You are on page 1of 186

‫الدکتور محمد التيجاني السماوي‬

‫ث اهتديت‬

‫‪1‬‬
‫(‪)4‬‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫‪2‬‬
‫الهداء‬
‫كتاب متواضع ل تكلف فيه ‪ ،‬هو قصة رحلة ‪ ،‬قصة اكتشاف جديد ‪ ،‬ليس اكتشافا ف عال‬
‫الختراعات التقن ية أو الطبيع ية ‪ ،‬و ل كن ف دن يا العتقدات ف خ ضم الدارس الذهب ية و الفل سفات‬
‫الدينية ‪.‬‬
‫و لا كان الكتشاف يعتمد أول على العقل السليم و الفهم القوي الذي ميز النسان عن بقية‬
‫الخلوقي ‪.‬‬
‫فإن ن أهدي كتا ب إل كل ع قل سليم ‪ ،‬ي حص ال ق فيعر فه من ب ي رُكام البا طل ‪ ،‬و يزن‬
‫القوال بيزان العدل فيجح كفّة العقول ‪ ،‬و يقارن الكلم و الحاديث فيتبي النطقي من العسول ‪،‬‬
‫و القوي من الهزول ‪ ،‬قال تعال ‪ ... { :‬فَبَشّرْ عِبَادِ * اّلذِي نَ يَ سَْتمِعُو َن الْ َقوْ َل فَيَتّبِعُو نَ أَحْ سَنَهُ ُأ ْولَئِ كَ‬
‫اّلذِينَ َهدَا ُهمُ اللّهُ و ُأ ْولَئِكَ ُهمْ ُأ ْولُوا الَْألْبَابِ } ‪. 1‬‬
‫إل كل هؤلء أهدي كتاب هذا ‪ ،‬راجيا منه سبحانه و تعال أن يفتح بصيتنا قبل بصرنا و أن‬
‫يهدينا و ينور قلوبنا و يرينا الق حقا ل غبار عليه فنتبعه ‪ ،‬و يرينا الباطل باطل ل لُبس فيه فنجتنبه ‪،‬‬
‫و يدخلنا ف عباده الصالي إنه سيع ميب ‪.‬‬
‫ممد التيجان السماوي‬

‫سورة الزمر ( ‪ ، ) 39‬الية ‪ 17 :‬و ‪. 18‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪3‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ديباجة‬
‫المد ل رب العالي ‪ ،‬خلق النسان من سللة من طي ‪ ،‬فجعله ف أحسن تقوي ‪ ،‬و فضله‬
‫على سائر الخلوق ي ‪ ،‬و أ سجد له ملئك ته القرب ي ‪ ،‬و كرّ مه بالع قل الذي يبدل ش كه باليق ي ‪ ،‬و‬
‫ج عل له عين ي و ل سانا و شفت ي و هداه النجد ين ‪ ،‬و أر سل له ر سل مبشر ين و منذر ين لينبهوه و‬
‫ينعوه من ضللت إبليس اللعي ‪ ،‬و عهد إليه أن ل يعبد الشيطان لنه له عدو مبي ‪ ،‬و أن يعبد ال‬
‫وحده و يتبع صراطه الستقيم ‪ ،‬على بصية و إيان و علم يقي ‪ ،‬و أن ل يقلد ف عقيدته الصحاب‬
‫و القربي و الباء الولي ‪ ،‬الذين أتبعوه من قبلهم بل أدلة واضحة و ل براهي ‪ ،‬و من أحسن قول‬
‫من دعا إل ال وعمل صالا و قال إنن من السلمي ‪.‬‬
‫و صلوات ر ب و سلمه و تيا ته و بركا ته على البعوث رح ة للعال ي ‪ ،‬نا صر الظلوم ي و‬
‫ال ستضعفي ‪ ،‬و من قذ البشر ية من ضللة الاهل ي ‪ ،‬إل هدا ية الؤمن ي ال صالي ‪ ،‬سيدنا و مول نا‬
‫ممد بن عبد ال نب السلمي ‪ ،‬و قائد الغر الحجلي ‪ ،‬و على آله الطيبي الطاهرين الذين اصطفاهم‬
‫ال على سائر الخلوق ي ‪ ،‬ليكونوا قدوة الؤمن ي ‪ ،‬و منار العارف ي و عل مة ال صادقي الخل صي و‬
‫أوجب مودتم ف القرآن ( ‪) 8‬‬
‫الكري ‪ ،‬بعد أن أذهب عنهم الرجس ‪ ،‬و جعلهم من العصومي و وعد من ركب سفينتهم بالنجاة و‬
‫من تلف عنهم كان من الالكي ‪ ،‬و على أصحابه الكرام اليامي ‪ ،‬الذين نصروه و عزروه و وقروه‬
‫و باعوا أنفسيهم لنصيرة الديين ‪ ،‬و عرفوا القي فبايعوه بيقيي ‪ ،‬و ثبتوا بعده على النهاج القويي و ل‬
‫يغيوا و ل يبدلوا و كانوا من الشاكرين ‪ ،‬فجزاهم ال خيا عن السلم و السلمي ‪ .‬و على التابعي‬

‫‪4‬‬
‫لم و السائرين على هديهم إل يوم الدين ‪ .‬رب تقبل من فأنت السميع العليم ‪ ،‬و اشرح ل صدري‬
‫فأ نت الادي إل حق اليق ي ‪ ،‬و احلل عقدة من ل سان فأ نت وا هب الك مة ل ن تشاء من عبادك‬
‫الؤمني ‪ ،‬رب زدن علما و ألقن بالصالي ‪.‬‬
‫***‬

‫‪5‬‬
‫لحة وجيزة عن حيات‬
‫ل زلت أذكر كيف أخذن والدي معه إل مسجد الي الذي تقام فيه صلة التراويح ف شهر‬
‫رمضان ‪ ،‬و كان عمري عشر سنوات ‪ ،‬و قدمن إل الصلي الذين ل يفوا إعجابم ب ‪.‬‬
‫كنت أعلم منذ أيام إن الؤدّب ‪ 1‬رتب المور لكي أشفع ‪ 2‬بالماعة ليلتي أو ثلثا ‪ ،‬و جرت‬
‫العادة أن أصلي خلف الماعة مع مموعة من أطفال الي و أنتظر وصول المام إل النصف التال من‬
‫القرآن الكري أي إل سورة مري ‪ ،‬و با أن والدي حرص على تعليمنا القرآن ف الكتّاب ‪ 3‬و ف البيت‬
‫خلل حصص ليلية يقوم با إمام الامع و هو من أقاربنا مكفوف البصر يفظ القرآن الكري ‪ ،‬و با‬
‫أ ن حف ظت الن صف ف تلك ال سن البكرة أراد الؤدب أن يظ هر فضله و اجتهاده من خلل فعلم ن‬
‫موا قع الركوع من التلوة و راجع ن عدة مرات ليتأ كد من فه مي ‪ . . .‬ب عد نا حي ف المتحان و‬
‫إناء الصلة و التلوة بالماعة على أحسن ما كان يتوقع والدي و الؤدّب ‪ ،‬انال علي الميع مقبلي‬
‫و معجيبي ( ‪ ) 10‬و شاكريين العلم الذي علّمني و مهنئيي والدي و الكيل يميد ال على نعمية‬
‫السلم " و بركات الشيخ " ‪.‬‬
‫و عشت أياما سوف لن تحى من ميلت لا لقيته بعد ذلك الدث من إعجاب و شهرة تعدت‬
‫حارت نا إل كل الدي نة و طبعت تلك الليال الرمضان ية ف حيا ت طاب عا دين يا بق يت آثاره حت اليوم ‪،‬‬
‫ذلك أ ن كل ما اختل طت عليّ ال سبل أح سست بقوة خار قة تشد ن و ترجع ن إل الادة ‪ ،‬و كل ما‬
‫شعرت بضعيف الشخصيية و تفاهية الياة رفعتني تلك الذكريات إل أعلى الدرجات الروحيية ‪ ،‬و‬
‫أوقدت ف ضميي شعلة اليان لتحمل السؤولية ‪.‬‬
‫و كأن تلك ال سؤولية ال ت حلني ها والدي أو بالحرى مؤد ب لما مة الما عة ف تلك ال سن‬
‫البكرة جعلت ن أش عر دائ ما بأن ن مق صر عن أن أكون ف ال ستوى الذي أط مح إل يه أو على ال قل‬
‫الستوى الذي طلب من ‪ .‬لذلك قضيت طفولت و شباب ف استقامة ن سبية ل تلو من ل و و عبث‬

‫الؤدّب ‪ :‬هو معلم القرآن ‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫أشفع ‪ :‬أصلي التراويح ‪ ،‬سيت صلة التراويح للستراحة بي كل ركعتي ‪ ،‬و سيت أيضا صلة الشفاع لنا تشفع‬ ‫‪2‬‬

‫يوم القيامة لن يقيمها ‪ ،‬كما يروي أهل السنة ‪.‬‬


‫الكتّاب ‪ :‬هي الدرسة القرآنية الت يتعلم فيها الطفال حفظ القرآن الكري ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪6‬‬
‫يسودها ف معظم الحيان الباءة و حب الطلع و التقليد ‪ ،‬توطن العناية اللية لكون متميزا من‬
‫بي أخوت بالرصانة و الدوء و عدم النزلق ف العاصي و الوبقات ‪.‬‬
‫و ل يفوتن أن أذكر أن والدت رحها ال كان لا الثر الكبي ف حيات ‪ ،‬فقد فتحت عين و‬
‫هي تعلمن قصار السور من القرآن الكري كما تعلمن الصلة و الطهارة و قد اعتنت ب عناية فائقة‬
‫لن ابنها الول ‪ ،‬و هي ترى إل جانبها ف نفس البيت ضرتا الت سبقتها منذ سنوات عديدة و لا‬
‫من الولد من يقارب سنها ‪ ،‬فكانت تتسلى بتربيت و تعليمي و كأنا تتبارى ف سباق مع ضرتا و‬
‫أبناء زوجها ‪.‬‬
‫ك ما أن ا سم التيجا ن الذي ستن به والد ت له ميزة خا صة لدى عائلة ال سماوي كل ها ال ت‬
‫اعتنقت الطريقة التيجانية و تبنّتها منذ أن زار أحد أبناء الشيخ سيدي أحد التيجان مدينة قفصة قادما‬
‫من الزائر و نزل ف دار ال سماوي فاعت نق كثي من أهال الدي نة خ صوصا العائلت العلمية و الثر ية‬
‫هذه الطريقة الصوفية ( ‪ ) 11‬و روجوا لا ‪ ،‬و من أجل إسي أصبحت مبوبا ف دار السماوي الت‬
‫يسكنها أكثر من عشرين عائلة و كذلك خارجها من لم صلة بالطريقة التيجانية ‪ ،‬لذلك كان كثي‬
‫مين شيوخ الصيلي الذيين حضروا تلك الليال الرمضانيية التي ذكرتاي يقبلون رأسيي و يدي مهنئيي‬
‫والدي قائلي له ‪:‬‬
‫" هذا ف يض من بركات سيدنا الش يخ أح د التيجا ن " و الد ير بالذ كر أن الطري قة التيجان ية‬
‫انتشرت بكثرة في الغرب و الزائر و تونيس و ليبييا و السيودان و مصير و أن معتنقيي هذه الطريقية‬
‫متعصبون نوعا ما ‪ ،‬فهم ل يزورون مقامات الولياء الخرين و يعتقدون بأن كل الولياء قد أخذوا‬
‫عن بعضهم بالتسلسل ما عدا الشيخ أحد التيجان فقد أخذ علمه مباشرة عن رسول ال ( صلى ال عل يه و‬

‫آله ) رغم تأخره عن زمن النبوة بثلثة عشر قرنا ‪ ،‬و يروون بأن الشيخ أحد التيجان كان يدث بأن‬
‫ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) جاءه يق ظة ل منا ما ‪ ،‬ك ما يقولون بأن ال صلة الكاملة ال ت ألف ها شيخ هم‬
‫أفضل من أربعي ختمة من القرآن الكري ‪.‬‬
‫و حت ل نرج عن الختصار نقف عند هذا الد من التعريف بالتيجانية و لنا عودة إليهم إن‬
‫شاء ال ف موضع آخر من هذا الكتاب ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫و نشأت و ترعر عت على هذا العتقاد كغيي من شبان البلد فكل نا م سلمون ب مد ال من‬
‫أهل السنة و الماعة و كلنا على مذهب المام مالك بن أنس إمام دار الجرة غي أننا منقسمون ف‬
‫الطرق الصوفية الت كثرت ف شال أفريقيا ففي مدينة قفصة وحدها هناك التيجانية ‪ ،‬و القادرية ‪ ،‬و‬
‫الرحانيية ‪ ،‬و السيلمية ‪ ،‬و العيسياوية و لكيل مين هذه الطرق أنصيار و أتباع يفظون قصيائدها و‬
‫أذكارهيا و أورادهيا التي تقام في الفلت و السيهرات بناسيبة عقيد القران أو التان أو النجاح أو‬
‫النذور و ر غم ب عض ال سلبيات ف قد لع بت هذه الطرق دورا كبيا ف الفاظ على الشعائر الدين ية و‬
‫احترام الولياء و الصالي ‪.‬‬

‫الج إل بيت ال الرام‬


‫كان عمري ثان ية ع شر عا ما عند ما واف قت المع ية القوم ية للكشا فة التون سية على انتدا ب‬
‫للمشار كة ف الؤت ر الول للكشا فة العرب ية و ال سلمية الذي أق يم ف م كة الكر مة ض من ممو عة‬
‫تتكون من ستة أشخاص من كامل المهورية التونسية ‪ ،‬و وجدت نفسي أصغر أعضاء البعثة سنا و‬
‫أقلهيم ثقافية إذ كان اثنان منهميا مين مدراء الدارس و الثالث أسيتاذا بالعاصيمة و الرابيع يعميل في‬

‫‪8‬‬
‫الصحافة و الامس ل أعرف وظيفته غي أن علمت أنه أحد أقرباء وزير التربية القومية ف ذلك العهد‬
‫‪.‬‬
‫كانت رحلتنا بطريق غي مباشر ‪ ،‬فقد نزلنا ف أثينا عاصمة اليونان حيث أمضينا فيها ثلثة أيام‬
‫‪ ،‬و منها إل عمان عاصمة الردن الت مكثنا فيها أربعة أيام وصلنا بعدها إل السعودية حيث شاركنا‬
‫ف الؤتر و أدينا مناسك الج و العمرة ‪.‬‬
‫كان شعوري و أنا أدخل بيت ال الرام لول مرة ل يتصور و كان قلب كأنه يطم الضلع‬
‫‪ -‬الت توطه ‪ -‬بدقاته العنيفة يريد الروج ليى بعينه هذا البيت العتيق الذي طالا كان يلم به ‪ ،‬و‬
‫فاضت الدموع حت ظننت أنا لن تتوقف ‪ ،‬و خيل إل أن اللئكة ‪ -‬تملن فوق الجيج لصل إل‬
‫سطح الكعبية الشر فة و ألبّيي نداء ال مين هناك " لب يك اللهيم لبييك هذا عبدك جاء إل يك " و قيد‬
‫استنتجت و أنا أسع تلبية الجيج أن هؤلء قضوا أعمارهم و هم يتجهزون و يعدون العدة و يمعون‬
‫الموال للمج يء أ ما أ نا فكان ميئي مفاجئا على غ ي ا ستعداد م ن ‪ ،‬و أذ كر أن والدي عند ما رأى‬
‫تذاكر الطائرة و تيقن من سفري إل الج بكى و هو يقبلن مودعا قائل ‪ " :‬هنيئا لك يا بن لقد أراد‬
‫ال أن تج قبلي و أنت ف هذه السن ‪ ،‬فأنت ولد سيدي أحد التيجان أدع ال ل ف بيته أن يتوب‬
‫علي ويرزقن حج بيته الرام " ‪.‬‬
‫لذلك ظننيت أن ال هيو الذي ناداني و أحاطني بعنايتيه و أوصيلن إل ذلك القام الذي توت‬
‫النفس دون الوصول إليه حسرة و رجاء ‪ ،‬فمن أحق بالتلبية من فكنت أبالغ ف الطواف و الصلة و‬
‫السعي و حت ف شرب ماء زمزم ‪ ،‬و الصعود إل البال حيث تتسابق الوفود للوصول إل غار حراء‬
‫فوق جبل النور فلم يسبقن إليه غي شاب سودان فكنت " ثان اثني " و ترغت فيه و كأن أترغ ف‬
‫ح جر الر سول الكرم و أ شم أنفا سه ‪ ،‬يا ل ا من صور و ذكريات تر كت ف نف سي أثرا عمي قا لن‬
‫يحى أبدا ! ! ‪.‬‬
‫عنا ية ربان ية أخرى جعلت كل من يرا ن من الوفود يب ن و يطلب عنوا ن للمرا سلة ‪ ،‬و قد‬
‫أحبن رفاقي الذ ين احتقرون ف أول لقاء جعنا ف تونس العاصمة لترتيب السفر و أحسست ذلك‬
‫منهم و صبت لعلمي مسبقا بأن أهل الشمال يتقرون أهل النوب و يعتبونم متخلفي ‪ ،‬و سرعان‬
‫ما تغيت نظرتم خلل السفر و الؤتر و الج ‪ ،‬و قد بيضت وجوههم أمام الوفود با كنت أحفظه‬

‫‪9‬‬
‫من أشعار و ق صائد و ب ا أحرز ته من جوائز ف ال سابقات ال ت أقي مت بالنا سبة ‪ ،‬و قد عدت إل‬
‫بلدي و معي أكثر من عشرين عنوانا لصدقاء من متلف النسيات ‪.‬‬
‫كا نت إقامت نا ف ال سعودية خ سة و عشر ين يو ما ك نا نلت قي في ها بعلماء و ن ستمع إلي هم ف‬
‫ماضراتمي ‪ ،‬و قيد تأثرت ببعيض العتقدات الوهابيية التي أعجبيت باي و تنييت أن يكون السيلمون‬
‫عليها ‪ ،‬و ظننت ف تلك الفترة أن ال اصطفاهم من بي العباد لراسة بيته الرام فهم أطهر و أعلم‬
‫خلق ال على و جه الرض و قد أغنا هم ال بالبترول ليتمكنوا من خد مة الج يج ضيوف الرح ن و‬
‫ال سهر على سلمتهم ‪.‬و ع ند رجو عي من ال ج إل بلدي ك نت مرتد يا اللباس ال سعودي بالعقال و‬
‫فوجئت بالستقبال الذي أعده ل والدي ‪ ،‬فكانت جوع من الناس متشدة ف الحطة يتقدمهم شيخ‬
‫الطريقة العيساوية و شيخ التيجانية و شيخ القادرية بالطبول و البنادير ‪. 1‬‬
‫و طافوا ب شوارع الدي نة مهلل ي و م كبين و كل ما مرر نا ب سجد أوقفو ن على عتب ته ب عض‬
‫الوقت ‪ ،‬و الناس من حول يتسابقون لتقبيلي و خصوصا الشيوخ السني كانوا يلثمونن و هم يبكون‬
‫شوقا لرؤية بيت ال و الوقوف على قب رسوله و هم ل يعتادوا رؤية حاج ف مثل عمري كما ل يروا‬
‫هذا ف قفصة قبلي ‪.‬‬
‫و عشت أسعد أيام حيات ف ذلك الوقت و قد جاء إل بيتنا أشراف الدينة و كباؤها يسلمون‬
‫مهنئي وداعي ‪ ،‬و كثيا ما كان يطلب من قراءة الفاتة مع الدعاء بضرة والدي فكنت أخجل حينا‬
‫و أتشجع أحيانا ‪ ،‬و كانت والدت ف كل مرة تدخل بعد خروج الزائرين لطلق البخور و التعاويذ‬
‫لمايت من شر الاسدين ‪ ،‬و دفع كيد الشياطي ‪.‬‬
‫و أقام والدي ثلث ليال متواليات للحضرة التيجانية يذبح ف كل يوم كبشا للوليمة ‪ .‬و كان‬
‫الناس يسألونن عن كل كبية و صغية ‪ ،‬و كانت أجوبت كلها تنطوي على الكثي من العجاب و‬
‫الطراء للسعوديي و ما يقومون به لنشر السلم و نصرة السلمي ‪.‬‬
‫و لقب ن سكان الدي نة " بالاج " فإذا أطلق هذا ال سم ل ين صرف إل إل ‪ ،‬و أ صبحت ب عد‬
‫ذلك معروفا أكثر ‪ ،‬و خصوصا ف الوساط الدينية كجماعة الخوان السلمي ‪ ،‬فكنت أطوف ف‬
‫الساجد و أني الناس عن تقبيل الضرحة و التمسح بالخشاب ‪ ،‬و أحاول جهدي إقناعهم بأن ذلك‬
‫البنادير ‪ :‬مفرده بندير و هو طبل مثل الدف يستعمله الصوفية للمدائح و الذكار و الشطح ‪ ،‬و يقال أن سيدي عبد‬
‫‪1‬‬

‫السلم السر أول من استعمله و قد نزل بنديره من السماء ؟ ! ‪.‬‬


‫‪10‬‬
‫شرك بال ‪ ،‬و أزداد نشا طي تو سعا فك نت أل قي الدروس الدين ية ف ال ساجد يوم الم عة ق بل خط بة‬
‫المام و أتنقل من جامع أب يعقوب إل الامع الكبي ‪ ،‬لن صلة المعة تقام فيهما ف أوقات متلفة‬
‫بينما تصلى الول وقت الظهر تقام الثانية وقت العصر و كثيا ما كان يضر تلك اللقات الت أقيمها‬
‫يوم ال حد أغلب تلم يذ الع هد الثانوي الذي أدرس ف يه مادة التكنولوج يا و البادئ التقن ية ‪ ،‬و كانوا‬
‫يعجبون لذا و يزدادون ح با و تقديرا ل ن أعطيتهم من وقت الكثي لزيح عن أفكار هم تلك الغيوم‬
‫ال ت لبد ها ب عض أ ساتذة الفل سفة اللحد ين و الادي ي و الشيوعي ي و ما أكثر هم ! ‪ ،‬فكانوا ينتظرون‬
‫بفارغ ال صب مو عد تلك اللقات الدين ية و من هم من يأ ت إل الب يت ‪ ،‬ف قد اشتر يت ب عض الك تب‬
‫الدينية و التهمتها بالطالعة حت أكون ف مستوى الجابة عن السئلة الختلفة و ف تلك السنة الت‬
‫حججت فيها ملكت أيضا نصف دين ‪ ،‬فقد رغبت والدت رحها ال ف تزويي قبل موتا ‪ ،‬و هي‬
‫الت ربت كل أولد زوجها و حضرت زواجهم فكانت أمنيتها أن تران عريسا ‪ ،‬و قد أعطاها ال ما‬
‫تتمن و أط عت أمر ها ف الزواج من فتاة ل أرها من ق بل ‪ ،‬و حضرت ميلد إب ن الول و الثان ‪ ،‬و‬
‫فارقت الياة و هي عن راضية كما سبقها والدي رحه ال قبل عامي و قد حج بيت ال الرام و‬
‫تاب توبة نصوحا قبل وفاته بعامي ‪.‬‬
‫و نحت الثورة الليبية ف تلك الظروف الت يعان فيها السلمون و العرب من هزية النكبة ف‬
‫حربم ضد إسرائيل و طلع علينا ذلك الشاب قائد الثورة و هو يتكلم بإسم السلم و يصلي بالناس‬
‫ف ال سجد و ينادي بتحر ير القدس ‪ ،‬و قد ا ستهوان ك ما ا ستهوى أغلب الشباب ال سلم ف البلد‬
‫العربية و السلمية ‪ ،‬و دفعنا حب الطلع إل تنظيم رحلة ثقافية إل ليبيا و جعنا أربعي رجل من‬
‫رجال التعليم حيث قمنا بزيارة إل القطر الشقيق ف بداية الثورة ‪ ،‬و رجعنا من هناك معجبي با رأينا‬
‫مستبشرين بالستقبل الذي رجونا أن يكون ف صال المة العربية و السلمية ف كل العمورة ‪.‬‬
‫طوال السنوات النصرمة كانت الرسائل مع بعض الصدقاء متواصلة و الشواق متزايدة ‪ ،‬و قد‬
‫توطدت علق ت مع ن بة من هم ألوا علي أن أزور هم ‪ ،‬فأعددت العدة و رت بت المور للقيام برحلة‬
‫طويلة تستغرق عطلة الصيف الت تدوم ثلثة أشهر ‪ ،‬و كان التخطيط ير بليبيا عن طريق الب ث إل‬
‫مصر و منها إل لبنان عب البحر ث إل سوريا و الردن فالسعودية ‪ ،‬و هي القصودة لداء العمرة و‬

‫‪11‬‬
‫تديد العهد مع الوهابية الت روجت لا كثيا ف أوساط الشباب الطالب و ف الساجد الت يكثر فيها‬
‫الخوان السلمون ‪.‬‬
‫و تعدت شهرت حدود مدينت إل مدن أخرى ماورة ‪ ،‬فقد ير السافر فيصلي المعة و يضر‬
‫تلك الدروس و يتحدث با ف متمعه ‪ ،‬و وصل الديث إل الشيخ إساعيل الادف صاحب الطريقة‬
‫الصوفية العروفة بدينة توزر عاصمة الريد ‪ ،‬و مسقط رأس أب القاسم الشاب الشاعر العروف ‪.‬‬
‫و هذا الشيخ له أتباع و مريدون ف كامل المهورية التونسية و خارجها ف الوساط العمالية‬
‫بفرنسا و ألانيا ‪.‬‬
‫و جاءتني منيه دعوة لزيارتيه ‪ ،‬عين طرييق وكلئه في قفصية الذيين كتبوا إل رسيالة طويلة‬
‫يشكرونن فيها على ما أقوم به لدمة السلم و السلمي و يدعون أن ذلك ل يقربن من ال قيد أنلة‬
‫ما ل ي كن عن طر يق ش يخ عارف ‪ ،‬و على الد يث الشهور عند هم " من ل ي كن له ش يخ فشي خه‬
‫الشيطان " و يقولون أيضا ‪ " :‬ل بد لك من شيخ يريك شخوصها و إل فنصف العلم عندك ناقص "‬
‫و بشرو ن بأن " صاحب الزمان " و يقصدون به الش يخ إساعيل قد اصطفان من ب ي الناس لكون‬
‫من خاصة الاصة ‪.‬‬
‫و طار قلب فرحا لذا الب و بكيت تأثرا لذه العناية الربانية الت ما زالت ترفعن من مقام سام‬
‫إل ما هو أسى و من حسن إل ما هو أحسن ‪ ،‬لنن اتبعت ف ما مضى من حيات سيدي الادي‬
‫الفيان و هيو شييخ متصيوف يكيى ع نه عدة كرامات و خوارق و صيرت مين أعيز أحبائه ‪ ،‬كميا‬
‫صاحبت سيدي صال بالسائح و سيدي اليلن و غيهم من أهل الطرق العاصرين و انتظرت ذلك‬
‫اللقاء بفارغ الصيب ‪ ،‬و لاي دخلت بييت الشييخ كنيت أتفرس الوجوه بلهفية و كان الجلس مليئا‬
‫بالريدين و فيهم مشايخ يرتدون لباسا ناصع البياض ‪ ،‬و بعد مراسم التحية خرج علينا الشيخ إساعيل‬
‫و قام الم يع يقبلون يده بإحترام فائق ‪ ،‬و غمز ن الوك يل بأن الش يخ هو ذا ‪ ،‬فلم أ بد حا سا لن ن‬
‫كنت منتظرا غي الذي رأيت و قد كنت رست له صورة خيالية حسب الكرامات و العجزات الت‬
‫ر سخها ف ذه ن وك يل الش يخ و أتبا عه ‪ ،‬و رأ يت شي خا عاد يا ل يس ف يه وقار و ل هي بة ‪ ،‬و خلل‬
‫الجلس قدمن الوكيل إليه فرحب ب وأجلسن على يينه و قدم إل الطعام ‪ ،‬و بعد الكل و الشرب‬
‫بدأت الضرة ‪ ،‬و قدمن الوكيل من جديد لخذ العهد و الورد من الشيخ ‪ ،‬و هنأن الميع بعد ذلك‬

‫‪12‬‬
‫معانق ي و مبارك ي ‪ ،‬و فه مت من خلل حديث هم بأن م ي سمعون ع ن الكث ي ‪ ،‬و قد دفع ن هذا‬
‫العجاب إل أن أعترض على بعيض أجوبية الشييخ التي كان يلقيهيا على السيائلي ‪ ،‬و أعلل رأييي‬
‫بالقرآن و السنة ‪ ،‬و استاء بعض الاضرين من هذا التطفل و اعتبوه سوء أدب ف حضرة الشيخ ‪ ،‬و‬
‫قد اعتادوا أن ل يتكلموا بضرته إل بإذنه ‪ ،‬و أحس الشيخ برج الالسي فأزاح تلك السحابة بلباقة‬
‫و أعلن قائل ‪ " :‬من كا نت بداي ته مر قة تكون ناي ته مشر قة " و اع تب الاضرون هذا و ساما من‬
‫حضرته و سوف يكون أكب ضمان لنهايت الشرقة و هنأون بذلك ‪ ،‬و ل كن ش يخ الطريقة ذكي و‬
‫مدرب ل يترك ل الجال مفتوحا لواصلة هذا التطفل الزعج و روى لنا قصة أحد العارفي بال عندما‬
‫جلس ف حلق ته ب عض العلماء ‪ ،‬فقال له ‪ :‬قم فاغت سل ‪ ،‬و ذ هب العال و اغت سل و جاء ليجلس ف‬
‫الل قة فقال له ثان ية ‪ :‬قم فاغت سل ‪ ،‬و ذ هب العال و عاود الغ سل كأح سن ما يكون ظ نا م نه بأن‬
‫الغ سل الول ل ي كن على الو جه ال صحيح ‪ ،‬و جاء ليجلس فانتهره الش يخ العارف و أمره بالغت سال‬
‫من جديد فبكى العال و قال له ‪ :‬يا سيدي لقد اغتسلت من علمي و من عملي و ل يبق عندي إل ما‬
‫يفتح ال به على يديك ‪.‬‬
‫عند ذلك قال له العارف ‪ ،‬الن اجلس ‪.‬‬
‫و عرفت بأن أنا القصود من هذه القصة كما عرف ذلك الاضرون الذين لمون بعد خروج‬
‫الشييخ للسيتراحة و أقنعوني بالسيكوت و لزوم الحترام بضرة الشييخ صياحب الزمان لئل تبيط‬
‫صوَاتَ ُك ْم َفوْ قَ صَوْتِ النّبِيّ َولَا‬
‫أعمال م ستدلي بال ية الكري ة ‪ { :‬يَا أَيّهَا الّذِي نَ آمَنُوا لَا تَ ْرفَعُوا أَ ْ‬
‫جهَرُوا لَهُ بِالْ َقوْلِ َكجَهْرِ بَ ْعضِ ُكمْ لِبَعْضٍ أَن َتحَْبطَ أَ ْعمَالُكُمْ وَأَنُتمْ لَا َتشْعُرُونَ } ‪ 1‬صدق ال العظيم ‪.‬‬
‫َت ْ‬
‫و عرفت قدري و امتثلت للوامر و النصائح ‪ ،‬و قربن الشيخ منه أكثر ‪ ،‬و أقمت عنده ثلثة‬
‫أيام كنت أسأل خللا أسئلة عديدة بعضها للختبار و كان الشيخ يعرف ذلك من فيجيبن قائل بأن‬
‫للقرآن ظاهرا و باط نا إل سبعة أب طن ك ما ف تح ل خزان ته و أطلع ن على كرا سه الاص و الذي ف يه‬
‫سلسلة الصالي و العارفي مسندة و متصلة منه إل أب السن الشاذل مرورا بعدة أولياء مذكورين‬
‫إل أن ي صل ال سند إل المام علي بن أ ب طالب كرم ال وج هه و ر ضي ال ع نه ‪ .‬و ل يفوت ن أن‬
‫أذ كر ه نا بأن اللقات ال ت يقيمون ا كا نت روح ية إذ يفتتح ها الش يخ بقراءة ما تي سر من كتاب ال‬

‫سورة الجرات ( ‪ ، ) 49‬الية ‪. 2 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪13‬‬
‫الجييد تلوة و تويدا ثي بعيد فراغيه يبدأ بطلع القصييدة و يتبعيه الريدون الذيين يفظون الدائح و‬
‫الذكار و أكثر ها ذم للدن يا و ترغ يب ف الخرة و في ها ز هد و ورع ب عد ذلك يع يد الر يد الول‬
‫الالس على يي الشيخ قراءة ما تيسر من القرآن و عندما يقول صدق ال العظيم يبدأ الشيخ مطلعا‬
‫مين قصييدة جديدة و يشارك المييع في إنشادهيا و هكذا يتناوب الاضرون و لو بآيية واحدة‬
‫يشاركون باي إل أن يأخيذ الال الاضريين فيتمايلون يينيا و شال على رنات تلك الدائح إل أن‬
‫ينهض الشيخ و ينهض معه الريدون فتكون حلقة هو قطبها و يبدؤون بذكر إسم الصدر قائلي آه ‪.‬‬
‫آه ‪ .‬آه ‪ .‬آه ‪ .‬و الش يخ يدور و سطهم متوج ها ف كل مرة إل وا حد من هم ح ت ي مى الوط يس و‬
‫تصيبح الركات و الشطحات شبيهية بدق الطبول و يقفيز البعيض في حركات جنونيية و ترتفيع‬
‫ال صوات ف نغ مة من سقة و لكن ها مزع جة إل أن يعود الدوء ب عد عناء و ت عب ‪ ،‬بق صيدة ختام ية‬
‫للشييخ فيجلس المييع بعيد ميا قبّلوا رأس الشييخ و أكتافيه بالتداول ‪ ،‬و قيد شاركتهيم بعيض هذه‬
‫الشطحات ماكيا لم ف غي قناعة من و وجدت نفسي متناقضا مع العقيدة الت تبنيتها و هي عدم‬
‫الشراك أي عدم التوسيل بغيي ال فسيقطت على الرض جاهشيا بالبكاء متحيا مشتتيا بيي تياريين‬
‫متناقضي ‪ ،‬تيار الصوفية و هي أجواء روحية يعيشها النسان فتمل أعماقه بشعور الرهبة و الزهد و‬
‫التقرب إل ال عن طريق أوليائه الصالي و عباده العارفي ‪ ،‬و تيار الوهابية الذي علمن أن ذلك كله‬
‫شرك بال ‪ ،‬و الشرك ل يغفره ال ‪.‬‬
‫و إذا كان ممد رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪ ،‬ل ينفع و ل يتوسل به إليه سبحانه فما قيمة هؤلء‬
‫الولياء و الصالي بعده ؟ ! ‪.‬‬
‫و بالر غم من الن صب الد يد الذي ن صبن ف يه الش يخ ‪ ،‬إذ أ صبحت وكيله ف قف صة ل أ كن‬
‫مقتنعا كليا ف داخلي و إن كنت أميل أحيانا إل الطرق الصوفية ‪ ،‬و أشعر دائما أن أكن لا احتراما‬
‫و مهابة من أجل أولياء ال و الصالي من عباده ‪ ،‬و لكن أكابر و أجادل متجا بقوله تعال ‪َ { :‬ولَا‬
‫َتدْ عُ مَ عَ اللّ هِ ِإلَهًا آخَرَ لَا ِإلَ هَ ِإلّا ُهوَ ‪ 1 } ...‬و إذا قال ل قائل أن ال تعال يقول ‪ { :‬يَا أَيّهَا اّلذِي نَ‬
‫آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ ِإلَيهِ اْلوَسِيلَةَ ‪ 2 } ...‬أرد عليه بسرعة كما علمن علماء السعودية " الوسيلة هي‬

‫سورة القصص ( ‪ ، ) 28‬الية ‪. 88 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الائدة ( ‪ ، ) 5‬الية ‪. 35 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪14‬‬
‫العمل الصال " ‪ ،‬و الهم أنن عشت تلك الفترة مضطربا مشوش الفكر ‪ ،‬و قد يتوافد علي ف بيت‬
‫بعض الريدين فنحيي سهرات منتظمة و نقيم العمارة ‪. 3‬‬
‫و بدأ اليان يتذمرون من الصوات الزعجة الت تبعث من حناجرنا بذكر ( آه ) ‪ ،‬و لكنهم‬
‫ل ياهرون ل بذلك غ ي أن م يشتكون لزوج ت عن طر يق ن سائهم ‪ ،‬و ل ا عل مت بذلك طل بت من‬
‫الجمو عة أن يقيموا اللقات ف أ حد منازل م ‪ ،‬و اعتذرت بأن ن سوف أ سافر إل الارج لدة ثل ثة‬
‫أشهر ‪ . . .‬و ودعت الهل و القارب و قصدت رب متوكل عليه ‪ .‬ل أشرك به شيئا ‪.‬‬
‫***‬

‫العمارة ‪ :‬هي اللقة الت يذكر فيها إسم الصدر ف شطحات منتظمة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪15‬‬
‫( ‪) 21‬‬

‫الرحلة الوفقة‬

‫ف مصر‬
‫ل ت طل إقام ت ف طرابلس عا صمة ليب يا إل بقدر ما ح صلت على تأشية من ال سفارة ال صرية‬
‫للدخول إل أرض الكنانة ‪.‬‬
‫و قد التقيت بعض أصدقائي هناك فأعانون شكر ال سعيهم ‪ ،‬و ف طريقي إل القاهرة و هو‬
‫طر يق طو يل يدوم ثل ثة أيام بلياليها ك نت ف سيارة أجرة جعتن بأرب عة م صريي عامل ي ف ليب يا و‬
‫عائد ين إل وطن هم ‪ ،‬و خلل ال سفر ك نت أحدث هم و أقرأ ل م القرآن فأحبو ن و دعا ن كل من هم‬
‫للنول عنده ‪ ،‬و تيت من بين هم من ارتا حت نف سي إل يه لور عه و تقواه إ سه أح د و أول ن من‬
‫الضيا فة و القبول ما هو أ هل له جزاه ال ‪ ،‬و أمض يت عشر ين يو ما بالقاهرة زرت خلل ا الو سيقار‬
‫فر يد الطرش ف عمار ته على الن يل ف قد ك نت معج با به ل ا قرأت عن أخل قه و تواض عه ف ملت‬
‫م صرية تباع عند نا ف تو نس ‪ ،‬و ل ي كن ح ظي م نه سوى عشر ين دقي قة ل نه كان خار جا للمطار‬
‫ليسافر إل لبنان ‪ ،‬و زرت الشيخ عبد الباسط ممد عبد الصمد الجود الشهي و كنت معجبا به أشد‬
‫العجاب ‪ ،‬بقيت معه ثلثة أيام كان النقاش خللا مع أقاربه و أصدقائه ف مواضيع متعددة و كانوا‬
‫يعجبون لماسي و صراحت و كثرة إطلعي ‪ ،‬فإذا تدثوا عن الفن غنيت و إذا تدثوا عن الزهد و‬
‫التصوف ذكرت لم أن من الطريقة التيجانية و الدنية أيضا ‪ ،‬و إذا تدثوا عن الغرب حكيت لم عن‬
‫باريس و لندن و بلجيكا و هولندا و إيطاليا و أسبانيا الت زرتا خلل العطل الصيفية ‪ ،‬و إذا تدثوا‬
‫عن الج فاجأتم بأن حججت و إن ذاهب إل العمرة و حكيت لم عن أماكن ل يعرفها حت الذي‬
‫حيج سيبع مرات كغار حراء و غار ثور و مذبيح إسياعيل ‪ ،‬و إذا تدثوا عين العلوم و الختراعات‬
‫شفيت غليلهم بالرقام و الصطلحات و إذا تدثوا عن السياسة أفحمتهم با عندي من آراء قائل ‪" :‬‬
‫رحم ال الناصر صلح الدين اليوب الذي حرم على نفسه التبسم فضل عن الضحك ‪ ،‬و عندما لمه‬
‫الناس القربون إليه و قالوا له ‪ :‬كان رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ل يرى إل باسم الثغر ‪ ،‬أجابم ‪ :‬كيف‬

‫‪16‬‬
‫تريدون م ن أن أتب سم و ال سجد الق صى يتله أعداء ال ‪ ،‬ل و ال لن أتب سم ح ت أحرره أو اهلك‬
‫دون ذلك " ‪.‬‬
‫و كان شيوخ من الزهر يضرون تلك اللسات و يعجبون لا أحفظ من أحاديث و آيات و‬
‫ما أملكه من حجج دامغة فكانوا يسألونن عن الامعة الت ترجت فيها ‪ ،‬فأفخر بأن من خريى‬
‫جام عة الزيتو نة و هي تأ سست ق بل الز هر الشر يف ‪ ،‬و أض يف بأن الفاطمي ي الذي أ سسوا الز هر‬
‫انطلقوا من مدينة الهدية بتونس ‪.‬‬
‫كذلك تعرفت ف جامعة الزهر الشريف على العديد من العلماء الفاضل الذين أهدون بعض‬
‫الكتب ‪ ،‬و كنت يوما ما ف مكتب أحد السؤولي عن شؤون الزهر ‪ ،‬إذ أقبل أحد أعضاء ملس‬
‫قيادة الثورة الصيرية و دعاه لضور تميع السيلمي و القباط في أكيب الشركات الصيرية للسيكك‬
‫الديدية بالقاهرة ‪ ،‬على أثر أعمال تريبية وقعت بعد حرب حزيران فأب أن يذهب إل و أنا معه ‪ ،‬و‬
‫جلست ف منصة الشرف بي العال الزهري و الب شنودة ‪ ،‬و طلبوا من إلقاء كلمة ف الاضرين‬
‫ففعلت بكل سهولة لا تعودته من إلقاء الحاضرات ف الساجد و اللجان الثقافية ف بلدي ‪.‬‬
‫و الهم من كل ما حكيته ف هذا الفصل ‪ ،‬هو أن شعوري بدأ يكب و ركبن بعض الغرور و‬
‫ظننت فعل بأنن أصحبت عالا ‪ ،‬كيف ل و قد شهد ل بذلك علماء الزهر الشريف و منهم من قال‬
‫ل ‪ :‬يب أن يكون مكانك هنا ف الزهر ‪ ،‬و ما زادن فخرا و اعتزازا بالنفس ‪ ،‬أن رسول ال ( صلى ال‬

‫علييه و آله ) أذن ل ف الدخول لرؤ ية ملفا ته ‪ ،‬ح سب ما ادعاه ال سؤول عن م سجد سيدنا ال سي‬
‫بالقاهرة و قد أدخلن منفردا إل حجرة ل تفتح إل إذا فتحها هو ‪ ،‬و أغلق الباب خلفي و فتح الزانة‬
‫و أخرج ل قميص رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) فقبلته و أران بعض الخلفات الخرى ‪ ،‬و خرجت من‬
‫عنده باكيا متأثرا على عناية الرسول ب شخصيا و خصوصا أن هذا السؤول ل يطلب من نقودا ‪ ،‬بل‬
‫امتنع و أخذ من شيئا بسيطا بعد إلاحي و هنأن مبشرا بأنن من القبولي عند حضرة الرسول الكرم‬
‫‪.‬‬
‫و رب ا أ ثر هذا الادث ف نف سي و جعل ن أف كر مل يا عدة ليال ف ما يقوله الوهابيون من أن‬
‫الرسيول مات و انتهيى أمره كغيه مين الموات ‪ ،‬فلم أرتيح لذه الفكرة بيل و تيقنيت تفاهية هذا‬
‫العتقاد ‪ ،‬فإذا كان الشهيد الذي يقتل ف سبيل ال ليس بيت بل هو حي يرزق عند ربه فكيف بسيد‬

‫‪17‬‬
‫الول ي و الخر ين ‪ ،‬و زاد هذا الشعور قوة و وضو حا ما تلقيته ف سابق حيات من تعاليم الصوفية‬
‫الذ ين يعطون لوليائ هم و شيوخ هم صلحية الت صرف و التأث ي ف مريات المور و يعترفون بأن ال‬
‫وحده هو الذي أعطا هم هذه ال صلحية لن م أطاعوه سبحانه و رغبوا ف ما عنده ‪ ،‬أ ل ي قل ف‬
‫حديث قدسي " عبدي أطعن تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون " ‪.‬‬
‫بدأ ال صراع الداخلي يتجاذب ن ‪ ،‬و أن يت إقام ت ف م صر ب عد إن ق مت خلل اليام الخية‬
‫بزيارة الساجد التعددة ‪ ،‬و صليت ف جيعها من مالك إل أب حنيفة إل مسجد الشافعي و أحد بن‬
‫حن بل ‪ ،‬ث إل ال سيدة زي نب و سيدنا ال سي ‪ ،‬ك ما زرت زاو ية التيجان ية و ل ف ذلك حكايات‬
‫طويلة يطول شرحها ‪ ،‬و قد رمت الختصار ‪.‬‬
‫***‬

‫‪18‬‬
) 26 (

19
‫لقاء ف الباخرة‬
‫و سافرت إل السكندرية ف اليوم القرر حسب حجز الكان ف الباخرة الصرية الت تسافر إل‬
‫بيوت و وجدت نفسي مرهقا متعبا جسديا و فكريا ‪ ،‬و أنا ملقى على السرير الخصص ل ‪ ،‬فنمت‬
‫قليل و كانت الباخرة قد أبرت منذ ساعتي أو ثلثة ‪ ،‬و استيقظت على صوت ماوري و هو يقول‬
‫‪ " :‬يبدو أن الخ متعب " ‪.‬‬
‫قلت ن عم أتعب ن ال سفر من القاهرة إل ال سكندرية و قد بكرت للو صول على الو عد فلم أ ن‬
‫البارحة إل قليل ‪.‬‬
‫و فهمت من لجته أنه غي مصري ‪ ،‬و دفعن فضول كعادت إل أن أتعرف عليه فعرفته نفسي‬
‫و عر فت أ نه عراقي و هو أ ستاذ ف جام عة بغداد اسه من عم ‪ ،‬و قد جاء إل القاهرة لتقد ي أطرو حة‬
‫الدكتوراه ف الزهر ‪.‬‬
‫و بدأنا الديث عن مصر و عن العال العرب و السلمي و عن هزية العرب و انتصار اليهود‬
‫و الد يث ذو شجون ‪ ،‬قلت ف معرض كل مي أن سبب الزي ة هو انق سام العرب و ال سلمي إل‬
‫دويلت و إل طوائف و مذاهيب متعددة ‪ ،‬و رغيم كثرة عددهيم فل وزن لمي و ل اعتبار في نظير‬
‫أعدائهم ‪.‬‬
‫و تكلمنا كثيا عن مصر و الصريي و كنا متفقي على أسباب الزية ‪ ،‬و أضفت بأنن ضد‬
‫هذه النقسامات الت ركزها الستعمار فينا ليسهل عليه احتللنا و إذللنا ‪ ،‬و نن ما زلنا نفرق بي‬
‫الالكية و الحناف و رويت له قصة مؤسفة وقعت ل عندما دخلت إل مسجد أب حنيفة ف القاهرة‬
‫و صليت معهم صلة العصر جاعة فما راعن بعد الصلة إل و الرجل الذي كان قائما بانب يقول ل‬
‫ف غضب " لاذا ل تكتف يديك ف الصلة " فأجبته بأدب و احترام أن الالكية يقولون بالسدل و أنا‬
‫مال كي فقال ل ‪ " :‬إذ هب إل م سجد مالك و صل هناك " فخر جت م ستاءً ناقما على هذا الت صرف‬
‫الذي زادن حية على حيت ‪.‬‬
‫و إذا بالستاذ العراقي يبتسم و يقول ل إنه هو الخر شيعي ‪.‬‬
‫فاضطر بت لذا الن بأ و قلت غ ي مبال لو ك نت أعلم أ نك شي عي ل ا تكل مت م عك ‪ ،‬قال ‪ :‬و‬
‫لاذا ؟ قلت لنكيم غيي مسيلمي فأنتيم تعبدون علي بين أبي طالب و العتدلون منكيم يعبدون ال و‬
‫‪20‬‬
‫لكن هم ل يؤمنون بر سالة ال نب م مد ( صلى ال عل يه و آله ) ‪ ،‬و يشتمون جبائ يل و يقولون بأ نه خان الما نة‬
‫فبدلً من أداء الرسالة إل علي أدّاها إل ممد ‪ ،‬و استرسلت ف مثل هذه الحاديث بينما كان مرافقي‬
‫يبتسم حينا و يوقل ‪ 1‬أحيانا ‪ ،‬و لا أنيت كلمي سألن من جديد ‪ :‬أنت أستاذ تدرس الطلب ؟‬
‫قلت ن عم ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا كان تفك ي ال ساتذة بذا الش كل فل لوم على عا مة الناس الذ ين ل ثقا فة ل م !‬
‫قلت ‪ :‬ماذا تقصيد ؟ أجاب ‪ :‬عفوا و لكين مين أيين لك هذه الدعاءات الكاذبية ؟ قلت مين كتيب‬
‫التاريخ و ما هو مشهور عند الناس كافة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لنترك الناس كافة و لكن أي كتاب تاريخ قرأت ؟ بدأت أعدد بعض الكتب مثل كتاب‬
‫فجر السلم و ضحى ال سلم و ظهر السلم لحد أمي و غيها ‪ ،‬قال ‪ :‬و مت كان أحد أمي‬
‫حجة على الشيعة ؟ و أضاف ‪ :‬إن مقتضى العدل و الوضوعية أن تتبي المر من مصادرهم الصلية‬
‫العروفة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬و ك يف ل أن أ تبي ف أ مر معروف لدى الاص و العام ‪ ،‬قال ‪ :‬إن أح د أم ي نف سه‬
‫زار العراق و كنت من بي الساتذة الذين التقوا به ف النجف و عندما عاتبناه على كتاباته عن الشيعة‬
‫اعتذر قائل ‪ :‬إن ل أعلم عنكم أي شيء و أن ل أتصل بالشيعة من قبل و هذه أول مرة ألتقي فيها‬
‫بالشيعة ‪.‬‬
‫قلنا له رب عذر أقبح من ذنب فكيف ل تعرف عنا إي شيء و مع ذلك تكتب عنا كل شيء‬
‫قبيح ؟ ! ث أضاف قائل ‪:‬‬
‫يا أ خي ن ن إذا حكم نا ب طأ اليهود و الن صارى من خلل القرآن الكر ي و هو عند نا ال جة‬
‫البال غة فموقف نا ضع يف لن م ل يعترفون به ‪ ،‬و تكون ال جة أقوى و أبلغ عند ما نبي خطأ هم من‬
‫خلل كتبهم الت يعتقدونا ‪ ،‬و ذلك من باب " و شهد شاهد من أهلها " ‪.‬‬
‫نزل كل مه هذا على قل ب نزول الاء الزلل على قلب العطشان و رأيت ن أتول من نا قد حا قد‬
‫إل باحث فاقد ‪ ،‬لنن أحسست بنطق سليم و حجة قوية ‪ ،‬و ما علي لو تواضعت قليل و أصغيت‬
‫إليه ! قلت له ‪:‬‬

‫حوقل ‪ ،‬يوقل ‪ :‬يكثر من قول ‪ :‬ل حول و ل قوة إل بال العلي العظيم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪21‬‬
‫أنت إذا من يعتقدون برسالة نبينا ممد ؟ أجاب ‪ ( :‬صلى ال عل يه و آله ) و كل الشيعة مثلي يعتقدون‬
‫ذلك و ما عليك يا أخي إل أن تتحقق من ذلك بنفسك حت تكون على بينة من المر ‪ ،‬و ل تظن‬
‫بإخوانك الشيعة الظنونا " لن بعض الظن إث " و أضاف قائل ‪ :‬و إذا كنت فعل تريد معرفة القيقة‬
‫و تطلع علي ها بعين يك و ي ستيقن ب ا قل بك ‪ ،‬فأ نا أدعوك لزيارة العراق و الت صال بعلماء الشي عة و‬
‫عوامهم و ستعرف عند ذلك أكاذيب الغرضي و الاقدين ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إن ا أمني ت أن أزور العراق ف يوم من اليام و أتعرف على آثار ها ال سلمية الشهورة‬
‫الت خلفها العباسيون و على رأسهم هارون الرشيد ‪ ،‬و لكن ‪ ،‬أول ‪ :‬إمكانيات الادية مدودة و قد‬
‫رتبتها لداء العمرة ‪ ،‬ثانيا ‪ :‬إن جواز السفر الذي أحله ل يسمح ل بالدخول إل العراق ‪ ،‬قال ‪ :‬أول‬
‫عندما قلت لك أدعوك لزيارة العراق فذلك يعن أن أتكفل بتغطية نفقات سفرك من بيوت إل بغداد‬
‫ذها با و إيا با و إقام تك بالعراق ستكون م عي ف بي ت فأ نت ضي في ‪ ،‬و ثانيا بشأن الواز الذي ل‬
‫يسيمح لك بالدخول إل العراق فلنترك ذلك إل ال سيبحانه و تعال فإذا قدر لك أن تزور فسيوف‬
‫يكون ذلك ح ت بدون جواز سفر ‪ ،‬و سوف ناول ال صول على تأشية للدخول فور و صولنا إل‬
‫بيوت ‪.‬‬
‫فرحت كثيا بذا العرض و وعدت صاحب بأن أرد عليه الواب غدا إن شاء ال تعال ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫خرجت من غرفة النوم و صعدت إل سطح الباخرة أتنفس الواء الديد ‪ ،‬و أنا أفكر تفكيا‬
‫جديدا و عقلي شارد ف البحر الذي مل الفاق ‪ ،‬و أسبح بمد رب الذي خلق الكوان و أحده ‪ ،‬و‬
‫أشكره على أن أوصلن إل هذا الكان و أسأله سبحانه و تعال أن يمين من الشر و أهله و يفظن‬
‫من الزلل و الطأ ‪ ،‬و سرح تفكيي و أنا أستعرض شريطا أمام عين للحداث الت عشتها و السعادة‬
‫الت تذوقتها من طفول ت إل ذلك اليوم و أحلم ب ستقبل أفضل ‪ ،‬و أشعر كأن ال و رسوله ييطانن‬
‫بعناية خاصة ‪ ،‬فالتفت صوب مصر الت ما زالت بعض شواطئها تتراءى من حي لخر مودعا تلك‬
‫الرض الت فيها قبلت قميص رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) و هي أعز ما بقي عندي من تلك الذكريات‬
‫الت عشتها ف مصر ‪ ،‬و عدت أستعرض كلم الشيعي الديد الذي أدخل علي فرحا كبيا لتحقيق‬
‫حلم كان يراودن منذ صغري أل و هو زيارة العراق ‪ ،‬تلك البلد الت رسها ف ذهن بلط الرشيد و‬
‫الأمون مؤ سس دار الك مة ال ت كان يق صدها طلب العلوم الختل فة من الغرب أيام ازدهار الضارة‬
‫السلمية ‪ ،‬أضف إل ذلك فهي بلد القطب الربان و الشيخ الصمدان سيدي عبد القادر اليلن‬
‫الذي مل صيته القطار كلها و دخلت طريقته كل قرية و علت هته كل هة فها هي عناية جديدة‬
‫من ال لتحقيق هذا اللم ‪ ،‬و بدأت أتيل و أسبح ف بر اليال و المال حت نبهن مذياع الباخرة و‬
‫هيو ينادي السيافرين إل التوجيه للمطعيم لتناول العشاء ‪ ،‬ذهبيت صيوب الكان الذكور فإذا الناس‬
‫يتزاحون كعادتم ف كل تمع و كل و احد يريد الدخول قبل غيه و كثر الصياح و الرج ‪ ،‬و إذا‬
‫بالشيعي يسك بثوب ليسحبن بلطف إل اللف و هو يقول ‪ :‬تعال يا أخي ل تتعب نفسك فسوف‬
‫نأكل فيما بعد بدون زحة و قد فتشت عنك ف كل مكان ‪ ،‬ث سألن ‪ :‬هل صليت ؟ قلت ‪ :‬ل أصل‬
‫بعد ‪ ،‬فقال ‪ :‬إذا تعال نصلي ث نأت للكل و قد خلص هؤلء من الزحام و الصياح ‪.‬‬
‫استحسنت رأيه و صاحبته إل مكان خال من الناس حيث توضأت و قدمته ليصلي إماما قصد‬
‫اختباره ك يف ي صلي على أن أع يد صلت في ما ب عد ‪ ،‬و ما إن أقام ال صلة لداء فري ضة الغرب و‬
‫استرسل ف القراءة و الدعاء حت غيت رأيي ‪ ،‬و تيلت بأن مأموم بأحد الصحابة الكرام الذين أقرأ‬
‫عنهم و عن ورعهم و تقواهم ‪ ،‬و بعد فراغه من الصلة ‪ ،‬أطال الدعاء و ل أسع قبل هذه الدعية ف‬
‫بلدنا و ل ف البلد الت عرفتها ‪ ،‬و كنت أطمئن و أرتاح كلما سعته يصلي على ممد و آله و يثن‬
‫عليه با هو أهله ‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫بعد الصلة لحظت ف عينيه أثر البكاء كما سعته يدعو ال أن يفتح بصيت و يهدين ‪.‬‬
‫اتهنيا إل الطعيم و قيد بدأ يلو مين الكليي و دخلنيا فلم يلس حتي أجلسين و جييء لنيا‬
‫بصحني من الكل فرأيته يغي صحنه بصحن لن نصيب من اللحم كان أقل من نصيبه و أخذ يلح‬
‫علي و كأن ضيفه و يلطفن و يروي ل روايات ل أسعها من قبل تص ال كل و الشرب و آداب‬
‫الائدة ‪.‬‬
‫و أعجبيت بأخلقيه ‪ ،‬و صيلى بنيا صيلة العشاء و أطالاي بالدعاء حتي أبكاني و سيألت ال‬
‫سبحانه أن يغي ظن فيه لن بعض الظن إث ‪.‬‬
‫و لكن من يدري ؟ ! ‪.‬‬
‫و نت أحلم بالعراق و ألف ليلة و ليلة و استيقظت على ندائه يوقظن لصلة الفجر ‪ ،‬و صلينا‬
‫و جلسنا نتحدث عن نعم ال على السلمي ‪.‬‬
‫و رجع نا للنوم ثان ية و ل ا أف قت وجد ته جال سا على سريره و ف يده م سبحة و هو يذكر ال‬
‫فارتاحت له نفسي و اطمأن له قلب و استغفرت رب ‪.‬‬
‫كنا نتغذى ف الطعم عندما سعنا الذيع يعلن عن اقتراب الباخرة من الشواطئ اللبنانية و سوف‬
‫نكون ف ميناء بيوت بول ال بعد ساعتي سألن هل فكرت مَليا و ماذا قررت ‪.‬‬
‫قلت إذا سهل ال سبحانه و تعال الصول على تأشية الدخول فل أرى مانعا و شكرته على‬
‫دعوته ‪.‬‬
‫نزل نا ف بيوت ح يث أمضي نا تلك الليلة و من بيوت سافرنا إل دم شق ح يث اته نا فور‬
‫وصولنا إليها إل سفارة العراق ‪ ،‬و حصلت على التأشية بسرعة مذهلة ل أتصورها ‪ ،‬و خرجنا من‬
‫هناك و هو يهنئن و يمد ال على إعانته ‪.‬‬

‫‪24‬‬
) 32 (

25
‫( ‪) 33‬‬

‫زيارة العراق لول مرة‬


‫سافرنا من دمشق إل بغداد ف إحدى سيارات شركة النجف العالية الضخمة الكيفة و كانت‬
‫الرارة تبلغ أربعي درجة مئوية ف بغداد ‪ ،‬عندما وصلنا اتهنا فورا إل بيته ف حي جيلة ‪ ،‬دخلت‬
‫البيت الكيف و استرحت ث جاءن بقميص فضفاض يسمونه " دشداشة " ‪.‬‬
‫أحضر الفاكهة و الكل و دخل أهله يسلمون عل يّ ف أدب و إحترام و كان والده يعانقن و‬
‫كأنه يعرفن من قبل ‪ ،‬أما والدته فوقفت بالباب ف عباءة سوداء تسلم و ترحب ‪ ،‬و اعتذر صديقي‬
‫عن والدته بأن الصافحة عندهم مرمة ‪ ،‬و أعجبت أكثر و قلت ف نفسي ‪ :‬هؤلء الذين نتهمهم نن‬
‫بالروج عن الدين يافظون عليه أكثر منا ‪.‬‬
‫و قد لست خلل أيام السفر الت قضيتها معه نبل أخلق و عزة نفس ف كرامة و شهامة و‬
‫تواضع و ورع ل أعهده من قبل ‪.‬‬
‫و شعرت بأن لست غريبا بل و كأن ف بيت ‪.‬‬
‫صعدنا ف الل يل إل سطح الدار ح يث فر شت ل نا أما كن للنوم ‪ ،‬و بق يت ح ت ساعة متأخرة‬
‫أهذي أف حلم أنا أم ف يقظة ‪ ،‬أحقا إنن ف بغداد بوار سيدي عبد القادر اليلن ‪.‬‬
‫ضحك صديقي متسائل ماذا يقول التونسيون عن عبد القادر اليلن ؟ ‪ ،‬و بدأت أحكي له‬
‫عن الكرامات الت تروى عندنا و عن القامات الت تشيد ف ربوعنا باسه و أنه قطب الدائرة و كما‬
‫أن ممد رسول ال هو سيد النبياء فعبد القادر هو سيد الولياء و قدمه على رقبة كل الولياء و هو‬
‫القائل ‪ " :‬كل الناس يطوف بالبيت سبعا و أنا البيت طائفا بيامي" ‪.‬‬
‫و حاولت إقناعه بأن الشيخ عبد القادر يأت إل بعض مريديه و مبيه جهرة و يعال أمراضهم و‬
‫يفرج كربت هم و ن سيت أو تنا سيت العقيدة الوهاب ية ال ت تأثرت ب ا من أن ذلك كله شرك بال و ل ا‬
‫شعرت بعدم حاس صديقي حاولت أقناع نفسي بأن ما قلته ل يصح ‪ ،‬و سألته عن رأيه ‪.‬‬
‫قال صديقي و هو يضحك ‪ :‬ن الليلة و استرح من التعب الذي لقيته ف السفر و غدا إن شاء‬
‫ال سنور الشيخ عبد القادر ‪ ،‬و طرت فرحا لذا الب و وددت لو طلع الفجر وقتئذ ‪.‬‬
‫فاستغرقت ف نوم عميق ‪.‬‬

‫‪26‬‬
***

27
‫عبد القادر اليلن و موسى الكاظم‬
‫ذهب نا ب عد الفطور إل باب الش يخ و رأ يت القام الذي طال ا تن يت زيار ته ‪ ،‬و هرولت كأ ن‬
‫مشتاق لرؤي ته و دخلت أتل هف كأ ن سوف أرت ي ف أحضا نه و صديقي يتبع ن أين ما ر حت ‪ ،‬و‬
‫اختل طت بالزوار الذ ين يتراكمون على القام تراكيم الجاج على ب يت ال الرام و من هم من يل قي‬
‫قبضات من اللوى و الزوار يت سابقون للتقاط ها و أ سرعت ل خذ اثنت ي من ها أكلت إحدا ها على‬
‫الفور للبكة و خبأت الخرى ف جيب للذكرى ‪ ،‬صليت هناك و دعوت با تيسر ل و شربت الاء و‬
‫كأن أشرب من ماء زمزم ‪ ،‬و رجوت صديقي أن ينتظرن ريثما أكتب إل أصدقائي ف تونس بعض‬
‫البطاقات البيدية الت اشتريتها من هناك و تثل كلها صورة مقام الشيخ عبد القادر بالقبة الضراء ‪ ،‬و‬
‫أردت بذلك أن أبرهن لصدقائي و أقارب ف تونس عن علو هت الت أوصلتن لذلك القام الذي ل‬
‫يصلوا إليه ‪.‬‬
‫بعد ذلك تناولنا طعام الغداء ف مطعم شعب وسط العاصمة ‪ ،‬ث أخذن صديقي ف سيارة أجرة‬
‫إل الكاظمية ‪ ،‬عرفت هذا السم من خلل ما ذكره صديقي لسائق السيارة وصلنا إليها و ما أن نزلنا‬
‫من السيارة نتمشى حت اختلطنا بجموعات كبية من الناس يشون ف نفس التاه نساء و رجال و‬
‫أطفال و يملون بعض المتعة ‪ ،‬ذكرن ذلك بوسم الج و ل أكن بعد أعرف وجهة الكان القصود‬
‫حت تراءت ل قباب و مآذن ذهبية يأخذ إشعاعها بالبصار ‪ ،‬و فهمت أنه مسجد من مساجد الشيعة‬
‫لسابق علمي بأنم يزخرفون مساجدهم بالذهب و الفضة الت حرمها السلم ‪ ،‬و شعرت برج ف‬
‫الدخول إليها ‪ ،‬غي أنن ‪ -‬مراعاة لعواطف صديقي ‪ -‬اتبعته من غي اختيار ‪.‬‬
‫دخل نا من الباب الول و بدأت أل حظ ت سح الشيوخ بالبواب و تقبيل ها ‪ ،‬و سليت نف سي‬
‫بقراءة لوحة كبية كتب عليها " منوع دخول النساء السافرات " مع حديث للمام علي يقول فيه ‪:‬‬
‫" يأت على الناس زمان يرج فيه النساء كاسيات عاريات ‪ . .‬إل آخره " ‪ ،‬وصلنا إل القام و بينما‬
‫كان صديقي يقرأ إذن الدخول ك نت أن ظر إل الباب و أع جب من هذا الذ هب و النقوش ال ت تل‬
‫صفحاته و كلها آيات قرآنية ‪.‬‬
‫دخيل صيديقي و دخلت خلفيه و أنيا على حذر تول باطري عدة أسياطي قرأتاي في بعيض‬
‫الكتب الت تكفر الشيعة و رأيت داخل القام نقوشا و زخرفة ل تطر على بال و دهشت لا رأيت و‬
‫‪28‬‬
‫تصورت نفسي ف عال غي مألوف و ل معروف ‪ ،‬و من حي إل آخر أنظر بإشئزاز إل هؤلء الذين‬
‫يطوفون حول الضر يح باك ي مقبل ي أركا نه و قضبا نه بين ما ي صلي الب عض ال خر قرب الضر يح ‪ ،‬و‬
‫ا ستحضرت ف خاطري حد يث الر سول ( صيلى ال علييه و آله ) و هو يقول ‪ " :‬ل عن ال اليهود و الن صارى‬
‫اتذوا قبور أوليائهم مساجد " ‪.‬‬
‫و ابتعدت عن صديقي الذي ما أن د خل ح ت أج هش بالبكاء ث ترك ته ي صلي و اقتر بت من‬
‫اللوحة الكتوبة للزيارة و هي معلقة على الضريح ‪.‬‬
‫و قرأتا و ل أفهم الكثي منها با حوته من أساء غريبة عن أجهلها ‪ ،‬ابتعدت ف زاوية و قرأت‬
‫الفاتة ترحا على صاحب الضريح قائل ‪ " :‬اللهم إن كان هذا اليت من السلمي فأرحه فأنت أعلم‬
‫به من " ‪.‬‬
‫و اقترب من صديقي و هس ف أذن قائل ‪ :‬إن كانت لديك حاجة فاسأل ال ف هذا الكان‬
‫لننا نُسمية باب الوائج و ما أعطيت أهية لقوله سامن ال ‪ ،‬بل كنت أنظر إل الشيوخ الطاعني ف‬
‫السن و على رؤوسهم عمائم بيض و سود و ف جباههم آثار السجود ‪ ،‬و زاد ف هيبتهم تلك اللحى‬
‫ال ت أعفو ها و تنطلق منها روائح طي بة و ل م نظرات حادة مهي بة ‪.‬و ما أن يد خل الوا حد منهم حت‬
‫ي هش بالبكاء ‪ ،‬و ت ساءلت ف داخلي أي كن أن تكون هذه الدموع كاذ بة ؟ أي كن أن يكون هؤلء‬
‫الطاعنون ف السن مطئي ؟‬
‫خرجت متحيا مندهشا ما شاهدته بينما كان صديقي يرجع أدراجه احتراما لئل يعطي القام‬
‫ظهره ‪.‬‬
‫سألته ‪ :‬من هو صاحب هذا القام ؟ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬المام موسى الكاظم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬و من هو المام موسى الكاظم ؟ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬سبحان ال ! أنتم إخواننا أهل السنة و الماعة تركتم اللب و تسكتم بالقشور ‪.‬‬
‫قلت غاضبا منقبضا ‪ :‬كيف تسكنا بالقشور و تركنا اللب ؟ ‪.‬‬
‫فهدأن و قال ‪ :‬يا أخي أنت منذ دخلت العراق ل تفتأ تذكر عبد القادر اليلن فمن هو عبد‬
‫القادر اليلن الذي استوجب كل اهتمامك ! ؟ ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫أج بت على الفور و ب كل ف خر ‪ :‬هو من ذر ية الر سول ‪ ،‬و لو كان نب ب عد م مد لكان ع بد‬
‫القادر اليلن رضي ال تعال عنه ! ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا أخ السماوي هل تعرف التاريخ السلمي ؟ ‪.‬‬
‫و أجبت ف غي تردد بنعم ! و ف القيقة ما عرفت من التاريخ السلمي قليل و ل كثيا لن‬
‫أساتذتنا و معلمينا كانوا ينعوننا من ذلك مدعي بأنه تاريخ أسود مظلم ل فائدة من قراءته ‪ ،‬و أذكر‬
‫على سبيل الثال أن الستاذ الختص ف تدريسنا مادة البلغة كان يُدرّسنا الطبة الشقشقية من كتاب‬
‫ن ج البل غة للمام علي ‪ ،‬و احترت ك ما احتار عدد من التلم يذ ع ند قراءت ا ‪ ،‬و ترأت و سألته إن‬
‫كان هذا من كلم المام علي حقا ‪ ،‬فأجاب ‪ " :‬قطعا و من لثل هذه البلغة سواه ‪.‬‬
‫و لو ل ي كن كل مه كرم ال وج هه ‪ ،‬ل ي كن علماء ال سلمي أمثال الش يخ م مد عبده مف ت‬
‫الديار الصرية ليهتم بشرحه " ‪.‬‬
‫عند ذلك قلت ‪ :‬إن المام علي يتهم أبا بكر و عمر بأنما اغتصبا حقه ف اللفة فثارت ثائرة‬
‫ال ستاذ و انتهر ن بشدة و هدد ن بالطرد إن عدت ل ثل هذا ال سؤال ‪ ،‬و أضاف قائل ‪ :‬ن ن ندرس‬
‫بل غة و ل ندرس التار يخ و ما يهم نا شيئا من أ مر التار يخ الذي سودت صفحاته الف ت و الروب‬
‫الدامية بي السلمي و كما طهر ال سيوفنا من دمائهم فلنطهر ألسنتنا من شتمهم ‪.‬‬
‫و ل أق نع بذا التعل يل و بق يت ناق ما على ذلك ال ستاذ الذي يدر سنا بل غة بدون معان ‪ ،‬و‬
‫حاولت مرارا عديدة درا سة التار يخ ال سلمي و ل كن ل تتو فر عندي ال صادر و المكانات لتوف ي‬
‫الكتب ‪ ،‬و ما وجدت أحدا من شيوخنا و علمائنا يهتم با و كأنم تصافقوا على طيها و عدم النظر‬
‫فيها ‪ ،‬فل تد أحدا يلك كتابا تارييا كامل ‪.‬‬
‫فلما سألن صديقي عن معرفة التاريخ أحببت معاندته فأجبته بنعم و لسان حال يقول ‪ :‬أعرف‬
‫أنه تاريخ مظلم مسود ل فائدة فيه ‪ ،‬إل الفت و الحقاد و التناقضات ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هل تعرف مت ولد عبد القادر اليلن ‪ ،‬ف أي عصر ؟ قلت ‪:‬‬
‫حسب التقريب ف القرن السادس أو القرن السابع ‪ ،‬قال ‪ :‬فكم بينه و بي رسول ال ( صلى ال عليه‬

