You are on page 1of 21

‫هل الصلب من اختراع بولس الرسول؟‬

‫أول‪ :‬اعداد ذهن البشرية لتقبل حقيقة صلب وموت السيد‬


‫المسيح من العهد القديم‪:‬‬

‫‪ zec:11:12‬فقلت لهم ان حسن في اعينكم فاعطوني اجرتي وال‬


‫فامتنعوا‪.‬فوزنوا اجرتي ثلثين من الفضة‪.‬‬
‫‪ zec:11:13‬فقال لي الرب القها الى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني‬
‫به‪.‬فاخذت الثلثين من الفضة والقيتها الى الفخاري في بيت الرب‪.‬‬
‫‪ zec:11:12‬فقلت لهم ان حسن في اعينكم فاعطوني اجرتي وال‬
‫فامتنعوا‪.‬فوزنوا اجرتي ثلثين من الفضة‪.‬‬
‫‪ zec:11:13‬فقال لي الرب القها الى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني‬
‫به‪.‬فاخذت الثلثين من الفضة والقيتها الى الفخاري في بيت الرب‪.‬‬
‫‪ ps:69:8‬صرت اجنبيا عند اخوتي وغريبا عند بني امي‪.‬‬
‫ي اعدائي‬‫ّ‬ ‫مستهلك‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫سبب‪.‬اعت‬ ‫‪ ps:69:4‬اكثر من شعر راسي الذين يبغضونني بل‬
‫ظلما‪.‬حينئذ رددت الذي لم اخطفه‬
‫‪ .is:49:7‬هكذا قال الرب فادي اسرائيل قدوسه للمهان النفس لمكروه المة لعبد‬
‫المتسلطين‪.‬ينظر ملوك فيقومون‪.‬رؤساء فيسجدون‪.‬لجل الرب الذي هو امين‬
‫وقدوس اسرائيل الذي قد اختارك‬
‫‪ ps:38:11‬احبائي واصحابي يقفون تجاه ضربتي واقاربي وقفوا بعيدا‪.‬‬
‫ي وينغضون رؤوسهم‬ ‫‪ ps:109:25‬وانا صرت عارا عندهم‪.‬ينظرون ال ّ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ويتفرسون‬ ‫‪ ps:22:17‬احصي كل عظامي‪.‬وهم ينظرون‬
‫‪ ps:22:18‬يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون‬
‫‪ ps:69:21‬ويجعلون في طعامي علقما وفي عطشي يسقونني خل‬
‫‪ .ps:22:1‬الهي الهي لماذا تركتني‪.‬بعيدا عن خلصي عن كلم زفيري‬
‫‪ ps:31:5‬في يدك استودع روحي‪.‬فديتني يا رب اله الحق‪.‬‬
‫‪ ps:34:20‬يحفظ جميع عظامه‪.‬واحد منها ل ينكسر‬
‫‪ zec:12:10‬وافيض على بيت داود وعلى سكان اورشليم روح النعمة والتضرعات‬
‫ي الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له ويكونون في مرارة‬ ‫فينظرون ال ّ‬
‫عليه كمن هو في مرارة على بكره‪.‬‬
‫‪zec 12:10 and i will pour upon the house of david, and upon the inhabitants of‬‬
‫‪jerusalem, the spirit of grace and of supplications: and they shall look upon‬‬
‫‪me whom they have pierced, and they shall mourn for him, as one mourneth‬‬
‫‪for his only son, and shall be in bitterness for him, as one that is in bitterness for‬‬
‫‪his firstborn.‬‬
‫ي‬
‫مزامير ‪ 22:16‬لنه قد احاطت بي كلب‪.‬جماعة من الشرار اكتنفتني‪.‬ثقبوا يد ّ‬
‫ي‬
‫‪.‬ورجل ّ‬
‫‪( am:8:9‬عاموس( ويكون في ذلك اليوم يقول السيد الرب اني اغيّب الشمس في‬
‫الظهر وأقتم الرض في يوم نور‬
‫‪ am:5:20‬أليس يوم الرب ظلما ل نورا وقتاما ل نور له‬
‫ي تنقبض‪.‬‬‫‪ zec:14:6‬ويكون في ذلك اليوم انه ل يكون نور‪.‬الدرار ّ‬
‫‪ is:53:9‬وجعل مع الشرار قبره ومع غني عند موته‪.‬على انه لم يعمل ظلما ولم‬
‫يكن في فمه غش‬
‫اشعياء ‪ 53:7‬ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة‬
‫صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه‬
‫‪ ps:16:10‬لنك لن تترك نفسي في الهاوية‪.‬لن تدع تقيّك يرى فسادا‬
‫‪ ps:30:3‬يا رب اصعدت من الهاوية نفسي احييتني من بين الهابطين في الجب‬
‫‪ ps:41:10‬اما انت يا رب فارحمني واقمني فاجازيهم‬
‫‪ ps:118:17‬ل اموت بل احيا واحدث باعمال الرب‬
‫‪( hos:6:2‬هوشع) يحيينا بعد يومين‪.‬في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا امامه‬

‫ثانيا‪ :‬صلب السيد المسيح من غير رسائل بولس الرسول‪:‬‬


‫كل هذه الصحاحات تمتلئ بأقوال السيد المسيح الخاصة بأنه سوف يصلب‬
‫ويموت ويقوم في اليوم الثالث ‪ ،‬ثم تسجيل واقعي لها عندما حدثت‬
‫بالتفصيل‪:‬‬
‫مل حظة‪ :‬كتبت هذه كلها بالوحي على يد أكثر من رسول وفي أكثر من بلد‬
‫وفي أوقات مختلفة تماما‬

‫متى‪ :‬من اصحاح ‪ 18‬الى اصحاح ‪ 28‬احد عشرة اصحاحات كاملة ‪ /‬مرقص‬
‫‪ 16-10‬سبعة اصحاحات ‪ /‬لوقا ‪ 24 -19‬ستة اصحاحات ‪ /‬يوحنا ‪ 21-13‬تسعة‬
‫اصحاحات ‪ /‬كل هذا بخلف ماجاء في‪ :‬أعمال الرسل ورسائل يعقوب‬
‫وبطرس ويوحنا ويهوذا ورؤيا يوحنا اللهوتي‬

‫ثالثا‪ :‬شهود عيان للصلب‬


‫يو ‪ 19:25‬وكانت واقفات عند صليب يسوع امه واخت امه مريم زوجة كلوبا ومريم‬
‫المجدلية‪.‬‬
‫ن يلطمن ايضا وينحن‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫اللواتي‬ ‫والنساء‬ ‫الشعب‬ ‫من‬ ‫كثير‬ ‫جمهور‬ ‫وتبعه‬ ‫لو ‪27: 23‬‬
‫عليه‪.‬‬
‫مر ‪ 39 : 15‬ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله انه صرخ هكذا واسلم الروح قال‬
‫ن‬
‫حقا كان هذا النسان ابن الله‪ 40 .‬وكانت ايضا نساء ينظرن من بعيد بينه ّ‬
‫مريم المجدلية ومريم ام يعقوب الصغير ويوسي وسالومة‪.‬‬
‫مت ‪ 57 : 27‬ولما كان المساء جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف‪.‬وكان هو‬
‫ايضا تلميذا ليسوع‪ 58 .‬فهذا تقدم الى بيلطس وطلب جسد يسوع‪.‬فامر‬
‫بيلطس حينئذ ان يعطى الجسد‪.‬‬
‫مر ‪ 43: 15‬جاء يوسف الذي من الرامة مشير شريف وكان هو ايضا منتظرا‬
‫ملكوت الله فتجاسر ودخل الى بيلطس وطلب جسد يسوع‪.‬‬
‫لو ‪ 50: 23‬واذا رجل اسمه يوسف وكان مشيرا ورجل صالحا بارا‪ 51 .‬هذا لم يكن‬
‫موافقا لرأيهم وعملهم‪.‬وهو من الرامة مدينة لليهود‪.‬وكان هو ايضا ينتظر‬
‫ملكوت الله‪ 52 .‬هذا تقدم الى بيلطس وطلب جسد يسوع‪ 53 .‬وانزله ولفه‬
‫بكتان ووضعه في قبر منحوت حيث لم يكن احد وضع قط‪.‬‬
‫يو ‪ 35 : 19‬والذي عاين (يوحنا الرسول) شهد وشهادته حق وهو يعلم انه يقول‬
‫الحق لتؤمنوا انتم‪.‬‬
‫‪ 36‬لن هذا كان ليتم الكتاب القائل عظم ل يكسر منه‪ 37 .‬وايضا يقول كتاب‬
‫آخر سينظرون الى الذي طعنوه ‪ 38‬ثم ان يوسف الذي من الرامة وهو تلميذ‬
‫يسوع ولكن خفية لسبب الخوف من اليهود سأل بيلطس ان يأخذ جسد‬
‫يسوع‪.‬فأذن بيلطس فجاء واخذ جسد يسوع‪.‬‬
‫لو ‪ 13 : 24‬واذا اثنان منهم (أحدهما كليوباس) كانا منطلقين في ذلك اليوم الى‬
‫قرية بعيدة عن اورشليم ستين غلوة اسمها عمواس‪ 14 .‬وكانا يتكلمان‬
‫بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث‪ 15 .‬وفيما هما يتكلمان ويتحاوران‬
‫اقترب اليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما‪ 29 - - - .‬فالزماه قائلين امكث‬
‫معنا لنه نحو المساء وقد مال النهار‪.‬فدخل ليمكث معهما‪ 30 .‬فلما اتكأ معهما‬
‫سر وناولهما‪.‬‬
‫اخذ خبزا وبارك وك ّ‬
‫لو ‪ 36 : 24‬وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم‬
‫سلم لكم‪ 37 .‬فجزعوا وخافوا وظنوا انهم نظروا روحا‪ 38 .‬فقال لهم ما‬
‫ي اني‬ ‫ي ورجل ّ‬‫بالكم مضطربين ولماذا تخطر افكار في قلوبكم‪ 39 .‬انظروا يد ّ‬
‫انا هو‪.‬جسوني وانظروا فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي‪.‬‬
‫يو ‪ 26 :20‬وبعد ثمانية ايام كان تلميذه ايضا داخل وتوما معهم‪.‬فجاء يسوع‬
‫والبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال سلم لكم‪ 27 .‬ثم قال لتوما هات اصبعك‬
‫ي وهات يدك وضعها في جنبي ول تكن غير مؤمن بل مؤمنا‪28 .‬‬ ‫الى هنا وابصر يد ّ‬
‫اجاب توما وقال له ربي والهي‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬الوثائق التاريخية‪:‬‬


‫يهودية ‪ -‬غنوسية ‪ -‬مسيحية ‪ -‬رسوم ونقوش وفرائض ‪ -‬وثائق وثنية ‪ -‬أقوال علماء‬
‫مسلمين ومفسرين للقرآن‬

‫‪from: http://www.light-of-life.com/arb/agospel/g4360afc.htm‬‬ ‫صلب السيد المسيح‬


‫هل ُ‬
‫حقاً؟‬

‫(ب) الوثائق اليهودية‬


‫أما الوثائق اليهودية فلها أهمية خاصة على الرغم من سلبيتها‪ .‬فمن الطبيعي أن‬
‫يتخذ رؤساء اليهود وقادتهم الدينيون موقفا ً معاديا ً من المسيح‪ ،‬وهم الذين صلبوه‬
‫إذ أدركوا أن تعاليمه الثورية تهدد معظم ما استنوه من تقاليد وطقوس فريسية‬
‫تعزز من مكانتهم الدينية والسياسية‪ .‬ومع ذلك فإن هذه الوثائق برهان ساطع على‬
‫صحة ما ورد في النجيل من تفاصيل قصة الصلب‪ .‬وفي هذا الجزء من دراستنا‬
‫سنتناول أبرز هذه الوثائق وأولها‪:‬‬

‫يوسيفوس (‪ 97-37‬م) هذا ذكر في كتابه "التواريخ" ما بين سنتي ‪ 95-90‬م فقرة‬
‫عن صلب المسيح‪ .‬ويبدو أن هذه الفقرة قد أثارت حولها جدل ً بين علماء‬
‫المخطوطات إذ اعتقد بعضهم أن هذه الفقرة قد تلعبت بها أيدي بعض‬
‫المسيحيين المتطرفين لما جاء فيها من تقريظ للمسيح ل يمكن أن يصدر عن‬
‫يهودي‪ .‬ولكن في عام ‪ 1972‬نشرت مخطوطة عربية يرجح العلماء أنها ترجمة‬
‫دقيقة للنص الصلي وقد جاء فيها‪:‬‬

‫"وفي ذلك الوقت كان هناك رجل حكيم يُدعى يسوع اشتهر بحسن السلوك‬
‫وبالتقوى‪ ،‬فتبعه عدد غفير من بين اليهود والمم الخرى‪ .‬غير أن بيلطس البنطي‬
‫حكم عليه بالموت صلباً‪ .‬أما الذين تبعوه فلم يتخلوا عن تلمذتهم له‪ .‬وادعوا أنه قد‬
‫ي‪ .‬وبناء عليه فقد يكون هو المسيح الذي‬‫ظهر لهم بعد ثلثة أيام من صلبه وأنه ح ّ‬
‫عزا إليه النبياء أشياء عجيبة"[‪. ]8‬‬

‫إن شهادة يوسيفوس هذه قد سبقت شهادة أغلبية المؤرخين الوثنيين‪ .‬وإذا أخذنا‬
‫بعين العتبار أن يوسيفوس قد اشتهر بين أقرانه بالموضوعية‪ ،‬وأنه عالج هذه‬
‫الواقعة التاريخية من خلل المعطيات اليهودية‪ ،‬تبين لنا أن هذا النص هو نص‬
‫تقريري جدير بالثقة‪.‬‬

‫(ج) التلمود‪:‬‬

‫لئحة المحتويات‬

‫(‪ )1‬يقسم التلمود إلى مجموعتين أساسيتين هما‪ :‬المشنا والجمارة‪ .‬أما المشنا‬
‫فهي التقاليد الشفوية القديمة التي توارثتها أجيال المجتمع اليهودي المتعاقبة ثم‬
‫م تدوينها في القرن الثاني الميلدي‪ .‬أما الجمارة فهي حصيلة الشروحات‬ ‫ت َّ‬
‫والتعليقات على المشنا‪ .‬وكذلك فإن المواد التلمودية التي تدور حول قضايا‬
‫تشريعية وأسئلة قانونية والتي أثارت جدل ً بين فقهاء اليهود وعلمائهم فتدعى‬
‫الحلقا‪ .‬أما الجزء المختص بالساطير والقصص والقوال المأثورة التي استخدمت‬
‫ليضاح العراف التقليدية فتدعى اله َّ‬
‫ج دا [‪. ]9‬ونقرأ في النسخة التي نشرت في‬
‫أمستردام عام ‪ ،1943‬وفي صفحة ‪ 42‬ما يلي‪:‬‬

