You are on page 1of 64

‫تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد‬

‫بقلم محمد بن ناصر الدين اللباني‬


‫الطبعة الرابعة‬
‫المكتب السلمي‬

‫مقدمة الطبعة الثانية‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫إن هالحمد هلله هنحمدهه ونستعينه ونستغفرهه ‪ ،‬ونتوب‬
‫إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا ‪،‬‬
‫من يهده الله فل همضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل ههادي له ‪،‬‬
‫وأشهد أن ل هإله إل هالله وحده ل هشريك له ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمدا ً عبده ورسوله ‪ { ،‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق‬
‫تقاته ول تموتن إل وأنتم مسلمون } ‪{ ،‬يا أيها الناس اتقوا‬
‫‪1‬‬

‫ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ‪،‬‬


‫وبث منهما رجال ًه كثيرا ًه ونساء واتقوا الله الذي تساءلون‬
‫به والرحام إن الله كان عليكم رقيبا ًه } ‪{ ،‬يا أيها الذين‬
‫‪2‬‬

‫آمنوا اتقوا الله وقولوا قول ًه سديدا ًه * يصلح لكم أعمالكم‬


‫ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً‬
‫عظيما } ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫أما بعد ‪ ،‬فقد كنت طبعت آخر سنة (‪ ) 1377‬هجرية رسالة‬


‫بعنوانه ه"ه هتحذيره هالساجده همنه هاتخاذه هالقبوره همساجده ه"ه ه‪،‬‬
‫سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 132‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النساء ‪ ،‬الية ‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الحزاب ‪ ،‬الية ‪.70‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1‬‬
‫وكانت نسختي الخاصة من هذه الطبعة طيلة هذه المدة‬
‫في متناول يدي ‪ ،‬كلما عثرت على فائدة زائدة تناسب‬
‫موضوعهاه هعلقتهاه هعليهاه ه‪،‬ه هرجاءه هضمهاه هإليهاه هعنده هإعادة‬
‫طبعها مزيدة ومنقحة ‪ ،‬وبذلك توفر عندي زيادات كثيرة‬
‫هامة ‪ ،‬ولما طلب مني الستاذ الفضل زهير الشاويش‬
‫صاحب المكتب السلمي أن أقدمها إليه ليجدد طبعها ‪،‬‬
‫افتقدتها فلم أجدها ‪ ،‬ولما يئست منها أرسلت إليه نسخة‬
‫أخرىه هاستعرتهاه همن هبعضه هأصحابي هلتطبعه هكما ههي هعلى‬
‫قاعدة ‪ " :‬ما ل هيدرك كله ‪ ،‬ل هيترك جله " ‪ ،‬وبينما كان‬
‫أخي الستاذ زهير الشاويش يعد العدة لطبعها ‪ ،‬إذ عثرت‬
‫عليها بفضل الله تعالى وكرمه ‪ ،‬فبادرت بإرسالها إليه ‪،‬‬
‫بعد تهذيبها وتهيئتها للطبعة الثانية ‪.‬‬
‫ولماه هكانه هلتأليفه هالرسالةه هالمذكورةه هيؤمئذه هظروف‬
‫خاصةه هوملبساته همعينةه ه‪،‬ه هاقتضته هالحكمةه هأنه هيكون‬
‫أسلوبها على خلف البحث الهادئ ‪ ،‬والستدلل الرصين ‪،‬‬
‫ذلكه هأنهاه هكانته هردا ًه علىه هأناسه هلمه هتعجبهمه هدعوتناه هإلى‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬على منهج السلف الصالح ‪ ،‬وخطة الئمة‬
‫الربعة وغيرهم ممن اتبعوهم باحسان ‪ ،‬فبادؤونا بالتأليف‬
‫والرد ‪ ،‬وليته كان ردا ًه علميا ًه هادئا ًه ‪ ،‬إذن لقابلتهم بأحسن‬
‫منه ولكنه لم يكن كذلك ه مع السف ه بل كان مجردا ً عن‬
‫أي بحث علمي ‪ ،‬مملئا ًه بالسباب والشتائم وابتكار التهم‬
‫التيه هلمه هتسمعه همنه هقبله هلذلكه ه‪،‬ه هلمه هنره هيؤمئذه هأنه همن‬
‫الحكمة السكوت عنهم ‪ ،‬وتركهم ينشرون رسائلهم بين‬
‫الناس ‪ ،‬دون أن يكون لدى هؤلء مؤلف يكشف القناع‬
‫عما فيها من الجهل والتهم ‪ { ،‬ليهلك من هلك عن بينة‬
‫ي عن بينة } لذلك كان ل بد من الرد عليهم‬
‫‪1‬‬
‫ويحيى من ح ّ‬
‫بأسمائهم ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أنني لم أقابل اعتداءهم وافتراءهم‬
‫بالمثله ه‪،‬ه هفقده هكانته هالرسالةه هعلىه هطابعهاه هالعلميه هرداً‬
‫مباشر عليهم ‪ ،‬وقد يكون فيها شئ من القسوة أو الشدة‬
‫فيه هالسلوبه هفيه هرأيه هبعضه هالناسه هالذينه هيتظاهرون‬
‫بامتعاظهم من الرد على المخالفين المفترين ‪ ،‬ويودون لو‬
‫سورة النفال الية ‪. 42‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫أنهمه هتركواه هدونه هأنه هيحاسبواه هعلىه هجهلهمه هوتهمتهم‬
‫للبرياءه ه‪،‬ه همتوهمينه هأنه هالسكوته هعنهمه ههوه همنه هالتسامح‬
‫الذيه هقده هيدخله هفيه همثله هقولهه هتعالىه ه{ه هوإذاه هخاطبهم‬
‫الجاهلون قالوا سلما } وينسون أو يتناسون أن ذلك مما‬
‫‪2‬‬

‫يعينهم على الستمرار على ضللهم وإضللهم للخرين ‪،‬‬


‫‪3‬‬
‫والله عزوجل يقول { ول هتعاونوا على الثم والعدوان }‬
‫وأي أثم وعدوان أشد من اتهام المسلم بما ليس فيه ‪ ،‬بل‬
‫بخلف ما هو عليه ! ولو أن بعض هؤلء المتظاهرين بما‬
‫ذكرنا أصابه من العتداء دون ما أصابنا لسارع إلى الرد ‪،‬‬
‫ولسان حاله ينشد ‪:‬‬
‫فنجهل فوق جهل الجاهلين‬ ‫أل ل يجلهن أحد علينا‬
‫أقوله هعلىه هالرغمه همنه هذلكه ه‪:‬ه هفإننيه هلرىه هأنه هطبع‬
‫الرسالةه همنه هجديده هعلىه هوضعهاه هالسابقه هليسه همنه هورائه‬
‫فائدة تذكر ‪ ،‬لذلك كان لبد من حذف بعض التعليقات ‪،‬‬
‫وتعديله هقليله همنه هالعباراته ه‪،‬ه همماه هيهذبه همنه هأسلوبها‬
‫ويتناسبه همعه هطبعتهاه هالجديدةه ه‪،‬ه هول ههينقصه همنه هقيمتها‬
‫العلمية ‪ ،‬وبحوثها المهمة ‪.‬‬
‫وقده هكنته هذكرته هفيه همقدمةه هالطبعةه هالولىه هأن‬
‫موضوع الرسالة ينحصر في أمرين هامين جدا ً ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬حكم بناء المساجد على القبور ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬حكم الصلة في هذه المساجد ‪.‬‬
‫ه ه هوإنيه هآثرته هالبحثه هفيهماه ه‪،‬ه هلنه هبعضه هالناسه هخاضوا‬
‫فيهما بغيرعلم ‪ ،‬وقالوا ما لم يقله قبلهم عالم ‪ ،‬ل سيما‬
‫وأكثر الناس ل معرفة عندهم فيه مطلقا ً ‪ ،‬فهم في غفلة‬
‫عنه ساهون ‪ ،‬وللحق جاهلون ‪ ،‬ويدعمهم في ذلك سكوت‬
‫العلماء عنهم ه إل من شاء الله وقليل ما هم ه خوفا من‬
‫العامة ‪ ،‬أو مداهنة لهم في سبيل الحفاظ على منزلتهم‬
‫فيه هصدورهمه ه‪،‬ه همتناسينه هقوله هاللهه هتباركه هوتعالىه ه{ه هإن‬
‫الذينه هيكتمونه هماه هأنزلناه همنه هالبيناته هوالهدىه همنه هبعده هما‬
‫بيناهه هللناسه هفيه هالكتابه هأؤلئكه هيلعنهمه هاللهه هويلعنهم‬
‫سورة الفرقان الية ‪. 63‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة المائدة الية ‪.2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪3‬‬
‫اللعنون } وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬من كتم علماً‬ ‫‪1‬‬

‫ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار " ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫وكان من نتيجة هذا السكوت وذلك الجهل ‪ ،‬أن آل‬


‫المر إلى ارتكاب كثير من الناس ما حرم الله تعالى ولعن‬
‫فاعلهه ه‪،‬ه هكماه هسيأتيه هبيانهه ه‪،‬ه هوليته هالمره هوقفه هعنده ههذا‬
‫الحد ! بل صار بعضهم يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بذلك‬
‫! فترى كثيرا ً من محبي الخير وعمارة منهم ‪ ،‬ينفق أموال‬
‫طائلة ليقيم لله مسجدا ًه ‪ ،‬لكنه يعد فيه قبرا ًه ‪ ،‬يوصي أن‬
‫يدفنه هفيهه هبعده هموتهه ه!ه هوآخره همثاله هأعرفهه هعلىه هذلكه هه‬
‫وعسى أن يكون الخير إن شاء الله هذا المسجد الذي هو‬
‫في رأس شارع بغداد من الجهة الغربية بدمشق ‪ ،‬وهو‬
‫المعروف ب" مسجد بعيرا " ‪ ،‬وفيه قبره ‪ ،‬وقد بلغنا أن‬
‫الوقاف مانعت في دفنه أول المر ‪ ،‬ثم ل ندري السباب‬
‫الحقيقية التي حالت بينها وبين ما أرادت ‪ ،‬ودفن " بعيرا "‬
‫في مسجده بل في قبلته ! وإنا لله وإنا إليه راجعون ‪،‬‬
‫وهو المستعان على الخلص من هذه المنكرات وأمثالها !‬
‫‪.‬‬
‫ومنذ أيام قليلة توفي أحد المفتين من الشافعية ‪ ،‬فأراد‬
‫ذووه ان يدفنوه في مسجد من المساجد القديمة شرقي‬
‫دمشق ‪ ،‬فمانعت الوقاف أيضا ً في ذلك فلم يدفن فيه ‪،‬‬
‫ونحنه هنشكره هالوقافه هعلىه ههذهه هالمواقفه هالطيبةه ه‪،‬‬
‫وحرصها على منع الدفن في المساجد ‪ ،‬راجين الله تبارك‬
‫وتعالى ‪ ،‬أن يكون الحامل لها على هذا المنع هو رضاء‬
‫الله عزوجل واتباع شريعته ‪ ،‬ليس هو اعتبارات أخرى من‬
‫سياسية أو اجتماعية أو غيرها ‪ ،‬وأن يكون ذلك بداية طيبة‬
‫منهاه هفيه هسبيله هتطهيره هالمساجده همنه هالبدعه هوالمنكرات‬
‫المزدحمةه هفيها!ه هل هسيماه هووزيره هالوقافه هفضيلةه هالشيخ‬
‫الباقوري هله همواقفه هكريمة ه‪ ،‬هفي همحاربة كثير همن ههذه‬
‫المنكرات وخصوصا ًه بناء المساجد على القبور ‪ ،‬وله في‬

‫‪ 1‬سورة البقرة آية ‪.159‬‬


‫‪ 2‬حديث حسن ‪ ،‬أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (‪ ) 296‬والحاكم (‪ )102 / 1‬وصححه ‪،‬‬
‫ووافقه الذهبي ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫هذا الموضوع كلم مفيد سيأتي نقله في المكان المناسب‬
‫إنشاء الله تعالى ‪.‬‬
‫ومن المؤسف لكل مؤمن حقا ً أن كثيرا ً من المساجد‬
‫في البلد السورية وغيرها ل هتخلو من وجود قبر أو أكثر‬
‫فيها ‪ ،‬كأن الله تبارك وتعالى أمر بذلك ولم يلعن فاعله !‬
‫فكم تحسن الوقاف صنعا ً لو حاولت بحكمتها تطهير هذه‬
‫المساجد منها ‪.‬‬
‫ولست أشك أن ليس من الحكمة في شئ مفاجأة‬
‫الرأي العام بذلك ‪ ،‬بل ل بد من إعلمه قبل كل شئ ‪ ،‬أن‬
‫القبره هوالمسجده هل هيجتمعانه هفيه هدينه هالسلمه ه‪،‬ه هكماه هقال‬
‫بعض العلماء العلم ‪ ،‬على ما سياتي ‪ ،‬وأن اجتماعهما‬
‫معا ً ينافي إخلص التوحيد والعبادة لله تبارك وتعالى ‪ ،‬هذا‬
‫الخلص الذي من أجل تحقيقه تبنى المساجد ‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى { وأن المساجد لله فل تدعوا مع الله أحدا} ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أعتقد أن بيان ذلك واجب ل مناص منه ‪ ،‬ولعلي اكون‬


‫قد وفقت للقيام به في هذه الرسالة ‪ ،‬فقد جمعت فيها‬
‫الحاديثه هالمتواترةه هفيه هالنهيه هعنه هذلكه ه‪،‬ه هوأتبعتهاه هبذكر‬
‫مذاهب العلماء وأقوالهم المعتبرة ‪ ،‬التي تدل على ذلك‬
‫‪ ،‬وتشهد في الوقت نفسه على أن الئمة رضي الله عنهم‬
‫كانوا أحرص على اتباع السنة ودعوة الناس إلى اتباعها ‪،‬‬
‫والتحذير من مخالفتها ‪ ،‬ولكن صدق الله العظيم القائل ‪:‬‬
‫{ه هفخلفه همنه هبعدهمه هخلفه هأضاعواه هالصلةه هواتبعوا‬
‫‪1‬‬
‫الشهوات فسوف يلقون غياً} ‪.‬‬
‫وهذه فصول الرسالة ‪:‬‬
‫الفصل الول ه ه ه ه ه ‪ :‬في أحاديث النهي عن اتخاذ القبور‬
‫مساجد ‪.‬‬
‫‪ :‬في معنى اتخاذ القبور مساجد ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الفصله هالثالث ه ه ه ه ه ه‪:‬ه هفي هأن هاتخاذ هالقبوره همساجده همن‬
‫الكبائر ‪.‬‬
‫سورة الجن آية ‪.18‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة مريم آية ‪. 59‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ :‬شبهات وجوابها ‪.‬‬ ‫الفصل الرابع‬
‫الفصل الخامس ‪ :‬في حكمة تحريم بناء المساجد على‬
‫القبور ‪.‬‬
‫الفصله هالسادسه ه ه ه ه‪:‬ه هفيه هكراهةه هالصلةه هفيه هالمساجد‬
‫المبنية على‬
‫القبور ‪.‬‬
‫‪ :‬في أن الحكم السابق يشمل جميع‬ ‫الفصل السابع‬
‫المساجد إل‬
‫المسجد النبوي ‪.‬‬
‫وفيه هتضاعيفه ههذهه هالفصوله ه‪،‬ه هفصوله هاخرىه هفرعيةه ه‪،‬‬
‫تضمنت فوائد هامة نافعة إنشاء الله تعالى ‪.‬‬
‫وقد سميت الرسالة ‪:‬‬
‫( تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد )‬
‫ذلك ما كنت كتبت في مقدمة الطبعة الولى ‪.‬‬
‫وإنيه هلسأله هاللهه هتباركه هوتعالىه هأنه هينفعه هالمسلمين‬
‫بهذه الطبعة أكثر من سابقتها ‪ ،‬وأن يتقبلها مني وسائر‬
‫عمليه هالصالحه هقبول ًه حسنا ًه ‪،‬ه هويجزيه هالقائمه هعلىه هطبعها‬
‫خيرا ً ‪ .‬دمشق في ‪23‬هجمادى الولى ه سنة ‪1392‬هه‬
‫ه ه ه ه ه ه ه ه محمد ناصر الدين‬
‫اللباني‬
‫الفصل الول‬
‫أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد ‪.‬‬
‫‪1‬ه عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه ‪:‬‬
‫"لعنه هاللهه هاليهوده هوالنصارىه هاتخذواه هقبوره هأنبيائهم‬
‫مساجد " ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫خشيه هأنه هيتخذ‬ ‫قالته ه‪:‬ه هفلول ه هذاكه هأبرز هقبرهه هغيره هأنهه ه ُ‬
‫‪1‬‬

‫مسجدا ً ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومثل قول عائشة هذا ما روي عن أبيها رضي الله‬


‫عنهما ‪ ،‬فأخرج ابن زنجويه عن عمر مولى غفرة قال ‪:‬‬
‫لما أئتمروا في هدفن رسول الله صلى هالله عليه وسلم‬
‫قال قائل ‪ :‬ندفنه حيث كان يصلي في مقامه ! وقال أبو‬
‫بكر ‪ :‬معاذ الله أن نجعله وثنا ً يعبد ‪ ،‬وقال الخرون ‪ :‬ندفنه‬
‫في البقيع حيث دفن إخوانه من المهاجرين ‪ ،‬قال أبو بكر‬
‫‪ :‬إنا نكره أن يخرج قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إلى البقيع ‪ ،‬فيعوذ به من الناس من لله عليه حق ‪ ،‬وحق‬
‫اللهه هفوقه هحقه هرسولهه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلمه ه‪،‬ه هفإن‬
‫أخرجناهه ه(ه هالصله ه‪:‬ه هأخرناهه ه)ه هضيعناه هحقه هاللهه ه‪،‬ه هوإن‬
‫أخفرناه (!) أخفرنا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬قالوا ‪ :‬فما ترى أنت يا ه ه ه ه ه ه ه أبا بكر ؟ قال سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ :‬ما قبض الله نبياً‬
‫قط إل دفن حيث قبض روحه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فأنت والله رضي‬
‫مقنعه ه‪،‬ه هثمه هخطواه هحوله هالفراشه هخطا ًه ‪،‬ه هثمه هاحتملهه هعلى‬

‫‪ 1‬أي كشف قبره صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل ‪ ،‬والمراد دفن خارج‬
‫بيته ‪ ،‬كذا في " فتح الباري " ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬قول عائشة هذا ‪ ،‬يدل دللة واضحة على السبب الذي من أجله دفنوا‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ‪ ،‬أل وهو سد الطريق على من عسى أن يبني‬
‫عليه مسجد ‪ ،‬فل يجوز والحالة هذه أن يتخذ ذلك حجة في دفن غيره صلى الله عليه‬
‫وسلم في البيت ‪ ،‬يؤيد ذلك أنه خلف الصل ‪ ،‬لن السنة الدفن في المقابر ‪ ،‬ولهذا‬
‫قال ابن عروة في " الكوكب الدري" (ق ‪ 1 /188‬تفسير ‪:)548‬‬
‫" والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله ( يعني المام أحمد )‬
‫من الدفن في البيوت ‪ ،‬لنه أقل ضررا ً على الحياء من ورثته ‪ ،‬وأشبه بمساكن‬
‫الخرة ‪ ،‬وأكثر للدعاء له والترحم عليه ‪ ،‬ولم يزل أصحابه والتابعون ومن بعدهم‬
‫يقبرون في الصحارى ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فالنبي صلى الله عليه وسلم قبر في بيته ‪ ،‬وقبر صاحبه معه ؟ قلنا ‪:‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬إنما فعل ذلك لئل يتخذ قبره مسجدا ً ‪ ،‬ولن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫كان يدفن أصحابه بالبقيع ‪ ،‬وفعله أولى من فعل غيره ‪ ،‬وإنما أصحابه رأوا تخصيصه‬
‫بذلك ولنه روي ‪ " :‬يدفن النبياء حيث يموتون " وصيانة لهم عن كثرة الطراق ‪ ،‬تمييزاً‬
‫له عن غيره " ‪.‬‬

‫‪ 2‬رواه البخاري (‪3/156‬و ‪ 198‬و ‪ ) 8/114‬ومسلم (‪ ) 2/76‬وأبو عوانة (‪ )1/399‬وأحمد (‪ 6/80‬و‬


‫‪121‬و ‪ )255‬والسراج في "مسنده " (‪ )2/ 3/48‬عن عروة عنها ‪.‬‬
‫وأحمد (‪ 6/146‬و ‪ ) 252‬والبغوي في " شرح السنة " (ج ‪1‬ص ‪ )415‬طبع المكتب‬
‫السلمي عن سعيد بن المسيب عنها ‪.‬‬
‫وسنده صحيح على شرط الشيخين ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫والعباس والفضل وأهله ووقع القوم في الحفر يحفرون‬
‫حيث كان الفراش ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬ه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬و ‪ 4‬هه عن عائشة وابن عباس أن رسول الله صلى الله‬


‫عليهه هوسلمه هلماه هحضرتهه هالوفاةه هجعله هيلقيه هعلىه هوجهه‬
‫طرف خميصةه ه له ‪ ،‬فإذا اغتم كشفها عن وجهه ه وهو‬ ‫‪3‬‬

‫يقول ‪ " :‬لعنة الله‬


‫على اليهود اتخذوا هقبور هأنبيائهم مساجد ‪ .‬تقول عائشة‬
‫يحذر مثل الذي صنعوا " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قال الحافظ ابن حجر ‪" :‬وكأنه صلى الله عليه وسلم‬
‫علم أنه مرتحل من ذلك المرض ‪ ،‬فخاف أن يعظم قبره‬
‫كما فعل من مضى ‪ ،‬فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى‬
‫ذم من يفعل فعلهم " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يعني من هذه المة ‪ ،‬وفي الحديث التي (‪)6‬‬
‫التصريح بنهيهم عن ذلك ‪،‬‬
‫فتنبه ‪.‬‬
‫‪ 5‬ه عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬لما كان مرض‬
‫النبيه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلمه هتذاكره هبعضه هنسائهه هكنيسة‬
‫بأرض الحبشة يقال لها ‪ :‬مارية ه وقد كانت أم سلمة وأم‬
‫حبيبة قد أتتا أرض الحبشة ه فذكرن من حسنها وتصاويرها‬
‫‪ 1‬قال ابن كثير ‪ :‬وهو منقطع من هذا الوجه ‪ ،‬فإن عمر مولى غفرة مع ضعفه لم يدرك‬
‫أيام الصديق ‪ .‬كذا في ( الجامع الكبير ) للسيوطي (‪1/ 3/147‬ه ‪. ) 2‬‬

‫‪ 2‬رواه البخاري (‪ )2/422‬ومسلم وأبوعوانة أبو داود (‪ ) 2/71‬وأحمد (‪2/284‬و ‪366‬و ‪396‬و ‪453‬و‬
‫‪ )518‬وأبو يعلى في " مسنده " (‪ )278/1‬والسراج والسهمي في " تاريخ جرجان " (‪)349‬‬
‫وابن عساكر (‪ )14/367/2‬عن سعيد بن المسيب عنه ‪ ،‬ومسلم أيضا ً عن يزيد بن الصم‬
‫عنه ‪ .‬وأخرجه عبدالرزاق في " مصنفه " (‪ )1589 /1/406‬من الوجه الول عنه ‪ ،‬ولكنه‬
‫أوقفه ‪.‬‬
‫‪ 3‬ثوب خز أو صوف معلم ‪ .‬كذا في " النهاية " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والمراد هنا الثاني ‪ ،‬لن الخز هو الحرير كما هو المعروف الن وهو حرام على‬
‫الرجال كما هو ثابت في النسة خلفا ً لمن يستحله ممن ل يقيم للسنة وزنا ً ‍!‪.‬‬
‫‪ 1‬رواه البخاري (‪1/422‬و ‪6/386‬و ‪ )8/116‬ومسلم (‪ )67/ 2‬وأبو عوانة (‪ )1/399‬والنسائي (‬
‫‪ )1/115‬والدارمي (‪ )1/326‬وأحمد (‪1/218‬و ‪6/34‬و ‪229‬و ‪ )275‬وابن سعد في "الطبقات " (‬
‫‪ . ) 2/258‬ورواه عبد الرزاق في " المصنف " (‪ )406/1588/ 1‬عن ابن عباس وحده ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫قالت‪ [ :‬فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ] فقال‬
‫‪":‬ه هأولئكه هإذاه هكانه هفيهمه هالرجله هالصالحه هبنواه هعلىه هقبره‬
‫مسجدا ً ‪ ،‬ثم صوروا تلك الصور ‪ ،‬أولئك شرار الخلق عند‬
‫الله [ يوم القيامة ] " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قال الحافظ ابن رجب في " فتح الباري " ‪:‬‬


‫" هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور‬
‫الصالحين ‪ ،‬وتصوير صورهم فيها ‪،‬كما يفعله النصارى ‪ ،‬ول‬
‫ريب أن كل واحدج منهما محرم على انفراده ‪ ،‬فتصوير‬
‫صور الدميين يحرم ‪ ،‬وبناء القبور على المساجد بانفراده‬
‫يحرم ‪ ،‬كما دلت عليه نصوص أخر ‪ ،‬يأتي ذكر بعضها ‪،‬‬
‫قال "‪ :‬والتصاوير التي في الكنيسة التي ذكرتها أم حبيبة‬
‫وأم سلمة كانت على الحيطان ونحوها ‪ ،‬ولم يكن لها ظل‬
‫‪،‬ه هفتصويره هالصوره هعلىه همثاله هصوره هالنبياءه هوالصالحين‬
‫للتبرك بها ‪ ،‬والستشفاع بها يحرم في دين السلم ‪ ،‬وهو‬
‫من جنس عبادة الوثان ‪ ،‬وهو الذي أخبر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أن أهله شرار الخلق عند الله يوم القيامة ‪،‬‬
‫وتصوير الصور للتأسي برؤيتها أو للتنزه بذلك ‪ ،‬والتلهي‬
‫محرم ‪ ،‬وهو من الكبائر وفاعله من أشد الناس عذابا ً يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬فإنه ظالم ممثل بأفعال الله التي ل هيقدر على‬
‫فعلها غيره ‪ ،‬وأنه تعالى ليس كمثله شئ ل هفي ذاته ول‬
‫في صفاته ول في أفعاله سبحانه وتعالى " ‪.‬‬
‫ذكره في " الكواكب الدراري " ( مجلد ‪. )65/82/2‬‬
‫قلته ه‪:‬ه هول هفرقه هفيه هالتحريمه هبينه هالتصويره هاليدوي‬
‫والتصوير اللي والفوتوغرافي ‪ ،‬بل التفريق بينهما جمود‬
‫وظاهرية عصرية ‪ ،‬كما بينته في كتابي " آداب الزفاف " (‬
‫ص ‪106‬ه ‪116‬الطبعة الثانية طبع المكتب السلمي ) ‪.‬‬
‫‪6‬هه هعنه هجندبه هبنه هعبده هاللهه هالبجليه هأنهه هسمعه هالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول ‪:‬‬
‫‪ 2‬رواه البخاري (‪1/416‬و ‪ )422‬ومسلم (‪ ) / 2/66‬والنسائي (‪ )1/115‬وابن أبي شيبة في "‬
‫المصنف " (‪4/140‬طبع الهند) وأحمد (‪ 6/51‬طبع المكتب السلمي ) وأبو عوانة في "‬
‫صحيحه " (‪1/400‬ه ‪ )401‬والسياق له وابن سعد في " الطبقات " (‪ )2/241‬والسراج في "‬
‫مسنده " (‪ )48/2‬وأبو يعلى في " الطبقات " (ق ‪ )220/2.‬والبيهقي (‪ ) 4/80‬والبغوي (‬
‫‪2/415‬ه ‪. )416‬‬