‫و آله ) ؟ قلت ستة قرون ‪ ،‬قال ‪ :‬فإذا كان القرن ف يه جيلن على أ قل تقد ير فيكون ن سبة ع بد القادر‬

‫‪30‬‬
‫اليلن للرسول بعد إثن عشر جدا ‪ ،‬قلت نعم ! قال ‪ :‬فهذا موسى بن جعفر بن ممد بن عل يّ بن‬
‫السي بن فاطمة الزهراء يصل نسبه إل جده رسول ال بعد أربعة أجداد فقط ‪.‬‬
‫أو بالحرى ف هو من موال يد القرن الثا ن للهجرة فأيه ما أقرب إل ر سول ال مو سى أم ع بد‬
‫القادر ؟ ‪.‬‬
‫و بدون تفك ي قلت ‪ :‬هذا أقرب طب عا ! و ل كن لاذا ن ن ل نعر فه و ل ن سمع بذكره ؟ قال ‪:‬‬
‫هذا هو بيت القصيد و لذلك قلت بأنكم ‪ -‬و اسح ل أن أعيدها ‪ -‬تركتم اللب و تسكتم بالقشور‬
‫فل تؤاخذن و أرجوك العذرة ‪.‬كنا نتحدث و نشي و نتوقف من حيث لخر حت وصلنا إل منتدى‬
‫علمي يلس ف يه الطل بة و الساتذة و يتبادلون الراء و النظريات ‪ ،‬هناك جل سنا و كان يبحث بعينيه‬
‫ف الالسي و كأنه على موعد مع أحدهم ‪ ،‬جاء أحد الوافدين و سلم علينا و فهمت أنه زميله ف‬
‫الام عة و سأله عن ش خص عل مت من الجو بة أ نه دكتور و سيأت ع ما قر يب ‪ ،‬ف الثناء قال ل‬
‫صديقي ‪ :‬أنا جئت بك لذا الكان قاصدا أن أعرفك بالدكتور التخصص ف الباث التاريية و هو‬
‫أ ستاذ التار يخ ف جام عة بغداد و قد ح صل على الدكتوراه ف أطروح ته ال ت كتب ها عن ع بد القادر‬
‫اليلن و سوف ينفعك بول ال ‪ ،‬لنن لست متصا ف التاريخ ‪.‬‬
‫شربنا بعض العصي البارد حت وصل الدكتور و نض إليه صديقي مسلما عليه و قدمن إليه و‬
‫طلب منه أن يقدم إل لحة عن تاريخ عبد القادر اليلن ‪ ،‬و استأذننا ف النصراف لبعض شؤونه ‪.‬‬
‫طلب ل الدكتور مشرو با باردا و بدأ ي سألن عن إ سي و بلدي و مهن ت ك ما طلب م ن أن‬
‫أحدثه عن شهرة عبد القادر اليلن ف تونس ‪.‬‬
‫و رويت له الكثي ف هذا الجال حت قلت و الناس عندنا يعتقدون بأن الشيخ عبد القادر كان‬
‫ي مل ر سول ال على رقب ته ليلة العراج عند ما تأ خر جب يل خو فا من الحتراق و قال له ر سول ال‬
‫( صلى ال عليه و آله ) ‪ :‬قدمي على رقبتك و قدمك على رقاب كل الولياء إل يوم القيامة ‪.‬‬
‫و ض حك الدكتور كثيا ع ند ساعه كل مي و ما در يت أكان ضح كه على هذه الروايات أم‬
‫كان على الستاذ التونسي الذي بي يديه ! بعد مناقشة قصية حول الولياء و الصالي قال أنه بث‬
‫طوال سبع سنوات سافر خلل ا إل لهور ف الباك ستان و إل ترك يا و إل م صر و بريطان يا و كل‬
‫الماكن الت با مطوطات تنسب إل عبد القادر اليلن و اطلع عليها و صورها ‪ ،‬و ليس فيها أي‬

‫‪31‬‬
‫إثبات بأن عبد القادر اليلن هو من سللة الرسول ‪ ،‬و غاية ما هنالك بيت من الشعر ينسب إل‬
‫أحد أحفاده يقول فيه ‪ " :‬و جدي رسول ال " و قد يمل ذلك كما قال بعض العلماء ‪ ،‬على تأويل‬
‫حديث النب ( صلى ال عل يه و آله ) ‪ " :‬أنا جد كل تقي " و زادن بأن التاريخ الصحيح يثبت أن عبد القادر‬
‫أصله فارسي و ليس عربيا أصل و قد ولد ف بلدة بإيران تسمى جيلن و إليها ينسب عبد القادر ‪ ،‬و‬
‫قد نزح إل بغداد ح يث تعلم هناك و جلس يدرس ف و قت كان ف النلل الل قي ف يه فاش يا ‪ .‬و‬
‫كان الرجل زاهدا فأحبه الناس و بعد وفاته أسسوا الطريقة القادرية نسبة إليه ‪ ،‬كما يفعل دائما أتباع‬
‫كل متصوف و أضاف قائل ‪ :‬حقا أن حالة العرب مؤسفة من هذه الناحية ‪.‬‬
‫و ثارت ف رأسي حية الوهابية فقلت للدكتور ‪ :‬إذا أنت وهاب الفكر يا حضرة الدكتور فهم‬
‫يقولون كما تقول ليس هناك أولياء ‪ .‬فقال ‪ :‬ل أنا لست على رأي الوهابية ‪.‬‬
‫و الؤسيف عنيد السيلمي هيو إميا الفراط و أميا التفرييط ‪ ،‬فأميا أن يؤمنوا و يصيدقوا بكيل‬
‫الرافات ال ت ل ت ستند إل دل يل و ل ع قل و ل شرع ‪ ،‬و أ ما أن يكذبوا ب كل ش يء ح ت بعجزات‬
‫نبي نا م مد و أحادي ثه لن ا ل تتما شى و أهواء هم و عقائد هم ال ت يعتقدون ا و قد شر قت طائ فة و‬
‫غربت أخرى فالصوفية يقولون بإمكانية حضور الشيخ عبد القادر اليلن مثل ف بغداد و ف نفس‬
‫الوقت ف تونس ‪ ،‬و قد يشفي مريضا ف تونس و ينقذ غريقا ف نر دجلة ف نفس اللحظة فهذا إفراط‬
‫‪ ،‬و الوهابية ‪ -‬كرد فعل على الصوفية ‪ -‬كذبوا بكل شيء حت قالوا بشرك من توسل بالنب ‪ ،‬و هذا‬
‫تفريط ل يا أخي ن ن كما قال ال تعال ف كتابه العز يز ‪َ { :‬وكَ َذلِ كَ جَعَلْنَاكُ مْ أُمّةً وَ سَطًا لّتَكُونُواْ‬
‫ُش َهدَاء عَلَى النّاسِ } ‪. 1‬‬
‫أعجبن كلمه كثيا و شكرته مبدئيا ‪ ،‬و أبديت قناعت با قال ‪.‬‬
‫فتح مفظته و أخرج كتابه عن عبد القادر اليلن و أهدانيه ‪ ،‬كما دعان للضيافة فاعتذرت و‬
‫بقينا نتحدث عن تونس و عن شال إفريقيا حت جاء صديقي ‪ ،‬ورجعنا إل البيت ليل بعد أن أمضينا‬
‫كامل اليوم ف الزيارات و الناقشات ‪ ،‬و شعرت بالتعب و الرهاق فاستسلمت للنوم ‪.‬‬
‫استيقظت باكرا و صليت و جلست أقرأ الكتاب الذي يبحث ف حياة عبد القادر ‪ ،‬فما أفاق‬
‫صديقي حت كنت قد أتمت نصفه ‪ ،‬و كان يتردد علي من حي إل آخر داعيا إياي لتناول الفطور‬

‫سورة البقرة ( ‪ ، ) 2‬الية ‪. 143 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪32‬‬
‫فلم أوا فق ح ت أن يت الكتاب و قد شد ن إل يه و أد خل علي ش كا ل يل بث طويل ح ت زال ق بل‬
‫خروجي من العراق ‪.‬‬
‫***‬

‫‪33‬‬
) 42 (

34
‫الشك و التساؤل‬
‫بقيت ف بيت صديقي ثلثة أيام استرحت خللا و فكرت مَليّا ف ما سعته من هؤلء الذين‬
‫اكتشفت هم و كأن م كانوا يعيشون على سطح الق مر ‪ ،‬فلماذا ل يدث نا أ حد عن هم إل ب ا هو مُزرٍ و‬
‫مُشي ‪ ،‬لاذا أنا أكرههم و أحقد عليهم دون أن أعرفهم ‪ ،‬لعل ذلك ناتج من الشاعات الت نسمعها‬
‫عنهم من أنم يعبدون عليا و أنم ينلون أئمتهم منلة اللة و أنم يقولون باللول ‪ ،‬و أنم يسجدون‬
‫للحجر من دون ال ‪ ،‬و أنم ‪ -‬كما حدثنا أب بعد رجوعه من الج ‪ -‬يأتون إل قب الرسول ليلقون‬
‫فيه القذرات و النجاسات و قد أمسكهم السعوديون و حكموا عليهم بالعدام ‪ . .‬و أنم ‪ . .‬و أنم‬
‫‪ . .‬حدث و ل حرج ‪.‬‬
‫كييف يسيمع السيلمون بذا و ل يقدون على هؤلء الشيعية و ل يبغضونمي ‪ ،‬بيل كييف ل‬
‫يقاتلونم ! ‪.‬‬
‫و لكن كيف أصدق هذه الشاعات و قد رأيت بعين ما رأيت و سعت بأذن ما سعت و ها‬
‫قد مضى على وجودي بينهم أكثر من أسبوع و ل أر منهم و ل أسع إل الكلم النطقي الذي يدخل‬
‫العقول بدون اسيتئذان ‪ ،‬بيل قيد اسيتهوتن عباداتمي و صيلتم و دعاؤهيم و أخلقهيم و احترامهيم‬
‫لعلمائهم حت تنيت أن أكون مثلهم ‪ ،‬و بقيت أتسأل ‪ :‬هل حقا أنم يكرهون رسول ال ! و كلما‬
‫ذكر ته و كثيا ما أذكره لختبار هم في صيحون ب كل جوارح هم " الل هم صل على م مد و على آل‬
‫ممد " و ظننت أنم ينافقون ‪ ،‬و ل كن زال هذا الظن بعد ما تصفحت كتبهم الت قرأت شيئا منها‬
‫فوجدت احتراما و تقديسا و تنيها لشخص الرسول ل أعهده ف كتبنا فهم يقولون بعصمته ( صلى ال عليه‬

‫و آله ) ف كل شيء قبل البعثة و بعدها بينما نقول نن أهل السنة و الماعة بأنه معصوم ف تبليغ القرآن‬
‫فقط و ما عدا ذلك فهو بشر يطيء كغيه و كثيا ما نستدل على ذلك بطئه ‪ ( -‬صلى ال عليه و آله ) ‪ -‬و‬
‫تصويب بعض الصحابة رأيه و لنا ف ذلك أمثلة متعددة بينما يرفض الشيعة أن يكون رسول ال يطئ‬
‫و يصيب غيه فكيف أصدق بعد هذا أنم يكرهون رسول ال ؟ كيف ‪.‬‬
‫و تدثت يوما مع صديقي و رجوته و أقسمت عليه أن ييبن بصراحة ‪ ،‬و كان الوار التال ‪:‬‬
‫‪ -‬أنتم تنلون عليا رضي ال عنه و كرم ال وجهه منلة النبياء لن ما سعت أحدا منكم‬
‫يذكره إل و يقول " عليه السلم " ‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪ -‬فعل نن عندما نذكر أمي الؤمني أو أحد الئمة من بَنيه نقول " عليه السلم " ‪ ،‬فهذا ل‬
‫يعن أنم أنبياء ‪ ،‬و لكنهم ذرية الرسول و عترته الذين أمرنا ال بالصلة عليهم ف مكم تنيله و على‬
‫هذا يوز أن نقول ‪ :‬عليهم الصلة و السلم أيضا ‪.‬‬
‫‪ -‬ل يا أخي نن ل نعترف بالصلة و السلم إل على رسول ال و النبياء الذين سبقوه و ل‬
‫دخل لعلي و أولده ف ذلك رضي ال عنهم ‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أطلب منك و أرجوك أن تقرأ كثيا حت تعرف القيقة ‪.‬‬
‫‪ -‬أي الكتب أقرأ يا أخي ؟ ألست أنت الذي قلت ل بأن كتب أحد أمي ليست حجة على‬
‫الشيعة ‪ ،‬كذلك كتب الشيعة ليست حجة علينا و ل نعتمد عليها ‪ ،‬أل ترى أن كتب النصارى الت‬
‫يعتمدونا تذكر أن عيسى ( عل يه ال سلم ) قال ‪ " :‬إن ابن ال " ف حي أن القرآن الكري ‪ -‬و هو أصدق‬
‫القائل ي ‪ -‬يقول على ل سان عي سى بن مر ي ‪ { :‬مَا قُلْ تُ َلهُ مْ ِإلّ مَا أَمَرْتَنِي بِ هِ أَ نِ اعُْبدُواْ الّل َه رَبّ ي‬
‫َورَبّكُمْ } ‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا قلت ‪ :‬لقد قلت ذلك ‪ ،‬و الذي أريده منك هو هذا ‪ ،‬أعن استعمال العقل و النطق و‬
‫ال ستدلل بالقرآن الكر ي و ال سنة ال صحيحة ما دم نا م سلمي ‪ ،‬و لو كان الد يث مع يهودي أو‬
‫نصران لكان الستدلل بغي هذا ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا ‪ ،‬ف أي كتاب سأعرف القيقة ‪ ،‬و كل مؤلف و كل فرقة و كل مذهب يدعي أنه‬
‫على الق ‪.‬‬
‫‪ -‬سأعطيك الن دليل ملموسا ‪ ،‬ل يتلف فيه السلمون بشت مذاهبهم و فرقهم و مع ذلك‬
‫فأنت ل تعرفه ! ‪.‬‬
‫‪ -‬و قل رب زدن علما ‪.‬‬
‫‪ -‬هل قرأت تفسي ال ية الكري ة ‪ { :‬إِنّ اللّ هَ وَمَلَائِكََت هُ يُ صَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا‬
‫صَلّوا َعلَيْهِ وَسَّلمُوا َتسْلِيمًا } ‪. 1‬‬
‫ف قد أج ع الف سرون سنةً و شي عة على أن ال صحابة الذ ين نزلت في هم هذه ال ية ‪ ،‬جاؤوا إل‬
‫ر سول ال فقالوا ‪ :‬يا ر سول ال عرف نا ك يف ن سلم عل يك ول نعرف ك يف ن صلي عل يك ! فقال ‪:‬‬

‫سورة الحزاب ( ‪ ، ) 33‬الية ‪. 56 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪36‬‬
‫قولوا اللهم صل على ممد و آل ممد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم ف العالي إنك حيد‬
‫ميد و ل تصلوا علي الصلة البتراء ‪ ،‬قالوا ‪ :‬و ما الصلة البتراء يا رسول ال ‪ ،‬قال ‪ :‬أن تقولوا اللهم‬
‫صل على ممد و تصمتوا ‪ ،‬و أن ال كامل و ل يقبل إل الكامل ‪.‬‬
‫و لكل ذلك عرف الصحابة و من بعدهم التابعون أمر رسول ال فكانوا يصلون عليه الصلة‬
‫الكاملة ‪ ،‬حت قال المام الشافعي ف حقهم ‪:‬‬
‫يا آل بيت رسول ال حبكم * فرض من ال ف القرآن أنزله‬
‫كفاكم من عظيم الشأن أنكم * من ل يصل عليكم ل صلة له‬
‫كان كلمه يطرق سعي و ينفذ إل قلب و يد ف نفسي صدى إيابيا ‪ ،‬و بالفعل فقد سبق ل‬
‫أن قرأت مثل هذا ف بعض الكتب ‪ ،‬و لكن ل أذكر ف أي كتاب بالضبط ‪ ،‬و اعترفت له بأننا عندما‬
‫نصلي على النب نصلي على آله و صحبه أجعي و لكن ل نفرد عليا بالسلم كما يقول الشيعة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فما رأيك ف البخاري ؟ أهو من الشيعة ؟ ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إمام " جليل من أئمة أهل السنة و الماعة و كتابه أصح الكتب بعد كتاب ال " ‪ .‬عند‬
‫ذلك قام و أخرج من مكتبته صحيح البخاري و فتحه و بث عن الصفحة الت يريدها ‪ ،‬و أعطان‬
‫لقرأ فيه ‪ :‬حدثنا فلن عن فلن عن علي ( عليه السلم ) ‪ .‬و ل أصدق عين و استغربت حت أنن‬
‫شككيت أن يكون ذلك هيو صيحيح البخاري ‪ ،‬و اضطربيت و أعدت النظير في الصيفحة و في‬
‫الغلف ‪ ،‬و لا أحس صديقي بشكي أخذ من الكتاب و أخرج ل صفحة أخرى فيها ‪ " :‬حدثنا علي‬
‫بن ال سي ( عليه ما ال سلم ) " ف ما كان جوا ب بعد ها إل أن قلت ‪ :‬سبحان ال و اقت نع م ن بذا‬
‫الواب و ترك ن و خرج ‪ ،‬و بق يت أف كر و أرا جع قراءة تلك ال صفحات و أتث بت ف طب عة الكتاب‬
‫فوجدتا من طبع و نشر شركة اللب و أولده بصر ‪.‬‬
‫يا إلي ‪ .‬لاذا أكابر و أعاند و قد أعطان حجة ملموسة من أصحّ الكتب عندنا ‪ ،‬و البخاري‬
‫ليس شيعيا قطعا ‪ ،‬و هو من أئمة أهل السنة و مدثيهم ‪ ،‬أ أسلم لم بذه القيقة و هي قولم علي‬
‫( عل يه ال سلم ) ‪ ،‬و لكن أخاف من هذه القيقة فلعلها تتبعها حقائق أخرى ل أحب العتراف با ‪ ،‬و قد‬
‫انزمت أمام صديقي مرتي فقد تنازلت عن قداسة عبد القادر اليلن و سلمت بأن موسى الكاظم‬
‫أول م نه ‪ ،‬و سلمت أي ضا بأن عل يا ( عل يه ال سلم ) هو أ هل لذلك ‪ ،‬و لك ن ل أر يد هزي ة أخرى ‪ ،‬و أ نا‬

‫‪37‬‬
‫الذي كنت منذ أيام قلئل عالا ف مصر أفخر بنفسي و يجدن علماء الزهر الشريف ‪ ،‬أجد نفسي‬
‫اليوم مهزوما مغلوبا و مع من ؟ مع الذين كنت و ل أزال أعتقد أنم على خطأ ‪ ،‬فقد تعودت على‬
‫أن كلمة " شيعة " هي مسبة ‪.‬‬
‫إ نه ال كبياء و حب الذات ‪ ،‬إن ا النان ية و اللجاج و الع صبية ‪ ،‬إل ي ألم ن رشدي ‪ ،‬و أعنّي‬
‫على تقبل القيقة و لو كانت مُرّة ‪.‬‬
‫اللهم افتح بصري و بصيت و اهدن إل صراطك الستقيم و اجعلن من الذين يستمعون القول‬
‫فيتبعون أحسنه ‪ ،‬اللهم أرنا الق حقا و ارزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطل و ارزقنا اجتنابه ‪.‬‬
‫رجع ب صديقي إل البيت و أنا أردد هذه الدعوات فقال مبتسما ‪ :‬هدانا ال و إياكم و جيع‬
‫َعي‬
‫ّهي لَم َ‬
‫سيبُلَنَا وَإِنّ الل َ‬
‫ُمي ُ‬
‫ِيني جَا َهدُوا فِينَا لََنهْدِيَّنه ْ‬
‫السيلمي ‪ ،‬و قيد قال في مكيم كتابيه ‪ { :‬وَاّلذ َ‬
‫اْل ُمحْسِنِيَ } ‪. 1‬‬
‫و الهاد ف هذه الية ي مل معن البحث العل مي للو صول إل القي قة ‪ ،‬و ال سبحانه يهدي‬
‫إل الق كل من بث عن الق ‪.‬‬
‫***‬

‫سورة العنكبوت ( ‪ ، ) 29‬الية ‪. 69 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪38‬‬
) 48 (

39
‫( ‪) 49‬‬

‫السفر إل النجف‬
‫أعلم ن صديقي ذات ليلة بأن نا سنسافر غدا إن شاء ال إل الن جف ‪ ،‬و سألته و ما الن جف ؟‬
‫قال ‪ :‬إن ا مدي نة علم ية ف يه مر قد المام علي بن أ ب طالب ‪ ،‬فتعج بت ك يف يكون للمام علي قب‬
‫معروف ‪.‬‬
‫لن شيوخنا يقولون أنه ل وجود لقب معروف لسيدنا علي ‪ ،‬و سافرنا ف سيارة عمومية حت‬
‫وصيلنا إل الكوفية و هناك نزلنيا لزيارة جاميع الكوفية و هيو مين الثار السيلمية الالدة ‪ ،‬و كان‬
‫صديقي يري ن الما كن الثر ية و يزور ن جا مع م سلم بن عق يل و ها ن بن عروة و ي كي ل بإياز‬
‫ك يف ا ستشهدا ‪ ،‬ك ما أدخل ن الحراب الذي ا ستشهد ف يه المام علي ‪ ،‬و بعد ها زر نا الب يت الذي‬
‫كان يسكنه المام مع ابنيه سيدنا السن و سيدنا السي ‪ ،‬و ف البيت البئر الت كانوا يشربون منها‬
‫و يتوضؤون بائها ‪ ،‬و عشت لظات روحية نسيت خللا الدنيا و ما فيها لسبح ف زهد المام و‬
‫بساطة عيشه و هو أمي الؤمني و رابع اللفاء الراشدين ‪.‬‬
‫و ل يفوتن أن أذكر الفاوة و التواضع اللذين شاهدتما هناك ف الكوفة ‪ ،‬فما مررنا بجموعة‬
‫إل و قاموا إلينا و سلموا علينا ‪ ،‬و كان صديقي يعرف الكثي منهم و دعانا أحدهم و هو مدير العهد‬
‫بالكوفة إل بيته حيث إلتقينا بأولده و بتنا عندهم ليلة سعيدة ‪ ،‬و شعرت و كأن بي أهلي و عشيت‬
‫‪ ،‬و كانوا إذا تكلموا عن أ هل ال سنة و الما عة يقولون ‪ " :‬إخوان نا من ال سنة " فأن ست بديث هم و‬
‫سألتهم بعض السئلة الختبارية لتيقن من صدق كلمهم ‪ .‬تولنا إل النجف و هي تبعد عن الكوفة‬
‫حوال عشرة كيلومترات و ما أن وصلنا حت تذكرت مسجد الكاظمية ف بغداد فبدت الآذن الذهبية‬
‫تيط بقبة من الذهب الالص و دخلنا إل حرم المام بعد قراءة الذن بالدخول كما هي عادة الزوار‬
‫من الشي عة ‪ ،‬و رأ يت ه نا أع جب م ا رأ يت هناك ف جا مع مو سى الكا ظم ‪ ،‬و كالعادة وق فت أقرأ‬
‫الفات ة و أ نا أ شك ف أن هذا ال قب يوي جثمان المام علي ‪ ،‬و كأ ن اقتن عت بب ساطة ذلك الب يت‬
‫الذي كان يسكنه ف الكوفة و قلت ف نفسي حاشى للمام علي أن يرضى بذه الزخرفة من الذهب‬
‫و الفضة بينما يوت السلمون جوعا ف شت بقاع الدنيا ‪ ،‬و خصوصا لا رأيت فقراء ف الطريق يدون‬
‫أيدي هم للمارة طل با لل صدقة فكان ل سان حال يقول ‪ :‬أي ها الشي عة أن تم مطئون ‪ ،‬اعترفوا على ال قل‬

‫‪40‬‬
‫بذا ال طأ فالمام علي هو الذي بع ثه ر سول ال لت سوية القبور ‪ ،‬ف ما لذه القبور الشيدة بالذ هب و‬
‫الفضة إنا و إن ل تكن شركا بال فهي على القل خطأ فادح ل يغفره السلم ‪.‬‬
‫و سألن صديقي و هو يد إل قطعة من الطي اليابس هل أريد أن أصلي ‪ ،‬و أجبته ف حدة ‪:‬‬
‫ن ن ل ن صلي حول القبور ! قال ‪ :‬إذا انتظر ن قليل ح ت أ صلي ركعت ي ‪ ،‬و ف انتظاره ك نت أقرأ‬
‫اللوحية العلقية على الضرييح و أنظير إل داخله مين خلل القضبان الذهبيية النقوشية و إذا بيه ملييء‬
‫بالوراق النقد ية من كل اللوان من الدر هم و الريال إل الدينار و اللية و كلها يلقيها الزوار تبكا‬
‫للمساهة ف الشاريع اليية التابعة للمقام و ظننت لكثرتا أن لا شهورا ‪ ،‬و لكن صديقي أعلمن ف‬
‫ما بعد أن السؤولي عن تنظيف القام يأخذون كل ذلك ف كل ليلة بعد صلة العشاء ‪.‬‬
‫خرجيت وراءه مدهوشيا و كأنني تنييت أن يعطوني منهيا نصييبا أو يوزعوهيا على الفقراء و‬
‫الساكي و ما أكثرهم هناك ‪.‬‬
‫كنت ألتفت ف كل اتاه داخل السور الكبي الحيط بالقام حيث يصلي جاعات من الناس هنا‬
‫و هناك و ينصت آخرون إل بعض الطباء الذين اعتلوا منبا و كأن سعت نواح بعضهم ف صوت‬
‫متهدج ‪) 51 ( .‬‬
‫و رأيت جوعا من الناس يبكون و يلطمون على صدورهم و أردت أن أسال صديقي ‪ ،‬ما بال‬
‫هؤلء يبكون و يلطمون و مرت بقرب نا جنازة و شاهدت بعض هم ير فع الرخام ف و سط ال صحن و‬
‫ينل اليت هناك ‪ ،‬فظننت أن بكاء هؤلء لجل اليت العزيز عليهم ‪.‬‬
‫***‬

‫‪41‬‬
) 52 (

42
‫( ‪) 53‬‬

‫لقاء العلماء‬
‫أدخل ن صديقي إل م سجد ف جا نب الرم مفروش كله بال سجاد و ف مرا به آيات قرآن ية‬
‫منقوشة بط جيل ‪ ،‬و لَفَتَ انتباهي مموعة من الصبيان العممي جالسي قرب الحراب يتدارسون و‬
‫كل وا حد ف يده كتاب ‪ ،‬فأعج بت لذا الن ظر الم يل و ل ي سبق ل أن رأ يت شيو خا بذا ال سن‬
‫أعمارهيم تتراوح ميا بيي الثالثية عشرة و السيادسة عشرة و قيد زادهيم جال ذلك الزي فأصيبحوا‬
‫كالقمار ‪ ،‬سألم صديقي عن " ال سيد " فأ خبوه بأ نه ي صلي بالناس جا عة ‪ ،‬و ل أف هم من هو "‬
‫السيد " الذي سألم عنه غي أنن توقعت أنه أحد العلماء ‪.‬‬
‫و عرفت فيما بعد أنه السيد الوئي زعيم الوزة العلمية للطائفة الشيعية ‪.‬‬
‫مع العلم بأن لقب " السيد " عند الشيعة هو لقب لكل منحدر من سللة النب ( صلى ال عليه و آله ) ‪،‬‬
‫ويرتدي " السييد " العال أو طالب العلوم الدينيية عمامية سيوداء ‪ ،‬و أميا العلماء الخرون فيتدون‬
‫عما مة بيضاء و يلقبون ب ي " الش يخ " و هناك نوع من الشراف الذ ين لي سوا بعلماء فل هم عما مة‬
‫خضراء ‪.‬‬
‫طلب إلي هم صديقي أن أجلس مع هم ريث ما يذ هب للقاء " ال سيد " و رحبوا ب و أحاطو ن‬
‫بنصف دائرة و أنا أنظر ف وجوههم و أستشعر براءتم و نقاوة سريرتم و أستحضر ف ذهن حديث‬
‫ال نب ( صيلى ال علييه و آله ) ح يث قال ‪ " :‬يولد الرء على الفطرة فأبواه يهودا نه أو ين صرانه أو يج سانه " و‬
‫قلت ف نفسي ‪ :‬أو يشيعانه ‪.‬‬
‫سألون من أي البلد أ نا ‪ ،‬قلت ‪ :‬من تو نس ‪ ،‬قالوا ‪ :‬هل يو جد عند كم حوزات علم ية ؟‬
‫أجبتهم ‪ :‬عندنا جامعات و مدارس ‪ ،‬و انالت علي السئلة من كل جانب ‪ ،‬و كلها أسئلة مركزة و‬
‫مر جة ‪ ،‬فماذا أقول لؤلء البرياء الذ ين يعتقدون أن ف العال ال سلمي كله حوزات علم ية تدرس‬
‫الف قه و أ صول الد ين و الشري عة و التف سي ‪ ،‬و ما يدرون أن ف عال نا ال سلمي و ف بلدان نا ال ت‬
‫تقدمت و تطورت ‪ ،‬أبدلنا الدارس القرآن ية بروضات للطفال يشرف عليها راهبات ن صرانيات فهل‬
‫أقول لم إنم ما زالوا " متخلفي " بالنسبة إلينا ؟ ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫و سألن أحدهم ‪ :‬ما هو الذهب التبع ف تونس ؟ قلت ‪ :‬الذهب الالكي ‪ ،‬قال ‪ :‬أل تعرفون‬
‫الذهب العفري ؟ فقلت ‪ :‬خي إن شاء ال ‪ ،‬ما هذا السم الديد ؟ ل ‪ ،‬نن ل نعرف غي الذاهب‬
‫الربعة و ما عداها فليس من السلم ف شيء ‪.‬‬
‫و ابتسم قائل ‪ :‬عفوا ‪ ،‬أن الذهب العفري هو مض السلم ‪ ،‬أل تعرف بأن المام أبا حنيفة‬
‫تتل مذ على يد المام جعفر ال صادق ؟ و ف ذلك يقول أبو حنيفة ‪ " :‬لول ال سنتان للك النعمان " ‪،‬‬
‫سكت و ل أبد جوابا ‪ ،‬فقد أدخل علي أسا جديدا ما سعت به قبل ذلك اليوم و لكن حدت ال أنه‬
‫‪ -‬أي إمامهم جعفر الصادق ‪ -‬ل يكن أستاذا للمام مالك و قلت نن مالكية و لسنا أحنافا ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أن الذاهب الربعة أخذ بعضهم عن بعض فأحد بن حنبل أخذ عن الشافعي و الشافعي‬
‫أخذ عن مالك و أخذ مالك عن أب حنيفة و أبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق و على هذا فكلهم‬
‫تلميذ لعفر بن ممد ‪ ،‬و هو أول من فتح جامعة إسلمية ف مسجد جده رسول ال و قد تتلمذ‬
‫على يديه أكثر من أربعة آلف مدث و فقيه ‪ ،‬و عجبت لذا الصب الذكي الذي يفظ ما يقول مثل‬
‫ما يفظ أحدنا سورة من القرآن ‪ ،‬و قد أدهشن أكثر عندما كان يسرد علي بعض الصادر التاريية‬
‫ال ت ي فظ عدد أجزائ ها و أبواب ا ‪ ،‬و قد ا سترسل م عي ف الد يث و كأ نه أ ستاذ يعلم تلميذه ‪ ،‬و‬
‫شعرت بالضعف أمامه ‪ ،‬و تنيت لو أن خرجت مع صديقي ول أبق مع الصبيان ‪ ،‬فما سألن أحدهم‬
‫عن شيء يص الفقه أو التاريخ إل و عجزت عن الواب ‪ ،‬سألن من أقلد من الئمة ؟ قلت ‪ :‬المام‬
‫مالك !‬
‫قال ‪ :‬ك يف تقلد مي تا بي نك و بي نه أرب عة ع شر قر نا ‪ ،‬فإذا أردت أن ت سأله الن عن م سألة‬
‫مستحدثة ف هل يي بك ؟ فكرت قليل و قلت ‪ :‬و أنت جعفرك مات أي ضا منذ أرب عة ع شر قر نا ف من‬
‫تقلد ؟ أجاب بسرعة هو و الباقون من الصبية ‪ :‬نن نقلد السيد الوئي فهو إمامنا ‪.‬‬
‫و ل أف هم أكان الوئي أعلم أم جع فر ال صادق ‪ ،‬و بق يت مع هم أحاول تغي ي الوضوع فك نت‬
‫أ سألم عن أي ش يء يلهي هم عن م سألت ف سألتهم عن عدد سكان الن جف و كم تب عد الن جف عن‬
‫بغداد و هل يعرفون بُلدانا أخرى غي العراق ‪ ،‬وكلما أجابوا أعددت لم سؤال غيه حت أشغلهم عن‬
‫سؤال لن عجزت و شعرت بالقصور ‪ ،‬و لكن هيهات أن أعترف لم و إن كنت ف داخلي معترفا‬

‫‪44‬‬
‫إذ أن ذلك ال جد و ال عز و العلم الذي ركب ن ف م صر تب خر ه نا و ذاب ‪ ،‬خ صوصا ب عد لقاء هؤلء‬
‫الصبيان عرفت الكمة القائلة ‪:‬‬
‫فقل لن يدعي ف العلم فلسفة * عرفت شيئا و غابت عنك أشياء‬
‫و تصورت أن عقول هؤلء الصبيان أكب من عقول أولئك الشايخ الذين قابلتهم ف الزهر و‬
‫أكب من عقول علمائنا الذين عرفتهم ف تونس ‪.‬‬
‫و د خل ال سيد الوئي و م عه كوك بة من العلماء علي هم هي بة و وقار ‪ ،‬و قام ال صبيان و ق مت‬
‫معهم ‪ ،‬و تقدموا من " السيد " يقبلون يده ‪ ،‬و بقيت مسمرا ف مكان ‪ ،‬ما إن جلس " السيد " حت‬
‫جلس الميع و بدأ يييهم بقوله ‪ " :‬مساكم ال بالي " يقولا لكل واحد منهم فيجيبه بالثل حت‬
‫و صل دوري فأج بت ك ما سعت ‪ ،‬بعد ها أشار علي صديقي الذي تكلم مع " ال سيد " ه سا ‪ ،‬بأن‬
‫أدنو من " السيد " و أجلسن على يينه و بعد التحية قال ل صديقي ‪ :‬أحك للسيد ماذا تسمعون عن‬
‫الشيعة ف تونس ‪.‬‬
‫فقلت يا أخي كفانا من الكايات الت نسمعها من هنا و هناك ‪ ،‬و الهم هو أن أعرف بنفسي‬
‫ماذا يقول الشيعة ‪ ،‬و عندي بعض السئلة أريد الواب عنها بصراحة ‪.‬‬
‫فأل علي صديقي و أصر على أن أروي " للسيد " ما هو اعتقادنا ف الشيعة ‪ ،‬قلت ‪ :‬الشيعة‬
‫عندنا هم أشد على السلم من اليهود و النصارى لن هؤلء يعبدون ال و يؤمنون برسالة موسى ( عليه‬

‫السيلم ) ‪ ،‬بين ما ن سمع عن الشي عة أن م يعبدون عل يا و يقد سونه ‪ ،‬و من هم فر قة يعبدون ال و لكن هم‬
‫ينلون عليا بنلة رسول ال و رويت قصة جبيل كيف أنه خان المانة حسب ما يقولون و بدل من‬
‫أداء الرسالة إل علي أداها إل ممد ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬
‫أطرق " السيد " رأسه هنيهة ث نظر إل و قال ‪ :‬نن نشهد أن ل إله إل ال و أن ممدا رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و على آله الط يبي الطاهر ين ‪ ،‬و ما عل يّ إل ع بد من عب يد ال و الت فت إل بق ية‬
‫الالسي قائل و مشيا إل ‪ :‬أنظروا إل هؤلء البرياء كيف تغلطهم الشاعات الكاذبة ‪ ،‬و هذا ليس‬
‫بغريب فقد سعت أكثر من ذلك من أشخاص آخرين ‪ ،‬فل حول و ل قوة إل بال العلي العظيم ‪ ،‬ث‬
‫التفت إل و قال ‪ :‬هل قرأت القرآن ؟ قلت ‪ :‬حفظت نصفه و ل أتط العاشرة من عمري ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫قال ‪ :‬هل تعرف أن كل الفرق ال سلمية على اختلف مذاهب ها متف قة على القرآن الكر ي ‪،‬‬
‫فالقرآن الوجود عندنا هو نفسه موجود عندكم ‪ .‬قلت نعم هذا أعرفه ‪.‬‬
‫ِهي‬
‫َتي م ِن قَبْل ِ‬
‫ح ّمدٌ ِإلّ رَسيُو ٌل َقدْ خَل ْ‬ ‫قال ‪ :‬إذا أل تقرأ قول ال سيبحانه و تعال ‪ { :‬وَم َا ُم َ‬
‫الرّ ُسلُ } ‪. 1‬‬
‫ح ّمدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَ ِشدّاء َعلَى الْكُفّارِ } ‪. 2‬‬ ‫و قوله أيضا ‪ّ { :‬م َ‬
‫و قوله ‪ { :‬مّا كَانَ ُمحَ ّمدٌ أَبَا أَ َحدٍ مّن رّجَالِ ُكمْ وَلَكِن رّسُولَ اللّهِ وَخَاَتمَ النّبِيّيَ } ‪. 3‬‬
‫قلت بلى أعرف هذه اليات قال ‪ :‬فأ ين هو علي ؟ إذا كان قرآن نا يقول بأن ممدا هو ر سول‬
‫ال ف من أ ين جاءت هذه الفر ية ؟ سكتُ و ل أ جد جوا با ‪ ،‬و أضاف يقول ‪ :‬و أ ما خيا نة جب يل "‬
‫حاشاه " فهذه أقبح من الول ‪ ،‬لن ممد كان عمره أربعي سنة عندما أرسل ال سبحانه إليه جبيل‬
‫( عليه السلم ) ‪ ،‬و ل يكن علي إل صبيا صغيا عمره ست أو سبع سنوات ‪ ،‬فكيف يا ترى يطئ جبيل‬
‫و ل يفرق بي ممد الرجل و علي الصب ؟ ‪.‬‬
‫ث سكت طويل بينما بقيت أفكر ف أقواله و أ نا مطرق أحلل و أتذوق هذا الديث النط قي‬
‫الذي نفذ إل أعماقي و أزال غشاوة عن بصري و تساءلت ف داخلي كيف ل نلل نن بذا النطق ‪.‬‬
‫أضاف " ال سيد الوئي " يقول ‪ :‬و أزيدك بأن الشي عة هي الفر قة الوحيدة من ب ي كل الفرق‬
‫السلمية الخرى الت تقول بعصمة النبياء و الئمة ‪ ،‬فإذا كان أئمتنا سلم ال عليهم معصومي عن‬
‫الطأ و هم بشر مثلنا ‪ ،‬فكيف ببيل و هو ملك مقرب ساه رب العزة بي " الروح المي " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فمن أين جاءت هذه الدعايات ؟ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من أعداء السلم الذين يريدون تفريق السلمي و تزيقهم و ضرب بعضهم ببعض و إل‬
‫فالسيلمون أخوة سيواء كانوا شيعية أم سينة فهيم يعبدون ال وحده ل يشركون بيه شيئا ‪ ،‬و قرآنمي‬
‫واحد و نبيهم واحد و قبلتهم واحدة ‪ ،‬و ل يتلف الشيعة عن السنة إل ف المور الفقهية كما يتلف‬
‫أئمة الذاهب السنية أنفسهم ف ما بينهم فمالك يالف أبا حنيفة ‪ ،‬و هذا يالف الشافعي و هكذا ‪...‬‬

‫سورة آل عمران ( ‪ ، ) 3‬الية ‪. 144 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الفتح ( ‪ ، ) 48‬الية ‪. 29 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الحزاب ( ‪ ، ) 33‬الية ‪. 40 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪46‬‬
‫قلت ‪ :‬إذا كل ما يكى عنكم هو مض افتراء قال ‪ :‬أنت بمد ال عاقل و تفهم المور و قد‬
‫رأيت بلد الشيعة و تولت ف أوساطهم فهل رأيت أو سعت شيئا من تلك الكاذيب ؟ قلت ‪ :‬ل ل‬
‫أ سع و ل أر إل ال ي و إ ن أح د ال سبحانه أن عرف ن بال ستاذ من عم ف الباخرة ‪ ،‬ف هو ال سبب ف‬
‫ميئي إل العراق و قد عرفت أشياء كثية كنت أجهلها فضحك صديقي منعم قائل ‪ :‬و منها وجود‬
‫قب للمام علي ‪ ،‬فغمز ته و ا ستدركت قائل ‪ :‬بل تعل مت أشياء جديدة ح ت من هؤلء ال صبيان و‬
‫تنيت لو أتيحت ل الفرصة و تعلمت مثلهم ف الوزة العلمية هنا ‪.‬‬
‫قال " ال سيد " ‪ :‬أهل و سهل ‪ ،‬إن ك نت تر يد طلب العلم فالوزة على ذم تك ‪ ،‬و ن ن ف‬
‫خدمتك ‪ ،‬و رحب الاضرون بذا القتراح و خصوصا صديقي منعم الذي تلل وجهه ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أنا متزوج و عندي ولدان ‪ :‬قال ‪ :‬نن نتكفل بكل مستلزماتكم من سكن و معاش و‬
‫كل ما تتاجون إل يه و ال هم هو طلب العلم ‪ ،‬فكرت قليل و قلت ف نف سي ل يس من العقول أن‬
‫أ صبح تلميذا ب عد ما قض يت خ س سنوات و أ نا أ ستاذ أمارس التعل يم و ترب ية النُ شء ‪ ،‬و ل يس من‬
‫السهولة أن أتذ قرارا بثل هذه السرعة ‪.‬‬
‫شكرت السيد الوئي على هذا العرض و قلت سوف أفكر ف الوضوع بد بعد رجوعي من‬
‫العمرة بول ال و لكن ف حاجة إل بعض الكتب ‪ ،‬فقال السيد ‪ :‬أعطوه الكتب ‪ ،‬و نض جع من‬
‫العلماء و فتحوا عدة خزانات و ما هي إل لظات ح ت وجدت أما مي أك ثر من سبعي ملدا ف كل‬
‫واحد جاءن بدورة من الكتب و قال ‪ :‬هذه هديت ‪ ،‬و رأيت أنه ل يكنن حل هذا العدد الكبي معي‬
‫خصوصا و أن متوجه إل السعودية الذين ينعون دخول أي كتاب إل بلدهم خوفا من تفشي بعض‬
‫العقائد الت تالف مذهبهم و لكن ما أردت التفريط بذه الكتب الت ل تر عين مثلها ف سابق حيات‬
‫‪.‬‬
‫فقلت لصديقي و للحاضرين بأن طريقي طويل ير بدمشق و الردن إل السعودية و ف العودة‬
‫سيكون أطول ف سأمر ب صر و ليب يا ح ت الو صول إل تو نس ‪ ،‬و زيادة على ث قل ال مل فإن أغلب‬
‫الدول تنيع دخول الكتيب ‪ ،‬فقال " السييد " أترك لنيا عنوانيك و نني نتكفيل بإرسيالا إلييك ‪ ،‬و‬
‫استحسنت هذا الرأي و أعطيته بطاقة شخصية با عنوان ف تونس ‪ ،‬و شكرت فضله ‪ ،‬و لا ودعته و‬
‫ن ضت للخروج ‪ ،‬ن ض م عي قائل ‪ :‬أ سأل ال لك ال سلمة و إذا وق فت على قب جدي ر سول ال‬

‫‪47‬‬
‫فبل غه م ن ال سلم و تأ ثر الاضرون و تأثرت كثيا و أ نا أن ظر إل عين يه تدمعان ‪ ،‬و قلت ف نف سي‬
‫حا شى ل أن يكون هذا من الخطئ ي حا شى ل أن يكون هذا من الكاذب ي ‪ ،‬إن هيب ته و عظم ته و‬
‫تواضعه تنبء حقا أنه من سللة الشرف ‪ ،‬فما كان من إل أن أخذت يده و قبلتها رغم مانعته ‪.‬‬
‫و قام الميع لقيا مي و سلموا علي ‪ ،‬و تبعن ب عض ال صبية من الذ ين كانوا يادلونن و طلبوا‬
‫من عنوان للمراسلة فأعطيتهم إياه ‪.‬‬
‫اتهنا من جديد إل الكوفة بدعوة أحد الذين كانوا ف ملس السيد الوئي و هو صديق منعم‬
‫إسه أبو شب ‪ ،‬نزلنا ف بيته و سهرنا ليلة كاملة مع مموعة من الشبان الثقفي و كان من بينهم بعض‬
‫طلبة السيد ممد باقر الصدر فأشاروا علي بقابلته و تعهدوا بأنم سيتبون لقائي مع حضرته ف اليوم‬
‫التال ‪ ،‬و استحسن صديقي منعم هذا القتراح و لكنه تأسف لعدم إمكانية حضوره لن له شغل ف‬
‫بغداد يستلزم حضوره ‪ ،‬و اتّفقنا على أن أبقى ف بيت السيد أبو شب ثلثة أيام أو أربعة ريثما يعود‬
‫من عم ‪ ،‬الذي غادر نا ب عد صلة الف جر و قم نا ن ن للنوم و قد ا ستفدت كثيا من طل بة العلوم الذ ين‬
‫سهرت معهم و تعجبت من تنوع العلوم الت يتلقونا ف الوزة فهم زيادة على العلوم السلمية من‬
‫ف قه و شري عة و توح يد يدر سون العلوم القت صادية و العلوم الجتماع ية و ال سياسية ‪ ،‬و التار يخ و‬
‫اللغات و علوم الفلك و غي ذلك ‪.‬‬
‫***‬

‫‪48‬‬
) 60 (

49
‫( ‪) 61‬‬

‫لقاء مع السيد ممد باقر الصدر‬


‫اتهت بصحبة السيد أبو شب إل بيت السيد ممد باقر الصدر و ف الطريق كان يلطفن و‬
‫يعطين بسطة عن العلماء الشهورين و عن التقليد و غي ذلك ‪ ،‬و دخلنا على السيد ممد باقر الصدر‬
‫ف بيته و كان مليئا بطلبة العلوم و أغلبهم من الشبان العممي و قام السيد يسلم علينا ‪ ،‬و قدمون إليه‬
‫فرحب ب كثيا و أجلسن بانبه و أخذ يسألن عن تونس و الزائر و عن بعض العلماء الشهورين‬
‫أمثال الضير حسيي و الطاهير بين عاشور و غيهيم ‪ ،‬و أنسيت بديثيه و رغيم اليبية التي تعلوه و‬
‫الحترام الذي يوطه به جل ساؤه ‪ ،‬وجدت نفسي غي مرج و كأ ن أعرفه من قبل و ا ستفدت من‬
‫تلك الل سة إذ ك نت أ سع أ سئلة الطل بة و أجو بة ال سيد علي ها ‪ ،‬و عر فت وقت ها قي مة تقل يد العلماء‬
‫الحياء الذ ين ييبون عن كل الشكالت مباشرة و ب كل وضوح ‪ ،‬و تيق نت أي ضا من أن الشي عة‬
‫مسلمون يعبدون ال وحده و يؤمنون برسالة نبينا ممد ( صلى ال عليه و آله ) ‪ ،‬إذ كان بعض الشك يراودن‬
‫و الشيطان يو سوس ل بأن ما شاهد ته ق بل هو تث يل ‪ ،‬و رب ا يكون ما ي سمونه بالتق ية ‪ ،‬أي أن م‬
‫يظهرون ما ل يعتقدون ‪ ،‬و لكن سرعان ما يزول الشك و تضمحل تلك الوساوس إذ ل يكن بأي‬
‫حال مين الحوال أن يتفيق كيل مين رأيتهيم و سيعتهم و هيم مئات على هذا التمثييل ثي لاذا هذا‬
‫التمثيل ؟ و من هو أنا ‪ ،‬و ما يهمهم من أمري حت يستعملوا معي هذه التقية ث هذه كتبهم القدية‬
‫الت كتبت منذ قرون و الديثة الت طبعت منذ شهور و كلها توحد ال و تثن على رسوله ممد كما‬
‫قرأت ذلك ف مقدماتا ‪ ،‬و ها أنا الن ف بيت السيد ممد باقر الصدر الرجع الشهور ف العراق و‬
‫ف خارج العراق و كلما ذكر اسم ممد صاح الميع ف صوت واحد ‪ " :‬اللهم صل على ممد و آل‬
‫ممد " ‪.‬‬
‫و جاء و قت ال صلة و خرج نا إل ال سجد و كان بوار الب يت و صلى ب نا ال سيد م مد با قر‬
‫الصدر صلة الظهر و العصر ‪ ،‬و أحسست بأن أعيش وسط الصحابة الكرام فقد تلل الصلتي دعا‬
‫رهيب من أحد الصلي ‪ ،‬و كان له صوت شجي ساحر و بعدما أنى الدعاء صاح الميع " اللهم‬
‫صل على ممد و آل ممد " و كان الدعاء كله ثناء و تجيدا على ال جل جلله ث على ممد و آله‬
‫الطيبي الطاهرين ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫و جلس السيد ف الحراب بعد الصلة ‪.‬‬
‫و أخذ بعضهم يسلمون عليه و يسألونه سرا و علنية و كان ييب سرا عن بعض السئلة الت‬
‫فه مت أن ا تتطلب الكتمان لن ا تتعلق بشؤون خا صة ‪ ،‬و كان ال سائل إذا ح صل على الواب يق بل‬
‫يده و ينصرف ‪ ،‬هنيئا لم بذا العال الليل الذي يل مشاكلهم و يعيش هومهم ‪.‬‬
‫رجع نا ب صحبة ال سيد الذي أول ن من الرعا ية و العنا ية و ح سن الضيا فة ما أن سان أهلي و‬
‫عشيتي و أحسيست بأني لو بقييت معيه شهرا واحدا لتشيعيت لسين أخلقيه و تواضعيه و كرم‬
‫معاملته ‪ ،‬فلم أنظر إليه إل و ابتسم ف وجهي و ابتدرن بالكلم ‪ ،‬و سألن هل ينقصن شيء ‪ ،‬فكنت‬
‫ل أغادره طيلة اليام الرب عة إل للنوم ‪ ،‬ر غم كثرة زواره و العلماء الوافد ين عل يه من كل القطار ‪،‬‬
‫ف قد رأ يت ال سعوديي هناك و ل أ كن أت صور بأن ف الجاز شي عة ‪ ،‬و كذلك علماء من البحر ين و‬
‫من قطر و من المارات و من لبنان و سوريا و إيران و أفغانستان و من تركيا و من أفريقيا السوداء و‬
‫كان السيد يتكلم معهم و يقضي حوائجهم و ل يرجون من عنده إل و هم فرحون مسرورون ‪ ،‬و‬
‫ل يفوتن أن أذكر هنا قضية حضرتا و أعجبت ف كيفية فصلها ‪ ،‬و أذكرها للتاريخ لا لا من أهية‬
‫بالغة حت يعرف السلمون ماذا خسروا بتركهم حكم ال ‪.‬‬
‫جاء إل السيد م مد با قر ال صدر أرب عة رجال أظن هم عراقي ي عر فت ذلك من لجت هم ‪ ،‬كان‬
‫أحدهم ورث مسكنا من جده الذي توف منذ سنوات و باع ذلك السكن إل شخص ثان كان هو‬
‫ال خر حاضرا ‪ ،‬و ب عد سنة من تار يخ الب يع جاء أخوان ‪ ،‬و أثب تا أن ما وارثان شرعيان للم يت ‪ ،‬و‬
‫جلس أربعتهم أمام السيد و أخرج كل واحد منهم أوراقه و ما عنده من حجج و بعد ما قرأ السيد‬
‫كل أوراق هم و تدث مع هم ب ضع دقائق ح كم بين هم بالعدل ‪ ،‬فأع طى الشاري ح قه ف الت صرف‬
‫بالسكن و طلب من البائع أن يدفع للخوين نصيبهما من الثمن القبوض ‪ ،‬و قام الميع يقبلون يده ‪،‬‬
‫و يتعانقون ‪ ،‬و ده شت لذا و ل أ صدق ‪ ،‬و سألت أ با شب ‪ ،‬هل انت هت القض ية ؟ قال ‪ " :‬خلص‬
‫كل اخذ حقه " ‪ ،‬سبحان ال ! بذه السهولة ‪ ،‬و بذا الوقت الوجيز ‪ ،‬بضع دقائق فقط كافية لسم‬
‫الناع ؟ إن م ثل هذه القض ية ف بلد نا ت ستغرق ع شر سنوات على أ قل تقد ير و يوت بعض هم ‪ ،‬و‬
‫يواصل أولده بعده تتبع القضية و يصرفون رسوم الحكمة و الحامي ما يكلفهم ف أغلب الحيان‬
‫ثن السكن نفسه ‪ ،‬و من الحكمة البتدائية إل مكمة الستئناف ث إل التعقيب و ف النهاية يكون‬

‫‪51‬‬
‫الميع غي راضي بعد ما يكونون قد أنكوا بالتعب و الصاريف و الرشوة ‪ ،‬و العداوة و البغضاء بي‬
‫عشائرهم و ذويهم ‪ ،‬أجابن أبو شب ‪ ،‬و عندنا أيضا نفس الشيء أو أكثر فقلت ‪ :‬كيف ؟ قال ‪ :‬إذا‬
‫رفع الناس شكواهم إل الحاكم الكومية ‪ ،‬فيكون مثل ما حكيت أما إذا كانوا يقلدون الرجع الدين‬
‫و يلتزمون بالحكام السلمية ‪ ،‬فل يرفعون قضاياهم إل إليه فيفصلها ف بضع دقائق كما رأيت ‪ ،‬و‬
‫من أحسن من ال حكما لقوم يعقلون ؟ و السيد الصدر ل يأخذ منهم فلسا واحدا ‪ ،‬و لو ذهبوا إل‬
‫الحاكم الرسية لتعرت رؤوسهم ‪.‬‬
‫ضح كت لذا الت عبي الذي هو سار عندنا أيضا و قلت ‪ :‬سبحان ال ! أ نا ل زلت مكذ با ما‬
‫رأ يت ‪ ،‬و لول ما شاهد ته بعي ن ما ك نت ل صدق أبدا ‪ ،‬فقال أ بو شب ‪ :‬ل تكذب يا أ خي فهذه‬
‫بسيطة بالنسبة إل غيها من القضايا الت هي أشد تعقيدا و فيها دماء ‪ ،‬و مع ذلك يكم فيها الراجع‬
‫و يفصلونا ف سويعات ‪ ،‬فقلت متعجبا ‪ :‬إذا عندكم ف العراق حكومتان ‪ ،‬حكومة الدولة و حكومة‬
‫رجال الد ين ‪ ،‬فقال ‪ :‬كل عند نا حكو مة الدولة ف قط ‪ ،‬و ل كن ال سلمي من الشي عة الذ ين يقلدون‬
‫مراجع الدين ‪ ،‬ل علقة لم بالكومة ‪ ،‬لنا ليست حكومة إسلمية فهم خاضعون لا بكم الواطنية‬
‫و الضرائب و القوق الدن ية و الحوال الشخ صية ‪ ،‬فلو تا صم م سلم ملتزم مع أ حد ال سلمي غ ي‬
‫اللتزمي فسوف يضطر حتما لرفع قضيته إل ماكم الدولة ‪ ،‬لن هذا الخي ل يرضى بتحكيم رجال‬
‫الد ين ‪ -‬أ ما إذا كان التخاصمان متلزم ي فل أشكال هناك ‪ ،‬و ما ي كم به الر جع الدين نافذ على‬
‫الميع ‪.‬‬
‫و على هذا الساس تل القضايا الت يكم فيها الرجع ف يومها بينما تظل القضايا الخرى‬
‫شهورا بل أعواما ‪.‬‬
‫إن ا حاد ثة حر كت ف نف سي شعور الر ضى بأحكام ال سبحانه و تعال و فه مت مع ن قوله‬
‫تعال ف كتابه الجيد ‪:‬‬
‫{ ‪ ...‬وَمَن لّ مْ َيحْكُم ِبمَا أَنزَلَ اللّ ُه فَُأ ْولَئِ كَ هُ مُ الْكَافِرُو نَ ‪ ... ،‬وَمَن لّ مْ َيحْكُم ِبمَا أن َزلَ اللّ هُ‬
‫فَُأوْلَئِكَ هُمُ الظّاِلمُونَ ‪ ... ،‬وَمَن لّمْ َيحْكُم ِبمَا أَنزَلَ اللّ ُه فَُأ ْولَئِ كَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ‪ 1‬صدق ال العظيم‬
‫‪.‬‬

‫سورة الائدة ( ‪ ، ) 5‬اليات ‪ 44 :‬و ‪ 45‬و ‪. 47‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪52‬‬
‫كميا حركيت في نفسيي شعور النقمية و الثورة على هؤلء الظلمية الذيين يبدلون أحكام ال‬
‫العادلة بأحكام وضعيية بشريية جائرة ‪ ،‬و ل يكفيهيم كيل ذلك بيل ينتقدون بكيل وقاحية و سيخرية‬
‫الحكام اللية ‪ ،‬و يقولون بأنا بربرية و وحشية لنا تقيم الدود فتقطع يد السارق و ترجم الزان ‪،‬‬
‫و تقتل القاتل ‪ ،‬فمن أين جاءتنا هذه النظريات الغريبة عنا و عن تراثنا ‪ ،‬ل شك إنا من الغرب و من‬
‫أعداء السلم الذين يدركون أن تطبيق أحكام ال يعن القضاء عليهم نائيا ‪ ،‬لنم ُسرّاق ‪ ،‬خونة ‪،‬‬
‫زناة ‪ ،‬مرمون و قتلة ‪.‬‬
‫و لو طبقت أحكام ال عليهم ل سترحنا من هؤلء جيعا و قد دارت بين و بي السيد ممد‬
‫باقر الصدر ف تلك اليام حوارات عديدة و كنت أسأله عن كل صغية و كبية من خلل ما عرفته‬
‫من الصدقاء الذين حدثون عن كثي من عقائدهم و ما يقولونه ف الصحابة رضي ال عنهم و ما‬
‫يعتقدونه ف الئمة الثن عشر علي و بنيه ‪ ،‬و غي ذلك من الشياء الت نالفهم فيها ‪.‬‬
‫سألت السيد الصدر عن المام علي ‪ ،‬و لاذا يشهدون له ف الذان بأنه ول ال ؟ أجاب قائل‬
‫‪ :‬إن أمي الؤمني عليا سلم ال عليه و هو عبد من عبيد ال الذين اصطفاهم ال و شرفهم ليواصلوا‬
‫حل أعباء الرسالة بعد أنبيائه و هؤلء هم أوصياء النبياء ‪ ،‬فلكل نب وصي و علي بن أب طالب هو‬
‫وصيّ ممد ‪ ،‬و نن نفضله على سائر الصحابة با فضله ال و رسوله و لنا ف ذلك أدلة عقلية و نقلية‬
‫من القرآن و السنة و هذه الدلة ل يكن أن يتطرق إليها الشك لنا متواترة و صحيحة من طرقنا و‬
‫ح ت من طرق أ هل ال سنة و الما عة ‪ ،‬و قد ألف ف ذلك علماؤ نا العد يد من الك تب ‪ ،‬و ل ا كان‬
‫الكم الموي يقوم على طمس هذه القيقة و ماربة أمي الؤمني علي و أبنائه و قتلهم ‪ ،‬و وصل بم‬
‫المير إل سيبه و لعنيه على منابر السيلمي و حلي الناس على ذلك بالقهير و القوة ‪ ،‬فكان شيعتيه و‬
‫أتبا عه ر ضي ال عن هم يشهدون أ نه ول ال ‪ ،‬و ل ي كن للم سلم أن ي سب ول ال ‪ ،‬و ذلك تد يا‬
‫من هم لل سلطة الغاش ة ح ت تكون العزة ل و لر سوله و للمؤمن ي ‪ ،‬و ح ت تكون حافزا تاري يا ل كل‬
‫السلمي عب الجيال فيعرفون حقيقة علي و باطل أعدائه ‪.‬‬
‫و دأب فقهاؤنا على الشهادة لعلي بالولية ف الذان و القامة استحبابا ‪ ،‬ل بنية أنا جزء من‬
‫الذان أو القامة فإذا نوى الؤذن أو القيم أنا جزء بطل أذانه و إقامته ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫و الستحبات ف العبادات و العاملت ل تصى لكثرتا و السلم يثاب على فعلها و ل يعاقب‬
‫على ترك ها ‪ ،‬و قد ورد على سبيل الثال أ نه يذ كر ا ستحبابا ب عد شهادة أن ل إله إل ال و أن ممدا‬
‫رسول ال ‪ ،‬بأن يقول السلم ‪ ،‬و أشهد أن النة حق والنار حق و أن ال يبعث من ف القبور ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إن علماءنا علمونا ‪ :‬أن أفضل اللفاء على التحقيق سيدنا أبو بكر الصديق ‪ ،‬ث سيدنا‬
‫عمر الفاروق ث سيدنا عثمان ث سيدنا علي رضي ال تعال عنهم أجعي ؟ سكت السيد قليل ‪ ،‬ث‬
‫أجابن ‪.‬‬
‫ل م أن يقولوا ما يشاؤون ‪ ،‬و ل كن هيهات أن يثبتوا ذلك بالدلة الشرع ية ‪ ،‬ث إن هذا القول‬
‫يالف صريح ما ورد ف كتبهم الصحيحة العتبة ‪ ،‬فقد جاء فيها ‪ :‬أن أفضل الناس أبو بكر ث عمر ث‬
‫عثمان و ل وجود لعلي بيل جعلوه مين سيوقة الناس و إناي ذكره التأخرون اسيتحبابا لذكير اللفاء‬
‫الراشدين ‪.‬‬
‫سألته بعد ذلك عن التربة الت يسجدون عليها و الت يسمونا " بالتربة السينية " أجاب قائل‬
‫‪:‬‬
‫ي ب أن يعرف ق بل كل ش يء أن نا ن سجد على التراب ‪ ،‬و ل ن سجد للتراب ‪ ،‬ك ما يتو هم‬
‫البعض الذين يشهرون بالشيعة ‪ ،‬فالسجود هو ل سبحانه و تعال وحده ‪ ،‬و الثابت عندنا و عند أهل‬
‫السنة أيضا أن أفضل السجود على الرض أو ما أنبتت الرض من غي الأكول ‪ ،‬و ل يصح السجود‬
‫على غي ذلك ‪ ،‬و قد كان رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) يفترش التراب و قد ات ذ له خرة من التراب و‬
‫القيش يسيجد عليهيا ‪ ،‬و علم أصيحابه رضوان ال عليهيم فكانوا يسيجدون على الرض ‪ ،‬و على‬
‫الصى ‪ ،‬و ناهم أن يسجد أحدهم على طرف ثوبه ‪ ،‬و هذا من العلومات بالضرورة عندنا ‪.‬‬
‫و قد اتذ المام زين العابدين وسيد الساجدين على بن السي ( عليهما السلم ) تربة من قب أبيه أب‬
‫عبد ال باعتبارها تربة زكية طاهرة سالت عليها دماء سيد الشهداء ‪ ،‬و استمر على ذلك شيع ته إل‬
‫يوم الناس هذا ‪ ،‬فنحن ل نقول بأن السجود ل يصح إل عليها ‪ ،‬بل نقول بأن السجود يصح على أي‬
‫تربة أو حجرة طاهرة كما يصح على الصي و السجاد الصنوع من سعف النخيل و ما شابه ذلك ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫قلت ‪ -‬على ذكير سييدنا السيي رضيي ال عنيه ‪ -‬لاذا يبكيي الشيعية و يلطمون و يضربون‬
‫أنف سهم ح ت ت سيل الدماء و هذا مرم ف ال سلم ‪ ،‬ف قد قال ( صيلى ال علييه و آله ) ‪ " :‬ل يس م نا من ل طم‬
‫الدود و شق اليوب و دعا بدعوى الاهلية " ‪.‬‬
‫أجاب ال سيد قائل ‪ :‬الد يث صحيح ل شك ف يه و لك نه ل ينط بق على مأ ت أ ب ع بد ال ‪،‬‬
‫فالذي ينادي بثأر السي و يشي على درب السي دعوته ليست دعوى جاهلية ‪ ،‬ث إن الشيعة بشر‬
‫فيهم العال و فيهم الاهل و لديهم عواطف ‪ ،‬فإذا كانت عواطفهم تطغى عليهم ف ذكرى استشهاد‬
‫أ ب ع بد ال و ما جرى عل يه و على أهله و أ صحابه من ق تل و ه تك و سب ‪ ،‬ف هم مأجورون لن‬
‫نوايا هم كلها ف سبيل ال ‪ ،‬و ال سبحانه و تعال يع طي العباد على قدر نوايا هم ‪ ،‬و قد قرأت منذ‬
‫أسبوع التقارير الرسية للحكومة الصرية بناسبة موت جال عبد الناصر ‪ ،‬تقول هذه التقارير الرسية‬
‫بأنه سجل أكثر من ثان حالت انتحارية قتل أصحابا أنفسهم عند ساع النبأ فمنهم من رمى نفسه‬
‫من أعلى العمارة و من هم من أل قى بنف سه ت ت القطار و غ ي ذلك ‪ ،‬و أ ما الجروحون و ال صابون‬
‫فكثيون ‪ ،‬و هذه أمثلة أذكر ها للعوا طف ال ت تط غى على أ صحابا و إذا كان الناس و هم م سلمون‬
‫بل شك يقتلون أنفسهم من أجل موت جال عبد الناصر و قد مات موتا طبيعيا ‪ ،‬فليس من حقنا ‪-‬‬
‫بناء على مثل هذا ‪ -‬أن نكم على أهل السنة بأنم مطئون ‪.‬‬
‫و ل يس لخواننا من أ هل ال سنة أن يكموا على إخوان م من الشي عة بأن م مطئون ف بكائ هم‬
‫على سيد الشهداء ‪ ،‬و قد عاشوا منة السي و ما زالوا يعيشونا حت اليوم ‪ ،‬و قد بكى رسول ال‬
‫نفسه على ابنه السي و بكى جبيل لبكائه ‪.‬‬
‫‪ -‬قلت و لاذا يزخرف الشيعة قبور أوليائهم بالذهب و الفضة و هو مرم ف السلم ؟ ‪.‬‬
‫أجاب السيد الصدر ‪ :‬ليس ذلك منحصرا بالشيعة ‪ ،‬و ل هو حرام فها هي مساجد إخواننا من‬
‫أهل السنة سواء ف العراق أو ف مصر أو ف تركيا أو غيها من البلد السلمية مزخرفة بالذهب و‬
‫الفضة و كذلك مسجد رسول ال ف الدينة النورة و بيت ال الرام ف مكة الكرمة الذي يكسى ف‬
‫كل عام بلة ذهبية جديدة يصرف فيها الليي ‪ ،‬فليس ذلك منحصرا بالشيعة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إن علماء السعودية يقولون ‪ :‬إن التمسح بالقبور و دعوة الصالي و التبك بم ‪ ،‬شرك‬
‫بال ‪ ،‬فما هو رأيكم ؟ أجاب السيد ممد باقر الصدر ‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫إذا كان التم سح بالقبور و دعوة أ صحابا بن ية أن م يضرون و ينفعون ‪ ،‬فهذا شرك ‪ ،‬ل شك‬
‫ف يه ‪ :‬و إن ا ال سلمون موحدون و يعلمون أن ال وحده هو الضار و النا فع و إن ا يدعون الولياء و‬
‫الئمة ( عليهم السلم ) ليكونوا وسيلتهم إليه سبحانه و هذا ليس بشرك ‪ ،‬و السلمون سنة و شيعة متفقون‬
‫على ذلك من زمن الرسول إل هذا اليوم ‪ ،‬عدا الوهابية و هم علماء السعودية الذين ذكرت و الذين‬
‫خالفوا إجاع السلمي بذهبهم الديد الذي ظهر ف هذا القرن ‪ ،‬و قد فتنوا السلمي بذا العتقاد و‬
‫كفرو هم و أباحوا دماء هم ‪ ،‬ف هم يضربون الشيوخ من حجاج ب يت ال الرام لجرد قول أحد هم ‪:‬‬
‫ال سلم عل يك يا ر سول ال ‪ ،‬و ل يتركون أحدا يتم سح على ضري ه الطا هر ‪ ،‬و قد كان ل م مع‬
‫علمائنا مناظرات ‪ ،‬و لكنهم أصروا على العناد و استكبوا استكبارا ‪.‬‬
‫فإن السيد شرف الدين من علماء الشيعة لا حج بيت ال الرام ف زمن عبد العزيز آل سعود ‪،‬‬
‫كان من جلة العلماء الدعو ين إل ق صر اللك لتهنئ ته بع يد الض حى ك ما جرت العادة هناك و ل ا‬
‫وصل الدور إليه و صافح اللك قدم إليه هدية و كانت مصحفا ملفوفا ف جلد ‪ ،‬فأخذه اللك و قبّله‬
‫و وضعه على جبهته تعظيما له و تشريفا ‪ ،‬فقال له السيد شرف الد ين عندئذ ‪ :‬أيها اللك لاذا تقبل‬
‫اللد و تعظ مه و هو جلد ما عز ؟ أجاب اللك ‪ ،‬أ نا ق صدت القرآن الكر ي الذي بداخله و ل أق صد‬
‫تعظ يم اللد ! فقال ال سيد شرف الد ين ع ند ذلك ‪ :‬أح سنت أي ها اللك ‪ ،‬فكذلك نف عل ن ن عند ما‬
‫نق بل شباك الجرة النبو ية أو باب ا فن حن نعلم أ نه حد يد ل ي ضر و ل ين فع ‪ ،‬و لكن نا نق صد ما وراء‬
‫الديد و ما وراء الخشاب نن نقصد بذلك تعظيم رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) ‪ ،‬كما قصدت أنت‬
‫القرآن بتقبيلك جلد الاعز الذي يغلفه ‪.‬‬
‫ف كب الاضرون إعجا با له و قالوا ‪ :‬صدقت ‪ ،‬و اض طر اللك وقت ها إل ال سماح للحجاج أن‬
‫يتبكوا بآثار الرسول حت جاء الذي بعده فعاد إل القرار الول ‪ -‬فالقضية ليست خوفهم أن يشرك‬
‫الناس بال ‪ ،‬بقدر ما هي قضية سياسية قامت على مالفة السلمي و قتلهم لتدعيم ملكهم و سلطتهم‬
‫على السلمي و التاريخ أكب شاهد على ما فعلوه ف أمة ممد ‪.‬‬
‫و سألته عن الطرق ال صوفية فأجاب ن بإياز ‪ :‬بأن في ها ما هو إيا ب و في ها ما هو سلب ‪،‬‬
‫فالياب منها تربية النفس و حلها على شظف العيش و الزهد ف ملذات الدنيا الفانية ‪ ،‬و السمو با‬
‫إل عال الرواح الزكية ‪ ،‬أما السلب منها ‪ ،‬فهو النزواء و الروب من واقع الياة و حصر ذكر ال‬

