You are on page 1of 17

‫فتنة‬

‫التكفير‬
‫للشيخ المحدّث العلمة‪ :‬محمد ناصر الدين‬
‫اللباني –رحمه الله‪-‬‬
‫تقريظ سماحة الشيخ العلمة‪ :‬عبد العزيز بن‬
‫باز –رحمه الله‪-‬‬
‫تعليق الشيخ العلمة‪ :‬محمد بن صالح العثيمين‬
‫‪-‬رحمه الله‪-‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫كلمة العلمة اللباني رحمة ال في مسألة التكفير‬

‫إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل‬
‫ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‪.‬‬
‫أما بعد ‪:((1‬‬
‫فإن مسألة التكفير عمومًا – ل للحكام فقط؛ بل وللمحكومين أيضاً – هي فتنة‬
‫عظيمة قديمة‪ ،‬تبنتها فرقة من الفرق السلمية القديمة‪ ،‬وهي المعروفة بـ‬
‫(الخوارج( ‪.((2‬‬
‫ومع السف الشديد فإن البعض من الدعاة أو المتحمسين قد يقع في الخروج عن‬
‫الكتاب والسنة ولكن باسم الكتاب والسنة‪.‬‬
‫والسبب في هذا يعود إلى أمرين اثنين‪:‬‬
‫أحدهما هو‪ :‬ضحالة العلم‪.‬‬
‫والمر الخر – وهو مهم جداً ‪ :-‬أنهم لم يتفقهوا بالقواعد الشرعية‪ ،‬والتي هي‬
‫أساس الدعوة السلمية الصحيحة‪ ،‬التي يعد كل من خرج عنها من تلك الفرق‬
‫المنحرفة عن الجماعة التي أثنى عليها رسول ال صلى ال عليه و سلم في غير ما‬
‫حديث؛ بل والتي ذكرها ربنا عز وجل‪ ،‬وبين أن من خرج عنها يكون قد شاق ال‬
‫ورسوله‪ ،‬وذلك في قوله عز وجل‪ } :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له‬
‫الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيراً } (‬
‫‪ – 115‬النساء(‪ .‬فإن ال – لمر واضح عند أهل العلم – لم يقتصر على قوله }‬
‫ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى … نوله ما تولى … { وإنما أضاف‬
‫إلى مشاقة الرسول اتباع غير سبيل المؤمنين‪ ،‬فقال‪ { :‬ومن يشاقق الرسول من بعد‬
‫ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولّى ونصله جهنم وساءت‬
‫مصيراً } (‪ – 115‬النساء(‪.‬‬

‫(‪ )1‬هذه بداية كلمة العلّمة اللباني‪ -‬رحمه ال ‪ -‬والتي تم تسجيلها على الشريط السبعون بعد المائة السادسة‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪12/5/1413‬هـ‪ ،‬الموافق ‪7/11/199‬م‪ .‬وهي مطبوعة ضمن كتاب (فتاوى الشيخ اللباني ومقارنتها بفتاوى العلماء)‪،‬‬
‫إعداد عكاشة عبد المنان صفحة‪ ،)253—238( :‬ولقد نشرتها المجلة السلفية العدد الول ‪1415‬هـ‪ .‬كما نشرتها أيضاً‬
‫جريدة المسلمون العدد (‪ )556‬بتاريخ ‪5/5/1416‬هـ‪ ،‬الموافق ‪29/9/1995‬م‬
‫(‪ )2‬الخوارج طوائف متعددة مذكورة في كتب الفرق‪ ،‬ومنها ما يزال موجوداً إلى الن تحت اسم آخر‪ ،‬هو‪( :‬الباضية)‪.‬‬
‫وهؤلء (الباضيـة) كانوا إلى عهـد قريـب منطويـن على أنفسـهم‪ ،‬ليـس لهـم أي نشاط دعوي‪ ،‬ولكـن منـذ بضـع سـنين بدأوا‬
‫ينشطون وينشرون بعض الرسائل والكتب والعقائد التي هي عين عقائد الخوارج القدامى‪ ،‬إل أنهم يستترون بخصلة من‬
‫خصال الشيعة‪ ،‬أل وهي التقية‪.‬‬
‫فهم يقولون‪ :‬نحن لسنا بالخوارج‪ ،‬والحق أن السماء ل تغير من حقائق المسميات شيئاً‪ ،‬وهؤلء يلتقون – من جملة ما‬
‫يلتقون به – مع الخوارج في مسألة تكفير أصحاب الكبائر‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫فاتباع سبيل المؤمنين أو عدم اتباع سبيلهم أمر هام جداً إيجاباً وسلباً‪ ،‬فمن اتبع‬
‫سبيل المؤمنين‪ :‬فهو النّاجي عند رب العالمين‪ ،‬ومن خالف سبيل المؤمنين‪ :‬فحسبه‬
‫جهنم وبئس المصير‪.‬‬
‫من هنا ضلت طوائف كثيرة جداً – قديماً وحديثاً – ‪ ،‬لنهم لم يكتفوا بعدم التزام‬
‫سبُ‪ ،‬ولكن ركبوا عقولهم‪ ،‬واتبعوا أهواءهم في تفسير الكتاب‬ ‫سبيل المؤمنين حَ ْ‬
‫والسنة‪ ،‬ثم بنوا على ذلك نتائج خطيرة جداً‪ ،‬خرجوا بها عما كان عليه سلفنا‬
‫الصالح رضوان ال تعالى عليهم جميعاً‪.‬‬
‫وهذه الفقرة من الية الكريمة‪ } :‬ويتبع غير سبيل المؤمنين } أكدها عليه الصلة‬
‫والسلم تأكيدًا بالغاً في غير ما حديث نبوي صحيح‪.‬‬
‫وهذه الحاديث – التي سأورد بعضاً منها – ليست مجهولة عند عامة المسلمين –‬
‫فضلً عن خاصتهم – لكن المجهول فيها هو أنها تدل على ضرورة التزام سبيل‬
‫المؤمنين في فهم الكتاب والسنة ووجوب ذلك وتأكيده‪.‬‬
‫وهذه النقطة يسهو عنها – ويغفل عن ضرورتها ولزومها – كثير من الخاصة‪،‬‬
‫فضلً عن هؤلء الذين عرفوا بـ (جماعة التكفير(‪ ،‬أو بعض أنواع الجماعات التي‬
‫تنسب نفسها للجهاد وهي في حقيقتها من فلول التكفير‪.‬‬
‫فهؤلء – وأولئك – قد يكونون في دواخل أ نفسهم صالحين ومخلصين‪ ،‬ولكن هذا‬
‫وحده غير كاف ليكون صاحبه عند ال عز وجل من الناجين المفلحين‪.‬‬
‫إذ لبد للمسلم أن يجمع بين أمرين اثنين‪:‬‬
‫•صدق الخلص في النية ل عز وجل‪.‬‬
‫•وحسن التباع لما كان عليه النبي صلى ال عليه و سلم‪.‬‬
‫فل يكفي – إذاً – أن يكون المسلم مخلصًا وجاداً فيما هو في صدده من العمل‬
‫بالكتاب والسنة والدعوة إليهما؛ بل ل بد – بالضافة إلى ذلك – من أن يكون‬
‫منهجه منهجاً سوياً سليماً‪ ،‬وصحيحاً مستقيماً؛ ول يتم ذلك على وجهه إل باتباع ما‬
‫كان عليه سلف المة الصالحون رضوان ال تعالى عليهم أجمعين‪.‬‬
‫•فمن الحاديث المعروفة الثابتة التي تؤصل ما ذكرت – وقد أشرت إليها آنفاً –‬
‫حديث الفرق الثلث والسبعين‪ ،‬أل وهو قوله عليه الصلة والسلم‪[ :‬افترقت‬
‫اليهود على إحدى وسبعين فرقة‪ ،‬وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة‪،‬‬
‫وستفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة‪ ،‬كلها في النار إل واحدة ] قالوا‪ :‬من‬
‫هي يا رسول ال ؟ قال‪ ] :‬الجماعة [‪ ،‬وفي رواية‪ ] :‬ما أنا عليه وأصحابي [‪.‬‬
‫فنجد أن جواب النبي صلى ال عليه و سلم يلتقي تماماً مع الية السابقة‪ } :‬ويتبع‬
‫غير سبيل المؤمنين {‪ .‬فأول ما يدخل في عموم الية هم أصحاب الرسول صلى‬
‫ال عليه و سلم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫إذ يكتف الرسول صلى ال عليه و سلم في هذا الحديث بقوله‪ ] :‬ما أنا عليه… [‪- ،‬‬
‫مع أن ذلك قد يكون كافيًا في الواقع للمسلم الذي يفهم حقاً الكتاب والسنة ‪-‬؛ ولكنه‬
‫عليه الصلة والسلم يطبق تطبيقاً عملياً قوله سبحانه وتعالى في حقه صلى ال‬
‫عليه و سلم أنه‪ } :‬بالمؤمنين رءوف رحيم { (‪ -128‬التوبة(‪.‬‬
‫فمن تمام رأفته وكمال رحمته بأصحابه وأتباعه ِأن أوضح لهم صلوات ال وسلمه‬
‫عليــه أن علمــة الفرقــة الناجيــة‪ :‬أن يكون أبناؤهــا وأصــحابها على مــا كان عليــه‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬وعلى ما كان عليه أصحابه من بعده‪.‬‬
‫وعليه فل يجوز أن يقتصر المسلمون عامة والدعاة خاصة في فهم الكتاب والسنة‬
‫على الوسائل المعروفة للفهم؛ كمعرفة اللغة العربية‪ ،‬والناسخ والمنسوخ‪ ،‬وغير‬
‫ذلك؛ بل ل بد من أن يرجع قبل ذلك كله إلى ما كان عليه أصحاب النبي صلى ال‬
‫عليه و سلم؛ لنهم – كما تبين من آثارهم ومن سيرتهم – أنهم كانوا أخلص ل عز‬
‫وجل في العبادة‪ ،‬وأفقه منّا في الكتاب والسنة‪ ،‬إلى غير ذلك من الخصال الحميدة‬
‫التي تخلّقوا بها‪ ،‬وتأدبوا بآدابها‪.‬‬