‫صلب يسوع قبل الفصح بيوم واحد‪ .‬وقبل تنفيذ الحكم فيه‪ ،‬ولمدة أربعين‬ ‫"لقد ُ‬
‫يوما ً خرج مناد ينادي‪ :‬إن (يسوع) سيُقتل لنه مارس السحر وأغرى إسرائيل على‬
‫الرتداد‪ ،‬فعلى من يشاء الدفاع عنه لمصلحته والستعطاف من أجله أن يتقدم‪ .‬وإذ‬
‫لم يتقدم (أحد) للدفاع من أجله في مساء (ليلة) الفصح‪ .‬وهل يجرؤ أحد عن‬
‫الدفاع عنه؟ ألم يكن مفسداً؟ وقد قيل في النبياء إن شخصا ً مثل هذا‪" :‬ل ت َ ْ َ ْ‬
‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬
‫ه " (تثنية ‪ 8 :13‬و‪[)9‬‬ ‫قتُل ُ ُ‬
‫قتْل ً ت َ ْ‬
‫ل َ‬
‫ستُْرهُ‪ ،‬ب َ ْ‬
‫ول ت َ ْ‬ ‫رقَّ ل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ول ت َ ِ‬ ‫علَي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫عيْن ُ َ‬
‫ك َ‬ ‫ق َ‬
‫ف ْ‬ ‫ول ت ُ ْ‬
‫ش ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه َ‬
‫‪. ]10‬‬

‫من الجلي أن التلمود يشهد أيضا ً بأن المصلوب هو المسيح من غير أن نلمح في‬
‫هذه الشهادة أي شائبة شك في شخصيته‪.‬‬

‫(‪ )2‬وهناك مخطوطة أخرى تُدعى ‪ toledoth jesu‬وهي مخطوطة يهودية معادية‬
‫للمسيحية ل تشير فقط إلى المسيح بل تروي لنا أيضا ً قصة خيالية عما حدث‬
‫لجسده بعد موته‪ .‬فقد ادعى مؤلفها أن حواريي المسيح حاولوا أن يسرقوا جسده‬
‫فعرف بذلك بستاني اسمه يهوذا‪ .‬فجاء خفية ونقل جثمان المسيح من قبر يوسف‬
‫الرامي إلى قبر جديد آخر حفره له‪ .‬وعندما جاء الحواريون إلى القبر الصلي‬
‫وجدوه فارغا ً فادعوا أنه قام من بين الموات‪ .‬ولكن حين أقبل رؤساء اليهود إلى‬
‫الضريح وشاهدوه أيضا ً فارغا ً أخذهم البستاني إلى القبر الجديد وأراهم جثة‬
‫يسوع[‪. ]11‬‬

‫ومع أن هذا التقليد لم يُجمع قبل القرن الخامس الميلدي فإنه ول شك يمثل‬
‫تقليدا ً يهوديا ً سابقا ً شاع بين الوساط السرائيلية بعد قيامة المسيح (متى ‪:28‬‬
‫‪ )15-11‬هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن هذه المخطوطة على ما فيها من‬
‫عداء للمسيحية هي أكبر شاهد إثبات على صلب المسيح وموته وقيامته‪ ،‬لنها‬
‫و موتور‪.‬‬‫شهادة من عد ّ‬

‫(‪ )3‬وقال أيضا ً يوحنا بن زكا‪ ،‬تلميذ هليل المعلم الشهير في كتابه سيرة يسوع‬
‫الناصري‪" :‬إن الملك وحاخامات اليهود قد حكموا على يسوع بالموت لنه جدف‬
‫حين ادعى أنه ابن الله‪ ...‬وأنه الله"‪ .‬ثم قال بعد ذلك‪" :‬ولما كان المسيح في‬
‫طريقه إلى الموت كان اليهود يصرخون أمامه‪ :‬فلتهلك كل أعدائك يا رب"[‪. ]12‬‬

‫(د) الوثائق الغنوسيّة‪:‬‬


‫لئحة المحتويات‬

‫الغنوسيّة كلمة معربة عن اللفظة اليونانية ‪ gnosis‬ومعناها المعرفة‪ .‬والغنوسيّة‬


‫حركة دينية فلسفية تجمع تحت مظلتها فرقا ً شتى تتباين في بعض مبادئها‪ ،‬وتتفق‬
‫في بعضها الخر‪ .‬وقد جعلت هذه الحركة المعرفة الساس الذي بنت عليه عقائدها‬
‫شبه في الغنوسية والبيونيّة والدوكيتية‬ ‫الدينية‪ .‬وسبق لنا أن عرضنا إلى مبدأ ال َّ‬
‫الذي نادت به معظم فرقها والذي‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬قد تأثرت به النظرة السلمية في‬
‫مفهومها لصلب المسيح‪ .‬غير أن تعليم الشبه في الغنوسية كان يرمي إلى غرض‬
‫يختلف عما كان يرمي إليه الدين السلمي‪ .‬فالغنوسية أو بعض فرقها على القل‪،‬‬
‫صلب لن جسده يغاير‬ ‫سد‪ ،‬ل يمكن أن يتعّرض لل ّ‬ ‫رأت أن المسيح وهو إله متج ِّ‬
‫أجساد البشر‪ .‬لهذا يتعذر أن يكون المصلوب هو جسد المسيح‪ .‬أما السلم فل ينكر‬
‫عملية الصليب‪ ،‬ولكنه ينكر أن المصلوب كان المسيح‪ ،‬ليس على أساس طبيعة‬
‫جسده إنما على أساس أن المسيح لم يصلب إطلقا ً بل ُرفع إلى السماء بقدرة‬
‫ل محله‪.‬‬ ‫الله قبل أن يتمكن أعداؤه من القبض عليه‪ ،‬وأوقع الله شبهه على آخر فح ّ‬
‫بيد أن دراستنا للثار الدينية والدبية للحركة الغنوسية تو ِّ‬
‫فر لنا أدلة أخرى على‬
‫صحة رواية النجيل عن صلب المسيح وقيامته‪ ،‬ول سيما ما ورد في المؤلفات‬
‫الغنوسية الولى كمثل إنجيل الحق (‪ 160-135‬م) وإنجيل يوحنا البوكريفي (‪-120‬‬
‫‪ )130‬وإنجيل توما (‪ 200-140‬م) ومع أن هذه الناجيل غير موحى بها من الله‪،‬‬
‫فإنها كلها تتحدث عن الكلمة‪ ،‬وأن المسيح هو إله وإنسان‪ .‬ونجد هذه الفقرة في‬
‫إنجيل الحق‪:‬‬

‫مر‬ ‫"كان يسوع صبورا ً في تحمله لللم‪ ...‬لنه علم أن موته هو حياة للخرين‪ُ ...‬‬
‫س ِّ‬
‫على خشبة‪ ،‬وأعلن مرسوم الله على الصليب‪ ،‬هو جّر نفسه إلى الموت بواسطة‬
‫الحياة‪ ...‬سربلته البدية‪ .‬وإذ جّرد نفسه من الخرق البالية فإنه اكتسى بما ل يبلى‬
‫مما ل يستطيع أحد أن يجرده م "[‪.]13‬‬

‫ونطالع أيضا ً في كتاب غنوسي ‪ the secret teaching of christ‬وهو مؤلف من القرن‬
‫الثاني ما ترجمته‪:‬‬

‫" فأجاب الرب وقال‪ :‬الحق أقول لكم‪ :‬كل من ل يؤمن بصليبي فلن يخلص‪ ،‬لن‬
‫ملكوت الله من نصيب الذين يؤمنون بصليبي" [‪. ]14‬‬

‫ه) الوثائق المسيحية‪:‬‬


‫لئحة المحتويات‬

‫الوثائق المسيحية دينية كانت أم أدبية أم تاريخية‪ ،‬هي سجل دقيق تعكس عمق‬
‫إيمان آباء الكنيسة الولى بكل ما تسلَّموه من الحواريين من تعاليم وأخبار‪ ،‬إما عن‬
‫طريق التواتر بالسناد الموثق‪ ،‬أو عن طريق الكلمة المكتوبة‪ .‬كذلك هي إثباتات‬
‫حة ما ورد في الناجيل من أحداث وعقائد ول سيّما ما يختص بموت‬ ‫قاطعة على ص ّ‬
‫المسيح وقيامته‪ .‬وكما أن هذين الحدثين يشغلن حيزا ً كبيرا ً من العهد الجديد‬
‫فإنهما أيضا ً كانا المحور الساسي في مؤلَّفات آباء الكنيسة الولى‪.‬‬

‫يقول جوش مكدويل‪ ،‬وهو أحد كبار المختصين بالمخطوطات المسيحية‪:‬‬

‫"ل يوجد كتاب في الدنيا تدعمه المخطوطات الكتابية القديمة كما هو الحال مع‬
‫الكتاب المقدس‪ .‬وقد شاءت العناية اللهية أن يتم العثور على مخطوطات البحر‬
‫الميت التي أثبتت‪ ،‬بما ل يدع أي مجال للشك‪ ،‬صحة الكتاب المقدس وصدقه ول‬
‫سيما نصوص العهد القديم‪ ،‬وبالخص سفر إشعياء"‪.‬‬

‫وات المتعلقة بموت المسيح وقيامته‬ ‫وبالطبع فإن هذه المخطوطات تنص على النب ّ‬
‫كما هو الحال في الكتاب المقدس الذي بين أيدينا‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬إذا رجعنا إلى‬
‫مؤلفات آباء الكنيسة منذ العصر الول الميلدي وجمعنا مقتبساتهم من العهد‬
‫الجديد لوجدنا أنه يمكن إعادة كتابة العهد الجديد بكامل نصه باستثناء سبع عشرة‬
‫آية فقط‪ .‬وهذه النصوص ل تختلف عما لدينا من نصوص العهد الجديد الحالي‪ ،‬ومن‬
‫جملتها كل ما جاء عن لهوت المسيح وموته وقيامته‪.‬‬

‫أما مؤلفات آباء الكنيسة فهي‪:‬‬

‫(‪ )1‬رسالتان من تأليف اكليمندس أسقف روما‪.‬‬

‫(‪ )2‬رسائل قصيرة من تأليف أغناطيوس كان قد بعث بها إلى الفراد والكنائس‬
‫في أثناء رحلته من أنطاكية إلى روما حيث استشهد‪.‬‬
‫(‪ )3‬رسالة بوليكارب تلميذ الحواري يوحنا إلى أهل فيلبي‪.‬‬

‫(‪ )4‬الديداتشي أو تعليم الرسل‪ ،‬وهو كتيب مبكر يدور حول أمور عملية متعلقة‬
‫بالقيم المسيحية ونظام الكنيسة‪.‬‬

‫(‪ )5‬رسالة عامة منسوبة إلى برنابا وفيها يهاجم بعنف ناموسية الديانة اليهودية‪،‬‬
‫ويبين أن المسيح هو تتمة شريعة العهد القديم‪.‬‬

‫(‪ )6‬دفاعيات جاستنيان‪ ،‬وقد أورد فيها طائفة من الحقائق النجيلية‪ ،‬ول سيما ما‬
‫يختص بشخص المسيح وحياته الرضية وصلبه وقيامته‪ .‬هذا فضل ً عن مؤلفات‬
‫أخرى وصلتنا مقتطفات منها كدفاع كوادراتوس الذي اقتبس منه يوسيبس الفقرة‬
‫التالية‪:‬‬

‫"إن منجزات مخلصنا كانت دائما ً أمام ناظريك لنها كانت معجزات حقيقية‪ ،‬فالذين‬
‫برئوا‪ ،‬والذين أقيموا من الموات لم يشهدهم الناس عندما برئوا أو أقيموا فقط‬
‫بل كانوا دائما ً موجودين (معهم)‪ .‬لقد عاشوا زمنا ً طويلً‪ .‬ليس فقط في أثناء حياة‬
‫المسيح الرضية بل حتى بعد صلبه وصعوده‪ .‬إن بعضا ً منهم بقوا على قيد الحياة‬
‫إلى وقتنا الحاضر"‪.‬‬

‫وكذلك مخطوطة راعي هرمس وقد دعيت بهذا السم نسبة إلى أبرز شخصيات‬
‫الكتاب‪ .‬أما فحوى المؤلَّف فينطوي على مجموعة من المثال والوامر المختصة ب‬
‫قيدة [‪. ]15‬‬

‫(و) الرسوم والنقوش والفرائض‬


‫لئحة المحتويات‬

‫يوفر لنا تاريخ الكنيسة أيضا ً بيّنات أخرى هامة على اعتقاد مسيحيي القرون‬
‫الولى الوثيق بصلب المسيح وموته وقيامته‪ ،‬فقد تم العثور في سراديب روما‬
‫وأقبيتها على رسوم شعار الصليب ونقوشه‪ ،‬وهي أماكن كان يجتمع فيها‬
‫المسيحيون سرا ً خوفا ً من جواسيس الحكومة الرومانية الوثنية‪ .‬كذلك عمد‬
‫المسيحيون إلى نقش شعار الصليب على أضرحة موتاهم تمييزا ً لها عن أضرحة‬
‫الوثنيين‪ .‬فلو لم يكن هؤلء المسيحيون على ثقة أكيدة من صلب المسيح لما‬
‫أخذوا الصليب شعارا ً لهم‪ ،‬ول سيما أن الصليب كان رمز عار عند اليهود والرومان‬
‫على حد سواء‪ .‬أما الن بعد صلب يسوع المسيح البار عليه أصبح رمز فخر وإيمان‪.‬‬
‫ولو لم يكن الصليب حقيقة متأصلة في إيمان هؤلء المسيحيين لما تحملوا من‬
‫أجله كل اضطهاد واستشهدوا في سبيله‪ .‬وبعض هؤلء كانوا شهود عيان لصلب‬
‫المسيح‪ ،‬والبعض الخر تسلموا هذه الحقائق من الحواريين أو مما وصل إلى‬
‫أيديهم من الناجيل والرسائل المكتوبة التي أوحى بها الروح القدس‪.‬‬

‫أما الفرائض وبالخص فريضة العشاء الرباني التي مارسها المسيح في الليلة التي‬
‫أُسلم فيها‪ ،‬فقد احتلت مكانة مرموقة في ممارسات الكنيسة على مر العصور‪.‬‬
‫ولها المسيح نفسه ‪ -‬رمز إلى صلبه‬ ‫وترجع أهمية هذه الفريضة إلى أنها ‪ -‬كما أ َّ‬
‫وموته‪ .‬وعندما يمارسها المسيحيون فإنما يفعلون ذلك لحياء الذكرى المقدسة‬
‫(إنجيل متى ‪ ،29 -26 :26‬إنجيل مرقس ‪ ،25-22 :14‬إنجيل لوقا ‪ ،20-14 :22‬والرسالة‬
‫الولى إلى أهل كورنثوس ‪.)27-23 :11‬‬

