Professional Documents
Culture Documents
كان والده من أغنى أغنياء خراسان وأحد ملوكها ،ولد (إبراهيم) بمكة حينما خرج أبوه وأمه إلى
الحج عام 100هـ أو قريبًا منها ،وفتح عينيه على الحياة؛ ليجد الثراء يحيط به من كل جانب؛
فعاش حياة الترف والنعيم ،يأكل ما يشاء من أطيب
الطعام ،ويركب أحسن الجياد ،ويلبس أفخم الثياب.
وفي يوم من اليام خرج راكبًا فرسه ،وكلبه معه ،وأخذ يبحث عن فريسة
يصطادها ،وكان إبراهيم يحب الصيد ،وبينما هو كذلك إذ سمع نداء من خلفه يقول له( :يا
إبراهيم ليس لذا خلقت ،ول بذا أمرت) فوقف ينظر يمينه وشماله ،ويبحث عن مصدر هذا
الصوت فلم ير أحدًا ،فأوقف فرسه ثم قال :وال ل عصيت ال بعد
يومي ذا ما عصمني ربي.
ورجع إبراهيم بن أدهم إلى أهله ،فترك حياة الترف والنعيم ورحل إلى بلد ال الواسعة ليطلب
العلم ،وليعيش حياة الزهد والورع والتقرب إلى ال
ل يتفرغ للعبادة والزهد فقط ويعيش عالة على غيره ،بل سبحانه وتعالى ،ولم يكن إبراهيم متواك ً
كان يأكل من عمل يده ،ويعمل أجيرًا عند أصحاب المزارع ،يحصد لهم الزروع ،ويقطف لهم
الثمار ويطحن الغلل ،ويحمل الحمال على كتفيه ،وكان نشيطًا في عمله ،يحكي عنه أنه حصد
ل صاحبًا... في يوم من اليام ما يحصده عشرة رجال ،وفي أثناء حصاده كان ينشد قائل :ا ّتخِذِ ا ّ
و َدعِ النّاسَ جانبا.
يروي بقية بن الوليد ،يقول :دعاني إبراهيم بن أدهم إلى طعامه ،فأتيته ،فجلس ثم قال :كلوا باسم
ال ،فلما أكلنا ،قلت لرفيقه :أخبرني عن أشد شيء م ّر بك منذ صحبته ..قال :كنّا صباحًا ،فلم
يكن عندنا ما نفطر عليه ،فأصبحنا ،فقلت :هل لك يا أبا إسحاق أن تأتي ال ّرسْتن (بلدة بالشام
كانت بين حماة وحمص) فنكري (فنؤجر) أنفسنا مع الحصّادين؟ قال :نعم ..قال :فاكتراني رجل
بدرهم ،فقلت :وصاحبي؟ قال :ل حاجة لي فيه ،أراه ضعيفًا ..فمازلت بالرجل حتى اكتراه بثلثي
درهم ،فلما انتهينا ،اشتريت من أجرتي طعامي وحاجتي ،وتصدقت بالباقي ،ثم قربت الزاد،
فبكى إبراهيم ،وقال :أما نحن فاستوفينا أجورنا ،فليت شعري أوفينا صاحبه حقه أم ل؟ فغضبت،
فقال :أتضمن لي أنّا وفيناه ،فأخذت الطعام فتصدقت به.
وظل إبراهيم ينتقل من مكان إلى مكان ،زاهدًا وعابدًا في حياته ،فذهب إلى الشام وأقام في
البصرة وقتًا طويلً ،حتى اشتهر بالتقوى والعبادة ،في وقت كان الناس فيه ل يذكرون ال إل
قليل ،ول يتعبدون إل وهم كسالي ،فجاءه أهل البصرة يومًا وقالوا له :يا إبراهيم ..إن ال تعالى
يقول في كتابه{ :ادعوني أستجب لكم} (غافر )60 :ونحن ندعو ال منذ وقت طويل فل يستجيب
لنا؟! فقال لهم إبراهيم بن أدهم :يا أهل البصرة ،ماتت قلوبكم في عشرة أشياء:
أولها :عرفتم ال ،ولم تؤدوا حقه .
الثاني :قرأتم كتاب ال ،ولم تعملوا به .
الثالث :ادعيتم حب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وتركتم سنته.
الرابع :ادعيتم عداوة الشيطان ،ووافقتموه .
الخامس :قلتم :نحب الجنة ،ولم تعملوا لها .
السادس :قلتم :نخاف النار ،ورهنتم أنفسكم بها
السابع :قلتم :إن الموت حق ،ولم تستعدوا له .
الثامن :اشتغلتم بعيوب إخوانكم ،ونبذتم عيوبكم.
التاسع :أكلتم نعمة ربكم ،ولم تشكروها .
العاشر :دفنتم موتاكم ،ولم تعتبروا بها .
وكان إبراهيم كريمًا جوادًا ،فالعسل والسمن غالبًا ما يكونان على مائدته يطعم من يأتيه ،سمعه
أحد أصحابه ذات مرة وهو يقول( :ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة ،من لم يواس الناس
بماله وطعامه وشرابه فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن ..إياكم أن تكون أموالكم سببًا في أن
تتكبروا على فقرائكم ،أو سببًا في أن ل تميلوا إلى ضعفائكم ،وأل تبسطوا إلى مساكينكم).
وكان إبراهيم بن أدهم شديد التواضع ،ل يحب الكبر ،كان يقول( :إياكم والكبر والعجاب
بالعمال ،انظروا إلى من دونكم ،ول تنظروا إلى من فوقكم ،من ذلل نفسه؛ رفعه موله ،ومن
خضع له أعزه،ومن اتقاه وقاه ،ومن أطاعه أنجاه) ودخل إبراهيم بن أدهم المعركة مع الشيطان
ومع نفسه مصممًا على النتصار ،وسهر الليالي متعبدا ضارعًا باكيًا إلى ال يرجو مغفرته
ورحمته ،وكان مستجاب الدعاء.
ذات يوم كان في سفينة مع أصحابه ،فهاجت الرياح ،واضطربت
السفينة ،فبكوا ،فقال إبراهيم :يا حي حين ل حي ،ويا حي قبل كل حي ،ويا حي بعد كل حي ،يا
حي ،يا قيوم ،يا محسن يا ُمجْمل قد أريتنا قدرتك ،فأرنا عفوك ..وبدأت السفينة تهدأ ،وظل
إبراهيم يدعو ربه ويكثر من الدعاء.
وكان أكثر دعائه( :اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك) وكان يقول:
(ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ول نسأل كشفه من ربنا) وقال( :كل سلطان ل يكون عادلً فهو
ل لغير ال ،فهو والكلب واللص سواء ،وكل عالم ل يكون تقيّا فهو والذئب سواء ،وكل من ذ ّ
سواء) وكان يقول لصحابه إذا اجتمعوا( :ما على أحدكم إذا أصبح وإذا أمسى أن يقول :اللهم
احرسنا بعينك التي ل تنام ،واحفظنا بركنك الذي ل يرام ،وارحمنا بقدرتك علينا ،ول نهلك
وأنت الرجاء).
وكان إبراهيم راضيًا بحالة الزهد القاسية ،وظل يكثر من الصوم والصلة ويعطف على الفقراء
والمساكين إلى أن مات رضوان ال عليه سنة 162هـ.
(حبسي خلوة ،وقتلي شهادة ،ونفيي سياحة) رحمك ال يا شيخ السلم !!
سقطت (بغداد) في يد التتار ،فأخذوا يخربون البلد ،ويأسرون العباد ،والناس يفرون من
أمامهم ،وقد ساد الناس ذعر شديد ،وفي هذا الوقت العصيب وُلِد
(تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية) في (حران) بالغرب من دمشق في
يوم الثنين 10ربيع الول 661هـ الموافق 12يناير 1263م ،بعد سقوط بغداد في أيدي
التتار بثلث سنوات.
وخوفًا من بطش التتار انتقل به والده إلى (دمشق) وكانت مليئة بالعلماء
والمدارس ،فأخذ يتلقى العلم على علمائها وشيوخها حتى وصل عدد شيوخه إلى ( )200شيخ،
وتفوق (ابن تيمية) في دراسة الحديث والفقه والخط والحساب والتفسير وسنه ل تتجاوز عشر
سنوات ،فقد كان الطفل الصغير (ابن تيمية) سريع الحفظ ،قوي الذاكرة ،حتى أدهش أساتذته
وشيوخه من شدة ذكائه.
ولم يكن الطفل الصغير (ابن تيمية) كغيره من الطفال يلعب ويلهو ،بل كان يسارع إلى مجالس
العلماء يستمع إليهم ،ويستفيد منهم ،ولما بلغ السابعة عشرة من عمره بدأ في التأليف والفتاء،
فاتسعت شهرته وذاع صيته ،ولما توفي والده الذي كان من كبار الفقهاء في الفقه الحنبلي؛ تولى
التدريس بدلً منه.
سنّة حتى سمي كان المام (ابن تيمية) جريئًا في إظهار رأيه ،مدافعًا عن ال ّ
بـ(محيي السنة) ..عاش ابن تيمية فترة صباه أيام حكم الملك الظاهر بيبرس لمصر والشام الذي
عُني بالجهاد في سبيل ال ،فوقف (ابن تيمية) معه ثم مع السلطان قلوون ،وجاهد بسيفه ضد
التتار الذين هجموا على البلد ،وذهب على رأس وفد من العلماء وقابل (قازان) ملك التتار،
وأخذ يخوفه مرة ويقنعه مرة أخرى حتى توقف زحف التتار على دمشق ،وأطلق سراح
السرى.
وكان ابن تيمية قوي اليمان ،فصيح اللسان ،شجاع القلب ،غزير العلم ،وكان وحده قوة عظمى
يحسب لها العداء ألف حساب ،فازداد الناس تعلقًا به ،والتفافًا حوله ،وظل ابن تيمية يقضي
وقته بين التدريس في المساجد ،وتبصير الناس بأمور دينهم ،وبيان ما أحل ال وحرم ،والدفاع
عن سنة الرسول صلى ال عليه
وسلم ،ولكن أعداءه ومنافسيه كانوا له بالمرصاد ،فأوقعوا بينه وبين سلطان
مصر والشام (ركن الدين بيبرس الجاشنكير) فنقل إلى مصر وتمت محاكمته بحضور القضاة
وكبار رجال الدولة ،فحكموا عليه بالحبس سنة ونصف في القلعة ،ثم أخرجوه من السجن،
وعقدوا جلسة مناظرة بينه وبين منافسيه وخصومه ،فكسب (ابن تيمية) المناظرة ،ورغم ذلك لم
يتركه الخصوم فنُفِي إلى الشام ،ثم عاد مرة أخرى إلى مصر وحبس ،ثم نقل إلى السكندرية
حيث حبس هناك ثمانية أشهر.
واستمرت محنة (ابن تيمية) واضطهاده إلى أن عاد إلى القاهرة حيث قرر السلطان الملك
(الناصر محمد بن قلوون) براءته من التهم الموجهة إليه ،وأعطاه الحق في عقاب خصومه
الذين كانوا السبب في عذابه واضطهاده ،لكن المام (ابن تيمية) فضّل أن يعفو عنهم !! وهكذا
تكون شيم الكرام.
وظل (ابن تيمية) في القاهرة ينشر العلم ،ويفسر القرآن الكريم ،ويدعو المسلمين إلى التمسك
بكتاب ال وسنة رسوله ،ثم رحل إلى (دمشق) بعد أن غاب عنها سبع سنين ،وخلل وجوده
هناك أفتى في مسألة ،فأمره السلطان بأن يغير رأيه فيها ،لكنه لم يهتم بأوامر السلطان وتمسك
برأيه وقال( :ل يسعني كتمان العلم) فقبضوا عليه وحبسوه ستة أشهر ،ثم خرج من سجنه،
ورجع يفتي بما يراه مطابقًا لكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم.
لكن خصومه انتهزوا فرصة إفتائه في مسألة شد الرحال إلى قبور النبياء
والصالحين ،فقد كان (ابن تيمية) يرى أن تلك الزيارة ليست واجبة على
المسلمين ،فشنّعوا عليه حتى حبس هو وأخوه الذي كان يخدمه ،ورغم ذلك لم ينقطع عن التأليف
والكتابة ،لكنهم منعوه من ذلك ،فأرادوا كتمان صوت علمه
أيضًا ،فأخرجوا ما عنده من الحبر والورق ،فلم تلن عزيمته ولم تضعف همته
وتحداهم ،فكان يكتب بالفحم على أوراق مبعثرة هنا وهناك ،وكان من أقواله (حبسي خلوة،
وقتلي شهادة ،ونفيي سياحة).
وقد توفي (ابن تيمية) عام 728هـ وهو على حاله صابرًا مجاهدًا ،مشتغلً
بالعلم ،وحضر جنازته أكثر من خمسمائة ألف مسلم ،وله مؤلفات كثيرة تجاوزت ثلثمائة مجلد
أغلبها في الفقه وأصوله والتفسير ،ومن أهم كتبه (منهاج السنة)
و(درء تعارض العقل والنقل) و(اقتضاء الصراط المستقيم) و(الفرقان بين أولياء الرحمن
وأولياء الشيطان) و(الصارم المسلول على شاتم الرسول) و(الفتاوى الكبرى) و(مجموع
الفتاوى) و(السياسة الشرعية في صلح الراعي والرعية).
أبو حنيفة النعمان
كان كثير العبادة ،ل ينام الليل إل قليل؛ حتى سموه (الوتد) لكثرة صلته ،يبكي حتى يسمع
جيرانه بكاءه فيشفقون عليه مما هو فيه من خوف ووجل من ال!!
وأبوه (ثابت) كان تاجرًا غنيّا أسلم فحسن إسلمه ،قيل :إنه التقى بالمام
على بن أبي طالب -رضي ال عنه -فدعا له المام ولذريته بالخير
والبركة ،واستجاب ال الدعاء ،ورزق ال ثابتًا بطفل أسماه النعمان وكناه
(أبا حنيفة النعمان بن ثابت) وكانت ولدته سنة ثمانين للهجرة بمدينة الكوفة.
نشأ أبو حنيفة في مدينة الكوفة ،فوجد الحلقات العلمية منتشرة في كل مكان ،ورأى طلب العلم
يتعلمون ويجتهدون في الدراسة؛ فتلقى العلم على يد شيوخ وأساتذة كبار ،منهم :فقيه الكوفة
(حماد بن أبي سليمان) والمام (جعفر الصادق) و(عطاء) و(الزهري) و(قتادة) ..وغيرهم،
وكان(حماد) من أكثر شيوخه الذين يحبهم؛ فكان أبو حنيفة يحفظ أقواله ويرددها ،وأعجب حماد
هو الخر بتلميذه (أبي حنيفة) حتى قال لمن حوله :ل يجلس في صدر الحلقة بجواري غير أبي
حنيفة.
وبعد موت حماد تولى ابن له اسمه إسماعيل حلقة الدرس بدل من أبيه ،لكنه ترك مجلس الفقه
وانتقل إلى النحو لحبه له ،فجاء الناس إلى (أبي حنيفة) يطلبون منه أن يجلس إليهم ويعلمهم
أمور دينهم؛ فقبل أبو حنيفة ،وأخذ يدرس للناس حتى اشتهر فقهه بين البسطاء والمراء ،لكنه لم
ينْسَ فضل شيخه وأستاذه (حماد) بل ظل يذكره بالخير ،ويدعو له حتى قال أبو حنيفة( :ما
ت لشيخي (حماد) ولكل من تعلمتُ منه علمًا أو علمته). صليتُ قط إل ودعو ُ
وكان أبو حنيفة يهتم بملبسه ومظهره ،ويكثر التعطر ،ويُرى وقورًا حليمًا ،فهو الذي يقول:
(اللهم من ضاق بنا صدره ،فإن قلوبنا قد اتسعت له) ولقد سبه أحد الناس بقوله :يا مبتدع ،يا
زنديق ،فردّ عليه بقوله :غفر ال لك ،ال يعلم مني خلف
ذلك ،وأني ما عدلت به (أي ما أشركت به أحدًا) منذ عرفته ،ول أرجو إل
عفوه ،ول أخاف إل عقابه.
وكان أبو حنيفة كريمًا واسع الكرم ،وتاجرًا أمينًا ماهرًا ،ظل يعمل بالتجارة طوال حياته ،وكان
له دكان معروف في (الكوفة) كان أبو حنيفة -رضي ال عنه -يحب العمل حتى ينفق على نفسه،
فكان يبيع الخز (وهو نسيج من الصوف).
سمع أبو حنيفة رجلً يقول لخر :هذا أبو حنيفة ل ينام الليل؛ فقال :وال ل يتحدث عني بما لم
أفعل؛ فكان يحيي الليل صلة وتضرعًا ،فكان ورعًا ،ول يحدث بالحديث الذي يحفظه ،ول
يحدث بما ل يحفظ ،وكان يتورع عن القسم خشية الهلك ،حتى إنه جعل على نفسه إن حلف
بال صادقًا أن يتصدق بدينار.
ل قال له :اتق ال،وكان واسع الصدر هادئ الطبع في حديثه مع الناس ،فلقد روي أن رج ً
فانتفض ،وطأطأ رأسه ،وأطرق ..وقال له :يا أخي جزاك ال خيرًا ،ما أحوج الناس في كل
وقت إلى من يذكرهم ال تعالى ،وكان يخاف عاقبة الظلم؛ لذا رفض تولي القضاء للخليفة
المنصور العباسي.
ومات سنة 150هـ ،وصلى عليه خمسون ألف رجل ،ودفن في بغداد ،ويقال إنه مات في نفس
الليلة التي ولد فيها المام الشافعي.
وأبو حنيفة هو مؤسس المذهب الحنفي أحد المذاهب الفقهية الربعة ،وقد انتشر مذهبه في
العراق والهند وبلد المشرق ،يقول عنه الشافعي( :الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة) وقال
عنه النضر بن شميل :كان الناس نيامًا في الفقه حتى أيقظهم
أبو حنيفة ،وقيل :لو وزن علم المام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه لرجح علمه
عليهم ،وقال عنه ابن المبارك( :ما رأيت في الفقه مثل أبي حنيفة) وقال عنه
يزيد بن هارون( :ما رأيت أحدًا أحلم من أبي حنيفة).
أبو ذر الغفاري
المجاهر بالحق
كان أبو ذر الغفاري (رضي ال عنه) من الرجال الذين أحبهم رسول ال (صلى ال عليه
وسلم) ووصفه بصفتين التصقا به وأصبحا يوجهانه في المواقف المختلفة ،وهما الصدق
والوحدة والتفرد ،ولقد دفع الصدق أبا ذر لن يكون من أكثر الصحابة مجاهرة بالحق مهما
عرضه ذلك للذى فكان من القلئل الذين أعلنوا إسلمهم في قريش ،أما الوحدة والتفرد
فقد قال عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم (رحم ال أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده
ويبعث يوم القيامة وحده).
هو أبو ذر جندب بن جنادة كان طوال آدم وكان يتعبد قبل مبعث رسول ال وكان شجاعا
ينفرد وحده فيقطع الطريق ويغير على الناس كأنه السبع.
إسلمه
أسلم بمكة قديما وقال كنت في السلم رابعا ورجع إلى بلد قومه فأقام بها حتى مضت بدر
وأحد والخندق ثم قدم المدينة.
ويروي أبو ذر قصة إسلمه في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس(رضي ال
عنه)قال :أل أخبركم بإسلم أبي ذر قال :قلنا بلى .قال:
قال أبو ذر كنت رجل من غفار فبلغنا أن رجل قد خرج بمكة يزعم أنه نبي فقلت لخي
انطلق إلى هذا الرجل كلمه واتني بخبره فانطلق فلقيه ثم رجع فقلت ما عندك فقال وال لقد
رأيت رجل يأمر بالخير وينهى عن الشر فقلت له :لم تشفني من الخبر فأخذت جرابا وعصا
ثم أقبلت إلى مكة فجعلت ل أعرفه وأكره أن أسأل عنه وأشرب من ماء زمزم وأكون في
المسجد قال فمر بي علي فقال كأن الرجل غريب قال :قلت :نعم .قال فانطلق إلى المنزل قال
فانطلقت معه ل يسألني عن شيء ول أخبره فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لسأل عنه،
وليس أحد يخبرني عنه بشيء.
قال :فإني أفعل ،قال :قلت له بلغنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي فأرسلت أخي
ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر فأردت أن ألقاه.
فقال له :أما إنك قد رشدت هذا وجهي إليه فاتبعني ادخل حيث أدخل فإني إن رأيت أحدا
أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت فمضى ومضيت معه حتى دخل
ودخلت معه على النبي (صلى ال عليه وسلم) فقلت له :اعرض علي السلم فعرضه
فأسلمت مكاني فقال لي يا أبا ذر اكتم هذا المر وارجع إلى بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل
فقلت والذي بعثك بالحق لصرخن بها بين أظهرهم فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال يا
معشر قريش إني أشهد أن ل إله إل ال وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،فقالوا قوموا إلى
هذا الصابئ فقاموا فضربت لموت ،فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم فقال :ويلكم
تقتلون رجل من غفار ومتجركم وممركم على غفار فأقلعوا عني فلما أن أصبحت الغد رجعت
فقلت مثل ما قلت بالمس فقالوا قوموا إلى هذا الصابئ فصنع بي مثل ما صنع بالمس
وأدركني العباس فأكب علي وقال مثل مقالته بالمس قال فكان هذا أول إسلم أبي ذر رحمه
ال.
مناقبه
عن أبي حرب بن أبي السود قال سمعت عبد ال بن عمر قال سمعت رسول ال يقول "ما
أقلت الغبراء ول أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر" رواه المام أحمد
وعن الحارث بن يزيد الحضرمي عن ابن حجيرة الكبر "عن أبي ذر قال قلت يا رسول ال
أل تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم
القيامة خزي وندامة إل من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها" (مسلم)
وعن ابن بريدة عن أبيه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "إن ال أمرني بحب أربعة
وأخبرني أنه يحبهم قيل يا رسول ال سمهم لنا قال علي منهم يقول ذلك ثلثا وأبو ذر
والمقداد وسلمان أمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم" (رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن
غريب ل نعرفه إل من حديث شريك)
وعن المعرور بن سويد قال لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلمه حلة فسألته عن
ذلك فقال إني ساببت رجل فعيرته بأمه فقال لي النبي صلى ال عليه وسلم "يا أبا ذر أعيرته
بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم جعلهم ال تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده
فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ول تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم"(مسلم)
وعن الحنف بن قيس قال كنت بالمدينة فإذا أنا برجل يفر الناس منه حين يرونه قال قلت
من أنت قال أنا أبو ذر صاحب رسول ال (صلى ال عليه وسلم) قال قلت ما يفر الناس قال
إني أنهاهم عن الكنوز بالذي كان ينهاهم عنه رسول ال (صلى ال عليه وسلم).
وصفه رسول ال (صلى ال عليه وسلم ) ووصف قومه بأنهم أهل رقة في القلوب وعذوبة
في الصوت حتى إن رسول ال (صلى ال عليه وسلم ) كان يتأثر بقراءته للقرآن ويقول له
"لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود" إنه الصحابي الجليل أبو موسى الشعري .
وا سمه ع بد ال بن ق يس بن سليم أ سلم بم كة وها جر إلى أرض الحب شة ثم قدم مع أ هل
ال سفينتين ورسول ال بخيبر .وأرسله رسول ال (صلى ال عليه وسلم) مع معاذ بن جبل
إلى الي من ،روي عن أ بي بردة عن أب يه عن جده أن ال نبي ( صلى ال عل يه و سلم) ب عث
معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال يسرا ول تعسرا وبشرا ول تنفرا وتطاوعا ول تختلفا .
مناقبه وفضائله
قال أبو بردة عن أبي موسى قال النبي (صلى ال عليه وسلم) إني لعرف أصوات رفقة
الشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن
كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ومنهم حكيم إذا لقي الخيل أو قال العدو قال لهم إن
أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم
وقد صح من حديث أبي موسى قال :قال رسول ال :لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة
لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود ،فقلت يا رسول ال ،لو علمت أنك تسمع قراءتي
لحبرته لك تحبيرًا.
حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا مالك عن ابن بريدة عن أبيه قال خرج بريدة عشاء فلقيه النبي
صلى ال عليه وسلم فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت رجل يقرأ فقال النبي (صلى ال
عليه وسلم) تراه مرائيا فأسكت بريدة فإذا رجل يدعو فقال اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك
أنت ال الذي ل إله إل أنت الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال
النبي (صلى ال عليه وسلم) والذي نفس محمد بيده لقد سأل ال باسمه العظم الذي إذا
سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب قال فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاء فلقيه النبي
(صلى ال عليه وسلم) فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت الرجل يقرأ فقال النبي صلى ال
عليه وسلم أتقول هو مراء؟! فقال بريدة أتقوله مراء يا رسول ال فقال النبي (صلى ال
عليه وسلم) ل بل مؤمن منيب ل بل مؤمن منيب .فإذا الشعري يقرأ بصوت له في جانب
المسجد فقال رسول ال (صلى ال عليه وسلم) إن الشعري أو إن عبد ال بن قيس أعطي
مزمارا من مزامير داود فقلت أل أخبره يا رسول ال قال بلى فأخبره فأخبرته فقال أنت لي
صديق أخبرتني عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بحديث.
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال :خرجنا مع رسول ال في غزاة ونحن ستة نفر
على بعير نعتقبه قال :فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي وسقطت أظفاري ،فكنا نلف على أرجلنا
الخرق فسميت غزاة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق .قال أبو بريدة فحدث
أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذلك ،وقال :ما كنت أصنع بأن أذكره ،قال :كأنه كره أن
يكون شيئًا من عمله أفشاه.
وعن أبي سلمة قال كان عمر بن الخطاب يقول لبي موسى :ذكرنا ربنا تعالى ،فيقرأ (أي
القرآن).
وعن أبي عثمان النهدي قال :صلى بنا أبو موسى الشعري صلة الصبح فما سمعت صوت
صنج ول بربط (من آلت العزف) كان أحسن صوتًا منه.
من أقواله رضى ال عنه
* وعن أبي كبشة السدوسي قال :خطبنا أبو موسى الشعري فقال :إن الجليس الصالح خير
من الوحدة ،والوحدة خير من الجليس السوء ،ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب العطر إل
يحذك يعبق بك من ريحه ،أل وإن مثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إل يحرق ثيابك
يعبق بك من ريحه ،أل وإنما سمي القلب من تقلبه ،وإن مثل القلب كمثل ريشة بأرض
فضاء تضربها الريح ظهرًا لبطن ،أل وإن من ورائكم فتنًا كقطع الليل المظلم ،يصبح الرجل
فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا ،والقاعد فيها خير من القائم ،والقائم خير من الماشي ،والماشي
خير من الراكب ،قالوا :فما تأمرنا؟ قال :كونوا أحلس البيوت.
* وعن أبي كنانة عن أبي موسى الشعري أنه جمع الذين قرأوا القرآن فإذا هم قريب من
ثلثمائة فعظم القرآن وقال :إن هذا القرآن كائن لكم أجرًا وكائن عليكم وزرًا فاتبعوا القرآن
ول يتبعنكم القرآن ،فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة ،ومن تبعه القرآن زج
في قفاه فقذفه في النار.
* وعن أبي مجلز قال :قال أبو موسى :إني لغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حتى
آخذ ثوبي حياء من ربي عز وجل.
* وعن قسامة بن زهير قال :خطبنا أبو موسى فقال :أيها الناس ،ابكوا فإن لم تبكوا
فتباكوا ،فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ،ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها
السفن لجرت.
* وعن أبي بردة عن أبي موسى قال :خرجنا غازين في البحر والريح لنا طيبة والشراع لنا
مرفوع ،فسمعنا مناديًا ينادي يا أهل السفينة قفوا أخبركم حتى والى بين سبعة أصوات ،قال
أبو موسى :فقمت على صدر السفينة فقلت :من أنت ومن أين أنت أو ما ترى أين نحن وهل
نستطيع وقوفًا؟ قال فأجابني الصوت :أل أخبركم بقضاء قضاه ال على نفسه ،قال :قلت بلى
أخبرنا ،قال :فإن ال قضى على نفسه أنه من عطش نفسه ل في يوم حار كان حقّا على ال
أن يرويه يوم القيامة ،قال فكان أبو موسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحر الذي يكاد
ينسلخ فيه النسان فيصومه.
* وعن أبي إدريس قال :صام أبو موسى حتى عاد كأنه خلل ،فقيل له لو أجممت نفسك
فقال :هيهات ،إنما يسبق من الخيل المضمرة ،قال وربما خرج من منزله فيقول لمرأته:
شدي رحلك فليس على جسر جهنم معبر.
* حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال :قال رسول ال (صلى ال عليه وسلم) يقدم
عليكم أقوام هم أرق منكم قلوبا .قال فقدم الشعريون فيهم أبو موسى الشعري فلما دنوا من
المدينة كانوا يرتجزون يقولون غدا نلقى الحبه محمدا وحزبه .
* حدثنا يحيى بن بشر حدثنا روح حدثنا عوف عن معاوية بن قرة قال حدثني أبو بردة بن
أبي موسى الشعري قال قال لي عبد ال بن عمر هل تدري ما قال أبي لبيك .قال قلت ل
قال فإن أبي قال لبيك يا أبا موسى هل يسرك إسلمنا مع رسول ال (صلى ال عليه وسلم)
وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كله معه وأن كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسا
برأس فقال أبي ل وال قد جاهدنا بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم وصلينا وصمنا
وعملنا خيرا كثيرا وأسلم على أيدينا بشر كثير وإنا لنرجو ذلك فقال أبي لكني أنا والذي
نفس عمر بيده لوددت أن لو نجونا منه كفافا رأسا برأس فقلت إن أباك وال خير من أبي
روي عن أبي بردة عن أبيه قال لما فرغ النبي (صلى ال عليه وسلم) من حنين بعث أبا
عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم ال أصحابه فقال أبو
موسى وبعثني مع أبي عامر قال فرمي أبو عامر في ركبته رماه رجل من بني جشم بسهم
فأثبته في ركبته فانتهيت إليه فقلت يا عم من رماك فأشار أبو عامر إلى أبي موسى فقال إن
ذاك قاتلي تراه ذلك الذي رماني قال أبو موسى فقصدت له فاعتمدته فلحقته فلما رآني ولى
عني ذاهبا فاتبعته وجعلت أقول له أل تستحيي ألست عربيا أل تثبت فكف فالتقيت أنا وهو
فاختلفنا أنا وهو ضربتين فضربته بالسيف فقتلته ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت إن ال قد
قتل صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء فقال يا ابن أخي انطلق إلى رسول
ال (صلى ال عليه وسلم) فأقرئه مني السلم وقل له يقول لك أبو عامر استغفر لي قال
واستعملني أبو عامر على الناس ومكث يسيرا ثم إنه مات فلما رجعت إلى النبي صلى ال
عليه وسلم دخلت عليه وهو في بيت على سرير مرمل وعليه فراش وقد أثر رمال السرير
بظهر رسول ال (صلى ال عليه وسلم) وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقلت له
قال قل له يستغفر لي فدعا رسول ال (صلى ال عليه وسلم) بماء فتوضأ منه ثم رفع يديه
ثم قال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر حتى رأيت بياض إبطيه ثم قال اللهم اجعله يوم القيامة
فوق كثير من خلقك أو من الناس فقلت ولي يا رسول ال فاستغفر فقال النبي (صلى ال
عليه وسلم) اللهم اغفر لعبد ال بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخل كريما قال أبو بردة
إحداهما لبي عامر والخرى لبي موسى(رواه مسلم)
وفاته
عن الضحاك بن عبد الرحمن قال :دعا أبو موسى فتيانه حين حضرته الوفاة فقال :اذهبوا
فاحفروا وأوسعوا وأعمقوا ،فجاؤوا فقالوا قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا فقال :وال إنها لحدى
المنزلتين إما ليوسعن علي قبري حتى يكون كل زاوية منه أربعين ذراعًا ثم ليفتحن لي باب
إلى الجنة فلنظرن إلى أزواجي ومنازلي وما أعد ال عز وجل لي من الكرامة ثم ليصيبني
من ريحها وروحها حتى أبعث ،ولئن كانت الخرى ونعوذ بال منها ليضيقن علي قبري حتى
أكون في أضيق من القناة في الزج ثم ليفتحن لي باب من أبواب جهنم فلنظرن إلى سلسلي
.وأغللي وقرنائي ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث
قال أصحاب السير :توفي أبو موسى سنة اثنتين وخمسين وقيل اثنتين وأربعين وقيل أربع
وأربعين ودفن بمكة وقيل دفن بالثوية على ميلين من الكوفة.
------------------------------------------------------------------------------
(لن يستطيعوا أخذ فلسطين إل عند تشريح جثتي وساعتها يأخذونها بل ثمن ،أما وأنا على قيد
الحياة فل).
في سنة 1258هـ1842-م ولد السلطان عبد الحميد ونشأ وترعرع في دار الخلفة العثمانية
التي كانت محط أنظار المسلمين ،كانت لهم نعم العون والسند ،يجتمعون تحت رايتها،
ويحتمون بها من شرور أعداء السلم.
ومرت اليام ،وآن لـ(عبد الحميد الثاني) أن يتحمل المسئولية في وقت كانت تحيط فيه
الخطار بالدولة من كل جانب ،بعد أن أصدر شيخ السلم في دار الخلفة العثمانية فتواه
التاريخية بعزل السلطان (مراد الخامس) وتعيين شقيقه الصغر
عبد الحميد الثاني خليفة على المسلمين.
وقبل أن يباشر السلطان مهامه الجديدة صلى ل تعالى ركعتين شكرًا في جامع
(أبي أيوب النصاري) وهناك تسلم من شيخ السلم سيف عمر بن الخطاب
-رضي ال عنه -وهو سيف الخلفة ،وبدأ موكب السلطان الجديد يسير في شوارع العاصمة
(استنبول) ..تنثر الزهور ،وتنشر الرياحين من شرفات المنازل ابتهاجًا بالسلطان الجديد ،حتى
إذا مرّ الموكب بقبر والد السلطان ومقابر أجداده
الفاتحين ،نزل السلطان عبد الحميد ليدعو لهم بالرحمة والمغفرة وفاء وعرفانًا.
وبدأ السلطان عبد الحميد الثاني بداية طيبة تدل على اعتزازه بدينه السلمي وفخره بتعاليمه،
فكان أول ما أصدره من قرارات أن أقرّ الدستور الذي يكفل المساواة بين جميع الناس من
خلل المجالس الشرعية ،كما أصدر أوامره بحرية القضاء لتكون كلها نافذة من خلل النظام
السلمي للدولة ،فظل السلم في عهده منبع القوانين ودستورها ،كما عرف السلطان للعلماء
حقهم ،فكان ل يقطع أمرًا دونهم ،ويحرص على استشارتهم والخذ بآرائهم.
وقد حاول اليهود عن طريق زعيمهم الماكر (هرتزل) استمالة السلطان عبد الحميد الثاني،
حتى يسمح لهم بإقامة وطن لليهود في فلسطين (بيت المقدس) ،فعرضوا عليه مبلغًا ضخمًا في
ذلك الزمان البعيد يقدر بثلثة مليين من الجنيهات بالضافة إلى دفع مبلغ كبير للدولة
العثمانية -سنويّا -مقابل أن يصدر السلطان عبد الحميد قرارًا يسمح فيه لليهود بالهجرة إلى
فلسطين والتوطن فيها ،وهنا قال السلطان عبد الحميد قولته الخالدة التي سجلها التاريخ بمداد
من ذهب( :لست مستعدّا لن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلد ،فهي ليست ملكي بل هي
ملك لشعبي ،روي ترابها
بدمه ،وليحتفظ اليهود بأموالهم ،ولن يستطيعوا أخذ فلسطين إل عند تشريح
جثتي ،وساعتها يأخذونها بل ثمن ،أما وأنا على قيد الحياة ..فل).
واستمرت مكائد اليهود ،فحاول هرتزل ،أن يقدم عرضًا مغريّا جديدًا
للسلطان ،فلقد كانت الدولة العثمانية مدينة لوروبا بمبلغ كبير من المال ،وعرض اليهود تسديد
هذه الديون مقابل تحقيق طلبهم ،ولكن السلطان كان أثبت جأشًا وأقوى عزيمة عندما قال( :إن
الديون ليست عارًا ،ولكن العار أن أبيع أرضًا
لليهود ،فليحتفظ اليهود بأموالهم ،فالدولة العثمانية ل يمكن أن تحتمي وراء حصون بنيت
بأموال أعداء المسلمين).
واستمرت الدسائس والحيل الخبيثة ،ففي عام 1902م طلب هرتزل من السلطان أن يسمح له
بإنشاء جامعة عبرية في فلسطين يديرها أساتذة من بني صهيون ،فرفض السلطان هذا العرض
أيضًا ،لنه يعلم أن هذه الجامعة سوف تكون بداية لحتلل الرض ،فأنكر جميع رسائلهم
ورفض قبول هداياهم.
وعند ذلك عمل اليهود على تأليب أوروبا وروسيا ضد السلطان عبد الحميد ،فقامت الثورات
على الحدود ،وأعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية ،وتنكرت أوروبا للمعاهدات
المعقودة معها ،فوقفت إلى جوار روسيا في حربها ضد السلطان
عبد الحميد.
وفي نفس العام ثار المسيحيون في (تكريت) بتحريض من البابا ،وكان السلطان يحارب ومن
ورائه قلوب المسلمين تدعو له ،ورغم هزيمته فإن القادة والجنود العثمانيين أظهروا شجاعة
فائقة شهد بها العداء الوربيون ،ولكن لم تشغل هذه الحداث السلطان عبد الحميد عن
الصلحات الداخلية في شتى أنحاء الدول العثمانية؛ فنشر التعليم المدني بجميع مراحله
وأنواعه ،وأنشأ جامعة (استنبول)
سنة 1885م والتي كانت تعرف أول باسم (دار الفنون) كما أنشأ دورًا للمعلمين ومعاهد فنية
ومدارس ابتدائية وثانوية مدنية ،واهتم بالتعليم العسكري ،وأنشأ المكتبات ومدرسة خاصة
لتخريج الدعاة.
كما توسع في إنشاء الخطوط الحديدية ليسهل الحج وذلك بتقصير مدة الرحلة وليجعله في
متناول الجميع ،واستخدم البرق كوسيلة جديدة للمراسلة ،وتبنى مشروع الجامعة السلمية،
وسار فيه سيرًا مباركًا ،وعمل على إعادة الهيبة إلى الخلفة كما كانت في عهودها الولى،
وكان دائمًا يدعو المسلمين إلى التحاد ،كما كان حريصًا كل الحرص على نشر هذا المر بين
المسلمين جميعًا في كل البلد السلمية.
لكن اليهود ظلوا يعملون ضده في الخفاء ،فسلطوا عليه إعلمهم ،واتهموه في حياته الخاصة،
وشهروا به وبأسرته ،وساهموا في إنشاء جمعية (التحاد والترقي العثمانية) التي قامت بثورة
عسكرية استمرت عامًا كاملً من سنة 1908حتى سنة 1909ونجحت بعدها في سلب
الخلفة من السلطان عبد الحميد ،وقررت نفيه إلى (سالونيك) في إبريل سنة 1909م.
وظل عبد الحميد الثاني في منفاه حتى لقي ربه سنة 1918م بعد أن أدار شئون الدولة العثمانية
لمدة أربعة وثلثين عامًا ،فكان من أطول سلطين الدولة العثمانية
حكمًا ،كما كان من أكثر السلطين الذين تمّ الفتراء عليهم زورًا وبهتانًا.
الحنف بن قيس
إمام في الحلم
ضرب به المثل في الحلم والورع كما ضرب المثل في الذكاء بالقاضي إياس فكانوا يقولون:
"في حلم أحنف وذكاء إياس" إنه الصحابي الجليل الحنف بن قيس ،ولقد دعا له النبي (صلى
ال عليه وسلم) فقال "اللهم اغفر للحنف فكان الحنف يقول فما شيء أرجى عندي من
ذلك".
نسبه
هو الحنف بن قيس ابن معاوية بن حصين المير الكبير العالم النبيل أبو بحر التميمي
اسمه ضحاك وقيل صخر وشهر بالحنف لحنف رجليه وهو العوج والميل ،قال سليمان بن
أبي شيخ كان أحنف الرجلين جميعا ولم يكن له إل بيضة واحدة واسمه صخر بن قيس أحد
بني سعد وأمه باهلية فكانت ترقصه وتقول:
وال لول حنف برجله ،وقلة أخافها من نسله ،ما كان في فتيانكم من مثله.
فضله ومناقبه
كان سيد تميم ،أسلم في حياة النبي (صلى ال عليه وسلم) ووفد على عمر.
حدث عن عمر وعلي وأبي ذر والعباس وابن مسعود وعثمان بن عفان وعدة ،وعنه عمرو
بن جاوان والحسن البصري وعروة بن الزبير وطلق ابن حبيب وعبد ال بن عميرة ويزيد
بن الشخير وخليد العصري وآخرون وهو قليل الرواية.
قال ابن سعد :كان ثقة مأمونا قليل الحديث وكان صديقا لمصعب ابن الزبير فوفد عليه إلى
الكوفة فمات عنده بالكوفة.
قال أبو أحمد الحاكم هو الذي فتح مدينة مرو الروذ وكان الحسن وابن سيرين في جيشه
ذاك.
وروي عن الحنف بن قيس قال بينا أنا أطوف بالبيت في زمن عثمان إذ لقيني رجل من
بني ليث فأخذ بيدي فقال أل أبشرك قلت بلى قال أما تذكر إذ بعثني رسول ال (صلى ال
عليه وسلم) إلى قومك بني سعد أدعوهم إلى السلم فجعلت أخبرهم وأعرض عليهم فقلت
إنه يدعو إلى خير وما أسمع إل حسنا فذكرت ذلك للنبي (صلى ال عليه وسلم) فقال "اللهم
اغفر للحنف فكان الحنف يقول فما شيء أرجى عندي من ذلك" رواه أحمد في مسنده
وروي عن الحنف أيضا أنه قدم على عمر بفتح تستر فقال قد فتح ال عليكم تستر وهي
من أرض البصرة فقال رجل من المهاجرين يا أمير المؤمنين إن هذا يعني الحنف الذي كف
عنا بني مرة حين بعثنا رسول ال في صدقاتهم وقد كانوا هموا بنا قال الحنف فحبسني
عمر عنده سنة يأتيني في كل يوم وليلة فل يأتيه عني إل ما يحب ثم دعاني فقال يا أحنف
هل تدري لم حبستك عندي قلت ل يا أمير المؤمنين قال إن رسول ال (صلى ال عليه
وسلم) حذرنا كل منافق عليم فخشيت أن تكون منهم فاحمد ال يا أحنف"
قال خليفة توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الحنف فلقي أهل هراة فهزمهم
فافتتح ابن عامر أبرشهر صلحا ويقال عنوة وبعث الحنف في أربعة آلف فتجمعوا له مع
طوقان شاة فاقتتلوا قتال شديدا فهزم ال المشركين قال ابن سيرين كان الحنف يحمل
ويقول "إن على كل رئيس حقا أن يخضب القناة أو تندقا"
وقيل سار الحنف إلى بلخ فصالحوه على أربع مائة ألف ثم أتى خوارزم فلم يطقها فرجع.
وعن ابن إسحاق أن ابن عامر خرج من خراسان معتمرا قد أحرم منها وخلف على
خراسان الحنف وجمع أهل خراسان جمعا كبيرا وتجمعوا بمرو فالتقاهم الحنف فهزمهم
وكان ذلك الجمع لم يسمع بمثله.
قال ابن المبارك قيل للحنف بم سودوك قال لو عاب الناس الماء لم أشربه.
وقال خالد بن صفوان كان الحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه وقيل للحنف إنك كبير
والصوم يضعفك قال اني أعده لسفر طويل
وقيل كانت عامة صلة الحنف بالليل وكان يضع أصبعه على المصباح ثم يقول حس ويقول
ما حملك يا أحنف على أن صنعت كذا يوم كذا.
وروي أبو الصفر أن الحنف استعمل على خراسان فأجنب في ليلة باردة فلم يوقظ غلمانه
وكسر ثلجا واغتسل.
وقال عبد ال بن بكر المزني عن مروان الصفر سمع الحنف يقول اللهم إن تغفر لي فأنت
أهل ذاك وإن تعذبني فأنا أهل ذاك.
قال مغيرة ذهبت عين الحنف فقال ذهبت من أربعين سنة ما شكوتها إلى أحد.
قال الحسن ذكروا عن معاوية شيئا فتكلموا والحنف ساكت فقال يا أبا بحر مالك ل تتكلم قال
أخشى ال إن كذبت وأخشاكم إن صدقت.
وعن الحنف عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين كيف يتكبر.
حلم الحنف
قيل عاشت بنو تميم بحلم الحنف أربعين سنة ،وفيه قال الشاعر:
قال سليمان التيمي قال الحنف ثلث في ما أذكرهن إل لمعتبر ما أتيت باب سلطان إل أن
أدعى ،ول دخلت بين اثنين حتى يدخلني بينهما ،وما أذكر أحدا بعد أن يقوم من عندي إل
بخير.