‫‪9‬‬
‫إلى‬ ‫‪1‬‬
‫" قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء ‪ ،‬وإني أبراء‬
‫الله أن يكون لي فيكم‬
‫خليله ه‪،‬ه هوإنه هاللهه هعزه هوجله هقده هاتخذنيه هخليل ًه كماه هتخذ‬
‫إبراهيم خليل ًه ‪ ،‬ولو كنت متخذا من أمتي خليل ًه ‪ ،‬لتخذت‬
‫أبا بكر خليل ً ‪ ،‬أل [ وإن ] من كان قبلكم [ كانوا ] يتخذون‬
‫قبوره هأنبيائهمه هوصالحيهمه همساجده ه‪،‬ه هأل هفل هتتخذواه هالقبور‬
‫مساجد ‪ ،‬فإني أنهاكم عن ذلك " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ 7‬ه عن الحارث النجراني قال ‪ :‬سمعت النبي صلى‬


‫الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول ‪:‬‬
‫" أل وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم‬
‫وصالحيهمه همساجده ه‪،‬ه هأل هفل هتتخذواه هالقبوره همساجده هإني‬
‫أنهاكم عن ذلك " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله ه عليه‬


‫وسلمه هقاله هفيه همرضهه هالذيه هماته هفيهه ه‪:‬ه ه"ه هأدخلواه هعلي‬
‫أصحابي " ‪.‬‬
‫فدخلوا عليه وهو متقنع ببردة معافريّه ه‪ [ ،‬فكشف‬
‫‪3‬‬

‫القناع ] فقال ‪ " :‬لعن الله اليهود [ والنصارى ] اتخذوا‬


‫قبور أنبيائهم مساجد "‬
‫‪4‬‬

‫‪ 9‬ه عن أبي عبيدة بن الجراح قال ‪ :‬آخر ما تكلم به‬


‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫‪ 1‬أي امتنع من هذا وأنكره ‪ ،‬والخليل هو المنقطع إليه ‪ ،‬قيل ‪ :‬هو مشتق من الخلة ‪،‬‬
‫بفتح الخاء وهي الحاجة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬من الخلة بضم الخاء وهي تخلل المودة في القلب ‪،‬‬
‫فنفى صلى الله عليه وسلم أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى ‪ " .‬شرح‬
‫مسلم " للنووي ‪.‬‬
‫‪ 1‬رواه مسلم (‪67 /2‬ه ‪ )68‬وأبو عوانة (‪ )401 /1‬والسياق له والطبراني في " الكبير " (‬
‫‪ )1/84/2‬ورواه ابن سعد (‪ )2/240‬مختصرا ً دون ذكر الخوة واتخاذ الخليل ‪.‬‬
‫وله عنده (‪ )2/241‬شاهد من حديث أبي أمامة ‪ ،‬وله شاهد ثان أخرجه الطبراني‬
‫عن كعب بن مالك بسند ل بأس به كما قال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر " (‪)1/120‬‬
‫وضعفه الحافظ نور الدين الهيثمي في " مجمع الزوائد " (‪. )9/45‬‬
‫‪ 2‬هرواه ابن أبي شيبة (ق ‪ 83/2 /2‬و ط ‪ ) 376 /2‬وإسناده صحيح على شرط مسلم ‪.‬‬
‫‪ 3‬هبرود باليمن منسوبة إلى معافر وهي قبيلة باليمن ‪ " .‬نهاية " ‪.‬‬
‫‪ 4‬ه رواه الطيالسي في مسنده (‪2/113‬من ترتيبه ) وأحمد ( ‪ )5/204‬والطبراني في "‬
‫الكبير " (ج ‪1‬ق ‪ ، )1 /22‬وسنده حسن في الشواهد ‪ ،‬وقال الشوكاني في " نيل‬
‫الوطار" (‪" )2/114‬سنده جيد" ! وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( ‪ " )2/27‬رجاله‬
‫موثقون " ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫" أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة‬
‫العربه ه‪،‬ه هواعلمواه هأنه هشراره هالناسه هالذيه هاتخذواه ه(ه هوفي‬
‫رواية ‪ :‬يتخذون ) قبور أنبيائهم مساجد " ‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 10‬ه عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه‬


‫وسلم قال ‪" :‬لعن الله ( وفي رواية ‪ :‬قاتل الله ) اليهود‬
‫اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ 1‬وبين الروايتين فرق ظاهر ‪ ،‬فالرواية الولى تعني ناسا ً تقدموا ‪ ،‬وهم اليهود والنصارى‬
‫كما في الحاديث المتقدمة ‪ ،‬والرواية الخرى تعني من يسلك سبيلهم من هذا المة‬
‫ويؤيدها الحاديث (‪. )12 ،7 ،6‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 2‬هرواه احمد ( رقم ‪ )1694 ،1691‬والطحاوي في " مشكل الثار " (‪ )4/13‬وأبو يعلى (‪)57/1‬‬
‫وابن عساكر (‪ )8/367/2‬بسند صحيح ‪ ،‬وقال الهيثمي في " المجمع (‪: )5/325‬‬

‫" رواه أحمد بأسانيد (الصل بإسنادين ) ‪ ،‬ورجال الطريقين منها ثقات متصل‬
‫إسنادها ورواه أبو يعلى " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وفي هذا الكلم نظر ظاهر ‪ ،‬لن مدار الطرق الثلث التي أشار إليها على‬
‫إبراهيم بن ميمون عن سعد بن سمرة ‪ ،‬إل أن الطريق الثالث أدخل بعض الرواة‬
‫بينهما إسحاق بن سعد بن سمرة وهو وهم كما بينه الحافظ في " التعجيل " ثم إنه‬
‫ليس فيه " واعلموا أن شرار الناس …) !‬
‫ثم هذا الحديث ذكره الهيثمي في مكان آخر (‪ )82 /2‬نحوه وقال ‪:‬‬

‫" رواه البزار ورجاله ثقات " ‪ .‬وله شاهد مرسل عن عمر بن عبد العزيز‬
‫مرفوعا ً نحوه ‪ .‬رواه ابن سعد (‪. ) 254 /2‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ 3‬ه رواه أحمد (‪ )186 ،5/184‬ورجاله ثقات غيرعقبة بن عبدالرحمن هو ابن أبي معمر وهو‬
‫مجهول كما في " التقريب " ول تغتر بقول الهيتمي (‪ " : )2/27‬رواه الطبراني في الكبير‬
‫ورجاله رجال موثقون " ما فعل الشوكاني ‪ ،‬فإنه قال (‪ " )2/114‬وسنده جيد " وذلك لن‬
‫قوله " موثقون " دون قوله " ثقات " فإن قولهم " موثقون " إشارة منهم إلى أن‬
‫بعض رواته ليس توثيقه قويا ً فكأن الهيثمي يشير إلى أن عقبة هذا إنما وثقه ابن حبان‬
‫فقط وأن توثيق ابن حبان غير موثوق به والله أعلم‬
‫وكون توثيق ابن حبان ل يوثق به مما ل يرتاب فيه المتضلعون في هذا العلم‬
‫الشريف ‪ ،‬وقد فصلت القول في ذلك في ردي على رسالة " التعقب الحثيث " للشيخ‬
‫عبدالله الحبشي وقد نشر في التمدن السلمي في مقالت متتابعة ‪ ،‬ثم نشر في‬
‫رسالة مستقلة تحت عنوان " الرد على التعقب الحثيث " فراجع (ص ‪18‬ه ‪ . )21‬على أن‬
‫قول القائل في حديث ما " رجاله ثقات " أو " رجاله رجال الصحيح " ‪ ،‬فليس معناه‬
‫أن إسناده صحيح كما بينته في غير هذا الموضع ‪ ،‬فانظر مثل ً " سلسلة الحاديث‬
‫الصحيحة " (طج ‪2‬ص ‪5‬ه طبع المكتب السلمي ) ‪ ،‬لكن الحديث صحيح لشواهده‬
‫المتقدمة‬

‫‪11‬‬
‫عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬اللهم ل تجعل قبري وثناً ‪ ،‬لعن الله قوما ً اتخذوا‬
‫‪1‬‬

‫قبور أنبيائهم مساجد " ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪12‬ه عن عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬سمعت رسول الله‬


‫صلى الله عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"ه هإنه همنه هشراره هالناسه همنه هتدركهه هالساعةه هوهمه هاحياءه ه‪،‬‬
‫ومن يتخذ القبور مساجد" ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ " 1‬قال ابن عبد البر ‪ :‬الوثن الصنم ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل تجعل قبري صنما ً يصلى ويسجد نحوه‬
‫ويعبد ‪ ،‬فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك ‪ ،‬وكان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع المم قبلهم ‪ ،‬الذين صلوا إلى قبور‬
‫أنبيائهم ‪ ،‬واتخذوها قبلة ومسجدا ً ‪ ،‬كما صنعت الوثنية بالوثان التي كانوا يسجدون إليها‬
‫ويعظمونها ‪ ،‬وذلك الشرك الكبر ‪ ،‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما‬
‫في ذلك من سخط الله وغضبه ‪ ،‬وأنه مما ل يرضاه ‪ ،‬خشية عليهم من امتثال طرقهم‬
‫‪ ،‬وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار ‪ ،‬وكان يخاف‬
‫على أمته اتباعهم ‪ ،‬أل ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على جهة التعبير والتوبيخ "‬
‫لتتبعن سنن الذين كانوا من قبلكم حذوا النعل بالنعل ‪ ،‬حتى إن أحدهم لو دخل جحر‬
‫ضب لدخلتموه ؟"‪.‬‬

‫كذا في " فتح الباري " لبن رجب (‪ )65/90/2‬من " الكواكب " ‪.‬‬

‫‪ 2‬رواه أحمد (رقم ‪ )7352‬وابن سعد (‪2/241‬ه ‪ )242‬والمفضل الجندي في " فضائل المدينة‬
‫" (‪ )66/1‬وأبو يعلى في " مسنده " (‪ )312/1‬والحميدي (‪ )1025‬وأبو نعيم في " الحلية " (‬
‫‪6/382‬و ‪ )7/317‬بسند صحيح ‪.‬‬
‫وله شاهد مرسل رواه عبدالرزاق في " المصنف " (‪ )1/406/1587‬وكذا ابن أبي‬
‫شيبة (‪ )4/141‬عن زيد بن أسلم ‪ .‬وإسناده قوي ‪.‬‬
‫وأخر اخرجه مالك في " الموطأ " (‪ )1/185‬وعنه ابن سعد (‪2/240‬ه ‪)241‬عن عطاء‬
‫بن يسار مرفوعا ً ‪ .‬وسنده صحيح ‪ ،‬وقد وصله البزار عنه عن أبي سعيد الخدري‬
‫وصححه ابن عبدالبر مرسل ً وموصول ً فقال ‪ ":‬فهذا الحديث عند من قال بمراسيل‬
‫الثقات ‪ ،‬وعند من قال بالمسند ‪ ،‬لسناد عمر بن محمد له ‪ ،‬وهو ممن تقبل زيادته "‬
‫‪.‬انظر " تنوير الحوالك " للسيوطي ‪.‬‬

‫وفيما قاله ابن عبدالبر في عمر هذا نظر ‪ ،‬فقد قال الحافظ ابن رجب في "‬
‫الفتح" ‪:‬‬
‫" خرجه من طريقه البزار " وعمر هذا هو ابن صبهان ‪ ،‬جاء منسوبا ً في بعض‬
‫نسخ البزار ‪ ،‬وظن ابن عبد البر أنه عمر بن محمد العمري ‪ ،‬والظاهر أنه وهم ‪ ،‬وقد‬
‫روي نحوه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة بإسناد فيه نظر " ‪.‬‬

‫‪ 3‬رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (‪ )2 /1/92‬وابن حبان (‪340‬و ‪ )341‬وابن أبي شيبة في "‬
‫المصنف " (‪ 4/140‬طبع الهند ) وأحمد ( رقم ‪3844‬و ‪ )4143‬والطبراني في " المعجم الكبير‬
‫" (‪ )3/77/1‬وأبو يعلى في " مسنده " (‪ )257/1‬وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (‪)1/142‬‬
‫بإسناد حسن ‪ ،‬وأحمد أيضا ً (رقم ‪ )4342‬بسند آخر حسن بما قبله ‪ ،‬والحديث‬
‫بمحموعهما صحيح وقال شيخ السلم ابن تيمية في " منهاج السنة " (‪ )1311‬و"‬
‫القتضاء " (ص ‪ ": )185‬وإسناده جيد " وقال الهيثمي (‪ ": )2/27‬رواه الطبراني في‬
‫الكبير وإسناده حسن " ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪13‬ه عن علي بن أبي طالب قال ‪:‬‬
‫" لقيني العباس فقال ‪ :‬يا علي انطلق بنا إلى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فإن كان لنا من المر شئ وإل أوصى بنا‬
‫الناسه ه‪،‬ه هفدخلناه هعليهه ه‪،‬ه هوهوه همغمىه هعليهه ه‪،‬ه هفرفعه هرأسه‬
‫فقال ‪ " :‬لعن الله اليهود اتخذوا قبور النبياء مساجد " ‪.‬‬
‫زاد في رواية ‪ " :‬ثم قالها الثالثة " ‪.‬‬
‫فلما رأينا ما به خرجنا ولم نسأله عن شئ ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪14‬ه عن أمهات المؤمنين أن أصحاب رسول الله صلى‬


‫الله عليه وسلم قالوا ‪ :‬كيف نبني قبر رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ؟ أنجعله مسجدا ً ؟ فقال أبو بكر الصديق‬
‫‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ :‬لعن‬
‫الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫** *** * *** **‬

‫الفصههل الثهههانههي‬

‫لقده هتبينه همنه هالحاديثه هالسابقةه هخطره هاتخاذه هالقبور‬


‫مساجد ‪ ،‬وما على من فعل ذلك من الوعيد الشديد عند‬
‫الله عز وجل ‪ ،‬فعلينا أن نفقه معنى التخاذ المذكور حتى‬
‫نحذره ‪ ،‬فأقول ‪:‬‬

‫وفي اقتصاره في عزوه على الطبراني وحده قصور ظاهر ‪ ،‬مع أنه في المسند‬
‫في ثلثة مواضع منه كما أشرنا إليهما آنفا ً !‬
‫والشطر الول من الحديث رواه البخاري في صحيحه (‪ )13/15‬معلقا ً ‪.‬‬
‫رواه ابن سعد (‪ )4/28‬وابن عساكر (‪ )12/172/2‬من طريقين عن عثمان ابن اليمان نا أبو‬ ‫‪1‬‬

‫بكر ابن أبي عون أنه سمع عبدالله بن عيسى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن‬
‫جده أو قال ‪ :‬عن ابيه ‪ ،‬أو عن جده قال ‪ :‬سمعت علي بن أبي طالب يقول ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا إسناد حسن لول أنني لم أعرف أبا بكر هذا ‪ ،‬ولم يورده الدولبي وأبو أحمد‬
‫الحاكم في " الكنى " ‪.‬‬

‫رواه ابن زنجويه في " فضائل الصديق " كما في " الجامع الكبير " (‪. )3/147/1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪13‬‬
‫الذي يمكن أن يفهم من هذا التخاذ ‪ ،‬إنما هو ثلث‬
‫معان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬الصلة على القبور ‪ ،‬بمعنى السجود عليها ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬السجود إليها واستقبالها بالصلة والدعاء ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬بناء المساجد عليها ‪ ،‬وقصد الصلة فيها ‪.‬‬
‫أقوال العلماء في معنى التخاذ المذكور‬
‫وبكل واحد من هذه المعاني قال طائفة من العلماء ‪،‬‬
‫وجاءته هبهاه هنصوصه هصريحةه هعنه هسيده هالنبياءه هصلىه هالله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫أما الول ‪ ،‬فقال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر " (‬
‫‪: )121 /1‬‬
‫" واتخاذ القبر مسجدا ُه معناه الصلة عليه ‪ ،‬أو‬
‫إليه "‬
‫فهذا نص منه على أنه يفهم التخاذ المذكور شاملً‬
‫لمعنيين ‪ ،‬أحدهما الصلة على القبر ‪.‬‬
‫وقال الصنعاني في " سبل السلم " (‪ " : )1/214‬واتخاذ‬
‫القبور مساجد أعم من أن يكون بمعنى الصلة إليها ‪ ،‬أو‬
‫بمعنى الصلة عليها "‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يعني أنه يعم المعنيين كليهما ‪ ،‬ويحتمل انه‬
‫أراده هالمعانيه هالثلثةه ه‪،‬ه هوهوه هالذيه هفهمهه هالمامه هالشافعي‬
‫رحمه الله ‪ ،‬وسيأتي نص كلمه في ذلك ‪ ،‬ويشهد للمعنى‬
‫الول أحاديث ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬عن أبي سعيد الخدري ‪ " :‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور ‪ ،‬أو يقعد‬
‫عليها ‪ ،‬أو يصلى عليها " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الثاني ‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ل تصلوا إلى‬
‫قبر ‪ ،‬ول تصلوا على قبر " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 1‬رواه أبو يعلى في " مسنده " (ق ‪ )2 /66‬وإسناده صحيح ‪ ،‬وقال الهيثمي (‪" : )3/61‬‬
‫ورجاله ثقات " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪2‬رواه الطبراني في " المعجم الكبير" (‪ )2 /3/145‬وعنه الضياء المقدسي في " المختارة‬
‫" عن عبدالله‬
‫كيسان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا ً ‪ ،‬وقال المقدسي ‪:‬‬
‫وعبدالله بن كيسان قال فيه البخاري ‪ :‬منكر الحديث ‪ ،‬قال أبو حاتم الرازي‬
‫ضعيف ‪ ،‬وقال النسائي‬

‫‪14‬‬
‫الثالث ‪ :‬عن أنس ‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫نهى عن اار ه وسئل عن الصلة وسط القبور ه قال ‪ :‬ذكر‬
‫ليه هأنه هالنبيه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلمه هقاله ه‪":‬ه هكانته هبنو‬
‫إسرائيل اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فعلنهم الله تعالى "‬
‫‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وأماه هالمعنىه هالثانيه ه‪:‬ه هفقاله هالمناويه هفيه ه"ه هفيض‬


‫القدير " حيث شرح الحديث الثالث المتقدم ‪:‬‬
‫" أي اتخذوها جهة قبلتهم ‪ ،‬مع اعتقادهم الباطل ‪،‬‬
‫وإنه هاتخاذهاه همساجده ه‪،‬ه هلزم ههلتخاذه هالمساجده هعليها‬
‫‪1‬‬

‫كعكسه ‪ ،‬وهذا بين به سبب لعنهم لما فيه من المغالة‬


‫في التعظيم ‪ .‬قال القاضي ( يعني البيضاوي ) ‪ :‬لما كانت‬
‫اليهود يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما ً لشأنهم ‪ ،‬ويجعلونها‬
‫قبلة ‪ ،‬ويتوجهون في الصلة نحوها ‪ ،‬فاتخذوها أوثانا ً لعنهم‬
‫الله ‪ ،‬ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه … " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا معنى قد جاء النهي الصريح عنه فقال‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫" ل تجلسوا على القبور ‪ ،‬و ل تصلوا إليها " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ليس بالقوي " إل أني لما رأيت ابن خزيمة والبستي أخرجا له أخرجناه " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لكن الحديث صحيح ‪ ،‬فإن له عند الطبراني (‪ ) 1 / 150 /3‬طريقا ًه آخر ‪،‬‬
‫خيرا ًه منه ههذهه هعنه هابنه هعباسه ه‪،‬ه هعلقهه هالبخاريه هفيه ه"ه هالتاريخه هالصغيره ه"ه ه(صه ‪)163‬ه ه‪،‬‬
‫وشطره الول له شاهد من حديث أبي مرثد ‪ ،‬يأتي قريبا ً ‪.‬‬

‫رواه ابن حبان (‪. )343‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬رواه عبدالرزاق (‪ )1591‬وهو مرسل صحيح السناد ‪ ،‬وموضع الشاهد منه أن عمراً‬
‫استشهد بالحديث على النهي عن الصلة بين القبور ‪ ،‬فد على أنه يعني المعنى‬
‫المذكور ‪.‬‬
‫‪ 1‬يعني ‪ :‬يلزم من السجود إليها بناء المساجد عليها ‪ ،‬كما يلزم من بناء المساجد عليها‬
‫السجود إليها وهذا امر واقع مشاهد ‪.‬‬
‫رواه مسلم ( ‪ )3/62‬وأبو داود (‪ )1/71‬والنسائي (‪ )1/124‬والترمذي (‪ )2/154‬والطحاوي في‬ ‫‪2‬‬

‫" شرح‬
‫المعاني " (‪ )1/296‬والبيهقي (‪ )3/435‬وأحمد (‪ )4/135‬وابن عساكر (‪ 2/1512‬و ‪ )2 /152‬من‬
‫حديث‬
‫أبي مرثد الغنوي ‪ ،‬وقال احمد ‪ ":‬إسناده جيد " ‪.‬‬
‫وقول الشيخ سليمان حفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمهم الله ف) في‬
‫حاشيته على " المقنع‬
‫(‪1‬ه ‪ ": )125‬متفق عليه " ‪ .‬وهم منه ‪.‬‬
‫ثم عزاه (ص ‪ )281‬لمسلم وحده ‪ ،‬فأصاب ‪ :‬وله [ على علمه وفضله ] من مثل‬
‫هذا التخريج أوهام كثيرة جدا ً ‪ ،‬يجعل العتماد عليه في التخريج غير موثوق به ‪ ،‬وأنا‬
‫أضرب على ذلك بعض المثلة الخرى تنبيها ً لطلب العلم ونصحا ً لهم ‪ ،‬وإنما الدين‬
‫النصيحة ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫قال الشيخ علي القاري في " المرقاة " (‪ )2/372‬معللً‬
‫النهي ‪:‬‬
‫" لما فيه من التعظيم البالغ كأنه من مرتبة المعبود ‪،‬‬
‫ولوه هكانه ههذاه هالتعظيمه هحقيقةه هللقبره هأوه هلصاحبهه هلكفر‬
‫المعظم ‪ ،‬فالتشبه به همكروه ‪ ،‬هوينبغي انه تكونه كراهة‬
‫تحريمه ه‪،‬ه هوفيه همعناهه هبله هأولىه همنهه هالجنازةه هالموضوعة‬
‫( يعني قبلة المصلين ) ‪ ،‬وهو مما ابتلي به أهل مكة حيث‬
‫يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها " ‪.‬‬
‫قلته ه‪:‬ه هيعنيه هفيه هصلةه هالفريضةه هوهذاه هبلءه هعامه هقد‬
‫تعداه إلى بلد الشام والناضول وغيرها ‪ ،‬وقد وقفنا منذ‬
‫شهره هعلىه هصورةه هشمسيةه هقبيحةه هجدا ً ه تمثله هصفا ً ه من‬
‫المصلين ساجدين تجاه نعوش مصفوفة أمامهم فيها جثث‬
‫في باخرة ‪.‬‬ ‫جماعة من التراك كانوا ماتوا غرقا ً‬
‫وبهذه المناسبة نلفت النظر إلى أن الغالب من هديه‬
‫صلىه هاللهه هعليهه هوسلمه ههوه هالصلةه هعلىه هالجنائزه هفيه ه"‬
‫المصلىه ه"ه هخارجه هالمسجده ه‪،‬ه هولعله همنه هحكمةه هذلكه هإبعاد‬
‫المصلينه هعنه هالوقوعه هفيه همثله ههذهه هالمخالفةه هالتيه هنبه‬
‫عليها العلّمة القاري رحمه الله ‪.‬‬
‫ونحو الحديث السابق ما روى ثابت البناني عن أنس‬
‫رضي الله عنه قال ‪:‬‬

‫‪1‬ه قال "ص ‪ "20‬روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ل تنتفعوا من الميتة بشئ ‪ ،‬رواه الدارقطني بإسناد جيد "‪.‬‬
‫قلت وهو حديث ضعيف ‪ ،‬وفي الصحيح ما يعارضه ‪ ،‬وعزوه للدراقطني وهم لم‬
‫أجد من سبقه إليه ‪.‬‬
‫‪2‬ه قال "ص ‪ "28‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬من استنجى من ريح فليس منا‬
‫" رواه الطبراني في " معجمه الصغير "‬
‫قلت وليس هذا في " المعجم " وأنا أخبر الناس به ه والحمد لله ه فإني خدمته‬
‫‪ ،‬ورتبته على مسانيد الصحابة وخرجت احاديثه ووضعت فهرسا ً جامعا ً لحاديثه ‪.‬‬
‫ثم إن الحزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر ‪ ،‬لنه من رواية‬
‫أبي الزبير عن جابر ‪ ،‬كما أخرجه الجرجاني (‪ )272‬وغيره ‪ ،‬وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه‬
‫‪.‬‬
‫‪3‬ه قال "ص ‪ " 29‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬لخلوف فم الصائم …‪" .‬‬
‫رواه الترمذي ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهو " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " !!‬

‫‪16‬‬
‫"كنته هأصليه هقريبا ًهه منه هقبره ه‪،‬ه هفرآنيه هعمره هبن‬
‫الخطاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬القبر القبر ‪ .‬فرفعت بصري إلى السماء‬
‫وأنا أحسبه يقول ‪ :‬القمر !" ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأما‪: :‬المعنى‪: :‬الثالث‪ :::: :‬فقده هقاله هبهه هالمام‬


‫البخاري ‪ ،‬فإنه ترجم للحديث الول بقوله " باب ما يكره‬
‫من اتخاذ القبور مسجدا ً على القبور " ‪.‬‬
‫فقده هأشاره هبذلكه هإلىه هأنه هالنهيه هعنه هاتخاذه هالقبور‬
‫مسجدا ً يلزم منه النهي عن بناء المساجد عليه ‪ ،‬وهذا أمر‬
‫واضحه ه‪،‬ه هوقده هصرحه هبه هالمناويه هآنفا ًه ‪ ،‬هوقاله هالحافظ هابن‬
‫حجر في شرح الحديث ‪ " :‬قال الكرماني ‪ :‬مفاد الحديث‬
‫منع اتخاذ القبر مسجدا ً ‪ ،‬ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد‬
‫على القبر ‪ ،‬ومفهومها متغاير ‪ ،‬ويجاب بأنهما متلزمان ‪،‬‬
‫وإن تغاير المفهوم "‪.‬‬
‫وهذاه هالمعنىه ههوه هالذيه هأشارته هإليهه هالسيدةه هعائشة‬
‫رضي الله عنها بقولها في آخر الحديث الول ‪:‬‬
‫"ه هفلول هذاكه هأبرزه هقبرهه ه‪،‬ه هغيره هانهه هخشيه هأنه هيتخذ‬
‫مسجدا ً " ‪.‬‬
‫إذه هالمعنىه هفلول ههذاكه هاللعنه هالذيه هاستحقهه هاليهود‬
‫والنصارى بسبب اتتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء‬
‫عليها ‪ ،‬لجعل قبره صلى الله عليه وسلم في أرض بارزة‬
‫مكشوفة ‪ ،‬ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك‬
‫خشيةه هأنه هبينىه هعليهه همسجده همنه هبعضه همنه هيأتيه هبعدهم‬
‫فتشملهم اللعنة ‪.‬‬
‫ويؤيده هذاه ماروى ابن سعده (‪ ) 2/241‬بسنده صحيحه عن‬
‫الحسن وهو ( البصري ) قال ‪ :‬ائتمنروا أن يدفنوه صلى‬
‫‪1‬‬