‫•ويشبه هذا الحديث تماماً – من حيث ثمرته وفائدته – حديث الخلفاء الراشدين‪،‬‬
‫المروي في السنن من حديث العرباض بن سارية رضي ال تعالى عنه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫جلَت منها القلوب‪ ،‬وذرفت‬ ‫وعظنا رسول ال صلى ال عليه و سلم موعظة َو ِ‬
‫منها العيون‪ ،‬فقلنا‪ :‬كأنها موعظة مُودّع فأوصنا يا رسول ال ! قال‪ ] :‬أوصيكم‬
‫بالسمع والطاعة‪ ،‬وإن ولي عليكم عبد حبشي‪ ،‬وإنه من يعش منكم فسيرى‬
‫اختلفاً كثيراً‪ ،‬فعليكم بسنتي‪ ،‬وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي‪ ،‬عضوا عليها‬
‫بالنواجذ… { وذكر الحديث‪.‬‬
‫والشاهد من هذا الحديث‪ ،‬هو معنى جوابه على السؤال السابق‪ ،‬إذ حض صلى ال‬
‫عليه و سلم أمته في أشخاص أصحابه أن يتمسكوا بسنته‪ ،‬ثم لم يقتصر على ذلك‬
‫بل قال‪ ] :‬وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي [‪.‬‬
‫فل بد لنا – والحالة هذه – من أن ندندن دائماً وأبداً حول هذا الصل الصيل؛ إذا‬
‫أردنا أن نفهم عقيدتنا‪ ،‬وأن نفهم عبادتنا‪ ،‬وأن نفهم أخلقنا وسلوكنا‪.‬‬
‫ول محيد عن العودة إلى منهج سلفنا الصالح لفهم كل هذه القضايا الضرورية‬
‫للمسلم‪ ،‬حتى يتحقق فيه – صدقاً – أنه من الفرقة الناجية‪.‬‬
‫ومن هنا ضلت طوائف قديمة وحديثة حين لم يتنبّهوا إلى مدلول الية السابقة‪،‬‬
‫وإلى مغزى حديث سنة الخلفاء الراشدين‪ ،‬وكذا حديث افتراق المة‪ ،‬فكان أمراً‬
‫طبيعيًا جداَ أن ينحرفوا كما انحرف من سبقهم عن كتاب ال‪ ،‬وسنة رسول صلى‬
‫ال عليه و سلم‪ ،‬ومنهج السلف الصالح‪.‬‬
‫ومن هؤلء المنحرفين‪ :‬الخوارج قدماء ومحدثين‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫فأن أصل فتنة التكفير في هذا الزمان‪ – ،‬بل منذ أزمان – هو آية يدندنون دائمًا‬
‫حولها؛ أل وهي قوله تعالى‪ } :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون { (‬
‫‪ -44‬المائدة(‪ ،‬فيأخذونها من غير فهوم عميقة‪ ،‬ويوردونها بل معرفة دقيقة‪.‬‬
‫ونحن نعلم أن هذه الية الكريمة قد تكررت وجاءت خاتمتها بألفاظ ثلثة‪ ،‬وهي‪} :‬‬
‫فأولئك هم الكافرون {‪ } ،‬فأولئك هم الظالمون { [ ‪ -45‬المائدة ]‪ } ،‬فأولئك هم‬
‫الفاسقون { [ ‪ – 47‬المائدة ]‪.‬‬
‫فمن تمام جَهْل الذين يحتجون بهذه الية باللفظ الول منها فقط‪ } :‬فأولئك هم‬
‫الكافرون {‪ :‬أنهم لم ُيلِمّوا على القل ببعض النصوص الشريعة – قرآناً أم سنة –‬
‫التي جاء فيها ذكر لفظة (الكفر(‪ ،‬فأخذوها – بغير نظر – على أنها تعني الخروج‬
‫من الدين‪ ،‬وأنه ل فرق بين هذا الذي وقع في الكفر‪ ،‬وبين أولئك المشركين من‬
‫اليهود والنصارى وأصحاب الملل الخرى الخارجة عن ملة السلم‪.‬‬
‫بينما لفظة الكفر في لغة الكتاب والسنة ل تعني – دائماً – هذا الذي يدندنون حوله‪،‬‬
‫ويسلطون هذا الفهم الخاطئ المغلوط عليه‪.‬‬
‫فشأن لفظة } الكافرون { ‪ -‬من حيث إنها ل تدل على معنى واحد – هو ذاته شأن‬
‫اللفظين الخرين‪ } :‬الظالمون {و} الفاسقون {‪ ،‬فكما أن من وُصف أنه ظالم أو‬
‫فاسق ل يلزم بالضرورة ارتداده عن دينه‪ ،‬فكذلك من وُصف بأنه كافر؛ سواء‬
‫بسواء‪.‬‬
‫وهذا التنوع في معنى اللفظ الواحد هو الذي تدل عليه اللغة‪ ،‬ثم الشرع الذي جاء‬
‫بلغة العرب – لغة القرآن الكريم –‪.‬‬
‫فمن أجل ذلك كان الواجب على كل من يتصدى لصدار الحكام على المسلمين –‬
‫سوا ًء كانوا حكاماً أم محكومين‪ -‬أن يكون على علم واسع بالكتاب والسنة‪ ،‬وعلى‬
‫ضوء منهج السلف الصالح‪.‬‬
‫والكتاب والسنة ل يمكن فهمهما – وكذلك ما تفرع عنهما – أل بطريق معرفة‬
‫اللغة العربية وآدابها معرفة دقيقة‪.‬‬
‫فإن كان لدى طالب العلم نقص في معرفة اللغة العربية‪ ،‬فإن مما يساعده في‬
‫استدراك ذلك النقص الرجوع إلى فهم من قبله من الئمة والعلماء‪ ،‬وبخاصة أهل‬
‫القرون الثلثة المشهود لهم بالخيرية‪.‬‬
‫ولنرجع إلى الية‪ } :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون {‪ ،‬فما المراد‬
‫بالكفر فيها ؟ هل هو الخروج عن الملة ؟ أو أنه غير ذلك ؟‬
‫فأقول‪ :‬ل بد من الدقة في فهم هذه الية‪ ،‬فإنها قد تعني الكفر العملي؛ وهو الخروج‬
‫بالعمال عن بعض أحكام السلم‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ويساعدنا في هذا الفهم حبر المة وترجمان القرآن‪ ،‬عبدال بن عباس رضي ال‬
‫عنهما؛ الذي أجمع المسلمون جميعاً – إل من كان من تلك الفرق الضالة – على‬
‫أنه إمام فريد في التفسير‪.‬‬
‫فكأنه طرق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تماماً من أن هناك أناساً يفهمون هذه الية‬
‫فهماً سطحياً‪ ،‬من غير تفصيل‪ ،‬فقال رضي ال عنه‪ " :‬ليس الكفر الذي تذهبون إليه‬
‫"‪ ،‬و‪ " :‬إنه ليس كفراً ينقل عن الملة " و‪ " :‬هو كفر دون كفر "‪.‬‬
‫ولعله يعني بذلك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي ال عنه‪،‬‬
‫ثم كان من عواقب ذلك أنهم سفكوا دماء المؤمنين‪ ،‬وفعلوا فيهم ما لم يفعلوا‬
‫‪((3‬‬
‫بالمشركين‪ :‬فقال‪ :‬ليس المر كما قالوا‪ ،‬أو كما ظنوا‪ ،‬وإنما هو كفر دون كفر ‪.‬‬
‫هذا الجواب المختصر الواضح من ترجمان القرآن في تفسير هذه الية هو الحكم‬
‫الذي ل يمكن أن يُفهم سواه من النصوص التي أشرت إليها قبل ‪.((4‬‬
‫ثم إن كلمة (الكفر( ذُكرت في كثير من النصوص القرآنية والحديثية‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫ل الحديث‬ ‫تُحمل – فيها جميعاً – على أنها تساوي الخروج من الملة ‪ ،((5‬من ذلك مث ً‬
‫(‪ )3‬راجع تخريج العلمة لهذه الثار الصحيحة الجزء السادس صفحة (‪ )109‬وما بعدها رقم (‪.)2552‬‬
‫(‪ )4‬قال الشيخ ابن عثيمين في تعليقه على كلمة العلًمة اللباني‪:‬‬
‫أحتج الشيخ اللباني بهذا الثر – عن ابن عباس رضي ال عنهما – ‪ ،‬وكذلك غيره من العلماء الذين تلقوه بالقبول‪ ،‬وإن‬
‫كان في سنده ما فيه‪ ،‬لكنهم تلقوه بالقبول‪ ،‬لصدق حقيقته على كثير من النصوص فقد قال النبي صلى ال عليه و سلم‪] :‬‬
‫ســباب المســلم فســوق‪ ،‬وقتاله كفــر [‪ ،‬ومــع ذلك فإن قتاله ل يخرج النســان مــن الملة‪ ،‬لقوله تعالى‪ } :‬وإن طائفتان مــن‬
‫المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما { إلى أن قال‪ } :‬إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم {‪.‬‬
‫لكن لما كان هذا ل يرضي هؤلء المفتونين بالتكفير‪ ،‬صاروا يقولون‪ :‬هذا الثر غير مقبول‪ ،‬ول يصح عن ابن عباس‪،‬‬
‫فيقال لهم‪ :‬كيف ل يصح وقد تلقاه من هو أكبر منكم وأفضل وأعلم بالحديث‪ ،‬وتقولون ل نقبل ؟!!‬
‫فيكفينا أن علماء جهابذة كشيخ السلم ابن تيمية وابن القيم – وغيرهما – تلقوه بالقبول‪ ،‬ويتكلمون به وينقلونه‪ ،‬فالثر‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ثم هب أن المر كما قلتم‪ :‬إنه ل يصح عن ابن عباس‪ ،‬فلدينا نصوص أخرى تدل على أن الكفر قد يطلق ول يراد به الكفر‬
‫المخرج عن الملة‪ ،‬كما في الية المذكورة‪ ،‬وكما في قوله صلى ال عليه و سلم‪ ] :‬اثنتان في الناس هما بهم كفر‪ :‬الطعن‬
‫في النسب والنياحة على الميت [‪ ،‬وهذه ل تخرج من الملة بل إشكال‪.‬‬
‫لكن كما قيل قلة البضاعة من العلم‪ ،‬وقلة فهم القواعد الشرعية العامة – كما قال الشيخ اللباني وفقه ال في أول كلمه –‬
‫هي التي توجب هذا الضلل‪.‬‬
‫ثم شيء آخر نضيفه إلى ذلك وهو‪ :‬سوء الرادة التي تستلزم سوء الفهم؛ لن النسان إذا كان يريد شيئ ًا لزم من ذلك أن‬
‫ينتقل فهمه إلى ما يريد‪ ،‬ثم يُحرّف النصوص على ذلك‪ .‬وكان من القواعد المعروفة عند العلماء أنهم يقولون‪( :‬استدل ثم‬
‫اعتقد)‪ ،‬ل تعتقد ثم تستدل فتضل‪ .‬فالسباب ثلث هي‪:‬‬
‫الول‪( :‬قلة البضاعة من العلم الشرعي)‪ ،‬الثاني‪( :‬قلة فقه القواعد الشرعية)‪ ،‬الثالث‪( :‬سوء الفهم المبني على سوء‬
‫الرادة)‪.‬‬
‫(‪ )5‬قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين جواباً على سؤال سائل‪:‬‬
‫من سوء الفهم قول من نسب لشيخ السلم ابن تيمية أنه قال‪ " :‬إذا أطلق الكفر فإنما يُراد به كفر أكبر "؛ مستدلً بهذا‬
‫القول على التكفير بآية‪ }:‬فأولئك هم الكافرون { !! مع أنه ليس في الية أن هذا هو (الكفر) !‪.‬‬
‫وأما القول الصحيح عن شيخ السلم فهو تفريقه – رحمه ال – بين (الكفر) المعرّف بـ (أل)‪ ،‬وبين (كُفر) منكراً‪.‬‬
‫فأما الوصف؛ فيصلح أن نقول فيه‪ " :‬هؤلء كافرون "‪ ،‬أو‪ " :‬هؤلء الكافرون "؛ بناءً على ما اتصفوا به من الكفر‬
‫ف الفعلُ‪ ،‬وأن يُوصفَ الفاعلُ‪.‬‬
‫الذي ل يخرج من الملة‪ ،‬ففرقٌ بين أن يوص َ‬
‫وعليه؛ فإنه بتأويلنا لهذه الية على ما ذكر‪ :‬نحكم بأن الحكم بغير ما أنزل ال ليس بكفر مخرج عن الملة‪ ،‬لكنه كفر‬
‫عملي‪ ،‬لن الحاكم بذلك خَرَج عن الطريق الصحيح‪.‬‬
‫ول يُفرق في ذلك بين الرجل الذي يأخذ قانوناً وضعياً من ِقبَل غيره ويحكّمه في دولته‪ ،‬وبين من يُنشيءُ قانوناً‪ ،‬ويضعُ‬
‫ن الوضعيّ؛ إذ المهم هو‪ :‬هل هذا القانون يُخالفُ القانون السماوي أم ل ؟‬
‫هذا القانو َ‬