وقال :ما نازعني أحد إل أخذت أمري بأمور :إن كان فوقي عرفت له قدره ،وإن كان دوني
رفعت قدري عنه ،وإن كان مثلي تفضلت عليه ،وقال لست بحليم ولكني أتحالم.
وقيل إن رجل خاصم الحنف وقال لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا فقال لكنك إن قلت عشرا
لم تسمع واحدة.
وقيل إن رجل قال للحنف بم سدت وأراد أن يعيبه قال الحنف بتركي ما ل يعنيني كما
عناك من أمري ما ل يعنيك.
وروي عن ذي الرمة قال شهدت الحنف بن قيس وقد جاء إلى قوم في دم ،فتكلم فيه وقال
احتكموا قالوا نحتكم ديتين قال :ذاك لكم فلما سكتوا قال أنا أعطيكم ما سألتم .فاسمعوا إن
ال قضى بدية واحدة وإن النبي (صلى ال عليه وسلم) قضى بدية واحدة وإن العرب تعاطى
بينها دية واحدة وأنتم اليوم تطالبون وأخشى أن تكونوا غدا مطلوبين فل ترضى الناس منكم
إل بمثل ما سننتم قالوا ردها إلى دية.
من كلمات الحنف
عن الحنف ثلثة ل ينتصفون من ثلثة شريف من دنيء وبر من فاجر وحليم من أحمق.
وسئل ما المروءة قال كتمان السر والبعد عن الشر والكامل من عدت سقطاته.
وعنه قال رأس الدب آلة المنطق ل خير في قول بل فعل ول في منظر بل مخبر ول في
مال بل جود ول في صديق بل وفاء ول في فقه بل ورع ول في صدقة إل بنية ول في حياة
إل بصحة وأمن والعتاب مفتاح التقالى والعتاب خير من الحقد.
ورأى الحنف في يد رجل درهما فقال لمن هذا قال لي قال ليس هو لك حتى تخرجه في
أجر أو اكتساب شكر وتمثل أنت للمال إذا أمسكته ،وإذا أنفقته فالمال لك.
وقيل :كان الحنف إذا أتاه رجل وسع له فإن لم يكن له سعة أراه كأنه يوسع له وعنه قال
جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام إني أبغض الرجل يكون وصافا لفرجه وبطنه.
وقيل إنه كلم مصعبا في محبوسين قال أصلح ال المير إن كانوا حبسوا في باطل فالعدل
يسعهم وإن كانوا حبسوا في الحق فالعفو يسعهم.
وعنه قال :ل ينبغي للمير الغضب لن الغضب في القدرة مفتاح السيف والندامة.
وعنه قال :ل يتم أمر السلطان إل بالوزراء والعوان ،ول ينفع الوزراء والعوان إل
بالمودة والنصيحة ،ول تنفع المودة والنصيحة إل بالرأي والعفة.
مواقف من حياته
قيل كان زياد معظما للحنف فلما ولي بعده ابنه عبيد ال تغير أمر الحنف وقدم عليه من
هو دونه ثم وفد على معاوية في الشراف .فقال لعبيد ال :أدخلهم على قدر مراتبهم فأخر
الحنف .فلما رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته وقال إلي يا أبا بحر وأجلسه معه وأعرض
عنهم فأخذوا في شكر عبيد ال بن زياد وسكت الحنف .فقال له لم ل تتكلم قال إن تكلمت
خالفتهم .قال :اشهدوا أني قد عزلت عبيد ال فلما خرجوا كان فيهم من يروم المارة ثم أتوا
معاوية بعد ثلث وذكر كل واحد شخصا وتنازعوا .فقال معاوية :ما تقول يا أبا بحر قال إن
وليت أحدا من أهل بيتك لم تجد مثل عبيد ال فقال قد أعدته قال فخل معاوية بعبيد ال،
وقال كيف ضيعت مثل هذا الرجل الذي عزلك وأعادك وهو ساكت فلما رجع عبيد ال جعل
الحنف صاحب سره.
عن أيوب عن محمد قال نبئت أن عمر ذكر بني تميم فذمهم فقام الحنف فقال :يا أمير
المؤمنين ائذن لي .قال تكلم قال إنك ذكرت بني تميم فعممتهم بالذم وإنما هم من الناس فيهم
الصالح والطالح فقال صدقت فقام الحتات وكان يناوئه فقال يا أمير المؤمنين ائذن لي فأتكلم
قال اجلس فقد كفاكم سيدكم الحنف.
قال الشعبي وفد أبو موسى الشعري وفدا من البصرة إلى عمر منهم الحنف بن قيس فتكلم
كل رجل في خاصة نفسه .وكان الحنف في آخر القوم فحمد ال وأثنى عليه ثم قال أما بعد
يا أمير المؤمنين فإن أهل مصر نزلوا منازل فرعون وأصحابه وإن أهل الشام نزلوا منازل
قيصر وأصحابه وإن أهل الكوفة نزلوا منازل كسرى ومصانعه في النهار والجنان ،وفي
مثل عين البعير وكالحوار في السلى تأتيهم ثمارهم قبل أن تبلغ وإن أهل البصرة نزلوا في
أرض سبخة زعقة نشاشة ل يجف ترابها ول ينبت مرعاها وطرفها في بحرأجاج وطرف في
فلة ل يأتينا شيء إل في مثل مريء النعامة فارفع خسيستنا وانعش وكيستنا ،وزد في
عيالنا عيال وفي رجالنا رجال ،وصغر درهمنا وكبر قفيزنا ومر لنا بنهر نستعذب منه فقال
عمر عجزتم أن تكونوا مثل هذا ،هذا وال السيد قال فما زلت أسمعها بعد.
وفاته
مات الحنف سنة 67هـ وقيل :مات في إمرة مصعب بن الزبير على العراق رحمه ال.
عن عبد الرحمن بن عمارة بن عقبة قال حضرت جنازة الحنف بالكوفة فكنت فيمن نزل
قبره فلما سويته رأيته قد فسح له مد بصري فأخبرت بذلك أصحابي فلم يروا ما رأيت.
قال أبو عمرو بن العلء توفي الحنف في دار عبيد ال بن أبي غضنفر فلما دلي في حفرته
أقبلت بنت لوس والسعدي وهي على راحلتها عجوز فوقفت عليه وقالت من الموافى به
حفرته لوقت حمامه قيل لها الحنف بن قيس قالت وال لئن كنتم سبقتمونا إلى الستمتاع به
في حياته ل تسبقونا إلى الثناء عليه بعد وفاته ثم قالت ل درك من مجن في جنن ومدرج
في كفن وإنا ل وإنا إليه راجعون نسأل من ابتلنا بموتك وفجعنا بفقدك أن يوسع لك في
قبرك وأن يغفر لك يوم حشرك أيها الناس إن أولياء ال في بلده هم شهوده على عباده
وإنا لقائلون حقا ومثنون صدقا وهو أهل لحسن الثناء أما والذي كنت من أجله في عدة
ومن الحياة في مدة ومن المضمار إلى غاية ومن الثار إلى نهاية الذي رفع عملك عند
انقضاء أجلك لقد عشت مودودا حميدا ومت سعيدا فقيدا ولقد كنت عظيم الحلم فاضل السلم
رفيع العماد واري الزناد منير الحريم سليم الديم عظيم الرماد قريب البيت من الناد.
قال قرة بن خالد حدثنا أبو الضحاك انه أبصر مصعبا يمشي في جنازة الحنف بغير رداء.
المام البخاري
المام الجليل والمحدث العظيم محمد بن إسماعيل البخاري أمير أهل الحديث وصاحب أصح
كتاب بعد كتاب ال تعالى ،يقول البخاري :صنفت الصحيح في ست عشرة سنة وجعلته حجة
فيما بيني وبين ال تعالى.
ولم يشهـد تاريـخ السـلم مثله فـي قوة الحفـظ ودقـة الروايـة والصـبر على البحـث مـع قلة
المكانات ،حتى أصبح منارة في الحديث وفاق تلمذته وشيوخه على السواء.
ويقول عنه أحد العلماء :ل أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إل للحديث.
نسبه ومولده
هو أبو عبد ال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري وكلمة بردزبه
تعني بلغة بخارى "الزراع"
أســلم جده "المغيرة" على يدي اليمان الجعفــي والي بخارى وكان مجوســيا وطلب والده
إ سماعيل بن إبراه يم العلم والت قى بعدد من كبار العلماء ،وروى إ سحاق بن أح مد بن خلف
أنه سمع البخاري يقول سمع أبي من مالك بن أنس ورأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك
بكلتا يديه.
ولد أبو عبد ال في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة أربع وتسعين.
ويروى أن محمد بن إسماعيل عمي في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه
ال سلم فقال ل ها يا هذه قد رد ال على اب نك ب صره لكثرة بكائك أو كثرة دعائك شك البل خي
فأصبحت وقد رد ال عليه بصره.
ووهب ال للبخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلل ذاكرة قوية تحدى بها أقوى
الختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.
يقول محمد بن أبي حاتم :قلت لبي عبد ال :كيف كان بدء أمرك قال ألهمت حفظ الحديث
وأنا في الكتاب فقلت كم كان سنك فقال عشر سنين أو أقل ثم خرجت من الكتاب بعد العشر
فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره فقال يوما فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن
إبراه يم ،فقلت له :إن أ با الزب ير لم يرو عن إبراه يم فانتهر ني فقلت له ار جع إلى ال صل،
فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي :كيف هو يا غلم؟ قلت:هو الزبير بن عدي عن إبراهيم.
فقيل للبخاري ابن كم كنت حين رددت عليه قال ابن إحدى عشرة سنة.
ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع.
وقال محمد بن أبي حا تم الوراق سمعت حاشد بن إ سماعيل وآخر يقولن كان أ بو عبد ال
البخاري يختلف مع نا إلى مشا يخ الب صرة و هو غلم فل يك تب ح تى أ تى على ذلك أيام فك نا
نقول له إ نك تختلف مع نا ول تك تب ف ما ت صنع فقال ل نا يو ما ب عد ستة ع شر يو ما إنك ما قد
أكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة
عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون
أني أختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه ل يتقدمه أحد.
وقال ابن عدي حدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن
إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح
قال وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من
العلماء فيطلع عليه اطلعة فيحفظ عامة أطراف الحاديث بمرة.
طلبه للحديث
ر حل البخاري ب ين عدة بلدان طل با للحد يث الشر يف ولين هل من كبار علماء وشيوخ ع صره
في بخارى وغيرها.
وروي عن البخاري أ نه كان يقول ق بل مو ته :كت بت عن ألف وثمان ين رجل ل يس في هم إل
صاحب حديث كانوا يقولون اليمان قول وعمل يزيد وينقص.
ونعود إلى البخاري في رحلته في طلب العلم ونبدأها من مسقط رأسه بخارى فقد سمع بها
من الجعفي المسندي ومحمد بن سلم البيكندي وجماعة ليسوا من كبار شيوخه ثم رحل إلى
بلخ و سمع هناك من مك بن بن إبراه يم و هو من كبار شيو خه و سمع بمرو من عبدان بن
عثمان وعلي بن الحسن بن شقيق وصدقة بن الفضل .وسمع بنيسابور من يحيى بن يحيى
وجماعة من العلماء وبالري من إبراهيم بن موسى.
وفـي أواخـر سـنة 210هــ قدم البخاري العراق وتنقـل بيـن مدنهـا ليسـمع مـن شيوخهـا
وعلمائهـا .وقال البخاري دخلت بغداد آخـر ثمان مرات فـي كـل ذلك أجالس أحمـد بـن حنبـل
فقال لي في آ خر ما ودع ته يا أ با ع بد ال تدع العلم والناس وت صير إلى خرا سان قال فأ نا
الن أذكر قوله.
وأكمل رحلته في العالم السلمي آنذاك فذهب إلى مصر ثم ذهب إلى الشام وسمع من أبي
اليمان وآدم بن أبي إياس وعلي بن عياش وبشر بن شعيب وقد سمع من أبي المغيرة عبد
القدوس وأحمد بن خالد الوهبي ومحمد بن يوسف الفريابي وأبي مسهر وآخرين.
مؤلفات البخاري
عد العلماء كتاب الجا مع ال صحيح المعروف ب ـ" صحيح البخاري" أ صح كتاب ب عد كتاب ال،
ويقول عنه علماء الحديث "هو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي صلى ال عليه وسلم في
ش يء كث ير من الحاد يث وذلك لن أ با ع بد ال أ سن الجما عة وأقدم هم لق يا للكبار أ خذ عن
جماعة يروي الئمة الخمسة عنهم"
ويقول في قصة تأليفه "الجامع الصحيح " ":كنت عند إسحاق بن راهويه فقال بعض أصحابنا
لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب"
"في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد ال بن
مو سى ،و صنفت كتاب التار يخ إذ ذاك ع ند قبر ر سول ال في الليالي المقمرة و قل ا سم في
التاريخ إل وله قصة إل أني كرهت تطويل الكتاب ،وكنت أختلف إلى الفقهاء بمرو وأنا صبي
فإذا جئت أسـتحي أن أسـلم عليهـم فقال لي مؤدب مـن أهلهـا كـم كتبـت اليوم فقلت :اثنيـن
وأردت بذلك حديثيـن فضحـك مـن حضـر المجلس فقال شيـخ منهـم ل تضحكوا فلعله يضحـك
منكم يوما"
دقته واجتهاده
ظل البخاري ستة عشر عاما يجمع الحاديث الصحاح في دقة متناهية ،وعمل دؤوب ،وصبر
على البحث وتحري الصواب قلما توافرت لباحث قبله أو بعده حتى اليوم ،وكان بعد كل هذا
ل يدون الحديث إل بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين.
يروي أحـد تلمذتـه أنـه بات عنده ذات ليلة فأحصـى عليـه أنـه قام وأسـرج يسـتذكر أشياء
يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق كان أبو عبد ال إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد
إل في القيظ أحيانا فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل
ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها.
وروي عن البخاري أنه قال :لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلء كنت إذا كتبت عن رجل
سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث إن كان الرجل فهما ،فإن لم يكن سألته أن
يخرج إلي أصله ونسخته فأما الخرون ل يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون.
وكان العباس الدوري يقول :ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل كان
ل يدع أصل ول فرعا إل قلعه ثم قال لنا ل تدعوا من كلمه شيئا إل كتبتموه.
ظهر نبوغ البخاري مبكرا فتفوق على أقرانه ،وصاروا يتتلمذون على يديه ،ويحتفون به في
البلدان.
فقد روي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه
على نف سه ويجل سوه في ب عض الطر يق فيجت مع عل يه ألوف أكثر هم م من يك تب ع نه وكان
شابا لم يخرج وجهه.
وقال أبو أحمد عبد ال بن عدي الحافظ سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل
البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها
وأ سانيدها وجعلوا م تن هذا ل سناد هذا و إ سناد هذا لم تن هذا ودفعوا إلى كل وا حد عشرة
أحاد يث ليلقو ها على البخاري في المجلس فاجت مع الناس وانتدب أحدهم فسأل البخاري عن
حديث من عشرته فقال ل أعرفه وسأله عن آخر فقال ل أعرفه وكذلك حتى فرغ من عشرته
فكان الفقهاء يلت فت بعض هم إلى ب عض ويقولون الر جل ف هم .و من كان ل يدري ق ضى على
البخاري بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الول والبخاري يقول ل أعرفه ثم الثالث وإلى
تمام العشرة أنفس وهو ل يزيد هم على ل أعر فه .فلما علم أن هم قد فرغوا التفت إلى الول
منهم فقال أما حديثك الول فكذا والثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده
وفعـل بالخريـن مثـل ذلك فأقـر له الناس بالحفـظ فكان ابـن صـاعد إذا ذكره يقول الكبـش
النطاح.
وروي عن أبي الزهر قال كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام
وأحبوا مغالطـة البخاري فأدخلوا إسـناد الشام فـي إسـناد العراق وإسـناد اليمـن فـي إسـناد
الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة ل في السناد ول في المتن.
وقال أحيـد بـن أبـي جعفـر والي بخارى قال محمـد بـن إسـماعيل يومـا رب حديـث سـمعته
بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له :يا أبا عبد ال بكماله
قال :فسكت.
[ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى
دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثا صحيحا إل كتبته إل ما لم يظهر
لي]
[ما أردت أن أتكلم بكلم فيه ذكر الدنيا إل بدأت بحمد ال والثناء عليه]
*يروي البخاري فيقول كنت بنيسابور أجلس في الجامع فذهب عمرو بن زرارة وإسحاق بن
راهويه إلى يعقوب بن عبد ال والي نيسابور فأخبروه بمكاني فاعتذر إليهم وقال مذهبنا إذا
رفع إلينا غريب لم نعرفه حبسناه حتى يظهر لنا أمره فقال له بعضهم :بلغني أنه قال لك ل
تحسن تصلي فكيف تجلس فقال لو قيل لي شيء من هذا ما كنت أقوم من ذلك المجلس حتى
أروي عشرة آلف حديث في الصلة خاصة.
وذات يوم ناظر أبو بكر البخاري في أحاديث سفيان فعرفها كلها ثم أقبل محمد عليه فأغرب
عليه مائتي حديث فكان أبو بكر بعد ذلك يقول ذاك الفتى البازل والبازل الجمل المسن إل أنه
يريد هاهنا البصير بالعلم الشجاع.
قال مح مد بن أ بي حا تم سمعت البخاري يقول دخلت بلخ ف سألني أ صحاب الحد يث أن أملي
عليهم لكل من كتبت عنه حديثا فأمليت ألف حديث للف رجل ممن كتبت عنهم.
قال أبو جعفر سمعت أبا عمر سليم بن مجاهد يقول كنت عند محمد بن سلم البيكتدي فقال
لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث قال فخرجت في طلبه حتى لحقته قال أنت
الذي يقول إنـي أحفـظ سـبعين ألف حديـث قال نعـم وأكثـر ول أجيئك بحديـث مـن الصـحابة
والتابعين إل عرفتك مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ولست أروي حديثا من حديث الصحابة
أو التابعين إل ولي من ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب ال وسنة رسول ال صلى ال عليه
وسلم.
قال محمد بن يعقوب بن الخرم :سمعت أصحابنا يقولون لما قدم البخاري نيسابور استقبله
أربعة آلف رجل ركبانا على الخيل سوى من ركب بغل أو حمارا وسوى الرجالة.
ورعه
قال محمد بن أبي حاتم ركبنا يوما إلى الرمي ،فجعلنا نرمي وأصاب سهم أبي عبد ·
ال البخاري و تد القنطرة الذي على ن هر ورادة فان شق الو تد فل ما رآه أ بو ع بد ال نزل عن
دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا ورجعنا معه إلى المنزل .فقال لي
يا أبا جعفر لي إليك حاجة مهمة قالها وهو يتنفس الصعداء ،وقال لمن معنا اذهبوا مع أبي
جع فر ح تى تعينوه على ما سألته فقلت أ ية حا جة هي .قال لي :تض من قضاء ها؟ قلت ن عم
على الرأس والعين .قال :ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له إنا قد أخللنا بالوتد
فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا .وكان صاحب
القنطرة حميد بن الخضر الفربري .فقال لي أبلغ أبا عبد ال السلم وقل له أنت في حل مما
كان م نك وجم يع مل كي لك الفداء وإن قلت نف سي أكون قد كذ بت ،غ ير أ ني لم أ كن أ حب أن
تحتشمني في وتد أو في ملكي فأبلغته رسالته فتهلل وجهه واستنار وأظهر سرورا وقرأ في
ذلك اليوم على الغرباء نحوا من خمسمائة حديث وتصدق بثلث مائة درهم.
وقال بن أبي حاتم ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيفه كتاب ·
التفسير وأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث فقلت له إني أراك تقول إني
ما أثبت شيئا بغير علم قط منذ عقلت فما الفائدة في الستلقاء قال أتعبنا أنفسنا اليوم
وهذا ثغر من الثغور خش يت أن يحدث حدث من أ مر العد فأحببت أن ا ستريح وآخذ
أهبة فإن فاجئنا العدو كان بنا حراك.
وقال أحمد بن حفص :دخلت على أبي الحسن يعني إسماعيل والد أبي عبد ال ·
ع ند مو ته فقال ل أعلم من مالي دره ما من حرام ول دره ما من شب هة قال أح مد
فتصـاغرت إلي نفسـي عنـد ذلك ثـم قال أبـو عبـد ال أصـدق مـا يكون الرجـل عنـد
الموت.
وكان الحسـين بـن محمـد السـمرقندي يقول كان محمـد بـن إسـماعيل مخصـوصا بثلث
خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة كان قليل الكلم وكان ل يطمع فيما عند
الناس وكان ل يشتغل بأمور الناس كل شغله كان في العلم.
عمله بالتجارة
وعمل البخاري بالتجارة فكان مثال للتاجر الصدوق الذي ل يغش ول ينقض نيته مهما كانت
المغريات.
روي أنه حملت إلى البخاري بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد فاجتمع بعض التجار إليه فطلبوها
بربـح خمسـة آلف درهـم فقال انصـرفوا الليلة فجاءه مـن الغـد تجار آخرون فطلبوا منـه
البضاعة بربح عشرة آلف فقال إني نويت بيعها للذين أتوا البارحة.
قال أ بو إ سحاق ال سرماري :من أراد أن ينظر إلى فقيه بحقه و صدقه فلينظر إلى مح مد بن
إسماعيل.
قال أبو جعفر سمعت يحيى بن جعفر يقول لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من
عمري لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد وموته ذهاب العلم.
وروي عن إ سحاق بن راهو يه أ نه كان يقول اكتبوا عن هذا الشاب يع ني البخاري فلو كان
في زمن الحسن لحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه.
وكان علي بن حجر يقول أخرجت خرا سان ثلثة أبو زرعة ومحمد بن إ سماعيل وعبد ال
بن عبد الرحمن الدارمي ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم.
وقال محمد بن أبي حاتم سمعت إبراهيم بن خالد المروزي يقول رأيت أبا عمار الحسين بن
حريـث يثنـي على أبـي عبـد ال البخاري ويقول ل أعلم أنـي رأيـت مثله كأنـه لم يخلق إل
للحديث.
وقال محمد حدثني حاتم بن مالك الوراق قال سمعت علماء مكة يقولون محمد بن إسماعيل
إمامنا وفقيهنا وفقيه خراسان.
وقال أبو الطيب حاتم بن منصور الكسي يقول محمد بن إسماعيل آية من آيات ال في بصره
ونفاذه من العلم.
وقال سليم بن مجاهد يقول لو أن وكيعا وابن عيينة وابن المبارك كانوا في الحياء لحتاجوا
إلى محمد بن إسماعيل.
وروي عن قتيبة بن سعيد أنه قال لو كان محمد في الصحابة لكان آية .نظرت في الحديث
ونظرت فـي الرأي وجالسـت الفقهاء والزهاد والعباد مـا رأيـت منـذ عقلت مثـل محمـد بـن
إسماعيل.
وقال المام أحمد بن حنبل :لم يجئنا من خراسان مثل محمد بن إسماعيل.
وقال أبو عبد ال الحاكم :محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة :ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول ال
وأحفظ له من محمد بن إسماعيل.
قال محمد بن حمدون بن رستم سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى البخاري فقال دعني أقبل
رجليك يا أستاذ الستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله.
وقال سعيد بن جعفر :سمعت العلماء بالبصرة يقولون ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل
في المعرفة والصلح.
وكان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى
الثلثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان ل يفارقه كيسه.
ويقول عبد ال بن محمد الصارفي :كنت عند أبي عبد ال البخاري في منزله فجاءته جارية
وأرادت دخول المنزل فعثرت على م حبرة ب ين يديه فقال لها :ك يف تمش ين؟ قالت إذا لم يكن
طريق كيف أمشي فبسط يديه وقال لها اذهبي فقد أعتقتك .قال فقيل له فيما بعد يا أبا عبد
ال أغضبتك الجارية قال إن كانت أغضبتني فإني أرضيت نفسي بما فعلت.
محنة البخاري
تعرض البخاري للمتحان والبتلء ،وكثيرا مـا تعرض العلماء الصـادقون للمحـن فصـبروا
على مـا أوذوا فـي سـبيل ال ،ولقـد حسـد البعـض البخاري لمـا له مـن مكانـة عنـد العلماء
وطلب العلم وجماه ير الم سلمين في كل البلد ال سلمية ،فأثاروا حوله الشائعات بأ نه يقول
بخلق القرآن ،ولذلك قصة يرويها أبو أحمد بن عدي فيقول :ذكر لي جماعة من المشايخ أن
محمد بن إسماعيل البخاري لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه فحسده بعض من كان في
ذلك الو قت من مشا يخ ني سابور ل ما رأوا إقبال الناس إل يه واجتماع هم عل يه .فقال ل صحاب
الحديث :إن محمد بن إسماعيل يقول اللفظ بالقران مخلوق فامتحنوه في المجلس فلما حضر
الناس مجلس البخاري قام إل يه ر جل فقال يا أ با ع بد ال ما تقول في الل فظ بالقران مخلوق
هو أم غير مخلوق فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ،فقال الرجل يا أبا عبد ال فأعاد عليه
القول فأعرض عنـه ،ثـم قال فـي الثالثـة فالتفـت إليـه البخاري وقال القرآن كلم ال غيـر
مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والمتحان بدعة فشغب الرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد
البخاري في منزله.
وقالوا له بعد ذلك ترجع عن هذا القول حتى نعود إليك قال ل أفعل إل أن تجيئوا بحجة فيما
تقولون أقوى من حجتي وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته ،وكان يقول أما أفعال العباد
فمخلوقة فقد حدثنا علي بن عبد ال حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعي عن
حذيفة قال :قال النبي صلى ال عليه وسلم :إن ال يصنع كل صانع وصنعته.
وبـه قال وسـمعت عبيـد ال بـن سـعيد يقول سـمعت يحيـى بـن سـعيد يقول مـا زلت أسـمع
أصـحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقـة قال البخاري حركاتهـم وأصـواتهم واكتسـابهم
وكتابتهم مخلوقة فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى
في القلوب ف هو كلم ال ل يس بمخلوق قال ال تعالى { بل هو آيات بينات في صدور الذ ين
أوتوا العلم} (العنكبوت .)49
وقال البخاري :القرآن كلم ال غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر.
وقال أيضـا :مـن زعـم مـن أهـل نيسـابور وقومـس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفـة
والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله إل أني قلت
أفعال العباد مخلوقة.
وقال أح مد بن سلمة :دخلت على البخاري فقلت يا أ با ع بد ال هذا ر جل مقبول بخرا سان
خ صوصا في هذه المدي نة و قد لج في هذا الحد يث ح تى ل يقدر أ حد م نا أن يكل مه ف يه ف ما
ترى فقبض على لحيته ثم قال "وأفوض أمري إلى ال إن ال بصير بالعباد" (غافر )44اللهم
إ نك تعلم أ ني لم أرد المقام بني سابور أشرا ول بطرا ول طل با للرئا سة إن ما أ بت علي نف سي
في الرجوع إلى وطني لغلبة المخالفين وقد قصدني هذا الرجل حسدا لما آتاني ال ل غير ثم
قال لي يا أحمد إني خارج غدا لتتخلصوا من حديثه لجلي ،فأخبرت جماعة أصحابنا فو ال
ما شيعه غيري كنت معه حين خرج من البلد وأقام على باب البلد ثلثة أيام لصلح أمره.
وقال محمد بن أبي حاتم أتى رجل عبد ال البخاري فقال يا أبا عبد ال إن فلنا يكفرك فقال:
" قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم ":إذا قال الر جل لخ يه يا كا فر ف قد باء به أحده ما" وكان
كث ير من أ صحابه يقولون له إن ب عض الناس ي قع ف يك فيقول "إن ك يد الشيطان كان ضعي فا"
(النساء ،)76ويتلو أيضا "ول يحيق المكر السيئ إل بأهله" (فاطر )43فقال له عبد المجيد
بن إبراه يم ك يف ل تد عو ال على هؤلء الذ ين يظلمو نك ويتناولو نك ويبهتو نك ،فقال :قال
النبي صلى ال عليه وسلم "اصبروا حتى تلقوني على الحوض" وقال صلى ال عليه وسلم
"من دعا على ظالمه فقد انتصر"
روى أحمـد بـن منصـور الشيرازي قال سـمعت بعـض أصـحابنا يقول لمـا قدم أبوعبـد ال
بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق أحد إل
استقبله ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير فبقي أياما قال فكتب بعد ذلك محمد بن
يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى إن هذا الرجل قد أظهر خلف السنة فقرأ كتابه
على أهل بخارى فقالوا ل نفارقه فأمره المير بالخروج من البلد فخرج.
وفاة البخاري
تو في البخاري ـ رح مه ال ـ ليلة ع يد الف طر سنة ست وخم سين و قد بلغ اثنت ين و ستين
سنة ،وروي في قصة وفاته عدة روايات منها:
قال محمد بن أبي حاتم سمعت أبا منصور غالب بن جبريل وهو الذي نزل عليه أبو عبد ال
يقول :إ نه أقام عند نا أيا ما فمرض واش تد به المرض ،فل ما وا فى ته يأ للركوب فل بس خف يه
وتعمم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضده ورجل آخذ معي يقوده إلى
الدابة ليركبها فقال رحمه ال أرسلوني فقد ضعفت فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه
ال ف سال م نه العرق ش يء ل يو صف ف ما سكن م نه العرق إلى أن أدرجناه في ثيا به وكان
في ما قال ل نا وأو صى إلي نا أن كفنو ني في ثل ثة أثواب ب يض ل يس في ها قم يص ول عما مة
ففعل نا ذلك فل ما دفناه فاح من تراب قبره رائ حة غال ية أط يب من الم سك فدام ذلك أيا ما ثم
علت سواري ب يض في ال سماء م ستطيلة بحذاء قبره فج عل الناس يختلفون ويتعجبون وأ ما
التراب فإنهـم كانوا يرفعون عـن القـبر حتـى ظهـر القـبر ولم نكـن نقدر على حفـظ القـبر
بالحراس وغلبنا على أنفسنا فنصبنا على القبر خشبا مشبكا لم يكن أحد يقدر على الوصول
إلى القبر فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب ولم يكونوا يخلصون إلى القبر وأما ريح
الط يب فإ نه تداوم أيا ما كثيرة ح تى تحدث أ هل البلدة وتعجبوا من ذلك وظ هر ع ند مخالف يه
أمره ب عد وفا ته وخرج ب عض مخالف يه إلى قبره وأظهروا التو بة والندا مة م ما كانوا شرعوا
فيه من مذموم المذهب قال محمد بن أبي حاتم ولم يعش أبو منصور غالب بن جبريل بعده
إل القليل وأوصى أن يدفن إلى جنبه.
وقال محمد بن محمد بن مكي الجرجاني سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول رأيت
ال نبي صلى ال عل يه و سلم في النوم وم عه جما عة من أ صحابه و هو وا قف في مو ضع
ف سلمت عل يه فرد علي ال سلم فقلت ما وقو فك يا ر سول ال قال أنت ظر مح مد بن إ سماعيل
البخاري فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى
ال عليه وسلم فيها.
المام الطبري
كان أك ثر علماء ع صره ه مة في طلب العلم وتح صيله و في تأل يف أمهات الك تب ح تى روي
أ نه كان يك تب أربع ين صفحة في كل يوم ،إ نه المام مح مد بن جر ير ال طبري صاحب أ كبر
كتابين في التفسير والتاريخ ،قال عنه أحمد بن خلكان صاحب وفيات العيان":العلم المجتهد
عالم العصر صاحب التصانيف البديعة كان ثقة صادقا حافظا رأسا في التفسير إماما في الفقه
والجماع والختلف علمة في التاريخ وأيام الناس عارفا بالقراءات وباللغة وغير ذلك"
حياته العلمية
بدأ الطـبري طلب العلم بعـد سـنة 240هــ وأكثـر الترحال ولقـي نبلء الرجال ،قرأ القرآن
بـبيروت على العباس بـن الوليـد ثـم ارتحـل منهـا إلى المدينـة المنورة ثـم إلى مصـر والري
وخراسان ،واستقر في أواخر أمره ببغداد.
سمع ال طبري من العديد ين من مشا يخ ع صره وله رحلت إلى العد يد من عوا صم العالم
السلمي التي ازدهرت بعلمائها وعلومها ومنها مصر.
مؤلفات الطبري
كان ال طبري من أك ثر علماء ع صره نشا طا في التأل يف ،أش هر مؤلفا ته تف سيره المعروف
بتف سير ال طبري ،وكتاب " تار يخ ال مم والملوك " روي ع نه أ نه قال :ا ستخرت ال و سألته
العون على ما نويته من تصنيف التفسير قبل أن أعمله ثلث سنين فأعانني.
قال الحا كم و سمعت أ با ب كر بن بالو يه يقول قال لي أ بو ب كر بن خزي مة بلغ ني أ نك كت بت
التفسير عن محمد بن جرير قلت بلى كتبته عنه إملء قال كله قلت نعم قال في أي سنة قلت
من سنة ثلث وثمانين ومائتين إلى سنة تسعين ومائتين قال فاستعاره مني أبو بكر ثم رده
بعـد سنين ثـم قال ل قد نظرت ف يه من أوله إلى آخره ومـا أعلم على أديـم الرض أعلم من
محمد بن جرير.
وقال بعض العلماء :لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن
كثيرا.
أسلوبه في التأليف
يقول أحمـد بـن خلكان لبـي جعفـر فـي تأليفـه عبارة وبلغـة فممـا قاله فـي كتاب الداب
النفيسة والخلق الحميدة القول في البيان عن الحال الذي يجب على العبد مراعاة حاله فيما
يصدر من عمله ل عن نفسه قال إنه ل حالة من أحوال المؤمن يغفل عدوه الموكل به عن
دعائه إلى سبيله والقعود له ر صدا بطرق ر به الم ستقيمة صادا له عن ها ك ما قال لر به عز
ذكره إذ جعله من المنظرين {لقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لتينهم من بين أيديهم ومن
خلف هم} (العراف )17-16 :طم عا م نه في ت صديق ظ نه عل يه إذ قال لر به {لئن أخر تن إلى
يوم القيامة لحتن كن ذريته إل قليل} (ال سراء )62:ف حق على كل ذي حجى أن يجهد نفسه
في تكذ يب ظ نه وتخيي به م نه أمله و سعيه في ما أرغ مه ول ش يء من ف عل الع بد أبلغ في
مكروهه من طاعته ربه وعصيانه أمره ول شيء أسر إليه من عصيانه ربه واتباعه أمره
فكلم أبي جعفر من هذا النمط وهو كثير مفيد.
وروي عن أبي سعيد الدينوري مستملي ابن جرير أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري
بعقيد ته ف من ذلك وح سب امرئ أن يعلم أن ر به هو الذي على العرش ا ستوى ف من تجاوز
ذلك ف قد خاب وخ سر وهذا تف سير هذا المام مشحون في آيات ال صفات بأقوال ال سلف على
الثبات لها ل على النفي والتأويل وأنها ل تشبه صفات المخلوقين أبدا.
قال أبو سعيد بن يونس :محمد بن جرير من أهل آمل كتب بمصر ورجع إلى بغداد وصنف
تصانيف حسنة تدل على سعة علمه.
مواقف من حياته
قيل إن المكتفي أراد أن يحبس وقفا تجتمع عليه أقاويل العلماء فأحضر له ابن جرير فأملى
علي هم كتا با لذلك فأخر جت له جائزة فامت نع من قبول ها فق يل له ل بد من قضاء حا جة قال
اسأل أمير المؤمنين أن يمنع السؤال يوم الجمعة ففعل ذلك وكذا التمس منه الوزير أن يعمل
له كتابا في الفقه فألف له كتاب الخفيف فوجه إليه بألف دينار فردها.
******
***
وقال أ بو مح مد الفرغا ني في ذ يل تاري خه على تار يخ ال طبري قال حدث ني أ بو علي هارون
بن عبد العزيز أن أبا جعفر لما دخل بغداد وكانت معه بضاعة يتقوت منها فسرقت فأفضى
به الحال إلى بيع ثيابه وكمي قميصه فقال له بعض أصدقائه تنشط لتأديب بعض ولد الوزير
أبي الحسن عبيد ال بن يحيى بن خاقان قال نعم فمضى الرجل فأحكم له أمره وعاد فأوصله
إلى الوز ير ب عد أن أعاره ما يلب سه فقر به الوز ير ور فع مجل سه وأجرى عل يه عشرة دنان ير
في الش هر فاشترط عل يه أوقات طل به للعلم وال صلوات والرا حة و سأل ا ستلفه رزق ش هر
ففعل وأدخل في حجرة التأديب وخرج إليه الصبي وهو أبو يحيى فلما كتبه أخذ الخادم اللوح
ودخلوا مستبشرين فلم تبق جارية إل أهدت إليه صينية فيها دراهم ودنانير فرد الجميع وقال
قد شرطت على شيء فل آخذ سواه فدرى الوزير ذلك فأدخله إليه وسأله فقال هؤلء عبيد
وهم ل يملكون فعظم ذلك في نفسه.
***
وكان رب ما أهدى إل يه ب عض أ صدقائه الش يء فيقبله ويكافئه أضعا فا لع ظم مروء ته .وكان
ممن ل تأخذه في ال لومة لئم مع عظيم ما يلحقه من الذى والشناعات من جاهل وحاسد
وملحد فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه وزهده في الدنيا ورفضه لها وقناعته رحمه
ال ب ما كان يرد عل يه من ح صة من ضي عة خلف ها له أبوه بطبر ستان ي سيرة ،و كان ين شد
لنفسه:
ولو أني سمحت بماء وجهي لكنت إلى العلى سهل الطريق
***
قال أ بو القا سم بن عق يل الوراق :إن أ با جع فر ال طبري قال ل صحابه هل تنشطون لتار يخ
العالم مـن آدم إلى وقتنـا قالوا كـم قدره فذكـر نحـو ثلثيـن ألف ورقـة فقالوا هذا ممـا تفنـى
العمار قبل تمامه فقال إنا ل ماتت الهمم فاختصر ذلك في نحو ثلثة آلف ورقة ولما أن
أراد أن يملي التفسير قال لهم نحوا من ذلك ثم أمله على نحو من قدر التاريخ.
***
قال أحمد بن كامل توفي ابن جرير عشية الحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلث مئة
ود فن في داره برح بة يعقوب يع ني ببغداد قال ولم يغ ير شي بة وكان ال سواد ف يه كثيرا وكان
أسمر أقرب إلى الدمة (السواد) أعين نحيف الجسم طويل فصيحا وشيعه من ل يحصيهم إل
ال تعالى.
المام مالك
يروى في فضله ومناقبه الكثير ولكن أهمها ما روي [عن أبي هريرة يبلغ به النبي (صلى
ال عليـه وسـلم) قال ليضربـن الناس أكباد البـل فـي طلب العلم فل يجدون عالمـا أعلم مـن
عالم المدينة]
إنه المام مالك بن أنس إمام دار الهجرة ،وصاحب أحد المذاهب الفقهية الربعة في السلم
و هو المذ هب المال كي ،و صاحب ك تب ال صحاح في ال سنة النبو ية و هو كتاب المو طأ .يقول
المام الشافعي :إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
نسبه ومولده
وأمه هي عالية بنت شريك الزدية وأعمامه هم أبو سهل نافع وأويس والربيع والنضر أولد
أبي عامر.
ولد مالك على الصـح فـي سـنة 93هــ عام موت أنـس خادم رسـول ال (صـلى ال عليـه
وسلم) ونشأ في صون ورفاهية وتجمل
طلبه للعلم
طلب المام مالك العلم وهو حدث لم يتجاوز بضع عشرة سنة من عمره وتأهل للفتيا وجلس
للفادة وله إحدى وعشرون سـنة وقصـده طلبـة العلم وحدث عنـه جماعـة وهـو بعـد شاب
طري.
عن ابن عيينة قال مالك عالم أهل الحجاز وهو حجة زمانه.
وعن ابن عيينة أيضا قال كان مالك ل يبلغ من الحديث إل صحيحا ول يحدث إل عن ثقة ما
أرى المدينة إل ستخرب بعد موته يعني من العلم.
ـ روي عن وه يب وكان من أب صر الناس بالحد يث والرجال أ نه قدم المدي نة قال فلم أرى
أحدا إل تعرف وتنكر إل مالكا ويحيى بن سعيد النصاري.
روي عن أبي موسى الشعري قال [قال رسول ال (صلى ال عليه وسلم) يخرج ناس من
المشرق والمغرب في طلب العلم فل يجدون عال ما أعلم من عالم المدي نة] ويروى عن ا بن
عيينة قال كنت أقول هو سعيد بن المسيب حتى قلت كان في زمانه سليمان بن يسار وسالم
بن عبد ال وغيرهما ثم أصبحت اليوم أقول إنه مالك لم يبق له نظير بالمدينة.
قال القاضي عياض هذا هو الصحيح عن سفيان رواه عنه ابن مهدي وابن معين وذؤيب بن
عما مه وا بن المدي ني والزب ير بن بكار وإ سحاق بن أ بي إ سرائيل كل هم سمع سفيان يف سره
بمالك أو يقول وأظنه أو أحسبه أو أراه أو كانوا يرونه.
وذكـر أبـو المغيرة المخزومـي أن معناه مـا دام المسـلمون يطلبون العلم ل يجدون أعلم مـن
عالم بالمدينة فيكون على هذا سعيد بن المسيب ثم بعده من هو من شيوخ مالك ثم مالك ثم
من قام بعده بعلمه وكان أعلم أصحابه.
ولم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكا في العلم والفقه والجللة والحفظ فقد كان
ب ها ب عد ال صحابة م ثل سعيد بن الم سيب والفقهاء ال سبعة والقا سم و سالم وعكر مة ونا فع
وطبقت هم ثم ز يد بن أ سلم وا بن شهاب وأ بي الزناد ويح يى بن سعيد و صفوان بن سليم
وربيعة بن أبي عبد الرحمن وطبقتهم فلما تفانوا اشتهر ذكر مالك بها وابن أبي ذئب وعبد
العز يز بن الماجشون و سليمان بن بلل وفل يح بن سليمان وأقران هم فكان مالك هو المقدم
فيهم على الطلق والذي تضرب إليه آباط البل من الفاق رحمه ال تعالى.
قال أ بو عبد ال الحاكم ما ضربت أكباد ال بل من النوا حي إلى أحد من علماء المدي نة دون
مالك واعترفوا له وروت الئمة عنه ممن كان أقدم منه سنا كالليث عالم أهل مصر والمغرب
والوزاعي عالم أهل الشام ومفتيهم والثوري وهو المقدم بالكوفة وشعبة عالم أهل البصرة
إلى أن قال وح مل ع نه قبل هم يح يى بن سعيد الن صاري ح ين وله أ بو جع فر قضاء القضاة
ف سأل مال كا أن يك تب له مائة حد يث ح ين خرج إلى العراق و من ق بل كان ا بن جر يج ح مل
عنه.
قصة الموطأ
يروي أ بو م صعب فيقول :سمعت مال كا يقول دخلت على أ بي جع فر أم ير المؤمن ين و قد نزل
على فرش له وإذا على بسـاطه دابتان مـا تروثان ول تبولن وجاء صـبي يخرج ثـم يرجـع
فقال لي أتدري من هذا قلت ل قال هذا اب ني وإن ما يفزع من هيب تك ثم ساءلني عن أشياء
من ها حلل ومن ها حرام ثم قال لي أ نت وال أع قل الناس وأعلم الناس قلت ل وال يا أم ير
المؤمنيـن قال بلى ولكنـك تكتـم ثـم قال وال لئن بقيـت لكتبـن قولك كمـا تكتـب المصـاحف
ولبع ثن به إلى الفاق فلحمله نم عل يه.فقال مالك :ل تف عل يا أم ير المؤمن ين ،فإن أ صحاب
رسول تفرقوا في المصار وإن تفعل تكن فتنة!!
مواقف من حياته
روي أن مالكا كان يقول ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني هل تراني موضعا
لذلك سألت ربي عة و سألت يح يى بن سعيد فأمرا ني بذلك فقلت فلو نهوك قال ك نت أنت هي ل
ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه
وقال خلف :دخلت عليه فقلت ما ترى فإذا رؤيا بعثها بعض إخوانه يقول :رأيت النبي (صلى
ال عل يه و سلم) في المنام في م سجد قد اجت مع الناس عل يه فقال ل هم إ ني قد خبأت ت حت
منـبري طيبـا أو علمـا وأمرت مالكـا أن يفرقـه على الناس فانصـرف الناس وهـم يقولون إذا
ينفذ مالك ما أمره به رسول ال (صلى ال عليه وسلم) ثم بكى فقمت عنه.
وروي أن المهدي قدم المدي نة فب عث إلى مالك بأل في دينار أو قال بثل ثة آلف دينار ثم أتاه
الربيـع بعـد ذلك فقال إن أميـر المؤمنيـن يحـب أن تعادله إلى مدينـة السـلم فقال قال النـبي
(صلى ال عليه وسلم) المدينة خير لهم ولو كانوا يعلمون والمال عندي على حاله.
