Professional Documents
Culture Documents
المعتزلة
الشيخ /ناصر بن محمد الحمد
1
جمِيلًا} [( )10سورة المزمل] وذلك ل يكون
جرًا َ
على ما يقولون ببعض النصوص مثل قوله تعالى{ :وَاهْجُ ْرهُ مْ َه ْ
إل بالعتزال منهم.
-ويطلق علي هم أيضا الجهم ية :و سبب ت سميتهم بهذا ال سم هو أ نه ل ما كا نت الجهم ية سبقت المعتزلة في
الظهور واشتهرت ببعض آرائها ثم خرجت المعتزلة وكانت موافقة للجهمية في مسائل كثيرة ،مثل نفي الرؤية
والصـفات وخلق القرآن فكأن توافـق الفرقتيـن جعلهـا كالفرقـة الواحدة ،وبمـا أن الجهميـة أسـبق بمسـائلها،
والمعتزلة أخذت ها من ها لذا أ صبح يطلق على كل معتزلي جه مي ول يس الع كس ،ولذلك أطلق أئ مة ال ثر ل فظ
الجهمية على المعتزلة ،فالمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية" والبخاري في الرد على الجهمية إنما يعنون
بالجهمية المعتزلة.
قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه ال" :-لما وقعت محنة الجهمية نفاة الصفات في أوائل المئة الثالثة على
عهـد المأمون وأخيـه المعتصـم ثـم الواثـق ودعوا الناس إلى التجهـم وإبطال صـفات ال تعالى ...وطلبوا أهـل
ال سنة للمناظرة ...لم ت كن المناظرة مع المعتزلة ف قط ،بل كا نت مع ج نس الجهم ية من المعتزلة والنجار ية
ل لنفيـه
والضراريـة وأنواع المرجئة ،فكـل معتزلي جهمـي وليـس كـل جهمـي معتزليا؛ لن جهما أشـد تعطي ً
السماء والصفات"...
-ويطلق علي هم أي ضا المعطلة :كان أ هل ال سنة يطلقون على الجهم ية الولى نفاة ال صفات ا سم المعطلة
لتعطيل ها ال تعالى عـن صـفاته ،أي تجريده تعالى منهـا وكانوا يقصـدون مـن وراء هذه التسـمية ذم الجهم ية،
وحين قام المعتزلة واقتبسوا عن الجهمية الولى قولها بنفي الصفات لزمهم اسم المعطلة ،لذا نجد من كلم أهل
ال سنة كا بن الق يم -رح مه ال -ي ستعمل في كل مه عن المعتزلة ل فظ المعطلة للدللة علي هم و قد و ضع كتا به
-الصواعق المرسلة في الرد على الجهميه والمعطلة -وهو يقصد الرد على المعتزلة بالدرجة الولى.
متى وأين ظهرت المعتزلة؟
يقول المعتزلة في كتبهم -وقولهم باطل وغير صحيح -يقولون بأن مذهبهم قديم أقدم من واصل بن عطاء،
و هم يعدون كثيرا من أ هل الب يت من رجال مذهب هم ،ولذلك يقولون بأن العتزال إن ما يعود إلى علي بن أ بي
طالب ،وأن اب نه مح مد بن الحنف ية أ خذ ع نه هذا المذ هب ثم أور ثه مح مد لب نه أ بي ها شم أُ ستاذ وا صل.
والصحيح بأن رأس المعتزلة هو واصل بن عطاء المولود سنة 80هـ والمتوفى سنة 131هـ وأنه نشأ في
البصرة ما بين سنة 105ه ـ إلى 110هـ نتي جة المناظرة التي ذكرناها في أمر صاحب الكبيرة ،فخرج
وا صل برأ يه المخالف لشي خه الح سن الب صري ،وب عد ذلك أضاف إلى رأ يه في مرت كب ال كبيرة آراء أخرى
أصبحت فيما بعد من أصول المعتزلة ،ومن ثم أخذ كل عالم من علمائهم يأتي برأي حتى تكونت هذه الفرقة.
والمتأمـل فـي آراء المعتزلة يجـد أنهـا خليـط مـن آراء ومعتقدات فرق أخرى سـبقت المعتزلة ،ففكرة الختيار
ومسئولية النسان عن أفعاله أخذها المعتزلة عن القدرية.
والقول بنفي الصفات وخلق القرآن وعدم رؤية ال بالبصار في الخرة ،أخذها المعتزلة عن الجهمية .وأخذوا
مبدأ المـر بالمعروف والنهـي عـن المنكـر عـن الخوارج ،واتفقوا مـع الشيعـة فـي كثيرٍ مـن الراء الخاصـة
بالمامة كقولهم بوجوب وجود المام في كل عصر.
2
أمـا المكان ،فل خلف بأن البصـرة هـي مكان نشأة العتزال ،وإن كان المعتزلة أنفسـهم يقولون بأن منشأهـم
بالمدن ية؛ ح يث يقولون بأن أول من قام بالعتزال أ بو ها شم ع بد ال والح سن اب نا مح مد بن الحنف ية ،والثنان
كانا يسكنان المدينة ،وفي المدينة ولد واصل بن عطاء وسكن فيها في صباه وأخذ واصل العتزال عن أبي
هاشم ثم حمله معه من المدينة إلى البصرة.
ما هي أسباب أو عوامل ظهور المعتزلة وانتشار أفكارهم:
-1تخلي المة عن مهمات المور التي وجدت لجله:
إن هذه المة أمة رسالة ،ومن رسالة هذه المة الجهاد في سبيل ال حصلت في بعض الفترات ركود حركة
الف تح وا ستقرار الم سلمين في الم صار فأدى هذا الفراغ إلى نشوء مشا كل اجتماع ية كثيرة ،وكان لزاما على
علماء الم سلمين أن يدر سوا هذه المشا كل ويجدوا ل ها الحلول الشرع ية الشاف ية و من هذه المشا كل ال تي أثيرت
مسـألة مجرمـي المـة أو مـا يدعون مرتكـبي الكبائر التـي مـا دون الشرك؛ وذلك أنـه كثـر تجرؤ الناس على
ارتكاب الكبائر ،على خلف ما كان من ق بل ،وتو سع الناس في ضروب الل هو والترف وأ سباب الف ساد فحزّ
ذلك في نفوس القوم ول سيما أهل العلم والخيار ،وساءهم أن يروا إخوانهم المسلمين يجترئون على المعاصي
فعكفوا على دراسـة هذه المشكلة ،وهذه المشكلة مـا ظهرت أصـلً إل بعـد توقـف الجهاد فترة وإل والناس
ل ومدارس عقد ية مختل فة صار كل
مشتغلون بمهمات المور ل يكفرون ب سفاسفها ،ولوجود آراء مختل فة أ ص ً
يدلى بدلوه ويصدر حكما في هذه المسألة ،ومن الذين أفتى في المسألة المعتزلة مساهمة منهم في حل بعض
المشاكل الموجودة فزادوا المشاكل مشاكل وأحدثوا من البدع والقوال المخالفة للكتاب والسنة ما يتضح لك بعد
قليل.
رأي أهل السنة في مرتكبي الكبيرة التي ما دون الشرك أنه مؤمن ،فكبيرته ل تخرجه من اليمان ول تدخله
في الك فر ،ول هم في ذلك أدلة ،من ها الن صوص الناط قة بإطلق المؤ من على المعا صي كقوله تعالى{ :يَا أَيّهَا
الّذِينَ آمَنُو ْا كُتِبَ عَلَ ْيكُمُ ا ْلقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [( )178سورة البقرة] وقوله تعالى{ :يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى
اللّ هِ َتوْ َبةً نّ صُوحًا} [( )8سورة التحريم] ،ومنها إجماع المة من زمن النبي -صلى ال عليه وسلم -إلى وقتهم
على الصلة على من مات من المسلمين من غير توبة والدعاء له ودفنه في مقابر المسلمين مع علمهم بحاله.
ر فض الخوارج ح كم أهل ال سنة وقالوا :بأن مرتكب الكبيرة والصغيرة كافر بمجرد ارتكاب الذنب ف هو كا فر
مخلد في النار.
اعترض المرجئة على ح كم الخوارج وكونوا رأيا كان بمثا بة الرد على الخوارج فقالوا :نظرا لن اليمان هو
عمود الدين وليس العمل داخلً في اليمان وأنه ل يضر مع اليمان معصية كما ل ينفع مع الكفر طاعة قالوا:
بأن مرتكب الكبيرة مؤمن وأرجؤوا أمر معصيته إلى ال تعالى يوم القيامة ليحكم فيه بما يشاء.
تم تعاظم الخلف بين الفرق السلمية واحتدم الجدل ،وصارت تعقد حلقات المناظرة في مساجد البصرة بهذا
الشأن ومن أهمها حلقة الحسن البصري والقصة التي ذكرناها.
3
وم ما يل فت النتباه أن وا صلً عند ما خرج بهذا الرأي الشاذ الغر يب خالف الخوارج وقال بأن مرت كب ال كبيرة
ل مؤمـن ول كافـر؛ لن الخوارج تقول بكفره ،وافقهـم على تخليده فـي النار يوم القيامـة ،لكنـه اسـتدرك على
نفسه كما يقول البغدادي فقال :يخفف عنه العذاب وتكون دركته فوق دركة الكفار.
و من الطوام ال تي قال ب ها وا صل أ نه قال في عثمان وقاتل يه وخاذل يه ،قال إن أ حد الفريق ين ل محالة فا سق
مخ طئ غ ير أ نه ل ي ستطيع أن يع ين أيه ما المخطىء ،لذا فل يق بل شهادته ما كذلك قال في أ صحاب الج مل
وصفين أن أحدهما مخطئ فاسق وقد يكون الفسقة في الفريقين ،ولما كان يشك فيهما كليهما ول يعرف أيهما
الفاسق ،رفض شهادتهما.
وذهب صاحبه عمرو بن عب يد إلى أب عد من ذلك فح كم بفسق الفريق ين من أصحاب الج مل وصفين ولم يقبل
شهادتهما جميعا.
ول نريد التفصيل في كل آراء المعتزلة وطوامهم لكن نخلص إلى أن محاولة منهم في إيجاد حلول لبعض هذه
المسائل والمشاكل المطروحة ،بسبب الفراغ من جهة ،والترف الفكري من جانب آخر كل هذا وغيره ساعد
على ظهور وبروز المعتزلة وانتشار أفكارهم.
-2العامل الثاني من عوامل ظهور المعتزلة :أثر الديانات الخرى:
بعد أن ظهر السلم وانتشر في الجزيرة لم يبق محصورا فيها بل أخضع المسلمون أراضي كثيرة تحت حكم
السلم ،ولشك أن تلك البلد كانت لها دياناتها قبل السلم.
ففي الشام ومصر كانت المسيحية واليهودية ،وفي العراق وفارس كانت المجوسية .فكان لزاما على المسلمين
أن يعيشوا بين أرباب تلك الديان ،وكان لبد لهم من التصال المستمر بهم وهذا التصال والحتكاك لبد وأن
يكون له تأث ير ،مـع أن أئمـة السـلف كانوا ل يقرون ول يرضون بهذا التأث ير لكـن تـم التأث ير بطرق مختل فة:
-منهـا ترجمـة بعـض الكتـب القديمـة وبعـض العلوم والفلسـفات والتـي أثرت على عقائد بعـض المسـلمين.
-ومنهـا دخول أهـل الملل الخرى فـي السـلم حيـث جاءوا بمعارف مختلفـة أثرت على عقائد المسـلمين.
-ومنها أن بعض من دخل في السلم نقل بعض المعتقدات معه عن غير عمد ونشرها بين أهله ،فكان لها
دور في التأثير.
-ومنها أن بعض من اعتنق السلم لم يكن عن إيمان وإنما لغايات في نفوسهم ،فبعضهم طمعا لمال أو جاه،
وبعضهم بدافع الحقد؛ لن المسلمين هزموا دينهم وهدموا ملكهم ،فصاروا يُروّجون بين أبناء المسلمين أفكارا
ل تقره عقيدتهم فكان لها شأن من التأثير.
ثم لما توطدت أركان دولة السلم وتوسعت أعمالها في عهد بني أمية ،صاروا يعتمدون في تصديق شئون
البلد على أهـل المصـار المتعلميـن فأسـندوا إليهـم أعمال الدواويـن ،وكانوا بل شـك يحيون بيـن ظهرانـي
الم سلمين ويحتكون دوما ب هم والحتكاك يؤدي إلى تبادل الرأي ،والراء سريعة النتقال ،وكان من أولئك من
يثيرون بعض المسائل العقدية بين المسلمين ،وكان العلماء يحذرون الناس من ذلك ومن الخوض فيها لكن قام
من ب ين الم سلمين رجال كان عند هم ش يء من الجرأة و حب ال ستطلع فأقبلوا على ب عض علوم أولئك القوم
4
يدر سونها ويقابلون ها بتعال يم ال سلم ثم كان أولئك الرجال هم المعتزلة ،فكانوا يحتكون بالديانات ال سائدة وهذا
كان عاملً قويا في ظهور المعتزلة ،حيث تأثروا بتلك الديانات.
فكان لليهود بعض الثر في ظهور المعتزلة :فهم الذين نشروا المقالة في خلق القرآن -يروي ابن الثير أن
أول من نشر ها من اليهود هو لب يد بن الع صم -عدو ال نبي -صلى ال عل يه و سلم -الذي كان يقول بخلق
التوراة ،ثم أخذ ابن أخته طالوت هذه المقالة عنه وصنف في خلق القرآن ،فكان أول من فعل ذلك في السلم.
