You are on page 1of 45

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمممد ل ‪ ،‬والصمملة والسمملم على رسممول ال ‪ ،‬وعلى آله وصممحبه ومممن اهتدى‬
‫بهداه‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن السعادة هدف منشود ‪ ،‬ومطلب ُملِح ‪ ،‬وغاية مبتغاة‪.‬‬
‫وكل إنسان يعيش على وجه الرض يسعى لسعاد نفسه ‪ ،‬وطرد الهم عنها‪.‬‬
‫ولقممد حرص الكتاب ‪ ،‬والمفكرون ‪ ،‬والفلسممفة ‪ ،‬والدباء ‪ ،‬والطباء على البحممث‬
‫فمي أسمباب جلب السمعادة ‪ ،‬وطرد الهمم ؛ ولكمل وجهمة همو موليهما ‪ ،‬وقمد علم كمل أناس‬
‫مشربهم‪.‬‬
‫ومممع ذلك فإن السممعادة التممي يصممل إليهمما أكثرهممم سممعادة مبتورة ‪ ،‬أو ناقصممة ‪ ،‬أو‬
‫وهميمة أشبمه مما تكون بالمخدر يتناوله متعاطيمه ‪ ،‬فيشعمر بنشوة أول وهلة ‪ ،‬حتمى إذا‬
‫ذهب أثره رجعت إليه الحزان أضعافاً مضاعفة‪.‬‬
‫والسبب أن أولئك يغفلون أصل الصول في جلب السعادة الحقة ‪ ،‬أل وهو اليمان‬
‫بال ‪ -‬عمز وجمل ‪ -‬فذلك سمر السمعادة وطريقهما القوم ؛ فل يجمد السمعادة الحقمة الدائممة‬
‫إل من آمن بال ‪ ،‬واهتدى بهداه ؛ فهناك يسعد في دنياه وأخراه‪.‬‬
‫وهذا الكتاب الذي بين يديك يدعوك إلى السعادة العظمى ؛ لنه يهديمك إلى اليمان‬
‫بربممك الذي خلقممك ‪ ،‬ويدلك على العتقاد الحممق الذي يؤيده عقلك السممليم ‪ ،‬وفطرتممك‬
‫السموية ‪ ،‬والذي تعرف ممن خلله بدايمة خلق النسمان ونهايتمه ‪ ،‬والحكممة ممن إيجاده ‪،‬‬
‫وغير ذلك مما ستجده في الصفحات التالية‪.‬‬
‫فهذا الكتاب يعرفممك بديممن السمملم الذي ختممم ال بممه الديان ‪ ،‬وارتضاه لجميممع‬
‫عباده ‪ ،‬وأمرهم بالدخول فيه‪.‬‬
‫و سميتضح لك ممن خلله عظممة هذا الديمن ‪ ،‬وصمحة مما جاء بمه ‪ ،‬وصملحه لكمل‬
‫زمان ‪ ،‬ومكان ‪ ،‬وأمة‪.‬‬
‫وإذا أردت التفصيل بعد ذلك فما عليك إل أن تبحث بنفسك ‪ ،‬وأن تسأل عما يشكل‬
‫عليمك ؛ فالسملم ديمن مفتوح ل يغلق فمي وجمه أحمد ‪ ،‬ول يضيمق بالسمئلة مهمما كثرت‬
‫وتنوعت ؛ فلكل سؤال في دين السلم جواب‪ ،‬ولكل قضية حكم‪.‬‬
‫فإلى موضوعات الكتاب ‪ ،‬وال المسمتعان ‪ ،‬وعليمه التكلن ‪ ،‬وصملى ال وسملم على‬
‫نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬

‫قصة البشرية‬
‫تبدأ قصة البشرية منذ أن خلق ال أبا البشر آدم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬حيث خلقه ال بيده‬
‫عّلمَهُم أسمماء الشياء كلهما ممن الطيور ‪،‬‬
‫الكريممة ممن طيمن ‪ ،‬ونفمخ فيمه ممن روحمه ‪ ،‬و َ‬
‫والدواب ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬وأمر الملئكة أن يسجدوا لدم ؛ زيادة في التكريم والتشريف‬
‫؛ فسجدوا كلهم إل إبليس أبى واستكبر ‪ ،‬فأهبطه ال من ملكوت السماوات ‪ ،‬وأخرجه‬
‫ذليلً مدحوراً ‪ ،‬وقضى عليه باللعنة ‪ ،‬والشقاء ‪ ،‬والنار‪.‬‬
‫ظرَه إلى يوم القيامممة ‪ ،‬فقال ال ‪ { :‬إنممك مممن‬‫وبعممد ذلك سممأل إبليممس ربّهمم أن يُن ِ‬
‫المنظرين } فقال إبليس ‪ { :‬فبعزتك لغوينهم أجمعين إل عبادك منهم المخلصين } ‪،‬‬
‫وقال ‪ { :‬فبما أغويتني لقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لتينهم من بين أيديهم ومن‬
‫خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ول تجد أكثرهم شاكرين }‬
‫فقال ال ‪ -‬عز وجل ‪ { -‬اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لملن جهنم‬
‫منكم أجمعين }‬
‫فأخرجمه ال ممن الجنمة ‪ ،‬وأعطاه القدرة على الوسموسة والغواء ‪ ،‬وأمهله إلى يوم‬
‫القيامة ؛ ليزداد إثما ‪ ،‬فتعظم عقوبته ‪ ،‬ويتضاعف عذابه ‪ ،‬وليجعله ال محكا يتميز به‬
‫الخبيث من الطيب‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك خلق ال من آدم زوجه حواء ؛ ليسكن إليها ‪ ،‬ويأنس بها ‪ ،‬وأمرهما أن‬
‫يسمكنا دار النعيمم الجنمة التمي فيهما مما ل عيمن رأت ‪ ،‬ول أذن سممعت ‪ ،‬ول خطمر على‬
‫قلب بشر ‪ ،‬وأخبرهما ‪ -‬عز وجل ‪ -‬بعداوة إبليس لهما ‪ ،‬ونهاهما عن الكل من شجرة‬
‫ممن أشجار الجنمة ؛ ابتلءاً وامتحاناً ؛ فوسموس لهمما الشيطان ‪ ،‬وزيمن لهمما الكمل ممن‬
‫تلك الشجرة ‪ ،‬وأقسممم لهممما أنممه لهممما مممن الناصممحين ‪ ،‬وقال ‪ (( :‬إن أكلتممما مممن هذا‬
‫الشجرة كنتما من الخالدين ))‬
‫فلم يزل بهمما حتمى أغواهمما ‪ ،‬فأكل ممن الشجرة ‪ ،‬وعصميا ربهمما ؛ فندمما على مما‬
‫فعل أشد الندم ‪ ،‬وتابا إلى ربهما ‪ ،‬فتاب عليهما ‪ ،‬واجتباهما ‪ ،‬لكنه أهبطهما من الجنة‬
‫دار النعيمم إلى الدنيما دار النصمب والتعمب ‪ ،‬وسمكن آدم الرض ‪ ،‬ورزقمه ال الذريمة‬
‫التي تكاثرت ‪ ،‬وتشعبت إلى يومنا الحاضر ‪ ،‬ثم توفاه ال ‪ ،‬وأدخله الجنة‪.‬‬
‫ومنذ أن أهبط ال آدم وزوجته إلى الرض والعداوة قائمة مستمرة بين بني آدم من‬
‫جهة ‪ ،‬وبين إبليس وذريته من جهة‪.‬‬
‫و منممذ ذلك الحيممن وإبليممس وذريتممه فممي صممراع دائم مممع بنممي آدم ؛ لصممدهم عممن‬
‫الهدى ‪ ،‬وحرمانهم من الخير ‪ ،‬وتزيين الشر لهم ‪ ،‬وإبعادهم عما يرضي ال ؛ حرصاً‬
‫على شقائهم في الدنيا ‪ ،‬ودخولهم النار في الخرة‪.‬‬
‫ولكمن ال ‪ -‬عمز وجمل ‪ -‬لم يخلق خلقمه سمدى ‪ ،‬ولم يتركهمم هملً ‪ ،‬بمل أرسمل إليهمم‬
‫الرسمل الذيمن يمبينون لهمم عبادة ربهمم ‪ ،‬وينيروا لهمم دروب الحياة ‪ ،‬ويوصملوهم إلى‬
‫سمعادة الدنيا والخرة ‪ ،‬فأخمبر ‪ -‬سمبحانه ‪ -‬الجن والنمس أنه إذا أتاكم منمي كتاب ‪ ،‬أو‬
‫رسول يهديكم لما يقربكم مني ‪ ،‬ويدنيكم من مرضاتي فاتبعوه ؛ لن من اتبع هدى ال‬
‫‪ ،‬وآمن بكتبه ورسله ‪ ،‬وما جاء في الكتب ‪ ،‬وما أمرت به الرسل فإنه ل يخاف ‪ ،‬ول‬
‫يضل ‪ ،‬ول يشقى ‪ ،‬بل تحصل له السعادة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وهكذا بدأت قصة البشرية ‪ ،‬فعاش آدم ومن بعده ذريته عشرة قرون وهم على طاعة‬
‫عبِد غير ال مع ال ؛ فبعث ال أول رسله وهو‬ ‫ال‪ ،‬وتوحيده ‪ ،‬ثم حصل الشرك ‪ ،‬و ُ‬
‫نوح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬يدعو الناس إلى عبادة ال ‪ ،‬ونبذ الشرك‪.‬‬
‫ثمم تتابمع النمبياء والرسمل ممن بعده على اختلف بينهمم فمي الزمنمة ‪ ،‬والمكنمة ‪،‬‬
‫وبعض الشرائع ‪ ،‬وتفاصيلها مع التفاق في الصل وهو الدعوة إلى السلم ‪ ،‬وعبادة‬
‫ال وحده ‪ ،‬ونبذ ما يعبد من دونه‪.‬‬
‫إلى أن جاء إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فدعا قومه إلى ترك عبادة الصنام وإفراد ال‬
‫بالعبادة ‪ ،‬ثم كانت النبوة في ذريته من بعده في إسماعيل و إسحاق ثم كانت في ذرية‬
‫إسحاق‪.‬‬
‫وممن أعظمم النمبياء ممن ذريمة إسمحاق ‪ ،‬يعقوب ‪ ،‬ويوسمف ‪ ،‬وموسمى ‪ ،‬وداود ‪ ،‬و‬
‫سليمان ‪ ،‬و عيسى ‪ -‬عليهم السلم ‪.-‬‬
‫ولم يكن بعد عيسى نبي من بني إسرائيل‪.‬‬
‫وبعممد ذلك انتقلت النبوة إلى فرع إسممماعيل ؛ فكان أن اصممطفى ال ‪ -‬عممز وجممل ‪-‬‬
‫محمداً ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬ليكون خاتمًا للنمبياء ‪ ،‬والمرسملين ‪ ،‬ولتكون رسمالته‬
‫هي الخاتمة ‪ ،‬وكتابه الذي أنزل إليه وهو القرآن هو رسالة ال الخيرة للبشرية‪.‬‬
‫ولهذا جاءت رسمالته شاملة ‪ ،‬كاملة ‪ ،‬عاممة للنمس والجمن ‪ ،‬العرب وغيمر العرب ‪،‬‬
‫صممالحة لكممل زمان ‪ ،‬ومكان ‪ ،‬وأمممة وحال ؛ فل خيممر إل دلت عليممه ‪ ،‬ول شممر إل‬
‫حذرت منه ‪ ،‬ول يقبل ال من أحد دينا سوى ما جاء به محمد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.-‬‬
‫بعثة النبي محمد وخلصة سيرته ‪ -‬صلى ال عليه وسلم –‬

‫الحديمث عمن بعثمة النمبي محممد ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬وسميرته يطول ‪ ،‬ولقمد أفرد‬
‫العلماء في هذا الشأن كتبًا كثيرة‪.‬‬
‫والمجال هنا ل يتسع للطالة والسهاب ‪ ،‬وقد مر بنا في الفقرة الماضية أن رسالة‬
‫محمد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬هي الرسالة الخاتمة ‪ ،‬وأن الكتاب الذي أنزل إليه وهو‬
‫القرآن هو آخر الكتب السماوية‪.‬‬
‫ولعل الحديث في السطر التالية يتناول الموضوعات التالية من السيرة المباركة‪:‬‬
‫أول‪ :‬مهيئات النبوة‪ :‬لقمد هيئا ال ‪ -‬عمز وجمل ‪ -‬للنمبي ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪-‬‬
‫مهيئات كثيرة كانت إرهاصات لبعثته ونبوته ‪ ،‬فمن ذلك ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬دعوة إبراهيمم ‪ ،‬وبشرى عيسمى ‪ -‬عليهمما السملم ‪ -‬ورؤيما أممه‬
‫آمنة ‪ :‬يقول النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬عن نفسه ‪ (( :‬أنا دعوة إبراهيم ‪ ،‬وبشرى‬
‫عيسممى ‪ ،‬ورأت أمممي حيممن حملت بممي كأنممه خرج منهمما نور أضاءت له بصممرى مممن‬
‫أرض الشام))‬
‫ومعنى الحديث أن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ :‬أنا مصداق دعوة إبراهيم‬
‫الخليمل ‪ -‬عليمه السملم ‪ -‬لن إبراهيمم لمما كان يرفمع القواعمد ممن الكعبمة فمي مكمة ومعمه‬
‫ابنه إسماعيل كان يقول ‪ -‬كما أخبرنا ال عنه في القرآن ‪ { : -‬ربنا تقبل منا إنك أنت‬
‫السمميع العليمم ‪ ،‬ربنما واجعلنما مسملمين لك وممن ذريتنما أممة مسملمة لك وأرنما مناسمكنا‬
‫وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ‪ ،‬ربنا وابعث فيهم رسولً منهم يتلوا عليهم آياتك‬
‫ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} ‪.‬‬
‫فاسمتجاب ال دعوة إبراهيمم وإسمماعيل فكان النمبي الخاتمم محمدًا ‪ -‬عليمه الصملة و‬
‫السلم ‪ -‬من ذريتهما‪.‬‬
‫أما قوله ‪ (( :‬وبشرى عيسى )) فإن نبي ال عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬قد بشر بالنبي‬
‫محممد ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬كمما أخمبر ال عنمه فمي القرآن فقال‪ { :‬وإذ قال عيسمى‬
‫بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً‬
‫برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد }‬
‫فعيسمى ‪ -‬عليمه السملم ‪ -‬همو آخمر نمبي ممن أنمبياء بنمي إسمرائيل ‪ ،‬وليمس بينمه وبيمن‬
‫محمد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬نبي ‪.‬‬
‫فعيسى بَشّر بنبي يأتي من بعده اسمه أحمد ‪ ،‬وأحمد من أسماء النبي محمد ‪ -‬صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪. -‬‬
‫أمما رؤيما أممه فقمد رأت رؤيما صمادقة ؛ ذلك أن أممه لمما أخذهما المخاض ‪ ،‬فوضعتمه‬
‫َت َمثّل لعينيها ذلك النور الذي أضاءت له بصرى من أرض الشام‪.‬‬
‫‪ -‬كون النمبي ‪ -‬صملى الله عليمه و سملم ‪ -‬خرج فمي أممة العرب ‪:‬‬
‫ضلَتْم على غيرهما ممن الممم أنذاك ‪ ،‬حتمى اسمتعدت لهذا الصملح‬ ‫تلك الممة التمي ُف ّ‬
‫الروحمي المدنمي العام ‪ ،‬الذي اشتممل عليمه ديمن السملم ‪ ،‬بالرغمم ممما طرأ عليهما ممن‬
‫المية ‪ ،‬وعبادة الصنام ‪ ،‬وما أحدثت فيها غلبة البداوة من التفرق والنقسام‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد كانت أمة العرب متميزة باستقلل الفكر ‪ ،‬وسعة الحرية الشخصية ‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي كانت المم الخرى ترسف في عبودية الرياستين الدينية والدنيوية ‪،‬‬
‫محظوراً عليها أن تفهم غير ما يلقنها الكهنة ‪ ،‬ورجال الدين من الحكام الدينية ‪ ،‬أو‬
‫أن تخالفهم في مسألة عقلية ‪ ،‬أو كونية ‪ ،‬كما حظرت عليها التصرفات المدنية‬
‫والمالية‪.‬‬
‫وكانمت أممة العرب ‪ -‬أيضاً ‪ -‬متميزة باسمتقلل الرادة فمي جميمع العمال أيام كانمت‬
‫الممم مُ َذّللَةً مُسَمخّرة للملوك والنبلء ‪ ،‬المالكيمن للرقاب والموال بحيمث يسمتخدمونهم‬
‫كمما يسمتخدمون البهائم ؛ فل رأي لهمم فمي سملم ‪ ،‬ول حرب ‪ ،‬ول إرادة لهما دونهمم فمي‬
‫عمل ول كسب‪.‬‬
‫وكانممت أمممة العرب ممتازة بعزة النفممس ‪ ،‬وشدة البأس ‪ ،‬وقوة البدان والقلوب ‪،‬‬
‫أيام كانمت الممم مؤلفمة ممن رؤسماء أفسمدهم السمراف والترف ‪ ،‬ومرؤوسمين أضعفهمم‬
‫سوّدين أذلّهم َق ْهرُ الستعباد‪.‬‬
‫البؤس والشظف ‪ ،‬وسادة أبطرهم بغي الستبداد ‪ ،‬و مُ َ‬
‫وكانمت أممة العرب أقرب إلى العدل بيمن الفراد ‪ ،‬وكانمت ممتازة بالذكاء ‪ ،‬وكثيمر‬
‫مممن الفضائل الموروثممة والمكتسممبة كإكرام الضيممف ‪ ،‬وإغاثممة الملهوف ‪ ،‬والنجدة ‪،‬‬
‫والباء ‪ ،‬وعلو الهمة ‪ ،‬والسخاء ‪ ،‬والرحمة ‪ ،‬وحماية اللجىء ‪ ،‬وحرمة الجار ‪ -‬أيام‬
‫كانت المم مرهقة بالثرة ‪ ،‬والنانية ‪ ،‬والنين من ثقل الضرائب والتاوى الميرية‪.‬‬
‫وكانمت أممة العرب قمد بلغمت أوج الكمال فمي فصماحة اللسمان ‪ ،‬وبلغمة المقال ممما‬
‫جعلهما مسمتعدة للتأثمر ‪ ،‬والتأثيمر بالبراهيمن العقليمة ‪ ،‬والمعانمي الخطابيمة ‪ ،‬والشعريمة ‪،‬‬
‫وللتعبير عن جميع العلوم اللهية والشرعية ‪ ،‬والفنون العقلية ‪ ،‬والكونية ‪ -‬أيام كانت‬
‫الممممم الخرى تنفصمممم عرى وحدتهمما بالتعصمممبات الدينيمممة والمذهبيممة ‪ ،‬والعداوات‬
‫العرقية‪.‬‬
‫وأعظممم مزيممة امتاز بهمما العرب أنهممم كانوا أسمملم الناس فطرة بالرغممم مممن أن أمممم‬
‫الحضارة كانت أرقى منهم في كل فن وصناعة‪.‬‬
‫والصملح السملمي مبنمي على تقديمم إصملح النفمس باسمتقلل العقمل ‪ ،‬والرادة ‪،‬‬
‫وتهذيب الخلق على إصلح ما في الرض من معدن ‪ ،‬ونبات ‪ ،‬وحيوان‪.‬‬
‫وبهذا كان ال ‪ -‬عمز وجمل ‪ -‬يعمد هذه الممة للصملح العظيمم الذي جاء بمه محممد ‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪.-‬‬
‫‪ -‬شرف النسمب ‪ :‬فقمد كان نسمبه ‪ -‬عليمه الصملة والسملم ‪ -‬أشرف النسماب ‪،‬‬
‫وأصرحها‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬إن ال اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين }‬
‫فال ‪ -‬عممز وجممل ‪ -‬اصممطفى هؤلء إذ جعممل فيهممم النبوة والهدايممة للمتقدميممن ‪،‬‬
‫واصمطفى قريشًا ممن كنانمة ‪ ،‬واصمطفى ممن قريمش بنمي هاشمم ‪ ،‬واصمطفى ممن بنمي‬
‫هاشمم سميد ولد آدم محمدا ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬فكان آل إسمماعيل أفضمل الوليمن‬
‫والخرين ‪ ،‬كما كان بنو إسحاق أفضل المتوسطين‪.‬‬
‫أمما اصمطفاء ال لقمبيلة قريمش فقمد كان بمما آتاهمم ال ممن المناقمب العظام ‪ ،‬ول سميما‬
‫بعممد سمُكنى مكممة ‪ ،‬وخدمممة المسممجد الحرام ؛ إذ كانوا أصممرح ولد إسممماعيل أنسمماباً ‪،‬‬
‫وأشرفهم أحسابًا ‪ ،‬وأعلهم آداباً ‪ ،‬وأفصحهم ألسنة ‪ ،‬وهم الممهدون لجمع الكلمة‪.‬‬
‫أمما اصمطفاء ال لبنمي هاشمم فقمد كان لمما امتازوا بمه ممن الفضائل والمكارم ؛ فكانوا‬
‫أصلح الناس عند الفتن ‪ ،‬وخيرهم لمسكين ويتيم‪.‬‬
‫عمْرو بن عبد مناف ؛ لنه أول من هشم الثريد ‪ -‬وهو‬ ‫وإنما أطلق لقب هاشم على َ‬
‫ل الموسممم كافممة ‪،‬‬ ‫طعام لذيممذ ‪ -‬للذيممن أصممابهم القحممط ‪ ،‬وكان يشبممع منممه كلّ عام ٍم أه ُ‬
‫ومائدته منصوبة ل ترفع في السراء ول في الضراء‪.‬‬
‫وزاد على هاش مٍ ولَدُه عبدُالمطلب ج ّد الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فكان يطعم‬
‫الوحمش ‪ ،‬وطيمر السمماء ‪ ،‬وكان أول ممن تعبمد بغار حراء ‪ ،‬وروي أنمه حرم الخممر‬
‫على نفسه‪.‬‬
‫وبالجملة فقمد امتاز آل النمبي ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬على سمائر قوممه بالخلق‬
‫العلية ‪ ،‬والفواضل العملية ‪ ،‬والفضائل النفسية‪.‬‬
‫ثم اصطفى ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬محمداً ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬من بني هاشم ؛ فكان‬
‫خير ولد آدم ‪ ،‬وسيدهم‪.‬‬
‫‪ -4‬بلوغمه ‪ -‬صملى الله عليمه وسملم ‪ -‬الذروة فمي مكارم الخلق ‪:‬‬
‫فقممد جبله ال ‪ -‬عممز وجممل ‪ -‬على كريممم الخلل ‪ ،‬وحميممد الخصممال ‪ ،‬فكان قبممل النبوة‬
‫أرقى قومه ‪ ،‬بل أرقى البشرية في زكاء نفسه ‪ ،‬وسلمة فطرته ‪ ،‬وحسن خلقه‪.‬‬
‫نشأ يتيماً شريفاً ‪ ،‬وشب فقيراً عفيفًا ‪ ،‬ثم تزوج محباً لزوجته مخلصاً لها‪.‬‬
‫لم يتولّ همو ول والده شيئًا ممن أعمال قريمش فمي دينهما ول دنياهما ‪ ،‬ول كان يعبمد‬
‫عبادتهم ‪ ،‬ول يحضر سامرهم ‪ ،‬ول ندواتهم ‪ ،‬ولم يؤثر عنه قول ول عمل يدل على‬
‫حب الرياسة ‪ ،‬أو التطلع إليها‪.‬‬
‫كان يُعرفُم بالتزام الصمدق ‪ ،‬والمانمة ‪ ،‬وعلو الداب ؛ فبذلك كان له المقام الرفمع‬
‫قبل النبوة ؛ حتى لقبوه بالمين‪.‬‬
‫وعلى هذه الحال كان ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬حتمى بلغ أشده ‪ ،‬واسمتوى ‪ ،‬وكملت‬
‫فمي جسمده الطاهمر ‪ ،‬ونفسمه الزكيمة جميمع القوى ‪ ،‬ل طممع فمي مال ‪ ،‬ول سممعة ‪ ،‬ول‬
‫تطلع إلى جاه ول شهرة ‪ ،‬حتمى أتاه الوحمي ممن رب العالميمن ‪ -‬كمما سميأتي بيانمه بعمد‬
‫قليل ‪. -‬‬
‫‪ -‬كونمه ‪ -‬صملى الله عليمه وسملم ‪ -‬أميما ل يقرأ ول يكتمب ‪ :‬فهذا ممن‬
‫أعظمم المهيئات والدلئل على صمدق نبوتمه ؛ فهذا الرجمل الممي الذي لم يقرأ كتابما ‪،‬‬
‫ولم يكتمب سمطرًا ‪ ،‬ولم يقمل شعراً ‪ ،‬ولم يرتجمل نثراً ‪ ،‬الناشىء فمي تلك الممة الميمة ‪-‬‬
‫يأتي بدعوة عظيمة ‪ ،‬وبشريعة سماوية عادلة تستأصل الفوضى الجتماعية ‪ ،‬وتكفل‬
‫لمعتنقيها السعادة النسانية البدية ‪ ،‬وتعتقهم من رق العبودية لغير ربهم ‪ -‬جل وعل‬
‫‪.-‬‬
‫كل ذلك من مهيئات النبوة ‪ ،‬ومن دلئل صدقها‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬نبذة عن نسبه ‪ ،‬وحياته‪:‬‬