‫ومن الملحظ أيضا ً أن فريضتي العشاء الرباني والمعمودية تذكرنا بموت المسيح‬
‫فداءً عن خطايانا والمعمودية التي حض المسيح حوارييه على القيام بها (إنجيل‬
‫متى ‪ )19 :28‬كرمز لموتنا وقيامتنا معه‪ ،‬قد مارسهما الحواريون أنفسهم تطبيقاً‬
‫لوصية المسيح بالذات‪ .‬وما برحت الكنيسة تعمل بهما إلى هذا اليوم‬
‫(هـ) الوثائق الوثنية‬
‫تلعب الوثائق الوثنية دورا ً بارزا ً في قضية صلب المسيح لن كُتَّابها أول ً ل ينتمون‬
‫لية طائفة مسيحية‪ ،‬وثانيا ً لن هؤلء الكتّاب كانوا يضمرون العداء للمسيحيّة أو‬
‫المسيح‪ ،‬وكانوا أقرب إلى الهزء منه إلى المديح‪ ،‬ول سيما في الحقبة الولى من‬
‫تاريخها‪ .‬ويحق لنا هنا أن نتناول شهادات هؤلء المؤرخين والكتّاب السياسيين‬
‫بكثير من الجدية ونحلّلها على ضوء معطيات العصر والعوامل السياسية الفاعلة‬
‫فيه‪.‬‬

‫إن الوثائق الوثنية التي بين أيدينا يرجع تاريخ معظمها إلى القرنين الول والثاني‬
‫الميلديين‪ ،‬وهي تشهد لكثير من الوقائع التي جرت في حياة المسيح‪ .‬ومن أبرز‬
‫مؤلفي تلك الوثائق القديمة‪:‬‬

‫(‪ )1‬كورنيليوس تاسيتوس (‪ 125-55‬م) وهو مؤلف روماني عرف بالدقة والنزاهة‪.‬‬
‫عاصر تاسيتوس ستة أباطرة ولُقب بمؤرخ روما العظيم‪ .‬من أشهر كتبه على‬
‫الطلق مصنَّفيه "الحوليات والتواريخ"‪ .‬يضم الول نحو ‪ 18‬مجلداً‪ ،‬والثاني نحو ‪12‬‬
‫مجلداً‪ .‬ويرى ف‪ .‬ف بروس ‪ f.f. bruce‬أن تاسيتوس هذا كان بحكم علقته بالحكومة‬
‫الرومانية مطلعا ً على تقارير حكام أقاليم المبراطورية وسجلت الدولة الرسمية‪.‬‬
‫وقد وردت في مصنَّفيه ثلث إشارات عن المسيح والمسيحيّة أبرزها ما جاء في‬
‫حولياته‪:‬‬

‫"‪ ...‬وبالتالي لكي يتخلص نيرون من التهمة (أي حرق روما) ألصق هذه الجريمة‬
‫بطبقة مكروهة معروفة باسم المسيحيّين‪ ،‬ونكَّل بها أشد تنكيل‪ .‬فالمسيح الذي‬
‫اشتق المسيحيون منه اسمهم‪ ،‬كان قد تعرض لقصى عقاب في عهد طيباريوس‬
‫على يد أحد ولتنا المدعو بيلطس البنطي‪ .‬وقد راجت خرافة من أشد الخرافات‬
‫شكمت لفترة قصيرة‪ ،‬ولكنها عادت فشاعت ليس فقط في‬ ‫إيذاء‪ ،‬وإن كانت قد ُ‬
‫اليهودية المصدر الول لكل شر‪ ،‬بل انتشرت أيضا ً في روما التي أصبحت بؤرة لكل‬
‫الشياء الخبيثة والمخزية التي شرعت ترد إليها من جميع أقطار العالم"[‪. ]1‬‬

‫يتضح من هذه الوثيقة أن المسيحية قد اشتقت اسمها من المسيح‪ ،‬وأن بيلطس‬


‫البنطي هو الذي حكم عليه بالموت‪ .‬أما الخرافة أو الشاعة التي ألمح إليها فهي‬
‫ول شك القيامة‪.‬‬

‫(‪ )2‬ومن مؤرخي الرومان القدامى الذين كتبوا عن موت المسيح ثللوس (توفي‬
‫‪52‬م) وقد عمد هذا إلى تصنيف تاريخ منطقة البحر البيض المتوسط منذ الحرب‬
‫ق منه سوى شذرات‬ ‫الطرواديّة حتى زمانه‪ .‬بيد أن هذا المصنف قد ُ‬
‫فقد ولم يب َ‬
‫مبعثرة في مؤلفات الخرين‪ ،‬ومن جملتهم يوليوس الفريقي الذي كان مطلعاً‪،‬‬
‫كما يبدو على هذا التاريخ‪ .‬ففي سياق حديثه عن صلب المسيح والظلم الذي خيّم‬
‫على الرض عندما استودع المسيح روحه بين يدي الب السماوي‪ ،‬أشار يوليوس‬
‫إلى عبارة وردت في تاريخ ثللوس تدور حول هذه الحادثة قال‪:‬‬

‫* "إن ثللوس في المجلد الثالث من تاريخه‪ ،‬يعلل ظاهرة الظلمة أنه كسوف‬
‫الشمس‪ ،‬وهذا غير معقول كما يبدو لي"[‪. ]2‬‬

‫وقد رفض يوليوس الفريقي هذا التعليل (سنة ‪ 221‬م) بناء على أن الكسوف‬
‫صلب‬
‫الكامل ل يمكن أن يحدث في أثناء اكتمال القمر‪ ،‬ول سيما أن المسيح قد ُ‬
‫ومات في فصل الحتفال بالفصح وفيه يكون القمر بدرا ً مكتملً [‪. ]3‬‬

‫ولم يكن ثللوس وحده هو الذي نبَّر على حدوث هذا الظلم‪ ،‬فقد أشار إليه كثير من‬
‫القدامى كمثل فليفون الفلكي في القرن الثاني فقال‪" :‬إن الظلم الذي حدث‬
‫عند صلب المسيح لم يحدث في الكون مثله من قبل" كما أشار إليه المام الحافظ‬
‫ابن كثير المؤرخ السلمي في القرن الرابع عشر في كتابه "البداية والنهاية" ج ‪1‬‬
‫‪]4[182:‬‬

‫(‪ )3‬لوسيان اليوناني‪ :‬كان هذا أحد مؤرخي اليونان البارزين في مطلع القرن‬
‫الثاني الميلدي‪ .‬وقد علق في مقال نقدي ساخر على المسيحيين والمسيح‪ .‬وإذ‬
‫كان ينتمي إلى المذهب البيقوري فقد عجز عن استيعاب طبيعة اليمان المسيحي‬
‫واستعداد المسيحيين للستشهاد في سبيل عقيدتهم‪ ،‬وحسبهم شعبا ً مخدوعاً‬
‫يتعلق بأوهام عالم ما بعد الموت بدل ً من التمتع بمباهج العالم الحاضر وملذاته‬
‫وأبرز ما قاله‪:‬‬

‫* "إن المسيحيين‪ ،‬كما تعلم‪ ،‬ما زالوا إلى هذا اليوم يعبدون رجل ً ‪ -‬وهو شخصية‬
‫صلب من أجلها… ومنذ اللحظة التي اهتدوا‬‫ن لهم طقوسهم الجديدة و ُ‬ ‫متميزة‪ ،‬است ّ‬
‫فيها (إلى المسيحية) وأنكروا آلهة اليونان وعبدوا الحكيم المصلوب‪ ،‬استقّر في‬
‫عرفهم أنهم إخوة"[‪. ]5‬‬

‫(‪ )4‬رقيم بيلطس‪ :‬وهو رقيم أشار إليه جاستنيان الشهيد عام ‪ 150‬م في أثناء‬
‫دفاعه الول حيث أكد أن صلب المسيح يثبته تقرير بيلطس‪ ،‬كما يلمح في نفس‬
‫الدفاع إلى طائفة من العجائب وأعمال الشفاء‪ ،‬ثم يقول‪" :‬إنه حقا ً قد ‪.‬صنع هذه‬
‫ويمكنك التأكد منها من رقيم بيلطس" وأشار ترتليان أيضا ً إلى نفس هذا الرقيم [‬
‫‪. ]6‬‬

‫(‪ )5‬ومن جملة الذين ذكروا في مؤلفاتهم ورسائلهم عن المسيح المصلوب‪ ،‬بصورة‬
‫مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬سيتونيوس (‪ 120‬م) الذي كان رئيس أمناء سر المبراطور‬
‫الروماني هادريان (‪ 138-117‬م) فأتاحت له وظيفته الطلع على سجلت الدولة‬
‫الرسمية‪ ،‬فعلم بالسباب التي أدت إلى اضطهاد المسيحيين ومن بينها إيمانهم‬
‫بصلب المسيح وموته وقيامته‪.‬‬

‫(‪ )6‬ومن رجالت الدولة الذين عنوا بشأن المسيحيين بليني الصغر حاكم بيثينيا‬
‫في آسيا الصغرى‪ .‬فقد ألمح في كتابه العاشر (‪ 112‬م) إلى المسيح المصلوب الذي‬
‫يؤلّهه المسيحيون وموقفه منهم (المصدر السابق ‪.)95‬‬

‫(‪ )7‬وكذلك كلسوس الفيلسوف البيقوري المولود سنة ‪140‬م الذي كان من ألد‬
‫أعداء المسيحية‪ ،‬هذا أيَّد في كتابه (البحث الحقيقي) قضية صلب المسيح وإن‬
‫سخر من الغرض منه وقال‪" :‬احتمل المسيح آلم الصلب لجل خير البشرية"‬
‫(قضية الغفران ‪.)109‬‬

‫(‪ )8‬مارا بار ‪ -‬سيرابيون‪ ،‬قال هذا في رسالة كتبها لبنه من السجن يعود تاريخها‬
‫إلى بين القرنين الول والثالث‪:‬‬

‫‪ ...‬وأية فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم؟ لم يمت هذا الملك الحكيم إلى‬
‫البد لنه عاش من خلل تعاليمه التي علم بها [‪.. ]7‬‬

‫بطبيعة الحال إن مارا هذا ينظر إلى المسيح من خلل منظاره الوثني‪ .‬فالمسيح‬
‫مت عن ذلك بقية‬ ‫في رأيه‪ ،‬هو حكيم من الحكماء كسقراط وأفلطون كما ن ّ‬
‫رسالته‪.‬‬

‫يتبين لنا من هذه الوثائق الوثنية أن كتّابها كانوا على ثقة تامة أن المصلوب هو‬
‫المسيح وليس الشبيه كما يدّعي المسلمون‪ .‬وهكذا سجل لنا التاريخ حقيقة دامغة‬
‫على صدق الكتاب‪.‬‬
‫صلب المسيح وموته في السلم‬
‫لئحة المحتويات‬

‫فارة في السلم‪ .‬ولكي‬ ‫كنا قد عالجنا في الفصل الول موضوعي الشبيه والك َّ‬
‫تستوفي هذه الدراسة حقها من البحث ل بد أن نعرض لبعض اليات القرآنية التي‬
‫عمد المسلمون إلى تشويه معانيها تهربا ً من العتراف بصلب المسيح وموته‬
‫وقيامته‪.‬‬

‫ل ينفي القرآن أن بعض النبياء قد يكونون عرضة للقتل أحياناً‪ .‬وقد أشار إلى ذلك‬
‫في مواضع مختلفة من ال ُّ‬
‫سور نذكر منها اليات التالية‪:‬‬

‫وى أَن ْ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ريقاً‬ ‫ف ِ‬‫و َ‬‫م َ‬ ‫ريقا ً كَذَّبْت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ستَكْبَْرت ُ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫سك ُ ُ‬‫ف ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فكُل ّ َ‬ ‫* "أ‬
‫ن" (سورة البقرة ‪.)87 :2‬‬ ‫قتُلُو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ق" (سورة آل عمران ‪:3‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬‫ب ال َ‬ ‫عذَا َ‬ ‫ون َقول ذُوقوا َ‬ ‫ق َ‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غ‬
‫م النْبِيَاءَ ب ِ َ ْ ِ َ ٍ ّ‬ ‫ه ُ‬‫وقتْل ُ‬ ‫*" َ‬
‫‪.)181‬‬
‫ْ‬ ‫من ل ِرسول حتَّى يأ ْ‬ ‫عهد إلَينَا أ َ‬ ‫* "ال َّ‬
‫ه النَّاُر‬
‫ن تَأكُل ُ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫قال‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫قتَلْت ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫قلْت ُ ْ‬ ‫ذي ُ‬ ‫وبِال ّ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫قبْل ِي بِالْبَي ِّنَا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ُ‬
‫ن" (سورة آل عمران ‪.)183 :3‬‬ ‫َ‬ ‫قي‬‫ِ‬ ‫د‬ ‫صا‬
‫َ ِ‬
‫ق" (سورة‬ ‫ح ٍّ‬ ‫ر َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫م الَنبِيَاءَ ب ِ َ‬ ‫ه ُ‬‫قتْل ِ ِ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫ت الل ِ‬ ‫م بِآيَا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫وك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ميثَا َ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ِ‬‫ق ِ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫فب ِ َ‬ ‫*" َ‬
‫النساء ‪.)155 :4‬‬

‫وبناء عليه فإن القتل ل يمتنع عن النبياء إن كانت تلك هي مشيئة الله‪ .‬ومن حيث‬
‫أن النجيل المقدس يصرح أن المسيح قد جاء باختياره الشخصي ليفتدي البشرية‪،‬‬
‫وإطاعة لرغبة الب السماوي فلماذا ل تنطبق هذه القاعدة عينها عليه؟‬

‫ولكن القرآن يضيف إشارات أخرى تلمح إلى موت المسيح‪ ،‬وحتى إلى صلبه‪ .‬أما‬
‫هذه اليات فهي‪:‬‬

‫ي" (سورة آل عمران ‪.)55 :3‬‬


‫َ‬ ‫ك إِل َ َّ‬ ‫ع َ‬ ‫ف ُ‬
‫وَرا ِ‬ ‫ك َ‬‫في َ‬‫و ِّ‬‫مت َ َ‬‫سى إِن ِّي ُ‬ ‫عي َ‬‫ه يَا ِ‬
‫ل الل ُ‬ ‫قا َ‬‫* "إِذْ َ‬
‫م"‬ ‫َ‬ ‫ت الَّر ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و ّ‬ ‫َ‬
‫فل َّ‬‫م َ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫وكُن ْ ُ‬
‫علي ْ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫ب َ‬
‫قي َ‬ ‫فيْتَن ِي كن ْ َ‬
‫ت أن ْ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ه ْ‬‫في ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ُ‬‫ما دُ ْ‬‫هيدا َ‬‫ش ِ‬ ‫ه ْ‬‫علي ْ ِ‬‫ت َ‬ ‫*" َ‬
‫(سورة المائدة ‪.)117 :5‬‬