‫الله عليه وسلم في المسجد ‪ ،‬فقال عائشة ‪ :‬إن رسول‬


‫الله صلى الله عليه وسلم كان واضعا ً رأسه في حجري إذ‬
‫قاله ه‪:‬ه هقاتله هاللهه هأقواما ًه اتخذواه هقبوره هأنبيائهمه همساجده ه‪،‬‬
‫واجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة ‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه أبو الحسن الدينوري في " حزء فيه محالس من أمالي أبي الحسن القزويني (ق‬
‫‪ )3/1‬بإسناد صحيح ‪ ،‬وعلقه البخاري (‪1/437‬فتح ) ‪ ،‬ووصله عبدالرزاق ايضا ً في " مصنفه‬
‫" (‪ )1581/ /1/404‬وزاد ‪ " :‬إنما أقول القبر ‪ :‬ل تصل إليه "‪.‬‬
‫‪ 1‬أي تشاوروا ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫قلت ‪ :‬هذه الرواية ه على إرسالها ه تدل على أمرين‬
‫اثنين ‪:‬‬
‫أحدهما ه‪:‬ه هأنه هالسيدةه هعائشةه هفهمته همنه هالتخاذ‬
‫المذكور في الحديث انه يشمل المسجد الذي قد يدخل‬
‫فيه القبر ‪ ،‬فبالحرى أن يشمل المسجد الذي بني على‬
‫القبر ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن الصحابة أقروها على هذا الفهم ‪ ،‬ولذلك‬
‫رجعوا إلى رأيها فدفنوه صلى الله عليه وسلم في بيتها ‪.‬‬
‫فهذاه هيدله هعلىه هأنهه هل هفرقه هبينه هبناءه هالمسجده هعلى‬
‫القبره ه‪ ،‬أو هإدخال هالقبر هفي هالمسجد ه‪ ،‬هفالكل هحرام هلن‬
‫المحذور واحد ‪ ،‬ولذلك قال الحافظ العراقي ‪:‬‬
‫" فلو بنى مسجدا ً يقصد أن يدفن في بعضه‬
‫دخل في اللعنة ه‪ ،‬بل يحرم الدفن في المسجد ‪ ،‬وإن‬
‫شرطه هانه هيدفنه هفيهه هلمه هيصحه هالشرطه هلمخالفةه هوقفه‬
‫مسجدا ً ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫قلته ه‪:‬ه هوفيه ههذاه هإشارةه هإلىه هأنه هالمسجده هوالقبره هل‬
‫يجتمعان في دين السلم ‪ ،‬كما تقدم ‪ ،‬ويأتي ‪.‬‬
‫ويشهد لهذا المعنى الحديث الخامس المتقدم بلفظ‬
‫‪:‬‬
‫" أولئك قوم إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على‬
‫قبره مسجدا ً ‪ ...‬أولئك شرار الخلق …) ‪.‬‬
‫فهو نص صريح في تحريم بناء المسجد على قبور‬
‫النبياء والصالحين ؛ لنه صرح أنه‬
‫من أسباب كونهم من شرار الخق عند الله تعالى ويؤيده‬
‫حديث جابر رضي الله عنه قال " نهى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ان يجصص القبر ‪ ،‬وأن يقعد عليه ‪ ،‬وأن‬
‫عليه " ‪.‬‬ ‫يبنى‬ ‫‪1‬‬

‫نقله المناوي في " فيض القدير " (‪ )5/274‬وأقره ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1‬رواه مسلم (‪ )3/62‬والسياق له ‪ ،‬وابن أبي شيبة (‪ )4/134‬والترمذي (‪ )2/155‬وصححه واحمد (‬


‫‪3/339‬ه ‪. )399‬‬
‫واعلم ان حديث جابر هذا في النهي عن النباء على القبر حديث صحيح ‪ ،‬ل يرتاب في‬
‫ذلك ذو علم بطرق التصحيح والتضعيف ‪ ،‬فل تغتر باعلل الكوثري له في " مقالته " (ص ‪) 159‬‬

‫‪18‬‬
‫فإنه هبعمومه هيشمل هبناء هالمسجده هعلى القبره ه‪ ،‬هكما‬
‫يشمل بناء القبة عليه ‪ ،‬بل الول أولى بالنهي ‪ ،‬كما ل‬
‫يخفى ‪.‬‬
‫فثبته هأنه ههذاه هالمعنىه هصحيحه هأيضا ًهه يدله هعليهه هلفظ‬
‫( التخاذ ) ‪ ،‬وتؤيده الدلة الخرى ‪.‬‬
‫أما شمول الحاديث للنهي عن الصلة في المساجد‬
‫المبنية على القبور فدللتها على ذلك أوضح ‪ ،‬وذلك لن‬
‫النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن‬
‫الصلةه هفيهاه ه‪،‬ه همنه هبابه هأنه هالنهيه هعنه هالوسيلةه هيستلزم‬
‫النهي عن المقصود بها والتوسل بها إليه ‪ ،‬مثاله إذا نهى‬
‫الشارعه هعنه هبيعه هالخمره ه‪،‬ه هفالنهيه هعنه هشربهه هداخله هفي‬
‫ذلك ‪ ،‬كما ل يخفى ‪ ،‬بل النهي عن من باب أولى ‪.‬‬
‫ومنه هالبينه هجدا ًه أنه هالنهيه هعنه هبناءه هالمساجده هعلى‬
‫القبور ليس مقصودا ً بالذات ‪ ،‬كما أن المر ببناء المساجد‬
‫في الدور والمحلت ليس مقصودا ًه بالذات ‪ ،‬بل ذلك كله‬
‫من أجل الصلة فيها ‪ ،‬سلبا ً أو إيجابا ً ‪ ،‬يوضح ذلك المثال‬
‫التيه ه‪:‬ه هلوه هأنه هرجل ً ه بنىه همسجدا ً ه فيه همكانه هقفره هغير‬
‫مأهول ‪ ،‬ول يأتيه أحد للصلة فيه ‪ ،‬فليس لهذا الرجل أي‬
‫أجره هفيه بنائهه هلهذاه هالمسجده ه‪ ،‬هبله ههوه هعنديه هآثمه لضاعة‬
‫المال ‪ ،‬ووضعه الشئ في غير محله ! ‪.‬‬
‫فإذاه هأمره هالشارعه هببناءه هالمساجده هفهوه هيأمره هضمناً‬
‫بالصلة فيها ‪ ،‬لنها هي المقصودة بالبناء ‪ ،‬وكذلك إذا نهى‬
‫عنه هبناءه هالمساجده هعلىه هالقبوره ه‪،‬ه هفهوه هينهىه هضمنا ًه عن‬
‫الصلة فيها ؛ لنها هي المقصودة بالبناء أيضا ً ‪ ،‬وهذا بين ل‬
‫يخفى على العاقل إن شاء الله تعالى ‪.‬‬
‫بان " فيه عنعنة أبي الزبير " فإن ابن الزبير قد صرح بالتحديث عند مسلم وكذا احمد ‪ ،‬وما‬
‫أعتقد أن هذا يخفى على الكوثري ‪ ،‬ولكن يفعل ذلك عمدا ً شأن أهل الهواء قديما ً وحديثا ً ‪،‬‬
‫يضعفون الحاديث الصحيحة إذا كانت عليهم ‪ ،‬ويصححون الحاديث الضعيفة إذا كانت لهم !‬
‫والكوثري هذا مشهور بذلك عند أهل العلم ‪ ،‬وقد بينت شيئا ً من هذا في " الحاديث الضعيفة‬
‫والموضوعة وأثرها السئ في المة " (الحاديث ‪23‬و ‪24‬و ‪ )25‬فليراجع من شاء التأكد مما‬
‫نقول ‪ ،‬ويأتيك مثال آخر في هذا الكتاب ‪.‬‬
‫ويؤيد صحة الحديث أنا أبا الزبير لم يتفرد به ‪ ،‬بل تبعه سليمان بن موسى عند أحمد‬
‫وغيره ‪ ،‬ولما صححه الترمذي قال ‪ " :‬وقد روي من غير وجه عن جابر " وتابعه أيضا ً أبو نضرة‬
‫عند ابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (‪. )1/ 10/201‬‬
‫وله شاهد عن أم سلمة عند أحمد ‪ ،‬وآخر عند أبي سعيد كما في " الكواكب الدراري "‬
‫(ق ‪86‬ه ‪87‬تفسير ‪. )548‬‬

‫‪19‬‬
‫ترجيح‪: :‬شمول‪: :‬الحديث‪: :‬للمعاني‪: :‬كلها‪: :‬وقول‬
‫الشافعي بذلك‬
‫وجملة‪ ::‬القوله ه‪:‬ه هأنه هالتخاذه هالمذكوره هفي‬
‫الحاديث المتقدمة يشمل كل هذه المعاني الثلثة ‪ ،‬فهو‬
‫من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد قال بذلك‬
‫المام الشافعي رحمه الله ‪ ،‬ففي كتابه " الم " (‪)246 /1‬‬
‫ما نصه ‪:‬‬
‫"‪: :‬وأكره‪: :‬أن‪: :‬يبنى‪: :‬على‪: :‬القبر‬
‫مسجد‪: :‬وأن‪: :‬يسوى‪: :،: :‬أو‪: :‬يصلى‪: :‬عليه‪،: :‬‬
‫وهو‪: :‬غير‪: :‬مسوى‪: :(: :‬يعني‪: :‬أنه‪: :‬ظاهر‬
‫معروف ) أو يصلى إليه ‪ ،‬قال وإن صلى‬
‫إليه أجزأه وقد أساء ‪ ،‬أخبرنا مالك أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"‪: :‬قاتل‪: :‬الله‪: :‬اليهود‪: :‬والنصارى‪: :‬اتخذوا‬
‫قبو ر أنبيائه م مساج د " ‪ :.‬قاله ه‪:‬ه هوأكرهه ههذا‬
‫للسنة والثار ‪ ،‬وأنه كره ه والله تعالى أعلم ه أن يعظم‬
‫أحد من المسلمين ‪ ،‬يعني يتخذ قبره مسجدا ً ‪ ،‬ولم تؤمن‬
‫في ذلك الفتنة والضلل على ما يأتي بعده " ‪.‬‬
‫فقد استدل بالحديث على المعاني الثلثة التي ذكرها‬
‫في سياق كلمه ‪ ،‬فهو دليل واضح على أنه يفهم الحديث‬
‫على عمومه ‪ ،‬وكذلك صنع المحقق الشيخ على القارئ‬
‫نقل ًه عن بعض أئمة الحنفية فقال في " مرقاة المفاتيح‬
‫شرح مشكاة المصابيح " (‪: )1/45‬‬
‫"ه هسببه هلعنهمه ه‪:‬ه هإماه هلنهمه هكانواه هيسجدونه هلقبور‬
‫أنبيائهم تعظيما ً لهم ‪ ،‬وذلك هو الشرك الجلي ‪ ،‬وإما لنهم‬
‫كانواه هيتخذونه هالصلةه هللهه هتعالىه هفيه همدافنه هالنبياء‬
‫والسجود على مقابرهم والتوجه إلى قبورهم حالة الصلة‬
‫نظرا ًه منهمه هبذلكه هإلىه هعبادةه هاللهه هوالمبالغةه هفيه هتعظيم‬
‫النبياء ‪،‬ه وذلك ههو الشركه الخفي لتضمنه ما يرجع إلى‬
‫تعظيم مخلوق فيما لم يؤذن له ‪ ،‬فنهى النبي صلى الله‬

‫‪20‬‬
‫عليه وسلم أمته عن ذلك إما لمشابهة ذلك الفعل سنة‬
‫اليهوده ه‪،‬ه هأوه هلتضحيةه هالشركه هالخفيه ه‪.‬ه هكذاه هقالهه هبعض‬
‫الشراح من أئمتنا ‪ ،‬ويؤيده ما جاء في رواية ‪ :‬يحذر ما‬
‫صنعوا " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والسبب الول الذي ذكره وهو السجود لقبور‬
‫النبياءه هتعظيما ًه لهمه هوإنه هكانه هغيره همستبعده هحصولهه همن‬
‫اليهوده هوالنصارىه ه‪،‬ه هفإنهه هغيره همتبادره همنه هقولهه هصلىه هالله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " فإن ظاهره‬
‫أنهمه هاتخذوهاه همساجده هلعبادةه هالهه هفيهاه هعلىه هالمعاني‬
‫السابقة تبركا ًه بمن دفن فيها من النبياء ‪ ،‬وإن كان هذا‬
‫أدى بهم ه كما يؤدي بغيرهم ه إلى وقوعهم في الشرك‬
‫الجلي ذكره الشيخ القارئ ‪.‬‬
‫*********‬
‫الفصل الثالث‬
‫اتخاذ المساجد على القبور‬
‫من الكبائر‬
‫بعده هأنه هتبينه هلناه همعنىه هالتخاذه هالوارده هفيه هالحاديث‬
‫المتقدمةه ه‪،‬ه هيحسنه هبناه هأنه هنقفه هقليل هعنده ههذهه هالحاديث‬
‫لنتعرف منها حكم التخاذ المذكور ‪ ،‬مسترشدين في ذلك‬
‫بما ذكره العلماء حوله فأقول ‪:‬‬
‫إن كل من يتأمل في تلك الحاديث الكريمة يظهر له‬
‫بصورة ل هشك فيها أن التخاذ المذكور يحرم ‪ ،‬بل كبيرة‬
‫من الكبائر ‪ ،‬لن اللعن الوارد فيها ‪ ،‬ووصف المخالفين‬
‫بأنهم من شرار الخلق عند الله تبارك وتعالى ‪ ،‬ل هيمكن‬
‫أن يكون في حق من يرتكب ما ليس كبيرة كما ل يخفى ‪.‬‬
‫مذاهب العلماء في ذلك‬
‫وقده هاتقفته هالمذاهبه هالربعةه هعلىه هتحريمه هذلكه ه‪،‬‬
‫ومنهم من صرح بأنه كبيرة‬
‫وإليك تفاصيل المذاهب في ذلك ‪:‬‬
‫‪1‬ه مذهب الشافعية انه كبيرة‬

‫‪21‬‬
‫قال الفقيه ابن حجر الهيتمي في " الزواجر عن‬
‫اقتراف الكبائر‬
‫(‪: )1/120‬‬
‫"ه هالكبيرةه هالثالثةه هوالرابعةه هوالخامسةه هوالسادسة‬
‫والسابعة والثامنة والتسعون‬
‫اتخاذ القبور مساجد ‪ ،‬وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثانا ً ‪،‬‬
‫والطواف بها ‪ ،‬واستلمها ‪ ،‬والصلة إليها "‪.‬‬
‫ثم ساق بعض الحاديث المتقدمة وغيرها ‪ ،‬ثم قال‬
‫( ص ‪:)111‬‬
‫" [ تنبيه ] ‪ :‬عد هذه الستة من الكبائر وقع في كلم‬
‫بعض الشافعية ‪ ،‬وكأنه‬
‫أخذه هذلكه همماه هذكرتهه همنه هالحاديثه ه‪،‬ه هووجهه هاتخاذه هالقبر‬
‫مسجدا ً منها واضح ‪ ،‬لنه لعن من فعل ذلك بقبور أنبيائه ‪،‬‬
‫وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله‬
‫تعالى يوم القيامة ‪ ،‬ففيه تحذير لنا كما في رواية ‪ " :‬يحذر‬
‫ما صنعوا " أي يحذر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا‬
‫كصنع أولئك ‪ ،‬فيلعنوا كما لعنوا ‪ ،‬ومن ثم قال أصحابنا ‪:‬‬
‫تحرم الصلة إلى قبور النبياء والولياء تبركا ًه وإعظاما ًه ‪،‬‬
‫ومثلها الصلة عليه للتبرك والعظام ‪ ،‬وكون هذا الفعل‬
‫كبيرة ظاهرة من الحاديث المذكورة لما علمت ‪ ،‬فقال‬
‫بعض الحنابلة ‪:‬‬
‫ه ه ه " قصد الرجل الصلة عند القبر متبركا ًه به عين‬
‫المحادة لله ولرسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم وابتداع دين لم يأذن به الله ‪ ،‬للنهي عنها‬
‫ثمه هإجماعا ًهه ‪،‬ه هفإنه هأعظمه هالمحرماته هوأسبابه هالشرك‬
‫الصلة عندها ‪ ،‬واتخاذها مساجد ‪ ،‬أو بناؤها عليها والقول‬
‫بالكراهة محمول على غير ذلك ‪ ،‬إذ ل يظن بالعلماء تجويز‬
‫فعل تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله ‪،‬‬
‫ويجب المبادرة لهدمها ‪ ،‬وهدم القباب التي على القبور إذ‬
‫هي أضر من مسجد الضرار ‪ ،‬لنها أسست على معصية‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لنه نهى عن ذلك ‪،‬‬
‫وأمره هرسوله هاللهه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلمه هبهدمه هالقبور‬

‫‪22‬‬
‫المشرفة ‪ ،‬وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر ‪ ،‬ول‬
‫يصح وقفه ونذره ‪ .‬انتهى " ‪.‬‬
‫هذا كله كلم الفقيه ابن حجر الهيتمي ‪ ،‬وأقره عليه‬
‫المحقق اللوسي في " روح المعاني " (‪ ، ) 5/31‬وهو كلم‬
‫يدله هعلىه هفهمه هوفقهه هفيه هالدينه ه‪،‬ه هوقولهه هفيماه هنقلهه هعن‬
‫بعض الحنابلة ‪:‬‬
‫" والقول بالكراهة محمول على غير ذلك "‬
‫كأنه يشير إلى قول الشافعي " وأكره أن يبنى على القبر‬
‫مسجد ‪ " ..‬الخ كلمه الذي نقلته بتمامه فيما سبق (ص ‪)27‬‬
‫‪،‬ه هوعلىه ههذاه هأتباعهه همنه هالشافعيةه هكماه هفيه ه"ه هالتهذيبه ه"‬
‫وشرحهه ه"ه هالمجموعه ه"ه هومنه هالغريبه هأنهمه هيحتجونه هعلى‬
‫ذلكه هببعضه هالحاديثه هالمتقدمةه ه‪،‬ه همعه هأنهاه هصريحةه هفي‬
‫تحريم ذلك ‪ ،‬ولعن فاعله ‪ ،‬ولو أن الكراهة كانت عندهم‬
‫للتحريم لقرب المر ‪ ،‬ولكنها لديهم للتنزيه فكيف يتفق‬
‫القوله ه ه ه ه ه ه ه هب(ه هالكراهةه ه)ه همعه هتلكه هالحاديثه هالتي‬
‫يستدلون بها عليها ؟!‬
‫أقول هذاه ‪ ،‬وإن هكنت هل هأستبعد هحمل هالكراهة في‬
‫عبارة الشافعي المتقدمة خاصة على الكراهة التحريمية ؛‬
‫لنه هو المعنى الشرعي المقصود في الستعمال القرآني‬
‫‪ ،‬ول شك أن الشافعي متأثر بأسلوب القرآن غاية التأثر ‪،‬‬
‫فإذا وقفنا في كلمه على لفظ له معنى خاص في القرآن‬
‫الكريم وجب حمله عليه ‪ ،‬ل على المعنى المصطلح عليه‬
‫عنده هالمتأخرينه ه‪،‬ه هفقده هقاله هتعالىه ه{ه هوكرهه هإليكمه هالكفر‬
‫والفسوق والعصيان } وهذه كلها محرمات ‪ ،‬فهذا المعنى‬
‫‪1‬‬

‫ه والله اعلم ه هو الذي أراده الشافعي رحمه الله بقوله‬


‫المتقدم " وأكره " ‪ ،‬ويؤيده انه قال عقب ذلك ‪ ":‬وإن‬
‫صلى إليه أجزأه ‪ ،‬وقد أساء" فإن قوله " أساء " معناه‬
‫ارتكبه هسيئةه ه‪،‬ه هأيه هحراما ًه ‪،‬ه هفإنهه ههوه هالمراده هبالسيئةه هفي‬
‫أسلوبه هالقرآنه هأيضا ًهه ‪،‬ه هفقده هقاله هتعالىه هفيه هسورة‬
‫(السراء ) بعد أن نهى عن قتل الولد ‪ ،‬وقربان الزنى ‪،‬‬

‫سورة الحجرات الية ‪.7‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪23‬‬
‫وقتل النفس وغير ذلك ‪ ( :‬كل ذلك كان سيئه عند ربك‬
‫مكروها ً ) أي محرما ً ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويؤكد أن هذا المعنى هو المراد من الكراهة في كلم‬


‫الشافعي في هذه المسألة أن مذهبه أن الصل في النهي‬
‫التحريم ‪ ،‬إل ما دل الدليل على أنه لمعنى آخر ‪ ،‬كما صرح‬
‫بذلك في رسالته " جماع العلم " (ص ‪ )125‬ونحوه في كتابه‬
‫" الرسالة " (ص ‪ ، ) 343‬ومن المعلوم لدى كل من درس‬
‫هذه المسألة بأدلتها أنه ل هيوجد أي دليل يصرف النهي‬
‫الوارد في بعض الحاديث المتقدمة إلى غير التحريم كيف‬
‫والحاديثه هتؤكده هأنهه هللتحريمه هكماه هسبقه ه؟ه هولذلكه هفإني‬
‫أقطعه هبأنه هالتحريمه ههوه همذهبه هالشافعيه ه‪،‬ه هل هسيماه هوقد‬
‫صرحه هبالكراهةه هبعده هأنه هذكره هحديثه ه"ه هقاتله هاللهه هاليهود‬
‫والنصارىه هاتخذواه هقبوره هأنبيائهمه همساجده ه"ه هكماه هتقدمه هفل‬
‫غرابةه هإذنه هإنه هصرحه هالحافظه هالعراقيه ههه هوهوه هشافعي‬
‫المذهب ه بتحريم بناء المسجد على القبر كما تقدم والله‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫ولهذاه هنقوله ه‪:‬ه هلقده هاخطأه همنه هنسبه هإلىه هالمام‬
‫الشافعي القول بإباحة تزوج الرجل بنته من الزنى بحجة‬
‫أن صرح بكراهة ذلك والكراهة ل هتنافي الجواز إذا كانت‬
‫للتنزيه ! قال ابن القيم في " إعلم الموقعين " ( ‪1/47‬ه ‪: )48‬‬
‫" نص الشافعي على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء‬
‫الزنىه ه‪،‬ه هولمه هيقله هقطه هأنهه همباحه هول هجائزه ه‪،‬ه هوالذيه هيليق‬
‫بجللته وإمامته ومنصبه الذي أحله الله به من الدين أن‬
‫هذهه هالكراهةه همنهه هعلىه هوجهه هالتحريمه ه‪،‬ه هوأطلقه هلفظ‬
‫الكراهة لن الحرام يكرهه الله ورسوله صلى الله عليه‬
‫وسلمه ه‪،‬ه هوقده هقاله هتعالىه هعقبه هذكره هماه هحرمهه همن‬
‫المحرمات من عند قوله } وقضى ربك إل تعبدوا إل إياه ‪.‬‬
‫‪ ) . .‬هإلىه هقولهه ه}ول هتقتلواه هالنفسه هالتيه هحرمه هاللهه هإل‬‫‪1‬‬

‫‪3‬‬
‫بالحق ‪ ) . . .‬إلى قوله }ول تقف ما ليس لك به علم {‬ ‫‪2‬‬

‫السراء ‪ ،‬الية ‪.38‬‬ ‫سورة‬ ‫‪1‬‬

‫السراء ‪ ،‬الية ‪.23‬‬ ‫سورة‬ ‫‪1‬‬

‫النعام ‪ ,‬الية ‪.151‬‬ ‫سورة‬ ‫‪2‬‬

‫السراء ‪ ،‬الية ‪.36‬‬ ‫سورة‬ ‫‪3‬‬

‫‪24‬‬
‫إلى آخر اليات ثم قال ‪ }:‬كل ذلك كان سيئه عند ركب‬
‫مكروها ً{ وفي الصحيح " أن الله عزوجل كره لكم قيل‬ ‫‪4‬‬

‫وقال ‪ ،‬وكثرة السؤال وإضاعة المال " ‪ .‬فالسلف كانوا‬


‫يستعملونه هالكراهةه هفيه همعناهاه هالذيه هاستعملته هفيهه هفي‬
‫كلمه هاللهه هورسولهه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلمه ه‪،‬ه هولكن‬
‫المتأخرينه هاصطلحواه هعلىه هتخصيصه هالكراهةه هبماه هليس‬
‫بمحرم ‪ ،‬وتركه أرجح من فعله ‪ ،‬ثم حمل من حمل منهم‬
‫كلمه هالئمة هعلى الصطلح هالحاديث ‪،‬ه فغلط في هذلك ه‪،‬‬
‫وأقبح غلطا ً منه من حمل لفظ الكراهة ‪ ،‬أو لفظ ل ينبغي‬
‫في كلم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على المعنى‬
‫الصطلحي الحاديث !"‪.‬‬
‫وبهذه المناسبة نقول‪:‬‬
‫إن من الواجب على أهل العلم ‪ ،‬أن ينتبهوا للمعاني‬
‫الحديثة التي طرأت على اللفاظ العربية التي تحمل‬
‫معاني خاصة معروفة عند العرب ‪ ،‬هي غير هذه المعاني‬
‫الحديثة ‪ ،‬لن القرآن نزل بلغة العرب ‪ ،‬فيجب أن تفهم‬
‫مفرادته وجمله في حدود ما كان يفهم العرب الذين أنزل‬
‫عليهم القرآن ‪ ،‬ول يجوز أن تفسر بهذه المعاني‬
‫الصطلحية الطارئة التي اصطلح عليها المتأخرون ‪ ،‬و إل‬
‫وقع المفسر بهذه المعاني في الخطأ ‪ ،‬والتقول على الله‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم من حيث يشعر ‪،‬و‬
‫قدقدمت مثل ً على ذلك لفظ ( الكراهة ) ‪ ،‬وإليك مثالً‬
‫آخر ‪:‬‬
‫لفظ ( السنة ) ‪ . :‬فإنه في اللغة الطريقة وهذا يشمل كل‬
‫ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى‬
‫والنور فرضا ً كان أو نفل ً ‪ ،‬وأما اصطلحا ً فهو خاص بما‬
‫ليس فرضا ً من هديه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫يفسر بهذا المعنى الصطلحي لفظ ( السنة ) الذي ورد‬
‫في بعض الحاديث الكريمة ‪ ،‬كقوله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ . . . " :‬وعليكم بسنتي ‪ " . . .‬وقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم " ‪ . . .‬فمن رغب عن سنتي فليس مني " ‪ ،‬ومثله‬
‫الحديث الذي يورده بعض المشايخ المتأخرين في الحض‬
‫سورة السراء ‪ ،‬الية ‪. 38‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪25‬‬
‫على التمسك بالسنة بمعناها الصطلحي وهو ‪ ":‬من ترك‬
‫سنتي لم تنله شفاعتي " ‪ ،‬فأخطأوا مرتين ‪.‬‬
‫الولى ‪ :‬نسبتهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم و ل أصل له فيما نعلم ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬تفسيرهم للسنة بالمعنى الصطلحي ‪ ،‬غفلة‬
‫منهم عن معناها الشرعي ‪ ،‬وما أكثر ما يخطئ الناس‬
‫فيما نحن فيه بسبب مثل هذه الغفلة !‬
‫ولهذا أكثر ما نبه شيخ السلوم ابن تيمية وتلميذه‬
‫ابن القيم رحمهم الله على ذلك ‪ ،‬وأمروا في تفسير‬
‫اللفاظ الشرعية بالرجوع إلى اللغة ل العرف ‪ ،‬وهذا في‬
‫الحقيقة أصل لما يسمونه اليوم ب" الدراسة التاريخية‬
‫لللفاظ " ‪.‬‬
‫ويحسن بنا ان نشير إلى أن من أهم أغراض مجمع‬
‫اللغة العربية في الجمهورية العربية المتحدة في مصر "‬
‫وضع معجم تاريخي للغة العربية ‪ ،‬ونشر بحوث دقيقة في‬
‫تاريخ بعض الكلمات ‪ ،‬وما طرأ على مدلولتها من تغيير "‬
‫كما جاء في الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون‬
‫ذي الرقم (‪ )1955( )434‬الخاص بشأن تنظيم مجمع اللغة‬
‫العربية (انظر " مجلة المجتمع " ج ‪8‬ص ‪ . )5‬فعسى أن‬
‫يقوم المجمع بهذا العمل العظيم ‪ ،‬ويعهد به إلى أيد عربية‬
‫مسلمة ‪ ،‬فإن أهل مكة أدرى بشعابها ‪ ،‬وصاحب الدار‬
‫أدرى بما فيها ‪ ،‬وبذلك يسلم هذا المشروع من كيد‬
‫المستشرقين ‪ ،‬ومكر المستعمرين ‪.‬‬
‫‪ :2‬مذهب الحنفية الكراهة التحريمية‬
‫والكراهة بهذا المعنى الشرعي قد قال به هنا‬
‫الحنفية فقال المام محمد تلميذ أبي حنيفة في كتابه "‬
‫الثار" (ص ‪: )45‬‬
‫" ل نرى أن يزاد على ما خرج من القبر ‪ ،‬ونكره أن‬
‫يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجدا ً " ‪.‬‬
‫والكراهة عن الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم ‪ ،‬كما‬
‫هو معروف لديهم ‪ ،‬وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة‬
‫ابن الملك منهم كما يأتي ‪.‬‬
‫‪3‬ه مذهب المالكية التحريم‬

