Professional Documents
Culture Documents
html
انتشرت المسيحية في شبه الجزيرة العربية عموما ً وفي الحجاز خصوصا ً ومما يدل
على ذلك أن عددا ً من القبائل الكبيرة اعتنقت غالبية أفرادها تلك الديانة ،نذكر
فيها على سبيل المثال ثلثا ً .
أول ً :إياد
يبدو أن ديانة المسيح كانت متمكنة من هذه القبيلة ،ويظهر ذلك من قيامها بدور
بارز فيما سمي في التاريخ السلمي بـ " حروب الردة " ونحن نعتقد أنه جانب من
أهم الجوانب التي غفل عنها المؤرخون وهم يعددون السباب التي دفعت كثيراً
من قبائل شبه الجزيرة العربية إلى النتفاضة على الحكومة التي قامت في
المدينة برئاسة الصديق أبى بكر رضي الله عنه بعد وفاة الرسول محمد ( ص ) أو
قل أن المؤرخون تغافلوا عنها ونعني بذلك الجانب القتصادي والجانب العقائدي
ونقصد بالخير هو أن اعتناق القبائل للديانة المسيحية وتغلغلها في صفوف
أفرادها وأن إسلمها من ثم كان ظاهريا ً جعلها تتحين الفرصة للثورة على
المدينة ،وقد جاء لها الفرصة عند وفاة الرسول ( ص ) .وقبيلة إياد مثل على ذلك
فقد ساهمت في حروب الردة ووقفت إلى جانب جيوش الروم والفرس أثناء
الفتح العربي السلمي لبلدها أو للبلد التي كانت تحت سيطرتها .ولم يحدد
المؤرخون الوقت الذي تحولت فيه قبيلة إياد من الشرك وعبادة الصنام إلى
المسيحية ولكنهم يطرحون العديد من السباب التي أدخلت النصرانية إليها ،منها
اتصالها بالدولة اللخمية وانطواؤها تحت هيمنتها ،كذلك ارتحال بعض بطونها إلى
مشارف بلد الروم واتصالهم بأهلها ،فقام قسس ورهبان من الروم بالتبشير
بالنصرانية بينهم ( ،والمر المؤكد أن إيادا ً كانت على النصرانية وقت ظهور
السلم ) وموطن إياد كان " تهامة " وقد عاونت " مضر " في إجلء " جرهم "من
مكة وتولت حماية البيت ثم هاجرت إلى البحرين والعراق ،ولوجودها هناك خضعت
لسلطان دولة اللخمين في الحيرة التي كانت المسيحية قد انتشرت فيها منذ أن
نبذ النعمان عبادة الوثان فبنيت الكنائس والديرة .وأصبحت في الحيرة طائفة
هامة هي طائفة العباد ( د .السيد عبد العزيز سالم ،دراسات في تاريخ السلم ،
ص ) 284ومن تلك الديرة :دير اللج الذي بناه النعمان ودير مارت مريم ودير هند
الكبرى ودير هند الصغرى ودير الجماجم وهو ينسب إلى قبيلة إياد ويفسر البلذري
في فتوح البلدان سبب هذه التسمية بأن (مالك بن محرز اليادي قتل قوما ً من
الفرس ونصب الجماجم عند الدير فسمي دير الجماجم ( ودير عبد المسيح )
( المرجع نفسه ،ص . ) 281ومن أسباب انتشار المسيحية في قبيلة إياد تنصر قس
بن ساعدة أحد أبناء القبيلة وأحد خطباء العرب المعدودين ،وكانت له في سوق
عكاظ خطب مأثورة يحفظها الناس عن ظهر قلب لبلغتها ،وعلى الرغم من أن
وفدا ً من إياد جاء إلى رسول الله ( ص ) في عام الوفود سنة 9هـ فانه من الثابت
أن إيادا كانت ضالعة في حروب الردة بشكل متميز .
كما أنها قاتلت جيوش الفتح العربي في فارس والشام ،ونحن نرجع علة ذلك إلى
تفشي النصرانية في صفوفها وأن السلم كان غطاء ظاهريا ً وأنها كانت تتربص
مثل بعض القبائل التي كانت دخلت دين المسيح ،وتتحين الفرص لتعود إلى
دينها ،وهذه مسألة تحتاج من المؤرخين خاصة لفجر السلم ،مزيدا ً من التمحيص
.
وفي سنة 11هـ انضمت قبيلة إياد إلى " سجاح " التميمية ( وكان على رأسها وتاد
بن فلن وكان الياديون يشكلون فرقة من جيش سجاح وهي مقبلة من أرض
الجزيرة بالعراق ) ولم تمهد إياد بعد انكسار المرتدين ( ففي السنة الثانية عشرة
من الهجرة نجد اسمها في عداد من قاتل خالد بن الوليد في " عين التمر " التي
انتهت بظفر خالد بن الوليد والمسلمين على جموع العجم والنصارى ) (د .محمد
إحسان النص قبيلة إياد ،ص ( ) 24وإلى جانب هؤلء العاجم أقام عشير عظيم من
قبائل البادية :بني تغلب والنمر وإياد يرأسهم عقبة ابن أبي عقة والهذيل ومن
كان معهم على قيادة الجيوش التي نفرت مع سجاح لغزو المسلمين بالمدينة ) (د
.محمد حسين هيكل ،الصديق أبو بكر ،ص ) 221وكعادته في المعارك التي تولى
قيادتها خالد بن الوليد رضي الله عنه دحرهم ،ولكن إياد لم تستسلم وظلت على
عدائها للسلم والمسلمين فشاركت في قتال خالد بن الوليد وذلك في وقعة "
الفراض " وهي على تخوم الشام والعراق والجزيرة فدارت الدوائر على الروم
وأحلفهم ) بل أن هناك من الباحثين من يرى أن ( قبيلة إياد لم تكن من بين
المنضمين للروم فحسب ،بل كانت من بين من كان يحرضهم على قتال
المسلمين ) هذه الستجابة من قبل إياد على محاربة المسلمين مرة بعد مرة مع
من سموا بـ " المرتدين " وأخرى مع العجم ( الفرس ) وثالثة مع الروم دليل ل
يقبل الشك على تمسكها بعقيدتها النصرانية وأن ذلك كان أحد العوامل وأن لم
تكن العامل الوحيد في إصرار إياد على عداوة الدين الجديد .
وكما ذكرنا فقد كانت هناك عوامل أخرى اجتماعية واقتصادية ولكنها تخرج عن
نطاق بحثنا وهو انتشار المسيحية في شبه الجزيرة العربية والحجاز وقت ظهور
السلم .
أيا ً كان المر ،فالثابت أن المسيحية لم تكن دينا ً عارضا ً أو عقيدة هامشية في تلك
البقاع بل على العكس فقد كانت هناك من القبائل الكبيرة ذات الثقل ممن دانت
بها .
ثانيا :تميم
عرفت المسيحية طريقها إلى قبيلة تميم مثلها في ذلك مثل قبائل أخرى :تغلب
وقضاعة وطيء ومذحج وغسان وربيعة ،وسبق أن ذكرنا أسباب ذلك وهناك سبب
خاص بـ " تميم " ساعد على اعتناق كثير من أفرادها الديانة المسيحية وهو وجود
علقة حميمة بينها وبين مملكة الحيرة التي دان ملوكها بالدين نفسه مؤخرا ً ،إلى
جانب ذلك بحث الخباريون عن روابط وثيقة للغاية قامت بين زهماء قبيلة تميم
وقريش ( ذكر كسترو أن تميما ً لعبت دورا ً كبيرا ً في العصر الجاهلي ،وكانت
تساهم كثيرا ً في دعم نفوذ هذه المدينة في المجتمع القبلي لشبه الجزيرة العربية
( د .عبد الجبار العبيدي في قبيلة تميم العربية بين الجاهلية والسلم ص31
الرسالة ، 37الحولية 1406 ، 7هـ 1986 ،م ) .ولم تكن تلك الرابطة تقتصر على
المصالح التجارية أو على " اليلف " بل تعدتها إلى علقات اجتماعية تمثلت في
قيام مصاهرات أسرية بين القبيلتين إذ تزوج قرشيون من تميميات وتزوج
تميميون من قرشيات ،وكان ذلك منذ عهد مبكر ،فقد تزوج عبد شمس بن عبد
مناف :عبلة بنت عبيد ابن جازل " التميمي " وكان أولده وأحفاده منها يسمون "
العبلت " واستمرت علقة المصاهرة حتى بعد ظهور السلم إذا اصهر عبد الله بن
عمر بن الخطاب إلى عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي في ابنته " أسماء "
وكذلك فعل علي وجعفر ـ ابنا أبي طالب ـ ومن الجانب الخر تزوج حنظلة بن
الربيع كاتب النبي محمد ( ص ) من بنت نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ونلفت
النتباه أن الصهار إلى قريش كان ل يتم إل من رؤوس بني تميم وشيوخهم ،ل
من عامتهم كما سبق أن ذكرنا .
علوة على ذلك كانت هناك تداخلت سياسية بين القبيلتين الكبيرتين ،إذ بخلف
اليلف الذي دخلت فيه " تميم " كغيرها ،فإن فريقا ً من المتنفذين من قبيلة "
تميم " قبلوا كمستشارين يؤخذ رأيهم في إدارة مكة من الوجهة السياسية بل أن
قريشا قلدت " تميما " وظائف على درجة كبيرة من الهمية من الناحية الدينية ،
فقد كانت وهذا على سبيل المثال وظيفة " الفاضة " غداة النحر إلى منى في يد
تميمي هو زيد بن عدوان ،واستمرت في بني تميم حتى جاء السلم .