وقدم المهدي المدينة مرة أخرى فبعث إلى مالك فأتاه فقال لهارون وموسى اسمعا منه فبعث
إل يه فلم يجبه ما فأعل ما المهدي فكل مة فقال يا أم ير المؤمن ين العلم يؤ تى أهله فقال صدق
مالك صيرا إليه فلما صارا إليه قال له مؤدبهما اقرأ علينا فقال إن أهل المدينة يقرؤون على
العالم كمـا يقرأ الصـبيان على المعلم فإذا أخطئوا أفتاهـم فرجعوا إلى المهدي فبعـث إلى مالك
فكل مه فقال سمعت ا بن شهاب يقول جمع نا هذا العلم في الرو ضة من رجال و هم يا أم ير
المؤمنين سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعروة والقاسم وسالم وخارجه بن زيد وسليمان بن
يسار ونا فع وعبد الرحمن بن هرمز ومن بعدهم أبو الزناد وربيعه ويحيى بن سعيد وابن
شهاب كـل هؤلء يقرأ عليهـم ول يقرؤون فقال فـي هؤلء قدوة صـيروا إليـه فاقرؤوا عليـه
ففعلوا.
يروي يحيى ابن خلف الطرسوسي وكان من ثقات المسلمين قال كنت عند مالك فدخل عليه
رجل فقال يا أبا عبد ال ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق فقال مالك زنديق اقتلوه فقال يا
أبا عبد ال إنما أحكي كلما سمعته قال إنما سمعته منك وعظم هذا القول.
و عن قتي به قال ك نا إذا دخل نا على مالك خرج إلي نا مزي نا مكحل مطي با قد ل بس من أح سن
ثيابه وتصدر الحلقة ودعا بالمراوح فأعطى لكل منا مروحة.
و عن مح مد بن ع مر قال كان مالك يأ تي الم سجد فيش هد ال صلوات والجم عة والجنائز ويعود
المر ضى ويجلس في الم سجد فيجت مع إل يه أ صحابه ثم ترك الجلوس فكان ي صلي وين صرف
وترك شهود الجنائز ثم ترك ذلك كله والجمعة واحتمل الناس ذلك كله وكانوا أرغب ما كانوا
فيه وربما كلم في ذلك فيقول ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره.
وكان يجلس في منزله على ضجاع له ونمارق مطرو حة في منزله يم نة وي سرة ل من يأت يه
مـن قريـش والنصـار والناس ،وكان مجلسـه مجلس وقار وحلم قال وكان رجل مهيبـا نـبيل
ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ول رفع صوت وكان الغرباء يسألونه عن الحديث
فل يجيب إل في الحد يث بعد الحد يث وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه وكان له كاتب قد نسخ
كتبه يقال له حبيب يقرأ للجماعة ول ينظر أحد في كتابه ول يستفهم هيبة لمالك وإجلل له
وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك وكان ذلك قليل قال ابن وهب سمعت مالكا يقول ما
أكثر أحد قط فأفلح.
وقيـل لمالك لم ل تأخـذ عـن عمرو بـن دينار قال :أتيتـه فوجدتـه يأخذون عنـه قيامـا فأجللت
حديث رسول ال (صلى ال عليه وسلم) أن آخذه قائما.
ويروى عن ابن وهب قال :سمعت مالكا يقول لرجل سأله عن القدر نعم قال ال تعالى {ولو
شئنا لتينا كل نفس هداها}(السجدة)12:
وفـي روايـة أخرى قال :الرحمـن على العرش اسـتوى ،كمـا وصـف نفسـه ول يقال له كيـف
وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه.
من كلماته
العلم ينقص ول يزيد ولم يزل العلم ينقص بعد النبياء والكتب.
وال ما دخلت على ملك من هؤلء الملوك حتى أصل إليه إل نزع ال هيبته من صدري.
أعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم النسان بكل ما يسمع.
ما تعلمت العلم إل لنفسي وما تعلمت ليحتاج الناس إلي وكذلك كان الناس.
ل يؤ خذ العلم عن أرب عة سفيه يعلن ال سفه وإن كان أروى الناس و صاحب بد عة يد عو إلى
هواه ومن يكذب في حديث الناس وإن كنت ل أتهمه في الحديث وصالح عابد فاضل إذا كان
ل يحفظ ما يحدث به.
عن عيسى بن عمر قال ما رأيت قط بياضا ول حمرة أحسن من وجه مالك ول أشد بياض
ثوب من مالك ،ونقـل غ ير واحـد أ نه كان طوال ج سيما عظ يم الهامـة أش قر أب يض الرأس
واللحية عظيم اللحية أصلع وكان ل يحفي شاربه ويراه مثله.
وقيل كان أزرق العين ،محمد بن الضحاك الحزامي كان مالك نقي الثوب رقيقه يكثر اختلف
اللبوس ،و قال أشهب كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه.
إمام في الحديث
كان المام مالك من أئ مة الحد يث في المدي نة ،يقول يح يى القطان ما في القوم أ صح حدي ثا
من مالك كان إما ما في الحد يث ،قال الشاف عي قال مح مد بن الح سن أق مت ع ند مالك ثلث
سنين وكسرا وسمعت من لفظه أكثر من سبعمائة حديث فكان محمد إذا حدث عن مالك امتل
منزله وإذا حدث عن غيره من الكوفيين لم يجئه إل اليسير.
قال ابن مهدي أئمة الناس في زمانهم أربعة الثوري ومالك والوزاعي وحماد بن زيد وقال
ما رأيت أحدا أعقل من مالك.
تعرض المام مالك لمحنـة وبلء بسـبب حسـد ووشايـة بينـه وبيـن والي المدينـة جعفـر بـن
سليمان ويروى أ نه ضرب بال سياط ح تى أ ثر ذلك على يده فيقول إبراه يم بن حماد أ نه كان
ينظـر إلى مالك إذا أقيـم مـن مجلسـه حمـل يده بالخرى ،ويقول الواقدي لمـا ولي جعفـر بـن
سليمان المدي نة سعوا بمالك إل يه وكثروا عل يه عنده وقالوا ل يرى أيمان بيعت كم هذه بش يء
وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الحنف في طلق المكره أنه ل يجوز عنده قال فغضب
جعفر فدعا بمالك فاحتج عليه بما رفع إليه عنه فأمر بتجريده وضربه بالسياط وجبذت يده
حتى انخلعت من كتفه وارتكب منه أمر عظيم فواال ما زال مالك بعد في رفعة وعلو ،وهذه
ثمرة المحنة المحمودة أنها ترفع العبد عند المؤمنين وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا ويعفو
ال عن كثير ومن يرد ال به خيرا يصيب منه وقال النبي (صلى ال عليه وسلم) كل قضاء
المؤ من خ ير له وقال ال تعالى {ولنبلون كم ح تى نعلم المجاهد ين من كم وال صابرين} (مح مد:
)31وأنزل ال تعالى في وقعه أحد قوله {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني
هذا قل هو من ع ند أنف سكم}(آل عمران )165:وقال {و ما أ صابكم من م صيبة فب ما ك سب
أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى)30:
فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه فال حكم مقسط ثم
يحمد ال على سلمة دينه ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له.
ع ني العلماء بتحق يق وتأل يف الك تب حول تراث المام مالك ،و ما زال العلماء قدي ما وحدي ثا
لهم أتم اعتناء برواية الموطأ ومعرفته وتحصيله
قال القع نبي سمعتهم يقولون ع مر مالك ت سعا وثمان ين سنة مات سنة ت سع و سبعين ومئة
وقال إسماعيل بن أبي أويس مرض مالك فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت قالوا تشهد
ثم قال {ل المر من قبل ومن بعد} (الروم ،)4:وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الول
سنة تسع وسبعين ومائة فصلى عليه المير عبد ال بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي
بن عبد ال بن عباس الهاشمي.
الحسن البصري
التابعى الجليل
وصف بأنه من كان من سادات التابعين وكبرائهم ،وجمع كل فن من علم وزهد وورع
وعبادة ومن القلئل الذين أجرى ال الحكمة على ألسنتهم فكان كلمه حكمة وبلغة إنه
التابعي الجليل الحسن البصري.
نسبه ونشأته
هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري ،ولد الحسن في أواخر خلفة عمر بن
الخطاب رضي ال عنه بالمدينة ،وأبوه مولى زيد بن ثابت النصاري رضي ال عنه وأمه
خيرة مولة أم سلمة زوج النبي وكانت أمه ربما غابت في حاجة فيبكي فتعطيه أم سلمة
رضي ال عنها ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فدر عليه ثديها فشربه فيرون أن تلك
الحكمة والفصاحة من بركة ذلك.
ونشأ الحسن بوادي القرى وكان من أجمل أهل البصرة حتى سقط عن دابته فحدث بأنفه ما
حدث.
وحكى الصمعي عن أبيه قال ما رأيت أعرض زندا من الحسن كان عرضه شبرا .وقال أبو
عمرو بن العلء ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج ابن يوسف الثقفي فقيل
له فأيهما كان أفصح قال الحسن.
مواقف من حياته
كان الحسن يقص (يحكى القصص) في الحج فمر به علي بن الحسين فقال له يا شيخ
أترضى نفسك للموت قال ل قال فلله في أرضه معاد غير هذا البيت قال ل قال فثم دار للعمل
غير هذه الدار قال ل قال فعملك للحساب قال ل قال فلم تشغل الناس عن طواف البيت قال:
فما قص الحسن بعدها.
***
وقيل إن رجل أتى الحسن فقال يا أبا سعيد إني حلفت بالطلق أن الحجاج في النار فما
تقول أقيم مع امرأتي أم أعتزلها فقال له قد كان الحجاج فاجرا فاسقا وما أدري ما أقول لك
إن رحمة ال وسعت كل شيء وإن الرجل أتى محمد بن سيرين فأخبره بما حلف فرد عليه
شبيها بما قاله الحسن وإنه أتى عمرو بن عبيد فقال له أقم مع زوجتك فإن ال تعالى إن
غفر للحجاج لم يضرك الزنا ذكر ذلك.
***
****
وقيل له أل ترى كثرة الوباء فقال أنفق ممسك وأقلع مذنب واتعظ جاحد.
****
ونظر إلى جنازة قد ازدحم الناس عليها فقال ما لكم تزدحمون ها تلك هي ساريته في
المسجد اقعدوا تحتها حتى تكونوا مثله.
***
وحدث الحسن بحديث فقال له رجل يا أبا سعيد عن من فقال وما تصنع بعن من أما أنت
فقد نالتك موعظته وقامت عليك حجته.
***
وقال لفرقد بن يعقوب بلغني أنك ل تأكل الفالوذج فقال يا أبا سعيد أخاف أل أؤدي شكره قال
الحسن يا لكع هل تقدر تؤدي شكر الماء البارد الذي تشربه.
***
وقيل للحسن إن فلنا اغتابك فبعث إليه طبق حلوى وقال بلغني أنك أهديت إلي حسناتك
فكافأتك بهذا
***
ولما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق وأضيفت إليه خراسان وذلك في أيام يزيد بن عبد
الملك استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وذلك في سنة ثلث ومائة فقال
لهم إن يزيد خليفة ال استخلفه على عباده وأخذ عليهم الميثاق بطاعته وأخذ عهدنا بالسمع
والطاعة وقد ولني ما ترون فيكتب إلي بالمر من أمره فأنفذ ذلك المر فما ترون؟! فقال
ابن سيرين والشعبي قول فيه تقية فقال ابن هبيرة ما تقول يا حسن فقال يا ابن هبيرة خف
ال في يزيد ول تخف يزيد في ال إن ال يمنعك من يزيد وإن يزيد ل يمنعك من ال وأوشك
أن يبعث إليك ملكا فيزيلك عن سريرك ،ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم ل
ينجيك إل عملك يا ابن هبيرة إن تعص ال فإنما جعل ال هذا السلطان ناصرا لدين ال
وعباده فل تركبن دين ال وعباده بسلطان ال فإنه ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق
فأجازهم ابن هبيرة وأضعف جائزة الحسن فقال الشعبي لبن سيرين سفسفنا له فسفسف
لنا.
من كلماته
ورأى الحسن يوما رجل وسيما حسن الهيئة فسأل عنه فقيل إنه يسخر للملوك ويحبونه
فقال ل أبوه ما رأيت أحدا طلب الدنيا بما يشبهها إل هذا.
وفاته
وتوفي بالبصرة مستهل رجب سنة عشر ومائة رضي ال عنه وكانت جنازته مشهودة قال
حميد الطويل توفي الحسن عشية الخميس وأصبحنا يوم الجمعة ففرغنا من أمره وحملناه
بعد صلة الجمعة ودفناه فتبع الناس كلهم جنازته واشتغلوا به فلم تقم صلة العصر بالجامع
ول أعلم أنها تركت منذ كان السلم إل يومئذ لنهم تبعوا كلهم الجنازة حتى لم يبق بالمسجد
من يصلي العصر وأغمي على الحسن عند موته ثم أفاق فقال لقد نبهتموني من جنات
وعيون ومقام كريم.
وقال رجل قبل موت الحسن لبن سيرين رأيت كأن طائرا أخذ أحسن حصاة بالمسجد فقال
إن صدقت رؤياك مات الحسن فلم يكن إل قليل حتى مات الحسن.
ولم يشهد ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما ثم توفي بعده بمائة يوم.
الشافعي
قال له المام مالك :إن ال تعالى قد ألقى في قلبك نورًا فل تطفئه بالمعصية ،واتق ال فإنه
سيكون لك شأن!!
في غزة بأرض فلسطين سنة 150هـ ،وضعت (فاطمة بنت عبد ال الزدية) مولودها (محمد
بن إدريس الشافعي) في نفس العام الذي توفي فيه المام (أبو حنيفة) ليموت عالم ويولد عالم،
يمل الرض علمًا ويحيي سنة رسول ال -صلى ال عليه وسلم -ويلتقي الشافعي مع الرسول
-صلى ال عليه وسلم -في الجدّ العلى.
فتح الشافعي عينيه على الحياة ،فلم يجد والده بجانبه ،حيث مات بعد ولدته بزمن قصير ،فنشأ
يتيمًا ،لكن أمه الطاهرة عوضته بحنانها عن فقدان أبيه ،وانتقلت به أمه إلى مكة وهو ابن
سنتين ،ففيها أهله وعشيرته وعلماء السلم ،وظلت تربيه تربية صالحة ،وترعاه ،وتأمل أن
يكون من العلماء الصالحين؛ الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
حفظ الشافعي القرآن الكريم وسنه سبع سنين ،ثم شرع في حفظ أحاديث رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،وأمه تشجعه وتشد من أزره وتحنو عليه ،ولما كان الشافعي ل يقوى على دفع أجر
المحفظ أو شراء الورق الذي يسجل فيه محفوظاته؛ كان يطوف شوارع وطرقات مكة يجمع
قطع الجلود وسعف النخيل وعظام الجمال ليكتب عليها!!
وكما أتقن الشافعي تحصيل العلم أتقن الرمي ،حتى كان يرمي عشرة سهام ،فل يخطئ في سهم
واحد منها ،ثم أرسلته أمه إلى قبيلة (هذيل) في البادية ،وهي قبيلة معروفة بالفصاحة والبلغة؛
فمكث بينهم سبع سنين يتعلم لغتهم ،ويحفظ
أشعارهم ،حتى عاد إلى مكة فصيح اللسان ،ينشد الشعار ،ويذكر الداب وأخبار العرب إلى أن
اتجه إلى طريق الفقه والحديث ،فرحل الشافعي إلى مدينة رسول ال صلى ال عليه وسلم،
ليلتقي بعالم المدينة المام (مالك بن أنس) إمام دار الهجرة ،ولما التقي به قال له المام مالك :إن
ال تعالى قد ألقى على قلبك نورًا ،فل تطفئه بالمعصية ،واتق ال فإنه سيكون لك شأن.
وأخذ الشافعي بتلك النصيحة الغالية ،فما مال إلى شرّ ،ول جنح إلى لهو أو مجون ،بل كان قانعًا
بما قسم ال له ،يرضى بالقليل ،ويقنع باليسير ،ويزداد زهدًا كلما وقف على قيمة الدنيا ،ويعيش
في محراب الحق مسبحًا مناجيًا ،يعبد ال بلسانه وقلبه ،وظل الشافعي يتتلمذ على يد المام
(مالك) حتى انتقل عالم المدينة إلى جوار ربه ،لكن الشافعي رحل من بلد إلى أخرى ،يتعلم على
أيدي علمائها وشيوخها ،فتعلم في العراق على يد (محمد بن الحسن) تلميذ أبي حنيفة وغيره،
وهناك ظهرت صلبة الشافعي وقوته وقدرته على التحمل والصبر؛ حيث إن بعض الوشاة قد
اتهموه عند أمير المؤمنين (هارون الرشيد) بالتشيع ومناصرة العلويين ،ولكنه استطاع بثقته في
ال ورباطة جأشه أن ينفي هذه التهمة عن نفسه.
ثم ترك بغداد إلى مكة حيث تعلم على يد (مسلم بن خالد الزنجي) و(سفيان بن عيينة) وفي
الحرم المكي أخذ الشافعي يلقي دروسه ،وحضر مجلسه أناس من جميع القطار والبلدان،
والتقى به كبار العلماء وخاصة في مواسم الحج ،ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة 195هـ،
وكان له بها مجلس علم يحضره العلماء يستزيدون من
علمه ،ويقصده الطلب من كل مكان.
وجاء الشافعي إلى مصر في عام 198هـ ،لينشر مذهبه فيها ،وليبتعد عن جو الضطرابات
السياسية في العراق ،وألقى دروسه بجامع (عمرو بن العاص) وأحبه المصريون وأحبهم ،وبقي
في (مصر) خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم
ومن أشهر مؤلفاته :كتاب (الم) في الفقه ،وكتاب (الرسالة) في أصول الفقه ،وهو يُعدّ أول
كتاب يُصنف في هذا العلم.
وقد لقي الشافعي تقديرًا كبيرًا من فقهاء عصره ومن بعدهم ،سأل عبد ال بن
أحمد بن حنبل والده عن الشافعي فقال :يا بني ،كان الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للبدن.
وقيل فيه :
ومَنْ َيكُ عِلمُ الشافعي إمَامــهَ
فمرتعه في باحة العلم واســع
وكان أحمد بن حنبل -أحد تلميذه -يحرص على أل يفوته درس الشافعي ،ويقول لحد أصحابه:
(يا أبا يعقوب ،اقتبس من الرجل ،فإنه ما رأت عيناي مثله) وكان (سفيان بن عيينة) أستاذ
الشافعي يستفسر منه عن بعض الحكام الفقهية التي لم يقف عليها.
وكان الشافعي يقضي الساعات الطوال في دروس متصلة ،ينتقل من علم إلى
علم ،يجلس في حلقته إذا صلى الفجر ،فيأتيه من يريدون تعلم القرآن ،فإذا طلعت الشمس قاموا
وجاء طلب الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه ،فإذا انتهوا جاء بعدهم من يريدون تعلم العربية
والعروض والنحو الشعر ،ويستمر الشافعي في دروسه من بعد صلة الفجر حتى صلة
الظهر!!
وكما كان الشافعي فقيهًا ومحدثًا كبيرًا ،كان أيضًا شاعرًا رقيقًا فاض شعره بالتقرب إلى ال ،فها
هو ذا يستغفر ال ويدعوه قائل:
ت مذاهبـــي ولما قَسا قَلْبي وضاقَ ْ
ت رجائي نحو عفوِك سُلّمــًا جعل ُ
ظمَني ذَنبْي فلمّا قِ َر ْنتُــــــــهُ
تعا َ
عظَمـا ك ربّي كــان عفُوك َأ ْ بعفْـ ِو َ
ويوصي الشافعي من خلل شعره بأل نرد على السفيه قائلً:
إذا نطق السفيه فل تجبـــــــه
فخير من إجابته السكــــــوت
فإن كلمته فرجت عنــــــــه
وإن خليته كمــدًا يمـــــوت
ويصور عزة نفسه ،وإن كانت ثيابه قديمه بالية ،فتحتها نفس أبية عزيزة غالية ل مثيل لها
فيقول:
عليّ ثياب لو يباع جميعهــــا
بفلس لكان الفلس منهـن أكْثـَرا
س ببعْضِهــا وفيهن نفسٌ لو يُقا ُ
نفوسٌ الورى كانت أجلّ وأ ْكبَرا
ومرض الشافعي ،وقربت ساعة وفاته؛ فدخل عليه أحد أصحابه وقال له :كيف أصبحت؟ فأجاب
الشافعي :أصبحت من الدنيا راحلً ،ولخواني مفارقًا ،ومن كأس المنية شاربًا ،ولسوء عملي
ملقيًا ،وعلى الكريم سبحانه واردًا ،ول وال ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها أو إلى
النار فأعزيها.
ومات الشافعي ليلة الجمعة من آخر رجب عام 204هـ ،وبعد صلة العصر خرجت الجنازة من
بيت الشافعي (بمصر) مخترقة شوارع الفسطاط وأسواقها ،حتى وصلت إلى درب السباع؛ حيث
أمرت السيدة نفيسة -رضي ال عنها -بإدخال النعش إلى بيتها ،ثم نزلت إلى فناء الدار وصلت
عليه صلة الجنازة ،وقالت :رحم ال الشافعي إنه كان يحسن الوضوء.
الشيخ الشعراوي
الشيخ الشعراوي
عرف بأسلوبه العذب البسيط في تفسير القرآن ،وكان تركيزه على النقاط اليمانية في
تفسيره جعله يقترب من قلوب الناس ،وبخاصة وأن أسلوبه يناسب جميع المستويات
والثقافات.
مولده وتعليمه
ولد فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في 5أبريل عام 1911م بقرية دقادوس مركز
ميت غمر بمحافظة الدقهلية وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره.
في عام 1926م التحق الشيخ الشعراوي بمعهد الزقازيق البتدائي الزهري ،وأظهر نبوغا
منذ الصغر في حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم ،ثم حصل على الشهادة البتدائية
الزهرية سنة 1923م ،ودخل المعهد الثانوي ،وزاد اهتمامه بالشعر والدب ،و حظى بمكانة
خاصة بين زملئه ،فاختاروه رئيسًا لتحاد الطلبة ،ورئيسًا لجمعية الدباء بالزقازيق ،وكان
معه في ذلك الوقت الدكتور محمد عبد المنعم خفاجى ،والشاعر طاهر أبو فاشا ،والستاذ
خالد محمد خالد والدكتور أحمد هيكل والدكتور حسن جاد ،وكانوا يعرضون عليه ما يكتبون.
وكانت نقطة تحول في حياة الشيخ الشعراوي ،عندما أراد له والده إلحاقه بالزهر الشريف
بالقاهرة ،وكان الشيخ الشعراوي يود أن يبقى مع إخوته لزراعة الرض ،ولكن إصرار
الوالد دفعه لصطحابه إلى القاهرة ،ودفع المصروفات وتجهيز المكان للسكن.
فما كان من الشيخ إل أن اشترط على والده أن يشتري له كميات من أمهات الكتب في
التراث واللغة وعلوم القرآن والتفاسير وكتب الحديث النبوي الشريف ،كنوع من التعجيز
حتى يرضى والده بعودته إلى القرية.
والتحق الشعراوي بكلية اللغة العربية سنة 1937م ،وانشغل بالحركة الوطنية والحركة
الزهرية ،فثورة سنة 1919م اندلعت من الزهر الشريف ،ومن الزهر خرجت المنشورات
التي تعبر عن سخط المصريين ضد النجليز المحتلين .ولم يكن معهد الزقازيق بعيدًا عن
قلعة الزهر الشامخة في القاهرة ،فكان الشيخ يزحف هو وزملئه إلى ساحات الزهر
وأروقته ،ويلقى بالخطب مما عرضه للعتقال أكثر من مرة ،وكان وقتها رئيسًا لتحاد
الطلبة سنة 1934م.
التدرج الوظيفي
تخرج الشيخ عام 1940م ،وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943م.
بعد تخرجه عين الشعراوي في المعهد الديني بطنطا ،ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهد الديني
بالزقازيق ثم المعهد الديني بالسكندرية وبعد فترة خبرة طويلة انتقل الشيخ الشعراوي إلى
العمل في السعودية عام 1950ليعمل أستاذًا للشريعة بجامعة أم القرى.
ولقد اضطر الشيخ الشعراوي أن يدرّس مادة العقائد رغم تخصصه أصلً في اللغة وهذا في
حد ذاته يشكل صعوبة كبيرة إل أن الشيخ الشعراوي استطاع أن يثبت تفوقه في تدريس
هذه المادة لدرجة كبيرة لقت استحسان وتقدير الجميع .وفي عام 1963حدث الخلف بين
الرئيس جمال عبد الناصر وبين الملك سعود .وعلى أثر ذلك منع الرئيس عبد الناصر الشيخ
الشعراوي من العودة ثانية إلى السعودية وعين في القاهرة مديرًا لمكتب شيخ الزهر
الشريف الشيخ حسن مأمون .ثم سافر بعد ذلك الشيخ الشعراوي إلى الجزائر رئيسًا لبعثة
الزهر هناك ومكث بالجزائر حوالي سبع سنوات قضاها في التدريس وأثناء وجوده في
الجزائر حدثت نكسة يونيو ،1967وقد تألم الشيخ الشعراوي كثيرًا لقسى الهزائم العسكرية
التي منيت بها مصر والمة العربية وحين عاد الشيخ الشعراوي إلى القاهرة وعين مديرًا
لوقاف محافظة الغربية فترة ،ثم وكيل للدعوة والفكر ،ثم وكيلً للزهر ثم عاد ثانية إلى
المملكة العربية السعودية ،حيث قام بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز.
وفي نوفمبر 1976م اختار السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك أعضاء وزارته ،وأسند
إلى الشيخ الشعراوي وزارة الوقاف وشئون الزهر .فظل الشعراوي في الوزارة حتى
أكتوبر عام 1978م.
وبعد أن ترك بصمة طيبة على جبين الحياة القتصادية في مصر ،فهو أول من أصدر قرارًا
وزاريًا بإنشاء أول بنك إسلمي في مصر وهو (بنك فيصل) حيث إن هذا من اختصاصات
وزير القتصاد أو المالية (د .حامد السايح في هذه الفترة) ،الذي فوضه ،ووافقه مجلس
الشعب على ذلك.
وقال في ذلك :إنني راعيت وجه ال فيه ولم أجعل في بالي أحدًا لنني علمت بحكم تجاربي
في الحياة أن أي موضوع يفشل فيه النسان أو تفشل فيه الجماعة هو الموضوع الذي يدخل
هوى الشخص أو أهواء الجماعات فيه .أما إذا كانوا جميعًا صادرين عن هوى الحق وعن
مراده ،فل يمكن أبدًا أن يهزموا ،وحين تدخل أهواء الناس أو الشخاص ،على غير مراد
ال ،تتخلى يد ال.
وفي سنة 1987م اختير فضيلته عضوا بمجمع اللغة العربية (مجمع الخالدين) .وقرّظه
زملؤه بما يليق به من كلمات ،وجاء انضمامه بعد حصوله على أغلبية الصوات (
40عضوًا) .وقال يومها :ما أسعدني بهذا اللقاء ،الذي فرحت به فرحًا على حلقات :فرحت
به ترشيحًا لي ،وفرحت به ترجيحًا لي ،وفرحت به استقبالً لي ،لنه تكريم نشأ عن إلحاق ل
عن لحوق ،واللحاق استدعاء ،أدعو ال بدعاء نبيه محمد صلى ال عليه وسلم :اللهم إني
أستعيذك من كل عمل أردت به وجهك مخالطا فيه غيرك .فحين رشحت من هذا المجمع
آمنت بعد ذلك أننا في خير دائم ،وأننا لن نخلو من الخير ما دام فينا كتاب ال ،سألني
البعض :هل قبلت النضمام إلى مجمع الخالدين ،وهل كتب الخلود لحد؟ وكان ردي :إن
الخلود نسبي ،وهذا المجمع مكلف بالعربية ،واللغة العربية للقرآن ،فالمجمع للقرآن،
وسيخلد المجمع بخلود القرآن.
أسرة الشعراوي
تزوج الشيخ الشعراوي وهو في البتدائية بناء على رغبة والده الذي اختار له زوجته،
ووافق الشيخ على اختياره ،وكان اختيارًا طيبًا لم يتعبه في حياته ،وأنجب الشعراوي ثلثة
أولد وبنتين ،الولد :سامي وعبد الرحيم وأحمد ،والبنتان فاطمة وصالحة .وكان الشيخ
يرى أن أول عوامل نجاح الزواج هو الختيار والقبول من الطرفين .وعن تربية أولده
يقول :أهم شيء في التربية هو القدوة ،فإن وجدت القدوة الصالحة سيأخذها الطفل تقليدًا،
وأي حركة عن سلوك سيئ يمكن أن تهدم الكثير.
فالطفل يجب أن يرى جيدًا ،وهناك فرق بين أن يتعلم الطفل وأن تربي فيه مقومات الحياة،
فالطفل إذا ما تحركت ملكاته وتهيأت للستقبال والوعي بما حوله ،أي إذا ما تهيأت أذنه
للسمع ،وعيناه للرؤية ،وأنفه للشم ،وأنامله للمس ،فيجب أن نراعي كل ملكاته بسلوكنا
المؤدب معه وأمامه ،فنصون أذنه عن كل لفظ قبيح ،ونصون عينه عن كل مشهد قبيح.
وإذا أردنا أن نربي أولدنا تربية إسلمية ،فإن علينا أن نطبق تعاليم السلم في أداء
الواجبات ،وإتقان العمل ،وأن نذهب للصلة في مواقيتها ،وحين نبدأ الكل نبدأ باسم ال،
وحين ننتهي منه نقول :الحمد ل ..فإذا رآنا الطفل ونحن نفعل ذلك فسوف يفعله هو الخر
حتى وإن لم نتحدث إليه في هذه المور ،فالفعل أهم من الكلم.
منح المام الشعراوي وسام الستحقاق من الدرجة الولى لمناسبة بلوغه سن التقاعد في
15/4/1976م قبل تعيينه وزيرًا للوقاف وشئون الزهر.
ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الولى عام 1983م وعام 1988م ،ووسام في يوم
الدعاة.
اختارته رابطة العالم السلمي بمكة المكرمة عضوًا بالهيئة التأسيسية لمؤتمر العجاز
العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية ،الذي تنظمه الرابطة ،وعهدت إليه بترشيح من
يراهم من المحكمين في مختلف التخصصات الشرعية والعلمية ،لتقويم البحاث الواردة إلى
المؤتمر.
أعدت حوله عدة رسائل جامعية منها رسالة ماجستير عنه بجامعة المنيا ـ كلية التربية ـ
قسم أصول التربية ،وقد تناولت الرسالة الستفادة من الراء التربوية لفضيلة الشيخ
الشعراوي في تطوير أساليب التربية المعاصرة في مصر.
جعلته محافظة الدقهلية شخصية المهرجان الثقافي لعام 1989م والذي تعقده كل عام لتكريم
أحد أبنائها البارزين ،وأعلنت المحافظة عن مسابقة لنيل جوائز تقديرية وتشجيعية ،عن
حياته وأعماله ودوره في الدعوة السلمية محليًا ،ودوليًا ،ورصدت لها جوائز مالية
ضخمة.
للشيخ الشعراوي عدد من المؤلفات ،قام عدد من محبيه بجمعها وإعدادها للنشر ،وأشهر
هذه المؤلفات وأعظمها تفسير الشعراوي للقرآن الكريم ،ومن هذه المؤلفات:
السراء والمعراج.
الفتاوى.
معجزة القرآن.
القضاء والقدر.
هذا هو السلم.
الشاعر
عشق الشيخ الشعراوي ـ رحمه ال ـ اللغة العربية ،وعرف ببلغة كلماته مع بساطة في
السلوب ،وجمال في التعبير ،ولقد كان للشيخ باع طويل مع الشعر ،فكان شاعرا يجيد
التعبير بالشعر في المواقف المختلفة ،وخاصة في التعبير عن آمال المة أيام شبابه ،عندما
كان يشارك في العمل الوطني بالكلمات القوية المعبرة ،وكان الشيخ يستخدم الشعر أيضا في
تفسير القرآن الكريم ،وتوضيح معاني اليات ،وعندما يتذكر الشيخ الشعر كان يقول
"عرفوني شاعرا"
وعن منهجه في الشعر يقول :حرصت على أن أتجه في قصائدي إلى المعنى المباشر من
أقصر طريق ..بغير أن أحوم حوله طويل ..لن هذا يكون القرب في الوصول إلى أعماق
القلوب .خاصة إذا ما عبرت الكلمات بسيطة وواضحة في غير نقص .وربما هذا مع
مخاطبتي للعقل هو ما يغلب على أحاديثي الن للناس.
ويتحدث إمام الدعاة فضيلة الشيخ الشعراوي في مذكراته التي نشرتها صحيفة الهرام عن
تسابق أعضاء جمعية الدباء في تحويل معاني اليات القرآنية إلى قصائد شعر .كان من
بينها ما أعجب بها رفقاء الشيخ الشعراوي أشد العجاب إلى حد طبعها على نفقتهم
وتوزيعها .يقول إمام الدعاة ومن أبيات الشعر التي اعتز بها ،ما قلته في تلك الونة في
معنى الرزق ورؤية الناس له .فقد قلت:
وعندما سمع سيدنا الشيخ الذي كان يدرس لنا التفسير هذه البيات قال لي :يا ولد هذه لها
قصة عندنا في الدب .فسألته :ما هي القصة :فقال :قصة شخص اسمه عروة بن أذينة..
وكان شاعرا بالمدينة وضاقت به الحال ،فتذكر صداقته مع هشام بن عبد الملك ..أيام أن
كان أمير المدينة قبل أن يصبح الخليفة .فذهب إلى الشام ليعرض تأزم حالته عليه لعله يجد
فرجا لكربه .ولما وصل إليه استأذن على هشام ودخل .فسأله هشام كيف حالك يا عروة؟.
فرد :وال إن الحال قد ضاقت بي ..فقال لي هشام :ألست أنت القائل:
لقد علمت وما الشراق من خلقي***إن الذي هـو رزقي سوف يأتيني
واستطرد هشام متسائل :فما الذي جعلك تأتي إلى الشام وتطلب مني ..فأحرج عروة الذي
قال لهشام :جزاك ال عني خيرا يا أمير المؤمنين ..لقد ذكرت مني ناسيا ،ونبهت مني
غافل ..ثم خرج..
وبعدها غضب هشام من نفسه لنه رد عروة مكسور الخاطر ..وطلب القائم على خزائن بيت
المال وأعد لعروة هدية كبيرة وحملوها على الجمال ..وقام بها حراس ليلحقوا بعروة في
الطريق ..وكلما وصلوا إلى مرحلة يقال لهم :كان هنا ومضى .وتكرر ذلك مع كل المراحل
إلى أن وصل الحراس إلى المدينة ..فطرق قائد الركب الباب وفتح له عروة ..وقال له :أنا
رسول أمير المؤمنين هشام ..فرد عروة :وماذا أفعل لرسول أمير المؤمنين وقد ردني وفعل
بي ما قد عرفتم ؟..
فقال قائد الحراس :تمهل يا أخي ..إن أمير المؤمنين أراد أن يتحفك بهدايا ثمينة وخاف أن
تخرج وحدك بها ..فتطاردك اللصوص ،فتركك تعود إلى المدينة وأرسل إليك الهدايا معنا..
ورد عروة :سوف أقبلها ولكن قل لمير المؤمنين لقد قلت بيتا ونسيت الخر ..فسأله قائد
الحراس:
وهذا يدلك ـ فيما يضيفه إمام الدعاة ـ على حرص أساتذتنا على أن ينمو في كل إنسان
موهبته ،ويمدوه بوقود التفوق.
مواقف وطنية
ويروي إمام الدعاة الشيخ الشعراوي في مذكراته وقائع متفرقة الرابط بينها أبيات من الشعر
طلبت منه وقالها في مناسبات متنوعة ..وخرج من كل مناسبة كما هي عادته بدرس
مستفاد ومنها مواقف وطنية.
يقول الشيخ :و أتذكر حكاية كوبري عباس الذي فتح على الطلب من عنصري المة وألقوا
بأنفسهم في مياه النيل شاهد الوطنية الخالد لبناء مصر .فقد حدث أن أرادت الجامعة إقامة
حفل تأبين لشهداء الحادث ولكن الحكومة رفضت ..فاتفق إبراهيم نور الدين رئيس لجنة
الوفد بالزقازيق مع محمود ثابت رئيس الجامعة المصرية على أن تقام حفلة التأبين في أية
مدينة بالقاليم .ول يهم أن تقام بالقاهرة ..ولكن لن الحكومة كان واضحا إصرارها على
الرفض لي حفل تأبين فكان لبد من التحايل على الموقف ..وكان بطل هذا التحايل عضو
لجنة الوفد بالزقازيق حمدي المرغاوي الذي ادعى وفاة جدته وأخذت النساء تبكي
وتصرخ ..وفي المساء أقام سرادقا للعزاء وتجمع فيه المئات وظنت الحكومة لول وهلة أنه
حقا عزاء ..ولكن بعد توافد العداد الكبيرة بعد ذلك فطنت لحقيقة المر ..بعد أن أفلت زمام
الموقف وكان أي تصد للجماهير يعني الصطدام بها ..فتركت الحكومة اللعبة تمر على ضيق
منها ..ولكنها تدخلت في عدد الكلمات التي تلقى لكيل تزيد للشخص الواحد على خمس
دقائق ..وفي كلمتي بصفتي رئيس اتحاد الطلبة قلت :شباب مات لتحيا أمته وقبر لتنشر
رايته وقدم روحه للحتف والمكان قربانا لحريته ونهر الستقلل ..ولول مرة يصفق
الجمهور في حفل تأبين .وتنازل لي أصحاب الكلمة من بعدي عن المدد المخصصة لهم..
لكي ألقى قصيدتي التي أعددتها لتأبين الشهداء البررة والتي قلت في مطلعها:
مع الشعراء
وللشيخ الشعراوي ذكريات مع الشعراء والدباء ،شهدت معارك أدبية ساخنة ،وكان للشيخ
فيها مواقف ل تنسى.
يقول الشيخ :حدث أيام الجماعة الدبية التي كنت أرأسها حوالي عام ..1928والتي كانت
تضم معي أصدقاء العمر الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي ـ أطال ال عمره ـ والمرحوم
محمد فهمي عبد اللطيف وكامل أبو العينين وعبد الرحمن عثمان رحمه ال ..حدث أن كانوا
على صلة صداقة مع شاعر مشهور وقتها بطول اللسان والفتراء على أي إنسان اسمه عبد
الحميد الديب ،صاحب قصيدة "دع الشكوى وهات الكأس واسكر" ..والذي لم يسلم أحد من
لسانه ..والذي كان يعيش على هجاء خلق ال إلى أن يمنحوه مال ..وجاءت ذات ليلة
سيرتي أمامه ..وقال له الصدقاء أعضاء الجماعة الدبية عن كل ما أقرضته من قصائد
شعرية ..فرد وقال :الشيخ الشعراوي شاعر كويس ..ولكن ل يصح أن يوصف بأنه شاعر..
ولما سألوه :لماذا؟ ..قال :إن المفترض في شعر الشاعر أن يكون مجودا في كل غرض..
وهو لم يقل شعرا في غرضين بالذات ولما حكوا لي عن هذا الذي قاله الشاعر محجوب عبد
الحميد الديب ..قلت لهم :أما أنني لم أقل شعرا في الغزل ..فأرجو أن تبلغوه بأنني أقرضت
الشعر في الغزل أيضا ..لكنه غزل متورع ..وانقلوا إليه البيات عني ..والتي قلت فيها:
مــن لم يحركه الجمال فناقـص تكوينه*****وسوى خلق ال من يهوي ويسمح دينه
سبحان من خلق الجمال والنهزام لسطوته*****ولهذا يأمرنا بغض الطرف عنه لرحمته
مـن شاء يطلبه فل إل بطــهر شريعته*****وبذا يدوم لنـا التمتــع ها هنا وبجنته
وأما عن الهجاء فقلت لصدقائي :إنني ل أجد موضوعا أتناوله إل أن أهجو عبد الحميد
الديب نفسه ..ولن أشهر به ..ولكن فليأت إلينا ..ويجلس معنا ..وأقول له أنني سوف
أهجوك بكذا وكذا ..ثم أخيره بعد ذلك أن يعلن هجائي له أو ل يعلنه ..وقد تحداني وقدم إلى
منزلي بباب الخلق وسألني :ما الذي سوف تقوله في عبد الحميد الديب يا ابن الشعراوي؟
فقلت له :وال لن أقول شعري في هجائك لحد إلى أن تقوله أنت وأنا أقطع بأنك لن تكرر
على مسامع الناس هجائي لك ..وبالفعل ما سمعه عبد الحميد الديب مني في هجائه لم
يستطع ـ كما توقعت ـ أن يكرره على مسامع أحد ..ولذلك كنت الوحيد من شلة الدباء
الذي سلم من لسانه بعدها .لنه خاف مني وعلم قوتي في شعر الهجاء أيضا ..ومن هنا
ترسخ يقيني بأن التصدي للبطش والقوة ل يكون إل بامتلك نفس السلح ..سلح القوة
ولكن بغير بطش..
أشعار ومناسبات
ويقول الشيخ عن أشعاره في المناسبات المختلفة :كنا في كل مناسبة نعقد ندوات ونلقي
بالشعار ،وكان هذا مبعث نهضة أدبية واسعة في زماننا ..كانت معينا ل ينضب لغذاء القلب
والعقل والروح ل يفرغ أبدا ..وأذكر من هذه اليام أن كنا نحيي في قريتنا ذكرى الوفاء
الولى لرحيل حبيب الشعب سعد زغلول .وطلب مني خالي أن أقرض أبياتا في تأبين
الزعيم ..فقلت على ما أذكر:
ويومها قال لي خالي ومن سمعوني :يا آمين ..قلت وأوجزت ..وعبرت ..عما يجيش في
صدور الخلق.
الليث بن سعد
المام الحافظ
من أشهر الفقهاء في زمانه فاق في علمه وفقهه إمام المدينة المام مالك غير أن تلمذته لم
يقوموا بتدوين علمه وفقهه ونشره في الفاق مثلما فعل تلمذة المام مالك ،وكان المام
الشافعي يقول :الليث أفقه من مالك إل أن أصحابه لم يقوموا به.إنه المام الليث بن سعد
ابن عبد الرحمن المام الحافظ شيخ السلم وعالم الديار المصرية ولد بقرقشندة وهي قرية
من أسفل أعمال مصر في سنة أربع وتسعين للهجرة.
طلبه للعلم
تلقى الليث العلم على عدد من كبار علماء عصره ،فسمع من عطاء بن أبي رباح وابن أبى
مليكة ونافعا العمري وسعيد بن أبي سعيد المقبري وابن شهاب الزهري وأبا الزبير المكي
وغيرهم كثير.
وفي عدة روايات يصف الليث رحلته في طلب العلم :قال ابن بكير سمعت الليث يقول
سمعت بمكة سنة ثلث عشرة ومائة من الزهري وأنا ابن عشرين سنة.
قال يحيى بن بكير أخبرني من سمع الليث يقول كتبت من علم ابن شهاب علما كثيرا وطلبت
ركوب البريد إليه إلى الرصافة فخفت أن ل يكون ذلك ل فتركته ودخلت على نافع فسألني
فقلت أنا مصري فقال ممن قلت من قيس قال ابن كم قلت ابن عشرين سنة قال أما لحيتك
فلحية ابن أربعين قال أبو صالح خرجت مع الليث إلى العراق سنة إحدى وستين ومائة
خرجنا في شعبان وشهدنا الضحى ببغداد قال وقال لي الليث ونحن ببغداد سل عن منزل
هشيم الواسطي فقل له أخوك ليث المصري يقرئك السلم ويسألك أن تبعث إليه شيئا من
كتبك فلقيت هشيما فدفع إلي شيئا فكتبنا منه وسمعتها مع الليث.
مكانته العلمية
يقول الحافظ أبو نعيم :كان الليث رحمه ال فقيه مصر ومحدثها ومحتشمها ورئيسها ومن
يفتخر بوجوده القليم بحيث إن متولي مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره ويرجعون
إلى رأيه ومشورته ولقد أراده المنصور على أن ينوب له على القليم فاستعفى من ذلك.
ولليث أحاديث كثيرة في كتب الصحاح ،ومن الحاديث التي رويت عن الليث ما رواه
الترمذي قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك أن
رسول ال (صلى ال عليه وسلم) [قال يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح
الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من
الدنيا]
قال أبو صالح كان الليث يقرأ بالعراق من فوق على أصحاب الحديث والكتاب بيدي فإذا فرغ
رميت به إليهم فنسخوه.
روى عبد الملك بن شعيب عن أبيه قال قيل لليث أمتع ال بك إنا نسمع منك الحديث ليس
في كتبك فقال أو كل ما في صدري في كتبي لو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب.
وقال عبد ال بن أحمد سمعت أبي يقول أصح الناس حديثا عن سعيد المقبري الليث بن سعد
يفصل ما روي عن أبي هريرة وما روي عن أبيه عن أبي هريرة هو ثبت في حديثه جدا.
