.‬‬
‫وتفسير الية بالية أولى (‪)2‬‬
‫حمَإٍ مَسْنُونٍ } أي ‪ :‬الصلصال من حمأ ‪ ،‬وهو ‪ :‬الطين‪ .‬والمسنون ‪ :‬الملس ‪ ،‬كما‬
‫وقوله ‪ { :‬مِنْ َ‬
‫قال الشاعر (‪ )3‬ثم خاصرتها إلى القبة الخضراءتمشي في مرمر مسنون‬
‫أي ‪ :‬أملس صقيل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ولهذا روي عن ابن عباس ‪ :‬أنه قال ‪ :‬هو التراب الرطب‪ .‬وعن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫والضحاك أيضا ‪ :‬أن الحمأ المسنون هو المنتن‪ .‬وقيل ‪ :‬المراد بالمسنون هاهنا ‪ :‬المصبوب‪.‬‬
‫سمُومِ } قال ابن عباس ‪ :‬هي‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْلجَانّ خََلقْنَاهُ مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬من قبل النسان { مِنْ نَارِ ال ّ‬
‫السموم التي تقتل‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬السموم بالليل والنهار‪ .‬ومنهم من يقول ‪ :‬السموم بالليل ‪ ،‬والحرور بالنهار‪.‬‬
‫عمْرو الصم أعوده ‪،‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق قال ‪ :‬دخلت على َ‬
‫فقال ‪ :‬أل أحدّثك حديثا سمعته من عبد ال بن مسعود ‪ ،‬يقول ‪ :‬هذه السموم جزء من سبعين جزءا‬
‫سمُومِ } (‪)5‬‬
‫من السموم التي خلق (‪ )4‬منها الجان ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَالْجَانّ خََلقْنَاهُ مِنْ قَ ْبلُ مِنْ نَارِ ال ّ‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬أن الجان خُلق من لهب النار ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬من أحسن النار‪.‬‬
‫وعن عمرو بن دينار ‪ :‬من نار الشمس ‪ ،‬وقد ورد في الصحيح ‪" :‬خُلقت الملئكة من نور ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)14/16‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الولى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو عبد الرحمن بن حسان ‪ ،‬والبيت في اللسان ‪ ،‬مادة (سنن)‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬خلق ال منها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )16/21‬من طريق شعبة به نحوه‪.‬‬

‫( ‪)4/533‬‬

‫ختُ فِيهِ‬
‫سوّيْتُ ُه وَ َنفَ ْ‬
‫حمَإٍ مَسْنُونٍ (‪ )28‬فَإِذَا َ‬
‫ن صَ ْلصَالٍ مِنْ َ‬
‫وَإِذْ قَالَ رَ ّبكَ لِ ْلمَلَا ِئكَةِ إِنّي خَالِقٌ َبشَرًا مِ ْ‬
‫ج َمعُونَ (‪ )30‬إِلّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ َيكُونَ مَعَ‬
‫سجَدَ ا ْلمَلَا ِئكَةُ كُّلهُمْ أَ ْ‬
‫جدِينَ (‪ )29‬فَ َ‬
‫مِنْ رُوحِي َفقَعُوا لَهُ سَا ِ‬
‫السّاجِدِينَ (‪)31‬‬

‫وخُلقت الجان من مارج من نار ‪ ،‬وخُلق بنو آدم مما وصِف لكم" (‪ )1‬ومقصود الية ‪ :‬التنبيه‬
‫على شرف آدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وطيب عنصره ‪ ،‬وطهارة مَحْتده (‪)2‬‬
‫ختُ‬
‫سوّيْتُ ُه وَ َنفَ ْ‬
‫حمَإٍ مَسْنُونٍ (‪ )28‬فَِإذَا َ‬
‫ن صَ ْلصَالٍ مِنْ َ‬
‫{ وَإِذْ قَالَ رَ ّبكَ ِل ْلمَل ِئكَةِ إِنّي خَاِلقٌ بَشَرًا مِ ْ‬
‫ج َمعُونَ (‪ )30‬إِل إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ َيكُونَ‬
‫فِيهِ مِنْ رُوحِي َف َقعُوا َلهُ سَاجِدِينَ (‪َ )29‬فسَجَدَ ا ْلمَل ِئكَةُ كُّلهُمْ َأ ْ‬
‫مَعَ السّاجِدِينَ (‪} )31‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )2996‬من حديث عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬محقده"‪.‬‬

‫( ‪)4/534‬‬

‫ن صَ ْلصَالٍ مِنْ‬
‫جدَ لِبَشَرٍ خََلقْتَهُ مِ ْ‬
‫جدِينَ (‪ )32‬قَالَ لَمْ َأكُنْ لَِأسْ ُ‬
‫قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا َلكَ أَلّا َتكُونَ مَعَ السّا ِ‬
‫حمَإٍ مَسْنُونٍ (‪ )33‬قَالَ فَاخْرُجْ مِ ْنهَا فَإِ ّنكَ َرجِيمٌ (‪ )34‬وَإِنّ عَلَ ْيكَ الّلعْنَةَ إِلَى َيوْمِ الدّينِ (‪ )35‬قَالَ‬
‫َ‬
‫َربّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ (‪ )36‬قَالَ فَإِ ّنكَ مِنَ ا ْلمُنْظَرِينَ (‪ )37‬إِلَى َيوْمِ ا ْل َو ْقتِ ا ْل َمعْلُومِ (‪)38‬‬

‫ن صَ ْلصَالٍ‬
‫جدَ لِبَشَرٍ خََلقْتَهُ مِ ْ‬
‫{ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا َلكَ أَل َتكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ (‪ )32‬قَالَ َلمْ َأكُنْ لسْ ُ‬
‫حمَإٍ مَسْنُونٍ (‪} )33‬‬
‫مِنْ َ‬
‫يذكر تعالى تنويهه بذكر آدم في ملئكته قبل خلقه له ‪ ،‬وتشريفه إياه بأمره الملئكة بالسجود له‪.‬‬
‫حسَدًا وكفرًا ‪ ،‬وعنادًا واستكبارًا‬
‫ويذكر تخلف إبليس عدوّه عن السجود له من بين سائر الملئكة ‪َ ،‬‬
‫حمَأٍ مَسْنُونٍ } كما‬
‫ن صَ ْلصَالٍ مّنْ َ‬
‫سجُدَ لِ َبشَرٍ خََلقْتَهُ مِ ْ‬
‫‪ ،‬وافتخارًا بالباطل ‪ ،‬ولهذا قال ‪َ { :‬لمْ َأكُنْ ل ْ‬
‫قال في الية الخرى ‪ { :‬أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خََلقْتَنِي مِنْ نَا ٍر َوخََلقْتَهُ مِنْ طِينٍ } [العراف ‪ ]12 :‬وقوله ‪:‬‬
‫(‪ { )1‬أَرَأَيْ َتكَ َهذَا الّذِي كَ ّرمْتَ عََليّ لَئِنْ َأخّرْتَنِي إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ لحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّتَهُ إِل قَلِيل }‬
‫[السراء ‪]62 :‬‬
‫عكْرمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫وقد روى ابن جرير هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا ‪ ،‬من حديث شبيب بن بشر ‪ ،‬عن ِ‬
‫عباس قال ‪ :‬لما خلق ال الملئكة قال ‪ :‬إني خالق بشرًا من طين ‪ ،‬فإذا سويته (‪ )2‬فاسجدوا له‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ل نفعل‪ .‬فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم ‪ ،‬ثم خلق ملئكة فقال لهم مثل ذلك ‪[ ،‬فقالوا ‪ :‬ل‬
‫نفعل‪ .‬فأرسل عليهم نارًا فأحرقتهم‪ .‬ثم خلق ملئكة أخرى فقال ‪ :‬إني خالق بشرًا من طين ‪ ،‬فإذا‬
‫أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا ‪ ،‬فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم‪ .‬ثم خلق ملئكة فقال ‪ :‬إني خالق بشرا‬
‫من طين ‪ ،‬فإذا أنا خلقته فاسجدوا له] (‪ )3‬قالوا (‪ )4‬سمعنا وأطعنا ‪ ،‬إل إبليس كان من الكافرين‬
‫الولين (‪)5‬‬
‫وفي ثبوت هذا عنه بعد ‪ ،‬والظاهر أنه إسرائيلي ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫{ قَالَ فَاخْرُجْ مِ ْنهَا فَإِ ّنكَ َرجِيمٌ (‪ )34‬وَإِنّ عَلَ ْيكَ الّلعْنَةَ إِلَى َيوْمِ الدّينِ (‪ )35‬قَالَ َربّ فَأَ ْنظِرْنِي إِلَى‬
‫َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ (‪ )36‬قَالَ فَإِ ّنكَ مِنَ ا ْلمُنْظَرِينَ (‪ )37‬إِلَى َيوْمِ ا ْل َوقْتِ ا ْل َمعْلُومِ (‪} )38‬‬
‫يقول آمرًا لبليس أمرًا كونيّا ل يخالف ول يمانع ‪ ،‬بالخروج من المنزلة التي كان فيها من المل‬
‫العلى ‪ ،‬وإنه { َرجِيمٌ } أي ‪ :‬مرجوم‪ .‬وإنه قد أتبعه لعنةً ل تزال متصلة به ‪ ،‬لحقةً له ‪ ،‬متواترة‬
‫عليه إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وعن سعيد بن جبير أنه قال ‪ :‬لما لعن ال إبليس ‪ ،‬تغيرت صورته عن صورة الملئكة ‪ ،‬ورن‬
‫رنةً ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال في الية الخرى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬خلقته"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/22‬‬

‫( ‪)4/534‬‬

‫ج َمعِينَ (‪ )39‬إِلّا عِبَا َدكَ مِ ْنهُمُ ا ْل ُمخَْلصِينَ (‬


‫غوِيَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫ض وَلَأُ ْ‬
‫غوَيْتَنِي لَأُزَيّنَنّ َلهُمْ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫قَالَ َربّ ِبمَا أَ ْ‬
‫‪ )40‬قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عََليّ مُسْ َتقِيمٌ (‪ )41‬إِنّ عِبَادِي لَيْسَ َلكَ عَلَ ْيهِمْ سُلْطَانٌ إِلّا مَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ‬
‫ج َمعِينَ (‪َ )43‬لهَا سَ ْبعَةُ أَ ْبوَابٍ ِل ُكلّ بَابٍ مِ ْنهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (‬
‫جهَنّمَ َل َموْعِدُ ُهمْ َأ ْ‬
‫ا ْلغَاوِينَ (‪ )42‬وَإِنّ َ‬
‫‪)44‬‬

‫فكل رنة في الدنيا إلى يوم القيامة منها‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وإنه لما تحقق الغضب الذي ل مَرَدّ له ‪ ،‬سأل من تمام حسده لدم وذريته النظرة إلى يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬وهو يوم البعث وأنه أجيب إلى ذلك استدراجًا له وإمهال فلما تحقق النظرة قبحه ال ‪:‬‬
‫ج َمعِينَ (‪ )39‬إِل عِبَا َدكَ مِ ْنهُمُ‬
‫ض وَلغْوِيَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫غوَيْتَنِي لزَيّنَنّ َلهُمْ فِي ال ْر ِ‬
‫{ قَالَ َربّ ِبمَا أَ ْ‬
‫علَ ْيهِمْ سُ ْلطَانٌ إِل مَنِ‬
‫عَليّ مُسْ َتقِيمٌ (‪ )41‬إِنّ عِبَادِي لَيْسَ َلكَ َ‬
‫ا ْلمُخَْلصِينَ (‪ )40‬قَالَ َهذَا صِرَاطٌ َ‬
‫ج َمعِينَ (‪َ )43‬لهَا سَ ْبعَةُ أَ ْبوَابٍ ِل ُكلّ بَابٍ مِ ْنهُمْ جُزْءٌ‬
‫جهَنّمَ َل َموْعِدُ ُهمْ َأ ْ‬
‫اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْلغَاوِينَ (‪ )42‬وَإِنّ َ‬
‫َمقْسُومٌ (‪} )44‬‬
‫غوَيْتَنِي } قال بعضهم ‪ :‬أقسم‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن إبليس وتمرده وعتوه أنه قال للرب ‪ِ { :‬بمَا أَ ْ‬
‫بإغواء ال له‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ويحتمل أنه بسبب ما أغويتني وأضللتني { لزَيّنَنّ َلهُمْ } أي ‪ :‬لذرية آدم ‪ ،‬عليه السلم‬
‫{ فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬أحبب إليهم المعاصي وأرغّبهم فيها ‪ ،‬وأؤزّهم إليها ‪ ،‬وأزعجهم إزعاجًا ‪،‬‬
‫ج َمعِينَ إِل عِبَا َدكَ مِ ْنهُمُ ا ْلمُخَْلصِينَ } َكمَا‬
‫غوِيَ ّنهُمْ } أي ‪ :‬كما أغويتني ونَدّرت على ذلك ‪ { ،‬أَ ْ‬
‫{ وَل ْ‬
‫قَالَ { أَرَأَيْ َتكَ َهذَا الّذِي كَ ّر ْمتَ عََليّ لَئِنْ َأخّرْتَنِي إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ لحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّ َتهُ إِل قَلِيل }‬
‫[السراء ‪]62 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ال تعالى له متهددًا ومتوعدًا (‪ { )1‬هَذَا صِرَاطٌ عََليّ مُسْ َتقِيمٌ } أي ‪ :‬مرجعكم كلكم إلي ‪،‬‬
‫فأجازيكم بأعمالكم ‪ ،‬إن خيرًا فخير ‪ ،‬وإن شرّا فشر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ لَبِا ْلمِ ْرصَادِ }‬
‫[الفجر ‪]14 :‬‬
‫وقيل ‪ :‬طريق الحق مرجعها إلى ال تعالى ‪ ،‬وإليه تنتهي‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة كما قال‬
‫‪ { :‬وَعَلَى اللّهِ َقصْدُ السّبِيلِ } [النحل ‪]9 :‬‬
‫وقرأ قيس بن عُبَاد ‪ ،‬ومحمد بن سيرين ‪ ،‬وقتادة ‪" :‬هذا صراط علي مستقيم" ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَإِنّهُ فِي‬
‫حكِيمٌ } [الزخرف ‪ ]4 :‬أي ‪ :‬رفيع‪ .‬والمشهور القراءة الولى‪.‬‬
‫أُمّ ا ْلكِتَابِ َلدَيْنَا َلعَِليّ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ عِبَادِي لَيْسَ َلكَ عَلَ ْي ِهمْ سُ ْلطَانٌ } أي ‪ :‬الذين قدرت لهم (‪ )2‬الهداية ‪ ،‬فل سبيل لك‬
‫عليهم ‪ ،‬ول وصول لك إليهم ‪ { ،‬إِل مَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْلغَاوِينَ } استثناء منقطع‪.‬‬
‫وقد أورد ابن جَرير هاهنا من حديث عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن عبد ال بن موهب (‪ )3‬حدثنا‬
‫يزيد بن ُقسَيْط قال ‪ :‬كانت النبياء يكون لهم مساجد خارجةً من قراهم ‪ ،‬فإذا أراد النبي أن يستنبئ‬
‫ربه عن شيء ‪ ،‬خرج إلى مسجده فصلى ما كتب ال له ‪ ،‬ثم سأل ما بدا له ‪ ،‬فبينا نبي في مسجده‬
‫إذ جاء عدو ال ‪ -‬يعني ‪ :‬إبليس ‪ -‬حتى جلس بينه وبين القبلة ‪ ،‬فقال النبي ‪ :‬أعوذ بال من‬
‫الشيطان الرجيم‪[ .‬فقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬متوعدا ومهددا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وهب"‪.‬‬

‫( ‪)4/535‬‬

‫عدو ال ‪ :‬أرأيت الذي َت َعوّذ منه ؟ فهو هو‪ .‬فقال النبي ‪ :‬أعوذ بال من الشيطان الرجيم] (‪ )1‬قال‬
‫‪ :‬فَردّد (‪ )2‬ذلك ثلث مرات ‪ ،‬فقال عدو ال ‪ :‬أخبرني بأي شيء تنجو مني ؟ فقال النبي ‪ :‬بل‬
‫أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم ؟ مرتين ‪ ،‬فأخذ كل [واحد] (‪ )3‬منهما على صاحبه ‪ ،‬فقال النبي‬
‫سلْطَانٌ إِل مَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْلغَاوِينَ } قال عدو‬
‫‪ :‬إن ال تعالى يقول ‪ { :‬إِنّ عِبَادِي لَيْسَ َلكَ عَلَ ْيهِمْ ُ‬
‫ال ‪ :‬قد سمعت هذا قبل أن تولد‪ .‬قال النبي ‪ :‬ويقول ال ‪ { :‬وَِإمّا يَنزغَ ّنكَ مِنَ الشّيْطَانِ نزغٌ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ } [العراف ‪ ]200 :‬وإني (‪ )4‬وال ما أحسست بك قط إل استعذت‬
‫فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ َ‬
‫بال منك‪ .‬قال عدو ال ‪ :‬صدقت ‪ ،‬بهذا تنجو مني‪ .‬فقال النبي ‪" :‬أخبرني بأي شيء تغلبُ ابن آدم"‬
‫؟ قال ‪ :‬آخذه عند الغضب والهوى (‪)5‬‬
‫ج َمعِينَ } أي ‪ :‬جهنم موعد جميع من اتبع إبليس ‪ ،‬كما قال عن‬
‫جهَنّمَ َل َموْعِدُ ُهمْ أَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القرآن ‪َ { :‬ومَنْ َي ْكفُرْ بِهِ مِنَ الحْزَابِ فَالنّارُ َموْعِ ُدهُ } [هود ‪]17 :‬‬
‫ثم أخبر أن لجهنم سبعة أبواب ‪ِ { :‬ل ُكلّ بَابٍ مِ ْنهُمْ جُزْءٌ َمقْسُومٌ } أي ‪ :‬قد كتب لكل باب منها جزء‬
‫من أتباع إبليس يدخلونه ‪ ،‬ل محيد لهم عنه ‪ -‬أجارنا ال منها ‪ -‬وكل يدخل من باب بحسب عمله‬
‫‪ ،‬ويستقر في دَرَك بقدر فعله‪.‬‬
‫قال إسماعيل بن عُلَيّة وشعبة كلهما ‪ ،‬عن أبي هارون الغَنَويّ ‪ ،‬عن حطان بن عبد ال أنه قال ‪:‬‬
‫سمعت علي بن أبي طالب وهو يخطب قال ‪ :‬إن أبواب جهنم هكذا ‪ -‬قال أبو هارون ‪ :‬أطباقًا‬
‫بعضها فوق بعض (‪)6‬‬
‫وقال إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن هُبَيْرة بن يريم (‪ )7‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أبواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض ‪ ،‬فيمتلئ الول ‪ ،‬ثم الثاني ‪ ،‬ثم الثالث ‪ ،‬حتى ُتمْل كلها (‪)8‬‬
‫عكْرمة ‪ { :‬سَ ْبعَةُ أَ ْبوَابٍ } سبعة أطباق‪.‬‬
‫وقال ِ‬
‫طمَة ‪ ،‬ثم سعير ‪ ،‬ثم سقر ‪ ،‬ثم‬
‫وقال ابن جريج ‪ { :‬سَ ْبعَةُ أَ ْبوَابٍ } أولها جهنم ‪ ،‬ثم لظَى ‪ ،‬ثم الحُ َ‬
‫الجحيم ‪ ،‬ثم الهاوية‪.‬‬
‫وروى (‪ )9‬الضحاك عن ابن عباس ‪ ،‬نحوه‪ .‬وكذا [روي] عن العمش بنحوه أيضًا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪َ { :‬لهَا سَ ْبعَةُ أَ ْبوَابٍ ِل ُكلّ بَابٍ مِ ْنهُمْ جُزْءٌ َمقْسُومٌ } وهي وال منازل بأعمالهم‪ .‬رواهن‬
‫ابن جرير‪.‬‬
‫وقال جويبر ‪ ،‬عن الضحاك ‪َ { :‬لهَا سَ ْبعَةُ أَ ْبوَابٍ ِل ُكلّ بَابٍ مِ ْنهُمْ جُزْءٌ َمقْسُومٌ } قال ‪ :‬باب لليهود ‪،‬‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فرد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وأنا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/24‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/24‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬مريم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/24‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬ورواه"‪.‬‬

‫( ‪)4/536‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غلّ‬
‫إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ (‪ )45‬ادْخُلُوهَا ِبسَلَامٍ َآمِنِينَ (‪ )46‬وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِ ِهمْ مِنْ ِ‬
‫صبٌ َومَا هُمْ مِ ْنهَا ِبمُخْ َرجِينَ (‪ )48‬نَ ّبئْ عِبَادِي‬
‫سهُمْ فِيهَا َن َ‬
‫خوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (‪ )47‬لَا َيمَ ّ‬
‫إِ ْ‬
‫عذَابِي ُهوَ ا ْلعَذَابُ الْأَلِيمُ (‪)50‬‬
‫أَنّي أَنَا ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪ )49‬وَأَنّ َ‬

‫وباب للنصارى ‪ ،‬وباب للصابئين ‪ ،‬وباب للمجوس ‪ ،‬وباب للذين أشركوا ‪ -‬وهم كفار العرب ‪-‬‬
‫وباب للمنافقين ‪ ،‬وباب لهل التوحيد ‪ ،‬فأهل التوحيد يُرجى لهم ول يُرجى لولئك أبدًا‪.‬‬
‫حمَيْد ‪ ،‬حدثنا عثمان بن عمر ‪ ،‬عن مالك بن ِم ْغوَل ‪ ،‬عن جُنَيْد (‪)1‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا عبد بن ُ‬
‫عن ابن عمر ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬لجهنم سبعة أبواب ‪ :‬باب منها لمن سلّ‬
‫السيف على أمتي ‪ -‬أو قال ‪ :‬على أمة محمد‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعرفه إل من حديث مالك بن ِم ْغوَل (‪)2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ‪ ،‬عباس بن الوليد الخلل ‪ ،‬حدثنا زيد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن‬
‫سمُرَة بن جُ ْندَب ‪ ،‬عن النبي‬
‫يحيى ‪ -‬حدثنا سعيد بن بشير ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن َ‬
‫صلى ال عليه وسلم في قوله ‪ِ { :‬ل ُكلّ بَابٍ مِ ْنهُمْ جُ ْزءٌ َمقْسُومٌ } قال ‪" :‬إن من أهل النار من تأخذه‬
‫النار إلى كعبيه ‪ ،‬وإن منهم من تأخذه النار إلى حُجزته ‪ ،‬ومنهم من تأخذه النار إلى تراقيه ‪،‬‬
‫منازل بأعمالهم ‪ ،‬فذلك قوله ‪ِ { :‬ل ُكلّ بَابٍ مِ ْنهُمْ جُ ْزءٌ َمقْسُومٌ } (‪)3‬‬
‫غلّ‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪ )45‬ا ْدخُلُوهَا بِسَلمٍ آمِنِينَ (‪ )46‬وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ ِ‬
‫{ إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّا ٍ‬
‫ب َومَا هُمْ مِ ْنهَا ِب ُمخْرَجِينَ (‪ )48‬نَ ّبئْ عِبَادِي‬
‫سهُمْ فِيهَا َنصَ ٌ‬
‫خوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (‪ )47‬ل َيمَ ّ‬
‫إِ ْ‬
‫عذَابِي ُهوَ ا ْلعَذَابُ اللِيمُ (‪} )50‬‬
‫أَنّي أَنَا ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪ )49‬وَأَنّ َ‬
‫لما ذكر تعالى حال أهل النار ‪ ،‬عطف على ذكر أهل الجنة ‪ ،‬وأنهم في جنات وعيون‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ادْخُلُوهَا ِبسَلمٍ } أي ‪ :‬سالمين من الفات ‪ ،‬مسلمًا عليكم ‪ { ،‬آمِنِينَ } من كل خوف‬
‫وفزع ‪ ،‬ول تخشوا من إخراج ‪ ،‬ول انقطاع ‪ ،‬ول فناء‪.‬‬
‫خوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُ َتقَابِلِينَ } روى القاسم ‪ ،‬عن أبي‬
‫غلّ ِإ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ ِ‬
‫أمامة قال ‪ :‬يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن ‪ ،‬حتى‬
‫إذا توافوا وتقابلوا نزع ال ما في صدورهم في الدنيا من غل ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَنزعْنَا مَا فِي‬
‫غلّ } (‪)4‬‬
‫صُدُورِهِمْ مِنْ ِ‬
‫هكذا في هذه الرواية ‪ ،‬والقاسم بن عبد الرحمن ‪ -‬في روايته (‪ )5‬عن أبي أمامة ‪ -‬ضعيف‪.‬‬
‫وقد روى سُنَيْد في تفسيره ‪ :‬حدثنا ابن فضالة ‪ ،‬عن لقمان ‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬ل يدخل مؤمن‬
‫الجنة حتى ينزع ال ما في صدرهم من غل ‪ ،‬حتى ينزع منه مثل السبع الضاري (‪)6‬‬
‫وهذا موافق لما في الصحيح ‪ ،‬من رواية قتادة ‪ ،‬حدثنا أبو المتوكل الناجي ‪ :‬أن أبا سعيد الخدري‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حميد" والمثبت من الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪ )3123‬وقال ‪" :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من حديث مالك بن‬
‫مغول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذكره السيوطي في الدر المنثور (‪ )5/82‬مطول ‪ ،‬وأصل الحديث في صحيح مسلم برقم (‬
‫‪ )2845‬دون ذكر الية إلى قوله ‪" :‬تأخذه النار إلى حجزته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )14/25‬من طريق إسرائيل ‪ ،‬عن بشر البصري ‪ ،‬عن القاسم به‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬رواية"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/25‬‬

‫( ‪)4/537‬‬

‫حدثهم ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يَخْلُص المؤمنون من النار ‪ ،‬فيُحبسون على‬
‫قنطرة بين الجنة والنار ‪ ،‬فيُقتص لبعضهم من بعضهم ‪ ،‬مظالم كانت بينهم في الدنيا ‪ ،‬حتى إذا‬
‫هُذّبوا و ُنقّوا ‪ ،‬أذن لهم في دخول الجنة" (‪)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا الحسن ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا هشام ‪ ،‬عن محمد ‪ -‬هو ابن‬
‫سيرين ‪ -‬قال ‪ :‬استأذن الشتر على عليّ ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وعنده ابن لطلحة ‪ ،‬فحبسه ثم أذن‬
‫له‪ .‬فلما دخل قال ‪ :‬إني لراك إنما احتبستني لهذا ؟ قال ‪ :‬أجل‪ .‬قال ‪ :‬إني لراه لو كان عندك‬
‫ابن لعثمان لحبستني ؟ قال ‪ :‬أجل إني (‪ )2‬لرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال ال تعالى ‪:‬‬
‫خوَانًا]عَلَى سُرُرٍ مُ َتقَابِلِينَ } (‪)4( )3‬‬
‫غلّ [إِ ْ‬
‫{ وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ ِ‬
‫وحدثنا الحسن ‪ :‬حدثنا أبو معاوية الضرير ‪ ،‬حدثنا أبو مالك الشجعي ‪ ،‬عن أبي حبيبة ‪ -‬مولى‬
‫لطلحة ‪ -‬قال ‪ :‬دخل عمران بن طلحة على عليّ ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬بعدما فرغ من أصحاب‬
‫الجمل ‪ ،‬فرحب به وقال ‪ :‬إني لرجو أن يجعلني ال وأباك من الذين قال ال ‪ { :‬وَنزعْنَا مَا فِي‬
‫خوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُ َتقَابِلِينَ } ‪ -‬قال ‪ :‬ورجلن جالسان على ناحية البساط ‪،‬‬
‫غلّ ِإ ْ‬
‫صُدُورِهِمْ مِنْ ِ‬
‫فقال ال أعدل من ذلك ‪ ،‬تقتلهم بالمس ‪ ،‬وتكونون إخوانا! فقال علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬قُوما‬
‫أبعد أرض وأسحقها! فمن هو إذا إن لم أكن أنا وطلحة ‪ ،‬وذكر أبو معاوية الحديث بطوله (‪)5‬‬
‫وروى َوكِيع ‪ ،‬عن أبان بن عبد ال البجلي ‪ ،‬عن ُنعَيْم بن أبي هند ‪ ،‬عن رِ ْبعِي بن خِرَاش ‪ ،‬عن‬
‫علي ‪ ،‬نحوه ‪ ،‬وقال فيه ‪ :‬فقام رجل من َهمْدان فقال ‪ :‬ال أعدل من ذاك يا أمير المؤمنين‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فصاح به علي صيحة ‪ ،‬فظننت أن القصر تَدهدَه لها ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إذا لم نكن نحن فمن هو ؟ (‪)6‬‬
‫وقال سعيد بن مسروق ‪ ،‬عن أبي طلحة ‪ -‬وذكره ‪ -‬فيه ‪ :‬فقال الحارث العور ذلك ‪ ،‬فقام إليه‬
‫علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فضربه بشيء كان في يده في رأسه ‪ ،‬وقال ‪ :‬فمن هم (‪ )7‬يا أعور إذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لم نكن نحن ؟‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬عن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم قال ‪ :‬جاء ابن جرموز قاتل الزبير يستأذن على‬
‫عليّ ‪ ،‬رضي ال عنه فحجبه طويل ثم أذن له ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أما أهل البلء فتجفوهم‪ .‬فقال علي ‪:‬‬
‫بفيك التراب ‪ ،‬إني لرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ‪ ،‬ممن قال ال ‪ { :‬وَنزعْنَا مَا فِي‬
‫خوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُ َتقَابِلِينَ }‬
‫غلّ ِإ ْ‬
‫صُدُورِهِمْ مِنْ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)6535‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أجل ‪ ،‬قال ‪ :‬إني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)14/26‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/25‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )14/25‬من طريق وكيع‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فمن هو"‪.‬‬

‫( ‪)4/538‬‬

‫وكذا روى الثوري ‪ ،‬عن جعفر بن محمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬بنحوه‪.‬‬
‫وقال سفيان بن عُيَيْنة ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي موسى ‪ ،‬سمع الحسن البصري يقول ‪ :‬قال علي ‪:‬‬
‫خوَانًا عَلَى سُرُرٍ‬
‫غلّ ِإ ْ‬
‫فينا وال ‪ -‬أهل بدر ‪ -‬نزلت هذه الية ‪ { :‬وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ ِ‬
‫مُ َتقَابِلِينَ }‬
‫وقال كثير النّواء ‪ :‬دخلت على أبي جعفر محمد بن علي فقلت ‪ :‬وليي وليكم ‪ ،‬وسلمي سلمكم ‪،‬‬
‫وعدوي عدوكم ‪ ،‬وحربي حربكم‪ .‬إني أسألك بال ‪ :‬أتبرأ من أبي بكر وعمر ؟ فقال ‪ { :‬قَدْ ضَلَ ْلتُ‬
‫إِذًا َومَا أَنَا مِنَ ا ْل ُمهْتَدِينَ } [النعام ‪ ]56 :‬تولهما (‪ )1‬يا كثير ‪ ،‬فما أدركك فهو في رقبتي هذه ‪ ،‬ثم‬
‫خوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُ َتقَابِلِينَ } قال ‪ :‬أبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬رضي ال عنهم‬
‫تل هذه الية ‪ِ { :‬إ ْ‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫خوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُ َتقَابِلِينَ } قال ‪ :‬هم‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن أبي صالح في قوله ‪ِ { :‬إ ْ‬
‫عشرة ‪ :‬أبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬والزبير ‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف ‪،‬‬
‫وسعد بن أبي وقاص ‪ ،‬وسعيد بن زيد ‪ ،‬وعبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مُ َتقَابِلِينَ } قال مجاهد ‪ :‬ل ينظر بعضهم في قفا بعض‪.‬‬
‫وفيه حديث مرفوع ‪ ،‬قال ابن أبي حاتم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدثنا يحيى بن عبدك القزويني ‪ ،‬حدثنا حسان بن حسان ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن بشر (‪ )2‬حدثنا يحيى‬
‫بن معين ‪ ،‬عن إبراهيم القرشي ‪ ،‬عن سعيد بن شرحبيل ‪ ،‬عن زيد بن أبي أوفى قال ‪ :‬خرج‬
‫خوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُ َتقَابِلِينَ } في ال ‪،‬‬
‫علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فتل هذه الية ‪ { :‬إِ ْ‬
‫ينظر بعضهم إلى بعض (‪)3‬‬
‫صبٌ } يعني ‪ :‬المشقة والذى ‪ ،‬كما جاء في الصحيحين ‪" :‬إن ال‬
‫سهُمْ فِيهَا َن َ‬
‫وقوله ‪ { :‬ل َيمَ ّ‬
‫أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصَب ‪ ،‬ل صخب فيه ول نصب" (‪)4‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا ُهمْ مِ ْنهَا ِبمُخْرَجِينَ } كما جاء في الحديث ‪" :‬يقال (‪ )5‬يا أهل الجنة ‪ ،‬إن لكم أن‬
‫تصحوا فل تمرضوا أبدًا ‪ ،‬وإن لكم أن تعيشوا فل تموتوا أبدا ‪ ،‬وإن لكم أن تشبوا فل تهرموا أبدا‬
‫حوَل }‬
‫‪ ،‬وإن لكم أن تقيموا فل تظعنوا أبدا" ‪ ،‬وقال ال تعالى ‪ { :‬خَالِدِينَ فِيهَا ل يَ ْبغُونَ عَ ْنهَا ِ‬
‫[الكهف ‪]108 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬نَ ّبئْ عِبَادِي أَنّي أَنَا ا ْلغَفُورُ الرّحِي ُم وَأَنّ عَذَابِي ُهوَ ا ْل َعذَابُ اللِيمُ } أي ‪ :‬أخبر يا محمد‬
‫عبادي أني ذو رحمة وذو عقاب أليم‪.‬‬
‫وقد تقدم ذكر نظير هذه الية الكريمة ‪ ،‬وهي دالة على مقامي الرجاء والخوف ‪ ،‬وذكر في سبب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬برهما" وفي أ" ‪" :‬برها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بشر" والمثبت عن الجرح والتعديل ‪ 1/1/60‬مستفادا من حاشية الشعب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه البخاري في التاريخ الكبير (‪ )3/386‬في ترجمة زيد بن أبي أوفى ومن طريق حسان‬
‫بن حسان به ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل يتابع عليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )3820‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2432‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫( ‪)4/539‬‬

‫ن ضَ ْيفِ إِبْرَاهِيمَ (‪)51‬‬


‫وَنَبّ ْئهُمْ عَ ْ‬

‫نزولها ما رواه موسى بن عبيدة عن مصعب بن ثابت قال ‪ :‬مر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫على ناس من أصحابه يضحكون ‪ ،‬فقال ‪" :‬اذكروا الجنة ‪ ،‬واذكروا النار"‪ .‬فنزلت ‪ { :‬نَ ّبئْ عِبَادِي‬
‫عذَابِي ُهوَ ا ْلعَذَابُ اللِيمُ } رواه ابن أبي حاتم‪ .‬وهو مرسل (‪)1‬‬
‫أَنّي أَنَا ا ْل َغفُورُ الرّحِي ُم وَأَنّ َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ ،‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا إسحاق ‪ ،‬أخبرنا ابن المكي ‪ ،‬أخبرنا ابن المبارك ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أخبرنا مصعب بن ثابت ‪ ،‬حدثنا عاصم بن عبيد ال ‪ ،‬عن ابن أبي رباح ‪ ،‬عن رجل من أصحاب‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬طلع علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم من الباب الذي يدخل‬
‫منه بنو شيبة ‪ ،‬فقال ‪" :‬أل أراكم تضحكون ؟" ثم أدبر ‪ ،‬حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا‬
‫القهقرى ‪ ،‬فقال ‪" :‬إني لما خرجت جاء جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إن ال يقول (‪)2‬‬
‫لم تقنط (‪ )3‬عبادي ؟ { نَ ّبئْ عِبَادِي أَنّي أَنَا ا ْل َغفُورُ الرّحِي ُم وَأَنّ عَذَابِي ُهوَ ا ْلعَذَابُ اللِيمُ } (‪)4‬‬
‫وقال سعيد ‪ ،‬عن قتادة في قوله تعالى ‪ { :‬نَ ّبئْ عِبَادِي أَنّي أَنَا ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ } قال ‪ :‬بلغنا أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬لو يعلم العبد قدر عفو ال لما تورع من حرام ‪ ،‬ولو يعلم‬
‫قدر عقابه لبخع نفسه" (‪)5‬‬
‫{ وَنَبّ ْئهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (‪} )51‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أورده السيوطي في الدر المنثور (‪ )5/86‬وعزاه لبن المنذر وابن أبي حاتم‪ .‬وموسى بن‬
‫عبيدة الربذي ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يقول ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يقنط"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)14/27‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )14/27‬وابن أبي الدنيا في حسن الظن بال برقم (‪ )64‬من طريق‬
‫سعيد به مرسل ‪ ،‬وروى موصول نحوه عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري ‪ ،‬أما حديث ابن‬
‫عمر ‪ ،‬فرواه ابن أبي الدنيا في حسن الظن بال برقم (‪ )63‬من طريق موسى عن عطية ‪ ،‬عن‬
‫ابن عمر مرفوعا ‪" :‬لو تعلمون قدر رحمة ال عز وجل ل تكلتم وما عملتم من عمل ‪ ،‬ولو علمتم‬
‫قدر غضبه ما نفعكم شيء" ‪ ،‬وحديث أبي سعيد ‪ ،‬رواه البزار في مسنده ولفظه ‪" :‬لو تعلمون قدر‬
‫رحمة ال ل تكلتم ‪ -‬أحسبه قال ‪ :‬عليها"‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/384‬إسناده حسن"‪.‬‬

‫( ‪)4/540‬‬

‫جلْ إِنّا نُ َبشّ ُركَ ِبغُلَامٍ عَلِيمٍ (‪)53‬‬


‫إِذْ دَخَلُوا عَلَ ْيهِ َفقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنّا مِ ْنكُ ْم وَجِلُونَ (‪ )52‬قَالُوا لَا َتوْ َ‬
‫قَالَ أَبَشّرْ ُتمُونِي عَلَى أَنْ مَسّ ِنيَ ا ْلكِبَرُ فَ ِبمَ تُبَشّرُونَ (‪ )54‬قَالُوا بَشّرْنَاكَ بِا ْلحَقّ فَلَا َتكُنْ مِنَ ا ْلقَانِطِينَ‬
‫حمَةِ رَبّهِ إِلّا الضّالّونَ (‪)56‬‬
‫(‪ )55‬قَالَ َومَنْ َيقْنَطُ مِنْ َر ْ‬

‫جلْ إِنّا نُ َبشّ ُركَ ِبغُلمٍ عَلِيمٍ (‪)53‬‬


‫{ ِإذْ َدخَلُوا عَلَيْهِ َفقَالُوا سَلمًا قَالَ إِنّا مِ ْنكُ ْم َوجِلُونَ (‪ )52‬قَالُوا ل َتوْ َ‬
‫قَالَ أَبَشّرْ ُتمُونِي عَلَى أَنْ مَسّ ِنيَ ا ْلكِبَرُ فَ ِبمَ تُبَشّرُون (‪ )54‬قَالُوا بَشّرْنَاكَ بِا ْلحَقّ فَل َتكُنْ مِنَ ا ْلقَانِطِينَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَةِ رَبّهِ إِل الضّالّونَ (‪} )56‬‬
‫(‪ )55‬قَالَ َومَنْ َيقْنَطُ مِنْ َر ْ‬
‫يقول (‪ )1‬تعالى ‪ :‬وخبرهم يا محمد عن قصة { ضَ ْيفِ إِبْرَاهِيمَ } والضيف ‪ :‬يطلق على الواحد‬
‫سفْر ‪ -‬وكيف { َدخَلُوا عَلَيْهِ َفقَالُوا سَلمًا قَالَ إِنّا مِ ْنكُ ْم َوجِلُونَ } أي ‪:‬‬
‫والجمع ‪ ،‬كالزور وال ّ‬
‫خائفون‪.‬‬
‫وقد ذكر سبب خوفه منهم لما رأى أيديهم ل تصل إلى ما قربه لهم (‪ )2‬ضيافة ‪ ،‬وهو العجل‬
‫السمين الحنيذ‪.‬‬
‫علِيمٍ } [الذاريات ‪ ]28 :‬وهو إسحاق ‪ ،‬عليه‬
‫جلْ } أي ‪ :‬ل تخف ‪ { ،‬وَبَشّرُوهُ ِبغُلمٍ َ‬
‫{ قَالُوا ل َتوْ َ‬
‫السلم ‪ ،‬كما تقدم في سورة هود‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يخبر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إليهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/540‬‬

‫قَالَ َفمَا خَطْ ُب ُكمْ أَ ّيهَا ا ْلمُرْسَلُونَ (‪ )57‬قَالُوا إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى َقوْمٍ ُمجْ ِرمِينَ (‪ )58‬إِلّا َآلَ لُوطٍ إِنّا‬
‫ج َمعِينَ (‪ )59‬إِلّا امْرَأَتَهُ قَدّرْنَا إِ ّنهَا َلمِنَ ا ْلغَابِرِينَ (‪ )60‬فََلمّا جَاءَ َآلَ لُوطٍ ا ْلمُرْسَلُونَ (‪)61‬‬
‫َلمُنَجّوهُمْ أَ ْ‬
‫ق وَإِنّا‬
‫حّ‬‫قَالَ إِ ّنكُمْ َقوْمٌ مُ ْنكَرُونَ (‪ )62‬قَالُوا َبلْ جِئْنَاكَ ِبمَا كَانُوا فِيهِ َيمْتَرُونَ (‪ )63‬وَأَتَيْنَاكَ بِالْ َ‬
‫ل وَاتّبِعْ َأدْبَارَهُمْ وَلَا َيلْ َتفِتْ مِ ْنكُمْ َأحَ ٌد وَا ْمضُوا حَ ْيثُ‬
‫َلصَا ِدقُونَ (‪ )64‬فَأَسْرِ بِأَ ْهِلكَ ِبقِطْعٍ مِنَ اللّ ْي ِ‬
‫ُت ْؤمَرُونَ (‪َ )65‬و َقضَيْنَا إِلَ ْيهِ ذَِلكَ الَْأمْرَ أَنّ دَابِرَ َهؤُلَاءِ َمقْطُوعٌ ُمصْبِحِينَ (‪)66‬‬

‫ثم قال (‪ )1‬متعجبًا من كبره وكبر زوجته ومتحققًا للوعد ‪ { :‬أَ َبشّرْ ُتمُونِي عَلَى أَنْ مَسّ ِنيَ ا ْلكِبَرُ فَبِمَ‬
‫حقّ فَل‬
‫تُبَشّرُون } فأجابوه مؤكدين لما بشروه به تحقيقًا وبشارة بعد بشارة ‪ { ،‬قَالُوا َبشّرْنَاكَ بِالْ َ‬
‫َتكُنْ مِنَ ا ْلقَانِطِينَ } وقرأ بعضهم ‪" :‬القنطين" (‪ - )2‬فأجابهم بأنه ليس يقنط ‪ ،‬ولكن يرجو من ال‬
‫الولد ‪ ،‬وإن كان قد كبر وأسنّت امرأته ‪ ،‬فإنه يعلم من قدرة ال ورحمته ما هو أبلغ من ذلك‪.‬‬
‫خطْ ُبكُمْ أَ ّيهَا ا ْلمُرْسَلُونَ (‪ )57‬قَالُوا إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى َقوْمٍ مُجْ ِرمِينَ (‪ )58‬إِل آلَ لُوطٍ إِنّا‬
‫{ قَالَ َفمَا َ‬
‫ج َمعِينَ (‪ )59‬إِل امْرَأَتَهُ قَدّرْنَا إِ ّنهَا َلمِنَ ا ْلغَابِرِينَ (‪} )60‬‬
‫َلمُنَجّوهُمْ أَ ْ‬
‫يقول تعالى إخبارًا عن إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما ذهب عنه الروع وجاءته البشرى ‪ :‬إنه شرع‬
‫يسألهم عما جاؤوا له ‪ ،‬فقالوا ‪ { :‬إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى َقوْمٍ ُمجْ ِرمِينَ } يعنون ‪ :‬قوم لوط‪ .‬وأخبروه أنهم‬
‫سينجون آل لوط من بينهم إل امرأته فإنها من المهلكين ؛ ولهذا قالوا ‪ { :‬إِل امْرَأَ َتهُ قَدّرْنَا إِ ّنهَا َلمِنَ‬
‫ا ْلغَابِرِينَ } أي ‪ :‬الباقين المهلكين‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ فََلمّا جَاءَ آلَ لُوطٍ ا ْلمُرْسَلُونَ (‪ )61‬قَالَ إِ ّنكُمْ َقوْمٌ مُ ْنكَرُونَ (‪ )62‬قَالُوا َبلْ جِئْنَاكَ ِبمَا كَانُوا فِيهِ‬
‫ق وَإِنّا َلصَا ِدقُونَ (‪} )64‬‬
‫َيمْتَرُونَ (‪ )63‬وَأَتَيْنَاكَ بِا ْلحَ ّ‬
‫يخبر تعالى عن لوط لما جاءته الملئكة في صورة شباب حسان الوجوه ‪ ،‬فدخلوا عليه داره ‪ ،‬قال‬
‫‪ { :‬إِ ّن ُكمْ َقوْمٌ مّ ْنكَرُونَ قَالُوا َبلْ جِئْنَاكَ ِبمَا كَانُوا فِيهِ َيمْتَرُونَ } يعنون ‪ :‬بعذابهم وهلكهم ودمارهم‬
‫الذي كانوا يشكون في وقوعه بهم ‪ ،‬وحلوله بساحتهم ‪ { ،‬وَأَتَيْنَاكَ بِا ْلحَقّ } كما قال تعالى ‪ { :‬مَا‬
‫حقّ } [الحجر ‪]8 :‬‬
‫نُنزلُ ا ْلمَل ِئكَةَ إِل بِالْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّا َلصَا ِدقُونَ } تأكيد لخبرهم (‪ )3‬إياه بما أخبروه به ‪ ،‬من نجاته وإهلك قومه ‪[ ،‬وال‬
‫أعلم] (‪)4‬‬
‫{ فََأسْرِ بِأَهِْلكَ ِبقِطْعٍ مِنَ اللّ ْيلِ وَاتّبِعْ أَدْبَارَ ُه ْم وَل َيلْ َتفِتْ مِ ْنكُمْ َأحَ ٌد وَا ْمضُوا حَ ْيثُ ُت ْؤمَرُونَ (‪)65‬‬
‫ك المْرَ أَنّ دَابِرَ َهؤُلءِ َمقْطُوعٌ ُمصْبِحِينَ (‪} )66‬‬
‫َو َقضَيْنَا إِلَ ْيهِ ذَِل َ‬
‫يذكر تعالى عن الملئكة أنهم أمروه أن يَسري بأهله بعد مضي جانب من الليل ‪ ،‬وأن يكون‬
‫لوط ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬يمشي وراءهم ‪ ،‬ليكون أحفظ لهم‪.‬‬
‫وهكذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يمشي في الغَزاة بما كان يكون (‪ )5‬ساقة ‪ ،‬يُزجي‬
‫الضعيف ‪ ،‬ويحمل المنقطع (‪)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يَلْ َتفِتْ مِ ْنكُمْ َأحَدٌ } أي ‪ :‬إذا سمعتم الصيحة بالقوم فل تلتفتوا إليهم ‪ ،‬وذروهم فيما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المقنطين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بخبرهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬في الغزو إنما كان" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬في الغزو وإنما يكون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )2639‬من حديث جابر ولفظه ‪" :‬كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يتخلف في المسير ‪ ،‬فيزجي الضعيف ‪ ،‬ويردف ‪ ،‬ويدعو لهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/541‬‬

‫وَجَاءَ َأ ْهلُ ا ْلمَدِينَةِ َيسْتَبْشِرُونَ (‪ )67‬قَالَ إِنّ َهؤُلَا ِء ضَ ْيفِي فَلَا َت ْفضَحُونِ (‪ )68‬وَا ّتقُوا اللّ َه وَلَا‬
‫تُخْزُونِ (‪ )69‬قَالُوا َأوَلَمْ نَ ْن َهكَ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)70‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حل بهم من العذاب والنكال ‪ { ،‬وَا ْمضُوا حَ ْيثُ ُت ْؤمَرُونَ } كأنه كان معهم من يهديهم السبيل‪.‬‬
‫ك المْرَ } أي ‪ :‬تقدمنا إليه في هذا { أَنّ دَابِرَ َهؤُلءِ َمقْطُوعٌ ُمصْبِحِينَ } أي ‪:‬‬
‫{ َو َقضَيْنَا إِلَيْهِ ذَِل َ‬
‫وقت ‪ :‬الصباح كما قال في الية الخرى ‪ { :‬إِنّ َموْعِدَهُمُ الصّبْحُ أَلَيْسَ الصّبْحُ ِبقَرِيبٍ } [هود ‪:‬‬
‫‪]81‬‬
‫{ وَجَاءَ أَ ْهلُ ا ْل َمدِينَةِ يَسْتَ ْبشِرُونَ (‪ )67‬قَالَ إِنّ َهؤُل ِء ضَ ْيفِي فَل َت ْفضَحُونِ (‪ )68‬وَا ّتقُوا اللّ َه وَل‬
‫تُخْزُونِ (‪ )69‬قَالُوا َأوَلَمْ نَ ْن َهكَ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ (‪} )70‬‬

‫( ‪)4/542‬‬

‫حةُ‬
‫خذَ ْتهُمُ الصّيْ َ‬
‫سكْرَ ِتهِمْ َي ْع َمهُونَ (‪ )72‬فَأَ َ‬
‫قَالَ َهؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (‪َ )71‬ل َعمْ ُركَ إِ ّنهُمْ َلفِي َ‬
‫جعَلْنَا عَالِ َيهَا سَافَِلهَا وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِمْ حِجَا َرةً مِنْ سِجّيلٍ (‪ )74‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ‬
‫مُشْ ِرقِينَ (‪ )73‬فَ َ‬
‫سمِينَ (‪ )75‬وَإِ ّنهَا لَبِسَبِيلٍ ُمقِيمٍ (‪ )76‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَ َيةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)77‬‬
‫لِ ْلمُ َتوَ ّ‬

‫سكْرَ ِتهِمْ َي ْع َمهُونَ (‪} )72‬‬


‫{ قَالَ َهؤُلءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (‪َ )71‬ل َعمْ ُركَ إِ ّنهُمْ َلفِي َ‬
‫يخبر تعالى عن مجيء قوم لوط لما علموا بأضيافه (‪ )1‬وصباحة وجوههم ‪ ،‬وأنهم جاءوا‬
‫ل وَل ُتخْزُونِ }‬
‫مستبشرين بهم فرحين ‪ { ،‬قَالَ إِنّ َهؤُل ِء ضَ ْيفِي فَل َت ْفضَحُونِ وَاتّقُوا ا َ‬
‫وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم بأنهم رسل ال كما قال في سياق (‪ )2‬سورة هود ‪ ،‬وأما هاهنا‬
‫فتقدم ذِكرُ أنهم رسل ال ‪ ،‬وعطف بذكر مجيء قومه ومحاجته لهم‪ .‬ولكن الواو ل تقتضي‬
‫الترتيب ‪ ،‬ول سيما إذا دل دليل (‪ )3‬على خلفه ‪ ،‬فقالوا له مجيبين ‪َ { :‬أوَلَمْ نَ ْن َهكَ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ }‬
‫أي ‪ :‬أو ما نهيناك أن تضيف أحدًا ؟ فأرشدهم إلى نسائهم ‪ ،‬وما خلق لهم ربهم منهن من الفروج‬
‫المباحة‪ .‬وقد تقدم أيضا القول في ذلك ‪ ،‬بما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫هذا كله وهم غافلون عما يراد بهم ‪ ،‬وما قد أحاط بهم من البلء ‪ ،‬وماذا يُصبحهم من العذاب‬
‫سكْرَ ِتهِمْ َي ْع َمهُونَ } أقسم‬
‫المستقر ؛ ولهذا قال تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬ل َعمْ ُركَ إِ ّن ُهمْ َلفِي َ‬
‫تعالى بحياة نبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬وفي هذا تشريف عظيم ‪ ،‬ومقام رفيع وجاه‬
‫عريض‪.‬‬
‫قال عمرو بن مالك الّنكْري (‪ )4‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬ما خلق ال وما‬
‫ذرأ وما برأ نفسًا أكرم عليه من محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وما سمعت ال أقسم بحياة أحد غيره‬
‫سكْرَ ِتهِمْ َي ْع َمهُونَ } [يقول ‪ :‬وحياتك وعمرك وبقائك في‬
‫‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { )5( :‬ل َعمْ ُركَ إِ ّنهُمْ َلفِي َ‬
‫الدنيا " إنهم لفي سكرتهم يعمهون] (‪ )6‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫سكْرَ ِتهِمْ } أي ‪ :‬في ضللتهم ‪َ { ،‬ي ْع َمهُونَ } أي ‪ :‬يلعبون‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬فِي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سكْرَ ِت ِهمْ َي ْع َمهُونَ }‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ل َعمْ ُركَ } لعيشك ‪ { ،‬إِ ّن ُهمْ َلفِي َ‬
‫قال ‪ :‬يتحيرون (‪)7‬‬
‫جعَلْنَا عَالِ َيهَا سَافَِلهَا وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِمْ حِجَا َرةً مِنْ سِجّيلٍ (‪ )74‬إِنّ‬
‫{ فََأخَذَ ْتهُمُ الصّيْحَةُ ُمشْ ِرقِينَ (‪ )73‬فَ َ‬
‫ك ليَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪} )77‬‬
‫سمِينَ (‪ )75‬وَإِ ّنهَا لَبِسَبِيلٍ ُمقِيمٍ (‪ )76‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫ك ليَاتٍ لِ ْلمُ َتوَ ّ‬
‫فِي ذَِل َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬بضيفانه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬سياقة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬دليله"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬البكري"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يتمادون"‪.‬‬

‫( ‪)4/542‬‬

‫يقول ‪ :‬تعالى ‪ { :‬فََأخَذَ ْتهُمُ الصّيْحَةُ } وهي ما جاءهم من الصوت القاصف عند شروق الشمس ‪،‬‬
‫وهو طلوعها ‪ ،‬وذلك مع رفع (‪ )1‬بلدهم إلى عَنان السماء ثم قلْبها ‪ ،‬وجعل عاليها سافلها ‪،‬‬
‫وإرسال حجارة السجيل عليهم‪ .‬وقد تقدم الكلم على السجيل في [سورة] (‪ )2‬هود بما فيه كفاية‪.‬‬
‫سمِينَ } أي ‪ :‬إن آثار هذه النقم ظاهرة (‪ )3‬على تلك البلد لمن‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِلكَ ليَاتٍ لِ ْلمُ َتوَ ّ‬
‫سمِينَ } قال ‪:‬‬
‫تأمل ذلك وتوسّمه بعين بصره وبصيرته ‪ ،‬كما قال مجاهد في قوله ‪ { :‬لِ ْلمُ َتوَ ّ‬
‫المتفرسين‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬للناظرين‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬للمعتبرين‪ .‬وقال مالك عن بعض أهل‬
‫سمِينَ } للمتأملين‪.‬‬
‫المدينة ‪ { :‬لِ ْلمُ َتوَ ّ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا محمد بن كثير العَبْدي ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫قيس ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "اتقوا فِرَاسة‬
‫سمِينَ‬
‫ك ليَاتٍ لِ ْلمُ َتوَ ّ‬
‫المؤمن ‪ ،‬فإنه ينظر بنور ال"‪ .‬ثم قرأ النبي صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫}‬
‫رواه الترمذي ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬من حديث عمرو بن قيس الملئي (‪ )4‬وقال الترمذي ‪ :‬ل نعرفه‬
‫إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضًا ‪ :‬حدثني أحمد بن محمد الطوسي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن محمد ‪ ،‬حدثنا الفرات‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بن السائب ‪ ،‬حدثنا ميمون بن ِمهْران ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"اتقوا فِرَاسَة المؤمن ؛ فإن المؤمن ينظر (‪ )5‬بنور ال" (‪)6‬‬
‫صيّ ‪ ،‬حدثنا سليمان بن سلمة ‪ ،‬حدثنا ال ُم َؤمّل بن سعيد‬
‫ح ْم ِ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني أبو شرحبيل ال ِ‬
‫بن يوسف الرحبي ‪ ،‬حدثنا أبو المعلى أسد بن وداعة الطائي ‪ ،‬حدثنا وهب بن مُنَبّه ‪ ،‬عن طاوس‬
‫بن كَيْسَان ‪ ،‬عن ثوبان قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬احذروا فراسة المؤمن ؛ فإنه‬
‫ينظر بنور ال وينطق بتوفيق ال" (‪)7‬‬
‫وقال أيضًا ‪ :‬حدثنا عبد العلى بن واصل ‪ ،‬حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن‬
‫واصل ‪ ،‬حدثنا أبو بشر المزلق ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال النبي (‪ )8‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن ل عبادًا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬رفيع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الظاهرة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪ )3127‬وتفسير الطبري (‪.)14/31‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يبصر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪ )14/32‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )4/94‬من طريق فرات بن السائب به ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬غريب من حديث ميمون لم نكتبه إل من هذا الوجه"‪ .‬والفرات متروك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )14/32‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )4/81‬من طريق سليمان بن سلمة به ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬غريب من حديث وهيب ‪ ،‬تفرد به مؤمل عن أسد"‪ .‬وسليمان بن سلمة وشيخه المؤمل‬
‫ضعيفان‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬

‫( ‪)4/543‬‬

‫صحَابُ‬
‫وَإِنْ كَانَ َأصْحَابُ الْأَ ْيكَةِ َلظَاِلمِينَ (‪ )78‬فَانْ َت َقمْنَا مِ ْنهُ ْم وَإِ ّن ُهمَا لَبِِإمَامٍ مُبِينٍ (‪ )79‬وََلقَدْ كَ ّذبَ َأ ْ‬
‫حجْرِ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )80‬وَآَتَيْنَا ُهمْ آَيَاتِنَا َفكَانُوا عَ ْنهَا ُمعْ ِرضِينَ (‪َ )81‬وكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ ا ْلجِبَالِ بُيُوتًا‬
‫الْ ِ‬
‫َآمِنِينَ (‪ )82‬فََأخَذَ ْتهُمُ الصّيْحَةُ ُمصْ ِبحِينَ (‪َ )83‬فمَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪)84‬‬

‫يعرفون الناس بالتوسم" (‪)1‬‬


‫ورواه الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا سهل بن بحر ‪ ،‬حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ‪ ،‬حدثنا أبو‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بشر ‪ -‬يقال له ‪ :‬ابن المزلق ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان ثقة ‪ -‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ل عبادًا يعرفون الناس بالتوسم" (‪)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِ ّنهَا لَبِسَبِيلٍ ُمقِيمٍ } أي ‪ :‬وإن قرية سدوم التي أصابها ما أصابها من القلب الصوري‬
‫والمعنوي ‪ ،‬والقذف بالحجارة ‪ ،‬حتى صارت بحيرة (‪ )3‬منتنة خبيثة لبطريق َمهْيَع مسالكه (‪)4‬‬
‫ن وَبِالّل ْيلِ َأفَل َتعْقِلُونَ }‬
‫مستمرة إلى اليوم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِ ّنكُمْ لَ َتمُرّونَ عَلَ ْيهِم ّمصْبِحِي َ‬
‫[الصافات ‪]138 ، 137 :‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ { :‬وَإِ ّنهَا لَبِسَبِيلٍ ُمقِيمٍ } قال ‪ُ :‬معَلّم‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬بطريق واضح‪ .‬وقال‬
‫قتادة أيضًا ‪ :‬بصقع من الرض واحد‪.‬‬
‫حصَيْنَاهُ فِي ِإمَامٍ مُبِينٍ } [يس ‪]12 :‬‬
‫شيْءٍ أ ْ‬
‫وقال السدي ‪ :‬بكتاب مبين ‪ ،‬يعني كقوله ‪َ { :‬وكُلّ َ‬
‫ولكن ليس المعنى على ما قال هاهنا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِلكَ ليَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬إن الذي صنعنا بقوم لوط من الهلك والدمار وإنجائنا‬
‫لوطا وأهله ‪ ،‬لدللة واضحة جلية (‪ )5‬للمؤمنين بال ورسله‪.‬‬
‫صحَابُ ال ْيكَةِ َلظَاِلمِينَ (‪ )78‬فَانْ َت َقمْنَا مِ ْنهُ ْم وَإِ ّن ُهمَا لَبِِإمَامٍ مُبِينٍ (‪} )79‬‬
‫{ وَإِنْ كَانَ َأ ْ‬
‫أصحاب اليكة ‪ :‬هم قوم شعيب‪.‬‬
‫قال الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬اليكة ‪ :‬الشجر الملتف‪.‬‬
‫وكان ظلمهم بشركهم بال وقطعهم الطريق ‪ ،‬ونقصهم المكيال والميزان‪ .‬فانتقم ال منهم بالصيحة‬
‫والرجفة وعذاب يوم الظلة ‪ ،‬وقد كانوا قريبًا من قوم لوط ‪َ ،‬ب ْعدَهم في الزمان ‪ ،‬ومسامتين لهم في‬
‫المكان ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَإِ ّن ُهمَا لَبِِإمَامٍ مُبِينٍ } أي ‪ :‬طريق مبين‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬طريق ظاهر ؛ ولهذا لما أنذر شعيب قومه قال في نذارته‬
‫إياهم ‪َ { :‬ومَا َقوْمُ لُوطٍ مِ ْنكُمْ بِ َبعِيدٍ }‬
‫حجْرِ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )80‬وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا َفكَانُوا عَ ْنهَا ُمعْ ِرضِينَ (‪َ )81‬وكَانُوا‬
‫صحَابُ الْ ِ‬
‫{ وََلقَدْ كَ ّذبَ َأ ْ‬
‫حةُ ُمصْبِحِينَ (‪َ )83‬فمَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا‬
‫خذَ ْتهُمُ الصّيْ َ‬
‫يَنْحِتُونَ مِنَ ا ْلجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (‪ )82‬فَأَ َ‬
‫َيكْسِبُونَ (‪} )84‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )14/32‬ورواه القضاعي في مسند الشهاب برقم (‪ )1005‬والطبراني في‬
‫المعجم الوسط برقم (‪" )5004‬مجمع البحرين" من طريق أبي بشر المزلق به ‪ ،‬وقال الهيثمي في‬
‫المجمع (‪" : )10/268‬إسناده حسن"‪ .‬وقال الذهبي في ترجمة أبي بشر المزلق ‪" :‬روى خبرا‬
‫منكرا فذكره" وهذا أقرب‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند البزار برقم (‪" )3632‬كشف الستار" وقال ‪" :‬ل نعلم رواه عن ثابت ‪ ،‬عن أنس إل أبو‬
‫بشر"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بخرة" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬بخرة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سالكة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬جليلة"‪.‬‬

‫( ‪)4/544‬‬

‫جمِيلَ (‪)85‬‬
‫صفْحَ الْ َ‬
‫صفَحِ ال ّ‬
‫ق وَإِنّ السّاعَةَ لَآَتِ َيةٌ فَا ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِلّا بِا ْلحَ ّ‬
‫َومَا خََلقْنَا ال ّ‬
‫إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْلخَلّاقُ ا ْلعَلِيمُ (‪)86‬‬

‫أصحاب الحجر هم ‪ :‬ثمود الذين كذبوا صالحا نبيهم ‪ ،‬ومن كذب برسول فقد كذب بجميع‬
‫المرسلين ؛ ولهذا أطلق عليهم تكذيب المرسلين‪.‬‬
‫وذكر تعالى أنه آتاهم من اليات ما يدلهم على صدق ما جاءهم به صالح ‪ ،‬كالناقة التي أخرجها‬
‫ال لهم بدعاء صالح من صخرة صماء فكانت (‪ )1‬تسرح في بلدهم ‪ ،‬لها شرب ولهم شرب يوم‬
‫عدٌ غَيْرُ َمكْذُوبٍ } [هود‬
‫ك وَ ْ‬
‫معلوم‪ .‬فلما عَتَوا وعقروها قال لهم ‪َ { :‬تمَ ّتعُوا فِي دَا ِر ُكمْ ثَلثَةَ أَيّامٍ ذَِل َ‬
‫‪ ]65 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََأمّا َثمُودُ َفهَدَيْنَا ُهمْ فَاسْتَحَبّوا ا ْل َعمَى عَلَى ا ْلهُدَى } [فصلت ‪]17 :‬‬
‫وذكر تعالى ‪ :‬أنهم { كَانُوا يَ ْنحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ } أي ‪ :‬من غير خوف ول احتياج‬
‫إليها ‪ ،‬بل أشرا وبطرا وعبثا ‪ ،‬كما هو المشاهد من صنيعهم في بيوتهم بوادي الحجر ‪ ،‬الذي مر‬
‫به رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك َفقَنّع رأسه وأسرع دابته ‪ ،‬وقال لصحابه‬
‫‪" :‬ل تدخلوا بيوت القوم المعذبين إل أن تكونوا باكين ‪ ،‬فإن لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم ما‬
‫أصابهم" (‪)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََأخَذَ ْتهُمُ الصّيْحَةُ ُمصْبِحِينَ } أي ‪ :‬وقت الصباح من (‪ )3‬اليوم الرابع ‪َ { ،‬فمَا أَغْنَى‬
‫عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيكْسِبُونَ } أي ‪ :‬ما كانوا يستغلونه من زروعهم وثمارهم التي ضَنّوا بمائها عن‬
‫الناقة ‪ ،‬حتى عقروها لئل تضيق عليهم في المياه ‪ ،‬فما دفعت عنهم تلك الموال ‪ ،‬ول نفعتهم لما‬
‫جاء أمر ربك‪.‬‬
‫جمِيلَ (‬
‫صفْحَ ا ْل َ‬
‫صفَحِ ال ّ‬
‫ع َة لتِيَةٌ فَا ْ‬
‫ق وَإِنّ السّا َ‬
‫حّ‬‫ت وَال ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِل بِالْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫خَلقْنَا ال ّ‬
‫{ َومَا َ‬
‫‪ )85‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْلخَلقُ ا ْلعَلِيمُ (‪} )86‬‬
‫حقّ } أي ‪ :‬بالعدل ؛ { لِ َيجْ ِزيَ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِل بِالْ َ‬
‫ت وَالرْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬ومَا خََلقْنَا ال ّ‬
‫حسْنَى } [النجم ‪ ]31 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا خََلقْنَا‬
‫حسَنُوا بِالْ ُ‬
‫عمِلُوا وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَ ْ‬
‫الّذِينَ أَسَاءُوا ِبمَا َ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا بَاطِل ذَِلكَ ظَنّ الّذِينَ َكفَرُوا َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا مِنَ النّارِ } [ص ‪]27 :‬‬
‫سمَاءَ وَال ْر َ‬
‫ال ّ‬
‫حقّ ل إِلَهَ إِل ُهوَ َربّ‬
‫جعُونَ فَ َتعَالَى اللّهُ ا ْلمَِلكُ الْ َ‬
‫حسِبْتُمْ أَ ّنمَا خََلقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَ ّنكُمْ إِلَيْنَا ل تُ ْر َ‬
‫وقال { َأفَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ا ْلعَرْشِ ا ْلكَرِيمِ } [المؤمنون ‪]116 - 115 :‬‬
‫ثم أخبر نبيه بقيام الساعة ‪ ،‬وأنها كائنة ل محالة ‪ ،‬ثم أمره بالصفح الجميل عن المشركين ‪ ،‬في‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ }‬
‫أذاهم له وتكذيبهم ما جاءهم (‪ )4‬به ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَاصْفَحْ عَ ْنهُمْ َوقُلْ سَلمٌ فَ َ‬
‫(‪[ )5‬الزخرف ‪]89 :‬‬
‫وقال مجاهد وقتادة وغيرهما ‪ :‬كان هذا قبل القتال‪ .‬وهو كما قال فإن هذه مكية ‪ ،‬والقتال إنما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وكانت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬جاء من حديث ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪)3380‬‬
‫ومسلم في صحيحه برقم (‪ )298‬ولفظه ‪" :‬ل تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم‪ "..‬الحديث‪ .‬ورواه‬
‫البخاري في صحيحه برقم (‪ )4702‬بلفظ ‪" :‬ل تدخلوا على هؤلء القوم إل أن تكونوا باكين ‪ ،‬فإن‬
‫لم تكونوا باكين فل تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما جاء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬تعلمون"‪.‬‬

‫( ‪)4/545‬‬

‫وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَ ْبعًا مِنَ ا ْلمَثَانِي وَا ْلقُرْآَنَ ا ْلعَظِيمَ (‪ )87‬لَا َتمُدّنّ عَيْنَ ْيكَ إِلَى مَا مَ ّتعْنَا ِبهِ أَ ْزوَاجًا مِ ْنهُ ْم وَلَا‬
‫حكَ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)88‬‬
‫خ ِفضْ جَنَا َ‬
‫تَحْزَنْ عَلَ ْي ِه ْم وَا ْ‬

‫شرع بعد الهجرة‪.‬‬


‫وقوله ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ الْخَلقُ ا ْلعَلِيمُ } تقرير للمعاد ‪ ،‬وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة ‪ ،‬فإنه‬
‫الخلق الذي ل يعجزه خلق ما يشاء ‪ ،‬وهو العليم بما تمزق (‪ )1‬من الجساد ‪ ،‬وتفرق (‪ )2‬في‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ‬
‫سائر أقطار الرض ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬أوَلَيْسَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫يَخُْلقَ مِثَْلهُمْ بَلَى وَ ُهوَ ا ْلخَلقُ ا ْلعَلِيمُ إِ ّنمَا َأمْ ُرهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ َيقُولَ َلهُ كُنْ فَ َيكُونُ َفسُبْحَانَ الّذِي‬
‫جعُونَ } [يس ‪.]83 - 81 :‬‬
‫شيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْ َ‬
‫بِيَ ِدهِ مََلكُوتُ ُكلّ َ‬
‫{ وََلقَدْ آتَيْنَاكَ سَ ْبعًا مِنَ ا ْلمَثَانِي وَالْقُرْآنَ ا ْلعَظِيمَ (‪ )87‬ل َتمُدّنّ عَيْنَ ْيكَ إِلَى مَا مَ ّتعْنَا بِهِ أَ ْزوَاجًا مِ ْنهُمْ‬
‫حكَ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪} )88‬‬
‫خفِضْ جَنَا َ‬
‫وَل َتحْزَنْ عَلَ ْيهِ ْم وَا ْ‬
‫يقول تعالى لنبيه ‪ :‬كما آتيناك القرآن العظيم ‪ ،‬فل تنظرن إلى الدنيا وزينتها ‪ ،‬وما متعنا به أهلها‬
‫من الزهرة الفانية لنفتنهم فيه ‪ ،‬فل تغبطهم بما هم فيه ‪ ،‬ول تذهب نفسك عليهم حسرات حزنا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حكَ ِلمَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } [الشعراء ‪:‬‬
‫خ ِفضْ جَنَا َ‬
‫عليهم في تكذيبهم لك ‪ ،‬ومخالفتهم دينك‪ { .‬وَا ْ‬
‫علَيْهِ مَا‬
‫سكُمْ عَزِيزٌ َ‬
‫‪ ]215‬أي ‪ :‬ألِن لهم جانبك (‪ )3‬كما قال تعالى ‪َ { :‬لقَدْ جَا َءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَ ْيكُمْ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة ‪]128 :‬‬
‫وقد اختلف في السبع المثاني ‪ :‬ما هي ؟‬
‫فقال ابن مسعود ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك وغير واحد‬
‫طوَل‪ .‬يعنون ‪ :‬البقرة ‪ ،‬وآل عمران ‪ ،‬والنساء ‪ ،‬والمائدة ‪ ،‬والنعام ‪ ،‬والعراف ‪،‬‬
‫‪ :‬هي السبع ال ّ‬
‫ويونس ‪ ،‬نص عليه ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن جبير‪.‬‬
‫وقال سعيد ‪ :‬بيّن (‪ )4‬فيهن الفرائض ‪ ،‬والحدود ‪ ،‬والقصص ‪ ،‬والحكام‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬بين (‪ )5‬المثال والخَبَر والعِبَر (‪)6‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر قال ‪ :‬قال سفيان ‪ { :‬ا ْلمَثَانِي } ا ْلمُثَنّى ‪)7( :‬‬
‫البقرة ‪ ،‬وآل عمران ‪ ،‬والنساء ‪ ،‬والمائدة ‪ ،‬والنعام ‪ ،‬والعراف ‪ ،‬والنفال وبراءة (‪ )8‬سورة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬ولم ُيعْطهن أحد إل النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأعطي موسى منهن‬
‫ثنتين‪ .‬رواه هُشَيْم ‪ ،‬عن الحجاج ‪ ،‬عن الوليد بن العيزار (‪ )9‬عن سعيد بن جبير عنه‪.‬‬
‫[و] (‪ )10‬قال العمش ‪ ،‬عن مسلم البطين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬أوتي‬
‫طوَل ‪ ،‬وأوتي موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ستّا ‪ ،‬فلما‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم سبعا من المثاني ال ّ‬
‫ألقى اللواح ارتفع (‪ )11‬اثنتان وبقيت أربع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يمزق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويفرق"‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬جنابك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثنى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثنى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬الخير والشر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬المبين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وبراءة والنفال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬العيزان"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪:‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رفعت"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/546‬‬

‫طوَل‪ .‬ويقال ‪ :‬هي القرآن العظيم‪.‬‬


‫وقال مجاهد ‪ :‬هي السبع ال ُ‬
‫خصِيف ‪ ،‬عن زياد بن أبي مريم في قوله تعالى ‪ { :‬سَ ْبعًا مِنَ ا ْلمَثَانِي } قال ‪ :‬أعطيتك سبعة‬
‫وقال َ‬
‫أجزاء ‪ :‬آمر ‪ ،‬وأنهى ‪ ،‬وأبشر (‪ )1‬وأنذر ‪ ،‬وأضرب المثال ‪ ،‬وأعدد النعم ‪ ،‬وأنبئك بنبأ (‪)2‬‬
‫القرآن‪ .‬رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أنها الفاتحة ‪ ،‬وهي سبع آيات‪ .‬رُوي ذلك عن عمر وعلي ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وابن‬
‫عباس‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬والبسملة هي (‪ )3‬الية السابعة ‪ ،‬وقد خصكم ال بها‪ .‬وبه قال إبراهيم‬
‫حوْشَب ‪ ،‬والحسن البصري ‪،‬‬
‫شهْر بن َ‬
‫عمَيْر ‪ ،‬وابن أبي مليكة ‪ ،‬و َ‬
‫النخعي ‪ ،‬وعبد ال بن عبيد بن ُ‬
‫ومجاهد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أنهن فاتحة الكتاب ‪ ،‬وأنهن يثنين (‪ )4‬في كل قراءة‪ .‬وفي رواية ‪ :‬في كل‬
‫ركعة مكتوبة أو تطوع‪.‬‬
‫واختاره ابن جرير ‪ ،‬واحتج بالحاديث الواردة في ذلك ‪ ،‬وقد قدمناها في فضائل سورة "الفاتحة"‬
‫في أول التفسير ‪ ،‬ول الحمد‪.‬‬
‫وقد أورد البخاري ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬هاهنا حديثين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬قال ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا غُنْدر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن خبيب بن عبد الرحمن ‪،‬‬
‫عن حفص بن عاصم ‪ ،‬عن أبي سعيد بن المعلى قال ‪ :‬مر بي النبي صلى ال عليه وسلم وأنا‬
‫أصلي ‪ ،‬فدعاني فلم آته حتى صليت ‪ ،‬ثم أتيته فقال ‪" :‬ما (‪ )5‬منعك أن تأتيني (‪ )6‬؟"‪ .‬فقلت ‪:‬‬
‫كنت أصلي‪ .‬فقال ‪" :‬ألم يقل ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرّسُولِ ِإذَا دَعَا ُكمْ } [النفال‬
‫‪ ]24 :‬أل أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد ؟" فذهب النبي صلى ال عليه‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [الفاتحة ‪ ]2 :‬هي السبع المثاني‬
‫وسلم ليخرج ‪ ،‬فذكرته (‪ )7‬فقال ‪ { " :‬ا ْل َ‬
‫والقرآن العظيم الذي أوتيته" (‪)8‬‬
‫[و] (‪ )9‬الثاني ‪ :‬قال ‪ :‬حدثنا آدم ‪ ،‬حدثنا ابن أبي ذئب ‪ ،‬حدثنا المقبري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أم القرآن هي ‪ :‬السبع المثاني‬
‫والقرآن العظيم" (‪)10‬‬
‫فهذا نص في أن الفاتحة السبع المثاني والقرآن العظيم ‪ ،‬ولكن ل ينافي (‪ )11‬وصف غيرها من‬
‫طوَل بذلك ‪ ،‬لما فيها من هذه الصفة ‪ ،‬كما ل ينافي وصف القرآن بكماله بذلك أيضًا ‪ ،‬كما‬
‫السبع ال ّ‬
‫حدِيثِ كِتَابًا مُ َتشَا ِبهًا مَثَانِيَ } [الزمر ‪ ]23 :‬فهو مثاني من وجه ‪،‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬اللّهُ نزلَ َأحْسَنَ الْ َ‬
‫ومتشابه من وجه ‪ ،‬وهو القرآن العظيم‬
‫أيضًا ‪ ،‬كما أنه ‪ ،‬عليه السلم (‪ )12‬لما سُئل عن المسجد الذي أسس على التقوى ‪ ،‬فأشار إلى‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مسجده ‪ ،‬والية نزلت في مسجد قُباء ‪ ،‬فل تنافي ‪ ،‬فإن (‪ )13‬ذكر الشيء ل ينفي (‪)14‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وبشر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬نبأ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يتبين" وفي أ ‪" :‬تثنى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ماذا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تأتي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فذكرت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)4703‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬صحيح البخاري برقم (‪.)4704‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬ل تنافي"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬لن"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬ينافي"‪.‬‬

‫( ‪)4/547‬‬

‫سمِينَ (‪)90‬‬
‫علَى ا ْل ُمقْتَ ِ‬
‫َوقُلْ إِنّي أَنَا النّذِيرُ ا ْلمُبِينُ (‪َ )89‬كمَا أَنْزَلْنَا َ‬

‫ذكر ما عداه إذا اشتركا في تلك الصفة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬


‫وقوله ‪ { :‬ل َتمُدّنّ عَيْنَ ْيكَ ِإلَى مَا مَ ّتعْنَا بِهِ أَ ْزوَاجًا مِ ْنهُمْ } أي ‪ :‬استغن بما آتاك ال من القرآن‬
‫العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية‪.‬‬
‫ومن هاهنا ذهب ابن عُيَيْنَة إلى تفسير الحديث الصحيح ‪" :‬ليس منا من لم يتغَنّ بالقرآن" (‪ )1‬إلى‬
‫أنه يُستغنى به عما عداه ‪ ،‬وهو تفسير صحيح ‪ ،‬ولكن ليس هو المقصود من الحديث ‪ ،‬كما تقدم‬
‫في أول التفسير‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن َوكِيع بن الجراح ‪ ،‬حدثنا موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن يزيد بن عبد ال‬
‫بن قسيط ‪ ،‬عن أبي رافع صاحب النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬أضاف النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ضيف (‪ )2‬ولم يكن عند النبي صلى ال عليه وسلم شيء (‪ )3‬يصلحه ‪ ،‬فأرسل إلى رجل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من اليهود ‪ :‬يقول لك محمد رسول ال ‪ :‬أسلفني دقيقا إلى هلل رجب‪ .‬قال ‪ :‬ل إل بِرَهْن‪ .‬فأتيت‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم [فأخبرته] (‪ )4‬فقال ‪" :‬أما وال إني لمين من في السماء وأمين من في‬
‫الرض ولئن أسلفني أو باعني لؤدين إليه"‪ .‬فلما خرجت من عنده نزلت هذه الية ‪ { :‬ل َت ُمدّنّ‬
‫عَيْنَ ْيكَ إِلَى مَا مَ ّتعْنَا ِبهِ أَ ْزوَاجًا مِ ْن ُهمْ زَهَ َرةَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا } إلى آخر الية‪[ .‬طه ‪ ]131 :‬كأنه (‪)5‬‬
‫يعزيه عن الدنيا (‪)6‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ل َتمُدّنّ عَيْنَ ْيكَ } قال ‪ :‬نهي الرجل أن يتمنى مال صاحبه‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬إِلَى مَا مَ ّتعْنَا بِهِ أَ ْزوَاجًا مِ ْنهُمْ } هم الغنياء‪.‬‬
‫سمِينَ (‪} )90‬‬
‫{ َو ُقلْ إِنّي أَنَا النّذِيرُ ا ْلمُبِينُ (‪َ )89‬كمَا أَنزلْنَا عَلَى ا ْل ُمقْتَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وانظر فيما تقدم في فضائل القرآن ‪ ،‬باب ‪ :‬من لم يتغن بالقرآن‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ضيفا" وهو الصواب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أمرا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )1/331‬من طريق عبد ال بن نمير ‪ ،‬عن موسى بن‬
‫عبيدة به نحوه ‪ ،‬وقال العراقي ‪" :‬إسناده ضعيف" وذلك لجل موسى بن عبيدة الربذي‪.‬‬

‫( ‪)4/548‬‬

‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪)93‬‬


‫ج َمعِينَ (‪َ )92‬‬
‫عضِينَ (‪َ )91‬فوَرَ ّبكَ لَ َنسْأَلَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫جعَلُوا ا ْلقُرْآَنَ ِ‬
‫الّذِينَ َ‬

‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪} )93‬‬


‫ج َمعِينَ (‪َ )92‬‬
‫عضِينَ (‪َ )91‬فوَرَ ّبكَ لَنَسْأَلَ ّن ُهمْ أَ ْ‬
‫جعَلُوا ا ْلقُرْآنَ ِ‬
‫{ الّذِينَ َ‬
‫يأمر تعالى نبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬أن (‪ )1‬يقول للناس ‪ :‬إنه { النّذِيرُ ا ْلمُبِينُ } البين‬
‫النذارة ‪ ،‬نذير للناس من عذاب أليم أن يحل بهم على تكذيبه كما حل بمن تقدمهم من المم المكذبة‬
‫لرسلها ‪ ،‬وما أنزل ال عليهم من العذاب والنتقام‪.‬‬
‫سمِينَ } أي ‪ :‬المتحالفين ‪ ،‬أي ‪ :‬تحالفوا على مخالفة النبياء وتكذيبهم وأذاهم ‪ ،‬كما‬
‫وقوله ‪ { :‬ا ْل ُمقْتَ ِ‬
‫سمُوا بِاللّهِ لَنُبَيّتَنّ ُه وَأَهَْلهُ } [النمل ‪ ]46 :‬أي ‪:‬‬
‫قال تعالى إخبارًا عن قوم صالح أنهم ‪ { :‬قَالُوا َتقَا َ‬
‫نقتلهم ليل قال مجاهد ‪ :‬تقاسموا ‪ :‬تحالفوا‪.‬‬
‫سمْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ‬
‫جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ ل يَ ْب َعثُ اللّهُ مَنْ َيمُوتُ } [النحل ‪َ {]38 :‬أوَلَمْ َتكُونُوا َأ ْق َ‬
‫سمُوا بِاللّهِ َ‬
‫{ وََأقْ َ‬
‫حمَةٍ } [العراف ‪]49 :‬‬
‫سمْتُمْ ل يَنَاُلهُمُ اللّهُ بِ َر ْ‬
‫مَا َلكُمْ مِنْ َزوَالٍ } [إبراهيم ‪ {]44 :‬أَ َهؤُلءِ الّذِينَ َأ ْق َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فكأنهم كانوا ل يكذبون بشيء إل أقسموا عليه ‪ ،‬فسموا مقتسمين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بأن"‪.‬‬

‫( ‪)4/548‬‬

‫قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬المقتسمون أصحاب صالح ‪ ،‬الذين تقاسموا بال لنبيتنه وأهله‪.‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ ،‬عن أبي موسى [الشعري] (‪ )1‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إنما مثلي‬
‫ومثل ما بعثني ال به ‪ ،‬كمثل رجل أتى قومه فقال ‪ :‬يا قوم ‪ ،‬إني رأيت الجيش بعيني ‪ ،‬وإني أنا‬
‫النذير العريان ‪ ،‬فالنجاء النجاء! فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا ‪ ،‬وانطلقوا على مهلهم فنجوا ‪،‬‬
‫وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم ‪ ،‬فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ‪ ،‬فذلك مثل من أطاعني‬
‫واتبع ما جئت به ‪ ،‬ومثل من عصاني وكَذب ما جئت به من الحق" (‪)2‬‬
‫عضِينَ } أي ‪ :‬جَزّؤوا كتبهم المنزلة عليهم ‪ ،‬فآمنوا ببعض وكفروا‬
‫جعَلُوا ا ْلقُرْآنَ ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬الّذِينَ َ‬
‫ببعض‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا هشيم ‪ ،‬أنبأنا أبو بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جُبير ‪ ،‬عن‬
‫عضِينَ } قال ‪ :‬هم أهل الكتاب ‪ ،‬جَزّؤوه أجزاء ‪ ،‬فآمنوا ببعضه ‪،‬‬
‫جعَلُوا ا ْلقُرْآنَ ِ‬
‫ابن عباس ‪َ { :‬‬
‫وكفروا ببعضه (‪)4( )3‬‬
‫حدثنا عبيد ال بن موسى ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي (‪ )5‬ظَبْيان ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬كمَا أَنزلْنَا‬
‫سمِينَ } قال ‪ :‬آمنوا ببعض ‪ ،‬وكفروا ببعض ‪ :‬اليهُود والنصارى (‪)6‬‬
‫عَلَى ا ْل ُمقْتَ ِ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬مثل‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وروي عن مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫عضِينَ } قال ‪ :‬السحر (‪)7‬‬
‫جعَلُوا ا ْلقُرْآنَ ِ‬
‫وقال الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬ال َعضْه ‪ :‬السحر بلسان قريش ‪ ،‬تقول (‪ )8‬للساحرة ‪ :‬إنها العاضهة (‪)9‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬عَضوه أعضاء ‪ ،‬قالوا ‪ :‬سحر ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬كهانة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أساطير الولين‪.‬‬
‫وقال عطاء ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬ساحر ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬مجنون‪ .‬وقال بعضهم كاهن‪ .‬فذلك‬
‫العضين (‪ )10‬وكذا روي عن الضحاك وغيره‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن أبي محمد ‪ ،‬عن سعيد أو عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن‬
‫الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش ‪ ،‬وكان ذا شرف (‪ )11‬فيهم ‪ ،‬وقد حضر الموسم فقال‬
‫لهم ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إنه قد حضر هذا الموسم ‪ ،‬وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ‪ ،‬وقد‬
‫سمعوا بأمر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )7283 ، 6482‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2283‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4705‬‬
‫(‪ )4‬في هـ بعد قوله "وكفروا ببعضه" ما يلي ‪" :‬حدثنا عبيد ال بن موسى ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫أبي ظبيان ‪ ،‬عن ابن عباس ‪( :‬جعلوا القرآن عضين) قال ‪ :‬هم أهل الكتاب ‪+ ،‬جزءوه أجزاء ‪،‬‬
‫فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه" وليس في صحيح البخاري ول في باقي النسخ ‪ ،‬وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4706‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سحر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬الكاهنة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬الحضين"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذا سن"‪.‬‬

‫( ‪)4/549‬‬

‫صاحبكم هذا ‪ ،‬فأجمعوا فيه رأيا واحدا ول تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ‪ ،‬ويرد قولكم بعضه‬
‫بعضًا‪ .‬فقالوا ‪ :‬وأنت يا أبا عبد شمس ‪ ،‬فقل (‪ )1‬وأقم لنا رأيا نقول به‪ .‬قال ‪ :‬بل أنتم قولوا (‪)2‬‬
‫لسمع‪ .‬قالوا ‪ :‬نقول (‪ )3‬كاهن"‪ .‬قال ‪ :‬ما هو بكاهن‪ .‬قالوا ‪ :‬فنقول ‪" :‬مجنون"‪ .‬قال ‪ :‬ما هو‬
‫بمجنون! قالوا (‪ )4‬فنقول ‪" :‬شاعر"‪ .‬قال ‪ :‬ما هو بشاعر! قالوا ‪ :‬فنقول ‪" :‬ساحر"‪ .‬قال ‪ :‬ما هو‬
‫بساحر! قالوا ‪ :‬فماذا نقول ؟ قال ‪ :‬وال إن لقوله حلوة ‪ ،‬فما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إل عُرف‬
‫أنه باطل ‪ ،‬وإن أقرب القول أن تقولوا ‪ :‬هو ساحر‪ .‬فتفرقوا عنه بذلك ‪ ،‬وأنزل ال فيهم ‪ { :‬الّذِينَ‬
‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } دُوينك (‪)6‬‬
‫ج َمعِينَ َ‬
‫عضِينَ } أصنافا (‪َ { )5‬فوَرَ ّبكَ لَنَسْأَلَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫جعَلُوا ا ْلقُرْآنَ ِ‬
‫َ‬
‫النفر الذين قالوا ‪ :‬ذلك لرسول ال‪.‬‬
‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } قال ‪:‬‬
‫ج َمعِينَ َ‬
‫وقال عطية العوفي ‪ ،‬عن ابن عمر (‪ )7‬في قوله ‪ { :‬لَنَسْأَلَ ّن ُهمْ أَ ْ‬
‫عن ل إله إل ال‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ .‬أنبأنا الثوري ‪ ،‬عن ليث ‪ -‬هو ابن أبي سليم ‪ -‬عن مجاهد ‪ ،‬في قوله ‪:‬‬
‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } قال ‪ :‬عن (‪ )8‬ل إله إل ال (‪)9‬‬
‫ج َمعِينَ َ‬
‫{ لَ َنسْأَلَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫وقد روى الترمذي ‪ ،‬وأبو يعلى الموصلي ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث شريك‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القاضي ‪ ،‬عن ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن َبشِير (‪ )10‬بن َنهِيك ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن النبي صلى ال‬
‫ج َمعِينَ } [قال] (‪ )11‬عن ل إله إل ال (‪)12‬‬
‫عليه وسلم ‪َ { :‬فوَرَ ّبكَ لَ َنسْأَلَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫ورواه ابن إدريس ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن بشير (‪ )13‬عن أنس موقوفا (‪)14‬‬
‫عكَيم‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أحمد ‪ ،‬حدثنا أبو أحمد ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن هلل ‪ ،‬عن عبد ال بن ُ‬
‫قال ‪ :‬قال عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ : -‬والذي ل إله غيره ‪ ،‬ما منكم من أحد إل سيخلو ال به‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ابن آدم ‪ ،‬ماذا (‪ )15‬غرك مني بي ؟‬
‫ابن آدم ‪ ،‬ماذا عملتَ فيما علمت ؟ ابن آدم ‪ ،‬ماذا أجبت المرسلين (‪ )16‬؟‬
‫وقال أبو جعفر ‪ :‬عن الربيع ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ :‬قال ‪ :‬يسأل العباد كلهم عن خُلّتين يوم القيامة ‪،‬‬
‫عما كانوا يعبدون ‪ ،‬وماذا أجابوا المرسلين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فقيل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تقولوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فنقول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أضيافا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أولئك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬عن ابن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬عن قول"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/303‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬سنن الترمذي برقم (‪ )3126‬ومسند أبي يعلى (‪ )7/111‬وهو عندهما من طريق ليث بن أبي‬
‫سليم ‪ ،‬عن بشر ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬وفي تفسير الطبري (‪ )14/46‬رواه من طريق شريك عن بشر عن‬
‫أنس ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب إنما نعرفه من حديث ليث ابن أبي سليم ‪ ،‬وقد روى‬
‫عبد ال بن أدريس ‪ ،‬عن ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن بشر ‪ ،‬عن أنس نحوه ولم يرفعه"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫(‪ )14‬أشار إليه الترمذي كما تقدم ‪ ،‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )14/46‬من طريق أبي كريب‬
‫وأبي السائب ‪ ،‬عن ابن إدريس به موقوفا‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫(‪ )16‬تفسير الطبري (‪.)14/46‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/550‬‬

‫جعَلُونَ مَعَ‬
‫فَاصْ َدعْ ِبمَا ُت ْؤمَرُ وَأَعْ ِرضْ عَنِ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪ )94‬إِنّا كَفَيْنَاكَ ا ْلمُسْ َتهْزِئِينَ (‪ )95‬الّذِينَ َي ْ‬
‫حمْدِ‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ (‪ )96‬وََلقَدْ َنعْلَمُ أَ ّنكَ َيضِيقُ صَدْ ُركَ ِبمَا َيقُولُونَ (‪ )97‬فَسَبّحْ ِب َ‬
‫اللّهِ إَِلهًا َآخَرَ فَ َ‬
‫جدِينَ (‪ )98‬وَاعْبُدْ رَ ّبكَ حَتّى يَأْتِ َيكَ الْ َيقِينُ (‪)99‬‬
‫ك َوكُنْ مِنَ السّا ِ‬
‫رَ ّب َ‬

‫وقال ابن عيينة عن عملك ‪ ،‬وعن مالك‪.‬‬


‫حوّاري ‪ ،‬حدثنا يونس الحذاء ‪ ،‬عن أبي‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن أبي ال ُ‬
‫حمزة الشيباني ‪ ،‬عن معاذ بن جبل قال ‪ :‬قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا معاذ ‪ ،‬إن‬
‫المؤمن ليسأل (‪ )1‬يوم القيامة عن جميع سعيه ‪ ،‬حتى كحل عينيه ‪ ،‬وعن (‪ )2‬فتات الطينة‬
‫بأصبعيه ‪ ،‬فل ألفينك يوم القيامة (‪ )3‬وأحد أسعد بما آتى (‪ )4‬ال منك" (‪)5‬‬
‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } ثُمّ قَالَ‬
‫ج َمعِينَ َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬فوَرَ ّبكَ لَنَسْأَلَ ّنهُمْ أَ ْ‬
‫س وَل جَانّ } [الرحمن ‪ ]39 :‬قال ‪ :‬ل يسألهم ‪ :‬هل عملتم كذا ؟‬
‫{ فَ َي ْومَئِذٍ ل يُسَْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إِ ْن ٌ‬
‫لنه أعلم بذلك منهم ‪ ،‬ولكن يقول ‪ :‬لم عملتم كذا وكذا ؟‬
‫جعَلُونَ مَعَ‬
‫{ فَاصْ َدعْ ِبمَا ُت ْؤمَ ُر وَأَعْ ِرضْ عَنِ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪ )94‬إِنّا َكفَيْنَاكَ ا ْلمُسْ َتهْزِئِينَ (‪ )95‬الّذِينَ يَ ْ‬
‫حمْدِ‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ (‪ )96‬وََلقَدْ َنعْلَمُ أَ ّنكَ َيضِيقُ صَدْ ُركَ ِبمَا َيقُولُونَ (‪ )97‬فَسَبّحْ ِب َ‬
‫اللّهِ إَِلهًا آخَرَ فَ َ‬
‫جدِينَ (‪ )98‬وَاعْبُدْ رَ ّبكَ حَتّى يَأْتِ َيكَ الْ َيقِينُ (‪} )99‬‬
‫ك َوكُنْ مِنَ السّا ِ‬
‫رَ ّب َ‬
‫يقول تعالى آمرًا رسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬بإبلغ ما بعثه به وبإنفاذه (‪ )6‬والصّدع‬
‫به ‪ ،‬وهو مواجهة المشركين به ‪ ،‬كما قال ابن عباس ‪ { :‬فَاصْ َدعْ ِبمَا ُت ْؤمَرُ } أي ‪ :‬أمضه‪ .‬وفي‬
‫رواية ‪ :‬افعل ما تؤمر‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هو الجهر بالقرآن في الصلة‪.‬‬
‫وقال أبو عبيدة ‪ ،‬عن (‪ )7‬عبد ال بن مسعود ‪ :‬ما زال النبي صلى ال عليه وسلم مستخفيا ‪ ،‬حتى‬
‫نزلت ‪ { :‬فَاصْ َدعْ ِبمَا ُت ْؤمَرُ } فخرج هو وأصحابه (‪)8‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَعْ ِرضْ عَنِ ا ْلمُشْ ِركِينَ إِنّا كَفَيْنَاكَ ا ْلمُسْ َتهْزِئِينَ } أي ‪ :‬بلغ ما أنزل إليك من ربك ‪ ،‬ول‬
‫تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات ال‪َ { .‬ودّوا َلوْ ُتدْهِنُ فَ ُيدْهِنُونَ } [القلم ‪:‬‬
‫‪ ]9‬ول تخفْهم ؛ فإن ال كافيك إياهم ‪ ،‬وحافظك منهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا‬
‫ك وَإِنْ لَمْ َت ْف َعلْ َفمَا َبّل ْغتَ ِرسَالَتَ ُه وَاللّهُ َي ْعصِ ُمكَ مِنَ النّاسِ } [المائدة ‪]67 :‬‬
‫أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّب َ‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إدريس ‪ ،‬حدثنا‬
‫عون بن َك ْهمَس ‪ ،‬عن يزيد بن درهم ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أنسًا (‪ )9‬يقول في هذه الية ‪ { :‬إِنّا َكفَيْنَاكَ‬
‫جعَلُونَ مَعَ الِ ِإَلهًا آخَرَ }‬
‫ا ْلمُسْ َتهْزِئِينَ الّذِينَ يَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يسأل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وحتى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فل ألفينك تأتي يوم القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أتاك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )10/31‬من طريق إسحاق بن أبي حسان ‪ ،‬عن أحمد بن أبي‬
‫الحوارى به نحوه ‪ ،‬وسيأتي مطول عند تفسير الية ‪ 14 :‬من سورة الفجر ‪ ،‬وقد علق الحافظ ابن‬
‫كثير ‪" :‬حديث غريب جدا في إسناده نظر وفي صحته"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬وإنفاذه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/47‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬عن أنس قال ‪" :‬سمعت أنسا" وهو تحريف وقد وقع مثله في كشف‬
‫الستار للهيثمي‪.‬‬

‫( ‪)4/551‬‬

‫قال ‪ :‬مر رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فغمزه بعضهم ‪ ،‬فجاء جبريل ‪ -‬أحسبه قال ‪ :‬فغمزهم‬
‫فوقع في أجسادهم ‪ -‬كهيئة الطعنة حتى ماتوا (‪)1‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان عظماء المستهزئين ‪ -‬كما حدثني يزيد بن رومان ‪ ،‬عن عروة بن‬
‫الزبير ‪ -‬خمسة نفر ‪ ،‬كانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم ‪ ،‬من بني أسد بن عبد العزى بن‬
‫قُصي ‪ :‬السود بن المطلب أبو (‪ )2‬زمعة ‪ ،‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فيما بلغني ‪-‬‬
‫قد دعا عليه ‪ ،‬لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه [به] (‪ )3‬فقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬أعم بصره ‪ ،‬وأثكله ولده‪.‬‬
‫ومن بني زهرة ‪ :‬السود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زُهرة‪ .‬ومن بني مخزوم ‪:‬‬
‫عمَر بن مخزوم‪ .‬ومن بني سهم بن عمرو بن هُصيص بن كعب‬
‫الوليد بن المغيرة بن عبد ال بن ُ‬
‫بن لؤي ‪ :‬العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد‪ .‬ومن خزاعة ‪ :‬الحارث بن الطلطلة بن‬
‫عمرو بن الحارث بن عبد عمرو بن ملكان ‪ -‬فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم الستهزاء ‪ ،‬أنزل ال تعالى ‪ { :‬فَاصْ َدعْ ِبمَا ُت ْؤمَرُ وَأَعْ ِرضْ عَنِ ا ْلمُشْ ِركِينَ إِنّا َكفَيْنَاكَ‬
‫سوْفَ َيعَْلمُونَ }‬
‫ا ْلمُسْ َتهْزِئِينَ } إلى قوله ‪َ { :‬ف َ‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ :‬فحدث يزيد بن رومان ‪ ،‬عن عروة بن الزبير ‪ ،‬أو غيره (‪ )4‬من العلماء ‪ ،‬أن‬
‫جبريل أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يطوف بالبيت ‪ ،‬فقام وقام رسول ال صلى ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه وسلم إلى جنبه ‪ ،‬فمر به السود [ابن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء ‪ ،‬فعمى ‪،‬‬
‫ومر به السود] (‪ )5‬بن عبد يغوث ‪ ،‬فأشار إلى بطنه ‪ ،‬فاستسقى (‪ )6‬بطنه ‪ ،‬فمات منه حَبَنَا ‪،‬‬
‫ومر به الوليد بن المغيرة ‪ ،‬فأشار إلى أثر جُرح بأسفل كعب رجله ‪ -‬كان أصابه قبل ذلك بسنتين‬
‫وهو يجر إزاره ‪ ،‬وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبل له ‪ ،‬فتعلق سهم من نبله بإزاره ‪،‬‬
‫فخدش رجله ذلك الخدش ‪ ،‬وليس بشيء ‪ ،‬فانتقض به فقتله‪ .‬ومر به العاص بن وائل ‪ ،‬فأشار إلى‬
‫أخمص قدمه ‪ ،‬فخرج على حمار له يريد الطائف ‪ ،‬فربض (‪ )7‬على شِبْ ِرقَةٍ فدخلت في أخمص‬
‫رجله منها شوكة فقتلته‪ .‬ومر به الحارث بن الطلطلة ‪ ،‬فأشار إلى رأسه ‪ ،‬فامتخط قيحا ‪ ،‬فقتله (‬
‫‪)8‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني محمد بن أبي محمد ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان رأسُهم‬
‫الوليد بن المغيرة ‪ ،‬وهو الذي جمعهم‪.‬‬
‫وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة ‪ ،‬نحو سياق محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد ‪ ،‬عن عروة ‪،‬‬
‫بطوله ‪ ،‬إل أن سعيدًا يقول ‪ :‬الحارث بن غيطلة‪ .‬وعكرمة يقول ‪ :‬الحارث بن قيس‪.‬‬
‫قال الزهري ‪ :‬وصدقا ‪ ،‬هو الحارث بن قيس ‪ ،‬وأمه غيطلة‪.‬‬
‫وكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬ومقسم ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد ‪ ،‬أنهم كانوا خمسة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند البزار برقم (‪" )2222‬كشف الستار" ونقل عنه الهيثمي قوله ‪" :‬تفرد به يزيد بن‬
‫درهم ‪ ،‬عن أنس ول أعلم له عن أنس غيره" ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/46‬فيه يزيد بن‬
‫درهم ‪ ،‬ضعفه ابن معين ‪ ،‬ووثقه الفلس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وغيره"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام والطبري‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬فاستقى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فربض به"‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪ ) 410 ، 1/409‬وتفسير الطبري (‪.)14/48‬‬

‫( ‪)4/552‬‬

‫وقال الشعبي ‪ :‬كانوا سبعة‪.‬‬


‫والمشهور الول‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سوْفَ َيعَْلمُونَ } تهديد شديد ‪ ،‬ووعيد أكيد ‪ ،‬لمن جعل‬
‫جعَلُونَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ َف َ‬
‫وقوله ‪ { :‬الّذِينَ يَ ْ‬
‫مع ال معبودا آخر‪.‬‬
‫جدِينَ } أي ‪:‬‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ َوكُنْ مِنَ السّا ِ‬
‫ق صَدْ ُركَ ِبمَا َيقُولُونَ َفسَبّحْ بِ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ َنعْلَمُ أَ ّنكَ َيضِي ُ‬
‫وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك انقباض وضيق صدر‪ .‬فل يهيدنك ذلك ‪ ،‬ول‬
‫يثنينك عن إبلغك رسالة ال ‪ ،‬وتوكل على ال فإنه كافيك وناصرك عليهم ‪ ،‬فاشتغل بذكر ال‬
‫وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلة ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬وكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ } كما جاء في‬
‫الحديث الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عبد الرحمن بن َمهْدِي ‪ ،‬حدثنا معاوية بن صالح ‪ ،‬عن أبي الزاهرية ‪ ،‬عن كثير بن مُرّة ‪،‬‬
‫عن نعيم بن َهمّار (‪ )1‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬قال ال ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬ل‬
‫تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره‪..‬‬
‫ورواه أبو داود (‪ )2‬من حديث مكحول ‪ ،‬عن كثير بن مرة ‪ ،‬بنحوه (‪)3‬‬
‫ولهذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا حَزبه أمر صلّى‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاعْبُدْ رَ ّبكَ حَتّى يَأْتِ َيكَ الْ َيقِينُ } قال البخاري ‪ :‬قال سالم ‪ :‬الموت (‪)4‬‬
‫وسالم هذا هو ‪ :‬سالم بن عبد ال بن عمر ‪ ،‬كما قال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬حدثني طارق بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن‬
‫سالم بن عبد ال ‪ { :‬وَاعْبُدْ رَ ّبكَ حَتّى يَأْتِ َيكَ الْ َيقِينُ } قال ‪ :‬الموت (‪)5‬‬
‫وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيره (‪)6‬‬
‫طعِمُ‬
‫ن وَلَمْ َنكُ نُ ْ‬
‫والدليل على ذلك قوله تعالى إخبارًا عن أهل النار أنهم قالوا ‪ { :‬لَمْ َنكُ مِنَ ا ْل ُمصَلّي َ‬
‫ن َوكُنّا نَخُوضُ مَعَ ا ْلخَا ِئضِينَ َوكُنّا ُن َك ّذبُ بِ َيوْمِ الدّينِ حَتّى أَتَانَا الْ َيقِينُ } [المدثر ‪- 43 :‬‬
‫سكِي َ‬
‫ا ْلمِ ْ‬
‫‪]47‬‬
‫وفي الصحيح (‪ )7‬من حديث الزهري ‪ ،‬عن خارجة بن زيد بن ثابت ‪ ،‬عن أم العلء ‪ -‬امرأة من‬
‫النصار ‪ -‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون ‪ -‬وقد مات ‪-‬‬
‫قلت ‪ :‬رحمة ال عليك (‪ )8‬أبا السائب ‪ ،‬فشهادتي عليك لقد أكرمك ال‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬وما يدريك أن ال أكرمه ؟"‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عمار"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو داود والنسائي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )5/286‬وسنن أبي داود برقم (‪.)1289‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪" )8/383‬فتح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/51‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وغيرهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬الصحيحين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رحم ال قلبك"‪.‬‬

‫( ‪)4/553‬‬

‫فقلت ‪ :‬بأبي وأمي يا رسول ال ‪ ،‬فمن ؟ فقال ‪" :‬أما هو فقد جاءه اليقين ‪ ،‬وإني لرجو له الخير"‬
‫(‪)1‬‬
‫ويستدل من هذه الية الكريمة وهي قوله ‪ { :‬وَاعْبُدْ رَ ّبكَ حَتّى يَأْتِ َيكَ الْ َيقِينُ } ‪ -‬على أن العبادة‬
‫كالصلة ونحوها واجبة على النسان ما دام عقله ثابتا فيصلي بحسب حاله ‪ ،‬كما ثبت في صحيح‬
‫البخاري ‪ ،‬عن عمران بن حصين ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"صَلّ قائمًا ‪ ،‬فإن لم تستطع فقاعدًا ‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جَنْب" (‪)2‬‬
‫ويستدل بها (‪ )3‬على تخطئة من ذهب من الملحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة ‪ ،‬فمتى وصل‬
‫أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم‪ .‬وهذا كفر وضلل وجهل ‪ ،‬فإن النبياء ‪ ،‬عليهم‬
‫السلم ‪ ،‬كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بال وأعرفهم بحقوقه وصفاته ‪ ،‬وما يستحق من‬
‫التعظيم ‪ ،‬وكانوا مع هذا أعبد الناس وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين‬
‫الوفاة‪ .‬وإنما المراد باليقين هاهنا الموت ‪ ،‬كما قدمناه‪ .‬ول الحمد والمنة ‪ ،‬والحمد ل على‬
‫الهداية ‪ ،‬وعليه الستعانة والتوكل ‪ ،‬وهو المسؤول أن يتوفانا على أكمل الحوال وأحسنها [فإنه‬
‫جواد كريم] (‪)4‬‬
‫[وحسبنا ال ونعم الوكيل] (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)1243‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)1117‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بهذا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)4/554‬‬

‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪)1‬‬


‫أَتَى َأمْرُ اللّهِ فَلَا تَسْ َتعْجِلُوهُ سُ ْبحَانَ ُه وَ َتعَالَى َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تفسير سورة النحل‬
‫وهي مكية‪.‬‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪} )1‬‬
‫{ أَتَى َأمْرُ اللّهِ فَل تَسْ َت ْعجِلُوهُ سُبْحَا َن ُه وَ َتعَالَى َ‬
‫يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرًا بصيغة الماضي الدال على التحقق (‪ )1‬والوقوع ل‬
‫غفْلَةٍ ُمعْ ِرضُونَ } [النبياء ‪، ]1 :‬‬
‫حسَا ُبهُ ْم وَهُمْ فِي َ‬
‫محالة [كما قال تعالى] (‪ { : )2‬اقْتَ َربَ لِلنّاسِ ِ‬
‫وقال ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ ا ْلقَمَرُ } [القمر ‪.]1 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَل َتسْ َتعْجِلُوهُ } أي ‪ :‬قرب ما تباعد فل تستعجلوه‪.‬‬
‫يحتمل أن يعود الضمير على ال ‪ ،‬ويحتمل أن يعود على العذاب ‪ ،‬وكلهما متلزم ‪ ،‬كما قال‬
‫شعُرُونَ‬
‫ب وَلَيَأْتِيَ ّنهُمْ َبغْتَ ًة وَ ُهمْ ل يَ ْ‬
‫سمّى لَجَاءَهُمُ ا ْلعَذَا ُ‬
‫جلٌ مُ َ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَيَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَابِ وََلوْل أَ َ‬
‫جهَنّمَ َل ُمحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ } [العنكبوت ‪.]54 ، 53 :‬‬
‫يَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَابِ وَإِنّ َ‬
‫وقد ذهب الضحاك في تفسير هذه الية إلى قول عجيب ‪ ،‬فقال في قوله ‪ { :‬أَتَى َأمْرُ اللّهِ } أي ‪:‬‬
‫فرائضه وحدوده‪.‬‬
‫وقد رده ابن جرير فقال ‪ :‬ل نعلم أحدًا استعجل الفرائض (‪ )3‬والشرائع قبل وجودها (‪ )4‬بخلف‬
‫العذاب فإنهم استعجلوه قبل كونه ‪ ،‬استبعادًا وتكذيبًا‪.‬‬
‫شفِقُونَ مِ ْنهَا وَ َيعَْلمُونَ‬
‫جلُ ِبهَا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا وَالّذِينَ آمَنُوا ُم ْ‬
‫قلت ‪ :‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَسْ َتعْ ِ‬
‫حقّ أَل إِنّ الّذِينَ ُيمَارُونَ فِي السّاعَةِ َلفِي ضَللٍ َبعِيدٍ } [الشورى ‪.]18 :‬‬
‫أَ ّنهَا الْ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذُكر عن يحيى بن آدم ‪ ،‬عن أبي بكر بن عياش ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال ‪-‬‬
‫مولى المغيرة بن شعبة ‪ -‬عن كعب بن علقمة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن حُجيرة ‪ ،‬عن عقبة بن عامر‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل‬
‫الترس ‪ ،‬فما تزال ترتفع في السماء ‪ ،‬ثم ينادي مناد فيها ‪ :‬يا أيها الناس‪ .‬فيقبل الناس بعضهم‬
‫على بعض ‪ :‬هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول ‪ :‬نعم‪ .‬ومنهم من يشك‪ .‬ثم ينادي (‪ )5‬الثانية ‪ :‬يا أيها‬
‫الناس‪ .‬فيقول الناس بعضهم لبعض ‪ :‬هل سمعتم ؟ فيقولون ‪ :‬نعم‪ .‬ثم ينادي الثالثة ‪ :‬يا أيها‬
‫الناس ‪ ،‬أتى أمر ال فل تستعجلوه‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬إن‬
‫الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا ‪ ،‬وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه (‪ )6‬شيئًا أبدًا ‪،‬‬
‫وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدًا ‪ -‬قال ‪ -‬ويشتغل (‪ )7‬الناس" (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬التحقيق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بالفرائض"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وجودهما"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ينادي مناد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬منه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ويستعمل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ : )4/539‬حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ‪ ،‬حدثنا الحسن‬
‫بن علي بن عفان ‪ ،‬حدثنا يحيى بن آدم به ‪ ،‬وقال ‪" :‬صحيح السناد على شرط مسلم ولم‬
‫يخرجاه"‪ .‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ : )17/325‬حدثنا الحسين التستري ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫كريب ‪ ،‬حدثنا يحيى بن آدم به ‪ ،‬وقال المنذري في الترغيب والترهيب (‪" : )4/382‬رواه‬
‫الطبراني بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون"‪.‬‬

‫( ‪)4/555‬‬

‫يُنَ ّزلُ ا ْلمَلَا ِئكَةَ بِالرّوحِ مِنْ َأمْ ِرهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ أَنْ أَ ْنذِرُوا أَنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا أَنَا فَا ّتقُونِ (‪)2‬‬
‫خصِيمٌ‬
‫طفَةٍ فَِإذَا ُهوَ َ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪ )3‬خََلقَ الْإِ ْنسَانَ مِنْ نُ ْ‬
‫حقّ َتعَالَى َ‬
‫ت وَالْأَ ْرضَ بِالْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫خََلقَ ال ّ‬
‫مُبِينٌ (‪)4‬‬

‫ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره ‪ ،‬وعبادتهم معه ما سواه من الوثان والنداد ‪ ،‬تعالى‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ }‬
‫وتقدس علوًا كبيرًا ‪ ،‬وهؤلء هم المكذبون بالساعة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬سُبْحَانَهُ وَ َتعَالَى َ‬
‫{ يُنزلُ ا ْلمَل ِئكَةَ بِالرّوحِ مِنْ َأمْ ِرهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنّ ُه ل إِلَهَ إِل أَنَا فَا ّتقُونِ (‬
‫‪} )2‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬يُنزلُ ا ْلمَل ِئكَةَ بِالرّوحِ } أي ‪ :‬الوحي كما قال تعالى ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ رُوحًا‬
‫جعَلْنَاهُ نُورًا َنهْدِي ِبهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا }‬
‫ن وََلكِنْ َ‬
‫ب وَل اليمَا ُ‬
‫مِنْ َأمْرِنَا مَا كُ ْنتَ َتدْرِي مَا ا ْلكِتَا ُ‬
‫[الشورى ‪.]52 :‬‬
‫ج َعلُ رِسَالَ َتهُ }‬
‫وقوله ‪ { :‬عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ } وهم النبياء ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬اللّهُ أَعْلَمُ حَ ْيثُ يَ ْ‬
‫طفِي مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ رُسُل َومِنَ النّاسِ } [الحج ‪ ، ]75 :‬وقال ‪:‬‬
‫[النعام ‪ ، ]124 :‬وقال ‪ { :‬اللّهُ َيصْ َ‬
‫خفَى عَلَى‬
‫{ يُ ْلقِي الرّوحَ مِنْ َأمْ ِرهِ عَلَى مَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ لِيُنْذِرَ َي ْومَ التّلقِ َي ْومَ هُمْ بَارِزُونَ ل َي ْ‬
‫شيْءٌ ِلمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َي ْومَ لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْلقَهّارِ } [غافر ‪.] 16 ، 15 :‬‬
‫اللّهِ مِ ْن ُهمْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬أَنْ أَنْذِرُوا } أي ‪ :‬لينذروا { أَنّهُ ل إِلَهَ إِل أَنَا } [كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ‬
‫مِنْ رَسُولٍ إِل نُوحِي إِلَ ْيهِ أَنّهُ ل إَِلهَ إِل أَنَا } ] (‪ { )1‬فَاعْبُدُونِ } [النبياء ‪ ، ]25 :‬وقال في هذه‬
‫[الية] (‪ { : )2‬فَا ّتقُونِ } أي ‪ :‬فاتقوا عقوبتي لمن خالف أمري وعبد غيري‪.‬‬
‫خصِيمٌ‬
‫طفَةٍ فَِإذَا ُهوَ َ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪ )3‬خَلَقَ النْسَانَ مِنْ نُ ْ‬
‫حقّ َتعَالَى َ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضَ بِالْ َ‬
‫{ خَلَقَ ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مُبِينٌ (‪} )4‬‬
‫يخبر تعالى عن خلقه العالم العلوي وهو السماوات ‪ ،‬والعالم السفلي وهو الرض بما حوت ‪ ،‬وأن‬
‫عمِلُوا وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَحْسَنُوا‬
‫ذلك مخلوق بالحق ل للعبث (‪ ، )3‬بل { لِيَجْ ِزيَ الّذِينَ َأسَاءُوا ِبمَا َ‬
‫حسْنَى } [النجم ‪.]31 :‬‬
‫بِالْ ُ‬
‫ثم نزه نفسه عن شرك من عبد معه غيره [من الصنام التي ل تخلق شيئا وهم يخلقون فكيف‬
‫ناسب أن يعبد معه غيره] (‪ ، )4‬وهو المستقل بالخلق وحده ل شريك له ‪ ،‬فلهذا يستحق (‪ )5‬أن‬
‫يعبد وحده ل شريك له‪.‬‬
‫طفَةٍ } أي ‪ :‬ضعيفة مهينة ‪ ،‬فلما استقل ودَرَج إذا هو‬
‫ثم نبه على خلق جنس النسان { مِنْ ُن ْ‬
‫يخاصم ربه تعالى ويكذبه ‪ ،‬ويحارب رسله ‪ ،‬وهو إنما خلق ليكون عبدًا ل ضدًا ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ل للعب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬استحق"‪.‬‬

‫( ‪)4/556‬‬

‫جمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ‬


‫خَلقَهَا َلكُمْ فِيهَا ِدفْ ٌء َومَنَافِ ُع َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ (‪ )5‬وََلكُمْ فِيهَا َ‬
‫وَالْأَ ْنعَامَ َ‬
‫تَسْ َرحُونَ (‪)6‬‬

‫صهْرًا َوكَانَ رَ ّبكَ َقدِيرًا * وَ َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا‬


‫جعََلهُ نَسَبًا َو ِ‬
‫{ وَ ُهوَ الّذِي خََلقَ مِنَ ا ْلمَاءِ َبشَرًا فَ َ‬
‫ظهِيرًا } [الفرقان ‪ ، ]55 ، 54 :‬وقال ‪َ { :‬أوََلمْ يَرَ‬
‫ل يَ ْن َف ُعهُ ْم وَل َيضُرّهُ ْم َوكَانَ ا ْلكَافِرُ عَلَى رَبّهِ َ‬
‫سيَ خَ ْلقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي‬
‫ن َوضَ َربَ لَنَا مَثَل وَنَ ِ‬
‫خصِيمٌ مُبِي ٌ‬
‫طفَةٍ فَإِذَا ُهوَ َ‬
‫النْسَانُ أَنّا خََلقْنَاهُ مِنْ ُن ْ‬
‫ا ْلعِظَا َم وَ ِهيَ َرمِيمٌ ُقلْ يُحْيِيهَا الّذِي أَنْشَأَهَا َأوّلَ مَ ّر ٍة وَ ُهوَ ِب ُكلّ خَ ْلقٍ عَلِيمٌ } [يس ‪.]79 ، 77 :‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه المام أحمد وابن ماجه عن ُبسْر بن جَحّاش قال ‪ :‬بصق رسول ال في‬
‫كفه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬يقول ال ‪ :‬ابن آدم ‪ ،‬أنّى تُعجِزني وقد خلقتك من مثل هذه ‪ ،‬حتى إذا سويتك‬
‫فعدلتك مشيت بين برديك وللرض منك وئيد ‪ ،‬فجمعت ومنعت ‪ ،‬حتى إذا بلغت الحلقوم قلت ‪:‬‬
‫أتصدقُ‪ .‬وأنى أوان الصدقة ؟" (‪.)1‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَحِينَ‬
‫جمَالٌ حِينَ تُرِيحُو َ‬
‫{ وَال ْنعَامَ خََلقَهَا َلكُمْ فِيهَا ِدفْ ٌء َومَنَافِ ُع َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ (‪ )5‬وََلكُمْ فِيهَا َ‬
‫تَسْ َرحُونَ (‪} )6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/210‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )2707‬وقال البوصيري في الزوائد (‪: )2/365‬‬
‫"إسناد صحيح رجاله ثقات ‪ ،‬ورواه أحمد في مسنده من حديث بسر ‪ ،‬وأصله في الصحيحين‬
‫وغيرهما من حديث أبي هريرة"‪.‬‬

‫( ‪)4/557‬‬

‫شقّ الْأَ ْنفُسِ إِنّ رَ ّب ُكمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)7‬‬


‫ح ِملُ أَ ْثقَاَلكُمْ إِلَى بَلَدٍ َلمْ َتكُونُوا بَاِلغِيهِ إِلّا بِ ِ‬
‫وَتَ ْ‬