‫‪56‬‬
‫ف العداد اللفظية و غي ذلك ‪ ،‬و السلم ‪ -‬كما هو معلوم ‪ -‬يقر اليابيات و يطرح السلبيات و‬
‫يق لنا أن نقول بأن مبادئ السلم و تعاليمه كلها إيابية ‪.‬‬
‫***‬

‫‪57‬‬
) 70 (

58
‫( ‪) 71‬‬

‫الشك و الية‬
‫كانت أجوبة السيد ممد باقر الصدر ‪ ،‬واضحة و مقنعة و لكن أن لا أن تغوص ف أعماق‬
‫واحد مثلي قضى خسة و عشرين عاما من عمره على مبدأ تقديس الصحابة و احترامهم و خصوصا‬
‫اللفاء الراشدين الذ ين أمرنا رسول ال بالتمسك بسنتهم و السي على هديهم ‪ ،‬و على رأس هؤلء‬
‫سيدنا أبو بكر الصديق و سيدنا عمر الفاروق ‪ ،‬و إن ل أسع لما ذكرا منذ قدمت العراق ‪ ،‬و إنا‬
‫سعت أساء أخرى غريبة عن أجهلها تاما ‪ ،‬و أئمة بعدد إثن عشر إماما ‪ ،‬و إدعاء بأن رسول ال‬
‫( صلى ال عليه و آله ) قد نص على المام علي باللفة قبل وفاته ‪ ،‬كيف ل أن أصدق ذلك ‪.‬‬
‫أي أن يتفق السلمون و هم الصحابة الكرام خي البشر بعد رسول ال و يتصافقوا ضد المام‬
‫علي كرم ال وج هه ‪ ،‬و قد علمو نا م نذ نعو مة أظافر نا بأن ال صحابة ر ضي ال عن هم كانوا يترمون‬
‫المام عليا و يعرفون حقه فهو زوج فاطمة الزهراء و أبو السن و السي و باب مدينة العلم ‪ ،‬كما‬
‫يعرف سيدنا علي حق أب ب كر ال صديق الذي أسلم ق بل الناس جي عا و صاحب ر سول ال ف الغار‬
‫ذكره ال تعال ف القرآن ‪ ،‬و قد وله رسول ال إمامة الصلة ف مرضه و قد قال ( صلى ال عليه و آله ) ‪ :‬لو‬
‫ك نت متخذا خليل لتذت أ با ب كر خليل ‪ ،‬و ل كل ذلك اختاره ال سلمون خلي فة ل م ‪ ،‬ك ما يعرف‬
‫المام علي حق سيدنا عمر الذي أعز ال به السلم و ساه رسول ال بالفاروق الذي يفرق بي الق‬
‫و الباطل كما يعرف حق سيدنا عثمان الذي استحت منه ملئكة الرحن و الذي جهز جيش العسرة‬
‫و سّاه ر سول ال بذي النور ين ‪ ،‬فك يف ي هل إخوان نا الشي عة كل هذا أو يتجاهلو نه و يعلون من‬
‫هؤلء أشخاصا عاديي تيل بم الهواء و الطماع الدنيوية عن إتباع الق فيعصون أوامر الرسول بعد‬
‫وفاته و هم الذين كانوا يتسابقون لتنفيذ أوامره فيقتلون أولدهم و آباءهم و عشيتم ف سبيل عزة‬
‫السلم و نصرته ‪ ،‬و الذي يقتل أباه و ولده طاعة ل و رسوله ل يكن أن تغره أطماع دنيوية زائلة‬
‫هي اعتلء منصة اللفة فيتجاهل أمر رسول ال و يتركه ظهريا ‪.‬‬
‫ن عم من أ جل كل هذا ما ك نت ل صدق الشي عة ف كل ما يقولون ر غم أ ن اقتن عت بأمور‬
‫كثية ‪ ،‬و بقيت بي الشك و الية ‪ ،‬الشك الذي أدخله علماء الشيعة ف عقلي لن كلمهم معقول‬
‫و منطقي ‪ ،‬و الية الت غمرتن فلم أصدق أن الصحابة رضي ال تعال عنهم ينلون إل هذا الستوى‬

‫‪59‬‬
‫الخل قي في صبحون بشرا عادي ي مثل نا ‪ ،‬ل ت صقلهم أنوار الر سالة و ل يهذب م الدى الحمدي ؟ يا‬
‫إلي كيف يكون ذلك ؟ أيكن أن يكون الصحابة على هذا الستوى الذي يقول به الشيعة ؟ و الهم‬
‫هو أن هذا ال شك و هذه الية ه ا بدا ية الو هن و بدا ية العتراف بأن هناك أمورا م ستورة ل بد من‬
‫كشفها للوصول إل القيقة ‪.‬‬
‫جاء صديقي منعم و سافرنا إل كربلء ‪ ،‬و هناك عشت منة سيدنا السي كما يعيشها شيعته‬
‫و علمت وقتئذ بأن سيدنا السي ل يت ‪ ،‬فالناس يتزاحون و يتراصون حول ضريه كالفراشات و‬
‫يبكون برقة و لفة ل أشهد لما مثيل ‪ ،‬فكأن السي استشهد الن ‪ ،‬و سعت الطباء هناك يثيون‬
‫شعور الناس بسيردهم لادثية كربلء في نواح و نييب ‪ ،‬و ل يكاد السيامع لمي أن يسيك نفسيه و‬
‫يتما سك ح ت ينهار ‪ ،‬ف قد بك يت و بك يت و أطل قت لنف سي عنان ا و كأن ا كا نت مكبو تة ‪ ،‬و‬
‫أح سست برا حة نف سية كبية ما ك نت أعرف ها ق بل ذلك اليوم ‪ ،‬و كأ ن ك نت ف صفوف أعداء‬
‫السي و انقلبت فجأة إل أصحابه و أتباعه الذين يفدونه بأرواحهم ‪ ،‬و كان الطيب يستعرض قصة‬
‫الر و هو أحد القادة الكلفي بقتال السي ‪ ،‬و لكنه وقف ف العركة يرتعش كالسعفة و لا سأله‬
‫بعض أصحابه ‪ :‬أخائف أنت من الوت أجابه الر ‪ ،‬ل و ال و لكنن أخي نفسي بي النة و النار ث‬
‫هز جواده و انطلق إل السي قائل ‪ :‬هل من توبة يابن رسول ال ‪ ،‬و ل أتالك عند ساع هذا أن‬
‫سقطت على الرض باك يا و كأ ن أم ثل دور ال ر و أطلب من ال سي ‪ :‬هل من تو بة يا بن ر سول‬
‫ال ‪ ،‬سامن يا بن ر سول ال ‪ ،‬و كان صوت الط يب مؤثرا ‪ ،‬و ارتف عت أ صوات الناس بالبكاء و‬
‫النحيب عند ذلك سع صديقي صياحي و انكب علي معانقا ‪ ،‬باكيا و ضمن إل صدره كما تضم‬
‫الم ولدها و هو يردد يا حسي ‪ ،‬يا حسي ‪ ،‬كانت دقائق و لظات عرفت فيها البكاء القيقي و‬
‫أحسست و كان دموعي غسلت قلب و كل جسدي من الداخل و فهمت وقتها حديث الرسول ‪" :‬‬
‫لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليل و لبكيتم كثيا " ‪.‬‬
‫بقييت كاميل اليوم مقبوض النفيس و قيد حاول صيديقي تسيليت و تعزيتي و قدم إل بعيض‬
‫الرطبات و لكن شهيت انقطعت تاما ‪ ،‬و بقيت أسأله أن يعيد علي قصة مقتل سيدنا السي ‪ ،‬لن‬
‫ما كنت أعرف منها قليل أو كثيا غاية ما هناك أن شيوخنا إذا حدثونا عن ذلك يقولون أن النافقي‬
‫أعداء السلم الذين قتلوا سيدنا عمر و سيدنا عثمان و سيدنا علي هم الذين قتلوا سيدنا السي ‪ ،‬و‬

‫‪60‬‬
‫ل نعرف غ ي هذا القتضاب بل إن نا نت فل بيوم عاشوراء على أ نه من العياد ال سلمية و ترج ف يه‬
‫زكاة الموال و تط بخ ف يه ش ت الأكولت و أنواع الطع مة الشه ية ‪ ،‬و يطوف ال صبيان على الكبار‬
‫ليعطوهم بعض النقود لشراء اللويات و اللعاب ‪.‬‬
‫صيحيح أن هناك بعيض التقالييد و العادات في بعيض القرى منهيا أنمي يشعلون النار ‪ ،‬و ل‬
‫يعملون ف ذلك اليوم و ل يتزوجون و ل يفرحون ‪ ،‬و ل كن ن سميها عادات و تقال يد بدون ذ كر أي‬
‫تفسي لا ‪ ،‬و يروي علماؤنا ف ذلك أحاديث عن فضائل يوم عاشوراء و ما فيه من بركات و رحات‬
‫أنه أمر عجيب ! ‪.‬‬
‫زرنا بعد ذلك ضريح العباس أخي السي ‪ ،‬و ل أكن أعرف من هو و قد روى ل صديقي‬
‫قصة بطولته و شجاعته ‪ ،‬كما التقينا بالعديد من العلماء الفاضل الذين ل أتذكر أساءهم بالتفصيل‬
‫سوى ب عض اللقاب ‪ ،‬كب حر العلوم و ال سيد الك يم و كا شف الغطاء و آل يا سي و الطباطبائي و‬
‫الفيوزآبادي و أسد حيدر و غيهم من تشرفت بقابلتهم ‪.‬‬
‫و الق يقال إنم علماء أتقياء ‪ ،‬تعلوهم هيبة و وقار ‪ ،‬و الشيعة يترمونم كثيا و يؤدون إليهم‬
‫خ س أموال م ‪ ،‬و ال ت ب ا يديرون شؤون الوزات العلم ية و يؤ سسون الدارس و الطا بع و ينفقون‬
‫على طلب العلم الوافدين من كل البلد السلمية ‪ ،‬إنم مستقلون و ل يرتبطون بالكام من قريب‬
‫أو مين بعييد كميا هيو شأن علمائنيا الذيين ل يفتون و ل يتكلمون إل برأي السيلطة التي تضمين‬
‫معاشهم ‪ ،‬و تعزل من تشاء منهم و تنصب من تشاء ‪.‬‬
‫إنه عال جديد بالنسبة إلّ اكتشفته ‪ ،‬أو كشفه ال ل و قد أنست به بعد ما كنت أنفر منه و‬
‫انسجمت معه بعد ما كنت أعاديه ‪ ،‬و قد أفادن هذا العال أفكارا جديدة و بعث ف حب الطلع و‬
‫البحث و الدراسة حت أدرك القيقة النشودة الت طالا راودتن عندما قرأت الديث الشريف الذي‬
‫قال فيه رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪ " :‬افترقت بنو إسرائيل إل إحدى وسبعي فرقة و افترقت النصارى‬
‫إل اثنتي و سبعي فرقة ‪ ،‬و ستفترق أمت إل ثلثة و سبعي فرقة كلها ف النار إل فرقة واحدة " ‪.‬‬
‫فل كلم ل نا مع الديان التعددة ال ت يدّ عي كل من ها أ نه هو ال ق و غيه البا طل ‪ ،‬و ل كن‬
‫أعجب و اندهش و أحتار عند قراءة هذا الديث ‪ ،‬و ليس عجب و إندهاشي و حيت للحديث نفسه‬

‫‪61‬‬
‫و ل كن للم سلمي الذي يقرؤون هذا الد يث و يرددو نه ف خطب هم و يرون عل يه مر الكرام بدون‬
‫تليل ‪ ،‬و ل بث ف مدلوله لكي يتبينوا الفرقة الناجية من الفرق الضالة ‪.‬‬
‫و الغريب أن كل فرقة تدعي أنا هي وحدها الناجية و قد جاء ف ذيل الديث ‪ " :‬قالوا من‬
‫هم يا رسول ال ؟ قال من هم على ما أنا عليه أنا و أصحاب " فهل هناك فرقة إل و هي متمسكة‬
‫بالكتاب و السنة ‪ ،‬و هل هناك فرقة إسلمية تدعي غي هذا ؟ فلو سئل المام مالك أو أبو حنيفة أو‬
‫المام الشافعي أو أحد بن حنبل فهل يدعي أي واحد منهم إل التمسك بالقرآن و السنة الصحيحة ؟‬
‫‪.‬‬
‫فهذه الذاهب السنية و إذا أضفنا إليها الفرق الشيعية الت كنت أعتقد بفسادها و انرافها ‪ ،‬فها‬
‫هي الخرى تدعي أيضا أنا متمسكة بالقرآن و السنة الصحيحة النقولة عن أهل البيت الطاهرين ‪ ،‬و‬
‫أهل البيت أدري با فيه كما يقولون ‪.‬‬
‫ف هل ي كن أن يكونوا كل هم على حق ك ما يدعون ؟ و هذا غ ي م كن لن الد يث الشر يف‬
‫يفيد نقيض ذلك ‪ ،‬اللهم إل إذا كان الديث موضوعا ‪ ،‬مكذوبا ‪ ،‬و هذا ل سبيل إليه لن الديث‬
‫متواتر عند السنة و الشيعة ‪ ،‬أم أن الديث ل معن له و ل مدلول ؟ و حاشى لرسول ال ( صلى ال عليه و‬

‫آله ) أن يقول شيئا ل معن له و ل مدلول و هو الذي ل ينطق عن الوى و كل أحاديثه حكمة و عب‬
‫‪.‬‬
‫إذا ل يبق أمامنا إل العتراف بأن هناك فرقة واحدة على الق و ما بقي فهو باطل ‪ ،‬فالديث‬
‫يبعث على الية كما يبعث على البحث والتنقيب لن يريد لنفسه النجاة ‪.‬‬
‫و من أ جل هذا داخل ن ال شك والية ب عد لقائي بالشي عة ف من يدري لعل هم يقولون ح قا و‬
‫ينطقون صدقا ! و لاذا ل أبث و ل أنقب ‪.‬‬
‫و قد كلفن السلم بقرآنه و سنته أن أبث و أقارن و أتبي قال ال تعال ‪ { :‬وَالّذِينَ جَا َهدُوا‬
‫ك الّذِي نَ‬
‫فِينَا لََنهْدِيَّنهُ مْ سُبُلَنَا ‪ ، 1 } ...‬و قال أي ضا ‪ { :‬اّلذِي نَ يَ سْتَمِعُونَ الْ َقوْ َل فَيَتّبِعُو نَ َأحْ سَنَهُ ُأ ْولَئِ َ‬
‫َهدَاهُمُ اللّهُ وَُأ ْولَئِكَ ُهمْ ُأ ْولُوا الَْألْبَابِ } ‪. 2‬‬

‫سورة العنكبوت ( ‪ ، ) 29‬الية ‪. 69 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الزمر ( ‪ ، ) 39‬الية ‪. 18 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪62‬‬
‫و قد قال ر سول ال ( صلى ال عل يه و آله ) ‪ " :‬اب ث عن دي نك ح ت يقال ع نك منون " فالب حث و‬
‫القارنة واجب شرعي على كل مكلف ‪.‬‬
‫بذا القرار و بذه العزية الصادقة واعدت نفسي و أصدقائي من الشيعة ف العراق و أنا أودعهم‬
‫معان قا و متأسفا لفراقهم ف قد أحببت هم و أحبو ن ‪ ،‬و قد تركت أحباء أعزاء ملصي ضحوا بأوقاتم‬
‫مين أجلي ل لشييء كميا قالوا ل خوفيا و ل طمعيا ‪ ،‬و إناي ابتغاء مرضاة ال سيبحانه فقيد ورد في‬
‫الديث الشريف " لن يهدي ال بك رجلً واحدا ‪ ،‬خي لك ما طلعت عليه الشمس " ‪.‬‬
‫و غادرت العراق ب عد قضاء عشر ين يوما ف ربوع الئ مة و شيعت هم ‪ ،‬مرت كأن ا حلم لذ يذ‬
‫يتمن النائم أن ل يستيقظ حت يستوفيه ‪ ،‬غادرت العراق متأسفا على قصر الدة ‪ ،‬متأسفا على فراق‬
‫الفئدة ال ت أهوي إلي ها و القلوب ال ت تن بض بح بة أ هل الب يت و توج هت للحجاز قا صدا ب يت ال‬
‫الرام و قب سيد الولي و الخرين صلى ال عليه و على آله الطيبي الطاهرين ‪.‬‬
‫***‬

‫‪63‬‬
‫السفر إل الجاز‬
‫وصلت إل جدة و التقيت صديقي البشي الذي فرح بقدومي و أنزلن ف بيته ‪ ،‬و أكرمن غاية‬
‫الكرام ‪ ،‬و كان يقضي أوقات فراغه معي ف النهة و الزارات بسيارته ‪ ،‬و ذهبنا للعمرة معا و عشنا‬
‫أيا ما كلهيا عبادة و تقوى ‪ ،‬و اعتذرت له عن تأخري لبقائي في العراق و حكييت له عن اكتشافي‬
‫الديد أو الفتح الديد ‪ ،‬و كان متفتحا و مطلعا فقال ‪ :‬فعل أنا أسع أن فيهم بعض العلماء الكبار و‬
‫عندهم ما يقولون ‪ ،‬و لكن عندهم فرقا كثية كافرة منحرفة يلقون لنا مشاكل متعددة ف كل موسم‬
‫للحج ‪.‬‬
‫سألته ما هي هذه الشاكل الت يلقونا ؟ ‪.‬‬
‫أجاب ‪ :‬إن م ي صلون حول القبور ‪ ،‬يدخلون البق يع جاعات فيبكون و ينوحون و يملون ف‬
‫جيوبم قطعا من الجارة يسجدون عليها ‪ ،‬و إذا ذهبوا إل قب سيدنا المزة ف أحد فهناك يقيمون‬
‫جنازة بل طم و عو يل و كان المزة مات ف ذلك ال ي ‪ ،‬و من أ جل كل ذلك منعت هم الكو مة‬
‫السعودية من الدخول إل الزارات ‪.‬‬
‫ابتسمت ‪ ،‬و قلت له ‪ :‬أ لذا تكم عليهم بأنم منحرفون عن السلم ؟ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هذا و غيه ‪ ،‬أنم يأتون لزيارة النب و لكنهم ف نفس الوقت يقفون على قب أب بكر و‬
‫عمر و يسبونما و يلعنونما و منهم من يلقي على قب أب بكر و قب عمر القذارات و النجاسات ‪.‬‬
‫و ذكّرَن هذا القول بالرواية الت سعتها من والدي غداة رجع من الج و لكنه قال بأنم يلقون‬
‫القذارات على قب ال نب ‪ ،‬و ل شك بأن والدي ل يشا هد ذلك بعين يه ل نه قال ‪ :‬شاهد نا جنودا من‬
‫اليش السعودي يضربون بعض الجاج بالعصي و لا استنكرنا عليهم إهانتهم لجاج بيت ال الرام‬
‫‪ :‬أجابونا بأن هؤلء ليسوا من السلمي فهم من الشيعة جاؤوا بالقذارات ليلقوها على قب النب ‪ ،‬قال‬
‫والدي ‪ :‬عند ذلك لعناهم و بصقنا عليهم ‪.‬‬
‫و ها أنا الن أسع من صديقي السعودي الولود ف الدينة النورة بأنم يأتون لزيارة قب النب و‬
‫لكنهم يلقون النجاسات على قب أب بكر و عمر ‪ ،‬و شككت ف صحة الروايتي ‪ ،‬لن حججت و‬
‫رأيت أن الجرة الباركة الت يوجد فيها ضريح النب و أب بكر و عمر مغلقة و ل يكن لي شخص‬
‫أن يقترب من ها للّتمَ سُح على باب ا أو شباك ها ‪ ،‬فضل على أن يل قي في ها أشياء ‪ ،‬أول ‪ ،‬لعدم وجود‬
‫‪64‬‬
‫فجوات و ثانيا لوجود حرا سة مشددة من النود الغلظ الذ ين يتداولون على الرقا بة و الرا سة أمام‬
‫كل باب و ف أيديهم سياط يضربون با كل من يقترب أو ياول أن ينظر داخل الجرة ‪ ،‬و الغالب‬
‫على الظن أن بعض النود من السعودية و هم يكفرون الشيعة ‪ ،‬رماهم بذه التهمة ليبر ضربه لم ‪،‬‬
‫و حت يستفز السلمي لقاتلتهم أو على القل ليسكتوا على إهانتهم ‪ ،‬و يروجوا إذا رجعوا إل بلدانم‬
‫أن الشيعية يبغضون رسيول ال و يلقون على قيبه النجاسيات ‪ ،‬و بذلك يضربون عصيفورين بجير‬
‫واحد ‪.‬‬
‫و هذا نظي ما حكاه أحد الفضلء من أثق بم إذ قال ‪ :‬كنا نطوف بالبيت فإذا بشاب " أصابه‬
‫مغص من شدة الزحام فتقيأ " ‪ ،‬و ضربه النود الذين كانوا يرسون الجر السود و أخرجوه و هو‬
‫ف حالة يرثى لا و اتموه بأنه جاء بالنجاسة لتوسيخ الكعبة و شهدوا عليه و أعدم ف نفس اليوم ‪.‬‬
‫و جالت باطري هذه ال سرحيات و بق يت أف كر بر هة ف تعل يل صديقي ال سعودي لتكف ي‬
‫هؤلء الشيعة ‪ ،‬فلم أسع غي أنم يبكون و يلطمون و يسجدون على الجر و يصلون حول القبور ‪،‬‬
‫و ت ساءلت أ ف هذا دل يل على تكفي من يش هد أن ل إله إل ال و أن ممدا عبده و ر سوله ؟ و يقيم‬
‫الصلة و يؤت الزكاة و يصوم رمضان و يج البيت و يأمر بالعروف و ينهى عن النكر ‪.‬‬
‫و ما أردت معاندة صديقي و الدخول معه ف جدال ل طائل من ورائه فاقتصرت على القول ‪:‬‬
‫هدانا ال و إياهم إل صراطه الستقيم و لعن ال أعداء الدين الذين يكيدون للسلم و السلمي ‪.‬‬
‫و ك نت كل ما ط فت بالب يت العت يق خلل العمرة و ف كل زيارة ل كة الكر مة ‪ ،‬و ل ي كن‬
‫يطوف با إل نفر قليل من العتمرين ‪ ،‬صليت و سألت ال سبحانه من كل جوارحي أن يفتح بصيت‬
‫و يهدين إل القيقة ‪.‬‬
‫وقفت على مقام إبراهيم ( عليه السلم ) و استعرضت الية الكرية ‪ { :‬وَجَا ِهدُوا فِي اللّهِ حَقّ ِجهَادِهِ‬
‫ُهوَ اجْتَبَاكُ مْ وَمَا جَ َعلَ عَلَيْكُ مْ فِي الدّي نِ مِ نْ حَرَ جٍ مّلّةَ أَبِيكُ مْ إِبْرَاهِي مَ ُهوَ َسمّاكُ ُم الْمُ سْلِميَ مِن قَبْلُ‬
‫الصيلَاةَ وَآتُوا ال ّزكَاةَ‬
‫ّاسي فََأقِيمُوا ّ‬
‫ُمي وَتَكُونُوا ُش َهدَاء َعلَى الن ِ‬ ‫ُوني الرّسيُولُ َشهِيدًا َعلَيْك ْ‬ ‫وَف ِي َهذَا لِيَك َ‬
‫صيُ } ‪ ، 1‬صدق ال العظيم ‪.‬‬ ‫صمُوا بِاللّهِ ُهوَ َموْلَاكُ ْم فَنِ ْعمَ اْلمَ ْولَى وَنِعْ َم النّ ِ‬
‫وَاعْتَ ِ‬
‫و بدأت أناجي سيدنا إبراهيم أو أبانا إبراهيم كما ساه القرآن ‪:‬‬

‫سورة الج ( ‪ ، ) 22‬الية ‪. 78 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ -‬يا أبتاه ‪ ،‬يا من سيتنا السلمي ‪ ،‬ها قد اختلف أبناؤك من بعدك فأصبحوا يهودا و نصارى‬
‫و م سلمي ‪ ،‬و اختلف اليهود في ما بين هم إل أحدى و سبعي فر قة و اختلف الن صارى إل اثنت ي و‬
‫سبعي فر قة ‪ ،‬و اختلف ال سلمون إل ثلث و سبعي فر قة و كل هم ف الضللة ح سبما أ خب بذلك‬
‫ابنك ممد و فرقة واحدة بقيت على عهدك يا أبتاه ! ‪.‬‬
‫أ هي سنة ال ف خل قه ك ما يقول القدر ية ‪ ،‬فال سبحانه هو الذي ك تب على كل ن فس أن‬
‫تكون يهوديية أو نصيرانية أو مسيلمة ‪ ،‬أو ملحدة ‪ ،‬أو مشركية ‪ ،‬أم أنيه حيب الدنييا و البتعاد عين‬
‫تعاليمه سبحانه ‪ ،‬ذلك بأنم نسوا ال فأنساهم أنفسهم ‪ ،‬إن عقلي ل يطاوعن بتصديق أن القضاء و‬
‫القدر هو الذي حتم مصي النسان ‪ ،‬بل أم يل و أكاد أجزم بأن ال سبحانه خلقنا و هدا نا و ألمنا‬
‫الفجور و التقوى ‪ ،‬و أرسل إلينا رسله ليوضحوا لنا ما أشكل علينا و يعرفوننا الق من الباطل ‪ ،‬و‬
‫ل كن الن سان غر ته الياة الدن يا و زينت ها ‪ ،‬الن سان بأناني ته و كبيائه ‪ ،‬بهله و فضوله ‪ ،‬بعناده و‬
‫لاجته ‪ ،‬بظلمه و طغيانه مال عن الق و اتبع الشيطان و ابتعد عن الرحن فورد غي مورده ‪ ،‬و أكل‬
‫غي مأكله ‪ ،‬و قد عب القرآن الكري عن ذلك أحسن تعبي و أوجزه بقوله تعال ‪ { :‬إِنّ اللّ هَ لَ يَ ْظلِ مُ‬
‫النّاسَ شَيْئًا وَلَكِنّ النّاسَ أَن ُفسَ ُهمْ يَظِْلمُونَ } ‪. 1‬‬
‫يا أبانا إبراهيم ‪ ،‬ل لوم على اليهود و النصارى الذين عاندوا الق بغيا بينهم لا جاءتم البينة ‪،‬‬
‫ي ال بولدك مميد و أخرجهيا مين الظلمات إل النور و جعلهيا خيي أمية‬ ‫فهيا هيي المية التي أنقذه ا‬
‫أخرجت للناس ‪ ،‬فهي الخرى اختلفت و تفرقت و كفر بعضها بعضا ‪ ،‬و قد حذرهم رسول ال و‬
‫نبههم إل ذلك و ضيق عليهم حت قال ‪ " :‬ل يل لسلم أن يهجر أخاه السلم فوق ثلث " فما بال‬
‫هذه المة قد انقسمت و افترقت و أصبحت دويلت يعادي بعضها البعض و يارب بعضها البعض و‬
‫يكفر بعضها البعض و حت ل يعرف بعضها البعض الخر ‪ ،‬فيهجره طيلة حياته ‪ ،‬ما لذه المة يا أبانا‬
‫إبراه يم ب عد ما كا نت خ ي ال مم و قد مل كت الشرق و الغرب و أو صلت للناس الدا ية و العلوم و‬
‫العر فة و الضارة ‪ ،‬إذا ب ا اليوم أ صبحت أ قل ال مم و أذل ا فأراضي هم مغت صبة و شعوب م مشردة و‬
‫مسجدهم القصى تتله عصابة من الصهاينة و ل يقدرون على تريره ‪ ،‬و إذا زرت بلدانم فإنك ل‬
‫ترى إل الف قر الد قع و الوع القا تل و الرا ضي القاحلة ‪ ،‬و المراض الفتا كة و الخلق ال سيئة ‪ ،‬و‬

‫سورة يونس ( ‪ ، ) 10‬الية ‪. 44 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪66‬‬
‫التخلف الفكري و التقني ‪ ،‬و الظلم و الضطهاد ‪ ،‬و الوسياخ و الشرات ‪ ،‬و يكفييك فقيط أن‬
‫تقارن بيوت الرا حة " الراح يض " العموم ية ك يف هي ف أورو با و ك يف هي عند نا ‪ ،‬فإذا د خل‬
‫السافر إل الراحيض ف أوروبا بأسرها وجدها نظيفة تلمع كالبلور و فيها روائح طيبة بينما ل يطيق‬
‫ال سافر إل البلد ال سلمية الدخول إل الراح يض لعفونت ها و نا ستها و نتونت ها و ن ن الذ ين علم نا‬
‫السيلم " إن النظافية مين اليان و الوسيخ مين الشيطان " ‪ ،‬فهيل تول اليان إل أوروبيا و سيكن‬
‫الشيطان عندنا ؟ لاذا أصبح السلمون يافون من إظهار عقيدتم حت ف بلدانم ‪ ،‬و ل يتحكم السلم‬
‫حت ف وجهه فل يتمكن من إعفاء ليته و ل من لبسه الزي السلمي بينما يتجاهر الفاسقون بشرب‬
‫ال مر و الز نا و ه تك العراض و ل يقدر ال سلم دفع هم بل و ل ح ت أمر هم بالعروف و ني هم عن‬
‫النكر و قد بلغن أن ف بعض البلد السلمية مثل مصر و الغرب من يبعث الباء بناتم للبغاء من‬
‫شدة الفقر و البؤس و الحتياج فل حول و ل قوة إل بال العلي العظيم ‪.‬‬
‫يا إلي لاذا ابتعدت عن هذه المة و تركتها تتخبط ف الظلمات ‪ ،‬ل ‪ ،‬ل ‪ ،‬أستغفرك يا إلي و‬
‫أتوب إليك ‪ ،‬فهي الت ابتعدت عنك عن ذكرك ‪ ،‬و اختارت طريق الشيطان ‪ ،‬و أنت جلت حكمتك‬
‫‪ ،‬و تعالت قدر تك قلت ‪ ،‬و قولك ال ق ‪ { :‬وَمَن يَعْ شُ عَن ِذكْرِ الرّ ْحمَ نِ نُقَيّ ضْ لَ هُ شَيْطَانًا َف ُهوَ لَ هُ‬
‫حمّدٌ ِإ ّل رَسُو ٌل قَدْ َخلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ َأفَإِن مّاتَ َأ ْو قُتِلَ انقَلَبْتُمْ‬
‫قَرِينٌ } ‪ ، 1‬و قلت أيضا ‪ { :‬وَمَا ُم َ‬
‫عَلَى أَعْقَابِ ُكمْ وَمَن يَنقَِلبْ عَلَىَ عَقِبَْي ِه فَلَن َيضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسََيجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } ‪. 2‬‬
‫و ل شك أن ما وصلت إليه المة السلمية من النطاط و التخلف و الذلة و السكنة لدليل‬
‫قاطع على بعدها عن الصراط الستقيم ‪ ،‬و ل شك أن القلة القليلة أو الفرقة الواحدة من بي ثلثة و‬
‫سبعي ‪ ،‬ل تؤثر ف مسية أمة بأكملها ‪.‬‬
‫و قد قال ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) " لتأمرن بالعروف و لتن هن عن الن كر ‪ ،‬أو لي سلطن ال‬
‫عليكم شراركم فيدعو خياركم فل يستجاب لم " ‪.‬‬
‫ربنا آمنا با أنزلت و اتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ربنا ل تزغ قلوبنا‬

‫سورة الزخرف ( ‪ ، ) 43‬الية ‪. 36 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة آل عمران ( ‪ ، ) 3‬الية ‪. 144 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪67‬‬
‫( ‪) 82‬‬

‫ب عد إذ هديت نا و هب ل نا من لد نك رح ة إ نك أ نت الوهاب ‪ ،‬رب نا ظلم نا أنف سنا و إن ل تغ فر ل نا و‬


‫ترحنا لنكونن من الاسرين ‪.‬‬
‫سافرت إل الدينة النورة ممل برسالة من صديقي بشي إل أحد أقربائه لكي أقيم عنده مدة‬
‫بقائي هناك ‪ ،‬و قد كل مه من ق بل بالا تف ‪ ،‬و ا ستقبلن هذا الخ ي و ر حب ب و أنزل ن ف بي ته و‬
‫توجهت فور وصول إل زيارة رسول ال ‪ ،‬فاغتسلت و تطيبت ‪ ،‬و لبست أحسن ثياب و أطهرها ‪،‬‬
‫و كان الزوار قليل ي بالن سبة إل مو سم ال ج فتمك نت من الوقوف أمام قب ر سول ال و أ ب ب كر و‬
‫ع مر ‪ ،‬و ل أ كن أت كن من ذلك ف مو سم ال ج لكثرة الزدحام ‪ ،‬و حاولت عب ثا أن أ مس أ حد‬
‫البواب لل تبك ‪ ،‬فانتهر ن الرس الوا قف هناك ‪ ،‬و كان على كل باب حرس ير سه ‪ ،‬و ل ا أطلت‬
‫الوقوف للدعاء و إبلغ السلم الذي حلن إياه أصدقائي ‪ ،‬أمرن الراس بالنصراف ‪ ،‬و حاولت أن‬
‫أتكلم مع واحد منهم و لكن دون جدوى ‪.‬‬
‫و رج عت إل الرو ضة الطهرة ح يث جل ست أقرأ ما تي سر من القرآن ‪ ،‬و أح سن الترت يل و‬
‫أعيده مرات ل ن تيلت و كان ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) ي ستمع إل ‪ ،‬و قلت ف نف سي أي كن أن‬
‫يكون الرسول ميتا كسائر الموات ‪ ،‬فلماذا نقول ف صلتنا ‪ ،‬السلم عليك أيها النب و رحة ال و‬
‫بركا ته ب صفة الخا طب ‪ ،‬و إذا كان ال سلمون يعتقدون بأن سيدنا ال ضر ( علييه السيّلم ) ل ي ت و يرد‬
‫ال سلم على كل من ي سلم عل يه بل و أن مشا يخ الطرق ال صوفية يعتقدون جز ما بأن شيخ هم أح د‬
‫التيجان أو عبد القادر اليلن يأتون إليهم جهارا و يقظة ل مناما ‪ ،‬فلماذا نشح على رسول ال بثل‬
‫هذه الكر مة و هو أف ضل اللق على الطلق ‪ ،‬و ل كن ي فف على نف سي أن ال سلمي ل يشحون‬
‫بذلك على رسول ال ‪ ،‬إل الوهابية الذين بدأت أنفر منهم لذا و لعدة أسباب أخرى منها الغلظة الت‬
‫شاهدتا فيهم و الشدة على الؤمني الذين يالفونم ف معتقداتم ‪ .‬زرت البقيع و كنت واقفا أترحم‬
‫على أرواح أ هل الب يت ‪ ،‬و كان بالقرب م ن ش يخ طا عن ف ال سن يب كي و عر فت من بكائه أ نه‬
‫شي عي ‪ ،‬و ا ستقبل القبلة و بدأ ي صلي و إذا بالندي يأ ت إل يه ب سرعة و كأ نه كان يرا قب تركا ته و‬
‫ركله بذائه ركلة و هو ف حالة سجود فقلبه على ظهره و بقي‬

‫‪68‬‬
‫( ‪) 83‬‬

‫السكي فاقد الوعي بضع دقائق و انال عليه الندي ضربا و سبا و شتما ‪ ،‬و رق قلب لذلك الشيخ و‬
‫ظن نت أ نه مات و دفع ن فضول و أخذت ن الم ية و قلت للجندي ‪ :‬حرام عل يك لاذا تضر به و هو‬
‫يصلي ؟ فانتهرن قائل ‪ :‬أسكت أنت و ل تتدخل حت ل أصنع بك مثله ‪.‬‬
‫و لا رأيت ف عينيه الشر تنبته و أنا ساخط على نفسي العاجزة عن نصرة الظلوم ‪ ،‬و على‬
‫السيعوديي الذيين يفعلون بالناس ميا بدا لمي بدون رادع و ل وازع و ل مين يُنكير عليهيم ‪ ،‬و كان‬
‫بعض الزائرين حاضرا فمنهم من َح ْوقَلَ ‪ 1‬و منهم من قال ‪ :‬إنه يستحق ذلك لنه يصلي حول القبور‬
‫و هو مرم ‪ ،‬فلم أتالك و انفجرت على هذا التكلم قائل ‪ :‬من قال لك أن الصلة حول القبور حرام‬
‫؟ أجابن ‪ :‬قد نى رسول ال عن ذلك ‪.‬‬
‫فقلت بدون وعيي ‪ :‬تكذبون على رسيول ال ‪ ،‬و خشييت أن يتألب علي الاضرون أو ينادوا‬
‫الندي فيفتك ب ‪ ،‬فتلطفت قائل ‪ :‬إذا كان رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) قد نى عن ذلك فلماذا يالف‬
‫نيه الليي من الجاج و الزوار و يرتكبون حراما لنم يصلون حول قب النب و قب أب بكر و قب‬
‫عمر ف السجد النبوي الشريف ‪ ،‬و ف مساجد السلمي ف كل العال السلمي ‪ ،‬و على افتراض أن‬
‫ال صلة حول القبور حرام ‪ ،‬أ فبهذه الغل ظة و الشدة نعال ها ؟ أم بالل ي و الل طف ‪ ،‬و ا سحوا ل أن‬
‫أروي لكم قصة ذلك العراب الذي بال ف مسجد رسول ال بضرته و بضرة أصحابه بدون حياء و‬
‫ل خجل ‪ ،‬و لا قام إليه بعض الصحابة شاهرين سيوفهم ليقتلوه ‪ ،‬ناهم رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) و‬
‫منعهم و قال ‪ " :‬دعوه و ل تزرموه و هريقوا على بوله دلوا من الاء ‪ ،‬إنا بعثتم لتيسروا ل لتعسروا ‪،‬‬
‫لتبشروا ل لتنفروا " و ما كان من الصحابة إل أن امتثلوا أمره ‪ ،‬و نادى رسول ال العراب و أجلسه‬
‫إل جانبه و رحب به و لطفه و أفهمه أن ذلك الكان هو بيت ال و ل يكن تنجيسه فأسلم العراب‬
‫و ل يُرَ ب عد ذلك إل و هو آت ال سجد ف أح سن ثيا به و أطهر ها ‪ ،‬و صدق ال العظ يم إذ يقول‬
‫لرسوله ‪َ ... { :‬ولَوْ كُنتَ فَظّا‬

‫حوقل ‪ :‬قال ل حول و ل قوة إل بال ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪69‬‬
‫( ‪) 84‬‬

‫ظ الْقَلْبِ لَن َفضّواْ مِنْ َحوْلِكَ ‪ 1 } ...‬و تأثر بعض الاضرين عند ساع القصة فاختلى ب أحدهم‬ ‫غَلِي َ‬
‫إل جانب و سألن ‪ :‬من أين أنت ‪ :‬قلت من تونس ‪ :‬فسلم عليّ و قال ‪ :‬يا أخي بال عليك أن تفظ‬
‫نفسك و ل تتكلم مثل هذا هنا أبدا ‪ .‬أنصحك لوجه ال ‪ .‬و ازددت بغضا و حنقا على هؤلء الذين‬
‫يدعون أن م حاة الرم ي و يعاملون ضيوف الرح ن بذه الق سوة ‪ ،‬و ل يقدر أ حد أن يبدي رأ يه أو‬
‫يروي أحاديث ل تتفق و ما يروونه ‪ ،‬أو يعتقد غي ما يعتقدونه ‪.‬‬
‫رج عت إل ب يت ال صديق الد يد الذي ل أعرف ا سه و قد جاء ن بالعشاء و جلس مقابلي و‬
‫ق بل أن نبدأ ف ال كل سألن أ ين ذه بت ‪ ،‬و رو يت له ق صت من أول ا إل آخر ها و قلت ف معرض‬
‫كلمي ‪ :‬يا أخي أنا بصراحة بدأت أنفر من الوهابية و أميل إل الشيعة ‪ ،‬فتغي وجهه و قال ل ‪ :‬إياك‬
‫أن تتكلم مثيل هذا الكلم مرة أخرى ! و غادرني و ل يأكيل معيي ‪ ،‬و انتظرتيه طويل حتي غلبني‬
‫النوم ‪ ،‬و أف قت باكرا على أذان السيجد النبوي فرأ يت أن الكيل ل يزال ف مكا نه ك ما ترك ته و‬
‫عل مت بأن مضي في ل ير جع ‪ ،‬و تشك كت ف أمره و خش يت أن يكون من الخابرات ‪ ،‬فنه ضت‬
‫م سرعا و غادرت الب يت بدون رج عة و قض يت كا مل اليوم ف الرم النبوي أزور و أ صلي و أخرج‬
‫لقضاء الاجية و الوضوء و بعيد صيلة العصير سيعت أحيد الطباء يلقيي درسيا وسيط جاعية مين‬
‫الصلي ‪ ،‬و اتهت و علمت من بعض الالسي أنه قاضي الدينة ‪ ،‬و استمعت إليه و هو يفسر بعض‬
‫آيات من الذكر الكيم ‪ ،‬و بعد ما أت ‪ ،‬درسه و همّ بالروج استوقفته و سألته قائل ‪ :‬سيدي هل‬
‫لك أن تعطي ن مدلول ال ية من قوله تعال ‪ ... { :‬إِنّمَا يُرِيدُ اللّ هُ لِيُذْهِ بَ عَنكُ مُ الرّجْ سَ أَهْ َل الْبَيْ تِ‬
‫وَيُ َطهّ َركُمْ َت ْطهِيًا } ‪. 2‬‬
‫فمن هم أهل البيت القصودون بذه الية ؟‬

‫سورة آل عمران ( ‪ ، ) 3‬الية ‪. 159 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الحزاب ( ‪ ، ) 33‬الية ‪. 33 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪70‬‬
‫( ‪) 85‬‬

‫أجابن على الفور ‪ :‬هم نساء النب و قد بدأت الية بذكرهن ‪ { :‬يَا نِ سَاء النّبِيّ لَ سْتُنّ كَأَ َحدٍ‬
‫مّ َن النّسَاء إِنِ اتّقَيْتُنّ ‪. 1 } ...‬‬
‫قلت له ‪ :‬إن علماء الشيعية يقولون بأناي خاصية بعلي و فاطمية و السين و السيي ‪ ،‬و قيد‬
‫اعترضت عليهم طبعا و قلت بأن بداية الية تقول ‪ " :‬يا نساء النب" ‪ ،‬فأجابون لا كان الكلم عليهن‬
‫جاءت الصيغة كلها بنون النسوة ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬لست ‪ ،‬إن اتقيت ‪ ،‬فل تضعن ‪ ،‬و قلن ‪ ،‬و قرن ف‬
‫بيوت كن ‪ ،‬و ل تبجن ‪ ،‬و أق من ال صلة ‪ ،‬و آت ي الزكاة ‪ ،‬و أط عن ال و ر سوله ‪ ،‬و ل ا كان هذا‬
‫الق طع من ال ية خاض عا بأ هل الب يت تغيت ال صيغة فقال ‪ :‬ليذ هب عن كم ‪ ،‬و يطهر كم ‪ ،‬فن ظر إل‬
‫رافعيا نظارتيه و قال ‪ :‬إياك و هذه الفكار السيمومة ‪ ،‬إن الشيعية يؤولون كلم ال على حسيب‬
‫أهوائهم و لم ف عل يّ و ذريته آيات ل نعرفها و عندهم قرآن خاص يسمونه مصحف فاطمة ‪ ،‬فأنا‬
‫أحذرك أن يدعوك ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ل تف يا سيدي فأنا على حذر و أعرف عنهم الكثي و لكن أردت أن أتقق ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫من أ ين أ نت ‪ ،‬قلت من تو نس ‪ ،‬قال ف ما ا سك ؟ قلت ‪ - :‬التيجا ن فض حك مفتخرا ‪ ،‬و قال هل‬
‫تدري من هو أحد التيجان ؟ قلت هو شيخ الطريقة ‪ ،‬قال و هو عميل للستعمار الفرنسي ‪ ،‬و قد‬
‫تركز الستعمار الفرنسي ف الزائر و تونس بإعانته ‪ ،‬و إذا زرت باريس فاذهب للمكتبة القومية و‬
‫اقرأ بنفسك القاموس الفرنسي ف باب " أ " فسترى أن فرنسا أعطت وسام الشرف لحد التيجان‬
‫الذي قدم لا خدمات ل تقاس فتعجبت من قوله و شكرته و ودعته و انصرفت ‪.‬‬
‫بق يت ف الدي نة أ سبوعا كامل ح يث صليت أربع ي صلة و زرت الزارات كل ها ‪ ،‬و ك نت‬
‫دق يق اللح ظة خلل إقام ت هناك فلم أزدد من الوهاب ية إل بعدا و نفورا و ارتلت من الدي نة النورة‬
‫إل الردن حيث التقيت أصدقاء هناك كنت تعرفت عليهم ف ملتقى الج الذي أشرت إليه سابقا ‪.‬‬
‫و بقييت معهيم ثلثية أيام ‪ ،‬و وجدت عندهيم حقدا على الشيعية أكثير ماي عندنيا في تونيس‬
‫فالروايات نف سها ‪ ،‬و الشاعات ذات ا ‪ ،‬و ل يس هناك وا حد سألته عن الدل يل إل و قال بأ نه ي سمع‬
‫عنهم و ل أجد أحدا منهم جالسَ الشيعة أو قرأ كتابا للشيعة و ل حت التقى شيعيا ف حياته ‪.‬‬

‫سورة الحزاب ( ‪ ، ) 33‬الية ‪. 32 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪71‬‬
‫رج عت من هناك إل سوريا و ف دم شق زرت الا مع الموي و إل جان به مر قد رأس سيدنا‬
‫ال سي ك ما زرت ضر يح صلح الد ين اليو ب و ال سيدة زي نب و من بيوت قط عت مباشرة إل‬
‫طرابلس و دا مت الرحلة أرب عة أيام ف الب حر ا سترحت خلل ا بدن يا و فكر يا و ا ستعرضت شر يط‬
‫الرحلة الت أوشكت على النهاية فإذا ب أستنتج ميل و احتراما للشيعة و ف نفس الوقت بعدا و نفورا‬
‫و سخطا على الوهابية الت عرفت دسائسها و حدت ال على ما أنعم به علي و ما أولن من عناية و‬
‫رعاية داعيا إياه سبحانه و تعال أن يهدين إل طريق الق ‪.‬‬
‫و رج عت إل أرض الو طن و كلي شوق و حن ي إل أ سرت و أهلي و أ صدقائي ‪ ،‬و وجدت‬
‫الميع بي ‪ ،‬و فوجئت عند دخول إل منل بكثرة الكتب الت وصلت قبلي و عرفت مصدرها ‪.‬‬
‫و ل ا فت حت تلك الك تب ال ت ملت الب يت ازددت ح با و تقديرا لولئك ‪ .‬الذ ين ل يلفون‬
‫وعدهم و قد وجدت هنا أضعاف ما أهدي إل هناك ‪.‬‬
‫***‬

‫‪72‬‬
‫بداية البحث‬
‫فر حت كثيا و نظمت الك تب ف ب يت خاص سيته بالكت بة ‪ ،‬و ا سترحت أيا ما ‪ ،‬و ت سلمت‬
‫جدول أوقات العمل بناسبة بداية السنة الدراسية الديدة فكان عملي ثلثة أيام متوالية من التدريس و‬
‫أربعة أيام متوالية من الراحة ف السبوع ‪.‬‬
‫و بدأت أقرأ الكتب فقرأت كتاب عقائد المامية ‪ ،‬و أصل الشيعة و أصولا و ارتاح ضميي‬
‫لتلك العقائد و تلك الفكار التي يرتئيهيا الشيعية ‪ ،‬ثي قرأت كتاب الراجعات للسييد شرف الديين‬
‫الوسوي ‪ ،‬و ما أن قرأت منه بضع صفحات حت استهوان الكتاب و شدن إليه شدا فكنت ل أتركه‬
‫إل غض با و كنت أحله ف ب عض الحيان إل الع هد ‪ ،‬و أدهش ن الكتاب ب ا حواه من صراحة العال‬
‫الشيعي و حَلّه لا أشكل على العال السن شيخ الزهر ‪ ،‬وجدت ف الكتاب بغيت لنه ليس كالكتب‬
‫الت يكتب فيها الؤلف ما يشاء بدون معارض و ل مناقش فالراجعات هو حواريي عالي من مذهبي‬
‫متلفي ياسب كل منهما صاحبه على كل شاردة و واردة ‪ ،‬على كل صغية و كبية متوخيي ف‬
‫ذلك الرجع ي ال ساسيي لكا فة ال سلمي و ه ا القرآن الكر ي و ال سنة ال صحيحة الت فق علي ها ف‬
‫صحاح ال سنة ‪ .‬فكان الكتاب ب ق ي ثل دوري كبا حث يف تش عن القي قة و يقبل ها أين ما وجدت و‬
‫على هذا كان الكتاب مفيدا جدا و له فضل عليّ عميم ‪.‬‬
‫و وق فت مبهو تا عند ما كان يتكلم عن عدم امتثال ال صحابة لوا مر الر سول و ي سوق لذلك‬
‫عدة أمثلة ‪ ،‬و من ها حادثة رزية يوم الم يس ‪ ،‬إذ ل أ كن أتصور أن سيدنا عمر بن الطاب يعترض‬
‫على أمر رسول ال و يرميه بالجر ‪ ،‬و ظننت بادئ المر أن الرواية هي من كتب الشيعة ‪ ،‬و ازدادت‬
‫دهشت و حيت عندما رأيت العال الشيعي ينقلها من صحيح البخاري و صحيح مسلم ‪ ،‬و قلت ف‬
‫نفسي " إن وجدت هذا ف صحيح البخاري فسيكون ل رأي " ‪.‬‬
‫و سافرت إل العاصمة و منها اشتريت صحيح البخاري و صحيح مسلم و مسند المام أحد‬
‫و صحيح الترمذي و مو طأ المام مالك و غي ها من الك تب الخرى الشهورة ‪ ،‬و ل أنت ظر الرجوع‬
‫إل البيت فكنت طوال الطريق بي تونس و قفصة و أنا راكب ف حافلة النقل العمومية أتصفح كتاب‬
‫البخاري و أبث عن رزية يوم الميس متمنيا أن ل أعثر عليها ‪ ،‬و رغم أنفي وجدتا و قرأتا مرات‬
‫عديدة فكانت كما نقلها السيد شرف الدين ‪ ،‬و حاولت تكذيب الادثة برمتها و استبعدت أن يقوم‬
‫‪73‬‬
‫سيدنا عمر بذلك الدور الطي و لكن أنّ ل تكذيب ما ورد ف صحاحنا و هي صحاح أهل السنة و‬
‫الماعة الت ألزمنا با أنفسنا و شهدنا بصحتها ‪ ،‬و الشك فيها ‪ ،‬أو تكذيب بعضها يستلزم طرحها‬
‫لنه هو الخر يستلزم طرح كل معتقداتنا ‪ ،‬و لو كان العال الشيعي ينقل من كتبهم ما كنت لصدق‬
‫أبدا ‪ ،‬و أما أن ينقل من صحاح أهل السنة الت ل مال للطعن فيها ‪ ،‬و قد أخذنا على أنفسنا بأنا‬
‫أصح الكتب بعد كتاب ال فيصبح المر ملزما و إل استلزم الشك ف هذه الصحاح و عند ذلك ل‬
‫يبقى معنا من أحكام السلم شيء نعتمده ‪ ،‬لن الحكام الت وردت ف كتاب ال جاءت مملة غي‬
‫مف صلة ‪ ،‬و لن نا بعيدون عن ع صر الر سالة و قد ورث نا أحكام دين نا أ با عن جد عن طر يق هذه‬
‫الصحاح ‪ ،‬فل يكن بال من الحوال طرح هذه الكتب ‪.‬‬
‫و أخذت على نف سي عهدا و أ نا أد خل هذا الب حث الطو يل العسيي ‪ ،‬أن أعتميد الحاد يث‬
‫الصحيحة الت اتفق عليها السنة و الشيعة ‪ ،‬و أن أطرح الحاديث الت انفرد با فريق دون الخر ‪،‬‬
‫بذه الطريقية العتدلة ‪ ،‬أكون قيد ابتعدت عين الؤثرات العاطفيية ‪ ،‬و التعصيبات الذهبيية و النعات‬
‫القوم ية أو الوطن ية ‪ ،‬و ف الو قت نف سه أق طع طر يق ال شك ل صل إل ح بل اليق ي و هو صراط ال‬
‫الستقيم ‪.‬‬

‫بداية الدراسة العمقة‬


‫الصحابة عند الشيعة و السنة‬

‫‪74‬‬
‫من أ هم الباث ال ت أعتب ها ال جر ال ساسي ف كل البحوث ال ت تقود إل القي قة ‪ ،‬هو‬
‫البحث ف حياة الصحابة و شؤونم و ما فعلوه و ما اعتقدوه لنم عماد كل شيء ‪ ،‬و عنهم أخذنا‬
‫ديننا و بم نستضيء ف الظلمات لعرفة أحكام ال ‪ ،‬و لقد سبق لعلماء السلم ‪ -‬لقناعتهم بذلك ‪-‬‬
‫البحث عنهم و عن سيتم ‪.‬‬
‫فألفوا ف ذلك كتبا عديدة أمثال ‪ :‬اُ سد الغا بة ف تي يز ال صحابة ‪ ،‬و كتاب ال صابة ف معرفة‬
‫الصحابة ‪ ،‬و كتاب ميزان العتدال و غيها من الكتب الت تناولت حياة الصحابة بالنقد و التحليل و‬
‫لكنها من وجهة نظر أهل السنة و الماعة ‪.‬‬
‫و ثةي إشكال يتلخيص في أن العلماء الوائل غالبيا ميا كانوا يكتبون و يؤرخون بالنحيو الذي‬
‫يوافق آراء الكام من المويي و العباسيي الذين عرفوا بعدائهم لهل البيت النبوي ‪ ،‬بل و لكل من‬
‫يشايعهم و يتبع نجهم ‪ ،‬و لذا فليس من النصاف العتماد على أقوالم دون أقوال غيهم من علماء‬
‫السلمي الذين اضطهدتم تلك الكومات و شردتم و قتلتهم لنم كانوا أتباع أهل البيت و كانوا‬
‫مصدر تلك الثورات ضد السلطات الغاشة و النحرفة ‪.‬‬
‫و الشكل الساسي ف كل ذلك هو الصحابة ‪ ،‬فهم الذين اختلفوا ف أن يكتب لم رسول ال‬
‫ذلك الكتاب الذي يعصيمهم مين الضللة إل قيام السياعة و اختلفهيم هذا هيو الذي حرم المية‬
‫السلمية من هذه الفضيلة و رماها ف الضللة حت انقسمت و تفرقت و تنازعت و فشلت و ذهبت‬
‫ريها ‪.‬‬
‫و هم الذين اختلفوا ف اللفة فتوزعوا بي حزب حاكم و حزب معارض و سبب ذلك تلف‬
‫المة و انقسامها إل شيعة علي و شيعة معاوية ‪ ،‬و هم الذين اختلفوا ف تفسي كتاب ال و أحاديث‬
‫ر سوله فكا نت الذا هب و الفرق و اللل و الن حل ‪ ،‬و نشأت من ذلك الدارس الكلم ية و الفكر ية‬
‫الختلفة و برزت فلسفات متنوعة أملتها دوافع سياسية مضة تتصل بطموحات اليمنة على السلطة و‬
‫الكم ‪...‬‬
‫فالسلمون ل ينقسموا و ل يتلفوا ف شيء لول الصحابة و كل خلف نشأ و ينشأ إنا يعود‬
‫إل اختلفهم ف الصحابة ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫فالرب وا حد و القرآن وا حد و الر سول وا حد و القبلة واحدة و هم متفقون على ذلك و بدأ‬
‫اللف و الختلف ف ال صحابة من اليوم الول ب عد وفاة الر سول ( صيلى ال علييه و آله ) ف سقيفة ب ن‬
‫ساعدة ‪ ،‬و استمر إل يوم الناس هذا و سيستمر إل ما شاء ال ‪.‬‬
‫و قد استنتجت من خلل الديث مع علماء الشيعة أن الصحابة ف نظرهم ينقسمون إل ثلثة‬
‫أقسام ‪:‬‬
‫فالقسم الول و هم الصحابة الخيار الذين عرفوا رسول ال حق العرفة و بايعوه على الوت و‬
‫صياحبوه بصيدق في القول و بإخلص في العميل ‪ ،‬و ل ينقلبوا بعده ‪ ،‬بيل ثبتوا على العهيد و قيد‬
‫امتدحهم ال جل جلله ‪ ،‬ف كتابه العزيز ف العديد من الواقع ‪ ،‬و قد أثن عليهم رسول ال ف العديد‬
‫من الواقع أيضا ‪ ،‬و الشيعة يذكرونم باحترام و تقديس و يترضّون عليهم كما يذكرهم أهل السنة‬
‫باحترام و تقديس أيضا ‪.‬‬
‫و الق سم الثا ن ‪ ،‬و هم ال صحابة الذ ين اعتنقوا ال سلم و اتبعوا ر سول ال و لكن هم كانوا ف‬
‫ب عض الوقات ل يتثلون لوامره و نواه يه بل يعلون لرائ هم مال ف مقا بل الن صوص ال صرية و‬
‫الشيعة ل يذكرونم إل بأفعالم بدون احترام و ل تقديس كالصنف الول ‪.‬‬
‫أما القسم الثالث من الصحابة ‪ :‬فهم النافقون الذين صحبوا رسول ال للكيد له و قد أظهروا‬
‫السلم و انطوت سرائرهم على الكفر و قد تقربوا ليكيدوا للسلم و السلمي عامة و قد أنزل ال‬
‫فيهم سورة كاملة و ذكرهم ف العديد من الواقع و توعدهم بالدرك السفل من النار و قد ذكرهم‬
‫رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) و حذر منهم و علم بعضا من أصحابه أساءهم و علماتم ‪ ،‬و هؤلء يتفق‬
‫الشيعة و السنة على لعنهم و الباءة منهم ‪.‬‬
‫و هناك ق سم خاص و إن كانوا من ال صحابة ف هم يتميزون علي هم بالقرا بة و بفضائل خلق ية و‬
‫نفسية و خصوصيات اختصهم ال و رسوله با ل يلحقهم فيها لحق ‪ ،‬و هؤلء هم أهل البيت الذين‬
‫أذ هب ال عن هم الر جس و طهر هم تطهيا ‪ 1‬و أو جب ال صلة علي هم ك ما أوجب ها على ر سوله ‪ ،‬و‬
‫أوجب لم سهما من المس ‪ 2‬كما أوجب مودتم على كل مسلم كأجر للرسالة الحمدية ‪ ، 3‬فهم‬

‫سورة الحزاب ( ‪ ، ) 33‬الية ‪. 33 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النفال ( ‪ ، ) 8‬الية ‪. 41 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الشورى ( ‪ ، ) 42‬الية ‪. 23 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪76‬‬
‫أولوا ال مر الذ ين أ مر بطاعت هم ‪ 1‬و هم الرا سخون ف العلم الذ ين يعلمون تأو يل القرآن و يعلمون‬
‫التشا به م نه و الح كم ‪ ، 2‬و هم أ هل الذ كر الذ ين قرن م ر سول ال بالقرآن ف حد يث الثقل ي و‬
‫أوجب التمسك بما ‪ ، 3‬و جعلهم كسفينة نوح من ركبها نا و من تلف عنها غرق ‪ ، 4‬و الصحابة‬
‫يعرفون قدر أهيل البييت و يعظمونمي و يترمونمي ‪ ،‬و الشيعية يقتدون بمي و يقدمونمي على كيل‬
‫الصحابة ‪ ،‬و لم ف ذلك أدلة من النصوص ال صرية ‪ .‬ما أهل السنة و الماعة فإنم مع احترامهم‬
‫لهل البيت و تعظيمهم و تفضيلهم إل أنم ل يعترفون بذا التقسيم للصحابة و ل يعدون النافقي ف‬
‫الصحابة ‪ ،‬بل الصحابة ف نظرهم خي اللق بعد رسول ال ‪.‬‬
‫و إذا كان هناك تقسيم فهو من باب فضيلة السبق للسلم و البلء السن فيه فيفضلون اللفاء‬
‫الراشدين بالدرجة الول ث الستة الباقي من العشرة البشرين بالنة على ما يروونه ‪.‬‬
‫و لذلك تراهم عندما يصلون على النب و أهل بيته يلحقون بم الصحابة أجعي بدون استثناء ‪.‬‬
‫هذا ما أعر فه من علماء أ هل ال سنة و الما عة ‪ ،‬و ذاك ما سعته من علماء الشي عة ف تق سيم‬
‫الصحابة ‪ ،‬و هذا ما دعان إل أن أجعل بثي يبدأ بذه الدراسة العمقة حول الصحابة و عاهدت رب‬
‫ي إن هدا ن ي أن أترد من العاط فة لكون حياد يا ‪ ،‬موضوع يا و ل سع القول من الطرف ي فأت بع‬
‫أحسنه ‪ ،‬و مرجعي ف ذلك ‪:‬‬
‫‪ - 1‬القاعدة النطقية ال سليمة ‪ ،‬و هي أن ل أعت مد إل ما اتفقوا عل يه جي عا بشأن التف سي‬
‫لكتاب ال و الصحيح من السنة النبوية الشريفة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬العقل ‪ ،‬فهو أكب نعمة من نعم ال على النسان ‪ ،‬إذ به كرمه و فضله على سائر ملوقاته‬
‫‪ ،‬أل ترى أن ال سبحانه عندما يتج على عباده يدعوهم للتعقل بقوله ‪:‬‬
‫" أفل يعقلون ‪ ،‬أفل يفقهون ‪ ،‬أفل يتدبرون ‪ ،‬أفل يبصرون ال ‪. " ...‬‬
‫و ليكن إسلمي مبدئيا إيانا بال و ملئكته و كتبه و رسله و أن ممدا عبده و رسوله ‪ ،‬و أن‬
‫الدين عند ال السلم ‪ ،‬و ل أعتمد ف ذلك على أي واحد من الصحابة مهما كانت قرابته و مهما‬

‫سورة النساء ( ‪ ، ) 4‬الية ‪. 59 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة آل عمران ( ‪ ، ) 3‬الية ‪. 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫حديث الثقلي ‪ ،‬و من مصادره ‪ ،‬كن العمال ج ‪ 1‬ص ‪ ، 44‬مسند أحد ج ‪ 5‬ص ‪.182‬‬ ‫‪3‬‬