فهذه القبيلة التي كانت المسيحية فيها فاشية توثقت العلقة بينها وبين قريش
من نواح عديدة :تجارية واجتماعية ودينية ،وهذا التصال الوثيق يجعل المسيحية
وتعاليمها قريبة المنال من القرشيين .
وإذ أن تميما ً من القبائل التي اتصلت بمصب الفرات وبالخليج الفارسي وكان
أبناؤه ينتقلون بين شبه الجزيرة العربية وأرض العراق ،فقد كان ذلك واحدا ً من
أسباب اعتناق كثير منهم النصرانية ،وكان ممن تنصر " سجاح " التي ادعت النبوة
فيما بعد ،وهي من بني " حروب الردة " موقف سجاح تلك وموقف قبيلة تميم من
تلك الحروب مع ما قلناه من اعتناق غالبية أبنائها للمسيحية وتنصر سجاح ،كل
ذلك يدعونا إلى تكرار ما نادينا به من ضرورة تمحيص الباعث الديني لمثل تلك
القبائل في ضلوعها في حرب حكومة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في المدينة ـ
وعدم الكتفاء بالسبب السهل " المجاني " الذي يرجع تلك الحروب إلى سبب وحيد
هو امتناع تلك القبائل عن تأدية الزكاة لحكومة المدينة .
ومما يقطع بأن قبيلة " تميم " قد ضربت بسهم وافر فيما سمي بـ " حروب الردة
" أن خالد بن الوليد ( لم يدع بني تميم حتى قضى في ديارهم على كل نافخ نار
للفتنة أو في رمادها ) فهذه القسوة البالغة من جانب " سيف الله المسلول "
والتي دفعته إلى القضاء على كل " نافخ نار " تقطع بأن مقاومة بني تميم
لجيوش المسلمين كانت شديدة الصلبة ،بالغة العناد ونرجح أن سبب ذلك هو
انتشار المسيحية فيها ،وهو الذي جعلهم يستميتون في الدفاع عن عقيدتهم ـ هذا
بالضافة إلى السباب الخرى التي تند عن مجال بحثنا ويحدد د .محمد حسين
هيكل منازل بني تميم على الوجه التي :
( تمتد من الشمال الشرقي لبلد العرب حتى تتاخم خليج فارس في شرقها وهي
تقع كذلك إلى شمال المدينة من الشرق ثم تنحدر حتى الجنوب الشرقي من مكة )
أي أن القبائل التي انتشرت النصرانية فيها كانت مضاربها قريبة من مكة والمدينة
" الحجاز " ثم تمتد حتى التخوم وأن علقات حميمة وروابط وثيقة انعقدت بينها
وبين القرشيين .
ولعل من الدلة التي تقوم على فشو النصرانية في قبيلة بني تميم ( قول طخيم
بن الطخماء في مدحهم :
ثالثا ً :حنيفة
إحدى القبائل التي كانت تدين بالنصرانية وقد اعتنقها وملكها هوذة ابن علي "
الحنفي " وزاره آركون أسقف دمشق وتباحث معه في شأن ظهور الدين الجديد "
السلم " وتروي بعض الخبار أنه بعد أن وعده الرسول ( ص ) أن يقره على ما
تحت يده ـ في حالة إسلمه ـ فأن جماهير بني حنيفة " النصارى " أبوا عليه ذلك ،
وهددوا بخلعه إن فعل ( .د .إحسان صدقي العمد ،في حركة مسليمة الكذاب ،ص
، 32الحولية العاشرة ،الرسالة الثامنة والخمسون 1410 ، 1409 ،هـ 1982 ، 1981 ،م
حوليات كليات الداب ،جامعة الكويت ) .ويبالغ " ليال " إذ يقول " :أن بني حنيفة
على بكرة أبيهم كانوا نصارى " وإذ إن مضاربهم كانت في اليمامة في أواسط نجد
شمال شرق الجزيرة العربية ،فان المر المؤكد أنه كانت توجد في تلك النحاء
أديرة يسكنها عدد من الرهبان النصارى مما يقطع بوجود مسيحي في اليمامة ،
وما هو جدير بالذكر أن بني حنيفة كانوا يسكنون الحجاز وغادروها عقب البسوس
في منتصف القرن السادس الميلدي ( المرجع نفسه " حركة مسليمة الكذاب " ص
) 28ومعلوم أن مسليمة الكذاب الذي ادعى النبوة كان من بني حنيفة وكان يقول :
" أن له نصف الرض ولقريش نصف الرض ولكن قريشا ل يعدلون ) ( د .محمد
حسين هيكل في الصديق أبو بكر ،ص . ) 75ودور بني حنيفة فيما عرف بـ " حروب
الردة " مشهور وقد قاتلوا المسلمين قتال مريرا حتى أن عكرمة بن أبي جهل
رغم جسارته وقرشيته انهزم أمامهم هزيمة منكرة ( وجاء النصر على يد خالد بن
الوليد رضي الله عنه بعد شدائد وأهوال في موقعة " حديقة الموت " واستشهاد
مئات المسلمين منهم تسعة وثلثين من كبار الصحابة والقراء " حفظة القرآن " )
). نفسه،ص19 ( المرجع
أن الدفاع المستميت والقتال الشرس من جانب بني حنيفة للمسلمين فيما عرف
بـ " حرب الردة " له أسباب اقتصادية إذ أن " حنيفة " كانت مضاربها في واحات
خصيبة تغل محصولت زراعية متنوعة ،وكان شطر من أبنائها يعملون في الزراعة
وكانت منطقتهم مشهورة بإنتاج القمح " الحنطة " .وأحرى اجتماعية إذ كانت
التركيبة الجتماعية لديهم تختلف عن باقي القبائل لكن بداهة يجيء في مقدمة
تلك السباب :السبب العقائدي ونعني به إيمان غالبية أناء تلك القبيلة بالمسيحية
ـ وهذا ينطبق بدوره على سائر القبائل التي اعتنقت هذه الديانة وخاصة القبائل
الثلث التي ذكرناها في هذا الفصل .
ويرى برهان الدين دلو أن المسيحية ( تسربت إلى اليمامة وهي إحدى الواحات
الشهيرة بتقدم زراعتها ورقي صناعتها وتحضر سكانها وكان معظم أهل اليمامة
قبيل السلم من بني حنيفة الذين اعتنق بعضهم المسيحية ) ( برهان الدين دلو ،
في جزيرة العرب قبل السلم ،الجزء الثاني ،ص. ) 225
الصابئة
أول ً :الصابئون
فرقة دينية قديمة ـ سوف نرى فيما بعد لها فرعين -ذات معتقدات يشوبها قدر
من الغموض والتعقيد .أما عن قدمها :فيزعم بعض أتباعها أنهم يعتنقون ملة
النبي نوح عليه السلم بل وتعاليم النبي أدريس عليه السلم وغيرهم يرى أن
اسمهم يرجع إلى اسم صابئ بن لمك أخي نوح .
ولسنا بصدد التأريخ لها وشرح عقائدها إل بالقدر الذي يتصل بجوهر كتابنا ونعني
به تبين العوامل الفاعلة في التوحيد الذي ساهم في تحول قريش من قبيلة
هاشمية تسكن جبال مكة وأطرافها إلى دولة مركزية تحكم الجزيرة العربية كلها
ثم المبراطورية الواسعة التي عرفها التاريخ .
****
والختلف بدأ مبكرا ً بخصوص أصل السم أوجذره أو مأخذه فهناك من يرى أن "
صبأ " معناه ظهر وطلع كما تطلع النجوم أو تظهر ( تاج العروس من جواهر
القاموس ،الزبيدي ،والقاموس المحيط ،الفيروز آيادي ،والمعجم الوسيط ،
مجمع اللغة العربية ) .
ومنهم من يذهب إلى أن " صبأ " يصبو :إذا نزع واشتاق أو فعل فعل الصبيان أو
صبا إذا عشق " (معجم القرآن الكريم ،إعداد مجمع اللغة العربية نشرته الهيئة
المصرية العامة للكتاب ) .
ـ طلع أو ظهر
ـ نزع أو اشتاق
ـ فعل فعل الصبيان
ـ عشق
ولكنها جميعا ً تدل على :الظهور والبزوغ والتحول من حال إلى حال .
هناك شبه إجماع بين البحاث العرب المسلمين على أن معنى صبأ الرجل :خرج من
دينه الذي هو عليه إلى دين آخر .
ومن هنا كان يقال عن النبي محمد ( ص ) " الصابئ " هكذا كانت تسمية العرب
وقريش وهذه المصادر الثلثة التي أوردناها على سبيل المثال تعلل ذلك بقولها :
أن النبي ( ص ) ترك دين قبيلته قريش إلى دين السلم فهو قد صبأ .
وهو تعليل جرى عليه السلف ةلكن ليس هناك ما يمنع عقل أن يكون هناك تعليل
أخير .
******
أما عن الدارسيين الغربيين فهم طالهم الختلف حول جذر الكلمة أو مأخذها وأتى
كل واحد منهم بتفسير فمنهم من يرجع كلمة ( صبأ ) إلى الكلمة العبرية ( صبغ )
أي غمس أو غطس أو أغمد ...
وبذلك يكونون هم " المعمدون " الذين يباشرون طقس ( التعميد ) بواسطة
الغطس .