ومما يروى عنه أيضا عن الليث بن سعد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي
بكر قالت لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول يا معشر
قريش وال ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري وكان يحيى الموؤدة يقول الرجل إذا أراد
أن يقتل أبنته مه ل تقتلها أنا أكفيك مؤنتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لبيها إن شئت دفعتها
إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها
ولليث أسانيد إلى أبي هريرة ومنها :عن الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
عن رسول ال (صلى ال عليه وسلم) [قال إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة
سنة]
مناقبه وفضائله
قال ابن بكير :كان الليث فقيه البدن عربي اللسان يحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث
والشعر حسن المذاكرة.
روي عن شرحبيل بن جميل قال أدركت الناس أيام هشام الخليفة وكان الليث بن سعد حدث
السن وكان بمصر عبيد ال بن أبي جعفر وجعفر بن ربيعة والحارث بن يزيد ويزيد بن أبي
حبيب وابن هبيرة وإنهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلمه عن حداثة سنة ثم قال
ابن بكير لم أر مثل الليث ،وروى عبد الملك بن يحيى بن بكير عن أبيه قال ما رأيت أحدا
أكمل من الليث.
***
قال عثمان بن صالح :كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم الليث فحدثهم بفضائله
فكفوا وكان أهل حمص ينتقصون عليا حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش فحدثهم بفضائل
علي فكفوا عن ذلك ،وروي عن حرملة يقول كان الليث بن سعد يصل مالكا بمائة دينار في
السنة فكتب مالك إليه علي دين فبعث إليه بخمس مائة دينار فسمعت ابن وهب يقول كتب
مالك إلى الليث إني أريد أن أدخل بنتي على زوجها فأحب أن تبعث لي بشيء من عصفر
فبعث إليه بثلثين حمل عصفرا فباع منه بخمس مائة دينار وبقي عنده فضله ،قال أبو داود
قال قتيبة كان الليث يستغل عشرين ألف دينار في كل سنة وقال ما وجبت علي زكاة قط
وأعطى الليث ابن لهيعة ألف دينار وأعطى مالكا ألف دينار وأعطى منصور بن عمار الواعظ
ألف دينار وجارية تساوى ثلث مائة دينار.
قال صالح بن أحمد الهمذاني :قدم منصور بن عمار على الليث فوصله بألف دينار واحترقت
دار ابن لهيعة فوصله بألف دينار ووصل مالكا بألف دينار وكساني قميص سندس فهو
عندي.
وروي عن محمد بن رمح يقول كان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار ما
أوجب ال عليه زكاة درهم قط،
***
وروي عن أشهب بن عبد العزيز يقول كان الليث له كل يوم أربعة مجالس يجلس فيها أما
أولها فيجلس للسلطان في نوائبه وحوائجه وكان الليث يغشاه السلطان فإذا أنكر من القاضي
أمرا أو من السلطان كتب إلى أمير المؤمنين فيأتيه العزل ويجلس لصحاب الحديث وكان
يقول نجحوا أصحاب الحوانيت فإن قلوبهم معلقة بأسواقهم ويجلس للمسائل يغشاه الناس
فيسألونه ويجلس لحوائج الناس ل يسأله أحد فيرده كبرت حاجته أو صغرت وكان يطعم
الناس في الشتاء الهرائس بعسل النحل وسمن البقر وفي الصيف سويق اللوز في السكر
***
وروي عن يعقوب ابن داود وزير المهدي قال:قال أمير المؤمنين لما قدم الليث العراق الزم
هذا الشيخ فقد ثبت عندي أنه لم يبق أحد أعلم بما حمل منه.
وكان الليث بن سعد يقول بلغت الثمانين وما نازعت صاحب هوى قط ،ويعلق الحافظ أبو
نعيم على قوله فيقول :كانت الهواء والبدع خاملة في زمن الليث ومالك والوزاعي والسنن
ظاهرة عزيزة فأما في زمن أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد فظهرت البدعة وامتحن أئمة
الثر ورفع أهل الهواء رؤوسهم بدخول الدولة معهم فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب
والسنة ثم كثر ذلك واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول فطال الجدال واشتد النزاع وتولدت
الشبة نسأل ال العافية.
***
قال بكر بن مضر قدم علينا كتاب مروان بن محمد إلى حوثرة والى مصر إني قد بعثت إليكم
أعرابيا بدويا فصيحا من حاله ومن حاله فأجمعوا له رجل يسدده في القضاء ويصوبه في
المنطق فأجمع رأي الناس على الليث بن سعد وفي الناس معلماه يزيد بن أبي حبيب وعمرو
بن الحارث ،قال أحمد بن صالح أعضلت الرشيد مسألة فجمع لها فقهاء الرض حتى
أشخص الليث فأخرجه منها.
مواقف من حياته
قال الحسن بن يوسف بن مليح سمعت أبا الحسن الخادم قال كنت غلما لزبيدة (زوجة
الرشيد) وأتي بالليث بن سعد تستفتيه فكنت واقفا على رأس ستي زبيدة خلف الستارة فسأله
الرشيد فقال له حلفت إن لي جنتين فاستحلفه الليث ثلثا إنك تخاف ال فحلف له فقال :قال
ال{ :ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن )16:فأقطعه الرشيد قطائع كثيرة بمصر.
***
وروي عن الليث قال :قال لي أبو جعفر المنصور تلي لي مصر قلت ل يا أمير المؤمنين إني
أضعف عن ذلك إني رجل من الموالي فقال ما بك ضعف معي ولكن ضعفت نيتك في العمل
لي.
***
***
وعن الحارث بن مسكين قال اشترى قوم من الليث ثمرة فاستغلوها فاستقالوا فأقالهم ثم دعا
بخريطة فيها أكياس فأمر لهم بخمسين دينارا فقال له ابنه الحارث في ذلك فقال اللهم غفرا
إنهم قد كانوا أملوا فيها أمل فأحببت أن أعوضهم من أملهم بهذا.
***
وروي عن الليث قال لما ودعت أبا جعفر المنصور ببيت المقدس قال أعجبني ما رأيت من
شدة عقلك والحمد ل الذي جعل في رعيتي مثلك قال شعيب كان أبي يقول ل تخبروا بهذا ما
دمت حيا.
***
قال يحيى بن بكير :قال الليث :قال لي المنصور تلي مصر؛ فاستعفيت قال أما إذا أبيت فدلني
على رجل أقلده مصر قلت عثمان ابن الحكم الجذامي رجل له صلح وله عشيرة .قال :فبلغ
عثمان ذلك فعاهد ال أل يكلم الليث.
***
وروي عن سعيد الدم قال مررت بالليث بن سعد فتنحنح فرجعت إليه فقال لي يا سعيد خذ
هذا القنداق فاكتب لي فيه من يلزم المسجد ممن ل بضاعة له ول غلة .فقلت :جزاك ال خيرا يا
أبا الحارث .وأخذت منه القنداق ثم صرت إلى المنزل فلما صليت أوقدت السراج وكتبت بسم ال
الرحمن الرحيم ثم قلت فلن بن فلن ثم بدرتني نفسي .فقلت :فلن بن فلن .قال فبينا أنا
على ذلك إذا أتاني آت فقال هال يا سعيد تأتي إلى قوم عاملوا ال سرا فتكشفهم لدمي ما
الليث وما شعيب أليس مرجعهم إلى ال الذي عاملوه .فقمت ولم أكتب شيئا ،فلما أصبحت
أتيت الليث فتهلل وجهه فناولته القنداق فنشره فما رأى فيه غير بسم ال الرحمن الرحيم
فقال :ما الخبر فأخبرته بصدق عما كان فصاح صيحة فاجتمع عليه الناس من الحلق فسألوه
فقال ليس إل خير ثم أقبل علي فقال يا سعيد تبينتها وحرمتها صدقت ما الليث وما شعيب
أليس مرجعهم إلى ال.
***
عن أبي صالح كاتب الليث قال كنا على باب مالك فامتنع عن الحديث فقلت ما يشبه هذا
صاحبنا فسمعها مالك فأدخلنا وقال من صاحبكم قلت الليث قال تشبهونا برجل كتبت إليه في
قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا فأنفذ منه ما بعنا فضلته بألف دينار.
كان المام الشافعي يقول :الليث أفقه من مالك إل أن أصحابه لم يقوموا به.
وقال عبد ال بن صالح :صحبت الليث عشرين سنة ل يتغدى ول يتعشى إل مع الناس وكان
ل يأكل إل بلحم إل أن يمرض.
وقال أحمد بن سعد الزهري :سمعت أحمد بن حنبل يقول الليث ثقة ثبت ،وقال أيضا :الليث
كثير العلم صحيح الحديث
وقال عثمان الدارمي :سمعت يحيى بن معين يقول الليث أحب إلي من يحيى بن أيوب ويحيى
ثقة قلت فكيف حديثه عن نافع فقال صالح ثقة.
وعن أحمد بن صالح وذكر الليث فقال :إمام قد أوجب ال علينا حقه لم يكن بالبلد بعد عمرو
بن الحارث مثله.
قال ابن سعد :استقل الليث بالفتوى وكان ثقة كثير الحديث سريا من الرجال سخيا له
ضيافة
وروي عن يحيى بن معين قال :هذه رسالة مالك إلى الليث حدثنا بها عبد ال بن صالح
يقول فيها وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك وحاجة من قبلك إليك واعتمادهم
على ما جاءهم منك.
وقال يحيى بن بكير :الليث أفقه من مالك ولكن الحظوة لمالك رحمه ال.
وفاته
قال يحيى بن بكير وسعيد بن أبي مريم مات الليث للنصف من شعبان سنة خمس وسبعين
ومائة قال يحيى يوم الجمعة وصلى عليه موسى بن عيسى.
قال خالد بن عبد السلم الصدفي شهدت جنازة الليث بن سعد مع والدي فما رأيت جنازة قط
أعظم منها رأيت الناس كلهم عليهم الحزن وهم يعزي بعضهم بعضا ويبكون فقلت يا أبت
كأن كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة فقال بابني ل ترى مثله أبدا.
جعفر الصادق
استقبلت المدينة المنورة مولودًا من ذرية رسول ال -صلى ال عليه وسلم -فقد ولد (جعفر
الصادق بن محمد الباقر) وكان ذلك سنة 80هـ.
نشأ جعفر في داصر الهجرة النبوية الشريفة ،معتزّا بنسبه؛ فجده لبيه هو المام
على بن أبي طالب -رضي ال عنه -وجده لمه صديق رسول ال -صلى ال عليه وسلم -وهو
الخليفة (أبو بكر الصديق).
استمع جعفر لنصائح والده الذي أخذ يقول له( :إياك والكسل والضجر ،فإنهما مفتاح كل شر،
ت لم تصبر على حق ،إن طلب العلم من أداء الفرائض إنك إن كسلتَ لم تؤدّ حقّا ،وإن ضجر َ
خير من الزهد) واستجاب جعفر لنصائح والده ،فحفظ القرآن الكريم وأحاديث رسول ال -صلى
ال عليه وسلم -وفهمهما فهمًا
جيدًا ،فلما بلغ جعفر مبلغ الشباب ،ورأى آل بيت النبي -صلى ال عليه وسلم -وخلفهم مع
الدولة الموية ،وشاهد عمه زيدًا قتيل؛ بكى وحزن عليه حزنًا
شديدًا ،ورأى أن خير ما يقاوم به هذا الظلم هو كلمة الحق التي تنير طريق الناس وتحركهم
للدفاع عن المظلومين.
فقد تعلم من سنة رسول ال -صلى ال عليه وسلم -أن طلب العلم ونشره جهاد في سبيل ال ،بل
إنه فريضة على كل مسلم ومسلمة ،وأن ال تعالى جعل للعلماء مكانة بين النبياء والشهداء؛
فاهتم جعفر بعلوم الطبيعة والكيمياء والفلك والطب والنبات والدوية إلى جانب دراسته للقرآن
والحديث والفقه ،وظل جعفر يدرس ويقرأ في كل العلوم؛ حتى أشرفت دولة بني أمية على
الزوال؛ فأرسل إليه المؤيدون لل بيت رسول ال -صلى ال عليه وسلم -أن ينتهز الفرصة،
ويأتي على الفور ليتولى خلفة المسلمين ،ولكنه لم يشعر بقبول تجاه هذه الرسالة؛ فأحرقها!!
لقد كان يشعر أنه بعلمه أقوى من أي ملك على وجه الرض ،ومضى المام جعفر الصادق
يتعلم العلم ويعلمه الناس في تواضع فريد ،يسأله الناس فيجيب دون كبر أو خيلء ،سأله أحد
الناس :لقد قال ال تعالى{ :ادعوني أستجب لكم} [غافر ]60 :فما بالنا ندعوه فل يجيب؟! فقال
المام جعفر الصادق :لنك تدعو
من ل تعرف.
وأحب الناس جعفر الصادق والتفوا حوله ،فاغتاظ الخليفة المنصور ،وحاول أن يحرج المام
جعفر الصادق؛ فأمر أبو حنيفة (الفقيه المشهور) أن يهيئ له مسائل شدادًا يناقشه فيها ،فقال أبو
حنيفة :فهيأت له أربعين مسألة ،والتقى المامان في حضرة الخليفة المنصور ،فلم ي ْلقِ أبو حنيفة
مسألةً إل أجاب عنها المام جعفر الصادق ،فقال أبو حنيفة في النهاية( :إن أعلم الناس أعلمهم
باختلف الناس) لن جعفر الصادق كان يجيب عن كل مسألة بما أجاب به كل الفقهاء السابقون
ثم يأتي برأيه.
وكان المام جعفر الصادق حليمًا ل يغضب؛ كان له غلم كسول يحب
النوم ،فأرسله يومًا في حاجة ،فغاب ،وخشي المام أن يكون الغلم قد أصابه مكروه ،فخرج
يبحث عنه ،فوجده نائمًا في الطريق ،فجلس عند رأسه ،وأخذ يوقظه برفق حتى استيقظ ،فقال له
ضاحكًا :تنام الليل والنهار؟! لك الليل ولنا النهار.
ولم يخش المام جعفر الصادق أحدًا إل ال ،فها هو ذا يقول للخليفة المنصور عندما سأله :لماذا
خلق ال الذباب؟ بعد أن تضايق الخليفة من ذبابة كانت تحط على وجهه ولم يفلح في إبعادها،
فقال المام( :ليذل به الجبابرة).
وأقام المام في المدينة وقد جاوز الستين يعلم الناس ويفقههم ،وفي الثامنة والستين من عمره
سنة 148هـ توفي المام جعفر الصادق ،فحزن الخليفة المنصور عليه حزنًا شديدًا وقال :توفي
سيد الناس وعالمهم ،وبقية الخيار منهم ،إن جعفرًا ممن قال ال فيهم{ :ثم أورثنا الكتاب الذين
اصطفينا من عبادنا} [ فاطر.] 32 :
سعيد بن المسيب
السلم عزيز بك وبأمثالك أيها الرجل..إنك كالجبل الراسخ ،وقفت في وجه الطغاة..علمتنا أن
الحقّ العزل قادر على أن يقف في وجه الباطل المدجج
بالسلح ،وأن المؤمن ل تزيده المحن إل عزة وإيمانًا ،أما الظالم فيرجع إلى
الوراء ،يتخاذل ويتقهقر ،يخشى سيف الحق وعزة السلم ،فهنيئًا لك يا
سيد التابعين.
بعد مضي سنتين من خلفة الفاروق عمر -رضي ال عنه -ولد (سعيد بن المسيب) في
المدينة المنورة؛ حيث كبار الصحابة ،فرأى عمر بن الخطاب ،وسمع عثمان بن عفان ،وعليّا،
وزيد بن ثابت ،وأبا موسى الشعري ،وأبا هريرة..وغيرهم ،فنشأ نشأة مباركة ،وسار على
نهجهم ،واقتدى بأفعالهم ،وروى عنهم أحاديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وتزوج بنت
الصحابي الجليل أبي هريرة ،فكان أعلم الناس بحديثه.
وهبه ال في نشأته الباكرة ذكاءً متوقدًا ،وذاكرة قوية ،حتى شهد له كبار الصحابة والتابعين
بعلو المكانة في العلم ،وكان رأس فقهاء المدينة في زمانه ،والمقدم عليهم في الفتوى ،حتى
اشتهر بفقيه الفقهاء ،وكان عبد ال بن عمر -رضي ال عنه -وهو المقدم في الفتوى بالمدينة
آنذاك -إذا سئل عن مسألة صعبة في الفقه ،كان يقول :سلوا سعيدًا فقد جالس الصالحين.
ويقول عنه قتادة :ما رأيت أحدًا قط أعلم بالحلل والحرام منه ،ويكفي ابن المسيب فخرًا أن
الخليفة العادل (عمر بن عبد العزيز) كان أحد تلميذه ،ولما تولى عمر إمارة المدينة لم يقض
أمرًا إل بعد استشارة سعيد ،فقد أرسل إليه عمر رجلً يسأله في أمر من المور ،فدعاه ،فلبي
الدعوة وذهب معه ،فقال عمر بن عبد العزيز له :أخطأ الرجل ،إنما أرسلناه يسألك في
مجلسك.
وعاش سعيد طيلة حياته مرفوع الرأس ،عزيز النفس ،فلم يحنِ رأسه أبدًا لي
إنسان ،حتى ولو ألهبوا ظهره بالسياط ،أو هددوه بقطع رقبته ،فها هو ذا أمير المدينة في عهد
الخليفة عبد الملك بن مروان يأمره بالبيعة للوليد بن عبد الملك ،فيمتنع
فيهدده بضرب عنقه ،فلم يتراجع عن رأيه رغم علمه بما ينتظره من العذاب ،وما إن أعلن
سعيد مخالفته حتى جردوه من ثيابه ،وضربوه خمسين سوطًا ،وطافوا به في أسواق المدينة،
وهم يقولون :هذا موقف الخزي!! فيرد عليهم سعيد في ثقة وإيمان :بل من الخزي فررنا إلى
ما نريد.
ولما علم عبد الملك بما صنعه والى المدينة لمه وكتب إليه :سعيد..كان وال أحوج إلى أن
تصل رحمه من أن تضربه ،وإنا لنعلم ما عنده من خلف ،وبعد كل هذا التعذيب الذي ناله
سعيد جاءه رجل يحرضه في الدعاء على بني أمية ،فما كان منه إل أن قال :اللهم أعز دينك،
وأظهر أولياءك ،وأخزِ أعداءك في عافية لمة محمد
صلى ال عليه وسلم.
صلى (الحجاج بن يوسف الثقفي) ذات مرة ،وكان يصلى بسرعة ،فلم يتم ركوع الصلة
وسجودها كما يجب ،فأخذ سعيد كفًا من الحصى ورماه به ،فانتبه الحجاج لذلك واطمأن وتمهل
في صلته ،وكان ذلك قبل أن يتولى الحجاج المارة ،ورفض سعيد أن تكون ابنته أعظم سيدة
في دولة الخلفة السلمية؛ وذلك حين أراد الخليفة عبد الملك بن مروان أن يخطب ابنة سعيد
لولي عهده الوليد ،لكن سعيدًا رفض بشدة ،وزوج ابنته من طالب علم فقير.
فقد كان لسعيد جليس يقال له (عبد ال بن وداعة) فأبطأ عنه أيامًا ،فسأل عنه وطلبه ،فأتاه
واعتذر إليه ،وأخبره بأن سبب تأخره هو مرض زوجته وموتها ،فقال له :أل أعلمتنا بمرضها
فنعودها ،أو بموتها فنشهد جنازتها ،ثم قال :يا عبد ال تزوج ،ول تلق ال وأنت أعزب ،فقال:
يرحمك ال ومن يزوجني وأنا فقير؟ فقال سعيد :أنا أزوجك ابنتي ،فسكت عبد ال استحياء،
فقال سعيد :مالك سكت ،أسخطًا وإعراضًا؟ فقال عبد ال :وأين أنا منها؟ فقال :قم وادع نفرًا
من النصار ،فدعا له فأشهدهم على النكاح (الزواج) ،فلما صلوا العشاء توجه سعيد بابنته إلى
الفقير ومعها الخادم والدراهم والطعام ،والزوج ل يكاد يصدق ما هو فيه!!
وحرص سعيد على حضور صلة الجماعة ،وواظب على حضورها أربعين سنة لم يتخلف
عن وقت واحد ،وكان سعيد تقيّا ورعًا ،يذكر ال كثيرًا ،جاءه رجل وهو مريض ،فسأله عن
حديث وهو مضطجع فجلس فحدثه ،فقال له ذلك الرجل :وددت أنك لم تتعن ول تتعب نفسك،
فقال :إني كرهت أن أحدثك عن رسول ال وأنا مضطجع ،ومن احترامه وتوقيره لحرمات ال
قوله :ل تقولوا مصيحف ول مسيجد ،ما كان ل فهو عظيم حسن جميل ،فهو يكره أن تصغر
كلمة مصحف ،أو كلمة مسجد أو كل كلمة غيرهما تكون ل تعالى إجلل لشأنها وتعظيمًا.
ومرض سعيد ،واشتد وجعه ،فدخل عليه نافع بن جبير يزوره ،فأغمى عليه ،فقال نافع:
َوجّهوه ،ففعلوا ،فأفاق فقال :من أمركم أن تحولوا فراشي إلى القبلة..أنافع؟ قال :نعم ،قال له
سعيد :لئن لم أكن على القبلة والملة وال ل ينفعني توجيهكم فراشي ،ولما احتضر سعيد بن
المسيب ترك مالً ،فقال :اللهم إنك تعلم أني لم أتركها إل لصون بها ديني ،ومات سعيد سنة
ثلث أو أربع وتسعين من الهجرة ،فرحمه ال رحمة واسعة.
سعيد بن جبير
وُِل َد سعيد بن جبير في زمن خلفة المام على بن أبي طالب -رضي ال عنه -بالكوفة ،وقد
نشأ سعيد محبّا للعلم ،مقبلً عليه ،ينهل من معينه ،فقرأ القرآن على
ابن عباس ،وأخذ عنه الفقه والتفسير والحديث ،كما روى الحديث عن أكثر من عشرة من
الصحابة ،وقد بلغ رتبة في العلم لم يبلغها أحد من أقرانه ،قال
خصيف بن عبد الرحمن عن أصحاب ابن عباس :كان أعلمهم بالقرآن مجاهد وأعلمهم بالحج
عطاء ،وأعلمهم بالطلق سعيد بن المسيب ،وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير.
وكان ابن عباس يجعل سعيدًا بن جبير يفتي وهو موجود ،ولما كان أهل الكوفة يستفتونه،
فكان يقول لهم :أليس منكم ابن أم الدهماء؟ يعني سعيد بن جبير ،وكان سعيد بن جبير كثير
العبادة ل ،فكان يحج مرة ويعتمر مرة في كل سنة ،ويقيم
الليل ،ويكثر من الصيام ،وربما ختم قراءة القرآن في أقل من ثلثة أيام ،وكان سعيد بن جبير
مناهضًا للحجاج بن يوسف الثقفي أحد أمراء بني أمية ،فأمر الحجاج بالقبض عليه ،فلما مثل
بين يديه ،دار بينهما هذا الحوار:
الحجاج :ما اسمك؟
سعيد :سعيد بن جبير.
الحجاج :بل أنت شقي بن كسير.
سعيد :بل أمي كانت أعلم باسمي منك.
ت أمك.
الحجاج :شقيتَ أنت ،وشقي ْ
سعيد :الغيب يعلمه غيرك.
الحجاج :لبدلنّك بالدنيا نارًا تلظى.
ت أن ذلك بيدك لتخذتك إلهًا.
سعيد :لو علم ُ
الحجاج :فما قولك في محمد.
سعيد :نبي الرحمة ،وإمام الهدى.
الحجاج :فما قولك في على بن أبي طالب ،أهو في الجنة أم في النار؟
سعيد :لو دخلتها؛ فرأيت أهلها لعرفت.
الحجاج :فما قولك في الخلفاء؟
سعيد :لست عليهم بوكيل.
الحجاج :فأيهم أعجب إليك؟
سعيد :أرضاهم لخالقي.
الحجاج :فأيهم أرضى للخالق؟
سعيد :علم ذلك عنده.
ت أن َتصْ ُد َقنِي.
الحجاج :أبي َ
سعيد :إني لم أحب أن أكذبك.
الحجاج :فما بالك لم تضحك؟
سعيد :لم تستوِ القلوب..وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين
تأكله النار.
وهب سعيد حياته للسلم ،ولم َيخْشْ إل ال ،ولد في الكوفة ،يفيد الناس بعلمه النافع ،ويفقه
الناس في أمور دينهم ودنياهم ،فقد كان إمامًا عظيمًا من أئمة الفقه في عصر الدولة الموية،
حتى شهد له عبد ال بن عباس -رضي ال عنهما -بالسبق في الفقه والعلم ،فكان إذا أتاه أهل
مكة يستفتونه يقول :أليس فيكم ابن أم الدهماء (يقصد سعيد بن جبير).
كان سعيد بن جبير يملك لسانًا صادقًا وقلبًا حافظًا ،ل يهاب الطغاة ،ول يسكت عن قول الحق،
فالساكت عن الحق شيطان أخرس ،فألقى الحجاج بن يوسف القبض عليه بعد أن لفق له تهمًا
كاذبة ،وعقد العزم على التخلص منه ،لم يستطع الحجاج أن يسكت لســانه عن قول الحق
بالتـهديد أو التخويف ،فقد كان سعيد بن جبير مؤمنًا قوي اليمان ،يعلم أن الموت والحياة
والرزق كلها بيد ال ،ول يقدر عليه أحد سواه.
اتبع الحجاج مع سعيد بن جبير طريقًا آخر ،لعله يزحزحه عن الحق ،أغراه بالمال والدنيا،
وضع أموال كثيرة بين يديه ،فما كان من هذا المام الجليل إل أن أعطى الحجاج درسًا قاسيًا،
فقال :إن كنت يا حجاج قد جمعت هذا المال لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح ،وإل ففزعة
واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
لقد أفهمه سعيد أن المال هو أعظم وسيلة لصلح العمال وصلح الخرة ،إن جمعه صاحبه
بطريق الحلل لتـِقاء فزع يوم القيامة{..يوم ل ينفع مال ول بنون
إل من أتى ال بقلب سليم} [الشعراء.]89-88:
ومرة أخرى تفشل محاولت الحجاج لغراء سعيد ،فهو ليس من عباد الدنيا ول ممن يبيعون
دينهم بدنياهم ،وبدأ الحجاج يهدد سعيدًا بالقضاء عليه ،ودار هذا المشهد بينهما:
الحجاج :ويلك يا سعيد!
سعيد :الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
الحجاج :أي قتلة تريد أن أقتلك؟
سعيد :اختر لنفسك يا حجاج ،فوال ما تقتلني قتلة إل قتلتك قتلة في الخرة.
الحجاج :أتريد أن أعفو عنك؟
سعيد :إن كان العفو فمن ال ،وأما أنت فل براءة لك ول عُذر.
الحجاج :اذهبوا به فاقتلوه.
فلما خرجوا ليقتلوه ،بكي ابنه لما رآه في هذا الموقف ،فنظر إليه سعيد وقال له :ما يبكيك؟ ما
بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟ وبكي أيضًا صديق له ،فقال له سعيد :ما يبكيك؟
الرجل :لما أصابك.
سعيد :فل تبك ،كان في علم ال أن يكون هذا ،ثم تل{ :ما أصاب من مصيبة في الرض ول
في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد ]22:ثم ضحك سعيد ،فتعجب الناس
وأخبروا الحجاج ،فأمر بردّه ،فسأله الحجاج :ما أضحكك؟
سعيد :عجبت من جرأتك على ال وحلمه عنك.
الحجاج :اقتلوه.
سعيد{ :وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفًا وما أنا من المشركين} [النعام:
.]79
الحجاج :وجهوه لغير القبلة.
سعيد{ :فأينما تولوا فثم وجه ال} [البقرة.]115 :
الحجاج :كبوه على وجهه.
سعيد{ :منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه.]55 :
الحجاج :اذبحوه.
سعيد :أما أنا فأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأن محمدًا عبده
ورسوله ،خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة ،ثم دعا سعيد ربه فقال :اللهم ل
تسلطه على أحد يقتله بعدي.
ومات سعيد شهيدًا سنة 95هـ ،وله من العمر سبع وخمسون سنة ،مات ولسانه رطب بذكر
ال.
سلمان الفارسي
الباحث عن الحقيقة
سلمان الفارسي رضي ال عنه ،يكنى أبا عبد ال ،من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل
من رامهر مز ،سافر يطلب الد ين مع قوم فغدروا به فباعوه لر جل من اليهود ثم إ نه كو تب
فأعانه النبي في كتاب ته ،أسلم مقدم ال نبي المدينة ،ومنعه الرق من شهود بدر وأحد ،وأول
غزاة غزاها مع النبي الخندق ،وشهد ما بعدها ووله عمر المدائن.
عن عبد ال بن العباس قال :حدثني سلمان الفارسي قال :كنت رجل فارسيّا من أهل أصبهان
من أهل قرية منها يقال لها جي ،وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق ال إليه فلم يزل
به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية ،واجتهدت في المجوسية حتى كنت
ق طن النار الذي يوقد ها ل يترك ها تخ بو ساعة ،قال :وكا نت ل بي ضي عة عظي مة قال :فش غل
في بنيان له يومًا فقال لي يا ب ني إ ني قد شغلت في بنيا ني هذا اليوم عن ضيع تي فاذ هب
فاطلعهـا وأمرنـي فيهـا ببعـض مـا يريـد فخرجـت أريـد ضيعتـه فمررت بكنيسـة مـن كنائس
النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ،وكنت ل أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي
في بيته ،فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون ،قال :فلما رأيتهم
أعجبتنـي صـلتهم ورغبـت فـي أمرهـم وقلت هذا وال خيـر مـن الذي نحـن عليـه فوال مـا
تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا
بالشام ،قال :ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي
ب ني أ ين ك نت؟ ألم أ كن عهدت إل يك ما عهدت؟ قال :قلت يا أ به مررت بناس ي صلون في
كنيسة لهم فأعجب ني ما رأ يت من دينهم فوال ما زلت عند هم ح تى غر بت الشمس قال أي
بني ليس في ذلك الدين خير ،دينك ودين آبائك خير منه ،قلت كل وال إنه لخير من ديننا،
قال فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته ،قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا
قدم علي كم ر كب من الشام تجارًا من الن صارى فأ خبروني ب هم ،قال فقدم علي هم ر كب من
الشام تجار من الن صارى ،قال فأ خبروني بقدوم تجار فقلت ل هم إذا قضوا حوائج هم وأرادوا
الرجعة إلى بلدهم فآذنوني بهم ،قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلدهم ألقيت الحديد من رجلي
ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا السقف
في الكنيسة ،قال فجئته فقلت إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في
كنيسـتك وأتعلم منـك وأصـلي معـك قال فادخـل ،فدخلت معـه ،قال فكان رجـل سـوء يأمرهـم
بال صدقة ويرغب هم في ها فإذا جمعوا إل يه من ها شيئًا اكتنزه لنف سه ولم يع طه الم ساكين ح تى
جمع سبع قلل من ذهب ،قال وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع ،قال ثم مات فاجتمعت
إل يه الن صارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان ر جل سوء يأمركم بال صدقة ويرغب كم في ها فإذا
جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بذلك؟ قلت أنا أدلكم
على كنزه ،قالوا فدل نا عل يه ،قال فأريت هم موض عه ،قال فا ستخرجوا م نه سبع قلل مملوءة
ذهبًا وور قا ،قال فل ما رأو ها قالوا وال ل ندف نه أبدًا ،قال ف صلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم
جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه ،ف ما رأيت رجل يصلي الخ مس أرى أنه أفضل منه وأزهد
في الدنيا ول أرغب في الخرة ول أدأب ليل ونهارًا منه ،قال فأحببته حبّا لم أحبه من قبله
فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلن ،إني كنت معك فأحببتك حبّا لم أحبه أحدا
من قبلك وقد حضر تك الوفاة فإلى من توصي بي؟ و ما تأمرني؟ قال أي بني ،وال ما أعلم
أحدا اليوم على مـا كنـت عليـه لقـد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثـر مـا كانوا عليـه إل رجل
بالموصل وهو فلن وهو على ما كنت عليه فالحق به ،قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب
الموصل فقلت له يا فلن إن فلنًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره،
قال فقال لي أ قم عندي ،قال فأق مت عنده فوجد ته خ ير ر جل على أ مر صاحبه ،فلم يل بث أن
مات فل ما حضر ته الوفاة قلت له يا فلن إن فلنًا أو صى بي إل يك وأمر ني باللحوق بك و قد
حضرك من أ مر ال ما ترى فإلى من تو صي بي و ما تأمر ني؟ قال أي ب ني ،وال ما أعلم
رجل على م ثل ما ك نا عل يه إل رجل بن صيبين و هو فلن فال حق به ،قال فل ما مات وغ يب
لح قت ب صاحب ن صيبين فجئت فأ خبرته ب ما جرى و ما أمر ني به صاحبي ،قال فأ قم عندي
فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوال ما لبث أن نزل به الموت
فل ما ح ضر قلت له يا فلن ،إن فلنًا كان أو صى بي إلى فلن ثم أو صى بي فلن إل يك فإلى
من توصي بي وما تأمرني قال أي بني ،وال ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إل
رجل بعمور ية فإ نه على م ثل ما ن حن عل يه فإن أحب بت فأ ته فإ نه على م ثل أمر نا ،قال فل ما
مات وغ يب لح قت ب صاحب عمور ية وأ خبرته خبري فقال أ قم عندي فأق مت ع ند ر جل على
هدي أصحابه وأمرهم ،قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة ،قال ثم نزل به أمر
ال عز وجل فلما حضر قلت له يا فلن إني كنت مع فلن فأوصى بي إلى فلن وأوصى بي
فلن إلى فلن وأو صى بي فلن إلى فلن وأو صى بي فلن إل يك فإلى من تو صي بي و ما
تأمر ني؟ قال أي ب ني ،وال ما أعلم أ صبح على ما ك نا عل يه أ حد من الناس آمرك أن تأت يه
ولك نه قد أظلك زمان نبي مبعوث بد ين إبراه يم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض ب ين
حرتين بينهما نخل به علمات ل تخفى يأكل الهدية ول يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة
فإن استطعت أن تلحق بتلك البلد فافعل ،قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء ال أن
أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه
وغنيم تي هذه قالوا ن عم فأعطيت هم إيا ها وحملو ني ح تى إذا قدموا بي وادي القرى ظلمو ني
فباعو ني لر جل من يهود فك نت عنده ورأ يت الن خل ورجوت أن يكون البلد الذي و صف لي
صاحبي ولم ي حق لي في نف سي ،فبي نا أ نا عنده قدم عل يه ا بن عم له من المدي نة من ب ني
قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوال ما هو إل أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي
فأق مت ب ها وب عث ال ر سوله فأقام بم كة ما أقام ل أ سمع له بذ كر مع ما أ نا ف يه من ش غل
الرق ،ثم هاجر إلى المدينة فوال إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي
جالس إذ أق بل ا بن عم له ح تى و قف عل يه فقال ،فل نُ قات َل الُ ب ني قيلة! وال ،إن هم الن
لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي ،قال فلما سمعتها أخذتني
العرواء ح تى ظن نت أ ني ساقط على سيدي ،قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول ل بن ع مه
ماذا تقول؟ قال فغضـب سـيدي فلكم ني لكمـة شديدة وقال مـا لك ولهذا أقبـل على عملك ،قال
قلت ل ش يء إن ما أردت أن أ ستثبته ع ما قال ،و قد كان ش يء عندي قد جمع ته فل ما أم سيت
أخذ ته ثم ذه بت به إلى ر سول ال و هو بقباء فدخلت عليه فقلت له إ نه قد بلغ ني أ نك رجل
صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من
غير كم ،قال فقرب ته إل يه فقال ر سول ال ل صحابه كلوا وأم سك يده هو فلم يأ كل ،قال فقلت
في نفسي هذه واحدة ،ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول ال إلى المدينة ثم جئته
به فقلت إ ني رأي تك ل تأ كل ال صدقة وهذه هد ية أكرم تك ب ها فأ كل ر سول ال من ها وأ مر
أ صحابه فأكلوا م عه ،قال فقلت في نف سي هاتان اثنتان ،قال ثم جئت ر سول ال و هو ببق يع
الغر قد قد ت بع جنازة من أ صحابه عل يه شملتان و هو جالس في أ صحابه ف سلمت عل يه ثم
اسـتدرت أنظـر إلى ظهره هـل أرى الخاتـم الذي وصـف لي صـاحبي فلمـا رآنـي رسـول ال
ا ستدبرته عرف أ ني أ ستثبت في ش يء و صف لي ،قال فأل قى رداءه عن ظهره فنظرت إلى
الخاتـم فعرفتـه فانكببـت عليـه أقبله وأبكـي ،فقال رسـول ال تحول فتحولت فقصـصت عليـه
حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول ال أن يسمع ذلك أصحابه ،ثم شغل سلمان
الرق ح تى فاته مع رسول ال بدر وأ حد ،قال ثم قال لي رسول ال كا تب يا سلمان فكات بت
صـاحبي على ثلثمائة نخلة أحييهـا له بالفقيـر وبأربعيـن أوقيـة فقال رسـول ال لصـحابه
أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل :الرجل بثلثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمسة عشر
والرجـل بعشرة والرجـل بقدر مـا عنده حتـى اجتمعـت لي ثلثمائة وديـة فقال لي رسـول ال
اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي ،قال ففقرت لها وأعانني أصحابي
حتـى إذا فرغـت منهـا جئتـه فأخـبرته فخرج رسـول ال معـي إليهـا فجعلنـا نقرب له الودي
ويض عه ر سول ال بيده فوا الذي ن فس سلمان بيده ما مات من ها ود ية واحدة فأد يت الن خل
فبقي علي المال ،فأتى رسول ال بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما
فعل الفارسي المكاتب قال فدُعِيْتُ له ،قال فخذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان ،قال قلت وأين
تقع هذه يا رسول ال مما علي؟ قال خذها فإن ال عز وجل سيؤدي بها عنك ،قال فأخذتها
فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع
رسول ال الخندق ثم لم يفتني معه مشهد .رواه المام أحمد.
نبذة من فضائله
وعن أبي حاتم عن العتبي قال :بعث إلي عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوبا ثم صعد
المنبر وعليه حلة والحلة ثوبان ،فقال أيها الناس أل تسمعون؟! فقال سلمان :ل نسمع ،فقال
عمر :لم يا أبا عبد ال؟! قال إنك قسمت علينا ثوبًا ثوبًا وعليك حلة ،فقال :ل تعجل يا أبا
عبد ال ،ثم نادى يا عبد ال ،فلم يجبه أحد ،فقال :يا عبد ال بن عمر ،فقالك لبيك يا أمير
المؤمن ين ،فقال :نشدتك ال الثوب الذي ائتزرت به أهو ثوبك؟ قال :اللهم نعم ،قال سلمان:
فقل الن نسمع.
عن أ بي جحي فة قال :آ خى ر سول ال ب ين سلمان وأ بي الدرداء ،فزار سلمان أ با الدرداء
فرأى أم الدرداء مبتذلة (فـي هيئة رثـة) فقال لهـا :مـا شأنـك؟ فقالت :إن أخاك أبـا الدرداء
ليست له حاجة في الدنيا ،قال :فلما جاء أبا الدرداء قرب طعامًا ،فقال :كل فإني صائم ،قال:
ما أ نا بآكل حتى تأكل قال :فأ كل ،فلما كان الليل ذهب أ بو الدرداء ليقوم فقال له سلمان نم
فنام ،فلما كان من آخر الليل قال له سلمان :قم الن ،فقاما فصليا ،فقال إن لنفسك عليك حقّا
ولربك عليك حقّا وإن لضيفك عليك حقّا وإن لهلك عليك حقّا فأعط كل ذي حق حقه ،فأتيا
النبي فذكرا ذلك له فقال صدق سلمان .انفرد بإخراجه البخاري.
وعن محمد بن سيرين قال[ :دخل سلمان على أ بي الدرداء في يوم جمعة فقيل له هو نائم
فقال :ما له؟ فقالوا إنه إذا كانت ليلة الجمعة أحياها ويصوم يوم الجمعة قال فأمرهم فصنعوا
طعامًا في يوم جمعة ثم أتاهم فقال كل قال إني صائم ،فلم يزل به حتى أكل ،فأتيا النبي فذكرا
ذلك له فقال النـبي :عويمـر سـلمان أعلم منـك ،وهـو يضرب بيده على فخـذ أبـي الدرداء،
عويمر ،سلمان أعلم منك ـ ثلث مرات ـ ل تخصن ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ،ول
تخصن يوم الجمعة بصيام من بين اليام]
وعن ثابت البناني أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث فدخل فذكر
ف ضل سلمان و سابقته وإ سلمه وذ كر أ نه يخ طب إلي هم فتات هم فل نة فقالوا أ ما سلمان فل
نزوجه ولكنا نزوجك ،فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيء وأنا أستحيي أن أذكره لك
قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها ال
لك رضي ال عنهما.
نبذة من زهده
عن الح سن قال كان عطاء سلمان الفار سي خم سة آلف وكان أميرًا على زهاء ثلث ين ألفًا
من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فإذا خرج عطاؤه
أمضاه ويأكل من سفيف يديه.
وعن مالك بن أنس أن سلمان الفارسي كان يستظل بالفيء حيثما دار ولم يكن له بيت فقال
له رجل أل نبني لك بيتا تستظل به من الحر وتسكن فيه من البرد فقال له سلمان :نعم فلما
أدبر صاح به فسأله سلمان :كيف تبنيه؟ قال أبنيه إن قمت فيه أصاب رأسك ،وإن اضطجعت
فيه أصاب رجليك ،فقال سلمان :نعم .وقال عبادة بن سليم كان لسلمان خباء من عباء وهو
أمير الناس .وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن سلمان أنه تزوج امرأة من كندة فلما كان
ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت المرأة فلما بلغ البيت قال ارجعوا أجركم ال ولم
يدخلهم ،فلما نظر إلى البيت والبيت منجد قال أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كندة ،فلم
يدخل حتى نزع كل ستر في البيت غير ستر الباب ،فلما دخل رأى متاعًا كثيرًا ،فقال لمن هذا
المتاع؟ قالوا متاعك ومتاع امرأتك ،فقال ما بهذا أوصاني خليلي رسول ال ،أوصاني خليلي
أن ل يكون متاعي من الدنيا إل كزاد الراكب ،ورأى خدمًا فقال لمن هذه الخدم؟ قالوا خدمك
وخدم امرأتك ،فقال ما بهذا أوصاني خليلي أوصاني خليلي أن ل أمسك إل ما أنكح أو أنكح
فإن فعلت فبغ ين كان علي م ثل أوزار هن من غ ير أن ين قص من أوزار هن ش يء ،ثم قال
للنسوة اللتي عند امرأته هل أنتن مخليات بيني وبين امرأتي؟ قلن نعم ،فخرجن فذهب إلى
الباب فأجا فه وأر خى ال ستر ثم جاء فجلس ع ند امرأ ته فم سح بنا صيتها ود عا بالبر كة فقال
ل ها :هل أ نت مطيع تي في ش يء آمرك به؟ قالت :جل ست مجلس من يط يع قال فإن خليلي
أوصاني إذا اجتمعت إلى أهلي أن أجتمع على طاعة ال ،فقام وقامت إلى المسجد فصليا ما
بدا لهما ثم خرجا فقضى منها ما يق ضي الرجل من امرأ ته ،فلما أصبح غدا عليه أصحابه
فقالوا ك يف وجدت أهلك؟ فأعرض عن هم ثم أعادوا فأعرض عن هم ثم أعادوا فأعرض عن هم
ثم قال :إن ما ج عل ال عز و جل ال ستور والخدر والبواب لتواري ما في ها ،ح سب كل امرئٍ
منكم أن يسأل عما ظهر له ،فأما ما غاب عنه فل يسألن عن ذلك ،سمعت رسول ال يقول:
المتحدث عن ذلك كالحمارين يتسافدان في الطريق.
و عن أ بي قل بة أن رجل د خل على سلمان و هو يع جن فقال :ما هذا؟ قال :بعث نا الخادم في
ع مل فكره نا أن نج مع عل يه عمل ين ،ثم قال :فلن يقرئك ال سلم قال :م تى قد مت ،قال :م نذ
كذا وكذا فقال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها .رواه أحمد.
عن النعمان بن حميد قال :دخلت مع خالي على سلمان الفارسي بالمدائن وهو يعمل الخوص
ف سمعته يقول :أشتري خو صًا بدر هم فأعمله فأبي عه بثل ثة درا هم فأع يد درهمًا ف يه وأن فق
درهمًا على عيالي وأت صدق بدر هم ،ولو أن ع مر بن الخطاب نها ني ع نه ما انته يت .و عن
الحسن قال :كان سلمان يأكل من سفيف يده.
عـن أبـي ليلى الكندي قال :قال غلم سـلمان لسـلمان :كاتبنـي ،قال :ألك شيـء قال :ل ،قال:
فمن أين؟ قال :أسأل الناس ،قال :تريد أن تطعمني غسالة الناس.
عـن ثابـت قال :كان سـلمان أميرًا على المدائن فجاء رجـل مـن أهـل الشام ومعـه حمـل تبـن
وعلى سلمان عباءة رثة فقال لسلمان :تعال احمل و هو ل يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه
الناس فعرفوه فقالوا هذا الميـر فقال :لم أعرفـك!! فقال سـلمان إنـي قـد نويـت فيـه نيـة فل
أضعه حتى أبلغ بيتك.