‫حديث السفينة ‪ ،‬الستدرك للحاكم ج ‪ 3‬ص ‪ 151‬تلخيص الذهب ‪ ،‬الصواعق الحرقة لبن حجر ص ‪ 184‬و ‪. 234‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪77‬‬
‫علت منلته فأنا لست أمويا و ل عباسيا و ل فاطميا ‪ ،‬و ل سنيا و ل شيعيا و ليست ل أي عداوة‬
‫ل ب ب كر و ل لع مر و ل لعثمان و ل لعلي و ل ح ت لوح شي قا تل سيدنا المزة مادام أ نه أ سلم و‬
‫جبّ ما قبله و قد عفا عنه رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬
‫السلم َي ُ‬
‫و ما دمت أقحمت نفسي ف هذا البحث بغية الوصول للحقيقة و ما دمت قد تردت من كل‬
‫الفكار السبقة بكل إخلص فأنا أبدأ هذا البحث على بركة ال ف مواقف الصحابة ‪.‬‬
‫‪ - 1‬الصحابة ف صلح الديبية‬
‫م مل الق صة ‪ ،‬أن ر سول ال ( صلى ال عل يه و آله ) خرج ف ال سنة ال سادسة للهجرة ير يد العمرة مع‬
‫ألف و أربعمائة مين أصيحابه فأمرهيم أن يضعوا سييوفهم في القرب ‪ ،‬و أحرم هيو و أصيحابه بذي‬
‫اللي فة و قلدوا الدي ليعلم قري شا أ نه إن ا جاء زائرا معتمرا و ل يس مار با ‪ ،‬و ل كن قري شا بكبيائ ها‬
‫خا فت أن ي سمع العرب بأن ممدا د خل عنوة إل م كة و ك سر شوكت ها ‪ ،‬فبعثوا إل يه بو فد يرأ سه‬
‫سهيل بن عمرو بن عبد ود العامري و طلبوا منه أن يرجع ف هذه الرة من حيث أتى على أن يتركوا‬
‫له مكة ف العام القادم ثلثة أيام ‪ ،‬و قد اشترطوا عليه شروطا قاسية قبلها رسول ال لقتضاء الصلحة‬
‫الت أوحى با إليه ربه عَزّ و َجلّ ‪.‬‬
‫و لكن بعض الصحابة ل يعجبهم هذا التصرف من النب و عارضوه ف ذلك معارضة شديدة و‬
‫جاءه عمر بن الطاب فقال ‪ :‬ألست نب ال حقا ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬ألسنا على الق و عدونا‬
‫على الباطل ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬فلم نعطي الدنية ف ديننا إذا ؟ قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪:‬‬
‫إ ن ر سول ال و ل ست أع صيه و هو نا صري ‪ ،‬قال ع مر ‪ :‬أو ل ست ك نت تدث نا أ نا سنأت الب يت‬
‫فنطوف به ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬أفأخبتك أنا نأتيه العام ؟ قال عمر ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فإنك آتيه و مطوف به ‪.‬‬
‫ث أتى عمر بن الطاب إل أب بكر فقال ‪ :‬يا أبا بكر أليس هذا نب ال حقا ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬ث‬
‫سأله عمر نفس السئلة الت سألا رسول ال ‪ ،‬و أجابه أبو بكر بنفس الجوبة قائل له ‪ :‬أيها الرجل‬
‫إ نه لر سول ال و ل يس يع صي ر به و هو نا صره فا ستمسك بغرزه ‪ ،‬و ل ا فرغ ر سول ال من كتاب‬
‫الصيلح قال لصيحابه ‪ :‬قوموا فانروا ثي أحلقوا ‪ ،‬فوال ميا قام منهيم رجيل حتي قال ذلك ثلث‬
‫مرات ‪ ،‬فلما ل يتثل لمره منهم أحد دخل خباءه ث خرج فلم يكلم أحدا منهم بشيء حت نر بدنة‬

‫‪78‬‬
‫بيده ‪ ،‬و دعا حالقه فحلق رأسه ‪ ،‬فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا و جعل بعضهم يلق بعضا ‪،‬‬
‫حت كاد بعضهم يقتل بعضا ‪. . . 1‬‬
‫هذه ممل قصة الصلح ف الديبية و هي من الحداث التفق عليها عند الشيعة و السنة و قد‬
‫ذكرها الؤرخون و أصحاب السي كالطبي و ابن الثي و ابن سعد و غيهم كالبخاري و مسلم ‪.‬‬
‫و أ نا ل ه نا وق فة ‪ ،‬فل ي كن ل أن أقرأ م ثل هذا و ل أتأ ثر و ل أع جب من ت صرف هؤلء‬
‫الصحابة تاه نبيهم ‪ ،‬و هل يقبل عاقل قول القائلي بأن الصحابة رضي ال عنهم كانوا يتثلون أوامر‬
‫رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) و ينفذونا ‪ ،‬فهذه الادثة تقطع عليهم ما يرومون ‪ ،‬هل يتصور عاقل بأن‬
‫هذا التصرف ف مواجهة النب هو أمر هي ‪ ،‬أو مقبول ‪ ،‬أو معذور ‪ ،‬قال تعال ‪:‬‬
‫سهِمْ حَ َرجًا ّممّا‬‫جدُواْ فِي أَنفُ ِ‬
‫{ فَلَ َورَبّ كَ لَ ُيؤْمِنُو نَ حَتّىَ ُيحَ ّكمُو َك فِيمَا َشجَرَ بَيَْنهُ مْ ُثمّ لَ َي ِ‬
‫َقضَيْتَ وَُيسَّلمُواْ َتسْلِيمًا } ‪. 2‬‬
‫فهل سلم عمر بن الطاب هنا و ل يد ف نفسه حرجا ما قضى الرسول ( صلى ال عليه و آله ) ؟ ! أم‬
‫كان ف موق فه تردد ف ما أ مر ال نب ؟ و خ صوصا ف قوله ‪ :‬أول ست نب ال ح قا ؟ أول ست ك نت‬
‫تدثنا ؟ إل آخره ‪ ،‬و هل سلم بعد ما أجابه رسول ال بتلك الجوبة القنعة ؟ كل ل يقتنع بوابه و‬
‫ذهب يسأل أبا بكر السئلة نفسها ‪ ،‬و هل سلم بعد ما أجابه أبو بكر و نصحه أن يلزم غرز النب ‪،‬‬
‫ل أدري إذا كان سلم بذلك ‪ ،‬أو اقتنع بواب النب أو بواب أب بكر ! ! و إل لاذا تراه يقول عن‬

‫هذه القصة أخرجها أصحاب السي و التواريخ كما أخرجها البخاري ف صحيحه من كتاب الشروط باب الشروط‬ ‫‪1‬‬

‫ف الهاد ج ‪ - 2‬ص ‪ - 122‬صحيح مسلم ف باب صلح الديبية ج ‪. 2‬‬


‫سورة النساء ( ‪ ، ) 4‬الية ‪. 65 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪79‬‬
‫( ‪) 95‬‬

‫نف سه ‪ " :‬فعملت لذلك أعمال ‪ . .‬و ل أدري سبب تلف البق ية الباق ية من الاضر ين ب عد ذلك إذ‬
‫قال ل م ر سول ال ‪ :‬قوموا فانروا ث أحلقوا ‪ ،‬فلم ي ستمع إل أمره أ حد من هم ح ت كرر ها علي هم‬
‫ثلث مرات بدون جدوى ‪.‬‬
‫سبحان ال ! أنا ل أكاد أصدق ما أقرأ ‪ ،‬و هل يصل المر بالصحابة إل هذا الد ف التعامل‬
‫مع أمر الرسول ‪ ،‬و لو كانت هذه القصة مروية من طريق الشيعة وحدهم لعددت ما قالوا افتراء على‬
‫الصحابة الكرام ‪ ،‬و لكن القصة بلغت من الصحة و الشهرة أن تناقلها كل الحدثي من أهل السنة و‬
‫الما عة أيضا ‪ ،‬و با أنن ألزمت نف سي توثيق ما اتفقوا عليه ‪ ،‬فل أران إل مسلما و متحيا ‪ :‬ماذا‬
‫عسان أن أقول ؟ و ب أعتذر عن هؤلء الصحابة الذين قضوا مع رسول ال قرابة عشرين عاما من‬
‫البع ثة إل يوم الديب ية ‪ ،‬و هم يشاهدون العجزات و أنوار النبوة ‪ ،‬و القرآن يعلم هم ليل نارا ك يف‬
‫يتأدبون مع حضرة الر سول و ك يف يكلموه ‪ ،‬ح ت هدد هم ال بإحباط أعمال م إن رفعوا أ صواتم‬
‫فوق صوته ‪.‬‬
‫و يدفعن إل الحتمال بأن عمر بن الطاب هو الذي أثار بقية الاضرين و دفعهم إل التردد و‬
‫التخلف عن أمر الرسول ‪ -‬زيادة على اعترافه بأنه عمل لذلك أعمال ل يشأ ذكرها ‪ -‬ما يردده هو‬
‫ف موارد أخرى قائل ‪ :‬ما زلت أصوم و أتصدق و أصلي و أعتق مافة كلمي الذي تكلمت به ‪..‬‬
‫إل آخر ما هو مأثور عنه ف هذه القضية ‪... 1‬‬
‫م ا يشعر نا بأن ع مر نف سه كان يدرك ب عد الو قف الذي وق فه ذلك اليوم إن ا ق صة عجي بة و‬
‫غريبة و لكنها حقيقية ‪. .‬‬
‫‪ - 2‬الصحابة و رزية يوم الميس‬
‫و ممل القصة أن الصحابة كانوا متمعي ف بيت رسول ال قبل وفاته بثلثة أيام ‪ ،‬فأمرهم أن‬
‫يضروا له الكتف و الدواة ليكتب لم كتابا يعصمهم من الضللة ‪ ،‬و لكن الصحابة اختلفوا و منهم‬
‫من عصى أمره و اتمه بالجر ‪ ،‬فغضب رسول ال و أخرجهم من بيته دون أن يكتب لم شيئا ‪ ،‬و‬
‫إليك شيئا من التفصيل ‪:‬‬

‫السية اللبية باب صلح الديبية ج ‪ - 2‬ص ‪. 706‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪80‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬يوم الم يس و ما يوم الم يس اش تد بر سول ال وج عه ‪ ،‬فقال ‪ :‬هلم أك تب‬
‫لكم كتابا ل تضلوا بعده ‪ ،‬فقال عمر إن النب قد غلبه الوجع ‪ ،‬و عندكم القرآن حسبنا كتاب ال ‪،‬‬
‫فاختلف أ هل الب يت و اخت صموا ‪ ،‬من هم من يقول قربوا يك تب ل كم ال نب كتا با ل تضلوا بعده ‪ ،‬و‬
‫منهم من يقول ما قال عمر ‪ ،‬فلما أكثروا اللغو و الختلف عند النب ‪ ،‬قال لم رسول ال ( صلى ال عليه و‬

‫آله ) ‪ ،‬قوموا ع ن ‪ ،‬فكان ا بن عباس يقول ‪ :‬إن الرز ية كل الرز ية ما حال ب ي ر سول ال و ب ي أن‬
‫يكتب لم ذلك الكتاب من اختلفهم ‪ 1‬و لغطهم ‪ .‬هذه الادثة صحيحة ل شك فيها ‪ ،‬ف قد نقلها‬
‫علماء الشيعة و مدثوهم ف كتبهم ‪ ،‬كما نقلها علماء السنة و مدثوهم و مؤرخوهم ‪ ،‬و هي ملزمة‬
‫ل على ما ألزمت به نفسي و من هنا أقف حائرا ف تفسي الوقف الذي وقفه عمر بن الطاب من‬
‫أمر رسول ال ‪ ،‬و أي أمر هو ؟ أمر " عاصم من الضللة لذه المة ‪ ،‬و ل شك أن هذا الكتاب كان‬
‫فيه شيء جديد للمسلمي سوف يقطع عليهم كل شك " ‪.‬‬
‫و لنترك قول الشي عة ‪ " :‬بأن ر سول أراد أن يك تب إ سم علي خلي فة له ‪ ،‬و تف طن ع مر لذلك‬
‫فمنعه " ‪.‬‬
‫فلعل هم ل يقنعون نا بذا الز عم الذي ل يرضي نا مبدئ يا ‪ ،‬و ل كن هل ن د تف سيا معقول لذه‬
‫الادثة الؤلة الت أغضبت الرسول حت طردهم و جعلت ابن عباس يبكي حت يبل دمعه الصى و‬
‫ي سميها أ كب رز ية ‪ ،‬أ هل ال سنة يقولون بأن ع مر أ حس بشدة مرض ال نب فأش فق عل يه و أراد أن‬
‫يريه ‪ ،‬و هذا التعليل ل يقبله بسطاء العقول فضل عن العلماء ‪ ،‬و قد حاولت مرارا و تكرارا التماس‬
‫بعض العذار لعمر و لكن واقع الادثة يأب علي ذلك ‪ ،‬و حت لو أبدلت كلمة يهجر " و العياذ بال‬
‫" بلفظة " غلبه الوجع " فسوف لن ند مبرا لقول عمر ‪ " :‬عندكم القرآن " " و حسبنا كتاب ال "‬
‫‪ ،‬أو كان هو أعلم بالقرآن من رسول ال الذي أنزل عليه ‪ ،‬أم أن رسول ال ل يعي ما يقول " حاشاه‬
‫" أم أنه أراد بأمره ذلك أن يبعث فيهم الختلف و الفرقة " أستغفر ال " ‪.‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 3‬باب قول الريض ‪ :‬قوموا عن ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح مسلم ج ‪ 5‬ص ‪ 75‬ف آخر كتاب الوصية ‪.‬‬


‫مسند المام أحد ج ‪ 1‬ص ‪ 355‬و ج ‪ 5‬ص ‪. 116‬‬
‫تاريخ الطبي ج ‪ 3‬ص ‪ - 193‬تاريخ ابن الثي ج ‪ - 2‬ص ‪. 320‬‬
‫‪81‬‬
‫ث لو كان تعليل أهل السنة صحيحا ‪ ،‬فلم يكن ذلك ليخفى على الرسول و ل يهل حسن نية‬
‫عمر ‪ ،‬و لشكره رسول ال على ذلك و قربه بدل من أن يغضب عليه و يقول أخرجوا عن ‪.‬‬
‫و هل ل أن أتسأل لاذا امتثلوا أمره عندما طردهم من الجرة النبوية ‪ ،‬و ل يقولوا بأنه يهجر ؟‬
‫أ لن م نحوا بخطط هم ف م نع الر سول من الكتا بة ‪ ،‬فل دا عي ب عد ذلك لبقائ هم ‪ ،‬و الدل يل أن م‬
‫أكثروا اللغط و الختلف بضرته ( صلى ال عل يه و آله ) ‪ ،‬و انقسموا إل حزبي منهم من يقول ‪ :‬قربوا إل‬
‫رسول ال يكتب لكم ذلك الكتاب و منهم من يقول ما قال عمر أي إنه " يهجر " ‪.‬‬
‫و المر ل يعد بتلك البساطة يتعلق بشخص عمر وحده و لو كان كذلك لسكته رسول ال و‬
‫أقنعه بأنه ل ينطق عن الوى و ل يكن أن يغلب عليه الوجع ف هداية المة و عدم ضللتها و لكن‬
‫المير اسيتفحل و اسيتشرى و وجيد له أنصيارا كأنمي متفقون مسيبقا ‪ ،‬و لذلك أكثروا اللغيط و‬
‫صوْتِ‬ ‫صوَاتَكُ ْم َفوْ قَ َ‬
‫الختلف و ن سوا أو تنا سوا قول ال تعال ‪ { :‬يَا أَيّهَا الّذِي نَ آمَنُوا لَا تَ ْرفَعُوا أَ ْ‬
‫جهْرِ بَ ْعضِ ُكمْ لِبَعْضٍ أَن َتحْبَطَ أَ ْعمَالُ ُكمْ وَأَنُتمْ لَا َتشْعُرُونَ } ‪. 1‬‬
‫جهَرُوا لَهُ بِالْ َقوْلِ كَ َ‬
‫النّبِيّ َولَا َت ْ‬
‫و ف هذه الادثة تعدوا حدود رفع الصوات و الهر بالقول إل رميه ( صلى ال عليه و آله ) بالجر و‬
‫الذيان " و العياذ بال " ث أكثروا اللغط و الختلف و صارت معركة كلمية بضرته ‪.‬‬
‫و أكاد أعتقد بأن الكثرية الساحقة كانت على قول عمر و لذلك رأى رسول ال ( صلى ال عليه و‬

‫آله ) عدم الدوى ف كتا بة الكتاب ل نه علم بأن م ل يترموه و ل يتثلوا ل مر ال ف يه ف عدم ر فع‬
‫أصواتم بضرته ‪ ،‬و إذا كانوا لمر ال عاصي فلن يكونوا لمر رسوله طائعي ‪.‬‬
‫و اقت ضت حك مة الر سول بأن ل يك تب ل م ذلك الكتاب ل نه ط عن ف يه ف حيا ته ‪ ،‬فك يف‬
‫يع مل ب ا ف يه ب عد وفا ته ‪ ،‬و سيقول الطاعنون ‪ :‬بأ نه ه جر من القول و لرب ا سيشككون ف ب عض‬
‫الحكام الت عقدها رسول ال ف مرض موته ‪.‬‬
‫إذ أن اعتقادهم بجره ثابت ‪.‬‬
‫أستغفر ال ‪ ،‬و أتوب إليه من هذا القول ف حضرة الرسول الكرم ‪ ،‬و كيف ل أن أقنع نفسي‬
‫و ضميي ال ر بأن ع مر بن الطاب كان عفو يا ف ح ي أن أ صحابه و من حضروا مضره بكوا ل ا‬
‫حصل حت بل دمعهم الصى و سوها رزية السلمي ‪.‬‬

‫سورة الجرات ( ‪ ، ) 49‬الية ‪. 2 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪82‬‬
‫و لذا ف قد خل صت إل أن أر فض كل التعليلت ال ت قد مت ل تبير ذلك ‪ ،‬و ل قد حاولت أن‬
‫أنكر هذه الادثة و أكذبا لستريح من مأساتا ‪ ،‬و لكن كتب الصحاح نقلتها و أثبتتها و صححتها‬
‫و ل تسن تبيرها ‪.‬‬
‫و أكاد أميل إل رأي الشيعة ف تفسي هذا الدث لنه تعليل منطقي و له قرائن عديدة ‪.‬‬
‫و إن ل زلت أذكر إجابة السيد ممد باقر الصدر عندما سألته ‪ :‬كيف فهم سيدنا عمر من بي‬
‫الصحابة ما يريد الرسول كتابته و هو استخلف علي ي على حد زعمكم ي ‪ ،‬فهذا ذكاء منه ‪.‬‬
‫قال السيد الصدر ‪ :‬ل يكن عمر وحده فهم مقصد الرسول ‪ ،‬و لكن أكثر الاضرين فهموا ما‬
‫فهمه عمر ‪ ،‬لنه سبق لرسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) أن قال مثل هذا إذ قال لم إن ملف فيكم الثقلي‬
‫كتاب ال و عتر ت أ هل بي ت ما إن ت سكتم ب ما لن تضلوا بعدي أبدا ‪ ،‬و ف مر ضه قال ل م ‪ :‬هلم‬
‫أكتب لكم كتابا ل تضلوا بعده أبدا ‪ ،‬ففهم الاضرون و من بينهم عمر أن رسول ال يريد أن يؤكد‬
‫ما ذكره ف غدير خم كتابيا ‪ ،‬و هو التم سك بكتاب ال و عترته ‪ ،‬و سيد العترة هو علي ‪ ،‬فكأنه‬
‫( صلى ال عل يه و آله ) أراد أن يقول ‪ :‬عليكم بالقرآن و علي ‪ ،‬و قد قال مثل ذلك ف مناسبات أخرى كما‬
‫ذكر الحدثون ‪.‬‬
‫و كان أغلبية قريش ل يرضون بعلي لنه أصغر القوم و لنه حطم كبياءهم و هشم أنوفهم و‬
‫قتل أبطالم ‪ ،‬و لكنهم ل يرؤون على رسول ال مثل عمر فقد كان جريئا على النحو الذي حصل‬
‫ف صلح الديبية و ف العارضة الشديدة للنب عندما صلى على عبد ال بن اُب ‪ ،‬النافق ‪ ،‬و ف عدة‬
‫موا قف أخرى سجلها التار يخ ‪ ،‬و هذا الو قف من ها ‪ ،‬و أ نت ترى أن العار ضة لكتا بة الكتاب ف‬
‫مرض ال نب شج عت ب عض الخر ين من الاضر ين على الرأة و من ث الكثار من الل غط ف حضرة‬
‫الرسول ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬
‫إن هذه القولة ‪ :‬جاءت ردا مطاب قا تا ما لق صود الد يث ‪ ،‬فمقولة ‪ :‬عند كم القرآن ‪ ،‬ح سبنا‬
‫كتاب ال مال فة لحتوى الد يث الذي يأمر هم بالتم سك بكتاب ال و بالعترة م عا ‪ ،‬فكأن الق صود‬
‫هو ‪ :‬حسبنا كتاب ال فهو يكفينا ‪ ،‬و ل حاجة لنا بالعترة ‪.‬‬
‫و ليس هناك تفسي معقول غي هذا ‪ ،‬ي بالنسبة إل هذه الادثة ي اللهم إل إذا كان الراد هو‬
‫القول بإطاعة ال دون إطاعة رسوله ‪ ،‬و هذا أيضا باطل و غي معقول ‪. . .‬‬

‫‪83‬‬
‫و أ نا إذا طر حت التع صب الع مى و العاط فة الام ة و حك مت الع قل ال سليم و الف كر ال ر‬
‫لَِلْ تُ إل هذا التحل يل و ذلك أهون من اتام ع مر بأ نه أول من ر فض ال سنة النبو ية بقوله ‪ " :‬ح سبنا‬
‫كتاب ال " ‪.‬‬
‫و إذا كان بعض الكام قد رفض السنة النبوية بدعوى أنا متناقضة ‪ ،‬فإنه اتبع ف ذلك سابقة‬
‫تاريية ف حياة السلمي ‪.‬‬
‫و إن لعجب لن يقرأ هذه الادثة و ير با و كان شيئا ل يكن ‪ ،‬مع أنا من أكب الرزايا كما‬
‫ساها ا بن عباس ‪ ،‬و ع جب أ كب من الذ ين ياولون جهد هم الفاظ على كرا مة صحاب و ت صحيح‬
‫خطئه و لو كان ذلك على حساب كرامة رسول ال و على حساب السلم و مبادئه ‪.‬‬
‫و لاذا نرب من القي قة و ناول طم سها عند ما ل تتما شى مع أهوائ نا ‪ ،‬لاذا ل نعترف بأن‬
‫الصحابة بشر مثلنا ‪ ،‬لم أهواء و ميول و يطئون و يصيبون ‪.‬‬
‫و ل يزول ع جب إل عند ما أقرأ كتاب ال و هو يروي ل نا ق صص ال نبياء علي هم ال صلة و‬
‫غ قُلُوبَنَا‬
‫السلم ‪ ،‬و ما لقوه من شعوبم ف العاندة رغم ما يشاهدونه من معجزات ‪ ( . .‬رَبّنَا لَ تُزِ ْ‬
‫بَ ْعدَ إِذْ َهدَيْتَنَا وَ َهبْ لَنَا مِن لّدُنكَ رَ ْحمَةً إِنّكَ أَنتَ اْلوَهّابُ ) ‪.‬‬
‫و هكذا أصبحت أدرك خلفية موقف الشيعة من بعض الصحابة الذين يملونم مسؤولية الكثي‬
‫من الآسي الت وقعت ف حياة السلمي منذ رزية يوم الميس الت حرمت المة من كتاب الداية‬
‫الذي أراد الرسول ( صلى ال عليه و آله ) أن يكتبه لم ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الصحابة ف سرية أسامة‬
‫ممل هذه القصة ‪ :‬أنه ( صلى ال عل يه و آله ) ‪ ،‬جهز جيشا لغزو الروم قبل وفاته بيومي ‪ ،‬و أمر على‬
‫هذه السرية أسامة بن زيد بن حارثة و عمره ثانية عشر عاما ‪ ،‬و قد عبأ ( صلى ال عليه و آله ) ف هذه السرية‬
‫وجوه الهاجر ين و الن صار كأ ب ب كر و ع مر و أ ب عبيدة و غي هم من كبار ال صحابة الشهور ين‬
‫فطعن قوم منهم ف تأمي أسامة ‪ ،‬و قالوا ‪ :‬كيف يؤمر علينا شاب ل نبات بعارضيه ‪ ،‬و قد طعنوا من‬
‫قبل ف تأمي أبيه ‪ ،‬و قد قالوا ف ذلك و أكثروا النقد ‪ ،‬حت غضب ( صلى ال عل يه و آله ) غضبا شديدا ما‬
‫سع من طعن هم و انتقاد هم ‪ ،‬فخرج ( صيلى ال علييه و آله ) مع صب الرأس ممو ما ‪ ،‬يتهادى ب ي رجل ي و‬

‫‪84‬‬
‫رجله تطان ف الرض بأب هو و أمي ‪ ،‬من شدة ما به من لغوب ‪ ،‬فصعد النب فحمد ال و أثن‬
‫عليه ث قال ‪:‬‬
‫" أيها الناس ما مقالة بلغتن عن بعضكم ف تأمي أسامة ‪ ،‬و لئن طعنتم ف تأميي أسامة فقد‬
‫طعنتم ف تأميي أبيه من قبله ‪ ،‬و أي ال إنه كان خليقا بالمارة ‪ ،‬و إن ابنه من بعده لليق با ‪" . .‬‬
‫‪.1‬‬
‫ث ج عل ( صيلى ال علييه و آله ) يض هم على التعج يل و ج عل يقول ‪ :‬جهزوا ج يش أ سامة ‪ ،‬أنفذوا‬
‫جيش أسامة أرسلوا بعث أسامة ‪ ،‬يكرر ذلك على مسامعهم و هم متثاقلون و عسكروا بالرف و ما‬
‫كادوا يفعلون ‪.‬‬
‫إن مثل ذلك يدفعن إل أن أتسأل ‪ :‬ما هذه الرأة على ال و رسوله ؟ ! ‪ ،‬و ما هذا العقوق ف‬
‫حق الرسول الكرم الذي هو حريص عليهم بالؤمني رؤوف رحيم ؟ ل أكن أتصور كما ل يكن‬
‫لحد أن يتصور تفسيا مقبول لذا العصيان ‪ ،‬و هذه الرأة ‪.‬‬
‫و كالعادة ‪ ،‬عند قراءة مثل هذه الحداث الت تس كرامة الصحابة من قريب أو بعيد أحاول‬
‫تكذيب مثل هذه القضايا و تاهلها ‪ ،‬و لكن ل يكن تكذيب ما أجع عليه الؤرخون و الحدثون من‬
‫علماء السنة و الشيعة ‪ ،‬و تاهل ذلك ‪.‬‬
‫و قد عاهدت رب أن أكون منصفا ‪ ،‬فل أتعصب لذهب و ل أقيم وزنا لغي الق ‪ ،‬و الق هنا‬
‫مُرّ كما يقال ‪ ،‬و قد قال عليه الصلة و السلم ‪ " :‬قل الق و لو كان على نفسك و قل الق و لو‬
‫كان مُرّا ‪ " . . .‬و ال ق ف هذه القض ية ‪ :‬هو أن هؤلء ال صحابة الذ ين طعنوا ف تأم ي أ سامة قد‬
‫خالفوا أمر ربم و خالفوا الصريح من النصوص الت ل تقبل الشك و ل تقبل التأويل ‪ ،‬و ليس لم‬
‫عذر ف ذلك ‪ ،‬إل ما يلتمسه البعض من أعذار باردة حفاظا على كرامة الصحابة و " السلف الصال‬
‫" و العا قل ال ر ل يق بل بال من الحوال هذه التمحلت ‪ .‬الله مّ إل إذا كان من الذ ين ل يفقهون‬
‫حدي ثا ‪ ،‬و ل يعقلون ‪ ،‬أو من الذ ين أع مت الع صبية أعين هم فلم يعودوا يفرقون ب ي الفرض الوا جب‬
‫طاع ته و الن هي الوا جب تر كه ‪ ،‬و ل قد فكرت مل يا ع سان أ جد عذرا لؤلء مقبول ‪ ،‬فلم ي سعفن‬
‫تفكيي بطائل ‪ ،‬و قرأت اعتذار أهل السنة على هؤلء بأنم كانوا مشايخ قريش و كباءها ‪ ،‬و لم‬
‫طبقات ابن سعد ج ‪ - 2‬ص ‪ - 190‬تاريخ ابن الثي ج ‪ - 2‬ص ‪.317‬‬ ‫‪1‬‬

‫السية اللبية ج ‪ - 3‬ص ‪ - 207‬تاريخ الطبي ج ‪ - 3‬ص ‪. 226‬‬


‫‪85‬‬
‫السبقية ف السلم بينما أسامة كان حدثا و ل يشارك ف العارك الصيية لعزة السلم ‪ ،‬كمعركة‬
‫بدر و أحد و حني ‪ ،‬و ل تكن له سابقة بل كان صغي السن عندما وله رسول ال إمارة السرية ‪ ،‬و‬
‫طبيعة النفوس البشرية تأب ببلتها إذا كانت بي كهول و شيوخ أن تنقاد إل الحداث و تنفر بطبعها‬
‫من النول على ح كم الشبان و لذلك طعنوا ف تأميه و أرادوا م نه ( صلى ال عل يه و آله ) أن ي ستبدله بأ حد‬
‫من وجوه الصحابة و كبائهم ‪.‬‬
‫إنيه اعتذار ل يسيتند إل دلييل عقلي و ل شرعيي و ل يكين لي مسيلم قرأ القرآن و عرف‬
‫أحكامه إل أن يرفض مثل هذا ‪ ،‬لن ال عَزّ و َجلّ يقول ‪:‬‬
‫خذُو هُ وَمَا َنهَاكُ مْ عَنْ ُه فَانَتهُوا ‪ { ، 1 } ...‬وَمَا كَا نَ ِل ُمؤْمِ ٍن َولَا‬ ‫{ ‪ ...‬وَمَا آتَاكُ مُ الرّ سُو ُل َف ُ‬
‫ُمؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّ هُ وَرَ سُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُو نَ لَهُ مُ اْلخِيَرَةُ مِ نْ أَمْرِهِ مْ وَمَن يَعْ صِ اللّ هَ َورَ سُولَ ُه فَ َقدْ ضَلّ‬
‫ضَلَالًا مّبِينًا } ‪. 2‬‬
‫فأي عذر بعيد هذه النصيوص الصيرية يقبله العاقلون و ماذا عسيان أن أقول في قوم أغضبوا‬
‫ر سول ال و هم يعلمون أن غ ضب ال ف غض به ‪ ،‬و ذلك ب عد أن رموه بال جر و قالوا بضر ته ما‬
‫قالوا و أكثروا اللغط و الختلف و هو مريض ‪ ،‬بأب هو و أمي ‪ ،‬حت أخرجهم من حجرته ‪ ،‬أو ل‬
‫يكفهم كل هذا ‪ ،‬و بدل من أن يثوبوا إل رشدهم و يتوبوا إل ال و يستغفروه ما فعلوا و يطلبوا من‬
‫الرسول أن يستغفر لم كما علمهم القرآن ‪ ،‬عوضا عن ذلك فقد زادوا ف الطي بلة كما يقول الثل‬
‫الشعب عندنا ‪ ،‬فطعنوا ف تأميه أسامة بعد يومي من رميه بالجر و الرح لا يندمل ‪ ،‬حت أجبوه أن‬
‫يرج ( صيلى ال علييه و آله ) بتلك الالة ال ت و صفها الؤرخون ‪ ،‬ل يقدر على ال شي من شدة الرض و هو‬
‫يتهادى ب ي رجل ي ‪ ،‬ث يق سم بال بأن أ سامة خل يق بالمارة ‪ ،‬و يزيد نا الر سول بأن م هم أنف سهم‬
‫الذين طعنوا ف تأميه زيد بن حارثة من قبل ليعلمنا أن هؤلء لم معه مواقف سابقة متعددة و سوابق‬
‫شاهدة على أنم ل يكونوا من الذين ل يدون ف أنفسهم حرجا ما قضى و يسلمون تسليما ‪،‬‬

‫سورة الشر ( ‪ ، ) 59‬الية ‪. 7 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الحزاب ( ‪ ، ) 33‬الية ‪. 36 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪86‬‬
‫( ‪) 103‬‬

‫بل كانوا من الذين جعلوا لنفسهم حق النقد و العارضة حت و لو خالفوا بذلك أحكام ال و رسوله‬
‫‪.‬‬
‫و م ا يدل نا على العار ضة ال صرية ‪ ،‬أن م ر غم ما شاهدوه من غ ضب ر سول ال و من ع قد‬
‫اللواء له بيده الشريفة و المر لم بالسراع و التعجيل ‪ ،‬تثاقلوا و تباطأوا ‪ ،‬و ل يذهبوا حت توف بأب‬
‫هو و أ مي و ف قل به ح سرة على أم ته النكو بة ال ت سوف تنقلب على أعقاب ا و توى ف النار و ل‬
‫ينجو منها إل القليل الذي شبهه رسول ال بمل النعم ‪.‬‬
‫و إذا أرد نا أن نتم عن ف هذه القض ية فإن نا سنجد اللي فة الثا ن من أبرز عنا صرها إذ أ نه هو‬
‫الذي جاء ب عد وفاة ر سول ال إل اللي فة أ ب ب كر و طلب م نه أن يعزل أ سامة و يبدله بغيه فقال له‬
‫أبو بكر ‪ :‬ثكلتك أمك يا ابن الطاب ! أتأمرن أن أعزله و قد وله رسول ال ‪. 1‬‬
‫فأ ين هو ع مر من هذه القي قة ال ت أدرك ها أ بو ب كر ‪ ،‬أم أن ف ال مر سرا آ خر خ في عن‬
‫الؤرخي ‪ ،‬أم أنم هم الذين أسروه حفاظا على كرامته كما هي عادتم و كما أبدلوا عبارة " يهجر‬
‫" بلفظ " غلبه الوجع " ‪.‬‬
‫عجب من هؤلء الصحابة الذين أغضبوه يوم الميس و اتموه بالجر و الذيان و قالوا حسبنا‬
‫كتاب ال ‪ ،‬و كتاب ال يقول لم ف مكم آياته ‪:‬‬
‫{ قُلْ إِن كُنتُمْ ُتحِبّونَ الّل َه فَاتّبِعُونِي ُيحْبِبْ ُكمُ الّلهُ ‪. 2 } ...‬‬
‫و كأنم هم أعلم بكتاب ال و أحكامه من الذي أنزل عليه و ها هم بعد يومي فقط من تلك‬
‫الرزية الؤلة و قبل يومي فقط من لوقه بالرفيق العلى يغضبونه أكثر فيطعنون ف تأميه و ل يطيعون‬
‫أمره ‪ ،‬و إذا كان ف الرزية الول مريضا طريح الفراش ‪ ،‬فقد اضطر ف الثانية أن يرج معصب الرأس‬
‫مدثرا بقطيفة يتهادى بي رجلي و رجله تطان ف الرض و خطب فيهم خطبة كاملة من‬

‫الطبقات الكبى لبن سعد ج ‪ - 2‬ص ‪ - 190‬تاريخ الطبي ج ‪ - 3‬ص ‪. 226‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة آل عمران ( ‪ ، ) 3‬الية ‪. 31 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪87‬‬
‫( ‪) 104‬‬

‫فوق النب بدأها بتوحيد ال و الثناء عليه ليشعرهم بذلك بأنه بعيد عن الجر ث أعلمهم با عرفه من‬
‫طعنهم ‪ ،‬ث ذكرهم بقضية أخرى طعنوا فيها من قبل أربع سنوات خلت ‪ ،‬أ فهل يعتقدون بعد ذلك‬
‫بأنه يهجر أو أنه غلبه الوجع لدرجة أنه ل يعد يعي ما يقول ؟ ‪.‬‬
‫سبحانك الل هم و بمدك ك يف يرؤ هؤلء على ر سولك فل يرضون بالع قد الذي أبر مه ‪ ،‬و‬
‫يعارضو نه بشدة ح ت يأمر هم بالن حر و اللق ثلث مرات فل ي ستجيب من هم أ حد ‪ ،‬و مرة أخرى‬
‫يذبونه من قميصه و ينعونه من الصلة على عبد ال بن اُب و يقولون له ‪ :‬إن ال قد ناك أن تصلي‬
‫ك الذّكْرَ‬ ‫على النافق ي ! و كأن م يعلمو نه ما نزل إل يه ف ح ي أ نك قلت ف قرآ نك ‪ { :‬وَأَن َزلْنَا ِإلَيْ َ‬
‫لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ ِإلَْي ِهمْ ‪. 1 } ...‬‬
‫ك الْكِتَابَ بِاْلحَقّ لَِتحْكُمَ بَيْ َن النّاسِ ِبمَا َأرَاكَ اللّهُ ‪. 2 } ...‬‬ ‫و قلت أيضا ‪ { :‬إِنّا أَن َزلْنَا ِإلَيْ َ‬
‫و قلت و قولك الق ‪َ { :‬كمَا َأرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولً مّنكُمْ يَْتلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُ َزكّيكُمْ وَيُعَّلمُكُمُ‬
‫الْكِتَابَ وَاْلحِكْمَةَ وَيُعَّلمُكُم مّا َلمْ تَكُونُواْ تَعَْلمُونَ } ‪. 3‬‬
‫عج با لؤلء القوم ! فمرة ل يتثلون لمره و مرة يتهمو نه بال جر و يكثرون الل غط بضر ته ف‬
‫غي احترام و ل أدب ‪ ،‬و أخرى يطعنون ف تأميه زيد بن حارثة و من بعده ف تأمي ابنه أسامة بن‬
‫زيد فكيف يبقى بعد كل هذا شك عند الباحثي من أن الشيعة على حق عندما ييطون مواقف بعض‬
‫الصحابة بعلمات الستفهام و يتعضون منها احتراما و حبا و مودة لصاحب الرسالة و أهل بيته ‪.‬‬
‫على أن ل أذكر من الخالفات غي أربع أو خس و ذلك للختصار و لتكون أمثلة فقط ‪ ،‬و‬
‫لكن علماء الشيعة قد أحصوا مئات الوارد الت خالف فيها الصحابة النصوص الصرية و ل يستدلوا‬
‫إل با أخرجه علماء السنة ف صحاحهم و مسانيدهم ‪.‬‬
‫و إ ن عند ما أ ستعرض ب عض الوا قف ال ت وقف ها ب عض ال صحابة من ر سول ال أب قى حائرا‬
‫مدهوشا ‪ ،‬ل من تصرفات هؤلء الصحابة فحسب و لكن من موقف علماء السنة و الماعة الذين‬

‫سورة النحل ( ‪ ، ) 16‬الية ‪. 44 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النساء ( ‪ ، ) 4‬الية ‪. 105 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة البقرة ( ‪ ، ) 2‬الية ‪. 151 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪88‬‬
‫ي صورون ل نا ال صحابة دو ما على حق ل ي كن التعرض ل م بأي ن قد ‪ ،‬و بذلك ينعون البا حث من‬
‫الوصول إل القيقة و يبقى يتخبط ف التناقضات الفكرية ‪.‬‬
‫و زيادة على ما سبق أ سوق ب عض المثلة ال ت تعطي نا صورة حقيق ية على هؤلء ال صحابة و‬
‫نفهم بذلك موقف الشيعة منهم ‪:‬‬
‫أخرج البخاري ف صحيحه ج ‪ 4‬ص ‪ 47‬ف باب الصب على الذى و قول ال تعال ‪ { :‬إنا‬
‫يوف الصابرون أجرهم } من كتاب الدب ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا العمش قال سعت شقيقا يقول قال عبد‬
‫ال ‪ :‬قسم النب ( صلى ال عل يه و آله ) قسمة كبعض ما كان يقسم فقال رجل من النصار و ال إنا لقسمة‬
‫ما أريد با وجه ال ‪ ،‬قلت أما أن لقولن للنب ( صلى ال عليه و آله ) فأتيته و هو ف أصحابه فساورته فشق‬
‫ذلك على النب و تغي وجهه و غضب حت وددت أن ل أكن أخبته ث قال ‪ :‬قد أوذي موسى بأكثر‬
‫من ذلك فصب ‪.‬‬
‫كما أخرج البخاري ف الكتاب نفسه أعن كتاب الدب ف باب التبسم و الضحك ‪.‬‬
‫قال حدث نا أ نس بن مالك قال ك نت أم شي مع ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) و عل يه برد نرا ن‬
‫غليظ الاشية فأدركه أعراب فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس فنظرت إل صفحة عاتق النب ( صلى ال‬

‫عليه و آله ) و قد أثرت با حاشية الرداء من شدة جبذته ‪ ،‬ث قال ‪ :‬يا ممد مر ل من مال ال الذي عندك‬
‫فالتفت إليه فضحك ث أمر له بعطاء ‪.‬‬
‫كما أخرج البخاري ف كتاب الدب ف باب من ل يوا جه الناس بالعتاب قال ‪ :‬قالت عائشة‬
‫صنع ال نب ( صيلى ال علييه و آله ) شيئا فر خص ف يه ‪ ،‬فتنه ع نه قوم فبلغ ذلك ال نب ( صيلى ال علييه و آله ) فخ طب‬
‫فحمد ال ث قال ‪ :‬ما بال أقوام يتنهون عن الشيء أصنعه فوال أن لعلمهم بال و أشدهم له خشية‬
‫‪. ! ...‬‬
‫و لعمري إن الذ ين يعتقدون أن ر سول ال ( صلى ال عل يه و آله ) ي يل به الوى و ي يد به عن طر يق‬
‫الق فيقسم قسمة ل يريد با وجه ال و إنا تبعا لواه و عاطفته ‪ ،‬و الذين يتنهون عن أشياء يصنعها‬
‫رسول ال اعتقادا منهم بأنم أتقى ل و أعلم به من رسوله ‪ ،‬فهؤلء ليسوا جديرين بذلك التقديس‬
‫حيث ينلم البعض منلة اللئكة فيحكمون بأنم أفضل اللق بعد رسول ال و أن السلمي مدعوون‬
‫لتباعهم و القتداء بم و السي على سنتهم ل لشيء إل لنم صحابة رسول ال و هذا يتناقض مع‬

‫‪89‬‬
‫أ هل ال سنة و الما عة الذ ين ل ي صلون على م مد و آله إل و يضيفون إلي هم ال صحابة أجع ي و إذا‬
‫كان ال سبحانه و تعال قد عرف قدرهم و أنزلم منلتهم فأمرهم بأن يصلوا على رسوله و أهل بيته‬
‫الطاهريين لَيّا لعناقهيم ليخضعوا و يعرفوا مكانية هؤلء عنيد ال فلماذا نعلهيم نني في منلة فوق‬
‫منلتهم و نسويهم بن رفع ال قدرهم و فضلهم على العالي ‪.‬‬
‫و دع ن أ ستنتج بأن الموي ي و العبا سيي الذ ين نا صبوا أ هل الب يت النبوي العداء فأبعدو هم و‬
‫شردوهيم و قتلوهيم و أتباعهيم و شيعتهيم ‪ ،‬تفطنوا لاي في هذه الزيية مين الفضيل العمييم و الطير‬
‫ال سيم ‪ ،‬فإذا كان ال سبحانه ل يق بل صلة م سلم إل إذا صلى علي هم ‪ ،‬فبماذا يبرون عداء هم و‬
‫انراف هم عن أ هل الب يت ‪ ،‬و لذلك ترا هم ألقوا ال صحابة بأ هل الب يت ليموهوا على الناس بأن أ هل‬
‫البيت و الصحابة ف الفضل سواء ‪.‬‬
‫و خصوصا إذا عرفنا أن ساداتم و كباءهم هم بعض الصحابة الذين استأجروا ضعفاء العقول‬
‫من صحبوا رسول ال أو من التابعي ليووا الحاديث الوضوعة ف فضائل الصحابة و بالخص ف‬
‫من اعتلوا منصة اللفة و كانوا سببا مباشرا ف وصولم ‪ -‬أي المويي و العباسيي ‪ -‬إل الكم و‬
‫التحكم ف رقاب السلمي و التاريخ خي شاهد على ما أقول ‪ ،‬إذ أن عمر بن الطاب الذي اشتهر‬
‫بحاسبة ولته و عزلم لجرد شبهة نراه يلي مع معاوية بن أب سفيان و ل ياسبه قط و قد وله أبو‬
‫بكير و أقره عمير طيلة حياتيه و ل يعترض علييه حتي بالعتاب و اللوم ‪ ،‬رغيم كثرة السياعي الذيين‬
‫يشتكون من معاو ية و يقولون له إن معاو ية يل بس الذ هب و الر ير اللذ ين حرمه ما ر سول ال على‬
‫الرجال ‪ ،‬فكان ع مر ييب هم ‪ " :‬دعوه فإ نه ك سرى العرب " و ا ستمر معاو ية ف الول ية أك ثر من‬
‫عشرين عاما ل يتعرض له أحد بالنقد و ل بالعزل و لا ول عثمان خلفة السلمي أضاف إليه وليات‬
‫أخرى مكن ته من ال ستيلء على الثروة ال سلمية و تعبئة اليوش و أوباش العرب للقيام بالثورة على‬
‫إمام المة و الستيلء على الكم بالقوة و الغصب و التحكم ف رقاب السلمي و إرغامهم بالقوة و‬
‫القهر على بيعة ابنه الفاسق شارب المر يزيد و هذه قصة أخرى طويلة لست بصدد تفصيلها ف هذا‬
‫الكتاب و الهم هو أن أعرف نفسيات هؤلء الصحابة الذين اعتلوا منصة اللفة و مهدوا لقيام الدولة‬
‫الموية بصفة مباشرة نزول على حكم قريش الت تأب أن تكون النبوة و اللفة ف بن هاشم ‪. 1‬‬
‫للتفصيل إقرأ ‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫اللفة و اللك ‪ :‬أبو العلى الحمودي ‪.‬‬


‫‪90‬‬
‫و للدولة المو ية ال ق بل من واجب ها أن تش كر أولئك الذ ين مهدوا ل ا ‪ ،‬و أ قل الش كر أن‬
‫ت ستأجروا رواة مأجور ين يروون ف فضائل أ سيادهم ما ت سي به الركبان و ف ن فس الو قت يرفعون‬
‫هؤلء فوق منلة خ صومهم أ هل الب يت ‪ ،‬باختلق الفضائل و الزا يا ال ت يش هد ال أن ا إذا ما ب ثت‬
‫ت ت ضوء الدلة الشرع ية و العقل ية و النطق ية ‪ ،‬فلن يب قى من ها ش يء يذ كر ‪ ،‬الل هم إل إذا أ صاب‬
‫عقولنا مس و آمنا بالتناقضات ‪.‬‬
‫و على سبيل الثال ل الصر ‪ ،‬فإننا نسمع الكثي عن عدل عمر الذي سارت به الركبان حت‬
‫قيل " عدلت فنمت " و قيل دفن عمر واقفا لئل يوت العدل معه و ف عدل عمر حدث و ل حرج ‪،‬‬
‫و لكن التاريخ الصحيح يدثنا بأن عمر حي فرض العطاء ف سنة عشرين للهجرة ل يتوخ سنة رسول‬
‫ال و ل يتقيد با ‪ ،‬فقد ساوى النب ( صلى ال عليه و آله ) بي جيع السلمي ف العطاء فلم يفضل أحدا على‬
‫أحد ‪ ،‬و اتبعه ف ذلك أبو بكر مدة خلفته ‪ ،‬و لكن عمر بن الطاب اخترع طريقة جديدة و فضل‬
‫السابقي على غيهم و فضل الهاجرين من قريش على غيهم من الهاجرين ‪ ،‬و فضل الهاجرين كافة‬
‫على النصار كافة ‪ ،‬و ف ضل العرب على سائر العجم ‪ ،‬و فضل الصريح على الول ‪ 1‬و فضل مضر‬
‫على ربيعة ‪ ،‬ففرض لضر ثلثائة و لربيعة مائتي ‪ 2‬و فضل الوس على الزرج ‪. 3‬‬
‫فأ ين هذا التفض يل من سنة ر سول ال ؟ و ن سمع عن علم ع مر بن الطاب الكث ي الذي ل‬
‫حصر له حت قيل أنه أعلم الصحابة و قيل أنه وافق ربه ف كثي من آرائه الت ينل القرآن بتأييدها ف‬
‫العديد من اليات الت يتلف فيها عمر و النب ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬
‫و لكن الصحيح من التاريخ يدلنا على أن عمر ل يوافق القرآن حت بعد نزوله ‪ ،‬عندما سأله‬
‫أحد الصحابة أيام خلفته فقال ‪ :‬يا أمي الؤمني أن أجنبت فلم أجد الاء فقال له عمر ‪ :‬ل تصل و‬
‫اضطير عمار بين ياسير أن يذكره بالتيميم و لكين عمير ل يقنيع بذلك و قال لعمار ‪ :‬إنيا نملك ميا‬
‫تملت ‪. 4‬‬

‫يوم السلم ‪ :‬أحد أمي ‪.‬‬


‫شرح ابن أب الديد ج ‪ - 8‬ص ‪. 111‬‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ اليعقوب ج ‪ - 2‬ص ‪. 106‬‬ ‫‪2‬‬

‫فتوح البلدان ص ‪. 437‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح البخاري ‪ -‬ج ‪ - 1‬ص ‪. 52‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪91‬‬
‫فأ ين ع مر من آ ية التي مم النلة ف كتاب ال و أ ين عل مه من سنة ال نب ( صلى ال عل يه و آله ) الذي‬
‫علم هم كيف ية التي مم ك ما علم هم الوضوء ‪ ،‬و ع مر نف سه يعترف ف العد يد من القضا يا بأ نه ل يس‬
‫بعال ‪ ،‬بل بأن كل الناس أفقه م نه حت ربات الجال و بقوله عدة مرات ‪ ،‬لول علي للك ع مر ‪ ،‬و‬
‫ل قد أدر كه ال جل و مات و ل يعرف ح كم الكللة ال ت ح كم في ها بأحكام متعددة و متل فة ك ما‬
‫يشهد بذلك التاريخ ‪.‬‬
‫كذلك نسمع عن بطولة عمر و شجاعته و قوته الشيء الكثي حت قيل إن قريش خافت عندما‬
‫أسلم عمر ‪ ،‬و قويت شوكة السلمي بإسلمه ‪ ،‬و قيل إن ال أعز السلم بعمر بن الطاب و قيل إن‬
‫رسول ال ل يهر بدعوته إل بعد إسلم عمر ‪ ،‬و لكن التاريخ الثابت الصحيح ‪ ،‬ل يوقفنا على شيء‬
‫من هذه البطولة و الشجاعة ‪ ،‬و ل يعرف التاريخ رجل واحدا من الشاهي أو حت من العاديي الذين‬
‫قتل هم ع مر بن الطاب ف مبارزة أو ف معر كة كبدر و أ حد و الندق و غي ها ‪ ،‬بل الع كس هو‬
‫ال صحيح فالتار يخ يدث نا أ نه هرب مع الارب ي ف معر كة أ حد و كذلك هرب يوم حن ي ‪ ،‬و بع ثه‬
‫رسول ال لفتح مدينة خيب فرجع مهزوما ‪ ،‬و حت السرايا الت شارك فيها كان تابعا غي متبوع ‪ ،‬و‬
‫آخرها سرية أسامة الت كان فيها مأمورا تت قيادة الشاب أسامة بن زيد ‪.‬‬
‫فأين دعوى البطولت و الشجاعة من هذه القائق ‪ . .‬؟ و نسمع عن تقوى عمر بن الطاب‬
‫و مافته و بكائه من خشية ال الشيء الكثي ‪ ،‬حت قيل إنه كان ياف أن ياسبه ال لو عثرت بغلة‬
‫ف العراق ل نه ل يع بد ل ا الطر يق ‪ ،‬و ل كن التار يخ الثا بت ال صحيح يدث نا بأ نه كان ف ظا غلي ظا ل‬
‫يتورع و ل ياف فيضرب من ي سأله عن آ ية من كتاب ال ح ت يدم يه بدون ذ نب اقتر فه ‪ ،‬بل و‬
‫تسقط الرأة حلها لجرد رؤيته هيبة و مافة منه ‪ ،‬و لاذا ل يتورع مافة من ال عندما سل سيفه و‬
‫هدد كل من يقول بأن ممدا قد مات و أق سم بال أ نه ل ي ت و إن ا ذ هب ينا جي ر به ك ما ف عل‬
‫موسى بن عمران و توعد من يقول بوته بضرب عنقه ‪. 1‬‬

‫تاريخ الطبي ‪ -‬و تاريخ ابن الثي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪92‬‬
‫و لاذا ل يتورع و ل ي ش ال سبحانه ف تد يد حرق ب يت فاط مة الزهراء بالنار إن ل يرج‬
‫التخلفون ف يه للبي عة ‪ 1‬و ق يل له إن في ها فاط مة فقال ‪ :‬و إن ‪ ،‬و ترأ على كتاب ال و سنة ر سوله‬
‫فحكم ف خلفته بأحكام تالف النصوص القرآنية و السنة النبوية الشريفة ‪. 2‬‬
‫و إن ا أخذت هذا ال صحاب ال كبي الشه ي كم ثل و اخت صرت كثيا لعدم الطالة و لو شئت‬
‫الدخول ف التفاصيل للت كتبا عديدة ‪ ،‬و لكن كما قلت ‪ :‬إنا أذكر هذه الوارد على سبيل الثال‬
‫ل الصر ‪ .‬و الذي ذكرته هو نزر يسي يعطينا دللة واضحة على نفسيات الصحابة و موقف العلماء‬
‫من أهل السنة التناقض ‪ ،‬فبينما ينعون على الناس نقدهم و الشك فيهم ‪ ،‬يروون ف كتبهم ما يبعث‬
‫على الشك و الطعن فيهم ‪ ،‬و ليت علماء السنة و الماعة ل يذكروا مثل هذه الشياء الصرية الت‬
‫تس كرامة الصحابة و تدش ف عدالتهم إذن لراحونا من عناء الرتباك ‪.‬‬
‫و إ ن أتذ كر لقائي مع أ حد علماء الن جف الشرف و هو أ سد حيدر مؤلف كتاب " المام‬
‫الصادق و الذاهب الربعة " و كنا نتحدث عن السنة و الشيعة ‪ ،‬فروى ل قصة والده الذي التقى ف‬
‫ال ج عال ا تون سيا من علماء الزيتو نة ‪ ،‬و ذلك م نذ خ سي عا ما ‪ ،‬و دار بينه ما نقاش ف إما مة أم ي‬
‫الؤمني علي بن أب طالب ‪ ،‬فكان العال التونسي يستمع إل والدي و هو يعدد الدلة على إمامته ( عليه‬

‫السلم ) و أحقيته ف ا للفة فأحصى أربعة أو خسة أدلة ‪ ،‬و لا انتهى سأله العال الزيتون هل لديك غي‬
‫هذا ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬فقال التون سي ‪ :‬أخرج م سبحتك و أبدا ف ال عد ‪ ،‬و أ خذ يذ كر الدلة على خل فة‬
‫المام علي ( عل يه ال سلم ) ح ت عدد له مائة دليل ل يعرفها والدي ‪ ،‬و أضاف الشيخ أسد حيدر ‪ :‬لو يقرأ‬
‫أهل السنة و الماعة ما ف كتبهم ‪ ،‬لقالوا مثل مقالتنا و لنتهى اللف بيننا من زمان بعيد ‪.‬‬
‫و لعمري إنه الق الذي ل مفر منه لو يتحرر النسان من تعصبه العمى و كبيائه و ينصاع‬
‫للدليل الواضح ‪.‬‬
‫***‬

‫المامة و السياسة ابن قتيبة ‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫را جع ال نص و الجتهاد ‪ ،‬ع بد ال سي شرف الد ين ‪ ،‬ف قد أح صى كثيا من الوارد ال ت اجت هد في ها ع مر مقا بل‬‫‪2‬‬

‫النصوص ‪ ،‬مع ذكر الصادر القبولة لدى الفرق السلمية كافة ‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫( ‪) 111‬‬

‫أول ‪ -‬رأي القرآن ف الصحابة‬


‫قبل كل شيء لبد ل أن أذكر أن ال سبحانه و تعال قد مدح ف كتابه العزيز ف العديد من‬
‫الواقع صحابة رسول ال الذين أحبوا الرسول و اتبعوه و أطاعوه ف غي مطمع و ف غي معارضة و ل‬
‫استعلء و ل استكبار ‪ ،‬بل ابتغاء مرضاة ال و رسوله ‪ ،‬أولئك رضي ال عنهم و رضوا عنه ذلك لن‬
‫خشي ربه ‪.‬‬
‫و هذا القسم من الصحابة الذين عرف السلمون قدرهم من خلل مواقفهم و أفعالم معه ( صلى‬

‫ال عليه و آله ) أحبوهم و أجلوهم و عظموا قدرهم و ترضوا عنهم كلما ذكروهم ‪.‬‬
‫و بثي ل يتعلق بذا القسم من الصحابة الذين هم مط الحترام و التقدير من السنة و الشيعة‬
‫‪.‬‬
‫كما ل يتعلق بالقسم الذي اشتهر بالنفاق و الذين هم معرضون للعن السلمي جيعا من السنة‬
‫و الشيعة ‪.‬‬
‫و لكين بثيي يتعلق بذا القسيم مين الصيحابة الذيين اختلف فيهيم السيلمون ‪ ،‬و نزل القرآن‬
‫بتوبيخ هم و تديد هم ف ب عض الوا قع ‪ ،‬و الذ ين حذر هم ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) ف العد يد من‬
‫الناسبات أو حذر منهم ‪.‬‬
‫ن عم اللف القائم ب ي الشي عة و ال سنة هو ف هذا الق سم من ال صحابة إذ أن الشيعة ينتقدون‬
‫أقوالم و أفعالم و يشكون ف عدالتهم ‪ ،‬بينما يترمهم أهل السنة و الماعة رغم كل ما ثبت عنهم‬
‫من مالفات ‪.‬‬
‫و ب ثي إن ا يتعلق بؤلء " هذا الق سم من ال صحابة " ح ت أت كن من خلله من الو صول إل‬
‫القيقة أو بعض القيقة ‪.‬‬
‫أقول هذا حتي ل يتوهيم أحيد أني أغفلت اليات التي تدح أصيحاب رسيول ال و أبرزت‬
‫اليات القادحة فقط ‪ ،‬بل إن خلل البحث اكتشفت أن هناك آيات مادحة تتضمن ف طيها قدحا أو‬
‫ما هو نقيض ذلك ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫و سوف لن أكلف نف سي جهدا كبيا كما فعلت ذلك خلل السنوات الثلث من الب حث ‪،‬‬
‫بل سأكتفي بذكر بعض اليات كأمثلة ‪ ،‬كما جرت العادة و ذلك للختصار ‪ ،‬و على الذين يريدون‬
‫التوسيع أن يتكبدوا عناء البحيث و التنقييب و القارنية كميا فعلت لتكون هدايتهيم بعرق البيي و‬
‫عصارة الفكر كما يطلبه ال من كل أحد و ما يتطلبه الوجدان لقناعة راسخة ل تزحزحها الرياح و‬
‫العوا صف و من العلوم بالضرورة أن الدا ية الت تكون عن قنا عة نف سية أفضل بكثي من ال ت تكون‬
‫بؤثرات خارجية ‪.‬‬
‫قال تعال يدح نبيه ‪َ { :‬ووَ َجدَ كَ ضَالّا َفهَدَى } ‪ . 1‬أي وجدك تبحث عن الق فهداك إليه ‪،‬‬
‫حسِنِيَ } ‪. 2‬‬
‫و قال أيضا ‪ { :‬وَاّلذِينَ جَا َهدُوا فِينَا لَنَ ْهدِيَّنهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ َلمَ َع الْ ُم ْ‬
‫‪ - 1‬ممد رسول ال‬
‫ّهي‬
‫حمّ ٌد رّسيُولُ الل ِ‬ ‫و الثال الول على ذلك هيو آيية مميد رسيول ال ‪ ،‬يقول ال تعال ‪ّ { :‬م َ‬
‫ضوَانًا سِيمَا ُهمْ‬ ‫جدًا يَبْتَغُونَ َفضْلًا مّنَ اللّهِ وَ ِر ْ‬
‫وَاّلذِينَ مَعَهُ َأ ِشدّاء عَلَى الْكُفّا ِر رُ َحمَاء بَيَْن ُهمْ َترَاهُ ْم ُركّعًا ُس ّ‬
‫فِي وُجُو ِههِم مّ نْ أََثرِ ال سّجُودِ َذلِ كَ مَثَُلهُ ْم فِي الّتوْرَاةِ وَمَثَُلهُ ْم فِي الْإِنِيلِ كَ َزرْ عٍ َأخْرَ جَ َشطْأَ ُه فَآ َزرَ هُ‬
‫ِيني آمَنُوا وَ َعمِلُوا‬
‫ّهي الّذ َ‬ ‫ِمي الْكُفّارَ وَ َعدَ الل ُ‬
‫ِيظي ِبه ُ‬
‫ّاعي لِيَغ َ‬‫ِبي الزّر َ‬ ‫َاسيَتوَى عَلَى سيُوقِهِ يُ ْعج ُ‬ ‫ظف ْ‬ ‫َاسيتَغَْل َ‬
‫ف ْ‬
‫ال صّاِلحَاتِ مِنْهُم مّغْفِرَةً وََأجْرًا عَظِيمًا } ‪ . 3‬فهذه ال ية الكري ة كل ها مدح لر سول ال و ال صحابة‬
‫الذين معه الذين هم ‪ -‬على الوصف الذي ذكره ال تعال ‪ -‬من الشدة على الكفار و من الرحة على‬
‫بعضهم البعض ‪ ،‬و تضي الية الكرية ف مدح هؤلء و ذكر أوصافهم حت تنتهي بوعده سبحانه و‬
‫تعال بالغفرة و ال جر العظ يم ل يس ل كل ال صحابة الذكور ين و ل كن للب عض من هم ‪ ،‬الذ ين آمنوا و‬
‫عملوا ال صالات ‪ ،‬فكل مة من هم ال ت ذكر ها ال تعال دلت على التبع يض و أو حت أن الب عض من‬
‫هؤلء ل تشمل هم مغفرة ال و رضوا نه و دلت أي ضا على أن الب عض من ال صحابة انت فت من هم صفة‬
‫اليان و الع مل ال صال ‪ .‬فهذه من اليات الاد حة و القاد حة ف آن وا حد ف هي بين ما تدح ن بة من‬
‫الصحابة تقدح ف آخرين ‪.‬‬

‫سورة الضحى ( ‪ ، ) 93‬الية ‪. 7 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة العنكبوت ( ‪ ، ) 29‬الية ‪. 69 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الفتح ( ‪ ، ) 48‬الية ‪. 29 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪95‬‬
‫و من الؤسف الثي أن الكثيين يستدلون بذه الية الكرية على عصمة الصحابة و عدالتهم و‬
‫يتجون ب ا على الشي عة ‪ ،‬ف ح ي أن ا ح جة علي هم واض حة جل ية ف تأي يد الشي عة القائل ي بتق سيم‬
‫ال صحابة إل مؤ من ملص ا ستكمل اليان و ع مل ال صالات فوعده ال الغفرة و الرضوان و ال جر‬
‫العظيم ‪ ،‬و آخر أسلم و لا يدخل اليان ف قلبه أو آمن و عمل صالا ف عهد الرسالة و لكنه إنقلب‬
‫على عقبيه فلن يضر ال شيئا و قد توعده ال بإحباط أعماله لجرد رفع صوته فوق صوت النب ‪ ،‬فما‬
‫بالك ب ن ع صى ال و ر سوله ‪ ،‬و ضل ضلل مبي نا ‪ .‬ث ما بالك ب ن ح كم ب ا ل ينل إل يه أو بدل‬
‫أحكام ال فأحل ما حرمه ال و حرم ما أحله ال ‪ ،‬و اتبع ف كل ذلك رأيه و هواه ‪.‬‬
‫‪ - 2‬آية النقلب‬
‫قال تعال ف كتابه العزيز ‪:‬‬
‫{ وَمَا ُمحَ ّمدٌ ِإ ّل رَ سُو ٌل َقدْ خَلَ تْ مِن قَبِْل هِ الرّ ُسلُ َأفَإِن مّا تَ َأ ْو قُتِلَ انقَلَبْتُ مْ عَلَى َأعْقَابِكُ مْ وَمَن‬
‫يَنقَِلبْ عَلَىَ عَقِبَْي ِه فَلَن َيضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسََيجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } ‪ ، 1‬صدق ال العظيم ‪.‬‬
‫فهذه ال ية الكري ة صرية و جل ية ف أن ال صحابة سينقلبون على أعقاب م ب عد وفاة الر سول‬
‫مباشرة و ل يث بت من هم إل القل يل ك ما دلت على ذلك ال ية ف ت عبي ال عن هم ‪ -‬أي عن الثابت ي‬
‫الذين ل ينقلبون ‪ -‬بالشاكرين ‪ ،‬فالشاكرون ل يكونون إل قلة قليلة كما دل على ذلك قوله سبحانه‬
‫و تعال ‪َ ... { :‬وقَلِيلٌ مّنْ عِبَا ِديَ الشّكُورُ } ‪. 2‬‬
‫و ك ما دلت عل يه أي ضا الحاد يث النبو ية الشري فة ال ت ف سرت هذا النقلب ‪ ،‬و ال ت سوف‬
‫نذكر البعض منها و إذا كان ال سبحانه ل يبي عقاب النقلبي على أعقابم ف هذه الية و اكتفى‬
‫بتمجيد الشاكرين الذين استحقوا جزاءه سبحانه و تعال ‪ ،‬غي أنه من العلوم بالضرورة أن النقلبي‬
‫على العقاب ل يستحقون ثواب ال و غفرانه ‪ ،‬كما أكد ذلك رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ف أحاديث‬
‫متعددة سوف نبحث ف البعض منها إن شاء ال ف هذا الكتاب ‪.‬‬
‫و ل يكن تفسي الية الكرية بطليحة و سجاح و السود العنسي ‪ ،‬و ذلك حفاظا على كرامة‬
‫الصحابة ‪ ،‬فهؤلء قد انقلبوا و ارتدوا عن السلم و ادعوا النبوة ف حياته ( صلى ال عليه و آله ) و قد حاربم‬
‫ر سول ال و انت صر علي هم ‪ ،‬ك ما ل ي كن تف سي ال ية الكري ة بالك بن نويرة و أتبا عه الذ ين منعوا‬
‫سورة آل عمران ( ‪ ، ) 3‬الية ‪. 144 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة سبأ ( ‪ ، ) 34‬الية ‪. 13 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪96‬‬
‫الزكاة ف زمن أب بكر لعدة أسباب ‪ ،‬منها ‪ :‬أنم إنا منعوها و ل يعطوها إل أب بكر تريثا منهم حت‬
‫يعرفوا حقيقة المر ‪ ،‬إذ أنم حجوا مع رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) ف حجة الوداع و قد بايعوا المام‬
‫علي بن أب طالب ف غدير خم بعد ما نصبه رسول ال للخلفة كما بايعه أبو بكر نفسه ‪ ،‬ففوجئوا‬
‫عند قدوم رسول الليفة بنعي رسول ال و طلبه الزكاة باسم الليفة الديد أب بكر ‪ ،‬و هي قضية ل‬
‫يريد التاريخ الغوص ف أعماقها حفاظا على كرامة الصحابة أيضا ‪ ،‬و منها أن مالكا و أتباعه مسلمون‬
‫شهد بذلك عمر و أبو بكر نفسه و عدة من الصحابة الذين أنكروا على خالد بن الوليد قتله مالك بن‬
‫نويرة ‪ ،‬و التاريخ يشهد أن أبا بكر أدى دية مالك لخيه متمم من بيت مال السلمي و اعتذر له عن‬
‫قتله ‪ ،‬و من العلوم أن الر تد عن ال سلم ي ب قتله و ل تؤدي دي ته من ب يت الال ‪ ،‬و ل يعتذر عن‬
‫قتله ‪.‬‬
‫و ال هم أن آ ية النقلب تق صد ال صحابة مباشرة الذ ين يعيشون م عه ( صيلى ال علييه و آله ) ف الدي نة‬
‫النورة و ترمي إل النقلب مباشرة بعد وفاته ( صلى ال عل يه و آله ) بدون فصل و الحاديث النبوية توضح‬
‫ذلك با ل يدع مال للشك و سوف نطلع عليها قريبا إن شاء ال ‪ .‬و التاريخ أيضا خي شاهد على‬
‫النقلب الذي و قع ب عد وفاة ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) و من ي ستعرض الحداث ال ت وق عت ب ي‬
‫ال صحابة عند وفاة النب ل يبقى لد يه أي ر يب ف أن النقلب وقع ف صفوفهم و ل ينج من هم إل‬
‫القليل ‪.‬‬
‫‪ - 3‬آية الهاد‬
‫قال تعال ‪ { :‬يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُواْ مَا لَكُ مْ إِذَا قِيلَ لَكُ مُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ الّل هِ اثّاقَلْتُ مْ ِإلَى الَرْ ِ‬
‫ض‬
‫ع الْحَيَا ِة الدّنْيَا فِي الخِرَةِ ِإ ّل قَلِيلٌ * ِإلّ تَنفِرُواْ يُ َعذّبْكُمْ َعذَابًا‬
‫َأ َرضِيتُم بِالْحَيَا ِة الدّنْيَا مِنَ ال ِخرَ ِة َفمَا مَتَا ُ‬
‫َألِيمًا وََيسْتَْبدِ ْل َقوْمًا غَيْ َركُمْ َولَ َتضُرّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ‪ ، 1‬صدق ال العظيم ‪.‬‬
‫هذه الية صرية أيضا ف أن الصحابة تثاقلوا عن الهاد و اختاروا الركون إل الياة الدنيا رغم‬
‫علمهم بأنا متاع قليل ‪ ،‬حت استوجبوا توبيخ ال سبحانه و تديده إياهم بالعذاب الليم ‪ ،‬و استبدال‬
‫غيهم من الؤمني الصادقي بم ‪.‬‬