‫‪6‬‬
‫المعروف في الصحيحين عن عبدال بن مسعود رضي ال تعالى عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ ] :‬سباب المسلم فسوق‪ ،‬وقتاله كفر [‪ .‬فالكفر هنا‬
‫هو المعصية‪ ،‬التي هي الخروج عن الطاعة‪ ،‬ولكن الرسول عليه الصلة والسلم‬
‫– وهو أفصح الناس بيانًا – بالغ في الزجر‪ ،‬قائلً‪ … ] :‬وقتاله كفر [‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬هل يمكن لنا أن نفسر الفقرة الولى من هذا الحديث – ] سباب‬
‫المسلم فسوق [ – على معنى الفسق المذكور في اللفظ الثالث ضمن الية‬
‫السابقة‪ } :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون { ؟‬
‫والجواب‪ :‬أن هذا قد يكون فسقاً مرادفًا للكفر الذي هو بمعنى الخروج عن الملة‪،‬‬
‫وقد يكون الفسق مرادفاً للكفر الذي ل يعني الخروج عن الملة‪ ،‬وإنما يعني ما قاله‬
‫ترجمان القرآن إنه كفر دون كفر‪.‬‬
‫وهذا الحديث يؤكد أن الكفر قد يكون بهذا المعنى؛ وذلك لن ال عز وجل قال‪} :‬‬
‫وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى‬
‫فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال {‪ .‬إذ قد ذكر ربنا عز وجل هنا الفرقة‬
‫الباغية التي تقاتل الفرقة المحقة المؤمنة‪ ،‬ومع ذلك فلم يحكم على الباغية بالكفر‪،‬‬
‫مع أن الحديث يقول‪ … ] :‬وقتاله كفر [‪.‬‬
‫إذاً فقتاله كفر دون كفر‪ ،‬كما قال ابن عباس في تفسير الية السابقة تماماً‪.‬‬
‫فقتال المسلم للمسلم بغي واعتداء‪ ،‬وفسق وكفر‪ ،‬ولكن هذا يعني أن الكفر قد يكون‬
‫كفراً عملياً‪ ،‬وقد يكون كفراً اعتقادياً‪.‬‬
‫من هنا جاء هذا التفصيل الدقيق الذي تولى بيانه وشرحه المام – بحق – شيخ‬
‫السلم ابن تيمية رحمه ال‪ ،‬وتولى ذلك من بعده تلميذه البار ابن قيم الجوزية‪ ،‬إذ‬
‫لهما الفضل في التنبيه والدندنة على تقسيم الكفر إلى ذلك التقسيم‪ ،‬الذي رفع رايته‬
‫ترجمان القرآن بتلك الكلمة الجامعة الموجزة‪ ،‬فابن تيمية يرحمه ال وتلميذه‬
‫وصاحبه ابن قيم الجوزية‪ :‬يدندنان دائماً حول ضرورة التفريق بين الكفر‬
‫العتقادي والكفر العملي‪ ،‬وإل وقع المسلم من حيث ل يدري في فتنة الخروج عن‬
‫جماعة المسلمين‪ ،‬التي وقع فيها الخوارج قديماً وبعض أذنابهم حديثاً‪.‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬إن قوله صلى ال عليه و سلم ] … وقتاله كفر [ ل يعني – مطلقاً‬
‫– الخروج عن الملة‪.‬‬
‫والحاديث في هذا كثيرة جداً‪ ،‬فهي – جميعاً‪ -‬حجة دامغة على أولئك الذين يقفون‬
‫عند فهمهم القاصر للية السابقة‪ ،‬ويلتزمون تفسيرها بالكفر العتقادي‪.‬‬
‫فحسبنا الن هذا الحديث؛ لنه دليل قاطع على أن قتال المسلم لخيه المسلم هو‬
‫كفر‪ ،‬بمعنى الكفر العملي‪ ،‬وليس الكفر العتقادي‪.‬‬
‫فإذا عدنا إلى (جماعة التكفير( – أو من تفرع عنهم –‪ ،‬وإطلقهم على الحكام‪– ،‬‬
‫وعلى من يعيشون تحت رايتهم بالولى‪ ،‬وينتظمون تحت إمرتهم وتوظيفهم –‬

