You are on page 1of 90

‫سلسلة الهدى والنور (‪)5‬‬

‫هـل‬
‫شر الكتاب المقدس‬‫ب َّ‬
‫بمـحـمـد‬
‫صلى الله علـيه‬
‫وسلم؟‬

‫د‪ .‬منقذ بن محمود السقار‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫(‪)2‬‬

‫مقدمة‬
‫المد ل رب العالي‪ ،‬والصلة والسلم على رسل ال أجعي‪ ،‬عليهم وعلى نبينا أفضل الصلة‬
‫وأزكى التسليم‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫أحد أهم مسألتي يملهما السلم إل العالي‪.‬‬ ‫ل ريب أن نبوة نبينا ممد‬
‫فالسلمون يرون ف إثبات نبوته تام الصل الول من أصول دينهم‪ ،‬لذا كان لزاما عليهم‬
‫أن يدفعوا بجتهم وبرهانم ف إثبات نبوته عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫والق أن طرق إثبات نبوته كثية ومتنوعة‪ ،‬ومن أهم هذه الطرق‪ :‬البشارات الت صدرت‬
‫عن النبياء السابقي‪ ،‬وهي تبشر بقدم نب خات يؤسس دين ال الذي ارتضاه إل قيام الساعة دينا‪.‬‬
‫وتأت أهية هذا الطريق ‪ -‬الذي حرص السلمون على الهتمام به ‪ -‬ف كونه يقيم الجة على‬
‫أهل الكتاب با يعتقدونه من الكتب الت أشارت إل مبعث هذا النب قبل قرون متفاوتة ف البعد‪.‬‬
‫وأهل الكتاب من يهود ونصارى مقرون بوجود هذه البشارات‪ ،‬ومقرون بدللتها على النب‬
‫الات أو النب العظيم القادم‪ ،‬لكنهم يصرون على أنه رجل من بن إسرائيل‪ ،‬يزعم النصارى أنه‬
‫عيسى ابن مري ‪ ،u‬بينما ما زال اليهود ينتظرونه‪ ،‬وندف هنا إل إثبات أن هذا النب النتظر هو‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وليس غيه من النبياء الكرام‪.‬‬
‫أما الكتب الت وردت با هذه البشارات فقد سبق لنا التعريف بالا‪ ،‬واستشهادنا با ليس‬
‫تزكية لا‪ ،‬إنا هو غوص وتنقيب عن القليل من أثارة النبوة ف سطورها‪ ،‬هذا القليل نؤمن به ول‬
‫نكذبه‪ ،‬إذ هو مصدق لا بي أيدينا‪ ،‬وقد قال مثبتا وجود حق ف هذه الكتب‪ (( :‬ل تسألوهم عن‬
‫(‪)1‬‬
‫شيء‪ ،‬فيخبوكم بق فتكذبوا به‪ ،‬أو بباطل فتصدقوا به "‪.‬‬
‫فإذا جاء ف هذه الكتب ما تشهد له آيات القرآن ونصوص السنة‪ ،‬فهذا شهادة بأن ذا قد سلم‬
‫ل قل كفى بال شهيدا بين‬
‫من التحريف أو سلم من كثي منه } ويقول الذين كفروا لست مرس ً‬
‫وبينكم ومن عنده علم الكتاب { (الرعد‪.)43 :‬‬
‫وقد حوى الكتاب القدس ‪ -‬رغم ما تعرض له من العبث والتحريف ‪ -‬الكثي من النبوءات‬
‫البشرة بالنب الات‪ ،‬والت ل تتحقق‪ ،‬ونتساءل مت ستتحقق‪ ،‬وقد مرّ على مقدم السيح ‪ u‬زهاء‬
‫ألفي سنة من غي أن تتحقق هذه النبوءات؟ إن دعوى عدم تقق هذه النبوءات مع تطاول اليام‬
‫يزري بالكتاب القدس عند قارئيه‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه أحد ف مسنده (‪.)3/387‬‬


‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫(‪)3‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫لذا فإننا نوجه دعوة صادقة للتمعن ف نبوءات الكتاب وقراءتا قراءة جديدة ف ضوء ظهور‬
‫السلم ونبيه‪ ،‬ونن على ثقة بأن ذلك سيفضي إل كشف القيقة واليان بنبوة نبينا ممد ‪.‬‬
‫ول نقول ذلك رجا بالغيب‪ ،‬بل هي القيقة التاريية الت أعلن عنها كل من تبصر ف أمر هذا‬
‫النب وأحواله‪ ،‬فقد شهد هرقل ملك الروم برسالته حي جاءه كتاب النب فأرسل إل روما يسأل‬
‫عن خب النب الات‪ ،‬فلما جاءه الرد قال لقومه‪" :‬يا معشر الروم‪ :‬إن قد جعتكم لي‪ ،‬إنه قد أتان‬
‫كتاب من هذا الرجل يدعون إل دينه‪ ،‬وإنه وال للنب الذي كنا ننتظره‪ ،‬ونن نده ف كتبنا‪،‬‬
‫فهلموا نتبعه ونصدقه‪ ،‬فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا"‪.‬‬
‫وف رواية البخاري أنه قال‪ " :‬يا معشر الروم‪ ،‬هل لكم ف الفلح والرشد وأن يثبت ملككم‬
‫فتبايعوا هذا النب" فحاصوا حيصة حر الوحش إل البواب‪ ،‬فوجدوها قد غلقت‪ ،‬فلما رأى هرقل‬
‫نفرتم‪ ،‬وأيس من اليان‪ .‬قال‪" :‬ردوهم علي"‪ ،‬وقال لم‪" :‬إن قلت مقالت آنفا أختب با شدتكم‬
‫(‪)1‬‬
‫على دينكم‪ ،‬فقد رأيتُ" فسجدوا له ورضوا عنه ‪.‬‬
‫ولئن كان هرقل قد نكل عن مقتضيات شهادته فلم يدخل ف السلم – كحال الكثيين من‬
‫يعرفون الق فيصمّون عن اتباعه – فإن النجاشي ملك البشة قد آمن بالنب ‪ ،‬وقال لحبار‬
‫ملكته‪" :‬يا معشر القسيسي والرهبان‪ ،‬ما يزيد ما يقول هؤلء على ما تقولون ف ابن مري ما يزن‬
‫هذه‪ ،‬مرحبا بكم وبن جئتم من عنده‪ ،‬فأنا أشهد أنه رسول ال‪ ،‬والذي بشّر به عيسى ابن مري‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ولو ل ما أنا فيه من اللك لتيته حت أحل نعليه"‪.‬‬
‫وأكد سطوع البشارة به ف كتب أهل الكتاب إسلم العشرات العتبين من أهل الكتاب‬
‫كالسن بن أيوب والترجان وزيادة النصب الراسي والقس عبد الحد داود‪ ،‬وإبراهيم خليل‪،‬‬
‫وموريس بوكاي وغيهم كثي‪.....‬‬
‫ولسوف نسمي النب القادم البشر به ف كثي من الواضع ف بثنا بالنب النتظر‪ ،‬أو السيح‬
‫النتظر متابعة للستاذ الدكتور أحد حجازي السقا صاحب السبق ف معالة هذا الوضوع‪ ،‬وجريا‬
‫على الصطلح الذي درج اليهود على استعماله‪ ،‬للدللة على هذا النب الوعود‪.‬‬
‫والَ نسأل أن يشرح صدورنا لعرفة هذا النب‪ ،‬وأن يرزقنا اليان به‪ ،‬وأن يشرنا يوم القيامة ف‬
‫د‪ .‬منقذ بن ممود السقار‬ ‫لوائه‪ ،‬إنه ول ذلك والقادر عليه ‪.‬‬
‫‪mongiz@maktoob.com‬‬ ‫مكة الكرمة – مرم ‪1425 -‬هـ‬
‫مدخل إلى نبوءات الكتاب المقدس‬

‫() رواه البخاري ح (‪.)7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه أبو داود ح (‪ ،)3205‬وابن أب شيبة (‪.)14/346‬‬ ‫‪2‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫(‪)4‬‬

‫تطلق السفار القدسة على النب القادم أساء شت ‪ ،‬فتسميه تارة اللك‪ ،‬وأخرى النب‪ ،‬وتارة‬
‫تلقبه بالسِيّا وأخرى بالسيح‪ ،‬بعن الخلص‪ ،‬فكل هذه الساء مترادفات تدل على النب القادم‪،‬‬
‫وهي ف ذات الوقت أوصاف لذا النب العظيم‪.‬‬
‫لكن يبقى تسميته بالسيح أشهرها لا لذا اللقب من أهية عند بن إسرائيل‪.‬‬
‫وقد يتمسك بعضهم بأحقية عيسى عليه السلم بذا السم من غيه‪ ،‬حيث لقب به عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬فنقول‪ :‬إن تسمية عيسى عليه السلم بالسيح تسمية اصطلحية ليست خاصة به‪،‬‬
‫حيث كان اليهود يسمون أنبياءهم وملوكهم‪ ،‬بل وملوك غيهم بذا السم‪ ،‬لعادتم ف مسح‬
‫ملوكهم وأنبيائهم بالزيت‪ ،‬ث اعتادوا تسميتهم بالسيح‪ ،‬ولو ل يسحوا‪.‬‬
‫وقد سي كورش ملك فارس مسيحا " يقول الرب لسيحه لكورش " (إشعيا ‪.)1/45‬‬
‫وكذا داود كانا مسيحا "والصانع رحة لسيحه لداود" (الزمور ‪.)18/50‬‬
‫وشاول اللك سي مسيحا‪ ،‬إذ لا أراد أبيشاي قتل شاول وهو نائم ناه داود " فقال داود‬
‫لبيشاي‪ :‬ل تلكه فمن الذي يد يده إل مسيح الرب ويتبّأ" (صموئيل (‪.)9-26/7 )1‬‬
‫وكذلك جاء ف سفر الزامي "ل تسوا مسحائي‪ ،‬ول تسيئوا إل أنبيائي" (الزمور ‪.)105/15‬‬
‫وانظر حديث سفر اللوك عن الكهنة السحاء‪( .‬انظر اللوك (‪.)1/10 )2‬‬
‫فهذا اللقب الشريف ليس خاصا بالسيح عيسى ابن مري عليه صلوات ال وسلمه‪ ،‬بل هو‬
‫لقب يستحقه النب القادم لا يؤتيه ال من اللك والظفر والبكة الت فاقت بركة المسوحي بالزيت‬
‫من ملوك بن إسرائيل‪.‬‬
‫والسيح لقب للنب القادم الذي كانت تنتظره بنو إسرائيل‪ ،‬لذا تساءل اليهود لا رأوا يوحنا‬
‫العمدان إن كان هو السيح القادم " فاعترف ول ينكر‪ ،‬وأقر‪ :‬إن لست السيح‪ .‬فسألوه إذا ماذا؟‬
‫إيّليا أنت؟ " (يوحنا ‪.)22 – 1/21‬‬
‫كما استخدم هذا السم جوعُ اليهود حي رأوا معجزات عيسى عليه السلم‪ ،‬فقالوا‪ " :‬ألعل‬
‫السيح (أي القادم) مت جاء يعمل آيات أكثر من هذه الت عملها هذا! " (يوحنا ‪.)31 - 7/30‬‬
‫كما يطلق على النب القادم السِيّا‪ ،‬وهو لقب مرادف للفظة السيح‪ ،‬فقد جاء ف بيان ذلك ف‬
‫إنيل يوحنا " مسِيّا الذي تفسيه‪ :‬السيح " (يوحنا ‪ ،)1/41‬فالكلمة السريانية‪" :‬ماشيح "‪ ،‬تنطق‬
‫ف اللغات الت ليس فيها حرف الاء يسمى‪" :‬السيّا" ‪.‬‬
‫ولعل البعض يهتف مطالبا بالكشف عن النص الصريح الذي يبشر بحمد ‪ ،‬ويبي بلء اسه‬
‫وصفته الت ل ينازعه فيها أحد‪ ،‬وحُق له ذلك‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫(‪)5‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫لكن يول دون تقيقه أمران متعلقان بالكتاب القدس وتراجه‪ ،‬وها ل يعزبان عن فهم‬
‫التضلعي ف كتب القوم القدسة‪ ،‬الذين يدركون السبب الذي أضاع أو أغمض كثيا من‬
‫البشارات الكتابية‪.‬‬
‫أولما‪ :‬أن لهل الكتاب عادة ف ترجة الساء إل معانيها‪ ،‬فيوردون ف الترجة العن دون‬
‫السم‪ ،‬وقد يزيدون تفسيا للعبارة‪ ،‬ويقحمونه ف النص‪.‬‬
‫ولكم ضاع بسبب هذا الصنيع من دللت واضحات‪ ،‬منها نبوءة السيح عن البارقليط‪،‬‬
‫والذي تسميه التراجم الديثة‪ :‬العزي‪ ،‬ومنها بشارة النب حجي بقدم (مماد) الت ترجها الترجون‬
‫بشتهى‪ ،‬فضاعت الكثي من دللت قول النب حجي‪" :‬ويأت مشتهى كل المم" (حجي ‪.)2/7‬‬
‫ونوه ما جاء ف الزامي (‪ )84/6‬عندما ذكرت الزامي اسم مدينة السيح القادم‪ ،‬أستها‪ :‬وادي‬
‫بكة [בְעֵמֶק הַבָכָא]‪ ،‬وتقرأ ‪( :‬بعيمق هبكا)‪ ،‬فترجها الترجون إل العربية إل وادي‬
‫البكاء ‪ ،‬وترجتها نسخة الرهبانية اليسوعية إل "وادي الَبلَسان"؛ لتضيع دللتها على كل عرب‬
‫يعرف أن بكة هي بلد ممد } إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدًى للعالي‬
‫{ (آل عمران‪.)96 :‬‬
‫وضرب رحة ال الندي ف كتابه الاتع "إظهار الق" لذا الصنيع من الترجي ثلثة عشر مثالً‬
‫قارن فيها بي طبعات متلفة للكتاب القدس‪ ،‬ليقف منها على أثر هذا الصنيع ف ضياع دللت‬
‫النصوص‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أنه جاء ف الطبعة العربية (‪1811‬م) " سى إبراهيم اسم الوضع‪ :‬مكان يرحم ال زائره‬
‫" (انظر التكوين ‪ )22/14‬فاسم الكان العبان أبدله الترجم بعناه‪ ،‬وف طبعة (‪1844‬م) العربية‬
‫قال‪ " :‬دعا اسم ذلك الوضع‪ ":‬الرب يرى"‪ ،‬وبذلك ضاع السم الصحيح‪ ،‬واختلفت العان‪،‬‬
‫ومثله كثي‪ ..‬ث يقول رحة ال الندي‪ " :‬فهؤلء الترجون لو بدلوا ف البشارات الحمدية لفظ‬
‫رسول ال بلفظ آخر‪ ،‬فل استبعاد منهم "‪.‬‬
‫وف هذا الصدد نقل العلمة رحة ال الندي أيضا عن حيدر القرشي صاحب كتاب " خلصة‬
‫سيف السلمي " قوله‪ " :‬إن القسيس أوسكان الرمن ترجم كتاب إشعياء باللسان الرمن ف سنة‬
‫ألف وستمائة وست وستي‪ ،‬وطبعت هذه الترجة ف سنة ألف وسبعمائة وثلث وثلثي ف مطبعة‬
‫أنتون بورتول‪ ،‬ويوجد ف هذه الترجة ف الباب الثان والربعي هذه الفقرة‪ " :‬سبحوا ال تسبيحا‬
‫(‪)1‬‬
‫جديدا‪ ،‬وأثر سلطنته على ظهره‪ ،‬واسه أحد " (إشعيا ‪.)11 – 42/10‬‬