وهنا نورد معلومة قد تلقي مزيدا ً من الضوء على الرأي الذي يذهب إلى أن
معتقدات الصابئة ترجع في الصل إلى مصر القديمة ،فالتعميد بالغطس كان
طقسا ً مصريا ً قديما ً في بعض القاليم إذ كان المولود في السبوع الول من
ولدته يعمد بـ ( تغطيسه ) في نهر النيل المقدس أو حابي وما زالت هذه العادة
سارية في بعض القرى في النوبة في أسوان إذ تقوم النسوان فيها بممارسة هذا
الطقس مع مواليدهن .
أما الفريق الخر من الدارسين الغربيين فهو يذهب إلى أن كلمة " صابئة " ربما
تكون مشتقة من الكلمة المصرية القديمة ( سب ) التي تعني ( الحكمة ) و
( النجوم ) وربما تكون هذه الكلمة المصرية هي أصل الكلمة اليونانية ( سوفيا ) أو
( الحكمة ) وربما ولكن بقدر مشكوك فيه تكون هي أصل كلمة ( الصوفية ).
ولسنا في حاجة لن نذكر أن هذا التفسير يؤيد المذهب الذي يرجع معتقدات
الصابئة إلى مصر القديمة وسوف نرى أن النبي إدريس عليه السلم يرجح البعض
أن ولدته كانت في مصر أو على القل إقامته فيها ردحا ً من عمره ،وسبق أن
قلنا أن بعض الصابئون يزعمون أنهم على دين ادريس عليه السلم ولو أن البحاث
السلميين يكذبونهم في ذلك .
وإذا كان هذا هو قدر الختلف حول مأخذ كلمة الصابئة سواء فيما بين السلميين
أو بين الغربيين ( الفرنجة ) فأن الختلف حول أصل عقائد الصابئين أشد :
( الصابئون يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلم وهم قوم يزعمون أنهم على
ملة نوح ) (المعجم الوسيط ) وأيضا ً ( … ويزعمون ) أنهم على دين نوح عليه
السلم بكذبهم وفي التهذيب عن الليث كذلك أما في الروض فهم منسوبون إلى (
صابئ بن لمك أخي نوح عليه السلم ) (تاج العروس ،الزبيدي )
ولقد لفت نظري وأنا أبحث حول الصابئة ما ذكره الطبري في تفسيره " جامع
البيان عن تأويل آي القرآن أو تفسير الطبري " حققه وراجعه الخوان محمود
وأحمد شاكر ـ المجلد الثاني ـ ص 147ـ ط 1969 ، 2م ـ دار المعارف بمصر .ومن
المفسرين من اقتصر على بيان دين الصابئة بقوله :
هم قوم عدلوا عن دين اليهودية أو النصرانية وعبدوا الملئكة ) ( الزمخشري ،في
الكشاف ،الجزء الول عند تفسير آية البقرة التي ورد بها ذكر الصابئين) .
وللمام العظم أبي حنيفة النعمان رأي جرئ في خصوصية عبادة الصابئة للكواكب
ل يسعنا إل إيراده [ :أما الصابئات فقد قال أبو حنيفة يجوز للمسلم أن يتزوج بهن
وقال أبو يوسف ومحمد ( الصاحبان ) ل يجوز وسبب الخلف أن أبا حنيفة يرى
أنهم قوم يؤمنون بكتاب ويقرون بنبي ول يعبدون الكواكب بل يعظمونها كتعظيم
المسلمين الكعبة في أنهم يستقبلونها عند صلتهم وهذا ل يمنع التزاوج من
نسائهم ] (أحكام الزواج والطلق في السلم ،للشيخ بدران أبو العينين بدران ،
كلية الحقوق بالقاهرة ،ص ، 99ط ، 1961 ،2مطبعة دار التأليف بمصر ،وكذلك كتاب
الحكام السلمية في الحوال الشخصية ،للشيخ محمد ذكريا البرديسي ،أستاذ
الشريعة السلمية بكلية حقوق القاهرة ،ص 167ـ ، 168ط 1967، 1966 ، 3الناشر دار
النهضة العربية بمصر ) .
ومعلوم أن أبا حنيفة عاش في العراق حيث كانت هناك فرقة من الصابئة فرأيه
إذن على قدر من الهمية لنه نفى عنهم عبادة الكواكب وأكد أنهم يعظمونها
وقارن بين تعظيمها للكواكب وتعظيم المسلمين الكعبة وهي لفتة ذكية ول غرو
فقد اشتهر شيخ الحناف بالذكاء وسرعة البديهة .
وسوف نتناول فيما بعد حكم الفقه في الصابئة ولكننا استبقنا ذلك لن رأي المام
العظم يدخل في تقييم عقيدة الصابئة .
أما الطبري فيورد في تفسيره [ :كما نقل :أنهم فرقة من أهل الكتاب يقرءون
الزبور ] ( تفسير الطبري عند تفسيره لية سورة البقرة السابق ذكرها ـ نقل عن
معجم ألفاظ القرآن الكريم ) وعن مجاهد والحسن :هم طائفة من اليهود
والمجوس ل تؤكل ذبائحهم ول تنكح نساؤهم ،وعن قتادة :قوم عابدون الملئكة
ويصلون للشمس كل يوم خمس مرات .
وقيل وهو القرب أنهم قوم يعبدون الكواكب ..وينسب هذا المذهب إلى
الكلدانيين الذين جاءهم إبراهيم عليه السلم ) (غرائب القرآن ،النيسابوري عند
تفسيره الية 62 /من سورة البقرة )
أما قول مجاهد والحسن أنهم طائفة من اليهود والمجوس فيشوبه الغموض فهل
هؤلء ( الصابئة ) كانوا في الصيل يهودا ً ثم صبأوا ومجوسا ً ثم صبأوا وما أهمية
ذكر الدين السابق إذا العبرة أنهم في نهاية المطاف تحولوا إلى صابئة .أما أنهم
كانوا مجوسا ً ثم تهودوا ثم صبأوا !!!
والمعلومة التي ذكرها قتادة أنهم يصلون كل يوم خمس مرات للشمس فهي علي
درجة كبيرة من الهمية ويكاد يكون قتادة قد انفرد بها .
أما تعليله أن هذه الصلوات الخمس هي للشمس فنحن ل نوافق عليه خاصة وأن
قبلتهم لم تكن نحو الشمس كما سنذكر فيما بعد .
ونذهب إلى أن علة ذلك يرجع إلى أن الصابئة كانوا يعبدون الكواكب أو يعظمونها
وإذ أن الكواكب السيارات هي خمس :المشترى والزهرة وزحل وعطارد والمريخ
فيغدو المجموع خمس صلوات لنهم يتوجهون لكل واحد منهم بصلة .
وهناك من يؤكد أنهم ينتهون بعقائدهم إلى غاذيمون وهو شيث بن آدم وهرمس
وهو أدريس النبي عليه السلم وقالت فرقة منهم أن إدريس وهو هرمس ولد بـ
( منف ) وسموه هرمس الهرامسة أو مثلث الحكمة وباليونانية آرمسيس أي عطارد
وعند العبرانيين أخنوخ وقالت فرقة أخرى أن إدريس ولد ببابل وانتقل إلى مصر
وهو أول من استخرج الحكمة وعلم النجوم وأن الله أفهمه سر الفلك وعدد
السنين والحساب وأنه أول من نظر في الطب وتكلم فيه ( هامش ص 109من
الجزء الثاني من كتاب الملل والنحل للشهرستاني وهو التعليق بقلم الشيخ أحمد
فهمي محمد المحامي الشرعي الذي صحح " الملل " وعلق عليه ).
ول شك أن مصحح كتاب " الملل " قد نقل ذلك من كتاب التفاسير ( تفاسير
القرآن ) التي نقلت بدورها بشأن إدريس كثيرا ً من الساطير التي وردت في
( التوراة ) بشأن ( أخنوخ ) في حين أن المسلم يلتزم في شأنه بما ورد في
القرآن الكريم أما الساطير التي تعج بها التوراة فهو في غنى عنها ( انظر تعليق
أ .محمد فريد وجدي على مادة إدريس التي وردت في دائرة المعارف السلمية ،
ص 484ـ 485من المجلد الثاني دائرة المعارف السلمية ،إعداد وتحرير إبراهيم ذكي
خورشيد وآخرين ،ط ، 1969 ،1دار الشعب بمصر ) .
وبعيدا ً عن الساطير فإن تأثر الصابئة بأحد أسلفهم سواء أكان اسمه إدريس أو
أخنوخ أو هرمس عاش في مصر وتعلم من كهنتها الحكمة والطب .وسر الفلك
أمر يقوم شاهدا ً على احتواء عقائد الصابئة على وشائج حميمة بالكواكب بلغت
درجة العبادة ( أو التعظيم ) وعلم القدماء المصريين في الفلك والطب ل يماري
فيه أحد وقد استطردنا قليل ً في هذه الجزئية للتأكيد على أن من يذهب إلى أن
عقائد الصابئة تؤوب في مصادرها الولى إلى مصر القديمة لم يخطئ .
********
وتوسع الشهرستاني -ربما بعكس غيره -من السلميين الذين تكلموا في ( الملل
والنحل ) في شرح عقائد الصابئة فقال أنهم يقفون في مقابل الحنيفية وأنهم
يقرون بأن للعالم صانعا ً فاطرا ً حكيما ً مقدسا ً عن الحدوث ويعجز البشر عن
الوصول إليه وأنما يكون التقرب إليه بالوساطات المقربين وهم ( الروحانيون )
المقدسون ومنهم شيث بن آدم وإدريس .
