Professional Documents
Culture Documents
هـل
شر الكتاب المقدسب َّ
بمـحـمـد
صلى الله علـيه
وسلم؟
مقدمة
المد ل رب العالي ،والصلة والسلم على رسل ال أجعي ،عليهم وعلى نبينا أفضل الصلة
وأزكى التسليم ،وبعد:
أحد أهم مسألتي يملهما السلم إل العالي. ل ريب أن نبوة نبينا ممد
فالسلمون يرون ف إثبات نبوته تام الصل الول من أصول دينهم ،لذا كان لزاما عليهم
أن يدفعوا بجتهم وبرهانم ف إثبات نبوته عليه الصلة والسلم.
والق أن طرق إثبات نبوته كثية ومتنوعة ،ومن أهم هذه الطرق :البشارات الت صدرت
عن النبياء السابقي ،وهي تبشر بقدم نب خات يؤسس دين ال الذي ارتضاه إل قيام الساعة دينا.
وتأت أهية هذا الطريق -الذي حرص السلمون على الهتمام به -ف كونه يقيم الجة على
أهل الكتاب با يعتقدونه من الكتب الت أشارت إل مبعث هذا النب قبل قرون متفاوتة ف البعد.
وأهل الكتاب من يهود ونصارى مقرون بوجود هذه البشارات ،ومقرون بدللتها على النب
الات أو النب العظيم القادم ،لكنهم يصرون على أنه رجل من بن إسرائيل ،يزعم النصارى أنه
عيسى ابن مري ،uبينما ما زال اليهود ينتظرونه ،وندف هنا إل إثبات أن هذا النب النتظر هو
ممد صلى ال عليه وسلم ،وليس غيه من النبياء الكرام.
أما الكتب الت وردت با هذه البشارات فقد سبق لنا التعريف بالا ،واستشهادنا با ليس
تزكية لا ،إنا هو غوص وتنقيب عن القليل من أثارة النبوة ف سطورها ،هذا القليل نؤمن به ول
نكذبه ،إذ هو مصدق لا بي أيدينا ،وقد قال مثبتا وجود حق ف هذه الكتب (( :ل تسألوهم عن
()1
شيء ،فيخبوكم بق فتكذبوا به ،أو بباطل فتصدقوا به ".
فإذا جاء ف هذه الكتب ما تشهد له آيات القرآن ونصوص السنة ،فهذا شهادة بأن ذا قد سلم
ل قل كفى بال شهيدا بين
من التحريف أو سلم من كثي منه } ويقول الذين كفروا لست مرس ً
وبينكم ومن عنده علم الكتاب { (الرعد.)43 :
وقد حوى الكتاب القدس -رغم ما تعرض له من العبث والتحريف -الكثي من النبوءات
البشرة بالنب الات ،والت ل تتحقق ،ونتساءل مت ستتحقق ،وقد مرّ على مقدم السيح uزهاء
ألفي سنة من غي أن تتحقق هذه النبوءات؟ إن دعوى عدم تقق هذه النبوءات مع تطاول اليام
يزري بالكتاب القدس عند قارئيه.
لذا فإننا نوجه دعوة صادقة للتمعن ف نبوءات الكتاب وقراءتا قراءة جديدة ف ضوء ظهور
السلم ونبيه ،ونن على ثقة بأن ذلك سيفضي إل كشف القيقة واليان بنبوة نبينا ممد .
ول نقول ذلك رجا بالغيب ،بل هي القيقة التاريية الت أعلن عنها كل من تبصر ف أمر هذا
النب وأحواله ،فقد شهد هرقل ملك الروم برسالته حي جاءه كتاب النب فأرسل إل روما يسأل
عن خب النب الات ،فلما جاءه الرد قال لقومه" :يا معشر الروم :إن قد جعتكم لي ،إنه قد أتان
كتاب من هذا الرجل يدعون إل دينه ،وإنه وال للنب الذي كنا ننتظره ،ونن نده ف كتبنا،
فهلموا نتبعه ونصدقه ،فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا".
وف رواية البخاري أنه قال " :يا معشر الروم ،هل لكم ف الفلح والرشد وأن يثبت ملككم
فتبايعوا هذا النب" فحاصوا حيصة حر الوحش إل البواب ،فوجدوها قد غلقت ،فلما رأى هرقل
نفرتم ،وأيس من اليان .قال" :ردوهم علي" ،وقال لم" :إن قلت مقالت آنفا أختب با شدتكم
()1
على دينكم ،فقد رأيتُ" فسجدوا له ورضوا عنه .
ولئن كان هرقل قد نكل عن مقتضيات شهادته فلم يدخل ف السلم – كحال الكثيين من
يعرفون الق فيصمّون عن اتباعه – فإن النجاشي ملك البشة قد آمن بالنب ،وقال لحبار
ملكته" :يا معشر القسيسي والرهبان ،ما يزيد ما يقول هؤلء على ما تقولون ف ابن مري ما يزن
هذه ،مرحبا بكم وبن جئتم من عنده ،فأنا أشهد أنه رسول ال ،والذي بشّر به عيسى ابن مري،
()2
ولو ل ما أنا فيه من اللك لتيته حت أحل نعليه".
وأكد سطوع البشارة به ف كتب أهل الكتاب إسلم العشرات العتبين من أهل الكتاب
كالسن بن أيوب والترجان وزيادة النصب الراسي والقس عبد الحد داود ،وإبراهيم خليل،
وموريس بوكاي وغيهم كثي.....
ولسوف نسمي النب القادم البشر به ف كثي من الواضع ف بثنا بالنب النتظر ،أو السيح
النتظر متابعة للستاذ الدكتور أحد حجازي السقا صاحب السبق ف معالة هذا الوضوع ،وجريا
على الصطلح الذي درج اليهود على استعماله ،للدللة على هذا النب الوعود.
والَ نسأل أن يشرح صدورنا لعرفة هذا النب ،وأن يرزقنا اليان به ،وأن يشرنا يوم القيامة ف
د .منقذ بن ممود السقار لوائه ،إنه ول ذلك والقادر عليه .
mongiz@maktoob.com مكة الكرمة – مرم 1425 -هـ
مدخل إلى نبوءات الكتاب المقدس
تطلق السفار القدسة على النب القادم أساء شت ،فتسميه تارة اللك ،وأخرى النب ،وتارة
تلقبه بالسِيّا وأخرى بالسيح ،بعن الخلص ،فكل هذه الساء مترادفات تدل على النب القادم،
وهي ف ذات الوقت أوصاف لذا النب العظيم.
لكن يبقى تسميته بالسيح أشهرها لا لذا اللقب من أهية عند بن إسرائيل.
وقد يتمسك بعضهم بأحقية عيسى عليه السلم بذا السم من غيه ،حيث لقب به عليه
الصلة والسلم ،فنقول :إن تسمية عيسى عليه السلم بالسيح تسمية اصطلحية ليست خاصة به،
حيث كان اليهود يسمون أنبياءهم وملوكهم ،بل وملوك غيهم بذا السم ،لعادتم ف مسح
ملوكهم وأنبيائهم بالزيت ،ث اعتادوا تسميتهم بالسيح ،ولو ل يسحوا.
وقد سي كورش ملك فارس مسيحا " يقول الرب لسيحه لكورش " (إشعيا .)1/45
وكذا داود كانا مسيحا "والصانع رحة لسيحه لداود" (الزمور .)18/50
وشاول اللك سي مسيحا ،إذ لا أراد أبيشاي قتل شاول وهو نائم ناه داود " فقال داود
لبيشاي :ل تلكه فمن الذي يد يده إل مسيح الرب ويتبّأ" (صموئيل (.)9-26/7 )1
وكذلك جاء ف سفر الزامي "ل تسوا مسحائي ،ول تسيئوا إل أنبيائي" (الزمور .)105/15
وانظر حديث سفر اللوك عن الكهنة السحاء( .انظر اللوك (.)1/10 )2
فهذا اللقب الشريف ليس خاصا بالسيح عيسى ابن مري عليه صلوات ال وسلمه ،بل هو
لقب يستحقه النب القادم لا يؤتيه ال من اللك والظفر والبكة الت فاقت بركة المسوحي بالزيت
من ملوك بن إسرائيل.
والسيح لقب للنب القادم الذي كانت تنتظره بنو إسرائيل ،لذا تساءل اليهود لا رأوا يوحنا
العمدان إن كان هو السيح القادم " فاعترف ول ينكر ،وأقر :إن لست السيح .فسألوه إذا ماذا؟
إيّليا أنت؟ " (يوحنا .)22 – 1/21
كما استخدم هذا السم جوعُ اليهود حي رأوا معجزات عيسى عليه السلم ،فقالوا " :ألعل
السيح (أي القادم) مت جاء يعمل آيات أكثر من هذه الت عملها هذا! " (يوحنا .)31 - 7/30
كما يطلق على النب القادم السِيّا ،وهو لقب مرادف للفظة السيح ،فقد جاء ف بيان ذلك ف
إنيل يوحنا " مسِيّا الذي تفسيه :السيح " (يوحنا ،)1/41فالكلمة السريانية" :ماشيح " ،تنطق
ف اللغات الت ليس فيها حرف الاء يسمى" :السيّا" .
ولعل البعض يهتف مطالبا بالكشف عن النص الصريح الذي يبشر بحمد ،ويبي بلء اسه
وصفته الت ل ينازعه فيها أحد ،وحُق له ذلك.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
()5 عليه وسلم؟
لكن يول دون تقيقه أمران متعلقان بالكتاب القدس وتراجه ،وها ل يعزبان عن فهم
التضلعي ف كتب القوم القدسة ،الذين يدركون السبب الذي أضاع أو أغمض كثيا من
البشارات الكتابية.
أولما :أن لهل الكتاب عادة ف ترجة الساء إل معانيها ،فيوردون ف الترجة العن دون
السم ،وقد يزيدون تفسيا للعبارة ،ويقحمونه ف النص.
ولكم ضاع بسبب هذا الصنيع من دللت واضحات ،منها نبوءة السيح عن البارقليط،
والذي تسميه التراجم الديثة :العزي ،ومنها بشارة النب حجي بقدم (مماد) الت ترجها الترجون
بشتهى ،فضاعت الكثي من دللت قول النب حجي" :ويأت مشتهى كل المم" (حجي .)2/7
ونوه ما جاء ف الزامي ( )84/6عندما ذكرت الزامي اسم مدينة السيح القادم ،أستها :وادي
بكة [בְעֵמֶק הַבָכָא] ،وتقرأ ( :بعيمق هبكا) ،فترجها الترجون إل العربية إل وادي
البكاء ،وترجتها نسخة الرهبانية اليسوعية إل "وادي الَبلَسان"؛ لتضيع دللتها على كل عرب
يعرف أن بكة هي بلد ممد } إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدًى للعالي
{ (آل عمران.)96 :
وضرب رحة ال الندي ف كتابه الاتع "إظهار الق" لذا الصنيع من الترجي ثلثة عشر مثالً
قارن فيها بي طبعات متلفة للكتاب القدس ،ليقف منها على أثر هذا الصنيع ف ضياع دللت
النصوص ،منها:
أنه جاء ف الطبعة العربية (1811م) " سى إبراهيم اسم الوضع :مكان يرحم ال زائره
" (انظر التكوين )22/14فاسم الكان العبان أبدله الترجم بعناه ،وف طبعة (1844م) العربية
قال " :دعا اسم ذلك الوضع ":الرب يرى" ،وبذلك ضاع السم الصحيح ،واختلفت العان،
ومثله كثي ..ث يقول رحة ال الندي " :فهؤلء الترجون لو بدلوا ف البشارات الحمدية لفظ
رسول ال بلفظ آخر ،فل استبعاد منهم ".
وف هذا الصدد نقل العلمة رحة ال الندي أيضا عن حيدر القرشي صاحب كتاب " خلصة
سيف السلمي " قوله " :إن القسيس أوسكان الرمن ترجم كتاب إشعياء باللسان الرمن ف سنة
ألف وستمائة وست وستي ،وطبعت هذه الترجة ف سنة ألف وسبعمائة وثلث وثلثي ف مطبعة
أنتون بورتول ،ويوجد ف هذه الترجة ف الباب الثان والربعي هذه الفقرة " :سبحوا ال تسبيحا
()1
جديدا ،وأثر سلطنته على ظهره ،واسه أحد " (إشعيا .)11 – 42/10
ثانيهما :الكتاب القدس كثي الستعارات ،تكثر فيه الرموز والشارات خاصة فيما يتعلق
بالستقبل ،يقول صاحب كتاب " مرشد الطالبي إل الكتاب القدس الثمي " " :وأما اصطلح
الكتاب القدس فإنه ذو استعارات وافرة غامضة وخاصة العهد العتيق ".
ويقول أيضا " :واصطلح العهد الديد أيضا هو استعاري جدا ،وخاصة مسامرات ملصنا،
()1
وقد اشتهرت آراء كثية فاسدة لكون بعض معلمي النصارى شرحوها شرحا حرفيا." ...
لذا ينبغي أن يدرك القارئ الشاق الت سنعانيها ونن نبحث عن الكلمة الصلية أو السم
الذي أضاعه الترجون ،كما سيدرك القارئ -بثاقب فكره -طبيعة الكتاب القدس ف التعبي عن
القائق عن طريق الستعارة واللغاز.
هذه الصعوبة لن يشعر با أولئك الذين يتفاخرون بأن كتابم قد حوى الكثي من النبوءات الت
تققت فيما بعد كقيام التاد السوفيت وإسرائيل وحت شخص كسينجر ،وذلك كله عن طريق
اللغاز أو بساب المّل أو سوى ذلك ،ويقولون أيضا بورود مئات النبوءات الت تشي إل السيد
السيح ،فإن النصارى يرون أن ف العهد القدي ألف نبوءة عن السيح.
وهنا نتساءل هل من العقول أن يلو الكتاب القدس من نبوءة عن ذلك الرجل الذي غيّر
مسار التاريخ باسم ال ،أما كان ينبغي أن يكون له ف هذه النبوءات نصيب ،ولو نبوءة واحدة
تذر من حاله ودعوته أو تبشر با؟!
والجابة عن هذا السؤال صمت مطبق من أولئك الذين يدعون أنم الوحيدون الؤهلون لل
ألغاز ورموز هذا الكتاب واستخراج نبوءاته وفهم مراميه.
ودينه ،يعتب الفتاح الذي نلج به إل نبوءات العهد القدي والديد، لكن ظهور كلمة النب
ففي طيات أسفار التوارة نبوءة وميزان يكشف الدعي الكاذب ،ويليه بوصفه وحاله ،يقول سفر
التثنية " وأما النب الذي يطغى فيتكلم باسي كلما ل أوصه ...فيموت ذلك النب ...فل تف
منه" (التثنية .)22 - 18/20
وقد قال غملئيل الفريسي كلمة حق" :والن أقول لكم :تنحوا عن هؤلء الناس واتركوهم،
لنه إن كان هذا الرأي أو هذا العمل من الناس فسوف ينتقض ،وإن كان من ال فل تقدرون أن
تنقضوه ،لئل توجدوا ماربي ل أيضا " (أعمال ،)39-5/38ودعوة نبينا ل تنتقض ،بل ملت
الافقي ،وسادت الدنيا قرونا طوالً.
فسلمته من القتل ،وانتصاره على عدوه ،وانتشار دعوته ودينه ،دليل وبرهان على صدقه
ورسالته " لن الرب يعرف طريق الصديقي ،وطريق النافقي تلك " (الزمور .)1/6
وكذا قال " :وتلك كل الذين يتكلمون بالكذب ،الرجل السافك الدماء والغاش يرذله الرب"
(الزمور .)5/6
ويقول " :الرب يعضد الصديقي ...أما الطاة فيهلكون ،وأعداء الرب جيعا ..وكالدخان
يفنون " (الزمور .)20 - 3/17
لقد دلت هذه النصوص على صدق رسول ال ف نبوته ورسالته ،لسلمته من الذى وتام
أمره ودينه وانتشار دعوته ف العالي.
)سلسلة الهدى والنور (5
()8
الملك المنتظر
ف عام 63ق .م وقعت القدس وفلسطي بيد الرومان الوثنيي ،ليبدأ -من جديد -اضطهاد
آخر عان منه بنو إسرائيل ،بنو إسرائيل الذين كانوا يترقبون ملصا عظيما يرد إليهم اللك الضائع
والسؤدد الذي طال لفهم وشوقهم إليه.
لقد كانوا ينتظرون تقق بشارة يعقوب وموسى وداود وغيهم من النبياء بالقادم النتظر ،فهم
ل يارون ول يشكون ف مقدم النب اللك الظافر الذي يقود أتباعه إل عز الدنيا وسعادة الخرة،
لذا لا بُعث السيح العظيم ،ورأوا ما أعطاه ال من العجزات تعلق الكثيون منهم بشخص السيح،
راجي أن يكون هو النب الظفر العظيم ،النب الخلص ،وهذا أمر يراه بلء الذي يتتبع أقوال
معاصري السيح من اليهود.
وتنقل لنا السفار القدسة قصص بعض أولئك الذين كانوا يترقبون اللك الظفر النتظر ،من
هؤلء سعان ،الذي وصفه لوقا" :كان الرجل ف أورشليم اسه سعان ،وهذا الرجل كان بارا تقيا
ينتظر تعزية إسرائيل ،والروح القدس كان عليه" (لوقا ،)2/25فسمعان هذا أحد منتظري
اللص.
ومنهم نثنائيل الذي صارح السيح بشعوره وظنه " أجاب نثنائيل وقال له :يا معلّم أنت ابن ال؟
أنت ملك إسرائيل؟ أجاب يسوع وقال له :هل آمنت لن قلت لك( " ..يوحنا .)50-1/49
ولا أشيع أن السيح صلب حزن بعضهم لتخلف اللص النشود ف شخص السيح ،إذ تعرض
السيح بعد القيامة لتلميذين وهو متنكر "فقال لما :ما هذا الكلم الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان
عابسي ،فأجاب أحدها -الذي اسه كليوباس -وقال له :هل أنت متغرب وحدك ف أورشليم ول
تعلم المور الت حدثت فيها ف هذه اليام ،فقال لما :وما هي؟ فقال :الختصة بيسوع الناصري
الذي كان إنسانا نبيا مقتدرا ف الفعل والقول أمام ال وجيع الشعب ،كيف أسلمه رؤساء الكهنة
وحكامنا لقضاء الوت ،وصلبوه ،ونن كنا نرجو أنه هو الزمع أن يفدي إسرائيل ،ولكن مع هذا
كله اليوم له ثلثة أيام منذ حدث ذلك" (لوقا .)21-24/17لقد كانوا ينتظرون اللص على
يديه كما كانت قد وعدت النصوص التوراتية بقدم اللك الظافر الذي يلص شعبه ويقودهم
للنصر على المم ،إذا بم يسمعون بقتله وصلبه.
وقال له التلميذ بعد القيامة " :يا رب هل ف هذا الوقت ترد اللك إل إسرائيل؟ فقال لم :ليس
لكم أن تعرفوا الزمنة والوقات الت جعلها الب ف سلطانه" (أعمال .)7-1/6أي أن هذا ليس
هو وقت اللك النتظر.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
()9 عليه وسلم؟
يقول عوض سعان " :إن التفحصي لعلقة الرسل والواريي بالسيح يد أنم ل ينظروا إليه إل
على أنه إنسان … كانوا ينتظرون السيّا ،لكن السيّا بالنسبة إل أفكارهم الت توارثوها عن
()1
أجدادهم ل يكن سوى رسول متاز يأت من عند ال ".
وقد سبق أن ظن شعب إسرائيل -التلهف لظهور النب العظيم الظفر -أن يوحنا العمدان هو
السيح النتظر "إذ كان الشعب ينتظر ،والميع يفكرون ف قلوبم عن يوحنا ،لعله السيح" (لوقا
.)3/15
وهذه الموع التربصة للخلص لا رأت السيح قالوا فيه ما قالوه من قبل عن يوحنا العمدان
"قالوا للمرأة :إننا لسنا بعد بسبب كلمك نؤمن ،لننا نن قد سعنا ونعلم أن هذا هو بالقيقة
السيح ملّص العال" (يوحنا .)4/42
وأندرواس قال لخيه سعان مبشرا " :قد وجدنا مسِيّا ،الذي تفسيه السيح" (يوحنا .)1/41
والراة السامرية لا رأته أعاجيبه " قالت له الرأة :أنا أعلم أن مسيّا -الذي يقال له السيح -
يأت ،فمت جاء ذاك يبنا بكل شيء" (يوحنا .)30-4/25
وشاع هذا الب ف بن إسرائيل حت خشي رؤساء الكهنة من بطش الرومان إن عرفوا أن
السيح النتظر العظيم الظفر قد ظهر ف شخص عيسى ،فسارعوا إل اليقاع به ،متهمي إياه بإفساد
المة وادعاء أنه الخلص النتظر " ،فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون ممعا ،وقالوا :ماذا نصنع،
فإن هذا النسان يعمل آيات كثية ،إن تركناه هكذا يؤمن الميع به ،فيأت الرومانيون ويأخذون
موضعنا وأمّتنا؟
فقال لم واحد منهم ،وهو قيافا ،كان رئيسا للكهنة ف تلك السنة :أنتم لستم تعرفون شيئا،
ول تفكرون ،إنه خي لنا أن يوت إنسان واحد عن الشعب ،ول تلك المة كلها " (يوحنا
.)50-11/47فقالوا لبيلطس " :إننا وجدنا هذا يفسد المة ،وينع أن تعطى جزية لقيصر قائلً:
إنه هو مسيح ملك ،فسأله بيلطس قائلً :أنت ملك اليهود؟ فأجابه وقال :أنت تقول ،فقال
بيلطس لرؤساء الكهنة والموع :إن ل أجد علّة ف هذا النسان" (لوقا ،)4-23/2فقد ثبت
لبيلطس براءته ما اتموه ،إذ هو ل يدع أنه ملك اليهود النتظر.
يدعوه ربا فكيف يكون ابنه" (لوقا ،)44-20/40ورغم هذا البيان يصر النصارى إل يومنا هذا
أن السيح عيسى عليه السلم هو من بشر به داود ف نبوءته مع قولم بأنه ابن داود!
ونقل بولس (أو بالحرى الكاتب الجهول للرسالة) ف الرسالة إل العبانيي بشارة ال لداود
بابنه سليمان ،وجعلها نبوءة بالسيح عليه السلم ،فيقول" :كلمنا ف هذه اليام الخية ف ابنه
الذي جعله وارثا لكل شيء ..صائرا أعظم من اللئكة ،بقدار ما ورث اسا أفضل منهم ،لنه لن
مِن اللئكة قال قط :أنت ابن ،أنا اليوم ولدتك ،وأيضا أنا أكون له أبا ،وهو يكون ل ابنا"
(عبانيي .)1/5
وقد اقتبس الكاتب العبارة الواردة ف سفر صموئيل الثان ( ،)7/14وجعلها نبوءة عن السيح،
ففيه" :أنا أكون له أبا ،وهو يكون ل ابنا " فقد ظن كاتب أن هذه العبارة نبوءة عن السيح عليه
السلم ،فنقلها ف رسالته.
إل أن هذا القتباس غي صحيح ،فالنص جاء ف سياق الديث إل داود ،فقد أمر ال النب ناثان
أن يقول لداود" :فهكذا تقول لعبدي داود ...مت كملت أيامك واضطجعت مع آبائك أقيم
نسلك الذي يرج من أحشائك ،وأثبت ملكته ،هو يبن بيتا لسي ،وأنا أثبت كرسي ملكته إل
البد ،أنا أكون له أبا ،وهو يكون ل ابنا ،وإن تعوج أودبه بقضيب الناس وبضربات بن آدم ...
كذلك كلم ناثان داود" (صموئيل (.)17-7/8 )2
فالتنبئ عنه يرج من أحشاء داود ،وليس من أحفاده ،وهو يلك على بن إسرائيل بعد
اضطجاع داود مع آبائه أي موته ،وهو بان بيت ال ،وهو متوعد بالعذاب إن مال عن دين ال،
وكل هذا قد تقق ف سليمان كما تذكر التوراة.