‫شقّ ال ْنفُسِ إِنّ رَ ّبكُمْ لَ َرءُوفٌ َرحِيمٌ (‪} )7‬‬


‫ح ِملُ أَ ْثقَاَلكُمْ إِلَى بََلدٍ لَمْ َتكُونُوا بَاِلغِيهِ إِل بِ ِ‬
‫{ وَتَ ْ‬
‫يمتن تعالى على عباده بما خلق لهم من النعام ‪ ،‬وهي البل والبقر والغنم ‪ ،‬كما فصلها في سورة‬
‫النعام إلى ثمانية أزواج ‪ ،‬وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع ‪ ،‬من أصوافها وأوبارها‬
‫وأشعارها يلبسون ويفترشون ‪ ،‬ومن ألبانها يشربون ‪ ،‬ويأكلون من أولدها ‪ ،‬وما لهم فيها من‬
‫جمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ } وهو وقت رجوعها عشيًا من‬
‫الجمال وهو الزينة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََلكُمْ فِيهَا َ‬
‫المرعى (‪ )1‬فإنها تكون أ َمدّه (‪ )2‬خواصر ‪ ،‬وأعظمه ضروعًا ‪ ،‬وأعله أسنمة ‪ { ،‬وَحِينَ‬
‫تَسْ َرحُونَ } أي ‪ :‬غُدوة حين تبعثونها إلى المرعى‪.‬‬
‫ح ِملُ أَ ْثقَاَلكُمْ } وهي الحمال المثقلة (‪ )3‬التي تَعجزُون عن نقلها وحملها ‪ِ { ،‬إلَى بََلدٍ لَمْ َتكُونُوا‬
‫{ وَتَ ْ‬
‫شقّ ال ْنفُسِ } وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة ‪ ،‬وما جرى مجرى ذلك ‪،‬‬
‫بَاِلغِيهِ إِل بِ ِ‬
‫تستعملونها في أنواع الستعمال ‪ ،‬من ركوب وتحميل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِنّ َل ُكمْ فِي ال ْنعَامِ‬
‫حمَلُونَ }‬
‫ن وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى ا ْلفُ ْلكِ ُت ْ‬
‫سقِيكُمْ ِممّا فِي ُبطُو ِنهَا وََلكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِي َر ٌة َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُو َ‬
‫َلعِبْ َرةً نُ ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْنعَامَ لِتَ ْركَبُوا مِ ْنهَا َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ‬
‫[المؤمنون ‪ ، ]22 ، 21 :‬وقال تعالى ‪ { :‬اللّهُ الّذِي َ‬
‫حمَلُونَ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فََأيّ‬
‫وََلكُمْ فِيهَا مَنَافِ ُع وَلِتَبُْلغُوا عَلَ ْيهَا حَاجَةً فِي صُدُو ِركُ ْم وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى ا ْلفُ ْلكِ ُت ْ‬
‫آيَاتِ اللّهِ تُ ْنكِرُون } [غافر ‪ ]81 ، 79 :‬؛ ؛ ولهذا قال هاهنا بعد تعداد هذه النعم ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكُمْ‬
‫لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي ‪ :‬ربكم الذي قيّض لكم هذه النعام وسخرها لكم ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬أوََلمْ يَ َروْا أَنّا‬
‫عمَِلتْ أَ ْيدِينَا أَ ْنعَامًا َفهُمْ َلهَا مَاِلكُونَ وَذَلّلْنَاهَا َل ُهمْ َفمِ ْنهَا َركُوبُهُ ْم َومِ ْنهَا يَ ْأكُلُونَ } [يس ‪:‬‬
‫خََلقْنَا َلهُمْ ِممّا َ‬
‫ظهُو ِرهِ ثُمّ َت ْذكُرُوا‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ ا ْلفُ ْلكِ وَال ْنعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ لِتَسْ َتوُوا عَلَى ُ‬
‫‪ ، ]72 ، 71‬وقال ‪ { :‬وَ َ‬
‫سخّرَ لَنَا َهذَا َومَا كُنّا لَهُ ُمقْرِنِينَ وَإِنّا إِلَى رَبّنَا‬
‫ِن ْعمَةَ رَ ّبكُمْ ِإذَا اسْ َتوَيْ ُتمْ عَلَيْ ِه وَ َتقُولُوا سُ ْبحَانَ الّذِي َ‬
‫َلمُ ْنقَلِبُونَ } [الزخرف ‪.]14 - 12 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الرعى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أعده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الثقيلة"‪.‬‬

‫( ‪)4/557‬‬

‫حمِيرَ لِتَ ْركَبُوهَا وَزِينَ ًة وَيَخُْلقُ مَا لَا َتعَْلمُونَ (‪)8‬‬


‫ل وَالْ ِبغَالَ وَا ْل َ‬
‫وَالْخَ ْي َ‬

‫قال ابن عباس ‪َ { :‬لكُمْ فِيهَا ِدفْءٌ } أي ‪ :‬ثياب ‪ ،‬والمنافع ‪ :‬ما تنتفعون به من الطعمة والشربة‪.‬‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ { :‬دفْءٌ َومَنَافِعُ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬
‫} نسل كل دابة‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪َ { :‬لكُمْ فِيهَا ِدفْءٌ } قال ‪ :‬لباس ينسج ‪ ،‬ومنافع تُر َكبُ ‪ ،‬ولحم ولبن‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ِ { :‬دفْ ٌء َومَنَافِعُ } يقول ‪ :‬لكم فيها لباس ‪ ،‬ومنفعة ‪ ،‬وبُلْغة‪.‬‬
‫وكذا قال غير واحد من المفسرين ‪ ،‬بألفاظ متقاربة‪.‬‬
‫حمِيرَ لِتَ ْركَبُوهَا وَزِينَ ًة وَ َيخْلُقُ مَا ل َتعَْلمُونَ (‪} )8‬‬
‫ل وَالْ َ‬
‫{ وَا ْلخَ ْيلَ وَالْ ِبغَا َ‬
‫هذا صنف آخر مما خلق تبارك وتعالى لعباده ‪ ،‬يمتن به عليهم ‪ ،‬وهو ‪ :‬الخيل والبغال والحمير ‪،‬‬
‫التي جعلها للركوب والزينة بها ‪ ،‬وذلك أكبر المقاصد منها ‪ ،‬ولما َفصَلها من النعام وأفردها‬
‫بالذكر استدل من استدل من العلماء ‪ -‬ممن ذهب إلى تحريم لحوم الخيل ‪ -‬بذلك على ما ذهب‬
‫إليه فيها ‪ ،‬كالمام أبي حنيفة ‪ ،‬رحمه ال (‪ )1‬ومن وافقه من الفقهاء (‪ )2‬؛ لنه تعالى قرنها‬
‫بالبغال والحمير ‪ ،‬وهي حرام ‪ ،‬كما ثبتت به السنة النبوية ‪ ،‬وذهب إليه أكثر العلماء‪.‬‬
‫وقد روى المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّة ‪ ،‬أنبأنا هشام الدّسْ ُتوَائي ‪،‬‬
‫حدثنا يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن مولى نافع بن علقمة ‪ ،‬أن ابن عباس كان يكره لحوم الخيل‬
‫والبغال والحمير ‪ ،‬وكان يقول ‪ :‬قال ال ‪ { :‬وَال ْنعَامَ خََل َقهَا َلكُمْ فِيهَا ِدفْءٌ َومَنَافِعُ َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ }‬
‫حمِيرَ لِتَ ْركَبُوهَا } فهذه للركوب (‪.)3‬‬
‫ل وَالْ َ‬
‫فهذه للكل ‪ { ،‬وَا ْلخَ ْيلَ وَالْ ِبغَا َ‬
‫وكذا روي من طريق سعيد بن جُبَير وغيره ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬بمثله‪ .‬وقال مثل ذلك الحكم بن‬
‫عتيبة (‪ )4‬رضي ال عنه (‪ )5‬أيضا ‪ ،‬واستأنسوا بحديث رواه المام أحمد في مسنده ‪:‬‬
‫حدثنا يزيد بن عبد ربه ‪ ،‬حدثنا َبقِيّة بن الوليد ‪ ،‬حدثنا ثور بن يزيد ‪ ،‬عن صالح بن يحيى بن‬
‫المقدام بن معد يكرب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن خالد بن الوليد ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬نهى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل ‪ ،‬والبغال ‪ ،‬والحمير‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأخرجه أبو داود والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من حديث صالح بن يحيى بن المقدام ‪ - -‬وفيه كلم‬
‫‪ -‬به (‪.)6‬‬
‫ورواه أحمد أيضا من وجه آخر بأبسط من هذا وأدل منه فقال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رحمة ال عليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬العلماء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)14/57‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عيينة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬رحمه ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )4/89‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3790‬وسنن النسائي (‪ )7/202‬وسنن ابن ماجة برقم‬
‫(‪.)3198‬‬

‫( ‪)4/558‬‬

‫حدثنا أحمد بن عبد الملك ‪ ،‬حدثنا محمد بن حرب ‪ ،‬حدثنا سليمان بن سليم ‪ ،‬عن صالح بن يحيى‬
‫بن المقدام ‪ ،‬عن جده المقدام بن معد يكرب قال ‪ :‬غزونا مع خالد بن الوليد الصائفة ‪ ،‬فقَرِم (‪)1‬‬
‫أصحابنا إلى اللحم ‪ ،‬فسألوني َرمَكة ‪ ،‬فدفعتها إليهم فَحبَلوها وقلت (‪ : )2‬مكانكم حتى آتي خالدًا‬
‫فأسأله‪ .‬فأتيته فسألته ‪ ،‬فقال ‪ :‬غزونا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم غزوة خيبر ‪ ،‬فأسرع‬
‫الناس في حظائر يهود ‪ ،‬فأمرني أن أنادي ‪" :‬الصلة جامعة ‪ ،‬ول يدخل الجنة إل مسلم" ثم قال ‪:‬‬
‫"أيها الناس ‪ ،‬إنكم قد أسرعتم في حظائر يهود ‪ ،‬أل ل تحل (‪ )3‬أموال المعاهدين إل بحقها ‪،‬‬
‫وحرام عليكم لحوم التن (‪ )4‬الهلية وخيلها وبغالها ‪ ،‬وكل ذي ناب من السباع ‪ ،‬وكل ذي مخلب‬
‫من الطير" (‪.)5‬‬
‫حجْرَة‪ .‬وقوله ‪ :‬حَبَلوها ‪ ،‬أي ‪ :‬أوثقوها في الحبل ليذبحوها‪ .‬والحظائر ‪ :‬البساتين‬
‫والرمكة ‪ :‬هي ال ِ‬
‫القريبة من العمران‪.‬‬
‫وكأن هذا الصنيع وقع بعد إعطائهم العهد ومعاملتهم على الشطر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫فلو صحّ هذا الحديث لكان نصًا في تحريم لحوم الخيل ‪ ،‬ولكن ل يقاوِمُ ما ثبت في الصحيحين ‪،‬‬
‫عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن لحوم الحمر الهلية ‪ ،‬وأذن‬
‫في لحوم الخيل (‪.)6‬‬
‫ورواه المام أحمد وأبو داود بإسنادين ‪ ،‬كل منهما على شرط مسلم ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬ذبحنا يوم‬
‫خيبر الخيل والبغال والحمير ‪ ،‬فنهانا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن البغال والحمير ‪ ،‬ولم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ينهنا عن الخيل (‪.)7‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن أسماء بنت أبي بكر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قالت ‪ :‬نحرنا على عهد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فرسا فأكلناه ونحن بالمدينة (‪.)8‬‬
‫فهذه أدل وأقوى وأثبت ‪ ،‬وإلى ذلك صار جمهورُ العلماء ‪ :‬مالك ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬وأحمد ‪،‬‬
‫وأصحابهم ‪ ،‬وأكثر السلف والخلف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن ابن أبي مُلَ ْيكَة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كانت الخيل‬
‫وحشية ‪ ،‬فذللها ال لسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬عليهما السلم‪.‬‬
‫وذكر وهب بن منبه في إسرائيلياته ‪ :‬أن ال خلق الخيل من ريح الجنوب ‪ ،‬وال (‪ )9‬أعلم‪.‬‬
‫فقد دل النص على جواز ركوب هذه الدواب ‪ ،‬ومنها البغال‪ .‬وقد أهديت إلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بغلة ‪ ،‬فكان يركبها ‪ ،‬مع أنه قد َنهَى عن إنزاء الحمر على الخيل لئل ينقطع النسل‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثني محمد بن عبيد ‪ ،‬حدثنا عمر من آل حذيفة ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن َدحْية‬
‫الكلبي قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أل أحمل لك حمارًا على فرس ‪ ،‬فتنتج لك بغل فتركبها ؟ قال‬
‫‪" :‬إنما يفعل ذلك الذين ل يعلمون" (‪.)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فغرم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فقلت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬ل يحل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الحمر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)4/89‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ .)5524 ، 4219‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1941‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )3/356‬وسنن أبي داود برقم (‪.)3789‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪.)1942‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬فال"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)4/311‬‬

‫( ‪)4/559‬‬

‫سمَاءِ مَاءً‬
‫ج َمعِينَ (‪ُ )9‬هوَ الّذِي أَنْ َزلَ مِنَ ال ّ‬
‫وَعَلَى اللّهِ َقصْدُ السّبِيلِ َومِنْهَا جَائِ ٌر وََلوْ شَاءَ َلهَدَاكُمْ َأ ْ‬
‫ل وَالْأَعْنَابَ‬
‫ن وَالنّخِي َ‬
‫ع وَالزّيْتُو َ‬
‫شجَرٌ فِيهِ ُتسِيمُونَ (‪ )10‬يُنْ ِبتُ َلكُمْ بِهِ الزّ ْر َ‬
‫ب َومِنْهُ َ‬
‫َلكُمْ مِنْهُ شَرَا ٌ‬
‫َومِنْ ُكلّ ال ّثمَرَاتِ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَ َيةً ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ (‪)11‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج َمعِينَ (‪} )9‬‬
‫ل َومِ ْنهَا جَائِ ٌر وََلوْ شَاءَ َلهَدَاكُمْ أَ ْ‬
‫{ وَعَلَى اللّهِ َقصْدُ السّبِي ِ‬
‫لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يُسَار عليه في السبل الحسية ‪ ،‬نبه على الطرق المعنوية الدينية ‪،‬‬
‫وكثيرًا ما يقع في القرآن العبور من المور الحسية إلى المور المعنوية النافعة الدينية ‪ ،‬كما قال‬
‫علَ ْيكُمْ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَتَ َزوّدُوا فَإِنّ خَيْرَ الزّادِ ال ّت ْقوَى } [البقرة ‪ ، ]197 :‬وقال ‪ { :‬يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزلْنَا َ‬
‫سوْآ ِت ُك ْم وَرِيشًا وَلِبَاسُ ال ّت ْقوَى ذَِلكَ خَيْرٌ } [العراف ‪.]26 :‬‬
‫لِبَاسًا ُيوَارِي َ‬
‫ولما ذكر في هذه السورة الحيوانات من النعام وغيرها ‪ ،‬التي يركبونها (‪ )1‬ويبلغون عليها حاجة‬
‫في صدورهم ‪ ،‬وتحمل أثقالهم إلى البلد والماكن البعيدة والسفار الشاقة ‪ -‬شرع في ذكر‬
‫الطرق التي يسلكها الناس إليه ‪ ،‬فبين أن الحق منها ما هي موصلة إليه ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَعَلَى اللّهِ‬
‫َقصْدُ السّبِيلِ } كما قال ‪ { :‬وَأَنّ َهذَا صِرَاطِي مُسْ َتقِيمًا فَاتّ ِبعُوهُ وَل تَتّ ِبعُوا السّ ُبلَ فَ َتفَرّقَ ِبكُمْ عَنْ‬
‫سَبِيلِهِ } [النعام ‪ ، ]153 :‬وقال ‪ { :‬هَذَا (‪ )2‬صِرَاطٌ عََليّ مُسْ َتقِيمٌ } [الحجر ‪.]41 :‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬في [قوله] (‪ { : )3‬وَعَلَى اللّهِ َقصْدُ السّبِيلِ } قال ‪ :‬طريق الحق على ال‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ { :‬وَعَلَى اللّهِ َقصْدُ السّبِيلِ } قال ‪ :‬السلم‪.‬‬
‫وقال العوفي عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَعَلَى اللّهِ َقصْدُ السّبِيلِ } يقول ‪ :‬وعلى ال البيان ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫تبين (‪ )4‬الهدى والضلل (‪.)5‬‬
‫وكذا روى علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عنه ‪ ،‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬والضحاك‪ .‬وقولُ مجاهد هاهنا أقوى من‬
‫حيث السياق ؛ لنه تعالى أخبر أن ثم طرقًا تسلك إليه ‪ ،‬فليس يصل إليه منها إل طريقُ الحق ‪،‬‬
‫وهي الطريق (‪ )6‬التي شَرَعها ورضيها وما عداها مسدودة (‪ ، )7‬والعمال فيها مردودة ؛ ولهذا‬
‫قال تعالى ‪َ { :‬ومِ ْنهَا جَائِرٌ } أي ‪ :‬حائد (‪ )8‬مائل زائغ عن الحق‪.‬‬
‫قال ابن عباس وغيره ‪ :‬هي الطرق المختلفة ‪ ،‬والراء والهواء المتفرقة ‪ ،‬كاليهودية والنصرانية‬
‫والمجوسية ‪ ،‬وقرأ ابن مسعود ‪" :‬ومنكم جائر"‪.‬‬
‫ج َمعِينَ } كما قال ‪:‬‬
‫ثم أخبر أن ذلك كله كائن عن قدرته ومشيئته ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَلَوْ شَاءَ َلهَدَا ُكمْ أَ ْ‬
‫ج َعلَ‬
‫جمِيعًا } [يونس ‪ ، ]99 :‬وقال ‪ { :‬وََلوْ شَاءَ رَ ّبكَ َل َ‬
‫ك لمَنَ مَنْ فِي ال ْرضِ كُّلهُمْ َ‬
‫{ وََلوْ شَاءَ رَ ّب َ‬
‫ك لمْلنّ‬
‫ك وَلِذَِلكَ خََلقَهُمْ وَ َتمّتْ كَِلمَةُ رَ ّب َ‬
‫حمَ رَ ّب َ‬
‫النّاسَ ُأمّةً وَاحِ َد ًة وَل يَزَالُونَ مُخْتَِلفِينَ إِل مَنْ رَ ِ‬
‫ج َمعِينَ } [هود ‪.]119 ، 118 :‬‬
‫جهَنّمَ مِنَ الْجِنّ ِة وَالنّاسِ َأ ْ‬
‫َ‬
‫شجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (‪ )10‬يُنْ ِبتُ َلكُمْ بِهِ الزّ ْرعَ‬
‫ب َومِنْهُ َ‬
‫سمَاءِ مَاءً َلكُمْ مِنْهُ شَرَا ٌ‬
‫{ ُهوَ الّذِي أَنزلَ مِنَ ال ّ‬
‫ك ليَةً ِلقَوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ (‪} )11‬‬
‫ب َومِنْ ُكلّ ال ّثمَرَاتِ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالعْنَا َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬تركبونها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وقال ‪ :‬قال هذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يبين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الضللة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬الطرق"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬مسدود"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬جائر"‪.‬‬

‫( ‪)4/560‬‬

‫سخّرَاتٌ بَِأمْ ِرهِ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‬


‫س وَا ْل َقمَرَ وَالنّجُومُ مُ َ‬
‫شمْ َ‬
‫ل وَال ّنهَا َر وَال ّ‬
‫وَسَخّرَ َل ُكمُ اللّ ْي َ‬
‫‪َ )12‬ومَا ذَرَأَ َلكُمْ فِي الْأَ ْرضِ ُمخْتَِلفًا أَ ْلوَانُهُ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَ َيةً ِل َقوْمٍ يَ ّذكّرُونَ (‪)13‬‬

‫لما (‪ )1‬ذكر سبحانه ما أنعم به عليهم من النعام والدواب ‪ ،‬شرع في ذكر نعمته عليهم ‪ ،‬في‬
‫إنزال (‪ )2‬المطر من السماء ‪ -‬وهو العلو ‪ -‬مما لهم فيه بُ ْلغَة ومتاع لهم ولنعامهم ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬لكُمْ‬
‫مِنْهُ شَرَابٌ } أي ‪ :‬جعله عذبًا زلل يسوغ لكم شرابه ‪ ،‬ولم يجعله ملحا أجاجا‪.‬‬
‫{ َومِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } أي ‪ :‬وأخرج لكم به شجرًا ترعون فيه أنعامكم‪ .‬كما قال ابن عباس ‪،‬‬
‫وعكرمة والضحاك ‪ ،‬وقتادة وابن زيد ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬فِيهِ ُتسِيمُونَ } أي ‪ :‬ترعون‪.‬‬
‫ومنه البل السائمة ‪ ،‬والسوم ‪ :‬الرعي‪.‬‬
‫وروى ابن ماجه ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن السوم قبل طلوع الشمس (‪.)3‬‬
‫ب َومِنْ ُكلّ ال ّثمَرَاتِ } أي ‪ :‬يخرجها من‬
‫ل وَالعْنَا َ‬
‫ع وَالزّيْتُونَ وَالنّخِي َ‬
‫وقوله ‪ { :‬يُنْ ِبتُ َلكُمْ بِهِ الزّ ْر َ‬
‫الرض بهذا الماء الواحد ‪ ،‬على اختلف صنوفها وطعومها وألوانها وروائحها وأشكالها ؛ ولهذا‬
‫قال ‪ { :‬إِنّ فِي َذِلكَ ليَةً ِلقَوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ } أي ‪ :‬دللة وحجة على أنه ل إله إل ال ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫حدَائِقَ ذَاتَ َبهْجَةٍ مَا كَانَ‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا ِبهِ َ‬
‫ض وَأَنزلَ َلكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْر َ‬
‫‪َ { :‬أمّنْ خََلقَ ال ّ‬
‫َلكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللّهِ َبلْ ُهمْ َقوْمٌ َيعْ ِدلُونَ } [النمل ‪]60 :‬‬
‫ثم قال (‪ )4‬تعالى ‪:‬‬
‫س وَا ْلقَمَ َر وَالنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بَِأمْ ِرهِ إِنّ فِي َذِلكَ ليَاتٍ ِل َقوْمٍ‬
‫شمْ َ‬
‫سخّرَ َلكُمُ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ وَال ّ‬
‫{ وَ َ‬
‫ك ليَةً ِل َقوْمٍ يَ ّذكّرُونَ (‪ } )13‬ينبه‬
‫َي ْعقِلُونَ (‪َ )12‬ومَا ذَرَأَ َلكُمْ فِي ال ْرضِ مُخْتَِلفًا أَ ْلوَانُهُ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫تعالى عباده على آياته العظام ‪ ،‬ومننه الجسام ‪ ،‬في تسخيره الليل والنهار يتعاقبان ‪ ،‬والشمس‬
‫والقمر يدوران ‪ ،‬والنجوم الثوابت والسيارات ‪ ،‬في أرجاء السموات نورا وضياء لمهتدين بها في‬
‫الظلمات ‪ ،‬وكل منها يسير في فلكه الذي جعله ال تعالى فيه ‪ ،‬يسير بحركة مُقدرة ‪ ،‬ل يزيد‬
‫عليها ول ينقص منها ‪ ،‬والجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسييره ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬إِنّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ ُيغْشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ‬
‫رَ ّبكُمُ اللّهُ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫ق وَالمْرُ تَبَا َركَ اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ‬
‫س وَا ْلقَمَ َر وَالنّجُومَ مُسَخّرَاتٍ بَِأمْ ِرهِ أَل لَهُ الْخَ ْل ُ‬
‫شمْ َ‬
‫يَطْلُ ُبهُ حَثِيثًا وَال ّ‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ } أي ‪ :‬لدللت على قدرته‬
‫} [العراف ‪ ]54 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫الباهرة وسلطانه العظيم ‪ ،‬لقوم يعقلون عن ال ويفهمون حججه‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا ذَرَأَ َلكُمْ فِي ال ْرضِ ُمخْتَِلفًا َأ ْلوَانُهُ } لما نبه سبحان على معالم السماوات (‪ ، )5‬نبه‬
‫على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إنزاله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن ابن ماجة برقم (‪ )2206‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )4/234‬كلهما من طريق الربيع‬
‫بن حبيب ‪ ،‬عن نوفل بن عبد الملك ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب قال ‪ :‬نهى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عن السوم‪ ...‬فذكر الحديث‪ .‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" )2/177‬هذا‬
‫إسناد ضعيف لضعف ابن نوفل بن عبد الملك والربيع بن حبيب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬السماء"‪.‬‬

‫( ‪)4/561‬‬

‫حمًا طَرِيّا وَتَسْ َتخْرِجُوا مِنْهُ حِلْ َيةً تَلْبَسُو َنهَا وَتَرَى ا ْلفُ ْلكَ َموَاخِرَ‬
‫سخّرَ الْ َبحْرَ لِتَ ْأكُلُوا مِنْهُ َل ْ‬
‫وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫شكُرُونَ (‪)14‬‬
‫فِي ِه وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬

‫ما خلق في الرض من المور العجيبة والشياء المختلفة ‪ ،‬من الحيوانات والمعادن والنباتات (‪)1‬‬
‫[والجمادات] (‪ )2‬على اختلف ألوانها وأشكالها ‪ ،‬وما فيها من المنافع والخواص { إِنّ فِي ذَِلكَ‬
‫ليَةً ِل َقوْمٍ يَ ّذكّرُونَ } أي ‪ :‬آلء ال ونعمه فيشكرونها‪.‬‬
‫حمًا طَرِيّا وَتَسْتَخْ ِرجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْ َبسُو َنهَا وَتَرَى ا ْلفُ ْلكَ َموَاخِرَ‬
‫{ وَ ُهوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَ ْأكُلُوا مِ ْنهُ لَ ْ‬
‫شكُرُونَ (‪} )14‬‬
‫فِي ِه وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬والنبات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/562‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جمِ ُهمْ‬
‫سيَ أَنْ َتمِيدَ ِبكُ ْم وَأَ ْنهَارًا وَسُبُلًا َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ (‪ )15‬وَعَلَامَاتٍ وَبِالنّ ْ‬
‫وَأَ ْلقَى فِي الْأَ ْرضِ َروَا ِ‬
‫حصُوهَا إِنّ اللّهَ‬
‫َيهْتَدُونَ (‪َ )16‬أ َفمَنْ يَخُْلقُ َكمَنْ لَا َيخْلُقُ َأفَلَا تَ َذكّرُونَ (‪ )17‬وَإِنْ َتعُدّوا ِن ْعمَةَ اللّهِ لَا ُت ْ‬
‫َل َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)18‬‬

‫جمِ ُهمْ‬
‫ت وَبِالنّ ْ‬
‫سيَ أَنْ َتمِيدَ ِبكُمْ وَأَ ْنهَارًا وَسُبُل َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ (‪ )15‬وَعَلمَا ٍ‬
‫{ وَأَ ْلقَى فِي ال ْرضِ َروَا ِ‬
‫حصُوهَا إِنّ‬
‫َيهْتَدُونَ (‪َ )16‬أ َفمَنْ يَخُْلقُ َكمَنْ ل يَخُْلقُ َأفَل تَ َذكّرُونَ (‪ )17‬وَإِنْ َتعُدّوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ل تُ ْ‬
‫اللّهَ َلغَفُورٌ رَحِيمٌ (‪} )18‬‬
‫يخبر تعالى عن تسخيره (‪ )1‬البحر المتلطم المواج ‪ ،‬ويمتن على عباده بتذليله لهم ‪ ،‬وتيسيره‬
‫للركوب فيه ‪ ،‬وجعله السمك والحيتان فيه ‪ ،‬وإحلله (‪ )2‬لعباده لحمها حيها وميتها ‪ ،‬في الحل‬
‫والحرام (‪ )3‬وما يخلقه فيه من الللئ والجواهر النفيسة ‪ ،‬وتسهيله للعباد استخراجها من قرارها‬
‫حلية يلبسونها ‪ ،‬وتسخيره البحر لحمل (‪ )4‬السفن التي تمخره ‪ ،‬أي ‪ :‬تشقه‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬تمخر الرياح ‪ ،‬وكلهما صحيح بجؤجئها وهو صدرها المسنّم ‪ -‬الذي أرشد العباد إلى‬
‫صنعتها ‪ ،‬وهداهم إلى ذلك ‪ ،‬إرثا عن أبيهم نوح ‪ ،‬عليه السلم ؛ فإنه أول من ركب السفن ‪ ،‬وله‬
‫كان تعليم صنعتها ‪ ،‬ثم أخذها الناس عنه قرنًا بعد قرن ‪ ،‬وجيل بعد جيل ‪ ،‬يسيرون من قطر إلى‬
‫قطر ‪ ،‬وبلد إلى بلد ‪ ،‬وإقليم إلى إقليم ‪ ،‬تجلب ما هنا إلى هنالك ‪ ،‬وما هنالك إلى هنا (‪ )5‬؛ ولهذا‬
‫شكُرُونَ } أي ‪ :‬نعمه وإحسانه‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِهِ وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ‪ :‬وجدت في كتابي عن محمد بن معاوية (‪ )6‬البغدادي ‪:‬‬
‫سهَيل بن أبى صالح ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي‬
‫حدثنا عبد الرحمن بن عبد ال بن [عمر ‪ ،‬عن] (‪ُ )7‬‬
‫هريرة [رفعه] (‪ )8‬قال ‪ :‬كلم ال هذا البحر الغربي ‪ ،‬وكلم البحر الشرقي ‪ ،‬فقال للبحر الغربي ‪:‬‬
‫إني حامل فيك عبادًا من عبادي ‪ ،‬فكيف أنت صانع فيهم (‪ )9‬؟ قال ‪ :‬أغرقهم‪ .‬فقال ‪ :‬بأسك في‬
‫نواحيك‪ .‬وأحملهم على يدي‪ .‬وحَرّمه الحلية والصيد‪ .‬وكلم هذا البحر الشرقي فقال ‪ :‬إني حامل‬
‫فيك عبادًا من عبادي ‪ ،‬فما أنت صانع بهم ؟ فقال ‪ :‬أحملهم على يدي ‪ ،‬وأكون لهم (‪ )10‬كالوالدة‬
‫لولدها‪ .‬فأثابه الحلية والصيد (‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪ : :‬تسخير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وإجلله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬والحرم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬كحمل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تجلب ما هاهنا إلى هناك وما هناك إلى هاهنا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬معاوية بن محمد"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسند البزار‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من مسند البزار‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بهم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬بهم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬مسند البزار برقم (‪" )1669‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )5/281‬رواه‬
‫البزار وجادة ‪ ،‬وفيه عبد الرحمن بن عبد ال بن عمر العمري وهو متروك"‪ .‬ورواه الخطيب‬
‫البغدادي في تاريخه (‪ )234 ، 10/233‬من هذا الطريق قال ‪" :‬وتابعه أبو عبيد ال أحمد بن عبد‬
‫الرحمن بن وهب ‪ ،‬فرواه عن عمه عبد ال بن وهب ‪ ،‬عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن‬
‫سهيل عن أبيه عن عبد ال بن عمرو بن العاص عن كعب الحبار ‪ ،‬وخالفهما خالد بن عبد ال‬
‫الواسطي ‪ ،‬فرواه عن سهيل عن النعمان بن أبي عياش الزرقي عن عبد ال بن عمرو موقوفا لم‬
‫يجاوزه ‪ ،‬ورفعه غير ثابت"‪.‬‬

‫( ‪)4/562‬‬

‫ثم قال البزار ‪ :‬ل نعلم من رواه عن سهيل غير عبد الرحمن بن عبد ال بن عمر (‪ )1‬وهو منكر‬
‫الحديث‪ .‬وقد رواه سهيل عن النعمان بن أبي عياش (‪ )2‬عن عبد ال بن عمرو (‪ )3‬موقوفا (‪.)4‬‬
‫ثم ذكر تعالى الرض ‪ ،‬وما جعل فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات ‪ ،‬لتقر الرض‬
‫ول تميد ‪ ،‬أي ‪ :‬تضطرب بما عليها من الحيوان فل يهنأ لهم عيش بسبب ذلك ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ وَا ْلجِبَالَ أَرْسَاهَا } [النازعات ‪.]32 :‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬سمعت الحسن يقول ‪ :‬لما خُلقت الرض كانت‬
‫تميد ‪ ،‬فقالوا ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدًا فأصبحوا وقد خُلقت الجبال ‪ ،‬لم (‪ )5‬تدر الملئكة مِمّ‬
‫خلقت الجبال (‪.)6‬‬
‫وقال سعيد عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن قيس بن عُبَادة ‪ :‬أن ال تعالى لما خلق الرض ‪ ،‬جعلت‬
‫تمور ‪ ،‬فقالت الملئكة ‪ :‬ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدًا ‪ ،‬فأصبحت صبحا وفيها رواسيها‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا حجاج بن مِ ْنهَال ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن حَبِيب ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب (‪ ، )7‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما خلق ال‬
‫الرض قمصت وقالت ‪ :‬أي رَب ‪ ،‬تجعل عليّ بني آدم يعملون عليّ الخطايا ويجعلون عليّ‬
‫الخبث ؟ قال ‪ :‬فأرسى ال فيها من الجبال ما ترون وما ل ترون ‪ ،‬فكان إقرارها كاللحم يترجرج‪.‬‬
‫(‪.)9( )8‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَ ْنهَارًا وَسُبُل } أي ‪ :‬وجعل فيها أنهارًا تجري من مكان إلى مكان آخر ‪ ،‬رزقًا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫للعباد ‪ ،‬ينبع في موضع وهو رزق لهل موضع آخر ‪ ،‬فيقطع البقاع والبراري والقفار ‪ ،‬ويخترق‬
‫سخّر لهله‪ .‬وهي سائرة في الرض يمنة ويسرة ‪،‬‬
‫(‪ )10‬الجبال والكام ‪ ،‬فيصل إلى البلد الذي ُ‬
‫وجنوبًا وشمال وشرقًا وغربًا ‪ ،‬ما بين صغار وكبار ‪ ،‬وأودية تجري حينًا وتنقطع (‪ )11‬في وقت‬
‫‪ ،‬وما بين نبع وجمع ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عباس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬عمر" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (‪ )10/234‬من طريق سعيد بن منصور ‪ ،‬عن خالد بن‬
‫عبد ال ‪ ،‬عن سهيل بن أبي صالح به‪ .‬وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (‪" : )1/20‬قلت‬
‫‪ :‬الموقوف على عبد ال بن عمرو بن العاص أشبه ‪ ،‬فإنه قد كان وجد يوم اليرموك زاملتين‬
‫مملوءتين كتبا من علوم أهل الكتاب ‪ ،‬فكان يحدث منهما بأشياء كثيرة من السرائيليات منها‬
‫المعروف والمشهور والمنكور والمردود ‪ ،‬فأما المعروف فتفرد به عبد الرحمن بن عبد ال بن‬
‫عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو القاسم المدني قاضيها‪ .‬قال فيه المام أحمد ‪:‬‬
‫ليس بشيء وقد سمعته منه ‪ ،‬ثم مزقت حديثه كان كذابا وأحاديثه مناكير‪ .‬وكذا ضعفه ابن معين‬
‫وأبو زرعة وأبو حاتم والجوزجاني والبخاري وأبو داود والنسائي‪ .‬وقال ابن عدي ‪ :‬عامة أحاديثه‬
‫مناكير وأفظعها حديث البحر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/306‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬طلحة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬ترجرج"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)14/62‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ويخرق"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وتقطع"‪.‬‬

‫( ‪)4/563‬‬

‫ن َومَا ُتعْلِنُونَ (‪ )19‬وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَا َيخُْلقُونَ شَيْئًا وَهُمْ ُيخَْلقُونَ (‬
‫وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا تُسِرّو َ‬
‫شعُرُونَ أَيّانَ يُ ْبعَثُونَ (‪)21‬‬
‫‪َ )20‬أ ْموَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ َومَا َي ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوي السير وبطيئه ‪ ،‬بحسب ما أراد وقدر ‪ ،‬وسخر ويسر فل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫وكذلك جعل فيها سبل أي ‪ :‬طرقًا يسلك فيها من بلد إلى بلد ‪ ،‬حتى إنه تعالى ليقطع الجبل حتى‬
‫جعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُل } [النبياء ‪.]31 :‬‬
‫يكون (‪ )1‬ما بينهما ممرًا ومسلكًا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬و َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَعَلمَاتٍ } أي ‪ :‬دلئل من جبال كبار وآكام صغار ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬يستدل بها‬
‫المسافرون برًا وبحرًا إذا ضلوا الطريق [بالنهار] (‪.)2‬‬
‫جمِ ُهمْ َيهْتَدُونَ } أي ‪ :‬في ظلم الليل ‪ ،‬قاله ابن عباس‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَبِالنّ ْ‬
‫وعن مالك في قوله ‪ { :‬وَعَلمَاتٍ } يقولون ‪ :‬النجوم ‪ ،‬وهي الجبال‪.‬‬
‫ثم قال تعالى منبها على عظمته ‪ ،‬وأنه ل تنبغي العبادة إل له دون ما سواه من الوثان ‪ ،‬التي ل‬
‫تخلق شيئًا بل هم يخلقون ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬أ َفمَنْ يَخُْلقُ َكمَنْ ل يَخُْلقُ َأفَل تَ َذكّرُونَ }‬
‫حصُوهَا إِنّ اللّهَ‬
‫ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَإِنْ َتعُدّوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ل ُت ْ‬
‫َل َغفُورٌ رَحِيمٌ } أي ‪ :‬يتجاوز عنكم ‪ ،‬ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك ‪ ،‬ولو‬
‫أمركم به لضعفتم وتركتم ‪ ،‬ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم ‪ ،‬ولكنه غفور رحيم ‪ ،‬يغفر‬
‫الكثير ‪ ،‬ويجازي على (‪ )3‬اليسير‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬يقول ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َل َغفُورٌ َرحِيمٌ } لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك ‪،‬‬
‫إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته ‪ { ،‬رَحِيمٌ } بكم أن يعذبكم ‪[ ،‬أي] (‪ : )4‬بعد النابة‬
‫والتوبة (‪.)5‬‬
‫{ وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا ُتسِرّونَ َومَا ُتعْلِنُونَ (‪ )19‬وَالّذِينَ َيدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ل َيخُْلقُونَ شَيْئًا وَهُمْ ُيخَْلقُونَ‬
‫شعُرُونَ أَيّانَ يُ ْبعَثُونَ (‪} )21‬‬
‫(‪َ )20‬أ ْموَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ َومَا َي ْ‬
‫يخبر تعالى أنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر ‪ ،‬وسيجزي كل عامل بعمله يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬إن خيرًا فخير ‪ ،‬وإن شرًا فشر‪.‬‬
‫ثم أخبر أن الصنام التي يدعونها (‪ )6‬من دون ال ل يخلقون شيئًا وهم يخلقون ‪ ،‬كما قال الخليل‬
‫ن وَاللّهُ خََل َقكُ ْم َومَا َت ْعمَلُونَ } [الصافات ‪.]96 ، 95 :‬‬
‫‪ { :‬أَ َتعْ ُبدُونَ مَا تَنْحِتُو َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أ ْموَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ } أي ‪ :‬هي جمادات ل أرواح فيها (‪ )7‬فل تسمع ول تبصر ول‬
‫تعقل‪.‬‬
‫شعُرُونَ أَيّانَ يُ ْبعَثُونَ } أي ‪ :‬ل يدرون متى تكون الساعة ‪ ،‬فكيف يرتجى عند هذه نفع أو‬
‫{ َومَا يَ ْ‬
‫ثواب أو جزاء ؟ إنما يرتجى (‪ )8‬ذلك من الذي يعلم كل شيء ‪ ،‬وهو خالق كل شيء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ليكون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ويتجاوز عن"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)14/64‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬تدعونها"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يرجى"‪.‬‬

‫( ‪)4/564‬‬

‫إَِل ُهكُمْ إَِل ٌه وَاحِدٌ فَالّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالْآَخِ َرةِ قُلُو ُبهُمْ مُ ْنكِ َرةٌ وَ ُهمْ مُسْ َتكْبِرُونَ (‪ )22‬لَا جَرَمَ أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ‬
‫حبّ ا ْلمُسْ َتكْبِرِينَ (‪ )23‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ مَاذَا أَنْ َزلَ رَ ّبكُمْ قَالُوا َأسَاطِيرُ‬
‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ إِنّهُ لَا ُي ِ‬
‫مَا يُسِرّو َ‬
‫حمِلُوا َأوْزَارَ ُهمْ كَامِلَةً َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة َومِنْ َأوْزَارِ الّذِينَ ُيضِلّو َنهُمْ ِبغَيْرِ عِلْمٍ َألَا سَاءَ مَا‬
‫الَْأوّلِينَ (‪ )24‬لِيَ ْ‬
‫يَزِرُونَ (‪)25‬‬

‫{ إَِل ُه ُكمْ إِلَ ٌه وَاحِدٌ فَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ قُلُو ُبهُمْ مُ ْنكِ َر ٌة وَهُمْ ُمسْ َتكْبِرُونَ (‪ )22‬ل جَرَمَ أَنّ اللّهَ‬
‫حبّ ا ْلمُسْ َتكْبِرِينَ (‪} )23‬‬
‫َيعْلَمُ مَا ُيسِرّونَ َومَا ُيعْلِنُونَ إِنّهُ ل ُي ِ‬
‫يخبر تعالى أنه ل إله إل هو الواحد الحد الفرد الصمد ‪ ،‬وأخبر أن الكافرين تُنكر (‪ )1‬قلوبهم‬
‫شيْءٌ عُجَابٌ } [ص ‪:‬‬
‫ج َعلَ الِلهَةَ إَِلهًا وَاحِدًا إِنّ هَذَا َل َ‬
‫ذلك ‪ ،‬كما أخبر عنهم متعجبين من ذلك ‪ { :‬أَ َ‬
‫شمَأَ ّزتْ قُلُوبُ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َر ِة وَإِذَا ُذكِرَ الّذِينَ‬
‫ح َدهُ ا ْ‬
‫‪ ، ]5‬وقال تعالى ‪ { :‬وَِإذَا ُذكِرَ اللّ ُه وَ ْ‬
‫مِنْ دُونِهِ ِإذَا ُهمْ يَسْتَ ْبشِرُونَ } [الزمر ‪.]45 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهمْ مُسْ َتكْبِرُونَ } أي ‪ :‬عن عبادة ال مع إنكار قلوبهم لتوحيده ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫جهَنّمَ دَاخِرِينَ } [غافر ‪ ]60 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬ل جَ َرمَ }‬
‫يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَ َيدْخُلُونَ َ‬
‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ } أي ‪ :‬وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء ‪ { ،‬إِنّ ُه ل‬
‫أي ‪ :‬حقًا { أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا يُسِرّو َ‬
‫حبّ ا ْلمُسْ َتكْبِرِينَ }‬
‫يُ ِ‬
‫حمِلُوا َأوْزَارَهُمْ كَامِلَةً َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة َومِنْ‬
‫{ وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ مَاذَا أَنزلَ رَ ّب ُكمْ قَالُوا أَسَاطِي ُر الوّلِينَ (‪ )24‬لِ َي ْ‬
‫َأوْزَارِ الّذِينَ ُيضِلّو َنهُمْ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ أَل سَاءَ مَا يَزِرُونَ (‪} )25‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وإذا قيل لهؤلء المكذبين ‪ { :‬مَاذَا أَنزلَ رَ ّبكُمْ قَالُوا } معرضين عن الجواب ‪:‬‬
‫{ َأسَاطِي ُر الوّلِينَ } أي ‪ :‬لم ينزل شيئًا ‪ ،‬إنما هذا الذي يتلى علينا أساطير الولين ‪ ،‬أي ‪ :‬مأخوذ‬
‫من كتب المتقدمين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَالُوا أَسَاطِي ُر الوّلِينَ اكْتَتَ َبهَا َف ِهيَ ُتمْلَى عَلَيْهِ ُبكْ َرةً‬
‫وََأصِيل } [الفرقان ‪ ]5 :‬أي ‪ :‬يفترون على الرسول ‪ ،‬ويقولون [فيه] (‪ )2‬أقوال مختلفة متضادة (‬
‫ك المْثَالَ َفضَلّوا فَل يَسْ َتطِيعُونَ‬
‫ف ضَرَبُوا َل َ‬
‫‪ ، )3‬كلها باطلة (‪ )4‬كما قال تعالى ‪ { :‬انْظُرْ كَ ْي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سَبِيل } [الفرقان ‪ ، ]9 :‬وذلك أن كل من خرج عن الحق فمهما قال أخطأ ‪ ،‬وكانوا يقولون ‪:‬‬
‫ساحر ‪ ،‬وشاعر ‪ ،‬وكاهن ‪ ،‬ومجنون‪ .‬ثم استقر أمرهم إلى ما اختلقه لهم شيخهم الوحيد المسمى‬
‫بالوليد بن المغيرة المخزومي ‪ ،‬لما { َفكّرَ َوقَدّرَ َفقُتِلَ كَ ْيفَ قَدّرَ ُثمّ قُ ِتلَ كَ ْيفَ قَدّرَ ثُمّ َنظَرَ ثُمّ عَ َبسَ‬
‫وَبَسَرَ ثُمّ أَدْبَ َر وَاسْ َتكْبَرَ َفقَالَ إِنْ هَذَا إِل سِحْرٌ ُيؤْثَرُ } [المدثر ‪ ]24 - 18 :‬أي ‪ :‬ينقل ويحكى ‪،‬‬
‫فتفرقوا عن قوله ورأيه ‪ ،‬قبحهم ال‪.‬‬
‫حمِلُوا َأوْزَارَ ُهمْ كَامِلَةً َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة َومِنْ َأوْزَارِ الّذِينَ ُيضِلّو َنهُمْ ِبغَيْرِ عِلْمٍ } أي ‪:‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬لِيَ ْ‬
‫إنما قدرنا عليهم أن يقولوا ذلك فيتحملوا (‪ )5‬أوزارهم ومن أوزار الذين يتبعونهم ويوافقونهم ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬يصير (‪ )6‬عليهم خطيئة ضللهم (‪ )7‬في أنفسهم ‪ ،‬وخطيئة إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم ‪،‬‬
‫كما جاء في الحديث ‪" :‬من دعا إلى هُدى كان له من الجر مثل أجور من اتبعه ‪ ،‬ل ينقص ذلك‬
‫من أجورهم شيئًا ‪ ،‬ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثلُ آثام من اتبعه ل ينقص ذلك من‬
‫آثامهم شيئًا"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ينكر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" : ،‬متضادة مختلفة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬باطل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ليتحملوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬تصير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬عنادهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/565‬‬

‫سقْفُ مِنْ َف ْو ِقهِ ْم وَأَتَاهُمُ ا ْلعَذَابُ‬


‫قَدْ َمكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَا َنهُمْ مِنَ ا ْل َقوَاعِدِ فَخَرّ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫شعُرُونَ (‪)26‬‬
‫مِنْ حَ ْيثُ لَا َي ْ‬

‫عمّا كَانُوا َيفْتَرُونَ‬


‫حمِلُنّ أَ ْثقَاَلهُ ْم وَأَ ْثقَال مَعَ أَ ْثقَاِلهِ ْم وَلَيُسَْألُنّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َ‬
‫وقال [ال] (‪ )1‬تعالى ‪ { :‬وَلَيَ ْ‬
‫} [العنكبوت ‪.]13 :‬‬
‫حمِلُوا َأوْزَارَهُمْ كَامِلَةً َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َومِنْ‬
‫وهكذا (‪ )2‬روى العوفي عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬لِ َي ْ‬
‫حمِلُنّ أَ ْثقَاَلهُ ْم وَأَ ْثقَال مَعَ أَ ْثقَاِلهِمْ } [العنكبوت ‪:‬‬
‫َأوْزَارِ الّذِينَ ُيضِلّو َنهُمْ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ } إنها كقوله ‪ { :‬وَلَيَ ْ‬
‫‪.]13‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬يحملون أثقالهم ‪ :‬ذنوبهم وذنوب من أطاعهم ‪ ،‬ول يخفف عمن أطاعهم من العذاب‬
‫شيئًا‪.‬‬
‫س ْقفُ مِنْ َف ْو ِقهِ ْم وَأَتَا ُهمُ ا ْلعَذَابُ‬
‫{ َقدْ َمكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَا َنهُمْ مِنَ ا ْلقَوَاعِدِ فَخَرّ عَلَ ْي ِهمُ ال ّ‬
‫شعُرُونَ (‪} )26‬‬
‫مِنْ حَ ْيثُ ل يَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لهذا"‪.‬‬

‫( ‪)4/566‬‬

‫ثُمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ يُخْزِيهِ ْم وَ َيقُولُ أَيْنَ شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ كُنْتُمْ ُتشَاقّونَ فِيهِمْ قَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ إِنّ ا ْلخِ ْزيَ‬
‫علَى ا ْلكَافِرِينَ (‪)27‬‬
‫الْ َيوْ َم وَالسّوءَ َ‬

‫{ ُثمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ُيخْزِيهِ ْم وَ َيقُولُ أَيْنَ شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقّونَ فِيهِمْ قَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ إِنّ‬
‫الْخِ ْزيَ الْ َيوْ َم وَالسّوءَ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ (‪} )27‬‬
‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬قَدْ َمكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ } قال ‪ :‬هو نمرود الذي (‪)1‬‬
‫بنى الصرح‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وروي عن مجاهد نحوه‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ :‬أولُ جبار كان في الرض نمرود ‪ ،‬فبعث ال‬
‫عليه َبعُوضة ‪ ،‬فدخلت في منخرة ‪ ،‬فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق ‪ ،‬وأرحم الناس‬
‫به من جمع يديه فضرب بهما رأسه ‪ ،‬وكان جبارا أربعمائة سنة ‪ ،‬فعذبه ال أربعمائة سنة‬
‫كملكه ‪ ،‬ثم أماته ال‪ .‬وهو الذي كان بنى صرحًا إلى السماء ‪ ،‬وهو الذي قال ال ‪ { :‬فَأَتَى اللّهُ‬
‫بُنْيَا َنهُمْ مِنَ ا ْل َقوَاعِدِ }‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل هو بختنصر‪ .‬وذكروا من المكر الذي حكى ال هاهنا ‪ ،‬كما قال في سورة‬
‫إبراهيم ‪ { :‬وَإِنْ كَانَ َمكْرُ ُهمْ لِتَزُولَ مِ ْنهُ الْجِبَالُ } [إبراهيم ‪.]46 :‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬هذا من باب المثل ‪ ،‬لبطال ما صنعه هؤلء الذين كفروا بال وأشركوا في عبادته‬
‫غيره ‪ ،‬كما قال نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪َ { :‬ومَكَرُوا َمكْرًا كُبّارًا } [نوح ‪ ]22 :‬أي ‪ :‬احتالوا في‬
‫إضلل الناس بكل حيلة وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة ‪ ،‬كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة ‪:‬‬
‫ج َعلَ لَهُ أَ ْندَادًا } [الية] (‪[ )2‬سبأ ‪.]33 :‬‬
‫ل وَال ّنهَارِ إِذْ تَ ْأمُرُونَنَا أَنْ َن ْكفُرَ بِاللّهِ وَنَ ْ‬
‫{ َبلْ َمكْرُ اللّ ْي ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَتَى اللّهُ بُنْيَا َنهُمْ مِنَ ا ْل َقوَاعِدِ } أي ‪ :‬اجتثه من أصله ‪ ،‬وأبطل عملهم ‪ ،‬وأصلها (‪ )3‬كما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طفَأَهَا اللّهُ } [المائدة ‪.]64 :‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬كُّلمَا َأ ْوقَدُوا نَارًا لِ ْلحَ ْربِ أَ ْ‬
‫عبَ يُخْرِبُونَ بُيُو َتهُمْ بِأَ ْيدِيهِ ْم وَأَيْدِي‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَتَا ُهمُ اللّهُ مِنْ حَ ْيثُ َلمْ يَحْ َتسِبُوا َوقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي ال ْبصَارِ } [الحشر ‪.]2 :‬‬
‫سقْفُ مِنْ َف ْو ِقهِ ْم وَأَتَاهُمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ حَ ْيثُ‬
‫وقال هاهنا ‪ { :‬فَأَتَى اللّهُ بُنْيَا َنهُمْ مِنَ ا ْل َقوَاعِدِ َفخَرّ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫شعُرُونَ ُثمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ُيخْزِيهِمْ }‬
‫ل َي ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ :‬أ ‪" :‬حين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وأصله"‪.‬‬

‫( ‪)4/566‬‬

‫سهِمْ فَأَ ْلقَوُا السّلَمَ مَا كُنّا َن ْع َملُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبمَا كُنْتُمْ‬
‫الّذِينَ تَ َت َوفّا ُهمُ ا ْلمَلَا ِئكَةُ ظَاِلمِي أَ ْنفُ ِ‬
‫جهَنّمَ خَاِلدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَ ْثوَى ا ْلمُ َتكَبّرِينَ (‪َ )29‬وقِيلَ لِلّذِينَ ا ّت َقوْا مَاذَا‬
‫َت ْعمَلُونَ (‪ )28‬فَادْخُلُوا أَ ْبوَابَ َ‬
‫أَنْ َزلَ رَ ّبكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلّذِينَ أَحْسَنُوا فِي َه ِذهِ الدّنْيَا حَسَ َن ٌة وَلَدَارُ الَْآخِ َرةِ خَيْرٌ وَلَ ِنعْمَ دَارُ ا ْلمُتّقِينَ (‬
‫عدْنٍ يَ ْدخُلُو َنهَا َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ َلهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ َكذَِلكَ يَجْزِي اللّهُ ا ْلمُ ّتقِينَ (‬
‫‪ )30‬جَنّاتُ َ‬
‫سلَامٌ عَلَ ْيكُمُ ا ْدخُلُوا الْجَنّةَ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)32‬‬
‫‪ )31‬الّذِينَ تَ َت َوفّاهُمُ ا ْلمَلَا ِئكَةُ طَيّبِينَ َيقُولُونَ َ‬

‫أي ‪ :‬يظهر فضائحهم ‪ ،‬وما كانت تُجنّه ضمائرهم ‪ ،‬فيجعله علنية ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ تُبْلَى‬
‫السّرَائِرُ } [الطارق ‪ ]9 :‬أي ‪ :‬تظهر وتشتهر (‪ ، )1‬كما في الصحيحين (‪ )2‬عن ابن عمر قال ‪:‬‬
‫غدْرَته ‪،‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر َ‬
‫فيقال ‪ :‬هذه غَدْرَة فلن بن فلن" (‪.)3‬‬
‫وهكذا هؤلء ‪ ،‬يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر ‪ ،‬ويخزيهم ال على رءوس الخلئق ‪،‬‬
‫ويقول لهم الرب تبارك وتعالى مقرعا لهم وموبخا ‪ { :‬أَيْنَ شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقّونَ فِيهِمْ }‬
‫تحاربون وتعادون في سبيلهم ‪[ ،‬أي] (‪ : )4‬أين هم عن نصركم وخلصكم هاهنا ؟ { َهلْ‬
‫يَ ْنصُرُونَكُمْ َأوْ يَنْ َتصِرُونَ } [الشعراء ‪َ { ، ]93 :‬فمَا لَهُ مِنْ ُق ّو ٍة وَل نَاصِرٍ } [الطارق ‪ .]10 :‬فإذا‬
‫توجهت عليهم الحجة ‪ ،‬وقامت عليهم الدللة ‪ ،‬وحقت عليهم الكلمة ‪ ،‬وأسكتوا عن العتذار حين‬
‫ل فرار (‪ { )5‬قَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ } ‪ -‬وهم السادة في الدنيا والخرة ‪ ،‬والمخبرون عن الحق في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬فيقولون حينئذ ‪ { :‬إِنّ الْخِ ْزيَ الْ َيوْمَ وَالسّوءَ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ } أي ‪ :‬الفضيحة‬
‫والعذاب اليوم [محيط] (‪ )6‬بمن كفر بال ‪ ،‬وأشرك به ما ل يضره ول ينفعه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سهِمْ فَأَ ْل َقوُا السَّلمَ مَا كُنّا َن ْع َملُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبمَا كُنْ ُتمْ‬
‫{ الّذِينَ تَ َت َوفّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ ظَاِلمِي أَ ْنفُ ِ‬
‫جهَنّمَ خَاِلدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَ ْثوَى ا ْلمُ َتكَبّرِينَ (‪} )29‬‬
‫َت ْعمَلُونَ (‪ )28‬فَادْخُلُوا أَ ْبوَابَ َ‬
‫يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملئكة إليهم لقبض‬
‫أرواحهم ‪ { :‬فَأَ ْل َقوُا السَّلمَ } أي ‪ :‬أظهروا السمع والطاعة والنقياد قائلين ‪ { :‬مَا كُنّا َن ْعمَلُ مِنْ سُوءٍ‬
‫جمِيعًا‬
‫} كما يقولون يوم المعاد ‪ { :‬وَاللّهِ رَبّنَا مَا كُنّا مُشْ ِركِينَ } [النعام ‪َ {]23 :‬يوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫حِلفُونَ َلكُمْ } [المجادلة ‪.]18 :‬‬
‫فَيَحِْلفُونَ لَهُ َكمَا يَ ْ‬
‫جهَنّمَ خَالِدِينَ‬
‫قال ال مكذبا لهم في قيلهم ذلك ‪ { :‬بَلَى إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ فَا ْدخُلُوا أَ ْبوَابَ َ‬
‫فِيهَا فَلَبِئْسَ مَ ْثوَى ا ْلمُ َتكَبّرِينَ } (‪ )7‬أي ‪ :‬بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان ‪ ،‬لمن كان‬
‫متكبرًا عن آيات ال واتباع رسله‪.‬‬
‫وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم ‪ ،‬ويأتي (‪ )8‬أجسادهم في قبورها من حرّها‬
‫وسمومها ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة سلكت (‪ )9‬أرواحهم في أجسادهم ‪ ،‬وخلدت في نار جهنم ‪ { ،‬ل‬
‫عذَا ِبهَا } [فاطر ‪ ، ]36 :‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬النّارُ‬
‫خ ّففُ عَ ْنهُمْ مِنْ َ‬
‫ُيقْضَى عَلَ ْيهِمْ فَ َيمُوتُوا وَل يُ َ‬
‫عوْنَ َأشَدّ ا ْلعَذَابِ } [غافر ‪.]46 :‬‬
‫غ ُدوّا وَعَشِيّا وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ َأدْخِلُوا آلَ فِرْ َ‬
‫ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا ُ‬
‫{ َوقِيلَ لِلّذِينَ ا ّتقَوْا مَاذَا أَنزلَ رَ ّب ُكمْ قَالُوا خَيْرًا لِلّذِينَ َأحْسَنُوا فِي هَ ِذهِ الدّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الخِ َرةِ خَيْرٌ‬
‫وَلَ ِنعْمَ دَارُ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )30‬جَنّاتُ عَدْنٍ َيدْخُلُو َنهَا تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ َلهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ َكذَِلكَ‬
‫يَجْزِي اللّهُ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )31‬الّذِينَ تَ َت َوفّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ طَيّبِينَ َيقُولُونَ سَلمٌ عَلَ ْيكُمُ ادْخُلُوا ا ْلجَنّةَ ِبمَا كُنْ ُتمْ‬
‫َت ْعمَلُونَ (‪} )32‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يظهر ويستتر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )3188‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1735‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل قرار"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فبئس"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وينال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬سالت"‪.‬‬

‫( ‪)4/567‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا خبر عن السعداء ‪ ،‬بخلف ما أخبر به عن الشقياء ‪ ،‬فإن أولئك قيل لهم ‪ { :‬مَاذَا أَنزلَ‬
‫رَ ّبكُمْ } فقالوا معرضين عن الجواب ‪ :‬لم (‪ )1‬ينزل شيئًا ‪ ،‬إنما هذا (‪ )2‬أساطير الولين‪ .‬وهؤلء‬
‫{ قَالُوا خَيْرًا } أي ‪ :‬أنزل خيرا ‪ ،‬أي ‪ :‬رحمة وبركة وحسنًا لمن اتبعه وآمن به‪.‬‬
‫ثم أخبروا عما وعد ال [به] (‪ )3‬عباده فيما أنزله على رسله فقالوا ‪ { :‬لِلّذِينَ أَحْسَنُوا فِي َه ِذهِ الدّنْيَا‬
‫ع ِملَ صَالِحًا مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ‬
‫حسَنَ ٌة وَلَدَا ُر الخِ َرةِ خَيْرٌ } كما قال تعالى ‪ { :‬مَنْ َ‬
‫َ‬
‫فَلَنُحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيّبَ ًة وَلَ َنجْزِيَ ّنهُمْ َأجْرَهُمْ بَِأحْسَنِ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } [النحل ‪ ، ]97 :‬أي ‪ :‬من أحسن‬
‫عمله في الدنيا أحسن ال إليه في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ثم أخبر بأن دار الخرة خير ‪ ،‬أي ‪ :‬من الحياة الدنيا ‪ ،‬والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْ َم وَيَْلكُمْ َثوَابُ اللّهِ خَيْرٌ } [القصص ‪ )4( ]80 :‬وقال تعالى‬
‫‪َ { :‬ومَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلبْرَارِ } [آل عمران ‪ ]198 :‬وقال تعالى { وَالخِ َرةُ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى } [العلى‬
‫ن الولَى } [الضحى ‪:‬‬
‫‪ ، ]17 :‬وقال لرسوله صلى ال عليه وسلم (‪ { : )5‬وَلَلخِ َرةُ خَيْرٌ َلكَ مِ َ‬
‫‪.]4‬‬
‫ثم وصفوا الدار الخرة فقالوا (‪ { : )6‬وَلَ ِنعْمَ دَارُ ا ْلمُ ّتقِينَ }‬
‫وقوله ‪ { :‬جَنّاتُ عَدْنٍ } بدل من [قوله] (‪ { : )7‬دَارُ ا ْلمُ ّتقِينَ } أي ‪ :‬لهم في [الدار] (‪ )8‬الخرة‬
‫{ جَنّاتُ عَدْنٍ } أي ‪ :‬إقامة (‪ )9‬يدخلونها { َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ } أي ‪ :‬بين أشجارها‬
‫س وَتَلَذّ العْيُنُ‬
‫وقصورها ‪َ { ،‬لهُمْ فِيهَا مَا َيشَاءُونَ } كما قال تعالى ‪َ { :‬وفِيهَا مَا تَشْ َتهِيهِ (‪ )10‬ال ْنفُ ُ‬
‫وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [الزخرف ‪ ، ]71 :‬وفي الحديث ‪" :‬إن السحابة لتمر بالمل من أهل الجنة وهم‬
‫جلوس على شرابهم (‪ ، )11‬فل يشتهي أحد منهم شيئًا إل أمطرته عليهم ‪ ،‬حتى إن منهم لمن‬
‫يقول ‪ :‬أمطرينا كواعب أترابًا ‪ ،‬فيكون ذلك (‪.)13( " )12‬‬
‫{ َ َكذَِلكَ يَجْزِي اللّهُ ا ْلمُ ّتقِينَ } أي ‪ :‬كذلك (‪ )14‬يجزي ال كل من آمن به واتقاه وأحسن عمله‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى عن حالهم عند الحتضار ‪ ،‬أنهم (‪ )15‬طيبون ‪ ،‬أي ‪ :‬مخلصون من الشرك‬
‫والدنس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أي ‪ :‬لم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬هو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال الذين أوتوا العلم واليمان" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات ال عليه وسلمه" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬صلوات ال عليه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم وصف الدار الخرة فقال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬مقامة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تشتهي" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬سرائرهم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬كذلك"‪.‬‬
‫(‪ )13‬رواه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أبي أمامة رضي ال عنه ‪ ،‬وسيأتي بإسناده عند‬
‫تفسير الية ‪ 33 :‬من سورة النبأ‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هكذا"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/568‬‬

‫َهلْ يَنْظُرُونَ إِلّا أَنْ تَأْتِ َيهُمُ ا ْلمَلَا ِئكَةُ َأوْ يَأْ ِتيَ َأمْرُ رَ ّبكَ َكذَِلكَ َف َعلَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِ ْم َومَا ظََل َمهُمُ اللّهُ‬
‫عمِلُوا وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا بِهِ َيسْ َتهْزِئُونَ (‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ (‪ )33‬فََأصَا َبهُمْ سَيّئَاتُ مَا َ‬
‫وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫‪)34‬‬

‫وكل سوء ‪ ،‬وأن الملئكة تسلم عليهم وتبشرهم (‪ )1‬بالجنة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا‬
‫رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا تَتَنزلُ عَلَ ْيهِمُ ا ْلمَل ِئكَةُ أَل َتخَافُوا وَل َتحْزَنُوا وَأَ ْبشِرُوا بِالْجَنّةِ الّتِي كُنْ ُتمْ‬
‫سكُ ْم وََلكُمْ فِيهَا مَا‬
‫تُوعَدُونَ نَحْنُ َأوْلِيَا ُؤكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َر ِة وََلكُمْ فِيهَا مَا تَشْ َتهِي أَ ْنفُ ُ‬
‫غفُورٍ َرحِيمٍ } [فصلت ‪.]32 - 30 :‬‬
‫تَدّعُونَ نزل مِنْ َ‬
‫وقد قدمنا الحاديث الواردة في قبض روح المؤمن وروح الكافر عند قوله تعالى ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ‬
‫ن وَ َي ْفعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }‬
‫ضلّ اللّهُ الظّاِلمِي َ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا بِا ْلقَ ْولِ الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َر ِة وَ ُي ِ‬
‫[إبراهيم ‪.]27 :‬‬
‫ظَل َمهُمُ اللّهُ‬
‫{ َهلْ يَ ْنظُرُونَ إِل أَنْ تَأْتِ َيهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ َأوْ يَأْ ِتيَ َأمْرُ رَ ّبكَ كَ َذِلكَ َفعَلَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِ ْم َومَا َ‬
‫عمِلُوا وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا بِهِ َيسْ َتهْزِئُونَ (‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ (‪ )33‬فََأصَا َبهُمْ سَيّئَاتُ مَا َ‬
‫وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫‪} )34‬‬
‫يقول تعالى متهددًا للمشركين على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا ‪ :‬هل ينتظر هؤلء إل‬
‫الملئكة أن تأتيهم بقبض أرواحهم ‪ ،‬قاله قتادة‪.‬‬
‫{ َأوْ يَأْ ِتيَ َأمْرُ رَ ّبكَ } (‪ )2‬أي ‪ :‬يوم القيامة وما يعاينونه (‪ )3‬من الهوال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬كَ َذِلكَ َفعَلَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ } أي ‪ :‬هكذا تمادى في شركهم أسلفهم ونظراؤهم وأشباههم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ظَل َمهُمُ‬
‫من المشركين حتى (‪ )4‬ذاقوا بأس ال ‪ ،‬وحلوا فيما هم فيه من العذاب والنكال‪َ { .‬ومَا َ‬
‫اللّهُ } ؛ لنه تعالى أعذر إليهم ‪ ،‬وأقام حججه عليهم بإرسال رسله وإنزال كتبه ‪ { ،‬وََلكِنْ كَانُوا‬
‫سهُمْ َيظِْلمُونَ } أي ‪ :‬بمخالفة الرسل والتكذيب بما جاءوا به ‪ ،‬فلهذا أصابتهم (‪ )5‬عقوبة ال‬
‫أَ ْنفُ َ‬
‫على ذلك ‪ { ،‬وَحَاقَ ِبهِمْ } أي ‪ :‬أحاط بهم من العذاب الليم { مَا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ } أي ‪:‬‬
‫سخَرون من الرسل إذا توعدوهم بعقاب ال ؛ فلهذا يقال يوم القيامة ‪َ { :‬ه ِذهِ النّارُ الّتِي كُنْتُمْ ِبهَا‬
‫يَ ْ‬
‫ُتكَذّبُونَ } [الطور ‪.]14 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ويبشرونهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أو يأتيهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وما يعاينون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬حين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أصابهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/569‬‬

‫ن وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَ ّرمْنَا مِنْ دُونِهِ‬


‫شيْءٍ َنحْ ُ‬
‫َوقَالَ الّذِينَ أَشْ َركُوا َلوْ شَاءَ اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ َ‬
‫سلِ إِلّا الْ َبلَاغُ ا ْلمُبِينُ (‪ )35‬وََلقَدْ َبعَثْنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ‬
‫شيْءٍ كَذَِلكَ َف َعلَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ َف َهلْ عَلَى الرّ ُ‬
‫مِنْ َ‬
‫حقّتْ عَلَيْهِ الضّلَالَةُ‬
‫رَسُولًا أَنِ اعْ ُبدُوا اللّ َه وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َهدَى اللّ ُه َومِ ْنهُمْ مَنْ َ‬
‫فَسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَانْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )36‬إِنْ تَحْ ِرصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنّ اللّهَ لَا‬
‫ل َومَا َل ُهمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪)37‬‬
‫ضّ‬‫َيهْدِي مَنْ ُي ِ‬

‫ن وَل آبَاؤُنَا وَل حَ ّرمْنَا مِنْ دُونِهِ‬


‫شيْءٍ نَحْ ُ‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ أَشْ َركُوا َلوْ شَاءَ اللّهُ مَا عَ َبدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ َ‬
‫سلِ إِل الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ (‪ )35‬وََلقَدْ َبعَثْنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ‬
‫شيْءٍ كَذَِلكَ َف َعلَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ َف َهلْ عَلَى الرّ ُ‬
‫مِنْ َ‬
‫ح ّقتْ عَلَيْهِ الضّللَةُ‬
‫رَسُول أَنِ اُعْبُدُوا اللّ َه وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ َفمِ ْنهُمْ مَنْ هَدَى اللّ ُه َومِ ْنهُمْ مَنْ َ‬
‫علَى هُدَا ُهمْ فَإِنّ اللّ َه ل‬
‫فَسِيرُوا فِي الرْضِ فَا ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )36‬إِنْ َتحْ ِرصْ َ‬
‫ل َومَا َل ُهمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪} )37‬‬
‫ضّ‬‫َيهْدِي مَنْ ُي ِ‬

‫( ‪)4/569‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يخبر تعالى عن اغترار المشركين بما هم فيه من الشرك واعتذارهم محتجين بالقدر ‪ ،‬في قولهم ‪:‬‬
‫شيْءٍ } أي ‪:‬‬
‫ن وَل آبَاؤُنَا وَل حَ ّرمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ َ‬
‫شيْءٍ َنحْ ُ‬
‫{ َلوْ شَاءَ اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ َ‬
‫من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك ‪ ،‬مما كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء (‪ )1‬أنفسهم ‪،‬‬
‫ما لم ينزل ال به سلطانا‪.‬‬
‫ومضمون كلمهم ‪ :‬أنه لو كان تعالى كارهًا لما فعلنا ‪ ،‬لنكره علينا بالعقوبة ولما مكنا (‪ )2‬منه‪.‬‬
‫سلِ إِل الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ } أي ‪ :‬ليس المر كما تزعمون‬
‫قال ال رادًا عليهم شبهتهم ‪َ { :‬ف َهلْ عَلَى الرّ ُ‬
‫أنه لم يعيره عليكم (‪ )3‬ولم (‪ )4‬ينكره ‪ ،‬بل قد أنكره عليكم أشد النكار ‪ ،‬ونهاكم عنه آكد النهي ‪،‬‬
‫وبعث في كل أمة رسول أي ‪ :‬في كل قرن من الناس وطائفة رسول وكلهم يدعو (‪ )5‬إلى عبادة‬
‫ال ‪ ،‬وينهى (‪ )6‬عن عبادة ما سواه ‪ { :‬أَنِ اُعْبُدُوا اللّ َه وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ } فلم يزل تعالى يرسل‬
‫إلى الناس الرسل بذلك ‪ ،‬منذ حدث الشرك في بني آدم ‪ ،‬في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح ‪،‬‬
‫وكان أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى ال عليه وسلم الذي طبقت‬
‫دعوته النس والجن في المشارق والمغارب ‪ ،‬وكلهم كما قال ال تعالى ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ‬
‫مِنْ رَسُولٍ إِل نُوحِي إِلَ ْيهِ أَنّهُ ل إَِلهَ إِل أَنَا فَاعْبُدُونِ } [النبياء ‪ ، ]25 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَاسَْألْ مَنْ‬
‫حمَنِ آِلهَةً ُيعْ َبدُونَ } [الزخرف ‪ ، ]45 :‬وقال تعالى‬
‫جعَلْنَا مِنْ دُونِ الرّ ْ‬
‫أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ ُرسُلِنَا َأ َ‬
‫في هذه الية الكريمة ‪ { :‬وََلقَدْ َبعَثْنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ رَسُول أَنِ اُعْبُدُوا اللّ َه وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ } فكيف‬
‫شيْءٍ } فمشيئته‬
‫يسوغ لحد من المشركين بعد هذا أن يقول ‪َ { :‬لوْ شَاءَ اللّهُ مَا عَ َبدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ َ‬
‫تعالى الشرعية منتفية (‪ )7‬؛ لنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله ‪ ،‬وأما مشيئته الكونية ‪ ،‬وهي (‬
‫‪ )8‬تمكينهم من ذلك قدرا ‪ ،‬فل حجة لهم فيها (‪ )9‬لنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين‬
‫والكفرة ‪ ،‬وهو ل يرضى لعباده الكفر ‪ ،‬وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة‪.‬‬
‫ثم إنه تعالى قد أخبر أنه عير (‪ )10‬عليهم ‪ ،‬وأنكر (‪ )11‬عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار‬
‫ح ّقتْ عَلَ ْيهِ الضّللَةُ َفسِيرُوا فِي ال ْرضِ‬
‫الرسل ؛ فلهذا قال ‪َ { :‬فمِ ْنهُمْ مَنْ َهدَى اللّهُ َومِنْهُمْ مَنْ َ‬
‫فَانْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ } أي ‪ :‬اسألوا (‪ )12‬عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب‬
‫الحق كيف { َدمّرَ اللّهُ عَلَ ْي ِه ْم وَلِ ْلكَافِرِينَ َأمْثَاُلهَا } [محمد ‪ { ، ]10 :‬وََلقَدْ كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ‬
‫َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ } [الملك ‪.]18 :‬‬
‫ثم أخبر ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم أن حرصه على هدايتهم ل ينفعهم ‪ ،‬إذا كان ال قد‬
‫أراد إضللهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ يُ ِردِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ َتمِْلكَ َلهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا } [المائدة ‪:‬‬
‫‪ ، ]41‬وقال نوح لقومه ‪ { :‬وَل يَ ْن َف ُعكُمْ ُنصْحِي إِنْ أَ َر ْدتُ أَنْ أَ ْنصَحَ َلكُمْ إِنْ كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ‬
‫ُي ْغوِ َيكُمْ } [هود ‪ ، ]34 :‬وقال في هذه الية‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬من قبل"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ولما مكننا" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬ول مكننا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لم يعير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف" "يدعون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وينهون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬منفية"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬فهي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬عيره"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬وأنكره"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬فاسألوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/570‬‬

‫حقّا وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ‬


‫جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ لَا يَ ْب َعثُ اللّهُ مَنْ َيمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ َ‬
‫سمُوا بِاللّهِ َ‬
‫وََأقْ َ‬
‫شيْءٍ إِذَا‬
‫(‪ )38‬لِيُبَيّنَ َلهُمُ الّذِي َيخْتَِلفُونَ فِي ِه وَلِ َيعَْلمَ الّذِينَ َكفَرُوا أَ ّنهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (‪ )39‬إِ ّنمَا َقوْلُنَا ِل َ‬
‫أَرَدْنَاهُ أَنْ َنقُولَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ (‪)40‬‬

‫ضلّ } كما قال تعالى ‪ { :‬مَنْ ُيضِْللِ‬


‫الكريمة ‪ { :‬إِنْ تَحْ ِرصْ عَلَى ُهدَا ُهمْ فَإِنّ اللّهَ ل َي ْهدِي مَنْ ُي ِ‬
‫طغْيَا ِن ِهمْ َي ْع َمهُونَ } [العراف ‪ ، ]186 :‬وقال تعالى ‪ { :‬إِنّ‬
‫اللّهُ فَل هَا ِديَ َل ُه وَيَذَرُهُمْ (‪ )1‬فِي ُ‬
‫ن وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آيَةٍ حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ } [يونس ‪:‬‬
‫ح ّقتْ عَلَ ْي ِهمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُو َ‬
‫الّذِينَ َ‬
‫‪.]97 ، 96‬‬
‫فقوله ‪ { :‬فَإِنّ اللّهَ } أي ‪ :‬شأنه وأمره أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ؛ فلهذا قال ‪ { :‬ل َيهْدِي‬
‫ضلّ } أي ‪ :‬من أضله فمن الذي يهديه من بعد ال ؟ أي ‪ :‬ل أحد { َومَا َلهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }‬
‫مَنْ ُي ِ‬
‫أي ‪ :‬ينقذونهم (‪ )2‬من عذابه ووثاقه ‪ { ،‬أَل لَهُ ا ْلخَلْقُ وَالمْرُ تَبَا َركَ اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [العراف‬
‫‪.]54 :‬‬
‫سل‬
‫حقّا وََلكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ‬
‫جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ ل يَ ْب َعثُ اللّهُ مَنْ َيمُوتُ َبلَى وَعْدًا عَلَيْهِ َ‬
‫سمُوا بِاللّهِ َ‬
‫{ وََأقْ َ‬
‫َيعَْلمُونَ (‪ )38‬لِيُبَيّنَ َلهُمُ الّذِي يَخْتَِلفُونَ فِي ِه وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ َكفَرُوا أَ ّن ُهمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (‪ )39‬إِ ّنمَا َقوْلُنَا‬
‫شيْءٍ ِإذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ َنقُولَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ (‪} )40‬‬
‫لِ َ‬
‫جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ } أي ‪ :‬اجتهدوا في‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المشركين ‪ :‬أنهم حلفوا فأقسموا { بِاللّهِ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحلف وغلظوا اليمان على أنه { ل يَ ْب َعثُ اللّهُ مَنْ َيمُوتُ } أي ‪ :‬استبعدوا ذلك ‪ ،‬فكذبوا (‪)3‬‬
‫الرسل في إخبارهم لهم بذلك ‪ ،‬وحلفوا على نقيضه‪ .‬فقال تعالى مكذبا لهم وردا عليهم ‪ { :‬بَلَى }‬
‫حقّا } (‪ )4‬أي ‪ :‬ل بد منه ‪ { ،‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ }‬
‫أي ‪ :‬بلى سيكون ذلك ‪ { ،‬وَعْدًا عَلَ ْيهِ َ‬
‫جهْلهم (‪ )5‬يخالفون الرسل ويقعون في الكفر‪.‬‬
‫أي ‪ :‬فَلِ َ‬
‫ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد وقيام الجساد يوم التناد ‪ ،‬فقال ‪ { :‬لِيُبَيّنَ َلهُمُ } أي ‪ :‬للناس { الّذِي‬
‫عمِلُوا وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَحْسَنُوا‬
‫يَخْتَِلفُونَ فِيهِ } أي ‪ :‬من كل شيء ‪ ،‬و { لِ َيجْ ِزيَ (‪ )6‬الّذِينَ أَسَاءُوا ِبمَا َ‬
‫حسْنَى } [النجم ‪ { ، ]31 :‬وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ َكفَرُوا أَ ّنهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ } أي ‪ :‬في أيمانهم وأقسامهم ‪:‬‬
‫بِالْ ُ‬
‫ل يبعث ال من يموت ؛ ولهذا يدعون يوم القيامة إلى نار جهنم دعا ‪ ،‬وتقول (‪ )7‬لهم الزبانية ‪{ :‬‬
‫هَ ِذهِ النّارُ الّتِي كُنْتُمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ َأ َفسِحْرٌ َهذَا َأمْ أَنْتُمْ ل تُ ْبصِرُونَ اصَْلوْهَا فَاصْبِرُوا َأوْ ل َتصْبِرُوا‬
‫سوَاءٌ عَلَ ْي ُكمْ إِ ّنمَا تُجْ َزوْنَ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } [الطور ‪.]16 - 14 :‬‬
‫َ‬
‫ثم أخبر تعالى عن قدرته (‪ )8‬على ما يشاء ‪ ،‬وأنه ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء ‪،‬‬
‫وإنما أمره إذا (‪ )9‬أراد شيئًا أن يقول له ‪" :‬كن" ‪ ،‬فيكون ‪ ،‬والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما‬
‫ح َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ }‬
‫يأمر به مرة واحدة ‪ ،‬فيكون كما يشاء ‪ ،‬كما قال (‪َ { )10‬ومَا َأمْرُنَا إِل وَا ِ‬
‫ح َدةٍ } [لقمان ‪ ، ]28 :‬وقال في هذه الية‬
‫س وَا ِ‬
‫[القمر ‪ ]50 :‬وقال ‪ { :‬مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َبعْ ُثكُمْ إِل كَ َنفْ ٍ‬
‫شيْءٍ ِإذَا أَ َردْنَاهُ أَنْ َنقُولَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ } [النحل ‪ ، ]40 :‬أي ‪ :‬أن‬
‫الكريمة ‪ { :‬إِ ّنمَا َقوْلُنَا (‪ )11‬لِ َ‬
‫يأمر به دفعة (‪ )12‬واحدة فإذا هو كائن ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ويمدهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ينقذهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكذبوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عليهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فبجهلهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ويجزى" وهو خطأ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيقول"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬عن قدرة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬وأنه إذا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬أمرنا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬مرة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/571‬‬

‫وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ َبعْدِ مَا ظُِلمُوا لَنُ َبوّئَ ّنهُمْ فِي الدّنْيَا حَسَ َن ًة وَلَأَجْرُ الَْآخِ َرةِ َأكْبَرُ َلوْ كَانُوا‬
‫ن صَبَرُوا وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ (‪)42‬‬
‫َيعَْلمُونَ (‪ )41‬الّذِي َ‬

‫كما قال الشاعر (‪: )1‬‬


‫إذا ما أراد ال أمرًا فإنما‪ ...‬يقول له ‪" :‬كن" ‪ ،‬قولة فيكون‪...‬‬
‫أي ‪ :‬أنه تعالى ل يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به ‪ ،‬فإنه تعالى ل يمانع ول يخالف ‪ ،‬لنه [هو] (‪)2‬‬
‫الواحد القهار العظيم ‪ ،‬الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء ‪ ،‬فل إله إل هو ول رب‬
‫سواه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر (‪ )3‬الحسن بن محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا حجاج ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج ‪،‬‬
‫أخبرني عطاء ‪ :‬أنه سمع أبا هريرة يقول ‪ :‬قال ال تعالى ‪ :‬سَبّني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن‬
‫جهْدَ‬
‫سمُوا بِاللّهِ َ‬
‫يسبني ‪ ،‬وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني ‪ ،‬فأما تكذيبه إياي فقال ‪ { :‬وََأقْ َ‬
‫سل‬
‫حقّا وََلكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ‬
‫أَ ْيمَا ِنهِمْ ل يَ ْب َعثُ اللّهُ مَنْ َيمُوتُ } قال ‪ :‬وقلت ‪ { :‬بَلَى وَعْدًا عَلَ ْيهِ َ‬
‫َيعَْلمُونَ } وأما سبه إياي فقال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ثَاِلثُ ثَل َثةٍ } [المائدة ‪ ، ]73 :‬وقلت ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ اللّهُ أَحَدٌ‬
‫صمَدُ لَمْ َيلِ ْد وَلَمْ يُوَل ْد وَلَمْ َيكُنْ َلهُ ُكفُوًا َأحَدٌ } [سورة الخلص] (‪.)4‬‬
‫اللّهُ ال ّ‬
‫هكذا (‪ )5‬ذكره موقوفا ‪ ،‬وهو في الصحيحين مرفوعا ‪ ،‬بلفظ آخر (‪.)6‬‬
‫{ وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ َبعْدِ مَا ظُِلمُوا لَنُ َبوّئَ ّنهُمْ فِي الدّنْيَا حَسَنَ ًة وَلجْ ُر الخِ َرةِ َأكْبَرُ َلوْ كَانُوا‬
‫ن صَبَرُوا وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ (‪} )42‬‬
‫َيعَْلمُونَ (‪ )41‬الّذِي َ‬
‫يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته ‪ ،‬الذين فارقوا الدار والخوان‬
‫والخلن ‪ ،‬رجاء ثواب ال وجزائه‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون سبب نزول هذه الية الكريمة في مُهاجرة الحبشة الذي اشتد أذى قومهم لهم‬
‫بمكة ‪ ،‬حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلد الحبشة ‪ ،‬ليتمكنوا من عبادة ربهم ‪ ،‬ومن أشرافهم‬
‫‪ :‬عثمان بن عفان ‪ ،‬ومعه زوجته رقية بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وجعفر بن أبي‬
‫طالب ‪ ،‬ابن عم الرسول (‪ )7‬وأبو سلمة بن عبد السد (‪ )8‬في جماعة قريب من ثمانين ‪ ،‬ما بين‬
‫رجل وامرأة ‪ ،‬صديق وصديقة ‪ ،‬رضي ال عنهم وأرضاهم‪ .‬وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة‬
‫الحسنة في الدنيا والخرة فقال ‪ { :‬لَنُ َبوّئَ ّنهُمْ فِي الدّنْيَا حَسَنَةً } قال ابن عباس والشعبي ‪ ،‬وقتادة ‪:‬‬
‫المدينة‪ .‬وقيل ‪ :‬الرزق الطيب ‪ ،‬قاله مجاهد‪.‬‬
‫ول منافاة بين القولين ‪ ،‬فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم ال خيرًا منها (‪ )9‬في الدنيا ‪،‬‬
‫فإن من ترك شيئًا ل عوضه ال بما هو خير له منه (‪ )10‬وكذلك وقع فإنهم مكن ال لهم في‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫البلد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مضى البيت عند تفسير الية ‪ 117 :‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ذكره"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )14/73‬من طريق حجاج به موقوفا‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )4974‬ولفظه ‪" :‬قال ال تعالى ‪ :‬كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ‪،‬‬
‫وشتمني ولم يكن له ذلك ‪ ،‬فأما تكذيبه إياي ‪ ،‬فقوله ‪ :‬لن يعيدني كما بدأني ‪ ،‬وليس أول الخلق‬
‫بأهون علي من إعادته ‪ ،‬وأما شتمه إياي فقوله ‪ :‬اتخذ ال ولدا وأنا الحد الصمد ‪ ،‬لم ألد ولم أولد‬
‫‪ ،‬ولم يكن لي كفوا أحد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ابن عم رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد السود"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منه في الدنيا"‪.‬‬

‫( ‪)4/572‬‬

‫وحكمهم على رقاب العباد ‪ ،‬فصاروا أمراء حكاما ‪ ،‬وكل منهم للمتقين إماما ‪ ،‬وأخبر أن ثوابه‬
‫للمهاجرين في الدار الخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَلجْرُ الخِ َرةِ َأكْبَرُ } أي ‪:‬‬
‫مما أعطيناهم في الدنيا { َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما‬
‫ادخر ال لمن أطاعه واتبع رسوله ؛ ولهذا قال ُهشَيْم ‪ ،‬عن العوام ‪ ،‬عمن حدثه ؛ أن عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه (‪ )1‬يقول ‪ :‬خذ بارك‬
‫ال لك فيه ‪ ،‬هذا ما وعدك ال في الدنيا ‪ ،‬وما ادخر (‪ )2‬لك في الخرة أفضل ‪ ،‬ثم قرأ (‪ )3‬هذه‬
‫الية ‪ { :‬لَنُ َبوّئَ ّنهُمْ فِي الدّنْيَا حَسَنَ ًة وَلجْ ُر الخِ َرةِ َأكْبَرُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ } (‪.)4‬‬
‫ن صَبَرُوا وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ } أي ‪ :‬صبروا على أقل (‪ )5‬من‬
‫ثم وصفهم تعالى فقال ‪ { :‬الّذِي َ‬
‫آذاهم من قومهم ‪ ،‬متوكلين على ال الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عطاء"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وما دخره"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يقرأ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/74‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أذى"‪.‬‬

‫( ‪)4/573‬‬

‫َومَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِلّا ِرجَالًا نُوحِي إِلَ ْيهِمْ فَاسْأَلُوا أَ ْهلَ ال ّذكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا َتعَْلمُونَ (‪ )43‬بِالْبَيّنَاتِ‬
‫وَالزّبُ ِر وَأَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ال ّذكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُ ّزلَ إِلَ ْيهِمْ وََلعَّلهُمْ يَ َت َفكّرُونَ (‪)44‬‬

‫{ َومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِل ِرجَال نُوحِي إِلَ ْيهِمْ فَاسَْألُوا أَ ْهلَ ال ّذكْرِ إِنْ كُنْ ُتمْ ل َتعَْلمُونَ (‪ )43‬بِالْبَيّنَاتِ‬
‫وَالزّبُ ِر وَأَنزلْنَا إِلَ ْيكَ ال ّذكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نزلَ إِلَ ْيهِمْ وََلعَّلهُمْ يَ َت َفكّرُونَ (‪} )44‬‬
‫قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬لما بعث ال محمدًا صلى ال عليه وسلم رسول أنكرت العرب‬
‫ذلك ‪ ،‬أو من أنكر منهم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ال أعظم من أن يكون رسوله بشرا‪ .‬فأنزل ال ‪َ { :‬أكَانَ لِلنّاسِ‬
‫جلٍ مِ ْنهُمْ } [يونس ‪ ، ]2 :‬وقال { َومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِل ِرجَال نُوحِي إِلَ ْيهِمْ‬
‫عَجَبًا أَنْ َأوْحَيْنَا إِلَى رَ ُ‬
‫فَاسْأَلُوا أَ ْهلَ ال ّذكْرِ إِنْ كُنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ } يعني ‪ :‬أهل الكتب الماضية ‪ :‬أبشر كانت الرسل التي‬
‫أتتكم (‪ )1‬أم ملئكة ؟ فإن كانوا ملئكة أنكرتم ‪ ،‬وإن كانوا بشرا فل تنكروا أن يكون محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم رسول ؟ [و] (‪ )2‬قال تعالى ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِل ِرجَال نُوحِي إِلَ ْي ِهمْ مِنْ أَ ْهلِ‬
‫ا ْلقُرَى } (‪ )3‬ليسوا من أهل السماء كما قلتم‪.‬‬
‫وهكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أن المراد بأهل الذكر ‪ :‬أهل الكتاب‪ .‬وقاله مجاهد ‪،‬‬
‫والعمش‪.‬‬
‫وقول عبد الرحمن بن زيد ‪ -‬الذكر ‪ :‬القرآن واستشهد بقوله ‪ { :‬إِنّا َنحْنُ نزلْنَا ال ّذكْ َر وَإِنّا لَهُ‬
‫لَحَا ِفظُونَ } [الحجر ‪ - ]9 :‬صحيح ‪[ ،‬و] (‪ )4‬لكن ليس هو المراد هاهنا ؛ لن المخالف ل يرجع‬
‫في إثباته بعد إنكاره إليه‪.‬‬
‫وكذا قول أبي جعفر الباقر ‪" :‬نحن أهل الذكر" ‪ -‬ومراده أن هذه المة أهل الذكر ‪ -‬صحيح ‪ ،‬فإن‬
‫هذه المة أعلم من جميع المم السالفة ‪ ،‬وعلماء أهل بيت الرسول ‪ ،‬عليهم (‪ )5‬السلم والرحمة ‪،‬‬
‫من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إليهم" والمثبت من الطبري‪ .‬مستفاد من حاشية الشعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نوحي"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عليه"‪.‬‬

‫( ‪)4/573‬‬

‫خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة ‪ ،‬كعلي ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وبني علي ‪ :‬الحسن‬
‫والحسين ‪ ،‬ومحمد بن الحنفية ‪ ،‬وعلي بن الحسين زين العابدين ‪ ،‬وعلي بن عبد ال بن عباس ‪،‬‬
‫وأبي جعفر الباقر ‪ -‬وهو محمد بن علي بن الحسين ‪ -‬وجعفر ابنه ‪ ،‬وأمثالهم وأضرابهم‬
‫وأشكالهم ‪ ،‬ممن هو متمسك بحبل ال المتين وصراطه المستقيم ‪ ،‬وعرف لكل ذي حق حقه ‪،‬‬
‫ونزل كل المنزل الذي أعطاه ال ورسوله واجتمع إليه قلوب عباده المؤمنين‪.‬‬
‫والغرض أن هذه الية الكريمة أخبرت أن (‪ )1‬الرسل الماضين (‪ )2‬قبل محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم كانوا بشرًا كما هو بشر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ سُ ْبحَانَ رَبّي َهلْ كُ ْنتُ إِل َبشَرًا رَسُول َومَا‬
‫مَنَعَ النّاسَ أَنْ ُي ْؤمِنُوا ِإذْ جَاءَهُمُ ا ْلهُدَى إِل أَنْ قَالُوا أَ َب َعثَ اللّهُ َبشَرًا رَسُول } [السراء ‪]94 ، 93 :‬‬
‫سوَاقِ }‬
‫طعَامَ وَ َيمْشُونَ فِي ال ْ‬
‫وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا أَ ْرسَلْنَا قَبَْلكَ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ إِل إِ ّن ُهمْ لَيَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫طعَا َم َومَا كَانُوا خَاِلدِينَ [ثُمّ صَ َدقْنَاهُمُ ا ْلوَعْدَ‬
‫جعَلْنَا ُهمْ جَسَدًا ل يَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫[الفرقان ‪ ]20 :‬وقال { َومَا َ‬
‫فَأَنْجَيْنَا ُه ْم َومَنْ نَشَا ُء وَأَ ْهَلكْنَا ا ْلمُسْ ِرفِينَ] } [النبياء ‪ )3( ، ]9 ، 8 :‬وقال ‪ُ { :‬قلْ مَا كُ ْنتُ بِدْعًا مِنَ‬
‫سلِ } [الحقاف ‪ ، ]9 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ إِ ّنمَا أَنَا بَشَرٌ مِثُْلكُمْ يُوحَى إَِليّ } [الكهف ‪.]110 :‬‬
‫الرّ ُ‬
‫ثم أرشد ال تعالى من شك في كون الرسل كانوا بشرًا ‪ ،‬إلى سؤال أصحاب الكتب المتقدمة عن‬
‫النبياء (‪ )4‬الذين سلفوا ‪ :‬هل كان أنبياؤهم بشرًا أو ملئكة ؟‬
‫ثم ذكر تعالى أنه أرسلهم { بِالْبَيّنَاتِ } أي ‪ :‬بالدللت والحجج ‪ { ،‬وَالزّبُرِ } وهي الكتب‪ .‬قاله ابن‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫شيْءٍ َفعَلُوهُ‬
‫والزبر ‪ :‬جمع زبور ‪ ،‬تقول العرب ‪ :‬زبرت الكتاب إذا كتبته ‪ ،‬وقال تعالى ‪َ { :‬و ُكلّ َ‬
‫فِي الزّبُرِ } [القمر ‪ ]52 :‬وقال ‪ { :‬وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِنْ َبعْدِ ال ّذكْرِ أَنّ ال ْرضَ يَرِ ُثهَا عِبَا ِديَ‬
‫الصّالِحُونَ } [النبياء ‪.]105 :‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَأَنزلْنَا ِإلَ ْيكَ ال ّذكْرَ } يعني ‪ :‬القرآن ‪ { ،‬لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نزلَ إِلَ ْيهِمْ } من ربهم ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬لعلمك (‪ )5‬بمعنى ما أنزل عليك ‪ ،‬وحرصك عليه ‪ ،‬واتباعك له ‪ ،‬ولعلمنا بأنك (‪ )6‬أفضل‬
‫الخلئق وسيد ولد آدم ‪ ،‬فتفصل (‪ )7‬لهم ما أجمل ‪ ،‬وتبين لهم ما أشكل ‪ { :‬وََلعَّلهُمْ يَ َت َفكّرُونَ } أي‬
‫‪ :‬ينظرون لنفسهم فيهتدون ‪ ،‬فيفوزون (‪ )8‬بالنجاة في الدارين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بأن"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الماضية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بشر أن يسألوا أهل الذكر عن النبياء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يعلمك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ف أ ‪" :‬بأنه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬تفصل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فيفوزوا"‪.‬‬

‫( ‪)4/574‬‬

‫شعُرُونَ (‬
‫سفَ اللّهُ ِبهِمُ الْأَ ْرضَ َأوْ يَأْتِ َي ُهمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ حَ ْيثُ لَا يَ ْ‬
‫َأفََأمِنَ الّذِينَ َمكَرُوا السّيّئَاتِ أَنْ يَخْ ِ‬
‫خ ّوفٍ فَإِنّ رَ ّبكُمْ لَ َرءُوفٌ َرحِيمٌ‬
‫خذَهُمْ فِي َتقَلّ ِبهِمْ َفمَا ُهمْ ِب ُمعْجِزِينَ (‪َ )46‬أوْ يَ ْأخُذَ ُهمْ عَلَى تَ َ‬
‫‪َ )45‬أوْ يَأْ ُ‬
‫شمَا ِئلِ سُجّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ‬
‫شيْءٍ يَ َتفَيّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْ َيمِينِ وَال ّ‬
‫(‪َ )47‬أوَلَمْ يَ َروْا إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ َ‬
‫ت َومَا فِي الْأَ ْرضِ مِنْ دَابّةٍ وَا ْلمَلَا ِئكَةُ وَهُمْ لَا َيسْ َتكْبِرُونَ (‪)49‬‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫سجُدُ مَا فِي ال ّ‬
‫(‪ )48‬وَلِلّهِ يَ ْ‬
‫يَخَافُونَ رَ ّبهُمْ مِنْ َف ْو ِقهِ ْم وَ َي ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ (‪)50‬‬

‫شعُرُونَ (‬
‫سفَ اللّهُ ِبهِمُ ال ْرضَ َأوْ يَأْتِ َي ُهمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ حَ ْيثُ ل َي ْ‬
‫{ َأفََأمِنَ الّذِينَ َمكَرُوا السّيّئَاتِ أَنْ َيخْ ِ‬
‫خ ّوفٍ فَإِنّ رَ ّبكُمْ لَ َرءُوفٌ َرحِيمٌ‬
‫خذَهُمْ فِي َتقَلّ ِبهِمْ َفمَا ُهمْ ِب ُمعْجِزِينَ (‪َ )46‬أوْ يَ ْأخُذَ ُهمْ عَلَى تَ َ‬
‫‪َ )45‬أوْ يَأْ ُ‬
‫(‪} )47‬‬
‫يخبر تعالى عن حلمه [وإمهاله] (‪ )1‬وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات ويدعون إليها ‪،‬‬
‫سفَ اللّهُ ِب ِهمُ ال ْرضَ‬
‫ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم وحملهم عليها ‪ ،‬مع قدرته على { أَنْ َيخْ ِ‬
‫شعُرُونَ } أي ‪ :‬من حيث ل يعلمون مجيئه إليهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ث ل َي ْ‬
‫َأوْ يَأْتِ َيهُمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ حَ ْي ُ‬
‫سلَ‬
‫سمَاءِ أَنْ يُ ْر ِ‬
‫سفَ ِبكُمُ ال ْرضَ فَِإذَا ِهيَ َتمُورُ أَمْ َأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫سمَاءِ أَنْ يَخْ ِ‬
‫{ أََأمِنْ ُتمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫عَلَ ْيكُمْ حَاصِبًا فَسَ َتعَْلمُونَ كَ ْيفَ نَذِيرِ } [الملك ‪ ، ]17 ، 16 :‬وقوله { َأوْ يَأْخُ َذهُمْ فِي َتقَلّ ِبهِمْ } أي ‪:‬‬
‫في تقلبهم في المعايش واشتغالهم بها ‪ ،‬من أسفار (‪ )2‬ونحوها من الشغال الملهية‪.‬‬
‫قال قتادة والسدي ‪َ { :‬تقَلّ ِبهِمْ } أي ‪ :‬أسفارهم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ { :‬فِي َتقَلّ ِبهِمْ } في الليل والنهار ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬أفََأمِنَ أَ ْهلُ ا ْلقُرَى‬
‫أَنْ يَأْتِ َيهُمْ بَ ْأسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَا ِئمُونَ َأوََأمِنَ أَ ْهلُ ا ْلقُرَى أَنْ يَأْتِ َيهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَ ْلعَبُونَ } [العراف‬
‫‪ .]98 ، 97 :‬وقوله { َفمَا هُمْ ِب ُمعْجِزِينَ } أي ‪ :‬ل يُعجزون ال على أي حال كانوا عليه‪.‬‬
‫خ ّوفٍ } أي ‪ :‬أو يأخذهم ال في حال خوفهم من أخذه لهم ‪ ،‬فإنه يكون‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ يَ ْأخُذَ ُهمْ عَلَى تَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أبلغ وأشد حالة الخذ ؛ فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد ؛ ولهذا قال العوفي ‪ ،‬عن ابن‬
‫خوّفٍ } يقول ‪ :‬إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوفه بذلك‪.‬‬
‫خذَهُمْ عَلَى َت َ‬
‫عباس ‪َ { :‬أوْ يَأْ ُ‬
‫وكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة وغيرهم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬فَإِنّ رَ ّب ُكمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي ‪ :‬حيث لم يعاجلكم بالعقوبة ‪ ،‬كما ثبت في‬
‫الصحيحين "[ل أحد أصبر على أذى سمعه من ال ‪ ،‬إنهم يجعلون له ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم "‬
‫(‪ ، )3‬وفي الصحيحين] (‪ )4‬إن ال ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ رسول ال صلى‬
‫شدِيدٌ } [هود ‪( ]102 :‬‬
‫خذَ ا ْلقُرَى وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ إِنّ َأخْ َذهُ أَلِيمٌ َ‬
‫خذُ رَ ّبكَ إِذَا أَ َ‬
‫ال عليه وسلم { َوكَذَِلكَ أَ ْ‬
‫‪ )5‬وقال تعالى ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ َأمْلَ ْيتُ َلهَا وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ ثُمّ َأخَذْ ُتهَا وَإَِليّ ا ْل َمصِيرُ } [الحج ‪:‬‬
‫‪.]48‬‬
‫سجّدًا لِلّ ِه وَهُمْ دَاخِرُونَ (‬
‫شمَا ِئلِ ُ‬
‫ن وَال ّ‬
‫شيْءٍ يَ َتفَيّأُ ظِللُهُ عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫{ َأوََلمْ يَ َروْا إِلَى مَا خََلقَ اللّهُ مِنْ َ‬
‫ت َومَا فِي ال ْرضِ مِنْ دَابّ ٍة وَا ْلمَل ِئكَ ُة وَهُمْ ل َيسْ َتكْبِرُونَ (‪)49‬‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫سجُدُ مَا فِي ال ّ‬
‫‪ )48‬وَلِلّهِ يَ ْ‬
‫يَخَافُونَ رَ ّبهُمْ مِنْ َف ْو ِقهِ ْم وَ َي ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ (‪} )50‬‬
‫يخبر تعالى عن عظمته وجلله وكبريائه الذي خضع له كل شيء ‪ ،‬ودانت له الشياء والمخلوقات‬
‫بأسرها ‪ :‬جمادها وحيواناتها ‪ ،‬ومكلفوها من النس والجن والملئكة ‪ ،‬فأخبر (‪ )6‬أن كل ما له‬
‫ظل يتفيأ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بما في أسفارهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )6099‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2804‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4686‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2583‬من حديث أبي موسى الشعري‬
‫‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬والمخبر"‪.‬‬

‫( ‪)4/575‬‬

‫سمَاوَاتِ‬
‫حدٌ فَإِيّايَ فَارْهَبُونِ (‪ )51‬وَلَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫َوقَالَ اللّهُ لَا تَتّخِذُوا إَِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِ ّنمَا ُهوَ إِلَ ٌه وَا ِ‬
‫سكُمُ الضّرّ‬
‫ن وَاصِبًا َأ َفغَيْرَ اللّهِ تَ ّتقُونَ (‪َ )52‬ومَا ِبكُمْ مِنْ ِن ْعمَةٍ َفمِنَ اللّهِ ُثمّ إِذَا مَ ّ‬
‫وَالْأَ ْرضِ وََلهُ الدّي ُ‬
‫شفَ الضّرّ عَ ْنكُمْ ِإذَا فَرِيقٌ مِ ْنكُمْ بِرَ ّبهِمْ يُشْ ِركُونَ (‪)54‬‬
‫فَإِلَيْهِ َتجْأَرُونَ (‪ُ )53‬ثمّ إِذَا كَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ذات اليمين وذات الشمال ‪ ،‬أي ‪ :‬بكرة وعشيا ‪ ،‬فإنه ساجد بظله ل تعالى‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬إذا زالت الشمس سجد كلّ شيء ل عز وجل‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهمْ دَاخِرُونَ } أي ‪ :‬صاغرون‪.‬‬
‫وقال مجاهد أيضًا ‪ :‬سجود كل شيء فيه‪ .‬وذكر الجبال قال ‪ :‬سجودها فيها‪.‬‬
‫وقال أبو غالب الشيباني ‪ :‬أمواج البحر صلته‪.‬‬
‫ونزلهم منزلة من يعقل إذ أسند السجود إليهم‪.‬‬
‫سجُدُ مَنْ فِي‬
‫ت َومَا فِي ال ْرضِ مِنْ دَابّةٍ } كما قال ‪ { :‬وَلِلّهِ يَ ْ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫سجُدُ مَا فِي ال ّ‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَلِلّهِ يَ ْ‬
‫طوْعًا َوكَرْهًا وَظِلُل ُهمْ بِا ْلغُ ُد ّو وَالصَالِ } [الرعد ‪ ، ]15 :‬وقوله ‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ َ‬
‫ال ّ‬
‫{ وَا ْلمَل ِئكَ ُة وَ ُه ْم ل َيسْ َتكْبِرُونَ } أي ‪ :‬تسجد ل أي غير مستكبرين عن عبادته ‪ { ،‬يَخَافُونَ رَ ّبهُمْ‬
‫مِنْ َف ْو ِقهِمْ } أي ‪ :‬يسجدون خائفين وجلين من الرب جل جلله ‪ { ،‬وَ َي ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ } أي ‪:‬‬
‫مثابرين على طاعته (‪ )1‬تعالى ‪ ،‬وامتثال أوامره ‪ ،‬وترك زواجره‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫{ َوقَالَ اللّهُ ل تَتّخِذُوا إَِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِ ّنمَا ُهوَ إِلَ ٌه وَاحِدٌ فَإِيّايَ فَارْهَبُونِ (‪ )51‬وَلَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫سكُمُ الضّرّ‬
‫ن وَاصِبًا َأ َفغَيْرَ اللّهِ تَ ّتقُونَ (‪َ )52‬ومَا ِب ُكمْ مِنْ ِن ْعمَةٍ َفمِنَ اللّهِ ثُمّ ِإذَا مَ ّ‬
‫ض وَلَهُ الدّي ُ‬
‫وَالرْ ِ‬
‫شفَ الضّرّ عَ ْنكُمْ ِإذَا فَرِيقٌ مِ ْنكُمْ بِرَ ّبهِمْ يُشْ ِركُونَ (‪} )54‬‬
‫فَإِلَيْهِ َتجْأَرُونَ (‪ُ )53‬ثمّ إِذَا كَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬طاعة ال"‪.‬‬

‫( ‪)4/576‬‬

‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ (‪)55‬‬


‫لِ َي ْكفُرُوا ِبمَا آَتَيْنَاهُمْ فَ َتمَ ّتعُوا فَ َ‬

‫سوْفَ َتعَْلمُونَ (‪} )55‬‬


‫{ لِ َي ْكفُرُوا ِبمَا آتَيْنَا ُهمْ فَ َتمَ ّتعُوا َف َ‬
‫يُقرر تعالى أنه ل إله إل هو ‪ ،‬وأنه ل ينبغي العبادة إل له وحده ل شريك له ‪ ،‬فإنه مالك كل‬
‫شيء وخالقه وربه‪.‬‬
‫عكْرِمة (‪ )1‬وميمون بن ِمهْران ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬
‫ن وَاصِبًا } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد و ِ‬
‫{ وَلَهُ الدّي ُ‬
‫وقتادة ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬أي دائما‪.‬‬
‫وعن ابن عباس أيضًا ‪ :‬واجبًا‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬خالصا‪ .‬أي ‪ :‬له العبادة وحده ممن في السماوات‬
‫طوْعًا َوكَرْهًا }‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ َ‬
‫والرض ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬أ َفغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَ ْبغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي ال ّ‬
‫[آل عمران ‪ .]83 :‬هذا على قول ابن عباس وعكرمة ‪ ،‬فيكون من باب الخبر ‪ ،‬وأما على قول‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مجاهد فإنه يكون من باب الطلب ‪ ،‬أي ‪ :‬ارهبوا أن تشركوا به (‪ )2‬شيئا ‪ ،‬وأخلصوا له الطلب (‬
‫‪ ، )3‬كما في قوله تعالى ‪ { :‬أَل لِلّهِ الدّينُ الْخَاِلصُ } [الزمر ‪.]3 :‬‬
‫ثم أخبر أنه مالك النفع والضر ‪ ،‬وأن ما بالعبد من رزق ونعمة (‪ )4‬وعافية ونصر فمن فضله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وعكرمة ومجاهد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الطاعة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بالعباد من نعمة ورزق"‪.‬‬

‫( ‪)4/576‬‬

‫جعَلُونَ لِلّهِ‬
‫عمّا كُنْ ُتمْ َتفْتَرُونَ (‪ )56‬وَيَ ْ‬
‫جعَلُونَ ِلمَا لَا َيعَْلمُونَ َنصِيبًا ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنّ َ‬
‫وَيَ ْ‬
‫سوَدّا وَ ُهوَ كَظِيمٌ (‪)58‬‬
‫ج ُههُ مُ ْ‬
‫ل وَ ْ‬
‫ظّ‬‫الْبَنَاتِ سُ ْبحَانَ ُه وََلهُمْ مَا َيشْ َتهُونَ (‪ )57‬وَإِذَا بُشّرَ َأحَدُ ُهمْ بِالْأُنْثَى َ‬
‫ح ُكمُونَ (‬
‫علَى هُونٍ َأمْ يَ ُدسّهُ فِي التّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا َي ْ‬
‫سكُهُ َ‬
‫يَ َتوَارَى مِنَ ا ْلقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشّرَ ِبهِ أَ ُيمْ ِ‬
‫حكِيمُ (‪)60‬‬
‫علَى وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫سوْ ِء وَلِلّهِ ا ْلمَ َثلُ الْأَ ْ‬
‫‪ )59‬لِلّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالَْآخِ َرةِ مَ َثلُ ال ّ‬

‫عليه (‪ )1‬وإحسانه إليه‪.‬‬


‫سكُمُ الضّرّ فَإِلَ ْيهِ تَجْأَرُونَ } أي ‪ :‬لعلمكم أنه ل يقدر على إزالته إل هو ‪ ،‬فإنكم عند‬
‫{ ُثمّ إِذَا مَ ّ‬
‫الضرورات تلجئون إليه ‪ ،‬وتسألونه وتلحون في الرغبة مستغيثين به (‪ )2‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذَا‬
‫ضلّ مَنْ َتدْعُونَ إِل إِيّاهُ فََلمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْ َرضْتُ ْم َوكَانَ النْسَانُ‬
‫سكُمُ الضّرّ فِي الْ َبحْ ِر َ‬
‫مَ ّ‬
‫شفَ الضّرّ عَ ْنكُمْ ِإذَا فَرِيقٌ مِ ْنكُمْ بِرَ ّبهِمْ ُيشْ ِركُونَ‬
‫َكفُورًا } [السراء ‪ ، ]67 :‬وقال هاهنا ‪ُ { :‬ثمّ ِإذَا كَ َ‬
‫لِ َي ْكفُرُوا ِبمَا آتَيْنَاهُمْ }‬
‫قيل ‪" :‬اللم" هاهنا لم العاقبة‪ .‬وقيل ‪ :‬لم التعليل ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬قيضنا لهم ذلك (‪ )3‬ليكفروا ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫يستروا ويجحدوا نعم ال عليهم ‪ ،‬وأنه المسدي إليهم النعم ‪ ،‬الكاشف عنهم النقم‪.‬‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ } أي‬
‫ثم توعدهم قائل { فَ َتمَ ّتعُوا } أي ‪ :‬اعملوا ما شئتم وتمتعوا بما أنتم فيه قليل { فَ َ‬
‫‪ :‬عاقبة ذلك‪.‬‬
‫جعَلُونَ لِلّهِ‬
‫عمّا كُنْ ُتمْ َتفْتَرُونَ (‪ )56‬وَيَ ْ‬
‫جعَلُونَ ِلمَا ل َيعَْلمُونَ َنصِيبًا ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنّ َ‬
‫{ وَيَ ْ‬
‫سوَدّا وَ ُهوَ َكظِيمٌ (‪)58‬‬
‫جهُهُ مُ ْ‬
‫ل وَ ْ‬
‫ظّ‬‫الْبَنَاتِ سُ ْبحَانَ ُه وََلهُمْ مَا َيشْ َتهُونَ (‪ )57‬وَإِذَا بُشّرَ َأحَدُ ُهمْ بِالنْثَى َ‬
‫ح ُكمُونَ (‬
‫علَى هُونٍ َأمْ يَ ُدسّهُ فِي التّرَابِ أَل سَاءَ مَا يَ ْ‬
‫سكُهُ َ‬
‫يَ َتوَارَى مِنَ ا ْلقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشّرَ ِبهِ أَ ُيمْ ِ‬
‫حكِيمُ (‪} )60‬‬
‫سوْ ِء وَلِلّهِ ا ْلمَ َثلُ العْلَى وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫‪ )59‬لِلّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ مَ َثلُ ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع ال غيره من الصنام والوثان والنداد ‪ ،‬وجعلوا‬
‫صلُ‬
‫ع ِمهِ ْم وَهَذَا لِشُ َركَائِنَا َفمَا كَانَ لِشُ َركَا ِئهِمْ فَل َي ِ‬
‫لها نصيبا مما رزقهم ال فقالوا ‪َ { :‬هذَا لِلّهِ بِزَ ْ‬
‫صلُ إِلَى شُ َركَا ِئهِمْ } [النعام ‪ ]136 :‬أي ‪ :‬جعلوا‬
‫إِلَى اللّهِ [بغير علم] (‪َ )4‬ومَا كَانَ لِلّهِ َف ُهوَ َي ِ‬
‫للهتهم نصيبًا مع ال وفضلوهم (‪ )5‬أيضًا على جانبه ‪ ،‬فأقسم ال تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم‬
‫عن ذلك الذي افتروه ‪ ،‬وائتفكوه ‪ ،‬وليقابلنهم (‪ )6‬عليه وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم ‪،‬‬
‫عمّا كُنْتُمْ َتفْتَرُونَ }‬
‫فقال ‪ { :‬تَاللّهِ لَُتسْأَلُنّ َ‬
‫ثم أخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملئكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ‪ ،‬وجعلوها بنات ال ‪،‬‬
‫وعبدوها معه ‪ ،‬فأخطؤوا خطأ كبيرًا في كل مقام من هذه المقامات الثلث ‪ ،‬فنسبوا إليه تعالى أن‬
‫له ولدا ‪ ،‬ول ولد له! ثم أعطوه أخس القسمين من الولد وهو البنات ‪ ،‬وهم ل يرضونها لنفسهم‬
‫سمَ ٌة ضِيزَى } [النجم ‪ ]22 ، 21 :‬وقال هاهنا ‪:‬‬
‫‪ ،‬كما قال ‪ { :‬أََلكُمُ ال ّذكَ ُر وَلَهُ النْثَى تِ ْلكَ إِذًا قِ ْ‬
‫جعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُ ْبحَانَهُ } أي ‪ :‬عن قولهم وإفكهم { أَل إِ ّنهُمْ مِنْ ِإ ْف ِكهِمْ لَ َيقُولُونَ وََلدَ اللّهُ وَإِ ّنهُمْ‬
‫{ وَيَ ْ‬
‫ح ُكمُونَ } [الصافات ‪.]154 - 151 :‬‬
‫علَى الْبَنِينَ مَا َلكُمْ كَ ْيفَ تَ ْ‬
‫طفَى الْبَنَاتِ َ‬
‫َلكَاذِبُونَ َأصْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وتلجئون في الرغبة إليه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬قيضناهم لذلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من "ف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬وفضلوها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬وليقابلهم"‪.‬‬

‫( ‪)4/577‬‬

‫سمّى فَإِذَا جَاءَ‬


‫جلٍ ُم َ‬
‫وََلوْ ُيؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ ِبظُ ْل ِمهِمْ مَا تَ َركَ عَلَ ْيهَا مِنْ دَابّ ٍة وََلكِنْ ُيؤَخّرُ ُهمْ إِلَى َأ َ‬
‫ن وَ َتصِفُ أَلْسِنَ ُت ُهمُ ا ْلكَ ِذبَ أَنّ‬
‫جعَلُونَ لِلّهِ مَا َيكْرَهُو َ‬
‫أَجَُل ُهمْ لَا يَسْتَ ْأخِرُونَ سَاعَةً وَلَا َيسْ َتقْ ِدمُونَ (‪ )61‬وَيَ ْ‬
‫َلهُمُ ا ْلحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنّ َلهُمُ النّا َر وَأَ ّنهُمْ مُفْرَطُونَ (‪)62‬‬

‫وقوله ‪ { :‬وََلهُمْ مَا َيشْ َتهُونَ } أي ‪ :‬يختارون لنفسهم الذكور ويأنَفُون لنفسهم من البنات التي‬
‫جهُهُ‬
‫ل وَ ْ‬
‫ظّ‬‫نسبوها إلى ال ‪ ،‬تعالى ال عن قولهم علوًا كبيرًا ‪ ،‬فإنه { وَِإذَا بُشّرَ َأحَ ُدهُمْ بِالنْثَى َ‬
‫سوَدّا } أي ‪ :‬كئيبا من الهم ‪ { ،‬وَ ُهوَ كَظِيمٌ } ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن ‪ { ،‬يَ َتوَارَى‬
‫مُ ْ‬
‫سكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ َيدُسّهُ فِي التّرَابِ‬
‫مِنَ ا ْل َقوْمِ } أي ‪ :‬يكره أن يراه الناس { مِنْ سُوءِ مَا ُبشّرَ بِهِ أَ ُي ْم ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫} أي ‪ :‬إن أبقاها أبقاها مهانة ل يورثها ‪ ،‬ول يعتني بها ‪ ،‬ويفضل أولده الذكور عليها ‪َ { ،‬أمْ‬
‫يَدُسّهُ فِي التّرَابِ } أي ‪ :‬يئدها ‪ :‬وهو ‪ :‬أن يدفنها فيه حية ‪ ،‬كما كانوا يصنعون في الجاهلية ‪،‬‬
‫ح ُكمُونَ } أي ‪ :‬بئس‬
‫أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون لنفسهم عنه يجعلونه ل ؟ { أَل سَاءَ مَا يَ ْ‬
‫حدُهُمْ ِبمَا ضَ َربَ‬
‫ما قالوا ‪ ،‬وبئس ما قسموا ‪ ،‬وبئس ما نسبوا إليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذَا بُشّرَ أَ َ‬
‫ن ل ُي ْؤمِنُونَ‬
‫سوَدّا وَ ُهوَ َكظِيمٌ } [الزخرف ‪ ، ]17 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬لِلّذِي َ‬
‫جهُهُ مُ ْ‬
‫ل وَ ْ‬
‫ظّ‬‫حمَنِ مَثَل َ‬
‫لِلرّ ْ‬
‫سوْءِ } أي ‪ :‬النقص إنما ينسب إليهم ‪ { ،‬وَلِلّهِ ا ْلمَ َثلُ العْلَى } أي ‪ :‬الكمال المطلق‬
‫بِالخِ َرةِ مَ َثلُ ال ّ‬
‫حكِيمُ }‬
‫من كل وجه ‪ ،‬وهو منسوب إليه ‪ { ،‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫سمّى فَإِذَا جَاءَ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫ظ ْل ِمهِمْ مَا تَ َركَ عَلَ ْيهَا مِنْ دَابّ ٍة وََلكِنْ ُيؤَخّرُهُمْ إِلَى أَ َ‬
‫خذُ اللّهُ النّاسَ بِ ُ‬
‫{ وََلوْ ُيؤَا ِ‬
‫ن وَ َتصِفُ أَلْسِنَ ُت ُهمُ ا ْلكَ ِذبَ‬
‫جعَلُونَ لِلّهِ مَا َيكْرَهُو َ‬
‫أَجَُل ُهمْ ل يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَ ًة وَل َيسْ َتقْ ِدمُونَ (‪ )61‬وَيَ ْ‬
‫أَنّ َلهُمُ الْحُسْنَى ل جَ َرمَ أَنّ َل ُهمُ النّا َر وَأَ ّنهُمْ ُمفْرَطُون (‪} )62‬‬
‫يخبر تعالى عن حلمه (‪ )1‬بخلقه مع ظلمهم ‪ ،‬وأنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر‬
‫الرض من دابة ‪ ،‬أي ‪ :‬لهلك جميع دواب الرض تبعًا لهلك بني آدم ‪ ،‬ولكن الرب ‪ ،‬جل‬
‫سمّى } أي ‪ :‬ل يعاجلهم بالعقوبة ؛ إذ لو فعل ذلك بهم‬
‫جلٍ ُم َ‬
‫جلله ‪ ،‬يحلم ويستر ‪ ،‬وينظر { إِلَى َأ َ‬
‫لما أبقى أحدًا‪.‬‬
‫جعَل أن يعذب بذنب بني‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص أنه قال ‪ :‬كاد ال ُ‬
‫آدم ‪ ،‬وقرأ ‪ { :‬وََلوْ ُيؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ ِبظُ ْل ِمهِمْ مَا تَ َركَ عَلَ ْيهَا (‪ )2‬مِنْ دَابّةٍ } (‪.)3‬‬
‫جعَل أن يهلك‬
‫وكذا َروَى العمش ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي عُبَيدة قال ‪ :‬قال عبد ال ‪ :‬كاد ال ُ‬
‫في جحره بخطيئة بني آدم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعي ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫جابر الحنفي (‪ ، )4‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن أبي سلمة قال ‪ :‬سمع أبو هريرة رجل وهو‬
‫يقول ‪ :‬إن الظالم ل يضر إل نفسه (‪ .)5‬قال ‪ :‬فالتفت إليه فقال ‪ :‬بلى وال ‪ ،‬حتى إن الحبارى‬
‫لتموت في وكرها [هُزال] (‪ )6‬بظلم الظالم (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬علمه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬على ظهرها" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)14/85‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الجعفي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬بنفسه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )14/85‬وقال ابن حجر ‪" :‬في إسناده محمد بن جابر اليمامي ‪ ،‬وهو‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫متروك"‪.‬‬