وأن أحوال هؤلء الروحانيين من الروح والريحان ..الخ ومنهم الساجد والراكع
والقائم والساكن والمتحرك ومنهم كروبيون في عالم القبض وروحانيون في
عالم البسط وهم ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ( الملل والنحل ،
الشهرستاني ،ت 548هـ ،صححه وعلق عليه الستاذ الشيخ أحمد فهمي محمد
المحامي الشرعي ،ص 108وما بعدها ،الجزء الثاني ،ط 1467 ، 1هـ ،نشرته مكتبة
الحسين التجارية بمصر ) .
بل كان العرب قبل السلم الجاهلية يعرفون الملئكة الكروبيين يقول أمية بن أبي
الصلت :ملئكة ل يفترون عبادة ..كروبية منهم ركوع وسجد ( المرجع السابق ) .
وسنذكر فيما بعد أن من تأثير الصابئة في عملية التوحيد تجذير عملية الوساطة
ولكن حل الملئكة عند عرب ما قبل البعثة المحمدية محل الروحانيين وتهيئة
الذهان لقبول الوصاف الروحية التقديسية للملئكة ..وكيف أن عقيدة الوساطة
تحولت إلى الشفاعة ( من ذا الذي يشفع عنده إل بأذنه ) الية 355من سورة
البقرة .
أنهم يصلون خمس صلوات في رأي قتادة وثلث في رأي غيره ـ وقد رجحنا رأي
قتادة وأن لم نأخذ بتعليله وطرحنا التعليل الصح حسب اجتهادنا .
أما قبلتهم في صلتهم ( نحو مهب الحنوب ) ( تاج العروس ،الزبيدي ) وفي
الصحاح :
المصدر نفسه :وقبلتهم مهب الشمال عند منتصف النهار ( المعجم الوسيط )
ومن مسلكهم :
وهذه الفروض العبادية قد تسربت إلى الديان الخرى ،ولعل فريضة الصيام هي
أشدها لفتا للنتباه لنها امتناع عن المطعومات والمشروبات في حين أنها في
اليهودية والمسيحية امتناع عن أنواع مخصومة من الطعام في أوقات معينة .
وسبق أن تكلمنا عن شعيرة " التعميد " بالغطس أو الغمس في الماء وفي رأينا
أنه طقس من طقوس النتقال أكثر مما هو طقس عبادي أو شعائري ( معجم
العلوم الجتماعية ،أشرف على تحريره د.إبراهيم مدكور ،ط 1975 ، 1الهيئة العامة
المصرية للكتاب ) .
وليس ثمة ما يمنع أن يوحنا المعمدان تلقفه منهم وعنه أخذته المسيحية مع تغيير
في الداء ونذكر بما قلناه أنه في الساس مأخوذ من مصر القديمة .
ولعل طقس التعميد هذا هو الذي حسم الفرق بين الفرقة التي تدخل في زمرة
أهل الكتاب وتسمى الصباة أو الصابئة وهم الماندرائيون وهي فرقة يهودية
مسيحية تمارس طقس التعميد وموطنها فيما بين النهرين .
أما الصابئون فهم الحرانيون نسبة إلى حران وهم وثنيون وهم الذين عاشوا
شطرا ً من الزمن تحت ظلل السلم .
وهم متأثرون بالثقافة الهللينية وإليهم ينسب عدد من المدرسين المشهورين في
الثقافة السلمية مثل ثابت بن قره وجابر بن حيان .
ول يعنينا ما تقوله المصادر الغربية في شأن معاملة حكام المسلمين للصابئين أو
الصباة التي تتراوح بين الرعاية والضطهاد لنها تند عن موضوع درسناه .
ولقد ذكر ابن النديم هؤلء الحرانيين باسم ( الحرنانية الكلدانيين المعروفين بـ
الصابئة ) وأورد طرفا ً من عبادتهم وطقوسهم العبادية فقال ( المفترض عليهم
من صلة في كل يوم ثلثة … لموضع الوتاد الثلثة التي هي :وتد المشرق ووتد
السماء ووتد المغرب ،في صلتهم ركعات وسجدات .وفي صلواتهم :فروض
ونوافل .ول صلة لهم إل على طهور .والمفترض عليهم من الصيام ثلثون يوماً
ولهم أعياد منها :عيد ( فطر السبعة ) و ( فطر الشهر ) و ( عيد الميلد ) وهو في
ثلثة وعشرين من كانون .
هذه الطقوس والشعائر كانت سائدة لدى الحرانيين الصابئة في وقت كتابة ابن
النديم للفهرست أي في القرن الرابع الهجري ؟ فهل هي نفسها التي كانت
موجودة لدى الصابئة أو الصابئين وقت أن كانت قريش تعمل على السيطرة على
مقدرات الجزيرة العربية ؟
وفي المرات الثلث قرنهم باليهود والنصارى وهناك ملحظ ل يخفي على التأمل
الذي يقرأ بعين مفتوحة وعقل يقظ وهى أنة في آيتي المائدة والحج قدم
الصابئين علي النصارى وهما تاليتان في المصحف لسورة البقرة فهل هذا مرجعة
إلي تقييم أو وزن العقائد في كلتا الديانتين أم مردة لمدي النفتاح علي كل منهما
.وسبق أن ذكرنا أن الصابئين يصلون خمس مرات في اليوم وأن صيامهم كف عن
تناول المطعومات والمشروبات لمدة ثلثين يوما ً وأنهم يتوضأون ويتضرعون
ويقدمون الضاحي ويؤدون الزكاة ويحرمون الخنزير ويجيزون الطلق ...الخ فهل
كان لذلك أثر في تقديم ذكر الصابئين على النصارى في السورتين التاليتين ( في
ترتيب المصحف ) لسورة البقرة ...ومن نافلة القول أن نذكر أن ما يجئ في
الذكر الحكيم محسوب بدقة بالغة وبعناية شديدة فل يقال أن تقديم الصابئة على
النصارى في السورتين المتأخرين قد جاء اعتباطا ً ـ
ولكن ما هي الفرقة التي جاء ذكرها في القرآن العظيم في السور الثلث التي
أوردناها ؟
عندما يرى أكثر الفقهاء أن الصابئة كحكم النصارى في الذبيحة والنكاح والجزية
( كتاب الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم ،أبي منصور عبد الله
البغدادي المتوفي 429هـ ،تحقيق طه عبد الرؤوف سعد ،ص ( ، 215د .ت .ن ) .
مؤسسة الحلبي بمصر ) فإن مفاد ذلك أن القرآن الكريم قد عنى الفرقة التي
ترى أن الخالق صانع حكيم منزه عن الحوادث تؤمن بحدوث العالم حتى وأن وقع
خلف معها في صفات الصانع وأن عظمت الكواكب لن هذا التعظيم ل يبلغ رتبة
العبادة وشأنه شأن تعظيم المسلمين الكعبة فلم يقل أحدهم أنهم يعبدونها ومن
غير المعقول أن يكون القرآن قد قصد الفرقة الوثنية التي تعبد الكواكب .
وقد اختلف شيخ الحناف أبو حنيفة مع تلميذيه الثيرين أبي سيف ومحمد
الصاحبين في شأن الصابئين فالمام العظم ذهب إلى حلية نكاح نسوانهم أي
معاملتهم معاملة أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين في حين أن الصاحبين
يحرمان على المسلمين التزوج من الصابئات ...الخ .
ومرد الخلف هو تفسير موقف الصابئة من مسألة اللوهية فإن كانوا يعترفون
بالصانع المبدع فيعاملون كاليهود والنصارى أما إذا كانوا يعبدون الكواكب
فيعاملون معاملة المشركين .
وذهب رأس الحنيفية إلى أبعد من هذا فقد قال أنهم يؤمنون بكتاب ويقرون بنبي
( أحكام الزواج والطلق في السلم ،للشيخ بدران والحكام السلمية في
الحوال الشخصية ،للشيخ البرديسي ) ونحن نميل إلى ترجيح رأي المام العظم
ودليلنا على ذلك أن القرآن المجيد في اليات الثلث قرن الصابئين باليهود
والنصارى بل أنه في آيتي المائدة والحج قدم الصابئين على النصارى كما ذكرنا
ويستحيل عقل ً أن يفعل ذلك لو كانوا وثنيين ول يؤمنون بالصانع المبدع ومعلوم
أن الخلف او الختلف على صفاته ليس إنكارا ً له ...ولسنا في حاجة إلى التذكير
بالخلف على صفات الباري بين فرق أهل الكلم في السلم .
ولو أمعن الدارس النظر في اليات الثلث التي جاء ذكر الصابئين وخاصة في
السياق الذي شمل هؤلء والنظم الذي سلكهم لستبان له كنه فريق الصابئة الذي
عناه القرآن ـ هذا بالضافة إلى منهج القرآن ذاته يحيل عقل تمجيد المشركين
وحشرهم في زمرة المؤمنين بل وتفضيلهم على بعض أهل الكتاب.
ولكن دارسا ً عربيا ً إسلميا ً له وزنه توقف عند الصابئة الذين ذكرهن القرآن ولم
يقطع فيهم برأي كما فعل الباحثون الغربيون أو الفرنجة ( ولكن الذي يفهم من
القرآن الكريم أن الصابئة جماعة كانت على دين خاص وأنها طائفة مثل اليهود
والنصارى أي أن الكلمة مصطلح ولها مدلول معين ) (الفصل في تاريخ العرب قبل
السلم ،د .جواد علي ،الجزء السادس ،ص ، 702الطبعة الثانية ،يناير ، 1978دار
العلم للمليين بيروت ،ومكتب النهضة بغداد ) .