وعـن عبـد ال بـن بريدة قال :كان سـلمان إذا أصـاب الشيـء اشترى بـه لحمـا ثـم دعـا
المجذومين فأكلوا معه.
وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال :رأيت سلمان في سرية وهو أميرها
على حمار عل يه سراويل وخدمتاه تذبذبان والج ند يقولون قد جاء الم ير قال سلمان :إن ما
الخير والشر بعد اليوم.
وعن أبي الحوص قال :افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان :لكني خلقت من نطفة قذرة
ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم.
عـن ابـن عباس قال :قدم سـلمان مـن غيبـة له فتلقاه عمـر فقال :أرضاك ل عبدًا قال:
فزوجنـي ،فسـكت عنـه ،فقال :أترضانـي ل عبدًا ول ترضانـي لنفسـك ،فلمـا أصـبح أتاه قوم
فقال :حا جة؟ قالوا :ن عم ،قال :ما هي؟ قالوا :تضرب عن هذا ال مر يعنون خطب ته إلى ع مر
فقال أ ما وال ما حمل ني على هذا إمر ته ول سلطانه ،ول كن قلت ر جل صالح ع سى ال عز
وجل أن يخرج مني ومنه نسمة صالحة.
و عن أ بي ال سود الدؤلي قال :ك نا ع ند علي ذات يوم فقالوا :يا أم ير المؤمن ين حدث نا عن
سلمان ،قال :من ل كم بم ثل لقمان الحك يم! ذلك امرؤ م نا وإلي نا أ هل الب يت ،أدرك العلم الول
والعلم الخـر ،وقرأ الكتاب الول والخـر ،بحـر ل ينزف .وأوصـى معاذ بـن جبـل رجل أن
يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم.
عن ح فص بن عمرو ال سعدي عن ع مه قال :قال سلمان لحذي فة :يا أ خا ب ني ع بس ،العلم
كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما تحتاج إليه في أمر دينك ودع ما سواه فل تعانه.
وعن أبي سعيد الوهبي عن سلمان قال :إنما مثل المؤمن في الدنيا كمثل المريض معه طبيبه
الذي يعلم داءه ودواءه فإذا اشت هى ما يضره من عه وقال ل تقر به فإ نك إن أتي ته أهل كك فل
يزال يمنعه حتى يبرأ من وجعه ،وكذلك المؤمن يشتهي أشياء كثيرة مما قد فضل به غيره
من العيش ،فيمنعه ال عز وجل إياه ويحجزه حتى يتوفاه فيدخله الجنة.
وعن جرير قال :قال سلمان :يا جرير ،تواضع ل عز وجل فإنه من تواضع ل عز وجل في
الدنيا رفعه ال يوم القيامة ،يا جرير ،هل تدري ما الظلمات يوم القيامة؟ قلت :ل ،قال :ظلم
الناس بينهم في الدنيا ،قال :ثم أخذ عويدًا ل أكاد أراه بين إصبعيه ،قال :يا جرير ،لو طلبت
فـي الجنـة مثـل هذا العود لم تجده ،قال قلت :يـا أبـا عبـد ال ،فأيـن النخـل والشجـر؟ قال:
أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلها الثمر.
وعن أبي البختري عن سلمان قال :مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد قال المقعد إني أرى
تمرة ول أستطيع أن أقوم إليها فاحملني فحمله فأكل وأطعمه.
و عن قتادة قال :قال سلمان :إذا أ سأت سيئة في سريرة فأح سن ح سنة في سريرة ،وإذا
أسأت سيئة في علنية فأحسن حسنة في علنية لكي تكون هذه بهذه.
عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال :ثلث أعجبتني حتى أضحكتني :مؤمل دنيا
والموت يطلبه ،وغافل وليس بمغفول عنه ،وضاحك ملء فيه ل يدري أساخط رب العالمين
عليـه أم راض عنـه ،وثلث أحزننـي حتـى أبكيننـي :فراق محمـد وحزبـه ،وهول المطلع،
والوقوف بين يدي ربي عز وجل ول أدري إلى جنة أو إلى نار.
وعن حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قال :ما من مسلم يكون
بفيء من الرض فيتوضأ أو يتيمم ثم يؤذن ويقيم إل أمّ جنودًا من الملئكة ل يرى طرفهم
أو قال طرفاهم.
وعـن ميمون بـن مهران قال :جاء رجـل إلى سـلمان فقال أوصـني ،قال :ل َتكَلّمـُ ،قال :ل
ي ستطيع من عاش في الناس أل يتكلم ،قال :فإن تكل مت فتكلم ب حق أو ا سكت ،قال :زد ني،
قال :ل تغ ضب ،قال :إ نه ليغشا ني مال أمل كه ،قال :فإن غض بت فأم سك ل سانك ويدك ،قال:
زدنـي قال ل تلبـس الناس ،قال :ل يسـتطيع مـن عاش فـي الناس أل يلبسـهم ،قال :فإن
لبستهم فاصدق الحديث وأد المانة.
و عن أ بي عثمان عن سلمان قال :إن الع بد إذا كان يد عو ال في ال سراء فنزلت به الضراء
فدعا قالت الملئكة صوت معروف من آدمي ضعيف فيشفعون له ،وإذا كان ل يدعو ال في
السراء فنزلت به الضراء قالت الملئكة صوت منكر من آدمي ضعيف فل يشفعون له.
وعن سالم مولى زيد بن صوحان قال :كنت مع مولي زيد بن صوحان في السوق فمر علينا
سلمان الفار سي و قد اشترى و سقا من طعام فقال له ز يد :يا أ با ع بد ال ،تف عل هذا وأ نت
صاحب ر سول ال؟ قال :إن الن فس إذا أحرزت قوت ها اطمأ نت وتفر غت للعبادة ويئس من ها
الوسواس.
وعن أبي عثمان عن سلمان قال :لما افتتح المسلمون "جوخى" دخلوا يمشون فيها وأكداس
الطعام فيها أمثال الجبال قال ورجل يمشي إلى جنب سلمان فقال يا أبا عبد ال أل ترى إلى
ما أعطانا ال؟ فقال سلمان :وما يعجبك فما ترى إلى جنب كل حبة مما ترى حساب؟! رواه
المام أحمد.
وعن سعيد بن وهب قال :دخلت مع سلمان على صديق له من كندة نعوده فقال له سلمان:
إن ال عز وجل يبتلي عبده المؤمن بالبلء ثم يعافيه فيكون كفارة لما مضى فيستعتب فيما
بقـي ،وإن ال عـز وجـل يبتلي عبده الفاجـر بالبلء ثـم يعافيـه فيكون كالبعيـر عقله أهله ثـم
أطلقوه فل يدري فيم عقلوه ول فيم أطلقوه حين أطلقوه.
وعن محمد بن قيس عن سالم بن عطية السدي قال :دخل سلمان على رجل يعوده وهو في
النزع فقال :أيها الملك ارفق به ،قال يقول الرجل إنه يقول إني بكل مؤمن رفيق.
عن حبيب بن الحسن وحميد بن مورق العجلي أن سلمان لما حضرته الوفاة بكى فقيل له ما
يبكيك قال عهد عهده إلينا رسول ال قال ليكن بلغ أحدكم كزاد الراكب قال فلما مات نظروا
حوًا من عشرين درهما.
في بيته فلم يجدوا في بيته إل إكافًا ووطا ًء ومتاعًا ُق ّومَ َن ْ
عن أبي سفيان عن أشياخه قال :ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان
فقال له سعد :ما يبكيك يا أبا عبد ال توفي رسول ال وهو عنك راض وترد عليه الحوض؟
قال فقال سلمان :أما إني ما أبكي جزعًا من الموت ول حر صًا على الدنيا ولكن رسول ال
عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الساود ،وإنما حوله إجانة أو
جفة أو مطهرة ،قال فقال له سعد :يا أبا عبد ال ،اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك ،فقال :يا
سعد ،اذكر ال عند همك إذا هممت ،وعند حكمك إذا حكمت ،وعند بذلك إذا قسمت.
وعن الشعبي قال :أصاب سلمان صرة مسك يوم فتح جلولء فاستودعها امرأته فلما حضرته
الوفاة قال هاتي المسك فمرسها في ماء ثم قال انضحيها حولي فإنه يأتيني زوار الن ليس
بإنس ول جان ،ففعلت فلم يمكث بعد ذلك إل قليل حتى قبض.
قال أهل العلم بالسير :كان سلمان من المعمرين وتوفي بالمدائن في خلفة عثمان وقيل مات
سنة ثنتين وثلثين.
سيف الدين قطز
ازداد خطر التتار ،وأصبحت مصر مهددة بغزوهم بعد أن نزل (هولكو) قائد التتار بجيوشه
إلى بغداد في سنة 656هـ ،فقتل مئات اللوف من أهلها ،ونهبوا
خزائنها ،وقضوا على الخلفة العباسية ،ثم قتلوا الخليفة المستعصم بال وأفراد
أسرته ،وكبار رجال دولته.
امتد زحفهم إلى بلد الجزيرة ،واستولوا على (حرّان) و(الرّها) و(ديار بكر) ونزلوا على
(حلب) في سنة 658هـ ،فاستولوا عليها ،ووصلوا إلى دمشق ،فهرب سلطانها (الناصر
يوسف بن أيوب) ثم دخلوا المدينة بعد أن استسلم أهلها ،وواصل التتار زحفهم ،فوصلوا إلى
(نابلس) ثم إلى (الكرك) وبيت المقدس ،وتقدموا إلى (غزة) دون أن يقاومهم أحد ،ولم ي ْبقَ
غير اليمن والحجاز ومصر ،التي كان يتولى عرشها في ذلك الوقت المنصور على بن عز
الدين أيبك ،وكان صغيرًا لم يتجاوز عمره خمس عشرة سنة ،ولم يكن قادرًا على تحمل أعباء
الملك في هذه الظروف العصيبة؛ لذلك طلب علماء السلم من قطز أن يتولى العرش مكانه؛
لنقاذ مصر والبلد السلمية من خطر التتار.
ووصلت رسالة إلى قطز من زعيم التتار (هولكو) وكانت الرسالة مليئة بالتخويف والتهديد،
ومن بين ما جاء فيها ...( :فلكم بجميع البلد معتبر وعن عزمنا
مزدجر ،فاتعظوا بغيركم ،وأسلموا إلينا أمركم ،قبل أن ينكشف الغطاء
فتندموا ،ويعود عليكم الخطأ ،فنحن ما نرحم من بكى ول نرق لمن شكا ،وقد سمعتم أننا قد
فتحنا البلد ،وطهرنا الرض من الفساد ،وقتلنا معظم العباد ،فعليكم
بالهرب ،وعلينا الطلب ،فأي أرض تأويكم ،وأي طريق ينجيكم ،وأي بلد تحميكم؟!).
جمع قطز المراء بعد أن استمع إلى الرسالة ،واتفق معهم على قتل رسل هولكو فقبض
عليهم واعتقلهم وأمر بإعدامهم ،ثم علق رءوسهم على (باب زويلة) كان هذا التصرف من
جانب قطز يعني إعلنه الحرب على التتار ،فجمع القضاة والفقهاء والعيان لمشاورتهم وأخذ
رأيهم في الجهاد ،وفي دار السلطنة بقلعة الجبل حضر العالم الكبير الشيخ (عز الدين بن عبد
السلم) ،والقاضي (بدر الدين السنجاري) قاضي الديار المصرية ،واتفق الجميع على التصدي
للتتار والموت في سبيل ال.
خرج قطز يوم الثنين الخامس عشر من شعبان سنة 658هـ بجميع عسكر
مصر ،ومن انضم إليهم من عساكر الشام والعرب والتركمان ..وغيرهم من قلعة الجبل،
فنادى في القاهرة وكل أقاليم مصر ،يدعو الناس إلى الجهاد في سبيل ال والتصدي لعداء
السلم ،وجمع المراء ،وطلب منهم أن يساعدوه في قتال
التتار ،لكنهم امتنعوا عن الرحيل معه ،فقال لهم( :يا أمراء المسلمين ..لكم زمان تأكلون أموال
بيت المال ،وأنتم للغزاة كارهون ،وأنا متوجه ،فمن اختار الجهاد يصحبني ،ومن لم يختر ذلك
يرجع إلى بيته ،فإن ال مطلع عليه ،وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين).
وقبل المسير جمع (قطز) قادته ،وشرح لهم خطورة الموقف ،وذكرهم بما وقع من التتار من
الخراب والتدمير وسفك الدماء ،وطلب منهم وهو يجهش بالبكاء أن يبذلوا أرواحهم وأنفسهم
في سبيل إنقاذ السلم والمسلمين ،ولم يتمالك القادة أنفسهم فأخذوا يبكون لبكائه ،ووعدوه أن
يضحوا بكل شيء لنصرة السلم.
وخرج قطز لملقاة التتار خارج مصر ،ولم يقف موقف المدافع ،وذلك ليمانه بأن الهجوم
خير وسيلة للدفاع ،وحتى يرفع معنويات رجاله ،ويثبت لعدائه أنه ل يخافهم ول يرهبهم،
وتحرك قطز من مصر في شهر رمضان سنة 658هـ ،ووصل مدينة (غزة) وكانت فيها
بعض جموع التتار بقيادة (بيدرا) الذي فوجئ بهجوم أحد كتائب المماليك بقيادة بيبرس أحد
قواد قطز الشجعان ،لتتحقق بشائر النصر ،ويستعيد قطز (غزة) من التتار ،وأقام بها يومًا
واحدًا ،ثم اتجه شمال نحو سهل البقاع بلبنان حيث التتار بقيادة ( َك ُت ْبغَا) الذي فشل في إنقاذ
التتار الذين هزمهم المسلمون في غزة.
وكان قطز رجل عسكريّا من الدرجة الولى ،فهو يعد لكل شيء عدته ،فقد أرسل حملة
استطلعية استكشافية تحت قيادة المير (ركن الدين بيبرس) وكان قائدًا ذا خبرة واسعة
بالحروب ،لكي تجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن التتار ،عن قوتهم وعددهم وسلحهم،
وبعد أن انتهى (بيبرس) من استطلع الخبار اشتبك مع التتار في مكان يسمى (عين جالوت)
وظل القتال مستمرّا حتى وصل قطز مع قواته إلى ميدان المعركة الفاصلة.
وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان من سنة 658هـ ،دارت معركة حاسمة
بين الطرفين ،واقتحم قطز صفوف القتال ،وتقدم جنوده وهو يصيح:
(وا إسلماه ..وا إسلماه) يضرب بسيفه رءوس العداء ،ويشجع
أصحابه ،ويطالبهم بالشهادة في سبيل ال ،واشتدت المعركة ،فأخذ قطز يصرخ أمام جيشه:
(وا إسلماه ..وا إسلماه ..يا ال ..انصر عبدك قطز على التتار) وقتل فرس قطز ،وكاد
يتعرض للقتل لول أن أسعفه أحد فرسانه ،فنزل له عن فرسه ،فسارع قطز إلى قيادة رجاله،
ودخل دون خوف في صفوف العداء حتى ارتبكت
صفوفهم ،ولجأ القائد العظيم إلى حيلة ذكية؛ فقد أخفى بعض قواته من المماليك بين التلل؛
حتى إذا زادت شدة المعركة ،ظهر المماليك من كمائنهم ،وهاجموا التتار بقوة وعنف.
وكانت هناك مزرعة بالقرب من ساحة القتال ،فاختفى فيها مجموعة من جنود
التتار ،فأمر (قطز) جنوده أن يشعلوا النار في تلك المزرعة ،فاحترق من فيها من التتار ،وبدأ
المسلمون يطاردون التتار ،حتى دخل قطز دمشق في أواخر شهر رمضان المبارك ،فاستقبله
أهلها بالفرح والسرور ،ولم تمضِ أسابيع قليلة ،حتى طهرت بلد الشام من التتار ،فخرج من
دمشق عائدًا إلى مصر ،وفي طريق عودته انقض عليه عدد من المراء وقتلوه حسدًا منهم
وحقدًا على ما أكرمه ال به من نصر ،وذلك يوم السبت السادس عشر من ذي القعدة سنة
658هـ ،ودفن في المكان الذي قتل
فيه ،وحزن الناس عليه حزنًا شديدًا
شريك بن عبد ال
القضاء ..العدل ..الظلم ..حق الناس ..حق ال ..كلمات أخذ يرددها شريك بينه وبين نفسه عندما
عرض عليه الخليفة أن يتولى قضاء (الكوفة) فما أعظمها من مسئولية!!
في مدينة (بُخارى) بجمهورية أوزبكستان السلمية الن ،وُِلدَ شريك بن عبد ال النخعي سنة
خمس وتسعين للهجرة ،ولمـّا بلغ من العمر تسع سنوات أتم حفظ القرآن الكريم ،ثم درس الفقه
والحديث ،وأصبح من حفـاظ أحاديث رسـول الـلـه صلى ال عليه وسلم.
وفي مدينة الكوفة اشتهر بعلمه وفضله ،فأخذ يعلم الناس ويفتيهم في أمور
دينهم ،وكان ل يبخل بعلمه على أحد ،ول يُ َف ِرقُ في مجلس علمه بين فقير
وغني؛ فيحكى أن أحد أبناء الخليفة المهدي دخل عليه ،فجلس يستمع إلى دروس العلم التي يلقيها
شريك ،وأراد أن يسأل سؤالً؛ فسأله وهو مستند على
الحائط ،وكأنه ل يحترم مجلس العلم ،فلم يلتفت إليه شريك ،فأعاد الميرُ السؤالَ مرة أخرى،
لكنه لم يلتفت إليه وأعرض عنه؛ فقال له الحاضرون :كأنك تستخف بأولد الخليفة ،ول تقدرهم
حق قدرهم؟ فقال شريك :ل ،ولكن العلم أزين عند أهله من أن تضيّعوه ،فما كان من ابن الخليفة
إل أن جلس على ركبتيه ثم سأله ،فقال شريك :هكذا يطلب العلم.
عرِضَ عليه أن يتولى القضاء لكنه امتنع وأراد أن يهرب من هذه المسئولية العظيمة ،خوفًا وقد ُ
من أن يظلم صاحب حق ،فعندما دعاه الخليفة المنصور ،وقال له:
إني أريد أن أوليك القضاء ،قال شريك :اعفني يا أمير المؤمنين ،قال :لست أعفيك ..فقبل تولي
القضاء ،وأخذ شريك ينظر في المظالم ويحكم فيها بالعدل ،ول يخشى في ال لومة لئم ،فيحكى
أنه جلس ذات يوم في مجلس القضاء ،وإذا بامرأة تدخل عليه وتقول له :أنا بال ثم بك يا نصير
ن ظلمك؟ قالت :المير موسى بن عيسى ابن عم أمير المظلومين ،فنظر إليها شريك وقالَ :م ْ
المؤمنين ،فقال لها :وكيف؟ قالت :كان عندي بستان على شاطئ الفرات وفيه نخل وزرع ورثته
عن أبي وبنيت له
حائطًا ،وبالمس بعث المير بخمسمائة غلم فاقتلعوا الحائط؛ فأصبحت ل أعرف حدود بستاني
من بساتينه؛ فكتب القاضي إلى المير" :أما بعد ..أبقى ال المير وحفظه ،وأتم نعمته عليه ،فقد
جاءتني امرأة فذكرت أن المير اغتصب بستانها أمس ،فليحضر المير الحكم الساعة،
والسلم".
فلما قرأ المير كتاب شريك غضب غضبًا شديدًا ،ونادى على صاحب
الشرطة ،وقال له :اذهب إلى القاضي شريك ،وقل له -بلساني : -يا سبحان ال!! ما رأيت أعجب
من أمرك! كيف تنصف على المير امرأة حمقاء لم تصح دعواها؟ فقال صاحب الشرطة :لو
تفضل المير فأعفاني من هذه المهمة ،فالقاضي كما تعلم صارم ،فقال المير غاضبًا :اذهب
وإياك أن تتردد.
فخرج صاحب الشرطة من عند المير وهو ل يدري كيف يتصرف ،ثم قال لغلمانه :اذهبوا
واحملوا إلى الحبس فراشًا وطعامًا وما تدعو الحاجة إليه ،ومضى صاحب الشرطة إلى شريك،
فقال القاضي له :إنني طلبت من المير أن يحضر بنفسه ،فبعثك تحمل رسالته التي ل تغني عنه
شيئًا في مجلس القضاء!! ونادي على غلم المجلس وقال له :خذ بيده وضعه في الحبس ،فقال
صاحب الشرطة :وال لقد علمت أنك تحبسني فقدمت ما أحتاج إليه في الحبس.
وبعث المير موسى بن عيسى إليه بعض أصدقائه ليكلموه في المر فأمر
بحبسهم ،فعلم المير بما حدث ،ففتح باب السجن وأخرج مَنْ فيه ،وفي اليوم
التالي ،عرف القاضي شريك بما حدث ،فقال لغلمه :هات متاعي والحقني
ببغداد ،وال ما طلبنا هذا المر (أي القضاء) من بني العباس ،ولكن هم الذين أكرهونا عليه،
ولقد ضمنوا لنا أن نكون فيه أعزة أحرارا.
فلما عرف المير موسى بذلك ،أسرع ولحق بركب القاضي شريك ،وقال له :يا
أبا عبد ال أتحبس إخواني بعد أن حبست رسولي؟ فقال شريك :نعم؛ لنهم مشوا لك في أمر ما
كان لهم أن يمشوا فيه ،وقبولهم هذه الوفادة تعطيل للقضاء ،وعدوان على العدل ،وعون على
الستهانة بحقوق الضعفاء ،ولست براجع عن غايتي أو يردوا جميعًا إلى السجن ،وإلّ مضيت
إلى أمير المؤمنين فاستعفيته من القضاء ،فخاف المير وأسرع بردّهم إلى الحبس ،وجلس
القاضي في مجلس القضاء ،واستدعى المرأة المتظلمة وقال :هذا خصمك قد حضر ..فقال
المير :أما وقد حضرت فأرجو أن تأمر بإخراج المسجونين ،فقال شريك :أما الن فلك ذلك.
ثم سأل الميرَ عما َتدّعيه المرأة ،فقال المير :صدقت ..فقال القاضي شريك :إذن ترد ما أخذت
منها ،وتبني حائطها كما كان ..قال المير :أفعل ذلك ،فسأل شريك المرأة :أبقي لك عليه شيئًا؟
عظّ َم أمرَ الِ أذل ال
قالت :بارك ال فيك وجزاك خيرًا ،وقام المير من المجلس وهو يقول :مَنْ َ
له عظماء خلقه ،ومات القاضي شريك
سنة 177هـ.
فإلى سيرته ومواقف من حياته كما يرويها صاحب وفيات العيان أحمد بن خلكان ،والقاضي
بهاء الدين بن شداد صاحب كتاب "سيرة صلح الدين" وبن الثير في كتابه "الكامل".
نسبه ونشأته
هو أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي الملقب بالملك الناصر صلح الدين.
ات فق أ هل التار يخ على أن أباه وأهله من (دو ين) و هي بلدة في آ خر أذربيجان وأن هم أكراد
روادية ،والروادية بطن من الهذبانية ،وهي قبيلة كبيرة من الكراد.
ولد صلح الدين سنة 532هـ بقلعة تكريت لما كان أبوه وعمه بها والظاهر أنهم ما أقاموا
بها بعد ولدة صلح الدين إل مدة يسيرة ،ولكنهم خرجوا من تكريت في بقية سنة 532هـ
ال تي ولد في ها صلح الد ين أو في سنة ثلث وثلث ين لنه ما أقا ما ع ند عماد الد ين زن كي
بالمو صل ثم ل ما حا صر دم شق وبعد ها بعل بك وأخذ ها ر تب في ها ن جم الد ين أيوب وذلك في
أوائل سنة أربع وثلثين.
يقول بن خلكان :أخبرني بعض أهل بيتهم وقد سألته هل تعرف متى خرجوا من تكريت فقال
سمعت جما عة من أهل نا يقولون إن هم أخرجوا من ها في الليلة ال تي ولد في ها صلح الد ين
فتشاءموا به وتطيروا منه فقال بعضهم لعل فيه الخيرة وما تعلمون فكان كما قال وال أعلم.
ولم يزل صلح الد ين ت حت ك نف أب يه ح تى ترعرع ول ما ملك نور الد ين محمود بن عماد
الديـن زن كي دم شق لزم نجـم الد ين أيوب خدم ته وكذلك ولده صلح الديـن وكانـت مخايـل
السعادة عليه لئحة والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة ونور الدين يرى له ويؤثره ومنه تعلم
صلح الدين طرائق الخير وفعل المعروف والجتهاد في أمور الجهاد.
هرب الوزير الفاطمي شاور من مصر من الوزير ضرغام بن عامر بن سوار الملقب فارس
المسلمين اللخمي المنذري لما استولى على الدولة المصرية وقهره وأخذ مكانه في الوزارة
كعادتهـم فـي ذلك وقتـل ولده الكـبر طـي بـن شاور فتوجـه شاور إلى الشام مسـتغيثا بالملك
العادل نور الديـن بـن زنكـي وذلك فـي شهـر رمضان 558هــ ودخـل دمشـق فـي الثالث
والعشرين من ذي القعدة من السنة نفسها فوجه نور الدين معه المير أسد الدين شيركوه
بن شاذي في جما عة من ع سكره كان صلح الد ين في جملت هم في خد مة ع مه و هو كاره
للسفر معهم وكان لنور الدين في إرسال هذا الجيش هدفان:
أحدهما :قضاء حق شاور لكونه قصده ودخل عليه مستصرخا.
والثاني :أنه أراد استعلم أحوال مصر فإنه كان يبلغه أنها ضعيفة من جهة الجند وأحوالها
في غاية الختلل فقصد الكشف عن حقيقة ذلك.
وكان كث ير العتماد على شيركوه لشجاع ته ومعرف ته وأمان ته فانتدبه لذلك وج عل أسد الد ين
شيركوه ا بن أخ يه صلح الد ين مقدم ع سكره وشاور مع هم فخرجوا من دم شق في جمادى
الولى سنة 559هـ فدخلوا مصر واستولوا على المر في رجب من السنة نفسها.
ول ما و صل أ سد الد ين وشاور إلى الديار الم صرية وا ستولوا علي ها وقتلوا الضرغام وح صل
لشاور مقصـودة وعاد إلى منصـبه وتمهدت قواعده واسـتمرت أموره غدر بأسـد الديـن
شيركوه واسـتنجد بالفرنـج عليـه فحاصـروه فـي بلبيـس ،وكان أسـد الديـن قـد شاهـد البلد
وعرف أحوالهـا وأنهـا مملكـة بغيـر رجال تمشـي المور فيهـا بمجرد اليهام والمحال فطمـع
في ها وعاد إلى الشام ،وأقام أ سد الد ين بالشام مدة مفكرا في تدب ير عود ته إلى م صر محد ثا
نفسه بالملك لها مقررا قواعد ذلك مع نور الدين إلى سنة 562هـ
وبلغ نور الدين وأسد الدين مكاتبة الوزير الخائن شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا على
مصـر أن يملكوهـا ويملكوا بطريقهـا جميـع البلد فتجهـز أسـد الديـن وأنفـذ معـه نور الديـن
العساكر وصلح الدين في خدمة عمه أسد الدين ،وكان وصول أسد الدين إلى البلد مقارنا
لو صول الفر نج إلي ها وات فق شاور والم صريون بأ سرهم والفر نج على أ سد الد ين وجرت
حروب كثيرة.
وتوجه صلح الدين إلى السكندرية فاحتمى بها وحاصره الوزير شاور في جمادى الخرة
من سنة 562ه ـ ثم عاد أ سد الد ين من ج هة ال صعيد إلى بلب يس و تم ال صلح بي نه وب ين
المصريين وسيروا له صلح الدين فساروا إلى الشام.
ثـم إن أسـد الديـن عاد إلى مصـر مرة ثالثـة وكان سـبب ذلك أن الفرنـج جمعوا فارسـهم
وراجل هم وخرجوا يريدون م صر ناكث ين العهود مع الم صريين وأ سد الد ين طم عا في البلد
فلمـا بلغ ذلك أسـد الديـن ونور الديـن لم يسـعهما الصـبر فسـارعا إلى مصـر أمـا نور الديـن
فبالمال والرجال ولم يمكنـه المسـير بنفسـه خوفـا على البلد مـن الفرنـج ،وأمـا أسـد الديـن
فبنفسه وماله وإخوته وأهله ورجاله
يقول بن شداد :لقد قال لي ال سلطان صلح الد ين قدس ال روحه ك نت أكره الناس للخروج
في هذه الدف عة و ما خر جت مع ع مي باختياري وهذا مع نى قوله تعالى {وع سى أن تكرهوا
شيئا وهو خير لكم} (البقرة)216:
وكان شاور لما أحس بخروج الفرنج إلى مصر سير إلى أسد الدين يستصرخه ويستنجده
فخرج مسرعا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الول سنة 564هـ ولما علم الفرنج
بوصـول أسـد الديـن إلى مصـر على اتفاق بينـه وبيـن أهلهـا رحلوا راجعيـن على أعقابهـم
ناك صين وأقام أ سد الد ين ب ها يتردد إل يه شاور في الحيان وكان وعد هم بمال في مقا بل ما
خسروه من النفقة فلم يوصل إليهم شيئا وعلم أسد الدين أن شاور يلعب به تارة وبالفرنج
أخرى،وتحقق أنه ل سبيل إلى الستيلء على البلد مع بقاء شاور فأجمع رأيه على القبض
عل يه إذا خرج إل يه ،فقتله وأ صبح أ سد الد ين وزيرا وذلك في سابع ع شر رب يع الول سنة
564هــ ودام آمرا وناهيـا و صـلح الديـن يباشـر المور مقررا لهـا لمكان كفايتـه ودرايتـه
وحسن رأيه وسياسته إلى الثاني والعشرين من جمادى الخرة من السنة نفسها فمات أسد
الدين.
وذكر المؤرخون أن أسد الدين لما مات استقرت المور بعده للسلطان صلح الدين يوسف
بن أيوب فبذل الموال وملك قلوب الرجال وها نت عنده الدن يا فملك ها وش كر نع مة ال تعالى
عليـه ،وأعرض عـن أسـباب اللهـو وتقمـص بقميـص الجـد والجتهاد ،اسـتعدادا لمواجهات
مستمرة مع الصليبيين من جهة ومع خزعبلت الدولة الفاطمية من جهة أخرى.
ولما علم الفرنج استقرار المر بمصر لصلح الدين علموا أنه يملك بلدهم ويخرب ديارهم
ويقلع آثار هم ل ما حدث له من القوة والملك واجت مع الفر نج والروم جمي عا وق صدوا الديار
الم صرية فق صدوا دمياط ومع هم آلت الح صار و ما يحتاجون إل يه من العدد ،ول ما رأى نور
الدين ظهور الفرنج ونزولهم على دمياط قصد شغلهم عنها فنزل على الكرك محاصرا لها،
فقصده فرنج الساحل فرحل عنها وقصد لقاءهم فلم يقفوا له.
ول ما بلغ صلح الد ين ق صد الفر نج دمياط ا ستعد ل هم بتجه يز الرجال وج مع اللت إلي ها
ووعد هم بالمداد بالرجال إن نزلوا علي هم وبالغ في العطا يا والهبات وكان وزيرا متحك ما ل
يرد أمره في ش يء ثم نزل الفر نج علي ها واش تد زحف هم وقتال هم علي ها و هو ي شن علي هم
الغارات من خارج والعسكر يقاتلهم من داخل ونصر ال تعالى المسلمين به وبحسن تدبيره
فرحلوا عنها خائبين فأحرقت مناجيقهم ونهبت آلتهم وقتل من رجالهم عدد كبير.
وا ستقرت المور ل صلح الد ين ون قل أ سرته ووالده ن جم الد ين أيوب إلي ها لي تم له ال سرور
وتكون قصته مشابهة لقصة يوسف الصديق عليه السلم ،ولم يزل صلح الدين وزيرا حتى
مات العاضد آخر الخلفاء الفاطميين 565هـ وبذلك انتهت الدولة الفاطمية وبدأت دولة بني
أيوب (الدولة اليوبية).
ولقب صلح الدين بالملك الناصر وعاد إلى دار أسد الدين فأقام بها ،وثبت قدم صلح الدين
ورسخ ملكه.
وأرسل صلح الدين يطلب من نور الدين أن يرسل إليه إخوته فلم يجبه إلى ذلك وقال أخاف
أن يخالف أحد منهم عليك فتفسد البلد ،ثم إن الفرنج اجتمعوا ليسيروا إلى مصر فسير نور
الدين العساكر وفيهم إخوة صلح الدين منهم شمس الدولة توران شاه بن أيوب ،وهو أكبر
من صلح الدين.
و ذكر ابن الثير ما حدث من الوحشة بين نور الدين وصلح الدين باطنا فقال :وفي سنة
567هـ حدث ما أوجب نفرة نور الدين عن صلح الدين وكان الحادث أن نور الدين أرسل
إلى صلح الد ين يأمره بج مع الع ساكر الم صرية والم سير ب ها إلى بلد الفر نج والنزول على
الكرك ومحا صرته ليج مع هو أي ضا ع ساكره وي سير إل يه ويجتم عا هناك على حرب الفر نج
وال ستيلء على بلد هم فبرز صلح الد ين من القاهرة في العشر ين من المحرم وك تب إلى
نور الد ين يعر فه أن رحيله ل يتأ خر وكان نور الد ين قد ج مع ع ساكره وتج هز وأقام ينت ظر
ورود الخبر من صلح الدين برحيله ليرحل هو فلما أتاه الخبر بذلك رحل من دمشق عازما
على ق صد الكرك فو صل إل يه وأقام ينت ظر و صول صلح الد ين إل يه فأر سل كتا به يعتذر ف يه
عن الوصول باختلل البلد المصرية لمور بلغته عن بعض شيعة العلويين وأنهم عازمون
على الوثوب بها وأنه يخاف عليها مع البعد عنها فعاد إليها فلم يقبل نور الدين عذره ،وكان
سبب تقاعده أن أصحابه وخواصه خوفوه من الجتماع بنور الدين فحيث لم يمتثل أمر نور
الدين شق ذلك عليه وعظم عنده وعزم على الدخول إلى مصر وإخراج صلح الدين عنها.
ووصل الخبر إلى صلح الدين فجمع أهله وفيهم والده نجم الدين أيوب وخاله شهاب الدين
الحارمي ومعهم سائر المراء وأعلمهم ما بلغه عن عزم نور الدين على قصده وأخذ مصر
منه واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشيء فقام تقي الدين عمر ابن أخي صلح الدين وقال
إذا جاء قاتلناه و صددناه عن البلد وواف قه غيره من أهله فشتم هم ن جم الد ين أيوب وأن كر
ذلك واستعظمه وكان ذا رأي ومكر وعقل وقال لتقي الدين اقعد وسبه وقال لصلح الدين أنا
أبوك وهذا شهاب الدين خالك أتظن أن في هؤلء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا فقال
ل فقال وال لو رأيت أنا وهذا خالك شهاب الدين نور الدين لم يمكنا إل أن نترجل له ونقبل
الرض ب ين يد يه ولو أمر نا أن نضرب عن قك بال سيف لفعل نا فإذا ك نا ن حن هكذا ك يف يكون
غير نا و كل من تراه من المراء والع ساكر لو رأى نور الد ين وحده لم يتجا سر على الثبات
على سرجه ول و سعه إل النزول وتقب يل الرض ب ين يد يه وهذه البلد له و قد أقا مك في ها
وإن أراد عزلك فأي حاجة له إلى المجيء يأمرك بكتاب مع نجاب حتى تقصد خدمته ويولي
بلده من يريد وقال للجماعة كلهم قوموا عنا ونحن مماليك نور الدين وعبيده يفعل بنا ما
يريد فتفرقوا على هذا وكتب أكثرهم إلى نور الدين بالخبر.
ول ما خل أيوب باب نه صلح الد ين قال له أ نت جا هل قل يل المعر فة تج مع هذا الج مع الكث ير
وتطلع هم على ما في نف سك فإذا سمع نور الد ين أ نك عازم على من عه عن البلد جعلك أ هم
المور إليه وأولها بالقصد ولو قصدك لم تر معك أحدا من هذا العسكر وكانوا أسلموك إليه
وأمـا الن بعـد هذا المجلس فسـيكتبون إليـه ويعرفونـه قولي وتكتـب أنـت إليـه وترسـل فـي
المعنى وتقول أي حاجة إلى قصدي يجبي نجاب يأخذني بحبل يضعه في عنقي فهو إذا سمع
هذا عدل عن ق صدك وا ستعمل ما هو أ هم عنده واليام تندرج وال في كل و قت في شأن
وال لو أراد نور الد ين ق صبة من ق صب سكرنا لقاتل ته أ نا علي ها ح تى أمن عه أو أق تل فف عل
صلح الد ين ما أشار به والده فل ما رأى نور الد ين ال مر هكذا عدل عن ق صده وكان ال مر
كما قال نجم الدين أيوب وتوفي نور الدين ولم يقصده وهذا كان من أحسن الراء وأجودها.
قال ابن شداد :لم يزل صلح الدين على قدم بسط العدل ونشر الحسان وإفاضة النعام على
الناس إلى سـنة 568هــ فعنـد ذلك خرج بالعسـكر ير يد بلد الكرك والشو بك وإن ما بدأ ب ها
لنها كا نت أقرب إليه وكانت في الطريق تمنع من يق صد الديار المصرية وكان ل يمكن أن
تعبر قافلة حتى يخرج هو بنفسه يعبرها فأراد توسيع الطريق وتسهيلها فحاصرها في هذه
السنة وجرى بينه وبين الفرنج وقعات وعاد ولم يظفر منها بشيء ولما عاد بلغه خبر وفاة
والده نجم الدين أيوب قبل وصوله إليه.
ولما كانت سنة 569هـ رأى قوة عسكره وكثرة عدده وكان بلغه أن باليمن إنسانا استولى
علي ها وملك ح صونها ي سمى ع بد ال نبي بن مهدي ف سير أخاه توران شاه فقتله وأ خذ البلد
منه وبلغ صلح الدين أن إنسانا يقال له الكنز جمع بأسوان خلقا عظيما من السودان وزعم
أنه يعيد الدولة المصرية وكان أهل مصر يؤثرون عودهم فانضافوا إلى الكنز ،فجهز صلح
الد ين إل يه جي شا كثي فا وج عل مقد مه أخاه الملك العادل و ساروا فالتقوا وهزمو هم وذلك في
السابع من صفر سنة 570هـ.
وكان نور الد ين رح مه ال قد خلف ولده الملك ال صالح إ سماعيل وكان بدم شق ع ند وفاة
أبيه ثم إن صلح الدين بعد وفاة نور الدين علم أن ولده الملك الصالح صبي ل يستقل بالمر
ول ينهض بأعباء الملك واختلفت الحوال بالشام وكاتب شمس الدين ابن المقدم صلح الدين
فتج هز من م صر في ج يش كث يف وترك ب ها من يحفظ ها وق صد دم شق مظهرا أ نه يتولى
م صالح الملك ال صالح فدخل ها في سنة 570ه ـ وت سلم قلعت ها وكان أول دخوله دار أب يه،
وهي الدار المعروفة بالشريف العقيقي ،واجتمع الناس إليه وفرحوا به وأنفق في ذلك اليوم
مال جليل وأظهـر السـرور بالدمشقييـن وصـعد القلعـة وسـار إلى حلب فنازل حمـص وأخـذ
مدينتها في جمادى الولى من السنة نفسها ولم يشتغل بقلعتها وتوجه إلى حلب ونازلها في
يوم الجمعة آخر جمادى الولى من السنة وهي المعركة الولى.
ولما أحس سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي صاحب الموصل
ب ما جرى علم أن صلح الد ين قد ا ستفحل أمره وع ظم شأ نه وخاف إن غ فل ع نه ا ستحوذ
على البلد وا ستقرت قد مه في الملك وتعدى ال مر إل يه فأن فذ ع سكرا وافرا وجي شا عظي ما
وقدم عليه أخاه عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود و ساروا يريدون لقاءه ليردوه عن
البلد فلما بلغ صلح الدين ذلك رحل عن حلب في مستهل رجب من السنة عائدا إلى حماة
ورجع إلى حمص فأخذ قلعتها ووصل عز الدين مسعود إلى حلب وأخذ معه عسكر ابن عمه
الملك ال صالح بن نور الد ين صاحب حلب يومئذ وخرجوا في ج مع عظ يم فل ما عرف صلح
الدين بمسيرهم سار حتى وافاهم على قرون حماة وراسلهم وراسلوه واجتهد أن يصالحوه
ف ما صالحوه ورأوا أن ضرب الم صاف م عه رب ما نالوا به غرض هم والقضاء ي جر إلى أمور
و هم ب ها ل يشعرون فتلقوا فق ضى ال تعالى أن هزموا ب ين يد يه وأ سر جما عة من هم ف من
علي هم وذلك في تا سع ش هر رمضان من سنة 570ه ـ ع ند قرون حماة ثم سار عق يب
هزيمتهم ونزل على حلب وهي الدفعة الثانية فصالحوه على أخذ المعرة وكفر طاب وبار ين
ولمـا جرت هذه المعركـة كان سـيف الديـن غازي يحاصـر أخاه عماد الديـن زنكـي صـاحب
سنجار وعزم على أخذها منه لنه كان قد انتمى إلى صلح الدين وكان قد قارب أخذها فلما
بلغـه الخـبر وأن عسـكره انكسـر خاف أن يبلغ أخاه عماد الديـن الخـبر فيشتـد أمره ويقوى
جأ شه فرا سله و صالحه ثم سار من وق ته إلى ن صيبين واه تم بج مع الع ساكر والنفاق في ها
وسار إلى البيرة وعبر الفرات وخيم على الجانب الشامي وراسل ابن عمه الصالح بن نور
الد ين صاحب حلب ح تى ت ستقر له قاعدة ي صل علي ها ثم إ نه و صل إلى حلب وخرج الملك
الصالح إلى لقائه أقام على حلب مدة.
المواجهة مع الفرنجة
فـي سـنة 572هــ اسـقرت المور بمصـر والشام للدولة اليوبيـة ،وكان أخـو صـلح الديـن
ش مس الدولة توران شاه قد و صل إل يه من الي من فا ستخلفه بدم شق ثم تأ هب للغزاة من
الفرنجة ،فخرج يطلب الساحل حتى وافى الفرنج على الرملة وذلك في أوائل جمادى الولى
سنة 573هـ وكانت الهزيمة على المسلمين في ذلك اليوم ،فلما انهزموا لم يكن لهم حصن
قريـب يأوون إليـه فطلبوا جهـة الديار المصـرية وضلوا فـي الطريـق وتبددوا وأسـر منهـم
جما عة من هم الفق يه عي سى الهكاري وكان ذلك وه نا عظي ما جبره ال تعالى بمعر كة حط ين
المشهورة.
أقام صلح الدين بمصر حتى لم شعثه وشعث أصحابه من أثر هزيمة الرملة ثم بلغه تخبط
الشام فعزم على العود إليه واهتم بالغزاة فوصله رسول "قليج أرسلن" صاحب الروم يلتمس
الصلح ويتضرر من الرمن فعزم على قصد بلد ابن لون ـ وهي بلد سيس الفاصلة بين
حلب والروم من ج هة ال ساحل ـ لين صر قل يج أر سلن عل يه فتو جه إل يه وا ستدعى ع سكر
حلب لنه كان في الصلح أنه متى استدعاه حضر إليه ودخل بلد ابن لون وأخذ في طريقه
ح صنا و أخر به ورغبوا إل يه في ال صلح ف صالحهم ور جع عن هم ثم سأله قل يج أر سلن في
صلح الشرقي ين بأ سرهم فأجاب إلى ذلك وحلف صلح الد ين في عا شر جمادى الولى سنة
ست و سبعين وخم سمائة ود خل في ال صلح قليج أرسلن والموا صلة وعاد ب عد تمام ال صلح
إلى دمشق ثم منها إلى مصر.