‫‪7‬‬
‫الكفر والردة‪ ،‬فإن ذلك مبني على وجهة نظرهم الفاسدة‪ ،‬القائمة على أن هؤلء‬
‫ارتكبوا المعاصي فكفروا بذلك ‪.((6‬‬
‫ومن جملة المور التي يفيد ذكرها وحكايتها‪ :‬أنني التقيت مع بعض أولئك الذين‬
‫كانوا من (جماعة التكفير( ثم هداهم ال عز وجل‪:‬‬
‫فقلت لهم‪ :‬ها أنتم كفرتم بعض الحكام‪ ،‬فما بالكم تكفرون أئمة المساجد‪ ،‬وخطباء‬
‫المساجد‪ ،‬ومؤذني المساجد‪ ،‬وخَدَ َمةَ المساجد ؟ وما بالكم تكفرون أساتذة العلم‬
‫الشرعي في المدارس وغيرها ؟‬
‫قالوا‪ :‬لن هؤلء رضوا بحكم هؤلء الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل ال‪.‬‬
‫ى قلبياً بالحكم بغير ما أنزل ال‪ ،‬فحينئذ ينقلب‬ ‫فأقول‪ :‬إذا كان هذا الرضى رض ً‬
‫الكفر العملي إلى كفر اعتقادي‪ .‬فأي حاكم يحكم بغير ما أنزل ال وهو يرى ويعتقد‬
‫أن هذا هو الحكم اللئق تبنيه في هذا العصر‪ ،‬وأنه ل يليق به تبنيه للحكم الشرعي‬
‫المنصوص في الكتاب والسنة‪ ،‬فل شك أن هذا الحاكم يكون كفره كفراً اعتقادياً‪،‬‬
‫وليس كفراً عملياً فقط‪ ،‬ومن رضي ارتضاءه واعتقاده‪ :‬فإنه يلحق به ‪.((7‬‬
‫ثم قلت لهم‪ :‬فأنتم – أولً – ل تستطيعون أن تحكموا على كل حاكم يحكم بالقوانين‬
‫الغربية الكافرة – أو بكثير منها –‪ ،‬أنه لو سئل عن الحكم بغير ما أنزل ال ؟!‬
‫لجاب‪ :‬بأن الحكم بهذه القوانين هو الحق والصالح في هذا العصر‪ ،‬وأنه ل يجوز‬
‫الحكم بالسلم‪ ،‬لنهم لو قالوا ذلك لصاروا كفارًا – حقاً – دون شك ول ريب‪.‬‬
‫فإذا انتقلنا إلى المحكومين – وفيهم العلماء والصالحون وغيرهم –‪ ،‬فكيف تحكمون‬
‫عليهم بالكفر بمجرد أنهم يعيشون تحت حكم يشملهم كما يشملكم أنتم تماماً ؟‬
‫ولكنكم تعلنون أن هؤلء كفار مرتدون‪ ،‬والحكم بما أنزل ال هو الواجب‪ ،‬ثم‬
‫تقولون معتذرين لنفسكم‪ :‬إن مخالفة الحكم الشرعي بمجرد العمل ل يستلزم الحكم‬
‫على هذا العامل بأنه مرتد عن دينه !‪.‬‬
‫وهذا عين ما يقوله غيركم‪ ،‬سوى أنكم تزيدون عليهم – بغير حق – الحكم بالتكفير‬
‫والردة‪.‬‬
‫ومن جملة المسائل التي توضح خطأهم وضللهم‪ ،‬أن يقال لهم‪ :‬متى يحكم على‬
‫المسلم الذي يشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمداً رسول ال – وقد يكون يصلي –‬
‫بأنه ارتد عن دينه ؟‬
‫أيكفي مرة واحدة ؟‬
‫أو أنه يجب أن يعلن أنه مرتد عن الدين ؟!‪.‬‬
‫إنهم لن يعرفوا جواباً‪ ،‬ولن يهتدوا صواباً‪ ،‬فنضطر إلى أن نضرب لهم المثل‬
‫التالي‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫(‪ )6‬قال الشيخ ابن عثيمين‪ :‬نسأل ال العافية‪.‬‬


‫(‪ )7‬قال العلمة اللباني معلقاً‪ :‬ثم يلقبنا هؤلء – بالباطل – مرجئة العصر !!!‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫قاضِ يحكم بالشرع‪ ،‬هكذا عادته ونظامه‪ ،‬لكنه في حكومة واحدة زلَت به القدم‬
‫فحكم بخلف الشرع‪ ،‬أي‪ :‬أعطى الحق للظالم وحرمه المظلوم‪ ،‬فهذا – قطعاً –‬
‫حكم بغير ما أنزل ال ؟ فهل تقولون بأنه‪َ :‬كفَرَ كُفرَ ردة ؟‬
‫سيقولون‪ :‬ل؛ لن هذا صدر منه مرة واحدة‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬إن صدر نفس الحكم مرة ثانية‪ ،‬أو حكم آخر‪ ،‬وخالف الشرع أيضاً‪ ،‬فهل‬
‫يكفر ؟‬
‫ثم نكرر عليهم‪ :‬ثلث مرات‪ ،‬أربع مرات‪ ،‬متى تقولون‪ :‬أنه كفر ؟! لن يستطيعوا‬
‫وضع حد بتعداد أحكامه التي خالف فيها الشرع‪ ،‬ثم ل يكفرونه بها‪.‬‬
‫في حين يستطيعون عكس ذلك تماماً‪ ،‬إذا عُلمَ منه أنه في الحكم الول استحسن‬
‫الحكم بغير ما أنزل ال – مستحلً له – واستقبح الحكم الشرعي‪ ،‬فساعتئذ يكون‬
‫الحكم عليه بالردة صحيحاً‪ ،‬ومن المرة الولى‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك‪ :‬لو رأينا منه عشرات الحكومات‪ ،‬في قضايا متعددة خالف‬
‫فيها الشرع‪ ،‬وإذا سألناه‪ :‬لماذا حكمت بغير ما أنزل ال عز وجل ؟ فرد قائلً‪ :‬خفت‬
‫وخشيت على نفسي‪ ،‬أو ارتشيت مثلً فهذا أسوأ من الول بكثير‪ ،‬ومع ذلك فإننا ل‬
‫نستطيع أن نقول بكفره‪ ،‬حتى يعرب عمّا في قلبه بأنه ل يرى الحكم بما أنزل ال‬
‫عز وجل‪ ،‬فحينئذ فقط نستطيع أن نقول‪ :‬إنه كافر كفر ردة‪.‬‬
‫وخلصة الكلم‪ :‬ل بد من معرفة أن الكفر – كالفسق والظلم –‪ ،‬ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫•كفر وفسق وظلم يخرج من الملة‪ ،‬وكل ذلك يعود إلى الستحلل القلبي‪.‬‬
‫•وآخر ل يخرج من الملة؛ يعود إلى الستحلل العملي‪.‬‬
‫فكل المعاصي – وبخاصة ما فشا في هذا الزمان من استحلل عملي للرّبا‪،‬‬
‫والزنى‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬وغيرها‪ – ،‬هي من الكفر العملي‪ ،‬فل يجوز أن نكفر‬
‫العصاة المتلبسين بشيء من المعاصي لمجرد ارتكابهم لها‪ ،‬واستحللهم إياها‬
‫عملياً‪ ،‬إل إذا ظهر – يقينًا – لنا منهم – يقيناً – ما يكشف لنا عما في قرارة نفوسهم‬
‫أنهم ل ُيحَرّمون ما حرم ال ورسوله اعتقاداً؛ فإذا عرفنا أنهم وقعوا في هذه‬
‫المخالفة القلبية حكمنا حينئذ بأنهم كفروا كفر ردة‪.‬‬
‫أما إذا لم نعلم ذلك فل سبيل لنا إلى الحكم بكفرهم؛ لننا نخشى أن نقع تحت وعيد‬
‫قوله عليه الصلة والسلم‪ ] :‬إذا قال الرجل لخيه‪ :‬يا كافر‪ ،‬فقد باء بها أحدهما [‪.‬‬
‫والحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة جداً‪ ،‬أذكر منها حديثاً ذا دللة كبيرة‪ ،‬وهو‬
‫في قصة ذلك الصحابي الذي قاتل أحد المشركين‪ ،‬فلما رأى هذا المُشرك أنه صار‬
‫تحت ضربة سيف المسلم الصحابي‪ ،‬قال‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬فما بالها‬
‫الصحابي فقتله‪ ،‬فلما بلغ خبره النبي صلى ال عليه و سلم أنكر عليه ذلك أشد‬
‫النكار‪ ،‬فاعتذر الصحابي بأن المشرك ما قالها إل خوفًا من القتل‪ ،‬وكان جوابه‬

