You are on page 1of 24

‫البيان الثاني لمحاكمة دعاة الحقوق الشرعية بالقصيم‪:‬‬

‫وبرفقه المذكرتين الولى والثانية‬


‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫نطالب بإبعاد رجال المباحث الذين أخذوا دور‬ ‫(المذكرة الولى‪:‬‬
‫موظفيكم ‪ ،‬فسجلوا أسماءنا ومحامينا‪ ،‬وأسماء الممنوعين من الدخول‪-‬باعتبار الجلسة‬
‫سرية‪-‬وهوياتهم وهواتفهم‪ -‬على كراس عليه شعارها‬
‫صاحب الفضيلة القاضي بالمحكمة الجزئية ببريدة‪:‬‬
‫إبراهيم بن عبد الله الحسني وفقنا الله وإياكم‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‬
‫نشير إلى الجلسة الولى من محاكمتنا يوم السبت ‪26/8/1428‬هـ(‪/7‬أيلول‪/‬‬
‫‪2007‬م )‪ ،‬واعتراضنا على تدخل رجال المباحث وقيامهم في مكتبكم بتسجيل جمهور‬
‫المحاكمة‪ ،‬مع أنه لم يسمح لهم بالدخول أصل‪ ،‬وهذه مذكرة باعتراضنا على ماحدث‪،‬‬
‫ومطالبتنا بتلفيه مستقبل‪ ،‬والتحقيق في بواعثه‪.‬‬
‫أ‪-‬إن مجريات ما حدث‪:‬‬
‫حسب المعلومات التي تجمعت لدينا أو شاهدناها‪ ،‬هي كما يلي‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن المباحث تكثفت منذ الساعة السادسة صباحا‪ ،‬على شكل طوق أمني على‬
‫المحكمة‪ ،‬يتابع بسياراته السيارات‪ ،‬ويلحق بأفراده المشاة‪ ،‬وذلك تصرف أرعب جمهور‬
‫المحكمة عامة‪ ،‬والتين لحضور محاكمتنا خاصة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن أفرادها عند بوابة المحكمة‪ ،‬تسأل كل من يدخل من أحد أبواب المحكمة‪،‬‬
‫عن قصده من الحضور‪ ،‬فإن بين أنه يريد مكتبا غير مكتبكم أذنوا له‪ ،‬وإن تلعثم أو حدد‬
‫مكتبكم أو محاكمة الصلحيين منعوه‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أنها تمادت في تدخلتها‪ ،‬حتى قامت ‪-‬في مكتبكم‪-‬بتسجيل أسماء من‬
‫استطاعوا الدخول إلى المحكمة‪ ،‬واطلعوا على هوياتهم وسجلوا هواتفهم‪ ،‬بدفاتر عليها‬
‫نيشان المباحث‪ ،‬مع أنه لن يسمح لهم بالدخول أصل‪ ،‬كما قامت بتسجيل أسمائنا ومحامينا‬
‫ووكلئنا‪.‬‬
‫ب‪-‬ولكن ماحصل يشير إلى أمور‪:‬‬
‫إن من الطبيعي أن يكون في المحاكم طاقم للمن والحراسة‪ ،‬وحفظ الهدوء والنظام‪،‬‬
‫ولكن –نرى في إطار معايير استقلل القضاء الدولية‪-‬أن يكون حرس المحكمة تابعين‬
‫للمحكمة‪ ،‬ل من رجال المن العام‪ ،‬وأن تكون للمحكمة السيطرة التامة عليهم‪ ،‬لكي يأتمروا‬
‫بأمر سلطة القضاء‪.‬وأن يلصقوا شعار القضاء على صدورهم وأكتافهم‪ ،‬لكي يطمئن الناس‬
‫إلى أن الذي يأمرهم ويتفحص هوياتهم هم من القضاء‪ ،‬وأن تنتهي مهمة رجال المباحث‪،‬‬
‫وجنود المن التابع لوزارة الداخلية؛ عند بوابة المحكمة‪ ،‬وأنه ليحق لهم دخول حرم‬
‫المحكمة‪ ،‬ولكن ما حصل يشير إلى أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬قد ل نستطيع أن نقرر مدى ضرورة تكثيف الدوريات البوليسية‪ ،‬حول‬
‫المحكمة‪ ،‬ومدى كونها مبالغة في الجراءات‪ ،‬ولكن نستطيع أن نقول إن نتيجتها؛ تخويف‬
‫الجمهور من حضور المحاكمة‪،‬‬
‫الثاني‪ :‬إن تدخل المباحث في مكتبكم يدل على أنها هدفها إشاعة الخوف في‬
‫المحكمة‪ ،‬على العموم والخصوص‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنها قامت أيضا بمضايقة بعض العلميين‪ ،‬وطلب هوياتهم‪ ،‬وسؤالهم عن‬
‫دوافع حضورهم وذلك تصرف يشي برغبتها في تجنب الشفافية والعلنية والوضوح‪ ،‬وهو‬
‫رسالة لزجرهم عن النشر في قضايا تهم الناس‪ ،‬ويتابعونها باهتمام‪ ،‬لتعلقها بحقوقهم‬
‫وحقوق سجنائهم‪ ،‬وإبعاد الرأي العام عن القضية‪ ،‬وهذا من معوقات نزاهة القضاء‬
‫واستقلله‪ ،‬كما سنفصل في مذكرة المطالبة بعلنية المحاكمة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬إن هذا من ألوان تخويف المدعى عليهما ووكلئهما خصوصا‪ ،‬والمحامين‬
‫عموما‪ ،‬عن قضايا حقوق النسان‪ ،‬لن الخصومة المقامة هي بيننا وبين هذه الجهزة‬
‫خصوصا ووزارة الداخلية عموما‪.‬‬
‫السادس‪:‬إن من الطبيعي عندما تكون الخصومة بين الفراد والجهزة المنية؛ أن‬
‫يلحظ القضاء‪ ،‬أن تواجد المباحث‪ ،‬من مداخل الستفزاز بين جمهور المحاكمة والجهزة‬
‫المنية‪ ،‬وأنه قد ينتج التفافا على العلنية‪ ،‬أو يفسد جوها‪،‬عفوا وقصدا‪،‬‬
‫السابع‪:‬إن جو الخوف الذي يزرعه هذا التدخل والتكثيف‪ ،‬ل يقتصر على المدعى‬
‫عليها‪ ،‬بل يؤثر أيضا على القضاة والموظفين‪ ،‬فالمحاكم هي ملذ الفراد العزل‪ ،‬من‬
‫تجاوزات الدولة‪ ،‬والحكومة خصوصا‪ ،‬وهي المخولة بنصب القسطاس؛ وتدخل المباحث‪-‬‬
‫بهذه الكثافة ‪-‬من معوقات استقلل القضاء والقضاة‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬أن إشاعتها جو التوجس والخوف داخل المحكمة‪ ،‬مع جو الغموض‬
‫والسرية‪ ،‬أعطى انطباعا‪ ،‬بأن قرار سرية المحاكمة‪ ،‬قرار ل تنفرد المحكمة ول القاضي‬
‫باتخاذه‪ ،‬فصار النطباع السائد لدى الرأي العام؛ أن قرار سرية الجلسة‪ ،‬قرار اتخذه الخصم‬
‫ل القضاء‪.‬‬
‫ج=المباحث تريد إفشال علنية المحاكمات‪:‬‬
‫إن تجربة محاكمة الصلحيين الثلثة في المحاكمات‪ ،‬أثبت أن الجهات المنية‪،‬‬
‫عندما يقرر القاضي علنية الجلسة‪ ،‬تحاول إبطالها عبر رجال المباحث المقنعين بلباس‬
‫مدني‪ ،‬الذين يملون القاعة‪ ،‬بوقت مبكر وكأنهم من الجمهور‪ ،‬من أجل تزييف معيار‬
‫العلنية‪ ،‬ويتكاثرون باللباس العسكري‪-‬في ردهات المحكمة‪ -‬من أجل التخويف‪.‬‬
‫وهذه لعبة بسيطة من بديهيات المباحث‪ ،‬أن تستفز الجمهور‪ ،‬لكي يندفع إلى تصرف‬
‫غير لئق ثم تركز عدسات التصوير‪ ،‬على ما يفعل ويقول‪ ،‬لكي تقول إن الشعب لم ينضج‬
‫لحضور المحاكمات‪.‬ول سيما أنها عندما واجهت الجمهور‪ ،‬وجدت من يعرف الحقوق‪،‬‬
‫ويقول لها‪:‬إن وظيفتكم تنتهي عند أبواب المحكمة‪ ،‬وإن أساليبكم القديمة في انتهاك لستقلل‬
‫القضاء مكشوفة‪ ،‬ويقولون لهم بلسان المقال‪ :‬إن وزارة الداخلية تشل سلطة القضاء‪،‬‬
‫ويسرح رجال مباحثها في المحكمة بأسلحتهم‪ ،‬وكأنهم السلطة العليا‪.‬‬
‫ومن يقول لها لماذا استفزاز الناس بالمبالغة في المظاهر البوليسية التي ل ضرورة‬
‫لها‪ ،‬فالناس جاءوا إلى المحكمة و لم يأتوا إلى مخفر‪ ،‬ومن يقول لها هذه أسماؤنا‪ ،‬ولسنا‬
‫خائفين‪ ،‬ومن يقول لها‪:‬إن عدد موقعي البيانات المطالبة بالعدل والشورى شرطي البيعة على‬
‫الكتاب والسنة (أي الدستور والمجتمع المدني وحقوق النسان ) أكثر من ألف شخص فكيف‬
‫ل يتوقع أن يحضر عدد رمزي منهم لمحاكمة اثنين من زملئهم‪.‬‬
‫د‪-‬أخيرا‪:‬‬
‫من المهم تحديد وظيفة المباحث والجهزة المنية التابعة لوزارة الداخلية‪،‬بأنه ليس‬
‫من مهمتها تخويف الناس وترويعهم‪ ،‬ول سيما في المحاكم‪ ،‬التي رمز حماية العدالة‬
‫والحقوق‪ ،‬وبأن حراسة المحكمة فضل عن تنظيم الجمهور‪،‬إنما تكون لجهاز يتبع المحاكم‪،‬‬
‫فتنظيم الجمهور داخل المحاكم أوالحضور في مجلس القضاء‪ ،‬يرتبط القضاة كما نص نظام‬
‫الجراءات الجزائية‪.‬‬
‫إن تكاثف الجهزة المنية‪ ،‬ل ينسجم مع استقلل القضاء‪ ،‬ول مع حرمة المحاكم‪،‬‬
‫لسيما والمباحث طرف في الخصومة‪ ،‬وتواجدها يخل بمبدأ المساواة‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك نرجوكم أن يقتصر حفظ النظام في المحكمة على جنودها الذين ثبتت‬
‫شارة القضاء على أكتافهم‪.‬‬
‫هذا بصفتنا مدعى عليهم يطالبون بحقهم في محاكمة عادلة‪.‬‬
‫ونطالب أيضا بالتحقيق في أسباب هذا المر‪-،‬بصفتنا من دعاة تعزيز استقلل‬
‫القضاء –لن تدخل رجال السلطة التنفيذية في السلطة القضائية‪ ،‬مدخل من مداخل تخويف‬