‫هو محمد بن عبدال بن عبدالمطلب بن هاشم ‪ ،‬بن عبدمناف ‪ ،‬بن قصي ‪ ،‬بن حكيم‬
‫‪ ،‬بمن مرة ‪ ،‬بمن كعمب ‪ ،‬بمن لؤي ‪ ،‬بمن غالب ‪ ،‬بمن فهمر ‪ ،‬بمن مالك ‪ ،‬بمن النضمر ‪ ،‬بمن‬
‫كنانمة ‪ ،‬بمن خزيممة ‪ ،‬بمن مدركمة ‪ ،‬بمن إلياس ‪ ،‬بمن مضمر ‪ ،‬بمن نزار ‪ ،‬بمن معمد ‪ ،‬بمن‬
‫عدنان ‪ ،‬وعدنان من العرب ‪ ،‬والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫‪.‬‬
‫وأم النمبي ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬همي آمنمة بنمت وهمب بمن عبدمناف بمن زهرة ‪،‬‬
‫وزهرة أخو جد النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪.-‬‬
‫وقد تزوج بها عبدال والد النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وأقام معها في بيت أهلها‬
‫ثلثممة أيام ‪ ،‬فلم تلبممث أن حملت بالنممبي ‪ -‬صمملى ال عليممه وسمملم ‪ -‬ولم تجممد فممي حمله‬
‫ثقلً ‪ ،‬ول وحماً كما هو شأن المحصنات الصحيحات الجسام‪.‬‬
‫وقد رأت أمه رؤيا لما حملت به ‪ ،‬وقد مر ذكر الرؤيا في كلم سابق‪.‬‬
‫وقد ولدته أمه سوي الخلق ‪ ،‬جميل الصورة ‪ ،‬صحيح الجسم ‪ ،‬وكانت ولدته عام‬
‫الفيل الموافق للحادي والسبعين بعد الخمسمائة للميلد‪.‬‬
‫وقمد توفمي والده وهمو حممل فمي بطمن أممه ‪ ،‬فكفله جده عبدالمطلب ‪ ،‬وأرضعتمه أممه‬
‫ثلثة أيام ثم عهد جده بإرضاعه إلى امرأة يقال لها حليمة السعدية‪.‬‬
‫وكان ممن عادة العرب أن يسمترضعوا لولدهمم فمي البوادي ؛ حيمث تتوافمر أسمباب‬
‫النشأة البدنية السليمة‪.‬‬
‫ولقمد رأت حليممة السمعدية ممن أممر هذا الرضيمع عجبًا ‪ ،‬وممن ذلك أنهما أتمت ممع‬
‫زوجهما إلى مكمة على أتان هزيلة بطيئة السمير ‪ ،‬وفمي طريمق العودة ممن مكمة ‪ ،‬وهمي‬
‫تضممع الرضيممع فممي حجرهمما كانممت التان تعدو عَ ْد َواً سممريعا ‪ ،‬وتُخَلف وراءهمما كممل‬
‫الدواب ؛ مما جعل رفاق الطريق كلهم يتعجبون‪.‬‬
‫وتحدث حليممة بأن ثديهما لم يكمن يدر شيئًا ممن الحليمب ‪ ،‬وأن طفلهما الرضيمع كان‬
‫دائم البكاء من شدة الجوع ‪ ،‬فلما ألقمت الثدي رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬در‬
‫غزيراً ‪ ،‬فأصبحت ترضعه وترضع طفلها حتى يشبعا‪.‬‬
‫وتحدث حليمة عن جدب أرض قومها ديار بني سعد ‪ ،‬فلما حظيت بشرف رضاعة‬
‫هذا الطفممل أنتجممت أرضهمما ‪ ،‬وماشيتهمما ‪ ،‬و َتبَدّلت حالهمما مممن بؤس وفقممر ‪ ،‬إلى هناء‬
‫ويسر‪.‬‬
‫وبعد سنتين عادت به حليمة إلى أمه وجده في مكة ‪ ،‬لكن حليمة ألحت على أمه أن‬
‫توافمق على بقائه عندهما مرة ثانيمة ؛ لمما رأت ممن بركتمه عليهما ؛ فوافقمت أممه آمنمة ‪،‬‬
‫فعادت حليمة بالطفل مرة أخرى إلى ديارها والفرحة تمل قلبها‪.‬‬
‫وبعمد سمنتين عادت بمه حليممة إلى أممه ‪ ،‬وعمره آنذاك أربمع سمنوات ‪ ،‬فحضنتمه أممه‬
‫إلى أن توفيت ‪ ،‬وكان له من العمر ست سنين ‪ ،‬فكفله جده عبدالمطلب سنتين ثم توفي‬
‫‪ ،‬فأوصى به إلى ابنه أبا طالب عم النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فحاطه بعنايته كما‬
‫يحوط أهله وولده‪.‬‬
‫إل أنمه كان لفقره يعيمش عيمش الشظمف ؛ فلم يتعود ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬نعيمم‬
‫التنرف‪.‬‬
‫ولعل ذلك من عناية ال بهذا النبي الكريم‪.‬‬
‫وكان ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قد ألف رعي الغنم مع إخوانه من الرضاع لما كان‬
‫فمي باديمة بنمي سمعد ‪ ،‬فصمار يرعمى الغنمم لهمل مكمة ؛ فيوفمر على عممه أبمي طالب بمما‬
‫يأخذه على ذلك من الجر‪.‬‬
‫ثم سافر مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام ‪ ،‬وله من العمر اثنتا عشرة سنة ‪،‬‬
‫وشهران ‪ ،‬وعشرة أيام ‪ ،‬وهناك رآه بحيرا الراهمممب ‪ ،‬وبشمممر بمممه عممممه أبممما طالب ‪،‬‬
‫وحذره من اليهود عليه بعد أن رأى خاتم النبوة بين كتفيه‪.‬‬
‫ثم إنه سافر مرة أخرى ُمتّجراَ بمالٍ لخديجة بنت خويلد ‪ ،‬فأعطته أفضل مما كانت‬
‫تعطمممي غيره ؛ إذ جاءت تلك التجارة بأرباح مضاعفمممة ‪ ،‬بمممل جاءت بسمممعادة الدنيممما‬
‫والخرة‪.‬‬
‫وكانت خديجة هذه أعقل وأكمل امرأة في قريش ‪ ،‬حتى كانت تدعى في الجاهلية ‪:‬‬
‫الطاهرة ؛ لما لها من الصيانة ‪ ،‬والعفة ‪ ،‬والفضائل الظاهرة‪.‬‬
‫ولمما حدثهما غلمهما ميسمرة بمما رأى ممن النمبي ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬فمي رحلتمه‬
‫معممه إلى الشام ‪ ،‬مممن الخلق العاليممة ‪ ،‬والفضائل السممامية ‪ ،‬وممما قاله بحيرا الراهممب‬
‫لعممه أبمي طالب فمي رحلتمه الولى إلى الشام ‪ -‬تعلقمت رغبتهما بمه ‪ ،‬وبأن تتخذه زوجما‬
‫لهما‪ ،‬وكانمت قمد تزوجمت ممن قبمل ‪ ،‬وتوفمي عنهما زوجهما ؛ فتمم ذلك الزواج الميمون ‪،‬‬
‫وكان عمره آنذاك خمسة وعشرين سنة ‪ ،‬وعمرها قريبًا من أربعين سنة‪.‬‬
‫ولم يتزوج عليها طيلة حياتهما ‪ ،‬ول أحب مثلها ‪ ،‬وتوفيمت بعمد البعثمة النبويمة بعشمر‬
‫سمنين ‪ ،‬فكان كثيرًا مما يذكرهما ‪ ،‬ويتصمدق عنهما ‪ ،‬ويهدي لصماحباتها ‪ ،‬وهمي الزوجمة‬
‫التي رزق منها جميع أبنائه عدا إبراهيم فإنه من زوجته ماريا القبطية‪.‬‬
‫هذه بعض أخباره وسيرته قبل النبوة ‪ ،‬وبدء الوحي على سبيل الجمال‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬بدء الوحي ‪:‬‬


‫بلغ النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أشده و َقرُب من الربعين ‪ ،‬واكتملت قواه العقلية‬
‫والبدنيمة ‪ ،‬وكان أول مما بدأ بمه ممن الوحمي الرؤيما الصمالحة ‪ ،‬فكان ل يرى رؤيما إل‬
‫جاءت مثل فلق الصبح واضحة كما رآها في منامه‪.‬‬
‫ب إليه الخلء ‪ ،‬فكان يخلو بنفسه في غار حراء في مكة ‪ ،‬فيتعبد ال‬ ‫حبِ َ‬
‫ثم بعد ذلك ُ‬
‫الليالي ذوات العدد ‪ ،‬ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بالطعام والشراب ‪ ،‬حتى جاءه الحق‬
‫‪ ،‬وهممو على هذا الشأن بنزول القرآن عليممه فممي شهممر رمضان ‪ ،‬وذلك بأن تمثممل له‬
‫ال َملَكُم جبريمل ‪ ،‬ولقنمه عمن ربمه أول مما نزل ممن القرآن ‪ ،‬فقال‪{ :‬اقرأ} فقال ((مما أنما‬
‫بقارىء)) فقال له ‪{ :‬اقرأ} فقال ‪(( :‬ممما أنمما بقارىء)) فقال ‪{ :‬اقرأ} فقال ‪(( :‬ممما أنمما‬
‫بقارىء)) وكان جبريممل بعممد كممل جواب مممن الجوبممة الثلثممة يضمممه على صممدره ‪،‬‬
‫ويعصره حتى يبلغ منه الجهد‪.‬‬
‫ولما تركه جبريل في المرة الثالثة ألقى عليه أول آيات أنزلت من القرآن ‪ ،‬وهي‪{ :‬‬
‫اقرأ باسممم ربممك الذي خلق ‪ ،‬خلق النسممان مممن علق ‪ ،‬اقرأ وربممك الكرم ‪ ،‬الذي علم‬
‫بالقلم ‪ ،‬علم النسان ما لم يعلم }‬
‫بهذه اليات العظيمممة التممي تأمممر بالعلم ‪ ،‬وتممبين بدايممة خلق النسممان ‪ -‬بدأ نزول‬
‫الوحمي على النمبي ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬فرجمع النمبي إلى خديجمة ‪ -‬يرجمف فؤاده ‪،‬‬
‫ولكنمه حفمظ رشاده ‪ ،‬فقال ‪ (( :‬زملونمي ‪ ،‬زملونمي )) يعنمي لففونمي بالثياب ‪ ،‬ففعلوا ‪،‬‬
‫حتى إذا ذهب عنه الروع أخبر خديجة الخبر وقال ‪ (( :‬لقد خشيت على نفسي ))‬
‫فقالت خديجممة ‪ -‬رضممي ال عنهمما ‪(( : -‬كل وال ل يخزيممك ال أبدا ؛ إنممك لتصممل‬
‫الرحممم ‪ ،‬وتحمممل الكممل ‪ ،‬وتكسممب المعدوم ‪ ،‬وتقوي الضعيممف ‪ ،‬وتعيممن على نوائب‬
‫الحق))‬
‫وهكذا اسمتدلت هذه المرأة العاقلة على أن ممن كان هذا شأنمه فمي محبمة الخيمر للناس‬
‫فلن يخذله ال ؛ فسنة ال تقتضي بأن الجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫ثمم انطلقمت بعمد ذلك خديجمة بالنمبي ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬حتمى أتمت ابمن عمهما‬
‫ورقمة بمن نوفمل ‪ ،‬وكان قمد تنصمر فمي الجاهليمة ‪ ،‬ويكتمب النجيمل بالعبرانيمة ‪ ،‬وكان‬
‫شيخًا كمبيراً قمد عممي ‪ ،‬فقالت خديجمة له‪ :‬اسممع ممن محممد مما يقول ‪ ،‬فقال ورقمة يما ابمن‬
‫أخمي ماذا ترى ؟ فأخمبره ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬خمبر مما رأى ‪ ،‬فقال ورقمة ‪ :‬هذا‬
‫الناموس الذي أنزل على موسممى ‪ ،‬ياليتنممي فيهمما جذعاً ‪ ،‬أي شابًا ‪ ،‬ليتنممي أكون حيًا إذ‬
‫يخرجك قومك‪.‬‬
‫فقال له الرسمول ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ (( : -‬أو مخرجمي همم ؟)) قال ‪ :‬نعمم ؛ لم‬
‫يأت رجل قط بمثل ما جئت به إل عودي ‪ ،‬وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا‬
‫‪ ،‬ثم توفي ورقة ‪ ،‬وفتر الوحي‪.‬‬
‫واسممتمرت فترة الوحممي ثلث سممنين ‪ ،‬قوي فيهمما اسممتعداد النممبي ‪ ،‬واشتممد شوقممه‬
‫وحنينه‪.‬‬
‫قال ‪ -‬صمملى ال عليممه وسمملم ‪ (( : -‬بينممما أنمما أمشممي سمممعت صمموتا مممن السممماء ‪،‬‬
‫فرفعت بصري ‪ ،‬فإذا الملك الذي جاءني في حراء))‪.‬‬
‫وذكمر أنمه رعمب منمه ‪ ،‬ولكمن ذلك دون الرعبمة الولى ‪ ،‬فرجمع إلى أهله فتزممل ‪،‬‬
‫وتدثر ( أي تغطى بالثياب)‪.‬‬
‫ثممم أنزل ال عليممه قوله ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬يمما أيهمما المدثممر ‪ ،‬قممم فأنذر ‪ ،‬وربممك فكممبر ‪،‬‬
‫وثيابك فطهر ‪ ،‬والرجز فاهجر }‬
‫أي قمم يما أيهما الذي تدثمر بثيابمه ‪ ،‬فأنذر الناس بالقرآن ‪ ،‬وبلغهمم دعوة ال ‪ ،‬وطهمر‬
‫ثيابك من أدران الشرك ‪ ،‬واهجر الصنام‪.‬‬
‫ثم حمي الوحي بعد ذلك ‪ ،‬وتتابع ‪ ،‬وبلّغ ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬دعوة ربه ‪ ،‬حيث‬
‫أمره وأوحمى إليمه بأن يدعمو الناس إلى عباده وحده ‪ ،‬وإلى ديمن السملم الذي ارتضاه‬
‫ال ‪ ،‬وختممم بممه الديان ؛ فقام النممبي ‪ -‬صمملى ال عليممه وسمملم ‪ -‬يدعممو إلى سممبيل ربممه‬
‫بالحكمة ‪ ،‬والموعظة الحسنة ‪ ،‬والمجادلة بالتي هي أحسن‪.‬‬
‫فاستجاب له أو من استجاب له خديجة من النساء ‪ ،‬وأبو بكر الصديق من الرجال ‪،‬‬
‫وعلى بمن أبمي طالب ممن الصمبيان ‪ ،‬ثمم توالى دخول الناس فمي ديمن ال ‪ ،‬فاشتمد عليمه‬
‫أذى المشركيمممن ‪ ،‬وأخرجوه ممممن مكمممة ‪ ،‬وآذوا أصمممحابه أشمممد الذى ‪ ،‬فهاجمممر إلى‬
‫المدينة ‪ ،‬وتتابع عليه نزول الوحي ‪ ،‬واستمر في دعوته ‪ ،‬وجهاده ‪ ،‬وفتوحاته ‪ ،‬حتى‬
‫عاد إلى مكة ظافراً فاتحاً ‪.‬‬
‫وبعمد ذلك أكممل ال له الديمن وأقمر عينمه بعمز السملم وظهور المسملمين ‪ ،‬ثمم توفاه‬
‫ال وعمره ثلث وسمممتون سمممنة ‪ ،‬أربعون منهممما قبمممل النبوة ‪ ،‬وثلث وعشرون نمممبياً‬
‫رسولً‪.‬‬
‫وبه ختم ال الرسالت السماوية ‪ ،‬وأوجب طاعته على الجن والنس ؛ فمن أطاعه‬
‫سعد في الدنيا ‪ ،‬ودخل الجنة في الخرة ‪ ،‬ومن عصاه شقي في الدنيا ‪ ،‬ودخل النار‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫وبعدممما توفاه ال ‪ -‬عممز وجممل ‪ -‬تابممع أصممحابه مسمميرته ‪ ،‬وبلغوا دعوتممه ‪ ،‬وفتحوا‬
‫البلدان بالسلم ‪ ،‬ونشروا الدين الحق حتى بلغ ما بلغ الليل والنهار‪.‬‬
‫ودينمه ‪ -‬عليمه الصملة والسملم ‪ -‬باق إلى يوم القياممة ؛ فمما القول فمي أممي نشمأ بيمن‬
‫أمييممن ‪ ،‬قام بذلك الصمملح الذي تغيممر بممه تاريممخ البشممر أجمعيممن ‪ ،‬فممي الشرائع ‪،‬‬
‫والسياسات ‪ ،‬وسائر أمور الدنيا والدين؟ وامتد مع لغته في قرن واحد من الحجاز إلى‬
‫آخمر حدود أوربما وأفريقيما ممن الغرب ‪ ،‬و إلى حدود الصمين ممن جهمة الشرق حتمى‬
‫خضعت له المم ‪ ،‬ودالت له الدول ‪ ،‬وأقبلت إليه الرواح قبل الشباح ‪ ،‬وكانت تتبعه‬
‫فمي كمل فتوحمه الحضارة والمدنيمة ‪ ،‬والعدل والرحممة ‪ ،‬والعلوم العقليمة والكونيمة على‬
‫أيدي تلك المممة الحديثممة العهممد بالميممة ‪ ،‬التممي زكاهمما القرآن ‪ ،‬وعلمهمما أن إصمملح‬
‫النسمان يتبعمه إصملح الكوان ؛ فهمل يمكمن أن يكون هذا إل بوحمي ممن لدن حكيمم‬
‫عليم ‪ ،‬وتأييد سماوي من الله العزيز القدير الرحيم؟‬
‫رابعا‪ :‬من أخلق النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪: -‬‬
‫كان النمبي ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬أكرم الخلق أخلقما ‪ ،‬وأعلهمم فضائلَ وآداباَ ‪،‬‬
‫امتاز بذلك فمي الجاهليمة قبمل عهمد النبوة ؛ فكيمف بأخلقمه بعمد النبوة وقمد خاطبمه ربمه ‪-‬‬
‫تبارك وتعالى ‪ -‬بقوله ‪ :‬له { وإنك لعلى خلق عظيم } ‪.‬‬
‫لقمد أدبمه ربمه ‪ ،‬فأحسمن تأديبمه ‪ ،‬ورباه فأحسمن تربيتمه ‪ ،‬فكان خلقمه القرآن الكريمم ‪،‬‬
‫يتأدب بممه ‪ ،‬ويؤدب الناس بممه ‪ ،‬فمممن أخلقممه ‪ -‬صمملى ال عليممه وسمملم ‪ -‬أنممه كان أحلم‬
‫الناس ‪ ،‬وأعدلهم ‪ ،‬وأعفهم ‪ ،‬وأسخاهم‪.‬‬
‫وكان يخصف النعل ‪ ،‬ويرقع الثوب ‪ ،‬ويعين أهله في المنزل ‪ ،‬ويقطع اللحم معهن‬
‫‪.‬‬
‫وكان أشد الناس حياءً ‪ ،‬ل يثبت بصره في وجه أحد‪.‬‬
‫وكان يجيب الدعوة من أي أحد ‪ ،‬ويقبل الهدية ولو َقلّت ‪ ،‬ويكافىء عليها‪.‬‬
‫وكان يغضمب لربمه ‪ ،‬ول يغضمب لنفسمه ‪ ،‬وكان يجوع أحيانًا فيعصمب الحمج على‬
‫بطنه من الجوع ‪ ،‬ومرة يأكل ما حضر ‪ ،‬ول يرد ما وجد ‪ ،‬ول يعيب طعاماً قط ‪ ،‬إن‬
‫وجمد تمرًا أكله ‪ ،‬وإن وجمد شواء أكله ‪ ،‬وإن وجمد خبمز بر أو شعيمر أكله ‪ ،‬وإن وجمد‬
‫حلوا أو عسمل أكله ‪ ،‬وإن وجممد لبنما دون خبمز اكتفممى بممه ‪ ،‬وإن وجممد بطيخاً أو رطباً‬
‫أكله‪.‬‬
‫وكان يعود المرضى ‪ ،‬ويشهد الجنائز ‪ ،‬ويمشي وحده بين أعدائه بل حارس‪.‬‬
‫وكان أشمد الناس تواضعما ‪ ،‬وأسمكنهم ممن غيمر كمبر ‪ ،‬وأبلغهمم ممن غيمر تطويمل ‪،‬‬
‫وأحسنهم بشراً ‪ ،‬ل يهوله شيء من أمور الدنيا‪.‬‬
‫وكان يلبس ما وجد ‪ ،‬فمرة شملة ‪ ،‬ومرة جبة صوف ‪ ،‬فما وجد من المباح لبس‪.‬‬
‫يركمب مما أمكنمه ‪ ،‬مرة فرسمًا ‪ ،‬ومرة بعيراً ‪ ،‬ومرة بغلة شهباء‪ ،‬و مرة حمارًا ‪ ،‬أو‬
‫يمشي راجلً حافياً‪.‬‬
‫يجالس الفقراء ‪ ،‬ويؤاكممل المسمماكين ‪ ،‬و يكرم أهممل الفضممل فممي أخلقهممم ‪ ،‬ويتألف‬
‫أهل الشرف في البر لهم ‪ ،‬ويصل ذوي الرحم من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل‬
‫منهم‪.‬‬
‫ل يجفممو على أحممد ‪ ،‬يقبممل معذرة المعتذر إليممه ‪ ،‬يمزح ول يقول إل حقًا ‪ ،‬يضحممك‬
‫من غير قهقهة ‪ ،‬يسابق أهله ‪ ،‬ترفع الصوات عليه فيصبر‪.‬‬
‫وكان ل يمضمي عليمه وقمت فمي غيمر عممل ل ‪ -‬تعالى ‪ -‬أو فيمما لبمد له منمه ممن‬
‫صلح نفسه‪.‬‬
‫ل يحتقممر مسممكينًا لفقره وزمانتممه ‪ ،‬ول يهاب ملكاً لملكممه ‪ ،‬يدعممو هذا وهذا إلى ال‬
‫دعاء مستوياً ‪ ،‬قد جمع ال له السيرة الفاضلة ‪ ،‬والسياسة التامة وهو أمي ل يقرأ ول‬
‫يكتب‪.‬‬
‫نشأ في بلد الفقر والصحارى في فقره ‪ ،‬وفي رعاية الغنم يتيما ل أب له ‪ ،‬فعلمه‬
‫ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬جميمع محاسمن الخلق والطرق الحميدة ‪ ،‬وأخبار الوليمن والخريمن ‪،‬‬
‫وما فيه النجاة والفوز في الخرة ‪ ،‬والغبطة والخلص في الدنيا‪.‬‬
‫مما كان يأتيمه أحمد إل قام معمه فمي حاجتمه ‪ ،‬ولم يكمن فظّاً ‪ ،‬ول غليظاً ‪ ،‬ول صمخاباً‬
‫في السواق ‪ ،‬وما كان يجزي السيئة بالسيئة ‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح‪.‬‬
‫وكان ممن خلقمه أن يبدأ ممن لقيمه بالسملم ‪ ،‬وممن قادممه لحاجمة صمابره حتمى يكون‬
‫القادم هو المنصرف‪.‬‬
‫وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الخر‪.‬‬
‫وكان إذا لقممي أحدًا مممن أصممحابه بدأه بالمصممافحة ‪ ،‬ثممم أخممذ بيده فشابكممه ‪ ،‬ثممم شممد‬
‫قبضته عليه‪.‬‬
‫وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا ‪ ،‬ويمسك بيديه عليهما ‪ ،‬ولم يكن يعرف‬
‫مجلسه من مجلس أصحابه ؛ لنه كان يجلس حيث انتهى به المجلس‪.‬‬
‫وما رؤي قط ماداً رجليه بين أصحابه ؛ حتى ل يضيق بهما على أحد إل أن يكون‬
‫المجلس واسعًا ل ضيق فيه‪.‬‬
‫وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه لمن ليس بينه وبينه قرابة يجلسه‬
‫عليه‪.‬‬
‫وكان يؤثمر الداخمل عليمه بالوسمادة التمي تحتمه ‪ ،‬فإن أبمى أن يقبلهما عزم عليمه حتمى‬
‫يفعل‪.‬‬
‫وما استصفاه أحد إل ظن أنه أكرم الناس عليه ‪ ،‬وكان يعطي من جلس إليه نصيبه‬
‫من وجهه ‪ ،‬وسمعه ‪ ،‬وحديثه ‪ ،‬ولطيف محاسنه ‪ ،‬وتوجيهه‪.‬‬
‫ومجلسه مع ذلك مجلس حياء ‪ ،‬وتواضع ‪ ،‬وأمانة‪.‬‬
‫وكان يدعمو أصمحابه بكناهمم ‪ ،‬إكرامًا لهمم ‪ ،‬واسمتمالة لقلوبهمم ‪ ،‬وكان يكنمي ممن لم‬
‫تكممن له كنيممه ‪ ،‬وكان يكنممي النسمماء اللتممي لهممن أولد ‪ ،‬واللتممي لم يلدن يبتدىء لهممن‬
‫الكنى ‪ ،‬وكان يكني الصبيان فيستلين قلوبهم‪.‬‬
‫وكان أبعمممد الناس غضبًا ‪ ،‬وأسمممرعهم رضاً ‪ ،‬وكان أرأف الناس بالناس ‪ ،‬وخيمممر‬
‫الناس للناس ‪ ،‬وأنفع الناس للناس‪.‬‬
‫وكان يحب اليسر ‪ ،‬ويكره العسر ‪ ،‬و ل يشافه أحداً بما يكره‪.‬‬
‫ومن رآه بديهة هابه ‪ ،‬ومن خالطه معرفة أحبه‪.‬‬
‫هذه بعض أخلقه وشمائله ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪. -‬‬
‫وبعد أن تبين لك أيها القارىء الكريم شيء من سيرة النبي ‪ ،‬ودعوته ‪ ،‬وأخلقه ‪،‬‬
‫إليك هذه الصفحات التي تعرفك بالسلم الذي جاء به ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬

‫شهادة فيلسوف نصراني على صدق‬


‫رسالة النبي‬
‫كمل عاقمل منصمف ل يسمعه إل التصمديق برسمالة النمبي صملى ال عليمه وسملم ذلك أن‬
‫المارات الكثيرة شاهدة ناطقة‪.‬‬
‫ول ريب أن شهادة المخالف لها مكانتها؛ فالفضل‪-‬كما قيل‪-‬ما شهدت به العداء‪.‬‬
‫وفيمما يلي شهادة للفيلسموف النجليزي الشهيمر "توماس كارليمل" حيمث قال فمي كتابمه‬
‫(البطال) كلمما طويل عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم يخاطمب بمه قوممه النصمارى‪،‬‬
‫ومممن ذلك قوله‪ ((:‬لقممد أصممبح مممن أكممبر العار على أي فرد متحدث هذا العصممر أن‬
‫يصغي إلى ما يقال من أن دين السلم كذب‪ ،‬وأن محمداً خدّاع مزوّر‪.‬‬
‫وإن لنما أن نحارب مما يشاع ممن مثمل هذه القوال السمخيفة المخجلة‪ ،‬فإن الرسمالة التمي‬
‫أداهما ذلك الرسمول مازالت السراج المنيمر مدة اثنمي عشمر قرناً لنحمو مائتي مليون ممن‬
‫الناس‪ ،‬أفكان أحدكمم يظمن أن هذه الرسمالة التمي عاش بهما ومات عليهما هذه الملييمن‬
‫الفائقة الحصر والحصاء أكذوبةٌ وخدعة؟!‬
‫أمما أنما فل أسمتطيع أن أرى هذا الرأي أبداً‪ ،‬ولو أن الكذب‪ ،‬والغمش يروجان عنمد خلق‬
‫ال هذا الرواج‪ ،‬ويصادفان منهم مثل هذه القبول‪ ،‬فما الناس إل ُبلْهٌ مجانين‪ ،‬فوا أسفا!‬
‫ما أسوأ هذا الزعم‪ ،‬وما أضعف أهله‪ ،‬وأحقهم بالرثاء والرحمة‪.‬‬
‫وبعمد‪ ،‬فعلى ممن أراد أم يبلغ منزلة مما فمي علوم الكائنات أن ل يصمدّق شيئا البتمة ممن‬
‫أقوال أولئك السمفهاء؛ فإنهما نتائج جيمل كفمر‪ ،‬وعصمر جحود وإلحاد‪ ،‬وهمي دليمل على‬
‫خبث القلوب‪ ،‬وفساد الضمائر‪ ،‬وموت الرواح في حياة البدان‪.‬‬
‫ولعمل العالم لم يمر قمط رأيًا أكفمر ممن هذا وألم‪ ،‬وهمل رأيتمم قمط معشمر الخوان‪ ،‬أن‬
‫رجلً كاذباً يستطيع أن يوجد ديناً؟ وينشرها علناً؟‬
‫وال إن الرجمممل الكاذب ل يقدر أن يبنمممي بيتًا ممممن الطوب‪ ،‬فهمممو إذا لم يكمممن عليماً‬
‫بخصمائص الجيمر‪ ،‬والجمص‪ ،‬والتراب‪ ،‬ومما شاكمل ذلك‪ -‬فمما ذلك الذي يبنيمه بمبيت‪،‬‬
‫وإنمما همو تمل ممن النفاق‪ ،‬وكثيمب ممن أخلط المواد‪ ،‬نعمم‪ ،‬وليمس جديرا أن يبقمى على‬
‫دعائمه اثني عشر قرنًا يسكنه مائتا مليون من النفس‪ ،‬ولكنه جدير أن تنهار أركانه‪،‬‬
‫فينهدم؛ فكأنه لم يكن))‬
‫إلى أن قال‪ ((:‬وعلى ذلك فلسمممنا نعمممد محمداً هذا قمممط رجلً كاذبًا متصمممنعاً‪ ،‬يتذرع‬
‫بالحيممل‪ ،‬والوسممائل إلى بغيتممه‪ ،‬ويطمممح إلى درجممة ملك أو سمملطان‪ ،‬أو إلى ذلك مممن‬
‫الحقائر‪.‬‬
‫ومما الرسمالة التمي أداهما إل حمق صمراح‪ ،‬ومما كلمتمه إل قول صمادق‪ ،‬صمادر ممن العالم‬
‫المجهول‪.‬‬
‫كل‪ ،‬مما محممد بالكاذب‪ ،‬ول المُلفّقم‪ ،‬وإنمما همو قطعمة ممن الحياة قمد تفطمر عنهما قلب‬
‫الطبيعمة؛ فإذا همي شهاب قمد أضاء العالم أجممع‪ ،‬ذلك أممر ال‪ ،‬و((ذلك فضمل ال يؤتيمه‬
‫من يشاء وال ذو الفضل العظيم))‪.‬‬
‫وهذه حقيقة تدفع كل باطل‪ ،‬وتدحض حجة القوم الكافرين‪.‬‬
‫ثمم ل ننسمى شيئا آخمر‪ ،‬وهمو أنمه لم يتلق دروسمًا على أسمتاذ أبداً‪ ،‬وكانمت صمناعة الخمط‬
‫حديثمة العهمد إذ ذاك فمي بلد العرب‪-‬وعجيمب وأيمم ال أميمة العرب‪ -‬ولم يقتبمس محممد‬
‫من نور أي إنسان آخر‪ ،‬ولم يغترف من مناهل غيره‪ ،‬ولم يكن إل كجميع أشباهه من‬
‫النبياء والعظماء‪ ،‬أولئك الذين أشبّههم بالمصابيح الهادية في ظلمات الدهور‪.‬‬
‫وقممد رأيناه طول حياتممه راسممخ المبدإ‪ ،‬صممادق العزم بعيداً‪ ،‬كريماً‪ ،‬برا‪ ،‬رؤوفاً‪ ،‬تقيمما‪،‬‬
‫فاضلً‪ ،‬حراً‪ ،‬رجلً‪ ،‬شديمد الجمد‪ ،‬مخلصماً‪ ،‬وهمو ممع ذلك سمهل الجانمب‪ ،‬ليّنم العريكمة‪،‬‬
‫جمم البشمر والطلقمة‪ ،‬حميمد العشرة‪ ،‬حلو اليناس‪ ،‬بمل ربمما مازح وداعمب‪ ،‬وكان على‬
‫العموم تضيممء وجهممه ابتسممامةٌ مشرقممة مممن فؤاد صممادق؛ لن مممن الناس مممن تكون‬
‫ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله))‬
‫إلى أن قال‪ ((:‬كان عادلً‪ ،‬صادق النية‪ ،‬كان ذكي اللب‪ ،‬شهم الفؤاد‪ ،‬لوذعيا كأنما بين‬
‫ل بهيم‪ ،‬ممتلئا نوراً‪ ،‬رجلً عظيماً بفطرته‪ ،‬لم تثقفه مدرسة‪ ،‬ول‬ ‫جنبيه مصابيح كل لي ٍ‬
‫هذبه معلم‪ ،‬وهو غني عن ذلك‪.‬‬
‫ويزعم المتعصبون من النصارى‪ ،‬والملحدين أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إل الشهرة‬
‫الشخصية‪ ،‬ومفاخر الجاه والسلطان‪.‬‬
‫كل ‪-‬وأيممم ال‪ -‬لقممد كان فممي فؤاد ذلك الرجممل ابممن القفار والفلوات‪ ،‬المتوقممد المقلتيممن‪،‬‬
‫العظيممم النفممس‪ ،‬المملوء رحمممة وخيراً وحكمممة‪ ،‬وحِجَى‪-‬أفكار غيممر الطمممع الدنيوي‪،‬‬
‫ونوايما خلف طلب السملطة والجاه‪ ،‬وكيمف ل‪ ،‬وتلك نفمس صمامتهٌ كمبيرة‪ ،‬ورجمل ممن‬
‫الذيمممن ل يمكنهمممم إل أن يكون مخلصمممين جاديمممن؛ فبينمممما ترى آخريمممن يرضون‬
‫الصممطلحات الكاذبممة‪ ،‬ويسمميرون طبممق العتبارات الباطلة إذ ترى محمداً لم يرض‬
‫أن يتلفع بمألوف الكاذيب‪ ،‬ويتوشح بمبتدع الباطيل‪.‬‬
‫لقممد كان منفرداً بنفسممه العظيمممة‪ ،‬وبحقائق المور والكائنات‪ ،‬لقممد كان سممر الوجود‬
‫يسمطع لعينيمه‪-‬كمما قلت‪ -‬بأهواله‪ ،‬ومخاوفمه‪ ،‬وروانقمه‪ ،‬ومباهره‪ ،‬ولم يكمن هناك ممن‬
‫الباطيل ما يحجب ذلك عنه‪ ،‬فكان لسان حال ذلك السر الهائل يناجيه‪ :‬ها أنا ذا‪ ،‬فمثل‬
‫هذا الخلص ل يخلو ممن معنمى إلهمي مقدس‪ ،‬ومما كلممة مثمل هذا الرجمل إل صموت‬
‫خارج ممن صمميم قلب الطبيعمة‪ ،‬فإذا تكلم فكمل الذان برغمهما صماغية‪ ،‬وكمل القلوب‬
‫واعية‪ ،‬وكل كلم ماعدا ذلك هباء‪ ،‬وكل قول جفاء))‬
‫إلى أن قال‪((:‬إذا فلنضرب صمممفحًا عمممن مذهمممب الجائريمممن أن محمداً كاذب‪ ،‬ونعمممد‬
‫موافقتهم عاراً‪ ،‬وسبة‪ ،‬وسخافة‪ ،‬وحمقاً؛ فلنربأ بأنفسنا عنه))‬
‫إلى أن قال‪ ((:‬وإن دينًا آمممن بممه أولئك العرب الوثنيون‪ ،‬وأمسممكوه بقلوبهممم الناريممة‬
‫لجدير أن يكون حقا‪ ،‬وجدير أن يصدق به‪.‬‬
‫وإنما أودع هذا الدين من القواعد هو الشيء الوحيد الذي للنسان أن يؤمن به‪.‬‬
‫وهذا الشيء هو روح جميع الديان‪ ،‬وروح تلبس أثواباً مختلفة‪ ،‬وأثوابًا متعددة‪ ،‬وهي‬
‫فمي الحقيقمة شيمء واحمد‪ ،‬وباتباع هذه الروح يصمبح النسمان إمامًا كمبيراً لهذا المعبمد‬
‫الكممبر‪-‬الكون‪ -‬جاريًا على قواعممد الخالق‪ ،‬تابعمما لقوانينممه‪ ،‬ل مجادلً عبثًا أن يقاومهمما‬
‫ويدافعها‪.‬‬
‫لقمممد جاء السممملم على تلك الملل الكاذبمممة‪ ،‬والنحمممل الباطلة‪ ،‬فابتلعهممما‪ ،‬وحمممق له أن‬
‫يبتلعهما ؛ لنمه حقيقمة خارجمة ممن قلب الطبيعمة‪ ،‬ومما كان يظهمر السملم حتمى احترقمت‬
‫فيمه وثنيات العرب‪ ،‬وجدليات النصمرانية‪ ،‬وكمل مما لم يكمن بحمق؛ فإنهما حطمب ميمت‪،‬‬
‫أكلته نار السلم‪ ،‬والنار لم تذهب))‬
‫إلى أن قال‪ ((:‬أيزعم الفاكون الجهلة أنه مشعوذ ومحتال؟‬
‫كل‪ ،‬ثمم كل‪ ،‬مما كان قمط ذلك القلب المحتدم الجائش كأنمه تنور فكمر يضور ويتأجمج‪-‬‬
‫ليكون قلب محتال ومشعوذ‪ ،‬لقمد كانمت حياتمه فمي نظره حقاً‪ ،‬وهذا الكون حقيقمة رائعمة‬
‫كبيرة))‪.‬‬
‫إلى أن قال‪ ((:‬مثمل هذه القوال‪ ،‬وهذه الفعال ترينما فمي محممد أخ النسمانية الرحيمم‪،‬‬
‫أخانا جميعًا الرؤوف الشفيق‪ ،‬وابن أمنا الولى‪ ،‬وأبينا الول‪.‬‬
‫وإننممي لحممب محمدا لبرائة طبعممه مممن الرياء والتصممنع‪ ،‬ولقممد كان ابممن القفار رجلً‬
‫مستقل الرأي‪ ،‬ل يقول إل عن نفسه‪ ،‬ول يدّعي ما ليس فيه‪ ،‬ولم يك متكبراً‪ ،‬ولكنه لم‬
‫يكن ذليلً ضرعاً‪ ،‬يخاطب بقوله الح ّر المبينِ قياصر َة الرومِ وأكاسرةَ العجمِ‪ ،‬يرشدهم‬
‫إلى مما يجمب عليهمم لهذه الحياة‪ ،‬وللحياة الخرة‪ ،‬وكان يعرف لنفسمه قدرهما‪ ،‬ولم تخمل‬
‫الحروب الشديدة التمي وقعمت له ممع العراب من مشاهمد قوة ولكنهما كذلك لم تخمل من‬
‫دلئل رحمة وكرم وغفران‪ ،‬وكان محمد ل يعتذر من الول‪ ،‬ول يفتخر بالثانية))‬
‫إلى أن قال‪ (( :‬وما كان محمد بعابمث قمط‪ ،‬ول شَابَم شيئاً من قوله شائب ُة لعب ولهو ‪،‬‬
‫بمل كان الممر عنده أممر خسمران وفلح‪ ،‬ومسمألة فناء وبقاء‪ ،‬ولم يمك منمه بإزائهما إل‬
‫الخلص الشديد‪ ،‬والجد المرير‪.‬‬
‫فأما التلعب بالقوال‪ ،‬والقضايا المنطقية‪ ،‬والعبث بالحقائق‪- ،‬فما كان من شأنه قط‪،‬‬
‫وذلك عندي أفظممع الجرائم؛ إذ ليممس هممو إل رقدة القلب‪ ،‬ووسممن العيممن عممن الحممق‪،‬‬
‫وعيشة المرء في مظاهر كاذبة‪.‬‬
‫وفمي السملم خلة أراهما ممن أشرف الخلل وأجلهما‪ ،‬وهمي التسموية بيمن الناس ‪ ،‬وهذا‬
‫يدل على أصمدق النظمر وأصموب الرأي؛ فنفمس المؤممن رابطمة بجميمع دول الرض‪،‬‬
‫والناس في السلم سواء))‬
‫إلى أن قال‪ ((:‬وسمممع نوره النحاء‪ ،‬وعمممم ضوؤه الرجاء‪ ،‬وعقمممد شعاعمممه الشمال‬
‫بالجنوب‪ ،‬والمشرق بالمغرب‪ ،‬وممما هممو إل قرن بعممد هذا الحادث حتممى أصممبح لدولة‬
‫العرب رجممل فممي الهنممد‪ ،‬ورجممل فممي الندلس‪ ،‬وأشرقممت دولة السمملم حقباً عديدة‪،‬‬
‫ودهوراً مديدة بنور الفضل والنبل‪ ،‬والمروءة‪ ،‬والباس‪ ،‬والنجدة ورونق الحق والهدى‬
‫على نصف المعمورة))‬
‫السمملم ديممن الفطرة ‪ ،‬وديممن السمملم والمان ‪ ،‬والبشريممة لن تجممد الراحممة ‪ ،‬ولن‬
‫تحقق السعادة إل بالخذ بالسلم ‪ ،‬وتطبيقه في شتى الشؤون‪.‬‬
‫ومما يؤكد عظمة دين السلم ‪ ،‬ما يتميز به من خصائص ل توجد في غيره من‬
‫المذاهب والديان‪.‬‬
‫ومن تلك الخصائص التي تثبت تميز السلم ‪ ،‬ومدى حاجة الناس إليه ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أنمه جاء ممن عنمد الله ‪ :‬وال ‪ -‬عمز وجمل ‪ -‬أعلم بمما يصملح عباده‪ ،‬قال ‪-‬‬
‫تعالى ‪ { : -‬أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }‬
‫‪ -2‬أنه يبين بداية النسان ‪ ،‬ونهايته ‪ ،‬والغاية التي خلق من أجلها‪.‬‬
‫قال ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها‬
‫زوجها وبث منهما رجال ونساءً}‬
‫وقال ‪ { :‬منها خلقناكم ومنها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى }‬
‫وقال ‪ { :‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون }‬
‫‪ -3‬أنه دين الفطرة ‪ :‬فل يتنافى معها قال ‪ -‬تعالى ‪ { :-‬فطرة ال التي فطر‬
‫الناس عليها }‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يعتني بالعقل ويأمر بالتفكر‪ :‬ويذم الجهل ‪ ،‬والتقليد العمى ‪ ،‬والغفلة عن‬
‫التفكير السليم ‪ ،‬قال ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون إنما‬
‫يتذكر أولوا اللباب } ‪.‬‬
‫وقال‪ { :‬إن فمممي خلق السمممموات والرض واختلف الليمممل والنهار ليات لولي‬
‫اللباب الذيممن يذكرون ال قيامًا وقعوداً وعلى جنوبهممم ويتفكرون فممي خلق السممموات‬
‫والرض } ‪.‬‬
‫‪ -5‬السلم عقيدة وشريعة ‪ :‬فهو كامل في عقيدته وشرائعه ؛ فليس ديناً فكرياً‬
‫فحسب ‪ ،‬أو خاطرة تمر بالذهن ‪ ،‬بل هو كامل في كل شيء ‪ ،‬مشتمل على العقائد‬
‫الصحيحة ‪ ،‬والمعاملت الحكيمة ‪ ،‬والخلق الجميلة ‪ ،‬والسلوك المنضبط ؛ فهو دين‬
‫فرد وجماعة ‪ ،‬ودين آخرة وأولى‪.‬‬
‫‪ -6‬أنمه يعتنمي بالعواطمف النسمانية ‪ :‬ويوجههما الوجهمة الصمحيحة التمي‬
‫تجعلها أداة خير وتعمير‪.‬‬
‫‪ -7‬أنه دين العدل ‪ :‬سواء مع العدو ‪ ،‬أو الصديق ‪ ،‬أو القريب ‪ ،‬أو البعيد‪.‬‬
‫قال تعالى‪ { :‬إن ال يأمر بالعدل } ‪ ،‬وقال‪ { :‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} ‪،‬‬
‫وقال ‪ { :‬ول يجرمنكم شنئآن قوم على أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى }‬
‫‪ -8‬السلم دين الخوة الصادقة ‪ :‬فالمسلمون إخوة في الدين ‪ ،‬ل تفرقهم‬
‫البلد ‪ ،‬ول الجنمس ‪ ،‬ول اللون ‪ ،‬فل طبقية في السملم ‪ ،‬ول عنصمرية ‪ ،‬ول عصبية‬
‫لجنس أو لون أو عرق ‪ ،‬ومعيار التفاضل في السلم إنما يكون بالتقوى‪.‬‬
‫‪ -9‬السلم دين العلم ‪ :‬فالعلم فريضمة على كل مسملم ومسملمة ‪ ،‬والعلم يرفع‬
‫صمماحبه إلى أعلى الدرجات ‪ ،‬قال ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬يرفممع ال الذيممن آمنوا منكممم والذيممن‬
‫أوتوا العلم درجات } ‪.‬‬
‫‪ -10‬أن الله تكفممل لمممن أخممذ بالسمملم وطبقممه بالسممعادة ‪،‬‬
‫والعزة ‪ ،‬والنصمرة فردا ً كان أم جماعمة ‪ :‬قال ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬وعمد ال الذيمن‬
‫آمنوا منكمم وعملوا الصمالحات ليسمتخلفنهم فمي الرض كمما اسمتخلف الذيمن ممن قبلهمم‬
‫وليمكنمن لهمم دينهمم الذي ارتضمى لهمم ‪ ،‬ولبدلنهمم ممن بعمد خوفهمم أمنما يعبدوننمي ل‬
‫يشركون بي شيئاً }‬
‫وقال‪ { :‬مممن عمممل صممالحا مممن ذكممر أو أنثممى وهممو مؤمممن فلنحيينممه حياة طيبممة‬
‫ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }‪.‬‬
‫‪ -11‬فمي السملم حمل لجميمع المشكلت ‪ :‬لشتمال شريعتمه و أصمولها‬
‫على أحكام ما ل يتناهى من الوقائع‪.‬‬
‫‪ -12‬أن شريعته أحكم ما تساس به المم ‪ :‬وأصلح ما يقضى به عند‬
‫التباس المصالح ‪ ،‬أو التنازع في الحقوق‪.‬‬
‫‪ -13‬السملم ديمن صمالح لكمل زمان ومكان ‪ ،‬وأممة وحال ‪ ،‬بمل ل‬
‫تصملح الدنيما بغيره ‪ :‬ولهذا كلمما تقدممت العصمور ‪ ،‬وترقمت الممم ظهمر برهان‬
‫جديد على صحة السلم ‪ ،‬ورفعة شأنه‪.‬‬
‫‪ -14‬السملم ديمن المحبمة ‪ ،‬والجتماع ‪ ،‬واللفمة ‪ ،‬والرحممة ‪ :‬قال‬
‫النبي ‪(( : e‬مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه‬
‫عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ))‬
‫وقال ‪(( :‬الراحمون يرحمهمم الرحممن ؛ ارحموا ممن فمي الرض يرحمكمم ممن فمي‬
‫السماء )) ‪.‬‬
‫‪ -15‬السملم ديمن الحزم والجمد والعممل ‪ :‬قال النممبي مم صمملى ال عليممه‬
‫وسلم م ‪ (( :‬المؤمن القوي خير وأحب إلى ال من المؤمن الضعيف ‪ ،‬واحرص على‬
‫ممما ينفعممك ول تعجممز‪ .‬وإن أصممابك شيممء فل تقممل‪ :‬لو أنممي فعلت كذا وكذا لكان كذا ‪،‬‬
‫ولكن قل‪ :‬قدر ال وما شاء فعل))‪.‬‬
‫‪ -16‬السملم أبعمد مما يكون عمن التناقمض ‪ :‬قال ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬ولو كان‬
‫من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا } ‪.‬‬
‫‪ -17‬أنه يحمي معتنقيه من الفوضى والضياع والتخبط ‪ ،‬ويكفل لهم‬
‫الراحة النفسية والفكرية‪.‬‬
‫‪ -18‬السلم واضح ميسور ‪ ،‬وسهل الفهم لكل أحد‪.‬‬
‫‪ -19‬السلم دين مفتوح ل يغلق في وجه من يريد الدخول فيه‪.‬‬
‫‪ -20‬السملم يرتقمي بالعقول ‪ ،‬والعلوم ‪ ،‬والنفوس ‪ ،‬والخلق ‪ :‬فأهله‬
‫المتمسكون به حق التمسك هم خير الناس ‪ ،‬وأعقل الناس ‪ ،‬وأزكى الناس‪.‬‬
‫‪ -21‬السملم يدعمو إلى حسمن الخلق والعمال ‪ :‬قال ‪ -‬تعال ‪ { : -‬خممذ‬
‫العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }‬
‫وقال‪ { :‬ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم }‬
‫‪ -22‬السمملم يحفممظ العقول ‪ :‬ولهذا حرم الخمممر ‪ ،‬والمخدرات ‪ ،‬وكممل ممما‬
‫يؤدي إلى فساد العقل‪.‬‬
‫‪ -23‬السملم يحفمظ الموال ‪ :‬ولهذا حمث على المانمة ‪ ،‬وأثنمى على أهلهما ‪،‬‬
‫ووعدهمم بطيمب العيمش ‪ ،‬ودخول الجنمة ‪ ،‬وحرم السمرقة ‪ ،‬وتوعمد فاعلهما بالعقوبمة ‪،‬‬
‫وشرع حمد السمرقة وهمو قطمع يمد السمارق ؛ حتمى ل يتجرأ أحمد على سمرقة الموال ؛‬
‫فإذا لم يرتدع خوفاً من عقاب الخرة ارتدع خوفاً من قطع اليد‪.‬‬
‫ولهذا يعيش أهل البلد التي تطبق حدود الشرع آمنون على أموالهم ‪ ،‬بل إن قطع‬
‫اليد قليل جداً ؛ لقلة من يسرق‪.‬‬
‫ثم إن قطع يد السارق فيه حكمة الزجر للسارق من معاودة السرقة ‪ ،‬وردع أمثاله‬
‫عن القدام عليها ‪ ،‬وهكذا تحفظ الموال في السلم‪.‬‬
‫‪ -24‬السلم يحفظ النفس ‪ :‬ولهذا حرم قتل النفس بغير الحق ‪ ،‬وعاقب قاتل‬
‫النفس بغير الحق بأن يقتل‪.‬‬
‫ولجمل ذلك يقمل القتمل فمي بلد المسملمين التمي تطبمق شرع ال ؛ فإذا علم النسمان‬
‫أنه إذا قتل شخصاً سيقتل به كف عن القتل ‪ ،‬وارتاح الناس من شر المقاتلت‪.‬‬
‫‪-25‬السلم يحفظ الصحة‪ :‬فالشارات إلى هذا المعنى كثيرة جدا سواء في القرآن‬
‫أو السنة النبوية‪.‬‬
‫سرِفُوا))‬
‫ش َربُوا وَل تُ ْ‬
‫قال تعالى‪َ ((:‬و ُكلُوا وَا ْ‬
‫قال العلماء‪ :‬إن هذه اليمة جمعمت الطمب كله؛ ذلك أن العتدال فمي الكمل والشرب‬