‫‪26‬‬
‫وقال القرطبي في تفسيره ( ‪ )10/38‬بعد أن ذكر‬
‫الحديث الخامس ‪:‬‬
‫" قال علماؤنا ‪ :‬وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا‬
‫قبور النبياء والعلماء مساجد "‪.‬‬
‫‪ :4‬مذهب الحنابلة التحريم‬
‫ومذهب الحنابلة التحريم أيضا ً كما في " شرح‬
‫المنتهى " (‪ )1/353‬وغيره ‪ ،‬بل نص بعضهم على بطلن‬
‫الصلة في المساجد المبنية على القبور ‪ ،‬ووجوب‬
‫هدهما ‪ ،‬فقال ابن القيم في " زاد المعاد " (‪ )3/22‬في صدد‬
‫بيان ما تضمنته غزوة تبوك من الفقه والفوائد ‪ ،‬وبعد أن‬
‫ذكر قصة مسجد الضرار الذي نهى الله تبارك وتعالى نبيه‬
‫أن يصلي فيه ‪ ،‬وكيف أنه صلى الله عليه وسلم هدمه‬
‫وحرقه قال ‪:‬‬
‫" ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها ‪ ،‬مسجد يصلى فيه ‪،‬‬
‫ويذكر اسم الله فيه ‪ ،‬لما كان بناؤه ضررا ً وتفريقا ً بين‬
‫المؤمنين ‪ ،‬ومأوى للمنافقين ‪ ،‬وكل مكان هذا شأنه‬
‫فواجب على المام تعطيله ‪ ،‬إما بهدم أو تحريق ‪ ،‬وإما‬ ‫‪1‬‬

‫بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له ‪ ،‬وإذا كان هذا شأن‬


‫مسجد الضرار؛ فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى‬
‫اتخاذ من فيها أندادا ً من دون الله أحق بذلك ‪ ،‬وأوجب ‪،‬‬
‫وكذلك محال المعاصي والفسوق ‪ ،‬كالحانات ‪ ،‬وبيوت‬
‫الخمارين ‪ ،‬وأرباب المنكرات ‪ ،‬وقد حرق عمر بن‬
‫الخطاب قرية بكاملها يباع فيها الخمر ‪ ،‬وحرق حانوت‬
‫رويشد الثقفي وسماه‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1‬قلت ‪ :‬مفهوم هذا أن ذلك ل يجب على غير المام ‪ ،‬ومثله من ينوب عنه ‪ ،‬وهذا هو‬
‫الذي يقتضيه النظر الصحيح ‪ ،‬لنه لو قام به غيره لترتب على ذلك مفاسد وفتن بين‬
‫المسلمين قد تكون أكبر من المصلحة التي يراد جلبها ‪.‬‬
‫‪ 2‬روى الدولبي في " الكنى " (‪ )1/189‬عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف قال ‪ :‬رأيت‬
‫عمر أحرق بيت رويشد الثقفي حتى كأنه جمرة أو حمة وكان جارنا يبيع الخمر ‪ .‬وسنده‬
‫صحيح ‪ .‬ورواه عبدالرزاق عن صفية بنت ابي عبيد كما في " الجامع الكبيرة " (‪)3/204/1‬‬
‫وأبو عبيد في " الموال " (ص ‪ )103‬عن ابن عمر ‪ ،‬وسنده صحيح أيضا ً ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫فويسقا ً ‪ ،‬وحرق قصر سعد لما احتجب عن الرعية ‪،‬‬‫‪1‬‬

‫وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت‬


‫تاركي حضور الجماعة والجمعة ‪ ،‬وإنما منعه من فيها من‬
‫‪2‬‬

‫النساء والذرية الذين ل تجب عليهم كما أخبر هو عن ذلك‬


‫‪ .‬ومنها أن الوقف ل يصح على غير بر ‪ ،‬ول قربة ‪ ،‬كما‬ ‫‪3‬‬

‫لم يصح وقف هذا المسجد ‪ ،‬وعلى هذا فيهدم المسجد إذا‬
‫بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد نص‬
‫على ذلك المام أحمد وغيره ‪ ،‬فل يجتمع في دين السلم‬
‫مسجد وقبر ‪ ،‬بل أيهما طرأ على الخر منع منه ‪ ،‬وكان‬
‫الحكم للسابق ‪ ،‬فلو وضعا معا ً لم يجز ‪ ،‬ول يصح هذا‬
‫الوقف ول يجوز ول تصح الصلة في هذا المسجد لنهي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ‬
‫القبر مسجدا ً ‪ ،‬أو أوقد عليه سراجا ً فهذا دين السلم‬
‫‪4‬‬

‫‪ 1‬يعني باب القصر ‪ ،‬والقصة رواها عبد الله بن المبارك في " الزهد" (‪ )1 /179‬من "‬
‫الكواكب الدراري " تفسير (‪575‬ورقم ‪513‬ه ‪528‬ط) وأحمد (رقم ‪ )390‬بسند رجاله ثقات ‪.‬‬
‫‪ 2‬متفق عليه من حديث أبي هريرة ‪ ،‬وهو مخرج في " صحيج أبي داود " (‪557‬و ‪)558‬‬
‫( تنبيه ) ‪ :‬إن حديث الجمعة حديث آخر من رواية ابن مسعود مرفوعا ً ‪ ،‬أخرجه مسلم‬
‫دون البخاري ‪.‬‬
‫‪ 3‬قلت ‪ :‬هذا وإن كان هو المعقول ‪ ،‬لكن السند بذلك لم يصح عنه صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فإن فيه أبا معشر نجيح المدني وهو ضعيف لسوء حفظه ‪ ،‬بل حديثه هذا منكر‬
‫كما بينته في " تخريج المشكاة " (‪ )1073‬التحقيق الثاني ‪.‬‬
‫يشيير إلى حديث ابن عباس " لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد‬ ‫‪4‬‬

‫والسرج " رواه أبو داود وغيره ‪ ،‬ولكنه ضعيف السند ‪ ،‬وإن لهج بذكره كثير من‬
‫السلفيين ‪ ،‬فالحق أحق أن يقال وأن يتبع ‪ ،‬وممن ضعفه من المتقدمين المام مسلم‬
‫فقال في " كتاب التفصيل " ‪:‬‬
‫" هذا الحديث ليس بثابت ‪ ،‬وأبو صالح باذام قد اتقى الناس حديثه ‪ ،‬ول يثبت له‬
‫سماع من ابن عباس " ‪.‬‬
‫نفله ابن رجب في " الفتح " كما في " الكواكب " (‪. )65/82/1‬‬
‫وقد بينت ضعف هذا الحديث في " الحاديث الضعيفة والموضوعة‬
‫وأثرها السئ في المة " رقم (‪ )225‬وقد ذكرت هناك أن الحديث صحيح‬
‫لغيره ‪ ،‬إل اتخاذ السرج ‪ ،‬فإنه منكر لم يأت إل من هذا الطريق الضعيف ‪.‬‬
‫وقد وقفت الن على خطأ فاحش حول هذا الحديث ‪ ،‬فجاء في كتاب‬
‫"القول المبين " لحد أفاضل العلماء المعاصرين السلفيين ما نصه (ص ‪: )79‬‬
‫= " وهذا الحديث وإن كان في إسناده عند أصحاب السنن مقال ‪ ،‬فإن إسناده‬
‫عند الحاكم خال من هذا المقال ‪ ،‬لن طريق الحاكم غير طريقهم " !‬
‫قلت ‪ :‬والحديث مدراه عند الحاكم وغيره على أبي صالح عن ابن عباس ‪ ،‬وقد‬
‫قال الحاكم عقبه (‪: )1/374‬‬
‫" أبو صالح هو باذام ولم يحتجا به " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهو ضعيف عند جمهور الئمة ‪ ،‬ولم يوثقه إل العجلي وحده كما قال‬
‫الحافظ في التهذيب " ‪ ،‬والعجلي معروف بتساهله في التوثيق كابن حبان ولم‬
‫نجد للحديث طريقا ً آخرى لنشد عضده به بعد مزيد البحث عنه ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى‬
‫!"‪.‬‬
‫فتبين مما نقلناه عن العلماء أن المذاهب‬
‫الربعة متفقة على ما أفادته الحاديث المتقدمة ‪ ،‬من‬
‫تحريم بناء المساجد على القبور ‪ .‬وقد اتفاق العلماء على‬
‫ذلك اعلم الناس بأقوالهم ومواضع اتفاقهم واختلفهم ‪ ،‬أل‬
‫وهو شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪ ،‬فقد سئل رحمه‬
‫الله بما نصه ‪:‬‬
‫" هل تصح الصلة على المسجد إذا كان فيه قبر ؛‬
‫والناس تجتمع فيه لصلتي الجماعة والجمعة أم ل ؟ وهل‬
‫يمهد القبر ‪ ،‬أو يعمل عليه حاجز أو حائط ؟ فأجاب ‪:‬‬
‫الحمدلله ‪ ،‬اتفق الئمة أنه ل يبنى مسجد على قبر ‪،‬‬
‫لن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ":‬إن من كان قبلكم‬
‫كانوا يتخذون القبور مساجد ‪ ،‬أل فل تتخذوا القبور مساجد‬
‫؛ فإني أنهاكم عن ذلك " ‪ .‬وأنه ل هيجوز دفن ميت في‬
‫مسجده هفإنه هكانه هالمسجده هقبله هالدفنه هغُي ّهر ه‪،‬ه هإماه هبتسوية‬
‫القبر ‪ ،‬وإما بنبشه إن كان جديدا ً ‪ ،‬وإن كان المسجد بني‬
‫على بعد القبر ‪ ،‬فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة‬
‫القبر ‪ ،‬فالمسجد الذي على القبر ل يصلى فيه فرض ول‬
‫نفل ‪ ،‬فإنه منهي عنه " كذا في الفتاوى له (‪. )2/192 ، /1/107‬‬
‫وقد تبنت دار الفتاء في الديار المصرية فتوى شيخ‬
‫السلم ابن تيمية هذه ‪ ،‬فنقلتها عنه في فتوى لها أصدرتها‬
‫تنص على عدم جواز الدفن في المسجد ‪ ،‬فليراجعها من‬
‫‪1‬‬
‫شاء في " مجلة الزهر " (ج ‪112‬ص ‪501‬و ‪)503‬‬
‫وقال ابن تيمية في " الختيارات العلمية " (ص ‪: )52‬‬
‫" يحرم السراج على القبور ‪ ،‬واتخاذ القبور المساجد‬
‫عليها ‪ ،‬وبينها ‪ ،‬ويتعين إزالتها ‪ ،‬ول هأعلم فيه خلفا ًه بين‬
‫العلماء المعروفين "‪.‬‬
‫ونقله ابن عروة الحنبلي في " الكواكب الدراري " (‬
‫‪ )2/244/1‬وأقره ‪.‬‬
‫ولعل المشار إليه ‪ ،‬عني بكلمه بعض الشواهد التي ذكرتها هناك لكن‬
‫هذه ليس فيها ذكر السراج أصل ً ‪ ،‬فهو وهم على وهم ‪.‬‬
‫‪ 1‬وفي المجلة نفسها مقال آخر في تحريم البناء على القبورمطلقا فانظر ( مجلد سنة‬
‫‪1930‬ص ‪359‬وه ‪. )364‬‬

‫‪29‬‬
‫وهكذا نرى أن العلماء كلهم اتفقوا على ما دلت عليه‬
‫الحاديث من تحريم اتخاذ المساجد على القبور ‪ ،‬فنحذر‬
‫المؤمنين من مخالفتهم ‪ ،‬والخروج عن طريقتهم ‪ ،‬خشية‬
‫أن يشملهم وعيد قوله عز وجل }ومن يشاقق الرسول‬
‫من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله‬
‫ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا{‬
‫‪2‬‬

‫و} إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى‬


‫السمع وهو شهيد { ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫********‬
‫الفصههههل الههرابهههع‬

‫شبهات وجوابها‬
‫قده هيقوله هقائله ه‪:‬ه هإذاه هكانه همنه هالمقرره هشرعا ًه تحريمه هبناء‬
‫المساجد على القبور ‪ ،‬فهناك أمور كثيرة تدل على خلف‬
‫ذلك وإليك بيانها ‪:‬‬
‫أول ًه ‪:‬ه هقولهه هتعالىه هفيه هسورةه هالكهفه ه}ه هقاله هالذين‬
‫غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ًه { ه‪ ،‬وجه دللة‬
‫‪1‬‬

‫الية على ذلك ‪ :‬أن الذين قالوا هذا القول كانوا نصارى ‪،‬‬
‫علىه هماهوه همذكوره هفيه هكتبه هالتفسيره ه‪،‬ه هفيكونه هاتخاذ‬
‫المسجده هعلىه هالقبره همنه هشريعتهمه ه‪،‬ه هوشريعةه همنه هقبلنا‬
‫شرعية لنا إذا حكاها الله تعالى ‪ ،‬ولم يعقبها بما يدل على‬
‫ردها كما في هذه الية الكريمة ‪.‬‬
‫ثانيا ًه ‪:‬ه هكونه هقبره هالنبيه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلمه هفي‬
‫مسجده الشريف ‪ ،‬ولو كان ذلك ل يجوز لما دفنوه صلى‬
‫الله عليه وسلم في مسجده !‬
‫ثالثا ًه ‪ :‬صلة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد‬
‫الخيف مع أن فيه قبر سبعين نبيا ً كما قال صلى الله عليه‬
‫وسلم !‬

‫سورة النساء الية ‪.115‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة ق ‪ ،‬الية ‪. 37‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة الكهف ‪ ،‬الية ‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪30‬‬
‫رابعاً‪ :‬ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه‬
‫السلمه هوغيرهه هفيه هالحجره همنه هالمسجده هالحرامه ه‪،‬ه هوهو‬
‫أفضل مسجد يتحرى المصلى فيه ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجدا ً على‬
‫قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم كما جاء في " الستيعاب " لبن عبد البر ‪.‬‬
‫سادسا ًهه‪ :‬ههزعمهه ههبعضهمهه ههأنهه ههالمنعهه ههمنهه ههاتخاذ‬
‫القبورمساجد إنما كان لعلة خشية الفتتان ه ه بالمقبور ‪،‬‬
‫زالت برسوخ التوحيد في قلوب المؤمنين ‪ ،‬فزال المنع !‬
‫الجواب عن الشبهة الولى ‪:‬‬
‫أما الشبهة الولى فالجواب عنها من ثلثة وجوه ‪:‬‬
‫الوله ه‪:‬ه هأنه هالصحيحه هالمتقرره هفيه هعلمه هالصوله هأن‬
‫شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا لدلة كثيرة منها قوله‬
‫‪1‬‬

‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬اعطيت خمسا ً لم يعطهن أحداً‬


‫منه النبياء هقبلي ه‪ .‬ه‪ .‬ه‪ .‬ه(فذكرها ه‪ ،‬هوآخرها ه) هوكانه النبي‬
‫يبعث إلى قومه خاصة ‪ ،‬وبعثت إلى الناس كافة " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫فإذا تبين هذا فلسنا ملزمين بالخذ بما في الية لو‬


‫كانته هتدله هعلىه هأنه هجوازه هبناءه هالمسجده هعلىه هالقبره هكان‬
‫شريعة لمن قبلنا !‬
‫الثاني ‪:‬‬
‫هب أن الصواب قول من قال ‪ " :‬شريعة من قبلنا شريعة‬
‫لنا " فذلك مشروط عندهم بما إذا لم يرد في شرعنا ما‬
‫يخالفه ‪ ،‬وهذا الشرط معدوم هنا ‪ ،‬لن الحاديث تواترت‬
‫في النهي عن‬
‫البناء المذكور كما سبق ‪ ،‬فذلك دليل على أن ما في الية‬
‫ليس شريعة لنا ‪.‬‬
‫الثالث ‪:‬‬
‫ل نسلم أن الية تفيد أن ذلك كان شريعة لمن قبلنا غاية‬
‫ماه هفيهاه هأنه هجماعةه همنه هالناسه هقالواه ه‪}:‬ه هلنتخذنه هعليهم‬
‫مسجدا ً { فليس فيها التصريح بأنهم كانوا مؤمنين ‪ ،‬وعلى‬
‫انظر إن شئت المطولت من كتب علم الصول وخاصة " الحكام " لبن حزم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه البخاري ومسلم ‪ ،‬وهو مخرج في " إرواه الغليل " (رقم ‪. )285‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪31‬‬
‫التسليمه هفليسه هفيهاه هانهمه هكانواه همؤمنينه هصالحينه ه‪،‬‬
‫متمسكين بشريعة نبي مرسل ‪ ،‬بل الظاهر خلف ذلك ‪،‬‬
‫قاله هالحافظه هابنه هرجبه هفيه ه"ه هفتحه هالباريه هفيه هشرح‬
‫البخاري " (‪ ) 65/280‬من "الكواكب الدراري"ه ه"حديث لعن‬
‫‪1‬‬

‫الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "‪.‬‬


‫" وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث ‪،‬‬
‫وهو قول الله عزوجل في قصة أصحاب الكهف ‪ }:‬قال‬
‫الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ًه { فجعل‬
‫اتخاذه هالقبوره هعلىه هالمساجده همنه هفعله هأهله هالغلبةه هعلى‬
‫الموره ه‪،‬ه هوذلكه هيشعره هبانه همستندهه هالقهره هوالغلبةه هواتباع‬
‫الهوى وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المنتصر لما‬
‫أنزل الله على رسله من الهدى " ‪.‬‬
‫وقال الشيخ علي بن عروة في " مختصر الكوكب‬
‫" (‪ )10/207/2‬تبعا ً للحافظ ابن كثير في تفسيره (‪: )3/78‬‬
‫" حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين ‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫أحدهما ‪ :‬أنهم المسلمون منهم ‪.‬‬


‫والثاني ‪ :‬أهل الشرك منهم ‪.‬‬
‫فاللهه هأعلمه ه‪،‬ه هوالظاهره هأنه هالذينه هقالواه هذلكه ههم‬
‫أصحاب الكلمة والنفوذ ‪ ،‬ولكن هم محمودون أم ل ؟ فيه‬
‫نظر ‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬لعن الله‬
‫اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما‬
‫فعلوا ‪ ،‬وقد ُرويّنا عن عمر بن الخطاب أنه لما وجد قبر‬
‫دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس ‪ ،‬وأن‬
‫تدفنه هتلكه هالرقعةه هالتيه هوجدهاه هعندهه ه‪،‬ه هفيهاه هشئه همن‬
‫الملحم وغيرها "‪.‬‬

‫‪ 1‬مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق ‪ ،‬وهو كتاب عظيم جدا ً جمع نفائس نادرة من‬
‫كتب العلماء المتقدمين ورسائلهم التي لم يطبع أكثرها فيما علمت ‪ ،‬وأنا الن في صدد‬
‫إخراج هذه الكتب والرسائل في فهرس خاص أضعه لمجلدات هذا الكتاب الموجودة‬
‫في المكتبة وفي غيرها إن وفقت لذلك ‪ .‬ثم تم الستخراج المذكور من مجلدات‬
‫المكتبة ‪ ،‬فعسى الله أن يوفق للطلع على غيرها واستخراج ما فيها من الكنوز‬

‫‪ 1‬قلت وحكاهما أيضا ً ابن الجوزي في تفسيره " زاد المسير " (‪5/123‬ه طبعة المكتب‬
‫السلمي ) دون أن يرجح أحدهما على عادته ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫إذا عرفت هذا ‪ ،‬فل هيصح الحتجاج بالية على وجه‬
‫من الوجوه ‪ ،‬وقال العلمة المحقق اللوسي في " روح‬
‫المعاني " (‪)5/31‬‬
‫" واستدل بالية على جواز البناء على قبور العلماء‬
‫واتخاذ مسجد عليها ‪ ،‬وجواز الصلة في ذلك ! وممن ذكر‬
‫ذلك الشهاب الخفاجي في حواشيه على البيضاوي ‪ ،‬وهو‬
‫قول باطل عاطل ‪ ،‬فساد كاسد فقد روي‪). . .‬‬
‫ثمه هذكره هبعضه هالحاديثه هالمتقدمةه ه‪،‬ه هوأتبعهاه هبكلم‬
‫الهيتمي في " الزواجر" مقرا ًه له عليه ‪ ،‬وقد نقلته فيما‬
‫سبق ‪ ،‬ثم نقل عنه في كتابه " شرح المنهاج " ما نصه ‪:‬‬
‫" وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة مصر من البنية‬
‫‪ ،‬حتى قبة المام الشافعي عليه‬
‫الرحمة ‪ ،‬التي بناها بعض الملوك ‪ ،‬وينبغي لكل أحد هدم‬
‫ذلك ما لم يخش منه مفسدة ‪،‬فيتعين‬
‫الرفع للمام آخذا ً من كلم ابن الرفعة في الصلح ‪ ".‬انتهى‬
‫‪.‬‬
‫ثم قال المام اللوسي ‪:‬‬
‫"ه هل هيقاله ه‪:‬ه هإنه هاليةه هظاهرةه هفيه هكونه هماه هذكره همن‬
‫ل بها‪ ،‬فقد روي أنه صلى الله‬ ‫شرائع من قبلنا ‪ ،‬وقد استُد ِ َّ‬
‫عليهه هوسلمه هقاله ه‪:‬ه ه"ه همنه هنامه هعنه هصلةه هأوه هنسيهاه ه"‪ .‬ه‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫الحديثه هثمه هتل هقولهه هتعالىه ه}وأقمه هالصلةه هلذكري{‪،2‬ه هوهو‬


‫مقول لموسى عليه السلم ‪ ،‬وسياقه الستدلل ‪ ،‬واحتج‬
‫أبو يوسف على جري القود بين الذكر والثنى بآية }وكتبنا‬
‫عليهمه ه{ه ه‪،‬ه هوالكرخيه هعلىه هجريهه هبينه هالحره هوالعبده ه‪،‬‬
‫والمسلم والذمي هبتلك الية الواردة في بني إسرائيل ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫إلى غير ذلك ‪ ،‬لنا نقول ‪ :‬مذهبنا في شرع من قبلنا وإن‬


‫كان أنه يلزمنا على أنه شريعتنا ‪ ،‬لكن ل مطلقا ً ‪ ،‬بل إ ْ‬
‫ن‬
‫قص الله تعالى علينا بل هإنكار [فإنكار] رسوله صلى الله‬

‫‪ 1‬قلت ‪ :‬هذا الحديث صحيح مخرج على الصحيحين فل يحن تصديره بقوله " روي " لنه‬
‫يدل على الضعف في اصطلح العلماء كما بينته في " صلة التروايح " (ص ‪63‬ه ‪)64‬‬
‫فتنبه ‪.‬‬
‫ثم إن الحديث مخرج عندي في " صحيح أبي داود " (‪ )461‬و(الرواء) (‪. )263‬‬
‫‪23‬سورة طه ‪ ،‬الية ‪.14‬‬

‫‪33‬‬
‫ت هأنهه هعليه‬‫مع َه‬
‫س ِ‬
‫عليهه هوسلمه هكإنكارهه هعزه هوجله ه‪.‬ه هوقده ه َ‬
‫‪4‬‬

