Professional Documents
Culture Documents
الحمممد ل ،والصمملة والسمملم على رسممول ال ،وعلى آله وصممحبه ومممن اهتدى
بهداه.
أما بعد:
فإن السعادة هدف منشود ،ومطلب ُملِح ،وغاية مبتغاة.
وكل إنسان يعيش على وجه الرض يسعى لسعاد نفسه ،وطرد الهم عنها.
ولقممد حرص الكتاب ،والمفكرون ،والفلسممفة ،والدباء ،والطباء على البحممث
فمي أسمباب جلب السمعادة ،وطرد الهمم ؛ ولكمل وجهمة همو موليهما ،وقمد علم كمل أناس
مشربهم.
ومممع ذلك فإن السممعادة التممي يصممل إليهمما أكثرهممم سممعادة مبتورة ،أو ناقصممة ،أو
وهميمة أشبمه مما تكون بالمخدر يتناوله متعاطيمه ،فيشعمر بنشوة أول وهلة ،حتمى إذا
ذهب أثره رجعت إليه الحزان أضعافاً مضاعفة.
والسبب أن أولئك يغفلون أصل الصول في جلب السعادة الحقة ،أل وهو اليمان
بال -عمز وجمل -فذلك سمر السمعادة وطريقهما القوم ؛ فل يجمد السمعادة الحقمة الدائممة
إل من آمن بال ،واهتدى بهداه ؛ فهناك يسعد في دنياه وأخراه.
وهذا الكتاب الذي بين يديك يدعوك إلى السعادة العظمى ؛ لنه يهديمك إلى اليمان
بربممك الذي خلقممك ،ويدلك على العتقاد الحممق الذي يؤيده عقلك السممليم ،وفطرتممك
السموية ،والذي تعرف ممن خلله بدايمة خلق النسمان ونهايتمه ،والحكممة ممن إيجاده ،
وغير ذلك مما ستجده في الصفحات التالية.
فهذا الكتاب يعرفممك بديممن السمملم الذي ختممم ال بممه الديان ،وارتضاه لجميممع
عباده ،وأمرهم بالدخول فيه.
و سميتضح لك ممن خلله عظممة هذا الديمن ،وصمحة مما جاء بمه ،وصملحه لكمل
زمان ،ومكان ،وأمة.
وإذا أردت التفصيل بعد ذلك فما عليك إل أن تبحث بنفسك ،وأن تسأل عما يشكل
عليمك ؛ فالسملم ديمن مفتوح ل يغلق فمي وجمه أحمد ،ول يضيمق بالسمئلة مهمما كثرت
وتنوعت ؛ فلكل سؤال في دين السلم جواب ،ولكل قضية حكم.
فإلى موضوعات الكتاب ،وال المسمتعان ،وعليمه التكلن ،وصملى ال وسملم على
نبينا محمد وآله وصحبه.
قصة البشرية
تبدأ قصة البشرية منذ أن خلق ال أبا البشر آدم -عليه السلم -حيث خلقه ال بيده
عّلمَهُم أسمماء الشياء كلهما ممن الطيور ،
الكريممة ممن طيمن ،ونفمخ فيمه ممن روحمه ،و َ
والدواب ،وغير ذلك ،وأمر الملئكة أن يسجدوا لدم ؛ زيادة في التكريم والتشريف
؛ فسجدوا كلهم إل إبليس أبى واستكبر ،فأهبطه ال من ملكوت السماوات ،وأخرجه
ذليلً مدحوراً ،وقضى عليه باللعنة ،والشقاء ،والنار.
ظرَه إلى يوم القيامممة ،فقال ال { :إنممك مممنوبعممد ذلك سممأل إبليممس ربّهمم أن يُن ِ
المنظرين } فقال إبليس { :فبعزتك لغوينهم أجمعين إل عبادك منهم المخلصين } ،
وقال { :فبما أغويتني لقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لتينهم من بين أيديهم ومن
خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ول تجد أكثرهم شاكرين }
فقال ال -عز وجل { -اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لملن جهنم
منكم أجمعين }
فأخرجمه ال ممن الجنمة ،وأعطاه القدرة على الوسموسة والغواء ،وأمهله إلى يوم
القيامة ؛ ليزداد إثما ،فتعظم عقوبته ،ويتضاعف عذابه ،وليجعله ال محكا يتميز به
الخبيث من الطيب.
ثم بعد ذلك خلق ال من آدم زوجه حواء ؛ ليسكن إليها ،ويأنس بها ،وأمرهما أن
يسمكنا دار النعيمم الجنمة التمي فيهما مما ل عيمن رأت ،ول أذن سممعت ،ول خطمر على
قلب بشر ،وأخبرهما -عز وجل -بعداوة إبليس لهما ،ونهاهما عن الكل من شجرة
ممن أشجار الجنمة ؛ ابتلءاً وامتحاناً ؛ فوسموس لهمما الشيطان ،وزيمن لهمما الكمل ممن
تلك الشجرة ،وأقسممم لهممما أنممه لهممما مممن الناصممحين ،وقال (( :إن أكلتممما مممن هذا
الشجرة كنتما من الخالدين ))
فلم يزل بهمما حتمى أغواهمما ،فأكل ممن الشجرة ،وعصميا ربهمما ؛ فندمما على مما
فعل أشد الندم ،وتابا إلى ربهما ،فتاب عليهما ،واجتباهما ،لكنه أهبطهما من الجنة
دار النعيمم إلى الدنيما دار النصمب والتعمب ،وسمكن آدم الرض ،ورزقمه ال الذريمة
التي تكاثرت ،وتشعبت إلى يومنا الحاضر ،ثم توفاه ال ،وأدخله الجنة.
ومنذ أن أهبط ال آدم وزوجته إلى الرض والعداوة قائمة مستمرة بين بني آدم من
جهة ،وبين إبليس وذريته من جهة.
و منممذ ذلك الحيممن وإبليممس وذريتممه فممي صممراع دائم مممع بنممي آدم ؛ لصممدهم عممن
الهدى ،وحرمانهم من الخير ،وتزيين الشر لهم ،وإبعادهم عما يرضي ال ؛ حرصاً
على شقائهم في الدنيا ،ودخولهم النار في الخرة.
ولكمن ال -عمز وجمل -لم يخلق خلقمه سمدى ،ولم يتركهمم هملً ،بمل أرسمل إليهمم
الرسمل الذيمن يمبينون لهمم عبادة ربهمم ،وينيروا لهمم دروب الحياة ،ويوصملوهم إلى
سمعادة الدنيا والخرة ،فأخمبر -سمبحانه -الجن والنمس أنه إذا أتاكم منمي كتاب ،أو
رسول يهديكم لما يقربكم مني ،ويدنيكم من مرضاتي فاتبعوه ؛ لن من اتبع هدى ال
،وآمن بكتبه ورسله ،وما جاء في الكتب ،وما أمرت به الرسل فإنه ل يخاف ،ول
يضل ،ول يشقى ،بل تحصل له السعادة في الدنيا والخرة.
وهكذا بدأت قصة البشرية ،فعاش آدم ومن بعده ذريته عشرة قرون وهم على طاعة
عبِد غير ال مع ال ؛ فبعث ال أول رسله وهو ال ،وتوحيده ،ثم حصل الشرك ،و ُ
نوح -عليه السلم -يدعو الناس إلى عبادة ال ،ونبذ الشرك.
ثمم تتابمع النمبياء والرسمل ممن بعده على اختلف بينهمم فمي الزمنمة ،والمكنمة ،
وبعض الشرائع ،وتفاصيلها مع التفاق في الصل وهو الدعوة إلى السلم ،وعبادة
ال وحده ،ونبذ ما يعبد من دونه.
إلى أن جاء إبراهيم -عليه السلم -فدعا قومه إلى ترك عبادة الصنام وإفراد ال
بالعبادة ،ثم كانت النبوة في ذريته من بعده في إسماعيل و إسحاق ثم كانت في ذرية
إسحاق.