‫( ‪)4/578‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬أنبأنا الوليد بن عبد الملك بن عبيد ال (‪ )1‬بن‬
‫شجَعة بن‬
‫مسرح ‪ ،‬حدثنا سليمان (‪ )2‬بن عطاء ‪ ،‬عن مسْلَمة (‪ )3‬بن عبد ال ‪ ،‬عن عمه أبي مَ ْ‬
‫رِبْعي ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ذكرنا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‬
‫‪" :‬إن ال ل يؤخر شيئا إذا جاء أجله ‪ ،‬وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة ‪ ،‬يرزقها ال العبد‬
‫فيدعون له من بعده ‪ ،‬فيلحقه دعاؤهم في قبره ‪ ،‬فذلك زيادة العمر" (‪.)4‬‬
‫جعَلُونَ لِلّهِ مَا َيكْرَهُونَ } أي ‪ :‬من البنات ومن الشركاء الذين هم [من] (‪ )5‬عبيده ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫وهم يأنفون أن يكون عند أحدهم شريك له في ماله‪.‬‬
‫صفُ َألْسِنَ ُتهُمُ ا ْل َك ِذبَ أَنّ َلهُمُ ا ْلحُسْنَى } إنكار عليهم في دعواهم مع ذلك أن لهم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َت ِ‬
‫الحسنى في الدنيا ‪ ،‬وإن كان ث ّم معاد ففيه أيضا لهم الحسنى ‪ ،‬وإخبار عن قيل من قال منهم ‪،‬‬
‫حمَةً ُثمّ نزعْنَاهَا مِ ْنهُ إِنّهُ لَيَئُوسٌ َكفُورٌ وَلَئِنْ أَ َذقْنَاهُ َن ْعمَاءَ َبعْدَ‬
‫كقوله ‪ { :‬وَلَئِنْ أَ َذقْنَا النْسَانَ مِنّا رَ ْ‬
‫ضَرّاءَ مَسّ ْتهُ لَ َيقُولَنّ ذَ َهبَ السّيّئَاتُ عَنّي إِنّهُ َلفَرِحٌ َفخُورٌ } [هود ‪ ، ]10 ، 9 :‬وكقوله (‪: )6‬‬
‫ج ْعتُ‬
‫حمَةً مِنّا مِنْ َبعْ ِد ضَرّاءَ مَسّ ْتهُ لَ َيقُولَنّ هَذَا لِي َومَا أَظُنّ السّاعَةَ قَا ِئمَ ًة وَلَئِنْ رُ ِ‬
‫{ وَلَئِنْ َأ َذقْنَاهُ رَ ْ‬
‫عمِلُوا وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [فصلت ‪:‬‬
‫إِلَى رَبّي إِنّ لِي عِ ْن َدهُ لَ ْلحُسْنَى فَلَنُنَبّئَنّ الّذِينَ كَفَرُوا ِبمَا َ‬
‫خذَ عِنْدَ‬
‫ل لوتَيَنّ مَال َووَلَدًا [َأطّلَعَ ا ْلغَ ْيبَ َأمِ اتّ َ‬
‫‪ ، ]50‬وقوله ‪َ { :‬أفَرَأَ ْيتَ الّذِي َكفَرَ (‪ )7‬بِآيَاتِنَا َوقَا َ‬
‫خلَ جَنّ َت ُه وَ ُهوَ‬
‫ع ْهدًا ] } [مريم ‪ )8( ]78 ، 77 :‬وقال إخبارا عن أحد الرجلين ‪ :‬أنه { وَدَ َ‬
‫حمَنِ َ‬
‫الرّ ْ‬
‫جدَنّ‬
‫عةَ قَا ِئمَ ًة وَلَئِنْ رُ ِد ْدتُ إِلَى رَبّي ل ِ‬
‫ظَاِلمٌ لِ َنفْسِهِ قَالَ (‪ )9‬مَا َأظُنّ أَنْ تَبِيدَ َه ِذهِ أَبَدًا َومَا َأظُنّ السّا َ‬
‫خَيْرًا مِ ْنهَا مُ ْنقَلَبًا } [الكهف ‪ - ]36 ، 35 :‬فجمع هؤلء بين عمل السوء وتمني الباطل ‪ ،‬بأن‬
‫يجازوا على ذلك حسنا وهذا مستحيل ‪ ،‬كما ذكر ابن إسحاق ‪ :‬أنه وُجد حجر في أساس الكعبة‬
‫حكَم ومواعظ ‪ ،‬فمن (‪ )10‬ذلك ‪ :‬تعملون السيئات (‪)11‬‬
‫حين نقضوها ليجددوها مكتوب عليه ِ‬
‫ويجزون الحسنات ؟ أجل كما يجتنى (‪ )12‬من الشوك العنب (‪.)13‬‬
‫صفُ أَ ْلسِنَ ُتهُمُ ا ْل َك ِذبَ أَنّ َلهُمُ ا ْلحُسْنَى } أي (‪ )14‬الغلمان‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ { :‬وَ َت ِ‬
‫وقال ابن جرير ‪ { :‬أَنّ َلهُمُ الْحُسْنَى } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬كما قدمنا بيانه ‪ ،‬وهو الصواب ‪ ،‬ول‬
‫الحمد‪.‬‬
‫ولهذا قال ال تعالى رادا عليهم في تمنيهم [ذلك] (‪ { )15‬ل جَرَمَ } أي ‪ :‬حقا ل بد منه { أَنّ َلهُمُ‬
‫النّارَ } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ { ،‬وَأَ ّنهُمْ ُمفْرَطُونَ }‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الوليد بن عبد ال بن عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬سفيان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )3/285‬من طريق الوليد بن عبد الملك به نحوه ‪ ،‬وفيه سليمان‬
‫بن عطاء مجمع على ضعفه‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من "ت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬الذين كفروا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬السوء"‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يجني"‪.‬‬
‫(‪ )13‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/196‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬إلي"‪.‬‬
‫(‪ )15‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/579‬‬

‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‬
‫عمَاَل ُهمْ َف ُهوَ وَلِ ّيهُمُ الْ َيوْ َم وََلهُمْ َ‬
‫تَاللّهِ َلقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ُأمَمٍ مِنْ قَبِْلكَ فَزَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ أَ ْ‬
‫ح َمةً ِلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪)64‬‬
‫‪َ )63‬ومَا أَنْزَلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ إِلّا لِتُبَيّنَ َل ُهمُ الّذِي اخْتََلفُوا فِي ِه وَهُدًى وَرَ ْ‬

‫قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬وقتادة وغيرهم ‪ :‬منسيون فيها مضيعون‪.‬‬


‫وهذا كقوله تعالى ‪ { :‬فَالْ َيوْمَ نَ ْنسَاهُمْ َكمَا َنسُوا ِلقَاءَ َي ْو ِمهِمْ هَذَا } [العراف ‪)1( .]51 :‬‬
‫وعن قتادة أيضا ‪ { :‬مُفْرَطُونَ } أي ‪ :‬معجلون إلى النار ‪ ،‬من الفَرَط وهو السابق إلى الوِرْد ول‬
‫منافاة لنهم يعجل بهم يوم القيامة إلى النار ‪ ،‬وينسون فيها ‪ ،‬أي ‪ :‬يخلدون‪.‬‬
‫عمَاَلهُمْ َف ُه َو وَلِ ّيهُمُ الْ َيوْمَ وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‬
‫{ تَاللّهِ َلقَدْ أَ ْرسَلْنَا إِلَى ُأمَمٍ مِنْ قَبِْلكَ فَزَيّنَ َل ُهمُ الشّ ْيطَانُ أَ ْ‬
‫حمَةً ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪} )64‬‬
‫‪َ )63‬ومَا أَنزلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ إِل لِتُبَيّنَ َلهُمُ الّذِي اخْ َتَلفُوا فِي ِه وَ ُهدًى وَرَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ننساكم كما نسيتم" وهو خطأ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/580‬‬

‫س َمعُونَ (‪ )65‬وَإِنّ‬
‫سمَاءِ مَاءً فََأحْيَا بِهِ الْأَ ْرضَ َب ْعدَ َموْ ِتهَا إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَةً ِل َقوْمٍ يَ ْ‬
‫وَاللّهُ أَنْ َزلَ مِنَ ال ّ‬
‫ث وَدَمٍ لَبَنًا خَاِلصًا سَا ِئغًا لِلشّارِبِينَ (‪)66‬‬
‫سقِيكُمْ ِممّا فِي ُبطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَ ْر ٍ‬
‫َلكُمْ فِي الْأَ ْنعَامِ َلعِبْ َرةً ُن ْ‬
‫سكَرًا وَرِ ْزقًا حَسَنًا إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَةً ِلقَوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪)67‬‬
‫َومِنْ َثمَرَاتِ النّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتّخِذُونَ مِنْهُ َ‬

‫س َمعُونَ (‪} )65‬‬


‫ك ليَةً ِل َقوْمٍ يَ ْ‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا ِبهِ ال ْرضَ َب ْعدَ َموْ ِتهَا إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫{ وَاللّهُ أَنزلَ مِنَ ال ّ‬
‫يذكر تعالى أنه أرسل إلى المم الخالية رُسُل فكُذّبت الرسل ‪ ،‬فلك يا محمد في إخوانك من‬
‫المرسلين أسوة ‪ ،‬فل يهيدنّك تكذيب قومك لك ‪ ،‬وأما المشركون الذين كذبوا الرسل ‪ ،‬فإنما حملهم‬
‫على ذلك تزيين الشيطان لهم ما فعلوه ‪َ { ،‬ف ُه َو وَلِ ّيهُمُ الْ َيوْمَ } أي ‪ :‬هم تحت العقوبة والنكال ‪،‬‬
‫والشيطان وليهم ‪ ،‬ول يملك لهم خلصا ؛ ول صريخ لهم ولهم عذاب أليم‪.‬‬
‫ثم قال (‪ )1‬تعالى لرسوله ‪ :‬أنه إنما أنزل (‪ )2‬عليه الكتاب ليبين للناس الذي يختلفون فيه ‪،‬‬
‫حمَةً } أي ‪ :‬لمن‬
‫فالقرآن فاصل بين الناس في كل ما يتنازعون فيه { وَهُدًى } أي ‪ :‬للقلوب ‪ { ،‬وَرَ ْ‬
‫تمسك به ‪ِ { ،‬ل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ }‬
‫وكما جعل تعالى القرآن حياة للقلوب الميتة بكفرها ‪ ،‬كذلك يحيي [ال] (‪ )3‬الرض بعد موتها بما‬
‫س َمعُونَ } أي ‪ :‬يفهمون الكلم‬
‫ك ليَةً ِل َقوْمٍ يَ ْ‬
‫ينزله (‪ )4‬عليها من السماء من ماء ‪ { ،‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫ومعناه‪.‬‬
‫ث وَدَمٍ لَبَنًا خَاِلصًا سَا ِئغًا لِلشّارِبِينَ (‬
‫سقِيكُمْ ِممّا فِي ُبطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَ ْر ٍ‬
‫{ وَإِنّ َل ُكمْ فِي ال ْنعَامِ َلعِبْ َرةً ُن ْ‬
‫سكَرًا وَرِ ْزقًا حَسَنًا إِنّ فِي َذِلكَ ليَةً ِلقَوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‬
‫خذُونَ مِنْهُ َ‬
‫ل وَالعْنَابِ تَتّ ِ‬
‫‪َ )66‬ومِنْ َثمَرَاتِ النّخِي ِ‬
‫‪} )67‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَإِنّ َلكُمْ } أيها الناس { فِي ال ْنعَامِ } وهي ‪ :‬البل والبقر والغنم ‪َ { ،‬لعِبْ َرةً } أي ‪:‬‬
‫سقِيكُمْ ِممّا فِي بُطُونِهِ } وأفرد هاهنا‬
‫لية ودللة على قدرة خالقها وحكمته ولطفه ورحمته ‪ { ،‬نُ ْ‬
‫[الضمير] (‪ )5‬عودًا على معنى النعم ‪ ،‬أو الضمير (‪ )6‬عائد على الحيوان ؛ فإن النعام‬
‫حيوانات ‪ ،‬أي نسقيكم مما في بطن (‪ )7‬هذا الحيوان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬نزل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬نزله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والضمير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بطون"‪.‬‬

‫( ‪)4/580‬‬

‫حلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ ا ْلجِبَالِ بُيُوتًا َومِنَ الشّجَ ِر َو ِممّا َيعْرِشُونَ (‪ )68‬ثُمّ كُلِي مِنْ‬
‫وََأوْحَى رَ ّبكَ ِإلَى النّ ْ‬
‫شفَاءٌ لِلنّاسِ إِنّ فِي‬
‫ُكلّ ال ّثمَرَاتِ فَاسُْلكِي سُ ُبلَ رَ ّبكِ ذُلُلًا َيخْرُجُ مِنْ بُطُو ِنهَا شَرَابٌ ُمخْتَِلفٌ َأ ْلوَانُهُ فِيهِ ِ‬
‫ذَِلكَ لَآَ َيةً ِل َقوْمٍ يَ َتفَكّرُونَ (‪)69‬‬

‫وفي الية الخرى ‪ِ { :‬ممّا فِي بُطُو ِنهَا } [المؤمنون ‪ ، ]21 :‬ويجوز هذا وهذا ‪ ،‬كما في قوله‬
‫تعالى ‪ { :‬كَل إِنّهُ تَ ْذكِ َرةٌ َفمَنْ شَاءَ َذكَ َرهُ } [المدثر ‪ ، ]55 ، 54 :‬وفي قوله تعالى ‪ { :‬وَإِنّي مُرْسَِلةٌ‬
‫إِلَ ْيهِمْ ِب َهدِيّةٍ فَنَاظِ َرةٌ بِمَ يَ ْرجِعُ ا ْلمُرْسَلُونَ فََلمّا جَاءَ سُلَ ْيمَانَ } [النمل ‪ ]36 ، 35 :‬أي ‪ :‬المال‪.‬‬
‫ث وَ َدمٍ لَبَنًا خَاِلصًا } أي ‪ :‬يتخلص الدم بياضه وطعمه وحلوته من بين‬
‫وقوله ‪ { :‬مِنْ بَيْنِ فَ ْر ٍ‬
‫فرث ودم في باطن الحيوان ‪ ،‬فيسري كلٌ إلى موطنه ‪ ،‬إذا نضج الغذاء في معدته تصرف (‪)1‬‬
‫منه دم إلى العروق ‪ ،‬ولبن إلى الضرع (‪ )2‬وبول إلى المثانة ‪ ،‬وروث إلى المخرج ‪ ،‬وكل منها‬
‫ل يشوب الخر ول يمازجه بعد انفصاله عنه ‪ ،‬ول يتغير به‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لَبَنًا خَاِلصًا سَا ِئغًا لِلشّارِبِينَ } أي ‪ :‬ل يغص به أحد (‪.)3‬‬
‫ولما ذكر اللبن وأنه تعالى جعله شرابا للناس سائغا (‪ ، )4‬ثَنّى بذكر ما يتخذه الناس من الشربة ‪،‬‬
‫من ثمرات النخيل والعناب ‪ ،‬وما كانوا يصنعون من النبيذ المسكر قبل تحريمه ؛ ولهذا امتن به‬
‫سكَرًا } دل على إباحته شرعا قبل‬
‫ل وَالعْنَابِ تَتّخِذُونَ مِنْهُ َ‬
‫عليهم فقال ‪َ { :‬ومِنْ َثمَرَاتِ النّخِي ِ‬
‫سكَر المتخذ من العنب ‪ ،‬والمتخذ من النخل كما هو مذهب‬
‫تحريمه ‪ ،‬ودل على التسوية بين ال ّ‬
‫حكْم سائر الشربة المتخذة من الحنطة والشعير‬
‫مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء ‪ ،‬وكذا ُ‬
‫والذرة والعسل ‪ ،‬كما جاءت السنة بتفصيل ذلك ‪ ،‬وليس هذا موضع بسط ذلك ‪ ،‬كما قال (‪ )5‬ابن‬
‫سكَر ‪ :‬ما حرم من ثمرتيهما ‪ ،‬والرزق الحسن ما‬
‫حسَنًا } قال ‪ :‬ال ّ‬
‫سكَرًا وَرِ ْزقًا َ‬
‫عباس في قوله ‪َ { :‬‬
‫أحل من ثمرتيهما‪ .‬وفي رواية ‪ :‬السّكر حرامه ‪ ،‬والرزق الحسن حلله‪ .‬يعني ‪ :‬ما يبس منهما من‬
‫تمر وزبيب ‪ ،‬وما عمل منهما من طلء ‪ -‬وهو الدّبس (‪ - )6‬وخل ونبيذ ‪ ،‬حلل يشرب قبل أن‬
‫يشتد ‪ ،‬كما وردت السنة بذلك‪.‬‬
‫ك ليَةً ِل َقوْمٍ َيعْقِلُونَ } ناسب ذكر العقل هاهنا ‪ ،‬فإنه أشرف ما في النسان ؛ ولهذا حرم‬
‫{ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫جعَلْنَا فِيهَا جَنّاتٍ مِنْ‬
‫ال على هذه المة الشربة المسكرة صيانة لعقولها ؛ قال ال تعالى ‪ { :‬وَ َ‬
‫شكُرُونَ سُبْحَانَ‬
‫عمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ َأفَل يَ ْ‬
‫ل وَأَعْنَابٍ َوفَجّرْنَا فِيهَا مِنَ ا ْلعُيُونِ لِيَ ْأكُلُوا مِنْ َثمَ ِرهِ َومَا َ‬
‫نَخِي ٍ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سهِ ْم َو ِممّا ل َيعَْلمُونَ } [يس ‪.]36 - 34 :‬‬
‫الّذِي خَلَقَ الزْوَاجَ كُّلهَا ِممّا تُنْ ِبتُ ال ْرضُ َومِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫خذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا َومِنَ الشّجَ ِر َو ِممّا َيعْرِشُونَ (‪ُ )68‬ثمّ كُلِي مِنْ‬
‫حلِ أَنِ اتّ ِ‬
‫{ وََأوْحَى رَ ّبكَ إِلَى النّ ْ‬
‫شفَاءٌ لِلنّاسِ إِنّ فِي‬
‫ُكلّ ال ّثمَرَاتِ فَاسُْلكِي سُ ُبلَ رَ ّبكِ ذُلُل يَخْرُجُ مِنْ بُطُو ِنهَا شَرَابٌ مُخْتَِلفٌ أَ ْلوَانُهُ فِيهِ ِ‬
‫ك ليَةً ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ (‪} )69‬‬
‫ذَِل َ‬
‫المراد بالوحي هاهنا ‪ :‬اللهام والهداية والرشاد إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها ‪،‬‬
‫ومن الشجر ‪ ،‬ومما يعرشون‪ .‬ثم هي محكمة في غاية التقان في تسديسها ورصها ‪ ،‬بحيث ل‬
‫يكون بينها خلَل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يصرف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الضروع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أحد به"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬وسائغا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬قاله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬الطلء ‪ :‬الشراب المطبوخ من عصير العنب ‪ ،‬وأما الدبس ‪ :‬فهو عسل التمر وعصارته‪.‬‬

‫( ‪)4/581‬‬

‫ثم أذن لها تعالى إذنا قدريا تسخيريا أن تأكل من كل الثمرات ‪ ،‬وأن تسلك الطرق التي جعلها ال‬
‫تعالى لها مذللة ‪ ،‬أي ‪ :‬سهلة عليها حيث شاءت في هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة ‪،‬‬
‫والودية والجبال الشاهقة ‪ ،‬ثم تعود كل واحدة منها إلى موضعها وبيتها ‪ ،‬ل تحيد عنه يمنة ول‬
‫يسرة ‪ ،‬بل إلى بيتها وما لها فيه من فراخ وعسل ‪ ،‬فتبني الشمع من أجنحتها ‪ ،‬وتقيء العسل من‬
‫فيها (‪ )1‬وتبيض الفراخ من دبرها ‪ ،‬ثم تصبح إلى مراعيها‪.‬‬
‫سُلكِي سُ ُبلَ رَ ّبكِ ذُلُل } أي ‪ :‬مطيعة‪ .‬فجعله‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ { :‬فَا ْ‬
‫حال من السالكة‪ .‬قال ابن زيد ‪ :‬وهو كقول ال تعالى ‪َ { :‬وذَلّلْنَاهَا َلهُمْ َفمِ ْنهَا َركُو ُبهُ ْم َومِ ْنهَا يَ ْأكُلُونَ‬
‫} [يس ‪ ]72 :‬قال ‪ :‬أل ترى أنهم ينقلون النحل (‪ )2‬من بيوته من بلد إلى بلد وهو يصحبهم‪.‬‬
‫والقول الول أظهر ‪ ،‬وهو أنه حال من الطريق ‪ ،‬أي ‪ :‬فاسلكيها مذلّلةً لك ‪ ،‬نص عليه مجاهد‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬كل القولين صحيح (‪.)3‬‬
‫سكَيْن (‪ )4‬بن عبد العزيز ‪ ،‬عن‬
‫وقد قال أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا شيبان بن فَرّوخ ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫عمْرُ الذباب أربعون يوما ‪ ،‬والذباب كله في‬
‫أنس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ُ " :‬‬
‫النار إل النحل" (‪.)5‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله تعالى { يَخْرُجُ مِنْ ُبطُو ِنهَا شَرَابٌ مُخْتَِلفٌ أَ ْلوَانُهُ } أي ‪ :‬ما بين أبيض وأصفر وأحمر وغير‬
‫ذلك من اللوان الحسنة ‪ ،‬على اختلف مراعيها ومأكلها منها (‪.)6‬‬
‫شفَاءٌ لِلنّاسِ } أي ‪ :‬في العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم‪ .‬قال بعض من‬
‫وقوله ‪ { :‬فِيهِ ِ‬
‫شفَاءٌ‬
‫تكلم على الطب النبوي ‪ :‬لو قال فيه ‪" :‬الشفاء للناس" لكان دواء لكل داء ‪ ،‬ولكن قال { فِيهِ ِ‬
‫لِلنّاسِ } أي ‪ :‬يصلح لكل أحد من أدواء باردة ‪ ،‬فإنه حار ‪ ،‬والشيء يداوى بضده‪.‬‬
‫شفَاءٌ لِلنّاسِ } يعني ‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫وقال مجاهد بن جَبْر (‪ )7‬في قوله ‪ { :‬فِيهِ ِ‬
‫وهذا قول صحيح في نفسه ‪ ،‬ولكن ليس هو الظاهر هاهنا من سياق الية ؛ فإن الية إنما ذكر‬
‫فيها العسل ‪ ،‬ولم يتابع مجاهد على قوله هاهنا ‪ ،‬وإنما الذي قاله ذكروه في قوله تعالى ‪ { :‬وَنُنزلُ‬
‫حمَةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } الية [السراء ‪ .]82 :‬وقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ َقدْ‬
‫شفَا ٌء وَ َر ْ‬
‫مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ‬
‫حمَةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } [يونس ‪.]57 :‬‬
‫شفَاءٌ ِلمَا فِي الصّدُو ِر وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫جَاءَ ْتكُمْ َموْعِظَةٌ مِنْ رَ ّب ُك ْم وَ ِ‬
‫شفَاءٌ لِلنّاسِ } هو العسل ‪ -‬الحديثُ الذي رواه البخاري‬
‫والدليل على أن المراد بقوله تعالى ‪ { :‬فِيهِ ِ‬
‫ومسلم في صحيحيهما (‪ )8‬من رواية قتادة ‪ ،‬عن أبي المتوكل علي بن داود الناجي ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إن‬
‫أخي اس َتطْلَق بطنُه‪ .‬فقال ‪" :‬اسقه عسل"‪ .‬فسقاه عسل ثم جاء فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬سقيته عسل‬
‫فما زاده إل استطلقا! قال ‪" :‬اذهب فاسقه عسل"‪ .‬فذهب فسقاه ‪ ،‬ثم جاء فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما‬
‫زاده إل استطلقا! فقال رسول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فمها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ينتقلون بالنحل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬متجه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬مسكين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند أبي يعلى (‪ )7/231‬وحسنه البوصيري كما في حاشية المطالب العالية (‪.)296 /2‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬منه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬جبير"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬صحيحيهما"‪.‬‬

‫( ‪)4/582‬‬

‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬صدق ال ‪ ،‬وكذب بطن أخيك! اذهب فاسقه عسل"‪ .‬فذهب فسقاه فبرئ‬
‫(‪.)1‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال بعض العلماء بالطب ‪ :‬كان هذا الرجل عنده فضلت ‪ ،‬فلما سقاه عسل وهو حار تحللت ‪،‬‬
‫فأسرعت في الندفاع ‪ ،‬فزاد إسهاله ‪ ،‬فاعتقد (‪ )2‬العرابي أن هذا يضره وهو مصلحة لخيه ‪،‬‬
‫ثم سقاه فازداد التحليل والدفع ‪ ،‬ثم سقاه فكذلك ‪ ،‬فلما اندفعت الفضلت الفاسدة المضرة بالبدن‬
‫استمسك بطنه ‪ ،‬وصلح مزاجه ‪ ،‬واندفعت السقام واللم ببركة إشارته ‪ ،‬عليه من ربه أفضل‬
‫الصلة والسلم (‪.)3‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ ،‬من حديث هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ؛ أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يعجبه الحلواء والعسل‪ .‬هذا (‪ )4‬لفظ البخاري (‪.)5‬‬
‫وفي صحيح البخاري ‪ :‬من حديث سالم الفطس ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال‬
‫حجَم ‪ ،‬أو شربة عسل ‪ ،‬أو كيّةٍ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الشفاء في ثلثة ‪ :‬في شَرْطةِ مِ ْ‬
‫بنار ‪ ،‬وأنهى أمتي عن الكي" (‪.)6‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن الغَسِيل ‪ ،‬عن عاصم بن عمر بن قتادة ‪،‬‬
‫سمعت جابر بن عبد ال قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن كان في شيء‬
‫حجَم ‪ ،‬أو شربة عسل ‪ ،‬أو لذعة‬
‫من أدويتكم ‪ ،‬أو يكونُ في شيء من أدويتكم خير ‪ :‬ففي شرطة مِ ْ‬
‫بنار توافق الداء ‪ ،‬وما أحب أن أكتوي"‪.‬‬
‫ورواه مسلم من حديث عاصم بن عمر بن قتادة ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق ‪ ،‬أنبأنا عبد ال ‪ ،‬أنبأنا سعيد بن أبي أيوب ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫جهَني قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫ال بن الوليد ‪ ،‬عن أبي الخير ‪ ،‬عن عقبة بن عامر ال ُ‬
‫حجَم ‪ ،‬أو شربة عسل ‪ ،‬أو كيّة تصيب ألما ‪،‬‬
‫وسلم ‪" :‬ثلث إن كان في شيء شفاء ‪ :‬فشَرْطة مِ ْ‬
‫وأنا أكره الكي ول أحبه" (‪.)8‬‬
‫ورواه الطبراني عن هارون بن مَلّول (‪ )9‬المصري ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن المقرئ ‪[ ،‬عن حيوة‬
‫بن شريح] (‪ )10‬عن عبد ال بن الوليد ‪ ،‬به‪ .‬ولفظه ‪" :‬إن كان في شيء شفاء ‪ :‬فشرطة‬
‫محجم"‪ ...‬وذكره (‪ )11‬وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه‪.‬‬
‫وقال المام أبو عبد ال محمد بن يزيد (‪ )12‬بن ماجه القزويني في سننه ‪ :‬حدثنا علي بن سلمة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )5716‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2217‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬واعتقد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬زاد المعاد لبن القيم (‪ )36 - 4/33‬وفتح الباري لبن حجر (‪.)170 ، 10/169‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )5682‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1474‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)5681 ، 5680‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )5683‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2205‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)4/146‬‬
‫(‪ )9‬في هـ ‪ ،‬ف ‪" :‬مملول" وفي أ ‪" :‬سلول" والمثبت من المعجم للطبراني‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من المعجم الكبير للطبراني‪.‬‬
‫(‪ )11‬المعجم الكبير (‪ )17/188‬والمعجم الوسط برقم (‪ )9335‬ومجمع البحرين برقم (‪.)4165‬‬
‫تنبيه ‪ :‬وقع في المعجم الوسط عن أبي عبد الرحمن المقري ‪ ،‬عن سعيد بن أبي أيوب ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن الوليد به ‪ ،‬وقال ‪" :‬لم يروه عن عبد ال بن الوليد إل سعيد" وقد رايته في المعجم الكبير‬
‫رواه عنه شريح ‪ ،‬فل أدري هل هو خطأ أم ل ؟ وال أعلم‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يزيد"‪.‬‬

‫( ‪)4/583‬‬

‫‪ -‬هو اللبقي ‪ -‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثنا سفيان عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬عليكم بالشفاءين ‪:‬‬
‫العسل والقرآن" (‪.)1‬‬
‫وهذا إسناد جيد ‪ ،‬تفرد بإخراجه ابن ماجه مرفوعًا ‪ ،‬وقد رواه ابن جرير ‪ ،‬عن سفيان بن َوكِيع ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن سفيان ‪ -‬هو الثوري ‪ -‬به موقوفا (‪ : )2‬وَلَهو (‪ )3‬أشبه‪.‬‬
‫وروينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬إذا أراد أحدكم الشفاء‬
‫حفَة ‪ ،‬وليغسلها بماء السماء ‪ ،‬وليأخذ من امرأته درهما عن طيب‬
‫فليكتب آية من كتاب ال في صَ ْ‬
‫نفس منها ‪ ،‬فليشتر به عسل فليشربه بذلك ‪ ،‬فإنه شفاء (‪ .)4‬أي ‪ :‬من وجوه ‪ ،‬قال ال ‪ { :‬وَنُنزلُ‬
‫سمَاءِ مَاءً مُبَا َركًا } [ق ‪ ]9 :‬وقال‬
‫شفَاءٌ } [السراء ‪ ]82 :‬وقال ‪ { :‬وَنزلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ‬
‫شيْءٍ مِنْهُ َنفْسًا َفكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } [النساء ‪ ، ]4 :‬وقال في العسل ‪ { :‬فِيهِ‬
‫‪ { :‬فَإِنْ طِبْنَ َلكُمْ عَنْ َ‬
‫شفَاءٌ لِلنّاسِ }‬
‫ِ‬
‫خدَاش ‪ ،‬حدثنا سعيد بن زكريا القرشي ‪ ،‬حدثنا الزبير بن‬
‫وقال ابن ماجه أيضًا ‪ :‬حدثنا محمود بن ِ‬
‫سعيد الهاشمي ‪ ،‬عن عبد الحميد بن سالم ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من َلعِق العسل ثلث غَ َدوَاتٍ في كل شهر لم يصبه عظيم من البلء" (‪.)5‬‬
‫الزبير بن سعيد متروك‪.‬‬
‫وقال ابن ماجه أيضًا ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف بن سَرْح الفريابي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن‬
‫سكْسَكي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن أبي عبَلة‪ .‬سمعت أبا أبي ابن أم حَرَام ‪ -‬وكان قد صلى‬
‫بكر (‪ )6‬ال ّ‬
‫القبلتين ‪ -‬يقول ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬عليكم بالسّنَى والسّنّوت ‪ ،‬فإن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فيهما شفاء من كل داء إل السام"‪ .‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما السام ؟ قال ‪" :‬الموت"‪.‬‬
‫قال عمرو ‪ :‬قال ابن أبي عبلة ‪" :‬السّنّوت" ‪ :‬الشّ ْبتُ‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬بل هو العسل الذي [يكون] (‬
‫‪ )7‬في ِزقَاق السمن ‪ ،‬وهو قول الشاعر ‪:‬‬
‫سمْنُ بالسّنّوت ل ألْسَ فيهم‪ ...‬وَ ُهمْ يَم َنعُونَ الجارَ أنْ ُيقَرّدا‪...‬‬
‫هُمُ ال ّ‬
‫كذا رواه ابن ماجه (‪ .)8‬وقوله ‪" :‬ل أ ْلسَ فيهم" أي ‪ :‬ل خلط‪ .‬وقوله ‪" :‬يمنعون الجار أن يقَرّدا" ‪،‬‬
‫[أي يضطهد ويظلم] (‪.)9‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِلكَ ليَةً ِلقَوْمٍ يَ َتفَكّرُونَ } أي ‪ :‬إن في إلهام ال لهذه الدواب الضعيفة الخلقة إلى‬
‫السلوك في هذه المهامه والجتناء من سائر الثمار ‪ ،‬ثم جمعها للشمع والعسل ‪ ،‬وهو من أطيب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه رقم (‪.)3452‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )94 /14‬وقال الدارقطني في العلل ‪" :‬الموقوف أصح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قال ابن حجر في الفتح (‪" : )170 /10‬أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير بسند حسن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن ابن ماجة برقم (‪ )3450‬وهو منقطع أيضًا ‪ ،‬عبد الحميد بن سالم لم يسمعه من أبي‬
‫هريرة‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وسنن ابن ماجة‪.‬‬
‫(‪ )8‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )3457‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/123‬إسناده ضعيف" ثم‬
‫أعله بعمرو السكسكي‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/584‬‬

‫وَاللّهُ خََل َقكُمْ ثُمّ يَ َت َوفّاكُ ْم َومِ ْنكُمْ مَنْ يُ َردّ إِلَى أَرْ َذلِ ا ْل ُعمُرِ ِل َكيْ لَا َيعْلَمَ َب ْعدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ‬
‫ضكُمْ عَلَى َب ْعضٍ فِي الرّ ْزقِ َفمَا الّذِينَ ُفضّلُوا بِرَادّي رِ ْز ِقهِمْ عَلَى مَا مََل َكتْ‬
‫ضلَ َب ْع َ‬
‫(‪ )70‬وَاللّهُ َف ّ‬
‫حدُونَ (‪)71‬‬
‫سوَاءٌ َأفَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ َيجْ َ‬
‫أَ ْيمَا ُنهُمْ َفهُمْ فِيهِ َ‬

‫الشياء ‪ { ،‬ليَةً ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ } في عظمة خالقها ومقدرها ومسخرها وميسرها ‪ ،‬فيستدلون بذلك‬
‫على أنه [الفاعل] (‪ )1‬القادر ‪ ،‬الحكيم العليم ‪ ،‬الكريم الرحيم‪.‬‬
‫{ وَاللّهُ خََل َقكُمْ ُثمّ يَ َت َوفّاكُ ْم َومِ ْنكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَ ْر َذلِ ا ْل ُعمُرِ ِل َكيْ ل َيعْلَمَ َب ْعدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قَدِيرٌ (‪} )70‬‬
‫يخبر تعالى عن تصرفه في عباده ‪ ،‬وأنه هو الذي أنشأهم من العدم ‪ ،‬ثم بعد ذلك يتوفاهم ‪ ،‬ومنهم‬
‫خَلقَكُمْ‬
‫من يتركه حتى يدركه الهَرَم ‪ -‬وهو الضعف في الخلقة ‪ -‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬اللّهُ الّذِي َ‬
‫ض ْعفًا وَشَيْ َبةً يَخُْلقُ مَا يَشَا ُء وَ ُهوَ‬
‫ج َعلَ مِنْ َبعْدِ ُق ّو ٍة َ‬
‫ض ْعفٍ ُق ّوةً ُثمّ َ‬
‫ج َعلَ مِنْ َبعْ ِد َ‬
‫ضعْفٍ ثُمّ َ‬
‫ن َ‬
‫مِ ْ‬
‫ا ْلعَلِيمُ ا ْلقَدِيرُ } [الروم ‪.]54 :‬‬
‫وقد روي عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬في أرذل العمر [قال] (‪ )2‬خمس وسبعون سنة‪ .‬وفي هذا‬
‫السن يحصل له ضعف القوى والخرف وسوء الحفظ وقلة العلم ؛ ولهذا قال ‪ِ { :‬ل َكيْ ل َيعْلَمَ َب ْعدَ‬
‫عِلْمٍ شَيْئًا } (‪ )3‬أي ‪ :‬بعد ما كان عالمًا أصبح ل يدري شيئًا من الفَنَد والخرف ؛ ولهذا روى‬
‫البخاري عند تفسير هذه الية ‪:‬‬
‫شعَيب ‪ ،‬عن أنس‬
‫حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا هارون بن موسى أبو عبد ال العور ‪ ،‬عن ُ‬
‫بن مالك ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يدعو ‪" :‬أعوذ بك من البخل والكسل ‪ ،‬والهرم‬
‫وأرذل العمر ‪ ،‬وعذاب القبر ‪ ،‬وفتنة الدجال ‪ ،‬وفتنة المحيا والممات"‪.‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬من حديث هارون العور ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫وقال زهير بن أبي سلمى في معلقته (‪ )5‬المشهورة ‪:‬‬
‫سَئمتُ َتكَاليفَ الحيَاة ومَنْ يعشْ‪ ...‬ثمانينَ عاما ‪ -‬ل أبَالك ‪ -‬يَسْأم‪...‬‬
‫رَأيتُ المَنَايا خَبط عَشْواء من تصِبْ‪ ...‬تمتْه ومَنْ تُخْطئ ُي َعمّرْ فَيهْ َرمِ (‪)6‬‬
‫علَى مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُمْ‬
‫ضكُمْ عَلَى َب ْعضٍ فِي الرّزْقِ َفمَا الّذِينَ ُفضّلُوا بِرَادّي رِ ْز ِقهِمْ َ‬
‫ضلَ َب ْع َ‬
‫{ وَاللّهُ َف ّ‬
‫جحَدُونَ (‪} )71‬‬
‫سوَاءٌ َأفَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ يَ ْ‬
‫َفهُمْ فِيهِ َ‬
‫يبين تعالى للمشركين جهلهم وكفرهم فيما زعموه (‪ )7‬ل من الشركاء ‪ ،‬وهم يعترفون (‪ )8‬أنها‬
‫عبيد له ‪ ،‬كما كانوا يقولون في تلبياتهم في حجهم ‪" :‬لبيك ل شريك لك ‪ ،‬إل شريكا هو لك ‪،‬‬
‫تملكه وما ملك"‪ .‬فقال تعالى منكرا عليهم ‪ :‬إنكم (‪ )9‬ل ترضون أن تساووا عبيدكم فيما رزقناكم ‪،‬‬
‫فكيف يرضى هو تعالى بمساواة عبيده له في اللهية والتعظيم ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪:‬‬
‫سكُمْ َهلْ َلكُمْ مِنْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ مِنْ شُ َركَاءَ فِي مَا رَ َزقْنَا ُكمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ‬
‫{ ضَ َربَ َلكُمْ مَثَل مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫سكُمْ } (‪ )10‬الية [الروم ‪.]28 :‬‬
‫سوَاءٌ َتخَافُو َنهُمْ كَخِيفَ ِتكُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬من بعد" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4707‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2706‬وليس في الصحيح ‪" :‬والهرم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬قصيدته"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬ديوان زهير بن أبي سلمي (ص ‪.)29‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يزعمون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يعرفون"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أنتم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬فيما"‪.‬‬

‫( ‪)4/585‬‬

‫حفَ َد ًة وَرَ َز َقكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ‬


‫ن وَ َ‬
‫ج ُكمْ بَنِي َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫سكُمْ أَ ْزوَاجًا وَ َ‬
‫ج َعلَ َل ُكمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫وَاللّهُ َ‬
‫طلِ ُي ْؤمِنُونَ وَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ ُهمْ َي ْكفُرُونَ (‪)72‬‬
‫َأفَبِالْبَا ِ‬

‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬يقول ‪ :‬لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم‬
‫حدُونَ }‬
‫ونسائهم ‪ ،‬فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني ‪ ،‬فذلك قوله ‪َ { :‬أفَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ َيجْ َ‬
‫وقال في الرواية الخرى ‪ ،‬عنه ‪ :‬فكيف ترضون لي مال ترضون (‪ )1‬لنفسكم‪.‬‬
‫وقال مجاهد في هذه الية ‪ :‬هذا مثل اللهة الباطلة (‪.)2‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هذا مثل ضربه ال ‪ ،‬فهل منكم من أحد شارك (‪ )3‬مملوكه في زوجته وفي فراشه ‪،‬‬
‫فتعدلون بال خلقه وعباده ؟ فإن لم ترض لنفسك هذا ‪ ،‬فال (‪ )4‬أحق أن ينزه منك‪.‬‬
‫حدُونَ } أي ‪ :‬أنهم جعلوا ل مما ذرأ من الحرث والنعام نصيبا ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أفَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ َيجْ َ‬
‫فجحدوا نعمته (‪ )5‬وأشركوا معه غيره‪.‬‬
‫وعن الحسن البصري قال ‪ :‬كتب عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬هذه الرسالة إلى أبي‬
‫موسى الشعري ‪ :‬واقنع برزقك من الدنيا ‪ ،‬فإن الرحمن َفضّل بعض عباده على بعض في‬
‫الرزق ‪ ،‬بل (‪ )6‬يبتلي به كل فيبتلي من بَسَط له ‪ ،‬كيف شُكره ل وأداؤه الحق الذي افترض عليه‬
‫فيما رزقه وخوله ؟ رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫حفَ َدةً وَرَ َز َقكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ‬
‫ن َو َ‬
‫جكُمْ بَنِي َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫س ُكمْ أَ ْزوَاجًا وَ َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫{ وَاللّهُ َ‬
‫طلِ ُي ْؤمِنُونَ وَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ ُهمْ َي ْكفُرُونَ (‪} )72‬‬
‫َأفَبِالْبَا ِ‬
‫يذكر تعالى نعمه (‪ )7‬على عبيده ‪ ،‬بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجًا من جنسهم وشكلهم [وزيهم] (‬
‫‪ ، )8‬ولو جعل الزواج من نوع آخر لما حصل ائتلف ومودة ورحمة ‪ ،‬ولكن من رحمته خلق‬
‫من بني آدم ذكورًا وإناثا ‪ ،‬وجعل الناث أزواجا للذكور‪.‬‬
‫ثم ذكر تعالى أنه جعل من الزواج البنين والحفدة ‪ ،‬وهم أولد البنين‪ .‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حفَ َدةً } هم الولد وولد‬
‫ن وَ َ‬
‫قال شعبة ‪ ،‬عن أبى بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جُبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬بَنِي َ‬
‫الولد‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬بنوك حين‬
‫وقال سُنَيْد ‪ :‬حدثنا حجاج عن أبي بكر ‪ ،‬عن ِ‬
‫يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك‪ .‬قال جميل ‪:‬‬
‫جمَال (‪)9‬‬
‫حوْلهُن وأسلمت‪ ...‬بِأ ُكفّهن أ ِزمّةَ ال ْ‬
‫حفَد الولئد َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ترضوه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الباطل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬يشارك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فإن ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بنعمة ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بلء"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نعمته"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬البيت في تفسير الطبري (‪ )98 /14‬ونسبه لحميد‪.‬‬

‫( ‪)4/586‬‬

‫حفَ َدةً } ابنه وخادمه‪ .‬وقال في رواية ‪ :‬الحفدة ‪ :‬النصار والعوان‬


‫ن وَ َ‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬بَنِي َ‬
‫والخدام‪.‬‬
‫وقال طاوس ‪ :‬الحفدة ‪ :‬الخدم (‪ )1‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬والحسن البصري‪.‬‬
‫خ َدمَك‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة أنه قال ‪ :‬الحفدة ‪ :‬مَنْ َ‬
‫من ولدك وولد ولدك (‪.)2‬‬
‫قال الضحاك ‪ :‬إنما كانت العرب يخدمها بنوها‪.‬‬
‫حفَ َدةً } يقول ‪ :‬بنو امرأة‬
‫ن َو َ‬
‫جكُمْ بَنِي َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫الرجل ‪ ،‬ليسوا منه‪ .‬ويقال ‪ :‬الحفدة ‪ :‬الرجل يعمل بين يدي الرجل ‪ ،‬يقال ‪ :‬فلن يحفد لنا قال ‪:‬‬
‫ويزعم (‪ )3‬رجال أن الحفدة أخْتَان الرجل‪.‬‬
‫وهذا [القول] (‪ )4‬الخير الذي ذكره ابن عباس قاله ابن مسعود ‪ ،‬ومسروق ‪ ،‬وأبو الضّحى ‪،‬‬
‫وإبراهيم النّخَعيّ ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والقُرَظي‪ .‬ورواه عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هم الصهار‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حفْد" وهو الخدمة ‪ ،‬الذي منه قوله في‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وهذه القوال كلها داخلة في معنى ‪" :‬ال َ‬
‫القنوت ‪" :‬وإليك نسعى ونحفد" ‪ ،‬ولما كانت الخدمة قد تكون من الولد والصهار والخدم (‪)5‬‬
‫حفَ َدةً }‬
‫ن وَ َ‬
‫ج ُكمْ بَنِي َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫فالنعمة حاصلة بهذا كله ؛ ولهذا (‪ )6‬قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫حفَ َدةً } متعلقا بأزواجكم فل بد أن يكون المراد الولد ‪ ،‬وأولد الولد ‪،‬‬
‫قلت ‪ :‬فمن جعل { وَ َ‬
‫والصها ر ؛ لنهم أزواج البنات ‪ ،‬وأولد الزوجة ‪ ،‬وكما قال (‪ )7‬الشعبي والضحاك ‪ ،‬فإنهم‬
‫غالبا يكونون تحت كنف الرجل وفي حجْره وفي خدمته‪ .‬وقد يكون هذا هو المراد من قوله [عليه‬
‫الصلة ] (‪ )8‬والسلم في حديث بَصرة بن أكثم ‪" :‬والولد عبد لك" رواه أبو داود (‪.)9‬‬
‫سكُمْ أَ ْزوَاجًا‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫حفَدة هم الخدم فعنده أنه معطوف على قوله ‪ { :‬وَاللّهُ َ‬
‫وأما من جعل ال َ‬
‫} أي ‪ :‬وجعل لكم الزواج والولد (‪.)10‬‬
‫{ وَرَ َز َقكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ } من المطاعم والمشارب‪.‬‬
‫طلِ ُي ْؤمِنُونَ } وهم (‪: )11‬‬
‫ثم قال تعالى منكرا على من أشرك في عبادة المنعم غيره ‪َ { :‬أفَبِالْبَا ِ‬
‫الصنام والنداد ‪ { ،‬وَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ هُمْ َي ْكفُرُونَ } أي ‪ :‬يسترون نعم ال عليهم ويضيفونها إلى غيره‪.‬‬
‫وفي الحديث الصحيح ‪" :‬إن ال تعالى يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه" ألم أزوجك ؟ ألم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الخدام"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير عبد الرزاق (‪.)309 /1‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬وزعم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬والخدم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬لهذا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬قاله"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن أبي داود برقم (‪.)2131‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬وجعل لكم خدامًا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وهو"‪.‬‬

‫( ‪)4/587‬‬

‫أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيل والبل وأذرك ترأس وتَرْبع (‪ )1‬؟" (‪.)2‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وترتع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2968‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)4/588‬‬

‫ت وَالْأَ ْرضِ شَيْئًا وَلَا َيسْتَطِيعُونَ (‪ )73‬فَلَا‬


‫سمَاوَا ِ‬
‫وَ َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لَا َيمِْلكُ َلهُمْ رِ ْزقًا مِنَ ال ّ‬
‫َتضْرِبُوا ِللّهِ الَْأمْثَالَ إِنّ اللّهَ َيعْلَ ُم وَأَنْ ُتمْ لَا َتعَْلمُونَ (‪ )74‬ضَ َربَ اللّهُ مَثَلًا عَبْدًا َممْلُوكًا لَا َيقْدِرُ عَلَى‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ َبلْ َأكْثَرُ ُهمْ لَا‬
‫جهْرًا َهلْ يَسْ َتوُونَ الْ َ‬
‫حسَنًا َف ُهوَ يُ ْنفِقُ مِنْهُ سِرّا وَ َ‬
‫شيْ ٍء َومَنْ رَ َزقْنَاهُ مِنّا رِ ْزقًا َ‬
‫َ‬
‫شيْ ٍء وَ ُهوَ َكلّ عَلَى َموْلَاهُ أَيْ َنمَا‬
‫َيعَْلمُونَ (‪َ )75‬وضَ َربَ اللّهُ مَثَلًا َرجُلَيْنِ َأحَدُ ُهمَا أَ ْبكَم لَا َيقْدِرُ عَلَى َ‬
‫ل وَ ُهوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪)76‬‬
‫جهْهُ لَا يَ ْأتِ ِبخَيْرٍ َهلْ يَسْ َتوِي ُه َو َومَنْ يَ ْأمُرُ بِا ْلعَ ْد ِ‬
‫ُيوَ ّ‬

‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ شَيْئًا وَل َيسْتَطِيعُونَ (‪)73‬‬


‫{ وَ َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا ل َيمِْلكُ َلهُمْ رِ ْزقًا مِنَ ال ّ‬
‫فَل َتضْرِبُوا ِللّ ِه المْثَالَ إِنّ اللّهَ َيعَْل ُم وَأَنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ (‪} )74‬‬
‫يقول تعالى إخبارا عن المشركين الذين عبدوا معه غيره ‪ ،‬مع أنه هو المنعم المتفضل الخالق‬
‫الرازق وحده ل شريك له ‪ ،‬ومع هذا يعبدون من دونه من الصنام والنداد والوثان { مَا ل َيمِْلكُ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ شَيْئًا } أي ‪ :‬ل يقدر على إنزال مطر ول إنبات زرع ول‬
‫َلهُمْ رِ ْزقًا مِنَ ال ّ‬
‫شجر ‪ ،‬ول يملكون ذلك ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس لهم (‪ )1‬ذلك ول يقدرون عليه لو أرادوه ‪ ،‬ولهذا قال تعالى‬
‫{ فَل َتضْرِبُوا لِلّهِ المْثَالَ } أي ‪ :‬ل تجعلوا (‪ )2‬له أندادًا وأشباها (‪ )3‬وأمثال { إِنّ اللّهَ َيعَْل ُم وَأَنْتُمْ‬
‫ل َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬أنه يعلم ويشهد أنه ل إله إل ال (‪ )4‬وأنتم بجهلكم تشركون به غيره‪.‬‬
‫شيْ ٍء َومَنْ رَ َزقْنَاهُ مِنّا رِ ْزقًا حَسَنًا َف ُهوَ يُ ْنفِقُ مِنْهُ سِرّا‬
‫علَى َ‬
‫{ ضَ َربَ اللّهُ مَثَل عَبْدًا َممْلُوكًا ل َيقْدِرُ َ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َبلْ َأكْثَرُهُمْ ل َيعَْلمُونَ (‪} )75‬‬
‫جهْرًا َهلْ يَسْ َتوُونَ ا ْل َ‬
‫وَ َ‬
‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هذا مثل ضربه ال للكافر والمؤمن ‪ :‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬واختاره ابن‬
‫جرير‪.‬‬
‫والعبد (‪ )5‬المملوك الذي ل يقدر على شيء مثل الكافر والمرزوق الرزق الحسن ‪ ،‬فهو ينفق منه‬
‫سرا وجهرا ‪ ،‬هو (‪ )6‬المؤمن‪.‬‬
‫وقال ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬هو مثل مضروب للوثن وللحق تعالى ‪ ،‬فهل يستوي هذا وهذا‬
‫؟‬
‫ولما كان الفرق ما بينهما بينا واضحا ظاهرًا ل يجهله إل كل غبي ‪ ،‬قال [ال] (‪ )7‬تعالى ‪:‬‬
‫حمْدُ ِللّهِ َبلْ َأكْثَرُهُمْ ل َيعَْلمُونَ } [ثم قال ال تعالى] (‪)8‬‬
‫{ ا ْل َ‬
‫ج ْه ُه ل‬
‫شيْ ٍء وَ ُهوَ َكلّ عَلَى َموْلهُ أَيْ َنمَا ُيوَ ّ‬
‫{ َوضَ َربَ اللّهُ مَثَل َرجُلَيْنِ َأحَدُ ُهمَا أَ ْب َك ُم ل َيقْدِرُ عَلَى َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل وَ ُهوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪} )76‬‬
‫يَ ْأتِ بِخَيْرٍ َهلْ َيسْ َتوِي ُهوَ َومَنْ يَ ْأمُرُ بِا ْلعَ ْد ِ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬وهذا أيضًا المراد به الوثن والحق تعالى ‪ ،‬يعني ‪ :‬أن الوثن أبكم ل يتكلم ول ينطق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬إليهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أي تجعلون" ‪،‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬أشباحًا وأندادًا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬إل هو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فالعبد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬فهو"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من "أ"‪.‬‬

‫( ‪)4/588‬‬

‫شيْءٍ‬
‫علَى ُكلّ َ‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ َومَا َأمْرُ السّاعَةِ إِلّا كََلمْحِ الْ َبصَرِ َأوْ ُهوَ َأقْ َربُ إِنّ اللّهَ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫وَلِلّهِ غَ ْيبُ ال ّ‬
‫سمْ َع وَالْأَ ْبصَا َر وَالَْأفْئِ َدةَ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ّ‬
‫جكُمْ مِنْ ُبطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ لَا َتعَْلمُونَ شَيْئًا وَ َ‬
‫قَدِيرٌ (‪ )77‬وَاللّهُ أَخْ َر َ‬
‫س ُكهُنّ إِلّا اللّهُ إِنّ فِي ذَِلكَ‬
‫سمَاءِ مَا ُيمْ ِ‬
‫جوّ ال ّ‬
‫شكُرُونَ (‪ )78‬أََلمْ يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ مُسَخّرَاتٍ فِي َ‬
‫َلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫لَآَيَاتٍ ِلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪)79‬‬

‫بخير ول بشيء (‪ ، )1‬ول يقدر على شيء بالكلية ‪ ،‬فل مقال ‪ ،‬ول فعال ‪ ،‬وهو مع هذا { َكلّ }‬
‫جهْهُ } أي ‪ :‬يبعثه { ل يَ ْأتِ بِخَيْرٍ } ول ينجح مسعاه‬
‫أي ‪ :‬عيال وكلفة على موله ‪ { ،‬أَيْ َنمَا ُيوَ ّ‬
‫{ َهلْ َيسْ َتوِي } من هذه صفاته ‪َ { ،‬ومَنْ يَ ْأمُرُ بِا ْلعَ ْدلِ } أي ‪ :‬بالقسط ‪ ،‬فقاله حق وفعاله مستقيمة (‬
‫‪ { )2‬وَ ُهوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } وبهذا قال السدي ‪ ،‬وقتادة وعطاء الخراساني‪ .‬واختار هذا القول‬
‫ابن جرير‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو مثل للكافر والمؤمن أيضًا ‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا الحسن بن الصباح البزار ‪ ،‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬السّيْلحيني (‪، )3‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن َيعْلَى بن‬
‫حدثنا حماد ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن عثمان بن خُثَيْم (‪ )4‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن (‪ِ )5‬‬
‫شيْءٍ } نزلت في‬
‫أمية ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬ضَ َربَ اللّهُ مَثَل عَبْدًا َممْلُوكًا ل َيقْدِرُ عَلَى َ‬
‫حدُ ُهمَا أَ ْبكَمُ [ل َيقْدِرُ عَلَى‬
‫جلَيْنِ أَ َ‬
‫رجل من قريش وعبده‪ .‬وفي قوله ‪َ [ { :‬وضَرَبَ اللّهُ] مَثَل رَ ُ‬
‫شيْءٍ] } (‪ )7( )6‬إلى قوله ‪ { :‬وَ ُهوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } قال ‪ :‬هو عثمان بن عفان‪ .‬قال ‪:‬‬
‫َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والبكم الذي أينما يوجهه ل يأت بخير قال هو ‪ :‬مولى لعثمان بن عفان ‪ ،‬كان عثمان ينفق عليه‬
‫ويكفله (‪ )8‬ويكفيه المئونة ‪ ،‬وكان الخر يكره السلم ويأباه وينهاه عن الصدقة والمعروف ‪،‬‬
‫فنزلت فيهما (‪.)9‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ َومَا َأمْرُ السّاعَةِ إِل كََلمْحِ الْ َبصَرِ َأوْ ُهوَ َأقْ َربُ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ‬
‫{ وَلِلّهِ غَ ْيبُ ال ّ‬
‫سمْ َع وَال ْبصَارَ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ّ‬
‫ج ُكمْ مِنْ بُطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ ل َتعَْلمُونَ شَيْئًا وَ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )77‬وَاللّهُ َأخْرَ َ‬
‫َ‬
‫س ُكهُنّ إِل اللّهُ إِنّ‬
‫سمَاءِ مَا ُيمْ ِ‬
‫جوّ ال ّ‬
‫سخّرَاتٍ فِي َ‬
‫شكُرُونَ (‪ )78‬أَلَمْ يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ مُ َ‬
‫وَالفْئِ َدةَ َلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪} )79‬‬
‫فِي ذَِل َ‬
‫يخبر تعالى عن كماله وقدرته على الشياء ‪ ،‬في علمه غيب السماوات والرض ‪ ،‬واختصاصه‬
‫بذلك ‪ ،‬فل اطلع لحد على ذلك إل أن يطلعه [ال] (‪ )10‬تعالى على ما يشاء ‪ -‬وفي قدرته‬
‫التامة (‪ )11‬التي ل تخالف ول تمانع ‪ ،‬وأنه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن ‪ ،‬فيكون ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫ح َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ } [القمر ‪ ]50 :‬أي ‪ :‬فيكون ما يريد كطرف العين‪ .‬وهكذا‬
‫{ َومَا َأمْرُنَا إِل وَا ِ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } كما قال‬
‫قال هاهنا ‪َ { :‬ومَا َأمْرُ السّاعَةِ إِل كََلمْحِ الْ َبصَرِ َأوْ ُهوَ َأقْ َربُ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ح َدةٍ } [لقمان ‪.]28 :‬‬
‫س وَا ِ‬
‫‪ { :‬مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َبعْ ُثكُمْ إِل كَ َنفْ ٍ‬
‫ثم ذكر تعالى منّتَه على عباده ‪ ،‬في إخراجه (‪ )12‬إياهم من بطون أمهاتهم ل يعلمون شيئًا ‪ ،‬ثم‬
‫بعد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬‬
‫ول بشر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مستقيم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬السلحييني"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬خيثم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪:‬‬
‫"ويكلفه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)101 /14‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬العامة"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬إخراجهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)4/589‬‬

‫هذا يرزقهم (‪ )1‬تعالى السمع الذي به يدركون الصوات ‪ ،‬والبصار اللتي بها يحسون المرئيات‬
‫‪ ،‬والفئدة ‪ -‬وهي العقول ‪ -‬التي مركزها القلب على الصحيح ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الدماغ والعقل به يميز‬
‫بين الشياء ضارها ونافعها‪ .‬وهذه القوى والحواس تحصل للنسان على التدريج قليل قليل كلما‬
‫كبر زِيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده‪.‬‬
‫وإنما جعل تعالى هذه في النسان ‪ ،‬ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى ‪ ،‬فيستعين بكل جارحة‬
‫وعضو وقوة على طاعة موله ‪ ،‬كما جاء في صحيح البخاري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬يقول تعالى ‪ :‬من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب ‪ ،‬وما تقرب‬
‫إليّ عبدي بمثل (‪ )2‬أداء ما افترضت عليه‪ .‬ول يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه ‪ ،‬فإذا‬
‫أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ‪ ،‬وبصره الذي يبصر به ‪ ،‬ويده التي (‪ )3‬يبطش بها ‪ ،‬ورجله‬
‫التي يمشي بها ‪ ،‬ولئن سألني لعطيته ‪ ،‬ولئن دعاني لجيبنه ‪ ،‬ولئن استعاذ بي لعيذنه ‪ ،‬وما‬
‫ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن ‪ ،‬يكره الموت وأكره مساءته ‪،‬‬
‫ول بد له منه" (‪.)4‬‬
‫فمعنى الحديث ‪ :‬أن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله كلها ل عز وجل ‪ ،‬فل يسمع إل ال ‪،‬‬
‫ول يبصر إل ال ‪ ،‬أي ‪ :‬ما شرعه ال له ‪ ،‬ول يبطش ول يمشي إل في طاعة ال عز وجل ‪،‬‬
‫مستعينا بال في ذلك كله ؛ ولهذا جاء في بعض رواية الحديث في غير الصحيح ‪ ،‬بعد قوله ‪:‬‬
‫"ورجله التي يمشي بها" ‪" :‬فبي يسمع ‪ ،‬وبي يبصر ‪ ،‬وبي يبطش ‪ ،‬وبي يمشي" ؛ ولهذا قال تعالى‬
‫شكُرُونَ } كما قال في الية الخرى ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ‬
‫سمْ َع وَال ْبصَا َر وَالفْئِ َدةَ َلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫ج َعلَ َل ُكمُ ال ّ‬
‫‪َ { :‬و َ‬
‫شكُرُونَ ُقلْ ُهوَ الّذِي ذَرََأكُمْ فِي ال ْرضِ‬
‫سمْ َع وَال ْبصَارَ وَالفْئِ َدةَ قَلِيل مَا َت ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ّ‬
‫الّذِي أَ ْنشََأكُ ْم وَ َ‬
‫وَإِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ } [الملك ‪.]24 ، 23 :‬‬
‫ثم نبه تعالى عباده إلى (‪ )5‬النظر إلى الطير المسخر بين السماء والرض ‪ ،‬كيف جعله يطير‬
‫بجناحيه بين السماء والرض ‪ ،‬في جو السماء ما يمسكه هناك إل ال بقدرته تعالى ‪ ،‬الذي جعل‬
‫فيها قوًى تفعل ذلك ‪ ،‬وسخر الهواء يحملها ويسر الطير لذلك ‪ ،‬كما قال تعالى في سورة الملك ‪:‬‬
‫شيْءٍ َبصِيرٌ }‬
‫حمَنُ إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫س ُكهُنّ إِل الرّ ْ‬
‫ت وَيَقْ ِبضْنَ مَا ُيمْ ِ‬
‫{ َأوََلمْ يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ َف ْو َقهُ ْم صَافّا ٍ‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ }‬
‫[الملك ‪ .] 19 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يرزقهم ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بأفضل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)6502‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬على"‪.‬‬

‫( ‪)4/590‬‬

‫ظعْ ِنكُ ْم وَ َيوْمَ‬


‫خفّو َنهَا َيوْمَ َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَ ْنعَامِ بُيُوتًا تَسْ َت ِ‬
‫سكَنًا وَ َ‬
‫ج َعلَ َل ُكمْ مِنْ بُيُو ِتكُمْ َ‬
‫وَاللّهُ َ‬
‫ج َعلَ َل ُكمْ ِممّا خََلقَ‬
‫شعَارِهَا أَثَاثًا َومَتَاعًا إِلَى حِينٍ (‪ )80‬وَاللّهُ َ‬
‫صوَافِهَا وََأوْبَارِهَا وَأَ ْ‬
‫ِإقَامَ ِتكُ ْم َومِنْ َأ ْ‬
‫سكُمْ َكذَِلكَ يُتِمّ‬
‫ج َعلَ َل ُكمْ سَرَابِيلَ َتقِيكُمُ ا ْلحَ ّر وَسَرَابِيلَ َتقِيكُمْ بَأْ َ‬
‫ج َعلَ َل ُكمْ مِنَ ا ْلجِبَالِ َأكْنَانًا َو َ‬
‫ظِلَالًا وَ َ‬
‫علَ ْيكَ الْبَلَاغُ ا ْلمُبِينُ (‪َ )82‬يعْ ِرفُونَ ِن ْعمَةَ اللّهِ ُثمّ‬
‫ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكُمْ َلعَّل ُكمْ تُسِْلمُونَ (‪ )81‬فَإِنْ َتوَّلوْا فَإِ ّنمَا َ‬
‫يُ ْنكِرُو َنهَا وََأكْثَرُهُمُ ا ْلكَافِرُونَ (‪)83‬‬

‫ظعْ ِنكُ ْم وَ َيوْمَ‬


‫خفّو َنهَا َيوْمَ َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ جُلُودِ ال ْنعَامِ بُيُوتًا تَسْ َت ِ‬
‫سكَنًا وَ َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ بُيُو ِتكُمْ َ‬
‫{ وَاللّهُ َ‬
‫ج َعلَ َل ُكمْ ِممّا خََلقَ‬
‫شعَارِهَا أَثَاثًا َومَتَاعًا إِلَى حِينٍ (‪ )80‬وَاللّهُ َ‬
‫صوَافِهَا وََأوْبَارِهَا وَأَ ْ‬
‫ِإقَامَ ِتكُ ْم َومِنْ َأ ْ‬
‫س ُكمْ كَذَِلكَ يُتِمّ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ سَرَابِيلَ َتقِيكُمُ ا ْلحَ ّر وَسَرَابِيلَ َتقِيكُمْ بَأْ َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ ا ْلجِبَالِ َأكْنَانًا وَ َ‬
‫ظِلل وَ َ‬
‫علَ ْيكَ الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ (‪َ )82‬يعْ ِرفُونَ ِن ْعمَةَ اللّهِ ثُمّ‬
‫ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكُمْ َلعَّل ُكمْ تُسِْلمُونَ (‪ )81‬فَإِنْ َتوَّلوْا فَإِ ّنمَا َ‬
‫يُ ْنكِرُو َنهَا وََأكْثَرُهُمُ ا ْلكَافِرُونَ (‪} )83‬‬

‫( ‪)4/590‬‬

‫يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده ‪ ،‬بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم ‪ ،‬يأوون‬
‫إليها ‪ ،‬ويستترون بها ‪ ،‬وينتفعون بها سائر (‪ )1‬وجوه النتفاع ‪ ،‬وجعل لهم أيضًا { مِنْ جُلُودِ‬
‫ال ْنعَامِ بُيُوتًا } أي ‪ :‬من الدم ‪ ،‬يستخفون حملها في أسفارهم ‪ ،‬ليضربوها (‪ )2‬لهم في إقامتهم في‬
‫صوَافِهَا } أي ‪ :‬الغنم ‪،‬‬
‫ظعْ ِنكُ ْم وَ َيوْمَ ِإقَامَ ِتكُ ْم َومِنْ َأ ْ‬
‫خفّو َنهَا َيوْمَ َ‬
‫السفر والحضر ولهذا قال ‪ { :‬تَسْ َت ِ‬
‫شعَارِهَا } أي ‪ :‬المعز ‪ -‬والضمير عائد على النعام ‪ { -‬أَثَاثًا }‬
‫{ وََأوْبَارِهَا } أي ‪ :‬البل ‪ { ،‬وَأَ ْ‬
‫أي ‪ :‬تتخذون منه أثاثا ‪ ،‬وهو المال‪ .‬وقيل ‪ :‬المتاع‪ .‬وقيل ‪ :‬الثياب والصحيح أعم من هذا كله ‪،‬‬
‫فإنه يتخذ من (‪ )3‬الثاث البسط والثياب وغير ذلك ‪ ،‬ويتخذ مال وتجارة‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬الثاث ‪ :‬المتاع‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫وعطية العوفي ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِلَى حِينٍ } أي ‪ :‬إلى أجل مسمى ووقت (‪ )4‬معلوم‪.‬‬
‫ج َعلَ َلكُمْ ِممّا خَلَقَ ظِلل } قال قتادة ‪ :‬يعني ‪ :‬الشجر‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج َعلَ َلكُمْ سَرَابِيلَ َتقِيكُمُ الْحَرّ } وهي‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ الْجِبَالِ َأكْنَانًا } أي ‪ :‬حصونا ومعاقل ‪ ،‬كما { َ‬
‫{ وَ َ‬
‫سكُمْ } كالدروع من الحديد المصفّح‬
‫الثياب من القطن والكتان والصوف ‪ { ،‬وَسَرَابِيلَ َتقِيكُمْ بَ ْأ َ‬
‫والزّرد وغير ذلك ‪ { ،‬كَذَِلكَ يُ ِتمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْي ُكمْ } أي ‪ :‬هكذا يجعل لكم ما تستعينون به على أمركم ‪،‬‬
‫وما تحتاجون إليه ‪ ،‬ليكون ‪ -‬عونًا لكم على طاعته وعبادته ‪َ { ،‬لعَّل ُكمْ تُسِْلمُونَ }‬
‫هكذا فسره الجمهور ‪ ،‬وقرؤوه بكسر اللم من " تسلمون " أي ‪ :‬من السلم‪.‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬كَذَِلكَ يُ ِتمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكُمْ [َلعَّلكُمْ ُتسِْلمُونَ ] } (‪ )5‬هذه السورة تسمى سورة‬
‫ال ّنعَم‪.‬‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن‬
‫شهْر بن َ‬
‫وقال عبد ال بن المبارك وعباد بن العوام ‪ ،‬عن حَ ْنظَلة السدوسي ‪ ،‬عن َ‬
‫ابن عباس أنه كان يقرؤها "تَسلَمون" بفتح اللم ‪ ،‬يعني من الجراح (‪ .)6‬رواه أبو عبيد القاسم بن‬
‫سلم ‪ ،‬عن عباد ‪ ،‬وأخرجه ابن جرير من الوجهين ‪ ،‬وردّ هذه القراءة (‪.)7‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬إنما نزل القرآن على قدر معرفة العرب ‪ ،‬أل ترى إلى قوله تعالى ‪:‬‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ ا ْلجِبَالِ َأكْنَانًا } وما جعل [لكم] (‪ )8‬من السهل‬
‫ج َعلَ َلكُمْ ِممّا خَلَقَ ظِلل وَ َ‬
‫{ وَاللّهُ َ‬
‫صوَا ِفهَا‬
‫أعظم وأكثر (‪ ، )9‬ولكنهم كانوا أصحاب جبال (‪ )10‬؟ أل ترى إلى قوله ‪َ { :‬ومِنْ َأ ْ‬
‫شعَارِهَا أَثَاثًا َومَتَاعًا إِلَى حِينٍ }‬
‫وََأوْبَارِهَا وَأَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬سرائر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬لتضربونها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬منه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أي إلى وقت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يعني من الجراح بفتح اللم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)104 /14‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬واكبر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬جبل"‪.‬‬

‫( ‪)4/591‬‬

‫شهِيدًا ُثمّ لَا ُيؤْذَنُ لِلّذِينَ َكفَرُوا وَلَا ُهمْ يُسْ َتعْتَبُونَ (‪ )84‬وَإِذَا رَأَى الّذِينَ‬
‫وَ َيوْمَ نَ ْب َعثُ مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫خ ّففُ عَ ْن ُه ْم وَلَا هُمْ يُ ْنظَرُونَ (‪ )85‬وَإِذَا رَأَى الّذِينَ أَشْ َركُوا شُ َركَاءَهُمْ قَالُوا رَبّنَا‬
‫ظََلمُوا ا ْلعَذَابَ فَلَا يُ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َهؤُلَاءِ شُ َركَاؤُنَا الّذِينَ كُنّا نَدْعُوا مِنْ دُو ِنكَ فَأَ ْل َقوْا إِلَ ْيهِمُ ا ْلقَ ْولَ إِ ّنكُمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )86‬وَأَ ْل َقوْا إِلَى اللّهِ‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪)87‬‬
‫َي ْومَئِذٍ السَّل َم َو َ‬

‫شعَر ‪ ،‬أل ترى إلى‬


‫وما جعل لكم من غير ذلك أعظم منه وأكثر (‪ )1‬ولكنهم كانوا أصحاب وبر و َ‬
‫سمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَ َردٍ } [النور ‪ ، ]43 :‬لعجبهم من ذلك ‪ ،‬وما أنزل‬
‫قوله ‪ { :‬وَيُنزلُ مِنَ ال ّ‬
‫من الثلج أعظم وأكثر (‪ ، )2‬ولكنهم كانوا ل يعرفونه ؟ أل ترى إلى قوله تعالى ‪ { :‬سَرَابِيلَ َتقِيكُمُ‬
‫الْحَرّ } وما بقي من البرد أعظم وأكثر (‪ )3‬ولكنهم كانوا أصحاب حر‪.‬‬
‫وقوله { فَإِنْ َتوَّلوْا } أي ‪ :‬بعد هذا البيان وهذا المتنان ‪ ،‬فل عليك منهم ‪ { ،‬فَإِ ّنمَا عَلَ ْيكَ الْبَلغُ‬
‫ا ْلمُبِينُ } وقد أديته إليهم‪.‬‬
‫{ َيعْ ِرفُونَ ِن ْعمَةَ اللّهِ ثُمّ يُ ْنكِرُو َنهَا } أي ‪ :‬يعرفون أن ال تعالى هو المسدي إليهم ذلك ‪ ،‬وهو‬
‫المتفضل به عليهم ‪ ،‬ومع هذا ينكرون ذلك ‪ ،‬ويعبدون معه غيره ‪ ،‬ويسندون النصر والرزق (‪)4‬‬
‫إلى غيره ‪ { ،‬وََأكْثَرُ ُهمُ ا ْلكَافِرُونَ } ‪ -‬كما قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪،‬‬
‫حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‪ ،‬عن مجاهد ؛ أن أعرابيًا أتى رسول ال صلى‬
‫ج َعلَ َل ُكمْ مِنْ بُيُو ِتكُمْ‬
‫ال عليه وسلم فسأله ‪ ،‬فقرأ عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَاللّهُ َ‬
‫ظعْ ِنكُ ْم وَ َيوْمَ‬
‫خفّو َنهَا َيوْمَ َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ جُلُودِ ال ْنعَامِ بُيُوتًا تَسْ َت ِ‬
‫سكَنًا } قال العرابي ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ِإقَامَ ِتكُمْ } قال العرابي ‪ :‬نعم‪ .‬ثم قرأ عليه ‪ ،‬كل ذلك يقول العرابي ‪ :‬نعم ‪ ،‬حتى بلغ ‪َ { :‬كذَِلكَ‬
‫علَ ْيكُمْ َلعَّلكُمْ ُتسِْلمُونَ } فولى العرابي ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ { :‬يعْ ِرفُونَ ِن ْعمَةَ اللّهِ ثُمّ يُ ْنكِرُونَهَا‬
‫يُتِمّ ِن ْعمَتَهُ َ‬
‫وََأكْثَرُهُمُ ا ْلكَافِرُونَ } (‪.)5‬‬
‫شهِيدًا ثُمّ ل ُيؤْذَنُ ِللّذِينَ َكفَرُوا وَل هُمْ يُسْ َتعْتَبُونَ (‪ )84‬وَإِذَا رَأَى الّذِينَ‬
‫{ وَ َيوْمَ نَ ْب َعثُ مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫خفّفُ عَ ْنهُمْ وَل ُهمْ يُنْظَرُونَ (‪ )85‬وَإِذَا رَأَى الّذِينَ أَشْ َركُوا شُ َركَاءَ ُهمْ قَالُوا رَبّنَا‬
‫ظََلمُوا ا ْلعَذَابَ فَل ُي َ‬
‫َهؤُلءِ شُ َركَاؤُنَا الّذِينَ كُنّا َندْعُوا مِنْ دُو ِنكَ فَأَ ْل َقوْا إِلَ ْي ِهمُ ا ْل َقوْلَ إِ ّنكُمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )86‬وَأَ ْلقَوْا إِلَى اللّهِ‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪} )87‬‬
‫َي ْومَئِذٍ السَّل َم َو َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أكبر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وأكبر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬وأكبر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬الرزق والنصر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬أورده السيوطي في الدر المنثور (‪ )155 /5‬وعزاه لبن أبي حاتم وهو مرسل‪.‬‬

‫( ‪)4/592‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَا ُهمْ عَذَابًا َف ْوقَ ا ْلعَذَابِ ِبمَا كَانُوا ُيفْسِدُونَ (‪)88‬‬

‫سدُونَ (‪} )88‬‬


‫عذَابًا َفوْقَ ا ْل َعذَابِ ِبمَا كَانُوا ُيفْ ِ‬
‫{ الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ِزدْنَاهُمْ َ‬
‫يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم في الدار الخرة ‪ ،‬وأنه يبعث من كل أمة شهيدا ‪،‬‬
‫وهو نبيها ‪ ،‬يشهد عليها بما أجابته فيما بلغها عن ال تعالى ‪ { ،‬ثُمّ ل ُيؤْذَنُ لِلّذِينَ َكفَرُوا } أي ‪:‬‬
‫ن وَل ُيؤْذَنُ َلهُمْ‬
‫طقُو َ‬
‫في العتذار ؛ لنهم يعلمون بطلنه وكذبه ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬هذَا َيوْمُ ل يَنْ ِ‬
‫ن وَإِذَا رَأَى الّذِينَ ظََلمُوا } أي‬
‫فَ َيعْتَذِرُونَ } [المرسلت ‪ .]36 ، 35 :‬ولهذا قال ‪ { :‬وَل ُهمْ يُسْ َتعْتَبُو َ‬
‫خ ّففُ عَ ْنهُمْ } أي ‪ :‬ل يفتر عنهم ساعة واحدة ‪ { ،‬وَل هُمْ يُ ْنظَرُونَ } أي ‪:‬‬
‫‪ :‬أشركوا { ا ْلعَذَابَ فَل يُ َ‬
‫[و] (‪ )1‬ل يؤخر عنهم ‪ ،‬بل يأخذهم سريعا من الموقف بل حساب ‪ ،‬فإنه إذا جيء بجهنم تقاد‬
‫بسبعين ألف زمام ‪ ،‬مع كل زمام سبعون ألف‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)4/592‬‬

‫ملك ‪ ،‬فيشرف عُنُق منها على الخلئق ‪ ،‬وتزفر زفرة ل (‪ )1‬يبقى أحد إل جثا لركبتيه ‪ ،‬فتقول ‪:‬‬
‫إني وكلت بكل جبار عنيد ‪ ،‬الذي جعل مع ال إلهًا آخر ‪ ،‬وبكذا وكذا (‪ )2‬وتذكر (‪ )3‬أصنافا من‬
‫الناس ‪ ،‬كما جاء في الحديث‪ .‬ثم تنطوي (‪ )4‬عليهم وتتلقطهم من الموقف كما يتلقط الطائر الحب‬
‫س ِمعُوا َلهَا َتغَيّظًا وَ َزفِيرًا وَإِذَا أُ ْلقُوا مِ ْنهَا َمكَانًا ضَ ّيقًا‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬إِذَا رَأَ ْتهُمْ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ َ‬
‫حدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } [الفرقان ‪]14 - 12 :‬‬
‫عوْا هُنَاِلكَ ثُبُورًا ل تَدْعُوا الْ َيوْمَ ثُبُورًا وَا ِ‬
‫ُمقَرّنِينَ دَ َ‬
‫‪ ،‬وقال تعالى ‪ { :‬وَرَأَى ا ْل ُمجْ ِرمُونَ النّارَ فَظَنّوا أَ ّنهُمْ ُموَاقِعُوهَا وَلَمْ َيجِدُوا عَ ْنهَا َمصْ ِرفًا } [الكهف ‪:‬‬
‫ظهُورِهِ ْم وَل‬
‫ن وُجُو ِههِمُ النّا َر وَل عَنْ ُ‬
‫‪ .]53‬وقال تعالى ‪َ { :‬لوْ َيعْلَمُ الّذِينَ َكفَرُوا حِينَ ل َيكُفّونَ عَ ْ‬
‫هُمْ يُ ْنصَرُونَ َبلْ تَأْتِيهِمْ َبغْ َتةً فَتَ ْبهَ ُتهُمْ فَل يَسْ َتطِيعُونَ َردّهَا وَل هُمْ يُ ْنظَرُونَ } [النبياء ‪.]40 ، 39 :‬‬
‫ثم أخبر تعالى عن تبرئ آلهتهم منهم أحوج ما يكونون إليها ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَإِذَا رَأَى الّذِينَ أَشْ َركُوا‬
‫شُ َركَاءَ ُهمْ } أي ‪ :‬الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ‪ { ،‬قالوا ربنا هؤلء شركاؤنا الذين كنا ندعو من‬
‫دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون } أي ‪ :‬قالت لهم اللهة ‪ :‬كذبتم ‪ ،‬ما نحن أمرناكم (‪)5‬‬
‫ضلّ ِممّنْ َيدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ ل يَسْ َتجِيبُ لَهُ ِإلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ‬
‫بعبادتنا‪ .‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َأ َ‬
‫عدَا ًء َوكَانُوا ِبعِبَادَ ِتهِمْ كَافِرِينَ } [الحقاف ‪5 :‬‬
‫ن وَإِذَا حُشِرَ النّاسُ كَانُوا َلهُمْ أَ ْ‬
‫وَهُمْ عَنْ دُعَا ِئهِمْ غَافِلُو َ‬
‫‪ ]6 ،‬وقال تعالى ‪ { :‬وَاتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آِل َهةً لِ َيكُونُوا َل ُهمْ عِزّا كَل سَ َي ْكفُرُونَ ِبعِبَادَ ِتهِ ْم وَ َيكُونُونَ‬
‫عَلَ ْيهِ ْم ضِدّا } [مريم ‪ .]82 ، 81 :‬وقال الخليل عليه الصلة والسلم ‪ { :‬ثُمّ َي ْومَ ا ْلقِيَامَةِ (‪َ )6‬ي ْكفُرُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا َومَ ْأوَاكُمُ النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [العنكبوت ‪ ]25 :‬وقال‬
‫ضكُمْ بِ َب ْعضٍ وَيَ ْلعَنُ َب ْع ُ‬
‫َب ْع ُ‬
‫جعَلْنَا بَيْ َنهُمْ َموْ ِبقًا‬
‫عوْهُمْ فَلَمْ َيسْتَجِيبُوا َلهُ ْم َو َ‬
‫عمْتُمْ (‪ )7‬فَدَ َ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَ َيوْمَ َيقُولُ نَادُوا شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ زَ َ‬
‫} [الكهف ‪ ]52 :‬واليات في هذا كثيرة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَ ْل َقوْا إِلَى اللّهِ َي ْومَئِذٍ السّلَمَ } ‪ -‬قال قتادة ‪ ،‬وعكرمة ‪ :‬ذلوا واستسلموا يومئذ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫سمِعْ ِب ِه ْم وَأَ ْبصِرْ َيوْمَ يَأْتُونَنَا }‬
‫استسلموا ل جميعهم ‪ ،‬فل أحد إل سامع مطيع ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬أَ ْ‬
‫[مريم ‪ ]38 :‬أي ‪ :‬ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ! وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ نَاكِسُو‬
‫جعْنَا َن ْع َملْ صَاِلحًا إِنّا مُوقِنُونَ } [السجدة ‪، ]12 :‬‬
‫س ِمعْنَا فَا ْر ِ‬
‫سهِمْ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬
‫رُءُو ِ‬
‫حيّ ا ْلقَيّومِ } [طه ‪ ]111 :‬أي ‪ :‬خضعت وذلت واستكانت وأنابت‬
‫وقال ‪ { :‬وَعَ َنتِ ا ْل ُوجُوهُ ِللْ َ‬
‫واستسلمت‪.‬‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ } أي ‪ :‬ذهب واضمحل ما كانوا‬
‫{ وَأَ ْل َقوْا إِلَى اللّهِ َي ْومَئِذٍ السّلَ َم َو َ‬
‫يعبدونه افتراء على ال فل ناصر لهم ول معين ول مجيز‪.‬‬
‫سدُونَ }‬
‫عذَابًا َفوْقَ ا ْلعَذَابِ ِبمَا كَانُوا ُيفْ ِ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ِزدْنَاهُمْ َ‬
‫أي ‪ :‬عذابا على كفرهم ‪ ،‬وعذابًا على صدهم الناس عن اتباع الحق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَهُمْ‬
‫يَ ْن َهوْنَ عَ ْن ُه وَيَنَْأوْنَ عَ ْنهُ } [النعام ‪ ]26 :‬أي ‪ :‬ينهون الناس ‪ ،‬عن اتباعه ‪ ،‬ويبتعدون هم منه‬
‫شعُرُونَ } [النعام ‪]26 :‬‬
‫سهُ ْم َومَا يَ ْ‬
‫أيضًا { وَإِنْ ُيهِْلكُونَ إِل أَ ْنفُ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وبكذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬ويذكر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬ينطوي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬نحن ما أمرناكم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وقال الخليل ويوم" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬وقال الخليل عليه السلم ويوم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬وقيل ادعوا شركاءكم" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬

‫( ‪)4/593‬‬

‫شهِيدًا عَلَى َهؤُلَا ِء وَنَزّلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ‬


‫س ِه ْم وَجِئْنَا ِبكَ َ‬
‫شهِيدًا عَلَ ْيهِمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫وَ َيوْمَ نَ ْب َعثُ فِي ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫حمَ ًة وَبُشْرَى لِ ْلمُسِْلمِينَ (‪)89‬‬
‫شيْ ٍء وَهُدًى وَ َر ْ‬
‫تِبْيَانًا ِل ُكلّ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم ‪ ،‬كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة‬
‫ض ْعفٌ وََلكِنْ ل َتعَْلمُونَ } [العراف ‪.]38 :‬‬
‫ل ِ‬
‫ودرجاتهم ‪ ،‬كما قال [ال] (‪ )1‬تعالى ‪ { :‬قَالَ ِل ُك ّ‬
‫وقد قال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا سُرَيْح بن يونس ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن مُرّة ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد ال في قول ال ‪ِ { :‬زدْنَاهُمْ عَذَابًا َفوْقَ ا ْلعَذَابِ } قال ‪ :‬زيدوا‬
‫عقارب أنيابها كالنخل الطوال (‪.)2‬‬
‫وحدثنا سريج بن يونس ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن سليمان ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن ابن‬
‫عذَابًا َفوْقَ ا ْل َعذَابِ } قال ‪ :‬هي خمسة أنهار‬
‫عباس أنه قال ‪ { :‬زِدْنَاهُمْ َ‬
‫فوق (‪ )3‬العرش يعذبون ببعضها بالليل وببعضها بالنهار (‪.)4‬‬
‫علَى َهؤُل ِء وَنزلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ‬
‫شهِيدًا َ‬
‫سهِ ْم وَجِئْنَا ِبكَ َ‬
‫علَ ْيهِمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫شهِيدًا َ‬
‫{ وَ َيوْمَ نَ ْب َعثُ فِي ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫حمَ ًة وَبُشْرَى لِ ْلمُسِْلمِينَ (‪} )89‬‬
‫شيْ ٍء وَهُدًى وَ َر ْ‬
‫تِبْيَانًا ِل ُكلّ َ‬
‫شهِيدًا‬
‫يقول تعالى مخاطبًا عبده ورسوله محمدا صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَيَوْمَ نَ ْب َعثُ فِي ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫شهِيدًا عَلَى َهؤُلءِ } (‪ )5‬يعني أمته‪.‬‬
‫سهِمْ وَجِئْنَا ِبكَ َ‬
‫عَلَ ْيهِمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫أي ‪ :‬اذكر ذلك اليوم وهوله وما منحك ال فيه من الشرف العظيم والمقام الرفيع‪ .‬وهذه الية‬
‫شبيهة بالية التي انتهى إليها عبد ال بن مسعود حين قرأ على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫شهِي ٍد وَجِئْنَا ِبكَ‬
‫صدر سورة "النساء" فلما وصل إلى قوله تعالى ‪َ { :‬فكَ ْيفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ ِب َ‬
‫شهِيدًا } [النساء ‪ .]41 :‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬حسبك"‪ .‬قال ابن‬
‫عَلَى َهؤُلءِ َ‬
‫مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬فالتفت فإذا عيناه تذرفان (‪.)6‬‬
‫شيْءٍ } قال ابن مسعود ‪[ :‬و] (‪ )7‬قد بين لنا في هذا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَنزلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ تِبْيَانًا ِل ُكلّ َ‬
‫القرآن كل علم ‪ ،‬وكل شيء‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬كل حلل وحرام‪.‬‬
‫وقول ابن مسعود ‪ :‬أعم وأشمل ؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق ‪ ،‬وعلم‬
‫ما سيأتي ‪ ،‬وحكم كل حلل وحرام ‪ ،‬وما الناس إليه محتاجون (‪ )8‬في أمر دنياهم ودينهم ‪،‬‬
‫ومعاشهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند أبي يعلى (‪ )66 /5‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )107 /14‬من طريق أبي معاوية عن‬
‫العمش به‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" ،‬تحت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند أبي يعلى (‪ )66 /5‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )390 /10‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يبعث"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬تقدم تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 41 :‬من سورة النساء‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬محتاجون إليه"‪.‬‬

‫( ‪)4/594‬‬

‫ظكُمْ َلعَّلكُمْ‬
‫حشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَ ِر وَالْ َب ْغيِ َي ِع ُ‬
‫ن وَإِيتَاءِ ذِي ا ْلقُرْبَى وَيَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَ ْ‬
‫حسَا ِ‬
‫ل وَالْإِ ْ‬
‫إِنّ اللّهَ يَ ْأمُرُ بِا ْلعَ ْد ِ‬
‫تَ َذكّرُونَ (‪)90‬‬

‫ومعادهم‪.‬‬
‫ح َم ًة وَبُشْرَى لِ ْلمُسِْلمِينَ }‬
‫{ وَ ُهدًى } أي ‪ :‬للقلوب ‪ { ،‬وَرَ ْ‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬بالسنة‪.‬‬
‫وقال الوزاعي ‪ { :‬وَنزلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ تِبْيَانًا ِل ُكلّ َ‬
‫شهِيدًا عَلَى َهؤُلءِ } أن المراد‬
‫ووجه اقتران قوله ‪ { :‬وَنزلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ } مع قوله ‪ { :‬وَجِئْنَا ِبكَ َ‬
‫‪ -‬وال أعلم ‪ : -‬إن الذي فرض عليك تبليغ الكتاب الذي أنزله عليك ‪ ،‬سائلك عن ذلك يوم القيامة‬
‫ج َمعِينَ‬
‫سلَ إِلَ ْيهِمْ وَلَنَسْأَلَنّ ا ْلمُرْسَلِينَ } [العراف ‪َ { ، ]6 :‬فوَرَ ّبكَ لَنَسْأَلَ ّن ُهمْ أَ ْ‬
‫‪ { ،‬فَلَ َنسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْ ِ‬
‫سلَ فَ َيقُولُ مَاذَا أُجِبْ ُتمْ قَالُوا ل عِلْمَ‬
‫جمَعُ اللّهُ الرّ ُ‬
‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } [الحجر ‪َ { ، ]93 ، 92 :‬يوْمَ يَ ْ‬
‫َ‬
‫لَنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ عَلمُ ا ْلغُيُوبِ } [المائدة ‪ ، ]109 :‬وقال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِي فَ َرضَ عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ لَرَا ّدكَ‬
‫إِلَى َمعَادٍ } [القصص ‪ ]85 :‬أي ‪ :‬إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إليه ‪ ،‬ومعيدك يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬وسائلك عن أداء ما فرض عليك‪ .‬هذا أحد القوال ‪ ،‬وهو مُتّجه حسن‪.‬‬
‫ظكُمْ‬
‫حشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَ ِر وَالْ َب ْغيِ َي ِع ُ‬
‫ن وَإِيتَاءِ ذِي ا ْلقُرْبَى وَيَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَ ْ‬
‫حسَا ِ‬
‫{ إِنّ اللّهَ يَ ْأمُرُ بِا ْل َع ْدلِ وَال ْ‬
‫َلعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ (‪} )90‬‬
‫يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل ‪ ،‬وهو القسط والموازنة ‪ ،‬ويندب إلى الحسان ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫‪ { :‬وَإِنْ عَاقَبْ ُتمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ ِب ِه وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ َل ُهوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ } [النحل ‪، ]126 :‬‬
‫عفَا وََأصْلَحَ فََأجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ } [الشورى ‪ ، ]40 :‬وقال‬
‫وقال { وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثُْلهَا َفمَنْ َ‬
‫{ وَا ْلجُرُوحَ ِقصَاصٌ َفمَنْ َتصَدّقَ بِهِ َف ُهوَ َكفّا َرةٌ َلهُ } [المائدة ‪ ، ]45 :‬إلى غير ذلك من اليات‬
‫الدالة على هذا ‪ ،‬من (‪ )1‬شرعية العدل والندب إلى الفضل‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬إِنّ اللّهَ يَ ْأمُرُ بِا ْلعَ ْدلِ } قال ‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال‪.‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة ‪ :‬العدل في هذا الموضع ‪ :‬هو استواء السريرة والعلنية من كل عامل ل‬
‫عمل‪ .‬والحسان ‪ :‬أن تكون (‪ )2‬سريرته أحسن من علنيته‪ .‬والفحشاء والمنكر ‪ :‬أن تكون (‪)3‬‬
‫علنيته أحسن من سريرته‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حقّهُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِيتَاءِ ذِي ا ْلقُرْبَى } أي ‪ :‬يأمر بصلة الرحام ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَآتِ ذَا ا ْلقُرْبَى َ‬
‫ل وَل تُ َبذّرْ تَبْذِيرًا } [السراء ‪.]26 :‬‬
‫ن وَابْنَ السّبِي ِ‬
‫سكِي َ‬
‫وَا ْلمِ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَحْشَاءِ وَا ْلمُ ْنكَرِ } فالفواحش ‪ :‬المحرمات‪ .‬والمنكرات ‪ :‬ما ظهر منها من‬
‫ظهَرَ مِ ْنهَا َومَا َبطَنَ }‬
‫فاعلها ؛ ولهذا قيل في الموضع الخر ‪ُ { :‬قلْ إِ ّنمَا حَرّمَ رَ ّبيَ ا ْل َفوَاحِشَ مَا َ‬
‫[العراف ‪ .]33 :‬وأما البغي فهو ‪ :‬العدوان على الناس‪ .‬وقد جاء في الحديث ‪" :‬ما من ذنب‬
‫أجدر أن يعجل ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬يكون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬يكون"‪.‬‬

‫( ‪)4/595‬‬

‫عقوبته في الدنيا ‪ ،‬مع ما يدخر لصاحبه في الخرة ‪ ،‬من البغي وقطيعة الرحم" (‪.)1‬‬
‫ظ ُكمْ } أي ‪ :‬يأمركم بما يأمركم به من الخير ‪ ،‬وينهاكم عما (‪ )2‬ينهاكم عنه من الشر ‪،‬‬
‫وقوله { َيعِ ُ‬
‫{ َلعَّل ُكمْ تَ َذكّرُونَ }‬
‫شكَل ‪ :‬سمعت ابن مسعود يقول ‪ :‬إن أجمع آية في القرآن في سورة‬
‫قال الشعبي ‪ ،‬عن شُتَيْر بن َ‬
‫ل وَالحْسَانِ } الية‪ .‬رواه ابن جرير (‪.)3‬‬
‫النحل ‪ { :‬إِنّ اللّهَ يَ ْأمُرُ بِا ْلعَ ْد ِ‬
‫حسَانِ } الية ‪ ،‬ليس من خُلُق حسن كان‬
‫وقال سعيد عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ يَ ْأمُرُ بِا ْل َع ْدلِ وَال ْ‬
‫أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إل أمر ال به ‪ ،‬وليس من خلق سيئ كانوا يتعايرونه بينهم‬
‫إل نهى ال عنه وقدم فيه‪ .‬وإنما نهى عن سفاسف الخلق ومذامها‪.‬‬
‫سفْسافها" (‪.)4‬‬
‫قلت ‪ :‬ولهذا جاء في الحديث ‪" :‬إن ال يحب معالي الخلق ‪ ،‬ويكره َ‬
‫وقال الحافظ أبو ُنعَيم في كتابه "كتاب معرفة الصحابة" ‪ :‬حدثنا أبو بكر محمد بن الفتح الحنبلي ‪،‬‬
‫حدثنا يحيى (‪ )5‬بن محمد مولى بني هاشم ‪ ،‬حدثنا الحسن بن داود الم ْنكَدري ‪ ،‬حدثنا عمر بن‬
‫علي المقدمي ‪ ،‬عن علي بن عبد الملك بن عمير (‪ )6‬عن أبيه قال ‪ :‬بلغ أكثم بن صيفي مخرج‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأراد أن يأتيه فأبى قومه أن يدعوه وقالوا ‪ :‬أنت كبيرنا ‪ ،‬لم تكن‬
‫لتخف إليه! قال ‪ :‬فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه‪ .‬فانتدب رجلن فأتيا النبي (‪ )7‬صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال نحن رسل أكثم بن صيفي ‪ ،‬وهو يسألك ‪ :‬من أنت ؟ وما أنت (‪ )8‬؟ فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما من أنا فأنا محمد بن عبد ال ‪ ،‬وأما ما أنا فأنا عبد ال ورسوله"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ن وَإِيتَاءِ ذِي ا ْلقُرْبَى وَيَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَحْشَاءِ‬
‫حسَا ِ‬
‫ثم تل عليهم هذه الية ‪ { :‬إِنّ اللّهَ يَ ْأمُرُ بِا ْلعَ ْدلِ وَال ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ظكُمْ َلعَّلكُمْ تَ َذكّرُونَ } قالوا ‪ :‬اردد علينا هذا القول فردده عليهم حتى حفظوه‪.‬‬
‫وَا ْلمُ ْنكَرِ وَالْ َب ْغيِ َيعِ ُ‬
‫فأتيا أكثم فقال أبى أن يرفع نسبه ‪ ،‬فسألنا عن نسبه ‪ ،‬فوجدناه زاكي النسب ‪ ،‬وسطا في مضر ‪،‬‬
‫وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها ‪ ،‬فلما سمعهن أكثم قال ‪ :‬إني قد أراه يأمر بمكارم الخلق ‪،‬‬
‫وينهى عن ملئمها ‪ ،‬فكونوا في هذا المر رءوسا ‪ ،‬ول تكونوا فيه أذنابا (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في المسند (‪ )36 /5‬وأبو داود في السنن برقم (‪ )4902‬والترمذي في السنن برقم‬
‫(‪ )2511‬وابن ماجه في السنن برقم (‪ )4211‬من حديث أبي بكرة رضي ال عنه ‪ ،‬وقال الترمذي‬
‫‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬عن الذي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)109 /14‬‬
‫(‪ )4‬رواه الخرائطي في مكارم الخلق برقم (‪ )3‬وأبو نعيم في الحلية (‪ )255 /8‬من طريق‬
‫معمر ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد مرفوعًا ‪ ،‬وقال أبو نعيم ‪" :‬غريب من حديث أبي‬
‫حازم وسهل تفرد به عن أبي حازم معمر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬حدثنا محمد بن يحيى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬علي بن عبد ال بن عمير" وهو خطأ ‪ ،‬وانظر ‪ :‬معرفة الصحابة (‪/2‬‬
‫‪ )420‬والثقات لبن حبان (‪ )207 /7‬والصابة (‪.)118 /1‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬من أنت وصفاتك وما جئت به"‪.‬‬
‫(‪ )9‬معرفة الصحابة (‪ )420 /2‬قال ابن حجر ‪" :‬وهو مرسل" وأورده ابن عبد البر في الستيعاب‬
‫(‪ )146 /1‬وأنكر كون أكثم بن صيفي من الصحابة وانظر ‪ :‬الصابة (‪.)119 /1‬‬

‫( ‪)4/596‬‬

‫جعَلْتُمُ اللّهَ عَلَ ْيكُمْ َكفِيلًا إِنّ اللّهَ‬


‫وََأ ْوفُوا ِب َعهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدْ ُت ْم وَلَا تَ ْن ُقضُوا الْأَ ْيمَانَ َبعْدَ َت ْوكِيدِهَا َوقَدْ َ‬
‫خذُونَ أَ ْيمَا َن ُكمْ َدخَلًا بَيْ َنكُمْ‬
‫ضتْ غَزَْلهَا مِنْ َب ْعدِ ُق ّوةٍ أَ ْنكَاثًا تَتّ ِ‬
‫َيعْلَمُ مَا َت ْفعَلُونَ (‪ )91‬وَلَا َتكُونُوا كَالّتِي َن َق َ‬
‫أَنْ َتكُونَ ُأمّةٌ ِهيَ أَرْبَى مِنْ ُأمّةٍ إِ ّنمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ ِب ِه وَلَيُبَيّنَنّ َلكُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ مَا كُنْ ُتمْ فِيهِ َتخْتَِلفُونَ (‬
‫‪)92‬‬

‫وقد ورد في نزول هذه الية الكريمة حديث حَسن ‪ ،‬رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو النضر ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد ‪ ،‬حدثنا شهر ‪ ،‬حدثني عبد ال بن عباس قال ‪ :‬بينما رسول‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بفناء بيته جالس ‪ ،‬إذ مر به عثمان بن مظعون ‪ ،‬فكشر (‪ )1‬إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل تجلس ؟" فقال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪:‬‬
‫شخَص رسول ال صلى ال‬
‫فجلس رسول ال صلى ال عليه وسلم مستقبله ‪ ،‬فبينما هو يحدثه إذ َ‬
‫عليه وسلم ببصره في السماء ‪ ،‬فنظر ساعة إلى [السماء] (‪ )2‬فأخذ يضع بصره حتى وضعه على‬
‫َيمْنته في الرض ‪ ،‬فتحرّف رسول ال صلى ال عليه وسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع‬
‫بصره فأخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له ‪ ،‬وابن مظعون ينظر فلما قضى حاجته واستفقه‬
‫ما يقال له ‪ ،‬شخص بصر رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى السماء كما شخص أول مرة‪.‬‬
‫فأتبعه بصره حتى توارى في السماء‪ .‬فأقبل إلى عثمان بجلسته الولى فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬فيما كنت‬
‫أجالسك ؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة! قال ‪" :‬وما رأيتني فعلت ؟" قال ‪ :‬رأيتك شخص بصرك‬
‫إلى السماء ثم وضعته حيث وضعته على يمينك ‪ ،‬فتحرفت إليه وتركتني ‪ ،‬فأخذت تنغض رأسك‬
‫كأنك تستفقه شيئا يقال لك‪ .‬قال ‪" :‬وفطنت لذلك ؟" فقال عثمان ‪ :‬نعم‪ .‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أتاني رسول ال آنفا وأنت جالس"‪ .‬قال ‪ :‬رسولُ ال ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬فما قال‬
‫حشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَ ِر وَالْ َب ْغيِ‬
‫ن وَإِيتَاءِ ذِي ا ْلقُرْبَى وَيَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَ ْ‬
‫حسَا ِ‬
‫لك ؟ قال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ يَ ْأمُرُ بِا ْل َع ْدلِ وَال ْ‬
‫ظكُمْ َلعَّلكُمْ تَ َذكّرُونَ } قال عثمان ‪ :‬فذلك حين استقر اليمان في قلبي ‪ ،‬وأحببت محمدًا صلى ال‬
‫َيعِ ُ‬
‫عليه وسلم (‪.)3‬‬
‫إسناد جيد متصل حسن ‪ ،‬قد (‪ )4‬بُيّن فيه السماع المتصل‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث عبد‬
‫الحميد بن بَهرام مختصرًا‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬عن عثمان بن أبي العاص الثقفي في ذلك ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن عثمان بن أبي‬
‫شهْر بن َ‬
‫حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا هُرَيْم ‪ ،‬عن لَيْث ‪ ،‬عن َ‬
‫خصَ بَصره فقال ‪" :‬أتاني‬
‫العاص قال ‪ :‬كنت عند رسول ال صلى ال عليه وسلم جالسا ‪ ،‬إذ شَ َ‬
‫جبريل ‪ ،‬فأمرني أن أضع هذه الية بهذا الموضع من هذه السورة ‪ { :‬إِنّ اللّهَ يَ ْأمُرُ بِا ْلعَ ْدلِ‬
‫ظكُمْ َلعَّلكُمْ تَ َذكّرُونَ ] } (‪( )5‬‬
‫وَالحْسَانِ [وَإِيتَاءِ ذِي ا ْلقُرْبَى وَيَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَحْشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَرِ وَالْ َب ْغيِ َيعِ ُ‬
‫‪.)6‬‬
‫وهذا إسناد ل بأس به ‪ ،‬ولعله عند شهر بن حوشب من الوجهين ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫علَ ْيكُمْ َكفِيل إِنّ اللّهَ‬
‫جعَلْ ُتمُ اللّهَ َ‬
‫{ وََأ ْوفُوا ِب َعهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَل تَ ْن ُقضُوا ال ْيمَانَ َبعْدَ َت ْوكِيدِهَا َوقَدْ َ‬
‫َيعْلَمُ مَا َت ْفعَلُونَ (‪ )91‬وَل َتكُونُوا كَالّتِي َن َقضَتْ غَزَْلهَا مِنْ َبعْدِ ُق ّوةٍ أَ ْنكَاثًا تَتّخِذُونَ أَ ْيمَا َنكُمْ دَخَل‬
‫بَيْ َنكُمْ أَنْ َتكُونَ ُأمّةٌ ِهيَ أَرْبَى مِنْ ُأمّةٍ إِ ّنمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِ ِه وَلَيُبَيّنَنّ َلكُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ‬
‫تَخْتَِلفُونَ (‪} )92‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فكر"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)318 /1‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)218 /4‬‬

‫( ‪)4/597‬‬

‫وهذا مما يأمر ال تعالى به (‪ )1‬وهو الوفاء بالعهود والمواثيق ‪ ،‬والمحافظة على اليمان‬
‫المؤكدة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَل تَ ْن ُقضُوا ال ْيمَانَ َبعْدَ َت ْوكِيدِهَا }‬
‫جعَلُوا اللّهَ عُ ْرضَ ًة ل ْيمَا ِنكُمْ أَنْ تَبَرّوا وَتَ ّتقُوا [وَ ُتصِْلحُوا‬
‫ول تعارض بين هذا وبين قوله ‪ { :‬وَل َت ْ‬
‫حفَظُوا‬
‫بَيْنَ النّاسِ ] } [البقرة ‪ )2( ]224 :‬وبين قوله تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ كَفّا َرةُ أَ ْيمَا ِنكُمْ ِإذَا حََلفْتُ ْم وَا ْ‬
‫أَ ْيمَا َنكُمْ } [المائدة ‪ ]89 :‬أي ‪ :‬ل تتركوها بل تكفير ‪ ،‬وبين قوله ‪ ،‬عليه السلم (‪ )3‬فيما ثبت عنه‬
‫في الصحيحين (‪ : )4‬إني وال إن شاء ال ‪ ،‬ل أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها ‪ ،‬إل‬
‫أتيت الذي هو خير وتحللتها"‪ .‬وفي رواية ‪" :‬وكفرت عن يميني" ل تعارض بين هذا كله ‪ ،‬ول‬
‫جعَلْتُمُ اللّهَ عَلَ ْي ُكمْ‬
‫بين الية المذكورة هاهنا وهي قوله ‪ { :‬وَل تَ ْنقُضُوا ال ْيمَانَ َب ْعدَ َت ْوكِيدِهَا [ َوقَدْ َ‬
‫َكفِيل] } (‪ )5‬؛ لن هذه اليمان ‪ ،‬المراد بها الداخلة في العهود والمواثيق ‪ ،‬ل اليمان التي هي‬
‫حثّ أو منع ؛ ولهذا قال مجاهد في قوله ‪ { :‬وَل تَ ْن ُقضُوا ال ْيمَانَ َب ْعدَ َت ْوكِيدِهَا } يعني ‪:‬‬
‫واردة على َ‬
‫الحِلْف ‪ ،‬أي ‪ :‬ح ْلفَ الجاهلية ؛ ويؤيده ما رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عبد ال بن محمد ‪ -‬هو ابن أبي شيبة ‪ -‬حدثنا ابن ُنمَيْر وأبو أسامة ‪ ،‬عن زكريا ‪ -‬هو ابن‬
‫أبي زائدة ‪ -‬عن سعد بن إبراهيم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جُبَيْر بن مطعم قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ل حِلْف في السلم ‪ ،‬وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده السلم إل شدة"‪.‬‬
‫وكذا رواه مسلم ‪ ،‬عن ابن أبي شيبة ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫ومعناه أن السلم ل يحتاج معه إلى الحلْف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه ‪ ،‬فإن في التمسك‬
‫بالسلم كفاية عما كانوا فيه‪.‬‬
‫وأما ما ورد في الصحيحين ‪ ،‬عن عاصم الحول ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬حالف‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بين المهاجرين والنصار في دارنا (‪ - )7‬فمعناه ‪ :‬أنه آخى بينهم‬
‫‪ ،‬فكانوا يتوارثون به ‪ ،‬حتى نسخ ال ذلك وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن عمارة السدي ‪ ،‬حدثنا عبيد ال (‪ )8‬بن موسى ‪ ،‬أخبرنا أبن‬
‫أبي ليلى ‪ ،‬عن مَزِيدة (‪ )9‬في قوله ‪ { :‬وََأ ْوفُوا ِب َعهْدِ اللّهِ ِإذَا عَاهَدْ ُتمْ } قال ‪ :‬نزلت في بيعة النبي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كان من أسلم بايع النبي صلى ال عليه وسلم على السلم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫{ وََأ ْوفُوا ِب َعهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ } هذه البيعة التي بايعتم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬به تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )83 /4‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2530‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )2294‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2529‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬بريدة"‪.‬‬

‫( ‪)4/598‬‬

‫على السلم ‪ { ،‬وَل تَ ْن ُقضُوا ال ْيمَانَ َبعْدَ َت ْوكِي ِدهَا } البيعة ‪ ،‬ل يحملنكم قلة محمد [وأصحابه] (‪)1‬‬
‫وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي تبايعتم على السلم‪.‬‬
‫جوَيرية ‪ ،‬عن نافع قال ‪ :‬لما خلع الناس‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا صخر بن ُ‬
‫يزيد بن معاوية ‪ ،‬جمع ابن عمر بنيه وأهله ‪ ،‬ثم تشهد ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬فإنا قد بايعنا هذا‬
‫الرجل على بيعة ال ورسوله ‪ ،‬وإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن الغادر‬
‫يُنصب له لواء يوم القيامة ‪ ،‬فيقال (‪ )2‬هذه غَدْرة فلن وإن من أعظم الغَدْر ‪ -‬إل أن يكون‬
‫الشراك بال ‪ -‬أن يبايع رجل رجل على بيعة ال ورسوله ‪ ،‬ثم ينكث بيعته ‪ ،‬فل يخلعن أحد‬
‫منكم يزيد ول يسرفن أحد منكم في هذا المر ‪ ،‬فيكون صَيْلم بيني وبينه" (‪.)3‬‬
‫المرفوع منه في الصحيحين (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا حجاج ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن عابس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫حذيفة قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬من شرط لخيه شرطًا ‪ ،‬ل يريد أن‬
‫يفي له به ‪ ،‬فهو كالمدلي جاره إلى غير مَ ْنعَة" (‪.)5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا َت ْفعَلُونَ } تهديد ووعيد لمن نقض اليمان بعد توكيدها‪.‬‬
‫ضتْ غَزَْلهَا مِنْ َبعْدِ ُق ّوةٍ أَ ْنكَاثًا } قال عبد ال بن كثير ‪ ،‬والسدّي ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل َتكُونُوا كَالّتِي َنقَ َ‬
‫هذه امرأة خرقاء كانت بمكة ‪ ،‬كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده‪.‬‬
‫وهذا القول أرجح وأظهر ‪ ،‬وسواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم ل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أَ ْنكَاثًا } يحتمل أن يكون اسم مصدر ‪ :‬نقضت غزلها أنكاثا ‪ ،‬أي ‪ :‬أنقاضا‪ .‬ويحتمل أن‬
‫يكون بدل عن خبر كان ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تكونوا أنكاثا ‪ ،‬جمع نكث من ناكث ؛ ولهذا قال بعده ‪:‬‬
‫{ تَتّخِذُونَ أَ ْيمَا َنكُمْ دَخَل بَيْ َن ُكمْ } أي ‪ :‬خديعة ومكرًا ‪ { ،‬أَنْ َتكُونَ ُأمّةٌ ِهيَ أَرْبَى مِنْ ُأمّةٍ } أي ‪:‬‬
‫يحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم ليطمئنوا إليكم ‪ ،‬فإذا أمكنكم الغدر بهم غَدَرتم‪ .‬فنهى ال عن‬
‫ذلك ‪ ،‬لينبه بالدنى على العلى ؛ إذا كان قد نهى عن الغدر والحالة هذه ‪ ،‬فلن ينهى عنه مع‬
‫التمكن والقدرة بطريق الولى‪.‬‬
‫وقد قدمنا ‪ -‬ول الحمد ‪ -‬في سورة "النفال" (‪ )6‬قصة معاوية لما كان بينه وبين ملك الروم أمَدٌ ‪،‬‬
‫فسار معاوية إليهم في آخر الجل ‪ ،‬حتى إذا انقضى وهو قريب من بلدهم ‪ ،‬أغار عليهم وهم‬
‫غارون ل يشعرون ‪ ،‬فقال له عمرو بن عَبْسَة ‪ :‬ال أكبر يا معاوية ‪ ،‬وفاء ل غدرًا ‪ ،‬سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)48 /2‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )3188‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1735‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)404 /5‬‬
‫(‪ )6‬عند تفسير الية ‪.58 :‬‬

‫( ‪)4/599‬‬

‫عمّا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‬


‫ضلّ مَنْ َيشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ يَشَا ُء وَلَتُسْأَلُنّ َ‬
‫ح َد ًة وََلكِنْ ُي ِ‬
‫جعََل ُكمْ ُأمّ ًة وَا ِ‬
‫وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَ َ‬
‫‪)93‬‬

‫يقول ‪" :‬من كان بينه وبين قوم أجل فل يحلن عُقدة حتى ينقضي أمَدها"‪ .‬فرجع معاوية بالجيش ‪،‬‬
‫رضي ال عنه وأرضاه‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ { :‬أَنْ َتكُونَ ُأمّةٌ ِهيَ أَرْبَى مِنْ ُأمّةٍ } أي ‪ :‬أكثر‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬كانوا يحالفون الحلفاء ‪ ،‬فيجدون أكثر منهم وأعز ‪ ،‬فينقضون حلف هؤلء‬
‫ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز‪ .‬فنهوا عن ذلك‪ .‬وقال الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد نحوه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ ِبهِ } قال سعيد بن جُبَير ‪ :‬يعني بالكثرة‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬أي ‪ :‬بأمره إياكم بالوفاء والعهد‪.‬‬
‫{ وَلَيُبَيّنَنّ َل ُكمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ } فيجازى كل عامل بعمله ‪ ،‬من خير وشر‪.‬‬
‫عمّا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ‬
‫ضلّ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ يَشَا ُء وَلَُتسْأَلُنّ َ‬
‫جعََلكُمْ ُأمّ ًة وَاحِ َدةً وََلكِنْ ُي ِ‬
‫{ وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَ َ‬
‫(‪} )93‬‬

‫( ‪)4/600‬‬

‫صدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وََلكُمْ‬


‫خذُوا أَ ْيمَا َنكُمْ َدخَلًا بَيْ َنكُمْ فَتَ ِزلّ قَ َدمٌ َبعْدَ ثُبُو ِتهَا وَتَذُوقُوا السّوءَ ِبمَا َ‬
‫وَلَا تَتّ ِ‬
‫عظِيمٌ (‪ )94‬وَلَا َتشْتَرُوا ِب َع ْهدِ اللّهِ َثمَنًا قَلِيلًا إِ ّنمَا عِنْدَ اللّهِ ُهوَ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪)95‬‬
‫عَذَابٌ َ‬
‫ن صَبَرُوا َأجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪)96‬‬
‫ق وَلَ َنجْزِيَنّ الّذِي َ‬
‫مَا عِنْ َدكُمْ يَ ْنفَدُ َومَا عِ ْندَ اللّهِ بَا ٍ‬

‫خذُوا أَ ْيمَا َنكُمْ َدخَل بَيْ َنكُمْ فَتَ ِزلّ قَ َدمٌ َبعْدَ ثُبُو ِتهَا وَتَذُوقُوا السّوءَ ِبمَا صَ َددْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ‬
‫{ وَل تَتّ ِ‬
‫عظِيمٌ (‪ )94‬وَل تَشْتَرُوا ِب َعهْدِ اللّهِ َثمَنًا قَلِيل إِ ّنمَا عِ ْندَ اللّهِ ُهوَ خَيْرٌ َل ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ‬
‫وََلكُمْ عَذَابٌ َ‬
‫ق وَلَ َنجْزِيَنّ الّذِينَ صَبَرُوا َأجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‬
‫(‪ )95‬مَا عِنْ َدكُمْ يَ ْنفَ ُد َومَا عِ ْندَ اللّهِ بَا ٍ‬
‫‪} )96‬‬
‫جعََلكُمْ } أيها الناس { ُأمّ ًة وَاحِ َدةً } (‪ ، )1‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََلوْ شَاءَ اللّهُ َل َ‬
‫جمِيعًا } [يونس ‪ ]99 :‬أي ‪ :‬لوفق بينكم‪ .‬ولما جعل اختلفا‬
‫شَاءَ رَ ّبكَ لمَنَ مَنْ فِي ال ْرضِ كُّل ُهمْ َ‬
‫ح َد ًة وَل يَزَالُونَ مُخْ َتِلفِينَ إِل مَنْ َرحِمَ‬
‫ج َعلَ النّاسَ ُأمّ ًة وَا ِ‬
‫ض ول شحناء { وََلوْ شَاءَ رَ ّبكَ لَ َ‬
‫غ َ‬
‫ول تبا ُ‬
‫ضلّ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ‬
‫خَلقَهُمْ } [هود ‪ ، ]119 ، 118 :‬وهكذا قال هاهنا ‪ { :‬وََلكِنْ ُي ِ‬
‫ك وَلِذَِلكَ َ‬
‫رَ ّب َ‬
‫يَشَاءُ } ثم يسألكم يوم القيامة عن جميع أعمالكم ‪ ،‬فيجازيكم عليها على الفتيل والنقير والقطْمير‪.‬‬
‫ثم حذر تعالى عباده عن (‪ )2‬اتخاذ اليمان دخل أي خديعة ومكرًا ‪ ،‬لئل تَزل قدم بعد ثبوتها ‪:‬‬
‫مثل لمن كان على الستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى ‪ ،‬بسبب اليمان الحانثة (‪)3‬‬
‫المشتملة على الصد عن سبيل ال ‪ ،‬لن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به ‪ ،‬لم يبق‬
‫له وثوق بالدين ‪ ،‬فانصد بسببه عن الدخول في السلم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَتَذُوقُوا السّوءَ ِبمَا صَ َددْتُمْ‬
‫عظِيمٌ }‬
‫عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وََلكُمْ عَذَابٌ َ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَل تَشْتَرُوا ِب َعهْدِ اللّهِ َثمَنًا قَلِيل } أي ‪ :‬ل تعتاضوا عن اليمان بال عَرَض‬
‫الحياة الدنيا وزينتها ‪ ،‬فإنها قليلة ‪ ،‬ولو حيزت لبن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند ال هو خير‬
‫له ‪ ،‬أي ‪ :‬جزاء ال وثوابه خير لمن رجاه وآمن به (‪ )4‬وطلبه ‪ ،‬وحفظ عهده (‪ )5‬رجاء موعوده‬
‫؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ مَا عِنْ َدكُمْ يَ ْنفَدُ }‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أمة واحدة أيها الناس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬الحادثة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬خير لمن آمن به ورجاه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عهد ال"‪.‬‬

‫( ‪)4/600‬‬

‫حسَنِ مَا‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَلَ ُنحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيّ َب ًة وَلَنَجْزِيَ ّنهُمْ أَجْرَ ُهمْ بِأَ ْ‬
‫مَنْ َ‬
‫كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪)97‬‬