‫سورة التوبة ( ‪ ، ) 9‬الية ‪ 38 :‬و ‪. 39‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪97‬‬
‫و قد جاء هذا التهديد باستبدال غيهم ف العديد من اليات ما يدل دللة واضحة على أنم‬
‫تثاقلوا عن الهاد ف مرات عديدة ‪ ،‬فقد جاء ف قوله تعال ‪ ... { :‬وَإِن تََتوَّلوْا يَ سْتَْبدِ ْل َقوْمًا غَيْ َركُ مْ‬
‫ُثمّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } ‪. 1‬‬
‫و كقوله تعال أي ضا ‪ { :‬يَا أَيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ مَن يَرَْتدّ مِنكُ مْ عَن دِيِن ِه فَ سَوْفَ َيأْتِي الّل هُ بِ َقوْ مٍ‬
‫ُيحِّبهُمْ وَُيحِبّونَهُ أَ ِذلّةٍ عَلَى الْ ُمؤْمِنِيَ أَ ِعزّةٍ َعلَى الْكَافِرِينَ ُيجَا ِهدُو َن فِي سَبِيلِ اللّهِ َولَ َيخَافُونَ َلوْمَةَ لئِمٍ‬
‫ك َفضْلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَن َيشَاء وَالّلهُ وَاسِعٌ َعلِيمٌ } ‪. 2‬‬ ‫َذلِ َ‬
‫و لو أردنا استقصاء ما هنالك من اليات الكرية الت تؤكد هذا العن و تكشف بوضوح عن‬
‫حقيقية هذا التقسييم الذي يقول بيه الشيعية بشأن هذا القسيم مين الصيحابة لسيتوجب ذلك كتابيا‬
‫خاصا ‪ ،‬و قد عب القرآن الكري عن ذلك بأوجز العبارات و أبلغها حي قال ‪ { :‬وَلْتَكُن مّنكُ مْ أُمّةٌ‬
‫ُوني * َولَ تَكُونُواْ‬ ‫ُمي الْمُفِْلح َ‬ ‫ِكي ه ُ‬ ‫َني الْمُنكَرِ وَُأ ْولَئ َ‬
‫ْني ع ِ‬
‫ُوفي وَيَْنهَو َ‬
‫ُوني بِالْمَعْر ِ‬
‫ُونيِإلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُر َ‬‫َيدْع َ‬
‫كَاّلذِي نَ تَفَ ّرقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَ ْعدِ مَا جَاءهُ مُ الْبَيّنَا تُ وَُأ ْولَئِ كَ َلهُ مْ َعذَا بٌ َعظِي مٌ * َيوْ مَ تَبْيَضّ وُجُو هٌ‬
‫سوَدّ وُجُو ٌه فَأَمّا الّذِي نَ ا ْسوَدّتْ وُجُو ُههُ مْ َأكْفَرْتُم بَ ْعدَ إِيَانِكُ مْ َفذُوقُواْ الْعَذَا بَ ِبمَا كُنْتُ مْ تَكْفُرُو َن *‬‫وَتَ ْ‬
‫وَأَمّا الّذِينَ ابَْيضّتْ وُجُو ُههُ ْم فَفِي رَ ْحمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ } ‪ ، 3‬صدق ال العلي العظيم ‪ .‬و هذه‬
‫اليات كما ل يفى على كل باحث مطلع تاطب الصحابة و تذرهم من التفرقة و الختلف من‬
‫بعد ما جاءهم البينات و تتوعدهم بالعذاب العظيم و تقسمهم إل قسمي قسم يبعث يوم القيامة بيض‬
‫الوجوه و هم الشاكرون الذين استحقوا رحة ال ‪ ،‬و قسم يبعث مسود الوجوه و هم الذين ارتدوا‬
‫بعد اليان و قد توعدهم ال سبحانه بالعذاب العظيم ‪.‬‬
‫و من البديهي العلوم أن الصحابة تفرقوا بعد النب و اختلفوا و أوقدوا نار الفتنة حت وصل بم‬
‫المر إل القتال و الروب الدامية الت سببت انتكاس السلمي و تلفهم و أطمعت فيهم أعداءهم ‪ ،‬و‬
‫الية الذكورة ل يكن تأويلها و صرفها عن مفهومها التبادر للذهان ‪.‬‬

‫سورة ممد ( ‪ ، ) 47‬الية ‪. 38 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الائدة ( ‪ ، ) 5‬الية ‪. 54 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة آل عمران ( ‪ ، ) 3‬اليات ‪ 104 :‬و ‪ 105‬و ‪ 106‬و ‪. 107‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪98‬‬
‫( ‪) 117‬‬

‫‪ - 4‬آية الشوع‬
‫خشَ َع قُلُوُبهُ مْ ِل ِذكْرِ اللّ هِ وَمَا نَ َزلَ مِ َن اْلحَقّ َولَا يَكُونُوا‬
‫قال تعال ‪َ { :‬ألَ مْ َيأْ نِ لِّلذِي نَ آمَنُوا أَن َت ْ‬
‫ت قُلُوُبهُمْ وَكَِثيٌ مّْنهُمْ فَاسِقُونَ } ‪ ، 1‬صدق ال‬ ‫كَاّلذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ َعلَْيهِمُ الْأَ َمدُ فَقَسَ ْ‬
‫العلي العظيم ‪.‬‬
‫و في الدر النثور للل الديين السييوطي قال ‪ :‬لاي قدم أصيحاب رسيول ال ( صيلى ال علييه و آله )‬

‫الدي نة ‪ ،‬فأصابوا من لي العيش ما أصابوا بعد ما كان بم من ال هد ‪ ،‬فكأنم فتروا عن بعض ما‬
‫كانوا عليه فعوتبوا فنلت ‪ ( :‬أل يأن للذين آمنوا ) و ف رواية أخرى عن النب ( صلى ال عل يه و آله ) أن ال‬
‫سبحانه ا ستبطأ قلوب الهاجر ين ب عد سبع عشرة سنة من نزول القرآن فأنزل ال ‪ ( :‬أل يأن للذ ين‬
‫آمنوا ) ‪.‬‬
‫و إذا كان هؤلء ال صحابة و هم خية الناس على ما يقوله أ هل ال سنة و الما عة ‪ ،‬ل ت شع‬
‫قلوبم لذكر ال و ما نزل من الق طيلة سبعة عشر عاما حت استبطأهم ال و عاتبهم و حذرهم من‬
‫قسوة القلوب الت ترهم إل الفسوق ‪ ،‬فل لوم على التأخرين من سراة قريش الذين أسلموا ف السنة‬
‫الثامنة للهجرة بعد فتح مكة ‪.‬‬
‫فهذه بعض المثلة الت استعرضتها من كتاب ال العزيز كافية للدللة على أن الصحابة ليسوا‬
‫كلهم عدول كما يقوله أهل السنة و الماعة ‪.‬‬
‫و إذا فتش نا ف أحاد يث ال نب ( صلى ال عل يه و آله ) ف سنجد أضعاف الضعاف من المثلة الخرى و‬
‫لكن توخيا للختصار أسوق بعض المثلة و على الباحث أن يتوسع إذا أراد ذلك ‪.‬‬

‫سورة الديد ( ‪ ، ) 57‬الية ‪. 16 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪99‬‬
‫ثانيا ‪ -‬رأي الرسول ف الصحابة‬
‫‪ - 1‬حديث الوض‬
‫قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪:‬‬
‫" بينما أنا قائم فإذا زمرة حت إذا عرفتهم خرج رجل من بين و بينهم فقال ‪ ،‬هلم ‪ ،‬فقلت إل‬
‫أ ين ؟ فقال ‪ :‬إل النار و ال ‪ ،‬قلت ما شأن م ؟ قال ‪ :‬إن م ارتدوا بعدك على أدبار هم القهقرى ‪ ،‬فل‬
‫أرى يلص منهم إل مثل هل النعم " ‪. 1‬‬
‫و قال ( صلى ال عليه و آله ) ‪:‬‬
‫" إني فرطكيم على الوض مين مير علي شرب و مين شرب ل يظميأ أبدا ‪ ،‬ليدن علي أقوام‬
‫أعرفهم و يعرفونن ث يال بين و بينهم فأقول ‪ :‬أصحاب ‪ ،‬فيقال ‪ :‬إنك ل تدري ما أحدثوا بعدك ‪،‬‬
‫فأقول ‪ :‬سحقا سحقا لن غي بعدي " ‪. 2‬‬
‫فالتمعّن ف هذه الحاديث العديدة الت أخرجها علماء أهل السنة ف صحاحهم و مسانيدهم ‪،‬‬
‫ل يتطرق إليه الشك ف أن أكثر الصحابة قد بدلوا و غيوا بل ارتدوا على أدبارهم بعده ( صلى ال عل يه و‬

‫آله ) إل القليل الذي عب عنه بمل النعم ‪ ،‬و ل يكن بأي حال من الحوال حل هذه الحاديث على‬
‫القسم الثالث و هم النافقون ‪ ،‬لن النص يقول ‪ :‬فأقول أصحاب ‪.‬‬
‫و لن النافقي ل يبدلوا بعد النب و إل لصبح النافق بعد وفاة النب ( صلى ال عليه و آله ) مؤمنا ‪.‬‬
‫كما أن هذه الحاديث هي مصداق و تفسي لا سجلناه سابقا من اليات الكرية الت تدثت‬
‫عن انقلبم و ارتدادهم و توعدهم بالعذاب الليم ‪.‬‬

‫‪ - 2‬حديث إتباع اليهود و النصارى‬


‫قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله و سلم ) ‪:‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 4‬ص ‪ 94‬إل ‪ 99‬و ص ‪ 156‬و ج ‪ 3‬ص ‪ ، 32‬صحيح مسلم ج ‪ 7‬ص ‪ 66‬حديث الوض ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 4‬ص ‪ 94‬إل ‪ 99‬و ص ‪ 156‬و ج ‪ 3‬ص ‪ ، 32‬صحيح مسلم ج ‪ 7‬ص ‪ 66‬حديث الوض ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪100‬‬
‫" لتتبعن سنن من كان قبلكم شبا بشب و ذراعا بذراع حت لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ‪،‬‬
‫قلنا يا رسول ال اليهود و النصارى ؟ قال فمن " ‪. 3‬‬
‫و للباحيث أن يتسيأل عندميا يقرأ هذا الدييث الجميع على صيحته ‪ ،‬ماذا فعيل الصيحابة‬
‫القصودون بذا الديث من فعل اليهود و النصارى حت وصفهم رسول ال بأنم يتبعونم شبا بشب‬
‫و ذراعا بذراع حت لو دخلوا جحر ضب لدخلوا مدخلهم ‪.‬‬
‫و من العلوم من القرآن الكري و من التاريخ الصحيح أن اليهود تردوا على موسى رسول ال‬
‫إليهم و عصوا أمره و آذوه ‪ ،‬و عبدوا العجل ف غيابه و تآمروا على أخيه هارون و كادوا يقتلونه ‪ ،‬و‬
‫ضربت عليهم الذلة و السكنة و باؤوا بغضب من ال جزاء با كانوا يفعلون ‪ ،‬و قد ارتدوا بعد إيانم‬
‫و تآمروا على أنبياء ال و كلما جاءهم رسول با ل توى أنفسهم ففريقا كذبوا و فريقا يقتلون ‪ ،‬و‬
‫و صل ب م ال مر أن تآمروا على سيدنا عي سى و بتوا أ مه الطاهرة و ل يهدؤوا ح ت قتلوه و صلبوه‬
‫بزعمهم ‪ 2‬و اختلفوا بعد ذلك و تفرقوا فيه فمن قائل بأنه دجال كذاب ‪ ،‬و من مغال أنزله منلة الله‬
‫فقال هو ابن ال ‪.‬‬
‫و لصداق هذا الديث فمن حقي أن أتصور بأن الصحابة أيضا عصوا أمر رسول ال ف أمور‬
‫كثية منها منعهم أن يكتب لم الكتاب الذي يصونم من الضللة ‪ ،‬و منها طعنهم ف تأميه أسامة و‬
‫رفضهم أن يرجوا معه حت بعد وفاة الرسول و قد لعن رسول ال ( صلى ال عل يه و آله و سلم ) التخلف عنه‬
‫من عبأهم ‪ ،‬و منها تفرقهم و اختلفهم ف سقيفة بن ساعدة لستخلف الليفة ‪ ،‬و ل يقبلوا بن‬
‫نص عليه رسول ال ف غدير خم و هو علي بن أب طالب حسبما يدعيه الشيعة و لم شواهد ل تقبل‬
‫التأو يل ف صحاح ال سنة و تواري هم ‪ ،‬و هددوا إبن ته فاط مة الزهراء سيدة الن ساء برق دار ها إذا ل‬
‫يرج التخلفون للبيعة قهرا ‪ ،‬و من العقول جدا أن يقبل الباحث النصف النص الصريح على علي بن‬
‫أ ب طالب ‪ ،‬ل نه ل يس من العقول أن يوت ر سول ال و ل يع ي أحدا ‪ ،‬و هو الذي ل يرج من‬

‫أخرج هذا الديث كل من البخاري ف صحيحه ج ‪ 4‬ص ‪ 187‬و مسلم ف صحيحه ج ‪ 8‬ص ‪. 57‬‬ ‫‪3‬‬

‫و المام أحد بن حنبل ف مسنده ج ‪ 3‬ص ‪ 84‬و ‪. 94‬‬


‫يصادف تاريخ كتابة هذه السطور ‪ :‬أن البابا يوحنا بولس الثان زار بالمس كنيسة اليهود ف ماولة تقريب اليهود‬
‫‪2‬‬

‫من النصارى على حساب تبئة اليهود من قتل السيح و نسيان الاضي و التحالف لضرب السلم و السلمي ‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫الدي نة إل غزوة أو سفر إل و ا ستخلف علي هم أحدا ‪ ،‬و من العقول أي ضا أن يق بل البا حث الن صف‬
‫بقول المام شرف الدين ف كتابه " الراجعات " حيث قال لشيخ الزهر الشيخ سليم البشري ‪:‬‬
‫‪ -‬سلمتم ي سلمكم ال تعال ي بتأخرهم ف سرية أسامة ‪ ،‬على السي ‪ ،‬و تثاقلهم ف الرف‬
‫تلك الدة مع ما قد أمروا من السراع و التعجيل و سلمتم بطعنهم ف تأمي أسامة مع ما وعوه و رأوه‬
‫من النصوص قول و فعل على تأميه و سلمتم بطلبهم من أب بكر عزله بعد غضب النب ( صلى ال عليه و آله‬

‫و سلم ) من طعنهم ف إمارته ‪ ،‬و خروجه بسبب ذلك مموما معصبا مدثرا ‪ ،‬و تنديده بم ف خطبته‬
‫تلك على النب الت قلتم إنا كانت من الوقائع التاريية و قد أعلن فيه كون أسامة أهل لتلك المارة ‪.‬‬
‫و سلمتم بطلبهم من الليفة إلغاء البعث الذي بعثه رسول ال ( صلى ال عليه و آله و سلم ) و حل اللواء‬
‫الذي عقده بيده الشري فة ‪ ،‬مع ما رأوه من اهتما مه ف إنفاذه و عناي ته التا مة ف تعج يل إر ساله ‪ ،‬و‬
‫نصوصه التوالية ف وجوب ذلك ‪.‬‬
‫و سلمتم بتخلف ب عض من عبأ هم ( صيلى ال علييه و آله ) و سلم ‪ ،‬ف ذلك ال يش و أمر هم بالنفوذ‬
‫تت قيادة أسامة ‪.‬‬
‫و سلمتم ب كل هذا ك ما نص عل يه أ هل الخبار ‪ ،‬و اجتم عت عل يه كل مة الحدث ي و حف ظة‬
‫الثار ‪ ،‬و قل تم إن م كانوا معذور ين ف ذلك ‪ ،‬و حا صل ما ذكرتوه من عذر هم أن م إنّ ما آثروا ف‬
‫هذه المور مصلحة السلم با اقتضته أنظارهم ل با أوجبته النصوص النبوية و نن ما ادعينا ‪ -‬ف‬
‫هذا القام ‪ -‬أكثر من هذا ‪.‬‬
‫و بعبارة أخرى فإن تساؤلنا يدور حول ما يلي ‪ :‬هل كانوا ف تعبدهم وفق النصوص جيعها أم‬
‫بعضها ؟ لقد اخترت الول ‪ ،‬و نن اخترنا الثان ‪ ،‬فاعترافكم الن بعدم تعبدهم ف هذه الوامر يثبت‬
‫ما اخترناه ‪ ،‬و كونم معذورين أو غي معذورين خارج عن موضوع البحث كما ل يفى ‪ ،‬و حيث‬
‫ثبت لديكم إيثارهم ف سرية أسامة مصلحة السلم با اقتضته أنظارهم على التعبد با أوجبته تلك‬
‫النصوص ‪ ،‬فلم ل تقولون أنم آثروا ف أمر اللفة بعد النب ( صلى ال عليه و آله و سلم ) ‪ ،‬مصلحة السلم با‬
‫اقتضته أنظارهم على التعبد بنصوص الغدير و أمثالا ‪.‬‬
‫إعتذرت عن طعن الطاعني ف تأمي أسامة بأنم إنا طعنوا بتأميه لداثته مع كونم بي كهول‬
‫و شيوخ ‪ ،‬و قل تم إن نفوس الكهول و الشيوخ تأ ب ببلت ها و طبع ها أن تنقاد إل الحداث ‪ ،‬فلم ل‬

‫‪102‬‬
‫تقولوا هذا بعينه فيمن ل يتعبدوا بنصوص الغدير القتضية لتأمي علي و هو شاب على كهول الصحابة‬
‫و شيوخهم ‪ ،‬لنم بكم الضرورة من أخبارهم ‪ ،‬قد استحدثوا سنه يوم مات رسول ال ( صلى ال عليه و آله‬

‫و سلم ) ‪ ،‬كما استحدثوا سن أسامة يوم ولّه ( صلى ال عل يه و آله و سلم ) عليهم ف تلك السن و شتان ما بي‬
‫اللفة و إمارة السرية ‪ ،‬فإذا أبت نفوسهم ببلتها أن تنقاد للحدث ف سرية واحدة ‪ ،‬فهي أول بأن‬
‫تأ ب أن تنقاد للحدث مدة حيا ته ف ج يع الشؤون الدنيو ية و الخرو ية ‪ ،‬على أن ما ذكرتوه من أن‬
‫نفوس الشيوخ و الكهول تنفر بطبعها من النقياد للحداث منوع ‪ ،‬إن كان مرداكم الطلق ف هذا‬
‫الكم ‪ ،‬لن نفوس الؤمني من الشيوخ الكاملي ف إيانم ل تنفر من طاعة ال و رسوله ف النقياد‬
‫للحداث ‪ ،‬و ل ف غيه من سائر الشياء { فَلَ َورَبّ كَ لَ ُيؤْمِنُو نَ حَتّىَ ُيحَ ّكمُو َك فِيمَا َشجَرَ بَيَْنهُ مْ‬
‫جدُواْ فِي أَنفُ سِ ِهمْ حَ َرجًا ّممّا َقضَيْ تَ وَيُ سَّلمُواْ تَ سْلِيمًا } ‪ ... { ،‬وَمَا آتَاكُ مُ الرّ سُو ُل َفخُذُو هُ‬
‫ُثمّ لَ َي ِ‬
‫وَمَا َنهَا ُكمْ عَنْ ُه فَانَتهُوا ‪ } ...‬إنتهى كلمه نقلناه من كتاب الراجعات " الراجعة رقم ‪. " 92‬‬
‫‪ - 3‬حديث البطانتي‬
‫قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله و سلم ) ‪:‬‬
‫" ما بعث ال من نب و ل استخلف من خليفة إل كا نت له بطانتان بطانة تأمره بالعروف و‬
‫تضه عليه و بطانة تأمره بالشر و تضه عليه فالعصوم من عصمه ال " ‪. 1‬‬
‫و هذا الديث فيه دللة واضحة على أن الصحابة كانوا قسمي بطانة تأمر الرسول بالعروف‬
‫و تضه عليه و بطانة تأمره بالشر و تضه عليه ‪ ،‬و إذا أردنا التوسع ف هذا الوضوع لزددنا يقينا بأن‬
‫بعض الصحابة كانوا يشيون على رسول ال بغي العروف ‪.‬‬
‫و مثال ذلك ما أخرجه الطيب ف تاريخ بغداد من جزئه الول و حكم ابن جرير بصحته ‪،‬‬
‫قال ‪:‬‬
‫جاء إل النب ( صلى ال عليه و آله و سلم ) أناس من قريش فقالوا ‪ :‬يا ممد إنا جيانك و حلفاؤك و إن‬
‫أناسا من غلماننا قد أتوك ليس بم رغبة ف السلم و ل رغبة ف الفقه إنا فروا من ضياعنا ‪ ،‬فقال‬
‫النب لب بكر ما تقول قال صدقوا إنم جيانك و حلفاؤك فتغي وجه النب با أشار به ث قال لعمر ما‬
‫تقول قال صدقوا إنم جيانك و حلفاؤك فتغي وجه النب با أشار به هو الخر عليه ‪. 2‬‬
‫الديث أخرجه البخاري ف صحيحه ج ‪ 4‬ص ‪ 173‬مسند المام أحد ج ‪ 3‬ص ‪. 39‬‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ بغداد ج ‪ 1‬ص ‪. 133‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪103‬‬
‫و هذه القصة هي مصداق لديث البطانتي و الذي أشار به أبو بكر و عمر ل يكن من الي و‬
‫ل من العروف و إل لا تغي وجه النب ( صلى ال عليه و آله وسلم ) ‪.‬‬
‫كما أخرج المام أحد بن حنبل ف مسنده و مسلم ف صحيحه قال سعت عمر يقول ‪ :‬قسم‬
‫رسول ال ( صلى ال عليه و آله و سلم ) قسمة فقلت يا رسول ال لغي هؤلء أحق منهم ‪ ،‬أهل الصفة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فقال رسول ال ( صلى ال عليه و آله و سلم ) ‪ :‬إنكم تسألون بالفحش ‪ ،‬و تبخلون و لست بباخل ‪. 1‬‬
‫و هذه القصة هي الخرى صرية ف أن عمر بن الطاب ليس من البطانة الت تأمر بالعروف و‬
‫تضّ عليه بل هو من الذين يسألون بالفحش و يأمرون بالبخل على ما جاء ف حديث الرسول ( صلى ال‬

‫عليه و آله و سلم ) ‪.‬‬


‫‪ - 4‬حديث التنافس على الدنيا‬
‫قال ( صلى ال عليه و آله و سلم ) ‪:‬‬
‫" إن فرط لكم و أنا شهيد عليكم و إن و ال لنظر إل حوضي الن و إن أعطيت مفاتيح‬
‫خزائن الرض ( أو مفات يح الرض ) و إ ن و ال ما أخاف علي كم أن تشركوا بعدي و ل كن أخاف‬
‫عليكم أن تنافسوا فيها " ‪. 2‬‬
‫صدق رسول ال ( صلى ال عليه و آله و سلم ) ‪ ،‬فقد تنافسوا على الدنيا حت سلت سيوفهم و تاربوا و‬
‫كفر بعضهم بعضا ‪ ،‬و قد كان بعض هؤلء الصحابة الشهورين يكن الذهب و الفضة ف حي يوت‬
‫ب عض ال سلمي جو عا و يدثنا الؤرخون كالسعودي ف مروج الذ هب و ال طبي و غي هم أن ثروة‬
‫الزبي وحده بلغت خسي ألف دينار و ألف فرس و ألف عبد و ضياعا كثية ف البصرة و ف الكوفة‬
‫‪3‬‬
‫و ف مصر و غيها‬

‫صحيح مسلم ج ‪ 2‬ص ‪ 730‬مسند المام أحد بن حنبل ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 4‬ص ‪. 101 - 100‬‬ ‫‪2‬‬

‫مروج الذهب للمسعودي ج ‪ 2‬ص ‪. 341‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪104‬‬
‫( ‪) 125‬‬

‫‪ ،‬كما بلغت غلة طلحة من العراق وحده كل يوم ألف دينار ‪ ،‬و قيل أكثر من ذلك ‪. 1‬‬
‫و كان لعبد الرحن بن عوف مائة فرس ‪ ،‬و له ألف بعي و عشرة آلف شاة ‪ ،‬و بلغ ربع ثن‬
‫ماله الذي قسم على زوجاته بعد وفاته أربعة و ثاني ألفا ‪. 2‬‬
‫و ترك عثمان بن عفان يوم مات مائة و خ سي ألف دينار عدا الوا شي و الرا ضي و الضياع‬
‫ما ل يصى و ترك زيد بن ثابت من الذهب و الفضة ما كان يكسر بالفؤوس حت ملت أيدي الناس‬
‫‪ ،‬ما عدا الموال و الضياع بقيمة مائة ألف دينار ‪. 3‬‬
‫هذه بعض المثلة البسيطة و ف التاريخ شواهد كثية ل نريد الدخول ف بثها الن و نكتفي‬
‫بذا القدر للدللة على صدق الد يث و أن م حل يت الدن يا ف أعين هم و راق هم زبرج ها ‪ ،‬فكد سوا‬
‫الموال على حساب الستضعفي من السلمي ‪.‬‬
‫***‬

‫مروج الذهب للمسعودي ج ‪ 2‬ص ‪. 341‬‬ ‫‪1‬‬

‫مروج الذهب للمسعودي ج ‪ 2‬ص ‪. 341‬‬ ‫‪2‬‬

‫مروج الذهب للمسعودي ج ‪ 2‬ص ‪. 341‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪105‬‬
‫ثالثا ‪ -‬رأي الصحابة بعضهم ف بعض‬
‫‪ - 1‬شهادتم على أنفسهم بتغيي سنة النب‬
‫عن أ ب سعيد الدري قال ‪ :‬كان ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) يرج يوم الف طر و الض حى إل‬
‫الصيلى فأول شييء يبدأ بيه الصيلة ثي ينصيرف فيقول مقابيل الناس و الناس جلوس على صيفوفهم‬
‫فيعظهم و يوصيهم و يأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به ث ينصرف ‪ ،‬قال‬
‫أبو سعيد فلم يزل الناس على ذلك حت خرجت مع مروان و هو أمي الدينة ف أضحى أو فطر فلما‬
‫أتي نا ال صلى إذا م نب بناه كث ي بن ال صلت فإذا مروان ير يد أن يرتق يه ق بل أن ي صلي فجبذت بثو به‬
‫فجبذن فارتفع فخطب قبل أن يصلي فقلت له غيت و ال ‪ ،‬فقال ‪ :‬أبا سعيد قد ذهب ما تعلم ‪.‬‬
‫فقلت ‪ ،‬ميا أعلم و ال خيي ماي ل أعلم ‪ ،‬فقال إن الناس ل يكونوا يلسيون لنيا بعيد الصيلة‬
‫فجعلتها قبل الصلة ‪. 1‬‬
‫و قد بثت كثيا عن الدوافع الت جعلت هؤلء الصحابة يغيون سنة رسول ال ( صلى ال عليه و آله )‬

‫‪ ،‬و اكتشفت أن المويي و أغلبهم من صحابة النب و على رأسهم معاوية بن أب سفيان " كاتب‬
‫الوحي " كما يسمونه كان يمل الناس و يبهم على سب علي بن أب طالب و لعنه من فوق منابر‬
‫الساجد ‪ ،‬كما ذكر ذلك الؤرخون ‪ ،‬و قد أخرج مسلم ف صحيحه ف باب " فضائل علي بن أب‬
‫طالب " م ثل ذلك ‪ ،‬و أ مر ‪ -‬يع ن معاو ية ‪ -‬عماله ف كل الم صار بإتاذ ذلك الل عن سنة يقول ا‬
‫الطباء على النابر ‪ ،‬و ل ا ا ستاء من ذلك ب عض ال صحابة و ا ستنكر هذا الف عل أ مر معاو ية بقتل هم و‬
‫حرقهم و قد قتل من مشاهي الصحابة حجر بن عدي الكندي و أصحابه و دفن بعضهم أحياء لنم‬
‫امتنعوا عن لعن علي و استنكروه و قد أخرج أبو العلى الودودي ف كتابه " اللفة و اللك " نقل‬
‫عن السن البصري قال ‪ :‬أربع خصال كن ف معاوية لو ل تكن فيه إل واحدة لكانت موبقة له ‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬أخذه المر من غي مشورة و فيهم بقايا الصحابة ذوو الفضيلة ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬استخلفه بعده ابنه سكيا خيا يلبس الرير و يضرب الطنابي ‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬ادعاؤه زيادا و قد قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) الولد للفراش و للعاهر الجر ‪.‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 1‬ص ‪ 122‬من كتاب العيدين ‪ .‬باب الروج إل الصلى بغي منب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪106‬‬
‫( ‪ ) 4‬قتله حجرا و أصحاب حجر فياويل له من حجر و ياويل له من حجر و أصحاب حجر‬
‫‪.1‬‬
‫و كان بعض الؤمني من الصحابة يفرون من السجد بعد الفراغ من الصلة حت ل يضروا‬
‫الطبة الت تتم بلعن علي و أهل بيته ‪ ،‬و من أجل ذلك غي بنو أمية سنة رسول ال و قدموا الطبة‬
‫على الصلة حت يضرها الناس و يرغموا بذلك أنوفهم ‪.‬‬
‫مرحى لؤلء الصحابة الذين ل يتورعون عن تغيي سنة الرسول و حت أحكام ال للوصول إل‬
‫أغراضهم الدنيئة و أحقادهم الدفينة و مطامعهم السيسة ‪ ،‬و يلعنون رجل أذهب ال عنه الرجس و‬
‫طهره تطهيا و أوجب الصلة عليه كالصلة على رسوله ‪ ،‬و أوجب ال و رسوله مودته و حبه حت‬
‫قال النب ‪ " :‬حب علي إيان و بغضه نفاق " ‪. 2‬‬
‫و لكن هؤلء الصحابة بدلوا و غيوا و قالوا سعنا و عصينا و بدل من أن يصلوا عليه و يبوه‬
‫و يطيعوه ‪ ،‬شتموه و لعنوه طيلة ستي عاما كما جاء ف كتب التاريخ ‪.‬‬
‫فإذا كان أصحاب مو سى قد تآمروا على هارون و كادوا يقتلو نه ‪ ،‬فإن بعض أصحاب ممد‬
‫قتلوا هارو نه و تتبعوا أولده و شيع ته ت ت كل ح جر و مدر و موا أ ساءهم من الديوان و منعوا أن‬
‫يت سمى أ حد با سه ‪ ،‬و ل يكتفوا ب كل ذلك بل لعنوه و حلوا ال صحابة الخل صي على ذلك قهرا و‬
‫ظلما ‪.‬‬
‫و إن و ال لقف حائرا مبهوتا عندما أقرأ صحاحنا و ما سجل فيها من حب الرسول لخيه و‬
‫ابن عمه علي و تقديه على كل الصحابة حت قال فيه ‪ :‬أنت من بنلة هارون من موسى إل أنه ل‬
‫نب بعدي ‪. 3‬‬

‫أبو العلى الودودي كتاب اللفة و اللك ص ‪. 106‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح مسلم ج ‪ 1‬ص ‪. 61‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪ ، 305‬مسلم ج ‪ 2‬ص ‪ ، 360‬مستدرك الاكم ج ‪ 3‬ص ‪. 109‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪107‬‬
‫و قال له ‪ :‬أ نت م ن و أ نا م نك ‪ 1‬و قال ‪ :‬حب علي إيان و بغ ضه نفاق ‪ ، 2‬و قال أ نا مدي نة‬
‫العلم و علي بابا ‪ 3‬و قال ‪ :‬علي و ل كل مؤمن بعدي ‪. 4‬‬
‫و قال ‪ :‬من ك نت موله فهذا علي موله الل هم وال من واله و عاد من عاداه ‪ ، 5‬و لو أرد نا‬
‫استقصاء الفضائل الت ذكرها النب ف علي و الت أخرجها علماؤنا معترفي بصحتها لستوجب كتابا‬
‫خاصا ‪ ،‬فكيف يا ترى يتجاهل الصحابة هذه النصوص و يسبون عليا و ينصبون له العداء و يلعنونه‬
‫فوق النابر و كيف يقاتلونه و يقتلونه ‪.‬‬
‫و إ ن أحاول عب ثا أن أ جد مبرا لؤلء فل أ جد غ ي حب الدن يا و التنا فس في ها أو النفاق أو‬
‫الرتداء و النقلب على العقاب ‪ ،‬و أحاول أيضيا إلصياق هذه السيؤولية بثالة الصيحابة و بعيض‬
‫النافقي ‪ ،‬و لكن هؤلء ‪ -‬للسف الشديد ‪ -‬معدودون من أكابرهم و أفاضلهم و مشاهيهم ‪ ،‬فأول‬
‫من هدد برق بي ته ‪ -‬ب ن ف يه ‪ -‬هو ع مر بن الطاب ‪ ،‬و أول من حار به هو طل حة و الزب ي و أم‬
‫الؤمني عائشة بنت أب بكر ‪ ،‬و معاوية بن أب سفيان و عمرو بن العاص و أمثالم كثيون ‪.‬‬
‫و إن عجب لكبي و سوف لن ينتهي ‪ ،‬كما يؤيدن ف ذلك كل مفكر حر ‪ ،‬عا قل ‪ ،‬كيف‬
‫ي مع علماء أ هل ال سنة و الما عة على عدالة ال صحابة كا فة و يترضون علي هم بل و ي صلّون علي هم‬
‫أجع ي ‪ ،‬ل ي ستثنون من هم واحدا ح ت قال بعض هم ‪ " :‬إل عن يز يد و ل تز يد " فأ ين يز يد من هذه‬
‫الآ سي ال ت ل يقر ها د ين و ل ع قل ‪ ،‬و إن ن أر بأ بأ هل ال سنة و الما عة إن كانوا ح قا يتبعون سنة‬
‫الرسول ‪ ،‬أن يكموا بعدالة من حكم القرآن و السنة بفسقه و ارتداده و كفره و قد قال رسول ال‬
‫( صلى ال عليه و آله ) " من سب عليا فقد سبن و من سبن فقد سب ال ‪ ،‬و من سب ال أكبه على منخريه‬
‫ف النار " ‪. 6‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪ ، 76‬صحيح الترمذي ج ‪ 5‬ص ‪ ، 300‬سنن إبن ماجه ج ‪ 1‬ص ‪. 44‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح مسلم ج ‪ 1‬ص ‪ ، 61‬سنن النسائي ج ‪ 6‬ص ‪ 117‬صحيح الترمذي ج ‪ 8‬ص ‪. 306‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح الترمذي ج ‪ 5‬ص ‪ 201‬مستدرك الاكم ج ‪ 3‬ص ‪. 126‬‬ ‫‪3‬‬

‫مسند المام أحد ج ‪ 5‬ص ‪ 25‬مستدرك الاكم ج ‪ 3‬ص ‪ ، 134‬صحيح الترمذي ج ‪ 5‬ص ‪. 296‬‬ ‫‪4‬‬

‫صحيح مسلم ج ‪ 2‬ص ‪ 362‬مستدرك الاكم ج ‪ 3‬ص ‪ 109‬مسند أحد ج ‪ 4‬ص ‪. 281‬‬ ‫‪5‬‬

‫مستدرك الاكم ج ‪ 3‬ص ‪ 121‬خصائص النسائي ص ‪ . 24‬مسند المام أحد ج ‪ 6‬ص ‪ 33‬الناقب للخوارزمي ص ‪81‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ .‬الرياض النضرة للطبي ج ‪ 2‬ص ‪ . 219‬تاريخ السيوطي ص ‪. 73‬‬


‫‪108‬‬
‫هذا جزاء مين سيب علييا فميا بالك بني لعنيه و حاربيه و قاتله فأيين علماؤنيا مين كيل هذه‬
‫القائق ‪ ،‬أم على قلوب أقفالا ‪.‬‬
‫و قل رب أعوذ بك من هزات الشياطي و أعوذ بك رب أن يضرون ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الصحابة غيوا حت ف الصلة‬
‫قال أنس بن مالك ‪ :‬ما عرفت شيئا ما كان على عهد النب ( صلى ال عل يه و آله ) مثل الصلة ‪ ،‬قال‬
‫أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها ‪.‬‬
‫و قال الزهري دخلت على أنيس بين مالك بدمشيق و هيو يبكيي فقلت ميا يبكييك فقال ‪ :‬ل‬
‫أعرف شيئا ما أدركت إل هذه الصلة و قد ضيعت ‪. 1‬‬
‫و حت ل يتوهم أحد أن التابعي هم الذين غيوا ما غيوا بعد تلك الفت و الروب ‪ ،‬أود أن‬
‫أذكر بأن أول من غي سنة الرسول ف الصلة هو خليفة السلمي نفسه عثمان بن عفان و كذلك أم‬
‫الؤمني عائشة ‪ ،‬فقد أخرج الشيخان البخاري و مسلم ف صحيحيهما ‪ :‬أن رسول ال ( صلى ال عليه و آله )‬

‫‪ ،‬صلى ب ن ركعت ي ‪ ،‬و أ بو ب كر بعده ‪ ،‬و ع مر ب عد أ ب ب كر و عثمان صدرا من خلف ته ‪ ،‬ث أن‬
‫عثمان صلى بعد أربعا ‪. 2‬‬
‫كما أخرج مسلم ف صحيحه ‪ ،‬قال الزهري قلت لعروة ما بال عائشة تتم الصلة ف السفر ؟‬
‫قال إنا تأولت كما تأول عثمان ‪. 3‬‬
‫سبحان ال ! و هل هناك تأو يل ي حق ال سنة النبو ية غ ي هذا و أمثاله من التأويلت ؟ و هل‬
‫يلوم أحد بعد هذا أبا حنيفة ‪ .‬أو أحد الئمة أصحاب الذاهب الذين تأولوا ‪ ،‬فحللوا و حرموا وفق‬
‫تأويلهم و اجتهادهم مقتدين ف ذلك بسنة هؤلء الصحابة ‪.‬‬
‫و كان عمر بن الطاب يتهد و يتأول مقابل النصوص الصرية من السنن النبوية بل ف مقابل‬
‫النصوص الصرية من القرآن الكيم فيحكم برأيه ‪ ،‬كقوله ‪ " :‬متعتان كانتا على عهد رسول ال و‬
‫أ نا أن ي عنه ما و أعا قب عليه ما " ‪ ،‬و يقول ل ن أج نب و ل ي د ماء ‪ " :‬ل ت صلّ " ‪ .‬ر غم قول ال‬
‫تعال ف سورة الائدة ‪ { :‬فإن ل تدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } ‪.‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 1‬ص ‪. 74‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪ ، 154‬صحيح مسلم ج ‪ 1‬ص ‪. 260‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح مسلم ج ‪ 2‬ص ‪ 143‬كتاب صلة السافرين ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪109‬‬
‫أخرج البخاري ف صحيحه ف باب " إذا خاف ال نب على نف سه " قال ‪ :‬سعت شق يق بن‬
‫سلمة قال ‪ :‬كنت عند عبد ال و أب موسى فقال له أبو موسى أرأيت يا أبا عبد الرحن إذا أجنب‬
‫فلم ي د ماء ك يف ي صنع فقال ع بد ال ل ي صلي ح ت ي د الاء فقال أ بو مو سى فك يف ت صنع بقول‬
‫عمار حي قال له النب ( صلى ال عل يه و آله ) كان يكفيك أن تضرب ضربتي و علمه التيمم ‪ ،‬قال ‪ :‬أل تر‬
‫عمر ل يقنع بذلك فقال أبو موسى فدعنا من قول عمار كيف تصنع بذه الية فما درى عبد ال ما‬
‫يقول ‪ ،‬فقال إ نا لو رخ صنا ل م ف هذا لو شك إذا برد على أحد هم الاء أن يد عه و يتيميم فقلت‬
‫لشقيق ‪ :‬فإنا كره عبد ال لذا ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪. 1‬‬
‫ما شاء ال ! لقد نصب عبد ال هذا نفسه إماما على المة فأفت با يلو له و با شاء هو ‪ ،‬ل‬
‫با اقتضته أحكام ال الت أنزلا ف القرآن ‪ ،‬و رغم استدلل أب موسى الشعري بآية التيمم يقول عبد‬
‫ال ‪ " :‬إ نا لو رخ صنا ل م ف هذا " ف من أ نت يا هذا ؟ ؟ ح ت تلل و ترم و تر خص و ت نع ك ما‬
‫تريد ‪ ،‬و لعمري إنك اتبعت ف ذلك سنة من قبلك و أصررت على العناد لتأييد رأيه الذي كان يفت‬
‫بترك الصلة عند فقدان الاء و ل يقتنع باحتجاج عمار بن ياسر عليه بالسنة النبوية كما ل تقتنع أنت‬
‫باحتجاج أب موسى بالية القرآنية ! ‪ ،‬أ فبعد هذا يدعي علماؤنا بأن الصحابة كالنجوم بأيهم اقتدينا‬
‫ضحَكُونَ َولَا تَبْكُونَ * وَأَنُتمْ سَا ِمدُونَ } ‪. 2‬‬
‫حدِيثِ تَ ْعجَبُونَ * وََت ْ‬
‫اهتدينا ‪َ { ،‬أفَمِنْ َهذَا اْل َ‬
‫‪ - 3‬الصحابة يشهدون على أنفسهم‬
‫روى أنيس بين مالك أن رسيول ال ( صيلى ال علييه و آله ) قال للنصيار ‪ :‬إنكيم سيترون بعدي أثرة‬
‫شديدة فاصبوا حت تلقوا ال و رسوله على الوض ‪ .‬قال أنس فلم نصب ‪. 3‬‬
‫و عن العلء بن السيب عن أبيه قال ‪ :‬لقيت الباء بن عازب رضي ال عنهما فقلت طوب لك‬
‫صحبت النب ( صلى ال عليه و آله ) و بايعته تت الشجرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ابن أخي إنك ل تدري ما أحدثنا بعده‬
‫‪.4‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 1‬ص ‪. 54‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النجم ( ‪ ، ) 53‬الية ‪. 61 _ 59 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪. 135‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 3‬ص ‪ 32‬باب غزوة الديبية ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪110‬‬
‫و إذا كان هذا الصحاب من السابقي الولي الذين بايعوا النب ( صلى ال عل يه و آله ) تت الشجرة ‪،‬‬
‫و ر ضي ال عن هم و علم ما ف قلوب م فأثاب م فت حا قري با ‪ ،‬يش هد على نف سه و على أ صحابه بأن م‬
‫أحدثوا ب عد ال نب و هذه الشهادة هي م صداق ما أ خب به ( صيلى ال علييه و آله ) و تن بأ به من أن أ صحابه‬
‫سيحدثون بعده و يرتدون على أدبار هم ف هل ي كن لعا قل ب عد هذا أن ي صدق بعدالة ال صحابة كل هم‬
‫أجع ي ( أكتع ي أب صعي ) على ما يقول به أ هل ال سنة و الما عة ‪ ،‬و الذي يقول هذا القول فإ نه‬
‫يالف العقل و النقل و ل يبقى للباحث أي مقاييس فكرية يعتمدها للوصول إل القيقة ‪.‬‬
‫‪ - 4‬شهادة الشيخي على نفسيهما‬
‫أخرج البخاري ف صحيحه ف باب منا قب ع مر بن الطاب قال ‪ :‬ل ا ط عن ع مر ج عل يأل‬
‫فقال له ابن عباس و كأنه يزعه ‪ :‬يا أمي الؤمني و لئن كان ذاك لقد صحبت رسول ال فأحسنت‬
‫صحبته ث فارقته و هو عنك راض ث صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ث فارقته و هو عنك راض ث‬
‫صحبت صحابتهم فأحسنت صحبتهم و لئن فارقتهم لتفارقنهم و هم عنك راضون ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أما ما ذكرت من صحبة رسول ال و رضاه فإنا ذاك من مَ نّ ال تعال مَ نّ به علي ‪ ،‬و‬
‫أما ما ذكرت من صحبة أب بكر و رضاه فإنا ذاك من َم ّن ال جل ذكره مَ نّ به علي ‪ ،‬و أما ما ترى‬
‫من جزعي فهو من أجلك و أجل أصحابك و ال لو أن ل طِلع الرض ذهبا لفتديت به من عذاب‬
‫ال َعزّ و جَلّ قبل أن أراه ‪. 1‬‬
‫و قد سجل التاريخ له أيضا قوله ‪ :‬ليتن كنت كبش أهلي يسمنونن ما بدا لم حت إذا كنت‬
‫أ سن ما أكون زار هم ب عض من يبون فجعلوا بع ضي شواء و قطعو ن قديدا ث أكلو ن و أخرجو ن‬
‫عذرة و ل أكن بشرا ‪. 2‬‬
‫كما سجل التاريخ لب بكر مثل هذا ‪ ،‬قال لا نظر أبو بكر إل طائر على شجرة ‪ :‬طوب لك‬
‫يا طائر تأكل الثمر و تقع على الشجر و ما من حساب و ل عقاب عليك ‪ ،‬لوددت أن شجرة على‬
‫جانب الطريق مر علي جل فأكلن و أخرجن ف بعره و ل أكن من البشر ‪ . 3‬و قال مرة أخرى ‪" :‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪. 201‬‬ ‫‪1‬‬

‫منهاج السنة لبن تيمية ج ‪ 3‬ص ‪ . 131‬حلية الولياء لب نعيم ج ‪ 1‬ص ‪. 52‬‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبي ص ‪ . 41‬الرياض النضرة ج ‪ 1‬ص ‪ . 134‬كن العمال ص ‪ . 361‬منهاج السنة لبن تيمية ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪120‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫ليت أمي ل تلدن ‪ ،‬ليتن كنت تبنة ف لبنة " ‪ . . . 1‬تلك بعض النصوص أوردتا على نو الثال ل‬
‫الصر ‪.‬‬
‫و هذا كتاب ال يبشر عباده الؤمني بقوله ‪:‬‬
‫{ أَل إِنّ َأ ْولِيَاء اللّهِي لَ َخوْفٌي عَلَْيهِم ْي َولَ هُم ْيَيحْزَنُونَي * اّلذِينَي آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتّقُونَي * َلهُمُي‬
‫الُْبشْرَى فِي اْلحَياةِ الدّنْيَا َوفِي الخِرَةِ لَ تَْبدِيلَ لِكَِلمَاتِ اللّهِ َذلِكَ ُه َو الْفَ ْوزُ الْعَظِيمُ } ‪. 2‬‬
‫و يقول أي ضا ‪ { :‬إِنّ اّلذِي َن قَالُوا رَبّنَا اللّ هُ ثُمّ ا سْتَقَامُوا تَتَنَزّلُ عَلَْيهِ ُم الْمَلَائِكَةُ َألّا َتخَافُوا َولَا‬
‫َتحْزَنُوا وَأَْبشِرُوا بِالْجَنّ ِة الّتِي كُنتُ مْ تُو َعدُو نَ * َنحْ نُ َأ ْولِيَاؤُكُ مْ فِي اْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ َولَكُ مْ فِيهَا‬
‫مَا َتشَْتهِي أَن ُفسُكُمْ َولَكُ ْم فِيهَا مَا َتدّعُونَ * نُ ُزلًا مّنْ غَفُو ٍر رّحِيمٍ } ‪ ، 3‬صدق ال العلي العظيم ‪.‬‬
‫فكيف يتمن الشيخان أبو بكر و عمر أن ل يكونا من البشر الذي كرمه ال على سائر ملوقاته‬
‫‪.‬‬
‫و إذا كان الؤمن العادي الذي يستقيم ف حياته تتنل عليه اللئكة و تبشره بقامه ف النة فل‬
‫ياف من عذاب ال و ل يزن على ما خلف وراءه ف الدن يا و له البشرى ف الياة الدن يا ق بل أن‬
‫يصل إل الخرة ‪ ،‬فما بال عظماء الصحابة الذين هم خي اللق بعد رسول ال ‪ -‬كما تعلمنا ذلك ‪-‬‬
‫يتمنون أن يكونوا عذرة ‪ ،‬و بعرة ‪ ،‬و شعرة ‪ ،‬و تبنة ‪ ،‬و لو أن اللئكة بشرتم بالنة ما كانوا ليتمنوا‬
‫أن لم مثل طِلع الرض ذهبا ليفتدوا به من عذاب ال قبل لقاه ‪.‬‬
‫قال تعال ‪ { :‬وََلوْ أَنّ لِكُلّ نَفْ سٍ ظََلمَ تْ مَا فِي ا َلرْ ضِ َلفْتَدَ تْ ِب هِ وَأَ سَرّواْ الّندَامَةَ َلمّ ا رََأ ُواْ‬
‫الْ َعذَابَ َوُقضِيَ بَيَْنهُم بِالْ ِقسْطِ وَ ُهمْ لَ يُظَْلمُونَ } ‪. 4‬‬

‫تاريخ الطبي ص ‪ 41‬الرياض النضرة ج ‪ 1‬ص ‪ . 134‬كن العمال ص ‪ . 361‬منهاج السنة النبوية لبن تيمية ج ‪ 3‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 120‬‬
‫سورة يونس ( ‪ ، ) 10‬اليات ‪. 64 _ 62 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة فصلت ( ‪ ، ) 41‬اليات ‪. 32 _ 30 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة يونس ( ‪ ، ) 10‬الية ‪. 54 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪112‬‬
‫و قال أي ضا ‪َ { :‬وَلوْ أَنّ لِّلذِي نَ ظََلمُوا مَا فِي الَْأرْ ضِ َجمِيعًا وَمِثْلَ هُ مَعَ هُ لَافَْت َدوْا بِ هِ مِن سُو ِء‬
‫الْ َعذَابِ َيوْ َم الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مّنَ اللّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا َيحْتَسِبُو َن * وََبدَا َلهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ ِبهِم‬
‫مّا كَانُوا بِهِ َيسَْتهْزِئُون } ‪. 5‬‬
‫و إن ن أت ن من كل قل ب أن ل تش مل هذه اليات ‪ ،‬صحابة كبارا أمثال أ ب ب كر ال صديق و‬
‫عمر الفاروق ‪. .‬‬
‫بيد أنن أتوقف كثيا عند مثل هذه النصوص لطلّ على مقاطع مثية من علقتهم مع الرسول (‬

‫صلى ال عل يه و آله ) و ما شهدتا تلك العلقة من تلف عن إجراء أوامره و تلبية طلبه ف اللحظات الخية‬
‫من عمره البارك الشر يف م ا أغض به و دف عه إل أن يأ مر الم يع بغادرة النل و تر كه ‪ ،‬ك ما أن ن‬
‫أستحضر أمامي شريط الوادث الت جرت بعد وفاة الرسول و ما جرى مع ابنته الزهراء الطاهرة من‬
‫إيذاء و هضم و غمط و قد قال ( صلى ال عليه و آله ) ‪ " :‬فاطمة بضعة من من أغضبها فقد أغضبن " ‪. 2‬‬
‫و قالت فاطمة لب بكر و عمر ‪:‬‬
‫نشدتك ما ال تعال أل ت سمعا ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) يقول ‪ " :‬ر ضا فاط مة من رضاي و‬
‫سخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنت فاطمة فقد أحبن و من أرضى فاطمة فقد أرضان و من‬
‫أسخط فاطمة فقد أسخطن ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم سعناه من رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) فقالت ‪ :‬فإن أشهد ال‬
‫و ملئكته أنكما أسخطتمان و ما أرضيتمان و لئن لقيت النب لشكونكما إليه " ‪. 3‬‬
‫و دعنا من هذه الرواية الت تدمي القلوب ‪ ،‬فلعل ابن قتيبة و هو من علماء أهل السنة البزين‬
‫ف كثي من الفنون و له تآليف عديدة ف التفسي و الديث و اللغة و النحو و التاريخ ‪ ،‬لعله تشيع هو‬
‫الخر كما قال ل أحد العاندين مرة عندما أطلعته على كتابه تاريخ اللفاء ‪ ،‬و هذه هي الدعاية الت‬
‫يل جأ إلي ها ب عض علمائ نا بعد ما تعيي هم اليلة ‪ ،‬فال طبي عند نا تش يع و الن سائي الذي ألف كتا با ف‬
‫خ صائص المام علي تش يع و ا بن قتي بة تش يع و ح ت طه ح سي من العا صرين ل ا ألف كتا به الفت نة‬
‫الكبى و ذكر حديث الغدير و اعترف بكثي من القائق الخرى فهو أيضا تشيع ! ! ‪.‬‬

‫سورة الزمر ( ‪ ، ) 39‬الية ‪ 47 :‬و ‪. 48‬‬ ‫‪5‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪ 206‬باب مناقب قرابة رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المامة و السياسة لبن قتيبة ج ‪ 1‬ص ‪ . 20‬فدك ف التاريخ ص ‪. 92‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪113‬‬
‫و القيقة أن كل هؤلء ل يتشيعوا و عندما يتكلمون عن الشيعة ل يذكرون عنهم إل ما هو‬
‫مشي ‪ ،‬و هم يدافعون عن عدالة الصحابة بكل ما أمكنهم ‪ ،‬و لكن الذي يذكر فضائل علي بن أب‬
‫طالب و يعترف ب ا فعله كبار ال صحابة من أخطاء نته مه بأنه تش يع ‪ ،‬و يكفي أن تقول أمام أحدهم‬
‫عند ذكر النب ‪ ( " :‬صلى ال عليه و آله ) " أو " تقول علي ( عليه السلم ) " ‪ ،‬حت يقال ‪ :‬إنك شيعي ‪ ،‬و على هذا‬
‫الساس قلت يوما لحد علمائنا و أنا أحاوره ‪ :‬ما رأيك ف البخاري ؟ قال ‪ :‬هو من أئمة الديث و‬
‫كتابه أصح الكتب بعد كتاب ال عندنا و قد أجع على ذلك علماؤنا ‪.‬‬
‫فقلت له ‪ :‬إ نه شي عي ‪ ،‬فض حك م ستهزئا و قال ‪ :‬حا شى المام البخاري أن يكون شيع يا ! !‬
‫قلت ‪ :‬أو ليس أنك ذكرت بأن كل من يقول ‪ " :‬علي ( عليه ال سلم ) " فهو شيعي ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬فأطلعته‬
‫و من حضر معه على صحيح البخاري و ف عدة مواقع عندما يأت باسم علي يقول ‪ ( :‬عل يه ال سّلم ) و‬
‫فاطمة ( عليها السلم ) و السي بن علي ( عليهما السلم ) ‪ 1‬فبهت و ما دري ما يقول ‪.‬‬
‫و أعود إل روا ية ا بن قتي بة ال ت اد عى في ها أن فاط مة غض بت على أ ب ب كر و ع مر ‪ ،‬فإذا‬
‫شك كت في ها فإ نه ل يكن ن أن أ شك ف صحيح البخاري الذي هو عند نا أصح الك تب ب عد كتاب‬
‫ال ‪ ،‬و قد ألزمنا أنفسنا بأنه صحيح و للشيعة أن يتجوا به علينا و يلزموننا با ألزمنا به أنفسنا و هذا‬
‫هو النصاف للقوم العاقلي ‪.‬‬
‫فها هو البخاري يرج من باب مناقب قرابة ر سول ال ‪ ،‬أن رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) قال ‪:‬‬
‫فاطمة بضعة من فمن أغضبها أغضبن ‪.‬‬
‫كما أخرج ف باب غزوة خيب ‪ ،‬عن عائشة أن فاطمة ( عليها السلم ) بنت النب أرسلت إل أب بكر‬
‫تسأله مياثها من رسول ال فأب أبو بكر أن يدفع إل فاطمة منه شيئا فوجدت ‪ 2‬فاطمة على أب بكر‬
‫ف ذلك فهجرته فلم تكلمه حت توفيت ‪. 3‬‬
‫و النتيجة ف النهاية هي واحدة ذكرها البخاري باختصار و ذكرها ابن قتيبة بشيء من التفصيل‬
‫‪ ،‬أل و هي أن رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) يغضب لغضب فاطمة و يرضى لرضاها و أن فاطمة ماتت و‬
‫هي غاضبة على أب بكر و عمر ‪.‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 1‬ص ‪ 130 ، 127‬و ج ‪ 2‬ص ‪. 205 ، 126‬‬ ‫‪1‬‬

‫وجدت ‪ :‬غضبت ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 3‬ص ‪. 39‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪114‬‬
‫و إذا كان البخاري قد قال ‪ :‬ماتت و هي واجدة على أب بكر فلم تكلمه حت توفيت فالعن‬
‫وا حد ك ما ل ي فى ‪ ،‬و إذا كا نت فاط مة سيدة ن ساء العال ي ك ما صرح بذلك البخاري ف كتاب‬
‫الستئذان باب من ناجى بي يدي الناس ‪ ،‬و إذا كانت فاطمة هي الرأة الوحيدة ف هذه المة ‪ ،‬الت‬
‫أذهب ال عنها الرجس و طهرها تطهيا ‪ ،‬فل يكون غضبها لغي الق و لذلك يغضب ال و رسوله‬
‫لغضبها ‪ ،‬و لذا قال أبو بكر ‪ :‬أنا عائذ بال تعال من سخطه و سخطك يا فاطمة ‪ ،‬ث انتحب أبو‬
‫بكر باكيا حت كادت نفسه أن تزهق ‪ ،‬و هي تقول ‪ :‬و ال لدعون ال عليك ف كل صلة أصليها ‪،‬‬
‫فخرج أبو بكر يبكي و يقول ‪ :‬ل حاجة ل ف بيعتكم ‪ ،‬أقيلون بيعت ‪. 1‬‬
‫غي أن كثيا من الؤرخي و من علمائنا ‪ ،‬يعترفون بأن فاطمة ( عليها السلم ) خاصمت أبا بكر ف‬
‫قضية النحلة و الرث و سهم ذي القرب فردت دعواها حت ماتت و هي غاضبة عليه ‪ ،‬إل أنم يرون‬
‫بذه الحداث مرور الكرام و ل يريدون التكلم فيها حفاظا على كرامة أب بكر كما هي عادتم ف‬
‫كل ما يسه من قريب أو بعيد ‪ ،‬و من أعجب ما قرأته ف هذا الوضوع قول بعضهم بعد ما ذكر‬
‫الادثة بشيء من التفصيل قال ‪ " :‬حاشى لفاطمة من أن تدعي ما ليس لا بق ‪ ،‬و حاشى لب بكر‬
‫من أن ينعها حقها " ‪.‬‬
‫و بذه السفسطة ظن هذا العال أنه حل الشكلة و أقنع الباحثي و كلمه هذا كقول القائل ‪" :‬‬
‫حاشى للقرآن الكري أن يقول غي الق ‪ ،‬و حاشى لبن إسرائيل أن يعبدوا العجل " ‪.‬‬
‫ل قد ابتلي نا بعلماء يقولون ما ل يفقهون و يؤمنون بالش يء و نقي ضه ف ن فس الو قت و الال‬
‫يؤكد أن فاطمة ادعت و أبا بكر رفض دعواها فإما أن تكون كاذبة و " العياذ بال " حاشاها ‪ ،‬أو أن‬
‫يكون أبو بكر ظالا لا و ليس هناك حل ثالث للقضية كما يريدها بعض علمائنا ‪.‬‬
‫و إذا امتنع بالدلة العقلية و النقل ية أن تكون سيدة النساء كاذبة لا ثبت عن أبيها رسول ال‬
‫قوله ‪ :‬فاط مة بض عة م ن من آذا ها ف قد آذا ن ‪ ،‬و من البدي هي أن الذي يكذب ل ي ستحق م ثل هذا‬
‫ال نص من ق بل الر سول ( صيلى ال علييه و آله ) ‪ ،‬فالد يث بذا ته دال على ع صمتها من الكذب و غيه من‬
‫الفواحش ‪ ،‬كما أن آية التطهي دالة هي الخرى على عصمتها و قد نزلت فيها و ف بعلها و ابنيها‬

‫تاريخ اللفاء العروف بالمامة و السياسة لبن قتيبة الدينوري ج ‪ 1‬ص ‪. 20‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪115‬‬
‫بشهادة عائشة نفسها ‪ ، 1‬فلم يبق إذن إل أن يعترف العقلء بأنا ظلمت فليس تكذيبها ف دعواها إل‬
‫أمرا ميسورا لن استباح حرقها إن ل يرج التخلفون ف بيتها لبيعتهم ‪. 2‬‬
‫و لكل هذا تراها ‪ -‬سلم ال عليها ‪ -‬ل تأذن لما ف الدخول عليها عندما استأذنا أبو بكر و‬
‫عمر ‪ ،‬و لا أدخلهما علي أدارت بوجهها إل الائط و ما رضيت أن تنظر إليهما ‪. 3‬‬
‫و قد توفيت و دفنت ف الليل سرا بوصية منها حت ل يضر جنازتا أحد منهم ‪ ، 4‬و بقى قب‬
‫ب نت الر سول مهول ح ت يوم الناس هذا و إن ن أت سأل لاذا ي سكت علماؤ نا عن هذه القائق و ل‬
‫يريدون الب حث في ها و ل ح ت ذكر ها ‪ ،‬و ي صورون ل نا صحابة ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) و كأن م‬
‫ملئكة ل يطئون و ل يذنبون ‪.‬‬
‫و إذا ما سألت أحد هم ك يف يق تل خلي فة ال سلمي سيدنا عثمان ذو النور ين ف سيجيبك بأن‬
‫الصريي ‪ -‬و هم كفرة ‪ -‬جاؤوا و قتلوه و ينهي الوضوع كله بملتي ‪.‬‬
‫و ل كن عند ما وجدت الفر صة للب حث و قراءة التار يخ وجدت أن قتلة عثمان بالدر جة الول‬
‫هم ال صحابة أنف سهم و ف مقدمت هم أم الؤمن ي عائ شة ال ت كا نت تنادى بقتله و إبا حة د مه على‬
‫رؤوس الشهاد فكانت تقول " اقتلوا نعثل فقد كفر " ‪. 5‬‬
‫كذلك ند طلحة و الزبي و ممد بن أب بكر و غيهم من مشاهي الصحابة و قد حاصروه و‬
‫منعوه من شرب الاء لي جبوه على ال ستقالة ‪ ،‬و يدث نا الؤرخون أن ال صحابة هم الذ ين منعوا د فن‬
‫جثته ف مقابر السلمي فدفن ف " حش كوكب " بدون غسل و ل كفن ‪ ،‬سبحان ال ‪ ،‬كيف يقال‬
‫لنا إنه قتل مظلوما و أن الذين قتلوه ليسوا مسلمي ‪ ،‬و هذه القضية هي الخرى كقضية فاطمة و أب‬
‫ب كر ‪ ،‬فإما أن يكون عثمان مظلوما و عند ذلك نكم على الصحابة الذين قتلوه أو شاركوا ف قتله‬
‫بأن م قتلة مرمون لن م قتلوا خلي فة ال سلمي ظل ما و عدوا نا و تتبعوا جناز ته ي صبونا بالجارة و‬

‫صحيح مسلم ج ‪ 7‬ص ‪ 121‬و ص ‪. 130‬‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ اللفاء ج ‪ 1‬ص ‪. 20‬‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ اللفاء ج ‪ 1‬ص ‪. 20‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 3‬ص ‪. 39‬‬ ‫‪4‬‬

‫تار يخ ال طبي ج ‪ 4‬ص ‪ 407‬تار يخ ا بن الث ي ج ‪ 3‬ص ‪ 206‬ل سان العرب ج ‪ 14‬ص ‪ 193‬تاج العروس ج ‪ 8‬ص ‪141‬‬ ‫‪5‬‬

‫العقد الفريد ج ‪ 4‬ص ‪. 290‬‬


‫‪116‬‬
‫أهانوه ح يا و مي تا أو أن هؤلء ال صحابة ا ستباحوا ق تل عثمان ل ا اقتر فه من أفعال تتنا ف مع ال سلم‬
‫كما جاء ذلك ف كتب التاريخ ‪ ،‬و ليس هناك احتمال وسط إل إذا كذبنا التاريخ و أخذنا بالتمويه "‬
‫بأن الصريي و هم كفرة هم الذين قتلوه " ‪.‬‬
‫و ف كل الحتمالي نفي قاطع لقولة عدالة الصحابة أجعي دون استثناء فأما أن يكون عثمان‬
‫غي عادل أو يكون قتلته غي عدول و كلهم من الصحابة و بذلك تبطل دعوانا ‪.‬‬
‫و تبقى دعوى شيعة أهل البيت القائلي بعدالة البعض منهم دون الخر ‪.‬‬
‫و نت ساءل عن حرب ال مل ال ت أشعلت نار ها أم الؤمن ي عائ شة إذ كا نت هي ال ت قادت ا‬
‫بنفسها ‪ ،‬فكيف ترج أم الؤمني عائشة من بيتها الت أمرها ال بالستقرار فيه بقوله تعال ‪ { :‬وَقَرْ نَ‬
‫فِي بُيُوتِ ُكنّ َولَا تَبَرّجْنَ تََب ّرجَ اْلجَاهِلِيّ ِة الْأُولَى ‪. 1 } ...‬‬
‫و ن سأل بأي حق ا ستباحت أم الؤمن ي قتال خلي فة ال سلمي علي بن أ ب طالب ‪ .‬و هو ول‬
‫كل مؤمن و مؤمنة ‪.‬‬
‫و كالعادة و ب كل ب ساطة ييب نا علماؤ نا بأن ا ل ت ب المام عل يا ل نه أشار على ر سول ال‬
‫بتطليق ها ف حاد ثة ال فك ‪ ،‬و ير يد هؤلء إقناع نا بأن هذه الاد ثة " إن صحت " و هي إشارة علي‬
‫على النب بتطليقها كاف ية بأن تعصي أمر ربا و تتك سترا ضربه عليها ر سول ال ‪ ،‬و تركب جل‬
‫ناها رسول ال أن تركبه و حذرها أن تنبحها كلب الوأب ‪ ، 2‬و تقطع السافات البعيدة من الدينة‬
‫إل مكة و منها إل البصرة ‪ ،‬و تستبيح قتل البرياء و ماربة أمي الؤمني و الصحابة الذين بايعوه ‪ ،‬و‬
‫تتسبب ف ق تل ألوف السلمي كما ذ كر ذلك الؤرخون ‪ 3‬كل ذلك لنا ل تب المام عليا الذي‬
‫أشار بتطليقها و مع ذلك ل يطلقها النب ‪ ،‬فلماذا كل هذه الكراهية و قد سجل الؤرخون لا مواقف‬
‫عدائية للمام علي ل يكن تفسيها ‪ ،‬فقد كانت راجعة من مكة عندما أعلموها ف الطريق بأن عثمانا‬
‫ق تل ففر حت فر حا شديدا و لكن ها عند ما عل مت بأن الناس بايعوا عل يا غض بت و قالت ‪ :‬وددت أن‬
‫ال سماء انطب قت على الرض ق بل أن يلي ها ا بن أ ب طالب و قالت ردو ن و بدأت تش عل نار الفت نة‬
‫للثورة على علي الذي ل تر يد ذ كر ا سه ك ما سجله الؤرخون علي ها ‪ ،‬أفلم ت سمع أم الؤمن ي قول‬

‫سورة الحزاب ( ‪ ، ) 33‬الية ‪. 33 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫المامة و السياسة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الطبي و ابن الثي و الدائن و غيهم من الؤرخي الذين أرخوا حوادث سنة ست و ثلثي للهجرة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪117‬‬
‫الر سول ( صلى ال عل يه و آله ) ‪ " :‬بأن حب على إيان و بغ ضه نفاق ‪ 1‬ح ت قال ب عض ال صحابة ‪ " :‬ك نا ل‬
‫نعرف النافقي إل ببغضهم لعلي " ‪.‬‬
‫أو ل تسمع أم الؤمني قول النب ‪ " :‬من كنت موله فعلي موله " ‪ ...‬إنا ل شك سعت كل‬
‫ذلك و لكنها ل تبه و ل تذكر اسه بل إنا لا سعت بوته سجدت شكرا ل ‪. 2‬‬
‫و دعن من كل هذا فأنا ل أريد البحث عن تاريخ أم الؤمني عائشة و لكن أريد الستدلل‬
‫على مالفة كثي من الصحابة لبادئ السلم و تلفهم عن أوامر رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪ ،‬و يكفين‬
‫من فت نة أم الؤمن ي دل يل وا حد أج ع عل يه الؤرخون ‪ ،‬قالوا ل ا جازت عائ شة ماء الوأب و نبحت ها‬
‫كلب ا تذكرت تذ ير زوج ها ر سول ال و ن يه إيا ها أن تكون هي صاحبة ال مل ‪ ،‬فب كت و قالت‬
‫ردون ‪ ،‬ردون ‪.‬‬
‫و لكن طلحة و الزبي جاءاها بمسي رجل جعل لم جَعْلً ‪ ،‬فأقسموا بال أن هذا ليس باء‬
‫الوأب فواصلت مسيها حت البصرة ‪ ،‬و يذكر الؤرخون أنا أول شهادة زور ف السلم ‪. 3‬‬
‫دلو نا أي ها ال سلمون يا أ صحاب العقول النية على حل لذا الشكال ‪ ،‬أهؤلء هم ال صحابة‬
‫الجلء الذين نكم نن بعدالتهم و نعلهم أفضل البشر بعد رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) ! فيشهدون‬
‫شهادة الزور الت عدها رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) من الكبائر الوبقة الت تقود إل النار ‪.‬‬
‫و السؤال نفسه يعود دائما و يتكرر أيهم على الق و أيهم على الباطل ‪ ،‬فإما أن يكون علي و‬
‫من م عه ظال ي و على غ ي ال ق ‪ ،‬و إ ما أن تكون عائ شة و من مع ها و طل حة و الزب ي و من مع هم‬
‫ظالي و على غي الق و ليس هناك احتمال ثالث ‪ ،‬و الباحث النصف ل أراه إل مائل لحقية علي‬
‫الذي يدور الق معه حيث دار ‪ ،‬نابذا فتنة " أم الؤمني عائشة " و أتباعها الذين أوقدوا نارها و ما‬
‫أطفأوها حت أكلت الخضر و اليابس و بقيت آثارها إل اليوم ‪.‬‬
‫و لز يد الب حث و ليطمئن قل ب أقول أخرج البخاري ف صحيحه من كتاب الف ت باب الفت نة‬
‫الت توج كموج البحر ‪ ،‬قال ‪ :‬لا سار طلحة و الزبي و عائشة إل البصرة بعث علي عمار بن ياسر‬
‫و ال سن بن علي فقد ما علي نا الكو فة ف صعدا ال نب فكان ال سن بن علي فوق ال نب ف أعله و قام‬