وكنا نود لو أنه أفصح عن رأيه وحدد الفرقة الصابئة التي ذكرها القرآن ويشرح لنا
مدلول المصطلح ! ثم يعيب على المفسرين أن تعريفهم للصابئة أو تقييد لهم
( أنما تكون عندهم في السلم وبعد وقوفهم على أحوال الصابئة واتصالهم بهم )
( الفصل في تاريخ العرب قبل السلم المرجع السابق ص. )702
ول ندري كيف كان يتأتى للمفسرين معرفة الصابئة وفرزهم وتصنيفهم دون
التصال بهم ثم الوقوف على أحوالهم !
****
وأهمية تحديد الفرقة الواردة في القرآن يساعد على معرفة مدى تأثيرها في دفع
عجلة التوحيد إلى المام ،ول يقتصر ذلك على البصمات التي تركتها تعاليم
ومناسك الصابئة على غيرها فحسب بل قبل ذلك الدور الذي لعبته الصابئة كبوتقة
ساعدت على صهر مختلف العقائد التي تؤمن بالله في نهاية المطاف ولو كانت
طريقة الوصول إليه تتم عبر بوابة ( الروحانيين ) أو ( الملئكة ) أو ( الشفعاء ) أو
( عزير ) أو يسوع )..الخ .فما دمت تؤمن بالصانع فأنت تدخل في زمرة المؤمنين
حتى ولو كنت ترى أنه ل يتوصل إليه إل بوسيلة الشفعاء ..الخ فهذا التسامح كان
عامل ً فعال ً في التأليف والتوحيد وهذا ما ل حظه أحد البحاث الفرنجة ( الغربيين )
[ أن تصورات ( مفاهيم ) الصابئة أو أفكارهم مفتوحة الباب للتسامح مع أي دين
يتبين بطريقة صحيحة أنه يؤدي إلى عبادة الله ] ( the concise book of encyclopedia of
. )islam
وإذا كان دور اليهودية والمسيحية تمثل في إثراء الخطاب الديني لدى عرب ما قبل
السلم والتعريف بمفردات ومصطلحات كانت مجهولة لديهم وفي غرس فكرة
النبي المنتظر في وجدانهم قبل عقولهم ـ فأن دور الصابئة تمثل في تصوير
التوحيد كمعنى شامل ل يتقيد بألفاظ أو تراكيب أو صيغ ضيقة فما دام القصد هو
اليمان بالصانع المبدع فأن الوسائط تغدو ثانوية وهو ما يساعد على لم الشمل
الذي كان خطوة واسعة في طريق التوحيد .
****
وفكرة الشفاعة عن طريق الملئكة أو غيرها كانت شائعة لدى عرب ما قبل ظهور
السلم ،فقبولها منهم ـ كما ترى ذلك الصابئة تولف قلوبهم ول تنفرهم فالصابئة
لم تنظر إليها على أنها شرك بالله أو أن هؤلء الشافعين أو الشفعاء شركاء له
في ملكه ـ بل كانت تركز نظرتها على الهدف وهو عبادة الصانع المبدع .
وإذا كان السلم قد رفض تلك الفكرة وعدها شركا ً ونسبة بنات إلى الله ...الخ
فل يعني أن تلك النظرة التسامحية لم تؤد دورها في التماسك والتقارب والمتزاج
.
وأخيرا ً يبقى سؤال أخرناه عمدا ً وهو :ما الدليل على وجود الصابئين في مكة أو
في الحجاز وقت أن كانت قريش تخطو خطواتها الواثقة نحو حكم الجزيرة
العربية ؟
ويأتي على رأس الجابة عنه :ذكر الصابئين في القرآن ثلث مرات فلو أنهم كان
لهم حضور في تلك المنطقة لما ذكرهم .
إل فلماذا لم يذكر القرآن الكريم :الديانة الفيدية أو الديانة البرهمية أو الديانة
الجينية أو الديانة البوذية وهي ل تقل عراقة عن ديانات الصابئة وتتفوق عليها في
كثير من النواحي وخاصة الروحية والخلقية .
أنه لم يذكرها لنها لم تكن معروفة في بلد العرب وقت ظهور السلم .
إذن باختصار ذكر الصابئة في القرآن الكريم دليل ل يقبل النقض على وجودها في
بلد العرب عامة والحجاز خاصة .
ولقد رجح بل أكد كثير من الباحثين وجود " الصابئة " هناك .
وأنهم كانوا يملون حضورا ً ملموسا ً وقت أن أعلن محمد ( ص ) دعوته :
1ـ ( ول استبعد أن يكون من سكان مكة أناس كانوا من الصابئة ،جاءوا إليها تجاراً
من العراق أو جاء بهم الحظ إليها حيث أوقعهم في سوق النخاسة فاشتراهم تجار
مكة وجاءوا بهم إلى مدينتهم وعرفوا أنهم صابئة ) ( د .جواد علي ،مرجع سابق ،
المفصل في تاريخ العرب قبل السلم ) .
2ـ ( والوثنيون على اختلف أربابهم واليهود والنصارى والصابئون كان يمكنهم
، ص181 زيارتها ( أي الكعبة أو بيت الله ) والتعبد فيها … ( أحمد إبراهيم الشريف ،
دار الفكر العربي بمصر ،مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول ) .
( أن الذين كانوا يشهدون موسم الحج لم يكونوا قاصرين على أهل مكة أو القطر
الحجازي بل منهم من يأتي من اليمن ونجد ومشارف الشام ومشارف العراق كما
كان منهم إلى جانب المشركين الحنفاء والصابئة والنصارى واليهود ) ( المرجع
السابق ،ص. ) 193
3ـ [ والذي يفهم من القرآن الكريم أن الصابئة جماعة لهم دين خاص كاليهود
والنصارى ومن الرجح وجودهم في أرض العرب وفي أرض الحجاز خاصة …]
( أديان العرب قبل السلم ووجهها الحضاري والجتماعي ،ص ، 333الب جرجس
داوود ،ط 1408 ، 2هـ 1988 /م ) .
4ـ وكان في بلد العرب وفي البلد المجاورة صابئة ومجوس يعبدون النار ]
( محمد حسين هيكل ،ص ، 166ط،11دار المعارف بمصر ،حياة محمد ) .
5ـ وهناك باحث آخر يرجع بوجودهم إلى زمن سحيق نسجت حوله بعض
المسطورات التي ل زالت تؤمن بها وتتعبدها بعض المم وهو زمن إبراهيم
وإسماعيل وأمه هاجر [ ويطرح افتراضا هو أن المذهب الصابئ قد استقل
بمضمونه الفكري منذ رحلة إبراهيم ] ( في الفكر الديني الجاهلي ،ص ، 131د .
محمد إبراهيم الفيومي ،ط 1983م ،دار المعارف بمصر ) .
وسواء صح هذا الفتراض أو لم يصح فأن الذي ل مرية فيه أن الصابئة كانت هناك
عندما طفقت قريش تشد الرحال في طريقها إلى السيطرة على مقدرات جزيرة
العرب وأنهم لعبوا دورا ً بارزا ً في دفع عجلة التوحيد الذي كان المطية التي ركبتها
قريش وهي تيمم شطر هدفها المنشود أو بتعبير آخر نحو مشروعها الذي وضع
أساسه قصي والذي أتم تشييده حفيده محمد بن عبد الله عليه السلم .
****
( ) 5الحنيفية
ظهر في شبه الجزيرة العربية تيار ديني متميز هو " الحنيفية " وقد أطلق على
معتنقيه الحنفاء ( والحنف هو الميل عن الضلل إلى الستقامة وتحنف فلن أي
تحري طريق الستقامة وسمت العرب كل من حج أو اختتن حنيفا ً تنبيها ً أنه على
دين إبراهيم عليه السلم ) ( أبو القاسم حسين بن محمد المعروف بـ الراغب
الصفهاني ،المفردات في غريب القرآن ،تحقيق محمد سيد كيلني " مادة حنف
" ،ط 1381هـ 1961 /م ،شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولده بمصر ) .
لفظة " حنف " عرفتها اللغات التي كانت سائدة في تلك المنطقة آنذاك ( وقد
ذهب بعض المستشرقين إلى أن اللفظة من أصل عبراني هو " تحنيوث " أو من "
حنف " ومعناها " التحنث " في العربية والسريان يطلقون لفظة " حنيفية " على "
الصابئة " وقد وردت لفظة " حنف " في النصوص العربية الجنوبية بمعنى " صبأ "
أي مال بشيء ما ..فاللفظة إذن من اللفاظ المعروفة عند العرب الجنوبيين ) (د
.جواد علي ،المفصل في تاريخ العرب قبل السلم ،الجزء السادس ،ص، ) 543
كما تحدث القرآن الكريم عن الحنفاء وقد وردت لفظة " حنيفا " في 10مواضع من
القرآن الكريم ولفظة " حنفاء " في موضعين منه وبعض اليات التي وردت فيها
آيات مكية وبعضها آيات مدنية ) ( المفصل في تاريخ العرب قبل السلم ،ص) 451
.
رغم أهمية حركة " الحنيفية " وخطورتها فأنها في رأينا لم تنل حظها من الدراسة
والتمحيص الجادين المستقصيين من قبل الباحثين المحدثين ،وترجع أهميتها إلى
أنها كانت حلقة في مرحلة النتقال من مرحلة ما قبل السلم إلى السلم ) ( عز
الدين كشار ،اليمن دنيا ودين ،ص ، 124ط1988 ، 1م ،دار الهمداني ،عدن ) .