وذكـر الخطيـب البغدادي أن بشرا المريسـي أحـد كبار الدعاة إلى القول بخلق القرآن ،كان أبوه يهوديا صـباغا
في الكوفة ،وبهذا يتضح أثر اليهود في المعتزلة.
أما المسيحية فكان تأثيرهم أكبر وإليك بعض الدلة:
-1المويين -عفا ال عنا وعنهم -قربوا النصارى واستعانوا بهم وأسندوا إليهم بعض المناصب ،فقد جعل
معاوية بن أبي سفيان "سرجون بن منصور الرومي" المسيحي كاتبه وصاحب أمره ،وبعد وفاة معاوية بقيت
لسرجون مكانته ،فكان يزيد يستشيره في الملمّات ويسأله الرأي ،ثم ورث تلك المكانة ولده "يحيى" الذي خدم
المويين ،فاحتكاك المسلمين بأولئك المسيحيين ل يمكن أن يكون قد مضى دون أن يترك فيهم أثرا ،ثم ذكرت
ك تب التار يخ أ نه اشترك الم سلمون والم سيحيون في مناظرات دين ية وطال بين هم الجدل كانوا في غ نى عن ها.
-2ومن الدلة :ما ورد في كتب التاريخ نصوص تشير إلى أن المسلمين أخذوا عن المسيحيين بعض أقوالهم،
فأول مـن تكلم فـي القدر فـي السـلم معبـد الجهنـي الذي أخـذ هذه المقالة عـن نصـراني يقال له أبـو يونـس.
-3ومـن الدلة :الشبـه الكثيـر بيـن عقائد المعتزلة وبيـن أقوال يحيـى ابـن سـرجون كاتـب معاويـة فمنهـا:
-القول بخير ال :كان يحيى يقول :إن ال خير ومصدر كل خير ،والمعتزلة كانوا يذهبون إلى أن ال ل يفعل
الشر.
-ومن ها :القول بالصلح :كان يحيى يرى أن ال يهيء لكل شيء في الوجود ماهو أصلح له ،وهذا شبيه
بعقيدة الصــلح عنــد المعتزلة الذيــن يقولون بأن ال ل يفعــل إل مــا فيــه صــلح العباد.
-ومنهـا :نفـي الصـفات :فكان يحيـى ينفـي الصـفات الزليـة وعقيدة المعتزلة قائم على نفـي الصـفات.
من هذا العرض يتضح لنا أن للديانات الخرى أثر في نشأة المعتزلة وخصوصا اليهودية والمسيحية وأن أثر
المسيحية أكبر من غيره.
-3العامل الثالث من عوامل ظهور المعتزلة :مناصرة بنى العباس لهم:
كان ظهور المعتزلة في العصر الموي ،وكانوا قد أدركوا نقطة مهمة جدا استفادوها من تجارب التاريخ وهو
نقمة ونكاية الخلفاء ببعض الفرق قبلهم كالقدرية ،فعلموا أنه ل بقاء لهم دون سند قوي يشد من أزرهم فخطر
ل هم أن يستعينوا بالسلطة والحكام ،وبذلوا في ذلك وبعد جهاد طويل دام ما يقارب قرنا من الزمان ،حققوا ما
يريدون ،فبدأوا باللتفات حول اليزيد بن الوليد بن عبد الملك ،كذلك التفوا حول مروان بن محمد -آخر خلفاء
بني أمية -حتى أنه صار يلقب بالجعدي؛ لنه تعلم من الجعد بن درهم مذهبة في خلق القرآن ،ولما مضى
المويون وابتدأ حكم العباسيين أخذ المعتزلة يرفعون رؤوسهم في حكم أبي جعفر المنصور -ثاني خلفاء بني
العباس -ذلك أن عمرو بن عب يد كان صديقا ل بي جع فر المن صور ،ق بل أن يتولى الخل فة ثم خ فت صوتهم
5
زمن المهدي ابن المنصور ،حيث كان شديدا على الزنادقة والمخالفين فقد جدّ سنة 167هـ في طلبهم والبحث
عن هم وع ين لذلك موظفا خا صا وق تل من هم جما عة ،ول ما بدأ ع صر الرش يد رفعوا رؤو سهم ثان ية ،ل كن كان
ــم.
ــر بآرائهـ
ــم والجهـ
ــر مقالتهـ
ــروا على نشـ
ــن فلم يجسـ
ــي أمور الديـ
ــد شديدا فـ
الرشيـ
توفي الرشيد فجاء ولده المين وكان أشد من أبيه في مسائل الدين فانكمش نفوذهم واستمروا مضطهدين إلى
أن قُ تل الم ين وخل فه أخوه المأمون فابت سم ل هم الدهر وبدأ دور عز هم وقوت هم؛ لن المأمون كان يع تبر نف سه
من علماء المعتزلة فشايع هم وقرب هم وج عل من هم وزراء ،وكان يع قد المناظرات بين هم وب ين الفقهاء ،وا ستمر
على ذلك حتى كانت السنة التي توفي فيها وهي 218هـ حيث انتقل من المناظرات العلمية إلى التهديد بالذى
الشديـد ،وذلك برأي وتدبيـر وزيره وكاتبـه أحمـد بـن أبـي دؤاد ،وكانـت محنـة المام أحمـد -رحمـه ال-
المشهورة ،وا ستمرت تلك الفت نة طوال مدة المعت صم والوا ثق وذلك لو صية المأمون بذلك ح تى جاء المتو كل
فرفع المحنة.
وهذا العامل بل شك أهم العوامل التي ساعدت على بروز المعتزلة وانتشارهم؛ فبعد أن كانت محصورة كثرت
وتشعبت.
-4العامل الرابع من عوامل ظهور المعتزلة :الدفاع عن السلم:
معلوم أنه بعد انتشار السلم دخل طوائف من المجوس واليهود والنصارى في السلم ،منهم من كان صادقا
ومنهم من كان كاذبا ،وبينهما درجات ،ثم ظهرت فرق مخالفة لمنهج السلف كالمجسمة والروافض وغيرهم.
ثم ظهرت حركات عقائدية مناوئة للسلم كالزنادقة والراوندية ،وبدأ التشكيك في الدين وصارت المناظرات،
فكان للمعتزلة دور بارز في تلك المناظرات مع شتى الملل والنحل ،حيث عُرفوا بعلم الكلم والمنطق والجدل
والفل سفة فارت فع بذلك شأن هم ووضعوا كتبا في الرد والمناظرات كان معظم ها مع الفرس ،وأول من ف عل ذلك
رئيسهم واصل بن عطاء.
تقول زوجته أنه كان إذا جن الليل يصف قدميه يصلي وأمامه لوح ومحبرة فإذا مرت به آية فيها حجة على
مخالف جلس فكتبها ثم عاد في صلته ،وأثر عن عمرو بن عبيد أنه ناظر جرير بن حازم الزدي في البصرة
فقطعه ،وأما أبو الهذيل العلف فقد كان من أكثر من ألف الكتب في نقض مذاهب المخالفين وإبطال حججهم،
وكان هناك ر جل ي سمى ميلس مجو سيا فأ سلم و سبب إ سلمه أ نه ج مع ب ين أ بي الهذ يل وب ين ب عض الثنو يه
فقطعهم أبو الهذيل وأظهر باطلهم.
كذلك النظام عرف بقوة الحجة والمناظرة ،وأيضا بشر بن المعتمر ألّف أرجوزة في أربعين ألف بيت رد فيها
على المخالفيـن جميعا ،وأيضـا كانوا يرسـلون الوفود مـن أتباعهـم لهذا الغرض إلى البلد التـي يكثـر فيهـا
المجوس أو الوثنييـن فقـد أرسـل واصـل بـن عطاء عبـد ال بـن الحارث إلى المغرب وحفـص بـن سـالم إلى
خراسان فأجابهما خلق كثير ودخلوا في السلم.
فهذا الجهد الذي بذله المعتزلة دفاعا عن الدين والدعوة له كان من العوامل التي أظهرتهم ونشرت مذهبهم.
-5العامل الخامس :دراسة الفلسفة:
6
حيـن أخـذ المعتزلة على أنفسـهم مهمـة الدفاع عـن العقائد السـلمية والدعوة إليهـا وحيـن تعرضوا لمخالفيهـم
يجادلونهم تبين لهم أن أولئك القوم أمضى منهم سلحا وأقدر على الجدل والمناظرة ،وكان لهم معرفة بالفلسفة
والعلوم العقليـة ،فاسـتطاعوا أن يرتبوا عقائدهـم على أصـول فلسـفية وأن يوجدوا لنفسـهم كلما منطقيا مدققا.
عندها شمّر المعتزلة عن سواعدهم لمناهضتهم ووجدوا أنفسهم أنهم لن يتمكنوا من مجاراتهم ول الغلبة عليهم
مـا لم يعمدوا مثلهـم إلى دراسـة الفلسـفة ،فأقبـل المعتزلة على دراسـة الفلسـفة؛ لجـل أن يتأتـى لهـم محاربـة
خصومهم بنفس سلحهم.
ولعل هذه الحاجة الماسة إلى الفلسفة عندهم هي التي دفعت المنصور إلى تشجيع الترجمة ،ولعلها أيضا هي
التي حملت الرشيد والمأمون على الهتمام بنقل الكتب اليونانية إلى العربية.
يقول المقريزي :إنه ترجم بأمر المأمون في بضعة أعوام عددا من الكتب فتلقاها المعتزلة وأقبلوا على تصفحها
والنظر فيها.
وأول معتزلي استفاد من تلك الكتب النظّام .يقول الشهرستاني بأن النظّام طالع كثيرا من كتب الفلسفة وخلط
كلمهم بكلم المعتزلة ثم اقتدى به غيره فكان المعتزلة أقدم المتكلمين في السلم.
وهنا نقطة هامة ينبغي التنبيه إليها وهي:
أن المعتزلة في أول أمرهم لجؤوا إلى دراسة الفلسفة ل لذاتها وإنما ليستخدموها في الرد على خصوم الدين،
إل أنهم بذلك دخلوا في دور جديد من أدوار تاريخهم؛ هذه الفلسفة أحدثت في حياتهم انقلبا خطيرا نتج عنه
أمران:
الول :أن هم صاروا يعظمون الفل سفة اليونان وينظرون إلي هم نظرة أ سمى من النظرة ال سابقة ،ح تى و صل
المر إلى أنهم اعتبروا أقوالهم مكملة لتعاليم الدين.
المر الثاني :أن المعتزلة أخذوا يبتعدون عن أهدافهم الدينية؛ فبعد أن كان دفاعا عن الدين صار انصرافا إلى
الم سائل الفل سفية والب حث في مواض يع الفل سفة البح تة كالحر كة وال سكون والجو هر والعرض والوجود والعدم
والجزء الذي ل يتجزأ ،وكل هذا ساعدهم على الظهور والشتهار.
نقولت لبعض أقوال أئمة المعتزلة والتي تدل على تناقض هذا المذهب وعلى أنهم هم ل يفهمونه في كثير من
الحيان:
-القول بنفي الصفات الثابتة ل في الكتاب والسنة ،والحجة في ذلك أنه يستحيل وجود إلهين قديمين أزليين،
ومن أثبت معنى وصفة قديمه فقد أثبت إلهين.
-أن علم ال -سبحانه وتعالى -هو ال وقدرته هي هو.
-المكلف قبل ورود السمع "أي الوحي" يجب عليه أن يعرف ال تعالى بالدليل من غير خاطر ،وإن قصّر في
المعرفة استوجب العقوبة أبدا.
-إرادة ال غير المراد ،فإرادته لما خلقه هي خلقه له ،وخلق الشيء عنده غير الشيء ،بل الخلق عنده قول ل
في محل.
7
-الحجة في الخبار الماضية الغائبة عن الحواس ل تثبت بأقل من عشرين رجلً ،فيهم واحد أو أكثر من أهل
الجنة.
ـر.
ـل تقديـ
ـة على أقـ
ـل الجنـ
ـن أهـ
ـد مـ
ـن وليا واحـ
ـن عشريـ
ـر ل تخلو مـ
ـل عصـ
ـي كـ
ـة فـ
-المـ
-ل يوصف الباري تعالى بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل النار شيئا ،ول على أن ينقص منه شيئا وكذلك
ــس ذلك مقدورا له.
ــا وليـ
ــن أهلهـ
ــة أو يخرج أحدا مـ
ــل الجنـ
ــم أهـ
ــن نعيـ
ــص مـ
ل ينقـ
-ل عرض في الدن يا إل الحر كة ،وأن ال سكون حر كة اعتماد والعلوم والرادات من جملة الحركات؛ لن ها
حركات النفس.
معادنـ ونباتا
َ -الكمون :مـا هـو الكمون؟ هـو أن ال خلق الموجودات دفعـة واحدة على مـا هـي عليـه الن،
وحيوانا وإنسانا ولم يتقدم خلق آدم -عليه السلم -على خلق أولده ،غير أن ال تعالى أكمن بعضها في بعض
فالتقدم والتأخر إنما يقع في ظهورها في مكانها دون حدوثها ووجودها.
-أن كل ما جاوز حد القدرة من الف عل ف هو من ف عل ال تعالى بإيجاب الخل قة ،أي أن ال تعالى ط بع الح جر
طبعا وخلقه خلقةً إذا دفعته اندفع وإذا بلغت قوة الدفع مبلغها عاد الحجر إلى مكانه طبعا.
