You are on page 1of 33

‫البيان الثالث‬

‫عن محاكمة دعاة الحقوق الشرعية والجهاد السلمي‬


‫وبرفقه المذكرة الثالثة(المذكرة الثالثة‪:‬‬
‫اقرارات سجون التضييق باطلة في كل قانون عادل‪ ،‬فضل عن‬
‫قانون الشريعة‪،‬‬
‫ونطالبكم بزيارة مكان توقيفنا في مركز شرطة بريدة‬
‫الشمالي فضل عن الجنوبي‪،‬أو تكليف لجنة لتقصي الحقائق‪،‬‬
‫لتجدوا أن تحقيقات المباحث وهيئة الدعاء والتحقيق معيبة‬
‫في قانون الشريعة‪ ،‬وأن من أجراها ومن اعتد بها قد انتهك‬
‫حقوق النسان الشرعية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫صاحب الفضيلة القاضي بالمحكمة الجزئية ببريدة‪:‬‬
‫إبراهيم بن عبد الله الحسني وفقنا الله وإياكم‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‬
‫نشير إلى الجلسة الثانية من جلسات محاكمتنا يوم السبت ‪/09/15(1428/09/03‬‬
‫‪ ،)2007‬واعتراضنا على التحقيق الذي أجرته هيئة الدعاء والتحقيق‪،‬وادعائنا بانه معيب‬
‫شرعا‪ ،‬وهذه مذكرة ببيان السباب‪.‬‬
‫أ=الكرامة هبة الرحمان حق لكل إنسان‬
‫‪=1‬الكرامة أصل تطبيق الشريعة وأين حفظ المن‪:‬‬
‫بداية العتقال‪ ،‬وضع الجندي في أيدينا (الكلبشات) الغلل‪ ،‬واتجه الجيب بسرعة‬
‫عالية مع طريق الخضر إلى السالمية وفيه خمسة مطبات وسارت بنا الجيب‪ ،‬بين المنعطفات‬
‫والرمال‪ ،‬ونحن نتمايل كالورقة في مهب الريح‪ ،‬حتى تمزقت أوصالنا الرخوة ‪ ،‬فهمس أحدنا‬
‫للسائق‪:‬إرفق ال يهديك تراي شايب فالتفت السائق اليه وقال بصوت قوي (كل زق)‪.‬‬
‫هل كانت كلمة الجندي أصدق وصف ينطبق على مستوى النظافة‪ ،‬في كثير من‬
‫مراكز الشرطة‪،‬كـ (مركز شرطة بريدة الجنوبي)‪.‬‬
‫لقد صان السلم جسد النسان وعقله ووجدانه‪،‬كما نص القرآن" ولقد كرمنا بني‬
‫آدم" فحرم تعذيب الجسد والعتداء على البدن من جرح أو ضرب أو سجن ‪ ،‬أو جلد‪ ،‬وحرم‬
‫تعذيب النفس بسجن أو سب أو شتم أو تخويف أو سوء ظن أو قذف‪ ،‬قال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " (متفق عليه)‪.‬‬
‫وقرر جملة من الحكام والعقوبات التي تكفل حماية النسان من كل ضرر أو اعتداء‬
‫يقع عليه ‪ ،‬ليتسنى له إن يمارس حقه الشخصي وحرية التصرف في شئونه دون إعاقة أو‬
‫ضرر ‪ ،‬وقال الرسول صلى ال عليه وسلم في تحريم الضرب والجلد " من جلد ظهر مسلم‬
‫بغير حق لقي ال وهو عليه غضبان " ( رواه الطبراني في الوسط ) وقال " ظهر المسلم‬
‫حِمى إل بحقه " ( رواه البخاري) ‪.‬‬
‫ول يقتصر ذلك على المسلمين ‪ ،‬بل يشمل غير المسلمين فقد مر الصحابي هشام بن‬
‫حيكم على أناس من النباط أقيموا بالشمس وصب على رؤسهم الزيت ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا؟‬
‫فقيل ‪ :‬يعذبون في الخراج فقال ‪ :‬أشهد لسمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ " :‬إن‬
‫ال يضرب الذين يعذبون الناس في الدنيا " ثم دخل على المير فحدثه ‪ ،‬فأمر بهم فحلوا‪.‬‬
‫حرم السلم القدح في عرض المسلم ‪ ،‬فقال الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬سباب‬
‫المسلم فسوق ‪ ،‬وقتاله كفر " ونهى عن الغيبة والنميمة ‪ ،‬وشرع القصاص في العراض‬
‫كما قال ابن تيمية ( السياسة ‪ " )80‬القصاص في العراض مشروع أيضا ‪ ،‬وهو أن الرجل‬
‫إذا لعن رجلً ‪ ،‬أو دعي عليه ‪ ،‬فله أن يفعل به كذلك ‪ ،‬وشرع القصاص في القذف وما‬
‫دونه"‪.‬‬
‫لقد أقرت الشريعة المطهرة هذه الحقوق قبل أربعة عشر قرنا‪ ،‬من ميثاق حقوق‬
‫النسان عندما قال " ل يجوز ان يعرض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو‬
‫مسكنه أو مراسلته أو بحملت على شرفه وسمعته ولكل شخص الحق في حماية القانون‬
‫من مثل هذا التدخل أو تلك الحملت" (المادة ‪.)12 :‬‬
‫لقد حمى السلم كرامة النسان من الهانة والذلل فقال تعالى " ول العزة‬
‫ولرسوله وللمؤمنين " فل خير في الذليل المهين ‪ ،‬لنه لن يصلح لحمل رسالة السلم إل‬
‫الحرار العزة الكرام ‪ ،‬ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي ال عنه " ل تضربوا المسلمين‬
‫فتذلوهم"‪ .‬إن العقيدة السلمية توجب على المسلم إن يكون عزيزا كريما ‪ ،‬وتوصي النسان‬
‫بالتمرد على كل ذل واستعباد ‪ ،‬لن عبوديته ل ‪ ،‬تشده إلى ال فل يرى عظيما غير ال ‪،‬‬
‫ول يرى مخوفا غير ال‪ ،‬ول يرى مرجوا غير ال ‪ ،‬وأي دولة تذل النسان المسلم ‪،‬‬
‫وتعوده على الخضوع والركوع والطاعة العمياء‪ ،‬فقد حرمته شيئا أغلي من المال والطعام‬
‫والشراب‪ ،‬إنه الكرامة والعزة " ول العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ل‬
‫يفقهون"(انظر د‪/‬عبد الكريم زيدان‪ :‬قيمة الفرد في السلم) ‪.‬‬
‫الناس في الشريعة أحرار مكرمون‪ ،‬وكرامتهم ثابتة بأصل الخلقة النسانية‪ ،‬مؤمنهم‬
‫وكافرهم‪،‬فال هو الذي وهبهم الكرامة‪ ،‬وما وهبه ال ل يجوز للدولة انتقاصه‪ ،‬فضل عن‬
‫إلغائه‪ ،‬لن الدولة إنما غايتها حفظ الحقوق‪ ،‬ل العدوان عليها‪ ،‬وهذا المبدأ مهم جدا‪ ،‬لكي‬
‫ليقول بعض الفقهاء الخادعين والمخدوعين والغافلين‪ :‬ينبغي الصبر على الحاكم الظالم‪،‬‬
‫تضحية بالعدل من أجل المن‪ ،‬فكل أمن يقوم على انتهاك الكرامة‪ ،‬فإنما هو ظلم مبين‪ ،‬وهو‬
‫من صفات الطاغوت‪ ،‬كما قرر القرآن الكريم‪ ،‬في قصة موسى وفرعون‪ ،‬في مطلع سورة‬
‫طه"إن فرعون عل في الرض‪..‬‬
‫ولكي يتبين أن الكرامة صنو الحياة‪ ،‬ينبغي أن نتذكر أن جهاد العدوان الخارجي‬
‫بالحسام‪ ،‬وأن جهاد الظلم داخل الدولة بالكلم والسلم‪ ،‬كلهما فرض عين على النام‪ ،‬بيد‬
‫أن الظلم قد ل يقتل كل الناس‪ ،‬ولكنه يقتل الكرامة والشرف وعزة النفوس‪ ،‬كما قالت‬
‫بلقيس"وجعلوا أعزة أهلها أذلة"‪ ،‬وهذا شر من القتل‪ ،‬لن الكرامة صنو الحياة‪.‬‬
‫‪ =2‬الحبس للتعويق ومن جعله تضييقا فقد تفرعن‪:‬‬
‫وبناء على هذه قاعدة الكرامة‪ ،‬صار الحبس في السلم هو " تعويق الشخص ومنعه‬
‫عن التصرف بنفسه‪ ،‬كما قال ابن القيم "الحبس الشرعي ليس هو الحبس في مكان ضيق ‪،‬‬
‫إنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه ‪ ،‬سواء كان في بيت أو مسجد أو‬
‫بتوكيل الخصم أو وكيله وبملزمته له"‪.‬‬
‫ونص العلماء على أن يكون الحبس واسعا ‪ ،‬وأن ينفق على من في‬
‫السجناء من بيت المال‪ ،‬وأن يعطي كل واحد منهم كفايته من الطعام واللباس‪ ،‬بل إن السلم‬
‫اوجب ذلك للحيوانات بله النسان‪ .‬كما في الحديث عن أبي هريرة رضي ال عنه " عذبت‬
‫امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار‪ ،‬ل هي أطعمتها ول هي تركتها تأكل من‬
‫خشاش الرض " ‪.‬‬
‫وأن كونه عقوبة يقتضي أنه ل يجوز أن يسجن المتهم للستظهار‪ ،‬إل عندما تكون‬
‫البينات والقرائن ضده قوية‪ ،‬فعند ذلك يجوز سجنه أمدا قصيرا‪ ،‬ليتبين أمره‪ ،‬ل شهورا‬
‫طول‪ ،‬فضل عن السنين‪،‬وقد سبق السلم إلى تقرير هذه القاعدة العظيمة دول الغرب‬
‫الدستورية‪ ،‬ووضع الفقهاء شروطا للسجن سواء أكان سجن استظهار‪ ،‬أم سجن عقوبة‪،‬‬
‫وحددوا ضوابط تكفل كرامة النسان‪،‬قبل دول الغرب الدستورية أيضا‪.‬‬
‫ومفهوم السجن عند الفقهاء هو (تعويق النسان)‪ ،‬ومنعه من التصرف بنفسه‬
‫وتحديد حريته‪ ،‬سواءًا أكان ذلك بوضع النسان تحت المراقبة أم بإلزامه بالبقاء في مكان‬
‫محدد‪ ،‬سواء أكان ذلك المحبس مسجدا أم بيتا‪ ،‬أم ملزمة للشخص ومتابعة‪.‬‬
‫ولذلك نبه ابن القيم إلى هذا المفهوم الذي ظل بعيدا عن التطبيق عند بعض‬
‫المسلمين‪ ،‬إذ إن مفهوم السجن صار أحيانا تكبيل الشخص بالغلل والقيود‪ ،‬ورميه في مكان‬
‫مظلم ل شمس فيه ول هواء وحيدا مفردا كالجرب‪ ،‬في غرفة منعزلة عن العالم‪ ،‬ليكون نهبا‬
‫لمراض النفس والجسد والعقل‪ .‬فقال ((الحبس الشرعي ليس هو الحبس في مكان ضيق))‪.‬‬

‫‪=2‬العدالة معنى كلي ل تقع بالتبعيض‪:‬‬


‫كيف نختصر الكلم‪ ،‬عندما نحاول الربط بين أجزاء الصورة المتناثرة‪ ،‬لن العدالة‬
‫والحق والفضيلة‪ ،‬لها معنى كلي‪ ،‬ولتحقيقها ل بد من أسلوب منهجي‪ ،‬بدل من الترقيع‬
‫والتبعيض‪ ،‬وهذا هو مفهوم تطبيق الشريعة والنظام‪ ،‬إذا لم يكن ثمة ترابط وانسجام‪ ،‬صرنا‬
‫إلى الظلم باسم الشريعة والنظام‪.‬‬
‫القاضي يصل إليه المتهمون وقد وقعوا وبصموا في السجن‪ ،‬فيصادق على إقراراتهم‬
‫‪ ،‬لم يسأل نفسه‪ :‬كيف حصل القرار؟‪ ،‬هل أنا أنفذ الشريعة‪ ،‬أم أخل بها؟‪.‬‬
‫الجندي يصل إليه شخص مقيد بالصفاد‪ ،‬ينزله من السيارة‪ ،‬ول يسأل ماجرمه؟ هل‬
‫هوخطير أم عادي؟‪ ،‬هل اتهم بإحراق حي‪ ،‬فيضع في رجليه القيود‪ ،‬ول يبالي حتى لو مات‬
‫متهم بشرب علبة لبن بريالين من دكان‪ ،‬في المستشفى‪ ،‬وبيديه القيود‪ ،‬كما قيل عن‬
‫الشمري‪ ،‬الذي مات في مركز سجن بريدة الجنوبي‪ ،‬ول أحد يستطيع الكلم‪ ،‬لن من تكلم‬
‫صار متهما‪ ،‬حتى يثبت ماقال‪.‬‬
‫القاضي مرة أخرى قد يصدر حكما على المتهم‪ ،‬بناء على اعترافات معيبة‪ ،‬أحكام‬
‫قاسية بسنين طويلة‪ ،‬لم يسأل نفسه‪ :‬لماذا صار فلن ابن جارنا مدمنا للمخدرات؟‪ ،‬وآخر‬
‫عهدنا به قبل دخول السجن المرة الولى‪ ،‬بعيدا عن ذلك‪ ،‬كيف وقع في المخدرات‪ ،‬هل‬
‫استدرج؟‪ ،‬هل أوقع في فخ‪ ،‬ل يهم‪ :‬حكمت المحكمة الشرعية على متعاطي المخدرات‪،‬‬
‫بالسجن ثمان سنوت‪ ،‬ليكون مصير أفراد أسرته الشتات والفقر والهمال‪ ،‬وتتعرض زوجته‬
‫وأطفاله للنحراف والكآبة والمراض النفسية‪.‬‬
‫الجندي مرة أخرى ينفذ تعليمات القضاء الشرعي‪ ،‬ول بأس لو تحول المجرم البسيط‬
‫إلى مركب‪ ،‬وصار خريج السجون مدمنا منحرفا مريضا نفسيا‪ ،‬فإن ذنبه على القضاة القساة‪.‬‬
‫ترى هل سأل أحد القضاة القساة نفسه يوما ما‪ :‬لماذا ل أزور الذين حكمت عليهم‬
‫بالسجن‪ ،‬مددا طويلة‪ ،‬وأتأكد بنفسي‪ :‬هل أسهمت في إصلحهم‪ ،‬أم زدتهم انحرافا؟‪.‬‬
‫هل تصور أحد القضاة يوما ما أن ابنه أو قريبه‪ ،‬قد يخطئ أو يخدع‪ ،‬ويستدرج و‬
‫يمكن أن يساق إلى هذا المكان‪ ،‬فيحوله التعذيب‪ ،‬إلى مجرم خطير متمرس‪ ،‬أو إلى هاوية‬
‫النتحار أو الجنون‪ ،‬هذا الشعور سيطر علينا حتى أرقنا‪ :‬لو وقع ابني في هذه الشبكة‪ ،‬ماذا‬
‫ستكون التنيجة؟‪ ،‬هل ستكون الغتصاب هل ستكون النحراف؟ هل ستكون إدمان المخدرات‪.‬‬
‫استر يا ستار‪ .‬يارب أين بعض القضاة القساة‪ ،‬الذين يحكمون بالسنين الطويلة‪ ،‬وهم ل‬
‫يدرون ماذا تنتج‪ ،‬وهكذا كل مسئول يطبق العدالة‪ ،‬من خلل نظرة جزئية‪ ،‬من دون نظرة‬
‫كلية‪ ،‬والنتيجة هي أن العلج يفاقم المراض‪ ،‬ولسان حاله‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وداوني بالتي كانت هي الداء‬ ‫دع عنك لومي فإن اللوم إغراء‬
‫ب‪:‬الوسائل السائدة للحصول على القرارات‪:‬‬
‫‪ =1‬الزنازين الضيقة ‪:‬‬
‫قادونا إلى زنزانتين ضيقتين‪ ،‬ونحن نعرف ضيق الزنازين في الحائر وعليشة‪ ،‬أما‬
‫زنازين بريدة فنوع جديد يمتاز بالقذارة الحسية‪.‬‬
‫فقد كان صنبور الماء مكسورا‪ ،‬وقد سد بسيخ حديد ملفوف بخرقة متسخة‪ ،‬فمن أراد‬
‫أن يقضي الحاجة أو أن يتوضأ‪ ،‬يحتاج إلى بذل جهد جهيد‪ ،‬لفتحه أو إغلقه‪ ،‬وكان طفح‬
‫مياه المرحاض‪ ،‬بالقاذورات‪.‬ومن الغريب أن تكون هاتان الزنزانتان ‪ ،‬اللتان بهذا الشكل‪ ،‬خير‬
‫ما لديهم‪-‬كما قال الخفير‪ ،‬وكانت الحشرات ول سيما الصراصير‪ ،‬تعمر المكان‪ ،‬فضل عن‬
‫الحشرات الصغيرة‪.‬‬
‫لقد جرت العادة المتبعة‪ ،‬أن يقبع السجين شهورا من أجل استظهار أحواله‪ ،‬وخللها‬
‫يكتب اعترافا وإقرارا‪ ،‬بما اتهم به‪ ،‬إذ ل يمكن أن تخطئ أجهزة المن أمام رؤسائها‪،‬‬
‫ويصدق صعلوك مسكين مهين‪ ،‬وهذه أنواع من الفنون التي تجبر السجين استظهارا على‬
‫العتراف بما يتوهمون‪ ،‬وعلى اعتبارا أن ما مافعله‪-‬ولو كان مشروعا في الدين‪-‬جريمة في‬
‫حق ولي المر‪ ،‬مع أنها وفاء من الناصح للمام‪ ،‬وتعزيز لشروط البيعة على الكتاب والسنة‪.‬‬
‫مفهوم (التعويق) ل يجيز أن تكون الزنازين ضيقة ‪ ،‬كجحور الضبان قانون السلم‪:‬‬
‫السجن إنما هو (التعويق)‪ ،‬وليس معناه (التضيق) على النسان في زنزانة ل يكاد النسان‬
‫يتقلب فيها‪ .‬ويجب أن يكون فيها فسحة للنظافة وقضاء الحاجة للوضوء‪ ،‬وأخرى للحركة‬
‫والمشي‪ ،‬والنوم‪ ،‬لنه بقاء النسان من دون حركة ضار بجسده وروحه‪ ،‬يجب أن تلتزم‬
‫الدولة بإنشاء زنازين تدخلها الشمس والهواء‪ ،‬وأن تكون مكيفة‪ ،‬فل تكون حامية في القيظ‪،‬‬
‫ول قارسة في الشتّاء‪.‬‬
‫وقد شاع في بعض السجون ‪ ،‬إفراد بعض المساجين في زنازين صغار‪ ،‬ل تتجاوز‬
‫مساحتها المربعة أربعة أمتار‪ ،‬حيث يأكل النسان في جانب‪ ،‬ويتبول ويتبرز ويغتسل في‬
‫جانب‪ ،‬وينام في الجزء الثالث‪،‬كما هو حالنا‪.‬‬
‫وهو في هذا المكان مفرد كالبعير الجرب‪ ،‬ل يقربه أحد‪ ،‬ول يكلمه أحد‪ ،‬وال يقول‬
‫"ولقد كرمنا بني آدم" وتكريم ابن آدم ثابت للمسلم والكافر‪ ،‬والمجرم والبريء‪ ،‬وهو ثابت‬
‫للمتهمين من أهل الرأي والعلم‪ ، ،‬كما أنه ثابت أيضا للمتهمين بالتهريب والتخريب‬
‫والجاسوسية‪ ،‬لن العقوبات والتعزيرات محددة معروفة‪ ،‬ول ريب أن النسان السوي‪ ،‬وهو‬
‫اجتماعي بالطبع‪ ،‬كما ذكر ابن خلدون‪ ،‬ل يستطيع أن يعيش منفردا‪ ،‬ل يأنس بأحد‪ ،‬ول يكلم‬
‫أحدا‪.‬‬
‫كيف يوضع المتهم في السجن النفرادي‪ ،‬حتى ينتهي التحقيق والستظهار‪ ،‬حيث ل‬
‫يسمح له بأن يقرأ كتابا‪ ،‬أو أن يسمع أخبارا؟ وذلك من أساليب الضغط على الرادة‪ ،‬لجبار‬
‫المتهم على العتراف‪ ،‬وقد يستمر التحقيق معه ستة شهور وأكثر‪.‬‬
‫والذين جربوا السجن النفرادي يدركون أنه أشد أذى على النسان من الضرب‪ ،‬ولن‬
‫يضرب النسان كل يوم عشرين سوطا؛ أسهل عله من أن يقيم يوما في زنزانة انفرادية‪.‬‬
‫وذلك لنها تؤدي إلى الهستريا المؤقتة‪ ،‬وقد تضع السجين على حافة النهيار‬
‫العصبي‪ ،‬وقد يتعرض السجين فيها لنوبات من فقدان الوعي‪ ،‬فضل عن أنه يسلب الرضا‬
‫والختيار عند القرار‪ ،‬وهي أسلوب من أساليب تطويع الرادة‪ ،‬لن النسان الذي يخشى‬
‫على عقله‪ ،‬ومن ثم على دينه وخلقه‪ ،‬مستعد للعتراف والشهادة بأي شيء يطلب منه‪.‬‬