‫‪ )(1‬انظر ‪ :‬إظهار الق ‪ ،‬رحة ال الندي (‪.)1209 – 4/1208( ، )1107 – 4/1097‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫(‪)6‬‬

‫ثانيهما‪ :‬الكتاب القدس كثي الستعارات‪ ،‬تكثر فيه الرموز والشارات خاصة فيما يتعلق‬
‫بالستقبل‪ ،‬يقول صاحب كتاب " مرشد الطالبي إل الكتاب القدس الثمي "‪ " :‬وأما اصطلح‬
‫الكتاب القدس فإنه ذو استعارات وافرة غامضة وخاصة العهد العتيق "‪.‬‬
‫ويقول أيضا‪ " :‬واصطلح العهد الديد أيضا هو استعاري جدا‪ ،‬وخاصة مسامرات ملصنا‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وقد اشتهرت آراء كثية فاسدة لكون بعض معلمي النصارى شرحوها شرحا حرفيا‪." ...‬‬
‫لذا ينبغي أن يدرك القارئ الشاق الت سنعانيها ونن نبحث عن الكلمة الصلية أو السم‬
‫الذي أضاعه الترجون‪ ،‬كما سيدرك القارئ ‪ -‬بثاقب فكره ‪ -‬طبيعة الكتاب القدس ف التعبي عن‬
‫القائق عن طريق الستعارة واللغاز‪.‬‬
‫هذه الصعوبة لن يشعر با أولئك الذين يتفاخرون بأن كتابم قد حوى الكثي من النبوءات الت‬
‫تققت فيما بعد كقيام التاد السوفيت وإسرائيل وحت شخص كسينجر‪ ،‬وذلك كله عن طريق‬
‫اللغاز أو بساب المّل أو سوى ذلك‪ ،‬ويقولون أيضا بورود مئات النبوءات الت تشي إل السيد‬
‫السيح‪ ،‬فإن النصارى يرون أن ف العهد القدي ألف نبوءة عن السيح‪.‬‬
‫وهنا نتساءل هل من العقول أن يلو الكتاب القدس من نبوءة عن ذلك الرجل الذي غيّر‬
‫مسار التاريخ باسم ال‪ ،‬أما كان ينبغي أن يكون له ف هذه النبوءات نصيب‪ ،‬ولو نبوءة واحدة‬
‫تذر من حاله ودعوته أو تبشر با؟!‬
‫والجابة عن هذا السؤال صمت مطبق من أولئك الذين يدعون أنم الوحيدون الؤهلون لل‬
‫ألغاز ورموز هذا الكتاب واستخراج نبوءاته وفهم مراميه‪.‬‬
‫ودينه‪ ،‬يعتب الفتاح الذي نلج به إل نبوءات العهد القدي والديد‪،‬‬ ‫لكن ظهور كلمة النب‬
‫ففي طيات أسفار التوارة نبوءة وميزان يكشف الدعي الكاذب‪ ،‬ويليه بوصفه وحاله‪ ،‬يقول سفر‬
‫التثنية " وأما النب الذي يطغى فيتكلم باسي كلما ل أوصه ‪ ...‬فيموت ذلك النب ‪ ...‬فل تف‬
‫منه" (التثنية ‪.)22 - 18/20‬‬
‫وقد قال غملئيل الفريسي كلمة حق‪" :‬والن أقول لكم‪ :‬تنحوا عن هؤلء الناس واتركوهم‪،‬‬
‫لنه إن كان هذا الرأي أو هذا العمل من الناس فسوف ينتقض‪ ،‬وإن كان من ال فل تقدرون أن‬
‫تنقضوه‪ ،‬لئل توجدوا ماربي ل أيضا " (أعمال ‪ ،)39-5/38‬ودعوة نبينا ل تنتقض‪ ،‬بل ملت‬
‫الافقي‪ ،‬وسادت الدنيا قرونا طوالً‪.‬‬
‫فسلمته من القتل‪ ،‬وانتصاره على عدوه‪ ،‬وانتشار دعوته ودينه‪ ،‬دليل وبرهان على صدقه‬
‫ورسالته " لن الرب يعرف طريق الصديقي‪ ،‬وطريق النافقي تلك " (الزمور ‪.)1/6‬‬

‫‪ )(1‬انظر ‪ :‬إظهار الق‪ ،‬رحة ال الندي (‪.) 703 - 2/702‬‬


‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫(‪)7‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وكذا قال‪ " :‬وتلك كل الذين يتكلمون بالكذب‪ ،‬الرجل السافك الدماء والغاش يرذله الرب"‬
‫(الزمور ‪.)5/6‬‬
‫ويقول‪ " :‬الرب يعضد الصديقي ‪ ...‬أما الطاة فيهلكون‪ ،‬وأعداء الرب جيعا‪ ..‬وكالدخان‬
‫يفنون " (الزمور ‪.)20 - 3/17‬‬
‫لقد دلت هذه النصوص على صدق رسول ال ف نبوته ورسالته‪ ،‬لسلمته من الذى وتام‬
‫أمره ودينه وانتشار دعوته ف العالي‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫(‪)8‬‬

‫الملك المنتظر‬
‫ف عام ‪ 63‬ق‪ .‬م وقعت القدس وفلسطي بيد الرومان الوثنيي‪ ،‬ليبدأ ‪ -‬من جديد ‪ -‬اضطهاد‬
‫آخر عان منه بنو إسرائيل‪ ،‬بنو إسرائيل الذين كانوا يترقبون ملصا عظيما يرد إليهم اللك الضائع‬
‫والسؤدد الذي طال لفهم وشوقهم إليه‪.‬‬
‫لقد كانوا ينتظرون تقق بشارة يعقوب وموسى وداود وغيهم من النبياء بالقادم النتظر‪ ،‬فهم‬
‫ل يارون ول يشكون ف مقدم النب اللك الظافر الذي يقود أتباعه إل عز الدنيا وسعادة الخرة‪،‬‬
‫لذا لا بُعث السيح العظيم‪ ،‬ورأوا ما أعطاه ال من العجزات تعلق الكثيون منهم بشخص السيح‪،‬‬
‫راجي أن يكون هو النب الظفر العظيم‪ ،‬النب الخلص‪ ،‬وهذا أمر يراه بلء الذي يتتبع أقوال‬
‫معاصري السيح من اليهود‪.‬‬
‫وتنقل لنا السفار القدسة قصص بعض أولئك الذين كانوا يترقبون اللك الظفر النتظر‪ ،‬من‬
‫هؤلء سعان‪ ،‬الذي وصفه لوقا‪" :‬كان الرجل ف أورشليم اسه سعان‪ ،‬وهذا الرجل كان بارا تقيا‬
‫ينتظر تعزية إسرائيل‪ ،‬والروح القدس كان عليه" (لوقا ‪ ،)2/25‬فسمعان هذا أحد منتظري‬
‫اللص‪.‬‬
‫ومنهم نثنائيل الذي صارح السيح بشعوره وظنه " أجاب نثنائيل وقال له‪ :‬يا معلّم أنت ابن ال؟‬
‫أنت ملك إسرائيل؟ أجاب يسوع وقال له‪ :‬هل آمنت لن قلت لك‪( " ..‬يوحنا ‪.)50-1/49‬‬
‫ولا أشيع أن السيح صلب حزن بعضهم لتخلف اللص النشود ف شخص السيح‪ ،‬إذ تعرض‬
‫السيح بعد القيامة لتلميذين وهو متنكر "فقال لما‪ :‬ما هذا الكلم الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان‬
‫عابسي‪ ،‬فأجاب أحدها ‪ -‬الذي اسه كليوباس ‪ -‬وقال له‪ :‬هل أنت متغرب وحدك ف أورشليم ول‬
‫تعلم المور الت حدثت فيها ف هذه اليام‪ ،‬فقال لما‪ :‬وما هي؟ فقال‪ :‬الختصة بيسوع الناصري‬
‫الذي كان إنسانا نبيا مقتدرا ف الفعل والقول أمام ال وجيع الشعب‪ ،‬كيف أسلمه رؤساء الكهنة‬
‫وحكامنا لقضاء الوت‪ ،‬وصلبوه‪ ،‬ونن كنا نرجو أنه هو الزمع أن يفدي إسرائيل‪ ،‬ولكن مع هذا‬
‫كله اليوم له ثلثة أيام منذ حدث ذلك" (لوقا ‪ .)21-24/17‬لقد كانوا ينتظرون اللص على‬
‫يديه كما كانت قد وعدت النصوص التوراتية بقدم اللك الظافر الذي يلص شعبه ويقودهم‬
‫للنصر على المم‪ ،‬إذا بم يسمعون بقتله وصلبه‪.‬‬
‫وقال له التلميذ بعد القيامة‪ " :‬يا رب هل ف هذا الوقت ترد اللك إل إسرائيل؟ فقال لم‪ :‬ليس‬
‫لكم أن تعرفوا الزمنة والوقات الت جعلها الب ف سلطانه" (أعمال ‪ .)7-1/6‬أي أن هذا ليس‬
‫هو وقت اللك النتظر‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫(‪)9‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫يقول عوض سعان‪ " :‬إن التفحصي لعلقة الرسل والواريي بالسيح يد أنم ل ينظروا إليه إل‬
‫على أنه إنسان … كانوا ينتظرون السيّا‪ ،‬لكن السيّا بالنسبة إل أفكارهم الت توارثوها عن‬
‫(‪)1‬‬
‫أجدادهم ل يكن سوى رسول متاز يأت من عند ال "‪.‬‬
‫وقد سبق أن ظن شعب إسرائيل ‪ -‬التلهف لظهور النب العظيم الظفر ‪ -‬أن يوحنا العمدان هو‬
‫السيح النتظر "إذ كان الشعب ينتظر‪ ،‬والميع يفكرون ف قلوبم عن يوحنا‪ ،‬لعله السيح" (لوقا‬
‫‪.)3/15‬‬
‫وهذه الموع التربصة للخلص لا رأت السيح قالوا فيه ما قالوه من قبل عن يوحنا العمدان‬
‫"قالوا للمرأة‪ :‬إننا لسنا بعد بسبب كلمك نؤمن‪ ،‬لننا نن قد سعنا ونعلم أن هذا هو بالقيقة‬
‫السيح ملّص العال" (يوحنا ‪.)4/42‬‬
‫وأندرواس قال لخيه سعان مبشرا‪ " :‬قد وجدنا مسِيّا‪ ،‬الذي تفسيه السيح" (يوحنا ‪.)1/41‬‬
‫والراة السامرية لا رأته أعاجيبه " قالت له الرأة‪ :‬أنا أعلم أن مسيّا ‪ -‬الذي يقال له السيح ‪-‬‬
‫يأت‪ ،‬فمت جاء ذاك يبنا بكل شيء" (يوحنا ‪.)30-4/25‬‬
‫وشاع هذا الب ف بن إسرائيل حت خشي رؤساء الكهنة من بطش الرومان إن عرفوا أن‬
‫السيح النتظر العظيم الظفر قد ظهر ف شخص عيسى‪ ،‬فسارعوا إل اليقاع به‪ ،‬متهمي إياه بإفساد‬
‫المة وادعاء أنه الخلص النتظر‪ " ،‬فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون ممعا‪ ،‬وقالوا‪ :‬ماذا نصنع‪،‬‬
‫فإن هذا النسان يعمل آيات كثية‪ ،‬إن تركناه هكذا يؤمن الميع به‪ ،‬فيأت الرومانيون ويأخذون‬
‫موضعنا وأمّتنا؟‬
‫فقال لم واحد منهم‪ ،‬وهو قيافا‪ ،‬كان رئيسا للكهنة ف تلك السنة‪ :‬أنتم لستم تعرفون شيئا‪،‬‬
‫ول تفكرون‪ ،‬إنه خي لنا أن يوت إنسان واحد عن الشعب‪ ،‬ول تلك المة كلها " (يوحنا‬
‫‪ .)50-11/47‬فقالوا لبيلطس‪ " :‬إننا وجدنا هذا يفسد المة‪ ،‬وينع أن تعطى جزية لقيصر قائلً‪:‬‬
‫إنه هو مسيح ملك‪ ،‬فسأله بيلطس قائلً‪ :‬أنت ملك اليهود؟ فأجابه وقال‪ :‬أنت تقول‪ ،‬فقال‬
‫بيلطس لرؤساء الكهنة والموع‪ :‬إن ل أجد علّة ف هذا النسان" (لوقا ‪ ،)4-23/2‬فقد ثبت‬
‫لبيلطس براءته ما اتموه‪ ،‬إذ هو ل يدع أنه ملك اليهود النتظر‪.‬‬