‫‪9‬‬
‫صلى ال عليه و سلم‪ ] :‬هلّ شققت عن قلبه ؟! [‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم من‬
‫حديث أسامة بن زيد رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪((8‬‬
‫إذاً الكفر العتقادي ليس له علقة أساسية بمجرد العمل إنما علقته الكبرى‬
‫بالقلب‪.‬‬
‫ونحن ل نستطيع أن نعلم ما في قلب الفاسق‪ ،‬والفاجر‪ ،‬والسارق‪ ،‬والزاني‪،‬‬
‫والمرابي … ومن شابههم‪ ،‬إل إذا عبّر عما في قلبه بلسانه‪ ،‬أما عمله فيبنئ أنه‬
‫خالف الشرع مخالفة عملية‪.‬‬
‫فنحن نقول ‪ :‬إنك خالفت‪ ،‬وإنك فسقت‪ ،‬وإنك فجرت‪ ،‬لكن ل نقول ‪ :‬إنك كفرت‪،‬‬
‫وارتدت عن دينك‪ ،‬حتى يظهر منه شئ يكون لنا عذر عند ال عز وجل في الحكم‬
‫بردته‪ ،‬ثم يأتي الحكم المعروف في السلم عليه؛ أل وهو قوله عليه الصلة‬
‫والسلم‪ ]:‬من بدل دينه فاقتلوه [ ‪.‬‬
‫ثم قلت – وما أزال أقول – لهؤلء الذين يدندنون حول تكفير حكام المسلمين‪:‬‬
‫هبوا أن هؤلء الحكام كفار كفر ردة‪ ،‬وهبوا – أيضًا – أن هناك حاكماً أعلى على‬
‫هؤلء‪ ،‬فالواجب – والحالة هذه – أن يطبق هذا الحاكم العلى فيهم الحد‪.‬‬
‫ولكن؛ الن‪ :‬ماذا تستفيدون أنتم من الناحية العملية إذا سلّمنا – جدلً – أن هؤلء‬
‫الحكام كفار كفر ردة ؟! ماذا يمكن أن تصنعوا وتفعلوا ؟‪.‬‬
‫إذ قالوا‪ :‬ولء وبراء؛ فنقول‪ :‬الولء والبراء مرتبطان بالموالة والمعاداة – قلبية‬
‫وعملية – وعلى حسب الستطاعة‪ ،‬فل يشترط لوجودهما إعلن التكفير وإشهار‬
‫الردة‪.‬‬
‫بل إن الولء والبراء قد يكونان في مبتدع‪ ،‬أو عاص‪ ،‬أو ظالم‪.‬‬
‫ثم أقول لهؤلء‪ :‬ها هم هؤلء الكفار قد احتلوا من بلد السلم مواقع عدة‪ ،‬ونحن‬
‫مع السف ابتلينا باحتلل اليهود لفلسطين‪.‬‬
‫فما الذي نستطيع نحن وأنتم فعله مع هؤلء ؟! حتى تقفوا أنتم – وحدكم – ضد‬
‫أولئك الحكام الذين تظنون أنهم من الكفار‪ ((9‬؟!‪.‬‬