وممن أعظمم النمبياء ممن ذريمة إسمحاق ،يعقوب ،ويوسمف ،وموسمى ،وداود ،و
سليمان ،و عيسى -عليهم السلم .-
ولم يكن بعد عيسى نبي من بني إسرائيل.
وبعممد ذلك انتقلت النبوة إلى فرع إسممماعيل ؛ فكان أن اصممطفى ال -عممز وجممل -
محمداً -صملى ال عليمه وسملم -ليكون خاتمًا للنمبياء ،والمرسملين ،ولتكون رسمالته
هي الخاتمة ،وكتابه الذي أنزل إليه وهو القرآن هو رسالة ال الخيرة للبشرية.
ولهذا جاءت رسمالته شاملة ،كاملة ،عاممة للنمس والجمن ،العرب وغيمر العرب ،
صممالحة لكممل زمان ،ومكان ،وأمممة وحال ؛ فل خيممر إل دلت عليممه ،ول شممر إل
حذرت منه ،ول يقبل ال من أحد دينا سوى ما جاء به محمد -صلى ال عليه وسلم
.-
بعثة النبي محمد وخلصة سيرته -صلى ال عليه وسلم –
الحديمث عمن بعثمة النمبي محممد -صملى ال عليمه وسملم -وسميرته يطول ،ولقمد أفرد
العلماء في هذا الشأن كتبًا كثيرة.
والمجال هنا ل يتسع للطالة والسهاب ،وقد مر بنا في الفقرة الماضية أن رسالة
محمد -صلى ال عليه وسلم -هي الرسالة الخاتمة ،وأن الكتاب الذي أنزل إليه وهو
القرآن هو آخر الكتب السماوية.
ولعل الحديث في السطر التالية يتناول الموضوعات التالية من السيرة المباركة:
أول :مهيئات النبوة :لقمد هيئا ال -عمز وجمل -للنمبي -صملى ال عليمه وسملم -
مهيئات كثيرة كانت إرهاصات لبعثته ونبوته ،فمن ذلك ما يلي:
-1دعوة إبراهيمم ،وبشرى عيسمى -عليهمما السملم -ورؤيما أممه
آمنة :يقول النبي -صلى ال عليه وسلم -عن نفسه (( :أنا دعوة إبراهيم ،وبشرى
عيسممى ،ورأت أمممي حيممن حملت بممي كأنممه خرج منهمما نور أضاءت له بصممرى مممن
أرض الشام))
ومعنى الحديث أن النبي -صلى ال عليه وسلم -يقول :أنا مصداق دعوة إبراهيم
الخليمل -عليمه السملم -لن إبراهيمم لمما كان يرفمع القواعمد ممن الكعبمة فمي مكمة ومعمه
ابنه إسماعيل كان يقول -كما أخبرنا ال عنه في القرآن { : -ربنا تقبل منا إنك أنت
السمميع العليمم ،ربنما واجعلنما مسملمين لك وممن ذريتنما أممة مسملمة لك وأرنما مناسمكنا
وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ،ربنا وابعث فيهم رسولً منهم يتلوا عليهم آياتك
ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} .
فاسمتجاب ال دعوة إبراهيمم وإسمماعيل فكان النمبي الخاتمم محمدًا -عليمه الصملة و
السلم -من ذريتهما.
أما قوله (( :وبشرى عيسى )) فإن نبي ال عيسى -عليه السلم -قد بشر بالنبي
محممد -صملى ال عليمه وسملم -كمما أخمبر ال عنمه فمي القرآن فقال { :وإذ قال عيسمى
بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً
برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد }
فعيسمى -عليمه السملم -همو آخمر نمبي ممن أنمبياء بنمي إسمرائيل ،وليمس بينمه وبيمن
محمد -صلى ال عليه وسلم -نبي .
فعيسى بَشّر بنبي يأتي من بعده اسمه أحمد ،وأحمد من أسماء النبي محمد -صلى
ال عليه وسلم . -
أمما رؤيما أممه فقمد رأت رؤيما صمادقة ؛ ذلك أن أممه لمما أخذهما المخاض ،فوضعتمه
َت َمثّل لعينيها ذلك النور الذي أضاءت له بصرى من أرض الشام.
-كون النمبي -صملى الله عليمه و سملم -خرج فمي أممة العرب :
ضلَتْم على غيرهما ممن الممم أنذاك ،حتمى اسمتعدت لهذا الصملح تلك الممة التمي ُف ّ
الروحمي المدنمي العام ،الذي اشتممل عليمه ديمن السملم ،بالرغمم ممما طرأ عليهما ممن
المية ،وعبادة الصنام ،وما أحدثت فيها غلبة البداوة من التفرق والنقسام.
ومع ذلك فقد كانت أمة العرب متميزة باستقلل الفكر ،وسعة الحرية الشخصية ،في
الوقت الذي كانت المم الخرى ترسف في عبودية الرياستين الدينية والدنيوية ،
محظوراً عليها أن تفهم غير ما يلقنها الكهنة ،ورجال الدين من الحكام الدينية ،أو
أن تخالفهم في مسألة عقلية ،أو كونية ،كما حظرت عليها التصرفات المدنية
والمالية.
وكانمت أممة العرب -أيضاً -متميزة باسمتقلل الرادة فمي جميمع العمال أيام كانمت
الممم مُ َذّللَةً مُسَمخّرة للملوك والنبلء ،المالكيمن للرقاب والموال بحيمث يسمتخدمونهم
كمما يسمتخدمون البهائم ؛ فل رأي لهمم فمي سملم ،ول حرب ،ول إرادة لهما دونهمم فمي
عمل ول كسب.
وكانممت أمممة العرب ممتازة بعزة النفممس ،وشدة البأس ،وقوة البدان والقلوب ،
أيام كانمت الممم مؤلفمة ممن رؤسماء أفسمدهم السمراف والترف ،ومرؤوسمين أضعفهمم
سوّدين أذلّهم َق ْهرُ الستعباد.
البؤس والشظف ،وسادة أبطرهم بغي الستبداد ،و مُ َ
وكانمت أممة العرب أقرب إلى العدل بيمن الفراد ،وكانمت ممتازة بالذكاء ،وكثيمر
مممن الفضائل الموروثممة والمكتسممبة كإكرام الضيممف ،وإغاثممة الملهوف ،والنجدة ،
والباء ،وعلو الهمة ،والسخاء ،والرحمة ،وحماية اللجىء ،وحرمة الجار -أيام
كانت المم مرهقة بالثرة ،والنانية ،والنين من ثقل الضرائب والتاوى الميرية.
وكانمت أممة العرب قمد بلغمت أوج الكمال فمي فصماحة اللسمان ،وبلغمة المقال ممما
جعلهما مسمتعدة للتأثمر ،والتأثيمر بالبراهيمن العقليمة ،والمعانمي الخطابيمة ،والشعريمة ،
وللتعبير عن جميع العلوم اللهية والشرعية ،والفنون العقلية ،والكونية -أيام كانت
الممممم الخرى تنفصمممم عرى وحدتهمما بالتعصمممبات الدينيمممة والمذهبيممة ،والعداوات
العرقية.
وأعظممم مزيممة امتاز بهمما العرب أنهممم كانوا أسمملم الناس فطرة بالرغممم مممن أن أمممم
الحضارة كانت أرقى منهم في كل فن وصناعة.
والصملح السملمي مبنمي على تقديمم إصملح النفمس باسمتقلل العقمل ،والرادة ،
وتهذيب الخلق على إصلح ما في الرض من معدن ،ونبات ،وحيوان.
وبهذا كان ال -عمز وجمل -يعمد هذه الممة للصملح العظيمم الذي جاء بمه محممد -
صلى ال عليه وسلم .-
-شرف النسمب :فقمد كان نسمبه -عليمه الصملة والسملم -أشرف النسماب ،
وأصرحها.