-الطفرة :و هو أن الج سم يكون في المكان الول ثم ي صير م نه إلى المكان العا شر من غ ير مرور بالمك نة
المتوسطة بينه وبين العاشر ومن غير أن يصير معدوما في الول ومُعادا في العاشر!
-عوام الدهريــة والزنادقــة فــي الخرة ل يكونون فــي جنــة ول نار ،بــل إن ال يجعلهــم ترابا.
-إن الن سان ل يس ال صورة ال تي نشاهد ها وإن ما هو ش يء فـي هذه ال صورة يت صف بالعلم والحياة والقدرة
والرادة ،ثـم ل متحرك ول سـاكن ول يحـل موضعا دون موضـع ول يحصـره زمان ومـع ذلك فهـو المدبر
للجسد ،وإذن فعلقته بالجسد علقة تدبير وتصريف وليست علقة حلول وتمكن.
-المعجزات ليست من فعل ال؛ لنها أعراض ،وال ل يخلق العراض وإنما تخلقها الجسام.
-النار من طبيعت ها أن ها تعلو على كل ش يء ،إن كا نت نق ية من الشوائب ح تى تتجاوز ال سماوات والعرش.
-وكم في هذا القول من روائح المجوسية .-
-الن سان يخلق اللون والرائ حة وال سمع والب صر وجم يع الدراكات على سبيل التولد ،وكذلك يخلق الحرارة
والبرودة.
-من تاب عن كبيرة ثم راجعها عاد استحقاقه العقوبة الولى.
-ال ل يؤلف بين قلوب المؤمنين بل هم المؤتلفون باختيارهم.
-من كان مؤمنا إل أنه في علم ال يموت كافرا فهو الن عند ال كافر وكذلك العكس من كان كافرا إل أنه
في علم ال يموت مؤمنا فهو الن مؤمن.
-الجنة والنار غير مخلوقتين الن إذ ل فائدة في وجودهما جميعا خاليتين.
-فساق هذه المة شر من اليهود والمجوس والزنادقة.
-من سرق حبة واحدة وهو ذاكر لتحريمها فهو منسلخ من اليمان والسلم مخلد في النار.
-إن ال تعالى قادر على ظلم الطفال والمجانين ،وليس بقادر على ظلم العقلء البالغين.
8
-القرآن الكريم جسم فيجوز أن ينقلب مرة رجلً ومرة حيوانا.
-إن ال ل يدخل أحدا النار بل هي تجذب أهلها بطبعها ،ثم أهلها في النهاية يصيرون إلى طبيعة النار نفسها.
-إن ال ل يرى نفسه ول يراه غيره.
-ل تقبل توبة الكاذب بعد خرس لسانه عند الكذب.
هذه بعض أقوال أئمة المعتزلة ومن وافقهم عن معتقدهم الفاسد:
وهناك نقولت لم أنقلها عنهم لما فيها من الشناعة في الكلم خصوصا المتعلقة بال -عز وجل.-
وهنا نقطة ينبغي التنبيه عليها وهي أننا عندما نقول بأن بعض أقوال أئمة المعتزلة فإن هذا ل يستلزم بأن كل
معتزلي يعتقـد ويقول كـل مـا مضـى مـن القوال؛ فإن المعتزلة هـم بأنفسـهم قـد افترقوا إلى مـا يقارب اثنيـن
وعشرين فرقة ،وكل فرقة تقول ببعض ما مضى من القوال ول تعتقد ببعضها ،وقد تقول بغيرها ،لكن جميع
فرق المعتزلة يتفقون ويقولون بما ي سمى عند هم الصول الخم سة ،فالثن ين والعشر ين فر قة يجمعها الصول
الخمسة ويختلفون فيما بينهم في بقية الراء.
وهذا ينقلنا إلى الحديث عن هذه الصول الخم سة ،لكن قبلها أسرد عليكم سردا فقط الثنين والعشر ين فر قة
للمعتزلة وهذه الفرق هـي :الواصـلية ،العمرويـة ،الهذليـة ،النظاميـة ،الثماميـة ،المعمريـة ،البشريـة ،الشاميـة،
المردار ية ،الجعفر ية ،ال سوارية ،ال سكافية ،الخابط ية ،الحدي ثة الموي سية ،ال صالحية ،الجاحظ ية ،الشحام ية،
الخياطية ،الجبائية ،الكعبية ،البهشمية ،الحمارية.
أما أصولهم الخمسة فهي :التوحيد ،العدل ،الوعد والوعيد ،المنـزله بين المنـزلتين ،المر بالمعروف والنهي
عن المنكر.
الصل الول :التوحيد عند المعتزلة:
التوح يد ع ند المعتزلة يدور حول ما يثبت ل و ما ين فى ع نه من ال صفات ،ومذ هب المعتزلة في ال صفات ك ما
سـيأتي ،ويتـبين بعـد قليـل هـو النفـي ،والسـلف لم يبحثوا فـي الصـفات ولم يقولوا فيهـا شيئا فكيـف نشأت هذه
المشكلة؟.
إن أول من تكلم في الصفات في السلم الجعد بن درهم ،فإنه نفاها وقال بخلق القرآن ،وعن الجعد أخذ الجهم
بن صفوان هذه المقالة ونشرها في خراسان.
و قد أن كر الم سلمون هذا القول ونظروا إل يه كبد عة ،فضللوا الجهم ية وحذروا الناس من هم وذموا من جال سهم
وكتبوا في الرد عليهم ،ثم إن المعتزلة لما ظهروا أخذوا في جملة ما أخذوه من الجهمية القول بنفي الصفات.
مؤ سس مذهب العتزال واصل بن عطاء كان ينفي ال صفات؛ معتقدا أن إثبات ها يؤدي إلى تعدد القدماء ،وذلك
شرك ولذا كان يقول" :إن من أثبت ل معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين".
نلحـظ أنـه مـن خلل اسـتدللهم العقلي التزموا بنفـي الصـفات ،وأداهـم ذلك إلى إثبات خلق القرآن وإلى عدم
رؤية المؤمنين ل سبحانه يوم القيامة ،وإلى نفي استواء ال على عرشه كما يأتي تفصيله بعد قليل وكل هذا
هو التوحيد عند المعتزلة ،فناقضوا بذلك محض العقيدة السلمية.
9
ومن شأ ن فى ال صفات ع ند المعتزلة ،أن هم أثبتوا وجود ال ابتدا ًء بالع قل وبطري قة الحدوث :فقالوا :إن الج سام
يوجـد بهـا أعراض معينـة -وهـي كـل مـا يطرأ على الجسـم مـن تغيرات -كالحركـة والسـكون والجتماع
والفتراق و صفات الج سام فالج سم يتحرك ثم ي سكن ،و قد يكون ساكنا ثم يتحرك فهذه أعراض يتعرض ل ها
خلف ذاته ،وهذه العراض التي هي الحركة والسكون ...حادثة؛ لنها تتغير والقديم ثابت ل يتغير ول يطرأ
عليه تبديل ،وقد رأينا أن كل جسم ل يخلو من أعراض في كل وقت على الدوام.
فالجسام إذن محدثة -أي حدثت بعد أن لم تكن -وليست قديمة ،ثم إذا ثبت أن الجسام محدثة فلبد لها من
مُحدث؛ إذ إنها ل تخلو من أن تكون أحد ثلثة أقسام:
إما مستحيلة الوجود :وهذا خلف الغرض؛ لننا نتحدث عن أجسام موجودة.
وإمـا واجبـة الوجود :وهذا مسـتحيل؛ لن الواجـب الوجود بنفسـه ل يقبـل العدم ،والمحدث كان معدوما قبـل
وجوده.
وإ ما ممك نة الوجود :وعلى هذا التقد ير يكون المحدث دائر ب ين احتمال ين ،إمكان وجوده أو إمكان عدم وجوده
وكلهمـا متسـاويان ،وحدوث المُحدَث وإيجاده بعـد العدم بالفعـل يحتاج إلى مرجـح ليرجـح إيجاد المحدث فـي
وقت مخصوص ومكان مخصوص ،وهذا المرجح هو ال.
ثم لما تم لهم إثبات الصانع بهذا السلوب فكروا في صفاته اللهية التي وصف ال بها نفسه كالسمع والبصر
والعلم واليد والرضى والغضب إلى سائر صفاته سبحانه التي أثبتها لنفسه.
قالوا :إ نه قد تبين ل نا أن ال صفات هي أعراض للج سام ف هي محد ثة ،ولو أثبت نا ل صفة قدي مة فكأن نا نقول
بقديميـن؛ وذلك حيـث أن الصـفات زائدة على الذات لمـا عرف مـن اختلف الصـفة عـن الموصـوف.
إذن :فال ل يجوز أن يوصف بصفة فيها معنى إيجابي كالعلم والقدرة بل المثل هو أن نصفه بصفات سلبية
محضة.
فقالوا :بأن ال ليس بجسم ول شبح ول جثة ول صورة ول لحم ول دم ول شخص ول جوهر ول عرض ول
بذي لون ول طعـم ول رائحـة ول بحـس ول بذي حرارة ول برودة ول رطوبـة ول يبوسـة ول طول ول
عرض ول عمق ول اجتماع ول افتراق ول يتحرك ول يسكن ول يتبعض وليس بذي أبعاض ول أجزاء ول
بذي جهات ول بذي يمين وشمال ...إلى آخر ما وصفوه به من سلوب بل ول...
أما عن صفاته كالسمع والبصر فقد منعوا ذلك وقالوا :عليم بل علم ،وقادر بل قدرة ،وسميع بل سمع ،وبصير
بل بصر ...وهكذا.
وقد فسر بعض المعتزلة بأن معنى علمه أنه ل يجهل ومعنى قدرته أنه ل يعجز ...وهكذا.
ثم عرجوا على سائر صفات ال تعالى التي أثبتها لنفسه كاليد والعين والوجه وقالوا :إن ذلك مناف للتنـزيه
اللئق بال تعالى ،كما أنه يستدعي أن يكون له جسم فل بد من تأويل اليات التي ورد فيها ذكر هذه الصفات،
فزعموا أن وجه ال هو ال ،وأن يد ال كرمه ،وأن عينه علمه وإحاطته؛ بدعوى التنـزيه عن مشابهة الخلق
للخالق.
10
وقالوا بنفي الستواء على العرش من حيث أن الستواء ل يكون إل من جسم مماس لجسم آخر وهذا ل يكون
في حق ال تعالى ،فذهبوا إلى تأو يل آيات ال ستواء إلى أ نه ال ستيلء ،ونفوا علو ال على خل قه؛ بدعوى أن
ذلك ي ستلزمه أن يكون متحيزا في ج هة وال ل يتح يز ول تحده الحدود ،وقالوا إذا قل نا أ نه في ج هة ف هو إذن
موجود داخل شيء مخلوق وهو الجهة هذا هو التوحيد عند المعتزلة.
وقالوا أيضـا إن القرآن مخلوق .إذ لو كان القرآن كلم ال غيـر مخلوق لكان قديما مـع ال ،وهذا قول -على
حد زعمهم -أن هناك إلهين.
وأيضا قالوا :بأن القرآن يشتمل على أوامر ونوا هٍ وحوادث وقصص قد وقعت في أزمنة متعددة ،فل يمكن أن
يكون ال لم يزل متكلما بها منذ الزل.
وقال بعضهم بأن كلم ال جسم وأنه مخلوق وأنه ل شيء إل جسم ولهم في ذلك شبه طويلة وعريضة ،ليس
هذا مجال بسطها والرد عليها فمن أرادها رجع إلى مظانّها.
و من جملة التوح يد ع ند المعتزلة :أن هم أنكروا رؤ ية ال في الخرة وقالوا أ نه ل يم كن أن يراه المؤ من في
ُوهه َي ْومَئِذٍ نّاضِرَةٌ* إِلَى
الخرة ،فعمدوا إلى اليات القرآنيـة وقالوا بأنهـا مجاز فأولوهـا فمثل قوله تعالىُ { :وج ٌ
رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [( )23-22سورة القيا مة] قالوا بأن كل مة -إلى -بمع نى ِنعَ مْ ،مش تق من اللء ولي ست حرف جر،
وناظرة بمعنى منتظرة ،فيكون معنى الية وجوه يومئذ ناضرةِ ،نعَمَ ربها منتظرة.
وقوله تعالى{ :لّلّذِي نَ َأحْ سَنُواْ ا ْلحُ سْنَى َوزِيَادَةٌ} [( )26سورة يو نس] قالوا :الزيادة هو ما يزيد على الثواب وهو
التفضل ويدل عليه قوله تعالى{ :وَيَزِي َدهُم مّن فَضْلِ هِ} [( )38سورة النــور] ،وهكذا تتبعوا جميع اليات المثبتة
للرؤية فأولوها.
أ ما الحاد يث فقالوا أن ها أحاد يث آحاد ،وأحاد يث الحاد ل تؤ خذ من ها العقيدة ،بل طعنوا في صحة أ سانيدها
ورواتها ،والشقان من كلمهم غير صحيح؛ فقولهم بأنها أحاديث آحاد غير صحيح بل إن الحاديث الدالة على
الرؤية كما يقول شارح الطحاوية أحاديث متواترة رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن.
وقولهم بأن أحاديث الحاد ل تؤخذ منها العقيدة أيضا قول غير صحيح ،بل ومردود عليهم فالحديث إذا ثبت
صحته سواء كان متواترا أم آحادا يؤخذ منه الفقه ويؤخذ منه العقيدة ،وليس هذا مجال بسط هذه المسألة لكن
هذا هو خلصة مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة.