‫من أعظم أسباب حفظ الصحة‪.‬‬
‫وممن الشارات لحفمظ الصمحة أن السملم حرم الخممر‪ ،‬ول يخفمى مما فمي الخممر ممن‬
‫أضرار صحية كثيرة‪ ،‬فهي تضعف القلب‪ ،‬وتغري الكلى‪ ،‬وتمزق الكبد إلى غير ذلك‬
‫من أضرارها المتنوعة‪.‬‬
‫ومممن ذلك أن السمملم حرّم الفواحممش مممن زنًا ولواط‪ ،‬ول يخفممى ممما فيهممما مممن‬
‫عرِفَت في هذا العصر‬ ‫الضرار الكثيرة ومنها الضرار الصحية التي عرفت أكثر ما ُ‬
‫من زهري‪ ،‬وسيلن‪ ،‬وهربس‪ ،‬وإيدز ونحوها‪.‬‬
‫ومن حفظ السلم للصحة أنه حرّم لحم الخنزير‪ ،‬الذي عرف الن أنه يولّد في الجسم‬
‫أدواءً كثيرة ‪ ،‬ومن أخصّها الدورة الوحيدة‪ ،‬والشعرة الحلزونية‪ ،‬وعملهما في النسان‬
‫شديد‪ ،‬وكثيراً ما يكونان السبب في موته‪.‬‬
‫وممن الشارات في هذا الصمدد مما عرف ممن أسمرار الوضوء‪ ،‬وأنمه يمنمع من أمراض‬
‫السمنان‪ ،‬والنمف‪ ،‬بمل همو ممن أهمم الموانمع للسمل الرئوي ؛ إذ قال بعمض الطباء‪ :‬إن‬
‫أهمم طريمق لهذا المرض الفتاك همو النمف‪ ،‬وإن أنوفاً تغسمل خممس عشرة مرة لجديرة‬
‫بأن ل تبقمى فيهما جراثيمم هذا الداء الوبيمل‪ ،‬ولذا كان هذا المرض فمي المسملمين قليلً‬
‫وفي الفرنج كثيراً‪.‬‬
‫والسممبب أن المسمملمين يتوضؤون للصمملة خمممس مرات فممي اليوم‪ ،‬وفممي كممل وضوء‬
‫يغسل المسلم أنفه مرة أو مرتين أو ثلثاً‪.‬‬
‫‪-26‬يتفممق مممع الحقائق العلميممة‪ :‬ولهذا ل يمكمممن أن تتعارض الحقائق العلميمممة‬
‫الصحيحة مع النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة‪.‬‬
‫وإذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى ل حقيقة‬
‫لهمما‪ ،‬وإممما أن يكون النممص غيممر صممريح فممي معارضتممه ؛ لن النممص وحقائق العلم‬
‫كلهما قطعي‪ ،‬ول يمكن تعارض القطعيّين‪.‬‬
‫ولقممد قرر هذه القاعدة كثيممر مممن علماء المسمملمين‪ ،‬بممل لقممد قررهمما كثيممر مممن الكتاب‬
‫الغربييمن المنصمفين‪ ،‬ومنهمم الكاتمب الفرنسمي المشهور (موريمس بوكاي) فمي كتابمه‪:‬‬
‫(التوراة والنجيمل والقرآن) حيمث بيمن فمي هذا الكتاب أن التوراة المحرفمة‪ ،‬والنجيمل‬
‫المحرف الموجوديمن اليوم يتعارضان ممع الحقائق العلميمة‪ ،‬فمي الوقمت الذي سمجل فيمه‬
‫هذا الكتاب شهادات تفوق للقرآن الكريم سبق بها القرآنً العلمَ الحديثَ‪.‬‬
‫وأثبمت الكاتمب ممن خلل ذلك أن القرآن ليتعارض أبدا ممع الحقائق العلميمة‪ ،‬بمل إنمه‬
‫يتفق معها تمام التفاق‪.‬‬
‫ولقمد تظافرت البراهيمن الحسمية‪ ،‬والعلميمة‪ ،‬والتجريبيمة على صمدق مما جاء بمه السملم‬
‫حتى في أشد المسائل بعدا عن المحسوس‪ ،‬وأعظمها إنكاراً في العصور السابقة‪.‬‬
‫خذ على سبيل قول النبي م صملى ال عليه وسلم م ‪((:‬إذا شرب الكلب في إناء أحدكم‬
‫فليغسله سبعا أُولهنّ بالتراب))‪.‬‬
‫ولقمد جاء الطمب باكتشافاتمه ومكمبراته فأثبمت أن فمي لعاب الكلب مكروباتٍم وأمراضاً‬
‫فتاكمة ل يزيلهما الماء وحده‪ ،‬وأظهرت البحوث العلميمة الحديثمة أنمه يحصمل ممن إنقاء‬
‫التراب لهذه النجاسة ما ل يحصل بغيره‪.‬‬
‫وجاء‪-‬أيضاً‪ -‬أن شرب الكلب في الناء يسبب أمراضاً خطيرة‪ ،‬فالكلب كثيراً ما تكون‬
‫فيمه ديدان مختلفمة النواع‪ ،‬ومنهما دودة شريطيمة صمغيرة جدّا‪ ،‬فإذا شرب فمي إناء‪ ،‬أو‬
‫لمس إنسانٌ جسد الكلب بيده أو بلباسه انتقلت بويضات هذه الديدان إليه‪ ،‬ووصلت إلى‬
‫معدتممه فممي أكله‪ ،‬أو شربممه‪ ،‬فتثقممب جدرانهمما‪ ،‬وتصممل إلى أوعيممة الدم‪ ،‬وتصممل إلى‬
‫العضاء الرئيسمة‪ ،‬فتصميب الكبمد‪ ،‬وتصميب الممخ‪ ،‬فينشمأ عنمه صمداع شديمد‪ ،‬وقيءٌ‬
‫متوالِ‪ ،‬وفقمد للشعور‪ ،‬وتشنجات‪ ،‬وشلل فمي بعمض العضاء‪ ،‬وتصميب القلب‪ ،‬فربمما‬
‫مزقته‪ ،‬فيموت الشخص في الحال‪.‬‬
‫ثم إن العلوم الطبيعية تؤيد السلم‪ ،‬وتؤكد صحته على غير علم من ذويها‪.‬‬
‫مثال ذلك تلقيمح الشجار الذي لم يكتشمف إل منمذ عهمد قريمب‪ ،‬وقمد نمص عليمه القرآن‬
‫س ْلنَا الرّياَحَ‬
‫الذي أنزل على النبي المي منذ أربعة عشر قرناً في قوله‪-‬تعالى‪َ ((: -‬وَأرْ َ‬
‫ل َزوْجٍم َبهِيجمٍ))‪ ،‬وقوله‪َ ((:‬ومِنْم كُلّ‬ ‫َلوَاقِحمَ)) وكذلك قوله تعالى‪َ ((: -‬وَأ ْنبَتْنَا فِيهَا مِنْم كُ ّ‬
‫ج ُكّلهَا))‪.‬‬‫ل ْزوَا َ‬‫خلَقَ ا َ‬‫ن الّذِي َ‬ ‫سبْحَا َ‬
‫جيْنِ)) وقوله‪ُ ((:‬‬ ‫خلَ ْقنَا َزوْ َ‬
‫شيْءٍ َ‬
‫َ‬
‫فهذا كلم رب العالميمن فمي القرآن قبمل أن تمبين لنما العلوم الطبيعيمة أن فمي كمل نبات‬
‫ذكراً وأنثى‪.‬‬
‫ولقمد اعتنمق بعمض الوربييمن السملم لمما وجمد وصمف القرآن للبحمر وصمفاً شافيًا ممع‬
‫كون النمبي مم صملى ال عليمه وسملم مم لم يركمب البحمر طول عمره‪ ،‬وذلك مثمل قوله مم‬
‫ح ٍر لُجّيّ َيغْشَاهُم َموْجٌم مِنْم َفوْقِهِم َموْجٌم مِنْم َفوْقِهِم سَمحَابٌ‬ ‫ظُلمَاتٍم فِي بَ ْ‬‫تعالى مم ‪َ((:‬أوْ كَ ُ‬
‫ج يَدَاهُ لَ ْم َيكَ ْد َيرَاهَا))‪.‬‬
‫خرَ َ‬‫ض إِذَا أَ ْ‬
‫ق َبعْ ٍ‬
‫ضهَا َفوْ َ‬‫ظُلمَاتٌ َب ْع ُ‬
‫ُ‬
‫‪ -27‬السمملم يكفممل الحريات ويضبطهمما ‪ :‬فحريممة التفكيممر فممي السمملم‬
‫مكفولة ‪ ،‬وقممد منممح ال النسممان الحواس مممن السمممع ‪ ،‬والبصممر ‪ ،‬والفؤاد ‪ ،‬ليفكممر ‪،‬‬
‫ويعقمل ‪ ،‬ويصمل إلى الحمق ‪ ،‬وهمو مأمور بالتفكيمر الجاد السمليم ‪ ،‬ومسمؤول عمن إهمال‬
‫حواسه وتعطيلها ‪ ،‬كما أنه مسؤول عن استخدامها فيما يضر‪.‬‬
‫والنسان في السلم حر في بيعه ‪ ،‬وشرائه ‪ ،‬وتجارته ‪ ،‬وتنقلته ‪ ،‬ونحو ذلك ما‬
‫لم يتعد حدود ال في غش ‪ ،‬أو خداع ‪ ،‬أو إفساد‪.‬‬
‫والنسممان فممي السمملم حممر فممي السممتمتاع بطيبات الحياة الدنيمما مممن مأكول ‪ ،‬أو‬
‫مشروب ‪ ،‬أو مشموم ‪ ،‬أو ملبوس مممما لم يرتكمممب محرمًا يعود عليمممه ‪ ،‬أو على غيره‬
‫بالضرر‪.‬‬
‫ثممم إن السمملم يضبممط الحريات ؛ فل يجعلهمما مطلقممة سممائمة فممي مراتممع البغممي‬
‫والتعدي على حريات الخرين ؛ فالشهوة على سبيل المثال لو أطلقت لندفع النسان‬
‫وراء شهواتمه ‪ ،‬التمي تكون سمبباً فمي هلكمه ؛ لن طاقتمه محدودة ‪ ،‬فإذا اسمتنفذت فمي‬
‫اللهممو والعبممث والمجون ‪ -‬لم يبممق فيهمما ممما يدفعهمما إلى الطريممق الجاد ‪ ،‬ويدلهمما على‬
‫مسمالك الخيمر ؛ فليمس ممن الحريمة ‪ -‬إذًا ‪ -‬أن يسمترسل فمي شهواتمه وملذاتمه غيمر مبال‬
‫بحلل أو حرام ‪ ،‬وغير ناظر في العواقب‪.‬‬
‫إن نهايتمه سمتكون وخيممة فمي العاجمل قبمل الجمل ؛ إن ثرواتمه سمتتبدد ‪ ،‬وإن قواه‬
‫ستنهار ‪ ،‬و إن صحته ستزول ‪ ،‬وبالتالي سيكون تعيساً محسوراً‪.‬‬
‫ثم هب أن النسان أطلق لشهواته العنان هل سيجد الراحة والطمأنينة؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل ؛ وإذا أردت الدليل على ذلك فانظر إلى عالمنا المعاصر بحضارته‬
‫المادية ‪ ،‬لما أطلق حرية العبث والمجون ‪ ،‬ولم يحسن استخدامها ‪ -‬حدثت القلقل ‪،‬‬
‫والمصائب ‪ ،‬والمراض الجسدية والنفسية ‪ ،‬وشاع القتل ‪ ،‬والنهب ‪ ،‬والسلب ‪،‬‬
‫والنتحار ‪ ،‬والقلق ‪ ،‬وأمراض الشذوذ‪.‬‬
‫وليست الحرية ‪ -‬أيضاً ‪ -‬بالسير وراء الطماع التي ل تقف عند حد ‪ ،‬دونما‬
‫مبالة في آثارها على الخرين ؛ فهل يعد من الحرية ما يقوم به القوياء من سطو‬
‫على الضعفاء ‪ ،‬واستخفاف بحقوقهم ‪ ،‬ومصادرة لرائهم كما هي حال الدول الكبرى‬
‫في عالمنا المعاصر؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل ؛ فالحرية الحقة ‪ -‬هي ما جاء به السلم ‪ ،‬وهي الحرية المنضبطة‬
‫التي تحكم تصرفات النسان ‪ ،‬والتي يكون فيها النسان عبداً لربه وخالقه ؛ فذلك سر‬
‫الحرية العظم ؛ فالنسان إذا تعلق بربه خوفاً ‪ ،‬وطمعاً ‪ ،‬وحباً ‪ ،‬ورجاءً ‪ ،‬وذلً ‪،‬‬
‫وخضوعاً ‪ -‬تحرر من جميع المخلوقين ؛ ولم يعد يخاف أحدًا غير ربه ‪ ،‬ول يرجو‬
‫سواه ‪ ،‬وذلك عين فلحه وعزته‪.‬‬
‫وبالجملة فالسلم دين الكمال والرفعة ‪ ،‬ودين الهداية والسمو‪.‬‬
‫وإذا رأينا من بعض المنتمين إليه وهنًا في العزم ‪ ،‬أو بعداً عن الهدى ‪ -‬فالتبعة‬
‫تعود على أولئك ‪ ،‬ل على الدين ؛ فالدين براء ‪ ،‬والتبعة تقع على من جهل السلم ‪،‬‬
‫أو نبذ هدايته وراء ظهره‪.‬‬
‫من محاسن الدين السلمي‬
‫ممر بمك فمي الفقرة السمابقة ذكمر لبعمض خصمائص الديمن السملمي ‪ ،‬والحديمث فمي هذه‬
‫ل له‪.‬‬
‫الفقرة قريب من الحديث السابق أو إكما ٌ‬
‫وسيتضح لك فيما يلي شيء من محاسن الدين السلمي ‪ ،‬وأنه دين السعادة والفلح ‪،‬‬
‫وأنمه لم يَدَع النسمانَ فمي خاصمة نفسمه أو ممع أهله ‪ ،‬أو ممع جيرانمه ‪ ،‬أو أهمل ملتمه ‪ ،‬أو‬
‫الناس أجمعين م إل علمه من دقائق الداب ‪ ،‬ومحاسن المعاملت ما يصفو به عيشه ‪،‬‬
‫ويتم سروره‪.‬‬
‫ول يريبنك ما عليه كثير من المسلمين من سوء الحال ؛ فإن ذلك بمقتضى أهوائهم ل‬
‫من طبيعة دينهم‪.‬‬
‫ومحاسن الدين السلمي تتجلى بوضوح من خلل النظر في أوامر السلم ونواهيه‪.‬‬
‫فإليك نبذة عن ذلك فيما يلي من أسطر‪.‬‬
‫أول‪ :‬من أوامر السلم‪:‬‬
‫السملم يأممر بأواممر عظيممة تنتظمم بهما المور المدنيمة ‪ ،‬وتصملح بهما حالة المعاش ؛‬
‫فالسلم في ذلك الشأن هو البحر الذي ل يدرك غوره ‪ ،‬و الغاية التى ليس بعدها أمل‬
‫لمل ‪ ،‬ول زيادة لمستزيد‪.‬‬
‫وهذه الواممر حمث عليهما السملم بأبلغ العبارات ‪ ،‬وأقربهما إلى الفهام ‪ ،‬وتوعمد على‬
‫الخروج عن هذه الجادة بالعقاب ‪ ،‬ووعد من أخذ بها بجزيل الثواب‪.‬‬
‫فمن تلك الوامر العظيمة التي جاء بها السلم ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬السمملم يأمممر بممما تكون بممه كممبير النفممس عممن التشبممه بممما دونممك مممن أنواع‬
‫الحيوانات ‪ ،‬رفيعَم القدر عمن أن تكون عبدا لشهواتمك وحظوظمك ‪ ،‬عالي المنزلة عمن‬
‫أن تعظم غير ربك ‪ ،‬أو تخضع لغير حكمه‪.‬‬
‫‪ -2‬يأمرك بممما يشعرك أنممك عضممو نافممع عامممل تأنممف أن تقلد غيرك ‪ ،‬أو تكون عالة‬
‫على سواك‪.‬‬
‫‪ -3‬السلم أمرك باستعمال عقلك ‪ ،‬وجوارحك فيما خلقت له ‪ ،‬من العمل النافع في‬
‫أمر دينك ودنياك‪.‬‬
‫‪ -4‬السلم يأمرك بالتوحيد الخالص ‪ ،‬والعقيدة الصحيحة التي ل يقبل العقل غيرها‬
‫‪ ،‬ول تطمئن القلوب إل بهما ؛ فالعقيدة التمي أمرك السملم بهما تجعلك عظيمًا كمبيراً ‪،‬‬
‫وتشعر قلبك العزة ‪ ،‬وتذيقك حلوة اليمان ‪.،‬‬
‫‪ -5‬السلم يأمرك بستر عورات المسلمين ‪ ،‬واتقاء مواضع التهم ‪.‬‬
‫‪ -6‬السلم يأمر بالسعي لقضاء حاجات المسلمين ‪ ،‬وتنفيس كرباتهم‪.‬‬
‫‪-7‬السملم يأمرك بالبداء بالسمملم على كممل مسمملم‪ ،‬وأن تنصممر أخاك المسمملم فممي‬
‫غيبته‪.‬‬
‫‪-8‬ال سلم أمرك بعيادة المرضمى وتشييمع الجنائز وزيارة القبور والدعاء لخوانمك‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫‪-9‬السلم يأمرك بإنصاف الناس من نفسك وأن تحبّ لهم ما تحبه لنفسك‪.‬‬
‫‪-10‬السملم أمرك بالسممعي فممي طلب الرزق‪ ،‬وأن تعممز نفسممك ‪ ،‬وأن ترفعهمما عممن‬
‫مواطن الذل والهوان‪.‬‬
‫‪-11‬ال سلم أمرك بالرحممة بالخلق‪ ،‬والعطمف عليهمم‪ ،‬وحسمن رعايتهمم ومداراتهمم‪،‬‬
‫والسعي في نفعهم‪ ،‬وجلب الخيرات لهم‪ ،‬ودفع المضرات عنهم‪.‬‬
‫‪-12‬السلم أمرك ببرّ الوالدين‪ ،‬وصلة الرحام‪ ،‬وإكرام الجار‪ ،‬والرفق بالحيوان‪.‬‬
‫‪-13‬السلم أمرك بالوفاء للصحاب‪ ،‬وحسن المعاملة للزوج والبناء‪.‬‬
‫‪-14‬السمملم أمرك بالحياء ‪ ،‬والحلم ‪ ،‬والسمممخاء ‪ ،‬والكرم ‪ ،‬والشجاعمممة ‪ ،‬والغيرة‬
‫على الحق‪.‬‬
‫‪-15‬وأمرك بالمروءة ‪ ،‬وحسن السمت ‪ ،‬والحزم ‪ ،‬و الحكمة في المور‪.‬‬
‫‪-16‬وأمرك بالمانمة ‪ ،‬وإنجاز الوعمد‪ ،‬وحسمن الظمن‪ ،‬والناة فمي المور ‪ ،‬والمبادرة‬
‫في فعل الخير‪.‬‬
‫‪-17‬وأمرك بالعفة ‪ ،‬والستقامة ‪ ،‬والشهامة ‪ ،‬والنزاهة‪.‬‬
‫‪-18‬السلم يأمرك بشكر ال ‪ ،‬ومحبته ‪ ،‬وخوفه ‪ ،‬ورجائه ‪ ،‬والنس به ‪ ،‬والتوكل‬
‫عليه‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من المعاني الجميلة العظيمة‪.‬‬
‫ثانيسا‪ :‬مسن نواهسي السسلم‪ :‬فممن أعظمم محاسمن السملم مما جاء بمه ممن‬
‫النواهي التي تحذر المسلم من الوقوع في الشر‪ ،‬وتنذره سوء العاقبة التي تترتب على‬
‫الفعال القبيحة ؛ فمما نهى السلم عنه ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬نهى عن الكفر ‪ ،‬والفسوق ‪ ،‬والعصيان ‪ ،‬واتباع الهوى‪.‬‬
‫‪-2‬ونهى عن الكبر ‪ ،‬والحقد ‪ ،‬والعجب ‪ ،‬والحسد ‪ ،‬والشماتة بالمبتلين‪.‬‬
‫‪-3‬ونهمى عمن سموء الظمن ‪ ،‬والتشاؤم ‪ ،‬واليأس ‪ ،‬والبخمل ‪ ،‬والتقتيمر ‪ ،‬والسمراف ‪،‬‬
‫والتبذير‪.‬‬
‫‪-4‬ونهممى عمممن الكسمممل ‪ ،‬والخور ‪ ،‬والجبمممن ‪ ،‬والضعمممف ‪ ،‬والبطالة ‪ ،‬والعجلة ‪،‬‬
‫والفظاظمة ‪ ،‬وقلة الحياء ‪ ،‬والجزع ‪ ،‬والعجمز ‪ ،‬والغضمب ‪ ،‬والطيمش ‪ ،‬والتسمخط على‬
‫ما فات‪.‬‬
‫‪-5‬ونهمى عممن العناد‪ ،‬وعممن قسمموة القلب التممي تمنممع صمماحبها مممن إغاثممة الملهوف‬
‫والمضطر‪.‬‬
‫‪-6‬ونهى عن الغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره ‪ ،‬وعن النميمة وهي نقل الكلم بين‬
‫الناس على جهة الفساد‪.‬‬
‫‪-7‬ونهممى عمممن كثرة الكلم بل فائدة ‪ ،‬وعمممن إفشاء السمممر ‪ ،‬والسمممخرية بالناس ‪،‬‬
‫والستهزاء بالخرين‪.‬‬
‫‪-8‬ونهى عن السب ‪ ،‬واللعن ‪ ،‬والشتم ‪ ،‬والتعبير بالعبارات المستقبحة ‪ ،‬والتخاطب‬
‫باللقاب السيئة‪.‬‬
‫‪-9‬ونهمى عمن كثرة الجدال ‪ ،‬والخصمومة ‪ ،‬وعمن المزاح البذيْم الذي يجمر إلى الشمر‬
‫والتطاول‪.‬‬
‫‪-10‬ونهى عن الكلم والتدخل فيما ل يعني‪.‬‬
‫‪-11‬ونهى عن كتمان الشهادة ‪ ،‬وعن شهادة الزور ‪ ،‬وعن قذف المحصنات ‪ ،‬وسب‬
‫الموات ‪ ،‬وكتم العلم‪.‬‬
‫‪-12‬ونهمى عمن السمفاهة ‪ ،‬والفحمش ‪ ،‬وعمن الممن بالصمدقة ‪ ،‬وعمن ترك الشكمر لممن‬
‫أسدى إليك معروفاً‪.‬‬
‫‪-13‬ونهى عن الستطالة في العراض ‪ ،‬وانتساب المرء إلى غير أبيه ‪ ،‬وعن ترك‬
‫النصيحة ‪ ،‬وترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫‪-14‬ونهمى عمن الخيانمة ‪ ،‬والمكمر ‪ ،‬وإخلف الوعمد ‪ ،‬والفتنمة التمي توقمع الناس فمي‬
‫اضطراب‪.‬‬
‫‪-15‬ونهى عن عقوق الوالدين ‪ ،‬وقطيعة الرحم‪ ،‬وإهمال الولد‪.‬‬
‫‪-16‬ونهى عن التجسس ‪ ،‬والتحسس ‪ ،‬وتتبع عورات الناس‪.‬‬
‫‪-17‬ونهى عمن تشبمه الرجال بالنساء ‪ ،‬وعمن تشبمه النساء بالرجال ‪ ،‬وعن إفشاء سر‬
‫الزوج‪.‬‬
‫‪-18‬ونهمى عممن شرب الخمممر ‪ ،‬وتعاطممي المخدرات ‪ ،‬وعممن المقامرة التممي تعرض‬
‫المال للمخاطرة‪.‬‬
‫‪-19‬ونهمى عمن ترويمج السملعة بالحلف الكاذب ‪ ،‬وعمن بخمس الكيمل والوزن ‪ ،‬وعمن‬
‫إنفاق المال بالمحرمات ‪ ،‬وعن إيذاء الجار‪.‬‬
‫‪-20‬ونهى عن السرقة ‪ ،‬والغصب ‪ ،‬وخطبة النسان على خطبة أخيه ‪ ،‬وشرائه‬
‫على شراء أخيه‪.‬‬
‫‪-21‬ونهى عن خيانة أحد الشريكين لشريكه ‪ ،‬وعن استعمال العارية بغير ما أذن بها‬
‫صاحبها‪ ،‬وعن تأخير أجرة الجير او منعه منها بعد فراغه من عمله‪.‬‬
‫‪-22‬ونهى عن الكثار من الطعام بحيث يضر صاحبه‪.‬‬
‫‪-23‬ونهمى عمن التهاجمر ‪ ،‬والتشاحمن ‪ ،‬والتدابر ‪ ،‬وحذّر أن يهجمر المسملم أخاه فوق‬
‫ثلثة أيام‪.‬‬
‫‪-24‬ونهى عن الضرب لحد بغير مسوغ شرعي ‪ ،‬وعن ترويع الناس بالسلح‪.‬‬
‫‪-25‬ونهى عن الزنا ‪ ،‬واللواط ‪ ،‬وقتل النفوس التي حرم ال قتلها‪.‬‬
‫‪-26‬ونهى عمن قبول القاضمي هدي ًة ممن أحمد لم يكمن له عادة بإهداءهما له قبمل توليمه ‪،‬‬
‫وعن قبول الضيافة الخاصة‪.‬‬
‫‪-27‬ونهمى عمن أخمذ الرشوة ممن محمق أو مبطمل ‪ ،‬وعمن دفمع الرشوة ممن محمق أو‬
‫مبطل‪ ،‬إل من محق مضطر إلى دفعها‪.‬‬
‫‪-28‬ونهى عن خذلن المظلوم مع القدرة على نصره‪.‬‬
‫‪-29‬ونهى عمن اطلع المرء على دار غيره بغيمر إذنمه ولو من ثقمب ‪ ،‬و عمن التسممع‬
‫لحديث قوم يكرهون سماعه‪.‬‬
‫‪-30‬ونهى عن كل ما يضر بالهيئة الجتماعية ‪ ،‬أو النفس ‪ ،‬أو العقل ‪ ،‬او الشرف ‪،‬‬
‫أو العرض‪.‬‬
‫هذه نبذة موجزة عممن أوامممر السمملم ونواهيممه‪ ،‬وبسممط ذلك‪ ،‬وذكممر أدلتممه يحتاج إلى‬
‫مجلدات ضخام‪.‬‬
‫أركان السلم‬
‫أركان السلم هي أسسه التي يبنى عليها ‪ ،‬وهي خمسة أركان‪:‬‬
‫‪ -2‬إقامة الصلة‬ ‫‪ -1‬شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن محمداً رسول ال‬
‫‪ -5‬حج بيت ال الحرام‬ ‫‪ -4‬صيام رمضان‬ ‫‪ -3‬إيتاء الزكاة‬