معركة حطين
كانت معركة حطين المباركة على المسلمين في يوم السبت 14ربيع الخر سنة 583هـ
في و سط نهار الجم عة وكان صلح الد ين كثيرا ما يق صد لقاء العدو في يوم الجم عة ع ند
الصلة تبركا بدعاء المسلمين والخطباء على المنابر فسار في ذلك الوقت بمن اجتمع له من
العساكر السلمية وكانت تجاوز العد والحصر على تعبئة حسنة وهيئة جميلة وكان قد بلغه
عـن العدو أنـه اجتمـع فـي عدة كثيرة بمرج صـفورية بعكـا عندمـا بلغهـم اجتماع الجيوش
السلمية فسار ونزل على بحيرة طبرية ثم رحل ونزل على طبرية على سطح الجبل ينتظر
هجوم الصـليبيين عليـه إذا بلغهـم نزوله بالموضـع المذكور فلم يتحركوا ول خرجوا مـن
منزل هم وكان نزول هم يوم الربعاء 21رب يع ال خر فل ما رآ هم ل يتحركون نزل على طبر ية
وهاجمها وأخذها في ساعة واحدة وبقيت القلعة محتمية بمن فيها ولما بلغ العدو ما جرى
على طبريـة قلقوا لذلك ورحلوا نحوهـا فبلغ السـلطان ذلك فترك على طبريـة مـن يحاصـر
قلعتهـا ولحـق بالعسـكر فالتقـى بالعدو على سـطح جبـل طبريـة الغربـي منهـا وذلك فـي يوم
الخميس 22ربيع الخر وحال الليل بين المعسكرين قياما على مصاف إلى بكرة يوم الجمعة
فر كب الجيشان وت صادما والت حم القتال واش تد ال مر وذلك بأرض قر ية تعرف بلوب يا وضاق
الخناق بالعدو وهـم سـائرون كأنهـم يسـاقون إلى الموت وهـم ينظرون وقـد أيقنوا بالويـل
والثبور وأح ست نفو سهم أن هم في غد يوم هم ذلك من زوار القبور ولم تزل الحرب تضطرم
والفارس مع قر نه ي صطدم ولم ي بق إل الظ فر وو قع الوبال على من ك فر فحال بين هم الل يل
بظلمـه وبات كـل واحـد مـن الفريقيـن فـي سـلحه إلى صـبيحة يوم السـبت فطلب كـل مـن
الفريقين مقامه وتحقق المسلمون أن من ورائهم الردن ومن بين أيديهم بلد العدو وأنهم ل
ينجيهـم إل الجتهاد فـي الجهاد فحملت جيوش المسـلمين مـن جميـع الجوانـب وحمـل القلب
وصـاحوا صـيحة رجـل واحـد فألقـى ال الرعـب فـي قلوب الكافريـن وكان حقـا عليـه نصـر
المؤمن ين ول ما أ حس القوم بالخذلن هرب من هم في أوائل ال مر وق صد ج هة صور وتب عه
جماعة من المسلمين فنجا منهم وكفى ال شره وأحاط المسلمون بالصليبيين من كل جانب
وأطلقوا علي هم ال سهام وحكموا في هم ال سيوف و سقوهم كأس الحمام وانهز مت طائ فة من هم
فتبعها أبطال المسلمين فلم ينج منها أحد واعتصمت طائفة منهم بتل يقال له تل حطين وهي
قرية عندها قبر النبي شعيب عليه السلم فضايقهم المسلمون وأشعلوا حولهم النيران واشتد
بهم العطش وضاق بهم المر حتى كانوا يستسلمون للمر خوفا من القتل لما مر بهم فأسر
مقدموهم وقتل الباقون.
وكان م من سلم من مقدمي هم الملك جفري وأخوه والبر نس أرناط صاحب الكرك والشو بك
وابن الهنفري وابن صاحبة طبرية ومقدم الديوية وصاحب جبيل ومقدم السبتار.
قال ابن شداد :ولقد حكي لي من أثق به أنه رأى بحوران شخصا واحدا معه نيف وثلثون
أسيرا قد ربطهم بوتد خيمة لما وقع عليهم من الخذلن.
وأما أرناط فان صلح الدين كان قد نذر أنه إن ظفر به قتله وذلك لنه كان قد عبر به عند
الشو بك قوم من م صر في حال ال صلح فغدر ب هم وقتل هم فناشدوه ال صلح الذي بي نه وب ين
الم سلمين فقال ما يتضمن الستخفاف بال نبي (صلى ال عليه و سلم) وبلغ ال سلطان فحملته
حميته ودينه على أن يهدر دمه.
لما فتح ال تعالى عليه بنصره في حطين جلس صلح الدين في دهليز الخيمة لنها لم تكن
ن صبت ب عد وعر ضت عل يه ال سارى و سار الناس يتقربون إل يه ب من في أيدي هم من هم و هو
فرح ب ما ف تح ال تعالى على يده للم سلمين ون صبت له الخي مة فجلس في ها شاكرا ل تعالى
على ما أن عم به عل يه وا ستحضر الملك جفري وأخاه و أرناط وناول ال سلطان جفري شر بة
من جلب وثلج فشرب منها وكان على أشد حال من العطش ثم ناولها لرناط وقال السلطان
للترجمان قل للملك أ نت الذي سقيته وإل أ نا ف ما سقيته وكان من جم يل عادة العرب وكر يم
أخلقهم أن السير إذا أكل أو شرب من مال من أسره أمن فقصد السلطان بقوله ذلك ثم أمر
بم سيرهم إلى مو ضع عي نه ل هم فمضوا ب هم إل يه فأكلوا شيئا ثم عادوا ب هم ولم ي بق عنده
سوى بعض الخدم فاستحضرهم وأقعد الملك في دهليز الخيمة.
وأحضر صلح الدين أرناط وأوقفه بين يديه وقال له :ها أنا أنت صر لمحمد منك ثم عرض
عليه السلم فلم يفعل فسل سيفه فضربه بها فحل كتفه وتمم قتله من حضر وأخرجت جثته
ورميت على باب الخيمة،فلما رآه الملك على تلك الحال لم يشك في أنه يلحقه به فاستحضره
وط يب قل به وقال له لم ت جر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك وأ ما هذا فإ نه تجاوز ال حد وتجرأ
على ال نبياء صلوات ال علي هم وبات الناس في تلك الليلة على أ تم سرور ترت فع أ صواتهم
بح مد ال وشكره وتهليله وت كبيره ح تى طلع الف جر ثم نزل ال سلطان على طبر ية يوم ال حد
الخامس والعشرين من شهر ربيع الخر وتسلم قلعتها في ذلك النهار وأقام عليها إلى يوم
الثلثاء.
تحرير عكا وما حولها
ورحل صلح الدين طالبا عكا فكان نزوله عليها يوم الربعاء وقاتل الصليبيين بها بكرة يوم
الخميـس مسـتهل جمادى الولى سـنة 583هــ فأخذهـا واسـتنقذ مـن كان بهـا مـن أسـارى
الم سلمين وكانوا أك ثر من أرب عة آلف ن فس وا ستولى على ما في ها من الموال والذخائر
والبضائع لنهـا كانـت مظنـة التجار وتفرقـت العسـاكر فـي بلد السـاحل يأخذون الحصـون
والقلع والماكـن المنيعـة فأخذوا نابلس وحيفـا وقيسـارية وصـفورية والناصـرة وكان ذلك
لخلوها من الرجال لن القتل والسر أفنى كثيرا منهم ولما استقرت قواعد عكا وقسم أموالها
وأسـاراها سـار يطلب تبنيـن فنزل عليهـا يوم الحـد حادي عشـر جمادى الولى وهـي قلعـة
منيعة فنصب عليها المناجيق وضيق بالزحف خناق من فيها ،فقاتلوا قتال شديدا ونصره ال
سبحانه عليهم فتسلمها منهم يوم الحد ثامن عشرة عنوة وأسر من بقي فيها بعد القتل ثم
رحـل عنهـا إلى صـيدا فنزل عليهـا وتسـلمها فـي غـد يوم نزوله عليهـا وهـو يوم الربعاء
العشرون من جمادى الولى وأقام عليها ريثما قرر قواعدها وسار حتى أتى بيروت فنازلها
ليلة الخميـس الثانـي والعشريـن مـن جمادى الولى وركـب عليهـا المجانيـق وداوم الزحـف
والقتال ح تى أخذ ها في يوم الخم يس التا سع والعشر ين من الش هر المذكور وت سلم أ صحابه
جبيل وهو على بيروت ،ولما فرغ من هذا الجانب رأى أن قصده عسقلن أولى لنها أيسر
من صور فأتى عسقلن ونزل عليها يوم الحد السادس عشر من جمادى الخرة من السنة
وتسلم في طريقه إليها مواضع كثيرة كالرملة والداروم وأقام في عسقلن المناجيق وقاتلها
قتال شديدا وتسلمها في يوم السبت نهاية جمادى الخرة من السنة وأقام عليها إلى أن تسلم
أصحابه غزة وبيت جبريل والنطرون بغير قتال وكان بين فتح عسقلن وأخذ الفرنج لها من
المسلمين خمس وثلثون سنة فإنهم كانوا أخذوها من المسلمين في السابع والعشرين من
جمادى الخرة سنة 548هـ.
تحرير القدس
قال ا بن شداد :ل ما ت سلم صلح الد ين ع سقلن والما كن المحي طة بالقدس ش مر عن ساق
الجـد والجتهاد فـي قصـد القدس المبارك واجتمعـت إليـه العسـاكر التـي كانـت متفرقـة فـي
السـاحل فسـار نحوه معتمدا على ال تعالى مفوضـا أمره إليـه منتهزا الفرصـة فـي فتـح باب
الخيـر الذي حـث على انتهازه بقوله مـن فتـح له باب خيـر فلينتهزه فإنـه ل يعلم متـى يغلق
دو نه وكان نزوله عل يه في يوم ال حد الخا مس ع شر من ر جب سنة 583ه ـ وكان نزوله
بالجانب الغربي وكان معه من كان مشحونا بالمقاتلة من الخيالة والرجالة وحزر أهل الخبرة
م من كان م عه من كان ف يه من المقاتلة فكانوا يزيدون على ستين أل فا خار جا عن الن ساء
وال صبيان ثم انت قل لم صلحة رآ ها إلى الجا نب الشمالي في يوم الجم عة العشر ين من ر جب
ون صب المناج يق وضا يق البلد بالز حف والقتال ح تى أ خذ الن قب في ال سور م ما يلي وادي
جهنم ولما رأى أعداء ال الصليبيون ما نزل بهم من المر الذي ل مدفع له عنهم وظهرت
لهـم إمارات فتـح المدينـة وظهور المسـلمين عليهـم وكان قـد اشتـد روعهـم لمـا جرى على
أبطالهـم وحماتهـم مـن القتـل والسـر وعلى حصـونهم مـن التخريـب والهدم وتحققوا أنهـم
صـائرون إلى مـا صـار أولئك إليـه فاسـتكانوا وأخلدوا إلى طلب المان واسـتقرت المور
بالمرا سلة من الطائفت ين وكان ت سلمه في يوم الجم عة ال سابع والعشر ين من ر جب وليل ته
كا نت ليلة المعراج المن صوص علي ها في القرآن الكر يم فان ظر إلى هذا التفاق العج يب ك يف
يسـر ال تعالى عوده إلى المسـلمين فـي مثـل زمان السـراء بنـبيهم وهذه علمـة قبول هذه
الطاعة من ال تعالى وكان فتحه عظيما شهده من أهل العلم خلق ومن أرباب الخرق والزهد
عالم وذلك أن الناس لما بلغهم ما يسره ال تعالى على يده من فتوح الساحل وقصده القدس
قصـده العلماء مـن مصـر والشام بحيـث لم يتخلف أحـد منهـم وارتفعـت الصـوات بالضجيـج
بالدعاء والتهليل والتكبير وصليت فيه الجمعة يوم فتحه وخطب القاضي محيي الدين محمد
بن علي المعروف بابن الزكي.
وقد كتب عماد الدين الصبهاني رسالة في فتح القدس،وجمع كتابا سماه الفتح القسي في
الفتح القدسي وهو في مجلدين ذكر فيه جميع ما جرى في هذه الواقعة.
وكان قد حضر الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي الشاعر
المشهور هذا الفتح فأنشد السلطان صلح الدين قصيدته التي أولها:
يقول بهاء الدين بن شداد في السيرة الصلحية :نكس الصليب الذي كان على قبة الصخرة
وكان شكل عظيما ونصر ال السلم على يده نصرا عزيزا ،وكان الفرنج قد استولوا على
القدس سنة 492هـ ولم يزل بأيديهم حتى استنقذه منهم صلح الدين ،وكانت قاعدة الصلح
أنهم قطعوا على أنفسهم عن كل رجل عشرين دينارا وعن كل امرأة خمسة دنانير صورية
و عن كل صغير ذ كر أو أن ثى دينارا واحدا ف من أح ضر قطيع ته ن جا بنف سه وإل أ خذ أ سيرا
وأفرج ع من كان بالقدس من أ سرى الم سلمين وكانوا خل قا عظي ما وأقام به يج مع الموال
ويفرقهـا على المراء والرجال ويحبـو بهـا الفقهاء والعلماء والزهاد والوافديـن عليـه وتقدم
بإي صال من قام بقطيع ته إلى مأم نه و هي مدي نة صور ولم ير حل ع نه وم عه من المال الذي
جـبي له شيـء وكان يقارب مائتـي ألف دينار وعشريـن ألفـا وكان رحيله عنـه يوم الجمعـة
الخامس والعشرين من شعبان من سنة 583هـ
حصار صور
يقول بن شداد :لما فتح صلح الدين القدس حسن عنده قصد صور وعلم أنه إن أخر أمرها
رب ما ع سر عل يه ف سار نحو ها ح تى أ تى ع كا فنزل علي ها ون ظر في أمور ها ثم ر حل عن ها
متوج ها إلى صور في يوم الجم عة خا مس ش هر رمضان من ال سنة( )583فنزل قري با من ها
وسـير لحضار آلت القتال ولمـا تكاملت عنده نزل عليهـا فـي ثانـي عشـر الشهـر المذكور
وقاتلها وضايقها قتال عظيما واستدعى أسطول مصر فكان يقاتلها في البر والبحر ثم سير
من حاصر هونين فسلمت في الثالث والعشرين من شوال من السنة ،ثم خرج أسطول صور
في الليل فهاجم أسطول المسلمين وأخذوا المقدم والريس وخمس قطع للمسلمين وقتلوا خلقا
كثيرا من رجال الم سلمين وذلك في ال سابع والعشر ين من الش هر المذكور وع ظم ذلك على
السـلطان وضاق صـدره وكان الشتاء قـد هجـم وتراكمـت المطار وامتنـع الناس مـن القتال
لكثرة المطار فج مع المراء وا ستشارهم في ما يف عل فأشاروا عل يه بالرح يل لت ستريح الرجال
ويجتمعوا للقتال فرحل عنها وحملوا من آلت الحصار ما أمكن وأحرقوا الباقي الذي عجزوا
عن حمله لكثرة الو حل والم طر وكان رحيله يوم ال حد ثا ني ذي القعدة من ال سنة وتفر قت
العساكر وأعطى كل طائفة منها دستورا وسار كل قوم إلى بلدهم وأقام هو مع جماعة من
خواصه بمدينة عكا إلى أن دخلت سنة 584هـ
ثم نزل على كو كب في أوائل المحرم من ال سنة ولم ي بق م عه من الع سكر إل القل يل وكان
حصنا حصينا وفيه الرجال والقوات فعلم أنه ل يؤخذ إل بقتال شديد فرجع إلى دمشق ،وأقام
بدمشق خمسة أيام .ثم بلغه أن الفرنج قصدوا جبيل واغتالوها فخرج مسرعا وكان قد سير
ي ستدعي الع ساكر من جم يع الموا ضع و سار يطلب جب يل فل ما عرف الفر نج بخرو جه كفوا
عن ذلك.
ثم سار إلى برز ية و هي من الح صون المني عة في غا ية القوة يضرب ب ها الم ثل في بلد
الفرنج تحيط ب ها أودية من جم يع جوانب ها وعلو ها خمسمائة ون يف وسبعون ذرا عا وكان
نزوله علي ها يوم ال سبت الرا بع والعشر ين من الش هر ثم أخذ ها عنوة يوم الثلثاء ال سابع
والعشرين منه.
ثم سار إلى دربساك فنزل عليها يوم الجمعة ثامن رجب وهي قلعة منيعة وقاتلها قتال شديدا
ور قي العلم ال سلمي علي ها يوم الجم عة الثا ني والعشر ين من ر جب وأعطا ها الم ير علم
الدين سليمان بن جندر وسار عنها بكرة يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر.
ونزل على بغراس و هي قلعة حصينة بالقرب من إنطاكية وقاتلها مقاتلة شديدة وصعد العلم
السلمي عليها في ثاني شعبان وراسله أهل إنطاكية في طلب الصلح فصالحهم لشدة ضجر
العسكر من البيكار وكان الصلح معهم ل غير على أن يطلقوا كل أ سير عندهم والصلح إلى
سبعة أشهر فإن جاءهم من ينصرهم و سلموا البلد.
ثم رحل السلطان فسأله ولده الملك الظاهر صاحب حلب أن يجتاز به فأجابه إلى ذلك فوصل
حلب في حادي ع شر شعبان أقام بالقل عة ثل ثة أيام وولده يقوم بالضيا فة حق القيام ،و سار
مـن حلب فاعترضـه تقـي الديـن عمـر ابـن أخيـه وأصـعده إلى قلعـة حماة وصـنع له طعامـا
وأحضـر له سـماعا مـن جنـس مـا تعمـل الصـوفية وبات فيهـا ليلة واحدة وأعطاه جبلة
واللذقية ،وسار على طريق بعلبك ودخل دمشق قبل شهر رمضان بأيام يسيرة ،ثم سار في
أوائل شهـر رمضان يريـد صـفد فنزل عليهـا ولم يزل القتال حتـى تسـلمها بالمان فـي رابـع
عشر شوال.
ثم سار إلى كوكب وضايقو ها وقاتلوها مقاتلة شديدة والمطار متواترة والوحول متضاعفة
والرياح عا صفة والعدو مت سلط بعلو مكا نه فل ما تيقنوا أن هم مأخوذون طلبوا المان فأجاب هم
إليه وتسلمها منهم في منتصف ذي القعدة من السنة.
الصليبيون في عكا
بلغ صلح الد ين أن الفر نج ق صدوا ع كا ونزلوا علي ها يوم الثن ين ثالث ع شر ر جب سنة
585ه ـ فأ تى ع كا ودخل ها بغ تة لتقوى قلوب من ب ها و ا ستدعى الع ساكر من كل ناح ية
فجاءته وكان العدو بمقدار ألفي فارس وثلثين ألف راجل ثم تكاثر الفرنج واستفحل أمرهم
وأحاطوا بعكا ومنعوا من يدخل إلي ها ويخرج وذلك يوم الخميس فضاق صدر ال سلطان لذلك
ثم اجتهد في فتح الطريق إليها لتستمر السابلة بالميرة والنجدة وشاور المراء فاتفقوا على
مضاي قة العدو لينف تح الطر يق ففعلوا ذلك وانف تح الطر يق و سلكه الم سلمون ود خل ال سلطان
عكا فأشرف على أمورها ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدة أيام وتأخر الناس إلى تل
العياضية وهو مشرف على عكا وفي هذه المنزلة توفي المير حسام الدين طمان وذلك ليلة
نصف شعبان من سنة خمس وثمانين وخمسمائة وكان من الشجعان.
قال ابن شداد سمعت السلطان ينشد وقد قيل له إن الوخم قد عظم بمرج عكا وإن الموت قد
فشا في الطائفتين :
يريد بذلك أنه قد رضي أن يتلف إذا أتلف ال أعداءه ،وهذا البيت له سبب يحتاج إلى شرح
وذلك أن مالك بن الحارث المعروف بالش تر النخ عي كان من الشجعان والبطال المشهور ين
و هو من خواص أ صحاب علي بن أ بي طالب ر ضي ال ع نه تما سك في يوم معر كة الج مل
المشهورة هو وعبد ال بن الزبير بن العوام وكان أيضا من البطال وابن الزبير يومئذ مع
خال ته عائ شة أم المؤمن ين وطل حة والزب ير ر ضي ال عن هم أجمع ين وكانوا يحاربون عل يا
ر ضي ال ع نه فل ما تما سكا صار كل وا حد منه ما إذا قوي على صاحبه جعله تح ته ور كب
صدره وفعل ذلك مرارا وابن الزبير ينشد :
قال ابـن شداد ثـم إن الفرنـج جاءهـم المداد مـن داخـل البحـر واسـتظهروا على الجيوش
ال سلمية بع كا وكان في هم الم ير سيف الد ين علي بن أح مد المعروف بالمشطوب الهكاري
والميـر بهاء الديـن قراقوش الخادم الصـلحي وضايقوهـم أشـد مضايقـة إلى أن غلبوا عـن
حفظ البلد فلما كان يوم الجمعة سابع عشر جمادى الخرة من سنة 587هـ خرج من عكا
رجل عوام ومعه كتب من المسلمين يذكرون حالهم وما هم فيه وأنهم قد تيقنوا الهلك ومتى
أخذوا البلد عنوة ضربـت رقابهـم وأنهـم صـالحوا على أن يسـلموا البلد وجميـع ما فيـه مـن
اللت والعدة وال سلحة والمرا كب ومائ تي ألف دينار وخم سمائة أ سير مجاه يل ومائة أ سير
معينيـن مـن جهتهـم وصـليب الصـلبوت على أن يخرجوا بأنفسـهم سـالمين ومـا معهـم مـن
الموال والقمشة المختصة بهم وزراريهم ونسائهم وضمنوا للمركيس لنه كان الواسطة في
هذا المـر أربعـة آلف دينار ولمـا وقـف السـلطان على الكتـب المشار إليهـا أنكـر ذلك إنكارا
عظيمـا وعظـم عليـه هذا المـر وجمـع أهـل الرأي مـن أكابر دولتـه وشاورهـم فيمـا يصـنع
واضطر بت آراؤه وتق سم فكره وتشوش حاله وعزم على أن يك تب في تلك الليلة مع العوام
وينكر عليهم المصالحة على هذا الوجه وهو يتردد في هذا فلم يشعر إل وقد ارتفعت أعلم
العدو وصـلبانه وناره وشعاره على سـور البلد وذلك فـي ظهيرة يوم الجمعـة سـابع عشـر
جمادى الخرة مـن السـنة وصـاح الفرنـج صـيحة عظيمـة واحدة وعظمـت المصـيبة على
المسلمين واشتد حزنهم ووقع فيهم الصياح والعويل والبكاء والنحيب.
الصلح مع الصليبيين
ثم ذ كر ا بن شداد ب عد هذا أن النكتار و هو من أكابر ملوك الفر نج سير ر سوله إلى الملك
العادل يطلب الجتماع به فأجا به إلى ذلك واجتم عا يوم الجم عة ثا من ع شر شوال من ال سنة
وتحادثـا معظـم ذلك النهار وانفصـل عـن مودة أكيدة والتمـس النكتار مـن العادل أن يسـأل
السلطان أن يجتمع به فذكر العادل ذلك للسلطان فاستشار أكابر دولته في ذلك ووقع التفاق
على أنـه إذا جرى الصـلح بيننـا يكون الجتماع بعـد ذلك ثـم وصـل رسـول النكتار وقال إن
الملك يقول إ ني أ حب صداقتك ومود تك وأ نت تذ كر أ نك أعط يت هذه البلد ال ساحلية لخ يك
فأريد أن تكون حكما بيني وبينه وتقسم البلد بيني وبينه ول بد أن يكون لنا علقة بالقدس
وأطال الحديث في ذلك فأجابه السلطان بوعد جميل وأذن له في العود في الحال وتأثر لذلك
تأثرا عظي ما قال ا بن شداد وب عد انف صال الر سول قال لي ال سلطان م تى صالحناهم لم تؤ من
غائلتهم ولو حدث بي حادث الموت ما كانت تجتمع هذه العساكر وتقوى الفرنج والمصلحة
أن ل نزول عن الجهاد ح تى نخرجهم من الساحل أو يأتي نا الموت هذا كان رأيه وإن ما غلب
على الصلح.
قال ا بن شداد ثم ترددت الر سل بين هم في ال صلح و تم ال صلح بين هم يوم الربعاء الثا ني
والعشريـن مـن شعبان سـنة 588هــ ونادى المنادي بانتظام الصـلح وأن البلد السـلمية
والنصـرانية واحدة فـي المـن والمسـالمة فمـن شاء مـن كـل طائفـة يتردد إلى بلد الطائفـة
الخرى من غ ير خوف ول محذور وكان يو ما مشهودا نال الطائفت ين ف يه من الم سرة ما ل
يعل مه إل ال تعالى و قد علم ال تعالى أن ال صلح لم ي كن عن مرضا ته وإيثاره ولك نه رأى
الم صلحة في ال صلح لسآمة الع سكر ومظاهرتهم بالمخالفة وكان مصلحة في علم ال تعالى
فإنه اتفقت وفاته بعد الصلح فلو اتفق ذلك في أثناء وقعاته كان السلم على خطر.
ثم أعطى للعساكر الواردة عليه من البلد البعيدة برسم النجدة دستورا فساروا عنه وعزم
على الحـج لمـا فرغ باله مـن هذه الجهـة وتردد المسـلمون إلى بلدهـم وجاءوا هـم إلى بلد
المسلمين وحملت البضائع والمتاجر إلى البلد وحضر منهم خلق كثير لزيارة القدس.
أواخر أيامه
بعد الصلح سنة 588هـ توجه السلطان إلى القدس ليتفقد أحوالها وتوجه أخوه الملك العادل
إلى الكرك وابنـه الملك الظاهـر إلى حلب وابنـه الفضـل إلى دمشـق وأقام السـلطان بالقدس
يقطع الناس ويعطيهم دستورا ويتأهب للمسير إلى الديار المصرية وانقطع شوقه عن الحج
ولم يزل كذلك إلى أن صح عنده م سير مر كب النكتار متوج ها إلى بلده في م ستهل شوال
فعند ذلك قوي عزمه أن يدخل الساحل جريدة يتفقد القلع البحرية إلى بانياس ويدخل دمشق
ويقيم بها أياما قلئل ويعود إلى القدس ومنه إلى الديار المصرية.
قال ابـن شداد :وأمرنـي صـلح الديـن بالمقام فـي القدس إلى حيـن عوده لعمارة مارسـتان
أنشأه به وتكم يل المدر سة ال تي أنشأ ها ف يه و سار م نه ضا حي نهار الخم يس ال سادس من
شوال سنة ثمان وثمان ين وخم سمائة ول ما فرغ من افتقاد أحوال القلع وإزا حة خلل ها د خل
دم شق بكرة الربعاء سادس ع شر شوال وفي ها أولده الملك الف ضل والملك الظا هر والملك
الظافر مظفر الدين الخضر المعروف بالمشعر وأولده الصغار وكان يحب البلد ويؤثر القامة
ف يه على سائر البلد وجلس للناس في بكرة يوم الخم يس ال سابع والعشر ين م نه وحضروا
عند هم وبلوا شوق هم م نه وأنشده الشعراء ولم يتخلف أ حد ع نه من الخواص والعوام وأقام
ينشر جناح عدله ويهطل سحاب إنعامه وفضله ويكشف مظالم الرعايا فلما كان يوم الثنين
م ستهل ذي القعدة ع مل الملك الف ضل دعوة للملك الظا هر ل نه ل ما و صل إلى دم شق وبل غه
حركـة السـلطان أقام بهـا ليتملى بالنظـر إليـه ثانيـا وكأن نفسـه كانـت قـد أحسـت بدنـو أجله
فود عه في تلك الدف عة مرارا متعددة ول ما ع مل الملك الف ضل الدعوة أظ هر في ها من اله مم
العال ية ما يل يق بهم ته وكأ نه أراد بذلك مجازا ته ما خد مه به ح ين و صل إلى بلده وح ضر
الدعوة المذكورة أرباب الدنيا والخرة وسأل السلطان الحضور فحضر جبرا لقلبه وكان يوما
مشهودا على ما بلغني.
ول ما ت صفح الملك العادل أحوال الكرك وأ صلح ما ق صد إ صلحه ف يه سار قا صدا إلى البلد
الفراتية فوصل إلى دمشق في يوم الربعاء سابع عشر ذي القعدة وخرج السلطان إلى لقائه
وأقام يتصيد حوالي غباغب إلى الكسوة حتى لقيه وسارا جميعا يتصيدان وكان دخولهما إلى
دمشق آخر نهار يوم الحد حادي عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأقام السلطان بدمشق
يتصيد هو وأخوه وأولده ويتفرجون في أراضي دمشق ومواطن الصبا وكأنه وجد راحة مما
كان به من ملز مة الت عب والن صب و سهر الل يل وكان ذلك كالوداع لولده ومرا تع نز هه
ونسي عزمه إلى مصر وعرضت له أمور أخر وعزمات غير ما تقدم.
قال ا بن شداد :و صلني كتاب صلح الد ين إلى القدس ي ستدعيني لخدم ته وكان شتاء شديدا
ووحل عظيما فخرجت من القدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة 589هـ
وكان الوصول إلى دمشق في يوم الثلثاء ثاني عشر صفر من السنة وركب السلطان لملتقى
الحاج يوم الجمعة خامس عشر صفر وكان ذلك آخر ركوبه ،ولما كان ليلة السبت وجد كسل
عظيما وما تنصف الليل حتى غشيته حمى صفراوية وكانت في باطنه أكثر منها في ظاهره
وأ صبح يوم ال سبت متكا سل عل يه أ ثر الح مى ولم يظ هر ذلك للناس ل كن حضرت عنده أ نا
والقا ضي الفا ضل ود خل ولده الملك الف ضل وطال جلو سنا عنده وأ خذ يش كو قل قه في الل يل
وطاب له الحديث إلى قريب الظهر ثم انصرفنا وقلوبنا عنده فتقدم إلينا بالحضور على الطعام
في خد مة ولده الملك الف ضل ولم ت كن للقا ضي الفا ضل في ذلك عادة فان صرف ودخلت إلى
اليوان القبلي وقد مد السماط وابنه الملك الفضل قد جلس في موضعه فانصرفت وما كانت
لي قوة فـي الجلوس اسـتيحاشا له وبكـى فـي ذلك اليوم جماعـة تفاؤل لجلوس ولده فـي
موض عه ثم أ خذ المرض يتز يد من حينئذ ون حن نلزم التردد طر في النهار وند خل إل يه أ نا
والقا ضي الفا ضل في النهار مرارا وكان مر ضه في رأ سه وكان من إمارات انتهاء الع مر
غي بة طبيبه الذي كان قد عرف مزا جه سفرا وحضرا ورأى الطباء ف صده فف صدوه فاش تد
مر ضه وقلت رطوبات بد نه وكان يغلب عليه الي بس ولم يزل المرض يتزا يد ح تى انت هى إلى
غاية الضعف واشتد مرضه في السادس والسابع والثامن ولم يزل يتزايد ويغيب ذهنه ولما
كان التاسـع حدثـت له غشيـة وامتنـع مـن تناول المشروب واشتـد الخوف فـي البلد وخاف
الناس ونقلوا أقمشتهم من السواق وعل الناس من الكآبة والحزن ما ل تمكن حكايته ولما
كان العا شر من مر ضه ح قن دفعت ين وح صل من الحقن ب عض الرا حة وفرح الناس بذلك ثم
اشتد مرضه وأيس منه الطباء ثم شرع الملك الفضل في تحليف الناس ،ثم إنه توفي بعد
صلة ال صبح من يوم الربعاء ال سابع والعشر ين من صفر سنة 589ه ـ وكان يوم مو ته
يوما لم يصب السلم والمسلمون بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدون رضي ال عنهم وغشي
القل عة والملك والدن يا وح شة ل يعلم ها إل ال تعالى وبال ل قد ك نت أ سمع من الناس أن هم
يتمنون فداء من ي عز علي هم بنفو سهم وك نت أتو هم أن هذا الحد يث على ضرب من التجوز
والترخص إلى ذلك اليوم فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قبل الفداء لفدي بالنفس.
ثم جلس ولده الملك الفضل للعزاء وغسله ،وأخرج بعد صلة الظهر رحمه ال في تابوت
م سجى بثوب فوط فارتف عت ال صوات ع ند مشاهد ته وع ظم الضج يج وأ خذ الناس في البكاء
والعويل وصلوا عليه أرسال ثم أعيد إلى الدار التي في البستان وهي التي كان متمارضا بها
ودفن في الصفة الغربية منها وكان نزوله في حفرته قريبا من صلة العصر.
رحمه ال تعالى وقدس روحه فلقد كان من محاسن الدنيا وغرائبها ،وذكر ابن شداد :أنه
مات ولم يخلف في خزان ته من الذ هب والف ضة إل سبعة وأربع ين دره ما نا صرية وجر ما
واحدا ذهبا صوريا ولم يخلف ملكا ل دارا ول عقارا ول بستانا ول قرية ول مزرعة.
وفي ساعة موته كتب القاضي الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها
{لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة} {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} كتبت إلى مولنا
السـلطان الملك الظاهـر أحسـن ال عزاءه وجـبر مصـابه وجعـل فيـه الخلف فـي السـاعة
المذكورة وقـد زلزل المسـلمون زلزال شديدا وقـد حفرت الدموع المحاجـر وبلغـت القلوب
الحناجـر وقـد ودعـت أباك ومخدومـي وداعـا ل تلقـي بعده وقـد قبلت وجهـه عنـي وعنـك
وأ سلمته إلى ال تعالى مغلوب الحيلة ضعيف القوة راضيا عن ال ول حول ول قوة إل بال
وبالباب من الجنود المجندة وال سلحة المعدة ما لم يد فع البلء ول ملك يرد القضاء وتد مع
العيـن ويخشـع القلب ول نقول إل مـا يرضـي الرب وإنـا عليـك لمحزونون يـا يوسـف وأمـا
الو صايا ف ما تحتاج إلي ها والراء ف قد شغل ني الم صاب عن ها وأ ما لئح ال مر فإ نه إن و قع
اتفاق ف ما عدم تم إل شخ صه الكر يم وإن كان غيره فالم صائب الم ستقبلة أهون ها مو ته و هو
الهول العظيم والسلم
طارق بن زياد
يا خيول (طارق) جاوزي الموانع والسدود ،وتخطي البحار والنهار ،ل تتراجعي ول تترددي،
ستصمت أصوات الجراس ،وترتفع أصوات المآذن ،ليذكر اسم ال في أرض كان يسودها
الظلم والطغيان ،وتسود مبادئ العدل والحق والحرية ،فانطلقي على بركة ال !!
ولد (طارق بن زياد) وفتح عينيه على الحياة ليجد المسلمين يجاهدون في سبيل
ال ،ويضحون بأموالهم وأنفسهم لنصرة دينه ،وينتقلون من نصر إلى نصر ،وأصبح الطفل
الصغير شابّا فتيّا ،فوهب نفسه لخدمة السلم ،ولم يتردد لحظة في القيام بأي عمل من شأنه أن
يرفع رايته ،وتدرج في المناصب حتى أصبح أميرًا لمدينة (طنجة) وقائدًا لجيوش المسلمين،
وعامة جنوده كانوا من البربر الذين تميزوا بالشجاعة والقدام.
كان (طارق بن زياد) يحلم بذلك اليوم الذي ينتشر فيه السلم في كل أرجاء
الدنيا ،ويتمنى بينه وبين نفسه أن يشارك في تحقيق هذا المر العظيم ،وجاءت الفرصة ،فقد علم
(موسى بن نصير) والي إفريقية بضعف الندلس وملوكها ،فأرسل إلى الخليفة الموي (الوليد
بن عبد الملك) يستأذنه في فتحها ،فأذن له الخليفة بشرط أل يعرض المسلمين للهلك دون فائدة،
وأن يحترس من أعدائه ،فرح
(موسى بن نصير) فرحًا شديدًا وجهز الجيش ،ولم يجد خيرًا من (طارق بن زياد) لقيادته.
وبمجرد أن تولى طارق بن زياد أمور القيادة أرسل بعض الجواسيس لمعرفة أخبار هذه البلد،
فعادوا ليخبروه بضعفها وتنازع أمرائها على السلطة ،وأعد (طارق) الخطة لفتح الندلس) وبعد
أن اطمأن على العداد الجيد لجيشه ،عبر بجنوده البحر حتى وصلوا إلى الشاطئ ،وانطلق
طارق كالحصان الجامح يفتح هذه البلد ،يساعده في ذلك بعض الثائرين على الملك (ردريك)
ملك القوط ،ولما علم هذا الملك بنزول العرب المسلمين إلى الندلس -وكان مشغولً بثورة قامت
ضده -جمع أعدادًا هائلة من الجنود استعدادًا لملقاة المسلمين.
ولما رأى طارق هذه العداد الكبيرة ،طلب المداد من موسى بن نصير والي إفريقية فأرسل
إليه اثني عشر ألفًا من الجنود ،والتقي الجيشان؛ جيش طارق بن زياد ،وجيش ردريك في
معركة حامية عرفت باسم (وادي البرباط) أو معركة (شذونة) استطاع طارق أن ينتصر عليهم،
ويقتل ملكهم ردريك بعد أن استمرت المعركة من
28رمضان إلى 5شوال سنة 92هـ.
وسعد المسلمون بهذا النصر العظيم ،وتوافدوا إلى بلد الندلس التي سمعوا عن اعتدال جوها،
وخيراتها التي ل تعد ول تحصى ،ولم يكتف القائد العظيم طارق بن زياد بهذا النتصار
العظيم،بل واصل فتوحاته حتى استطاع في صيف هذه السنة (92هـ) أن يفتح أكثر من نصف
الندلس.
وتلقى طارق أوامر من موسى بن نصير بالتوقف عن الفتح خشية محاصرة جيوش العداء لهم،
ل في أيديهم ،وبعدها جهز (موسى بن نصير) وقطع المداد عنهم ،وحتى ل يكونوا صيدًا سه ً
جيشًا كبيرًا عبر به إلى الندلس؛ ففتح مدينة (إشبيلية) التي كانت خلف ظهر المسلمين ،والتقى
بقائد جيشه (طارق بن زياد) عند مدينة (طليطلة) وانطلق الثنان لفتح باقي مدن الندلس.
وظل جيش المسلمين يحقق النتصارات وينتقل من فتح إلى فتح ،حتى وصلت رسالة إلى
القائدين موسى ،وطارق من خليفة المسلمين (الوليد بن عبد الملك) تأمرهما بالعودة إلى دمشق،
خوفًا من انتشار جيش المسلمين في مناطق مجهولة وغير
آمنة ،وصل القائدان المنتصران إلى دمشق قبل وفاة (الوليد بن عبد الملك) بأربعين يومًا في
موكب مهيب ،أمامهما السرى والغنائم ،والجنود يرفعون
شارات النصر ،وظل طارق على العهد مخلصًا لدين ال حتى لقي ربه بعد أن كتب اسمه في
صفحات التاريخ بحروف من نور.
طلحة الخير
يكفيه وصف رسول ال (صلى ال عليه وسلم) له بقوله "من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي
على رجليه فلينظر إلى طلحة بن عبيد ال" وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ،وروي عن
مو سى بن طل حة عن أب يه قال ل ما كان يوم أ حد سماه ال نبي ( صلى ال عل يه و سلم) طل حة
الخير وفي غزوة ذي العشيرة طلحة الفياض ويوم خيبر طلحة الجود.
نسبه ووصفه
هو طلحة بن عبيد ال ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن
لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشي التيمي المكي أبو محمد.
قال أ بو ع بد ال بن منده كان رجل آدم كث ير الش عر ل يس بالج عد الق طط ول بال سبط ح سن
الوجه إذا مشى أسرع ول يغير شعره .وعن موسى بن طلحة قال كان أبي أبيض يضرب إلى
الحمرة مربو عا إلى الق صر هو أقرب ر حب ال صدر بع يد ما ب ين المن كبين ض خم القدم ين إذا
التفت التفت جميعا.
مناقبه وفضائله
كان طل حة ر ضي ال عنه م من سبق إلى ال سلم وأوذي في ال ثم ها جر فاتفق أ نه غاب
عن وقعة بدر في تجارة له بالشام وتألم لغيبته فضرب له رسول ال (صلى ال عليه وسلم)
بسهمه وأجره قال أبو القاسم بن عساكر الحافظ في ترجمته كان مع عمر لما قدم الجابية
وجعله على المهاجرين وقال غيره كانت يده شلء مما وقى بها رسول ال (صلى ال عليه
وسلم) يوم أحد.
عن جابر رضي ال عنه قال :قال رسول ال (صلى ال عليه وسلم) "من أراد أن ينظر إلى
شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة بن عبيد ال"
قال ابن أبي خالد عن قيس قال رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي (صلى ال عليه وسلم)
يوم أحد شلء (أخرجه البخاري)
له عدة أحاديث عن النبي (صلى ال عليه وسلم) وله في مسند بقي بن مخلد بالمكرر ثمانية
وثلثون حدي ثا ،له حديثان مت فق عليه ما وانفرد له البخاري بحديث ين وم سلم بثل ثة أحاد يث
حدث عنه بنوه يحيى وموسى وعيسى وال سائب بن يزيد ومالك بن أوس بن الحدثان وأ بو
عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم ومالك بن أبي عامر الصبحي والحنف بن قيس التميمي
وأبو سلمة بن عبد الرحمن وآخرون
قال الترمذي حدثنا أبو سعيد الشج حدثنا أبو عبد الرحمن نضر بن منصور حدثنا عقبة بن
علق مة اليشكري سمعت عل يا يوم الج مل يقول سمعت من في ر سول ال ( صلى ال عل يه
وسلم) يقول طلحة والزبير جاراي في الجنة
قال مجالد عن الشعبي عن قبيصة بن جابر قال صحبت طلحة فما رأيت أعطى لجزيل مال
من غير مسألة منه.
وروي عن مو سى بن طل حة أن معاو ية سأله كم ترك أ بو مح مد من الع ين قال ترك أل في
ألف در هم ومائ تي ألف در هم و من الذ هب مائ تي ألف دينار فقال معاو ية عاش حميدا سخيا
شريفا وقتل فقيدا رحمه ال.
مواقف ل تنسى
أخرج النسائي عن جابر قال لما كان يوم أحد وولى الناس كان رسول ال (صلى ال عليه
وسلم) في ناحية في اثني عشر رجل منهم طلحة فأدركهم المشركون فقال النبي (صلى ال
عليه وسلم) من للقوم قال طلحة :أنا قال كما أنت فقال رجل أنا قال أنت فقاتل حتى قتل ثم
التفت فإذا المشركون فقال من لهم قال طلحة أنا قال كما أنت فقال رجل من النصار أنا قال
أنت فقاتل حتى قتل فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي ال طلحة فقال من للقوم قال طلحة أنا
فقاتل طلحة قتال الحد عشر حتى قطعت أصابعه فقال فقال رسول ال (صلى ال عليه وسلم)
لو قلت باسم ال لرفعتك الملئكة والناس ينظرون ثم رد ال المشركين.
عـن موسـى بـن طلحـة عـن أبيـه أنـه أتاه مال مـن حضرموت سـبع مائة ألف فبات ليلتـه
يتململ فقالت له زوجته مالك قال تفكرت منذ الليلة فقلت ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال
في بيته قالت فأين أنت عن بعض أخلئك فإذا أصبحت فادع بجفان وقصاع فقسمه فقال لها
رحمك ال إنك موفقة بنت موفق وهي أم كلثوم بنت الصديق فلما أصبح دعا بجفان فقسمها
بين المهاجرين والنصار فبعث إلى علي منها بجفنة فقالت له زوجته أبا محمد أما كان لنا
في هذا المال من نصيب قال فأين كنت منذ اليوم فشأنك بما بقي قالت فكانت صرة فيها نحو
ألف درهم.
جاء أعرابي إلى طلحة يسأله فتقرب إليه برحم فقال إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك إن
لي أرضا قد أعطاني بها عثمان ثلث مائة ألف فاقبضها وإن شئت بعتها من عثمان ودفعت
إليك الثمن فقال الثمن فأعطاه.
قال ال صمعي حدث نا ا بن عمران قا ضي المدي نة أن طل حة فدى عشرة من أ ساري بدر بماله
وسئل مرة برحم فقال قد بعت لي حائطا بسبع مائة ألف وأنا فيه بالخيار فإن شئت خذه وإن
شئت ثمنه.
وروي عن عائشة وأم إسحاق بنتي طلحة قالتا جرح أبونا يوم أحد أربعا وعشرين جراحة
وقع منها في رأسه شجة مربعة وقطع نساه يعني العرق وشلت إصبعه وكان سائر الجراح
في ج سده وغل به الغ شي (الغماء) ور سول ال ( صلى ال عل يه و سلم) مك سورة رباعي ته
مشجوج في وج هه قد عله الغ شي وطل حة محتمله ير جع به القهقرى كل ما أدر كه أ حد من
المشركين قاتل دونه حتى أسنده إلى الشعب.
عن مالك بن أ بي عا مر قال جاء ر جل إلى طل حة فقال رأي تك هذا اليما ني هو أعلم بحد يث
رسول ال منكم (يعني أبا هريرة) نسمع منه أشياء ل نسمعها منكم قال أما أنه قد سمع من
ر سول ال ما لم ن سمع فل أ شك ،و سأخبرك إ نا ك نا أ هل بيوت ،وك نا إن ما نأ تي ر سول ال
غدوة وعشية ،وكان مسكينا ل مال له إنما هو على باب رسول ال فل أشك أنه قد سمع ما
لم نسمع وهل تجد أحدا فيه خير يقول على رسول ال (صلى ال عليه وسلم) ما لم يقل.
وروى مجالد عن الشعبي عن جابر أنه سمع عمر يقول لطلحة ما لي أراك شعثت واغبررت
مذ توفي رسول ال (صلى ال عليه وسلم) لعله أن ما بك إمارة ابن عمك يعني أبا بكر قال
معاذ ال إني سمعته يقول إني لعلم كلمة ل يقولها رجل يحضره الموت إل وجد روحه لها
روحا حين تخرج من جسده وكانت له نورا يوم القيامة فلم أسأل رسول ال (صلى ال عليه
وسلم) عنها ولم يخبرني بها فذاك الذي دخلني قال عمر فأنا أعلمها قال فلله الحمد فما هي
قال الكلمة التي قالها لعمه قال صدقت.