‫المتهمين والجمهور والقضاة‪ ،‬والضغط على حياد القضاة واستقللهم‪ ،‬يفضي إلى التدليس‬
‫على انتهاك حقوق المتهم‪ ،‬وإصدار القضاة عقوبات قاسية‪ ،‬لتتناسب مع التهم‪.‬‬
‫وننتظر أن تنفذوا وعدكم‪ ،‬بإنهاء مثل هذه التجاوزات‬
‫وال يحفظكم ويرعاكم والسلم‪.‬‬
‫عبدال وعيسى الحامد‬
‫المتهمين بتحريض النساء على العتصامين ببريدة‪/‬القصيم‬
‫‪)2007/09/15 (1428/09/03‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫المذكرة الثانية‪:‬‬
‫نطالب بعلنية المحاكمة‪ /‬لعشرة أسباب‬
‫صاحب الفضيلة القاضي بالمحكمة الجزئية ببريدة‪:‬‬
‫إبراهيم بن عبد الله الحسني وفقنا الله وإياكم‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‬
‫نشير إلى الجلسة الولى من محاكمتنا يوم السبت ‪26/8/1428‬هـ(‪/7‬أيلول‪/‬‬
‫‪2007‬م )‪ ،‬وإلى اعتراضنا ‪-‬أثناء الجلسة‪-‬على سرية المحاكمة‪ ،‬وفي هذه المذكرة نفصل‬
‫لكم السباب‪.‬‬
‫‪ =1‬النبي صلى الله عليه وسلم رسخ معيار العلنية‪:‬‬
‫إن علنية المحاكمة من أهم وسائل ضمان عدالة القضاء ونزاهته‪ ،‬إن لم تكن‬
‫أهمها‪ ،‬إنها تأمين مهم لستقلل القضاء‪ ،‬ووسيلة فعالة لتقوية روح المسئولية‪ ،‬وتحول دون‬
‫توفر فرص تدخل الحكومة‪ ،‬ودون سيطرة العلى على الدنى في جهاز القضاء‪ ،‬وتدعم ثقة‬
‫الجمهور‪.‬‬
‫لقد سبق السلم النظم الدستورية الحديثة؛ إلى تقرير هذا المبدأ‪ ،‬فقد كان النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬يقضي بين الناس في المسجد‪ .‬وقد علل الفقهاء قضاء النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم والخلفاء الراشدين في المسجد‪ ،‬بأن المسجد "أقرب على الناس في شهودهم" وهذا‬
‫يؤكد الحرص على شهادة الناس وحضورهم‪ ،‬فثمة إدراك لهمية حضور الجمهور‪ .‬من أجل‬
‫ذلك قال مالك والحنفية والحنابلة‪ :‬إن المسجد أنسب مكان يقضي فيه القاضي‪.‬‬
‫وللقضاء في المسجد فوائد‪ ،‬منها‪ :‬أنه إعلن للمحاكمة‪ ،‬وهو إعلن أبعد عن التهمة‪،‬‬
‫لن كل فرد يستطيع أن يحضر المجلس إن رغب‪ ،‬فل يشتبه عليه المكان‪ ،‬ل يحتاج الغريب‬
‫إلى من يهديه ول يحتاج أي إنسان فيه إلى استئذان‪.‬‬
‫وقد جرى كثير من قضاة السلم على القضاء في المسجد‪ ،‬وهي عادة حميدة لسيما‬
‫والقضاء عبادة‪ ،‬من أفضل العبادات‪ ،‬ولذلك درج كثير من الفضلء على مزاولته احتسابا‬
‫دون أجر‪.‬‬
‫وتأكيدا لهمية علنية المحاكمة‪ ،‬ورفضا لكل مسارب القضاء السري؛أحرق عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬دار أمير الكوفة أبي موسى الشعري ‪ ،‬لما جعلها أبوموسى مكانا للقضاء‪ ،‬ولو‬
‫كانت أمرا اجتهاديا للقاضي حق بتحويلها إلى سرية‪ ،‬لما أحرق الخليفة الدار‪ ،‬فقد نص‬
‫الفقهاء على وجوب أن يقضي القاضي علنا‪ ،‬وحددوا معيار العلنية ؛ في مكان القضاء‪:‬‬
‫‪-‬أن يكون في مجمع الناس‪.‬‬
‫‪-‬وأن يسهل على الناس الحضور والشهود‪.‬‬
‫ونص بعضهم على حضور الفقهاء‪ ،‬وأهل العلم والرأي والمشورة‪.‬‬
‫واشترطوا في أي مكان يقضى فيه كالدار والمكتب شرطين‪:‬‬
‫‪-‬أن تفتح البواب‪.‬‬
‫‪-‬وأن ل يكون عند البواب حجاب (انظر تبصرة الحكام لبن‬
‫فرحون)‪.‬‬
‫من خلل تقرير السلم مبدأ علنية الجلسات‪ ،‬يتبين حرص السلم على مبدأ‬
‫الشفافية‪ ،‬لن العلنية جزء من الشفافية‪ ،‬وكل وسيلة تحقق العدل‪ ،‬ول تعارض نصوص‬
‫الشرع‪ ،‬فهي من الشريعة‪ ،‬وإن لم ينزل بها الكتاب‪ ،‬ول فعلها النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫كما قرر الفقهاء كابن عقيل وابن القيم في غير هذا السياق‪.‬‬
‫إن عنصر الشفافية والعلنية شديد الرتباط بالستقلل والمسئولية‪ ،‬إن تقديم‬
‫معلومات مبهمة أو ناقصة أو غير صحيحة يفضي إلى التضليل‪ ،‬وإلى إضعاف الثقة‬
‫بالقضاء‪ ،‬ولذلك فإن النزاهة والحياد والمساءلة وثقة العامة مسائل أساسية‪ ،‬في معيار‬
‫الشفافية‪.‬‬
‫بل إن الطبيعة المغلقة لي تنظيم‪ ،‬فرصة للخلل بالدارة الجيدة‪ .‬وما لم يتوغل‬
‫مبدأ الشفافية في مختلف مجالت القضاء‪ ،‬فلن يحصل المصلحون داخل السلطة القضائية‬
‫وخارجها ول الشعب؛ على المعلومات اللزمة لتقييم الصلحات ومتابعتها‪ ،‬وإن ثقافة‬
‫السرية والنغلق تحول دون تنفيذ أي مبادرة إصلح‪ .‬لن المصلحين لن يحصلوا على‬
‫المعلومات والدلة التي يحتاجون إليها لتعزيز العدالة‪ ،‬ولن تتعزز الثقة في السلطة‬
‫القضائية‪ ،‬من دون وضوح المعلومات‬
‫وعلنية المحاكمة باب عظيم من أبواب سد ذرائع الفساد‪ ،‬ولذلك قال الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم‪" :‬الثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس"‪ ،‬وفي العلنية صيانة‬
‫لهيبة القضاء والقضاة عن الشائعات‪،‬كما في الثر‪":‬رحم ال امرءا كف الغيبة عن نفسه"‪.‬‬
‫وضع السلم العلنية لعدالة المحاكمة‪ ،‬لن العلن بيان ونور‪ ،‬والخفاء مظنة‬
‫الكذب والجور ‪ ،‬ولذلك أمر ال بإعلن كل أمر مشروع ‪ ،‬فأمر بإعلن الزواج‪ ،‬ونهى أن‬
‫يكون الزواج سرا‪ ،‬لن السرية مظنة الفجور‪ ،‬فقال تعالى ((ولكن ل تواعدوهن سرا))‪،‬‬
‫وكذلك المحاكمة فإن إعلنها مظنة العدل‪ ،‬وإسرارها مظنة الجور والبغي كما قال الشاعر‪:‬‬
‫يلقاك دون الخير من ستر‬ ‫الستر دون الفاحشات ول‬
‫ولم يعرف القضاء السلمي طوال العصور الغرف المغلقة ول المحاكمات‬
‫السرية‪.‬فالعلنية والشفافية هما إحدى سمات القضاء العادل عبر العصور‪،‬في كل أمة‬
‫وملة‪ ،‬؛ ويعتبر اليوم من المعايير الدولية لستقلل القضاء‪ ،‬التي يقتضيها الحكم بالعدل‪ ،‬في‬
‫الدول الدستورية(انظر‪ :‬معايير استقلل القضاء الدولية‪ ،‬في بوتقة الشريعة السلمية‪:‬المعيار‬
‫الرابع عشر والخامس عشر‪ ،)115-110 :‬وهو أهم بنود عدالة القضاء السبعة‪ ،‬التي أقرتها‬
‫المم المتحدة‪ ،‬ووقعت عليها الدول‪ ،‬ومن ضمنها المملكة‪.‬‬
‫فهي عرف شرعي‪ ،‬عرفه المسلمون قبل أربعة عشر قرنا‪ ،‬من كونها معيارا دوليا‬
‫رئيسيا‪ ،‬من معايير نزاهة القضاء واستقلله عن الحكومة‪.‬‬

‫‪=2‬ارتباط علنية المحاكمات برقابة المة على‬


‫القضاء‪:‬‬
‫وحضور الجمهور جلسات القضاء‪ ،‬له علقة بتسهيل الرقابة الشعبية على‬
‫القضاة والمراء‪ ،‬وقد يغفل بعض الناس عن أن نزاهة القضاء وعدالته‪ ،‬ل يمكن أن تضمن‬
‫من دون رقابة الشعب‪.‬‬
‫وهذه المعايير منطلقة من أن القضاة ليسوا إل جزءا محدودا من المؤتمنين على‬
‫العدل والشرع‪ ،‬ورقابة الشعب على القضاء والقضاة مبدأ دستوري‪ ،‬لم يغفله السلم‪.‬لن‬
‫المة في السلم‪ ،‬هي المكلفة بحفظ الشرع‪ ،‬لن المة هي الحافظة للشريعة‪ ،‬ل القضاة‬
‫والفقهاء والمراء وحدهم ‪ ،‬كماقال المام بن تيمية‪ ،‬رحمنا ال وإياه وإياكم‪":‬المة هي‬
‫الحافظة للشرع"‪.‬‬
‫وبناء على قاعدة أن المة هي الحارسة للشرع ‪ ،‬تتأكد مشروعية حضور الناس أي‬
‫محاكمة؛ قاعدة قضائية ‪،‬ل يجوز التهوين من قدرها‪ ،‬أسس لذلك الدليل العام في قول النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم " الناس شهود ال في أرضه " فليست حراسة العدالة مقصورة على‬
‫القضاة‪ ،‬بل هي لعموم المة‪ ،‬وليست حراسة الشريعة من اختصاص الفقهاء وحدهم‪ ،‬لكي‬
‫يقال ل فرق بين السرية والعلنية‪ ،‬أو يقال إن من صلحيات القاضي أن يحولها سرية‪.‬‬
‫ل يستقيم مبدأ السرية في المحاكمات المتعلقة بالشأن العام للمة‪ ،‬ما دامت المة هي‬
‫الحافظة للشرعة‪ ،‬ل المام ول القضاة ‪ ،‬ول الفقهاء وحدهم‪ ،‬لن مقتضى تبعة المة في‬