‫‪ =2‬السجن النفرادي الذي يعرض لعلل النفس والعقل‬


‫والجسد ‪:‬‬
‫قد ل يعلم كثير من الناس و سيما القضاة‪ ،‬الذين يصادقون على اعترافات‬
‫المساجين‪ ،‬أنها كلها تنتزع بالسجن النفرادي‪ ،‬ول يدركون أن السجن المنفرد يسبب للنسان‬
‫العادي متاعب نفسية‪ ،‬تصل إلى الجنون‪ ،‬ول يكاد يصبر عليه إل النادر من الناس‪ ،‬لنه‬
‫يتجاوز (التعويق) عن الحركة إلى (التضييق) على النفس والجسد والعقل‪ .‬وفوق هذا وذاك‬
‫يجبر المساجين على التوقيع على ختام اعترافاته بعبارة تنص على أنه وقع هذا القرار‪،‬‬
‫وهو بكامل قواه العقلية والجسدية والنفسية‪ ،‬وأنه غير مكره على ذلك‪ ،‬وهذه عبارة بحد‬
‫ذاتها تدل على فظاعة الكراه والقسر‬
‫‪=3‬السجن الجماعي عدد كبير في غرفة صغيرة‪:‬‬
‫والسجن الجماعي أرأف بالسجين‪ ،‬ولكنه أيضا ينطوي على تعذيب ظاهر‪ ،‬حين‬
‫يجمع في زنزانة صغيرة‪ ،‬عدد كثير من السجناء‪ ،‬تضيق بهم حتى يرى بعضهم عورة بعض‪،‬‬
‫وتجدهم فيها مصطفين كأعواد علبة كبريت‪ ،‬بل ربما وجدت أرجل بعضهم‪ ،‬فوق رؤوس‬
‫بعض‪ ،‬وقد تمددوا كأنهم تكعيبة عريشة العنب‪ ،‬مع أن الصل في الزنازين الجماعية‪ ،‬أن‬
‫يخصص لكل فرد منهم ما ل يقل عن ستة أمتار مربعة‪.‬‬
‫وشر من ذلك أن يجمع في سجون الستظهار بين متهمين بتهم شتى‪ ،‬وذوى أعمار‬
‫شتى‪- ،‬كما في سجننا‪-‬ففي غرفة السجن وهي في حدود ‪ 8+8‬امتار وجدنا مابين ‪15‬و ‪20‬‬
‫شخصا‪ ،‬وفيه شباب مراهقون‪ ،‬وكبار فوق الخمسين‪ ،‬وسعوديون وأجانب‪،‬وقيل لنا إن منهم‬
‫المتهم بالشعوذة وبالختطاف وبالنشل وباللواط والمخدرات‪.‬‬
‫فكيف يجمع هؤلء الشتات‪ ،‬وثمة خطورة مؤكدة على الحداث منهم‪.‬‬
‫وفي هذه الغرفة ل صابون ول مناديل ورقية‪ ،‬وفيها ثلثة مراحيض‪ ،‬اثنان منها‬
‫مسدودان‪ ،‬والخر يفوح منه النتن ويفيض‪.‬‬
‫وأرينا أحد قضاة الهيئة المشهد‪ ،‬لكي لنتهم بالكذب عندما نروي مآسي السجون‪.‬‬
‫وعندما رأى قاضي التحقيق مانحن فيه من قذارة المكان والتضييق‪،‬‬
‫أمر باخرجنا إلى غرفة(مناوبين قسم الشرطة)التي يظن المدعي أمامكم بأنها غرف‬
‫خمسة نجوم!‪ ،‬وهي غرفة ل يكاد يبارح العسكر الجلوس معنا‪ ،‬غير أنها لم تدم إذ سرعان‬
‫ما نقلونا إلى انفرادي القذارة والحشرات‪.‬‬
‫‪=4‬الفرش المتسخة والغرف غير الصحية‪:‬‬
‫كانت الفرش على مستوى من القذارة لتصدق ول تطاق‪ ،‬وكان النتن والعث يتفاوح‬
‫منها‪ ،‬وكان لونها قاتما‪ ،‬من الوسخ والقاذورات‪ ،‬وكانت جدرانها قذرة جدا‪ ،‬وكان الهواء‬
‫ضحل عفنا‪ ،‬لم تجر العادة بتشميس من فيها‪ ،‬كان النسان يذوي شيئا فشيئا‪ ،‬حتي يصفر‬
‫لونه ويبهت‪ ،‬وتتحطم نفسيته‪ ،‬ويصبح جاهزا للغواء والحتواء‪ ,‬وهناك قصص تحتاج إلى‬
‫تثبت عن كل ما يخطر على البال من النحرافات‪.‬‬
‫وفي سجون المباحث و لسيما في مرحلة الستظهار‪ ،‬يخلع السجين ملبسه ويلبس‬
‫ملبس زرقاء أو بيضاء قصيرة منكرة‪ ،‬كثياب الجزارين والخبازين‪ ،‬ويخلع حذاءه ويعطى‬
‫(شبشبا تافها‪ ،‬ويمشي حاسر الرأس) وتنزع منه ساعته‪ ،‬فل يعرف الوقات‪ ،‬بل إن‬
‫المسواك‪ ،‬وهو مطهرة للفم‪،‬مرضاة للرب ينزع من فم المتهم‪ ،‬وكذلك تسحب سجادة الصلة‬
‫كما فعل مع بعض معتقلي الدستور السلمي التسعة في جدة‪ ،‬فهل في السلم ما يسمح‪،‬‬
‫بهذه المور المهينة للكرامة‪.‬‬

‫‪ =5‬التقصير في الرعاية الغذائية والصحية‪:‬‬


‫لقد أمر السلم برعاية السير حتى لو كان كافرا محاربا‪ ،‬لن هذا حق إنساني‪،‬‬
‫فضل عن السير المسلم‪ ،‬وقد عبر الرسول صلى ال عليه وسلم عن السجين بالسير‪ ،‬لنه‬
‫السجن في السلم إنما وظيفته (التعويق)‪ ،‬فكيف أصاروا وظيفته (التضييق)‪( ،‬التعويق) هو‬
‫منع الشخص من التصرف بنفسه‪ ،‬وذلك ل يلغي حقوقه الخرى‪ ،‬ومنها الرعاية الغذائية‪،‬‬
‫فمن حق النسان أن يحصل على رعاية غذائية وصحية تامة ومن حقه أن تتوافر له رعاية‬
‫طبية تامة‪ ،‬و لسيما أن السجناء يعانون من بعض المراض التي تستفحل أو تنشأ‪ ،‬بسبب‬
‫اللم النفسية‪ ،‬أو قلة الحركة‪ ،‬وقلة الشمس والهواء‪ ،‬كالسكري وأمراض السنان والقلب‬
‫وأمراض المعدة‪.‬‬
‫وهذا غيض من فيض مارأيناه وعشناه؛ كانت الزنازين (في مركز بريدة الشمالي)‬
‫أقل سوءا‪ ،‬عندما نقلنا إلى زنازين انفرادية والصراصير تسرح فيها‪ .‬الصراصير والحشرات‬
‫والقذارة قاسم مشترك‪.‬‬
‫بعد نقلناإلى مركز شرطة بريدة الشمالي‪ ،‬وقت الظهيرة لم يصرف لنا وجبة غداء‪،‬‬
‫مع كثرة طلبنا للوجبة رغم معاناة أحدنا من مرض السكر‪.‬‬
‫فقد جاء عامل النظافة (أو الطعام) البنغالي بوجبة الفطور وطفق يغرف من القدر‬
‫بيديه القذرتين‪ ،‬ول بد للجائع من الكل‪ ،‬ولو كان التقيؤ عقباه‪ .‬وطلبنا شايا‪ ،‬فرفض‬
‫إحضاره‪ ،‬لول بعض العبارات التي نفخت فيه معاني إنقاذ السير والمسكين‪ ،‬فرق قلبه فجاء‬
‫بعلبة زبادي’ندى’ومسحها ببنطاله فصب لحدنا شايا‪ .‬وطلبنا منه ماءا فقال(جيب بُطل)يقصد‬
‫احد قوارير الصحة الفارغة فوجدناها مملؤة ببول أحد المساجين‪،‬فطلبنا من الخفير الماء فقال‬
‫عطني قارورة الصحة أعبئها فلم أجد فنادى للسجين الذي في جواري(إبراهيم عطني‬
‫قارورة)‪.‬‬
‫كانت درجة الحرارة تصل إلى ‪ 45‬ولتكييف أو مراوح شفط أومراوح معلقة‪ ،‬كان‬
‫الماء يتصبب من الجسم كتسرب ماء القربة‪ ،‬ننام هنيهة ونصحو هنيهة‪ ،‬بسبب تسرب العرق‬
‫فنغتسل‪،‬ثم نعود للنوم مرة أخرى‪ ،‬وهكذا دواليك‪ ،‬كل ساعة أو ساعتين‪.‬‬
‫ثارت الخواطر في الضمائر‪ :‬ياترى كل هؤلء المسجونين من الفتيان استظهارا؛‬
‫يعانون هذا البلء‪ ،‬والقضاة يصادقون على إقراراتهم‪ ،‬على أنها شرعية‪،‬وبعض من القضاة‬
‫قساة‪ ،‬ل يدرون ما السجون‪ ،‬فيحكمون أحكاما قاسية‪ ،‬لكي يكون السجن معبر النتحار‬
‫والتشرد والجنون ويسمون ذلك تطبيقا للشريعة‪ .‬مع أن الشريعة ليس فيها من الحدود سجن‬
‫‪ ،‬بل هو من الوسائل‪ ،‬التي جدت بعد عصر النبوة وهو للتأديب والصلح‪.‬‬
‫‪ =6‬احتقار السجين‪:‬‬
‫على الرغم من التعليمات المكتوبة‪ ،‬التي أصدرتها إدارة السجون‪ ،‬فإنها ل تلقي‬
‫تطبيقا مناسبا‪ ،‬فأغلب خفراء السجون يمارسون احتقارا للسجين استظهارا أو عقوبة‪،‬فهو‬
‫عندهم مجرم‪ ،‬والمجرم –عندهم‪-‬ل حقوق له‪ ،‬وهم بطبيعة تربيتهم وتدريبهم وعملهم؛ أقرب‬
‫إلى القسوة‪ ،‬حينما سألنا الخفير‪ :‬لماذا هذه القسوة والتقصير في النظافة‪ ،‬قال‪:‬هم مجرمون‪،‬‬
‫ما يستأهلون إل هذا‪.‬‬
‫السجين إذن مجرم‪ ،‬وهو إذن بدون حقوق‪ ،‬هذه هي القاعدة التي آمنا بها في مركز‬
‫شرطة بريدة الجنوبي‪ ،‬ومركز بريدة الشمالي‪ ،‬وحدث عن جزيرة واق الواق‪ ،‬ول حرج‪،‬‬
‫ولكن ل ترفع صوتك إل إذا كنت تؤمن بقاعدة" وامر بالمعروف وانه عن المنكر‪ ،‬واصبر‬
‫على ما أصابك"‪ .‬والخفراء تنتقل لهم توترات المساجين‪ ،‬ل سيما أن عددهم‪-‬كما قالوا ل‬
‫يفي بالحاجة‪ ،‬وهم يكلفون بدوام طويل‪ ،‬خلفا للوائح‪-‬كما قيل لنا‪.‬‬
‫ول تتوافر‪-‬في عدد منهم‪-‬الصفات المسلكية‪ ،‬من ما يجعل توزيع المخدرات‪،‬‬
‫والستغلل المالي واستغلل الحداث‪ ،‬للشذوذ الجنسي محتمل‪ ،‬وهناك قصص متواترة‪.‬‬
‫وواضح من ذلك أن التجافي‪ ،‬عن السلوب التربوي‪ ،‬هو القاعدة‪ ،‬من ما يفاقم‬
‫المشكلت‪،‬‬