‫الصلة والسلم لعن الذين يتخذون المساجد على القبور ‪،‬‬


‫على أن كون ما ذكر من شرائع من قبلنا ممنوع ‪ ،‬وكيف‬
‫يمكن أن يكون اتخاذ المساجد على القبور من الشرائع‬
‫المتقدمة مع ما سمعت من لعن اليهود والنصارى حيث‬
‫اتخذوا قبور أبنيائهم مساجد ‪ ،‬والية ليست كاليات التي‬
‫ج الئمة بها ‪ ،‬وليس فيها أكثر من حكاية‬ ‫ذكرنا آنفا ً احتجا ُ‬
‫قول طائفة من الناس وعزمهم على فعل ذلك ‪ ،‬وليست‬
‫خارجة مخرج المدح لهم والحض على التأسي بهم ‪ ،‬فمتى‬
‫لم يثبت أن فيهم معصوما ً ل يدل على فعلهم عن عزمهم‬
‫على مشروعية ما كانوا بصدده ‪.‬‬
‫ومما يقوي قلة الوثوق بفعلهم القول بأن المراد بهم‬
‫روي عن قتادة ‪.‬‬ ‫المراء والسلطين ‪ ،‬كما‬
‫وعلى هذا لقائل أن يقول ‪ :‬إن الطائفة الولى كانوا‬
‫مؤمنينه هعالمينه هبعدمه همشروعيةه هاتخاذه هالمساجده هعلى‬
‫القبور ‪ ،‬فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسده ‪ ،‬وكف‬
‫التعرض لصحابه ‪ ،‬فلم يقبل المراء منهم ‪ ،‬وغاظهم ذلك‬
‫حتى أقسموا على اتخاذ المسجد ‪.‬‬
‫وإنه هأبيته هإل هحسنه هالظنه هبالطائفةه هالثانيةه هفلكه هأن‬
‫تقول ‪ :‬إن اتخاذهم المسجد عليهم ليس على طراز اتخاذ‬
‫المساجد على القبور المنهي عنه ‪ ،‬الملعون فاعله ‪ ،‬وإنما‬
‫هوه هاتخاذه همسجده هعندهمه هوقريبا ًه منه هكهفهمه ه‪،‬ه هوقده هجاء‬
‫التصريح بالعندية هفي رواية هالقصة عن السدي هووهب ‪،‬‬
‫ومثل هذا التخاذ ليس محذورا ً إذ غاية ما يلزم على ذلك‬
‫أنه هيكونه هنسبةه هالمسجده هإلىه هالكهفه هالذيه هفهمه هفيهه ه‪،‬‬
‫كنسبة النبوي إلى المرقد المعظم صلى الله تعالى على‬
‫من فيه وسلم ‪ ،‬ويكون قوله } لنتخذن عليهم { على هذا‬
‫الشاكلة قول الطائفة ( ابنوا عليهم ) ‪.‬‬
‫وإنه هشئته هقلته ه‪:‬ه هإنه هذلكه هالتخاذه هكانه هعلىه هكهف‬
‫هو فيه ‪ ،‬وفيه خبر مجاهد‬ ‫فوق الجبل الذي‬
‫أنههه هههالملكههه هههتركهمههه هههفيههه هههكهفهمههه هههوبنىههه هههعلي‬
‫‪ 4‬لقوله صلى الله عليه وسلم " … فان ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله "‪ .‬وهو‬
‫حديث صحيح وإن رغم أنف صاحب "الضواء " ! انظر " المشكاة " بتخرجي (‪. )163‬‬

‫‪34‬‬
‫كهفهم مسجدا ً ‪ ،‬وهذا أقرب لظاهر اللفظ كما ل يخفى ‪،‬‬
‫وهذاهههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههههههههههههكله‬
‫إنما يحتاج إليه على القول بأن أصحاب الكهف ماتوا بعد‬
‫عليهم ‪ ،‬وأما على القول بأنهم‬ ‫العثار‬
‫ناموا‬ ‫ناموا كما‬
‫أول ً فل يحتاج إليه على ما قيل ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وبالجملة ل هينبغي لمن له أدنى رشد أن يذهب إلى‬


‫خلف ما نطقت الخبار الصحيحة والثار الصريحة ‪ ،‬معولً‬
‫على الستدلل بهذه الية ‪ ،‬فإن ذلك في الغواية غاية ‪،‬‬
‫وفيه هقلةه هالنُهىه هنهايةه ه!ه هولقده هرأيته همنه هيبيحه هماه هيفعله‬
‫الجهلة في قبور الصالحين من إشرافها ‪ ،‬وبنائها بالجص‬
‫والجر ‪ ،‬وتعليق القناديل عليها ‪ ،‬والصلة إليها ‪ ،‬والطواف‬
‫بها ‪ ،‬واستلمها ‪ ،‬والجتماع عندها ‪ ،‬في أوقات مخصوصة ‪،‬‬
‫إلى غير ذلك محتجا ًه بهذه الية الكريمة ‪ ،‬وبما هجاء في‬
‫بعضه هرواياته هالقصةه همنه هجعله هالملكه هلهمه هفيه هكله هسنة‬
‫عيدا ً ‪ ،‬وجعله إياهم في توابيت من ساج ‪ ،‬ومقيسا ً لبعض‬
‫على هبعض ه! هوكل هذلك همحادة هلله هتعالى هورسوله هصلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وابتداع دين لم يأذن به الله عز وجل ‪.‬‬
‫ويكفيك في معرفة الحق تتبع ما صنع أصحاب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسل في قبره عليه السلة والسلم ه‬
‫وهو أفضل قبر على وجه الرض ه والوقوف على أفعالهم‬
‫في زيارتهم له ‪ ،‬والسلم عليه ‪ ،‬فتتبع ذاك وتأمل ما هنا‬
‫وما هناك ‪ ،‬والله سبحانه يتولى هداك "‪.‬‬
‫قلته ه‪:‬ه هوقده هاستدله هباليةه هالمذكورةه هعلىه هالجواز‬
‫المزعوم ‪ ،‬بل على استحباب بناء المساجد على القبور‬

‫‪ 1‬يشير إلى ما ذكره في أول الصفحة الولى من الصفحتين المشار إليهما وهو قوله ‪:‬‬
‫" وعن الحسن أنه اتخذ ( يعني المسجد) ليصلى فيه أصحاب الكهف إذا‬
‫استيقظوا "‪.‬‬
‫قال اللوسي ‪:‬‬
‫" وهذا مبني على أنهم لم يموتوا بل ناموا كما ناموا أول ً وإليه ذهب بعضهم ‪،‬‬
‫بل قيل ‪ :‬إنهم ل يموتون حتى يظهر المهدي ويكونوا من أنصاره ‪ .‬ول معول على ذلك‬
‫وهو عندي أشبه شئ بالخرافات "‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫بعض هالمعاصرين هلكنه همنه هوجه هآخره همبتدعه همغايره هبعض‬
‫‪1‬‬

‫الشئ لما سبق حكايته ورده فقال ما نصه "‬


‫"ه هوالدليله همنه ههذهه هاليةه هإقراره هاللهه هإياهمه هعلىه هما‬
‫قالوا ‪ ،‬وعدم رده عليهم "!‬
‫قلت هذا الستدلل باطل من وجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه ل هيصح أن يعتبر عدم الرد عليهم إقراراً‬
‫لهم ‪ ،‬إل إذا ثبت أنهم كانوا مسلمين وصالحين متمسكين‬
‫بشريعة نبيهم ‪ ،‬وليس في الية ما يشير أدنى إشارة إلى‬
‫أنهم كانوا كذلك ‪ ،‬بل يحتمل أنهم لم يكونوا كذلك ‪ ،‬وهذا‬
‫هو القرب ؛ أنهم كانوا كفارا ًه أو فجارا ًه ‪ ،‬كما سبق من‬
‫كلمه هابنه هرجبه هوابنه هكثيره هوغيرهماه ه‪،‬ه هوحينئذه هفعدمه هالرد‬
‫عليهم ل يعد إقرارا ً بل‬
‫إنكارا ًه ‪ ،‬لن حكاية القول عن الكفار والفجار يكفي في‬
‫رده عزوه إليهم! فل يعتبر السكوت‬
‫عليه إقرارا ً كما ل يخفى ‪ ،‬ويؤيده الوجه التي ‪:‬‬
‫الثانيه ه‪:‬ه هأنه هالستدلله هالمذكوره هإنماه هيستقيمه هعلى‬
‫طريقةه هأهله هالهواءه همنه هالماضينه هوالمعاصرينه ه‪،‬ه هالذين‬
‫يكتفون بالقرآن فقد دينا ً ‪ ،‬و ل يقيمون للسنة وزنا ً ‪ ،‬وأما‬
‫طريقةه هأهله هالسنةه هوالحديثه هالذينه هيؤمنونه هبالوحيينه ه‪،‬‬
‫مصدقين بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح‬

‫‪ 1‬هو الشيخ أبو الفيض أحمد الصديق الغماري في كتبابه المسمى " إحياء المقبور من‬
‫أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور "! وهذا الكتاب من أغرب ما ابتلى به‬
‫المسلمون في هذا العصر ‪ ،‬وأبعد ما يكون عن البحث العلمي النزيه ‪ ،‬فان المؤلف‬
‫يدعي ترك التقليد والعمل بالحديث الشريف ! فقد التقيت به منذ بضعة أشهر في‬
‫المكتبة الظاهرية ‪ ،‬وظهر لي من الحديث الذي جرى بيني وبينه أنه على معرفة بعلوم‬
‫الحديث ‪ ،‬وأنه يدعو للجتهاد ‪ ،‬ويحارب التقليد ‪ ،‬محاربة ل هوادة فيها ‪ ،‬وله ذلك بعض‬
‫المؤلفات كما قال لي ‪ ،‬ولكن الجلسة كانت قصيرة لم تمكني من أن أعرف اتجاهه‬
‫في العقيدة ‪ ،‬وإن كنت شعرت من بعض فقرات حديثه انه خلفي صوفي ‪ ،‬ثم تأكد‬
‫من ذلك بعد أن قرأت له هذا الكتاب وغيره ‪ ،‬حيث تبين لي أن يحارب أهل التوحيد ‪،‬‬
‫ويخالفهم في عقيدتهم مخالفة شديدة ‪ ،‬ويقول البدعة الحسنة ‪ ،‬وينتصر للمبتدعة !‬
‫ولم يستفد من دعواه الحتهاد إل النتصار للهواء وأهلها ‪ ،‬ما يفعل مجتهدوا الشيعة‬
‫تماماً! وإن شئت دليل على ما أقول ‪ ،‬فحسبك برهانا ً على ذلك هذا الكتاب " ‪. . .‬‬
‫المقبور" ! فإن قبر كل الحاديث المتواترة في تحريم البناء المساجد على القبور الذي‬
‫قال به الئمة الفحول بل خلف يعرف بينهم ‪ ،‬فهو والحق يقال ‪ :‬جرئ ‪ ،‬ولكن في‬
‫محاربة الحق ! كيف ل وهو يرد كل ما ذكرناه من الحاديث واتفاق الئمة دون أي‬
‫حجة ‪ ،‬اللهم إل اتباع المتشابه من النصوص كآية الكهف هذه شانه في ذلك شأن‬
‫المبتدعة في در النصوص المحكمات بالمتشابه ‪ ،‬نعوذ بالله من الخذلن وسيأتيك من‬
‫كلمه بعض المثلة الخرى على ما ذكرنا ‪ ،‬والله المستعان ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫المشهوره ه‪":‬ه هأل هإنيه هأوتيته هالقرآنه هومثلهه همعهه ه"‪.‬ه هوفي‬
‫‪1‬‬
‫رواية ‪ ":‬أل إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله "‪.‬‬
‫فهذا الستدلل عندهم هههه والمستدل يزعم أنه منهم‬
‫! ههه باطل ظاهر البطلن ‪ ،‬لن الرد الذي نفاه ‪ ،‬قد وقع‬
‫في السنة المتواترة كما سيق ‪ ،‬فكيف يقول ‪ :‬إن الله‬
‫أقرهم ولم يرد عليهم ‪ ،‬مع أن الله لعنهم على لسان نبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأي رد أوضح وأبين من هذا ؟! ‪.‬‬
‫وم ا مث ل م ن يستد ل بهذ ه الي ة عل ى خل ف الحاديث‬
‫المتقدمة‪: :‬؛‪: :‬إل ‪::‬كمثل‪: :‬من‪: :‬يستدل‪: :‬على‪: :‬جواز‪: :‬صنع‬
‫التماثيل والصنام بقوله تعالى في الجن الذين كانوا‬
‫مذللي ن لسليمان علي ه السلم ‪ } :‬يعملون ل ه ما يشاء‬
‫ن كالجواب وقدور راسيات‬ ‫من محاريب وتماثيل وجفا ٍ‬
‫{ ‪::‬يستدل‪: :‬بها‪: :‬على‪: :‬خلف‪: :‬الحاديث‪: :‬الصحيحة‪: :‬التي‬ ‫‪2‬‬

‫تحرم التماثيل والتصاوير! وما يفعل ذلك مسلم يؤمن‬


‫بحديثه صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وبهذا‪: :‬ينتهي‪: :‬الكلم‪: :‬عن‪: :‬الشبهة‪: :‬الولى‪: :،: :‬وهي‬
‫وعن‬ ‫الستدلل بآية الكهف والجواب عنها‬
‫‪3‬‬

‫ما تفرع منها ‪.‬‬


‫الجواب عن الشبهة الثانية ‪:‬‬
‫وأماه هالشبهةه هالثانيةه هوهيه هأنه هقبره هالنبيه هصلىه هاللهه هعليه‬
‫وسلم في مسجده كما هو مشاهد اليوم ‪ ،‬ولو كان ذلك‬
‫حراما ً لم يدفن فيه ‍!‬
‫والجواب ‪ :‬أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم ‪ ،‬فإنه‬
‫لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم ‪ ،‬فإنهم‬
‫لما مات النبي صلى الله عليه وسلم دفنوه في حجرته‬
‫في التي كانت بجانب مسجده ‪ ،‬وكان يفصل بينهما جدار‬
‫فيه باب ‪ ،‬كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى‬
‫المسجد ‪ ،‬وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ‪ ،‬ول‬
‫خلف في ذلك بينهم ‪ ،‬والصحابة رضي الله عنهم حينما‬
‫دفنوه صلى الله عليه وسلم في الحجرة ‪ ،‬إنما فعلوا ذلك‬
‫كي هل هيتمكنه هأحده هبعدهمه همنه هاتخاذه هقبرهه همسجدا ًه ‪ ،‬هكما‬

‫حديث صحيح كما تقدم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة سبأ الية ‪.13‬‬ ‫‪2‬‬

‫وانطر ص( ‪)40‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪37‬‬
‫سبق بيانه في حديث عائشة وغيره ( ص ‪9‬ه ‪ ، )10‬ولكن وقع‬
‫بعدهمه هماه هلمه هيكنه هفيه هحسبانهم!ه هذلكه هأنه هالوليده هبن‬
‫عبدالملكه هأمره هسنةه هثمانه هوثمانينه هبهدمه هالمسجده هالنبوي‬
‫حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه سولم إليه‬ ‫وإضافة ُ‬
‫‪ ،‬فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة ‪ ،‬فصار القبر‬
‫بذلك في المسجد ولم يكن في المدينة أحد من الصحابة‬ ‫‪1‬‬

‫حينذاكه هخلفا ًه لمه هتوهمه هبعضهمه ه‪،‬ه هقاله هالعلمةه هالحافظ‬


‫محمد ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (ص ‪: )136‬‬
‫" وإنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلفة الوليد‬
‫بنه هعبدالملكه ه‪،‬ه هبعده هموته هعامةه هالصحابةه هالذينه هكانوا‬
‫بالمدينة ‪ ،‬وكان آخرهم موتا ً جابر بن عبدالله ‪ ،‬وتوفي في‬
‫خلفة عبدالملك ‪ ،‬فإنه توفي سنة ثمان وسبعين ‪ ،‬والوليد‬
‫تولىه هسنةه هسته هوثمانينه ه‪،‬ه هوتوفيه هسنةه هسته هوتسعينه ه‪،‬‬

‫تاريخ ابن جرير (‪5/22‬ه ‪ )223‬وتاريخ ابن كثير (‪9/74‬ه ‪)75‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪38‬‬
‫فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلكه ‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وقد ذكر أبو زيد عمر بن‬


‫شبة النميري ‪ ،‬في " كتاب أخبار المدينة " مدينة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم عن أشياخه‬
‫عمن حدثوا عنه أن ابن عمر بن عبد العزيز لما كان نائباً‬
‫للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد‬
‫وبناه بالحجارة المنقوشة بالساج ‪ ،‬وماء الذهب ‪ ،‬وهدم‬

‫‪ 2‬قلت وإنما لم يسم الحافظ ابن عبدالهادي السنة التي وقع فيها ذلك لنها لم ترد في‬
‫رواية ثابتة على طريقة المحدثين ‪ ،‬وما نقلناه عن ابن جرير هو من رواية الواقدي وهو‬
‫متهم ‪ ،‬ورواية ابن شبة التية في كلم الحافظ ابن عبد الهادي مدارها على مجاهيل ‪،‬‬
‫وهم عن مجهول ! كما هو ظاهر ‪ ،‬فل حجة في شئ من ذلك ‪ ،‬وإنما العمدة على اتفاق‬
‫المؤرخين على أن إدخال الحجرة إلى المسجد كان في ولية الوليد ‪ ،‬وهذا القدر كاف‬
‫في إثبات أن ذلك كان بعد موت الصحابة الذين كانوا في المدينة حسبما بينه الحافظ‬
‫لكن يعكر عليه ما رواه أبو عبدالله الرازي في مشيخته (‪ ) 218/1‬عن محمد بن الربيع‬
‫الحيزري ‪ ":‬توفي سهل بن سعد بالمدينة هو ابن مائة سنة وكانت وفاته سنة إحدى‬
‫وتسعين وهو آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬لكن‬
‫الجيزري هذا لم اعرفه ثم هو معضل ‪ ،‬وقد ذكر مثله الحافظ بن حجر في " الصابة‬
‫" (‪ )2/87‬عن الزهري من قوله فهو معضل أيضا ً أو مرسل ‪ ،‬ثم عقبه بقوله ‪ ":‬وقيل قبل‬
‫ذلك ‪ ،‬وزعم ابن أبي داود أنه مات بالسكندرية " ‪ ،‬وجزم في " التقريب " أنه مات‬
‫سنة ‪ 88‬فالله أعلم ‪.‬‬
‫ً‬
‫وخلصة القول أنه ليس لدينا نص تقوم به الحجة على أن أحدا من الصحابة كان في‬
‫عهد عملية التغيير هذه ‪ ،‬فمن ادعى خلف ذلك فعليه الدليل ‪ ،‬فما جاء في شريح‬
‫مسلم " (‪5/13‬ه ‪ ) 14‬أن ذلك كان في عهد الصحابة ‪ ،‬لعل مستنده تلك الرواية المعضلة‬
‫أو المرسلة ‪ ،‬وبمثلها ل تقوم حجة ‪ ،‬على أنها أخص من الدعوى ‪ ،‬فإنها لو صحت إنما‬
‫تثبت وجود واحد من الصحابة حينذاك ‪ ،‬ل ( الصحابة ) ‪.‬‬
‫وأما قول بعض من كتب في هذه المسألة بغير علم ‪:‬‬
‫" فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم منذ وسعه عثمان رضي الله عنه وأدخل‬
‫في المسجد ما لم يكن منه ‪ ،‬فصارت القبور الثلثة محاطة بالمسجد لم ينكر أحد من‬
‫السلف ذلك "‪.‬‬
‫فمن جهالتهم التي ل حدود لها ه ول أريد أن أقول ‪ :‬إنها من افتراءاتهم ه فإن‬
‫أحدا من العلماء لم يقل إن إدخال القبور الثلثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه ‪،‬‬
‫بل اتفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبد الملك كما سبق ‪ ،‬أي بعد عثمان‬
‫بنحو نصف قرن ولكنهم يهرفون بما ل هيعرفون ‍ ذلك لن عثمان رضي الله عنه فعل‬
‫خلف ما نسبوا إليه ‪ ،‬فإنه لما وسع المسجد النبوي الشريف احترز من الوقوع في‬
‫مخالفة الحاديث المشار إليها ‪ ،‬فلم يوسع المسجد من جهة الحجرات ‪ ،‬ولم يدخلها‬
‫فيه ‪ ،‬وهذا عين ما صنعه سلفه عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا ً ‪ ،‬بل أشار هذا‬
‫إلى أن التوسيع من الجهة المشار إليها فيه المحذور المذكور في الحاديث المتقدمة‬
‫كما سيأتي ذلك عنه قريبا ً ‪.‬‬
‫وأما قولهم ‪ ":‬ولم ينكر أحد من السلف ذلك "‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬وما أدراكم بذلك ؟ ‍‍! فإن من أصعب الشياء على العقلء إثبات نفي‬
‫شئه هيمكنه هأنه هيقعه هولمه هيعلمه ه‪،‬ه هكماه ههوه همعروفه هعنده هالعلماءه ه‪،‬ه هلنه هذلكه ه هيستلزم‬
‫الستقراء التام والحاطة بكل ما جرى ‪ ،‬وما قيل حول الحادثة التي يتعلق بها المر‬
‫المراد نفيه عنها ‪ ،‬وأنى لمثل هذا البعض المشار إليه أن يفعلوا ذلك لو استطاعوا ‪ ،‬ولو‬
‫أنهم راجعوا بعض الكتب لهذه المسألة لما وقعوا في تلك الجهالة الفاضحة ‪،‬‬

‫‪39‬‬
‫حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأدخل القبر‬
‫فيه "‪.‬‬
‫يتبينه هلناه همماه هأوردناهه هأنه هالقبره هالشريفه هإنماه هإدخل‬
‫إلىه هالمسجده هالنبويه هحينه هلمه هيكنه هفيه هالمدينةه هأحده همن‬
‫الصحابة وإن ذلك كان على خلف غرضهم الذي رموا إليه‬
‫حين دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فل هيجوز‬
‫لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد‬
‫= ولو جدوا ما يحملهم على أن ل ينكروا ما لم يحيطوا بعلمه ‪ ،‬فقد قال الحافظ ابن‬
‫كثير في تاريخه (‪75‬ج ‪ ) 9‬بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد ‪:‬‬
‫" ويحكي أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد كأنه خشي‬
‫أن يتخذ القبر مسجدا ً "‪.‬‬
‫وأنا ل يهمني كثيرا ً صحة هذه الرواية ‪ ،‬أو عدم صحتها ‪ ،‬لننا ل نبني عليها حكماً‬
‫شرعيا ً ‪ ،‬لكن الظن بسعيد بن المسيب وغيره من العلماء الذين أدركوا ذلك التغيير ‪،‬‬
‫أنهم أنكروا ذلك أشد النكار ‪ ،‬لمنافاته تلك الحاديث المتقدمة منافاة بينة ‪ ،‬وخاصة‬
‫منها رواية عائشة التي تقول ‪ ":‬فلول ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ً "‬
‫فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع هه مع السف الشديد ه بإدخال القبر في‬
‫المسجد ‪ ،‬إذ لفارق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد‬
‫ه وحاشاهم عن ذلك ه وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه‬
‫‪ ،‬فالمحذور حاصل على كل حال كما تقدم عن الحافظ العراقي ‪ ،‬وشيخ السلم ابن‬
‫تيمية ‪ ،‬ويؤيد هذا الظن أن سعيد بن المسيب أحد رواة الحديث الثاني كما سبق ‪ ،‬فهل‬
‫اللئق بمن يعترف بعلمه وفضله وجرأته في الحق أن يظن به أنه أنكر على من خالف‬
‫الحديث الذي هو رواته ‪ ،‬أم أن ينسب إليه عدم إنكاره ذلك ‪ ،‬كما زعم هؤلء المشار‬
‫إليهم حين قالوا " لم ينكر أحد من السلف ذلك "‍‬
‫والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعنا ً ظاهرا ً ه لو كانوا يعلمون ه في جميع السلف ‪ ،‬لن‬
‫إدخاله هالقبره هإلىه هالمسجده همنكره هظاهره هعنده هكله همنه هعلمه هبتلكه هالحاديثه هالمتقدمة‬
‫وبمعانيها ‪ ،‬ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك ‪ ،‬فهم ‪ ،‬أو على القل‬
‫بعضهم يعلم ذلك يقينا ً ‪ ،‬وإذا كان المر كذلك فل بد من القول بأنهم أنكروا ذلك ‪ ،‬ولو‬
‫لم نقف فيه على نص ‪ ،‬لن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع ‪ ،‬فكيف يقال ‪ :‬إنهم لم‬
‫ينكروا ذلك ؟‍ اللهم غفرا ‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن جهالتهم قولهم عطفا على قولهم السابق ‪:‬‬
‫وكذاه همسجده هبنيه هأمتهه هدخله هالمسلمونه هدمشقه همنه هالصحابةه هوغيرهمه هوالقبر‬
‫ضمن المسجد لمن ينكر أحد ذلك "‍ !‬
‫إن منطق هؤلء عجيب غريب ! إنهم ليتوهمون أن كل ما يشاهدونه الن في‬
‫مسجد بني أمية كان موجودا ً في عهد منشئه الول الوليد بن عبد الملك ن فهل يقول‬
‫بهذا عاقل ؟! كل ل يقول ذلك غير هؤلء ! ونحن نقطع ببطلن قولهم ‪ ،‬وأن أحدا ً من‬
‫الصحابة والتابعين لم ير قبرا ً ظاهرا ً في مسجد بني أمية أو غيره ‪ ،‬بل غاية ما جاء فيه‬
‫بعض الروايات عن زيد بن أرقم بن واقد أنهم في أثناء العمليات وجدوا مغارة فيها‬
‫صندوق فيه سفط ( وعاء كامل ) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلم ‪،‬‬
‫مكتوب عليه ‪ :‬هذا رأي يحيى عليه السلم ‪ ،‬فأمر به الوليد فرد إلى المكان وقال ‪:‬‬
‫اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا ً من العمدة ‪ ،‬فجعل عليه عمود مسبك بسفط الرأس‬
‫‪ .‬رواه أبو الحسن الربعي في فضائل الشام (‪ )33‬ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (‬
‫ج ‪2‬ق ‪ ) 10/ 9‬وإسناده ضعيف جدا ً ‪ ،‬فيه إبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو‬
‫زرعة ‪ ،‬وقال الذهبي " متروك " ‪ .‬ومع هذا فإننا نقطع أنه لم يكن في المسجد صورة‬
‫قبر حتى أواخر القرن الثاني لما أخرجه الربعي وبن عساكر عن الوليد بن مسلم أنه‬
‫سئل أين بلغك رأس يحى بن زكريا ؟ قال ‪ :‬بلغني أنه ثم ‪ ،‬وأشار بيده إلى العمود‬

‫‪40‬‬
‫الصحابةه ه‪،‬ه هلنهه همخالفه هللحاديثه هالصحيحةه هوماه هفهم‬
‫الصحابة والئمة منها كما سبق بيانه ‪ ،‬وهو مخالف أيضاً‬
‫لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخل هالقبر‬
‫فيه ‪ ،‬ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا‬
‫الله عنه ‪ ،‬ولئن كان مضطرا ًه إلى توسيع المسجد ‪ ،‬فإنه‬
‫كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الخرى دون أن‬
‫يتعرضه هللحجرةه هالشريفة ه‪ ،‬هوقده هأشاره هعمره هبن هالخطاب‬
‫إلىه ههذاه هالنوعه همنه هالخطأه هحينه هقامه ههوه هرضيه هاللهه هعنه‬
‫بتوسيعه ههالمسجده ههمنه ههالجهاته ههالخرىه ههولمه ههيتعرض‬
‫للحجرة ‪ ،‬بل قال " إنه ل سبيل إليها " فأشار رضي الله‬
‫‪1‬‬

‫عنهه هإلىه هالمحذوره هالذيه هيترقبه همنه هجراءه ههدمهاه هوضمها‬


‫إلى المسجد ‪.‬‬
‫ومعه ههذهه هالمخالفةه هالصريحةه هللحاديثه هالمتقدمة‬
‫وسنة الخلفاء الراشدين ‪ ،‬فإن المخالفين لما أدخلوا القبر‬