‫صحيح مسلم ج ‪ 1‬ص ‪. 48‬‬ ‫‪1‬‬

‫الطبي و ابن الثي و الفتنة الكبى و كل الؤرخي الذي أرخوا حوادث سنة أربعي للهجرة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الطبي و ابن الثي و الدائن و غيهم من الؤرخي الذين أرخوا لسنة ست و ثلثي للهجرة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪118‬‬
‫عمار أسفل من السن فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول ‪ :‬إن عائشة قد سارت إل البصرة و وال‬
‫إنا لزوجة نبيكم ف الدنيا و الخرة ‪ ،‬و لكن ال تبارك و تعال ابتلكم ليعلم إياه تطيعون أم هي ‪. 1‬‬
‫ك ما أخرج البخاري أي ضا ف كتاب الشروط باب ما جاء ف بيوت أزواج ال نب ‪ ،‬قال ‪ :‬قام‬
‫النب ( صلى ال عليه و آله ) خطيبا فأشار نو مسكن عائشة فقال هاهنا الفتنة ‪ ،‬هاهنا الفتنة ‪ ،‬هاهنا الفتنة من‬
‫حيث يطلع قرن الشيطان ‪. 2‬‬
‫كما أخرج البخاري ف صحيحه عنها أشياء عجيبة و غريبة ف سوء أدبا مع النب حت ضربا‬
‫أبوها فأسال دمها و ف تظاهرها على النب حت هددها ال بالطلق و أن يبدله ربه خيا منها و هذه‬
‫قصص أخرى يطول شرحها ‪.‬‬
‫و ب عد كل هذا أت سأل ك يف ا ستحقت عائ شة كل هذا التقد ير و الحترام من أ هل ال سنة و‬
‫‪3‬‬
‫الماعة ‪ ،‬أ لنا زوج النب ‪ ،‬فزوجاته كثيات و فيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النب نفسه‬
‫‪.‬‬
‫أم لنا ابنة أب بكر ! أم لنا هي الت لعبت الدور الكبي ف إنكار وصية النب لعلي حت قالت‬
‫عند ما ذكروا عند ها أن ال نب أو صى لعلي ‪ :‬قالت من قاله ؟ ل قد رأ يت ال نب ( صيلى ال علييه و آله ) و إ ن‬
‫لسندته إل صدري فدعا بالطست فانن فمات فما شعرت فكيف أوصى إل علي ‪. 4‬‬
‫أم لنا حاربته حربا ل هوادة فيها و أولده من بعده حت اعترضت جنازة السن سيد شباب‬
‫أ هل النة و منعت أن يدفن با نب جده ر سول ال قائلة ‪ :‬ل تدخلوا بيت من ل أ حب و نسيت أو‬
‫تاهلت قول الرسول فيه و ف أخيه ‪ " :‬السن و السي سيدا شباب أهل النة " ‪ ،‬أو قوله ‪ " :‬أحب‬
‫ال من أحبهما و أبغض ال من أبغضهما " ‪ ،‬أو قوله ‪ " :‬أنا حرب لن حاربكم و سلم لن سالكم‬
‫" ‪ ،‬و غي ذلك كثي لست ف معرض الكلم عنه ‪ ...‬كيف ل و ها ريانتاه من هذه المة ‪.‬‬
‫و ل غرا بة ف قد سعت ف حق علي أضعاف ذلك و لكن ها و ر غم تذ ير ال نب ( صلى ال عل يه و آله )‬

‫لا ‪ ،‬أبت إل ماربته و تأليب الناس عليه و إنكار فضله و فضائله ‪ .‬و من أجل ذلك أحبها المويون و‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 4‬ص ‪. 161‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري ص ‪. 128‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح الترمذي ‪ ،‬الستيعاب ترجة صفية ‪ ،‬الصابة ترجة صفية أم الؤمني ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 3‬ص ‪ 68‬باب مرض النب و وفاته ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪119‬‬
‫أنزلو ها تلك النلة العظي مة ال ت تق صر عن ها النازل و رووا ف فضل ها ما مل الطام ي و سارت به‬
‫الركبان حت جعلوها الرجع الكب للمة السلمية لن عندها وحدها نصف الدين ‪.‬‬
‫و لعل نصف الدين الثان خصوا به أبا هريرة الذي روى لم ما يشتهون فقربوه و ولوه إمارة‬
‫الدينة و بنوا له قصر العقيق بعد ما كان معدما ‪ ،‬و لقبوه براوية السلم ‪.‬‬
‫و بذلك سهل على ب ن أم ية أن يكون ل م د ين كا مل جد يد ل يس ف يه من كتاب ال و سنة‬
‫رسوله إل ما تواه أنفسهم و يتقوى به ملكهم و سلطانم و خليق بذا الدين أن يكون لعبا و هزوا‬
‫مليئا بالتناقضات و الرافات ‪ ،‬و بذلك طم ست القائق و حلت مل ها الظلمات ‪ ،‬و قد حلوا الناس‬
‫عليها و أغروهم با حت أصبح دين ال عندهم مهزلة من الهازل ل يقيمون له وزنا و ل يافون من‬
‫ال كخوفهم من معاوية ‪.‬‬
‫و عند ما نسأل ب عض علمائ نا عن حرب معاو ية لعلي و قد باي عه الهاجرون و النصار ‪ ،‬تلك‬
‫الرب الطاحنة الت سببت انقسام السلمي إل سنة و شيعة و انصدع السلم و ل يلتئم حت اليوم ‪،‬‬
‫فإنم ييبون كالعادة و بكل سهولة قائلي ‪ :‬إن عليا و معاوية صحابيان جليلن اجتهدا فعلي اجتهد و‬
‫أصاب فله أجران أما معاوية فاجتهد و أخطأ و له أجر واحد ‪.‬‬
‫و ليس من حقنا نن أن نكم لم أو عليهم و قد قال ال تعال ‪ { :‬تِ ْل كَ أُمّ ٌة َقدْ خَلَ تْ لَهَا مَا‬
‫كَسََبتْ َولَكُم مّا َكسَبْتُمْ َولَ ُتسَْألُونَ َعمّا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ } ‪.‬‬
‫هكذا ‪ -‬و للسف ‪ -‬تكون إجاباتنا و هي كما ترى سفسطة ل يقول با عقل و ل دين و ل‬
‫َاتي‬
‫ِني َهمَز ِ‬ ‫ِكي م ْ‬‫يقير باي شرع ‪ ،‬اللهيم إني أبرأ إلييك مين خطيل الراء و زلل الهواء و { أَعُوذُ ب َ‬
‫حضُرُونِ } ‪.‬‬ ‫ك رَبّ أَن َي ْ‬ ‫الشّيَاطِيِ وَأَعُوذُ ِب َ‬
‫كيف يكم العقل السليم باجتهاد معاوية و يعطيه أجرا على حربه إمام السلمي و قتله الؤمني‬
‫البرياء و ارتكابيه الرائم و الثام التي ل يصيي عددهيا إل ال و قيد اشتهير عنيد الؤرخيي بقتله‬
‫معارضيه و تصفيتهم بطريقته الشهورة و هو إطعامهم عسل مسموما و كان يقول ‪ " :‬إن ل جنودا‬
‫من عسل " ‪.‬‬
‫كيف يكم هؤلء باجتهاده و يعطونه أجرا و قد كان إمام الفئة الباغية ؟ ففي الديث الشهور‬
‫الذي أخر جه كل الحدث ي من ال سنة و الشي عة و سواهم ‪ " :‬و يح عمار تقتله الفئة الباغ ية " و ل‬

‫‪120‬‬
‫يتلف اثنان من السلمي على أن الذي قتل عمارا و أصحابه هو معاوية ! كيف يكمون باجتهاده و‬
‫قد قتل حجر بن عدي و أصحابه صبا و دفنهم ف مرج عذراء ببادية الشام لنم امتنعوا عن سب‬
‫علي بن أب طالب ‪.‬‬
‫كيف يريدونه صحابيا عادل و قد دس السم للحسن بن علي سيد شباب أهل النة و قتله ‪.‬‬
‫كيف ينهونه و قد أخذ البيعة من المة بالقوة و القهر لنفسه أول ث لبنه الفاسق يزيد من‬
‫بعده و بدل نظام الشورى باللكية القيصرية ‪. 1‬‬
‫ك يف يكمون باجتهاده و يعطو نه أجرا و قد ح ل الناس على ل عن علي و أ هل الب يت ذر ية‬
‫ال صطفى من فوق النابر ‪ ،‬و ق تل ال صحابة الذ ين امتنعوا عن ذلك و أصبحت سنة متب عة يهرم عليها‬
‫الكبي و يشيب عليها الصغي فل حول و ل قوة إل بال العلي العظيم ‪.‬‬
‫و السؤال يعود دائما و يتكرر و يلح ‪ :‬ترى أي الفريقي على الق و أيهما على الباطل ؟ فإما‬
‫أن يكون علي و شيعته ظالي و على غي الق ‪.‬‬
‫و إما أن يكون معاوية و أتباعه ظالي و على غي الق ‪ ،‬و قد أوضح رسول ال ( صلى ال عليه و آله )‬

‫كل شيء ‪.‬‬


‫و ف كل الالي فإن عدالة الصحابة كلهم من غي استثناء أمر مستحيل ‪ ،‬ل ينسجم مع النطق‬
‫السليم ‪.‬‬
‫و ل كل هذه الواض يع أمثلة كثية ل ي صي عدد ها إل ال و لو أردت الدخول ف التف صيل و‬
‫بث هذه الواضيع من كل جوانبها لحتجت إل ملدات كثية و لكنن رمت الختصار و أخذت ف‬
‫هذا الب حث ب عض المثلة و هي ب مد ال كاف ية لبطال مزا عم قو مي الذ ين جدوا فكري رد حا من‬
‫الزمن و حجروا علي أن أفقه الديث أو أحلل الحداث التاريية بيزان العقل و القاييس الشرعية الت‬
‫علمنا إياها القرآن الكري و السنة النبوية الشريفة ‪.‬‬
‫و لذلك سوف أترد على نفسي و أنفض عن غبار التعصب الذي غلفون به و أترر من القيود‬
‫و الغلل الت كبلون با أكثر من عشرين عاما و لسان حال يقول لم ‪ :‬يا ليت قومي يعلمون با‬
‫غفر ل رب و جعلن من الكرمي ‪.‬‬

‫راجع ‪ :‬اللفة و اللك للمودودي ‪ .‬و يوم السلم لحد المي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪121‬‬
‫يا ليت قومي اكتشفوا العال الذي يهلونه و يعادونه دون أن يعرفوه ‪.‬‬
‫***‬

‫‪122‬‬
‫بداية التحول‬
‫بقيت متحيا ثلثة أشهر مضطربا حت ف نومي تتجاذبن الفكار و توج ب الظنون و الوهام‬
‫خائفا على نفسي من بعض الصحابة الذين أحقق ف تاريهم فأقف على بعض الفارقات الذهلة ف‬
‫سلوكهم ‪ ،‬لن الترب ية ال ت تلقيت ها طيلة حيا ت تدعو ن إل احترام أولياء ال و ال صالي من عباده و‬
‫تقديسهم ‪ ،‬الذين ( يؤذون ) من يقول فيهم سوءا أو يسيء إليهم الدب حت ف غيابم و إن كانوا‬
‫موتى ‪.‬‬
‫و لقد قرأت ف ما سبق ف كتاب حياة اليوان الكبى للدميي ‪ : 1‬أن رجل كان يشتم عمر‬
‫بن الطاب و كان أصحابه ف القافلة ينهونه فلما ذهب يتبول لدغه أسود سال فمات لينه و حفروا‬
‫له لدفنه فوجدوا ف القب أسود سالا ث حفروا قبورا أخرى و ف كل مرة يدون أسود سالا ‪ ،‬فقال‬
‫ل م أ حد العارف ي ادفنوه أ ن شئ تم فلو حفر ت الرض كل ها لوجد ت أ سود سالا ذلك ليعذ به ال ف‬
‫الدنيا قبل الخرة على شتمه سيدنا عمر ‪.‬‬
‫و لذلك وجدتن و أنا أقحم نفسي ف هذا البحث العسي خائفا متارا و خصوصا لنن تعلمت‬
‫ف الفرع الزيتون بأن أفضل اللفاء على التحقيق سيدنا أبو بكر الصديق ث يأت بعده سيدنا عمر بن‬
‫الطاب الفاروق الذي يفرق ال به ب ي ال ق و البا طل ‪ ،‬ث بعده سيدنا عثمان بن عفان ذو النور ين‬
‫الذي استحت منه ملئكة الرحن ‪ ،‬ث بعده سيدنا علي باب مدينة العلم ‪ ،‬ث يأت بعد هؤلء الربعة‬
‫الستة الباقون من العشرة البشرين بالنة و هم ‪ ،‬طلحة و الزبي و سعد و سعيد ‪ ،‬و عبد الرحن ‪ ،‬و‬
‫أبو عبيدة ‪ ،‬ث يأ ت بعد هؤلء ال صحابة جي عا ‪ ،‬و كثيا ما كانوا يعلمون نا ال ستدلل بال ية الكري ة‬
‫( ل نفرق بي أحد من رسله ) على وجوب النظر إل بقية الصحابة بالنظار نفسه دون خدش أي‬
‫واحد منهم ‪.‬‬
‫و على هذا خشيت على نفسي و استغفرت رب مرات عديدة أردت فيها النقطاع عن البحث‬
‫ف مثل هذه المور الت تشككن ف صحابة رسول ال و بالتال تشككن ف دين و لكن وجدت من‬
‫خلل الديث مع بعض العلماء طيلة تلك الدة تناقضات ل يقبلها العقل و بدأوا يذرونن من أنن إن‬
‫واصلت البحث ف أحوال الصحابة فسوف يسلب ال نعمته عن و يهلكن ‪ ،‬و من كثرة معاندتم و‬
‫كتاب حياة اليوان الكبى للدميي ‪ .‬هذه القصة توجد ف حديثه عن السود السال ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪123‬‬
‫تكذيب هم كل ما أقول دفع ن فضول العل مي و حر صي على بلوغ القي قة إل أن أق حم نف سي من‬
‫جديد ف البحث و وجدت قوة داخلية تدفعن دفعا ‪.‬‬
‫***‬

‫‪124‬‬
‫ماورة مع عال‬
‫قلت ل حد علمائ نا ‪ :‬إذا كان معاو ية ق تل البرياء و ه تك العراض و تكمون بأ نه اجت هد و‬
‫أخطأ و له أجر واحد ‪.‬‬
‫و إذا كان يزيد قتل أبناء الرسول و أباح الدينة ليشه و تكمون بأنه اجتهد و أخطأ و له أجر‬
‫واحد حت قال بعضكم ‪ " :‬قتل السي بسيف جده " لتبير فعل يزيد ‪.‬‬
‫فلماذا ل أجتهد أنا ف البحث و هو ما يرن للشك ف الصحابة و تعرية البعض منهم و هذا ل‬
‫يقاس بالن سبة للق تل الذي فعله معاو ية و اب نه يز يد ف العترة الطاهرة ‪ ،‬فإن أ صبت فلي أجران و إن‬
‫أخطأت فلي أجر " واحد " ‪ ،‬على أن انتقاصي لبعض الصحابة ل أريد منه السب و الشتم و اللعن ‪،‬‬
‫و إنا أريد الوصول إل القيقة لعرفة الفرقة الناجية من بي الفرق الضالة ‪.‬‬
‫و هذا واجب و واجب كل مسلم ‪ ،‬و ال سبحانه يعلم السرائر و ما تفى الصدور ‪.‬‬
‫أجابن العال قائل ‪:‬‬
‫‪ -‬يا بن لقد أغلق باب الجتهاد من زمان ‪.‬‬
‫‪ -‬فقلت و من أغلقه ؟ ‪.‬‬
‫‪ -‬قال الئمة الربعة ‪.‬‬
‫‪ -‬فقلت متحررا ‪ :‬ال مد ل إذ ل ي كن ال هو الذي أغل قه و ل ر سول ال و ل اللفاء‬
‫الراشدون الذين " أمرنا بالقتداء بم " فليس علي حرج إذا اجتهدت كما اجتهدوا ‪.‬‬
‫‪ -‬فقال ‪ :‬ل يكنك الجتهاد إل إذا عرفت سبعة عشر علما ‪ ،‬منها علم التفسي و اللغة و‬
‫النحو و الصرف و البلغة و الحاديث و التاريخ و غي ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬و قاطعته قائل ‪ :‬أنا لن اجتهد لبي للناس أحكام القرآن و السنة أو لكون صاحب مذهب‬
‫ف ال سلم ‪ ،‬كل ‪ ،‬و ل كن لعرف من على ال ق و من على البا طل ‪ ،‬و لعر فة إن كان المام علي‬
‫على الق ‪ ،‬أو معاوية مثل و ل يتطلب ذلك الحاطة بسبعة عشر علما ‪ ،‬و يكفي أن أدرس حياة كل‬
‫منهما و ما فعله حت أتبي القيقة ‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬و ما يهمك أن تعرف ذلك ( تلك أمة قد خلت لا ما كسبت و لكم ما كسبتم و ل‬
‫تسألون عما كانوا يعملون ) ‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫قلت ‪ :‬أتقرأ " و ل تسألون " بفتح التاء أم بضمها ؟ ‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬تُسألون بالضم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬المد ل لو كانت بالفتح لمتنع البحث ‪ ،‬و ما دامت بالضم فمعناها أن ال سبحانه‬
‫سيوف لن ياسيبنا عميا فعلوا و ذلك كقوله تعال ‪ ( :‬كيل نفيس باي كسيبت رهينية ) و ( أن لييس‬
‫للنسان إل ما سعى ) ‪.‬‬
‫و قد حثنا القرآن الكري على استطلع أخبار المم السابقة و لنستخلص منها العبة ‪ ،‬و قد‬
‫حكى ال لنا عن فرعون و هامان و نرود و قارون و عن النبياء السابقي و شعوبم ‪ ،‬ل للتسلية و‬
‫لكن ليعرفنا الق من الباطل ‪.‬‬
‫أما قولك " و ما يهمن من هذا البحث " ؟ ‪.‬‬
‫فأجيب عليه بقول ‪ :‬يهمن ‪:‬‬
‫* أولً‬
‫‪ :‬لكي أعرف ول ال فأواليه و أعرف عدو ال فأعاديه و هذا ما طلبه من القرآن بل أوجبه‬
‫علي ‪. .‬‬
‫* ثانيا‬
‫‪ :‬يهمن أن أعرف كيف أعبد ال و أتقرب إليه بالفرائض الت افترضها و كما يريدها هو جل‬
‫و عل ل كما يريدها مالك أو أبو حنيفة أو غيهم من الجتهدين لن وجدت مال كا يقول بكراهة‬
‫البسملة ف الصلة بينما يقول أبو حنيفة بوجوبا ‪ ،‬و يقول غيه ببطلن الصلة بدونا و با أن الصلة‬
‫هي عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها و إن ردت رد ما سواها ‪ ،‬فل أريد أن تكون صلت باطلة ‪،‬‬
‫ك ما أن الشي عة يقولون ب سح الرجل ي ف الوضوء و يقول ال سنة بغ سلهما بين ما نقرأ ف القرآن ( و‬
‫امسحوا برؤوسكم و أرجلكم ) و هي صرية ف السح ‪ ،‬فكيف تريد يا سيدي أن يقبل السلم العاقل‬
‫قول هذا و يرد قول ذاك بدون بث و دليل ‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬بإمكانك أن تأخذ من كل مذهب ما يعج بك لنا مذا هب إ سلمية و كلهم من‬
‫رسول ال ملتمس ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫خذَ ِإَلهَ هُ َهوَا هُ وََأضَلّ هُ اللّ هُ عَلَى‬
‫‪ -‬قلت ‪ :‬أخاف أن أكون من قال ال فيهم ‪َ { :‬أفَرَأَيْ تَ مَ نِ اّت َ‬
‫عِلْ مٍ وَخَتَ مَ عَلَى َسمْعِهِ َوقَلْبِ هِ وَجَعَلَ عَلَى بَ صَ ِرهِ ِغشَاوَ ًة َفمَن َيهْدِي هِ مِن بَ ْعدِ اللّ هِ َأفَلَا َت َذكّرُو نَ } ‪ . 1‬يا‬
‫سيدي أنا ل أعتقد بأن الذاهب كلها على حق مادام الواحد منهم يبيح الشيء و يرمه الخر ‪ ،‬فل‬
‫يكن أن يكون الشيء حراما و حلل ف آن واحد و الرسول ( صلى ال عل يه و آله ) ل يتناقض ف أحكامه‬
‫ل نه " و حي من القرآن " { َوَلوْ كَا نَ مِ نْ عِندِ غَيْرِ اللّ هِ لَوَ َجدُواْ فِي هِ اخِْتلَفًا كَثِيًا } ‪ ، 2‬و ب ا أن‬
‫الذاهب الربعة فيها اختلف كثي فليست من عند ال و ل من عند رسوله لن الرسول ل يناقض‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫و لا رأى الشيخ العال كلمي منطقيا و حجت مقبولة ‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬أنصحك لوجه ال تعال مهما شككت فل تشك ف اللفاء الراشدين فهم أعمدة‬
‫السلم الربعة إذا هدمت عمودا منها سقط البناء ‪. .‬‬
‫‪ -‬قلت ‪ :‬استغفر ال يا سيدي فأين رسول ال إذن إذا كان هؤلء هم أعمدة السلم ؟ ‪.‬‬
‫أجاب ‪ :‬رسول ال هو ذاك البناء ! هو السلم كله ‪.‬‬
‫ابت سمت من هذا التحل يل و قلت ‪ :‬ا ستغفر ال مرة أخرى يا سيدي الش يخ فأ نت تقول من‬
‫حيث ل تشعر بأن رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ل يكن ليستقيم إل بؤلء الربعة بينما يقول ال تعال ‪:‬‬
‫{ ُه َو الّذِي َأرْسَ َل رَسُولَهُ بِاْل ُهدَى وَدِي ِن اْلحَقّ لِيُ ْظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ َوكَفَى بِاللّهِ َشهِيدًا } ‪. 3‬‬
‫فقد أرسل ممدا بالرسالة و ل يشركه فيها أحدا من هؤلء الربعة و ل من غيهم و قد قال‬
‫ال تعال ف هذا ال صدد ‪ { :‬كَمَا َأرْ سَلْنَا فِيكُ مْ رَ سُولً مّنكُ مْ يَْتلُو عَلَيْكُ مْ آيَاتِنَا وَيُ َزكّيكُ مْ وَيُعَّلمُكُ مُ‬
‫الْكِتَابَ وَاْلحِكْمَةَ وَيُعَّلمُكُم مّا َلمْ تَكُونُواْ تَعَْلمُونَ } ‪. 4‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬هذا ما تعلمناه نن من مشاينا و أئمتنا ‪ ،‬و ل نكن نن ف جيلنا نناقش و ل نادل‬
‫العلماء مثلكم اليوم ال يل الد يد أصبحتم تشكون ف كل شيء و تشككون ف الدين ‪ ،‬و هذه من‬
‫علمات الساعة فقد قال ( صلى ال عليه و آله ) ‪ " :‬لن تقوم الساعة إل على شرار اللق " ‪.‬‬

‫سورة الاثية ( ‪ ، ) 45‬الية ‪. 23 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النساء ( ‪ ، ) 4‬الية ‪. 82 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الفتح ( ‪ ، ) 48‬الية ‪. 28 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة البقرة ( ‪ ، ) 2‬الية ‪. 151 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪127‬‬
‫‪ -‬فقلت ‪ :‬يا سيدي لاذا هذا التهويل أعوذ بال أن أشك ف الدين أو أشكك فيه ‪ ،‬فقد آمنت‬
‫بال وحده ل شريك له و ملئكته و كتبه و رسله ‪ ،‬و آمنت بأن سيدنا ممدا عبده و رسوله و هو‬
‫أفضل النبياء و الرسلي و خاتهم و أنا من السلمي ‪ ،‬فكيف تتهمن بذا ؟ ‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬أتمك بأكثر من هذا لنك تشكك ف سيدنا أب بكر و سيدنا عمر و قد قال ( صلى ال‬

‫عليه و آله ) ‪ " :‬لو وزن إيان أمت بإيان أب بكر لرجح إيان أب بكر " ‪.‬‬
‫و قال ف حق سيدنا ع مر ‪ " :‬عر ضت عل يّ أم ت و هي ترتدي قم صا ل تبلغ الثدي و عرض‬
‫عليّ عمر و هو ير قميصه ‪ ،‬قالوا ما أوّلته يا رسول ال قال ‪ :‬الدين " ‪.‬‬
‫و تأت أنت اليوم ف القرن الرابع عشر لتشكك ف عدالة الصحابة و بالصوص أب بكر و عمر‬
‫‪.‬‬
‫أل تعلم بأن أهل العراق هم أهل الشقاق ‪ ،‬هم أهل الكفر و النفاق ! ! ‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا أقول لذا العال الدعي العلم الذي أخذته العزة بالث ‪ ،‬فتحول من الدال بالت هي‬
‫أح سن إل التهر يج و الفتراء و بث الشاعات أمام ممو عة من الناس الع جبي به و الذ ين احرت‬
‫أعينهم و انتفخت أوداجهم و لحظت ف وجوههم الشر ‪.‬‬
‫فما كان من إل أن أسرعت إل البيت و أتيتهم بكتاب الوطأ للمام مالك و صحيح البخاري‬
‫و قلت يا سيدي ‪ :‬إن الذي بعثن على هذا الشك هو رسول ال نفسه و فتحت كتاب الوطأ و فيه‬
‫روى مالك أن رسيول ال ( صيلى ال علييه و آله ) قال لشهداء أحيد ‪ :‬هؤلء أشهيد عليهيم ‪ ،‬فقال أبيو بكير‬
‫الصديق ‪ ،‬ألسنا يا رسول ال إخوانم أسلمنا كما أسلموا ‪ ،‬و جاهدنا كما جاهدوا ‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫( صيلى ال علييه و آله ) ‪ :‬بلى و ل كن ل أدري ما تدثون بعدي ! فب كى أ بو ب كر ث ب كى ث قال ‪ " :‬إن نا‬
‫لكائنون بعدك " ‪. 1‬‬
‫ث فت حت صحيح البخاري و ف يه د خل ع مر بن الطاب على حف صة و عند ها أ ساء ب نت‬
‫عميس فقال ‪ -‬حي رآها ‪ -‬من هذه ؟ قالت ‪ :‬أساء بنت عميس ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬البشية هذه ‪ ،‬البحرية‬
‫هذه ‪.‬‬
‫قالت أساء نعم ‪ ،‬قال سبقناكم بالجرة فنحن أحق برسول ال منكم ‪.‬‬

‫موطأ المام مالك ج ‪ 1‬ص ‪ . 307‬الغازي للواقدي ص ‪. 310‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪128‬‬
‫فغضبت و قالت كل وال ‪ ،‬كنتم مع رسول ال يطعم جائعكم و يعظ جاهلكم و كنا ف دار‬
‫أو ف أرض البعداء البغضاء بالب شة و ذلك ف ال و ف ر سوله و أ ي ال ل أط عم طعا ما و ل أشرب‬
‫شرابا حت أذكر رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) و نن كنا نؤذى و ناف و سأذكر ذلك للنب أسأله و ال‬
‫ل أكذب و ل أزيغ و ل أزيد عليه ‪ ،‬فلما جاء النب ( صلى ال عليه و آله ) قالت يا نب ال ‪ ،‬عمر قال كذا و‬
‫كذا قال فما قلت له قالت كذا و كذا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل يس بأ حق ب من كم و له و ل صحابه هجرة واحدة و ل كم أن تم أ هل ال سفينة هجرتان‬
‫قالت فلقد رأيت أبا موسى و أصحاب السفينة يأتونن أرسال يسألونن عن هذا الديث ما من الدنيا‬
‫شيء هم به أفرح و ل أعظم ما ف أنفسهم ما قال لم النب ( صلى ال عليه و آله ) ‪. 1‬‬
‫و بعيد ميا قرأ الشييخ العال و الاضرون معيه الحادييث تغيت وجوههيم و بدأوا ينظرون‬
‫بعضهم إل بعض ينتظرون رد العال الذي صُدم فما كان منه إل أن رفع حاجبيه علمة التعجب و قال‬
‫‪ ( :‬و قل رب زدن علما ) ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬إذا كان رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) هو أول من شك ف أب بكر و ل يشهد عليه لنه ل‬
‫يدري ماذا سوف يدث من بعده ‪ ،‬و إذا كان ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) ل ي قر بتفض يل ع مر بن‬
‫الطاب على أساء بنت عميس بل فضلها عليه ‪ ،‬فمن حقي أن أشك و أن ل أفضل أحدا حت أتبي‬
‫و أعرف القيقة و من العلوم أن هذين الديثي يناقضان كل الحاديث الواردة ف فضل أب بكر و‬
‫عمر و يبطلنا ‪ ،‬لنما أقرب إل الواقع العقول من أحاديث الفضائل الزعومة ‪ ،‬قال الاضرون ! و‬
‫كيف ذلك ؟ ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إن رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) ل يشهد على أب بكر و قال له إنن ل أدري ماذا تدثون‬
‫بعدي ! فهذا معقول جدا و قد قرر ذلك القرآن الكري و التاريخ يشهد أنم بدلوا بعده و لذلك بكى‬
‫أ بو ب كر و قد بدل و أغ ضب فاط مة الزهراء ب نت الر سول ‪ -‬ك ما سبق ‪ -‬و قد بدل ح ت ندم ق بل‬
‫وفاته و تن أن ل يكون بشرا ‪.‬‬
‫أما الديث الذي يقول ‪ " :‬لو وزن إيان أمت بإيان أب بكر لرجح إيان أب بكر " فهو باطل‬
‫و غ ي معقول ‪ ،‬و ل ي كن أن يكون ر جل ق ضى أربع ي سنة من عمره يشرك بال و يع بد ال صنام‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 3‬ص ‪ 387‬باب غزوة خيب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪129‬‬
‫أرجيح إيانيا مين أمية مميد بأسيرها ‪ ،‬و فيهيا أولياء ال الصيالي و الشهداء و الئمية الذيين قضوا‬
‫أعمارهم كلها جهادا ف سبيل ال ‪ ،‬ث أين أبو بكر من هذا الديث ؟ لو كان صحيحا لا كان ف‬
‫آخر حياته يتمن أن ل يكون بشرا ‪.‬‬
‫و لو كان إيانه يفوق إيان المة ما كانت سيدة النساء ‪ ،‬فاطمة بنت الرسول ( صلى ال عليه و آله ) ‪،‬‬
‫تغضب عليه و تدعو ال عليه ف كل صلة تصليها ‪.‬‬
‫و ل يرد العال بشييء ‪ ،‬و لكين بعيض الجالسيي قالوا ‪ :‬لقيد بعيث ‪ -‬و ال ‪ -‬هذا الدييث‬
‫الشك فينا ‪ ،‬عند ذلك تكلم العال ليقول ل ‪ :‬أ هذا ما تريده ؟ لقد شككت هؤلء ف دينهم و كفان‬
‫أحد هم الرد عل يه إذ قال ‪ :‬كل ‪ ،‬إن ال ق م عه ‪ ،‬ن ن ل نقرأ ف حيات نا كتا با كامل ‪ ،‬و اتبعنا كم و‬
‫اقتدينا بكم ف ثقة عمياء بدون نقاش ‪ ،‬و قد تبي لنا الن أن ما يقوله الاج صحيح ‪ ،‬فمن واجبنا أن‬
‫نقرأ و نب حث ! ! و واف قه على رأ يه ب عض الاضر ين ‪ ،‬و كان ذلك انت صارا لل حق و القي قة ‪ ،‬و ل‬
‫يكن انتصارا بالقوة و القهر و لكنه انتصار العقل و الجة و البهان ( و قل هاتوا برهانكم إن كنتم‬
‫صادقي ) ‪.‬‬
‫ذلك ما دفعن و شجعن على الدخول ف البحث و فتح الباب على مصراعيه فدخلته باسم ال‬
‫و بال و على ملّة رسول ال ‪ ،‬راجيا منه سبحانه و تعال التوفيق و الداية فهو الذي وعد بداية كل‬
‫باحث عن الق و هو ل يلف وعده ‪.‬‬
‫قرأت كتاب الراجعات للمام شرف الدين و راجعته عدة مرات و قد فتح أمامي آفاقا سببت‬
‫هدايت و شرحت صدري لب أهل البيت و مودتم ‪.‬‬
‫و قرأت كتاب الغدير للشيخ المين و أعدته ثلث مرات لا فيه من حقائق دامغة واضحة جلية‬
‫و قرأت كتاب فدك ف التاريخ للسيد ممد باقر الصدر و كتاب السقيفة للشيخ ممد رضا الظفر و‬
‫فهمت منه ما أسرارا غامضة اتض حت ‪ ،‬كما قرأت كتاب ال نص و الجتهاد فازددت يقي نا ث قرأت‬
‫كتاب أ ب هريرة لشرف الد ين و ش يخ الضية للش يخ ممود أ بو ريّ ة ال صري و عر فت أن ال صحابة‬
‫الذين غيوا بعد رسول ال قسمان ‪ ،‬قسم غي الحكام با له من السلطة و القوة الاكمة ‪ ،‬و قسم‬
‫غي الحكام بوضع الحاديث الكذوبة على رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ثي قرأت كتاب المام الصيادق و الذاهيب الربعية لسيد حيدر و عرفيت الفرق بيي العلم‬
‫الوهوب و العلم الكسوب عرفت الفرق بي حكمة ال الت يؤتيها من يشاء و بي التطفل على العلم‬
‫و الجتهاد بالرأي الذي أبعد المة عن روح السلم ‪.‬‬
‫و قرأت كتبا أخرى عديدة للسيد جعفر مرتضى العاملي و السيد مرتضى العسكري و السيد‬
‫الوئي و السيد الطباطبائي و الشيخ ممد أمي زين الدين و للفيوز آبادي و لبن أب الديد العتزل‬
‫ف شرحه لنهج البلغة و الفتنة الكبى لطه حسي ‪ ،‬و من كتب التاريخ قرأت تاريخ الطبي و تاريخ‬
‫ابن الثي و تاريخ السعودي و تاريخ اليعقوب ‪ ،‬و قرأت الكثي حت اقتنعت بأن الشيعة المامية على‬
‫حق فتشيعت و ركبت على بركة ال سفينة أهل البيت و تسكت ببل ولئهم لن وجدت بمد ال‬
‫البد يل عن ب عض ال صحابة الذ ين ث بت عندي أن م ارتدوا على أعقاب م القهقرى و ل ي نج من هم إل‬
‫القليل و أبدلتهم بأئمة أهل البيت النبوي الذين أذهب ال عنهم الرجس و طهرهم تطهيا و افترض‬
‫مودتم على الناس أجعي ‪.‬‬
‫فالشي عة لي سوا ك ما يد عي ب عض علمائ نا ‪ ،‬هم الفرس و الجوس الذ ين ح طم سيدنا ع مر‬
‫كبياءهم و مدهم و عظمتهم ف حرب القادسية و لذلك يبغضونه و يكرهونه ! ‪.‬‬
‫و أجبت هؤلء الاهلي بأن التشيع لهل البيت النبوي ل يتص بالفرس بل الشيعة ف العراق‬
‫و ف الجاز و ف سوريا و لبنان كل هؤلء عرب ك ما يو جد الشي عة ف الباك ستان و ال ند و ف‬
‫أفريقيا و أمريكا و كل هؤلء ليسوا من العرب و ل من الفرس ‪.‬‬
‫و لو اقتصيرنا على شيعية إيران فإن الجية تكون أبلغ إذ أنني وجدت الفرس يقولون بإمامية‬
‫الئمة الثن عشر و كلهم من العرب من قريش من بن هاشم عترة النب ‪ ،‬فلو كان الفرس متعصبي‬
‫و يكرهون العرب كما يدعي البعض لتذوا سلمان الفارسي إماما لم لنه منهم و هو صحاب جليل‬
‫عرف قدره كل من الشيعة و السنة على حد سواء ‪.‬‬
‫بين ما وجدت أ هل ال سنة و الما عة ينقطعون ف الما مة إل الفرس فأغلب أئمت هم من الفرس‬
‫كأب حنيفة و المام النسائي و الترمذي و البخاري و مسلم و ابن ماجة و الرازي و المام الغزال و‬
‫ا بن سينا و الفارا ب و غي هم كثيون يض يق ب م القام فإذا كان الشي عة من الفرس يرفضون ع مر بن‬
‫الطاب لنه حطم كبياءهم و عظمتهم فبماذا نفسر رفض الشيعة له من العرب و غي الفرس فهذه‬

‫‪131‬‬
‫دعوى ل تقوم على دل يل ‪ ،‬و إنا رفض هؤلء ع مر للدور الذي قام به ف إبعاد أم ي الؤمن ي و سيد‬
‫الوصيي علي بن أب طالب عن اللفة بعد رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) و ما سبب ذلك من فت و من‬
‫و قلقل و انلل لذه المة و يكفي أن يزاح الجاب عن أي باحث حر و تكشف له القيقة حت‬
‫يرفضه بدون عداوة سابقة ‪.‬‬
‫و الق إن الشيعة سواء كانوا من الفرس أم من العرب أم من غي هؤلء قد خضعوا للنصوص‬
‫القرآنيية و النصيوص النبويية و اتبعوا إمام الدى و أولده مصيابيح الدجيى و ل يرضوا بغيهيم رغيم‬
‫سياسة الترغيب و الترهيب الت قادها المويون و من بعدهم العباسيون طيلة سبعة قرون تتبعوا خللا‬
‫الشيعة تت كل حجر و مدر و قتلوهم و شردوهم و منعوهم العطاء و موا آثارهم و أثاروا حولم‬
‫الشاعات و الدعايات الت تنفر الناس منهم و بقيت هذه الثار حت اليوم ‪.‬‬
‫و ل كن الشي عة ثبتوا و صمدوا و صبوا و ت سكوا بال ق ل تأخذ هم ف ال لو مة لئم و هم‬
‫يدفعون حتي اليوم ثني هذا الصيمود ‪ ،‬و إني أتدى أي عال مين علمائنيا أن يلس ميع علمائهيم و‬
‫يادلم فل يرج إل مستبصرا بالدى الذي هم عليه ‪.‬‬
‫نعم وجدت البديل و المد ل الذي هدان لذا و ما كنت لهتدي لول أن هدان ال ‪.‬‬
‫المد ل و الش كر له على أن دلن على الفرقة الناجية الت كنت أبث عنها بلهف و ل يبق‬
‫عندي أي شيك في أن التمسيك بعلي و أهيل البييت قيد تسيك بالعروة الوثقيى ل انفصيام لاي ‪ ،‬و‬
‫النصوص النبوية على ذلك كثية أجع عليها السلمون ‪ ،‬و العقل وحده خي دليل لن ألقى السمع و‬
‫هو شه يد ‪ ،‬فعلي كان أعلم ال صحابة و أشجع هم على الطلق و ذلك بإجاع ال مة ‪ ،‬و هذا وحده‬
‫كاف للدللة على أحقيته ( عليه السلم ) للخلفة دون غيه ‪ ،‬قال ال تعال ‪َ { :‬وقَالَ لَ ُهمْ نَبِّي ُهمْ إِنّ الّل َه َقدْ‬
‫بَعَ ثَ لَكُ مْ طَالُو تَ مَلِكًا قَالُ َواْ أَنّى يَكُو نُ لَ هُ اْلمُلْ كُ عَلَيْنَا وََنحْ نُ أَ َحقّ بِالْمُلْ كِ مِنْ هُ َولَ مْ ُيؤْ تَ سَعَةً مّ نَ‬
‫اْلمَا ِل قَالَ إِنّ اللّ هَ ا صْطَفَاهُ عَلَيْكُ مْ َوزَادَ هُ بَ سْطَ ًة فِي الْعِلْ مِ وَالْجِ سْمِ وَاللّ هُ ُيؤْتِي مُلْكَ هُ مَن َيشَاء وَالّل هُ‬
‫وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ‪. 1‬‬

‫و قد قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪:‬‬

‫سورة البقرة ( ‪ ، ) 2‬الية ‪. 247 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪132‬‬
‫" إن عليا من و أنا منه و هو و ل كل مؤمن من بعدي " ‪. 2‬‬
‫و قال المام الزمشري ف أبيات له ‪:‬‬
‫كثر اليشك و اليلف و كيلٌ * يدعى أنه الصراط السييوي‬
‫فتمسكت بيل إليييه إل ال * و حييبييي لحد و علي‬
‫فاز كلب بب أصحاب كهف * كيف أشيقى بييب آل النب‬
‫ن عم وجدت البد يل ب مد ال ‪ ،‬و صرت اقتدي ‪ -‬ب عد ر سول ال ‪ -‬بأم ي الؤمن ي و سيد‬
‫الوصيي و قائد الغر الحجلي أسد ال الغالب المام علي بن أب طالب و بسيدي شباب أهل النة و‬
‫ريان ت ال نب من هذه ال مة المام أ ب م مد ال سن الز كي و المام أ ب ع بد ال ال سي و ببض عة‬
‫الصيطفى سيللة النبوة و أم الئمية معدن الرسيالة و مين يغضيب لغضبهيا رب العزة و الللة سييدة‬
‫النساء فاطمة الزهراء ‪.‬‬
‫و أبدلت المام مالك بأستاذ الئمة و معلم المة المام جعفر الصادق ‪.‬‬
‫و تسكت بالئمة التسعة العصومي من ذرية السي أئمة السلمي و أولياء ال الصالي ‪.‬‬
‫و أبدلت الصحابة النقلبي على أعقابم أمثال معاوية و عمرو بن العاص ‪ ،‬و الغية بن شعبة و‬
‫أب هريرة و عكرمة و كعب الحبار و غيهم بالصحابة الشاكرين الذين ل ينقضوا عهد النب أمثال‬
‫عمار بن يا سر و سلمان الفار سي و أ ب ذر الغفاري و القداد بن ال سود و خزي ة بن ثا بت ذي‬
‫الشهادتي و اُب بن كعب و غيهم و المد ل على هذا الستبصار ‪.‬‬
‫و أبدلت علماء قومي ‪ ،‬الذين جدوا عقولنا و اتبع كثي منهم السلطي و الكام ف كل زمان‬
‫‪ ،‬بعلماء الشيعية البرار الذيين ميا أغلقوا يوميا باب الجتهاد و ل وهنوا و ل اسيتكانوا للُمراء و‬
‫السلطي الظالي ‪.‬‬
‫نعيم أبدلت أفكارا متحجرة متعصيبة تؤمين بالتناقضات بأفكار نية متحررة و متفتحية تؤمين‬
‫بالدليل و الجة و البهان ‪.‬‬

‫صحيح الترمذي ج ‪ 5‬ص ‪ 296‬خصائص النسائي ص ‪ 87‬مستدرك الاكم ج ‪ 3‬ص ‪. 110‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪133‬‬
‫و كما يقال ف عصرنا الاضر ‪ " :‬غسلت دماغي " من أوساخ كثّفتها عليه ‪ -‬طوال ثلثي‬
‫عاما ‪ -‬أضاليل بن أمية و طهرته بعقيدة العصومي الذين أذهب ال عنهم الرجس و طهرهم تطهيا لا‬
‫تبقى من حيات " ‪.‬‬
‫الل هم أحي نا على ملت هم و أمت نا على سنتهم و احشر نا مع هم ف قد قال نب يك ( صيلى ال علييه و آله ) "‬
‫يشر الرء مع من أحب " ‪.‬‬
‫و بذلك أكون قد رج عت إل أ صلي ‪ ،‬ف قد كان أ ب و أعما مي يدثون نا ح سب الشجرة ال ت‬
‫يعرفونا أنم من السادة الذين هربوا من العراق تت الضغط العباسي و لأوا إل شال أفريقيا حيث‬
‫أقاموا ف تونس و بقيت آثارهم حت اليوم ‪.‬‬
‫و هناك ف شال أفريق يا كثيون مثل نا ي سمون الشراف لن م من ال سللة الطاهرة و لكن هم‬
‫تاهوا ف ضللت المويي و العباسي و ل يبق عندهم من القيقة شيء إل ذلك الحترام و التقدير‬
‫الذي يك نه ل م الناس ‪ ،‬فال مد ل على هداي ته و ال مد ل على إ ستبصاري و ف تح ب صري و ب صيت‬
‫على القيقة ‪.‬‬
‫***‬

‫أسباب الستبصار‬
‫أ ما ال سباب ال ت دعت ن لل ستبصار فكثية جدا و ل ي كن ل ف هذه العجالة إل ذ كر ب عض‬
‫المثلة منها ‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ - 1‬النص على اللفة‬
‫لقد آليت على نفسي عند الدخول ف هذا البحث أن ل أعتمد إل ما هو موثوق عند الفريقي‬
‫و أن أطرح ما انفردت به فر قة دون الخرى ‪ ،‬و على ذلك أب ث ف فكرة التفض يل ب ي أ ب ب كر و‬
‫علي بين أبي طالب و أن اللفية إناي كانيت بالنيص على علي كميا يدعيي الشيعية أو بالنتخاب و‬
‫الشورى كما يدعي أهل السنة و الماعة ‪.‬‬
‫و الباحث ف هذا الوضوع إذا ترد للحقيقة فإنه سيجد النص على علي بن أب طالب واضحا‬
‫جليا كقوله ( صلى ال عليه و آله ) ‪ " :‬من كنت موله فهذا علي موله " قال ذلك بعد ما انصرف من حجة‬
‫الوداع فعقد لعلي موكب للتهنئة حت أن أبا بكر نفسه و عمر كانا من جاعة الهنئي للمام و يقولن‬
‫‪ " :‬بخ بخ لك يا أبن أب طالب أصبحت و أمسيت مول كل مؤمن و مؤمنة " ‪) 162 ( . 1‬‬
‫و هذا ال نص م مع عل يه من الشيعة و ال سنة ‪ ،‬و ل أخرج أ نا ف الب حث ‪ -‬هذا ‪ -‬إل مصادر‬
‫أهل السنة و الماعة و مع ذلك ل أذكر الصادر كلها فهي أكثر بكثي ما ذكرت ‪ ،‬و للطلع على‬
‫مزيد من التفصيل أدعو القارئ إل مطالعة كتاب الغدير للعلمة المين و قد طبع منه ثلثة عشر ملدا‬
‫يصي فيها الصنف رواة هذا الديث من طريق أهل السنة و الماعة ‪.‬‬
‫أ ما الجاع الد عى على انتخاب أ ب ب كر يوم ال سقيفة ث مبايع ته ب عد ذلك ف ال سجد ‪ ،‬فإ نه‬
‫دعوى بدون دليل ‪ ،‬إذ ك يف يكون الجاع و قد تلف عن البي عة علي و العباس و سائر بن هاشم‬
‫كما تلف أسامة بن زيد و الزبي و سلمان الفارسي و أبو ذر الغفاري و القداد بن السود و عمار‬
‫بن يا سر و حذي فة بن اليمان و خزي ة بن ثا بت و أ بو بريدة ال سلمي و الباء بن عازب و اُ ب بن‬
‫كعب و سهل بن حنيف و سعد بن عبادة و قيس بن سعد و أبو أيوب النصاري و جابر بن عبد ال‬
‫و خالد بن سعيد و غي هؤلء كثيون ‪. 2‬‬

‫‪29‬‬ ‫م سند المام أح د بن حن بل ج ‪ 4‬ص ‪ 281‬سر العال ي للمام الغزال ص ‪ . 12‬تذكرة الواص ل بن الوزي ص‬ ‫‪1‬‬

‫الرياض النضرة للطبي ج ‪ 2‬ص ‪ 169‬كن العمال ج ‪ 6‬ص ‪ 397‬البداية و النهاية لبن كثي ج ‪ 5‬ص ‪ 212‬تاريخ ابن عساكر ج ‪2‬‬

‫ص ‪ 50‬تفسي الرازي ج ‪ 3‬ص ‪ 63‬الاوي للفتاوي للسيوطي ج ‪ 1‬ص ‪. 112‬‬


‫تاريخ الطبي ‪ ،‬تاريخ ابن الثي ‪ ،‬تاريخ اللفاء ‪ ،‬تاريخ الميس ‪ ،‬الستيعاب ‪ ،‬و كل من ذكر بيعة أب بكر ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪135‬‬
‫فأين الجاع الزعوم يا عباد ال ؟ على أنه لو كان علي بن أب طالب وحده تلف عن البيعة‬
‫لكان ذلك كافيا للطعن ف ذلك الجاع إذ أ نه الرشح الوح يد للخلفة من قبل الر سول على فرض‬
‫عدم وجود النص الباشر عليه ‪.‬‬
‫و إنا كانت بيعة أب بكر عن غي مشورة بل وقعت على حي غفلة من الناس و خصوصا أول‬
‫الل و العقد منهم كما يسميهم علماء ال سلمي إذ كانوا مشغول ي بتجهيز الرسول و دف نه ‪ ،‬و قد‬
‫فو جئ سكان الدي نة النكو بة بوت نبيهم و ح ل الناس على البي عة ب عد ذلك قهرا ‪ . 1‬ك ما يشعر نا‬
‫بذلك تديد هم برق ب يت فاط مة إن ل يرج التخلفون عن البي عة فك يف يوز ل نا ب عد هذا أن نقول‬
‫بأن البيعة كانت بالشورة و بالجاع ‪.‬‬
‫و قد شهد عمر بن الطاب نفسه بأن تلك البيعة كانت فلتة وقى ال السلمي شرها ‪ ،‬و قال‬
‫فمن عاد إل مثلها فاقتلوه ‪ ،‬أو قال فمن دعا إل مثلها فل بيعة له و ل لن بايعه ‪. 2‬‬
‫و يقول المام علي ف حقها ‪ " :‬أما و ال لقد تقمصها ابن أب قحافة و إنه ليعلم أن ملي منها‬
‫مل القطب من الرحى ينحدر عن السيل و ل يرقى إل الطي ‪. 3‬‬
‫و يقول سعد بن عبادة سيد الن صار الذي ها جم أ با ب كر و ع مر يوم ال سقيفة و حاول ب كل‬
‫جهوده أن ينع هم و يبعد هم عن الل فة و لك نه ع جز عن مقاومت هم ل نه كان مري ضا ل يقدر على‬
‫الوقوف ‪ ،‬و بعدما بايع النصار أبا بكر قال سعد ‪ :‬و ال ل أبايعكم أبدا حت أرميكم بكل سهم ف‬
‫كنانت من نبل ‪ ،‬و أخضب سنان و رمي ‪ ،‬و أضربكم بسيفي ما ملكته يدي ‪ ،‬و أقاتلكم بن معي‬
‫من أهلي و عشيت و ل و ال لو أن الن اجتمعت لكم مع النس ما بايعتكم حت أعرض على رب ‪،‬‬
‫فكان ل يصلي بصلتم و ل يتمع بمعتهم ‪ ،‬و ل يفيض بإفاضتهم ‪ ،‬و لو يد عليهم أعوانا لطال‬
‫بم ‪ ،‬و لو بايعه أحد على قتالم لقاتلهم ‪ ،‬و ل يزل كذلك حت قتل بالشام ف خلفة عمر ‪. 4‬‬
‫فإذا كانت هذه البي عة فلتة وقى ال ال سلمي شر ها على حد ت عبي عمر الذي شيد أركانا و‬
‫عرفت ما آلت إليه أمور السلمي بسببها ‪.‬‬

‫تاريخ اللفاء لبن قتيبة ج ‪ 1‬ص ‪. 18‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 4‬ص ‪. 127‬‬ ‫‪2‬‬

‫شرح نج البلغة لحمد عبده ج ‪ 1‬ص ‪ 34‬الطبة الشقشقية ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ اللفاء ج ‪ 1‬ص ‪. 17‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪136‬‬
‫و إذا كانت هذه اللفة تقمصا ‪ -‬من قبل أب بكر ‪ -‬كما وصفها المام علي إذ قال بأنه هو‬
‫صاحبها الشرعي ‪.‬‬
‫و إذا كا نت هذه البي عة ظل ما ك ما اعتب ها سعد بن عبادة سيد الن صار الذي فارق الما عة‬
‫بسببها ‪.‬‬
‫و إذا كا نت هذه البي عة غ ي شرع ية لتخلف أكابر ال صحابة و العباس عم ال نب عن ها ‪.‬ف ما هي‬
‫إذن الجة ف صحة خلفة أب بكر ؟ و الواب ل حجة هناك عند أهل السنة و الماعة ‪.‬‬
‫فقول الشيعة إذن هو الصحيح ف هذا الوضوع ‪ ،‬لنه ثبت وجود النص على خلفة علي عند‬
‫السنة أنفسهم ‪ ،‬و قد تأولوه حفا ظا على كرا مة ال صحابة ‪ ،‬فالن صف العادل ل يد مناصا من قبول‬
‫النص و بالخص إذا عرف ملبسات القضية ‪. 1‬‬
‫‪ - 2‬خلف فاطمة مع أب بكر‬
‫و هذا الوضوع أيضا ممع على صحته من الفريقي فل يسع النصف العاقل إل أن يكم بطأ‬
‫أب بكر إن ل يعترف بظلمه و حيفه على سيدة النساء ‪.‬‬
‫لن من يتتبع هذه الأساة و يطلع على جوانبها يعلم علم اليقي أن أبا بكر تعمد إيذاء الزهراء و‬
‫تكذيب ها لئل ت تج عل يه بن صوص الغد ير و غي ها على خل فة زوج ها و ا بن عم ها علي و ن د قرائن‬
‫عديدة على ذلك ‪ ،‬منهيا ميا أخرجيه الؤرخون مين أناي ‪ -‬سيلم ال عليهيا ‪ -‬خرجيت تطوف على‬
‫مالس النصار و تطلب منهم النصرة و البيعة لبن عمها ‪ ،‬فكانوا يقولون ‪ " :‬يا ابنة رسول ال قد‬
‫مضت بيعتنا لذا الرجل ‪ ،‬و لو أن زوجك و ابن عمك سبق إلينا قبل أب بكر ما عدلنا به ‪ ،‬فيقول‬
‫علي كرم ال وجهه ‪ :‬أ فكنت أدع رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) ف بيته ل أدفنه ‪ ،‬و أخرج أنازع الناس‬
‫سلطانه ؟ فقالت فاطمة ‪ :‬ما صنع أبو السن إل ما كان ينبغي له ‪ ،‬و لقد صنعوا ما ال حسيبهم و‬
‫طالبهم ‪. 2‬‬
‫و لو كان أبو بكر مطئا عن حسن نية أو على اشتباه لقنعته فاطمة الزهراء و لكنها غضبت‬
‫عليه و ل تكلمه حت ماتت ‪ ،‬لنه رد ف كل مرة دعواها و ل يقبل شهادتا و ل شهادة زوجها و‬

‫راجع ‪ :‬السقيفة و اللفة لعبد الفتاح عبد القصود ‪ ،‬و السقيفة للشيخ ممد رضا الظفر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ اللفاء لبن قتيبة ج ‪ 1‬ص ‪ . 19‬شرح نج البلغة لبن أب الديد ( بيعة أب بكر ) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪137‬‬
‫لكل هذا اشتد غضبها عليه حت أنا ل تأذن له بضور جنازتا حسب وصيتها لزوجها الذي دفنها ف‬
‫الليل سرا ‪. 3‬‬
‫و على ذكر دفنها ‪ -‬سلم ال عليها ‪ -‬سرا ف الليل فقد سافرت خلل سنوات البحث إل‬
‫الدينة النورة لطلع بنفسي على بعض القائق ‪ ،‬و اكتشفت ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬أن قب الزهراء مهول ل يعرفه أحد فمن قائل بأنه ف الجرة النبوية و من قائل بأنه ف‬
‫بيتها مقابل الجرة النبوية ‪ ،‬و ثالث يقول ‪ " :‬إنه ف البقيع وسط قبور أهل البيت بدون تديد " ‪.‬‬
‫هذه القيقية الول التي اسيتنتجت منهيا أناي ‪ -‬سيلم ال عليهيا ‪ -‬أرادت بذا أن يتسيأل‬
‫ال سلمون عب الجيال عن ال سبب الذي دعا ها أن تطلب من زوج ها أن يدفن ها ف الل يل سرا و ل‬
‫يضر جنازتا منهم أحدا ! ! ! و بذلك يكن لي مسلم أن يصل إل بعض القائق الثية من خلل‬
‫مراجعة التاريخ ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اكتشفت أن الزائر الذي يريد زيارة قب عثمان بن عفان يشي مسافة طويلة حت يصل‬
‫إل آخر البقيع فيجده تت الائط بينما يد أغلب الصحابة مدفوني ف بداية البقيع قرب الدخل و‬
‫حت مالك بن أنس صاحب الذهب و هو من تابعي التابعي مدفون قرب زوجات الرسول ‪ ،‬و تقق‬
‫لدي ما قاله الؤرخون من أنه دفن بش كوكب و هي أرض يهودية لن السلمي منعوا دفنه ف بقيع‬
‫رسول ال ‪ ،‬و لا استول معاوية بن أب سفيان على اللفة اشترى تلك الرض من اليهود و أدخلها‬
‫ف البق يع ليد خل بذلك قب ا بن ع مه عثمان في ها و الذي يزور البق يع ح ت اليوم سيي هذه القي قة‬
‫بأجلى ما تكون ‪.‬‬
‫و إن عجب لكبي حي أعلم أن فاطمة الزهراء ‪ -‬سلم ال عليها ‪ -‬أول من لق بأبيها فبينها و‬
‫بينه ‪ ،‬ستة أشهر على أكثر الحتمالت ث ل تدفن إل جانب أبيها ‪.‬‬
‫و إذا كانت فاط مة الزهراء هي الت أوصت بدفنها سرا فلم تد فن بالقرب من قب أبيها كما‬
‫ذكرت ف ما بال ما حصل مع جثمان ولدها السن ل يدفن قرب قب جده ؟ ! فقد منعت هذا ( أم‬
‫الؤمن ي ) عائ شة و قد فعلت ذلك عند ما جاء ال سي بأخ يه ال سن ليدف نه إل جا نب جده ر سول‬
‫ال ‪ ،‬فركبت عائشة بغلة و خرجت تنادي و تقول ‪ :‬ل تدفنوا ف بيت من ل أحب ‪.‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 3‬ص ‪ 36‬صحيح مسلم ج ‪ 2‬ص ‪ 72‬باب ل نورث ما تركناه صدقة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪138‬‬
‫و اصطف بنو أمية و بنو هاشم للحرب و لكن المام السي قال لا أنه سيطوف بأخيه على‬
‫قب جده ث يدفنه ف البقيع لن المام السن أوصاه أن ل يهرقوا من أجله و لو مجمة من دم ‪.‬‬
‫و قال لا ابن عباس أبياتا مشهورة ‪:‬‬
‫جمّلت ‪ 1‬تَبَغّلت ‪ * 2‬و لو عشت تَفَيّلت‬
‫َت َ‬
‫لك التسع من الثمن * و بالكل تصرفت‬
‫و هذه حقيقة أخرى من القائق الخيفة ‪ ،‬فكيف ترث عائشة كل البيت من بي أزواج النب‬
‫التعددات و هن تسع نساء حسب ما قاله ابن عباس ‪:‬‬
‫و إذا كان النب ل يورث كما شهد بذلك أبو بكر نفسه و منع ذلك مياث الزهراء من أبيها‬
‫فك يف ترث عائ شة ؟ ف هل هناك ف كتاب ال آ ية تع طي الزو جة حق الياث و ت نع الب نت ؟ أم أن‬
‫السياسة هي الت أبدلت كل شيء فحرمت البنت من كل شيء و أعطت الزوجة كل شيء ؟ ‪.‬‬
‫و بالناسبة أذكر هنا قصة طريفة ذكرها بعض الؤرخي و لا علقة بوضوع الرث ‪.‬‬
‫قال ا بن أ ب الد يد العتزل ف شر حه لن هج البل غة ‪ :‬جاءت عائ شة و حف صة و دخل تا على‬
‫عثمان أيام خلفته و طلبتا منه أن يقسم لما إرثهما من رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬
‫و كان عثمان متكئا فاستوى جالسا و قال لعائشة ‪ :‬أنت و هذه الالسة جئتما بأعراب يتطهر‬
‫ببوله و شهدت ا أن ر سول ال ( صيلى ال علييه و آله ) قال ‪ :‬ن ن مع شر ال نبياء ل نورّث فإذا كان الر سول‬
‫حقيقية ل يورث فماذا تطلبان بعيد هذا ‪ ،‬و إذا كان الرسيول يورث لاذا منعتيم فاطمية حقهيا ؟‬
‫فخرجت من عنده غاضبة و قالت ‪ :‬أقتلوا نعثل فقد كفر ‪. 3‬‬
‫‪ - 3‬علي أول بالتباع‬
‫و من السباب الت دعتن للستبصار و ترك سنة الباء و الجداد ‪ ،‬الوازنة العقلية و النقلية بي‬
‫علي بن أب طالب و أب بكر ‪.‬‬
‫و ك ما ذكرت ف البواب ال سابقة من هذا الب حث إ ن أعت مد على الجاع الذي يوا فق عل يه‬
‫أهل السنة و الشيعة ‪.‬‬

‫إشارة إل ركوبا المل ف حرب المل الشهورة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫إشارة إل ركوبا البغلة يوم منعت دفن السن بانب جده ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫شرح نج البلغة لبن أب الديد ج ‪ 16‬ص ‪. 223 - 220‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪139‬‬
‫و قد فت شت ف ك تب الفريق ي فلم أ جد إجا عا إل على علي بن أ ب طالب ف قد أج ع على‬
‫إمامته الشيعة و السنة ف ما ورد من نصوص ثبتتها مصادر الطرفي ‪ ،‬بينما ل يقول بإمامة أب بكر إل‬
‫فر يق من ال سلمي و قد ك نا ذكر نا ما قاله ع مر عن بي عة أ ب ب كر ‪ ،‬ك ما أن الكث ي من الفضائل و‬
‫الناقب الت يذكرها الشيعة ف علي بن أب طالب لا سند و وجود حقيقي ثابت ف كتب أهل السنة‬
‫العتمدة عند هم ‪ ،‬و من عدة طرق ل يتطرق إلي ها ال شك ‪ ،‬ف قد روى الد يث ف فضائل المام علي‬
‫جع غفي من الصحابة ‪ ،‬حت قال أحد بن حنبل ‪:‬‬
‫ما جاء لحد من أصحاب رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) من الفضائل كما جاء لعلي بن أب طالب‬
‫‪.1‬‬
‫و قال القا ضي إ ساعيل و الن سائي و أ بو علي الني سابوري ‪ :‬ل يرد ف حق أ حد من ال صحابة‬
‫بالسانيد السان ما جاء ف علي ‪. 2‬‬
‫هذا مع ملحظة أن المويي حلوا الناس ف مشارق الرض و مغاربا على سبه و لعنه و عدم‬
‫ذكر فضيلة له حت منعوا أن يتسمى أحد باسه ‪ ،‬و مع كل ذلك‬

‫الستدرك على الصحيحي للحاكم ج ‪ 3‬ص ‪ 107‬الناقب للخوارزمي ص ‪ 3‬و ‪. 19‬‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ اللفاء للسيوطي ص ‪ 168‬الصواعق الحرقة لبن حجر اليثمي ص ‪. 72‬‬


‫تاريخ ابن عساكر ج ‪ 3‬ص ‪ 63‬شواهد التنيل للحسكان النفي ج ‪ 1‬ص ‪. 19‬‬
‫الرياض النضرة للطبي ج ‪ 2‬ص ‪ 282‬الصواعق الحرقة لبن حجر ص ‪ 118‬و ص ‪. 72‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪140‬‬
‫( ‪) 168‬‬

‫خر جت فضائله و مناق به سلم ال عل يه ر غم الحود ‪ ،‬و ف ذلك يقول المام الشاف عي ‪ " :‬عج بت‬
‫لرجل كتم أعداؤه فضائله حسدا ‪ ،‬و كتمها مبوه خوفا ‪ ،‬و خرج ما بي ذين ما طبق الافقي " ‪.‬‬
‫أ ما بشأن أ ب ب كر ف قد فت شت أي ضا ف ك تب الفريق ي فلم أ جد له ف ك تب أ هل ال سنة و‬
‫الماعة القائلي بتفضيله ما يوازي أو يعادل فضائل المام علي ‪ ،‬على أن فضائل أب بكر الذكورة ف‬
‫الكتب التاريية مروية إما عن ابنته عائشة و قد عرفنا موقفها من المام علي فهي تاول بكل جهدها‬
‫دعم أبيها و لو بأحاديث موضوعة أو عن عبد ال بن عمر و هو أيضا من البعيدين عن المام علي و‬
‫قد رفض مبايعته بعدما أجع الناس على ذلك و كان يدث أن أفضل الناس بعد النب أبو بكر ث عمر‬
‫ث عثمان ث ل تفاضل و الناس بعد ذلك سواسية ‪ 1‬يعن هذا الديث أن عبد ال بن عمر جعل المام‬
‫علي من سوقة الناس كأي شخص عادي ليس له فضل و ل فضيلة ‪.‬‬
‫فأ ين ع بد ال بن ع مر من القائق ال ت ذكر ها أعلم ال مة و أئمت ها بأ نه ل يرد ف أ حد من‬
‫الصحابة بالسانيد السان ما جاء ف علي بن أب طالب ‪ ،‬هل أن عبد ال بن عمر ل يسمع بفضيلة‬
‫واحدة لعلي ؟ بلى و ال لقد سع و وعى و لكن السياسة و ما أدراك ما السياسة فهي تقلب القائق‬
‫و تصنع العاجيب ‪.‬‬
‫كذلك يروي فضائل أ ب ب كر ‪ ،‬كل من عمرو بن العاص و أ بو هريرة و عروة و عكر مة و‬
‫هؤلء كلهم يكشف التاريخ أنم كانوا متحاملي على المام علي و حاربوه إما بالسلح و إما بالدس‬
‫و اختلق الفضائل لعدائه و خصومه ‪.‬‬
‫قال المام أحد بن حنبل ‪ :‬إن عليا كان كثي العداء ففتش أعداؤه عن شيء يعيبونه به فلم‬
‫يدوا ‪ ،‬فجاؤوا إل رجل قد حاربه و قاتله ‪ ،‬فأطروه كيدا منهم له ‪. 2‬‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪. 202‬‬ ‫‪1‬‬