‫‪ =7‬ل مساجد للجماعة في السجون‪:‬‬


‫السجن في السلم سجن احترام‪ ،‬يجب أن يسمح للسجين بأداء العبادة‪ ،‬و أن يتوافر‬
‫له الماء للوضوء والستحمام‪ ،‬وأن ل تكون الزنزانة صغيرة‪ ،‬وأن يلتقي السجناء للصلة‪،‬‬
‫سواء أكانت صلة جمعة أم جماعة‪ ،‬وهذا المر غائب عن أذهان كثير من مصممي السجون‬
‫الحاضرة‪ ،‬قد تجد في بعض هذه السجون(كالحاير)‪ ،‬مكانا (يفترض فيه) أن يجتمع السجناء‬
‫فيه للطعام‪ ،‬ومكانا (يفترض فيه) أن يجتمع السجناء للعب كرة القدم والسلة والطائرة‪.‬‬
‫ولكن ل تجد فيه مكانا (يفترض فيه) أن يجتمعوا لصلة جمعة أو جماعة‪،‬نعتقد أن‬
‫ذلك جهل بحقوق السجين‪ ،‬ونستبعد أن يكون تصميم بعض السجون‪ ،‬إنما يراعى أن تكون‬
‫السجون واجهة إعلمية‪ ،‬للوفود التي قد تأتي لتشاهد وتشهد أن السجون ‪ ،‬وفق الشروط‬
‫المطلوب توفيرها للنسان (بموجب المواثيق الدولية) ومعروف أن الدول الكبرى وهيئات‬
‫هيئة المم المتحدة لتهمها الصلة‪ ،‬مع العلم أن أغلب السجون التي عرفنا ل تسمح‬
‫للسجناء‪-‬أصل‪ -‬باجتماع على رياضة ول طعام ول صلة‪.‬‬
‫ومنع السجين ‪-‬استظهارا فضل عن السجين عقابا‪ -‬من أداء صلة الجماعة أو‬
‫الجمعة في السجن‪ ،‬ليس له مسوغ شرعي‪ ،‬لسيما إذا كان الهدف منه الضغط على إرادته‬
‫أثناء التحقيق‪ ،‬أو إجباره على اعتراف أو شهادة أو التزام‪ ،‬أما منع سجين العقوبة‪ ،‬من هذه‬
‫المور فهو جريمة‪ ،‬لنه داخل في تحويل السجن من تعويق وتأديب‪ ،‬إلى تضييق وتعذيب‪.‬‬
‫لقد ألح أحدنا في طلب مصحف فسوّف الجندي ولم يستجب‪ ،‬وقد جرت عادتهم على‬
‫ترك الموقوف والسجين وطلباتهما‪ ،‬وتوسل للخفير فقال له‪ :‬إن لك نصف أجر القراءة‪ ،‬إذا‬
‫جئتني بالمصحف‪ ،‬فحركت كلمة الجر إحساسه وجاء بالمصحف‪ ،‬بعد لي شديد‪ ،‬كنا سمعنا‬
‫من قبل أن الموقوفين –في بريدة‪-‬يمنعون من المصاحف من قبل‪ ،‬ولكننا لم نصدق‪ ،‬حتى‬
‫رأينا‪.‬‬
‫جاء وقت الذان وأذن أحدنا ‪ ،‬فضج الجنود‪:‬ل تزعجونا لترفعوا أصواتكم بالذان‪،‬‬
‫يكفي أذان المساجد‪.‬‬
‫‪ =8‬الفراغ القاتل و منع الكتابة والقلم‪::‬‬
‫وقت النسان أثمن ما يملك‪ ،‬ولذلك قيل (الوقت من ذهب) وبين الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم (أن النسان يسأل يوم القيامة عن عمره فيم أفناه)‪ ،‬فالوقت من أثمن ما يملك‬
‫النسان‪ ،‬وإهدار وقت السجين‪ ،‬من دون نفع خاص أو عام اعتداء على أثمن ممتلكاته‪ ،‬وهو‬
‫عمره ووقته‪ ،‬لذلك وجب أن يتاح للسجين ما يمل به وقت فراغه‪ ،‬من كتاب نافع يقرأ فيه‪،‬‬
‫ولسيما كتب الدين والخلق‪.‬‬
‫وكثير من الدول الغربية تسمح للسجناء بأن يواصلوا الدراسة في المدارس عن‬
‫طريق النتساب‪ ،‬ويتعلموا مهنة كالزراعة والنجارة والحدادة والخياطة‪ ،‬ويتسلوا‪ ،‬ويطردوا‬
‫الكآبة والتوتر والحباط‪.‬‬
‫أما حبس القلم والوراق عن المعتقل ومنعه من الكتابة‪ ،‬فهو منع له من حق‬
‫شرعي‪ ،‬من دون مسوغ‪ ،‬سلطين الجور القدامي لم يمنعوا القلم والوراق‪ ،‬عن‬
‫(السرخسي) الذي ألف كتاب المبسوط وهو حبيس‪ ،‬وسلطان الجبر الجائر القديم‪ ،‬سمح لبن‬
‫تيمية أيضا بالكتابة‪ ،‬ولقاء الناس من طلبه وأصدقائه وعامة الناس المستفتين ‪ ،‬وسمح‬
‫لبن خلدون بالكتابة‪ ،‬فالف كتاب العبر‪،‬كذلك تفعل الدول‬
‫الدستورية جميعآ‪ .‬أما نحن فنعلن‪ :‬تطبيق الشريعة‪ ،‬و بسلوكنا المتخلف نفتح الباب الموارب‬
‫للعلمانية والمبريالية‪ ،‬ذات الحرية البراقة والعدل الجذاب‪ ،‬فأين نحن من علياء الشريعة؟‪:‬‬
‫بينات أصحابها أدعياء‬ ‫×‬ ‫والدعاوى إن لم يقيموا عليها‬
‫ولقد أولت النظمة الدستورية السجناء عناية كبيرة‪ ،‬وحولت كثير من الدول السجون‬
‫إلى دور إصلح‪ ،‬يتعلم فيها السجين مهنة شريفة‪ ،‬ويمارس بعض العمال القريبة إلى نفسه‪،‬‬
‫ويستمتع بالشمس والهواء‪ ،‬ويشاهد التلفاز‪ ،‬ويقرأ الصحف والكتب‪ ،‬ويتجول في حدائق‬
‫سجن واسعة‪ ،‬ويمارس بعض اللعاب وأسباب الترفيه البريء ويتاح أن يعمل أعمالً‬
‫اختيارية في حديقة السجن‪ ،‬ومن صمم سجنا على خلف هذه الهيئة‪ ،‬ثم زعم أن هذا من‬
‫تطبيق الشريعة‪ ،‬فقد أبعد النجعة‪.‬‬
‫‪ =9‬رزق المساجين الشهري‪ ،‬من دون تدبير‬
‫ل يمكن أن يصدق أحد أن تقصير مركز بريدة الجنوبي أو الشمالي‪ ،‬في النظافة‬
‫والطعام‪ ،‬وليس ذلك بسبب قلة ما يصرف للسجناء‪ ،‬فمكافأة السجناء مجزية‪ ،‬ولكن ثمة خلل‬
‫ما‪ ،‬في كيفية التوزيع!!‪ .‬فالحقيقة أن الدولة‪-‬وفقها ال‪ -‬قامت بما يتسق مع مقاصد‬
‫الشريعة وروحها؛ أن تكون جميع نفقات السجين من بيت المال‪ ،‬من طعام وشراب‪ ،‬وكساء‬
‫ولباس وعلج وأثاث‪.‬‬
‫‪=10‬اطمئنان السجين على أهله والسماح لهم وله‬
‫بالتلقي‪:‬‬
‫من اساليب الضغط على نفس المتهم‪ ،‬حيث يقلق ول يدري ماذا جرى لولده‪ ،‬وقد‬
‫يكون تركهم بدون نقود يقتاتون منها‪ ،‬وقد يكون خلفهم من دون محرم‪ .‬وقد يكون أولده‬
‫على أبواب امتحانات دراسية‪ ،‬يحتاجون إلى من يتابع شئونهم‪ ،‬وقد يحتاجون إلى سائق‬
‫محرم ينقلهم إلى المدارس‪ ،‬وقد يكون خلفهم وفيهم امرأة حبلى أو والد مريض على سرير‬
‫المستشفى‪ ،‬أو منهم مراهقون يحتاجون إلى متابعة ورعاية‪ ،‬فهو يخاف ويقلق ويوسوس له‬
‫الشيطان بأقساها‪.‬‬
‫ول ريب أن منع السجين من رؤية أهله ومهاتفتهم‪ ،‬يهدف إلى بث الذعر في نفوس‬
‫المعتقلين وأسرهم‪ ،‬وكثير من السجناء ل يسمح لهم بمهاتفة أهليهم فضل عن استزارتهم‬
‫إل بعد بضعة شهور‪ ،‬وبعضهم يظل سنين ل يدري أهله في أي مكان‪ ،‬وهل هو سجين أم‬
‫مفقود فضل عن أن يتصل بهم‪ ،‬ول ريب أن هذه التصرفات‪ ،‬تخالف الروح النسانية التي‬
‫فطرها ال على الرحمة والرأفة‪ ،‬فضل عن النصاف والعدل‪ ،‬وقد حرمها السلم تحريما‬
‫قطعيا‪ ،‬لن فيها إيذاءا للمسلم بغير وجه حق‪ ،‬وترويعا للمتهم ‪ ،‬بل ترويعا للبرياء من آباء‬
‫وأبناء وإخوان‪ ،‬وشيوخ ونسوة وصبيان‪ ،‬وكم من فتى أصيب بانهيار عصبي‪ ،‬أو حاول‬
‫النتحار‪ ،‬في ظل هذه الفظائع‪ ،‬هذا ما شاهدناه على الخصوص‪ ،‬في سجن عليشة‪.‬‬
‫يجب أن يسمح للسجين باستقبال أهله ومعارفه وأصدقائه كما جرت على ذلك الدول‬
‫الدستورية‪ ،‬لما ذكرنا من أن السجن في السلم إنما هو (تعويق)‪ ،‬ل يصل إلى حد‬
‫(التضييق)‪.‬‬
‫لذلك يجب أن يسمح للسجين فور دخوله بمهاتفة زوجته وأولده‪ ،‬ووالديه وذويه‬
‫وأصدقائه‪ ،‬وهذا حق ثابت شرعا للسجين‪ ،‬فليس من العقوبات الشرعية حرمان النسان من‬
‫هذا‪ ،‬حتى لو كان مجرما‪ ،‬لن منع السجين من مهاتفة أهله‪ ،‬ولسيما إذا كان حديث العتقال‬
‫يؤدي إلى أن يصبح أهله رهن الهواجس والظنون‪ ،‬ل يدرون ماذا يفعلون‪ ،‬ول يدرون ماذا‬
‫جرى لعائلهم أحي أم ميت‪ ،‬أهو بخير أم في تعذيب أو أذى‪ ،‬وهذا حق من حقوقه وحقوقهم ‪،‬‬
‫وال يقول "ولتزر وازرة وزر أخرى"‬
‫‪=11‬إزعاج السجين بالصوات والنوار وأجهزة المراقبة‪:‬‬
‫وفي غالب السجون يفقد السجين راحته واطمئنانه ‪ ،‬بكثرة الصوات المزعجة‪،‬‬
‫التي تصدر أحيانا من طبيعة السجن‪ ،‬وما فيه من بوابات كهربائية‪ ،‬وأساليب عسكرية‪ ،‬تؤدي‬
‫إلى سلب إرادته‪ ،‬وضعف نفسه‪.‬‬
‫ومثلها النوار المستمرة الشتعال‪ ،‬في الزنازين التي ل تنطفئ ول تخبو‪ ،‬في ليل‬
‫ولنهار‪ ،‬ول نوم ول يقظة‪ ،‬ومثلها الكمرات المنصبة على مراقبته‪ ،‬وكأنه حشرة تحت‬
‫مجهر‪ ،‬فهو مراقب في نومه‪ ،‬مراقب وهو مستيقظ‪ ،‬وهو مراقب وهو يلبس الفنيلة‬
‫والسروال‪ ،‬بل هو مراقب حتى في مكان قضاء الحاجة‪ ،‬حيث ينكشف جزء من عورته‬
‫للشاشة‪,‬‬
‫وهذه الرقابة على السجين طوال الليل والنهار إزعاج محرم‪ ،‬فال قد أمر بعدم‬
‫كشف العورات‪ ،‬قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا‪ ،‬ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم‪ ،‬والذين لم‬
‫يبلغوا الحلم منكم‪ ،‬ثلث مرات‪ ،‬من قبل صلة الفجر‪ ،‬وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة‪ ،‬ومن‬
‫بعد صلة العشاء‪ ،‬ثلث عورات لكم" هذا مع أطفال لم يبلغوا الحلم‪ ،‬فكيف برجال بالغين كبار‪،‬‬
‫يتربعون أمام شاشة التلفاز‪ ،‬ليراقبوا هذا السجين المسلوب الحرية والرادة‪.‬‬
‫وذلك محرم شرعا لنه إزعاج وإيذاء‪ ،‬وتتبع لعورات مصونة‪ ،‬فماذا سيجد المراقب‬
‫عند سجين في غرفة منفردة؟ لعموم قول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬يامعشر من أسلم‬
‫بلسانه‪ ،‬ولم يفض اليمان إلى قلبه‪ ،‬ل تؤذوا المسلمين ول تعيروهم ول تتبعوا عوراتهم‪ ،‬فإن‬
‫من تتبع عورة أخيه المسلم‪ ،‬تتبع ال عورته‪ ،‬ومن تتبع ال عورته‪ ،‬يفضحه ولو كان في‬
‫جوف رحله" (رواه الترمذي)‪.‬‬
‫‪=12‬حمل السجين إلى التحقيق وترويعه‬
‫ومع أن النظمة نصت على إخبار السجين‪ ،‬عندما يكون له موعد عند الطبيب‪ ،‬أو التحقيق‪،‬‬
‫أو القضاء أو نقله من مكان إلى مكان‪ ،‬فقد جرت العادة على أن يقتحموا عليه باب الزنزانة‬
‫فجأة‪ ،‬ويضعوا في رجليه ويديه القيود‪ ،‬وربما عصبوا عينيه‪ ،‬وقادوه كما تقاد الشاة‪ ،‬وإن‬
‫سألهم قال ألطفهم‪" :‬قل لن يصيبنا إل ماكتب ال لنا"‪ ،‬أما الخشن فيصرخ‪ :‬تحقيق!!‪ ،‬أو‬
‫يقول‪-:‬كما جرى لنا‪-‬في الصباح عندما جاء العسكر إلينا‪ ،‬ووضعوا القيود‪ ،‬وقالوا‪ :‬هيا‬
‫امشوا فقلنا‪ :‬إلى أين؟ فقالوا‪ :‬ماهو بشغلكم‪.‬‬
‫ووضعوا القيود والسلسل في اليدي والرجل‪ ،‬حتى لم يكد يستطع أحدنا الصعود إلى‬
‫الجيب‪-،‬ذاك المتهم باقتحام طوق أمني‪ -‬إل بعد فك أغلل إحدى الرجلين‪ ،‬ولم نعرف أننا‬
‫متجهون إلى هيئة التحقيق إل عندما دخلنا البوابة‪ ،‬وصعدنا إلى مكتب المحقق‪ ،‬وئيدا‪-‬‬
‫نتهادى بأغللنا‪-‬وهو يستعجلنا لكي نصعد السللم‪ ،‬ولم يفك العسكري القيود‪ ،‬حتى عندما‬
‫أمره محقق الهيئة‪ ،‬بفكها قائل‪: :‬إذا استلمتهم‪-‬مني‪ -‬رسميا فككت الكلبشات!!‪.‬‬
‫ومن أساليب التعذيب المهينة التي تمارس على السجين النفرادي وقت التحقيق الذي‬
‫قد يطول إلى شهور أن يأتي مندوب المارة والسجن و‪ ...‬لتفقد حال سجين ما فإذا شكا لهم‬
‫آلمه وعذابه وطلب منهم حل مشكلة في نومه أواكله أوقضاء حاجته ونحوها؛ قيل له مفتاح‬
‫ذلك عند من يحقق معك ‪ ،‬فكأنهم يقولون له أعط المحقق مايريد منك يعطك ماتريد من‬
‫تسهيل دخولك للحمام أو إحضار الكل المناسب لك‪.‬أي ترويع وإيذاء نفسي؛ أعظم من هذا؟‪،‬‬
‫من ما يجعل بعضهم يقول كل ما يريده المحقق‪ ،‬ليتخلص من هذا العذاب المهين‪.‬‬
‫وهذا باب كبير من الكراه فربما أقر المتهمون للمحقق مايريد منهم وهم منه برآء‬
‫ليهنأوا في نومهم وأكلهم وقضاء حاجتهم‪.‬‬

