You are on page 1of 4

‫الجزية بين السلم والمسيحية ‪:‬‬

‫الجزية في السلم ‪:‬‬


‫عند الحديث حول الفتوحات السلمية وشبهة انتشار السلم بالسيف‪,‬‬
‫يتطرق الحديث إلى الجزية‪ ,‬وربما يبالغ البعض ويقول لقد دخل أهل‬
‫البلد المفتوحة مثل مصر والشام للسلم ليس هربا" من السيف بل هربا"‬
‫من الجزية !‪.‬‬
‫هذا مع أن السلم لم يكن أول من نادى بأخذ الجزية‪ ،‬كما لم يكن‬
‫المسلمون كذلك أول المم حين أخذوا الجزية من المم التي دخلت تحت‬
‫وليتهم‪ ،‬فإن أخذ المم الغالبة للجزية من المم المغلوبة كان أمرا" معتادا"‬
‫في التاريخ البشري‪.‬‬

‫الجزية في المسيحية‪:‬‬

‫عندما سأل اليهود السيد المسيح (حسب العهد الجديد) عن رأيه في أداء‬
‫الجزية التي كانوا يدفعونها للرومان‪ ,‬أقر بحق القياصرة في أخذها ( متى‬
‫ل لَنَا مَاذَا تَظُنّ؟ أَ َيجُو ُز أَنْ تُعْطَى جِزْيَ ٌة ِلقَ ْيصَرَ أَمْ لَ؟»‬
‫‪َ 17 : 22‬فقُ ْ‬
‫ع خُبْثَهُمْ َوقَالَ‪« :‬لِمَاذَا ُتجَرّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ ‪19‬أَرُونِي‬
‫‪18‬فَ َعلِمَ َيسُو ُ‬
‫ن هَذِ ِه الصّورَةُ‬
‫مُعَا َملَ َة الْجِزْيَةِ»‪َ .‬فقَدّمُوا لَهُ دِينَارا‪َ 20 .‬فقَالَ لَهُمْ‪« :‬لِمَ ْ‬
‫وَالْكِتَابَةُ؟» ‪ 21‬قَالُوا لَهُ‪« :‬لِقَ ْيصَرَ»‪َ .‬فقَالَ لَهُمْ‪« :‬أَعْطُوا إِذا مَا ِلقَيْصَرَ‬
‫ِلقَيْصَرَ وَمَا ِللّهِ ِللّهِ»‪.).‬‬
‫وقد دفعها المسيح بنفسه فقد قال لسمعان ‪ ( :‬متى ‪ 27 : 17‬اذْ َهبْ ِإلَى‬
‫حتَ فَاهَا َتجِدْ‬
‫ل خُذْهَا وَمَتَى فَ َت ْ‬
‫طلُعُ أَوّ ً‬
‫ق صِنّارَةً وَالسّ َمكَ ُة الّتِي َت ْ‬
‫الْبَحْرِ َوَألْ ِ‬
‫إِسْتَارا (عملة معدنية ً) َفخُذْهُ َوأَعْطِهِ ْم عَنّي وَعَ ْنكَ»‪.‬‬
‫كما يعتبر العهد الجديد أداء الجزية للسلطين حقا مشروعا‪ ،‬بل يجعله‬
‫أمرا دينيا‪ ،‬إذ يقول بولس‪( :‬رومية ‪" 7 : 13‬فأعطوا الجميع حقوقهم‪،‬‬
‫الجزية لمن له الجزية‪ ،‬الجباية لمن له الجباية‪.)...‬‬

‫مقدار الجزية وعلى من تجب ‪:‬‬

‫ذكر "وول ديورانت " في موسوعة الحضارة مقدار الجزية التي كان‬
‫يأخذها المسلمين فقال إن المبلغ يتراوح بين دينار وأربعة دنانير (من‬
‫‪ 4.75‬إلى ‪ 19‬دولرا أمريكيا) سنويا"‪ .‬وأنه يعفى منها الرهبان والنساء‬
‫والذكور الذين هم دون سن البلوغ‪ ،‬والرقاء‪ ،‬والشيوخ‪ ،‬والعجزة‪،‬‬
‫والعمى والفقراء‪ .‬وكان الذميون يعفون في نظير هذه الضريبة من الخدمة‬
‫العسكرية ول تفرض عليهم الزكاة‪.‬‬