قال تعالى { :إن ال اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين }
فال -عممز وجممل -اصممطفى هؤلء إذ جعممل فيهممم النبوة والهدايممة للمتقدميممن ،
واصمطفى قريشًا ممن كنانمة ،واصمطفى ممن قريمش بنمي هاشمم ،واصمطفى ممن بنمي
هاشمم سميد ولد آدم محمدا -صملى ال عليمه وسملم -فكان آل إسمماعيل أفضمل الوليمن
والخرين ،كما كان بنو إسحاق أفضل المتوسطين.
أمما اصمطفاء ال لقمبيلة قريمش فقمد كان بمما آتاهمم ال ممن المناقمب العظام ،ول سميما
بعممد سمُكنى مكممة ،وخدمممة المسممجد الحرام ؛ إذ كانوا أصممرح ولد إسممماعيل أنسمماباً ،
وأشرفهم أحسابًا ،وأعلهم آداباً ،وأفصحهم ألسنة ،وهم الممهدون لجمع الكلمة.
أمما اصمطفاء ال لبنمي هاشمم فقمد كان لمما امتازوا بمه ممن الفضائل والمكارم ؛ فكانوا
أصلح الناس عند الفتن ،وخيرهم لمسكين ويتيم.
عمْرو بن عبد مناف ؛ لنه أول من هشم الثريد -وهو وإنما أطلق لقب هاشم على َ
ل الموسممم كافممة ، طعام لذيممذ -للذيممن أصممابهم القحممط ،وكان يشبممع منممه كلّ عام ٍم أه ُ
ومائدته منصوبة ل ترفع في السراء ول في الضراء.
وزاد على هاش مٍ ولَدُه عبدُالمطلب ج ّد الرسول -صلى ال عليه وسلم -فكان يطعم
الوحمش ،وطيمر السمماء ،وكان أول ممن تعبمد بغار حراء ،وروي أنمه حرم الخممر
على نفسه.
وبالجملة فقمد امتاز آل النمبي -صملى ال عليمه وسملم -على سمائر قوممه بالخلق
العلية ،والفواضل العملية ،والفضائل النفسية.
ثم اصطفى ال -عز وجل -محمداً -صلى ال عليه وسلم -من بني هاشم ؛ فكان
خير ولد آدم ،وسيدهم.
-4بلوغمه -صملى الله عليمه وسملم -الذروة فمي مكارم الخلق :
فقممد جبله ال -عممز وجممل -على كريممم الخلل ،وحميممد الخصممال ،فكان قبممل النبوة
أرقى قومه ،بل أرقى البشرية في زكاء نفسه ،وسلمة فطرته ،وحسن خلقه.
نشأ يتيماً شريفاً ،وشب فقيراً عفيفًا ،ثم تزوج محباً لزوجته مخلصاً لها.
لم يتولّ همو ول والده شيئًا ممن أعمال قريمش فمي دينهما ول دنياهما ،ول كان يعبمد
عبادتهم ،ول يحضر سامرهم ،ول ندواتهم ،ولم يؤثر عنه قول ول عمل يدل على
حب الرياسة ،أو التطلع إليها.
كان يُعرفُم بالتزام الصمدق ،والمانمة ،وعلو الداب ؛ فبذلك كان له المقام الرفمع
قبل النبوة ؛ حتى لقبوه بالمين.
وعلى هذه الحال كان -صملى ال عليمه وسملم -حتمى بلغ أشده ،واسمتوى ،وكملت
فمي جسمده الطاهمر ،ونفسمه الزكيمة جميمع القوى ،ل طممع فمي مال ،ول سممعة ،ول
تطلع إلى جاه ول شهرة ،حتمى أتاه الوحمي ممن رب العالميمن -كمما سميأتي بيانمه بعمد
قليل . -
-كونمه -صملى الله عليمه وسملم -أميما ل يقرأ ول يكتمب :فهذا ممن
أعظمم المهيئات والدلئل على صمدق نبوتمه ؛ فهذا الرجمل الممي الذي لم يقرأ كتابما ،
ولم يكتمب سمطرًا ،ولم يقمل شعراً ،ولم يرتجمل نثراً ،الناشىء فمي تلك الممة الميمة -
يأتي بدعوة عظيمة ،وبشريعة سماوية عادلة تستأصل الفوضى الجتماعية ،وتكفل
لمعتنقيها السعادة النسانية البدية ،وتعتقهم من رق العبودية لغير ربهم -جل وعل
.-
كل ذلك من مهيئات النبوة ،ومن دلئل صدقها.
هو محمد بن عبدال بن عبدالمطلب بن هاشم ،بن عبدمناف ،بن قصي ،بن حكيم
،بمن مرة ،بمن كعمب ،بمن لؤي ،بمن غالب ،بمن فهمر ،بمن مالك ،بمن النضمر ،بمن
كنانمة ،بمن خزيممة ،بمن مدركمة ،بمن إلياس ،بمن مضمر ،بمن نزار ،بمن معمد ،بمن
عدنان ،وعدنان من العرب ،والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم -عليه السلم -
.
وأم النمبي -صملى ال عليمه وسملم -همي آمنمة بنمت وهمب بمن عبدمناف بمن زهرة ،
وزهرة أخو جد النبي -صلى ال عليه وسلم .-
وقد تزوج بها عبدال والد النبي -صلى ال عليه وسلم -وأقام معها في بيت أهلها
ثلثممة أيام ،فلم تلبممث أن حملت بالنممبي -صمملى ال عليممه وسمملم -ولم تجممد فممي حمله
ثقلً ،ول وحماً كما هو شأن المحصنات الصحيحات الجسام.
وقد رأت أمه رؤيا لما حملت به ،وقد مر ذكر الرؤيا في كلم سابق.
وقد ولدته أمه سوي الخلق ،جميل الصورة ،صحيح الجسم ،وكانت ولدته عام
الفيل الموافق للحادي والسبعين بعد الخمسمائة للميلد.
وقمد توفمي والده وهمو حممل فمي بطمن أممه ،فكفله جده عبدالمطلب ،وأرضعتمه أممه
ثلثة أيام ثم عهد جده بإرضاعه إلى امرأة يقال لها حليمة السعدية.
وكان ممن عادة العرب أن يسمترضعوا لولدهمم فمي البوادي ؛ حيمث تتوافمر أسمباب
النشأة البدنية السليمة.
ولقمد رأت حليممة السمعدية ممن أممر هذا الرضيمع عجبًا ،وممن ذلك أنهما أتمت ممع
زوجهما إلى مكمة على أتان هزيلة بطيئة السمير ،وفمي طريمق العودة ممن مكمة ،وهمي
تضممع الرضيممع فممي حجرهمما كانممت التان تعدو عَ ْد َواً سممريعا ،وتُخَلف وراءهمما كممل
الدواب ؛ مما جعل رفاق الطريق كلهم يتعجبون.
وتحدث حليممة بأن ثديهما لم يكمن يدر شيئًا ممن الحليمب ،وأن طفلهما الرضيمع كان
دائم البكاء من شدة الجوع ،فلما ألقمت الثدي رسول ال -صلى ال عليه وسلم -در
غزيراً ،فأصبحت ترضعه وترضع طفلها حتى يشبعا.
وتحدث حليمة عن جدب أرض قومها ديار بني سعد ،فلما حظيت بشرف رضاعة
هذا الطفممل أنتجممت أرضهمما ،وماشيتهمما ،و َتبَدّلت حالهمما مممن بؤس وفقممر ،إلى هناء
ويسر.
وبعد سنتين عادت به حليمة إلى أمه وجده في مكة ،لكن حليمة ألحت على أمه أن
توافمق على بقائه عندهما مرة ثانيمة ؛ لمما رأت ممن بركتمه عليهما ؛ فوافقمت أممه آمنمة ،
فعادت حليمة بالطفل مرة أخرى إلى ديارها والفرحة تمل قلبها.