‫وقال عيسى في معرض كلمه عن نفسه‪:‬‬

‫حيّاً" (سورة مريم ‪.)33 :19‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عل َ َّ‬


‫ث َ‬
‫ع ُ‬
‫م أب ْ َ‬
‫و َ‬
‫وي َ ْ‬
‫ت َ‬
‫مو ُ‬
‫مأ ُ‬‫و َ‬
‫ت وي َ ْ‬
‫ولِدْ ُ‬
‫م ُ‬
‫و َ‬
‫ي يَ ْ‬ ‫سل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫وال َّ‬
‫*" َ‬

‫وهي نفس العبارة التي رددها عن يحيى (يوحنا المعمدان)‪:‬‬

‫حيّاً" (سورة مريم ‪.)15 :19‬‬


‫ث َ‬
‫ع ُ‬
‫م يُب ْ َ‬
‫و َ‬
‫وي َ ْ‬
‫ت َ‬
‫مو ُ‬
‫م يَ ُ‬
‫و َ‬
‫وي َ ْ‬
‫ولِدَ َ‬
‫م ُ‬
‫و َ‬ ‫علَي ْ ِ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫سل َ ٌ‬
‫م َ‬ ‫و َ‬
‫*" َ‬

‫وهناك آيتان أخريان تسعفان على إيضاح ما غمض من اليات السابقة وهما‪:‬‬

‫ل‪( "...‬سورة المائدة‬ ‫س ُ‬‫ه الُّر ُ‬ ‫ن َ‬


‫قبْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٌ‬‫م إِل َ َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬
‫ح اب ْ ُ‬‫سي ُ‬ ‫م ِ‬‫ما ال ْ َ‬‫*" َ‬
‫‪.)75 :5‬‬
‫علَى‬
‫م َ‬ ‫ت‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قل‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫و‬ ‫فإن مات أ َ‬ ‫َ‬ ‫ل أَ‬‫ُ‬ ‫س‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫خل‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫*" َ َ ُ ّ ِ َ ُ‬
‫ر‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ٌ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ما‬ ‫و‬
‫م‪( "...‬سورة آل عمران ‪.)144 :3‬‬ ‫قابِك ُ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫ع َ‬

‫ولوها تأويل ً إقحاميّا ً يبعث على التّساؤل‬


‫لقد تناول مفسرو القرآن هذه اليات وأ َّ‬
‫لما في هذا التّأويل من تشويه للحقيقة‪ ،‬ومخالفة واضحة لعتبارات اللغة العربية‬
‫كما فهمها القدامى‪ .‬وأود هنا أن أعرض لهذه اليات وأعالج لفظة "الوفاة" كما‬
‫وردت فيها‪.‬‬

‫(أ) رأي مفسري المسلمين‬


‫لئحة المحتويات‬

‫انقسم علماء المسلمين في تفسير لفظة "متوفيك" إلى فريقين‪ .‬واستطاع‬


‫الرازي أن يجمع مختلف الراء في سياق تأويله لية ‪" :‬إني متوفيك‪ ."...‬والواقع أن‬
‫الرازي امتنع أن يقدم رأيا ً شخصيا ً في الموضوع‪ ،‬ونزع إلى استعراض تعليلت‬
‫الخرين من غير أن يلتزم بموقف ما‪ .‬وفي رأيي أن الموقف الذي اتخذه الرازي‪،‬‬
‫على ما فيه من تهُّرب‪ ،‬كان أسلم له في مجتمع ل يجيز لحد كبار علمائه أن يخرج‬
‫على إجماع المسلمين في قضية خطيرة مثل هذه‪ .‬من هنا عمد‪ ،‬كما يبدو إلى‬
‫الجمع تاركا ً للقارئ المسلم حرية اختيار الرأي الذي ينسجم مع خلفيته الدينية‪.‬‬

‫أما الراء أو الوجوه التي عرضها الرازي في تأويل لفظة متوفيك فهي‪:‬‬

‫(‪ )1‬متمم عمرك‪ :‬أي أتوفاك فل أترك أعداءك اليهود يقتلونك‪.‬‬

‫(‪ )2‬مميتك‪ :‬وهو قول مروي عن ابن العباس ترجمان القرآن ومحمد بن اسحق‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬والمقصود أن ل يصل أعداؤه اليهود إلى قتله‪ .‬ثم إنه بعد ذلك أكرمه بأن‬
‫رفعه إلى السماء‪ ،‬ثم اختلفوا على ثلثة أوجه (أحدها) قال وهب‪ :‬توفي ثلث‬
‫ساعات ثم رفع‪ .‬و(ثانيها) قال محمد بن اسحق تُوفي سبع ساعات ثم أحياه الله‬
‫ورفعه‪ .‬و(ثالثها) قال الربيع بن أنس إنه تعالى توفاه حين رفعه إلى السماء‪ ،‬قال‬
‫ها"‪.‬‬
‫م َ‬
‫منَا ِ‬
‫في َ‬
‫ت ِ‬ ‫ها والّت ِي ل َ ْ‬
‫م تَ ُ‬
‫م ْ‬ ‫وت ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ن َ‬
‫حي َ‬
‫س ِ‬ ‫فى الَن ْ ُ‬
‫ف َ‬
‫الله‪" :‬الله يَتَو َّ‬
‫ُ‬

‫(‪ )3‬الواو تفيد الترتيب‪ :‬من حيث أن عيسى هو حي فمعنى ذلك أنه رفعه أولً‪ ،‬ثم‬
‫سينزل ويقتل الدجال وبعد ذلك يتوفاه الله‪.‬‬

‫(‪ )4‬التأويل المجازي‪ :‬وهو ما نادى به أبو بكر الواسطي (إني متوفيك) عن شهواتك‬
‫ي) لنه لم يصر فانيا ً عما سوى الله ل يكون له‬
‫وحظوظ نفسك‪ .‬ثم قال (ورافعك إل ّ‬
‫الوصول إلى مقام معرفة الله‪ .‬وأيضا ً فعيسى لما ُرفع إلى السماء صار حاله كحال‬
‫الملئكة في زوال الشهوة‪ ،‬والغضب والخلق الذميمة‪.‬‬

‫من الجلي أن هذا التأويل الصوفي مخالف لمبدأ عصمة النبياء وسمو أخلقهم‪.‬‬
‫نرى هنا أيضا ً تأثير البيونية التي ادّعت أن المسيح في صعوده قد صار رئيس‬
‫الملئكة‪.‬‬

‫(‪ )5‬الرفع الكامل‪ :‬أي رفع عيسى ابن مريم بتمامه بروحه وجسده وليس بروحه‬
‫ضُّرون َ َ‬
‫ك‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫و ُ‬
‫فقط كما قد يظن البعض‪ .‬و يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى‪َ " :‬‬
‫ء" (سورة النساء ‪.)113 :4‬‬
‫ي ٍ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬

‫فى‪ :‬فرفع عيسى إلى السماء‪ ،‬وزوال كل أثر مادي له في‬ ‫(‪ )6‬أجعلك كالمتو َّ‬
‫فى‪" .‬وإطلق اسم شيء على ما يشابهه في‬ ‫الرض‪ ،‬وانقطاع أخباره كان كمن تو ّ‬
‫أكثر خواصه وصفاته جائز حسن"‪.‬‬

‫(‪ )7‬القبض‪ :‬ومعناه اليفاء أو الستيفاء‪ ،‬كاستيفاء المرء ما له من مال "وعلى كل‬
‫الحتمالين كان إخراجه من الرض وإصعاده إلى السماء توفيا ً له"‪.‬‬

‫(‪ )8‬استيفاء العمل‪ :‬أي أن الله قد "بشره بقبول طاعته وأعماله وعرفه ما يصل‬
‫إليه من المتاعب والمشاق‪ ،‬في تمشية دينه وإظهار شريعته من العداء وهو ل‬
‫يضيع أجره ول يهدم ثوابه"‪.‬‬

‫(‪ )9‬ويضيف الرازي‪ :‬فهذه جملة الوجوه المذكورة على قول من يجري الية على‬
‫ظاهرها‪.‬‬

‫ويعلق الرازي على الذين يقولون أنه "ل بد في الية من تقديم وتأخير من غير أن‬
‫ي) يقتضي أنه رفعه‬ ‫يحتاج فيها إلى تقديم أو تأخير‪ ،‬وقالوا إن قوله (ورافعك إل ّ‬
‫حياً‪ ،‬والواو ل تقتضي الترتيب‪ ،‬فلم يبق إل أن يقول فيها تقديم وتأخير‪ .‬والمعنى‬
‫إني رافعك ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا‪ ،‬ومثله‬
‫من التقديم والتأخير كثير في القرآن" بقوله‪:‬‬

‫* واعلم أن الوجوه الكثيرة التي قدمناها تغني عن التزام مخالفة الظاهر‪ ،‬والله‬
‫أعلم[‪. ]1‬‬

‫أما اليتان الواردتان في سورة مريم في السلم على يحيى وعلى عيسى في‬
‫مولدهما وموتهما ومبعثهما‪ ،‬فقد مر بهما المفسرون مرور الكرام‪ ،‬ول سيما لفظة‬
‫"أموت" وإن كان الشائع بينهم أنها تشير إلى موت عيسى بعد رجوعه في آخر‬
‫الزمان للقضاء على العور الدجال‪.‬‬

‫ولم يخرج موقف الطبري‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬والبيضاوي‪ ،‬والجللين عما‬
‫قاله الرازي‪ ،‬بل كانوا جميعا ً عالة بعضهم على بعض‪ ،‬يعتمد الخرون ما ادعاه‬
‫الولون إل فيما ندر من آراء وتأويلت جديدة[‪. ]2‬‬

‫ماذا نستخلص من عرض الرازي لراء المفسرين لكلمة متوفيك؟‬

‫ماعا ً للراء ولم يكن متفاعل ً معها‪ .‬ويخالج‬


‫أولً‪ :‬من الواضح أن الرازي كان ج َّ‬
‫القارئ إحساس عميق بأن هذا العالم لم يكن مقتنعا ً بتأويلت المفسرين‪ ،‬كما كان‬
‫يتعذر عليه أن يأتي بتأويل جديد مخالف للجماع العام‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬إن آراء المفسرين وتأويلتهم المتعارضة تثير الرتباك والحيرة في نفوس‬
‫الساعين وراء الحقيقة‪ ،‬إذ يعسر عليهم أن يستقروا على رأي أو عقيدة‪ .‬فهؤلء‬
‫المفسرون والرواة يحتلون مكانة مرموقة في تاريخ السلم ويأخذ عنهم الباحثون‬
‫والدارسون‪ .‬لهذا‪ ،‬يجد المسلم الموضوعي نفسه في حيرة أمام هذه التأويلت‬
‫المتناقضة التي تزيده ارتباكا ً وتشل مداركه‪ .‬وقد يتساءل‪ :‬ما هو التأويل الصحيح؟‬
‫ي شرح يمكننا أن نعتمده في‬ ‫لماذا اختلف المسلمون في تفسير هذه اللفظة؟ أ ُّ‬
‫فهم هذه الية؟ إن من مظاهر هذا الضياع ما نراه من ترديد لعبارة "والله أعلم"‬
‫التي ختم بها الرازي عرضه لراء المفسرين‪ .‬وهي إن دلت على شيء إنما تدل‬
‫على عدم الشعور باليقين‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬إن سبب الشكال الرئيسي في تأويل لفظة "متوفيك" في اليات المتعلقة‬
‫بموت المسيح يُعزى في أساسه إلى موقف العلماء المسلمين المكابر وتهُّربهم‬
‫من تفسير هذه اللفظة بما تحمله من معنى حقيقي وهو الموت‪ .‬إذ أن إجماع‬
‫أكثرية المسلمين على هذا المعنى يقتضي منهم أن يتفحصوا بجدية‪ ،‬وعلى ضوء‬
‫جديد‪ ،‬قضية الصليب وهو أمر يرفضه المسلمون كل الرفض‪.‬‬

‫(ب) التأويل الطبيعي‬

‫لئحة المحتويات‬

‫لكي نتخلّص من كل الشكالت التي ل داعي لها‪ ،‬والتي خلقها العلماء المسلمون‬
‫فيك‪ ،‬من غير أننلجأ لساليب السفسطة التي ل طائل منها‪.‬‬ ‫لدى تأويلهم لفظة متو ِّ‬
‫علينا أن ندرس معاني هذه اللفظة كما جاءت في القرآن‪.‬‬

‫لقد وردت لفظة "متوفيك" ومشتقاتها خمسا ً وعشرين مرة في القرآن وكلها‬
‫بمعنى الموت وقبض الروح‪ ،‬باستثناء موضعين فقط حيث دلت القرينة فيهما أن‬
‫َ‬
‫ذي‬ ‫و ال ّ ِ‬‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫تحمل مجازا ً معنى النوم‪ .‬وهذان الموضعان هما أولً‪َ " :‬‬ ‫الوفاة هنا‬
‫َ‬ ‫و ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فاك ُم بالل َّ‬ ‫يَت َو َّ‬
‫فى‬ ‫ه يَت َ َ‬
‫ر" (سورة النعام ‪ .)60 :6‬وثانيا‪" :‬الل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫عل‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ال َ‬
‫ها" (سورة الزمر ‪( .)42 :39‬راجع اليات‬ ‫م َ‬ ‫منَا ِ‬‫في َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫والت ِي ل ْ‬ ‫َ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫التالية‪ :‬البقرة ‪ 234 :2‬و‪ ،240‬آل عمران ‪ ،55 :3‬النساء ‪ ،50 :4‬المائدة ‪ ،117 :5‬النعام‬
‫‪ ،61 :6‬العراف ‪ 37 :7‬و‪ ،125‬النفال ‪ ،50 :8‬يونس ‪ 46 :10‬و‪ ،104‬يوسف ‪،101 :12‬‬
‫الرعد ‪ ،40 :13‬النحل ‪ 28 :16‬و‪ 32‬و‪ ،70‬الحج ‪ ،5 :22‬السجدة ‪ ،11 :32‬غافر ‪ 67 :40‬و‬
‫‪ ،77‬محمد ‪ .)27 :47‬ولكن عندما نتأمل في اليتين المتعلّقتين بموت المسيح ل نجد‬
‫م عن أي معنى مجازي في لفظة متوفيك‪ .‬هي لفظة صريحة‬ ‫أية قرينة يمكن أن تن َّ‬
‫تحمل في ذاتها معنى الموت‪ ،‬بغض النظر إن كان هذا الموت صلبا ً أو موتا ً طبيعياً‪.‬‬
‫ما‬‫فل َ َّ‬ ‫هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى يمكننا أن نستقرئ من دراستنا لية‪َ " :‬‬
‫َ‬ ‫ت َو َّ‬
‫م" (سورة المائدة ‪ )117 :5‬أن الرقابة على أتباع‬ ‫ه ْ‬ ‫علَي ْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫قي َ‬ ‫ت الَّر ِ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫فيْتَن ِي كُن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل على شيء إنمايدل على أن المسيح‬ ‫َ‬ ‫المسيح قد أصبحت في عهدة الله‪ .‬وهذا إن د ّ‬
‫قد مات ولم يعد له من سلطان على أتباعه طبقا ً للنص القرآني‪ .‬فمن وجهة نظر‬
‫إسلمية إن كان المسيح لم يمت حقا ً بل ُرفع فإنه بحكم بقائه حيا ً ورفعه روحاً‬
‫وجسداً‪ ،‬يظل قادرا ً على الرقابة والشهادة عليهم أو لهم‪ .‬ولكن طبقا ً للية‬
‫م" (سورة‬ ‫ه ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫هيدا ً َ‬
‫ما دُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫م َ‬
‫ش ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫وكُن ْ ُ‬ ‫المذكورة أعله فإن المسيح قال‪َ " :‬‬
‫المائدة ‪ )117 :5‬يشير بطريقة غير مباشرة إلى موته‪ ،‬وكأنما يقول‪" :‬أما الن بعد‬
‫فيتني لم يعد لي عليهم رقابة‪ ،‬وكل شيء منوط بك لنك أنت‬ ‫أن أمتَّني أو تو ّ‬
‫َ‬
‫صل َ ِ‬
‫ة‬ ‫صان ِي بِال َّ‬ ‫و َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫وحدك الحي القيوم"‪ .‬ويمكن تطبيق القاعدة عينها على قوله‪َ " :‬‬
‫حيّاً" (سورة مريم ‪ ،)31 :19‬فمن حيث أن المسيح ما برح حيا ً بلحمه‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما دُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫والَّزكَا ِ‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫ودمه في السماء إذ ُرفع كما هو‪ ،‬فهل ما زال يزكي هناك‪ ،‬كفرض عليه‪ ،‬لنه‬
‫مأمور أن يفعل ذلك ما دام حياً؟[‪]3‬‬