‫وكتب آدم ميتز‪" :‬كان أهل الذمة يدفعون الجزية‪ ،‬كل منهم بحسب‬
‫قدرته‪ ،‬وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني‪ ،‬فكان ل يدفعها‬
‫إل الرجل القادر على حمل السلح‪ ،‬فل يدفعها ذوو العاهات‪ ،‬ول‬
‫المترهبون‪ ،‬وأهل الصوامع إل إذا كان لهم يسار"‪.‬‬
‫[ آدم ميتز الحضارة السلمية (‪] )1/96‬‬
‫وقد جاء في عهد خالد بن الوليد لهل الحيرة ‪ " :‬أيما شيخ ضعف عن‬
‫العمل أو أصابته آفة من الفات‪ ،‬أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه‬
‫يتصدقون عليه طرحت جزيته وأعيل من بيت مال المسلمين وعياله "‪.‬‬
‫وقد طبق عمر رضي ال عنه هذا المبدأ السلمي العظيم حين مر بشيخ‬
‫كبير يسأل الناس الصدقة‪ ،‬فلما سأله وعلم أنه من أهل الجزية‪ ،‬أخذ بيده‬
‫إلى بيته وأعطاه ما وجده من الطعام واللباس‪ ،‬ثم أرسل إلى خازن بيت‬
‫المال يقول له‪" :‬انظر إلى هذا وأمثاله فأعطهم ما يكفيهم وعيالهم من بيت‬
‫مال المسلمين‪.‬‬

‫مقدار الجزية في السلم‪:‬‬

‫ذهب المام أبو حنيفة إلى تقسيم الجزية إلى فئات ثلث ‪:‬‬

‫‪ -1‬أعلها وهي ‪ 48‬درهما في السنة على الغنياء مهما بلغت ثرواتهم‪.‬‬


‫( وهي تقدر بـ ‪ 136‬جراما من الفضة) لن الدرهم يساوي ( ‪2,832‬‬
‫جراما)‪(.‬جرام الفضة يقدر بأقل من جنيه مصري واحد)‪.‬‬
‫‪ -2‬وأوسطها وهي ‪ 24‬درهما في السنة على المتوسطين من تجار‬
‫وزرّاع‪.‬‬
‫‪ -3‬وأدناها وهي ‪ 12‬درهما في السنة على العمال المحترفين الذين‬
‫يجدون عملً‪( .‬معاملة غير المسلمين في الدولة السلمية‪ -‬د‪.‬ناريمان عبد‬
‫الكريم –ص ‪ -50‬عن الماوردي‪ :‬الحكام السلطانية‪ -‬ص ‪) .144‬‬

‫وهذا مبلغ ل يكاد يذكر مقارنة بما يدفعه المسلم من زكاة ماله فحسب‪،‬‬
‫فلو أن هناك مسلما يملك مليون درهم لوجب عليه في زكاة ماله خمسة‬
‫وعشرون ألف درهم بنسبة اثنين ونصف بالمائة وهو القدر الشرعي‬
‫لفريضة الزكاة‪ ,‬ولو أن هناك جارا له مسيحيا يملك مليون درهم أيضا لما‬
‫وجب عليه في السنة كلها إل ثمانية وأربعون درهما فقط‪ .‬فأين يكون‬
‫الستغلل والظلم في مثل هذا النظام ؟!‪.‬‬

‫قال صلى ال عليه وسلم في التحذير من ظلم أهل الذمة وانتقاص‬


‫حقوقهم‪ (( :‬من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ‬
‫منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)) ‪( .‬رواه أبو داود في‬
‫سننه ح (‪ )3052‬في (‪ ، )3/170‬وصححه اللباني ح (‪.).،)2626‬‬

‫أما المقابل لمبلغ الجزية فهذا ما نقله المام القرافي عن المام ابن حزم‬
‫عن إجماع المسلمين من وجوب حمايتهم ولو كانت الكلفة الموت في‬
‫سبيل ذلك فقال‪" :‬من كان في الذمة‪ ،‬وجاء أهل الحرب إلى بلدنا‬
‫يقصدونه‪ ،‬وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلح‪ ،‬ونموت دون‬
‫ذلك‪ ،‬صونا لمن هو في ذمة ال تعالى وذمة رسوله صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة"‪( .‬القرافي‪-‬الفروق (‪.)(15-3/14‬‬
‫فهل جاء بالتاريخ عدل وإنصاف قريب مما قدمه السلم ؟؟‪.‬‬

You might also like