‫‪ )(1‬النصرانية ف اليزان ‪ ،‬ممد عزت الطهطاوي ‪ ،‬ص (‪.)29-27‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 10‬‬

‫عدم فهم التلميذ لنبوءات المسيح‬


‫شغف كتاب الناجيل بالنبوءات التوراتية‪ ،‬وعمدوا ف تكلف ظاهر إل تريف معان الكثي من‬
‫النصوص التوراتية‪ ،‬ليجعلوا منها نبوءات عن السيح‪ ،‬إن مبتهم للمسيح أو امتهانم للتحريف قد‬
‫جعلهم يطئون ف فهم كثي من النبوءات الت تدثت عن السيّا النتظر‪.‬‬
‫ومن صور ذلك أنه جاء ف الزامي عن النب القادم "قال الرب لرب‪ :‬اجلس عن يين حت أضع‬
‫أعداءك موطئا لقدميك" (الزمور ‪ ،)110/1‬وهذه النبوءة بالسيح النتظر ل يراد منها السيح ابن‬
‫مري بال من الحوال‪.‬‬
‫وقد أخطأ بطرس – أو من نسبه إل بطرس ‪ -‬حي فسرها بذلك‪ ،‬فقال‪ " :‬لن داود ل يصعد‬
‫إل السموات‪ ،‬وهو نفسه يقول‪ :‬قال الرب لرب‪ :‬اجلس عن يين حت أضع أعداءك موطئا‬
‫لقدميك‪ ،‬فليعلم يقينا جيع بيت إسرائيل أن ال جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ربا ومسيحا "‬
‫(أعمال ‪.)37-2/29‬‬
‫ودليل الطأ ف فهم بطرس‪ ،‬وكذا فهم النصارى من بعده أن السيح ‪ u‬أنكر أن يكون هو‬
‫السيح الوعود على لسان داود‪" ،‬فيما كان الفريسيون متمعي سألم يسوع قائلً‪ :‬ماذا تظنون ف‬
‫السيح‪ ،‬ابن من هو؟ قالوا له‪ :‬ابن داود‪ ،‬قال لم‪ :‬فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلً‪ :‬قال الرب‬
‫لرب‪ :‬اجلس عن يين حت أضع أعداءك موطئا لقدميك؟ فإن كان داود يدعوه ربا فكيف يكون‬
‫ابنه؟ فلم يستطع أحد أن ييبه بكلمة‪ ،‬ومن ذلك اليوم ل يسر أحد أن يسأله بتة" (مت ‪-22/41‬‬
‫‪ )46‬لقد كان جواب السيح مسكتا‪ ،‬إن القادم ليس من ذرية داود بدليل أن داود جعله سيده‪،‬‬
‫والب ل يقول ذلك عن ابنه‪.‬‬
‫فالسيح ‪ u‬سأل اليهود عن السيح النتظر الذي بشر به داود وغيه من النبياء‪" :‬ماذا تظنون‬
‫ف السيح؟ ابن من هو؟" فأجابوه‪" :‬ابن داود"‪ ،‬فخطأهم وقال‪ " :‬فإن كان داود يدعوه ربا‪ ،‬فكيف‬
‫يكون ابنه! "‪ ،‬فالسيح القادم ليس من أبناء داود الذي وصفه بقوله‪ :‬رب أو سيدي‪.‬‬
‫ومن العلوم أن السيح ‪ -‬حسب مت ولوقا هو من ذرية النب داود ‪ ،-‬وكثيا ما نودي "يا ابن‬
‫داود" (انظر مت‪ ،9/27 ،1/1‬ولوقا ‪)19/38‬‬
‫وف مرقس أن السيح ‪ u‬قال‪ " :‬كيف يقول الكتبة‪ :‬إن السيح ابن داود؟ لن داود نفسه قال‬
‫بالروح القدس‪ :‬قال الرب لرب‪ :‬اجلس عن يين حت أضع أعداءك موطئا لقدميك‪ ،‬فداود نفسه‬
‫يدعوه ربا‪ ،‬فمن أين هو ابنه؟! " (مرقس ‪.)12/37‬‬
‫وهو ما ذكره لوقا أيضا " وقال لم‪ :‬كيف يقولون‪ :‬إن السيح ابن داود‪ ،‬وداود نفسه يقول ف‬
‫كتاب الزامي‪ :‬قال الرب لرب‪ :‬اجلس عن يين‪ ،‬حت أضع أعداءك موطئا لقدميك‪ ،‬فإذا داود‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 11‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫يدعوه ربا فكيف يكون ابنه" (لوقا ‪ ،)44-20/40‬ورغم هذا البيان يصر النصارى إل يومنا هذا‬
‫أن السيح عيسى عليه السلم هو من بشر به داود ف نبوءته مع قولم بأنه ابن داود!‬
‫ونقل بولس (أو بالحرى الكاتب الجهول للرسالة) ف الرسالة إل العبانيي بشارة ال لداود‬
‫بابنه سليمان‪ ،‬وجعلها نبوءة بالسيح عليه السلم‪ ،‬فيقول‪" :‬كلمنا ف هذه اليام الخية ف ابنه‬
‫الذي جعله وارثا لكل شيء ‪ ..‬صائرا أعظم من اللئكة‪ ،‬بقدار ما ورث اسا أفضل منهم‪ ،‬لنه لن‬
‫مِن اللئكة قال قط‪ :‬أنت ابن‪ ،‬أنا اليوم ولدتك‪ ،‬وأيضا أنا أكون له أبا‪ ،‬وهو يكون ل ابنا"‬
‫(عبانيي ‪.)1/5‬‬
‫وقد اقتبس الكاتب العبارة الواردة ف سفر صموئيل الثان (‪ ،)7/14‬وجعلها نبوءة عن السيح‪،‬‬
‫ففيه‪" :‬أنا أكون له أبا‪ ،‬وهو يكون ل ابنا " فقد ظن كاتب أن هذه العبارة نبوءة عن السيح عليه‬
‫السلم‪ ،‬فنقلها ف رسالته‪.‬‬
‫إل أن هذا القتباس غي صحيح‪ ،‬فالنص جاء ف سياق الديث إل داود‪ ،‬فقد أمر ال النب ناثان‬
‫أن يقول لداود‪" :‬فهكذا تقول لعبدي داود ‪ ...‬مت كملت أيامك واضطجعت مع آبائك أقيم‬
‫نسلك الذي يرج من أحشائك‪ ،‬وأثبت ملكته‪ ،‬هو يبن بيتا لسي‪ ،‬وأنا أثبت كرسي ملكته إل‬
‫البد‪ ،‬أنا أكون له أبا‪ ،‬وهو يكون ل ابنا‪ ،‬وإن تعوج أودبه بقضيب الناس وبضربات بن آدم ‪...‬‬
‫كذلك كلم ناثان داود" (صموئيل (‪.)17-7/8 )2‬‬
‫فالتنبئ عنه يرج من أحشاء داود‪ ،‬وليس من أحفاده‪ ،‬وهو يلك على بن إسرائيل بعد‬
‫اضطجاع داود مع آبائه أي موته‪ ،‬وهو بان بيت ال‪ ،‬وهو متوعد بالعذاب إن مال عن دين ال‪،‬‬
‫وكل هذا قد تقق ف سليمان كما تذكر التوراة‪.‬‬
‫إن أيا من تلك الواعيد ل يتحقق ف السيح عليه السلم‪ ،‬فهو عندهم إله ل يصح أن يتوعد‬
‫بالعذاب من ال‪ ،‬لنه ل يطئ أصلً‪ ،‬كما أنه ل يب ل بيتا‪ ،‬ول يلك على بن إسرائيل يوما واحدا‪،‬‬
‫ول يثبت كرسي ملكته‪ ،‬لنه ل ملكة له أصلً ف هذا العال‪ ،‬كما أخب هو‪ ،‬فقال‪" :‬أجاب يسوع‪:‬‬
‫ملكت ليست من هذا العال‪ ،‬لو كانت ملكت من هذا العال لكان خدامي ياهدون لكي ل أسلّم إل‬
‫اليهود‪ ،‬ولكن الن ليست ملكت من هنا" (يوحنا ‪.)18/36‬‬
‫كما وقد جاء ف سفر أخبار اليام الول أن اسم صاحب النبوءة يكون سليمان‪ ،‬فقد قال‬
‫لداود‪" :‬هوذا يولد لك ابن‪ ،‬يكون صاحب راحة‪ ،‬وأريه من جيع أعدائه حواليه‪ ،‬لن اسه يكون‬
‫سليمان‪ ،‬فأجعل سلما وسكينة ف إسرائيل ف أيامه‪ ،‬هو يبن بيتا لسي‪ ،‬وهو يكون ل ابنا‪ ،‬وأنا له‬
‫أبا‪ ،‬وأثبت كرسي ملكه على إسرائيل إل البد" (اليام (‪.)22/9 )1‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 12‬‬