‫أي ‪ :‬يفرغ وينقضي ‪ ،‬فإنه إلى أجل معدود محصور مقدّر مُتَناه ‪َ { ،‬ومَا عِنْدَ اللّهِ بَاقٍ } أي ‪:‬‬
‫وثوابه لكم في الجنة باق ل انقطاع ول نفاد له فإنه دائم ل يحول ول يزول ‪ { ،‬وَلَنَجْزِيَنّ الّذِينَ‬
‫حسَنِ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } قسم من الرب عز وجل (‪ )1‬مُتَلقى باللم ‪ ،‬أنه يجازي‬
‫صَبَرُوا َأجْرَ ُهمْ بِأَ ْ‬
‫الصابرين بأحسن أعمالهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ويتجاوز عن سيئها‪.‬‬
‫ل صَالِحًا مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيّبَ ًة وَلَ َنجْزِيَ ّنهُمْ َأجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا‬
‫ع ِم َ‬
‫{ مَنْ َ‬
‫كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪} )97‬‬
‫هذا وعد من ال تعالى لمن عمل صالحا ‪ -‬وهو العمل المتابع لكتاب ال تعالى وسنة نبيه (‪ )2‬من‬
‫ذكر أو أنثى من بني آدم ‪ ،‬وقلبه مؤمن بال ورسوله ‪ ،‬وإن هذا العمل المأمور به مشروع من‬
‫عند ال ‪ -‬بأن يحييه ال حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه (‪ )3‬بأحسن ما عمله في الدار الخرة‪.‬‬
‫والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت‪ .‬وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم‬
‫فسروها بالرزق الحلل الطيب‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪،‬‬
‫وعن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه فسرها بالقناعة‪ .‬وكذا قال ابن عباس ‪ ،‬و ِ‬
‫ووهب بن منبه‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنها (‪ )4‬السعادة‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬ل يطيب لحد حياة إل في الجنة‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬هي الرزق الحلل والعبادة في الدنيا ‪ ،‬وقال الضحاك أيضا ‪ :‬هي (‪ )5‬العمل‬
‫بالطاعة والنشراح بها‪.‬‬
‫والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله كما جاء في الحديث الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدثنا عبد ال بن يزيد ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي أيوب ‪ ،‬حدثني شرحبيل بن شريك ‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد الرحمن الحُبُلي ‪ ،‬عن عبد ال بن عَمرو أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬قد‬
‫أفلح من أسلم ورُزق كفافا ‪ ،‬وقَنّعه ال بما آتاه"‪.‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬من حديث عبد ال بن يزيد المقرئ به (‪)6‬‬
‫وروى الترمذي والنسائي ‪ ،‬من حديث أبي هانئ ‪ ،‬عن أبي علي الجنبي (‪ )7‬عن فضالة بن‬
‫عُبَيد ؛ أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬قد أفلح من هُدي إلى السلم ‪ ،‬وكان‬
‫عيشه كفافا ‪ ،‬وقنع (‪ )8‬به"‪ .‬وقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬جل شأنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬رسوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يجزى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬هي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬هو"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )168 /2‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1054‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الحسبي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ومنع"‪.‬‬

‫( ‪)4/601‬‬

‫فَإِذَا قَرَ ْأتَ ا ْلقُرْآَنَ فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشّ ْيطَانِ الرّجِيمِ (‪ )98‬إِنّهُ لَيْسَ َلهُ سُ ْلطَانٌ عَلَى الّذِينَ َآمَنُوا‬
‫وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ (‪ )99‬إِ ّنمَا سُ ْلطَانُهُ عَلَى الّذِينَ يَ َتوَّلوْنَ ُه وَالّذِينَ ُهمْ بِهِ مُشْ ِركُونَ (‪)100‬‬

‫الترمذي ‪ :‬هذا حديث صحيح (‪.)1‬‬


‫وقال المام أحمد ‪ ،‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا َهمّام ‪ ،‬عن يحيى ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال ل يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا [ويثاب‬
‫عليها في الخرة وأما الكافر فيعطيه حسناته في الدنيا] (‪ )2‬حتى إذا أفضى إلى الخرة ‪ ،‬لم تكن‬
‫له حسنة يعطى بها خيرًا"‪ .‬انفرد بإخراجه مسلم (‪.)3‬‬
‫علَى الّذِينَ آمَنُوا‬
‫{ فَِإذَا قَرَ ْأتَ ا ْلقُرْآنَ فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ (‪ )98‬إِنّهُ لَ ْيسَ لَهُ سُلْطَانٌ َ‬
‫وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ (‪ )99‬إِ ّنمَا سُ ْلطَانُهُ عَلَى الّذِينَ يَ َتوَّلوْنَ ُه وَالّذِينَ ُهمْ بِهِ مُشْ ِركُونَ (‪} )100‬‬
‫هذا أمر من ال تعالى لعباده (‪ )4‬على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إذا أرادوا قراءة القرآن ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن يستعيذوا بال من الشيطان الرجيم‪ .‬وهو أمرُ ندبٍ ليس بواجب ‪ ،‬حكى الجماع على ذلك (‪)5‬‬
‫المام أبو جعفر بن جرير وغيره من الئمة‪ .‬وقد قدمنا الحاديث الواردة في الستعاذة مبسوطة‬
‫في أول التفسير ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫والمعنى في الستعاذة عند ابتداء القراءة ‪ ،‬لئل يلبس (‪ )6‬على القارئ قراءته ويخلط عليه ‪،‬‬
‫ويمنعه من التدبر والتفكر ‪ ،‬ولهذا ذهب الجمهور إلى أن الستعاذة إنما تكون قبل التلوة (‪)7‬‬
‫وحكي عن حمزة وأبي حاتم السجستاني ‪ :‬أنها تكون بعد التلوة ‪ ،‬واحتجا بهذه الية‪ .‬ونقل‬
‫النووي في شرح المهذب مثل ذلك عن أبي هريرة أيضًا ‪ ،‬ومحمد بن سيرين ‪ ،‬وإبراهيم النّخَعي‪.‬‬
‫والصحيح الول ‪ ،‬لما تقدم من الحاديث الدالة على تقدمها على التلوة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّهُ لَيْسَ َلهُ سُ ْلطَانٌ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ } قال الثوري ‪ :‬ليس له عليهم‬
‫سلطان أن يوقعهم في ذنب ل يتوبون منه‪.‬‬
‫خَلصِينَ }‬
‫وقال آخرون ‪ :‬معناه ل حجة له عليهم‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬كقوله ‪ { :‬إِل عِبَا َدكَ مِ ْنهُمُ ا ْلمُ ْ‬
‫[ص ‪.]83 :‬‬
‫{ إِ ّنمَا سُلْطَاُنهُ عَلَى الّذِينَ يَ َتوَّلوْنَهُ } قال مجاهد ‪ :‬يطيعونه‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬اتخذوه وليًا من دون ال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪.)2349‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )123 /3‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2818‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عباده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وحكى على ذلك الجماع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬تلتبس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬القراءة"‪.‬‬

‫( ‪)4/602‬‬

‫وَإِذَا َبدّلْنَا آَ َيةً َمكَانَ آَيَ ٍة وَاللّهُ أَعْلَمُ ِبمَا يُنَ ّزلُ قَالُوا إِ ّنمَا أَ ْنتَ ُمفْتَرٍ َبلْ َأكْثَرُهُمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪ُ )101‬قلْ‬
‫حقّ لِيُثَ ّبتَ الّذِينَ َآمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِ ْلمُسِْلمِينَ (‪)102‬‬
‫نَزّلَهُ رُوحُ ا ْلقُدُسِ مِنْ رَ ّبكَ بِالْ َ‬

‫{ وَالّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْ ِركُونَ } أي ‪ :‬أشركوا في عبادة ال تعالى‪ .‬ويحتمل أن تكون الباء سببية ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬صاروا بسبب طاعتهم للشيطان مشركين بال تعالى‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال آخرون ‪ :‬معناه ‪ :‬أنه شركهم في الموال والولد‪.‬‬
‫{ وَإِذَا بَدّلْنَا آيَةً َمكَانَ آيَ ٍة وَاللّهُ أَعْلَمُ ِبمَا يُنزلُ قَالُوا إِ ّنمَا أَ ْنتَ ُمفْتَرٍ َبلْ َأكْثَرُ ُهمْ ل َيعَْلمُونَ (‪ُ )101‬قلْ‬
‫حقّ لِيُثَ ّبتَ الّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِ ْلمُسِْلمِينَ (‪} )102‬‬
‫نزلَهُ رُوحُ ا ْلقُدُسِ مِنْ رَ ّبكَ بِالْ َ‬
‫يخبر تعالى عن ضعف عقول المشركين وقلة ثباتهم وإيقانهم ‪ ،‬وأنه ل يتصور منهم اليمان وقد‬
‫كتب عليهم الشقاوة ‪ ،‬وذلك أنهم إذا رأوا تغيير الحكام ناسخها بمنسوخها قالوا للرسول ‪ { :‬إِ ّنمَا‬
‫أَ ْنتَ مُفْتَرٍ } أي ‪ :‬كذاب وإنما هو الرب تعالى يفعل ما يشاء ‪ ،‬ويحكم ما يريد‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬بَدّلْنَا آيَةً َمكَانَ آيَةٍ } أي ‪ :‬رفعناها وأثبتنا غيرها‪.‬‬
‫سهَا } [البقرة ‪.]106 :‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هو كقوله تعالى ‪ { :‬مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ َأوْ نُنْ ِ‬
‫حقّ } أي ‪ :‬بالصدق‬
‫فقال تعالى مجيبا لهم ‪ُ { :‬قلْ نزلَهُ رُوحُ ا ْلقُدُسِ } أي ‪ :‬جبريل ‪ { ،‬مِنْ رَ ّبكَ بِالْ َ‬
‫والعدل ‪ { ،‬لِيُثَ ّبتَ الّذِينَ آمَنُوا } فيصدقوا بما أنزل أول وثانيا وتخبت له قلوبهم ‪ { ،‬وَ ُهدًى وَبُشْرَى‬
‫لِ ْلمُسِْلمِينَ } أي ‪ :‬وجعله هاديا [مهديا] (‪ )1‬وبشارة للمسلمين الذين آمنوا بال ورسله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)4/603‬‬

‫ج ِميّ وَ َهذَا لِسَانٌ عَرَ ِبيّ مُبِينٌ (‬


‫عَ‬‫حدُونَ إِلَيْهِ أَ ْ‬
‫وَلَقَدْ َنعْلَمُ أَ ّنهُمْ َيقُولُونَ إِ ّنمَا ُيعَّلمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الّذِي يُلْ ِ‬
‫‪)103‬‬

‫ي وَهَذَا لِسَانٌ عَرَ ِبيّ مُبِينٌ (‬


‫ج ِم ّ‬
‫{ وََلقَدْ َنعْلَمُ أَ ّنهُمْ َيقُولُونَ إِ ّنمَا ُيعَّلمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الّذِي يُ ْلحِدُونَ إِلَ ْيهِ أَعْ َ‬
‫‪} )103‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والفتراء والبهت ‪ :‬أن محمدًا إنما‬
‫يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر ‪ ،‬ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بين أظهرهم ‪،‬‬
‫غلم لبعض بطون قريش ‪ ،‬وكان بياعا يبيع عند الصفا ‪ ،‬فربما كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء ‪ ،‬وذاك كان أعجمي اللسان ل يعرف العربية ‪ ،‬أو أنه كان‬
‫يعرف الشيء اليسير بقدر ما يَرُد جواب الخطاب فيما ل بد منه ؛ فلهذا قال ال تعالى رادًا عليهم‬
‫ي وَهَذَا لِسَانٌ عَرَ ِبيّ مُبِينٌ } يعني ‪ :‬القرآن أي‬
‫ج ِم ّ‬
‫في افترائهم ذلك ‪ { :‬لِسَانُ الّذِي يُ ْلحِدُونَ إِلَ ْيهِ أَعْ َ‬
‫‪ :‬فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن ‪ ،‬في َفصَاحته وبلغته ومعانيه التامة الشاملة ‪ ،‬التي هي أكمل‬
‫من (‪ )1‬معاني كل كتاب نزل على نبي أرسل ‪ ،‬كيف يتعلم من رجل أعجمي ؟! ل يقول هذا من‬
‫له أدنى مُسْكة (‪ )2‬من العقل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال محمد بن إسحاق بن يَسَار في السيرة ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فيما بلغني ‪-‬‬
‫كثيرًا ما يجلس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬هي من أكمل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مسلة"‪.‬‬

‫( ‪)4/603‬‬

‫إِنّ الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِآَيَاتِ اللّهِ لَا َيهْدِي ِهمُ اللّهُ وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )104‬إِ ّنمَا َيفْتَرِي ا ْلكَ ِذبَ الّذِينَ لَا‬
‫ُي ْؤمِنُونَ بِآَيَاتِ اللّهِ وَأُولَئِكَ ُهمُ ا ْلكَاذِبُونَ (‪)105‬‬

‫عند المروة إلى مَبيعة غلم نصراني يقال له جبر ‪ ،‬عبد لبعض بني الحضرمي ‪[ ،‬فكانوا يقولون‬
‫‪ :‬وال ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إل جبر النصراني ‪ ،‬غلم بن الحضرمي] (‪ )1‬فأنزل ال‬
‫ي وَهَذَا لِسَانٌ عَرَ ِبيّ‬
‫ج ِم ّ‬
‫‪ { :‬وََلقَدْ َنعَْلمُ أَ ّنهُمْ َيقُولُونَ إِ ّنمَا ُيعَّلمُهُ بَشَرٌ ِلسَانُ الّذِي يُ ْلحِدُونَ إِلَ ْيهِ أَعْ َ‬
‫مُبِينٌ } (‪)2‬‬
‫عكْرِمة وقتادة ‪ :‬كان اسمه يعيش‪.‬‬
‫وكذا قال عبد ال بن كثير ‪ :‬وعن ِ‬
‫ط ْهمَان ‪،‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني أحمد بن محمد الطوسي ‪ ،‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن َ‬
‫عن مسلم بن عبد ال الملئي ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يعلم قَينًا بمكة ‪ ،‬وكان اسمه بلغام ‪ ،‬وكان أعجمي اللسان ‪ ،‬وكان المشركون يرون رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده ‪ ،‬قالوا ‪ :‬إنما يعلمه بلغام ‪ ،‬فأنزل ال هذه‬
‫ي وَهَذَا لِسَانٌ عَرَ ِبيّ‬
‫جمِ ّ‬
‫عَ‬‫الية ‪ { :‬وَلَقَدْ َنعَْلمُ أَ ّنهُمْ َيقُولُونَ إِ ّنمَا ُيعَّلمُهُ بَشَرٌ ِلسَانُ الّذِي ُيلْحِدُونَ إِلَ ْيهِ أَ ْ‬
‫مُبِينٌ } (‪.)3‬‬
‫وقال الضحاك بن مزاحم ‪ :‬هو سلمان الفارسي ‪ ،‬وهذا القول ضعيف ؛ لن هذه الية مكية ‪،‬‬
‫وسلمان إنما أسلم بالمدينة وقال عبيد ال (‪ )4‬بن مسلم ‪ :‬كان لنا غلمان روميان يقرآن كتابا لهما‬
‫بلسانهما ‪ ،‬فكان النبي صلى ال عليه وسلم يمر بهما (‪ ، )5‬فيقوم فيسمع منهما فقال المشركون ‪:‬‬
‫يتعلم منهما ‪ ،‬فأنزل ال هذه الية‪.‬‬
‫وقال الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ :‬الذي قال ذلك من المشركين رجل كان يكتب الوحي‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فارتد بعد ذلك عن السلم ‪ ،‬وافترى هذه المقالة ‪ ،‬قبحه ال!‪.‬‬
‫نل‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )104‬إِ ّنمَا َيفْتَرِي ا ْلكَ ِذبَ الّذِي َ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ل َيهْدِيهِمُ اللّ ُه وََلهُمْ َ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُولَئِكَ ُهمُ ا ْلكَاذِبُونَ (‪} )105‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يخبر تعالى أنه ل يهدي (‪ )6‬من أعرض عن ذكره و َتغَافل عما أنزله على رسوله ‪ ،‬ولم يكن له‬
‫قصد إلى اليمان بما جاء من عند ال ‪ ،‬فهذا الجنس من الناس ل يهديهم ال إلى اليمان بآياته‬
‫وما أرسل به رسله في الدنيا ‪ ،‬ولهم عذاب أليم موجع في الخرة‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى أن رسوله ليس بمفتر ول كَذّاب ؛ لنه { إِ ّنمَا َيفْتَرِي ا ْلكَ ِذبَ } على ال وعلى‬
‫ن ل ُي ْؤمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ } من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند‬
‫رسوله شِرارُ الخلق ‪ { ،‬الّذِي َ‬
‫الناس‪ .‬والرسول محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كان (‪ )7‬أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعمل‬
‫وإيمانا وإيقانا ‪ ،‬معروفًا بالصدق في قومه ‪ ،‬ل يشك في ذلك أحد منهم بحيث ل يُدْعى بينهم إل‬
‫بالمين محمد ؛ ولهذا لما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)393 /1‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)119 /14‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عليهما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ل يهتدي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬كان من"‪.‬‬

‫( ‪)4/604‬‬

‫صدْرًا‬
‫طمَئِنّ بِالْإِيمَانِ وََلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِا ْل ُكفْرِ َ‬
‫مَنْ َكفَرَ بِاللّهِ مِنْ َبعْدِ إِيمَا ِنهِ إِلّا مَنْ ُأكْ ِر َه َوقَلْبُهُ ُم ْ‬
‫عذَابٌ عَظِيمٌ (‪ )106‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمُ اسْتَحَبّوا ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا عَلَى الْآَخِ َر ِة وَأَنّ‬
‫ضبٌ مِنَ اللّ ِه وََلهُمْ َ‬
‫غ َ‬
‫َفعَلَ ْيهِمْ َ‬
‫س ْم ِعهِمْ وَأَ ْبصَارِهِ ْم وَأُولَ ِئكَ‬
‫اللّهَ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلكَافِرِينَ (‪ )107‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ طَ َبعَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِ ْم وَ َ‬
‫هُمُ ا ْلغَافِلُونَ (‪ )108‬لَا جَرَمَ أَ ّنهُمْ فِي الَْآخِ َرةِ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ (‪)109‬‬

‫سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬كان فيما قال له ‪ :‬أو كنتم (‪ )1‬تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫هرقل فما كان ليَدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على ال عز وجل‪.‬‬
‫طمَئِنّ بِاليمَانِ وََلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِا ْلكُفْ ِر صَدْرًا‬
‫{ مَنْ َكفَرَ بِاللّهِ مِنْ َب ْعدِ إِيمَانِهِ إِل مَنْ ُأكْ ِر َه َوقَلْبُهُ ُم ْ‬
‫عذَابٌ عَظِيمٌ (‪ )106‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمُ اسْتَحَبّوا ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا عَلَى الخِ َرةِ وَأَنّ‬
‫ضبٌ مِنَ اللّ ِه وََلهُمْ َ‬
‫غ َ‬
‫َفعَلَ ْيهِمْ َ‬
‫س ْم ِعهِ ْم وَأَ ْبصَارِهِ ْم وَأُولَ ِئكَ‬
‫اللّهَ ل َيهْدِي ا ْلقَوْمَ ا ْلكَافِرِينَ (‪ )107‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِ ْم وَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هُمُ ا ْلغَافِلُونَ (‪ )108‬ل جَرَمَ أَ ّنهُمْ فِي الخِ َرةِ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ (‪} )109‬‬
‫أخبر تعالى عمن كفر به بعد اليمان والتبصر ‪ ،‬وشرح صدره بالكفر واطمأن به ‪ :‬أنه قد غَضب‬
‫عليه ‪ ،‬لعلمهم باليمان ثم عدولهم عنه ‪ ،‬وأن لهم عذابا عظيما في الدار الخرة ؛ لنهم استحبوا‬
‫الحياة الدنيا على الخرة ‪ ،‬فأقدموا (‪ )2‬على ما أقدموا عليه من الردة لجل (‪ )3‬الدنيا ‪ ،‬ولم يهد‬
‫ال قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق ‪ ،‬فطبع على قلوبهم فل (‪ )4‬يعقلون بها شيئا ينفعهم وختم على‬
‫سمعهم وأبصارهم فل ينتفعون بها ‪ ،‬ول أغنت عنهم شيئا ‪ ،‬فهم غافلون عما يراد بهم‪.‬‬
‫{ ل جَرَمَ } أي ‪ :‬ل بد ول عجب أن من هذه صفته ‪ { ،‬أَ ّن ُهمْ فِي الخِ َرةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } أي ‪:‬‬
‫الذين خسروا أنفسهم وأهاليهم (‪ )5‬يوم القيامة‪.‬‬
‫طمَئِنّ بِاليمَانِ } فهو استثناء ممن (‪ )6‬كفر بلسانه ووافق‬
‫وأما قوله ‪ { :‬إِل مَنْ ُأكْ ِر َه َوقَلْبُهُ ُم ْ‬
‫المشركين بلفظه مكرها لما ناله من ضرب وأذى ‪ ،‬وقلبه يأبى ما يقول ‪ ،‬وهو مطمئن باليمان‬
‫بال ورسوله‪.‬‬
‫وقد روى العَوفِيّ عن ابن عباس ‪ :‬أن هذه الية نزلت في عمّار بن ياسر ‪ ،‬حين عذبه المشركون‬
‫حتى يكفر بمحمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فوافقهم على ذلك مُكرَها (‪ )7‬وجاء معتذرًا إلى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأنزل ال هذه الية ‪ ،‬وهكذا قال الشعبي ‪ ،‬وأبو مالك وقتادة‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا محمد بن ثَور ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن عبد الكريم‬
‫الجَزَريّ ‪ ،‬عن أبي عبيدة [بن] (‪ )8‬محمد بن عمار (‪ )9‬بن ياسر قال ‪ :‬أخذ المشركون عمار بن‬
‫ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا ‪ ،‬فشكا ذلك إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كيف تجد قلبك ؟" قال ‪ :‬مطمئنا باليمان قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إن عادوا فعد" (‪.)10‬‬
‫ورواه البيهقي بأبسط من ذلك ‪ ،‬وفيه أنه سب النبي صلى ال عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ‪ ،‬وأنه‬
‫قال ‪ :‬يا رسول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬أفكنتم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فما قدموا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬الردة إل لجل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فهم ل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وأهليتهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬فمن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مستكرهًا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪.)122 /14‬‬

‫( ‪)4/605‬‬

‫ال ‪ ،‬ما تُركتُ حتى سَببتك وذكرت آلهتهم بخير! قال ‪" :‬كيف تجد قلبك ؟" قال ‪ :‬مطمئنا باليمان‪.‬‬
‫طمَئِنّ بِاليمَانِ } (‪.)1‬‬
‫فقال ‪" :‬إن عادوا فعد"‪ .‬وفي ذلك أنزل ال ‪ { :‬إِل مَنْ ُأكْ ِر َه َوقَلْبُهُ مُ ْ‬
‫ولهذا اتفق العلماء على أنه يجوز أن ُيوَالى المكرَه على الكفر ‪ ،‬إبقاءً لمهجته ‪ ،‬ويجوز له أن‬
‫يستقتل ‪ ،‬كما كان بلل رضي ال عنه يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الفاعيل ‪ ،‬حتى أنهم‬
‫ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدّة الحر ‪ ،‬ويأمرونه أن يشرك بال فيأبى عليهم وهو‬
‫يقول ‪ :‬أحَد ‪ ،‬أحَد‪ .‬ويقول ‪ :‬وال لو أعلم كلمة هي (‪ )2‬أغيظ لكم منها لقلتها ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫وأرضاه‪ .‬وكذلك حبيب بن زيد (‪ )3‬النصاري لما قال له مسيلمة الكذاب ‪ :‬أتشهد أن محمدًا‬
‫رسول ال ؟ فيقول ‪ :‬نعم‪ .‬فيقول ‪ :‬أتشهد أني رسول ال ؟ فيقول ‪ :‬ل أسمع‪ .‬فلم يزل يقطعه إرْبًا‬
‫إرْبًا وهو ثابت على ذلك (‪.)4‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬أن عليا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن ِ‬
‫حَرّق ناسا ارتدوا عن السلم ‪ ،‬فبلغ ذلك ابن عباس فقال ‪ :‬لم أكن لحرقهم بالنار ‪ ،‬إن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل تعذبوا بعذاب ال"‪ .‬وكنت قاتلهم بقول رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من بدل دينه فاقتلوه" فبلغ ذلك عليا فقال ‪ :‬ويح أم ابن (‪ )5‬عباس‪ .‬رواه البخاري (‪.)6‬‬
‫حمَيْد بن هلل‬
‫وقال المام أحمد أيضًا ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أنبأنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن ُ‬
‫العَدَويّ ‪ ،‬عن أبي بردة قال ‪ :‬قدم على أبي موسى معاذُ بن جبل باليمن ‪ ،‬فإذا رجل عنده ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ما هذا ؟ قال (‪ )7‬رجل كان يهوديا فأسلم ‪ ،‬ثم تهود ‪ ،‬ونحن نريده على السلم منذ ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫أحسب ‪ -‬شهرين فقال ‪ :‬وال ل أقعد (‪ )8‬حتى تضربوا عنقه‪ .‬فضربت عنقه‪ .‬فقال ‪ :‬قضى ال‬
‫ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه ‪ -‬أو قال ‪ :‬من بدل دينه فاقتلوه (‪.)9‬‬
‫وهذه القصة في الصحيحين بلفظ آخر (‪.)10‬‬
‫والفضل والولى أن يثبت المسلم على دينه ‪ ،‬ولو أفضى إلى قتله ‪ ،‬كما قال (‪ )11‬الحافظ ابن‬
‫عساكر ‪ ،‬في ترجمة عبد ال بن حُذَافة السهمي أحد الصحابة ‪ :‬أنه أسرته الروم ‪ ،‬فجاءوا به إلى‬
‫(‪ )12‬ملكهم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬تنصر وأنا أشركك في ملكي وأزوجك ابنتي‪ .‬فقال له ‪ :‬لو أعطيتني جميع‬
‫ما تملك وجميع ما تملكه العرب ‪ ،‬على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ‪ ،‬ما فعلت! فقال ‪:‬‬
‫إذا أقتلك‪ .‬قال ‪ :‬أنت وذاك! فأمر به فصلب ‪ ،‬وأمر الرماة فرموه قريبا من يديه ورجليه ‪ ،‬وهو‬
‫يعرض عليه دين‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن البيهقي الكبرى (‪.)209 /8‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬الستيعاب لبن عبد البر (‪ )327 /1‬وأسد الغابة لبن الثير (‪.)443 /1‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ابن أم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )217 /1‬وصحيح البخاري برقم (‪.)6922‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬قعدتك"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪)231 /5‬‬
‫(‪ )10‬صحيح البخاري برقم (‪ )6923‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1733‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كما ذكر"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬عند"‪.‬‬

‫( ‪)4/606‬‬

‫ثُمّ إِنّ رَ ّبكَ لِلّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ َبعْدِ مَا فُتِنُوا ُثمّ جَاهَدُوا َوصَبَرُوا إِنّ رَ ّبكَ مِنْ َب ْعدِهَا َل َغفُورٌ َرحِيمٌ (‬
‫‪)110‬‬

‫النصرانية ‪ ،‬فيأبى (‪ )1‬ثم أمر به فأنزل ‪ ،‬ثم أمر ِبقِدْر‪ .‬وفي رواية ‪ :‬ببقرة من نحاس ‪ ،‬فأحميت ‪،‬‬
‫وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر ‪ ،‬فإذا هو عظام تلوح‪ .‬وعرض عليه فأبى ‪ ،‬فأمر به‬
‫أن يلقى فيها ‪ ،‬فرفع في ال َبكَرَة ليلقى فيها ‪ ،‬فبكى فطمع فيه ودعاه فقال له ‪ :‬إني إنما بكيت لن‬
‫نفسي إنما هي نفس واحدة ‪ ،‬تُلْقى في هذه القدر الساعة في ال ‪ ،‬فأحببت أن يكون لي بعدد كل‬
‫شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في ال‪ .‬وفي بعض الروايات ‪ :‬أنه سجنه ومنع عنه‬
‫الطعام والشراب أياما ‪ ،‬ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير ‪ ،‬فلم يقربه ‪ ،‬ثم استدعاه فقال ‪ :‬ما منعك‬
‫حلّ لي ‪ ،‬ولكن لم أكن لشمتك فيّ‪ .‬فقال له الملك ‪َ :‬فقَ ّبلْ رأسي وأنا‬
‫أن تأكل ؟ فقال ‪ :‬أما إنه قد َ‬
‫أطلقك‪ .‬فقال ‪ :‬وتطلق معي جميع أسارى المسلمين ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقبل رأسه ‪ ،‬فأطلقه وأطلق معه‬
‫حقّ على كل مسلم أن يقبل رأس‬
‫جميع أسارى المسلمين عنده ‪ ،‬فلما رجع قال عمر بن الخطاب ‪َ :‬‬
‫عبد ال بن حذافة ‪ ،‬وأنا أبدأ‪ .‬فقام فقبل رأسه (‪.)2‬‬
‫{ ُثمّ إِنّ رَ ّبكَ لِلّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ َبعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمّ جَا َهدُوا َوصَبَرُوا إِنّ رَ ّبكَ مِنْ َبعْ ِدهَا َل َغفُورٌ رَحِيمٌ (‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪} )110‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فأبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ دمشق (‪" 9/116‬المخطوط")‪.‬‬

‫( ‪)4/607‬‬

‫ظَلمُونَ (‪َ )111‬وضَرَبَ اللّهُ‬


‫ت وَ ُهمْ لَا يُ ْ‬
‫عمَِل ْ‬
‫سهَا وَ ُت َوفّى ُكلّ َنفْسٍ مَا َ‬
‫َيوْمَ تَأْتِي ُكلّ َنفْسٍ ُتجَا ِدلُ عَنْ َنفْ ِ‬
‫غدًا مِنْ ُكلّ َمكَانٍ َف َكفَ َرتْ بِأَ ْن ُعمِ اللّهِ فَأَذَا َقهَا اللّهُ لِبَاسَ‬
‫طمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِ ْز ُقهَا رَ َ‬
‫مَثَلًا قَرْيَةً كَا َنتْ َآمِنَةً مُ ْ‬
‫ب وَهُمْ‬
‫خذَهُمُ ا ْلعَذَا ُ‬
‫خ ْوفِ ِبمَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ (‪ )112‬وََلقَدْ جَاءَ ُهمْ رَسُولٌ مِ ْنهُمْ َفكَذّبُوهُ فَأَ َ‬
‫ع وَالْ َ‬
‫الْجُو ِ‬
‫ظَاِلمُونَ (‪)113‬‬

‫ت وَهُمْ ل ُيظَْلمُونَ (‪} )111‬‬


‫عمَِل ْ‬
‫سهَا وَتُ َوفّى ُكلّ َنفْسٍ مَا َ‬
‫{ َيوْمَ تَأْتِي ُكلّ َنفْسٍ تُجَا ِدلُ عَنْ َنفْ ِ‬
‫هؤلء صنف آخر كانوا مستضعفين بمكة ‪ ،‬مهانين في قومهم قد واتوهم على الفتنة ‪ ،‬ثم إنهم‬
‫أمكنهم الخلص بالهجرة ‪ ،‬فتركوا بلدهم وأهليهم وأموالهم ابتغاء رضوان ال وغفرانه ‪،‬‬
‫وانتظموا في سلك المؤمنين ‪ ،‬وجاهدوا معهم الكافرين ‪ ،‬وصبروا ‪ ،‬فأخبر ال تعالى أنه { مِنْ‬
‫َبعْدِهَا } أي ‪ :‬تلك الفعلة ‪ ،‬وهي الجابة إلى الفتنة لغفور لهم ‪ ،‬رحيم بهم يوم معادهم‪.‬‬
‫سهَا } ليس أحد يحاج عنها ل أب ول ابن ول‬
‫{ َيوْمَ تَأْتِي ُكلّ َنفْسٍ تُجَا ِدلُ } أي ‪ :‬تحاج { عَنْ َنفْ ِ‬
‫عمَِلتْ } أي ‪ :‬من خير وشر ‪ { ،‬وَهُمْ ل ُيظَْلمُونَ } أي ‪ :‬ل‬
‫أخ ول زوجة { وَتُ َوفّى ُكلّ َنفْسٍ مَا َ‬
‫ينقص من ثواب الخير ول يزاد على ثواب الشر (‪ )1‬ول يظلمون نقيرًا‪.‬‬
‫طمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِ ْز ُقهَا رَغَدًا مِنْ ُكلّ َمكَانٍ َف َكفَرَتْ بِأَ ْنعُمِ اللّهِ‬
‫{ َوضَ َربَ اللّهُ مَثَل قَرْيَةً كَا َنتْ آمِنَةً مُ ْ‬
‫خوْفِ ِبمَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ (‪ )112‬وََلقَدْ جَا َءهُمْ َرسُولٌ مِ ْنهُمْ َف َكذّبُوهُ‬
‫فَأَذَا َقهَا اللّهُ لِبَاسَ ا ْلجُوعِ وَا ْل َ‬
‫ب وَهُمْ ظَاِلمُونَ (‪} )113‬‬
‫خذَهُمُ ا ْلعَذَا ُ‬
‫فَأَ َ‬
‫هذا مثل أريد به أهل مكة ‪ ،‬فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة يُتخطّف الناس من حولها ‪ ،‬ومن‬
‫طفْ مِنْ أَ ْرضِنَا َأوَلَمْ‬
‫دخلها آمن ل يخاف ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَالُوا إِنْ نَتّبِعِ ا ْلهُدَى َم َعكَ نُ َتخَ ّ‬
‫شيْءٍ رِ ْزقًا مِنْ لَدُنّا } [القصص ‪]57 :‬‬
‫ُن َمكّنْ َلهُمْ حَ َرمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَ ْيهِ َثمَرَاتُ ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬المسيء"‪.‬‬

‫( ‪)4/607‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهكذا (‪ )1‬قال هاهنا ‪ { :‬يَأْتِيهَا رِ ْز ُقهَا رَغَدًا } أي ‪ :‬هنيئها سهل { مِنْ ُكلّ َمكَانٍ َف َكفَرَتْ بِأَ ْنعُمِ اللّهِ‬
‫} أي ‪ :‬جحدت آلء ال عليها وأعظم ذلك بعثة محمد صلى ال عليه وسلم إليهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫جهَنّمَ َيصَْلوْنَهَا وَبِئْسَ ا ْلقَرَارُ }‬
‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ُكفْرًا وَأَحَلّوا َق ْو َمهُمْ دَارَ الْ َبوَارِ َ‬
‫[إبراهيم ‪ )2( .]29 ، 28 :‬ولهذا بدّلهم ال بحاليهم الولين خلفهما ‪ ،‬فقال ‪ { :‬فَأَذَا َقهَا اللّهُ لِبَاسَ‬
‫خ ْوفِ } أي ‪ :‬ألبسها وأذاقها (‪ )3‬الجوع بعد أن كان يُجبى إليهم ثمرات كل شيء ‪،‬‬
‫ع وَالْ َ‬
‫الْجُو ِ‬
‫ويأتيها رزقها رغدًا من كل مكان ‪ ،‬وذلك لما استعصوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبوا‬
‫إل خلفه ‪ ،‬فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف ‪ ،‬فأصابتهم سنة (‪ )4‬أذهبت كل شيء لهم ‪ ،‬فأكلوا‬
‫العِ ْلهِز ‪ -‬وهو ‪ :‬وبر البعير ‪ ،‬يجعل بدمه إذا نحروه‪.‬‬
‫خوْفِ } وذلك بأنهم (‪ )5‬بُدّلوا بأمنهم خوفًا من رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْل َ‬
‫سفَال‬
‫وأصحابه ‪ ،‬حين هاجروا إلى المدينة ‪ ،‬من سطوة سراياه وجُيوشه ‪ ،‬وجعلوا كل ما لهم في َ‬
‫ودمار ‪ ،‬حتى فتحها ال عليهم (‪ )6‬وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم وتكذيبهم الرسول الذي بعثه ال‬
‫فيهم منهم ‪ ،‬وامتن به عليهم في قوله ‪َ { :‬لقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى ا ْل ُمؤْمِنِينَ ِإذْ َب َعثَ فِي ِهمْ رَسُول مِنْ‬
‫سهِمْ } [آل عمران ‪ ، ]164 :‬وقال تعالى ‪ { :‬فَا ّتقُوا اللّهَ يَا أُولِي اللْبَابِ الّذِينَ آمَنُوا َقدْ أَنزلَ اللّهُ‬
‫أَ ْنفُ ِ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِنَ الظُّلمَاتِ‬
‫إِلَ ْيكُمْ ِذكْرًا رَسُول [يَتْلُو عَلَ ْيكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫إِلَى النّورِ] } [الطلق ‪ )7( ]11 ، 10 :‬الية وقوله (‪َ { : )8‬كمَا أَ ْرسَلْنَا فِيكُمْ َرسُول مِ ْنكُمْ يَتْلُو‬
‫ح ْكمَةَ } إلى قوله (‪ { : )9‬وَل َت ْكفُرُونِ } [البقرة ‪، 151 :‬‬
‫عَلَ ْيكُمْ آيَاتِنَا وَيُ َزكّيكُ ْم وَ ُيعَّلمُكُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ‬
‫‪.]152‬‬
‫وكما أنه انعكس على الكافرين حالهم ‪ ،‬فخافوا بعد المن ‪ ،‬وجاعوا بعد الرغد ‪ ،‬بَدّل (‪ )10‬ال‬
‫المؤمنين من بعد خوفهم أمنا ‪ ،‬ورزقهم بعد العَيْلَة ‪ ،‬وجعلهم أمراء الناس وحكامهم ‪ ،‬وسادتهم‬
‫وقادتهم (‪ )11‬وأئمتهم‪.‬‬
‫وهذا (‪ )12‬الذي قلناه من أن هذا المثل مضروب لمكة ‪ ،‬قاله العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وإليه‬
‫ذهب مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ .‬وحكاه مالك عن الزهري ‪ ،‬رحمهم ال‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني ابن عبد الرحيم البَرْقي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي مريم ‪ ،‬حدثنا نافع بن زيد ‪،‬‬
‫حدثنا عبد الرحمن بن شُرَيْح ‪ ،‬أن عبد الكريم بن الحارث الحضرمي حدثه ‪ ،‬أنه سمع مشْرَح بن‬
‫هاعان يقول ‪ :‬سمعت سليم بن عتر (‪ )13‬يقول ‪ :‬صدرنا من الحج مع حفصة زوج النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬رضي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬ولكن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فبئس" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فأذاقها"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سنة جائحة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أنهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬على رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون‪ .‬فاذكروني أذكركم واشكروا لي"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬فبدل"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وقادتهم وسادتهم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬وهكذا"‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬عمير"‪.‬‬

‫( ‪)4/608‬‬

‫شكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْ ُبدُونَ (‪ )114‬إِ ّنمَا حَرّمَ عَلَ ْيكُمُ‬
‫َفكُلُوا ِممّا رَ َز َقكُمُ اللّهُ حَلَالًا طَيّبًا وَا ْ‬
‫غفُورٌ‬
‫غ وَلَا عَادٍ فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫حمَ ا ْلخِنْزِي ِر َومَا ُأ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ ِبهِ َفمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَا ٍ‬
‫ا ْلمَيْتَ َة وَالدّ َم وَلَ ْ‬
‫صفُ أَلْسِنَ ُت ُكمُ ا ْلكَ ِذبَ َهذَا حَلَالٌ وَ َهذَا حَرَامٌ لِ َتفْتَرُوا عَلَى اللّهِ ا ْل َك ِذبَ إِنّ‬
‫رَحِيمٌ (‪ )115‬وَلَا َتقُولُوا ِلمَا َت ِ‬
‫ل وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)117‬‬
‫الّذِينَ َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ لَا ُيفْلِحُونَ (‪ )116‬مَتَاعٌ قَلِي ٌ‬

‫ال عنه ‪ ،‬محصور بالمدينة ‪ ،‬فكانت تسأل عنه ‪ :‬ما فعل ؟ حتى رأت راكبين ‪ ،‬فأرسلت إليهما‬
‫تسألهما ‪ ،‬فقال قتل‪ .‬فقالت حفصة ‪ :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنها القرية التي قال ال ‪َ { :‬وضَرَبَ اللّهُ‬
‫طمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِ ْز ُقهَا رَغَدًا مِنْ ُكلّ َمكَانٍ َف َكفَ َرتْ بِأَ ْن ُعمِ اللّهِ } قال أبو شريح ‪:‬‬
‫مَثَل قَرْيَةً كَا َنتْ آمِنَةً ُم ْ‬
‫وأخبرني عبيد ال بن المغيرة ‪ ،‬عمن حدثه ‪ :‬أنه كان يقول ‪ :‬إنها المدينة (‪.)1‬‬
‫شكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْ ُبدُونَ (‪ )114‬إِ ّنمَا حَرّمَ عَلَ ْيكُمُ‬
‫{ َفكُلُوا ِممّا رَ َز َقكُمُ اللّهُ حَلل طَيّبًا وَا ْ‬
‫غفُورٌ‬
‫غ وَل عَادٍ فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫حمَ ا ْلخِنزي ِر َومَا ُأ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ ِبهِ َفمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَا ٍ‬
‫ا ْلمَيْتَ َة وَالدّ َم وَلَ ْ‬
‫ل وَهَذَا حَرَامٌ لِ َتفْتَرُوا عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ‬
‫صفُ أَلْسِنَ ُتكُمُ ا ْلكَ ِذبَ هَذَا حَل ٌ‬
‫رَحِيمٌ (‪ )115‬وَل َتقُولُوا ِلمَا َت ِ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪} )117‬‬
‫ل وََلهُمْ َ‬
‫إِنّ الّذِينَ َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ ل ُيفْلِحُونَ (‪ )116‬مَتَاعٌ قَلِي ٌ‬
‫يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بأكل رزقه الحلل الطيب ‪ ،‬وبشكره على ذلك ‪ ،‬فإنه المنعم‬
‫المتفضل به ابتداء ‪ ،‬الذي يستحق العبادة وحده ل شريك له‪.‬‬
‫ثم ذكر ما حرمه عليهم مما فيه مضرة لهم في دينهم ودنياهم ‪ ،‬من الميتة والدم ‪ ،‬ولحم الخنزير‪.‬‬
‫ضطُرّ } أي ‪ :‬احتاج في‬
‫{ َومَا أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ بِهِ } أي ‪ :‬ذبح على غير اسم ال ‪ ،‬ومع هذا { َفمَنِ ا ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ }‬
‫غير بغي ول عدوان ‪ { ،‬فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫وقد تقدم الكلم على مثل هذه الية في سورة "البقرة" (‪ )2‬بما فيه كفاية عن إعادته ‪ ،‬ول الحمد‬
‫[والمنة] (‪.)3‬‬
‫ثم نهى تعالى عن سلوك سبيل المشركين ‪ ،‬الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وضعوه واصطلحوا‬
‫عليه من السماء بآرائهم ‪ ،‬من البَحيرة والسائبة والوصيلة والحام ‪ ،‬وغير ذلك مما كان شرعا لهم‬
‫ابتدعوه في جاهليتهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَل َتقُولُوا ِلمَا َتصِفُ أَ ْلسِنَ ُتكُمُ ا ْلكَ ِذبَ َهذَا حَللٌ وَ َهذَا حَرَامٌ لِ َتفْتَرُوا‬
‫عَلَى اللّهِ ا ْل َك ِذبَ } ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس [له] (‪ )4‬فيها مستند شرعي ‪ ،‬أو حلل‬
‫شيئا مما حرم ال ‪ ،‬أو حرم شيئا مما أباح ال ‪ ،‬بمجرد رأيه وتشهّيه‪.‬‬
‫و "ما" في قوله ‪ِ { :‬لمَا } مصدرية ‪ ،‬أي ‪ :‬ول تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم‪.‬‬
‫ثم توعد على ذلك فقال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ ل ُيفْلِحُونَ } أي ‪ :‬في الدنيا ول في‬
‫الخرة‪ .‬أما في الدنيا فمتاع (‪ )5‬قليل ‪ ،‬وأما في الخرة فلهم عذاب أليم ‪ ،‬كما قال ‪ُ { :‬نمَ ّت ُعهُمْ قَلِيل‬
‫عذَابٍ غَلِيظٍ } [لقمان ‪]24 :‬‬
‫ضطَرّهُمْ ِإلَى َ‬
‫ثُمّ َن ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)125 /14‬‬
‫(‪ )2‬عند تفسير الية ‪.137 :‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬متاع"‪.‬‬

‫( ‪)4/609‬‬

‫سهُمْ َيظِْلمُونَ (‬
‫صصْنَا عَلَ ْيكَ مِنْ قَ ْبلُ َومَا ظََلمْنَاهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫وَعَلَى الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا مَا َق َ‬
‫‪)118‬‬

‫ج ُعهُمْ ُثمّ نُذِي ُقهُمُ‬


‫وقال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ ل ُيفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدّنْيَا ثُمّ إِلَيْنَا مَرْ ِ‬
‫ا ْلعَذَابَ الشّدِيدَ ِبمَا كَانُوا َي ْكفُرُونَ } [يونس ‪.]70 ، 69 :‬‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ (‬
‫ل َومَا ظََلمْنَا ُه ْم وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫صصْنَا عَلَ ْيكَ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫{ وَعَلَى الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا مَا َق َ‬
‫‪} )118‬‬

‫( ‪)4/610‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك وََأصْلَحُوا إِنّ رَ ّبكَ مِنْ َب ْعدِهَا َل َغفُورٌ‬
‫جهَاَلةٍ ثُمّ تَابُوا مِنْ َبعْدِ ذَِل َ‬
‫عمِلُوا السّوءَ بِ َ‬
‫ثُمّ إِنّ رَ ّبكَ لِلّذِينَ َ‬
‫رَحِيمٌ (‪ )119‬إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ُأمّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ َيكُ مِنَ ا ْل ُمشْ ِركِينَ (‪ )120‬شَاكِرًا لِأَ ْن ُعمِهِ اجْتَبَاهُ‬
‫حسَنَ ًة وَإِنّهُ فِي الَْآخِ َرةِ َلمِنَ الصّالِحِينَ (‪ُ )122‬ثمّ‬
‫وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ )121‬وَآَتَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا َ‬
‫َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ أَنِ اتّبِعْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا َومَا كَانَ مِنَ ا ْل ُمشْ ِركِينَ (‪)123‬‬

‫ك وََأصْلَحُوا إِنّ رَ ّبكَ مِنْ َبعْدِهَا َل َغفُورٌ‬


‫جهَالَةٍ ُثمّ تَابُوا مِنْ َبعْدِ ذَِل َ‬
‫عمِلُوا السّوءَ ِب َ‬
‫{ ُثمّ إِنّ رَ ّبكَ لِلّذِينَ َ‬
‫رَحِيمٌ (‪} )119‬‬
‫لما ذكر تعالى أنه إنما حرم علينا الميتة (‪ )1‬والدم ولحم الخنزير ‪ ،‬وما أهل لغير ال به ‪ ،‬وأنه (‬
‫‪ )2‬أرخص فيه عند الضرورة ‪ -‬وفي ذلك توسعة لهذه المة ‪ ،‬التي يريد ال بها اليسر ول يريد‬
‫بها العسر ‪ -‬ذكر سبحانه وتعالى ما كان حَرّمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها ‪ ،‬وما‬
‫كانوا فيه من الصار والغلل والحرج والتضييق ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَعَلَى الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا مَا‬
‫صصْنَا عَلَ ْيكَ مِنْ قَ ْبلُ } يعني ‪ :‬في "سورة النعام" في قوله ‪ { :‬وَعَلَى الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا ُكلّ ذِي‬
‫َق َ‬
‫حوَايَا َأوْ مَا اخْتََلطَ‬
‫ظهُورُ ُهمَا [َأوِ ا ْل َ‬
‫حمََلتْ ُ‬
‫ظفُ ٍر َومِنَ الْ َبقَرِ وَا ْلغَنَمِ حَ ّرمْنَا عَلَ ْيهِمْ شُحُو َم ُهمَا إِل مَا َ‬
‫ُ‬
‫ِبعَظْمٍ ذَِلكَ جَزَيْنَاهُمْ بِ َبغْ ِي ِه ْم وَإِنّا َلصَا ِدقُونَ] } [النعام ‪ )3( ]146 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬ومَا‬
‫سهُمْ َيظِْلمُونَ } أي ‪ :‬فاستحقوا ذلك ‪ ،‬كما قال‬
‫ظََلمْنَا ُهمْ } أي ‪ :‬فيما ضيقنا عليهم ‪ { ،‬وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫‪ { :‬فَ ِبظُلْمٍ مِنَ الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا عَلَ ْي ِهمْ طَيّبَاتٍ ُأحِّلتْ َلهُ ْم وَ ِبصَدّ ِهمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا } [النساء‬
‫‪.]160 :‬‬
‫ثم أخبر تعالى تكرمًا وامتنانًا في حق العصاة المؤمنين ‪ :‬أن من تاب منهم إليه تاب عليه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫جهَالَةٍ } قال بعض السلف ‪ :‬كل من عصى ال فهو جاهل‪.‬‬
‫عمِلُوا السّوءَ ِب َ‬
‫{ ُثمّ إِنّ رَ ّبكَ لِلّذِينَ َ‬
‫ك وََأصْلَحُوا } أي ‪ :‬أقلعوا عما كانوا فيه من المعاصي ‪ ،‬وأقبلوا على فعل‬
‫{ ُثمّ تَابُوا مِنْ َبعْدِ ذَِل َ‬
‫الطاعات ‪ { ،‬إِنّ رَ ّبكَ مِنْ َبعْ ِدهَا } أي ‪ :‬تلك الفعلة والذلة { َل َغفُورٌ َرحِيمٌ }‬
‫{ إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ُأمّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ َيكُ مِنَ ا ْل ُمشْ ِركِينَ (‪ )120‬شَاكِرًا ل ْن ُعمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى‬
‫صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ )121‬وَآتَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا حَسَ َن ًة وَإِنّهُ فِي الخِ َرةِ َلمِنَ الصّالِحِينَ (‪ُ )122‬ثمّ َأوْحَيْنَا‬
‫إِلَ ْيكَ أَنِ اتّبِعْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪} )123‬‬
‫يمدح [تبارك و] (‪ )4‬تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم ‪ ،‬إمام الحنفاء ووالد النبياء ‪ ،‬ويبرئه‬
‫من المشركين ‪ ،‬ومن اليهودية والنصرانية فقال ‪ { :‬إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ُأمّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا } فأما‬
‫"المة" ‪ ،‬فهو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬المدينة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وإنما"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬إلى قوله ‪ :‬وإنا لصادقون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)4/610‬‬

‫المام الذي يقتدى به‪ .‬والقانت ‪ :‬هو الخاشع المطيع‪ .‬والحنيف ‪ :‬المنحرف قصدًا عن الشرك إلى‬
‫التوحيد ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََلمْ َيكُ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ }‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن ُكهَيْل ‪ ،‬عن مسلم ال َبطِين ‪ ،‬عن أبي العبيدين ‪ :‬أنه سأل عبد ال‬
‫بن مسعود عن المة القانت ‪ ،‬فقال ‪ :‬المة ‪ :‬معلم الخير ‪ ،‬والقانت ‪ :‬المطيع ل ورسوله‪.‬‬
‫وعن مالك قال ‪ :‬قال ابن عمر ‪ :‬المة الذي يعلم الناس دينهم‪.‬‬
‫وقال العمش ‪[ ،‬عن الحكم] (‪ )1‬عن يحيى بن الجزار ‪ ،‬عن أبي العُبَيدين ؛ أنه جاء إلى عبد ال‬
‫فقال ‪ :‬مَنْ نسأل إذا لم نسألك ؟ فكأن ابن مسعود رقّ له ‪ ،‬فقال ‪ :‬أخبرني عن المة (‪ )2‬فقال ‪:‬‬
‫الذي يعلم الناس الخير‪.‬‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬حدثني فروَة بن نوفل الشجعي قال ‪ :‬قال ابن مسعود ‪ :‬إن معاذًا كان أمة قانتا ل‬
‫حنيفا ‪ ،‬فقلت في نفسي ‪ :‬غلط أبو عبد الرحمن ‪ ،‬إنما قال ال ‪ { :‬إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ُأمّةً } فقال ‪:‬‬
‫أتدري ما المة وما القانت ؟ قلت ‪ :‬ال [ورسوله] (‪ )3‬أعلم‪ .‬قال ‪ :‬المة الذي يعلم [الناس] (‪)4‬‬
‫الخير‪ .‬والقانت ‪ :‬المطيع ل ورسوله‪ .‬وكذلك كان معاذ معلم الخير‪ .‬وكان مطيعا ل ورسوله‪.‬‬
‫وقد روي من غير وجه ‪ ،‬عن ابن مسعود ؛ حرره ابن جرير (‪.)5‬‬
‫وقال مجاهد ‪ُ { :‬أمّةً } أي ‪ :‬أمة وحده ‪ ،‬والقانت ‪ :‬المطيع‪ .‬وقال مجاهد أيضًا ‪ :‬كان إبراهيم‬
‫أمة ‪ ،‬أي ‪ :‬مؤمنا وحده ‪ ،‬والناس كلهم إذ ذاك كفار‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان إمام هُدى ‪ ،‬والقانت ‪ :‬المطيع ل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬شَاكِرًا ل ْنعُمِهِ } أي ‪ :‬قائما بشكر (‪ )6‬نعم ال عليه ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي َوفّى }‬
‫[النجم ‪ ، ]37 :‬أي ‪ :‬قام بجميع ما أمره ال تعالى به‪.‬‬
‫ل َوكُنّا بِهِ‬
‫وقوله ‪ { :‬اجْتَبَاهُ } أي ‪ :‬اختاره واصطفاه ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وََلقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْ َدهُ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫عَاِلمِينَ } [النبياء ‪.]51 :‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } وهو عبادة ال وحده ل شريك له على شرع مرضي‪.‬‬
‫حسَنَةً } أي ‪ :‬جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآتَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا َ‬
‫إكمال حياته الطيبة ‪ { ،‬وَإِنّهُ فِي الخِ َرةِ َلمِنَ الصّالِحِينَ }‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ { :‬وَآتَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا حَسَ َنةً } أي ‪ :‬لسان صدق‪.‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زياد من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)129 ، 128 /14‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬يشكر"‪.‬‬

‫( ‪)4/611‬‬

‫حكُمُ بَيْ َن ُهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َيخْتَِلفُونَ (‬


‫ج ِعلَ السّ ْبتُ عَلَى الّذِينَ اخْ َتَلفُوا فِي ِه وَإِنّ رَ ّبكَ لَ َي ْ‬
‫إِ ّنمَا ُ‬
‫‪)124‬‬

‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ أَنِ اتّبِعْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } أي ‪ :‬ومن كماله وعظمته وصحة توحيده‬
‫وطريقه ‪ ،‬أنا أوحينا إليك يا خاتم الرسل وسيد النبياء ‪ { :‬أَنِ اتّبِعْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا َومَا كَانَ مِنَ‬
‫ا ْلمُشْ ِركِينَ } كما قال ‪ :‬في "النعام" ‪ُ { :‬قلْ إِنّنِي َهدَانِي رَبّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ دِينًا قِ َيمًا مِلّةَ‬
‫إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ } [النعام ‪ ، ]161 :‬ثم قال تعالى منكرا على اليهود‪.‬‬
‫ح ُكمُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَِلفُونَ‬
‫ج ِعلَ السّ ْبتُ عَلَى الّذِينَ اخْتََلفُوا فِي ِه وَإِنّ رَ ّبكَ لَيَ ْ‬
‫{ إِ ّنمَا ُ‬
‫(‪} )124‬‬
‫ل شك أن ال تعالى شرَع في كل ملة يوما من السبوع ‪ ،‬يجتمع الناس فيه للعبادة ‪ ،‬فشرع تعالى‬
‫لهذه المة يوم الجمعة ؛ لنه اليوم السادس الذي أكمل ال فيه الخليقة ‪ ،‬واجتمعت [الناس] (‪ )1‬فيه‬
‫وتمت النعمة على عباده‪ .‬ويقال ‪ :‬إنه تعالى شرع ذلك لبني إسرائيل على لسان موسى ‪ ،‬فعدلوا‬
‫عنه واختاروا السبت ؛ لنه اليوم الذي لم يخلق فيه الرب شيئًا من المخلوقات الذي (‪ )2‬كمل‬
‫خلقها يوم الجمعة ‪ ،‬فألزمهم (‪ )3‬تعالى به في شريعة التوراة ‪ ،‬ووصاهم أن يتمسكوا به وأن‬
‫يحافظوا عليه ‪ ،‬مع أمره إياهم بمتابعة محمد صلى ال عليه وسلم إذا بعثه‪ .‬وأخذه (‪ )4‬مواثيقهم‬
‫علَى الّذِينَ اخْتََلفُوا فِيهِ }‬
‫ج ِعلَ السّ ْبتُ َ‬
‫وعهودهم على ذلك ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا ُ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬اتبعوه وتركوا الجمعة‪.‬‬
‫ثم إنهم لم يزالوا متمسكين به ‪ ،‬حتى بعث ال عيسى ابن مريم ‪ ،‬فيقال ‪ :‬إنه حوّلهم إلى يوم‬
‫الحد‪ .‬ويقال إنه ‪ :‬لم [يترك (‪ )5‬شريعة التوراة إل ما نسخ من بعض أحكامها وإنه لم] (‪ )6‬يزل‬
‫محافظًا على السبت حتى رفع ‪ ،‬وإن النصارى بعده في زمن قسطنطين هم الذين تحولوا إلى يوم‬
‫الحد ‪ ،‬مخالفة لليهود ‪ ،‬وتحولوا إلى الصلة شرقا عن الصخرة ‪ ،‬وال (‪ )7‬أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد ثبت في الصحيحين ‪ ،‬من حديث عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬نحن الخرون السابقون يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ‪ ،‬ثم هذا يومهم الذي فرض ال عليهم فاختلفوا فيه ‪ ،‬فهدانا‬
‫ال له ‪ ،‬فالناس لنا فيه تبع ‪ ،‬اليهود غدا ‪ ،‬والنصارى بعد غد"‪ .‬لفظ البخاري (‪.)8‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ،‬وحذيفة ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أضل‬
‫ال عن الجمعة من كان قبلنا ‪ ،‬فكان لليهود يوم السبت ‪ ،‬وكان للنصارى يوم الحد ‪ ،‬فجاء ال بنا‬
‫فهدانا ال ليوم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬التي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وألزمهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وأخذ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬يزل على"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )6624‬وصحيح مسلم برقم (‪.)855‬‬

‫( ‪)4/612‬‬

‫ح ْكمَ ِة وَا ْل َموْعِظَةِ ا ْلحَسَنَةِ وَجَادِ ْل ُهمْ بِالّتِي ِهيَ أَحْسَنُ إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَنْ‬
‫ا ْدعُ إِلَى سَبِيلِ رَ ّبكَ بِا ْل ِ‬
‫ن صَبَرْتُمْ‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعَْلمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ (‪ )125‬وَإِنْ عَاقَبْتُمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِ ِه وَلَئِ ْ‬
‫َ‬
‫علَ ْيهِ ْم وَلَا َتكُ فِي ضَيْقٍ ِممّا‬
‫َل ُهوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ (‪ )126‬وَاصْبِرْ َومَا صَبْ ُركَ إِلّا بِاللّ ِه وَلَا تَحْزَنْ َ‬
‫َي ْمكُرُونَ (‪ )127‬إِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ ا ّت َقوْا وَالّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (‪)128‬‬

‫الجمعة ‪ ،‬فجعل الجمعة والسبت والحد ‪ ،‬وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ‪ ،‬نحن الخرون من أهل‬
‫الدنيا والولون يوم القيامة ‪ ،‬والمقضي بينهم قبل الخلئق"‪ .‬رواه مسلم [وال أعلم] (‪.)2( )1‬‬
‫حسَنَ ِة وَجَادِ ْلهُمْ بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَنْ‬
‫ظةِ الْ َ‬
‫ح ْكمَ ِة وَا ْل َموْعِ َ‬
‫{ ا ْدعُ إِلَى سَبِيلِ رَ ّبكَ بِالْ ِ‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعَْلمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ (‪} )125‬‬
‫َ‬
‫ح ْكمَةِ }‬
‫يقول تعالى آمرًا رسوله محمدًا صلى ال عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى ال { بِالْ ِ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وهو ما أنزله عليه (‪ )3‬من الكتاب والسنة { وَا ْل َموْعِظَةِ ا ْلحَسَ َنةِ } أي ‪ :‬بما فيه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم (‪ )4‬بها ‪ ،‬ليحذروا بأس ال تعالى‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَجَادِ ْلهُمْ بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ } أي ‪ :‬من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال ‪ ،‬فليكن بالوجه‬
‫الحسن برفق ولين وحسن خطاب ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَل تُجَادِلُوا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ إِل بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ إِل‬
‫الّذِينَ ظََلمُوا مِ ْنهُمْ } [العنكبوت ‪ ]46 :‬فأمره تعالى بلين الجانب ‪ ،‬كما أمر موسى وهارون ‪،‬‬
‫عليهما السلم ‪ ،‬حين بعثهما إلى فرعون فقال ‪َ { :‬فقُول لَهُ َقوْل لَيّنًا َلعَلّهُ يَ َت َذكّرُ َأوْ َيخْشَى } [طه ‪:‬‬
‫‪.]44‬‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيِل ِه وَ ُهوَ أَعْلَمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ } أي ‪ :‬قدم علم الشقي منهم‬
‫ن َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَ ْ‬
‫والسعيد ‪ ،‬وكتب ذلك عنده وفرغ منه ‪ ،‬فادعهم إلى ال ‪ ،‬ول تذهب نفسك على من ضل منهم (‬
‫كل‬
‫‪ )5‬حسرات ‪ ،‬فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير ‪ ،‬عليك البلغ ‪ ،‬وعلينا الحساب ‪ { ،‬إِ ّن َ‬
‫َتهْدِي مَنْ َأحْبَ ْبتَ } [القصص ‪ )6( ، ]56 :‬و { لَيْسَ عَلَ ْيكَ هُدَاهُمْ } [البقرة ‪.]272 :‬‬
‫{ وَإِنْ عَاقَبْ ُتمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ َل ُهوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ (‪ )126‬وَاصْبِرْ َومَا‬
‫صَبْ ُركَ إِل بِاللّ ِه وَل َتحْزَنْ عَلَ ْيهِمْ وَل َتكُ فِي ضَيْقٍ ِممّا َي ْمكُرُونَ (‪ )127‬إِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ ا ّت َقوْا‬
‫حسِنُونَ (‪} )128‬‬
‫وَالّذِينَ ُهمْ مُ ْ‬
‫يأمر تعالى بالعدل في القتصاص والمماثلة في استيفاء الحق ‪ ،‬كما قال عبد الرزاق ‪ ،‬عن الثوري‬
‫‪ ،‬عن خالد ‪ ،‬عن ابن سيرين ‪ :‬أنه قال في قوله تعالى ‪َ { :‬فعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } إن أخذ‬
‫منكم رجل شيئًا ‪ ،‬فخذوا منه مثله‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين ‪ ،‬فأسلم رجال ذوو منعةٍ ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)856‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يذكرهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وإنك" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)4/613‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال ‪ ،‬لو أذن ال لنا لنتصرنا من هؤلء الكلب! فنزلت هذه الية ‪ ،‬ثم نسخ ذلك بالجهاد‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن بعض أصحابه ‪ ،‬عن عطاء بن يَسَار قال ‪ :‬نزلت سورة "النحل" كلها‬
‫بمكة ‪ ،‬وهي مكية إل ثلث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد ‪ ،‬حيث قتل حمزة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬ومثل به فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلثين رجل‬
‫منهم" فلما سمع المسلمون ذلك قالوا ‪ :‬وال لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من‬
‫العرب بأحد قط‪ .‬فأنزل ال ‪ { :‬وَإِنْ عَاقَبْتُمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ ِبهِ } إلى آخر السورة (‪.)1‬‬
‫وهذا مرسل ‪ ،‬وفيه [رجل] (‪ )2‬مبهم لم يسم ‪ ،‬وقد روي هذا من وجه (‪ )3‬آخر متصل ‪ ،‬فقال‬
‫الحافظ أبو بكر البزار ‪:‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى ‪ ،‬حدثنا عمرو بن عاصم ‪ ،‬حدثنا صالح المري (‪ ، )4‬عن سليمان التيمي ‪،‬‬
‫عن أبي عثمان ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وقف‬
‫على حمزة بن عبد المطلب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬حين استشهد ‪ ،‬فنظر إلى منظر لم ينظر أوجع‬
‫للقلب منه‪ .‬أو قال ‪ :‬لقلبه [منه] (‪ )5‬فنظر (‪ )6‬إليه وقد مُثّل به فقال ‪" :‬رحمة ال عليك ‪ ،‬إن كنت‬
‫‪ -‬لما علمتُ ‪ -‬لوصول للرحم ‪ ،‬فعول للخيرات ‪ ،‬وال لول حزن من بعدك عليك ‪ ،‬لسرني أن‬
‫أتركك حتى يحشرك ال من بطون السباع ‪ -‬أو كلمة نحوها ‪ -‬أما وال على ذلك ‪ ،‬لمثلن‬
‫بسبعين كمثلتك (‪ .)7‬فنزل جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على محمد صلى ال عليه وسلم بهذه السورة (‬
‫‪ )8‬وقرأ ‪ { :‬وَإِنْ عَاقَبْتُمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } إلى آخر الية ‪ ،‬فكفر رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يعني ‪ :‬عن يمينه ‪ -‬وأمسك عن ذلك (‪.)9‬‬
‫وهذا إسناد فيه ضعف ؛ لن صالحا ‪ -‬هو ابن بشير المري ‪ -‬ضعيف عند الئمة ‪ ،‬وقال‬
‫البخاري ‪ :‬هو منكر الحديث‪.‬‬
‫وقال الشعبي وابن جُرَيْج ‪ :‬نزلت في قول المسلمين يوم أحد فيمن مثل بهم ‪ :‬لنمثلن بهم‪ .‬فأنزل‬
‫ال فيهم ذلك‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن المام أحمد في مسند أبيه ‪ :‬حدثنا هدِيّة (‪ )10‬بن عبد الوهاب المروزي ‪ ،‬حدثنا‬
‫الفضل بن موسى ‪ ،‬حدثنا عيسى بن عبيد ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بن‬
‫كعب قال ‪ :‬لما كان يوم أحد ‪ ،‬قتل من النصار ستون رجل ومن المهاجرين ستة ‪ ،‬فقال أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لَنُرْبِيَنّ عليهم‪ .‬فلما كان‬
‫يوم الفتح قال رجل ‪ :‬ل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)132 /14‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬من غير وجه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬حدثنا صالح حدثنا المرى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ونظر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كمثلك"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )9‬مسند البزار برقم (‪" )1795‬كشف الستار"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هدية"‪.‬‬

‫( ‪)4/614‬‬

‫تعرف (‪ )1‬قريش بعد اليوم‪ .‬فنادى مناد ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم آمن السود‬
‫والبيض إل فلنا وفلنا ‪ -‬ناسا سماهم ‪ -‬فأنزل ال تبارك وتعالى ‪ { :‬وَإِنْ عَاقَبْتُمْ [ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ‬
‫ن صَبَرْتُمْ َل ُهوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ ] } (‪ )2‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫مَا عُوقِبْتُمْ بِ ِه وَلَئِ ْ‬
‫"نصبر ول نعاقب" (‪.)3‬‬
‫وهذه الية الكريمة لها أمثال في القرآن ‪ ،‬فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل ‪،‬‬
‫عفَا وََأصْلَحَ فََأجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ } [الشورى‬
‫كما في قوله ‪ { :‬وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثُْلهَا } ثُمّ قَالَ { َفمَنْ َ‬
‫‪ .]40 :‬وقال { وَالْجُرُوحَ ِقصَاصٌ } ُثمّ قَالَ { َفمَنْ َتصَدّقَ بِهِ َفهُوَ َكفّا َرةٌ لَهُ } [المائدة ‪ ، ]45 :‬وقال‬
‫ن صَبَرْتُمْ َل ُهوَ خَيْرٌ‬
‫في هذه الية الكريمة ‪ { :‬وَإِنْ عَاقَبْ ُتمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } ُثمّ قَالَ { وَلَئِ ْ‬
‫لِلصّابِرِينَ }‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاصْبِ ْر َومَا صَبْ ُركَ إِل بِاللّهِ } تأكيد للمر بالصبر ‪ ،‬وإخبار بأن ذلك إنما ينال بمشيئة‬
‫ال وإعانته ‪ ،‬وحوله وقوته‪.‬‬
‫علَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬على من خالفك ‪ ،‬ل تحزن عليهم ؛ فإن ال قدر ذلك ‪،‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَل تَحْزَنْ َ‬
‫{ وَل َتكُ فِي ضَ ْيقٍ } أي ‪ :‬غم { ِممّا َي ْمكُرُونَ } أي ‪ :‬مما يجهدون [أنفسهم] (‪ )4‬في عداوتك‬
‫وإيصال الشر إليك ‪ ،‬فإن ال كافيك وناصرك ‪ ،‬ومؤيدك ‪ ،‬ومظهرك ومظفرك بهم‪.‬‬
‫حسِنُونَ } أي ‪ :‬معهم بتأييده ونصره ومعونته وهذه‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ ا ّت َقوْا وَالّذِينَ ُهمْ مُ ْ‬
‫معية خاصة ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬إِذْ يُوحِي رَ ّبكَ إِلَى ا ْلمَل ِئكَةِ أَنّي َم َعكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا } [النفال ‪]12 :‬‬
‫سمَ ُع وَأَرَى } [ طه ‪ ، ]46 :‬وقول النبي صلى‬
‫‪ ،‬وقوله لموسى وهارون ‪ { :‬ل َتخَافَا إِنّنِي َم َع ُكمَا َأ ْ‬
‫ال عليه وسلم للصديق وهما في الغار ‪ { :‬ل َتحْزَنْ إِنّ اللّهَ َمعَنَا } [التوبة ‪ ]40 :‬وأما المعية‬
‫العامة فبالسمع والبصر والعلم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ َم َعكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُ ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ }‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ مَا َيكُونُ مِنْ‬
‫[الحديد ‪ ، ]4 :‬وكقوله تعالى ‪ { :‬أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا فِي ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك وَل َأكْثَرَ إِل ُهوَ َم َعهُمْ أَيْنَ‬
‫سهُمْ وَل أَدْنَى مِنْ ذَِل َ‬
‫خ ْمسَةٍ إِل ُهوَ سَادِ ُ‬
‫جوَى ثَلثَةٍ إِل ُهوَ رَا ِب ُعهُمْ وَل َ‬
‫نَ ْ‬
‫ن وَل‬
‫ن َومَا تَ ْتلُو مِ ْنهُ مِنْ قُرْآ ٍ‬
‫مَا كَانُوا } [المجادلة ‪ ، ]7 :‬وكما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا َتكُونُ فِي شَأْ ٍ‬
‫شهُودًا [ِإذْ ُتفِيضُونَ فِي ِه َومَا َيعْ ُزبُ عَنْ رَ ّبكَ مِنْ مِ ْثقَالِ ذَ ّرةٍ فِي‬
‫ع َملٍ إِل كُنّا عَلَ ْيكُمْ ُ‬
‫َت ْعمَلُونَ مِنْ َ‬
‫ك وَل َأكْبَرَ إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ] } [يونس ‪)5( .]61 :‬‬
‫صغَرَ مِنْ ذَِل َ‬
‫سمَا ِء وَل َأ ْ‬
‫ال ْرضِ وَل فِي ال ّ‬
‫ومعنى ‪ { :‬الّذِينَ ا ّت َقوْا } أي ‪ :‬تركوا المحرمات ‪ { ،‬وَالّذِينَ هُمْ ُمحْسِنُونَ } أي ‪ :‬فعلوا الطاعات ‪،‬‬
‫فهؤلء ال يحفظهم ويكلؤهم ‪ ،‬وينصرهم ويؤيدهم ‪ ،‬ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا أبو أحمد الزبيري ‪ ،‬حدثنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يعرف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زوائد المسند (‪.)5/135‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫( ‪)4/615‬‬

‫مِسْعر ‪ ،‬عن ابن عون ‪ ،‬عن محمد بن حاطب قال ‪ :‬كان عثمان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬من الذين‬
‫آمنوا ‪ ،‬والذين اتقوا ‪ ،‬والذين هم محسنون‪.‬‬
‫[آخر تفسير سورة النحل ول الحمد أجمعه والمنة ‪ ،‬وبه المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل] (‪)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ما بين المعقوفين من "هـ"‪.‬‬

‫( ‪)4/616‬‬

‫حوْلَهُ لِنُرِ َيهُ مِنْ‬


‫سجِدِ الَْأ ْقصَى الّذِي بَا َركْنَا َ‬
‫جدِ الْحَرَامِ إِلَى ا ْلمَ ْ‬
‫سُ ْبحَانَ الّذِي َأسْرَى ِبعَبْ ِدهِ لَيْلًا مِنَ ا ْلمَسْ ِ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ (‪)1‬‬
‫آَيَاتِنَا إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬

‫[ بسم ال الرحمن الرحيم وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ] (‪)1‬‬
‫تفسير سورة السراء (‪)2‬‬
‫وهي مكية‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال المام [الحافظ المتقن أبو عبد ال محمد بن إسماعيل] (‪ )3‬البخاري ‪ :‬حدّثنا آدم بن أبي‬
‫إياس ‪ ،‬حدّثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق قال ‪ :‬سمعت عبد الرحمن بن يزيد ‪ ،‬سمعت ابن مسعود ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال في بني إسرائيل والكهف ومريم ‪ :‬إنهن من العتاق الول وهن من تلدي (‬
‫‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدّثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬عن مروان ‪ ،‬عن أبي لبابة ‪،‬‬
‫سمعت عائشة تقول ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصوم حتى نقول ‪ :‬ما يريد أن يفطر ‪،‬‬
‫ويفطر حتى نقول ‪ :‬ما يريد أن يصوم ‪ ،‬وكان يقرأ كل ليلة " بني إسرائيل " ‪ ،‬و " الزمر " (‪.)5‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حوْلَهُ لِنُرِ َيهُ‬
‫ج ِد ال ْقصَى الّذِي بَا َركْنَا َ‬
‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ إِلَى ا ْلمَسْ ِ‬
‫{ سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى ِبعَ ْب ِدهِ لَيْل مِنَ ا ْلمَ ْ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ (‪} )1‬‬
‫مِنْ آيَاتِنَا إِنّه ُهوَ ال ّ‬
‫يمجد تعالى نفسه ‪ ،‬ويعظم شأنه ‪ ،‬لقدرته على ما ل يقدر عليه أحد سواه ‪ ،‬فل إله غيره { الّذِي‬
‫أَسْرَى ِبعَبْ ِدهِ } يعني محمدًا ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ { )6‬لَيْل } أي في جنح الليل { مِنَ‬
‫سجِ ِد ال ْقصَى } وهو بيت المقدس الذي هو إيلياء (‪، )7‬‬
‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ } وهو مسجد مكة { إِلَى ا ْلمَ ْ‬
‫ا ْلمَ ْ‬
‫معدن النبياء من لدن إبراهيم الخليل ؛ ولهذا جمعوا له هنالك كلهم ‪ ،‬فَأمّهم في مَحِلّتهم (‪، )8‬‬
‫ودارهم ‪ ،‬فدل على أنه هو المام العظم ‪ ،‬والرئيس المقدم ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه وعليهم‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫حوْلَهُ } أي ‪ :‬في الزروع والثمار { لِنُرِيَهُ } أي ‪ :‬محمدًا { مِنْ آيَاتِنَا } أي ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬الّذِي بَا َركْنَا َ‬
‫العظام كما قال تعالى ‪َ { :‬لقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبّهِ ا ْلكُبْرَى } [ النجم ‪.] 18 :‬‬
‫وسنذكر من ذلك ما وردت به السنة من الحاديث عنه ‪ ،‬صلوات ال عليه وسلمه‪.‬‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ } أي ‪ :‬السميع لقوال عباده ‪ ،‬مؤمنهم وكافرهم ‪ ،‬مصدقهم‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّه ُهوَ ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سورة سبحان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4708‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )6/189‬ورواه ابن خزيمة في صحيحه برقم (‪ )1163‬وقال ‪" :‬إن كان أبو لبابة هذا‬
‫يجوز الحتجاج بخبره وفإني ل أعرفه بعدالة ول حرج"‪ .‬وقد وثقه ابن معين‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بإيلياء"‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬محلهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/5‬‬

‫ومكذبهم ‪ ،‬البصير بهم فيعطي كل ما يستحقه في الدنيا والخرة‪.‬‬


‫ذكر الحاديث الواردة في السراء‬
‫رواية أنس بن مالك ‪:‬‬
‫قال المام أبو عبد ال البخاري ‪ :‬حدثني عبد العزيز بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا سليمان ‪ -‬هو ابن بلل‬
‫‪ -‬عن شريك بن عبد ال (‪ )1‬قال ‪ :‬سمعت أنس بن مالك يقول ليلة أسري برسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم من مسجد الكعبة ‪ :‬إنه جاءه ثلثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام‬
‫فقال أولهم ‪ :‬أيهم هو ؟ فقال أوسطهم ‪ :‬هو خيرهم ‪ ،‬فقال آخرهم ‪ :‬خذوا خيرهم‪ .‬فكانت تلك‬
‫الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه ‪ ،‬وتنام عيناه ول ينام قلبه ‪ -‬وكذلك النبياء‬
‫تنام أعينهم ول تنام قلوبهم ‪ -‬فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم ‪ ،‬فتوله منهم‬
‫جبريل ‪ ،‬فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه ‪ ،‬فغسله من ماء زمزم ‪،‬‬
‫بيده حتى أنقي جوفه ‪ ،‬ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوًا إيمانًا وحكمة ‪ ،‬فحشا به‬
‫صدره ولغاديده ‪ -‬يعني عروق حلقه ‪ -‬ثم أطبقه‪ .‬ثم عرج به إلى السماء الدنيا ‪ ،‬فضرب بابًا من‬
‫أبوابها ‪ ،‬فناداه أهل السماء ‪ :‬من هذا ؟ فقال ‪ :‬جبريل‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬معي محمد‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وقد بعث إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬مرحبًا به وأهل به ‪ ،‬يستبشر به أهل السماء ل يعلم‬
‫أهل السماء بما يريد ال به في الرض حتى ُيعْلِمهم‪.‬‬
‫ووجد في السماء الدنيا آدم ‪ ،‬فقال له جبريل ‪ :‬هذا أبوك آدم فسلّم عليه ‪ ،‬فسلّم عليه ‪ ،‬وردّ عليه‬
‫آدم فقال ‪ :‬مرحبًا وأهل بابني ‪ ،‬نعم (‪ )2‬البن أنت ‪ ،‬فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان‬
‫فقال ‪" :‬ما هذان النهران يا جبريل ؟" قال ‪ :‬هذا النيل والفرات عنصرهما ‪ ،‬ثم مضى به في (‪)3‬‬
‫السماء ‪ ،‬فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ‪ ،‬فضرب يده فإذا هو مسك أذْفر فقال ‪:‬‬
‫"ما هذا يا جبريل ؟" قال ‪ :‬هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك‪.‬‬
‫ثم عرج إلى السماء الثانية ‪ ،‬فقالت الملئكة له مثل ما قالت له الولى ‪ :‬مَنْ هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬وقد بعث إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬مرحبًا (‪ )4‬وأهل‬
‫وسهل‪.‬‬
‫ثم عرج به إلى السماء الثالثة ‪ ،‬فقالوا له مثل ما قالت الولى والثانية‪ .‬ثم عرج به إلى السماء‬
‫الرابعة ‪ ،‬فقالوا له مثل ذلك‪ .‬ثم عرج به إلى السماء الخامسة ‪ ،‬فقالوا له مثل ذلك‪ .‬ثم عرج به إلى‬
‫السماء السادسة ‪ ،‬فقالوا له مثل ذلك‪ .‬ثم عرج به إلى السماء السابعة ‪ ،‬فقالوا له مثل ذلك‪ .‬كل‬
‫سماء فيها أنبياء قد سماهم ‪ ،‬قد وعيت (‪ )5‬منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة ‪ ،‬وآخر‬
‫في الخامسة لم أحفظ اسمه ‪ ،‬وإبراهيم في السادسة ‪ ،‬وموسى في السابعة بتفضيل كلم ال‪ .‬فقال‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫موسى ‪" :‬رب لم أظن أن يرفع عليّ أحد" (‪ )6‬ثم عل به فوق ذلك ‪ ،‬بما ل يعلمه إل ال ‪ ،‬عز‬
‫سدْرَة المنتهى ‪ ،‬ودنا الجبار رب العزة فتدلى ‪ ،‬حتى كان منه قاب قوسين أو‬
‫وجل ‪ ،‬حتى جاء ِ‬
‫أدنى ‪ ،‬فأوحى ال إليه فيما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬عبد ال يعني ابن أبي نمر أنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬فنعم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬مرحبا به"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عينهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬أنه عليّ أحد"‪.‬‬

‫( ‪)5/6‬‬

‫يوحى ‪ :‬خمسين صلة على أمتك كل يوم وليلة‪ .‬ثم هبط به حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال‬
‫‪" :‬يا محمد ‪ ،‬ماذا عهد إليك ربك ؟" قال ‪" :‬عهد إليّ خمسين صلة كل يوم وليلة" قال ‪ " :‬إن أمتك‬
‫ل تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم"‪ .‬فالتفت النبي صلى ال عليه وسلم إلى جبريل‬
‫كأنه يستشيره في ذلك ‪ ،‬فأشار إليه جبريل ‪ :‬أن نعم ‪ ،‬إن شئت‪ .‬فعل (‪ )1‬به إلى الجبار تعالى ‪،‬‬
‫فقال وهو في مكانه ‪" :‬يا رب ‪ ،‬خفف عنا ‪ ،‬فإن أمتي ل تستطيع هذا" فوضع عنه عشر‬
‫صلوات ‪ ،‬ثم رجع إلى موسى فاحتبسه ‪ ،‬فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس‬
‫صلوات‪ .‬ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال ‪" :‬يا محمد ‪ ،‬وال لقد راودت بني إسرائيل قومي‬
‫على أدنى من هذا ‪ ،‬فضعفوا فتركوه ‪ ،‬فأمتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا ‪،‬‬
‫فارجع فليخفف عنك ربك" كل ذلك يلتفت النبي صلى ال عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ‪ ،‬ول‬
‫يكره ذلك جبريل ‪ ،‬فرفعه عند الخامسة فقال ‪" :‬يا رب ‪ ،‬إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم‬
‫وأسماعهم (‪ )2‬وأبدانهم فخفف عنا" فقال ‪ :‬الجبار ‪" :‬يا محمد ‪ ،‬قال ‪" :‬لبيك وسعديك" قال ‪ :‬إنه ل‬
‫يبدل القول لديّ ‪ ،‬كما فرضت عليك في أم الكتاب ‪" :‬كل حسنة بعشر أمثالها ‪ ،‬فهي خمسون في‬
‫أم الكتاب وهي خمس عليك" ‪ ،‬فرجع إلى موسى فقال ‪" :‬كيف فعلت ؟" فقال ‪" :‬خفف عنا ‪ ،‬أعطانا‬
‫بكل حسنة عشر أمثالها" قال ‪ :‬موسى ‪" :‬قد وال راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه ‪،‬‬
‫فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضًا"‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا موسى قد ‪ -‬وال‬
‫‪ -‬استحييت من ربي مما أختلف إليه" (‪ )3‬قال ‪" :‬فاهبط باسم ال" ‪ ،‬فاستيقظ وهو في المسجد‬
‫الحرام‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هكذا ساقه البخاري في "كتاب التوحيد" (‪ ، )4‬ورواه في "صفة النبي صلى ال عليه وسلم" ‪ ،‬عن‬
‫إسماعيل بن أبي ُأوَيْس عن أخيه أبي بكر عبد الحميد ‪ ،‬عن سليمان بن بلل (‪.)5‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬عن هارون بن سعيد ‪ ،‬عن ابن وَهْب ‪ ،‬عن سليمان (‪ )6‬قال ‪" :‬فزاد ونقص ‪ ،‬وقدم‬
‫وأخر" (‪.)7‬‬
‫وهو كما قاله (‪ )8‬مسلم ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬فإن شريك بن عبد ال بن أبي َنمِر اضطرب في هذا‬
‫الحديث ‪ ،‬وساء حفظه ولم يضبطه ‪ ،‬كما سيأتي بيانه في الحاديث الخر‪.‬‬
‫ومنهم من يجعل هذا منامًا توطئة لما وقع بعد ذلك ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫[وقال] (‪ )9‬البيهقي ‪ :‬في (‪ )10‬حديث "شريك" زيادة تفرد بها ‪ ،‬على مذهب من زعم أنه صلى‬
‫ال عليه وسلم رأى ربه ‪ ،‬يعني قوله ‪" :‬ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى ‪ ،‬فكان قاب قوسين أو‬
‫أدنى" قال ‪ :‬وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه اليات على رؤيته جبريل ‪-‬‬
‫أصح (‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬ثم عل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)7517‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)3570‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سليمان به"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)162‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وفي"‪.‬‬
‫(‪ )11‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/385‬‬

‫( ‪)5/7‬‬

‫وهذا الذي قاله البيهقي هو الحق في هذه المسألة ‪ ،‬فإن أبا ذر قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل رأيت‬
‫ربك ؟ قال ‪" :‬نور أنى أراه"‪ .‬وفي رواية "رأيت نورا"‪ .‬أخرجه مسلم ‪ ،‬رحمه ال (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ دَنَا فَ َتدَلّى } [ النجم ‪ ، ] 8 :‬إنما هو جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كما ثبت ذلك في‬
‫الصحيحين ‪ ،‬عن عائشة أمّ المؤمنين ‪ ،‬وعن ابن مسعود ‪ ،‬وكذلك هو في صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬ول يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الية بهذا (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا ثابت البُناني ‪ ،‬عن‬
‫أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أتيت بالبراق وهو‬
‫دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل ‪ ،‬يضع حافره عند منتهى طرفه ‪ ،‬فركبته فسار بي حتى‬
‫أتيت بيت المقدس ‪ ،‬فربطت الدابة بالحلقة التي يربط (‪ )3‬فيها النبياء ‪ ،‬ثم دخلت فصليت فيه‬
‫ركعتين ‪ ،‬ثم خرجت‪ .‬فأتاني (‪ )4‬جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ‪ ،‬فاخترت اللبن‪ .‬قال جبريل‬
‫‪ :‬أصبت الفطرة" قال ‪" :‬ثم عرج بي إلى السماء الدنيا ‪ ،‬فاستفتح جبريل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪:‬‬
‫جبريل‪ .‬فقيل ‪ )5( :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قيل ‪ :‬وقد أرسل إليه ؟ [قال ‪ :‬قد أرسل إليه] (‪.)6‬‬
‫ففتح لنا ‪ ،‬فإذا أنا بآدم ‪ ،‬فرحب ودعا لي بخير‪.‬‬
‫ثم عَرَج بنا إلى السماء الثانية ‪ ،‬فاستفتح جبريل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬فقيل ‪ :‬ومن‬
‫معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬فقيل ‪ :‬وقد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬قد أرسل إليه‪ .‬ففتح لنا ‪ ،‬فإذا أنا بابني الخالة‬
‫يحيى وعيسى ‪ ،‬فرحبا بي ودعوا لي بخير‪.‬‬
‫ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة ‪ ،‬فاستفتح جبريل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من أنت ؟ فقال ‪ :‬جبريل‪ .‬فقيل ‪ :‬ومن‬
‫معك ؟ فقال ‪ :‬محمد‪ .‬فقيل ‪ :‬وقد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬قد أرسل إليه‪ .‬ففتح لنا ‪ ،‬فإذا أنا بيوسف ‪،‬‬
‫وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ‪ ،‬فرحب ودعا لي بخير‪.‬‬
‫ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة ‪ ،‬فاستفتح جبريل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من أنت ؟ فقال ‪ :‬جبريل‪ .‬فقيل ‪ :‬ومن‬
‫معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬فقيل ‪ :‬قد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه‪ .‬ففتح الباب ‪ ،‬فإذا أنا بإدريس ‪،‬‬
‫فرحب ودعا لي بخير‪ .‬ثم قال ‪ :‬يقول ال ‪ { :‬وَ َر َفعْنَاهُ َمكَانًا عَلِيّا } [ مريم ‪.] 57 :‬‬
‫ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة ‪ ،‬فاستفتح جبريل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من أنت ؟ فقال ‪ :‬جبريل‪ .‬فقيل ‪[ :‬و]‬
‫(‪ )7‬من معك ؟ فقال ‪ :‬محمد‪ .‬فقيل ‪ :‬قد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه‪ .‬ففتح لنا ‪ ،‬فإذا أنا‬
‫بهارون ‪ ،‬فرحب ودعا لي بخير‪.‬‬
‫ثم عرج بنا إلى السماء السادسة ‪ ،‬فاستفتح جبريل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من أنت ؟ فقال ‪ :‬جبريل‪ .‬قيل (‪)8‬‬
‫ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬فقيل ‪ :‬وقد بعث إليه ؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه‪ .‬ففتح لنا ‪ ،‬فإذا أنا بموسى‬
‫فرحب ودعا لي بخير‪.‬‬
‫ثم عرج بنا إلى السماء السابعة ‪ ،‬فاستفتح جبريل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قيل ‪)9( :‬‬
‫ومن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)178‬‬
‫(‪ )2‬حديث عائشة ‪ :‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3235‬ومسلم في صحيحه برقم (‪)177‬‬
‫وحديث ابن مسعود ‪ :‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )4856‬ومسلم في صحيحه برقم (‪)174‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وحديث أبي هريرة ‪ :‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪.)175‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تربط"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فجاءني"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قيل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ المسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقيل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬فقيل"‪.‬‬

‫( ‪)5/8‬‬

‫معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬فقيل ‪ :‬وقد بعث إليه ؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه‪ .‬ففتح لنا ‪ ،‬فإذا أنا بإبراهيم (‪، )1‬‬
‫وإذا هو مستند إلى البيت المعمور ‪ ،‬وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم ل يعودون إليه‪.‬‬
‫ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى ‪ ،‬فإذا ورقها كآذان الفيلة ‪ ،‬وإذا ثمرها كالقلل‪ .‬فلما غشيها من‬
‫أمر ال ما غشيها تغيرت ‪ ،‬فما أحد من خلق ال تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فأوحى ال إليّ ما أوحى ‪ ،‬وفرض عليّ في كل يوم وليلة خمسين صلة ‪ ،‬فنزلت حتى انتهيت‬
‫إلى موسى"‪ .‬قال ‪" :‬ما فرض ربك على أمّتك ؟ (‪ )2‬قال ‪" :‬قلت ‪ :‬خمسين صلة في كل يوم‬
‫وليلة"‪ .‬قال ‪ :‬ارجع (‪ )3‬إلى ربك فاسأله التخفيف ؛ فإن أمتك ل تطيق ذلك ‪ ،‬وإني قد بلوت بني‬
‫إسرائيل وخبرتهم"‪ .‬قال (‪ " : )4‬فرجعت إلى ربي ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أي رب ‪ ،‬خفف عن أمّتي ‪ ،‬فحطّ‬
‫عني خمسًا‪ .‬فرجعت إلى موسى فقال ‪ :‬ما فعلت ؟ قلت ‪ )5( :‬قد حطّ عني خمسًا"‪ .‬قال ‪" :‬إن‬
‫أمّتك ل تطيق ذلك ‪ ،‬فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لمّتك" قال ‪" :‬فلم (‪ )6‬أزل أرجع بين ربي‬
‫وبين موسى ‪ ،‬ويحط عني خمسًا خمسًا حتى قال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هي خمس صلوات في كل يوم‬
‫وليلة ‪ ،‬بكل صلة عشر ‪ ،‬فتلك خمسون صلة ‪ ،‬ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت [له] (‪)7‬‬
‫حسنة ‪ ،‬فإن عملها كتبت عشرًا‪ .‬ومن همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب ‪ ،‬فإن عملها كتبت سيئة‬
‫واحدة‪ .‬فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته ‪ ،‬فقال ‪ :‬ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لمّتك ‪،‬‬
‫فإنّ أمّتك ل تطيق ذلك"‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد رجعت إلى ربي حتى‬
‫استحييت"‪.‬‬
‫ورواه مسلم عن شَيْبَان بن فَرّوخ ‪ ،‬عن حماد بن سلمة بهذا السياق (‪ ، )8‬وهو أصح من سياق‬
‫شَريك‪.‬‬
‫قال البيهقي ‪ :‬وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من مكة إلى بيت المقدس (‪ .)9‬وهذا الذي قاله هو الحق الذي ل شك فيه ول مرية‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا معمر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مُسْرَجًا ملجمًا ليركبه ‪ ،‬فاستصعب عليه ‪،‬‬
‫فقال له جبريل ‪ :‬ما يحملك على هذا ؟ فوال ما ركبك قط أكرم على ال منه‪ .‬قال ‪ :‬فارفضّ‬
‫عرقًا‪.‬‬
‫ورواه الترمذي عن إسحاق بن منصور ‪ ،‬عن عبد الرزاق ‪ ،‬وقال ‪ :‬غريب ل نعرفه إل من‬
‫حديثه (‪.)10‬‬
‫وقال أحمد أيضًا ‪ :‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن‬
‫جبير ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لما عرج بي ربي ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ‪ ،‬يخمشون وجوههم وصدورهم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬من هؤلء يا‬
‫جبريل ؟ قال ‪ :‬هؤلء الذين يأكلون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬بإبراهيم عليه وسلم" وفي ف ‪" :‬بإبراهيم عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ما فرض عليك على أمتك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فارجع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ثم قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقلت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬فقال ‪ :‬لم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كتبت له"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ ، )3/148‬وصحيح مسلم برقم (‪.)162‬‬
‫(‪ )9‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/385‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )3/164‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3131‬‬

‫( ‪)5/9‬‬

‫لحوم الناس ‪ ،‬ويقعون في أعراضهم"‪.‬‬


‫وأخرجه أبو داود ‪ ،‬من حديث صفوان بن عمرو ‪ ،‬به (‪ .)1‬ومن وجه آخر ليس فيه أنس (‪، )2‬‬
‫فال أعلم‪.‬‬
‫وقال أيضًا ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن سليمان التّ ْيمِي ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مررت ليلة أسري بي على موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قائمًا يصلي في قبره"‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪.)3‬‬
‫ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬عن سليمان بن طرخان التيمي وثابت البناني ‪ ،‬كلهما‬
‫عن أنس (‪.)4‬‬
‫قال النسائي ‪ :‬وهذا أصح من رواية من قال ‪ :‬سليمان عن ثابت ‪ ،‬عن أنس‪.‬‬
‫وقال [الحافظ] (‪ )5‬أبو يعلى الموصلي في مسنده ‪ :‬حدثنا وهب بن بقيّة ‪ ،‬حدثنا خالد ‪ ،‬عن التيمي‬
‫‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬أخبرني بعض أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ليلة أسري به مرّ على موسى وهو يصلي في قبره (‪.)6‬‬
‫وقال أبو يعلى ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن محمد بن عَرْعَرة ‪ ،‬حدثنا معتمر ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت أنسًا‬
‫‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم ليلة أسري به مرّ بموسى (‪ )7‬وهو يصلي في قبره ‪ -‬قال أنس ‪:‬‬
‫ذكر أنه حمل على البراق ‪ -‬فأوثق الدابة ‪ -‬أو قال ‪ :‬الفرس ‪ -‬قال أبو بكر ‪ :‬صفها لي‪ .‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وذكر كلمة (‪ )8‬فقال ‪ :‬أشهد أنك رسول ال ‪ ،‬وكان أبو بكر ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قد رآها (‪.)9‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا سلمة بن شبيب ‪ ،‬حدثنا سعيد بن‬
‫منصور ‪ ،‬حدثنا الحارث بن عبيد ‪ ،‬عن أبي عمران الجوني ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بينا أنا قاعد (‪ )10‬إذ جاء جبريل عليه السلم ‪،‬‬
‫فوكز بين كتفي ‪ ،‬فقمت إلى شجرة فيها كوكري الطير ‪ ،‬فقعد في أحدهما وقعدت في الخر فسمت‬
‫(‪ )11‬وارتفعت حتى سدت الخافقين وأنا أقلب طرفي ‪ ،‬ولو شئت أن أمس السماء لمسست ‪،‬‬
‫فالتفت إلى جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كأنه حِلْس (‪ )12‬لط فعرفت فضل علمه بال علي ‪ ،‬وفتح لي‬
‫باب من أبواب السماء فرأيت النور العظمَ ‪ ،‬وإذا دون الحجاب رفرف الدر والياقوت ‪ ،‬وأوحى‬
‫إليّ ما شاء ال أن يوحى" ثم قال ‪ :‬هذا الحديث ل نعلم رواه إل أنس ‪ ،‬ول نعلم رواه عن أبي‬
‫عمران الجوني إل الحارث بن عبيد ‪ ،‬وكان رجل مشهورًا من أهل البصرة (‪.)13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )3/224‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4878‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪.)4878‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/120‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)2375‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند أبي يعلى (‪.)7/117‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬مر على موسى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في هـ ‪" :‬هي كذه وذه" والتصويب من مسند البزار و "ت"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬مسند أبي يعلى (‪.)7/126‬‬
‫(‪ )10‬في هـ ‪" :‬نائم" والتصويب من مسند البزار‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬فسميت"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جلس"‪.‬‬
‫(‪ )13‬مسند البزار برقم (‪ )58‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪ )59‬عن محمد بن علي‬
‫الصائغ عن سعيد بن منصور به‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/75‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر في زوائد البزار (‪" : )1/95‬الحارث أخرج له الشيخان ‪ ،‬وهو مع ذاك له‬
‫مناكير هذا منها"‪.‬‬

‫( ‪)5/10‬‬

‫ورواه الحافظ البيهقي في "الدلئل" ‪ ،‬عن أبي بكر القاضي ‪ ،‬عن أبي جعفر محمد بن علي بن‬
‫ُدحَيْم ‪ ،‬عن محمد بن الحسين بن أبي الحُنَيْن ‪ ،‬عن سعيد بن منصور ‪ ،‬فذكر بسنده مثله ‪ ،‬ثم قال‬
‫‪ :‬وقال غيره في هذا الحديث في آخره ‪" :‬ولُطّ دوني ‪ -‬أو قال ‪ :‬دون الحجاب ‪ -‬رفرف الدر‬
‫والياقوت"‪ .‬ثم قال ‪ :‬هكذا (‪ )1‬رواه الحارث بن عبيد‪ .‬ورواه حماد (‪ )2‬بن سلمة ‪ ،‬عن أبي‬
‫جوْني ‪ ،‬عن محمد بن عمير بن عطارد ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان في مل من‬
‫عمران ال َ‬
‫أصحابه ‪ ،‬فجاءه (‪ )3‬جبريل ‪ ،‬فنكت في ظهره فذهب به إلى الشجرة وفيها مثل َوكْري الطير ‪،‬‬
‫فقعد في أحدهما وقعد جبريل في الخر ‪ ،‬فنشأت بنا حتى بلغت (‪ )4‬الفق ‪ ،‬فلو بسطت يدي إلى‬
‫السماء لنلتها ‪ ،‬فدلي بسبب وهبط النور ‪ ،‬فوقع جبريل مغشيًا عليه كأنه حِلْس ‪ ،‬فعرفت فضل‬
‫خشيته على خشيتي‪ .‬فأوحي إلي ‪ :‬نبيًا ملكًا أو نبيًا عبدًا ؟ وإلى الجنة ما أنت ؟ فأومَأ (‪ )5‬إلي‬
‫جبريل وهو مضطجع ‪ :‬أن تواضع‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬ل‪ .‬بل نبيًا عبدًا (‪.)6‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا إن صح يقتضي أنها واقعة غير ليلة السراء ‪ ،‬فإنه لم يذكر فيها بيت المقدس ‪ ،‬ول‬
‫الصعود إلى السماء ‪ ،‬فهي كائنة غير ما نحن فيه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال البزار أيضًا ‪ :‬حدثنا عمرو بن عيسى ‪ ،‬حدثنا أبو بحر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن محمدًا صلى ال عليه وسلم رأى ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬هذا غريب‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن وهب ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن‬
‫الزهري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال‬
‫‪ :‬لما جاء جبريل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بالبراق فكأنها َأمَرّت ذنبها ‪ ،‬فقال لها‬
‫جبريل ‪ :‬مه يا براق ‪ ،‬فوال إن ركبك (‪ )7‬مثله‪ .‬وسار رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإذا هو‬
‫بعجوز على جانب الطريق ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما هذه يا جبريل ؟" قال ‪ :‬سر يا محمد‪ .‬قال ‪ :‬فسار ما شاء‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال أن يسير ‪ ،‬فإذا شيء يدعوه متنحيًا عن الطريق يقول ‪ :‬هلم يا محمد فقال له جبريل ‪ :‬سر يا‬
‫محمد فسار ما شاء ال أن يسير ‪ ،‬قال ‪ :‬فلقيه خلق من الخلق فقالوا ‪ :‬السلم عليك يا أول ‪،‬‬
‫السلم عليك يا آخر ‪ ،‬السلم عليك يا حاشر ‪ ،‬فقال له جبريل ‪ :‬اردد السلم يا محمد‪ .‬فرد السلم‬
‫‪ ،‬ثم لقيه الثانية فقال له مثل مقالته الولى ‪ ،‬ثم الثالثة كذلك ‪ ،‬حتى انتهى إلى بيت المقدس‪.‬‬
‫فعرض عليه الماء والخمر واللبن ‪ ،‬فتناول رسول ال صلى ال عليه وسلم اللبن ‪ ،‬فقال له جبريل‬
‫‪ :‬أصبت الفطرة ‪ ،‬ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك ‪ ،‬ولو شربت الخمر لغويت ولغوت (‪)8‬‬
‫أمتك‪ .‬ثم بعث له آدم فمن دونه من النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬فأمّهم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم تلك الليلة‪ .‬ثم قال له جبريل ‪ :‬أما العجوز التي (‪ )9‬رأيت على جانب الطريق ‪ ،‬فلم يبق من‬
‫الدنيا إل ما بقي من عمر تلك العجوز ‪ ،‬وأما الذي أراد أن تميل إليه ‪ ،‬فذاك عدو ال إبليس أراد‬
‫أن تميل إليه ‪ ،‬وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى ‪ ،‬عليهم الصلة والسلم‪.‬‬
‫وهكذا رواه الحافظ البيهقي في "دلئل النبوة" من حديث ابن وهب (‪ ، )10‬وفي بعض ألفاظه‬
‫نكارة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ابن حماد" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فجاء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬بلغنا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فأوحى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/369‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فواللله ما ركبك"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬وغويت"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪ ، )15/5‬ودلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/362‬‬

‫( ‪)5/11‬‬

‫وغرابة‪.‬‬
‫طريق أخرى عن أنس بن مالك ‪:‬‬
‫وفيها غرابة ونكارة جدًا ‪ ،‬وهي في سنن النسائي المجتبى ‪ ،‬ولم أرها في الكبير قال ‪ :‬أخبرنا‬
‫عمرو (‪ )1‬بن هشام ‪ ،‬حدثنا َمخْلَد ‪ -‬هو ابن الحسين ‪ -‬عن سعيد بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا يزيد بن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أبي مالك ‪ ،‬حدثنا أنس بن مالك ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أتيت بدابة فوق‬
‫الحمار ودون البغل ‪ ،‬خطوها عند منتهى طرفها ‪ ،‬فركبت ومعى جبريل عليه السلم فسرت فقال‬
‫‪ :‬انزل فصل‪ .‬فصليت ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتدري أين صليت ؟ [صليت بطيبة وإليها المهاجر ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫انزل فصل‪ .‬فصليت ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتدري أين صليت ؟] (‪ )2‬صليت بطور سيناء ‪ ،‬حيث كلم ال‬
‫موسى ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬انزل فصل‪ .‬فصليت ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتدري أين صليت‪ .‬صليت ببيت لحم ‪ ،‬حيث ولد‬
‫عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي النبياء عليهم السلم ‪ ،‬فقدمني جبريل‬
‫حتى أممتهم [ثم صعد بي إلى السماء الدنيا ‪ ،‬فإذا فيها آدم ‪ ،‬عليه السلم] (‪ )3‬ثم صعد بي إلى‬
‫السماء الثانية ‪ ،‬فإذا فيها ابنا الخالة ‪ :‬عيسى ويحيى ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬ثم صعد بي إلى السماء‬
‫الثالثة ‪ ،‬فإذا فيها يوسف عليه السلم‪ .‬ثم صعد بي إلى السماء الرابعة ‪ ،‬فإذا فيها هارون ‪ ،‬عليه‬
‫السلم‪ .‬ثم صعد بي إلى السماء الخامسة ‪ ،‬فإذا فيها إدريس عليه السلم‪ .‬ثم صعد بي إلى السماء‬
‫السادسة ‪ ،‬فإذا فيها موسى ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬ثم صعد بي إلى السماء السابعة ‪ ،‬فإذا فيها إبراهيم عليه‬
‫السلم ‪ ،‬ثم صعد بي فوق سبع سموات وأتيت سدرة المنتهى ‪ ،‬فغشيتني ضبابة فخررت (‪)4‬‬
‫ساجدًا فقيل لي ‪ :‬إني يوم خلقت السموات والرض ‪ ،‬فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلة ‪،‬‬
‫فقم بها أنت وأمتك [فرجعت إلى إبراهيم فلم يسألني ‪ ،‬عن شيء‪ .‬ثم أتيت موسى فقال ‪ :‬كم فرض‬
‫ال عليك وعلى أمتك ؟] (‪ )5‬قلت ‪ :‬خمسين صلة‪ .‬قال ‪ :‬فإنك ل تستطيع أن تقوم بها ‪ ،‬ل أنت‬
‫ول أمتك ‪ ،‬فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف (‪ )6‬فرجعت إلى ربي فخفف عني عشرًا‪ .‬ثم أتيت‬
‫موسى فأمرني بالرجوع ‪ ،‬فرجعت فخفف عني عشرًا ‪ ،‬ثم ردت إلى خمس صلوات ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ‪ ،‬فإنه فرض على بني إسرائيل صلتين ‪ ،‬فما قاموا بهما‪.‬‬
‫فرجعت إلى ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فسألته التخفيف ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني يوم خلقت السموات والرض‬
‫فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلة ‪ ،‬فخمس بخمسين ‪ ،‬فقم بها أنت وأمتك‪ .‬فعرفت أنها من‬
‫ال عز وجل (‪ )7‬صِرّى فرجعت إلى موسى ‪ ،‬عليه السلم (‪ )8‬فقال ‪ :‬ارجع ‪ ،‬فعرفت أنها من‬
‫ال صِرّى ‪ -‬يقول ‪ :‬أي حتم ‪ -‬فلم أرجع" (‪.)9‬‬
‫طريق أخرى ‪:‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثني أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما كان ليلة أسري برسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم إلى بيت المقدس ‪ ،‬أتاه جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل ‪ ،‬حمله جبريل عليها ‪ ،‬ينتهي‬
‫خفها حيث ينتهي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ والنسائي‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ والنسائي‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬خررت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والنسائي‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬تخفيفها"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬فرجعت إليه عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن النسائي (‪.)1/221‬‬

‫( ‪)5/12‬‬

‫طرفها‪ .‬فلما بلغ بيت المقدس وبلغ (‪ )1‬المكان الذي يقال له ‪" :‬باب محمد صلى ال عليه وسلم"‬
‫أتى إلى الحجر الذي ثمة ‪ ،‬فغمزه جبريل بأصبعه فثقبه ‪ ،‬ثم ربطها‪ .‬ثم صعد فلما استويا في‬
‫صَرْحَة المسجد ‪ ،‬قال جبريل ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هل سألت ربك أن يريك الحور العين ؟ فقال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬فانطلق إلى أولئك النسوة ‪ ،‬فسلم عليهن وهن جلوس عن يسار الصخرة ‪ ،‬قال ‪ :‬فأتيتهن‬
‫فسلمت عليهن ‪ ،‬فرددن عليّ السلم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬من أنتن ؟ فقلن ‪ :‬نحن خيرات حسان ‪ ،‬نساء قوم‬
‫أبرار ‪ ،‬نقوا فلم يدرنوا ‪ ،‬وأقاموا فلم يظعنوا ‪ ،‬وخلدوا فلم يموتوا"‪ .‬قال ‪" :‬ثم انصرفت (‪ ، )2‬فلم‬
‫ألبث إل يسيرًا حتى اجتمع ناس كثير ‪ ،‬ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلة"‪ .‬قال ‪" :‬فقمنا صفوفًا ننتظر‬
‫من يؤمنا ‪ ،‬فأخذ بيدي جبريل عليه السلم ‪ ،‬فقدمني فصليت بهم‪ .‬فلما انصرفت قال جبريل ‪ :‬يا‬
‫محمد ‪ ،‬أتدري من صلى خلفك ؟" قال ‪" :‬قلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬صلى خلفك كل نبي بعثه ال عز‬
‫وجل"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم أخذ بيدي جبريل فصعد بي إلى السماء ‪ ،‬فلما انتهينا إلى الباب استفتح فقالوا ‪ :‬من‬
‫أنت ؟ قال ‪ :‬أنا جبريل ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬وقد بعث ؟ قال ‪ :‬نعم"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"ففتحوا له وقالوا ‪ :‬مرحبًا بك وبمن معك"‪ .‬قال ‪" :‬فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم ‪ ،‬فقال لي‬
‫جبريل ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أل تسلم على أبيك آدم ؟" قال ‪" :‬قلت ‪ :‬بلى‪ .‬فأتيته فسلمت عليه ‪ ،‬فرد عليّ‬
‫وقال ‪ :‬مرحبًا بابني والنبي الصالح"‪ .‬قال ‪" :‬ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح ‪ ،‬قالوا ‪ :‬من‬
‫أنت ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬وقد بعث ؟ قال ‪ :‬نعم" ‪" :‬ففتحوا (‬
‫‪ )3‬له وقالوا ‪ :‬مرحبًا بك وبمن معك ‪ ،‬فإذا فيها عيسى وابن خالته يحيى عليهما السلم (‪ .)4‬قال‬
‫‪" :‬ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ‪ ،‬قالوا ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن معك ؟‬
‫قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬وقد بعث ؟ قال ‪ :‬نعم" (‪ .)5‬ففتحوا (‪ )6‬وقالوا ‪ :‬مرحبًا بك وبمن معك ‪ ،‬فإذا‬
‫فيها يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح ‪ ،‬قالوا ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جبريل ؟ قالوا ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬وقد بعث ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬ففتحوا وقالوا ‪ :‬مرحبًا‬
‫بك وبمن معك‪ .‬فإذا فيها إدريس عليه السلم"‪ .‬قال ‪" :‬فعرج بي إلى السماء الخامسة ‪ ،‬فاستفتح ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬وقد بعث ؟ قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ففتحوا وقالوا ‪ :‬مرحبًا بك وبمن معك فإذا فيها هارون ‪ ،‬عليه السلم"‪ .‬قال ‪" :‬ثم عرج بي‬
‫إلى السماء السادسة فاستفتح ‪ ،‬قالوا ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وقد بعث ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬ففتحوا وقالوا ‪ :‬مرحبًا بك وبمن معك ‪ ،‬فإذا فيها موسى ‪ ،‬عليه‬
‫السلم‪ .‬ثم عرج بي إلى السماء السابعة ‪ ،‬فاستفتح جبريل ‪ ،‬فقالوا (‪ )7‬من أنت ؟ قال ‪ :‬جبريل‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬وقد بعث إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬ففتحوا له وقالوا ‪ :‬مرحبًا بك‬
‫وبمن معك ‪ ،‬فإذا فيها إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬فقال جبريل ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أل تسلم على أبيك إبراهيم‬
‫؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬بلى‪ .‬فأتيته فسلمت عليه ‪ ،‬فرد عليّ السلم وقال ‪ :‬مرحبًا بك يا بني (‪ )8‬والنبي‬
‫الصالح‪.‬‬
‫ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة ‪ ،‬حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ‬
‫والزبرجد وعليه طير خضر أنعم طير رأيت‪ .‬فقلت ‪ :‬يا جبريل ‪ ،‬إن هذا الطير لناعم قال (‪: )9‬‬
‫يا محمد ‪ ،‬آكله أنعم منه ثم قال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أتدري أي نهر هذا ؟ قال ‪" :‬قلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬هذا‬
‫الكوثر الذي أعطاك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فبلغ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬قال ‪ :‬وانصرفت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬قال ‪ :‬ففتحوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عليهما الصلة والسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬ففتحوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ففتحوا له"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬قالوا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬مرحبا بابني"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫( ‪)5/13‬‬

‫ال إياه‪ .‬فإذا فيه آنية الذهب والفضة ‪ ،‬يجري (‪ )1‬على َرصْرَاض من الياقوت والزمرد ‪ ،‬ماؤه ‪،‬‬
‫(‪ )2‬أشد بياضًا من اللبن" قال ‪" :‬فأخذت منه آنية (‪ )3‬من الذهب ‪ ،‬فاغترفت من ذلك الماء‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فشربت ‪ ،‬فإذا هو أحلى من العسل ‪ ،‬وأشد (‪ )4‬رائحة من المسك‪ .‬ثم انطلق بي حتى انتهيت (‪)5‬‬
‫إلى الشجرة ‪ ،‬فغشيتني سحابة فيها من كل لون ‪ ،‬فرفضني جبريل ‪ ،‬وخررت ساجدًا ل ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬فقال ال لي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إني يوم خلقت السموات والرض فرضت عليك وعلى أمتك‬
‫خمسين صلة ‪ ،‬فقم بها أنت وأمتك"‪ .‬قال ‪" :‬ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل ‪،‬‬
‫فانصرفت سريعًا فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئًا ‪ ،‬ثم أتيت على موسى فقال ‪ :‬ما صنعت يا‬
‫محمد ؟ فقلت ‪ :‬فرض ربي عليّ وعلى أمتي خمسين صلة‪ .‬قال ‪ :‬فلن تستطيعها أنت ول أمتك ‪،‬‬
‫فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك‪ .‬فرجعت سريعًا حتى انتهيت إلى الشجرة ‪ ،‬فغشيتني‬
‫السحابة ‪ ،‬ورفضني جبريل وخررت ساجدًا وقلت ‪ :‬رب ‪ ،‬إنك فرضت عليّ وعلى أمتي خمسين‬
‫صلة ‪ ،‬ولن أستطيعها أنا ول أمتي ‪ ،‬فخفف عنا‪ .‬قال ‪ :‬قد وضعت عنكم عشرًا‪ .‬قال ‪ :‬ثم انجلت‬
‫عني السحابة ‪ ،‬وأخذ (‪ )6‬بيدي جبريل وانصرفت (‪ )7‬سريعًا حتى أتيت على إبراهيم فلم يقل لي‬
‫شيئًا ‪ ،‬ثم أتيت على موسى ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬ما صنعت يا محمد ؟ فقلت ‪ :‬وضع ربي عني عشرًا فقال‬
‫‪ :‬أربعون صلة! لن تستطيعها أنت ول أمتك ‪ ،‬فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم ‪ -‬فذكر‬
‫الحديث كذلك إلى خمس صلوات ‪ ،‬وخمس بخمسين ثم أمره (‪ )8‬موسى أن يرجع فيسأل‬
‫التخفيف ‪ ،‬فقلت ‪" :‬إني قد استحييت منه تعالى"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم انحدر ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لجبريل ‪" :‬ما لي لم آت على (‪ )9‬سماء إل‬
‫رحبوا بي وضحكوا إليّ ‪ ،‬غير رجل واحد ‪ ،‬فسلمت عليه فردّ عليّ السلم فرحب بي ولم يضحك‬
‫إليّ‪ .‬قال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ذاك مالك خازن جهنم لم يضحك منذ خلق (‪ )10‬ولو ضحك إلى أحد‬
‫لضحك إليك"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم ركب منصرفًا ‪ ،‬فبينا هو في بعض طريقه مرّ بعير لقريش تحمل طعامًا ‪ ،‬منها جمل‬
‫عليه غرارتان ‪ :‬غرارة سوداء ‪ ،‬وغرارة بيضاء ‪ ،‬فلما حاذى بالعير نفرت منه واستدارت ‪،‬‬
‫وصرع ذلك البعير وانكسر‪.‬‬
‫ثم إنه مضى فأصبح ‪ ،‬فأخبر عما كان ‪ ،‬فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا ‪ :‬يا أبا‬
‫بكر ‪ ،‬هل لك في صاحبك ؟ يخبر (‪ )11‬أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ‪ ،‬ثم رجع في ليلته‪.‬‬
‫فقال أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬إن كان قاله فقد صدق ‪ ،‬وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا ‪،‬‬
‫نصدقه على خبر السماء‪.‬‬
‫فقال المشركون لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ما علمة ما تقول ؟ قال ‪" :‬مررت بعير لقريش‬
‫‪ ،‬وهي في مكان كذا وكذا ‪ ،‬فنفرت العير (‪ )12‬منا واستدارت ‪[ ،‬وفيها بعير عليه] (‪)13‬‬
‫غرارتان ‪ :‬غرارة سوداء ‪ ،‬وغرارة بيضاء ‪ ،‬فصرع فانكسر"‪.‬‬
‫فلما قدمت العير سألوهم ‪ ،‬فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم النبي صلى ال عليه وسلم (‪)14‬‬
‫ومن (‪ )15‬ذلك سمي أبو (‪ )16‬بكر الصديق‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تجري"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وماؤه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من آنيته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وألد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬انتهى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬فأخذ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فانصرفت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أمر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬أهل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬خلقت"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬يزعم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬البل"‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي ت ‪" :‬جمل عليه"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ف ‪" :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وفي"‪.‬‬
‫(‪ )16‬في ف ‪" :‬أبا"‪.‬‬

‫( ‪)5/14‬‬

‫وسألوه وقالوا (‪ : )1‬هل كان معك فيمن حضر موسى وعيسى ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قالوا ‪ :‬فصفهم‪ .‬قال‬
‫‪" :‬نعم" ‪ ،‬أما موسى فرجل آدم ‪ ،‬كأنه من رجال أ ْزدِ عمان ‪ ،‬وأما عيسى فرجل ربعة ‪ ،‬سَبْط ‪،‬‬
‫جمَان" (‪.)3‬‬
‫تعلوه (‪ )2‬حمرة كأنما يتحادر من شعره ال ُ‬
‫هذا سياق فيه غرائب عجيبة‪.‬‬
‫صعَة ‪:‬‬
‫ص ْع َ‬
‫رواية أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن مالك بن َ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا َهمّام ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك ‪ :‬أن‬
‫مالك بن صعصعة حدثه ‪ :‬أن نبي ال صلى ال عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫"بينما أنا في الحطيم (‪ - )4‬وربما قال قتادة ‪ :‬في الحجر ‪ -‬مضطجعًا إذ أتاني آت" فجعل يقول‬
‫لصاحبه الوسط بين الثلثة ‪ ،‬قال ‪" :‬فأتاني فقدّ ‪ -‬وسمعت قتادة يقول ‪ :‬فشق ‪ -‬ما بين هذه إلى‬
‫شعْرته ‪،‬‬
‫هذه"‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬فقلت للجارود وهو إلى جنبي ‪ :‬ما يعني ؟ قال ‪ :‬من ثغرة نحره إلى ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شعْرَته قال ‪" :‬فاستخرج قلبي" قال ‪" :‬فأتيت بطست من ذهب‬
‫وقد سمعته يقول ‪ :‬من َقصّته إلى ِ‬
‫مملوء إيمانًا وحكمة فغسل قلبي ثم حشى ‪ ،‬ثم أعيد‪ .‬ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض"‬
‫قال ‪ :‬فقال الجارود ‪ :‬وهو البراق يا أبا حمزة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬يقع خطوه عند أقصى طرفه‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فحملت عليه ‪ ،‬فانطلق بي جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حتى أتى بي إلى السماء الدنيا ‪ ،‬فاستفتح فقيل‬
‫‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قيل ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قيل ‪ :‬أوقد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فقيل ‪ :‬مرحبًا به ‪ ،‬ولنعم المجيء جاء" قال ‪" :‬ففتح (‪ )5‬فلما خلصت ‪ ،‬فإذا فيها آدم ‪ ،‬عليه السلم‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬هذا أبوك آدم ‪ ،‬فسلم عليه ‪ ،‬فسلمت عليه ‪ ،‬فرد السلم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬مرحبًا بالبن الصالح‬
‫والنبي الصالح‪.‬‬
‫ثم صعد حتى أتى السماء الثانية ‪ ،‬فاستفتح فقيل ‪ :‬من هذا ؟ قال (‪ : )6‬جبريل‪ .‬قيل ‪ :‬ومن معك ؟‬
‫قال ‪ :‬محمد قيل (‪ : )7‬أوقد (‪ )8‬أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قيل ‪ :‬مرحبًا به ولنعم المجيء جاء" ‪،‬‬
‫قال ‪" :‬ففتح ‪ ،‬فلما خلصت ‪ ،‬فإذا يحيى (‪ )9‬وعيسى وهما ابنا الخالة‪ .‬قال ‪ :‬هذا (‪ )10‬يحيى‬
‫وعيسى ‪ ،‬فسلم عليهما‪ .‬قال ‪ :‬فسلمت فردا السلم ثم قال (‪ )11‬مرحبا بالخ الصالح والنبي‬
‫الصالح‪.‬‬
‫ثم صعد حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قيل ‪ :‬ومن معك ؟ قال‬
‫‪ :‬محمد‪ .‬قيل ‪ :‬أوقد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قيل ‪ :‬مرحبًا به ولنعم المجيء جاء"‪ .‬قال ‪ :‬ففتح (‬
‫‪ )12‬فلما خلصت ‪ ،‬فإذا يوسف (‪ ، )13‬عليه السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا يوسف (‪ )14‬قال ‪" :‬فسلمت عليه‬
‫‪ ،‬فرد السلم ثم قال ‪ :‬مرحبًا بالخ الصالح والنبي الصالح‪.‬‬
‫ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة ‪ ،‬فاستفتح ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قيل ‪ :‬ومن معك ؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يعلوه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك ضعفه أحمد وابن معين والنسائي والدارقطني ولم‬
‫يوثقه إل أبو زرعة الدمشقي‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬بالحطيم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ففتح لنا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بيحيى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذان"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ففتح الباب"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬فإدريس" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إذا بيوسف"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬إدريس"‪.‬‬