ومن توح يد المعتزلة أيضا إنكار جميع الصفات الخبر ية كالو جه وال يد والع ين والساق ،وقالوا بأن هذا تجسيم
وال منـزه عن التجسيم.
فأولوا الوجه وقالوا بأن المراد بالوجه هو الذات ،وأولوا اليد وقالوا بأن المراد بها القدرة أو القوة أوالنعمة.
وقالوا عن العين بأن المراد بها العلم ،والساق قالوا المراد بها الشدة.
الصل الثاني :العدل:
العدل عند المعتزلة هو البحث في أفعال ال تعالى ،ويعرفون العدل بأنه بيان أن أفعال ال كلها حسنة ،وأنه ل
يفعل القبيح ول يخل بما هو واجب عليه ،وبناء على هذا فإذا كان ال ل يفعل القبيح بوجه من الوجوه فكذلك
ل يريده ،واستدل المعتزلة على أنه تعالى ل يريد القبيح بأدلة منها قوله تعالى{ :وَاللّ هُ لَ ُيحِبّ الفَ سَادَ} [()205
11
ِهه الْ ُكفْرَ} [( )7سـورة الزمـر] وتر تب على هذا الكلم و هو مبالغـة
سـورة البقرة] ،وقوله تعالى{ :وَلَا َيرْضَى ِلعِبَاد ِ
المعتزلة في نفي القبيح عن ال أن نفوا أن يكون خالقا لفعال العباد ،وأن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه؛ لن
أفعاله منها ما هو حسن ومنها ما هو قبيح ،فلو كان ال خالقها لكان فاعلً للقبيح.
فيقال لهم :أما أن أفعال ال كلها حسنة وأنه ل يفعل القبيح فهذا مما نتفق معكم ،وأما أنه تعالى ل يخل بما هو
واجب عليه :فإن أهل السنة يفصلون في هذا ،فإن كان المراد بالواجب شيء أوجبه غيره عليه فهذا ل نوافقكم
عليه؛ لنه يلزم أن ل يكون تعالى فاعلً مختارا ،وهذا باطل بالدلة الدالة على أنه تعالى له التصرف المطلق
فيما شاء من مخلوقاته.
وإن كان المراد بالوا جب ما أوج به الرب سبحانه على نف سه ،فهذا نوافق كم عل يه ،ل كن ل نع تبر هذا الوا جب
متحتما عليـه بحيـث لو لم يفعله تعالى لخـل بمـا هـو واجـب عليـه؛ لن هذا الواجـب تفضـل مـن ال تعالى
والمتفضل مختارٌ بما تفضل به.
وبناء على هذا الكلم فإن عدل المعتزلة أدى إلى نفـي القدر ،وقالوا :إن العدل يسـتلزم أن ل يحاسـب أحدا إل
ك ِبظَلّا مٍ لّ ْلعَبِيدِ} [( )46سورة فصلت] فهذا يستدعي أنه لم يقدر شيئا على
على ما جنت يداه ،وال يقولَ { :ومَا َربّ َ
عباده ولم ي قض علي هم بأمره في الزل ،بل إن العباد مختارون لفعال هم ،أحرار في عمل ها بكا مل مشيئت هم
وإرادتهم ،والرادة اللهية ل دخل لها بهذه الفعال التي يقوم بها العباد.
هذَا ِمنْ عِندِ اللّ هِ} [( )79سورة
ن َ
واستدلوا على ذلك بقوله تعالىَ { :فوَ ْيلٌ لّلّذِينَ َيكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِ ْم ُثمّ يَقُولُو َ
ه وَمَها
ه خَ َل َقكُم ْ
البقرة] وأولوا اليات الدالة الصـريحة على أن ال هـو الخالق لفعال العباد مثـل قوله{ :وَاللّه ُ
يءٍ} [( )62سورة الزمر].
شْتَ ْعمَلُونَ} [( )96سورة الصافات] وقوله{ :الّلهُ خَالِقُ ُكلّ َ
ومن العدل عند المعتزلة مسألة التحسين والتقبيح :تقول المعتزلة بأن العقل هو الحاكم بالحسن والقبح ،أي أن
العقل يعلم العلم الكامل بحسن الفعل وقبحه! بل ذهبوا إلى أبعد من هذا وهو أن العقل يحكم على الفعل أيضا
إما بالثواب أو بالعقاب!!
يقول أبـو الهذيـل -وهـو أحـد منظري المعتزلة -يقول" :ويجـب على المكلف قبـل ورود السـمع أن يعرف ال
تعالى بالدليل من غ ير خا طر ،وإن ق صر في المعر فة ا ستوجب العقو بة أبدا ،ويعلم أيضا ح سن الح سن وق بح
القبيـح فيجـب عليـه القدام على الحسـن كالصـدق والعدل والعراض عـن القبيـح كالكذب والفجور".
وقالوا أيضا بأن الشرع إنمـا يأتـي ليقرر مـا يراه العقـل وليـس ليثبتـه ابتداءً ،وبنوا على معتقدهـم هذا أمريـن:
الول :أن التوح يد الذي هو أح سن المور وأفضل ها وكذلك الفعال ح سنها وقبيح ها يم كن إدراك ها بالع قل ق بل
إرسال الرسل ،ومن ثم فالنسان مثاب ومعاقب على ما يفعله من حسنات أو سيئات حتى دون إرسال الرسل
وإنزال الكتب.
الثاني :أن العقل هو الحكم النهائي في إدراك حسن الفعال وقبحها ومن ثم فهو الحكم في قبول ما ورد من
أحاديث تحسن بعض الشياء وتقبح بعضها ،مثاله :إذا أَدّاهم العقل إلى عدم صحة أو معقولية أن يغسل النائم
يده بعد الستيقاظ من النوم قبل وضعها في الناء فهو القول عندهم وإن ورد الحديث الصحيح بذلك.
12
ول شك من وضوح انحراف المعتزلة في هذا الباب ،ولذا فأهل السنة والجماعة يرون بأن الفعال في نفسها
حسنة وقبيحة وأن هناك من المور ما يمكن للعقل أن يدرك حسنها وقبحها ،لكن ل يترتب على حسنها ثواب
ث َر سُولً} [( )15سورة ال سراء]،
ن حَتّى نَبْعَ َ
ول على قبحها عقاب إل بالشرع؛ كما قال تعالىَ { :ومَا كُنّا ُمعَذّبِي َ
وأيضا هناك من المور مال يدرك حسنها وقبحها بالعقل ،مثل حسن الصدق الضار أو قبح الكذب النافع ،ول
شك أن مثل هذه المور تحتاج إلى تعريف من الشارع ويضبط بإطار الشرع.
ومن العدل عند المعتزلة :مسألة أفعال العباد :المعتزلة يقسمون أفعال العباد إلى قسمين :أفعال مباشرة وأفعال
تولد:
أولً :الفعال المباشرة وهـي الفعال الختياريـة للعبـد ،هذه باتفاق المعتزلة أنهـا مخلوقـة للعباد ،وأن ال غيـر
ح َم نِ مِن
خالق ل ها ،ول هم في ذلك أدلة نقل ية وعقل ية :ف من أدلت هم النقل ية قوله تعالى{ :مّ ا تَرَى فِي خَلْ قِ الرّ ْ
تَفَاوُ تٍ} [( )3سورة الملك] ،قالوا وأفعال العباد فيها تفاوت ،فيقال لهم استدللكم بهذه الية ناتج عن سوء فهمكم
ـير.
ـن علماء التفسـ
ـبي وغيره مـ
ـا قال ذلك القرطـ
ـماوات ،كمـ
ـي السـ
حمَن هِ} هـ
فالمراد بـ ـ{خَلْق هِ الرّ ْ
يءٍ} [( )88سورة الن مل] ،قالوا بأن أفعال العباد لي ست
شْ
وأي ضا ا ستدلوا بقوله تعالى { :صُنْ َع اللّ هِ الّذِي أَ ْتقَ نَ ُكلّ َ
كلهــا متقنــة ،فإن أفعال العباد يشمــل على التهود والتنصــر والتمجــس وليــس شيئا مــن ذلك متقنا.
يُرد علي هم :بأن التقان ل يح صل إل في المركبات فيمت نع و صف العراض ب ها ،وإذا لم تو صف العراض
بالتقان بطل الستدلل بالية.
ومن أدلتهم العقلية :قالوا :لو كان تعالى هو الخالق لفعلهم ،لوجب أن ل يستحقوا الذم على قبيحة والمدح على
حسنه؛ لن استحقاق الذم والمدح على فعل الغير ل يصح.
نقول بأن كلمكم هذا ينبني عليه أن العباد ل فعل لهم ،بمعنى أنهم مجبورون على ما يكون منهم من تصرفات
وهذا الكلم ظاهر البطلن وأهل السنة ل يقولون به.
وبعضهم حاول التوفيق فقال بأن الفعال من الخلق ومن ال ،أي مشتركة بينهما ،وهذا القول أيضا باطل؛ لن
الشركة بين المشتركين ل يجب إل باتفاقهما فيما اشتركا فيه.
فالف عل خلق ال وك سب الع بد وبرهان ذلك :إن أموال نا ملك ل نا وملك ل -عز و جل -بإجماع م نا أ هل ال سنة
والمعتزلة ،وليـس ذلك بموجـب أن نكون شركاء فيهـا؛ لختلف جهات الملك؛ لن ال تعالى إنمـا هـو المالك
لها؛ لنها مخلوقة له تعالى ،وهي ملك لنا؛ لنها كسب لنا وملزمون بأحكامها ،ومثل ذلك أفعالنا فهي مخلوقة
ل وكسب لنا ،فلسنا شركاء له.
ومن أدلتهم العقلية قالوا :إن أفعالنا واقعة على حسب قصدنا ،فوجب أن تكون خلقا لنا؛ فإن الواحد منا إذا أراد
أن يقوم قام ،وإذا أراد أن يقعـد قعـد ،وإذا أراد أن يتحرك تحرك ،وإذا أراد أن يسـكن سـكن ،وغيـر ذلك ،فإذا
حصلت أفعاله على حسب قصده دل ذلك على أن أفعاله خلق له.
يُرد عليهم :بأن هذا الكلم ليس بصحيح على إطلقه؛ فإنا نرى من يريد شيئا ويقصده ول يحصل له ما يريده،
وما يقصده فإنه ربما أراد أن ينطق بصواب فيخطئ وربما أراد أكلً لقوة وصحة فيضعف ويمرض ،وربما
13
ابتاع سـلعة ليربـح فيخسـر ،وربمـا أراد القيام فيعرض له مـا يمنعـه منـه ،إلى غيـر ذلك فبطـل بهذا اسـتدلل
المعتزلة وصح أن فعله خلق لغيره.
ومن أدلتهم العقلية :نفي الظلم عن ال تعالى ،قالوا :إن أفعال العباد ما هو ظلم وجور ،فلو كان تعالى خالقا لها
لوجب أن يكون ظالما جائرا.
الرد :هذا اللزام غيـر صـحيح؛ لن كون ال تعالى خالقا ل يوجـب أن يتصـف بمـا خلق مـن ظلم وكذب
ومعصية؛ لن هذه الصفات إنما هي لمن قامت به ،فالظلم مثلً صفة للظالم ،أل ترى أن اللون السود صفة
ل من قام به ال سواد ول يكون صفة ل تعالى ،وإن كان سبحانه هو خالق ال سواد فكذلك الظلم والكذب صفات
لمن حلت به ول يوجب ذلك وصف خالقها بها.
نخلص إل أن رأي أهـل السـنة فـي أفعال العباد المباشرة الختياريـة أن أفعال العباد خلق ال وكسـب العبـد
بمن ـزلة ال سباب للم سببات فالعباد ل هم قدرة ومشيئة بإرادة ،لكن ها داخلة تحت قدرة ال ومشيئته وإراد ته ك ما
قال تعالىَ { :ومَا َتشَاؤُو نَ إِلّا أَن َيشَاء اللّ هُ} [( )30سورة النسان] ،فالمضاف إلى ال هو خلقها ،والمضاف إلى
العباد والذي عليه الحمد والذم هو كسبها قال تعالىَ{ :لهَا مَا كَسَبَتْ َوعَلَ ْيهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [( )286سورة البقرة )].
ثانيا :أفعال التولد :يق صدون بأفعال التولد هي الفعال ال تي تتولد من ف عل الن سان نف سه ،هذه ناقش ها المعتزلة
هل هي من ف عل الن سان أم من ف عل ال أم من ف عل الطبي عة ك ما قال بعض هم؟ ول عل المثال يو ضح مراد هم
بأفعال التولد :ذ بح ش خص حيوانا ،ف هل خروج الروح -الذي يع تبره المعتزلة الن أ نه ف عل متولد؛ لن الف عل
المباشر هو الذبح -فهل خروج الروح من فعل الذابح أيضا كفعله للذبح؟.
مثال آخر :رجل أسقط حجرا من رأس جبل ،ثم مات الرجل في الفترة من إسقاط الحجر إلى أن يصل الحجر
إلى أ سفل الج بل ،وبعد ما و صل الح جر سقط على ش خص آ خر فمات ف هل مق تل الش خص الثا ني من ف عل
الول؟.