‫المسفط الرابع من الركن الشرقي ‪ ،‬فهذا يدل على أنه لم يكن هناك قبر في عهد‬
‫الوليد بن مسلم وقد توفي سنة أربع وتسعين ومائة ‪.‬‬
‫وأما كون ذلك الرأس هو رأس يحى عليه السلم فل يمكن أن إثباته ‪ ،‬ولذلك‬ ‫=‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اختلف المؤرخون اختلفا كثيرا ‪ ،‬وجمهورهم على أن رأس يحيى عليه السلم مدفون‬
‫في مسجد حلب ليس في مسجد دمشق ‪ ،‬كما حققه شيخنا في الجازة العلمة محمد‬
‫راغب الطباخ في بحث له نشره في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (ج ‪1‬ص ‪41‬ه‬
‫‪ )1482‬تحت عنوان " رأس يحيى ورأس زكريا" فليراجعه من شاء ‪.‬‬
‫ونحن ل يهمنا من الوجهة الشرعية ثبوت هذا أو ذاك ‪ ،‬سواء عندنا أكان الرأس‬
‫الكريم في هذا المسجد أو ذاك ‪ ،‬بل لو تقينا عدم وجوده في كل من المسجدين ‪،‬‬
‫فوجود صورة القبر فيهما كاف في المخالفة ‪ ،‬لن أحكام الشريعة المطهرة إنما تبنى‬
‫عل الظاهر ‪ ،‬ل الباطن كما هو معروف ‪ ،‬وسيأتي ما يشهد لهذا من كلم بعض العلماء‬
‫‪ ،‬وأشد ما تكون المخالفة إذا كان القبر في قبلة المسجد ‪ ،‬كما هو الحال في مسجد‬
‫حلب ‪ ،‬ول منكر لذلك من علمائها !‪.‬‬
‫واعلم أنه ل يجدي في رفع المخالفة أن القبر في المسجد ضمن مقصورة كما‬
‫زعم مؤلفوا الرسالة ‪ ،‬لنه على كل حال ظاهر ‪ ،‬ومقصود من العامة وأشباههم من‬
‫الخاصة بما ل هيقصد به إل هالله تعالى ‪ ،‬من التوجه إليه ‪ ،‬والستغاثة به من دون الله‬
‫تبارك وتعالى ‪ ،‬فظهور القبر هو سبب المحذور كما سيأتي عن النووي رحمه الله ‪.‬‬
‫وخلصة الكلم أن قول من أشرنا إليهم أن قبر يحيى عليه السلم كان ضمن‬
‫المسجد الموي منذ دخل دمشق الصحابة وغيرهم لم ينكر ذلك أحد منهم إن هو إل‬
‫محض اختلق ‪.‬‬
‫‪ 1‬انظر " طبقات ابن سعد " (‪ )4/21‬و " تاريخ دمشق " ل بن عساكر (‪ )8/478/2‬وقال‬
‫السيوطي في " الجامع الكبير " (‪ : )3/272/2‬وسنده صحيح إل أن سالما ً أبا النضر لم‬
‫يدرك عمر ‪ ،‬و" وفاء الوفاء " للسمهودي (‪ )1/343‬و " المشاهدات المعصومية عند قبر‬
‫خير البرية " للعلمة محمد سلطان العصومي رحمه الله تعالى (ص ‪ )43‬وهو مؤلف‬
‫رسالة هداية السلطان ‘إلى بلد اليابان " التي ادعى أحد الدكاترة أنها ليست له ‪ ،‬وإنما‬
‫لبعض إخواننا! مع أنني تناولتها منه هدية مطبوعة حين زرته في مكة في حجتي الولى‬
‫سنة ‪1368‬هه ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫النبويه هفيه هالمسجده هالشريفه هاحتاطواه هللمره هشيئا ًه ماه ه‪،‬‬
‫فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم ‪ ،‬قال النووي في "‬
‫شرح مسلم " (‪: )5/14‬‬
‫" ولما احتاجت الصحابةه هوالتابعون إلى الزيادة في‬
‫‪2‬‬

‫صلى الله عليه وسلم حين كثر‬ ‫مسجد رسول الله‬


‫المسلمونهه هه‪،‬هه ههوامتدتهه ههالزيادةهه ههإلىهه ههأنهه ههدخلت‬
‫بيوت هأمهاته المؤمنين هفيه ه‪ ،‬هومنها هحجرةه هعائشة هرضي‬
‫مدفن رسول الله صلى الله‬ ‫الله عنها‬
‫عليهههههه هههههوسلمههههه هههههوصاحبيهههههه هههههأبيههههه هههههبكر‬
‫وعمره هرضيه هاللهه هعنهماه هبنواه هعلىه هالقبره هحيطاناه همرتفعة‬
‫مستديرة حوله ‪ ،‬لئل ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه يظهر في المسجد ه‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬عزو هذا إلى الصحابة ل يثبت كما تقدم (ص ‪58‬ه ‪ )59‬فتنبه ‪.‬‬
‫في هذا دليل واضح على أن ظهور القبر في المسجد ولو من وراء النوافذ والحديد‬ ‫‪1‬‬

‫والبواب ل يزيل المحذور ‪ ،‬كما هو الواقع في قبر يحيى عليه السلم في مسجد بني‬
‫أمية في دمشق وحلب ‪ ،‬ولهذا نص أحمد على أن الصلة ل تجوز في المسجد الذي‬
‫قبلته إلى قبر ‪ ،‬حتى يكون بين حائط المسجد وبين المقبرة حائل آخر ‪ ،‬كما سيأتي ‪،‬‬
‫فكيف إذا كان القبر في قبلة المسجد من الداخل ودون جدار حائل ؟ ومن ذلك تعلم‬
‫أن قول بعضهم ‪:‬‬
‫" إن الصلة في المسجد الذي به قبر كمسجد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ومسجد بني أمية ل يقال إنها صلة في الجبانة ‪ ،‬فالقبر ضمن مقصورة مستقل بنفسه‬
‫عن المسجد ‪ ،‬فما المانع من الصلة فيه "‪.‬‬
‫فهذا قول لم يصدر عن علم وفقه ! لن المانع بالنسبة للمسجد الموي ل يزال‬
‫قائما ً وهو ظهور القبر من وراء المقصورة ‪ ،‬والدليل على ذلك قصد الناس للقبر‬
‫والدعاء عنده وبه والستغاثة به من دون الله ‪ ،‬وغير ذلك مما ل يرضاه الله ‪ ،‬والشارع‬
‫الحكيم إنما نهى عن بناء المساجد على القبور سدا ُ للذريعة ومنعا ً لمثل هذه المور‬
‫التي تقع عند هذا القبر كما سيأتي بيانه ‪ ،‬فما قيمة هذه المقصورة على هذا الشكل‬
‫المزخرف ‪ ،‬إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وتعظيم صاحب القبر بما يجوز شرعا ً ‪ ،‬مما هو مشاهد معروف‬
‫‪ ،‬وسبقت الشارة إلى بعضه ‪.‬‬
‫ثم أل يكفي في إثبات المانع أن الناس يستقبلون القبر عند الصلة قصداً‬
‫وبدون قصد ‪ ،‬ولعل أولئك المشار إليهم وأمثالهم يقولون ‪ :‬ل مانع أيضا ً من هذا‬
‫الستقبال لوجود فاصل بين المصلين والقبر أل وهو نوافذ القبر وشبكته النحاسية‬
‫فنقول لو كان هذا المانع كافيا ً في المنع لما أحاطوا القبر النبوي الشريف بجدار مرتفع‬
‫مستدير ولم يكتفوا بذلك بل بنو جدارين بمنعون بهما من استقبال القبر ‪ .‬ولو كان‬
‫وراء الجدار المستدير ! وقد صح عن ابن جريج أنه قال ‪ :‬قلت لعطاء ‪ :‬أتكره أن تصلي‬
‫في وسط القبور ؟ أو في مسجد إلى قبر ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬كان ينهى عن ذلك أخرجه‬
‫عبد الرزاق في " مصنفه " (‪ . )1/404‬فإذا كان هذا التابعي الجليل ( عطاء بن أبي‬
‫رباح ) لم يعتبر جدار المسجد فاصل ً بين المصلى وبين القبر وهو خارج المسجد ‪ ،‬فهل‬
‫يعتبر فاصل النوافذ والشبكة والقبر في المسجد ؟!‬
‫فهل في هذا ما يقنع أولئك الكاتبين بجهلهم وخطئهم ‪ ،‬وهجومهم على القول‬
‫بما ل علم لهم به ؟ لعل وعسى !‬
‫ً‬
‫وأما المسجد النبوي الكريم ‪ ،‬فل كراهة في الصلة فيه خلفا لما فتروه علينا ‪،‬‬
‫وسيأتي تفصيل القول فيه في " الفصل السابع " إن شاء الله تعالى ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫فيصلي إليه العوام ‪ ،‬ويؤدي إلى المحذور ‪ ،‬ثم بنوا جدارين‬
‫من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا ‪ ،‬حتى‬
‫يتمكن أحد من استقبال القبر "‪.‬‬
‫ونقله هالحافظه هابنه هرجبه هفيه ه"ه هالفتحه ه"ه هنحوهه هعن‬
‫القرطبي كما في " الكوكب " (‪ ، ) 65/91/1‬وذكر ابن تيمية‬
‫في " الجواب الباهر " (ق ‪:)9/2‬‬
‫سده هبابهاه ه‪،‬‬
‫"ه هأنه هالحجرةه هلماه هأدخلته هإلىه هالمسجده ه ُ‬
‫وبني عليها حائط آخر ‪ ،‬صيانة له صلى الله عليه وسلم أن‬
‫يتخذ بيته عيدا ً ‪ ،‬وقبره وثنا ً "‪.‬‬
‫قلته ه‪:‬ه هومماه هيؤسفه هلهه هأنه ههذاه هالبناءه هقده هبني‬
‫عليه منذ قرون ه إن لم يكن قد أزيل ه تلك القبة الخضراء‬
‫العالية ه هه‪ ،‬ه ههوأحيط ه ههالقبر ه ههالشريف ه ههبالنوافذ ه ههالنحاسية‬
‫والزخارفه هوالسجفه ه‪،‬ه هوغيره هذلكه همماه هل هيرضاهه هصاحب‬
‫القبره هنفسهه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلمه ه‪،‬ه هبله هقده هرأيته هحين‬
‫زرته هالمسجده هالنبويه هالكريمه هوتشرفته هبالسلمه هعلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم هسنةه ‪1368‬هه هرأيت هفي‬
‫أسفل حائط القبر الشمالي محرابا ًه صغيرا ًه ووراءه سدة‬
‫مرتفعةه هعنه هأرضه هالمسجده هقليل ًه ‪،‬ه هإشارةه هإلىه هأنه ههذا‬
‫المكان خاص للصلة وراء القبر! فعجبت حينئذ كيف ضلت‬
‫هذه الظاهرة الوثنية قائمة في عهد دولة التوحيد! أقول‬
‫هذاه همعه هالعترافه هبأننيه هلمه هأره هأحدا ًه يأتيه هذلكه هالمكان‬
‫للصلة فيه ‪ ،‬لشدة المراقبة من قبل الحرس الموكلين‬
‫علىه همنعه هالناسه همنه هيأتواه هبماه هيخالفه هالشرعه هعنده هالقبر‬
‫الشريف ‪ ،‬فهذا مما تشكر عليه الدولة السعودية ‪ ،‬ولكن‬
‫هذا ل يكفي ول يشفي ‪ ،‬وقد كنت قلت منذ ثلث سنوات‬
‫في كتابي " أحكام الجنائز وبدعها " (‪208‬من أصلي )‪:‬‬
‫" فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده‬
‫السابق ‪ ،‬وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوي بحائط ‪،‬‬
‫على أني ل أريد أن يفوتني أن أنبه القراء الكرام على أن أولئك الكاتبين‬
‫يعترفون بكلمتهم السابقة في أن الصلة في المسجد الذي فيه قبر غير محاط‬
‫بمقصورة أنها صلة مكروهة لنتفاء العلة التي من أجلها نفوا الكراهة عن الصلة في‬
‫مسجد بني أمية بزعمهم ‪ ،‬فهل لهم أن يجهروا للناس باعترافهم هذا ؟ أم هو شئ‬
‫اضطرهم إلى القول به التهرب من معارضة الحاديث السابقة علنا ً وإن كانوا ل يدعون‬
‫الناس إلى العمل به لغاية ل تخفى على العقلء ؟!‬

‫‪43‬‬
‫يمتده همنه هالشماله هإلىه هالجنوبه هبحيثه هأنه هالداخله هإلى‬
‫المسجد ل هيرى فيه أي محالفة ل هترضى مؤسسه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬اعتقد أن هذا من الواجب على الدولة‬
‫السعودية إذا كانت تريد أن تكون حامية التوحيد حقا ً ‪ ،‬وقد‬
‫سمعنا أنها أمرت بتوسيع المسجد مجددا ًه ‪ ،‬فلعلها تتبنى‬
‫اقتراحنا هذا ‪ ،‬وتجعل الزيادة من الجهة الغربية وغيرها ‪،‬‬
‫وتسد بذلك النقص الذي سيصيبه سعة المسجد إذا نفذ‬
‫القتراح ‪ ،‬أرجو أن يحقق الله ذلك على يدها ‪ ،‬ومن أولى‬
‫بذلك منها ؟)‬
‫ولكنه هالمسجده هوسعه همنذه هسنتينه هتقريبا ً ه دون‬
‫إرجاعهه هإلىه هماه هكانه هعليهه هفيه هعهده هالصحابةه ه‪،‬ه هوالله‬
‫المستعان ‪.‬‬

‫الجواب عن الشبهة الثالثة‬


‫وأما الشبهة الثالثة ‪ ،‬وهي أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم صلى في مسجد الخيف وقد ورد في الحديث‬
‫أن فيه قبر سبعين نبيا ّ !‬
‫فالجوابه ه‪:‬ه هأنناه هل هنشكه هفيه هصلتهه هصلىه هالله‬
‫عليه وسلم في هذا المسجد ‪ ،‬ولكننا نقول ‪ :‬إن ما ذكر‬
‫في الشبهة من أنه دفن فيه سبعون نبيا ًه ل حجة فيه من‬
‫وجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أننا ل نسلم صحة الحديث المشار إليه ‪،‬‬
‫لنه لم يروه أحد ممن عني بتدوين الحديث الصحيح ‪ ،‬ول‬
‫صححه أحد ممن يوثق بتصحيحه من الئمة المتقدمين ول‬
‫النقد الحديثي يساعد على تصحيحه فإن في إسناده من‬
‫يروي الغرائب وذلك مما يجعل القلب ل يطمئن لصحة ما‬
‫تفرد به ‪ ،‬قال الطبراني في " معجمه الكبير " (‪: )3/204/2‬‬
‫حدثنا عبدان بن أحمد نا عيسى بن شاذان ‪ ،‬نا أبو همام‬
‫الدلل ‪ ،‬نا إبراهيم بن طمهان ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪،‬‬
‫عنه هابنه هعمره همرفوعا ًه بلفظه ه‪":‬ه هفيه همسجده هالخيفه هقبر‬
‫سبعين نبيا ً "‪.‬‬
‫وأورده الهيثمي " المجمع " (‪ )3/298‬بلفظ ‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫" ‪ . . .‬قُب َِر سبعون نبيا ًه " وقال ‪ ":‬رواه البزار‬
‫ورجاله ثقات "‪.‬‬
‫وهذا قصور منه في التخريج ‪ ،‬فقد أخرجه الطبراني أيضاً‬
‫كما رأيت ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ورجال الطبراني ثقاته أيضا غير عبدانه بن‬
‫أحمده هوهوه هالهوازيه هكماه هذكره هالطبرانيه هفيه ه"ه هالمعجم‬
‫الصغير " (ص ‪ )136‬ولم أجد له ترجمة ‪ ،‬وهو غير عبدان بن‬
‫محمده هالمروزيه هوهوه همنه هشيوخه هالطبرانيه هأيضا ًه فيه ه"‬
‫الصغير " (ص ‪ )136‬وغيره ‪ ،‬وهو ثقة حافظ له ترجمة في "‬
‫تاريخ بغداد " (‪ )11/135‬و " تذكرة الحفاظ " (‪ )2/230‬وغيرها ‪.‬‬
‫لكن في رجال هذا السناد من يروي الغرائب مثل‬
‫عيسى بن شاذان ‪ ،‬قال فيه ابن حبان في " الثقات " ‪":‬‬
‫يغرب " ‪.‬‬
‫وإبراهيم بن طمهان ‪ ،‬قال فيه ابن عمار الموصلي ‪:‬‬
‫ضعيف الحديث مضطرب الحديث "‪.‬‬
‫وهذاه هعلىه هإطلقهه هوإنه هكانه همردودا ًه علىه هابن‬
‫عمار ‪ ،‬فهو يدل على أن في حديث‬
‫ابن طهمان شيئا ً ‪ ،‬ويؤيده قول ابن حبان في " ثقات‬
‫أتباع التابعين " ( ‪:)2/1‬‬
‫" أمره مشتبه ‪ ،‬له مدخل في الثقات ‪ ،‬ومدخل‬
‫في الضعفاء ‪ ،‬وق دروى أحاديث‬
‫مستقيمة تشبه أحاديث الثبات ‪ ،‬وقد تفر عن الثقات‬
‫بأشياء معضلن ‪ ،‬سنذكره إن شاء‬
‫اللهه هفيه هكتابه هالفصله هبينه هالنقلةه هإنه هقضىه هالله‬
‫سبحانه ذلك ‪ ،‬وكذلك كل شئ توقفنا في أمره‬
‫ممن له مدخل في الثقات "‪.‬‬
‫ولذلك قال فيه الحافظ ابن حجر في " التقريب" ‪":‬‬
‫ثقة يغرب " وشيخ منصور ه‬
‫وهو ابن المعتمر ه ثقة ‪ ،‬وقد روى له ابن طهمان‬
‫حديثا ً آخر في مشيخته (‪ ، )2 /244‬فالحديث من غرائبه ‪ ،‬أو‬
‫‪1‬‬

‫من غرائب ابن شاذان ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪ 1‬مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق ‪.‬‬


‫ثم رأيته قد توبع ‪ ،‬فقد وقفت على إسناد البزار للحديث في " زوائده " (ص ‪123‬ه‬ ‫‪2‬‬

‫مصورة المكتب السلمي ه) فإذا هو يقول ‪ :‬حدثنا إبراهيم عن المستمر العروقي ثنا‬

‫‪45‬‬
‫وأناه هأخشىه هأنه هيكونه هالحديثه هتحرفه هعلى‬
‫أحدهما فقال ‪ ":‬قُبِر " بدل " صلى " لن‬
‫هذاه هاللفظه هالثانيه ههوه هالمشهوره هفيه هالحديثه ه‪،‬ه هفقد‬
‫أخرجه هالطبرانيه هفيه ه"ه هالكبيره ه(‪)3/1551‬ه هبإسناده هرجالهه هثقات‬
‫عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا ً ‪:‬‬
‫" صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا ًه ‪) . . .‬‬
‫الحديث ‪ ،‬وكذلك رواه الطبراني في‬
‫" الوسط " (‪1/119/2‬هزوائده)ه هوعنه المقدسي في "‬
‫‪1‬‬

‫المختارة" (‪ )249/2‬والمخلص في "‬


‫الثالثه همنه هالسادسه همنه هالمخلصياته ه"ه ه(‪)70/1‬ه هوأبو‬
‫محمده هبنه هشيبانه هالعدله هفيه ه"ه هالفوائد"ه ه(‪)2/222/2‬ه هوقال‬
‫المنذري ( ‪: )2/116‬‬
‫" رواه الطبراني في الوسط ‪ ،‬وإسناده حسن‬
‫"‪.‬‬
‫ول شك في حسن الحديث عندي ‪ ،‬فقد وجدت‬
‫له طريقا ً اخرى عن ابن عباس ‪،‬‬
‫رواه الزرقي في " أخبار مكة " (ص ‪ )35‬عنه موقوفاً‬
‫عليه ‪ ،‬وإسناده يصلح للستشهاد به‬
‫محمد ثنا إبراهيم بن طهمان به ‪ ،‬وقال البزار " تفرد به إبراهيم عن منصور ‪ ،‬ول نعلمه‬
‫عن ابن عمر باحسن من هذا إسنادا ً "‪ .‬وهذه متابعة ل بأس بها ‪ ،‬العروقي بالقاف ه‬
‫صدوق يغرب كما في التقريب "‪ .‬فالعهدة في الحديث على ابن طهمان ‪ ،‬وجرى‬
‫الهيثمي على ظاهر إسناده ‪ ،‬فقال في " زوائد البزار " ‪ ":‬قلت ‪ :‬هو إسناد صحيح "‪.‬‬
‫ولعل قوله السابق " ورجاله ثقات " أدق لما ذكرنا من الغرابة ‪ ،‬ذلك لن مثل هذه‬
‫الكلمة ل تقتضي الصحة ‪ ،‬كما ل يخفى على من مارس هذه الصناعة ‪ ،‬لن عدالة الر‬
‫واة وثقتهم شرط واحد من شروط الصحة الكثيرة ‪ ،‬بل إن العالم ل يلجأ إلى هذه‬
‫الكلمة معرضا ً عن التصريح بالصحة ‪ ،‬إل لنه يعلم أن في السند مع ثقة رجاله علةى‬
‫تمنع من القول بصحته ‪ ،‬أو على القل لم يعلم تحقق الشروط الخرى فيه ‪ ،‬فلذلك لم‬
‫يصرح بصحته ‪ ،‬وهذه مسألة مهمة طالما غفل عنها المبتدئون في هذا العلم الشريف‬
‫وغيرهم ‪ ،‬ولذلك نبهت عليها في مقدمة " تمام المنة على فقه السنة للسيد سابق "‬
‫هذا ولو كنت متحتجا ً بما ليس صوابا ً عندي ل حتججت على تصحيح بعض‬
‫المعاصرين المقلدين للحديث بأن السيوطي ضعفه بالرمز إليه بالضعف في " الجامع‬
‫الصغير " وقع ذلك في النسخة المطبوعة بمطبعة بولق بمصر ‪ ،‬وفي النسخة التي‬
‫عليها شرح المناوي وفي نسخة خطية في المكتبة الظاهرية (‪2329‬ه عام) وغيرها ‪،‬‬
‫ولكن ل أثق برموز ( الجامع الصغير ) لسباب ذكرتها في المقدمة المذكورة آنفا ً ‪ ،‬ثم‬
‫في مقدمته كتابي " صحيح الجامع الغير وزياداته " و " وضعيف الجامع الصغير وزياداته‬
‫" ( وقد تم طبعهما في المكتب السلمي ولكن على الرغم من ذلك ‪ ،‬فالتضعيف وارد‬
‫عليهم ‪ ،‬لنهم ل تحقيق عندهم ‪ ،‬بل هم مقلدون في كل شئ باعترافهم ‪ ،‬فغالب الظن‬
‫أنهم يعتدون بتلك الرموز وعليه فالتضعيف المذكور حجة عليهم إن أنصفوا "‪.‬‬
‫‪ 1‬مخطوط ناقص الول والخر محفوظ في المكتبة الظاهرية ‪ ،‬ومنه نسخة كاملة في‬
‫مكتبة الحرم المكي ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ ،‬كما بينته في كتابي الكبير " حجة الوداع " ( ولم‬
‫ينجز بعد )‪.‬‬
‫ثم رواه الزرقي (ص ‪ ) 38‬من طريق محمد بن‬
‫إسحاق قال ‪ :‬حدثني من ل أتهم عن‬
‫عبدالله بن عباس به موقوفا ً ‪ .‬فهذا هو المعروف في‬
‫هذا الحديث ‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫وجملةه هالقوله هأنه هالحديثه هضعيفه هل ههيطمئن‬
‫القلب لصحته ‪ ،‬فإن صح فالجواب عنه‬
‫من الوجه التي وهو ‪:‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن الحديث ليس فيه أن القبور ظاهرة‬
‫في مسجد الخيف ‪ ،‬وقد عقد‬
‫الزرقيه هفيه هتاريخه همكةه ه(ه ‪406‬هه ‪)410‬ه هعدةه هفصوله هفي‬
‫وصف مسجد الخيف ‪ ،‬فلم يذكر أن‬
‫فيه قبورا ً بارزة ‪ ،‬ومن المعلوم أن الشريعة إنما تبنى‬
‫أحكامها على الظاهر ‪ ،‬فإذا ليس في‬
‫المسجده هالمذكوره هقبوره هظاهرةه ه‪،‬ه هفل ههمحظوره هفي‬
‫الصلة فيه البتة ‪ ،‬لن القبور مندرسة ول‬
‫يعرفها أحد ‪ ،‬بل لول ههذا الخبر الذي عرفت ضعفه‬
‫لم يخطر في بال أحد أن في أرضه‬
‫سبعين قبرا ً! ولذلك ل هيقع فيه تلك المفسدة التي‬
‫تقع عادة في المساجد المبنية على القبور‬
‫الظاهرة والمشرفة! ‪.‬‬
‫الجواب عن الشبهة الرابعة‬
‫وأما ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل‬
‫عليه السلم وغيره في الحجر من المسجد‬
‫الحرام وهو أفضل مسجد يتحرى فيه ‪ ،‬فالجواب ‪:‬‬
‫ل ههشكه هأنه هالمسجده هالحرامه هأفضله هالمساجد‬
‫والصلة فيه بمائة ألف صلة ‪ ،‬ولكن هذه الفضيلة أصلية‬
‫‪1‬‬

‫فيهه همنذه هرفعه هقواعدهه هإبراهيمه همعه هابنهه هاسماعيله هعليهما‬


‫السلمه ه‪،‬ه هولمه هتطرأه ههذهه هالفضيلةه هعليهه هبدفنه هإسماعيل‬
‫عليه السلم فيه لو صح أنه دفن فيه ن ومن زعم خلف‬

‫وقد خرجت بعض الحاديث الواردة فيذلك في " إرواء الغليل " (‪971‬و ‪. )1129‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪47‬‬
‫ذلك ‪ ،‬فقد ضل ضلل ًه بعيدا ًه ‪ ،‬وجاء بما لم يقله أحد من‬
‫السلف الصالح رضي الله عنهم ‪ ،‬ول جاء به حديث تقوم‬
‫الحجة به ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬ل شك فيما ذكرت ‪ ،‬ودفن إسماعيل‬
‫فيه ل هيخالف ذلك ‪ ،‬ولكن أل هيدل هذا على القل على‬
‫عدم كراهية الصلة في المسجد الذي فيه قبر ؟‬
‫فالجواب ‪ :‬كل ثم كل ‪ ،‬وهاك البيان من وجوه ‪:‬‬
‫الوله ه‪:‬ه هأنهه هلمه هيثبته هفيه هحديثه همرفوعه هأن‬
‫اسماعيل عليه السلم أو غيره من النبياء الكرام دفنوا‬
‫في المسجد الحرام ‪ ،‬ولم يرد شئ من ذلك في كتاب من‬
‫كتبه هالسنةه ه هالمعتمدةه هكالكتبه هالسنةه ه‪،‬ه هومسنده هأحمده ه‪،‬‬
‫ومعاجم الطبراني الثلثة وغيرها ضعيفا ً‬
‫بل موضوعا ً عند بعض المحققين ‪ ،‬وغاية ما وري في‬
‫‪1‬‬

‫ذلكه همنه هآثاره ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه همعضلته ه‪،‬ه هبأسانيده هواهيات‬


‫موقوفاتههههههه ههههههه‪،‬ههههههه هههههههأخرجهاههههههه هههههههالزرقي‬
‫في " أخبار مكة " (ص ‪39‬و ‪219‬و ‪ ، ) 220‬فل هيلتفت إليها وإن‬
‫ساقها بعض المبتدعة مساق المسلمات ه‪ .‬ونحو ذلك ما‬
‫‪2‬‬