إن أيا من تلك الواعيد ل يتحقق ف السيح عليه السلم ،فهو عندهم إله ل يصح أن يتوعد
بالعذاب من ال ،لنه ل يطئ أصلً ،كما أنه ل يب ل بيتا ،ول يلك على بن إسرائيل يوما واحدا،
ول يثبت كرسي ملكته ،لنه ل ملكة له أصلً ف هذا العال ،كما أخب هو ،فقال" :أجاب يسوع:
ملكت ليست من هذا العال ،لو كانت ملكت من هذا العال لكان خدامي ياهدون لكي ل أسلّم إل
اليهود ،ولكن الن ليست ملكت من هنا" (يوحنا .)18/36
كما وقد جاء ف سفر أخبار اليام الول أن اسم صاحب النبوءة يكون سليمان ،فقد قال
لداود" :هوذا يولد لك ابن ،يكون صاحب راحة ،وأريه من جيع أعدائه حواليه ،لن اسه يكون
سليمان ،فأجعل سلما وسكينة ف إسرائيل ف أيامه ،هو يبن بيتا لسي ،وهو يكون ل ابنا ،وأنا له
أبا ،وأثبت كرسي ملكه على إسرائيل إل البد" (اليام (.)22/9 )1
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 12
ومن تريف النيليي لنبوءات التوراة أو خطئهم ف فهمها ما صنعه مت ف قوله عن السيح
وعودته من مصر إبان طفولته " :كان هناك إل وفاة هيودس ،لكي يتم ما قيل من الرب بالنب
القائل :من مصر دعوتُ ابن " (مت ،)15-2/14فقد زعم أن ذلك يقق النبوءة التوراتية الت ف
سفر هوشع (.)2-11/1
لكن النص الذي ف هوشع ل علقة له بالسيح ،فالنص يتحدث عن عودة شعب إسرائيل من
مصر مع موسى ،والديث ف أصل السياق عن يعقوب ،ث ينتقل للحديث عن أبنائه وعودتم من
مصر ث عبادتم للوثان بعد ذلك وإعراضهم عن دعوات ال لم ،فيقول " :لا كان إسرائيل غلما
أحببته ،ومن مصر دعوت ابن ،كلما دعوا ولوا وجوههم ،وذبوا لبعاليم ،وقربوا للصنام" (هوشع
.)2-11/1
فالنص ل علقة له بالسيح ،uفعبادة الصنام الت يتحدث عنها النص حصلت قبل السيح،
ول تنطبق على معاصري السيح ،لن اليهود تابوا عن عبادة الوثان قبل ميلد السيح بقرون،
بعدما أطلقوا من أسر بابل ،ث ل يعودوا إليها بعد تلك التوبة كما هو معلوم ف كتب التاريخ.
واستخدام هذه الصيغة (ابن) ف شعب بن إسرائيل معهود ف التوارة ،فقد جاء فيها" :عندما
تذهب لترجع إل مصر ...فتقول لفرعون :هكذا يقول الرب :إسرائيل ابن البكر ،قلت لك:
أطلق ابن ليعبدن " (الروج .)23 - 4/21
ل من سوء فهم التلميذ لكلمه ،وإبان حياته صحح لم مرارا الكثي
لقد عان السيح uطوي ً
من أخطائهم ف فهم النبوءات ،بل وسائر الكلم .لقد عجزوا عن فهم البسيط من كلمه ،فأن لم
أن يفهموا النبوءات؟
فذات مرة " أوصاهم قائلً :انظروا وترزوا من خي الفريسيي وخي هيودس ،ففكروا قائلي
بعضهم لبعض :ليس عندنا خبز .فعلم يسوع ،وقال لم :لاذا تفكرون أن ليس عندكم خبز؟ أل
تشعرون بعد ول تفهمون؟ أحت الن قلوبكم غليظة؟ ألكم أعي ول تبصرون؟ ولكم آذان ول
تسمعون ول تذكرون؟" (مرقس ،)18-8/15كيف ل تفهمون أن ما عنيت البز القيقي
بكلمي؟
وف مرة أخرى كلمهم ،فلم يفهموه " فقال كثيون من تلميذه إذ سعوا :إن هذا الكلم
صعب ،من يقدر أن يسمعه؟" (يوحنا .)6/60
لقد كانوا يسيئون فهم البسيط من كلمه ،ث يستنكفون عن سؤاله عما أعجم عليهم ،من
ذلك ما زعمه مرقس حي قال" :كان يعلّم تلميذه ويقول لم :إن ابن النسان يسلم إل أيدي
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 13 عليه وسلم؟
الناس ،فيقتلونه ،وبعد أن يقتل يقوم ف اليوم الثالث ،وأما هم فلم يفهموا القول ،وخافوا أن
يسألوه" (مرقس .)32-9/31
ويتد سوء الفهم وغلظة الذهن ف فهم كلم الناموس حت إل أولئك التعلمي والصفوة من بن
إسرائيل ،فها هو نيقوديوس يسيء فهم كلم السيح uحي قال له " :الق الق أقول لك ،إن
كان أحد ل يولد من فوق ،ل يقدر أن يرى ملكوت ال .قال له نيقوديوس :كيف يكن النسان
أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟ ..أجاب يسوع وقال له :أنت معلّم
إسرائيل ولست تعلم هذا!" (يوحنا ،)10-3/3ل يفهم معن الولدة الروحية الديدة وظن أن
الولدة من فوق تقتضي أن يدخل الرجل مرة أخرى ف بطن أمه!
فلئن كان هذا حال معلم إسرائيل فماذا عساه يكون حال مت العشار أو يوحنا صياد السمك
وبطرس ،وها تلميذان عاميان عديا العلم ،كما شهد بذلك سفر أعمال الرسل " فلما رأوا ماهرة
بطرس ويوحنا ،ووجدوا أنما إنسانان عديا العلم وعاميان تعجبوا " ( أعمال ،) 4/13فإن تلميذ
السيح جهال العال كما أخب بولس عن السيح "يتار جهال العال ليخزي الكماء" (كورنثوس (
.)1/27 )1
وكثي من كلم السيح uوأفعاله ل يفهم التلميذ -إبان حياة السيح -صلته بالنبوءات
التوراتية ،ث ظنوا بعد رفعه أنه كان نبوءات عن السيح "ووجد يسوع جحشا ،فجلس عليه كما
هو مكتوب :ل تاف يا ابنة صهيون ،هوذا ملكك يأت جالسا على جحش أتان ،وهذه المور ل
يفهمها تلميذه أولً ،ولكن لا تجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه ،وأنم صنعوا
هذه له" (يوحنا .)16-12/14
فقد غلب على كثي من بن إسرائيل لفرط شوقهم إل الخلص الغالب الظفر ،غلب على
ظنهم أنه السيح عيسى عليه السلم" ،فكثيون من المع لا سعوا هذا الكلم قالوا :هذا بالقيقة
هو النب ،آخرون قالوا :هذا هو السيح ،وآخرون قالوا :ألعل السيح من الليل يأت؟ أل يقل
الكتاب :إنه من نسل داود ومن بيت لم القرية الت كان داود فيها يأت السيح؟" (يوحنا -7/38
.)41
فالموع أيضا على اختلف ثقافاتا كانت تاول البحث عن اللص من خلل السيح عليه
السلم "أما أنت يا بيت لم أفراتة وأنت صغية أن تكون بي ألوف يهوذا ،فمنك يرج ل ،الذي
يكون متسلطا على إسرائيل ،ومارجه منذ القدي ،منذ أيام الزل ،لذلك يسلّمهم إل حينما تكون
قد ولدت والدة ،ث ترجع بقية إخوته إل بن إسرائيل ،ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم
الرب إله ويثبتون ،لنه الن يتعظم إل أقاصي الرض ،ويكون هذا سلما ،إذا دخل أشور ف
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 14
أرضنا ،وإذا داس ف قصورنا نقيم عليه سبعة رعاة وثانية من أمراء الناس ،فيعون أرض أشور
بالسيف وأرض نرود ف أبوابا ،فينقذ من أشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تومنا" (ميخا -5/2
.)6
ومن العلوم أن السيح uل يقق هذه النبوءة الت كانوا يريدون ،فقد كانوا يبحثون عمن
يلك عليهم وينتقم ويلص شعبه من الشوريي ،ويل السلم ف ربوع اليهود.
يقول بري عن السيح عليه السلم -فيما نقله عنه أحد شلب :-واستطاع بفصاحته أن
يذب له كثيا من أتباعه (الذين هم ف الصل يهودا ينتظرون السيح) ،وهم منحوه هذا اللقب.
لقد منحوه من عندياتم ما ل يقله ،كما سيمر معنا ف حينه.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 15 عليه وسلم؟
وف بلط بيلطس نفى أن يكون اللك النتظر لليهود ،كما زعموا وأشاعوا "أجاب يسوع:
ملكت ليست من هذا العال ،لو كانت ملكت من هذا العال لكان خدامي ياهدون لكي ل أسلّم إل
اليهود ،ولكن الن ليست ملكت من هنا" (يوحنا ،)18/36فمملكته روحانية ،ف النة ،وليست
ملكة اليهود النتظرة ،الملكة الزمانية الادية ،الت يشاها الرومان.
لذلك ثبتت براءته من هذه التهمة ف بلط بيلطس الذي سأله قائلً " :أنت ملك اليهود؟
فأجابه وقال :أنت تقول ،فقال بيلطس لرؤساء الكهنة والموع :إن ل أجد علّة ف هذا النسان"
(لوقا ،)4-23/2فجوابه ل يكن اعتباره بال من الحوال إقرارا ،فهو يقول له :أنت الذي تقول
ذلك ،ولست أنا.
وثة آخرون أدركوا أنه ليس السيح النتظر مستدلي بعرفتهم بأصل السيح عيسى ونسبه
وقومه ،بينما النتظر القادم غريب ل يعرفه اليهود "قال قوم من أهل أورشليم :أليس هذا هو الذي
يطلبون أن يقتلوه ،وها هو يتكلم جهارا ،ول يقولون له شيئا ،ألعل الرؤساء عرفوا يقينا أن هذا هو
السيح حقا؟ ولكن هذا نعلم من أين هو ،وأما السيح فمت جاء ل يعرف أحد من أين هو" (يوحنا
،)27-7/25ذلك أن السيح غريب عن بن إسرائيل.
وقد أكد السيح صدق العلمة الت ذكروها للمسيح الغائب ،فقال ف نفس السياق" :فنادى
يسوع وهو يعلّم ف اليكل قائلً :تعرفونن ،وتعرفون من أين أنا ،ومن نفسي ل آت ،بل الذي
أرسلن هو حق ،الذي أنتم لستم تعرفونه ،أنا أعرفه لن منه وهو أرسلن ...فآمن به كثيون من
المع وقالوا :ألعل السيح مت جاء يعمل آيات أكثر من هذه الت عملها هذا!" (يوحنا -7/25
،)31فذكر السيح أنه رسول من عند ال ،وأنه ليس الذي ينتظرونه ،فذاك ل يعرفونه.
وقد آمن به الذين كلمهم ،وفهموا أنه ليس السيح النتظر ،فتأمل قول يوحنا " :فآمن به
كثيون من المع وقالوا :ألعل السيح مت جاء يعمل آيات أكثر من هذه الت عملها هذا؟" (يوحنا
.)31-7/30
وعيسى عليه السلم هو ابن داود كما ف نسبه الذي ذكره مت ولوقا ،وقد دعي مرارا " يا
يسوع ابن داود" (مرقس ( ،)10/47وانظر مت ،20/31 ،1/1ولوقا ،18/28وغيها).
أما السيح النتظر ،اللك القادم فليس من ذرية داود ،كما شهد السيح بذلك "فيما كان
الفريسيون متمعي سألم يسوع قائلً :ماذا تظنون ف السيح ،ابن من هو؟ قالوا له :ابن داود ،قال
لم :فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلً :قال الرب لرب :اجلس عن يين حت أضع أعداءك
موطئا لقدميك؟ فإن كان داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن ييبه بكلمة ،ومن
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 17 عليه وسلم؟
ذلك اليوم ل يسر أحد أن يسأله بتة" (مت .)46-22/41فالسيح uيشهد بصراحة أنه ليس
السيح النتظر.
والسيح uل يكن أن يقق النبوءات البشرة باللك العظيم القادم ،ول يكن أن يصبح ملكا
على كرسي داود وغيه ،لنه من ذرية اللك الفاسق يهوياقيم بن يوشيا ،أحد أجداد السيح كما ف
سفر اليام الول " بنو يوشيا :البكر يوحانان ،الثان يهوياقيم ،الثالث صدقيا ،الرابع شلّوم .وابنا
يهوياقيم :يكنيا ابنه ،وصدقيا ابنه" (اليام ( ،)15-3/14 )1فيهوياقيم جد للمسيح (حسب
روايات الكتاب القدس) ،واسم يهوياقيم أسقطه مت من نسبه الزعوم للمسيح ،بي يوشيا وحفيده
يكنيا.
وقد حرم ال اللك على ذريته كما ذكرت التوراة " قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا :ل
يكون له جالس على كرسي داود ،وتكون جثته مطروحة للحر نارا وللبد ليلً ( " ...إرميا
،)36/30فكيف يقول النصارى -الذين يزعمون أن السيح من ذرية يكينيا ابن الفاسق يهوياقيم
-بأن الذي سيملك ويقق النبوءات هو السيح؟!
ث إن التأمل ف سية السيح uوأقواله وأحواله ينع أن يكون هو اللك القادم ،اللك النتظر،
فالسيح ل يلك على بن إسرائيل يوما واحدا ،وما حلت رسالته أي خلص دنيوي لبن إسرائيل،
كذاك النب الذي ينتظرونه ،بل كثيا ما هرب السيح خوفا من بطش اليهود ،فأين هو من اللك
الظافر الذي يوطِئه ال هامات أعدائه ،وتدين الرض له ولمته.
فالنب الت يسحق ملوك وشعوب زمانه كما أخب يعقوب "يأت شيلون ،وله يكون خضوع
شعوب" (التكوين ،)49/10وقال عنه داود" :تقلد سيفك على فخذك أيها البار ،جللك
وباءك ،وبللك اقتحم .اركب من أجل الق والدعة والب ،فتريك يينك ماوف ،نبلك السنونة
ف قلب أعداء اللك ،شعوب تتك يسقطون .كرسيك يا ال إل دهر الدهور ،قضيب استقامة
قضيب ملكك " (الزمور .)6 - 45/1
أما السيح عيسى عليه السلم فكان يدفع الزية للرومان "ولا جاءوا إل كفر ناحوم تقدم الذين
يأخذون الدرهي إل بطرس وقالوا :أما يوف معلمكم الدرهي؟ قال :بلى ،فلما دخل البيت سبقه
يسوع قائلً :ماذا تظن يا سعان ،من يأخذ ملوك الرض الباية أو الزية أمن بنيهم أم من
الجانب؟ قال له بطرس :من الجانب ،قال له يسوع :فإذا البنون أحرار ،ولكن لئل نعثرهم اذهب
إل البحر ،وألق صنارة ،والسمكة الت تطلع أو ًل خذها ،ومت فتحت فاها تد أستارا ،فخذه
وأعطهم عن وعنك" (مت ،)27-17/24فأين حال دافع الزية من اللك الذي تسقط تت
قدميه شعوب خاضعة ذليلة لسلطانه.
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 18
والسيح عليه السلم رفض أن يكون قاضيا بي اثني يتصمان ،فهل تراه يدعي اللك
والسلطان" ،قال له واحد من المع :يا معلّم ،قل لخي أن يقاسن الياث ،فقال له :يا إنسان من
أقامن عليكما قاضيا أو مقسّما!؟" (لوقا .)14-12/13
ولئن أصر النصارى على مالفة الكتاب فقالوا :السيح هو اللك الوعود الظافر الذي تضع له
الشعوب ،وأن ذلك سيحققه حال عودته الثانية ،فإن ذلك ما تدحضه النبوءة الت ذكرها اللك
لري ،حيث أخبها أن السيح سيملك على بيت يعقوب فحسب ،فغاية ما يكن أن يلك عليه هو
شعب إسرائيل ،فقد قال لا اللك " :ويعطيه الرب الله كرسي داود أبيه ،ويلك على بيت
يعقوب إل البد ،ول يكون للكه ناية" (لوقا ،)1/33فيما السيح الوعود "له يكون خضوع
شعوب" (التكوين ،)49/10و " شعوب تتك يسقطون " (الزمور ،)45/5فملكه أعظم من
ملكة بن إسرائيل.
ويدر هنا أن ننبه إل أن وعد ال لبن إسرائيل باللك القادم على كرسي داود وعد مشروط
بطاعتهم ل وعملهم وفق مشيئته ،كما أخبهم ال بقوله " :إن نقضتم عهدي ..فإن عهدي مع
داود عبدي يُنقض ،فل يكون له ابن مالكا على كرسيه " ( إرميا ،) 21 - 33/20فهل تراهم
نقضوا وهم ياولون قتل السيح أم كانوا على الوعد والعهد العظيم.
لقد نقضه القوم مرارا وتكرارا فرفضهم ال إل البد "لاذا رفضتنا يا ال إل البد! لاذا
يدخن غضبك على غنم مرعاك! اذكر جاعتك الت اقتنيتها منذ القدم وفديتها " (الزمور -74/1
،)2لقد رفض ال هذه المة العاتية القاسية ،وكان رفضه لا أبديا ،فلن يكون لم اللك الوعود ،
لنم ل يوفوا بشرط وميثاق ال العظيم.
وقد يشكل ف هذا الباب ما جاء ف قصة الرأة السامرية الت أتت السيح ورأت أعاجيبه
وآياته ،فأخبته بإيانا بجيء السيا ،فكان جوابه لا أنه هو السيا " ،قالت له الرأة :أنا أعلم أن
مسيا الذي يقال له السيح يأت ،فمت جاء ذاك يبنا بكل شيء ،قال لا يسوع :أنا الذي أكلمك
هو" (يوحنا .)26-4/25
ولست أشك ف وقوع التحريف ف هذه العبارة ،بدليل أن هذا النص يالف ما عهدناه من
السيح ،وبدليل أن أحدا من التلميذ -با فيهم يوحنا كاتب القصة -ل يكن يسمع حديثه ،وهو
يتحدث مع الرأة ،فل يعرفون عن موضوع الديث بينهما " قال لا يسوع :أنا الذي أكلمك هو،
وعند ذلك جاء تلميذه وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة .ولكن ل يقل أحد :ماذا تطلب؟ أو
لاذا تتكلم معها " (يوحنا ،)27-4/26فهم ل يسمعوا حديثهما ول يسألوه عما جرى بينهما.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 19 عليه وسلم؟
وأوضح الدلة على وقوع التحريف ف هذه القصة أن الرأة الت رأت أعاجيبه ،وقال لا هذا
القول الدعى ،ل تكن تؤمن أنه السيح النتظر ،لنا ل تسمع منه ذلك ،ولو سعته لمنت وصدقت،
فقد انطلقت تبشر به ،وهي غي متيقنة أنه السيح النتظر "فتركت الرأة جرتا ،ومضت إل الدينة
وقالت للناس :هلموا انظروا إنسانا قال ل كل ما فعلت ،ألعل هذا هو السيح؟" (يوحنا -4/28
.)29
وما تقدم ظهر جليا أن السيح uل يدع أنه السيح الذي تنتظره اليهود ،وإن زعم ذلك بعض
معاصريه ،الذين كانوا يتوقون للمخلص العظيم الذي يسلطه ال على أعدائه.
وقد صدق شارل جنيب حي قال" :والنتيجة الكيدة لدراسات الباحثي ،هي :أن السيح ل
يدع قط أنه هو السيح النتظر ،ول يقل عن نفسه إنه ابن ال ...فتلك لغة ل يبدأ ف استخدامها
()1
سوى السيحيي الذين تأثروا بالثقافة اليونانية".
أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بم الكفار وعد ال الذين
آمنوا وعملوا الصالات منهم مغفرة وأجرا عظيما { (الفتح)29 :
ول يب القرآن الكري -بالتفاصيل -عن صفات رسول ال وأحواله الذكورة ف كتب أهل
الكتاب ،لكنه أخب عن حقيقة مهمة ،وهي أن أهل الكتاب يعرفون رسول ال معرفتهم أبناءهم،
لكثرة ما حدثتهم النبياء والكتب عنه } الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم
وإن فريقا منهم ليكتمون الق وهم يعلمون { (النعام)20:
وهذه العرفة ول ريب تصدر عن كثرة أو وضوح البشارات الواردة ف كتبهم عنه عليه
الصلة والسلم.
وسنحاول خلل الصفحات القادمة تلمس بعض هذه النبوءات ،راجي أن نوفق ف إزالة الكثي
ما أصابا من غبار التحريف ،مترزين عن الكثي من سوء الفهم الذي وقع فيه النصارى ف فهم
هذه النبوءات.
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 22
)(1ذكر بعض الحققي أن النص ف النصوص العبانية القدية استخدم ما معناه :إنسانا مثمرا ،فيما الترجة
التداولة تعله وحشيا؟!
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 23 عليه وسلم؟
فاستجاب ال له وبشره بالبكة فيه وف ابن آخر يهبه ال له ،فقد بشره بيلد إسحاق من
زوجه سارة فقال " :وأباركها وأعطيك أيضا منها ابنا ،أباركها فتكون أما ،وملوك شعوب منها
يكونون ...وتدعو اسه إسحاق ،وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده.
وأما إساعيل فقد سعت لك فيه ،ها أنا أباركه وأثره ،وأكثره كثيا جدا ،اثن عشر رئيسا
يلد ،وأجعله أمة كبية " (التكوين .)20 - 17/16
وقد كان إسحاق uأصغر من إساعيل uبأربعة عشر سنة "وكان إبراهيم ابن مائة سنة حي
ولد له إسحاق ابنه" (التكوين .)21/5
وقد ولد لبراهيم أبناء آخرون من زوجته قطورة ،لكن ال ل يعده بالبكة فيهم "عاد إبراهيم
فأخذ زوجة اسها قطورة ،فولدت له زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا" (التكوين
،)2-25/1ول يرج من نسلهم أنبياء لعدم الوعد فيهم بالبكة.
وهذا الذي تذكره التوراة يتفق إل حد كبي مع ما يقوله القرآن ،فالقرآن يقرر بركة وعهدا
لبراهيم ف صالي ذريته من ابنيه الباركي إساعيل وإسحاق ،حيث يقول } :وإذ ابتلى إبراهيم
ربه بكلمات فأتهن قال إن جاعلك للناس إماما قال ومن ذريت قال ل ينال عهدي الظالي
{ (البقرة.)124 :
وذكر ال بركة البني وأن من ذريتهما صال مستحق للعهد ،وظال ليس له من العهد شيء
فقال عن إساعيل } :وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما مسن وظال لنفسه مبي {
(الصافات.)113 :
وهذا يتفق مع ما جاء ف التوراة الت نصت على أن العهد والصطفاء مشروط بالعمل الصال،
والبكة الت أُعطيها إبراهيم إنا هي بسبب عمله الصال" ،تتبارك ف نسلك جيع أمم الرض ،من
أجل أن إبراهيم سع لقول ،وحفظ ما يفظ ل أوامري وفرائضي وشرائعي" (التكوين .)26/4
ل فأجعل عهدي ( " ..التكوين
وتتوال البكة ف ذريته وفق هذا الشرط "سر أمامي وكن كام ً
،)2 - 17/1وكما قال عنه وعن ذريته الباركة " :إبراهيم يكون أمة كبية وقوية ،ويتبارك به
جيع أمم الرض ،لن عرفته ،لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يفظوا طريق الرب ،ليعملوا برا
وعدلً ،لكي يأت الرب لبراهيم با تكلم به " (التكوين ،)19 – 18/18فالعمل بوصايا ال هو
سبب هذه البكة ،وقد قال ال لبراهيم" :ويتبارك ف نسلك جيع أمم الرض ،من أجل أنك
سعت لقول" (التكوين .)22/18
ووفق هذا الشرط كانت البكة والعهد لبناء لوي " إن أرسلت إليكم هذه الوصية ،لكون
عهدي مع لوي قال رب النود .كان عهدي معه للحياة والسلم ،وأعطيته إياها للتقوى ،فاتقان،
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 24
ومن اسي ارتاع هو ،شريعة الق كانت ف فيه ،وإث ل يوجد ف شفتيه ،سلك معي ف السلم
والستقامة ،وأرجع كثيين عن الث " (ملخي .)7-2/4
فبكة ال إنا تكون للصالي ،ولعنته هي نصيب الكافرين ،كما قال ال لوسى " :انظر .أنا
واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة ،البكة إذا سعتم لوصايا الرب إلكم الت أنا أوصيكم با اليوم،
واللعنة إذا ل تسمعوا لوصايا الرب إلكم وزغتم عن الطريق الت أنا أوصيكم با اليوم ،لتذهبوا
وراء آلة أخرى ل تعرفوها" (التثنية .)28 -11/26
كما قال ال له أيضا" :فاحفظ الوصايا والفرائض والحكام الت أنا أوصيك اليوم لتعملها،
ومن أجل أنكم تسمعون هذه الحكام وتفظون وتعملونا ،يفظ لك الرب إلك العهد والحسان
اللذين أقسم لبائك ،ويبك ويباركك ويكثرك ،ويبارك ثرة بطنك وثرة أرضك " (التثنية -7/11
،)13و(انظر :التثنية )68-28/1وهكذا فالبكة مشروطة بطاعة ال والستقامة على دينه ،فإذا ما
نكَل بنو إسرائيل عنها حاقت عليهم اللعنة والبوار.