‫وقد جاء الحديث الصحيح يشهد في أكثر من مكان واحد لهذه الحقيقة‪ ،‬فنقرأ في‬
‫صحيح البخاري ج ‪ ،1‬رقم ‪ 3263‬ما نصه‪:‬‬

‫"حدّثنا محمد بن سيرين‪ ...‬عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله‪:‬‬
‫تحشرون حفاة‪ ،‬عراة‪ ،‬غرلً‪ ،‬ثم قرأ‪" :‬كما بدأنا أول خلق نُعيده وعدا ً علينا إنا كنا‬
‫فاعلين"‪ .‬فأول ما يكسى إبراهيم‪ ،‬ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات‬
‫الشمال‪ .‬فأقول‪ :‬أصحابي‪ .‬فيقال‪ :‬إنهم ما زالوا مرتدين على أعقابهم منذ‬
‫ما‬‫هيدا ً َ‬
‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫وكُن ْ ُ‬ ‫فارقتهم‪ .‬فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم‪َ " :‬‬
‫ُ‬ ‫عل َ‬ ‫علَيهم َ‬ ‫َ‬ ‫ما ت َو َّ‬
‫فل َ َّ‬
‫هيدٌ"[‪. ]4‬‬ ‫ِ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ى‬ ‫وأن ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫ب َ ْ ِ ْ َ‬ ‫ت الَّر ِ‬
‫قي َ‬ ‫فيْتَن ِي كُن ْ َ‬
‫ت أن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫في ِ‬
‫ت ِ‬ ‫دُ ْ‬
‫م ُ‬

‫لقد اقتبس محمد نفس العبارة القرآنية التي ترددت على لسان المسيح في سورة‬
‫المائدة ‪ ،117 :5‬ونحن نعلم أن محمدا ً قد مات ولم يدَّع أحد من المسلمين أنه قد‬
‫ُرفع‪ .‬لهذا فحين استخدم محمد الية القرآنية أعله فإنه أشار بلفظة "توفيتني"‬
‫إلى موته وليس إلى رفعه‪ ،‬ول يجوز في هذه الحال أيضا ً أن نتلعب في تفسير‬
‫هذه المصطلحات على حساب الحقيقة ول سيما حين ينتفي وجود القرينة‪ .‬فهذه‬
‫اللفظة إذا ً بمعناها الطبيعي أي الموت تنطبق على عيسى كما تنطبق على محمد‪.‬‬
‫أما الفارق بين الثنين في حدود حادثة الموت أن المسيح قام من بين الموات في‬
‫اليوم الثالث‪ ،‬وسيأتي ثانية ل ليموت ‪ -‬لنه قد مات وقام ‪ -‬بل ليدين الحياء‬
‫والموات حسب ما جاء في النجيل المقدس المعصوم‪ ،‬بينما محمد قد مات ولن‬
‫يقوم إل في يوم الدين‪.‬‬

‫بالضافة إلى النصوص القرآنية التي وردت فيها لفظة الوفاة بمعناها العام‬
‫المتداول بين العرب القدامى‪ ،‬فإننا نرى أن الحاديث النبوية المتفق عليها‬
‫تستخدم نفس هذا الصطلح بمعنى الموت‪ .‬فقد جاء عن أنس أنه قال‪:‬‬
‫ر أصابه‪ ،‬فإن كان ل بدّ فاعلً‬ ‫"قال رسول الله‪ ...‬ل يتمنّين أحدكم الموت لض ّ ٍ‬
‫فليقل‪ :‬اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا ً لي وتو َّ‬
‫فني إذا كانت الوفاة خيرا ً لي"[‪]5‬‬
‫‪.‬‬

‫وكذلك ورد في حديث آخر‪:‬‬

‫"عن ابن عباس‪ ...‬أن علي بن أبي طالب‪ ...‬خرج من عند رسول الله‪ ...‬في وجعه‬
‫الخير الذي توفي فيه‪. ]6["...‬‬

‫ونعثر في القرآن على ثلث آيات يخاطب فيها الله محمدا ً بقوله لنتوفينَّك بمعنى‬
‫لنميتنَّك‪ .‬وقد وردت هذه اللفظة في سورة يونس ‪ ،46 :10‬وسورة الرعد ‪،40 :13‬‬
‫وسورة غافر ‪ .77 :40‬وبمقارنة هذه اللفظة مع متوفيك وتوفيتني في النصين‬
‫المتعلقين بموت المسيح ل نجد بينهما أي فارق لغوي أو معنوي‪ .‬ولدى مراجعة‬
‫بعض كتب التفاسير السلمية المرموقة في معنى لنتوفينَّك لم أجد مفسرا ً واحداً‬
‫يتوقف عندها ليدقق في مضمونها‪ ،‬لن هؤلء المفسرين قد اعتمدوا المعنى‬
‫الطبيعي لهذه اللفظة وهو الموت‪ .‬لهذا لم يجهدوا أنفسهم في تفسيرها كما‬
‫جهدوا في تفسير النصين المختلف عليهما بشأن موت المسيح‪ ،‬لن تفسير اليات‬
‫المختصة بموت محمد ل تشكل لهم حرجاً‪ ،‬بينما القرار بموت المسيح يخلق لهم‬
‫مشكلت ل حصر لها‪ ،‬أهمها تعليل كيفية موته‪ .‬وفي هذه الحالة لن يتوافر لهم أي‬
‫مصدر يرجعون إليه سوى النجيل والوثائق التاريخية يستفتونها‪ ،‬وهي جميعها تؤيد‬
‫بشواهدها المختلفة موت المسيح صلباً‪ .‬فإن أخذوا بهذه الشواهد فإنهم ينقضون‬
‫في لحظات كل ما اعتمدوه من منطق في الدفاع عن السلم ومهاجمة المسيحية‪.‬‬
‫وهذا أمر ل يجرؤ مسلم على القدام عليه‪.‬‬

‫إن مثل هذه المواقف في تفسير اليات القرآنية تُفقد الباحث الثقة في شروحات‬
‫العلماء لما فيها من تناقض وسفسطة كلمية وبلبلة فكرية‪.‬‬

‫إذا فالمعنى المألوف لصطلح الوفاة في أغلبية النصوص القرآنية والحاديث‪ ،‬إل‬
‫ما اقتضت به القرينة‪ ،‬هو الموت‪ .‬ول جدوى من السفسطة الكلمية التي من‬
‫شأنها أن تولد بلبلة في عقول الناس وتنأى بهم عن الحقيقة‪ .‬والواقع لو كان‬
‫المقصود من لفظة "متوفيك" هو إنهاء مدة إقامة المسيح على الرض برفعه لما‬
‫كان هناك حاجة إلى القول "إني متوفيك" إذ يمكن أن ترد العبارة‪ ،‬بكل بساطة‬
‫ي" من غير متوفيك‪.‬‬‫"إني رافعك إل ّ‬
‫ولكن قد يتساءل البعض ويقول‪:‬كيف يمكن أن توفق بين ما ذكرته آنفا ً وبين الية‬
‫الواردة في سورة النساء ‪:157 :4‬‬

‫صلَبُو ُ‬
‫ه‬ ‫ما َ‬ ‫قتَلُوهُ َ‬
‫و َ‬ ‫ما َ‬‫و َ‬‫ه َ‬‫ل الل ِ‬‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬
‫ح ِ‬ ‫سي َ‬ ‫قتَلْن َ َا ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫م إِنَّا َ‬ ‫ه ْ‬‫ول ِ ِ‬‫ق ْ‬ ‫و َ‬ ‫*" َ‬
‫ع‬ ‫ْ‬
‫علم ٍ إِل اتِّبَا َ‬‫ن ِ‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬‫م بِ ِ‬‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬
‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ك ِ‬ ‫في ش ٍ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫هل ِ‬ ‫في ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ختَلفوا ِ‬ ‫نا ْ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫َ‬ ‫وإ ِ ّ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫هل ُ‬ ‫ُ‬
‫ن شب ِّ َ‬ ‫ولَك ِ ْ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫قينَا"‪.‬‬ ‫قتَلوهُ ي َ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬‫الظّ ِ ّ‬

‫لكي نجيب عن هذا السؤال ل بد أن نلقي بعض الضواء على طائفة من الحقائق‬
‫التي من شأنها أن تبدد بعض ما يكتنف هذه الية من غموض ما برح مفسرو‬
‫المسلمين يتخبطون في متاهاته‪ .‬وأهم هذه الحقائق هي‪:‬‬

‫ً‬ ‫موتا‬ ‫صلَبُوهُ‪ "...‬وكل ذلك ل ينفي إطلقا ً موته ولو‬


‫ما َ‬ ‫قتَلُوهُ َ‬
‫و َ‬ ‫ما َ‬
‫إن الية تقول‪َ َ" :‬‬
‫طبيعياً‪ .‬قد تنفي موته قتل أو صلبا إن أخذناها على ظاهر النص‪ .‬ولكنها ل تستبعد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الموت الطبيعي‪ .‬وأرى أن هذا العتبار يتفق تمام التفاق مع ما ألمحنا إليه سابقاً‬
‫بما يختص بلفظة متوفيك‪ ،‬ول سيما إذا تحررنا من سفسطات المفسرين الذين‬
‫رأوا في وقوع الموت على عيسى تهديدا ً لكل ما أشاعوه من تفسيرات تهربا ً من‬
‫تاريخية موت المسيح‪ .‬فموت المسيح معناه تفنيد الدعاء بموت مستقبلي عند‬
‫رجوعه في آخر الزمان وبالتالي تثبت اليات القرآنية صحة دعوى المسيحيين عن‬
‫موت المسيح ‪ ،‬وهذا أمر يأباه المسلمون‪ .‬ثم إن كان المسيح قد مات حقا ً فل يجوز‬
‫حكما ً أن يموت ثانية‪ ،‬لن موت المسيح كان من أجل فداء النسان‪ ،‬وقد دفع الثمن‬
‫غاليا ً مرة وإلى البد‪ .‬وفي هذه الحالة لم يكن موت المسيح كموت أي إنسان عادي‬
‫لرتباطه الوثيق بخلص الجنس البشري وفقا ً للخطة اللهية المباركة‪.‬‬

‫ورد في رسائل إخوان الصفاء ‪ -‬وهي حركة دينية سياسية علمية ظهرت في العصر‬
‫العباسي ‪ -‬ما نصه‪:‬‬

‫ولما أراد الله تعالى أن يتوفاه (المسيح) ويرفعه إليه‪ ،‬اجتمع معه حواريوه في بيت‬
‫المقدس‪ ،‬في غرفة واحدة مع أصحابه وقال‪ :‬إني ذاهب إلى أبي وأبيكم‪ .‬وأنا‬
‫أوصيكم بوصية قبل مفارقة لهوتي‪ .‬وآخذ عليكم عهدا ً وميثاقاً‪ .‬فمن قبل وصيتي‬
‫وأوفى بعهدي كان معي غدا ً ومن لم يقبل وصيتي فلست منه في شيء ول هو‬
‫مني في شيء‪.‬‬

‫‪ ...‬وخرج من الغد وظهر للناس‪ ،‬وجعل يدعوهم ويذكرهم ويعظهم‪ ،‬حتى أُخذ‬
‫مرت يداه على‬ ‫س ِّ‬
‫صلب ناسوته‪ ،‬و ُ‬ ‫وحمل إلى ملك بني إسرائيل‪ ،‬فأمر بصلبه‪ .‬ف ُ‬
‫خشبتي الصليب‪ ،‬وبقي مصلوبا ً من صحوة النهار إلى العصر‪ .‬وطلب الماء فسقي‬
‫وكِّل بالقبر أربعون نفراً‪ .‬وهذا كله‬
‫الخل‪ ،‬وطُعن بالحربة‪ ،‬ثم دُفن مكان الخشبة‪ .‬و ُ‬
‫بحضرة أصحابه وحوارييه[‪. ]7‬‬

‫هذا الشاهد وإن ورد في وثيقة متأخرة قليل ً عن عصر محمد فإنه ينطوي على‬
‫حقيقة هامة‪ ،‬وهي أن بعضا ً من المفكرين المسلمين في ذلك العهد قد فهموا‬
‫النصوص القرآنية فهما ً مخالفا ً للتأويلت السلمية التقليدية‪ ،‬واستطاعوا بتجرد‬
‫وه‪.‬‬
‫موضوعي أن يتحرروا من طغيان المفسرين المش ّ‬