وبعمد سمنتين عادت بمه حليممة إلى أممه ،وعمره آنذاك أربمع سمنوات ،فحضنتمه أممه
إلى أن توفيت ،وكان له من العمر ست سنين ،فكفله جده عبدالمطلب سنتين ثم توفي
،فأوصى به إلى ابنه أبا طالب عم النبي -صلى ال عليه وسلم -فحاطه بعنايته كما
يحوط أهله وولده.
إل أنمه كان لفقره يعيمش عيمش الشظمف ؛ فلم يتعود -صملى ال عليمه وسملم -نعيمم
التنرف.
ولعل ذلك من عناية ال بهذا النبي الكريم.
وكان -صلى ال عليه وسلم -قد ألف رعي الغنم مع إخوانه من الرضاع لما كان
فمي باديمة بنمي سمعد ،فصمار يرعمى الغنمم لهمل مكمة ؛ فيوفمر على عممه أبمي طالب بمما
يأخذه على ذلك من الجر.
ثم سافر مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام ،وله من العمر اثنتا عشرة سنة ،
وشهران ،وعشرة أيام ،وهناك رآه بحيرا الراهمممب ،وبشمممر بمممه عممممه أبممما طالب ،
وحذره من اليهود عليه بعد أن رأى خاتم النبوة بين كتفيه.
ثم إنه سافر مرة أخرى ُمتّجراَ بمالٍ لخديجة بنت خويلد ،فأعطته أفضل مما كانت
تعطمممي غيره ؛ إذ جاءت تلك التجارة بأرباح مضاعفمممة ،بمممل جاءت بسمممعادة الدنيممما
والخرة.
وكانت خديجة هذه أعقل وأكمل امرأة في قريش ،حتى كانت تدعى في الجاهلية :
الطاهرة ؛ لما لها من الصيانة ،والعفة ،والفضائل الظاهرة.
ولمما حدثهما غلمهما ميسمرة بمما رأى ممن النمبي -صملى ال عليمه وسملم -فمي رحلتمه
معممه إلى الشام ،مممن الخلق العاليممة ،والفضائل السممامية ،وممما قاله بحيرا الراهممب
لعممه أبمي طالب فمي رحلتمه الولى إلى الشام -تعلقمت رغبتهما بمه ،وبأن تتخذه زوجما
لهما ،وكانمت قمد تزوجمت ممن قبمل ،وتوفمي عنهما زوجهما ؛ فتمم ذلك الزواج الميمون ،
وكان عمره آنذاك خمسة وعشرين سنة ،وعمرها قريبًا من أربعين سنة.
ولم يتزوج عليها طيلة حياتهما ،ول أحب مثلها ،وتوفيمت بعمد البعثمة النبويمة بعشمر
سمنين ،فكان كثيرًا مما يذكرهما ،ويتصمدق عنهما ،ويهدي لصماحباتها ،وهمي الزوجمة
التي رزق منها جميع أبنائه عدا إبراهيم فإنه من زوجته ماريا القبطية.
هذه بعض أخباره وسيرته قبل النبوة ،وبدء الوحي على سبيل الجمال.
السنة النبوية
السمنة النبويمة :همي كمل مما ورد عمن النمبي -صملى ال عليمه وسملم -ممن قول ،أو
فعل ،أو وصف ،أو تقرير.
والسمنة شقيقمة القرآن تفسمره ،وتمبينه ،وتعمبر عنمه ،وتدل عليمه ،وتفصمل مجمله ،
وتدل على أحكام سممكت عنهمما القرآن ،فهممي المصممدر الثانممي مممن مصممادر التشريممع
السلمي ،وهي من الذكر الذي تكفل ال بحفظه .
والحاديمث التمي جاءت عمن الرسمول -صملى ال عليمه وسملم -كثيرة جدا ،ولقمد
اعتنمى بهما العلماء غايمة العنايمة ؛ حيمث ميزوا صمحيحها ممن ضعيفهما ،و نقلوهما إلينما
بالسانيد من طريق الرواة الثقاة العدول.
العبادة في السلم
تعريفها:
العبادة في السلم هي التقرب إلى ال -عز وجل -بفعل ما أمر به ،واجتناب ما
نهى عنه.
وهي شاملة لكل ما يحبه ال ويرضاه من القوال والعمال الظاهرة والباطنة.
وروح العبادة ،ولبها ،وحقيقتها تحقيق الحب والخضوع ل -تعالى. -
شرطا العبادة:
ل تقبل العبادة إل إذا اجتمع فيها شرطان:
-1الخلص ل.
-2المتابعة لرسوله -صلى ال عليه وسلم -
ومعنى ذلك أنه ل بد من العبادة خالصة ل ،وأن تكون موافقة لما جاء به الرسول
-صلى ال عليه وسلم .-
فل يعبد إل ال ،ول يعبد إل بما شرع.
فالصمملة على سممبيل المثال عبادة ل تصممرف إل ل ،أي ل يصمملى إل ل ،وبهذا
يتحقق الخلص.
ول يصلى إل كما جاء عن رسول ال -صلى ال عليه وسلم -من كيفية الصلة ،
وبهذا تتحقق الموافقة والمتابعة للرسول -صلى ال عليه وسلم.
ولسائل أن يسأل :ما الحكمة من اشتراط هذين الشرطين لصحة العبادة؟
والجواب عن ذلك من عدة وجوه:
-1أن ال أمر بإخلص العبادة له وحده ؛ فعبادة غيره معه شرك به -تعالى . -
قال تعالى { :وادعوه مخلصين له الدين }
-2أن ال -تعالى -اختص نفسه بالتشريع ؛ فهو حقه وحده ،ومن تعبد بغير ما
شرع ال فقد شارك ال في تشريعه.
-3أن ال أكمل لنا الدين ،فالذي يخترع عبادة من عنده يكون مستدركًا على الدين
،متهمًا له بالنقص.
-4أنه لو جاز للناس أن يتعبدوا بما شاءوا كيفما شاءوا -لصبح لكل إنسان طريقته
الخاصة بالعبادة ،ولصبحت حياة الناس جحيماً ل يطاق ؛ إذ يسود التناحر
والتنافر ؛ لختلف الذواق ،والدين إنما يأمر بالتفاق والئتلف
أنواع العبادة
أنواع العبادة كثيرة كالصلة ،والزكاة ،والصيام ،والحج ،وبر الوالدين ،وصلة
الرحام ،وصممدق الحديممث ،وأداء المانممة ،والوفاء بالعهود ،والمممر بالمعروف ،
والنهي عن المنكر ،وإماطة الذى عن الطريق ،والحسان إلى اليتام ،والمساكين
وابن السبيل والحيوان ،وغير ذلك.
وممن أنواع العبادة :الذكمر ،والدعاء ،والسمتعاذة بال ،والسمتعانة بمه ،والتوكمل
عليه ،والتوبة ،والستغفار .
ومنها :الصبر ،والشكر ،والرضا ،والخوف ،والمحبة ،والرجاء ،والحياء.
فضائل العبادة
العبادة في السلم هي الغاية المحبوبة ل ،والمرضية له ،التي خلق لجلها الخلق
،وأرسمل الرسمل ،وأنزل الكتمب ،وهمي التمي مدح القائميمن بهما ،وذم المسمتكبرين
عنها.
والعبادة في السلم لم تشرع للتضييق على الناس ،ول ليقاعهم في الحرج.
وإنما شرعت لحكم عظيمة ،ومصالح كثيرة ،ل يحاط بعدها و حصرها.
فممن فضائل العبادة أنهما تزكمي النفوس ،وتطهرهما ،وتسممو بهما إلى أعلى درجات
الكمال النساني.