وبالفعل بدأت بركة إبراهيم بابنه الثان إسحاق ،وذلك ل يعن حرمان إساعيل من نصيبه من
البكة "ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق ،الذي تلده لك سارة ف هذا الوقت ،ف السنة التية
" (التكوين .)17/21
وتذكر التوراة أنه بعد فطام إسحاق ،هاجرت هاجر وابنها وأنا " مضت وتاهت ف برية بئر
سبع ،ولا فرغ الاء من القربة طرحت الولد تت إحدى الشجار ..ونادى ملك ال هاجر..
قومي احلي الغلم ،وشدي يدك به ،لن سأجعله أمة عظيمة ،وفتح ال عينيها فأبصرت بئر ماء ..
وكان ال مع الغلم فكب ،وسكن ف البية ،وكان ينمو رامي قوس ،وسكن ف برية فاران،
وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر " (التكوين .)21-21/17
ويتجاهل النص التورات خصوصية إساعيل ف نبع ماء زمزم البارك ف مكة الكرمة ،ويرى
()1
قصة الجرة ف صحراء بئر سبع جنوب فلسطي ،ث يسميها برية فاران.
)(1لكن الكتاب القدس عودنا على الخطاء الغرافية وغيها التكررة فيه ،وكثرتا دعت الدكتور صبي جوهرة
أن يقول ،وهو يلخص رأي الكنيسة ":إن ال يسمح للنسان (كاتب السفر) بأن يضع كل إحساساته وخباته
وحساسياته وميوله ف النصوص مادام ذلك ل يغي ما قصده ال من معان السفر الخلقية والدينية ،وبالتال
تعترف الكنيسة بعدم دقة الكتاب ف معلوماته الفلكية والغرافية والتاريية واليولوجية..ال ،فالقصود بالكتاب
هو أن يعلم الدين والخلق ،ويساعد على الوصول إل طريق الصلح والسعادة " .اختلفات ف تراجم الكتاب
القدس ،أحد عبد الوهاب ،ص (.)62 – 61
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 25 عليه وسلم؟
ونعود للبكة الوعودة ف ابن إبراهيم ،فما هي البكة الت جعلها ال ف إسحاق وإساعيل؟
هي بل ريب بركة النبوة والكتاب واللك بأمر ال والظهور باسه } ولقد آتينا بن إسرائيل الكتاب
والكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالي { (الاثية.)16 :
ويعتب اليهود والنصارى من بعدهم أن الوعد ف إسحاق وعد أبدي لن ينتقل إل غيهم ،فقد
قيل" :فقال ال :بل سارة امرأتك تلد لك ابنا ،وتدعو اسه إسحاق .وأقيم عهدي معه عهدا أبديا،
لنسله من بعده ...ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة ف هذا الوقت ف السنة
التية" (التكوين ،)21-17/19فقد فهموا من كلمة (أبديا) أن العهد لبن إسرائيل إل يوم القيامة،
وأنه غي مشروط ول متعلق بصلحهم وانقيادهم لمر ال.
لكن كلمة البد ل تعن بالضرورة الستمرار إل قيام الساعة ،بل تعن طول الفترة فحسب،
ومثل هذا الستخدام معهود ف التوراة ،يقول سفر اللوك" :فبص نعمان يلصق بك وبنسلك إل
البد" (اللوك ( ،)5/27 )2فالبدية هنا غي مقصودة ،وإل لزم أن نرى ذريته اليوم أمة كبية
تتوالد مصابة بالبص.
وف سفر اليام "وقال ل :إن سليمان ابنك ،هو يبن بيت ودياري ،لن اخترته ل ابنا ،وأنا
أكون له أبا ،وأثبت ملكته إل البد" (اليام ( ،)28/6 )1وقد انتهت ملكتهم منذ ما يربو على
ألفي وخسمائة سنة على يد بتنصر البابلي ،فالراد بالبدية الوقت الطويل فحسب.
ووقتّ سفر التثنية البدية با يساوي عشرة أجيال ،فقال" :ل يدخل عمون ول موآب ف
جاعة الرب ،حت اليل العاشر ،ل يدخل منهم أحد ف جاعة الرب إل البد ،من أجل أنم ل
يلقوكم بالبز والاء" (التثنية ،)4-33/3فاليل الادي عشر للمؤاب غي مروم من جاعة الرب،
وهو دون البد والقيامة.
ومثله قول دانيال لنبوخذ نصر" :فتكلم دانيال مع اللك :يا أيها اللك عش إل البد" (دانيال
،)6/21أي عش طويلً.
نعم لقد استبدلت البكة باللعن والطرد ،فقد رذلم ال واستبدلم بغيهم بعد أن تنكروا
لشرعه ودينه " والن إليكم هذه الوصية أيها الكهنة ،إن كنتم ل تسمعون ول تعلون ف القلب
لتعطوا مدا لسي ،قال رب النود :فإن أرسل عليكم اللعن ،وألعن بركاتكم ،بل قد لعنتها لنكم
لستم جاعلي ف القلب ،ها أنا ذا أنتهر لكم الزرع ،وأم ّد الفرث على وجوهكم" (ملخي -2/1
.)3
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 26
وعليه نقول :إن العهد قد بدأ بإسحاق ،uوهو وعد أبدي متطاول إل أجيال بعيدة ،وهو ما ت
حي بعث ال النبيي ف بن إسرائيل ،وأرسل إليهم الكتب ،وأيدهم بسلطانه وغلبته على المم الت
جاورتم ،وأقام لم ملكة ظافرة إل حي.
ويتفق اليهود والنصارى مع السلمي ف أن بركة إسحاق uأثرت النبوة واللك والكتاب
والكثرة والغلبة ،لكنهم يعتبون وعد إساعيل uوبركته أثر الكثرة فقط " ،وأما إساعيل فقد
سعت لك فيه .ها أنا أباركه وأثره ،وأكثره كثيا جدا ،اثن عشر رئيسا يلد ،وأجعله أمة كبية
" (التكوين .)17/20
وهذا التفريق أيضا بلف ما جاء ف النصوص الت ل تفرق باللفاظ والعان بي الخوين
الباركي ،وعليه فبكة إساعيل هي كبكة إسحاق :نبوة وكتاب وحكم وكثرة .فمت تقق ذلك
لساعيل؟ مت اجتمع له ذلك؟
نقول :ل يتمع له ذلك إل ف بعثة نبينا من ذريته ،فتحولت قبائل بنيه التفرقة الضعيفة إل
ملك عظيم ساد الدنيا ،واجتمع إل كثرتم النبوة والكتاب ،فتحقق ما وعد ال إبراهيم وهاجر ف
ابنهما إساعيل.
وإل فأين تققت البكة ف إساعيل uالذي أخب النص عن حاله ،فقال " :يكون إنسانا
وحشيا ،يده على كل واحد ،ويد كل واحد عليه " (التكوين )6/12أي أنه يغلب تارة فيسود
الميع كما يسود الميع عليه تارة أخرى.
وقد ساد العرب السلمون المم برسول ال ودولته ،وفيما عدا ذلك كانوا أذل المم
ل لبكة ال ،إذ ل بركة ف قبائل وثنية تكاثرت على عبادة
وأضعفها وأبعدها عن أن يكونوا م ً
الوثان والظلم ،فمثل هؤلء ل يكونون ف بركة ال.
وإذا عدنا إل النصوص العبية القدية الت تدثت عن إساعيل ند النص كالتال " وأما
إساعيل فقد سعت لك فيه .ها أنا أباركه وأثره وأكثره كثيا جدا (باد ماد) اثن عشر رئيسا يلد،
وأجعله أمة كبية (لوى جدول)" (التكوين )12/2فكلمت (ماد ماد) و (لوى جدول) ها رمزان
وضعا بدل اسم النب ،فكلمة (ماد ماد) -حسب حساب المّل ( )1الذي يهتم به اليهود
ويرمزون به ف كتبهم ونبوءاتم تساوي ،92ومثله كلمة " لوى جدول " وهو ما يساوي كلمة "
ممد ".
)(1يعل اليهود لكل حرف من الروف مقابلً من الرقام ،فاللف = ،1والباء= .. 2وهكذا حسب الترتيب
البدي ،ويعطى الرف الادي عشر (ك) الرقم ،20و(ل) = .. 30فيما يعطى الرف التاسع عشر (ف) الرقم
،100ث (ص) = ...200وهكذا.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 27 عليه وسلم؟
وكان السمؤل أحد أحبار اليهود الهتدين إل السلم قد نبه إل ذلك ،ومثله فعل الب
الهتدي عبد السلم ف رسالته " الرسالة الادية" .
ونقول :إن ما جاء ف سفر التكوين عن وجود بركة ف العرب تثلت بنبوة وملك يقيمهم ال
ف العرب هو النقطة الساس الت يالفنا فيها أهل الكتاب ،وهي الدخل الهم لنبوءات الكتاب
القدس ،إذ أن كثيا ما يذكره السلمون من نصوص توراتية يرونا نبوءات بالرسول ،كثي من
هذه النصوص يراها النصارى أيضا نبوءات بالسيح أو غيه من أنبياء اليهود ،وينعون أن ترج
هذه النبوءات عن بن إسرائيل.
وما يبطل أن يكون الذبيح إسحاق أن إبراهيم قد وعد فيه بالبكة والذرية منه قبل ولدته،
وأنه سيكون كعدد نوم السماء( .انظر التكوين )17/21فالمر بذبه ل ابتلء فيه ،لنه يعلم أنه
سيكون لذا البن نسل مبارك....
وهو ما صرح به السيح حسب إنيل برنابا الذي نذكر الستشهاد به استئناسا فقط ،فقد قال
له التلميذ" :يا معلم هكذا كتب ف كتاب موسى :إن العهد صنع بإسحاق؟ أجاب يسوع متأوها:
هذا هو الكتوب ،ولكن موسى ل يكتبه ول يشوع ،بل أحبارنا الذين ل يافون ال .الق أقول
لكم :إنكم إذا أكملتم النظر ف كلم اللك جبيل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا ..كيف يكون
إسحاق البكر وهو لا ولد كان إساعيل ابن سبع سني" (برنابا ،)11 - 44/1وف التوراة التداولة
أن بينهما أربعة عشرة سنة (انظر التكوين .)21/5 ،16/16
ومن ذلك كله فالذبيح هو إساعيل ،وجبل الرب ف الرض الت عاش فيها ،والبكة لبراهيم
ف ذريته مفوظة له بعد أن قام بالستسلم لمر ال ،وهمّ بذبح ابنه الوحيد.
فقد حرف أهل الكتاب اسم الذبيح ،وحرفوا اسم الكان العظم الذي جرت فيه أحداث
القصة ،فسمتها التوراة السامرية " الرض الرشدة " .فيما سته التوراة العبانية " الريا " ،ولعله
تريف لكلمة " الروة " ،وهو اسم لبل يقع داخل السجد الرام ف مكة الكرمة ،أي ف الكان
الذي درج فيه إساعيل.
وقد اتفق النصان العبي والسامري على تسمية ذلك الوضع "جبل ال " ،ول يكن هذا السم
مستخدما لبقعة معينة حينذاك ،لذا اختلف اليهود ف تديد مكانه اختلفا بينا ،فقال السامريون:
هو جبل جرزي .وقال العبانيون :بل هو جبل أورشليم الذي بن عليه اليكل بعد القصة بعدة
قرون (اليام (.)3/1 )2
يقول الدكتور بوست ف قاموس الكتاب القدس" :يظن الكثرون أن موضع اليكل هو نفس
الوضع الذي فيه أمر إبراهيم أن يستعد لتقدي إسحاق ،غي أن التقليد السامري يقول :إن موضع
الذبح لسحاق كان على جبل جرزي ،وبعض العلماء يوافقونم".
ويقول مققو نسخة الرهبانية اليسوعية " :يطابق سفر الخبار الثان ( )3/1بي موريّا وبي
الرابية الت سيشاد عليها هيكل أورشليم ..غي أن النص يشي إل أرض باسم موريّا ل يأت ذكرها
ف مكان آخر ،ويبقى مكان الذبيحة مهولً".
والق أن الكان معروف غي مهول ،لن قصة الذبح جرت ف الرض الرشدة ،وهي أرض
العبادة ،وهي مكة أو بلد فاران ،واختلفهم دليل على صحة ذلك ،واتفاقهم على اسم الكان ببل
الرب صحيح ،لكنهم اختلفوا ف تديده لرجهم بالظنون ،وقد ربطوه بتسميات ظهرت بعد الادثة
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 29 عليه وسلم؟
بقرون عدة ،وتاهلوا البيت العظم الذي بن ف تلك البقعة حينذاك ،ويسمى بيت ال ،كما سي
البل الذي ف تلك البقعة جبل ال.
وبقي هذا الختلف من أهم الختلفات الت تفرق السامريي عن العبانيي ،وقد أدرك السيح
هذا اللف ،فذات مرة دخلت عليه امرأة سامرية ،وسألته عن الكان القيقي العد للعبادة،
فأفصح لا السيح أن الكان ليس جبل جرزي السامري ،ول جبل عيبال العبان الذي بن عليه
اليكل " ،قالت له الرأة :يا سيد أرى أنك نب ،آباؤنا سجدوا ف هذا البل ،وأنتم تقولون أن ف
أورشليم الوضع الذي ينبغي أن يسجد فيه ،قال لا يسوع :يا امرأة صدقين ،إنه تأت ساعة ل ف
هذا البل ول ف أورشليم تسجدون للب ،أنتم تسجدون لا لستم تعلمون ،أما نن فنسجد لا
نعلم ،لن اللص هو من اليهود.
ولكن تأت ساعة ،وهي الن ،حي الساجدون القيقيون يسجدون للب بالروح والق ،لن
الب طالب مثل هؤلء الساجدين له ،ال روح ،والذين يسجدون له فبالروح والق ينبغي أن
يسجدوا" (يوحنا .)24-4/19
فمن هم الساجدون القيقيون الذين يسجدون ف غي قبلة السامريي والعبانيي ،إنم المة
الديدة الت تولد بعد حي ،إذ ل تدع أمة قداسة قبلتها سوى أمة السلم الت يفد إليها مليي
السلمي سنويا ف مكة الكرمة.
وقوله عن ساعة قدوم الساجدين القيقيي " ولكن تأت ساعة وهي الن" ،يفيد اقترابا ل
حلولا ،كما ف مت " :أقول لكم :من الن تبصرون ابن النسان جالسا عن يي القوة ،وآتيا على
سحاب السماء" (مت ،)26/64وقد مات الخاطبون وفنوا ،ول يروه آتيا على سحاب السماء.
ومثله قول السيح" :وقال له :الق الق أقول لكم ،من الن ترون السماء مفتوحة ،وملئكة
ال يصعدون وينلون على ابن النسان" (يوحنا ( ، )1/51وانظر صموئيل ( .)15/28 )1
وقد قال ميخا النب عن مكة والبيت الرام وعن إتيان الناس للحج عند جبل عرفات " :يكون
ف آخر اليام بيت الرب مبنيا على قلل البال ،وف أرفع رؤوس العوال يأتي جيع المم،
ويقولون :تعالوا نطلع إل جبل الرب" (ميخا .)2-4/1
كما رمز النب إشعيا لكة ف نص آخر بالعاقر ،وتدث عن الموع الكثية الت تأت إليها،
ويعدها بالمان والبكة والعز ،فقال " :ترني أيتها العاقر الت ل تلد ،أشيدي بالترن أيتها الت ل
تخض ،لن بن الستوحشة أكثر من بن ذات البعل ،قال الرب :أوسعي مكان خيمتك ولتبسط
شقق مساكنك ،ل تسكي ،أطيلي أطنابك وشددي أوتادك ،لنك تتدين إل اليمي وال اليسار،
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 30
ويرث نسلك أما ،ويعمر مدنا خربة ،ل تاف لنك ل تزين ،ول تجلي لنك ل تستحي ،فإنك
تنسي خزي صباك ،وعار ترملك ل تذكرينه بعد..
قال راحك الرب :أيتها الذليلة الضطربة غي التعزية ،هانذا أبن بالثد حجارتك ،وبالياقوت
الزرق أؤسسك ،وأجعل شرفك ياقوتا ،وأبوابك حجارة برمانية ،وكل تومك حجارة كرية،
وكل بنيك تلميذ الرب ،وسلم بنيك كثيا ،بالب تثبتي بعيدة عن الظلم فل تافي ،وعن الرتعاب
فل يدنو منك ،ها إنم يتمعون اجتماعا ليس من عندي ،من اجتمع عليك فإليك يسقط ،هانذا قد
خلقت الداد الذي ينفخ الفحم ف النار ويرج آلة لعمله ،وأنا خلقت الهلك ليخرب كل آلة
صورت ضدك ل تنجح ،وكل لسان يقوم عليك ف القضاء تكمي عليه ،هذا هو مياث عبيد
الرب وبرهم من عندي" (إشعيا .)17-54/1
ف النص مقارنة لكة بأورشليم ،فسمى مكة بالعاقر لنا ل تلد قبل ممد النب ،ول يوز أن
يريد بالعاقر بيت القدس ،لنه بيت النبياء ومعدن الوحي ،وقد يشكل هنا أن نبوة إساعيل كانت
ف مكة ،فل تسمى حينذاك عاقرا ،لكن الراد منه مقارنة نسبية مع أنبياء أورشليم.
وقوله" :لن بن الستوحشة أكثر من بن ذات البعل" ،يقصد فيه أن زوارها أو أبناءها أكثر من
زوار أورشليم الت يسميها ذات البعل ،ولفظة بنو الستوحشة يراد منها ذرية إساعيل ،الذي وصفته
التوراة -كما سبق -بأنه وحشي " وقال لا ملك الرب :ها أنت حبلى فتلدين ابنا وتدعي اسه:
إساعيل ،لن الرب قد سع لذلتك ،وإنه يكون إنسانا وحشيا ،يده على كل واحد ،ويد كل واحد
عليه" (التكوين .)12 - 16/11
كما تدثت الزامي عن مدينة السيح الخلص ،الدينة الباركة الت فيها بيت ال ،والت تتضاعف
فيها السنات ،فالعمل فيها يعدل اللوف ف سواها ،وقد ساها باسها (بكة) ،فجاء فيها " :طوب
للساكني ف بيتك أبدا يسبحونك ،سله ،طوب لناس عزهم بك ،طرق بيتك ف قلوبم ،عابرين ف
وادي البكاء (ف الترجة النليزية "through the valley of Ba'ca make it a well" :فذكر أن
اسها بكة ،وترجته إل وادي البكاء صورة من التحريف كما أسلفنا) يصيونه ينبوعا ،أيضا
ببكات يغطون مورة ،يذهبون من قوة إل قوة ،يرون قدام ال ف صهيون ،يا رب إله النود اسع
صلت وأصغ يا إله يعقوب ،سله ،يا مننا انظر يا ال والتفت إل وجه مسيحك ،لن يوما واحدا
ف ديارك خي من ألف ،اخترت الوقوف على العتبة ف بيت إلي على السكن ف خيام الشرار
" (الزمور .)10-84/4
وقد ساها النص العبي بكة ،فقال[ :בְעֵמֶק הַבָכָא] ،وتقرأ ( :بعيمق هبكا) ،أي
وادي بكة.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 31 عليه وسلم؟
والنص كما جاء ف ترجة الكاثوليك كالتال" :يتازون ف وادي البكاء ،فيجعلونه ينابيع ماء،
لن الشترع يغمرهم ببكاته ،فينطلقون من قوة إل قوة ،إل أن يتجلى لم إله اللة ف صهيون" (
.)8-83/7
وهذا السم العظيم (بكة) هو اسم بلد ممد ،السم الذي سّى القرآن الكري به مكة البلد
ى للعالي { (آل عمران ،)96 :وبركة
الرام} إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركا وهد ً
هذا البيت با جعل ال لقاطنيه وقاصديه من مضاعفة السنات عنده ،فصلة فيه كما أخب نبينا
تعدل أكثر من ألف صلة فيما سواه ( ،)1فصدق فيه قول الزمور" :لن يوما واحدا ف ديارك خي
من ألف".
(( :صلة ف مسجدي هذا [أي مسجد الدينة النورة] خي من ألف صلة فيما سواه إل )(1وذلك ف قوله
السجد الرام)) .رواه البخاري ح ( ،)1190ومسلم ح (.)1395
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 32
وما يزال غضب ال بم حت رفع البكة عنهم ،وأحلّهم غضبه وانتقامه ولعناته" والن إليكم
هذه الوصية أيها الكهنة ،إن كنتم ل تسمعون ول تعلون ف القلب لتعطوا مدا لسي ،قال رب
النود :فإن أرسل عليكم اللعن ،وألعن بركاتكم ،بل قد لعنتها ،لنكم لستم جاعلي ف القلب ،ها
أنا ذا أنتهر لكم الزرع وأمدّ الفرث على وجوهكم" (ملخي .)3-2/1
ولا جاء السيح نادى أورشليم " :يا قاتلة النبياء " (مت ،)13/37لكثرة مَن قتلوا على ثراها
من أنبياء ال الكرام.
وقال السيح وهو ياطب جوعهم " :ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون الراؤون ..ويل لكم
أيها القادة العميان ..أيها الهال والعميان ..أيها اليات أولد الفاعي كيف تربون من دينونة
جهنم ،لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة ،فمنهم تقتلون وتصلبون ،ومنهم تلدون ف
مامعكم ...يا أورشليم يا أورشليم ،يا قاتلة النبياء وراجة الرسلي" (مت .)37 - 23/13
لذا حرمهم ال من أن يكون النب الوعود القادم منهم ،لنم نقضوا عهد ال وميثاقه ،فلن
يكون القادم من ذرية داود عليه السلم ،أي لن يكون هو السيح عليه صلوات ال وسلمه ،فقد
قال لم " :إن نقضتم عهدي ..فإن عهدي مع داود عبدي ينقض ،فل يكون له ابن مالكا على
كرسيه" ( إرميا .) 21 - 33/20
لقد كان السبب الرئيس ف كراهية اليهود للمسيح أنه صدع بالقيقة بي ظهرانيهم،
فأعلمهم أن ملكوت ال واصطفاءه سينع منهم ،ويعطى لمة أخرى ،وإذا أردنا إثبات ذلك؛ فإننا
نعود إل أول ماولة آثة راموا منها قتله ،وذلك حي حدثهم عن انصراف النب إيليّا عن أرامل بن
إسرائيل إل أرملة صيداوية ،وأن النب أليشع طهر نعمان السريان دون سائر البص الذين كانوا ف
بن إسرائيل (انظر لوقا ،)27-4/25فكانت النتيجة أن " امتل غضبا جيع الذين ف الجمع حي
سعوا هذا ،وأخرجوه خارج الدينة ،وجاؤوا به إل حافة البل الذي كانت مدينتهم عليه حت
يطرحوه إل أسفل" (لوقا ،)29-4/28فكان هذا أول الشرر بي اليهود والسيح .