‫ف تح الباري ف شرح صحيح البخاري ج ‪ 7‬ص ‪ 83‬تار يخ اللفاء لل سيوطي ص ‪ ، 199‬ال صواعق الحر قة ل بن ح جر‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪. 125‬‬
‫‪141‬‬
‫ين ال يقول ‪ { :‬إِّنهُم يْ يَكِيدُون يَ كَْيدًا {‪ }86/15‬وََأكِيدُ كَيْدًا {‪ }86/16‬فَ َمهّلِ‬ ‫و لكي‬
‫الْكَافِرِينَ أَ ْمهِ ْلهُ ْم ُروَيْدًا } ‪. 3‬‬
‫و إ نه ل ن معجزات ال سبحانه أن ترج فضائل المام على ب عد ستة قرون من ال كم الائر‬
‫الظال له و لهل بيته ‪ ،‬إذ ل يكن العباسيون أقل بغضا و حسدا و نكاية و تقتيل لهل البيت النبوي‬
‫من أسلفهم المويي حت قال أبو فراس المدان ف ذلك ‪:‬‬
‫ما نال منهم بنو حرب و إن عظمت * تلك الرائر إل دون نيلكم‬
‫كم غدرة لكم ف الدين واضحة * و كم دم لرسول ال عندكم‬
‫أنتم له شيعة ف ما ترون و ف * أظفاركم من بنيه الطاهرين دم‬
‫فإذا خل صت ب عد كل ذلك تل كم الحاد يث و خر جت من تل كم الظلمات فلت كن ل ال جة‬
‫البالغة ‪ ،‬و لئل يكون للناس على ال حجة بعد ذلك ‪.‬‬
‫و رغم أن أبا بكر كان هو الليفة الول و له من النفوذ ما قد عرفنا و رغم أن الدولة الموية‬
‫كانت تعل عطاء خاصا و رشوة لكل من يروي ف حق أب بكر و عمر و عثمان و رغم أنا اختلقت‬
‫ل ب ب كر من الفضائل و النا قب الكث ي م ا سودت ب ا صفحات الك تب ‪ ،‬مع ذلك فلم يبلغ معشار‬
‫ع شر حقائق المام علي و فضائله ‪ ،‬أ ضف إل ذلك أ نك إذا حللت الحاد يث الرو ية ف فضائل أ ب‬
‫بكر وجدتا ل تتماشى مع ما سجله له التاريخ من أعمال تناقض ما قيل فيه و ل يقبلها عقل و ل‬
‫شرع و قد تقدم شرح ذلك ف حديث " لو وزن إيان أب بكر بإيان أمت لرجح إيان أب بكر " و لو‬
‫كان يعلم رسول ال أن أبا بكر على هذه الدرجة من اليان ما كان ليؤمر عليه أسامة بن زيد و ل‬
‫ليمت نع من الشهادة له ك ما ش هد على شهداء اُ حد و قال له إ ن ل أدري ماذا تدث من بعدي ح ت‬
‫‪3‬‬
‫بكى أبو بكر ‪ ، 2‬و ما كان ليسل خلفه علي بن أب طالب ليأخذ منه سورة براءة فيمنعه من تبليغها‬
‫و ما كان قال يوم إعطاء الرا ية ف خ يب ‪ :‬لعط ي راي ت غدا رجل ي ب ال و ر سوله و ي به ال و‬
‫رسوله كرارا ليس فرارا امتحن ال قلبه باليان ‪ ،‬فأعطاها إل علي و ل يعطها إليه ‪. 4‬‬

‫سورة الطارق ( ‪ ، ) 86‬اليات ‪. 17 _ 15 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫موطأ المام مالك ج ‪ 1‬ص ‪ 307‬مغازي الواقدي ص ‪. 310‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح الترمذي ج ‪ 4‬ص ‪ 339‬مسند أحد بن حنبل ج ‪ 2‬ص ‪ 319‬مستدرك الاكم ج ‪ 3‬ص – ‪. 51‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح مسلم باب فضائل علي بن أب طالب ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪142‬‬
‫و لو علم ال أن أبا بكر على هذه الدرجة من اليان و أن إيانه يفوق إيان أمة ممد بأسرها‬
‫فلم يكن ال سبحانه ليهدده بإحباط عمله عندما رفع صوته فوق صوت النب ‪ . 1‬و لو علم علي بن‬
‫أب طالب و الصحابة الذين اتبعوه أن أبا بكر على هذه الدرجة من اليان ما جاز لم أن يتخلفوا عن‬
‫بيع ته و لو عل مت فاط مة الزهراء سيدة الن ساء أن أ با ب كر على هذه الدر جة من اليان ما كا نت‬
‫لتغضب عليه و تتنع عن الكلم معه و عن رد السلم عليه و تدعو ال عليه ف كل صلة ‪ ، 2‬ث ل‬
‫تأذن له ‪ -‬حسب ما ورد ف وصيتها ‪ -‬حت بضور جنازتا ‪.‬‬
‫و لو علم أبو بكر أنه على هذه الدرجة من اليان ما كان ليتمن عند احتضاره أنه لو ل يكن‬
‫يكشف بيت فاطمة ( عليها السلم ) ‪.‬‬
‫و أنيه لو ل يكين أحرق الفجاءة السيلمي ‪ ،‬و لكان يوم السيقيفة قذف المير في عنيق أحيد‬
‫الرجلي عمر أو أب عبيدة ‪. 3‬‬
‫فالذي هو على هذه الدر جة من اليان و ير جح إيا نه على إيان كل ال مة ل يندم ف آ خر‬
‫لظات حيا ته على ما فعله مع فاط مة و على حر قه الفجاءة ال سلمي و على تول يه الل فة ‪ ،‬ك ما ل‬
‫يتم ن أن ل يكون من الب شر و يكون شعرة أو بعرة ‪ ،‬أَ فَ يُعادل إيان م ثل هذا الش خص إيان ال مة‬
‫السلمية بل يرجح عليها ؟ ! ‪.‬‬
‫و إذا أخذنا حديث " لو كنت متخذا خليل لتذت أبا بكر خليل " ‪.‬‬
‫ف هو ك سابقه ‪ ،‬إذ أ ين كان أ بو ب كر يوم الؤاخاة ال صغرى ف م كة ق بل الجرة و يوم الؤاخاة‬
‫الكبى ف الدينة بعد الجرة و ف كلتيهما اتذ رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) عليا أ خا له و قال له ‪" :‬‬
‫أنت أخي ف الدنيا و الخرة " ‪ ، 4‬و ل يلتفت إل أب بكر فحرمه من مؤاخاة الخرة كما حرمه من‬
‫اللة ‪ ،‬و أنا ل أريد الطالة ف هذا الوضوع و أكت في بذ ين الثل ي اللذ ين أوردتما من ك تب أهل‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 4‬ص ‪. 184‬‬ ‫‪1‬‬

‫المامة و السياسة ج ‪ 1‬ص ‪ 14‬رسائل الاحظ ص ‪ 301‬أعلم النساء ج ‪ 3‬ص ‪. 1215‬‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبي ج ‪ 4‬ص ‪ 52‬المامة و السياسة ج ‪ 1‬ص ‪ 18‬تاريخ السعودي ج ‪ 1‬ص ‪. 414‬‬ ‫‪3‬‬

‫تذكرة الواص للسبط ابن الوزي ص ‪ 23‬تاريخ دمشق لبن عساكر ج ‪ 1‬ص ‪. 107‬‬ ‫‪4‬‬

‫الناقب للخوارزمي ص ‪ 7‬الفصول الهمة لبن الصباغ الالكي ص ‪. 21‬‬


‫‪143‬‬
‫السنة و الماعة ‪ ،‬أما عند الشيعة فل يعترفون بتلك الحاديث مطلقا و لديهم الدلة الواضحة على‬
‫أنا وضعت ف زمن متأخر عن زمن أب بكر ‪.‬‬
‫هذا و إذا تركنا الفضائل و بثنا ف الساوئ فإننا ل نصى لعلي بن أب طالب سيئة واحدة من‬
‫ك تب الفريق ي ‪ ،‬بين ما ن د لغيه م ساويء كثية ف ك تب أ هل ال سنة كال صحاح و ك تب ال سي و‬
‫التاريخ ‪.‬‬
‫و بذا يكون الجاع من الفريقي يتص بعلي وحده كما يؤكد التاريخ أن البيعة الصحيحة ل‬
‫تكن إل لعلي وحده ‪.‬‬
‫فقد امتنع هو و أصر عليها الهاجرون و النصار و قعد عن بيعته نفر فلم يبهم عليها ‪ ،‬بينما‬
‫كانت بيعة أب بكر فلتة وقى ال السلمي شرها ‪ -‬كما يقول عمر بن الطاب ‪ -‬و كانت خلفة‬
‫عمر بعهد عهده إليه أبو بكر و كانت خلفة عثمان مهزلة تاريية ‪ ،‬ذلك أن عمر رشح ستة للخلفة‬
‫و ألزمهم أن يتاروا من بينهم واحدا و قال إذا اتفق أربعة و خالف إثنان فاقتلوها و إذا انقسم الستة‬
‫إل فريق ي ثل ثة ف كل ج هة فخذوا برأي الثل ثة الذ ين ي قف مع هم ع بد الرح ن بن عوف ‪ ،‬و إذا‬
‫مضى وقت و ل يتفق الستة فاقتلوهم ‪ ،‬و القصة طويلة و عجيبة ‪ ،‬و الهم أن عبد الرحن بن عوف‬
‫اختار عل يا و اشترط عل يه أن ي كم في هم بكتاب ال و سنة ر سوله و سنة الشيخ ي أ ب ب كر و ع مر‬
‫فرفض علي هذا الشرط ‪ ،‬و قبله عثمان فكان هو الليفة ‪ ،‬و خرج علي من البيعة و هو يعلم مسبقا‬
‫النتيجة و قد تدث عن ذلك ف خطبته العروفة بالشقشقية ‪.‬‬
‫و بعد علي استول معاوية على اللفة فأبدلا قيصرية ملكية يتداولا بنو أمية و من بعدهم بنو‬
‫العباس إبنا عن أب و ل يكن هناك خليفة إل بنص السابق على اللحق أو بقوة السيف و السلح و‬
‫الستيلء ‪ ،‬فلم تكن هناك بيعة صحيحة ‪ 1‬ف التاريخ السلمي من عهد اللفاء و حت عهد كمال‬
‫أتاتورك الذي قضى على اللفة السلمية إل لمي الؤمني علي بن أب طالب ‪.‬‬
‫‪ - 4‬الحاديث الواردة ف علي توجب إتباعه‬

‫أي بإجاع السلمي ل يفرضها عليهم أحد و ل تكن " فتنة " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪144‬‬
‫من الحاديث الت أخذت با و دفعتن للقتداء بالمام علي ‪ ،‬تلك الت أخرجتها صحاح أهل‬
‫السنة و الماعة و أكدت صحتها و الشيعة عندهم أضعافها و لكن ‪ -‬و كالعادة ‪ -‬سوف ل أستدل‬
‫و ل أعتمد إل الحاديث التفق عليها من الفريقي ‪ ،‬و من هذه الحاديث ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫أ ‪ -‬حديث " أنا مدينة العلم و علي بابا "‬
‫و هذا الديث وحده كاف لتشخيص القدوة الذي ينبغي إتباعه بعد الرسول ( صلى ال عل يه و آله ) ‪،‬‬
‫لن العال أول بالتباع ‪ ،‬أول أن يقتدى به من الاهل ‪.‬‬
‫قال تعال ‪ ... { :‬قُلْ َهلْ َيسَْتوِي الّذِينَ يَ ْعَلمُونَ وَالّذِينَ لَا يَعَْلمُونَ ‪. 2 } ...‬‬
‫و قال أيضا ‪َ { :‬أَفمَن َي ْهدِي ِإلَى اْلحَقّ َأحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمّن لّ َي ِهدّيَ ِإلّ أَن ُي ْهدَى َفمَا لَكُمْ كَيْفَ‬
‫َتحْ ُكمُونَ } ‪ ، 3‬و من العلوم أن العال هو الذي يهدي و الاهل يستحق الداية و هو أحوج إليها من‬
‫أي أحد ‪.‬‬
‫و ف هذا ال صدد سجل ل نا التار يخ أن المام عل يا هو أعلم ال صحابة على الطلق و كانوا‬
‫يرجعون إليه ف أمهات السائل و ل نعلم أنه ( عليه السلم ) رجع إل واحد منهم قط فهذا أبو بكر يقول ‪:‬‬
‫ل أبقان ال لعضلة ليس لا أبو السن ‪ ،‬و هذا عمر يقول ‪ :‬لول علي للك عمر ‪. 4‬‬
‫و هذا ابن عباس يقول ‪ :‬ما علمي و علم أصحاب ممد ف علم علي إل كقطرة ف سبعة أبر‬
‫‪.5‬‬
‫و هذا المام علي نفسه يقول ‪ " :‬سلون قبل أن تفقدون ‪ ،‬و ال ل تسألونن عن شيء يكون‬
‫إل يوم القيامة إل أخبتكم به و سلون عن كتاب ال فوال ما من آية إل و أنا أعلم أبليل نزلت أم‬
‫بنهار ف سهل أم ف جبل " ‪. 6‬‬

‫مستدرك الاكم ج ‪ 3‬ص ‪ 127‬تاريخ ابن كثي ج ‪ 7‬ص ‪ 358‬أحد بن حنبل ف الناقب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الزمر ( ‪ ، ) 39‬الية ‪. 9 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة يونس ( ‪ ، ) 10‬الية ‪. 35 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫الستيعاب ج ‪ 4‬ص ‪ 39‬مناقب الوارزمي ص ‪ 48‬الرياض النضرة ج ‪ 2‬ص ‪. 194‬‬ ‫‪4‬‬

‫لقد أجعت صحاح أهل السنة و كتبهم على أفضلية علي ( عليه السّلم ) و تقدمه ف العلم على كل الصحابة ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫من أقوال الصحابة أنفسهم فيه و تقديهم له‬ ‫‪45‬‬ ‫راجع ‪ -‬على سبيل الثال ما جاء ف الستيعاب ج ‪ ، 3‬ص ‪- 38‬‬
‫عليهم ‪.‬‬
‫الحب الطبي ف الرياض النضرة ج ‪ 2‬ص ‪ 198‬تاريخ اللفاء للسيوطي ص ‪. 124‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪145‬‬
‫بينما يقول أبو بكر عندما سئل عن معن الب ف قوله تعال ‪ ( :‬و فاكهة و أبا متاعا لكم و‬
‫لنعامكم ) قال أبو بكر ‪ :‬أي ساء تظلن و أي أرض تقلن أن أقول ف كتاب ال با ل أعلم ‪.‬‬
‫و هذا عمر بن الطاب يقول ‪ " :‬كل الناس أفقه من عمر حت ربات الجال " و يسأل عن‬
‫آ ية من كتاب ال فينتهر السائل و يضر به بالدرة حت يدم يه و يقول ‪ " :‬ل ت سألوا عن أشياء إن تبد‬
‫لكم تسؤكم " ‪ 1‬و قد سئل عن الكللة فلم يعلمها ‪.‬‬
‫أخرج الطبي ف تفسيه عن عمر أنه قال ‪ :‬لئن أكون أعلم الكللة أحب إل من أن يكون ل‬
‫مثل قصور الشام ‪.‬‬
‫كما أخرج ا بن ما جه ف سننه عن ع مر بن الطاب قال ‪ :‬ثلث لئن يكون ر سول ال بينهن‬
‫أحب إل من الدنيا و ما فيها ‪ :‬الكللة و الربا و اللفة ‪.‬‬
‫سبحان ال ! حاشى لرسول ال أن يكون سكت عن هذه الشياء و ل يبينها ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬حديث " يا علي أنت من بنلة هارون من موسى إل أنه ل نب بعدي " ‪:‬‬
‫و هذا الد يث ك ما ل ي فى على أ هل العقول ف يه ما ف يه من اخت صاص أم ي الؤمن ي علي‬
‫بالوزارة و الوصاية و اللفة ‪.‬‬
‫فكما كان هارون وزيرا و وصيا ‪ ،‬و خليفة موسى ف غيابه عندما ذهب ليقات ربه ‪ ،‬كذلك‬
‫أيضا منلة المام علي ( عل يه ال سلم ) فهو كهارون عليه و على نبينا السلم و صورة طبق ال صل عنه ما‬
‫عدا النبوة الت استثناها نفس الديث ‪ ،‬و فيه أيضا أن المام عليا هو أفضل الصحابة و الديث كما‬
‫هو معلوم ممع عليه عند عامة السلمي ‪.‬‬
‫ت ‪ -‬حديث " من كنت موله فهذا علي موله ‪ ،‬اللهم وال من واله و عاد من عاداه و‬
‫انصر من نصره و اخذل من خذله و أدر الق معه حيث دار " ‪:‬‬
‫و هذا الد يث وحده كاف لرد مزاعم تقدي أب بكر و عمر و عثمان على من نصبه رسول‬
‫ال ( صيلى ال علييه و آله ) ول يا للمؤمن ي من بعده ‪ ،‬و ل عبة ب ن أوّل الد يث إل مع ن ال حب و الن صي‬
‫لصرفه عن معناه الصلي الذي قصده الرسول و ذلك حفاظا على كرامة الصحابة ‪ ،‬لن رسول ال‬
‫( صيلى ال علييه و آله ) عند ما قام خطي با ف ذلك ال ر الشد يد " قال أل ستم تشهدون بأ ن أول الؤمن ي من‬
‫التقان ج ‪ 2‬ص ‪ 319‬فتح الباري ج ‪ 8‬ص ‪ 485‬تذيب التهذيب ج ‪ 7‬ص ‪. 338‬‬
‫سنن الدارمي ج ‪ 1‬ص ‪ 54‬تفسي ابن كثي ج ‪ 4‬ص ‪ 232‬الدر النثور ج ‪ 6‬ص ‪. 111‬‬
‫‪1‬‬

‫‪146‬‬
‫أنفسهم " قالوا بلى يا رسول ال فقال عندئذ ‪ " :‬فمن كنت موله فهذا علي موله ‪ " . .‬و هذا نص‬
‫صريح ف استخلفه على أمته ‪ ،‬و ل يكن للعاقل النصف العادل إل قبول هذا العن و رفض تأويل‬
‫الب عض التكلف و الفاظ على كرا مة الر سول ق بل الفاظ على كرا مة ال صحابة لن ف تأويل هم هذا‬
‫استخفافا و استهزاء بكمة الرسول الذي ي مع حشود الناس ف الر و الجي الذي ل يطاق ليقول‬
‫لم بأن علي هو مب الؤمني و ناصرهم ‪.‬‬
‫و باذا يف سر هؤلء الذ ين يؤولون الن صوص حفا ظا على كرا مة كبائهم و ساداتم مو كب‬
‫التهنئة الذي عقده له رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬
‫و بدأ بزوجا ته أمهات الؤمن ي و جاء أ بو ب كر و ع مر يقولن " بخ بخ لك يا ا بن أ ب طالب‬
‫أصحبت و أمسيت مول كل مؤمن و مؤمنة " و الواقع و التاريخ يشهدان أن التأولي لكاذبون فويل‬
‫لم ما كتبت أيديهم و ويل لم ما يكتبون قال تعال ‪:‬‬
‫{ ‪َ ...‬وإِ ّن فَرِيقا مّْن ُهمْ لَيَكْتُمُونَ اْلحَقّ وَ ُهمْ يَعَْلمُونَ } ‪. 1‬‬

‫ث ‪ -‬حديث ‪ " :‬علي من و أنا من علي ‪ ،‬و ل يؤدي عن إل أنا أو علي " ‪. 2‬‬
‫و هذا الد يث الشر يف هو ال خر صريح ف أن المام عل يا هو الش خص الوح يد الذي أهله‬
‫صاحب الرسالة ليؤدي عنه و قد قاله عندما بعثه بسورة براءة يوم الج الكب عوضا عن أب بكر ‪ ،‬و‬
‫رجع أبو بكر يبكي و يقول يا رسول ال أنزل ف شيء فقال ‪ :‬إن ال أمرن أن ل يؤدي عن إل أنا أو‬
‫علي ‪.‬‬

‫سورة البقرة ( ‪ ، ) 2‬الية ‪. 146 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سنن إبن ماجه ج ‪ 1‬ص ‪ 44‬خصائص النسائي ص ‪ 20‬صحيح الترمذي ج ‪ 5‬ص ‪. 300‬‬ ‫‪2‬‬

‫جامع الصول لبن كثي ج ‪ 9‬ص ‪ 471‬الامع الصغي للسيوطي ج ‪ 2‬ص ‪. 56‬‬
‫الرياض النضرة ج ‪ 2‬ص ‪. 229‬‬
‫‪147‬‬
‫و هذا ظهي ما قاله رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) لعلي ف مناسبة أخرى عندما قال له ‪ " :‬أنت يا‬
‫علي تبي لمت ما اختلفوا فيه بعدي " ‪. 1‬‬
‫فإذا كان ل يؤدي عن رسول ال إل علي و هو الذي يبي للمة ما اختلفوا فيه بعده ‪ ،‬فكيف‬
‫يتقدم عل يه من ل يعرف مع ن الب و من ل يعرف مع ن الكللة و هذا لعمري من ال صائب ال ت‬
‫أصابت هذه المة و أعاقتها عن أداء الهمة الت رشحها ال لا ‪ ،‬و ليست الجة على ال و ل على‬
‫رسول ال و ل على أمي الؤمني علي بن أب طالب ‪ ،‬و إنا الجة البالغة على الذين عصوا و بدلوا ‪،‬‬
‫قال تعال ‪ { :‬وَإِذَا قِيلَ َلهُ مْ تَعَاَل ْواْ ِإلَى مَا أَنزَلَ اللّ هُ وَِإلَى الرّ سُو ِل قَالُواْ حَ سْبُنَا مَا وَ َجدْنَا َعلَيْ هِ آبَاءنَا‬
‫َأ َوَلوْ كَانَ آبَاؤُ ُهمْ لَ يَعَْلمُونَ شَيْئًا َولَ َيهَْتدُونَ } ‪. 2‬‬

‫ج ‪ -‬حديث الدار يوم النذار ‪:‬‬


‫قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) مشيا إل علي ‪:‬‬
‫" إن هذا أخي ‪ ،‬و وصيي ‪ ،‬و خليفت من بعدي فاسعوا له و أطيعوا " ‪. 3‬‬
‫و هذا الد يث هو أي ضا من الحاد يث ال صحيحة ال ت نقل ها الؤرخون لبدا ية البع ثة النبو ية و‬
‫عدوها من معجزات النب ‪ ،‬و لكن السياسة هي الت أبدلت و زيفت القائق و الوقائع ‪ ،‬و ل عجب‬
‫من ذلك لن ما وقع ف ذلك الزمان الظلم يتكرر اليوم ف عصر النور فهذا ممد حسي هيكل أخرج‬
‫الديث بكامله ف كتابه " حياة ممد " ف صفحة ‪ 104‬من الطبعة الول سنة ‪ 1354‬هجرية و ف‬

‫تاريخ دمشق لبن عساكر ج ‪ 2‬ص ‪ 488‬كنوز القائق للمناوي ص ‪ . 203‬كن العمال ج ‪ 5‬ص ‪. 33‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الائدة ( ‪ ، ) 5‬الية ‪. 104 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبي ج ‪ 2‬ص ‪ 319‬تاريخ ابن الثي ج ‪ 2‬ص ‪ 62‬السية اللبية ج ‪ 1‬ص ‪ 311‬شواهد التنيل للحسكان ج ‪1‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪ 371‬كن العمال ج ‪ 15‬ص ‪. 15‬‬


‫تاريخ ابن عساكر ج ‪ 1‬ص ‪ 85‬تفسي الازن لعلء الدين الشافعي ج ‪ 3‬ص ‪. 371‬‬
‫حياة ممد لسي هيكل الطبعة الول باب و أنذر عشيتك القربي ‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫الطب عة الثان ية و ما بعد ها حذف من الد يث قوله ( صيلى ال علييه و آله ) ( و صيي و خليف ت من بعدي ) ‪،‬‬
‫كذلك حذفوا من تفسي الطبي الزء ‪ 19‬صفحة ‪ 121‬قوله ( وصيي و خليفت ) و أبدلوها بقوله‬
‫إن هذا أ خي و كذا و كذا ‪ ! ! . .‬و غفلوا عن أن ال طبي ذ كر الد يث بكامله ف تاري ه الزء ‪2‬‬
‫صفحة ‪. 319‬‬
‫أن ظر ك يف يرفون الكلم عن مواض عه و يقلبون المور ‪ ،‬يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواه هم‬
‫و ال متم نوره ‪. .‬‬
‫و خلل البحيث الذي قميت بيه أردت الوقوف على جليية الال فبحثيت عين الطبعية الول‬
‫لكتاب " حياة ممد " و تصلت عليها بمد ال بعد عناء و مشقة و قد كلفن ذلك كثيا ‪ ،‬و الهم‬
‫أنن اطلعت على ذلك التحريف و زادن ذلك يقينا بأن أهل السوء ياولون جهدهم أن يحوا القائق‬
‫الثابتة لنا حجة قوية لدى ( خصومهم ) ! ‪.‬‬
‫و لكن الباحث النصف عندما يقف على شيء من هذا التحريف و التزييف يزداد عنهم بعدا و‬
‫يعرف بل شك أنم ل حجة لديهم غي التضليل و الدس و قلب القائق بأي ثن ‪ ،‬و لقد استأجروا‬
‫كتابا كثيين و أغدقوا عليهم الموال كما أغدقوا عليهم اللقاب و الشهادات الامعية الزيفة ليكتبوا‬
‫لم ما يريدون من الكتب و القالت الت تشتم الشيعة و تكفرهم و تدافع بكل جهد و إن كان باطل‬
‫عن كرا مة ب عض ال صحابة النقلب ي على أعقاب م و الذ ين بدلوا ب عد ر سول ال ال ق بالبا طل { ‪...‬‬
‫ك قَا َل الّذِي نَ مِن قَبِْلهِم مّْث َل َقوِْلهِ مْ َتشَاَبهَ تْ قُلُوُبهُ مْ قَدْ بَيّنّا اليَا تِ لِقَوْ مٍ يُوقِنُو نَ } ‪ ، 1‬صدق ال‬
‫كَ َذلِ َ‬
‫العظيم ‪.‬‬
‫***‬

‫سورة البقرة ( ‪ ، ) 2‬الية ‪. 118 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪149‬‬
‫الحاديث الصحيحة‬
‫الت توجب أتباع أهل البيت‬
‫‪ - 1‬حديث الثقلي‬
‫قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪:‬‬
‫" يا أيها الناس إن تركت فيكم ما إن أخذت به لن تضلوا كتاب ال و عترت أهل بيت " و قال‬
‫أيضا ‪:‬‬
‫" يو شك أن يأ ت ر سول ر ب فأج يب و إ ن تارك في كم الثقل ي أول ما كتاب ال ف يه الدى و‬
‫النور و أهل بيت ‪ ،‬أذكركم ال ف أهل بيت ‪ ،‬أذكركم ال ف أهل بيت " ‪. 1‬‬
‫و إذا أمعنا النظر ف هذا الديث الشريف الذي أخرجه صحاح أهل السنة و الماعة وجدنا‬
‫أن الشيعة وحدهم هم الذين اتبعوا الثقلي " كتاب ال و العترة النبوية الطاهرة " بينما اتبع أهل السنة‬
‫و الماعة قول عمر " حسبنا كتاب ال " ‪.‬‬
‫و ليت هم اتبعوا كتاب ال بغ ي تأو يل ح سب أهوائ هم فإذا كان ع مر نف سه ل يف هم م نه مع ن‬
‫الكللة و ل عرف م نه آ ية التي مم و عدة أحكام أخرى فك يف ب ن جاء بعده و قلده بدون اجتهاد أو‬

‫صحيح مسلم باب فضائل علي ج ‪ 5‬ص ‪ 122‬صحيح الترمذي ج ‪ 5‬ص ‪. 328‬‬ ‫‪1‬‬

‫مستدرك الاكم ج ‪ 3‬ص ‪ 148‬مسند المام أحد بن حنبل ج ‪ 3‬ص ‪. 17‬‬


‫‪150‬‬
‫اجتهد برأيه ف النصوص القرآنية ‪ ،‬و بطبيعة الال سوف يردون علي بالديث الروي عندهم و هو "‬
‫تركت فيكم كتاب ال و سنت " ‪. 1‬‬
‫و هذا الدييث إن صيح و هيو صيحيح في معناه ‪ ،‬لن معني العترة بقوله ( صيلى ال علييه و آله ) في‬
‫حدييث الثقليي التقدم هيو الرجوع إل أهيل بيتي ليعلموكيم ‪ -‬أول ‪ -‬سينت ‪ ،‬أو لينقلوا إليكيم‬
‫الحاديث الصحيحة لنم منهون عن الكذب و إن ال سبحانه عصمهم بآية التطهي ‪.‬‬
‫و ثانيا ‪ :‬لكي يفسروا لكم معانيها و مقاصدها ‪ ،‬لن كتاب ال وحده ل يكفي للهداية فكم‬
‫من فر قة ت تج بكتاب ال و هي ف الضللة ك ما ورد ذلك عن ر سول ال عند ما قال ‪ " :‬كم من‬
‫قارئ للقرآن و القرآن يلعنه " ‪.‬‬
‫فكتاب ال صامت ‪ ،‬و حال أو جه ‪ ،‬و ف يه الح كم و التشا به و ل بد لفه مه من الرجوع إل‬
‫الراسخي ف العلم حسب التعبي القرآن و إل أهل البيت حسب التفسي النبوي ‪.‬‬
‫فالشيعة يرجعون كل شيء إل الئمة العصومي من أهل البيت النبوي و ل يتهدون إل ف ما‬
‫ل نص فيه ‪.‬‬
‫و نن نرجع ف كل شيء إل الصحابة سواء ف تفسي القرآن أو ف إثبات السنة و تفسيها ‪،‬‬
‫و قد علمنا أحوال الصحابة و ما فعلوه و ما استنبطوه و اجتهدوا فيه بآرائهم مقابل النصوص الصرية‬
‫و هي تعد بالئات فل يكن الركون إل مثلهم بعد ما حصل منهم ما حصل ‪.‬‬
‫و إذا سألنا علماءنا ‪ ،‬أي سنة تتبعون ؟ لجابوا قطعا ‪ :‬سنة رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬
‫و الواقع التاريي ل ينسجم مع ذلك ‪ ،‬فقد رووا أن الرسول نفسه قال ‪:‬‬
‫" عليكم بسنت و سنة اللفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " إذا فالسنة الت يتبعونا هي‬
‫ف أغلب الحيان سنة اللفاء الراشد ين و ح ت سنة الر سول ال ت يقولون ب ا ف هي الرو ية عن طر يق‬
‫هؤلء ‪.‬‬
‫على أن نا نروي ف صحاحنا أن الر سول منع هم من كتا بة سننه لئل تتلط بالقرآن ‪ ،‬و كذلك‬
‫فعل أبو بكر و عمر إبان خلفتيهما ‪ ،‬فل يبقى بعد هذا حجة ف قولنا " تركت فيكم سنت " ‪. 2‬‬

‫أخرج مسلم ف صحيحه و النسائي و الترمذي و ابن ماجه و أب داوود ف سننهم الديث الذكور ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ورد بلفيظ ( كتاب ال و عترتي ) مسيندا إل رسيول ال ( صيلى ال علييه و آله ) ‪ .‬أميا لفيظ سينت فلم يرد في أي مين‬
‫‪2‬‬

‫الصحاح الست ‪ ،‬و قد أخرج الديث بذا اللفظ مالك بن أنس ف موطئه و نقله مرسل غي مسند ‪ ،‬و أخذ عنه بعد ذلك‬
‫‪151‬‬
‫و الذي ذكرته ف هذا البحث من المثلة ‪ -‬و ما ل أذكره هو أضعاف ذلك ‪ -‬كاف لرد هذا‬
‫الديث لن من سنة أب بكر و عمر و عثمان ما يناقض سنة النب و يبطلها ‪ ،‬كما ل يفى ‪.‬‬
‫و إذا كانت أول حادثة وقعت بعد وفاة رسول ال مباشرة و سجلها أهل السنة و الماعة و‬
‫الؤرخون ‪ :‬هي ماصمة فاطمة الزهراء لب بكر الذي احتج بديث " نن معشر النبياء ل نورث ما‬
‫تركناه صدقة " ‪.‬‬
‫هذا الد يث الذي كذب ته فاط مة الزهراء و أبطل ته بكتاب ال ‪ ،‬و احت جت على أ ب ب كر بأن‬
‫أباها رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ل يكنه أن يناقض كتاب ال الذي أنزل عليه إذ يقول سبحانه و تعال‬
‫ظ الُنثَيَيْنِ ‪. 1 } ...‬‬ ‫‪ { :‬يُوصِي ُكمُ الّل ُه فِي َأ ْولَ ِدكُمْ لِلذّكَرِ مِثْلُ َح ّ‬
‫و هي عا مة تش مل ال نبياء و غ ي ال نبياء ‪ ،‬و احت جت عل يه بقوله تعال ‪َ { :‬و َورِ ثَ سُلَْيمَانُ‬
‫دَاوُودَ } ‪ 2‬و كلها نب ‪.‬‬
‫و قوله عز من قائل ‪ ... { :‬فَهَ بْ لِي مِن لّدُن كَ َولِيّ ا * يَرِثُنِي وَيَرِ ثُ مِ نْ آلِ يَعْقُو بَ وَاجْعَلْ هُ‬
‫ب َرضِيّا } ‪. 3‬‬ ‫رَ ّ‬
‫و الاد ثة الثان ية ال ت وق عت ل ب ب كر ف أيام خلف ته و سجلها الؤرخون من أ هل ال سنة و‬
‫الما عة اختلف فيها مع أقرب الناس إليه و هو عمر بن الطاب تلك الادثة ال ت تتلخص ف قراره‬
‫بحاربة ما نعي الزكاة و قتلهم فكان عمر يعارضه و يقول له ل تقاتلهم لن سعت رسول ال ( صلى ال‬

‫عليه و آله ) يقول ‪ " :‬أمرت أن أقاتل الناس حت يقولوا ‪ :‬ل إله إل ال ممد رسول ال ‪ ،‬فمن قالا عصم‬
‫من ماله و دمه و حسابه على ال " ‪.‬‬
‫و هذا نص أخرجه مسلم ف صحيحه جاء فيه ‪ " :‬إن رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) أعطى الراية إل‬
‫علي يوم خيب فقال علي ‪ :‬يا رسول ال على ماذا أقاتلهم ؟ فقال ( صلى ال عل يه و آله ) قاتلهم حت يشهدوا‬

‫البعض كالطبي و ابن هشام و نقلوه مرسل كما ورد عن مالك ‪.‬‬
‫سورة النساء ( ‪ ، ) 4‬الية ‪. 11 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النمل ( ‪ ، ) 27‬الية ‪. 16 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة مري ( ‪ ، ) 19‬الية ‪ 5 :‬و ‪. 6‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪152‬‬
‫أن ل إله إل ال و أن ممدا رسول ال ‪ ،‬فإن فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم و أموالم إل بقها و‬
‫حسابم على ال " ‪. 1‬‬
‫و لكن أبا بكر ل يقتنع بذا الديث و قال ‪ :‬و ال لقاتلن من فرق بي الصلة و الزكاة فإن‬
‫الزكاة حق الال ‪ ،‬أو قال ‪ " :‬و ال لو منعون عقال كانوا يؤدونه إل رسول ال لقاتلتهم على منعه "‬
‫و اقت نع ع مر بن الطاب ب عد ذلك و قال ‪ :‬ما إن رأ يت أ با ب كر م صمما على ذلك ح ت شرح ال‬
‫صدري ‪ ،‬و لست أدري كيف يشرح ال صدور قوم بخالفتهم سنة نبيهم ! ‪.‬‬
‫و هذا التأويل ‪ ،‬منهم لتبير قتال السلمي الذين حرم ال قتلهم إذ قال ف كتابه العزيز ‪.‬‬
‫{ يَا أَّيهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ ِإذَا ضَرَبْتُ مْ فِي سَبِيلِ الّل ِه فَتَبَيّنُواْ َولَ تَقُولُواْ لِمَ نْ َألْقَى ِإلَيْكُ مُ ال سّلَمَ لَ سْتَ‬
‫ض اْلحَيَاةِ الدّنْيَا فَعِندَ الّلهِ مَغَانِمُ كَِثيَةٌ َكذَلِكَ كُنتُم مّن قَبْ ُل َفمَنّ اللّهُ َعلَيْكُمْ فَتَبَيّنُواْ إِنّ‬ ‫ُمؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَ َ‬
‫الّلهَ كَانَ ِبمَا تَ ْعمَلُونَ خَِبيًا } ‪ . 2‬صدق ال العظيم ‪.‬‬
‫على أن هؤلء الذ ين منعوا إعطاء أ ب ب كر زكات م ل ينكروا وجوب ا و لكن هم تأخروا لي تبينوا‬
‫المر و يقول الشيعة إن هؤلء فوجئوا بلفة أب بكر و فيهم من حضر مع رسول ال حجة الوداع و‬
‫سع منه النص على علي بن أب طالب فتريثوا حت يفهموا القيقة ‪ ،‬و لكن أبا بكر أراد إسكاتم عن‬
‫تلك القي قة و ب ا أن ن ل أ ستدل و ل أح تج ب ا يقوله الشي عة ف سأترك هذه القض ية ل ن يه مه ال مر‬
‫ليبحث فيها ‪.‬‬
‫على أنن ل يفوتن أن أسجل هنا أن صاحب الرسالة ( صلى ال عل يه و آله ) وقعت له ف حياته قصة‬
‫ثعلبة الذي طلب منه أن يدعو له بالغن و أل ف ذلك و عاهد ال أنه يتصدق و دعا له رسول ال و‬
‫أغناه ال من فضله و ضاقت عليه الدينة و أرجاؤها من كثرة إبله و غنمه حت ابتعد و ل يعد يضر‬
‫صلة المعة ‪ ،‬و لا أرسل إليه رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) العاملي على الزكاة رفض أن يعطيهم شيئا‬
‫من ها قائل إن ا هذه جز ية أو أ خت الز ية ‪ ،‬و ل يقاتله ر سول ال و ل أ مر بقتاله و أنزل ف يه قوله ‪:‬‬
‫{ وَمِْنهُم مّ نْ عَا َهدَ الّل هَ لَئِ نْ آتَانَا مِن َفضْلِ هِ لَنَ صّ ّدقَنّ َولَنَكُونَنّ مِ َن ال صّاِلحِيَ * فََلمّا آتَاهُم مّن َفضْلِ هِ‬
‫َبخِلُواْ ِبهِ وََتوَلّواْ وّهُم مّعْ ِرضُونَ } ‪. 3‬‬

‫صحيح مسلم ج ‪ 8‬ص ‪ 51‬كتاب اليان ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النساء ( ‪ ، ) 4‬الية ‪. 94 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة التوبة ( ‪ ، ) 9‬الية ‪ 75 :‬و ‪. 76‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪153‬‬
‫و جاء ثعل بة ب عد نزول الية و هو يب كي و طلب من ر سول ال قبول زكا ته و امت نع الر سول‬
‫حسب ما تقول الرواية ‪.‬‬
‫فإذا كان أبيو بكير و عمير يتبعان سينة الرسيول فلماذا هذه الخالفية و إباحية دماء السيلمي‬
‫البرياء لجرد منيع الزكاة على أن العتذريين لبي بكير و الذيين يريدون تصيحيح خطئه بتأويله بأن‬
‫الزكاة هي حق الال ‪ ،‬ل يبقى لم و ل له عذر بعد قصة ثعلبة الذي أنكر الزكاة و اعتبها جزية ‪ ،‬و‬
‫من يدري لعل أبا ب كر أقنع صاحبه عمر بوجوب قتل من منعوه الزكاة أن تسري دعوتم ف البلد‬
‫السلمية لحياء نصوص الغدير الت نصبت عليا للخلفة ‪ ،‬و لذلك شرح ال صدر عمر بن الطاب‬
‫لقتالم و هو الذي هدد بقتل التخلفي ف بيت فاطمة و حرقهم بالنار من أجل أخذ البيعة لصاحبه ‪.‬‬
‫أما الادثة الثالثة الت وقعت لب بكر ف أول خلفته و خالفه فيها عمر بن الطاب و قد تأول‬
‫فيها النصوص القرآنية و النبوية ‪ :‬فهي قصة خالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة صبا و نزا على‬
‫زوجته فدخل با ف نفس الليلة ‪.‬‬
‫و كان عمر يقول لالد ‪ :‬يا عدو ال قتلت امرءا مسلما ث نزوت على امرأته ‪ ،‬و ال لرجنك‬
‫بالحجار ‪. 1‬‬
‫و لكن أبا بكر دافع عنه و قال ‪ " :‬هبه يا عمر ‪ ،‬تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد " ‪.‬‬
‫و هذه فضيحة أخرى سجلها التاريخ لصحاب من الكابر ! ! إذا ذكرناه ‪ ،‬ذكرناه بكل احترام‬
‫و قداسة ‪ ،‬بل و لقبناه بي " سيف ال السلول " ! ! ‪.‬‬
‫ماذا ع سان أن أقول ف صحاب يف عل م ثل تلك الفعال يق تل مالك بن نويرة الصحاب الليل‬
‫سيد بن تيم و بن يربوع و هو مضرب المثال ف الفتوة و الكرم و الشجاعة ‪.‬‬
‫و قد حدث الؤرخون أن خالدا غدر بالك و أ صحابه ب عد أن وضعوا ال سلح و صلوا جا عة‬
‫فأوثقو هم بالبال و في هم ليلى ب نت النهال زو جة مالك و كا نت من أش هر ن ساء العرب بالمال و‬
‫يقال إنا ل ير أجل منها و فت خالد بمالا ‪ ،‬و قال له مالك ‪ :‬يا خالد أبعثتنا إل أب بكر فيكون هو‬
‫الذي يكم فينا ‪ ،‬و تدخل عبد ال بن عمر و أبو قتادة النصاري و ألا على خالد أن يبعثهم إل أب‬

‫تاريخ الطبي ج ‪ 3‬ص ‪ 280‬تاريخ أب الفداء ج ‪ 1‬ص ‪. 158‬‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ اليعقوب ج ‪ 2‬ص ‪ 110‬الصابة ف معرفة الصحابة ج ‪ 3‬ص ‪. 336‬‬


‫‪154‬‬
‫ب كر فر فض خالد و قال ‪ :‬ل أقال ن ال إن ل أقتله فالت فت مالك إل زوج ته ليلى و قال لالد ‪ :‬هذه‬
‫الت قتلتن ‪ ،‬فأمر خالد بضرب عنقه و قبض على ليلى زوجته و دخل با ف تلك الليلة ‪. 1‬‬
‫ماذا عسان أن أقول ف هؤلء الصحابة الذين يستبيحون حرمات ال و يقتلون النفوس السلمة‬
‫من أجل هوى النفس و يستبيحون الفروج الت حرمها ال ‪ ،‬ففي السلم ل تنكح الرأة التوف زوجها‬
‫إل بعد العدة الت حددها ال ف كتابه العزيز ‪ ،‬و لكن خالدا اتذ إله هواه فتردى و أي قيمة للعدة‬
‫عنده بعد أن قتل زوجها صبا و ظلما و قتل قومه أيضا و هم مسلمون بشهادة عبد ال بن عمر و أب‬
‫قتادة الذي غضب غضبا شديدا ما فعله خالد و انصرف راجعا إل الدينة و أقسم أن ل يكون أبدا ف‬
‫لواء عليه خالد بن الوليد ‪. 2‬‬
‫و حسبنا ف هذه القضية الشهورة أن ننقل اعتراف الستاذ هيكل ف كتابه " الصديق أبو بكر‬
‫" إذ قال تت عنوان " رأي عمر و حجته ف المر " ‪.‬‬
‫" أما عمر ‪ ،‬و كان مثال العدل الصارم ‪ ،‬فكان يرى أن خالدا عدا على امرئ مسلم و نزا على‬
‫امرأته قبل انقضاء عدتا فل يصح بقاؤه ف قيادة اليش حت ل يعود لثلها فيفسد أمر السلمي ‪ ،‬و‬
‫يسيء إل مكانتهم بي العرب قال ‪ :‬و ل يصح أن يترك بغي عقاب على ما أت مع ليلى ‪.‬‬
‫و لو صح أنه تأول فأخطأ ف أمر مالك ‪ ،‬و هذا ما ل ييزه عمر ‪ ،‬و حسبه ما صنع مع زوجته‬
‫ليقام عليه الد ‪ ،‬فليس ينهض عذرا له إنه سيف ال ‪ ،‬و إنه القائد الذي يسي النصر ف ركابه فلو أن‬
‫مثل هذا العذر يقبل لبيحت لالد و أمثاله الحارم ‪ ،‬و لكان أسوأ مثل يضرب للمسلمي ف احترام‬
‫‪3‬‬
‫كتاب ال ‪ ،‬لذلك ل يفتأ عمر يعيد على أب بكر ‪ ،‬و يلح عليه ‪ ،‬حت استدعى خالدا و عنفه ‪" . .‬‬
‫‪.‬‬
‫و هل ل نا أن ن سأل ال ستاذ هي كل و أمثاله من علمائ نا الذ ين يراوغون حفا ظا على كرا مة‬
‫ال صحابة ‪ ،‬هل ل نا أن ن سألم ‪ ،‬لاذا ل ي قم أ بو ب كر ال د على خالد ؟ و إذا كان ع مر ك ما يقول‬

‫تاريخ أب الفداء ج ‪ 1‬ص ‪ 158‬تاريخ اليعقوب ج ‪ 2‬ص ‪. 110‬‬‫‪1‬‬

‫تاريخ ابن الشحنة بامش الكامل ج ‪ 11‬ص ‪ 114‬وفيات العيان ج ‪ 6‬ص ‪. 14‬‬
‫تاريخ الطبي ج ‪ 3‬ص ‪ 280‬تاريخ اليعقوب ج ‪ 2‬ص ‪. 110‬‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ أب الفداء الصابة ج ‪ 3‬ص ‪. 336‬‬


‫كتاب " الصديق أبو بكر " للستاذ هيكل ص ‪. 151‬‬‫‪3‬‬

‫‪155‬‬
‫هي كل مثال العدل ال صارم فلماذا اكت فى بعزله عن قيادة ال يش و ل ي قم عل يه ال د الشر عي ح ت ل‬
‫يكون ذلك أسوأ مثل يضرب للمسلمي ف احترام كتاب ال كما ذكر ؟ و هل احترموا كتاب ال و‬
‫أقاموا حدود ال ؟ كل إن ا ال سياسة و ما أدراك ما ال سياسة ؟ ت صنع العاجيب و تقلب القائق ‪ ،‬و‬
‫تضرب بالنصوص القرآنية عرض الدار ‪.‬‬
‫و هل لنا أن نسأل بعض علمائنا الذين يروون ف كتبهم أن رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) غضب‬
‫غضبا شديدا عندما جاء أسامة ليشفع لمراة شريفة سرقت ‪.‬‬
‫فقال ( صلى ال عليه و آله ) ‪ " :‬و يك أتشفع ف حد من حدود ال و ال لو كانت فاطمة بنت ممد‬
‫سرقت لقطعت يدها ‪ ،‬إنا أهلك من كان قبلكم إذا سرق الشريف تركوه و إذا سرق الضعيف أقاموا‬
‫عليه الد " ‪.‬‬
‫فكيف يسكتون عن قتل السلمي البرياء و الدخول بنسائهم ف نفس الليلة و هن منكوبات‬
‫بوت أزواج هن و يا ليت هم ي سكتون ! و لكن هم ياولون تبير ف عل خالد باختلق الكاذ يب و بلق‬
‫الفضائل و الحاسن له حت لقبوه بسيف ال السلول ‪.‬‬
‫و ل قد أدهش ن ب عض أ صدقائي و كان مشهورا بالزح و قلب العا ن ‪ ،‬فك نت أذ كر له مزا يا‬
‫خالد بن الوليد ف أيام جهالت و قلت له أنه سيف ال السلول ‪ ،‬فأجابن ‪ :‬إنه سيف الشيطان الشلول‬
‫‪ ،‬و ا ستغربت يوم ها ‪ ،‬و ل كن ب عد الب حث ف تح ال ب صيت و عرف ن قي مة هؤلء الذ ين ا ستولوا على‬
‫اللفة و بدلوا أحكام ال و عطلوها و تعدوا حدود ال و اخترقوها ‪.‬‬
‫و خالد بن الول يد له ف حياة ال نب ق صة مشهورة إذ بع ثه ال نب إل ب ن جذي ة ليدعو هم إل‬
‫السلم و ل يأمره بقتالم ‪.‬‬
‫فلم يسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا ‪ :‬صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل و يأسر بم و دفع السرى‬
‫إل أصحابه و أمرهم بقتلهم و امتنع البعض من قتلهم لا تبي لم أنم أسلموا و لا رجعوا و ذكروا‬
‫ذلك النب ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اللهم إن أبرأ إليك ما صنع خالد بن الوليد قالا مرتي ‪ 1‬و بعث علي بن أب طالب إل‬
‫بن جذية و معه مال فودّى لم الدماء و ما أصيبت لم من أموال حت ودّى لم ميلغة الكلب و قام‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 4‬ص ‪ 171‬باب إذا قضى الاكم بور فهو رد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪156‬‬
‫رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه إل السماء حت انه ليى ما تت منكبيه ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬اللهم إن أبرأ إليك ما صنع خالد بن الوليد ثلث مرات ‪. 1‬‬
‫فهل لنا أن نسأل أين هي عدالة الصحابة الزعومة الت يدعونا ‪ ،‬و إذا كان خالد بن الوليد و‬
‫هو عندنا من عظمائنا حت لقبناه بسيف ال أ فكان ربنا يسل سيفه و يسلطه على السلمي و البرياء‬
‫و على الحارم فيهتكها ‪ ،‬ففي ذلك تناقض لن ال ينهى عن قتل النفس و ينهى عن الفحشاء و النكر‬
‫و البغي و لكنه ‪ -‬أي خالد ‪ -‬ف نفس الوقت يسل سيف البغي ليفتك بالسلمي و يهدر دماءهم و‬
‫أموال م و يسب نساءهم و ذراريهم ‪ ،‬إن هذا زور من القول و بتان مبي ‪ ،‬سبحانك ربنا و بمدك‬
‫تبار كت و تعال يت عن ذلك علوا كبيا ‪ ،‬سبحانك ما خل قت ال سماوات و الرض و ما بينه ما‬
‫باطل ‪ ،‬ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ‪.‬‬
‫كيف جاز لب بكر و هو خليفة السلمي أن يسمع بتلكم الرائم الوبقة و يسكت عنها بل و‬
‫يد عو ع مر بن الطاب بأن ي كف ل سانه عن خالد ‪ ،‬و يغ ضب على أ ب قتادة لنكاره ف عل خالد ‪،‬‬
‫أكان مقتنعا حقا بأن خالدا تأول فأخطأ ‪ ،‬فأي حجة بعد هذا على الجرمي و الفاسقي ف هتكهم‬
‫الرمات و ادعائهم التأويل ‪.‬‬
‫أما أنا فل أعتقد بأن أبا بكر كان متأول ف أمر خالد الذي ساه عمر بن الطاب بي " عدو‬
‫ال " و كان من رأيه أن يقتل خالد لنه قتل إمرءا مسلما و يرجه بالجارة لنه زن بزوجة مالك "‬
‫ليلى " و ل يقع شيء من ذلك للقاتل الان بل خرج منها منتصرا على عمر بن الطاب لن أبا بكر‬
‫وقف إل جانبه و هو يعلم حقيقة خالد أكثر من أي أحد ‪ ،‬فقد سجل الؤرخون أنه بعثه بعد تلك‬
‫الواقعة الشينة إل اليمامة الت خرج منها منتصرا و تزوج ف أعقابا بنتا كما فعل مع ليلى و لا تف‬
‫دماء السلمي بعد و ل دماء أتباع مسيلمة ‪ ،‬و قد عنفه أبو بكر على فعلته هذه بأشد ما عنفه على‬
‫فعل ته مع ليلى ‪ ، 2‬و ل شك أن هذه البنت هي الخرى ذات ب عل فقتله خالد و نزا عليها كما ف عل‬
‫بليلى زوجة مالك ‪.‬‬

‫سية ابن هشام ج ‪ 4‬ص ‪ 53‬طبقات ابن سعد ‪ ،‬اُسد الغابة ج ‪ 3‬ص ‪. 102‬‬ ‫‪1‬‬

‫الستاذ هيكل ف كتابه " الصديق أبو بكر " ص ‪ 151‬و ما بعدها ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪157‬‬
‫و إل لا استحق أن يعنفه أبو بكر بأشد ما عنفه على فعلته الول ‪ ،‬على أن الؤرخي يذكرون‬
‫نص الر سالة ال ت ب عث ب ا أ بو ب كر إل خالد بن الول يد و في ها يقول ‪ " :‬لعمري يا بن أم خالد إ نك‬
‫لفارغ تنكح النساء و بفناء بيتك دم ألف و مائت رجل من السلمي ل يف بعد " ‪. 1‬‬
‫و لا قرأ خالد هذا الكتاب قال ‪ :‬هذا عمل العسر يقصد بذلك عمر بن الطاب ‪.‬‬
‫فهذه من ال سباب القو ية ال ت جعلت ن أن فر من أمثال هؤلء ال صحابة ‪ ،‬و من تابعي هم الذ ين‬
‫يتأولون النصوص و يتلقون الروايات اليالية لتبير أعمال أب بكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد‬
‫و معاوية و عمرو بن العاص و إخوانم ‪ ،‬اللهم إن استغفرك و أتوب إليك ‪ ،‬اللهم إن أبرأ إليك من‬
‫أفعال هؤلء و أقوالم الت خالفت أحكامك و استباحت حرماتك و تعدت حدودك ‪ ،‬و اغفر ل ما‬
‫سبق من موالت م إذ ك نت من الاهل ي ‪ ،‬و قد قال ر سولك " ل يعذر الا هل بهله " ‪ ،‬الل هم إن‬
‫ساداتنا و كباءنا قد أضلونا السبيل و حجبوا عنا القيقة و صوروا لنا الصحابة النقلبي بأنم أفضل‬
‫اللق بعد رسولك ‪ ،‬و ل شك إن آباءنا و أجدادنا كانوا ضحية الدس و الغش الذي توخاه المويون‬
‫و من بعدهم العباسيون اللهم فاغفر لم و لنا فأنت تعلم السرائر و ما تفي الصدور و ما كان حبهم‬
‫و تقديرهم و احترامهم لولئك الصحابة إل عن حسن نية على أنم أنصار رسولك ممد صلواتك و‬
‫سلمك عل يه و أحباؤه ‪ . .‬و أ نت تعلم ‪ -‬يا سيدي ‪ -‬حب هم و حب نا للعترة الطاهرة ‪ ،‬الئ مة الذ ين‬
‫أذه بت عن هم الر جس و طهرت م تطهيا و على رأ سهم سيد ال سلمي و أم ي الؤمن ي و قائد ال غر‬
‫الحجلي و إمام التقي سيدنا على بن أب طالب ‪.‬‬
‫و اجعل ن الل هم من شيعت هم و من التم سكي ب بل ولئ هم و ال سائرين على منهاج هم ‪ ،‬و‬
‫الرا كبي ف سفينتهم و ال ستمسكي بعروت م الوث قى و الداخل ي من أبواب م و الدائب ي ف مبت هم و‬
‫مودتم العاملي بأقوالم و أفعالم و الشاكرين لفضلهم و نوالم ‪.‬‬
‫الل هم و احشر ن ف زمرت م ف قد قال نب يك صلواتك عل يه و على آله ‪ " :‬ي شر الرء مع من‬
‫أحب " ‪.‬‬
‫‪ - 2‬حديث السفينة‬
‫قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪:‬‬

‫تاريخ الطبي ج ‪ 3‬ص ‪ ، 254‬تاريخ الميس ج ‪. 343‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪158‬‬
‫‪1‬‬
‫" إنا مثل أهل بيت فيكم مثل سفينة نوح ف قومه ‪ ،‬من ركبها نا و من تلف عنها غرق "‬
‫‪.‬‬
‫" و إنا مثل أهل بيت فيكم مثل باب حطة ف بن إسرائيل من دخله غفر له " ‪. 2‬‬
‫و قد أورد ابن حجر ف كتابه الصواعق الحرقة هذا الديث ث قال ‪ :‬و وجه تشبيههم بالسفينة‬
‫أن من أحب هم وعظمهم شكرا لنع مة مشرف هم ‪ ،‬و أخذا بدي علمائهم ن ا من ظل مة الخالفات ‪ ،‬و‬
‫من تلف عن ذلك غرق ف بر كفر النعم و هلك ف مفاوز الطغيان ‪ ،‬و وجه تشبيههم بباب حطة ‪،‬‬
‫إن ال تعال جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريا ‪ ،‬أو بيت القدس مع التواضع ‪ ،‬و الستغفار‬
‫سببا للمغفرة ‪ ،‬و جعل لذه المة مودة أهل البيت سببا للمغفرة و النجاة ‪.‬‬
‫و يا ليت ن أ سأل ا بن ح جر هل كان من الذ ين ركبوا ال سفينة و دخلوا الباب و أخذوا بدي‬
‫العلماء ‪ ،‬أم أ نه من الذ ين يقولون ما ل يفعلون و يالفون ما يعتقدون ‪ ،‬و كثيون هم أولئك الهلة‬
‫الذين عندما أسألم و احتج عليهم يقولون ل ‪ ،‬نن أول بأهل البيت و بالمام علي من غينا ‪ ،‬نن‬
‫نترم أهل البيت و نقدرهم و ليس هناك من ينكر فضلهم و فضائلهم ! ‪.‬‬
‫نعيم يقولون بألسينتهم ميا لييس في قلوبمي ‪ ،‬أو أنمي يترمونمي و يقدرونمي و لكين يقتدون‬
‫بأعدائهم ‪ ،‬و يقلدونم و من قاتلهم و خالفهم ‪.‬‬
‫أو أن م ف أغلب الحيان ل يعرفون من هم أ هل الب يت و إذا سألتهم من هم أ هل الب يت ؟‬
‫ييبون على الفور ‪ :‬هم نساء النب اللت أذهب ال عنهن الرجس و طهرهم تطهيا ‪ ،‬و قد كشف ل‬
‫أحدهم عن هذا اللغز عندما سألته و أجابن قائل ‪ :‬أهل السنة و الماعة كلهم يقتدون بأهل البيت ‪،‬‬
‫و تعج بت و قلت ك يف ذلك ؟ فقال ‪ :‬قال ر سول ال خذوا ن صف دين كم عن هذه المياء يع ن‬
‫عائشة ‪ ،‬فنحن أخذنا نصف الدين عن أهل البيت ‪ ،‬و على هذا الساس يفهم كلمهم حول احترام و‬
‫تقدير أهل البيت أما إذا سألتهم عن الئمة الثن عشر فل يعرفون منهم غي علي و السن و السي‬
‫مع أنم ل يقولون بإمامة السني ‪ ،‬و هم يترمون معاوية بن أب سفيان الذي دس السم للحسن فقتله‬
‫( و يسمونه " كاتب ي الوحي " ) و عمرو بن العاص كاحترامهم المام علي ‪.‬‬

‫الستدرك للحاكم ج ‪ 3‬ص ‪ 151‬تلخيص الذهب ‪ ،‬ينابيع الودة ص ‪ 30‬و ‪. 370‬‬ ‫‪1‬‬

‫الصواعق الحرقة لبن حجر ص ‪ 184‬و ‪ ، 234‬تاريخ اللفاء للسيوطي و الامع الصغي له ‪ ،‬إسعاف الراغبي ‪.‬‬
‫ممع الزوائد للهيثمي ج ‪ 9‬ص ‪. 168‬‬
‫‪2‬‬

‫‪159‬‬
‫إنه التناقض و اللط و التلبيس تلبيس الق بالباطل و تغليف الضياء بالظلم و إل كيف يتمع‬
‫ف قلب الؤمن حب ال و الشيطان معا ‪ ،‬قال ال ف كتابه الجيد ‪:‬‬
‫جدُ َقوْمًا ُيؤْمِنُو نَ بِاللّ هِ وَالَْيوْ مِ الْآخِرِ ُيوَادّو نَ مَ نْ حَادّ اللّ هَ َورَ سُولَهُ َوَلوْ كَانُوا آبَاءهُ مْ َأوْ‬‫{ لَا َت ِ‬
‫شيَتَهُ مْ ُأ ْولَئِ كَ كَتَ بَ فِي قُلُوِبهِ مُ الْإِيَا نَ وَأَّيدَهُم ِبرُو حٍ مّْن هُ وَُيدْخُِلهُ مْ جَنّا تٍ‬ ‫أَبْنَاءهُ مْ َأوْ ِإ ْخوَاَنهُ مْ َأوْ َع ِ‬
‫َتجْرِي مِن َتحِْتهَا الْأَْنهَارُ خَاِلدِي َن فِيهَا َرضِ يَ اللّ هُ عَْنهُمْ َورَضُوا عَْنهُ ُأ ْولَئِ كَ حِزْبُ اللّ هِ َألَا إِنّ حِ ْزبَ اللّهِ‬
‫ُهمُ اْلمُفِْلحُونَ } ‪. 1‬‬
‫و قال أيضا عز من قائل ‪:‬‬
‫خذُوا َع ُدوّي وَ َع ُد ّوكُ مْ َأ ْولِيَاء ُتلْقُو نَ ِإلَيْهِم بِاْلمَوَدّةِ وََقدْ كَفَرُوا بِمَا‬‫{ يَا أَيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوا لَا تَّت ِ‬
‫جَاءكُم مّ َن اْلحَقّ ‪. 2 } ...‬‬
‫‪ - 3‬حديث من سره أن ييا حيات‬
‫قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪:‬‬
‫" من سره أن ييا حيات ‪ ،‬و يوت مات ‪ ،‬و يسكن جنة عدن غرسها رب ‪ ،‬فليوال عليا من‬
‫بعدي و ليوال وليه ‪ ،‬و ليقتد بأهل بيت من بعدي ‪ ،‬فإنم عترت خلقوا من طينت ‪ ،‬و رزقوا فهمي و‬
‫علمي ‪ ،‬فويل للمكذبي بفضلهم من أمت ‪ ،‬القاطعي فيهم صلت ‪ ،‬ل أنالم ال شفاعت " ‪. 3‬‬
‫و هذا الديث هو كما نرى من الحاديث الصرية الت ل تقبل التأويل و ل تترك للمسلم أي‬
‫اختيار بل تقطع عليه كل حجة ‪ ،‬و إذا ل يوال عليا و يقتد بأهل البيت عترة الرسول فهو مروم من‬
‫شفاعة جدهم رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬
‫و تدر الشارة هنا بأنه خلل البحث الذي قمت به شككت ف البدء ف صحة هذا الديث‬
‫و استعظمته لا فيه من تديد و وعيد لن كان على خلف مع علي و أهل البيت و خصوصا أن هذا‬
‫الديث ل يقبل التأويل ‪ ،‬و خفت الوطأة عندما قرأت ف كتاب الصابة لبن حجر العسقلن بعدما‬
‫أخرج الد يث قوله ‪ " :‬قلت ف أ سناده ي ي بن يعلى الحار ب و هو واه " و أزال ا بن ح جر بذا‬

‫سورة الجادلة ( ‪ ، ) 58‬الية ‪. 22 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة المتحنة ( ‪ ، ) 60‬الية ‪. 1 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫مستدرك الاكم ج ‪ 3‬ص ‪ 128‬الطبان ف الامع الكبي الصابة لبن حجر العسقلن ‪ ،‬كن العمال ج ‪ 6‬ص ‪. 155‬‬ ‫‪3‬‬

‫الناقب للخوارزمي ص ‪ 34‬ينابيع الودة ص ‪ . 149‬حلية الولياء ج ‪ 1‬ص ‪ 86‬تاريخ ابن عساكر ج ‪ 2‬ص ‪. 95‬‬
‫‪160‬‬
‫القول بعض الشكال الذي علق بذهن إذ تصورت أن يي بن يعلى الحارب هو واضع الديث و هو‬
‫ليس بثقة ‪ ،‬و لكن ال سبحانه و تعال أراد أن يوقفن على القيقة بكاملها ‪ ،‬و قرأت يوما كتاب "‬
‫مناقشات عقائدية ف مقالت إبراهيم البهان " ‪. 1‬‬
‫و أوقفن هذا الكتاب على جلية الال إذ تبي أن يي بن يعلى الحارب هو من الثقات الذين‬
‫اعتمد هم الشيخان م سلم و البخاري ‪ ،‬و تتب عت بنف سي فوجدت البخاري يرج له أحاد يث ف باب‬
‫غزوة الديبية من جزئه الثالث ف صفحة عدد ‪ ، 31‬كما أخرج له مسلم ف صحيحه ف باب الدود‬
‫من جزئه الا مس ف صفحة عدد ‪ 119‬و الذ هب نف سه ‪ -‬على تشدده ‪ -‬أر سل توثي قة إر سال‬
‫السلمات و قد عده أئمة الرح و التعديل من الثقات و احتج به الشيخان فلماذا هذا الدس و التزوير‬
‫و تقل يب القائق و الط عن ف ر جل ث قة اح تج به أ هل ال صحاح ؟ أ ل نه ذ كر القي قة النا صعة ف‬
‫وجوب القتداء بأهل البيت فكان جزاؤه من ابن حجر التوهي و التضعيف ‪ ،‬و قد فات ابن حجر أن‬
‫مين ورائه علماء جهابذة ياسيبونه على كيل صيغية و كيبية و يكشفون تعصيبه و جهله لنمي‬
‫يستضيئون بنور النبوة و يهتدون بدى أهل البيت ‪.‬‬
‫و عرفت بعد ذلك أن ببعض علمائنا ياولون جهدهم تغطية القيقة لئل ينكشف أمر الصحابة‬
‫و اللفاء الذين كانوا أمراءهم و قدوتم فتجدهم مرة يتأولون الحاديث الصحيحة الثابتة و يملونا‬
‫غ ي معاني ها ‪ ،‬مثال ذلك تأويل هم لع ن الول بدل الول إل مع ن ال حب و النا صر ف حد يث " من‬
‫ك نت موله فهذا علي موله " ‪ ،‬فعلماء أ هل ال سنة يقولون ب صحة الد يث و ل كن ي ب تأويله إل‬
‫معن الحب و الناصر و ذلك لتصحيح خلفة أب بكر و عمر و عثمان و إل لوجب أن يكون علي‬
‫كرم ال وجهه أول منهم جيعا ‪ ،‬و هذا فيه ما فيه من تفسيق أكثر الصحابة الذين بايعوا أبا بكر و‬
‫هو من كر من القول ‪ ،‬هذا قول علماء أ هل ال سنة و الما عة ك ما صرح ل به كث ي من علمائ نا ف‬
‫تونس ! و لا قلت لم أن رسول ال ( صلى ال عل يه و آله و سلم ) قبلَ الديث و خلل الطبة سألم ( ألست‬
‫أول ب كم من أنف سكم ؟ قالوا ‪ :‬بلى ع ند ذلك قال " من ك نت موله فهذا علي موله " ) ‪ ،‬أجاب‬
‫البعض بأن هذا من زيادات الشيعة ‪ ،‬و عندما سألتهم ‪ :‬أيعقل أن يمع رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) و‬

‫مناقشات عقائدية ف مقالت إبراهيم البهان صفحة ‪. 29‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪161‬‬
‫سلم مائة ألف من الجيج ف حر الجي و يبسهم ف الشمس الحرقة ليقول لم بأن عليا مب و‬
‫ناصر السلمي ؟ أ هذا معقول ؟ ؟ فسكتوا و ل ييبوا ‪.‬‬
‫و مرة يكذبون الحاديث الت تناقض مذهبهم و إن وردت ف صحاحهم و أسانيدهم ‪ ،‬مثال‬
‫ذلك حديث " اللفاء من بعدي إثنا عشر كلهم من قريش و ف رواية كلهم من بن هاشم " و قد‬
‫أخرج الد يث كل من البخاري و م سلم و كل صحاح أ هل ال سنة و الما عة ‪ ،‬و مع ذلك ف هم‬
‫يكذبون أن يكون هؤلء هم الئمة الثنا عشر من أهل البيت الذين تقول بإمامتهم و ولئهم الشيعة‬
‫المامية الثنا عشرية ‪ ،‬و هم يعدون اللفاء الراشدين الربعة و منهم من يلحق بم الليفة عمر بن‬
‫عبد العزيز فيصح العدد خسة و يتوقفون عند ذلك لنم ‪ ،‬و الق معهم ل يعدون معاوية و ابنه يزيد‬
‫و ل مروان بن الكم و أولده من اللفاء الراشدين ‪ ،‬و يبقى العدد ( إثنا عشر ) بالنسبة إليهم لغزا‬
‫ليس له حل اللهم إل إذا قالوا بقول المامية ! ‪.‬‬
‫و مرة يذفون من الديث نصفه أو ثلثيه ليبدلوه بي ( كذا و كذا ) ! ! و مثال ذلك حديث‬
‫" إن هذا أ خي و و صيي و خليف ت من بعدي فا سعوا له و أطيعوا " قاله و هو آ خذ برق بة علي و قد‬
‫أخرج هذا الد يث كل من ال طبي ف تاري ه و ا بن الث ي ف كامله و كذلك ك ن العمال و م سند‬
‫المام أحد و صاحب ال سية اللب ية و ا بن عساكر و ل كن الذي ط بع كتاب تفسي ال طبي ج ‪19‬‬
‫ص ‪ 121‬ل يترك الديث كامل كما نطق به رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) و سلم بل حذف منه كل‬
‫معانيه و أبدلا بقوله " إن هذا أخي و كذا و كذا ! ! " و غفل عن أن الطبي أخرج الديث كامل‬
‫ف تاريه ج ‪ 2‬ص ‪ ، 321 - 319‬إنا المانة العلمية ‪ ،‬و لعل هذا العال ل تكنه اليل من تكذيب‬
‫الد يث و رأى أن ف يه ن صا صريا على خل فة علي ب عد ر سول ال ( صلى ال عل يه و آله ) و سلم فع مد إل‬
‫تغطية هذه النصوص و تبديلها بكذا و كذا و ظن هذا السكي بأنه سوف يجب نور الشمس عندما‬
‫يغمض هو عينيه ‪ ،‬أو أنه سوف يقنع القراء و الثقفي بقوله ‪ :‬كذا و كذا ‪ ،‬كل إنا كلمة هو قائلها !‬
‫!‪.‬‬
‫و مرة يشككون ف الرواة الثقاة لنم حدثوا با ل توى أنفسهم ‪ ،‬مثال ذلك طعنهم ف يي‬
‫بن يعلى الحارب و هو من الثقاة الذ ين احتج بم البخاري و مسلم ف الصحاح و ل كن ا بن حجر‬
‫العسقلن طعن به و وصفه بأنه واه ‪ ،‬ل إل أنه روى حديث الوالة الذي أمر فيه رسول ال ( صلى ال‬