لم يكن تنامي حركة الحنيفية وانتشارها واعتناق العديد من الحكماء والعقلء
والمتنورين والشعراء لها قبيل البعثة المحمدية أمرا ً اعتباطيا ً أو مستغربا ً بل كانت
تحتمه موجبات ذلك المجتمع فـ ( منطق التاريخ نفسه يدعونا إلى رؤية ظاهرة
الحنفاء كواقع حتمي تقتضيه طبيعة التغيرات التي كانت تحدث في مجتمع
الجاهلية خلل القرن السادس الميلدي على طبيعة العلقات القتصادية
والجتماعية ) ( حسين مروة ،النزعات المادية في الفلسفة العربية السلمية ،
الجزء الول ،ص ، 312ط 1981 ، 4م ،دار الفارابي بيروت ـ لبنان ) .
ويشرح لنا برهان الدين دلو المتغيرات التي طالت مجتمع ما قبل ظهور السلم ،
والتي أدت إلى ذيوع الحنيفية بقوله ( تطورت القوى المنتجة وتوسعت أعمال
الري الصطناعي وازداد النتاج الزراعي وارتبط النتاج الصناعي بسوق التبادل
ونمت المدن وتحولت العديد من القرى إلى حواضر مدنية ..ونظمت السواق
الموسمية العامة … ونشطت التجارة الداخلية والخارجية فازداد العرب تقاربا ً .
وأدى نشاط التجارة واتساع عمليات التبادل في نشر التعامل النقدي داخل
المجتمع القبلي مما سارع في تفككه … وتفكك رابطة الدم والنسب بين أبناء
القبيلة ونما التيقظ القومي متمثل ً في ظهور الحباش في اليمن عام 575م
وبانتصار العرب على الفرس في موقعة " ذي قار " عام 609م … وعلى الصعيد
الثقافي انصهرت اللهجات وتوحدت في لهجة مشتركة " لهجة قريش " التي
أصبحت لغة التعبير الفني ولغة التعامل المشترك بين مختلف القبائل أثناء انعقاد
المواسم العامة التجارية والدينية و الدبية … وقد ساعد إلى جانب المتغيرات
القتصادية والجتماعية وجود اليهودية والنصرانية في تغيير الوعي الديني باتجاه
النظر التجريدي نحو مشكلة الوجود متجاوزا ً النظرة الحسية في خلق " ظاهرة
الحنفاء " (برهان الدين دلو ،جزيرة العرب قبل السلم ،الجزء الثاني ،ص، 237
، 238ط1989 ، 1م ،دار الفارابي بيروت ،لبنان ) ويرى الباحث أن " ظاهرة الحناف
" ( كانت بداية الرهاص الفعلي لظهور دعوة السلم ) (المرجع نفسه والصفحة
نفسها ) .
أما الباحثون المثاليون فيذهبون وجهة أخرى هي أن هؤلء الحنيفية بما امتازوا به
من رجاحة عقل وسعة أفق وسمو في الخلق وثقافة أعلى نسبيا ً من نظرائهم في
ذلك المجتمع ( أنفوا من عبادة الصنام ودعوا إلى التوحيد ) ( د /السيد عبد العزيز
سالم ،دراسات في تاريخ العرب قبل السلم ،ص 436د .ت ، .مؤسسة الشباب
الجامعة ،السكندرية ) .
ويصف جواد على الحنفاء بأنهم ( جماعة سخرت من عبادة الصنام وثارت عليها
وعلى المثل الخلقية التي كانت سائدة في ذلك الزمن ) ( د .جواد علي ،المرجع
السابق ،ص ، ) 462ويرى البعض من أصحاب النظرة المثالية في تفسير التاريخ أن
عرب ما قبل ظهور السلم أخذوا يفكرون في عدم جدوى الصنام وعبث التعبد
لها ،وأنها غير ذات نفع لهم ،ويضربون على ذلك أمثلة منها :موقف امرئ
القيس الشاعر المشهور من " ذي الخلصة " وهو صنم كانت تعظمه العرب ،عندما
أراد الغارة على بني أسد آخذا ً بثأر أبيه فخرج له قدح الناهي فكسر القداح وضرب
بها وجه الصنم وقال في ذلك شعرا ً ،وموقف أعرابي من صنم آخر يقال له " سعد
" ذهب إليه ومعه إبله لنوال البركة فنفرت منه البل وتفرقت في كل وجه ،
فتناول حجرا ورمى به الصنم وأنشد بعض أبيات الشعر يسخر فيها من الصنم "
سعد " ( د .محمد إبراهيم الفيومي ،الفكر الديني الجاهلي ،ص، 451ط 1983م ،دار
المعارف بمصر ) وأن هذا كله كان مدعاة إلى ظهور وانتشار " الحنيفية " بحثا ً عن
دين جديد يكون أكثر عقلنية .
وفي رأينا أن أصحاب النظرتين المادية والمثالية قد غالوا في مذهبهم ،إذا أننا
بإزاء حركة عقائدية ،فليس من الصواب القتصار على التفاعلت القتصادية
والجتماعية التي ضربت مجتمع ما قبل البعثة المحمدية ،كما أن السباب
الخلقية مثل مدارك المتحنفين ،وعلو كعبهم في السلوك والخلق أو التعلت
التعبدية أو الطقوسية مثل القناعة بعبثية عبادة الصنام وافتقاد أي نفع من وراء
ذلك ،جميعها أمور ل تكفي بذاتها لشتداد عود الحنيفية ،ولكن الصح أن يقال أن
هذه العوامل بكاملها قد تفاعلت حتى نمت ،فأدت إلى تفشي الظاهرة وذيوعها
وشيوعها في أنحاء متفرقة ،خاصة في المدن أو المراكز المتحضرة ،وليس
انبثاقها أو ظهورها كما انتهى إليه عديد من الباحثين ،إنما عندما تكاملت تلك
الظروف وتعاضدت معا بدأت " الحنيفية " وتتحول من " ظاهرة " خافتة الصوت
إلى " حركة " لها وجود متميز تمثل في الشخصيات العديدة البارزة التي آمنت بها
والمبادئ التي كانوا يدعون إليها والتي تركت بصمات واضحة على الفكر الديني
الذي ساد جزيرة العرب .
إنهم مجموعة من الحكماء ( سمت نفوسهم عن عبادة الوثان ولم يجنحوا إلى
اليهودية أو النصرانية وإنما قالوا بوحدانية الله ) ( د .السيد عبد العزيز سالم ،
دراسات في تاريخ العرب قبل السلم ،ص ، ) 434كذلك تميزوا بجانب سلوكي
أخلقي راق فرفضوا الرذائل التي تفشت في مجتمعهم مثل الزنا والمخاذنة
وشرب الخمر والتعامل بالربا ووأد البنات ( كان ذلك من قبائل محدودة ) ،ولم
يكتفوا بنبذ عبادة الوثان فحسب بل امتنعوا عن الذبح لها وعن أكل ما يذبح لها ،
وعن أكل الميتة والدم ،وكانوا على ثقافة عالية نسبيا ً ذلك أن كثيرا ً منهم كان
يقرأ كتب الديانتين الساميتين :اليهودية والمسيحية وبعضهم كان يعرف لغة أخرى
غير العربية مثل العبرية والسريانية وكانوا في الغالب على درجة من اليسر المالي
الذي مكنهم من السياحة في البلد وخاصة فلسطين والشام بحثا عن دين النبي
إبراهيم عليه السلم الذي يصفه القرآن الكريم أنه كان " حنيفا ً " ،ولم يكتفوا
باللتزام الذاتي بل كانوا يدعون قومهم إليها مما عرض بعضهم إلى الذى والعنت
منهم " زيد بن عمرو بن نفيل العدوي " عم " عمر بن الخطاب " رضي الله عنه
( وقد كان الخطاب " أبو عمر " آذى زيدا حتى خرج إلى أعلى مكة فنزل " حراء "
مقابل مكة ..وأغرى به شباب قريش وسفاءها فأخرجوه وآذوه ،كراهة أن يفسد
عليهم دينهم وأن يتابعه أحد منهم على فراق ما هم عليه ) ( الشيخ أحمد فهمي ،
هامش ص ، 297من كتاب الملل والنحل ،للمام أبي الفتح محمد بن عبد الكريم
الشهرستاني المتوفى عام 584هـ ،صححه وعلق عليه الشيخ أحمد فهمي ،ج ، 3ط1
1949 ،م ،مكتبة الحسين التجارية بمصر ) .