وبعد فأسأل القارئ الكري :أهذه المة الت توعدها النبياء تستحق بقاء البكة والنبوة فيها؟
وإن كان الواب :ل ،فمن ذا المة الت تكون متارة ومصطفاة؟ من عساها تكون سوى المة
الوعودة بالبكة مرارا من نسل إساعيل عليه السلم؟ إن أمة من المم ل تدّع أنا تلك المة
الصطفاة.
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 34
وضعِ الرفيع ،منقلبا ،منقلبا ،منقلبا أجعله ،هذا ل يكون حت يأت الذي له الكم ،فأعطيه إياه
" (حزقيال .)27 - 21/25
فإذا جاء صاحب الكم ،النب الات ،تنقلب المور ،وترفع العمامة أي تنسخ الشريعة من بن
إسرائيل ،فالعمامة رمز للكهنة الارونيي الوكلي بأمر الشريعة ف أسباط بن إسرائيل ،والذين
أمروا بلبس خاصة ،منها العمامة( .انظر الروج )37-28/36كما يرفع التاج (اللك).
وحينئذ تصبح المة الرذولة أمة متارة ،والمة الختارة أمة مرذولة ،كما قال داود " :الجر
الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية ،من قبل الرب كان هذا ،وهو عجيب ف أعيننا
" (الزمور )23 - 118/22لكنه حقيقة.
وقد ضرب السيح للتلميذ مثل الكرامي -كما سيأت -ث قال " :الجر الذي رفضه
البناؤون هو قد صار رأس الزاوية ،من قبل الرب كان هذا ،وهو عجيب ف أعيننا ،لذلك أقول
لكم :إن ملكوت ال ينـزع منكم ،ويعطى لمة تعمل أثاره " (مت .)43 – 21/42
وقد قال السيح لتلميذه بعد أن قص عليهم مثلً من أمثال اللكوت (مثل الزرع) " :فانظروا
كيف تسمعون ،لن من له سيعطى ،ومن ليس له فالذي يظنه له يؤخذ منه " (لوقا .)8/18
وهكذا فهذه النصوص ذكرت أول صفة من صفات أمة اللكوت ،إنا أمة مرذولة وضيعة ل
تتعبد ل ول ترسل إليها شرائعه ،أمة يعجب بنو إسرائيل أن تتحول لا الريادة والختيار.
ويقول الرب موضحا صفة أخرى من صفات المة الديدة الت ستنال مياث البكة والنبوة
من بن إسرائيل" :فرأى الرب ورذل من الغيظ بنيه وبناته ،وقال :أحجب وجهي عنهم ،وانظر ماذا
تكون آخرتم ،إنم جيل متقلب ،أولد ل أمانة فيهم ،هم أغارون با ليس إلا ،أغاظون بأباطيلهم،
فأنا أغيهم با ليس شعبا ،بأمة غبية أغيظهم" (التثنية ،)21-32/19إن المة الصطفاة ،المة
الت كانت مرذولة ،هي المة الاهلة أو الغبية الت يغيظ ال با بن إسرائيل ،وقد قال ال تعال عن
ممد وأصحابه الكرام } :ليغيظ بم الكفار { (الفتح.)29 :
وقد كاد بنو إسرائيل لذه المة الديدة فقالوا " :بأمة غبية أغيظهم " مع أن وصف الغباء ل
توصف به المم ،وإن وصفت بالهل أو القسوة ،فمن هذه المة الاهلة أو الغبية الت ينتقم ال با
من بن إسرائيل؟ إنا أمة العرب } هو الذي بعث ف الميي رسو ًل منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم
ويعلمهم الكتاب والكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبي { (المعة.)2 :
لكن بولس يطأ ويعل هذه المة الغبية أمة اليونان ،فيقول مؤكدا انتقال اللكوت عن بن
إسرائيل ،لكنه يطئ ف تعيي المة الوارثة للملكوت" :ل فرق بي اليهودي واليونان ،لن ربا
واحدا للجميع ،غنيا لميع الذين يدعون به ...لكن أقول :ألعل إسرائيل ل يعلم ،أو ًل موسى
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 36
يقول أنا أغيكم با ليس أمة ،بأمة غبية أغيظكم ،ث إشعياء يتجاسر ويقول :وجدت من الذين ل
يطلبون وصرت ظاهرا للذين ل يسألوا عن ،أما من جهة إسرائيل فيقول :طول النهار ،بسطت يديّ
إل شعب معاند ومقاوم" (رومية ،)21-10/12فهو يؤمن بانتقال اللكوت عن بن إسرائيل ،لكنه
يعل المة الديدة أمة اليونان الذين توجه لدعوتم ،وقد آمنوا به كما آمن كثي غيهم ،فل وجه
لصوصهم به ،والعن الذي يقصده للملكوت هو الستجابة لدعوته ،وهو معن يضيق كثيا عما
نذكره من صفات أمة اللكوت العظيمة.
وأيضا ل يصح أن تكون أمة اليونان هي المة الغبية الت ترث اللكوت ،لن اليونان أمة
حضارة وعلم ،وبولس نفسه يقول عن اليونانيي" :لن اليهود يسألون آية ،واليونانيي يطلبون
حكمة" (كورنثوس ( ،)1/22 )1فكيف يوصف طلب الكمة بالغباء أو الهل؟!
فالمة الديدة هي -ول ريب -أمة العرب الوعودة بالبكة دون سائر المم ،وقد جاء ف
كلم إشعيا متنبئا بالنب الذي يظهر منها ،فذكر أنه يهرب من قومه ،ث ينتصر عليهم ،ويفن مدهم
بعد برهة ،ليبدأ بعدها مد جديد ،وهو النب الذي تسقط على يديه دولة بابل الفارسية ،وتنكسر
عند قدميه آلتها النحوتة فيقول" :قال ل السيد :اذهب أقم الارس ،ليخب با يرى ،فرأى ركابا
أزواج فرسان ،ركاب حي ،ركاب جال ،فأصغى إصغاء شديدا ،ث صرخ كأسد :أيها السيد أنا
قائم على الرصد دائما ف النهار ،وأنا واقف على الحرس كل الليال ،وهوذا ركاب من الرجال،
أزواج من الفرسان .فأجاب وقال :سقطت ،سقطت بابل ،وجيع تاثيل آلتها النحوتة كسرها إل
الرض.
يا دياست وبن بيدري ،ما سعته من رب النود إله إسرائيل أخبتكم به ،وحي من جهة
ل صارخ من سعي :يا حارس ما من الليل ،يا حارس ما من الليل .قال الارس :أتى
دومة.صرخ إ ّ
صباح وأيضا ليل ،إن كنتم تطلبون فاطلبوا .ارجعوا تعالوا ،وحي من جهة بلد العرب ،ف الوعر
ف بلد العرب تبيتي يا قوافل الددانيي ،هاتوا ماء للقاة العطشان ،يا سكان أرض تيماء وافوا
الارب ببزه ،فإنم من السيوف قد هربوا ....قال ل السيد :ف مدة سنة كسنة الجي ،يفن كل
مد قيدار " (إشعيا .)16 - 6 /21
والنص بعد حديثه عن سقوط فارس يعود ليتحدث إل الددانيي من أهل تيماء ،ويطلب منهم
حاية الارب إل بلدهم الوعرة ،ويبشرهم بفناء مد أبناء قيدار بن إساعيل بعد برهة بسيطة.
والددانيون كما قال معجم الكتاب القدس هم سكان تيماء ف شال الجاز ،ول تفى الوعورة
ف تضاريس تلك البلد ،والنص يبشر بانتصار السلمي بعد سنة أو ثان ف معركة بدر أو فتح مكة
على أبناء قيدار ،وقيدار هو البن الثان لساعيل( .انظر التكوين .)13 / 25
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 37 عليه وسلم؟
واسم قيدار يطلق أيضا على البلد الت غلب عليها ذرية قيدار كما ف قوله" :قال الرب:
قوموا اصعدوا إل قيدار" (إرميا ،)28 /49وهو الراد بقوله " يفن كل مد قيدار" ،فهو يبشر
بانتصار السلمي على أبناء بلد قيدار.
ويقول إشعيا ف وصف تلك المة " :من أنض من الشرق الذي يلقيه النصر عند رجليه دفع
أمامه أما ،وعلى ملوك سلطه ،جعلهم كالتراب بسيفه ،وكالقش النذري بقوسه ،طردهم ،مر سالا
ف طريق ل يسلكه برجليه ،من فعل وصنع داعيا الجيال من البدء .أنا الرب الول ،ومع الخرين
أنا هو " (إشعيا )4 - 41/2وإذا كان النص نبوءة فبمن تققت النبوءة؟ ومن ذا السلط على
الشعوب من قبل الرب الت من الشرق؟ وهي ما قد يطلق على بلد العرب كما جاء ف إرمياء
"اصعدوا إل قيدار ،أخربوا بن الشرق " (إرمياء .)49/28
ولقد كان السلمون هم المة الت عذب ال بن إسرائيل على يديها ،بعد أن عذبم على يد
بتنصر " لنم رذلوا شريعة رب النود واستهانوا بكلم قدوس إسرائيل ،من أجل ذلك حي
غضب الرب على شعبه ،ومد يده عليه وضربه حت ارتعدت البال ،وصارت جثثهم كالزبل ف
الزقة" (إشعيا .)25-5/24
ويضي النص ليحكي عن عذاب آخر قادم على يد أمة ،بل أمم قوية البطش ،وهو سوى
العذاب الول "مع كل هذا ل يرتد غضبه بل يده مدودة بعد ،فيفع راية للمم من بعيد ويصفر لم
من أقصى الرض ،فإذا هم بالعجلة يأتون سريعا ،ليس فيهم رازح ول عاثر ،ل ينعسون ول ينامون
ول تنحل حزم أحقائهم ،ول تنقطع سيور أحذيتهم ،الذين سهامهم مسنونة ،وجيع قسيهم مدودة،
حوافر خيلهم تسب كالصوان ،وبكراتم كالزوبعة ،لم زمرة كاللبوة ،ويزمرون كالشبل،
ويهرون ويسكون الفريسة ،ويستخلصونا ول منقذ ،يهرون عليهم ف ذلك اليوم كهدير البحر،
فإن نظر إل الرض فهوذا ظلم الضيق والنور قد أظلم بسحبها " (إشعيا ،)30-5/26فحكى
هذا النص شجاعة أصحابه صلى ال عليه وسلم كما قال ال } :ممد رسول ال والذين معه
ل من ال ورضوانا سيماهم ف
أشداء على الكفار رحاء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فض ً
وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم ف التوراة { (الفتح.)29 :
وف نص آخر يتحدث أشعيا عن الفرح والبهجة والعز الذي يصل ف ديار قيدار من انتصار
هذا النب "..لترفع البية ومدنا صوتا ،الديار الت سكنها قيدار .لتترن سكان سالع ،من رؤوس
البال ليهتفوا ،ليعطوا الرب مدا ،ويبوا بتسبيحه ف الزائر ،الرب كالبار ،كرجل حروب
غيته ،يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه" (إشعيا .)13 - 11 / 42
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 38
وكان النص يتحدث عن السبب الذي يدعو لذا الفرح ،أل وهو ظهور النب النتظر " هو ذا
عبدي الذي أعضده ،متاري الذي سرت به نفسي ،وضعت روحي عليه ،فيخرج الق للمم ،ل
يصيح ول يرفع ول يسمع ف الشارع صوته .قصبة مرضوضة ل يقصف ،وفتيلة خامدة ل يطفئ،
إل المان يرج الق ،ل يكل ول ينكسر حت يضع الق ف الرض ،وتنتظر الزائر شريعته "
(إشعيا ،)4 - 42/1فمن هو الفاتح صاحب الشريعة الذي ل ينكسر ،من ذا الذي أخرج الق
لكل أمم الرض ،إنه ممد .
ويتوعد النب إشعيا بن إسرائيل الذين يرفون كتاب ال ول يلتزمون شريعته ،يتوعدهم بالنب
صاحب السفر الختوم ،النب الذي ل يعرف القراءة ،فيقول" :الرب قد سكب عليكم روح سبات
وأغمض عيونكم ،النبياء ورؤساؤكم الناظرون غطّاهم ،وصارت لكم رؤيا الكل مثل كلم السفر
الختوم الذي يدفعونه لعارف الكتابة قائلي :اقرأ هذا ،فيقول :ل أستطيع لنه متوم ،أو يدفع
الكتاب لن ل يعرف الكتابة ويقال له :اقرأ هذا ،فيقول :ل أعرف الكتابة(. )1
فقال السيد :لن هذا الشعب قد اقترب إل بفمه وأكرمن بشفتيه ،وأما قلبه فأبعده عن،
وصارت مافتهم من وصية الناس معلمة ،لذلك هانذا أعود أصنع بذا الشعب عجبا وعجيبا ،فتبيد
حكمة حكمائه ،ويتفي فهم فهمائه ،ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب ،فتصي أعمالم
ف الظلمة ويقولون :من يبصرنا ومن يعرفنا ،يا لتحريفكم ،هل يسب الابل كالطي حت يقول
الصنوع عن صانعه :ل يصنعن ،أو تقول البلة عن جابلها :ل يفهم ،أليس ف مدة يسية جدا
يتحول لبنان بستانا ،والبستان يسب وعرا ،ويسمع ف ذلك اليوم الصمّ أقوال السفر وتنظر من
القتام والظلمة عيون " (إشعيا ،)18-29/10إنه ذات العن الذي تتحدث عنه النصوص ،شجرة
خضراء تذبل ،وأخرى يابسة تضر وتورق ،وذلك حي يفتح السفر الختوم على يد النب الميّ.
وقوله " :أو يدفع الكتاب لن ل يعرف الكتابة ويقال له :اقرأ هذا ،فيقول :ل أعرف الكتابة "،
يسجل اللحظة العظيمة الت يبدأ نزول الوحي فيها على النب صلى ال عليه وسلم ،ففي صحيح
البخاري عن عائشة أم الؤمني أنا قالت ..:جاءه الق وهو ف غار حراء ،فجاءه اللَك ،فقال :اقرأ،
قال :ما أنا بقارئ ،قال :فأخذن ،فغطن حت بلغ من الهد ،ث أرسلن ،فقال :اقرأ ،قلت :ما أنا
)1(1النص ف جيع الترجات العالية :بعن " :ل أعرف القراءة" فيما سوى الترجة العربية ،ول يفى أنه أريد من
تريف الترجة العربية ،وتويل العبارة من (ل أعرف القراءة) إل (ل أعرف الكتابة) نوع من التحريف أريد منه
صرف القارئ العرب عن تقق القصة بألفاظها ف غار حراء .
לאמֹרְ --
קרָא ספֶר ֵ שר לֹא-י ָ ַ
דע ֵ א ֶ ספֶרַ ,
על ֲ ה ֵ وف النص العبان [ :וְנ ִ ַ
תן ַ
ספֶר ] ،ولفظة ( :קרא ) العبانية والت تلفظ (كرا) تعن
תי ֵ
ע ִ מר ,לֹא י ָ ַ
ד ְ נ ָא-ז ֶה; ו ְא ַ
القراءة ،ل الكتابة.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 39 عليه وسلم؟
بقارئ ،فأخذن فغطن الثانية حت بلغ من الهد ،ث أرسلن فقال :اقرأ ،فقلت :ما أنا بقارئ،
فأخذن فغطن الثالثة ث أرسلن فقال }:اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق النسان من علق اقرأ
()1
وربك الكرم{ (العلق.)3-1:
وما قاله إشعيا عن أمة اليهود صدقه فيه السيح ،حي قال لليهود" :فقد أبطلتم وصية ال
بسبب تقليدكم ،يا مراؤون ،حسنا تنبأ عنكم إشعياء قائلً :يقترب إل هذا الشعب بفمه ،ويكرمن
بشفتيه ،وأما قلبه فمبتعد عن بعيدا ،وباطلً يعبدونن ،وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس" (مت
.)9-15/6
فهذه النبوءة للنب إشعيا ل تتحقق حت زمن السيح عليه السلم " ،لذلك هانذا أعود أصنع
بذا الشعب عجبا وعجيبا ،فتبيد حكمة حكمائه ويتفي فهم فهمائه ..أليس ف مدة يسية جدا
يتحول لبنان بستانا ،والبستان يسب وعرا ،ويسمع ف ذلك اليوم الصمّ أقوال السفر ،وتنظر من
القتام والظلمة عيون " (إشعيا .)18-29/14
إنه يتوعدهم بالنب صاحب السفر الختوم ،النب الذي ل يعرف القراءة ول الكتابة ،ويتحدث
قبله عن النب القارئ الذي ل يقرأ السفر ،لنه متوم ،فالنب القارئ هو عيسى عليه السلم( .انظر
لوقا ،)18-4/16لكنه لن يقرأ السفر الختوم الذي سيقرأه النب الذي ل يعرف الكتابة
"وصارت لكم رؤيا الكل مثل كلم السفر الختوم الذي يدفعونه لعارف الكتابة قائلي :اقرأ هذا،
فيقول :ل أستطيع ،لنه متوم ،أو يدفع الكتاب لن ل يعرف الكتابة ويقال له :اقرأ هذا ،فيقول :ل
أعرف الكتابة".
)(1انظر :ممد ف الكتاب القدس ،عبد الحد داود ،ص (.) 182 ، 85 - 77
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 42
إنه النب الذي بشرت به هاجر وإبراهيم " يده على كل واحد " (التكوين ،)16/12والذي
قال عنه النب حزقيال " :يأت الذي له الكم فأعطيه إياه " (حزقيال .)21/27
وقد قال السيح مبشرا بالذي ينسخ الشرائع بشريعته" :ل تظنوا أن جئت لنقض الناموس أو
النبياء ،ما جئت لنقض بل لكمل ،فإن الق أقول لكم :إل أن تزول السماء والرض ل يزول
حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حت يكون الكل" (مت .)18-5/17هذا "الذي له
الكل" ،هو " الذي له الكم ".
وهو النب الذي يسميه بولس بالكامل ،وميئه فقط يبطل الشريعة وينسخها "وأما النبوات
فستبطل ،واللسنة فستنتهي ،والعلم فسيبطل ،لننا نعلم بعض العلم ،ونتنبأ بعض التنبؤ ،ولكن مت
جاء الكامل ،فحينئذ يبطل ما هو بعض" (كورنثوس (.)10-12/8 )1
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 43 عليه وسلم؟
أصابتنا" (العدد ،)20/14وف موضع آخر "ل تكره أدوميا لنه أخوك" (التثنية .)23/7فسماه
أخا ،وأراد أنه من أبناء عمومة إسرائيل.
ومثله سى سفر اليام اللك صدقيا أخا للملك يهوياكي ،فقال" :أرسل اللك نبوخذ ناصّر
فأتى به (أي اللك يهوياكي) إل بابل مع آنية بيت الرب الثمينة ،وملك صدقيا أخاه على يهوذا
وأورشليم" (اليام ( ،)36/10 )2وهو ف القيقة عمه ،كما نص عليه سفر اللوك ،فقال" :ملّك
ملك بابل متّنيا عمه عوضا عنه ،وغيّر اسه إل صدقيا" (اللوك ( ،)18 -17 /24 )2فاستخدم
لفظ الخ ،ومراده العم ،ما يؤكد صحة هذا الستخدام ف قوله" :إخوتم" ،ومراده أبناء عمومتهم.
وعليه فهذا النب يتمل أن يكون من العرب تقيقا للبكة الوعودة ف نسل إساعيل ،وقد
يكون من بن عيسو بكر إسحاق .لكن أحدا من بن عيسو ل يدع أنه النب النتظر.
)3هذا النب من خصائصه أنه مثل لوسى الذي ل يقم ف بن إسرائيل نب مثله "ول يقم بعد نب
ف إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه" (التثنية ،)34/10 :وقد جاء ف النسخة
السامرية من التوراة ما تعريبه" :ول يقوم أيضا نب ف بن إسرائيل كموسى الذي ناجاه ال" (التثنية
.)34/10
وهذه الصلة ،أي الثلية لوسى متحققة ف نبينا ،متنعة ف أخيهما السيح عليهم جيعا
صلوات ال وسلمه ،حيث نرى الكثي من أمثلة التشابه بي موسى وممد ،والت ل ندها ف
السيح ،من ذلك ميلدها الطبيعي ،وزواجهما ،وكونما صاحبا شريعة ،وكل منهما بعث بالسيف
على عدوه ،وكلها قاد أمته ،وملك عليها ،وكلها بشر ،بينما تزعم النصارى بأن السيح إله،
وهذا ينقض كل مثل لو كان.
ب القادم بثلية موسى ،صارفا إياه عن نفسه فقال " :ل تظنوا أن
وقد وصف السيحُ الن َ
أشكوكم إل الب ،يوجد الذي يشكوكم ،وهو موسى الذي عليه رجاؤكم ،لنكم لو كنتم
تصدقون موسى لكنتم تصدقونن ،لنه هو كتب عن ،فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف
تصدقون كلمي" (يوحنا ،)47-5/45فسماه موسى الرجو أو النتظر ،لشابته له.
وعن هذا الذي يشكو بن إسرائيل يقول السيح " :أجاب يسوع :أنا ليس ب شيطان ،لكن
أكرم أب وأنتم تينونن ،أنا لست أطلب مدي ،يوجد من يطلب ويدين" (يوحنا .)50-8/49
)4من صفات هذا النب أنه أمي ل يقرأ ول يكتب ،والوحي الذي يأتيه وحي شفاهي ،يغاير ما
جاء النبياء قبله من صحف مكتوبة " وأجعل كلمي ف فمه " ،وقد كان السيح عليه السلم قارئا
(انظر لوقا .)18-4/16
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 45 عليه وسلم؟
)5أنه يتمكن من بلغ كامل دينه ،فهو " يكلمهم بكل ما أوصيه به " .وهو وصف منطبق
على ممد ،فقد كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه قوله تعال } :اليوم أكملت لكم
دينكم وأتمت عليكم نعمت ورضيت لكم السلم دينا { (الائدة.)3 :
وقد وصفه السيح ف نبوءة البارقليط ،الت يأت شرحها ،فقال " :وأما العزي الروح القدس
الذي سيسله الب باسي ،فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يوحنا .)14/26
ول يكن أن يكون السيح عليه السلم هو ذلك النب الذي يبلغ كل ما يوصيه به ربه ،فقد
رفع السيح عليه السلم ،ولديه الكثي ما يود أن يبلغه إل تلميذه ،لكنه ل يتمكن من بلغه ،لكنه
بشرهم بالقادم الذي سيخبهم بكل الق ،لنه النب الذي تكمل رسالته ،ول يول دون بلغها
قتله أو إيذاء قومه ،يقول عليه السلم " :إن ل أمورا كثية أيضا لقول لكم ،ولكن ل تستطيعون
أن تتملوا الن ،وأما مت جاء ذاك روح الق فهو يرشدكم إل جيع الق ،لنه ل يتكلم من
نفسه ،بل كل ما يسمع يتكلم به" (يوحنا .)13-16/12
)6أن الذي ل يسمع لكلم هذا النب فإن ال يعاقبه " ،ويكون أن النسان الذي ل يسمع
لكلمي الذي يتكلم به باسي ،أنا أطالبه " ،وقد فسرها بطرس ،فقال " :ويكون أن كل نفس ل
تسمع لذلك النب تباد من الشعب " ،فهو نب واجب السمع والطاعة على كل أحد .ومن ل يسمع
،حيث انتقم ال من كل من كذبه من له تعرض لعقوبة ال ،وهو ما حاق بميع أعداء النب
مشركي العرب والعجم ،وقد قال السيح عنه ف نبوءة الكرامي -ويأت شرحها" :-ومن سقط
على هذا الجر يترضض ،ومن سقط هو عليه يسحقه " (مت ،)21/44فهو الجر الصلب الذي
يفن أعداءه العصاة ،والذي بشر بقدمه النب دانيال "وف أيام هؤلء اللوك يقيم إله السماوات
ملكة لن تنقرض أبدا ،و َملِكها ل يُترك لشعب آخر ،وتسحق وتفن كل هذه المالك ،وهي تثبت
إل البد ،لنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل ل بيدين ،فسحق الديد والنحاس والزف
والفضة والذهب" (دانيال .)45 - 2/21
وأما السيح عليه السلم فلم يكن له هذه القوة وتلك النعة ،ول يتوعد حت قاتليه ،فكيف
بأولئك الذين ل يسمعوا كلمه ،فقد قال لوقا ف سياق قصة الصلب " فقال يسوع :يا أبتاه اغفر
لم ،لنم ل يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا ،)23/34فأين هو من خب ذاك " النسان الذي ل
يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسي أنا أطالبه".