‫حفظ الشريعة‪ ،‬أن يكون لها حق المتابعة والمراقبة‪ ،‬على وسائل تطبيق هذا المقصد‬
‫الشرعي‪ ،‬لذلك جاء معيار الشفافية والعلنية‪ ،‬بصفتهما معيارا إسلميا لعدالة القضاء ‪ ،‬قبل‬
‫أن تقرر الدول الحديثة ذلك بأربعة عشر قرنا ‪.‬‬
‫وتأسيسا لمبدأ رقابة المة‪ ،‬جاء قوله صلى ال عليه وسلم "الناس شهود ال في‬
‫أرضه"‪ ،‬ولكي يشهدوا ينبغي أن يحضروا‪.‬‬
‫وفوائد حضور الجمهور كثيرة‪ ،‬ولسيما المحامون‪ ،‬الذين يتمكنون من أخذ‬
‫العبر والخبرات والدروس‪ ،‬ويعرفون حقوقهم وحقوق الخرين‪ ،‬ول سيما أهل الصحافة‬
‫والعلم وأهل الحسبة المهتمون بحقوق النسان‪.‬إنهم من شهود ال في ارضه‪ ،‬على مدى‬
‫عدالة القضاء‪.‬‬
‫وهذا المبدأ ل يمكن إجراؤه في الدولة السلمية الحديثة‪،‬إل بفتح أبواب‬
‫المحاكمات‪ ،‬لحضور أربعة أصناف من الناس‪:‬‬
‫‪-‬المحامون‪.‬‬
‫‪ -‬ودعاة حقوق النسان‪.‬‬
‫‪ -‬والعلميون‪.‬‬
‫‪ -‬والمهتمون بالشأن العام‪.‬‬
‫‪ -‬وبإعلن المحاكمات بوسائل العلم‪.‬‬
‫ومن أجل ضبط معيار العلنية في المحاكمات السياسية بمسطرة‪ ،‬جاء التأكيد على‬
‫حضور أربعة أصناف من الناس‪ :‬هم المحامون ( غير محامي المتهم ) ودعاة حقوق‬
‫النسان وأهل العلم والمهتمون بالشأن العام‪ ،‬هؤلء يمثلون المة‪ ،‬في ممارسة حقها‪ ،‬في‬
‫الحراسة والرقابة‪ ،‬وفى الطلع على ما يجري في أروقة المحاكم‪ ،‬ومتابعة العدالة وكشف‬
‫ما يحتمل حدوثه من تجاوزات‪.‬‬
‫والعلم سلطة رابعة‪ ،‬تحرس العدالة‪ ،‬والقضاة على فضلهم‪ ،‬ليسوا معصومين عن‬
‫الزلل‪ .‬وتنص المواثيق الدولية على أنه"ل يجوز استبعاد الصحافة والجمهور من المحاكمة‪،‬‬
‫إل لعتبارات تتعلق بالضرار بصالح العدالة‪ ،‬أو بالسرار الزوجية"‪.‬‬
‫وتنفيذا لمبدأ سيادة المة على حكامها وقضاتها‪ ،‬ينبغي أن يتأكد تأكد المة من حياد‬
‫القضاة‪:‬إذ ل يكفى أن يكون القضاة محايدين ونزهاء وعادلين‪ ،‬من وجهة نظرهم‪ ،‬أو من‬
‫وجهة نظر السلطة القضائية‪ ،‬بل ينبغي أن يقتنع الجمهور بعدالتهم‪ ،‬فالناس شهود ال في‬
‫أرضه‪،‬كما جاء في الحديث الصحيح‪،‬بل ينبغي أن تعتبرهم المة محايدين‪ ،‬ولن تعتبرهم‬
‫العامة محايدين‪ ،‬إل عندما تراهم يمارسون حقوقهم في حرية التعبير والتفكير والجتماع‪،‬‬
‫وتراهم يطبقون الوقائع‪ ،‬على أسس قضائية محددة‪ ،‬تحفظ كرامة مناصبهم‪ ،‬و لن يتأكد‬
‫الجمهور من كونهم عادلين‪ ،‬مادام ل يراهم يطبقون الوقائع‪ ،‬على أسس قضائية محددة‬
‫موحدة مدونة معلنة‪ ،‬بحيث تتجانس الحكام إذا تجانست القضايا‪ ،‬من دون تذرع‬
‫بالجتهاد‪.‬ولن يعتبرهم محايدين إذا كان تنظيم الجلسات‪ ،‬وضبط النظام‪ ،‬بأيدي أجهزة أمنية‪،‬‬
‫تابعة للسلطة التنفيذية‪ ،‬لنها تثير التوجس والتخوف‪ .‬ولن يتأكد الجمهور من كونهم‬
‫عادلين‪ ،‬ماداموا يؤثرون بت القضايا في غرف مقفلة البواب‪ ،‬مخلين بمبدأ علنية وشفافية‬
‫القضاء‪.‬‬
‫من دون هذه الوسيلة لن تكون أي محاكمات عادلة‪.‬‬
‫ل تكاد تتحقق النزاهة إل في محاكمة علنية‪ ،‬ذات إجراءات محددة‪ ،‬ونصت المواثيق‬
‫الدولية على علنية المحاكم ‪ ،‬وعلى السماح للعامة بالطلع على القواعد القضائية وقرارات‬
‫المحاكم التي هي نتيجة تطبيق الوقائع على القواعد ومعلوماتها‪ ،‬من ما يدل على فاعلية‬
‫القضاء ويعزز احترامه‪.‬‬
‫فجلسات القضاء ل يجوز أن تكون سرية‪ ،‬ومبدأ سلطة المة على قضاتها؛ يقتضي‬
‫حضور المواطنين‪ ،‬جلسات المحاكم‪ ،‬ول سيما عرفاء المة وعيونها وآذانها‪ ،‬من معنيين‬
‫بالشأن العام ومحامين ومتابعين ما يدور في الجلسة‪ ،‬بل ومراقبتها‪،‬ول يجوز للقاضي منع‬
‫أي شخص من الحضور‪ ،‬إل في حالت محددة محصورة‪ ،‬كبعض القضايا الزوجية‪ ،‬أو‬
‫لمتلء القاعة‪ ،‬أو خوفا من حدوث انتقام‪ ،‬يقوم به أهل المدعي ضد المدعى عليه في‬
‫القاعة‪،‬أي ينبغي أن تكون العلنية هي القاعدة‪ ،‬وأن تكون السرية هي الشذوذ المبرر‬
‫المحدد المحصور‪.‬‬
‫إن مبدأ العلنية أهم معيار يقاس به استقلل القضاء‪ ،‬من خلل الرقابة الشعبية ‪.‬‬
‫والمحاكمة العلنية هي النمط المعترف به عالميا اليوم ‪ ،‬حيث تنص المواثيق الدولية‬
‫على ضرورة أن يؤمن لكل متهم محاكمة عادلة علنية‪ ،‬بواسطة محكمة مختصة مستقلة‬
‫حيادية (انظر الماده ‪ 14‬وبنودها السبعة من حقوق النسان)‬
‫حضور المحامين والعلمين والمهتمين بالشأن العام‪،‬يسهم في شيوع المن‬
‫والعدل‪ ،‬باعتبار هؤلء هم عيون مراقبة ومتابعة العدالة‪ ،‬وظيفتهم التجول داخل الروقة‪ ،‬و‬
‫التحديق في ما يجرى داخل الغرف المغلقة‪ ،‬وهم يحققون جانب (الحتساب) في التناهي عن‬
‫المنكرات‪ ،‬إنهم عون للقضاء لكي يسد مسارب التدخلت‪.‬الجمهور أو المجتمع الهلي هو‬
‫حامي سور العدالة‪ ،‬هو حامي استقلل القضاء‪.‬‬
‫لقد مضى عصر اعتبارهم الجماهير رعاعا ل يفهمون وسقطت أقوال بعض‬
‫الفقهاء[التي تحرف الشريعة] فتقول‪ :‬أن الجماهير رعاع إذا اجتمعوا ضروا ‪ ,‬وإذا تفرقوا‬
‫نفعوا فالجماهير هم المجتمع الهلي المدني ‪ ,‬هم الذين يقفون مصاد لرياح الهوى والخلل‪.‬‬
‫‪=3‬العلنية تسهم في حماية القضاء والقضاة العادلين‬
‫من التعسف ‪:‬‬
‫وأسلوب العلنية‪-‬وفقنا ال وإياكم‪ -‬فعال في تعزيز استقلل القضاء‪ ،‬عندما يتيح‬
‫القاضي للطرفين فرص الدعاء والرد‪ ،‬ثم يصدر أحكامه‪-‬أيضا‪ -‬في جلسات علنية‪ ،‬بناء‬
‫على أدلة تقدم بصورة قانونية‪ ،‬أثناء إجراءات الدعوى‪ ،‬ويسعى إلى تبرير وتسبيب مقنع‬
‫للساس القانوني‪ ،‬الذي أصدر الحكم بناء عليه (دليل استقلل القضاء‪.)134:‬‬
‫فالعلنية تحد من الضغوط‪ ،‬وتحفز القاضي إلى إقناع من يقرأ الحكم‪.،‬وهي أيضا‬
‫تعري القضاة الفاسدين‪ ،‬المذعنين للتدخلت‪ ،‬وتحمى العادلين الذين يرفضون الضغوط‬
‫والهوى‪ ،‬وتكشف للناس مدى حياد الحكومة‪،‬وذلك يحد من ضغوط الحكومة على القضاء‬
‫أيضا‪ .‬وهذه الجراءات من ما يعزز العدل‪.‬‬
‫فالجمهور هو (الحجا) الذي يمنع تسربات المياه‪ ،‬والرياح والتربة من دفن‬
‫القليب‪ .‬فالقاضي عز الدين بن عبدالسلم‪ ،‬لم يستردد استقلل القضاء‪ ،‬إل بسور‬
‫الجمهور‪.،‬فإن القاضي مهما ملك الخلص والشجاعة والنصاف‪ ،‬من دون الجمهور‬
‫ضعيف‪ ،‬يصبح مثل قاضي قم الذي عزلته رغبة سلطان عباسي في مراعاة السجع‪ ،‬عندما‬
‫بدأ جملة‪:‬‬
‫أيها القاضي بقم‬
‫فلم يجد كلمة تتم السجع إل قم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫قد عزلناك فقم‪.‬‬
‫إن محصلة ذلك كله‪ ،‬أن استبعاد الصحافة والجمهور من الحضور‪ ،‬وذلك مخالف‬
‫لقاعدة العلنية المعروفة في الشريعة‪ ،‬فالسرية مظنة السوء أيا كان نوعه‪ ،‬هذه القاعدة‬
‫إسلمية‪ ،‬قبل أن تجئ في المواثيق الدولية‪ ،‬التي وقعت عليها المملكة؛ في وثيقة حقوق‬
‫النسان (المادة ‪ 14‬بنودها السبعة التي تنص "ل يجوز استبعاد الصحافة والجمهور من‬
‫المحاكمة"‪.‬‬
‫ومنع رجال العلم والصحافة من الحضور‪ ،‬تهوين من قدر السلطة الرابعة‪،‬يؤدي‬
‫إلى تعتيم الرأي العام وتضليله‪ ،‬كما أنه يدفع الصحفيين الذين يهمهم سرعة نشر الخبر‪،‬‬
‫والرغبة في السبق‪ ،‬إلى نشر انطباعات غير صحيحة‪ ،‬تضر بسمعة العدالة عموما‪،‬‬
‫والطرف العزل خصوصا‪.‬‬
‫إن ضعف الشفافية في أي إدارة؛ يفتح النوافذ لتكاثر الخطاء والغلط‪ ،‬وحشرات‬
‫الفساد‪ ،‬كما أنه يسهم في النيل من سمعة القضاء والقضاة‪.‬‬
‫والقضاة عندما يميلون إلى السرية‪- ،‬وفقنا ال وإياكم‪ -‬يعرضون عن بناء علقة‬
‫إيجابية مع الجمهور‪ ،‬تقنع الجمهور‪ ،‬بإخلصهم للعدالة‪ ،‬يفتقدون عنصرا مهما جدا‪ ،‬في‬