‫‪162‬‬
‫عل يه و آله و سلم ) أ صحابه بأن يوالوا من بعده عل يا و أ هل الب يت ‪ ،‬و هذا الد يث ل يروق ل بن ح جر و‬
‫أمثاله الذين ياولون جهدهم طمس القائق الت أنفق معاوية بن أب سفيان كل ما يلك من الذهب و‬
‫الفضة ف سبيل طمسها فلم يفلح ‪ ،‬فكيف يكن لبن حجر أن يطمسها بطعنه ف الرواة الثقاة ‪ ،‬و قد‬
‫كان لعاو ية زيادة على الال ‪ ،‬الول و الطول و ال سلطة و الاه و مع ذلك ف شل فشل ذريعا و طواه‬
‫الزمان ف خب كان بينما بقي نور المام علي يشع على مر اليام ‪ ،‬فكيف يتسن لبن حجر و أضرابه‬
‫أن يشككوا ف حقيقة أهل البيت بجرد الطعن ف الرواة المناء الثقاة ؟ ؟ فهيهات هيهات أن ينطفئ‬
‫نور ال بالفواه ! ‪. .‬‬
‫و مرة يرجون الد يث ف الطب عة الول و يذفو نه ف الطبعات الخرى بدون أي إشارة إل‬
‫مبر الذف رغم أن الطلعي يدركون سبب ذلك ! ! مثال ذلك ما فعله ممد حسي هيكل ف كتابه‬
‫" حياة ممد " ف الطبعة الول ص ‪ 104‬قال ‪:‬‬
‫عندما نزل قوله سبحانه ( و أنذر عشيتك القربي ) ث أورد القصة كما ذكرها الؤرخون و‬
‫ف أخرها قال رسول ال ( صلى ال عليه و آله و سلم ) " إن هذا أخي و وصيي و خليفت فيكم ‪ " ! ! ..‬و لكنه‬
‫حذفها ف الطبعة الثانية و ما بعدها من الطبعات بدون إشارة و ل تعليق يشيان من قريب أو من بعيد‬
‫لسبب حذفه هذه الفقرة من حديث الرسول ( صلى ال عليه و آله و سلم ) و إن كان الشيخ ممد جواد مغنية ‪-‬‬
‫و العهدة عليه ‪ -‬نقل ف كتابه " الشيعة ف اليزان " هذه الادثة و قال أن ممد حسي هيكل حذف‬
‫هذه الفقرة مقابل آلف النيهات ‪ ،‬و با أن هيكل ل يكذب الب و ل يعلل حذفه للفقرة الذكورة ‪،‬‬
‫فقد تبي صدق الشيخ ممد جواد مغنية ‪ ،‬و إطلعه الواسع على مريات المور ! ‪.‬‬
‫على أننيا نقول لؤلء و أمثالمي الذيين يشترون بآيات ال ثنيا قليل ‪ :‬إتقوا ال و قولوا قول‬
‫سديدا و تذكروا قوله سبحانه و تعال ‪ { :‬إِنّ اّلذِينَ يَكُْتمُونَ مَا أَن َزلْنَا مِ َن الْبَيّنَاتِ وَاْل ُهدَى مِن بَعْدِ مَا‬
‫بَيّنّا هُ لِلنّا سِ فِي الْكِتَا بِ أُولَئِ كَ يَلعَُنهُ مُ اللّ هُ وَيَلْعَُنهُ مُ اللّاعِنُو نَ } ‪ ،‬سورة البقرة آ ية ‪ ، 159‬و قوله‬
‫سبحانه و تعال ‪ { :‬إِنّ اّلذِي نَ يَكُْتمُو نَ مَا أَن َزلَ اللّ هُ ِم َن الْكِتَا بِ وََيشْتَرُو نَ بِ هِ َثمَنًا قَلِيلً أُولَئِ كَ مَا‬
‫يَ ْأكُلُو َن فِي بُطُوِنهِ مْ ِإ ّل النّارَ َولَ يُ َكّلمُهُ مُ اللّ هُ َيوْ َم الْقِيَامَ ِة َولَ يُ َزكّيهِ مْ وََلهُ مْ َعذَا بٌ َألِي مٌ } ‪ ،‬سورة‬
‫البقرة آية ‪. 174‬‬

‫‪163‬‬
‫فهل لؤلء أن يتوبوا إل ال و يعترفوا بالق عسى أن يتوب ال عليهم ‪ ،‬قبل فوات الوان ؟ ؟‬
‫؟‪.‬‬
‫و قد تقق لدي كل هذا بعد البحث و التمحيص و عندي أدلة قاطعة على ما أقول ‪ ،‬فليتهم‬
‫إذ ياولون عبثيا كيل هذه الحاولت لتيبير أعمال الصيحابة الذيين انقلبوا على العقاب ‪ ،‬فجاءت‬
‫أقوالم متناقضة بعضها مع بعض و متناقضة مع التاريخ ‪.‬‬
‫ليتهم اتبعوا الق و لو كان مُرا إذا لراحوا و استراحوا ‪ ،‬و لكانوا سببا ف جع شل هذه المة‬
‫التمزقة و التناحرة ل لشيء إل لتأييد أقوالم أو تفنيدها ‪.‬‬
‫و إذا كان بعض الصحابة الولي غي ثقاة ف نقل الحاديث النبوية الشريفة فيبطلون منها ما ل‬
‫يتماشى و أهواءهم و خصوصا إذا كانت هذه الحاديث من الوصايا الت أوصى با رسول ال ( صلى ال‬

‫عليه و آله ) عند وفاته ‪ ،‬فقد أخرج البخاري و مسلم أن رسول ال أوصى عند موته بثلث ‪:‬‬
‫‪ -‬أخرجوا الشركي من جزيرة العرب ‪.‬‬
‫‪ -‬أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ‪ . .‬ث يقول الراوي ‪:‬‬
‫و نسيت الثالثة ‪. 1‬‬
‫فهل يعقل أن الصحابة الاضرين الذين سعوا وصايا الرسول الثلث عند موته ينسون الوصية‬
‫الثالثية و هيم الذيين كانوا يفظون القصيائد الشعريية الطويلة بعيد سياعها مرة واحدة ؟ كل و لكين‬
‫السياسة هي الت أجبتم على نسيانا و عدم ذكرها ‪ ،‬إنا مهزلة أخرى من مهازل هؤلء الصحابة ‪،‬‬
‫و لن الو صية الول لر سول ال كا نت ‪ -‬بل شك ‪ -‬ا ستخلف علي بن أ ب طالب فلم يذكر ها‬
‫الراوي ‪.‬‬
‫مع أن الباحث ف هذه السألة يد رائحة الوصية لعلي تفوح رغم كتمانا و عدم ذكرها فقد‬
‫أخرج البخاري ف صحيحه ف كتاب الوصايا كما أخرج مسلم أيضا ف صحيحه ف كتاب الوصية‬
‫أنه ذكر عند عائشة أن النب أوصى إل علي ‪ ، 2‬أنظر كيف يظهر ال نوره و لو ستره الظالون ‪.‬‬

‫صيحيح البخاري ج ‪ 1‬ص ‪ 121‬باب جوائز الوفيد مين كتاب الهاد و السيي ‪ ،‬صيحيح مسيلم ج ‪ 5‬ص ‪ 75‬كتاب‬ ‫‪1‬‬

‫الوصية ‪.‬‬
‫صحيح البخاري ج ‪ 3‬ص ‪ 68‬باب مرض النب و وفاته صحيح مسلم ج ص ‪ 14‬من كتاب الوصية ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪164‬‬
‫أعود فأقول إذا كان هؤلء الصحابة غي ثقاة ف نقل وصايا رسول ال فل لوم بعد ذلك على‬
‫التابعي و تابعي التابعي ‪.‬‬
‫و إذا كانت عائشة أم الؤمني ل تطيق ذكر اسم علي و ل تطيب لا نفسا بي كما ذكر ذلك‬
‫ا بن سعد ف طبقا ته ‪ 1‬و البخاري ف صحيحه ( باب مرض ال نب و وفا ته ) و إذا كا نت ت سجد ل‬
‫شكرا عندما سعت بوته ‪ ،‬فكيف يرجى منها ذكر الوصية لعلي و هي من عرفت لدى الاص و العام‬
‫بعدائها و بغضها لعلي و أولده و لهل بيت الصطفى ‪.‬‬
‫فل حول و ل قوة إل بال العلي العظيم ‪.‬‬
‫***‬

‫طبقات ابن سعد القسم الثان من الزء ‪ 2‬ص ‪. 29‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪165‬‬
‫( ‪) 197‬‬

‫مصيبتنا ف الجتهاد مقابل النصوص‬


‫ا ستنتجت من خلل الب حث أن م صيبة ال مة ال سلمية انرت علي ها من الجتهاد الذي دأب‬
‫عل يه ال صحابة مقا بل الن صوص ال صرية فاختر قت بذلك حدود ال و م قت ال سنة النبو ية و أ صبح‬
‫العلماء و الئمية بعيد الصيحابة يقيسيون على اجتهادات الصيحابة و يرفضون بعيض الحيان النيص‬
‫النبوي إذا تعارض مع ما فعله أحد الصحابة ‪ ،‬أو حت النص القرآن و لست مبالغا و قد قدمت كيف‬
‫أنم رغم وجود النص على التيمم ف كتاب ال و سنة الرسول الثابتة رغم كل ذلك اجتهدوا ‪ ،‬فقالوا‬
‫بترك الصلة مع فقد الاء و قد علل عبد ال بن عمر اجتهاده بالنحو الذي أشرنا إليه ف مكان آخر‬
‫من بثنا ‪.‬‬
‫و من أول الصحابة الذين فتحوا هذا الباب على مصراعيه هو الليفة الثان الذي استعمل رأيه‬
‫مقابل النصوص القرآنية بعد وفاة الرسول ( صلى ال عليه و آله ) فعطل سهم الؤلفة قلوبم الذين فرض ال لم‬
‫سهما من الزكاة و قال ‪ :‬ل حاجة لنا فيكم ‪.‬‬
‫أما اجتهاده ف النصوص النبوية فل يصى و قد اجتهد ف حياة الرسول نفسه و عارضه عدة‬
‫مرات ‪.‬‬
‫و قد أشرنا ف ما سبق إل معارضته ف صلح الديبية و ف منع كتابة الكتاب و قوله حسبنا‬
‫كتاب ال و قد وقعت له حادثة أخرى مع رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) لعلها تعطينا صورة أوضح لنفسية‬
‫عمر الذي أباح لنفسه أن يناقش و يادل و يعارض صاحب الرسالة تلك هي حادثة التبشي بالنة إذ‬
‫ب عث ر سول ال أ با هريرة و قال له من لقي ته يش هد أن ل إله إل ال م ستيقنا ب ا قل به فبشره بال نة ‪،‬‬
‫فخرج ليبشر فلقيه عمر و منعه من ذلك و ضربه حت سقط على أسته ‪ ،‬فرجع أبو هريرة إل رسول‬
‫ال و هو يبكي و أخبه با فعل عمر فقال رسول ال لعمر ما حلك على ما فعلت ؟ قال ‪ :‬هل أنت‬
‫بعث ته ليبشر بالنة من قال ل إله إل ال مستيقنا با قل به ؟ قال ر سول ال ن عم ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬ل تفعل‬
‫فإن أخشى أن يتكل الناس على ل إله إل ال ! ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫و هذا ابنه عبد ال بن عمر يشى أن يتكل الناس على التيمم فيأمرهم بترك الصلة ‪ ،‬و يا ليتهم‬
‫تركوا النصيوص كميا هيي و ل يبدلوهيا باجتهاداتمي العقيمية التي تؤدي إل موي الشريعية و انتهاك‬
‫حرمات ال و تشتيت المة ف متاهات الذاهب التعددة و الراء التشعبة و الفرق التناحرة ‪.‬‬
‫و من مواقف عمر التعددة تاه النب و سنته نفهم بأنه ما كان يعتقد يوما بعصمة الرسول بل‬
‫كان يرى أنه بشر يطئ و يصيب ‪.‬‬
‫و من هنا جاءت الفكرة لعلماء السنة و الماعة بأن رسول ال معصوم ف تبليغ القرآن فقط و‬
‫ما عدا ذلك ف هو ي طئ كغيه من البشر و ي ستدلون على ذلك بأن ع مر صوب رأ يه ف العد يد من‬
‫القضايا ‪.‬‬
‫و إذا كان رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) ‪ -‬كما يروي البعض من الهلة ‪ -‬يقبل مزمارة الشيطان‬
‫ف بيته و هو مستلق على ظهره و النسوة يضربن الدفوف و الشيطان يلعب و يرح إل جانبه حت إذا‬
‫دخل عمر بن الطاب هرب الشيطان و أسرع النسوة فخبأن الدفوف تت استهن و قال رسول ال‬
‫لعمر ما رآك الشيطان سالكا فجا حت سلك فجا غي فجك ‪.‬‬
‫فل غرا بة إذا أن يكون لع مر بن الطاب رأي ف الد ين و أن ي سمح لنف سه بعار ضة ال نب ف‬
‫المور السياسية و حت ف المور الدينية كما تقدم ف تبشي الؤمني بالنة ‪.‬‬
‫و من فكرة الجتهاد و استعمال الرأي مقابل النصوص نشأت أو تكونت مموعة من الصحابة‬
‫و على رأ سهم ع مر بن الطاب و قد رأينا هم يوم الرز ية ك يف ساندوا و عضدوا رأي ع مر مقا بل‬
‫النص الصريح ‪.‬‬
‫و من ذلك أيضا نستنتج أن هؤلء ل يقبلوا يوما نصوص الغدير الت نصب با النب ( صلى ال عليه و‬

‫آله ) علييا خليفية له على السيلمي ‪ ،‬و تينوا الفرصية السيانة لرفضهيا عنيد وفاة النيب فكان اجتماع‬
‫السقيفة و انتخاب أب بكر من نتيجة هذا الجتهاد ‪ ،‬و لا استتب لم المر و تناسى الناس نصوص‬
‫النب بشأن اللفة ‪ ،‬بدأوا يتهدون ف كل شيء حت استطالوا على كتاب ال فعطلوا الدود و أبدلوا‬
‫الحكام فكانت مأساة فاطمة الزهراء بعد مأساة زوجها و إبعاده عن منصة اللفة ‪ ،‬ث كانت مأساة‬
‫ق تل مان عي الزكاة ‪ ،‬و كل ذلك من الجتهاد مقا بل الن صوص ‪ ،‬ث كا نت خل فة ع مر بن الطاب‬
‫نتي جة حتم ية لذلك الجتهاد إذ أن أ با ب كر اجت هد برأ يه و أ سقط الشورى ال ت كان ي ستدل ب ا هو‬

‫‪167‬‬
‫نفسه على صحة خلفته و زاد عمر ف الطي بلة عندما ول اُمور السلمي فأحل ما حرم ال و رسوله‬
‫‪ 1‬و حرم ما أحل ال و رسوله ‪. 2‬‬
‫و لا جاء عثمان بعده ذهب شوطا بعيدا ف الجتهاد فبالغ أكثر من سبقوه حت أثر اجتهاده ف‬
‫الياة السياسة و الدينية بوجه عام فقامت الثورة و دفع حياته ثن اجتهاده ‪.‬‬
‫و لاي ول المام علي أمور السيلمي وجيد صيعوبة كيبية في إرجاع الناس إل السينة النبويية‬
‫الشري فة و حظية القرآن و حاول جهده أن يز يل البدع ال ت أدخلت ف الد ين و ل كن بعض هم صاح‬
‫واسنة عمراه ! و أكاد اعتقد و أجزم بأن الذين حاربوا المام عليا و خالفوه ‪ ،‬إنا فعلوا ذلك لنه ‪-‬‬
‫سيلم ال علييه ‪ -‬حلهيم على الادة و أرجعهيم إل النصيوص الصيحيحة ميتيا بذلك كيل البدع و‬
‫الجتهادت الت ألصقت بالد ين طوال ربع قرن و قد ألف ها الناس و خاصة من هم أصحاب الهواء و‬
‫الطماع الدنيويية الذيين اتذوا مال ال دول و عباد ال خول و كدسيوا الذهيب و الفضية و حرموا‬
‫الستضعفي من أبسط القوق الت شرعها السلم ‪) 200 ( .‬‬
‫و قد ند أن الستكبين ف كل عصر ييلون إل الجتهاد و يطبلون له لنه يفسح لم الجال‬
‫للو صول إل مآرب م من كل طر يق ‪ .‬أ ما الن صوص فتق طع علي هم وجهت هم و تول بين هم و ب ي ما‬
‫يرومون ‪.‬‬
‫ث أن الجتهاد وجد له أنصارا ف كل عصر و مصر حت من الستضعفي أنفسهم لا فيه من‬
‫سهولة التطبيق و عدم اللتزام ‪.‬‬
‫و لن ال نص ف يه التزام و عدم حر ية و قد ي سمى ع ند رجال ال سياسة ال كم الثيوقرا طي يع ن‬
‫حكم ال و لن الجتهاد فيه حرية و عدم إلتزام بالقيود و ربا يسمونه الكم الديقراطي يعن حكم‬
‫الشعب فالذين اجتمعوا ف السقيفة بعد وفاة النب ( صلى ال عليه و آله ) ألغوا الكومة الثيوقراطية الت أسسها‬
‫رسول ال على مبدأ النصوص القرآنية ‪ ،‬و أبدلوها بكومة ديقراطية يتار الشعب فيها من يراه صالا‬
‫لقيادته ‪ ،‬على أن أولئك الصحابة ل يكونوا ليعرفوا كلمة " الديقراطية " لنا ليست عربية و لكنهم‬
‫يعرفون نظام الشورى ‪. 3‬‬

‫كقضية إمضائه الطلق الثلث ‪ ،‬صحيح مسلم باب الطلق الثلث ‪ ،‬سنن أب داوود ج ‪ 1‬ص ‪. 344‬‬ ‫‪1‬‬

‫كتحريه متعة الج و متعة النساء صحيح مسلم كتاب الج صحيح البخاري كتاب الج باب التمتع ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪168‬‬
‫فالذ ين ل يقبلون ال نص على الل فة ‪ -‬اليوم ‪ -‬هم أن صار " الديقراط ية " و يفتخرون بذلك‬
‫مدعي أن السلم هو أول من ارتأى هذا النظام ‪ ،‬و هم أنصار الجتهاد و التجديد و هم اليوم أقرب‬
‫ما يكونون من الن ظم الغرب ية و لذلك ن سمع اليوم من الكومات الغرب ية تجيدا لؤلء و ت سميتهم‬
‫بالسلمي التطورين و التسامي ‪.‬‬
‫أ ما الشي عة أن صار " الثيوقراط ية " أو حكو مة ال و الذ ين يرفضون الجتهاد مقا بل ال نص و‬
‫يفرقون بي حكم ال و الشورى ‪ ،‬فالشورى عندهم ل علقة لا بالنصوص و إنا الجتهاد و الشورى‬
‫ف ما ل نص فيه ‪ ،‬أفل ترى أن ال سبحانه هو الذي اختار رسوله ممدا و مع ذلك قال له ‪... { :‬‬
‫وَشَاوِرْ ُه ْم فِي الَمْرِ ‪. 1 } ...‬‬
‫أما ف ما يتعلق باختيار القادة الذين يقودون البشرية فقال ‪َ { :‬ورَبّكَ َيخُْلقُ مَا َيشَاء وََيخْتَارُ مَا‬
‫كَانَ َل ُهمُ اْلخِيَرَةُ ‪. 2 } ...‬‬
‫فالشيعة إذ يقولون بلفة المام علي بعد رسول ال إنا يتمسكون بالنص و هم إذ يطعنون ف‬
‫ب عض ال صحابة إن ا يطعنون ف الذ ين أبدلوا ال نص بالجتهاد فضيعوا بذلك ح كم ال و ر سوله ‪ ،‬و‬
‫فتحوا ف السلم رتقا ل يلتئم حت اليوم ‪ .‬و من أجل هذا أيضا ند الكومات الغربية و مفكريهم‬
‫ينبذون الشيعة و يسمونم بالتعصب الدين و يسمونم رجعيي لنم يريدون الرجوع إل القرآن الذي‬
‫يقطع يد السارق و يرجم الزان و يأمر بالهاد ف سبيل ال و كل ذلك عندهم عنجهية بربرية ‪.‬‬
‫و فه مت خلل هذا الب حث لاذا أغلق ب عض علماء أ هل ال سنة و الما عة باب الجتهاد م نذ‬
‫فقهاء القرن الثالث للهجرة فرب ا كان ذلك ل ا جره هذا الجتهاد على ال مة من ويلت و م صائب و‬
‫خطوب و حروب دام ية أكلت الخ ضر و اليا بس و قد أبدل الجتهاد خ ي أ مة أخر جت للناس أ مة‬
‫متناحرة متقاتلة تسودها الفوضى و تكم فيها القبلية و تنقلب من السلم إل الاهلية ‪.‬‬
‫رغم أنه ف الواقع ل يصل حت هذا النوع من النتخاب إذ أن الذين انتخبوا ل يلكون حق تثيل المة بأي وجه من‬ ‫‪3‬‬

‫الوجوه علوة على غياب الكثيين من وجوه السلمي الذين لم حق النتخاب فكانت كما جاء ف الشعر النسوب إل أمي‬
‫الؤمني ياطب أبا بكر ‪:‬‬
‫فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بذا و الشيون غيب‬
‫و إن كنت بالقرب حججت خصيمهم * فغيك أول بالنب و أقرب‬
‫سورة آل عمران ( ‪ ، ) 3‬الية ‪. 159 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة القصص ( ‪ ، ) 28‬الية ‪. 68 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪169‬‬
‫بع كس الشيعة الذ ين بقي عند هم باب الجتهاد مفتو حا ما دامت النصوص قائمة و ل يكن‬
‫لي أحد تبديلها و أعانم على ذلك وجود الئمة الثن عشر الذين ورثوا علم جدهم فكانوا يقولون‬
‫ليس هناك مسألة إل و ل حكم فيها و قد بينه رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ‪.‬‬
‫و نفهم أيضا أن أهل السنة و الماعة لا اقتدوا بالصحابة الجتهدين الذين منعوا كتابة السنة‬
‫النبويية وجدوا أنفسيهم مضطريين أمام غياب النصيوص للجتهاد بالرأي و القياس و السيتصحاب و‬
‫سد باب الذرائع إل غي ذلك ‪...‬‬
‫و نف هم أي ضا من كل ذلك أن الشي عة التفوا حول المام علي و هو باب مدي نة العلم و الذي‬
‫كان يقول لم ‪ :‬سلون عن كل شيء فقد علمن رسول ال ألف باب من العلم يفتح لكل باب ألف‬
‫باب ‪ . 1‬بينما التف غي الشيعة حول معاوية بن أب سفيان الذي ل يكن يعرف من سنة النب إل قليل‬
‫‪ .‬و أصبح إمام الفئة الباغية أميا للمؤمني بعد وفاة المام علي فعمل ف دين ال برأيه أكثر من الذين‬
‫سبقوه ‪ ،‬و أ هل ال سنة و الما عة يقولون إ نه كا تب الو حي و إ نه من العلماء الجتهد ين ‪ ،‬ك يف‬
‫يكمون باجتهاده و قد دس السم للحسن بن علي سيد شباب أهل النة فقتله ؟ و لعلهم يقولون ‪:‬‬
‫هذا أيضا من اجتهاده فقد اجتهد و أخطأ ! ‪.‬‬
‫كيف يكمون باجتهاده و قد أخذ البيعة من المة بالقوة و القهر لنفسه ث لبنه يزيد من بعده‬
‫و حول نظام الشورى إل اللكية القيصرية ‪.‬‬
‫ك يف يكمون باجتهاده و يعطو نه أجرا و قد ح ل الناس على ل عن علي و أ هل الب يت ذر ية‬
‫الصطفى من فوق النابر و أصبحت سنة متبعة طوال ستي عاما ‪.‬‬
‫بل كيف يسمونه " كاتب الوحي " ‪ . .‬و قد نزل الوحي على رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) طيلة‬
‫ثلثة و عشرين عاما ‪ ،‬كان معاوية مدة أحد عشر عاما منها مشركا بال ‪ . .‬و لا أسلم بعد الفتح ل‬
‫نعثر على رواية تقول أنه سكن الدينة ف حي أن رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) ل يسكن مكة بعد الفتح ‪.‬‬
‫‪ .‬فكيف تسن لعاوية كتابة الوحي يا ترى ؟ ! ‪.‬‬

‫تاريخ دمشق لبن عساكر ج ‪ 2‬ص ‪ 484‬ترجة المام علي بن أب طالب ‪ .‬مقتل السي للخوارزمي ج ‪ 1‬ص ‪. 38‬‬ ‫‪1‬‬

‫الغدير للمين ج ‪ 3‬ص ‪. 120 -‬‬


‫‪170‬‬
‫فل حول و ل قوة إل بال العلي العظييم ! و السيؤال يعود دائميا ‪ :‬أي الفريقيي على القي و‬
‫أيهما على البا طل ‪ ،‬فإما أن يكون علي و شيع ته ظالي و على غ ي ال ق ‪ ،‬و إ ما أن يكون معاو ية و‬
‫أتباعه ظالي و على غي الق ‪.‬‬
‫و قد أوضح رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) كل شيء غي أن بعض مدعي أتباع السنة يبغونا عوجا‬
‫و قد ات ضح ل من خلل البحث و من خلل الوقوف على الدفاع عن معاو ية إن الدافع ي ع نه هم‬
‫أتباعه و أتباع بن أمية و ليسوا كما يدعون أتباع السنة النبوية ‪ ،‬و خصوصا إذا تتبعت مواقفهم فهم‬
‫يكرهون شي عة علي و يتفلون بيوم عاشوراء عيدا و يدافعون عن ال صحابة الذ ين آذوا ر سول ال ف‬
‫حياته و بعد وفاته و يصححون أخطاءهم و يبرون أعمالم ‪.‬‬
‫ترى ‪ ،‬ك يف تبون عل يا و أ هل الب يت و تترضون ف ن فس الو قت على أعدائ هم و قاتلي هم ؟‬
‫كيف تبون ال و رسوله و تدافعون عمن بدل أحكام ال و رسوله و اجتهد و تأول برأيه ف أحكام‬
‫ال ؟ ‪.‬‬
‫كيف تترمون من ل يترم رسول ال بل يرميه بالجر و يطعن ف إمارته ؟ ! ‪.‬‬
‫ك يف تقلدون أئ مة ن صبتهم الدولة المو ية أو الدولة العبا سية لمور سياسية و تتركون الئ مة‬
‫الذين نص عليهم رسول ال بعددهم ‪ 1‬و بأسائهم ‪ . 2‬كيف تقلدون من ل يعرف النب حق معرفته و‬
‫تتركون باب مدينة العلم و من كان منه بنلة هارون من موسى ؟ !‬
‫* من الذي أطلق مصطلح أهل السنة و الماعة ؟ !‬
‫ل قد ب ثت ف التار يخ فلم أ جد إل أن م اتفقوا على ت سمية العام الذي ا ستول ف يه معاو ية على‬
‫ال كم " عام الما عة " ‪ ،‬و ذلك أن ال مة انق سمت ب عد مق تل عثمان إل ق سمي شي عة علي و أتباع‬
‫معاوية و لا استشهد المام علي و استول معاوية على الكم بعد الصلح الذي أبرمه مع المام السن‬
‫و أ صبح معاو ية هو أم ي الؤمن ي ُسمّيَ ذلك العام " عام الما عة " ‪ ،‬إذا فت سمية " أ هل ال سنة و‬
‫الماعة " دالة على إتباع سنة معاوية و الجتماع عليه و ليست تعن إتباع سنة رسول ال ‪ ،‬فالئمة‬
‫من ذريته و أهل بيته أدرى و أعلم بسنة جدهم من الطلقاء ‪ ،‬و أهل البيت أدرى با فيه ‪ ،‬و أهل مكة‬

‫صحيح البخاري ج ‪ 4‬ص ‪ 164‬صحيح مسلم ص ‪ 119‬ف باب الناس تبع لقريش ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينابيع الودة للقندوزي النفي ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪171‬‬
‫أدرى بشعابا و لكننا خالفنا الئمة الثن عشر الذين نص عليهم رسول ال ( صلى ال عل يه و آله ) و اتبعنا‬
‫أعداءهم ‪.‬‬
‫و رغم اعترافنا بالديث الذي ذكر فيه رسول ال اثن عشر خليفة كلهم من قريش إل أننا‬
‫نتو قف دائ ما ع ند اللفاء الرب عة و ل عل معاو ية الذي سانا " أ هل ال سنة و الما عة " كان يق صد‬
‫الجتماع على ال سنة الت سنها ب سب علي و أ هل الب يت و الت ا ستمرت ستي عاما و ل يقدر على‬
‫إزالتها إل عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه و قد يدثنا بعض الؤرخي أن المويي تآمروا على قتل‬
‫عمر بن عبد العزيز و هو منهم لنه أمات السنة و هي لعن علي بن أب طالب ‪.‬‬
‫يا أهلي و عشيت لنتجه ‪ -‬على هدى ال تعال ‪ -‬إل البحث عن الق و ننبذ التعصب جانبا‬
‫فن حن ضحا يا ب ن أم ية و ب ن العباس و ضحا يا التار يخ الظلم و ضحا يا المود الفكري الذي ضر به‬
‫علينا الوائل ‪ ،‬إننا ل شك ضحايا الدهاء و الكر الذي اشتهر به معاوية و عمرو بن العاص و الغية‬
‫بن شعبة و أضرابم ‪ ،‬ابثوا ف واقع تارينا السلمي لتبلغوا القائق الناصعة و سيؤتيكم ال أجركم‬
‫مرتي فعسى أن يمع ال بكم شل هذه المة الت نكبت بعد موت نبيها و تزقت إل ثلث و سبعي‬
‫فرقة ‪ ،‬هلموا لتوحيدها تت راية ل إله إل ال ممد رسول ال القتداء بأهل البيت النبوي الذين أمرنا‬
‫رسول ال ( صلى ال عليه و آله ) بإتباعهم فقال ‪ " :‬ل تقدموهم فتهلكوا ‪ ،‬و ل تتخلفوا عنهم فتهلكوا ‪ ،‬و ل‬
‫تعلموهم فإنم أعلم منكم " ‪. 1‬‬
‫لو فعلنا ذلك ‪ ،‬لرفع ال مقته و غضبه عنا و ل بدلنا من بعد خوفنا أمنا ‪ ،‬و لكننا ف الرض و‬
‫ا ستخلفنا في ها و ل ظ هر ل نا ول يه المام الهدي عل يه ال سلم الذي وعد نا به ر سول ال ليمل أرض نا‬
‫قسطا و عدلً كما ملئت ظلما و جورا و ليتم به ال نوره ف كل العمورة ‪.‬‬

‫الدر النثور للسيوطي ج ‪ 2‬ص ‪ 60‬ص ‪ 60‬اُسد الغابة ج ‪ 3‬ص ‪ 137‬الصواعق الحرقة لبن حجر ص ‪ 148‬و ‪ 226‬ينابيع‬
‫‪1‬‬

‫الودة ص ‪ 41‬و ‪ 355‬كن العمال ج ‪ 1‬ص ‪ 168‬ممع الزوائد ج ‪ 9‬ص ‪. 163‬‬


‫‪172‬‬
‫( ‪) 205‬‬

‫دعوة أصدقاء للبحث‬


‫كان التحول بدا ية ال سعادة الروح ية إذ أح سست برا حة الضم ي و انشرح صدري للمذ هب‬
‫ال ق الذي اكتشف ته أو قل لل سلم القي قي الذي ل شك ف يه ‪ ،‬و غمرت ن فر حة كبية و اعتزاز ب ا‬
‫أنعم ال عليّ من هداية و رشاد ‪.‬‬
‫و ل يسعن السكوت و التكتم على ما يتلج ف صدري و قلت ف نفسي ‪ :‬ل بد ل من إفشاء‬
‫حدّ ثْ } و هي من أكب النعم أو هي النعمة الكبى ف‬ ‫هذه القيقة على الناس { وَأَمّا بِنِ ْعمَ ِة رَبّ كَ فَ َ‬
‫الدنيا و ف الخرة ‪ ،‬و " الساكت عن الق شيطان أخرس " " و ليس بعد الق " إل " الضلل " ‪.‬‬
‫و الذي زاد شعوري يقي نا بوجوب ن شر هذه القي قة هو براءة أ هل ال سنة و الما عة الذ ين‬
‫يبون رسول ال و أهل بيته و يكفي أن يزول الغشاء الذي نسجه التاريخ حت يتبعوا الق و هذا ما‬
‫وقع ل شخصيا ‪.‬‬
‫قال تعال ‪َ ... { :‬كذَلِكَ كُنتُم مّن قَبْ ُل َفمَنّ اللّهُ َعلَيْ ُكمْ ‪. 1 } ...‬‬
‫و دعوت أربعة أصدقاء من الساتذة العاملي معي ف العهد كان إثنان منهم يدرسان التربية‬
‫الدينية و الثالث يدرس مادة العربية و الرابع كان أستاذ الفلسفة السلمية ‪ .‬ل يكن أربعتهم من قفصة‬
‫بيل كانوا مين تونيس و مين جال و سيوسة ‪ ،‬دعوتمي إل البحيث معيي في هذا الوضوع الطيي و‬
‫أشعرت م بأ ن قا صر عن إدراك ب عض العا ن و قد اضطر بت و تشك كت ف ب عض المور ‪ ،‬و قبلوا‬
‫الجييء إل بيتي بعيد إناء العميل ‪ ،‬و تركتهيم يقرأون كتاب الراجعات على أن مؤلفيه يدعيي أشياء‬
‫عجيبة و غريبة ف الدين ‪ ،‬و قد استهوى الكتاب ثلثة منهم أما الرابع الذي يدرس اللغة العربية فقد‬
‫قاطع نا ب عد أر بع جل سات أو خ س قائل ‪ " :‬إن الغرب الن يغزو الق مر و أن تم ما زل تم تبحثون عن‬
‫اللفة السلمية " ‪.‬‬
‫و ما أن أتمنا الكتاب خلل شهر واحد حت استبصر ثلثتهم و قد أعنتهم كثيا للوصول إل‬
‫القي قة من أقرب الطرق ب ا تكون عندي من سعة الطلع خلل سنوات الب حث و ذ قت حلوة‬
‫الداية و استبشرت بالستقبل و أخذت أدعو ف كل مرة بعض الصدقاء من قفصة و الذين كانت‬

‫سورة النساء ( ‪ ، ) 4‬الية ‪. 94 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪173‬‬
‫تربطن بم حلقات الدرس ف السجد أو العلقات النجرة من الطرق الصوفية و بعض تلميذي الذين‬
‫كانوا يلزمونن و ما مرت سنة واحدة حت أصبحنا بمد ال عددا كبيا نوال أهل البيت ‪ ،‬نوال من‬
‫والهم و نعادي من عاداهم ‪ ،‬نفرح ف أعيادهم و نزن ف عاشورا و نعقد مالس تعزية ‪.‬‬
‫و كانت أول رسائلي الت تمل خب إستبصاري إل السيد الوئي و السيد ممد باقر الصدر‬
‫بنا سبة ع يد الغد ير إذ احتفل نا به أول مرة ف قف صة ‪ ،‬و قد اشت هر أمري لدى الاص و العام بأ ن‬
‫تشيعت و أن أدعو إل التشيع لل بيت الرسول ( صلى ال عليه و آله ) و بدأت التامات و الشاعات تروج‬
‫ف البلد ‪ ،‬على أنن جاسوس لسرائيل أعمل على تشكيك الناس ف دينهم و بأنن أسب الصحابة و‬
‫بأنن صاحب فتنة إل غي ذلك ‪.‬‬
‫و في تونيس العاصيمة اتصيلت بالصيديقي راشيد الغنوشيي و عبيد الفتاح مورو و كانيت‬
‫معارضته ما ل عني فة جدا و ف حد يث دار بين نا ف ب يت ع بد الفتاح ‪ ،‬قلت ي ب علي نا كم سلمي‬
‫مراجعة كتبنا و مراجعة تارينا و ضربت لذلك مثل صحيح البخاري الذي فيه أشياء ل يقبلها عقل و‬
‫ل دين ‪.‬‬
‫و ثارت ثائرت ما قائل ي ل ‪ :‬من أ نت ح ت تنت قد البخاري ؟ و بذلت كل جهدي من أ جل‬
‫إقناعهما بالدخول ف البحث العلمي الوضوعي فرفضا ذلك ‪.‬‬
‫ازدادت على أثره حلة الشاعات ضدنا من قبل البعض و بثوا ف أوساطهم إشاعات غريبة بغية‬
‫إبعاد الناس عن و إحاطت بطوق من العزلة ‪ -‬سامهم ال تعال ي ‪.‬‬
‫و بدأت العزلة من ب عض الشبان و من الشيوخ الذ ين يتبعون الطرق ال صوفية و عش نا فترات‬
‫قاسية غرباء ف ديارنا و بي إخواننا و عشيتنا و لكن ال سبحانه أبدلنا خيا منهم فكان بعض الشبان‬
‫يأتون من مدن أخرى يسألون عن القيقة فكنت أبذل قصارى ما ف وسعي لقناعهم بقيقة منهج‬
‫أ هل الب يت ( علي هم ال سلم ) و بالوا قع التاري ي فا ستبصر عدد من الشبان ف العا صمة و ف القيوان و ف‬
‫سوسة و سيدي بوزيد و كنت خلل رحلت الصيفية إل العراق مررت بأوروبا حيث التقيت بعض‬
‫الصدقاء ف فرنسا و ف هولندا و تدثت معهم ف الوضوع فاستبصروا و المد ل ‪.‬‬
‫و كم كانت فرحت عظيمة عندما قابلت السيد ممد باقر الصدر ف النجف الشرف و كان‬
‫ف بيته نبة من العلماء و أخذ السيد يقدمن إليهم بأن بذرة التشيع لل بيت النب ( صلى ال عل يه و آله ) ف‬

‫‪174‬‬
‫تونس كما أعلمهم بأنه بكى تأثرا عندما وصلته رسالت مهنئة تمل إليه بشرى احتفالنا أول مرة بعيد‬
‫الغدير السعيد و شكوت إليه ما نلقيه من مقاومة و من بث الشاعات ضدنا و العزلة الت نواجهها ‪.‬‬
‫و قال السيد ف معرض كلمه ‪ " :‬لبد " من تمل الشاق لن طريق أهل البيت صعب و وعر‬
‫‪ ،‬و قد جاء رجل إل النب ( صلى ال عل يه و آله ) فقال له ‪ :‬إن أحبك يا رسول ال ! فقال له ‪ :‬أبشر بكثرة‬
‫البتلء ‪ ،‬فقال ‪ :‬و أ حب ا بن ع مك عل يا ! فقال ‪ :‬أب شر بكثرة العداء ‪ .‬فقال ‪ :‬و أ حب ال سن و‬
‫السي ! فقال له ‪ :‬فاستعد للفقر و كثرة البلء ‪ .‬و ماذا قدمنا نن ف سبيل دعوة الق الت دفع ثنها‬
‫أبو عبد ال السي ( عليه السلم ) بنفسه و أهله و ذريته و أصحابه ‪ ،‬كما دفع ثنها الشيعة على مر التاريخ‬
‫و ما زالوا ح ت اليوم يدفعون ث ن ولئ هم ل هل الب يت ‪ ،‬فل بد يا أ خي من ت مل ب عض التعاب و‬
‫التضحية ف سبيل الق فلئن يهدي ال بك رجل واحدا خي لك من الدنيا و ما فيها ‪.‬‬
‫كما نصحن السيد الصدر بعدم النزواء و أمرن بأن أتقرب أكثر من إخوان أهل السنة كلما‬
‫حاولوا البتعاد ع ن ‪ ،‬و أمر ن أن أ صلي خلف هم ح ت ل تكون القطي عة ‪ ،‬و أن أع تبهم أبرياء ف هم‬
‫ضحايا العلم و التاريخ الزيف ‪ ،‬و الناس أعداء ما جهلوا ‪.‬‬
‫و قد ن صحن ال سيد الوئي بالش يء نف سه تقري با ‪ ،‬ك ما كان ال سيد م مد علي الطباطبائي‬
‫الكيم يبعث لنا دائما بنصائحه ف رسائل متعددة كان لا أثر كبي ف سية الخوة الستبصرين على‬
‫الدى ‪.‬‬
‫هذا و قد تعددت زيارات للنجف الشرف و لعلماء النجف ف مناسبات كثية ‪ ،‬ث آليت على‬
‫نف سي أن أق ضى العطلة ال صيفية من كل عام ف رحاب المام علي أح ضر دروس ال سيد م مد با قر‬
‫الصدر الت استفدت منها كثيا و نفعتن أيا نفع كما آليت على نفسي أن أزور مقامات الئمة الثن‬
‫ع شر و قد ح قق ال أمني ت بأن وفق ن ح ت لزيارة المام الر ضا الذي يو جد مرقده ف مش هد و هي‬
‫مدينة قرب الدود الروسية ف إيران و هناك تعرفت على أبرز العلماء و استفدت منهم كثيا ‪.‬‬
‫كميا أعطاني السييد الوئي الذي كنيا نقلده وكالة للتصيرف في الميس و الزكاة و إفادة‬
‫الجموعة الستبصرة عندنا با تتاجه من كتب و إعانات و غي ذلك ‪ ،‬و قد كونت مكتبة مفيدة با‬
‫أهم الصادر الت تص البحث و تمع كتب الفريقي و تمل إسم مكتبة أهل البيت ( عليهم السلم ) و قد‬
‫أفادت الكثيين و المد ل ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫و زاد ال فرحتنا فرحتي و سعادتنا سعادتي فقبل حوال خسة عشر عاما سخر لنا ال الكاتب‬
‫العام لبلدية قفصة فوافق على تسمية الشارع الذي أ سكن فيه باسم شارع المام علي بن أب طالب‬
‫( عليه السلم ) ‪ ،‬فل يفوتن هنا أن أشكر له هذه اللفتة الشرفة ‪ ،‬فهو من السلمي العاملي و له ميل كبي و‬
‫مبة فائقة لشخص المام علي ( عليه السلم ) و قد أهديته كتاب الراجعات ‪ ،‬و هو يبادل مموعتنا حبا و‬
‫تقديرا و احتراما فجزاه ال خيا و أعطاه ما يتمن ‪.‬‬
‫و قد ع مل ب عض الاقد ين على إزالة اللو حة و أعيت هم ال يل و شاء ال تثبيت ها ‪ ،‬و أ صبحت‬
‫الرسائل ترد علينا من كل أناء العال و عليها اسم شارع المام علي بن أب طالب ( عل يه ال سلم ) ‪ ،‬الذي‬
‫بارك اسه الشريف مدينتنا الطيبة العريقة ‪.‬‬
‫و عمل بن صائح الئ مة من أ هل الب يت ( عليهيم السيلم ) و كذلك بن صائح علماء الن جف الشرف‬
‫عمدنا إل التقرب من إخوتنا من الذاهب الخرى و لزمنا الماعة فكنا نصلي معا ‪ ،‬و خفّت بذلك‬
‫حدة التوتر و تكنا من إقناع بعض الشبان من خلل تساؤلتم عن كيفية صلتنا و وضوئنا و عقائدنا‬
‫‪.‬‬
‫***‬

‫هدى الق‬

‫‪176‬‬
‫ف إحدى قرى النوب التونسي و خلل حفل زفاف كانت النساء يتحدثن عن فلنة زوجة‬
‫فلن ‪ ،‬و ا ستغربت العجوز ال كبية ال ت كا نت تلس و سطهن و ت سمع حديث هن أن تكون فل نة قد‬
‫تزوجت فلنا و لا سألنها عن سبب استغرابا اخبتن أنا أرضعت الثني فهما أخوان من الرضاعة ‪،‬‬
‫و نقل النسوة هذا النبأ العظيم إل أزواجهن و تثبت الرجال فشهد والد الرأة بأن ابنته أرضعتها تلك‬
‫العجوز العرو فة لدى الم يع بأن ا مرض عة ك ما ش هد والد الزوج بأن اب نه أرضع ته ن فس الرض عة ‪ ،‬و‬
‫قامت قيامة العشيتي و تقاتلوا بالعصي كل منهما تتهم الخرى بأنا سبب الكارثة الت سوف ترهم‬
‫إل سخط ال و عقا به و خ صوصا لن هذا الزواج مر عل يه عشرة أعوام أن بت الرأة خلل ا ثل ثة‬
‫أطفال و قد هربت عند ساعها الب إل بيت أبيها و امتنعت عن الكل و الشراب و أرادت النتحار‬
‫لنا ل تتحمل الصدمة و كيف أنا تزوجت من أخيها و ولدت منه و هي ل تعلم ‪ ،‬و سقط عدد من‬
‫الرحيى مين العشيتيي و تدخيل أحيد الشيوخ الكبار و أوقيف العارك و نصيحهم بأن يطوفوا على‬
‫العلماء ليستفتوهم ف هذه القضية عسى أن يدوا حل ‪.‬‬
‫فصاروا يتجولون ف الدن الكبى الجاورة يسألون علماءها عن حل لقضيتهم و كلما اتصلوا‬
‫بعال و أطلعوه على ال مر أ خبهم بر مة الزواج و ضرورة تفر يق الزوج ي إل ال بد و تر ير رق بة أو‬
‫صيام شهرين إل غي ذلك من الفتاوى ‪.‬‬
‫و وصلوا إل قفصة و سألوا علماءها فكان الواب نفسه ‪ ،‬لن الالكية كلهم يرمون الرضاعة‬
‫و لو من قطرة واحدة إقتداء بالمام مالك الذي قاس الليب على المر إذ أن ( ما أسكر كثيه فقليله‬
‫حرام ) ‪ ،‬فتحرم الرضا عة و لو من قطرة واحدة من الليب ‪ ،‬و الذي وقع أن أ حد الاضر ين اختلى‬
‫بم و دلّهم على بيت قائل لم ‪ :‬أسألوا التيجان ف مثل هذه القضايا فإنه يعرف كل الذاهب ‪ ،‬و قد‬
‫رأيته يادل هؤلء العلماء عدة مرات فيبزهم بالجة البالغة ‪.‬‬
‫هذا ما نقله إلّ زوج الرأة حرفيا عندما أدخلته إل الكتبة و حكى ل كل القضية بالتفصيل من‬
‫أولا إل آخرها و قال ‪ " :‬يا سيدي أن زوجت تريد النتحار و أولدي مهملون و نن ل نعرف حل‬
‫لذه الشكلة و قد دلو نا عل يك و قد ا ستبشرت خيا ل ا رأ يت عندك هذه الك تب ال ت ل أش هد ف‬
‫حيات مثلها فعسى أن يكون الل عندك " ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫أحضرت له قهوة و فكرت قليل ث سألته عن عدد الرضعات الت رضعها هو من الرأة فقال ‪:‬‬
‫ل أدري غي أن زوجت رضعت منها مرتي أو ثلثا و قد شهد أبوها بأنه حلها مرتي أو ثلث مرات‬
‫إل تلك العجوز الرضعة ‪ ،‬فقلت إذا كان هذا صحيحا فليس عليكما شيء و الزواج صحيح و حلل‬
‫ملل ‪ ،‬و ارتىي السيكي علي يقبيل رأسيي و يدي و يقول ‪ :‬بشرك ال باليي لقيد فتحيت أبواب‬
‫السكينة أمامي ‪ ،‬و نض مسرعا و ل يكمل قهوته و ل استفسر من و ل طلب الدليل غي أنه استأذن‬
‫للخروج حت يسرع فيبشر زوجته و أولده و أهله و عشيته ‪.‬‬
‫لكنيه رجيع في اليوم التال و معيه سيبعة رجال و قدمهيم إل قائل ‪ :‬هذا والدي و هذا والد‬
‫زوج ت و الثالث هو عمدة القر ية و الرا بع إمام الم عة و الما عة و الا مس هو الر شد الدي ن و‬
‫السادس شيخ العشية و السابع هو مدير الدرسة ‪ ،‬و قد جاؤوا يستفسرون عن قضية الرضاعة و باذا‬
‫حللتها ؟ ‪.‬‬
‫و أدخلت الميع إل الكتبة و كنت أتوقع جدالم و أحضرت لم القهوة و رحبت بم ‪ :‬قالوا‬
‫إن ا جئناك نناق شك ف تليلك الرضا عة و قد حرم ها ال ف القرآن ‪ ،‬و حرم ها ر سوله بقوله ‪ :‬يرم‬
‫بالرضاعة ما يرم بالنسب ‪ ،‬و كذلك حرمها المام مالك ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يا سادت أنتم ما شاء ال ثانية و أنا واحد فإذا تكلمت مع الميع فسوف لن أقنعكم و‬
‫تض يع الناق شة ف الامشيات ‪ ،‬و إن ا اقترح علي كم اختيار أحد كم ح ت أتنا قش م عه و أن تم تكونون‬
‫حكما بين و بينه ! ‪.‬‬
‫و أعجبت هم الفكرة و ا ستحسنوها ‪ ،‬و سلموا أمر هم إل الر شد الدي ن قائل ي أ نه أعلم هم و‬
‫أقدرهم ‪ ،‬و بدأ السيد يسألن كيف أحلل ما حرم ال و رسوله و الئمة ؟ ! ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أعوذ بال أن أفعل ذلك ! و لكن ال حرم الرضاعة بآية مملة و ل يبي تفصيل ذلك و‬
‫إنا أوكل ذلك إل رسوله فأوضح مقصود الية بالكيف و الكم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فإن المام مالك يرم الرضاعة من قطرة واحدة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أعرف ذلك ‪ ،‬و لكن المام مالك ليس حجة على السلمي و إل فما هو قولك بالئمة‬
‫الخرين ؟ ‪.‬‬
‫أجاب ‪ :‬رضي ال عنهم و أرضاهم فكلهم من رسول ملتمس ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫قلت ‪ :‬ف ما هي إذن حج تك ع ند ال ف تقليدك المام مالك الذي يالف رأ يه نص الر سول‬
‫( صلى ال عليه و آله ) ؟ ‪.‬‬
‫قال متارا ‪ :‬سبحان ال أنا ل أعلم أن المام مالكا إمام دار الجرة يالف النصوص النبوية ‪ ،‬و‬
‫ت ي الاضرون من هذا القول ‪ ،‬و ا ستغربوا م ن هذه الرأة على المام مالك و ال ت ل يعهدو ها من‬
‫قبل ف غيي ‪ ،‬و استدركت قائل ‪ :‬هل كان المام مالك من الصحابة ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قلت ‪ :‬هل كان‬
‫من التابعي ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬و إنا هو من تابعي التابعي ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فأيهما أقرب هو أم المام علي بن أب طالب ؟ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬المام علي أقرب فهو من اللفاء الراشدين ‪ ،‬و تكلم أحد الاضرين قائل ‪ :‬سيدنا علي‬
‫كرم ال وجهه هو باب مدينة العلم ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬فلماذا تركتم باب مدينة العلم و اتبعتم رجل ليس من الصحابة و ل من التابعي و إنا‬
‫ولد بعيد الفتنية و بعدميا أبيحيت مدينية رسيول ال لييش يزييد و فعلوا فيهيا ميا فعلوا و قتلوا خيار‬
‫الصحابة و انتهكوا فيها الحارم ‪ ،‬و غيوا سنة الرسول ببدع ابتدعوها ‪ ،‬فكيف يطمئن النسان بعد‬
‫ذلك إل هؤلء الئمة الذين رضيت عنهم السلطة الاكمة لنم أفتوها با يلئم أهواءهم ‪.‬‬
‫و تكلم أحدهم و قال ‪ :‬سعنا أنك شيعي تعبد المام عليا فلكزه صاحبه الذي كان بانبه لكزة‬
‫أوجع ته و قال له ‪ :‬أ سكت أ ما ت ستحي أن تقول م ثل هذا القول لر جل فا ضل م ثل هذا و قد عرفت‬
‫العلماء و ح ت الن ل تر عي ن مكت بة م ثل هذه الكت بة ‪ ،‬و هذا الر جل يتكلم عن معر فة و وثوق ب ا‬
‫يقول ! ‪.‬‬
‫أجبته قائل ‪ :‬أنا شيعي هذا صحيح و لكن الشيعة ل يعبدون عليا و إنا عوض أن يقلدوا المام‬
‫مال كا ف هم يقلدون المام عل يا ل نه باب مدي نة العلم ح سب شهادت كم ‪ ،‬قال الر شد الدي ن ‪ :‬و هل‬
‫حلل المام علي زواج الرضيعي ؟ ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ل و لكنه يرم ذلك إذا بلغت الرضاعة خس عشرة رضعة مشبعات و متواليات ‪ ،‬أو ما‬
‫أنبت لما و عظما ‪.‬‬
‫و تلل وجه والد الزوجة و قال ‪ :‬المد ل فابنت ل ترضع إل مرتي أو ثلث مرات فقط ‪ ،‬و‬
‫إن ف قول المام علي هذا مرجا لنا من هذه الورطة و رحة لنا من ال بعد أن يئسنا ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫فقال الر شد ‪ :‬أعط نا الدل يل على هذا القول ح ت نقت نع ‪ ،‬فأعطيت هم كتاب منهاج ال صالي‬
‫للسييد الوئي ‪ ،‬و قرأ هيو بنفسيه عليهيم باب الرضاعية ‪ ،‬و فرحوا بذلك فرحيا عظيميا و خصيوصا‬
‫الزوج الذي كان خائفا أن ل يكون لديّ الدليل القنع و طلبوا من إعارتم الكتاب حت يتجوا به ف‬
‫قريتهم فسلمته إليهم و خرجوا مودعي داعي معتذرين ‪.‬‬
‫و بجرد خروجهم من بيت التقى بم أحد الناوئي و حلهم إل بعض علماء السوء فخوفوهم‬
‫و حذرو هم بأ ن عم يل ل سرائيل و أن كتاب منهاج ال صالي الذي أعطيت هم إياه كله ضللة و أن‬
‫أ هل العراق هم أ هل الك فر و النفاق و أن الشي عة موس يبيحون نكاح الخوات فل غرا بة إذن ف‬
‫إباحت لم نكاح الخت من الرضاعة إل غي ذلك من التهم و الراجيف و ما زال بم يذرهم حت‬
‫ارتدوا على أعقابمي و انقلبوا بعيد اقتناعهيم ‪ ،‬و أجيبوا الزوج على أن يتقدم بدعوى عدليية للطلق‬
‫لدى الحكمة البتدائية ف قفصة و طلب منهم رئيس الحكمة أن يذهبوا إل العاصمة و يتصلوا بفت‬
‫المهورية ليحل هذا الشكال ‪ ،‬و سافر الزوج و بقى هناك شهرا كامل حت تكن من مقابلته و قص‬
‫عليه قصته من أولا إل آخرها و سأله مفت المهورية عن العلماء الذين قالوا بلية الزواج و صحته‬
‫فأجاب الزوج بأنه ليس هناك من قال بليته غي شخص واحد هو التيجان السماوي ‪ ،‬و سجل الفت‬
‫إسي و قال للزوج ‪ :‬إرجع أنت و سوف أبعث أنا برسالة إل رئيس الحكمة ف قفصة ‪ ،‬و بالفعل‬
‫جاءت الرسالة من مفت المهورية و أطلع عليها وكيل الزوج و أعلمه بأن مفت المهورية حرم ذلك‬
‫الزواج ‪.‬‬
‫هذا ما قصه عل ّي زوج الرأة الذي بدا عليه الضعف و الرهاق من كثرة التعب و هو يعتذر إلّ‬
‫م ا سببه ل من إزعاج و حرج ‪ ،‬فشكر ته على عواط فه متعج با ك يف يب طل مف ت المهور ية الزواج‬
‫القائم ف م ثل هذه القض ية ‪ ،‬و طل بت م نه أن يأتي ن بر سالته ال ت بعث ها إل الحك مة ح ت أنشر ها ف‬
‫الصحف التونسية و أبي أن مفت المهورية يهل الذاهب السلمية و ل يعرف اختلفهم الفقهي ف‬
‫مسألة الرضاعة ‪.‬‬
‫فقال الزوج أنه ل يكنه أن يطلع على ملف قضيته فضل عن أن يأتين برسالة منه ‪ ،‬و افترقنا ‪.‬‬
‫و ب عد بض عة أيام جاءت ن دعوة من رئ يس الحك مة يأمر ن في ها بإحضار الكتاب و الدلة على‬
‫عدم بطلن ذلك الزواج بي ( الرضيعي ) ! ‪ ،‬و ذهبت ممل بعدة مصادر انتقيتها مسبقا و وضعت‬

‫‪180‬‬
‫ف كل من ها بطا قة ف باب الرضا عة لي سهل تري ه ف ل ظة واحدة ‪ ،‬و ذه بت ف اليوم و ال ساعة‬
‫الذكوريين و اسيتقبلن كاتيب الحكمية و أدخلني إل مكتيب الرئييس و فوجئت برئييس الحكمية‬
‫البتدائ ية و رئ يس مك مة الناح ية و وك يل المهور ية و مع هم ثل ثة أعضاء و كل هم يرتدون لبا سهم‬
‫الاص للقضاء و كأنم ف جلسة رسية ‪ ،‬و لحظت أيضا أن زوج الرأة يلس ف آخر القاعة قبالم ‪،‬‬
‫و سلمت على الميع فكانوا كلهم ينظرون إل باشئزاز و احتقار و لا جلست خاطبن الرئيس بلهجة‬
‫خشنة قائل ‪:‬‬
‫‪ -‬أنت هو التيجان السماوي ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬أنت الذي أفتيت بصحة الزواج ف هذه القضية ؟ ‪.‬‬
‫‪ -‬قلت ‪ :‬ل لست أنا بفت ‪ ،‬و لكن الئمة و علماء السلمي هم الذين أفتوا بليته و صحته !‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬و من أجل ذلك دعوناك ‪ ،‬و أنت الن ف قفص التام ‪ ،‬فإذا ل تثبت دعواك بالدليل‬
‫فسوف نكم بسجنك و سوف لن ترج من هنا إل إل السجن ‪.‬‬
‫و عرفت وقتها أنن بالفعل ف قفص التام ‪ ،‬ل لنن أفتيت ف هذه القضية ‪ ،‬و لكن لن بعض‬
‫علماء السوء حدّث هؤلء الكام بأنن صاحب فتنة و أنن أسب الصحابة و أبث التشيع لل البيت‬
‫النبوي ‪ ،‬و قد قال له رئيس الحكمة إذا أتيتن بشاهدين ضده فسألقيه ف السجن ‪.‬‬
‫أ ضف إل ذلك أن جا عة من الخوان ال سلمي ا ستغلوا هذه الفتوى و روجوا لدى الاص و‬
‫العام أنن أبيح نكاح الخوات و هو قول الشيعة على زعمهم ! ‪.‬‬
‫كل ذلك عرف ته من ق بل و تيقن ته عند ما هدد ن رئ يس الحك مة بال سجن فلم ي بق أما مي إل‬
‫التحدي و الدفاع عن نفسي بكل شجاعة فقلت للرئيس ‪:‬‬
‫‪ -‬هل ل أن أتكلم بصراحة و بدون خوف ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫‪ -‬نعم تكلم فأنت ليس لك مام ‪ . .‬قلت ‪:‬‬
‫‪ -‬قبل كل شيء أنا ل أنصب نفسي للفتاء ‪ ،‬و لكن ها هو زوج الرأة أمامكم فاسألوه ‪ ،‬فهو‬
‫الذي جاء ن إل بي ت يطرق باب و ي سألن ‪ ،‬فكان واج با عل يّ أن أجي به ب ا أعلم و قد سألته بدوري‬

‫‪181‬‬
‫عن عدد الرضعات و ل ا أعلم ن بأن زوج ته ل ترضع غ ي مرت ي أعطي ته وقت ها حكم ال سلم فيها ‪،‬‬
‫فلست أنا من الجتهدين و ل من الشرعي ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫( ‪) 217‬‬

‫قال الرئيس ‪ :‬عجبا ‪ ،‬أنت الن تدعي أنك تعرف السلم و نن نهله ! قلت ‪ :‬أستغفر ال أنا‬
‫ل أقصد هذا ‪ ،‬و لكن كل الناس هنا يعرفون مذهب المام مالك و يتوقفون عنده ‪ ،‬و أنا فتشت ف‬
‫كل الذاهب و وجدت حل لذه القضية ‪.‬‬
‫قال الرئيس ‪ :‬أين وجدت الل ؟ قلت ‪:‬‬
‫‪ -‬قبل كل شيء هل ل أن أسالكم سؤال يا سيدي الرئيس ؟ ‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬إسأل ما تريد ‪.‬‬
‫‪ -‬قلت ‪ :‬ما قولكم ف الذاهب السلمية ؟ ‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬كلها صحيحة ‪ ،‬فكلهم من رسول ال ملتمس ‪ ،‬و ف اختلفهم رحة ‪.‬‬
‫‪ -‬قلت ‪ :‬فارحوا إذن هذا السكي " مشيا إل زوج الرأة " الذي قضى الن أكثر من شهرين‬
‫و هو مفارق لزوجه و ولده بينما هناك من الذاهب السلمية من حل مشكلته ‪.‬‬
‫فقال الرئيس مغضبا ‪:‬‬
‫‪ -‬هات الدليل و كفاك تريا ‪ ،‬نن سحنا لك بالدفاع عن نفسك فأصبحت ماميا لغيك ‪.‬‬
‫فأخرجت له من حقيبت كتاب منهاج الصالي للسيد الوئي و قلت ‪ :‬هذا مذهب أهل البيت‬
‫و فيه الدليل ‪ ،‬فقاطعن قائل ‪ :‬دعنا من مذهب أهل البيت فنحن ل نعرفه و ل نؤمن به ‪.‬‬
‫ك نت متوق عا هذا و لذلك أحضرت م عي ب عد الب حث و التنق يب عدة م صادر ل هل ال سنة و‬
‫الماعة كنت رتبتها حسب علمي فوضعت البخاري ف الرتبة الول ث صحيح مسلم و بعده كتاب‬
‫الفتاوى لحمود شلتوت و كتاب بدا ية الجت هد و نا ية القت صد ل بن ر شد ‪ ،‬و كتاب زاد ال سي ف‬
‫علم التفسي لبن الوزي و عدة مصادر أخرى من كتب ( أهل السنة ) ‪ ،‬و لا رفض الرئيس أن ينظر‬
‫ف كتاب السيد الوئي سألته عن الكتب الت يثق با ‪ ،‬قال ‪ :‬البخاري و مسلم ‪.‬‬
‫و أخرجت صحيح البخاري و فتحته على الصفحة العينة و قلت ‪ :‬تفضل يا سيدي إقرأ ‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬إقرأ أنت ؟ و قرأت ‪ :‬حدثنا فلن عن فلن عن عائشة أم الؤمني قالت توف رسول‬
‫ال ( صيلى ال علييه و آله ) و ل يرم من الرضعات إل خ سا ف ما فوق ‪ .‬و أ خذ الرئ يس م ن الكتاب و قرأ‬
‫بنفسه و أعطاه إل وكيل المهورية بانبه فقرأ هو الخر و ناوله لن بعده ف حي أخرجت صحيح‬

‫‪183‬‬
‫مسلم و أطلعته على نفس الحاديث ث فتحت كتاب الفتاوى لشيخ الزهر شلتوت و قد ذكر هو‬
‫الخر اختلفات الئمة ف مسألة الرضاعة فمنهم من ذهب إل القول بأن الحرم ما بلغ خس عشرة‬
‫رض عة و من هم من قال ب سبعة و من هم من حرم فوق الم سة عدا مالك الذي خالف ال نص و حرم‬
‫قطرة واحدة ث قال شلتوت ‪ :‬و أ نا أم يل إل أو سط الراء فأقول سبعا ف ما فوق ‪ ،‬و ب عد ما اطلع‬
‫رئيس الحكمة على كل ذلك قال ‪ :‬يكفي ‪ .‬ث التفت إل زوج الرأة و قال له ‪ :‬إذهب الن و آئتن‬
‫بوالد زوجتك ليشهد أمامي بأنا رضعت مرتي أو ثلثا و سوف تأخذ زوجتك معك هذا اليوم ‪. .‬‬
‫و طار السكي فرحا ‪ ،‬و اعتذر وكيل المهورية و بقية العضاء الاضرين لللتحاق بأعمالم‬
‫و أذن لم الرئيس ‪ ،‬و لا خل بنا الجلس التفت إل معتذرا و قال ‪ :‬سامن يا أستاذ لقد غلطون فيك‬
‫و قالوا فيك أشياء غريبة و أنا الن عرفت أنم حاسدون و مغرضون يريدون بك شرا ‪.‬‬
‫و طار قل ب فر حا بذا التحول ال سريع و قلت ‪ :‬ال مد ل الذي ج عل ن صري على يد يك يا‬
‫سيدي الرئيس ‪ ،‬فقال ‪ :‬سعت بأن عندك مكتبة عظيمة فهل يوجد فيها كتاب حياة اليوان الكبى‬
‫للدميي ؟ ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ن عم ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل تعي ن إياه ‪ ،‬ف قد م ضى عامان و أ نا أب ث ع نه ‪ :‬قلت ‪ :‬هو لك يا‬
‫سيدي مت أردت ‪ ،‬قال ‪ :‬هل عندك وقت يسمح لك بالجيء إل مكتبت لنتحدث و أستفيد منك ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أستغفر ال فأنا الذي أستفيد منك ‪ ،‬فأنت أكب من سنا و قدرا ‪ ،‬و عندي أربعة أيام‬
‫راحة ف السبوع و أنا رهن إشارتك ‪.‬‬
‫و اتفقنا على يوم السبت من كل أسبوع لنه ليس له جلسات للمحكمة ف ذلك اليوم ‪.‬‬
‫و بعدما طلب من أن أترك له كتاب البخاري و مسلم و كتاب الفتاوى لحمود شلتوت لكي‬
‫يرر منها النص قام بنفسه و أخرجن من مكتبه مودعا ‪.‬‬
‫و خرجيت فرحيا أحدي ال سيبحانه على هذا النصير و قيد دخلت خائفيا مهددا بالسيجن و‬
‫خرجت و قد انقلب رئيس الحكمة إل صديق حيم يترمن و يطلب من مالسته ليستفيد من ‪ .‬إنا‬
‫بركات طريق أهل البيت الذين ل ييب من تسك بم و يأمن من لأ إليهم ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫و تدث زوج الرأة ف قريته و شاع الب ف كل القرى الجاورة بعد ما رجعت الرأة إل بيت‬
‫زوج ها و انت هت القض ية بل ية الزواج ‪ ،‬فأ صبح الناس يقولون بأ ن أعلم من الم يع و أعلم ح ت من‬
‫مفت المهورية ‪.‬‬
‫و قد جاء زوج الرأة إل الب يت و م عه سيارة كبية و دعا ن إل القر ية أ نا و كل عائل ت و‬
‫أعلمن أن كل الهال ينتظرون قدومي و سيذبون ثلثة عجول لقامة الفرح و اعتذرت إليه بسبب‬
‫انشغال ف قفصة و قلت له ‪ :‬سوف أزوركم مرة أخرى إن شاء ال ‪.‬‬
‫و تدث رئيس الحكمة إل أصدقائه و اشتهرت القضية و ر ّد ال كيد الكائدين و جاء بعضهم‬
‫معتذرين و قد فتح ال بصية البعض منهم فاستبصروا و أصبحوا من الخلصي ‪ ،‬ذلك فضل ال يؤتيه‬
‫من يشاء و ال ذو الفضل العظيم ‪.‬‬
‫و آخير دعوانيا أن الميد ل رب العاليي و صيلى ال على سييدنا مميد و على آله الطييبي‬
‫الطاهرين ‪.‬‬

‫‪185‬‬
www.esnips.com/web/Al-tijani

www.esnips.com/user/alishirali

Ali Shirali
Qom , I.R.Iran
Shirali110@gmail.com

186

You might also like