)7من صفات هذا النب أنه ل يقتل ،بل يعصم ال دمه عن أن يتسلط عليه السفهاء بالقتل،
فالنب الكذاب عاقبته "يوت ذلك النب" ،أي يقتل ،فالقتل نوع منه ،ولن كل أحد يوت ،وهنا
يزعم النصارى بأن السيح قتل ،فل يكن أن يكون هو النب الوعود.
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 46
وبالرجوع إل التراجم القدية للنص نرى أن ثة تريفا وقع ف الترجة ،فقد جاء ف طبعة
1844م " فليقتل ذلك النب " ،ول يفى سبب هذا التحريف.
)8يتحدث عن الغيوب ويصدق الواقع كلمه ،وهذا النوع من العجزات يكثر ف القرآن
والسنة -ما يطول القام بذكره ،-ويكفي هنا أن أورد نبوءة واحدة ما تنبأ به ،فكان كما
أخب.
ففي عام 617م كادت دولة الفرس أن تزيل المبطورية الرومانية من خارطة الدنيا ،فقد
وصلت جيوش كسرى أبرويز الثان إل وادي النيل ،ودانت له أجزاء عظيمة من ملكة الرومان،
ففي سنوات معدودة تكن جيش الفرس من السيطرة على بلد الشام وبعض مصر ،واحتلت
جيوشهم أنطاكيا شالً ،ما يؤذن بنهاية وشيكة للمبطورية الرومانية ،وأراد هرقل أن يهرب من
القسطنطينية ،لول أن كبي أساقفة الروم أقنعه بالصمود وطلب الصلح الذليل من الفرس.
ووسط هذه الحداث ،وخلفا لكل التوقعات أعلن النب أن الروم سينتصرون على الفرس
ف بضع سني ،أي فيما ل يزيد عن تسع سني ،فقد نزل عليه قوله :غلبت الروم ف أدن الرض
وهم من بعد غلبهم سيغلبون ف بضع سني ل المر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح الؤمنون
بنصر ال (الروم.)5-2 :
وكان كما تنبأ ،ففي عام 625 ،624 ،623م استطاع هرقل أن يتخلص من لوه ومونه،
وشن ثلث حلت ناجحة أخرجت الفرس من بلد الشام ،وف عام 627م واصل الرومان زحفهم
حت وصلوا إل ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسية ،واضطر الفرس لطلب الصلح مع
الرومان ،وأعادوا لم الصليب القدس الذي كان قد وقع بأيديهم ،فمن ذا الذي أخب ممدا
بذه النبوءة العظيمة؟ إنه النب الذي تنبأ عنه موسى عليه السلم.
يقول الؤرخ إدوار جِب ف كتابه "تاريخ سقوط واندار المباطورية الرومانية"" :ف ذلك
الوقت ،حي تنبأ القرآن بذه النبوءة ،ل تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا ،لن السني الثنت عشر
الول من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء المبطورية الرومانية".
روى الترمذي عن ابن عباس ف قول ال تعال :غلبت الروم ف أدن الرض وهم من بعد
غلبهم سيغلبون ف بضع سني قال :كان الشركون يبون أن يظهر أهل فارس على الروم ،لنم
وإياهم أهل الوثان ،وكان السلمون يبون أن يظهر الروم على فارس لنم أهل الكتاب ،فذكروه
لب بكر ،فذكره أبو بكر لرسول ال قال :أما إنم سيغلبون ،فذكره أبو بكر لم ،فقالوا :اجعل
بيننا وبينك أجلً ،فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ،وإن ظهرت كان لكم كذا وكذا ،فجعل أجلً
خس سني ،فلم يظهروا ،فذكروا ذلك للنب فقال :أل جعلته إل دون العشر.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 47 عليه وسلم؟
وقال استفانوس" :هذا هو موسى الذي قال لبن إسرائيل :نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلكم
من إخوتكم ،له تسمعون" (أعمال ،)7/37فلم يذكرا تلك الزيادة ،ولو كانت أصلية لذكرت ف
سائر الواضع.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 49 عليه وسلم؟
وتنبئ الواضع الت ورد فيها ذكر " فاران " ف الكتاب القدس أنا تقع ف صحراء فلسطي ف
جنوبا.
لكن تذكر التوراة أيضا أن إساعيل قد نشأ ف برية فاران( .انظر التكوين ،)21/21ومن
العلوم تارييا أنه نشأ ف مكة الكرمة ف الجاز.
ويرى السلمون أن النص نبوءة عن ظهور عيسى عليه السلم ف سعي ف فلسطي ،ث ممد
صلى ال عليه وسلم ف جبل فاران ،حيث يأت ومعه اللف من الطهار مؤيدين بالشريعة من ال
عز وجل.
وذلك متحقق ف رسول ال لمور:
)1أن جبل فاران هو جبل مكة ،حيث سكن إساعيل ،تقول التوراة عن إساعيل " :كان ال مع
الغلم فكب ،وسكن ف البية ،وكان ينمو رامي قوس ،وسكن ف برية فاران ،وأخذت له أمه
زوجة من أرض مصر " (التكوين .)21-21/20
وقد انتشر أبناؤه ف هذه النطقة ،فتقول التوراة " :هؤلء هم بنو إساعيل ...وسكنوا من
حويلة إل شور " (التكوين ،)18 - 25/16وحويلة كما جاء ف قاموس الكتاب القدس منطقة
()1
ف شال أرض اليمن ،بينما شور ف جنوب فلسطي.
وعليه فإن إساعيل وأبناءه سكنوا هذه البلد المتدة جنوب الجاز وشاله ،وهو يشمل أرض
فاران الت سكنها إساعيل.
كما وقد قامت الدلة التاريية على أن فاران هي الجاز ،حيث بن إساعيل وأبوه الكعبة،
وحيث تفجر زمزم تت قدميه ،وهو ما اعترف به عدد من الؤرخي كما نقل عنهم الؤرخ الندي
مولنا عبد الق فدريات ف كتابه " ممد ف السفار الدينية العالية" ومن هؤلء الؤرخي الؤرخ
جيوم واللهوت يوسبيوس فقال بأن فاران هي مكة ) ( .وجاء ف قاموس Strong's Hebrew
2
Bible Dictionaryان فاران ف صحراء العرب ،حيث يقولParan, a desert of " :
."Arabia
)2أن وجود منطقة اسها فاران ف جنوب سيناء ل ينع من وجود فاران أخرى ،هي تلك الت
سكنها إساعيل ،فقد ورد مثلً إطلق اسم سعي على النطقة الت تقع ف أرض أدوم والت هي
حاليا ف الردن ،وتكرر ذلك الطلق ف مواضع عديدة ف الكتاب ،ول تنع كثرتا أن يطلق ذات
السم على جبل ف وسط فلسطي غرب القدس ف أرض سبط يهوذا( .انظر يشوع .)15/10
ولنا أن نسأل أولئك الذين يصرون على أن فاران هي فاران سيناء :من هو القدوس الذي
تلل من ذلكم البل الذي ل يرتبط بأدن علقة بأي من أحداث النسانية الهمة ،فمن الذي تلل
عليه؟
)3ل يقبل قول القائل بأن النص يكي عن أمر ماضٍ ،إذ التعبي عن المور الستقبلة بصيغة
الاضي معهود ف لغة الكتاب القدس .يقول اسبينوزا " :أقدم الكتاب استعملوا الزمن الستقبل
للدللة على الاضر ،وعلى الاضي بل تييز كما استعملوا الاضي للدللة على الستقبل ...فنتج
عن ذلك كثي من التشابات".
)4ونقول :ل خص جبل فاران بالذكر دون سائر البال لو كان المر مرد إشارة إل انتشار
مد ال كما زعم بعض كتاب اليهود ،فإن مد ال ل يتوقف عند حدود فارن أو جبل سعي.
)5وما يؤكد أن المر متعلق بنبوءة الديث عن آلف القديسي ،والذين تسميهم بعض
التراجم " أطهار اللئكة " أي أطهار التباع ،إذ يطلق هذا اللفظ ويراد به :التباع ،كما جاء ف
سفر الرؤيا أن " ميخائيل وملئكته حاربوا التني ،وحارب التنيُ وملئكتُه ( "...الرؤيا .)12/7
فمت شهدت فاران مثل هذه اللوف من الطهار إل عند ظهور ممد rوأصحابه؟
)6وما جاء ف سفر حبقوق يؤيد قول السلمي حيث يقول " :ال جاء من تيمان ،والقدوس
من جبل فاران .سله .جلله غطى السماوات ،والرض امتلت من تسبيحه ،وكان لعان كالنور.
له من يده شعاع ،وهناك استتار قدرته ،قدامه ذهب الوبأ ،وعند رجليه خرجت المى ،وقف
وقاس الرض ،نظر فرجف المم ( " ...حبقوق .)6 - 3/3
فالنص شاهد على أنه ثة نبوة قاهرة تلمع كالنور ،ويل الفاق دوي أذان هذا النب بالتسبيح.
وتيمان كما يذكر مررو الكتاب القدس هي كلمة عبية معناها " :النوب " ،لذا يقول النص
الكاثوليكي للتوراة" :ال يأت من النوب ،والقدوس من جبل فاران" ،ولا كان الخاطبون ف
فلسطي فإن الوحي البشر به يأت من جهة النوب أي من جزيرة العرب ،فالقدوس سيبعث ف
جبل فاران.
ومن هذا كله فالقدوس التللئ ف جبال فاران هو نب السلم ،فكل الصفات الذكورة لنب
فاران متحققة فيه ،ول تتحقق ف سواه من النبياء الكرام.
المزامير تبشر بصفات نبي آخر الزمان
وها هي الزامي تبشر بالنب الات ،ويصفه أحد مزاميها ،فيقول ماطبا إياه باسم اللك" :فاض
قلب بكلم صال ،متكلم أنا بإنشائي للملك ،لسان قلم كاتب ماهر :أنت أبرع جالً من بن
البشر ،انسكبت النعمة على شفتيك ،لذلك باركك ال إل البد.
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 52
تقلد سيفك على فخذك أيها البار جللك وباءك ،وبللك اقتحم .اركب من أجل الق
والدعة والب ،فتريك يينك ماوف ،نُُبلُك السنونة ف قلب أعداء اللك ،شعوبٌ تتك يسقطون.
كرسيك يا ال إل دهر الدهور ،قضيب استقامة قضيب ملكك .أحببت الب وأبغضت الث.
من أجل ذلك مسحك إلك بدهن البتهاج أكثر من رفقائك ...بنات ملوك بي حظياتك،
جعلت اللكة عن يينك بذهب أوفي.
اسعي يا بنت وانظري ،وأميلي أذنك ،انسي شعبك وبيت أبيك ،فيشتهي اللك حسنك ،لنه
هو سيدك فاسجدي له ...عوضا عن آبائك يكون بنوك ،تقيمهم رؤساء ف كل الرض ،أذكر
اسك ف كل دور فدور .من أجل ذلك تمدك الشعوب إل الدهر والبد " (الزمور - 45/1
.)17
ويسلم النصارى بأن النص نبوءة بالنب الت ،ويزعمون أنه عيسى عليه السلم ،فيما يرى
السلمون أن الصفات الت رمزت ف النص إنا تعود إل ممد ،وتنع أن يكون العن به عيسى
أو غيه من النبياء الكرام ،ففي النص تسع أوصاف لذا النب ،وهي:
)1كونه صاحب حسن ل يعدل ف البشر " بي ف السن أفضل من بن البشر " ،ول يوز
للنصارى القول بأنه السيح ،وهم الذين يقولون :تققت ف السيح نبوة إشعيا ،وفيها أن التنبئ به
"ل صورة له ول جال فننظر إليه ،ول منظر فنشتهيه " (إشعيا ،)52/2وهذا العن الذي ل
نوافقهم عليه ( )1أكده علماؤهم ،فقال كليمندوس السكندران " :إن جاله كان ف روحه وف
أعماله ،وأما منظره فكان حقيا " وقال ترتليان " :أما شكله فكان عدي السن السمان ،وبالري
()2
كان بعيدا عن أي مد جسدي " ومثله قال مارتي وأوريانوس وغيها.
فمن كان هذا قوله بالسيح ل يق له أن يقول بأنه أيضا ":أبرع جالً من بن البشر ".
)(1ل يبعث ال نبيا إل غاية ف السن ،فذلك أدعى لتصديقهم وعدم عيبهم بلقهم ،وقد وصف رسول ال
ل آدم كأحسن
عيسى عليه السلم خصوصا بأنه كان غاية ف السن ،فقد رآه ف رؤيا عند الكعبة (( فرأيت رج ً
ما أنت راء من آدم الرجال ،له لـمّة كأحسن ما أنت راء من اللمم ،قد رجلها ،فهي تقطر ماءً ...فسألت :من
هذا؟ فقيل :هذا هو السيح بن مري )) .رواه مسلم ح (.)169
)(2انظر :ممد نب السلم ف التوراة والنيل والقرآن ،ممد عزت الطهطاوي ،ص ( ، )18أقانيم النصارى ،
أحد حجازي السقا ،ص ( ،)31النبوة والنبياء ف اليهودية والسيحية والسلم ،أحد عبد الوهاب ،ص (
،)136السيحية القة الت جاء با السيح ،علء أبو بكر ،ص (. )404 – 396
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 53 عليه وسلم؟
وقد جاءت الثار تتحدث عن حسن نبينا وفيض جاله بعد أن كساه ال بلباس النبوة ،فلم ير
أجل منه .ففي الثر الصحيح يقول الباء بن مالك( :كان رسول ال أحسن الناس وجها،
()3
وأحسنه َخلْقا ،ليس بالطويل البائن ول بالقصي).
)2أن النبوة وكلمها يرج من شفتيه "انسكبت النعمة على شفتيك" ،فقد كان أميا ،ووحيه
غي مكتوب ،فيما كانت لبراهيم وموسى صحفا ،كما كان عيسى قارئا( .انظر لوقا .)4/16
وقد جاءت نصوص كتابية عدة تؤكد أمية النب القادم منها ما سبق ف سفر التثنية " أجعل
كلمي ف فمه " (التثنية ،)18/18وما جاء ف إشعيا " أو يدفع الكتاب لن ل يعرف القراءة،
فيقال له :اقرأ ،فيقول :ل أعرف الكتابة " (إشعيا .)29/12
وف غي الترجة العربية التداولة " ل أعرف القراءة " وهي تاثل -كما سبق -قول النب
صلى ال عليه وسلم ف غار حراء (( :ما أنا بقارئ )).
)3كونه مبارك إل البد ،صاحب رسالة خالدة " باركك ال إل البد ...كرسيك يا ال إل
دهر الدهور ".
)4كونه صاحب سيف يقهر به أعداءه لقامة الق والعدل " تقلد سيفك على فخذك أيها
البار ...بللك اقتحم .من أجل الق والدعة والب ،فتريك يينك ماوف .نُبُلك السنونة ف قلب
أعداء اللك ،شعوب تتك يسقطون ".
والسيح عليه السلم ل يمل سيفا ول أسقط أعداءه ،ول صوب نبله ف قلوب أعدائه لنشر
دعوة الق ،كما ل يكن ملكا ف قومه.
)5وهذا النب مب للخي ،مبغض للث كحال جيع النبياء ،لكن ال فضله عليهم " مسحك
ال إلك بدهن البتهاج أكثر من رفقائك ".
)6يؤتى لذا النب بالدايا لعزه ،وبنات اللوك يكن ف خدمته أو ف نسائه " بنات ملوك بي
حظياتك ..بنت صور أغن الشعوب تترضى وجهك بدية ." ..
وقد تزوج النب بصفية بنت حيي بن أخطب سيد قومه ،كما أهديت إليه مارية القبطية،
وكانت شهربانو بنت يزدجر ملك فارس تت ابنه السي .t
)7تدين له المم بالضوع ،وتدخل المم ف دينه بفرح وابتهاج " بلبس مطرزة وتضر إل
اللك ،ف إثرها عذارى صاحباتا ،مقدمات إليك ،يضرن بفرح وابتهاج يدخلن إل قصر اللك".
)8يستبدل قومه بالعز بعد الذل " عوضا عن آبائك يكون بنوك ،تقيمهم رؤساء ف كل
الرض".
)9يكتب له الذكر الميد سائر الدهر " أذكر اسك دور فدور ،من أجل ذلك تمدك
الشعوب إل الدهر والبد " فهو أحد وممد صلى ال عليه وسلم.
وقد تنبأ وبشر سليمان أيضا ف الزامي بالنب اللك ،صلى ال عليه وسلم ،فقال " :ويلك من
البحر إل البحر ،ومن النهر إل أقاصي الرض ،أمامه تثو أهل البية ،وأعداؤه يلحسون التراب،
ملوك ترشيش والزائر يرسلون تقدمة ،ملوك شبا وسبإ يقدمون هدية ،ويسجد له كل اللوك ،كل
المم تتعبد له ،لنه ينجي الفقي الستغيث والسكي إذ ل معي له ،يشفق على السكي والبائس
ويلص أنفس الفقراء ،من الظلم والطف يفدي أنفسهم ،ويكرم دمهم ف عينيه ،ويعيش ويعطيه
من ذهب شبا ،ويصلّي لجله دائما ،اليوم كله يباركه ،تكون حفنة بر ف الرض ف رؤوس البال،
تتمايل مثل لبنان ثرتا ويزهرون من الدينة مثل عشب الرض.
يكون اسه إل الدهر ،قدام الشمس يتد اسه ،ويتباركون به ،كل أمم الرض يطوّبونه ،مبارك
الرب ال إله إسرائيل الصانع العجائب وحده ،ومبارك اسم مده إل الدهر ولتمتلئ الرض كلها
من مده ،آمي ث آمي " (الزمور ،)19-72/8فمن هو الذي سجدت وأذعنت وذلت له اللوك،
ومده ال ف كل الدهور؟ ل ريب أنه ممد ،الذي دانت لسلطانه أعظم مالك عصره ،الروم
والفرس.
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 56
البشارة بالملكوت
ومن اللقاب الت أعطيت للدين الديد وأتباعه ف الكتاب القدس " اللكوت " أو " ملكوت
السماوات " ،الذي أنبأ السيح عن انتقاله عن أمة اليهود إل أمة أخرى ،فقال " :إن ملكوت ال
ينع منكم ويعطى لمة تعمل أثاره " (مت .)21/43
هذا اللكوت تقاطرت النبياء على البشارة به " كان الناموس والنبياء إل يوحنا ،ومن ذلك
الوقت يبشر بلكوت ال ،وكل واحد يغتصب نفسه إليه " (لوقا .)17-16/16
واللكوت قد بشر باقتراب عصره النب يوحنا العمدان ،يقول مت " :جاء يوحنا العمدان
يكرز ف برية اليهودية قائلً :توبوا لنه قد اقترب ملكوت السماوات " (مت .)2 - 3/1
وتدث العمدان عن اللكوت القادم فقال لليهود متوعدا " :يا أولد الفاعي من أراكم أن
تربوا من الغضب الت ...والن قد وضعت الفأس على أصل الشجر ،فكل شجرة ل تصنع ثرا
جيدا تقطع وتلقى ف النار ،أنا أعمدكم باء التوبة ،ولكن الذي يأت بعدي هو أقوى من ،الذي
لست أهلً أن أحل حذاءه ،هو سيعمدكم بالروح القدس ونار ،الذي رفشه ف يده ،وسينقي بيدره
ويمع قمحه إل الخزن ،وأما التب فيحرقه بنار ل تطفأ .حينئذ جاء يسوع من الليل إل الردن
إل يوحنا ليتعمد منه( " ....مت .)13 - 3/1
ولنتوقف سريعا مع الصفات الت ذكرها يوحنا العمدان لصاحب اللكوت.
فأولا :أنه يأت بعده ،فل يكن أن يكون هذا الت بعده هو السيح الذي أتى ف أيام يوحنا
العمدان.
وثانيها :أنه قوي ،وقوته تفوق قوة يوحنا العمدان ،ومثل هذا الوصف ل ينطبق على السيح
الذي يزعم النصارى مصرعه على الصليب قريبا ما جرى ليوحنا العمدان ،وأن هذا من غلبة
رسول ال على سائر أعدائه! ث بلغ من القوة أنه طهر الرض من رجس الوثنية بالروح والنار
أي بدعوته العظيمة وقوته القاهرة ،وكل ما تقدم ل ينطبق على أحد سوى رسول ال .
وبعد وفاة يوحنا العمدان جدد يسوع البشارة باقتراب اللكوت " ،ابتدأ يسوع يكرز ويقول:
توبوا لنه قد اقترب ملكوت السماوات " (مت " ،)4/17وكان يسوع يطوف كل الليل يعلم
ف مامعهم ،ويكرز ببشارة اللكوت " (مت " ،)4/23كان يسي ف مدينة وقرية يكرز ويبشر
بلكوت ال ،ومعه الثنا عشر" (لوقا .)8/1
وقد اعتب السيح عليه السلم البشارة باللكوت مهمته الول ،بل الوحيدة ،فقال " :فقال لم:
إنه ينبغي ل أن أبشر الدن الخر أيضا بلكوت ال ،لن لذا قد أرسلت" (لوقا .)4/34
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 57 عليه وسلم؟
وأمر تلميذه بأن يبشروا باقتراب اللكوت فقال " :اكرزوا قائلي :إنه قد اقترب ملكوت
السماوات " (مت .)10/7
ث علم السيح تلميذه أن يقولوا ف صلتم تلك العبارة الت ما يزال النصارى يرددونا إل
اليوم " أبانا الذي ف السماوات ..ليأت ملكوتك " (لوقا .)10/2
ومن خلل هذا كله نستطيع أن نقول بأن رسالة عيسى كانت بشارة باللكوت الذي بشر به
يوحنا العمدان ،ووصفا بعض ما يكتنفه ،وهذا اللكوت هو بعد السيح ف أمة تعمل أثاره ،ول
تضيعه كما أضاعه اليهود.
فما هو هذا اللكوت؟
ييب النصارى بأن اللكوت "شيوع اللة السيحية ف جيع العال وإحاطتها كل الدنيا بعد نزول
السيح" ،وفسره آخرون بأنه انتصار الكنيسة على اللحدينن وفسره آخرون بأنه البشارة باللص
بدم السيح ،يقول القمص تادرس يعقوب ملطي ف تفسيه لنيل مت" :فإن اللكوت الذي أعلنه
السيد السيح هو "بشارة اللكوت" أو "إنيل اللكوت" ...تعب عن اخبار اللص الفرحة الت
قدمها لنا ال ف ابنه يسوع".
ويعجب السلمون لنصراف النصارى عن معن اللكوت وتعلقهم با ل طائل وراءه ،فلقد
انتصرت الكنيسة وحكمت أوربا قرونا عدة ،ول نر ما يستحق أن يكون أمرا يبشر به العمدان
والسيح والتلميذ.
وكذلك فإن أخبار اللص الزعوم ل يكن أن تكون هي البشارة الت كان السيح يطوف
مبشرا با ف الدن والقرى ،فأقرب تلميذه ل يفهموا هذا العن ،ومنهم التلميذان النطلقان لعمواس
بعد حادثة الصلب ،فقد كانا يبكيان لفوات اللص بوت السيح " فقال لما :ما هذا الكلم الذي
تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسي ...كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الوت وصلبوه،
ونن كنا نرجو أنه هو الزمع أن يفدي إسرائيل ،ولكن مع هذا كله اليوم له ثلثة أيام منذ حدث
ذلك " ( لوقا .) 21-24/17لقد جهل التلميذان موضوع اللص بوت السيح ،فهما يبحثان
عن خلص آخر ،وهو اللص الدنيوي الذي ينتظره بنو إسرائيل.