‫(‪ )8‬قال العلمة اللباني معلقاً‪ " :‬ومن العمال أعمالٌ قد يكفر بها صاحبها كفراً اعتقادياً؛ لنها تدل على كفره دللة قطعيّة‬
‫يقينيّة‪ ،‬بحيث يقوم فعله هذا منه مقام إعرابه بلسانه عن كفره؛ كمثل أن يدوس المصحف َ‪ ،‬مع علمه به‪ ،‬وقصده له "‪.‬‬
‫(‪ )9‬قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين حفظه ال‪:‬‬
‫هذا الكلم جيــد‪ ،‬يعنــي أن هؤلء الذيــن يحكمون على الولة المســلمين بأنهــم كفار ماذا يســتفيدون إذا حكموا بكفرهــم ؟‬
‫أيسـتطيعون إزالتهـم ؟ ل يسـتطيعون‪ ،‬وإذا كان اليهود قـد احتلوا فلسـطين قبـل نحـو خمسـين عاماً‪ ،‬ومـع ذلك مـا اسـتطاعت‬
‫المة السلمية كلها عربها وعجمها أن يزيحوها عن مكانها‪ ،‬فكيف نذهب ونسلط ألسنتنا على ولة يحكموننا ؟ ونعلم أننا‬
‫ل نستطيع إزالتهم‪ ،‬وأنه سوف تراق دماء وتستباح أموال‪ ،‬وربما أعراض أيضاً‪ ،‬ولن نصل إلى نتيجة‪= .‬‬
‫= إذاً ما الفائدة ؟ حتى لو كان النسان يعتقد فيما بينه وبين ربه أن من هؤلء الحكام من هو كافر كفراً مخرجاً عن الملة‬
‫حقاً‪ ،‬فما الفائدة من إعلنه وإشاعته إل إثارة الفتن ؟ كلم الشيخ اللباني هذا جيد جداً‪.‬‬
‫لكنا قد نخالفه في مسألة أنه ل يحكم بكفرهم إل إذا اعتقدوا حل ذلك‪ ،‬هذه المسألة تحتاج إلى نظر(أ)‪ .‬لننا نقول‪ :‬من حكم‬
‫بحكم ال‪ ،‬وهو يعتقد أن حكم غير ال أولى فهو كافر – وإن حكم بحكم ال – وكفره كفر عقيدة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫هل تركتم هذه الناحية جانباً‪ ،‬وبدأتم بتأسيس القاعدة التي على أساسها تقوم قائمة‬
‫الحكومة المسلمة‪ ،‬وذلك باتباع سنة رسول ال التي ربى أصحابه عليها‪،‬‬
‫و َنشّأهم على نظامها وأساسها‪.‬‬
‫نذكر هذا مراراً‪ ،‬ونؤكده تكراراً‪ :‬ل بد لكل جماعة مسلمة من العمل بحق لعادة‬
‫حكم السلم‪ ،‬ليس فقط على أرض السلم‪ ،‬بل على الرض كلها‪ ،‬وذلك تحقيقاً‬
‫لقوله تبارك وتعالى‪ } :‬هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على‬
‫الدين كله ولو كره المشركون { (‪ -9‬الصف(‪ .‬وقد جاء في بعض بشائر الحاديث‬
‫النبوية أن هذه الية ستتحقق فيما بعد‪.‬‬
‫فلكي يتمكن المسلمون من تحقيق هذا النص القرآني والوعد اللهي‪ ،‬فل بد من‬
‫سبيل بيّن وطريق واضح‪ ،‬فهل يكون ذلك الطريق بإعلن ثورة على هؤلء الحكام‬
‫الذين يظن هؤلء أن كفرهم كفر ردة ؟ ثم مع ظنهم هذا – وهو ظن غالط خاطئ –‬
‫ل يستطيعون أن يعملوا شيئاً ‪.((10‬‬
‫(‪ )10‬وقد سُئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين عن الشبهة التالية وهي‪:‬‬
‫هناك شبهة عند كثير من الشباب هي التي استحكمت في عقولهم‪ ،‬وأثارت عندهم مسألة الخروج‪ ،‬وهي‪ :‬أن هؤلء الحكام‬
‫المبدلون وضعوا قوانين وضعية من عندهم‪ ،‬ولم يحكموا بما أنزل ال فحكم هؤلء الشباب بردتهم وكفرهم‪ ،‬وبنوا على‬
‫ذلك‪ :‬أن هؤلء ما داموا كفاراً فيجب قتالهم‪ ،‬ول ينظر إلى حالة ضعفهم لن حالة الضعف قد نسخت‪ ،‬كما يقولون بآية‬
‫السيف!!! (الية ‪ – 5‬التوبة) فما عاد هناك مجال للعمل بمرحلة الستضعاف‪ ،‬التي كان المسلمون عليها في مكة !!‪.‬‬
‫فأجاب فضيلته عن هذه الشبهة فقال‪:‬‬
‫ل بد أن نعلم أولً هل انطبق عليهم وصف الردة أم ل ؟‬
‫وهذا يحتاج إلى معرفة الدلة الدالة على أن هذا القول أو الفعل ردة‪ ،‬ثم تطبيقها على شخص بعينه‪ ،‬وهل له شبهة أم ل ؟‬
‫يعني‪ :‬قد يكون النص قد دل على أن هذا الفعل كفر‪ ،‬وهذا القول كفر‪ ،‬لكن هناك مانع يمنع من تطبيق حكم الكفر على هذا‬
‫الشخص المعين‪.‬‬
‫والموانع كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬الظن – وهو جهل – ومنها‪ :‬الغلبة‪.‬‬
‫فالرجل الذي قال لهله‪ :‬إذا مت فحرقوني واسحقوني في اليم‪ ،‬فإن ال لو قدر عليّ ليعذبني عذاباً ل يعذبه أحد من‬
‫العالمين؛ – والحديث أخرجه البخاري‪ ،‬ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه – هذا الرجل ظاهر عقيدته الكفر‬
‫والشك في قدرة ال‪ ،‬لكن ال لما جمعه وخاطبه قال‪ :‬يارب إني خشيت منك أو كلمة نحوها‪ ،‬فغفر له‪ ،‬فصار هذا الفعل منه‬
‫تأويلً‪( .‬أي غير مقصود له‪ ،‬ول مُراد منه)‪.‬‬
‫ومثل ذلك الرجل الذي غلبه الفرح‪ ،‬وأخذ بناقته قائلً‪ :‬اللهم أنت عبدي وأنا ربك!! – أخرجه البخاري‪ ،‬ومسلم عن أنس‬
‫بن مالك رضي ال عنه – كلمة كفر‪ ،‬لكن هذا القائل يكفر؛ لنه مغلوب عليه‪ ،‬فمن شدة الفرح أخطأ‪ ،‬أراد أن يقول‪ :‬اللهم‬
‫أنت ربي وأنا عبدك‪ ،‬فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك !‪.‬‬
‫والمكره يكره على الكفر فيقول كلمة الكفر‪ ،‬أو يفعل فعل الكفر‪ ،‬ولكن ل يكفر بنص القرآن؛ لنه غير مريد‪ ،‬وغير مختار‪.‬‬
‫وهؤلء الحكام‪ ،‬نحن نعرف أنهم في المسائل الشخصية – كالنكاح والفرائض وما أشبهها – يحكمون بما دل عليه القرآن‬
‫على اختلف المذاهب‪.‬‬
‫وأما في الحكم بين الناس فيختلفون … ولهم شبهة يوردها لهم بعض علماء السوء‪ ،‬يقولون‪ :‬إن النبي صلى ال عليه و‬
‫سلم يقول‪ ] :‬أنتم أعلم بأمور دنياكم [‪ .‬وهذا عام‪ ،‬فكل ما تصلح به الدنيا فلنا الحرية فيه؛ لن الرسول صلى ال عليه و‬
‫سلم قال‪ ] :‬أنتم أعلم بأمور دنياكم [ !!‪.‬‬
‫وهذه – ل شك – شبهة‪ .‬لكن هل هو مسوغ لهم في أن يخرجوا عن قوانين السلم في إقامة الحدود‪ ،‬ومنع الخمور وما‬
‫شابه ذلك ؟‪.‬‬
‫وعلى فرض أن يكون لهم في بعض النواحي القتصادية شبهة‪ ،‬فإن هذا ليس فيه شبهة‪.‬‬
‫وأما تمام الشكال المطروح فيقال فيه‪ :‬إذا كان ال تعالى بعد أن فرض القتال قد قال‪ }:‬إن يكن منكم عشرون صابرون‬
‫يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قو ٌم ل يفقهون { (‪ -65‬النفال)‪ .‬فكم هؤلء ؟! واحدٌ‬
‫بعشرة‪.‬‬
‫ثم قال‪ }:‬الن خفف ال عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا‬
‫ألفين بإذن ال وال مع الصابرين {‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫إذاً؛ ما هو المنهج ؟ وما هو الطريق ؟‬
‫ل شك أن الطريق الصحيح هو ما كان رسول ال صلى ال عليه و سلم يدندن‬
‫حوله‪ ،‬ويُذكّر أصحابه به في كل خطبة‪ ] :‬وخير الهدي هدي محمد صلى ال عليه‬
‫و سلم [‪.‬‬
‫فعلى المسلمين كافة – وبخاصة منهم من يهتم بإعادة الحكم السلمي – أن يبدؤوا‬
‫من حيث بدأ رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ ،‬وهو ما نوجزه نحن بكلمتين‬
‫خفيفتين‪( :‬التصفية‪ ،‬والتربية(‪.‬‬
‫ذلك لننا نعلم حقائق ثابتة وراسخة يغفل عنها – أو يتغافل عنها – أولئك الغلة‪،‬‬
‫الذين ليس لهم إل إعلن تكفير الحكام‪ ،‬ثم ل شيء‪.‬‬
‫وسيظلون يعلنون تكفير الحكام‪ ،‬ثم ل يصدر منهم – أو عنهم – إل الفتن‬
‫والمحن !!‪.‬‬
‫والواقع في هذه السنوات الخيرة على أيدي هؤلء‪ ،‬بدءاً من فتنة الحرم المكي‪،‬‬
‫إلى فتنة مصر‪ ،‬وقتل السادات‪ ،‬وأخيراً في‬
‫سوريا‪ ،‬ثم الن في مصر والجزائر – منظور لكل أحد –‪ :‬هدر دماء من المسلمين‬
‫البرياء بسبب هذه الفتن والبليا‪ ،‬وحصول كثير من المحن والرزايا‪.‬‬
‫كل هذا بسبب مخالفة هؤلء لكثير من نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وأهمها قوله‬
‫تعالى‪ } :‬لقد كان لكم في رسول ال أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو ال واليوم الخر‬
‫وذكر ال كثيرًا { (‪ – 21‬الحزاب(‪.‬‬
‫إذا أردنا أن نقيم حكم ال في الرض – حقاً ل ادعاء –‪ ،‬هل نبدأ بتكفير الحكام‬
‫ونحن ل نستطيع مواجهتهم‪ ،‬فضلً عن أن نقاتلهم ؟ أم نبدأ – وجوباً – بما بدأ به‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم ؟‬
‫لشك أن الجواب‪ } :‬لقد كان لكم في رسول ال أسوةٌ حسن ٌة … {‪.‬‬