‫قينَاً" المبتورة تأكيدا ً غير مباشر على موت المسيح‬ ‫قتَلُوهُ ي َ ِ‬


‫ما َ‬
‫و َ‬
‫ونجد في عبارة " َ‬
‫ه‬
‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫ش‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ول‬
‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫صل‬
‫َ‬ ‫ما‬ ‫و‬
‫ُ َ َ‬ ‫ه‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ما‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫"‬ ‫قوله‪:‬‬ ‫من‬ ‫سبق‬ ‫ما‬ ‫ً‬ ‫حكما‬ ‫تتبع‬ ‫قتل ً أو صلباً‪ ،‬لنها‬
‫م"‪ .‬فما هو مصدر هذا اليقين؟ لقد أثبتنا بالدلة المفحمة أن المسيح قد مات‬ ‫لَ ُ‬
‫ه ْ‬
‫مصلوبا‪ ،‬ولكن عملية الصلب هذه كانت المرحلة الولى في درب الفداء‪ .‬أما‬ ‫ً‬
‫المرحلة الثانية فقد تكللت بالقيامة‪ ،‬أي إن مصدر اليقين هو القيامة التي أحبطت‬
‫مؤامرات أعداء المسيح‪ ،‬فكان المسيح في قيامته وكأنه لم يُصلب أو يُقتل لنه‬
‫خرج من المعركة حيا ً ظافراً‪.‬‬

‫أما النفي هنا فليس نفيا ً للقتل أو الصلب‪ ،‬إنما هو نفي تحقيق هدف أعداء‬
‫المسيح من صلبه‪ .‬لقد ظنوا أنهم قد تخلصوا منه إلى البد‪ ،‬وإذا بالمسيحية تزدهر‬
‫وتنمو حتى في الحقبةالتي عاش فيها أبطال المؤامرة‪ .‬إن سهمهم قد ارتد عليهم‬
‫فأصاب منهم مقتلً‪.‬‬

‫هم" فلها‪ ،‬في نظري دللت خطيرة تقتضي أن نتوقف عندها‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫أما عبارة " ُ‬
‫شب ّ َ‬
‫ونتأملها بموضوعية إذا أردنا حقا ً أن ندرك مراميها في إطار عصرها الفكري‬
‫والديني‪ .‬ويدعونا المنطق السليم أن نعالج هذه القضية على مستويين هما‪:‬‬
‫المستوى القرآني والمستوى التفسيري‪.‬‬

‫عندما وردت هذه الية كان الغرض منها‪،‬كما يبدو‪ ،‬الكشف عن مؤامرة اليهود‬
‫وإظهار عجزهم أمام الرادة اللهية التي شاءت غير ما شاءوا‪ .‬ودليلنا على ذلك‬
‫خيُْر‬
‫ه َ‬
‫والل ُ‬
‫ه َ‬ ‫مكََر الل ُ‬ ‫مكَُروا َ‬
‫و َ‬ ‫و َ‬‫نص قرآني آخر في سورة آل عمران ‪ 54 :3‬جاء فيه " َ‬
‫ن" في سياق الحديث عن اليهود ومواقفهم من المسيح‪ .‬وقد وقعت هذه‬ ‫ري َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ماك ِ ِ‬
‫ي‪"...‬‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عك إِل ّ‬ ‫ف ُ‬
‫وَرا ِ‬ ‫َ‬
‫فيك َ‬ ‫ّ‬
‫و ِ‬ ‫مت َ َ‬
‫سى إِن ِّي ُ‬
‫عي َ‬
‫ه يَا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الية مباشرة قبل قوله‪" :‬إِذ قال الل ُ‬
‫(سورة آل عمران ‪ )55 :3‬فجاءت "إذ" هنا أداة صلة بين آيتين تنطويان على صراع‬
‫غير متكافئ بين إرادة الله وإرادة أعداء المسيح‪ ،‬أي أعداء الله‪ .‬يقول الستاذ حداد‬
‫في كتابه القيّم "القرآن والمسيحية"‪:‬‬

‫فصراحة النص وقرائنه تجعله شهادة رسمية لسلطة مسيحية بأن اليهود مكروا‬
‫بالمسيح فقتلوه وصلبوه فكان مكر الله بهم خيرا ً من مكرهم‪ ،‬إذ بعث عيسى حياً‬
‫بعد قتله وصلبه (ص ‪.)45‬‬

‫لقد مكر اليهود وخططوا لهلك المسيح‪ ،‬ونجحت خطتهم إلى حين‪ .‬ولكن مكر الله‬
‫كان خيرا ً من مكرهم إذ قام المسيح حيا ً في اليوم الثالث‪ ،‬ثم بعد أربعين يوماً‬
‫ارتفع إلى السماء‪ .‬إذا ً لم يكن مكر الله باليهود برفعه وإنقاذه من أيديهم‪ ،‬لن مثل‬
‫هذا التأويل يتناقض مع الحقائق التاريخية المختلفة والحجج المنطقية والبينات‬
‫القرآنية التي استقينا منها أدلتنا‪ ،‬إنما كان ببعثه حياً‪ .‬هكذا مكر الله بهم وأحبط‬
‫شبِّه لهم ‪ -‬أنهم بقتل المسيح‬ ‫خطتهم بعد أن ظنوا ‪ -‬وهذا هو المعنى الحقيقي ل ُ‬
‫وصلبه قد تخلصوا منه نهائياً‪ .‬لم تكن قيامة المسيح انتصارا ً على خطة اليهود فقط‬
‫بل كانت انتصارا ً على الموت أيضاً‪.‬‬

‫ويشير أبو موسى الحريري في كتابه "قس ونبي" إلى عقائد بعض الفرق البيونية‬
‫الهرطوقية التي ادعت‪:‬‬

‫أن المسيح يتحول برضاه من صورة إلى صورة‪ ،‬فقد ألقى في صلبه شبهه على‬
‫صلب سمعان بدل ً عنه‪ ،‬فيما هو ارتفع إلىالسماء حيا ً إلى الذي أرسله‪،‬‬
‫سمعان‪ ،‬و ُ‬
‫ماكرا ً بجميع الذين مكروا للقبض عليه‪ .‬لنه كان غير منظور للجميع (ص ‪.)129‬‬

‫وهكذا يتبين لنا أن قيامة المسيح من بين الموات في اليوم الثالث حسب ما أشار‬
‫وات كانت الحباط الحقيقي لمؤامرات‬‫هو به عن نفسه ووفقا ً لما جاء في النب ّ‬
‫اليهود وخططهم‪.‬‬

‫شبِّه لهم" بمعنى ظنّوا أو خيِّل إليهم‪ ،‬تحولت عند المفسرين‬‫غير أن عبارة " ُ‬
‫شب ِّه له" وركزوا أشد التركيز على شخصية الشبيه‪ .‬وهنا الفارق‬‫المسلمين إلى " ُ‬
‫الكبير بين النص القرآني وتأويلت المفسرين‪ .‬ولم يجد المفسرون المسلمون‬
‫مصدرا ً يستلهمون منه تأويلتهم التي تتفق مع عقيدتهم بشأن المسيح وصلبه إل‬
‫ما وصل إليهم من مفاهيم هراطقة الدوكيتيين والبيونيين والغنوسيين كما رواها‬
‫لهم أصحابها ممن أسلموا أو مما سمعوه من مفكريهم مباشرة‪ ،‬لنه لم يكن لديهم‬
‫أي شاهد تاريخي أو أثري أو ديني سواهم يعتمدون عليه في تأويل هذه اليات‪.‬‬
‫ولسنا ندَّعي هذا اعتباطا ً فلدينا من المصادر السلمية ما يغنينا عن أي استقراء‪.‬‬

‫ولعل من أبرز المثلة على ذلك ما رواه وهب بن منبه (‪ 733-646‬م) الذي اشتهر‬
‫بمعرفته أخبار أهل الكتاب وعدُّ من التابعين‪ .‬ولكن يبدو أن معارفه لم تتعدَّ أخبار‬
‫مؤلفات الفرق الهرطوقية المسيحية‪ ،‬والكتب البوكريفية والتلمود‪ ،‬وأن معارفه‬
‫في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد كانت معرفة سطحية‪ .‬فقد اعتمد في‬
‫رواياته على أخبار هذه الفرق التي هي مزيج من النص الكتابي وتأويلت‬
‫مفسريهم الغنوسيين والدوكيتيين والبيونيين‪ .‬هذا الراوية أخذ عنه مؤرخو العرب‬
‫كثيرا ً "من أحاديث النبياء والعباد وأحاديث بني إسرائيل"‪ .‬ومن جملة ما نقل عنه‬
‫الثعلبي قصة الظلمة التي أحاقت بالرض عند صلب المسيح قال وهب‪:‬‬

‫فأخذوه واستوثقوا منه‪ ،‬وربطوه بالحبل‪ ،‬وجعلوا يقودونه ويقولون‪ :‬أنت كنت‬
‫تحيي الموتى‪ ،‬وتبرئ الكمه والبرص أفل تفك نفسك من هذا الحبل؟ ويبصقون‬
‫عليه‪ ،‬ويلقون الشوك عليه‪ .‬ثم إنهم نصبوا له خشبة ليصلبوه عليها‪ ،‬فلما أتوا به‬
‫إلى الخشبة أظلمت الرض وأرسل الله الملئكة فحالوا بينهم وبين عيسى وألقي‬
‫شبه عيسى على الذي دلهم عليه واسمه يهوذا فصلبوه مكانه وهم يظنون أنه‬
‫فى الله عيسى ثلث ساعات ثم رفعه إلى السماء‪ ،‬فذلك قوله تعالى‪:‬‬ ‫عيسى‪ ،‬وتو َّ‬
‫َ‬
‫صلب الذي هو‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا‪ . "...‬فلما ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫مطَ ِّ‬
‫هُر َ‬ ‫و ُ‬ ‫ك إِل َ َّ‬
‫ي َ‬ ‫ع َ‬
‫ف ُ‬
‫وَرا ِ‬ ‫في َ‬
‫ك َ‬ ‫و ِّ‬
‫مت َ َ‬
‫"إِن ِّي ُ‬
‫شبه عيسى جاءت مريم أم عيسى وامرأة كان عيسى دعا لها وأبرأها من الجنون‬
‫تبكيان عند المصلوب‪ ،‬فأتاهما عيسى وقال‪ :‬على من تبكيان؟ فقالتا‪ :‬عليك‪ .‬فقال‪:‬‬
‫إن الله تعالى رفعني فلم يصبني إل خير وإن هذا الشخص ُ‬
‫شبّه لهم‪. 8‬‬

‫وفي صفحة ‪ 360‬نجد مقتطفات بتصرف من خطاب المسيح إلى حواريّيه في الليلة‬
‫التي أسلم فيها‪.‬‬

‫وكان وهب هذا يقول‪" :‬لقد رأيت إثنين وتسعين كتابا ً كلها من السماء‪ :‬إثنان‬
‫وسبعون منها في الكنائس وفي أيدي الناس‪ ،‬وعشرون ل يعلمها إل القليل"‪ . 9‬ل‬
‫شك أن الثنين وسبعين كتابا ً التي أشار إليها وهب هي أسفار العهدين القديم‬
‫والجديد الستة والستون كما نعرفها اليوم‪ .‬بالضافة إلى كتب البوكريفا التي‬
‫اعتمدتها بعض الطوائف‪ .‬أما العشرون كتابا ً الخرون فهي بل ريب كتب غنوسية‬
‫اقتصر شيوعها بين الفرق الغنوسية والبيونية وأصحاب البدع‪ .‬أما كونها كلها من‬
‫السماء فهذا أمر فيه نظر لن وهب كما يبدو‪ ،‬كان ل يميّز بين ما هو موحى به من‬
‫الحق اللهي والمؤلفات الهرطوقية‪.‬‬

‫وأورد الطبري في تفسيره على لسان وهب ق َّ‬


‫صة مماثلة مع اختلف يسير في‬
‫النص إذ ادّعى أن عيسى بقي هناك سبع ساعات قبل مجيء أمه ورفيقتها‪.‬‬

‫ويقول ابن الثير في تاريخه الكامل‪ :‬ورفع الله المسيح إليه بعد أن توفاه ثلث‬
‫ساعات‪ ،‬وقيل سبع ساعات‪ ،‬ثم أحياه ورفعه ثم قال له‪ :‬انزل إلى مريم‪ ،‬فإنه لم‬
‫يبك عليك أحد بكاءها ولم يحزن أحد حزنها‪ .‬نزل عليها بعد سبعة أيام‪ ،‬فاشتعل‬
‫الجبل حين هبط نوراً‪ ،‬وهي عند المصلوب تبكي ومعها امرأة كان أبرأها من‬
‫الجنون‪ .‬فقال‪ :‬ما شأنكما تبكيان؟ قالتا‪ :‬عليك! قال‪ :‬إن الله رفعني إليه ولم‬
‫يصبني إل خير‪ ،‬وإن هذا شبه لهم‪ ،‬وأمرها فجمعت له الحواريين فبعثهم في‬
‫الرض رسل ً عن الله وأمرهم أن يبلغوا عنه ما أمره الله به‪ .‬ثم رفعه الله إليه‬
‫وكساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب‪ .‬وطار مع الملئكة‬
‫فهو معهم فصار إنسيا ً ملكياً‪ ،‬سماوياً‪ ،‬أرضياً ‪. 10‬‬

‫فعلى الرغم مما في هذه القصة من تخليط وتشويه‪ ،‬فإنها تكشف بصورة قاطعة‬
‫عن مدى تأثر الرواة المسلمين بالمذهب البيوني‪ ،‬ول سيما بما يتعلق بحالة‬
‫المسيح بعد موته وطبيعته التي صار عليها بعد صعوده‪ .‬والغريب في المر هو تقبل‬
‫الرواة المسلمين وجود طبيعتين للمسيح‪ .‬إنسية ‪ -‬ملكية أو سماوية ‪ -‬أرضية‪ ،‬ومع‬
‫ذلك يستنكرون قول المسيحيين بلهوت المسيح وناسوته‪.‬‬

‫ولكن مما يدعو حقا ً إلى الدهشة أننا ل نعثر على أي حديث نبوي صحيح يؤكد فيه‬
‫على موضوع الشبيه إيضاحا ً لما جاء في النص القرآني‪ ،‬علما ً أن مشكلة الصليب‬
‫هي من أبرز نقاط الخلف بين المسيحية والسلم‪ .‬فكل ما تواتر إلينا من أخبار‬
‫هي من مزاعم المفسرين والرواة الذين أولعوا بالغريب والمثير التي لو أمكن‬
‫تحري مصادرها كلها لوجدنا أصولها في أساطير الولين‪ ،‬والمؤلفات التي كانت‬
‫شائعة في العصر‪ .‬ولعل خير ما جاء في هذا الصدد كتاب "مصادر السلم" لمؤلفه‬
‫"سنكلير تسدل" الذي استطاع أن يتتبع معظم قصص المفسرين والرواة المتعلقة‬
‫بالخبار الكتابية إلى مظانّها الولية‪ .‬فلماذا أغفل الحديث النبوي تفسير هذه‬
‫اليات المبهمة؟ مع العلم أن كتب السير والحاديث قد أوردت لنا مجموعة كبيرة‬
‫من التفاسير والشروحات ليات أكثر وضوحا ً ألقاها محمد على أصحابه‪.‬‬