وأيضا جهلت الموع الؤمنة الت شهدت الصلب أن الصلب هو البشارة الفرحة الت كان
يبشر با السيح فرجعوا وهم يبكون وينوحون " وكل الموع الذين كانوا متمعي لذا النظر لا
أبصروا ما كان ،رجعوا وهم يقرعون صدورهم " ( لوقا .) 49 - 23/48
ول يكن أن يكون اللكوت الوعود هو اللص بدم السيح لن النصوص ذكرت أمورا تدث
قبل ميء اللكوت ،فهي علمات تتحقق قبل حلول اللكوت ،ومن بينها قيام أمة جديدة وملكة
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 58
جديدة ،وهو ما ل يتحقق قبل انتشار السيحية ف العال ،ول حي صلب السيح ،يقول مت:
"فسألوه قائلي :يا معلّم مت يكون هذا؟ وما هي العلمة عندما يصي هذا؟
فقال :انظروا ل تضلوا ،فإن كثيين سيأتون باسي قائلي :إن أنا هو ،والزمان قد قرب ،فل
تذهبوا وراءهم ،فإذا سعتم بروب وقلقل فل تزعوا ،لنه ل بد أن يكون هذا أولً ،ولكن ل
يكون النتهى سريعا.
ث قال لم :تقوم أمة على أمة ،وملكة على ملكة ،وتكون زلزل عظيمة ف أماكن وماعات
وأوبئة ،وتكون ماوف وعلمات عظيمة من السماء ..
وقال لم مثلً :انظروا إل شجرة التي وكل الشجار ،مت أفرخت تنظرون وتعلمون من
أنفسكم أن الصيف قد قرب ،هكذا أنتم أيضا ،مت رأيتم هذه الشياء صائرة ،فاعلموا أن ملكوت
ال قريب ..
الق أقول لكم :إنه ل يضي هذا اليل حت يكون الكل ،السماء والرض تزولن ولكن
كلمي ل يزول ،فاحترزوا لنفسكم لئل تثقل قلوبكم ف خار وسكر وهوم الياة ،فيصادفكم
ذلك اليوم بغتة ،لنه كالفخ يأت على جيع الالسي على وجه كل الرض ،اسهروا إذا وتضرعوا
ل للنجاة من جيع هذا الزمع أن يكون ،وتقفوا قدام ابن النسان"
ف كل حي ،لكي تسبوا أه ً
(لوقا .)36-21/6
وف قوله ":وتقفوا قدام ابن النسان" ما يربط اللكوت بشخص ابن النسان القادم ،فهو ل
يتحدث عن انتشار السيحية ،بل يتحدث عن ظهور النب الات ابن النسان ،ويدعوهم للستعداد
للقائه.
فاللكوت هو أمة تعمل وفق إرادة ورضاء صاحب اللكوت جل جلله.
يقول وليم باركلي ف تفسيه لسفر العمال" :اللكوت هو متمع على الرض ،تُن ّفذُ فيه إرادة ال
تاما كما ف السماء".
وف أحد تشبيهات السيح للملكوت أبان لتلميذه عن سبب انتقاله عن بن إسرائيل فقال:
"اسعوا مثلً آخر ،كان إنسان رب بيت ،غرس كرما ،وأحاطه بسياج ،وحفر فيه معصرة وبن
برجا ،وسلمه إل كرامي وسافر.
ولا قرب وقت الثار أرسل عبيده إل الكرامي ليأخذ أثاره ،فأخذ الكرامون عبيده ،وجلدوا
بعضا وقتلوا بعضا ورجوا بعضا ،ث أرسل إليهم أيضا عبيدا آخرين أكثر من الولي ،ففعلوا بم
كذلك.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 59 عليه وسلم؟
فأخيا أرسل إليهم ابنه قائلً :يهابون ابن ،وأما الكرامون فلما رأوا البن قالوا فيما بينهم :هذا
هو الوارث ،هلموا نقتله ونأخذ مياثه ،فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم ،وقتلوه.
فمت جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامي؟ قالوا له :أولئك الردياء يهلكهم هلكا
رديا ،ويسلم الكرم إل كرامي آخرين يعطون الثار ف أوقاتا.
قال لم يسوع :أما قرأت قط ف الكتب :الجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية،
من قبل الرب كان هذا ،وهو عجيب ف أعيننا ،لذلك أقول لكم :إن ملكوت ال ينع منكم
ويعطى لمة تعمل أثاره ،ومن سقط على هذا الجر يترضض ،ومن سقط هو عليه يسحقه.
ولا سع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم " (مت ،)45 - 21/33
(وانظر لوقا ،)19 - 20/9فمن تراه تكون المة العظيمة الت إذا غزت أمة سحقتها ،وإذا أرادتا
أمة نكصت على عقبيها؟ ل ريب أنا المة الت هزمت أعظم دولتي ف عصرها :الروم والفرس،
وانساحت ف الرض ،وملكت خلل قرن واحد ما بي الصي وفرنسا ،إنا أمة السلم.
ونبوءة مت السالفة تيل على نبوءة ف كتب النبياء ،وهي ما جاء ف مزامي داود عن الت
باسم الرب "أحدك لنك استجبت ل ،وصرت ل خلصا ،الجر الذي رفضه البناؤون قد صار
رأس الزاوية ،من قبل الرب كان هذا ،وهو عجيب ف أعيننا ،هذا هو اليوم الذي صنعه الرب،
نبتهج ونفرح فيه ،آه يا رب خلّص ،آه يا رب أنقذ ،مبارك الت باسم الرب" (الزمور -118/21
.)25
وقد قال (( :مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل ابتن بيوتا ،فأحسنها وأجلها وأكملها
إل موضع لبنة من زاوية من زواياها ،فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون :أل وضعت
()1
إنه الجر الذي تت به النبوات. هاهنا لبِنة ،فيتم بنيانك ،فقال :فكنت أنا اللبِنة)).
وقبل أن نتقل إل شرح النبوءة يسن بنا أن ننوه إل الطأ الذي وقع فيه بطرس حي زعم أن
السيح هو الجر الذي رفضه البناؤون ،فقال" :يسوع الناصري الذي صلبتموه أنتم ...هذا هو
الجر الذي احتقرتوه أيها البناؤون ،الذي صار رأس الزاوية ،وليس بأحد غيه اللص ،لن ليس
اسم آخر تت السماء قد أعطي بي الناس به ينبغي أن نلص" (أعمال ،)12-4/10مع أن
الجر الذي أخب عنه داود ث السيح نبوة غالبة ،وأمة ظافرة ،وهذه النبوة ليست ف بن إسرائيل
كما شهد السيح عليه السلم .
ولبطرس عذر ف خطئه ،فهو إنسان عامي عدي العلم كما شهد له أولئك الذين استمعوا لديثه
وتعجبوا من العجزات الت صنعها ،فقد قال ف ذات السياق " :فلما رأوا ماهرة بطرس ويوحنا،
ووجدوا أنما إنسانان عديا العلم وعاميان ،تعجبوا " ( أعمال .) 4/13
وهذا الثل العجيب من السيح (مثل الكرامي) يكي تنكر اليهود لنعم ال واصطفائه لم
بقتلهم أنبياءه وهجر شريعته ،ويكي انتقال اللكوت إل أمة تقوم بأمر ال تعال وتقوى على
أعدائها وتسحقهم.
وهذه المة مرذولة متقرة "الجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية" ،لكن ال
اختارها رغم عجب اليهود من تول اللكوت إل هذه المة الرذولة ،لكنه قدر ال العظيم "من قبل
الرب كان هذا ،وهو عجيب ف أعيننا"..
فمن تكون هذه المة الرذولة؟ إنا أمة العرب ،أبناء الارية هاجر ،الت يزدريها الكتاب
القدس ،فقد قالت سارة" :اطرد هذه الارية وابنها ،لن ابن الارية ل يرث مع ابن إسحاق
" (التكوين .)21/10
وقال بولس مفتخرا على العرب متقرا لم " :ماذا يقول الكتاب؟ اطرد الارية وابنها ،لنه ل
يرث ابن الارية مع ابن الرة ،إذا أيها الخوة :لسنا أولد جارية ،بل أولد الرة " (غلطية
.)31 - 4/30
وقد ضرب السيح الزيد من المثال للملكوت القادم ،فبيّن ف مثل آخر أنه ليس ف بن
إسرائيل ،المة الت ل تستحق اصطفاء ال لا ،يقول مت" :جعل يسوع يكلمهم أيضا بأمثال قائلً:
يشبه ملكوت السموات إنسانا ملكا صنع عرسا لبنه ،وأرسل عبيده ليدعوا الدعوين إل العرس،
فلم يريدوا أن يأتوا ،فأرسل أيضا عبيدا آخرين قائلً :قولوا للمدعوين :هوذا غذائي أعددته ،ثيان
ومسمنات قد ذبت ،وكل شيء معد ،تعالوا إل العرس.
ولكنهم تاونوا ومضوا ،واحد إل حقله ،وآخر إل تارته ،والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم
وقتلوهم.
فلما سع اللك غضب وأرسل جنوده ،وأهلك أولئك القاتلي وأحرق مدينتهم ،ث قال لعبيده:
أما العرس فمستعد ،وأما الدعوون فلم يكونوا مستحقي ،فاذهبوا إل مفارق الطرق ،وكل من
وجدتوه فادعوه إل العرس.
فخرج أولئك العبيد إل الطرق ،وجعوا كل الذين وجدوهم أشرارا وصالي ،فامتل العرس
من التكئي ،فلما دخل اللك لينظر التكئي رأى هناك إنسانا ل يكن لبسا لباس العرس ،فقال له:
يا صاحب كيف دخلت إل هنا وليس عليك لباس العرس؟ فسكت ،حينئذ قال اللك للخدام:
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 61 عليه وسلم؟
اربطوا رجليه ويديه وخذوه ،واطرحوه ف الظلمة الارجية ،هناك يكون البكاء وصرير السنان،
لن كثيين يدعون ،وقليلي ينتخبون" (مت .)14-22/1
وف مثل آخر بي لم أنواع الناس ف قبول اللكوت والذعان له ،ودعاهم لقبوله والذعان له،
فقال" :فكلهم كثيا بأمثال قائلً :هوذا الزارع قد خرج ليزرع ،وفيما هو يزرع سقط بعض على
الطريق ،فجاءت الطيور وأكلته.
وسقط آخر على الماكن الحجرة ،حيث ل تكن له تربة كثية ،فنبت حالً ،إذ ل يكن له عمق
أرض ،ولكن لا أشرقت الشمس احترق ،وإذ ل يكن له أصل جف.
وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه.
وسقط آخر على الرض اليدة ،فأعطى ثرا ،بعض مائة ،وآخر ستي ،وآخر ثلثي ،من له
أذنان للسمع فليسمع ...
فاسعوا أنتم مثل الزارع ،كل من يسمع كلمة اللكوت ول يفهم ،فيأت الشرير ويطف ما قد
زرع ف قلبه ،هذا هو الزروع على الطريق.
والزروع على الماكن الحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالً يقبلها بفرح ،ولكن ليس له
أصل ف ذاته بل هو إل حي ،فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالً يعثر.
والزروع بي الشوك هو الذي يسمع الكلمة ،وهم هذا العال وغرور الغن ينقان الكلمة،
فيصي بل ثر.
وأما الزروع على الرض اليدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم ،وهو الذي يأت بثمر فيصنع
بعض مائة وآخر ستي وآخر ثلثي" (مت .)23-13/1
ويتطابق هذا الثل النيلي مع الثل الذي ضربه النب لحوال الناس مع دعوته ،حيث قال:
((مثل ما بعثن ال به من الدى والعلم كمثل الغيث الكثي أصاب أرضا ،فكان منها نقية قبلت الاء
فأنبتت الكل والعشب الكثي ،وكانت منها أجادب أمسكت الاء ،فنفع ال با الناس ،فشربوا
وسقوا ،وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنا هي قيعان ل تسك ماء ول تنبت كل ،فذلك مثل
من فقه ف دين ال ونفعه ما بعثن ال به فعلم وعلم ،ومثل من ل يرفع بذلك رأسا ،ول يقبل هدى
()1
ال الذي أرسلت به)).
وحدث السيح تلميذه عن انتشار اللكوت الذي هو أصغر البذور ،لكنه أعظمها انتشارا ،
يقول مت" :قدم لم مثلً آخر قائلً :يشبه ملكوت السموات حبة خردل ،أخذها إنسان ،وزرعها
ف حقله ،وهي أصغر جيع البذور ،لكن مت نت فهي أكب البقول ،وتصي شجرة ،حت إن طيور
السماء تأت وتتآوى ف أغصانا.
قال لم مثلً آخر :يشبه ملكوت السموات خية أخذتا امرأة وخبأتا ف ثلثة أكيال دقيق
حت اختمر الميع ،هذا كله كلم به يسوع الموع بأمثال ،وبدون مثل ل يكن يكلمهم" (مت
( .)34-13/31انظر مرقس .)32-4/30
يقول النبا أثناسيوس ف تفسيه لنيل يوحنا" :لكل مثل من أمثلة السيد السيح درس ،فمثل
الزوان يعلمنا عن حروب العدو لبناء اللكوت ،وحبة الردل يعلمنا عن نو اللكوت."..
وف نص آخر يتحدث عن هيمنة الشريعة الديدة على سائر الشرائع السابقة ونسخها لا،
فيقول " :أيضا يشبه ملكوت السموات كنا مفيا ف حقل وجده إنسان ،فأخفاه ،ومن فرحه مضى
وباع كل ما كان له واشترى ذلك القل.
أيضا يشبه ملكوت السموات إنسانا تاجرا يطلب للئ حسنة ،فلما وجد لؤلؤة واحدة كثية
الثمن ،مضى وباع كل ما كان له ،واشتراها" (مت .)46-13/44
وقد قال السيح مبشرا بالقادم الذي ينسخ الشرائع بشريعته" :ل تظنوا أن جئت لنقض الناموس
أو النبياء ،ما جئت لنقض بل لكمل ،فإن الق أقول لكم :إل أن تزول السماء والرض ل
يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حت يكون الكل" (مت ،)18-5/17فمن هو هذا
الذي له الكل ،إنه ذات النب الذي يسميه بولس بالكامل ،وميئه فقط يبطل الشريعة وينسخها
"وأما النبوات فستبطل ،واللسنة فستنتهي ،والعلم فسيبطل ،لننا نعلم بعض العلم ،ونتنبأ بعض
التنبؤ ،ولكن مت جاء الكامل فحينئذ يبطل ما هو بعض" (كورنثوس (.)10-12/8 )1
وكما تدث السيح عن هذا النب تدث عن تأخر زمان ظهوره عن النبوات السابقة ،لكن
ذلك لن ينع عظيم الجر والثواب لمته ،فضرب هذا الثل وقال " :فإن ملكوت السماوات يشبه
ل رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر َفعَلة لكرمه ،فاتفق مع الفعلة على دينار ف اليوم
رج ً
وأرسلهم إل كرمه ،ث خرج نو الساعة الثالثة ،ورأى آخرين قياما ف السوق بطالي ،فقال لم:
اذهبوا أنتم أيضا إل الكرم فأعطيكم ما يق لكم ،فمضوا.
وخرج أيضا نو الساعة السادسة والتاسعة وفعل ذلك.
ث نو الساعة الادية عشرة خرج ووجد آخرين قياما بطالي ،فقال لم :لاذا وقفتم ههنا ،كلّ
النهار بطالي؟
قالوا له :لنه ل يستأجرنا أحد .قال لم :اذهبوا أنتم أيضا إل الكرم فتأخذوا ما يق لكم.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 63 عليه وسلم؟
فلما كان الساء قال صاحب الكرم لوكيله :ادع الفعلة وأعطهم الجرة مبتدئا من الخرين إل
الولي.
فجاء أصحاب الساعة الادية عشرة وأخذوا دينارا دينارا ،فلما جاء الولون ظنوا أنم
يأخذون أكثر ،فأخذوا هم أيضا دينارا دينارا ،وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت قائلي:
هؤلء الخرون عملوا ساعة واحدة ،وقد ساويتهم بنا نن الذين احتملنا ثقل النهار والر.
فأجاب وقال لواحد منهم :يا صاحب ما ظلمتك ،أما اتفقت معي على دينار؟ فخذ الذي لك
واذهب ،فإن أريد أن أعطي هذا الخي مثلك .أو ما يل ل أن أفعل ما أريد بال أم عينك شريرة
لن أنا صال!
هكذا يكون الخرون أولي ،والولون آخرين ،لن كثيين يُدعَون ،وقليلون ينتخبون " (مت
.)16 - 20/1وهكذا فاز الخرون بالجر والثواب.
فالخرون هم الولون السابقون كما قال السيح وأكده رسول ال rبقوله(( :نن الخرون
السابقون)) ( ،)1وقوله(( :مثلكم ومثل أهل الكتابي كمثل رجل استأجر أجراء فقال :من يعمل ل
غدوة إل نصف النهار على قياط؟ فعملت اليهود ،ث قال :من يعمل ل من نصف النهار إل صلة
العصر على قياط ،فعملت النصارى ،ث قال من يعمل ل من العصر إل أن تغيب الشمس على
قياطي؟ فأنتم هم .فغضبت اليهود والنصارى فقالوا :مالنا أكثر عملً وأقل عطاءً؟ قال :هل
( )2
نقصتكم من حقكم؟ قالوا :ل .قال :فذلك فضلي أوتيه من أشاء)).
ث ملكة فارس الت قامت أقامها خسرو ،وتسلط ملكها قورش على بابل سنة ( 593ق.م)،
ورمز لا ف النام بالصدر والذراعي من فضة.
ث تلتها ملكة مقدونية والت قضت على ملكة الفرس ،وأسسها السكندر القدون (336
ق.م) ،ويرمز لا ف النام بالبطن والفخذين من النحاس.
ث تلتها امباطورية الرومان والت أسسها المبطور بوفبيوس ( 63ق.م) ،ورمز لا ف النام
بساقي من حديد وقدمي إحداها من خزف وأخرى من حديد ،ولعله أراد دولت فارس والروم أو
()1
انقسام المباطورية الرومانية .
"وف أيام هؤلء اللوك يقيم إله السماوات ملكة لن تنقرض أبدا " ،فقد جاء الجر الذي رذله
البناؤون وقد قطع بغي يدين ،إذ جاء من السماء ليقضي على الفرس والروم ،وأقام اللكوت
الوعود ف الدنيا قرونا طويلة ،ول ينقطع بأس هذه المة إل ف هذا القرن الخي.
ل ما يلبث أن يزول ،فتشرق
ولعل ف هذه النبوءة ما يبشر بكون هذا الكسوف عرضا زائ ً
شس أمة السلم من جديد.
وقريبا من رؤيا بتنصر رأى دانيال رؤيا اليوانات الربع "قال :كنت أرى ف رؤياي ليلً ،وإذا
بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبي ،وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مالف
ذاك ،الول كالسد ...وإذا بيوان آخر ثان شبيه بالدب ...وإذا بآخر مثل النمر ...وإذا بيوان
رابع هائل وقوي وشديد جدا ،وله أسنان من حديد كبية ،أكل وسحق وداس الباقي برجليه،
وكان مالفا لكل اليوانات الذين قبله وله عشرة قرون ...
كنت أرى ف رؤى الليل ،وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى ،وجاء إل القدي اليام،
فقربوه قدامه ،فأعطي سلطانا ومدا وملكوتا ،لتتعبّد له كل الشعوب والمم واللسنة ،سلطانه
سلطان أبدي ما لن يزول ،وملكوته ما ل ينقرض" (دانيال .)18-7/3
ويوافق النصارى على أن المالك الربعة هي البابلية ث الفارسية ث اليونانية ث الرومانية،
ويرون اللكوت متحققا ف ظهور دين السيح وتأسيس الكنيسة ف يوم المسي عندما نزل الروح
القدس على التلميذ الجتمعي ف أورشليم.
لكن الملكة الروحية الت أسسها الواريون ل يكن أن تكون اللكوت الوعود ،لن دانيال
يتحدث عن أربع مالك حقيقية ،سحق آخرَها ملكٌ حقيقي ،ل روحي " وف أيام هؤلء اللوك يقيم
)(1انظر :إظهار الق ،رحة ال الندي ( ، )1169 – 4/1166البشارة بنب السلم ف التوراة والنيل ،أحد
حجازي السقا (.)51 – 2/48
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 66
إله السموات ملكة لن تنقرض أبدا ،وملكها ل يترك لشعب آخر ،وتسحق وتفن كل هذه
المالك" (دانيال .)2/44
وقال عن الملكة ونبيها " :لتتعبد له كل الشعوب والمم واللسنة " (دانيال .)7/14
وقد فهم التلميذ من السيح أن هذه الملكة القادمة زمنية ل روحية ،فسألوه وهم يظنون أنا
تقوم على يديه " :هل ف هذا الوقت ترد اللك إل إسرائيل؟ " (أعمال ،)1/6وقد اجتهد السيح
ف إفهامهم أن ملكته روحية ،بينما الملكة القادمة ملكة حقيقية.
ث إن ملكة التلميذ ل تقهر الدولة الرومانية ،بل إن الرومان قهروا السيحية بعد حي ،حي
أدخلوا وثنياتم فيها.
وكيف للنصارى أن يقولوا بقهر الرومان ،وهم يزعمون أن السيح مات على أعواد صليب
رومان.
أما السلمون فهم الذين قضوا على الدولة الرومانية ،واقتلعوها من أرض فلسطي ،ث بقية
بلد الشام ومصر ،ث أضحت عاصمتها القسطنطينية عاصمة للسلم دين اللكوت..
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 67 عليه وسلم؟
)(1ومثل هذا ف القرآن ف قوله } :يا أيها الذين آمنوا ادخلوا ف السلم كافة { (البقرة.)208 :
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 68
وهذا الستعمال لكلمة " السلم " بعن " السلم " يراه عبد الحد داود لزما ف موضع
آخر من الكتاب القدس ،فقد جاء ف إنيل لوقا أن اللئكة ترنوا عند ميلد السيح قائلي " :الجد
ل ف العال ،وعلى الرض السلم ،وبالناس السرة " (لوقا .)2/14
ويتساءل القس السابق عبد الحد داود أي سلم حلّ على الرض بعد ميلد السيح ،فقد
تتابع القتل والروب ما تزال تطحن ،وإل قيام الساعة ،ولذلك فإن الترجة الصحيحة لكلمة
"إيرينا " اليونانية ف العبانية " :شالوم " ،وهي ف العربية " السلم " كما " السلم ".
وإن أصر النصارى على تفسي كلمة " إيرينا " بالسلم ،فقد جعلوا من عيسى مناقضا لنفسه،
إذ قال " :جئت للقي نارا على الرض ...أتظنون أن جئت لعطي سلما على الرض .كل
أقول لكم ،بل انقساما ( " ...لوقا ،)51 - 12/49وف مت " :ل تظنوا أن جئت للقي سلما
على الرض ،ما جئت للقي سلما ،بل سيفا " (مت .)10/34
وتبعا لذا يرى عبد الحد داود أن صانعي السلم هم السلمون ،وذلك ف قول السيح:
"طوب لصانعي السلم ،لنم يدعون أبناء ال " (مت ،)5/9فيى أن الترجة الدقيقة هي " طوب
للمسلمي " ،وليس صانعي السلم اليال ،الذي ل ولن يوجد على الرض.
كما ل يستطيع أحد ينتمي إل فرق النصارى الختلفة والتباغضة طوال تاريخ النصرانية ،ل
يستطيع أن يقول بأن السلم قد تقق ف نفوس الؤمني ،إذ الحقاد التطاولة بينهم تكذب ذلك
كله.
وجاء ف تام النشودة الزعومة للملئكة " :وبالناس السرة " ،واستخدم النص اليونان كلمة
"يودكيا " وهي كلمة مشتقة من الفعل اليونان " دوكيو " ،ومعناها كما ف القاموس الغريقي:
"لطيف ،مسن ،دمث " ...ومن معانيها أيضا السرور -الحبة -الرضا -الرغبة ،الشهرة...