‫‪=13‬السرية في السجون من مداخل انتهاك حقوق‬


‫السجناء‪:‬‬
‫فالسجن محل إصلح وتربية وتهذيب‪ ،‬وهذا هو الصل فيه‪ ،‬وأمكنة الصلح ل سرية‬
‫فيها‪ ،‬لسيما أن هذه السرية ليس لها داع شرعي‪ ،‬وغالب دور السجون تجعل اسم السجين‬
‫أيضا سرا‪ ،‬فل يمضى السجين أسبوعا‪ ،‬حتى يكاد ينسى اسمه ونسبه‪ ،‬لنه يصبح (رقما) من‬
‫الرقام‪ ،‬وكم يجر الرقم السري للسجين من مفارقات‪ ،‬كما يجر الرقم السري في المتحانات‪،‬‬
‫فرب طالب ُرسّب وهو ناجح‪ ،‬ورب طالب ُنجّح وهو راسب‪.‬‬
‫تحويل النسان المكرم‪ ،‬إلى رقم سري في عنبر‪ ،‬يحمل مفارقة المقارنة مع سجون‬
‫العالم المتحضر‪ ،‬التي يسمح فيها بمقابلة الصحافة والذاعة والتلفاز‪ ،‬حيث يجري كل شيء‬
‫تحت النور حتى عند الطبيب‪ ،‬ل يتعامل الطبيب مع إنسان ذى اسم‪ ،‬بل رقم من أرقام في‬
‫ملفات‪ ،‬وينادي السجين بيا رقم كذا وكذا لكي ل يعرف الناس أن فلنا عالج في المستشفى!!‪.‬‬
‫ومن مظاهر هذه السرية في السجون ‪ ،‬عصب عيني السجين‪ ،‬إذا أريد نقله من مكان‬
‫إلى مكان‪ ،‬تعصب عيناه عند الذهاب به إلى المستشفى‪ ،‬وقد تعصبان وهو ذاهب إلى‬
‫التحقيق‪ ،‬وقد تعصبان وهو ينقل من عنبر إلى آخر‪.‬‬
‫ومن مظاهر السرية أيضا‪ ،‬أن السجين ينقل من مكان إلى آخر‪ ،‬ومن غرفة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬مفاجأة من دون سابق بيان أو إعلم‪ ،‬وهو ل يدري حين يأتيه الجندي أيسوقه إلى‬
‫التعذيب أم إلى التحقيق‪ ،‬أم إلى زيارة أهله‪ ،‬أم إلى لقاء مسئول‪ ،‬أم إلى زنزانة أخرى‪ ،‬أم إلى‬
‫مستشفى‪ ،‬أم إلى سجن آخر‪ ،‬ومع تخويفه المتواصل بالتعذيب‪ ،‬قد يتصور أنه ذاهب إلى‬
‫اللت الحديثة في التعذيب‪ .‬وهذه السرية‪ ،‬من أثر تسلط الرهاب البوليسي العسكري‪ ،‬تجعل‬
‫النسان المعصوم الدم والعرض والعقل نهب الهواجس والظنون‪ ،‬والقلق والتوتر‪ ،‬إن العلقة‬
‫بين (السرية)و(انتهاك حرية النسان وحقوقه الشرعية) علقة وثيقة كما قال الشاعر‪:‬‬
‫يلقاك دون الخير من ستر‬ ‫الستر دون الفاحشات ول‬
‫وعالم السرار لينتهي‪ ،‬فإن السرية طابع الرهاب‪ ،‬فكل هذه السرار التي يراها‬
‫السجين في السجن‪ ،‬بما فيها التعذيب والرهاق‪ ،‬وبما فيها من مآس ومحن‪ ،‬ل يجاز للسجين‬
‫إذا خرج أن يتحدث عنها‪ ،‬فل يصف ما رأى‪ ،‬ول يتحدث عن ما جرى‪ ،‬ول يذكر ما سمع‪،‬‬
‫خوّفَ بالعودة‬
‫وتتابع المباحث حركاته وجلساته‪ ،‬بعد الخروج من السجن‪ ،‬فإن تفوه بما حدث ُ‬
‫إلى السجن كرة أخرى‪.‬‬
‫وكأن المطلوب من المتهم ‪ ،‬أن يقول إذا خرج ‪ :‬كنت مكرما محترما‪ ،‬لم ألق أي‬
‫إهانة‪ ،‬ولم أصفع أو ألطم‪ ،‬بل لم أسمع أن إنسانا أوذي‪ ،‬فيشكر حسن الضيافة‪ ،‬ويحمد طيب‬
‫القامة‪.‬‬
‫وهذا التعهد بالصمت والسكوت‪ ،‬يؤدي إلى السكوت عن منكرات السجون‬
‫والمباحث والشرطة‪ ،‬واعتبارها من السرار والطلسم‪ ،‬التي ل يجوز الحديث عنها‪ ،‬وإن ل‬
‫تعرض المرء للختطاف‪ ،‬لكي تبقى ماثلة أمامه أشباح عالم الخوف و الرجاف‪ ،‬السرية بنية‬
‫ظالمة‪ ،‬مستمرة مع كل متهم‪ ،‬سواء أكان مجرما حقيقيا‪ ،‬أم مجرما في نظر السلطة‪ ،‬وهذه‬
‫السرية جريمة إنسانية‪ ،‬وليست شرعية‪ ،‬فإذا كان التعذيب وفق الشريعة كما يقال‪ ،‬فلم يجبر‬
‫النسان أن يكتم ما جرى وإذا كان التحقيق أيضا شرعيا‪ ،‬فلم يجب الكتمان؟‬
‫إن هذه السرية يراد بها منع المتهم أيضا من التظلم‪ ،‬ومنع المتهم من كشف‬
‫الرهاب الذي يمارس كثيرا‪ ،‬تحت برقع حفظ المن والستـقرار‪ ،‬وأشد المور خطورة‪ ،‬أن‬
‫أسماء العاملين في السجون والمباحث مستعارة‪ ،‬فل يعرف السجين من فلن ول علن‪،‬‬
‫وذلك مدخل لنتهاك حقوق السجين‪ ،‬فالطابع السري في كل الحوال‪ ،‬ل يوحي بعدل ول‬
‫حقوق‪ ،‬إذ إن السجين ل يستطيع أن يبرهن عندما يتظلم‪ ،‬سواء أكان داخل السجن أم بعد‬
‫خروجه‪ ،‬لنه ل يعرف أسماءهم‪.‬‬

‫ج‪-‬ليس هدف التحقيق الوصول إلى الحقيقة مطلقا‪ ،‬بل‬


‫الهدف مقيد بمشروعية الوسائل؟‪:‬‬
‫‪=1‬التهديد يخل بالتحقيق الشرعي‪:‬‬
‫قرر الفقهاء‪ ،‬أن مثل هذه الصفات السابقة تعتبر تعذيبا وتضييقا محرما شرعا‪ ،‬بل إن‬
‫التهديد بشيء منها إذا صدر من من يملك ما هدد به‪ ،‬يعتبر سالبا الرضى أو الختيار‪ ،‬وهذا‬
‫يجعل العتراف شيئا ل قيمة له‪.‬‬
‫قال عمر بن الخطاب‪((:‬وليس الرجل بمأمون على نفسه إذا أخفته)) [رواه عبد‬
‫الرزاق] وقال بن مسعود رضي ال عنه‪((:‬ما من ذي سلطان يريد أن يكلفني كلما يدرأ عني‬
‫سوطا أو سوطين إل كنت متكلما به))‪.‬‬
‫فإذا كان التهديد بسوط أو سوطين عند المام عبد ال بن مسعود يبطل القرار‪ ،‬فما‬
‫بالك بالتهديد بالضرب بالسواط‪ ،‬بل ما بالك بالتهديد المتواصل بآلت التعذيب‪ ،‬كآلت الصعق‬
‫الكهربائي‪ ،‬وغرف التعذيب السرية‪ ،‬التي يعلق بها النسان كتعليق الخرفان في المجازر‪،‬‬
‫حيث يتعرض النسان للشلل والجنون‪ ،‬فما بالك حتى بسجن (التعويق)‪ ،‬فضل عن سجن‬
‫(التضييق)‪ ،‬فضل عن الزنزانة المفردة‪ ،‬التي كل يوم فيها يعادل أكثر من عشرين سوطا‪.‬‬
‫‪=2‬التلويح بتهم كبرى لكي يعترف المتهم بالصغرى‪:‬‬
‫كان الضابط الذي حقق معنا –أول ليلة‪ -‬مشغول بقضية الطوق المني‪ ،‬الذي قالوا‪،‬‬
‫من وجهة نظرنا أن موضوع السلح‪-‬إذا ثبت –ل علقة له بالقضية‪ ،‬وأنه ل يمكن الحديث‬
‫عنه‪ ،‬إل بعد إثباته شرعيا‪ ،‬ولكنه جاء للتخويف وبث الرعب‪ :‬المعتصمات في بيتهن سلح‪،‬‬
‫لكي ينصرف الناس عن الموضوع الصلي‪ ،‬ولكنا تعاونا مع الضابط عند التحقيق‪ ،‬عسى أن‬
‫يمن ال علينا بالخروج من هذا الضيق‪ ،‬ولنثبت له حسن النية‪ ،‬وبعدنا عن ما افترضه في‬
‫القضية‪ ،‬وأخبره أحدنا أن ل قيمة لهذا التحقيق‪ ،‬لنه معيب شرعا‪ ،‬لعدم حضور محام‪ ،‬ولن‬
‫التوقيف ليس للتضييق فحسب‪ ،‬بل لقتل الكرامة النسانية‪ ،‬وأمراض الجسد والروح والعقل‪.‬‬
‫ولم يكن لديه ما يسعفنا‪-‬رغم ما أبدى من حس إنساني‪ ،-‬فقال‪:‬هذا المبنى قديم‪ ،‬ول‬
‫تتوافر فيه شروط النظافة‪ ،‬وسننقلكم إلى مركز بريدة الشمالي‪ ،‬فهو أحدث وأنظف‪.‬‬
‫وتجيير موضوع لم يثبت أمام القضاء؛ إنما هو من أنواع الضغط النفسي على‬
‫المتهم‪ ،‬وهو من التهديد المبطل القرار‪ ،‬أن يلمح المحققون إلى أنه يمكن أن يتهم المتهم‬
‫بقضايا أخرى‪ ،‬ويهددوه تلميحا‪ ،‬بأنه متورط في قضايا أخرى‪ ،‬ولكنهم ل يريدون توسيع‬
‫مجال التهم‪ ،‬وهذا يجعل المتهم يذعن إلى العتراف بما لم يفعل‪،‬فضل عن اعترافه الجبري‬
‫بما فعل‪ ،‬خوفا من اقترافهم ما يوحون به‪ ،‬وخوفا من أن يلطخ بجريمة في دينه أو فضيحة‬
‫في عرضه‪.‬‬
‫لسيما عندما تنتهك حرمة بيته بالتفتيش‪ ،‬بطريقة تخالف النظام‪ ،‬الذي حدد آليات‬
‫ضوامن للعدل والحقيقة‪ ،‬وهذا يجعل المتهم جاهزا للموافقة على التهم المسددة‪ ،‬يسهل قياده‪،‬‬
‫بحيث يبدو له الموضوع المتهم فيه بسيطا‪ ،‬أمام المور التي يهدد بإثارتها‪ ،‬وهذا مناف‬
‫للتحقيق النزيه‪.‬ول يجوز تهديد المتهم‪ ،‬بإيذاء أهله وذويه‪ ،‬فذلك محرم قطعيا‪ ،‬لقوله تعالى‬
‫((ول تزر وازرة وزر أخرى))‪.‬‬
‫وقد سمعنا أخبارا متواترة‪ ،‬عن تهديدات بأمور كبيرة البشاعة‪ ،‬بل عن إقرارات‬
‫بالفواحش ول سيما السكر‪ ،‬أحد هؤلء قال لنا‪-‬في عليشة‪ :-‬إن المحقق قال له سنطوي‬
‫ملفك إذا قلت إنك عندما كتبت هذا المقال‪ ،‬كنت سكران‪ ،‬ففعل ذلك‪-،‬كما قال‪ -‬وبكى أمامنا‬
‫وهو يقول‪ :‬أجبروني على أن أكتب أنني كنت سكران في نهار رمضان!!!‪.‬ولكننا لن ننقل كل‬
‫ما سمعنا‪ ،‬ولكننا طالبنا –ول نزال‪-‬بفتح ملف حقوق النسان‪ ،‬وأهم من ذلك أن محقق‬
‫المباحث‪ ،‬يركز على اتهامنا بأمور‪ ،‬من أجل أن يخضعنا لمور أخرى‪ ،‬ولول أننا قدحفظنا‬
‫شماعة تبرير الرهاب‪ ،‬منذ سجن دعاة الدستور الثلثة‪ ،‬لتضاعف خوفنا‪.‬‬
‫لن قاعدة التحقيق الدارجة للسف‪-‬حتى عند قضاة الهيئة‪:-‬اضربه بالموت يقنع‬
‫بالحمى‪.‬‬
‫‪=3‬شروط القرار عند الفقهاء‪:‬‬
‫من أجل مراعاة الساليب الشرعية؛ للوصول إلى الحقيقة؛ اشترط أهل الفقه شروطا‬
‫لصحة القرار هي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون صريحا ل يحتمل التأويل‪ ،‬واضحا ل يحتمل الغموض‪ ،‬خاليا من الشبهة‬
‫‪ ،‬كالغلط والكذب‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون المقر حر الرادة‪ ،‬مختارا غير مكره‪ ،‬بأن يقر طواعية دون إجبار‪ ،‬فل‬
‫يصح إقرار المكره‪.‬‬
‫‪ -3‬وأهم شروط القرار أن يكون بين يدي القاضي‪:‬‬
‫لن القرار في غير مجلس الحكم‪ ،‬يدخل فيه اللغو والهزل والغفلة‪ ،‬فإذا كان النسان‬
‫بين يدي القاضي كان أوعى بتبعة قوله‪ ،‬وذلك يجعله جادا منتبه الحواس‪.‬‬
‫ومن ما يخل بالقرار ما هو جار عادة ‪ ،‬من أن يتولى الشرطة والمباحث القبض‬
‫والتفتيش وتجميع أدلة التهام‪ ،‬ثم يبدأ التحقيق الشفوي والتحريري مع المتهم‪ ،‬ثم يتم توثيق‬
‫التحقيق من قبل القضاء فيحضر المتهم إلى القاضي‪ ،‬وهو مغلول اليدين والرجلين‪ ،‬فيسأل‬
‫هل‪ :‬أنت واع غير مكره‪ ،‬فيقول نعم‪ ،‬فيبصم القاضي كما بصم المتهم‪ ،‬بصورة آلية‪.‬‬
‫أحيانا‪ ،‬تطلى إقرارات الكراه بصبغة قضائية شرعية‪ ،‬بإحضار قضاة –إلى السجن‪-‬‬
‫يصدقون عليها‪ ،‬بحضور من مارس التعذيب والكراه‪ ،‬و أحيانا يقع ذلك في المكان الذي وقع‬
‫فيه التعذيب واليذاء‪ ،‬فإذا تحفظ المعتقل أمام القضاة‪ ،‬أعاد المحققون التعذيب‪ ،‬وهددوه‬
‫بإعادة التحقيق بكل ضغوطه مرة أخرى‪ ،‬ول يملك القضاة أدنى قدرة على حماية المعتقل من‬
‫اليذاء لو أرادوا ذلك‪ ،‬وبذلك يكون دورهم إضفاء شكلية شرعية‪ ،‬على قرارات بوليسية‬
‫باطلة‪.‬‬
‫ول يشك أي إنسان عادي‪ ،‬فضل عن عارف بالشريعة والقضاء‪ ،‬أن هذا النمط من‬
‫القرارات ظلم ل يعتد به شرعا‪ .‬وفوق هذا وذاك ‪ ،‬يلحظ أن الجهزة المنية وضباط‬
‫المباحث ومحققيها‪ ,‬في محاولة لقطع خط تراجع المعتقل عن إقراره‪ ،‬التحقيق ‪ ,‬وكذلك‬
‫للتدليس على القضاة‪ ،‬أخذت تضيف عبارة في أخر التحقيق تنص على أن المعتقل "يوقع‬
‫على هذا (العترافات) وهوبكامل قواه العقلية وغير مكره على ذلك"!! ولكن هذه العبارة بحد‬
‫ذاتها تدل على الكراه والقسر‪ ,‬خاصة وانها تمت داخل السجون والمعتقلت‪.‬‬
‫‪=4‬ضمانات أخرى لبد منها لتحقيق مقاصد الشريعة‪:‬‬
‫ومن أجل ذلك وضعت الدول العادلة‪ ،‬مزيدا من ضمانات شرعية القرار‬
‫‪-1‬أن يتاح للمتهم محام‪.‬‬
‫‪-2‬أن يشرف القضاء على السجون‪.‬‬
‫‪-3‬أن يتولى التحقيق قضاة مؤهلون للقضاء‪.‬‬
‫‪-4‬أن تكون هيئة التحقيق تابعة (إداريا) لوزارة العدل‪.‬‬
‫‪-5‬أن تكون المحاكمة علنية‪ ،‬بحضور شهود ال في أرضه‪ :‬المحامين وأهل العلم‬
‫وأهل الحسبة المهتمين بحقوق النسان‪.‬‬
‫فياليت شعري‪:‬كيف تحقق دول الفرنجة درجات العدل‪ ،‬وفي بعض دول السلم تلبس‬
‫المظالم ثوب تطبيق الشريعة!!‬
‫‪=4‬بطلن أي اعتراف صادر عن إرادة غير حرة‪::‬‬
‫إذا لم تتوافر وتتكامل هذه الشروط‪ ،‬فإن العتراف باطل‪.‬لقد حرم السلم أي أمر‬
‫يؤثر على الرادة الحرة للمتهم‪ ،‬واعتبر كل أمر يؤثر على الرادة؛ إكراها يجعل القرار‬
‫باطلً‪ ،‬وقد اعتبر السلم السجن والقيد والضرب والتهديد أربعة ألوان تسلب إرادة المتهم‪.‬‬
‫وذهب جمهور الفقهاء إلى أن القرار بحق أو جناية عن طريق الكراه باطل‪ ،‬ول‬
‫يترتب عليه شيء لقوله تعالى (إل من أكره وقلبه مطمئن باليمان) فجعل ال سبحانه وتعالى‬
‫الكراه مسقطا إثم الكفر وعقوبته‪ ،‬وإسقاطه عداه أولى‪ ،‬وقال الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪(:‬إن ال وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) [أخرجه بن ماجه‬
‫والبيهقي والحاكم وصححه اللباني]‪.‬‬
‫وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪(:‬ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أخفته أو‬
‫أوثقته أو ضربته) (مصنف عبدالرزاق ‪ )10/193‬وقال شريح القاضي الذي مارس القضاء‬
‫أكثر من ربع قرن‪ ،‬زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية ((القيد كره‪ ،‬والوعيد كره‪ ،‬والسجن‬
‫كره‪ ،‬والضرب كره)) (فلو أن قاضيا أكره رجل‪ ،‬بتهديد أو ضرب‪ ،‬أو حبس أو ضرب‪ ،‬حتى‬
‫يقر على نفسه‪ ،‬بحد أو قصاص‪ ،‬كان القرار باطل) (المبسوط ‪)14/70:‬‬
‫ونص الفقهاء على أن القرار ل يصح إل من بالغ عاقل مختار‪.‬‬
‫وقد جاءت الحاديث والمواقف الصحيحة الصريحة عن النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وعن الصحابة رضوان ال عليهم‪ ،‬برفع المؤاخذة‪ ،‬عن المكره مطلقا‪ ،‬ول يجوز العدول عن‬
‫النص والموقف الصريح الصحيح‪ ،‬إل لدليل أقوى منه‪ ،‬وهذا الدليل لم يوجد‪ ،‬ولذا فإن الرأي‬
‫الذي يقطع به عدم مؤاخذة المكره مطلقا‪ ،‬سواء كان ذلك في جرائم حقوق الناس أم حق ال‪،‬‬
‫لسيما وقد ابتعد كثير من ولة المور عن توخي العدالة‪ ،‬فآل بهم المر إلى الحكم بغير ما‬
‫أنزل ال (العتراف غير الرادي‪ .‬د‪.‬محمود السرطاوي)‪.‬‬