روي عن علقمة بن وقاص الليثي قال :لما خرج طلحة والزبير وعائشة للطلب بدم عثمان
عرجوا عن من صرفهم بذات عرق فا ستصغروا عروة بن الزب ير وأ با ب كر بن ع بد الرح من
فردوهما قال ورأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلها وهو ضارب بلحيته على زوره فقلت
يا أ با مح مد إ ني أراك وأ حب المجالس إل يك أخل ها إن ك نت تكره هذا ال مر فد عه فقال يا
علقمة ل تلم ني كنا أمس يدا واحدة على من سوانا فأصبحنا اليوم جبل ين من حد يد يزحف
أحد نا إلى صاحبه ولك نه كان م ني ش يء في أ مر عثمان م ما ل أرى كفار ته إل سفك د مي
وطلب دمـه .قلت الذي كان منـه فـي حـق عثمان تأليـب فعله باجتهاد ثـم تغيـر عندمـا شاهـد
مصرع عثمان فندم على ترك نصرته رضي ال عنهما ،وكان طلحة أول من بايع عليا أرهقه
قتلة عثمان وأحضروه حتى بايع ،قال البخاري حدثنا موسى بن أعين حدثنا أبو عوانة عن
حصـين فـي حديـث عمرو بـن جاوان قال التقـى القوم يوم الجمـل فقام كعـب بـن سـور معـه
الم صحف فنشره ب ين الفريق ين وناشد هم ال وال سلم في دمائ هم ف ما زال ح تى ق تل وكان
طلحة أول قتيل وذهب الزبير ليلحق ببنيه فقتل.
وروي عن يحيى القطان عن عوف حدثني أبو رجاء قال رأيت طلحة على دابته وهو يقول
أيها الناس أنصتوا فجعلوا يركبونه ول ينصتون فقال أف فراش النار وذباب طمع.
قال ابن سعد أخبرني من سمع إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال :قال طلحة إنا
داهنا في أمر عثمان فل نجد اليوم أمثل من أن نبذل دماءنا فيه اللهم خذ لعثمان مني اليوم
حتى ترضى.
وروى زيد بن أبي أنيسة عن محمد بن عبد ال من النصار عن أبيه أن عليا قال بشروا
قاتل طلحة بالنار.
وروي عن عن أبي حبيبة مولى لطلحة قال دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعد وقعة
الجمل فرحب به وأدناه ثم قال إني لرجو أن يجعلني ال وأباك ممن قال فيهم ونزعنا ما في
صـدورهم من غـل إخوانـا على سرر متقابليـن (الحجـر )15:فقال رجلن جالسـان أحدهمـا
الحارث العور ال أعدل من ذلك أن يقبل هم ويكونوا إخوان نا في الج نة قال قو ما أب عد أرض
وأسحقها فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة يا ابن أخي إذا كانت لك حاجة فائتنا.
وكان قتله في سنة ست وثلثين في جمادي الخرة وقيل في رجب وهو ابن ثنتين وستين
سنة أو نحوها وقبره بظاهر البصرة.
عبد ال بن عمر
الورع التقي
هو عبد ال بن عمر بن الخطاب ،يكنى أبا عبد الرحمن ،أمه زينب بنت مظعون ،أسلم بمكة
مع أبيه ولم يكن بالغًا حينئذٍ ،وهاجر مع أبيه إلى المدينة وعرض على رسول ال (صلى ال
عليه وسلم) يوم بدر فرده ويوم أحد فرده ل صغر سنه ،وعرض عليه يوم الخندق و هو ا بن
خمس عشرة سنة فأجازه.
عن سالم [عن ابن عمر قال كان الرجل في حياة رسول ال (صلى ال عليه وسلم) إذا رأى
رؤيا قصها على النبي قال وكنت غلما شابّا عزبًا فكنت أنام في المسجد على عهد رسول
فرأ يت في النوم كأن ملك ين أخذا ني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطو ية ك طي البئر وإذا ل ها
قرنان وأرى فيهـا ناسـًا قـد عرفتهـم فجعلت أقول أعوذ بال مـن النار أعوذ بال مـن النار
فلقيه ما ملك آ خر فقال لي لن ترع فق صصتها على حف صة فق صتها حف صة على ر سول ال
(صلى ال عليه وسلم) فقال :نعم الرجل عبد ال لو كان يصلي من الليل ،قال سالم فكان عبد
ال بعد ل ينام من الليل إل قليل] أخرجاه في الصحيحين.
[وعن نافع قال :قال لي عبد ال بن عمر :رأيت في المنام كأن بيدي قطعة من استبرق ول
أش ير ب ها إلى مكان من الج نة إل طارت بي إل يه فق صتها حف صة على ال نبي فقال :إن أخاك
رجل صالح أو إن عبد ال رجل صالح] أخرجاه في الصحيحين.
و عن نا فع قال :د خل ا بن ع مر الكع بة ف سمعته و هو ساجد يقول :قد تعلم ما يمنع ني من
مزاحمة قريش على هذه الدنيا إل خوفك.
عن طاوس قال :ما رأيت رجل أورع من ابن عمر ول رأيت رجل أعلم من ابن عباس.
وقال سعيد بن المسيب :لو كنت شاهدًا لرجل من أهل العلم أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد
ال بن عمر.
و عن عروة قال :سئل ا بن ع مر عن ش يء فقال ل علم لي به ،فل ما أدبر الر جل قال لنف سه
سئل ابن عمر عما ل علم له به فقال ل علم لي به.
وعن نافع أن رجل سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ رأسه ولم يجبه حتى ظن الناس أنه لم
ي سمع م سألته فقال له يرح مك ال أ ما سمعت م سألتي قال :بلى ولكن كم كأن كم ترون أن ال
تعالى ليس بسائلنا عما تسألونا عنه اتركنا رحمك ال حتى نتفهم في مسألتك فإن كان لها
جواب عندنا وإل أعلمناك أنه ل علم لنا به.
وعن إبراهيم قال :قال عبد ال :إن أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد ال ابن عمر.
وعن محمد قال :نبئت أن ا بن ع مر كان يقول :إ ني لق يت أصحابي على أ مر وإ ني أخاف إن
خالفتهم أل ألحق بهم.
وعن سعيد بن المسيب قال :كان أشبه ولد عمر بعمر عبد ال ،وأشبه ولد عبد ال بعبد ال
سالم.
وعن زيد بن أسلم عن أب يه قال :ما ناقة أضلت فصيلها في فلة من الرض بأطلب لثر ها
من ابن عمر لعمر بن الخطاب.
وعن المطعم بن مقدام الصنعاني قال :كتب الحجاج بن يوسف إلى عبد ال بن عمر :بلغني
أنك طلبت الخلفة وإن الخلفة ل تصلح لعيي ول بخيل ول غيور ،فكتب إليه ابن عمر :أما
ما ذكرت من أمر الخلفة أني طلبتها فما طلبتها وما هي من بالي ،وأما ما ذكرت من العي
والب خل والغيرة فإن من ج مع كتاب ال عز و جل فل يس بع يي ،و من أدى زكاة ماله فل يس
ببخيل ،وأما ما ذكرت فيه من الغيرة فإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري.
و عن عائ شة قالت :ما رأ يت أحدًا ألزم لل مر الول من ع بد ال بن ع مر .وعن ها قالت :ما
رأيت أحدًا أشبه بأصحاب رسول ال (صلى ال عليه وسلم) الذين دفنوا في النمار من عبد
ال بن عمر.
وعن حمزة بن عبد ال بن عمر عن عبد ال بن عمر قال :خطرت هذه الية {لن تنالوا البر
حتى تنفقوا مما تحبون} فتذكرت ما أعطاني ال فما وجدت شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة
فقلت هذه حرة لوجه ال فل أعود في شيء جعلته ل ولول ذلك لنكحتها فأنكحها نافعا وهي
أم ولده ،قال وعن نافع قال كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه عز وجل
قال نا فع كان رقي قه قد عرفوا ذلك م نه فرب ما ش مر أحد هم فلزم الم سجد فإذا رآه ا بن ع مر
على تلك الحال الحسـنة أعتقـه فيقول له أصـحابه يـا أبـا عبـد الرحمـن وال مـا بهـم إل أن
يخدعوك فيقول ابن عمر فمن خدعنا بال انخدعنا له قال نافع فلقد رأيتنا ذات عشية وراح
ابن عمر على نجيب له (جمل قوي) قد أخذه بمال فلما أعجبه سيره أناخه مكانه ثم نزل عنه
فقال يا نا فع انزعوا زما مه ورحله وجللوه وأشعروه وأدخلوه في البدن و عن سعيد بن أ بي
هلل أن عبد ال بن عمر نزل الجحفة وهو شاك فقال إني لشتهي حيتانا ،فالتمسوا له فلم
يجدوا إل حوتا واحدا فأخذته امرأته صفية بنت أبي عبيد فصنعته ثم قربته إليه فأتى مسكين
حتى وقف عليه فقال له ابن عمر خذه فقال أهله سبحان ال قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه فقال
إن عبد ال يحبه.
وعن أبي بكر بن حفص قال لما اشتكى ابن عمر اشتهى حوتا فصنع له فلما وضع بين يديه
جاء سائل فقال أعطوه الحوت فقالت امرأ ته نعط يه دره ما فهو أنفع له من هذا وا قض أ نت
شهوتك منه فقال شهوتي ما أريد.
وعن ميمون بن مهران قال أتت ابن عمر اثنان وعشرون ألف دينار في مجلس فلم يقم حتى
فرقها
وعن أبي بكر بن حفص أن عبد ال بن عمر كان ل يأكل طعاما إل وعلى خوانه يتيم رواه
عبد ال بن أحمد.
وعن نافع قال ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو زاد
و عن البراء بن سليم قال :سمعت ناف عا يقول ما قرأ ا بن ع مر هات ين اليت ين قط من آ خر
سورة البقرة إل بكى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه }....ثم يقول إن هذا لحصاء شديد
رواه المام أحمد.
وعن هشام بن يحيى الغساني عن أبيه قال جاء سائل إلى ابن عمر فقال لبنه أعطه دينارا
فلما انصرف قال له ابنه تقبل ال منك يا أبتاه فقال لو علمت أن ال يقبل مني سجدة واحدة
وصدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت أتدري ممن يتقبل إنما يتقبل ال من المتقين
وعن عبد ال بن سبرة قال كان ابن عمر إذا أصبح قال اللهم اجعلني من أعظم عبادك نصيبا
في كل خير تقسمه الغداة ونور تهدي به ورحمة تنشرها ورزق تبسطه وضر تكشفه وبلء
ترفعه وفتنة تصرفها وعن سمير الرياحي عن أبيه قال شرب عبد ال بن عمر ماء مبردا
فب كي فاش تد بكاؤه فق يل له ما يبك يك فقال ذكرت آ ية في كتاب ال عز و جل {وح يل بين هم
وبين ما يشتهون} فعرفت أن أهل النار ل يشتهون شيئا شهوتهم الماء وقد قال ال عز وجل
{أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم ال} وعن جابر بن عبد ال قال ما أدركنا أحدا أو قال
ما رأينا أحدا إل قد مالت به الدنيا أو مال بها إل عبد ال بن عمر
وعن نافع قال كان ابن عمر إذا قرأ {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر ال} بكى
حتى يغلبه البكاء.
وعن عمر بن ميمون عن أبيه قال قيل لعبد ال بن عمر توفي فلن النصاري قال رحمه ال
فقال ترك مائة ألف قال لكن هي لم تتركه.
وقال رجل لبن عمر يا خير الناس وابن خير الناس فقال ابن عمر ما أنا بخير الناس ول
ابن خير الناس ولكني عبد من عباد ال عز وجل أرجو ال وأخافه وال لن تزالوا بالرجل
حتى تهلكوه.
وعن مجاهد عن ابن عمر قال[ :قال رسول ال (صلى ال عليه وسلم) أحب في ال وأبغض
في ال وعاد في ال فإ نك لن تنال ول ية ال إل بذلك ول ي جد ر جل ط عم اليمان وإن كثرت
صـلته وصـيامه حتـى يكون كذلك و صارت مؤاخاة الناس في أ مر الدن يا وإن ذلك ل يجزى
ع ند ال شيئا قال وقال لي ا بن ع مر إذا أ صبحت فل تحدث نف سك بالم ساء وإذا أم سيت فل
تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك فإنك يا عبد ال ل تدري ما
ا سمك غدا قال وأ خذ ر سول ال ( صلى ال عل يه و سلم) بب عض ج سدي فقال كن في الدن يا
غريبا أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور] رواه الطبراني.
عبد ال بن مسعود
عن عبد ال بن يزيد قال أتينا حذيفة فقلنا له حدثنا بأقرب الناس برسول ال (صلى ال عليه
وسلم) هديا وسمتا ودل نأخذ عنه ونسمع منه قال :كان أقرب الناس برسول ال (صلى ال
عليـه وسـلم) هديـا وسـمتا ودل عبـد ال بـن مسـعود حتـى يتوارى عنـا فـي بيتـه ولقـد علم
المحفوظون من أصحاب محمد أن ابن أم عبد من أقربهم إلى ال زلفى.
وحكى عنه عمر بن الخطاب ـ رضي ال عنه قال[ :كان رسول ال (صلى ال عليه وسلم)
ل يزال يسمر عند أبي بكر الليلة في أمر من أمر المسلمين وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا
معه فخرج رسول ال (صلى ال عليه وسلم) وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد
فقام رسول ال (صلى ال عليه وسلم) يستمع قراءته فلما كدنا نعرفه قال رسول ال (صلى
ال عليه وسلم) من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ،قال
ثم جلس الرجل يدعو فجعل رسول ال (صلى ال عليه وسلم) يقول له سل تعطه سل تعطه.
قال عمـر قلت وال لغدون عليـه فلبشرنـه ،قال فغدوت عليـه فبشرتـه فوجدت أبـا بكـر قـد
سبقني إليه فبشره ول وال ما سابقته إلى خير قط إل سبقني إليه] رواه المام أحمد.
عن زيد بن وهب قال أقبل عبد ال ذات يوم وعمر جالس فقال :وعاء ملئ علما.
وعـن الشعـبي قال :ذكروا أن عمـر بـن الخطاب لقـي ركبـا فـي سـفر له ،فيهـم عبـد ال بـن
مسعود فأمر عمر رجل يناديهم من أين القوم فأجابه عبد ال أقبلنا من الفج العميق ،فقال
عمـر أيـن تريدون؟ فقال عبـد ال :البيـت العتيـق ،فقال عمـر :إن فيهـم عالمـا! وأمـر رجل
فناداهم أي القرآن أعظم؟ فأجابه عبد ال{ :ال ل إله إل هو الحي القيوم} حتى ختم الية،
قال ناد هم أي القرآن أح كم؟ فقال ا بن م سعود{ :إن ال يأ مر بالعدل والح سان} ال ية .فقال
عمر نادهم أي القرآن أجمع؟ فقال ابن مسعود{ :فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل
مثقال ذرة شرًا يره} فقال ع مر ناد هم أي القرآن أخوف؟ فقال ا بن م سعود{ :ل يس بأماني كم
ول أما ني أ هل الكتاب من يع مل سوءًا ي جز به} ال ية .فقال ع مر ناد هم أي القرآن أر جى؟
فقال ابن مسعود{ :يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة ال} فقال عمر
نادهم أفيكم ابن مسعود؟! قالوا اللهم نعم.
وعن أبي البختري قال :سئل علي كرم ال وجهه عن أصحاب محمد فقال عن أيهم تسألون؟
قالوا :أخبر نا عن ع بد ال ا بن م سعود ،قال :علم القرآن وعلم ال سنة ثم انت هى وك فى به
علما.
وعن أبي الحوص قال :شهدت أبا موسى وأبا مسعود حين مات ابن مسعود وأحدهما يقول
حجِب نا ،ويش هد إذا غب نا"
ن له إذا ُ
ل صاحبه :أتراه ترك مثله؟ قال :إ نْ قل تَ ذاك! إن كان ل ُيؤْذَ ُ
رواه المام أحمد.
و عن شق يق قال :ك نت قاعدا مع حذي فة فأق بل ع بد ال ا بن م سعود فقال حذي فة :إن أش به
الناس هد يا ودل برسول ال (صلى ال عليه و سلم) من ح ين يخرج من بيته إلى أن ير جع
ول أدري ما ي صنع في أهله لع بد ال بن م سعود ،وال ،ل قد علم المحفوظون من أ صحاب
محمد أنه من أقربهم عند ال وسيلة يوم القيامة .وعن مسروق قال :قال عبد ال :والذي ل
إله غيره ما نزلت آية من كتاب ال إل وأنا أعلم أين نزلت وإل أنا أعلم فيم نزلت ولو أعلم
أن أحدا أعلم بكتاب ال مني تناله المطي (البل) لتيته.
تعبده
عن زر عن ع بد ال أنه كان ي صوم الثن ين والخم يس ،و عن ع بد الرح من بن يز يد قال ما
رأ يت فقي ها قط أ قل صوما من ع بد ال! فق يل له لم ل ت صوم؟ قال إ ني أختار ال صلة على
الصوم فإذا صمت ضعفت عن الصلة.
وعـن محارب بـن دثار عـن عمـه محمـد قال مررت بابـن مسـعود بسـحر وهـو يقول :اللهـم
دعوتني فأجبتك ،وأمرتني فأطعتك ،وهذا سحر فاغفر لي ،فلما أصبحت غدوت عليه فقلت له
(أي سألته عن دعائه وقت السحر) فقال :إن يعقوب لما قال لبنيه سوف أستغفر لكم أخرهم
إلى السحر.
تواضعه
عن حبيب بن أ بي ثا بت قال :خرج ا بن م سعود ذات يوم فتب عه ناس فقال لهم أل كم حا جة؟
قالوا ل ولكن أردنا أن نمشي معك ،قال :ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع.
و عن الحارث بن سويد قال :قال عبدال :لو تعلمون ما أعلم من نف سي حثي تم على رأ سي
التراب.
عن ق يس بن جبير قال :قال ع بد ال :حبذا المكروهان الموت والف قر! وأ يم ال ،إن هو إل
الغنى والفقر وما أبالي بأيهما بليت ،إن حق ال في كل واحد منهما واجب ،وإن كان الغنى
إن فيه للعطف ،وإن كان الفقر إن فيه للصبر.
وعن الحسن قال :قال عبد ال بن مسعود :ما أبالي إذا رجعت إلى أهلي على أي حال أراهم
بخير أو بشر أم بضر ،وما أصبحت على حالة فتمنيت أني على سواها.
وعن أبي الحوص عن عبد ال أنه كان يوم الخميس قائما فيقول" :إنما هما اثنتان :الهدي
والكلم ،وأفضل الكلم كلم ال ،وأفضل الهدي هدي محمد ،وشر المور محدثاتها ،وإن كل
محدثة بد عة ،فل يطولن عليكم المد ،ول يلهينكم ال مل ،فإن كل ما هو آت قر يب ،أل وإن
بعيدًا ما ليس آتيا ،أل وإن الشقي من شقي في بطن أمه ،وإن السعيد من وعظ بغيره ،أل
وإن قتال الم سلم ك فر ،و سبابه ف سوق ،ول ي حل لم سلم أن يه جر أخاه فوق ثل ثة أيام ح تى
يسلم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويعوده إذا مرض ،أل وإن شر الروايا روايا الكذب ،أل
وإن الكذب ل يصلح منه هزل ول جد ،ول أن َيعِدَ الرجل صبيه شيئا ثم ل ينجزه له ،أل وإن
الكذب يهدي إلى الفجور ،وإن الفجور يهدي إلى النار ،وإن ال صدق يهدي إلى البر ،وإن البر
يهدي إلى الجنة ،أل وإ نه يقال لل صادق صدق وبر ويقال للفا جر كذب وف جر ،أل وإن محمدا
حدثنا أن الرجل ليصدق حتى يكتب عند ال عز وجل صديقا ،ويكذب حتى يكتب عند ال عز
وجل كذابا"
وعن عبد الرحمن بن عابس قال :قال عبد ال بن مسعود :إن أصدق الحديث كتاب ال عز
وجـل ،وأوثـق العرى كلمـة التقوى ،وخيـر الملل ملة إبراهيـم ،وأحسـن السـنن سـنة محمـد،
وخ ير الهدي هدي ال نبياء ،وأشرف الحد يث ذ كر ال ،وخ ير الق صص القرآن ،وخ ير المور
عواقبها ،وشر المور محدثاتها ،وما قل وكفى خير مما كثر وألهى ،ونفس تنجيها خير من
إمارة ل تحصيها ،وشر المعذرة حين يحضر الموت ،وشر الندامة ندامة يوم القيامة ،وشر
الضللة الضللة بعد الهدى ،وخير الغنى غنى النفس ،وخير الزاد التقوى ،وخير ما ألقي في
القلب اليقين والريب من الكفر ،وشر العمى عمى القلب ،والخمر جماع الثم ،والنساء حبالة
الشيطان ،والشباب شع بة من الجنون ،والنوح من ع مل الجاهل ية ،و من الناس من ل يأ تي
الجمعة إل دبرا ول يذكر ال إل هجرا ،وأعظم الخطايا الكذب ،وسباب المسلم فسوق ،وقتاله
كفر ،وحرمة ماله كحرمة دمه ،ومن يعف يعف ال عنه ،ومن يكظم الغيظ يأجره ال ،ومن
يغ فر يغ فر ال له ،و من ي صبر على الرز ية يعق به ال ،و شر المكا سب ك سب الر با ،و شر
المآكل أكل مال اليتيم ،والسعيد من وعظ بغيره ،والشقي من شقي في بطن أمه ،وإنما يكفي
أحدكـم مـا قنعـت بـه نفسـه وإنمـا يصـير إلى أربعـة أذرع والمـر إلى آخرة ،وملك العمـل
خوات مه ،و شر الروا يا روا يا الكذب وأشرف الموت ق تل الشهداء ،و من يعرف البلء ي صبر
عليه ومن ل يعرفه ينكره ،ومن يستكبر يضعه ال ،ومن يتول الدنيا تعجز عنه ،ومن يطع
الشيطان يعص ال ومن يعص ال يعذبه".
وعن المسيب بن رافع عن عبد ال بن مسعود قال" :ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ
الناس نائمون ،وبنهاره إذ الناس مفطرون ،وبحزنـــه إذ الناس فرحون ،وببكائه إذ الناس
يضحكون ،وب صمته إذ الناس يخلطون ،وبخشو عه إذ الناس يختالون ،وينب غي لحا مل القرآن
أن يكون باكيا محزونا حليما حكيما سكيتا ،ول ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ول غافل
ول سخابا ول صياحا ول حديدا" رواه المام أحمد.
وعن أبي إياس البجلي قال :سمعت عبد ال بن مسعود يقول" :من تطاول تعظما خفضه ال،
ومـن تواضـع تخشعـا رفعـه ال ،وإن للملك لمـة وللشيطان لمـة ،فلمـة الملك إيعاد بالخيـر
وت صديق بال حق ،فإذا رأي تم ذلك فاحمدوا ال عز و جل ،ول مة الشيطان إيعاد بال شر وتكذ يب
بالحق ،فإذا رأيتم ذلك فتعوذوا بال".
وعن المسيب بن رافع قال :قال عبد ال بن مسعود" :إني لبغض الرجل أن أراه فارغا ليس
في شيء من عمل الدنيا ول من عمل الخرة" رواه المام أحمد.
وعن مرة عن عبد ال قال" :ما دمت في صلة فأنت تقرع باب الملك ومن يقرع باب الملك
يفتح له".
وعن القاسم بن عبد الرحمن والحسن بن سعد قال :قال عبد ال" :إني لحسب الرجل ينسى
العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها" رواه المام أحمد.
وعن إبراهيم بن عيسى عن عبد ال بن مسعود قال" :كونوا ينابيع العلم ،مصابيح الهدى،
أحلس البيوت ،سـرج الليـل ،جدد القلوب ،خلقان الثياب ،تعرفون فـي أهـل السـماء وتخفون
في أهل الرض".
و عن م عن قال :قال ع بد ال بن م سعود" :إن للقلوب شهوة وإقبال وإن للقلوب فترة وإدبارا
فاغتنموها عند شهوتها واقبالها ودعوها عند فترتها وإدبارها".
وعن عون بن عبد ال قال :قال عبد ال" :ليس العلم بكثرةالرواية ولكن العلم الخشية".
وعن إبراهيم قال :قال عبد ال" :لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا".
وعن الضحاك بن مزاحم قال :قال عبد ال" :ما منكم إل ضيف وماله عارية فالضيف مرتحل
والعارية مؤداة إلى أهلها".
وعن عبد الرحمن بن عبد ال بن مسعود عن أبيه قال :أتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن
علم ني كلمات جوا مع نوا فع فقال له ع بد ال" :لتشرك به شيئا ،وزل مع القرآن ح يث زال،
و من جاءك بال حق فاق بل م نه وإن كان بعيدا بغي ضا ،و من جاءك بالبا طل فاردده عل يه وإن
كان حبيبا قريبا" .وقال أيضًا" :الحق ثقيل مريء ،والباطل خفيف وبيء ،ورب شهوة تورث
حزنا طويل".
وعن عنبس بن عقبة قال :قال عبد ال بن مسعود" :وال الذي ل إله إل هو ،ما على وجه
الرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان".
وعن عبد الرحمن بن عبد ال بن مسعود عن أبيه قال" :إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن
بهلكها".
وعن القاسم قال :قال رجل لعبد ال أوصني يا أبا عبد الرح من قال" :ليسعك بي تك ،واكفف
لسانك ،وابك على خطيئتك".
وعن أبي الحوص عن عبد ال قال" :ل يقلدن أحدكم دينه رجل فإن آمن آمن وإن كفر كفر،
وإن كنتم لبد مقتدين فاقتدوا بالميت ،فإن الحي ل تؤمن عليه الفتنة".
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال :قال عبد ال" :ل تكونن إمعة ،قالوا وما المعة؟ قال :يقول
أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت ،أل ليوطنن أحدكم نفسه على أنه إن كفر
الناس أن ل يكفر".
كان والده من المسلمين الوائل الذين جاهدوا في سبيل ال ،فلم يكن غريبًا أن يشب (عقبة بن نافع
بن عبد القيس الفهري) وحب الجهاد يجري في عروقه ،وتمنى أن يكون أحد أبطال مكة
وفرسانها ،تعلم المبارزة ،وتدرب مع الشباب المسلم على حمل السلح ،وازداد عقبة حبّا واشتياقًا
للجهاد من سماعه لقصص البطولة التي قام بها المسلمون أثناء حروبهم ضد أعداء السلم،
حكاها له ابن خالته
(عمرو بن العاص).
ولما بلغ عقبة مبلغ الشباب أصبح يجيد المبارزة وكل فنون الحرب والقتال ،منتظرًا اللحظة
المواتية ليدافع عن دين ال ،وجاءت الفرصة عندما أسند الخليفة العادل
(عمر بن الخطاب) فتح بعض بلد الشام إلى عمرو بن العاص ،وجعل عمرو
(عقبة بن نافع) في مقدمة الجيش وهو لم يبلغ بعد سن العشرين ،وكان عقبة عند حسن ظن عمرو
بن العاص ،فقد أظهر مقدرة بطولية على اختراق صفوف
العداء ،ونجح نجاحًا كبيرًا في أول امتحان له في الجهاد في سبيل ال.
وفي أثناء فتح عمرو بن العاص لمصر أظهر عقبة تفوقًا ملحوظًا ،واستطاع بمهارته الحربية أن
يساعد عمرو بن العاص في هزيمة الروم ،وكان كل يوم يمر على عقبة يزداد حبّا للجهاد في
سبيل ال ،وشغفًا بنشر دين السلم في كل بقاع الرض؛ حتى ينعم الناس بالمن والعدل
والرخاء ،وظل عقبة بن نافع جنديّا في صفوف المجاهدين دون تميز عن بقية الجنود ،على الرغم
من براعته في القتال وشجاعته التي ليس لها حدود في مقاتلة أعدائه ،إلى أن كلفه عمرو بن
العاص ذات يوم أن يتولى قيادة مجموعة محدودة من الجنود يسير بهم لفتح فزان (مجموعة
الواحات الواقعة في الصحراء الكبرى شمال إفريقيا) .
وانطلق عقبة إلى (فزان) وكله أمل ورجاء في النصر على أعدائه ،وعندما وصل عقبة إليها
دارت معارك عنيفة بين البربر والمسلمين أظهر فيها عقبة شجاعة نادرة حتى فرّ البربر من
أمامه ورفعوا راية الستسلم ،وأراد عمرو بن العاص فتح إفريقية
كلها ،لكنه كان في حاجة إلى عدد كبير من الجنود ،فبعث إلى الخليفة
عمر بن الخطاب -رضي ال عنه -يستأذنه في فتحها ،لكن الخليفة عمر -رضي ال عنه -كان من
رأيه النتظار عدة سنوات حتى يرسخ المسلمون في مصر وتثبت إمارتهم ويزداد جيش المسلمين
ويقوى عدةً وعتادًا.
انتقل عقبة -رضي ال عنه -إلى برقة (منطقة في ليبيا) بأمر من عمرو بن العاص رضي ال عنه
؛ ِل ُيعَّلمَ المسلمين فيها أمور دينهم ،وينشر السلم في هذه
المنطقة ،ومكث -رضي ال عنه -مخلصًا في نشر نور السلم ،وتدعيم شعائره في نفوس الذين
أقبلوا على تعلم لغة القرآن ..فأسلم على يديه كثير منهم ،وأحبوه حتى استطاع عقبة أن يكتسب
خبرة واسعة بكل أحوال البربر.
وتمر اليام والسنون وعقبة يواصل جهاده في سبيل ال ،حتى كانت سنة (40هـ) وهي السنة التي
تولي فيها معاوية بن أبي سفيان الخلفة ،وعاد عمرو بن العاص واليًا على مصر ،وحين أراد
عمرو بن العاص أن يستكمل الفتوحات السلمية التي كان قد بدأها في برقة رأى أن خير من
يقوم بهذه الفتوحات عقبة بن نافع؛ لقامته بين البربر لسنوات عديدة ،فأصبح من أكثر الناس
معرفة بحياة البربر وعاداتهم
وتقاليدهم.
وبدأ عقبة الجهاد في سبيل ال ،ونشر السلم بين قبائل البربر ،وكانت برقة آنذاك قد تغيرت
معالمها بعد أن اعتنق أهلها الدين السلمي ،وانتشرت المساجد في كل مكان فيها ،وظل عقبة
واليًا على برقة يدعو إلى السلم إلى أن جاءته رسالة من الخليفة يخبره فيها بأنه قد اختاره لفتح
إفريقية وأن جيشًا كبيرًا في الطريق إليه ،ووصل
الجيش الذي أرسله الخليفة معاوية بن أبي سفيان ،وكان يبلغ عدده عشرة آلف
جندي ،وكان في انتظاره جيش آخر من البربر الذين أسلموا
فحسن إسلمهم.
انطلق عقبة بجيشه المكون من العرب والبربر يفتتح البلد ،ويقاتل القبائل التي ارتدت عن
السلم دون أن يقتل شيخًا كبيرًا ،ول طفلً ،ول امرأة ،بل كان يعاملهم
معاملة طيبة ،حسب تعاليم السلم في الحروب ،واستطاع عقبة أن يستولي على منطقة (ودان)
وبعدها قام بالسيطرة على (فزان) ثم اتجه ناحية مدينة (خاوار) التي كانت تقع على قمة جبل
شديد الرتفاع ،فكان من الصعب على الجيش
أن يتسلقه ،فوصل عقبة إلى أسوار المدينة ،ولكن أهلها دخلوا حصونهم فحاصرها حصارًا شديدًا.
وهنا تظهر عبقرية عقبة الحربية ،فحين علم أن دخول المدينة أمر صعب ،تراجع بجيشه مبتعدًا
عن المدينة ،حتى ظن أهلها أن جيش المسلمين قد انسحب ،ففتحوا أبواب مدينتهم آمنين ،ولم يكن
تراجع عقبة إل حيلة من حيله الحربية ،فقد علم أن هناك طريقًا آخر للوصول إلى هذه المدينة
فسار عقبة فيه ،ولكنه فوجيء بأن هذا الطريق لم يسلكه أحد من قبل وليس فيه عشب ول ماء،
وكاد جيش عقبة يموت عطشًا ،فاتجه إلى ال يسأله ويدعوه أن يخرجه من هذا المأزق الخطير.
فما كاد ينتهي من دعائه حتى رأى فرسه يضرب الرض برجليه بحثًا عن الماء من شدة العطش،
وحدث ما لم يكن في الحسبان ،فقد استجاب ال دعاء عقبة وانفجر الماء من تحت أقدام الفرس،
وكبّر عقبةُ ومعه المسلمون ،وأخذوا يشربون من هذا الماء العذب ،ولما شرب الجيش وارتوى؛
أمر عقبة جنوده بأن يحفروا سبعين حفرة في هذا المكان علّهم يجدون ماء عذبًا ،وتحققت قدرة
ال وأخذ الماء يتفجر من كل حفرة يحفرها المسلمون ،ولما سمع البربر المقيمون بالقرب من هذه
المنطقة بقصة الماء أقبلوا من كل جهة يشاهدون ما حدث ،واعتنق عدد كبير منهم السلم.
وانطلق عقبة ومعه جنوده إلى مدينة (خاوار) ودخلوها ليلً ،ولما عاد عقبة فكر في بناء مدينة
يعسكر فيها المسلمون ،فاختار مكانًا كثيف الشجار يسمي (قمونية)
جيد التربة ،نقي الهواء ليبني فيه مدينته التي أسماها فيما بعد (القيروان) فقال لصحابه :انزلوا
بسم ال.
وانشغل عقبة ببناء مدينة القيروان عن الفتح السلمي ،وطلب (مسلمة بن مخلد النصاري)
وكان واليًا على مصر والمغرب من الخليفة معاوية بن أبي سفيان عزل عقبة وتعيين (أبي
المهاجر بن دينار) وبالفعل تمّ عزله ،وفي عهد الخليفة يزيد بن
معاوية عاد عقبة إلى قيادة الجيش في إفريقية وأقام عقبة عدة أيام في القيروان يعيد تنظيم الجيش
حتى أصبح على أتم الستعداد للغزو والفتح ،ثم انطلق إلى مدينة الزاب
(وهي المدينة التي يطلق عليها الن اسم قسطنطينة بالجزائر) يسكنها الروم
والبربر ،والتحم الجيشان ،وأظهر عقبة في هذه المعركة شجاعة نادرة ،فكان يحصد رءوس
أعدائه حصدًا ،أما الجنود المسلمون فقد استبسلوا في القتال حتى تم لهم النصر بإذن ال تعالى،
واستراح عقبة بن نافع وجيشه أيامًا قليلة ،ثم أمر الجيش بالنطلق إلى (طنجة) في المغرب
القصى فدخلوها دون قتال ،حيث خرج ملكها (يليان) لستقبال جيش المسلمين وأكرمهم ووافق
على كل مطالبهم.
وظل عقبة يجاهد في سبيل ال يتنقل من غزو إلى غزو ومن فتح إلى فتح حتى وصل إلى شاطئ
المحيط الطلنطي ،فنزل بفرسه إلى الماء ،وتطلع إلى السماء وقال:
ع َب َد غيرك..يا رب ..لول هذا المحيط لمضيت في البلد مدافعًا عن دينك ،ومقاتلً من كفر بك و َ
وظن القائد البطل عقبة بن نافع أن البربر مالوا إلى الستسلم وأنهم ليس لديهم استعداد للحرب
مرة أخرى ،فسبقه جيشه إلى القيروان ،وبقي هو مع ثلثمائة مقاتل في مدينة طنجة ليتم فتح عدد
من الحاميات الرومية ،ولما علم بعض أعداء السلم من البربر أن عقبة ليس معه إل عدد قليل
من رجاله ،وجدوا الفرصة ملئمة للهجوم عليه ،وكان على رأس هؤلء البربر (الكاهنة) ملكة
جبال أوراس (سلسلة جبال بالجزائر) وفوجئ البطل عقبة بن نافع عند بلدة (تهودة) بآلف الجنود
من البربر يهجمون عليه فاندفع بفرسه متقدمًا جنوده يضرب العداء بسيفه ،متمنيًا الشهادة في
سبيل ال ،حتى أحاط البربر به وجنوده من كل جانب ،فاستشهدوا جميعًا ،واستشهد معهم (عقبة
بن نافع) فرحمه ال رحمة واسعة ،جزاء ما قدم للسلم
والمسلمين.
وكان استشهاد عقبة في مدينة تهودة سنة 64هـ (من أرض الزاب) بعد أن خاض كثيرًا من
المعارك ،وذاق حلوة النصر ،ورفع راية السلم ،و ُيعَد استشهاد عقبة هزيمة عسكرية لكنه كان
نصرًا رائعًا لليمان ،وتناقلت اللسن ملحمة عقبة بن نافع الفارس المؤمن الذي حمل رسالة دينه
إلى أقصى المعمورة ،وأبى إل أن يستشهد بعد أن حمل راية دينه فوق الثمانية آلف كيلو متر.
عمر بن عبد العزيز
ج من بني أمية،
ن هذا الش ّ
رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رؤيا ،فقام من نومه يردد :مَ ْ
ن ولد عمر ُيسَمى عمر ،يسير بسيرة عمر ويمل الرض عدلً.
ومِ ْ
ومرت اليام ،وتحققت رؤيا أمير المؤمنين ،ففي منطقة حلوان بمصر حيث يعيش وإلى مصر
عبد العزيز بن مروان وزوجته ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وُلِد
عمر بن عبد العزيز سنة 61هـ ،وعني والده بتربيته تربية صالحة ،وعلّمه القراءة والكتابة،
لكن عمر رغب أن يغادر مصر إلى المدينة ليأخذ منها العلم ،فاستجاب
عبد العزيز بن مروان لرغبة ولده وأرسله إلى واحد من كبار علماء المدينة وصالحيها وهو
(صالح بن كيسان).
حفظ عمر بن عبد العزيز القرآن الكريم ،وظهرت عليه علمات الورع وأمارات التقوى ،حتى
ت أحدًا -ال أعظم في صدره -من هذا الغلم ،وقد
خبَرْ ُ
قال عنه معلّمه صالح بن كيسان :ما َ
فاجأته أمه ذات يوم وهو يبكي في حجرته ،فسألته :ماذا حدث لك يا عمر؟ فأجاب :ل شيء يا
أماه إنما ذكرتُ الموت ،فبكت أمه.
وكان معجبًا إعجابًا شديدًا بعبد ال بن عمر -رضي ال عنه -وكان دائمًا يقول لمه :تعرفين
يا أماه لكونن مثل خالي عبد ال بن عمر ،ولم تكن هذه الشياء وحدها هي التي تُنبئ بأن هذا
الطفل الصغير سيكون علمًا من أعلم السلم ،بل كانت هناك علمات أخرى تؤكد ذلك ،فقد
دخل عمر بن العزيز إلى إصطبل
ت أشجّ
أبيه ،فضربه فرس فشجّه (أصابه في رأسه) فجعل أبوه يمسح الدم عنه ،ويقول :إن كن َ
بني أمية إنك إذن لسعيد.
وكان عمر نحيف الجسم أبيض الوجه حسن اللحية ،وتمضي اليام والسنون ليصبح عمر بن
عبد العزيز شابّا فتيّا ،يعيش عيشة هنيئة ،يلبس أغلى الثياب ،ويتعطر بأفضل العطور ،ويركب
أحسن الخيول وأمهرها ،فقد ورث عمر عن أبيه الكثير من الموال والمتاع والدواب ،وبلغ
إيراده السنوي ما يزيد على الربعين ألف دينار ،وزوّجه الخليفة عبد الملك بن مروان ابنته
غنًى وثراءً.
فاطمة ،وكان عمر -رضي ال عنه -وقتها في سن العشرين من عمره ،فازداد ِ
ولما بلغ عمر بن عبد العزيز الخامسة والعشرين ،اختاره الخليفة الموي الوليد بن
عبد الملك ليكون واليًا على المدينة وحاكمًا لها ،ثم وله الحجاز كله ،فنشر المن والعدل بين
الناس ،وراح يعمّر المساجد ،بادئًا بالمسجد النبوي الشريف ،فحفر البار ،وشق الترع ،فكانت
وليته على مدن الحجاز كلها خيرًا وبركة ،شعر فيها الناس بالمن والطمأنينة.
واتخذ عمر بن عبد العزيز مجلس شورى من عشرة من كبار فقهاء المدينة على رأسهم
التابعي الجليل (سعيد بن المسيّب) فلم يقطع أمرًا بدونهم ،بل كان دائمًا يطلب منهم النصح
والمشورة ،وذات مرة جمعهم ،وقال لهم:
إني دعوتكم لمر تؤجرون فيه ،ونكون فيه أعوانًا على الحق ،ما أريد أن أقطع أمرًا إل
برأيكم أو برأي من حضر منكم ،فإن رأيتم أحدًا يتعدّى أو بلغكم عن عامل (حاكم) ظلمة
فأُحرج بال على من بلغه ذلك إل أبلغني ،فشكروه ثم انصرفوا ،وظل عمر بن عبد العزيز في
ولية المدينة ست سنوات إلى أن عزله الخليفة الوليد بن
عبد الملك لن الحجاج أفهمه أن عمر أصبح يشكل خطرًا على سلطان بني أمية.
ذهب عمر إلى الشام ومكـث بها إلى أن مـات الـوليد بن عبد الملك ،وتولى الخلفة بدلً
منه أخوه سليمان بن عبد الملك ،وكان يحب عمر ،ويعتبره أخًا وصديقًا ويأخذ بنصائحه،
وذات يوم مرض الخليفة مرض الموت ،وشعر بأن نهايته قد
اقتربت ،فشغله أمر الخلفة حيث إن أولده كلهم صغار ل يصلحون لتولي أمور الخلفة،
فشاور وزيره (رجاء بن حيوة) العالم الفقيه في هذا المر ،فقال له:
إن مما يحفظك في قبرك ويشفع لك في أخراك ،أن تستخلف على المسلمين رجل صالحًا.
قال سليمان :ومن عساه يكون؟
قال رجاء :عمر بن عبد العزيز.
فقال سليمان :رضيت ،وال لعقدن لهم عقدًا ،ل يكون للشيطان فيه نصيب ،ثم كتب العهد،
وكلف (رجاء) بتنفيذه دون أن َيعْلَ َم أحدٌ بما فيه.
مات سليمان ،وأراد (رجاء بن حيوة) تنفيذ العهد لكن عمر كان ل يريد
الخلفة ،ول يطمع فيها ،ويعتبرها مسئولية كبيرة أمام ال ،شعر عمر بن عبد العزيز بالقلق
وبعظم المسئولية ،فقرر أن يذهب على الفور إلى المسجد حيث يتجمع المسلمون ،وبعد أن
صعد المنبر قال :لقد ابتليتُ بهذا المر على غير رَأْي ِمنّي
فيه ،وعلى غير مشورة من المسلمين ،وإني أخلع بيعة من بايعني ،فاختاروا
لنفسكم ،لكن المسلمين الذين عرفوا عدله وزهده وخشيته من ال أصرّوا على أن يكون
خليفتهم ،وصاحوا في صوت واحد :بل إياك نختار يا أمير المؤمنين ،فبكي عمر.
وتولى الخلفة في يوم الجمعة ،العاشر من صفر سنة 99هـ ،ويومها جلس حزينًا مهمومًا،
وجاء إليه الشعراء يهنئونه بقصائدهم ،فلم يسمح لهم ،وقال لبنه :قل
لهم {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} [يونس.]15 :
دخلت عليه زوجته فاطمة وهو يبكي ،فسألته عن سرّ بكائه ،فقال :إني تَقَّلدْتُ (توليت) من أمر
ت في الفقير الجائع ،والمريض
أمة محمد -صلى ال عليه وسلم -أسودها وأحمرها ،فتفكر ُ
الضائع ،والعاري والمجهود ،والمظلوم المقهور ،والغريب
السير ،والشيخ الكبير ،وذوي العيال الكثيرة ،والمال القليل ،وأشباههم في أقطار الرض
وأطراف البلد ،فعلمتُ أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة ،فخشيتُ أل تثبتَ لي حجة فبكيتُ.
وترك عمر زينة الحياة الدنيا ،ورفض كل مظاهر الملك التي كانت لمن قبله من الخلفاء ،وأقام
في بيت متواضع بدون حـرس ول حجاب ،ومنع نفسه التمتع بأمواله ،وجعلها لفقراء
المسلمين ،وتنازل عن أملكه التي ورثها عن أبيه ،ورفض أن يأخذ راتبًا من بيت المال ،كما
جرّد زوجته فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان من حليها وجواهرها الثمينة ،وطلب
منها أن تعطيها لبيت المال ،فقال لها:
اختاري..إما أن تردي حليك إلى بيت المال ،وإما أن تأذني لي في فراقك ،فإني أكره أن أكون
أنا وأنت ومعك هذه الجواهر في بيت واحد ،فأنت تعلمين من أين أتى أبوك بتلك الجواهر،
فقالت :بل أختارك يا أمير المؤمنين عليها وعلى أضعافها لو كانت لي ،فأمر عمر بتلك
الجواهر فوضعت في بيت المال.
ص بألف درهم ،فكتب إليه يلومه ،ويقول له :بِعه
وبلغه أن أحد أولده اشترى خاتمًا له ف ّ
وأشبع بثمنه ألف جائع ،واشترِ بدلً منه خاتمًا من حديد ،واكتب عليه :رحم ال امرءًا عرف
قدر نفسه.