‫الحفاظ على استقللهم‪ ،‬إذ ل يمكن أن يستقل القاضي و يأمن من التعسف في النقل والعزل‪،‬‬
‫ما لم يكن الجمهور المقتنع بعدالته‪ ،‬حاضرا للدفاع عنه‪.‬‬
‫القضاء يستمد مبدأ استقلله من شيئين‪ :‬نظام القضاء و ضمائرالقضاة‪ ،‬ولكن‬
‫النظمة يمكن تغييرها‪ ،‬والضمائر يمكن تضليلها وتذليلها‪ ،‬فما العلج؟؟‪.‬‬
‫القاضي يحمى المواطنين العزل والضعاف‪ ،‬وهو ملذ المظلومين الباحثين عن‬
‫النصاف‪ ،‬القاضي هو حصن المظلومين فمن أين يستمد حصانته‪ ،‬من يحمى القاضي من‬
‫التعسف؟‪.‬إنه سور الجمهور‪ ،‬كما قال تعالى (( ولول رهطك لرجمناك‪ ,‬وما أنت علينا‬
‫بعزيز))‪.‬‬
‫[القاضي] عز الدين بن عبد السلم‪ ،‬من الذي أتاح له أن يحاكم العابثين بأموال‬
‫الشعب‪ ،‬من الذي أتاح له أن يرجع معززا مكرما إلى سدة القضاء؟ إنه الجمهور‪ ،‬لقد ضاع‬
‫الفقهاء عندما ركنوا إلى سلطة الحكومة‪ ،‬وغفلوا عن أهمية الستناد إلى سلطة الجمهور‪،‬‬
‫انكمشوا وكأنهم نسوا قول عمرو بن معدى كرب‪:‬‬
‫نطقت ولكن الرماح أجرت‬ ‫فلو أن قومي أنطقتني رماحهم‬
‫فـ[القضاة السعوديون] أمثال ابن عتيق والخريصي ومحمد بن تركي‪ ،‬وابن إبراهيم‬
‫وابن حميد ‪-‬رحمنا ال وإياكم وإياهم‪ -‬لم يسندهم إل الجمهور‪ ،‬عندما ضعف جمهورهم‬
‫اضطروا إلى النكماش‪.‬القضاء ل يحمى بالنظمة على أهميتها ول يحمى بالضمائر على‬
‫أهميتها‪ ،‬سوره الحقيقي هو الجمهور‪ .‬وبالجمهور يحمي القضاة العادلين من رياح‬
‫التدخلت‪.‬‬
‫فالقضاة العادلون ل تضرهم علنية المحاكمة‪ ،‬بل تسهم في دفع الضغوط عنمهم‪،‬‬
‫وهم أكثر الناس استفادة من تعزيز استقلل القضاء ‪ ،‬وهم أكثر اطمئنانا على حصانتهم في‬
‫جو المحاكمة العلنية‪ ،‬إنهم أكثر الكاسبين من ترسيخ قاعدة العلنية عرفا قضائيا‪.‬‬
‫والمجتمع الهلي من فقهاء وأهل إعلم ومحتسبين ومثقفين‪ ،‬وأفرادا وهيئات من‬
‫من يعملون في مجال حقوق النسان‪ ،‬والمجتمع المدني‪ ،‬كل منهم مسئول عن متابعة كل ما‬
‫يجرى‪ ،‬ومعالجة ما يحصل من أخطاء‪ .‬مطلوب منهم أن يقدروا علنية المحاكمة حق‬
‫قدرها‪،‬إنهم مع القضاة من السدود التي تسد المنافذ عن أي تعذيب جسدي أو نفسي يقوم به‬
‫البوليس‪،‬أو انتهاك قضائي يقع بالتدليس وإذا صارت المحاكمات السرية ديدن القضاة‬
‫النزهاء ؛ سيقرعون اسنان الندم ‪ ،‬لنهم عرضة للذى والتدخلت والحكام المملة‪ ،‬إن‬
‫استقلل القضاء يهدم لبنة لبنة‪ ،‬وبناءه يكون لبنة لبنة‪ ,‬وعلى الفقهاء والقضاة والعلماء‬
‫والمفكرين والمثقفين‪ ،‬أن يسعوا إلى تعزيز استقلل القضاء‪ ,‬في أي موقع كانوا‪.‬‬
‫ولو عظموه في النفس لعظما‬ ‫ولو أن أهل العلم صانوه صانهم‬

‫‪ =4‬العلنية تحمي المتهم عندما تكون الحكومة خصيما‬


‫وليثار القضاة سرية المحاكمات تداعيات‪ ،‬تشجع على إذعان بعض القضاة لملءات‬
‫السلطة التنفيذية‪ ،‬المباشرة وغير المباشرة‪ ،‬كما أنها تسهل اختراق جهاز القضاء‪ ،‬ولسيما‬
‫في المحاكمات السياسية‪.‬‬
‫لكن المحاكمات السياسية ذات خطورة ‪ ،‬ول سيما إذا كان المتهم موقوفا ‪،‬‬
‫كالخصومة بين فرد أعزل وقوة الدولة ‪ ،‬من أجل ذلك ل يصح في مقاصد الشريعة أن يترك‬
‫للقاضي حرية تحويلها إلى سرية ‪ ،‬لحتمال حيفه ‪ ،‬وضغوط السلطة التنفيذية ‪.‬‬
‫من أجل ذلك ‪-‬وفقنا ال وإياكم‪ -‬يمكن صياغة المبدأ السلمي بالعبارة التالية ‪:‬‬
‫يجب أن تكون المحاكمة علنية ‪ ،‬وكل محاكمة سرية ‪-‬في الخصومة بين الفراد والحكومة‪-‬‬
‫فهي غير عادلة‪ ،‬وهي إذن باطلة إل إذا تراضى الخصمان على تجنب العلنية ‪.‬‬
‫وأي محاكمة سرية ولسيما إذا كانت سياسية‪ ،‬فإنما هي باطلة‪ ،‬لن العلنية تسلط‬
‫الضوء على ما يحتمل حدوثه في الكواليس‪ ، ،‬فإذا أقام القضاء محاكمات سرية‪ ،‬احتمل أن‬
‫يكون دوره التدليس‪ ،‬على ما يحتمل أن يمارسه السجانون في زنازين البوليس‪ ،‬وإذا التزموا‬
‫العلنية كشفت ما في الزوايا من خفايا‬
‫إن من ما يعزز سمعة القضاء واحترام الجمهور له‪ ،‬قدرة القضاة على إعلن عدم‬
‫دستورية بعض القوانين وأعمال السلطة التنفيذية‪ ،‬ورفضهم الوامر أو القوانين المخلة‬
‫بالعدالة (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء‪ :‬مجموعة‬
‫من القانونيين‪ :‬دليل‪ ،)47 :‬والعلمة الفارقة على عدالة القضاء في كل مكان وزمان؛ أن‬
‫يستطيع أن يحكم للفراد على الحكومة‪ ،‬وهذا المر ليتحقق في المحاكمات السرية‬
‫وعلنية المحاكمات تكشف عن الخلل في تحديد المسئولية‪،‬وتضبط أن تكون إحالة‬
‫القضايا على القضاة ذات طابع قضائي محض‪ ،‬طابع موضوعي‪ ،‬ل صلة له بنوع الحكم‬
‫المتوقع من قاض دون آخر‪ ،‬وأن ل يكون للحالة طابع سياسي في القضايا السياسية ‪.‬‬
‫وقد لوحظ في التطبيق السائد في أوربا الشرقية ونحوها‪ ،‬مخاطر غيبة الشفافية‬
‫حين يستطيع رئيس المحكمة؛ توزيع القضايا على القضاة‪ ،‬من دون معيار الشفافية فيؤثر‬
‫ذلك على النزاهة و يوفر سبل الفساد‪ ،‬ويعزز سيطرة المنصب العلى على الدنى‪ ،‬ويتيح‬
‫فرصا لتدخّل السلطة التنفيذية‪ ،‬فتستطيع أن تؤثر على الحكام في القضايا السياسية‪ ،‬عن‬
‫طريق التفاهم مع رئيس المحكمة لحالة بعض القضايا إلى قضاة يوافقون هواها‪ .‬وأخطر ما‬
‫يكون ذلك في القضايا التي فيها نزاع بين الدولة والفراد و لسيما قضايا الموقوفين‪.‬‬
‫فإن جاز الستثناء في المحاكمات العادية‪ ،‬من العلنية؛ فإنه ليجوز في‬
‫المحاكمات التي طرفها الدولة‪ ،‬لن ذلك مظنة التفريط بحقوق المتهمين‪ .‬والمحاكمات‬
‫السياسية في العالم ل تكون سرية إل في النظمة الدكتاتورية(المستبدة)‪ ،‬التي لديها ما‬
‫تخفيه‪ ،‬عن عيون الشعب‪ ،‬وهي المحاكمات التي توصف بالعسكرية‪.‬‬
‫والعلم عندما ينشر وجهة نظر الجهزة المنية‪ ،‬يسهم في تضليل الرأي العام‬
‫ويكثف الضغط على القضاء‪ .‬وعندما يجنح القضاء إلى السرية ويتجنب الشفافية‪ ،‬يكون‬
‫العلم والقضاء معا‪،‬شريكين في تشويه سمعة الطرف العزل‪ ،‬والدوران يتكاملن‪،‬‬
‫للوصول إلى محاكمة غير عادلة‪.‬‬
‫إذا تأملتم ‪-‬وفقنا ال وإياكم‪ -‬ماتفوه به بعض المسؤولين والصحفيين من حملة‬
‫علينا منذ اعتقالنا‪ ،‬وربط لنا يوحي بدعم العنف؛ تبين لكم أن المحاكمة السرية‪ ،‬بصرف‬
‫النظر عن النيات‪ ،‬تفضى إلى تحيز قضائي‪ ،‬يضاف إلى تحيز العلم‪ ،‬وهذا وذاك يعتبران‬
‫من وسائل التأثير على سير العدالة‪.‬‬
‫ولذلك فإن ما جرى قرائن تدل على أن أي محاكمة سرية؛ ‪-‬ولو كان مقصودها‬
‫حسنا‪-‬تفضي إلى الخلل بحياد الهيئة القضائية‪ ،‬وتؤدي إلى انحيازها للطرف القوى وهو‬
‫الدولة‪ ،‬ضد الطرف العزل وهو الفراد‪ ،‬وتزيد تدخلت أجهزة المباحث ضراوة‪ ،‬كما بدا لنا‬
‫من أول جلسة‪ ،‬من هيمنة رجالها على مفاصل وأبواب المحكمة‪.‬‬
‫أن العلنية هي أصلً لمراعاة مصلحة المتهم‪ ،‬ومصلحة المتهم قاعدة كلية‪ ،‬وهي‬
‫مصلحة محققة ل تلغي بمصلحة متوهمة‪ ،‬أو بمفسدة متوقعة ‪ ،‬ومصلحة المتهم تتأكد عندما‬
‫تكون الدولة خصمه ‪ ،‬وتتأكد الحاجة إلى العلنية‪ ،‬عندما يكون موقوفا‪ ،‬أو شبه‬
‫موقوف(مفرجا عنه بالكفالة)‪،‬وليس هناك من مصلحة في أمور المعاملت‪ ،‬إل وفيها جانب‬
‫من المفسدة ولكن العبرة بالتغليب‪.‬‬
‫وسجناء الرأي والتعبير منذ قيام المملكة؛ يشهدون كيف كانت تقام لهم‬
‫محاكمات جائرة‪ ،‬ظاهرها الحكم بالشريعة‪ ،‬وباطنها الحكم بالجور والهوى‪ ،‬بسبب تدخلت‬
‫السلطة التنفيذية وبسبب ركون القضاة إلى اجراءات واجتهادات ‪ ،‬من فقه الضرورة الذي‬
‫نما فى ظلل الحكومات الموية والعباسية والمملوكية‪ ،‬الذي أخل إخلل كبيرا بحقوق‬
‫النسان وحقوق المتهم والسجين‪.‬‬