‫ومن تريف النيليي لنبوءات التوراة أو خطئهم ف فهمها ما صنعه مت ف قوله عن السيح‬
‫وعودته من مصر إبان طفولته‪ " :‬كان هناك إل وفاة هيودس‪ ،‬لكي يتم ما قيل من الرب بالنب‬
‫القائل‪ :‬من مصر دعوتُ ابن " (مت ‪ ،)15-2/14‬فقد زعم أن ذلك يقق النبوءة التوراتية الت ف‬
‫سفر هوشع (‪.)2-11/1‬‬
‫لكن النص الذي ف هوشع ل علقة له بالسيح‪ ،‬فالنص يتحدث عن عودة شعب إسرائيل من‬
‫مصر مع موسى‪ ،‬والديث ف أصل السياق عن يعقوب‪ ،‬ث ينتقل للحديث عن أبنائه وعودتم من‬
‫مصر ث عبادتم للوثان بعد ذلك وإعراضهم عن دعوات ال لم‪ ،‬فيقول‪ " :‬لا كان إسرائيل غلما‬
‫أحببته‪ ،‬ومن مصر دعوت ابن‪ ،‬كلما دعوا ولوا وجوههم‪ ،‬وذبوا لبعاليم‪ ،‬وقربوا للصنام" (هوشع‬
‫‪.)2-11/1‬‬
‫فالنص ل علقة له بالسيح ‪ ،u‬فعبادة الصنام الت يتحدث عنها النص حصلت قبل السيح‪،‬‬
‫ول تنطبق على معاصري السيح‪ ،‬لن اليهود تابوا عن عبادة الوثان قبل ميلد السيح بقرون‪،‬‬
‫بعدما أطلقوا من أسر بابل‪ ،‬ث ل يعودوا إليها بعد تلك التوبة كما هو معلوم ف كتب التاريخ‪.‬‬
‫واستخدام هذه الصيغة (ابن) ف شعب بن إسرائيل معهود ف التوارة‪ ،‬فقد جاء فيها‪" :‬عندما‬
‫تذهب لترجع إل مصر ‪ ...‬فتقول لفرعون‪ :‬هكذا يقول الرب‪ :‬إسرائيل ابن البكر‪ ،‬قلت لك‪:‬‬
‫أطلق ابن ليعبدن " (الروج ‪.)23 - 4/21‬‬
‫ل من سوء فهم التلميذ لكلمه‪ ،‬وإبان حياته صحح لم مرارا الكثي‬
‫لقد عان السيح ‪ u‬طوي ً‬
‫من أخطائهم ف فهم النبوءات‪ ،‬بل وسائر الكلم‪ .‬لقد عجزوا عن فهم البسيط من كلمه‪ ،‬فأن لم‬
‫أن يفهموا النبوءات؟‬
‫فذات مرة " أوصاهم قائلً‪ :‬انظروا وترزوا من خي الفريسيي وخي هيودس‪ ،‬ففكروا قائلي‬
‫بعضهم لبعض‪ :‬ليس عندنا خبز‪ .‬فعلم يسوع‪ ،‬وقال لم‪ :‬لاذا تفكرون أن ليس عندكم خبز؟ أل‬
‫تشعرون بعد ول تفهمون؟ أحت الن قلوبكم غليظة؟ ألكم أعي ول تبصرون؟ ولكم آذان ول‬
‫تسمعون ول تذكرون؟" (مرقس ‪ ،)18-8/15‬كيف ل تفهمون أن ما عنيت البز القيقي‬
‫بكلمي؟‬
‫وف مرة أخرى كلمهم‪ ،‬فلم يفهموه " فقال كثيون من تلميذه إذ سعوا‪ :‬إن هذا الكلم‬
‫صعب‪ ،‬من يقدر أن يسمعه؟" (يوحنا ‪.)6/60‬‬
‫لقد كانوا يسيئون فهم البسيط من كلمه ‪ ،‬ث يستنكفون عن سؤاله عما أعجم عليهم‪ ،‬من‬
‫ذلك ما زعمه مرقس حي قال‪" :‬كان يعلّم تلميذه ويقول لم‪ :‬إن ابن النسان يسلم إل أيدي‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 13‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫الناس‪ ،‬فيقتلونه‪ ،‬وبعد أن يقتل يقوم ف اليوم الثالث‪ ،‬وأما هم فلم يفهموا القول‪ ،‬وخافوا أن‬
‫يسألوه" (مرقس ‪.)32-9/31‬‬
‫ويتد سوء الفهم وغلظة الذهن ف فهم كلم الناموس حت إل أولئك التعلمي والصفوة من بن‬
‫إسرائيل‪ ،‬فها هو نيقوديوس يسيء فهم كلم السيح ‪ u‬حي قال له‪ " :‬الق الق أقول لك‪ ،‬إن‬
‫كان أحد ل يولد من فوق‪ ،‬ل يقدر أن يرى ملكوت ال‪ .‬قال له نيقوديوس‪ :‬كيف يكن النسان‬
‫أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟‪ ..‬أجاب يسوع وقال له‪ :‬أنت معلّم‬
‫إسرائيل ولست تعلم هذا!" (يوحنا ‪ ،)10-3/3‬ل يفهم معن الولدة الروحية الديدة وظن أن‬
‫الولدة من فوق تقتضي أن يدخل الرجل مرة أخرى ف بطن أمه!‬
‫فلئن كان هذا حال معلم إسرائيل فماذا عساه يكون حال مت العشار أو يوحنا صياد السمك‬
‫وبطرس‪ ،‬وها تلميذان عاميان عديا العلم‪ ،‬كما شهد بذلك سفر أعمال الرسل " فلما رأوا ماهرة‬
‫بطرس ويوحنا‪ ،‬ووجدوا أنما إنسانان عديا العلم وعاميان تعجبوا " ( أعمال ‪ ،) 4/13‬فإن تلميذ‬
‫السيح جهال العال كما أخب بولس عن السيح "يتار جهال العال ليخزي الكماء" (كورنثوس (‬
‫‪.)1/27 )1‬‬
‫وكثي من كلم السيح ‪ u‬وأفعاله ل يفهم التلميذ ‪ -‬إبان حياة السيح ‪ -‬صلته بالنبوءات‬
‫التوراتية‪ ،‬ث ظنوا بعد رفعه أنه كان نبوءات عن السيح "ووجد يسوع جحشا‪ ،‬فجلس عليه كما‬
‫هو مكتوب‪ :‬ل تاف يا ابنة صهيون‪ ،‬هوذا ملكك يأت جالسا على جحش أتان‪ ،‬وهذه المور ل‬
‫يفهمها تلميذه أولً‪ ،‬ولكن لا تجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه‪ ،‬وأنم صنعوا‬
‫هذه له" (يوحنا ‪.)16-12/14‬‬
‫فقد غلب على كثي من بن إسرائيل لفرط شوقهم إل الخلص الغالب الظفر‪ ،‬غلب على‬
‫ظنهم أنه السيح عيسى عليه السلم‪" ،‬فكثيون من المع لا سعوا هذا الكلم قالوا‪ :‬هذا بالقيقة‬
‫هو النب‪ ،‬آخرون قالوا‪ :‬هذا هو السيح‪ ،‬وآخرون قالوا‪ :‬ألعل السيح من الليل يأت؟ أل يقل‬
‫الكتاب‪ :‬إنه من نسل داود ومن بيت لم القرية الت كان داود فيها يأت السيح؟" (يوحنا ‪-7/38‬‬
‫‪.)41‬‬
‫فالموع أيضا على اختلف ثقافاتا كانت تاول البحث عن اللص من خلل السيح عليه‬
‫السلم "أما أنت يا بيت لم أفراتة وأنت صغية أن تكون بي ألوف يهوذا‪ ،‬فمنك يرج ل‪ ،‬الذي‬
‫يكون متسلطا على إسرائيل‪ ،‬ومارجه منذ القدي‪ ،‬منذ أيام الزل‪ ،‬لذلك يسلّمهم إل حينما تكون‬
‫قد ولدت والدة‪ ،‬ث ترجع بقية إخوته إل بن إسرائيل‪ ،‬ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم‬
‫الرب إله ويثبتون‪ ،‬لنه الن يتعظم إل أقاصي الرض‪ ،‬ويكون هذا سلما‪ ،‬إذا دخل أشور ف‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 14‬‬

‫أرضنا‪ ،‬وإذا داس ف قصورنا نقيم عليه سبعة رعاة وثانية من أمراء الناس‪ ،‬فيعون أرض أشور‬
‫بالسيف وأرض نرود ف أبوابا‪ ،‬فينقذ من أشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تومنا" (ميخا ‪-5/2‬‬
‫‪.)6‬‬
‫ومن العلوم أن السيح ‪ u‬ل يقق هذه النبوءة الت كانوا يريدون‪ ،‬فقد كانوا يبحثون عمن‬
‫يلك عليهم وينتقم ويلص شعبه من الشوريي‪ ،‬ويل السلم ف ربوع اليهود‪.‬‬
‫يقول بري عن السيح عليه السلم‪ -‬فيما نقله عنه أحد شلب ‪ :-‬واستطاع بفصاحته أن‬
‫يذب له كثيا من أتباعه (الذين هم ف الصل يهودا ينتظرون السيح)‪ ،‬وهم منحوه هذا اللقب‪.‬‬
‫لقد منحوه من عندياتم ما ل يقله‪ ،‬كما سيمر معنا ف حينه‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 15‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫هل ادعى المسيح عيسى ‪ u‬أنه المسيح المنتظر؟‬


‫وإذا كان هؤلء جيعا ادعوا أن عيسى عليه السلم هو النتظر‪ ،‬كما قالوا من قبل عن يوحنا‬
‫العمدان‪ ،‬فهل ادعى عيسى أو قال لتلميذه أنه النتظر‪ ،‬وهل حقق عليه السلم نبوءات السيح‬
‫النتظر؟‬
‫ذات يوم سأل تلميذه عما يقوله الناس عنه‪ ،‬ث سألم " فقال لم‪ :‬وأنتم من تقولون إن أنا؟‬
‫فأجاب بطرس وقال له‪ :‬أنت السيح‪ ،‬فانتهرهم كي ل يقولوا لحد عنه‪ ،‬وابتدأ يعلّمهم أن ابن‬
‫النسان ينبغي أن يتأل كثيا‪ ،‬ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل" (مرقس ‪-8/29‬‬
‫‪ ،)31‬لقد نرهم وناهم أن يقولوا ذلك عنه‪ ،‬وأخبهم بأنه سيتعرض للمؤامرة والقتل‪ ،‬وهي بل‬
‫ريب عكس ما يتوقع من السيح الظافر‪ .‬أي أنه أفهمهم أنه ليس هو السيح النتصر الذي تنتظرون‪،‬‬
‫والذي يوقنون أن من صفاته الغلبة والظفر والديومة‪ ،‬ل الل والوت‪ ،‬لذا "أجابه المع‪ :‬نن سعنا‬
‫من الناموس أن السيح يبقى إل البد‪ ،‬فكيف تقول أنت‪ :‬إنه ينبغي أن يرتفع ابن النسان‪ ،‬من هو‬
‫هذا ابن النسان" (يوحنا ‪.)12/34‬‬
‫وف رواية لوقا تأكيد ذلك "فأجاب بطرس وقال‪ :‬مسيح ال‪ ،‬فانتهرهم‪ ،‬وأوصى أن ل يقولوا‬
‫ذلك لحد‪ ،‬قائلً‪ :‬إنه ينبغي أن ابن النسان يتأل" (لوقا ‪ ،)21-9/20‬وانتهاره التلميذ ونيهم عن‬
‫إطلق اللقب عليه ليس خوفا من اليهود‪ ،‬فقد أخب تلميذه عن تقق وقوع الؤامرة والل‪ ،‬وعليه‬
‫فل فائدة من إنكار حقيقته لو كان هو السيح النتظر‪ ،‬لكنه منعهم لن ما يقولونه ليس هو القيقة‪.‬‬
‫وهو عليه السلم حرص على نفي هذه الفكرة مرة بعد مرة "فلما رأى الناس الية الت صنعها‬
‫يسوع قالوا‪ :‬إن هذا هو بالقيقة النب الت إل العال‪ ،‬وأما يسوع فإذ علم أنم مزمعون أن يأتوا‬
‫ويتطفوه ليجعلوه ملكا انصرف أيضا إل البل وحده" (يوحنا ‪ .)15-6/14‬لاذا هرب؟ لنه‬
‫ليس اللك النتظر‪ ،‬وهم مصرون على تليكه لا يرونه من معجزاته عليه السلم‪ ،‬ولا يدونه من‬
‫شوق وأمل باللص من ظلم الرومان‪.‬‬
‫وذات مرة قال فيلبس لصديقه نثنائيل‪" :‬وجدنا الذي كتب عنه موسى ف الناموس والنبياء‬
‫يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة"‪.‬‬
‫فجاء نثنائيل إل السيح عليه السلم وسأله " وقال له‪ :‬يا معلّم أنت ابن ال؟ أنت ملك‬
‫إسرائيل؟ أجاب يسوع وقال له‪ :‬هل آمنت لن قلت لك‪ :‬إن رأيتك تت التينة‪ ،‬سوف ترى‬
‫أعظم من هذا" (يوحنا ‪ ،)50-1/45‬فقد أجابه بسؤال‪ ،‬وأعلمه أنه سيى الزيد من العجزات‪ ،‬ول‬
‫يصرح له أنه اللك النتظر‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 16‬‬