‫نقل السيوطي في " التدريب " عن ابن الجوزي " قال ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫" ما أحسن قول القائل ‪ :‬إذا رأيت الحديث يباين العقول ‪ ،‬أو يخالف المنقول ‪،‬‬
‫أو يناقض الصول ‪ ،‬فاعلم أنه موضوع ‪ .‬قال ‪ :‬ومعنى مناقضته للصول أن‬
‫يكون خارجا ً من دواوين السلم من المسانيد والكتب المشهورة "‪.‬‬
‫كذا في الباعث الحثيث " ( ص ‪85‬من الطبعة الثانية )‪.‬‬

‫‪ "2‬انظر إحياء المقبور " (‪47‬ه ‪. )48‬‬


‫ومن عجائب الجهل بالسنة أن بعض المفسرين المتأخرين احتج بهذه الثارالواهية على‬
‫جواز الصلة في المقبرة بقصد الستظهار بروح الميت أو وصول أثر ما من أثر عبادته(‬
‫‪ )1‬ل للتعظيم له والتوجه نحوه ! وهذا مع أنه ل دليل فيها على ما زعمه من الجواز ‪،‬‬
‫فهو مخالف لعموم الدلة الناهية عن الصلة في المقبرة وما شابهها من المساجد‬
‫المبنية على القبور ‪ ،‬ولهذا رد المناوي احتجاج المفسر المشار إليه بقوله ‪:‬‬
‫" لكن خبر الشيخين كراهة (!) بناء المساجد على القبور مطلقا ً ‪ ،‬والمراد قبور‬
‫المسلمين خشية أن يعبد فيها المقبور لقرينة خبر ‪ :‬اللهم ل تجعل قبري وثنا ً يعبد "‪.‬‬
‫وقال الصنعاني في " سبل السلم " (‪ )2/214‬معتقبا ً عليه أيضا ً ‪:‬‬
‫" قوله ‪ ( :‬ل لتعظيم له ) يقال ‪ :‬قصد التبرك به تعظيم له ‪ ،‬ثم أحاديث النهي‬
‫مطلقة ‪ ،‬و ل دليل على التعليل بما ذكر ‪ ،‬والظاهر أن العلة سد للذريعة ‪ ،‬والبعد عن‬
‫التشبه بعبدة الوثان ‪ ،‬الذين يعظمون الجمادات ‪ ،‬التي ل تنفع ول تضر ‪ ،‬ولما في إنفاق‬
‫المال في ذلك من العبث والتبذير ‪ ،‬الخالي عن النفع بالكلية ‪ ،‬ولنه سبب ليقاد السرج‬
‫عليها الملعون فاعله ‪ ،‬ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب ل تحصر "‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقولهن " الملعون فاعله " يشير إلى حديث ابن عباس الذي بينت‬
‫ضعفه فيما سبق ( ص ‪ ، )43‬فتنبه ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫أورده هالسيوطيه هفيه ه"ه هالجامعه ه"ه همنه هروايةه هالحاكم‬
‫في " الكنى " عن عائشة مرفوعا ً بلفظ ‪:‬‬
‫" إن قبر إسماعيل في الحجر"‪.‬‬
‫ههالوجهه هالثانيه ه‪:‬ه هأنه هالقبوره هالمزعومه هوجودهاه هفي‬
‫المسجد الحرام غير ظاهرة و ل هبارزة ‪ ،‬ولذلك ل هتقصد‬
‫من دون الله تعالى ‪ ،‬فل ضرر من وجودها في بطن أرض‬
‫المسجد ‪ ،‬فل يصح حينئذ الستدلل بهذه الثار على جواز‬
‫اتخاذ المساجد على قبور مرتفعة على وجه الرض لظهور‬
‫الفرقه هبينه هالصورتينه ه‪،‬ه هوبهذاه هأجابه هالشيخه هعلىه هالقاري‬
‫رحمه الله الله تعالى ‪ ،‬فقال في " مرقاة المفاتيح " (‪)1/456‬‬
‫بعد أن حكى قول المفسر الذي أشرت إليه في التعليق ‪:‬‬
‫" وذكر غيره أن صورة قبر إسماعيل عليه السلم‬
‫في الحجر تحت الميزاب ‪ ،‬وأن في الحطيم بين الحجر‬
‫السود وزمزم قبر سبعين نبيا ً "‪.‬‬
‫قال القاري ‪:‬‬
‫"ه هوفيهه هأنه هصورةه هقبره هإسماعيله هعليهه هالسلم‬
‫وغيره مندرسة فل يصلح الستدلل "‪.‬‬
‫وهذا جواب عالم نحرير ‪ ،‬وفقيه خريت ‪ ،‬وفيه‬
‫الشارةه هإلىه هماه هذكرناهه هآنفا ًه ‪،‬ه هوهوه هأنه هالعبرةه هفيه ههذه‬
‫المسألة بالقبور الظاهرة ‪ ،‬وأن ما في بطن الرض من‬
‫القبور ‪ ،‬فل يرتبط به حكم شرعي من حيث الظاهر ‪ ،‬بل‬
‫الشريعة تنزه عن مثل هذا الحكم ‪ ،‬لننا نعلم بالضرورة‬
‫والمشاهدة أن الرض كلها مقبرة الحياء ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫‪ }:‬ألم نجعل الرض كفاتا * أحياء وأمواتا { ‪ .‬قال الشعبي‬
‫‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫" بطنها لمواتكم ‪ ،‬وظهرها لحيائكم "‬
‫ومنه قول الشاعر ‪:‬‬
‫الرحب‬ ‫تمل‬ ‫هذي قبورنا‬ ‫صاح‬
‫من عهد عاد؟‬ ‫القبور‬ ‫فأين‬
‫أظن اديم‬ ‫الوطأ ما‬ ‫خفف‬
‫إل من هذه الجساد‬ ‫الرض‬
‫رويدا ً‬ ‫سر إن استطعت في الهواء‬
‫رواه الدولبي (‪ )1/129‬عنه ورجاله ثقات ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪49‬‬
‫على رفات العباد‬ ‫اختيال‬ ‫ل‬
‫ومن البين الواضح أن القبر إذا لم يكن ظاهرا ً غير‬
‫معروفا ًه مكانه ‪ ،‬فل هيترتب من وراء ذلك مفسدة كما هو‬
‫مشاهده ه‪،‬ه هحيثه هترىه هالوثنياته هوالشركياته هإنماه هتقعه هعند‬
‫القبور المشرفة ‪ ،‬حتى ولو كانت مزورة ! ل هعند القبور‬
‫المندرسة ‪ ،‬ولو كانت حقيقة ‪ ،‬فالحكمة تقتضي التفريق‬
‫بين النوعين ‪ ،‬وهذا ما جاءت به الشريعة كما بينا سابقا ً ‪،‬‬
‫فل يجوز التسوية بينهما ‪ ،‬والله المستعان ‪.‬‬

‫الجواب عن الشبهة الخامسة ‪:‬‬


‫أما بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجدا ًه على قبر‬
‫أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلمه ه‪،‬ه هفشبهة هل هتساويه هحكايتها!ه هولول هأن هبعض هذوي‬
‫الهواءه همنه هالمعاصرينه هاتكأه هعليهاه هفيه هرده هتلكه هالحاديث‬
‫المحكمةه هلماه هسمحته هلنفسيه هأنه هأسوده هالصفحاته هفي‬
‫سبيل الجواب عنها وبينا بطلنها! والكلم عليها من وجهين‬
‫‪:‬‬
‫الول ‪ :‬رد ثبوت البناء المزعوم من أصله ‪ ،‬لنه ليس‬
‫له إسناد تقوم الحجة به ‪ ،‬ولم يروه أصحاب " الصحاح " و‬
‫"ه هالسننه ه"ه هوه ه"ه هالمسانيده ه"ه هوغيرهمه ه‪،‬ه هوإنماه هأوردهه هابن‬
‫عبدالبر في ترجمة أبي بصير من " الستيعاب " (‪4/21‬ه ‪)23‬‬
‫مرسل ً ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫" وله قصة في المغازي عجيبة ‪ ،‬ذكرها ابن إسحاق‬
‫وغيره وقد رواها معمر عن ابن شهاب ‪ .‬ذكر عبدالرزاق‬
‫عن معمر عن ابن شهاب في قصة عام الحديبية ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فجاءه‬
‫أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم ‪ ،‬فأرسلت قريش‬
‫في طلبه رجلين ‪ ،‬فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪:‬‬
‫العهد الذي جعلت لنا أن ترد إلينا كل من جاءك مسلما ً ‪.‬‬
‫فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين ‪ ،‬فخرجا‬
‫حتى بلغا ذا الحليفة ‪ ،‬فنزلوا يأكلون من تمر لهم ‪ ،‬فقال‬
‫أبو بصير لحد الرجلين ‪ :‬والله إني لرى سيفك هذا جيد‬

‫‪50‬‬
‫يا فلن! فاستله الخر ‪ ،‬وقال ‪ :‬أجل والله إنه لجيد ‪ ،‬لقد‬
‫جربت به ثم جربت ‪ ،‬فقال له أبو بصير أرني أنظر إليه ‪،‬‬
‫فأمكنه منه ‪ ،‬فضربه حتى برد وفر الخر حتى أتى المدينة‬
‫‪ ،‬فدخل المسجد بعده ‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه‬
‫وسلمه هحينه هرآهه ه‪:‬ه هلقده هرأىه ههذاه هذعرا ًه ‪،‬ه هفلماه هانتهىه هإلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬قتل والله صاحبي ‪،‬‬
‫وإني لمقتول ‪ .‬فجاء أبو بصير ‪ ،‬فقال يا رسول الله قد‬
‫واللهه هوفىه هاللهه هذمتكه ه‪:‬ه هقده هرددتنيه هإليهمه هفأنجانيه هالله‬
‫منهمه ه‪،‬ه هفقاله هالنبيه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلمه ه"ه هويله هامه‬
‫مسعر جرب ‪ ،‬لو كان معه أحد " فلما سمع ذلك علم أنه‬
‫سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر ‪ ،‬قال ‪ :‬وانفلت‬
‫منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير ‪. . .‬‬
‫وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتم ألفاظاً‬
‫وأكمل سياقا قال ‪ . . . :‬وكتب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير ليقدما عليه ومن معهما‬
‫من المسلمين ‪ ،‬فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم على أبي جندل ‪ ،‬وأبو بصير يموت ‪ ،‬فمات وكتاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقرؤه ‪ ،‬فدفنه أبو‬
‫جندل مكانه ‪ ،‬وصلى عليه ‪ ،‬وبنى على قبر مسجدا ً "‪.‬‬
‫قلته ه‪:‬ه هفأنته هترىه هأنه ههذهه هالقصةه همدارهاه هعلى‬
‫الزهري فهي مرسلة على اعتبار انه تابعي صغير ‪ ،‬سمع‬
‫من أنس بن مالك رضي الله عنه ‪ ،‬وإل هفهي معضلة ‪،‬‬
‫وكيف ما كان المر فل هتقوم بها حجة ‪ ،‬على أن موضع‬
‫الشاهد همنها وهو هقوله ‪ ":‬وبنى على قبره همسجدا ًه " هل‬
‫يظهره همنه هسياقه هابنه هعبده هالبره هللقصةه هأنهه همنه همرسل‬
‫الزهري ‪ ،‬ول من رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ‪ ،‬بل هو‬
‫من رواية موسى بن عقبة ‪ ،‬كما صرح به ابن عبد البر ‪،‬‬
‫لم يجاوزه ‪ ،‬وابن عقبة لم يسمع أحدا ً من الصحابة ‪ ،‬فهذه‬
‫الزيادة أعني قوله " وبنى على قبره مسجدا ً " معضلة ‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ 1‬ول تغتر أيها القارئ بما فعله هنا مؤلف " إحياء المقبور " فإنه ساق (ص ‪ )44‬القصة‬
‫التي أوردناها في العلى من طريق ابن عبد البر ‪ ،‬غير أن المؤلف حذف من كلمه "‬
‫وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر " ووصل رواية عبد الرزاق عن الزهري برواية موسى‬
‫بن عقبة حتى صارتا كأنهما رواية واحدة وبدا للناظر في سياقه أن القصة بناء المسجد‬
‫على القبر هي من رواية عبد الرزاق عن الزهري ‪ ،‬وإنما هي من رواية موسى بن‬
‫عقبة بدون إسناد!‬

‫‪51‬‬
‫بل هي عندي منكرة ‪ ،‬لن القصة رواها البخاري في "‬
‫صحيحةه ه"ه ه(‪5/351‬ه ‪)371‬ه هوأحمده هفيه ه"ه همسندهه ه"ه ه(ه ‪4/328‬ه ‪)331‬‬
‫موصولة من طريق عبد الرزاق عن معمر قال ‪ :‬أخبرني‬
‫عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بها دون‬
‫هذه الزيادة ‪ ،‬وكذلك أوردها ابن إسحاق في " السيرة "‬
‫عنه هالزهريه همرسل ًه كماه هفيه ه"ه همختصره هالسيرةه ه"ه هلبن‬
‫هشام (‪3/331‬ه ‪ ، ) 339‬ووصله أحمد (‪4/323‬ه ‪ ) 326‬من طريق ابن‬
‫إسحاق عن الزهري عن عروة به مثل رواية معمر وأتم‬
‫وليسه هفيهاه ههذهه هالزيادةه ه‪،‬ه هوكذلكه هرواهه هابنه هجريره هفي‬
‫تاريخه (‪3/271‬ه ‪ ) 285‬من طريق معمر وابن إسحاق وغيرهما‬
‫عن الزهري به دون هذه الزيادة ‪ ،‬فدل ذلك كله على أنها‬
‫زيادة منكرة ؛ لعضالها ‪ ،‬عدم رواية الثقات لها ‪ .‬والله‬
‫الموفق ‪.‬‬
‫الوجهه هالثانيه ه‪:‬ه هأنه هذلكه هلوه هصحه هلمه هيجزه هأنه هترده هبه‬
‫الحاديث الصريحة ‪ ،‬في تحريم بناء المساجد على القبور‬
‫لمرين ‪:‬‬
‫أول ً‪ :‬أنه ليس في القصة أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم اطلع على ذلك وأقره ‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬أنهه هلوه هفرضناه هأنه هالنبيه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلم‬
‫علمه هبذلكه هوأقرهه ه‪،‬ه هفيجبه هأنه هيحمله هذلكه هعلىه هأنهه هقبل‬
‫التحريم ‪ ،‬لن الحاديث صريحة في أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم حرم ذلك في آخر حياته كما سبق ‪ ،‬فل يجوز‬
‫أنه هيتركه هالنصه هالمتأخره همنه هأجله هالنصه هالمتقدمه ههه هعلى‬
‫فرض صحته ه عند التعارض وهذا بين ل هيخفى ‪ ،‬نسأل‬
‫اتباع الهوى !‪.‬‬ ‫الله تعالى أن يحمينا من‬
‫الجواب عن الشبهة السادسة‬
‫وهي الزعم بأن المنع إنما كان لعلة ‪ ،‬وهي خشية‬
‫الفتتان بالمقبور ‪ ،‬وقد زالت ‪ ،‬فزال المنع ‍!!‬

‫ثم وقفت على رواية موسى بن عقبة في " تاريخ ابن عساكر " (‪ )334/1 /8‬رواه‬
‫بإسنادين عن عنه عن ابن شهاب مرسل ً ومعضل ً بلفظ ‪ " :‬وجعل عند قبره مسجدا ً "‬
‫وهذا اللفظ ه لو صح ه أٌقل مخالفة ‪ ،‬لنه ليس نصا ً في أن البناء كان على القبر ‪ ،‬بل‬
‫عنده وشتان ما بينهما ‪ ،‬وليس فيه أيضا ً أن أبا جندل هو الذي بنى المسجد فتأمل ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫ل ههأعلمه هأحدا ً ه منه هالعلماءه هذهبه هإلىه هالقوله هبهذه‬
‫الشبهةه ه‪،‬ه هإل همؤلفه ه"ه هإحياءه هالمقبوره ه"ه هفإنهه هتمسكه هبها‬
‫وجعلها عمدته في رد تلك الحاديث المتقدمة واتفاق المة‬
‫عليها ‪ ،‬فقال ما نصه ( ص ‪81‬ه ‪: )19‬‬
‫" وأما النهي عن بناء المساجد على القبور ‪ ،‬فاتفقوا‬
‫علىه هتعليلهه هبعلتينه ه‪:‬ه هإحداهماه هأنه هيؤديه هإلىه هتنجيس‬
‫المسجد ‪ . . .‬وثانيهما وهو قول الكثرين بل الجميع حتى‬ ‫‪1‬‬

‫من نص على العلة السابقة أن ذلك قد يؤدي إلى الضلل‬


‫والفتنة هبالقبره ‪ ،‬هلنه هإذا هوقع هبالمسجده ‪،‬ه وكان هقبر هولي‬
‫مشهور بالخير والصلح ‪ ،‬ل يؤمن مع طول المدة أن يزيد‬
‫اعتقاد هالجهلة هفيه ‪ ،‬هويؤدي هبهم هإلى فرط هالتعظيم هإلى‬
‫قصد الصلة إليه ‪ ،‬إذا كان في قبلة المسجد ‪ ،‬فيؤدي بهم‬
‫ذلك إلى الكفر والشراك "‪.‬‬
‫ثمه هساقه هشيئا ًه منه هالنقوله هفيه هالعلةه هالمذكورةه هعن‬
‫بعض العلماء منهم المام الشافعي ‪ ،‬وقد تقدم نصه في‬
‫ذلك ( ص ‪43‬ه ‪ ، ) 44‬ثم قال المؤلف المشار إليه (ص ‪20‬ه ‪)21‬‬
‫‪:‬‬
‫"ه هوه هالعلةه هالمذكورةه هقده هانتفته هبرسوخه هاليمانه هفي‬
‫نفوس المؤمنين ‪ ،‬ونشأهم على التوحيد الخالص ‪ ،‬واعتقاد‬
‫نفي الشريك مع الله تعالى ‪ ،‬وأنه سبحانه المنفرد بالخلق‬
‫واليجاده هوالتصريفه ه(!)ه هوبانتفاءه هالعلةه هينتفيه هالحكم‬
‫المترتب عليها ‪ ،‬وهو كراهة اتخاذ المساجد والقباب على‬
‫قبور الولياء والصالحين "‪! .‬‬
‫قلت ‪ :‬والجواب ‪ :‬أن يقال ‪ :‬أثبت العرش ثم انقش !‬
‫أثبت أول أن الخشية المذكورة هي وحدها علة النهي‬
‫‪ ،‬ثم أثبت أنها قد انتفت ‪ ،‬ودون ذلك خرط القتاد ‪.‬‬
‫أم الول ‪ ،‬فإن ل دليل مطلقا ً على أن العلة هي‬
‫الخشية المذكورة فقط ‪ ،‬نعم من الممكن أن يقال ‪ :‬انها‬
‫بعض العلة ‪ ،‬وأما حصولها بها فباطل ‪ ،‬لن من الممكن‬
‫أيضا ًهه أنه هيضافه هإليهاه هأموره هأخرىه همعقولةه هكالتشبه‬
‫بالنصارى ‪ ،‬كما تقدم في كلم الفقيه الهيتمي ‪ ،‬والمحقق‬
‫‪ 1‬قلت ‪ :‬وهذه العلة باطلة من وجوه ل مجال لبيانها الن ‪ ،‬ومن أدلة ذلك بخصوص‬
‫قبور النبياء أن أجسادهم ل تبلى كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فكيف تنجس الرض بهم !!‬

‫‪53‬‬
‫الصنعاني ‪ ،‬وكالسراف في صرف المال فيما ل فائدة فيه‬
‫شرعا ً ‪ ،‬وغير ذلك مما قد يبدو للباحث الناقد ‪.‬‬
‫وأما زعمه أن العلة انتفت برسوخ اليمان في نفوس‬
‫المؤمنين الخ ‪ .‬فهو زعم باطل أيضا ً وبيانه من وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن الزعم بني على أصل باطل ‪ ،‬وهو أن‬
‫اليمان بأنه الله هو المنفرد بالخلق ‪ ،‬واليجاد كاف في‬
‫تحقيقه هاليمانه هالمنجيه هعنده هاللهه هتباركه هوتعالىه ه‪،‬ه هوليس‬
‫كذلك ‪ ،‬فإن هذا التوحيد وهو المعروف عند العلماء بتوحيد‬
‫الربوبيةه ه‪،‬ه هكانه هيؤمنه هبهه هالمشركونه هالذينه هبعثه هإليهم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى ‪ }:‬ولئن‬
‫سألتهم من خلق السماوات والرض ليقولن الله{ ‪ ،‬ومع‬
‫‪1‬‬

‫ذلك فلم ينفعهم هذا التوحيد شيئا ًه ‪ ،‬لنهم كفروا بتوحيد‬


‫اللوهيةه هوالعبادةه ه‪،‬ه هوأنكروهه هعلىه هالنبيه هصلىه هاللهه هعليه‬
‫وسلم أشد النكار ‪ ،‬بقولهم فيما حكاه الله عنهم!} أجعل‬
‫اللهة إلها ًه واحدا إن هذا لشئ عجاب{ ه‪ .‬ومن مقتضيات‬
‫‪2‬‬

‫هذا التوحيد الذي أنكروه ترك الستغاثة بغير الله ‪ ،‬وترك‬


‫الدعاء والذبح لغير الله ‪ ،‬وغير ذلك مما خاص بالله تعالى‬
‫من العبادات ‪ ،‬فمن جعل شيئا ًه من ذلك لغير الله تبارك‬
‫وتعالى فقد أشرك به ‪ ،‬وجعل له ندا ً وإن شهد له بتوحيد‬
‫الربوبيةه ه‪،‬ه هفاليمانه هالمنجيه هإنماه ههوه هالجمعه هبينه هتوحيد‬
‫الربوبية وتوحيد اللوهية ‪ ،‬وإفراد الله بذلك ‪ ،‬وهذا مفصل‬
‫في غير هذا الموضوع ‪.‬‬
‫فإذا تبين هذا نعلم أن اليمان الصحيح غير راسخ في‬
‫نفوس كثير من المؤمنين بتوحيد الربوبية ‪ ،‬ول هأريد أن‬
‫أبعد بالقارئ الكريم في ضرب المثلة ‪ ،‬فحسبي هنا أن‬
‫أنقل ما ذكره المؤلف الذي نحن في صدد الرد عليه ‪،‬‬
‫فإنه قال بعد أسطر من كلمه السابق (ص ‪21‬ه ‪:)22‬‬
‫" ونراهم ( يعني العامة) يحلفون بالولياء ‪ ،‬وينطقون‬
‫في حقهم بما ظاهره الكفر الصراح بل هو الكفر حقيقة‬
‫بل هريب ول هشك ‪ . . .‬فكثير من جهلة العوام بالمغرب‬
‫ينطقه هبماه ههوه هكفره هصراحه هفيه هحقه همولناه هعبدالقادر‬
‫سورة لقمان الية ‪.25‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة ص الية ‪.5‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪54‬‬
‫الجيلني رضي الله عنه ‪ . . .‬فإن عندنا بالمغرب من يقول‬
‫عن القطب الكبر ‪ ،‬مولنا عبد السلم ابن مشيش رضي‬
‫اللهه هعنهه هأنهه هالذيه هخلقه هالدينه هوالدنياه ه!ه هومنهمه همنه هقاله‬
‫والمطر نازل بشدة ‪ :‬يا مولنا عبدالسلم الطف بعبادك !‬
‫فهذا كفر!‪." . ..‬‬
‫قلت ‪ :‬فهذا الكفر أشد من كفر المشركين ‪ ،‬لن هذا‬
‫فيه التصريح بالشرك في توحيد الربوبية أيضا ً ‪ ،‬وهو مما ل‬
‫نعلم أنه وقع من المشركين أنفسهم ! وأما الشرك في‬
‫اللوهيةه هفهوه هأكثره هفيه هجهاله ههذهه هالمةه ههههه هول ههأقول‬
‫عوامهم!ه ههههه هفإذاه هكانه ههذاه هحاله هالمسلمينه هاليومه هوقبل‬
‫اليوم ‪ ،‬فكيف يقول هذا الرجل ‪:‬‬
‫"ه هوقده هانتفته هالعلةه هبرسوخه هاليمانه هفيه هنفوس‬
‫المؤمنين ‪". . .‬؟!‬
‫وإذاه هكانه هيريده هب"المؤمنين"ه هالصحابةه هرضيه هالله‬
‫عنهم ‪ ،‬فل هشك أنهم كانوا مؤمنين حقا ً ‪ ،‬عالمين بحقيقة‬
‫التوحيده هالذيه هجاءهمه هبهه هرسوله هاللهه هصلىه هاللهه هعليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ولكن الشريعة السلمية شريعة عامة أبدية ‪ ،‬فل‬
‫يلزم من هانتفاء العلة ههه ولو ثبت هههه بالنسبة إليهم أن‬
‫ينتفي الحكم بالنسبة لمن بعدهم ‪ ،‬لن العلة ل تزال قائمة‬
‫شاهد على ذلك ‪.‬‬ ‫‪ ،‬والواقع أصدق‬
‫الوجه الثاني ‪:‬‬
‫علمت مما سبق من الحاديث أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلمه هحذره همنه هاتخاذه هالمساجده هعلىه هالقبوره هفيه هآخر‬
‫حياته ‪ ،‬بل في مرض موته ‪ ،‬فمتى زالت العلة التي ذكرها‬
‫؟ إن قيل ‪ :‬زالت عقب وفاته صلى الله عليه وسلم فهذا‬
‫نقض لما عليه جميع المسلمين أن خير الناس قرنه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬لن القول بذلك يستلزم ه بناء على ما‬
‫سبق من كلمه ه أن اليمان لم يكن قد رسخ بعد في‬
‫نفوس الصحابة رضي الله عنهم ‪ ،‬وإنما رسخ بعد وفاته‬
‫صلىه هاللهه هعليهه هوسلمه ه!ه هولذلكه هلمه هتزله هالعلةه هوبقي‬
‫الحكم ‪ ،‬وهذا مما ل أتصور أحدا ً يقول به لوضوح بطلنه ‪.‬‬
‫وإن قيل ‪ :‬زالت قبل وفاته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قلنا ‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫وكيف ذلك وهو صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن ذلك‬
‫س من حياته ؟! ويؤيده ‪:‬‬ ‫في آخر نََف ٍ‬
‫الوجهه هالثالثه ه‪:‬ه هأنه هفيه هبعضه هالحاديثه هالمتقدمة‬
‫باستمرار الحكم إلى قيام الساعة ‪ ،‬كالحديث (‪. )12‬‬
‫الوجهه هالرابعه ه‪:‬ه هأنه هالصحابةه هرضيه هاللهه هعنهمه هإنما‬
‫دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم خشية أن يتخذ‬
‫قبره مسجدا ًه ‪ ،‬كما تقدم عن عائشة رضي الله عنها في‬
‫الحديث (‪ ، )4‬فهذه خشية إما أن يقال ‪ :‬إنها كانت منصبة‬
‫على الصحابة أنفسهم ‪ ،‬أو على من بعدهم ‪ ،‬فإن قيل‬
‫بالول ‪ ،‬قلنا فالخشية على من بعدهم أولى ‪ ،‬وإن قيل‬
‫بالثاني ‪ ،‬وهو الصواب عندنا ‪ ،‬فهو دليل قاطع على أن‬
‫الصحابةه هرضيه هاللهه هعنهمه هكانواه هل ههيرونه هزواله هالعلة‬
‫المستلزم زوال الحكم ‪ ،‬ل في عصرهم ول فيما بعدهم ‪،‬‬
‫فالزعم بخلف رأيهم ضلل بين ‪ .‬ويؤيده ‪:‬‬
‫الوجه الخامس ‪ :‬أن العمل استمر من السلف على‬
‫هذا الحكم ونحوه ‪ ،‬مما يستلزم بقاء العلة السابقة ‪ ،‬وهي‬
‫خشية الوقوع في الفتنة والضلل ‪ ،‬فلو أن العلة المشار‬
‫إليها كانت منتفية لما استمر العمل على معلولها ‪ ،‬وهذا‬
‫على‬ ‫بي ّن ل يخفى والحمدلله ‪ ،‬وإليك بعض المثلة‬
‫ما ذكرنا ‪:‬‬
‫‪ 1‬ه هعن هعبدالله هبن هشرحبيل هبن هحسنة هقال ه‪ :‬هرأيت‬
‫عثمان بن عفان يأمر بتسوية القبور ‪ ،‬فقيل له ‪ ،‬هذا قبر‬
‫أم عمرو بنت عثمان ! فأمر به فسوي ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬ه عن أبي الهياج السدي قال ‪ :‬قال لي علي بن أبي‬