‫من أجل ذلك جاءت المعايير الدولية لتنص على مفهوم محدد لعلنية المحاكمات‬
‫العلنية‪ ،‬ل مجال فيه للجتهاد والتدليس‪ ،‬فكلما كانت القضية عامة أو سياسية كلما كانت‬
‫العلنية ضرورية‪ .‬فحتى قتلة السادات في مصر‪ ،‬والمتهمين في اليمن بتدمير (كول)ظفروا‬
‫بمحاكمة علنية‪.‬‬
‫في الخصومات العادية يستطيع أي قوي ظالم أن يزيف أدلة وشهودا على‬
‫غريمه‪،‬فيسلبه أرضه أو ماله أو يدخله السجن‪ ،‬ومن المفترض في السلطان أن ل يستخدم‬
‫سلطته في فبركة التهم وهذا هو الصل‪ ،‬ولكن باب الحتراس ينبغي أن نحتاط له‪ ،‬ومن سبل‬
‫الحتياط؛ حضور الجمهور‪ ،‬لكي ليكون التعتيم طريقا إلى التشويه والتحجيم‪.‬‬
‫إن القضاء النزيه‪ ،‬ل ينحصر تقرير العدالة فيه على ضمير القاضي‪ ،‬ونزاهته‪،‬‬
‫فهذه مسألة مهمة‪ ،‬ولكن الضمير وحده ل يكفي‪ ،‬فالسرية من مداخل الضغط على رؤوسهم‪،‬‬
‫ومن مداخل التدليس على ما يجري في عنابر السجون والبوليس‪ ،‬ونحن ‪-‬ول سيما أثناء‬
‫محاكمة دعاة العدل والشورى والحقوق الثلثة‪-‬قد ترددنا على السجون و المحكمة‪ ،‬وعرفنا‬
‫غرف المحاكمات السرية‪ ،‬وأسماء المدلسين عليها وأبطالها‪ ،‬فهل يلدغ المؤمن من جحر‬
‫مرتين؟‪.‬‬

‫‪=5‬دعاة الحقوق والمحتسبون –على العموم ‪-‬مستهدفون‬


‫بالتشويه والتلفيق‪:‬‬
‫نحسب هذه المحاكمة ستكون من أشهر المحاكمات في القصيم ‪ ،‬في قضية من‬
‫قضايا الحتساب على السلطان في باب المر بالعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬في مجالت العدل‬
‫والشورى وحقوق النسان‪ ,‬لفردين من تيار المطالبة السلمية بشرطي البيعة على كتاب ال‬
‫وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم التي ضامنها الدستور والمجتمع المدني‪.‬‬
‫هؤلء ‪-‬وفقنا ال وإياكم‪ -‬معرضون للتشويه والطعن من الخواصر‪،‬وإن وجدوا ما‬
‫يواسيهم ‪،‬في كلمات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده المين‪ ،‬كشعار المشاركة الشعبية‪،‬‬
‫والحوار الوطني‪ ،‬والرغبة في ضرب هامة الظلم بسيف العدل‪.‬‬
‫وما تعلنه القيادة يحتاج من أجهزة الحكومة إلى تعريف موظفيها بالجراءات‬
‫العدلية‪ ،‬التي أصدرتها الدولة‪ ،‬لكي ل يتخبطوا حقوق النسان والمتهم‪ ،‬ويحتاج من دعاة‬
‫العدل والشورى وحقوق النسان؛ الصرار على حقوقهم التي قررها النظام‪ ،‬واستعدادهم‬
‫للدخول في مشروع العدل والشورى‪ ،‬الذي أعلنه الملك‪ :‬رجل الصلح الول‪ ،‬بالنضال‬
‫والجهاد السياسي السلمي‪ ،‬ليجتاز الجميع وعثاء طريق صحراوي‪ ،‬حافل بالمشقات والوحال‬
‫والنعطاف بين الوهاد والوديان والتلل‪ ،‬ويدفعوا نصيبهم من فاتورة الصلح‪ ،‬سجنا‬
‫وتوقيفا‪ ،‬ومنعا من السفر‪ ،‬وصبرا على مؤذيات التنصت على المهاتفات‪ ،‬ومتابعة‬
‫بالسيارات‪،‬وانتهاكات مستمرة للخصوصية‪ ،‬وترويعا لمن حولهم‪.‬‬
‫ولكل دوره في الطريق الذي أعلنه الملك‪ :‬رجل الصلح الول‪ ،‬بتعاون كل‬
‫السائرين في طريق العدل والشورى والحقوق‪ ،‬الذين يحافظون على البيعة على الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬بصفتها عقدا يتواصون بشرطيه‪ :‬العدل والشورى‪ ،‬في الطار الرسمي والشعبي‬
‫معا‪ .،‬وننتظر أن يدرك إخواننا ثقل التبعة و المانة‪ ،‬وأن لكل دورا ينتظره‪.‬‬
‫والمطالبة السلمية بشرطي البيعة الشرعية؛ على الكتاب والسنة؛ هي عند الحديث‬
‫عن المبادئ(الجرائية)‪ :‬العدل والشورى وحقوق النسان‪ ،‬وعند الحديث عن الوسائل‪:‬‬
‫الدستور والمجتمع المدني‪.‬‬
‫وبهذا يتضح‪-‬وفقنا ال وإياكم‪ -‬أن أعضاء جمعيات حقوق النسان من المجاهدين‬
‫المحتسبين‪ ،‬المرين بالمعروف الناهين عن المنكر باللسان‪.‬‬
‫ولنهم أكثر من غيرهم عرضة للتوقيف والذى والتشويه في أغلب الدول العربية ‪،‬‬
‫ومن أجل ذلك يصرون على علنية المحاكمات‪ ،‬لنها هي القانون الفعال الذي يحد‬
‫من تجاوزات الذين ينتهكون حقوق النسان‪ ،‬كالتوقيف المتعسف‪ ،‬واليقاف دون محاكمة‪،‬‬
‫والتعهدات الظالمة والمنع من السفر و من المضايقات الظاهرة والباطنة التي يتعرض لها‬
‫المرون بالمعروف عموما والعدل والشورى وحقوق الناس خصوصا‪.‬‬
‫وهي من ما يحمي الفراد العزل ‪ ,‬من احتمالت بطش الدوات الجارحة القامعة‪ ،‬في‬
‫أي مرفق من مرافق الحكومة‪.‬‬
‫ففي نزاع بين فلحين على أرض‪ ،‬أو لسرتين على أمر زواج‪ ،‬قد ينحصر‬
‫الحضور بالقارب والجيران‪ ،‬وقد يكون للسرية دواعيها‪ ،‬أما عندما تكون التهم بين طرفين‬
‫غير متماثلين‪ ،‬وفي الشأن العام‪ ،‬فإن السرية تكون لمصلحة القوي‬
‫إن علنية المحاكمة هي إحدى مفردات استقلل القضاء المهمة‪ ،‬ولها في سياق‬
‫أولويات الحكم الدستوري قدر كبير ‪ ،‬يسبق أهمية النتخابات البلدية ‪ ،‬لنها من عوامل‬
‫صيانة الحقوق في تلك النتخابات من التزييف‪.‬‬
‫إن إدراك السائرين على خط الصلح الذي أعلنه الملك و ولي عهده رسميا‬
‫وشعبيا لهذه الهمية‪ ،‬يعني التواصي بالصرار على المسار‪ ،‬لكي ل يلتف معوقو الصلح‬
‫على الصلح‪ ،‬عبر الدسائس والتلفيقات‪ .‬ودعاة حقوق النسان والمحتسبون‪ ،‬عرضة‬
‫لساليب من تحت الكواليس‪ ،‬لشغال دعاة الصلح بأنفسهم أو بذويهم‪.‬‬
‫ولن غير المستبصرين في الجهزة المنية التي ظلت تمارس انتهاكات حقوق‬
‫النسان؛ أكثر من ثلثين عاما‪ ،‬لن يتقبلوا فكرة القضاء العلني‪ ،‬الذي يقود المحاسبة‬
‫القضائية‪ ،‬ومن أجل ذلك قد يعمدون إلى فبركة التهم في قضايا جانبية‪ ،‬على دعاة فتح ملف‬
‫حقوق النسان‪.‬‬
‫فهم عرضة للدسائس والكيد والطعن من الخاصرة‪ ،‬لن الخلف الساس إنما هو‬
‫بينهم وبين من ل يبالون بشرطي البيعة على كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫من موظفي الحكومة‪ ،‬حول صلحيات الحكومة نفسها‪ ،‬وحول مطالباتهم معايير استقلل‬
‫القضاء‪ ،‬وحول مطالبتهم بإصدار نظام فعال للجمعيات الهلية‪.‬‬
‫وعلنية المحاكمات هي إحدى أهم أدواتهم ‪ ،‬لكشف التجاوزات والتلفيقات‬
‫والدسائس‪ ،‬فإذا فرطوا فيها انفتحت عليهم أبواب التهم الملقاة على عواهنها‪ ،‬من وحضور‬
‫الجمهور يقلل من فرص التلفيق‪ ،‬ويسهم في تكوين الرأي العام المستنير‪.‬‬
‫إن الكارهين لفتح ملفات حقوق النسان؛ ل يريدون أن تستقر العلنية قاعدة‬
‫مرعية‪ ،‬في أي خصومة بين الفراد العزل والحكومة‪ ،‬والقضاة من من فرط في ذلك في‬
‫مامضى‪ ،‬وينبغي أن يعزم الجميع على اللتزام بحقوق الناس في ماأتى‪ ,‬لكي نستغفر ال عن‬
‫ما مضى‪ ،‬من التفريط بحقوق العباد والبلد‪ ،‬ل سيما ما مضى من انتهاكات حقوق النسان‬
‫والمتهم والمسجون‪ ،‬و تعذيب النفوس والجساد‪ ،‬وأحكام القضاء القاسية‪ ،‬و إقرار التعذيب‬
‫أو التدليس عليه وقمع سجناء الرأي والتعبير المشروع‪ ،‬خلل أكثر من سبعين عاما‪ ،‬من‬
‫محاكمات سرية‪ ،‬هي مظنة الظلم والجور‪ ،‬لنها لم تكن علنية‪.‬‬
‫لقد انكشفت للرأي العام عالميا وإسلميا وعربيا ومحليا‪ ،‬من خلل أحكام القضاء‬
‫القاسية بسجن دعاة الدستور الثلثة‪،‬مابين ست وتسع سنوات‪ ،‬أن بعض القضاة يجرم‬
‫مايدور حكمه في الشريعة‪ ،‬بين الوجوب والستحباب‪ ،‬فصار القضاء الشرعي شريكا في‬
‫تجريم المحتسبين وقمعهم ‪.‬‬
‫ماذا بعد ماثبت للرأي العام‪ ،‬أن بعض القضاة‪ ،‬يسيء إلى القضاء‪ ،‬فيصدر عقوبات‬
‫قاسية‪ ،‬على ما يدور حكمه في الشريعة بين الوجوب والستحباب‪ ،‬ول سيما بعد محاكمة‬
‫الصلحيين الثلثة؟‪ ،‬إن لدينا معلومات تشير إلى أن الكارهين لفتح ملفات حقوق النسان؛‬
‫وكشف الممارسات القمعية والتعذيب‪ ،‬يتوسعون الن في تلفيق تهم دعم الرهاب‪ ،‬على تيار‬