ويحكى أن عمر بن عبد العزيز -رضي ال عنه -كان يقسم تفاحًا للمسلمين ،وبينما هو يفرقه
ويقسمه على من يستحقه إذ أخذ ابن صغير له تفاحة ،فقام عمر وأخذ التفاحة من فمه ،فذهب
الولد إلى أمه وهو يبكي ،فلما علمت السبب ،اشترت له تفاحًا ،فلما رجع عمر شم رائحة
التفاح ،فقال لزوجته :يا فاطمة ،هل أخذت شيئًا من تفاح المسلمين؟ فأخبرته بما حدث ،فقال
لها :وال لقد انتزعتها من ابني
ت أن أضيّع نفسي بسبب تفاحة من تفاح المسلمين!!
فكأنما انتزعتُها من قلبي ،لكني كره ُ
وها هو ذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الذي تحت تصرفه وطوع أمره أموال الدولة
وكنوزها ،يقول لزوجته يومًا :تشتهي نفسي عسل لبنان ،فأرسلت فاطمة إلى ابن معد يكرب،
عامل (أمير) لبنان ،وذكرت له أن أمير المؤمنين يشتهي عسل
لبنان ،فأرسل إليها بعسل كثير ،فلما رآه عمر غضب ،وقال لها :كأني بك يا فاطمة قد بعثتِ
إلى ابن معد يكرب ،فأرسل لك هذا العسل؟ ثم أخرج عمر العسل إلى السوق ،فباعه ،وأدخل
ت لمثلها فلن تلي لي
عدْ َ
ثمنه بيت المال ،وبعث إلى عامله على لبنان يلومه ،ويقول له :لو ُ
عمل أبدًا ،ول أنظر إلى وجهك.
وكان عمر بن عبد العزيز حليمًا عادلً ،خرج ذات ليلة إلى المسجد ومعه رجل من الحراس،
فلما دخل عمر المسجد مرّ في الظلم برجل نائم ،فأخطأ عمر وداس
عليه ،فرفع الرجل رأسه إليه وقال أمجنون أنت؟ فقال :ل ،فتضايق الحارس و َه ّم أن يضرب
الرجل النائم فمنعه عمر ،وقال له :إن الرجل لم يصنع شيئًا غير أنه
سألني :أمجنون أنت؟ فقلت :ل.
وكان عمر بن عبد العزيز -رضي ال عنه -رقيق المشاعر ،رحيمًا بالنسان
والحيوان ،كتب ذات يوم إلى واليه في مصر قائلً له :بلغني أن الحمالين في مصر يحملون
فوق ظهور البل فوق ما تطيق ،فإذا جاءك كتابي هذا ،فامنع أن يحمل على البعير أكثر من
ستمائة رطل.
وقد حرص عمر الزاهد العادل التقي على أل يقرب أموال المسلمين ول يمد يده إليها ،فهي
أمانة في عنقه ،سيحاسبه ال عليها يوم القيامة ،فكان له مصباح يكتب عليه الشياء التي
تخصه ،ومصباح لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين ل يكتب على ضوئه لنفسه
حرفًا..وذات مرة سخنوا له الماء في المطبخ العام ،فدفع درهمًا ثمنًا للحطب!!
لقد كان همه الول والخير أن يعيش المسلمون في عزة وكرامة ،ينعمون بالخير والمن
والمان ،كتب إلى أحد أمرائه يقول :لبد للرجل من المسلمين من مسكن يأوي إليه ،وخادم
يكفيه مهنته ،وفرس يجاهد عليه عدوه ،وأثاث في بيته ،وكان يأمر عماله بسداد الديون عن
المحتاجين ،وتزويج من ل يقدر على الزواج ،بل إن مناديه كان ينادي في كل يوم :أين
الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى استطاع بفضل من ال أن يغنيهم
جميعًا.
خرج عمر راكبًا ليعرف أخبار البلد ،فقابله رجل من المدينة المنورة فسأله عن حال المدينة،
فقال :إن الظالم فيها مهزوم ،والمظلوم فيها ينصره الجميع ،وإن
الغنياء كثيرون ،والفقراء يأخذون حقوقهم من الغنياء ،ففرح عمر فرحًا شديدًا وحمد ال،
وهكذا رجـل مـن ولـد (زيـد بن الخطــاب) يقول( :إنما ولي عمر بن عبد العزيز
سنتين ونصفًا ،فما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال
العظيم ،فيقول :اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء ،فما يبرح حتى يرجع بماله ،يبحث عمن
يعطيه فما يجد ،فيرجع بماله ،قد أغنى ال الناس على يد عمر).
طُلب منه أن يأمر بكسوة الكعبة،كما جرت العادة بذلك كل عام ،فقال :إني رأيت أن أجعل ذلك
(ثمن كسوة الكعبة) في أكباد جائعة،فإنه أولى بذلك من البيت ،وبعد فترة حكمه التي دامت
تسعة وعشرين شهرًا ،اشتد عليه المرض ،فجاءه ابن عمه مسلمة بن عبد الملك ،فقال له :يا
أمير المؤمنين ،أل توصي لولدك ،فإنهم
كثيرون ،وقد أفقرتهم ،ولم تترك لهم شيئًا؟!
فقال عمر :وهل أملك شيئًا أوصي لهم به ،أم تأمرني أن أعطيهم من مال المسلمين؟ وال ل
أعطيهم حق أحد ،وهم بين رجلين :إما أن يكونوا صالحين فال
يتولهم ،وإما غير صالحين فل أدع لهم ما يستعينون به على معصية ال ،وجمع أولده ،وأخذ
ينظر إليهم ،ويتحسس بيده ثيابهم الممزقة؛ حتى ملئت عيناه
خيّر بين أمرين :بين أن تستغنوا (أي تكونوا أغنياء) ويدخل
بالدموع ،ثم قال :يا َبنِي ،إن أباكم ُ
أبوكم النار ،وبين أن تفتقروا ،ويدخل أبوكم الجنة ،فاختار
ت أمركم إلى ال وهو يتولى الصالحين.
الجنة ..يا َبنِي ،حفظكم ال ورزقكم ،وقد ترك ُ
ثم قال لهله :اخرجوا عني ،فخرجوا ،وجلس على الباب َمسْلَمة بن عبد الملك وأخته فاطمة،
فسمعاه يقول :مرحبًا بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ول جان ،ثم قرأ{ :تلك الدار الخرة
نجعلها للذين ل يريدون علوًا في الرض ول فسادًا والعاقبة للمتقين} [القصص.]83 :
ومات عمر بعد أن ضرب المثل العلى في العدل والزهد والورع ...مات أمير المؤمنين
خامس الخلفاء الراشدين!!
معاذ بن جبل
إمام العلماء
هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس ،يكنى أبا عبد الرحمن ،وأسلم وهو ابن ثماني عشرة
سنة ،وش هد العق بة مع ال سبعين وبدرًا والمشا هد كل ها مع ر سول ال ،وأرد فه ر سول ال
وراءه ،وبعثه إلى اليمن بعد غزوة تبوك وشيعه ماشيًا في مخرجه وهو راكب ،وكان له من
الولد عبد الرحمن وأم عبد ال وولد آخر لم يذكر اسمه.
عن أبي بحرية يزيد بن قطيب السكونى قال :دخلت مسجد حمص فإذا أنا بفتى حوله الناس،
جعد قطط ،فإذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ ،فقلت من هذا قالوا معاذ بن جبل.
وعن أبي مسلم الخولني قال :أتيت مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب محمد
وإذا شاب في هم أك حل العيـن براق الثنايـا كلمـا اختلفوا في شيـء ردوه إلى الفتـى قال :قلت
لجليس لي من هذا؟ قالوا هذا معاذ بن جبل.
طوَال أب يض ح سن الش عر عظ يم العين ين
و عن الواقدي عن أشياخ له قالوا :كان معاذ رجل َ
مجموع الحاجبين جعدا قططا.
عن أنس قال :قال رسول ال[ :أعلم أمتي بالحلل والحرام معاذ بن جبل] رواه المام أحمد.
وعن عاصم بن حميد عن معاذ بن جبل قال :لما بعثه رسول ال إلى اليمن خرج معه رسول
ال يوصيه ومعاذ راكب ورسول ال يمشي تحت راحلته ،فلما فرغ قال :يا معاذ ،إنك عسى
أل تلقا ني ب عد عا مي هذا ،ولعلك ت مر بم سجدي هذا و قبري ،فب كى معاذ خشعًا لفراق ر سول
ال ،ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال :إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث
كانوا.
عن الشعبي قال :حدثني فروة بن نوفل الشجعي قال :قال ابن مسعود :إن معاذ بن جبل كان
أمةً قانتًا ل حنيفًا ،فق يل إن إبراه يم كان أمةً قانتًا ل حنيفًا ،فقال ما ن سيت هل تدري ما
المة؟ وما القانت فقلت :ال أعلم ،فقال :المة الذي يعلم الخير ،والقانت المطيع ل عز وجل
وللرسول ،وكان معاذ بن جبل يعلم الناس الخير وكان مطيعًا ل عز وجل ورسوله.
وعن شهر بن حوشب قال :كان أصحاب محمد إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبة له.
نبذة من زهده
نبذة من ورعه
عن يح يى بن سعيد قال :كا نت ت حت معاذ بن ج بل امرأتان فإذا كان ع ند إحداه ما لم يشرب
في بيت الخرى الماء.
وعن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ في
بيت الخرى ثم توفيتا في السقم الذي بالشام والناس في شغل فدفنتا في حفرة فأسهم بينهما
أيتهما تقدم في القبر.
عن ثور بن يز يد قال :كان معاذ بن ج بل إذا ته جد من الل يل قال :الل هم قد نا مت العيون
وغارت النجوم وأ نت حي قيوم :الل هم طل بي للج نة بط يء ،وهر بي من النار ضع يف ،الل هم
اجعل لي عندك هدى ترده إلي يوم القيامة إنك ل تخلف الميعاد.
جوده وكرمه
وعن عبد ال بن سلمة قال :قال رجل لمعاذ بن جبل :علمني ،قال وهل أنت مطيعي قال :إني
على طاع تك لحر يص قال :صم وأف طر ،و صل و نم ،واكت سب ول تأ ثم ،ول تمو تن إل وأ نت
مسلم ،وإياك ودعوة المظلوم.
و عن معاو ية بن قرة قال :قال معاذ بن ج بل لب نه :يا ب ني ،إذا صليت فصل صلة مودع ل
تظن أنك تعود إليها أبدًا واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين :حسنة قدمها وحسنة
أخرها .وعن أبي إدريس الخول ني قال :قال معاذ :إنك تجالس قومًا ل محالة يخوضون في
الحديث ،فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى ربك عند ذلك رغبات .رواهما المام أحمد.
وعن محمد بن سيرين قال :أتى رجل معاذ بن جبل ومعه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه
ح ِفظْ تَ إنه ل غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت
فقال :إني موصيك بأمرين إن حفظتهما ُ
إلى نصيبك من الخرة أفقر ،فآثر من الخرة على نصيبك من الدنيا حتى ينتظمه لك انتظاما
فتزول به معك أينما زلت.
وعن السود بن هلل قال :كنا نمشي مع معاذ فقال :اجلسوا بنا نؤمن ساعة.
وعـن أشعـث بـن سـليم قال :سـمعت رجاء بـن حيوة عـن معاذ بـن جبـل قال :ابتليتـم بفتنـة
الضراء فصبرتم ،وستبتلون بفتنة السراء ،وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن
الذهب ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغني وكلفن الفقير ما ل يجد.
مرضه ووفاته
عـن طارق بـن عبـد الرحمـن قال :وقـع الطاعون بالشام فاسـتغرقها فقال الناس مـا هذا إل
الطوفان إل أ نه ل يس بماء ،فبلغ معاذ بن ج بل فقام خطيبًا فقال :إ نه قد بلغ ني ما تقولون
وإن ما هذه رحمة ربكم ودعوة نبيكم ،وكموت ال صالحين قبلكم ،ولكن خافوا ما هو أشد من
ذلك أن يغدو الرجل منكم من منزله ل يدري أمؤمن هو أو منافق ،وخافوا إمارة الصبيان.
موسى بن نصير
(وايم ال ل أريد هذه القلع والجبال الممتنعة حتى يضع ال أرفعها ،ويذل
أمنعها ،ويفتحها على المسلمين بعضها أو جميعها ،أو يحكم ال لي ،وهو خير الحاكمين) ..ما
أروع كلمك أيها القائد العظيم.
في خلفة (عمر بن الخطاب) -رضي ال عنه -ولد (موسى بن نصير)
سنة 19هـ640/م في قرية من قرى الخليل في شمال فلسطين تسمي (كفر مترى) فتعلم الكتابة،
وحفظ القرآن الكريم ،والحاديث النبوية الشريفة ،ونظم الشعر ،ولما كان والده (نصير) قائدًا
لحرس معاوية بن أبي سفيان ومن كبار معاونيه؛ تهيأت الفرصة لـ(موسى) لن يكون قريبًا من
كبار قادة الفتح ،وأصحاب الرأي والسياسة ،ويرى عن قرب ما يحدث في دار الخلفة .
وشب موسى وهو يشاهد جيوش المسلمين تجاهد في سبيل ال ،لنشر الدين السلمي في ربوع
الرض ،ورأى والده وهو يستعد لحدى الحروب ،وقد لبس
خوذته ،وتقلد سيفه ،فنظر إليه وأطال النظر ،وتمنى أن يكون مثل أبيه يجاهد في سبيل ال
ويرفع راية السلم ،وجاءت اللحظة الموعودة لينال موسى قيادة بعض الحملت البحرية التي
وجهها معاوية لعادة غزو (قبرص) التي سبق أن فتحها معاوية في سنة 27هـ؛ فنجح في
غزوها ،وبنى هناك حصونًا ،ثم تولى إمارتها ،وفي سنة 53هـ (673م) ،كان موسى أحد القادة
الذين خرجوا لغزو جزيرة (رودس) التي انتصر المسلمون فيها.
وتمر اليام والسنون ويتولى مروان بن الحكم الخلفة ،ويتحين موسى بن نصير الفرصة ليحقق
أحلمه وطموحاته ،ففي سنة 65هـ684 /م أمر مروان بتجهيز الجيش للسير به نحو مصر،
وزحف الجند مسرعين بقيادة ابنه (عبد العزيز) وصديقه
(موسى بن نصير) ووصل الجيش إلى مصر ،واستطاع مروان أن يضمها تحت لواء
المروانيين المويين ،ثم غادرها إلى دمشق بعد أن عين ابنه (عبد العزيز) واليًا ،وجعل موسى
بن نصير وزيرًا له.
وعاش موسى مع عبد العزيز بن مروان في مصر ،فكان موضع سره ،ووزيره
الول ،يساعده في حكم مصر ،حتى ازدادت خبرة موسى في شئون السياسة
والحكم ،ومات مروان ،وتولى الخلفة بدلً منه ابنه (عبد الملك) وكان
عبد العزيز بن مروان يشيد بشجاعة موسى وإخلصه أمام الخليفة مما جعله يخص موسى
بالحفاوة والتكريم.
وفي يوم من اليام حمل البريد رسالة من الخليفة إلى أخيـه عبد العزيز والي مصر يخبره فيها
بأنه قد عين أخاه بشر بن مروان واليًا على البصرة ،وجعل موسى بن نصير وزيرًا يساعده
على إدارة الولية ورئيسًا لديوان العراق ،ومكن ال لموسى ،وثبت أركان وزارته ،فلم يمضِ
وقت طويل ،حتى عين الخليفة أخاه بشرًا على
الكوفة ،وبذلك ترك لموسى بن نصير ولية البصرة ليدير شئونها وحده بوعي
ع ّينَه صديقه عبد العزيز بن مروان واليًا على شمال إفريقية بدلً منوبصيرة ،ثم َ
حسان بن النعمان الذي غضب عليه عبد العزيز.
وتمكن موسى في زمن قصير من تجهيز جيش إسلمي قوي قادر على النصر ،وسار برجاله،
ووقف بينهم خطيبًا ،فقال بعد أن حمد ال وأثني عليه :إنما أنا رجل كأحدكم ،فمن رأى مني
حسنة فليحمد ال ،وليحضّ على مثلها ،ومن رأى مني سيئة فلينكرها ،فإني أخطئ كما تخطئون،
وأصيب كما تصيبون ..ثم انطلق موسى بجيشه نحو المغرب حيث تزعزع المن هناك برحيل
المير السابق حسان بن النعمان وقيام البربر بالعديد من الغارات على المسلمين.
واستطاع موسى أن يهزم قبائل البربر التي خرجت عن طاعة المسلمين ،ولما وصل إلى مدينة
القيروان ،صلى بالجند صلة شكر ل على النصر ،ثم صعد المنبر وخطب قائلً( :وايم ال ل
أريد هذه القلع والجبال الممتنعة حتى يضع ال أرفعها ،ويذل
أمنعها ،ويفتحها على المسلمين بعضها أو جميعها ،أو يحكم ال لي وهو خير الحاكمين)
وانتشرت جيوش (موسى بن نصير) في شرق المغرب وشماله تفتح كل ما يصادفها من
الحصون المنيعة ،حتى أخضع القبائل التي لم تكن قد خضعت بعد للمسلمين.
وتطلع موسى إلى فتح (طنجة) التي كانت تحت سيادة المير الرومي
(يوليان) فانطلق من قاعدته في القيروان بجيش كبير تحت قيادة طارق بن زياد حتى وصل إلى
(طنجة) فحاصرها حصارًا طويل وشديدًا حتى فتحها ،وأقام للمسلمين مُدنًا جديدة فيها ،وأسلم
أهلها ،وبعث موسى لصديقه عبد العزيز يبشره بالفتح ،وأن خُمس الغنائم قد بلغ ثلثين ألفًا،
وجاءت الرسل إلى الخليفة في دمشق تزفّ إليه خبر النصر ،ففرح فرحًا شديدًا لنتصارات
موسى ،وكافأه على انتصاراته ،ولم يكتفِ موسى بهذه النتصارات ،بل أخذ يجهز أسطول
بحريّا ،وأمر في الحال ببناء ترسانة بحرية في تونس ،فجاء بصانعي المراكب ،وأمرهم بإقامة
مائة مركب.
وبعد أن تمّ له إنشاء السفن أمر جنوده بأن يركبوا السفن وعلى رأسهم ابنه
عبد ال ،ثم أمره بفتح جزيرة (صقلية) وسار عبد ال بن موسى بجند الحق حتى وصل إلى
الجزيرة فدخلها ،وأخذ منها غنائم كثيرة ،حتى وصل نصيب الجندي مائة دينار من الذهب،
وكان عدد الجنود المسلمين ما بين التسعمائة إلى اللف ،ثم عـاد
عبد ال بن موسى من غزواته سالمًا غانمًا ،وبعث موسى قائده (عياش بن أخيل) على مراكب
أهل إفريقية ،ففتح جزيرة صقلية للمرة الثانية ،واستولى على مدينة من مدنها تسمي (سرقوسة)
وعاد منتصرًا.
وفي سنة 89هـ بعث موسى بن نصير (عبد ال بن فرة) لغزو (سردينيا) ففتحها ،وفي العام
نفسه ،جهز موسى ولده عبد ال ،بما يحتاجه من جند وعتاد ،ثم سار في
البحر ،ففتح جزيرتي (ميورقة) و(منورقة) وهما جزيرتان في البحر بين صقلية والشاطئ
الندلسي.
وبدأ موسى بن نصير ينشر دين ال في المدن المفتوحة ،ونجح في ذلك نجاحًا
كبيرًا ،وحكم بين أهل هذه البلد بالعدل ،ل يفرق بين عربي وأعجمي إل بالتقوى والعمل
الصالح ،فأحبوا السلم ،واستجابوا لدعوة الحق ،ودخلوا في دين ال
أفواجًا ،وتحولوا من الشرك والكفر إلى السلم والتوحيد بفضل ال أول ،ثم بجهود موسى
وبطولته.
ولما ضمن موسى ولء أهل المغرب واستمساكهم بدعوة السلم ،أخذ يعد العدة لغزو جديد،
وبينما هو يفكر في هذا المر إذ جاءه رسول من قبل طارق بن زياد يخبره بأن يوليان حاكم
(سبته) عرض عليه أن يتقدم لغزو أسبانيا ،وأنه على استعداد لمعاونة العرب في ذلك ،وتقديم
السفن اللزمة لنقل الجنود المسلمين ،وبعث موسى إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك يستشيره،
ل بالسرايا يعني بقلة من الجنود حتى ترى وتختبر شأنها ول فردّ عليه الخليفة بقوله( :خضها أو ً
تغرر بالمسلمين في بحر شديد الهوال).
فأرسل موسى رجلً من البربر يسمى (طريف بن مالك) في مائة فارس وأربعمائة رجل،
وركب هو وجنوده البحر في أربعة مراكب حتى نزل ساحل الندلس فأصاب سبيًا كثيرًا ومالً
وفيرًا ،ثم رجع إلى المغرب غانمًا سالمًا ،وفي شهر رجب من
عام 92هـ جهز موسى جيشًا خليطًا من العرب والبربر تعداده سبعة آلف جندي بقيادة طارق
بن زياد ،وانطلق طارق بالجيش إلى أن وصل سبتة ،وهناك خطط لعبور المضيق ،وفي اليوم
الخامس من شهر رجب سنة 92هـ (إبريل 710م) وبفضل ال كانت آخر دفعة من الجنود
بقيادة طارق تعبر المضيق الذي حمل اسم طارق بن زياد منذ ذلك الوقت.
ونزل طارق -قائد جيش موسى بن نصير -أرض الندلس ،وبعد عدة معارك فتح الجزيرة
الخضراء ،وعلم المبراطور (لذريق) بنزول المسلمين في أسبانيا من (بتشو) حاكم إحدى
المقاطعات الجنوبية الذي بعث إليه يقول :أيها الملك ،إنه قد نزل بأرضنا قوم ل ندري أمن
السماء أم من الرض ،فالنجدة ..النجدة ،والعودة على عجل.
وزحف لذريق بجيش كبير ليوقف المسلمين عن الزحف ،فأرسل طارق إلى
موسى مستنجدًا ،فأمده بخمسة آلف من المسلمين على رأسهم طريف بن مالك وأكثرهم من
الفرسان فأصبح تعداد جيش المسلمين اثني عشر ألفًا ،وكان اللقاء الحاسم بين جيش المسلمين
بقيادة طارق بن زياد ،وجيش المبراطور لذريق
يوم الحد 28من شهر رمضان المبارك عام 92هـ ،واستمرت المعركة حوالي سبعة أيام،
انتهت بانتصار المسلمين بفضل ال في معركة عرفت باسم معركة (شذونة) أو معركة (وادي
البرباط).
واصل طارق بن زياد فتوحاته في الندلس ،وخشي موسى بن نصير من توغله في أراضيها،
فعبر إليه على رأس حملة كبيرة وأخذ القائدان يتمّان فتح ما بقي من مدن الندلس ،وظل موسى
يجاهد في سبيل ال حتى أصبحت الندلس في قبضة
المسلمين ،وبعد أن انتهي موسى من فتوحاته ألحّ عليه (مغيث الرومي) رسول الخليفة بالعودة
إلى دار الخلفة في دمشق ،فاستجاب له موسى ،وبدأ يستعد لمغادرة الندلس ،وواصل موسى
السير ،حتى وصل إلى دمشق فاستقبله الوليد وأحسن استقباله ،وتحامل على نفسه -وهو
مريض -وجلس على المنبر لمشاهدة الغنائم وموكب السرى ،فدهش الخليفة مما رأى وسجد ل
شكرًا ،ثم دعا موسى بن نصير وصبّ عليه من العطر ثلث مرات ،وأنعم عليه بالجوائز.
ولم يمضِ أربعون يومًا على ذلك حتى مات الوليد بن عبد الملك ،وتولى الخلفة أخوه سليمان
بن عبد الملك ومن يومها بدأت متاعب موسى بن نصير ،فقد أراد سليمان أن يعاقب موسى بن
نصير لخلف بينهما فأمر به أن يظل واقفًا في حرّ الشمس المتوهجة ،وكان قد بلغ الثمانين من
عمره ،فلما أصابه حر الشمس وأتعبه الوقوف سقط مغشيّا عليه ،وبعدها اندفع موسى يقول في
شجاعة مخلوطة بالسى للخليفة سليمان بن عبد الملك( :أما وال يا أمير المؤمنين ما هذا بلئي
ول قدر
جزائي).
وعاش موسى في دمشق وهو راض عما نزل به من قضاء ال ،وندم سليمان على
ما فعله في حق موسى ،وكان يقول :ما ندمت على شيء ندمي على ما فعلته
بموسى ،وأراد سليمان أن يكفر عن ذنبه ،فاصطحب موسى بن نصير معه إلى
الحج في سنة 99هـ ،لكنه لفظ أنفاسه الخيرة في أثناء الرحلة ،وفرح شيخ المجاهدين بلقاء ربه
بعدما قضى أعوامًا رفع فيها راية الجهاد ..فسلمًا عليك يا شيخ المجاهدين.
هارون الرشيد
ومـن المؤرخيـن الذيـن أنصـفوا الرشيـد أحمـد بـن خلكان الذي قال عنـه فـي كتابـه وفيات
العيان" :كان من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي"
وكتب التاريخ مليئة بمواقف رائعة للرشيد في نصرة الحق وحب النصيحة وتقريب العلماء ل
ينكرها إل جاحد أو مزور ،ويكفيه أنه عرف بالخليفة الذي يحج عاما ويغزو عاما.
نسبه ومولده
هو أبو جعفر هارون بن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد ال بن محمد بن علي
بن عبد ال بن عباس الهاشمي العباسي ،كان مولده بالري حين كان أبوه أميرا عليها وعلى
خرا سان في سنة ثمان وأربعين ومائة وأمه أم ولد تسمى الخيزران وهى أم الهادي وفيها
يقول مروان ابن أبى حفصة:
توليه الخلفة
ولي الخلفة بعهد معقود له بعد الهادي من أبيهما المهدي في ليلة السبت السادس عشر من
ربيـع الول سـنة سـبعين ومائة بعـد الهادي ،قال الصـولي :هذه الليلة ولد له فيهـا عبـد ال
المأمون ولم يكن في سائر الزمان ليلة مات فيها خليفة وقام خليفة وولد خليفة إل هذه الليلة
وكان يكنى أبا موسى فتكنى بأبي جعفر.
وكان ذا ف صاحة وعلم وب صر بأعباء الخل فة وله ن ظر ج يد في الدب والف قه ،ق يل إ نه كان
يصلي في خلفته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات ل يتركها إل لعلة ويتصدق من صلب
ماله كل يوم بألف درهم ..قال الثعالبي في اللطائف قال الصولي خلّف الرشيد مائة ألف ألف
دينار.
وكان يحب المديح ويجيز الشعراء ويقول الشعر ،أسند عن معاوية بن صالح عن أبيه قال
أول شعر قاله الرشيد أنه حج سنة ولى الخلفة فدخل دارا فإذا في صدر بيت منها بيت شعر
قد كتب على حائط:
أل أمير المؤمنين أما ترى *** فديتك هجران الحبيب كبيرا
بلى والهدايا المشعرات وما *** مشى بمكة مرفوع الظل حسيرا.
وقال محمد بن على الخرساني الرشيد أول خليفة لعب بالصوالجة والكرة ورمى النشاب في
البرجاس و أول خليفة لعب بالشطرنج من بنى العباس.
قال الجاحظ اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره وزراؤه البرامكة وقاضيه القاضي أبو يوسف
وشاعره مروان بن أبي حفصة ونديمه العباس بن محمد عم والده وحاجبه الفضل بن الربيع
أتيه الناس ومغنيه إبراهيم الموصلي وزوجته زبيدة.
حبه للعلماء
وكان الرشيـد يحـب العلماء ويعظـم حرمات الديـن ويبغـض الجدال والكلم ،وقال القاضـي
الفا ضل في ب عض ر سائله ما أعلم أن لملك رحلة قط في طلب العلم إل للرش يد فإ نه ر حل
بولديه المين والمأمون لسماع الموطأ على مالك رحمه ال.
ولما بلغه موت عبد ال ابن المبارك حزن عليه وجلس للعزاء فعزاه الكابر.
قال أبو معاوية الضرير ما ذكرت النبي صلى ال عليه وسلم بين يدي الرشيد إل قال صلى
ال على سيدي ورويت له حديثه "وددت أني أقاتل في سبيل ال فأقتل ثم أحيى ثم أقتل فبكى
حتى انتحب"
وعن خرزاذ العابد قال حدث أبو معاوية الرشيد بحديث احتج آدم وموسى فقال رجل شريف
فأين لقيه فغضب الرشيد وقال النطع والسيف زنديق يطعن في الحديث فما زال أبو معاوية
يسكنه ويقول بادرة منه يا أمير المؤمنين حتى سكن.
وعن أبي معاوية الضرير قال صب على يدي بعد الكل شخص ل أعرفه فقال الرشيد تدري
من يصب عليك قلت :ل .قال :أنا إجلل للعلم.
وكان العلماء يبادلونه التقدير ،روي عن الفضيل بن عياض أنه قال :ما من نفس تموت أشد
علي موتا من أمير المؤمنين هارون ولوددت أن ال زاد من عمري في عمره ،قال فكبر ذلك
علينـا فلمـا مات هارون وظهرت الفتـن وكان مـن المأمون مـا حمـل الناس على القول بخلق
القرآن قلنا الشيخ كان أعلم بما تكلم.
قال منصور بن عمار :ما رأيت أغزر دمعا عند الذكر من ثلثة الفضيل بن عياض والرشيد
وآخر.
وقال عبيد ال القواريرى لما لقي الرشيد الفضيل قال له يا حسن الوجه أنت المسئول عن
هذه المة .وتقطعت بهم السباب قال :الوصلة التي كانت بينهم في الدنيا فجعل هارون يبكى
ويشهق.
روى أن ابن السماك دخل على الرشيد يوما فاستسقى فأتى بكوز فلما أخذه قال على رسلك
يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها قال بنصف ملكي قال اشرب هنأك
ال تعالى فلما شربها قال أسألك لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها قال
بجميـع ملكـي قال إن ملكـا قيمتـه شربـة ماء وبوله لجديـر أن ل ينافـس فيـه فبكـى هارون
الرشيد بكاء شديدا.
وقال ابن الجوزي قال الرشيد لشيبان عظني قال لن تصحب من يخوفك حتى يدركك المن
خ ير لك من أن ت صحب من يؤم نك ح تى يدر كك الخوف فقال الرش يد ف سر لي هذا قال من
يقول لك أ نت م سئول عن الرع ية فا تق ال أن صح لك م من يقول أن تم أ هل ب يت مغفور ل كم
وأنتم قرابة نبيكم صلى ال عليه وآله وسلم فبكى الرشيد حتى رحمه من حوله.
مواقف ل تنسى
في سنة سبع وثمان ين ومائة جاء للرش يد كتاب من ملك الروم نقفور بن قض الهد نة ال تي
كا نت عقدت ب ين الم سلمين وب ين المل كة ري ني مل كة الروم و صورة الكتاب [ من نقفور ملك
الروم إلى هارون ملك العرب أ ما ب عد فإن المل كة ال تي كا نت قبلي أقام تك مقام الرخ وأقا مت
نف سها مقام البيذق فحملت إل يك من أموال ها أحمال وذلك لض عف الن ساء وحمق هن فإذا قرأت
كتابي فأردد ما حصل قبلك من أموالها وإل فالسيف بيننا وبينك]
ل أن
فل ما قرأ الرش يد الكتاب ا ستشاط غض با ح تى ما تم كن أ حد أن ين ظر إلى وج هه فض ً
يخاط به وتفرق جل ساؤه من الخوف وا ستعجم الرأي على الوز ير فد عا الرش يد بدواة وك تب
على ظهر كتابه بسم ال الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد
قرأت كتا بك يا ا بن الكافرة والجواب ما تراه ل ما ت سمعه ثم سار ليو مه فلم يزل ح تى نزل
مدينة هرقل وكا نت غزوة مشهورة وفتحا مبي نا فطلب نقفور المواد عة والتزم بخراج يحمله
كل سنة.
وأسند الصولى عن يعقوب بن جعفر قال خرج الرشيد في السنة التي ولى الخلفة فيها حتى
غزا أطراف الروم وان صرف في شعبان ف حج بالناس آ خر ال سنة وفرق بالحرم ين مال كثيرا
وكان رأى ال نبي صلى ال عل يه وآله و سلم في النوم فقال له إن هذا ال مر صائر إل يك في
هذا الشهر فاغز وحج ووسع على أهل الحرمين ففعل هذا كله.
وأخرج ابن عساكر عن ابن علية قال أخذ هارون الرشيد زنديقا فأمر بضرب عنقه فقال له
الزند يق :لم تضرب عن قي قال له أر يح العباد م نك .قال فأ ين أ نت من ألف حد يث وضعت ها
على رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم كلها ما فيها حرف نطق به قال فأين أنت يا عدو
ال من أبى إسحاق الفزارى وعبد ال بن المبارك ينخلنها فيخرجانها حرفا حرفا.
حج غ ير مرة وله فتوحات وموا قف مشهودة ومن ها ف تح مدي نة هرقلة،قال الم سعودي في
"مروج الذهب" :رام الرشيد أن يوصل ما بين بحر الروم وبحر القلزم مما يلي الفرما فقال له
يحيى البرمكي كان يختطف الروم الناس من الحرم وتدخل مراكبهم إلى الحجاز.
وزر له يح يى بن خالد مدة وأح سن إلى العلو ية و حج سنة 173وعزل عن خرا سان جع فر
بن أشعث بولده العباس بن جعفر وحج أيضا في العام التي وعقد بولية العهد لولده المين
صغيرا فكان أقبح و هن تم في ال سلم وأرضى المراء بأموال عظي مة وتحرك عل يه بأرض
الديلم يح يى بن ع بد ال بن ح سن الح سيني وع ظم أمره وبادر إل يه الراف ضة فتن كد ع يش
الرشيد واغتم وجهز له الفضل بن وزيره في خمسين ألفا فخارت قوى يحيى وطلب المان
فأجابه ولطفه ثم ظفر به وحبسه ثم تعلل ومات ويقال ناله من الرشيد أربعمائة ألف دينار.
و في سنة 175ه ـ ولى خرا سان الغطر يف بن عطاء وولى م صر جعفرا البرم كي واشتدت
الحرب بين القيسية واليمانية بالشام ونشأت بينهم أحقاد وإحن.
وغزا الفضل بن يحي البرمكي بجيش عظيم ما وراء النهر ومهد الممالك وكان بطل شجاعا
جوادا ربما وصل الواحد بألف ألف وولي بعده خراسان منصور الحميري وعظم الخطب بابن
طريف ثم سار لحربه يزيد بن مزيد الشيباني وتحيل عليه حتى بيته وقتله ومزق جموعه.
وفي سنة 179هـ اعتمر الرشيد في رمضان واستمر على إحرامه إلى أن حج ماشيا من
بطن مكة.وغزا الرشيد وتوغل في أرض الروم فافتتح الصفصاف وبلغ جيشه أنقرة .ثم حج
سنة ست وثمانين الرشيد بولديه المين والمأمون وأغنى أهل الحرمين.
ثم حدثت نكبة البرامكة إذ قتل الرشيد جعفر بن يحيى البرمكي وسجن أباه وأقاربه بعد أن
كانوا قد بلغوا رتبة ل مزيد عليها.
و في العام نف سه انت قض ال صلح مع الروم وملكوا علي هم نقفور فيقال إ نه من ذر ية جف نة
الغسـاني وبعـث يتهدد الرشيـد فاسـتشاط غضبـا وسـار فـي جيوشـه حتـى نازله هرقلة وذلت
الروم وكا نت غزوة مشهودة ،ثم كا نت الملح مة العظ مى وق تل من الروم عدد كث ير وجرح
النقفور ثلث جراحات وتـم الفداء حتـى لم يبـق فـي أيدي الروم أسـير.وبعـث إليـه نقفور
بالجزية ثلثمائة ألف دينار.
وفي سنة ست وسبعين ومائة فتحت مدينة دبسة على يد المير عبد الرحمن بن عبد الملك
بن صالح العباسى
وفـي سـنة تسـع وسـبعين ومائة اعتمـر الرشيـد فـي رمضان ودام على إحرامـه إلى أن حـج
ومشى من مكة إلى عرفات وفي سنة ثمانين كانت الزلزلة العظمى وسقط منها رأس منارة
السكندرية وفي سنة إحدى وثمانين فتح حصن الصفصاف عنوة وهو الفاتح له وفي سنة
ثلث وثمانين خرج الخزر على أرمينية فأوقعوا بأهل السلم وسفكوا وسبوا أزيد من مائة
ألف نسمة وجرى على السلم أمر عظيم لم يسمع قبله مثله.
وفاة الرشيد
مات الرشيد في الغزو بطوس من خراسان ودفن بها في ثالث من جمادى الخرة سنة ثلث
وتسعين ومائة وله خمس وأربعون سنة وصلى عليه ابنه الصالح قال الصولى خلف الرشيد
مائة ألف ألف دينار ومن الثاث والجواهر والورق والدواب ما قيمته ألف ألف دينار
وخمسة وعشرون ألف دينار.
وقيل إن الرشيد رأى مناما أنه يموت بطوس فبكى وقال احفروا لي قبرا فحفر له ثم حمل في
قبة على جمل وسيق به حتى نظر إلى القبر فقال يا ابن آدم تصير إلى هذا وأمر قوما فنزلوا
فختموا فيه ختما وهو في محفة على شفير القبر ولما ماتبويع لوالده المين في العسكر وهو
حينئذ ببغداد فأتاه الخبر فصلى الناس الجمعة وخطب ونعى الرشيد إلى الناس وبايعوه.
وال لول هذا الرجل لتعرض السلم إلى فتنة ال اعلم بعواقبها
أحمد بن حنبل
خرجت صفية بنت ميمونة بنت عبد الملك الشيباني من مدينة (مرو) وهي تحمل في بطنها
جنينًا ،وما إن وصلت إلى بغداد حتى ولدت (أحمد بن حنبل) في شهر ربيع الول سنة 164هـ.
كان والده قائدًا في جيش خراسان ،أما جده فكان واليًا للمويين في بلدة تسمى (سرخس) تابعة
لبلد خراسان ،وحين بلغ أحمد من العمر ثلث سنوات توفي
والده ،فنشأ يتيمًا ،تكفله أمه وترعاه ،وتقوم على تربيته والعناية به ،وعاش أحمد عيشة فقيرة،
فلم يترك له والده غير منزل ضيق ،مما دفعه إلى العمل وهو طفل
صغير ،فكان يلتقط بقايا الزروع من الحقول بعد استئذان أهلها ،وينسج الثياب ويبيعها ،ويضطر
في بعض الوقات أن يؤجر نفسه ليحمل أمتعة الناس في
الطريق ،وكان ذلك عنده أفضل من أن يمد يده إلى غيره.
حفظ أحمد القرآن الكريم ،ولما بلغ أربع عشرة سنة ،درس اللغة العربية ،وتعلم الكتابة ،وكان
يحب العلم كثيرًا حتى إن أمه كانت تخاف عليه من التعب والمجهود الكبير الذي يبذله في التعلم،
وقد حدث ذات يوم أنه أراد أن يخرج للمكان الذي يتعلم فيه الصبية قبل طلوع الفجر ،فجذبته
أمه من ثوبه ،وقالت له :يا أحمد انتظر حتى يستيقظ الناس.
ومضت اليام حتى بلغ أحمد الخامسة عشرة من عمره فأراد أن يتعلم أحاديث رسول ال -صلى
ال عليه وسلم -من كبار العلماء والشيوخ ،فلم يترك شيخًا في بغداد إل وقد استفاد منه ،ومن
شيوخه :أبو يوسف ،وهشيم بن مشير.
وفكّر أحمد أن يطوف ببلد المسلمين ليلتقي بكبار علمائها وشيوخها لينقل عنهم الحاديث التي
حفظوها ،فزار الكوفة والبصرة ،ومكة ،والمدينة ،واليمن ،والشام والعراق وفارس وغيرها من
بلد السلم ،فكان في رحلته إذا لم يجد دابة
يركبها يمشي حتى تتشقق قدماه ليلتقي بكبار العلماء في هذه البلد ،وظل أحمد طيلة حياته ينتقل
من بلد إلى آخر ،ليتعلم الحديث حتى أصبح من كبار العلماء.
سأله أحد أصحابه ذات يوم :إلى متى تستمر في طلب العلم ،وقد أصبحت إمامًا للمسلمين وعالمًا
كبيرًا؟! فقال له( :مع المحبرة إلى المقبرة) ومعنى ذلك أنه سيستمر في طلب العلم إلى أن يموت
ويدخل القبر ،ولم يكن في عصره أحد أحفظ منه لحديث رسول ال -صلى ال عليه وسلم -حتى
سمّوْه (إمام السنة وفقيه المحدثين) وقالوا :إنه كان يحفظ ألف ألف حديث!! شملت المكرر من َ
الحديث والثار ،وفتوى التابعين ونحو ذلك.
وبعد أن تعلم المام أحمد بن حنبل ما تعلم ،وحفظ ما حفظ من أحاديث رسول ال -صلى ال
عليه وسلم -جلس في المسجد الجامع ببغداد سنة (24هـ) وعمره أربعون سنة ،ليعلم الناس أمور
دينهم؛ فأقبل الناس على درسه إقبال عظيمًا ،فكانوا يذهبون إلى المسجد في الصباح الباكر
ليتخذوا لهم مكانًا يجلسون فيه.
وكان أغلى شيء عند المام أحمد بن حنبل ما جمعه من حديث رسول ال -صلى ال عليه
وسلم -لذلك كان يكتبه في أوراق يحفظها في مكان أمين ،وقد حدث ذات يوم أن سرق لص
منزله ،فأخذ ملبسه وكل ما في بيته ،فلما جاء المام أحمد إلى البيت ،لم يسأل عن شيء إل عن
الوراق التي يكتب فيها أحاديث رسول ال
-صلى ال عليه وسلم -ولما وجدها اطمأن قلبه ولم يحزن على ما سرق منه.
ولم يكن المام أحمد بن حنبل مجرد حافظ لحاديث الرسول -صلى ال عليه وسلم -بل كان
يعمل بما في هذه الحاديث ،فيقول عن نفسه :ما كتبتُ حديثًا إل وقد عملتُ به ،وكان المام
أحمد زاهدًا في الدنيا ،يرضى بالقليل ،فقد كان كثير العبادة والذكر ل.
وقد تعرض المام أحمد -رضي ال عنه -للتعذيب والذى بسبب شجاعته من مواجهة الفتن
والبدع التي حدثت في زمانه ،تلك الفتن التي تعرض من أجلها للضرب والسجن في عهد الخليفة
المعتصم ،فكان يُضرب بالسياط ،حتى أغمي عليه عدة مرات ،ودخل السجن وظل فيه عامين
ونصف ،ثم خرج منه مريضًا يشتكي من الجراح ،وظل في منزله بعض الوقت؛ حتى شفي
وعاد إلى درسه ،ولما تولى الخليفة (الواثق) الخلفة لم يتعرض المام أحمد لليذاء ،لكنه منعه
من الجتماع بالناس ،فظل معزولً عنهم ،حتى مات الخليفة (الواثق) وتولى (المتوكل) الخلفة
الذي عامل المام أحمد معاملة حسنة وعرض عليه المال ،فرفضه ،لكنه ألح عليه أن يأخذه،
فتصدق به كله على الفقراء.
ورغم انشغال المام أحمد الشديد بالعلم وضيق وقته فإنه كان شديد الهتمام بمظهره ،فقد كان
من أنظف الناس بدنًا ،وأنقاهم ثوبًا ،شديد الهتمام بتهذيب شعر رأسه ،وكان المام أحمد يميل
إلى الفقراء ،ويقربهم منه في مجلسه ،وكان حليمًا ،كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار ،وكان
إذا جلس في مجلسه بعد العصر ل يتكلم حتى يُسأل ،كما كان -رضي ال عنه -شديد الحياء،
كريم الخلق ،سخيّا ،وكان مع لينه شديد الغضب ل.
والمام أحمد مؤسس المذهب الحنبلي أحد المذاهب الفقهية الربعة ،وقد ترك المام أحمد كتبًا
كثيرة منها( :المسند) وهو أكبر كتبه وأهمها بل هو أكبر دواوين السنة النبوية ،إذ يحتوي على
أربعين ألف حديث ،وكتاب (الزهد) و(الناسخ
والمنسوخ).
ومرض المام أحمد -رضي ال عنه -واشتد عليه المرض يوم خميس ،فتوضأ ،فلما كانت ليلة
الجمعة الثاني عشر من شهر ربيع الول سنة 241هـ ،وفي بغداد صعدت روحه إلى بارئها،
فحزن عليه المسلمون حزنًا شديدًا ،وصاح الناس ،وعل
بكاؤهم ،حتى كأن الدنيا قد ارتجت ،وامتلت السكك والشوارع ،وأخرجت الجنازة بعد انصراف
الناس من صلة الجمعة ،وشيعه ما يقرب من ست مائة ألف إنسان ،بالضافة إلى الذين صعدوا
إلى أسطح المنازل ليلقوا نظرة الوداع الخيرة على المام أحمد بن حنبل.