‫وف بلط بيلطس نفى أن يكون اللك النتظر لليهود‪ ،‬كما زعموا وأشاعوا "أجاب يسوع‪:‬‬
‫ملكت ليست من هذا العال‪ ،‬لو كانت ملكت من هذا العال لكان خدامي ياهدون لكي ل أسلّم إل‬
‫اليهود‪ ،‬ولكن الن ليست ملكت من هنا" (يوحنا ‪ ،)18/36‬فمملكته روحانية‪ ،‬ف النة‪ ،‬وليست‬
‫ملكة اليهود النتظرة‪ ،‬الملكة الزمانية الادية‪ ،‬الت يشاها الرومان‪.‬‬
‫لذلك ثبتت براءته من هذه التهمة ف بلط بيلطس الذي سأله قائلً "‪ :‬أنت ملك اليهود؟‬
‫فأجابه وقال‪ :‬أنت تقول‪ ،‬فقال بيلطس لرؤساء الكهنة والموع‪ :‬إن ل أجد علّة ف هذا النسان"‬
‫(لوقا ‪ ،)4-23/2‬فجوابه ل يكن اعتباره بال من الحوال إقرارا‪ ،‬فهو يقول له‪ :‬أنت الذي تقول‬
‫ذلك‪ ،‬ولست أنا‪.‬‬
‫وثة آخرون أدركوا أنه ليس السيح النتظر مستدلي بعرفتهم بأصل السيح عيسى ونسبه‬
‫وقومه‪ ،‬بينما النتظر القادم غريب ل يعرفه اليهود "قال قوم من أهل أورشليم‪ :‬أليس هذا هو الذي‬
‫يطلبون أن يقتلوه‪ ،‬وها هو يتكلم جهارا‪ ،‬ول يقولون له شيئا‪ ،‬ألعل الرؤساء عرفوا يقينا أن هذا هو‬
‫السيح حقا؟ ولكن هذا نعلم من أين هو‪ ،‬وأما السيح فمت جاء ل يعرف أحد من أين هو" (يوحنا‬
‫‪ ،)27-7/25‬ذلك أن السيح غريب عن بن إسرائيل‪.‬‬
‫وقد أكد السيح صدق العلمة الت ذكروها للمسيح الغائب‪ ،‬فقال ف نفس السياق‪" :‬فنادى‬
‫يسوع وهو يعلّم ف اليكل قائلً‪ :‬تعرفونن‪ ،‬وتعرفون من أين أنا‪ ،‬ومن نفسي ل آت‪ ،‬بل الذي‬
‫أرسلن هو حق‪ ،‬الذي أنتم لستم تعرفونه‪ ،‬أنا أعرفه لن منه وهو أرسلن ‪ ...‬فآمن به كثيون من‬
‫المع وقالوا‪ :‬ألعل السيح مت جاء يعمل آيات أكثر من هذه الت عملها هذا!" (يوحنا ‪-7/25‬‬
‫‪ ،)31‬فذكر السيح أنه رسول من عند ال‪ ،‬وأنه ليس الذي ينتظرونه‪ ،‬فذاك ل يعرفونه‪.‬‬
‫وقد آمن به الذين كلمهم‪ ،‬وفهموا أنه ليس السيح النتظر‪ ،‬فتأمل قول يوحنا‪ " :‬فآمن به‬
‫كثيون من المع وقالوا‪ :‬ألعل السيح مت جاء يعمل آيات أكثر من هذه الت عملها هذا؟" (يوحنا‬
‫‪.)31-7/30‬‬
‫وعيسى عليه السلم هو ابن داود كما ف نسبه الذي ذكره مت ولوقا‪ ،‬وقد دعي مرارا " يا‬
‫يسوع ابن داود" (مرقس ‪( ،)10/47‬وانظر مت ‪ ،20/31 ،1/1‬ولوقا ‪ ،18/28‬وغيها)‪.‬‬
‫أما السيح النتظر‪ ،‬اللك القادم فليس من ذرية داود‪ ،‬كما شهد السيح بذلك "فيما كان‬
‫الفريسيون متمعي سألم يسوع قائلً‪ :‬ماذا تظنون ف السيح‪ ،‬ابن من هو؟ قالوا له‪ :‬ابن داود‪ ،‬قال‬
‫لم‪ :‬فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلً‪ :‬قال الرب لرب‪ :‬اجلس عن يين حت أضع أعداءك‬
‫موطئا لقدميك؟ فإن كان داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن ييبه بكلمة‪ ،‬ومن‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 17‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫ذلك اليوم ل يسر أحد أن يسأله بتة" (مت ‪.)46-22/41‬فالسيح ‪ u‬يشهد بصراحة أنه ليس‬
‫السيح النتظر‪.‬‬
‫والسيح ‪ u‬ل يكن أن يقق النبوءات البشرة باللك العظيم القادم ‪ ،‬ول يكن أن يصبح ملكا‬
‫على كرسي داود وغيه‪ ،‬لنه من ذرية اللك الفاسق يهوياقيم بن يوشيا‪ ،‬أحد أجداد السيح كما ف‬
‫سفر اليام الول " بنو يوشيا‪ :‬البكر يوحانان‪ ،‬الثان يهوياقيم‪ ،‬الثالث صدقيا‪ ،‬الرابع شلّوم‪ .‬وابنا‬
‫يهوياقيم‪ :‬يكنيا ابنه‪ ،‬وصدقيا ابنه" (اليام (‪ ،)15-3/14 )1‬فيهوياقيم جد للمسيح (حسب‬
‫روايات الكتاب القدس)‪ ،‬واسم يهوياقيم أسقطه مت من نسبه الزعوم للمسيح‪ ،‬بي يوشيا وحفيده‬
‫يكنيا‪.‬‬
‫وقد حرم ال اللك على ذريته كما ذكرت التوراة " قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا‪ :‬ل‬
‫يكون له جالس على كرسي داود‪ ،‬وتكون جثته مطروحة للحر نارا وللبد ليلً ‪( " ...‬إرميا‬
‫‪ ،)36/30‬فكيف يقول النصارى ‪ -‬الذين يزعمون أن السيح من ذرية يكينيا ابن الفاسق يهوياقيم‬
‫‪ -‬بأن الذي سيملك ويقق النبوءات هو السيح؟!‬
‫ث إن التأمل ف سية السيح ‪ u‬وأقواله وأحواله ينع أن يكون هو اللك القادم‪ ،‬اللك النتظر‪،‬‬
‫فالسيح ل يلك على بن إسرائيل يوما واحدا‪ ،‬وما حلت رسالته أي خلص دنيوي لبن إسرائيل‪،‬‬
‫كذاك النب الذي ينتظرونه‪ ،‬بل كثيا ما هرب السيح خوفا من بطش اليهود‪ ،‬فأين هو من اللك‬
‫الظافر الذي يوطِئه ال هامات أعدائه‪ ،‬وتدين الرض له ولمته‪.‬‬
‫فالنب الت يسحق ملوك وشعوب زمانه كما أخب يعقوب "يأت شيلون‪ ،‬وله يكون خضوع‬
‫شعوب" (التكوين ‪ ،)49/10‬وقال عنه داود‪" :‬تقلد سيفك على فخذك أيها البار‪ ،‬جللك‬
‫وباءك‪ ،‬وبللك اقتحم‪ .‬اركب من أجل الق والدعة والب‪ ،‬فتريك يينك ماوف‪ ،‬نبلك السنونة‬
‫ف قلب أعداء اللك‪ ،‬شعوب تتك يسقطون‪ .‬كرسيك يا ال إل دهر الدهور‪ ،‬قضيب استقامة‬
‫قضيب ملكك " (الزمور ‪.)6 - 45/1‬‬
‫أما السيح عيسى عليه السلم فكان يدفع الزية للرومان "ولا جاءوا إل كفر ناحوم تقدم الذين‬
‫يأخذون الدرهي إل بطرس وقالوا‪ :‬أما يوف معلمكم الدرهي؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬فلما دخل البيت سبقه‬
‫يسوع قائلً‪ :‬ماذا تظن يا سعان‪ ،‬من يأخذ ملوك الرض الباية أو الزية أمن بنيهم أم من‬
‫الجانب؟ قال له بطرس‪ :‬من الجانب‪ ،‬قال له يسوع‪ :‬فإذا البنون أحرار‪ ،‬ولكن لئل نعثرهم اذهب‬
‫إل البحر‪ ،‬وألق صنارة‪ ،‬والسمكة الت تطلع أو ًل خذها‪ ،‬ومت فتحت فاها تد أستارا‪ ،‬فخذه‬
‫وأعطهم عن وعنك" (مت ‪ ،)27-17/24‬فأين حال دافع الزية من اللك الذي تسقط تت‬
‫قدميه شعوب خاضعة ذليلة لسلطانه‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 18‬‬

‫والسيح عليه السلم رفض أن يكون قاضيا بي اثني يتصمان‪ ،‬فهل تراه يدعي اللك‬
‫والسلطان‪" ،‬قال له واحد من المع‪ :‬يا معلّم‪ ،‬قل لخي أن يقاسن الياث‪ ،‬فقال له‪ :‬يا إنسان من‬
‫أقامن عليكما قاضيا أو مقسّما!؟" (لوقا ‪.)14-12/13‬‬
‫ولئن أصر النصارى على مالفة الكتاب فقالوا‪ :‬السيح هو اللك الوعود الظافر الذي تضع له‬
‫الشعوب‪ ،‬وأن ذلك سيحققه حال عودته الثانية‪ ،‬فإن ذلك ما تدحضه النبوءة الت ذكرها اللك‬
‫لري‪ ،‬حيث أخبها أن السيح سيملك على بيت يعقوب فحسب‪ ،‬فغاية ما يكن أن يلك عليه هو‬
‫شعب إسرائيل‪ ،‬فقد قال لا اللك‪ " :‬ويعطيه الرب الله كرسي داود أبيه‪ ،‬ويلك على بيت‬
‫يعقوب إل البد‪ ،‬ول يكون للكه ناية" (لوقا ‪ ،)1/33‬فيما السيح الوعود "له يكون خضوع‬
‫شعوب" (التكوين ‪ ،)49/10‬و " شعوب تتك يسقطون " (الزمور ‪ ،)45/5‬فملكه أعظم من‬
‫ملكة بن إسرائيل‪.‬‬
‫ويدر هنا أن ننبه إل أن وعد ال لبن إسرائيل باللك القادم على كرسي داود وعد مشروط‬
‫بطاعتهم ل وعملهم وفق مشيئته‪ ،‬كما أخبهم ال بقوله‪ " :‬إن نقضتم عهدي ‪ ..‬فإن عهدي مع‬
‫داود عبدي يُنقض ‪ ،‬فل يكون له ابن مالكا على كرسيه " ( إرميا ‪ ،) 21 - 33/20‬فهل تراهم‬
‫نقضوا وهم ياولون قتل السيح أم كانوا على الوعد والعهد العظيم‪.‬‬
‫لقد نقضه القوم مرارا وتكرارا فرفضهم ال إل البد "لاذا رفضتنا يا ال إل البد! لاذا‬
‫يدخن غضبك على غنم مرعاك! اذكر جاعتك الت اقتنيتها منذ القدم وفديتها " (الزمور ‪-74/1‬‬
‫‪ ،)2‬لقد رفض ال هذه المة العاتية القاسية‪ ،‬وكان رفضه لا أبديا‪ ،‬فلن يكون لم اللك الوعود ‪،‬‬
‫لنم ل يوفوا بشرط وميثاق ال العظيم‪.‬‬
‫وقد يشكل ف هذا الباب ما جاء ف قصة الرأة السامرية الت أتت السيح ورأت أعاجيبه‬
‫وآياته‪ ،‬فأخبته بإيانا بجيء السيا‪ ،‬فكان جوابه لا أنه هو السيا‪ " ،‬قالت له الرأة‪ :‬أنا أعلم أن‬
‫مسيا الذي يقال له السيح يأت‪ ،‬فمت جاء ذاك يبنا بكل شيء‪ ،‬قال لا يسوع‪ :‬أنا الذي أكلمك‬
‫هو" (يوحنا ‪.)26-4/25‬‬
‫ولست أشك ف وقوع التحريف ف هذه العبارة‪ ،‬بدليل أن هذا النص يالف ما عهدناه من‬
‫السيح‪ ،‬وبدليل أن أحدا من التلميذ ‪ -‬با فيهم يوحنا كاتب القصة ‪ -‬ل يكن يسمع حديثه‪ ،‬وهو‬
‫يتحدث مع الرأة‪ ،‬فل يعرفون عن موضوع الديث بينهما " قال لا يسوع‪ :‬أنا الذي أكلمك هو‪،‬‬
‫وعند ذلك جاء تلميذه وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة‪ .‬ولكن ل يقل أحد‪ :‬ماذا تطلب؟ أو‬
‫لاذا تتكلم معها " (يوحنا ‪ ،)27-4/26‬فهم ل يسمعوا حديثهما ول يسألوه عما جرى بينهما‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 19‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وأوضح الدلة على وقوع التحريف ف هذه القصة أن الرأة الت رأت أعاجيبه‪ ،‬وقال لا هذا‬
‫القول الدعى‪ ،‬ل تكن تؤمن أنه السيح النتظر‪ ،‬لنا ل تسمع منه ذلك‪ ،‬ولو سعته لمنت وصدقت‪،‬‬
‫فقد انطلقت تبشر به‪ ،‬وهي غي متيقنة أنه السيح النتظر "فتركت الرأة جرتا‪ ،‬ومضت إل الدينة‬
‫وقالت للناس‪ :‬هلموا انظروا إنسانا قال ل كل ما فعلت‪ ،‬ألعل هذا هو السيح؟" (يوحنا ‪-4/28‬‬
‫‪.)29‬‬
‫وما تقدم ظهر جليا أن السيح ‪ u‬ل يدع أنه السيح الذي تنتظره اليهود‪ ،‬وإن زعم ذلك بعض‬
‫معاصريه‪ ،‬الذين كانوا يتوقون للمخلص العظيم الذي يسلطه ال على أعدائه‪.‬‬
‫وقد صدق شارل جنيب حي قال‪" :‬والنتيجة الكيدة لدراسات الباحثي‪ ،‬هي ‪ :‬أن السيح ل‬
‫يدع قط أنه هو السيح النتظر‪ ،‬ول يقل عن نفسه إنه ابن ال‪ ...‬فتلك لغة ل يبدأ ف استخدامها‬
‫(‪)1‬‬
‫سوى السيحيي الذين تأثروا بالثقافة اليونانية"‪.‬‬