فكل هذه الطلقات تصح ف ترجة كلمة " يودوكيا " الت يصح أيضا أن تترجم ف العبانية
إل (مماد ،ما حامود) الشتقة من الفعل " حد " ومعناه :الرغوب فيه جدا ،أو البهيج ،أو الرائع أو
الحبوب أو اللطيف ،وهذا كله يتفق مع العان الت تفيدها كلمة ممد وأحد ،واللتان تقاربان ف
الشتقاق كلمت (حدا و مماد) العبانيتي ،ومثل هذا التقارب يدل على أن لما أساس واحد
مشترك كما هو الال ف كثي من كلمات اللغات السامية.
وينبه الب السابق عبد الحد داود إل وجود هذا النص ف إنيل لوقا اليونان ،ف الوقت
الذي كانت فيه العبارات سريانية حي مقالا ،ول يكن -حت مع بذل الهد وفرض المانة ف
الترجة -أن تترجم كلمة ما من لغة إل أخرى ،وتفيد نفس العان الصلية للكلمة .ومع ضياع
الصول ل يكن التحقق من دقة هذه الترجة.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 69 عليه وسلم؟
والترجة الصحيحة للترنيمة كما يرى عبد الحد داود هي " :المد ل ف العال ،وعلى
()1
الرض إسلم ،وللناس أحد ".
)(1انظر :ممد ف الكتاب القدس ،عبد الحد داود ،ص ( ، )165 – 147النيل والصليب ،عبد الحد
داود ،ص ( ، )55-33البشارة بنب السلم ف التوراة والنيل ،أحد حجازي السقا (.)372 – 2/370
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 70
البشارة بإيلياء
ومن الساء الت رمز الكتاب القدس با إل النب " rإيلياء " وهي وفق حساب المّل
()1
اليهودي تساوي 53
وهو أيضا اسم لنب عظيم أرسله ال عز وجل إل بن إسرائيل ،وكان ذلك ف القرن التاسع
قبل اليلد ،وهو الذي يسميه القرآن إلياس.
وف آخر أسفار التوراة العبانية يتحدث النب ملخي ف سفره القصي عن عصيان بن إسرائيل
وعن إيليا أو إيلياء القادم الديد ،وهو غي إلياس الذي كان قد توف منذ سبعة قرون ،فيقول
ملخي بأن ال يقول " :هأنذا أرسل ملكي ،فيهيء الطريق أمامي ،ويأت بغتة إل هيكله السيدُ
الذي تطلبونه ،وملك العهد الذي تسرون به ،هو ذا يأت ،قال رب النود.
من يتمل يوم ميئه ،ومن يثبت عند ظهوره ،لنه مثل نار المحص ،ومثل أشنان القصار ...
(ملخي .)2 - 3/1
فالنص ف سفر النب ملخي يتحدث عن اثني ،أحدها الذي يهيئ الطريق أمام القادم من عند
الرب.
والثان هو الذي يأت بغتة إل اليكل ،ويسميه :السيد ،وملك العهد .وهو الذي يطلبه بنو
إسرائيل وينتظرونه.
وف آخر سفره يقول ملخي ،وحديثه مازال متصلً عن هذا القادم وعن تبديل بن إسرائيل
وكفرهم فيقول " :اذكروا شريعة موسى عبدي الت أمرته با ف حوريب على كل إسرائيل
الفرائض والحكام .هأنذا أرسل إليكم إيّليا النب قبل ميء يوم الرب اليوم العظيم والخوف ،فيد
قلب الباء على البناء وقلب البناء على آبائهم ،لئل آت وأضرب الرض بلعن " (ملخي 4/4
.)5 -
فقد سى ملخي النب القادم إيليا بعد أن ذكرهم بوصية موسى على جبل حوريب والت ذكر
فيها موسى النب القادم مثله من بي إخوة بن إسرائيل ،قال الفسر صاحب "تفة اليل" " :إن
إيلياء الرسول الذكور ف آخر سفر ملخي هو ملغوز ،وهذا هو حب العال الذي يأت ف آخر
()2
الزمان ".
ويرى النصارى أن النب الذي يهد الطريق هو يوحنا العمدان السمى بإيليا ف النص يقول
مرقس " :كما هو مكتوب ف النبياء ها أنا أرسل ملكي الذي يهيئ طريقك قدامك ..كان يوحنا
( )(1أ= ،1ي= ،10ل= ،)30وهو ما تساويه كلمة أحد (أ= ،1ح= ،8م= ،40د=.)4
)(2انظر :الفارق بي الخلوق والالق ،عبد الرحن باجي البغدادي ،ص (. )654
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 71 عليه وسلم؟
العمدان يعمد ف البية ...وكان يكرز قائلً :يأت بعدي من أقوى من ،الذي لست أهلً أن أنن
وأحل سيور حذائه ،أنا عمدتكم بالاء ،وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس ،وف تلك اليام جاء
يسوع( " ..مرقس ،)9 - 1/2وهو ما نقله لوقا عن لسان السيح " :بل ماذا خرجتم لتنظروا،
أنبيا؟ نعم أقول لكم :وأفضل من نب ،هذا هو الذي كتب عنه :ها أنا أرسل أمام وجهك ملكي
الذي يهيئ طريقك قدامك ،لن أقول لكم :إنه بي الولودين من النساء ليس نب أعظم من يوحنا
العمدان ،ولكن الصغر ف ملكوت ال أعظم منه" (لوقا .)7/26
فالمهِد للطريق -حسب رأي النصارى -هو يوحنا العمدان ،والمهد له النتظر هو عيسى
عليه السلم.
ويعتبون الول إيليا لقول مت على لسان السيح ف سياق حديثه عن يوحنا العمدان " :ماذا
خرجتم لتنظروا .أنبيا؟ نعم أقول لكم وأفضل من نب ،فإن هذا هو الذي كتب عنه :ها أنا أرسل
أمام وجهك ملكي الذي يهيئ طريقك قدامك .الق أقول لكم :ل يقم بي الولودين من النساء
أعظم من يوحنا العمدان ،ولكن الصغر ف ملكوت السماوات أعظم منه ...لن جيع النبياء
والناموس إل يوحنا تنبئوا .وإن أردت أن تقبلوا فهذا هو إيليا الزمع أن يأت ،من له أذنان للسمع
فليسمع " (مت .)15 - 11/9
ويذكر مت أيضا بأن السيح قال " :إن إيليا يأت أولً ويرد كل شيء ،ولكن أقول لكم :إن
إيليا قد جاء ول يعرفوه ...حينئذ فهم التلميذ أنه قال لم عن يوحنا العمدان " (مت - 17/10
.)13
وهكذا يرى النصارى أن البشِر المهد للطريق هو يوحنا (إيليا) ،والبشَر به هو السيح.
والصحيح أن إيليا رمز للنب القادم ،وليس للنب المهد لطريقه.
وقبل أن نلج لفهم حقيقة هذه النبوءة نرى لزاما أن ننبه ببعض ما تعرضت له هذه النصوص
من تريف ،ففي ملخي " ملك العهد " ،وهو ف الترجات القدية" :رسول التان" ،وف الترجة
الديثة يقول" :أرسل ملكي" ،وف القدية " :أرسل رسول " ،وف بعض الطبعات " :يأت السيد "
وف بعضها " :الول " ،وف أخرى " :إيليا ".
وف نصوص الناجيل تريف للقتباس من ملخي الذي استعمل ضمي التكلم " الطريق
أمامي" ،وف الناجيل أصبح الضمي راجعا على السيح " يهيئ طريقك قدامك ".
كما نرى يد التحريف قد طالت كلم السيح والعمدان حي زعم النيليون أن السيح اعتب
العمدان هو المهد لدعوته "هذا هو الذي كتب عنه :ها أنا أرسل أمام وجهك ملكي الذي يهيئ
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 72
طريقك قدامك " (لوقا ،)7/26وأنه ساه إيليا النتظر "ولكن أقول لكم :إن إيليا قد جاء ول
يعرفوه ...حينئذ فهم التلميذ أنه قال لم عن يوحنا العمدان " (مت .)13 - 17/12
ومن التحريف قولم أن العمدان أخب أن القوي الذي بشر بقدومه بعده هو السيح "ولكن ف
وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه ،هو الذي يأت بعدي الذي صار قدامي ،الذي لست بستحق أن
أحل سيور حذائه ..وف الغد نظر يوحنا يسوع مقبلً إليه فقال :هوذا حل ال الذي يرفع خطية
العال ،هذا هو الذي قلت عنه :يأت بعدي رجل صار قدامي ،لنه كان قبلي" (يوحنا .)40-1/26
ودعوانا التحريف ليس مردها عدم اتفاق هذه النصوص مع السألة الت نن بصدد إثباتا ،بل
مرده أن يوحنا العمدان أنكر أن يكون هو النب إيليا المهد بي يدي السيد القادم ،فقد نفى هو
ذلك عن نفسه لا جاءه رسل اليهود من الكهنة واللويي " ليسألوه من أنت؟ فاعترف ول ينكر،
وأقر :إن لست أنا السيح.
فسألوه إذا ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال :لست أنا .النب أنت؟ فأجاب :ل " (يوحنا ،)21 - 1/19
فهذا نص صريح ينكر فيه يوحنا أنه إيليا المهد للطريق ،كما هو ليس السيح النتظر أو النب
القادم.
ويلزم من قول العمدان تكذيب السيح ف قوله بأن إيليا قد جاء أو أن يكون العمدان كاذبا
حي أنكر أنه إيليا ،أو يلزم القول بأن التلميذ ل يفهموا كلم السيح ،وهذا الخي هو الول ،فقد
أخطأ مت حي قال " :حينئذ فهم التلميذ أنه قال لم عن يوحنا العمدان " ،لقد ظنوا أنم فهموا،
بينما القيقة أنم ل يفهموا ،لقد كان يدثهم عن نفسه ،فهو النب القادم الذي يهيئ الطريق للقادم
النتظر " هأنذا أرسل ملكي ،فيهيء الطريق أمامي ،ويأت بغتة إل هيكله السيدُ الذي تطلبونه،
وملك العهد الذي تسرون به ،هو ذا يأت ،قال رب النود".
ث إن صفات إيليا ل تنطبق على العمدان ،لنه يأت بعد السيح ،فقد قال السيح عنه " :إيليا
الزمع أن يأت" والسيح والعمدان متعاصران.
وعندما يأت إيليا فإنه " يرد كل شيء " ،و " فيد قلب الباء على البناء ،وقلب البناء على
آبائهم " ،ومثل هذا ل ينقل عن العمدان الذي عاش ف الصحراء ،طعامه الراد والعسل ،ولباسه
وبر البل ،وغاية ما صنعه تعميد من جاءه تائبا( .انظر مت .)5 - 3/1
ول يكن التسليم بأن العمدان كان تهيدا للمسيح ،إذ كيف يقال ذلك ،والعمدان قبيل مقتله
-حسب الناجيل -ل يعرف حقيقة السيح ،ويرسل تلميذه ليسألوا السيح " أنت هو الت أم
ننتظر غيك؟ " (مت .)11/3
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 73 عليه وسلم؟
فكيف يقال بأنه أرسل بي يديه ،وهو ل يعرف حقيقته؟ ث ماذا صنع يوحنا بي يدي مقدم
السيح؟ هل صنع شيئا يتعلق بالهمة الت تزعمها الناجيل له؟
ل يرد عنه سوى البشارة باللكوت كما بشر به السيح بعده( .انظر مت )3/1كما كان يعمد
الذين يأتونه معترفي بطاياهم( .انظر مت ،)3/6وهذا الذي صنعه السيح أيضا ،وهو ما يؤكد أن
دعوتما واحدة ،أل وهي البشارة بالنب نب اللكوت ،كما قال " :فقال لم :إنه ينبغي ل أن
أبشر الدن الخر أيضا بلكوت ال ،لن لذا قد أرسلت" (لوقا ،)4/34فقد أرسل للبشارة
باللكوت القادم ،فهو مهد ومبشر بي يديه.
والق أن العمدان وعيسى صاحبا دعوة واحدة ،أي كلها بعث مبشرا بالنب الات ،فهما
البشِران بالنب الات ،والذي أساه مت بلكوت السماوات ،فقد بشر باقتراب عصره النب يوحنا
العمدان " ،جاء يوحنا العمدان يكرز ف برية اليهودية قائلً :توبوا لنه قد اقترب ملكوت
السماوات " (مت .)2 - 3/1
وبعد وفاة يوحنا العمدان جدد يسوع البشارة باللكوت " ،ابتدأ يسوع يكرز ويقول :توبوا
لنه قد اقترب ملكوت السماوات " (مت " ،)4/17وكان يسوع يطوف كل الليل يعلم ف
مامعهم ويكرز ببشارة اللكوت " (مت .)4/23
وأمر تلميذه بأن يبشروا باقتراب اللكوت فقال " :اكرزوا قائلي :إنه قد اقترب ملكوت
السماوات " (مت ،)10/7لقد كانت دعوتما واحدة ،وهي البشارة والتمهيد للنب القادم.
وكما ل يتحقق ف العمدان صفات المهد للنب القادم ،فإن الصفات الت ذكرها يوحنا العمدان
للت بعده ل تتحقق ف السيح ،فقد قال العمدان " :أنا أعمدكم باء التوبة ،ولكن الذي يأت بعدي
ل أن أحل حذاءه ،هو سيعمدكم بالروح القدس ونار ،الذي رفشه ف
هو أقوى من ،الذي لست أه ً
يده ،وسينقي بيدره ،ويمع قمحه إل الخزن ،وأما التب فيحرقه بنار ل تطفأ ،حينئذٍ جاء يسوع من
الليل إل الردن إل يوحنا ليعتمد منه " (مت .)13 - 3/11
فقد وصف العمدان النب القادم بعده بأنه " أقوى من" ،وليس ف دعوة السيح أو حياته
الشخصية ما يشي إل هذه القوة ،فكلها ل يبعث بشرع جديد ،كما ل يلك على قومه ،ول يكن
ل منهما مات مقتولً! فأين القوة
لي منهما نفوذ أو سلطان ،بل تزعم النصارى -باطلً -أن ك ً
الت ذكرها العمدان؟
وذكر العمدان أن الت بعده يعمد بالروح والنار ،أي يلك سلطان الدين والدنيا لتغيي النكر
والفز على التوبة ،فهو ل يتوقف عن حدود الطهارة الظاهرية للجسد بالغتسال بالاء ،بل يهتم
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 74
بطهارة الباطن ،ووسيلته ما يأت به روح القدس (جبيل) من وحي وبلغ وبيان ،كما قام بتطهي
كثي من الرض من الوثنية بالنار.
ومثل هذه العمودية ل يفعلها السيح الذي عمد تلميذه بالاء ،وكانت بشارته استمرارا
لعمودية العمدان ،وهي البشارة بالتوبة ومغفرة الطايا فإن السيح دعا -بعد حادثة الصلب
والقيامة -كل واحد من تلميذه "أن يُكرز باسه بالتوبة ومغفرة الطايا" (لوقا ،)24/47فلم
تتلف معموديته عن معمودية العمدان ف شيء( .انظر يوحنا .)23 – 3/22
واستمر تلميذه بعده يعمدون بالاء كما كان العمدان يعمد ،ولا جاء بولس إل جاء إل
أفسس ،فإذ وجد تلميذ قال لم :هل قبلتم الروح القدس لا آمنتم .قالوا له :ول سعنا أنه يوجد
الروح القدس .فقال لم :فبماذا اعتمدت؟ فقالوا :بعمودية يوحنا .فقال بولس :إن يوحنا عمد
ل للشعب أن يؤمنوا بالذي يأت بعده ،أي بالسيح يسوع ،فلما سعوا اعتمدوا
بعمودية التوبة قائ ً
باسم الرب يسوع" (أعمال ،)5-19/1ولو كان للمسيح تعميد يالف ما عليه تعميد العمدان
لعرف بي التلميذ وشاع.
كما ل يقق السيح قول العمدان عن النب الت" :رفشه ف يده ،وسينقي بيدره ،ويمع قمحه
إل الخزن ،وأما التب فيحرقه بنار ل تطفأ " وهذه كناية يفسرها الدكتور وليم أدي بقوله " :كناية
عن ناية العمل كله ،ويكن أن يكون القصد من هذا التشبيه :الشارة إل تأديب ال للناس
وقصاصه لم ف هذه الياة" ،بل هو كناية أبعد من ذلك ،إذ تبي سلطانه الذي ينقي الصل الذي
أنـزله ال على أنبيائه ما علق فيه ،فيحذف الترهات الدخيلة ويزيفها.
وعليه فالت البشر به هو ممد ،وهو فقط الذي أتى إل أرض القدس واليكل بغتة يوم
أسري به إل بيت القدس ،بينما نشأ السيح ويوحنا ف ربوع اليكل.
وهو النب الذي سته بعض الترجات برسول التان ،إذ كان قد دعا إليه ونبه إل أنه من سنن
الدى ،والتزمه السلمون بعده.
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 75 عليه وسلم؟
ويرى عبد الحد داود أن تفسي الكنيسة للبارقليط بأنه " شخص يدعى للمساعدة أو شفيع
أو مام أو وسيط " غي صحيح ،فإن كلمة بارقليط اليونانية ل تفيد أيا من هذه العان ،فالعزي ف
اليونانية يدعى (باراكالون أو باريوريتس) ،والحامي تعريب للفظة (سانرس) ،وأما الوسيط أو
الشفيع فتستعمل له لفظة " ميديتيا " ،وعليه فعزوف الكنيسة عن معن المد إل أي من هذه
العان إنا هو نوع من التحريف.
ويوافقه الدكتور سيسون ف كتاب "الروح القدس أو قوة ف العال" ،فيقول" :السم العزي
ليس ترجة دقيقة جدا".
وما سبق يتضح أن ثة خلفا بي السلمي والنصارى ف الصل اليونان لكلمة " بارقليط "
حيث يعتقد السلمون أن أصلها " بيكلوتوس " وأن ثة تريفا قام به النصارى لخفاء دللة
الكلمة على اسم النب rأحد :الذي له حد كثي.
ومثل هذا التحريف ل يستغرب وقوعه ف كتب القوم ،ففيها من الطوام ما يعل تريف كلمة
" البيقليط " من السهل الي.
كما أن وقوع التصحيف والتغي ف الساء كثي عند الترجة بي اللغات وف الطبعات ،فاسم
"بارباس" ف الترجة البوتستانتية هو ف نسخة الكاثوليك " بارابا " ،وكذا (السيا ،ماشيح)
و(شيلون ،شيلوه) وسوى ذلك ،وكلمة " البارقليط " مترجة عن السريانية لغة السيح الصلية فل
يبعد أن يقع مثل هذا التحوير حي الترجة.
وللء التحريف ف هذه الفقرة فإن أدوين جونس ف كتابه " نشأة الديانة السيحية " يعترف
بأن معن البارقليط :ممد ،لكنه يطمس اعترافه بكذبة وطامّة ل تنطلي على أهل العلم والتحقيق،
ل منهم بعد ظهور السلم وتأثرهم
فيقول بأن السيحيي أدخلوا هذا السم ف إنيل يوحنا جه ً
بالثقافة الدينية للمسلمي.
وقد فهم أوائل النصارى قول يوحنا بأنه بشارة بكائن بشري ،وادعى مونتنوس ف القرن الثان
(187م) أنه البارقليط القادم ،ومثله صنع مان ف القرن الرابع فادعى أنه البارقليط ،وتشبه بالسيح
فاختار اثنا عشر تلميذا وسبعون أسقفا أرسلهم إل بلد الشرق ،ولو كان فهمهم للبارقليط أنه
()1
القنوم الثالث لا ترؤوا على هذه الدعوى.
-ومن صفات الت أنه ييء بعد ذهاب السيح من الدنيا ،فالسيح وذلك الرسول العزي ل
يتمعان ف الدنيا ،وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن العزى ل يكن أن يكون الروح القدس الذي أيد
السيح طيلة حياته ،بينما العزي ل يأت الدنيا والسيح فيها " إن ل أنطلق ل يأتيكم العزي".
وروح القدس سابق ف الوجود على السيح ،وموجود ف التلميذ من قبل ذهاب السيح ،فقد
كان شاهدا عند خلق السماوات والرض( .انظر التكوين ،)1/2وكان مع بن إسرائيل طويلً
"أين الذي جعل ف وسطهم روح قدسه" (إشعيا .)63/11
وكان لروح القدس دور ف ولدة عيسى ،حيث أن أمه " وجدت حبلى من الروح القدس
" (مت ،)1/18فدل ذلك على وجوده.
كما اجتمعا سويا يوم تعميد السيح ،حي "نـزل عليه الروح القدس بيئة جسمية مثل حامة"
(لوقا ،)3/22فالروح القدس موجود مع السيح وقبله ،وأما العزي " إن ل أنطلق ل يأتيكم "،
فهو ليس الروح القدس .والقادم النتظر سيد هذا العال ل يأت بعد ،ففي الرهبانية اليسوعية " :لن
سيد هذا العال آت ،وليس له يد علي".
-وما يدل على بشرية الروح القدس أنه من نفس نوع السيح ،والسيح كان بشرا ،وهو يقول
عنه" :وأنا أطلب من الب فيعطيكم معزيا آخر" ،وهنا يستخدم النص اليونان كلمة ( )allonوهي
تستخدم للدللة على الخر من نفس النوع ،فيما تستخدم كلمة ( )hetenosللدللة على آخر من
نوع مغاير .وإذا قلنا إن القصود من ذلك رسول آخر أصبح كلمنا معقولً ،ونفتقد هذه العقولية
إذا قلنا :إن القصود هو روح القدس الخر ،لن روح القدس واحد وغي متعدد.
-ث إن الت عرضة للتكذيب من قبل اليهود والتلميذ ،لذا فإن السيح يكثر من الوصية
باليان به وأتباعه ،فيقول لم " :إن كنتم تبونن فاحفظوا وصاياي " ،ويقول " :قلت لكم قبل أن
يكون ،حت إذا كان تؤمنوا " ،ويؤكد على صدقه فيقول " :ل يتكلم من نفسه ،بل كل ما يسمع
يتكلم به".
)(1انظر :الواب الفسيح لا لفقه عبد السيح ،خي الدين اللوسي ( ، )291 – 1/286ممد ف الكتاب
القدس ،عبد الحد داود ،ص ( ، )225-224البشارة بنب السلم ف التوراة والنيل ،أحد حجازي السقا (
.)278 – 2/276
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 80
وهذه الوصاة ل معن لا إن كان الت هو الروح القدس ،حيث نزل على شكل ألسنة نارية،
فكان أثرها ف نفوسهم معرفتهم للغات متلفة ،فمثل هذا ل يتاج إل وصية لليان به والتأكيد
على صدقه ،لنه يقوم ف القلب من غي حاجة لرده أو قدرة على تكذيبه.
-كما أن الروح القدس أحد أطراف الثالوث ،وينبغي وفق عقيدة النصارى أن يكون التلميذ
مؤمني به ،فلم أوصاهم باليان به؟
-وروح القدس وفق كلم النصارى إله مساو للب ف ألوهيته ،وعليه فهو يقدر أن يتكلم من
عند نفسه ،وروح الق الت " ل يتكلم من نفسه ،بل كل ما يسمع يتكلم به".
-ودل نص يوحنا على تأخر زمن إتيان البارقليط ،فقد قال السيح لم " :إن ل أمورا كثية
أيضا لقول لكم ،ولكن ل تستطيعون أن تتملوا الن ،وأما مت جاء ذاك روح الق فهو يرشدكم
إل جيع الق " ،فثمة أمور يب با هذا النب ل يستطيع التلميذ إدراكها ،لن البشرية ل تصل
لالة الرشد التام ف فهم هذا الدين الكامل الذي يشمل مناحي الياة الختلفة ،ومن غي العقول أن
تكون إدراكات التلميذ قد اختلفت خلل عشرة أيام من صعود السيح إل السماء ،وليس ف
النصوص ما يدل على مثل هذا التغيي.