وممن فضائلهما أن النسمان محتاج إليهما أعظمم الحاجمة ،بمل همو مضطمر لهما أشمد
الضرورة ؛ فالنسممان بطبعممه ضعيممف ،فقيممر إلى ال ،وكممما أن جسممده بحاجممة إلى
الطعام والشراب -فكذا قلبه وروحه بحاجة إلى العبادة والتوجه إلى ال ،بل إن حاجة
قلبممه وروحممه إلى العبادة أعظممم بكثيممر مممن حاجممة جسممده إلى الطعام والشراب ؛ فإن
حقيقمة العبمد قلبمه وروحمه ،ول صملح لهمما إل بالتوجمه إلى ال بالعبادة ؛ فل تطمئن
النفوس في الدنيا إل بذكر ال وعبادته ،ولو حصل للعبد لذات أو سرور بغير ال فل
يدوم ،وقد يكون ذلك الذي يتلذذ به ل لذة فيه ول سرور أصلً.
أمما السمرور بال والنمس بمه -عمز وجمل -فهمو سمرور ل ينقطمع ول يزول ؛ فهمو
الكمال ،والجمال ،والسرور الحقيقي ؛ فمن أراد السعادة البدية فليلزم عتبة العبودية
ل وحده.
ولهذا فإن أهل العبادة الحقة هم أسعد الناس ،وأشرحهم صدراً.
ول يوجد ما يسكن إليه العبد ويطمئن به ،ويتنعم بالتوجه إليه حقاً إل ال.
ومممن فضائل العبادة :أنهمما تسممهل على العبممد فعممل الخيرات ،وترك المنكرات ،
وتسليه عند المصائب ،وتخفف عليه المكاره ،وتهون اللم ،فيتلقاها بصدر منشرح
،ونفس مطمئنة.
وممن فضائلهما أن العبمد يتحرر بعبوديتمه لربمه ممن رق المخلوقيمن ،والتعلق بهمم ،
وخوفهم ،ورجائهم ؛ وبهذا يكون عزيز الجانب ،مرفوع الرأس ،عالي القدر.
لقد رفع السلم مكانة المرأة ،وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه ؛ فالنساء في
السملم شقائق الرجال ،وخيمر الناس خيرهمم لهله ؛ فالمسملمة فمي طفولتهما لهما حمق
الرضاع ،والرعايممة ،وإحسممان التربيممة ،وهممي فممي ذلك الوقممت قرة العيممن ،وثمرة
الفؤاد لوالديها وإخوانها.
وإذا كمبرت فهمي المعززة المكرممة ،التمي يغار عليمه وليهما ،ويحوطهما برعايتمه ،
فل يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء ،ول ألسنة بأذى ،ول أعين بخيانة.
وإذا تزوجمت كان ذلك بكلممة ال ،وميثاقمه الغليمظ ؛ فتكون فمي بيمت الزوج بأعمز
جوار ،وأمنمع ذمار ،وواجمب على زوجهما إكرامهما ،والحسمان إليهما ،وكمف الذى
عنها.
وإذا كانت أماً كان برها مقروناً بحق ال -تعالى -وعقوقها والساءة إليها مقروناً
بالشرك بال ،والفساد في الرض.
وإذا كانت أختًا فهي التي أُمر المسلم بصلتها ،وإكرامها ،والغيرة عليها.
وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الم في البر والصلة.
وإذا كانت جدة ،أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولدها ،وأحفادها ،وجميع
أقاربها ؛ فل يكاد يرد لها طلب ،ول يسفه لها رأي.
وإذا كانمت بعيدة عمن النسمان ل يدنيهما قرابمة أو جوار كان لهما حمق السملم العام
من كف الذى ،وغض البصر ونحو ذلك.
ومما زالت مجتمعات المسملمين ترعمى هذه الحقوق حمق الرعايمة ،ممما جعمل للمرأة
قيمة واعتباراً ل يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة.
ثممم إن للمرأة فممي السمملم حممق التملك ،والجارة ،والبيممع ،والشراء ،وسممائر
العقود.
ولها حق التعلم ،والتعليم ،بما ل يخالف دينها ،بل إن من العلم ما هو فرض عين
يأثم تاركه ذكراً كان أم أنثى.
بل إن لها ما للرجال إل بما تختص به من دون الرجال ،أو بما يختصون به دونها
من الحقوق والحكام التي تلئم كل منهما على نحو ما هو مفصل في مواضعه.
وممن إكرام السملم للمرأة أن أمرهما بما يصمونها ،ويحفمظ كرامتهما ،ويحميهما ممن
اللسممنة البذيئة ،والعيممن الغادرة ،واليدي الباطشممة ؛ فأمرهمما بالحجاب والسممتر ،
والبعد عن التبرج ،وعن الختلط بالرجال الجانب ،وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.
ومممن إكرام السمملم لهمما أن أمممر الزوج بالنفاق عليهمما ،وإحسممان معاشرتهمما ،
والحذر من ظلمها ،والساءة إليها.
بمل وممن المحاسمن -أيضما -أن أباح للزوجيمن أن يفترقما إذا لم يكمن بينهمما وفاق ،
ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة ؛ فأباح للزوج طلقها بعد أن تخفق جميع محاول
ت الصلح ،وحين تصبح حياتهما جحيماً ل يطاق.
وأباح للزوجمة أن تفارق الزوج إذا كان ظالمما لهما ،سميئا فمي معاشرتهما ،فلهما أن
تفارقمه على عوض تتفمق ممع الزوج فيمه ،فتدفمع له شيئًا ممن المال ،أو تصمطلح معمه
على شيء معين ثم تفارقه.
وممن إكرام السملم للزوجمة أن أباح للرجمل أن يعدد ،فيتزوج بأكثمر ممن واحدة ،
فأباح له أن يتزوج اثنتين ،أو ثلثًا ،أو أربعاً ،ول يزيد عن أربع.
بشرط أن يعدل بينهن في النفقة ،والكسوة ،والمبيت.
وإن اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك.
هذا وإن فمي التعدد حكمما عظيممة ،ومصمالح كثيرة ل يدركهما الذيمن يطعنون فمي
السملم ،ويجهلون الحكممة ممن تشريعاتمه ،وممما يمبرهن على الحكممة ممن مشروعيمة
التعدد ما يلي:
-1أن السملم حرم الزنما :وشدد فمي تحريممه ؛ لمما فيمه ممن المفاسمد العظيممة
التممي تفوق الحصممر والعممد ،والتممي منهمما اختلط النسمماب ،وقتممل الحياء ،والذهاب
بالشرف وكرامممة الفتاة ؛ إذ الزنمما يكسمموها عاراً ل يقممف حده عندهمما ،بممل يتعداه إلى
أهلها وأقاربها .
وممن أضرار الزنما أن فيمه جنايمة على الجنيمن الذي يأتمي ممن الزنما ؛ حيمث يعيمش
مقطوع النسب ،محتقرًا ذليلً.
ومن أضراره ما ينتج عنه من أمراض نفسية وجسدية يصعب علجها ،بل ربما
أودت بحياة الزاني كالسيلن ،والزهري ،والهربس ،واليدز ،و غيرها.
والسملم حيمن حرم الزنما وشدد فمي تحريممه فتمح باباً مشروعاً يجمد فيمه النسمان
الراحممة ،والسممكن ،والرحمممة ،والطمأنينممة أل وهممو الزواج ،حيممث شرع الزواج ،
وأباح التعدد فيه -كما مضى . -
ول ريمب أن منمع التعدد ظلم للرجمل وللمرأة ؛ فمنعمه قمد يدفمع إلى الزنما ؛ لن عدد
النسممماء يفوق عدد الرجال فمممي كمممل زمان ومكان ،ويتجلى ذلك فمممي أيام الحروب ؛
فقصممر الزواج على واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كممبير مممن النسمماء دون زواج ،وذلك
يسممبب لهممن الحرج ،والضيممق ،والتشتممت ،و ربممما أدى بهممن إلى بيممع العرض ،
وانتشار الزنا ،وضياع النسل .