والحناف لم يكونوا على مشرب واحد بل كانت لهم توجهات متباينة ( لذلك فنحن
ل نستطيع أن نقول إن الحنيفية فرقة تتبع دينا ً بالمعنى المفهوم من الدين كدين
اليهودية أو النصرانية ،لها أحكام وشرعية تستمد أحكامهم من كتب منزلة مقدسة
ومن وحي نزل من السماء على نحو ما يفهم من الديان السماوية ) ( د.جواد علي
،المفصل في تاريخ العرب قبل السلم ،ص ، ) 458والقاسم المشترك الذي كان
يجمعهم هو رفض عبادة الصنام ،والبحث عن دين إبراهيم الحنيف عليه السلم ،
وفي سبيل البحث عن حنيفية إبراهيم عليه السلم ،ساحوا في البلد وقابلوا
كثيرا ً من رجال الدين :الحبار والرهبان والقساوسة وسألوهم عن دينهم ،وعن
دين الخليل إبراهيم عليه السلم ،ونظروا في أسفارهم المقدسة .وانتماء
المتحنفين متميزة وعشائر موسرة هو الذي أتاح لهم فرصة التجوال في الرض
واقتناء الكتب الدينية ،وقد نسب إلى بعضهم اعتناق ديانة المسيح عليه السلم
مثل قس بن ساعدة اليادي ،وعثمان بن الحارث ( أو الحويرث ) القرشي ،ولكن
غالبية الباحثين تؤكد أن المتحنفين رغم عدم تماثلهم في الرأي أو المنعقد رفضوا
كل من اليهودية والمسيحية .أما نبذهم للولى فهو واضح ل يحتاج إلى شرح إذا
أنها ديانة منغلقة وليست تبشيرية نشطة وكان هم أتباعها منحصرا ً في النشطة
المالية والتجارية ،أما عدم إقبالهم على الخرى وإعراضهم عنها فله دواع كثيرة ،
منها أن المسيحية ملة معقدة مليئة بالسرار ول تتناسب مع العقلية العربية
الساذجة البسيطة ،ومنها أنها ديانة المبراطورية الرومانية البيزنطية التي حاولت
فرض سيطرتها على الجزيرة العربية ،بل أن القيصر عندما تنصر عثمان بن
الحويرث أرسله إلى مكة ليصير ملكا ً عليها ـ ومن ثم تكون تابعة له شأنها في ذلك
شأن طويلة الغساسنة ولكن القرشيين رفضوه بل يقال في إحدى الروايات أنهم
قتلوه وقالوا كلمتهم المشهورة :
إن قريشا ً لقاح ل تملـك ول تـملـك ،هذا بالضافة إلى زيادة الشعور القومي
لديهم وهذا ل يتحقق باتباع ديانة غيرهم ،بل حتم عليهم أن يختصوا هم أنفسهم
بدين مستقل ،ومن هنا جاء بحثهم الدؤوب عن " الحنيفية " دين الخليل إبراهيم
عليه السلم ،الذي كانوا يعتقدون في قرارة أنفسهم أنه جدهم العلى .ويضيف
أحد الباحثين في نطاق مجانبتهم لدين المسيح عليه السلم أن النصرانية كانت
( غير متأهبة لتلبية حاجات التطور القتصادي والجتماعي في جزيرة العرب في
فترة الجاهلية لما تتسم به من السكينة والخنوع والمطالبة بالخضوع ) ( برهان
الدين دلو ،جزيرة العرب قبل السلم ،ص ، ) 240وفي رأينا أن هذا سبب غير
مقنع ،لن المسيحية لو كانت كذلك لما قدر لها النتشار بين ربوع شطري
المبراطورية الرومانية ،كما أن مجتمعها لم يكن خامدا ً ،بل كان أكثر ديناميكية
من مجتمع الجزيرة قبل السلم ،ومشهور عن الرومان إقبالهم على الحياة
والعب من لذائذها .
********
ضمت حركة " الحنيفية " شخصيات تميزت بالسمو العقلي والخلقي أو بالحنكة
السياسية أو الثقافية العالية نسبيا ً ،ولما كان الشعراء يمثلون في مجتمع ما قبل
البعثة المحمدية " الفئة المثقفة " لذا كان عدد كبار الشعراء آنذاك من الحناف
منهم " :أمية بن أبي الصلت " ،وزهير بن أبي سلمى " و "النابغة الذبياني " و "
عامر بن الظرب " ،ولهم قصائد في اليمان بوحدانية الله والبعث والنشور
والحساب ،وفي الناحية السلوكية الخلقية :الترفع عن الدنايا وتحريم شرب
الخمر .ويرى د .جواد علي أن في أكثر ما نسب إلى أمية أبن أبي الصلت ( من
آراء ومعتقدات دينية ووصف ليوم القيامة والجنة والنار تشابه كبير وتطابق في
الرأي جملة وتفصيل ً لما ورد عنها في القرآن الكريم ،بل ونجد في شعر أمية
استخداما ً للفاظ وتراكيب واردة في كتاب الله وفي الحديث النبوي ) ( د.جواد
علي ،المفصل في تاريخ السلم ،ج ، 6ص. ) 490
ومما يلفت النظر أن قبيلة قريش ضمت عددا ً من " الحناف " ،ويؤكد بعض
الخباريين أن الحنيفية بدأت فيها مبكرة مع " قصي " الجد العلى لمحمد ( ص )
مؤسس دولة قريش في يثرب .يقول " الشهرستاني " عنه 0وكان قصي بن كلب
ينهى عن عبادة غير الله تعالى من الصنام وهو القائل :
وهناك رأي أن محمدا ً ( ص ) مؤسس دولة القرشيين في يثرب كان قبل تبليغه
رسالة السلم من " الحناف " ( ...يمكن الستنتاج من رواية السهيلي إذا صحت
أن الرسول ( ص ) في حياته الولى ونشاطه الديني كان حنيفيا ً وعلى صلة بـ "
مسيلمة الكذاب " وغيره من الحناف ) ( برهان الدين دلو ـجزيرة العرب قبل
السلم ،ص ) 224ولعل مما يؤيده ما جاء في دواوين السنة النبوية :أنه عندما
عرض عليه عمرو بن الخطاب رضي الله عنه أنه يقرأ أشياء في التوراة مع ما جاء
به الرسول غضب الرسول ( ص ) وقال :امتهوكون يا ابن الخطاب والله لقد
جئتكم بـ " الحنيفية " السمحة ،ولو كان موسى بن عمران حيا ما وسعه إل أتباعي
،ولما ورد في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " إن الدين عند الله
الحنيفية " بدل ً من " أن الدين عند الله السلم " الية 19من سورة آل عمران ( أبو
بكر عبد الله بن داود بن الشعث السجستاني ،كتاب المصاحف ،هامش الصفحة
1985 ، 70م ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان) ،وكذلك لما ورد في سيرة محمد
( ص ) من ترفع عن الدنايا والتصاف بالخلق الحميدة والنفور من عبادة الصنام ،
والعتكاف في غار " حراء " لـ " التحنث " في شهر رمضان ،و " حراء " هو الغار
نفسه الذي كان يلجأ إليه " المتحنف " المجمع على تحنفه :زيد بن عمرو بن نفيل
العدوي ،و " التحنث " في شهر رمضان في غار حراء هو ما كان يفعله الجد
المباشر عبد المطلب وزعيم الحنيفية .ولو أننا نرى مانعا ً من أنه اختلط بـ "
الصابئة " الذين كانوا موجودين في مكة خاصة والحجاز عامة واطلع على عقائدهم
وطقوسهم العبادية التي ظهرت بصماتها جلية بعد ذلك ( مبحث الصابئة ) .كما أن
إجماع قريش والعرب على تلقيبه ( الصابئ ) أمر له دراسته .أما التعليل الذي
أورده الخباريين والمفسرون واللغويون من أن ذلك مرجعه هو خروجه عن دين
قومه فهو غير كاف ذلك أنهم لم يلقبوا زيد بن عمر بن نفيل أو ورقة بن نوفل أو
غيرهما بـ الصابئ " !!!
ولم يقتصر أمر الحنيفية في قبيلة قريش على هؤلء بل كان منها :
" ورقة بن نوفل " أحد بني عمومة السيدة خديجة رضي الله عنها أولى زوجات
محمد ( ص ) ،و " عثمان بن الحويرث " الذي سبق أن ذكرنا محاولة قيصر الروم
تنصيبه ملكا ً على مكة ورفض ذلك ،و " زيد بن عمرو بن نفيل " وهو من أشهر
المتحنفين وقد أوردنا خبر معاملة الخطاب أبي عمر له بعد إعلن تحنفه .
وبذلك يجيء محصول قريش من الحنيفية والحناف وفيرا ً بالنسبة لغيرها من
القبائل ،ولعل سكانها في مكة العاصمة الدينية الهامة وملتقى القوافل المحلية
والعالمية بما يحمله تجارها من أفكار ومبادئ وعقائد بجانب ما يحملونه من عروض
التجارة وثراء كبرائها مما أتاح لبعضهم السفر إلى الخارج والختلط بالشعوب
الخرى ولقاء عدد من رجال الدين ،بالضافة إلى رياح التغيير اجتماعيا ً واقتصادياً
وثقافيا ً التي أدت إلى ذلك ،تكون حظوة قريش بهذا العدد من " المتحنفين " دون
غيرها من قبائل الجزيرة أمرا ً كانت تحتمه طبائع المور في تلك الحقبة ،ونحن
في وجهة نظرنا هذه نختلف مه برهان الدين دلو في ( ...أما في مكة التي كانت
حصنا ً للشرك وغالبية أهلها من المشركين ،فإن " الحنيفية " لم تنتشر انتشاراً
واسعا ً ،لن الشعائر الدينية كانت هناك منظمة تنظيما ً حسنا ً ) ( برهان الدين دلو ،
جزيرة العرب قبل السلم ،ج ، 2ص ، ) 243فالسباب التي ساقها ل تؤدي إلى
تدعيم رأيه بل تنقضه :فكون مكة حصنا ً للشرك وموئل ً للمشركين ،وأن غالبية
أهلها منهم ،وأن العبادة الصنامية الوثانية نظمت فيها تنظيما ً جيدا ً ،كل هذا
ادعى لتنامي حركة مضادة لدى أقلية تنادي بعبثية التعبد لغير الله تعالى ،خاصة
وأن المجتمع المكي كان يضم صفوة من العقلء والحكماء والمتنورين لن قريشاً
امتازت عن غيرها من القبائل الخرى بالذكاء والفطانة واللسن ،يضاف إليه أن
مكة بحكم مركزها الديني المرموق وموقعها التجاري الهام كانت نقطة لقاء بين
أصحاب العقائد والملل كافة مما جعل نخبة المجتمع القرشي تطلع عليها وتنفعل
بها ،وسبق أن قلنا أن " الحناف " كانوا على بينة من مبادئ الديان والنحل
الخرى وكتبها المقدسة ،والخطر من ذلك أن المجتمع المكي كان شأنه شأن
سائر مجتمعات الجزيرة العربية خاصة في المراكز الدينية ـ في حالة تطور وتمور
بالحركة والنمو ،وكانت العلقات القبلية التقليدية وروابط النسب قد أخذت تميل
إلى التفكك من أثر المستجدات القتصادية ،كما كان المبحث يؤرق نفوس الصفوة
للعثور على عقيدة توحد وتجمع وتؤلف القبائل المتفرقة المتنافرة .تلك كانت
الدوافع التي دفعت " الحنيفية " إلى النمو والتحول من " ظاهرة " إلى " حركة "
تستجيب إلى مقتضيات الواقع ومسيرة التاريخ ،فكيف يقال بعد ذلك كله أن "
الحنيفية " لم تكن منتشرة في مكة ؟؟؟ .