‫طالب ‪:‬‬

‫‪ 1‬رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (‪ )4/138‬وأبو زرعة في " تاريخه " (‪)*( )66/2،121/2‬‬
‫بسند صحيح عن عبدالله هذا ‪ ،‬وقد أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (‪3/2/81‬ه‬
‫‪ )82‬ولم يذكر فيه جرحا ً ول تعديل ً ‪.‬‬
‫(*) مخطوطان قيمان ‪ ،‬الول محفوظ بعض مجلداته في المكتبة الظاهرية ‪ ،‬ويوجد‬
‫منه نسخة تامة في غيرها ‪ .‬والخر منه نسخة مصورة في المجمع العلمي العربي‬
‫بدمشق ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫أل هأبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟ أن ل تدع تمثال ً إل طمسته ‪ ،‬ول قبرا ً مشرفا ً إل‬
‫سويته ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ولما كان هذا الحديث حجة واضحة على إبطال ما‬


‫ذهبه هإليهه هالشيخه هالغماريه هفيه هكتابهه هالمشاره هإليهه هسابقاً‬
‫حاول التقصي منه من طريقين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬تأويله حتى يتفق مع مذهبه!‬
‫والخر ‪ :‬التشكيك في ثبوته! فقال (ص ‪:)57‬‬
‫" فل بد من أحد أمرين ‪ :‬إما أن يكون غير ثابت في‬
‫نفسه ‪ ،‬أو هو محمول على غير ظاهره ول بد "‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أما ثبوته فل شك فيه ‪ ،‬لن له طرقا ً كثيرة‬ ‫ه‬
‫بعضها في " الصحيح " كما سبق ‪ ،‬ولكن أصحاب الهواء‬
‫ل هيتلزمون القواعد العلمية في التصحيح والتضعيف ‪ ،‬بل‬
‫ما كان عليهم ضعفوه ‪ ،‬ولو كان في نفسه صحيحا ً ‪ ،‬كهذا‬
‫الحديثه هوما كان لهم صححوهه أو مشوهه ولو كان هفي‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه ضعيفا ًه ‪ ،‬وسيأتي لذلك بعض المثلة الخرى والله‬


‫المستعان ‪.‬‬
‫وأما تأويله ‪ ،‬فقد ذكر له وجوها ً واهية أقواها قوله ‪:‬‬

‫رواه مسلم (‪ )3/61‬وابو داود (‪ )3/70‬والنسائي (‪ )1/285‬والترمذي (‪2/153‬ه ‪ )154‬والبيهقي (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ )4/3‬والطيالسي (‪ )1/168‬وأحمد (رقم ‪741‬ه ‪. )1064‬‬


‫== وله طرق عند الطيالسي وأحمد ( رقم ‪657‬و ‪658‬و ‪889‬و ‪1175‬و ‪1176‬و ‪1177‬و ‪1238‬و‬
‫‪ )1283‬وابن أبي شيبة (‪ )4/139‬والطبراني في " الصغير " ص ‪."29‬‬
‫ً‬
‫ول مخالفة بين هذا الحديث وبين ما ثبت في السنة من مشروعية رفع القبر شبرا أو‬
‫شبرين ‪ ،‬حتى يتنميز فيصان عن أن يهان ‪ ،‬لن المراد به تسوية ما رفع عليه من‬
‫البناء ‪ ،‬وإن قيل بخلفه قال الشيخ علي القارئ في " المرقاة " (‪ )2/372‬في شرح‬
‫الحديث ‪ ( " :‬قبرا ً مشرفا) هو الذي بني عليه حتى ارتفع دون الذي أعلم عليه بالرمل‬
‫والحصباء أو محسومة (!) بالحجارة ليعرف ول يؤطأ ‪ ( ،‬إل سويته) في الزهار ‪ :‬قال‬
‫العلماء ‪ :‬يستحب أن يرفع القبر قدر شبر ويكره فوق ذلك ويستحب الهدم ‪ ،‬وفي قدره‬
‫خلف ‪ ،‬قيل إلى الرض تغليظا ً ‪ ،‬وهذا أقرب إلى اللفظ أي لفظ الحديث من التسوية‬
‫"‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذا في تحفة الحوذي " ‪ )2/154‬نقل عن المرقاة"‪.‬‬
‫‪ 1‬وكذلك فعل بعض غلة الشيعة في كتابه " كشف الرتياب " (ص ‪ 366‬فصرح فيه‬
‫بتضعيف الحديث من طريق مسلم! وطعن في رجاله وكلهم ثقات ‪ ،‬وكذلك غمز من‬
‫صحته الكوثري الجهمي في " مقالته " (ص ‪ ، )159‬وهكذا ترى أهل الهواء ه على‬
‫اختلف مذاهبهم ه يتتابعون على رد الحديث الصحيح بأوهى الشبه اتباعا ً لهوائهم ‪،‬‬
‫ونعوذ بالله تعالى من الخذلن!‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫"ه هإنهه هخبره همتروكه هالظاهره هبالتفاقه ه‪،‬ه هلنه هالئمة‬
‫متفقون على كراهة تسوية القبر ‪ ،‬وعلى استحباب رفعه‬
‫قدر شبر "‬
‫قلته ه‪:‬ه هالعجبه هممنه هيدعيه هالجتهاده هويحرمه هالتقليد‬
‫كيف يصرف الحاديث ويتأولها حتى تتفق مع أقوال الئمة‬
‫بزعمه ‪ ،‬بينما الجتهاد الصحيح يقتضي عكس ذلك تماما!‬
‫علىه هأنه هالحديثه هل هينافيه هالتفاقه هالمذكوره ه‪،‬ه هلنهه هخاص‬
‫بالقبر المبني عليه فحينئذ يسوى بالرض كما سبق عن‬
‫الزهار ‪ ،‬واتفاق الئمة إنما هو في الصل الذي ينبغي أن‬
‫يراعىه هحينه هدفنه هالميته هفيرفعه هقليل ً ه ‪،‬ه هفهذاه هل ههيعنيه‬
‫الحديثه هكماه هأفادهه هالقارئه هرحمهه هفيماه هتقدمه هنقلهه هقريباً‬
‫في الحاشية (ص ‪. )73‬‬
‫ثمه هنقله هالغماريه هفيه هتأويله هالحديثه هعنه هالشافعيةه هأنهم‬
‫قالوا ‪:‬‬
‫" لم يرد تسويته بالرض ‪ ،‬وإنما أراد تسطيحه جمعاً‬
‫بين الحاديث "‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لو سلم هذا فهو دليل على الغمار ل له ‍ لنه‬
‫ل هيقوله هبوجوبه هتسطيحهه ه‪،‬ه هبله هيقوله هباستحبابه هرفعه‬
‫بدون حد وباستحباب البناء عليه قبة أو مسجد‍‬
‫ثم قال الغماري في الجواب الخير عن الحديث‪:‬‬
‫" وهو الصحيح عندنا أنه أراد قبور المشركين التي‬
‫كانواه هيقدسونهاه هفيه هالجاهليةه ه‪،‬ه هوفيه هبلده هالكفاره هالتي‬
‫افتتحها الصحابة رضي الله عنهم بدليل ذكر التماثيل معها‬
‫"‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬في بعض طرق الحديث عند أحمد أن بعث‬
‫علي هرضي هالله هعنه إنما كان إلى بعض نواحي هالمدينة‬
‫حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ‪ ،‬فهذا‬
‫يبطل ما ادعاه من أن الرسال كان إلى بلد الكفار ‪.‬‬
‫ثم إن موضع الشاهد من الحديث إنما هو بعث علي‬
‫أبا الهياج إلى تسوية القبور ‪ ،‬وكان رئيس الشرطة ‪ ،‬ففيه‬
‫دليل واضح على أن عليا ً وكذا عثمان رضي الله عنهما في‬
‫الثر المتقدم ه كانا يعلمان هذا الحكم بعد وفاته صلى الله‬
‫عليه وسلم خلفا ً لما زعمه الغماري ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪3‬ه عن أبي بردة قال ‪ :‬أوصى أبو موسى حين حضره‬
‫الموت فقال ‪ :‬إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي ول‬
‫يتبعني مجمر ‪ ،‬ول تجعلوا في لحدي شيئا ً يحول بيني وبين‬
‫التراب ‪ ،‬ول هتجعلوا على قبري بناء وأشهدكم أنبي برئ‬
‫من كل حالقة ‪ ،‬أو سالقة ‪ ،‬أو خارقة ‪ ،‬قالوا أو سمعت‬
‫‪1‬‬

‫فيها شيئا ً؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬من رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬ه عن أنس ‪ :‬كان يكره أن يبنى مسجد بين القبور ‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫‪5‬هه هعنه هإبراهيمه هأنهه هكانه هيكرهه هأنه هيجعله هعلىه هالقبر‬
‫مسجداً ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وإبراهيم هذا هو ابن يزيد النخعي الثقة المام ‪ ،‬وهو‬


‫تابعي صغير مات سنة (‪ ، )96‬فقد تلقى هذا الحكم بل شك‬
‫منه هبعضه هكباره هالتابعينه همنه هالصحابةه ه‪ ،‬هففيه هدليله هقاطع‬
‫علىه هأنهمه هكانواه هيرنه هبقاءه ههذاه هالحكمه هواستمرارهه هبعده‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فمتى نسخ؟‍‍!‪.‬‬
‫‪6‬ه عن المعرور بن سويد قال ‪:‬‬
‫" خرجنا مع عمر في حجة حجها ‪ ،‬فقرأ بنا في الفجر‬
‫} ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل { هو } ليلف‬
‫‪1‬‬

‫قريش { ‪ ،‬فلما قضى حجه ورجع والناس يتبدرون ‪ ،‬فقال‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬ما هذا ؟ فقال ‪ :‬مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬هكذا هلك أهل الكتاب ‪ ،‬اتخذوا آثار‬
‫أنبيائهم بيعاً! من عرضت له منكم فيها الصلة ‪ ،‬فليصل ‪،‬‬
‫ومن لم يعرض له منكم فيه الصلة فل يصل " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪7‬ه عن نافع قال ‪:‬‬

‫( الحالقة ) هي التي تحلق شرها عند المصيبة ‪ ( _ ،‬السالقة ) ‪ :‬التي ترفع صوتها ‪ ،‬ه‬ ‫‪1‬‬

‫(الخارقة ) ‪ :‬التي تخرق ثيابها عند المصيبة ‪.‬‬


‫‪ 2‬أخرجه أحمد (‪ )4/397‬وإسناده قوي ‪.‬‬
‫‪ 3‬رواه ابن أبي شيبة (‪ )2/185‬ورجاله ثقات رجال الشيخين ‪ ،‬ورواه أبو بكر ابن الثرم‬
‫كما في " فتح الباري" لبن رجب (‪ 65/81/1‬من الكواكب ) ‪.‬‬
‫‪4‬ه رواه ابن أبي شيبة (‪ )4/134‬بسند صحيح عنه ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫سورة الفيل ‪ ،‬الية ‪.1‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة قريش الية ‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه ابن أبي شيبة (‪ )2/84/1‬وسنده صحيح على شرط الشيخين ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪59‬‬
‫" بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا ً يأتون الشجرة التي‬
‫بويع تحتها فأمر بها فقطعت "‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪8‬هه هعنه هقزعةه هقاله هسألته هابنه هعمره ه‪:‬ه هآتيه هالطوره ه؟‬
‫فقال ‪ :‬دع الطور ول تأتها ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل تشد الرحال إل إلى‬
‫ثلثة مساجد‬ ‫‪1‬‬

‫‪9‬ه عن علي بن حسين ‪:‬‬


‫أنه رأى رجل ًه يجئ هإلى هفرجة كانت هعنده قبره النبي‬
‫صلى الله عليه ‪( ،‬كذا الصل ) فيدخل فيها فيدعو ‪ ،‬فدعاه‬
‫فقال ‪:‬‬

‫قلت ‪ :‬رواه ابن أبي شيبة أيضا(‪ )2/73/2‬ورجاله ثقات كلهم لكنه منقطع بين نافع وعمر‬ ‫‪4‬‬

‫فلعل الواسطة بينهما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫ثم استدركت فقلت ‪ :‬يبعد ذلك كله ما أخرجه البخاري فيه " صحيحه ه الجهاد"‬
‫من طريق أخرى عن نافع قال ‪ :‬قال ابن عمر رضي الله عنهما ‪:‬‬
‫" رجعنا من العام المقبل ‪ :‬فما اجتمع اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها ‪،‬‬
‫كانت رحمة من الله "‪ .‬يعني خفاءها عليهم ‪ .‬فهو نص على أن الشجرة لم يتبق معرفة‬
‫المكان يمكن قطعها من عمر ‪ ،‬فدل ذلك على ضعف رواية القطع الدال عليه النقطاع‬
‫الظاهر فيها نفسها ومما يزيدها ضعفا ما روى البخاري في " المغازي " من " صحيحه‬
‫" عن سعيد بن المسيب عن أبيه ====‬
‫قال ‪ " :‬لقد رأيت الشجرة ‪ ،‬ثم أتيتها بعد ‪ ،‬فلم أعرفها "‪.‬‬
‫ومن طريق طارق بن عبد الرحمن قال ‪:‬‬
‫" انطلقت حاجا ً ‪ ،‬فمررت بقوم يصلون ‪ ،‬قلت ‪ :‬ما هذا المسجد قالوا ‪ :‬هذه‬
‫الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن‬
‫المسيب ‪ ،‬فضحك فقال ‪ :‬حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسو الله صلى الله عليه‬
‫وسلم تحت الشجرة ‪ ،‬فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ‪ .‬وفي‬
‫رواية ‪ :‬فعميت علينا فقال سعيد ‪ :‬إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها!‬
‫وعلمتموها أنتم! فأنتم أعلم !‬
‫أقول ‪ ،‬ولئن كنا خسرنا هذه الرواية المنقطعة كشاهد فيما نحن فيه من البحث‬
‫بعد التأكد من ضعفها ‪ ،‬فقد كسبنا ما هو أقوى منها ‪ ،‬مما يصلح دليل ً لما نحن فيه ‪،‬‬
‫وهو حديث المسيب هذا ‪ ،‬وحديث ابن عمر ‪ :‬فقد قال الحافظ في شرحه إياه ‪:‬‬
‫" والحكمة في ذلك أن ل يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير ‪ ،‬فلو بقيت‬
‫لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم المر إلى اعتقاد أن لها قوة نقع‬
‫أو ضر ‪ ،‬كما نراه الن مشاهدا ً فيما هو دونها ‪ ،‬وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله ‪ ":‬كانت‬
‫رحمة من الله "‪ ،‬أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى "‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ومن تلك الشجار التي أشار إليها الحافظ شجرة كنت رأيتها من أكثر‬
‫من عشر سنين شرقي مقبرة شهداء أحد خارج سورها ‪ ،‬وعليها خرق كثيرة ‪ ،‬ثم رأيتها‬
‫في موسم السنة الماضية (‪1371‬هه ) قد استأصلت من أصلها ‪ ،‬والحمدلله ‪ ،‬وحمى‬
‫المسلمين من شر غيرها من الشجر وغيره من الطواغيت التي تعبد من دون الله‬
‫تعالى ‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه ابن أبي شيبة أيضا(‪ )2/83/2‬والزرقي في " أخبار مكة " (ص ‪ )304‬وإسناده صحيح‬
‫‪ ،‬وروى أحمد ( ‪ )6/8‬وأبو يعلى وابن منده في " التوحيد " (‪،26/1‬ه ‪ )2‬مثله عن ه أبي‬
‫بصرة الغفاري وهو صحيح أيضا ً ‪ ،‬خرجته في "سلسة الحاديث الصحيحة " أواخر المائة‬
‫الثالثة ‪ ،‬وفي " إررواء الغليل " رقم (‪. )970‬‬

‫‪60‬‬
‫أل أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي رسول‬
‫اللهه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلمه ه؟ه هقاله ه‪:‬ه ه"ه هل هتتخذواه هقبري‬
‫عيدا ًه ‪،‬ه هول هبيوتكمه هقبورا ًه ‪،‬ه هوصلواه هعليه ه‪،‬ه هفإنه هصلتكم‬
‫وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويقويه ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضا ً وابن خزيمة في‬


‫" حديث علي ابن حجر" (ج ‪ / 4‬رقم ‪ ) 48‬وابن عساكر (‪4/217/‬‬

‫‪ )1‬همنه هطريقينه هعنه هسهيله هبنه هأبيه هسهيله هأنهه هرأىه هقبر‬ ‫‪2‬‬

‫النبيه هصلىه هاللهه هعليهه هوسلمه هفالتزمهه هومسحه ه‪،‬ه هقاله ه‪:‬‬
‫فحصبني حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب فقال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ل هتتخذوا بيتي‬
‫عيدا ً ول تتخذوا بيوتكم مقابر ‪ [ ،‬وصلوا علي حيثما كنتم ‪،‬‬
‫فإن صلتكم تبلغني ] " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ 10‬ه عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬


‫" ل تجعلوا بيوتكم قبورا ً ‪،‬‬ ‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫ول هتجعلواه ه هقبريه ه هعيدا ًه وصلواه ه هعليه ه‪،‬ه هفإنه ه هصلتكم‬
‫تبلغني‬ ‫‪4‬‬

‫حيثما كنتم" ‪.‬‬‫‪1‬‬

‫‪ 1‬ه أخرجه ابن أبي شيبة أيضا (‪ )2/83/2‬وعنه أبو يعلى في " مسنده " (ق ‪)32/2‬‬
‫وإسماعيل القاضي في كتاب " فضل الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم " ‪،‬‬
‫الحديث ‪ 20‬من طبع المكتب السلمي ‪ ،‬ورواه الضياء ي " المختارة " (‪ )1/154‬من‬
‫طريق أبي يعلى والخطي في " الموضح " (‪. )2/30‬‬
‫وسنده مسلسل بأهل البيت رضي الله عنهم ‪ ،‬إل أن أحدهم ههه وهو علي بن‬
‫عمر مستور ‪ ،‬كما قال الحافظ في " التقريب " "‪.‬‬
‫ههه هذا والمصادر المذكورة قبله كلها مخطوطات ‪ ،‬وغالبها في المكتبة الظاهرية ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومكتبة الوقاف في حلب‬


‫‪ 3‬هه قلت وأخرجه عبد الرزاق أيضا ً في " مصنفه " ( ‪ )6694 /3/577‬وسهيل هذا أورده‬
‫ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (‪ )2/1/24‬وذكر له عنه ‪ ،‬روايين أحدهما محمد بن‬
‫عجلن وهو الراوي لهذا الحديث عنه عند ابن أبي شيبة ‪ ،‬والخر سفيان الثوري ولم‬
‫يذكر فيه جرحا ً ول تعديل ‪ ،‬وله راو ثالث وه إسماعيل الراوي لهذا عنه عند ابن خزيمة‬
‫وهو إسماعيل بن علية وهذه فائدة غزيزة ل تجدها في كتب الرجال فقد روى عنه ثلثة‬
‫من الثقات ‪ ،‬فهو معروف غير مجهول ‪ .‬والله أعلم ‪.‬‬
‫ه قوله " تبلغني " هذا الحديث وغيره مما تقدم صريح في أنه عليه الصلة والسلم ل‬ ‫‪4‬‬

‫يسمع صلة المصلين عليه ‪ ،‬فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعها فقد‬
‫كذب عليه ‪ ،‬فكيف حال من يزعم أنه صلى الله عليه وسلم يسمع غيرها ؟!‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه أبو داود (‪ )2042‬وأحمد (‪ )2/367‬بسند حسن ‪ ،‬ورواه أبو يعلى في " مسنده " (‬
‫‪ ، )4/1597‬مصورة الكتب من حديث الحسن بن علي بن أبي طالب بسند فيه نظر ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ 11‬ه ورأى ابن عمر فسطاطاً هعلى قبر عبد الرحمن‬
‫‪2‬‬

‫فقال ‪ " :‬انزعه يا غلم فإنما يظله عمله " ‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫‪12‬ه عن أبي هريرة أنه أوصى أن ل يضربوا على قبره‬


‫فسطاطاً ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 13‬ه وروى ابن أبي شيبة وابن عساكر (‪ ) 7/96/2‬مثله عن‬


‫أبي سعيد الخدري ‪.‬‬‫‪5‬‬

‫‪ 14‬ه عن محمد بن كعب قال ‪ :‬هذه الفساطيط التي‬


‫على القبور محدثة‬
‫‪6‬‬

‫‪ 15‬ه سعيد بن المسيب أنه قال في مرضه الذي مات‬


‫فيه ‪ :‬إذا ما مت ‪ ،‬فل تضربوا على قبري فسطاطاً ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪16‬ه عن سالم مولى عبدالله بن علي بن حسين قال ‪:‬‬


‫أوصى محمد بن علي أبو جعفر قال ‪:‬‬
‫" ل ترفعوا قبري على الرض " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪17‬ه عن عمرو بن شرحبيل قال ‪:‬‬


‫"ه هل ههترفعواه هجدثيه ههه هيعنيه هالقبره ههه هفإنيه هرأيت‬
‫المهاجرين يكرهون ذلك " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫واعلمه هأنه ههذهه هالثاره هوإنه هاختلفته هدللتهاه ه‪،‬ه هفهي‬


‫متفقة على النهي في الجملة عن كل ما ينبئ عن تعظيم‬
‫القبور هتعظيما ًه يخشى منه الوقوعه فيه الفتنة هوالضلل ه‪،‬‬
‫مثل بناء المساجد والقباب على القبور ‪ ،‬وضرب الخيام‬
‫عليهاه ه‪،‬ه هورفعهاه هأكثره همنه هالحديثه هالمشروعه ه‪،‬ه هوالسفر‬
‫والختلف إليها ‪ ،‬والتسمح بها ‪ ،‬ومثل التبرك بآثار النبياء‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 2‬السفطاط بيت من شعر في " اللسان " وفي " الكواكب الدراري " ( ق ‪87/1‬تفسير‬
‫‪ " : )548‬وكره أحمد أن يضرب على القبر فسطاط‬
‫‪ 3‬رواه البخاري تعليقا ً (‪. )2/98‬‬
‫رواه عبدالرزاق (‪ )3/418/6129‬وابن أبي شيبة ‪ ، 4/135‬والربعي في " وصايا العلماء " (‬ ‫‪4‬‬

‫‪ )141/2‬وابن سعد (‪ )4/338‬وإسناده صحيح ‪.‬‬

‫‪ 5‬وإسناده ضعيف ‪ ،‬لكن له طرق أخرى عند ابن عساكر فهو بها صحيح ‪.‬‬
‫‪ 6‬رواه ابن أبي شيبة أيضا ً ورجاله ثقات غير ثعلبة وهو ابن الفرات ‪ ،‬قال أبو حاتم‬
‫وأبوزرعة ‪ ":‬ل أعرفه " كما في " الجرح والتعديل " (‪/1/464‬ه ‪.465‬‬
‫‪ 7‬رواه ابن سعد (‪. )5/142‬‬
‫‪ 1‬رواه الدولبي (‪1/134‬ه ‪ )135‬ورجاله ثقات غير سالم هذا فهو مجهول كما قال الذهبي‬
‫في " الميزان " والحلي الشيعي في " خلصة القوال " ( ص ‪)108‬‬
‫‪ 2‬رواه ابن سعد (‪ )6/108‬بسند صحيح ‪.‬‬
‫‪ 3‬الختلف إليها أي ‪ :‬إكثار التردد لزيارتها ‪ ،‬وهذا مستفاد من قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم " اللهم ل تجعل قبري عيدا ً "‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫ونحو ذلك ‪ ،‬فهذه المور كلها غير مشروعة عند السلف‬
‫الذينه هسميناهمه همنه هالصحابةه هوغيرهمه ه‪،‬ه هوذلكه هيدله هعلى‬
‫أنهم كانوا جميعا ًه يرون بقاء علة النهي عن بناء المساجد‬
‫علىه هالقبوره هوتعظيمهاه هبماه هلمه هيشرعه ه‪،‬ه هأل هوهيه هخشية‬
‫الضلل والفتتان بالموتى كما نص عليها المام الشافعي‬
‫رحمهه هاللهه هفيماه هسبقه ه‪،‬ه هبدليله هاستمرارهمه هعلىه هالقول‬
‫بالحكمه هالمعلوله هبهذهه هالعلةه ه‪،‬ه هفإنه هبقاءه هأحدهمه هيستلزم‬
‫بقاء الخر ‪ ،‬كما ل هيخفى ‪ ،‬وهذا بالنسبة لمن نص منهم‬
‫على كراهية بناء المساجد على القبور ظاهرا ً ‪ ،‬أما الذين‬
‫صرحواه هبالنهيه هعنه هغيره هذلكه ه‪،‬ه همثله هرفعه هالقبره هوضرب‬
‫الخيمةه هعليهه هونحوهه همماه هأجملناه هالكلمه هعليهه هآنفا ًه ‪،‬ه هفهم‬
‫يقولونه هببقاءه هالحكمه هالمذكوره همنه هبابه هأولىه ه‪،‬ه هوذلك‬
‫لوجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن بناء المساجد على القبور أشد جرماً‬
‫من رفع القبور وضرب الخيام عليها ‪ ،‬لما ورد من اللعن‬
‫على البناء ‪ ،‬دون الرفع والضرب المذكور ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن المفروض في أولئك السلف الفهم‬
‫والعلم ‪ ،‬فإذا ثبت عن أحد منهم النهي عن شئ هو دون‬
‫ما نهى عنه الشارع ‪ ،‬ولم ينقل هذا النهي عن أحدهم ‪،‬‬
‫فنحن نقطع بأنه ينهى عنه أيضا ًه ‪ ،‬حتى ولو فرض عدم‬
‫بلوغ النهي إليه لن نهيه عما هو دون هذا يستلزم النهي‬
‫عنه من باب أولى ‪ ،‬كما ل يخفى ‪.‬‬
‫فثبت أن القول بانتفاء العلة المذكورة وما بني‬
‫عليه كله باطل ‪ ،‬لمخالفته نهج السلف الصالح رضي الله‬
‫عنهم ‪ ،‬مع مصادمته للحاديث الصحيحة ‪ ،‬والله المستعان‬
‫‪.‬‬

‫‪63‬‬
64

You might also like