‫( ‪)5/15‬‬

‫قال ‪ :‬محمد‪ .‬قيل ‪ :‬أوقد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قيل ‪ :‬مرحبًا به ‪ ،‬ولنعم المجيء جاء" قال ‪:‬‬
‫"ففتح فلما خلصت فإذا إدريس ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا إدريس فسلم عليه"‪ .‬قال ‪" :‬فسلمت عليه‪ .‬فرد السلم (‬
‫‪ ، )1‬ثم قال ‪ :‬مرحبًا بالخ الصالح والنبي الصالح"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قيل ‪ :‬ومن‬
‫معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قيل ‪ :‬أوقد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قيل ‪ :‬مرحبًا به ولنعم المجيء جاء"‪ .‬قال‬
‫‪" :‬ففتح ‪ ،‬فلما خلصت ‪ ،‬فإذا هارون ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا هارون فسلم عليه‪ .‬قال ‪ :‬فسلمت‬
‫عليه فرد السلم (‪ ، )2‬ثم قال ‪ :‬مرحبًا بالخ والنبي الصالح"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم صعد حتى أتى السماء السادسة فاستفتح ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قيل ‪ :‬ومن‬
‫معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قيل ‪ :‬أوقد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قيل ‪ :‬مرحبًا به ولنعم المجيء جاء‪ .‬ففتح‬
‫‪ ،‬فلما خلصت ‪ ،‬فإذا أنا بموسى ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فسلم عليه ‪ ،‬فسلمت عليه ‪،‬‬
‫فرد السلم ثم قال ‪ :‬مرحبًا بالخ الصالح والنبي الصالح"‪ .‬قال ‪" :‬فلما تجاوزته بكى‪ .‬قيل له ‪ :‬ما‬
‫يبكيك ؟ قال ‪ :‬أبكي لن غلمًا بعث بعدي ‪ ،‬يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح ‪ ،‬قيل ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قيل ‪ :‬ومن‬
‫معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قيل ‪ :‬أوقد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قيل ‪ :‬مرحبًا به ولنعم المجيء جاء"‪ .‬قال‬
‫‪" :‬ففتح ‪ ،‬فلما خلصت ‪ ،‬فإذا إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬فقال ‪ :‬هذا إبراهيم ‪ ،‬فسلم عليه"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فسلمت عليه ‪ ،‬فرد السلم (‪ ، )3‬ثم قال ‪ :‬مرحبًا بالبن الصالح والنبي الصالح"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قِلل هَجر ‪ ،‬وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫هذه سدرة المنتهى"‪ .‬قال ‪" :‬وإذا أربعة أنهار ‪ :‬نهران باطنان ونهران ظاهران ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما هذا يا‬
‫جبريل ؟ قال ‪ :‬أما الباطنان فنهران في الجنة ‪ ،‬وأما الظاهران فالنيل والفرات"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم رفع إلي البيت المعمور‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬وحدثني الحسن ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه رأى البيت‬
‫المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ‪ ،‬ثم ل يعودون فيه‪.‬‬
‫ثم رجع إلى حديث أنس [قال ‪" :‬ثم] (‪ )4‬أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل"‪ .‬قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫"فأخذت اللبن ‪ ،‬قال ‪ :‬هذه الفطرة وأنت (‪ )5‬عليها وأمتك"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم فرضت الصلة خمسين صلة كل يوم"‪ .‬قال ‪" :‬فنزلت حتى انتهيت إلى (‪ )6‬موسى ‪،‬‬
‫قال (‪ )7‬ما فرض ربك على أمتك ؟" قال ‪" :‬قلت (‪ )8‬خمسين صلة كل يوم‪ .‬قال ‪ :‬إن أمتك ل‬
‫تستطيع خمسين صلة ‪ ،‬وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ‪ ،‬فارجع‬
‫إلى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فرد علي السلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فرد علي السلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فرد علي السلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أنت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أتيت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقلت"‪.‬‬

‫( ‪)5/16‬‬

‫ربك فاسأله التخفيف ‪ ،‬عن أمتك (‪ ." )1‬قال ‪" :‬فرجعت فوضع عني عشرًا ‪ ،‬قال ‪ :‬فرجعت إلى‬
‫موسى ‪ ،‬فقال ‪ :‬بم أمرت ؟ قلت ‪ :‬بأربعين صلة كل يوم‪ .‬قال ‪ :‬إن أمتك ل تستطيع أربعين‬
‫صلة كل يوم ‪ ،‬وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ‪ ،‬فارجع إلى‬
‫ربك فاسأله التخفيف لمتك‪ .‬قال ‪ :‬فرجعت فوضع عني عشرًا أخر‪ .‬فرجعت إلى موسى فقال ‪ :‬بم‬
‫أمرت ؟ فقلت ‪ :‬أمرت بثلثين صلة‪ .‬قال ‪ :‬إن أمتك ل تستطيع ثلثين صلة كل يوم ‪ ،‬وإني قد‬
‫خبرت الناس قبلك ‪ ،‬وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ‪ ،‬فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‬
‫لمتك"‪ .‬قال ‪" :‬فرجعت فوضع عني عشرًا أخر ‪ ،‬فرجعت إلى موسى فقال ‪ :‬بم أمرت ؟ قلت ‪:‬‬
‫بعشرين (‪ )2‬صلة كل يوم‪ .‬فقال ‪ :‬إن أمتك ل تستطيع لعشرين صلة كل يوم ‪ ،‬وإني قد خبرت‬
‫الناس قبلك ‪ ،‬وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ‪ ،‬فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لمتك"‪ .‬قال‬
‫‪" :‬فرجعت فوضع عني عشرًا أخر ‪ ،‬فرجعت إلى موسى فقال ‪ :‬بم أمرت ؟ فقلت ‪ :‬أمرت بعشر‬
‫صلوات في كل يوم‪ .‬فقال ‪ :‬إن أمتك (‪ )3‬ل تستطيع لعشر صلوات كل يوم ‪ ،‬وإني قد خبرت‬
‫الناس قبلك ‪ ،‬وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ‪ ،‬فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لمتك"‪ .‬قال‬
‫‪" :‬فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ‪ ،‬فرجعت إلى موسى فقال ‪ :‬بم أمرت ؟ فقلت ‪ :‬أمرت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بخمس صلوات كل يوم‪ .‬فقال ‪ :‬إن أمتك (‪ )4‬ل تستطيع لخمس صلوات كل يوم وإني قد خبرت‬
‫الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ‪ ،‬فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لمتك"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"قلت ‪ :‬لقد (‪ )5‬سألت ربي [عز وجل] (‪ )6‬حتى استحييت ‪ ،‬ولكن أرضى وأسلم‪ .‬فنفذت ‪ ،‬فناداني‬
‫مناد ‪ :‬قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي"‪.‬‬
‫وأخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة ‪ ،‬بنحوه (‪.)7‬‬
‫"رواية أنس ‪ ،‬عن أبي ذر ‪:‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا يحيى بن ُبكَيْر ‪ ،‬حدثنا الليث ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن أنس بن‬
‫مالك قال ‪ :‬كان أبو ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يحدث أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬فرج‬
‫سقف بيتي وأنا بمكة ‪ ،‬فنزل جبريل ففرج [صدري ثم غسله بماء زمزم ‪ ،‬ثم جاء بطست من‬
‫ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا ‪ ،‬فأفرغه] (‪ )8‬في صدري ‪ ،‬ثم أطبقه‪ .‬ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى‬
‫السماء ‪ ،‬فلما جئت إلى السماء [الدنيا] (‪ )9‬قال جبريل لخازن السماء ‪ :‬افتح‪ .‬قال ‪ :‬من هذا ؟ قال‬
‫‪ :‬جبريل‪ .‬قال ‪ :‬هل معك أحد ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬معي محمد‪ .‬قال ‪ :‬أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فلما فتح‬
‫سوِدَة وعلى يساره أسودة ‪ ،‬فإذا نظر قبل يمينه‬
‫علونا السماء الدنيا وإذا رجل قاعد على يمينه أَ ْ‬
‫ضحك ‪ ،‬وإذا نظر قبل شماله بكى‪ .‬فقال ‪ :‬مرحبًا بالنبي الصالح والبن الصالح‪ .‬قلت ‪ :‬لجبريل ‪:‬‬
‫من هذا ؟ قال ‪ :‬هذا آدم‪ .‬وهذه السودة عن يمينه وعن شماله َنسَم (‪ )10‬بنيه فأهل اليمين منهم‬
‫أهل الجنة والسودة التي عن شماله أهل النار‪ .‬فإذا نظر ‪ ،‬عن يمينه ضحك ‪ ،‬وإذا نظر ‪ ،‬عن‬
‫شماله بكى‪.‬‬
‫"ثم عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها ‪ :‬افتح‪ .‬فقال له خازنها مثل ما قال له الول ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لمتك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬فقلت أمرت بعشرين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬قال ‪ :‬أمتك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬قال ‪ :‬أمتك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من "أ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )4/208‬وصحيح البخاري برقم (‪ )3393‬ومعلقا برقم (‪ )3207‬وصحيح مسلم برقم‬
‫(‪.)164‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬نطف"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/17‬‬

‫ففتح"‪ .‬قال أنس ‪ :‬فذكر أنه وجد في السموات آدم ‪ ،‬وإدريس ‪ ،‬وموسى ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬وإبراهيم ‪،‬‬
‫ولم يثبت كيف منازلهم ‪ ،‬غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا ‪ ،‬وإبراهيم في السماء‬
‫السادسة‪ .‬قال أنس ‪ :‬فلما مرّ جبريل بالنبي صلى ال عليه وسلم بإدريس قال ‪" :‬مرحبًا بالنبي‬
‫الصالح والخ الصالح‪ .‬فقلت ‪ :‬من هذا ؟ فقال ‪ :‬هذا إدريس‪ .‬ثم مررت بموسى فقال ‪ :‬مرحبًا‬
‫بالنبي الصالح والخ الصالح‪ .‬قلت ‪ )1( :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬موسى (‪ )2‬ثم مررت بعيسى فقال ‪:‬‬
‫مرحبًا بالنبي الصالح والخ الصالح‪ .‬قلت ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬عيسى (‪ )3‬ابن مريم‪ .‬ثم مررت‬
‫بإبراهيم فقال ‪ :‬مرحبًا بالنبي الصالح والبن الصالح‪ .‬قلت ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬هذا إبراهيم"‪ .‬قال‬
‫الزهري ‪ :‬فأخبرني ابن حزم ‪ :‬أن ابن عباس وأبا حَبّة (‪ )4‬النصاري كانا يقولن ‪ :‬قال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف القلم"‪ .‬قال ابن‬
‫حزم وأنس بن مالك ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ففرض ال على أمتي خمسين صلة‬
‫‪ ،‬فرجعت بذلك حتى مررت على موسى ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما فرض ال على أمتك ؟ قلت ‪ :‬فرض خمسين‬
‫صلة‪ .‬قال ‪ :‬فارجع إلى ربك ‪ ،‬فإن أمتك ل تطيق ذلك ‪ ،‬فرجعت [فوضع شطرها ‪ ،‬فرجعت إلى‬
‫موسى ‪ ،‬قلت ‪ :‬وضع شطرها‪ .‬فقال ‪ :‬ارجع إلى ربك ‪ ،‬فإن أمتك ل تطيق ذلك‪ .‬فرجعت فوضع‬
‫شطرها‪ .‬فرجعت إليه فقال ‪ :‬ارجع إلى ربك ‪ ،‬فإن أمتك ل تطيق ذلك‪ .‬فراجعته] (‪ )5‬فقال ‪ :‬هي‬
‫خمس وهي خمسون ‪ ،‬ل يبدل القول لديّ‪ .‬فرجعت إلى موسى فقال ‪ :‬ارجع إلى ربك‪ .‬قلت ‪ :‬قد‬
‫استحييت من ربي‪ .‬ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان (‪ )6‬ل أدري ما هي‬
‫‪ ،‬ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جَنَابذ (‪ )7‬اللؤلؤ وإذا ترابها المسك"‪.‬‬
‫هذا لفظ البخاري في "كتاب الصلة" (‪ )8‬ورواه في ذكر بني إسرائيل ‪ ،‬وفي الحج وفي أحاديث‬
‫النبياء من طرق أخر ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬به (‪ )9‬ورواه مسلم في صحيحه في "كتاب اليمان" منه ‪،‬‬
‫عن حَرْملة ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن يونس به نحوه‪.)10( .‬‬
‫شقِيق قال ‪ :‬قلت لبي‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عبد ال بن َ‬
‫ذر ‪ :‬لو رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم لسألته‪ .‬قال ‪ :‬وما كنت تسأله ؟ قال ‪ :‬كنت أسأله ‪:‬‬
‫هل رأى ربه ؟ فقال ‪ :‬إني قد سألته فقال ‪" :‬إني قد رأيته (‪ )11‬نورا أنى أراه" (‪.)12‬‬
‫هكذا قد وقع في رواية المام أحمد وأخرجه مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن‬
‫وكيع ‪ ،‬عن يزيد بن إبراهيم ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عبد ال بن شقيق ‪[ ،‬عن أبي ذر قال ‪ :‬سألت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال ‪" :‬إني نور أنى أراه"‪.‬‬
‫وعن محمد بن َبشّار ‪ ،‬عن معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عبد ال بن شقيق] (‪)13‬‬
‫قال ‪ :‬قلت لبي ذر ‪ :‬لو رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم لسألته‪ .‬فقال (‪ )14‬عن أي شيء‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كنت تسأله ؟ قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فقلت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هذا موسى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هذا عيسى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬حية"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬اللوان"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬جبال" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬حبائل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)349‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪.)3342 ، 1636‬‬
‫(‪ )10‬صحيح مسلم برقم (‪.)163‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رأيت"‪.‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪.)5/147‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ف ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫( ‪)5/18‬‬

‫كنت أسأله ‪ :‬هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر ‪ :‬قد سألت فقال ‪" :‬رأيت نورًا" (‪.)1‬‬
‫رواية أنس ‪ ،‬عن أبي بن كعب النصاري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قال عبد ال بن المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن إسحاق بن محمد بن المسيبي (‪ )2‬حدثنا أنس بن‬
‫عياض ‪ ،‬عن يونس بن يزيد قال ‪ :‬قال ابن شهاب ‪ :‬قال أنس بن مالك ‪ :‬كان أبي بن كعب يحدث‬
‫‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬فرج سقف بيتي وأنا بمكة ‪ ،‬فنزل جبريل ففرج‬
‫صدري ‪ ،‬ثم غسله من ماء زمزم ‪ ،‬ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا ‪ ،‬فأفرغها (‪)3‬‬
‫في صدري ثم أطبقه ‪ ،‬ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء‪ .‬فلما جاء السماء [فافتتح فقال ‪ :‬من هذا‬
‫؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قال ‪ :‬هل معك أحد ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬معي محمد‪ .‬قال ‪ :‬أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫فافتح‪ .‬فلما علونا السماء الدنيا] (‪ )4‬إذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة ‪ ،‬فإذا نظر قبل‬
‫يمينه ضحك ‪ ،‬وإذا نظر قبل شماله بكى قال ‪ :‬مرحبًا بالنبي الصالح والبن الصالح"‪ .‬قال ‪" :‬قلت‬
‫لجبريل ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬هذا آدم وهذه السودة (‪ )5‬عن يمينه وعن شماله نسم بنيه ‪ ،‬فأهل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اليمين هم أهل الجنة ‪ ،‬والسودة التي عن شماله هم أهل النار‪ .‬فإذا نظر قبل يمينه ضحك ‪ ،‬وإذا‬
‫نظر قبل شماله بكى" قال ‪" :‬ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية ‪ ،‬فقال لخازنها ‪ :‬افتح‪.‬‬
‫فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا ففتح له"‪ .‬قال أنس ‪ :‬فذكر أنه وجد في السموات ‪:‬‬
‫آدم ‪ ،‬وإدريس ‪ ،‬وموسى ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬ولم يثبت لي كيف منازلهم ؟ غير أنه ذكر أنه‬
‫وجد آدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في السماء الدنيا ‪ ،‬وإبراهيم في السماء السادسة‪ .‬قال أنس ‪ :‬فلما مرّ‬
‫جبريل عليه السلم ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم بإدريس قال ‪" :‬مرحبا بالنبي الصالح والخ‬
‫الصالح"‪ .‬قال ‪" :‬قلت ‪ :‬من هذا يا جبريل ؟ قال ‪ :‬هذا إدريس" ‪ ،‬قال ‪" :‬ثم مررت بموسى ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬مرحبًا بالنبي الصالح والخ الصالح‪ .‬فقلت ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬هذا موسى ‪ ،‬ثم مررت بعيسى‬
‫فقال ‪ :‬مرحبًا بالنبي الصالح والخ الصالح‪ .‬قلت ‪ :‬من هذا‪ .‬قال ‪ :‬هذا عيسى ابن مريم" قال ‪" :‬ثم‬
‫مررت بإبراهيم فقال ‪ :‬مرحبًا بالنبي الصالح والبن الصالح‪ .‬قلت ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬هذا إبراهيم"‪.‬‬
‫قال ابن شهاب ‪ :‬وأخبرني ابن حزم ‪ :‬أن ابن عباس وأبا حبة النصاري كانا يقولن ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع صريف القلم" قال ابن حزم‬
‫وأنس بن مالك ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فرض ال على أمتي خمسين صلة" قال‬
‫‪" :‬فرجعت بذلك حتى أمر (‪ )6‬على موسى ‪ ،‬فقال موسى ‪ :‬ماذا فرض ربك على أمتك ؟ قلت ‪:‬‬
‫فرض عليهم خمسين صلة‪ .‬فقال لي موسى ‪ :‬راجع ربك ؛ فإن أمتك ل تطيق ذلك" قال ‪:‬‬
‫"فراجعت ربي فوضع شطرها ‪ ،‬فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال ‪ :‬ارجع إلى ربك (‪ )7‬فإن أمتك‬
‫ل تطيق ذلك ‪ ،‬فرجعت (‪ )8‬فقال ‪ :‬هي خمس وهي خمسون ‪ ،‬ل يبدل القول لدي"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فرجعت إلى موسى فقال ‪ :‬راجع ربك‪ .‬فقلت (‪ )9‬قد استحييت من ربي" قال ‪" :‬ثم انطلق بي حتى‬
‫أتى سدرة المنتهى‪ .‬قال ‪" :‬فغشيها ألوان ما أدري (‪ )10‬ما هي ؟" قال ‪" :‬ثم أدخلت الجنة ‪ ،‬فإذا‬
‫فيها جنابذ اللؤلؤ ‪ ،‬وإذا ترابها المسك"‪.‬‬
‫هكذا رواه عبد ال بن [المام] (‪ )11‬أحمد في مسند أبيه (‪ .)12‬وليس هو في شيء من الكتب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)178‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بن محمد بن المثنى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ففرغهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬السودة التي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حتى أتى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬راجع ربك"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فرجعت ربي"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬قلت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬ل أدري"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ‪ :‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬زوائد المسند (‪ )5/143‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/66‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬

‫( ‪)5/19‬‬

‫الستة ‪ ،‬وقد تقدم في الصحيحين من طريق يونس ‪ ،‬عن الزهري (‪ ، )1‬عن أبي ذر ‪ ،‬مثل هذا‬
‫السياق سواء ‪ ،‬فال أعلم (‪.)2‬‬
‫رواية بريدة بن الحصيب السلمي ‪:‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل ويعقوب بن إبراهيم ‪ -‬واللفظ له ‪-‬‬
‫قال حدثنا أبو نُميلَة ‪ ،‬أخبرنا الزبير بن جنادة ‪ ،‬عن عبد ال بن بُرَيْدة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لما كان ليلة أسري به (‪ )3‬قال ‪ :‬فأتى جبريل الصخرة التي ببيت‬
‫المقدس ‪ ،‬فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق"‪.‬‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬ل نعلم رواه عن الزبير بن جنادة إل أبو نُميلَة ‪ ،‬ول نعلم (‪ )4‬هذا الحديث‬
‫[يروى] (‪ )5‬إل عن بريدة‪ .‬وقد رواه الترمذي في التفسير من جامعه ‪ ،‬عن يعقوب بن إبراهيم‬
‫ال ّدوْ َرقِي به (‪ )6‬وقال ‪ :‬غريب‪.‬‬
‫رواية جابر بن عبد ال ‪ ،‬رضي ال عنه (‪: )7‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن صالح ‪ ،‬عن ابن شهاب قال ‪ :‬قال أبو سلمة ‪:‬‬
‫سمعت جابر بن عبد ال يحدث ‪ :‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول (‪ " : )8‬لما‬
‫كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس ‪ ،‬قمت في الحجر َفجَلّى ال لي بيت المقدس ‪،‬‬
‫فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من طرق ‪ ،‬عن الزهري به ‪.)9( ،‬‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬أخبرنا أحمد بن الحسن (‪ )10‬القاضي ‪ ،‬حدثنا أبو العباس الصم ‪ ،‬حدثنا العباس‬
‫بن محمد الدوري ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن صالح بن كَ ْيسَان ‪ ،‬عن ابن شهاب‬
‫قال ‪ :‬سمعت سعيد بن المسيب يقول ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم حين انتهى إلى بيت‬
‫المقدس ‪ ،‬لقي فيه إبراهيم وموسى وعيسى ‪ ،‬وإنه أتي بقدحين ‪ :‬قدح من لبن وقدح خمر ‪ ،‬فنظر‬
‫إليهما ‪ ،‬ثم أخذ قدح اللبن‪ .‬فقال جبريل (‪ : )11‬أصبت ‪ ،‬هديت للفطرة (‪ ، )12‬لو اخترت الخمر‬
‫لغوت أمتك‪ .‬ثم رجع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى مكة ‪ ،‬فأخبر أنه أسري به ‪ ،‬فافتتن ناس‬
‫كثير كانوا قد صلوا معه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ابن شهاب ‪ :‬قال أبو سلمة بن عبد الرحمن ‪ :‬فتجهز ‪ -‬أو كلمة نحوها ‪ -‬ناس من قريش إلى‬
‫أبي بكر فقالوا ‪ :‬هل لك في صاحبك ؟ يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة‬
‫واحدة! فقال أبو بكر ‪ :‬أوقال ذلك ؟ قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬إني أصدقه‬
‫بأبعد من ذلك (‪ )13‬أصدقه بخبر السماء‪ .‬قال أبو سلمة ‪ :‬فبها سمي أبو بكر ‪ :‬الصديق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن الزهري ‪ ،‬عن أنس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وال أعلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬أسري بي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يعلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪.)3132‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ ، )3/377‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4710‬وصحيح مسلم برقم (‪.)170‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الحسين"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال له جبريل عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬الفطرة"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬من هذا"‪.‬‬

‫( ‪)5/20‬‬

‫قال أبو سلمة ‪ :‬فسمعت جابر بن عبد ال يحدث أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس ‪ ،‬قمت في الحجر ‪ ،‬فجلى ال لي بيت المقدس‬
‫‪ ،‬فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه" (‪.)1‬‬
‫رواية حذيفة بن اليمان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬ثنا أبو النضر ‪ ،‬ثنا شيبان ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن زِرّ بن حُبَيْش ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت على‬
‫حذيفة بن اليمان وهو يحدث ‪ ،‬عن ليلة أسري بمحمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو يقول ‪" :‬فانطلقنا‬
‫(‪ )2‬حتى أتينا (‪ )3‬بيت المقدس"‪ .‬فلم يدخله‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬بل دخله رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ليلتئذ وصلى فيه‪ .‬قال ‪ :‬ما اسمك يا أصلع ؟ فإني أعرف وجهك ول أدري ما اسمك ؟ قال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ :‬قلت ‪ :‬أنا زر بن حُبَيْش‪ .‬قال ‪ :‬فما علمك بأن رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى فيه ليلتئذ ؟‬
‫قال ‪ :‬قلت ‪ :‬القرآن يخبرني بذلك‪ .‬قال ‪ :‬من تكلم بالقرآن فلج (‪ ، )4‬اقرأ‪ .‬قال ‪ :‬فقلت ‪ { :‬سُبْحَانَ‬
‫سجِ ِد ال ْقصَى } قال ‪ :‬يا أصلع ‪ ،‬هل تجد "صلى‬
‫الّذِي َأسْرَى ِبعَبْ ِدهِ لَيْل مِنَ ا ْل َمسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى ا ْلمَ ْ‬
‫فيه" ؟ قلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬وال ما صلى فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلتئذ ‪ ،‬ولو صلى فيه‬
‫لكتب عليكم صلة فيه ‪ ،‬كما كتب عليكم صلة في البيت العتيق ‪ ،‬وال ما زايل البراق حتى‬
‫فتحت لهما أبواب السماء ‪ ،‬فرأيا الجنة والنار ووعد الخرة أجمع ‪ ،‬ثم عادا عودهما على بدئهما‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم ضحك حتى رأيت نواجذه‪ .‬قال ‪ :‬وتحدثوا (‪ )5‬أنه ربطه ل يفر منه ‪ ،‬وإنما سخره له‬
‫عالم الغيب والشهادة‪ .‬قلت ‪ :‬أبا عبد ال (‪ )6‬أي دابة البراق ؟ قال ‪ :‬دابة أبيض طويل هكذا ‪،‬‬
‫خطوه مد البصر‪.‬‬
‫ورواه أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬به‪ .‬ورواه الترمذي والنسائي في‬
‫التفسير من حديث عاصم ‪ -‬وهو ابن أبي النجود ‪ -‬به (‪ ، )7‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله حذيفة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬نفي ‪ ،‬وما أثبته غيره ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم من ربط الدابة بالحلقة ومن الصلة بالبيت المقدس ‪ ،‬مما سبق وما سيأتي مقدم على قوله ‪،‬‬
‫وال أعلم بالصواب‪.‬‬
‫رواية أبي سعيد ‪ -‬سعد بن مالك بن سنان الخدري ‪:‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب "دلئل النبوّة" ‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد ال محمد بن عبد ال الحافظ ‪ ،‬حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبو بكر‬
‫يحيى بن أبي طالب ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ‪ ،‬أخبرنا أبو محمد راشد الحماني ‪ ،‬عن أبي‬
‫هارون العبدي ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‬
‫له أصحابه ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ال عز وجل ‪ { :‬سُ ْبحَانَ‬
‫حوَْلهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا‬
‫سجِ ِد ال ْقصَى الّذِي بَا َركْنَا َ‬
‫الّذِي َأسْرَى ِبعَبْ ِدهِ لَيْل مِنَ ا ْل َمسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى ا ْلمَ ْ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ }‬
‫إِنّه ُهوَ ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دلئل النبوة (‪.)2/359‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬فانطلقا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬أتيا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فلح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ويحدثون" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وتحدثون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬يا عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )5/387‬ومسند الطيالسي برقم (‪ ، )411‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3147‬وسنن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النسائي الكبرى برقم (‪.)11280‬‬

‫( ‪)5/21‬‬

‫قال ‪ :‬فأخبرهم فقال ‪" :‬فبينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام ‪ ،‬إذ أتاني آت فأيقظني ‪ ،‬فاستيقظت‬
‫فلم أر شيئًا ‪ ،‬وإذا أنا بكهيئة خيال ‪ ،‬فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد (‪ )1‬فإذا أنا بدابة‬
‫أدنى في شبهه بدوابكم هذه ‪ ،‬بغالكم هذه ‪ ،‬مضطرب (‪ )2‬الذنين يقال له ‪ :‬البراق‪ .‬وكانت النبياء‬
‫تركبه قبلي ‪ ،‬يقع حافره عند مَدّ بصره ‪ ،‬فركبته ‪ ،‬فبينما أنا أسير عليه ‪ ،‬إذ دعاني داع ‪ ،‬عن‬
‫يميني ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬انظرني أسألك ‪ ،‬يا محمد ‪ ،‬انظرني أسألك ‪ ،‬فلم أجبه ولم أقم عليه ‪[ ،‬فبينما أنا‬
‫أسير عليه ‪ ،‬إذ دعاني داع ‪ ،‬عن يساري ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬انظرني أسألك ‪ ،‬فلم أجبه ولم أقم عليه] (‬
‫‪ ، )3‬فبينما أنا أسير ‪ ،‬إذ أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها ‪ ،‬وعليها من كل زينة خلقها ال ‪ ،‬فقالت‬
‫‪ :‬يا محمد ‪ ،‬انظرني أسألك‪ .‬فلم ألتفت إليها ولم أقم عليها‪ .‬حتى أتيت بيت المقدس ‪ ،‬فأوثقت دابتي‬
‫بالحلقة التي كانت النبياء توثقها بها‪ .‬فأتاني (‪ )4‬جبريل ‪ ،‬عليه السلم بإناءين ‪ :‬أحدهما خمر ‪،‬‬
‫والخر لبن ‪ ،‬فشربت اللبن ‪ ،‬وتركت الخمر ‪ ،‬فقال جبريل ‪ :‬أصبت الفطرة (‪ )5‬فقلت ‪ :‬ال‬
‫أكبر ‪ ،‬ال أكبر‪ .‬فقال ‪ :‬جبريل ‪ :‬ما رأيت في وجهك هذا ؟" قال ‪" :‬فقلت ‪ :‬بينما أنا أسير ‪ ،‬إذ‬
‫دعاني داع ‪ ،‬عن يميني ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬انظرني أسألك‪ .‬فلم أجبه ولم أقم عليه‪ .‬قال ‪ :‬ذاك داعي‬
‫اليهود ‪ ،‬أما إنك لو أجبته ‪ -‬أو ‪ :‬وقفت عليه ‪ -‬لتهودت أمتك"‪ .‬قال ‪ : )6( :‬فبينما أنا أسير ‪ ،‬إذ‬
‫دعاني داع عن يساري قال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬انظرني أسألك‪ .‬فلم ألتفت إليه ولم أقم عليه‪ .‬قال ‪ :‬ذاك‬
‫داعي النصارى ‪ ،‬أما إنك لو أجبته لتنصرت أمتك"‪ .‬قال ‪" :‬فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة‬
‫عن ذراعيها عليها من كل زينة خلقها ال تقول ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬انظرني أسألك‪ .‬فلم أجبها ولم أقم‬
‫عليها"‪ .‬قال ‪ :‬تلك الدنيا ‪ ،‬أما إنك لو أجبتها أو أقمت عليها ‪ ،‬لختارت أمتك الدنيا على الخرة"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس ‪ ،‬فصلى كل واحد منا ركعتين‪.‬‬
‫ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج (‪ )7‬عليه أرواح بني آدم (‪ ، )8‬فلم ير الخلئق أحسن من‬
‫المعراج ‪ ،‬أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحًا إلى السماء ‪ ،‬فإنما يشق بصره طامحًا إلى‬
‫السماء عجبه بالمعراج"‪ .‬قال ‪" :‬فصعدت أنا وجبريل ‪ ،‬فإذا أنا بملك يقال ‪ :‬له ‪ :‬إسماعيل‪ .‬وهو‬
‫صاحب السماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك ‪ ،‬مع كل ملك جُنْده مائة ألف ملك"‪ .‬قال ‪" :‬وقال‬
‫‪ :‬ال [عز وجل] (‪َ { )9‬ومَا َيعْلَمُ جُنُودَ رَ ّبكَ إِل ُهوَ } [ المدثر ‪ ] 31 :‬فاستفتح (‪ )10‬جبريل باب‬
‫السماء ‪ ،‬قيل ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قيل ‪ :‬ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قيل ‪ :‬أوقد بعث إليه ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم‪ .‬فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه ال ‪ ،‬عز وجل على صورته (‪ ، )11‬هو تعرض عليه‬
‫أرواح ذريته المؤمنين ‪ ،‬فيقول ‪ :‬روح طيبة ‪ ،‬ونفس طيبة ‪ ،‬اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أرواح ذريته الفجار فيقول ‪ :‬روح خبيثة ‪ ،‬ونفس خبيثة ‪ ،‬اجعلوها في سجين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المسجد الحرام"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬غير أنه مضطرب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أتاني" وفي ف ‪" :‬ثم أتاني"‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أصبت الفطرة ‪ ،‬أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬قلت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬يعرج"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬النبياء"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ‪ :‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬فاستفتح"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬على صورته لم يتغير منه شيء"‪.‬‬

‫( ‪)5/22‬‬

‫خوِنَة أخرى‬
‫ثم مضيت هنية (‪ ، )1‬فإذا أنا بأخونة عليها لحم مشرح ليس يقربها أحد ‪ ،‬وإذا أنا بأ ْ‬
‫عليها لحم قد أروح وأنتن ‪ ،‬عندها أناس يأكلون منها ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا جبريل ‪ ،‬من هؤلء ؟ قال ‪:‬‬
‫هؤلء من أمتك يتركون الحلل ويأتون (‪ )2‬الحرام‪".‬‬
‫قال ‪" :‬ثم مضيت هنية (‪ ، )3‬فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت ‪ ،‬كلما نهض أحدهم خ ّر يقول ‪:‬‬
‫اللهم ‪ ،‬ل تقم الساعة" ‪ ،‬قال ‪" :‬وهم على سابلة آل فرعون"‪ .‬قال ‪" :‬فتجيء السابلة فتطؤهم"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فسمعتهم يضجون إلى ال عز وجل"‪ .‬قال ‪" :‬قلت ‪ :‬يا جبريل ‪ ،‬من هؤلء ؟ قال ‪ :‬هؤلء من‬
‫أمتك { الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ الرّبَا ل َيقُومُونَ إِل َكمَا َيقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ ا ْلمَسّ } [ البقرة ‪:‬‬
‫‪.] 275‬‬
‫قال ‪" :‬ثم مضيت هنية (‪ ، )4‬فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر البل"‪ .‬قال ‪" :‬فتفتح على أفواههم‬
‫ويلقمون من ذلك الجمر ‪ ،‬ثم يخرج من أسافلهم‪ .‬فسمعتهم يضجون إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فقلت (‬
‫‪ : )5‬من هؤلء يا جبريل ؟ قال ‪ :‬هؤلء من أمتك { الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ الْيَتَامَى ظُ ْلمًا إِ ّنمَا يَ ْأكُلُونَ‬
‫سعِيرًا } [ النساء ‪.] 10 :‬‬
‫فِي ُبطُو ِنهِمْ نَارًا وَسَ َيصَْلوْنَ َ‬
‫قال ‪" :‬ثم مضيت هنية ‪ ،‬فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن (‪ )6‬فسمعتهن يضججن إلى ال عز وجل قلت‬
‫‪ :‬يا جبريل من هؤلء النساء ؟ قال ‪ :‬هؤلء الزناة من أمتك"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ‪" :‬ثم مضيت هنية (‪ )7‬فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم ‪ ،‬فيلقمونه ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬كل كما‬
‫كنت تأكل من لحم أخيك‪ .‬قلت ‪ :‬يا جبريل ‪ ،‬من هؤلء ؟ قال ‪ :‬هؤلء الهمازون من أمتك‬
‫اللمازون"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم صعدنا إلى السماء الثانية ‪ ،‬فإذا أنا برجل أحسن ما خلق ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قد فضل‬
‫الناس في الحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا جبريل ‪ ،‬من هذا ؟ قال ‪ :‬هذا‬
‫أخوك يوسف ومعه نفر من قومه ‪ ،‬فسلمت عليه وسلم عليّ‪.‬‬
‫ثم صعدت (‪ )8‬إلى السماء الثالثة ‪ ،‬فإذا أنا بيحيى وعيسى ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬ومعهما نفر من‬
‫قومهما ‪ ،‬فسلمت عليهما وسلما عليّ‪.‬‬
‫ثم صعدت (‪ )9‬إلى السماء الرابعة ‪ ،‬فإذا أنا بإدريس قد رفعه ال مكانًا عليًا ‪ ،‬فسلمت عليه وسلم‬
‫عليّ"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم صعدت (‪ )10‬إلى السماء الخامسة ‪ ،‬فإذا [أنا] (‪ )11‬بهارون ونصف لحيته بيضاء‬
‫ونصفها سوداء ‪ ،‬تكاد لحيته تصيب سرته من طولها ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا جبريل ‪ ،‬من هذا ؟ قال ‪ :‬هذا‬
‫المحبب في قومه ‪ ،‬هذا هارون بن عمران ‪ ،‬ومعه نفر من قومه ‪ ،‬فسلمت عليه وسلم عليّ‪.‬‬
‫ثم صعدت (‪ )12‬إلى السماء السادسة ‪ ،‬فإذا أنا بموسى بن عمران ‪ ،‬رجل آدم كثير الشعر ‪ ،‬لو‬
‫كان‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هنيهة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ويأكلون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هنيهة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هنيهة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬قلت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بأيديهن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هنيهة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صعدنا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صعدنا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صعدنا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬صعد بي"‪.‬‬

‫( ‪)5/23‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص ‪ ،‬فإذا (‪ )1‬هو يقول ‪ :‬يزعم الناس أني أكرم على ال من‬
‫هذا ‪ ،‬بل هذا أكرم على ال تعالى مني"‪ .‬قال ‪" :‬قلت ‪ :‬يا جبريل ‪ ،‬من هذا ؟ قال ‪ :‬هذا أخوك‬
‫موسى بن عمران ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ومعه نفر من قومه ‪ ،‬فسلمت عليه وسلم علي‪.‬‬
‫ثم صعدت إلى السماء السابعة ‪ ،‬فإذا أنا بأبينا إبراهيم (‪ )2‬خليل الرحمن ساند ظهره إلى البيت‬
‫المعمور كأحسن الرجال ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا جبريل ‪ ،‬من هذا ؟ قال ‪ :‬هذا أبوك (‪ )3‬خليل الرحمن ومعه‬
‫نفر من قومه ‪ ،‬فسلمت عليه فسلم عليّ ‪ ،‬وإذا [أنا] (‪ )4‬بأمتي شطرين ‪ :‬شطر عليهم ثياب بيض‬
‫كأنها القراطيس‪ .‬وشطر عليهم ثياب ُرمْد"‪ .‬قال ‪" :‬فدخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم‬
‫الثياب البيض ‪ ،‬وحجب الخرون الذين عليهم ثياب رمد ‪ ،‬وهم على خير‪ .‬فصليت أنا ومن معي‬
‫في البيت المعمور ‪ ،‬ثم خرجت أنا ومن معي"‪ .‬قال ‪" :‬والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون‬
‫ألف ملك ‪ ،‬ل (‪ )5‬يعودون فيه إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم دفعت لي سدرة المنتهى ‪ ،‬فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطي هذه المة ‪ ،‬وإذا فيها عين‬
‫تجري يقال لها ‪ :‬سلسبيل ‪ ،‬فينشق منها نهران ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬الكوثر ‪ ،‬والخر ‪ :‬يقال له ‪ :‬نهر‬
‫الرحمة‪ .‬فاغتسلت فيه ‪ ،‬فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر‪.‬‬
‫ثم إني دفعت إلي الجنة ‪ ،‬فاستقبلتني جارية ‪ ،‬فقلت ‪ :‬لمن أنت يا جارية ؟ فقالت (‪ )6‬لزيد بن‬
‫حارثة ‪ ،‬وإذا [أنا] (‪ )7‬بأنهار من [ماء غير آسن ‪ ،‬وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ‪ ،‬وأنهار من‬
‫خمر لذة للشاربين وأنهار من] (‪ )8‬عسل مصفى ‪ ،‬وإذا رمانها كأنه الدلء عظمًا ‪ ،‬وإذا أنا‬
‫بطيرها كأنها بختيكم هذه"‪ .‬فقال عندها صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال تعالى قد أعد لعباده‬
‫الصالحين ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم عرضت علي النار ‪ ،‬فإذا فيها غضب ال وزجره ونقمته ‪ ،‬لو طرح فيها الحجارة‬
‫والحديد لكلتها ‪ ،‬ثم أغلقت (‪ )9‬دوني‪.‬‬
‫ثم إني دفعت (‪ )10‬إلى سدرة المنتهى ‪ ،‬فتغشاني فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"ونزل على كل ورقة ملك من الملئكة"‪ .‬قال ‪" :‬وفرضت علي خمسون (‪ )11‬وقال ‪ :‬لك بكل‬
‫حسنة عشر ‪ ،‬إذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة ‪ ،‬فإذا عملتها كتبت لك عشرًا ‪ ،‬وإذا‬
‫هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء ‪ ،‬فإن (‪ )12‬عملتها كتبت عليك سيئة واحدة‪.‬‬
‫ثم دفعت إلى موسى فقال ‪ :‬بما أمرك ربك ؟ قلت ‪ :‬بخمسين صلة‪ .‬قال ‪ :‬ارجع إلى ربك فاسأله‬
‫التخفيف لمتك ‪ ،‬فإن أمتك ل يطيقون ذلك ‪ ،‬ومتى ل [تطيقه] (‪ )13‬تكفر (‪ )14‬فرجعت إلى ربي‬
‫[عز‪ .‬وجل] (‪ )15‬فقلت ‪ :‬يا رب ‪ ،‬خفف عن أمتي ‪ ،‬فإنها أضعف المم‪ .‬فوضع عني عشرًا ‪،‬‬
‫وجعلها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وإذا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فإذا أنا بإبراهيم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبوك إبراهيم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم ل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬قالت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬غلقت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬رفعت"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬خمسون صلة"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬يكفر"‪.‬‬
‫(‪ )15‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/24‬‬

‫أربعين‪ .‬فما زلت أختلف بين موسى وربي (‪ )1‬كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته ‪ ،‬حتى رجعت‬
‫إليه فقال لي ‪ :‬بم أمرت ؟ فقلت ‪ :‬أمرت بعشر صلوات‪ .‬قال ‪ :‬ارجع إلى ربك [عز وجل] (‪)2‬‬
‫فاسأله التخفيف لمتك‪ .‬فرجعت إلى ربي [سبحانه وتعالى] (‪ )3‬فقلت ‪ :‬أي رب ‪ ،‬خفف عن‬
‫أمتي ‪ ،‬فإنها أضعف المم‪ .‬فوضع عني خمسًا ‪ ،‬وجعلها خمسًا‪ .‬فناداني ملك عندها ‪ :‬تممت‬
‫فريضتي ‪ ،‬وخففت عن عبادي ‪ ،‬وأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها‪.‬‬
‫ثم رجعت إلى موسى فقال ‪ :‬بم أمرت ؟ فقلت ‪ :‬بخمس صلوات‪ .‬قال ‪ :‬ارجع إلى ربك فاسأله‬
‫التخفيف ‪ ،‬فإنه ل يؤوده شيء ‪ ،‬فاسأله التخفيف لمتك"‪" .‬فقلت (‪ : )4‬رجعت إلى ربي حتى‬
‫استحييته" ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعاجيب ‪" :‬إني أتيت البارحة بيت المقدس ‪ ،‬وعرج بي إلى‬
‫السماء ‪ ،‬ورأيت كذا وكذا (‪ ." )5‬فقال أبو جهل ‪ -‬يعني ابن هشام ‪ : -‬أل تعجبون مما يقول‬
‫محمد ؟ يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس ‪ ،‬ثم أصبح فينا‪ .‬وأحدنا يضرب مطيته مصعدة‬
‫شهرًا ‪ ،‬ومقفلة شهرًا ‪ ،‬فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة! قال ‪ :‬فأخبرهم بعير لقريش ‪" :‬لما‬
‫كنت (‪ )6‬في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا ‪ ،‬وأنها نفرت ‪ ،‬فلما رجعت رأيتها عند العقبة"‪.‬‬
‫وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا ‪ ،‬ومتاعه كذا وكذا‪ .‬فقال أبو جهل ‪ :‬يخبرنا (‪ )7‬بأشياء‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فقال رجل من المشركين ‪ :‬أنا أعلم الناس ببيت المقدس ‪ ،‬وكيف بناؤه ؟ وكيف هيئته ؟ وكيف‬
‫قربه من الجبل ؟ [فإن يك محمد صادقا فسأخبركم ‪ ،‬وإن يك كاذبًا فسأخبركم‪ .‬فجاء ذلك المشرك‬
‫فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أنا أعلم الناس ببيت المقدس ‪ ،‬فأخبرني كيف بناؤه ؟ وكيف هيئته ؟ وكيف قربه‬
‫من الجبل] (‪ .)8‬قال ‪ :‬فرفع لرسول ال صلى ال عليه وسلم بيت المقدس من مقعده ‪ ،‬فنظر إليه‬
‫كنظر أحدنا إلى بيته ‪ :‬بناؤه كذا وكذا ‪ ،‬وهيئته كذا وكذا ‪ ،‬وقربه من الجبل كذا وكذا‪ .‬فقال الخر‬
‫‪ :‬صدقت‪ .‬فرجع إلى أصحابه فقال ‪ :‬صدق محمد فيما قال أو نحو هذا (‪ )9‬الكلم (‪.)10‬‬
‫وكذا رواه المام أبو جعفر بن جرير بطوله ‪ ،‬عن محمد بن عبد العلى ‪ ،‬عن محمد بن ثور ‪،‬‬
‫عن معمر ‪ ،‬عن أبي هارون العبدي ‪ ،‬وعن الحسن بن يحيى ‪ ،‬عن عبد الرزاق ‪ ،‬عن معمر ‪،‬‬
‫عن أبي هارون العبدي ‪ ،‬به‪ .‬ورواه ‪ ،‬أيضًا ‪ ،‬من حديث محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني روح بن‬
‫القاسم ‪ ،‬عن أبي هارون ‪ ،‬به نحو سياقه المتقدم (‪.)11‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أحمد بن عبدة ‪ ،‬عن أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد‬
‫الصمد ‪ ،‬عن أبي هارون العبدي ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬فذكره (‪ )12‬بسياق طويل حسن أنيق‬
‫‪ ،‬أجود مما ساقه غيره ‪ ،‬على غرابته وما فيه من النكارة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بين موسى وبين ربي عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ‪ :‬ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬فقلت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ورأيت كذا ورأيت كذا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كانت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬من ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تخبرنا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬أو نحوه من هذا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬دلئل النبوة (‪.)2/390‬‬
‫(‪ )11‬تفسير الطبري (‪.)15/10‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فذكر"‪.‬‬

‫( ‪)5/25‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم ذكره (‪ )1‬البيهقي ‪ ،‬أيضًا ‪ ،‬من رواية نوح بن قيس الحُدّاني وهُشَيم ومعمر ‪ ،‬عن أبي هارون‬
‫العبدي ‪ -‬واسمه عمارة بن جوين (‪ )2‬وهو مضعف عند الئمة (‪.)3‬‬
‫وإنما سقنا حديثه هاهنا لما في حديثه (‪ )4‬من الشواهد لغيره ‪ ،‬ولما رواه البيهقي ‪:‬‬
‫أخبرنا [المام] (‪ )5‬أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن (‪ ، )6‬أنبأنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن‬
‫إبراهيم البزاز ‪ ،‬حدثنا أبو حامد (‪ )7‬بن بلل ‪ ،‬حدثنا أبو الزهر ‪ ،‬حدثنا يزيد بن أبي حكيم قال ‪:‬‬
‫رأيت في النوم رسول ال صلى ال عليه وسلم قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬رجل من أمتك يقال له ‪:‬‬
‫"سفيان الثوري" ل بأس به ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل بأس به" ‪ ،‬حدثنا عن أبي‬
‫هارون العبدي ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬عنك (‪ )8‬ليلة أسري بك ‪ ،‬قلت (‪" )9‬رأيت في السماء"‬
‫فحدثه بالحديث ؟ فقال لي ‪" :‬نعم"‪ .‬فقلت له ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن ناسًا من أمتك يحدثون عنك في‬
‫السرى بعجائب ؟ فقال لي ‪" :‬ذلك (‪ )10‬حديث القصاص" (‪.)11‬‬
‫رواية شداد بن أوس ‪:‬‬
‫قال المام أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلء بن‬
‫الضحاك الزّبيدي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن عبد ال بن سالم (‪ )12‬الشعري ‪ ،‬عن محمد‬
‫بن الوليد بن عامر الزبيدي ‪ ،‬حدثنا الوليد (‪ )13‬بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن جبير (‪ )14‬بن نفير ‪:‬‬
‫حدثنا (‪ )15‬شداد بن أوس قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف أسري بك ؟ قال ‪" :‬صليت لصحابي‬
‫صلة العتمة بمكة معتمًا"‪ .‬قال ‪" :‬فأتاني جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بدابة أبيض ‪ -‬أو قال ‪ :‬بيضاء ‪-‬‬
‫فوق الحمار ودون البغل ‪ ،‬فقال ‪ :‬اركب‪ .‬فاستصعبت علي ‪ ،‬فرازها (‪ )16‬بأذنها ‪ ،‬ثم حملني‬
‫عليها‪ .‬فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ‪ ،‬حتى بلغنا أرضًا ذات نخل (‪)17‬‬
‫فأنزلني فقال ‪ :‬صل‪ .‬فصليت ‪ ،‬ثم ركبنا (‪ )18‬فقال ‪ :‬أتدري أين صليت ؟ قلت ‪ :‬ال أعلم‪ .‬قال ‪:‬‬
‫صليت بيثرب صليت بطيبة‪ .‬فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها‪ .‬ثم بلغنا أرضًا‬
‫فقال ‪ :‬انزل‪[ .‬فنزلت] (‪ )19‬ثم قال ‪ :‬صل‪ .‬فصليت ثم ركبنا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتدري أين صليت ؟ قلت ‪:‬‬
‫ال أعلم‪ .‬قال ‪ :‬صليت بمدين ‪ ،‬صليت عند شجرة موسى‪ .‬ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث‬
‫أدرك طرفها ‪ ،‬ثم بلغنا أرضًا ‪ ،‬بدت لنا قصور ‪ ،‬فقال ‪ :‬انزل‪ .‬فنزلت ‪ ،‬فقال (‪ )20‬صل فصليت‬
‫ثم ركبنا فقال ‪ :‬أتدري أين صليت ؟ قلت ‪ :‬ال أعلم‪ .‬قال ‪ :‬صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى‬
‫المسيح ابن مريم‪ .‬ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني ‪ ،‬فأتى قبلة المسجد ‪ ،‬فربط‬
‫فيه دابته ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر ‪ ،‬فصليت من المسجد حيث شاء ال ‪،‬‬
‫وأخذني من العطش أشد ما أخذني ‪ ،‬فأتيت بإناءين (‪ ، )21‬في أحدهما لبن وفي الخر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ذكر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جرين" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬جرير"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬دلئل النبوة (‪.)2/396‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬سياقه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو عثمان علي بن عبد الرحمن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬حدثنا أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عنك يا رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬أنك قلت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ذاك"‪.‬‬
‫(‪ )11‬دلئل النبوة (‪.)2/405‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬سلم"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أبو الوليد"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أن جبير"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬حدثنا"‪.‬‬
‫(‪ )16‬في أ ‪" :‬مزارها"‪.‬‬
‫(‪ )17‬في ت ‪" :‬نخيل"‪.‬‬
‫(‪ )18‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ركبت"‪.‬‬
‫(‪ )19‬زيادة من الدلئل‪.‬‬
‫(‪ )20‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )21‬في ت ‪" :‬بإناءات"‪.‬‬

‫( ‪)5/26‬‬

‫عسل ‪ ،‬أرسل إليّ بهما جميعًا ‪ ،‬فعدلت بينهما ‪ ،‬ثم هداني ال عز وجل (‪ ، )1‬فأخذت اللبن‬
‫فشربت (‪ )2‬حتى قَرَعت به جبيني ‪ ،‬وبين يدي شيخ متكئ على مثواة له ‪ ،‬فقال ‪ :‬أخذ صاحبك‬
‫الفطرة ‪ ،‬إنه ليهدى‪ .‬ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي فيه المدينة ‪ ،‬فإذا جهنم [تنكشف] (‪)3‬‬
‫عن مثل الزرابي ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف وجدتها ؟ قال ‪ :‬مثل الحمة السخنة‪ .‬ثم انصرف‬
‫بي (‪ )4‬فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا ‪ ،‬قد أضلوا بعيرًا لهم ‪ ،‬قد جمعه فلن ‪ ،‬فسلمت‬
‫عليهم ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬هذا صوت محمد‪ .‬ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة" ‪ ،‬فأتاني أبو بكر ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أين كنت الليلة ؟ فقد التمستك في مظانك (‪ .)5‬فقال ‪:‬‬
‫"علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة ؟"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنه مسيرة شهر ‪ ،‬فصفه لي‪ .‬قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫"ففتح لي صراط كأني أنظر إليه ل يسألني عن شيء إل أنبأته عنه"‪ .‬قال أبو بكر ‪ :‬أشهد أنك‬
‫رسول ال‪ .‬فقال المشركون ‪ :‬انظروا إلى ابن أبي كَ ْبشَة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة!‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فقال ‪" :‬إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا ‪ ،‬قد أضلوا بعيرًا لهم ‪،‬‬
‫فجمعه فلن ‪ ،‬وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا ‪ ،‬ويأتونكم يوم كذا وكذا ‪ ،‬يقدمهم جمل آدم ‪،‬‬
‫عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان"‪ .‬فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون (‪ )6‬حتى كان‬
‫قريب من نصف النهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫هكذا رواه البيهقي من طريقين عن أبي إسماعيل الترمذي ‪ ،‬به (‪ .)7‬ثم قال بعد تمامه ‪" :‬هذا‬
‫إسناد صحيح ‪ ،‬وروى ذلك مفرقًا في أحاديث غيره ‪ ،‬ونحن نذكر من ذلك إن شاء ال ما‬
‫حضرنا"‪ .‬ثم ساق أحاديث كثيرة في السراء كالشاهد لهذا الحديث‪ .‬وقد روى هذا الحديث عن‬
‫شداد بن أوس بطوله المام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫إسحاق بن إبراهيم بن العلء الزبيدي ‪ ،‬به‪ .‬ول شك أن هذا الحديث ‪ -‬أعني الحديث المروي عن‬
‫شداد بن أوس ‪ -‬مشتمل (‪ )8‬على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقي ‪ ،‬ومنها ما هو‬
‫منكر ‪ ،‬كالصلة في بيت لحم ‪ ،‬وسؤال الصديق عن نعت بيت المقدس ‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫رواية عبد ال بن عباس رضي ال عنهما ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عثمان بن محمد ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن قابوس ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬حدثنا ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬ليلة أسري بنبي ال صلى ال عليه وسلم دخل الجنة ‪ ،‬فسمع في جانبها َوجْسًا (‪)9‬‬
‫فقال ‪" :‬يا جبريل ‪ ،‬ما هذا ؟" قال ‪" :‬هذا بلل المؤذن"‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم حين‬
‫جاء إلى الناس ‪" :‬قد أفلح بلل ‪ ،‬قد رأيت له كذا وكذا"‪ .‬قال ‪ :‬فلقيه موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فرحب‬
‫به ‪ ،‬وقال ‪" :‬مرحبًا بالنبي المي" ‪ ،‬قال ‪" :‬وهو رجل آدم طويل ‪ ،‬سبط شعره مع أذنيه أو فوقهما"‬
‫‪ ،‬فقال ‪" :‬من هذا يا جبريل ؟" قال ‪" :‬هذا موسى‪[ .‬قال ‪ :‬فمضى ‪ ،‬فلقيه عيسى فرحب به ‪ ،‬وقال‬
‫‪" :‬من هذا يا جبريل ؟" قال ‪" :‬هذا عيسى"‪ .‬قال] (‪ )10‬فمضى فلقيه شيخ جليل متهيب فرحب به‬
‫وسلم عليه وكلهم يسلم عليه ‪ ،‬قال ‪" :‬من هذا يا جبريل ؟" قال ‪" :‬هذا أبوك إبراهيم" ‪ ،‬قال ‪ :‬ونظر‬
‫في النار ‪ ،‬فإذا قوم يأكلون الجيف ‪ ،‬قال ‪" :‬من هؤلء يا جبريل ؟" قال ‪" :‬هؤلء الذين يأكلون لحم‬
‫(‪ )11‬الناس" ‪ ،‬ورأى رجل أحمر أزرق جدًا ‪ ،‬قال ‪" :‬من هذا يا جبريل ؟"‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فشربت اللبن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬بنا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منامك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ينتظرون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬دلئل النبوة (‪.)2/355‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يشتمل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وخشا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬لحوم"‪.‬‬

‫( ‪)5/27‬‬

‫قال ‪" :‬هذا عاقر الناقة" ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم المسجد القصى قام‬
‫يصلي ‪[ ،‬فالتفت ثم التفت] (‪ )1‬فإذا النبيون أجمعون يصلون معه‪ .‬فلما انصرف جيء بقدحين ‪،‬‬
‫أحدهما عن اليمين والخر عن الشمال ‪ ،‬في أحدهما لبن وفي الخر عسل ‪ ،‬فأخذ اللبن فشرب منه‬
‫‪ ،‬فقال الذي كان معه القدح ‪ :‬أصبت الفطرة‪ .‬إسناد صحيح ولم يخرجوه (‪.)2‬‬
‫طريق أخرى ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ثابت أبو زيد ‪ ،‬حدثنا هلل ‪ ،‬حدثني عكرمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬أسري بالنبي صلى ال عليه وسلم إلى بيت المقدس ‪ ،‬ثم جاء من ليلته فحدثهم‬
‫بمسيره وبعلمة بيت المقدس وبعيرهم ‪ ،‬فقال ناس ‪ :‬نحن ل نصدق محمدًا بما يقول! فارتدوا‬
‫كفارًا ‪ ،‬فضرب ال رقابهم مع أبي جهل (‪ )3‬وقال أبو جهل (‪ )4‬يخوفنا محمد بشجرة الزقوم ‪،‬‬
‫هاتوا تمرا وزبدا فتزقموا ‪ ،‬ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ليس برؤيا منام ‪ ،‬وعيسى‬
‫وموسى وإبراهيم‪ .‬فسئل النبي صلى ال عليه وسلم عن الدجال فقال ‪" :‬رأيته فيلمانيًا أقمر هجانا ‪،‬‬
‫إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري ‪ ،‬كأن شعر رأسه أغصان شجرة‪ .‬ورأيت عيسى أبيض ‪،‬‬
‫جعد الرأس ‪ ،‬حديد البصر ‪ ،‬مبطن الخلق‪ .‬ورأيت موسى أسحم آدم ‪ ،‬كثير الشعر ‪ ،‬شديد الخلق‪.‬‬
‫ونظرت إلى إبراهيم فلم أنظر إلى إرب منه إل نظرت إليه مني ‪ ،‬حتى كأنه صاحبكم‪ .‬قال جبريل‬
‫‪ :‬سلم على مالك فسلمت عليه"‪.‬‬
‫ورواه النسائي من حديث أبي زيد ثابت بن يزيد (‪ )5‬عن هلل ‪ -‬وهو ابن خباب ‪ -‬به ‪ ،‬وهو (‬
‫‪ )6‬إسناد صحيح‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪:‬‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬أنبأنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أنبأنا أبو بكر الشافعي ‪ ،‬أنبأنا إسحاق بن الحسن ‪،‬‬
‫حدثنا الحسين بن محمد ‪ ،‬حدثنا شيبان ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي العالية قال ‪ :‬حدثنا ابن عم نبيكم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صلى ال عليه وسلم ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬رأيت ليلة أسري بي‬
‫موسى بن عمران ‪ ،‬رجل طوال جعدًا ‪ ،‬كأنه من رجال شنوءة ‪ ،‬ورأيت عيسى ابن مريم مربوع‬
‫الخلق ‪ ،‬إلى الحمرة والبياض ‪ ،‬سبط الرأس"‪ .‬وأرى مالكًا خازن جهنم والدجال ‪ ،‬في آيات أراهن‬
‫ال إياه ‪ ،‬قال ‪ { :‬فَل َتكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَائِهِ } [ السجدة ‪ ] 23 :‬فكان قتادة يفسرها ‪ :‬أن نبي ال‬
‫جعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } قال ‪:‬‬
‫[صلى ال عليه وسلم] (‪ )7‬قد لقي موسى [عليه السلم] (‪َ { )8‬و َ‬
‫جعل ال موسى هدى لبني إسرائيل (‪.)9‬‬
‫رواه مسلم في الصحيح عن عبد بن حميد ‪ ،‬عن يونس بن محمد ‪ ،‬عن شيبان (‪ .)10‬وأخرجاه من‬
‫حديث شعبة عن قتادة مختصرًا (‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من المسند مستفاد من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/257‬وفيه قابوس بن أبي ظبيان وقد تكلم فيه خاصة روايته عن أبيه ‪ ،‬وقال ابن‬
‫عدي ‪" :‬أحاديثه متقاربة ‪ ،‬وأرجو أنه ل بأس" فمثل حديثه أقرب درجاته التحسين‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي جهل قبحهم ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو جهل قبحه ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أبي يزيد ثابت بن زيد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )1/374‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11484‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬دلئل النبوة (‪.)2/386‬‬
‫(‪ )10‬صحيح مسلم برقم (‪.)165‬‬
‫(‪ )11‬صحيح البخاري برقم (‪ )3239‬وصحيح مسلم برقم (‪.)165‬‬

‫( ‪)5/28‬‬

‫طريق أخرى ‪:‬‬


‫قال [البيهقي ‪ :‬أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ‪ ،‬أنبأنا أحمد بن عبيد الصفّار ‪ ،‬حدثنا دُبَيْس المُعدّل‬
‫‪ ،‬حدثنا عفان قال ‪ :‬حدثنا] (‪ )1‬حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لما أسري بي ‪ ،‬مرت بي رائحة طيبة ‪،‬‬
‫طهَا من يدها فقالت ‪:‬‬
‫فقلت ‪ :‬ما هذه الرائحة ؟ قالوا ‪ :‬ماشطة بنت فرعون وأولدها ‪ ،‬سقط ُمشْ ُ‬
‫باسم ال ‪ :‬فقالت ابنة فرعون ‪ :‬أبي ؟ قالت ‪ :‬ربي وربك ورب أبيك‪ .‬قالت ‪ :‬أولك رب غير‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أبي ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬ربي وربك ورب أبيك ال"‪ .‬قال ‪" :‬فدعاها فقال ‪ :‬ألك رب غيري ؟ قالت ‪:‬‬
‫نعم ‪ ،‬ربي وربك ال ‪ ،‬عز وجل"‪ .‬قال ‪" :‬فأمر بنقرة (‪ )2‬من نحاس فأحميت ‪ ،‬ثم أمر بها لتلقى‬
‫فيها ‪ ،‬قالت ‪ :‬إن لي [إليك] (‪ )3‬حاجة‪ .‬قال ‪ :‬ما هي ؟ قالت ‪ :‬تجمع عظامي وعظام ولدي في‬
‫موضع ‪ ،‬قال (‪ )4‬ذاك لك ‪ ،‬لما لك علينا من الحق" ‪ ،‬قال ‪" :‬فأمر بهم فألقوا واحدًا واحدًا ‪ ،‬حتى‬
‫بلغ رضيعًا فيهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أمه ‪ ،‬قعي ول تقاعسي ‪ ،‬فإنك (‪ )5‬على الحق"‪ .‬قال ‪" :‬وتكلم أربعة‬
‫وهم صغار ‪ :‬هذا ‪ ،‬وشاهد يوسف ‪ ،‬وصاحب جريج ‪ ،‬وعيسى ابن مريم ‪ ،‬عليه السلم" (‪.)6‬‬
‫إسناد ل بأس به ‪ ،‬ولم يخرجوه‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪:‬‬
‫وقال المام أحمد [أيضًا] (‪ )7‬حدثنا محمد بن جعفر وروح المعنى (‪ )8‬قال حدثنا عوف ‪ ،‬عن‬
‫زُرَارة بن أوفى ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لما كان ليلة أسري‬
‫بي وأصبحت بمكة ‪ ،‬فظعت [بأمري] (‪ )9‬وعرفت أن الناس مكذبي" فقعد (‪ )10‬معتزل حزينًا ‪،‬‬
‫فمرّ به عدو ال أبو جهل (‪ )11‬فجاء حتى جلس إليه ‪ ،‬فقال له كالمستهزئ ‪ :‬هل كان من شيء ؟‬
‫فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نعم" قال ‪ :‬وما هو ؟ قال "إني أسري بي الليلة" ‪ :‬قال‬
‫إلى أين ؟ قال ‪" :‬إلى بيت المقدس" قال ‪ :‬ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟! قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬فلم يره‬
‫أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما‬
‫حدثتني ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬هيا (‪ )12‬معشر بني كعب بن‬
‫لؤي ‪ ،‬قال ‪ :‬فانتفضت (‪ )13‬إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما‪ .‬قال ‪ :‬حدث قومك بما‬
‫حدثتني‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني أسري بي الليلة"‪ .‬فقالوا ‪ :‬إلى أين ؟ قال ‪:‬‬
‫"إلى بيت المقدس" قالوا ‪ :‬ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬فمن بين مصفق ‪ ،‬ومن‬
‫بين واضع يده على رأسه متعجبًا للكذب ‪ -‬زعم ‪ -‬قالوا ‪ :‬وتستطيع أن تنعت [لنا] (‪ )14‬المسجد‬
‫‪ -‬وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد ‪ -‬قال (‪ )15‬رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬فذهبت أنعت ‪ ،‬فما زلت أنعت حتى التبس عليّ بعض النعت" قال ‪" :‬فجيء بالمسجد وأنا‬
‫أنظر إليه ‪ ،‬حتى وضع دون دار عقيل ‪ -‬أو عقال ‪ -‬فَنَعتّه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ببقرة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فأنا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬دلئل النبوة (‪ )2/389‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪" )54‬كشف الستار" من طريق عفان به‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وروح بن المعين"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقعدت" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فعدت"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو جهل قبحه ال"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيا"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فانقضت"‪.‬‬
‫(‪ )14‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫( ‪)5/29‬‬

‫وأنا أنظر إليه"‪ .‬قال ‪ :‬وكان مع هذا نعت لم أحفظه ‪ -‬يقول عوف ‪ : -‬قال ‪ :‬فقال القوم ‪ :‬أما‬
‫النعت فوال لقد أصاب‪.‬‬
‫وأخرجه (‪ )1‬النسائي من حديث عوف بن أبي جميلة ‪ -‬وهو العرابي ‪ ،‬به‪ .‬ورواه البيهقي من‬
‫حديث النضر بن شميل وهوذة ‪ ،‬عن عوف وهو ابن أبي جميلة العرابي ‪ ،‬أحد الئمة الثقات ‪،‬‬
‫به (‪.)2‬‬
‫رواية عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أخبرنا أبو عبد ال محمد بن يعقوب ‪،‬‬
‫حدثنا السري بن خزيمة ‪ ،‬حدثنا يوسف بن بُهلول ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن نمير ‪ ،‬عن مالك بن‬
‫ِم ْغوَل ‪ ،‬عن الزبير بن عدي ‪ ،‬عن طلحة بن ُمصَرّف ‪ ،‬عن مرة ال َهمْدَاني ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫مسعود قال ‪ :‬لما أسري برسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فانتهى إلى سدرة المنتهى ‪ ،‬وهي في‬
‫السماء السادسة ‪ ،‬وإليها ينتهي ما يصعد به حتى يقبض منها ‪ ،‬وإليها ينتهي ما يهبط [به] (‪ )3‬من‬
‫فوقها حتى يقبض [منها] (‪ِ { )4‬إذْ َيغْشَى السّدْ َرةَ مَا َيغْشَى } [ النجم ‪ ] 16 :‬قال ‪ :‬غشيها فراش‬
‫من ذهب ‪ ،‬وأعطي رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪ )5‬الصلوات الخمس ‪ ،‬وخواتيم سورة البقرة‬
‫‪ ،‬وغفر لمن ل يشرك بال (‪ )6‬المقحمات ‪ ،‬يعني الكبائر‪.‬‬
‫ورواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن نمير وزهير بن حرب ‪ ،‬كلهما عن عبد ال‬
‫بن نمير ‪ ،‬به (‪ .)7‬ثم قال البيهقي ‪" :‬وهذا الذي ذكره عبد ال بن مسعود طرف من حديث‬
‫ص ْعصَعَة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم‬
‫المعراج ‪ ،‬وقد رواه أنس بن مالك ‪ ،‬عن مالك بن َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عن أبي ذر ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم رواه مرة مرسل دون ذكرهما" (‪ )8‬ثم إن‬
‫البيهقي ساق الحاديث الثلثة كما تقدّم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد روي عن ابن مسعود بأبسط من هذا ‪ ،‬وفيه غرابة ‪ ،‬وذلك فيما رواه "الحسن بن‬
‫عرفة" في جزئه المشهور‪ .‬حدثنا مروان بن معاوية ‪ ،‬عن قنان بن عبد ال النهمي (‪ ، )9‬حدثنا‬
‫أبو ظبيان الجنبي قال ‪ :‬كنا جلوسًا عند أبي عبيدة بن عبد ال ‪ -‬يعني ابن مسعود ‪ -‬ومحمد بن‬
‫سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬وهما جالسان ‪ ،‬فقال محمد بن سعد لبي عبيدة ‪ :‬حدثنا عن أبيك ليلة أسري‬
‫بمحمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال أبو عبيدة ‪ :‬ل بل حدثنا أنت عن أبيك‪ .‬فقال محمد ‪ :‬لو سألتني‬
‫قبل أن أسألك لفعلت! قال ‪ :‬فأنشأ أبو عبيدة يحدث يعني عن أبيه كما سئل قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل ‪ ،‬فحملني عليه ‪ ،‬ثم انطلق‬
‫يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجله كذلك مع يديه ‪ ،‬وإذا هبط استوت يداه مع رجليه ‪ ،‬حتى‬
‫مررنا برجل طوال سبط آدم ‪ ،‬كأنه من رجال أزد شنوءة ‪ ،‬وهو يقول ‪ -‬فيرفع (‪ )10‬صوته‬
‫يقول ‪ -‬أكرمته وفضلته"‪ .‬قال ‪" :‬فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬من هذا معك يا‬
‫جبريل ؟ قال ‪ :‬هذا أحمد (‪ ، )11‬قال ‪ :‬مرحبًا بالنبي المي العربي ‪ ،‬الذي بلغ رسالة ربه ‪،‬‬
‫ونصح لمته"‪ .‬قال ‪" :‬ثم اندفعنا فقلت ‪ :‬من هذا يا جبريل ؟ قال ‪ :‬هذا موسى بن عمران"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أخرجه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/309‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪ )11285‬ودلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/363‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم تسليما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬بال من أمتي" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬بال شيئا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬دلئل النبوة (‪ )2/372‬وصحيح مسلم برقم (‪.)173‬‬
‫(‪ )8‬دلئل النبوة (‪.)2/373‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬التيمي"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬فرفع"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬محمد"‪.‬‬

‫( ‪)5/30‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قلت ‪ :‬ومن يعاتب ؟ قال ‪ :‬يعاتب ربه فيك! قلت ‪ :‬فيرفع صوته على ربه ؟! قال ‪ :‬إن ال [عز‬
‫وجل] (‪ )1‬قد عرف له حدته"‪ .‬قال ‪" :‬ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السّرُج تحتها شيخ‬
‫وعياله"‪ .‬قال ‪" :‬فقال لي جبريل ‪ :‬اعمد إلى أبيك إبراهيم‪ .‬فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلم ‪،‬‬
‫فقال إبراهيم ‪ :‬من هذا معك يا جبريل ؟ قال ‪ :‬هذا ابنك أحمد"‪ .‬قال ‪" :‬فقال ‪ :‬مرحبًا بالنبي المي‬
‫الذي بلغ رسالة ربه ونصح لمته ‪ ،‬يا بني ‪ ،‬إنك لق ربك الليلة ‪ ،‬وإن أمتك آخر المم وأضعفها‬
‫‪ ،‬فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل"‪ .‬قال ‪" :‬ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى‬
‫المسجد القصى ‪ ،‬فنزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت النبياء تربط‬
‫بها‪ .‬ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين راكع وقائم وساجد"‪ .‬قال ‪" :‬ثم أتيت بكأسين من‬
‫عسل ولبن فأخذت اللبن فشربت فضرب جبريل عليه السلم منكبي وقال ‪ :‬أصبت الفطرة ورب‬
‫محمد"‪ .‬قال ‪" :‬ثم أقيمت الصلة فأممتهم ‪ ،‬ثم انصرفنا فأقبلنا" (‪.)2‬‬
‫إسناد غريب ولم يخرجوه ‪ ،‬فيه من الغرائب (‪ )3‬سؤال النبياء عنه عليه السلم ابتداء ‪ ،‬ثم سؤاله‬
‫عنهم (‪ )4‬بعد انصرافه‪ .‬والمشهور في الصحاح كما تقدم ‪ :‬أن جبريل [عليه السلم] (‪ )5‬كان‬
‫يعلمه بهم أول ليسلم عليهم سلم معرفة‪ .‬وفيه (‪ )6‬أنه اجتمع بالنبياء عليهم (‪ )7‬السلم قبل‬
‫دخوله المسجد (‪ ، )8‬والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السموات ‪ ،‬ثم نزل إلى بيت المقدس ثانيًا‬
‫وهم معه ‪ ،‬وصلى بهم فيه ‪ ،‬ثم إنه ركب البراق وكر راجعًا إلى مكة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هُشَيم ‪ ،‬أخبرنا العوام ‪ ،‬عن جبلة بن سُحَيْم ‪ ،‬عن مُوثَر (‪ )9‬بن عفارة ‪،‬‬
‫عن ابن مسعود عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى‬
‫وعيسى ‪ ،‬فتذاكروا أمر الساعة" قال ‪" :‬فردوا أمرهم إلى إبراهيم عليه السلم (‪ )10‬فقال ‪ :‬ل علم‬
‫لي بها‪ .‬فردوا أمرهم إلى موسى‪ .‬فقال ‪ :‬ل علم لي بها فردوا أمرهم إلى عيسى فقال ‪ :‬أما وجبتها‬
‫فل يعلم بها أحد إل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وفيما عهد إلي ربي أن الدجال خارج"‪ .‬قال ‪" :‬ومعي‬
‫قضيبان ‪ ،‬فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص"‪ .‬قال ‪" :‬فيهلكه ال إذا رآني ‪ ،‬حتى إن الحجر‬
‫والشجر يقول ‪ :‬يا مسلم إن تحتي كافرًا ‪ ،‬فتعال فاقتله"‪ .‬قال ‪" :‬فيهلكهم ال ‪ ،‬ثم يرجع الناس إلى‬
‫بلدهم وأوطانهم (‪ ." )11‬قال ‪" :‬فعند (‪ )12‬ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب‬
‫ينسلون فيطؤون بلدهم ‪ ،‬فل يأتون على شيء إل أهلكوه ‪ ،‬ول يمرون على ماء إل شربوه" قال‬
‫‪" :‬ثم يرجع الناس إليّ فيشكونهم‪ .‬فأدعو ال عليهم ‪ ،‬فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الرض من نتن‬
‫ريحهم ‪ -‬أي ‪ :‬تنتن" قال ‪" :‬فينزل ال المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر‪ .‬ففيما عهد‬
‫إلي ربي ‪ :‬أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم ‪ ،‬ل يدري أهلها متى تفجؤهم‬
‫بولدها ‪ ،‬ليل أو نهارًا"‪.‬‬
‫وأخرجه ابن ماجه ‪ ،‬عن بُنْدار ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪ ،‬عن العوام بن حوشب (‪.)13‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬جزء الحسن بن عرفة برقم (‪.)69‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬من الغرابة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ثم سؤالهم له"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وقيل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المسجد القصى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬مرثد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬عليه الصلة والسلم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وأقطانهم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬فبعد"‪.‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪ ، )1/375‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )4081‬وقال البوصري في الزوائد (‪: )3/261‬‬
‫"هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ‪ ،‬مؤثر ابن عفارة ذكره ابن حبان في الثقات ‪ ،‬وباقي رجال‬
‫السناد ثقات"‪.‬‬

‫( ‪)5/31‬‬

‫رواية عبد الرحمن بن قرط ‪ ،‬أخي عبد ال بن قرط الثمالي ‪:‬‬


‫قال سعيد بن منصور ‪ :‬حدثنا مسكين بن ميمون ‪ -‬مؤذن (‪ )1‬مسجد الرملة ‪ -‬حدثني عُروة بن‬
‫ُروَيْم ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن قُرط ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة أسري به من المسجد‬
‫الحرام إلى المسجد القصى كان بين زمزم (‪ )2‬والمقام ‪ ،‬جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ‪،‬‬
‫فطارا به حتى بلغ السموات العلى ‪ ،‬فلما رجع قال ‪" :‬سمعت تسبيحًا في السموات العلى مع تسبيح‬
‫كثير (‪ ، )3‬سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات من ذي العلو بما عل سبحان العلي‬
‫العلى ‪ ،‬سبحانه وتعالى" (‪.)4‬‬
‫سمَاوَاتُ السّبْعُ } الية [ السراء‬
‫ويذكر هذا الحديث عند قوله تعالى من هذه السورة ‪ { :‬تُسَبّحُ َلهُ ال ّ‬
‫‪.] 44 :‬‬
‫رواية عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن أبي سنان ‪ ،‬عن عبيد بن آدم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأبي مريم وأبي شعيب ؛ أن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كان بالجابية ‪ ،‬فذكر فتح بيت‬
‫المقدس قال ‪ :‬قال أبو سلمة ‪ :‬فحدثني أبو سنان ‪ ،‬عن عبيد بن آدم قال ‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب‬
‫يقول لكعب ‪ :‬أين ترى أن أصلي ؟ قال (‪ )5‬إن أخذت عني صليت خلف الصخرة ‪ ،‬فكانت القدس‬
‫كلها بين يديك ‪ ،‬فقال عمر رضي ال عنه ‪ :‬ضاهيت اليهودية ‪[ ،‬ل] (‪ )6‬ولكن أصلي حيث صلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فتقدم إلى القبلة ‪ ،‬فصلى ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في‬
‫ردائه ‪ ،‬وكنس الناس (‪.)7‬‬
‫فلم يعظم الصخرة تعظيما يصلي وراءها وهي بين يديه ‪ ،‬كما أشار كعب الحبار وهو من قوم‬
‫يعظمونها حتى جعلوها قبلتهم‪ .‬ولكن منّ ال عليه بالسلم ‪ ،‬فهُدي إلى الحق ؛ ولهذا لما أشار‬
‫بذلك قال له أمير المؤمنين ‪ :‬ضاهيت اليهودية ‪ ،‬ول أهانها إهانة النصارى الذين كانوا قد جعلوها‬
‫مزبلة من أجل أنها قبلة اليهود ‪ ،‬ولكن أماط الذى ‪ ،‬وكنس عنها الكناس بردائه‪ .‬وهذا شبيه بما‬
‫جاء في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغَ َنوِي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل‬
‫تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها" (‪.)8‬‬
‫رواية أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫وهي مطولة جدًا وفيها غرابة‪ .‬قال المام أبو جعفر بن جرير في تفسير "سورة سبحان" ‪ :‬حدثنا‬
‫علي بن سهل ‪ ،‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية‬
‫الرياحي ‪ ،‬عن أبي هريرة أو غيره ‪ -‬شك أبو جعفر ‪ -‬في قول ال عز وجل ‪ { :‬سُ ْبحَانَ الّذِي‬
‫حوْلَهُ لِنُرِ َيهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنّه ُهوَ‬
‫ج ِد ال ْقصَى الّذِي بَا َركْنَا َ‬
‫جدِ ا ْلحَرَامِ ِإلَى ا ْل َمسْ ِ‬
‫أَسْرَى ِبعَبْ ِدهِ لَيْل مِنَ ا ْلمَسْ ِ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ } قال ‪ :‬جاء جبريل [إلى النبي صلى ال عليه وسلم ومعه ميكائيل ‪ ،‬فقال جبريل]‬
‫ال ّ‬
‫طسْت من ماء زمزم ‪ ،‬كيما أطهر قلبه وأشرح له صدره‪ .‬قال ‪ :‬فشق عنه‬
‫(‪ )9‬لميكائيل ‪ :‬ائتني ب َ‬
‫بطنه ‪ ،‬فغسله ثلث مرات‪ .‬واختلف إليه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مؤدب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬من بين زمزم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬كبير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سيأتي من رواية الطبراني من طريق سعيد بن منصور ‪ ،‬وانظر تخريجه هناك عند الية ‪:‬‬
‫‪ 44‬من هذه السورة‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)1/38‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪.)972‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬

‫( ‪)5/32‬‬

‫ميكائيل بثلث طساس من ماء زمزم ‪ ،‬فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غل ‪ ،‬ومله حلمًا‬
‫وعلمًا ‪ ،‬وإيمانًا ويقينًا وإسلمًا ‪ ،‬وختم بين كتفيه بخاتم النبوة‪.‬‬
‫ثم أتاه بفرس فحمل (‪ )1‬عليه ‪ ،‬كل خطوة منه منتهى بصره ‪ -‬أو ‪ :‬أقصى بصره ‪ -‬قال ‪ :‬فسار‬
‫وسار معه جبريل عليهما (‪ )2‬السلم قال ‪ :‬فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم ‪،‬‬
‫كلما حصدوا عاد كما كان ‪ ،‬فقال النبي (‪ )3‬صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا جبريل ‪ ،‬ما هذا ؟" قال ‪:‬‬
‫هؤلء المجاهدون في سبيل ال ‪ ،‬تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف ‪ ،‬وما أنفقوا من شيء فهو‬
‫يخلفه ‪ ،‬وهو خير الرازقين‪.‬‬
‫ثم أتى على قوم تُرضَخ رءوسهم بالصخر ‪ ،‬كلما رُضخت عادت كما كانت ‪ ،‬ول يفتر عنهم من‬
‫ذلك شيء ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما هؤلء يا جبريل ؟" قال ‪ :‬هؤلء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلة‬
‫المكتوبة‪ .‬ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع ‪ ،‬وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح البل‬
‫والنعم ‪ ،‬ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها ‪ ،‬قال (‪ " : )4‬ما هؤلء يا جبريل ؟"‬
‫قال ‪ :‬هؤلء الذين ل يؤدون صدقات أموالهم ‪ ،‬وما ظلمهم ال شيئًا وما ال بظلم للعبيد‪.‬‬
‫ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر (‪ )5‬ولحم نيئ في قدر خبيث ‪ ،‬فجعلوا يأكلون من‬
‫النيئ الخبيث ويدعون النضيج الطيب ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما هؤلء يا جبريل ؟" فقال ‪ :‬هذا الرجل من أمتك‬
‫‪ ،‬تكون عنده المرأة الحلل الطيبة ‪ ،‬فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح ‪[ ،‬والمرأة تقوم‬
‫من عند زوجها حلل طيبًا ‪ ،‬فتأتي رجل خبيثًا فتبيت معه حتى تصبح] (‪.)6‬‬
‫قال ‪ :‬ثم أتى على خشبة على الطريق ‪ ،‬ل يمر بها ثوب إل شقته ‪ ،‬ول شيء إل خرقته ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫"ما هذا يا جبريل ؟" قال ‪ :‬هذا مثل أقوام من أمتك ‪ ،‬يقعدون على الطريق يقطعونه (‪ )7‬ثم تل‬
‫صدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ] (‪ [ } )8‬العراف ‪.] 86 :‬‬
‫ل صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [وَ َت ُ‬
‫{ وَل َت ْقعُدُوا ِب ُك ّ‬
‫قال ‪ :‬ثم أتى على رجل قد جمع (‪ )9‬حزمة [حطب] (‪ )10‬عظيمة ل يستطيع حملها ‪ ،‬وهو يزيد‬
‫عليها ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما هذا يا جبريل ؟" فقال (‪ )11‬هذا الرجل من أمتك يكون عليه أمانات الناس ل‬
‫يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها‪.‬‬
‫ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت ل‬
‫يفتر عنهم من ذلك شيء ‪ ،‬قال ‪" :‬ما هؤلء يا جبريل ؟" قال ‪ :‬هؤلء خطباء الفتنة‪.‬‬
‫ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم ‪ ،‬فجعل الثور يريد أن يرجع من [حيث] (‪)12‬‬
‫خرج ‪ ،‬فل يستطيع ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما هذا يا جبريل ؟" فقال ‪ :‬هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليها فل يستطيع أن يردها‪.‬‬
‫ثم أتى على واد فوجد ريحًا طيبة باردة ‪ ،‬وريح مسك ‪ ،‬وسمع صوتًا ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا جبريل ‪ ،‬ما هذه‬
‫(‪ )13‬الريح الطيبة الباردة ؟ وما هذا المسك ؟ وما هذا الصوت ؟" قال ‪ :‬هذا صوت الجنة تقول ‪:‬‬
‫يا رب آتني ما وعدتني ‪ ،‬فقد كثرت غرفي ‪ ،‬وإستبرقي وحريري وسندسي ‪ ،‬وعبقريي ولؤلؤي‬
‫ومرجاني ‪ ،‬وفضتي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فحمله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فقال رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬قدور"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فيقطعونه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬حمل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬هـ ‪" :‬موضع" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما هذا"‪.‬‬

‫( ‪)5/33‬‬

‫وذهبي وأكوابي وصحافي ‪ ،‬وأباريقي ومراكبي ‪ ،‬وعسلي ومائي ‪ ،‬وخمري ولبني فآتني ما (‪)1‬‬
‫وعدتني‪ .‬فقال ‪ :‬لك كل مسلم ومسلمة ‪ ،‬ومؤمن ومؤمنة ‪ ،‬ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحًا‬
‫ولم يشرك بي ‪ ،‬ولم يتخذ من دوني أندادًا ‪ ،‬ومن خشيني فهو آمن ‪ ،‬ومن سألني أعطيته ‪ ،‬ومن‬
‫أقرضني جزيته ‪ ،‬ومن توكل عليّ كفيته ‪ ،‬إني أنا ال ل إله إل أنا ‪ ،‬ل أخلف الميعاد ‪ ،‬وقد أفلح‬
‫المؤمنون ‪ ،‬وتبارك ال أحسن الخالقين ‪ ،‬قالت ‪ :‬قد رضيت‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ثم أتى على واد فسمع صوتًا منكرًا ‪ ،‬ووجد ريحًا منتنة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذه (‪ )2‬الريح يا‬
‫جبريل ؟ وما هذا الصوت ؟" فقال ‪ :‬هذا صوت جهنم تقول ‪ :‬يا رب آتني ما وعدتني ‪ ،‬فقد كثرت‬
‫سلسلي وأغللي ‪ ،‬وسعيري وحميمي ‪ ،‬وضريعي ‪ ،‬وغساقي وعذابي ‪ ،‬وقد بعد قعري ‪ ،‬واشتد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حري ‪ ،‬فآتني كل ما وعدتني ‪ ،‬فقال ‪ :‬لك كل مشرك ومشركة ‪ ،‬وكافر وكافرة ‪ ،‬وكل خبيث‬
‫وخبيثة ‪ ،‬وكل جبار ل يؤمن بيوم الحساب‪ .‬قالت ‪ :‬قد رضيت‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم سار حتى أتى بيت المقدس ‪ ،‬فنزل فربط فرسه إلى صخرة ‪ ،‬ثم دخل فصلى مع الملئكة‬
‫‪ ،‬فلما قضيت الصلة قالوا ‪ :‬يا جبريل ‪ ،‬من هذا معك ؟ قال ‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫أوقد أرسل محمد ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬حياه ال من أخ ومن خليفة ‪ ،‬فنعم الخ ونعم الخليفة ‪ ،‬ونعم‬
‫المجيء جاء‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم لقي أرواح النبياء ‪ ،‬فأثنوا على ربهم ‪ ،‬فقال إبراهيم ‪ :‬الحمد ل الذي اتخذني خليل‬
‫وأعطاني ملكًا عظيمًا ‪ ،‬وجعلني أمة قانتًا يؤتم بي ‪ ،‬وأنقذني من النار ‪ ،‬وجعلها عليّ بردًا‬
‫وسلمًا‪ .‬ثم (‪ )3‬إن موسى ‪ ،‬عليه السلم (‪ ، )4‬أثنى على ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬الحمد ل الذي‬
‫كلمني تكليمًا ‪ ،‬وجعل هلك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي ‪ ،‬وجعل من أمتي قومًا‬
‫يهدون بالحق وبه يعدلون‪ .‬ثم إن داود ‪ ،‬عليه السلم (‪ )5‬أثنى على ربه [عز وجل] (‪ ، )6‬فقال ‪:‬‬
‫الحمد ل الذي جعل لي ملكًا عظيمًا ‪ ،‬وعلمني الزبور ‪ ،‬وألن لي الحديد ‪ ،‬وسخر لي الجبال‬
‫يسبحن والطير ‪ ،‬وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب‪ .‬ثم إن سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أثنى على ربه‬
‫[عز وجل] (‪ )7‬فقال ‪ :‬الحمد ل الذي سخر لي الرياح ‪ ،‬وسخر لي الشياطين يعملون لي ما شئت‬
‫من محاريب وتماثيل ‪ ،‬وجفان كالجواب وقدور راسيات ‪ ،‬وعلمني منطق الطير ‪ ،‬وآتاني من كل‬
‫شيء فضل وسخر لي جنود الشياطين والنس والطير ‪ ،‬وفضلني على كثير من عباده المؤمنين ‪،‬‬
‫وآتاني ملكًا عظيمًا ل ينبغي لحد من بعدي ‪ ،‬وجعل ملكي ملكًا طيبًا ليس فيه حساب‪ .‬ثم إن‬
‫عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أثنى على ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬الحمد ل الذي جعلني كلمته وجعل‬
‫مثلي مثل آدم ‪ ،‬خلقه من تراب ثم قال له ‪" :‬كن" فيكون ‪ ،‬وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة‬
‫والنجيل ‪ ،‬وجعلني أخلق من الطين كهيئة الطير ‪ ،‬فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن ال ‪ ،‬وجعلني‬
‫أبرئ الكمه والبرص وأحيي الموتى بإذنه (‪ ، )8‬ورفعني وطهرني ‪ ،‬وأعاذني وأمي من‬
‫الشيطان الرجيم ‪ ،‬فلم يكن للشيطان علينا سبيل‪ .‬قال ‪ :‬ثم إن محمدًا (‪ )9‬صلى ال عليه وسلم أثنى‬
‫على ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فقال ‪" :‬فكلكم أثنى على ربه ‪ ،‬وإني مثن على ربي [عز وجل] (‪ )10‬فقال‬
‫‪ :‬الحمد ل الذي أرسلني رحمة للعالمين ‪ ،‬وكافة للناس بشيرًا ونذيرًا ‪ ،‬وأنزل عليّ الفرقان (‪)11‬‬
‫فيه بيان لكل شيء ‪ ،‬وجعل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬بما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ما هذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬ثم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عليه الصلة والسلم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عليه الصلة والسلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بإذن ال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬محمدا رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬القرآن"‪.‬‬

‫( ‪)5/34‬‬

‫أمتي خير أمة أخرجت للناس ‪ ،‬وجعل أمتي أمة وسطًا ‪ ،‬وجعل أمتي هم الولين وهم الخرين ‪،‬‬
‫وشرح لي صدري ‪ ،‬ووضع عني وزري ‪ ،‬ورفع لي ذكري ‪ ،‬وجعلني فاتحًا وخاتمًا" فقال إبراهيم‬
‫[عليه السلم] (‪ : )1‬بهذا فضلكم محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قال أبو جعفر الرازي ‪ :‬خاتم النبوة ‪ ،‬فاتح بالشفاعة يوم القيامة‪.‬‬
‫ثم أتي بآنية ثلثة مغطاة أفواهها ‪ ،‬فأتي بإناء منها فيه ماء فقيل ‪ :‬اشرب‪ .‬فشرب منه يسيرًا ‪ ،‬ثم‬
‫دفع إليه إناء آخر فيه لبن ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬اشرب ‪ ،‬فشرب منه حتى روي‪ .‬ثم دفع إليه إناء آخر فيه‬
‫خمر فقيل له ‪ :‬اشرب فقال ‪" :‬ل أريده قد رويت"‪ .‬فقال له جبريل [عليه السلم] (‪ : )2‬أما إنها‬
‫ستحرم على أمتك ‪ ،‬ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إل قليل‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم صعد به إلى السماء فاستفتح ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من هذا يا جبريل ؟ فقال ‪ :‬محمد ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أوقد‬
‫أرسل ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬حياه ال من أخ ومن خليفة فنعم الخ ونعم الخليفة ‪ ،‬ونعم المجيء‬
‫جاء‪ .‬فدخل فإذا هو برجل تام الخلق (‪ )3‬لم ينقص من خلقه شيء كما ينقص من خلق الناس ‪،‬‬
‫عن (‪ )4‬يمينه باب يخرج منه ريح طيبة ‪ ،‬وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة ‪ ،‬إذا نظر إلى‬
‫الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر ‪ ،‬وإذا نظر إلى الباب الذي عن يساره بكى وحزن ‪ ،‬فقلت‬
‫‪" :‬يا جبريل من هذا الشيخ التام الخلق الذي لم ينقص من خلقه شيء ؟ وما هذان البابان ؟ " فقال‬
‫‪ :‬هذا أبوك آدم [عليه السلم] (‪ ، )5‬وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة ‪ ،‬إذا نظر إلى من‬
‫يدخل (‪ )6‬من ذريته ضحك واستبشر ‪ ،‬والباب الذي عن شماله باب جهنم ‪ ،‬إذا نظر إلى من‬
‫يدخله من ذريته بكى وحزن‪.‬‬
‫ثم صعد به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من هذا معك ؟ فقال ‪ :‬محمد رسول ال‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬أوقد أرسل محمد ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬حياه ال من أخ ومن خليفة ‪ ،‬فلنعم الخ ولنعم‬
‫الخليفة ونعم المجيء جاء‪ .‬قال ‪ :‬فدخل فإذا هو بشابين فقال ‪" :‬يا جبريل ‪ ،‬من هذان الشابان ؟"‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ‪ :‬هذا عيسى ابن مريم ‪ ،‬ويحيى بن زكريا ‪ ،‬ابنا الخالة عليهما السلم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فصعد به إلى السماء الثالثة فاستفتح ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن معك ؟‬
‫قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬أوقد أرسل ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬حياه ال من أخ ومن خليفة ‪ ،‬فنعم الخ ونعم‬
‫الخليفة ‪ ،‬ونعم المجيء جاء‪ .‬قال ‪ :‬فدخل فإذا هو برجل قد فضل على الناس في الحسن كما فضل‬
‫القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ‪ ،‬قال ‪" :‬من هذا يا جبريل الذي قد فضل على الناس في‬
‫الحسن ؟" قال ‪ :‬هذا أخوك يوسف ‪ ،‬عليه السلم (‪.)7‬‬
‫قال ‪ :‬ثم صعد به إلى السماء (‪ )8‬الرابعة فاستفتح ‪ ،‬فقالوا (‪ )9‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫ومن معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬أوقد أرسل ؟ (‪ )10‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬حياه ال من أخ ومن‬
‫خليفة ‪ ،‬فنعم الخ ونعم الخليفة ‪ ،‬ونعم المجيء جاء‪ .‬قال ‪ :‬فدخل ‪ ،‬فإذا هو برجل ‪ ،‬قال ‪" :‬من‬
‫هذا يا جبريل ؟" قال ‪ :‬هذا إدريس رفعه ال [تعالى] (‪ )11‬مكانًا عليًا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬تام الخلقة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يدخله"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬عليه الصلة والسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬ثم صعدت إلى السماء"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬فقيل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أرسل إليه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)5/35‬‬

‫ثم صعد به إلى السماء الخامسة فاستفتح ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن معك ؟‬
‫قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬أوقد أرسل (‪ )1‬إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬حياه (‪ )2‬ال من أخ ومن خليفة ‪،‬‬
‫فنعم الخ ونعم الخليفة ‪ ،‬ونعم المجيء جاء‪ .‬ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم‬
‫‪ ،‬قال ‪" :‬من هذا يا جبريل ؟ ومن هؤلء حوله ؟" قال ‪ :‬هذا هارون المحبب [في قومه] (‪)3‬‬
‫وهؤلء بنو إسرائيل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم صعد به إلى السماء السادسة فاستفتح ‪ ،‬قيل ‪ )4( :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن معك ؟‬
‫قال ‪ :‬محمد ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أوقد أرسل ؟ (‪ )5‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬حياه ال من أخ ومن خليفة ‪ ،‬فنعم الخ‬
‫ونعم الخليفة ‪ ،‬ونعم المجيء (‪ .)6‬فإذا هو برجل جالس فجاوزه فبكى الرجل ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا جبريل ‪،‬‬
‫من هذا ؟" قال ‪ :‬موسى ‪ ،‬قال ‪" :‬فما باله (‪ )7‬يبكي ؟" قال ‪ :‬زعم (‪ )8‬بنو إسرائيل أني أكرم بني‬
‫آدم على ال عز وجل ‪ ،‬وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا ‪ ،‬وأنا في أخرى ‪ ،‬فلو أنه‬
‫بنفسه لم أبال ‪ ،‬ولكن مع كل نبي أمته‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم صعد به إلى السماء السابعة فاستفتح ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬جبريل‪ .‬قيل ‪ :‬ومن‬
‫معك ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قالوا ‪ :‬أوقد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬حياه ال من أخ ومن خليفة ‪،‬‬
‫فنعم الخ ونعم الخليفة ‪ ،‬ونعم المجيء جاء‪ .‬قال ‪ :‬فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب‬
‫الجنة على كرسي ‪ ،‬وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس ‪ ،‬وقوم في ألوانهم شيء ‪،‬‬
‫فقام هؤلء الذين في ألوانهم شيء فدخلوا نهرًا فاغتسلوا فيه ‪ ،‬فخرجوا وقد (‪ )9‬خلص من ألوانهم‬
‫شيء ثم دخلوا نهرًا آخر فاغتسلوا فيه ‪ ،‬فخرجوا وقد خلص [من] (‪ )10‬ألوانهم [شيء ثم دخلوا‬
‫نهرًا آخر فاغتسلوا فيه ‪ ،‬فخرجوا وقد خلصت ألوانهم] (‪ )11‬فصارت مثل ألوان أصحابهم ‪،‬‬
‫فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا جبريل من هذا الشمط ؟ ثم من هؤلء البيض الوجوه ؟‬
‫صفَت ألوانهم ؟"‬
‫ومن هؤلء الذين في ألوانهم شيء ؟ وما هذه النهار التي دخلوا فيها فجاءوا وقد َ‬
‫قال ‪ :‬هذا أبوك إبراهيم [عليه السلم] (‪ )12‬أول من شمط على الرض‪ .‬وأما هؤلء البيض‬
‫الوجوه فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم‪ .‬وأما هؤلء الذين في ألوانهم شيء ‪ ،‬فقوم خلطوا عمل‬
‫صالحًا وآخر سيئًا ‪ ،‬فتابوا فتاب ال عليهم‪ .‬وأما النهار فأولها رحمة ال ‪ ،‬والثاني نعمة ال ‪،‬‬
‫والثالث سقاهم ربهم شرابًا طهورًا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم انتهى إلى السدرة فقيل له ‪ :‬هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خل من أمتك على سنتك‪.‬‬
‫فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن ‪ ،‬وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ‪،‬‬
‫وأنهار من خمر لذّة للشاربين ‪ ،‬وأنهار من عسل مصفى ‪ ،‬وهي شجرة يسير الراكب في ظلها‬
‫سبعين عامًا ل يقطعها‪ .‬والورقة منها مغطية للمة كلها‪ .‬قال ‪ :‬فغشيها نور الخلق ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫وغشيتها (‪ )13‬الملئكة أمثال الغربان حين يقعن (‪ )14‬على الشجرة قال ‪ :‬فكلمه ال عند ذلك (‬
‫‪)15‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أرسل إليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قالوا ‪ :‬مرحبا به حياه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فقيل"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أرسل إليه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المجيء جاء"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فما له"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يزعم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬قد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬وغشيها"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حتى تقع"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪" :‬فكلمه يعني عند ذلك"‪.‬‬

‫( ‪)5/36‬‬

‫قال له ‪ :‬سل (‪ ، )1‬قال ‪" :‬إنك اتخذت إبراهيم خليل وأعطيته ملكًا عظيمًا ‪ ،‬وكلمت موسى‬
‫تكليمًا ‪ ،‬وأعطيت داود ملكًا عظيمًا ‪ ،‬وألنت له الحديد ‪ ،‬وسخرت له [الجبال ‪ ،‬وأعطيت سليمان‬
‫ملكًا عظيمًا ‪ ،‬وسخرت له الجن والنس والشياطين ‪ ،‬وسخرت له] (‪ )2‬الرياح ‪ ،‬وأعطيت له ملكًا‬
‫عظيمًا ل ينبغي لحد من بعده ‪ ،‬وعلمت عيسى التوراة والنجيل ‪ ،‬وجعلته يبرئ الكمه‬
‫والبرص ويحيي الموتى بإذنك ‪ ،‬وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم ‪ ،‬فلم يكن للشيطان عليهما‬
‫سبيل"‪ .‬فقال له ربه عز وجل ‪ :‬وقد اتخذتك خليل ‪ -‬وهو مكتوب في التوراة ‪ :‬حبيب الرحمن (‬
‫‪ - )3‬وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا ‪ ،‬وشرحت لك صدرك ‪ ،‬ووضعت عنك وزرك ‪،‬‬
‫ورفعت لك ذكرك ‪ ،‬فل أذكر إل ذكرت معي ‪ ،‬وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس ‪ ،‬وجعلت‬
‫أمتك أمة وسطًا ‪ ،‬وجعلت أمتك هم الولين والخرين ‪ ،‬وجعلت أمتك ل تجوز لهم خطبة حتى‬
‫يشهدوا أنك عبدي ورسولي ‪ ،‬وجعلت من أمتك أقوامًا قلوبهم أناجيلهم ‪ ،‬وجعلتك أول النبيين‬
‫خلقًا ‪ ،‬وآخرهم بعثًا ‪ ،‬وأولهم يقضى له ‪ ،‬وأعطيتك سبعًا من المثاني لم يعطها نبي قبلك ‪،‬‬
‫وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيًا قبلك ‪ ،‬وأعطيتك الكوثر ‪،‬‬
‫وأعطيتك ثمانية أسهم ‪ :‬السلم ‪ ،‬والهجرة ‪ ،‬والجهاد ‪ ،‬والصدقة ‪ ،‬والصلة ‪ ،‬وصوم رمضان ‪،‬‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وجعلتك فاتحًا وخاتمًا‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬‬
‫فضلني ربي بست ‪ :‬أعطاني فواتح الكلم (‪ )4‬وخواتيمه وجوامع الحديث ‪ ،‬وأرسلني إلى الناس‬
‫كافة بشيرًا ونذيرًا وقذف في قلوب عدوي الرعب من مسيرة شهر ‪ ،‬وأحلت لي الغنائم ولم تحل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لحد قبلي ‪ ،‬وجعلت لي الرض كلها طهورًا ومسجدًا"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وفرض عليه خمسين صلة‪ .‬فلما رجع إلى موسى قال ‪ :‬بم أمرت يا محمد ؟ قال ‪:‬‬
‫"بخمسين صلة" قال ‪ :‬ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ‪ ،‬فإن أمتك أضعف المم ‪ ،‬فقد لقيت من‬
‫بني إسرائيل شدة ‪ ،‬قال ‪ :‬فرجع النبي صلى ال عليه وسلم إلى ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فسأله‬
‫التخفيف ‪ ،‬فوضع عنه عشرًا‪ .‬ثم رجع إلى موسى فقال ‪ :‬بكم أمرت ؟ قال ‪" :‬بأربعين" قال ‪:‬‬
‫ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ‪ ،‬فإن أمتك أضعف المم ‪ ،‬وقد لقيت من بني إسرائيل شدة ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬فرجع النبي صلى ال عليه وسلم إلى ربه [عز وجل] (‪ )5‬فسأله التخفيف ‪ ،‬فوضع عنه عشرًا ‪،‬‬
‫فرجع إلى موسى فقال ‪ :‬بكم أمرت ؟ قال ‪" :‬أمرت بثلثين" ‪ ،‬فقال له موسى ‪ :‬ارجع إلى ربك‬
‫فاسأله التخفيف ‪ ،‬فإن أمتك أضعف المم ‪ ،‬وقد لقيت من بني إسرائيل شدة ‪ ،‬قال ‪ :‬فرجع إلى ربه‬
‫[عز وجل] (‪ )6‬فسأله التخفيف ‪ ،‬فوضع عنه عشرا ‪ ،‬فرجع إلى موسى فقال (‪ )7‬بكم أمرت ؟ قال‬
‫‪" :‬أمرت بعشرين"‪ .‬قال ‪ :‬ارجع إلى ربك [عز وجل] (‪ )8‬فاسأله التخفيف ‪ ،‬فإن أمتك أضعف‬
‫المم ‪ ،‬وقد لقيت من بني إسرائيل شدة ‪ ،‬قال ‪ :‬فرجع إلى ربه [عز وجل] (‪ )9‬فسأله التخفيف ‪،‬‬
‫فوضع عنه عشرًا‪ .‬فرجع إلى موسى فقال ‪ :‬بكم أمرت ؟ قال ‪" :‬أمرت بعشر" ‪ ،‬قال ‪ :‬ارجع إلى‬
‫ربك [عز وجل] (‪ )10‬فاسأله التخفيف ‪ ،‬فإن أمتك أضعف المم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فرجع على حياء إلى ربه [عز وجل] (‪ )11‬فسأله التخفيف فوضع عنه خمسًا‪ .‬فرجع إلى‬
‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال (‪ )12‬بكم أمرت ؟ قال ‪" :‬بخمس" فقال ‪ :‬ارجع إلى ربك فاسأله‬
‫التخفيف ‪ ،‬فإن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬محمد حبيب الرحمن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬الكلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/37‬‬

‫أمتك أضعف المم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة ‪ ،‬قال ‪" :‬قد رجعت إلى ربي حتى استحييت ‪،‬‬
‫فما أنا براجع إليه" ‪ ،‬قيل ‪ :‬أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات ‪ ،‬فإنهن يجزين عنك‬
‫خمسين صلة ‪ ،‬فإن كل حسنة بعشر أمثالها‪ .‬قال ‪ :‬فرضي محمد صلى ال عليه وسلم كل الرضا‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬وكان موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من أشدهم عليه حين مرّ به وخيرهم له حين رجع إليه (‪.)1‬‬
‫ثم رواه ابن جرير ‪ ،‬عن محمد بن عبيد ال ‪ ،‬عن أبي النضر هاشم بن القاسم ‪ ،‬عن أبى جعفر‬
‫الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية أو غيره ‪ -‬شك أبو جعفر ‪ -‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم فذكره بمعناه (‪.)2‬‬
‫وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ ،‬عن أبي سعيد الماليني ‪ ،‬عن ابن عدي ‪ ،‬عن محمد بن الحسن‬
‫سكُوني البالسي بالرملة ‪ ،‬حدثنا علي بن سهل ‪ ،‬فذكر مثل ما رواه ابن جرير عنه (‪ ، )3‬وذكر‬
‫ال ّ‬
‫البيهقي أن الحاكم أبا عبد ال رواه عن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني ‪ ،‬عن‬
‫جده ‪ ،‬عن إبراهيم بن حمزة الزبيري ‪ ،‬عن حاتم بن إسماعيل ‪ ،‬حدثني عيسى بن ماهان ‪ -‬يعني‬
‫أبا جعفر الرازي ‪ -‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فذكره (‪.)4‬‬
‫وقال ‪ :‬ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد ال بن نمير ‪ ،‬حدثنا يونس بن‬
‫بكير ‪ ،‬حدثنا عيسى بن عبد ال التميمي (‪ - )5‬يعني ‪ :‬أبا جعفر الرازي ‪ -‬عن الربيع بن أنس‬
‫البكري ‪ ،‬عن أبي العالية أو غيره ‪ -‬شك عيسى ‪ ، -‬عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫سجِ ِد ال ْقصَى] (‬
‫سجِدِ الْحَرَامِ [إِلَى ا ْلمَ ْ‬
‫وسلم قال ‪" :‬قال ال ‪ { :‬سُبْحَانَ الّذِي َأسْرَى ِبعَبْ ِدهِ لَيْل مِنَ ا ْلمَ ْ‬
‫‪ } )6‬فذكر الحديث بطوله كنحو مما سقناه‪.‬‬
‫قلت ‪" :‬أبو جعفر الرازي" قال فيه الحافظ أبو زرعة ‪" :‬الرازي يهم في الحديث كثيرًا" وقد ضعفه‬
‫غيره أيضًا ‪ ،‬ووثقه بعضهم ‪ ،‬والظهر أنه سيئ الحفظ ففيما تفرد به نظر‪ .‬وهذا الحديث في‬
‫بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة ‪ ،‬وفيه (‪ )7‬شيء من حديث المنام من رواية سمرة بن جندب‬
‫في المنام الطويل عند البخاري ‪ ،‬ويشبه أن يكون مجموعًا من أحاديث شتى ‪ ،‬أو منام أو قصة‬
‫أخرى غير السراء ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا َم ْعمَرُ ‪ ،‬عن الزهري ‪،‬‬
‫أخبرني سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم حين أسري به ‪:‬‬
‫"لقيت موسى" قال ‪ :‬فنعته فإذا رجل ‪ -‬حسبته قال ‪ - :‬مضطرب ‪ ،‬رَجْل الرأس ‪ ،‬كأنه من رجال‬
‫شنوءة‪ .‬قال ‪" :‬ولقيت عيسى" ‪ -‬فنعته النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ربعة (‪ )8‬أحمر كأنما خرج‬
‫من ديماس ‪ -‬يعني حمام‪ .‬قال ‪" :‬ورأيت إبراهيم ‪ ،‬وأنا أشبه ولده به"‪ .‬قال ‪" :‬وأتيت بإناءين في‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أحدهما لبن وفي الخر خمر ‪ ،‬قيل لي ‪ :‬خذ أيهما شئت ‪ ،‬فأخذت اللبن ‪ ،‬فشربت ‪ ،‬فقيل لي ‪:‬‬
‫هديت الفطرة ‪ -‬أو ‪ :‬أصبت الفطرة ‪ -‬أما إنك لو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)15/6‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)15/10‬‬
‫(‪ )3‬دلئل النبوة (‪.)297 ، 2/296‬‬
‫(‪ )4‬دلئل النبوة (‪.)2/397‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬اليمني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬ربعة"‪.‬‬

‫( ‪)5/38‬‬

‫أخذت الخمر غوت أمتك" وأخرجاه من وجه آخر‪ .‬عن الزهري ‪ -‬به نحوه (‪.)1‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن محمد بن رافع ‪ ،‬عن حُجَيْن بن المثنى ‪ ،‬عن عبد العزيز بن أبي سلمة ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن الفضل الهاشمي ‪ ،‬عن أبي سلمة عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي (‪ )2‬فسألوني‬
‫عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها ‪ ،‬فكربت كربًا ما كربت مثله قط ‪ ،‬فرفعه ال لي أنظر إليه ما‬
‫سألوني عن شيء إل أنبأتهم به ‪ ،‬وقد رأيتني في جماعة من النبياء ‪ ،‬وإذا موسى قائم يصلي ‪،‬‬
‫وإذا هو رجل ضربٌ جعد كأنه من رجال شنوءة ‪ ،‬وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي أقرب الناس‬
‫به شبهًا عروة بن مسعود الثقفي ‪ ،‬وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم ‪ -‬يعني نفسه‬
‫‪ -‬فحانت الصلة فأممتهم ‪ ،‬فلما فرغت قال قائل ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هذا مالك صاحب النار ‪[ ،‬فسلم‬
‫عليه] (‪ )3‬فالتفت إليه فبدأني بالسلم " (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا حجاج بن منهال ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن‬
‫زيد ‪ ،‬عن أبي الصلت ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬رأيت ليلة أسري بي لما انتهينا إلى السماء السابعة ‪ ،‬فنظرت فوق (‪ )5‬فإذا رعد وبرق‬
‫وصواعق"‪ .‬قال ‪" :‬وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم فقلت ‪:‬‬
‫من هؤلء يا جبريل ؟ قال ‪ :‬هؤلء أكلة الربا ‪ ،‬فلما نزلت إلى السماء الدنيا نظرت أسفل مني فإذا‬
‫أنا بِرَهَج ودخان وأصوات ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما هذا يا جبريل ؟ قال ‪ :‬هذه الشياطين يحرفون على أعين‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بني آدم أل يتفكرون في ملكوت السموات والرض ‪ ،‬ولول ذلك لرأوا العجائب"‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد عن حسن وعفان ‪ ،‬كلهما عن حماد بن سلمة ‪ ،‬به‪ .‬ورواه ابن ماجه من‬
‫حديث حماد ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫رواية جماعة من الصحابة [رضي ال عنهم] (‪ )7‬ممن تقدم وغيرهم ‪:‬‬
‫قال الحافظ البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال ‪ -‬يعني الحاكم ‪ -‬أخبرنا عبدان بن يزيد بن يعقوب‬
‫الدقاق بهمذان ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن الحسين الهمداني ‪ ،‬حدثنا أبو محمد هو إسماعيل بن موسى‬
‫الفزاري ‪ ،‬حدثنا عمر بن سعد النصري (‪ )8‬من بني نصر (‪ )9‬بن ُقعَين ‪ ،‬حدثني عبد العزيز ‪،‬‬
‫وليث بن أبي سليم (‪ )10‬وسليمان العمش ‪ ،‬وعطاء بن السائب ‪ -‬بعضهم يزيد في الحديث على‬
‫بعض ‪ -‬عن علي بن أبي طالب وعبد ال (‪ )11‬بن عباس ‪ -‬ومحمد بن إسحاق بن يسار ‪ ،‬عمن‬
‫حدثه عن ابن عباس ‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )3394‬وصحيح مسلم برقم (‪.)168‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عن أمري"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)172‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فوق رأسي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )363 - 2/353‬وسنن ابن ماجة برقم (‪ .)2273‬وسبق الحديث من رواية أحمد عند‬
‫تفسير الية ‪ 185 :‬من سورة العراف ‪ ،‬وعقب عليه الحافظ ابن كثير بقوله ‪" :‬علي بن زيد بن‬
‫جدعان له منكرات"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬النضري"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬من بني نضرة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وعن عبد ال"‪.‬‬

‫( ‪)5/39‬‬

‫وعن سليم بن مسلم العقيلي ‪ ،‬عن عامر الشعبي ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ -‬وجويبر ‪ ،‬عن‬
‫الضحاك ‪ ،‬ابن مزاحم قالوا ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم في بيت أم هانئ راقدًا ‪ ،‬وقد‬
‫صلى العشاء الخرة‪ .‬قال أبو عبد ال الحاكم ‪ :‬قال لنا هذا الشيخ‪ ...‬وذكر الحديث ‪ ،‬فكتب (‪)1‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المتن من نسخة مسموعة منه ‪ ،‬فذكر حديثًا طويل يذكر فيه عدد الدرج والملئكة وغير ذلك مما‬
‫ل ينكر شيء منها في قدرة ال إن صحت الرواية‪.‬‬
‫قال البيهقي ‪ :‬فيما ذكرنا قبل في حديث أبي هارون العبدي في إثبات السراء والمعراج كفاية ‪،‬‬
‫وبال التوفيق (‪.)2‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد أرسل هذا الحديث غير واحد من التابعين وأئمة المفسرين ‪ ،‬رحمة ال عليهم أجمعين‪.‬‬
‫رواية عائشة أم المؤمنين ‪ ،‬رضي ال عنها ‪:‬‬
‫قال [المام] (‪ )3‬البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أخبرني مكرم بن أحمد القاضي ‪ ،‬حدثنا‬
‫إبراهيم بن الهيثم البلدي (‪ ، )4‬حدثنا محمد بن كثير الصّنْعاني ‪ ،‬حدثنا معمر بن راشد ‪ ،‬عن‬
‫الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬لما أسري بالنبي صلى ال عليه‬
‫وسلم إلى المسجد القصى ‪ ،‬أصبح يحدث الناس بذلك ‪ ،‬فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه ‪،‬‬
‫وسعوا بذلك إلى أبي بكر ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هل لك في صاحبك ؟ يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت‬
‫المقدس! فقال ‪ :‬أوقال ذلك ؟ قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬لئن كان قال ذلك لقد صدق‪ .‬قالوا ‪ :‬تصدقه أنه‬
‫ذهب الليلة إلى بيت المقدس ‪ ،‬وجاء قبل أن يصبح ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬إني لصدقه بما هو أبعد من‬
‫غدْوة أو َروْحة‪ .‬فلذلك سمي أبو بكر ‪ :‬الصديق ‪ ،‬رضي ال عنه (‬
‫ذلك ‪ ،‬أصدقه بخبر السماء في َ‬
‫‪.)5‬‬
‫رواية أم هانئ بنت أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنها ‪:‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني محمد بن السائب الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح باذان ‪ ،‬عن أم هانئ بنت‬
‫أبي طالب [رضي ال عنها] (‪ )6‬في مسرى رسول ال صلى ال عليه وسلم أنها كانت تقول ‪ :‬ما‬
‫أسري برسول ال صلى ال عليه وسلم إل وهو في بيتي ‪ ،‬نائم عندي تلك الليلة ‪ ،‬فصلى العشاء‬
‫الخرة ثم نام ونمنا ‪ ،‬فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما صلى الصبح‬
‫وصلينا معه قال ‪" :‬يا أم هانئ ‪ ،‬لقد صليت معكم العشاء الخرة كما رأيت بهذا الوادي ‪ ،‬ثم جئت‬
‫بيت المقدس فصليت فيه ‪ ،‬ثم صليت صلة الغداة معكم الن كما ترين" (‪.)7‬‬
‫الكلبي ‪ :‬متروك بمرة ساقط ‪ ،‬لكن رواه أبو يعلى في مسنده عن محمد بن إسماعيل النصاري ‪،‬‬
‫ضمْرَة بن ربيعة ‪ ،‬عن يحيى بن أبي عمرو السيباني (‪ ، )8‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أم هانئ‬
‫عن َ‬
‫بأبسط من هذا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فثبت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬دلئل النبوة (‪.)2/404‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬البكري"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬دلئل النبوة (‪ )2/360‬وهو في المستدرك (‪ )3/62‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح السناد ولم‬
‫يخرجاه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )15/3‬من طريق محمد بن إسحاق‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الشيباني"‬