‫‪ )(1‬انظر‪ :‬السيحية‪ ،‬نشأتا وتطورها‪ ،‬شارل جنيب‪ ،‬ص (‪.)50‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 20‬‬

‫هل قال محمد ‪ r‬عن نفسه أنه النبي المنتظر؟‬


‫رأينا أن السيح عليه السلم ل يدع أنه النب النتظر‪ ،‬فهل أخب ممد أنه ذلك النب الوعود‪،‬‬
‫الذي بشرت به النبياء؟‬
‫إن وجود البشارة بالنب ف كتب النبياء من أهم ما أكدت عليه النصوص القرآنية والنبوية‪،‬‬
‫الت أخبت أنه ما من نب إل وذكّر أمته بأمر هذا النب‪ ،‬وأخذ عليهم ف ذلك اليثاق لئن بعث‬
‫ممد ليؤمنن به‪ ،‬قال تعال‪ } :‬وإذ أخذ ال ميثاق النبيي لا آتيتكم من كتاب وحكمة ث جاءكم‬
‫رسول مصدق لا معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررت وأخذت على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال‬
‫فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين { (آل عمران‪ )81 :‬وقال علي رضي ال عنه‪ ( :‬ما بعث ال نبيا‬
‫آدم فمن دونه إل أخذ عليه اليثاق‪ :‬لئن بعث ممد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وليتبعنه)‪.)1( .‬‬
‫ومن هؤلء النبياء البشرين بالنب القادم النب إبراهيم عليه السلم‪ ،‬حيث دعا } ربنا وابعث‬
‫فيهم رسولً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الكيم‬
‫{ (البقرة‪.)129 :‬‬
‫ومنهم عيسى عليه السلم } وإذ قال عيسى ابن مري يا بن إسرائيل إن رسول ال إليكم‬
‫مصدقا لا بي يدي من التوراة ومبشرا برسول يأت من بعدي اسه أحد { (الصف‪.)6 :‬‬
‫وقد قال ‪(( :‬إن عند ال لات النبيي‪ ،‬وإن آدم لنجدل ف طينته‪ ،‬وسأخبكم بأول أمري‪ :‬أنا‬
‫دعوة إبراهيم‪ ،‬وبشارة عيسى‪ ،‬ورؤيا أمي الت رأت حي وضعتن وقد خرج منها نور ساطع‬
‫(‪)2‬‬
‫أضاءت منه قصور الشام ))‪.‬‬
‫ولا كان اهتمام النبياء بالنب الات بالغا كان من الطبيعي أن تتحدث كتبهم عنه وعن صفاته‬
‫وأحواله‪.‬‬
‫وقد أكد القرآن الكري على وجود البشارة بنبينا ف كتب اليهود والنصارى فقال‪ } :‬الذين‬
‫يتبعون الرسول النب المي الذي يدونه مكتوبا عندهم ف التوراة والنيل يأمرهم بالعروف‬
‫وينهاهم عن النكر ويل لم الطيبات ويرم عليهم البائث ويضع عنهم إصرهم والغلل الت‬
‫كانت عليهم { (العراف‪.)157 :‬‬
‫وقال ال تعال مبا وجود النبوءات عن النب ممد وعن أمته وأصحابه ف التوراة والنيل‪:‬‬
‫ل من‬
‫} ممد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحاء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فض ً‬
‫ال ورضوانا سيماهم ف وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم ف التوراة ومثلهم ف النيل كزرع‬

‫‪ )(1‬رواه الطبي ف تفسيه (‪.)3/332‬‬


‫‪ )(2‬رواه أحد ف السند ح (‪ ،)16712‬وابن حبان ف صحيحه ح (‪.)6404‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 21‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بم الكفار وعد ال الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالات منهم مغفرة وأجرا عظيما { (الفتح‪)29 :‬‬
‫ول يب القرآن الكري‪ -‬بالتفاصيل ‪ -‬عن صفات رسول ال وأحواله الذكورة ف كتب أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬لكنه أخب عن حقيقة مهمة‪ ،‬وهي أن أهل الكتاب يعرفون رسول ال معرفتهم أبناءهم‪،‬‬
‫لكثرة ما حدثتهم النبياء والكتب عنه } الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم‬
‫وإن فريقا منهم ليكتمون الق وهم يعلمون { (النعام‪)20:‬‬
‫وهذه العرفة ول ريب تصدر عن كثرة أو وضوح البشارات الواردة ف كتبهم عنه عليه‬
‫الصلة والسلم‪.‬‬
‫وسنحاول خلل الصفحات القادمة تلمس بعض هذه النبوءات‪ ،‬راجي أن نوفق ف إزالة الكثي‬
‫ما أصابا من غبار التحريف‪ ،‬مترزين عن الكثي من سوء الفهم الذي وقع فيه النصارى ف فهم‬
‫هذه النبوءات‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 22‬‬

‫ذرية إسماعيل المباركة‬


‫خرج إبراهيم عليه السلم من أرض العراق واته إل الرض الباركة‪ ،‬أرض فلسطي‪ ،‬وتذكر‬
‫التوراة أن عمره حينذاك الامسة والسبعي‪ ،‬ولا يولد له ولد‪ ،‬وخرج بعد أن بشره ال بأن قال‪:‬‬
‫"أجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسك وتكون بركة ‪ ...‬وتتبارك فيك جيع قبائل الرض"‬
‫(التكوين ‪.)3 - 12/2‬‬
‫وف أرض فلسطي حلت هاجر ‪ -‬مولة سارة ‪ -‬بابنها إساعيل ‪ ،u‬وتذكر التوراة غِية سارة‬
‫من هاجر وقد أضحى لا ذرية‪ ،‬فيما حرمت سارة الولد والذرية حت ذلك الي‪.‬‬
‫عندها أذلت سارة هاجر‪ ،‬فهربت هاجر من وجه مولتا " فقال لا ملك الرب‪ :‬ارجعي إل‬
‫مولتك واخضعي تت يديها‪ .‬وقال لا ملك الرب‪ :‬تكثيا أكثر نسلك فل يعد من الكثرة‪ ،‬وقال‬
‫لا ملك الرب‪ :‬ها أنت حبلى فتلدين ابنا‪ ،‬وتدعي اسه‪ :‬إساعيل‪ ،‬لن الرب قد سع لذلتك‪ ،‬وإنه‬
‫يكون إنسانا وحشيا(‪ ،)1‬يده على كل واحد‪ ،‬ويد كل واحد عليه‪ ،‬وأمام جيع إخوته يسكن‬
‫" (التكوين ‪ ،)12 - 16/11‬لقد بشرها اللك بابن عظيم يسود على كل أحد‪ ،‬لكنه أحيانا يكون‬
‫على خلف ذلك‪ ،‬فيتسلط عليه كل أحد‪.‬‬
‫وولدت هاجر ابنها إساعيل ‪ ،u‬فكان بكرا لبراهيم ‪" ،u‬وكان أبرام ابن ست وثاني سنة لا‬
‫ولدت هاجر إساعيل" (التكوين ‪.)16/16‬‬
‫ولا بلغ إبراهيم التاسعة والتسعي تددت البكة من ال لبراهيم " قال له‪ :‬أنا ال القدير‪ .‬سر‬
‫أمامي وكن كاملً‪ ،‬فأجعل عهدي بين وبينك‪ ،‬وأكثرك كثيا جدا ‪ ..‬أجعلك أبا لمهور من‬
‫المم‪ ،‬وأثرك كثيا جدا‪ ،‬وأجعلك أما‪ ،‬وملوك منك يرجون‪ ،‬وأقيم عهدي بين وبينك وبي‬
‫نسلك من بعدك ف أجيالم عهدا أبديا ‪( " ...‬التكوين ‪.)8 - 17/1‬‬
‫وابتلى ال إبراهيم ‪ ،u‬فأمره بذبح ابنه الوحيد يومذاك‪ ،‬إساعيل‪ ،‬فاستجاب وابنه‪ ،‬وامتثل‬
‫لمر ال‪ ،‬وحينها "نادى ملك الرب إبراهيم ثانية من السماء‪ ،‬وقال‪ :‬بذات أقسمت‪ ،‬يقول الرب‪:‬‬
‫إن من أجل أنك فعلت هذا المر ول تسك ابنك وحيدك‪ ،‬أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيا‪،‬‬
‫كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر‪ ،‬ويرث نسلك باب أعدائه" (التكوين ‪-22/1‬‬
‫‪.)17‬‬
‫وطلب إبراهيم ‪ u‬من ال الصلح ف ابنه إساعيل‪ " :‬قال إبراهيم ل‪ :‬ليت إساعيل يعيش‬
‫أمامك" (التكوين ‪.)17/18‬‬