‫معاني أركان السلم‬


‫‪ -1‬شهادة أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأن محمدا ً رسممممول الله ‪ :‬معنممممممى هذه‬
‫الشهادة العتقاد الجازم المعمبر عنمه باللسمان بأن ال همو المعبود الحمق وحده ل شريمك‬
‫له ‪ ،‬وأن محمدًا هو الرسول المبلغ عن ال‪.‬‬
‫وجعلت هاتان الشهادتان ركناً واحدًا مممع تعدد المشهود بممه لن هاتيممن الشهادتيممن‬
‫أسمماس صممحة العمال ؛ فل يقبممل إسمملم ‪ ،‬ول عمممل إل بالخلص ل ‪ ،‬والمتابعممة‬
‫للرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪. -‬‬
‫ومعنمى ذلك أل يعبمد إل ال وحده ‪ ،‬ول يعبمد إل بمما شرعمه على لسمان رسموله ‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪. -‬‬
‫فبالخلص تتحقممق شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬و بالمتابعممة تتحقممق شهادة أن محمدا‬
‫رسول ال‪.‬‬
‫وما يمكن أن يتضح به معنى الشهادتين أن يقال ‪ :‬إن معنى ل إله إل ال ‪ :‬هو أن‬
‫ينطممق بهمما النسممان معتقدا أن ال هممو المعبود الحممق وحده ؛ فل يكفممي مجرد النطممق‬
‫بهما ‪ ،‬بمل ل بمد ممن العممل بمقتضاهما ممن القبول ‪ ،‬والنقياد ‪ ،‬والصمدق ‪ ،‬والخلص ‪،‬‬
‫والمحبة‪.‬‬
‫ومعنمى شهادة أن محمدا رسمول ال ‪ :‬طاعتمه فيمما أممر ‪ ،‬وتصمديقه فيمما أخمبر ‪،‬‬
‫واجتناب ما نهى عنه وزجر ‪ ،‬وأن ل يعبد ال إل بما شرع‪.‬‬
‫هذا وللشهادتين ثمرات عظيمة منها ‪ :‬تحرير القلب والنفس من الرق للمخلوقين ‪،‬‬
‫والتباع لغير المرسلين‬
‫‪ -2‬إقامة الصلة ‪ :‬وهو التعبد ل بفعل الصلة على وجه الستقامة والتمام في‬
‫أوقاتها وهيئاتها‪.‬‬
‫والصملوات المفروضمة فمي السملم خممس فمي اليوم والليلة ‪ ،‬وهمي صملة الفجمر ‪،‬‬
‫وصلة الظهر ‪ ،‬وصلة العصر ’ وصلة المغرب ‪ ،‬وصلة العشاء‪.‬‬
‫ومممن ثمرات الصمملة أنهمما سممبب لنشراح الصممدر ‪ ،‬وقرة العيممن ‪ ،‬وقوة العقممل ‪،‬‬
‫وحصمممول النشاط ‪ ،‬وطرد الكسمممل ‪ ،‬والنزجار عمممن الفحشاء والمنكمممر ‪ ،‬وحصمممول‬
‫الترابط بين المسلمين‬
‫‪ -3‬إيتاء الزكاة ‪ :‬وهمممو التعبمممد ل ببذل القدر الواجمممب ممممن الموال الزكويمممة‬
‫لمستحقيها‪.‬‬
‫بحيممث يخرج المسمملم قدراً يسمميراً محدودًا مممن ماله ‪ ،‬ويدفعممه إلى مسممتحقيه مممن‬
‫الفقراء ‪ ،‬والمساكين ‪ ،‬ونحوهم‪.‬‬
‫ومممن ثمرات الزكاة ‪ :‬تطهيممر النفممس مممن البخممل ‪ ،‬وزيادة المال ‪ ،‬ونماؤه ‪ ،‬وسممد‬
‫حاجمة المسملمين ‪ ،‬وشيوع المحبمة بينهمم ‪ ،‬والتخلص ممن الثرة والسمتبداد ‪ ،‬والسملمة‬
‫من الحسد ‪ ،‬وحصول التواضع والرحمة ‪ ،‬والشعور بالخرين‪.‬‬
‫‪ -4‬صوم رمضان ‪ :‬وهو التعبد ل بالمساك عن المفطرات نهار رمضان‪.‬‬
‫وذلك بأن يدع المسملم الطعام ‪ ،‬والشراب ‪ ،‬والجماع ‪ ،‬ونحوهما ممن المفطرات ممن‬
‫طلوع الفجر إلى غروب الشمس طيلة شهر رمضان ؛ تعبداً ل ‪ -‬عز وجل ‪. -‬‬
‫ومممن ثمرات الصمميام ‪ :‬تزكيممة الروح ‪ ،‬وتهذيممب النفممس ‪ ،‬وترفعهمما عممن الدنايمما ‪،‬‬
‫وترويضهما على ترك المحبوبات طلبما لمرضاة ال ‪ ،‬وتعويدهما على الصمبر وتحممل‬
‫المصاعب‪.‬‬
‫وممن ثمراتمه ‪ -‬أيضاً ‪ -‬تنميمة الخلص ومراقبمة ال ‪ ،‬ورعايمة المانمة ‪ ،‬والشعور‬
‫بالخرين ‪ ،‬وطرد الفردية ‪ ،‬وحصول الصحة العامة للبدن‪.‬‬
‫‪ -5‬حمج البيمت ‪ :‬وهمو التعبمد ل بقصمد البيمت الحرام للقيام بشعائر الحمج ولو مرة‬
‫واحدة في العمر لمن استطاع إلى ذلك سبيل‪.‬‬
‫ومممن ثمرات الحممج تذكممر الخرة ‪ ،‬وترويممض النفممس على بذل الجهممد المالي‬
‫والبدني ؛ تقرباً ل ‪.‬‬
‫ومن ثمراته حصول التعارف ‪ ،‬والتواد بين المسلمين ‪.‬‬
‫هذه هممي أركان السمملم ‪ ،‬وهذه ثمراتهمما على سممبيل الجمال ‪ ،‬وإل فتفاصمميل‬
‫ثمراتها ل تعد ول تحصى‪.‬‬
‫فهذه الركان تجعمل ممن الممة أممة إسملمية طاهرة ‪ ،‬نقيمة ‪ ،‬تديمن بديمن الحمق ‪،‬‬
‫وتعامل الخلق بالعدل والصدق ‪ ،‬لن ما سواها من شرائع السلم يصلح بصلح هذه‬
‫السس ‪ ،‬و المة تصلح بصلح أمر دينها ‪ ،‬ويفوتها من صلح أحوالها بقدر ما فاتها‬
‫من صلح أمور دينها‪.‬‬
‫أسس العقيدة السلمية‬
‫الدين السلمي عقيدة وشريعة ‪ ،‬وقد مر فيما سبق الشارة إلى شيء من شرائعه‬
‫‪ ،‬ومر الحديث عن أركانه التي هي أساس لشرائعه‪.‬‬
‫أما العقيدة السلمية فهي تشمل اليمان بكل ما جاء عن ال ‪ ،‬وعن رسول ال ‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬من الخبار ‪ ،‬والحكام القطعية ‪ ،‬والغيبيات ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وأسس العقيدة هي أركان اليمان الستة ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪ -2‬اليمان بالملئكة‬ ‫‪ -1‬اليمان بال‬
‫‪ -4‬اليمان بالرسل‬ ‫‪ -3‬اليمان بالكتب‬
‫‪ -6‬اليمان بالقدر خيره وشره‬ ‫‪ -5‬اليمان باليوم الخر‬
‫وإليك فيما يلي بعض التفصيل حول هذه الركان ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬اليمان بالله ‪ :‬اليمان بال ‪ -‬عممممز وجممممل ‪ -‬أصممممل الصممممول ‪ ،‬وأهممممم‬
‫المهمات ‪ ،‬وأشرف العلوم‪.‬‬
‫واليمان بال هممو التصممديق الجازم بوجود ال ‪ ،‬وبأنممه رب كممل شيممئ ومليكممه ‪،‬‬
‫وأنمه الخالق وحده ‪ ،‬المدبر للكون كله ‪ ،‬وأنمه همو الذي يسمتحق العبادة وحده ل شريمك‬
‫له ‪ ،‬وأنممه متصممف بصممفات الكمال والجلل ‪ ،‬وأنممه منزه عممن كممل عيممب ‪ ،‬ونقممص ‪،‬‬
‫ومماثلة للمخلوقين‪.‬‬
‫وهذا اليمان مسمتقر فمي فطرة كمل إنسمان ؛ فكممل واحممد مممن البشممر‬
‫مفطور على اليمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم ‪ ،‬ول ينصرف عن مقتضى‬
‫هذه الفطرة إل من طرأ على قلبه ما يصرفه عن ذلك ‪.‬‬
‫قال ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬فطرة ال التي فطر الناس عليها } ‪.‬‬
‫ومعنى فطرة ال ‪ :‬السلم ‪.‬‬
‫ولهذا فإن كممل إنسممان مفطور على اللجوء إلى ربممه ‪ -‬تعالى ‪ -‬عنممد الشدائد ؛ فإذا‬
‫وقمع النسمان ‪ -‬أي إنسمان حتمى الكافمر والملحمد ‪ -‬فمي شدة أو أحدق بمه خطمر ‪ -‬فإن‬
‫الخيالت والوهام تتطايمر ممن ذهنمه ‪ ،‬ويبقمى مما فطره ال عليمه ؛ فيلجمأ إلى ربمه ؛‬
‫ليفرج كربته ‪.‬‬
‫والمراد بكون النسمممان يولد على الفطرة أنمممه يولد مجبولً على حمممب خالقمممه ‪،‬‬
‫وإقراره بوجوده وعبوديتمه ؛ فلو خلي و فطرتمه لم يعدُ عمن ذلك إلى غيره ؛ فكمما أنمه‬
‫يولد مفطورًا على ما يلئم بدنه من الغذية والشربة فكذا يولد مفطوراً على ما يلئم‬
‫قلبه ‪ ،‬وروحه من التوجه إلى ال ‪ ،‬والقرار به ‪.‬‬
‫ولهذا قال النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ (( : -‬كل مولود يولد على الفطرة ؛ فأبواه‬
‫يهودانه ‪ ،‬أو ينصرانه ‪ ،‬أو يمجسانه))‬
‫أي أن المولود يولد على الفطرة وهمممي السممملم ‪ ،‬ولهذا لم يقمممل أو يسممملمانه ؛‬
‫فاعتناق غير السلم يعد خروجاً عن الصلِ ‪ ،‬والقاعدة بأسباب خارجة ‪.‬‬
‫فالبوان قمد يصمرفان المولود عمن أصمل فطرتمه إلى اليهوديمة ‪ ،‬أو النصمرانية ‪ ،‬أو‬
‫المجوسية ‪ ،‬أو غير ذلك مما يخالف الفطرة ‪.‬‬
‫ثم إن العقل السليم يؤيد الفطرة السليمة ‪ ،‬فالعقل يدل أعظم الدللة على‬
‫اليمان بال ؛ فمن نظر إلى هذا العالم ‪ ،‬وما أودع ال فيه من المخلوقات المتنوعة من‬
‫أرض ‪ ،‬وسماء ‪ ،‬وجبال ‪ ،‬وبحار ‪ ،‬وإنسان ‪ ،‬وحيوان ‪ ،‬وجماد ‪ ،‬وزروع ‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك ‪ -‬أدرك أن لهذا الكون خالقًا وهو ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فالقسمة العقلية في هذا الصدد‬
‫ل تخرج عن ثلثة أمور ‪:‬‬
‫حدِث ول‬‫م ْ‬
‫‪ -1‬إمما أن تكون هذه المخلوقات وجدت صمدفة ممن غيمر ُ‬
‫خالق ‪ :‬وهذا محال ممتنع يجزم العقل ببطلنه ؛ لن كل من له عقل يعلم أنه ل يمكن‬
‫أن يوجممد شيممء مممن غيممر مُحْدِث ول موجممد ‪ ،‬ولن وجود هذه المخلوقات على هذا‬
‫النظام البديمع المتّسمِق المتآلف ‪ ،‬والرتباط الملتحمم بيمن السمباب والمسمببات ‪ ،‬وبيمن‬
‫الكائنات بعضها مع بعض م يمنع منعاً باتًا أن يكون وجودها صدفة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وإمما أن تكون هذه المخلوقات همي الخالقمة لنفسمها ‪ :‬وهذا محال‬
‫ممتنمع ؛ فكمل عاقمل يجزم أن الشيمء ل يخلق نفسمه ؛ لنمه قبمل وجوده معدوم ؛ فكيمف‬
‫يكون خالقاً؟‬
‫وإذا بطل هذان القسمان تعين الثالث وهو ‪:‬‬
‫‪ -3‬أن هذه المخلوقات لهما خالق خلقهما ‪ ،‬ومحدث أوجدهما ‪ :‬وهممو ال‬
‫الخالق لكل شيء ‪ ،‬الذي لم يسبق بعدم ‪ ،‬ول ينتهي بفناء ‪.‬‬
‫وقد ذكر ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬هذا الدليل العقلي القاطع في القرآن الكريم فقال ‪ { :‬أم‬
‫خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } ‪.‬‬
‫يعنممي أنهممم لم يخلقوا مممن غيممر خالق ‪ ،‬ول هممم خلقوا أنفسممهم ؛ فتعيممن أن يكون‬
‫خالقهم هو ال ؛ فالمخلوق ل بد له من خالق ‪ ،‬والثر ل بد له من ُم َؤثّر ‪ ،‬والمُحْدَث ل‬
‫بد له من مُحْدِث ‪ ،‬والمصنوع ل بد له من صانع ‪ ،‬والمفعول ل بد له من فاعل ‪.‬‬
‫هذه قضايما واضحمة ‪ ،‬تعرف فمي بداهمة العقول ‪ ،‬ويشترك فمي إدراكهما والعلم بهما‬
‫جميمع العقلء ‪ ،‬وهمي أعظمم القضايما العقليمة ؛ فممن ارتاب فيهما فقمد دل على اختلل‬
‫عقله ‪ ،‬وبرهن على سفهه ‪ ،‬وفساد تصوره ‪.‬‬
‫وهذه الحقائق معروفة لدى العقلء من غير المسلمين‪ ،‬ومن نظر في كتاب (ال يتجلى‬
‫فممي عصممر العلم ) وقممد كتبممه ثلثون مممن علماء الفلك و الطبيعممة ممممن انتهممت إليهممم‬
‫الرياسممة فممي هذه م م العلوم م م أدرك أن العالم الحقيقممي ل يكون إل مؤمناً‪ ،‬والعامممي ل‬
‫يكون إلّ مؤمناً‪ ،‬وأن اللحاد والكفمر إنمما يبدوان ممن أنصماف العلماء‪ ،‬وأرباع العلماء‬
‫ممممن تعلم قليل‪ ،‬وخسممر بذلك الفطرة المؤمنممة‪ ،‬ولم يصممل إلى الحممق الذي يدعممو إليممه‬
‫اليمان‪.‬‬
‫وقريمب ممن الكتاب السمابق كتاب آخمر اسممه (النسمان ل يقوم وحده) وترجمم للعربيمة‬
‫بعنوان‪(:‬العلم يدعو لليمان)‪.‬‬
‫ومؤلف هذا الكتاب هممو (كريسممي موريسممون) الرئيممس السممابق لكاديميممة العلوم فممي‬
‫نيويورك‪ ،‬ورئيمممس المعهمممد المريكمممي لمدينمممة نيويورك‪ ،‬وعضمممو المجلس التنفيذي‬
‫لمجلس البحوث القومي في الوليات المتحدة‪ ،‬والزميل في المتحف المريكي للتاريخ‬
‫الطبيعي‪ ،‬وعضو مدى الحياة للمعهد الملكي البريطاني‪.‬‬
‫ومما قاله (موريسون) في كتابه النف الذكر‪((:‬إن تقدم النسان من الوجهة الخلقية‪،‬‬
‫وشعوره بالواجب إنما هو أثر من آثار اليمان بال))‪.‬‬
‫وقال‪((:‬إن غزارة التديممن لتكشممف عممن روح النسممان‪ ،‬وترفعممه خطوة خطوة‪ ،‬حتممى‬
‫يشعمر بالتصمال بال‪ ،‬وإن دعاء النسمان الغريزي ل بأن يكون فمي عونمه ‪ -‬همو أممر‬
‫طبيعي‪ ،‬وإن أبسط صلة تسمو به إلى مقربة من خالقه))‪.‬‬
‫وقال‪((:‬إن الوقار‪ ،‬والكرم‪ ،‬والنبل‪ ،‬والفضيلة‪ ،‬واللهام م ل تنبعث عن اللحاد))‪.‬‬
‫وقال‪((:‬بدون اليمان كانمممت المدنيمممة تفلس‪ ،‬وكان النظام ينقلب فوضمممى‪ ،‬وكان كمممل‬
‫ضابممط‪ ،‬وكممل كبممح يضيممع‪ ،‬وكان الشممر يسممود العالم ؛ فعلينمما أن نثبممت على اعتقادنمما‬
‫بوجود ال وعلى محبته))‪.‬‬
‫وقال‪((:‬ومما داممت عقولنما محدودة فإننما ل نقدر أن ندرك مما همو غيمر محدود‪ ،‬وعلى‬
‫ل أن نؤممممن بوجود الخالق المدبر الذي خلق الشياء بمممما فيهممما تكويمممن‬ ‫ذلك ل نقدر إ ّ‬
‫الذرات‪ ،‬والكواكب‪ ،‬والشمس‪)).‬‬
‫وقال‪ ((:‬إن كون النسان في كل مكان‪ ،‬ومنذ بدء الخليقة حتى الن قد شعر بحافز‬
‫يحفزه إلى أن يستنجد بمن هو أسمى منه‪ ،‬وأقوى ‪ ،‬وأعظم م يدل على أن الدين‬
‫فطري‪ ،‬ويجب أن يقر العلم بذلك))‬
‫وممن الدلة على وحدانيمة الله ‪ ،‬واليمان بمه ‪ -‬دللة الحمس ؛ والدلة‬
‫الحسمية على ذلك ل تكاد تحصمى ‪ ،‬وممن المثلة الحسمية الدالة على اليمان بال إجابمة‬
‫الدعوات ؛ فكممم مممن الداعيممن الملهوفيممن الذيممن يتوجهون إلى ال بالدعاء فيسممتجيب‬
‫دعاءهم ‪ ،‬ويفرج كرباتهم ‪ ،‬ويدفع عنهم السوء ‪.‬‬
‫والمثلة على إجابة الدعوات كثيرة جداً ‪ ،‬بل كل مسلم يعرف ذلك من نفسه ‪.‬‬
‫قال ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬وقال ربكمممم ادعونمممي أسمممتجب لكمممم } وقال ‪ { :‬أممممن يجيمممب‬
‫المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } ‪.‬‬
‫وممن المثلة على ذلك مما جاء فمي القرآن الكريمم ممن ذكمر لجابمة دعوات النمبياء‬
‫قال ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬ونوحاً إذ نادى ممن قبمل فاسمتجبنا له } وقال ‪ { :‬إذ تسمتغيثون ربكمم‬
‫فاستجاب لكم } ‪.‬‬
‫وجاء في السنة النبوية أدلة كثيرة على إجابة دعوات الداعين ‪ ،‬ومن ذلك ما جاء‬
‫فمي صمحيح البخاري عمن أنمس بمن مالك ‪ -‬رضمي ال عنمه ‪ (( -‬أن أعرابيما دخمل يوم‬
‫الجمعممة ‪ ،‬والنممبي _ صمملى ال عليممه وسمملم ‪ -‬يخطممب ‪ ،‬فقال ‪ :‬يمما رسممول ال ‪ ،‬هلك‬
‫المال ‪ ،‬وجاع العيال ؛ فادع ال لنما ‪ ،‬فرفمع النمبي يديمه ‪ ،‬ودعما ‪ ،‬فثار السمحاب أمثال‬
‫الجبال ؛ فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته ‪.‬‬
‫وفي الجمعة الثانية قام ذلك العرابي أو غيره ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال تهدم البناء ‪،‬‬
‫وغرق المال ‪ ،‬فادع ال لنما ‪ ،‬فرفمع يديمه ‪ ،‬وقال ‪ :‬اللهمم حوالينما ول علينما ‪ ،‬فمما يشيمر‬
‫بيده إلى ناحية إل انفرجت ))‪.‬‬
‫ومممن الدلة الحسممية ‪ -‬أيضاً ‪ -‬آيات النممبياء التممي تسمممى المعجزات ‪ ،‬وهممي أمور‬
‫خارقمة للعادة ‪ ،‬خارجمة عمن نطاق البشمر ‪ ،‬يجريهما ال على أيدي أنمبيائه تأييدًا لهمم ‪،‬‬
‫وتصديقاً لما جاءوا به من الحق‪.‬‬
‫فالمعجزات برهان قاطع على وجود من أرسلهم‪.‬‬
‫مثال ذلك آيات موسمى ‪ -‬عليمه السملم ‪ -‬ومنهما أنمه ‪ -‬عليمه الصملة والسملم ‪ -‬لمما‬
‫ذهمب بأتباعمه المؤمنيمن لحمق بمه فرعون وجنوده ‪ ،‬فلمما وصمل موسمى وأتباعمه البحمر‬
‫قال أصمحابه ‪ (( :‬إنما لمدركون )) أي سموف يدركنما فرعون وجنوده ‪ ،‬فقال موسمى ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ (( : -‬كل إن معي ربي سيهدين )) فأوحى ال إلى موسى (( أن اضرب‬
‫بعصاك البحر )) فلما ضرب موسى البحر بعصاه ‪ ،‬صار في البحر اثنا عشر طريقا‬
‫يابساً فعبره موسى وأتباعه ‪ ،‬ولما لحق به فرعون وتمكن في البحر هو وجنوده أطبق‬
‫عليهم البحر ‪ ،‬فنجا موسى وأتباعه ‪ ،‬وأدرك فرعون وجنوده الغرق‪.‬‬
‫وممن ذلك آيمة عيسمى ‪ -‬عليمه السملم ‪ -‬حيمث كان يحمي الموتمى ‪ ،‬ويخرجهمم ممن‬
‫قبورهم بإذن ال‪.‬‬
‫وكذلك نبع الماء بين أصابع النبي محمد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫وكذلك لممما طلب كفار مكممة منممه ‪ -‬صمملى ال عليممه وسمملم ‪ -‬آيممة فأشار إلى القمممر ‪،‬‬
‫فانفلق فرقتيممن ‪ ،‬فرآه الناس ؛ فهذه اليات المحسمموسة التممي يجريهمما ال تأييدا لرسممله‬
‫تدل دللة قاطعة على وجود من أرسلهم‪.‬‬
‫ومممن الدلة على وحدانيممة ال ‪ -‬عممز وجممل ‪ -‬ووجوب اليمان بممه صممدق الرسممل ؛‬
‫فالرسمل جاءوا بدعوى النبوة ‪ ،‬وتلك الدعوى ل يدعيهما إل أصمدق الناس أو أكذبهمم ؛‬
‫فالنبياء أصدق الناس ‪ ،‬و مدعو النبوة أكذب الناس ؛ فالنبياء والرسل جاءوا بالوحي‬
‫مممن عنممد ال ‪ ،‬فأيدهممم ال ‪ ،‬ونصممرهم ‪ ،‬وأعلى شأنهممم ‪ ،‬وأجاب دعاءهممم ‪ ،‬وأهلك‬
‫عدوهمم ؛ فلو كانوا كاذبيمن لهلكهمم ‪ ،‬ولخذلهمم ‪ ،‬ولجعمل الدائرة عليهمم كمما همي الحال‬
‫مع مدعي النبوة‪.‬‬
‫فتأييمد ال للرسمل دليمل صمدقهم ‪ ،‬وصمدقهم دليمل على أنهمم مبعوثون ممن عنمد ال‬
‫الحق ‪ ،‬وأن مرسلهم حق ‪ ،‬وعبادته حق‪.‬‬
‫وممن الدلة على وحدانيمة ال ‪ -‬هدايمة المخلوقات ‪ ،‬فهذا دليمل حسمي عظيمم يقود إلى‬
‫اليمان بال ‪ -‬عمز وجمل ‪ -‬فلقمد هدى ال الحيوان ناطقمه ‪ ،‬وبهيممه ‪ ،‬وطيره ‪ ،‬ودوابمه ‪،‬‬
‫وفصيحه ‪ ،‬وأعجمه إلى ما فيه صلح معاشه وحاله‪.‬‬
‫فممن الذي هدى الطفمل سماعة ولدتمه إلى أن يلتقمم ثدي أممه ؟ وممن الذي أودع فيمه‬
‫معرفممة عمليممة الرضاع ‪ ،‬تلك العمليممة الشاقممة التممي تتطلب انقباضات متواليممة فممي‬
‫عضلت الوجه ‪ ،‬واللسان ‪ ،‬والعنق ‪ ،‬وحركات متواصلة للفك السفل ‪ ،‬والتنفس من‬
‫طريق النف ‪ ،‬كل ذلك يتم بهداية تامة ‪ ،‬وبدون سابق علم أو تجربة ؟‬
‫فمن الذي ألهمه ذلك؟‬
‫إنه ال الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى‪.‬‬
‫ومن الذي أعطى النسان القوة ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬وعلمه ما لم يكن يعلم ؟‬
‫إنه ال الخالق المستحق للعبادة‪.‬‬
‫أممما هدايممة الطيممر ‪ ،‬والوحممش ‪ ،‬والدواب فحدث ول حرج ؛ فلقممد هداهمما ال إلى‬
‫الفعال العجيبة التي يعجز عنها النسان‪.‬‬
‫وإذا أردت الدليمل فانظمر إلى حياة النحمل ‪ ،‬أو النممل ‪ ،‬أو الحمام أو غيرهما فسمترى‬
‫العجب العجاب الذي يدعوك إلى اليمان برب الرباب‪.‬‬
‫والمجال ل يتسع للتفصيل في هذا المر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اليمان بالملئكة‬
‫وهذا هو الركن الثاني من أركان اليمان‪.‬‬
‫والملئكة ‪ :‬عالم غيبي ‪ ،‬مخلوقون ‪ ،‬عابدون ل ‪ -‬تعالى ‪ -‬وليس من لهم خصائص‬
‫الربوبيمة ‪ ،‬ول اللوهيمة شيمء ‪ ،‬أي أنهمم ل يخلُقون ‪ ،‬ول يَرزُقُون ‪ ،‬ول يجوز يعبدوا‬
‫مع ال‪.‬‬
‫وقد منحهم ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬النقياد التام لمره ‪ ،‬والقوة على تنفيذه‪.‬‬
‫والملئكة عددهم كثير ول يحصيهم إل ال‪.‬‬
‫واليمان بهم يتضمن ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان بوجودهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان بممن علمنما اسممه منهمم باسممه كجبريمل ‪ ،‬وممن لم نعلم اسممه‬
‫نؤمن به إجمال ‪ ،‬أي نؤمن بأن ل ملئكة كثيرين ‪ ،‬ول يلزم معرفة أسمائهم‪.‬‬
‫‪ -3‬اليمان بما علمنا من صفاتهم ‪ ،‬كصمفة جبريمل ؛ فقمد أخمبر النمبي ‪ -‬صملى‬
‫ال عليمه وسملم ‪ -‬أنمه رآه على صمفته التمي خلقمه ال عليهما ‪ ،‬وله سمتمائة جناح قمد سمد‬
‫الفق‪.‬‬
‫وقد يتحول الملك بأمر ال إلى هيئة رجل ‪ ،‬كما حصل لجبريل حين أرسله ال إلى‬
‫مريم أم المسيح‪ ،‬فتمثل لها بشراً سوياً ‪ ،‬وحين جاء إلى النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫وهو جالس بين أصحابه ‪ ،‬حيث جاء جبريل بصورة رجل شديد بياض الثياب ‪ ،‬شديد‬
‫سمواد الشعمر ‪ ،‬ل يرى عليمه أثمر السمفر ‪ ،‬ول يعرفمه أحمد ممن أصمحاب رسمول ال ‪،‬‬
‫فجلس إلى رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وأسند ركبتيه إلى ركبته ‪ ،‬ووضع كفيه‬
‫على فخذيممه ‪ ،‬وسممأل النممبي ‪ -‬صمملى ال عليممه وسمملم ‪ -‬عممن السمملم ‪ ،‬و اليمان ‪،‬‬
‫والحسمان ‪ ،‬والسماعة ‪ ،‬وأماراتهما ‪ ،‬فأجابمه النمبي ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬ثمم قال بعمد‬
‫أن ولى ‪ (( :‬هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ))‬
‫وكذلك الملئكة الذين أرسلهم ال إلى إبراهيم ولوط على هيئة رجال‪.‬‬
‫‪ -4‬اليمان ب ما علمنا من أعمالهم التمي يقومون بهما ‪ ،‬كتسمبيح ال ‪ ،‬وعبادتمه‬
‫ليلً ونهارًا بدون ملل ول فتور‪.‬‬
‫وقممد يكون لبعضهممم أعمال خاصممة ‪ ،‬كجبريممل الميممن على وحممي ال يرسممله ال‬
‫بالوحمي إلى النمبياء والرسمل ‪ ،‬ومثمل ميكائيمل الموكمل بالقطمر أي النبات ‪ ،‬ومثمل مالك‬
‫الموكل بالنار ‪ ،‬ومثل الملئكة الموكلين بحفظ بني آدم‪.‬‬
‫واليمان بالملئكة يثمر ثمرات جليلة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬العلم بعظمة ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬وقوته ‪ ،‬وسلطانه ؛ فإن عظمة المخلوق من عظمة‬
‫الخالق‬
‫‪ -2‬شكمر ال على عنايته ببني آدم حيث وكمل بهمم من هؤلء الملئكة من يقومون‬
‫بحفظهم ‪ ،‬وكتابة أعمالهم وغير ذلك من مصالحهم‬
‫‪ -3‬التقرب إلى ال بحب الملئكة على ما قاموا به من مراضي ال‬
‫ثالثا‪ :‬اليمان بالكتب‬
‫فهذا هو الركن الثالث من أركان اليمان ‪ ،‬والمراد بالكتب ‪ :‬هي الكتب التي أنزلها‬
‫ال على رسله ؛ رحمة بالخلق ‪ ،‬وهداية لهم ؛ ليصلوا إلى سعادة الدنيا والخرة‪.‬‬
‫والغايمة التمي أنزلت ممن أجلهما الكتمب همي أن ُي ْعبَدَ الُ وحده ل شريمك له ‪ ،‬ولتكون‬
‫منهج حياة للبشر تقودهم بما فيها من هداية إلى كل خير ‪ ،‬وتحيي نفوسهم ‪ ،‬وتنير لهم‬
‫دروب الحياة‪.‬‬
‫واليمان بالكتب يتضمن ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان بأنها منزلة من عند الله حقاً ‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان بمما علمنما اسممه كالقرآن الذي نزل على محمممد ‪ ،‬والنجيممل الذي‬
‫نزل على عيسى ‪ ،‬والتوراة التي أنزلت على موسى ‪ ،‬والزبور الذي أوتيه داود‪.‬‬
‫وما لم نعلمه نؤمن به إجمال‪.‬‬
‫‪ -3‬تصديق ما صح من أخبارها ‪ ،‬والعمل بآخرها وهو القرآن ؛ لنه آخرها ‪،‬‬
‫ولنه ناسخ لها‪.‬‬
‫والكتمب السمماوية تتفمق فمي أمور ‪ ،‬فتتفمق فمي وحدة المصمدر ؛ فكلهما ممن عنمد ال ‪،‬‬
‫وتتفمق فمي وحدة الغايمة ‪ ،‬وفمي مسمائل العتقاد ‪ ،‬وأنهما تدعوا إلى العدل ‪ ،‬والقسمط ‪،‬‬
‫ومكارم الخلق ‪ ،‬ومحاربممة الظلم ‪ ،‬والفسمماد ‪ ،‬والنحراف ‪ ،‬وتتفممق فممي كثيممر مممن‬
‫التشريعات‪.‬‬
‫وتختلف في بعض التشريعات وتفاصيلها ؛ فلكل أمة شريعة تلئمها وتناسبها‪.‬‬