‫( ‪)5/40‬‬

‫السياق ‪ ،‬فليكتب هاهنا (‪.)1‬‬


‫وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني من حديث عبد العلى بن أبي المُسَاور ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن أم‬
‫هانئ قالت ‪ :‬بات رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة أسري به في بيتي ‪ ،‬ففقدته من الليل ‪،‬‬
‫فامتنع مني النوم مخافة أن يكون عرض له بعض قريش ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إن جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أتاني فأخذ بيدي فأخرجني ‪ ،‬فإذا على الباب دابة دون البغل وفوق‬
‫الحمار ‪ ،‬فحملني عليها ‪ ،‬ثم انطلق حتى انتهى بي إلى بيت المقدس ‪ ،‬فأراني إبراهيم يشبه خلقه‬
‫خلقي ‪ ،‬ويشبه خلقي خلقه ‪ ،‬وأراني موسى آدم طويل سبط الشعر ‪ ،‬شبهته برجال أزد شنوءة ‪،‬‬
‫وأراني عيسى ابن مريم رَبْعة أبيض يضرب إلى الحمرة ‪ ،‬شبهته بعروة بن مسعود الثقفي ‪،‬‬
‫وأراني الدجال ممسوح العين اليمنى ‪ ،‬شبهته بقطن بن عبد العزى"‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كذا ولم أجد فى النسخ إثباته ‪ ،‬وقد رواه أبو يعلى فى معجم شيوخه برقم (‪ )10‬قال ‪" :‬حدثنا‬
‫محمد بن إسماعيل الوساوسي ‪ ،‬حدثنا ضمرة بن ربيعة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبى عمرو السيباني ‪،‬‬
‫عن أبى صالح مولى أم هانئ ‪ ،‬عن أم هانئ قالت ‪ :‬دخل عليّ رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بغلس ‪ ،‬فجلس ‪ ،‬وأنا على فراشي ‪ ،‬فقال ‪" :‬شعرت أنى بت الليلة فى المسجد الحرام ‪ ،‬فأتاني‬
‫جبريل ‪ ،‬فذهب بى إلى باب المسجد ‪ ،‬فإذا بدابة أبيض ‪ ،‬فوق الحمار ‪ ،‬ودون البغل ‪ ،‬مضطرب‬
‫الذنين ‪ ،‬فركبت وكان يضع حافره مد بصره ‪ ،‬إذا أخذني فى هبوط طالت يداه وقصرت رجله ‪،‬‬
‫وإذا أخذني في صعود طالت رجله وقصرت يداه ‪ ،‬وجبريل ل يفوتني ‪ ،‬حتى انتهينا إلى بيت‬
‫المقدس ‪ ،‬فأوثقته بالحلقة التى كانت النبياء توثق بها ‪ ،‬فنشر لي رهط من النبياء ‪ ،‬منهم إبراهيم‬
‫‪ ،‬وموسى ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬فصليت بهم ‪ ،‬وكلمتهم ‪ ،‬وأتيت بإناءين أحمر وأبيض ‪ ،‬فشربت البيض ‪،‬‬
‫فقال لي جبريل ‪ :‬شربت اللبن ‪ ،‬وتركت الخمر ‪ ،‬لو شربت الخمر لرتدت أمتك‪ .‬ثم ركبته ‪،‬‬
‫فأتيت المسجد الحرام وصليت به الغداة" قالت ‪ :‬فعلقت بردائه ‪ :‬أنشدك ال يا ابن عمى! أن تحدث‬
‫بهذا قريشا ‪ ،‬فيكذبك من صدقك‪ .‬فضرب بيده على ردائه ‪ ،‬فانتزعه من يدى ‪ ،‬فارتفع عن بطنه ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فنظرت إلى عكنه ‪ ،‬فوق إزاره كأنها طى القراطيس ‪ ،‬فإذا نور ساطع عند فؤاده ‪ ،‬كاد يخطف‬
‫بصري ‪ ،‬فخررت ساجدة ‪ ،‬فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج ‪ ،‬فقلت لجاريتي نبعة ‪ :‬ويحك‬
‫اتبعيه ‪ ،‬فانظرى ماذا يقول ‪ ،‬وماذا يقال له ؟ فلما رجعت نبعة ‪ ،‬أخبرتني أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم انتهى إلى نفر من قريش ‪ ،‬فى الحطيم ‪ ،‬فيهم المطعم بن عدي ‪ ،‬وعمرو بن هشام ‪،‬‬
‫والوليد بن المغيرة ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنى صليت الليلة العشاء فى هذا المسجد ‪ ،‬وصليت به الغداة ‪ ،‬وأتيت‬
‫فيما دون ذلك بيت المقدس ‪ ،‬فنشر لي رهط من النبياء منهم إبراهيم ‪ ،‬وموسى ‪ ،‬وعيسى ‪،‬‬
‫وصليت بهم وكلمتهم"‪.‬‬
‫فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ به ‪ :‬صفهم لي ‪ ،‬فقال ‪" :‬أما عيسى ‪ ،‬ففوق الربعة ‪ ،‬ودون‬
‫الطول ‪ ،‬عريض الصدر ‪ ،‬ظاهر الدم ‪ ،‬جعد ‪ ،‬أشعر تعلوه صهبة ‪ ،‬كأنه عروة بن مسعود الثقفي‪.‬‬
‫وأما موسى ‪ ،‬فضخم آدم ‪ ،‬طوال ‪ ،‬كأنه من رجال شنوءة ‪ ،‬متراكب السنان ‪ ،‬مقلص الشفة ‪،‬‬
‫خارج اللثة ‪ ،‬عابس‪ .‬وأما إبراهيم فوال إنه لشبه الناس بي ‪ ،‬خلقا ‪ ،‬وخلقا"‪ .‬قال ‪ :‬فضجوا ‪،‬‬
‫وأعظموا ذلك ‪ ،‬فقال المطعم بن عدي ‪ :‬كل أمرك كان قبل اليوم ‪ ،‬كان أمما غير قولك اليوم ‪،‬‬
‫أما أنا ‪ ،‬فأشهد أنك كاذب ‪ ،‬نحن نضرب أكباد البل إلى بيت المقدس ‪ ،‬نصعد شهرا ‪ ،‬ونحدر‬
‫شهرا ‪ ،‬تزعم أنك أتيته فى ليلة ‪ ،‬واللت والعزى ل أصدقك ‪ ،‬وما كان الذى تقول قط‪ .‬وكان‬
‫للمطعم بن عدي حوض على زمزم أعطاه إياه عبد المطلب ‪ ،‬فهدمه وأقسم باللت والعزى ل‬
‫يسقى قطرة أبدا ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬يا مطعم ‪ ،‬بئس ما قلت لبن أخيك جبهته وكذبته ‪ ،‬أنا أشهد أنه‬
‫صادق ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬فصف لنا بيت المقدس ‪ ،‬قال ‪" :‬دخلت ليل وخرجت منه ليل"‪ .‬فأتاه‬
‫جبريل بصورته فى جناحه ‪ ،‬فجعل يقول ‪" :‬باب منه كذا ‪ ،‬فى موضوع كذا ‪ ،‬وباب منه كذا ‪ ،‬فى‬
‫موضع كذا" ‪ ،‬وأبو بكر يقول ‪ :‬صدقت ‪ ،‬قالت نبعة ‪ :‬فسمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول يومئذ ‪" :‬يا أبا بكر ‪ ،‬إنى قد سميتك (الصديق)"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا مطعم ‪ ،‬دعنا نسأله عما هو أغنى‬
‫لنا من بيت المقدس‪ .‬يا محمد ‪ ،‬أخبرنا عن عيرنا ‪ ،‬فقال ‪" :‬أتيت على عير بنى فلن بالروحاء ‪،‬‬
‫قد أضلوا ناقة لهم ‪ ،‬فانطلقوا فى طلبها ‪ ،‬فانتهيت إلى رحالهم ‪ ،‬ليس بها منهم أحد ‪ ،‬وإذا قدح ماء‬
‫‪ ،‬فشربت منه ‪ ،‬فاسألوهم عن ذلك " قالوا ‪ :‬هذه والله آية‪" .‬ثم انتهيت إلى عير بنى فلن ‪،‬‬
‫فنفرت منى البل ‪ ،‬وبرك منها جمل أحمر ‪ ،‬عليه جوالق محيط ببياض ‪ ،‬ل أدرى أكسر البعير ‪،‬‬
‫أم ل ‪ ،‬فاسألوهم عن ذلك" قالوا ‪ :‬هذه والله آية "ثم انتهيت إلى عير بنى فلن فى التنعيم ‪ ،‬يقدمها‬
‫جمل أورق ‪ ،‬وها هى ذه يطلع عليكم من الثنية"‪ .‬فقال الوليد بن المغيرة ‪ :‬ساحر ‪ ،‬فانطلقوا‬
‫فنظروا ‪ ،‬فوجدوا المر كما قال‪ .‬فرموه بالسحر ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬صدق الوليد بن المغيرة فيما قال ‪،‬‬
‫فأنزل ال عز وجل ‪" :‬وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إل فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن"‬
‫(السراء ‪ )60 :‬قلت لم هانئ ‪ :‬ما الشجرة الملعونة فى القرآن ؟ قالت ‪ :‬الذين خوفوا فلم يزدهم‬
‫التخويف إل طغيانا وكفرا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/41‬‬

‫قال ‪" :‬وأنا أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم بما رأيت"‪ .‬فأخذت بثوبه فقلت ‪ :‬إني أذكرك (‪)1‬‬
‫ال ‪ ،‬إنك تأتي قوما يكذبونك وينكرون مقالتك ‪ ،‬فأخاف أن يسطوا بك‪ .‬قالت ‪ :‬فضرب ثوبه من‬
‫يدي ‪ ،‬ثم خرج إليهم فأتاهم وهم جلوس ‪ ،‬فأخبرهم ما أخبرني ‪ ،‬فقام جبير بن مطعم فقال ‪ :‬يا‬
‫محمد لو كنت شابا (‪ )2‬كما كنت ‪ ،‬ما تكلمت بما تكلمت به وأنت بين ظهرانينا‪ .‬فقال رجل من‬
‫القوم ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬وال قد وجدتهم أضلوا‬
‫بعيرًا لهم فهم في طلبه"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فهل مررت بإبل لبني فلن ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬وجدتهم في مكان كذا وكذا ‪ ،‬وقد انكسرت (‪)3‬‬
‫لهم ناقة حمراء ‪ ،‬وعندهم قصعة من ماء ‪ ،‬فشربت ما فيها"‪ .‬قالوا ‪ :‬فأخبرنا عدتها وما فيها من‬
‫الرعاة [قال ‪" :‬قد كنت عن عدتها مشغول"‪ .‬فنام فأوتي بالبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاة] (‪)4‬‬
‫ثم أتى قريشا فقال لهم ‪" :‬سألتموني عن إبل بني فلن ‪ ،‬فهي كذا وكذا ‪ ،‬وفيها من الرعاة فلن‬
‫وفلن ‪ ،‬وسألتموني عن إبل بني فلن ‪ ،‬فهي كذا وكذا ‪ ،‬وفيها من الرعاة ابن أبي قحافة وفلن‬
‫وفلن ‪ ،‬وهي مصبحتكم من الغداة (‪ )5‬على الثنية"‪ .‬قال ‪ :‬فقعدوا (‪ )6‬على الثنية ينظرون‬
‫أصدقهم ما قال ؟ فاستقبلوا البل فسألوهم ‪ :‬هل ضل لكم بعير ؟ قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬فسألوا الخر ‪ :‬هل‬
‫انكسرت لكم ناقة حمراء ؟ قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬فهل كان عندكم قصعة ؟ قال ‪ :‬أبو بكر ‪ :‬أنا وال‬
‫وضعتها فما شربها أحد ‪ ،‬ول أهراقوه في الرض‪ .‬فصدقه أبو بكر [رضي ال عنه] (‪ )7‬وآمن‬
‫به ‪ ،‬فسمي يومئذ الصديق (‪.)8‬‬
‫فصل‬
‫وإذا (‪ )9‬حصل الوقوف على مجموع هذه الحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها ‪ ،‬يحصل‬
‫مضمون ما اتفقت عليه من مسرى رسول ال صلى ال عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ‪،‬‬
‫وأنه مرة واحدة ‪ ،‬وإن اختلفت عبارات الرواة في أدائه ‪ ،‬أو زاد بعضهم فيه أو نقص منه ‪ ،‬فإن‬
‫الخطأ جائز على من عدا النبياء ‪ ،‬عليهم السلم‪ .‬ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الخرى‬
‫مرة على حدة ‪ ،‬فأثبت إسراءات متعددة فقد أبعد وأغرب ‪ ،‬وهرب إلى غير مهرب ولم يحصل‬
‫على مطلب‪.‬‬
‫وقد صرح بعضهم من المتأخرين بأنه ‪ ،‬عليه السلم (‪ )10‬أسري به مرة من مكة إلى بيت‬
‫المقدس فقط ‪ ،‬ومرة من مكة إلى السماء فقط ‪ ،‬ومرة إلى بيت المقدس ومنه إلى السماء‪ .‬وفرح‬
‫بهذا المسلك ‪ ،‬وأنه قد ظفر بشيء يخلص به من الشكالت‪ .‬وهذا بعيد جدًا ‪ ،‬ولم ينقل هذا عن‬
‫أحد من السلف ‪ ،‬ولو تعدد هذا التعدد لخبر النبي صلى ال عليه وسلم به أمته ‪ ،‬ولنقلته (‪)11‬‬
‫الناس على التعدد والتكرر‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال موسى بن عقبة ‪ ،‬عن الزهري ‪ :‬كان السراء قبل الهجرة بسنة‪ .‬وكذا قال عروة‪ .‬وقال‬
‫السدي ‪ :‬بستة عشر شهرًا‪.‬‬
‫والحق أنه ‪ ،‬عليه السلم (‪ )12‬أسري به يقظة ل منامًا من مكة إلى بيت المقدس ‪ ،‬راكبًا البراق ‪،‬‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أذكر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أن لو كنت لك شابا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وقد كسرت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من الخصائص الكبرى للسيوطي (‪.)1/439‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬بالغداة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فغدوا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬المعجم الكبير (‪ )24/432‬وعبد العلى بن أبي المساور كذاب‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬بأنه صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬ولتعلمه"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬أنه صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)5/42‬‬

‫فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ‪ ،‬ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين‪.‬‬
‫ثم أتى المعراج (‪ - )1‬وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها ‪ -‬فصعد فيه إلى السماء الدنيا ‪ ،‬ثم إلى‬
‫بقية السماوات السبع ‪ ،‬فتلقاه من كل سماء مقربوها ‪ ،‬وسلم عليه النبياء [عليهم السلم] (‪ )2‬الذين‬
‫في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم ‪ ،‬حتى مرّ بموسى الكليم في السادسة ‪ ،‬وإبراهيم الخليل‬
‫في السابعة ‪ ،‬ثم جاوز منزلتهما صلى ال عليه وسلم وعليهما وعلى سائر النبياء ‪ ،‬حتى انتهى‬
‫إلى مستوى يسمع (‪ )3‬فيه صريف القلم ‪ ،‬أي ‪ :‬أقلم القدر بما هو كائن ‪ ،‬ورأى سدرة المنتهى‬
‫وغشيها من أمر ال ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬عظمة عظيمة ‪ ،‬من فراش من ذهب ‪ ،‬وألوان متعددة ‪ ،‬وغشيتها‬
‫الملئكة ‪ ،‬ورأى هنالك جبريل على صورته ‪ ،‬وله ستمائة جناح ‪ ،‬ورأى رفرفًا أخضر قد سد‬
‫الفق ‪ ،‬ورأى البيت المعمور (‪ )4‬وإبراهيم الخليل باني الكعبة الرضية مسندًا ظهره إليه ؛ لنه‬
‫الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملئكة يتعبدون فيه ‪ ،‬ثم ل يعودون إليه إلى يوم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القيامة‪ .‬ورأى الجنة والنار ‪ ،‬وفرض ال [عز وجل] (‪ )5‬عليه هنالك الصلوات خمسين ‪ ،‬ثم خففها‬
‫إلى خمس ؛ رحمة منه ولطفًا بعباده‪ .‬وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلة وعظمتها‪ .‬ثم هبط إلى‬
‫بيت المقدس ‪ ،‬وهبط معه النبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلة ‪ ،‬ويحتمل أنها الصبح من‬
‫يومئذ‪ .‬ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء‪ .‬والذي تظاهرت به الروايات أنه بيت المقدس ‪،‬‬
‫ولكن في بعضها أنه كان أول (‪ )6‬دخوله إليه‪ .‬والظاهر أنه بعد رجوعه إليه ؛ لنه لما مرّ بهم‬
‫في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدًا واحدًا وهو يخبره بهم ‪ ،‬وهذا هو اللئق ؛ لنه كان‬
‫أول مطلوبًا إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء ال ‪ ،‬تعالى‪ .‬ثم لما فرغ من‬
‫الذي أريد به ‪ ،‬اجتمع هو وإخوانه من النبيين [صلوات ال وسلمه عليه وعليهم أجمعين] (‪ )7‬ثم‬
‫أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في المامة ‪ ،‬وذلك عن إشارة جبريل عليه السلم (‪ )8‬له في‬
‫ذلك‪ .‬ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس ‪ ،‬وال سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫وأما عرض النية عليه من اللبن والعسل ‪ ،‬أو اللبن والخمر ‪ ،‬أو اللبن والماء ‪ ،‬أو الجميع ‪ -‬فقد‬
‫ورد أنه في بيت المقدس ‪ ،‬وجاء أنه في السماء‪ .‬ويحتمل أن يكون هاهنا وهاهنا ؛ لنه كالضيافة‬
‫للقادم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ثم اختلف الناس ‪ :‬هل كان السراء ببدنه عليه السلم (‪ )9‬وروحه ؟ أو بروحه فقط ؟ على‬
‫قولين ‪ ،‬فالكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة ل منامًا ‪ ،‬ول ينكر أن يكون‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى قبل ذلك منامًا ‪ ،‬ثم رآه بعده يقظة ؛ لنه عليه السلم (‪)10‬‬
‫كان ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح ؛ والدليل على هذا قوله [عز وجل] (‪ { )11‬سُبْحَانَ‬
‫الّذِي َأسْرَى ِبعَبْ ِدهِ } فالتسبيح إنما يكون عند المور العظام ‪ ،‬ولو كان منامًا لم يكن فيه كبير شيء‬
‫ولم يكن مستعظمًا ‪ ،‬ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه ‪ ،‬ولما ارتد جماعة ممن كان قد أسلم‪.‬‬
‫وأيضًا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بالمعراج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬سمع" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فسمع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المعمور الذي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كان في أول"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬عليه الصلة والسلم"‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ‪ :‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/43‬‬

‫جعَلْنَا ال ّرؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِل‬


‫وقد قال [عز شأنه] (‪َ { )1‬أسْرَى ِبعَبْ ِدهِ لَيْل } وقد قال تعالى ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫فِتْنَةً لِلنّاسِ } [ السراء ‪ ] 60 :‬قال ابن عباس [رضي ال عنهما] (‪ )2‬هي رؤيا عين أريها رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم [ليلة أسري به ‪ ،‬والشجرة الملعونة ‪ :‬شجرة الزقوم] (‪ )3‬رواه البخاري‪.‬‬
‫طغَى } [ النجم ‪ ، ] 17 :‬والبصر من آلت الذات ل الروح‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬مَا زَاغَ الْ َبصَ ُر َومَا َ‬
‫وأيضًا فإنه حمل على البراق ‪ ،‬وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ‪ ،‬وإنما يكون هذا للبدن ل‬
‫للروح ؛ لنها ل تحتاج في حركتها إلى مركب تركب (‪ )4‬عليه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل أسري برسول ال صلى ال عليه وسلم بروحه ل بجسده‪ .‬قال محمد بن إسحاق‬
‫بن يسار في السيرة ‪ :‬حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الخنس ؛ أن معاوية بن أبي سفيان‬
‫[رضي ال عنهما] (‪ )5‬كان إذا سئل عن مسرى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬كانت رؤيا‬
‫من ال صادقة‪.‬‬
‫وحدثني بعض آل أبي بكر أن عائشة كانت تقول ‪ :‬ما فقد جسد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫ولكن أسري بروحه‪.‬‬
‫جعَلْنَا ال ّرؤْيَا‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فلم ينكر ذلك من قولها ‪ ،‬لقول الحسن ‪ :‬إن هذه الية نزلت { َومَا َ‬
‫الّتِي أَرَيْنَاكَ إِل فِتْنَةً لِلنّاسِ } ولقول (‪ )6‬ال في الخبر عن إبراهيم ‪ { :‬إِنّي أَرَى فِي ا ْلمَنَامِ أَنّي‬
‫حكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى } [ الصافات ‪ ، ] 102 :‬ثم مضى على ذلك‪ .‬فعرفت أن الوحي يأتي‬
‫أَذْ َب ُ‬
‫للنبياء من ال أيقاظًا ونياما‪.‬‬
‫فكان (‪ )7‬رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬تنام عيناي ‪ ،‬وقلبي يقظان" فال أعلم أي ذلك‬
‫كان قد جاءه ‪ ،‬وعاين فيه من ال ما عاين ‪ ،‬على أي حالته كان ‪ ،‬نائمًا أو يقظان ‪ ،‬كل ذلك حق‬
‫وصدق‪ .‬انتهى كلم ابن إسحاق (‪.)8‬‬
‫وقد تعقبه أبو جعفر بن جرير في تفسيره بالرد والنكار والتشنيع ‪ ،‬بأن هذا خلف (‪ )9‬ظاهر‬
‫سياق القرآن ‪ ،‬وذكر من الدلة على رده بعض ما تقدم (‪ )10‬وال أعلم‪.‬‬
‫فائدة حسنة جليلة ‪:‬‬
‫روى الحافظ أبو ُنعَيم الصبهاني في كتاب "دلئل النبوة" من طريق محمد بن عمر الواقدي ‪:‬‬
‫حدثني مالك بن أبي الرجال ‪ ،‬عن عمرو بن عبد ال ‪ ،‬عن محمد بن كعب القرظي ‪ ،‬قال ‪ :‬بعث‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم دَحْية بن خليفة إلى قيصر ‪ -‬فذكر وروده عليه وقدومه إليه‪ .‬وفي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫السياق دللة عظيمة على ُوفُور عقل هرقل ‪ -‬ثم استدعى من بالشام من التجار ‪ ،‬فجيء بأبي‬
‫سفيان صخر بن حرب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬يركب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وكقول"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ذكره الطبري في تفسيره (‪ )15/13‬بإسناده إلى ابن إسحاق‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬اختلف"‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪)14 ، 15/13‬‬

‫( ‪)5/44‬‬

‫حمَلْنَا مَعَ‬
‫خذُوا مِنْ دُونِي َوكِيلًا (‪ )2‬ذُرّيّةَ مَنْ َ‬
‫جعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ َألّا تَتّ ِ‬
‫وَآَتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ َو َ‬
‫شكُورًا (‪)3‬‬
‫نُوحٍ إِنّهُ كَانَ عَ ْبدًا َ‬

‫وأصحابه ‪ ،‬فسألهم عن تلك المسائل المشهورة التي رواها البخاري ومسلم ‪ ،‬كما سيأتي بيانه ‪،‬‬
‫وجعل أبو سفيان يجهد أن يحقر أمره ويصغره عنده‪ .‬قال في هذا السياق عن أبي سفيان ‪ :‬وال ما‬
‫ي ‪ ،‬ول‬
‫يمنعني أن أقول عليه قول أسقطه من عينه إل أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها عل ّ‬
‫يصدقني بشيء‪ .‬قال ‪ :‬حتى ذكرت قوله ليلة أسري به قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬أيها الملك ‪ ،‬أل أخبرك خبرًا‬
‫تعرف أنه قد كذب ؟ قال ‪ :‬وما هو ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا ‪ -‬أرض‬
‫الحرم ‪ -‬في ليلة فجاء مسجدكم هذا ‪ -‬مسجد إيلياء ‪ ،‬ورجع (‪ )1‬إلينا تلك الليلة قبل الصباح‪ .‬قال‬
‫‪ :‬وبَطْرِيقُ إيلياء عند رأس قيصر ‪ ،‬فقال ‪ :‬بَطْرِيق إيلياء ‪ :‬قد علمت تلك الليلة ‪ ،‬قال ‪ :‬فنظر (‪)2‬‬
‫قيصر ‪ ،‬وقال ‪ :‬وما علمك بهذا ؟ قال ‪ :‬إني كنت ل أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد ‪ ،‬فلما كان‬
‫تلك الليلة أغلقت البواب كلها غير باب واحد غلبني ‪ ،‬فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني كلهم‬
‫فعالجته فغلبني ‪ ،‬فلم نستطع أن نحركه ‪ ،‬كأنما نزاول به جبل فدعوت إليه النجاجرة ‪ ،‬فنظروا‬
‫إليه فقالوا ‪ :‬إن هذا الباب سقط عليه النجاف والبنيان ول نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من أين أتى‪ .‬قال ‪ :‬فرجعت وتركت البابين مفتوحين‪ .‬فلما أصبحت غدوت عليهما فإذا الحجر‬
‫الذي في زاوية الباب (‪ )3‬مثقوب ‪ ،‬وإذا فيه أثر مربط الدابة قال ‪ :‬فقلت لصحابي ‪ :‬ما حبس هذا‬
‫الباب الليلة إل على نبي ‪ ،‬وقد صلى الليلة في مسجدنا‪ .‬وذكر تمام الحديث (‪.)4‬‬
‫فائدة ‪:‬‬
‫قال الحافظ أبو الخطاب عمر بن َدحْيَة في كتابه "التنوير في مولد السراج المنير" وقد ذكر حديث‬
‫السراء من طريق أنس ‪ ،‬وتكلم عليه فأجاد وأفاد ‪ -‬ثم قال ‪ :‬وقد تواترت الروايات في حديث‬
‫السراء عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬وعلي [بن أبي طالب] (‪ )5‬وابن مسعود ‪ ،‬وأبي ذر ‪ ،‬ومالك بن‬
‫صعصعة ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬وأبي سعيد ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وشداد بن أوس ‪ ،‬وأبي بن كعب ‪ ،‬وعبد‬
‫الرحمن بن قُرْط ‪ ،‬وأبي حبة وأبي ليلى النصاريين (‪ ، )6‬وعبد ال بن عمرو ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬وحذيفة‬
‫‪ ،‬وبريدة ‪ ،‬وأبي أيوب ‪ ،‬وأبي أمامة ‪ ،‬وسمرة بن جُنْدُب ‪ ،‬وأبي الحمراء ‪ ،‬وصهيب الرومي ‪،‬‬
‫وأم هانئ ‪ ،‬وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق ‪ ،‬رضي ال عنهم أجمعين‪ .‬منهم من ساقه‬
‫بطوله ‪ ،‬ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ‪ ،‬وإن لم تكن (‪ )7‬رواية بعضهم على شرط‬
‫الصحة ‪ ،‬فحديث السراء أجمع عليه المسلمون ‪ ،‬واعترض فيه الزنادقة الملحدون (‪ { )8‬يُرِيدُونَ‬
‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِمْ وَاللّهُ مُتِمّ نُو ِر ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ } [ الصف ‪.] 8 :‬‬
‫لِيُ ْ‬
‫حمَلْنَا‬
‫خذُوا مِنْ دُونِي َوكِيل (‪ )2‬ذُرّيّةَ مَنْ َ‬
‫جعَلْنَاهُ ُهدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَل تَتّ ِ‬
‫ب وَ َ‬
‫{ وَآتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَا َ‬
‫شكُورًا (‪.} )3‬‬
‫مَعَ نُوحٍ إِنّهُ كَانَ عَ ْبدًا َ‬
‫لما ذكر تعالى أنه أسرى بعبده محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ ، )9‬عطف بذكر موسى عبده‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فرجع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فنظر إليه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬هـ ‪" :‬المسجد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره السيوطي في الدر المنثور (‪ )5/224‬وعزاه لبي نعيم في الدلئل ‪ ،‬ولم أجده في‬
‫المطبوع من الدلئل‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬النصاري"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬يكن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬والملحدون"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)5/45‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكليمه [عليه السلم] (‪ )1‬أيضًا ‪ ،‬فإنه تعالى كثيرًا ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد عليهما السلم‬
‫(‪ )2‬وبين ذكر التوراة والقرآن ؛ ولهذا قال بعد ذكر السراء ‪ { :‬وَآتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ } يعني‬
‫جعَلْنَاهُ } أي الكتاب { هُدًى } أي هاديًا { لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ أَل تَتّخِذُوا } أي لئل تتخذوا‬
‫التوراة { وَ َ‬
‫{ مِنْ دُونِي َوكِيل } أي وليًا ول نصيرًا ول معبودًا دوني ؛ لن ال تعالى أنزل على كل نبي‬
‫أرسله (‪ )3‬أن يعبده وحده ل شريك له‪.‬‬
‫حمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } تقديره ‪ :‬يا ذرية من حملنا مع نوح‪ .‬فيه تهييج وتنبيه على‬
‫ثم قال ‪ { :‬ذُرّيّةَ مَنْ َ‬
‫المنة ‪ ،‬أي ‪ :‬يا سللة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة ‪ ،‬تشبهوا بأبيكم ‪ { ،‬إِنّهُ كَانَ عَبْدًا‬
‫شكُورًا } فاذكروا أنتم نعمتي عليكم بإرسالي إليكم محمدًا صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد ورد في‬
‫َ‬
‫الحديث وفي الثر عن السلف ‪ :‬أن نوحًا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان يحمد ال [تعالى] (‪ )4‬على طعامه‬
‫وشرابه ولباسه وشأنه كله; فلهذا سمي عبدًا شكورًا‪.‬‬
‫حصَين ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫عن عبد ال بن سنان ‪ ،‬عن سعد بن مسعود الثقفي قال ‪ :‬إنما سمي نوح عبدًا شكورًا ؛ لنه كان‬
‫إذا أكل أو شرب حمد ال (‪.)5‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬حدثنا زكريا بن أبي زائدة ‪ ،‬عن سعيد بن أبي بُ ْردَة ‪،‬‬
‫عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال ليرضى‬
‫عن العبد أن يأكل الكلة أو يشرب الشربة فيحمد ال عليها"‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من طريق أبي أسامة ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ :‬كان يحمد ال على كل حال‪.‬‬
‫وقد ذكر البخاري هنا حديث أبي زُرْعَة ‪ ،‬عن أبي هريرة [رضي ال عنه] (‪ ، )7‬عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬أنا سيد الناس يوم القيامة ‪ -‬بطوله ‪ ،‬وفيه ‪ : -‬فيأتون نوحًا فيقولون ‪ :‬يا‬
‫نوح ‪ ،‬أنت (‪ )8‬أول الرسل إلى أهل الرض ‪ ،‬وقد سماك ال عبدًا شكورًا ‪ ،‬اشفع لنا إلى ربك"‬
‫وذكر الحديث بكماله (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عليهما الصلة والسلم"‪ .‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهما من ال الصلة والسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أرسل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير (‪.)6/32‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ ، )3/117‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2734‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1816‬وسنن النسائي‬
‫الكبرى برقم (‪.)6899‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يانوح ‪ ،‬إنك أنت"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪.)4712‬‬

‫( ‪)5/46‬‬

‫ن وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرًا (‪ )4‬فَِإذَا جَاءَ‬


‫َو َقضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ لَ ُتفْسِدُنّ فِي الْأَ ْرضِ مَرّتَيْ ِ‬
‫وَعْدُ أُولَا ُهمَا َبعَثْنَا عَلَ ْيكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدّيَارِ َوكَانَ وَعْدًا مَ ْفعُولًا (‪ُ )5‬ثمّ‬
‫سكُمْ‬
‫جعَلْنَاكُمْ َأكْثَرَ َنفِيرًا (‪ )6‬إِنْ َأحْسَنْتُمْ أَحْسَنْ ُتمْ لِأَ ْنفُ ِ‬
‫ن وَ َ‬
‫ل وَبَنِي َ‬
‫رَ َددْنَا َلكُمُ ا ْلكَ ّرةَ عَلَ ْي ِه ْم وََأمْدَدْنَاكُمْ بَِأ ْموَا ٍ‬
‫سجِدَ َكمَا َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَ ّرةٍ‬
‫وَإِنْ أَسَأْتُمْ فََلهَا فَإِذَا جَا َء وَعْدُ الْآَخِ َرةِ لِ َيسُوءُوا وُجُو َهكُ ْم وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَ ْ‬
‫وَلِيُتَبّرُوا مَا عََلوْا تَتْبِيرًا (‪)7‬‬

‫ن وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرًا (‪ )4‬فَِإذَا جَاءَ‬


‫سدُنّ فِي ال ْرضِ مَرّتَيْ ِ‬
‫{ َو َقضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ لَ ُتفْ ِ‬
‫شدِيدٍ َفجَاسُوا خِللَ الدّيَا ِر َوكَانَ وَعْدًا َم ْفعُول (‪ )5‬ثُمّ‬
‫وَعْدُ أُول ُهمَا َبعَثْنَا عَلَ ْيكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ َ‬
‫جعَلْنَاكُمْ َأكْثَرَ َنفِيرًا (‪ )6‬إِنْ َأحْسَنْتُمْ أَحْسَنْ ُتمْ‬
‫ن وَ َ‬
‫ل وَبَنِي َ‬
‫رَ َددْنَا َلكُمُ ا ْلكَ ّرةَ عَلَ ْي ِه ْم وََأمْدَدْنَاكُمْ بَِأ ْموَا ٍ‬
‫سجِدَ َكمَا دَخَلُوهُ َأ ّولَ‬
‫سكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فََلهَا فَِإذَا جَا َء وَعْدُ الخِ َرةِ لِيَسُوءُوا وُجُو َهكُ ْم وَلِ َيدْخُلُوا ا ْلمَ ْ‬
‫لنْفُ ِ‬
‫مَ ّرةٍ وَلِيُتَبّرُوا مَا عََلوْا تَتْبِيرًا (‪} )7‬‬

‫( ‪)5/47‬‬

‫حصِيرًا (‪)8‬‬
‫جهَنّمَ لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫جعَلْنَا َ‬
‫عدْنَا وَ َ‬
‫عدْتُمْ ُ‬
‫ح َمكُ ْم وَإِنْ ُ‬
‫عَسَى رَ ّبكُمْ أَنْ يَ ْر َ‬

‫حصِيرًا (‪} )8‬‬


‫جهَنّمَ لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫جعَلْنَا َ‬
‫ح َمكُ ْم وَإِنْ عُدْ ُتمْ عُدْنَا وَ َ‬
‫عسَى رَ ّب ُكمْ أَنْ يَ ْر َ‬
‫{ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬إنه قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب ‪ ،‬أي ‪ :‬تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي‬
‫أنزله عليهم أنهم سيفسدون في الرض مرتين ويعلون (‪ )1‬علوًا كبيرًا ‪ ،‬أي ‪ :‬يتجبرون ويطغون‬
‫ك المْرَ أَنّ دَابِرَ َهؤُلءِ َمقْطُوعٌ‬
‫ويفجرون على الناس كما قال تعالى ‪َ { :‬و َقضَيْنَا إِلَيْهِ ذَِل َ‬
‫ُمصْبِحِينَ } [ الحجر ‪ ] 66 :‬أي ‪ :‬تقدمنا إليه وأخبرناه بذلك وأعلمناه به‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَِإذَا جَا َء وَعْدُ أُول ُهمَا } أي ‪ :‬أولى الفسادتين { َبعَثْنَا عَلَ ْيكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ }‬
‫أي ‪ :‬سلطنا عليكم جندًا من خلقنا أولي بأس شديد ‪ ،‬أي ‪ :‬قوة وعدة وسلطة (‪ )2‬شديدة { فَجَاسُوا‬
‫خِللَ الدّيَارِ } أي ‪ :‬تملكوا بلدكم وسلكوا خلل بيوتكم ‪ ،‬أي ‪ :‬بينها ووسطها ‪ ،‬وانصرفوا ذاهبين‬
‫وجائين ل يخافون أحدا { َوكَانَ وَعْدًا َم ْفعُول }‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلء المسلطين عليهم ‪ :‬من هم ؟ فعن ابن عباس‬
‫وقتادة ‪ :‬أنه جالوت الجَزَريّ وجنوده ‪ ،‬سلط عليهم أول ثم أديلوا عليه بعد ذلك‪ .‬وقتل داود جالوت‬
‫جعَلْنَا ُكمْ َأكْثَرَ َنفِيرًا }‬
‫ن وَ َ‬
‫؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬ثمّ رَ َددْنَا َلكُمُ ا ْلكَ ّرةَ عَلَ ْيهِ ْم وََأمْ َددْنَاكُمْ بَِأ ْموَالٍ وَبَنِي َ‬
‫وعن سعيد بن جبير ‪ :‬أنه ملك الموصل سنجاريب وجنوده‪ .‬وعنه أيضًا ‪ ،‬وعن غيره ‪ :‬أنه‬
‫بختنصر ملك بابل‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن أبي حاتم له قصة عجيبة في كيفية ترقيه من حال إلى حال ‪ ،‬إلى أن ملك البلد ‪،‬‬
‫وأنه كان فقيرًا مقعدًا ضعيفًا يستعطي الناس ويستطعمهم ‪ ،‬ثم آل به الحال إلى ما آل ‪ ،‬وأنه سار‬
‫إلى بلد بيت المقدس ‪ ،‬فقتل بها خلقًا كثيرًا من بني إسرائيل‪.‬‬
‫وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثًا أسنده عن حذيفة مرفوعًا مطول (‪ )3‬وهو حديث‬
‫موضوع ل محالة ‪ ،‬ل يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث! والعجب كل العجب كيف‬
‫راج عليه مع إمامته وجللة قدره! وقد صرح شيخنا الحافظ العلمة أبو الحجاج المزي ‪ ،‬رحمه‬
‫ال ‪ ،‬بأنه موضوع مكذوب ‪ ،‬وكتب ذلك على حاشية الكتاب‪.‬‬
‫وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها ؛ لن منها ما هو موضوع ‪،‬‬
‫من وضع [بعض] (‪ )4‬زنادقتهم ‪ ،‬ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحًا ‪ ،‬ونحن في غُنْيَة عنها ‪،‬‬
‫ول الحمد‪ .‬وفيما قص ال تعالى علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله ‪ ،‬ولم يحوجنا‬
‫ال ول رسوله إليهم‪ .‬وقد أخبر ال تعالى أنهم لما بغوا وطغوا سلط ال عليهم عدوهم ‪ ،‬فاستباح‬
‫بَ ْيضَتَهم ‪ ،‬وسلك خلل بيوتهم وأذلهم وقهرهم ‪ ،‬جزاء وفاقًا ‪ ،‬وما ربك بظلم للعبيد ؛ فإنهم كانوا‬
‫قد تمردوا وقتلوا خلقا من النبياء والعلماء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولتعلن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وسلطنة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪)15/17‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/47‬‬

‫إِنّ َهذَا ا ْلقُرْآَنَ َيهْدِي ِللّتِي ِهيَ َأ ْقوَمُ وَيُبَشّرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ َل ُهمْ أَجْرًا كَبِيرًا (‬
‫عذَابًا أَلِيمًا (‪)10‬‬
‫‪ )9‬وَأَنّ الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالْآَخِ َرةِ أَعْ َتدْنَا َلهُمْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد روى ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني سليمان بن بلل‬
‫‪ ،‬عن يحيى بن سعيد قال ‪ :‬سمعت سعيد بن المسيب يقول ‪ :‬ظهر بُخت َنصّر على الشام ‪ ،‬فخرب‬
‫بيت المقدس وقتلهم ‪ ،‬ثم أتى دمشق فوجد بها دمًا يغلي على كِبًا ‪ ،‬فسألهم ‪ :‬ما هذا الدم ؟ فقالوا‬
‫أدركنا آباءنا على هذا ‪ ،‬وكلما ظهر عليه الكبا ظهر‪ .‬قال ‪ :‬فقتل على ذلك الدم سبعين ألفًا من‬
‫المسلمين وغيرهم ‪ ،‬فسكن (‪.)1‬‬
‫وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب ‪ ،‬وهذا هو المشهور ‪ ،‬وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم ‪ ،‬حتى إنه‬
‫لم يبق من يحفظ التوراة ‪ ،‬وأخذ معه خلقًا منهم أسرى من أبناء النبياء وغيرهم ‪ ،‬وجرت أمور‬
‫وكوائن يطول ذكرها‪ .‬ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه ‪ ،‬لجاز كتابته وروايته ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫سكُ ْم وَإِنْ َأسَأْتُمْ فََلهَا } أي ‪ :‬فعليها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬مَنْ‬
‫حسَنْتُمْ َأحْسَنْتُمْ لنْفُ ِ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬إِنْ أَ ْ‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا فَلِ َنفْسِ ِه َومَنْ أَسَاءَ َفعَلَ ْيهَا } [ فصلت ‪.] 46 :‬‬
‫َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَِإذَا جَا َء وَعْدُ الخِ َرةِ } أي ‪ :‬المرة الخرة (‪ )2‬أي ‪ :‬إذا أفسدتم المرة الثانية وجاء‬
‫سجِدَ } أي بيت المقدس‬
‫أعداؤكم { لِيَسُوءُوا وُجُو َه ُكمْ } أي ‪ :‬يهينوكم ويقهروكم { وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَ ْ‬
‫{ َكمَا دَخَلُوهُ َأ ّولَ مَ ّرةٍ } أي ‪ :‬في التي جاسوا فيها خلل الديار { وَلِيُتَبّرُوا } أي ‪ :‬يدمروا ويخربوا‬
‫ح َمكُمْ } أي ‪ :‬فيصرفهم عنكم { وَإِنْ‬
‫{ مَا عََلوْا } أي ‪ :‬ما ظهروا عليه { تَتْبِيرًا عَسَى رَ ّبكُمْ أَنْ يَ ْر َ‬
‫عُدْ ُتمْ عُدْنَا } أي ‪ :‬متى عدتم إلى الفساد { عُدْنَا } إلى الدالة عليكم في الدنيا مع ما ندخره لكم في‬
‫حصِيرًا } أي ‪:‬‬
‫جهَنّمَ لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫جعَلْنَا َ‬
‫الخرة من العذاب والنكال ‪ ،‬ولهذا قال [تعالى] (‪ { )3‬وَ َ‬
‫مستقرًا ومحصرًا وسجنًا ل محيد لهم عنه‪.‬‬
‫حصِيرًا } أي ‪ :‬سجنًا‪.‬‬
‫قال ابن عباس [رضي ال عنهما] (‪َ { : )4‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬يحصرون فيها‪ .‬وكذا قال غيره‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ :‬فراش ومهاد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قد عاد بنو إسرائيل ‪ ،‬فسلط ال عليهم هذا الحي ‪ ،‬محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫وأصحابه ‪ ،‬يأخذون منهم الجزية عن يد وهم صاغرون‪.‬‬
‫{ إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآنَ َيهْدِي لِلّتِي ِهيَ َأ ْقوَ ُم وَيُبَشّرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّاِلحَاتِ أَنّ َلهُمْ َأجْرًا كَبِيرًا‬
‫عذَابًا أَلِيمًا (‪} )10‬‬
‫(‪ )9‬وَأَنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ أَعْ َتدْنَا َلهُمْ َ‬
‫يمدح تعالى كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى ال عليه وسلم وهو القرآن ‪ ،‬بأنه‬
‫يهدي لقوم الطرق ‪ ،‬وأوضح السبل { وَيُبَشّرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } به { الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّاِلحَاتِ } على‬
‫مقتضاه { أَنّ َلهُمْ َأجْرًا كَبِيرًا } أي ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫عذَابًا أَلِيمًا } أي‬
‫{ وَأَنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ } أي ‪ :‬ويبشر الذين ل يؤمنون بالخرة أن { َلهُمْ َ‬
‫‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَبَشّ ْرهُمْ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران ‪.] 21 :‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)15/24‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الخرى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/48‬‬

‫حوْنَا‬
‫جعَلْنَا اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ آَيَتَيْنِ َفمَ َ‬
‫وَيَ ْدعُ الْإِنْسَانُ بِالشّرّ دُعَا َءهُ بِالْخَيْ ِر َوكَانَ الْإِ ْنسَانُ عَجُولًا (‪ )11‬وَ َ‬
‫حسَابَ َو ُكلّ‬
‫ن وَالْ ِ‬
‫عدَدَ السّنِي َ‬
‫جعَلْنَا آَ َيةَ ال ّنهَارِ مُ ْبصِ َرةً لِتَبْ َتغُوا َفضْلًا مِنْ رَ ّب ُك ْم وَلِ َتعَْلمُوا َ‬
‫ل وَ َ‬
‫آَيَةَ اللّ ْي ِ‬
‫شيْءٍ َفصّلْنَاهُ َت ْفصِيلًا (‪)12‬‬
‫َ‬

‫عجُول (‪} )11‬‬


‫{ وَيَ ْدعُ النْسَانُ بِالشّرّ دُعَا َءهُ بِالْخَيْ ِر َوكَانَ النْسَانُ َ‬
‫يخبر تعالى عن عجلة النسان ‪ ،‬ودعائه في بعض الحيان على نفسه أو ولده أو ماله { بِالشّرّ }‬
‫أي ‪ :‬بالموت أو الهلك والدمار واللعنة ونحو ذلك ‪ ،‬فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه ‪ ،‬كما قال‬
‫جلُ اللّهُ لِلنّاسِ الشّرّ اسْ ِتعْجَاَلهُمْ بِا ْلخَيْرِ َل ُقضِيَ إِلَ ْيهِمْ َأجَُلهُمْ } [ يونس ‪، ] 11 :‬‬
‫تعالى ‪ { :‬وََلوْ ُيعَ ّ‬
‫وكذا فسره ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وقد تقدم في الحديث ‪" :‬ل تدعوا على أنفسكم ول على‬
‫أموالكم ‪ ،‬أن توافقوا من ال ساعة إجابة يستجيب فيها"‪.‬‬
‫وإنما يحمل ابن آدم على ذلك عجلته وقلقه ؛ ولهذا قال تعالى { َوكَانَ النْسَانُ عَجُول }‬
‫وقد ذكر سلمان الفارسي وابن عباس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬هاهنا قصة آدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين‬
‫همّ بالنهوض قائمًا قبل أن تصل الروح إلى رجليه ‪ ،‬وذلك أنه جاءته النفخة من قبل رأسه ‪ ،‬فلما‬
‫وصلت إلى دماغه عطس ‪ ،‬فقال ‪ :‬الحمد ل‪ .‬فقال ال ‪ :‬يرحمك ربك يا آدم‪ .‬فلما وصلت إلى‬
‫عينيه فتحهما ‪ ،‬فلما سرت إلى أعضائه وجسده جعل ينظر إليه ويعجبه ‪ ،‬فه ّم بالنهوض قبل أن‬
‫تصل إلى رجليه فلم يستطع (‪ )1‬وقال ‪ :‬يا رب عجل (‪ )2‬قبل الليل‪.‬‬
‫جعَلْنَا آيَةَ ال ّنهَارِ مُ ْبصِ َرةً لِتَبْ َتغُوا َفضْل مِنْ رَ ّبكُمْ‬
‫ل وَ َ‬
‫حوْنَا آيَةَ اللّ ْي ِ‬
‫جعَلْنَا اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ آيَتَيْنِ َفمَ َ‬
‫{ وَ َ‬
‫شيْءٍ َفصّلْنَاهُ َت ْفصِيل (‪} )12‬‬
‫ب َو ُكلّ َ‬
‫ن وَالْحِسَا َ‬
‫عدَدَ السّنِي َ‬
‫وَلِ َتعَْلمُوا َ‬
‫يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام ‪ ،‬فمنها مخالفته بين الليل والنهار ‪ ،‬ليسكنوا في الليل وينتشروا‬
‫في النهار للمعايش والصناعات (‪ )3‬والعمال والسفار ‪ ،‬وليعلموا عدد اليام والجمع والشهور‬
‫والعوام ‪ ،‬ويعرفوا مضي الجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملت والجارات وغير ذلك‬
‫؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِتَبْ َتغُوا َفضْل مِنْ رَ ّبكُمْ } أي ‪ :‬في معايشكم (‪ )4‬وأسفاركم ونحو ذلك { وَلِ َتعَْلمُوا‬
‫ن وَا ْلحِسَابَ } فإنه لو كان الزمان كله نسقًا واحدًا وأسلوبًا متساويًا لما عرف شيء من‬
‫عَ َددَ السّنِي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ اللّ ْيلَ سَ ْرمَدًا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ‬
‫ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َ‬
‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ ال ّنهَارَ سَ ْرمَدًا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ ِإلَهٌ‬
‫س َمعُونَ ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ َ‬
‫اللّهِ يَأْتِي ُكمْ ِبضِيَاءٍ َأفَل َت ْ‬
‫سكُنُوا فِيهِ‬
‫ل وَال ّنهَارَ لِ َت ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْي َ‬
‫حمَتِهِ َ‬
‫ن َومِنْ رَ ْ‬
‫سكُنُونَ فِيهِ َأفَل تُ ْبصِرُو َ‬
‫غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَ ْيلٍ تَ ْ‬
‫شكُرُونَ } [ القصص ‪ ، ] 73 - 71 :‬وقال تعالى ‪ { :‬تَبَا َركَ الّذِي‬
‫وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫ل وَال ّنهَارَ خِ ْلفَةً ِلمَنْ‬
‫ج َعلَ اللّ ْي َ‬
‫ج َعلَ فِيهَا سِرَاجًا َوقَمَرًا مُنِيرًا وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫سمَاءِ بُرُوجًا وَ َ‬
‫ج َعلَ فِي ال ّ‬
‫َ‬
‫شكُورًا } [ الفرقان ‪ ] 62 ، 61 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَلَهُ اخْتِلفُ اللّ ْيلِ‬
‫أَرَادَ أَنْ يَ ّذكّرَ َأوْ أَرَادَ ُ‬
‫وَال ّنهَارِ } [ المؤمنون ‪ ، ] 80 :‬وقال ‪ُ { :‬ي َكوّرُ (‪ )5‬اللّ ْيلَ عَلَى ال ّنهَا ِر وَ ُي َكوّرُ ال ّنهَارَ عَلَى اللّ ْيلِ‬
‫سمّى أَل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َغفّارُ } [ الزمر ‪ ، ] 5 :‬وقال تعالى‬
‫جلٍ ُم َ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ َيجْرِي ل َ‬
‫شمْ َ‬
‫وَسَخّرَ ال ّ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ حُسْبَانًا ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ } [ النعام ‪:‬‬
‫شمْ َ‬
‫سكَنًا وَال ّ‬
‫ج َعلَ اللّ ْيلَ َ‬
‫ق الصْبَاحِ وَ َ‬
‫‪ { :‬فَاِل ُ‬
‫‪ ، ] 96‬وقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬قبل أن يستطيع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬اعجل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والصنائع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬معاشكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ويكور" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)5/49‬‬

‫َوكُلّ إِنْسَانٍ أَلْ َزمْنَاهُ طَائِ َرهُ فِي عُ ُنقِ ِه وَنُخْرِجُ َلهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ كِتَابًا يَ ْلقَاهُ مَنْشُورًا (‪ )13‬اقْرَأْ كِتَا َبكَ َكفَى‬
‫سكَ الْ َيوْمَ عَلَ ْيكَ حَسِيبًا (‪)14‬‬
‫بِ َنفْ ِ‬

‫شمْسُ َتجْرِي ِلمُسْ َتقَرّ َلهَا ذَِلكَ َتقْدِيرُ‬


‫ن وَال ّ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَآيَةٌ َلهُمُ اللّ ْيلُ َنسْلَخُ مِنْهُ ال ّنهَارَ فَِإذَا ُهمْ مُظِْلمُو َ‬
‫ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ } [ يس ‪.] 38 ، 37 :‬‬
‫ثم إنه تعالى جعل لليل آية ‪ ،‬أي ‪ :‬علمة يعرف بها (‪ )1‬وهي الظلم وظهور القمر فيه ‪ ،‬وللنهار‬
‫علمة ‪ ،‬وهي النور وظهور (‪ )2‬الشمس النيرة فيه ‪ ،‬وفاوت بين ضياء القمر وبرهان الشمس‬
‫س ضِيَا ًء وَا ْل َقمَرَ نُورًا َوقَدّ َرهُ مَنَا ِزلَ‬
‫شمْ َ‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫ليعرف هذا من هذا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬هوَ الّذِي َ‬
‫حسَابَ مَا خََلقَ اللّهُ ذَِلكَ إِل بِا ْلحَقّ } إلى قوله ‪ { :‬ليَاتٍ (‪ِ )3‬ل َقوْمٍ يَ ّتقُونَ } [‬
‫ن وَالْ ِ‬
‫عدَدَ السّنِي َ‬
‫لِ َتعَْلمُوا َ‬
‫يونس ‪ ، ] 6 ، 5 :‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يسْأَلُو َنكَ عَنِ الهِلّةِ ُقلْ ِهيَ َموَاقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجّ } الية‬
‫[ البقرة ‪.] 189 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعَلْنَا آيَةَ ال ّنهَارِ مُ ْبصِ َرةً }‬
‫ل وَ َ‬
‫حوْنَا آ َيةَ اللّ ْي ِ‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن عبد ال بن كثير في قوله ‪َ { :‬فمَ َ‬
‫قال ‪ :‬ظلمة الليل وسُدفة (‪ )4‬النهار‪.‬‬
‫حوْنَا آيَةَ اللّ ْيلِ } قال ‪:‬‬
‫وقال ابن جريج عن مجاهد ‪ :‬الشمس آية النهار ‪ ،‬والقمر آية الليل { َفمَ َ‬
‫السواد الذي في القمر ‪ ،‬وكذلك (‪ )5‬خلقه ال تعالى‪.‬‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬كان القمر يضيء كما تضيء الشمس ‪ ،‬والقمر آية الليل ‪،‬‬
‫حوْنَا آ َيةَ اللّ ْيلِ } السواد الذي في القمر‪.‬‬
‫والشمس آية النهار { َفمَ َ‬
‫وقد روى أبو جعفر بن جرير من طرق متعددة جيدة ‪ :‬أن ابن ال َكوّاء سأل [أمير المؤمنين] (‪)6‬‬
‫علي ابن أبي طالب فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬ما هذه اللطخة التي في القمر ؟ فقال ‪ :‬ويحك أما‬
‫حوْنَا آيَةَ اللّ ْيلِ } فهذه محوه‪.‬‬
‫تقرأ القرآن ؟ { َف َم َ‬
‫حوْنَا آيَةَ اللّ ْيلِ } كنا نحدث أن (‪ )7‬محو آية الليل سواد القمر الذي فيه ‪،‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪َ { :‬فمَ َ‬
‫وجعلنا آية النهار مبصرة ‪ ،‬أي ‪ :‬منيرة ‪ ،‬خلق الشمس أنور من القمر وأعظم‪.‬‬
‫جعَلْنَا اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ آيَتَيْنِ } قال ‪ :‬ليل ونهارًا ‪ ،‬كذلك‬
‫وقال ابن أبي نجيح عن ابن عباس ‪ { :‬وَ َ‬
‫خلقهما ال ‪ ،‬عز وجل (‪.)8‬‬
‫{ َو ُكلّ إِنْسَانٍ أَلْ َزمْنَاهُ طَائِ َرهُ فِي عُ ُنقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ َي ْومَ ا ْلقِيَامَةِ كِتَابًا يَ ْلقَاهُ مَ ْنشُورًا (‪ )13‬اقْرَأْ كِتَا َبكَ‬
‫سكَ الْ َيوْمَ عَلَ ْيكَ حَسِيبًا (‪} )14‬‬
‫َكفَى بِ َنفْ ِ‬
‫يقول تعالى بعد ذكر الزمان وذكر ما يقع فيه من أعمال بني آدم ‪َ { :‬و ُكلّ إِنْسَانٍ أَلْ َزمْنَاهُ طَائِ َرهُ فِي‬
‫عُ ُنقِهِ } وطائره ‪ :‬هو ما طار عنه من عمله ‪ ،‬كما قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد ‪ :‬من خير‬
‫وشر ‪ ،‬يُلزم به ويجازى عليه { َفمَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ خَيْرًا يَ َر ُه َومَنْ َي ْع َملْ مِثْقَالَ ذَ ّرةٍ شَرّا يَ َرهُ } [‬
‫شمَالِ َقعِيدٌ مَا يَ ْلفِظُ مِنْ َق ْولٍ إِل َلدَيْهِ َرقِيبٌ‬
‫ن وَعَنِ ال ّ‬
‫الزلزلة ‪ ، ] 6 ، 5 :‬وقال تعالى ‪ { :‬عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫عَتِيدٌ } [ ق ‪، ] 18 ، 17 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يعرفونها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وطلوع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪( :‬إن في ذلك ليات) وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وسدف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ولذلك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ما نجد كان"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/50‬‬

‫وقال تعالى ‪ { :‬وَإِنّ عَلَ ْي ُكمْ لَحَا ِفظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ َيعَْلمُونَ مَا َتفْعَلُونَ إِنّ البْرَارَ َلفِي َنعِي ٍم وَإِنّ‬
‫ا ْلفُجّارَ َلفِي جَحِيمٍ } [ النفطار ‪ ، ] 14 - 10 :‬قال ‪ { :‬إِ ّنمَا ُتجْ َزوْنَ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } [الطور ‪:‬‬
‫‪ ]16‬وقال ‪ { :‬مَنْ َي ْع َملْ سُوءًا ُيجْزَ بِهِ } [ النساء ‪.] 123 :‬‬
‫والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه ‪ ،‬قليله وكثيره ‪ ،‬ويكتب عليه ليل ونهارًا ‪ ،‬صباحًا‬
‫ومساء‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن أبى الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ :‬سمعت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬لَطَائر كل إنسان في عنقه"‪ .‬قال ابن لهيعة ‪ :‬يعني الطيرة (‪.)1‬‬
‫وهذا القول من ابن لهيعة في تفسير هذا الحديث ‪ ،‬غريب جدًا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { )2‬وَنُخْرِجُ َلهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ كِتَابًا يَ ْلقَاهُ مَنْشُورًا } أي ‪ :‬نجمع له عمله كله في كتاب‬
‫يعطاه يوم القيامة ‪ ،‬إما بيمينه إن كان سعيدًا ‪ ،‬أو بشماله إن كان شقيًا { مَنْشُورًا } أي ‪ :‬مفتوحًا‬
‫يقرؤه هو وغيره ‪ ،‬فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره { يُنَبّأُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا قَدّ َم وَأَخّرَ َبلِ‬
‫النْسَانُ عَلَى َنفْسِهِ َبصِي َر ٌة وََلوْ أَ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ } [ القيامة ‪ ، ] 15 - 13 :‬ولهذا قال تعالى ‪ { :‬اقْرَأْ‬
‫حسِيبًا } أي ‪ :‬إنك (‪ )3‬تعلم أنك لم تظلم ولم يكتب عليك غير ما‬
‫سكَ الْ َيوْمَ عَلَ ْيكَ َ‬
‫كِتَا َبكَ كَفَى بِ َنفْ ِ‬
‫عملت ؛ لنك ذكرت جميع ما كان منك ‪ ،‬ول ينسى أحد شيئًا مما كان منه ‪ ،‬وكل أحد يقرأ كتابه‬
‫من كاتب وأمي‪.‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { )4‬أَلْ َزمْنَاهُ طَائِ َرهُ فِي عُ ُنقِهِ } إنما ذكر العنق ؛ لنه عضو ل نظير له في (‪)5‬‬
‫الجسد ‪ ،‬ومن ألزم بشيء فيه فل محيد له عنه ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪.)6( :‬‬
‫اذهب بها اذهب بها‪ ...‬طوقتها طوق الحمامة‪...‬‬
‫قال قتادة ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬رضي ال عنه (‪ )7‬عن نبي ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫ع ْدوَى ول طيرَة وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه"‪ .‬كذا رواه ابن جرير (‪.)8‬‬
‫"ل َ‬
‫وقد رواه المام عبد بن حميد ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في مسنده متصل فقال ‪ :‬حدثنا الحسن بن موسى ‪،‬‬
‫حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر [رضي ال عنه] (‪ )9‬قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول ‪" :‬طير كل عبد في عنقه" (‪.)10‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا عبد ال ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬حدثني يزيد ‪ :‬أن‬
‫أبا الخير حدثه ‪ :‬أنه سمع عقبة بن عامر [رضي ال عنه] (‪ )11‬يحدث ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬ليس من عمل يوم إل وهو يختم عليه ‪ ،‬فإذا مرض المؤمن قالت الملئكة ‪ :‬يا ربنا ‪،‬‬
‫عبدك فلن ‪ ،‬قد حبسته ؟ فيقول الرب جل جلله ‪ :‬اختموا له على مثل عمله ‪ ،‬حتى يبرأ أو‬
‫يموت" (‪.)12‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ ، )3/360‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/49‬فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه‬
‫ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أي أنت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )6‬هو أبو أحمد بن جحش ‪ ،‬والبيات في السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/500‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)15/39‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬المنتخب لعبد بن حميد برقم (‪.)1053‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪.)4/146‬‬

‫( ‪)5/51‬‬

‫ضلّ عَلَ ْيهَا وَلَا تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ أُخْرَى َومَا كُنّا‬
‫ضلّ فَإِ ّنمَا َي ِ‬
‫ن َ‬
‫مَنِ اهْتَدَى فَإِ ّنمَا َيهْ َتدِي لِ َنفْسِ ِه َومَ ْ‬
‫ُمعَذّبِينَ حَتّى نَ ْب َعثَ رَسُولًا (‪)15‬‬

‫إسناده جيد قوي ‪ ،‬ولم يخرجوه‪.‬‬


‫وقال َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ { :‬أَلْ َزمْنَاهُ طَائِ َرهُ فِي عُ ُنقِهِ } قال ‪ :‬عمله‪ { .‬وَنُخْرِجُ َلهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ } قال ‪:‬‬
‫ن وَعَنِ‬
‫نخرج ذلك العمل { كِتَابًا يَ ْلقَاهُ مَنْشُورًا } قال معمر ‪ :‬وتل الحسن البصري { عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫شمَالِ َقعِيدٌ } [ ق ‪ ] 17 :‬يا ابن آدم ‪ ،‬بسطت لك صحيفتك (‪ )1‬ووكل بك ملكان كريمان ‪،‬‬
‫ال ّ‬
‫أحدهما عن يمينك والخر عن يسارك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ‪ ،‬وأما الذي عن‬
‫يسارك فيحفظ سيئاتك ‪ ،‬فاعمل (‪ )2‬ما شئت ‪ ،‬أقلل أو أكثر ‪ ،‬حتى إذا مت طويت صحيفتك‬
‫فجعلت في عنقك معك في قبرك ‪ ،‬حتى تخرج يوم القيامة كتابًا تلقاه منشورًا { اقْرَأْ كِتَا َبكَ َكفَى‬
‫سكَ الْ َيوْمَ عَلَ ْيكَ حَسِيبًا } قد عدل ‪ -‬وال (‪ - )3‬عليك من جعلك حسيب نفسك‪.‬‬
‫بِ َنفْ ِ‬
‫هذا من حسن (‪ )4‬كلم الحسن ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫ضلّ عَلَ ْيهَا وَل تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ أُخْرَى َومَا كُنّا‬
‫ضلّ فَإِ ّنمَا َي ِ‬
‫{ مَنِ اهْتَدَى فَإِ ّنمَا َيهْتَدِي لِ َنفْسِهِ َومَنْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ُمعَذّبِينَ حَتّى نَ ْب َعثَ رَسُول (‪} )15‬‬
‫يخبر تعالى أن من اهتدى واتبع الحق واقتفى آثار النبوة ‪ ،‬فإنما يحصل عاقبة ذلك الحميدة (‪)5‬‬
‫ضلّ } أي ‪ :‬عن الحق ‪ ،‬وزاغ عن سبيل الرشاد ‪ ،‬فإنما يجني على نفسه ‪ ،‬وإنما‬
‫لنفسه { َومَنْ َ‬
‫يعود وبال ذلك عليه‪.‬‬
‫ن إل على‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَل تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ ُأخْرَى } أي ‪ :‬ل يحمل أحد ذنب أحد ‪ ،‬ول يجني جا ٍ‬
‫شيْءٌ } [ فاطر ‪.] 18 :‬‬
‫ح َملْ مِنْهُ َ‬
‫حمِْلهَا ل ُي ْ‬
‫نفسه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِنْ تَ ْدعُ مُ ْثقَلَةٌ إِلَى ِ‬
‫حمِلُنّ أَ ْثقَاَلهُ ْم وَأَ ْثقَال مَعَ أَ ْثقَاِلهِمْ } [ العنكبوت ‪، ]13 :‬‬
‫ول منافاة بين هذا وبين قوله تعالى ‪ { :‬وَلَ َي ْ‬
‫وقوله [تعالى] (‪َ { )6‬ومِنْ َأوْزَارِ الّذِينَ ُيضِلّو َنهُمْ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ } [ النحل ‪ ، ] 25 :‬فإن الدعاة عليهم‬
‫إثم ضللهم في أنفسهم ‪ ،‬وإثم آخر بسبب ما أضلوا من أضلوا من غير أن ينقص من أوزار‬
‫أولئك ‪ ،‬ول يحملوا عنهم شيئًا‪ .‬وهذا من عدل ال ورحمته بعباده‪.‬‬
‫وكذا قوله تعالى ‪َ { :‬ومَا كُنّا ُمعَذّبِينَ حَتّى نَ ْب َعثَ َرسُول } إخبار عن عدله تعالى ‪ ،‬وأنه ل يعذب‬
‫أحدًا إل بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬كُّلمَا أُ ْلقِيَ فِيهَا َفوْجٌ سَأََلهُمْ‬
‫شيْءٍ إِنْ أَنْ ُتمْ إِل فِي‬
‫خَزَنَ ُتهَا أََلمْ يَأْ ِتكُمْ َنذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا َنذِيرٌ َفكَذّبْنَا َوقُلْنَا مَا نزلَ اللّهُ مِنْ َ‬
‫جهَنّمَ ُزمَرًا‬
‫ضَللٍ كَبِيرٍ } [ الملك ‪ ، ] 9 ، 8 :‬وكذا قوله [تعالى] (‪ { : )7‬وَسِيقَ الّذِينَ َكفَرُوا إِلَى َ‬
‫سلٌ مِ ْن ُكمْ يَتْلُونَ عَلَ ْيكُمْ آيَاتِ رَ ّب ُكمْ‬
‫حتْ أَ ْبوَا ُبهَا َوقَالَ َلهُمْ خَزَنَ ُتهَا أََلمْ يَأْ ِتكُمْ ُر ُ‬
‫حَتّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِ َ‬
‫حقّتْ كَِلمَةُ ا ْلعَذَابِ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ } [ الزمر ‪، ] 71 :‬‬
‫وَيُنْذِرُو َنكُمْ ِلقَاءَ َي ْو ِمكُمْ َهذَا قَالُوا بَلَى وََلكِنْ َ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬وَ ُهمْ َيصْطَ ِرخُونَ فِيهَا رَبّنَا أَخْ ِرجْنَا َن ْع َملْ صَاِلحًا غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْعمَلُ َأوَلَمْ ُن َعمّ ْركُمْ‬
‫مَا يَتَ َذكّرُ فِيهِ مَنْ تَ َذكّ َر وَجَا َء ُكمُ النّذِيرُ فَذُوقُوا َفمَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َنصِيرٍ } [ فاطر ‪] 37 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صحيفة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فاملك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬أحسن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬الحمد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)5/52‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إلى غير ذلك من اليات الدالة على أن ال تعالى ل يدخل أحدًا النار إل بعد إرسال الرسول إليه ‪،‬‬
‫ومن ثم طعن جماعة من العلماء في اللفظة التي جاءت مقحمة في صحيح البخاري عند قوله‬
‫حمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ ا ْلمُحْسِنِينَ } [ العراف ‪.] 56 :‬‬
‫تعالى ‪ { :‬إِنّ َر ْ‬
‫حدثنا عبيد ال بن سعد ‪ ،‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن صالح بن كَيْسَان ‪ ،‬عن العرج بإسناده‬
‫إلى (‪ )1‬أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬اختصمت الجنة والنار" فذكر الحديث‬
‫إلى أن قال ‪" :‬وأما الجنة فل يظلم ال من خلقه أحدًا ‪ ،‬وأنه ينشئ للنار خلقًا فيلقون فيها ‪ ،‬فتقول ‪:‬‬
‫هل من مزيد ؟ (‪ )2‬ثلثا ‪ ،‬وذكر تمام الحديث (‪.)3‬‬
‫فإن هذا إنما جاء في الجنة لنها دار فضل ‪ ،‬وأما النار فإنها دار عدل ‪ ،‬ل يدخلها أحد إل بعد‬
‫العذار إليه وقيام الحجة عليه‪ .‬وقد تكلم جماعة من الحفاظ في هذه اللفظة (‪ )4‬وقالوا ‪ :‬لعله‬
‫انقلب على الراوي بدليل ما أخرجاه في الصحيحين واللفظ للبخاري من حديث عبد الرزاق (‪)5‬‬
‫عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال النبي (‪ )6‬صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تحاجت‬
‫الجنة والنار" فذكر الحديث إلى أن قال ‪" :‬فأما النار فل تمتلئ حتى يضع فيها قدمه ‪ ،‬فتقول ‪:‬‬
‫قط ‪ ،‬قط ‪ ،‬فهنالك تمتلئ ويزوي (‪ )7‬بعضها إلى بعض ‪ ،‬ول يظلم ال من خلقه أحدًا ‪ ،‬وأما الجنة‬
‫فينشئ ال لها خلقًا" (‪.)8‬‬
‫بقي هاهنا مسألة قد اختلف الئمة (‪ )9‬رحمهم ال تعالى ‪ ،‬فيها (‪ )10‬قديمًا وحديثًا وهي ‪ :‬الولدان‬
‫الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار ‪ ،‬ماذا حكمهم ؟ وكذا المجنون والصم والشيخ الخرف ‪،‬‬
‫ومن مات في الفَتْرة ولم تبلغه (‪ )11‬الدعوة‪ .‬وقد ورد في شأنهم أحاديث أنا ذاكرها لك بعون ال‬
‫[تعالى] (‪ )12‬وتوفيقه ثم نذكر فصل ملخصًا من كلم الئمة في ذلك ‪ ،‬وال (‪ )13‬المستعان‪.‬‬
‫فالحديث الول ‪ :‬عن السود بن سَريع ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫الحنف بن قيس ‪ ،‬عن السود بن سريع [رضي ال عنه] (‪ )14‬أن نبي ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬أربعة يحتجون يوم القيامة ‪ :‬رجل أصم ل يسمع شيئًا ‪ ،‬ورجل أحمق ‪ ،‬ورجل هرم ‪،‬‬
‫ورجل مات في فترة ‪ ،‬فأما الصم فيقول ‪ :‬رب ‪ ،‬قد (‪ )15‬جاء السلم وما أسمع شيئًا ‪ ،‬وأما‬
‫الحمق فيقول ‪ :‬رب ‪ ،‬قد جاء السلم والصبيان يحذفوني (‪ )16‬بالبعر ‪ ،‬وأما الهَ َرمُ فيقول ‪ :‬رب‬
‫‪ ،‬لقد جاء السلم وما أعقل شيئًا ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هل من مزيد ؟ ويلقون فيها فتقول ‪ :‬هل من مزيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪)7449‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الفظلة" وهو خطأ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وعبد الرزاق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬قال رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬وينزوي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )4850‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2846‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬العلماء"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬اختلف العلماء فيها"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬ومن لم تبلغه"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وبال"‪.‬‬
‫(‪ )14‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ف ‪" :‬لقد"‪.‬‬
‫(‪ )16‬في ت ‪" :‬يقذفوني"‪.‬‬

‫( ‪)5/53‬‬

‫وأما الذي مات في الفترة فيقول ‪ :‬رب ‪ ،‬ما أتاني لك رسول‪ .‬فيأخذ مواثيقهم ل ُيطِعنّه (‪ )1‬فيرسل‬
‫إليهم أن ادخلوا النار ‪ ،‬فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلمًا" (‪.)2‬‬
‫وبالسناد عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي رافع ‪ ،‬عن أبى هريرة ‪ ،‬مثل هذا الحديث غير أنه‬
‫قال في آخره ‪" :‬من (‪ )3‬دخلها كانت عليه بردًا وسلمًا ‪ ،‬ومن لم يدخلها يسحب إليها" (‪.)4‬‬
‫وكذا رواه إسحاق بن راهويه ‪ ،‬عن معاذ بن هشام ‪ ،‬ورواه البيهقي في كتاب العتقاد ‪ ،‬من حديث‬
‫حنبل (‪ )5‬بن إسحاق ‪ ،‬عن علي بن عبد ال المديني ‪ ،‬به (‪ )6‬وقال ‪ :‬هذا إسناد صحيح ‪ ،‬وكذا‬
‫رواه حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن أبي رافع ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أربعة كلهم يدلي على ال بحجة" فذكر نحوه (‪.)7‬‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬فذكره موقوفًا ‪ ،‬ثم قال أبو‬
‫هريرة ‪ :‬اقرءوا إن شئتم ‪َ { :‬ومَا كُنّا ُمعَذّبِينَ حَتّى نَ ْب َعثَ رَسُول } (‪.)8‬‬
‫وكذا رواه معمر عن عبد ال بن طاوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة موقوفًا‪.‬‬
‫الحديث الثاني ‪ :‬عن أنس بن مالك ‪:‬‬
‫قال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا الربيع ‪ ،‬عن يزيد بن أبان (‪ )9‬قال ‪ :‬قلنا لنس ‪ :‬يا أبا حمزة ‪ ،‬ما‬
‫تقول في أطفال المشركين ؟ فقال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لم يكن لهم سيئات‬
‫فيعذبوا (‪ )10‬بها فيكونوا من أهل النار ‪ ،‬ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من ملوك أهل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الجنة هم من خدم أهل الجنة" (‪.)11‬‬
‫الحديث الثالث ‪ :‬عن أنس أيضًا ‪:‬‬
‫قال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا أبو خَيْ َثمَةَ ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن لَيْث ‪ ،‬عن عبد الوارث ‪ ،‬عن أنس‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يؤتى بأربعة يوم القيامة ‪ :‬بالمولود ‪ ،‬والمعتوه ‪،‬‬
‫ومن مات في الفَتْرَة ‪ ،‬والشيخ الفاني الهرم ‪ ،‬كلهم يتكلم بحجته ‪ ،‬فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق‬
‫من النار ‪ :‬أبرز‪ .‬ويقول لهم ‪ :‬إني كنت أبعث إلى عبادي رسل من أنفسهم ‪ ،‬وإني رسول نفسي‬
‫إليكم ادخلوا هذه‪ .‬قال ‪ :‬فيقول من كتب عليه الشقاء ‪ :‬يا رب ‪ ،‬أنى ندخلها ومنها كنا نفر ؟ قال ‪:‬‬
‫ومن كتبت عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعًا ‪ ،‬قال ‪ :‬فيقول ال تعالى ‪ :‬أنتم لرسلي أشد‬
‫تكذيبًا ومعصية ‪ ،‬فيدخل هؤلء الجنة ‪ ،‬وهؤلء النار"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬لتطيعنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )4/24‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/216‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فمن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )4/24‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/216‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬العتقاد (ص ‪.)169‬‬
‫(‪ )7‬رواه ابن أبي عاصم في السنة برقم (‪ )404‬من طريق الحسن بن موسى ‪ ،‬عن حماد بن‬
‫سلمة به‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)15/41‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬زيد هو أبان"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬ليعذبوا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬رواه أبو نعيم في الحلية (‪ )6/308‬من طريق سفيان الثوري ‪ ،‬عن الربيع بن صبيح به ‪،‬‬
‫وضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح (‪ )3/246‬وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري ‪ ،‬وسمرة‬
‫بن جندب رضي ال عنهما‪ .‬وكأن في متن الحديث نكاره لمخالفته ما ورد في الصحيحين أول ‪،‬‬
‫ولن ال وصف خدم أهل الجنة بالخلود فقال ‪( :‬ويطوف عليهم ولدان مخلدان) [النسان ‪]19 :‬‬
‫وسيأتي تضعيف الحافظ ابن كثير له ‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫( ‪)5/54‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهكذا رواه الحافظ أبو بكر البزار ‪ ،‬عن يوسف بن موسى ‪ ،‬عن جرير بن عبد الحميد ‪ ،‬بإسناده‬
‫مثله (‪.)1‬‬
‫الحديث الرابع ‪ :‬عن البراء بن عازب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده أيضًا ‪ :‬حدثنا قاسم بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا عبد ال‪.‬‬
‫‪ -‬يعني ابن داود ‪ -‬عن عمر بن ذر ‪ ،‬عن يزيد بن أمية ‪ ،‬عن البراء قال ‪ :‬سُئل رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم عن أطفال المسلمين قال ‪" :‬هم مع آبائهم"‪ .‬وسئل عن أولد المشركين فقال ‪" :‬هم‬
‫مع آبائهم"‪ .‬فقيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما يعملون ؟ قال ‪" :‬ال أعلم بهم" (‪.)2‬‬
‫ورواه عمر بن ذر ‪ ،‬عن يزيد بن أمية ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن البراء ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬فذكره (‪.)3‬‬
‫الحديث الخامس ‪ :‬عن ثوبان ‪:‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعيد‬
‫الجوهري ‪ ،‬حدثنا ريحان بن سعيد ‪ ،‬حدثنا عباد بن منصور ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن أبي قِلبة ‪ ،‬عن‬
‫أبي أسماء ‪ ،‬عن ثوبان ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم عظّم شأن المسألة ‪ ،‬قال ‪" :‬إذا كان يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربهم ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬ربنا لم ترسل‬
‫إلينا رسول ولم يأتنا لك أمر ‪ ،‬ولو أرسلت إلينا رسول لكنا أطوع عبادك ‪ ،‬فيقول لهم ربهم ‪:‬‬
‫أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني ؟ فيقولون ‪ :‬نعم ‪ ،‬فيأمرهم (‪ )4‬أن يعمدوا إلى جهنم فيدخلوها ‪،‬‬
‫فينطلقون حتى إذا دنوا منها وجدوا لها تغيظًا وزفيرًا ‪ ،‬فرجعوا إلى ربهم فيقولون ‪ :‬ربنا أخرجنا‬
‫‪ -‬أو ‪ :‬أجرنا ‪ -‬منها ‪ ،‬فيقول لهم ‪ :‬ألم تزعموا أني إن أمرتكم بأمر تطيعوني ؟ فيأخذ على ذلك‬
‫مواثيقهم‪ .‬فيقول ‪ :‬اعمدوا إليها ‪ ،‬فادخلوها‪.‬‬
‫فينطلقون حتى إذا رأوها فَرِقوا ورجعوا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ربنا فَرِقنا منها ‪ ،‬ول نستطيع أن ندخلها فيقول‬
‫‪ :‬ادخلوها داخرين"‪ .‬فقال نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردًا‬
‫وسلمًا"‪ .‬ثم قال البزار ‪ :‬ومتن هذا الحديث غير معروف إل من هذا الوجه ‪ ،‬لم يروه عن أيوب‬
‫إل عباد ‪ ،‬ول عن عباد إل ريحان بن سعيد (‪.)5‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد ذكره ابن حبان في ثقاته ‪ ،‬وقال يحيى بن معين والنسائي ‪ :‬ل بأس به ‪ ،‬ولم يرضه أبو‬
‫داود‪ .‬وقال أبو حاتم ‪ :‬شيخ ل بأس به يكتب حديثه ول يحتج به‪.‬‬
‫الحديث السادس ‪ :‬عن أبي سعيد ‪ -‬سعد بن مالك بن سنان الخدري ‪:‬‬
‫قال المام محمد بن يحيى الذّهَلي ‪ :‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪ ،‬عن فضيل بن مرزوق ‪ ،‬عن‬
‫عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الهالك في الفترة والمعتوه‬
‫والمولود ‪ :‬يقول الهالك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند أبي يعلى (‪ )7/225‬ومسند البزار برقم (‪" )2177‬كشف الستار" وليث بن أبي سليم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضعيف ‪ ،‬وعبد الوارث قال عنه البخاري ‪" :‬منكر الحديث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬وذكره المؤلف في جامع المسانيد والسنن (‪ )37/87‬من مسند أبي يعلى ‪ ،‬ولم أقع عليه في‬
‫المطبوع من المسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬لم أقع على هذا الطريق ‪ ،‬ولعلي أستدركه فيما بعد ‪ -‬إن شاء ال‪ .‬وروى المام أحمد في‬
‫مسنده (‪ )6/84‬من طريق بهية عن عائشة نحوه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فأمرهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪" )3433‬كشف الستار"‪.‬‬

‫( ‪)5/55‬‬

‫في الفترة ‪ :‬لم يأتني كتاب ‪ ،‬ويقول المعتوه ‪ :‬رب ‪ ،‬لم تجعل لي عقل أعقل به خيرًا ول شرًا ‪،‬‬
‫ويقول المولود ‪ :‬رب لم أدرك العقل فترفع (‪ )1‬لهم نار فيقال لهم (‪ : )2‬ردوها" ‪ ،‬قال ‪ :‬فيردها‬
‫من كان في علم ال سعيدًا لو أدرك العمل ‪ ،‬ويمسك عنها من كان في علم ال شقيا لو أدرك‬
‫العمل ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إياي عصيتم ‪ ،‬فكيف لو أن رسلي أتتكم ؟"‪.‬‬
‫وكذا رواه البزار ‪ ،‬عن محمد بن عمر بن هَيّاج الكوفي ‪ ،‬عن عبيد ال (‪ )3‬بن موسى ‪ ،‬عن‬
‫فضيل بن مرزوق ‪ ،‬به (‪ )4‬ثم قال ‪ :‬ل يعرف من حديث أبي سعيد إل من طريقه ‪ ،‬عن عطية‬
‫عنه ‪ ،‬وقال في آخره ‪" :‬فيقول ال ‪ :‬إياي عصيتم فكيف برسلي بالغيب ؟"‬
‫الحديث السابع ‪ :‬عن معاذ بن جبل ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫عمّار ومحمد بن المبارك الصوري (‪ )5‬حدثنا عمر بن واقد ‪ ،‬عن يونس بن‬
‫قال هشام بن َ‬
‫حلبس ‪ ،‬عن أبي إدريس (‪ )6‬الخولني ‪ ،‬عن معاذ بن جبل ‪ ،‬عن نبي ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقل وبالهالك في الفترة ‪ ،‬وبالهالك صغيرًا‪ .‬فيقول الممسوخ ‪:‬‬
‫يا رب ‪ ،‬لو آتيتني عقل ما كان (‪ )7‬من آتيته عقل بأسعد مني ‪ -‬وذكر في الهالك في الفترة‬
‫والصغير نحو ذلك ‪ -‬فيقول الرب عز وجل ‪ :‬إني آمركم بأمر فتطيعوني ؟ فيقولون ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬اذهبوا فادخلوا النار ‪ -‬قال ‪ :‬ولو دخلوها ما ضرّتهم ‪ -‬فتخرج عليهم قوابص ‪ ،‬فيظنون‬
‫أنها قد أهلكت ما خلق ال من شيء ‪ ،‬فيرجعون سراعًا ‪ ،‬ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك ‪،‬‬
‫فيقول الرب عزّ وجل ‪ :‬قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون ‪ ،‬وعلى علمي خلقتكم ‪ ،‬وإلى علمي‬
‫تصيرون ‪ ،‬ضميهم ‪ ،‬فتأخذهم النار" (‪.)8‬‬
‫الحديث الثامن ‪ :‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قد تقدم روايته مندرجة مع رواية السود بن سريع ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫"كل مولود يولد على الفطرة ‪ ،‬فأبواه ُي َهوّدانه ويُ َنصّرَانه و ُيمَجّسانه ‪ ،‬كما تنتج (‪ )9‬البهيمة بهيمة‬
‫جمعاء ‪ ،‬هل تحسون فيها من جدعاء ؟" (‪.)10‬‬
‫وفي رواية قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أفرأيت من يموت صغيرا ؟ قال ‪" :‬ال أعلم بما كانوا عاملين" (‬
‫‪.)11‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن ثابت ‪ ،‬عن عطاء بن قُرّة ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن ضمرة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫فيما أعلم ‪ ،‬شك موسى ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فرفع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فيقول لهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند البزار برقم (‪ )2176‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )7/216‬فيه عطية وهو ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الغوري"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬عن أبي ذر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ما مات"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )5/118‬من طريق عبد الصمد بن عبد ال ‪ ،‬عن هشام بن‬
‫عمار ‪ ،‬عن عمرو بن واقد به‪ .‬وقال بعد أن ساق أحاديث عمرو بن واقد عن يونس ‪" :‬كلها غير‬
‫محفوظة إل من رواية عمرو بن واقد عن يونس ‪ ،‬عن أبي إدريس ‪ ،‬عن معاذ ابن جبل وهو من‬
‫الشاميين ممن يكتب حديثه ول يحتج به"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تولد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬صحيح البخاري برقم (‪ )1385‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2658‬‬
‫(‪ )11‬الرواية في صحيح مسلم برقم (‪.)2658‬‬

‫( ‪)5/56‬‬

‫"ذراري المسلمين في الجنة ‪ ،‬يكفلهم إبراهيم عليه السلم (‪.)2( " )1‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن عياض بن حمار ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬عن ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬أنه قال ‪" :‬إني خلقت عبادي حنفاء" (‪ )3‬وفي رواية لغيره "مسلمين"‪.‬‬
‫الحديث التاسع ‪ :‬عن سمرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫رواه الحافظ أبو بكر البرقاني في كتابه "المستخرج على البخاري" من حديث عوف العرابي ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمُرَة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫عن أبي رجاء العطاردي ‪ ،‬عن َ‬
‫"كل مولود يولد على الفطرة" فناداه الناس ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وأولد المشركين ؟ قال ‪" :‬وأولد‬
‫المشركين" (‪.)4‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا عبد ال بن أحمد ‪ ،‬حدثنا عقبة بن مكرم الضّبّي ‪ ،‬عن عيسى بن شعيب ‪،‬‬
‫عن عباد بن منصور ‪ ،‬عن أبي َرجَاء ‪ ،‬عن سمرة قال ‪ :‬سألنا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عن أطفال المشركين فقال ‪" :‬هم خدم أهل الجنة" (‪.)5‬‬
‫الحديث العاشر ‪ :‬عن عم حسناء (‪.)6‬‬
‫قال [المام] (‪ )7‬أحمد ‪[ :‬حدثنا إسحاق ‪ ،‬يعني الزرق] (‪ ، )8‬أخبرنا َروْح ‪ ،‬حدثنا عوف ‪ ،‬عن‬
‫حسناء (‪ )9‬بنت معاوية من بني صريم قالت ‪ :‬حدثني عمي قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬من في‬
‫الجنة ؟ قال ‪" :‬النبي في الجنة ‪ ،‬والشهيد في الجنة ‪ ،‬والمولود في الجنة ‪ ،‬والوئيد في الجنة" (‬
‫‪.)10‬‬
‫فمن العلماء من ذهب إلى التوقف (‪ )11‬فيهم لهذا الحديث ‪ ،‬ومنهم من جزم لهم بالجنة ‪ ،‬لحديث‬
‫سمُرَة بن جندب في صحيح البخاري ‪ :‬أنه عليه الصلة والسلم (‪ )12‬قال في جملة ذلك المنام ‪،‬‬
‫َ‬
‫حين مرّ على ذلك الشيخ تحت الشجرة وحوله ولدان ‪ ،‬فقال له جبريل ‪ :‬هذا إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم‬
‫‪ ،‬وهؤلء أولد المسلمين وأولد المشركين ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وأولد المشركين ؟‪ .‬قال "نعم‬
‫‪ ،‬وأولد المشركين" (‪.)13‬‬
‫ومنهم من جزم لهم بالنار ‪ ،‬لقوله عليه السلم (‪" : )14‬هم مع آبائهم"‪.‬‬
‫ومنهم من ذهب إلى أنهم يمتحنون يوم القيامة في العَ َرصَات ‪ ،‬فمن أطاع دخل الجنة وانكشف علم‬
‫ال فيهم بسابق السعادة ‪ ،‬ومن عصى دخل النار داخرًا ‪ ،‬وانكشف علم ال فيه بسابق (‪)15‬‬
‫الشقاوة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬عليه الصلة والسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/326‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/219‬فيه عبد الرحمن بن ثابت وثقه ابن‬
‫المديني وجماعة ‪ ،‬وضعفه ابن معين وغيره ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)2865‬‬
‫(‪ )4‬أصله في صحيح البخاري برقم (‪ )7047‬من طريق عوف به نحوه‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير (‪ )7/244‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/219‬وفيه عبادة بن منصور وثقة‬
‫يحيى القطان وفيه ضعف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خنساء"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خنساء"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )5/58‬وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (‪" : )3/246‬إسناده حسن"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الوقف"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )13‬صحيح البخاري برقم (‪.)7047‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬عليه الصلة والسلم" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بتقدم"‪.‬‬

‫( ‪)5/57‬‬

‫وهذا القول يجمع بين الدلة كلها ‪ ،‬وقد صرحت به الحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها‬
‫لبعض‪ .‬وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الشعري ‪ ،‬رحمه ال ‪،‬‬
‫عن أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في "كتاب العتقاد" وكذلك‬
‫غيره من محققي العلماء والحفاظ النقاد‪.‬‬
‫وقد ذكر الشيخ أبو عمر بن عبد البر ال ّنمَري بعد ما تقدم من أحاديث المتحان ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫وأحاديث هذا الباب ليست قوية ‪ ،‬ول تقوم بها حجة وأهل العلم ينكرونها ؛ لن الخرة دار جزاء‬
‫وليست دار عمل ول ابتلء ‪ ،‬فكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين ‪ ،‬وال ل‬
‫يكلف نفسًا إل وسعها ؟!‬
‫والجواب عما قال ‪ :‬أن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح ‪ ،‬كما قد نص على ذلك غير واحد‬
‫من أئمة العلماء ‪ ،‬ومنها ما هو حسن ‪ ،‬ومنها ما هو ضعيف يقوى (‪ )1‬بالصحيح والحسن‪ .‬وإذا‬
‫كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط ‪ ،‬أفادت الحجة عند الناظر فيها ‪ ،‬وأما قوله ‪:‬‬
‫"إن الخرة دار جزاء"‪ .‬فل شك أنها دار جزاء ‪ ،‬ول ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة‬
‫أو النار ‪ ،‬كما حكاه الشيخ أبو الحسن الشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة ‪ ،‬من امتحان‬
‫عوْنَ إِلَى السّجُودِ } [ ن ‪ ] 42 :‬وقد‬
‫ق وَيُدْ َ‬
‫شفُ عَنْ سَا ٍ‬
‫الطفال ‪ ،‬وقد قال ال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ ُيكْ َ‬
‫ثبتت السنة في الصحاح (‪ )2‬وغيرها ‪ :‬أن المؤمنين يسجدون ل يوم القيامة ‪ ،‬وأما المنافق فل‬
‫يستطيع ذلك ويعود ظهره طبقًا واحدًا كلما أراد السجود (‪ )3‬خَ ّر لقفاه (‪.)4‬‬
‫وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجًا منها أن ال يأخذ عهوده ومواثيقه‬
‫أل يسأل غير ما هو فيه ‪ ،‬ويتكرر ذلك مرارًا ‪ ،‬ويقول ال تعالى ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬ما أغدرك! ثم‬
‫يأذن له في دخول الجنة (‪.)5‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأما قوله ‪" :‬وكيف يكلفهم (‪ )6‬دخول النار ‪ ،‬وليس ذلك في وسعهم ؟" فليس هذا بمانع من صحة‬
‫الحديث ‪ ،‬فإن ال يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط ‪ ،‬وهو جسر على جهنم أحدّ من‬
‫السيف وأدق من الشعرة ‪ ،‬ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم ‪ ،‬كالبرق ‪ ،‬وكالريح ‪ ،‬وكأجاويد‬
‫الخيل والركاب ‪ ،‬ومنهم الساعي ومنهم الماشي ‪ ،‬ومنهم من يحبو حبوًا ‪ ،‬ومنهم المكدوش على‬
‫وجهه في النار ‪ ،‬وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا بل هذا أطم وأعظم ‪ ،‬وأيضًا فقد ثبتت‬
‫السنة بأن الدجال يكون معه جنة ونار ‪ ،‬وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب‬
‫أحدهم من الذي يرى أنه نار ‪ ،‬فإنه يكون عليه بردًا وسلمًا ‪ ،‬فهذا نظير ذلك ‪ ،‬وأيضًا فإن ال‬
‫تعالى [قد] (‪ )7‬أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم ‪ ،‬فقتل بعضهم بعضًا حتى قتلوا فيما قيل في‬
‫غداة واحدة سبعين ألفًا ‪ ،‬يقتل الرجل أباه وأخاه وهم في عماية غمامة أرسلها ال عليهم ‪ ،‬وذلك‬
‫عقوبة لهم على عبادتهم العجل ‪ ،‬وهذا أيضًا شاق على النفوس جدًا ل يتقاصر (‪ )8‬عما ورد في‬
‫الحديث المذكور ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يتقوى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬والصحاح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬سجودا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )4919‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )806‬وصحيح مسلم برقم (‪ )182‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬كلفهم ال" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬يكفهم ال النار"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬ل تتقاصر"‪.‬‬

‫( ‪)5/58‬‬

‫فصل‬
‫فإذا تقرر هذا ‪ ،‬فقد اختلف الناس في ولدان المشركين على أقوال ‪:‬‬
‫سمُرَة أنه ‪ ،‬عليه السلم (‪ )1‬رأى مع إبراهيم أولد‬
‫أحدها ‪ :‬أنهم في الجنة ‪ ،‬واحتجوا بحديث َ‬
‫المسلمين وأولد المشركين وبما تقدم في (‪ )2‬رواية أحمد عن حسناء (‪ )3‬عن عمها أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬والمولود في الجنة"‪ .‬وهذا استدلل صحيح ‪ ،‬ولكن أحاديث المتحان‬
‫أخص منه‪ .‬فمن علم ال [عز وجل] (‪ )4‬منه أنه يطيع جعل (‪ )5‬روحه في البرزخ مع إبراهيم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأولد المسلمين الذين ماتوا على الفطرة ‪ ،‬ومن علم منه أنه ل يجيب ‪ ،‬فأمره إلى ال تعالى ‪،‬‬
‫ويوم القيامة يكون في النار كما دلت عليه أحاديث المتحان ‪ ،‬ونقله الشعري عن أهل السنة‬
‫[والجماعة] (‪ )6‬ثم من هؤلء القائلين بأنهم في الجنة من يجعلهم مستقلين فيها ‪ ،‬ومنهم من يجعلهم‬
‫خدمًا لهم ‪ ،‬كما جاء في حديث علي بن زيد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عند أبي داود الطيالسي (‪ )7‬وهو‬
‫ضعيف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أنهم مع آبائهم في النار ‪ ،‬واستدل عليه بما رواه المام أحمد بن حنبل عن أبي‬
‫المغيرة حدثنا عتبة بن ضمرة (‪ )8‬بن حبيب ‪ ،‬حدثني عبد ال بن أبى قيس مولى غُطَيْف ‪ ،‬أنه‬
‫أتى عائشة فسألها عن ذراري الكفار فقالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هم تبع‬
‫لبائهم"‪ .‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬بل عمل ؟ فقال ‪" :‬ال أعلم بما كانوا عاملين" (‪.)9‬‬
‫وأخرجه أبو داود من حديث محمد بن حرب ‪ ،‬عن محمد بن زياد اللهاني ‪ ،‬سمعت عبد ال بن‬
‫أبي قيس سمعت ‪ ،‬عائشة تقول ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ذراري المؤمنين قال‬
‫(‪" : )10‬هم من آبائهم"‪ .‬قلت ‪ :‬فذراري المشركين ؟ قال ‪" :‬هم مع آبائهم" قلت ‪ :‬بل عمل ؟ قال ‪:‬‬
‫"ال أعلم بما كانوا عاملين" (‪.)11‬‬
‫عقِيل يحيى بن المتوكل ‪ -‬وهو متروك ‪-‬‬
‫ورواه [المام] (‪ )12‬أحمد أيضا ‪ ،‬عن وكيع ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫عن مولته ُبهَيّة عن عائشة ؛ أنها ذكرت لرسول ال صلى ال عليه وسلم أطفال المشركين فقال ‪:‬‬
‫"إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار" (‪.)13‬‬
‫وقال عبد ال بن المام أحمد ‪ :‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬عن محمد بن فضيل بن (‪ )14‬غزوان‬
‫‪ ،‬عن محمد بن عثمان ‪ ،‬عن زاذان عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سألت خديجة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عن ولدين لها ماتا في الجاهلية فقال ‪" :‬هما في النار"‪ .‬قال ‪ :‬فلما رأى‬
‫الكراهية في وجهها [قال] (‪ )15‬لو رأيت مكانهما لبغضتهما"‪ .‬قالت ‪ :‬فولدي منك ؟ قال ‪[ :‬قال ‪:‬‬
‫"في الجنة"‪ .‬قال ‪ :‬ثم قال رسول ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خنساء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جعل ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬سبق الحديث والكلم عليه عند هذه الية‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬حمزة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)6/84‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬سنن أبي داود برقم (‪.)4712‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪.)6/208‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )15‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)5/59‬‬

‫صلى ال عليه وسلم] (‪.)1‬‬


‫"إن المؤمنين وأولدهم في الجنة ‪ ،‬وإن المشركين وأولدهم في النار" ثم قرأ ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا‬
‫حقْنَا ِبهِمْ ذُرّيّ َتهُمْ] (‪ [ } )2‬الطور ‪.)3( ] 21 :‬‬
‫وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُتهُمْ بِإِيمَانٍ [أَلْ َ‬
‫وهذا حديث غريب ؛ فإن محمد بن عثمان هذا مجهول الحال ‪ ،‬وشيخه زاذان لم يدرك عليًا ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وروى أبو داود من حديث ابن أبي زائدة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الشعبي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬الوائدة والموءودة في النار"‪ .‬ثم قال الشعبي ‪ :‬حدثني به علقمة ‪ ،‬عن أبي وائل ‪،‬‬
‫عن ابن مسعود (‪.)4‬‬
‫وقد رواه جماعة عن داود بن أبي هند ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن علقمة ‪ ،‬عن سلمة بن قيس الشجعي‬
‫قال ‪ :‬أتيت أنا وأخي النبي صلى ال عليه وسلم فقلنا ‪ :‬إن أمنا ماتت في الجاهلية ‪ ،‬وكانت تقري‬
‫الضيف وتصل الرحم ‪ ،‬وأنها وأدت أختًا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث‪ .‬فقال ‪" :‬الوائدة والموءودة‬
‫في النار ‪ ،‬إل أن تدرك الوائدة السلم ‪ ،‬فتسلم"‪ .‬وهذا إسناد حسن (‪.)5‬‬
‫والقول الثالث ‪ :‬التوقف فيهم ‪ ،‬واعتمدوا على قوله صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ال أعلم بما كانوا‬
‫عاملين"‪ .‬وهو في الصحيحين من حديث جعفر بن أبي إياس ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أولد المشركين قال (‪ : )6‬ال أعلم بما كانوا‬
‫عاملين" (‪ )7‬وكذلك هو في الصحيحين ‪ ،‬من حديث الزهري ‪ ،‬عن عطاء بن يزيد ‪ ،‬وعن أبي‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنه سئل عن أطفال المشركين ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"ال أعلم بما كانوا عاملين" (‪.)8‬‬
‫ومنهم من جعلهم من أهل العراف‪ .‬وهذا القول يرجع إلى قول من ذهب إلى أنهم من أهل‬
‫الجنة ؛ لن العراف ليس دار قرار ‪ ،‬ومآل أهلها إلى الجنة كما تقدم تقرير ذلك في "سورة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫العراف" ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫وليعلم أن هذا الخلف مخصوص بأطفال المشركين ‪ ،‬فأما ولدان المؤمنين فل خلف بين العلماء‬
‫كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفرّاء الحنبلي ‪ ،‬عن المام أحمد أنه قال ‪ :‬ل يختلف فيهم أنهم من‬
‫أهل الجنة‪ .‬وهذا هو المشهور بين الناس ‪ ،‬وهو الذي نقطع (‪ )9‬به إن شاء ال ‪ ،‬عز وجل‪ .‬فأما‬
‫ما ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر ‪ ،‬عن بعض العلماء ‪ :‬أنهم توقفوا في ذلك ‪ ،‬وأن الولدان‬
‫كلهم تحت شيئة (‪ )10‬ال ‪ ،‬عز وجل (‪ .)11‬قال أبو عمر ‪ :‬ذهب إلى هذا القول جماعة من أهل‬
‫الفقه والحديث‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زوائد المسند (‪.)1/134‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪.)4717‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد في مسنده (‪ )3/478‬من طريق ابن أبي عدي ‪ ،‬عن داود بن أبي هند به‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )1383‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2660‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )1384‬وصحيح مسلم برقم (‪)2659‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬يقطع"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مشيئة"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬تعالى"‪.‬‬

‫( ‪)5/60‬‬

‫سقُوا فِيهَا َفحَقّ عَلَ ْيهَا ا ْلقَ ْولُ فَ َدمّرْنَاهَا َت ْدمِيرًا (‪)16‬‬
‫وَإِذَا أَ َردْنَا أَنْ ُنهِْلكَ قَرْيَةً َأمَرْنَا مُتْ َرفِيهَا َففَ َ‬

‫منهم ‪ :‬حماد بن زيد ‪ ،‬وحماد بن سلمة ‪ ،‬وابن المبارك ‪ ،‬وإسحاق بن راهويه وغيرهم قالوا ‪:‬‬
‫وهو يشبه ما رسم مالك في موطئه في أبواب القدر ‪ ،‬وما أورده من الحاديث في ذلك ‪ ،‬وعلى‬
‫ذلك أكثر أصحابه‪ .‬وليس عن مالك فيه شيء منصوص ‪ ،‬إل أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا‬
‫إلى أن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال المشركين خاصة في المشيئة (‪ )1‬انتهى كلمه وهو‬
‫غريب جدًا‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد ذكر أبو عبد ال القرطبي في كتاب "التذكرة" (‪ )2‬نحو ذلك أيضًا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد ذكروا في ذلك حديث عائشة بنت طلحة ‪ ،‬عن عائشة أم المؤمنين قالت ‪ :‬دعي النبي (‪)3‬‬
‫صلى ال عليه وسلم إلى جنازة صبي من النصار ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬طوبى له عصفور‬
‫من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه ‪ ،‬فقال ‪" :‬أو غير ذلك يا عائشة ‪ ،‬إن ال خلق الجنة‬
‫وخلق لها أهل وهم في أصلب آبائهم ‪ ،‬وخلق النار وخلق لها أهل وهم في أصلب آبائهم"‪ .‬رواه‬
‫أحمد مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (‪.)4‬‬
‫ولما كان الكلم في هذه المسألة يحتاج إلى دلئل صحيحة جيدة ‪ ،‬وقد يتكلم فيها من ل علم عنده‬
‫عن الشارع ‪ ،‬كره جماعة من العلماء الكلم فيها ‪ ،‬روي ذلك عن ابن عباس ‪ ،‬والقاسم بن محمد‬
‫بن أبي بكر الصديق ‪ ،‬ومحمد بن الحنفية وغيرهم‪ .‬وأخرج ابن حبان في صحيحه ‪ ،‬عن جرير‬
‫بن حازم سمعت أبا رجاء ال ُعطَاردي ‪ ،‬سمعت ابن عباس وهو على المنبر يقول ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل يزال أمر هذه المة مواتيًا ‪ -‬أو مقاربًا ‪ -‬ما لم يتكلموا في الوِلْدان‬
‫والقَدَر"‪.‬‬
‫قال ابن حبان ‪ :‬يعني أطفال المشركين‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو بكر البزار من طريق جرير بن حازم ‪ ،‬به (‪ .)5‬ثم قال ‪ :‬وقد رواه جماعة عن‬
‫أبي رجاء ‪ ،‬عن ابن عباس موقوفًا‪.‬‬
‫حقّ عَلَ ْيهَا ا ْل َق ْولُ َف َدمّرْنَاهَا تَ ْدمِيرًا (‪} )16‬‬
‫سقُوا فِيهَا فَ َ‬
‫{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ ُنهِْلكَ قَرْيَةً َأمَرْنَا مُتْ َرفِيهَا َففَ َ‬
‫اختلف القراء في قراءة قوله ‪َ { :‬أمَرْنَا } فالمشهور قراءة التخفيف ‪ ،‬واختلف المفسرون في‬
‫معناها ‪ ،‬فقيل ‪ :‬معناها أمرنا مترفيها ففسقوا فيها أمرًا قدريًا ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬أَتَاهَا َأمْرُنَا لَيْل َأوْ‬
‫َنهَارًا } [ يونس ‪ ، ] 24 :‬فإن ال ل يأمر بالفحشاء ‪ ،‬قالوا ‪ :‬معناه ‪ :‬أنه سخرهم إلى فعل‬
‫الفواحش فاستحقوا العذاب‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬معناه ‪ :‬أمرناهم بالطاعات ففعلوا الفواحش فاستحقوا العقوبة‪ .‬رواه ابن جريج (‪ )6‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬وقاله سعيد بن جبير أيضًا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وأطفال الكفار تحت المشيئة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬التذكرة ‪( :‬ص ‪)517 - 511‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )6/41‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2662‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4713‬وسنن النسائي (‬
‫‪ )4/57‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)82‬‬
‫(‪ )5‬صحيح ابن حبان برقم (‪" )1824‬موارد" ‪ ،‬ومسند البزار برقم (‪" )2180‬كشف الستار"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ابن جرير"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/61‬‬

‫ح َوكَفَى بِرَ ّبكَ بِذُنُوبِ عِبَا ِدهِ خَبِيرًا َبصِيرًا (‪)17‬‬


‫َوكَمْ أَهَْلكْنَا مِنَ ا ْلقُرُونِ مِنْ َبعْدِ نُو ٍ‬

‫وقال ابن جرير ‪ :‬وقد يحتمل أن يكون معناه جعلناهم أمراء‪.‬‬


‫قلت ‪ :‬إنما يجيء هذا (‪ )1‬على قراءة من قرأ "َأمّرْنَا مُتْ َرفِيهَا" قال علي بن طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫سقُوا فِيهَا } يقول ‪ :‬سلطنا أشرارها فعصوا فيها ‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم‬
‫قوله ‪َ { :‬أمَرْنَا مُتْ َرفِيهَا َففَ َ‬
‫جعَلْنَا فِي ُكلّ قَرْيَةٍ َأكَابِرَ مُجْ ِرمِيهَا لِ َي ْمكُرُوا فِيهَا } [ النعام ‪:‬‬
‫(‪ )2‬بالعذاب ‪ ،‬وهو قوله ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َ‬
‫‪ ، ] 123‬وكذا قال أبو العالية ومجاهد والربيع بن أنس‪.‬‬
‫سقُوا فِيهَا } يقول ‪:‬‬
‫وقال ال َع ْوفِي عن ابن عباس ‪ { :‬وَإِذَا أَ َردْنَا أَنْ ُنهِْلكَ قَرْيَةً َأمَرْنَا مُتْ َرفِيهَا َففَ َ‬
‫أكثرنا عددهم ‪ ،‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعن مالك عن الزهري ‪:‬‬
‫{ َأمَرْنَا مُتْ َرفِيهَا } ‪ :‬أكثرنا‪.‬‬
‫وقد استشهد بعضهم بالحديث الذي رواه المام أحمد حيث قال ‪ :‬حدثنا روح بن عبادة ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫سوَيْد بن هُبَيْرة ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫نعامة العدوي ‪ ،‬عن مسلم بن ُبدَيْل ‪ ،‬عن إياس بن زهير ‪ ،‬عن ُ‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ :‬خير مال امرئ له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة"‪.‬‬
‫قال المام أبو عبيد القاسم بن سلم ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في كتابه "الغريب" ‪ :‬المأمورة ‪ :‬كثيرة النسل‪.‬‬
‫والسّكة ‪ :‬الطريقة المصطفة من النخل ‪ ،‬والمأبورة ‪ :‬من التأبير ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬إنما جاء هذا‬
‫متناسبًا كقوله ‪" :‬مأزورات غير مأجورات" (‪.)3‬‬
‫{ َوكَمْ َأهَْلكْنَا مِنَ ا ْلقُرُونِ مِنْ َب ْعدِ نُوحٍ َوكَفَى بِرَ ّبكَ ِبذُنُوبِ عِبَا ِدهِ خَبِيرًا َبصِيرًا (‪} )17‬‬
‫يقول تعالى منذرًا كفار قريش في تكذيبهم رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بأنه قد أهلك أممًا‬
‫من المكذبين للرسل من بعد نوح ‪ ،‬ودل هذا على (‪ )4‬أن القرون التي كانت بين آدم ونوح على‬
‫السلم ‪ ،‬كما قاله (‪ )5‬ابن عباس ‪ :‬كان بين آدم ونوح عشرة (‪ )6‬قرون كلهم على السلم‪.‬‬
‫ومعناه ‪ :‬أنكم أيها المكذبون لستم أكرم على ال منهم ‪ ،‬وقد كذبتم أشرف الرسل وأكرم الخلئق ‪،‬‬
‫فعقوبتكم أولى وأحرى‪.‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪َ { )7‬وكَفَى بِرَ ّبكَ بِذُنُوبِ عِبَا ِدهِ خَبِيرًا َبصِيرًا } أي ‪ :‬هو عالم بجميع أعمالهم ‪،‬‬
‫خيرها وشرها ‪ ،‬ل يخفى عليه منها خافية [سبحانه وتعالى] (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬هذا إنما يجيء"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أهلكناهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذكره الزيلعي في تخريج الكشاف (‪ )2/262‬وزاد ‪" :‬لنه من التأبيد وهو ما يصلح النخل من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سقي وغيره"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ودل على هذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬كما قال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عشر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/62‬‬

‫جهَنّمَ َيصْلَاهَا مَ ْذمُومًا مَ ْدحُورًا (‬


‫جعَلْنَا َلهُ َ‬
‫عجّلْنَا َلهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ ِلمَنْ نُرِيدُ ُثمّ َ‬
‫مَنْ كَانَ يُرِيدُ ا ْلعَاجِلَةَ َ‬
‫شكُورًا (‪)19‬‬
‫سعْ ُيهُمْ مَ ْ‬
‫سعْ َيهَا وَ ُهوَ ُمؤْمِنٌ فَأُولَ ِئكَ كَانَ َ‬
‫سعَى َلهَا َ‬
‫‪َ )18‬ومَنْ أَرَادَ الَْآخِ َر َة وَ َ‬

‫جهَنّمَ َيصْلهَا َم ْذمُومًا مَ ْدحُورًا‬


‫جعَلْنَا لَهُ َ‬
‫{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ ا ْلعَاجَِلةَ عَجّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا َنشَاءُ ِلمَنْ نُرِيدُ ثُمّ َ‬
‫شكُورًا (‪.} )19‬‬
‫سعْ ُيهُمْ مَ ْ‬
‫سعْ َيهَا وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَأُولَ ِئكَ كَانَ َ‬
‫سعَى َلهَا َ‬
‫(‪َ )18‬ومَنْ أَرَادَ الخِ َر َة وَ َ‬
‫يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل له ‪ ،‬بل إنما يحصل لمن أراد ال‬

‫( ‪)5/62‬‬

‫ك َومَا كَانَ عَطَاءُ رَ ّبكَ مَحْظُورًا (‪ )20‬ا ْنظُرْ كَ ْيفَ َفضّلْنَا‬


‫كُلّا ُنمِدّ َهؤُلَا ِء وَ َهؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَ ّب َ‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ وَلَلَْآخِ َرةُ َأكْبَرُ دَ َرجَاتٍ وََأكْبَرُ َت ْفضِيلًا (‪)21‬‬
‫َب ْع َ‬

‫ما يشاء‪.‬‬
‫عجّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا َنشَاءُ ِلمَنْ نُرِيدُ ثُمّ‬
‫وهذه مقيدة لطلق ما سواها من اليات (‪ )1‬فإنه قال ‪َ { :‬‬
‫جهَنّمَ َيصْلهَا } أي ‪ :‬في الخرة { َيصْلهَا } أي ‪ :‬يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه‬
‫جعَلْنَا َلهُ َ‬
‫َ‬
‫{ َم ْذمُومًا } أي ‪ :‬في حال كونه مذمومًا على سوء تصرفه وصنيعه (‪ )2‬إذ اختار الفاني على‬
‫الباقي { مَ ْدحُورًا } ‪ :‬مبعدًا مقصيًا حقيرًا ذليل مهانًا‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسين ‪ ،‬حدثنا ذويد (‪ ، )3‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن زُرْعَة ‪ ،‬عن عائشة ‪،‬‬
‫رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الدنيا دار من ل دار له ‪ ،‬ومال‬
‫من ل مال له ‪ ،‬ولها يجمع من ل عقل له" (‪.)4‬‬
‫سعَى َلهَا‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ أَرَادَ الخِ َرةَ } أي ‪ :‬أراد الدار الخرة وما فيها من النعيم والسرور { وَ َ‬
‫سعْ َيهَا } أي ‪ :‬طلب ذلك من طريقه وهو متابعة الرسول { وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ } أي ‪ :‬وقلبه مؤمن ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شكُورًا }‬
‫سعْ ُيهُمْ مَ ْ‬
‫مصدق بالثواب والجزاء { فَأُولَ ِئكَ كَانَ َ‬
‫حظُورًا (‪ )20‬انْظُرْ كَيْفَ َفضّلْنَا‬
‫ك َومَا كَانَ عَطَاءُ رَ ّبكَ مَ ْ‬
‫عطَاءِ رَ ّب َ‬
‫{ كُل ُنمِدّ َهؤُلءِ وَ َهؤُلءِ مِنْ َ‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ وَلَلخِ َرةُ َأكْبَرُ دَ َرجَاتٍ وََأكْبَرُ َت ْفضِيل (‪} )21‬‬
‫َب ْع َ‬
‫[يقول تعالى ‪ { :‬كُل } أي كل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الخرة ‪ ،‬نمدهم‬
‫عطَاءِ رَ ّبكَ } أي ‪ :‬هو المتصرف الحاكم الذي ل يجور ‪ ،‬فيعطي كل ما يستحقه‬
‫فيما هم فيه { مِنْ َ‬
‫من الشقاوة والسعادة ول راد لحكمه ول مانع لما أعطى ‪ ،‬ول مغير لما أراد ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا‬
‫حظُورًا } أي ‪ :‬ممنوعا ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يمنعه أحد ول يرده راد‪.‬‬
‫كَانَ عَطَاءُ رَ ّبكَ مَ ْ‬
‫عطَاءُ رَ ّبكَ َمحْظُورًا } أي ‪ :‬منقوصًا‪.‬‬
‫قال قتادة ‪َ { :‬ومَا كَانَ َ‬
‫وقال الحسن وابن جريج وابن زيد ‪ :‬ممنوعًا‪.‬‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ } في الدنيا ‪ ،‬فمنهم الغني والفقير وبين‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬ا ْنظُرْ كَ ْيفَ َفضّلْنَا َب ْع َ‬
‫ذلك ‪ ،‬والحسن والقبيح وبين ذلك ‪ ،‬ومن يموت صغيرًا ‪ ،‬ومن يعمر حتى يبقى شيخًا كبيرًا ‪ ،‬وبين‬
‫ت وََأكْبَرُ َتفْضِيل } أي ‪ :‬ولتفاوتهم في الدار الخرة أكبر من الدنيا ؛‬
‫ذلك { وَلَلخِ َرةُ َأكْبَرُ دَرَجَا ٍ‬
‫فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلسلها وأغللها ‪ ،‬ومنهم من يكون في الدرجات‬
‫العُلَى ونعيمها وسرورها ‪ ،‬ثم أهل الدركات يتفاوتون فيما هم فيه ‪ ،‬كما أن أهل الدرجات يتفاوتون‬
‫‪ ،‬فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والرض‪ .‬وفي الصحيحين ‪" :‬إن أهل‬
‫الدرجات العلى ليرون أهل عليين ‪ ،‬كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء" (‪ )5‬؛ ولهذا قال‬
‫ت وََأكْبَرُ َت ْفضِيل } ] (‪.)6‬‬
‫تعالى ‪ { :‬وَلَلخِ َرةُ َأكْبَرُ دَرَجَا ٍ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬اليمان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وصنعه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬حسين بن دويل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )6/71‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/288‬رجاله رجال الصحيح غير دويد وهو‬
‫ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تقدم تخريجه عند تفسير الية ‪ 69 :‬من سورة النساء من حديث أبي سعيد ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫وفي لفظه اختلف عن هذا اللفظ‪ .‬ورواه بهذا اللفظ الحميدي في مسنده برقم (‪ )775‬من حديث‬
‫أبي سعيد ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/63‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خذُولًا (‪َ )22‬و َقضَى رَ ّبكَ أَلّا َتعْبُدُوا ِإلّا إِيّا ُه وَبِا ْلوَالِدَيْنِ‬
‫ج َعلْ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آَخَرَ فَ َت ْقعُدَ مَ ْذمُومًا مَ ْ‬
‫لَا تَ ْ‬
‫ف وَلَا تَ ْنهَرْ ُهمَا َو ُقلْ َل ُهمَا َقوْلًا كَرِيمًا‬
‫حدُ ُهمَا َأوْ كِلَا ُهمَا فَلَا َت ُقلْ َل ُهمَا ُأ ّ‬
‫حسَانًا ِإمّا يَبُْلغَنّ عِنْ َدكَ ا ْلكِبَرَ أَ َ‬
‫إِ ْ‬
‫صغِيرًا (‪)24‬‬
‫ح ْم ُهمَا َكمَا رَبّيَانِي َ‬
‫حمَ ِة َو ُقلْ َربّ ارْ َ‬
‫خ ِفضْ َل ُهمَا جَنَاحَ ال ّذلّ مِنَ الرّ ْ‬
‫(‪ )23‬وَا ْ‬

‫خذُول (‪} )22‬‬


‫ج َعلْ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ فَ َت ْقعُدَ َم ْذمُومًا مَ ْ‬
‫{ ل َت ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬والمراد المكلفون من المة ‪ ،‬ل تجعل أيها المكلف في عبادتك ربك له شريكًا‬
‫خذُول } لن الرب تعالى ل ينصرك ‪ ،‬بل يكلك إلى الذي‬
‫{ فَ َت ْقعُدَ مَ ْذمُومًا } على إشراكك (‪ { )1‬مَ ْ‬
‫عبدت معه ‪ ،‬وهو ل يملك لك (‪ )2‬ضرًا ول نفعًا ؛ لن مالك الضر والنفع (‪ )3‬هو ال وحده ل‬
‫شريك له‪ .‬وقد قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو أحمد الزبيري ‪ ،‬حدثنا بشير بن سلمان ‪ ،‬عن سَيّار أبي الحكم ‪ ،‬عن طارق بن شهاب ‪،‬‬
‫عن عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من أصابته فاقة‬
‫جلٌ [عاجل] (‪ )4‬وإما‬
‫فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ‪ ،‬ومن أنزلها بال أوشك ال له بالغنى ‪ ،‬إما أ َ‬
‫غنى عاجل"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي من حديث بشير بن سلمان ‪ ،‬به (‪ ، )5‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‬
‫غريب‪.‬‬
‫{ َو َقضَى رَ ّبكَ أَل َتعْبُدُوا إِل إِيّا ُه وَبِا ْلوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ِإمّا يَبُْلغَنّ عِنْ َدكَ ا ْلكِبَرَ َأحَ ُد ُهمَا َأوْ كِل ُهمَا فَل‬
‫حمَ ِة َو ُقلْ‬
‫خ ِفضْ َل ُهمَا جَنَاحَ ال ّذلّ مِنَ الرّ ْ‬
‫ف وَل تَ ْنهَرْ ُهمَا َو ُقلْ َل ُهمَا َقوْل كَرِيمًا (‪ )23‬وَا ْ‬
‫َتقُلْ َل ُهمَا ُأ ّ‬
‫صغِيرًا (‪} )24‬‬
‫ح ْم ُهمَا َكمَا رَبّيَانِي َ‬
‫رَبّي ارْ َ‬
‫يقول تعالى آمرًا بعبادته وحده ل شريك له ؛ فإن القضاء هاهنا بمعنى المر‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪َ { :‬و َقضَى } يعني ‪ :‬وصى ‪ ،‬وكذا قرأ أبيّ بن كعب ‪ ،‬وعبد ال بن مسعود ‪،‬‬
‫والضحاك بن مزاحم ‪" :‬ووصى ربك أل تعبدوا إل إياه" ولهذا قرن بعبادته بر الوالدين فقال ‪:‬‬
‫شكُرْ لِي‬
‫{ وَبِا ْلوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } أي ‪ :‬وأمر بالوالدين إحسانًا ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ { :‬أَنِ ا ْ‬
‫وَِلوَالِدَ ْيكَ إَِليّ ا ْل َمصِيرُ } [ لقمان ‪.] 14 :‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إمّا يَبُْلغَنّ عِ ْن َدكَ ا ْلكِبَرَ َأحَدُ ُهمَا َأوْ كِل ُهمَا فَل َت ُقلْ َل ُهمَا ُأفّ } أي ‪ :‬ل تسمعهما قول‬
‫سيئًا ‪ ،‬حتى ول التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ { وَل تَ ْنهَرْ ُهمَا } أي ‪ :‬ول يصدر منك‬
‫إليهما فعل قبيح ‪ ،‬كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله ‪ { :‬وَل تَ ْنهَرْ ُهمَا } أي ‪ :‬ل تنفض (‪)6‬‬
‫يدك على والديك‪.‬‬
‫ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح ‪ ،‬أمره بالقول الحسن والفعل الحسن فقال ‪َ { :‬و ُقلْ َل ُهمَا‬
‫َقوْل كَرِيمًا } أي ‪ :‬لينًا طيبًا حسنًا بتأدب وتوقير وتعظيم‪.‬‬
‫ح ْم ُهمَا } أي ‪ :‬في‬
‫حمَةِ } أي ‪ :‬تواضع لهما بفعلك { َوقُلْ َربّ ارْ َ‬
‫خفِضْ َل ُهمَا جَنَاحَ ال ّذلّ مِنَ الرّ ْ‬
‫{ وَا ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صغِيرًا }‬
‫كبرهما وعند وفاتهما { َكمَا رَبّيَانِي َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬شركك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬له"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬النفع واالضر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪ )1645‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2326‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ول تنفض"‪.‬‬

‫( ‪)5/64‬‬

‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْ َت ْغفِرُوا لِ ْل ُمشْ ِركِينَ‬