‫فماذا نستخلص من هذه البيّنات؟‬

‫فرق الدينية المسيحية التي كانت مزدهرة في عصر‬‫أولً‪ :‬إن تأثير هرطقات ال ِ‬
‫ظهور السلم كان عميقا ً على مواقف المفسرين الذين تلقوا أخبارهم بما يختص‬
‫بالعقائد اليهودية والمسيحية من رواة أو علماء اقتصرت معارفهم على علوم تلك‬
‫الفرق وبدعهم‪ .‬ومن الجلي أن وهب هذا كان مطلعا ً على مبادئ الدوكيتيين‬
‫والبيونيين والغنوسيين‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬إن بعض هؤلء الرواة كانوا قد أسلموا كمثل وهب بن منبه‪ ،‬فحملوا معهم‬
‫بذور عقائدهم الولى وحاولوا أن يوفقوا بينها وبين تعاليم السلم‪ .‬والواقع أن ما‬
‫رواه وهب كان أقرب شيء إلى معتقدات المسيحيين‪ .‬ولعله سعى من وراء ذلك‬
‫أن يقوم بعملية توفيقية واعية مقصودة للتقريب بين وجهتي نظر متباينتين‪. 11‬‬

‫ثالثاً‪ :‬نجد في رواية وهب دليل ً تاريخيا ً على صحة ما نقله إلينا النجيل من قصة‬
‫الظلمة مما يخالف ما جاء عن حادث الرفع المباشر الذي ورد ذكره في القرآن‪.‬‬
‫ي أن أشير هنا إلى حديث نبوي متفق عليه جاء فيه‪:‬‬ ‫وأرى لزاما ً عل ّ‬
‫وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪ :‬كأني أنظر إلى رسول‬
‫الله‪ ...‬يحكي نبيا ً من النبياء‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليهم‪ ،‬ضربه قومه فأدموه وهو‬
‫يمسح الدم عن وجهه‪ ،‬يقول‪" :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون"‪. 12‬‬

‫فمن هو النبي الذي ردد هذه الكلمات؟ وفي أي مناسبة؟ إن الباحث في الكتاب‬
‫المقدس بأكمله ل يعثر على مثل هذا النبي في العهد القديم‪ ،‬وإنما يجد تقريراً‬
‫ضافيا ً عما تعرض له المسيح من إهانة وآلم ثم تعليق على خشبة الصليب‪ ،‬وهناك‬
‫في لحظاته الخيرة قال‪:‬‬

‫علُو َ‬
‫ن" (لوقا ‪.)34 :23‬‬ ‫ماذَا ي َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ن َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬
‫ه ْ‬
‫َ‬
‫م‪ ،‬لن َّ ُ‬ ‫فْر ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫* "يَا أَبَتَاهُ‪ ،‬ا ْ‬
‫غ ِ‬

‫هذا هو النص الكامل لدعاء المسيح على الصليب في لحظة هي من أشد لحظات‬
‫اللم التي يتعذر على العقل البشري أن يتصورها‪ .‬والحق يُقال أن ما أورده‬
‫الحديث هو دليل آخر وإن كان غير مباشر‪ ،‬على صدق الكتاب المقدس‪ .‬وهذا‬
‫الحديث بالذات يتنافى مع ادعاء الرفع المباشر الذي يخلو كليا ً من أي ذكر للم‬
‫المسيح‪ ،‬إن في القرآن أو في تأويلت المفسرين‪.‬‬

‫أما اليتان ‪ 15‬و‪ 33‬الواردتان في سورة مريم في السلم على يحيى وعيسى في‬
‫يوم مولدهما وموتهما وبعثهما فهما‪ ،‬في رأيي برهان آخر على موت المسيح‬
‫لسببين أساسيين هما‪:‬‬

‫سل َ ٌ‬
‫م‬ ‫و َ‬‫أولً‪ :‬إن جميع المفسرين المسلمين يُجمعون علىأن يحيى قد مات وأن آية " َ‬
‫حيّاً" التي قيلت فيه مماثلة في صياغتها‬ ‫ث َ‬
‫ع ُ‬
‫م يُب ْ َ‬
‫و َ‬
‫وي َ ْ‬
‫ت َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫مو ُ‬ ‫وي َ ْ‬
‫و َ‬ ‫ولِدَ َ‬
‫م ُ‬‫و َ‬ ‫ه يَ ْ‬‫علَي ْ ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو ُ‬ ‫مأ ُ‬‫و َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬‫َ‬
‫ّ ْ‬‫ي‬ ‫ي‬ ‫عل‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ٌ‬ ‫سل‬
‫َ‬ ‫"‬ ‫نفسه‪:‬‬ ‫عن‬ ‫عيسى‬ ‫بها‬ ‫نطق‬ ‫التي‬ ‫للية‬ ‫اللغوية‬
‫حيّاً" (سورة مريم ‪ 15 :19‬و‪ .)33‬فلماذا إذا ً ل يطبق المفسرون‬ ‫ُ‬
‫ث َ‬ ‫ع ُ‬‫م أب ْ َ‬ ‫و َ‬‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫المسلمون على عيسى نفس التأويل الذي طبقوه على يحيى؟ لماذا يتلعبون‬
‫بتفسير اليتين وفقا ً للهواء والنوايا المغرضة؟ لماذا يقولون في شرح الية‬
‫الولى إنها تشير حقا ً إلى موت يحيى ويزعمون أن لفظة "أموت" في الية الثانية‬
‫تعني الموت المستقبلي في آخر الزمان؟‬

‫ثانياً‪ :‬إن الوثائق التاريخية‪ ،‬والبينات القرآنية‪ ،‬والقرائن المنطقية التي اعتمدناها‬
‫واستقرأناها من بطون الكتب‪ ،‬والمراجع الموثوق بها‪ ،‬تثبت أن لفظة "أموت"‬
‫الواردة في الية أعله كانت تلمح إلى موت المسيح القريب وليس إلى ما سيحدث‬
‫في آخر الزمان‪ .‬أضف إلى ذلك أن ابن عباس المعروف بترجمان القرآن وسواه‬
‫من المفسرين الذين كانوا أقرب منا إلى اللغة قد فهموا أن الشارات المختلفة‬
‫المبثوثة بين آيات القرآن عن وفاة المسيح توعز إلى موته القريب بغض النظر إن‬
‫كانت الوفاة ثلث ساعات أو سبع ساعات‪.‬‬
‫قال الدكتور محمود شلتوت شيخ الزهر السبق‪:‬‬

‫فيتني‪ ...‬تحمل في ذاتها معنى الموت العادي‪ .‬وليس هناك من سبيل‬ ‫إن عبارة تو َّ‬
‫لتأويل "الموت" بأنه سيقع بعد رجوع (المسيح) من السماء‪ ،‬على فرض أنه الن‬
‫حي في السماء‪ ،‬لن الية تحدد بكل وضوح علقة عيسى بقومه في زمانه وليس‬
‫بعلقته بأهل زمان رجوعه‪ ...‬فإن كل ما تعنيه اليات التي تشير إلى هذا الموضوع‬
‫هو أن الله قد وعد المسيح أنه سيتمم له حياته وأنه سيرفعه إليه‪. 13‬‬

‫وفي هذا الصدد يقول ‪" g. parrinder‬إن قواعد الية ‪ 33‬القرآنية من سورة مريم ل‬
‫تتضمن المعنى المستقبلي الذي يوحي بالموت بعد المجيء الثاني‪ .‬إن المعنى‬
‫البسيط‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬هو الموت الجسدي في نهاية حياته النسانية الرضية يومئذ"‪14‬‬
‫‪.‬‬

‫وينبر أحد الكتاب المحدثين على أن الله يخاطب في سورة آل عمران ‪55 :3‬‬
‫المسيح بما معناه "حقا ً أنا الذي أدعوك للموت" أو "إنه أنا الذي أميتك"‪. 15‬‬

‫ويشير ‪ neal robinson‬في كتابه ‪ christ in islam and christianity‬إلى أن‪:‬‬

‫* الثلث آيات المتعلقة بمحمد واليتين المتعلقتين بالمسيح (وهي اليات التي‬
‫وردت فيها ألفاظ‪ :‬متوفيك وتوفيتني ولنتوفينَّك) هي وحدها اليات التي ورد فيها‬
‫الفعل مبنيا ً للمعلوم والله هو الفاعل‪ ،‬وأحد أنبيائه هو المفعول به‪ ،‬وأكثر من هذا‬
‫فإن في هاتين المجموعتين من اليات تأكيدا ً متماثل ً على أن الله هو الشهيد على‬
‫أعمال الناس وأن الناس إليه يرجعون في يوم الدين‪. 16‬‬

‫شب ِّه لمن؟ ل شك أن المقصود في النص القرآني‬ ‫والسؤال المطروح أمامنا هو‪ُ :‬‬
‫بكلمة "لهم" هم اليهود والرومان الذين أقدموا على صلب المسيح‪ .‬ولكن ماذا عن‬
‫شبه لهم أيضاً؟ إن القرآن يسكت عن ذكرهم‬ ‫حواريي المسيح وأمه وأتباعه؟ فهل ُ‬
‫شبِّه لهم"‪ .‬بمعنى آخر إن الحواريين الذين‬ ‫إذ من الجلي أنهم لم يكونوا من الذين " ُ‬
‫شب ِّه لهم" بل أدركوا أن المصلوب هو‬ ‫كانوا موجودين هناك لم يقعوا في فخ " ُ‬
‫المسيح بالذات وليس سواه‪ .‬ولعل أكبر دليل على ذلك أن الحواريين ورسائلهم‬
‫المكتوبة بوحي من الروح القدس‪ ،‬محورها صلب المسيح وقيامته‪ .‬هذا مع العلم أنه‬
‫لم يوجد أي دليل وثائقي أو تاريخي يمكن العتماد عليه يثبت أن اليهود والرومان‬
‫كانوا في شك من حقيقة المصلوب‪ .‬فيهوذا قد انتحر وعثروا على جثته ودفنوها‬
‫في حقل الفخاري‪ ،‬والظلمة خيمت بعد أن استودع المسيح روحه على الصليب بين‬
‫يدي الب السماوي وليس قبل أن يُصلب كما يزعم بعض الرواة المسلمين‪ ،‬ومريم‬
‫أم المسيح وبعض حوارييه وأتباعه كانوا حاضرين عند صلبه‪ ،‬وجثمان المسيح طُيِّب‬
‫من يعرفونه حق المعرفة‪ ،‬وكذلك الجنود الرومان الذين أشرفوا على‬ ‫فن بأيدي َ‬ ‫وك ُ ِّ‬
‫صلب المسيح‪ ،‬واقتسموا ثيابه‪ ،‬وطعنوه بالحربة‪ .‬هؤلء لم تخالجهم أية ريبة في‬
‫حقيقة المصلوب‪ ،‬بل إن قائد المئة والحراس الذين كانوا معه إذ شاهدوا الظلمة‬
‫ثم الزلزلة اعتراهم رعب شديد‪ ،‬وقالوا‪" :‬حقا ً كان هذا ابن الله"‪ .‬وأكثر من ذلك‬
‫فإن القبر الفارغ أكبر برهان على حقيقة شخصية المصلوب‪ .‬فلو كان المصلوب‬
‫غير المسيح أكان بوسعه أن يقوم من الموات ثم يظهر للحواريين وأتباعه لمدة‬
‫أربعين يوماً؟‬

‫والحق يُقال‪ ،‬إن كل ما لدينا من وثائق معتمدة تدحض بقوة كل زعم أن المصلوب‬
‫ي عذر بعد للمتشككين والرافضين؟‬ ‫كان ال َّ‬
‫شبيه‪ ،‬فأ ُّ‬

‫أما النص الخير من آية ‪ 157‬من سورة النساء‪:‬‬


‫َ‬ ‫* "وإ َ َ‬
‫ما‬
‫و َ‬ ‫ع الظّ ِ ّ‬
‫ن َ‬ ‫علْم ٍ إِل اتِّبَا َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬
‫م بِ ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ش ٍّ‬
‫ك ِ‬ ‫ه لَ ِ‬
‫في َ‬ ‫في ِ‬ ‫ختَل َ ُ‬
‫فوا ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫قيناً"‪.‬‬ ‫قتَلُوهُ ي َ ِ‬
‫َ‬
‫فيشوبها كثير من الغموض إن أخذناها على ظاهر النص لنها في الواقع ل تتفق‬
‫مع السياق العام للحادث‪ .‬فقد بينا أعله أن حواريي المسيح لم يقعوا في فخ‬
‫الشبه‪ ،‬وأنه ل يوجد أي برهان على أن الرومان واليهود كانوا في شك منه‪ .‬إذا ً من‬
‫هم الذين اختلط عليهم المر؟‬

‫نجيب بكل بساطة‪ ،‬إنها الفرق المسيحية المختلفة التي كانت منتشرة في شبه‬
‫الجزيرة العربية عند ظهور السلم‪ .‬صحيح أن القرآن كان يتكلم عن صلب المسيح‬
‫ولكنه في سياق ذلك كان يعكس حركات التيارات الدينية والتجاهات اللهوتية التي‬
‫كانت سائدة في زمانه‪ .‬فالدوكيتيون والبيونيون وسواهم من الفرق الهرطوقية‬
‫من أصحاب الشبيه كانوا على خلف مستمر مع المسيحية الكتابية التي تنادي‬
‫بحقيقة صلب المسيح ول تؤمن بخرافة الشبيه التي تخالف تعليم الكتاب المقدس‬
‫‪. 17‬‬

‫ومن الواضح أيضا ً أن القرآن قد اتخذ موقفا ً مؤيدا ً لعقائد الفرق الهرطوقية‬
‫جح أن السبب الرئيسي في‬ ‫ُ‬
‫فانضم إليهم في صراعهم ضد المسيحية الكتابية‪ .‬وأر ِّ‬
‫ذلك هو اقتصار اطلع محمد على تعاليم هذه الفرق دون سواها‪ ،‬والتي تركت أثراً‬
‫بليغا ً في اتجاهه الديني‪ .‬أضف إلى ذلك أن بعضا ً من أتباع هذه الفرق قد انضموا‬
‫إلى دعوته لنها لم تتناف‪ ،‬في معظمها‪ ،‬مع ما كان يدعو إليه‪ .‬وعلى ضوء هذا‬
‫الترجيح يمكننا تعليل مواقف القرآن المتناقضة من المسيحيين‪ ،‬فالذين كان‬
‫شبيه من النصارى‪ ،‬أما الذين هاجمهم فهم أهل النجيل الذين‬ ‫يطريهم هم فرق ال َّ‬
‫آمنوا بموت المسيح وصلبه‪ .‬ولعل قصة حواره مع مسيحيّي نجران وخلفه معهم‬
‫حول لهوت المسيح دليل ساطع على هذه الحقيقة‪.‬‬