‫منزلة القرآن الكريم من الكتب المتقدمة‬


‫القرآن الكريمم همو آخمر الكتمب السمماوية ‪ ،‬وخاتمهما ‪ ،‬وأطولهما ‪ ،‬وأشملهما ‪ ،‬وهمو‬
‫الحاكمم عليهما ؛ فهمو مشتممل على مما اشتملت عليمه الكتمب السمماوية السمابقة ‪ ،‬ويزيمد‬
‫عليها من المطالب اللهية ‪ ،‬والخلق النفسية‪.‬‬
‫والقرآن فيه نبأ السابقين ‪ ،‬واللحقين ‪ ،‬وفيه الحكم ‪ ،‬والحكمة ‪ ،‬والحكام‪.‬‬
‫والقرآن هممو الحاكممم المهيمممن على الكتممب السممابقة ؛ فممما شهممد له بالصممدق فهممو‬
‫المقبول ‪ ،‬وما حكم عليه بالرد فهو مردود قد دخله التحريف والتبديل‪.‬‬
‫والقرآن جاء فمي الذروة ممن الفصماحة والبلغمة والعجاز ؛ فهمو معجمز فمي لفظمه ‪،‬‬
‫ومعناه ‪ ،‬و فمي فصماحته ‪ ،‬وإخباره عمن الغيوب السمابقة واللحقمة ‪ ،‬وهمو معجمز فمي‬
‫حكمه وأحكامه وفي كل ما جاء به‪.‬‬
‫ولهذا يخضع له كل متمسك بالكتب المتقدمة ؛ لنها دلت عليه ‪ ،‬وبشرت به‪.‬‬
‫فالعممل ‪ -‬إذاً ‪ -‬يكون بالقرآن ‪ ،‬ول يُقبمل ممن أحمد دينٌم إل مما جاء فمي هذا القرآن ؛‬
‫فهو رسالة ال الخيرة للبشرية ‪ ،‬بل هو عام للجن والنس ؛ بخلف الكتب السماوية‬
‫الخرى التي كانت خاصة بأقوام معنيين ‪ ،‬وفترات معينة‪.‬‬
‫ثم إن القرآن محفوظ من الزيادة ‪ ،‬والنقص ‪ ،‬والتحريف ؛ فلقد تكفل ال ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬
‫بحفظه‪.‬‬
‫قال تعالى‪ { :‬إنما نحمن نزلنما الذكمر وإنما له لحافظون } والذكمر همو القرآن ‪ ،‬والسمنة‬
‫النبوية‪.‬‬
‫والقرآن له أثمر عظيمم فمي القلوب ؛ فمما يسممعه أحمد وهمو ملقٍم سممعه إل يجمد أن له‬
‫تأثيرا عظيما فمي نفسه ولو لم يفهمم معانيه أو دللته ‪ ،‬حتمى و لو لم يكن يعرف اللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫وهذا سر من أسرار القرآن التي تبين عظمته‪.‬‬
‫ثم إن القرآن له أبلغ الثر في رقي المم وفلحها ؛ فهو الذي أخرج ال به من أمة‬
‫العرب أعلم الحكمممة والهدى ‪ ،‬وجعلهممم خيممر أمممة أخرجممت للناس ‪ ،‬بعممد أن كانوا‬
‫يتخبطون في دياجير الجهالة‪.‬‬
‫وممن خصمائص القرآن أنمه ل تنقضمي عجائبمه ‪ ،‬ول يخلق ممن كثرة الرد ؛ فكلمما‬
‫أكثر النسان من قراءته زادت حلوته مرة بعد مرة‪.‬‬
‫وممن خصمائصه أن ال يسمر تعلممه وحفظمه ؛ ولهذا فإن كثيراً ممن أطفال المسملمين‬
‫يحفظونه كاملً عن ظهر قلب‪.‬‬
‫ومن خصائصه أنه مشتمل على أعدل الحكام ‪ ،‬وأعظمها ‪ ،‬وأشرفها ‪ ،‬وأشملها ؛ فلم‬
‫ل وتفصيلً‪.‬‬ ‫يغادر صغيرة ول كبيرة إل وأحاط بها إجما ً‬
‫ويشهد بذلك كل منصف عاقل ‪ ،‬حتى ولو لم يكن مسلما‪.‬‬
‫يقول السمير وليمم مور فمي كتابمه المسممى (حياة محممد) ‪((:‬إن القرآن ممتلئ بأدلة ممن‬
‫الكائنات المحسموسة والدلئل العقليمة على وجود ال تعالى‪ ،‬وأنمه الملك القدوس‪ ،‬وأنمه‬
‫سمميجزي المرء بعمله إن خيرا فخيممر‪ ،‬وإن شرا فشممر‪ ،‬وإن اتباع الفضائل‪ ،‬واجتناب‬
‫الرذائل فرض على العالميمن‪ ،‬وإن الواجمب على كمل مكلف أن يعبمد ال ‪-‬تعالى‪ -‬وهمي‬
‫علة سعادته))‪.‬‬
‫ويقول جيون‪((:‬إن أواممر القرآن ليسمت محصمورة فمي الفروض الدينيمة والدبيمة فقمط‪،‬‬
‫إن القرآن عليممه مدار المور الخرويممة والدنيويممة مممن الفقممه‪ ،‬والتوحيممد‪ ،‬والحكام‬
‫الحقوقية‪ ،‬والجزائية‪ ،‬وما به انتظام الكون‪ ،‬وقمع الظالم‪ ،‬وصيانة الحقوق‪ ،‬وذلك أمر‬
‫إلهي ل مرية فيه‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬إن القرآن المجيد هو الدستور العمومي لكل العالم السلمي‪ ،‬وهو‬
‫دستور الدين السلمي‪ ،‬فهو نظام الكون في المعاش والمعاد‪ ،‬وبه النجاة البدية‪،‬‬
‫وحفظ الصحة البدنية‪ ،‬والمصالح العمومية والشخصية‪ ،‬وما يترتب على ذلك من‬
‫الفضائل الدبية‪ ،‬والجراءات الجزائية الدنيوية والخروية‪ ،‬وكل ذلك منظم في‬
‫القرآن المجيد))‪.‬‬
‫وبالجملة فالشهادات في هذا السياق كثيرة جدًا ‪ ،‬ولو استمر الكاتب في سردها لطال‬
‫به المقام‬

‫السنة النبوية‬
‫السمنة النبويمة ‪ :‬همي كمل مما ورد عمن النمبي ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬ممن قول ‪ ،‬أو‬
‫فعل ‪ ،‬أو وصف ‪ ،‬أو تقرير‪.‬‬
‫والسمنة شقيقمة القرآن تفسمره ‪ ،‬وتمبينه ‪ ،‬وتعمبر عنمه ‪ ،‬وتدل عليمه ‪ ،‬وتفصمل مجمله ‪،‬‬
‫وتدل على أحكام سممكت عنهمما القرآن ‪ ،‬فهممي المصممدر الثانممي مممن مصممادر التشريممع‬
‫السلمي ‪ ،‬وهي من الذكر الذي تكفل ال بحفظه ‪.‬‬
‫والحاديمث التمي جاءت عمن الرسمول ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬كثيرة جدا ‪ ،‬ولقمد‬
‫اعتنمى بهما العلماء غايمة العنايمة ؛ حيمث ميزوا صمحيحها ممن ضعيفهما ‪ ،‬و نقلوهما إلينما‬
‫بالسانيد من طريق الرواة الثقاة العدول‪.‬‬

‫ثمرات اليمان بالكتب‪:‬‬


‫‪ -1‬العلم بعناية الله ‪ ،‬حيث أنزل على كل قوم كتابا يهديهم‬
‫‪ -2‬العلم بحكمة الله ؛ حيث شرع لكل قوم ما يلئمهم‬
‫‪ -3‬التحرر من زبالت أفكار البشر التي يدخلها الهوى ويعتريها النقص‬

‫رابعا ‪ :‬اليمان بالرسل‬


‫هذا همو الركمن الرابمع ممن أركان اليمان ‪ ،‬والرسمل ‪ :‬همم كمل ممن أوحمي إليمه بشرع‬
‫وأمر بتبليغه ‪.‬‬
‫وأول الرسل نوح ‪ ،‬وآخرهم محمد ‪ -‬عليهم الصلة والسلم ‪. -‬‬
‫ل أم ٌة ممن الممم ممن رسمول ‪ ،‬يبعثمه ال بشريعمة مسمتقلة إلى قوممه ‪ ،‬أو نمبي‬
‫ولم تَخْ ُ‬
‫يوحي إليه بشريعة مَنْ قبله ليجددها‪.‬‬
‫والرسمل بشمر مخلوقون ‪ ،‬ليمس لهمم ممن خصمائص الربوبيمة ‪ ،‬واللوهيمة شيمء ‪،‬‬
‫ولهذا تلحقهممممم خصممممائص البشريممممة مممممن المرض والموت ‪ ،‬والحاجممممة إلى الطعام‬
‫والشراب‪.‬‬
‫والرسالة اصطفاء من ال ‪ ،‬واختيار ‪ ،‬ول تأتي بالكتساب ‪ ،‬والمجاهدة‪.‬‬
‫والرسل خير البشر ‪ ،‬وصفوتهم ‪ ،‬وخلصتهم‪.‬‬
‫واليمان بالرسل يتضمن‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان بأن ر سالتهم حق ؛ فممن كفمر برسمالة واحمد منهمم فقمد كفمر بالرسمل‬
‫جميعاً ‪ ،‬فالذي يكذب بعيسممى أو موسممى أو محمممد أو غيرهممم مممن الرسممل فهممو مكذب‬
‫بجميع الرسل‪.‬‬
‫وعلى هذا فالذيمن يؤمنون بعيسمى ‪ ،‬ويكذبون بمحممد ‪ -‬عليهمما السملم ‪ -‬همم مكذبون‬
‫شرَ بمحمد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬و ل معنى لبشارته‬ ‫بعيسى غير متبعين له ؛ لنه بَ ّ‬
‫لهم إل أنه رسول إليهم ينقذهم ال به من الضللة ‪ ،‬ويهديهم إلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان بمما علمنما اسممه منهمم باسممه كإبراهيمم ‪ ،‬وموسمى ‪ ،‬وعيسمى ‪،‬‬
‫ل ؛ أي نؤمن بأن ل رسلً قد بعثهم إلى أممهم ‪،‬‬ ‫ومحمد ‪ ،‬وما لم نعلمه نؤمن به إجما ً‬
‫ول يلزم أن نعرفهم بأسمائهم‪.‬‬
‫‪ -3‬تصديق ما صح من أخبارهم‪.‬‬
‫‪ -4‬العمل بشريعة خاتمهم الذي أرسل إلى الناس جميعا وهو محمد ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم –‬

‫من ثمرات اليمان بالرسل‪:‬‬


‫‪ -1‬العلم برحممة الله ‪ ،‬وعنايتمه بعباده ؛ حيمث أرسمل إليهمم الرسمل ليهدوهمم إلى‬
‫صمراط ال ‪ ،‬ويمبينوا لهمم كيمف يعبدون ال ‪ ،‬ويسميرون على طريمق مسمتقيمة فمي هذه‬
‫الحياة ؛ لن العقل البشري ل يستقل بمعرفة ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬شكر الله على هذه النعمة‪.‬‬
‫‪ -3‬محبة الرسل ‪ ،‬وتعظيمهم والثناء عليهم بما يليق بهم ؛ لنهم رسل ال ‪،‬‬
‫ولنهم قاموا بعبادة ال ‪ ،‬وتبليغ دعوته ‪ ،‬والنصح لعباده ‪ ،‬ولنهم خير البشر‬
‫‪ ،‬وصفوتهم ‪ ،‬وأحسنهم أخلقاً ‪ ،‬وأعظمهم عبادة‬
‫اليمان باليوم الخر‬
‫اليوم الخر‪ :‬هو يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء ؛ وسمي بذلك‬
‫لنه ل يوم بعده ؛ حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم ‪ ،‬وأهل النار في منازلهم‪.‬‬
‫ومعنى اليمان باليوم الخر‪ :‬التصديق الجازم بإتيانه ‪ ،‬والعمل بموجب ذلك‪.‬‬
‫واليمان باليوم الخر يتضمن ثلثة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان بالبعث ‪ :‬وهو إحياء الموتى ؛ حيث ينفخ في الصور ‪ ،‬وهو قرن ينفخ‬
‫ل أي غيممممر‬ ‫غرْ ً‬
‫فيممممه الملك الموكممممل بذلك ‪ ،‬ويقوم الناس لرب العالميممممن حفاة عراة ُ‬
‫مختونين‪.‬‬
‫وهذا البعممث مقتضممى الحكمممة ؛ حيممث تقتضممي أن يجعممل ال لهذه الخليقممة معاداً‬
‫يجازيهم به على ما كلفهم به على ألسنة رسله‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان بالجزاء والحسماب ‪ :‬فيحاسممب العبممد على عمله ‪ ،‬ويجازى عليممه ؛‬
‫فممن جاء بالحسمنة فله عشمر أمثالهما ‪ ،‬وممن جاء بالسميئة فل يجزى إل مثلهما وهمم ل‬
‫يظلمون ‪.‬‬
‫والجزاء والحسمماب مقتضممى الحكمممة ؛ فإن ال أنزل الكتممب ‪ ،‬وأرسممل الرسممل ‪،‬‬
‫وفرض على العباد قبول ما جاء به الرسل ‪ ،‬والعمل بما يجب العمل به ‪.‬‬
‫فلو لم يكن هناك حساب ول جزاء لكان هذا من العبث الذي ينزه ال عنه‪.‬‬
‫ثم إن العباد منهم البر والفاجر ‪ ،‬والمؤمن والكافر ‪ ،‬فهل يليق بحكمة ال أن يكون‬
‫هؤلء سواء؟‬
‫الجواب ‪ ،‬ل ‪ ،‬قال ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬أفنجعمممل المسممملمين كالمجرميمممن مالكمممم كيمممف‬
‫تحكمون } ‪.‬‬
‫‪ -3‬اليمان بالجنة والنار‪ :‬وأنها المآل البدي للخلق ؛ فالجنة هي دار النعيم التي‬
‫أعدهمما ال للمؤمنيممن المتقيممن الذيممن آمنوا بممما أوجممب ال عليهممم اليمان بممه ‪ ،‬وقاموا‬
‫بطاعة ال ورسله ‪ ،‬مخلصين ل ‪ ،‬متبعين لرسوله ‪.‬‬
‫وفي الجنة من أنواع النعيم ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب‬
‫بشر ‪.‬‬
‫والناس في الجنة تتفاوت درجاتهم بحسب أعمالهم الصالحة ‪.‬‬
‫وأمما النار فهمي دار العذاب التمي أعدهما ال للكافريمن الظالميمن الذيمن كفروا بمه ‪،‬‬
‫وعصوا رسله ‪.‬‬
‫وفيها من أنواع النكال والعذاب ما ل يخطر على البال ‪.‬‬
‫والنار درجات ‪ ،‬وأهلها يتفاوتون في العذاب بحسب أعمالهم السيئة ‪.‬‬
‫وممما يلتحمق باليمان باليوم الخمر اليمان بأشراط السماعة ‪ ،‬ومما فمي القياممة ممن‬
‫الهوال‪.‬‬
‫ويلتحق فيه ‪ -‬أيضا ‪ -‬اليمان بكل ما يكون بعد الموت من ‪:‬‬
‫أ‪ -‬فتنة القبر ‪ :‬وهي سؤال الميت بعد دفنه ؛ حيث تعاد له الروح ؛ فيسأل عن ربه ‪،‬‬
‫ودينممه ‪ ،‬ونممبيه ؛ فيثبممت ال الذيممن آمنوا بالقول الثابممت ‪ ،‬فيقول المؤمممن ‪ :‬ربممي ال ‪،‬‬
‫وديني السلم ‪ ،‬ونبيي محمد ‪.‬‬
‫ويضمممل ال الظالميمممن ‪ ،‬فيقول الكافمممر ‪ :‬هاه ‪ ،‬هاه ‪ ،‬ل أدري ‪ ،‬ويقول المنافمممق أو‬
‫المرتاب ‪ :‬ل أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته‪.‬‬
‫ب‪ -‬عذاب القمبر ونعيممه ‪ :‬فأمما عذاب القمبر فيكون للظالميمن ممن المنافقيمن ‪ ،‬و‬
‫الكافرين حيث يأتيهم من حر جهنم وعذابها ما يسوؤهم ‪ ،‬ويضيق عليهم قبورهم‪.‬‬
‫وأما نعيم القبر فللمؤمنين الصادقين ‪ ،‬حيث يفتح لهم باب من أبواب الجنة ‪ ،‬وتوسع‬
‫عليهم قبورهم ‪ ،‬ويأتيهم من نعيم الجنة ما تقر به عيونهم‪.‬‬
‫ثمرات اليمان باليوم الخر‬
‫‪ -1‬الرغبة في فعل الطاعات ‪ ،‬والحرص عليها ؛ رجاء لثواب ذلك اليوم‪.‬‬
‫‪ -2‬الرهبمة ممن فعمل المعاصمي ‪ ،‬والحذر ممن الرضمى بهما ؛ خوفما ممن عقاب ذلك‬
‫اليوم‪.‬‬
‫‪ -3‬تسلية المؤمن عما يفوته في الدنيا بما يرجوه من نعيم الخرة وثوابها ‪.‬‬
‫‪ -4‬الصبر على الذى ‪ ،‬والمصائبِ ‪ ،‬واحتسابُ الجر‪.‬‬
‫إنكار البعث بعد الموت والرد على هذا‬
‫الزعم‬
‫أنكر الكافرون البعث بعد الموت زاعمين أن ذلك غير ممكن‪.‬‬
‫وهذا الزعم باطل من وجوه عديدة منها ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الشرع ‪ :‬قال ال ‪-‬تعالى ‪ { : -‬زعممم الذيممن كفروا أن لن يبعثوا قممل بلى وربممي‬
‫لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم وذلك على ال يسير }‬
‫ب‪ -‬أن ال هو الذي بدأ الخلق ‪ ،‬والذي بدأه ل يعجزه إعادته ‪.‬‬
‫جممم‪ -‬الحممس ‪ :‬فقممد أرى ال عباده إحياء الموتممى فممي هذه الدنيمما ‪ ،‬ومممن ذلك أن قوم‬
‫موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬حين قالوا ‪{ :‬لن نؤمن حتى نرى ال جهرة } أماتهم ال ‪ ،‬ثم‬
‫أحياهم‪.‬‬
‫وفمي قصممة القتيممل الذي اختصمم فيمه بنوا إسمرائيل زممن موسمى ‪ -‬عليمه السملم ‪-‬‬
‫فأمرهممم ال أن يذبحوا بقرة ‪ ،‬ويضربوه ببعضهمما ؛ ليخممبرهم بمممن قتله ‪ ،‬ففعلوا ذلك‬
‫فأحياه ال ‪ ،‬وأخمبر بممن قتله ‪ ،‬ثمم مات ‪ ،‬وكذلك قصمة الذيمن خرجوا ممن ديارهمم وهمو‬
‫ألوف حذر الموت فقال لهم ال موتوا ثم أحياهم‪.‬‬
‫وكذلك ما أعطاه ال عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬من القدرة على إحياء الموتى بإذن ال‪.‬‬
‫والدلة على ذلك كثيرة جدا‪.‬‬