‫‪ =5‬والكراه درجتان ما يسلب الرضا وما يسلب الختيار‪:‬‬


‫للكراه درجتان ما يسلب الرضا فحسب‪ ،‬وما يسلب الرضا والختيار معا‪.‬‬
‫الدرجة الولى‪:‬ما يسلب الرضا‪ ،‬ول يسلب الختيار‪ ،‬كالتهديد بالحبس والقيد‬
‫والضرب‪ ،‬وكل أمر ل يخشى منه التلف‪ ،‬ويسمى (الكراه الناقص) أو الكراه غير الملجيء‪،‬‬
‫ويدخل في ذلك سجن (التعويق)‪.‬‬
‫الدرجة الثانية‪ :‬ما يسلب الرضا والختيار‪ ،‬وهو كل تهديد يخشى منه النسان على‬
‫نفسه التلف‪ ،‬كتهديد النسان بأنه يوضع في آلت التعذيب اللولبية‪ ،‬التي تعرضه للجنون‪ ،‬أو‬
‫تهديده بالقتل غيلة أو جهرة‪ ،‬ومثل ذلك سجن (التضييق) في زنزانة مفردة‪ ،‬إذا تجاوز شهرا‬
‫ويسمى (الكراه التام) أو الكراه الملجئ‪.‬‬
‫الصورة الولى‪:‬سجن التضييق و لسيما النفرادي‪:‬‬
‫جرت العادة في كثير من الدول‪ ،‬أن يحبس المتهم بالجريمة مدة ل تتجاوز الشهر‪،‬‬
‫وخص الفقهاء ذلك الشهر بالمعروف بالجرام‪ ،‬أو المتهم المجهول الحال‪ ،‬أما الشخص‬
‫العدل فاعتبروا حبسه استظهارا جريمة‪.‬‬
‫فقد يسجن المتهم مدة طويلة‪ ،‬وقد يضرب أثناء هذه المدة‪ ،‬من دون علم القضاء‪،‬‬
‫ولسيما إذا رغبت أجهزة البوليس إثبات يقظتها‪ ،‬وسرعة بتها‪ ،‬ول ريب أن المتهم بهذه‬
‫الصفة في حال إكراه تام‪ ،‬لن الحبس الطويل كما قرر العلماء‪ ،‬كالضرب الشديد‪ ،‬يهدد الجسد‬
‫والعقل بالتلف‪ ،‬وقد يؤدي إلى المرض‪ ،‬ولذلك اعتبره العلماء (إكراها تاما) يفسد الختيار‪،‬‬
‫يلجئ المتهم إلى القرار ( انظر‪:‬رجوع المتهم لعطية سالم ) ولو افترضنا أن المتهم ليس في‬
‫حالة الكراه (التام)‪ ،‬التي تسلب (الختيار)‪ ،‬لكان في حالة الكراه (الجزئي) التي تسلب‬
‫(الرضا)‪ ،‬وهو ما يسمى عند الفقهاء بالكراه (غير الملجئ) (رجوع المتهم لعطية سالم)‪.‬‬
‫وقد يدعي بعض الناس أن المتهم إنما يحاكم أمام منصة القضاء‪ ،‬دون ضغوط ول‬
‫إجبار‪ .‬والحقيقة أن القاضي (غافل أو متغافل) عن أن هذا القرار ناتج عن إكراه‪ .‬فالقاضي‬
‫الذي ل يشرف على السجن؛ ل يدري ماذا يدور فيه ول يدري أهو سجن (تعويق) كما نص‬
‫الفقهاء أم سجن (تضييق)‪،‬مفرط في وظيفته‪ ،‬والمحققون الجنائيون‪- ،‬ول نغمط فضل‬
‫الفضلء فيهم‪ ،-‬قد ليكون لهم بصيرة بضوابط التحقيق الشرعي‪ ،‬و ينبغي سد مداخل‬
‫الشهوات والشبهات‪ ،‬و الكراه‪.‬‬
‫بل إننا نقول بأن إقرار السجين‪ ،‬الذي طال حبسه أو قصر غير شرعي‪ ،‬حتى لو كان‬
‫السجين تحت إشراف قضائي شرعي‪ ،‬يشرف على زنزانته‪ ،‬ويشرف على طعامه وشرابه‪،‬‬
‫ولو كان التحقيق من جهات قضائية‪ .‬إن واقع بعض النظمة القضائية أن إقرارات الكراه‬
‫معتمدة‪ ،‬فالمتهم يعذب بين يدي البوليس‪ ،‬والقضاء يتغافل ويصادق بالتدليس‪.‬‬
‫كما ذكر عبد القادر عودة في التشريع الجنائي‪ :‬فقرة ‪ :435‬إن القرار الصادر تحت‬
‫تأثير الكراه باطل‪ ،‬ولو قامت الدلئل على صحته‪ ،‬كأن يدل المتهم بالسرقة على المسروق‪،‬‬
‫وكأن يدل المتهم بالقتل على جثة القتيل‪ ،‬لن من الممكن ‪-‬وإن لم يكن من المحتمل‪ -‬عادة‬
‫أن يكون المتهم يعرف مكان المال المسروق‪ ،‬ويعرف مكان جثة القتيل‪ ،‬ولكنه لم يسرق ولم‬
‫يقتل (رجوع المتهم لعطية سالم)‪.‬‬
‫لن النسان أحيانا يقر بالشيء‪ ،‬نتيجة شعوره بأنه لن يقبل منه دفاع ول إنكار‪ ،‬كأن‬
‫يشهد عدد من الناس عليه بأنه فعل كذا وكذا‪ ،‬وإنما شهدوا لتبرئة أنفسهم‪ ،‬أو لدخال شركاء‬
‫آخرين معهم‪ ،‬أو لساليب المحققين التي تحاول أحيانا‪ ،‬اليحاء له من باب البراعة والمهارة‪.‬‬
‫والنسان في مثل هذه الحالة إنما يقر‪ ،‬ليستريح من عذاب التحقيق‪ ،‬ولسيما إذا بدت له تبعة‬
‫ذلك محتملة‪ ،‬وبدا له أن المخرج من نير العذاب أو السجن هو العتراف‪ ،‬ولو كان (حلً)‬
‫على الطريقة التراجيديا اليونانية‪ ،‬فالمقر كما قال الشاعر‪:‬‬
‫والمستجير بعمرو عند كربته ×كالمستجير من الرمضاء بالنار‬
‫ومما يشهد لذلك‪ ،‬ما وقع في إحدى القضايا‪ ،‬عند علي رضي ال عنه‪ ،‬ذلك أن رجل‬
‫أخذ شاتين ليذبحهما قبل الفجر‪ ،‬فذبح واحدة وشردت الخرى‪ ،‬فلحقها فدخلت خربة‪ ،‬فدخل‬
‫وراءها وذبحها‪ ،‬فإذا برجل في الخربة قتيل‪ ،‬وإذا بالعسس يدخلون عليه‪ ،‬ويقبضون عليه‬
‫والسكين ملطخة بالدم في يده‪ ،‬فلما ذهبوا به إلى الوالي سأله‪ :‬أقتلته قال‪ :‬نعم‪ ،‬ولما قدم‬
‫للقتل علم القاتل الحقيقي‪ ،‬فجاء ينادي‪ :‬ل تقتلوه إنه بريء‪ ،‬واعترف بأنه هو القاتل الذي‬
‫قتل الرجل‪ ،‬فسألوا الول لماذا اعترفت؟ وأنت لم تقتل‪ ،‬قال لني أيقنت أنكم ل تصدقونني‪،‬‬
‫فالقتيل يتشحط في دمه‪ ،‬والسكين الملطخة بالدم في يدي‪ ،‬ول تعلمون إن كان دم شاة أو دم‬
‫رجل‪ ،‬فيئست من إثبات براءتي فاعترفت كذبا‪.‬‬
‫وقال للثاني وما شأنك وما حملك على العتراف‪ ،‬وقد خفي أمرك فقال‪ :‬سولت لي‬
‫نفسي قتل الول ورأيت الثاني يقتل فلم استطع تحمل ذنب هذا البريء المسكين أيضا‪ .‬فرفع‬
‫أمرهما إلى الخليفة علي رضي ال عنه فقال‪ :‬لئن كان قتل نفسا فقد أحيا نفسا‪ ،‬واسترضى‬
‫الولياء بالدية (رجوع المتهم لعطية سالم)‪.‬‬
‫ولذلك نص المام ابن حزم على أنه ل يحل تعذيب المتهم‪ ،‬ول يعتبر إقراره تحت‬
‫التهديد‪ ،‬إل إذا أضاف إلى القرار أمرا يتحقق به يقينا صحة ما أقر به (المحلى‪.)11/142:‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬التعذيب‪:‬‬
‫يمكن إجبار أي إنسان على العتراف بأي شيء‪ ،‬هذا ما أثبتته أساليب ستالين‬
‫وغيره من الطواغيت‪ ،‬الذين استطاعوا انتزاع أوضح العترافات لقسى الجرائم‪.‬‬
‫وقد أكدت البحاث النفسية عن آلت التعذيب البوليسية‪ ،‬أن النسان مهما كان قوي‬
‫الرادة والحتمال‪ ،‬مستعد للقرار بكل ما يطلب منه‪ ،‬عندما يكون في حالة سلب الرادة الكلي‬
‫أو الجزئي‪ ،‬وقد أظهرت آلت التعذيب الستالينية‪ ،‬أن النسان يعترف بكل ما يطلب منه‪.‬‬
‫والخفى من ذلك أن للعقاقير المخدرة‪ ،‬واللت المزعجة‪ ،‬آثار نفسية خطيرة‪ ،‬ولكنها ل تترك‬
‫أثرا في الجسم‪ ،‬إنها (التعذيب التكنلوجي)‪ ،‬الذي يجعل دعوى المتظلم من دول دليل‪.‬‬
‫لقد تعلم المعذبون وسائل تخفي آثار السياط والعذاب‪ ،‬بل إن المعذبين قبل عصر‬
‫التعذيب التكنلوجي‪ ،‬يعرفون كيف يضربون المتهم من دون أن يبقى أثر فيضربونه على‬
‫أخمص القدمين‪ ،‬اللتين ل يبين عليهما أثر الضرب ويضربونه على عجيزته‪ ،‬لنه يستحي من‬
‫كشفها‪ ،‬ليري القاضي آثار السياط عليها‪.‬‬
‫والخلصة أن التعذيب‪ ،‬من صور الكراه‪ ،‬ولذلك نص الفقهاء رحمهم ال على أن‬
‫المدعي إذا رجع عن إقراره‪ ،‬وزعم أنه مكره‪ ،‬فإن كان في جسده أثر تعذيب‪ ،‬فهو قرينة تدل‬
‫على صحة دعواه‪ ،‬وإن كان أثر التعذيب قد زال‪ ،‬أو كان نفسيا‪ ،‬كالتهديد‪ ،‬قبل إنكاره مع‬
‫اليمين (أسنى المطالب‪.)2/299:‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬التهديد بالذى‪:‬‬
‫والتهديد بالتعذيب‪ ،‬يجعل المتهم كالحبة في المقلة‪ .‬أو كالخشبة بين المطرقة‬
‫والسندان‪.‬‬
‫ولذلك قال عبد ال بن مسعود رضي ال عنه (مامن ذي سلطان يريد أن يكلفني كلما‬
‫يدرأ عني سوطا أو سوطين إل كنت متكلما به)‪.‬‬
‫فإذا كان التهديد بالسوط والسوطين يجعل النسان‪ ،‬يقول من دون رضا واختيار‪ ،‬فما‬
‫بالك بالتهديد بآلت الصعق الكهربائية‪ ،‬والتهديد بالقتل والغتيال‪ ،‬و لسيما إذا كان الذين‬
‫يهددون بها قادرون على ذلك‪ ،‬وليس ثمة دليل على أنهم يتورعون عن أذى الناس‪ ،‬وهذا‬
‫يجعل القرار غير شرعي‪ ،‬كما قال المام مالك (من أقر بعد التهديد أقيل) معتبرا أن التهديد‬
‫والوعيد‪ ،‬كالسجن والقيد والضرب (المدونة‪.)6/293:‬‬
‫د‪-‬الصورة السادسة‪ :‬تقييد النسان بالصفاد‪:‬‬
‫وإذا قيد المتهم بالصفاد والغلل‪ ،‬في يديه ورجليه‪ ،‬فتلك حالة إكراه أيضا كما نص‬
‫على ذلك القاضي شريح‪.‬‬
‫د‪ -‬متى يكون القرار سيد الدلة‪ /‬ومتي يكون أكبر عدوان‬
‫على الحقيقة‪:‬‬
‫‪-1‬إقرار القضاء التعذيب أو تغاضيه عنه أفضى إلى‬
‫قبول اعتراف المكره‪:‬‬
‫عدد من الفقهاء في العصر الوسيط؛ أجازوا التعذيب(انظر تفصيل أقوالهم ومناقشتها‪،‬‬
‫في كتيب(حقوق المتهم في السلم‪ ،‬بين نور السلم وغبش بعض الفقهاء والحكام)على أن‬
‫أوضح الدلة على فساد قولهم ‪ ،‬ما ذكره ابن القيم‪-‬رحمنا ال وإياكم وإياه‪ -‬من تصحيحهم‬
‫إقرار المكره‪ ،‬وبذلك وصل أصحاب هذا الرأي إلى المأزق الخطير‪ ،‬الذي يفضي إلى سراديب‬
‫التعذيب‪ ،‬فالقول بصحة إقرار المكره‪ ،‬قول شاذ على كل حال‪ ،‬وقد فصل ذلك في كتاب‬
‫(حقوق المتهم‪/‬مقالت القرار) المرفق إلى محكمة التمييز‪ ،‬في محاكمة دعاة العدل‬
‫والشورى الثلثة‪.‬‬
‫وما قاله الفقهاء كابن القيم من أن هدف الشريعة هو كشف الحق صحيح‪ ،،‬ولكنه‬
‫هدف الشريعة مشترط فيه أن تكون وسيلة الكشف مشروعة معتبرة‪ ،‬وكل سياسة ل توافق‬
‫الشرع غير مشروعة‪ ،‬حتى لو أدت إلى المقاصد الشرعية‪ ،‬ولذلك قال الصحابي الجليل للذين‬
‫عذبوا متهما حتى دل على المال ((ما رأيت جورا أشبه بالحق من هذا)) فقد بين أنه جور‪ ،‬ثم‬
‫أردف ذلك بأنه يشبه الحق‪.‬‬
‫فالعتماد على فكرة الوصول إلى الحقيقة المجردة من الضوابط ليس مطلقا ‪ ،‬لن يد‬
‫العدالة هي التي تصل إلى الحقيقة من خلل الوسائل المشروعة‪ ،‬التي تحافظ على أسلوب‬
‫العدل‪ ،‬لكي تحافظ على جوهره‪.‬‬
‫أما القول بأن هذا الجور في السلوب يخدم الحق في المضمون‪ ،‬فهو يعني أن الغاية‬
‫تبرر الوسيلة‪ ،‬وذلك قول مرفوض في الخلق والدين والقانون العادل‪ .‬وكثير من العاملين‬
‫في القضاء والتحقيق من الذين يجهلون المقاصد الشرعية يقول‪ :‬الهدف هو الوصول إلى‬
‫الحق‪ ،‬وهذا كلم نصفه حق ونصفه باطل‪ ،‬فالحق أن يكون الوصول إلى الحقيقة‪ ،‬عبر‬
‫الوسائل الشرعية‪.‬‬
‫‪=2‬نظرية المصالح المرسلة فضفاضة‪:‬‬
‫و مجيزو التعذيب وفيهم من قضاتنا عدد غير قليل‪-‬وفقهم ال‪ ،-‬وهم فوق ذلك‬
‫يعتمدون إقرارات الكراه‪،‬كما نجد في أعمال ندوة حقوق المتهم‪ ،‬التي نشرتها وزارة الداخلية‬
‫في كتيبات‪ ،‬يحتجون بالحديث تارة‪ ،‬وتارة يحتجون بالمصالح المرسلة في ردهم قاعدة‬
‫الشافعي ((لسياسة إل ما وافق الشرعة))وهذا اعتراف منهم‪ ،‬بأن الحاديث والحداث النبوية‬
‫التي احتجوا بها غير مسلمة‪ ،‬بل هي نصوص احتمال وما تطرق إليه الحتمال بطل به‬
‫الستدلل‪ ،‬كما يقول الصوليون‪ ،‬إذ إنه ليس ثمة نص صريح أمامهم يجيز التعذيب غير نص‬
‫تعذيب اليهودي المحارب الذي اعترف بجزء من المال‪ ،‬وأنكر مكانه‪.‬‬
‫ول ريب أن استجازة تعذيب المتهم المسلم أو حتى الذمي قياسا على تعذيب‬
‫المحارب‪ ،‬قياس مختل المناط‪ ،‬وهو استدلل غريب‪ ،‬وممارسو التعذيب ومجيزوه‪ ،‬يرمون‬
‫مخالفيهم كما هو ظاهر‪ ،‬بأنهم ل يدركون واقع الحياة‪ ،‬وأنهم لم يمارسوا الحكم والقضاء‪.‬‬
‫ففي أحد المؤتمرات العربية التي ناقشت حقوق المتهم‪ ،‬قال أحد القضاة السعوديين‪،‬‬
‫الذين يؤيدون التعذيب للذين رفضوا نظرية تعذيب المتهم‪ :‬إنكم لم تمارسوا القضاء‪ ،‬فتعرفوا‬
‫أنه لبد من شيء من التعذيب‪.‬‬
‫وهذا القاضي لم يقف موقف المتهم‪ ،‬ليعرف مدى تجاوز بعض رجال البوليس‬
‫والقضاء القساة على كرامة النسان‪ ،‬لم يدخل السجون استظهارا (توقيفا) ليبصر تعذيب‬
‫البوليس‪ ،‬ولم يقف متهما ليبصر دور بعض القضاة في التدليس‪.‬‬
‫ونقول أيضا إن القاضي شريحا‪ ،‬أفقه منا وأخبر بأحوال المجرمين‪ ،‬وقد مارس‬
‫القضاء أكثر من ربع قرن لعمر وعثمان وعلي ومعاوية‪ ،‬وهو صاحب الكلمة الشهيرة‪:‬‬
‫((السجن كره والوعيد كره والقيد كره‪ ،‬والضرب كره)) (المصنف لعبد الفراق‪.)10/193:‬‬
‫النعمان بن بشير‪ ،‬كان أفقه منا وأعلم بأحوال الناس‪ ،‬وقد زاول القضاء حينا‪،‬‬
‫والمارة حين آخر‪ ،‬وصحب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وعاصر فساد الناس في عهد‬
‫معاوية‪ ،‬وهو الذي قال بالضمان على المدعى الذي طالب بامتحان قوم اتهمهم بسرقته‪،‬‬