‫‪ )(1‬ذكر بعض الحققي أن النص ف النصوص العبانية القدية استخدم ما معناه‪ :‬إنسانا مثمرا‪ ،‬فيما الترجة‬
‫التداولة تعله وحشيا؟!‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 23‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫فاستجاب ال له وبشره بالبكة فيه وف ابن آخر يهبه ال له‪ ،‬فقد بشره بيلد إسحاق من‬
‫زوجه سارة فقال‪ " :‬وأباركها وأعطيك أيضا منها ابنا‪ ،‬أباركها فتكون أما‪ ،‬وملوك شعوب منها‬
‫يكونون ‪ ...‬وتدعو اسه إسحاق‪ ،‬وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده‪.‬‬
‫وأما إساعيل فقد سعت لك فيه‪ ،‬ها أنا أباركه وأثره‪ ،‬وأكثره كثيا جدا‪ ،‬اثن عشر رئيسا‬
‫يلد‪ ،‬وأجعله أمة كبية " (التكوين ‪.)20 - 17/16‬‬
‫وقد كان إسحاق ‪ u‬أصغر من إساعيل ‪ u‬بأربعة عشر سنة "وكان إبراهيم ابن مائة سنة حي‬
‫ولد له إسحاق ابنه" (التكوين ‪.)21/5‬‬
‫وقد ولد لبراهيم أبناء آخرون من زوجته قطورة‪ ،‬لكن ال ل يعده بالبكة فيهم "عاد إبراهيم‬
‫فأخذ زوجة اسها قطورة‪ ،‬فولدت له زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا" (التكوين‬
‫‪ ،)2-25/1‬ول يرج من نسلهم أنبياء لعدم الوعد فيهم بالبكة‪.‬‬
‫وهذا الذي تذكره التوراة يتفق إل حد كبي مع ما يقوله القرآن‪ ،‬فالقرآن يقرر بركة وعهدا‬
‫لبراهيم ف صالي ذريته من ابنيه الباركي إساعيل وإسحاق‪ ،‬حيث يقول‪ } :‬وإذ ابتلى إبراهيم‬
‫ربه بكلمات فأتهن قال إن جاعلك للناس إماما قال ومن ذريت قال ل ينال عهدي الظالي‬
‫{ (البقرة‪.)124 :‬‬
‫وذكر ال بركة البني وأن من ذريتهما صال مستحق للعهد‪ ،‬وظال ليس له من العهد شيء‬
‫فقال عن إساعيل‪ } :‬وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما مسن وظال لنفسه مبي {‬
‫(الصافات‪.)113 :‬‬
‫وهذا يتفق مع ما جاء ف التوراة الت نصت على أن العهد والصطفاء مشروط بالعمل الصال‪،‬‬
‫والبكة الت أُعطيها إبراهيم إنا هي بسبب عمله الصال‪" ،‬تتبارك ف نسلك جيع أمم الرض‪ ،‬من‬
‫أجل أن إبراهيم سع لقول‪ ،‬وحفظ ما يفظ ل أوامري وفرائضي وشرائعي" (التكوين ‪.)26/4‬‬
‫ل فأجعل عهدي ‪( " ..‬التكوين‬
‫وتتوال البكة ف ذريته وفق هذا الشرط "سر أمامي وكن كام ً‬
‫‪ ،)2 - 17/1‬وكما قال عنه وعن ذريته الباركة‪ " :‬إبراهيم يكون أمة كبية وقوية‪ ،‬ويتبارك به‬
‫جيع أمم الرض‪ ،‬لن عرفته‪ ،‬لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يفظوا طريق الرب‪ ،‬ليعملوا برا‬
‫وعدلً‪ ،‬لكي يأت الرب لبراهيم با تكلم به " (التكوين ‪ ،)19 – 18/18‬فالعمل بوصايا ال هو‬
‫سبب هذه البكة‪ ،‬وقد قال ال لبراهيم‪" :‬ويتبارك ف نسلك جيع أمم الرض‪ ،‬من أجل أنك‬
‫سعت لقول" (التكوين ‪.)22/18‬‬
‫ووفق هذا الشرط كانت البكة والعهد لبناء لوي " إن أرسلت إليكم هذه الوصية‪ ،‬لكون‬
‫عهدي مع لوي قال رب النود‪ .‬كان عهدي معه للحياة والسلم‪ ،‬وأعطيته إياها للتقوى‪ ،‬فاتقان‪،‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 24‬‬

‫ومن اسي ارتاع هو‪ ،‬شريعة الق كانت ف فيه‪ ،‬وإث ل يوجد ف شفتيه‪ ،‬سلك معي ف السلم‬
‫والستقامة‪ ،‬وأرجع كثيين عن الث " (ملخي ‪.)7-2/4‬‬
‫فبكة ال إنا تكون للصالي‪ ،‬ولعنته هي نصيب الكافرين‪ ،‬كما قال ال لوسى‪ " :‬انظر‪ .‬أنا‬
‫واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة‪ ،‬البكة إذا سعتم لوصايا الرب إلكم الت أنا أوصيكم با اليوم‪،‬‬
‫واللعنة إذا ل تسمعوا لوصايا الرب إلكم وزغتم عن الطريق الت أنا أوصيكم با اليوم‪ ،‬لتذهبوا‬
‫وراء آلة أخرى ل تعرفوها" (التثنية ‪.)28 -11/26‬‬
‫كما قال ال له أيضا‪" :‬فاحفظ الوصايا والفرائض والحكام الت أنا أوصيك اليوم لتعملها‪،‬‬
‫ومن أجل أنكم تسمعون هذه الحكام وتفظون وتعملونا‪ ،‬يفظ لك الرب إلك العهد والحسان‬
‫اللذين أقسم لبائك‪ ،‬ويبك ويباركك ويكثرك‪ ،‬ويبارك ثرة بطنك وثرة أرضك " (التثنية ‪-7/11‬‬
‫‪ ،)13‬و(انظر‪ :‬التثنية ‪ )68-28/1‬وهكذا فالبكة مشروطة بطاعة ال والستقامة على دينه‪ ،‬فإذا ما‬
‫نكَل بنو إسرائيل عنها حاقت عليهم اللعنة والبوار‪.‬‬
‫وبالفعل بدأت بركة إبراهيم بابنه الثان إسحاق‪ ،‬وذلك ل يعن حرمان إساعيل من نصيبه من‬
‫البكة "ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق‪ ،‬الذي تلده لك سارة ف هذا الوقت‪ ،‬ف السنة التية‬
‫" (التكوين ‪.)17/21‬‬
‫وتذكر التوراة أنه بعد فطام إسحاق‪ ،‬هاجرت هاجر وابنها وأنا " مضت وتاهت ف برية بئر‬
‫سبع‪ ،‬ولا فرغ الاء من القربة طرحت الولد تت إحدى الشجار ‪ ..‬ونادى ملك ال هاجر‪..‬‬
‫قومي احلي الغلم‪ ،‬وشدي يدك به‪ ،‬لن سأجعله أمة عظيمة‪ ،‬وفتح ال عينيها فأبصرت بئر ماء ‪..‬‬
‫وكان ال مع الغلم فكب‪ ،‬وسكن ف البية‪ ،‬وكان ينمو رامي قوس‪ ،‬وسكن ف برية فاران‪،‬‬
‫وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر " (التكوين ‪.)21-21/17‬‬
‫ويتجاهل النص التورات خصوصية إساعيل ف نبع ماء زمزم البارك ف مكة الكرمة‪ ،‬ويرى‬
‫(‪)1‬‬
‫قصة الجرة ف صحراء بئر سبع جنوب فلسطي‪ ،‬ث يسميها برية فاران‪.‬‬

‫‪ )(1‬لكن الكتاب القدس عودنا على الخطاء الغرافية وغيها التكررة فيه‪ ،‬وكثرتا دعت الدكتور صبي جوهرة‬
‫أن يقول‪ ،‬وهو يلخص رأي الكنيسة ‪ ":‬إن ال يسمح للنسان (كاتب السفر) بأن يضع كل إحساساته وخباته‬
‫وحساسياته وميوله ف النصوص مادام ذلك ل يغي ما قصده ال من معان السفر الخلقية والدينية‪ ،‬وبالتال‬
‫تعترف الكنيسة بعدم دقة الكتاب ف معلوماته الفلكية والغرافية والتاريية واليولوجية‪..‬ال‪ ،‬فالقصود بالكتاب‬
‫هو أن يعلم الدين والخلق‪ ،‬ويساعد على الوصول إل طريق الصلح والسعادة "‪ .‬اختلفات ف تراجم الكتاب‬
‫القدس ‪ ،‬أحد عبد الوهاب ‪ ،‬ص (‪.)62 – 61‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 25‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫ونعود للبكة الوعودة ف ابن إبراهيم‪ ،‬فما هي البكة الت جعلها ال ف إسحاق وإساعيل؟‬
‫هي بل ريب بركة النبوة والكتاب واللك بأمر ال والظهور باسه } ولقد آتينا بن إسرائيل الكتاب‬
‫والكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالي { (الاثية‪.)16 :‬‬
‫ويعتب اليهود والنصارى من بعدهم أن الوعد ف إسحاق وعد أبدي لن ينتقل إل غيهم‪ ،‬فقد‬
‫قيل‪" :‬فقال ال‪ :‬بل سارة امرأتك تلد لك ابنا‪ ،‬وتدعو اسه إسحاق‪ .‬وأقيم عهدي معه عهدا أبديا‪،‬‬
‫لنسله من بعده ‪ ...‬ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة ف هذا الوقت ف السنة‬
‫التية" (التكوين ‪ ،)21-17/19‬فقد فهموا من كلمة (أبديا) أن العهد لبن إسرائيل إل يوم القيامة‪،‬‬
‫وأنه غي مشروط ول متعلق بصلحهم وانقيادهم لمر ال‪.‬‬
‫لكن كلمة البد ل تعن بالضرورة الستمرار إل قيام الساعة‪ ،‬بل تعن طول الفترة فحسب‪،‬‬
‫ومثل هذا الستخدام معهود ف التوراة‪ ،‬يقول سفر اللوك‪" :‬فبص نعمان يلصق بك وبنسلك إل‬
‫البد" (اللوك (‪ ،)5/27 )2‬فالبدية هنا غي مقصودة‪ ،‬وإل لزم أن نرى ذريته اليوم أمة كبية‬
‫تتوالد مصابة بالبص‪.‬‬
‫وف سفر اليام "وقال ل‪ :‬إن سليمان ابنك‪ ،‬هو يبن بيت ودياري‪ ،‬لن اخترته ل ابنا‪ ،‬وأنا‬
‫أكون له أبا‪ ،‬وأثبت ملكته إل البد" (اليام (‪ ،)28/6 )1‬وقد انتهت ملكتهم منذ ما يربو على‬
‫ألفي وخسمائة سنة على يد بتنصر البابلي‪ ،‬فالراد بالبدية الوقت الطويل فحسب‪.‬‬
‫ووقتّ سفر التثنية البدية با يساوي عشرة أجيال‪ ،‬فقال‪" :‬ل يدخل عمون ول موآب ف‬
‫جاعة الرب‪ ،‬حت اليل العاشر‪ ،‬ل يدخل منهم أحد ف جاعة الرب إل البد‪ ،‬من أجل أنم ل‬
‫يلقوكم بالبز والاء" (التثنية ‪ ،)4-33/3‬فاليل الادي عشر للمؤاب غي مروم من جاعة الرب‪،‬‬
‫وهو دون البد والقيامة‪.‬‬
‫ومثله قول دانيال لنبوخذ نصر‪" :‬فتكلم دانيال مع اللك‪ :‬يا أيها اللك عش إل البد" (دانيال‬
‫‪ ،)6/21‬أي عش طويلً‪.‬‬
‫نعم لقد استبدلت البكة باللعن والطرد‪ ،‬فقد رذلم ال واستبدلم بغيهم بعد أن تنكروا‬
‫لشرعه ودينه " والن إليكم هذه الوصية أيها الكهنة‪ ،‬إن كنتم ل تسمعون ول تعلون ف القلب‬
‫لتعطوا مدا لسي‪ ،‬قال رب النود‪ :‬فإن أرسل عليكم اللعن‪ ،‬وألعن بركاتكم‪ ،‬بل قد لعنتها لنكم‬
‫لستم جاعلي ف القلب‪ ،‬ها أنا ذا أنتهر لكم الزرع‪ ،‬وأم ّد الفرث على وجوهكم" (ملخي ‪-2/1‬‬
‫‪.)3‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 26‬‬