هذه المسـألة اختلف فيهـا المعتزلة أنفسـهم ،فقال بعضهـم بأن أفعال التولد مـن فعـل العبـد وخلقـه كالفعال
المباشرة ،وقال بعض هم بل هي من ف عل ال ل كن فعله المبا شر من خل قه هو ،وقال آخرون بل إن الفعال
المتولدة من فعل الطبيعة.
والمتأمـل لهذه المسـألة يرى كيـف أن التعمـق أحيانا فـي القضايـا العقليـة يؤدي بالنسـان إلى دركات ل تحمـد
عقباهـا ،وإل فإن المسـألة واضحـة وضوح الشمـس ول الحمـد عنـد أهـل السـنة وهـو أن الفعال الختياريـة
المباشرة إذا كانت من خلق ال فإن أفعال التولد من باب أولى أن تكون من خلق ال؛ لنها متولدة من الفعال
الختيار ية ،ثم إن الذي يهم نا في هذا الجا نب الناح ية العمل ية م نه و هي مدى م سئولية الع بد ع ما يتر تب على
فعله من آثار ،فإنه بشكل عام إن ترتب عليه خير أثيب عليه وإن ترتب عليه أذى فالقصد والنية لهما دخل في
المر سواء في الدنيا أو في الخرة ،وهو في كل حال مؤاخذ بما جنت يداه قصد إليه أم لم يقصد طالما أن
الذى ل حق بغيره ،وأ ما في الخرة فإ نه إن كان قا صدا للذى عو قب عل يه واقتُص للع بد م نه ،وإن لم ي كن
قاصدا فعفو ال واسع ورحمته سابغة.
14
ومن العدل عند المعتزلة :مسألة الصالح والصلح :يقول المعتزلة بأن ال يجب عليه فعل الصالح ،بل هو ل
يقدر على أن يفعل خلف ما ف يه صلحهم ،ول يقدر أن ينقص من نعيم أهل الج نة ذرة؛ لن نعيمهم صلح
لهم ،ونقصان ما فيه صلحهم ظلم.
واختلفوا في الصلح وجمهورهم أن الصلح أيضا يجب على ال وأنه إن لم يفعل الصالح والصلح لهم كان
ظالما لهم.
ول شك في بطلن هذا القول فإ نه ل أ حد يو جب على ال ف عل ش يء أو تر كه ،وقول هم هذا يدل على أن هم لم
يقدروا ال حق قدره.
ورأى أهل السنة هذه المسألة بأنه اقتضت حكمة ال البالغة ورحمته الواسعة أن ل يفعل شيئا إل لحكمة وعلة
مقصودة ،فإنه تنـزه سبحانه عن العبث.
وقد أجمع أهل السنة على أن أحكامه سبحانه معللة بالمصالح ،أي أنها تراعي مصلحة البشر بشكل عام ،وإن
لم يم كن أن نتت بع تلك الم صلحة في أفراد الناس و في كل حالة على حدة ،ك ما أن الم صالح ال تي يق صد ال حق
إليها ليست متعلقة بأحكام الدنيا فقط بل هي تشمل خيري الدنيا والخرة والعقل البشري قاصر على أن يصل
إلى الحاطة بتلك السرار والحكم على وجه التفصيل.
فالمعتزلة يقولون هو واجب على ال سبحانه أن يراعي الصلح للناس؛ فهو مقتضى عدله ،وأهل السنة يقولون
بل هو تفضل وم نّ من ال تعالى على عباده ،وهو مقتضى عدله وحكمته ورحمته وعلمه وشتان بين القولين.
و من أج مل من رد على هذه الم سألة المام الغزالي -رح مه ال -فقال ل هم :نفرض ثل ثة أطفال مات أحد هم
و هو م سلم في ال صبا وبلغ ال خر وأ سلم ومات م سلما بالغا ،وبلغ الثالث كافرا ومات على الك فر ،فإن العدل
عند كم أن يخلد الكا فر البالغ في النار ،وأن يكون للبالغ الم سلم في الج نة رت بة فوق رت بة ال صبي الم سلم ،فإذا
قال الصبي يا رب :لم حططت رتبتي عن رتبته؟ فيقول :لنه بلغ فأطاعني ،وأنت لم تطعني بالعبادات ،فيقول:
يا رب لنك أمتني قبل البلوغ فكان صلحي في أن تمدني بالحياة حتى أبلغ فأطيع فأنال رتب ته ،فلم حرمتني
هذه الرتبة أبد البدين ،وكنت قادرا على أن تؤهلني لها؟
فل يكون له جوابا إل أن يقول :علمت أنك لو بلغت لعصيت وما أطعت وتعرضت لعقابي وسخطي ،فرأيت
هذه الرتبة النازلة أولى بك وأصلح لك من العقوبة ،فينادي الكافر البالغ من النار ،ويقول يا رب أو ما علمت
أ ني إذا بل غت كفرت؟ فلو أمت ني في ال صبا وأنزلت ني في تلك المن ـزلة النازلة لكان أ حب إلي من التخل يد في
النار وأصـلح لي ،فلم أحييتنـي ،وبهذا يظهـر انقطاع أصـحاب هذا القول وأن الصـلح ليـس بواجـب.
و من العدل ع ند المعتزلة :م سألة بع ثة الر سول :فالمعتزلة يرون وجوب بع ثة الر سل على ال ،ولو لم يف عل
لخل بما هو واجب عليه.
يقول أ هل ال سنة :ل أ حد يو جب على ال شيئا وإر سال الر سل مِنّة من ال وف ضل ول يس من قب يل الوا جب.
الصل الثالث :الوعد والوعيد:
فأولً :الوعد:
15
الوعد هو الخبر المتضمن إيصال النفع إلى الغير أو دفع الضرر عنه في المستقبل ،فالمعتزلة يقولون بأن ال
وعــد المطيعيــن بالثواب وأنــه يفعــل مــا وعــد بــه ل محالة ول يجوز عليــه الخلف والكذب.
فقالوا :بأن ال ي جب عليـه أن ينفـذ وعده ،بل وأن المكلف ينال مـا وعـد بـه عـن طريـق السـتحقاق ،أي أنـه
مستحق لهذا الثواب.
ج مِن بَيْتِهِ ُمهَاجِرًا إِلَى اللّهِ َو َرسُو ِلهِ ُثمّ يُ ْد ِركْ ُه ا ْل َموْتُ فَقَدْ وَ َقعَ
خ ُر ْ
ولهم في ذلك شبه منها قوله تعالىَ { :ومَن َي ْ
َأجْرُ ُه عَلى ال ّلهِ} [( )100سورة النساء].
قالوا{ :فَقَدْ وَ َق عَ َأجْرُ هُ عَلى اللّ هِ} أي فقد وجب ثوابه عليه؛ لن حقيقة الوجوب هو الوقوع والسقوط كما قال
ت جُنُو ُبهَا} [( )36سورة الحـج] :أي سقطت ،وأيضا لفظ الجر فان الجر عبارة عن المنفعة
تعالى{ :فَإِذَا َوجَبَ ْ
المستحقة ،فأما الذي ل يكون مستحقا فذلك ل يسمى أجرا بل هبة ،وأيضا قوله "على ال" وكلمة على للوجوب
حجّ الْبَيْتِ} [( )97سورة آل عمران].
كما قال تعالى{ :وَلِّلهِ عَلَى النّاسِ ِ
فيقال :ل ننازع في دللة الية على الوجوب لكن بحكم الوعد والتفضل والكرم ل بحكم الستحقاق؛ لن العبد
ل يد خل الج نة بعمله وإن ما يدخل ها بف ضل ال ورحم ته ب سبب عمله؛ قال تعالى{ :الّذِي َأحَلّنَا دَارَ ا ْل ُمقَا َمةِ مِن
فَضْلِههِ} [( )35سـورة فاطـر] فهذا الحـق والوعـد أوجبـه الباري على نفسـه ولم يوجبـه العبـد عليـه بعمله.
فرأي أهـل السـنة فـي الوعـد أن ال إذا وعـد عباده بشيـء كان وقوعـه واجبا عليـه بحكـم الوعـد ل بحكـم
الستحقاق؛ فإن العبد ل يستحق بنفسه على ال شيئا.
الثاني :الوعيد:
هو كل خبر يتضمن إيصال الضرر إلى الغير أو تفويت نفع ع نه في المستقبل ،يقول المعتزلة بأن ال تو عد
العصاة بالعقاب وأنه يفعل ما توعد به ل محالة ،ول يجوز عليه الخلف والكذب.
وقالوا :بأن ال قـد توعـد المسـتحق؛ لنـه إذا خرج عـن المسـتحق دخـل فـي حـد الظلم وإن توعده هذا ليـس
بمق صور على الكفار فح سب بل يش مل الف ساق أيضا ،وبناءً عل يه :فيرى المعتزلة في الوع يد بأن الفا سق إذا
مات على غير توبة عن كبيرة ارتكبها فإنه يستحق النار مخلدا فيها؛ لن ال توعده بذلك ولبد أن ينفذ وعيده،
لكن عذابه يكون أخف من عذاب الكافر.
صحَابُ النّارِ هُ مْ فِيهَا
خطِيئَتُ هُ فَُأوْلَ ِئ كَ أَ ْ
ولهم في ذلك شبه منها قوله تعالى{ :بَلَى مَن َك سَبَ سَيّ َئةً َوَأحَاطَ تْ بِ هِ َ
خَالِدُونَ} [( )81سورة البقرة].
يُرد عليهم بما قاله ابن كثير بأن الية رد على بنى إسرائيل الذين زعموا أنهم لم تمسهم النار إل أياما معدودة،
بأن ال مر ل يس ك ما زعموا بل إن من ك سب سيئة وأحا طت به خطيئ ته و هو من وا فى يوم القيا مة ول يس له
حسنة ،بل جميع أعماله سيئات فهو من أهل النار.
وعلى هذا فل ح جة للمعتزلة باليـة على خلود صاحب ال كبيرة فـي النار؛ لن الحا طة إن ما ت صح فـي شأن
الكافر؛ لن غيره إن لم يكن له سوى تصديق قلبه وإقرار لسانه فلم تحط به خطيئته لكون قلبه ولسانه منـزها
عن الخطيئة.
16
جهَ ّن َم خَالِدُونَ} [( )74سورة الزخرف] ،قالوا :إن المجرم
ج ِرمِينَ فِي عَذَابِ َ
ن ا ْل ُم ْ
ومن شبههم أيضا قوله تعالىِ{ :إ ّ
اسم يتناول الكافر والفاسق جميعا فيجب أن يكونا مرادين.
يُرد عليهم بأن المقصود بالمجرمين في هذه الية :الكافرين ،قال ابن جرير وهم الذين اجترموا في الدنيا الكفر
بال ،ثـم على التسـليم بعموم اليـة وأنهـا ليسـت خاصـة بالكفار فإنهـا مخصـصة بنصـوص العفـو والتوبـة،
والنصوص الدالة على خروج الموحدين من النار ،مثل قوله تعالى في الحديث القدسي(( :أخرجوا من كان في
قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)).
ومعارض أيضا بنصوص الوعد كقوله تعالىَ { :فمَن َي ْع َم ْل مِثْقَالَ ذَرّ ٍة خَيْرًا يَرَهُ} [( )7سورة الزلزلة] ،وكما يقول
العلماء بأن ترج يح عمومات الو عد أولى؛ لن ها أد خل في باب الكرم من عمومات الوع يد ،ول نه اشت هر أن
رحمة ال سابقة غضبه.
ولهم آيات غير هذه تعلقوا بها في تخليد صاحب الكبيرة في النار ،فالذي عليه أهل السنة والجماعة في مسألة
الوعيد أن ال تعالى يمكن أن يخلف وعيده في حق الموحد العاصي الذي مات وهو مرتكب للكبائر من غير
ن ذَِل كَ لِمَن َيشَاء} [( )48سورة الن ساء] ،وقال -صلى ال عل يه و سلم -في
تو بة ،قال ال تعالى{ :وَ َيغْ ِفرُ مَا دُو َ
حد يث عبادة بن ال صامت(( :و من أ صاب من ذلك شيئا ثم ستره ال ف هو إلى ال ،إن شاء ع فا ع نه وإن شاء
عاقبه))؛ لن خلف الوعيد ل يعتبر كذبا ول قبيحا بل هو جود وكرم.
قال ش يخ ال سلم" :إن أ هل ال سنة قالوا":يجوز أن يع فو ال عن المذ نب ،وأن يخرج أ هل الكبائر من النار فل
يخلد فيها من أهل التوحيد أحدا".
وبناءً على المسألة السابقة وهو قول المعتزلة بإنفاذ الوعيد وخلود مرتكب الكبيرة في النار أنكر المعتزلة كل
ما يرونه يتعارض مع رأيهم ،فأنكروا الشفاعة لهل الكبائر واقتصروا على الشفاعة للتائبين من المؤمنين دون
الفسقة؛ لن إثبات الشفاعة للفساق في رأيهم ينافي مبدأ الوعيد ،واستدلوا على هذا القول بقوله تعالى{ :وَاتّقُواْ
ل هُ مْ يُن صَرُونَ} [( )48سورة
ع ْدلٌ وَ َ
عةٌ َولَ ُي ْؤخَذُ مِ ْنهَا َ
شفَا َ
َيوْما لّ َتجْزِي نَ ْف سٌ عَن نّ ْف سٍ شَيْئا َولَ يُقْ َبلُ مِ ْنهَا َ
البقرة] .قالوا :تدل ال ية على أن من ا ستحق العقاب ل يش فع ال نبي -صلى ال عل يه و سلم -له ول ين صره.