‫فرفض النعمان أن يضرب المتهمين بالسرقة‪ .‬حتى يلتزم صاحب المال بأن يؤخذ من ظهره‪،‬‬
‫مثل ما أخذ من ظهورهم‪ ،‬إن لم يؤد الضرب إلى إدانتهم!!‬
‫وما دامت القضية ضمن قاعدة المصالح المرسلة‪ ،‬فهي –كما نبه المام ابن تيمية‬
‫غير مسلم بها‪-‬وإن رآها ابن عقيل وابن القيم وبعض فقهاء العصر الوسيط مناسبة لعصرهم‬
‫الذي كثرت فيه الفتن‪ ،‬وأدى ضياع الحكم الشوري العادل‪ ،‬إلى الفوضى والضطراب‪ .‬وغابت‬
‫السلطة المركزية فكثر اللصوص والسلب والنهب‪ .‬إن قاعدة المصالح المرسلة قاعدة مهتزة‬
‫رجراجة فضفاضة ‪ ،‬كما قرر ابن تيمية‪ ،‬فليس في الشريعة أي مصلحة ملغاة من العتبار‪.‬‬
‫إن تطبيقات هذه القاعدة غيرمنضبطة بمعيار موضوعي‪ ،‬ول يعتد بها لتبرير الخلل‬
‫بقواعد شرعية تضمن حقوق النسان ول سيما في العصر الحاضر‪ ،‬العصر الذي اتسعت فيه‬
‫هيمنة الدولة‪،‬وكثرت أدواتها‪ ،‬وتطورت وسائل التحري الجنائي‪ ،‬وأتيحت إمكانات كبيرة في‬
‫البحث عن المجرمين‪ ،‬منها التجسس عبر الفضاء‪ ،‬وعبر الجهزة السلكية واللسلكية وعبر‬
‫الصوت والصورة‪ ،‬وعبر التحليل الطبي والكيماوي وغيرها‪.‬‬
‫وأثبتت التجارب أن التعذيب‪ ،‬ضئيل النتائج مع عتاة المجرمين‪ ،‬وهو إذن مصيدة‬
‫للبريء أكثر منه مصيدة للمجرم‪ ،‬لن طاقة المجرم على التمرد والتحمل عالية‪.‬‬
‫وذكر المؤرخون أن المام أحمد بن حنبل حين ُسجن‪ ،‬قال له سجين سجن في سرقة‪:‬‬
‫يا أحمد اصبر إنها لحظات في أول الضرب‪ ،‬ثم يذهب عنك اللم‪ ،‬وذكر هذا السارق عن نفسه‬
‫أنه يضرب كل يوم كي يقر‪ ،‬فيحتمل الضرب ول يقر‪ ،‬مع أنه سارق‪.‬‬
‫‪=4‬التعذيب نمط ينمو في الحكم الذي يقدم المن على‬
‫العدل‪:‬‬
‫إن تحريم التعذيب‪ ،‬ينطلق من فكرة دينية وأخلقية‪ ،‬هي أن النسان ملزم بقول‬
‫الحقيقة‪ ،‬من خلل رقابة الضمير الدينية والخلقية‪ ،‬ولكنه ليس ملزما بها من خلل السلطة‬
‫الدنيوية القهرية‪ ،‬لن ذلك يدخل في سياق الكراه‪ ،‬ولن النسان في اعترافه أو شهادته‪ ،‬إنما‬
‫يقدم وجهة نظره لرؤية الشيء‪ .‬والنسان حر في فهم الشياء‪ ،‬وخرق هذه الحرية أسلوب‬
‫من أساليب الجبار‪.‬‬
‫فإذا هدفت وسائل التحقيق إلى إجبار شخص على العتراف‪ ،‬بأي شكل من الشكال‪،‬‬
‫فهي نوع من أنواع التعذيب‪ ،‬لنها مصادرة لحرية النسان ووجوده‪.‬‬
‫إن أي تنظيم قضائي‪ ،‬يجتهد فيه النسان‪ ،‬ليس كائنا علويا‪ ،‬يمتلك القدسية‬
‫والشرعية‪ ،‬ومن الخطورة ركوب سفينة المصالح المرسلة‪ ،‬وفق رأي ابن عقيل أو ابن القيم‪،‬‬
‫وكفى بقول الشافعي منارا‪ ،‬لن عدالة العقاب ليست إل نتيجة للتصور العام لمسألة الحرية‬
‫والمساواة‪ ،‬ومن الضروري أن يميز النسان بين الشياء كما هي في صريح الشريعة‪،‬‬
‫وصحيح علوم النسان والطبيعة‪ ،‬والشياء كما يراها في تجارب شخصية أو جزئية‪.‬‬
‫وستكون العدالة فكرة غامضة فضفاضة مضطربة ‪ ،‬من دون مسطرة محددة الخطوط‬
‫‪ ،‬من الممكن أن يتلفظ بها القضاة والطغاة معا‪ ،‬والضحية والجلد‪ ،‬في آن واحد‪.‬‬
‫‪=5‬للعدالة معايير عرفتها المم بالخبرة والفطرة وأكدتها‬
‫الشرائع‪:‬‬
‫ولذلك يعتبر اعتماد اعترافات الكراه؛ تشريعا للـ(التعذيب)‪ ،‬وذلك نوع من أنواع‬
‫الرهاب والعنف (القانوني والقضائي) أي التعدي والظلم على الناس‪ ،‬الذي يأتي مبررا باسم‬
‫القانون والعدل والقضاء‪ ،‬وهذا الظلم يعتبر شر أنواع الظلم‪ ،‬وهو شر من الظلم البوليسي‪،‬‬
‫الذي يعتمد فيه الظلم على أجهزة القمع ‪ ،‬ولكن بدون قوانين معلنة‪.‬‬
‫و قد يحتج مجيزو التعذيب‪ ،‬بأن ترك التعذيب يؤدي إلى إفلت الجناة من قبضة‬
‫العدالة‪ ،‬وإلى كثرة المجرمين والمنحرفين‪ ،‬وإلى شيوع الفوضى‪ ،‬وإلى كثرة السلب والنهب‪.‬‬
‫وقد يرى بعض الناس‪ ،‬أن في ترك تعذيب المتهم إضاعة لحقوق الناس‪ ،‬وتجريئا للفساق‬
‫على الفساد‪ ،‬ولكن ليس هذا ول ذاك‪ ،‬ل ينبغي التفريط ول يجوز الفراط‪ .‬ينبغي الحزم‬
‫والبحث عن الحقيقة‪ ،‬ولكن ينبغي أن يلتزم في الوصول إلى المجرم الطريق المشروع‪ ،‬وأن‬
‫يكون إثبات الجناية بأسلوب شرعي‪ ،‬فهذا هو روح الشريعة‪ ،‬أما أن يحاول أحد أن يثبت‬
‫جريمة بغير الوسائل المشروعة‪ ،‬فإنه يحاول أن يكون قانونيا أكثر من القانون نفسه‪.‬‬
‫وقد يقال إن السلوب الشرعي يؤدي إلى فرار المجرمين من العدالة‪ ،‬ومقابل ذلك‬
‫نقول‪ :‬إن تركه قد يؤدي إلى تجريم البرياء‪ ،‬فإذا كان المران محتملين‪ ،‬فأولهما الثاني من‬
‫أجل هذا الحتمال المتوقع‪.‬‬
‫فقد قامت دول عربية جبرية جائرة عديدة‪ ،‬بسجن آلف الفتيان‪ ،‬الذين جاهدوا في‬
‫أفغانستان‪ ،‬عندما انتشر تيار العنف‪ ،‬وضرب أمريكا ودولً عديدة‪ ،‬فماذا كانت النتيجة؟‬
‫يضرب ويعذب مئة‪ ،‬فيظهر منهم واحد بالمئة منّ من قام بأعمال عنف‪ ،‬كيف يجوز تعذيب‬
‫‪ %99‬من أجل اكتشاف واحد؟ السلم قرر المبدأ القانوني الرائع ((الخطأ في العفو أفضل من‬
‫الخطأ في العقوبة)) قبل ميثاق حقوق النسان بأربعة عشر قرنا فقال الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم ((لن يخطئ المام في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة))‬
‫شرح ذلك المام الغزالي‪ ،‬فذكر أن القبض على المجرم مصلحة‪ ،‬تقابل بمصلحة‬
‫أخرى وهي أن الموال والنفس معصومة‪ ،‬وأن من عصمة النفوس أن ل يعاقب إل جان‪،‬‬
‫والجناية تثبت بالحجة‪ ،‬فإن لم يكن حجة‪ ،‬فل جناية ول عقوبة‪ ،‬فضرب المتهم تفويت لحق‬
‫عصمته المتيقن‪ ،‬لمر موهوم غايته التشوف إلى تأييد عصمة مال أو نفس‪ ،‬فإذا كانت‬
‫مصلحة المدعي في ضرب المتهم رجاء إقراره‪ ،‬فمصلحة المتهم في ترك الضرار به‪ ،‬وليس‬
‫أحدهما برعايته أولى من الخر (شفاء الغليل‪ ،)231:‬وأهمية فكرة الغزالي تقتضي إعادة‬
‫صياغة العبارة‪ ،‬بأن القبض على المجرم مصلحة‪ ،‬تقابلها مصالح كثار للمتهمين‪ ،‬فمصلحة‬
‫المدعى تقتضي الوصول إلى المجرم‪ ،‬وهي مصلحة واحدة ومصالح المتهمين أقوى وأظهر‪.‬‬
‫والقول بجواز التعذيب يجر إلى ألوان من الظلم والشرور‪ ،‬تربو على ما يترتب عليه‬
‫من المصالح‪.‬‬
‫والحق أن تحصين أي مجتمع‪ ،‬ل يكون بالعقوبة على الشبهة‪ ،‬ول بانتزاع اعترافات‬
‫عبر التعذيب‪ ،‬ول بإصدار أحكام قضاء قاسية‪ ،‬ل يتناسب فيها العقاب مع الجريمة‪ ،‬و إنما هو‬
‫بالعدل‪- ،‬كما قرر ذلك عمر بن عبد العزيز في رسالة إلى أحد عماله‪-‬والعدل هو ترك الجور‪،‬‬
‫فإذا كان ترك التعذيب قد يؤدي إلى إفلت الجناة من قبضة العدالة‪ ،‬فإن التعذيب قد يؤدي إلى‬
‫سقوط البرياء في قبضة الطغيان‪ ،‬وذلك يؤدي إلى كثرة المظلومين والمضطهدين‪ ،‬وإلى‬
‫شيوع الرهاب البوليسي والقضائي‪.‬‬
‫والقول بأن وسائل الجريمة تطورت‪ ،‬يعادله القول بأن وسائل كشف الجريمة أيضا‬
‫تطورت‪ ،‬من تحليل الدماء والشعور والبصمات‪ ،‬ومن وسائل مراقبة المجرمين الصوتية‬
‫والسمعية‪ ،‬فإذا كانوا يذكرون تطور وسائل إخفائها‪ ،‬فليذكروا‪ :‬تطور وسائل كشفها ‪ ،‬فهذه‬
‫بتلك تتكافآن‪.‬‬
‫‪=6‬القول بتحريم التعذيب ل يعني ترك الحبل على‬
‫الغارب‪:‬‬
‫وفي كلم مجيزي التعذيب شبهة أخرى إذ يوهم كلمهم بأن التعذيب هو الوسيلة‬
‫المثلى لقرار الحق‪ ،‬وأنها إن لم تسلك ضاعت الحقوق‪ ،‬كأن البديل عنها إطلق أرجل‬
‫المعتدين وأيديهم‪ ،‬كما يفهم من قول ابن القيم ((فمن أطلق كل متهم وحلفه‪ ،‬وخلى سبيله‪،‬‬
‫مع علمه باشتهاره بالفساد في الرض‪ ،‬وكثرة سرقاته‪ ،‬وقال ل آخذه إل بشاهدي عدل فقوله‬
‫مخالف للسياسة الشرعية)) (الطرق ‪.)16‬‬
‫ومثله قول ابن تيمية ((ما علمت أحدا من أئمة المسلمين المتبعين‪ ،‬قال إن المدعى‬
‫عليه في جميع هذه الدعاوي‪ ،‬يحلف ويرسل بل حبس ول غيره‪ ،...‬فليس هذا على إطلقه‬
‫مذهب أحد من الئمة)) (الفتاوى‪.)40/ 35:‬‬
‫وكلمهما قد يوهم بأن مانعي التعذيب‪ ،‬يرون أن يحلف ثم يطلق كل متهم معروف‬
‫بالفساد والجرام‪ ،‬إذا لم يتوفر شاهدان‪ ،‬ولم يقل بهذا أحد من الفقهاء‪ ،‬ل من القدماء ول من‬
‫الحدثاء‪ ،‬ولكن معارضي التعذيب قالوا يكتفى بالحبس‪ ،‬ومن المناسب إذا قويت القرائن‪ ،‬أن‬
‫يكون الحبس انفراديا‪ ،‬على أن ل يزيد عن شهر‪ ،‬وأن يكون حبس (تضييق) جماعيا على أن‬
‫ل يزيد عن ثلثة أشهر‪.‬‬
‫‪=7‬القوانين الوربية أعدل من بعض أنماطنا القضائية‬
‫التي تجاوز مسطرة النص القطعي إلى الخراص‪:‬‬
‫ل بد من التصور الكلي لقضية العدالة والحق‪ ،‬لكي ل نضرب كليات الشريعة‬
‫يجزئياتها‪ ،‬ومقاصدها وروحها‪ ،‬بتأويل نصوصها‪ ،‬والعدل من ما أوحاه ال إلى الطبائع‪ ،‬فجاء‬
‫تأكيده في وحي الشرائع‪ ،‬كما بين الشاطبي في الموافقات‪ ،‬وولي ال الدهلوي في حجة ال‬
‫البالغة وأي فقه يتوسل بشكليات المنهج الشرعي‪ ،‬إلى هدم مقاصد القضاء السلمي وكليات‬
‫الشريعة‪ ،‬ونصوصها الصحيحة الصريحة‪ ،‬فإنماهو حكم ضلل‪ ،‬ولو رفع راية الشريعة‪،‬‬
‫فالفقه كما قال ابن القيم ‪:‬‬
‫العلم قال ال وقال رسوله قال الصحابة هم ألو العرفان‪.‬‬
‫لقد راجت نظرية تعذيب المتهم منذ القرون الوسطى السلمية‪ ،‬تحت ستار محاربة‬
‫الجريمة والخذ بالحوط‪ ،‬وتقديم المصلحة العامة على الخاصة والمصالح المرسلة‪ ،‬وصار‬
‫العتقال والخطف والغتيال أمورا مسكوتا عنها‪ ،‬تحت ستار أنها نوع من الجور‪ ،‬يسعنا‬
‫السكوت عنه‪،‬‬
‫وأوذي الحرار المتنورون والمصلحون‪ ،‬من العلماء والدعاة‪ ،‬والدباء والمفكرين‪،‬‬
‫والساسة والمثقفين‪ ،‬من ما يدل على استشراء الداء‪ .‬ومن المؤسف أن يدافع بعض الفقهاء‬
‫عن نظريات القمع‪ ،‬على أن هؤلء يدافعون عن جلديهم وهم ل يشعرون‪ ،‬نموذج ذلك أن‬
‫بعض الفقهاء رحمنا ال وإياكم وإياهم‪ ،‬أجاز للسلطنة أن تلزم الكفي بالقضاء‪ ،‬وأن تضربه‬
‫أسواطا على ذلك‪ ،‬فكيف يلم المنصور‪-‬إذن‪ -‬على ضرب المام أبي حنيفة على القضاء؟‬
‫والفكر الذي كتبه الجويني ونحوه‪ ،‬يجيز قمع أهل البدع‪ ،‬إذن علم يلم السلطان‪ ،‬إذا أخذ‬
‫برأي الفقهاء الذين اعتبروه مبتدعا‪ ،‬وقمعه وآذاه؟ وهكذا تدور طاحونة القمع بمنتجيها قبل‬
‫خصومهم‪ ،‬من أجل ذلك نقول‪ :‬على الفقهاء والقضاة أن ينتبهوا‪ ،‬لن الفكر القمعي وفي‬
‫لمنهجه‪ ،‬وليس وفيا لمنتجه‪ ،‬أما الفكر المتسامح‪ ،‬فهو وفي لمنتجه‪ ،‬لنه وفي لمنهجه‪.‬‬
‫هذه المشكلة النظرية‪ ،‬أقسى من المشكلة التطبيقية‪ ،‬التي تكمن في احترام المنفذين‬
‫للقانون من قضاة ومحققين‪ ،‬ورجال بوليس‪ ،‬هؤلء الذين نجدهم في أحيان كثيرة‪ ،‬يضيقون‬
‫ما وسع ال‪ ،‬وينتهكون كرامة النسان‪.‬‬
‫إن تضخم السلطة التنفيذية وترك تحديدها يدعوها إلى البطش‪ ،‬فالقوة بطبيعتها تؤدي‬
‫إلى التعدي والطغيان‪ ،‬كما قال تعالى "كل إن النسان ليطغى إن رآه استغنى"‪ ،‬ولذلك شرعت‬
‫الدول الشورية العادلة‪ ،‬قوانين وضوابط‪ ،‬تحمي الفرد من طغيان الدولة‪ ،‬وتجير الضعيف من‬
‫بطش القوي‪ ،‬وتقلم أظفار الشرط‪ ،‬كي ل تطول‪.‬‬
‫ومهما كان ضمير الفرد حيا‪ ،‬فإن ضبطه بالقانون ضروري‪ ،‬فقاض ل ضمير له‬
‫يقضى بمسطرة‪ ،‬خير من قاض نزيه يقضى مجتهدا دون مسطرة‪.‬‬
‫والمظاهر السلبية لرجل البوليس مبيدة مهلكة‪ ،‬تؤدي إلى إساءة استعمال السلطة‪،‬‬
‫وإلى الظلم والتحيز‪ ،‬وإلى سوء المعاملة‪ ،‬وإلى تقديم المصالح الخاصة على العامة‪.‬وهذه‬
‫السيئات التي يقوم بها المنفذون ‪ ،‬يتحمل مسئوليتها القادة الموجهون (القيم‪.)190-189:‬‬
‫فقد يسيء الجهلة الشرسون إلى سمعة الدولة‪ ،‬وهم ل يشعرون‪ ،‬وهم يظنون أنهم‬
‫يحسنون‪ ،‬وأنهم يؤدون الواجب بحرص ‪،‬ويقومون بتنفيذ الوامر بحزم‪ ،‬فيصبحون مثل‬
‫للعسف والقهر‪ ،‬ويستخفون بحقوق النسان وكرامته‪ ،‬باسم المن الوطني‪ ،‬وينتهكون‬
‫الحريات ‪ ،‬باسم التحريات‪ ،‬ويسكتون أصوات المطالبين بالحرية والحق‪ ،‬باسم الحفاظ على‬
‫المن‪ ،‬ويمارسون القمع والكبت والتعذيب‪ ،‬باسم التأديب والتعزير‪ ،‬وهذا يؤدي إلى ما يسمى‬
‫بالنظام البوليسي (القيم‪.)192:‬‬
‫ويزداد شراسة عندما يعتمد على قوانين جائرة‪ ،‬كأحكام الطواري العرفية‪،‬‬