‫قال ابن عباس ‪ :‬ثم أنزل ال [تعالى] (‪ { : )1‬مَا كَانَ لِلنّ ِب ّ‬
‫وََلوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى } [ التوبة ‪.] 113 :‬‬
‫وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة ‪ ،‬منها الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره ‪ :‬أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لما صعد المنبر قال ‪" :‬آمين آمين آمين" ‪ :‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫علم أمنت ؟ قال ‪" :‬أتاني جبريل فقال ‪ :‬يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك ‪،‬‬
‫فقل ‪ :‬آمين‪ .‬فقلت ‪ :‬آمين‪ .‬ثم قال ‪ :‬رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر‬
‫له ‪ ،‬قل ‪ :‬آمين‪ .‬فقلت آمين‪ .‬ثم قال ‪ :‬رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخله الجنة ‪،‬‬
‫قل ‪ :‬آمين‪ .‬فقلت ‪ :‬آمين" (‪.)2‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هُشَيْم ‪ ،‬حدثنا علي بن زيد ‪ ،‬أخبرنا زُرَارَة بن َأ ْوفَى ‪ ،‬عن‬
‫مالك بن الحارث ‪ -‬رجل منهم ‪ -‬أنه سمع النبي صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬من ضَمّ يتيمًا بين‬
‫أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه ‪ ،‬وجبت له الجنة البتة ‪ ،‬ومن أعتق امرأ (‪)3‬‬
‫مسلمًا كان َفكَاكه من النار ‪ ،‬يجزى بكل عضو منه عضوًا منه"‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬سمعت علي بن زيد ‪ -‬فذكر معناه ‪ ،‬إل أنه قال ‪:‬‬
‫عن رجل من قومه يقال له ‪ :‬مالك أو ابن مالك ‪ ،‬وزاد ‪" :‬ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل‬
‫النار ‪ ،‬فأبعده ال" (‪.)4‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا علي بن زيد ‪ ،‬عن‬
‫زرارة بن أوفى (‪ )5‬عن مالك بن عمرو القشيري ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‬
‫‪" :‬من أعتق رقبة مسلمة فهي فداؤه من النار ‪ ،‬مكان كل عَظْم من عظامه مُحَرّره بعظم من‬
‫عظامه ‪ ،‬ومن أدرك أحد والديه ثم لم يغفر له فأبعده ال عز وجل ‪ ،‬ومن ضم يتيمًا بين (‪)6‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه ال ‪ ،‬وجبت له الجنة" (‪.)7‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ومحمد بن جعفر قال حدثنا شعبة ‪ ،‬عن قتادة‬
‫سمعت زرارة بن أوفى (‪ )8‬يحدث عن أبي بن مالك القشيري قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك ‪ ،‬فأبعده ال وأسحقه"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن شعبة به (‪ )9‬وفيه زيادات أخر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البزار في مسنده برقم (‪" )3168‬كشف الستار" من طريق جعفر بن عون ‪ ،‬عن سلمة‬
‫بن وردان ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وقال ‪ :‬وسلمة صالح وله أحاديث يستوحش منها ول‬
‫نعلم روى أحاديث بهذه اللفاظ غيره‪ .‬وجاء من حديث أبي هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬أخرجه مسلم‬
‫في صحيحه برقم (‪ )2551‬وسيأتي‪ .‬ومن حديث كعب بن عجرة رضي ال عنه ‪ ،‬رواه الحاكم في‬
‫المستدرك (‪ .)4/153‬ومن حديث عمار بن ياسر وجابر بن سمرة وابن مسعود وعبد ال بن‬
‫الحارث رواها البزار في مسنده برقم (‪.)3167 - 3164‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬رجل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)4/344‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬زراة بن أبي أوفى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)4/344‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬زرارة بن أبي أوفى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)4/344‬‬

‫( ‪)5/65‬‬

‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا أبو عوانة ‪ ،‬حدثنا سهيل (‪ )1‬بن أبي صالح ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬رغم أنف ‪،‬‬
‫ثم رغم أنف ‪ ،‬ثم رغم أنف رجل أدرك والديه أحدهما أو كلهما عند الكبر ولم يدخل الجنة"‪.‬‬
‫صحيح من هذا الوجه ‪ ،‬ولم يخرجه سوى مسلم ‪ ،‬من حديث أبي عوانة وجرير وسليمان بن بلل‬
‫‪ ،‬عن سهيل ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا رِبعيّ بن إبراهيم ‪ -‬قال أحمد ‪ :‬وهو أخو إسماعيل بن‬
‫عُلَيّة ‪ ،‬وكان يفضل على أخيه ‪ -‬عن عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد ‪ ،‬عن أبي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ !‬
‫ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ‪ ،‬فانسلخ قبل يغفر له! ورغم أنف رجل أدرك عنده‬
‫أبواه (‪ )3‬الكبر فلم يدخله الجنة" قال ربعي ‪ :‬ل أعلمه (‪ )4‬إل قال ‪" :‬أحدهما"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬عن أحمد بن إبراهيم ال ّدوْ َرقِي ‪ ،‬عن ربعي بن إبراهيم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬غريب من‬
‫هذا الوجه (‪.)5‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال (‪ )6‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن الغَسِيل ‪،‬‬
‫حدثنا أسيد بن علي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬علي بن عبيد ‪ ،‬عن أبي أسيد وهو مالك بن ربيعة الساعدي ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬بينما أنا جالس عند رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا جاءه رجل من النصار فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬هل بقي عليّ من ب ّر أبويّ شيء بعد موتهما أبرهما به ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬خصال أربع ‪:‬‬
‫الصلة عليهما ‪ ،‬والستغفار لهما ‪ ،‬وإنفاذ عهدهما ‪ ،‬وإكرام صديقهما ‪ ،‬وصلة الرحم التي ل رحم‬
‫لك إل من قبلهما ‪ ،‬فهو الذي بقي عليك بعد موتهما من برهما" (‪.)7‬‬
‫ورواه أبو داود وابن ماجه ‪ ،‬من حديث عبد الرحمن بن سليمان ‪ -‬وهو ابن الغسيل ‪ -‬به (‪.)8‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا روح ‪ ،‬حدثنا ابن جريج ‪ ،‬أخبرني محمد بن طلحة بن عبد‬
‫ال (‪ )9‬بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن معاوية بن جاهمة السلمي ؛ أن جاهمة جاء إلى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أردت الغزو ‪ ،‬وجئتك أستشيرك ؟ فقال ‪" :‬فهل لك من‬
‫أم ؟" قال (‪.)10‬‬
‫نعم‪ .‬فقال ‪" :‬الزمها‪ .‬فإن الجنة عند رجليها (‪ )11‬ثم الثانية ‪ ،‬ثم الثالثة في مقاعد شتى ‪ ،‬كمثل هذا‬
‫القول‪.‬‬
‫ورواه النسائي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث ابن جريج ‪ ،‬به (‪.)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬إسماعيل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/364‬وصحيحح مسلم برقم (‪)2551‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أدرك أبواه عنده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬ول علم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/254‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3545‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬من برهما بعد موتهما"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )3/497‬وسنن أبي داود برقم (‪ )5142‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)3664‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬عند رجلها"‪.‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪ )3/429‬وسنن النسائي (‪ )6/11‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)2781‬‬

‫( ‪)5/66‬‬

‫غفُورًا (‪)25‬‬
‫سكُمْ إِنْ َتكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنّهُ كَانَ لِلَْأوّابِينَ َ‬
‫رَ ّبكُمْ أَعَْلمُ ِبمَا فِي ُنفُو ِ‬

‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا خلف بن الوليد ‪ ،‬حدثنا ابن عياش ‪ ،‬عن بَحِير بن سعد ‪،‬‬
‫عن خالد بن معدان ‪ ،‬عن المقدام بن معد يكرب (‪ )1‬الكندي ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‬
‫‪" :‬إن ال يوصيكم بآبائكم ‪ ،‬إن ال يوصيكم بأمهاتكم ‪ ،‬إن ال يوصيكم بأمهاتكم ‪ ،‬إن ال يوصيكم‬
‫بأمهاتكم ‪ ،‬إن ال يوصيكم بالقرب فالقرب"‪.‬‬
‫وقد أخرجه ابن ماجه ‪ ،‬من حديث [عبد ال] (‪ )2‬بن عياش ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن الشعث بن سليم ‪ ،‬عن أبيه‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫‪ ،‬عن رجل من بني يربوع قال ‪ :‬أتيت النبي صلى ال عليه وسلم فسمعته وهو يكلم الناس يقول ‪:‬‬
‫"يد المعطي [العليا] (‪ )4‬أمك وأباك وأختك وأخاك ‪ ،‬ثم أدناك أدناك" (‪.)5‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا إبراهيم‬
‫ابن المستمر العُرُوقي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن سفيان ‪ ،‬حدثنا الحسن بن أبي جعفر ‪ ،‬عن ليث بن أبي‬
‫سليم ‪ ،‬عن علقمة بن مرثد (‪ )6‬عن سليمان بن بُرَيدة ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن رجل كان في الطواف‬
‫حامل أمه يطوف بها ‪ ،‬فسأل النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هل (‪ )7‬أديت حقها ؟ قال ‪" :‬ل ول‬
‫بزفرة واحدة" أو كما قال‪ .‬ثم قال البزار ‪ :‬ل نعلمه يروى إل من هذا الوجه (‪.)8‬‬
‫قلت ‪ :‬والحسن بن أبي جعفر ضعيف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫غفُورًا (‪} )25‬‬
‫سكُمْ إِنْ َتكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنّهُ كَانَ لِلوّابِينَ َ‬
‫{ رَ ّب ُكمْ أَعْلَمُ ِبمَا فِي ُنفُو ِ‬
‫قال سعيد بن جبير ‪ :‬هو الرجل تكون (‪ )9‬منه البادرة إلى أبويه ‪ ،‬وفي نيته وقلبه أنه ل يؤخذ به‬
‫سكُمْ }‬
‫‪ -‬وفي رواية ‪ :‬ل يريد إل الخير بذلك ‪ -‬فقال ‪ { :‬رَ ّبكُمْ أَعْلَمُ ِبمَا فِي ُنفُو ِ‬
‫غفُورًا } قال قتادة ‪ :‬للمطيعين أهل الصلة‪.‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { : )10‬فَإِنّهُ كَانَ لِلوّابِينَ َ‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬المسبحين‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬المطيعين المحسنين‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬هم الذين يصلون بين العشاءين‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬هم الذين يصلون الضحى (‪.)11‬‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب في قوله ‪[ { :‬فَإِنّهُ] (‪ )12‬كَانَ لِلوّابِينَ‬
‫غفُورًا } قال ‪ :‬الذي يصيب الذنب ثم يتوب ‪ ،‬ويصيب الذنب ثم يتوب‪.‬‬
‫َ‬
‫وكذا رواه عبد الرزاق ‪ ،‬عن الثوري ومعمر ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن ابن المسيب نحوه ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكذا رواه الليث وابن جريج ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن ابن] (‪ )13‬المسيب ‪ ،‬به وكذا قال عطاء‬
‫بن يسار‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬معدى كرب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )4/132‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)3661‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)4/64‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فسأل النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬هل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬مسند البزار برقم (‪")1872‬كشف الستار" ووقع فيه ‪" :‬ول بركزة" وفي مجمع الزوائد ‪" :‬ول‬
‫بركة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يكون"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬الصبح"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬إنه" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)5/67‬‬

‫خوَانَ‬
‫ن وَابْنَ السّبِيلِ وَلَا تُ َبذّرْ تَبْذِيرًا (‪ )26‬إِنّ ا ْلمُبَذّرِينَ كَانُوا ِإ ْ‬
‫سكِي َ‬
‫حقّ ُه وَا ْلمِ ْ‬
‫وَ َآتِ ذَا ا ْلقُرْبَى َ‬
‫ن َوكَانَ الشّ ْيطَانُ لِرَبّهِ َكفُورًا (‪)27‬‬
‫الشّيَاطِي ِ‬

‫وقال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ :‬هم الراجعون إلى الخير‪.‬‬


‫غفُورًا } قال ‪ :‬هو الذي إذا ذكر‬
‫وقال مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله ‪ { :‬فَإِنّهُ كَانَ لِلوّابِينَ َ‬
‫ذنوبه في الخلء فيستغفر ال منها‪ .‬ووافقه على ذلك مجاهد (‪.)1‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا محمد بن مسلم ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عبيد بن عمير ‪ ،‬في قوله‬
‫غفُورًا } قال ‪ :‬كنا نعد الواب الحفيظ ‪ ،‬أن يقول ‪ :‬اللهم اغفر لي ما أصبت‬
‫‪ { :‬فَإِنّهُ كَانَ لِلوّابِينَ َ‬
‫(‪ )2‬في مجلسي هذا (‪.)3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬والولى في ذلك قول من قال ‪ :‬هو التائب من الذنب ‪ ،‬الراجع عن المعصية‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إلى الطاعة ‪ ،‬مما يكره ال إلى ما يحبه ويرضاه (‪.)4‬‬
‫وهذا الذي قاله هو الصواب ؛ لن الواب مشتق من الوب وهو الرجوع ‪ ،‬يقال ‪ :‬آب فلن إذا‬
‫رجع ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّ إِلَيْنَا إِيَا َبهُمْ } [ الغاشية ‪ ، ] 25 :‬وفي الحديث الصحيح ‪ ،‬أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم كان إذا رجع من سفر قال (‪ : )5‬آيبون تائبون عابدون ‪ ،‬لربنا حامدون"‬
‫(‪.)6‬‬
‫خوَانَ‬
‫ل وَل تُ َبذّرْ تَبْذِيرًا (‪ )26‬إِنّ ا ْلمُبَذّرِينَ كَانُوا ِإ ْ‬
‫ن وَابْنَ السّبِي ِ‬
‫سكِي َ‬
‫حقّ ُه وَا ْلمِ ْ‬
‫{ وَآتِ ذَا ا ْلقُرْبَى َ‬
‫ن َوكَانَ الشّ ْيطَانُ لِرَبّهِ َكفُورًا (‪.} )27‬‬
‫الشّيَاطِي ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬ووافقه مجاهد في ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ما أحببت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/320‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)15/52‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )1797‬من حديث ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما‬

‫( ‪)5/68‬‬

‫حمَةٍ مِنْ رَ ّبكَ تَرْجُوهَا َف ُقلْ َلهُمْ َقوْلًا مَيْسُورًا (‪)28‬‬


‫وَِإمّا ُتعْ ِرضَنّ عَ ْنهُمُ ابْ ِتغَاءَ َر ْ‬

‫حمَةٍ مِنْ رَ ّبكَ تَ ْرجُوهَا َف ُقلْ َل ُهمْ َقوْل مَيْسُورًا (‪} )28‬‬
‫{ وَِإمّا ُتعْ ِرضَنّ عَ ْنهُمُ ابْ ِتغَاءَ رَ ْ‬
‫لما ذكر تعالى بر الوالدين ‪ ،‬عطف بذكر الحسان إلى القرابة وصلة الرحام ‪ ،‬كما تقدم في‬
‫الحديث ‪" :‬أمك وأباك ‪ ،‬ثم أدناك أدناك" وفي رواية ‪" :‬ثم القرب فالقرب"‪.‬‬
‫وفي الحديث ‪" :‬من أحب أن يبسط له رزقه (‪ )1‬وينسأ له في أجله ‪ ،‬فليصل رحمه" (‪.)2‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا عباد بن يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبو يحيى التيمي (‪ )3‬حدثنا فضيل بن‬
‫حقّهُ } دعا‬
‫مرزوق ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد قال لما نزلت ‪ ،‬هذه الية { وَآتِ ذَا ا ْلقُرْبَى َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فاطمة فأعطاها "فدك"‪ .‬ثم قال ‪ :‬ل نعلم حدث به عن فضيل بن‬
‫مرزوق إل أبو يحيى التيمي (‪ )4‬وحميد بن حماد بن أبي الخوار (‪.)6( )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬له في رزقه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )5986‬ومسلم في صحيحه برقم (‪.)2557‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ :‬أبو نجي التمي" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬التميمي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أبو نجي التميمي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الجوزاء"‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند البزار برقم (‪" )2223‬كشف الستار" وعطية العوفي متروك‪.‬‬

‫( ‪)5/68‬‬

‫وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده ؛ لن الية مكية ‪ ،‬وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من‬
‫الهجرة فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟!‬
‫وقد تقدم الكلم على المساكين وابن السبيل في "سورة براءة" بما أغنى عن إعادته هاهنا‪.‬‬
‫قوله [تعالى] (‪ { )1‬وَل تُ َبذّرْ تَبْذِيرًا } لما أمر بالنفاق نهى عن السراف فيه ‪ ،‬بل يكون وسطًا ‪،‬‬
‫كما قال في الية الخرى ‪ { :‬وَالّذِينَ ِإذَا أَ ْن َفقُوا َلمْ يُسْ ِرفُوا وَلَمْ َيقْتُرُوا َوكَانَ بَيْنَ ذَِلكَ َقوَامًا }‬
‫[ الفرقان ‪.] 67 :‬‬
‫خوَانَ الشّيَاطِينِ } أي ‪ :‬أشباههم في‬
‫ثم قال ‪ :‬منفرًا عن التبذير والسرف ‪ { :‬إِنّ ا ْلمُبَذّرِينَ كَانُوا إِ ْ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬التبذير ‪ :‬النفاق في غير حق‪ .‬وكذا قال ابن عباس‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬لو أنفق إنسان ماله كله في الحق ‪ ،‬لم يكن مبذرًا ‪ ،‬ولو أنفق مدًا في غير حقه كان‬
‫تبذيرًا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬التبذير ‪ :‬النفقة (‪ )2‬في معصية ال تعالى ‪ ،‬وفي غير الحق وفي الفساد‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم ‪ ،‬حدثنا لَيْث ‪ ،‬عن خالد بن يزيد ‪ ،‬عن سعيد بن أبى‬
‫هلل ‪ ،‬عن أنس بن مالك أنه قال ‪ :‬أتى رجل من بني تميم إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني ذو مال كثير ‪ ،‬وذو أهل وولد وحاضرة ‪ ،‬فأخبرني كيف أنفق وكيف‬
‫أصنع ؟ فقال ‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تخرج الزكاة من مالك ‪ ،‬فإنها طهرة تطهرك ‪،‬‬
‫وتصل أقرباءك ‪ ،‬وتعرف حق السائل والجار والمسكين (‪ ." )3‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أقلل (‪)4‬‬
‫ل وَل تُبَذّرْ تَ ْبذِيرًا } فقال ‪ : )5( :‬حسبي‬
‫ن وَابْنَ السّبِي ِ‬
‫سكِي َ‬
‫حقّ ُه وَا ْلمِ ْ‬
‫لي ؟ فقال ‪ { :‬وَآتِ ذَا ا ْلقُرْبَى َ‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى ال وإلى رسوله ؟ فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نعم ‪ ،‬إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ‪ ،‬فلك أجرها ‪ ،‬وإثمها على من‬
‫بدلها" (‪.)6‬‬
‫خوَانَ الشّيَاطِينِ } أي ‪ :‬في التبذير والسفه وترك طاعة‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { )7‬إِنّ ا ْلمُ َبذّرِينَ كَانُوا إِ ْ‬
‫ال وارتكاب معصيته ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬وكَانَ الشّ ْيطَانُ لِرَبّهِ َكفُورًا } أي ‪ :‬جحودًا ؛ لنه أنكر نعمة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال عليه ولم يعمل بطاعته ؛ بل أقبل على معصيته ومخالفته‪.‬‬
‫حمَةٍ مِنْ رَ ّبكَ تَ ْرجُوهَا َفقُلْ َلهُمْ َقوْل مَيْسُورًا }‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { )8‬وَِإمّا ُتعْ ِرضَنّ عَ ْن ُهمُ ابْ ِتغَاءَ َر ْ‬
‫أي ‪ :‬وإذا سألك أقاربك ومن أمرنا بإعطائهم وليس عندك شيء ‪ ،‬وأعرضت عنهم لفقد النفقة‬
‫{ َف ُقلْ َلهُمْ َقوْل مَ ْيسُورًا } أي ‪ :‬عدهم وعدًا بسهولة ‪ ،‬ولين إذا جاء رزق ال فسنصلكم إن شاء ال‬
‫‪ ،‬هكذا فسر قوله { َفقُلْ َلهُمْ َقوْل مَيْسُورًا } بالوعد ‪ :‬مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪،‬‬
‫والحسن ‪ ،‬وقتادة وغير واحد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬النفاق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬حق المسكين السائل والجار والمسكين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أتلك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬قال"‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)3/136‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت‬

‫( ‪)5/69‬‬

‫طهَا ُكلّ الْ َبسْطِ فَ َت ْقعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (‪ )29‬إِنّ رَ ّبكَ يَبْسُطُ‬
‫ج َعلْ يَ َدكَ َمغْلُولَةً إِلَى عُ ُن ِقكَ وَلَا تَبْسُ ْ‬
‫وَلَا تَ ْ‬
‫الرّزْقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ َيقْدِرُ إِنّهُ كَانَ ِبعِبَا ِدهِ خَبِيرًا َبصِيرًا (‪)30‬‬

‫سطِ فَ َت ْقعُدَ مَلُومًا َمحْسُورًا (‪ )29‬إِنّ رَ ّبكَ‬


‫طهَا ُكلّ الْبَ ْ‬
‫س ْ‬
‫ك وَل تَبْ ُ‬
‫ج َعلْ يَ َدكَ َمغْلُولَةً إِلَى عُ ُن ِق َ‬
‫{ وَل تَ ْ‬
‫سطُ الرّزْقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ َيقْدِرُ إِنّهُ كَانَ ِبعِبَا ِدهِ خَبِيرًا َبصِيرًا (‪.} )30‬‬
‫يَبْ ُ‬
‫ج َعلْ يَ َدكَ َمغْلُولَةً إِلَى‬
‫يقول تعالى آمرًا بالقتصاد في العيش ذامّا للبخل ناهيًا عن السّرَف ‪ { :‬وَل تَ ْ‬
‫عُ ُن ِقكَ } أي ‪ :‬ل تكن بخيل منوعًا ‪ ،‬ل تعطي أحدًا شيئًا ‪ ،‬كما قالت اليهود عليهم لعائن ال ‪ { :‬يَدُ‬
‫اللّهِ َمغْلُولَةٌ } [ المائدة ‪ ] 64 :‬أي نسبوه إلى البخل ‪ ،‬تعالى وتقدس الكريم الوهاب‪.‬‬
‫طهَا ُكلّ الْ َبسْطِ } أي ‪ :‬ول تسرف في النفاق فتعطي فوق طاقتك ‪ ،‬وتخرج‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَبْسُ ْ‬
‫أكثر من دخلك ‪ ،‬فتقعد ملومًا محسورًا‪.‬‬
‫وهذا من باب اللف والنشر أي ‪ :‬فتقعد إن بخلت ملومًا ‪ ،‬يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك‬
‫كما قال زهير بن أبي سُلمى في المعلقة ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ومن كان ذا مال ويبخل بماله‪ ...‬على قومه يستغن عنه ويذمم (‪)1‬‬
‫ومتى بسطت يدك فوق طاقتك ‪ ،‬قعدت بل شيء تنفقه ‪ ،‬فتكون كالحسير ‪ ،‬وهو ‪ :‬الدابة التي قد‬
‫عجزت عن السير ‪ ،‬فوقفت ضعفًا وعجزًا (‪ )2‬فإنها تسمى الحسير ‪ ،‬وهو مأخوذ من الكلل ‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى ‪ { :‬فَارْجِعِ الْ َبصَرَ َهلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمّ ارْجِعِ الْ َبصَرَ كَرّتَيْنِ يَ ْنقَلِبْ إِلَ ْيكَ الْ َبصَرُ خَاسِئًا‬
‫وَ ُهوَ حَسِيرٌ } [ الملك ‪ ] 4 ، 3 :‬أي ‪ :‬كليل عن أن يرى عيبًا‪ .‬هكذا فسر هذه الية ‪ -‬بأن المراد‬
‫هنا البخل والسرف ‪ -‬ابن عباس والحسن وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم‪.‬‬
‫وقد جاء في الصحيحين ‪ ،‬من حديث أبي الزّنَاد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ؛ أنه سمع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬مثل البخيل والمنفق ‪ ،‬كمثل رجلين عليهما جبتان من‬
‫حديد من ثدييهما (‪ )3‬إلى تراقيهما‪ .‬فأما المنفق فل ينفق إل سَ َبغَت ‪ -‬أو ‪ :‬وفرت ‪ -‬على جلده ‪،‬‬
‫حتى تُخفي بنانه وتعفو (‪ )4‬أثره‪ .‬وأما البخيل فل يريد أن ينفق شيئًا إل لزقت كل حلقة مكانها ‪،‬‬
‫فهو يوسعها فل (‪ )5‬تتسع"‪.‬‬
‫هذا لفظ البخاري في الزكاة (‪.)6‬‬
‫وفي الصحيحين من طريق هشام بن عُ ْر َوةَ ‪ ،‬عن زوجته فاطمة بنت المنذر ‪ ،‬عن جدتها أسماء‬
‫بنت أبي بكر قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أنفقي هكذا وهكذا وهكذا ‪ ،‬ول تُوعِي‬
‫فَيُوعي ال عليك ‪ ،‬ول توكي فيوكي ال عليك" وفي لفظ ‪" :‬ول تُحصي فيحصي ال عليك" (‪.)7‬‬
‫وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال قال لي ‪ :‬أنفق أنفق عليك" (‪.)8‬‬
‫وفي الصحيحين من طريق معاوية بن أبي مُزَرّد ‪ ،‬عن سعيد بن يسار ‪ ،‬عن أبي هريرة رضي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيت في ديوانه (ص ‪.)30‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عجزا وضعفا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬من يديهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يخفى بنانه ويعفو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )1443‬وليس في صحيح مسلم من طريق أبي الزناد ‪ ،‬وإنما هو فيه‬
‫من طريق الحسن بن مسلم وعبد ال بن طاوس ‪ ،‬عن طاوس ‪ ،‬عن أبي هريرة برقم (‪.)1021‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )1433‬وصحيح مسلم برقم (‪)1029‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪.)993‬‬

‫( ‪)5/70‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خطْئًا كَبِيرًا (‪)31‬‬
‫خشْيَةَ ِإمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْ ُز ُق ُه ْم وَإِيّاكُمْ إِنّ قَتَْلهُمْ كَانَ ِ‬
‫وَلَا َتقْتُلُوا َأوْلَا َد ُكمْ َ‬

‫ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من يوم يصبح العباد فيه إل وملكان‬
‫ينزلن من السماء يقول أحدهما ‪ :‬اللهم أعط منفقًا خلفًا ‪ ،‬ويقول الخر ‪ :‬اللهم أعط ممسكًا تلفًا" (‬
‫‪.)1‬‬
‫وروى مسلم ‪ ،‬عن قتيبة ‪ ،‬عن إسماعيل بن جعفر ‪ ،‬عن العلء (‪ )2‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫مرفوعًا ‪" :‬ما نقص مال من صدقة ‪ ،‬وما زاد ال عبدًا بعفو إل عزًا (‪ )3‬ومن تواضع ل رفعه‬
‫ال" (‪.)4‬‬
‫وفي حديث أبي كثير ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو مرفوعًا ‪" :‬إياكم والشّح ‪ ،‬فإنه أهلك من كان قبلكم ‪،‬‬
‫أمرهم بالبخل فبخلوا ‪ ،‬وأمرهم بالقطيعة فقطعوا ‪ ،‬وأمرهم بالفجور ففجروا" (‪.)5‬‬
‫وروى البيهقي من طريق سعدان بن نصر ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪[ ،‬عن ابن بريدة] (‬
‫‪ )6‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما يخرج رجل صدقة ‪ ،‬حتى يفك لَحْيَى‬
‫سبعين شيطانا" (‪.)7‬‬
‫سكَين (‪ )8‬بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا إبراهيم‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عبيدة الحداد ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫الهجري ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعوده قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬ما عال من اقتصد" (‪.)9‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { )10‬إِنّ رَ ّبكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ َيقْدِرُ } إخبار أنه تعالى هو الرزاق ‪،‬‬
‫القابض الباسط ‪ ،‬المتصرف في خلقه بما يشاء ‪ ،‬فيغني من يشاء ‪ ،‬ويفقر من يشاء ‪ ،‬بما له في‬
‫ذلك من الحكمة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّهُ كَانَ ِبعِبَا ِدهِ خَبِيرًا َبصِيرًا } أي ‪ :‬خبير بصير بمن يستحق‬
‫الغنى ومن يستحق الفقر (‪ ، )11‬كما جاء في الحديث ‪" :‬إن من عبادي من ل يصلحه إل الفقر ‪،‬‬
‫ولو أغنيته لفسدت عليه دينه ‪ ،‬وإن من عبادي لمن ل يصلحه إل الغنى ‪ ،‬ولو أفقرته لفسدت‬
‫عليه دينه"‪.‬‬
‫وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجًا ‪ ،‬والفقر عقوبة عياذًا بال من هذا وهذا‪.‬‬
‫{ وَل َتقْتُلُوا َأوْل َدكُمْ خَشْ َيةَ ِإمْلقٍ َنحْنُ نَرْ ُز ُقهُ ْم وَإِيّاكُمْ إِنّ قَتَْلهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (‪} )31‬‬
‫هذه الية الكريمة دالة على أن ال تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده ؛ لنه ينهى [تعالى] (‪)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )1442‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1010‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬عن العلء بن عبد الرحمن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إل غنى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)2588‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬رواه أحمد في المسند (‪ )2/159‬وأبو داود في السنن برقم (‪ )1698‬وابن حبان في صحيحه‬
‫برقم (‪" )1580‬موارد" من طرق عن شعبة عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن عبد ال بن الحارث ‪ ،‬عن‬
‫أبي كثير الزبيدي به‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والسنن الكبرى ‪ ،‬وصحيح ابن خزيمة‪.‬‬
‫(‪ )7‬السنن الكبرى (‪ )4/187‬ورواه ابن خزيمة في صحيحه برقم (‪ )2457‬من طريق محمد‬
‫المخزومي ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬به ‪ ،‬وقال ‪" :‬إن صح الخبر ‪ ،‬فإني ل أقف هل سمع العمش من‬
‫ابن بريدة أم ل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬مسكين" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سكن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )1/447‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/252‬فيه إبراهيم بن مسلم الهجري وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بمن يستحق الفقر ومن يستحق الغنى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/71‬‬

‫حشَ ًة وَسَاءَ سَبِيلًا (‪)32‬‬


‫وَلَا َتقْرَبُوا الزّنَا إِنّهُ كَانَ فَا ِ‬

‫عن قتل الولد ‪ ،‬كما أوصى بالولد في الميراث ‪ ،‬وكان أهل الجاهلية ل يورثون البنات ‪ ،‬بل‬
‫كان أحدهم ربما قتل ابنته لئل تكثر عيلته ‪ ،‬فنهى ال [تعالى] (‪ )1‬عن ذلك فقال ‪ { :‬وَل َتقْتُلُوا‬
‫خشْيَةَ ِإمْلقٍ } أي ‪ :‬خوف أن تفتقروا في ثاني الحال ؛ ولهذا قدم الهتمام برزقهم فقال ‪:‬‬
‫َأوْل َدكُمْ َ‬
‫{ َنحْنُ نَرْ ُز ُقهُ ْم وَإِيّاكُمْ } وفي النعام (‪ { )2‬وَل َتقْتُلُوا َأوْل َدكُمْ مِنْ ِإمْلقٍ } أي ‪ :‬من فقر { نَحْنُ‬
‫نَرْ ُز ُقكُ ْم وَإِيّاهُمْ (‪ [ } )3‬النعام ‪.]151 :‬‬
‫خطْئًا كَبِيرًا } أي ‪ :‬ذنبًا عظيمًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ قَتَْل ُهمْ كَانَ ِ‬
‫وقرأ بعضهم ‪" :‬كان خَطَأً كبيرًا" وهو بمعناه‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن عبد ال بن مسعود ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أي الذنب أعظم ؟ قال ‪" :‬أن‬
‫ط َع َم معك"‪ .‬قلت ‪ :‬ثم أي‬
‫تجعل ل ندًا وهو خلقك"‪ .‬قلت ‪ :‬ثم أي ؟ قال ‪" :‬أن تقتل ولدك خشية أن يَ ْ‬
‫؟ قال ‪" :‬أن تزاني بحليلة (‪ )4‬جارك" (‪.)5‬‬
‫حشَ ًة وَسَاءَ سَبِيل (‪.} )32‬‬
‫{ وَل َتقْرَبُوا الزّنَا إِنّهُ كَانَ فَا ِ‬
‫يقول تعالى ناهيًا عباده عن الزنا وعن مقاربته ‪ ،‬وهو مخالطة أسبابه (‪ )6‬ودواعيه { وَل َتقْرَبُوا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شةً } أي ‪ :‬ذنبًا عظيمًا { وَسَاءَ سَبِيل } أي ‪ :‬وبئس طريقًا ومسلكًا‪.‬‬
‫الزّنَا إِنّهُ كَانَ فَاحِ َ‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬حدثنا سليم بن عامر ‪ ،‬عن أبي‬
‫أمامة قال ‪ :‬إن فتى شابًا أتى النبي (‪ )7‬صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ائذن لي‬
‫بالزنا‪ .‬فأقبل القوم عليه فزجروه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬مًهْ مَهْ‪ .‬فقال ‪" :‬ادنه"‪ .‬فدنا منه قريبًا (‪ )8‬فقال (‪)9‬‬
‫اجلس"‪ .‬فجلس ‪ ،‬قال ‪" :‬أتحبه لمك ؟" قال ‪ :‬ل وال ‪ ،‬جعلني ال فداك‪ .‬قال ‪" :‬ول الناس يحبونه‬
‫لمهاتهم"‪ .‬قال ‪" :‬أفتحبه لبنتك" ؟ قال ‪ :‬ل وال يا رسول ال ‪ ،‬جعلني ال فداك‪ .‬قال ‪" :‬ول الناس‬
‫يحبونه لبناتهم" ‪ ،‬قال ‪" :‬أتحبه لختك" ؟ قال ‪ :‬ل وال ‪ ،‬جعلني ال فداك‪ .‬قال ‪" :‬ول الناس‬
‫يحبونه لخواتهم" ‪ ،‬قال ‪" :‬أفتحبه لعمتك" ؟ قال ‪ :‬ل وال جعلني ال فداك‪ .‬قال ‪" :‬ول الناس‬
‫يحبونه لعماتهم" قال ‪" :‬أفتحبه لخالتك" ؟ قال ‪ :‬ل وال ‪ ،‬جعلني ال فداك‪ .‬قال ‪" :‬ول الناس‬
‫يحبونه لخالتهم" قال ‪ :‬فوضع يده عليه وقال ‪" :‬اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن (‪ )10‬فرجه"‬
‫قال ‪ :‬فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (‪.)11‬‬
‫وقال (‪ )12‬ابن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا عمار بن نصر ‪ ،‬حدثنا بَقيّةُ ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي مريم ‪ ،‬عن‬
‫الهيثم بن مالك الطائي ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند‬
‫ال من نطفة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال في سورة النعام"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬نرزقهم وإياكم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬خليلة" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬حليلة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4477‬وصحيح مسلم برقم (‪.)68‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬أشباهه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أتى إلى النبي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬قريبا منه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬فقال له"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬وأحصن"‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)5/356‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫( ‪)5/72‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعَلْنَا ِلوَلِيّهِ سُ ْلطَانًا فَلَا يُسْ ِرفْ فِي‬
‫ق َومَنْ قُ ِتلَ مَظْلُومًا َفقَدْ َ‬
‫وَلَا َتقْتُلُوا ال ّنفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلّا بِا ْلحَ ّ‬
‫ا ْلقَ ْتلِ إِنّهُ كَانَ مَ ْنصُورًا (‪)33‬‬

‫وضعها رجل في رحم ل يحل له" (‪.)1‬‬


‫جعَلْنَا ِلوَلِيّهِ سُلْطَانًا فَل يُسْ ِرفْ‬
‫ق َومَنْ قُ ِتلَ َمظْلُومًا فَقَدْ َ‬
‫حّ‬‫{ وَل َتقْتُلُوا ال ّنفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِل بِالْ َ‬
‫فِي ا ْلقَتْلِ إِنّهُ كَانَ مَ ْنصُورًا (‪} )33‬‬
‫يقول تعالى ناهيًا عن قتل النفس بغير حق شرعي ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين ؛ أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‬
‫إل بإحدى ثلث ‪ :‬النفس بالنفس ‪ ،‬والزاني المحصن ‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة" (‪.)2‬‬
‫وفي السنن ‪" :‬لزوال الدنيا أهون عند ال من قتل مسلم (‪." )3‬‬
‫جعَلْنَا ِلوَلِيّهِ سُ ْلطَانًا } أي ‪ :‬سلطة على القاتل ‪ ،‬فإنه بالخيار فيه إن‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ قُ ِتلَ مَظْلُومًا َفقَدْ َ‬
‫شاء قتله قَودًا ‪ ،‬وإن شاء عفا عنه على الدية ‪ ،‬وإن شاء عفا عنه مجانًا ‪ ،‬كما ثبتت السنة بذلك‪.‬‬
‫وقد أخذ المام الحبر ابن عباس من عموم هذه الية الكريمة ولية معاوية السلطنة ‪ ،‬وأنه‬
‫سيملك ؛ لنه كان ولي عثمان ‪ ،‬وقد قتل عثمان مظلومًا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وكان معاوية يطالب‬
‫عليًا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن يسلمه قتلته حتى يقتص منهم ؛ لنه أموي ‪ ،‬وكان علي ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬يستمهله في المر (‪ )4‬حتى يتمكن ويفعل ذلك ‪ ،‬ويطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام‬
‫فيأبى (‪ )5‬معاوية ذلك حتى يسلمه القتلة ‪ ،‬وأبى أن يبايع عليًا هو وأهل الشام ‪ ،‬ثم مع المطاولة‬
‫تمكن معاوية وصار المر إليه كما تفاءل (‪ )6‬ابن عباس واستنبط من هذه الية الكريمة‪ .‬وهذا‬
‫من المر العجب وقد روى ذلك الطبراني في معجمه حيث قال ‪:‬‬
‫ضمْ َرةُ بن ربيعة ‪ ،‬عن ابن‬
‫حدثنا يحيى بن عبد الباقي ‪ ،‬حدثنا أبو عمير بن النحاس ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫شوذب ‪ ،‬عن مطر الوراق ‪ ،‬عن زَهْدَم الجَرْمي قال ‪ :‬كنا في سمر ابن عباس فقال ‪ :‬إني محدثكم‬
‫حديثا ليس بسر ول علنية ؛ إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان ‪ -‬يعني عثمان ‪ -‬قلت لعلي‬
‫‪ :‬اعتزل فلو كنت في جحر طلبت حتى تستخرج ‪ ،‬فعصاني ‪ ،‬وايم ال ليتأمرن عليكم معاوية ‪،‬‬
‫جعَلْنَا ِلوَلِيّهِ سُ ْلطَانًا فَل يُسْ ِرفْ فِي ا ْلقَ ْتلِ } الية‬
‫وذلك أن ال تعالى يقول ‪َ { :‬ومَنْ قُ ِتلَ مَظْلُومًا َفقَدْ َ‬
‫(‪ )7‬وليحملنكم (‪ )8‬قريش على سنة فارس والروم وليقيمن عليكم النصارى واليهود والمجوس ‪،‬‬
‫فمن أخذ منكم يومئذ بما ُيعْرَف نجا ‪ ،‬ومن ترك وأنتم تاركون ‪ ،‬كنتم كقرن من القرون ‪ ،‬هلك‬
‫فيمن هلك (‪.)9‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { )10‬فَل ُيسْ ِرفْ فِي ا ْلقَ ْتلِ } قالوا ‪ :‬معناه ‪ :‬فل يسرف الولي في قتل القاتل بأن‬
‫يمثل به أو يقتص من غير القاتل‪.‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬الورع لبن أبي الدنيا برقم (‪ )137‬وفيه ثلث علل ‪ :‬الولى ‪ :‬تدليس بقية‪ .‬الثانية ‪ :‬ابن أبي‬
‫مريم ضعيف‪ .‬الثالثة ‪ :‬الرسال‪ .‬أ‪ .‬هـ مستفادا من حاشية الستاذ محمد الحمود ‪ ،‬وسيأتي‬
‫الحديث عند تفسير الية ‪ 68 :‬من سورة الفرقان‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )6878‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1676‬من حديث ابن مسعود ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬المسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬المور"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فأبى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪( :‬إنه كان منصورا) "‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬يتحملنكم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المعجم الكبير (‪ )10/320‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/235‬وفيه من لم أعرفهم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)5/73‬‬

‫حسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُ ّد ُه وََأ ْوفُوا بِا ْل َعهْدِ إِنّ ا ْل َعهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (‪)34‬‬
‫وَلَا َتقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالّتِي ِهيَ أَ ْ‬
‫حسَنُ تَ ْأوِيلًا (‪ )35‬وَلَا َتقْفُ مَا لَيْسَ َلكَ‬
‫وََأ ْوفُوا ا ْلكَ ْيلَ إِذَا كِلْتُ ْم وَزِنُوا بِا ْلقِسْطَاسِ ا ْلمُسْ َتقِيمِ ذَِلكَ خَيْ ٌر وَأَ ْ‬
‫سمْ َع وَالْ َبصَرَ وَالْ ُفؤَادَ ُكلّ أُولَ ِئكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (‪)36‬‬
‫بِهِ عِ ْلمٌ إِنّ ال ّ‬

‫وقوله ‪ { :‬إِنّهُ كَانَ مَ ْنصُورًا } أي أن الولي منصور على القاتل شرعًا ‪ ،‬وغالبًا قدرًا‪.‬‬
‫ش ّد ُه وََأ ْوفُوا بِا ْل َعهْدِ إِنّ ا ْل َعهْدَ كَانَ مَسْئُول (‬
‫{ وَل َتقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِل بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَ ُ‬
‫حسَنُ تَ ْأوِيل (‪.} )35‬‬
‫‪ )34‬وََأ ْوفُوا ا ْلكَ ْيلَ إِذَا كِلْتُ ْم وَزِنُوا بِا ْلقِسْطَاسِ ا ْلمُسْ َتقِيمِ ذَِلكَ خَيْ ٌر وَأَ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَل َتقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِل بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ } أي ‪ :‬ل تتصرفوا له إل بالغبطة { وَل‬
‫تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلهُمْ إِلَى َأ ْموَاِلكُمْ إِنّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } [ النساء ‪ ] 2 :‬و { ل تَ ْأكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ‬
‫ف َومَنْ كَانَ َفقِيرًا فَلْيَ ْأ ُكلْ بِا ْل َمعْرُوفِ } [ النساء ‪.] 6 :‬‬
‫َيكْبَرُوا َومَنْ كَانَ غَنِيّا فَلْ َيسْ َتعْ ِف ْ‬
‫وقد جاء في صحيح مسلم ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لبي ذر ‪" :‬يا أبا ذر ‪ ،‬إني‬
‫أراك ضعيفًا ‪ ،‬وإني أحب لك ما أحب لنفسي ‪ :‬ل تََأمّرَن على اثنين ‪ ،‬ول تولين مال يتيم (‪( " )1‬‬
‫‪.)2‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { : )3‬وََأ ْوفُوا بِا ْل َعهْدِ } أي الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه { إِنّ ا ْل َعهْدَ كَانَ مَسْئُول } أي ‪ :‬عنه‪.‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { : )4‬وََأ ْوفُوا ا ْلكَ ْيلَ ِإذَا كِلْتُمْ } أي ‪ :‬من غير تطفيف ‪ ،‬ول تبخسوا الناس‬
‫سطَاسِ } قرئ بضم القاف وكسرها ‪ ،‬كالقرطاس وهو الميزان‪ .‬وقال مجاهد‬
‫أشياءهم‪ { .‬وَزِنُوا بِا ْلقِ ْ‬
‫‪ :‬هو العدل بالرومية‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ا ْل ُمسْ َتقِيمِ } أي ‪ :‬الذي ل اعوجاج فيه ول انحراف ول اضطراب‪.‬‬
‫{ ذَِلكَ خَيْرٌ } أي ‪ :‬لكم في معاشكم ومعادكم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَأَحْسَنُ تَ ْأوِيل } أي ‪ :‬مآل ومنقلبًا في‬
‫آخرتكم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ { :‬ذَِلكَ خَيْ ٌر وَأَحْسَنُ تَ ْأوِيل } أي ‪ :‬خير ثوابًا وعاقبة‪ .‬وأما ابن عباس‬
‫كان يقول ‪ :‬يا معشر الموالي ‪ ،‬إنكم وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم ‪ :‬هذا المكيال ‪ ،‬وهذا‬
‫الميزان‪ .‬قال وذكر لنا أن نبي ال صلى ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬ل يقدر رجل على حرام ثم‬
‫يدعه ‪ ،‬ليس به إل مخافة ال ‪ ،‬إل أبدله ال في عاجل الدنيا قبل الخرة ما هو خير له من ذلك" (‬
‫‪.)5‬‬
‫سمْعَ وَالْ َبصَرَ وَا ْل ُفؤَادَ ُكلّ أُولَ ِئكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُول (‪.} )36‬‬
‫{ وَل َتقْفُ مَا لَيْسَ َلكَ ِبهِ عِلْمٌ إِنّ ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬بخيل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)1826‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬وقد جاء في مسند أحمد (‪ )5/78‬عن أبي قتادة وأبي الدهماء عن رجل من أهل البادية ‪ ،‬أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أخذ بيده وقال ‪" :‬إنك ل تدع شيئا اتقاء ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬إل أعطاك ال‬
‫خيرا منه"‪.‬‬

‫( ‪)5/74‬‬

‫وَلَا َتمْشِ فِي الْأَ ْرضِ مَرَحًا إِ ّنكَ لَنْ َتخْرِقَ الْأَ ْرضَ وَلَنْ تَبْلُغَ ا ْلجِبَالَ طُولًا (‪ُ )37‬كلّ ذَِلكَ كَانَ سَيُّئهُ‬
‫عِنْدَ رَ ّبكَ َمكْرُوهًا (‪)38‬‬

‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يقول ‪ :‬ل تقل‪.‬‬
‫وقال العوفي عنه ‪ :‬ل تَرْم أحدًا بما ليس لك به علم‪.‬‬
‫وقال محمد بن الحَنفية ‪ :‬يعني شهادة الزور‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ل تقل ‪ :‬رأيت ‪ ،‬ولم تر ‪ ،‬وسمعت ‪ ،‬ولم تسمع ‪ ،‬وعلمت ‪ ،‬ولم تعلم ؛ فإن ال سائلك‬
‫عن ذلك كله‪.‬‬
‫ومضمون ما ذكروه ‪ :‬أن ال تعالى نهى عن القول بل علم ‪ ،‬بل بالظن الذي هو التوهم والخيال ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظّنّ إِنّ َب ْعضَ الظّنّ إِثْمٌ } [ الحجرات ‪ ، ] 12 :‬وفي الحديث‬
‫‪" :‬إياكم والظن ؛ فإن الظن أكذبُ الحديث" (‪ .)1‬وفي سنن أبي داود ‪" :‬بئس مطيةُ الرجل ‪:‬‬
‫زعموا" (‪ ، )2‬وفي الحديث الخر ‪" :‬إن أفرى الفِرَى أن يُرِي (‪ )3‬عينيه ما لم تريا" (‪ .)4‬وفي‬
‫الصحيح ‪" :‬من تحلم حلما كُلف يوم القيامة أن يعقد بين شَعيرتين ‪ ،‬وليس بعاقد (‪.)6( )5‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬كلّ أُولَ ِئكَ } أي ‪ :‬هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد { كَانَ عَ ْنهُ مَسْئُول } أي ‪:‬‬
‫سيسأل العبد عنها يوم القيامة ‪ ،‬وتُسأل (‪ )7‬عنه وعما عمل فيها‪ .‬ويصح استعمال "أولئك" مكان‬
‫"تلك" ‪ ،‬كما قال الشاعر (‪.)8‬‬
‫ُذمّ المَنَازلَ َبعْدَ مَنزلة الّلوَى‪ ...‬وَا ْلعَيْش َبعْدَ أول ِئكَ اليّام‪...‬‬
‫ض وَلَنْ تَبْلُغَ ا ْلجِبَالَ طُول (‪ُ )37‬كلّ ذَِلكَ كَانَ‬
‫{ وَل َتمْشِ فِي الرْضِ مَرَحًا إِ ّنكَ لَنْ تَخْ ِرقَ ال ْر َ‬
‫سَيّئُهُ عِنْدَ رَ ّبكَ َمكْرُوهًا (‪.} )38‬‬
‫يقول تعالى ناهيًا عباده ‪ ،‬عن التّجَبّر والتبختر في المشية ‪ { :‬وَل َتمْشِ فِي ال ْرضِ مَرَحًا } أي ‪:‬‬
‫متبخترًا متمايل مشي الجَبّارين { إِ ّنكَ لَنْ تَخْ ِرقَ ال ْرضَ } أي ‪ :‬لن تقطع الرض بمشيتك (‪)9‬‬
‫قاله ابن جرير ‪ ،‬واستشهد عليه بقول رُؤبة بن العَجّاج ‪:‬‬
‫عمَاق خَاوي المُخترقْ (‪)10‬‬
‫وقَاتِم ال ْ‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { : )11‬وَلَنْ تَبُْلغَ ا ْلجِبَالَ طُول } أي ‪ :‬بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك ‪ ،‬بل قد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )6066‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2563‬من حديث أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬برقم (‪.)4972‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يرى الرجل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7043‬من حديث ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬بفاعل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7042‬معلقا ‪ ،‬ووصله النسائي في السنن (‪ )8/215‬من‬
‫حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ويسأل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬هو جرير بن عطية ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري (‪.)15/62‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بمشيك"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪.)15/63‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)5/75‬‬

‫يجازى فاعل ذلك بنقيض (‪ )1‬قصده‪ .‬كما ثبت في الصحيح ‪" :‬بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم ‪،‬‬
‫خسِف به الرض ‪ ،‬فهو يتجلجل (‪ )2‬فيها إلى يوم القيامة" (‪.)3‬‬
‫وعليه بُرْدَان يتبختر فيهما ‪ ،‬إذ ُ‬
‫وكذلك (‪ )4‬أخبر ال [تعالى] (‪ )5‬عن قارون أنه خرج على قومه في زينته ‪ ،‬وأن ال تعالى‬
‫خسف به وبداره الرض ‪ ،‬وفي الحديث ‪" :‬من تواضع ل رفعه ال ‪ ،‬فهو في نفسه حقير وعند‬
‫الناس كبير ‪ ،‬ومن استكبر وضعه ال ‪ ،‬فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير ‪ ،‬حتى لهو أبغض‬
‫إليهم من الكلب أو الخنزير" (‪.)6‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب "الخمول والتواضع" ‪ :‬حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ‪،‬‬
‫حدثنا حجاج بن محمد ‪ ،‬بن أبي بكر الهذلي قال ‪ :‬بينما نحن مع الحسن ‪ ،‬إذ مَر عليه ابن الهتم (‬
‫‪ - )7‬يريد المنصور ‪ -‬وعليه جبَابُ خَزّ قد ُنضّد (‪ )8‬بعضها فوق بعض على ساقه ‪ ،‬وانفرج‬
‫عنها قباؤه ‪ ،‬وهو يمشي ويتبختر ‪ ،‬إذ نظر إليه الحسن نظرة فقال ‪ :‬أف أف ‪ ،‬شامخ بأنفه ‪ ،‬ثان‬
‫حمَيْق ينظر في عطفه في ِنعَم غير مشكورة ول‬
‫عطفه ‪ ،‬مصعر خده ‪ ،‬ينظر في عطفيه ‪ ،‬أيّ ُ‬
‫مذكورة ‪ ،‬غير المأخوذ بأمر ال فيها ‪ ،‬ول المؤدّى حقّ ال منها! وال إن يمشي أحدهم طبيعته‬
‫يتلجلج تلجلج المجنون ‪ ،‬في كل عضو منه نعمة ‪ ،‬وللشيطان به لعنة ‪ ،‬فسمعه ابن الهتم (‪)9‬‬
‫فرجع يعتذر إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل تعتذر إلي ‪ ،‬وتب إلى ربك ‪ ،‬أما سمعت قول ال تعالى ‪ { :‬وَل َتمْشِ‬
‫فِي ال ْرضِ مَرَحًا إِ ّنكَ لَنْ تَخْ ِرقَ ال ْرضَ وَلَنْ تَ ْبلُغَ ا ْلجِبَالَ طُول } (‪.)10‬‬
‫ورأى البختريّ العابدُ رجل من آل علي يمشي وهو يخطِر في مشيته ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا هذا ‪ ،‬إن‬
‫الذي أكرمك به لم تكن هذه مشيته! قال ‪ :‬فتركها الرجل بعد‪.‬‬
‫ورأى ابن عمر رجل يخطر في مشيته ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن للشياطين إخوانًا‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬خالد بن َمعْدان ‪ :‬إياكم والخَطْر ‪ ،‬فإن الرّجل َيدُه من سائر (‪ )11‬جسده‪ .‬رواهما ابن أبي‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬ابن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا خلف بن هشام البزار ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬عن (‪ )12‬يحيى ‪ ،‬عن‬
‫سعيد ‪ ،‬عن يُحَنّس قال ‪ :‬قال ‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا مشت أمتي المطيطاء ‪،‬‬
‫وخدمتهم فارس والروم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ببعض"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يتخلل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )5789‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2088‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ولذلك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه أبو نعيم في الحلية (‪ )7/129‬والخطيب في تاريخ بغداد (‪ )2/110‬من طريق سعيد بن‬
‫سلم ‪ ،‬عن الثوري عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم بن عابس ‪ ،‬عن ربيعة ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب‬
‫بنحوه وقال ‪" :‬غريب من حديث الثوري ‪ ،‬تفرد به سعيد بن سلم ‪ ،‬وهو كذاب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ابن الهيم" ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه من الخمول والتواضع لبن أبي‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فضل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في هـ ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ابن الهيم" ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه من الخمول والتواضع‪.‬‬
‫(‪ )10‬الخمول والتواضع برقم (‪.)237‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من دون سائر"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬بن"‪.‬‬

‫( ‪)5/76‬‬

‫سلط بعضهم على بعض" (‪.)1‬‬


‫وقوله تعالى ‪ُ { :‬كلّ ذَِلكَ كَانَ سَيُّئهُ عِنْدَ رَ ّبكَ َمكْرُوهًا } أما من قرأ "سيئة" أي ‪ :‬فاحشة‪ .‬فمعناه‬
‫خشْيَةَ ِإمْلقٍ } إلى هاهنا ‪ ،‬فهو‬
‫عنده ‪ :‬كل هذا الذي نهينا عنه ‪ ،‬من قوله ‪ { :‬وَل َتقْتُلُوا َأوْل َدكُمْ َ‬
‫سيئة مؤاخذ عليها { َمكْرُوهًا } عند ال ‪ ،‬ل يحبه ول يرضاه‪.‬‬
‫وأما من قرأ { سَيّئُهُ } على الضافة فمعناه عنده ‪ :‬كل هذا الذي ذكرناه من قوله ‪َ { :‬و َقضَى رَ ّبكَ‬
‫أَل َتعْبُدُوا إِل إِيّاهُ } إلى هاهنا فسيئه ‪ ،‬أي ‪ :‬فقبيحه مكروه (‪ )2‬عند ال ‪ ،‬هكذا وجّه ذلك ابن‬
‫جرير ‪ ،‬رحمه ال (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الخمول والتواضع برقم (‪ )249‬وهو مرسل ‪ ،‬وجاء من حديث ابن عمر رضي ال عنهما ‪،‬‬
‫رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2261‬من طريق زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة عن عبد‬
‫ال بن دينار عنه ‪ ،‬ولفظ آخره "سلط ال شرارها على خيارها" وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث‬
‫غريب"‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قبيحه مكروها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)15/63‬‬

‫( ‪)5/77‬‬

‫جهَنّمَ مَلُومًا مَ ْدحُورًا (‬


‫ج َعلْ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آَخَرَ فَتُ ْلقَى فِي َ‬
‫ح ْكمَ ِة وَلَا تَ ْ‬
‫ذَِلكَ ِممّا َأوْحَى إِلَ ْيكَ رَ ّبكَ مِنَ ا ْل ِ‬
‫عظِيمًا (‪)40‬‬
‫خذَ مِنَ ا ْلمَلَا ِئكَةِ إِنَاثًا إِ ّنكُمْ لَ َتقُولُونَ َقوْلًا َ‬
‫ن وَاتّ َ‬
‫صفَاكُمْ رَ ّب ُكمْ بِالْبَنِي َ‬
‫‪َ )39‬أفََأ ْ‬

‫جهَنّمَ مَلُومًا مَ ْدحُورًا‬


‫ج َعلْ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ فَتُ ْلقَى فِي َ‬
‫ح ْكمَةِ وَل َت ْ‬
‫{ ذَِلكَ ِممّا َأوْحَى إِلَ ْيكَ رَ ّبكَ مِنَ الْ ِ‬
‫(‪.} )39‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬هذا الذي أمرناك به من الخلق الجميلة ‪ ،‬ونهيناك عنه من الصفات الرذيلة ‪ ،‬مما‬
‫أوحينا إليك يا محمد لتأمر به الناس‪.‬‬
‫جهَنّمَ مَلُومًا } أي ‪ :‬تلومك نفسك [ويلومك ال] (‪)1‬‬
‫ج َعلْ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ فَتُ ْلقَى فِي َ‬
‫{ وَل تَ ْ‬
‫والخلق‪َ { .‬مدْحُورًا }‪ .‬قال ابن عباس وقتادة ‪ :‬مطرودًا‪.‬‬
‫والمراد من هذا الخطاب المة بواسطة الرسول صلى ال عليه وسلم ؛ فإنه صلوات ال وسلمه‬
‫عليه معصوم‪.‬‬
‫صفَاكُمْ رَ ّبكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتّخَذَ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ إِنَاثًا إِ ّنكُمْ لَ َتقُولُونَ َقوْل عَظِيمًا (‪.} )40‬‬
‫{ َأفََأ ْ‬
‫يقول تعالى رادًا على المشركين الكاذبين (‪ )2‬الزاعمين ‪ -‬عليهم لعائن ال ‪ -‬أن الملئكة بناتُ ال‬
‫‪ ،‬فجعلوا الملئكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا ‪ ،‬ثم ادّعوا أنهم بنات ال ‪ ،‬ثم عبدوهم فأخطئوا في‬
‫صفَاكُمْ رَ ّبكُمْ بِالْبَنِينَ }‬
‫كل من المقامات الثلث (‪ )3‬خطأ عظيمًا ‪ ،‬قال تعالى منكرًا عليهم ‪َ { :‬أفََأ ْ‬
‫خذَ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ إِنَاثًا } أي ‪ :‬اختار لنفسه على زعمكم البنات ؟ ثم‬
‫أي ‪ :‬خصصكم بالذكور { وَاتّ َ‬
‫عظِيمًا } أي ‪ :‬في زعمكم ل ولدًا ‪ ،‬ثم جعْلكم ولده‬
‫شدد النكار عليهم فقال ‪ { :‬إِ ّنكُمْ لَ َتقُولُونَ َقوْل َ‬
‫الناث التي تأنفون (‪ )4‬أن َيكُنّ لكم ‪ ،‬وربما قتلتموهُن بالوأد ‪ ،‬فتلك إذا قسْمة ضِيزَى‪ .‬وقال [ال]‬
‫سمَاوَاتُ يَ َتفَطّرْنَ مِنْ ُه وَتَنْشَقّ‬
‫ن وَلَدًا * َلقَدْ جِئْ ُتمْ شَيْئًا ِإدّا* َتكَادُ ال ّ‬
‫حمَ ُ‬
‫(‪ )5‬تعالى ‪َ { :‬وقَالُوا اتّخَذَ الرّ ْ‬
‫خ َذ وَلَدًا* إِنْ ُكلّ مَنْ‬
‫حمَنِ أَنْ يَتّ ِ‬
‫ن وَلَدًا* َومَا يَنْ َبغِي لِلرّ ْ‬
‫حمَ ِ‬
‫عوْا لِلرّ ْ‬
‫ال ْرضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ َهدّا* أَنْ دَ َ‬
‫عدّا* َوكُّلهُمْ آتِيهِ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ‬
‫حصَاهُ ْم وَعَدّهُمْ َ‬
‫حمَنِ عَ ْبدًا* َلقَدْ َأ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ إِل آتِي الرّ ْ‬
‫فِي ال ّ‬
‫فَرْدًا } [ مريم ‪.] 95 - 88 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬المكذبين"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الثلث المقامات"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬تألفون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)5/77‬‬

‫وَلَقَدْ صَ ّرفْنَا فِي َهذَا ا ْلقُرْآَنِ لِ َي ّذكّرُوا َومَا يَزِيدُهُمْ ِإلّا ُنفُورًا (‪ُ )41‬قلْ َلوْ كَانَ َمعَهُ آَِلهَةٌ َكمَا َيقُولُونَ‬
‫عمّا َيقُولُونَ عُُلوّا كَبِيرًا (‪ُ )43‬تسَبّحُ لَهُ‬
‫إِذًا لَابْ َت َغوْا إِلَى ذِي ا ْلعَرْشِ سَبِيلًا (‪ )42‬سُبْحَانَهُ وَ َتعَالَى َ‬
‫ح ُهمْ إِنّهُ‬
‫حمْ ِد ِه وََلكِنْ لَا َتفْ َقهُونَ تَسْبِي َ‬
‫شيْءٍ إِلّا يُسَبّحُ ِب َ‬
‫ن وَإِنْ مِنْ َ‬
‫س َموَاتُ السّبْعُ وَالْأَ ْرضُ َومَنْ فِيهِ ّ‬
‫ال ّ‬
‫غفُورًا (‪)44‬‬
‫كَانَ حَلِيمًا َ‬

‫{ وََلقَ ْد صَ ّرفْنَا فِي هَذَا ا ْلقُرْآنِ لِيَ ّذكّرُوا َومَا يَزِيدُ ُهمْ إِل ُنفُورًا (‪.} )41‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََلقَ ْد صَ ّرفْنَا (‪ )1‬فِي َهذَا ا ْلقُرْآنِ لِ َي ّذكّرُوا (‪ } )2‬أي ‪ :‬صرفنا فيه من الوعيد لعلهم‬
‫يذكرون ما فيه من الحجج والبينات والمواعظ ‪ ،‬فينزجروا (‪ )3‬عما هم فيه من الشرك والظلم‬
‫والفك ‪َ { ،‬ومَا يَزِيدُهُمْ } أي ‪ :‬الظالمين منهم { إِل ُنفُورًا } أي ‪ :‬عن الحق ‪ ،‬وبعدًا منه‪.‬‬
‫عمّا‬
‫{ ُقلْ َلوْ كَانَ َمعَهُ آِلهَةٌ َكمَا َيقُولُونَ إِذًا لبْ َتغَوْا إِلَى ذِي ا ْلعَرْشِ سَبِيل (‪ )42‬سُ ْبحَانَ ُه وَ َتعَالَى َ‬
‫َيقُولُونَ عُُلوّا كَبِيرًا (‪.} )43‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المشركين الزاعمين أن ل شريكا من خلقه ‪ ،‬العابدين معه غيره‬
‫ليقربهم إليه زلفى ‪ :‬لو كان المر كما تقولون ‪ ،‬وأن معه آلهة تعبد لتقرب إليه وتشفع لديه ‪ -‬لكان‬
‫أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه ويبتغون إليه الوسيلة والقربة ‪ ،‬فاعبدوه أنتم وحده كما‬
‫يعبده من تدعونه من دونه ‪ ،‬ول حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه ‪ ،‬فإنه ل يحب‬
‫ذلك ول يرضاه ‪ ،‬بل يكرهه ويأباه‪ .‬وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه‪.‬‬
‫عمّا َيقُولُونَ } أي ‪ :‬هؤلء المشركون‬
‫ثم نزه نفسه الكريمة وقدّسها فقال ‪ { :‬سُبْحَانَهُ وَ َتعَالَى َ‬
‫المعتدون الظالمون في زعمهم أن معه آلهة أخرى { عُُلوّا كَبِيرًا } أي ‪ :‬تعاليًا كبيرا ‪ ،‬بل هو ال‬
‫الحد الصمد ‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له ُك ُفوًا أحد‪.‬‬
‫حمْ ِدهِ وََلكِنْ ل َت ْفقَهُونَ‬
‫شيْءٍ إِل ُيسَبّحُ بِ َ‬
‫ن وَإِنْ مِنْ َ‬
‫سمَاوَاتُ السّبْ ُع وَال ْرضُ َومَنْ فِيهِ ّ‬
‫{ ُتسَبّحُ لَهُ ال ّ‬
‫غفُورًا (‪.} )44‬‬
‫حهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيمًا َ‬
‫تَسْبِي َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬تقدسه السموات السبع والرض ومن فيهن ‪ ،‬أي ‪ :‬من المخلوقات ‪ ،‬وتنزهه وتعظمه‬
‫وتجّلّه وتكبره عما يقول هؤلء المشركون ‪ ،‬وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته ‪:‬‬
‫فَفي ُكلّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ‪َ ...‬ت ُدلّ عَلى أنّه واحد‪...‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عوْا‬
‫شقّ ال ْرضُ وَ َتخِرّ الْجِبَالُ َهدّا * أَنْ دَ َ‬
‫سمَاوَاتُ يَ َتفَطّرْنَ (‪ )4‬مِنْ ُه وَتَنْ َ‬
‫كما قال ‪ :‬تعالى ‪َ { :‬تكَادُ ال ّ‬
‫حمَنِ أَنْ يَتّخِ َذ وََلدًا] (‪ [ } )5‬مريم ‪.] 92 - 90 :‬‬
‫ن وََلدًا * [ َومَا يَنْ َبغِي لِلرّ ْ‬
‫حمَ ِ‬
‫لِلرّ ْ‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا علي بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا سعيد بن منصور ‪ ،‬حدثنا مسكين (‬
‫‪ )6‬ابن ميمون مؤذّن مسجد الرملة ‪ ،‬حدثنا عروة بن ُروَيم ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن قرط ؛ أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صرفنا للناس" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬القرآن من كل مثل" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فينزجزن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ينفطرن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬أن"‪.‬‬

‫( ‪)5/78‬‬

‫ليلة أسري إلى المسجد القصى ‪ ،‬كان (‪ )1‬بين المقام وزمزم ‪ ،‬جبريل عن يمينه وميكائيل عن‬
‫يساره ‪ ،‬فطار به حتى بلغ السماوات السبع (‪ ، )2‬فلما رجع قال ‪ :‬سمعت تسبيحًا في السماوات‬
‫العلى مع تسبيح كثير ‪ :‬سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلو بما عل سبحان‬
‫العليّ العلى ‪ ،‬سبحانه وتعالى (‪.)3‬‬
‫ح ْم ِدهِ } أي ‪ :‬وما من شيء من المخلوقات إل يسبح بحمد ال (‬
‫شيْءٍ إِل ُيسَبّحُ بِ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ َ‬
‫حهُمْ } أي ‪ :‬ل تفقهون تسبيحهم أيها الناس ؛ لنها بخلف لغتكم‪ .‬وهذا‬
‫‪ { )4‬وََلكِنْ ل َت ْف َقهُونَ تَسْبِي َ‬
‫عام في الحيوانات (‪ )5‬والنبات والجماد ‪ ،‬وهذا أشهر القولين ‪ ،‬كما ثبت في صحيح البخاري ‪،‬‬
‫عن ابن مسعود أنه قال ‪ :‬كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل (‪.)6‬‬
‫وفي حديث أبي ذر ‪ :‬أن النبي (‪ )7‬صلى ال عليه وسلم أخذ في يده حصيات ‪ ،‬فسمع لهن تسبيح‬
‫كحنين النحل ‪ ،‬وكذا يد أبي بكر وعمر وعثمان ‪ ،‬رضي ال عنهم [أجمعين] (‪ ، )8‬وهو حديث‬
‫مشهور في المسانيد (‪.)9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ابن لَهيعة ‪ ،‬حدثنا زَبّان ‪ ،‬عن سهل بن معاذ بن أنس ‪ ،‬عن أبيه رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه مَرّ على قوم وهم وقوف على دوابّ لهم‬
‫ورواحل ‪ ،‬فقال لهم ‪" :‬اركبوها سالمة ‪ ،‬ودعوها سالمة ‪ ،‬ول تتخذوها كراسي لحاديثكم في‬
‫الطرق والسواق ‪ ،‬فرب مركوبة خير من راكبها ‪ ،‬وأكثر ذكرا ل منه" (‪.)10‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وفي سنن النسائي عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن قتل‬
‫الضفدع ‪ ،‬وقال ‪" :‬نقيقها تسبيح" (‪.)11‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن عبد ال بن بَابِي (‪ ، )12‬عن عبد ال بن عمرو ‪ :‬أن الرجل إذا قال ‪" :‬ل إله إل‬
‫ال" ‪ ،‬فهي كلمة الخلص التي ل يقبل ال من أحد عمل حتى يقولها‪ .‬وإذا قال ‪" :‬الحمد ل" فهي‬
‫كلمة الشكر التي لم يشكر ال عبد قط حتى يقولها ‪ ،‬وإذا قال ‪" :‬ال أكبر" فهي تمل (‪ )13‬ما بين‬
‫السماء والرض ‪ ،‬وإذا قال ‪" :‬سبحان ال" ‪ ،‬فهي صلة الخلئق التي لم يَدْع ال أحدًا من خلقه إل‬
‫قَرّره بالصلة والتسبيح‪ .‬وإذا قال ‪" :‬ل حول ول قوة إل بال (‪ ، " )14‬قال ‪ :‬أسلم عبدي‬
‫واستسلم‪.‬‬
‫ص ْقعَبَ بن زُهير [يحدث] (‪)15‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وهب بن جرير ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬سمعت ال ّ‬
‫عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬أتى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أعرابيّ عليه جبة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬القصى ‪ ،‬فلما رجع كان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬السبع السموات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الوسط برقم (‪" )58‬مجمع البحرين" وقال " ل يروى عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫إل بهذا السناد ‪ ،‬تفرد به سعيد"‪ .‬وذكر الذهبي هذا الحديث في الميزان (‪ )4/101‬في ترجمة‬
‫مسكين بن أبي ميمون وقال ‪" :‬منكر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬بحمده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الحيوان"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)3579‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أن رسول ال "‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه أحمد في المسند (‪.)4/415‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)3/439‬‬
‫(‪ )11‬سنن النسائي (‪ )7/210‬من حديث عبد الرحمن بن عثمان ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬باني" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬أبي"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬ال أكبر مل"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬بال العلي العظيم"‪.‬‬
‫(‪ )15‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/79‬‬

‫من طيالسة مكفوفة (‪ )1‬بديباج ‪ -‬أو ‪ :‬مزورة بديباج ‪ -‬فقال ‪ :‬إن صاحبكم هذا يريد أن يرفع كل‬
‫راع ابن راع ‪ ،‬ويضع كل رأس ابن رأس‪ .‬فقام إليه النبي صلى ال عليه وسلم مغضبًا ‪ ،‬فأخذ‬
‫بمجامع جبته فاجتذبه ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل أرى عليك ثياب من ل يعقل"‪ .‬ثم رجع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فجلس فقال ‪" :‬إن نوحًا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما حضرته الوفاة ‪ ،‬دعا ابنيه (‪ )2‬فقال ‪ :‬إني‬
‫قاص عليكما الوصية ‪ :‬آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين ‪ :‬أنهاكما عن الشرك بال والكبر ‪،‬‬
‫وآمركما بل إله إل ال ‪ ،‬فإن السماوات والرض وما بينهما لو وضعت في كفة الميزان ‪،‬‬
‫ووضعت "ل إله إل ال" في الكفة الخرى ‪ ،‬كانت أرجح ‪ ،‬ولو أن السماوات والرضِ كانتا (‪)3‬‬
‫حلقة ‪ ،‬فوضعت "ل إله إل ال" عليهما لفصمتهما أو لقصمتهما‪ .‬وآمركما بسبحان ال وبحمده ‪،‬‬
‫فإنها صلة كل شيء ‪ ،‬وبها يرزق كل شيء" (‪.)4‬‬
‫صقْعَب (‪ )5‬بن‬
‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬أيضا ‪ ،‬عن سليمان بن حرب ‪ ،‬عن حماد بن زيد ‪ ،‬عن ال ّ‬
‫زهير ‪ ،‬به أطول من هذا‪ .‬تفرد به (‪.)6‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني نصر بن عبد الرحمن الوْ ِديّ ‪ ،‬حدثنا محمد بن َيعْلى ‪ ،‬عن موسى بن‬
‫عبيدة ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬رضي ال عنه (‪ )7‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ؟ إن نوحا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قال لبنه ‪:‬‬
‫يا بني ‪ ،‬آمرك أن تقول ‪" :‬سبحان ال" ‪ ،‬فإنها صلة الخلق وتسبيح الخلق ‪ ،‬وبها يرزق الخلق ‪،‬‬
‫حمْ ِدهِ } (‪ )8‬إسناده فيه ضعف ‪ ،‬فإن الرّبذي (‪)9‬‬
‫شيْءٍ إِل يُسَبّحُ بِ َ‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ َ‬
‫ضعيف عند الكثرين‪.‬‬
‫حمْ ِدهِ } قال ‪ :‬السطوانة تسبح ‪،‬‬
‫شيْءٍ إِل يُسَبّحُ ِب َ‬
‫وقال عكرمة في قوله تعالى ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ َ‬
‫والشجرة تسبح (‪ - )10‬السطوانة ‪ :‬السارية‪.‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬إن صرير الباب تسبيحه ‪ ،‬وخرير الماء تسبيحه ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ‬
‫حمْ ِدهِ }‬
‫شيْءٍ إِل يُسَبّحُ ِب َ‬
‫َ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم قال ‪ :‬الطعام يسبح‪.‬‬
‫ويشهد لهذا القول آية السجدة أول [سورة] (‪ )11‬الحج‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬إنما يسبح ما كان فيه روح‪ .‬يعنون من حيوان أو نبات‪.‬‬
‫حمْ ِدهِ } قال ‪ :‬كل شيء فيه الروح يسبح من‬
‫شيْءٍ إِل ُيسَبّحُ بِ َ‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ َ‬
‫شجر (‪ )12‬أو شيء فيه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ملفوفة"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بنيه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬كانت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)2/225‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬الصعقب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)2/169‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)15/65‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬الزيدي" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬الودي"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬والشجر يسبح"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬من شجرة"‪.‬‬

‫( ‪)5/80‬‬

‫جعَلْنَا عَلَى‬
‫حجَابًا مَسْتُورًا (‪ )45‬وَ َ‬
‫ك وَبَيْنَ الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالَْآخِ َرةِ ِ‬
‫جعَلْنَا بَيْ َن َ‬
‫وَإِذَا قَرَ ْأتَ ا ْلقُرْآَنَ َ‬
‫ح َدهُ وَّلوْا عَلَى َأدْبَارِهِمْ ُنفُورًا‬
‫ن وَ ْ‬
‫قُلُو ِبهِمْ َأكِنّةً أَنْ َي ْف َقهُو ُه َوفِي آَذَا ِن ِه ْم َوقْرًا وَإِذَا َذكَ ْرتَ رَ ّبكَ فِي ا ْلقُرْآَ ِ‬
‫(‪)46‬‬

‫حمْ ِدهِ } قال كل شيء فيه الروح‪.‬‬


‫شيْءٍ إِل يُسَبّحُ بِ َ‬
‫وقال الحسن ‪ ،‬والضحاك في قوله ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن حميد ‪ ،‬حدثنا يحيى بن واضح وزيد بن حباب قال حدثنا جرير‬
‫أبو الخطاب قال ‪ :‬كنا مع يزيد الرّقاشي ‪ ،‬ومعه الحسن في طعام ‪ ،‬فقدموا الخوان ‪ ،‬فقال يزيد‬
‫خوَان ؟ فقال ‪ :‬كان يسبح مرة (‪.)1‬‬
‫الرقاشي ‪ :‬يا أبا سعيد ‪ ،‬يسبح هذا ال ِ‬
‫خوَان هو المائدة من الخشب‪ .‬فكأن الحسن ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬ذهب إلى أنه لما كان حيا فيه‬
‫قلت ‪ :‬ال ِ‬
‫خضرة ‪ ،‬كان يسبح ‪ ،‬فلما قطع وصار خشبة يابسة انقطع تسبيحه‪ .‬وقد يستأنس لهذا القول بحديث‬
‫ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مر بقبرين فقال ‪" :‬إنهما‬
‫ليعذبان ‪ ،‬وما يعذبان في كبير (‪ ، )2‬أما أحدهما فكان ل َيسْتَتر من البول ‪ ،‬وأما الخر فكان‬
‫يمشي (‪ )3‬بالنميمة"‪ .‬ثم أخذ جريدة رطبة ‪ ،‬فشقها نصفين ‪ ،‬ثم غرز في كل قبر واحدة ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫"لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين (‪.)4‬‬
‫قال بعض من تكلم على هذا الحديث من العلماء ‪ :‬إنما قال ‪" :‬ما لم ييبسا" لنهما يسبحان ما دام‬
‫فيهما خضرة ‪ ،‬فإذا يبسا انقطع تسبيحهما ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غفُورًا } أي ‪ :‬أنه [تعالى] (‪ )6‬ل يعاجل من عصاه بالعقوبة ‪،‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { )5‬إِنّهُ كَانَ حَلِيمًا َ‬
‫بل يؤجله وينظره ‪ ،‬فإن استمر على كفره وعناده أخذه أخذ عزيز مقتدر ‪ ،‬كما جاء في‬
‫الصحيحين ‪" :‬إن ال ليملي للظالم ‪ ،‬حتى إذا أخذه لم يفلته"‪ .‬ثم قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫شدِيدٌ } (‪ [ )7‬هود ‪ ] 102 :‬الية ‪،‬‬
‫‪َ { :‬وكَذَِلكَ َأخْذُ رَ ّبكَ إِذَا َأخَذَ ا ْلقُرَى وَ ِهيَ ظَاِل َمةٌ إِنّ َأخْ َذهُ أَلِيمٌ َ‬
‫خذْ ُتهَا وَإَِليّ ا ْل َمصِيرُ }‬
‫و قال [ال] (‪ )8‬تعالى ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْ َيةٍ َأمْلَ ْيتُ َلهَا وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ ُثمّ أَ َ‬
‫[ الحج ‪ .] 48 :‬ومن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان ‪ ،‬ورجع إلى ال وتاب إليه ‪ ،‬تاب عليه‬
‫غفُورًا َرحِيمًا }‬
‫‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َي ْع َملْ سُوءًا َأوْ َيظْلِمْ َنفْسَهُ ثُمّ َيسْ َت ْغفِرِ اللّهَ َيجِدِ اللّهَ َ‬
‫[ النساء ‪.] 110 :‬‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫سكُ ال ّ‬
‫غفُورًا } كما قال في آخر فاطر ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ُيمْ ِ‬
‫وقال هاهنا ‪ { :‬إِنّهُ كَانَ حَلِيمًا َ‬
‫غفُورًا } إلى أن قال ‪:‬‬
‫س َك ُهمَا مِنْ َأحَدٍ مِنْ َبعْ ِدهِ إِنّهُ كَانَ حَلِيمًا َ‬
‫وَالرْضَ أَنْ تَزُول وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ َأمْ َ‬
‫سمّى‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫ظهْرِهَا مِنْ دَابّةٍ وََلكِنْ ُي َؤخّرُهُمْ ِإلَى َأ َ‬
‫خذُ اللّهُ النّاسَ ِبمَا كَسَبُوا مَا تَ َركَ عَلَى َ‬
‫{ وََلوْ ُيؤَا ِ‬
‫فَإِذَا جَاءَ َأجَُلهُمْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِبعِبَا ِدهِ َبصِيرًا } [ فاطر ‪.] 45 - 41 :‬‬
‫جعَلْنَا عَلَى‬
‫ك وَبَيْنَ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ حِجَابًا َمسْتُورًا (‪ )45‬وَ َ‬
‫جعَلْنَا بَيْ َن َ‬
‫{ وَإِذَا قَرَ ْأتَ ا ْلقُرْآنَ َ‬
‫ح َدهُ وَّلوْا عَلَى َأدْبَارِهِمْ ُنفُورًا‬
‫ن وَ ْ‬
‫قُلُو ِبهِمْ َأكِنّةً أَنْ َي ْف َقهُو ُه َوفِي آذَا ِن ِه ْم َوقْرًا وَإِذَا َذكَ ْرتَ رَ ّبكَ فِي ا ْلقُرْآ ِ‬
‫(‪} )46‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)15/65‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬كثير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وأما الخر فيمشي" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬وكان الخر يمشي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )218‬وصحيح مسلم برقم (‪.)292‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )4686‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2583‬من حديث أبي موسى الشعري‬
‫‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/81‬‬

‫يقول تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم ‪ :‬وإذا قرأت ‪ -‬يا محمد ‪ -‬على هؤلء المشركين‬
‫القرآن ‪ ،‬جعلنا بينك وبينهم حجابا مستورًا‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال قتادة ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬هو الكنّة على قلوبهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَالُوا قُلُوبُنَا فِي َأكِنّةٍ ِممّا‬
‫تَدْعُونَا إِلَيْهِ َوفِي آذَانِنَا َوقْ ٌر َومِنْ بَيْنِنَا وَبَيْ ِنكَ حِجَابٌ } [ فصلت ‪ ] 5 :‬أي ‪ :‬مانع حائل (‪ )1‬أن‬
‫يصل إلينا مما تقول شيء‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬حِجَابًا َمسْتُورًا } أي ‪ :‬بمعنى ساتر ‪ ،‬كميمون ومشئوم ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬يامن وشائم ؛ لنه من‬
‫يَمنهم وشَأمَهم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬مستورًا عن البصار فل تراه ‪ ،‬وهو مع ذلك حجاب بينهم وبين الهدى ‪ ،‬ومال إلى‬
‫ترجيحه ابن جرير ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا أبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪،‬‬
‫عن الوليد بن كثير ‪ ،‬عن يزيد بن تدرس ‪ ،‬عن أسماء بنت أبي بكر [الصديق] (‪ )2‬رضي ال‬
‫عنها (‪ ، )3‬قالت ‪ :‬لما نزلت { تَ ّبتْ يَدَا أَبِي َلهَب وَتبٍَ } [ سورة المسد ] جاءت العوراء أم جميل‬
‫ولها ولوَلة ‪ ،‬وفي يدها ِفهْر وهي تقول ‪ُ :‬م َدمّما أتينا ‪ -‬أو ‪ :‬أبينا ‪ ،‬قال أبو موسى ‪ :‬الشك مني ‪-‬‬
‫ودينه قَلَيْنَا ‪ ،‬وأمره عصينا‪ .‬ورسول ال جالس ‪ ،‬وأبو بكر إلى جنبه ‪ -‬أو قال ‪ :‬معه ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫فقال أبو بكر ‪ :‬لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنها لن تراني" ‪ ،‬وقرأ قرآنا اعتصم‬
‫حجَابًا مَسْتُورًا }‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ك وَبَيْنَ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ ِ‬
‫جعَلْنَا بَيْ َن َ‬
‫به منها ‪ { :‬وَإِذَا قَرَ ْأتَ ا ْلقُرْآنَ َ‬
‫فجاءت حتى قامت على أبي بكر ‪ ،‬فلم تر النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا أبا بكر ‪ ،‬بلغني‬
‫أن صاحبك هجاني‪ .‬فقال أبو بكر ‪ :‬ل ورب هذا البيت ما هجاك‪ .‬قال ‪ :‬فانصرفت وهي تقول ‪:‬‬
‫لقد (‪ )4‬علمت قريش أني بنت سيدها (‪.)5‬‬
‫علَى قُلُو ِبهِمْ َأكِنّةً } ‪ :‬جمع "كنان" ‪ ،‬الذي يغشى القلب { أَنْ َيفْ َقهُوهُ } أي ‪ :‬لئل‬
‫جعَلْنَا َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫يفهموا القرآن { َوفِي آذَا ِنهِ ْم َوقْرًا } وهو الثقْل الذي يمنعهم من سماع القرآن سماعًا ينفعهم‬
‫ويهتدون به‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا َذكَ ْرتَ رَ ّبكَ فِي ا ْلقُرْآنِ وَحْ َدهُ } أي ‪ :‬إذا وحّدت ال في تلوتك ‪ ،‬وقلت ‪" :‬ل إله إل‬
‫ال" { وَّلوْا } أي ‪ :‬أدبروا راجعين { عَلَى َأدْبَارِهِمْ ُنفُورًا } ونفور ‪ :‬جمع نافر ‪ ،‬كقعود جمع‬
‫قاعد ‪ ،‬ويجوز أن يكون مصدرًا من غير الفعل ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذَا ُذكِرَ اللّهُ‬
‫ن ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َر ِة وَإِذَا ُذكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ ِإذَا ُهمْ يَسْتَبْشِرُونَ }‬
‫شمَأَ ّزتْ قُلُوبُ الّذِي َ‬
‫وَحْ َدهُ ا ْ‬
‫[ الزمر ‪.] 45 :‬‬
‫ن وَحْ َد ُه وَّلوْا عَلَى أَدْبَا ِرهِمْ ُنفُورًا } إن المسلمين‬
‫قال قتادة في قوله ‪ { :‬وَِإذَا َذكَ ْرتَ رَ ّبكَ فِي ا ْلقُرْآ ِ‬
‫لما قالوا ‪" :‬ل إله إل ال" ‪ ،‬أنكر ذلك المشركون ‪ ،‬وكبرت عليهم ‪ ،‬وضاقها إبليس وجنوده ‪ ،‬فأبى‬
‫ال إل أن يمضيها وينصرها و ُيفْلجها ويظهرها على من ناوأها ‪ ،‬إنها كلمة من خاصم بها فلج ‪،‬‬
‫ومن قاتل بها‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬مانع وحائل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬قد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند أبي يعلى (‪ )1/53‬وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (‪.)7/169‬‬

‫( ‪)5/82‬‬

‫جوَى إِذْ َيقُولُ الظّاِلمُونَ إِنْ تَتّ ِبعُونَ إِلّا رَجُلًا‬


‫ك وَإِذْ هُمْ َن ْ‬
‫علَمُ ِبمَا يَسْ َت ِمعُونَ بِهِ إِذْ يَسْ َت ِمعُونَ إِلَ ْي َ‬
‫نَحْنُ أَ ْ‬
‫مَسْحُورًا (‪ )47‬ا ْنظُرْ كَ ْيفَ ضَرَبُوا َلكَ الَْأمْثَالَ َفضَلّوا فَلَا يَسْ َتطِيعُونَ سَبِيلًا (‪)48‬‬

‫نصر ‪ ،‬إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين ‪ ،‬التي يقطعها الراكب في ليال قلئل ‪ ،‬ويسير‬
‫الدهر في فئام من الناس ‪ ،‬ل يعرفونها ول يقرّون بها‪.‬‬
‫قول آخر في الية ‪:‬‬
‫وروى (‪ )1‬ابن جرير ‪ :‬حدثني الحسين بن محمد الذارع (‪ ، )2‬حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء‬
‫الكلبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن مالك ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَإِذَا َذكَ ْرتَ رَ ّبكَ‬
‫فِي ا ْلقُرْآنِ وَحْ َد ُه وَّلوْا عَلَى أَدْبَا ِرهِمْ ُنفُورًا } هم الشياطين‪.‬‬
‫هذا غريب جدًا في تفسيرها ‪ ،‬وإل فالشياطين (‪ )3‬إذا قرئ القرآن ‪ ،‬أو نودي بالذان ‪ ،‬أو ذكر‬
‫ال ‪ ،‬انصرفوا (‪.)4‬‬
‫جوَى ِإذْ َيقُولُ الظّاِلمُونَ إِنْ تَتّ ِبعُونَ إِل‬
‫ك وَإِذْ ُهمْ نَ ْ‬
‫{ َنحْنُ أَعَْلمُ ِبمَا يَسْ َت ِمعُونَ بِهِ ِإذْ يَسْ َت ِمعُونَ إِلَ ْي َ‬
‫ك المْثَالَ َفضَلّوا فَل يَسْ َتطِيعُونَ سَبِيل (‪.} )48‬‬
‫ف ضَرَبُوا َل َ‬
‫سحُورًا (‪ )47‬انْظُرْ كَيْ َ‬
‫رَجُل مَ ْ‬
‫يخبر تعالى نبيه ‪ -‬صلوات ال [وسلمه] (‪ )5‬عليه ‪ -‬بما تناجى به رؤساء كفار قريش ‪ ،‬حين‬
‫جاءوا يستمعون قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم سرًا من قومهم ‪ ،‬بما قالوا من أنه رجل‬
‫مسحور ‪ ،‬من السّحر على المشهور ‪ ،‬أو من "السّحْر" ‪ ،‬وهو الرئة ‪ ،‬أي ‪ :‬إن تتبعون ‪ -‬إن اتبعتم‬
‫محمدًا ‪ { -‬إِل بَشَرًا } يأكل [ويشرب] (‪ ، )6‬كما قال الشاعر (‪: )7‬‬
‫فَإن تَسألينا فيم نَحْنُ فَإنّنا‪ ...‬عصافيرُ مِنْ هَذا النَام المُسَحّر‪...‬‬
‫وقال الراجز (‪)8‬‬
‫ونُسْحَر (‪ )9‬بالطّعام وبالشراب‬
‫أي ‪ :‬نُغذى ‪ :‬وقد صوب هذا القول ابنُ جرير ‪ ،‬وفيه نظر ؛ لنهم إنما أرادوا هاهنا أنه مسحور‬
‫له رئي يأتيه بما استمعوه من الكلم الذي يتلوه ومنهم من قال ‪" :‬شاعر" ‪ ،‬ومنهم من قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫"كاهن" ‪ ،‬ومنهم من قال ‪" :‬مجنون" ‪ ،‬ومنهم من قال ‪" :‬ساحر" ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬ا ْنظُرْ كَ ْيفَ‬
‫ك المْثَالَ َفضَلّوا فَل َيسْتَطِيعُونَ سَبِيل } أي ‪ :‬فل يهتدون إلى الحق ‪ ،‬ول يجدون إليه‬
‫ضَرَبُوا َل َ‬
‫مخلصًا‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق في السيرة ‪ :‬حدثني محمد بن مسلم (‪ )10‬بن شهاب الزهري ‪ ،‬أنه حُدث أن‬
‫أبا سفيان بن حرب ‪ ،‬وأبا جهل بن هشام ‪ ،‬والخنس بن شَرِيق بن عمرو بن وهب الثقفي ‪ ،‬حليف‬
‫ابن (‪ )11‬زهرة ‪ ،‬خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو يصلي بالليل‬
‫في بيته ‪ ،‬فأخذ كل واحد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الذراع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فالشيطان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬انصرف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬هو لبيد بن ربيعة ‪ ،‬والبيت في ديوانه (ص ‪.)57‬‬
‫(‪ )8‬هو امرؤ القيس ‪ ،‬والرجز في اللسان مادة "سحر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬تسحر" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬تسحرنا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬سلم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬بني"‪.‬‬

‫( ‪)5/83‬‬

‫عظَامًا وَ ُرفَاتًا أَئِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ خَ ْلقًا جَدِيدًا (‪)49‬‬


‫َوقَالُوا أَ ِئذَا كُنّا ِ‬

‫منهم مجلسًا يستمع فيه ‪ ،‬وكلّ ل يعلم بمكان صاحبه ‪ ،‬فباتوا يستمعون له ‪ ،‬حتى إذا طلع الفجر‬
‫تفرّقوا‪ .‬حتى إذا جمعتهم الطريق ‪ ،‬فتلوموا ‪ ،‬وقال بعضهم لبعض ‪ :‬ل تعودوا ‪ ،‬فلو رآكم بعض‬
‫سفهائكم لوقعتم في نفسه شيئًا ‪ ،‬ثم انصرفوا‪ .‬حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى‬
‫مجلسه ‪ ،‬فباتوا يستمعون له ‪ ،‬حتى إذا طلع الفجر تفرقوا حتى إذا جمعتهم (‪ )1‬الطريق فقال‬
‫بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة ‪ ،‬ثم انصرفوا‪ .‬حتى إذا كانت الليلة الثالثة ‪ ،‬أخذ كل رجل (‬
‫‪ )2‬منهم مجلسه ‪ ،‬فباتوا يستمعون له ‪ ،‬حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ‪ ،‬فجَمعهم (‪ )3‬الطريق فقال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بعضهم لبعض ‪ :‬ل نبرح حتى نتعاهد ل نعود ‪ ،‬فتعاهدوا على ذلك ‪ ،‬ثم تفرقوا‪.‬‬
‫فلما أصبح الخنس بن شَريق أخذ عصاه ‪ ،‬ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال ‪ :‬يا أبا ثعلبة ‪ ،‬وال لقد سمعتُ‬
‫أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها ‪ ،‬وسمعتُ أشياء ما عرفتُ معناها ‪ ،‬ول ما يراد بها‪ .‬قال‬
‫الخنس ‪ :‬وأنا والذي حَلفت به‪ .‬قال ‪ :‬ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ‪ ،‬فدخل عليه بيته ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا أبا الحكم ‪ ،‬ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال ‪ :‬ماذا سمعتُ ؟! تنازعنا نحن وبنو‬
‫عبد مناف الشرف ‪ :‬أطعموا فأطعمنا ‪ ،‬وحملوا فحملنا ‪ ،‬وأعطوا فأعطينا ‪ ،‬حتى إذا تجاثينا على‬
‫الرّكب ‪ ،‬وكنا كفَرَسي رِهان قالوا ‪ :‬منا نبي يأتيه الوحي من السماء ‪ ،‬فمتى ندرك هذه ؟ وال ل‬
‫نؤمن به (‪ )4‬أبدا ول نصدقه‪ .‬قال ‪ :‬فقام عنه الخنس وتركه (‪.)5‬‬
‫جدِيدًا (‪} )49‬‬
‫{ َوقَالُوا أَئِذَا كُنّا عِظَامًا وَ ُرفَاتًا أَئِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ خَ ْلقًا َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تفرقوا فجمعتهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬كل واحد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حتى إذا اجمعتهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬بهذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/315‬‬

‫( ‪)5/84‬‬

‫حدِيدًا (‪َ )50‬أوْ خَ ْلقًا ِممّا َيكْبُرُ فِي صُدُو ِركُمْ فَسَ َيقُولُونَ مَنْ ُيعِيدُنَا ُقلِ الّذِي‬
‫حجَا َرةً َأوْ َ‬
‫ُقلْ كُونُوا ِ‬
‫سهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى ُهوَ ُقلْ عَسَى أَنْ َيكُونَ قَرِيبًا (‪َ )51‬يوْمَ‬
‫فَطَ َركُمْ َأوّلَ مَ ّرةٍ فَسَيُ ْن ِغضُونَ إِلَ ْيكَ رُءُو َ‬
‫ح ْم ِدهِ وَتَظُنّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلّا قَلِيلًا (‪)52‬‬
‫يَدْعُوكُمْ فَتَسْ َتجِيبُونَ بِ َ‬

‫صدُو ِركُمْ فَسَ َيقُولُونَ مَنْ ُيعِيدُنَا ُقلِ الّذِي‬


‫{ ُقلْ كُونُوا حِجَا َرةً َأوْ حَدِيدًا (‪َ )50‬أوْ خَ ْلقًا ِممّا َيكْبُرُ فِي ُ‬
‫سهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى ُهوَ ُقلْ عَسَى أَنْ َيكُونَ قَرِيبًا (‪َ )51‬يوْمَ‬
‫فَطَ َركُمْ َأوّلَ مَ ّرةٍ فَسَيُ ْن ِغضُونَ إِلَ ْيكَ رُءُو َ‬
‫ح ْم ِدهِ وَتَظُنّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِل قَلِيل (‪.} )52‬‬
‫يَدْعُوكُمْ فَتَسْ َتجِيبُونَ بِ َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن الكفار المستبعدين وقوع المعاد ‪ ،‬القائلين استفهام إنكار منهم لذلك ‪ { :‬أَئِذَا‬
‫كُنّا عِظَامًا وَ ُرفَاتًا } أي ‪ :‬ترابًا‪ .‬قاله مجاهد‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬غبارًا‪.‬‬
‫جدِيدًا } أي ‪ :‬بعد ما بلينا وصرنا عدمًا ل يذكر‪ .‬كما‬
‫{ أَئِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ } أي ‪ :‬يوم القيامة { خَ ْلقًا َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عظَامًا نَخِ َرةً*‬
‫أخبر عنهم في الموضع الخر ‪َ { :‬يقُولُونَ أَئِنّا َلمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِ َرةِ* أَ ِئذَا كُنّا ِ‬
‫سيَ‬
‫قَالُوا تِ ْلكَ إِذًا كَ ّرةٌ خَاسِ َرةٌ } [ النازعات ‪ ] 12 - 10 :‬قال تعالى (‪َ { : )1‬وضَ َربَ لَنَا مَثَل وَنَ ِ‬
‫خَ ْلقَهُ قَالَ مَنْ ُيحْيِي ا ْل ِعظَا َم وَ ِهيَ َرمِيمٌ ُقلْ ُيحْيِيهَا الّذِي أَ ْنشَأَهَا َأ ّولَ مَ ّرةٍ وَ ُهوَ ِب ُكلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ }‬
‫[ يس ‪.] 79 ، 78 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وقال تعالى"‪.‬‬

‫( ‪)5/84‬‬

‫حجَا َرةً َأوْ حَدِيدًا } وهما (‪ )2‬أشد‬


‫وهكذا أمر رسوله ههنا (‪ )1‬أن يجيبهم فقال ‪ُ { :‬قلْ كُونُوا ِ‬
‫خ ْلقًا ِممّا َيكْبُرُ فِي صُدُو ِركُمْ }‬
‫امتناعا من العظام والرفات { َأوْ َ‬
‫قال ابن إسحاق عن ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬سألت ابن عباس عن ذلك فقال ‪ :‬هو الموت‪.‬‬
‫وروى عطية ‪ ،‬عن ابن عمر أنه قال في تفسير هذه الية ‪ :‬لو كنتم موتى لحييتكم‪ .‬وكذا قال‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫ومعنى ذلك ‪ :‬أنكم لو فرضتم أنكم لو (‪ )3‬صِرْتُم َموْتًا الذي هو ضد الحياة لحياكم ال إذا شاء ‪،‬‬
‫فإنه ل يمتنع (‪ )4‬عليه شيء إذا أراده‪.‬‬
‫وقد ذكر بن جرير [هاهنا] (‪ )5‬حديث ‪" :‬يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كَبْش أملح ‪ ،‬فيوقف بين‬
‫الجنة والنار ‪ ،‬ثم يقال ‪ :‬يا أهل الجنة ‪ ،‬أتعرفون هذا ؟ فيقولون ‪ :‬نعم‪ .‬ثم يقال ‪ :‬يا أهل النار ‪،‬‬
‫أتعرفون هذا ؟ فيقولون ‪ :‬نعم‪ .‬فيذبح بين الجنة والنار ‪ ،‬ثم يقال ‪ :‬يا أهل الجنة ‪ ،‬خلود بل موت ‪،‬‬
‫ويا أهل النار ‪ ،‬خلود بل موت" (‪.)6‬‬
‫وقال مجاهد ‪َ { :‬أوْ خَ ْلقًا ِممّا َيكْبُرُ فِي صُدُو ِركُمْ } يعني ‪ :‬السماء والرض والجبال‪.‬‬
‫وفي رواية ‪ :‬ما شئتم فكونوا ‪ ،‬فسيعيدكم ال بعد موتكم‪.‬‬
‫وقد وقع في التفسير المروي عن المام مالك ‪ ،‬عن الزهري في قوله { َأوْ خَ ْلقًا ِممّا َيكْبُرُ فِي‬
‫صُدُو ِركُمْ } قال ‪ :‬النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال مالك ‪ :‬ويقولون ‪ :‬هو الموت‪.‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { )7‬فَسَ َيقُولُونَ مَنْ ُيعِيدُنَا } أي ‪ :‬من يعيدنا إذا كنا حجارة أو حديدًا أو خلقًا آخر‬
‫شديدًا { ُقلِ الّذِي فَطَ َر ُكمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ } أي ‪ :‬الذي خلقكم ولم تكونوا شيئًا مذكورًا ‪ ،‬ثم صرتم بشرًا‬
‫تنتشرون ؛ فإنه قادر على إعادتكم ولو صرتم إلى أي حال { وَ ُهوَ الّذِي يَبْدَأُ الْخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُد ُه وَ ُهوَ‬
‫أَ ْهوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم ‪.] 27 :‬‬
‫سهُمْ } ‪ :‬قال ابن عباس وقتادة ‪ :‬يحركونها استهزاء‪.‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪ { : )8‬فَسَيُ ْن ِغضُونَ إِلَ ْيكَ رُءُو َ‬
‫وهذا الذي قاله هو الذي تفهمه العرب من لغاتها ؛ لن (‪ )9‬النغاض هو ‪ :‬التحرك من أسفل إلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أعلى ‪ ،‬أو من أعلى إلى أسفل ‪ ،‬ومنه قيل للظليم ‪ -‬وهو ولد النعامة ‪ : -‬نغضًا ؛ لنه إذا مشى‬
‫عَجل (‪ )10‬في مشيته وحَرَك رأسه‪ .‬ويقال ‪َ :‬ن َغضَت (‪ )11‬سنُه إذا تحركت وارتفعت من مَنْبَتها ؛‬
‫قال ‪ :‬الراجز (‪.)12‬‬
‫ضتْ مِنْ هَرَم أسنانها‪...‬‬
‫و َنغَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيقُولُونَ مَتَى ُهوَ } إخبار عنه بالستبعاد منهم لوقوع (‪ )13‬ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫{ وَ َيقُولُونَ مَتَى هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِدقِينَ } [ الملك ‪] 25 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬هنا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬إذا هما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬قد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬إذا شاء فل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪ )15/69‬من طريق العوفيين عن ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وإسناده‬
‫مسلسل بالضعفاء وأصله في صحيح مسلم برقم (‪ )2849‬من جديث أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فإن"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أعجل"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬نغض"‪.‬‬
‫(‪ )12‬الرجز في تفسير الطبري (‪.)15/70‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬وقوع"‪.‬‬

‫( ‪)5/85‬‬

‫ع ُدوّا مُبِينًا (‬
‫َوقُلْ ِلعِبَادِي َيقُولُوا الّتِي ِهيَ أَحْسَنُ إِنّ الشّ ْيطَانَ يَنْ َزغُ بَيْ َنهُمْ إِنّ الشّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ َ‬
‫‪)53‬‬

‫جلُ ِبهَا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا } [ الشورى ‪.] 18 :‬‬


‫‪ ،‬وقال تعالى ‪ { :‬يَسْ َتعْ ِ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ عَسَى أَنْ َيكُونَ قَرِيبًا } أي ‪ :‬احذروا ذلك ‪ ،‬فإنه قريب إليكم ‪ ،‬سيأتيكم ل محالة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فكل ما هو آت آت‪.‬‬
‫ع َوةً مِنَ ال ْرضِ ِإذَا أَنْتُمْ‬
‫وقوله [تعالى] (‪َ { : )1‬يوْمَ َيدْعُوكُمْ } أي ‪ :‬الرب تعالى { إِذَا دَعَاكُمْ دَ ْ‬
‫تَخْ ُرجُونَ } [ الروم ‪ ] 25 :‬أي ‪ :‬إذا أمركم بالخروج منها فإنه ل يُخالَف ول ُيمَانع ‪ ،‬بل كما قال‬
‫شيْءٍ ِإذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ‬
‫[تعالى] (‪َ { )2‬ومَا َأمْرُنَا إِل وَاحِ َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ } [ القمر ‪ {] 50 :‬إِ ّنمَا َقوْلُنَا لِ َ‬
‫َنقُولَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ } [ النحل ‪ ] 40 :‬وقال { فَإِ ّنمَا ِهيَ زَجْ َر ٌة وَاحِ َدةٌ‪ .‬فَإِذَا هُمْ بِالسّاهِ َرةِ }‬
‫[ النازعات ‪ ] 14 ، 13 :‬أي ‪ :‬إنما هو أمر واحد بانتهار ‪ ،‬فإذا الناس قد خرجوا من باطن‬
‫حمْ ِدهِ } أي ‪ :‬تقومون (‪ )4‬كلكم‬
‫الرض إلى ظاهرها (‪ )3‬كما قال ‪َ { :‬يوْمَ َيدْعُوكُمْ فَتَسْ َتجِيبُونَ ِب َ‬
‫إجابة لمره وطاعة لرادته‪.‬‬
‫ح ْم ِدهِ } أي ‪ :‬بأمره‪ .‬وكذا قال ابن‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬فَ َتسْتَجِيبُونَ بِ َ‬
‫جريج‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬بمعرفته وطاعته‪.‬‬
‫حمْ ِدهِ } أي ‪ :‬وله الحمد في كل حال ‪ ،‬وقد جاء في‬
‫وقال بعضهم ‪َ { :‬يوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ ِب َ‬
‫الحديث ‪" :‬ليس على أهل "ل إله إل ال" وحشة في قبورهم ‪ ،‬وكأني (‪ )5‬بأهل "ل إله إل ال"‬
‫يقومون من قبورهم ينفضون التراب عن رءوسهم ‪ ،‬يقولون ‪ :‬ل إله إل ال"‪ .‬وفي رواية يقولون ‪:‬‬
‫حمْدُ ِللّهِ الّذِي أَذْ َهبَ عَنّا الْحَزَنَ } [ فاطر ‪ ] 34 :‬وسيأتي في سورة فاطر [إن شاء ال تعالى]‬
‫{ ا ْل َ‬
‫(‪.)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتَظُنّونَ } أي ‪ :‬يوم تقومون من قبوركم { إِنْ لَبِثْتُمْ } [أي] (‪ : )7‬في الدار الدنيا { إِل‬
‫قَلِيل } ‪ ،‬وكما قال ‪ { :‬كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْ َنهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِل عَشِيّةً َأ ْو ضُحَاهَا } [ النازعات ‪ ] 46 :‬وقال‬
‫عشْرًا‬
‫تعالى ‪َ { :‬يوْمَ يُ ْنفَخُ فِي الصّورِ وَ َنحْشُرُ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ َي ْومَئِذٍ زُ ْرقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْ َنهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِل َ‬
‫* نَحْنُ أَعْلَمُ ِبمَا َيقُولُونَ ِإذْ َيقُولُ َأمْثَُلهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْ ُتمْ إِل َي ْومًا } [ طه ‪ ، ] 104 - 102 :‬وقال‬
‫عةُ ُيقْسِمُ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ َكذَِلكَ كَانُوا ُي ْؤ َفكُونَ } [ الروم ‪:‬‬
‫تعالى ‪ { :‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّا َ‬
‫عدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا َي ْومًا َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ فَاسَْألِ‬
‫‪ ، ] 55‬وقال تعالى ‪ { :‬قَالَ كَمْ لَبِثْ ُتمْ فِي ال ْرضِ َ‬
‫ا ْلعَادّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِل قَلِيل َلوْ أَ ّنكُمْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ } [ المؤمنون ‪.] 114 - 112 :‬‬
‫{ َو ُقلْ ِلعِبَادِي َيقُولُوا الّتِي ِهيَ َأحْسَنُ إِنّ الشّيْطَانَ يَنزغُ بَيْ َن ُهمْ إِنّ الشّيْطَانَ كَانَ لِل ْنسَانِ عَ ُدوّا مُبِينًا‬
‫(‪.} )53‬‬
‫يأمر تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم أن يأمر عباد ال المؤمنين ‪ ،‬أن يقولوا في مخاطباتهم‬
‫ومحاوراتهم الكلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ظهرها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تقولون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فكأني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)5/86‬‬

‫ح ْمكُمْ َأوْ إِنْ يَشَأْ ُي َعذّ ْبكُ ْم َومَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَ ْي ِه ْم َوكِيلًا (‪ )54‬وَرَ ّبكَ أَعَْلمُ ِبمَنْ‬
‫رَ ّبكُمْ أَعَْلمُ ِبكُمْ إِنْ يَشَأْ يَ ْر َ‬
‫ض وََلقَدْ َفضّلْنَا َب ْعضَ النّبِيّينَ عَلَى َب ْعضٍ َوآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (‪)55‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫فِي ال ّ‬

‫الحسن والكلمة الطيبة ؛ فإنه إذ لم يفعلوا ذلك ‪ ،‬نزغ الشيطان بينهم ‪ ،‬وأخرج الكلم إلى الفعال ‪،‬‬
‫ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة ‪ ،‬فإن الشيطان عدو لدم وذريته من حين امتنع من السجود لدم‬
‫‪ ،‬فعداوته ظاهرة بينة ؛ ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة ‪ ،‬فإن الشيطان ينزغ‬
‫في يده ‪ ،‬أي ‪ :‬فربما أصابه بها‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َمعْمر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل يشيرنّ أحدكم إلى أخيه بالسلح ‪ ،‬فإنه ل‬
‫يدري أحدكم لعل الشيطان أن ينزع في يده ‪ ،‬فيقع في حفرة من نار (‪.)1‬‬
‫أخرجاه من حديث عبد الرزاق (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬أنبأنا علي بن زيد ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬حدثني‬
‫رجل من بني سَلِيط قال ‪ :‬أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وهو في أ ْزفَلَة من الناس ‪ ،‬فسمعته‬
‫يقول ‪" :‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يخذله ‪ ،‬التقوى هاهنا ‪[ -‬قال حماد ‪ :‬وقال بيده إلى‬
‫صدره ‪ -‬ماتواد رجلن في ال فتفرّق بينهما إل بحدث يحدثه أحدهما] (‪ )3‬والمحدث شَر ‪،‬‬
‫والمحدث شر ‪ ،‬والمحدث شر" (‪.)4‬‬
‫ح ْمكُمْ َأوْ إِنْ يَشَأْ ُيعَذّ ْب ُك ْم َومَا أَ ْرسَلْنَاكَ عَلَ ْيهِ ْم َوكِيل (‪ )54‬وَرَ ّبكَ أَعْلَمُ‬
‫{ رَ ّب ُكمْ أَعْلَمُ ِب ُكمْ إِنْ يَشَأْ يَرْ َ‬
‫ض وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (‪.} )55‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ وَلَقَدْ َفضّلْنَا َب ْعضَ النّبِيّينَ عَلَى َب ْع ٍ‬
‫ِبمَنْ فِي ال ّ‬
‫يقول ال تعالى ‪ { :‬رَ ّبكُمْ أَعْلَمُ ِب ُكمْ } أيها الناس ‪ ،‬من يستحق منكم الهداية ومن ل يستحق { إِنْ‬
‫ح ْمكُمْ } بأن يوفقكم لطاعته والنابة إليه { َأوْ إِنْ يَشَأْ ُيعَذّ ْب ُك ْم َومَا أَ ْرسَلْنَاكَ } [يا محمد] (‪{ )5‬‬
‫يَشَأْ يَ ْر َ‬
‫عَلَ ْيهِ ْم َوكِيل } أي ‪ :‬إنما أرسلناك نذيرًا ‪ ،‬فمن أطاعك دخل الجنة ‪ ،‬ومن عصاك دخل النار‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ } أي ‪ :‬بمراتبهم في الطاعة والمعصية { وَلَقَدْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَرَ ّبكَ أَعْلَمُ ِبمَنْ فِي ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ مِ ْنهُمْ مَنْ كَلّمَ اللّ ُه وَ َرفَعَ‬
‫سلُ َفضّلْنَا َب ْع َ‬
‫َفضّلْنَا َب ْعضَ النّبِيّينَ } ‪َ ،‬كمَا قَالَ ‪ { :‬تِ ْلكَ الرّ ُ‬
‫ضهُمْ دَ َرجَاتٍ } [ البقرة ‪.] 253 :‬‬
‫َب ْع َ‬
‫وهذا ل ينافي ما [ثبت] (‪ )6‬في الصحيحين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل‬
‫تفضلوا بين النبياء" (‪ )7‬؛ فإن المراد من ذلك هو التفضيل بمجرد التشهي والعصبية (‪ ، )8‬ل‬
‫بمقتضى الدليل ‪[ ،‬فإنه إذا دل الدليل] (‪ )9‬على شيء وجب اتباعه ‪ ،‬ول خلف أن الرسل أفضل‬
‫من بقية النبياء ‪ ،‬وأن أولي العزم منهم أفضلهم ‪ ،‬وهم الخمسة المذكورون نصا (‪ )10‬في آيتين‬
‫ك َومِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِي َم َومُوسَى‬
‫خذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَا َقهُ ْم َومِ ْن َ‬
‫من القرآن في سورة الحزاب ‪ { :‬وَِإذْ أَ َ‬
‫وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } [ الحزاب ‪] 7 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬النار"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/317‬وصحيح البخاري برقم (‪ )7073‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2617‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)5/71‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )3414‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2373‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬والمعصية"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬وفي ت ‪" :‬فإنه إذا كان"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬قصا"‪.‬‬

‫( ‪)5/87‬‬

‫حوِيلًا (‪ )56‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ‬


‫شفَ الضّرّ عَ ْن ُك ْم وَلَا تَ ْ‬
‫عمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا َيمِْلكُونَ َك ْ‬
‫ُقلِ ادْعُوا الّذِينَ زَ َ‬
‫حمَتَ ُه وَيَخَافُونَ عَذَا َبهُ إِنّ عَذَابَ رَ ّبكَ كَانَ‬
‫ب وَيَرْجُونَ َر ْ‬
‫يَدْعُونَ يَبْ َتغُونَ إِلَى رَ ّبهِمُ ا ْلوَسِيَلةَ أَ ّيهُمْ َأقْ َر ُ‬
‫مَحْذُورًا (‪)57‬‬

‫ك َومَا‬
‫‪ ،‬وفي الشورى [في قوله] (‪ { : )1‬شَ َرعَ َلكُمْ مِنَ الدّينِ مَا َوصّى ِبهِ نُوحًا وَالّذِي َأوْحَيْنَا إِلَ ْي َ‬
‫َوصّيْنَا ِبهِ إِبْرَاهِي َم َومُوسَى وَعِيسَى أَنْ َأقِيمُوا الدّينَ وَل تَ َتفَ ّرقُوا فِيهِ } [ الشورى ‪ .] 13 :‬ول‬
‫خلف أن محمدًا صلى ال عليه وسلم أفضلهم ‪ ،‬ثم بعده إبراهيم ‪ ،‬ثم موسى على المشهور ‪ ،‬وقد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بسطنا هذا بدلئله في غير هذا الموضع ‪ ،‬وال الموفق‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا } تنبيه على فضله وشرفه‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا إسحاق بن نصر ‪ ،‬أخبرنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َمعْمر ‪ ،‬عن َهمّام ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬خُفف على داود القرآن ‪ ،‬فكان‬
‫يأمر بدابته لتُسْرج ‪ ،‬فكان يقرأ قبل أن َيفْرغ"‪ .‬يعني القرآن (‪.)2‬‬
‫حوِيل (‪ )56‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ‬
‫شفَ الضّرّ عَ ْنكُ ْم وَل تَ ْ‬
‫عمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَل َيمِْلكُونَ كَ ْ‬
‫{ ُقلِ ادْعُوا الّذِينَ زَ َ‬
‫حمَتَ ُه وَيَخَافُونَ عَذَا َبهُ إِنّ عَذَابَ رَ ّبكَ كَانَ‬
‫ب وَيَرْجُونَ َر ْ‬
‫يَدْعُونَ يَبْ َتغُونَ إِلَى رَ ّبهِمُ ا ْلوَسِيَلةَ أَ ّيهُمْ َأقْ َر ُ‬
‫مَحْذُورًا (‪.} )57‬‬
‫عمْ ُتمْ مِنْ‬
‫يقول تعالى ‪ُ { :‬قلِ } يا محمد لهؤلء المشركين الذين عبدوا غير ال ‪ { :‬ادْعُوا الّذِينَ زَ َ‬
‫دُونِهِ } من الصنام والنداد ‪ ،‬فارغبوا إليهم ‪ ،‬فإنهم " ل يملكون كشف الضر عنكم" أي ‪:‬‬
‫حوِيل } أي ‪ :‬أن يحولوه إلى غيركم‪.‬‬
‫بالكلية ‪ { ،‬وَل َت ْ‬
‫والمعنى ‪ :‬أن الذي يقدر على ذلك هو ال وحده ل شريك له الذي له الخلق والمر‪.‬‬
‫شفَ‬
‫عمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَل َيمِْلكُونَ كَ ْ‬
‫قال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ُ { :‬قلِ ادْعُوا الّذِينَ زَ َ‬
‫حوِيل } قال ‪ :‬كان أهل الشرك يقولون ‪ :‬نعبد الملئكة والمسيح وعزيرا ‪ ،‬وهم‬
‫الضّرّ عَ ْنكُ ْم وَل تَ ْ‬
‫الذين يدعون ‪ ،‬يعني الملئكة والمسيح وعزيرًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْ َتغُونَ إِلَى رَ ّبهِمُ ا ْلوَسِيَلةَ أَ ّيهُمْ َأقْ َربُ }‪ .‬روى البخاري ‪ ،‬من حديث‬
‫سليمان بن ِمهْران العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن أبي َمعْمر ‪ ،‬عن عبد ال في قوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ‬
‫يَدْعُونَ يَبْ َتغُونَ إِلَى رَ ّبهِمُ ا ْلوَسِيَلةَ } قال ‪ :‬ناس من الجن ‪ ،‬كانوا يعبدون ‪ ،‬فأسلموا‪ .‬وفي رواية‬
‫قال ‪ :‬كان ناس من النس ‪ ،‬يعبدون ناسًا من الجن ‪ ،‬فأسلم الجن وتمسك هؤلء بدينهم (‪.)3‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن معبد (‪ )4‬بن عبد ال ال ّزمّاني (‪ ، )5‬عن عبد ال بن عتبة بن مسعود ‪ ،‬عن ابن‬
‫مسعود في قوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْ َتغُونَ إِلَى رَ ّبهِمُ ا ْلوَسِيلَةَ } قال ‪ :‬نزلت في نفر من‬
‫العرب ‪ ،‬كانوا يعبدون نفرًا من الجن ‪ ،‬فأسلم الجِنّيّون ‪ ،‬والنس الذين كانوا يعبدونهم ل يشعرون‬
‫بإسلمهم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4713‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4715 ، 4714‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الرماني"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/88‬‬

‫وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلّا َنحْنُ ُمهِْلكُوهَا قَ ْبلَ َي ْومِ ا ْلقِيَامَةِ َأوْ ُمعَذّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَِلكَ فِي ا ْلكِتَابِ‬
‫مَسْطُورًا (‪)58‬‬

‫فنزلت هذه الية‪.‬‬


‫وفي رواية عن ابن مسعود ‪ :‬كانوا يعبدون صنفًا من الملئكة يقال لهم ‪ :‬الجن ‪ ،‬فذكره‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْ َتغُونَ إِلَى رَ ّبهِمُ‬
‫ا ْلوَسِيلَةَ أَ ّيهُمْ َأقْ َربُ } قال ‪ :‬عيسى وأمه ‪ ،‬وعُزير‪.‬‬
‫وقال مغيرة ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ :‬كان ابن عباس يقول في هذه الية ‪ :‬هم عيسى ‪ ،‬وعُزير ‪،‬‬
‫والشمس ‪ ،‬والقمر‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬عيسى ‪ ،‬والعُزير ‪ ،‬والملئكة‪.‬‬
‫واختار ابن جرير قول ابن مسعود ؛ لقوله ‪ { :‬يَبْ َتغُونَ إِلَى رَ ّبهِمُ ا ْلوَسِيلَةَ } ‪ ،‬وهذا ل يعبر به (‪)1‬‬
‫عن الماضي ‪ ،‬فل يدخل فيه عيسى والعُزير‪ .‬قال ‪ :‬والوسيلة هي القربة ‪ ،‬كما قال قتادة ؛ ولهذا‬
‫قال ‪ { :‬أَ ّيهُمْ َأقْ َربُ }‬
‫حمَتَ ُه وَيَخَافُونَ عَذَا َبهُ } ‪ :‬ل تتم العبادة إل بالخوف والرجاء ‪ ،‬فبالخوف‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَرْجُونَ َر ْ‬
‫ينكف (‪ )2‬عن المناهي ‪ ،‬وبالرجاء ينبعث على (‪ )3‬الطاعات‪.‬‬
‫حذُورًا } أي ‪ :‬ينبغي أن يحذر منه ‪ ،‬ويخاف من وقوعه وحصوله‬
‫عذَابَ رَ ّبكَ كَانَ مَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ َ‬
‫‪ ،‬عياذًا بال منه‪.‬‬
‫{ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِل َنحْنُ ُمهِْلكُوهَا قَ ْبلَ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ َأوْ ُمعَذّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَِلكَ فِي ا ْلكِتَابِ‬
‫مَسْطُورًا (‪.} )58‬‬
‫هذا إخبار من ال عز وجل بأنه قد ح َت َم وقضى بما قد كتبه عنده في اللوح المحفوظ ‪ :‬أنه ما من‬
‫قرية إل سيهلكها ‪ ،‬بأن يبيد أهلها جميعهم أو يعذبهم { عَذَابًا شَدِيدًا } إما بقتل أو ابتلء بما يشاء ‪،‬‬
‫ظَلمْنَاهُ ْم وََلكِنْ‬
‫وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم ‪ ،‬كما قال عن المم الماضين ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫سهُمْ } [ هود ‪ ] 101 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَ َتتْ عَنْ َأمْرِ رَ ّبهَا وَرُسُلِهِ‬
‫ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ت وَبَالَ َأمْ ِرهَا َوكَانَ عَاقِ َبةُ َأمْرِهَا خُسْرًا }‬
‫شدِيدًا وَعَذّبْنَاهَا عَذَابًا ُنكْرًا * فَذَا َق ْ‬
‫حسَابًا َ‬
‫فَحَاسَبْنَاهَا ِ‬
‫[ الطلق ‪.] 8 ، 7 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ل يغن به"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ينكشف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬إلى"‪.‬‬