ويرد علي هم بإجماع المفسرين على أن المراد بالن فس في الية الن فس الكافرة ل كل ن فس ف هي من العام الذي
أريد به الخاص ،وقد تظاهرت الخبار عن الرسول -صلى ال عليه وسلم -أنه قال(( :شفاعتي لهل الكبائر
من أمتي)) [رواه أبو داود والترمذي وهو صحيح].
فإذا ثب تت الشفا عة ل هل الكبائر فل بد من أن تكون الشفا عة المنف ية في ال ية إن ما هي الشفا عة للكفار وذلك
جمعا بين الية والحديث ،قال شيخ السلم" :فقد تواترت الحاديث عن النبي -صلى ال عليه وسلم -في أنه
يخرج أقوام من النار بعد ما دخلو ها ،وأن ال نبي -صلى ال عل يه و سلم -يش فع في أقوام دخلوا النار ،وهذه
الحاديث حجة على الوعيدية الذين يقولون :من دخلها من أهل التوحيد لم يخرج منها"[ .الفتاوى .]7/486
ومن مسائل الوعيد عند المعتزلة :مسألة الحباط :وهو زوال الطاعات بالمعاصي.
اختلف المعتزلة أنفسهم في مسألة الحباط على أقوال أهمها:
17
-رأي جمهور المعتزلة :و هو أن الن سان إذا ع بد ال طول حيا ته ثم ارت كب كبيرة من الكبائر فإن ها تب طل
جميع أعماله السابقة.
-القول الثانـي قول الجبائي مـن المعتزلة :يرى أن الطاعات السـابقة على المعاصـي يسـقط منهـا بمقدار
المعاصي ،وتبقى المعاصي على حالها ،مثاله :رجل أطاع عشرين مرة وعصى عشر مرات يسقط من طاعاته
بمقدار معاصيه وتبقى معاصيه فيصبح رصيده عشر طاعات وعشر معاصي.
-القول الثالث :و هو ما ي سمونه بالمواز نة ،ك ما تح بط الطاعات المعا صي كذلك تح بط المعا صي الطاعات.
ولشك أن قول المعتزلة بالحباط باطل؛ فإن قولهم بأن الذنب الواحد يحبط جميع العمال خلف قوله تعالى:
حسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَلِكَ ِذكْرَى لِلذّا ِكرِينَ} [( )114سورة هود] ،وأيضا قولهم هذا ينبني على زعمهم أن
{ِإنّ ا ْل َ
مرت كب ال كبيرة ي ستحق النار مخلد في النار ،و قد أبطل نا قول هم في ما م ضى ،فإذا ب طل ال صل ب طل الفرع.
رأي أهل السنة في الحباط :قال شيخ السلم" :إن ال جعل للسيئات ما يوجب رفع عقابها كما جعل للحسنات
ما قد يبطل ثوابها ،لكن ليس شيء يبطل جميع السيئات إل التوبة ،كما أنه ليس شيء يبطل جميع الحسنات إل
الردة"[ .الفتاوى ]12/483
الصل الرابع :المنـزلة بين المنـزلتين:
إن هذا ال صل هو نق طة البدء في نشأة المعتزلة ،ك ما مر مع نا ،وأن الخلف الذي ن شأ ب ين الح سن الب صري
وواصل بن عطاء في الفاسق الملي ،فخرج واصل بهذا القول الغريب ،وهو أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن
ول كا فر ل في ال سم ول في الح كم بل في منـزلة ب ين المنـزلتين ،فل يسمى مؤمنا ول يسمى كافرا ،بل
يسمى فاسقا ،وحكمه كذلك بين الحكمين ،فل يكون حكمه حكم الكافر ول حكم المؤمن ،وإنما له حكم بينهما،
هذا في الدنيا ،وأما في الخرة فإنه يخلد في النار ،لكن يكون عذابه أخف من عذاب الكافر.
شب هة المعتزلة في هذه القض ية ك ما يقول وا صل بن عطاء :يقول وجدت أحكام الكفار المن صوص علي ها في
القرآن ل تنطبق على صاحب الكبيرة فهو ليس بكافر ،وأيضا ل ينطبق عليه أحكام المنافقين فهو ليس بمنافق،
وحكم ال في المؤمن الولية والمحبة والوعد بالجنة فوجدت أن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن وصاحب الكبيرة
ّهه عَلَى الظّا ِلمِينهَ} [( )18سـورة هود] ،وحكـم ال عليـه بالنار فـي
حكـم ال عليـه باللعنـة فـي قولهَ{ :ألَ لَعْ َن ُة الل ِ
جحِي مٍ} [( )14سورة النفطار] ،لذا و جب ت سميته فا سقا فاجرا ويكون مخلدا في
الخرة بقولهَ { :وإِنّ ا ْل ُفجّا َر لَفِي َ
النار لتوعد ال له بذلك ،لكن عذابه أخف من عذاب الكافر.
يُرد عليه :أما قولك أنه ليس بكافر فهذا نوافقك عليه ،وأما قولك أنه ليس بمنافق فهذا أيضا نوافقك عليه ،وأما
قولك أنه ليس بمؤمن فهذا على إطلقه ل نوافقك عليه ،بل نقول هو مؤمن ناقص اليمان قد نقص إيمانه بقدر
ما ارتكب من معصية فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
ويدل على أن الفاسق لم تخرجه كبيرته من اليمان ما يلي:
حرّ وَا ْلعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالُنثَى بِالُنثَى
-قوله تعالى{ :يَا أَيّهَا الّذِي نَ آمَنُو ْا كُتِ بَ عَلَ ْيكُ مُ ا ْلقِ صَاصُ فِي الْقَتْلَى ا ْلحُرّ بِا ْل ُ
يءٌ فَاتّبَا عٌ بِا ْل َمعْرُو فِ} [( )178سورة البقرة] ،ف قد سمى ال القاتل أخا للمقتول ،و هي
شْ
ن َأخِي ِه َ
ع ِف يَ لَ هُ ِم ْ
َف َم نْ ُ
الخوة اليمانية ،وقبل ذلك خاطبهم جميعا بلفظ اليمان.
18
وقال تعالى{ :وَإِن طَائِفَتَا نِ ِم نَ ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ اقْتَتَلُوا} [( )9سورة الحجرات] ،فهذا أيضا يدل على أن كبيرة الق تل لم
تخرجهما من اليمان.
-وأيضا إجماع المة من عصر الرسول -صلى ال عليه وسلم -إلى يومنا هذا على الصلة على من مات
من أهل القبلة من غير توبة ،والدعاء والستغفار لهم مع العلم بارتكابهم للكبائر.
وقول هم بتخل يد صاحب ال كبيرة في النار ثم مناقشت ها ع ند أ صل الو عد والوع يد فل دا عي للتكرار ،قال ش يخ
السـلم" :ومذهـب أهـل السـنة والجماعـة أن فسـاق أهـل الملة ليسـوا مخلديـن فـي النار كمـا قالت الخوارج
والمعتزلة ،وليسوا كاملين في الدين واليمان والطاعة ،بل لهم حسنات وسيئات ويستحقون بهذا العقاب وبهذا
الثواب"]7/679[ .
إذن :خلصة كلم أهل السنة أن مرتكب الكبيرة ليس بكافر كما تقول الخوارج ،وليس بكامل اليمان كما تقول
المرجئة ،وليس في منـزلة بين المنـزلتين كما تزعمه المعتزلة ،بل هو مؤمن ناقص اليمان ،قد نقص إيمانه
بقدر ما ارتكب من معصية ،وفي الخرة ل يخلد في النار ،بل هو تحت مشيئة ال ،إن شاء غفر له وإن شاء
ك بِ هِ وَ َيغْفِرُ مَا
ش َر َ
عذ به على قدر ذن به ثم أخر جه من النار وأدخله الج نة ،قال تعالى{ :إِنّ اللّ هَ لَ َيغْفِرُ أَن ُي ْ
عظِيمًا} [( )48سورة النساء].
دُونَ ذَلِكَ ِلمَن َيشَاء َومَن ُيشْ ِركْ بِال ّلهِ َفقَدِ افْتَرَى إِ ْثمًا َ
الصل الخامس :المر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يرى المعتزلة بأن المر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفائي ،وهم في هذا يوافقون أهل السنة ،هذا من
ناحية الحكم ،أما التقسيم فإن المعتزلة يقسمون المر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارين :باعتبار الحكم
وباعتبار القائمين به:
-أ ما باعتبار الح كم فقالوا :بأن المعروف م نه ما هو وا جب وم نه ما هو مندوب ،أ ما الوا جب فال مر به
واجب ،وأما المندوب فإن المر به غير واجب ،وهذا الكلم أيضا هم يوافقون فيه أهل السنة.
-أما المنكر فقالت المعتزلة المنكر كله باب واحد فوجب النهي عنه ،وهذا الكلم عند أهل السنة باطل؛ لن
المن كر م نه ما هو محرم وم نه ما هو مكروه ،فالمحرم ي جب الن هي ع نه ل كن المكروه ل ي جب على الن سان
تركه فكيف نوجب النهي عنه.
-أما باعتبار القائمين به فالمعتزلة لهم في ذلك قسمين:
الول :ما يقوم به الئمة وذلك كإقامة الحدود وحفظ بيضة السلم وسد الثغور وتنفيذ الجيوش وما أشبه ذلك.
الثاني :ما يقوم به غير الئمة من كافة الناس ،وذلك مثل النهي عن شرب الخمور والزنا والسرقة وما أشبه
ذلك.
و في هذا أي ضا هم يوافقون ف يه أ هل ال سنة .قال ش يخ ال سلم "إن المحت سب له ال مر بالمعروف والن هي عن
المنكر مما ليس من خصائص الولة ،كأمر العا مة بالصلة في مواقيتها وتعاهد الئ مة والمؤذنين ف من فرط
من هم في ما ي جب من حقوق الما مة أو خرج عن الذان المشروع ألز مه بذلك وا ستعان في ما يع جز ع نه بوالي
الحكـم والحرب ،وأمـا القتـل ونحوه فليـس للمحتسـب التعرض له؛ إذ أنـه مـن خصـائص السـلطان ولذا فإنهـم
يعتبرون أولى المر صنفين ،أهل اليد والقدرة وهم المراء وأهل العلم والكلم وهم العلماء.
19
ومما له علقة بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوسيلة :ماهي الوسيلة المستخدمة في المر بالمعروف
وفي النهي عن المنكر؟.
يرى المعتزلة أن الوسيلة في المر بالمعروف أن يبدأ بالحسنى ،فإن لم يفد انتقلنا إلى اللسان ،فإن لم يفد انتقلنا
إلى اليد ،فإن لم يفد انتقلنا إلى السيف ،فهم إذن يبدؤون من السهل إلى ما هو أكبر منه ،ولو أحوج المر إلى
السيف في المر بالمعروف والنهي عن المنكر فل بأس في ذلك ،واستدلوا على قولهم هذا بقوله تعالى{ :وَإِن
خرَى َفقَاتِلُوا الّتِي تَ ْبغِي حَتّى َتفِيءَ
ن ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ اقْتَتَلُوا فَأَ صِْلحُوا بَيْ َن ُهمَا فَإِن َبغَ تْ ِإحْدَا ُهمَا عَلَى الُْأ ْ
طَا ِئفَتَا نِ ِم َ
إِلَى َأ ْمرِ اللّ هِ} [( )9سورة الحجرات] .قالوا :إن ال تعالى أمر بإصلح ذات الب ين أولً ،ثم بعد ذلك بما يل يه إلى
أن انتهى إلى المقاتلة.
يُرد عليهـم :بأن اليـة وردت بخصـوص فئتيـن متقاتلتيـن ول يمكـن أن يكون أمرهـم بالمعروف ونهيهـم عـن
ل ثم بقتال من لم يقبل ذلك.
المنكر إل بمحاولة الصلح أو ً
ثانيا لن الحال الذي عليه كل من الفئتين يقتضي ذلك.
أما المر بالمعروف والنهي عن المنكر عموما فإن المعتزلة خالفت أهل السنة في الترتيب فهو عندنا مرتب
بترتيب رسول ال -صلى ال عليه وسلم -وهو باليد أولً وذلك بمحاولة منع ارتكاب المعاصي التي حرمها
ال وليـس بقتال مـن يرتكبهـا ،وإذا لم يسـتطيع المسـلم أن يغيـر المنكـر بيده فليكـن نهيـه عـن المنكـر وأمره
بالمعروف بلسانه ،فإذا كان فعل اللسان سيترتب عليه ضررا ل يستطيع معه المر والنهي فلينكر المنكر بقلبه،
قال -صلى ال عليه وسلم(( :-من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه،
وذلك أضعف اليمان)) ،فهذا هو الترتيب الذي سار عليه السلف.
ثم إن أ هل ال سنة ل ي ستخدمون ال سيف في تغي ير المن كر؛ وذلك لن الحد يث لم ي شر إلى ال سيف ،وللحاد يث
الناهية عن حمل السلح(( :من حمل علينا السلح فليس منا)) [رواه مسلم].
وا ستنادا للقاعدة العا مة إذا تعار ضت الم صالح والمفا سد قدم الرا جح ،وب ما أن إنكار المن كر بال سيف قد يؤدي
إلى مفسدة أكبر من المنكر الموجود؛ لما فيه من إثارة الفتن وسفك الدماء ،لذا كان تركه أولى.