‫إنكار عذاب القبر ونعيمه والرد على هذا الزعم‬


‫ينكمر بعمض الناس عذاب القمبر ونعيممه ؛ بحجمة أنمه لو كشمف عمن الميمت فمي قمبره‬
‫لوجد كما كان ‪ ،‬والقبر لم يتغير بسعة ‪ ،‬ول ضيق‪.‬‬
‫وهذا الزعم باطل من وجوه عديدة منها ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الشرع ؛ فأدلة الكتاب والسمممنة بينمممت وقوع عذاب القمممبر ونعيممممه ‪ ،‬ول تجوز‬
‫معارضة هذه الدلة بالرد والتكذيب ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحممس ‪ :‬ومممن الدلة الحسممية التممي تقرب المعنممى ‪ ،‬وتدل على عذاب القممبر أن‬
‫النوم أخمو الموت ‪ ،‬والنائم يرى فمي مناممه أنمه بمكان فسميح ينعمم بمه ‪ ،‬أو يرى أنمه فمي‬
‫مكان موحش يتألم منه ‪.‬‬
‫وربما يستيقظ أحيانا مما رأى ‪ ،‬وهو مع ذلك على فراشه وفي حجرته على ما هو‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ثمم إن أحوال البرزخ فمي القمبر ل يدركهما الحمس ‪ ،‬ولو كانمت تدرك بالحمس لفاتمت‬
‫فائدة اليمان بالغيب ‪ ،‬ولتساوى المؤمن بالغيب ‪ ،‬والجاحد في التصديق به ‪.‬‬
‫ثم إن نعيم القبر وعذابه إنما يدركه الميت دون غيره ‪ ،‬كما يرى النائم أنه في مكان‬
‫موحمش أو فمي مكان فسميح ‪ ،‬وهمو بالنسمبة لغيره لم تتغيمر حاله ‪ ،‬فهمو يراه فمي مناممه‬
‫وبين فراشه وغطائه‪.‬‬
‫ثمم إن إدراك الخلق محدود بمما مكنهمم ال ممن إدراكمه ‪ ،‬ول يمكمن أن يدركوا كمل‬
‫شيمء ؛ فكمما أن أبصمارهم وأسمماعهم لهما حمد تقمف عنده فكذلك عقولهمم ومداركهمم لهما‬
‫حد تقف عنده‪.‬‬
‫وممما ينبغمي أن يعلم فمي هذه المسمألة أن عذاب القمبر ونعيممه ل يختمص بممن مات‬
‫ووضع في القبر ‪ ،‬بل يشمل كل من مات ‪ ،‬سواء وضع في قبره ‪ ،‬أو كان في ثلجة‬
‫الموتى ‪ ،‬أو كان في بطن سبع ‪ ،‬أو كان في صحراء لم يدفن فيها‪.‬‬
‫وإنما قيل عذاب القبر ؛ لن العادة جرت بدفن الموتى‪.‬‬
‫‪:‬‬

‫القدر‪ :‬هو تقدير ال للكائنات حسب ما سبق به علمه ‪ ،‬واقتضته حكمته‪.‬‬


‫وهو علم ال بالشياء ‪ ،‬وكتابته ومشيئته وخلقه لها‪.‬‬
‫و معنممى اليمان بالقدر أن يؤمممن النسممان بأن ال يعلم ممما يكون وممما كان ‪ ،‬وممما‬
‫سميكون ‪ ،‬وأن مما شاء ال كان ‪ ،‬ومما لم يشأه ل يكون ‪ ،‬وأن ال كتمب مقاديمر الخلئق‬
‫فل يقع شيء إل بعلمه ‪ ،‬وكتابته ‪ ،‬ومشيئته وخلقه‪.‬‬
‫ويؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪.‬‬
‫ويؤمن ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬بأن ال قد أمر بطاعته ‪ ،‬ونهى عن معصيته ‪ ،‬فيفعل الطاعة ؛‬
‫رجاء ثواب ال ‪ ،‬ويترك المعصية ؛ خوفا من عقابه ؛ فإذا أحسن حمد ال ‪ ،‬وإذا أساء‬
‫استغفر ال‪.‬‬
‫ومممن تمام اليمان بالقدر أن يأخممذ النسممان بالسممباب ‪ ،‬ويسممعى فممي مصممالحه‬
‫الدنيويمة ‪ ،‬ويسملك الطرق الصمحيحة الموصملة إليهما ‪ ،‬فيضرب فمي الرض ‪ ،‬ويسمعى‬
‫لطلب الرزق ؛ فإن أتت المور على ما يريد حمد ال ‪ ،‬وإن أتت على خلف ما يريد‬
‫تعزى بقدر ال‪.‬‬
‫واليمان بالقدر على هذا النحمو ‪ ،‬يثممر سمكون القلب ‪ ،‬وطمأنينمة النفمس ‪ ،‬وراحمة‬
‫البال ‪ ،‬وترك التحسر على ما فات ‪ ،‬ويورث في النسان الشجاعة ‪ ،‬والقدام ‪ ،‬وطرد‬
‫اليأس ‪ ،‬وقوة الحتمال‪.‬‬
‫ولهذا يجممد المؤمنون بالقضاء والقدر راحمة ‪ ،‬وطمأنينممة ل يجدهما غيرهممم ممممن ل‬
‫يؤمنون بقضاء ال وقدره‪.‬‬
‫ولهذا يشيمع النتحار فمي البلد الكافرة التمي ل يؤممن أهلهما بال وقدره ؛ فتراهمم ل‬
‫يحتملون أدنى مصيبة تنزل بهم‪.‬‬
‫أما المؤمنون بالقدر فل تكاد توجد عندهم أدنى نسبة للنتحار ؛ بسبب أنهم يؤمنون‬
‫بأن مما أصمابهم إنمما همو بقضاء ال وقدره ‪ ،‬ويؤمنون بأن ال ل يقدر لعبده المؤممن إل‬
‫الخير ‪ ،‬حتى وإن كان القضاء مراً فإن عاقبته حميدة للمؤمن إن رضي بقدر ال‪.‬‬

‫العبادة في السلم‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫العبادة في السلم هي التقرب إلى ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬بفعل ما أمر به ‪ ،‬واجتناب ما‬
‫نهى عنه‪.‬‬
‫وهي شاملة لكل ما يحبه ال ويرضاه من القوال والعمال الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫وروح العبادة ‪ ،‬ولبها ‪ ،‬وحقيقتها تحقيق الحب والخضوع ل ‪ -‬تعالى‪. -‬‬

‫شرطا العبادة‪:‬‬
‫ل تقبل العبادة إل إذا اجتمع فيها شرطان‪:‬‬
‫‪ -1‬الخلص ل‪.‬‬
‫‪ -2‬المتابعة لرسوله ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫ومعنى ذلك أنه ل بد من العبادة خالصة ل ‪ ،‬وأن تكون موافقة لما جاء به الرسول‬
‫‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪.-‬‬
‫فل يعبد إل ال ‪ ،‬ول يعبد إل بما شرع‪.‬‬
‫فالصمملة على سممبيل المثال عبادة ل تصممرف إل ل ‪ ،‬أي ل يصمملى إل ل ‪ ،‬وبهذا‬
‫يتحقق الخلص‪.‬‬
‫ول يصلى إل كما جاء عن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬من كيفية الصلة ‪،‬‬
‫وبهذا تتحقق الموافقة والمتابعة للرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ولسائل أن يسأل ‪ :‬ما الحكمة من اشتراط هذين الشرطين لصحة العبادة؟‬
‫والجواب عن ذلك من عدة وجوه‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ال أمر بإخلص العبادة له وحده ؛ فعبادة غيره معه شرك به ‪ -‬تعالى ‪. -‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وادعوه مخلصين له الدين }‬
‫‪ -2‬أن ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬اختص نفسه بالتشريع ؛ فهو حقه وحده ‪ ،‬ومن تعبد بغير ما‬
‫شرع ال فقد شارك ال في تشريعه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ال أكمل لنا الدين ‪ ،‬فالذي يخترع عبادة من عنده يكون مستدركًا على الدين‬
‫‪ ،‬متهمًا له بالنقص‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه لو جاز للناس أن يتعبدوا بما شاءوا كيفما شاءوا ‪ -‬لصبح لكل إنسان طريقته‬
‫الخاصة بالعبادة ‪ ،‬ولصبحت حياة الناس جحيماً ل يطاق ؛ إذ يسود التناحر‬
‫والتنافر ؛ لختلف الذواق ‪ ،‬والدين إنما يأمر بالتفاق والئتلف‬

‫أنواع العبادة‬
‫أنواع العبادة كثيرة كالصلة ‪ ،‬والزكاة ‪ ،‬والصيام ‪ ،‬والحج ‪ ،‬وبر الوالدين ‪ ،‬وصلة‬
‫الرحام ‪ ،‬وصممدق الحديممث ‪ ،‬وأداء المانممة ‪ ،‬والوفاء بالعهود ‪ ،‬والمممر بالمعروف ‪،‬‬
‫والنهي عن المنكر ‪ ،‬وإماطة الذى عن الطريق ‪ ،‬والحسان إلى اليتام ‪ ،‬والمساكين‬
‫وابن السبيل والحيوان ‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وممن أنواع العبادة ‪ :‬الذكمر ‪ ،‬والدعاء ‪ ،‬والسمتعاذة بال ‪ ،‬والسمتعانة بمه ‪ ،‬والتوكمل‬
‫عليه ‪ ،‬والتوبة ‪ ،‬والستغفار ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الصبر ‪ ،‬والشكر ‪ ،‬والرضا ‪ ،‬والخوف ‪ ،‬والمحبة ‪ ،‬والرجاء ‪ ،‬والحياء‪.‬‬

‫فضائل العبادة‬
‫العبادة في السلم هي الغاية المحبوبة ل ‪ ،‬والمرضية له ‪ ،‬التي خلق لجلها الخلق‬
‫‪ ،‬وأرسمل الرسمل ‪ ،‬وأنزل الكتمب ‪ ،‬وهمي التمي مدح القائميمن بهما ‪ ،‬وذم المسمتكبرين‬
‫عنها‪.‬‬
‫والعبادة في السلم لم تشرع للتضييق على الناس ‪ ،‬ول ليقاعهم في الحرج‪.‬‬
‫وإنما شرعت لحكم عظيمة ‪ ،‬ومصالح كثيرة ‪ ،‬ل يحاط بعدها و حصرها‪.‬‬
‫فممن فضائل العبادة أنهما تزكمي النفوس ‪ ،‬وتطهرهما ‪ ،‬وتسممو بهما إلى أعلى درجات‬
‫الكمال النساني‪.‬‬
‫وممن فضائلهما أن النسمان محتاج إليهما أعظمم الحاجمة ‪ ،‬بمل همو مضطمر لهما أشمد‬
‫الضرورة ؛ فالنسممان بطبعممه ضعيممف ‪ ،‬فقيممر إلى ال ‪ ،‬وكممما أن جسممده بحاجممة إلى‬
‫الطعام والشراب ‪ -‬فكذا قلبه وروحه بحاجة إلى العبادة والتوجه إلى ال ‪ ،‬بل إن حاجة‬
‫قلبممه وروحممه إلى العبادة أعظممم بكثيممر مممن حاجممة جسممده إلى الطعام والشراب ؛ فإن‬
‫حقيقمة العبمد قلبمه وروحمه ‪ ،‬ول صملح لهمما إل بالتوجمه إلى ال بالعبادة ؛ فل تطمئن‬
‫النفوس في الدنيا إل بذكر ال وعبادته ‪ ،‬ولو حصل للعبد لذات أو سرور بغير ال فل‬
‫يدوم ‪ ،‬وقد يكون ذلك الذي يتلذذ به ل لذة فيه ول سرور أصلً‪.‬‬
‫أمما السمرور بال والنمس بمه ‪ -‬عمز وجمل ‪ -‬فهمو سمرور ل ينقطمع ول يزول ؛ فهمو‬
‫الكمال ‪ ،‬والجمال ‪ ،‬والسرور الحقيقي ؛ فمن أراد السعادة البدية فليلزم عتبة العبودية‬
‫ل وحده‪.‬‬
‫ولهذا فإن أهل العبادة الحقة هم أسعد الناس ‪ ،‬وأشرحهم صدراً‪.‬‬
‫ول يوجد ما يسكن إليه العبد ويطمئن به ‪ ،‬ويتنعم بالتوجه إليه حقاً إل ال‪.‬‬
‫ومممن فضائل العبادة ‪ :‬أنهمما تسممهل على العبممد فعممل الخيرات ‪ ،‬وترك المنكرات ‪،‬‬
‫وتسليه عند المصائب ‪ ،‬وتخفف عليه المكاره ‪ ،‬وتهون اللم ‪ ،‬فيتلقاها بصدر منشرح‬
‫‪ ،‬ونفس مطمئنة‪.‬‬
‫وممن فضائلهما أن العبمد يتحرر بعبوديتمه لربمه ممن رق المخلوقيمن ‪ ،‬والتعلق بهمم ‪،‬‬
‫وخوفهم ‪ ،‬ورجائهم ؛ وبهذا يكون عزيز الجانب ‪ ،‬مرفوع الرأس ‪ ،‬عالي القدر‪.‬‬

‫مكانة المرأة في السلم‬

‫لقد رفع السلم مكانة المرأة ‪ ،‬وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه ؛ فالنساء في‬
‫السملم شقائق الرجال ‪ ،‬وخيمر الناس خيرهمم لهله ؛ فالمسملمة فمي طفولتهما لهما حمق‬
‫الرضاع ‪ ،‬والرعايممة ‪ ،‬وإحسممان التربيممة ‪ ،‬وهممي فممي ذلك الوقممت قرة العيممن ‪ ،‬وثمرة‬
‫الفؤاد لوالديها وإخوانها‪.‬‬
‫وإذا كمبرت فهمي المعززة المكرممة ‪ ،‬التمي يغار عليمه وليهما ‪ ،‬ويحوطهما برعايتمه ‪،‬‬
‫فل يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء ‪ ،‬ول ألسنة بأذى ‪ ،‬ول أعين بخيانة‪.‬‬
‫وإذا تزوجمت كان ذلك بكلممة ال ‪ ،‬وميثاقمه الغليمظ ؛ فتكون فمي بيمت الزوج بأعمز‬
‫جوار ‪ ،‬وأمنمع ذمار ‪ ،‬وواجمب على زوجهما إكرامهما ‪ ،‬والحسمان إليهما ‪ ،‬وكمف الذى‬
‫عنها‪.‬‬
‫وإذا كانت أماً كان برها مقروناً بحق ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬وعقوقها والساءة إليها مقروناً‬
‫بالشرك بال ‪ ،‬والفساد في الرض‪.‬‬
‫وإذا كانت أختًا فهي التي أُمر المسلم بصلتها ‪ ،‬وإكرامها ‪ ،‬والغيرة عليها‪.‬‬
‫وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الم في البر والصلة‪.‬‬
‫وإذا كانت جدة ‪ ،‬أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولدها ‪ ،‬وأحفادها ‪ ،‬وجميع‬
‫أقاربها ؛ فل يكاد يرد لها طلب ‪ ،‬ول يسفه لها رأي‪.‬‬
‫وإذا كانمت بعيدة عمن النسمان ل يدنيهما قرابمة أو جوار كان لهما حمق السملم العام‬
‫من كف الذى ‪ ،‬وغض البصر ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومما زالت مجتمعات المسملمين ترعمى هذه الحقوق حمق الرعايمة ‪ ،‬ممما جعمل للمرأة‬
‫قيمة واعتباراً ل يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة‪.‬‬
‫ثممم إن للمرأة فممي السمملم حممق التملك ‪ ،‬والجارة ‪ ،‬والبيممع ‪ ،‬والشراء ‪ ،‬وسممائر‬
‫العقود‪.‬‬
‫ولها حق التعلم ‪ ،‬والتعليم ‪ ،‬بما ل يخالف دينها ‪ ،‬بل إن من العلم ما هو فرض عين‬
‫يأثم تاركه ذكراً كان أم أنثى‪.‬‬
‫بل إن لها ما للرجال إل بما تختص به من دون الرجال ‪ ،‬أو بما يختصون به دونها‬
‫من الحقوق والحكام التي تلئم كل منهما على نحو ما هو مفصل في مواضعه‪.‬‬
‫وممن إكرام السملم للمرأة أن أمرهما بما يصمونها ‪ ،‬ويحفمظ كرامتهما ‪ ،‬ويحميهما ممن‬
‫اللسممنة البذيئة ‪ ،‬والعيممن الغادرة ‪ ،‬واليدي الباطشممة ؛ فأمرهمما بالحجاب والسممتر ‪،‬‬
‫والبعد عن التبرج ‪ ،‬وعن الختلط بالرجال الجانب ‪ ،‬وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها‪.‬‬
‫ومممن إكرام السمملم لهمما أن أمممر الزوج بالنفاق عليهمما ‪ ،‬وإحسممان معاشرتهمما ‪،‬‬
‫والحذر من ظلمها ‪ ،‬والساءة إليها‪.‬‬
‫بمل وممن المحاسمن ‪ -‬أيضما ‪ -‬أن أباح للزوجيمن أن يفترقما إذا لم يكمن بينهمما وفاق ‪،‬‬
‫ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة ؛ فأباح للزوج طلقها بعد أن تخفق جميع محاول‬
‫ت الصلح ‪ ،‬وحين تصبح حياتهما جحيماً ل يطاق‪.‬‬
‫وأباح للزوجمة أن تفارق الزوج إذا كان ظالمما لهما ‪ ،‬سميئا فمي معاشرتهما ‪ ،‬فلهما أن‬
‫تفارقمه على عوض تتفمق ممع الزوج فيمه ‪ ،‬فتدفمع له شيئًا ممن المال ‪ ،‬أو تصمطلح معمه‬
‫على شيء معين ثم تفارقه‪.‬‬
‫وممن إكرام السملم للزوجمة أن أباح للرجمل أن يعدد ‪ ،‬فيتزوج بأكثمر ممن واحدة ‪،‬‬
‫فأباح له أن يتزوج اثنتين ‪ ،‬أو ثلثًا ‪ ،‬أو أربعاً ‪ ،‬ول يزيد عن أربع‪.‬‬
‫بشرط أن يعدل بينهن في النفقة ‪ ،‬والكسوة ‪ ،‬والمبيت‪.‬‬
‫وإن اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك‪.‬‬
‫هذا وإن فمي التعدد حكمما عظيممة ‪ ،‬ومصمالح كثيرة ل يدركهما الذيمن يطعنون فمي‬
‫السملم ‪ ،‬ويجهلون الحكممة ممن تشريعاتمه ‪ ،‬وممما يمبرهن على الحكممة ممن مشروعيمة‬
‫التعدد ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن السملم حرم الزنما ‪ :‬وشدد فمي تحريممه ؛ لمما فيمه ممن المفاسمد العظيممة‬
‫التممي تفوق الحصممر والعممد ‪ ،‬والتممي منهمما اختلط النسمماب ‪ ،‬وقتممل الحياء ‪ ،‬والذهاب‬
‫بالشرف وكرامممة الفتاة ؛ إذ الزنمما يكسمموها عاراً ل يقممف حده عندهمما ‪ ،‬بممل يتعداه إلى‬
‫أهلها وأقاربها ‪.‬‬
‫وممن أضرار الزنما أن فيمه جنايمة على الجنيمن الذي يأتمي ممن الزنما ؛ حيمث يعيمش‬
‫مقطوع النسب ‪ ،‬محتقرًا ذليلً‪.‬‬
‫ومن أضراره ما ينتج عنه من أمراض نفسية وجسدية يصعب علجها ‪ ،‬بل ربما‬
‫أودت بحياة الزاني كالسيلن ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬والهربس ‪ ،‬واليدز ‪ ،‬و غيرها‪.‬‬
‫والسملم حيمن حرم الزنما وشدد فمي تحريممه فتمح باباً مشروعاً يجمد فيمه النسمان‬
‫الراحممة ‪ ،‬والسممكن ‪ ،‬والرحمممة ‪ ،‬والطمأنينممة أل وهممو الزواج ‪ ،‬حيممث شرع الزواج ‪،‬‬
‫وأباح التعدد فيه ‪ -‬كما مضى ‪. -‬‬
‫ول ريمب أن منمع التعدد ظلم للرجمل وللمرأة ؛ فمنعمه قمد يدفمع إلى الزنما ؛ لن عدد‬
‫النسممماء يفوق عدد الرجال فمممي كمممل زمان ومكان ‪ ،‬ويتجلى ذلك فمممي أيام الحروب ؛‬
‫فقصممر الزواج على واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كممبير مممن النسمماء دون زواج ‪ ،‬وذلك‬
‫يسممبب لهممن الحرج ‪ ،‬والضيممق ‪ ،‬والتشتممت ‪ ،‬و ربممما أدى بهممن إلى بيممع العرض ‪،‬‬
‫وانتشار الزنا ‪ ،‬وضياع النسل ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الزواج ليس متعة جسدية فحسب ‪ :‬بل فيه الراحة ‪ ،‬والسكن ‪ ،‬وفيه‬
‫‪ -‬أيضًا ‪ -‬نعممة الولد ‪ ،‬والولد فمي السملم ليمس كغيره فمي النظمم الرضيمة ؛ إذ لوالديمه‬
‫أعظمم الحمق عليمه ؛ فإذا رزقمت المرأة أولداً ‪ ،‬وقاممت على تربيتهمم كانوا قرة عيمن‬
‫لها ؛ فأيهما أحسن للمرأة ‪ :‬أن تنعم في ظل رجل يحميها ‪ ،‬ويحوطها ‪ ،‬ويرعاها ؟ أو‬
‫أن تعيش وحيدة طريدة ترتمي هنا وهناك ؟‬
‫‪ -3‬أن نظرة السملم عادلة متوازنمة ‪ :‬فالسمملم ينظممر إلى النسمماء جميعهممن‬
‫بعدل ‪ ،‬والنظرة العادلة تقول ‪ :‬بأنه ل بد من النظر إلى جميع النساء بعين العدل‪.‬‬
‫إذا كان المر كذلك ؛ فما ذنب العوانس اللتي ل أزواج لهن؟ ولماذا ل ينظر بعين‬
‫العطمف والشفقمة إلى ممن مات زوجهما وهمي فمي مقتبمل عمرهما ؟ ولماذا ل ينظمر إلى‬
‫النساء الكثيرات اللواتي قعدن بدون زواج ؟‬
‫أيهمما أفضمل للمرأة ‪ :‬أن تنعمم فمي ظمل زوج معمه زوجمة أخرى ‪ ،‬فتطمئن نفسمها ‪،‬‬
‫ويهدأ بالها ‪ ،‬وتجد من يرعاها ‪ ،‬وترزق بسببه الولد ‪ ،‬أو أن تقعد بل زواج البتة ؟‬
‫وأيهما أفضل للمجتمعات أن يعدد بعض الرجال فيسلم المجتمع من تبعات العنوسة‬
‫؟ أو أن ل يعدد أحد ‪ ،‬فتصطلي المجتمعات بنيران الفساد ؟‬
‫وأيهممما أفضممل أن يكون للرجممل زوجتان أو ثلث أو أربممع أو أن يكون له زوجممة‬
‫واحدة وعشر عشيقات ‪ ،‬أو أكثر ‪ ،‬أو أقل ؟‬
‫‪ -4‬أن التعدد ليس واجبا ‪ :‬فكثير من الزواج المسلمين ل يعددون ؛ فطالما أن‬
‫المرأة تكفيه ‪ -‬وأنه غير قادر على العدل فل حاجة له في التعدد‪.‬‬
‫‪ -5‬أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل ‪ :‬وذلك من حيث استعدادها‬
‫للمعاشرة ؛ فهمي غيمر مسمتعدة للمعاشرة فمي كمل وقمت ‪ ،‬ففمي الدورة الشهريمة مانمع قمد‬
‫يصل إلى عشرة أيام ‪ ،‬أو أسبوعين كل شهر ‪.‬‬
‫وفممي النفاس مانممع ‪ -‬أيضًا ‪ -‬والغالب فيممه أنممه أربعون يوماً‪ .‬والمعاشرة فممي هاتيممن‬
‫الفترتين محظورة شرعاً ؛ لما فيهما من الضرار التي ل تخفى‪.‬‬
‫وفي حال الحمل قد يضعف استعداد المرأة في معاشرة الزوج ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫أممما الرجممل فاسممتعداده واحممد طيلة الشهممر ‪ ،‬والعام ؛ فبعممض الرجال إذا منممع مممن‬
‫التعدد قد يؤول به المر إلى الزنا‪.‬‬
‫ل ممن‬‫‪ -6‬قمد تكون الزوجمة عقيمما ل تلد ‪ :‬فيحرم الزوج ممن نعممة الولد ‪ ،‬فبد ً‬
‫تطليقها يبقي عليها ‪ ،‬ويتزوج بأخرى ولود‪.‬‬
‫وقد يقال ‪ :‬وإذا كان الزوج عقيمًا والزوجة ولوداً ؛ فهل للمرأة الحق في الفراق؟‬
‫والجواب ‪ :‬نعم فلها ذلك إن أرادت‪.‬‬
‫‪ -7‬قد تمرض الزوجة مرضا مزمناً ‪ :‬كالشلل وغيره ‪ ،‬فل تستطيع القيام على‬
‫خدمة الزوج ؛ فبدل من تطليقها يبقي عليها ‪ ،‬ويتزوج بأخرى‪.‬‬
‫‪ -8‬قد يكون سلوك الزوجة سيئاً ‪ :‬فقمد تكون شرسمة ‪ ،‬سميئة الخلق ل ترعمى‬
‫حق زوجها ؛ فبدل من تطليقها يبقي الزوج عليها ‪ ،‬ويتزوج بأخرى ؛ وفاء للزوجة ‪،‬‬
‫وحفظاً لحق أهلها ‪ ،‬وحرصًا على مصلحة الولد من الضياع إن كان له أولد منها‪.‬‬
‫‪ -9‬أن قدرة الرجممل على النجاب أوسممع بكثيممر مممن قدرة المرأة ‪:‬‬
‫فالرجمل يسمتطيع النجاب إلى مما بعمد السمتين ‪ ،‬بمل ربمما تعدى المائة وهمو فمي نشاطمه‬
‫وقدرته على النجاب‪.‬‬
‫أما المرأة فالغالب أنها تقف عن النجاب في حدود الربعين ‪ ،‬أو تزيد عليها قليل‪.‬‬
‫فمنع التعدد حرمان للمة من النسل‪.‬‬
‫‪ -10‬أن في الزواج من ثانية راحة للولى ‪ :‬فالزوجة الولى ترتاح قليل من‬
‫أعباء الزوج ؛ إذ يوجد من يعينها ويأخذ عنها نصيبًا من أعباء الزوج‪.‬‬
‫ولهذا فإن بعض العاقلت إذا كبرت في السن وعجزت عن القيام بحق الزوج‬
‫أشارت عليه بالتعدد‪.‬‬
‫‪ -11‬التماس الجر ‪ :‬فقد يتزوج النسان بامرأة مسكينة ل عائل لها ‪ ،‬ول راعٍ ‪،‬‬
‫فيتزوجها ِب ِنيّة إعفافها ‪ ،‬ورعايتها ‪ ،‬فينال الجر من ال بذلك‪.‬‬
‫‪ -12‬أن الذي أباح التعدد هو الله ‪ -‬عز وجل ‪ : -‬فهو أعلم بمصالح عباده ‪،‬‬
‫وأرحم بهم من أنفسهم‪.‬‬
‫وهكذا يتبين لنا حكمة السلم ‪ ،‬وشمول نظرته في إباحة التعدد ‪ ،‬ويتبين لنا جهل‬
‫من يطعنون في تشريعاته‪.‬‬
‫ومن إكرام السلم للمرأة أن جعل لها نصيباً من الميراث ؛ فللم نصيب معين ‪ ،‬و‬
‫للزوجة نصيب معين ‪ ،‬وللبنت وللخت ونحوها ما هو مفصل في موضعه‪.‬‬
‫ومن تمام العدل أن جعل السلم للمرأة من الميراث نصف ما للرجل ‪ ،‬وقد يظن‬
‫بعض الجهلة أن هذا من الظلم ؛ فيقولون ‪ :‬كيف يكون للرجل مثل حظ النثيين من‬
‫الميراث ؟ ولماذا يكون نصيب المرأة نصف نصيب الرجل ؟‬
‫والجواب أن يقال ‪ :‬إن الذي شرع هذا هو ال الحكيم العليم بمصالح عباده‪.‬‬
‫ثم أي ظلم في هذا ؟ إن نظام السلم نظام متكامل مترابط ؛ فليس من العدل أن‬
‫يؤخذ نظام ‪ ،‬أو تشريع ‪ ،‬ثم ينظر إليه من زاوية واحدة دون ربطه بغيره‪.‬‬
‫بل ينظر إليه من جميع جوانبه ؛ فتتضح الصورة ‪ ،‬ويستقيم الحكم‪.‬‬
‫ومما يتبين به عدل السلم في هذه المسألة ‪ -‬أن السلم جعل نفقة الزوجة واجبة‬
‫على الزوج ‪ ،‬وجعل مهر الزوجة واجب على الزوج ‪ -‬أيضاً ‪. -‬‬
‫ولنفرض أن رجلً مات ‪ ،‬وخلف ابناً ‪ ،‬و بنتاً ‪ ،‬وكان للبن ضعف نصيب أخته ‪،‬‬
‫ثم أخذ كل منهما نصيبه ‪ ،‬ثم تزوج كل منهما ؛ فالبن إذا تزوج فإنه مطالب بالمهر ‪،‬‬
‫والسكن ‪ ،‬والنفقة على زوجته وأولده طيلة حياته‪.‬‬
‫أما أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها ‪ ،‬وليست مطالبة بشيء من نصيبها‬
‫لتصرفه على زوجها ‪ ،‬أو نفقة بيتها أو على أولدها ؛ فيجتمع لها ما ورثته من أبيها ‪،‬‬
‫مع مهرها من زوجها ‪ ،‬مع أنها ل تطالب بالنفقة على نفسها وأولدها‪.‬‬
‫أليس إعطاء الرجل ضعف ما للمرأة هو العدل بعينه إذاً ؟‬
‫هذه هي منزلة المرأة في السلم ؛ فأين النظمة العادلة في السلم من نظم كثير‬
‫من بقاع الرض؟ حيث يتبرأ الب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أو أقل ؛‬
‫لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها ‪ ،‬ولقمة تسد جوعتها ‪ ،‬وربما كان‬
‫ذلك على حساب الشرف ‪ ،‬ونبل الخلق‪.‬‬
‫وأين إكرام السلم للمرأة ‪ ،‬وجعلها إنساناً مكرمًا من النظمة التي تعدها مصدر‬
‫الخطيئة ‪ ،‬وتسلبها حقها في الملكية و المسؤولية ‪ ،‬وتجعلها تعيش في إذلل واحتقار ‪،‬‬
‫وتعدها مخلوقاً نجسًا ؟ وأين إكرام السلم للمرأة ممن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون‬
‫بجسدها في الدعايات والعلنات؟‬
‫وأين إكرام السلم لها من النظمة التي تعد الزواج صفقة مبايعةٍ تنتقل فيه‬
‫الزوجة ؛ لتكون إحدى ممتلكات الزوج؟ حتى إن بعض مجامعهم انعقدت ؛ لتنظر في‬
‫حقيقة المرأة ‪ ،‬وروحها هل هي من البشر أو ل ؟!‬
‫وهكذا نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنياها مع أسرتها وفي كنف والديها ‪،‬‬
‫ورعاية زوجها ‪ ،‬وبر أبنائها سواء في حال طفولتها ‪ ،‬أو شبابها ‪ ،‬أو هرمها ‪ ،‬وفي‬
‫حال فقرها أو غناها ‪ ،‬أو صحتها أو مرضها‪.‬‬
‫وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلد المسلمين أو من بعض‬
‫المنتسبين إلى السلم ‪ -‬فإنما هو بسبب القصور والجهل ‪ ،‬والبعد عن تطبيق شرائع‬
‫الدين ‪ ،‬والوزر في ذلك على من أخطأ ‪ -‬والدين براء من تبعة تلك النقائص‪.‬‬
‫وعلج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية السلم وتعاليمه ؛ لعلج الخطأ‪.‬‬
‫هذه هي منزلة المرأة في السلم على سبيل الجمال ‪ :‬عفة ‪ ،‬وصيانة ‪ ،‬ومودة‬
‫ورحمة ‪ ،‬ورعاية ‪ ،‬وتذمم إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية‪.‬‬
‫أما الحضارة المعاصرة فل تكاد تعرف شيئًا من تلك المعاني ‪ ،‬وإنما تنظر للمرأة‬
‫نظرة مادية بحتة ‪ ،‬فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية ‪ ،‬وأنها ل بد أن تكون‬
‫دمية يعبث بها كل ساقط ؛ فذلك سر السعادة عندهم‪.‬‬
‫وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها‪.‬‬
‫وإل فما علقة التطور والتعليم بالتبرج وإظهار المفاتن ‪ ،‬وإبداء الزينة ‪ ،‬وكشف‬
‫الصدور ‪ ،‬والفخاذ وهو أشد ؟!‬
‫وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملبس الضيقة والشفافة والقصيرة ؟!‬
‫ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في العلنات والدعايات ؟‬
‫ولماذا ل تروج عندهم إل الحسناء الجميلة ‪ ،‬فإذا استنفذت السنوات جمالها‬
‫وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت صلحيتها ؟‬
‫وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة ؟ وما نصيب الم المسنة ‪ ،‬والجدة ‪،‬‬
‫والعجوز ؟‬
‫إن نصيبها في أحسن الحوال يكون في الملجىء ‪ ،‬ودور العجزة والمسنين ؛‬
‫حيث ل تزار ول يسأل عنها‪.‬‬
‫وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد ‪ ،‬أو نحوه ‪ ،‬فتأكل منه حتى تموت ؛ فل رحم‬
‫هناك ‪ ،‬ول صلة ‪ ،‬ول ولي حميم‪.‬‬
‫أما المرأة في السلم فكلما تقدم السن بها زاد احترامها ‪ ،‬وعظم حقها ‪ ،‬وتنافس‬
‫أولدها وأقاربها على برها ‪ -‬كما سبق ‪ -‬لنها أدت ما عليها ‪ ،‬وبقي الذي لها عند‬
‫أبنائها ‪ ،‬وأحفادها‪ ،‬وأهلها ‪ ،‬ومجتمعها‪.‬‬
‫أما الزعم بأن العفاف والستر تخلف ورجعية ‪ -‬فزعم باطل ‪ ،‬بل إن التبرج‬
‫والسفور هو الشقاء والعذاب ‪ ،‬والتخلف بعينه ‪ ،‬وإذا أردت الدليل على أن التبرج هو‬
‫التخلف فانظر إلى انحطاط خصائص الجنس البشري في الهمج العراة الذين يعيشون‬
‫في المتاهات والدغال على حال تقرب من البهيمية ؛ فإنهم ل يأخذون طريقهم في‬
‫مدارج الحضارة إل بعد أن يكتسوا‪.‬‬
‫ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة‬
‫زاد نسبة المساحة الكاسية من أجسادهم ‪ ،‬كما يلحظ أن الحضارة الغربية في‬
‫انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقرى درجة درجة حتى تنتهي إلى العري الكامل‬
‫في مدن العراة التي أخذت في النتشار بعد الحرب العالمية الولى ‪ ،‬ثم استفحل‬
‫داؤها في السنوات الخيرة‪.‬‬
‫وهكذا تبين لنا عظم منزلة المرأة في السلم ‪ ،‬ومدى ضياعها وتشردها إذا هي‬
‫ابتعدت عن السلم‪.‬‬