‫( ‪)5/89‬‬

‫ن وَآَتَيْنَا َثمُودَ النّا َقةَ مُ ْبصِ َرةً فَظََلمُوا ِبهَا َومَا‬


‫سلَ بِالْآَيَاتِ إِلّا أَنْ كَ ّذبَ ِبهَا الَْأوّلُو َ‬
‫َومَا مَ َنعَنَا أَنْ نُ ْر ِ‬
‫خوِيفًا (‪)59‬‬
‫سلُ بِالْآَيَاتِ إِلّا َت ْ‬
‫نُرْ ِ‬

‫ن وَآتَيْنَا َثمُودَ النّاقَةَ مُ ْبصِ َرةً فَظََلمُوا ِبهَا َومَا‬


‫سلَ بِاليَاتِ إِل أَنْ كَ ّذبَ ِبهَا الوّلُو َ‬
‫{ َومَا مَ َنعَنَا أَنْ نُرْ ِ‬
‫خوِيفًا (‪.} )59‬‬
‫سلُ بِاليَاتِ إِل َت ْ‬
‫نُرْ ِ‬
‫قال سُنَيْد ‪ ،‬عن حماد بن زيد ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر قال ‪ :‬قال المشركون ‪ :‬يا محمد ‪،‬‬
‫سخّرت له الريح ‪ ،‬ومنهم من كان يحيي الموتى ‪ ،‬فإن‬
‫إنك تزعم أنه كان قبلك أنبياء ‪ ،‬فمنهم من ُ‬
‫سَرّك أن نؤمن بك ونصدقك ‪ ،‬فادع ربك أن يكون لنا الصفا ذهبًا‪ .‬فأوحى ال إليه ‪" :‬إني قد‬
‫سمعت الذي‬

‫( ‪)5/89‬‬

‫قالوا ‪ ،‬فإن شئت أن نفعل الذي قالوا ‪ ،‬فإن لم يؤمنوا نزل العذاب ؛ فإنه ليس بعد نزول الية‬
‫مناظرة ‪ ،‬وإن شئت أن نَستأني بقومك استأنيتُ بهم ؟" قال ‪" :‬يا رب ‪ ،‬استأن بهم"‪.‬‬
‫وكذا قال قتادة ‪ ،‬وابن جريج ‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫قال (‪ )1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عثمان بن محمد ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن جعفر بن إياس‬
‫(‪ ، )2‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬سأل أهل مكة النبي صلى ال عليه وسلم أن‬
‫يجعل لهم الصفا ذهبًا ‪ ،‬وأن ينحي الجبال عنهم فيزرعوا ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬إن شئت أن نستأني بهم ‪،‬‬
‫وإن شئت أن نُؤتيهم الذي سألوا ‪ ،‬فإن كفروا أهلكوا كما أهلكتُ من كان قبلهم من المم ‪ :‬قال ‪:‬‬
‫ن وَآتَيْنَا َثمُودَ‬
‫سلَ بِاليَاتِ إِل أَنْ كَ ّذبَ ِبهَا الوّلُو َ‬
‫"ل بل استأن بهم"‪ .‬وأنزل ال ‪َ { :‬ومَا مَ َنعَنَا أَنْ نُرْ ِ‬
‫النّاقَةَ مُ ْبصِ َرةً } رواه (‪ )3‬النسائي من حديث جرير ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن سَلَمة بن كُهيل ‪ ،‬عن عمران أبى‬
‫الحكيم (‪ ، )5‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قالت قريش للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ادع لنا ربك أن‬
‫يجعل لنا الصفا ذهبًا ‪ ،‬ونؤمن بك‪ .‬قال ‪" :‬وتفعلون ؟" قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فدعا فأتاه جبريل فقال ‪:‬‬
‫إن ربك يقرأ عليك السلم ويقول لك ‪ :‬إن شئت أصبح الصفا لهم ذهبًا ‪ ،‬فمن كفر منهم بعد ذلك‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عَذّبته عذابًا ل أعذبه أحدًا من العالمين ‪ ،‬وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة‪ .‬فقال ‪" :‬بل‬
‫باب التوبة والرحمة" (‪.)6‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل بن علي النصاري ‪ ،‬حدثنا خلف ابن‬
‫تميم المصيصي ‪ ،‬عن عبد الجبار بن عمار اليِليّ ‪ ،‬عن عبد ال بن عطاء بن إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫جدته أم عطاء مولة الزبير بن العوام قالت ‪ :‬سمعت الزبير يقول ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬وَأَنْذِرْ عَشِيرَ َتكَ‬
‫القْرَبِينَ } [ الشعراء ‪ ] 214 :‬صاح رسول ال صلى ال عليه وسلم على أبي قَبِيس ‪" :‬يا آل عبد‬
‫مناف ‪ ،‬إني نذير!" فجاءته قريش فحذرهم وأنذرهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬تزعم أنك نبي يوحى إليك ‪ ،‬وأن‬
‫سليمان سخر له الريح والجبال ‪ ،‬وأن موسى سخر له البحر ‪ ،‬وأن عيسى كان يحيي الموتى ‪،‬‬
‫فادع ال أن يسير عنا هذه الجبال ‪ ،‬ويفجر (‪ )7‬لنا الرض أنهارًا ‪ ،‬فنتخذها محارث فنزرع‬
‫ونأكل ‪ ،‬وإل فادع ال أن يحيي لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا ‪ ،‬وإل فادع ال أن يصير لنا هذه‬
‫الصخرة التي تحتك ذهبًا ‪ ،‬فننحت منها ‪ ،‬وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف ‪ ،‬فإنك تزعم أنك‬
‫كهيئتهم! قال ‪ :‬فبينا نحن حوله ‪ ،‬إذ نزل عليه الوحي ‪ ،‬فلما سري عنه قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪،‬‬
‫لقد أعطاني ما سألتم ‪ ،‬ولو شئت لكان ‪ ،‬ولكنه خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة ‪ ،‬فيؤمن‬
‫مؤمنكم ‪ ،‬وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لنفسكم ‪ ،‬فتضلوا عن باب الرحمة ‪ ،‬فل يؤمن منكم‬
‫أحد ‪ ،‬فاخترت باب الرحمة ‪ ،‬فيؤمن مؤمنكم‪ .‬وأخبرني أنه إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم ‪ ،‬أنه يعذبكم‬
‫سلَ بِاليَاتِ إِل أَنْ كَ ّذبَ ِبهَا‬
‫عذابًا ل يعذبه أحدًا من العالمين" ونزلت ‪َ { :‬ومَا مَ َنعَنَا أَنْ نُرْ ِ‬
‫الوّلُونَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ابن أبي إياس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬قد رواه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )1/258‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11290‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪" :‬عمران بن حكيم" ‪ ،‬والتصويب من أطراف المسند وكتب الرجال‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)1/242‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬وتفجر"‪.‬‬

‫( ‪)5/90‬‬

‫س وَالشّجَ َرةَ ا ْلمَ ْلعُونَةَ‬


‫جعَلْنَا ال ّرؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلّا فِتْنَةً لِلنّا ِ‬
‫س َومَا َ‬
‫وَإِذْ قُلْنَا َلكَ إِنّ رَ ّبكَ أَحَاطَ بِالنّا ِ‬
‫طغْيَانًا كَبِيرًا (‪)60‬‬
‫خ ّو ُفهُمْ َفمَا يَزِيدُ ُهمْ إِلّا ُ‬
‫فِي ا ْلقُرْآَنِ وَنُ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ط َعتْ بِهِ ال ْرضُ َأوْ كُلّمَ بِهِ‬
‫وحتى قرأ ثلث آيات ونزلت ‪ { :‬وََلوْ أَنّ قُرْآنًا سُيّ َرتْ بِهِ ا ْلجِبَالُ َأوْ ُق ّ‬
‫ا ْل َموْتَى } [ الرعد ‪.)1( ] 31 :‬‬
‫سلَ بِاليَاتِ } أي ‪ :‬نبعث اليات ونأتي بها على ما سأل‬
‫ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬ومَا مَ َنعَنَا أَنْ نُرْ ِ‬
‫قومك منك ‪ ،‬فإنه سهل علينا يسير لدينا ‪ ،‬إل أنه قد كذب بها الولون بعدما سألوها ‪ ،‬وجرت‬
‫سنتنا فيهم وفي أمثالهم أنهم ل يؤخرون إذا كذبوا بها بعد نزولها ‪ ،‬كما قال ال تعالى في المائدة ‪:‬‬
‫عذّبُهُ َأحَدًا مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ } [‬
‫‪ { :‬قَالَ اللّهُ إِنّي مُنزُلهَا عَلَ ْيكُمْ َفمَنْ َي ْكفُرْ َبعْدُ مِ ْنكُمْ فَإِنّي أُعَذّ ُبهُ عَذَابًا ل أُ َ‬
‫المائدة ‪ ] 115 :‬وقال تعالى عن ثمود ‪ ،‬حين سألوا آية ‪ :‬ناقة تخرج (‪ )2‬من صخرة عَيّنُوها ‪،‬‬
‫فدعا صالح ربه ‪ ،‬فأخرج له منها ناقة على ما سألوا " فظلموا بها" (‪ )3‬أي ‪ :‬كفروا بمن خلقها ‪،‬‬
‫عدٌ غَيْرُ َمكْذُوبٍ } [ هود‬
‫ك وَ ْ‬
‫وكذبوا رسوله وعقروا الناقة فقال ‪َ { :‬تمَ ّتعُوا فِي دَا ِر ُكمْ ثَلثَةَ أَيّامٍ ذَِل َ‬
‫‪ ] 65 :‬؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَآتَيْنَا َثمُودَ النّاقَةَ } أي ‪ :‬دالة على وحدانية من خلقها وصدق‬
‫الرسول الذي أجيب دعاؤه فيها { َفظََلمُوا ِبهَا } أي ‪ :‬كفروا بها ومنعوها شِرْبها وقتلوها ‪ ،‬فأبادهم‬
‫ال عن آخرهم ‪ ،‬وانتقم منهم ‪ ،‬وأخذهم أخذ عزيز مقتدر‪.‬‬
‫خوِيفًا } قال قتادة ‪ :‬إن ال خوف الناس بما يشاء (‪ )4‬من آياته‬
‫سلُ بِاليَاتِ إِل َت ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا نُرْ ِ‬
‫لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ‪ ،‬ذُكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود فقال ‪ :‬يا‬
‫أيها الناس ‪ ،‬إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه‪.‬‬
‫وهكذا رُوي أن المدينة زُلزلت على عهد عمر بن الخطاب مرات ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬أحدثتم ‪ ،‬وال لئن‬
‫عادت لفعلن ولفعلن‪ .‬وكذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم في الحديث المتفق عليه ‪" :‬إن‬
‫الشمس والقمر آيتان من آيات ال ‪ ،‬وإنهما ل ينكسفان لموت أحد ول لحياته ‪ ،‬ولكن ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬يرسلهما يخوف بهما (‪ )5‬عباده ‪ ،‬فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره"‪ .‬ثم‬
‫قال ‪ " :‬يا أمة محمد ‪ ،‬وال ما أحد أغير من ال أن يزني عبده أو تزني أمته ‪ ،‬يا أمة محمد ‪،‬‬
‫وال لو تعلمون ما أعلم ‪ ،‬لضحكتم قليل ولبكيتم كثيرًا" (‪.)6‬‬
‫س وَالشّجَ َرةَ ا ْلمَ ْلعُونَةَ‬
‫جعَلْنَا ال ّرؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِل فِتْنَةً لِلنّا ِ‬
‫س َومَا َ‬
‫{ وَإِذْ قُلْنَا َلكَ إِنّ رَ ّبكَ َأحَاطَ بِالنّا ِ‬
‫طغْيَانًا كَبِيرًا (‪.} )60‬‬
‫خ ّو ُفهُمْ َفمَا يَزِيدُ ُهمْ إِل ُ‬
‫فِي ا ْلقُرْآنِ وَنُ َ‬
‫يقول تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم مح ّرضًا له على إبلغ رسالته ‪ ،‬ومخبرًا له بأنه قد‬
‫عصمه من الناس ‪ ،‬فإنه القادر عليهم ‪ ،‬وهم في قبضته وتحت قهره وغلبته‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وعروة بن الزبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم في قوله ‪ { :‬وَإِذْ قُلْنَا َلكَ إِنّ رَ ّبكَ‬
‫أَحَاطَ بِالنّاسِ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند أبي يعلى (‪ )2/40‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/85‬رواه أبو يعلى من طريق عبد‬
‫الجبار بن عمر اليلي ‪ ،‬عن عبد ال بن عطاء بن إبراهيم ‪ ،‬وكلهما وثق ‪ ،‬وقد ضعفهما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الجمهور"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أن يخرج لهم ناقة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فلما ظلموا بها" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬بأشياء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولكن يخوف ال بهما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )1044‬وصحيح مسلم برقم (‪.)901‬‬

‫( ‪)5/91‬‬

‫أي ‪ :‬عصمك منهم‪.‬‬


‫جعَلْنَا ال ّرؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِل فِتْ َنةً لِلنّاسِ } قال البخاري ‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫جعَلْنَا ال ّرؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِل‬
‫حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫فِتْنَةً لِلنّاسِ } قال ‪ :‬هي رؤيا عين أريها رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪ )1‬ليلة أسري به‬
‫{ وَالشّجَ َرةَ ا ْلمَ ْلعُونَةَ فِي ا ْلقُرْآنِ } شجرة الزقوم (‪.)2‬‬
‫وكذا رواه أحمد ‪ ،‬وعبد الرزاق ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة به (‪ ، )3‬وكذا رواه العوفي ‪،‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬وهكذا فسر ذلك بليلة السراء ‪ :‬مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬ومسروق‬
‫‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬وقد تقدمت أحاديث السراء في أول‬
‫السورة مستقصاة ‪ ،‬ول (‪ )4‬الحمد والمنة‪ .‬وتقدم أن ناسًا رجعوا عن دينهم بعدما كانوا على الحق‬
‫؛ لنه لم تحمل قلوبهم وعقولهم ذلك ‪ ،‬فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ‪ ،‬وجعل ال ذلك ثباتًا ويقينًا‬
‫لخرين ؛ ولهذا (‪ )5‬قال ‪ { :‬إِل فِتْنَةً } أي ‪ :‬اختبارًا وامتحانًا‪ .‬وأما "الشجرة الملعونة" ‪ ،‬فهي‬
‫شجرة الزقوم ‪ ،‬كما أخبرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه رأى الجنة والنار ‪ ،‬ورأى شجرة‬
‫الزقوم ‪ ،‬فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل لعنه ال (‪[ )6‬بقوله] (‪ )7‬هاتوا لنا تمرًا وزبدًا ‪ ،‬وجعل‬
‫يأكل هذا بهذا ويقول ‪ :‬تَ َزقّموا ‪ ،‬فل نعلم الزقوم غير هذا‪.‬‬
‫حكى ذلك ابن عباس ‪ ،‬ومسروق ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وغير واحد ‪ ،‬وكل من قال ‪:‬‬
‫إنها ليلة السراء ‪ ،‬فسره كذلك (‪ )8‬بشجرة الزقوم‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬المراد بالشجرة الملعونة ‪ :‬بنو أمية‪ .‬وهو غريب ضعيف‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثت عن محمد بن الحسن بن زَبَالة ‪ ،‬حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن‬
‫سعد ‪ ،‬حدثني أبي عن جدي قال ‪ :‬رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم بني فلن ينزون على‬
‫منبره نزو القرود (‪ )9‬فساءه ذلك ‪ ،‬فما استجمع ضاحكًا حتى مات‪ .‬قال ‪ :‬وأنزل (‪ )10‬ال في‬
‫جعَلْنَا ال ّرؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِل فِتْنَةً لِلنّاسِ } الية (‪.)11‬‬
‫ذلك ‪َ { :‬ومَا َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا السند ضعيف جدًا ؛ فإن "محمد بن الحسن بن زَبَالة" متروك ‪ ،‬وشيخه أيضًا ضعيف بالكلية‪.‬‬
‫ولهذا اختار ابن جرير ‪ :‬أن المراد بذلك ليلة السراء ‪ ،‬وأن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬لجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك ‪ ،‬أي ‪ :‬في الرؤيا والشجرة‪.‬‬
‫طغْيَانًا كَبِيرًا } أي ‪:‬‬
‫خ ّو ُفهُمْ } أي ‪ :‬الكفار بالوعيد والعذاب والنكال { َفمَا يَزِيدُهُمْ إِل ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَنُ َ‬
‫تماديا فيما هم فيه من الكفر والضلل‪ .‬وذلك من خذلن ال لهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬النبي صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4716‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)1/221‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فلله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فلهذا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه لعائن ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬فسر ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬القردة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬فأنزل"‪.‬‬
‫(‪ )11‬تفسير الطبري (‪.)15/77‬‬

‫( ‪)5/92‬‬

‫سجُدُ ِلمَنْ خََل ْقتَ طِينًا (‪ )61‬قَالَ أَرَأَيْ َتكَ هَذَا‬


‫سجَدُوا إِلّا إِ ْبلِيسَ قَالَ أَأَ ْ‬
‫سجُدُوا لِآَ َدمَ فَ َ‬
‫وَإِذْ قُلْنَا لِ ْلمَلَا ِئكَةِ ا ْ‬
‫الّذِي كَ ّر ْمتَ عََليّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ لَأَحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّتَهُ إِلّا قَلِيلًا (‪ )62‬قَالَ اذْ َهبْ َفمَنْ تَ ِب َعكَ‬
‫ك وَأَجِْلبْ عَلَ ْيهِمْ‬
‫صوْ ِت َ‬
‫ط ْعتَ مِ ْنهُمْ ِب َ‬
‫جهَنّمَ جَزَا ُؤكُمْ جَزَاءً َم ْوفُورًا (‪ )63‬وَاسْ َتفْزِزْ مَنِ اسْتَ َ‬
‫مِ ْنهُمْ فَإِنّ َ‬
‫ل وَالَْأوْلَا ِد وَعِ ْدهُ ْم َومَا َيعِدُ ُهمُ الشّ ْيطَانُ إِلّا غُرُورًا (‪ )64‬إِنّ‬
‫جِلكَ وَشَا ِر ْكهُمْ فِي الَْأ ْموَا ِ‬
‫ك وَرَ ِ‬
‫بِخَيِْل َ‬
‫ك َوكِيلًا (‪)65‬‬
‫ن َو َكفَى بِرَ ّب َ‬
‫سلْطَا ٌ‬
‫عِبَادِي لَيْسَ َلكَ عَلَ ْيهِمْ ُ‬

‫سجَدُوا إِل إِبْلِيسَ قَالَ أََأسْجُدُ ِلمَنْ خََل ْقتَ طِينًا (‪ )61‬قَالَ أَرَأَيْ َتكَ‬
‫سجُدُوا ل َدمَ فَ َ‬
‫{ وَإِذْ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَةِ ا ْ‬
‫هَذَا الّذِي كَ ّر ْمتَ عََليّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَى َي ْومِ ا ْلقِيَامَةِ لحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّ َتهُ إِل قَلِيل (‪} )62‬‬
‫يذكر تعالى عَدَا َوةَ إبليس ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬لدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وذريته ‪ ،‬وأنها عداوة قديمة منذ خلق‬
‫آدم ‪ ،‬فإنه تعالى أمرالملئكة بالسجود ‪ ،‬فسجدوا كلهم إل إبليس استكبر وأبى أن يسجد له ؛‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سجُدُ ِلمَنْ خََل ْقتَ طِينًا } كما قال في الية الخرى ‪ { :‬أَنَا خَيْرٌ‬
‫افتخارًا عليه واحتقارًا له { قَالَ أَأَ ْ‬
‫مِنْهُ خََلقْتَنِي مِنْ نَا ٍر وَخََلقْتَهُ مِنْ طِينٍ } [ العراف ‪.] 12 :‬‬
‫وقال أيضًا ‪ { :‬أَرَأَيْ َتكَ } ‪ ،‬يقول للرب جراءة وكفرًا ‪ ،‬والرب يحلم (‪ )1‬وينظر { قَالَ أَرَأَيْ َتكَ َهذَا‬
‫الّذِي كَ ّر ْمتَ عََليّ لَئِنْ أَخّرْتَنِي إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ لحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّتَهُ إِل قَلِيل }‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس يقول ‪ :‬لستولين على ذريته إل قليل‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬لحتوين‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬لضلنهم‪.‬‬
‫وكلها متقاربة ‪ ،‬والمعنى ‪ :‬أنه يقول ‪ :‬أرأيتك هذا الذي شرفته وعظمته عليّ ‪ ،‬لئن أنظرتني‬
‫لضلن ذرّيته إل قليل منهم‪.‬‬
‫ط ْعتَ مِ ْنهُمْ‬
‫جهَنّمَ جَزَا ُؤكُمْ جَزَاءً َم ْوفُورًا (‪ )63‬وَاسْ َتفْزِزْ مَنِ اسْتَ َ‬
‫{ قَالَ اذْ َهبْ َفمَنْ تَ ِب َعكَ مِ ْنهُمْ فَإِنّ َ‬
‫ك وَ َرجِِلكَ وَشَا ِر ْكهُمْ فِي المْوَالِ وَالول ِد وَعِدْ ُه ْم َومَا َي ِعدُهُمُ الشّيْطَانُ‬
‫ك وَأَجِْلبْ عَلَ ْي ِهمْ بِخَيِْل َ‬
‫صوْتِ َ‬
‫ِب َ‬
‫ك َوكِيل (‪.} )65‬‬
‫ن َو َكفَى بِرَ ّب َ‬
‫علَ ْيهِمْ سُ ْلطَا ٌ‬
‫إِل غُرُورًا (‪ )64‬إِنّ عِبَادِي لَيْسَ َلكَ َ‬
‫لما سأل إبليس [عليه اللعنة] (‪ )2‬النظرة قال ال له ‪ { :‬اذْ َهبْ } فقد أنظرتك‪ .‬كما قال في الية‬
‫الخرى ‪ { :‬قَالَ فَإِ ّنكَ مِنَ ا ْلمُ ْنظَرِينَ * إِلَى َيوْمِ ا ْل َو ْقتِ ا ْل َمعْلُومِ } [ الحجر ‪ ] 38 ، 37 :‬ثم أوعده‬
‫جهَنّمَ جَزَا ُؤكُمْ } أي ‪ :‬على أعمالكم {‬
‫ومن تَبِعه من ذرية آدم جهنم ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬فمَنْ تَ ِب َعكَ مِ ْنهُمْ فَإِنّ َ‬
‫جَزَاءً َم ْوفُورًا }‬
‫قال مجاهد ‪ :‬وافرا‪ .‬وقال قتادة ‪ُ :‬م َوفّرا عليكم ‪ ،‬ل ينقص لكم منه‪.‬‬
‫صوْ ِتكَ } قيل ‪ :‬هو الغناء‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬باللهو والغناء ‪،‬‬
‫ط ْعتَ مِ ْنهُمْ ِب َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاسْ َتفْزِزْ مَنِ اسْ َت َ‬
‫أي ‪ :‬استخفهم بذلك‪.‬‬
‫صوْ ِتكَ } قال ‪ :‬كل داع دعا إلى‬
‫ط ْعتَ مِ ْنهُمْ ِب َ‬
‫وقال ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَاسْ َتفْزِزْ مَنِ اسْ َت َ‬
‫معصية ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وقال قتادة ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يحكم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/93‬‬

‫ك وَ َرجِِلكَ } يقول ‪ :‬واحمل عليهم بجنودك خَيّالتهم و َرجْلتَهم (‪ )1‬؛‬


‫جِلبْ عَلَ ْي ِهمْ بِخَيِْل َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَ ْ‬
‫فإن "الرّجْل" جمع "راجل" ‪ ،‬كما أن "الركب" جمع "راكب" و"صحب" جمع "صاحب"‪.‬‬
‫سلْنَا‬
‫ومعناه ‪ :‬تسلط عليهم بكل ما تقدرعليه‪ .‬وهذا أمر قدري ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ أَنّا أَرْ َ‬
‫الشّيَاطِينَ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ َتؤُزّهُمْ أَزّا } [ مريم ‪ ] 83 :‬أي ‪ :‬تزعجهم إلى المعاصي إزعاجًا ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك وَرَجِِلكَ }‬
‫وتسوقهم إليها (‪ )2‬سوقًا‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد في قوله ‪ { :‬وَأَجِْلبْ عَلَ ْيهِمْ ِبخَيِْل َ‬
‫قال ‪ :‬كل راكب وماش في معصية ال‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬إن له خيل ورجال من الجن والنس ‪ ،‬وهم الذين يطيعونه‪.‬‬
‫وتقول العرب ‪" :‬أجلب فلن على فلن" ‪ :‬إذا صاح عليه‪ .‬ومنه ‪" :‬نهى في المسابقة عن الجَلَب‬
‫والجَنَب" ومنه اشتقاق "الجلبة" ‪ ،‬وهي ارتفاع الصوات‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَشَا ِر ْكهُمْ فِي ال ْموَالِ وَالولدِ } قال ابن عباس ومجاهد ‪ :‬هو ما أمرهم به من إنفاق‬
‫الموال في معاصي ال‪.‬‬
‫وقال عطاء ‪ :‬هو الربا‪ .‬وقال الحسن ‪[ :‬هو] (‪ )3‬جمعها من خبيث ‪ ،‬وإنفاقها في حرام‪ .‬وكذا قال‬
‫قتادة‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ :‬أما مشاركته إياهم في أموالهم ‪ ،‬فهو ما‬
‫حرموه من أنعامهم ‪ ،‬يعني ‪ :‬من البحائر والسوائب ونحوها‪ .‬وكذا قال الضحاك وقتادة‪.‬‬
‫[ثم] (‪ )4‬قال ابن جرير ‪ :‬والولى أن يقال ‪ :‬إن الية تعم ذلك كله‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالولدِ } قال العوفي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬يعني أولد الزنا‪.‬‬
‫وقال علي ابن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو ما كانوا قتلوه من أولدهم سفهًا بغير علم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن الحسن البصري ‪ :‬قد وال شاركهم في الموال والولد مَجّسُوا وهودوا‬
‫و َنصّروا وصبغوا غير صبغة السلم ‪ ،‬وجَزّؤوا من أموالهم جزءًا للشيطان (‪ )5‬وكذا قال قتادة‬
‫سواء‪.‬‬
‫وقال أبو صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو تسميتهم أولدهم "عبد الحارث" و"عبد شمس" و"عبد فلن"‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وأولى القوال بالصواب أن يقال ‪ :‬كل مولود ولدته أنثى ‪ ،‬عصى ال فيه ‪،‬‬
‫بتسميته ما (‪ )6‬يكرهه ال ‪ ،‬أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه ال ‪ ،‬أو بالزنا بأمه ‪ ،‬أو بقتله‬
‫ووأده ‪ ،‬وغير ذلك من المور التي يعصي (‪ )7‬ال بفعله به أو فيه ‪ ،‬فقد دخل في مشاركة إبليس‬
‫فيه من ولد ذلك الولد له أو منه ؛ لن ال لم يخصص بقوله ‪ { :‬وَشَا ِر ْك ُهمْ فِي ال ْموَالِ وَالولدِ }‬
‫معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى ‪ ،‬فكل ما عصي ال فيه ‪ -‬أو به ‪ ،‬وأطيع فيه الشيطان ‪ -‬أو‬
‫به ‪ ،‬فهو مشاركة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ورجالتهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إلينا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬الشيطان"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬بما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬يعفى"‪.‬‬

‫( ‪)5/94‬‬

‫رَ ّبكُمُ الّذِي يُزْجِي َلكُمُ ا ْلفُ ْلكَ فِي الْ َبحْرِ لِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِهِ إِنّهُ كَانَ ِب ُكمْ رَحِيمًا (‪)66‬‬

‫وهذا الذي قاله مُتّجه ‪ ،‬وكل (‪ )1‬من السلف ‪ ،‬رحمهم ال ‪ ،‬فسر بعض المشاركة ‪ ،‬فقد ثبت في‬
‫صحيح مسلم ‪ ،‬عن عياض بن حمار (‪ ، )2‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يقول ال‬
‫عز وجل ‪ :‬إني خلقت عبادي حُنفاء ‪ ،‬فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم (‪ )3‬عن دينهم ‪ ،‬وحَرّمت‬
‫عليهم ما أحللت لهم" (‪.)4‬‬
‫وفي الصحيحين أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال‬
‫‪ :‬بسم ال ‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ‪ ،‬فإنه إن ُيقَدّر بينهما ولد في ذلك ‪ ،‬لم‬
‫يضره الشيطان أبدًا" (‪.)5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَعِ ْدهُ ْم َومَا َيعِدُ ُهمُ الشّ ْيطَانُ إِل غُرُورًا } كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا‬
‫ق َووَعَدْ ُتكُمْ فََأخَْلفْتُكُمْ َومَا كَانَ لِي‬
‫حّ‬‫حصحص الحق يوم يقضى بالحق ‪ { :‬إِنّ اللّ َه وَعَ َدكُ ْم وَعْدَ الْ َ‬
‫خكُ ْم َومَا‬
‫سكُمْ مَا أَنَا ِب ُمصْرِ ِ‬
‫عوْ ُتكُمْ فَاسْ َتجَبْتُمْ لِي فَل تَلُومُونِي وَلُومُوا أَ ْنفُ َ‬
‫عَلَ ْيكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِل أَنْ دَ َ‬
‫خيّ } الية[ إبراهيم ‪.] 22 :‬‬
‫أَنْتُمْ ِب ُمصْرِ ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ عِبَادِي لَيْسَ َلكَ عَلَ ْي ِهمْ سُ ْلطَانٌ } ‪ :‬إخبار بتأييده تعالى عباده المؤمنين ‪ ،‬وحفظه إياهم‬
‫ك َوكِيل } أي ‪ :‬حافظًا ومؤيدًا‬
‫‪ ،‬وحراسته لهم من الشيطان الرجيم ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬وكَفَى بِرَ ّب َ‬
‫وناصرًا‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا ابن لَهيعة ‪ ،‬عن موسى بن وَ ْردَان ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن المؤمن ليُنْضي شياطينه (‪ )6‬كما‬
‫ينضي أحدكم بَعيرَه في السفر" (‪.)7‬‬
‫ينضي ‪ ،‬أي ‪ :‬يأخذ بناصيته ويقهره‪.‬‬
‫{ رَ ّب ُكمُ الّذِي يُ ْزجِي َلكُمُ ا ْلفُ ْلكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِهِ إِنّهُ كَانَ ِبكُمْ َرحِيمًا (‪.} )66‬‬
‫يخبر تعالى عن لطفه بخلقه في تسخيره لعباده الفلك في البحر ‪ ،‬وتسهيلها (‪ )8‬لمصالح عباده‬
‫لبتغائهم من فضله (‪ )9‬في التجارة من إقليم إلى إقليم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّهُ كَانَ ِب ُكمْ رَحِيمًا } أي ‪:‬‬
‫إنما فعل هذا بكم من فضله عليكم ‪ ،‬ورحمته بكم‪.‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف" "فكل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن ابن عباس عن عياض بن حمار"‪ .‬وفي ت ‪" :‬حماد" بدل "حمار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬واجتالتهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)2865‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )141‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1434‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬شيطانه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)2/380‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وتسهيله لها"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فضله لهم"‪.‬‬

‫( ‪)5/95‬‬

‫ضلّ مَنْ تَدْعُونَ إِلّا إِيّاهُ فََلمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْ َرضْتُ ْم َوكَانَ الْإِنْسَانُ‬
‫س ُكمُ الضّرّ فِي الْبَحْ ِر َ‬
‫وَإِذَا مَ ّ‬
‫َكفُورًا (‪)67‬‬

‫ضلّ مَنْ َتدْعُونَ إِل إِيّاهُ فََلمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْ َرضْتُ ْم َوكَانَ النْسَانُ‬
‫سكُمُ الضّرّ فِي الْ َبحْ ِر َ‬
‫{ وَإِذَا مَ ّ‬
‫َكفُورًا (‪} )67‬‬

‫( ‪)5/95‬‬

‫جدُوا َلكُ ْم َوكِيلًا (‪ )68‬أَمْ َأمِنْتُمْ أَنْ‬


‫سلَ عَلَ ْيكُمْ حَاصِبًا ثُمّ لَا تَ ِ‬
‫سفَ ِبكُمْ جَا ِنبَ الْبَرّ َأوْ يُرْ ِ‬
‫َأفََأمِنْتُمْ أَنْ َيخْ ِ‬
‫صفًا مِنَ الرّيحِ فَ ُيغْ ِر َقكُمْ ِبمَا َكفَرْتُمْ ثُمّ لَا تَجِدُوا َل ُكمْ عَلَيْنَا بِهِ‬
‫سلَ عَلَ ْيكُمْ قَا ِ‬
‫ُيعِي َدكُمْ فِيهِ تَا َرةً أُخْرَى فَيُ ْر ِ‬
‫تَبِيعًا (‪)69‬‬

‫‪.‬‬
‫يخبر تعالى أنه إذا مس الناس ضرّ ‪ ،‬دعوه منيبين إليه ‪ ،‬مخلصين له الدين ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَِإذَا‬
‫ضلّ مَنْ َتدْعُونَ إِل إِيّاهُ } أي ‪ :‬ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير ال ‪،‬‬
‫سكُمُ الضّرّ فِي الْ َبحْ ِر َ‬
‫مَ ّ‬
‫كما اتفق لعكرمة بن أبي جهل لما ذهب فارًا من رسول ال صلى ال عليه وسلم حين فتح مكة ‪،‬‬
‫فذهب هاربًا ‪ ،‬فركب في البحر ليدخل الحبشة ‪ ،‬فجاءتهم (‪ )1‬ريح عاصف ‪ ،‬فقال القوم بعضهم‬
‫لبعض ‪ :‬إنه ل يغني عنكم إل أن تدعو ال وحده‪ .‬فقال عكرمة في نفسه ‪ :‬وال لئن كان ل ينفع‬
‫في البحر غيره ‪ ،‬فإنه ل ينفع في البر غيره ‪ ،‬اللهم لك عليّ عهد ‪ ،‬لئن أخرجتني منه لذهبن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فَأضعن (‪ )2‬يدي في يديه (‪ ، )3‬فلجدنه رءوفًا رحيمًا‪ .‬فخرجوا من البحر ‪ ،‬فرجع إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فأسلم وحسن (‪ )4‬إسلمه ‪ ،‬رضي ال عنه وأرضاه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلمّا َنجّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْ َرضْ ُتمْ } أي ‪ :‬نسيتم ما عرفتم من توحيده في البحر ‪ ،‬وأعرضتم‬
‫عن دعائه وحده ل شريك له‪.‬‬
‫سجِيّتُه هذا ‪ ،‬ينسى النعم ويجحدها ‪ ،‬إل من عصم ال‪.‬‬
‫{ َوكَانَ النْسَانُ َكفُورًا } أي ‪َ :‬‬
‫جدُوا َلكُ ْم َوكِيل (‪} )68‬‬
‫سلَ عَلَ ْيكُمْ حَاصِبًا ثُمّ ل تَ ِ‬
‫سفَ ِبكُمْ جَا ِنبَ الْبَرّ َأوْ يُرْ ِ‬
‫خِ‬‫{ َأفََأمِنْ ُتمْ أَنْ يَ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬أفحسبتم أن نخرجكم (‪ )5‬إلى البر أمنتم من انتقامه وعذابه!‬
‫سلَ عَلَ ْي ُكمْ حَاصِبًا } ‪ ،‬وهو ‪ :‬المطر الذي فيه حجارة‪ .‬قاله‬
‫سفَ ِبكُمْ جَا ِنبَ الْبَرّ َأوْ يُرْ ِ‬
‫{ أَنْ يَخْ ِ‬
‫مجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّا أَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ (‪ )6‬حَاصِبًا إِل آلَ لُوطٍ َنجّيْنَاهُمْ‬
‫سجّيلٍ } (‪)7‬‬
‫حجَا َرةً مِنْ ِ‬
‫سحَرٍ } [ القمر ‪ ] 34 :‬وقد قال في الية الخرى ‪ { :‬وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهَا ِ‬
‫بِ َ‬
‫سفَ ِب ُكمُ ال ْرضَ فَِإذَا ِهيَ َتمُورُ * أَمْ َأمِنْ ُتمْ مَنْ‬
‫خِ‬‫سمَاءِ أَنْ يَ ْ‬
‫[ هود ‪ ] 82 :‬وقال ‪َ { :‬أَأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫سلَ عَلَ ْيكُمْ حَاصِبًا فَسَ َتعَْلمُونَ كَ ْيفَ نَذِيرِ } [ الملك ‪.] 17 ، 16 :‬‬
‫سمَاءِ أَنْ يُ ْر ِ‬
‫فِي ال ّ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ ل تَجِدُوا َل ُك ْم َوكِيل } أي ‪ :‬ناصرًا يرد ذلك عنكم ‪ ،‬وينقذكم منه [وال سبحانه وتعالى‬
‫أعلم] (‪.)8‬‬
‫صفًا مِنَ الرّيحِ فَ ُيغْ ِر َقكُمْ ِبمَا َكفَرْتُمْ ثُمّ ل َتجِدُوا‬
‫سلَ عَلَ ْيكُمْ قَا ِ‬
‫{ َأمْ َأمِنْتُمْ أَنْ ُيعِي َدكُمْ فِيهِ تَا َرةً أُخْرَى فَيُ ْر ِ‬
‫َلكُمْ عَلَيْنَا ِبهِ تَبِيعًا (‪.} )69‬‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬أمْ َأمِنْتُمْ } أيها المعرضون عنا بعدما اعترفوا بتوحيدنا في البحر ‪ ،‬وخرجوا إلى‬
‫صفًا مِنَ الرّيحِ } أي ‪ :‬يقصف‬
‫سلَ عَلَ ْيكُمْ قَا ِ‬
‫البر (‪ { )9‬أَنْ ُيعِي َد ُكمْ } في البحر مرة ثانية { فَيُرْ ِ‬
‫الصواري‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فجاءهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فأضع" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬فلضعن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يدي محمد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ " :‬صلى ال عليه وسلم فأحسن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" ،‬أن يخرجوكم" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أن يخرجكم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬عليكم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من طين" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬إلى التراب"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/96‬‬

‫ت َو َفضّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ ِممّنْ‬


‫حمَلْنَاهُمْ فِي الْبَ ّر وَالْ َبحْ ِر وَرَ َزقْنَاهُمْ مِنَ الطّيّبَا ِ‬
‫وَلَقَدْ كَ ّرمْنَا بَنِي آَدَمَ وَ َ‬
‫خََلقْنَا َت ْفضِيلًا (‪)70‬‬

‫ويغرق المراكب‪.‬‬
‫قال ابن عباس وغيره ‪ :‬القاصف ‪ :‬ريح البحار (‪ )1‬التي تكسر المراكب وتغرقها (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ ُيغْ ِر َقكُمْ ِبمَا َكفَرْتُمْ } (‪ )3‬أي ‪ :‬بسبب كفركم وإعراضكم عن ال تعالى‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ ل تَجِدُوا َل ُكمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } قال ابن عباس ‪ :‬نصيرًا‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬نصيرًا ثائرًا ‪ ،‬أي ‪ :‬يأخذ بثأركم بعدكم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ول نخاف أحدًا يتبعنا بشيء من ذلك‪.‬‬
‫حمَلْنَا ُهمْ فِي الْبَ ّر وَالْبَحْرِ وَرَ َزقْنَاهُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ َو َفضّلْنَا ُهمْ عَلَى كَثِيرٍ ِممّنْ‬
‫{ وََلقَدْ كَ ّرمْنَا بَنِي آدَ َم وَ َ‬
‫خََلقْنَا َت ْفضِيل (‪.} )70‬‬
‫يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم ‪ ،‬وتكريمه إياهم ‪ ،‬في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها (‪)4‬‬
‫كما قال ‪َ { :‬لقَدْ خََلقْنَا النْسَانَ فِي َأحْسَنِ َت ْقوِيمٍ } [ التين ‪ ] 4 :‬أي ‪ :‬يمشي قائمًا منتصبًا على‬
‫رجليه ‪ ،‬ويأكل بيديه ‪ -‬وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه ‪ -‬وجعل له سمعًا‬
‫وبصرًا وفؤادًا ‪ ،‬يفقه بذلك كله وينتفع به ‪ ،‬ويفرق بين الشياء ‪ ،‬ويعرف منافعها وخواصها‬
‫ومضارها في المور الدنيوية والدينية‪.‬‬
‫حمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ } (‪ )5‬أي ‪ :‬على الدواب من النعام والخيل والبغال ‪ ،‬وفي "البحر" أيضًا على‬
‫{ وَ َ‬
‫السفن الكبار والصغار‪.‬‬
‫{ وَرَ َزقْنَا ُهمْ مِنَ الطّيّبَاتِ } أي ‪ :‬من زروع وثمار ‪ ،‬ولحوم وألبان ‪ ،‬من سائر أنواع الطعوم (‪)6‬‬
‫واللوان ‪ ،‬المشتهاة اللذيذة ‪ ،‬والمناظر الحسنة ‪ ،‬والملبس الرفيعة (‪ )7‬من سائر النواع ‪ ،‬على‬
‫اختلف أصنافها وألوانها وأشكالها ‪ ،‬مما يصنعونه لنفسهم ‪ ،‬ويجلبه إليهم غيرهم من أقطار‬
‫القاليم والنواحي‪.‬‬
‫{ َو َفضّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ ِممّنْ خََلقْنَا َت ْفضِيل } أي ‪ :‬من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات‪.‬‬
‫وقد استُدل بهذه الية على أفضلية جنس البشر على جنس الملئكة ‪ ،‬قال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا‬
‫َم ْعمَر ‪ ،‬عن زيد بن أسلم قال ‪ :‬قالت الملئكة ‪ :‬يا ربنا ‪ ،‬إنك أعطيت بني آدم الدنيا ‪ ،‬يأكلون منها‬
‫ويتنعمون ‪ ،‬ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الخرة‪ .‬فقال ال ‪" :‬وعزتي وجللي ل أجعل صالح ذرية‬
‫من خلقت بيدي ‪ ،‬كمن قلت له ‪ :‬كن فكان" (‪.)8‬‬
‫وهذا الحديث مرسل من هذا الوجه ‪ ،‬وقد روي من وجه آخر متصل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال (‪ )9‬الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن صَ َدقَة البغدادي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬البحارة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬يكسر المراكب ويغرقها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فتغرقكم"‪ .‬وفي ف ‪" :‬فيغرقكم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وأجملها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬البر والبحر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬الطعمة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المرتفعة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/325‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫( ‪)5/97‬‬

‫َيوْمَ نَدْعُوا ُكلّ أُنَاسٍ بِِإمَا ِمهِمْ َفمَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ بِ َيمِينِهِ فَأُولَ ِئكَ َيقْرَءُونَ كِتَا َبهُ ْم وَلَا ُيظَْلمُونَ فَتِيلًا (‪)71‬‬
‫ضلّ سَبِيلًا (‪)72‬‬
‫عمَى وََأ َ‬
‫عمَى َف ُهوَ فِي الْآَخِ َرةِ أَ ْ‬
‫َومَنْ كَانَ فِي َه ِذهِ أَ ْ‬

‫غسّان محمد بن مطرف ‪،‬‬


‫بن عبد ال بن خالد ال ِمصّيصِيّ ‪ ،‬حدثنا حجاج بن محمد ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫عن صفوان بن سُليم ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬إن الملئكة قالت ‪ :‬يا ربنا ‪ ،‬أعطيت بني آدم الدنيا ‪ ،‬يأكلون فيها (‪ )1‬ويشربون‬
‫ويلبسون ‪ ،‬ونحن نسبح بحمدك ول نأكل ول نشرب ول نلهو ‪ ،‬فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا‬
‫الخرة‪ .‬قال ‪ :‬ل أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي ‪ ،‬كمن قلت له ‪ :‬كن ‪ ،‬فكان" (‪.)2‬‬
‫وقد روى ابن عساكر من طريق محمد بن أيوب الرازي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن علي بن خلف‬
‫الصيدلني ‪ ،‬حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني عثمان بن حصن بن عبيدة بن عَلق ‪،‬‬
‫سمعت عروة بن ُروَيْم اللخمي ‪ ،‬حدثني أنس بن مالك ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"إن الملئكة قالوا ‪ :‬ربنا ‪ ،‬خلقتنا وخلقت بني آدم ‪ ،‬فجعلتهم يأكلون الطعام ‪ ،‬ويشربون الشراب ‪،‬‬
‫ويلبسون الثياب ‪ ،‬ويتزوجون النساء ‪ ،‬ويركبون الدواب ‪ ،‬ينامون (‪ )3‬ويستريحون ‪ ،‬ولم تجعل لنا‬
‫من ذلك شيئًا ‪ ،‬فاجعل لهم الدنيا ولنا الخرة‪ .‬فقال ال عز وجل ‪ :‬ل أجعل من خلقته بيدي ‪،‬‬
‫ونفخت فيه من روحي ‪ ،‬كمن قلت له ‪ :‬كن ‪ ،‬فكان" (‪.)4‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا عبدان بن أحمد ‪ ،‬حدثنا عمر (‪ )5‬بن سهل ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن تمام ‪ ،‬عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شغَاف (‪ )6‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫خالد الحذاء ‪ ،‬عن بشر بن ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما شيء أكرم على ال يوم القيامة من ابن آدم"‪ .‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ول‬
‫الملئكة ؟ قال ‪" :‬ول الملئكة ‪ ،‬الملئكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر" (‪ .)7‬وهذا حديث‬
‫غريب جدًا‪.‬‬
‫{ َيوْمَ نَدْعُوا ُكلّ أُنَاسٍ بِِإمَا ِمهِمْ َفمَنْ أُو ِتيَ كِتَا َبهُ بِ َيمِينِهِ فَأُولَ ِئكَ َيقْرَءُونَ كِتَا َب ُه ْم وَل ُيظَْلمُونَ فَتِيل (‬
‫عمَى وََأضَلّ سَبِيل (‪.} )72‬‬
‫عمَى َفهُوَ فِي الخِ َرةِ أَ ْ‬
‫‪َ )71‬ومَنْ كَانَ فِي َه ِذهِ أَ ْ‬
‫يخبر تبارك وتعالى عن يوم القيامة ‪ :‬أنه يحاسب كل أمة بإمامهم‪.‬‬
‫وقد اختلفوا في ذلك ‪ ،‬فقال مجاهد وقتادة ‪ :‬أي بنبيهم‪ .‬وهذا كقوله ‪ { :‬وَِل ُكلّ ُأمّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ‬
‫ضيَ بَيْ َنهُمْ بِا ْلقِسْطِ وَهُمْ ل يُظَْلمُونَ } [ يونس ‪.] 47 :‬‬
‫رَسُوُلهُمْ ُق ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬منها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬وفي إسناده إبراهيم بن عبد ال المصيصي وهو كذاب ‪ ،‬ورواه في المعجم الوسط برقم (‬
‫‪" )87‬مجمع البحرين" من طريق طلحة بن زيد عن صفوان بن سليم به ‪ ،‬وقال ‪" :‬لم يروه عن‬
‫صفوان إل طلحة ‪ ،‬وأبو غسان محمد بن مطرف" وفي إسناده طلحة بن زيد وهو كذاب‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وينامون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬وذكره الهندي في كنز العمال (‪ )12/191‬وعزاه لبن عساكر من حديث أنس ‪ ،‬وقد جاء من‬
‫وجه آخر ؛ فرواه الطبراني في مسند الشاميين من طريق أحمد بن يعلى ‪ ،‬عن هشام بن عمار ‪،‬‬
‫عن عثمان بن علق قال ‪ :‬سمعت عروة بن رويم يحدث عن جابر فذكره ‪ ،‬ورواه البيهقي في‬
‫السماء والصفات من طريق جنيد بن حكيم ‪ ،‬عن هشام بن عمار ‪ ،‬عن عبد ربه بن صالح قال ‪:‬‬
‫سمعت عروة بن رويم يحدث عن جابر فذكره‪ .‬أ‪ .‬هـ‪ .‬مستفادا ذلك الزيلعي في كتابه تخريج‬
‫الكشاف‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬معمر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬شعاب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/82‬رواه الطبراني في الكبير ‪ ،‬وفيه عبيد ال بن تمام وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬

‫( ‪)5/98‬‬

‫وقال بعض السلف ‪ :‬هذا أكبر شرف لصحاب الحديث ؛ لن إمامهم النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬بكتابهم الذي أنزل على نبيهم ‪ ،‬من التشريع‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واختاره ابن جرير ‪ ،‬وروي عن ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد أنه قال ‪ :‬بكتبهم‪ .‬فيحتمل أن يكون‬
‫أراد هذا ‪ ،‬وأن يكون أراد ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬يوْمَ َندْعُو ُكلّ أُنَاسٍ‬
‫بِِإمَا ِمهِمْ } أي ‪ :‬بكتاب أعمالهم ‪ ،‬وكذا قال أبو العالية ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والضحاك‪ .‬وهذا القول هو‬
‫حصَيْنَاهُ فِي ِإمَامٍ مُبِينٍ } [يس ‪ .]12 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫شيْءٍ أ ْ‬
‫الرجح ؛ لقوله تعالى ‪َ { :‬و ُكلّ َ‬
‫ش ِفقِينَ ِممّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ َهذَا ا ْلكِتَابِ ل ُيغَادِرُ‬
‫{ َو ُوضِعَ ا ْلكِتَابُ فَتَرَى ا ْلمُجْ ِرمِينَ مُ ْ‬
‫عمِلُوا حَاضِرًا وَل َيظْلِمُ رَ ّبكَ َأحَدًا } [الكهف ‪.]49 :‬‬
‫جدُوا مَا َ‬
‫حصَاهَا َووَ َ‬
‫صغِي َرةً وَل كَبِي َرةً إِل أَ ْ‬
‫َ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬وَتَرَى ُكلّ ُأمّةٍ جَاثِيَةً ُكلّ ُأمّةٍ ُتدْعَى إِلَى كِتَا ِبهَا الْ َيوْمَ تُجْ َزوْنَ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ َهذَا‬
‫طقُ عَلَ ْيكُمْ بِا ْلحَقّ إِنّا كُنّا نَسْتَ ْنسِخُ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } [الجاثية ‪.]29 ، 28 :‬‬
‫كِتَابُنَا يَنْ ِ‬
‫وهذا ل ينافي (‪ )1‬أن يجاء بالنبي إذا حكم ال بين أمته ‪ ،‬فإنه ل بد أن يكون شاهدا عليها بأعمالها‬
‫ش َهدَاءِ } [الزمر ‪:‬‬
‫ن وَال ّ‬
‫‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَأَشْ َر َقتِ ال ْرضُ بِنُورِ رَ ّبهَا َو ُوضِعَ ا ْلكِتَابُ وَجِيءَ بِالنّبِيّي َ‬
‫شهِيدًا } [النساء ‪..]41 :‬‬
‫شهِي ٍد وَجِئْنَا ِبكَ عَلَى َهؤُلءِ َ‬
‫‪ ، ]69‬وقال { َفكَ ْيفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ ِب َ‬
‫ولكن المراد هاهنا بالمام (‪ )2‬هو كتاب العمال ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ نَدْعُو ُكلّ أُنَاسٍ‬
‫بِِإمَا ِمهِمْ َفمَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ بِ َيمِينِهِ فَأُولَ ِئكَ َيقْرَءُونَ كِتَا َبهُمْ } أي ‪ :‬من فرحته وسروره بما فيه من‬
‫العمل الصالح ‪ ،‬يقرؤه ويحب قراءته ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فََأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِ َيمِي ِنهِ فَ َيقُولُ هَاؤُمُ‬
‫شمَالِهِ فَيَقُولُ يَا‬
‫حسَابِيَهْ } إلى أن قال ‪ { :‬وََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَا َبهُ بِ ِ‬
‫اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنّي ظَنَ ْنتُ أَنّي مُلقٍ ِ‬
‫لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَ ْه وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } [الحاقة ‪..]26 - 19 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يُظَْلمُونَ (‪ )3‬فَتِيل } قد تقدم أن "الفتيل" هو الخيط المستطيل في شق النواة‪.‬‬
‫وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثًا في هذا فقال ‪ :‬حدثنا محمد بن َي ْعمَر (‪ )4‬ومحمد بن عثمان‬
‫بن كرامة قال حدثنا عبيد ال بن موسى ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن السّ ّديّ ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قول ال ‪َ { :‬يوْمَ َندْعُو ُكلّ أُنَاسٍ‬
‫بِِإمَا ِمهِمْ } قال ‪" :‬يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ‪ ،‬ويمد له في جسمه ‪ ،‬ويُبَيّض وجهه ‪ ،‬ويجعل‬
‫على رأسه تاج من لؤْلؤة تَتَلل فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬اللهم ائتنا (‪)5‬‬
‫بهذا ‪ ،‬وبارك لنا في هذا‪ .‬فيأتيهم فيقول لهم ‪ :‬أبشروا ‪ ،‬فإن لكل رجل منكم مثل هذا‪ .‬وأما الكافر‬
‫فَيُسْود وجهه ‪ ،‬ويمدّ له في جسمه ‪ ،‬ويراه أصحابه فيقولون ‪ :‬نعوذ بال من هذا ‪ -‬أو ‪ :‬من شر‬
‫هذا ‪ -‬اللهم ل تأتنا به‪ .‬فيأتيهم فيقولون ‪ :‬اللهم اخزه (‪ )6‬فيقول ‪ :‬أبعدكم ال ‪ ،‬فإن لكل رجل منكم‬
‫مثل هذا"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ل ينفي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬بالمام هاهنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬تظلمون"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬معمر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬اعترينا" ‪ ،‬والمثبت من ف‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬أجرنا"‪.‬‬

‫( ‪)5/99‬‬

‫خذُوكَ خَلِيلًا (‪ )73‬وََلوْلَا أَنْ‬


‫وَإِنْ كَادُوا لَ َيفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ لِ َتفْتَ ِريَ عَلَيْنَا غَيْ َر ُه وَإِذًا لَاتّ َ‬
‫ض ْعفَ ا ْل َممَاتِ ُثمّ لَا َتجِدُ َلكَ‬
‫ض ْعفَ الْحَيَاةِ وَ ِ‬
‫ثَبّتْنَاكَ َلقَدْ كِ ْدتَ تَ ْركَنُ إِلَ ْيهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (‪ِ )74‬إذًا لََأ َذقْنَاكَ ِ‬
‫عَلَيْنَا َنصِيرًا (‪)75‬‬

‫ثم قال البزار ‪ :‬ل يروى إل من هذا الوجه (‪.)1‬‬


‫ضلّ سَبِيل } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد‬
‫عمَى وََأ َ‬
‫عمَى َف ُهوَ فِي الخِ َرةِ أَ ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ كَانَ فِي هَ ِذهِ أَ ْ‬
‫عمَى } عن حجج ال وآياته‬
‫‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد ‪َ { :‬ومَنْ كَانَ فِي هَ ِذهِ } أي ‪ :‬في الحياة الدنيا { أَ ْ‬
‫ضلّ سَبِيل } أي ‪ :‬وأضل منه كما كان في‬
‫عمَى } أي ‪ :‬كذلك يكون { وََأ َ‬
‫وبيناته { َف ُهوَ فِي الخِ َرةِ أَ ْ‬
‫الدنيا ‪ ،‬عياذًا بال من ذلك‪.‬‬
‫خذُوكَ خَلِيل (‪ )73‬وََلوْل أَنْ‬
‫{ وَإِنْ كَادُوا لَ َيفْتِنُو َنكَ عَنِ الّذِي َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ لِ َتفْتَ ِريَ عَلَيْنَا غَيْ َر ُه وَإِذًا لتّ َ‬
‫ضعْفَ ا ْل َممَاتِ ثُمّ ل َتجِدُ‬
‫ض ْعفَ ا ْلحَيَا ِة َو ِ‬
‫ك ِ‬
‫ثَبّتْنَاكَ َلقَدْ كِ ْدتَ تَ ْركَنُ إِلَ ْيهِمْ شَيْئًا قَلِيل (‪ِ )74‬إذًا ل َذقْنَا َ‬
‫َلكَ عَلَيْنَا َنصِيرًا (‪.} )75‬‬
‫يخبر تعالى عن تأييد (‪ )2‬رسوله ‪ ،‬صلوات ال عليه وسلمه (‪ ، )3‬وتثبيته ‪ ،‬وعصمته وسلمته‬
‫من شر الشرار وكيد الفجار ‪ ،‬وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره ‪ ،‬وأنه ل يكله إلى أحد من‬
‫خلقه ‪ ،‬بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ‪ ،‬ومظهر (‪ )4‬دينه على من عاداه وخالفه‬
‫وناوأه ‪ ،‬في مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3136‬من طريق عبد ال بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن عبيد ال‬
‫بن موسى به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬تأييده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فيظهر"‪.‬‬

‫( ‪)5/100‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَإِنْ كَادُوا لَيَسْ َتفِزّو َنكَ مِنَ الْأَ ْرضِ لِيُخْ ِرجُوكَ مِ ْنهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَا َفكَ إِلّا قَلِيلًا (‪ )76‬سُنّةَ مَنْ قَدْ‬
‫حوِيلًا (‪)77‬‬
‫جدُ لِسُنّتِنَا تَ ْ‬
‫أَرْسَلْنَا قَبَْلكَ مِنْ ُرسُلِنَا وَلَا تَ ِ‬

‫{ وَإِنْ كَادُوا لَ َيسْ َتفِزّو َنكَ مِنَ ال ْرضِ لِيُخْ ِرجُوكَ مِ ْنهَا وَإِذًا ل يَلْبَثُونَ خِل َفكَ إِل قَلِيل (‪ )76‬سُنّةَ مَنْ‬
‫حوِيل (‪.} )77‬‬
‫جدُ لِسُنّتِنَا تَ ْ‬
‫قَدْ أَ ْرسَلْنَا قَبَْلكَ مِنْ رُسُلِنَا وَل تَ ِ‬
‫قيل ‪ :‬نزلت في اليهود ‪ ،‬إذ أشاروا على رسول ال صلى ال عليه وسلم بسكنى الشام بلد النبياء‬
‫‪ ،‬وترك سكنى المدينة‪.‬‬
‫وهذا القول ضعيف ؛ لن هذه الية مكية ‪ ،‬وسكنى المدينة بعد ذلك‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إنها نزلت بتبوك‪ .‬وفي صحته نظر‪.‬‬
‫قال البيهقي ‪ ،‬عن الحاكم ‪ ،‬عن الصم ‪ ،‬عن أحمد بن عبد الجبار العُطاردي ‪ ،‬عن يونس بن بُكيْر‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن غَنْم ؛ أن اليهود أتوا‬
‫شهْر بن َ‬
‫‪ ،‬عن عبد الحميد بن َبهْرَام ‪ ،‬عن َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما فقالوا ‪ :‬يا أبا القاسم ‪ ،‬إن كنت صادقًا أنك نبي ‪ ،‬فالحق‬
‫بالشام ؛ فإن الشام أرض المحشر وأرض النبياء‪ .‬فصدق (‪ )1‬ما قالوا ‪ ،‬فغزا غزوة تبوك ‪ ،‬ل‬
‫يريد إل الشام‪ .‬فلما بلغ تبوك ‪ ،‬أنزل ال عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة‬
‫حوِيل } فأمره ال بالرجوع‬
‫‪ { :‬وَإِنْ كَادُوا لَيَسْ َتفِزّونَكَ مِنَ ال ْرضِ لِيُخْ ِرجُوكَ مِ ْنهَا } إلى قوله ‪ { :‬تَ ْ‬
‫إلى المدينة ‪ ،‬وقال ‪ :‬فيها محياك ومماتك ‪ ،‬ومنها تبعث (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬قال ‪ :‬فصدق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬دلئل النبوة (‪.)5/254‬‬

‫( ‪)5/100‬‬

‫شهُودًا (‪َ )78‬ومِنَ‬


‫ل َوقُرْآَنَ ا ْلفَجْرِ إِنّ قُرْآَنَ ا ْلفَجْرِ كَانَ مَ ْ‬
‫غسَقِ اللّ ْي ِ‬
‫شمْسِ إِلَى َ‬
‫َأقِمِ الصّلَاةَ ِلدُلُوكِ ال ّ‬
‫حمُودًا (‪)79‬‬
‫اللّ ْيلِ فَ َتهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً َلكَ عَسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَامًا َم ْ‬

‫وفي هذا السناد نظر‪ .‬والظهر أن هذا ليس (‪ )1‬بصحيح ؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم لم يغز‬
‫تبوك عن قول اليهود ‪ ،‬إنما غزاها امتثال لقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الّذِينَ يَلُو َنكُمْ‬
‫مِنَ ا ْل ُكفّارِ } [التوبة ‪ ، ]123 :‬وقوله (‪ )2‬تعالى ‪ { :‬قَاتِلُوا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَل بِالْ َيوْمِ الخِرِ‬
‫حقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ حَتّى ُي ْعطُوا‬
‫وَل ُيحَ ّرمُونَ مَا حَرّمَ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه وَل يَدِينُونَ دِينَ الْ َ‬
‫الْجِزْ َيةَ عَنْ يَدٍ وَهُ ْم صَاغِرُونَ } [التوبة ‪ .]29 :‬وغزاها ليقتص وينتقم ممن قتل أهل مؤتة ‪ ،‬من‬
‫عفَير بن‬
‫أصحابه ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ولو صح هذا لحمل عليه الحديث الذي رواه الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن ُ‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معدان ‪ ،‬عن سُلَيم بن عامر ‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أنزل القرآن في ثلثة أمكنة ‪ :‬مكة ‪ ،‬والمدينة ‪ ،‬والشام" (‪ .)3‬قال الوليد ‪ :‬يعني بيت‬
‫المقدس‪ .‬وتفسير الشام بتبوك أحسن مما قال الوليد ‪ :‬إنه بيت المقدس وال أعلم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬نزلت في كفار قريش ‪ ،‬هموا بإخراج الرسول من بين أظهرهم ‪ ،‬فتوعدهم ال بهذه الية ‪،‬‬
‫وأنهم لو أخرجوه (‪ )4‬لما لبثوا بعده بمكة إل يسيرًا‪ .‬وكذلك وقع ؛ فإنه لم يكن بعد هجرته من‬
‫بين أظهرهم ‪ ،‬بعد ما اشتد أذاهم له ‪ ،‬إل سنة ونصف‪ .‬حتى جمعهم ال وإياه ببدر على غير‬
‫ميعاد ‪ ،‬فأمكنه منهم وسلطه عليهم وأظفره بهم ‪ ،‬فقتل أشرافهم (‪ )5‬وسبى سراتهم (‪ )6‬؛ ولهذا‬
‫سلِنَا } أي ‪ :‬هكذا عادتنا في الذين كفروا برسلنا وآذوهم ‪:‬‬
‫قال ‪ { :‬سُنّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبَْلكَ مِنْ رُ ُ‬
‫يخرج الرسول من بين أظهرهم ‪ :‬ويأتيهم العذاب‪ .‬ولول أنه عليه [الصلة و] (‪ )7‬السلم رسول‬
‫الرحمة ‪ ،‬لجاءهم من النقم في الدنيا ما ل قبل لحد به ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيعَذّ َبهُمْ‬
‫وَأَ ْنتَ فِيهِمْ َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُمْ وَهُمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ } [النفال ‪.]33 :‬‬
‫شهُودًا (‪َ )78‬ومِنَ‬
‫ل َوقُرْآنَ ا ْلفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ ا ْلفَجْرِ كَانَ مَ ْ‬
‫شمْسِ إِلَى غَسَقِ اللّ ْي ِ‬
‫{ َأ ِقمِ الصّلةَ لِدُلُوكِ ال ّ‬
‫حمُودًا (‪.} )79‬‬
‫اللّ ْيلِ فَ َتهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً َلكَ عَسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَامًا َم ْ‬
‫يقول تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم آمرًا له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها ‪َ { :‬أ ِقمِ‬
‫شمْسِ } قيل (‪ )8‬لغروبها‪ .‬قاله ابن مسعود ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫الصّلةَ لِدُلُوكِ ال ّ‬
‫وقال ُهشَيْم ‪ ،‬عن مغيرة ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪" :‬دلوكها" ‪ :‬زوالها‪ .‬ورواه نافع ‪ ،‬عن‬
‫ابن عمر‪ .‬ورواه مالك في تفسيره ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن ابن عمر‪ .‬وقاله أبو بَرْزَة السلمي وهو‬
‫رواية أيضًا عن ابن مسعود‪ .‬ومجاهد‪ .‬وبه قال الحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وأبو جعفر الباقر ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫واختاره ابن جرير ‪ ،‬ومما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد ‪ ،‬عن الحكم بن بشير ‪ ،‬حدثنا‬
‫عمرو بن قيس ‪ ،‬عن ابن أبي ليلى ‪[ ،‬عن رجل] (‪ ، )9‬عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬دعوت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي ‪ ،‬ثم خرجوا حين زالت الشمس ‪،‬‬
‫فخرج النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬اخرج يا أبا بكر ‪ ،‬فهذا حين دلكت الشمس" (‪.)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ليس هذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬ولقوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ .)8/201‬من طريق هشام بن عمار ‪ ،‬عن الوليد بن مسلم‬
‫به ‪ ،‬وعفير بن معدان ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬خرجوه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أشرارهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ذراريهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬قبل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪.)15/93‬‬

‫( ‪)5/101‬‬

‫عوَانة ‪ ،‬عن السود بن قيس ‪ ،‬عن نبيح العنزي ‪ ،‬عن جابر‬


‫ثم رواه عن سهل بن بكار ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬نحوه‪ .‬فعلى هذا تكون هذه الية دخل فيها أوقات الصلة‬
‫شمْسِ إِلَى غَسَقِ اللّ ْيلِ } وهو ‪ :‬ظلمه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬غروب الشمس ‪،‬‬
‫الخمسة فمن قوله ‪ { :‬لِدُلُوكِ ال ّ‬
‫أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ‪ ،‬وقوله [تعالى] (‪َ { : )1‬وقُرْآنَ ا ْلفَجْرِ } يعني ‪ :‬صلة‬
‫الفجر‪.‬‬
‫وقد ثبتت السنة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم تواترًا من أفعاله وأقواله (‪ )2‬بتفاصيل هذه‬
‫الوقات ‪ ،‬على ما عليه عمل أهل السلم (‪ )3‬اليوم ‪ ،‬مما تلقوه خلفًا عن سلف ‪ ،‬وقرنًا بعد‬
‫قرن ‪ ،‬كما هو مقرر في مواضعه ‪ ،‬ول الحمد‪.‬‬
‫شهُودًا } قال العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ -‬وعن أبي‬
‫{ إِنّ قُرْآنَ ا ْلفَجْرِ كَانَ َم ْ‬
‫صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه (‪ ، )4‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في هذه الية ‪:‬‬
‫شهُودًا } قال ‪" :‬تشهده ملئكة الليل وملئكة النهار" (‪.)5‬‬
‫{ إِنّ قُرْآنَ ا ْلفَجْرِ كَانَ َم ْ‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا عبد ال بن محمد ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن‬
‫أبي سلمة ‪ -‬وسعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬فضل‬
‫صلة الجميع على صلة الواحد خمس وعشرون درجة ‪ ،‬وتجتمع ملئكة الليل وملئكة النهار في‬
‫صلة الفجر"‪ .‬ويقول أبو هريرة ‪ :‬اقرءوا إن شئتم ‪َ { :‬وقُرْآنَ ا ْلفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ ا ْلفَجْرِ كَانَ‬
‫شهُودًا } (‪.)6‬‬
‫مَ ْ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أسباط ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وحدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال‬
‫شهُودًا } قال ‪" :‬تشهده ملئكة الليل ‪،‬‬
‫عليه وسلم في قوله ‪َ { :‬وقُرْآنَ ا ْلفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ ا ْلفَجْرِ كَانَ مَ ْ‬
‫وملئكة النهار"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬ثلثتهم عن عُبَيْد بن أسباط بن محمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به (‬
‫‪ )7‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وفي لفظ في الصحيحين ‪ ،‬من طريق مالك ‪ ،‬عن أبي الزّناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬يتعاقبون فيكم ملئكة الليل وملئكة النهار (‪، )8‬‬
‫ويجتمعون في صلة الصبح وفي صلة العصر ‪ ،‬فَ َيعْرُجُ الذين باتوا فيكم فيسألهم ‪ -‬وهو أعلم بكم‬
‫‪ -‬كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون ‪ :‬أتيناهم وهم يصلون ‪ ،‬وتركناهم وهم يصلون" (‪ )9‬وقال عبد‬
‫ال بن مسعود ‪ :‬يجتمع الحرسان (‪ )10‬في صلة الفجر ‪ ،‬فيصعد هؤلء ويقيم هؤلء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أقواله وأفعاله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬السلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)15/94‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4717‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/474‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3135‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪ )11293‬وسنن‬
‫ابن ماجة برقم (‪ )670‬وهو عند أهل السنن من رواية العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬بالليل وملئكة بالنهار"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪ )555‬وصحيح مسلم برقم (‪.)632‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الحرستان"‪.‬‬

‫( ‪)5/102‬‬

‫وكذا قال إبراهيم النّخَعي ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد في تفسير هذه الية‪.‬‬
‫وأما الحديث الذي رواه ابن جرير هاهنا ‪ -‬من حديث الليث بن سعد ‪ ،‬عن زيادة ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫كعب القرظي ‪ ،‬عن فضالة بن عُبيد ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فذكر حديث النزول وأنه تعالى يقول ‪" :‬من يستغفرني أغفر له ‪ ،‬من يسألني أعطه (‪ ، )1‬من‬
‫يدعني فأستجيب له حتى يطلع الفجر"‪ .‬فلذلك يقول ‪َ { :‬وقُرْآنَ ا ْلفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ ا ْلفَجْرِ كَانَ‬
‫شهُودًا } فيشهده ال ‪ ،‬وملئكة الليل ‪ ،‬وملئكة النهار (‪ - )2‬فإنه تفرد به زيادة ‪ ،‬وله بهذا‬
‫مَ ْ‬
‫حديث في سنن أبي داود (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَ َتهَجّدْ بِهِ نَافَِلةً َلكَ } أمر له بقيام الليل بعد المكتوبة ‪ ،‬كما ورد في صحيح‬
‫مسلم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه سئل ‪ :‬أي الصلة أفضل بعد‬
‫المكتوبة ؟ قال ‪" :‬صلة الليل" (‪.)4‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ولهذا أمر تعالى رسوله بعد المكتوبات بقيام الليل ‪ ،‬فإن التهجد ‪ :‬ما كان بعد نوم‪ .‬قاله علقمة ‪،‬‬
‫والسود وإبراهيم النخعي ‪ ،‬وغير واحد وهو المعروف في لغة العرب‪ .‬وكذلك ثبتت الحاديث‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنه كان يتهجد بعد نومه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬وعائشة ‪،‬‬
‫وغير واحد من الصحابة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬كما هو مبسوط في موضعه (‪ ، )5‬ول الحمد‬
‫والمنة‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬هو ما كان بعد العشاء‪ .‬ويحمل (‪ )6‬على ما بعد النوم‪.‬‬
‫واختلف في معنى قوله ‪ { :‬نَافِلَةً َلكَ } فقيل ‪ :‬معناه أنك مخصوص بوجوب ذلك وحدك ‪ ،‬فجعلوا‬
‫قيام الليل واجبًا في حقه دون المة‪ .‬رواه العوفي عن ابن عباس ‪ ،‬وهو أحد قولي العلماء ‪ ،‬وأحد‬
‫قولي الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إنما جعل قيام الليل (‪ )7‬في حقه نافلة على الخصوص ؛ لنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه‬
‫وما تأخر ‪ ،‬وغيرهُ من أمته إنما يكفر عنه صلواته النوافل الذنوب التي عليه ‪ ،‬قاله مجاهد ‪ ،‬وهو‬
‫في المسند عن أبي أمامة الباهلي ‪ ،‬رضي ال عنه (‪.)8‬‬
‫حمُودًا } أي ‪ :‬افعل هذا الذي أمرتك به ‪ ،‬لنقيمك يوم‬
‫عسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَامًا مَ ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬‬
‫القيامة مقاما يحسدك فيه الخلئق كلهم وخالقهم ‪ ،‬تبارك وتعالى‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬قال أكثر أهل التأويل ‪ :‬ذلك هو المقام الذي يقومه صلى ال عليه وسلم يوم‬
‫القيامة للشفاعة للناس ‪ ،‬ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن (‪ )9‬أبي إسحاق ‪،‬‬
‫عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬أعطيه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)15/94‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ )3892‬وأوله ‪" :‬من اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه أخ له فليقل"‪ .‬وزيادة‬
‫منكر الحديث‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)1163‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬مواضعه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ويحتمل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قيام الليل واجبا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)5/256‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/103‬‬

‫صلة بن ُزفَر ‪ ،‬عن حذيفة قال ‪ :‬يجمع الناس في صعيد واحد ‪ ،‬يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ‪،‬‬
‫حفاة عُراة كما خلقوا قيامًا ‪ ،‬ل تكلم نفس إل بإذنه ‪ ،‬ينادى ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬فيقول ‪" :‬لبيك وسعدَيك ‪،‬‬
‫والخير في يديك ‪ ،‬والشر ليس إليك ‪ ،‬والمهديّ من هَدَيْت ‪ ،‬وعبدك بين يديك ‪ ،‬وبك وإليك ‪ ،‬ل‬
‫منجى ول ملجأ منك إل إليك ‪ ،‬تباركت وتعاليت ‪ ،‬سبحانك رب البيت"‪ .‬فهذا المقام المحمود الذي‬
‫ذكره ال عز وجل (‪.)2( )1‬‬
‫ثم رواه عن بُ ْندَار ‪ ،‬عن غُ ْندَر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬به (‪ .)3‬وكذا رواه عبد الرزاق‬
‫عن معمر والثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬هذا المقام المحمود مقام الشفاعة‪ .‬وكذا قال ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد‪ .‬وقاله‬
‫الحسن البصري‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هو أول من تنشق عنه الرض (‪ ، )5‬وأول شافع ‪ ،‬وكان أهل العلم يرون أنه المقام‬
‫حمُودًا }‬
‫عسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ مَقَامًا مَ ْ‬
‫المحمود الذي قال ال ‪َ { :‬‬
‫قلت ‪ :‬لرسول ال صلى ال عليه وسلم تسليمًا تشريفات [يوم القيامة] (‪ )6‬ل يشركه فيها (‪)7‬‬
‫أحد ‪ ،‬وتشريفات ل يساويه فيها أحد ؛ فهو أول من تنشق عنه الرض (‪ )8‬ويبعث راكبا إلى‬
‫المحشر ‪ ،‬وله اللواء الذي آدم فمن دُونَه تحت لوائه ‪ ،‬وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر‬
‫واردًا منه ‪ ،‬وله الشفاعة العظمى عند ال ليأتي لفصل القضاء بين الخلئق ‪ ،‬وذلك بعدما يسأل‬
‫الناس آدم ثم نوحًا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ‪ ،‬فكل يقول ‪" :‬لست لها" حتى يأتوا إلى محمد (‬
‫‪ )9‬صلى ال عليه وسلم فيقول ‪" :‬أنا لها ‪ ،‬أنا لها" كما سنذكر ذلك مفصل في هذا الموضع ‪ ،‬إن‬
‫شاء ال تعالى‪ .‬ومن ذلك أنه يشفع في أقوام قد أمر بهم إلى النار ‪ ،‬فيردون عنها‪ .‬وهو أول‬
‫النبياء يقضي بين أمته ‪ ،‬وأولهم إجازة على الصراط بأمته‪ .‬وهو أول شفيع في الجنة ‪ ،‬كما ثبت‬
‫في صحيح مسلم‪ .‬وفي حديث الصور ‪ :‬أن المؤمنين كلهم ل يدخلون الجنة إل بشفاعته وهو أول‬
‫داخل إليها وأمته قبل المم كلهم‪ .‬ويشفع في رفع درجات أقوام ل تبلغها أعمالهم‪ .‬وهو صاحب‬
‫الوسيلة التي هي أعلى منزلة في الجنة ‪ ،‬ل تليق إل له‪ .‬وإذا أذن ال تعالى في الشفاعة للعصاة (‬
‫‪ )10‬شفع (‪ )11‬الملئكة والنبيون والمؤمنون ‪ ،‬فيشفع هو في خلئق ل يعلم عدتهم (‪ )12‬إل ال ‪،‬‬
‫ول يشفع أحد مثله ول يساويه في ذلك‪ .‬وقد بسطت ذلك مستقصى في آخر كتاب "السيرة" في‬
‫باب الخصائص ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪ ،‬ف ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)15/97‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )15/97‬والرواية كما هي عند الطبري ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى قال ‪ :‬حدثنا‬
‫محمد بن جعفر "غندر" فلعله سبق نظر‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)15/98‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬تنشق الرض عنه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فينا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬الرض عنه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪ ،‬ف ‪" :‬يأتوا محمدا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬في العصاة"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬تشفع"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬عددهم"‪.‬‬

‫( ‪)5/104‬‬

‫ولنذكر الن (‪ )1‬الحاديث الواردة في المقام المحمود ‪ ،‬وبال المستعان ‪:‬‬


‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن أبان ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص ‪ ،‬عن آدم بن علي ‪ ،‬سمعت ابن‬
‫عمر [يقول] (‪ : )2‬إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثًا ‪ ،‬كل أمة تتبع نبيها ‪ ،‬يقولون ‪ :‬يا فلن‬
‫اشفع ‪ ،‬يا فلن اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذلك يوم يبعثه ال‬
‫مقامًا محمودًا (‪.)3‬‬
‫ورواه حمزة بن عبد ال ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن عبد ال بن عبد الحكم ‪ ،‬حدثنا (‪ )4‬شعيب بن الليث ‪ ،‬حدثنى (‬
‫‪ )5‬الليث ‪ ،‬عن عبيد ال بن أبي جعفر أنه قال ‪ :‬سمعت حمزة بن عبد ال بن عمر يقول ‪ :‬سمعت‬
‫عبد ال بن عمر يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "إن الشمس لَتدنو حتى يبلغ (‪)6‬‬
‫ق نصفَ الذن ‪ ،‬فبينما هم كذلك استغاثوا (‪ )7‬بآدم ‪ ،‬فيقول ‪ :‬لست صاحب ذلك ‪ ،‬ثم بموسى‬
‫العَرَ ُ‬
‫فيقول كذلك ‪ ،‬ثم بمحمد فيشفع بين الخلق (‪ ، )8‬فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة ‪ ،‬فيومئذ يبعثه‬
‫ال مقامًا محمودًا"‪[ .‬يحمده أهل الجنة كلهم] (‪.)9‬‬
‫وهكذا رواه البخاري في "الزكاة" عن يحيى بن ُبكَيْر ‪ ،‬وعبد ال بن صالح ‪ ،‬كلهما عن الليث بن‬
‫سعد ‪ ،‬به (‪ ، )10‬وزاد "فيومئذ يبعثه ال مقامًا محمودًا ‪ ،‬بحمده أهل الجمع كلهم"‪.‬‬
‫حمْزة ‪ ،‬عن محمد بن المُ ْنكَدِر ‪ ،‬عن‬
‫قال البخاري ‪ :‬وحدثنا علي بن عَيّاش ‪ ،‬حدثنا شعيب بن أبي َ‬
‫جابر بن عبد ال ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من قال حين يسمع النداء ‪ :‬اللهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رب هذه الدعوة التامة ‪ ،‬والصلة القائمة ‪ ،‬آت محمدا الوسيلة والفضيلة ‪ ،‬وابعثه مقامًا محمودًا‬
‫حلّت له شفاعتي يوم القيامة"‪ .‬انفرد به دون مسلم (‪.)11‬‬
‫الذي وعدته ‪َ ،‬‬
‫حديث أبيّ ‪:‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر الزدي ‪ ،‬حدثنا زهير بن محمد ‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن‬
‫عقيل ‪ ،‬عن الطفيل بن أبي بن كعب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا كان‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬كنت إمام النبياء وخطيبهم ‪ ،‬وصاحب شفاعتهم غير فَخْر" (‪.)12‬‬
‫عمْرو ال َعقَديّ ‪ ،‬وقال ‪" :‬حسن صحيح "‪.‬‬
‫وأخرجه الترمذي ‪ ،‬من حديث أبي عامر عبد الملك بن َ‬
‫وابن ماجه من حديث عبد ال بن محمد بن عقيل به‪ .‬وقد قدمنا في حديث ‪" :‬أبي بن كعب" في‬
‫قراءة القرآن على سبعة أحرف ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم في آخره ‪" :‬فقلت ‪ :‬اللهم ‪،‬‬
‫اغفر لمتي ‪ ،‬اللهم اغفر لمتي ‪ ،‬وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليّ فيه الخلق ‪ ،‬حتى إبراهيم عليه‬
‫السلم" (‪.)13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4718‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬قال ‪ :‬حدثنا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬قال ‪ :‬حدثني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬تبلغ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬استغاث"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬الخلئق"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪ )15/98‬وصحيح البخاري برقم (‪.)1475‬‬
‫(‪ )11‬صحيح البخاري برقم (‪.)4719‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪.)5/137‬‬
‫(‪ )13‬سنن الترمذي برقم (‪ )3613‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)4314‬‬

‫( ‪)5/105‬‬

‫حديث أنس بن مالك ‪:‬‬


‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي عَرُوبة ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يجتمع (‪ )1‬المؤمنون يوم القيامة ‪ ،‬فيلهمون ذلك فيقولون ‪:‬‬
‫لو استشفعنا إلى ربنا ‪ ،‬فأراحنا من مكاننا هذا‪ .‬فيأتون آدم فيقولون ‪ :‬يا آدم ‪ ،‬أنت أبو (‪)2‬‬
‫البشر ‪ ،‬خلقك ال بيده ‪ ،‬وأسجد لك ملئكته ‪ ،‬وعلمك أسماء كلّ شيء ‪ ،‬فاشفع لنا إلى ربك (‪)3‬‬
‫حتى يريحنا من مكاننا هذا‪ .‬فيقول لهم آدم ‪ :‬لست هناكم ‪ ،‬ويذكر ذنبه الذي أصاب ‪ ،‬فيستحيي‬
‫ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬من ذلك ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ولكن ائتوا نوحًا ‪ ،‬فإنه أول رسول بعثه ال إلى أهل‬
‫الرض‪ .‬فيأتون نوحًا فيقول ‪ :‬لست هناكم ‪ ،‬ويذكر خطيئة (‪ )4‬سؤاله ربه ما ليس له به علم ‪،‬‬
‫فيستحيي ربه من ذلك ‪ ،‬ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن‪ .‬فيأتونه فيقول ‪ :‬لست هناكم ‪ ،‬ولكن‬
‫ائتوا موسى ‪ ،‬عبدًا كلمه ال ‪ ،‬وأعطاه التوراة‪ .‬فيأتون موسى فيقول ‪ :‬لست هناكم ‪ ،‬ويذكر لهم‬
‫النفس التي قتل بغير نفس (‪ )5‬فيستحيي ربه من ذلك ‪ ،‬ولكن ائتوا عيسى عبد ال ورسوله ‪،‬‬
‫غفِرَ له ما تقدم من‬
‫وكلمته وروحه ‪ ،‬فيأتون عيسى فيقول ‪ :‬لست هناكم ‪ ،‬ولكن ائتوا محمدًا عبدًا ُ‬
‫ذنبه وما تأخر فيأتوني"‪ .‬قال الحسن هذا الحرف (‪" : )6‬فأقوم فأمشي بين سِماطين من المؤمنين"‪.‬‬
‫قال أنس ‪" :‬حتى أستأذن على ربي ‪ ،‬فإذا رأيت ربي وقعت له ‪ -‬أو ‪ :‬خررت ‪ -‬ساجدًا لربي ‪،‬‬
‫فيدعني ما شاء ال أن يدعني"‪ .‬قال ‪" :‬ثم يقال ‪ :‬ارفع محمد ‪ ،‬قل يسمع ‪ ،‬واشفع تشفع ‪ ،‬وسل‬
‫تعطه‪ .‬فأرفع رأسي ‪ ،‬فأحمده بتحميد ُيعَّلمُنيه ‪ ،‬ثم أشفع فيحدّ لي حدًا ‪ ،‬فأدخلهم الجنة" ‪" :‬ثم (‪)7‬‬
‫أعود (‪ )8‬إليه الثانية ‪ ،‬فإذا رأيت ربي وقعت (‪ - )9‬أو ‪ :‬خررت ‪ -‬ساجدًا لربي ‪ ،‬فيدعني ما‬
‫شاء ال أن يدعني‪ .‬ثم يقال ‪ :‬ارفع محمد ‪ ،‬قل يسمع ‪ ،‬وسل تعطه ‪ ،‬واشفع تشفع‪ .‬فأرفع رأسي‬
‫فأحمده بتحميد ُيعَّلمُنيه ‪ ،‬ثم أشفع فيحدّ لي حدًا ‪ ،‬فأدخلهم الجنة ‪ ،‬ثم أعود في الثالثة ؛ فإذا رأيت‬
‫ربي وقعت ‪ -‬أو ‪ :‬خررت ‪ -‬ساجدًا لربي ‪ ،‬فيدعني ما شاء ال أن يدعني ‪ ،‬ثم يقال ‪ :‬ارفع محمد‬
‫‪ ،‬قل يسمع ‪ ،‬وسل تعطه ‪ ،‬واشفع تشفع‪ .‬فأرفع رأسي فأحمده بتحميد ُيعَّلمُنيه ثم أشفع فيحد لي حدًا‬
‫فأدخلهم الجنة‪ .‬ثم أعود الرابعة فأقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ما بقي إل من حبسه القرآن"‪ .‬فحدثنا أنس بن‬
‫مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬فيخرج من النار من قال ‪" :‬ل إله إل ال" وكان في قلبه‬
‫من الخير ما يزن شعيرة ‪ ،‬ثم يخرج من النار من قال ‪" :‬ل إله إل ال" وكان في قلبه من الخير‬
‫ما يزن بُرّة ثم يخرج من النار من قال ‪" :‬ل إله إل ال" وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة"‪.‬‬
‫أخرجاه [في الصحيح] (‪ )10‬من حديث سعيد ‪ ،‬به (‪ )11‬وهكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬عن عفان ‪،‬‬
‫عن حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس بطوله (‪.)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يجمع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ربنا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خطيئته"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬بغير حق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬الخوف"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬ثم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أدعو"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬وقعت له"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪ )3/116‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4476‬وصحيح مسلم برقم (‪.)193‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪.)3/244‬‬

‫( ‪)5/106‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب النصاري ‪ ،‬عن‬
‫النضر بن أنس ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬حدثني نبي ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إني لقائم أنتظر أمتي‬
‫تعبر الصراط ‪ ،‬إذ جاءني عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذه النبياء قد جاءتك يا محمد يسألون‬
‫‪ -‬أو قال ‪ :‬يجتمعون إليك ‪ -‬ويَدْعُون ال أن يفرق بين جميع المم إلى حيث يشاء ال ‪ ،‬لغمّ (‪)1‬‬
‫ما هم فيه ‪ ،‬فالخلق مُلجَمون بالعرق ‪ ،‬فأما المؤمن فهو عليه كالز ْكمَة ‪ ،‬وأما الكافر فيغشاه الموت‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬انتظر حتى أرجع إليك‪ .‬فذهب نبي ال صلى ال عليه وسلم فقام تحت العرش ‪ ،‬فلقي ما‬
‫لم يلق مَلَك مصطفى ول نبي مرسل‪ .‬فأوحى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬إلى جبريل ‪ :‬أن اذهب إلى‬
‫محمد ‪ ،‬وقل له ‪ :‬ارفع رأسك ‪ ،‬وسل تُعطَه ‪ ،‬واشفع تشفع‪ .‬فشفَعتُ (‪ )2‬في أمتي ‪ :‬أن أخرج من‬
‫كل تسعة وتسعين إنسانًا واحدًا‪ .‬فما زلت أتردد إلى ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فل أقوم منه مقامًا إل‬
‫خلْ [من أمتك] (‪ )3‬من خلق ال ‪ ،‬عز‬
‫شفعت ‪ ،‬حتى أعطاني ال من ذلك ‪ ،‬أن قال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أَ ْد ِ‬
‫وجل ‪ ،‬من شهد أن ل إله إل ال يومًا واحدًا مخلصًا ومات على ذلك " (‪.)4‬‬
‫حديث بريدة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قال المام أحمد بن حنبل ‪ :‬حدثنا السود بن عامر ‪ ،‬أخبرنا أبو إسرائيل ‪ ،‬عن الحارث بن‬
‫حصِيرة ‪ ،‬عن ابن بُرَيْدة ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬أنه دخل على معاوية ‪ ،‬فإذا رجل يتكلم ‪ ،‬فقال بريدة ‪ :‬يا‬
‫َ‬
‫معاوية ‪ ،‬تأذن لي في الكلم ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ -‬وهو يرى أنه يتكلم بمثل (‪ )5‬ما قال الخر ‪ -‬فقال‬
‫بريدة ‪ :‬سمعتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إني لرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما‬
‫على الرض من شجرة ومدرة"‪ .‬قال ‪ :‬فترجوها أنت يا معاوية ‪ ،‬ول يرجوها عليّ ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ؟! (‪.)6‬‬
‫حديث ابن مسعود ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عارم بن الفضل ‪ ،‬حدثنا سعيد بن زيد ‪ ،‬حدثنا علي بن الحكم البُنَاني ‪،‬‬
‫عن عثمان ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن علقمة والسود ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬جاء ابنا مُلَ ْيكَة إلى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال إن أمّنا [كانت] (‪ )7‬تكرم الزوج ‪ ،‬وتعطف على الولد ‪ -‬قال ‪ :‬وذكر‬
‫الضيف ‪ -‬غير أنها كانت وأدت في الجاهلية ؟ فقال ‪" :‬أمكما في النار"‪ .‬قال ‪ :‬فأدبرا والسوء يرى‬
‫جعَا والسرور (‪ )8‬يرى في وجوههما ؛ رجاء أن يكون قد‬
‫في وجوههما ‪ ،‬فأمر بهما فَرُدّا ‪ ،‬فَرَ َ‬
‫حدث شيء ‪ ،‬فقال ‪" :‬أمي مع أمكما"‪ .‬فقال رجل من المنافقين ‪ :‬وما يغني هذا عن أمه شيئًا!‬
‫ونحن نطأ عقبيه‪ .‬فقال رجل من النصار ‪ -‬ولم أر رجل قط أكثر سؤال منه ‪ : -‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫هل وعدك ربك فيها أو فيهما ؟‪ .‬قال ‪ :‬فظن أنه من شيء قد سمعه ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما شاء ال ربي وما‬
‫أطمعني (‪ )9‬فيه ‪ ،‬وإني لقوم المقام المحمود يوم القيامة"‪ .‬فقالَ النصاري ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما‬
‫ذاك المقام المحمود ؟ قال ‪ " :‬ذاك إذا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" ،‬نعم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فتشفعت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/178‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/374‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يميل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ ، )5/347‬وأبو إسرائيل الملئي ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬والسوء"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وما طمعني"‪.‬‬

‫( ‪)5/107‬‬

‫جيء بكم حفاة عراة غرل فيكون أول من يكسى إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيقول ‪ :‬اكسوا خليلي‪.‬‬
‫فيؤتى بريطتين بيضاوين ‪ ،‬فيلبسهما ثم يقعده مستقبل العرش ‪ ،‬ثم أوتي بكسوتي فألبسها ‪ ،‬فأقوم‬
‫عن يمينه مقامًا ل يقومه أحد ‪ ،‬فيغبطني فيه الولون والخرون‪ .‬ويفتح نهر (‪ )1‬من الكوثر إلى‬
‫الحوض"‪ .‬فقال المنافقون ‪ :‬إنه ما جرى ماء قط إل على حال أو رضراض‪ .‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم "حاله المسك ‪ ،‬ورضراضه التّوم"‪[ .‬قال المنافق ‪ :‬لم أسمع كاليوم‪ .‬قلّما جرى‬
‫ماء قط على حال أو رضراض ‪ ،‬إل كان له نبتة‪ .‬فقال النصاري ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل له نبت ؟‬
‫قال "نعم ‪ ،‬قضبان الذهب"] (‪ .)2‬قال المنافق ‪ :‬لم أسمع كاليوم ‪ ،‬فإنه قلما ينبت قضيب إل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أورق ‪ ،‬وإل كان له ثمر! قال النصاري ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل له ثمرة ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬ألوان‬
‫الجوهر ‪ ،‬وماؤه أشد بياضًا من اللبن ‪ ،‬وأحلى من العسل ‪ ،‬من شرب منه شربةً (‪ )3‬ل يظمأ بعده‬
‫‪ ،‬ومن حرمه لم يَ ْروَ بعده" (‪.)4‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا يحيى بن سََلمَة بن ُكهَيْل ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي الزّعْرَاء ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال قال ‪ :‬ثم يأذن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في الشفاعة ‪ ،‬فيقوم روح القدس جبريل ‪ ،‬ثم يقوم إبراهيم‬
‫خليل ال ‪ ،‬ثم يقوم عيسى أو موسى ‪ -‬قال أبو الزعراء ‪ :‬ل أدري أيهما ‪ -‬قال ‪ :‬ثم يقوم نبيكم‬
‫صلى ال عليه وسلم رابعًا ‪ ،‬فيشفع ل يشفع أحد بعده أكثر مما شفع ‪ ،‬وهو المقام المحمود الذي‬
‫حمُودًا } (‪.)5‬‬
‫عسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ مَقَامًا مَ ْ‬
‫قال ال عز وجل ‪َ { :‬‬
‫حديث كعب بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن عبد ربه ‪ ،‬حدثنا محمد بن حرب ‪ ،‬حدثنا الزبيدي ‪ ،‬عن الزهري‬
‫‪ ،‬عن عبد الرحمن بن عبد ال [بن كعب] (‪ )6‬بن مالك ‪ ،‬عن كعب بن مالك أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬يبعث الناس يوم القيامة ‪ ،‬فأكون أنا وأمتي على تل ‪ ،‬ويكسوني ربي ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬حلة خضراء (‪ )7‬ثم يؤذن لي فأقول ما شاء ال أن أقول ‪ ،‬فذلك المقام المحمود" (‪.)8‬‬
‫حديث أبي الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن عبد الرحمن‬
‫ابن جُبَير ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أنا أول من يؤذن له‬
‫بالسجود يوم القيامة ‪ ،‬وأنا أول من يؤذن له أن يرفع رأسه ‪ ،‬فأنظر إلى ما بين يدي ‪ ،‬فأعرف‬
‫أمتي من بين المم ‪ ،‬ومن خلفي مثل ذلك ‪ ،‬وعن يميني مثل ذلك ‪ ،‬وعن شمالي مثل ذلك"‪ .‬فقال‬
‫رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف تعرف أمتك من بين المم ‪ ،‬فيما بين نوح إلى أمتك ؟ قال ‪" :‬هم غرّ‬
‫حجّلُون ‪ ،‬من أثر الوضوء ‪ ،‬ليس أحد كذلك غيرهم ‪ ،‬وأعرفهم أنهم يُؤتَونَ كتبهم بأيمانهم ‪،‬‬
‫مُ َ‬
‫وأعرفهم تسعى (‪ )9‬بين أيديهم ذريتهم" (‪.)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬شرابا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)1/398‬‬
‫(‪ )5‬ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11296‬من طريق بندار ‪ ،‬عن غندر ‪ ،‬عن شعبة ‪،‬‬
‫عن سلمة بن كهيل بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬حمراء"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)3/456‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يسعى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)5/199‬‬

‫( ‪)5/108‬‬

‫حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬


‫قال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا أبو حَيّان ‪ ،‬حدثنا أبو زُرْعَة بن‬
‫عمرو بن جرير ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬أتي رسول ال صلى ال عليه وسلم بلحم ‪ ،‬فَرُفع إليه‬
‫س منها َنهْسة (‪ ، )1‬ثم قال ‪" :‬أنا سيد الناس يوم القيامة ‪ ،‬وهل‬
‫الذراع ‪ -‬وكانت تعجبه ‪ -‬فَ َنهَ َ‬
‫تدرون ممّ ذاك ؟ يجمع ال الولين والخرين في صعيد واحد ‪ ،‬يُسْمعهم الداعي ويَنفذُهم البصر ‪،‬‬
‫وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغمّ (‪ )2‬والكرب ما ل يطيقون ول يحتملون‪ .‬فيقول بعض الناس‬
‫لبعض ‪[ :‬أل ترون إلى ما أنتم فيه ؟ أل ترون إلى ما قد بلغكم ؟ أل تنظرون من يشفع لكم إلى‬
‫ربكم عز وجل ؟ فيقول بعض الناس لبعض] (‪ : )3‬أبوكم آدم!‪.‬‬
‫فيأتون آدم ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬يا آدم ‪ ،‬أنت أبو البشر ‪ ،‬خلقك ال بيده ‪ ،‬ونفخ فيك من روحه ‪ ،‬وأمر‬
‫الملئكة فسجدوا لك ؛ فاشفع لنا إلى ربك ‪ ،‬أل ترى ما نحن فيه ؟ أل ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول‬
‫آدم ‪ :‬إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله ‪ ،‬وإنه نهاني‬
‫عن الشجرة فعصيته ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬نفسي! اذهبوا إلى غيري ‪ ،‬اذهبوا إلى نوح‪.‬‬
‫فيأتون نوحًا فيقولون ‪ :‬يا نوح ‪ ،‬أنت أول الرسل إلى أهل الرض ‪ ،‬وسماك ال عبدًا شكورًا ‪،‬‬
‫اشفع لنا إلى ربك ‪ ،‬أل ترى ما نحن فيه ؟ أل ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول نوح ‪ :‬إن ربي قد غضب‬
‫اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله ‪ ،‬وإنه كانت لي دعوة (‪ )4‬على قومي ‪،‬‬
‫نفسي ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬نفسي! اذهبوا إلى غيري ‪ ،‬اذهبوا إلى إبراهيم‪.‬‬
‫فيأتون إبراهيم فيقولون ‪ :‬يا إبراهيم ‪ ،‬أنت نبي ال وخليله من أهل الرض ‪[ ،‬اشفع لنا إلى ربك]‬
‫(‪ )5‬أل ترى ما نحن فيه ؟ أل ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول ‪ :‬إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم‬
‫يغضب قبله مثله ‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله ‪ ،‬فذكر كذباته نفسي ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬نفسي [اذهبوا إلى‬
‫غيري] (‪ )6‬اذهبوا إلى موسى‪.‬‬
‫فيأتون موسى فيقولون ‪ :‬يا موسى ‪ ،‬أنت رسول ال ‪ ،‬اصطفاك ال برسالته وبكلمه على‬
‫الناس ‪ ،‬اشفع لنا إلى ربك ‪ ،‬أل ترى ما نحن فيه ؟ أل ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم موسى ‪ :‬إن‬
‫ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله ‪ ،‬وإني قتلت نفسًا لم‬
‫أومر بقتلها ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬اذهبوا إلى غيري ‪ ،‬اذهبوا إلى عيسى‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فيأتون عيسى فيقولون ‪ :‬يا عيسى ‪ ،‬أنت رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫هكذا هو ‪ -‬وكلمت الناس في المهد ‪ ،‬فاشفع لنا إلى ربك ‪ ،‬أل ترى ما نحن فيه ؟ أل ترى ما قد‬
‫بلغنا ؟ فيقول لهم عيسى ‪ :‬إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ‪ ،‬ولن يغضب بعده‬
‫مثله ‪ ،‬ولم يذكر ذنبا ‪ ،‬اذهبوا إلى غيري ‪ ،‬اذهبوا إلى محمد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فنهش منها نهشة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من المسند‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬دعوة دعوتها"‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)5/109‬‬

‫فيأتوني فيقولون ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أنت رسول ال ‪ ،‬وخاتم النبياء ‪ ،‬غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما‬
‫تأخر ‪ ،‬فاشفع لنا إلى ربك ‪ ،‬أل ترى ما نحن فيه ؟ أل ترى ما قد بلغنا ؟ فأقوم فآتي تحت العرش‬
‫ي ‪ ،‬ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه ما لم‬
‫‪ ،‬فأقع ساجدًا لربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ثم يفتح ال عل ّ‬
‫يفتحه على أحد قبلي‪ .‬فيقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ارفع رأسك ‪ ،‬وسل تعطه ‪ ،‬واشفع تشفع‪ .‬فأقول ‪ :‬يا رب‬
‫‪ ،‬أمتي أمتي ‪ ،‬يا رب أمتي أمتي ‪ ،‬يا رب ‪ ،‬أمتي أمتي! فيقال ‪ :‬يا محمد ‪ :‬أدخل من أمتك من ل‬
‫حساب عليه من الباب اليمن من أبواب الجنة ‪ ،‬وهم شركاء الناس فيما سواه من البواب"‪ .‬ثم قال‬
‫‪" :‬والذي نفس محمد بيده لما بين ِمصْراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وَ َهجَر ‪ ،‬أو كما بين‬
‫مكة و ُبصْرَى"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين (‪.)1‬‬
‫وقال مسلم ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا الحكم بن موسى ‪ ،‬حدثنا ِه ْقلُ بن زياد ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬حدثني‬
‫أبو عمار ‪ ،‬حدثني عبد ال بن فرّوخ ‪ ،‬حدثني أبو هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫شفّع" (‪.)2‬‬
‫وسلم ‪" :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ‪ ،‬وأول من ينشق عنه القبر ‪ ،‬وأول شافع ‪ ،‬وأول ُم َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن داود بن يزيد الزّعافري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫حمُودًا } ‪،‬‬
‫أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬عَسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَامًا َم ْ‬
‫سئل عنها فقال ‪" :‬هي الشفاعة " (‪.)3‬‬
‫رواه المام أحمد عن وكيع وعن محمد (‪ )4‬بن عبيد ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫حمُودًا } قال ‪" :‬هو‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله تعالى ‪ { :‬عَسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَامًا َم ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المقام الذي أشفع لمتي فيه" (‪.)5‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن علي بن الحسين قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا كان يوم القيامة ‪ ،‬مدّ ال الرض مدّ الديم ‪ ،‬حتى ل يكون لبشر من‬
‫الناس إل موضع قدمه (‪ .)6‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فأكون أول من يدعى ‪ ،‬وجبريل‬
‫عن يمين الرحمن (‪ )7‬وال ما رآه قبلها ‪ ،‬فأقول (‪ )8‬رب ‪ ،‬إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي‪.‬‬
‫فيقول ال تبارك وتعالى ‪ :‬صدق ‪ ،‬ثم أشفع‪ .‬فأقول ‪ :‬يا رب عبادك عبدوك في أطراف الرض" ‪،‬‬
‫قال ‪" :‬فهو المقام المحمود" (‪ ، )9‬وهذا حديث مرسل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/435‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4712‬وصحيح مسلم برقم (‪.)894‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2278‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)15/98‬‬
‫(‪ )4‬في هـ ‪" :‬عن وكيع عن محمد بن عبيد" ‪ ،‬والمثبت من ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)444 ، 2/441‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬قدميه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬الرحمن عز وجل" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الرحمن تبارك وتعالى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فأقول ‪ :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير عبد الرزاق (‪.)1/328‬‬

‫( ‪)5/110‬‬

‫ج َعلْ لِي مِنْ لَدُ ْنكَ سُلْطَانًا َنصِيرًا (‪)80‬‬


‫ق وَا ْ‬
‫ج صِ ْد ٍ‬
‫ق وَأَخْ ِرجْنِي مُخْرَ َ‬
‫صدْ ٍ‬
‫خلَ ِ‬
‫َوقُلْ َربّ أَ ْدخِلْنِي مُ ْد َ‬
‫طلَ كَانَ َزهُوقًا (‪)81‬‬
‫طلُ إِنّ الْبَا ِ‬
‫ق وَزَ َهقَ الْبَا ِ‬
‫َوقُلْ جَاءَ ا ْلحَ ّ‬

‫ج َعلْ لِي مِنْ َلدُ ْنكَ سُ ْلطَانًا َنصِيرًا (‪)80‬‬


‫ج صِدْقٍ وَا ْ‬
‫ق وَأَخْ ِرجْنِي ُمخْرَ َ‬
‫ل صِ ْد ٍ‬
‫خَ‬‫{ َو ُقلْ َربّ أَ ْدخِلْنِي ُمدْ َ‬
‫طلَ كَانَ َزهُوقًا (‪.} )81‬‬
‫طلُ إِنّ الْبَا ِ‬
‫ق وَزَ َهقَ الْبَا ِ‬
‫َوقُلْ جَاءَ ا ْلحَ ّ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن قابوس بن (‪ )1‬أبي ظَبْيَان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫خلَ‬
‫كان النبي صلى ال عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ { :‬و ُقلْ َربّ أَ ْدخِلْنِي مُدْ َ‬
‫ج َعلْ لِي مِنْ َلدُ ْنكَ سُ ْلطَانًا َنصِيرًا } (‪.)2‬‬
‫ق وَا ْ‬
‫صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْ ٍ‬
‫وقال الحسن البصري في تفسير هذه الية ‪ :‬إن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ليقتلوه أو يطردوه أو يوثقوه ‪ ،‬وأراد ال قتال أهل مكة ‪ ،‬فأمره أن يخرج إلى (‪)3‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج صِ ْدقٍ‬
‫ق وَأَخْ ِرجْنِي مُخْرَ َ‬
‫ل صِ ْد ٍ‬
‫خَ‬‫المدينة ‪ ،‬فهو الذي قال ال عز وجل ‪َ { : :‬وقُلْ َربّ أَ ْدخِلْنِي مُدْ َ‬
‫}‬
‫صدْقٍ } يعني ‪:‬‬
‫ج ِ‬
‫ل صِ ْدقٍ } يعني ‪ :‬المدينة { وََأخْرِجْنِي مُخْرَ َ‬
‫خَ‬‫خلْنِي ُمدْ َ‬
‫وقال قتادة ‪َ { :‬و ُقلْ َربّ أَدْ ِ‬
‫مكة‪.‬‬
‫وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ .‬وهذا القول هو أشهر القوال‪.‬‬
‫صدْقٍ } يعني ‪ :‬الموت { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ‬
‫خلَ ِ‬
‫وقال ‪ :‬العوفي عن ابن عباس ‪ { :‬أَ ْدخِلْنِي مُ ْد َ‬
‫صِدْقٍ } يعني ‪ :‬الحياة بعد الموت‪ .‬وقيل غير ذلك من القوال‪ .‬والول أصح ‪ ،‬وهو اختيار ابن‬
‫جرير‪.‬‬
‫ج َعلْ لِي مِنْ لَدُ ْنكَ سُلْطَانًا َنصِيرًا } قال الحسن البصري في تفسيرها ‪ :‬وعده ربه‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫لينزعن ملك فارس ‪ ،‬وعز (‪ )4‬فارس ‪ ،‬وليجعلنه له ‪ ،‬وملك الروم ‪ ،‬وعز الروم ‪ ،‬وليجعلنه له‪.‬‬
‫وقال قتادة فيها إن نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬علم أل طاقة له بهذا المر إل بسلطان ‪ ،‬فسأل‬
‫سلطانًا نصيرًا لكتاب ال ‪ ،‬ولحدود ال ‪ ،‬ولفرائض ال ‪ ،‬ولقامة دين ال ؛ فإن السلطان رحمة‬
‫من ال جعله بين أظهر عباده ‪ ،‬ولول ذلك لغار بعضهم على بعض ‪ ،‬فأكل شديدهم ضعيفهم‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ { :‬سُلْطَانًا َنصِيرًا } حجة بينة‪.‬‬
‫واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة ‪ ،‬وهو الرجح ؛ لنه ل بد مع الحق من قهر لمن عاداه‬
‫ت وَأَنزلْنَا َم َعهُمُ ا ْلكِتَابَ‬
‫وناوأه ؛ ولهذا قال [سبحانه و] (‪ )5‬تعالى ‪َ { :‬لقَدْ أَرْسَلْنَا ُرسُلَنَا بِالْبَيّنَا ِ‬
‫شدِي ٌد َومَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُرهُ‬
‫حدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ َ‬
‫وَا ْلمِيزَانَ لِ َيقُومَ النّاسُ بِا ْلقِسْطِ وَأَنزلْنَا الْ َ‬
‫وَرُسُلَهُ بِا ْلغَ ْيبِ } [ الحديد ‪ ] 25 :‬وفي الحديث ‪" :‬إن ال لَيَزَع بالسلطان ما ل يَ َزعُ بالقرآن" أي ‪:‬‬
‫ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والثام ‪ ،‬ما ل يمتنع كثيرٌ من الناس بالقرآن ‪ ،‬وما فيه من‬
‫الوعيد الكيد ‪ ،‬والتهديد الشديد ‪ ،‬وهذا هو الواقع‪.‬‬
‫طلَ كَانَ زَهُوقًا } تهديد ووعيد لكفار قريش ؛ فإنه‬
‫طلُ إِنّ الْبَا ِ‬
‫ق وَزَهَقَ الْبَا ِ‬
‫حّ‬‫وقوله ‪َ { :‬و ُقلْ جَاءَ الْ َ‬
‫قد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/223‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وغير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/111‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَلَا يَزِيدُ الظّاِلمِينَ إِلّا خَسَارًا (‪)82‬‬
‫حمَةٌ ِل ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫شفَا ٌء وَرَ ْ‬
‫وَنُنَ ّزلُ مِنَ ا ْلقُرْآَنِ مَا ُهوَ ِ‬

‫جاءهم من ال الحق الذي ل مرية فيه ول قبل لهم به ‪ ،‬وهو ما بعثه ال به من القرآن واليمان‬
‫والعلم النافع‪ .‬وزَ َهقَ باطلهم ‪ ،‬أي اضمحل وهلك ‪ ،‬فإن الباطل ل ثبات له مع الحق ول بقاء { َبلْ‬
‫طلِ فَيَ ْد َمغُهُ فَِإذَا ُهوَ زَا ِهقٌ } [ النبياء ‪.] 18 :‬‬
‫َنقْ ِذفُ بِا ْلحَقّ عَلَى الْبَا ِ‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا الحميدي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن أبي (‪)1‬‬
‫َمعْمر ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬دخل النبي صلى ال عليه وسلم مكة وحول البيت ستون‬
‫طلَ‬
‫طلُ إِنّ الْبَا ِ‬
‫ق وَزَهَقَ الْبَا ِ‬
‫حّ‬‫صبٍ ‪ ،‬فجعل يطعنها بعود في يده ‪ ،‬ويقول ‪ { :‬جَاءَ الْ َ‬
‫وثلثمائة ُن ُ‬
‫كَانَ زَهُوقًا } ‪ ،‬جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد" (‪.)2‬‬
‫وكذا رواه البخاري أيضًا في غير هذا الموضع ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬كلهم من طرق‬
‫عن سفيان بن عيينة به‪[ )3( .‬وكذا رواه عبد الرزاق عن الثوري عن ابن أبي نجيح] (‪.)4‬‬
‫وكذا رواه الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا زهير ‪ ،‬حدثنا شَبَابة ‪ ،‬حدثنا المغيرة ‪ ،‬حدثنا أبو الزبير ‪ ،‬عن‬
‫جابر رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬دخلنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم مكة ‪ ،‬وحول البيت‬
‫ثلثمائة وستون صنمًا (‪ )5‬يعبدون من دون ال‪ .‬فأمر بها رسول ال صلى ال عليه وسلم فأكبت‬
‫لوجهها ‪ ،‬وقال ‪" :‬جاء الحق وزهق الباطل ‪ ،‬إن الباطل كان زهوقًا" (‪.)6‬‬
‫حمَةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَل يَزِيدُ الظّاِلمِينَ إِل خَسَارًا (‪.} )82‬‬
‫شفَا ٌء وَ َر ْ‬
‫{ وَنُنزلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وهو القرآن‬
‫حمَةٌ‬
‫شفَاءٌ وَرَ ْ‬
‫الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬تنزيل من حكيم حميد ‪ -‬إنه ‪ِ { :‬‬
‫لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬يذهب ما في القلوب من أمراض ‪ ،‬من شك ونفاق ‪ ،‬وشرك وزيغ وميل ‪،‬‬
‫فالقرآن يشفي من ذلك كله‪ .‬وهو أيضًا رحمة يحصل فيها اليمان والحكمة وطلب الخير والرغبة‬
‫فيه ‪ ،‬وليس هذا إل لمن آمن به وصدقه واتبعه ‪ ،‬فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة‪ .‬وأما الكافر‬
‫الظالم نفسه بذلك ‪ ،‬فل يزيده سماعه القرآن إل بعدًا وتكذيبًا وكفرًا‪ .‬والفة من الكافر ل من‬
‫شفَا ٌء وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ فِي آذَا ِن ِه ْم َوقْرٌ وَ ُهوَ‬
‫القرآن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ لِلّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَ ِ‬
‫عمًى أُولَ ِئكَ يُنَا َدوْنَ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ } [ فصلت ‪ ] 44 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَإِذَا مَا أُنزَلتْ سُو َرةٌ‬
‫عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫ن وََأمّا الّذِينَ فِي‬
‫َفمِ ْنهُمْ مَنْ َيقُولُ أَ ّيكُمْ زَادَتْهُ هَ ِذهِ إِيمَانًا فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَزَادَ ْت ُهمْ إِيمَانًا وَهُمْ َيسْتَبْشِرُو َ‬
‫سهِمْ َومَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } [ التوبة ‪.] 125 ، 124 :‬‬
‫قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ فَزَادَ ْتهُمْ ِرجْسًا ِإلَى ِرجْ ِ‬
‫واليات في ذلك (‪ )7‬كثيرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4720‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ ، ) 4287 ، 2478‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1781‬وسنن الترمذي‬
‫برقم (‪ )3138‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11297‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬نصبا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ : )14/487‬حدثنا شبابة بن سوار به‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬هذا"‪.‬‬

‫( ‪)5/112‬‬

‫وَإِذَا أَ ْن َعمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْ َرضَ وَنَأَى ِبجَانِبِ ِه وَإِذَا مَسّهُ الشّرّ كَانَ يَئُوسًا (‪ُ )83‬قلْ ُكلّ َي ْع َملُ عَلَى‬
‫شَاكِلَتِهِ فَرَ ّب ُكمْ أَعْلَمُ ِبمَنْ ُهوَ أَهْدَى سَبِيلًا (‪ )84‬وَيَسْأَلُو َنكَ عَنِ الرّوحِ ُقلِ الرّوحُ مِنْ َأمْرِ رَبّي َومَا‬
‫أُوتِيتُمْ مِنَ ا ْلعِ ْلمِ إِلّا قَلِيلًا (‪)85‬‬

‫حمَةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } إذا سمعه المؤمن انتفع به‬


‫شفَاءٌ وَرَ ْ‬
‫قال قتادة في قوله ‪ { :‬وَنُنزلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ‬
‫خسَارًا } إنه ل ينتفع به ول يحفظه (‪ )1‬ول يعيه ‪ ،‬فإن ال‬
‫وحفظه ووعاه { وَل يَزِيدُ الظّاِلمِينَ إِل َ‬
‫جعل هذا القرآن شفاء ‪ ،‬ورحمة للمؤمنين‪.‬‬
‫{ وَإِذَا أَ ْن َعمْنَا عَلَى النْسَانِ أَعْ َرضَ وَنَأَى ِبجَانِبِ ِه وَإِذَا مَسّهُ الشّرّ كَانَ يَئُوسًا (‪ُ )83‬قلْ ُكلّ َي ْع َملُ‬
‫عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَ ّبكُمْ أَعْلَمُ ِبمَنْ ُهوَ أَهْدَى سَبِيل (‪.} )84‬‬
‫يخبر تعالى عن نقص النسان من حيث هو ‪ ،‬إل من عصم ال تعالى في حالتي سرائه وضرائه ‪،‬‬
‫بإنه إذا أنعم ال عليه بمال وعافية ‪ ،‬وفتح ورزق ونصر ‪ ،‬ونال ما يريد ‪ ،‬أعرض عن طاعة ال‬
‫وعبادته ونأى بجانبه‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪َ :‬بعُد عنا‪.‬‬
‫شفْنَا عَنْ ُه ضُ ّرهُ مَرّ كَأَنْ َلمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرّ َمسّهُ } [ يونس ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا كقوله تعالى ‪ { :‬فََلمّا كَ َ‬
‫‪ ، ] 12‬وقوله { فََلمّا نَجّا ُكمْ إِلَى الْبَرّ أَعْ َرضْتُمْ } [ السراء ‪.] 67 :‬‬
‫وبأنه إذا مسه الشر ‪ -‬وهو المصائب والحوادث والنوائب ‪ { -‬كَانَ يَئُوسًا } أي ‪ :‬قنط أن يعود‬
‫يحصل له بعد ذلك خير ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَلَئِنْ أَ َذقْنَاهُ َن ْعمَاءَ َبعْ َد ضَرّاءَ مَسّ ْتهُ لَ َيقُولَنّ ذَ َهبَ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ أُولَ ِئكَ َل ُهمْ َمغْفِ َر ٌة وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }‬
‫ن صَبَرُوا وَ َ‬
‫السّيّئَاتُ عَنّي إِنّهُ َلفَرِحٌ َفخُورٌ إِل الّذِي َ‬
‫[ هود ‪.] 11 ، 10 :‬‬
‫وقوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ ُكلّ َي ْع َملُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } قال ابن عباس ‪ :‬على ناحيته‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬على‬
‫حدته وطبيعته‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬على نِيّته‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬دينه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكل هذه القوال متقاربة في المعنى‪ .‬وهذه الية ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬تهديد للمشركين ووعيد لهم ‪،‬‬
‫ن وَانْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ }‬
‫عمَلُوا عَلَى َمكَانَ ِتكُمْ إِنّا عَامِلُو َ‬
‫كقوله تعالى ‪َ { :‬وقُلْ لِلّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ا ْ‬
‫[ هود ‪ ] 122 ، 121 :‬ولهذا قال ‪ُ { :‬قلْ ُكلّ َي ْع َملُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَ ّب ُكمْ أَعْلَمُ ِبمَنْ ُهوَ أَهْدَى سَبِيل }‬
‫أي ‪ :‬منا ومنكم ‪ ،‬وسيجزي كل عامل بعمله ‪ ،‬فإنه ل تخفى عليه خافية‪.‬‬
‫{ وَيَسْأَلُو َنكَ عَنِ الرّوحِ ُقلِ الرّوحُ مِنْ َأمْرِ رَبّي َومَا أُوتِيتُمْ مِنَ ا ْلعِلْمِ إِل قَلِيل (‪} )85‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن عَ ْلقَمة ‪ ،‬عن عبد ال ‪ -‬هو‬
‫ابن مسعود رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ :‬كنت أمشي مع النبي صلى ال عليه وسلم في حرث في‬
‫عسِيب ‪ ،‬فمر بقوم من اليهود ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬سلوه عن‬
‫المدينة ‪ ،‬وهو متوكئ على َ‬
‫الروح‪ .‬فقال بعضهم ‪ :‬ل تسألوه‪ .‬قال ‪ :‬فسألوه عن الروح فقالوا (‪ )2‬يا محمد ‪ ،‬ما الروح ؟ فما‬
‫زال متوكئًا على العسيب ‪ ،‬قال ‪ :‬فظننت أنه يوحى إليه ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَيَسَْألُو َنكَ عَنِ الرّوحِ ُقلِ‬
‫الرّوحُ مِنْ َأمْرِ رَبّي َومَا أُوتِيتُمْ مِنَ ا ْلعِلْمِ إِل قَلِيل }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬ل يحفظه ول ينتفع به"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فقال بعضهم"‪.‬‬

‫( ‪)5/113‬‬

‫فقال بعضهم لبعض ‪ :‬قد قلنا لكم ل تسألوه‪.‬‬


‫وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث العمش ‪ ،‬به (‪ .)1‬ولفظ البخاري عند تفسير هذه الية ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬بينا أنا مع النبي (‪ )2‬صلى ال عليه وسلم في حَرْث ‪ ،‬وهو متوكئ‬
‫(‪ )3‬على عسيب ‪ ،‬إذ مر

You might also like