و من ال مر بالمعروف والن هي عن المن كر ع ند المعتزلة :أن هم قالوا :بوجوب الخروج على ال سلطان الجائر،
وال سلطان الجائر عندهـم هو الذي ل يعت قد بمعت قد المعتزلة ،وال سلطان الجائر عند هم هو الذي يخالفهـم في
أصولهم.
ول شك ببطلن هذا القول؛ لن ال سلطان ل يجوز الخروج عل يه إل إذا ار تد عن ال سلم(( ،إل أن تروا كفرا
بواحا عندكم من ال تعالى فيه برهان)).
أمـا السـلطان الجائر أو المخالف فإن الدلة مـن الكتاب والسـنة تأمـر بطاعـة الئمـة حتـى ولو كانوا جائريـن،
ماداموا يقيمون الصـلة قال -صـلى ال عل يه وسـلم(( :-اسـمعوا وأطيعوا فإن ما عليهـم ما حملوا وعليكـم ما
حمل تم)) [رواه م سلم] .ف في هذا الحد يث أ مر بال سمع والطا عة للمام ح تى ولو كان جائرا ،ولن الخروج على
الئمة فيها من المفاسد أكثر من المصالح.
20
ومن المر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة :جواز قتال عامة الناس إذا صاروا جماعة وكان في
مقدورهم ذلك حتى يعتقدوا بمعتقداتهم ويوافقوهم في أصولهم.
فيقال لهم :إن عامة الناس إذا كفروا وارتدوا عن الدين ،فنحن نوافقكم على ذلك؛ بدليل عمل الصديق -رضي
ال عنه -مع أهل الردة ،أما إن كان قتالهم لنهم خالفوا أصولكم بارتكابهم الكبائر ،فارتكاب الكبائر ل يوجب
قتالً ،وذلك لمور:
الول :أن بعض الكبائر لها حدود فيقام الحد على مرتكبيها.
الثا ني :أن قول كم بقتال مرت كب ال كبيرة ينا قض قول كم في المن ـزلة ب ين المن ـزلتين؛ لن كم ترون أن صاحب
ال كبيرة ل كا فر ول مؤ من بل في من ـزلة بينه ما ،فك يف ه نا تقاتلون صاحب ال كبيرة وهذا من التناقضات
العجيبة في معتقد المعتزلة.
ومـن المـر بالمعروف والنهـي عـن المنكـر عنـد المعتزلة :أنهـم ل يفرقون بيـن قتال الكافـر والفاسـق ،وهذا
مردود؛ لن أهل السنة يفرقون بين الكفر والفسق ،لكن المعتزلة لتكفيرهم الفاسق -الذي هو صاحب الكبيرة
-لذا فل يفرقون ب ين قتال الكا فر والفا سق ،وال -عز و جل -قد فرق بينه ما ،قال تعالى{ :وَاعْ َلمُوا أَنّ فِيكُ مْ
ن الْ َأمْرِ َلعَنِتّ ْم وَلَ ِكنّ اللّ هَ حَبّ بَ إِلَ ْيكُ مُ الْإِيمَا نَ وَزَيّنَ هُ فِي قُلُو ِبكُ ْم َوكَرّ هَ إِلَ ْيكُ مُ
َر سُولَ اللّ هِ َل ْو ُيطِيعُكُ مْ فِي كَثِيرٍ مّ َ
ا ْلكُ ْفرَ وَالْ ُفسُوقَ وَا ْلعِصْيَانَ ُأوْلَئِكَ ُهمُ الرّاشِدُونَ} [( )7سورة الحجرات].
وأخيرا أنكرت المعتزلة شرط القرش ية في الما مة ،وزعموا أن حد يث الئ مة من قر يش حديث آحاد ل يعول
عليه ،وغالى بعضهم حتى قالوا بأنه إذا تساوى القرشي والعجمي فالعجمي أولى بالولية.
مذهب المعتزلة في الحديث:
اه تم العلماء بهذا الم صدر من م صادر الشري عة خ صوصا عند ما أطلت المبتد عة برؤو سها و صاروا يضعون
الحاديث التي توافق مذاهبهم الفاسدة ،فاتخذوا علم الجرح والتعديل وأسماء الرواة وغير ذلك.
روى المام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قال" :لم يكونوا يسألون عن السناد ،فلما وقعت الفتنة
قالوا :سـموا لنـا رجالكـم ،فينظـر إلى أ هل السـنة فيؤخـذ حديثهـم ،وينظـر إلى أ هل البدع فل يؤخـذ حديثهـم".
خرجـت المعتزلة ببدعـة رد أخبار الحاد ،وقالوا بأنهـا ل تفيـد اليقيـن ،بينمـا حكـم العقـل يقيـن؛ إذ إنـه مناط
التكل يف ،وعلى ذلك قالت المعتزلة :ي جب تقد يم الح كم العقلي على خبر الحاد مطلقا سواء في العقائد أو في
الشرائع العملية ،بل ردوا أخبار الحاد في العقائد جملة؛ بدعوى أن العقيدة يجب أن تثبت بطريق قطعي يقيني
ل بطريق ظني كخبر الواحد ،ولم يفرقوا بين ما هو صحيح من الحاديث أو ضعيف ،بل يكفى رد الحديث
لعدم موافقته العقل ،بل والقدح في رواته بغاية الجرأة والوقاحة.
وكان من جراء ذلك أن رد المعتزلة الكثير من العقائد الثاب تة عن رسول ال -صلى ال عل يه و سلم -كعذاب
القـبر واليمان بالحوض والصـراط والميزان والشفاعـة ورؤيـة ال فـي الخرة ،وردوا كثيرا مـن الحكام
الشرعية الصحيحة الثابتة بدعوى معارضتها للعقل.
فمن تحليلتهم العقلية حديث(( :إذا استيقظ أحدكم من نومه فل يغمس يده في الناء حتى يغسلها ثلثا؛ فإنه ل
يدري أين باتت يده)) ،قالوا :كل الناس تعلم أين باتت يدها ،فردوا هذا الحديث.
21
ول شك أن هذا م سلك خا طئ ،والحاديث ع ند أهل ال سنة إذا ثبتت صحته فإ نه يع مل به سواء كان في باب
العقائد أو في باب الحكام ،و قد دل ف عل الر سول -صلى ال عل يه و سلم -وإجماع ال صحابة على قبول خبر
الحاد ،فأهل قباء عندما جاءهم رجل واحد من عند رسول ال -صلى ال عليه وسلم -وأخبرهم بتحويل القبلة
تحولوا .وكان -عليه الصلة والسلم -يبعث الرسل والعمال فرادى يدعون الناس للسلم.
موقف المعتزلة من الصحابة:
ط عن المعتزلة في أكابر ال صحابة وشنعوا علي هم ورمو هم بالكذب ون سبوا إلي هم التنا قض ،مثاله :قول النظام
-وهو من كبار شيوخ المعتزلة -في أبي بكر الصديق -رضي ال عنه -عندما رماه بالتناقض حين سئل عن
آية من كتاب ال فقال" :أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في آية من كتاب ال بغير ما أراد ال"،
وحين سئل في الكللة قال" :أقول فيها برأيي ،فإن كان صوابا فمن ال ،وإن كان خطأ فمني".
قال النظام :هذا تناقــض كيــف يجترئ ويقول برأيــه ويدعــي الخوف مــن ال فــي القول الول.
وكذب النظام؛ فإن قول الصـديق الول إنمـا قاله حيـن سـئل عـن آيـة مـن المتشابـه مـن القرآن وهـو جواب
الراسخين في العلم حين يسألون عن المتشابه الذي ل يعلم تأويله إل ال .أما قوله الثاني فإن واجب العلماء أن
يبينوا للناس أحكام دينهم وأن يجتهدوا لهم حتى ل يكون المر فوضى والرأي في مثل هذه المواطن من الرأي
المحمود وليس الرأي المذموم.
ولهم مطاعن أخرى في علي بن أبي طالب ،وعبد ال بن مسعود ،وأبي هريرة ل يستوعب هذا البحث بسط
الكلم فيه.
وأخيرا:
هل المعتزلة فرقة اندثرت في التاريخ ل وجود لها الن؟ أم أن هناك امتدادا لتلك المدرسة؟:
المعتزلة لم تندثر ،بل مازالت موجودة وهي مدرسة فكرية قائمة إلى الن ،وقد وجد في عصرنا هذا من أطل
برأسـه وصـار ينادي بمـا ادعتـه المعتزلة ،فقالوا :أليـس المعتزلة مـن المسـلمين ،أل يحـق لنـا القتباس منهـم
والرجوع إليهم؟ وما لنا نجمد مع الجامدين من الفقهاء والئمة والمحدثين من السلف ونلتزم طريقهم ول نقتبس
عن المعتزلة المسلمين مواقفهم العقلية التحررية؟
وحصلت هناك أحداث في العالم السلمي وحصل اختلط بين الشرق والغرب في مطلع القرن الماضي عن
طريق البعثات التعليمية ،فتأثر تلمذة البعثات بما وجدوه في أوربا ،ونقلوا ذلك في كتبهم بقصد أو بدون قصد،
ثم جاء الدور الجبار الذي لع به جمال الد ين الفغا ني ،ويك في أ نه أن تج تلميذا كمح مد عبده صاحب المدر سة
العقلية العتزالية ،والتي سميت بالمدرسة الصلحية ،والتي خرج من تحت عباءتها كثير من الكتاب ،وإليك
بعض المثلة:
-يقول أحمد أمين في كتابه "ضحى السلم" :والن يحق لنا أن نتساءل هل كان في مصلحة المسلمين موت
العتزال وانتصار المحدثين.
22
-ويقول زكي نجيب محمود في كتابه "تجديد الفكر العربي" :يبدو لكاتب هذه الصفحات أن أهم جماعة يمكن
لع صرنا أن يرث ها في وج هة نظر ها -أع ني أن يرث ها في طريقت ها ومنهاج ها ع ند الن ظر إلى المور -هي
جماعة المعتزلة ،التي جعلت العقل مبدأها الساس كلما أشكل أمر.
-ويقول عرفان عبد الحميد في كتابه "دراسات في الفرق والعقائد السلمية" :المعتزلة أول مدرسة كلمية
ظهرت في ال سلم ،وكان ل ها دور كبير في تطو ير الف كر الدي ني والفل سفي ف يه؛ ف هي ال تي أوجدت ال صول
العقلية للعقيدة السلمية ،وجعلت للنـزعة العقلية في الفكر السلمي مكانة مرموقة ،ورفعت من شأن العقل
وإحكامه وقدرته في الوصول إلى الحقيقة.
1926م ،يقول :بأن ال ل يو صف إل بال صفات -ويرى مح مد أ سد الم ستشرق النم ساوي الذي أ سلم عام
السلبية تماما كما قالت المعتزلة ،وينحو منحى محمد عبده في إنكار المعجزات المادية ،كتفسير إهلك أصحاب
الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير البابيل.
-ويم جد ح سن الترا بي من قدرات الع قل فيد عو إلى تجد يد ال صول فيقول" :إن إقا مة أحكام ال سلم في
عصرنا تحتاج إلى اجتهاد عقلي كبير ،وللعقل سبيل إلى ذلك ل يسع عاقلً إنكاره ،والجتهاد الذي نحتاج إليه
ليس اجتهادا في الفروع وحدها وإنما هو اجتهاد في الصول أيضا".
-ويعبر د .فتحي عثمان عن حجاب المرأة ومسألة عدم الختلط بقوله" :فإذا التقى الرجل بالمرأة في ظروف
طبيعيـة هادئة محكمـة ،فلن يغدو هذا اللقاء قارعـة شديدة الوقـع ،سـيألف الرجـل رؤيـة المرأة ومحادثـة المرأة
ومعاملة المرأة في إطار من الدين والخلق تحدد معالمه تربية السرة وعرف المجتمع ورعاية الدولة ،وستألف
ـع لدى
ـعار المضطرم ،ول يكون هناك مجال للنحراف والشذوذ ،وتتجمـ
ـل فيهدأ السـ
ـا الرجـ
المرأة بدورهـ
الطرفين خبرات وحصانات وتجارب".
-ويقول محمد إقبال في كتاب "تجديد الفكر الديني في السلم" :وعلى هذا فإني أميل إلى اعتبار الجنة التي
جاء ذكرها في القرآن تصويرا لحالة بدائية يكاد يكون النسان فيها مقطوع الصلة بالبيئة التي يعيش فيها.
-ويقول محمد فتحي عثمان في كتاب "الفكر السلمي والتطور" :وسيظل الدين أيضا معرضا لتجدد القوالب
في الف هم والعرض والت طبيق يتأ ثر بزوا يا الشعاع ال ساقط عل يه ،و قد يز يغ اتجا هه ب ين انعكا سات الضواء
وانك ساراتها ،وتؤ ثر ظروف الفراد والجماعات على جهاز الرؤ يا والدراك ،فيتعرض الد ين ل ما يتعرض له
النسان في الوجود.
-ويقول ع بد العز يز كا مل في كتاب "ال سلم والع صر" :ون حن في منط قة الشرق الو سط نؤ من بالتوح يد
بطريقة أو بأخرى ،وأقولها واضحة يستوي في هذا السلم والمسيحية واليهودية حتى اليمان بالقانيم الثلثة
في الفكر المسيحي يختم بإله واحد.