-2أن الزواج ليس متعة جسدية فحسب :بل فيه الراحة ،والسكن ،وفيه
-أيضًا -نعممة الولد ،والولد فمي السملم ليمس كغيره فمي النظمم الرضيمة ؛ إذ لوالديمه
أعظمم الحمق عليمه ؛ فإذا رزقمت المرأة أولداً ،وقاممت على تربيتهمم كانوا قرة عيمن
لها ؛ فأيهما أحسن للمرأة :أن تنعم في ظل رجل يحميها ،ويحوطها ،ويرعاها ؟ أو
أن تعيش وحيدة طريدة ترتمي هنا وهناك ؟
-3أن نظرة السملم عادلة متوازنمة :فالسمملم ينظممر إلى النسمماء جميعهممن
بعدل ،والنظرة العادلة تقول :بأنه ل بد من النظر إلى جميع النساء بعين العدل.
إذا كان المر كذلك ؛ فما ذنب العوانس اللتي ل أزواج لهن؟ ولماذا ل ينظر بعين
العطمف والشفقمة إلى ممن مات زوجهما وهمي فمي مقتبمل عمرهما ؟ ولماذا ل ينظمر إلى
النساء الكثيرات اللواتي قعدن بدون زواج ؟
أيهمما أفضمل للمرأة :أن تنعمم فمي ظمل زوج معمه زوجمة أخرى ،فتطمئن نفسمها ،
ويهدأ بالها ،وتجد من يرعاها ،وترزق بسببه الولد ،أو أن تقعد بل زواج البتة ؟
وأيهما أفضل للمجتمعات أن يعدد بعض الرجال فيسلم المجتمع من تبعات العنوسة
؟ أو أن ل يعدد أحد ،فتصطلي المجتمعات بنيران الفساد ؟
وأيهممما أفضممل أن يكون للرجممل زوجتان أو ثلث أو أربممع أو أن يكون له زوجممة
واحدة وعشر عشيقات ،أو أكثر ،أو أقل ؟
-4أن التعدد ليس واجبا :فكثير من الزواج المسلمين ل يعددون ؛ فطالما أن
المرأة تكفيه -وأنه غير قادر على العدل فل حاجة له في التعدد.
-5أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل :وذلك من حيث استعدادها
للمعاشرة ؛ فهمي غيمر مسمتعدة للمعاشرة فمي كمل وقمت ،ففمي الدورة الشهريمة مانمع قمد
يصل إلى عشرة أيام ،أو أسبوعين كل شهر .
وفممي النفاس مانممع -أيضًا -والغالب فيممه أنممه أربعون يوماً .والمعاشرة فممي هاتيممن
الفترتين محظورة شرعاً ؛ لما فيهما من الضرار التي ل تخفى.
وفي حال الحمل قد يضعف استعداد المرأة في معاشرة الزوج ،وهكذا.
أممما الرجممل فاسممتعداده واحممد طيلة الشهممر ،والعام ؛ فبعممض الرجال إذا منممع مممن
التعدد قد يؤول به المر إلى الزنا.
ل ممن -6قمد تكون الزوجمة عقيمما ل تلد :فيحرم الزوج ممن نعممة الولد ،فبد ً
تطليقها يبقي عليها ،ويتزوج بأخرى ولود.
وقد يقال :وإذا كان الزوج عقيمًا والزوجة ولوداً ؛ فهل للمرأة الحق في الفراق؟
والجواب :نعم فلها ذلك إن أرادت.
-7قد تمرض الزوجة مرضا مزمناً :كالشلل وغيره ،فل تستطيع القيام على
خدمة الزوج ؛ فبدل من تطليقها يبقي عليها ،ويتزوج بأخرى.
-8قد يكون سلوك الزوجة سيئاً :فقمد تكون شرسمة ،سميئة الخلق ل ترعمى
حق زوجها ؛ فبدل من تطليقها يبقي الزوج عليها ،ويتزوج بأخرى ؛ وفاء للزوجة ،
وحفظاً لحق أهلها ،وحرصًا على مصلحة الولد من الضياع إن كان له أولد منها.
-9أن قدرة الرجممل على النجاب أوسممع بكثيممر مممن قدرة المرأة :
فالرجمل يسمتطيع النجاب إلى مما بعمد السمتين ،بمل ربمما تعدى المائة وهمو فمي نشاطمه
وقدرته على النجاب.
أما المرأة فالغالب أنها تقف عن النجاب في حدود الربعين ،أو تزيد عليها قليل.
فمنع التعدد حرمان للمة من النسل.
-10أن في الزواج من ثانية راحة للولى :فالزوجة الولى ترتاح قليل من
أعباء الزوج ؛ إذ يوجد من يعينها ويأخذ عنها نصيبًا من أعباء الزوج.
ولهذا فإن بعض العاقلت إذا كبرت في السن وعجزت عن القيام بحق الزوج
أشارت عليه بالتعدد.
-11التماس الجر :فقد يتزوج النسان بامرأة مسكينة ل عائل لها ،ول راعٍ ،
فيتزوجها ِب ِنيّة إعفافها ،ورعايتها ،فينال الجر من ال بذلك.
-12أن الذي أباح التعدد هو الله -عز وجل : -فهو أعلم بمصالح عباده ،
وأرحم بهم من أنفسهم.
وهكذا يتبين لنا حكمة السلم ،وشمول نظرته في إباحة التعدد ،ويتبين لنا جهل
من يطعنون في تشريعاته.
ومن إكرام السلم للمرأة أن جعل لها نصيباً من الميراث ؛ فللم نصيب معين ،و
للزوجة نصيب معين ،وللبنت وللخت ونحوها ما هو مفصل في موضعه.
ومن تمام العدل أن جعل السلم للمرأة من الميراث نصف ما للرجل ،وقد يظن
بعض الجهلة أن هذا من الظلم ؛ فيقولون :كيف يكون للرجل مثل حظ النثيين من
الميراث ؟ ولماذا يكون نصيب المرأة نصف نصيب الرجل ؟
والجواب أن يقال :إن الذي شرع هذا هو ال الحكيم العليم بمصالح عباده.
ثم أي ظلم في هذا ؟ إن نظام السلم نظام متكامل مترابط ؛ فليس من العدل أن
يؤخذ نظام ،أو تشريع ،ثم ينظر إليه من زاوية واحدة دون ربطه بغيره.
بل ينظر إليه من جميع جوانبه ؛ فتتضح الصورة ،ويستقيم الحكم.
ومما يتبين به عدل السلم في هذه المسألة -أن السلم جعل نفقة الزوجة واجبة
على الزوج ،وجعل مهر الزوجة واجب على الزوج -أيضاً . -
ولنفرض أن رجلً مات ،وخلف ابناً ،و بنتاً ،وكان للبن ضعف نصيب أخته ،
ثم أخذ كل منهما نصيبه ،ثم تزوج كل منهما ؛ فالبن إذا تزوج فإنه مطالب بالمهر ،
والسكن ،والنفقة على زوجته وأولده طيلة حياته.
أما أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها ،وليست مطالبة بشيء من نصيبها
لتصرفه على زوجها ،أو نفقة بيتها أو على أولدها ؛ فيجتمع لها ما ورثته من أبيها ،
مع مهرها من زوجها ،مع أنها ل تطالب بالنفقة على نفسها وأولدها.
أليس إعطاء الرجل ضعف ما للمرأة هو العدل بعينه إذاً ؟
هذه هي منزلة المرأة في السلم ؛ فأين النظمة العادلة في السلم من نظم كثير
من بقاع الرض؟ حيث يتبرأ الب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أو أقل ؛
لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها ،ولقمة تسد جوعتها ،وربما كان
ذلك على حساب الشرف ،ونبل الخلق.