‫ومن المعروف أن أهل الكتاب كانوا يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية‬
‫لهل السلم‪ . 18‬أما موقف محمد من ذلك فغير واضح تماماً‪ .‬فتارة نراه يبيح‬
‫للمسلمين الخذ عن أهل الكتاب‪ .‬وطورا ً نراه يحظر عليهم‪ . 19‬بيد أن محمدا ً نفسه‬
‫كان أحيانا ً يعقد حلقات حوار دينية مع أهل الكتاب من يهود ونصارى‪ ،‬بل كان يزور‬
‫الكنيس اليهودي في يثرب‪ . 20‬وتخبرنا كتب السيرة السلمية أن محمدا ً كان على‬
‫صلة وثيقة بأحد أبرز الشخصيات المسيحية في مكة هو ورقة بن نوفل‪ . 21‬كان‬
‫ورقة ابن عم خديجة أُولى زوجات النبي‪ .‬ويبدو أن علقة محمد بورقة تعود إلى‬
‫عهد مبكر جدا ً من حياة الدعوة السلمية‪ ، 22‬كما أن ورقة بصفته الدينية‬
‫والجتماعية قام بعقد مراسيم زواج محمد بخديجة‪ . 23‬وكان محمد آنئذ في‬
‫الخامسة والعشرين من عمره‪ .‬وعندما عاد محمد من غار حراء وروى لزوجته‬
‫خديجة رؤياه أسرعت به إلى ابن عمها ورقة تسترشد برأيه خشية أن يكون قد‬
‫أصاب زوجها مكروه‪ .‬ول شك أن محمدا ً الذي رفض أن يعبد آلهة مكة قد وجد في‬
‫ورقة بن نوفل خير مرشد ديني يأنس إليه ويأخذ برأيه‪ ،‬وهو الخبير الضليع بشؤون‬
‫الدين وأسفار أهل الكتاب‪ .‬لقد عاصر محمد ورقة ما ل يقل عن ثماني عشرة سنة‪،‬‬
‫خمس عشرة منها قبل الدعوة‪ ،‬وثلث بعد الدعوة‪ .‬وفي غضون هذه الفترة كما‬
‫يبدو‪ ،‬لم يكف محمد عن البحث والتأمل‪ .‬ويلوح لي أن ورقة بما تمتَّع به من معرفة‬
‫باللغة العبرانية ونزعته التوحيدية كان المصدر الرئيسي في تغذية ذهن محمد‬
‫بمفاهيمه الدينية‪ .‬إن المصادر السلمية نفسها تؤكد لنا أن ورقة كرئيس للجالية‬
‫المسيحية في مكة قد انهمك في ترجمة إنجيل العبرانيين البيوني إلى اللغة‬
‫العربية‪ . 24‬بالضافة إلى ذلك فإن بعض الدارسين يعتقدون أن ورقة كان في‬
‫الواقع أسقف مكة وينتمي إلى المذهب البيوني‪ . 25‬فإن صح هذا الكلم ‪ -‬وليس‬
‫هناك ما يدعو إلى الشك فيه ‪ -‬فإن اتجاهات ورقة اللهوتية قد تركت أثرا ً بليغاً‬
‫على مفاهيم محمد بشأن المسيح‪ ،‬والصليب والتجسد‪. 26‬‬

‫ومن صحابة محمد من اليهود والنصارى الذين أسلموا لسبب أو لخر‪ :‬عبد الله بن‬
‫سلم‪ ،‬وتميم الداري‪ ،‬وعبد الله بن صوريا وبلل الفارسي الذي قيل عنه إنه اعتنق‬
‫المسيحية قبل إسلمه‪ .‬فضل ً عمن كان في أهل الرسول من نساء وجوار ينتمين‬
‫إلى أهل الكتاب‪ .‬هؤلء ول ريب‪ ،‬قد نقلوا إلى الرسول كثيرا ً من أخبار أهل الكتاب‬
‫وأنبيائهم كما كانت شائعة في الوساط الشعبية‪.‬‬

‫ثم كان هناك جمهرة من الصحابة الذين أخذوا عن أهل الكتاب واشتهروا برواية‬
‫أخبارهم من غير أن يميزوا بين ما هو مقتبس حقا ً من الكتاب المقدس أو ما نسج‬
‫من أخيلة المحدثين الذين أولعوا بالقصص الشعبية والهراطقة‪ .‬من هؤلء الصحابة‬
‫عبد الله بن العباس ترجمان القرآن‪ ،‬وعبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬وأبو هريرة‪.‬‬

‫وتوحي بعض الروايات المتوافرة لدينا أن محمداً‪ ،‬لم يحظر في كثير من الحيان‪،‬‬
‫على أتباعه دراسة أو مطالعة التوراة أو النجيل‪ .‬غير أن هذه الروايات لم تفصل‬
‫لنا أي جزء من التوراة أو أي إنجيل من الناجيل أذن لهم بقراءته‪،‬وما هي الدواعي‬
‫لذلك‪ .‬وهناك روايات أخرى تنفي أن الرسول قد سمح للمسلمين أن يقرأوا أي‬
‫كتاب ديني باستثناء القرآن‪. 27‬‬

‫أورد البخاري في صحيحه بسند عبد الله بن سلم أن النبي قال‪" :‬بل ِّغوا عني ولو‬
‫مدا ً فليتب َّ‬
‫وأ مقعده‬ ‫ي متع ِّ‬
‫دثوا عن بني إسرائيل ول حرج ومن كذب عل ّ‬
‫آية واحدة وح ِّ‬
‫من النار"‪. 28‬‬

‫وأشار الحافظ الذهبي إلى حديث جاء فيه أن عبد الله بن سلم قدم على النبي‬
‫وقال له‪· :‬إني قرأت القرآن والتوراة فقال له‪ :‬اقرأ هذه ليلة وهذه ليلة‪. 29‬‬

‫ونعثر في صحيح مسلم على رواية طريفة متَّفق عليها عن طريق فاطمة بنت‬
‫قيس أنها قالت إن رسول الله قال بعد أن جمع الناس‪:‬‬

‫‪ ...‬إني والله ما جمعتكم لرغبة ول لرهبة‪ ،‬ولكن جمعتكم لن تميم الداري كان رجلً‬
‫نصرانياً‪ ،‬فجاء وبايع وأسلم وحدثني حديثا ً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح‬
‫الدجال‪. 30‬‬

‫أما الحديث الذي أشار إليه محمد فهو عن الدابة الجساسة وهي‪ ،‬في رأيي‪ ،‬قصة‬
‫من خرافات الولين‪ .‬وفحوى هذا الحديث كما رواه النبي أن تميما ً الداري حدثه أنه‬
‫ركب في سفينة بحرية مع ثلثين رجل ً من قبيلتي لخم وجذام‪ .‬وبعد أن مضى‬
‫عليهم شهر في البحر هبت عاصفة هوجاء ألجأتهم إلى جزيرة حيث لقيتهم دابة‬
‫ره"‪ .‬وعندما سألوها عن نفسها‬ ‫قبُل ُ ُ‬
‫ه من دُب ُ ِ‬ ‫كثيفة الشعر بحيث لم يتبينوا "ما ُ‬
‫أخبرتهم أنها الجساسة‪ ،‬وطلبت إليهم أن ينطلقوا إلى رجل في الدير‪.‬‬

‫فَرقنا (خفنا) منها أن تكون شيطانة‪ ،‬قال‪ :‬فانطلقنا‬ ‫مت لنا رجل ً َ‬
‫"قال‪ :‬لما س َّ‬
‫سراعا ً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا ً وأشده وثاقا‪ً،‬‬
‫مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد‪."...‬‬

‫ويدور حوار طويل بين هؤلء البحارة والرجل المصفد بالغلل يكتشفون فيه أنه‬
‫هو العور الدجال أي المسيح الكذاب‪.‬‬

‫والواقع إنني أربأ بمحمد أن تكون هذه القصة قد صدرت عنه حقاً‪ ،‬لعتقادي أنها‬
‫أقرب ما يكون إلى قصص السندباد البحري منها إلى الحديث الصحيح‪ .‬ولعل تميماً‬
‫الداري هذا قد وصلته قصة الوحش الطالع من البحر الواردة في سفر الرؤيا‪،‬‬
‫أصحاح ‪ ،13‬مشوهة فرواها كما أوحت له مخيلته‪.‬‬

‫ولكن إن صح هذا الحديث فإنه يكشف أول ً عن اهتمام محمد البالغ في الحصول‬
‫على تأييد أهل الكتاب لصدق دعوته‪ .‬وهذا أمر ضروري تتطلبه الظروف الدينية‬
‫وة ولضفاء صفة الشرعية‬ ‫والجتماعية التي أحاطت بالنبي لثبات ما يدّعيه من نب ّ‬
‫عليها‪ .‬وثانياً‪ ،‬إن شطرا ً كبيرا ً من الحاديث المرويّة تنم عن التأثير العميق الذي‬
‫تركته القصص الشعبية والساطير في تأويل اليات القرآنية وتفسيرها‪ .‬إن‬
‫الدراسات المقارنة في الديان وآدابها تبين بوضوح مدى تأثر القرآن بالكتب‬
‫البوكريفية والساطير اليهودية ‪ -‬المسيحية‪ .‬فل عجب إذا ً أن يكون التّشويه قد‬
‫طرأ على قصة الصلب كما أوردتها كتب التفاسير لنها اعتمدت هذه الخرافات‬
‫المنكرة‪. 31‬‬

‫ولكن قبل أن نستوفي البحث في هذا الفصل الخير أود أن أعلق على آيتين‬
‫قرآنيتين أعتقد أنهما تلقيان مزيدا ً من الوضوح على لفظة متوفيك‪ :‬أما هاتان‬
‫اليتان فهما‪:‬‬

‫ل‪( "...‬سورة المائدة‬ ‫س ُ‬‫ه الُّر ُ‬ ‫ن َ‬


‫قبْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬‫خل َ ْ‬ ‫قدْ َ‬‫ل َ‬ ‫سو ٌ‬‫م إِل َر ُ‬
‫مْري َ َ‬‫ن َ‬‫ح اب ْ ُ‬
‫سي ُ‬ ‫م ِ‬‫ما ال ْ َ‬ ‫*" َ‬
‫‪.)75 :5‬‬
‫علَى‬ ‫َ‬ ‫ل أَ َ‬
‫قلَبْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل ان ْ َ‬ ‫و ُ‬
‫قت ِ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما َ‬‫ن َ‬‫فإ ِ ْ‬ ‫ه الُّر ُ‬
‫س ُ‬ ‫ن َ‬
‫قبْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬‫خل َ ْ‬ ‫ل َ‬
‫قدْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مدٌ إِل َر ُ‬ ‫ح َّ‬
‫م َ‬‫ما ُ‬ ‫و َ‬‫*" َ‬
‫م‪( "...‬سورة آل عمران ‪.)144 :3‬‬ ‫قابِك ُ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫ع َ‬

‫إذا أمعنا النظر في هاتين اليتين علىأساس علقتهما بمصير النبياء السابقين نجد‬
‫أن هناك عامل ً مشتركا ً بينهم جميعاً‪ :‬أنهم كلهم ماتوا‪ .‬وطبقا ً للقرآن‪ ،‬فإن المسيح‬
‫ومحمدا ً كانا عرضة للموت‪ .‬فهما ل يختلفان عن بقية النبياء والرسل الذين مضوا‬
‫من قبلهما‪ .‬ومن العسير على الباحث الفتراض أن القرآن الذي يجمع بين المسيح‬
‫وسواه من النبياء السابقين أن يستثنيه من الموت‪ .‬فكما أن عيسى ابن مريم‬
‫ليس سوى رسول خلت من قبله الرسل يماثلهم في كل شيء‪ ،‬فلماذا ل يماثلهم‬
‫في الموت أيضاً؟ ومن الواضح أن سياق البحث يتمحور حول الماضي ول يدور حول‬
‫حدث مستقبلي‪ ،‬بل إن وجه الشبه يعتمد الماضي وحده‪ .‬إن المتأمل في هاتين‬
‫اليتين ل يجد أي فارق لغوي بينهما‪ .‬إنهما تشيران إلى المعنى نفسه‪ .‬وكما مات‬
‫محمد فإن المسيح مات من قبله أيضاً‪ .‬وعندما حاول العلماء المسلمون كالجللين‬
‫والبيضاوي والرازي تأويل معنى هاتين اليتين حرصوا جدا ً على تفادي الشارة إلى‬
‫موت النبياء القدامى في معرض مقارنة المسيح بهم‪ .‬صحيح أن القرآن كان يؤنب‬
‫النصارى الذين ألَّهوا المسيح ومريم‪ ،‬ولكنه في سياق المقارنة بينهما وبين بقية‬
‫النبياء كان يسعى إلى التأكيد على بشريتهما من كل ناحية‪ ،‬وأنهما عرضة للموت‪.‬‬
‫وهذا واضح أيضا ً في حالة محمد‪ .‬إن الدارس للية ‪ 144‬من سورة آل عمران يدرك‬
‫بوضوح أنها تشير إلى معركة أُحد التي كاد النبي أن يُقتل فيها‪ .‬فمن أغراض هذه‬
‫الية إذا ً هو الشارة إلى حقيقة الموت‪ ،‬أي العامل المشترك بين النبياء جميعا ً بل‬
‫البشر كلهم‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫لئحة المحتويات‬

‫هذه ليست سوى دراسة سريعة تعرضت فيها لموضوع شائك ولكنّه ذو أهمية كبرى‬
‫في إيماننا المسيحي‪ .‬فبينما ل يوجد أي نص أو دليل تاريخي أو أية وثيقة تؤيد ما‬
‫ورد في القرآن من نفي لموت المسيح وصلبه‪ ،‬يتوافر لدينا‪ ،‬نحن المسيحيين‪،‬‬
‫ثروة طائلة من النصوص والوثائق الصلية ما يثبت صحة ما جاء في العهد الجديد‪،‬‬
‫ورسائل الحواريين التي كتبت بوحي إلهي‪ ،‬وإرشاد الروح القدس‪ ،‬عن موت‬
‫المسيح وآلمه وقيامته‪.‬‬

‫لهذا‪ ،‬نحن كمسيحيين‪ ،‬نرفض كل نص مخالف لما جاء في الكتاب المقدس في‬
‫متون كتب الديان الخرى‪ ،‬ول نعبأ بما يقوله أصحاب البدع وأهل الهواء والنحل‬
‫ي على ما نزل به الوحي اللهي لن كل الكتاب‬‫من زنادقة المسيحية‪ .‬فإيماننا مبن ٌّ‬
‫موحى به من الله‪ .‬وكل ما يخالف كتاب الله مرفوض من أساسه أصل ً وفصل‪ً.‬‬

You might also like