‫وقد قال بعض العلماء‪ :‬إن ذلك في‪ ،‬وقت الضعف‪ ،‬والحكم يدور مع علته‪ ،‬فبعد أن أوجب ال عليهم مصابرة العشرة‬
‫قال‪ } :‬الن خفف ال عنكم وعلم أن فيكم ضعف ًا {‪.‬‬
‫ثم نقول‪ :‬إن عندنا نصوصاً محكمة تبين هذا المر‪ ،‬وتوضحه؛ منها قوله تعالى‪ } :‬ل يكلف ال نفساً إل وسعها {‪ .‬فال‬
‫سبحانه ل يكلف نفس ًا إل وسعها وقدرتها‪ ،‬وال سبحانه يقول – أيضاً –‪ } :‬فاتقوا ال ما استطعتم {‪.‬‬
‫فلو فرضنا – بحسب الشروط والضوابط التي ذكرها العلماء الجلّء – أن الخروج المشار إليه على هذا الحاكم واجب‪،‬‬
‫فإنه ل يجب علينا ونحن ل نستطيع إزاحته‪ ،‬فالمر واضح … ولكنه الهوى يهوي بصاحبه‪.‬‬
‫(أ) قال العلمة اللباني معلقاً‪ :‬لم يظهر لي وجه احتمالية هذه المخالفة‪ ،‬إذ أنني أقول‪ :‬لو أن أحداً من الناس – ولو من‬
‫غير الحكام – رأى أن حكم غير السلم أولى من حكم السلم – ولو حكم بالسلم عملً – فهو كافر؛ إذًا ل اختلف‪ ،‬لن‬
‫المرجع أصلً إلى ما في القلب‪.‬‬
‫لكن كلمنا على العمل‪.‬‬
‫وفي ظني أنه ل يمكن لحد أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه في عباد ال إل وهو يستحله ويعتقد أنه خير من‬
‫القانون الشرعي‪ ،‬فهو كافر‪ ،‬هذا هو الظاهر‪ ،‬وإل فما الذي حمله على ذلك ؟‬
‫قد يكون الذي حمله على ذلك خوفاً من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه‪ ،‬فيكون مداهناً لهم‪ ،‬فحينئذ نقول‪ :‬إن هذا‬
‫كالمداهن في بقية المعاصي‪ ،‬وأهم شيء في هذا الباب هو مسألة التكفير الذي ينتج العمل‪ ،‬وهو الخروج على هؤلء‬
‫الئمة‪ ،‬هذا هو المشكل‪ .‬نعم‪ ،‬لو أن النسان عنده قوة يستطيع يُصفي كل حاكم كافر له ولية على المسلمين‪ ،‬كان هذا مما‬
‫نرحب به إذا كان كفراً بواحاً عندنا فيه من ال برهان‪ ،‬لكن المسألة ليست على هذه الصفة وليست هينة !!‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ولكن؛ بماذا بدأ رسول ال صلى ال عليه و سلم ؟‬
‫من المتيقين عند كل من اشتم رائحة العلم أنه صلى ال عليه و سلم بدأ بالدعوة بين‬
‫الفراد الذين كان يظن فيهم الستعداد لتقبل الحق‪ ،‬ثم استجاب له من استجاب من‬
‫أفراد الصحابة – كما هو معروف في السيرة النبوية –‪ ،‬ثم وقع بعد ذلك التعذيب‬
‫والشدة التي أصابت المسلمين في مكة‪ ،‬ثم جاء المر بالهجرة الولى والثانية‪ ،‬حتى‬
‫وطد ال عز وجل السلم في المدينة المنورة‪ ،‬وبدأت هناك المناوشات‬
‫والمواجهات‪ ،‬وبدأ القتال بين المسلمين وبين الكفار من جهة‪ ،‬ثم اليهود من جهة‬
‫أخرى … هكذا‪.‬‬
‫إذاً؛ ل بد أن نبدأ نحن بتعليم الناس السلم الحق‪ ،‬كما بدأ الرسول عليه الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬لكن؛ ل يجوز لنا الن أن نقتصر على مجرد التعليم فقط‪ ،‬فلقد دخل في‬
‫السلم ما ليس منه‪ ،‬وما ل يمت إليه بصلة‪ ،‬من البدع والمحدثات مما كان سبباً‬
‫في تهدم الصرح السلمي الشامخ‪.‬‬
‫فلذلك كان الواجب على الدعاة أن يبدءوا بتصفية هذا السلم مما دخل فيه‪.‬‬
‫هذا هو الصل الول‪( :‬التصفية(‬
‫وأما الصل الثاني‪ :‬فهو أن يقترن مع هذه التصفية تربية الشباب المسلم الناشئ‬
‫على هذا السلم المصفى ‪.((11‬‬
‫ونحن إذا درسنا واقع الجماعات السلمية القائمة منذ نحو قرابة قرن من الزمان‪،‬‬
‫وأفكارها وممارساتها‪ ،‬لوجدنا الكثير منهم لم يستفيدوا – أو يفيدوا – شيئاً يذكر‪،‬‬
‫برغم صياحهم وضجيجهم بأنهم يريدونها حكومة إسلمية‪ ،‬مما سبب سفك دماء‬
‫أبرياء كثيرين بهذه الحجة الواهية‪ ،‬دون أن يحققوا من ذلك شيئاً‪.‬‬
‫فل نزال نسمع منهم العقائد المخالفة للكتاب والسنة‪ ،‬والعمال المنافية للكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬فضلً عن تكرارهم تلك المحاولت الفاشلة المخالفة للشرع‪.‬‬
‫وختاماً أقول‪ :‬هناك كلمة لحد الدعاة– كنت أتمنى من أتباعه أن يلتزموها وأن‬
‫يحققوها – وهي‪( :‬أقيموا دولة السلم في قلوبكم تقم لكم على أرضكم(‪.((12‬‬
‫لن المسلم إذا صحح عقيدته بناءً على الكتاب والسنة‪ ،‬فل شك أنه بذلك ستصلح‬
‫عبادته‪ ،‬وستصلح أخلقه‪ ،‬وسيصلح سلوكه …الخ‬

‫(‪ )11‬قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين حفظه ال‪:‬‬


‫يريد الشيخ اللباني أن يُصفى السلم أولً‪ ،‬لن السلم الن فيه شوائب‪ ،‬شوائب في العقيدة‪ ،‬شوائب في الخلق‪،‬‬
‫شوائب في المعاملت‪ ،‬شوائب في العبادات‪ ،‬كل هذه الربعة‪.‬‬
‫في العقيدة‪ :‬هذا أشعري‪ ،‬هذا معتزلي‪ ،‬هذا كذا‪ ،‬هذا كذا‪.‬‬
‫في العبادات‪ :‬هذا صوفي‪ ،‬هذا قادري‪ ،‬هذا تيجاني … إلخ‪.‬‬
‫في المعاملت‪ :‬هذا يحلل الربا الستثماري‪ ،‬وهذا يحرمه‪ ،‬وهذا يبيح الميسر‪ ،‬وهذا يحرمه‪.‬‬
‫فتجد أن السلم يحتاج أولً إلى تصفيه من هذه الشوائب‪ ،‬وهذا يحتاج إلى جهود كبيرة من العلماء وطلب العلم‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك يتربى الشباب على هذا السلم المصفى من هذه الشوائب‪ .‬فعندئذ يخرج جيل من الشباب على عقيدة سليمة وأخلق‬
‫وآداب كريمة موافقة للكتاب والسنة والسلف الصالح‪.‬‬
‫(‪ )12‬قال الشيخ ابن عثيمين‪ :‬هذه الكلمة جيدة‪ ،‬وال المستعان‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫لكن هذه الكلمة الطيبة – مع السف – لم يعمل بها هؤلء الناس‪ ،‬فظلوا يصيحون‬
‫مطالبين بإقامة الدولة المسلمة … لكن دون جدوى‪ ،‬ولقد صدق فيهم – وال – قول‬
‫إن السفينة ل تجري على‬ ‫ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها‬ ‫الشاعر‪:‬‬
‫اليبس‬
‫لعل فيما ذكرت مقنعًا لكل منصف‪ ،‬ومنتهى لكل متعسف‪ .‬وال المستعان‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫تقريظ سماحة العلمة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه ال‬

‫الحمد ل والصلة والسلم على رسول ال وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه‬
‫أما بعد ‪.((13‬‬
‫فقد اطلعت على الجواب المفيد الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد‬
‫ناصرالدين اللباني وفقه ال‪ ،‬المنشور في صحيفة المسلمون‪ ،‬الذي أجاب به‬
‫فضيلته من سأله عن‪ " :‬تكفير من حكم بغير ما أنزل ال من غير تفصيل "‪.‬‬
‫فألفيتها كلمة قيمة أصاب فيها الحق‪ ،‬وسلك فيها سبيل المؤمنين‪ ،‬وأوضح وفقه ال‬
‫أنه ل يجوز لحد من الناس أن يُ َكفّر من حكم بغير ما أنزل ال بمجرد الفعل من‬
‫دون أن يعلم أنه استحل ذلك بقلبه‪ ،‬واحتج بما جاء في ذلك عن ابن عباس رضي‬
‫ال عنهما وعن غيره من سلف المة‪.‬‬
‫ولشك أن ما ذكره في جوابه في تفسير قوله تعالى‪ } :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال‬
‫فأولئك هم الكافرون {‪ ،‬و } ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الظالمون {‪،‬‬
‫و‪ } :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون {‪ ،‬هو الصواب‪.‬‬
‫وقد أوضح أن الكفر كفران‪ :‬أكبر وأصغر‪ ،‬كما أن الظلم ظلمان‪ ،‬وهكذا الفسق‬
‫فسقان‪ :‬أكبر وأصغر‪.‬‬
‫فمن استحل الحكم بغير ما أنزل ال‪ ،‬أو الزنى‪ ،‬أو الربا‪ ،‬أو غيرها من المحرمات‬
‫المجمع على تحريمها فقد كفر كفراً أكبر‪ ،‬وظلم ظلماً أكبر‪ ،‬وفسق فسقاً أكبر‪:‬‬
‫ومن فعلها بدون استحلل كان كفره كفراً أصغر‪ ،‬وظلمه ظلمًا أصغر‪ ،‬وهكذا‬
‫فسقه‪ ،‬لقول النبي في حديث ابن مسعود رضي ال عنه‪ ] :‬سباب المسلم فسوق‬
‫وقتاله كفر [ أراد بهذا صلى ال عليه و سلم الفسق الصغر‪ ،‬والكفر الصغر‪،‬‬
‫وأطلق العبارة تنفيراً من هذا العمل المنكر‪.‬‬
‫وهكذا قوله صلى ال عليه و سلم‪ ] :‬اثنتان في الناس هما بهما كفر‪ :‬الطعن في‬
‫النسب والنياحة على الميت [ أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬وقوله صلى ال عليه و‬
‫سلم‪ ] :‬ل ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض [ أخرجه البخاري‬
‫ومسلم من حديث جرير رضي ال عنه‪ ،‬والحاديث في هذا المعنى كثيرة‪.‬‬
‫فالواجب على كل مسلم ول سيما أهل العلم التثبت في المور‪ ،‬والحكم فيها على‬
‫ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬وطريق سلف المة والحذر من السبيل الوخيم الذي سلكه‬
‫الكثير من الناس لطلق الحكام وعدم التفصيل‪.‬‬