وأين إكرام السلم للمرأة ،وجعلها إنساناً مكرمًا من النظمة التي تعدها مصدر
الخطيئة ،وتسلبها حقها في الملكية و المسؤولية ،وتجعلها تعيش في إذلل واحتقار ،
وتعدها مخلوقاً نجسًا ؟ وأين إكرام السلم للمرأة ممن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون
بجسدها في الدعايات والعلنات؟
وأين إكرام السلم لها من النظمة التي تعد الزواج صفقة مبايعةٍ تنتقل فيه
الزوجة ؛ لتكون إحدى ممتلكات الزوج؟ حتى إن بعض مجامعهم انعقدت ؛ لتنظر في
حقيقة المرأة ،وروحها هل هي من البشر أو ل ؟!
وهكذا نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنياها مع أسرتها وفي كنف والديها ،
ورعاية زوجها ،وبر أبنائها سواء في حال طفولتها ،أو شبابها ،أو هرمها ،وفي
حال فقرها أو غناها ،أو صحتها أو مرضها.
وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلد المسلمين أو من بعض
المنتسبين إلى السلم -فإنما هو بسبب القصور والجهل ،والبعد عن تطبيق شرائع
الدين ،والوزر في ذلك على من أخطأ -والدين براء من تبعة تلك النقائص.
وعلج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية السلم وتعاليمه ؛ لعلج الخطأ.
هذه هي منزلة المرأة في السلم على سبيل الجمال :عفة ،وصيانة ،ومودة
ورحمة ،ورعاية ،وتذمم إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية.
أما الحضارة المعاصرة فل تكاد تعرف شيئًا من تلك المعاني ،وإنما تنظر للمرأة
نظرة مادية بحتة ،فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية ،وأنها ل بد أن تكون
دمية يعبث بها كل ساقط ؛ فذلك سر السعادة عندهم.
وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها.
وإل فما علقة التطور والتعليم بالتبرج وإظهار المفاتن ،وإبداء الزينة ،وكشف
الصدور ،والفخاذ وهو أشد ؟!
وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملبس الضيقة والشفافة والقصيرة ؟!
ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في العلنات والدعايات ؟
ولماذا ل تروج عندهم إل الحسناء الجميلة ،فإذا استنفذت السنوات جمالها
وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت صلحيتها ؟
وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة ؟ وما نصيب الم المسنة ،والجدة ،
والعجوز ؟
إن نصيبها في أحسن الحوال يكون في الملجىء ،ودور العجزة والمسنين ؛
حيث ل تزار ول يسأل عنها.
وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد ،أو نحوه ،فتأكل منه حتى تموت ؛ فل رحم
هناك ،ول صلة ،ول ولي حميم.
أما المرأة في السلم فكلما تقدم السن بها زاد احترامها ،وعظم حقها ،وتنافس
أولدها وأقاربها على برها -كما سبق -لنها أدت ما عليها ،وبقي الذي لها عند
أبنائها ،وأحفادها ،وأهلها ،ومجتمعها.
أما الزعم بأن العفاف والستر تخلف ورجعية -فزعم باطل ،بل إن التبرج
والسفور هو الشقاء والعذاب ،والتخلف بعينه ،وإذا أردت الدليل على أن التبرج هو
التخلف فانظر إلى انحطاط خصائص الجنس البشري في الهمج العراة الذين يعيشون
في المتاهات والدغال على حال تقرب من البهيمية ؛ فإنهم ل يأخذون طريقهم في
مدارج الحضارة إل بعد أن يكتسوا.
ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة
زاد نسبة المساحة الكاسية من أجسادهم ،كما يلحظ أن الحضارة الغربية في
انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقرى درجة درجة حتى تنتهي إلى العري الكامل
في مدن العراة التي أخذت في النتشار بعد الحرب العالمية الولى ،ثم استفحل
داؤها في السنوات الخيرة.
وهكذا تبين لنا عظم منزلة المرأة في السلم ،ومدى ضياعها وتشردها إذا هي
ابتعدت عن السلم.
تساؤل
وبعمد أن تمبين لك أيهما القارىء الكريمم ممن خلل الصمفحات الماضيمة عظممة ديمن
السمملم ،وشموله ،وعدله ،ومدى حاجممة البشريممة إليممه -قممد يخطممر ببالك تسمماؤل
فتقول:
إذا كان السمملم بهذه العظمممة والشمول ،والعدل -فلماذا ل نرى أهله فممي مقدمممة
المممم فممي هذا العصممر ؟ ولماذا نرى كثيرًا منهممم بعيدا عممن التصمماف بممما يأمممر بممه
الدين ؟ وما مدى صحة ما يقال بأن السلم دين تطرف ،وإرهاب؟
والجواب عن ذلك يسير بحمد ال ،وذلك من عدة وجوه:
-1أن حال المسممملمين فمممي عصمممورهم المتأخرة ل تمثمممل حقيقمممة
جعَلَ حال المسمملمين فممي هذه العصممور
السمملم :فمممن الظلم وقصممور النظممر أن تُ ْ
المتأخرة -همي الصمورة التمي تمثمل السملم ،فيُظمن أن السملم لم يرفمع عنهمم الذلة ،
ول التفرق ،ول الفقر.
فعلى من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف أن ينظر إلى دين السلم من خلل مصادره
الصحيحة ممن كتاب ال ،وسنة رسموله -صلى ال عليه وسملم -وما كان عليمه سلف
المة الصالح ،وأن ينظر إلى السلم من خلل الكتب التي تتحدث عنه بعدل وعلم ،
فسيتبين له أن السلم يدعو إلى كل صلح ديني ودنيوي ،وأنه يحث على الستعداد
لتعلم العلوم النافعة ،وأنه يدعو إلى تقوية العزائم ،وجمع الكلمة.
ثم إن انحرافات بعض المنتسبين إلى السلم -قلت أو كثرت -ل يجوز بحال من
الحوال أن تحسمب على الديمن أو أن يعاب بهما ،بمل همو براء منهما ،وتبعمة النحراف
تعود على المنحرفين أنفسهم ؛ لن السلم لم يأمرهم بذلك ؛ بل نهاهم وزجرهم عن
النحراف عما جاء به.
ثممم إن العدل يقتضممي بأن يُنظممر فممي حال القائميممن بالديممن حممق القيام ،والمنفذيممن
لوامره وأحكاممه فمي أنفسمهم وفمي غيرهمم؛ فإن ذلك يمل القلوب إجلل ووقارا لهذا
الديممن وأهله ؛ فالسمملم لم يغادر صممغيرة ول كممبيرة مممن الرشاد والتهذيممب إل حممث
عليهمما ،ول رذيلة أو مفسممدة إل صممد عممن سممبيلها ،وبذلك كان المعظمون لشأنممه ،
المقيمون لشعائره فممي أعلى طبقممة مممن أدب النفممس ،وتربيتهمما على محاسممن الشيممم ،
ومكارم الخلق ،يشهد لهم بذلك القريب والبعيد ،والموافق ،والمخالف.
أمما مجرد النظمر إلى حال المسملمين المفرطيمن فمي دينهمم ،الناكمبين عمن صمراطه
المستقيم -فليس من العدل في شيء ،بل هو الظلم بعينه.
-2أن تأخمر المسملمين سمببه البعمد عمن الديمن :فلم يتأخمر المسملمون عمن
ركمب الحضارة ،ولم يتفرقوا ويسمتذلوا إل عندمما فرطوا فمي دينهمم ،ونسموا حظما ممما
ذكروا به.
فالسملم ديمن الرقمي ،والتقدم ،والزكاء ،وعندمما كان المسملمون متمسمكين بدينهمم
حممق التمسممك دانممت لهممم أمممم الرض قروناً متطاولة ،فنشروا فيهمما لواء الحكمممة ،
والعدل ،والعلم.