‫العدل والشورى والحقوق‪ ،‬لمزيد من التهم الجنائية الملفقة‪ ،‬ل سيما دعم العنف‪ ،‬لغايات‬
‫خارجية وداخلية في نفس يعقوب‪ ،‬ل تخفى على اللبيب‪.‬‬
‫وعلنية المحاكمة‪-‬إذن‪ -‬إحدى وسائل كبح التمادي في تلفيق التهم‪.‬‬

‫‪=6‬بعض القضاة يجعل المحاكمة السرية قاعدة والعلنية‬


‫استثناء في كل خصومة بين الفراد والحكومة‪:‬‬
‫نظام القضاء السعودي ينص على علنية المحاكمات‪ ،‬فالسرية استثناء في حالت‬
‫خاصة محددة في النظام‪ ،‬لكن واقع الحال أن الستثناء صار هو القاعدة‪ ،‬أغلب القضاة‬
‫السعوديين ل يرتاحون لحضور الجمهور‪ ،‬وبعضهم يغلقون البواب من دون أن يكون في‬
‫الجلسة ما يستدعي السرية‪ ،‬ويأمرون الحاضرين بالخروج طوعا أو كرها‪ ،‬وأوضح ما يكون‬
‫ذلك في القضايا السياسية‪ ،‬التي جرت العادة في الدول التي تعلن الدستور ولو ظاهريا‪ ،‬أن‬
‫يحظر المحاكمة الجمهور وأهل العلم والمحامون‪.‬‬
‫إن انتهاج القضاة السرية طابع صار مألوفا‪ ،‬وهو عادة درج عليها القضاة‪ ،‬إن من‬
‫الواضح أن لدى القضاة ميل إلى السرية‪ ،‬وإغلق البواب‪ ،‬وهذا –إذا نظر إليه إحصائيا‪-‬‬
‫صارت محصلته قلب القاعدة‪ ،‬فصارت السرية هي الصل‪ ،‬والعلنية هي الستثناء‪ .‬وتغيير‬
‫هذه العوائد السائدة؛ يحتاج إلى مطالبة‪،‬لن العوائد الجارية على السرية في المحاكم‪ ،‬عادات‬
‫تضر بسير العدالة ونزاهة الحكام‪.‬‬
‫وهناك عديد من القانونيين والقضاة يتحدثون عن حق القاضي في أي قضاء‬
‫في استثناء المحاكمة من العلنية‪ ،‬ولكن هؤلء ل يدركون أن الستثناء صار هو القاعدة‪.‬‬
‫‪=7‬فقدان عناصر اسقلل القضاء الساسية في القضاء‬
‫السعودي تجعل اللتزام بالعلنية أكثر أهمية‪:‬‬
‫وهناك عديد من القانونيين والقضاة يتحدثون عن حق القاضي في أي قضاء‬
‫في استثناء المحاكمة من العلنية‪ ،‬غير مدركين التجاوزات الكبرى في القضاء السعودي‬
‫فيقفون على الجزئيات‪ ،‬ويقولون‪ :‬نصت النظمة في جميع الدول‪ ،‬على أن من حق القاضي‪،‬‬
‫أن يستثنى قضية مثل قضيتنا من العلنية‪ ،‬وهذا قياس مع الفارق‪ ،‬ففي القضاء السعودي‬
‫قواعد فضفاضة‪ ،‬تجعل الستثناء تفريطا بحقوق المواطنين عامة والسياسية خاصة‪ ،‬وتجعل‬
‫العلنية هي الجراء الذي يبين ما يمكن أن يحد من تفريط بحقوق المتهمين‪.‬‬
‫أولها‪ :‬أن بعض القضاة يرون أن "ولي المر أدرى بالمصلحة"‪ ،‬ومقتضى ذلك أن‬
‫القضاء غير مستقل عن ولي المر‪ ،‬ولسيما في الجراءات‪ ،‬ول سيما أن البعض اختزل‬
‫مفهوم ولي المر بالجهزة المنية‪ ،‬في وزارة الداخلية‪ ،‬وما لها من سلطة على القضاء‪.‬‬
‫أنهم يعتقدون أن وزارة الداخلية‪ ،‬أدرى من الجميع بما يصلح الناس‪ ،‬ولذلك يطلقون عليه‬
‫مصطلح (ولي المر)‪ ،‬ويثبتون هاتين الفكرتين من خلل مقولتهم الشهيرة "ولي المر أدرى‬
‫بالمصلحة"‪.‬‬
‫فإذا كانت الجهزة المنية في وزارة الداخلية أدرى بالمصلحة‪ ،‬فدور القضاة إذن‬
‫هو إصدار تعليل وتسبيب لما أصدرته الداخلية‪ .‬فالمحاكمة السرية إذن ليست بمثابة التجاه‬
‫إلى حقل ذي ألغام فحسب‪ ،‬بل هي تحصيل حاصل‪ ،‬ومن أجل ذلك فإن العلنية تكشف عن‬
‫مدى سلمة القضاة من الرتهان لهذه النظريات المخلة بمفهوم البيعة على الكتاب والسنة‪،‬‬
‫التي تقرر‪-‬دون غبش‪-‬أن الحكومة وكيلة عن الناس ل عليهم‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أن بعض القضاة يرون أن ولي المر هو القاضي‪ ،‬الصيل‪ ،‬وليس قضاة‬
‫المحاكم إل وكلء‪ ،‬وحاصل ذلك أن القضاء ليس سلطة مستقلة ‪ .‬وأن عبارة القضاة‬
‫مستقلون الواردة في نظام القضاة‪ ،‬تشير إلى استقلل القضاة بصفتهم أشخاصا‪ ،‬ول تضمن‬
‫استقلل القضاء بصفته مؤسسة وسلطة‪ .‬ومقتضى ذلك أن المسؤولين الذين شجبونا في‬
‫العلم‪ ،‬هم القاضي الصيل‪ ،‬الذي يستطيع تحديد أن هذا الفعل أوذاك جريمة‪ ،‬وتغليظ‬
‫العقوبة أو تخفيفها‪.‬‬
‫وما دام بعض القضاة يعتقدون أن دورهم في القضاء هو دور الوكيل‪ ،‬وأن القاضي‬
‫الصيل هو (ولي المر)‪ ،‬وولي المر –وزارة الداخلية‪-‬هو الذي أمر باعتقالنا‪ ،‬ولم يطلقنا إل‬
‫بكفالة‪ ،‬فكيف ينصفنا القاضي الوكيل‪ ،‬ما دام القاضي الصيل‪ ،‬هو المر بتوقيفنا ؟‬
‫والعلنية إذن هي أقل الحقوق التي ندافع بها عن أنفسنا‪ ،‬لكي ننجو من احتمالت‬
‫قسوة الحكام‪ ،‬والتشويه في العلم‪ ،‬والتفريط بالحقوق‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬إن القضاء السعودي يخول القاضي وضع القاعدة القضائية للجريمة‬
‫والعقاب معا‪ ،‬ثم تطبيق الوقائع عليها أيضا‪ .‬فليس في القضاء السعودي مدونة تحدد الفعل‬
‫المجرم (الجريمة) ول (العقوبة) ول سيما في قضايا المجتمع المدني‪ ،‬ومجال الرأي والتعبير‬
‫والتصرف‪ ،‬فل مسطرة واضحة لوصف ما يمكن اعتباره جريمة أو جنحة‪ ،‬وفوق ذلك ليس‬
‫فيه سلم لعقوبات التعزير‪ ،‬لن قاعدة التعزير فضفاضة‪ ،‬فالتعزير يمتد من ضربة بالسوط إلى‬
‫ضربه بالسيف‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬أن بند التعزير‪ ،‬يجعل القاضي يمارس سلطة واسعة في التشريع والقضاء‬
‫معا‪ ،‬وهذا مزلق خطير‪ ،‬يؤدي إلى التفريط بحقوق الناس‪ ،‬ولسيما عندما يكون الحكم هو‬
‫الخصم‪ ،‬لنه يجعل اجتهاد القاضي من دون مسطرة‪ ،‬من ضربة السيف إلى ضربة السوط‪.‬‬
‫خامسها‪ :‬ثقافة القضاة (من خلل معرفتنا بما يدرس في كليات الشريعة والمعهد‬
‫العالي للقضاء) ليس فيها ما يكفي حول (حقوق النسان) سياسية ومدنية وثقافية‬
‫واقتصادية‪ ،‬فضل عن الدستور والمجتمع المدني‪ ،‬بل ول ما يكفي حول (حقوق المتهم)‪،‬‬
‫فضل عن حقوق الموقوف والمسجون‪ ،‬والعدالة معنى كلي‪ ،‬عندما يجزأ نتفا‪ ،‬من دون رؤية‬
‫شاملة‪ ،‬يمكن ارتكاب أقسى الفظائع باسم العدالة‪ .‬وكلها تؤكد أن القضاء السعودي غير‬
‫مستقل‪ ،‬وأمام هذه المجاهل الربع كيف يمكن تبرير استثناء أي محاكمة سياسية من مبدأ‬
‫العلنية‪.‬‬
‫وأن المور الخمسة السابقة‪ ،‬ل تدل على أن المحاكمة السرية ل تفضي إلى‬
‫النصاف فحسب‪ ،‬بل إلى أن مصاد الرياح عن استقلل القضاء أرق من الهباء‪.‬‬
‫وأمثال هذه التطبيقات والممارسات الخاطئة (المفصلة في كتاب‪:‬استقلل القضاء‬
‫السعودي‪ ،‬عوائقه وسبل تعزيزه)؛ تشوه صورة النظام القضائي‪ ،‬والحكام العدلية‪ ،‬وتتعرض‬
‫لنقد لذع من المنظمات الحقوقية المستقلة‪ ،‬تجدون وفقكم ال نموذجا لهذا النقد‪.‬‬
‫إن هذا النموذج يكشف لكم ما لنتهاك المعايير الشرعية‪ ،‬لستقلل القضاء‪ ،‬من‬
‫إضرار بحقوق العباد‪ ،‬وتشويه لمفهوم العدالة السلمية‪ ،‬وتشويه للقضاء الشرعي‪ ،‬وإضرار‬
‫بسمعة البلد‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك كان حرص تيار العدل والشورى وحقوق النسان ‪ ،‬على المطالبة‬
‫بالشفافية والعلنية‪ ،‬باعتبارها أول علمة على الحفاظ على قيم النزاهة والعدالة‪ ،‬وعلى‬
‫المطالبة بالسماح للرأي العام‪ ،‬بالرقابة على مجريات التوقيف والتهام والتقاضي‪ ،‬حفاظا له‬
‫عن الهواء والتدخلت‪.‬‬
‫‪ =8‬علنية المحاكمة بوابة كشف سريات السجون‪:‬‬
‫وهناك براهين وشهادات حية‪ ،‬تدل على أن المحاكمات العلنية هي الباب الذي ينبغي‬
‫فتحه على مصراعيه؛ للحيلولة دون النتهاك المنهجي الصارخ لحقوق المتهمين‬
‫والمساجين‪.‬‬
‫ففي ظلل السرية ‪-‬وفقنا ال وإياكم‪ -‬ل يستطيع القضاء من القيام بوظيفته‬
‫الواجبة؛ التأكد من ظروف المسجون استظهارا (توقيفا)‪ ،‬و ل أن يتأكد من المواصفات‬
‫الشرعية لـ(السجن) سواءا كان عقوب ًة أم استظهارا ( توقيفا ) على التهمة‪ .‬ول يستطيع‬