-ويقول فهمـي هويدي :لقـد سـمعت واحدا مـن خطباء الجمعـة اعتلى المنـبر ليحدثنـا أن المسـلمين خيـر أمـة
أخر جت للناس ،وذهـب بـه الحماس حدا دفعـه إلى أن يسـفه غيـر المسـلمين جميعا ويتهمهـم بمختلف النقائص
والمثالب ،ثم يد عو ال قي الختام وحوله مئات من الم صلين يؤمنون أن يدك بيوت هم ويزلزل عروش هم ويفرق
شملهم ويهلك نسلهم وحرثهم ،كنت جالسا في الصف الول من مسجد فرش بسجاد صنع في ألمانيا الغربية،
23
وترطب حرارته مكيفات أمريكية ،وتضيئه لمبات تونجرام الهنغارية ،بينما كلمات الخطيب تجلجل في المكان
عبر م كبرات لل صوت هولند ية ال صنع ،وعند ما ه بط شيخ نا ليؤم نا في ال صلة تفرست في طلع ته جيدا ل جد
عباءته من القماش النجليزي ،وجلبا به من الحرير اليابا ني ،و ساعته سويسرية ،و قد وضع إلى جوار الم نبر
حذاء إيطاليا لمع السواد.
-ويقول محمود أ بو ر يه في كتا به "د ين ال وا حد" :أ نه ش هد مجل سا لب عض المشا يخ ،وجرى الحد يث ع من
سيدخلون الج نة و من سيحرمون من ها ،ف سألهم أ بو ر يه :و ما قول كم فـي أدي سون مخترع النور الكهربائي؟
فقالوا :إ نه سيدخل النار ،فقال ل هم أ بو ر يه ب عد أن أضاء العالم كله ح تى م ساجدكم وبيوت كم باخترا عه؟ فقالوا
ولو؛ لنه لم ينطق بالشهادتين ،فقال لهم :إذا كان مثل هذا الرجل العظيم وغيره من الذين وقفوا حياتهم على
ما ينفع البشرية جمعاء بعلومهم ومخترعاتهم ل يمكن بحسب فهمكم أن يدخلوا الجنة شرعا؛ لنهم لم ينطقوا
ل بف ضل ال ورحم ته ماداموا يؤمنون بخالق ال سماوات والرض؟ قالوا:
بالشهادت ين أفل يم كن أن يدخلو ها عق ً
ول هذا.
-ويقول عبد الحميد نور الدائم كرنكي :وقد أخطأ المسلمون الحديثون كثيرا جدا حينما انفعلوا بوجدانهم القديم
وعواطفهم التاريخية الوراثية العصبية ،ولم يتفهموا حقيقة العل قة بين النبي العظم ،واليهود ظنوا أن اليهود
خ صوم أزليون أبديون ب غض الن ظر عن أي متغيرات ومعاملت في ال سياسة والتار يخ والجتماع والز من،
وهذا التجاه الفقهي في رفض إسرائيل يبرز عجز الفقه السلفي عن استيعاب تحدي المعاصرة مهما كان هذا
التحدي خطرا ومباشرا وواضحا ،وقــد تغذى هذا التجاه الفقهــي مــن الفقــه العلمــي الهوج.
-ويقول عبد ال العليلي في كتاب "أين الخطأ" :في العبادات ينبغي الخذ بالقرآن وما صح من الحديث ،وفي
المعاملت يؤخذ بالقرآن وحده ويستأنس بالحديث استئناسا فقط.
ويقول أيضا :إن العقوبات المن صوصة لي ست مق صورة بأعين ها حرفيا بل بغايات ها أع ني أن العقو بة المذكورة
غايت ها الردع الحا سم ،و كل ما أدى مؤدا ها يكون بمثابت ها ،وتظل هي ال حد الق صى والق سى ب عد أن ل ت في
الروادع الخرى وتستنفد.
-ويقول وحيد الدين خان في كتاب "مسئوليات الدعوة" :لشك أن الجهاد أفضل العبادات في السلم ،ولكن
القول بأن الجهاد هو القتال قول خاطىء تماما مثل حذف الجهاد من الد ين ،والحقي قة أن جهاد ال مة المحمد ية
هــي الدعوة بأن القرآن الكريــم يخبرنــا بأن بذل الطاقــة لجــل شهادة الحــق هــو الجهاد.
ويقول أيضا :إن الحاجـة تقتضـي إبعاد السـلم عـن كـل الصـراعات الماديـة والسـياسة ،وأن نـبرز السـلم
كمجهود أخروي وليـس كمجهود دنيوي ،والحركات السـلمية التـي قامـت على غيـر هذا السـاس سـتقطع
جنودها على أيدي العداء.
-ويقول ح سن الترا بي في كتاب "تجد يد الف كر ال سلمي" :لي ست الشكال ال تي اتخذ ها الد ين في ع هد من
العهود هي أشكاله النهائ ية وإن ما يزد هر الد ين بإذن ال في ش كل جد يد عهدا ب عد ع هد ،وتجاوز تلك الشكال
التاريخية ل يعني تجاوز الدين أبدا؛ فقد تتسم أشكال الدين بغير ما اتسمت به في عهد الصحابة -رضوان ال
عليهم.-
24
ويقول أيضا في كتاب "المرأة ب ين تعال يم ال سلم وتقال يد المجت مع" :وت طبيق معيار الفت نة منوط من الجا نب
الشخصي بما يجده المرء في نفسه ،وذلك فرع من تربيته ومغالبته لهواه ،ومهما كان سد الذرائع فل يجب أن
ين سخ أ صل النظام ال سلمي العام والذي يق ضي بإشراك الرجال والن ساء واشتراك هم في الحياة العا مة ب صفاء
وطهارة ،فإن العزلة إن كانت تحمي المرأة من الفتنة فإنها تحرمها من فوائد اجتماع المسلمين وتعاونهم على
العلم والعمل الصالح.
ويقول أيضا في كتابه "تجديد الفكر السلمي" :بالرغم من أن النصوص القرآنية والسنية تقرر للحكومة نصيبا
من أ صول الحكام الظاهرة في الكتاب وال سنة ،وكذلك الشورى ال سلمية كا نت تج عل لعا مة الم سلمين من
المة دورا في إصدار الحكام الفرعية في القضية المطروحة للمسلمين ،فإن عسر انعقاد الشورى والجماع
وأحوال المسلمين المادية والثقافية دعت الفقهاء في عهد فائت إلى أن يكفوا عن حق الشعب في تبنى ما يختار
من اجتهادات الفقهاء.
-ويقول أحمد كمال أبو المجد :ومهما قال الصوليون من أن العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب ،فهذا
أيضا ل يؤ خذ بغ ير مناق شة؛ ف كم من ف عل لل نبي -صلى ال عل يه و سلم -وأفعاله نوع من أنواع ال سنن جاء
مرتبطا بإطار موضوعي معين معالجا لظروف قائمة ثابتة وعارضة ،ومن هنا ل يستغني مجتهد عن معرفة
ذلك كله والتأمل فيه.
-ويقول د .عبد المنعم النمر في كتاب "السنة والتشريع" :وهناك أحاديث كثيرة تتصل بمعاملت الناس في
الحياة من بيع وشراء ورهن وإجارة وقرض ولقطة وسلم ل يحرسها وحي مباشر أو سكوتي أو إقراري.
-ويقول جودت سعيد في كتاب "العمل قدرة وإرادة" :ولكن أكثر الذين يتحدثون عن مصائبنا وهزائمنا يرون
السبب في عدم اليمان أو نقص الرادة ...إن العلم المطلوب تحصيله هو الذي يغير ما بالنفوس ،ولكن جهود
العلماء في العصر الحديث اتجهت في الغالب إلى تصحيح العقيدة والدفاع عن السلم وتمجيده.
-ويقول د .مح سن ع بد الحم يد في كتاب "المذهب ية ال سلمية والتغي ير الحضاري" :إن نا عند ما نقول مخ طط
ال سلم التغييري ل نق صد آراء الفقهاء ال تي قد تكون مرتب طة بظروف ها الزمان ية والمكان ية؛ إذ أن ب عض تلك
الراء كثيرا ما انطلقت من ضغط العادات والعراف وحاولت محاصرة الغرائز بل كبتها من منطلق الخوف
الموهوم على أخلق الناس و من مبدأ اتخاذ التحر يم أ صلً في كل حالة من غ ير دل يل شر عي قا طع أو ح تى
قوي.
-ويقول علي ع بد الرزاق في "ال سلم وأ صول الح كم" :و صف الخل فة بأن ها خ طط دنيو ية صرفة ل شأن
للدين بها؛ فهو لم يعارضها ولم ينكرها ول أمر بها ول نهى عنها وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل
وتجارب المم وقواعد السياسة.
ويقول :كل ما جرى من أحاديث النبي -صلى ال عليه وسلم -من ذكر المامة والخلفة والبيعة ل يدل على
شيء أكثر مما دل عليه المسيح حينما ذكر بعض الحكام الشرعية عن حكومة قيصر.
-ويقول د .عماد ع بد الحم يد النجار :ب عض الشباب الذ ين ينادون بال سلم إن ما يرو نه في لباس المرأة ممتدا
من منبت شعرها إلى أخ مص قدميها ،وبالن سبة للحجاب واختلط المرأة بالرجل في الحياة العا مة فهذه مسألة
25
يقدر ها المجت مع بح سب ظرو فه ،فل كل مجت مع ولبا سه وقوا عد ت سيير أفراده ،وأن ما جاء في القرآن بشأن
الحجاب إنما كان بخصوص نسوة الرسول ،وأن هذه الحكام ليست بالضرورة متعلقة بسائر النسوة.
-ويقول عبد العزيز جاويش :أن نقتصر على تحريم ال في كتابه وهو ربا النسيئة المضاعف الذي نزل في
القرآن ،وليس في العرب ربا سواه ،وهنا نخالف الجمهور بحكم العقل أو بحكم الضرورة فنتجاوز عما قل من
الفائدة التي تماثل الدين قدرا ول تؤدي إلى غبن المدين غبنا فاحشا ،كما فعلت الحكومتان العثمانية والفارسية.
-ويقول د .السنهوري في كتاب "مصادر الحق" :أما اليوم وقد تطورت النظم القتصادية وانتشرت الشركات
وأصبحت القروض أكثرها قروض إنتاج ل قروض استهلك ،فإن من الواجب النظر فيما يقتضيه هذا التطور
في الحضارة من تطور الحكام.
-ويقول مالك بن بني في كتاب "المسلم في عالم القتصاد" :وفي هذا التجاه لم يبق على القتصادي السياسي
الم سلم إل أن يط بق المن هج الشترا كي دون مراج عة أ سسه المذهب ية البعيدة ول يف يد الم سئولين العرب الذ ين
يطبقون الشتراكية في بلدهم إذا لم يقدر لها النجاح الذي حققته في بلد أخرى مثل رومانيا التي انطلقت من
نفس المنطلق فللمجتهد أصاب أو أخطأ أجر بحسب نيته.
ويقول توفيق الحكيم في كتاب "وثائق في طريق عودة الوعي" :إذا كانت العلمانية في أوربا هي موقف ضد
دينهم كما فسرته الكنيسة فهي عندنا الحقيقة المعبرة عن نقائل موقف السلمي في هذا الموضوع فمسيحية
أوربا حاربت العلمانية؛ لنها ضدها أما إسلمنا فإنه علماني.
-ويقول محمد سليم العوّا في كتاب "أصول النظام الجنائي في السلم" :ولذلك فإن المشرع الكويتي والليبي
حين جعل عقوبة شرب الخمر والتجار فيها الحبس والغرامة لم يجاوز الصول السلمية في هذا الباب بل
أحسن فيه التباع.
-ويقول د .شوقي الفنجري في كتاب "المذهب القتصادي في السلم" والقتصاد السلمي اقتصاد إلهي من
حيث المذهب وضعي من حيث النظام.
-ويقول د .محمد عمارة في كتاب "السلم والسلطة الدينية" :وسنة الرسول -عليه الصلة والسلم -أي قوله
وفعله وإقراره ل تأ تي في باب بحث نا هذا شيئا واحدا ذا طبي عة واحدة ،بل إن بين ها تمايزا ،فمن ها ما هو د ين
ومنها ما هو سياسة ودنيا ،أما من درج من السنة النبوية تحت أمور السياسة جميعها وشئون الدنيا كلها فهو
ليس دينا ،فليس الحكم والقضاء وليست السياسة وشئون المجتمع السياسية دينا وشرعا ً.
-ويقول د .محمود أبو السعود :إن ال تعالى في القرآن ورسوله محمدا -صلى ال عليه وسلم -في السنة لم
يبينـا أبدا معنـى النقود أو وظائفهـا ،ولم يبينـا لنـا لماذا حرمـت الفائدة بشدة ،والسـلم أعطانـا بعـض القواعـد
الخاصة بتبادل السلع وتركها مفتوحة لنا لنبني على أساسها القوانين بناء نراه مناسبا وملئما لظروف مدنيتنا
القتصادية المتغيرة باستمرار.
وال أعلم وصلى ال وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
26
الفهرس
الصفحة الموضوع
1 تعريف
1 لماذا سموا بهذا السم
1 بعض الألقاب التي تطلق على المعتزلة
2 متى وأين ظهرت المعتزلة
3 أسباب ظهور المعتزلة
7 نقولت لبعض أئمة المعتزلة
9 أصولهم الخمسة :التوحيد
11 العدل
15 الوعد والوعيد
18 المنهزلة بين المنهزلتين
19 المر بالمعروف والنهي عن المنكر
21 مذهب المعتزلة في الحديث
22 موقف المعتزلة من الصحابة
22 هل اندثرت المعتزلة
27