لقد خلط الباحث بين أمرين على تباين ظاهر بينهما :أولهما :انتشار " الحنيفية "
وثانيهما :محاربتها من قبل التجار والمرابين الذين كانوا يجنون الرباح الطائلة
من عبادة الوثان ،حقيقة أن كبار القرشيين وطواغيتها حاربوا " الحناف "
واشتدوا عليهم في اليذاء لدرجة النفي كما فعلوا مع زيد بن عمرو بن نفيل
العدوي ،حفظا ً على الوثنية ،ل حبا ً لها في ذاتها ،وإنما لما توفره لهم من أرباح
جمة ـ ولكن العداء لـ " الحنيفية " ل يدل على ندرة معتنقيها أو حتى قلتهم بل
على العكس ،فإن المعان في تعذيبهم قرينة واضحة على تمكن " الحنيفية " بين
عدد من متنوري قريش .
يخرج عن نطاق بحثنا في " الحنيفية " الكشف عن مكان نشأتها ونقطة انطلقها ،
فسواء في " اليمن " باعتبارها ديانة توحيد ( ثم امتد دين الوحدانية المجردة ،كما
امتد التوحيد المتجسد إلى قلب الجزيرة العربية لتواصل المسيرة ،مسيرة خلق
الدولة المركزية الموحدة لعموم المنطقة العربية ) ( ثريا منقوش ،التوحيد في
تطوره التاريخي ـ التوحيد يمان ،ص ، 160ط 1981 ، 2م ،دار ازال ،بيروت ) ويميل
إلى هذا الرأي عز الدين كشار مستدل على ذلك بكثرة " الحنفاء اليماننين " من
أمثال ( قس بن ساعدة ـ اليادي وأرباب بن رئاب وأسعد أبو يكرب الحميري ،
ووكيع بن سلمة بن زهرة اليادي ..
وسيف بن ذي يزن ،وخالد بن سنان بن غيث العبسي وعبد الله القضاعي وعلف
بن شهاب التميمي .وقيس بن عاصم بن تميم ،وعفيف بن معدي كرب من كندة
..وغيرهم من السماء التي يبدو أنها يمنية الصل ،كذلك ما هو معروف من أن
أهل الجنوب قد عرفوا التوحيد ولو بصورة أولية قبل عرب الشمال ،ومن آلهتهم
التي تذكر في هذا الشأن ذو سموي والمقة التي يرجح بعض الباحثين أن اسم "
مكة " هو تحوير لها .
ليس صحيحا ً على الطلق ما يذهب إليه د .السيد عبد العزيز سالم عندما ذكر
( ظهرت قبيل السلم حركة جديدة أصحابها جماعة من العرب ،سمت نفوسهم
عن عبادة الصنام ...الخ ) ( د.السيد عبد العزيز سالم ،دراسات في تاريخ العرب
قبل السلم ،ص ) 435وليس د .سالم هو الوحيد الذي قرر ذلك بل سبقه ولحقه
كثير .
أن " الحنيفية " لم تظهر قبيل السلم بل كانت أقدم من ذلك بكثير ،بدليل أن
كعب بن لؤي بن غالب " وهو أحد أجداد محمد ( ص ) البعيدين عده كثير من
الباحثين في زمرة " الحناف " منهم د /السيد عبد العزيز سالم نفسه ( كعب بن
لؤي أحد أجداد الرسول كان متحنفا ً ( المرجع السابق ،ص ) 438وهذا الخبر في ذاته
يؤيد وجهة نظرنا عن انتشار " الحنيفية " في قبيلة قريش ثم ما ثبت من أن "
قصيا ً " كان من الحناف ،وقصي بينه وبين ظهور السلم ما يقرب من مائتي عام
،وهذه مدة ل يمكن أن يقال بصددها " قبيل السلم " ،فإذا أضفنا إلى ذلك أنه
بين " كعب " و " قصي " جدان هما " مرة " و " كلب " ومع الفتراض بأن بين كل
جيل والذي يليه أربعين عاما ً تقدير " ابن خلدون " في المقدمة أضفنا لذلك ثمانين
عاما كان معنى ذلك ببساطة أن بين " حنيفية كعب " والبعثة المحمدية ما يقرب
من ثلثة قرون فكيف يجوز للدكتور سيد سالم ومن لف لفه أن يصفها بأنها "
قبيل السلم " !!!
" الحنيفية " إذن كانت قديمة نسبيا ً ،وكان وجودها الغالب في المراكز الحضرية أو
المدينية مثل اليمن واليمامة ومنها ثمامة بم كبير بن حبيب الحنفي المشهور بـ "
رحمان اليمامة " ثم أطلق عليه محمد ( ص ) لقب " مسيلمة الكذاب " والطائف
( ومنها أمية بن أبي الصلت ) ويثرب ( ومنها أبو قيس صرمة بن أبي أنس من بني
النجار ،وأبو عامر بن عبد عمر بن صيفي وكان قومه يسمونه " الراهب " ولما
عادى محمدا ً ( ص ) أمر المسلمين أن يسموه " الفاسق " ثم تحولت من " ظاهرة
" إلى " حركة " إذ تضافرت الظروف الجتماعية والقتصادية والسياسية والثقافية
والعقائدية على نمو عودها فاستوائه فاشتداده ،وكان من الطبيعي أن يتم بصورة
واضحة في المدن ،وأن يعتنقها عدد من المستنيرين من أبنائها ،ولكن لماذا
المدن بالذات ؟
لن المتغيرات التي لحق بمجتمعاتنا كانت أكثر سرعة من مجتمعات البدو والريف
معا ً ،لم يكن الهدف " الحنيفية " شن الحرب على الرذائل الجتماعية والدواء أو
المنكرات السلوكية الخلقية فحسب ،بل نبذ عبادة الصنام والدعوة إلى عبادة إله
واحد ،تأثرا ً بالديانتين التوحيديتين اللتين عرفهما عرب الجزيرة وهما :اليهودية
والنصرانية ،ولن عبادة الصنام كانت من عوامل الفرقة بين القبائل إذ كان لكل
قبيلة أو مجموعة قبائل صنم تعبده وتذبح له وتنتظر منه النفع وكشف الضر
وتستشيره عن طريق القداح في حالة السفر والحروب … الخ والدعوة إلى عبادة
إله واحد مدعاة إلى التوحيد المادي ،هذا بالضافة إلى العوامل الخرى التي
ساهمت في عملية التوحيد ،ومن ثم يصح القول بأن " الحنيفية " قد ( واكبت
تطور المجتمع المكي وحاجاته وتطورت معه إلى أن دخلت معه مرحلة جديدة هي
التي مهدت لظهور السلم ) ( بلياييف ،العرب والسلم والخلفة ،ص ، 143نقل
عن برهان الدين دلو ،مرجع سابق ) .
لم يكن تحول الحنيفية إلى حركة قاصرا ً على اعتناق عدد كبير من المتنورين
العرب إياها ،بل في البصمات العميقة الغور التي تركتها على الفكر الديني
الخالف لها في جزيرة العرب .
فبادئ ذي بدء كان " للحنيفية " الفضل في نشر العقيدة وتجذرها واستهجان عبادة
الوثان والسخرية منها ومن عبادها والكشف عن زيف ما كانوا ينسبونه إليها من
قدرات وتهيئة الذهان إلى اليمان بالبعث والنشور والحساب والجنة والنار ..الخ .
أما في نطاق التعبديات والسلوكيات والخلقيات فقد تركت من ورائها سنناً
ترسخت ،منها (تحريم الربا ،تحريم شرب الخمر وحد شاربها ،تحريم الزنا ،وحد
مرتكبيه ،العتكاف في غار " حراء " في شهر رمضان والكثار من عمل البر
وإطعام المساكين والفقراء ..وقطع يد السارق ،تحريم أكل الميتة والدم
والخنزير ..والنهي عن وأد البنات وتحمل تكاليف تربيتهن ..والصوم والختتان
والغسل من الجنابة ) ( خليل عبد الكريم ،الجذور التاريخية للشريعة السلمية ،
ص 25و ، 26ط 1990 ، 1م ،دار سينا للنشر ) .
وإذا كانت الحنيفية كما قلنا في مفتتح المبحث هي إرهاص لـ " السلم " ،وإذ أن
الدين منذ عهد الجد عبد المطلب قد ظاهر الدولة القرشية وساندها ودعمها فإنها
بذلك قد شكلت بل ريب إحدى المقدمات الهامة لتلك الدولة التي أقامها الحفيد
محمد عليه السلم في يثرب .