‫والمحاكم العسكرية‪ ،‬عندها يجتمع الرهاب القضائي والرهاب البوليسي‪ ،‬ولذلك قيدت‬
‫الشريعة كل قاض‪ ،‬وقيدت كل محكمة بأن يكون القضاء وفق حدود الشريعة‪ ،‬وحرمت أي‬
‫تصرف خارجها‪ ،‬وألزمت كل حاكم بها‪ ،‬قال تعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل ال} [المائدة ‪:‬‬
‫‪ ]49‬و {من لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون} المائدة [‪ ]44‬و {من لم يحكم بما‬
‫أنزل ال فأولئك هم الظالمون} [المائدة‪ ]45:‬و {ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم‬
‫الفاسقون} [المائدة‪.]47:‬‬
‫وهذه القوانين المخالفة للشريعة ضلل ‪ ،‬فليحذر المنفذون لها من أن يكونوا من أهل‬
‫الضللة‪ ،‬الذين قال ال عنهم {وقالوا ربنا إننا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل}‬
‫وطاعة الناس لهذه الحكام معصية ل‪ ،‬بل اعتبرها الشيخ محمد بن عبدالوهاب شركا فقال‬
‫في باب صريح (من أطاع العلماء والمراء في تحريم ما أحل ال أو تحليل ما حرم ال فقد‬
‫أتخذهم أربابا من دون ال) ( فتح المجيد‪.)390:‬‬
‫وهي من حكم الئمة المضلين‪ ،‬الذين خاف الرسول صلى ال عليه وسلم على المة‬
‫منهم‪ ،‬فقال‪( :‬إنما أخاف على أمتي الئمة المضلين) قال الشيخ عبدالرحمن حفيد الشيخ محمد‬
‫بن عبدالوهاب‪ :‬أي المراء والعلماء والعباد‪ ،‬الذين يحكمون بغير علم فيضلونها‪ ،‬وهذا النمط‬
‫من الحكم يهدم السلم‪ ،‬كما قال زياد ابن حدير‪ :‬قال لي عمر بن الخطاب‪ :‬هل تعرف ما يهدم‬
‫السلم؟ قلت‪ :‬ل قال‪ :‬يهدمه زلة العالم‪ ،‬وجدال المنافق‪ ،‬وحكم الئمة المضلين (رواه‬
‫الدارمي‪ -‬انظر فتح المجيد‪.)271:‬‬
‫إن ترك (الجريمة والعقاب) خاضعة للرأي الذي هو باب الهوى‪ ،‬يجعلها ترجمة‬
‫خاطئة أحيانا للمتغيرات الجتماعية والسياسية‪ .‬ويفتح الباب على مصراعيه‪ ،‬أمام دكتاتورية‬
‫السلطان‪ ،‬المتيقن أنه دائما على حق‪ ،‬أو أمام دكتاتورية المجتمع المتيقن أنه أيضا على حق‪،‬‬
‫وهذا وهؤلء قد يتصورون أن معاييرهم (في الجريمة والعقاب) ترجمة لمعيار علوي مقدس‪،‬‬
‫قائم على اليقين المطلق‪ ،‬وذلك شر ما يقع فيها النسان إذا نسي أو طغى‪.‬‬
‫ولذلك حسم السلم هذه المسألة فقرر أن الحكم ل‪ .‬وما لم يرتبط التحريم والتحليل‬
‫بقانون السماء‪ ،‬وما لم يتناسق معيار (المن)‪ ،‬مع معيار (اليمان) فحدث عن الرهاب‬
‫والقهر‪:‬‬
‫ول دنيا لمن لم يحي دينا‬ ‫×‬ ‫إذا اليمان ضاع فل أمان‬
‫كما يجب أن يتولى التحقيق قضاة أكفياء‪ ،‬تابعون للقضاء‪ ،‬فل يكفي أن يكونوا من‬
‫الكفياء‪ ،‬بل يجب أن تكون مرجعيتهم الدارية قضائية‪.‬‬
‫كما أنه يجب أن يكون السجين والسجن بإشراف قضائي‪ ،‬يفرق بين السجين الذي‬
‫يسجن سجن (تعويق)‪ ،‬والمتهم الذي يسجن سجن (تضييق) أثناء التوقيف المحدد بما ليزيد‬
‫عن ثلثة أشهر‪ ،‬إذا قويت قرائن التهمة بالجريمة‪ ،‬وفي ذلك تعذيب بدني ونفسي كاف‪.‬‬
‫أما ترك ظروف التوقيف بأيدي أجهزة بوليسية‪ ،‬ل تتوفر فيها ضمانات الكفاية‬
‫الخلقية والقانونية‪ ،‬فل تدري ماحقوق المتهم‪ ،‬ول تتوفر فيها العدالة الشرعية‪ ،‬وقد تمارس‬
‫القهر والتعذيب‪ ،‬باسم التأديب والتعزير‪ ،‬والمن والصلح‪ ،‬فذلك حكم ظاهره الرحمة والفطرة‬
‫والشريعة‪ ،‬وباطنه البطش وإرهاب البوليس والقضاء معا‪.‬‬
‫فإذا كان القضاء ل يشمل جميع مراحل القضية‪ ،‬وجميع القضايا‪ ،‬فالحديث عن سيادة‬
‫الشريعة أو القانون أو العدالة كلم مرسل من دون برهان‪.‬‬
‫هـ‪:‬الخلصة‪ :‬القرارات التي قدمتها الهيئة معيبة في كل‬
‫قانون عادل‪ ،‬بله القانون الشرعي‪:‬‬
‫‪[-1‬أول ضمانات العدالة‪:‬تجريم كافة أنواع التعذيب]‬
‫قرر السلم عدم الخذ بإقرارات الخوف والتخويف‪ ،‬ومن ما اثر عن عمر بن الخطاب‬
‫رضي ال عنه في هذا " ليس الرجل بمأمن على نفسه إن أجمعته أو أوثقته أو ضربته‬
‫أن يعترف على نفسه " كما ذكر عبدالرزاق في المصنف ‪ ،‬وهذا المبدأ السلمي الفريد‬
‫لم تصل إليه البشرية إل في عصر الحاضر عندما قال العلن العالمي لحقوق النسان‬
‫‪10/12/1948‬م " ل يعرض أي إنسان للتعذيب أو العقوبات أو المعاملت القاسية أو‬
‫الوحشية أو المخلة بالكرامة " ( المادة ‪. ) 5 :‬‬
‫والذين يمسون المتهمين بشيء من العذاب والذى ‪ ،‬قد تجاوزوا نصوص الدين‬
‫الصريحة ‪ ،‬وأوقعهم الهوى في التأويل الفاسد ‪ ،‬والتماس الطرق الضيقة‪ ،‬وما أبعد‬
‫ل ‪ ،‬ويقودونهم صباحا إلى القضاء ‪ ،‬لكي‬
‫هؤلء عن شرع ال ‪ ،‬وهم يضربون الناس لي ً‬
‫يعترفوا بما فعلوا وبما لم يفعلوا‪.‬‬
‫إن تحريم التعذيب والحكم بالبراءة الصلية‪ ،‬هما القاعدتان اللتان أكدهما ميثاق‬
‫حقوق النسان الفرنسي‪ ،‬إنما تسربتا إلى أوروبا كغيرهما من مبادئ العدل في مجال حقوق‬
‫النسان‪ ،‬من الفقه السلمي الذي انتقل من خلل المذهب المالكي وعبر القطر الندلسي‬
‫إليهم (الخليفة‪:‬العتراف)‪.‬‬
‫وفي النصف الخير من القرن الثامن عشر؛ هاجم الكتاب والفلسفة هذه‬
‫الساليب الوحشية‪ ،‬وناضلوا ودافعوا‪ ،‬عن حقوق الضعفاء والمساكين (الخليفة‪:‬العتراف‬
‫غير الرادي) حتى مزقوا هذا القانون المهمين‪ ،‬وقرروا قاعدة (البراءة الصلية) أي أن‬
‫النسان برئ حتى تثبت عليه التهمة‪ ،‬من خلل الثورة الفرنسية‪ ،‬التي أعلنت حقوق النسان‬
‫سنة ‪1798‬م فانتقلت هذه القاعدة من التشريع الفرنسي‪ ،‬إلى التشريعات الدولية‪ ،‬والسلم‬
‫قرر هذه القاعدة قبل الثورة الفرنسية‪ ،‬بثلثة عشر قرنا‪.‬‬
‫لقد استفاد الغرب من مبادئ العدالة السلمية‪ ،‬فحرم التعذيب وجرمه‪ ،‬ونصت‬
‫قوانينه على أن يعاقب بالشغال الشاقة‪ ،‬مع الحبس بضع سنوات (من ثلث إلى عشر)؛ كل‬
‫من أمر بتعذيب متهم أو عذبه بنفسه‪ ،‬لحمله على العتراف‪ ،‬وقررت أن من عذب متهما‬
‫حتى مات؛ يحكم عليه بالعقوبة المقررة للقتل عمدا‪ .‬هذا المبدأ الرائع وصل إليه غير‬
‫المسلمين بعقولهم البشرية‪ ،‬لنه من وحي ال للطبائع‪ ،‬إذ أوحى لها الفضائل "كما أوحى‬
‫ربك إلى النحل" وجاء لتأكيد ذلك وحي ال على لسان أنبيائه في الشرائع‪.‬‬
‫لكن هيئات القضاء الشرعي في بعض الدول السلمية تجيزالتعذيب‪ ،‬بحجة‬
‫المصالح المرسلة وفساد الناس والزمان‪ ،‬وكأنها ل تدرك أن وحي الشرائع جاء لتأكيد وحي‬
‫الطبائع‪ ،‬وصدق ال العظيم "وإن فريقا منهم ليلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب‬
‫وما هو من الكتاب"‪.‬‬
‫على من أراد أن يعرف كيف سما السلم بحقوق النسان ورفعها إلى‬
‫مستوى التكريم والتقديس‪ ،‬قد يغفل عن قدرها إذا قارنها بما وصلت إليه الحضارة الغربية‬
‫الن‪ ،‬لنها تبدو اليوم نمطا مألوفا أنتجته العلمانية منذ الثورة الفرنسية‪ ،‬ولكن من أراد أن‬
‫يقدرها حق قدرها‪ ،‬فلينظر إليها في سياق التاريخ‪ ،‬إذ إن السلم أول من حرم التعذيب‪،‬‬
‫وأول من نادى بالبراءة الصلية‪ ،‬وأول من نادى بأن البينة على من ادعى‪ ،‬ل على المتهم‪،‬‬
‫وأول من نادى بدرء العقوبة بالشبهة‪ ،‬والفقهاء أول من قرر أن السجن (تعويق) عن‬
‫الحركة‪ ،‬وليس بتضييق يضير العقول والنفوس والجساد‪.‬‬
‫ومن المظالم التي تنتشر باسم الشريعة والعدل‪ ،‬أن تجد المتهم يقلب بين يدي‬
‫المحققين والمستجوبين‪ ،‬بين التضييق والتعذيب‪ ،‬حتى يلين ويقر ويعترف‪ ،‬ثم يؤتى به إلى‬
‫القاضي‪ ،‬ليسجل إقراره‪ ،‬وهذا بسبب عدم شمول القضاء جميع مراحل القضية‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫أي قضاء غير شامل؛ غير شرعي ‪ ،‬وكل صك يصدر منه باطل‪ ،‬لنه مبني على باطل‪.‬‬
‫ومن الترهات‪ ،‬أن تجد القاضي يتحدث عن براءة ذمته‪ ،‬هو ويعرف أن المتهم قد‬
‫سيق إليه بالغلل‪ ،‬وهذه الغلل مظنة الكراه على العتراف‪ ،‬أو هو يعلم أن السجن سجن‬
‫تعذيب وإرهاب‪ .‬فأي ذمة تبرأ‪.‬‬
‫فهل القاضي الذي اعتبر إقرار إنسان أو إنسانة مستضعفة شرعيا‪ ،‬يدري أن إقرارها‬
‫لن يكون شرعيا حتى تتحقق المور التالية‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن تزال عنها أشباح الرعب والتخويف‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يتوافر لها محامية أو وكيلة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يكون التحقيق معها بين يدي قاض ذي كفاية شخصية وموضوعية‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن ل تستخدم فزاعة تهم كبرى أو أخرى‪ ،‬من أجل "اضربه بالوت يقنع‬
‫بالحمى" لم يثبت حتى تثبت ثباتا شرعيا‪ ،‬وفق الضوابط الشرعية‪ ،‬للقبض والتفتيش‪.‬‬
‫والمتأمل يجد أن القضاء يشارك البوليس‪ ،‬في تفاقم المشكلت‪،‬عبر ثلثة أساليب‪:‬‬
‫الول‪ :‬عندما ل يتأكد القاضي من أن القرار ناتج عن إرادة حرة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عندما يحكم على المتهم بناء على هذا القرار‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عندما يصدر حكما قاسيا‪ ،‬على المتهم‪ ،‬يريد به زجره وتأديبه‪ ،‬فإذا به يزيد المشاكل‪،‬‬
‫وإذا بصاحب الخطأ العادي‪ ،‬يتحول إلى مجرم عتي‪ ،‬أو إلى مريض نفسي في مشفى أو‬
‫مصحة‪.‬‬
‫‪ -2‬هيمنة القضاء على جميع المحاكمات‪:‬‬
‫من أهم ضمانات حقوق المتهم‪ ،‬توافر معايير استقلل القضاء‪ ،‬أن تهيمن سلطة‬
‫القضاء على جميع أنواع المحاكمات‪ ،‬وأن يشرف القضاء على كل مراحل سير القضية‪.‬ومن‬
‫أجل محاكمة عادلة للمتهم‪ ،‬يجب أن يشرف القاضي‪ ،‬على كل مراحل القضية‪ ،‬فيجب أن‬
‫يشرف على تفتيش منزل المتهم‪ ،‬بل يجب أن يكون التفتيش بأمر قضائي‪ ،‬فإن كان المر‬
‫مستعجل‪ ،‬أمكن أن يقوم الوالي‪ ،‬بإصدار أمر التفتيش ثم يقوم القاضي بإصدار قرار بتسويغ‬
‫ذلك‪ ،‬على أن يكون التفتيش بحضور صاحب البيت أو وكيله‪ ،‬كما نص النظام‪.‬‬
‫‪-3‬إشراف القضاء على السجون‪:‬‬
‫إنه من ما يتسق مع رحمة الشرائع‪ ،‬التي لم تأت بما يخالف الطبائع‪ ،‬والتي‬
‫نصت على تجديد الوسائل‪ ،‬لتحقيق كل مقصود مشروع فيها‪ ،‬ومن أجل ذلك يجب في‬
‫الشريعة‪ ،‬أن تقوم سلطة القضاء‪ ،‬بالشراف على أوضاع السجناء‪ ،‬وتفقد أحوال المساجين‪،‬‬
‫لتتأكد من أن الزنازين‪ ،‬حسب المواصفات الشرعية‪ ،‬وتتأكد من أن القرار يتم بالصورة‬
‫الشرعية‪ ،‬وأنه ليس في السجن أحد بدون أمر قضائي‪ ،‬وأنه المسجون بالتهمة‪ ،‬لم يقم مدة‬
‫أطول من ما رآه القاضي‪ ،‬ولتتأكد من أن السجين في كل شئونه يعامل وفق ضوابط شرعية‪،‬‬
‫وأن مواصفات السجن مواصفات (تعويق) ل (تضييق)‪.‬‬
‫وقد جرت عادة القضاة حتى في عصور الحكم الجائر القديم‪ ،‬أن يكون عمل‬
‫القاضي أول ما يعين‪ ،‬هو تفقد أحوال المساجين‪ ،‬ونص الفقهاء على ذلك‪ ،‬للتأكد من أنه ل‬
‫سجين من دون وجه حق‪ ،‬وقد أقرت مبدأ إشراف القضاء على السجون كثير من الدول‬
‫الدستورية‪ ،‬واعتبر ذلك أحد المعايير العشرين لستقلل القضاء‪ ،‬حيث صار للقضاء اليد‬
‫العليا في كلما يتعلق بالسجين‪ ،‬في مرحلة التهام ومرحلة التحقيق‪ ،‬أم حين إنفاذ العقوبة‪،‬‬
‫إشرافا على الغذية‪ ،‬والزنازين والثاث وصحة نفس السجن وجسمه‪.‬‬
‫ويجب اليوم على السلطان ‪ ،‬أن يفك أسر سلطة القضاء من أغلله لكي يصح القول‬
‫بتطبيق القانون العادل والشريعة‪ ،‬فتتبلور العلقة بين القضاء والسجون‪ ،‬بأنها علقة إشراف‬
‫ومراقبة وتفتيش‪ ،‬وليست مجرد علقة تجريم وتبرئة وإصدار صكوك‪ ،‬وهذا يدعو إلى أن‬
‫ينقل الشراف على السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل‪.‬‬
‫ول ريب أن إشراف القضاء على السجون‪ ،‬ارتباطها بوزارة العدل سيقضي على‬
‫بيوت الرعب والشباح‪ ،‬التي تجرى فيها ألوان التعذيب والترهيب‪ ،‬حيث تمارس ضد‬
‫المتهمين ألوانا من العذاب‪ ،‬التي ل يلمس تأثيرها على الجسام‪ ،‬كالتسهير المتواصل‪،‬‬
‫والصفارات المزعجة‪ ،‬التي تبث أصواتا مخيفة‪ ،‬وتسليط النوار المتوهجة‪ ،‬وتسليط كمرات‬
‫التصوير‪ ،‬والحبس النفرادي لن ذلك يسد مسارب الستعانة بأدوات إجرامية في التحقيق‪،‬‬
‫كالتعذيب‪ ،‬وكعقاقير سلب الرادة‪ ،‬ونحوها من المور الفظيعة الشنيعة‪.‬‬