‫القضاء أن يراقب مدى توافر شروط السجن الشرعي التي تنص على أن السجون‬
‫وظيفتها إنما هي (التعويق) عن الحركة‪ ،‬كما قرر السلم قبل أربعة عشر قرنا من تنادي‬
‫المم الحديثة إلى ذلك وليست (التضيق) الذي ألفته سجون وزارة الداخلية‪ ،‬الذي يضير‬
‫العقول والنفوس والجسام ‪ .‬فل يمكنها ان يتأكد من أن السجون في وظيفتها أو طبيعتها ‪،‬‬
‫ل تتجاوز (التعويق) عن الحركة‪ ،‬إلى (التضييق) على الجسام والعقول والنفوس‪ ،‬و لكي‬
‫تتأكد من أن كل مسجون‪ ،‬استظهارا (توقيفا) يعطى حقوقه‪ ،‬و لسيما حقه في توكيل محام‪.‬‬
‫وسرية المحاكمة مدخل إلى إهمال ماهو أهم و أخطر‪ ،‬وهو ضمان صحة العتراف‪،‬‬
‫وخلوه من ما يخل بالرضا أو الختيار أوهما معا‪ .‬ول سيما أن المتهم يأتي إلى المحكمة‪,‬‬
‫مقيدا أو طليقا وهو في هيئة يونس عليه السلم ‪ ،‬عندما خرج من بطن الحوت ل حول له‬
‫ول قوة ‪.‬‬
‫وفي ظلل المحاكمات السرية؛ ليس هناك ما يضمن على تحرر القضاء من‬
‫ضغوط السلطة التنفيذية‪ ،‬ول صحة العترافات‪ ،‬ول ما يقلل من تمادي الجهزة البوليسية‪،‬‬
‫في إطلق التهم جزافا وتلفيقها‪ ،‬ول ما يقلل من هيمنة الجهزة المنية‪ ،‬والتدليس على‬
‫التعذيب‪ ،‬ول من تعهدات الكراه الجائرة‪ ،‬التي تختم بختم (المحكمة الشرعية)‪،‬لكنها غير‬
‫شرعية في الحقيقة ‪ ،‬لنها تخالف المباديء الشرعية للمحاكمة العادلة‪.‬وبالمحاكمات السرية‬
‫يصبح القضاء من أدوات انتهاك حقوق وكرامة النسان ‪0‬‬
‫والقضاء يفرط بحقوق الناس عندما يحاكم المتهم محاكمة سرية ل يحضرها‪ ،‬إل‬
‫رجال المباحث‪ ،‬والباب موصد بإحكام‪ ،‬وقد اطمأن رجال المباحث إلى أن المتهم لن ينبس‬
‫ببنت شفة‪ ،‬عن مدى صحة العتراف‪ ،‬إذ وقعوه على إقرار بأن ل يتحدث عن ظروف‬
‫اعتقاله‪ ،‬ول عن ما يحتمل أن يمر به من تعذيب نفسي أو جسدي‪ ،‬هذا الذي يحدث في‬
‫أحوال كثيرة‪ ،‬وإن أخبر المتهمون القاضي بتعذيبهم؛ تقوم المباحث بالضغط عليهم عبر‬
‫إطالة مدة الحبس ‪ ،‬أو تعذيبهم مرة أخرى‪ ،‬حتى يعودوا إلى القاضي مستسلمين ‪ ،‬مقرين‬
‫بأن اعترافهم جاء طوعا ل كرها‪ ،‬وبأنهم أخطأوا في حق أنفسهم‪ ،‬وحق " ولي المر"‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك فإن التزام المحاكم في جميع مدن المملكة بالمتناع عن إقامة أي‬
‫محاكمة سياسية‪ ،‬له تداعيات عدلية مهمة‪ ،‬لنه يفضي التزام قضاة المحاكم في كل مدن‬
‫المملكة‪ ،‬برفض كل تحقيق مع أي سجين‪ ،‬إذا وقع التحقيق من دون محام‪ ،‬وإلى رفض كل‬
‫اعتراف ناتج عن سجون التعذيب والتضييق‪.‬لن المحامي حق للمتهم‪ ,‬كما نص نظام‬
‫الجراءات الجزائية (المادة ‪)6 ،4‬‬
‫إن العلنية هي أبسط إجراء‪ ،‬يجعل الجمهور شاهدا يساعد القضاء على اللتزام‬
‫بالعدالة‪ ،‬ويحميهم من الهوى والتدخلت ‪ ،‬وإن استثناء المحاكمات السياسية‪ ،‬من العلنية‪،‬‬
‫هو أكبر علمة على هشاشة استقلل القضاء‪ ،‬لن كثيرا من السجناء معرضون للضطهاد‬
‫في أروقة البوليس‪ ،‬ولن يقوم القضاء بالتدليس‪.‬‬

‫‪=9‬تجربة دعاة الدستور الثلثة مع المحاكمة السرية‪:‬‬


‫إن الوقائع التي جرت لمحاكمة دعاة العدل والشورى وحقوق النسان الثلثة‬
‫قبل عامين؛ برهنت على أن القبول بسرية المحاكمة؛ باب يفضي إلى انتهاك سائر الحقوق‪،‬‬
‫تدل على أن المحاكم من خلل رئيسها و من خلل القضاة‪ ،‬قد تتواطأ على اللتفاف على‬
‫مفهوم العلنية بأساليب ملتوية‪ ،‬عبر إذنها بحضور بعض القارب‪ ،‬وتجاهلت أن لمفهوم‬
‫العلنية معايير مقررة في الشريعة ل بد منها لتحقيق النزاهة‪ ،‬فإن المهتمين هم المعنيون‬
‫بمراقبة القضاء‪ .‬ليسوا محصورين بالقارب والصدقاء‪.‬وأن هذه المعايير معروفة في الدول‬
‫الشورية‪ .‬وشرطها الساس أن يحضرها شهود ال في أرضه‪ ،‬وهم أهل العلم والصحافة‪،‬‬
‫ودعاة حقوق النسان والمحامون والمهتمون بالشأن العام‪ ،‬ونحن ل نعتقد أن تقرير السرية‬
‫أو محاولة اللتفاف على مفهوم العلنية‪ ،‬وقعت بتدبير قضاة المحكمة وحدهم‪ ،‬بل ثمة‬
‫تدخلت من وزارة الداخلية‪.‬‬
‫وعندما اطمأن قضاة الهيئة إلى أن المحاكمة لن تكون إل سرية‪ ،‬أجبرونا‬
‫بقوة السلح على الدخول إلى قاعة المحاكمة السرية فامتنعنا‪ ،‬ورفضنا الكلم‪ ،‬وتفوه أحدهم‬
‫علينا بكلمات وتصرفات‪ ،‬تخرج عن آداب القاضي‪ ،‬وتطعن في نزاهته‪ ،‬وتوعدنا‪ ،‬بطحن‬
‫الحـب الذي في رؤسنا‪ ،‬قبل أن يسمع دفوعنا؟‪.‬وأهملت المباحث في علجنا‪ ،‬وضيقت‬
‫علينا‪ ،‬وصادرت دفوعنا‪ ،‬وضيقت على محامينا‪ ،‬وعندما كانت إجراءات المحاكمة علنية‪،‬‬
‫كان القضاء والجمهور عونا لنا‪ ،‬عندما نشكوا‪ ،‬أما عندما صارت سرية‪ ،‬صار يقول‪:‬لعلقة‬
‫لي بما يجري لكم خارج القاعة!!‪.‬‬
‫‪=10‬ارتباط هيئة الدعاء والتحقيق بوزير الداخلية؛ يشكك‬
‫في نزاهتها القضائية‪.‬‬
‫الصل في المدعي العام أن صفته قضائية‪ ،‬وأن من صميم مهام أعضاء النيابة‬
‫العامة في كل دولة ؛ احترامهم لمبادئ العدل‪ ،‬لن ذلك يسهم في إقامة عدالة جنائية منصفة‪،‬‬
‫وفي وقاية المواطنين من الجريمة بصورة فعالة‪ ،‬هي أن القوانين العادلة في كل أمة؛ حيث‬
‫إن من أهم وظائفها‪ ،‬احترام حقوق النسان والحريات الساسية للمواطنين‪ ،‬وتطبيق مبدأ‬
‫افتراض البراءة الصلية‪ ،‬والمساواة أمام القانون‪ ،‬وأعضاؤها أطراف أساسيون‪ ،‬في إقامة‬
‫العدل‪ ،‬والحفاظ على شرف المهنة وكرامتها‪ ،‬بصفتهم ممثلين للصالح العام‪ ،‬فواجبهم حماية‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬والتصرف بموضوعية أمام المتهم والضحية‪.‬‬
‫ومن واجبهم امتناعهم عن بدء الملحقة القضائية أو مواصلتها عندما ل يكون‬
‫للتهمة أساس‪.‬‬
‫ومن واجبها ضمان محاكمة عادلة وعلنية‪ ،‬أمام محكمة نزيهة ومستقلة‪.‬لها‬
‫اجراءات وضمانات‪ ،‬تمنع تجاوزات السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫ومن واجبهم الهتمام بكافة الظروف‪ ،‬سواءا أكانت لصالح المتهم أو ضده‪ ،‬وضمان‬
‫إبلغ الضحايا بحقوقهم عمل بمبادئ العدل الساسية‪ ،‬المتعلقة بضحايا الجرام والتعسف في‬
‫استعمال السلطة‪.‬‬
‫ومن واجبهم الهتمام بالملحقات القضائية‪ ،‬المتصلة بالجرائم‪ ،‬التي يرتكبها‬
‫موظفون عموميون‪ ،‬ول سيما ما يتعلق منها بالفساد وإساءة استعمال السلطة‪ ،‬والنتهاكات‬
‫الجسيمة لحقوق النسان‪.‬‬
‫ومن واجبهم رفض الدلة إذا كانت وسائل الحصول عليها بوسائل غير‬
‫مشروعة‪،‬وخصوصا التعذيب والمعاملة القاسية‪ ،‬ومن من صمييم مهمتهم رفض هذه الدلة‪،‬‬
‫أو إخطار المحاكم بها‪ ،‬واتخاذ كافة التدابير‪ ،‬لتقديم الحاصلين على الدلة والمستخدمين لها‬
‫إلى العدالة‪.‬‬
‫هذه المور من صميم واجباتهم المهنية‪ ،‬التي وقعت الدولة على وثائقها‪ ،‬في‬
‫الجمعية العامة للمم المتحدة‪(،‬كما في وثيقة مؤتمر المم المتحدة الثامن‪ ،‬لمنع الجريمة‪،‬‬
‫ومعاملة المجرمين‪27:‬من أغسطس إلى ‪/6‬سبتمبر ‪1990‬م‪ ،‬التي تضمنت مبادئ توجيهية‬
‫بشأن دور أعضاء النيابة العامة)‪.‬‬
‫ولو كانت لهيئة الدعاء والتحقيق‪ ،‬صفة النيابة العامة‪ ،‬التي تجسد الصالح العام؛ لكان‬
‫الولى بها‪ -‬بعد اعتصام نساء بريدة الول فضل عن الثاني‪ -‬أن تركز على المور الساسية‪،‬‬
‫التي أثارها العتصام والعتقال‪:‬‬
‫أ‪-‬التحقيق في المعلومات المتواترة عن انتهاكات حقوق النسان والمتهم ول سيما‬
‫المسجون والتعذيب على الخصوص‪ ،‬فهي الباعث الساس لكل ماجرى‪.‬‬
‫ب‪-‬طلب محاسبة رجال المن على تجاوز الصلحيات ‪,‬حينما لم يستصدروا أمرا‬