‫تساؤل‬
‫وبعمد أن تمبين لك أيهما القارىء الكريمم ممن خلل الصمفحات الماضيمة عظممة ديمن‬
‫السمملم ‪ ،‬وشموله ‪ ،‬وعدله ‪ ،‬ومدى حاجممة البشريممة إليممه ‪ -‬قممد يخطممر ببالك تسمماؤل‬
‫فتقول‪:‬‬
‫إذا كان السمملم بهذه العظمممة والشمول ‪ ،‬والعدل ‪ -‬فلماذا ل نرى أهله فممي مقدمممة‬
‫المممم فممي هذا العصممر ؟ ولماذا نرى كثيرًا منهممم بعيدا عممن التصمماف بممما يأمممر بممه‬
‫الدين ؟ وما مدى صحة ما يقال بأن السلم دين تطرف ‪ ،‬وإرهاب؟‬
‫والجواب عن ذلك يسير بحمد ال ‪ ،‬وذلك من عدة وجوه‪:‬‬
‫‪ -1‬أن حال المسممملمين فمممي عصمممورهم المتأخرة ل تمثمممل حقيقمممة‬
‫جعَلَ حال المسمملمين فممي هذه العصممور‬
‫السمملم ‪ :‬فمممن الظلم وقصممور النظممر أن تُ ْ‬
‫المتأخرة ‪ -‬همي الصمورة التمي تمثمل السملم ‪ ،‬فيُظمن أن السملم لم يرفمع عنهمم الذلة ‪،‬‬
‫ول التفرق ‪ ،‬ول الفقر‪.‬‬
‫فعلى من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف أن ينظر إلى دين السلم من خلل مصادره‬
‫الصحيحة ممن كتاب ال ‪ ،‬وسنة رسموله ‪ -‬صلى ال عليه وسملم ‪ -‬وما كان عليمه سلف‬
‫المة الصالح ‪ ،‬وأن ينظر إلى السلم من خلل الكتب التي تتحدث عنه بعدل وعلم ‪،‬‬
‫فسيتبين له أن السلم يدعو إلى كل صلح ديني ودنيوي ‪ ،‬وأنه يحث على الستعداد‬
‫لتعلم العلوم النافعة ‪ ،‬وأنه يدعو إلى تقوية العزائم ‪ ،‬وجمع الكلمة‪.‬‬
‫ثم إن انحرافات بعض المنتسبين إلى السلم ‪ -‬قلت أو كثرت ‪ -‬ل يجوز بحال من‬
‫الحوال أن تحسمب على الديمن أو أن يعاب بهما ‪ ،‬بمل همو براء منهما ‪ ،‬وتبعمة النحراف‬
‫تعود على المنحرفين أنفسهم ؛ لن السلم لم يأمرهم بذلك ؛ بل نهاهم وزجرهم عن‬
‫النحراف عما جاء به‪.‬‬
‫ثممم إن العدل يقتضممي بأن يُنظممر فممي حال القائميممن بالديممن حممق القيام ‪ ،‬والمنفذيممن‬
‫لوامره وأحكاممه فمي أنفسمهم وفمي غيرهمم؛ فإن ذلك يمل القلوب إجلل ووقارا لهذا‬
‫الديممن وأهله ؛ فالسمملم لم يغادر صممغيرة ول كممبيرة مممن الرشاد والتهذيممب إل حممث‬
‫عليهمما ‪ ،‬ول رذيلة أو مفسممدة إل صممد عممن سممبيلها ‪ ،‬وبذلك كان المعظمون لشأنممه ‪،‬‬
‫المقيمون لشعائره فممي أعلى طبقممة مممن أدب النفممس ‪ ،‬وتربيتهمما على محاسممن الشيممم ‪،‬‬
‫ومكارم الخلق ‪ ،‬يشهد لهم بذلك القريب والبعيد ‪ ،‬والموافق ‪ ،‬والمخالف‪.‬‬
‫أمما مجرد النظمر إلى حال المسملمين المفرطيمن فمي دينهمم ‪ ،‬الناكمبين عمن صمراطه‬
‫المستقيم ‪ -‬فليس من العدل في شيء ‪ ،‬بل هو الظلم بعينه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تأخمر المسملمين سمببه البعمد عمن الديمن ‪ :‬فلم يتأخمر المسملمون عمن‬
‫ركمب الحضارة ‪ ،‬ولم يتفرقوا ويسمتذلوا إل عندمما فرطوا فمي دينهمم ‪ ،‬ونسموا حظما ممما‬
‫ذكروا به‪.‬‬
‫فالسملم ديمن الرقمي ‪ ،‬والتقدم ‪ ،‬والزكاء ‪ ،‬وعندمما كان المسملمون متمسمكين بدينهمم‬
‫حممق التمسممك دانممت لهممم أمممم الرض قروناً متطاولة ‪ ،‬فنشروا فيهمما لواء الحكمممة ‪،‬‬
‫والعدل ‪ ،‬والعلم‪.‬‬
‫وهمل ترقمت أممم الرض ‪ ،‬وبزّت غيرهما فمي الصمناعات والختراعات المذهلة إل‬
‫بعد أن استنارت عقول أهليها بعلوم المسلمين بعد الحروب الصليبية ؟‬
‫ألم تكمن تلك الممم فمي القرون التمي يسممونها القرون المظلممة فمي غايمة الجهمل ‪،‬‬
‫والهمجية ؟‬
‫ألم يكن المسلمون هم سادة الخلق آنذاك؟‬
‫ألم تكممن مدينممة السمملم هممي المدنيممة الزاهرة الحقيقيممة ؛ حيممث كان روحهمما الديممن‬
‫والعدل ‪ ،‬والرحممة ‪ ،‬حتمى لقمد شملت بظلهما الظليمل ‪ ،‬وإحسمانها المتدفمق جميمع الناس‬
‫حتى المخالفين والعداء؟‬
‫فهمل أخمر المسملمين دينهمم الحمق ؟ وهمل منعهمم ممن الرقمي الحقيقمي ؟ وهمل نفمع‬
‫الخرين كفرهم بال في تلك القرون الطويلة إذ كانوا هم الذلين المخذولين؟‬
‫ثمم لمما قصمر المسملمون فمي التمسمك بدينهمم ‪ ،‬وقصمروا فمي ترك الخمذ بالسمباب‬
‫الموصلة إلى خيري الدنيا والخرة ‪ -‬حل بهم التفكك والدمار‪.‬‬
‫ثممم إن التقدم المادي ل يكفممي وحده ‪ ،‬بممل ل بممد معممه مممن الديممن الحممق الذي يزكممي‬
‫النفوس ‪ ،‬ويرتقمي بالخلق ‪ ،‬فهما همي أممم الكفمر لمما ارتقمت فمي علوم المادة وأغفلت‬
‫جانمب الروح ‪ -‬هما همي تتخبمط فمي تيههما وضللهما ؛ فهمل أغنمت عنهما تلك المدنيمة‬
‫المادية فتيل؟‬
‫ألم تكن حضارتها قائمة على الظلم ‪ ،‬والجشع ‪ ،‬والستبداد ‪ ،‬والستعباد ‪ ،‬والتسلط‬
‫على المم الضعيفة ؟‬
‫ألم ينتشممر فيهممم الخيانممة ‪ ،‬والسممرقة ‪ ،‬والنتحار ‪ ،‬والقتممل ‪ ،‬والمراض النفسممية ‪،‬‬
‫والجنسية وغيرها؟‬
‫فهذا أكمبر برهان على أن الرقمي المادي ينقلب ضرراً على أهله إذا خل ممن الديمن‬
‫الحق الذي تستنير به العقول ‪ ،‬وتزكو به النفوس‬
‫‪ -3‬أن القول بأن السلم دين تطرف وإرهاب مردود على من قاله ‪:‬‬
‫فهو محض افتراء ‪ ،‬ومحاولة للصد عنه ؛ فالسلم دين الرحمة ‪ ،‬والرفق ‪ ،‬والتسامح‬
‫‪ ،‬و مما السميف الذي يأممر السملم بانتضائه للجهاد فمي سمبيل ال إل كمبضمع طمبيب‬
‫ناصممح يشرط بممه جسممم العليممل ؛ لينزف دمممه الفاسممد ‪ ،‬حرصمًا على سمملمته ؛ فليممس‬
‫الغرض ممن الجهاد فمي السملم سمفك الدماء ‪ ،‬وإزهاق الرواح ‪ ،‬وإنمما الغرض منمه‬
‫إعلء كلمة ال ‪ ،‬وتخليص البشر من عبادة البشر ‪ ،‬ودللتهم على عبادة رب البشر ‪،‬‬
‫كي يعيشوا حياة كريمة‪.‬‬
‫وأمممة السمملم خيممر أمممة أخرجممت للناس ‪ ،‬وخيممر أمممة جاهدت فممي سممبيل ال‬
‫فانتصممرت ‪ ،‬وغلبممت فرحمممت ‪ ،‬وحكمممت فعدلت ‪ ،‬وسمماست فأطلقممت الحريممة مممن‬
‫عقالها ‪ ،‬وفجرت ينابيع الحكمة بعد نضوبها‪.‬‬
‫واسمأل التاريمخ ؛ فإنهما قمد اسمتودعته ممن مآثرهما ال ُغرّ مما بَصُم َر بضوئه العممى ‪،‬‬
‫وازدهر في الرض ازدهار الكواكب في كبد السماء‪.‬‬
‫فماذا فعممل المسمملمون حيممن انتصممروا على خصممومهم ؟ هممل تكممبروا ‪ ،‬وتسمملطوا ‪،‬‬
‫واستبدوا؟ وهل انتهكوا العراض ‪ ،‬وقتلوا الشيوخ ‪ ،‬والنساء ‪ ،‬والطفال ؟‬
‫ماذا فعمل النمبي ‪ -‬صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬عندمما انتصمر على خصمومه الذيمن كانوا‬
‫يؤذونه أشد الذى ؟ ألم يكن يصفح عنهم ؟ ويمن عليهم بالسبي والموال؟‬
‫وماذ فعمل المسملمون عندمما انتصمروا على كسمرى وقيصمر؟ همل خانوا وغدروا ؟‬
‫هممل تعرضوا للنسمماء ؟ وهممل أسمماءوا للرهبان فممي الديرة ؟ وهممل عاثوا فممي الرض‬
‫فسادا ؟ وهل هدموا المنازل ‪ ،‬وقطعوا الشجار ؟‬
‫وماذا فعممل صمملح الديممن لممما انتصممر على الصممليبيين الذيممن فعلوا بالمسمملمين‬
‫الفاعيل ‪ ،‬ونكلوا بهم أيما تنكيل ؟ فماذا فعل بهم صلح الدين لما انتصر عليهم ؟ ألم‬
‫يصفح عن قائدهم ؟ ويعالجه ؟ ويطلق سراحه؟‬
‫فهذه المواقف النبيلة وأمثالها كثير في تاريخ المسلمين ‪ ،‬مما كان له أبلغ الثر في‬
‫محبة الناس للسلم ‪ ،‬والدخول فيه عن قناعة ويقين‪.‬‬
‫أفغير المسلمن يقوم بهذا ؟ آلغرب يقدم مثل هذه النماذج ؟‬
‫الجواب مممما تراه ‪ ،‬وتسممممعه ؛ فممممن أيمممن خرج هتلر ‪ ،‬وموسممميليني ‪ ،‬ولينيمممن ‪،‬‬
‫وسمتالين ‪ ،‬ومجرممو الصمرب ؟ أليسمت أوربما همي التمي أخرجمت هؤلء وأمثالهمم ممن‬
‫الشياطيممن الذيممن قتلوا الملييممن مممن البشممر ‪ ،‬ولقممت منهممم البشريممة الويلت إثممر‬
‫الويلت ؟‬
‫أل يعممد أولئك هممم طلئع حضارة أوربمما ؟ فمممن الهمممج القسمماة العتاة إذا ؟ ومممن‬
‫المتطرفون الرهابيون حقيقة ؟‬
‫ثم من الذين صنعوا القنابل النووية ‪ ،‬والعنقودية ‪ ،‬والذرية ‪ ،‬والجرثومية ‪ ،‬وأسلحة‬
‫الدمار الشامل ؟‬
‫ومن الذين لوثوا الهواء بالعوادم ‪ ،‬والنهار بالمبيدات ؟‬
‫وممممن الذيمممن يسممملكون الطرق القذرة التمممي ل تممممت إلى العدل ‪ ،‬ول إلى شرف‬
‫الخصومة بشيء ؟‬
‫مممن الذيممن يعقمون النسمماء ؟ ويسممرقون أموال الشعوب وحرياتهممم ‪ ،‬ومممن الذيممن‬
‫ينشرون اليدز ؟‬
‫أليس الغرب ‪ ،‬ومن يسير في ركابهم ؟‬
‫ومن الذي يدعم اليهود وهم في قمة التسلط والرهاب ؟‬
‫هذه هي الحقيقة الواضحة ‪ ،‬وهذا هو الرهاب والتسلط ‪.‬‬
‫أمما جهاد المسملمين لحقاق الحمق ‪ ،‬وقممع الباطمل ‪ ،‬و دفاعهمم عمن أنفسمهم وبلدهمم‬
‫فليس إرهابًا ‪ ،‬وإنما هو العدل بعينه ‪.‬‬
‫ومما يحصمل ممن بعمض المسملمين ممن الخطمأ فمي سملوك سمبيل الحكممة فقليمل ل يكاد‬
‫يذكممر بجانممب وحشيممة الغرب ‪ ،‬وتبعتممه تعود على مممن أخطممأ السممبيل ول تعود على‬
‫الدين ‪ ،‬ول على المسلمين‪.‬‬
‫وقمد يكون لهذا مسموغاته فمي بعمض الحيان ؛ فظلم الكفار عليهمم قمد يوجمد مثمل هذه‬
‫التصرفات‪.‬‬
‫وهكذا ينبغممي للعاقممل المنصممف ؛ أن ينظممر إلى المور كممما هممي بعيدًا عممن الظلم‬
‫والتزوير والنظرة القاصرة‪.‬‬
‫وبعمممد هذا فإن كان للنسمممان عجمممب ممممن شيمممء فإن عجبمممه ممممن الوربييمممن ‪،‬‬
‫ل ممن‬‫والمريكان ؛ حيمث لم يكتشفوا حقيقمة الديمن السملمي فيمما اكتشفوه ‪ ،‬وهمي أج ّ‬
‫كمل مما اكتشفوه ‪ ،‬وأضممن للسمعادة الحقيقيمة ممن كمل ما وصملوا إليمه ؛ فهمل همم جاهلون‬
‫بحقيقة السلم حقاً‬
‫أم أنهم يتعامون ويصدون عنه؟!‬

‫الدخول في دين السلم‬


‫وبعمد أن تمبين لك عظممة ديمن السملم ‪ ،‬وأنمه الطريمق الوحيمد للنجاة عنمد ال مم عمز‬
‫وجمل مم وأن الدخول فيمه واجمب على كمل إأحمد ‪ ،‬لك أن تسمأل عمن كيفيمة الدخول فيمه ‪،‬‬
‫والجواب عن ذلك أن النسان يدخل في السلم بفطرته ‪ ،‬وأصل خلقته ؛ فكل مولود‬
‫على وجممممه الرض يولد على الفطرة ‪ ،‬وهممممي ديممممن السمممملم ؛ فالمولود يولد مقراً‬
‫بخالقه ‪ ،‬محباً له ‪ ،‬متوجها إليه‪.‬‬
‫فإذا بقمي على هذه الفطرة فهمو مسملم على الصمل ‪ ،‬ول يحتاج إلى تجديمد الدخول‬
‫في السلم إذا بلغ وعقل‪.‬‬
‫أمما إذا نشمأ بيمن أبويمن غيمر مسملمين ‪ ،‬واعتنمق دينهمما الباطمل ‪ ،‬أو كان معتنقًا أي‬
‫دين غير السلم كان واجبا عليه أن يتخلى عن دينه السابق ‪ ،‬ويدخل في دين السلم‬
‫؛ فيشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن محمدا رسول ال ‪ ،‬ثم يبدأ بتعلم ما يقيم به شعائر دينه‬
‫مممن إقامممة الصمملة ونحممو ذلك فهممل توافممق عزيزى القارىء وعزيزتممى القارئة ان‬
‫تضمنو الخرة ‪ ...‬هذا القرار يرجع لكم انتم ‪ ..‬اللهم انى بلغت اللهم فاشهد‪.‬‬
‫تم بحمد ال ‪-‬‬
‫تعالى‪.-‬‬

You might also like