وهمل ترقمت أممم الرض ،وبزّت غيرهما فمي الصمناعات والختراعات المذهلة إل
بعد أن استنارت عقول أهليها بعلوم المسلمين بعد الحروب الصليبية ؟
ألم تكمن تلك الممم فمي القرون التمي يسممونها القرون المظلممة فمي غايمة الجهمل ،
والهمجية ؟
ألم يكن المسلمون هم سادة الخلق آنذاك؟
ألم تكممن مدينممة السمملم هممي المدنيممة الزاهرة الحقيقيممة ؛ حيممث كان روحهمما الديممن
والعدل ،والرحممة ،حتمى لقمد شملت بظلهما الظليمل ،وإحسمانها المتدفمق جميمع الناس
حتى المخالفين والعداء؟
فهمل أخمر المسملمين دينهمم الحمق ؟ وهمل منعهمم ممن الرقمي الحقيقمي ؟ وهمل نفمع
الخرين كفرهم بال في تلك القرون الطويلة إذ كانوا هم الذلين المخذولين؟
ثمم لمما قصمر المسملمون فمي التمسمك بدينهمم ،وقصمروا فمي ترك الخمذ بالسمباب
الموصلة إلى خيري الدنيا والخرة -حل بهم التفكك والدمار.
ثممم إن التقدم المادي ل يكفممي وحده ،بممل ل بممد معممه مممن الديممن الحممق الذي يزكممي
النفوس ،ويرتقمي بالخلق ،فهما همي أممم الكفمر لمما ارتقمت فمي علوم المادة وأغفلت
جانمب الروح -هما همي تتخبمط فمي تيههما وضللهما ؛ فهمل أغنمت عنهما تلك المدنيمة
المادية فتيل؟
ألم تكن حضارتها قائمة على الظلم ،والجشع ،والستبداد ،والستعباد ،والتسلط
على المم الضعيفة ؟
ألم ينتشممر فيهممم الخيانممة ،والسممرقة ،والنتحار ،والقتممل ،والمراض النفسممية ،
والجنسية وغيرها؟
فهذا أكمبر برهان على أن الرقمي المادي ينقلب ضرراً على أهله إذا خل ممن الديمن
الحق الذي تستنير به العقول ،وتزكو به النفوس
-3أن القول بأن السلم دين تطرف وإرهاب مردود على من قاله :
فهو محض افتراء ،ومحاولة للصد عنه ؛ فالسلم دين الرحمة ،والرفق ،والتسامح
،و مما السميف الذي يأممر السملم بانتضائه للجهاد فمي سمبيل ال إل كمبضمع طمبيب
ناصممح يشرط بممه جسممم العليممل ؛ لينزف دمممه الفاسممد ،حرصمًا على سمملمته ؛ فليممس
الغرض ممن الجهاد فمي السملم سمفك الدماء ،وإزهاق الرواح ،وإنمما الغرض منمه
إعلء كلمة ال ،وتخليص البشر من عبادة البشر ،ودللتهم على عبادة رب البشر ،
كي يعيشوا حياة كريمة.
وأمممة السمملم خيممر أمممة أخرجممت للناس ،وخيممر أمممة جاهدت فممي سممبيل ال
فانتصممرت ،وغلبممت فرحمممت ،وحكمممت فعدلت ،وسمماست فأطلقممت الحريممة مممن
عقالها ،وفجرت ينابيع الحكمة بعد نضوبها.
واسمأل التاريمخ ؛ فإنهما قمد اسمتودعته ممن مآثرهما ال ُغرّ مما بَصُم َر بضوئه العممى ،
وازدهر في الرض ازدهار الكواكب في كبد السماء.
فماذا فعممل المسمملمون حيممن انتصممروا على خصممومهم ؟ هممل تكممبروا ،وتسمملطوا ،
واستبدوا؟ وهل انتهكوا العراض ،وقتلوا الشيوخ ،والنساء ،والطفال ؟
ماذا فعمل النمبي -صملى ال عليمه وسملم -عندمما انتصمر على خصمومه الذيمن كانوا
يؤذونه أشد الذى ؟ ألم يكن يصفح عنهم ؟ ويمن عليهم بالسبي والموال؟
وماذ فعمل المسملمون عندمما انتصمروا على كسمرى وقيصمر؟ همل خانوا وغدروا ؟
هممل تعرضوا للنسمماء ؟ وهممل أسمماءوا للرهبان فممي الديرة ؟ وهممل عاثوا فممي الرض
فسادا ؟ وهل هدموا المنازل ،وقطعوا الشجار ؟
وماذا فعممل صمملح الديممن لممما انتصممر على الصممليبيين الذيممن فعلوا بالمسمملمين
الفاعيل ،ونكلوا بهم أيما تنكيل ؟ فماذا فعل بهم صلح الدين لما انتصر عليهم ؟ ألم
يصفح عن قائدهم ؟ ويعالجه ؟ ويطلق سراحه؟
فهذه المواقف النبيلة وأمثالها كثير في تاريخ المسلمين ،مما كان له أبلغ الثر في
محبة الناس للسلم ،والدخول فيه عن قناعة ويقين.
أفغير المسلمن يقوم بهذا ؟ آلغرب يقدم مثل هذه النماذج ؟
الجواب مممما تراه ،وتسممممعه ؛ فممممن أيمممن خرج هتلر ،وموسممميليني ،ولينيمممن ،
وسمتالين ،ومجرممو الصمرب ؟ أليسمت أوربما همي التمي أخرجمت هؤلء وأمثالهمم ممن
الشياطيممن الذيممن قتلوا الملييممن مممن البشممر ،ولقممت منهممم البشريممة الويلت إثممر
الويلت ؟
أل يعممد أولئك هممم طلئع حضارة أوربمما ؟ فمممن الهمممج القسمماة العتاة إذا ؟ ومممن
المتطرفون الرهابيون حقيقة ؟
ثم من الذين صنعوا القنابل النووية ،والعنقودية ،والذرية ،والجرثومية ،وأسلحة
الدمار الشامل ؟
ومن الذين لوثوا الهواء بالعوادم ،والنهار بالمبيدات ؟
وممممن الذيمممن يسممملكون الطرق القذرة التمممي ل تممممت إلى العدل ،ول إلى شرف
الخصومة بشيء ؟
مممن الذيممن يعقمون النسمماء ؟ ويسممرقون أموال الشعوب وحرياتهممم ،ومممن الذيممن
ينشرون اليدز ؟
أليس الغرب ،ومن يسير في ركابهم ؟
ومن الذي يدعم اليهود وهم في قمة التسلط والرهاب ؟
هذه هي الحقيقة الواضحة ،وهذا هو الرهاب والتسلط .
أمما جهاد المسملمين لحقاق الحمق ،وقممع الباطمل ،و دفاعهمم عمن أنفسمهم وبلدهمم
فليس إرهابًا ،وإنما هو العدل بعينه .
ومما يحصمل ممن بعمض المسملمين ممن الخطمأ فمي سملوك سمبيل الحكممة فقليمل ل يكاد
يذكممر بجانممب وحشيممة الغرب ،وتبعتممه تعود على مممن أخطممأ السممبيل ول تعود على
الدين ،ول على المسلمين.
وقمد يكون لهذا مسموغاته فمي بعمض الحيان ؛ فظلم الكفار عليهمم قمد يوجمد مثمل هذه
التصرفات.
وهكذا ينبغممي للعاقممل المنصممف ؛ أن ينظممر إلى المور كممما هممي بعيدًا عممن الظلم
والتزوير والنظرة القاصرة.
وبعمممد هذا فإن كان للنسمممان عجمممب ممممن شيمممء فإن عجبمممه ممممن الوربييمممن ،
ل ممنوالمريكان ؛ حيمث لم يكتشفوا حقيقمة الديمن السملمي فيمما اكتشفوه ،وهمي أج ّ
كمل مما اكتشفوه ،وأضممن للسمعادة الحقيقيمة ممن كمل ما وصملوا إليمه ؛ فهمل همم جاهلون
بحقيقة السلم حقاً
أم أنهم يتعامون ويصدون عنه؟!