‫منها بالتفتيش والضبط‪ ،‬وعندما خالفوا النظام في إبعاد الوكيل عن محضر التفتيش‪.‬‬
‫ج‪ -‬محاسبة الجهزة المنية‪ ،‬لن اعتقالنا تعسفي‪ ،‬لسيما وهي تعرف أننا من‬
‫أحرص الناس على المن ورجاله‪ ،‬وذلك لم يثبت علينا منذ بداية اعتقالتنا سنة ‪1413‬هـ‬
‫اننا احتككنا مع أي شخص منهم بل كنا نمتثل للوامر الصادرة فكيف نتتحرش بهم في هذا‬
‫المكان ول في غيره كما أننا لم تتدخل في عملهم بل طلب منهم إبراز الذن في التفتيش‬
‫وهذا حقنا الطبيعي المحفوظ لنا في الشريعة السلمية والنظمة المحلية والعراف‬
‫والمواثيق الدولية‪.‬‬
‫د‪-‬تعزيز رقابة السجون والتحقيق في الوضاع المأساوية‪ ،‬في دور التوقيف‬
‫والسجون‪ ،‬ول سيما الوفاة والجنون وإدمان المخدرات‪.‬وفتح ملف حقوق المساجين‪،‬‬
‫وانتهاكات لحقوق النسان‪ ،‬التي أريناها وحدثناها عن نماذجها‪ ،‬في دور التوقيف في‬
‫الشرطة‪ ،‬وتوقيف مركز شرطة بريدة الجنوبي والشمالي أيضا‬
‫فما يحدث في السجون أمر مخالف لمفهوم الدولة القائمة على البيعة على كتاب ال‬
‫وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬التي نص عليها النظام الساسي للحكم‪.‬‬
‫ومع تقديرنا لما وجدناه في الفضلء فيها من فضل‪ ،‬فإننا ندرك أنهم لن يعطونا‬
‫حقنا‪ ،‬ولن يطالبوا لنا بالعلنية‪ ،‬مع أنهم أولى الناس بذلك‪ ،‬فقد سكت ممثل الهيئة‪ ،‬عندما‬
‫أثرنا النقطة‪ ،‬وهذا يدل على أنهم‪ ،‬لن يستطيعوا‪-‬مهما كان لهم من الكفاية والنزاهة‬
‫الشخصية‪ ،‬إل أن يكونوا القفاز الحريري ليد وزارة الداخلية الحديدية‪،‬ويكاد ينحصر دورهم‬
‫في تأمين واجهة حقوقية‪ ،‬لتجاوزات وزارة الداخلية‪ .‬مالم تحصل على استقللها وينفك‬
‫ارتباطها‪ ،‬بوزارة الداخلية‪.‬‬
‫فعلنية المحاكمة هي النور الذي يلوح للمتهمين‪ ،‬لكي ل ينطحنوا بين سندان سريتها‬
‫ومطرقة سرية القضاء‪.‬‬
‫‪=10‬هل النظمة هي مرجعية مفهوم العدل أم أن العدل‬
‫هو مرجعية النظمة؟‪:‬‬
‫الصل في مشروعية أي نظام وقانون أن يكون عادل‪ ،‬فمن هو المخول‬
‫بتقرير أن هذا النظام أو القانون عادل‪ ،‬هل هم القضاة أم الحكام أم الفقهاء؟‪ ،‬ما المسطرة‬
‫التي تحد من الخراص‪.‬‬
‫المة هي المرجعية كما نص النيسابوري والرازي وابن تيمية ومحمد عبده ومحمد‬
‫رشيد رضا‪ ،‬وسائر فقهاء السياسة الشرعية‪ ،‬في تفسير آيتي أولي المر في سورة النساء‪.‬‬
‫فمن يبلور ويقنطر مرجعية المة في حفظ مقاصد الشريعة‪ ،‬إل (عرفاء) المة‪،‬‬
‫المنتخبون من أهل العقل والفضل والخبرة‪ ،‬الذين يقدمهم الناس‪ ،‬ليكونوا أهل العقد والحل‪.‬‬
‫وكل نظام لم يقرره مجلس نواب يمثل المة‪ ،‬من أهل الحل والعقد‪ ،‬فل ضمان على أنه‬
‫عادل‪ ،‬يراعي مصالح الناس‪.‬‬
‫من أجل ذلك نعتبر أن إيثار السرية على العلنية؛ ليكون إل لدواع تجعل‬
‫الستثناء أقوى من القاعدة‪ ،‬لن صلحية القضاة في نظام خولهم حق تحويلها إلى سرية‪،‬‬
‫مرتبطة بالمشروعية‪ ،‬وفق النقاط التالية‬
‫الول‪ :‬الصل في المحاكمة الشرعية أن تكون علنية‪ ،‬وقد نص نظام الجراءات‬
‫الجزائية‪ ،‬على أن السرية استثناء‪ ،‬والستثناء أمر إجرائي فهو مجال اجتهاد ل يخل بقاعدة‬
‫العلنية إل بما هو أقوى اعتبارا منها‪ ،‬فهو مثل صرف النص عن ظاهره وتأويله‪ ،‬ل يكون‬
‫إل بقرينة تجعل البعيد المرجوح‪ ،‬أقوى من المعنى القريب الظاهر الراجح‪ .‬لن سلطة‬
‫القاضي في الستثناء ليست من دون معايير وضوابط‪ ،‬وأساسها مصلحة الخصوم‪ ،‬ولسيما‬
‫الطرف العزل‪.‬‬
‫ولو قال قائل إن المحاذير التى يخافها المدعي عليه من المحاكمة السرية إنماهي‬
‫أوهام‪ ،‬وإن ثمة مفاسد تترتتب على العلنية‪ ،‬أقوى من المصالح‪ ،‬لكان كمن يقول‪:‬إن هناك‬
‫مبررات لسرية الزواج‪ ،‬أقوى من قاعدة إعلنه‪،‬فهل هناك مبررات‪ ،‬تجعل رقابة المة على‬
‫القضاة‪-‬في هذه القضية حصرا‪ -‬غير حميدة‪ ،‬وهل هناك دليل على أن القضاء قادر على‬
‫حماية استقلله‪ ،‬حتى في المحاكمات السرية‪.‬وسلطة القاضي في تحويل العلنية إلى سرية‬
‫ليست مطلقة‪ ،‬بل منوطة بالمصلحة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في تحويلها إلى سرية إخلل بقاعدة تساوي الخصمين أمام القاضي‪ ،‬فقد‬
‫نشرت أدوات العلم الحكومي التهمة في وسائل العلم الداخلية والخارجية‪ ،‬ول زالت‬
‫تواصل تبني وجهة نظر الخصم‪ ،‬فكأن المدعي قد ألقى دعواه في جلسة علنية‪ ،‬فكيف عندما‬
‫يحين وقت تقديم فحص الدلة ودفوع المتهمين تصبح سرية‪ ،‬ولماذا لم تؤجل وزارة‬
‫الداخلية التهام والتشويش‪ ،‬على الرأي العام عموما‪ ،‬والقضاء خصوصا‪ ،‬حتى يقرر‬
‫القضاء‪ ،‬مقتضى ذلك أن ل يعرف الناس ردنا‪ ،‬وهذا تفريق بين متماثلين‪ ،‬في المركز‬
‫القضائي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن تدخل المباحث الظاهر والخفي؛ في المحكمة يعطي انطباعا‪ ،‬بأن القضاء‬
‫ل يستطيع ضبط آداب التقاضي من دونها‪ ،‬وهناك لغط كثير عن أن المباحث هي التي تقرر‬
‫سرية الجلسات‪ ،‬ول سيما في القضايا ‪ ،‬التي تحتوى على انتهاك منها لحقوق النسان‪.‬‬
‫وحضور رجال المباحث؛ لتسجيل أسماء الداخلين‪ ،‬مكتب القاضي‪ ،‬في كراس عليه‬
‫شعار الجهزة المنية‪-‬ل شعار القضاء‪ -‬يوحي بذلك‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬عندما تكون الخصومة بين الفراد العزل والحكومة‪ ،‬فإن "العلنية أول إجراء‬
‫يدل على السير في طريق عدالة المحاكمة‪ ،‬وكل محاكمة غير علنية فإنها هي مدخل من‬
‫مداخل انتهاك العدالة‪ ،‬فجميع المحاكمات القاسية والظالمة –طوال تاريخ البشرية‪-‬كانت‬
‫سرية‪ ،‬فثمة علقة بين السرية والظلم وعلقة بيين العلنية والعدل‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن المادة (‪ )155‬من نظام الجراءات الجزائية الذي اعتمد عليها القاضي‬
‫في استثناء المحاكمة من قاعدة المحاكمة العلنية إلى السرية؛ قد اشترطت أن ليلجأ إلى‬
‫السرية‪ ،‬إل لتحقيق إحدى المصالح الثلث التية‪:‬‬
‫أ‪-‬مراعاة المن‪.‬‬
‫ب‪-‬المحافظة على الداب العامة‪.‬‬
‫ج‪-‬أن تكون السرية ضرورية لظهور الحقيقة‪.‬‬
‫ونصها (يجوز للمحكمة استتثنا َء ان تنظر الدعوى كلها و بعضها في جلسات سرية‬
‫او منع فئات معينة من الحضور فيها مراعاة للمن او محافظة على الداب العامة او اذا كان‬
‫ضروريا لظهور الحقيقة)‪.‬وقد حدد نظام المرافعات‪-‬والموجه أصلَ للقضاة‪ -‬حالت الستثناء‬
‫من علنية المحاكمة بقوله(تكون المرافعة علنية ال اذا رأى القاضي – من تلقاء نفسه أو‬
‫بنا ًء على طلب أحد الخصوم ‪ -‬اجراءها سراَ‪ ,‬محافظة على النظام او مراعاة للداب العامة‬
‫او لحرمة السرة (المادة الستون من نظام المرافعات الشرعية)‪.‬‬
‫السادس‪ :‬ولو افترضنا أن النظام خول القاضي الستثناء بصورة قطعية‪ ،‬لكانت‬
‫السرية نوعا من التعسف في استخدام القانون‪ ،‬فوجود نص يسمح بذلك (الستثناء) ‪ ،‬إنما‬
‫يسمح به حفظا للعدالة‪ ،‬وما ذكرنا من تسبيب يوضح أن الستثناء يخالف قاعدة العدالة‪،‬‬
‫فالقاعدة هي العدالة‪ ،‬وكل قانون أو إجراء ليحافظ على العدالة‪ ،‬لمشروعية له‪.‬‬
‫لكل ما تقدم من المبررات‪ ،‬ولغيرها من ما ليخفى‪ ،‬نتقدم إلى فضيلتكم ‪ ،‬بهذا‬
‫اللتماس‪ ،‬وفي انتظار كريم تجاوبكم‪ ،‬وقراركم علنية محاكمتنا‪ ،‬وال الموفق للسداد‪،‬‬
‫وصدق ال العظيم (يا داود أنا جعلناك خليفة في الرض فاحكم بين الناس بالحق‪ ،‬ول تتبع‬
‫الهوى‪ ،‬فيضلك عن سبيل ال) وفقكم ال ورعاكم ‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‬
‫عبدال وعيسى الحامد‬
‫‪) 2007/09/15(1428/09/03‬‬

You might also like