‫(‪ )13‬هذا تعليق لسماحة الشيخ العلّمة عبد العزيز بن عبد ال بن باز على كلمة العلّمة محمد ناصر الدين اللباني السابقة‬
‫رحمهما ال جميعاً‪.‬‬
‫وقد نُشر في مجلة الدعوة العدد (‪ )1511‬بتاريخ ‪11/5/1416‬هـ الموافق ‪5/10/1995‬م‪.‬‬
‫كما نشرته أيضاً جريدة المسلمون‪ ،‬العدد (‪ )557‬بتاريخ ‪12/5/1416‬هـ الموافق ‪6/10/1995‬م‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وعلى أهل العلم أن يعتنوا بالدعوة إلى ال سبحانه بالتفصيل‪ ،‬وإيضاح السلم‬
‫للناس بأدلته من الكتاب والسنة‪ ،‬وترغيبهم في الستقامة عليه‪ ،‬والتواصي والنصح‬
‫في ذلك مع الترهيب من كل ما يخالف أحكام السلم‪.‬‬
‫وبذلك يكونون قد سلكوا مسلك النبي صلى ال عليه و سلم‪ ،‬ومسلك خلفائه‬
‫الراشدين وصحابته المرضيين في إيضاح سبيل الحق‪ ،‬والرشاد إليه‪ ،‬والتحذير‬
‫ل بقول ال سبحانه‪ } :‬ومن أحسن قولً ممّن دعا إلى ال وعمل‬ ‫مما يخالفه عم ً‬
‫صالحاً وقال إنني من المسلمين {‪ .‬وقوله عز وجل‪ } :‬قل هذه سبيلي أدعو إلى ال‬
‫على بصير ٍة أنا ومن اتبعني وسبحان ال وما أنا من المشركين {‪ .‬وقوله‬
‫سبحانه‪ } :‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي‬
‫أحسن {‪.‬‬
‫وقول النبي صلى ال عليه و سلم‪ ] :‬من دل على خير فله مثل أجر فاعله [‪ ،‬وقوله‬
‫صلى ال عليه و سلم‪ ] :‬من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه‪ ،‬ل‬
‫ينقص ذلك من أجورهم شيئاً‪ ،‬ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل آثام من‬
‫تبعه ل ينقص ذلك من آثامهم شيئاً [‪ .‬وقول النبي صلى ال عليه و سلم لعلي رضي‬
‫ال عنه لما بعثه إلى اليهود في خيبر‪ ] :‬ادعهم إلى السلم وأخبرهم بما يجب‬
‫عليهم من حق ال فيه‪ ،‬فوال لئن يهدي ال بك رجلً واحداً خي ٌر لك من حمر النعم‬
‫[ متفق على صحته‪.‬‬
‫وقد مكث النبي صلى ال عليه و سلم في مكة ثلث عشرة سنة يدعو الناس إلى‬
‫توحيد ال‪ ،‬والدخول في السلم بالنصح والحكمة والصبر والسلوب الحسن‪ ،‬حتى‬
‫هدى ال على يديه وعلى يد أصحابه من سبقت له السعادة‪ ،‬ثم هاجر إلى المدينة‬
‫عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫واستمر في دعوته إلى ال سبحانه‪ ،‬هو وأصحابه رضي ال عنهم‪ ،‬بالحكمة‬
‫والموعظة الحسنة‪ ،‬والصبر والجدال بالتي هي أحسن‪ ،‬حتى شرع ال له الجهاد‬
‫بالسيف للكفار‪ ،‬فقام بذلك عليه الصلة والسلم هو وأصحابه رضي ال عنهم أكمل‬
‫قيام‪ ،‬فأيدهم ال ونصرهم وجعل لهم العاقبة الحميدة‪.‬‬
‫وهكذا يكون النصر وحسن العاقبة لمن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وال المسؤول أن يجعلنا وسائر إخواننا في ال من أتباعهم بإحسان‪ ،‬وأن‬
‫يرزقنا وجميع إخواننا الدعاة إلى ال البصيرة النافذة والعمل الصالح‪ ،‬والصبر‬
‫على الحق حتى نلقاه سبحانه‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫وصلى ال وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫تقريظ العلمة الشيخ محمد العثيمين رحمه ال على كلمتي اللباني و بن باز‬

‫الذي فهم من كلم الشيخين‪ :((14‬أن الكفر لمن استحل ذلك وأما من حكم به على أنه‬
‫معصية مخالفة‪ :‬فهذا ليس بكافر؛ لنه لم يستحله‪ ،‬لكن قد يكون خوفاً أو عجزاً‪ ،‬أو‬
‫ما أشبه ذلك ‪ ،‬وعلى هذا فتكون اليات الثلث‪ ((15‬منزلة على أحوال ثلث‪:‬‬
‫‪ -1‬من حكم بغير ما أنزل ال بدلً عن دين ال‪ ،‬فهذا كفر أكبر مخرج عن الملة؛‬
‫لنه جعل نفسه مشرعاً مع ال عز وجل ‪ ,‬ولنه كاره لشريعته‪.‬‬
‫‪ -2‬من حكم به لهوى في نفسه‪ ،‬أو خوفاً عليها‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ ،‬فهذا ل يكفر‪،‬‬
‫ولكنه ينتقل إلى الفسق‪.‬‬
‫‪ -3‬من حكم به عدواناً وظلماً‪ - ،‬وهذا ل يتأتى في حكم القوانين‪ ،‬ولكن يتأتى في‬
‫حكم خاص‪ ،‬مثل أن يحكم على إنسان بغير ما أنزل ال لينتقم منه – فهذا يقال إنه‪:‬‬
‫ظالم‬
‫فتنزّل الوصاف على حسب الحوال‪.‬‬
‫ومن العلماء من قال‪ :‬إنها أوصاف لموصوف واحد‪ ،‬وأن كل كافر ظالم‪ ،‬وكل كافر‬
‫فاسق‪ ،‬واستدلوا بقوله تعالى‪ }:‬والكافرون هم الظالمون {‪ ،‬وبقوله تعالى‪ } :‬وأما‬
‫الذين فسقوا فمأواهم النّار {‪ .‬وهذا هو الفسق الكبر‪.‬‬
‫ومها كان المر فكما أشار الشيخ اللباني‪ ،‬رحمه ال‪ ،‬أن النسان ينظر ماذا تكون‬
‫النتيجة ؟ ليست المسألة نظرية‪ ،‬لكن المهم التطبيق العملي ما هي النتيجة؟‬
‫وصلى ال وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫______________‬
‫________‬
‫__‬

‫(‪ )14‬بعد أن قُرِئ على الشيخ ابن عثيمين كلمة اللباني السابقة في مسألة التكفير والحكم بغير ما أنزل ال‪ .‬فقد قُرئ عليه‬
‫تعليق العلمة ابن باز على كلمة العلمة اللباني‪ ،‬ثم بعد ذلك علّق حفظه ال بتعليق مجمل نافع على الكلمتين خلصة لما‬
‫سبق‪ ،‬سأل ال أن ينفع به‪.‬‬
‫(‪ )15‬أي قوله تعالى‪ } :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون {‪ ،‬وقوله تعالى‪ } :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك‬
‫هم الظالمون {‪ ،‬وقوله تعالى‪ } :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون { [ سورة المائدة‪ ،‬اليات‪] 47،45،44 :‬‬

‫‪17‬‬

You might also like