‫‪ -4‬إلحاق التحقيق بسلطة القضاء العام وفصله عن‬


‫سلطة التهام‪:‬‬
‫التحقيق من أعمال القضاء‪ ،‬والتهام من أعمال الدعاء سواء أكان المدعي شخصا‬
‫أم هيئة أم دولة‪ ،‬من أجل ذلك وجب أن تكون سلطة التحقيق منفصلة عن سلطة التهام‪ ،‬لن‬
‫ترك ذلك يجعل سلطة المحقق بل حدود ول ضوابط‪ ،‬إل ضابط الضمير‪ .‬وهو ضابط ذاتي‪،‬‬
‫يغفل وينام ويعوج‪ ،‬وليس ضابطا موضوعيا ذا صرامة منطقية‪ ،‬فالمحقق هو الذي يقرر أين‬
‫يوضع السجين؟ أفي زنزانة ضيقة أم واسعة؟‪ ،‬وهل يعتقل منفردا أم مع آخرين؟‪ ،‬وهل يرى‬
‫الشمس والهواء بضع دقائق كل يوم أم كل أسبوع أم كل شهر‪ ،‬وهل يسمح له بشراء منشفة‬
‫أو حذاء؟‪ ،‬وهل يسمح له بشراء طعام خاص؟‪ ،‬فيصبح المتهم بين يدي المحقق‪ ،‬كالميت بين‬
‫يدي الغاسل‪ ،‬أو كالمريد بين يدي الصوفي‪ .‬ومن المفارقات أن يصبح القاضي هو السجان‪،‬‬
‫والمعذب هو الطبيب‪.‬‬
‫وهذا يجعل المحقق خصما وحكما في آن واحد‪ ،‬ول ريب أن جهاز المدعي العام‪،‬‬
‫بحكم مهنته‪ ،‬يشتط أحيانا فيميل إلى إثبات جناية المتهم‪ ،‬وإلى العتقاد بأنه مهمته هي تعزيز‬
‫أدلة التهام‪ ،‬وقد تبهره نشوة النتصار وكسب الدعوى‪ ،‬على متهمين ل يحسنون الدفاع عن‬
‫أنفسهم‪ ،‬وتنقصهم القدرة على إثبات براءتهم‪ ،‬تجاه قرائن خادعة‪ .‬وبينات‬
‫مضللة‪(،‬المحق‪:‬بحث‪.‬د‪/‬الغماز)‪.‬‬
‫إن جهاز الدعاء العام‪ ،‬وهو السلطة التي قررت العتقال والتفتيش‪ ،‬ومن الطبيعي‬
‫أن تتجه إلى تبرير تصرفاتها‪ ،‬ومن ثم تنساق إلى أن تنتزع من المتهم‪ ،‬ما يجعل اعتقاله‬
‫أمرا مشروعا‪.‬‬
‫ولكي تتحقق العدالة‪ ،‬لبد من فصل سلطة التهام‪ ،‬عن سلطة التحقيق فسلطة‬
‫التهام‪ ،‬قد توجه التهمة‪ ،‬بدعوى من غير دليل‪ ،‬ويحتمل فيها التضليل‪ .‬وسلطة التحقيق‬
‫سلطة قضائية‪ ،‬وكذلك سلطة الدعاء‪ ،‬نوع من أنواع القضاء‪ ،‬ولذلك يسمى قضاته (الواقفين)‬
‫تمييزا لهم عن قضاة المحاكم الذين يسمون القضاة (الجالسين)‪ ،‬وقد بينا وظيفة المدعي العام‬
‫وطبيعة عمله الشرعية‪ ،‬في المذكرة التي قدمناها لفضيلتكم‪ ،‬مطالبين بعلنية المحاكمة‪.‬‬
‫ومرجعية المدعي العام قضائية‪ ،‬ينبغي أن تكون إما تحت إشراف وزارة العدل‪ ،‬هذا‬
‫ما هو واقع في الدول الشورية كفرنسا وغيرها‪ ،‬وإلحاق التحقيق بجهاز الداخلية ‪ ،‬وقد‬
‫اتجهت بعض تشريعات الدول الدستورية إلى هذا السلوب‪ ،‬لما فيه من تحقيق العدالة للمتهم‪،‬‬
‫مظنة التفريط بحقوق المجتمع‪ ،‬وإلحاق التحقيق والدعاء بوزارة العدل أحرى بالوصول إلى‬
‫العدل‪ ،‬وإما بانفصالهما(تحقيقا وادعاء) تحت مسمى (النيابة العامة)‪ ،‬وربطهما برئيس‬
‫مجلس الوزراء مباشرة‪ .‬المهم أن ل تربط بوزارة الداخلية‪.‬‬
‫إن السلم‪-‬على كل حال‪ -‬ل يجيز أن يكون التحقيق من غير جهاز القضاء‬
‫الشرعي‪ .‬لن التحقيق نوع من القضاء‪ ،‬وكون التحقيق ملحقا بالسلطة التنفيذية‪ ،‬نمط من‬
‫أنماط إرهاب القضاء‪.‬‬
‫ومع تقديرنا لمن في هيئة الدعاء أو القضاء من الفضلء‪ ،‬فإننا نتحدث عن عدالة‬
‫النظمة‪ ،‬ونحن نعرف أناسا كبارا في كل الجهازين‪ ،‬يصادقون على اعترافات الكراه‪،‬‬
‫وبعضهم رآه بعضنا في سجن الحائر يسأل بعضنا قبل المصادقة على القرار‪ :‬هل ترى‬
‫الشمس؟‪ ،‬هل هي طالعة الن‪ ،‬قلناله‪ :‬نوقع لك على بياض ما تشاء‪ ،‬الشمس قد طلعت من‬
‫مغربها‪ ،‬نقدر أنها أخطاء شخصية‪ ،‬وأن غرض القاضي عندما ذهب إلى السجن للمصادقة‪،‬‬
‫كان احترام السجين والتقدير‪ ،‬وذلك قصد مشكور‪.‬‬
‫ولكن ما نحن بصدده هو صلح النظمة‪ ،‬الصلح المؤسسي‪ ،‬ولسنا نريد التشهير‬
‫بأحد‪ ،‬ولن نقاضي أحدا أخطأ علينا‪ ،‬نحن كعشرات غيرنا من تيا ر دعاة الحقوق‪ ،‬المطالبين‬
‫بتعزيز العدل والشورى وحقوق النسان‪ ،‬وهم عندما يحتسبون‪-،‬ل يظنون أنه ليخطئون‬
‫الوسائل‪ ،‬ولكن مقاصدهم حسنة‪ ،‬ويسألون ال الثبات على صلح الطوية‪ ،‬كما قال لقمان"أقم‬
‫الصلة وامر بالمعروف وانه عن المنكر‪ ،‬واصبر على ما أصابك‪ ،‬إن ذلك من عزم‬
‫المور"(لقمان‪ )17:‬والتوفيق إلى العمل الصالح‪.‬‬
‫ويريدون أن يسهموا في جهود خادم الحرمين الشريفيين وولي عهده‪ ،‬في مسعاه لتعزيز‬
‫شرطي البيعة على الكتاب والسنة‪ :‬العدل والشورى‪ ،‬لكي ل تستمر السجون سواء أكانت‬
‫للستظهار أم العقاب‪ :‬محاضن للنحراف والتمرد والمراض النفسية والنتحاروالجنون‪.‬‬
‫وهم عندما يتوسعون ويطنبون؛ ويربطون التجربة الخاصة‪ ،‬بالوقائع العامة‪ ،‬لكي ل‬
‫تغفل الناس الصور الجزئية والمحاكمات الجزئية‪ ،‬عن الربط بالكلية‪ ،‬من أجل التنادي إلى‬
‫الصلح المؤسسي‪ ،‬ل لحلل فلن‪ ،‬محل فلن‪ ،‬ول لمقاضاة شخصية لزيد أو عبيد‪ ،‬ولكن‬
‫ربط الجزئيات بالكليات شرط مهم أكد على ضرورته لصحة اجتهاد الفقهاء والقضاة‪ ،‬عديد‬
‫من شيوخ السلم ‪ ،‬كالشافعي وابن تيمية والشاطبي‪،‬رحمنا ال وإياكم وإياهم‪ ،‬والسلم‪.‬‬

You might also like