بل إن النصارى ينقلون عنهم أنم بعد نزول الروح عليهم قد أسقطوا كثيا من أحكام
الشريعة وأحلوا الحرمات ،فسقوط الحكام عندهم أهون من زيادةٍ ما كانوا ليحتملوها أو
يطيقوها زمن السيح .فالبارقليط يأت بشريعة ذات أحكام تثقل على الكلفي الضعفاء ،كما قال
ل { (الزمل.)5 :
ال } :إنا سنلقي عليك قولً ثقي ً
-كما أن السيح أخب أنه قبل أن يأت البارقليط ستقع أحداث هامة وبارزة " سيخرجونكم من
الجامع ،بل تأت ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة ل" ،وهذا المر إنا حصل بعد
المسي ،بل بعد قرون من رفع السيح ،فالنص ل يتحدث عن اضطهاد الرومان أو اليهود لتباع
السيح ،وإنا يتحدث عن اضطهاد رجالت الكنيسة لتباع السيح الوحدين ،وهم -أي رجال
الكهنوت -يظنون أنم بذلك يسنون صنعا ،ويقدمون خدمة ل ودينه ،فقررت مامعهم طرد
آريوس والوحدين ،وأخرجوهم من الجامع الكنسية ،وحكموا عليهم بالرمان والضطهاد،
واستمر الضطهاد بأتباع السيح حت ندر الوحدون قبيل ظهور السلم.
-وذكر يوحنا أن السيح خبّر تلميذه بأوصاف البارقليط ،والت ل تتمثل بالروح القدس الال
على التلميذ يوم المسي ،فهو شاهد تنضاف شهادته إل شهادة التلميذ ف السيح " فهو يشهد
ل ،وتشهدون أنتم أيضا " فأين شهد الروح القدس للمسيح؟ وب شهد؟
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 81 عليه وسلم؟
بينا ند أن رسول ال شهد للمسيح بالباءة من الكفر وادعاء اللوهية والبنوة ل ،كما
شهد بباءة أمه ما رماها به اليهود } وبكفرهم وقولم على مري بتانا عظيما {(النساء.)156 :
-وأخب السيح عن تجيد الت له ،فقال" :ذاك يجدن ،لنه يأخذ ما ل ويبكم" ول يجد
السـيح أحد ظـهر بعده كما مده نب السلم ،فقد أثن عليه ،وبيّن فضله على سائر العالي.
ف حي أنه ل ينقل لنا أي من أسفار العهد الديد أن روح القدس أثن على السيح أو مده يوم
المسي ،حي نزل على شكل ألسنة نارية.
-وأخب السيح أن البارقليط يكث إل البد ،أي دينه وشريعته ،بينا ند أن ما أعطيه التلميذ
من قدرات يوم المسي -إن صح -اختفت بوفاتم ،ول ينقل مثله عن رجالت الكنيسة بعدهم.
وأما رسولنا فيمكث إل البد بديه ورسالته ،وإذ ل نب بعده ول رسالة.
-كما أن البارقليط " يذكركم بكل ما قلته لكم " وليس من حاجة بعد رفعه بعشرة أيام إل
مثل هذا التذكي ،ول ينقل العهد الديد أن روح القدس ذكرهم بشيء ،بل إنا ند كتاباتم
ورسائلهم فيها ما يدل على تقادم الزمن ونسيان الكاتب لبعض التفاصيل الت يذكرها غيه ،بينما
ذكر رسول ال بكل ما غفلت عنه البشرية من أوامر ال الت أنزلا على أنبيائه ومنهم السيح
عليه السلم.
-والبارقليط له مهمات ل يقم با الروح القدس يوم المسي فهو " مت جاء ذاك يبكت العال
على خطية ،وعلى بر ،وعلى دينونة " ول يوبخ الروح القدس أحدا يوم المسي ،بل هذا هو
صنيع رسول ال مع البشرية الكافرة.
ويرى عبد الحد داود أن التوبيخ على الب قد فسره السيح بقوله بعده " :وأما على بر فلن
ذاهب إل أب ول ترونن " ،ومعناه أنه سيوبخ القائلي بصلبه ،النكرين لنجاته من كيد أعدائه ،وقد
أخبهم أنه سيطلبونه ولن يدوه ،لنه سيصعد إل السماء " ،يا أولدي أنا معكم زمانا قليلً بعد،
ستطلبونن ،وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا ل تقدرون أنتم أن تأتوا ،أقول لكم أنتم الن "...
(يوحنا .)13/32
كما سيوبخ النب الت الشيطان ويدينه با يبثه من هدي ووحي "وأما على دينونة فلن رئيس
()1
هذا العال قد دين".
)(1انظر :ممد ف الكتاب القدس ،عبد الحد داود ،ص ( ، )216التوراة والنيل والقرآن والعلم ،موريس
بوكاي ،ص ( ، )132 – 131البشارة بنب السلم ف التوراة والنيل ،أحد حجازي السقا (- 2/272
.) 280 ، 274
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 82
وصفة التوبيخ ل تناسب من سي بالعزي ،وقيل بأنه جاء إل التلميذ يعزيهم بفقد سيدهم
ونبيهم.
ث العزاء إنا يكون ف الصائب ،والسيح كان يبشرهم بذهابه وميء الت بعده.
كما أن العزاء إنا يكون حي الصيبة وبعدها بقليل ،وليس بعد عشرة أيام (موعد نزول الروح
القدس على التلميذ) ،ث لاذا ل يقدم العزي القادم العزاء لم السيح ،فقد كانت أول به.
ث ل يوز للنصارى أن يعتبوا قتل السيح على الصليب مصيبة تستوجب العزاء ،إذ هو
برأيهم سبب اللص والسعادة البدية للبشرية ،فوقوعه فرحة ما بعدها فرحة ،وإصرار النصارى
على أن التلميذ احتاجوا لعزاء الروح القدس يبطل عقيدة الفداء واللص.
ومن استعراض ما سبق ثبت بأن روح القدس ليس هو البارقليط ،فكل صفات البارقليط
صفات لنب يأت بعد عيسى ،وهو النب الذي بشر به موسى عليه السلم ،فالبارقليط " ل يتكلم من
نفسه ،بل كل ما يسمع يتكلم به " ،وكذا الذي بشر به موسى " أجعل كلمي ف فمه ،فيكلمهم
بكل ما أوصيه به " ،وهو وصف النب rكما قال ال } وما ينطق عن الوى إن هو إل وحي
يوحى علمه شديد القوى { (النجم.)5 - 3 :
بل كل ما ذكر عن البارقليط له شواهد ف القرآن والسنة تقول بأن الرسول هو صاحب
هذه النبوءة ،إذ هو الشاهد للمسيح ،وهو الخب بالغيوب ،الذي ل نب بعده ،وقد ارتضى ال دينه
إل قيام الساعة دينا..
)(1يذكر موريس بوكاي وممد عبد الليم أبو السعد أن النص ف الخطوطة السينائية ليس فيه ذكر الروح
القدس .التوراة والنيل والقرآن والعلم ،موريس بوكاي ،ص ( ،)132دراسة نقدية تليلية لنيل مرقس ،ممد
عبد الليم أبو السعد ،ص (.)192
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 83 عليه وسلم؟
وبي يوحنا كيفية معرفة روح الق من روح الضلل ،أي معرفة النبياء الصادقي وتييزهم عن
النبياء الكذبة ،فقال " :بذا تعرفون روح ال :كل روح يعترف بيسوع السيح أنه قد جاء ف
السد فهو من ال ،وكل روح ل يعترف بيسوع السيح أنه قد جاء ف السد فليس من ال ،وهذا
هو روح ضد السيح الذي سعتم أنه يأت ،والن هو ف العال" (يوحنا (.)6 - 4/2 )1
ورسولنا هو روح الق بدليل قول يوحنا ،لنه يعترف بالسيح أنه رسول من عند ال ،وأنه
جسد ،وأنه من ال كما سائر الناس هم من ال ،أي أن ال خلقهم .وبولس هو روح الضلل الذي
يعتب السيح إلا ،وهو الوجود ف العال حينذاك.
ثانيها :أن الطاب ف إنيل يوحنا توجه للحواريي كما ف قوله " يعلمكم " و " أرسله
إليكم" ....وعليه فينبغي أن يوجد البارقليط ف زمنهم.
وينع رحة ال الندي هذا الفهم ،بل الراد :النصارى بعدهم .وأقامهم السيح مقام التلميذ،
وهو أمر معهود ف أسفار العهد الديد ،فقد جاء ف مت ف خطاب رؤساء الكهنة والشيوخ
والجمع " أقول لكم :من الن تبصرون ابن النسان جالسا عن يي القوة ،وآتيا على سحاب
السماء" (مت ،)26/64وقد مات الخاطبون وفنوا ،ول يروه آتيا على سحاب السماء.
ومثله قول السيح" :وقال له :الق الق أقول لكم :من الن ترون السماء مفتوحة ،وملئكة
ال يصعدون وينلون على ابن النسان" (يوحنا .)1/51
ثالثها :أن البارقليط ل يراه العال ول يعرفه ،فقد جاء "ل يستطيع العال أن يقبله ،لنه ل
يراه ول يعرفه ،وأما أنتم فتعرفونه لنه ماكث معكم ،ويكون فيكم" بينما ممد rقد عرفه الناس
ورأوه.
ويرد العلمة رحة ال الندي بأن هذا ليس بشيء ،لن روح القدس عندهم هو ال أو روح
ال ،والعال يعرف ربه أكثر من معرفته بحمد ،فهي ل تصدق على تأويلهم بال.
ويرى رحة ال الندي أن القصود بالنص هو أن العال ل يعرف هذا النب العرفة القيقية (أي
نبوته) أما أنتم واليهود فتعرفونه ،لخبار السيح والنبياء لكم عنه.
وأما سائر الناس فهم كما قال السيح " :لنم مبصرين ل يبصرون ،وسامعي ل يسمعون ول
()1
يفهمون " (مت .)13/13
وليس القصود بقوله " :ل يستطيع العال أن يقبله ،لنه ل يراه ول يعرفه ،وأما أنتم فتعرفونه
لنه ماكث معكم" ليس مقصودا الرؤية البصرية والعرفة السية ،بل العرفة اليانية .ومثله ما جاء
ف يوحنا "أجاب يسوع :لستم تعرفونن أنا ،ول أب ،لو عرفتمون لعرفتم أب أيضا" (يوحنا )8/19
ومثله ف الناجيل كثي .يقول مت هنري ف تفسيه لنيل يوحنا :إن كلمة (يرى) ف النص اليونان
ل تفيد رؤية العي ،بل رؤية البصية.
ولربا كان عدم معرفتهم بالنتظر القادم أنه غريب وليس من اليهود " وأما السيح فمت جاء ل
يعرف أحد من أين هو" (يوحنا .)7/27
رابعها :جاء ف وصف البارقليط أنه " مقيم عندكم وثابت فيكم" ،فدل -حسب رأي
القس فندر -على وجوده مع الواريي ،ول يصدق هذا على ممد .
ويرى رحة ال الندي أن النص ف تراجم وطبعات أخرى " :مستقر معكم وسيكون فيكم"،
وف غيها " :ماكث معكم ويكون فيكم ".
والعن ف ذلك كله الستقبال وليس النية ،بعن أنه سيقيم عندكم أو يكث عندكم .ذلك أن
النص دل على ذلك ،فهو يقول بعدم وجوده بينهم ذلك الوقت " قد قلت لكم قبل أن يكون،
حت مت إذا كان تؤمنوا " ،و " إن ل أنطلق ل يأتكم البارقليط " .وهو ما يقوله النصارى حي
يؤمنون أن ميئه وحلوله كان ف يوم المسي.
ومثله أخب حزقيال عن خروج يأجوج ومأجوج بصيغة الاضر ،وهم ل يرجوا بعد فقال" :ها
هو قد جاء وصار ،يقول الرب :هذا هو اليوم الذي قلت عنه " (حزقيال ،)39/8ومثله ف (يوحنا
.)5/25
خامسها :جاء ف كتاب العمال " :وفيما هو متمع معهم أوصاهم أن ل يبحوا من
أورشليم بل ينتظروا موعد الب الذي سعتموه من ،لن يوحنا عمد الاء ،وأما أنتم فستتعمدون
بالروح القدس ،ليس بعد هذه اليام بكثي " (أعمال ،)5 - 1/4ويرى فندر أن هذا " يدل على
أن بارقليط هو الروح النازل يوم الدار ،لن الراد بوعد الب هو بارقليط ".
وف رده يبي رحة ال الندي أن ما جاء ف العمال وعد آخر ل علقة له بالبارقليط الذي
تدث عنه يوحنا فحسب ،فقد وعدوا بجيء الروح القدس ف وعد آخر ،وتقق الوعود با ذكر
لوقا ف العمال .أما ما ذكره يوحنا عن ميء البارقليط فل صلة له بذه السألة.
كما اعترض آخرون من النصارى على انطباق هذه النبوءة على نبينا لن البارقليط سيسله
السيح " ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" ،ومثله ف قوله" :العزي الذي سأرسله أنا إليكم من
الب" ،ف حي أن ممدا رسول ال ل السيح.
وقد تغافل القائل عن قول ال" :العزي الروح القدس الذي سيسله الب" ،فهو رسول الب،
ونسبة الرسال إل السيح مازية غي حقيقية ،ومثلها ف قوله " :قال لا ملك الرب :تكثيا أكثر
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 85 عليه وسلم؟
نسلك ،فل يعد من الكثرة " (التكوين ،)16/10والكثّر البارك لنسل هاجر وغيها هو ال،
وليس ملكه ،لكن لا كان اللك هو واسطة الخبار نسب الفعل إل نفسه.
ونو هذا الصنيع وقع ف سفر اللوك ،فقد نسب النب إيليا إل نفسه العقوبة اللية الت
ب اللكَ اخآب ،فقد " قال اخآب ليليا :هل وجدتن يا عدوي؟ فقال :قد
سيعاقب با الر ُ
وجدتك ،لنك قد بعتَ نفسك لعمل الشر ف عين الرب ،هانذا أجلب عليك شرا ،وأبيد نسلك،
وأقطع لخآب كل بائل بائط ومجوز ومطلق ف إسرائيل" (اللوك ( ،)21-21/20 )1فقد
نسب النب إيليا إل نفسه ما هو ف القيقة صنيع ال وعقوبته ،وهذه النسبة غي حقيقية ،ولكنه
استحقها لكونه البلِغ عن ال لذه العقوبة.
ومثله سواء بسواء ما قاله السيح ف نبوءته عن البارقليط.
وبذلك فإننا نرى ف البارقليط النبوءة الت ذكرها القرآن الكري } وإذ قال عيسى بن مري يا
بن إسرائيل إن رسول ال إليكم مصدقا لا بي يدي من التوراة ومبشرا برسول يأت من بعدي اسه
أحد { (الصف.)6 :
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 86
خاتمة
وهكذا رأينا النبياء يبشرون بالنب الات نبيا تلو نب " .كان الناموس والنبياء إل يوحنا ،ومن
ذلك الوقت يبشر بلكوت ال".
يبشرون بالنب الذي أخذ عليهم اليثاق بأن يؤمنوا به إن جاء وينصرونه } وإذ أخذ ال ميثاق
النبيي لا آتيتكم من كتاب وحكمة ث جاءكم رسول مصدق لا معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال
أأقررت وأخذت على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين { (آل
عمران.)81 :
وقام النبياء ببلغ أقوامهم خب هذا النب " جيع النبياء والناموس إل يوحنا تنبؤوا ،وإن أردت
أن تقبلوا فهذا هو إيلياء الزمع أن يأت ".
وحفظ لنا الكتاب القدس – رغم ما تعرض له من التحريف -بعضا من هذه البشارات عن
هذا النب العظيم ،فهو النب الذي يقق وعد ال لبراهيم وزوجه هاجر بالبكة ف ابنها إساعيل،
وهو الذي " له خضوع شعوب ".
وهو النب الذي ماثل موسى ،وبشر به قومه بن إسرائيل ،وهو النب الذي تتلل نبوته عند
جبال فاران ،ويكون من أمة تقوم بأمر ملكوت ال الذي سينع من بن إسرائيل " ويعطى لمة
تعمل أثاره " ،وذلك لنم " أغارون بغي إله ،وأغضبون بعبوداتم الباطلة ،وأنا أيضا أغيهم بغي
شعب ،وبشعب جاهل أغضبهم ".
وهكذا انتقلت النبوة والصطفاء إل أمة العرب الرذولة " الجر الذي رفضه البناؤون قد
صار رأس الزاوية ".
وذكرت النصوص النيلية والتوراتية اسم النب وصفاته ،فقد ساه السيح " البارقليط " ،وهو
بعن أحد ،ووعدت به اللئكة "وعلى الرض السلم ،وللناس أحد" (حسب ترجة الب السابق
عبد الحد داود).
وتدثت السفار عن أرض هجرته "وحي من جهة بلد العرب ،ف الوعر من بلد العرب"،
ودعت لنصرته ومواساته "يا سكان أرض تيماء وافوا الارب ببزه".
كما تدثت النصوص عن انتصار هذا النب ،وأن دينه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار ،فهو الذي
"يده على كل واحد" ،و "له يكون خضوع شعوب " ،و "شعوب تتك يسقطون" ،و "الرب عن
يينك يطم ف يوم رجزه ملوكا يدين بي المم مل جثثا ،أرضا واسعة سحق رؤوسها "" ،ل يكل
ول ينكسر حت يضع الق ف الرض".
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 87 عليه وسلم؟
وهو الغضب الت على الكفرة ،ومنهم اليهود الذين حذرهم يوحنا العمدان فقال" :يا أولد
الفاعي من أراكم أن تربوا من الغضب الت ...سيعمدكم بالروح القدس ونار ،الذي رفشه ف
يده ،وسينقي بيدره ،ويمع قمحه إل الخزن ،وأما التب فيحرقه بنار ل تطفأ" ،و " من سقط على
هذا الجر يترضض ،ومن سقط هو عليه يسحقه".
وذكرت النبوات أيضا بأن هذا القادم هو آخر النبياء ،وأن سلطانه أي شريعته يتد إل البد
"يقيم إله السماوات ملكة لن تنقرض أبدا ...وهي تثبت إل البد " ،و " أما قديسو العلي
فيأخذون الملكة ،ويتلكون الملكة إل البد وإل أبد البدين " وكما قال (( :ل تزال طائفة من
أمت ظاهرين حت يأتيهم أمر ال وهم ظاهرون)) ،وف رواية مسلم(( :حت تقوم الساعة)) ( ) ،فهو
1
الذي بشر السيح بدولته حي قال" :فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إل البد ".
ورسالة هذا النب ليست خاصة بالعرب أو بن إسرائيل ،بل هي عامة لكل الشعوب ،فهو
"يبكت العال على خطية" ،و "له يكون خضوع شعوب" ،وهو "مشتهى كل المم" ،الذي "لتتعبد
له كل الشعوب والمم واللسنة".
وهو النب المي الذي حدثت عنه التوراة والنيل "وأجعل كلمي ف فمه" ،وهو المي البشر
بالنبوة ف غار حراء "أو يدفع الكتاب لن ل يعرف القراءة فيقال له :اقرأ .فيقول ،ل أعرف
الكتابة".
وهو الذي ل ينطق عن الوى " ل يتكلم من نفسه ،بل كل ما يسمع يتكلم به " ،ويبلغ كامل
دعوته ،فل يول الوت أو القتل دون بلغه "فيكلمهم بكل ما أوصيه به".
وهو صاحب شريعة مثل موسى "تنتظر الزائر شريعته" ،وشريعته مؤيدة بالقوة "وعن يينه نار
شريعة لم " ،وشريعته شاملة لكل مناحي الياة فهو "يعلمكم كل شيء" ،و "ويرشدكم إل جيع
الق" ،وبجيئه تنسخ شريعة موسى" ..ل يزول قضيب من يهوذا ،ومشترع من بي رجليه ،حت
يأت".
وهو أعظم العالي ،وهو رئيس هذا العال الت "رئيس هذا العال يأت " ،ولئن كانت النساء ل
تلد مثل يوحنا العمدان ،فإن " الصغر ف ملكوت السماوات أعظم منه " .r
وقد صدق كريستوفر ديفيز أستاذ علم مقارنة الديان حي قال " :إن كل هذه النبوءات
بعانيها وأوصافها ل تنطبق إل على النب العرب ممد " .r
المصادر والمراجع
* القرآن الكري .
* الكتاب القدس .طبعة :دار الكتاب القدس ف الشرق الوسط (النسخة البتستانتية).
* الكتاب القدس .طبعـة :دار الكتاب القدس فـ الشرق الوسـط (النسـخة الرثوذكسـية
الكاثوليكية).
* الكتاب القدس .طبعة :الرهبانية اليسوعية (نسخة كاثوليكية) .توزيع جعيات الكتاب القدس ف
الشرق .بيوت.
* الكتاب القدس ( .السفار القدسة العبانية ،السفار القدسة اليونانية) .ترجة العال الديد
(نسخة شهود يهوه).
* التوراة السامرية .ترجة الكاهن :أبو السن إسحاق الصوري .نشرها :أحد حجازي السقا.
ط . 1دار النصار .القاهرة 1398 ،هـ .
* إنيل برنابا .ترجة :خليل سعادة .ط .دار الوثائق .الكويت 1406 ،هـ .
------------------------------------
* إظهار الق .رحة ال الندي .تقيق :ممد أحد ملكاوي .ط .1دار الديث .القاهرة ،
1404هـ.
* النيل والصليب .عبد الحد داود .القاهرة 1351 ،هـ .
* البشارة بنب السلم ف التوراة والنيل .أحد حجازي السقا .دار البيان العرب .القاهرة ،
1977م .
* التفسي التطبيقي للكتاب القدس ،مموعة من العلماء اللهوتيي.
* دراسة تليلية نقدية لنيل مرقس تاريا وموضوعيا .ممد عبد الليم مصطفى أبو السعد .ط
1404 ،1هـ .
* قاموس الكتاب القدس ،نبة من الساتذة ومن اللهوتيي .هيئة التحرير :بطرس عبد اللك ،
جون ألكساندر طمسن ،إبراهيم مطر .دار الثقافة .
* ماذا يقول الكتاب القدس و الغرب عن ممد r؟ أحد ديدات .ط . 1الدار الصرية للنشر
والتوزيع .القاهرة 1404 ،هـ .
* ممد ف التوراة والنيل والقرآن .إبراهيم خليل أحد .الكتبة التجارية .مكة الكرمة ،
1409هـ .
هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله
( ) 89 عليه وسلم؟
* ممد ف الكتاب القدس .ديفيد بنجامي (عبد الحد داود) .ترجة :فهمي شا .مراجعة :
أحد ممد الصديق .مطابع الدوحة الديثة .
* ممد نب السلم ف التوراة والنيل والقرآن .ممد عزت الطهطاوي .مكتبة النور .
* السيّا النتظر نب السلم .rأحد حجازي السقا .ط ، 1مكتبة الثقافة الدينية .مصر
1398هـ .
* يوحنا العمدان بي السلم والنصرانية .أحد حجازي السقا .ط . 1دار التراث العرب ،
1399هـ .
)سلسلة الهدى والنور (5
( ) 90
فهرس الموضوعات
1 مقدمة
3 مدخل لنبوءات الكتاب القدس
7 اللك النتظر
9 عدم فهم التلميذ لنبوءات السيح
14 هل ادعى السيح أنه السيح النتظر
19 عن نفسه أنه النب النتظر rهل قال ممد
21 ذرية إساعيل الباركة
31 هل الصطفاء ف بن إسرائيل فقط؟
33 صفات أمة اللكوت الديد
39 بشارة يعقوب عليه السلم بشيلون
42 موسى عليه السلم يبشر بنب ورسول مثله
48 نبوءة موسى عن البكة الوعودة ف أرض فاران
51 الزامي تبشر بصفات نب آخر الزمان
55 البشارة باللكوت
63 النب دانيال يتنبأ بزمان اللكوت
66 البشارة بـ(ممادا) مشتهى المم
69 البشارة بإيليا
74 الصغر ف ملكوت ال
75 السيح يبشر بالبارقليط
85 خاتة
87 الصادر والراجع