‫وعليه نقول‪ :‬إن العهد قد بدأ بإسحاق ‪ ،u‬وهو وعد أبدي متطاول إل أجيال بعيدة‪ ،‬وهو ما ت‬
‫حي بعث ال النبيي ف بن إسرائيل‪ ،‬وأرسل إليهم الكتب‪ ،‬وأيدهم بسلطانه وغلبته على المم الت‬
‫جاورتم‪ ،‬وأقام لم ملكة ظافرة إل حي‪.‬‬
‫ويتفق اليهود والنصارى مع السلمي ف أن بركة إسحاق ‪ u‬أثرت النبوة واللك والكتاب‬
‫والكثرة والغلبة‪ ،‬لكنهم يعتبون وعد إساعيل ‪ u‬وبركته أثر الكثرة فقط‪ " ،‬وأما إساعيل فقد‬
‫سعت لك فيه‪ .‬ها أنا أباركه وأثره‪ ،‬وأكثره كثيا جدا‪ ،‬اثن عشر رئيسا يلد‪ ،‬وأجعله أمة كبية‬
‫" (التكوين ‪.)17/20‬‬
‫وهذا التفريق أيضا بلف ما جاء ف النصوص الت ل تفرق باللفاظ والعان بي الخوين‬
‫الباركي‪ ،‬وعليه فبكة إساعيل هي كبكة إسحاق‪ :‬نبوة وكتاب وحكم وكثرة‪ .‬فمت تقق ذلك‬
‫لساعيل؟ مت اجتمع له ذلك؟‬
‫نقول‪ :‬ل يتمع له ذلك إل ف بعثة نبينا من ذريته‪ ،‬فتحولت قبائل بنيه التفرقة الضعيفة إل‬
‫ملك عظيم ساد الدنيا‪ ،‬واجتمع إل كثرتم النبوة والكتاب‪ ،‬فتحقق ما وعد ال إبراهيم وهاجر ف‬
‫ابنهما إساعيل‪.‬‬
‫وإل فأين تققت البكة ف إساعيل ‪ u‬الذي أخب النص عن حاله‪ ،‬فقال‪ " :‬يكون إنسانا‬
‫وحشيا‪ ،‬يده على كل واحد‪ ،‬ويد كل واحد عليه " (التكوين ‪ )6/12‬أي أنه يغلب تارة فيسود‬
‫الميع كما يسود الميع عليه تارة أخرى‪.‬‬
‫وقد ساد العرب السلمون المم برسول ال ودولته‪ ،‬وفيما عدا ذلك كانوا أذل المم‬
‫ل لبكة ال‪ ،‬إذ ل بركة ف قبائل وثنية تكاثرت على عبادة‬
‫وأضعفها وأبعدها عن أن يكونوا م ً‬
‫الوثان والظلم‪ ،‬فمثل هؤلء ل يكونون ف بركة ال‪.‬‬
‫وإذا عدنا إل النصوص العبية القدية الت تدثت عن إساعيل ند النص كالتال " وأما‬
‫إساعيل فقد سعت لك فيه‪ .‬ها أنا أباركه وأثره وأكثره كثيا جدا (باد ماد) اثن عشر رئيسا يلد‪،‬‬
‫وأجعله أمة كبية (لوى جدول)" (التكوين ‪ )12/2‬فكلمت (ماد ماد) و (لوى جدول) ها رمزان‬
‫وضعا بدل اسم النب ‪ ،‬فكلمة (ماد ماد) ‪ -‬حسب حساب المّل (‪ )1‬الذي يهتم به اليهود‬
‫ويرمزون به ف كتبهم ونبوءاتم تساوي ‪ ،92‬ومثله كلمة " لوى جدول " وهو ما يساوي كلمة "‬
‫ممد "‪.‬‬

‫‪ )(1‬يعل اليهود لكل حرف من الروف مقابلً من الرقام‪ ،‬فاللف =‪ ،1‬والباء=‪ .. 2‬وهكذا حسب الترتيب‬
‫البدي‪ ،‬ويعطى الرف الادي عشر (ك) الرقم ‪ ،20‬و(ل) =‪ .. 30‬فيما يعطى الرف التاسع عشر (ف) الرقم‬
‫‪ ،100‬ث (ص) =‪ ...200‬وهكذا‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 27‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وكان السمؤل أحد أحبار اليهود الهتدين إل السلم قد نبه إل ذلك‪ ،‬ومثله فعل الب‬
‫الهتدي عبد السلم ف رسالته " الرسالة الادية" ‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬إن ما جاء ف سفر التكوين عن وجود بركة ف العرب تثلت بنبوة وملك يقيمهم ال‬
‫ف العرب هو النقطة الساس الت يالفنا فيها أهل الكتاب‪ ،‬وهي الدخل الهم لنبوءات الكتاب‬
‫القدس‪ ،‬إذ أن كثيا ما يذكره السلمون من نصوص توراتية يرونا نبوءات بالرسول ‪ ،‬كثي من‬
‫هذه النصوص يراها النصارى أيضا نبوءات بالسيح أو غيه من أنبياء اليهود‪ ،‬وينعون أن ترج‬
‫هذه النبوءات عن بن إسرائيل‪.‬‬

‫من هو الذبيح المبارك؟ وأين هي الرض المباركة؟‬


‫تتحدث التوراة عن قصة أمر ال إبراهيم بذبح ابنه الوحيد ‪ ،‬وبدلً من أن تسميه إساعيل‪،‬‬
‫فإنا أسته إسحاق‪ ،‬وطبقا لذا التغيي تغي الزمان والكان الذي جرت به القصة‪.‬‬
‫وما جاء ف القصة التوراتية " خذ ابنك وحيدك الذي تبه إسحاق‪ ،‬واذهب به إل أرض‬
‫الريا‪ ...‬فلما أتيا الوضع ‪ ...‬ل تد يدك إل الغلم‪ ،‬ول تفعل به شيئا‪ ،‬لن ال علمت أنك خائف‬
‫ال فلم تسك ابنك وحيدك عن ‪ ...‬فدعا إبراهيم ذلك الوضع‪" :‬يهوه يراه" حت إنه يقال اليوم‪:‬‬
‫ف جبل الرب يرى ‪ ...‬يقول الرب‪ :‬إن من أجل أنك فعلت هذا المر ول تسك ابنك وحيدك‬
‫أباركك مباركة ‪( " ...‬التكوين ‪.)18 - 22/1‬‬
‫وفيما تقدم عدة بشارات تبشر بجيء النب ‪ ،‬ونرى يد التحريف والعنصرية تاول طمس‬
‫هذه البشارات‪.‬‬
‫فمن التحريف البي إدراج اسم إسحاق الذي ل يكن وحيدا لبراهيم قط‪ ،‬وقد تكرر وصف‬
‫الذبيح بالوحيد ثلث مرات‪ ،‬وقد رأينا أن إساعيل كان وحيدا لبراهيم أربع عشرة سنة‪.‬‬
‫والبكورية لساعيل مفوظة وإن كان ابن هاجر ‪ -‬مولة سارة ‪ -‬الت اتذها زوجة فيما بعد‪،‬‬
‫فمنلة الم ل تؤثر ف بكورية البن ول منلته‪ ،‬وقد جاء ف التوراة‪ " :‬إذا كان لرجل امرأتان‬
‫إحداها مبوبة‪ ،‬والخرى مكروهة‪ ،‬فإن كان البن البكر للمكروهة‪ ،‬فيوم يقسم لبنيه ما كان له ل‬
‫يل له أن يقدم ابن الحبوبة بكرا على ابن الكروهة البكر‪ .‬بل يعرف ابن الكروهة بكرا ليعطيه‬
‫نصيب اثني ف كل ما يوجد عنده‪ ،‬لنه هو أول قدرته له حق البكورية " (التثنية ‪،)17 - 21/15‬‬
‫فهذا المر اللي لبن إسرائيل يعب عن عدل ال‪ ،‬وهو به أول‪ ،‬فهل تراه أجحف بق إساعيل ابن‬
‫الارية‪ ،‬وخالف ما سيشرعه لعباده من العدل‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 28‬‬

‫وما يبطل أن يكون الذبيح إسحاق أن إبراهيم قد وعد فيه بالبكة والذرية منه قبل ولدته‪،‬‬
‫وأنه سيكون كعدد نوم السماء‪( .‬انظر التكوين ‪ )17/21‬فالمر بذبه ل ابتلء فيه‪ ،‬لنه يعلم أنه‬
‫سيكون لذا البن نسل مبارك‪....‬‬
‫وهو ما صرح به السيح حسب إنيل برنابا الذي نذكر الستشهاد به استئناسا فقط‪ ،‬فقد قال‬
‫له التلميذ‪" :‬يا معلم هكذا كتب ف كتاب موسى‪ :‬إن العهد صنع بإسحاق؟ أجاب يسوع متأوها‪:‬‬
‫هذا هو الكتوب‪ ،‬ولكن موسى ل يكتبه ول يشوع‪ ،‬بل أحبارنا الذين ل يافون ال‪ .‬الق أقول‬
‫لكم‪ :‬إنكم إذا أكملتم النظر ف كلم اللك جبيل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا ‪ ..‬كيف يكون‬
‫إسحاق البكر وهو لا ولد كان إساعيل ابن سبع سني" (برنابا ‪ ،)11 - 44/1‬وف التوراة التداولة‬
‫أن بينهما أربعة عشرة سنة (انظر التكوين ‪.)21/5 ،16/16‬‬
‫ومن ذلك كله فالذبيح هو إساعيل‪ ،‬وجبل الرب ف الرض الت عاش فيها‪ ،‬والبكة لبراهيم‬
‫ف ذريته مفوظة له بعد أن قام بالستسلم لمر ال‪ ،‬وهمّ بذبح ابنه الوحيد‪.‬‬
‫فقد حرف أهل الكتاب اسم الذبيح‪ ،‬وحرفوا اسم الكان العظم الذي جرت فيه أحداث‬
‫القصة‪ ،‬فسمتها التوراة السامرية " الرض الرشدة "‪ .‬فيما سته التوراة العبانية " الريا "‪ ،‬ولعله‬
‫تريف لكلمة " الروة "‪ ،‬وهو اسم لبل يقع داخل السجد الرام ف مكة الكرمة ‪ ،‬أي ف الكان‬
‫الذي درج فيه إساعيل‪.‬‬
‫وقد اتفق النصان العبي والسامري على تسمية ذلك الوضع "جبل ال "‪ ،‬ول يكن هذا السم‬
‫مستخدما لبقعة معينة حينذاك‪ ،‬لذا اختلف اليهود ف تديد مكانه اختلفا بينا‪ ،‬فقال السامريون‪:‬‬
‫هو جبل جرزي‪ .‬وقال العبانيون‪ :‬بل هو جبل أورشليم الذي بن عليه اليكل بعد القصة بعدة‬
‫قرون (اليام (‪.)3/1 )2‬‬
‫يقول الدكتور بوست ف قاموس الكتاب القدس‪" :‬يظن الكثرون أن موضع اليكل هو نفس‬
‫الوضع الذي فيه أمر إبراهيم أن يستعد لتقدي إسحاق‪ ،‬غي أن التقليد السامري يقول‪ :‬إن موضع‬
‫الذبح لسحاق كان على جبل جرزي‪ ،‬وبعض العلماء يوافقونم"‪.‬‬
‫ويقول مققو نسخة الرهبانية اليسوعية ‪" :‬يطابق سفر الخبار الثان (‪ )3/1‬بي موريّا وبي‬
‫الرابية الت سيشاد عليها هيكل أورشليم ‪ ..‬غي أن النص يشي إل أرض باسم موريّا ل يأت ذكرها‬
‫ف مكان آخر‪ ،‬ويبقى مكان الذبيحة مهولً"‪.‬‬
‫والق أن الكان معروف غي مهول‪ ،‬لن قصة الذبح جرت ف الرض الرشدة‪ ،‬وهي أرض‬
‫العبادة‪ ،‬وهي مكة أو بلد فاران‪ ،‬واختلفهم دليل على صحة ذلك‪ ،‬واتفاقهم على اسم الكان ببل‬
‫الرب صحيح‪ ،‬لكنهم اختلفوا ف تديده لرجهم بالظنون‪ ،‬وقد ربطوه بتسميات ظهرت بعد الادثة‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 29‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫بقرون عدة‪ ،‬وتاهلوا البيت العظم الذي بن ف تلك البقعة حينذاك‪ ،‬ويسمى بيت ال‪ ،‬كما سي‬
‫البل الذي ف تلك البقعة جبل ال‪.‬‬
‫وبقي هذا الختلف من أهم الختلفات الت تفرق السامريي عن العبانيي‪ ،‬وقد أدرك السيح‬
‫هذا اللف‪ ،‬فذات مرة دخلت عليه امرأة سامرية‪ ،‬وسألته عن الكان القيقي العد للعبادة‪،‬‬
‫فأفصح لا السيح أن الكان ليس جبل جرزي السامري‪ ،‬ول جبل عيبال العبان الذي بن عليه‬
‫اليكل‪ " ،‬قالت له الرأة‪ :‬يا سيد أرى أنك نب‪ ،‬آباؤنا سجدوا ف هذا البل‪ ،‬وأنتم تقولون أن ف‬
‫أورشليم الوضع الذي ينبغي أن يسجد فيه‪ ،‬قال لا يسوع‪ :‬يا امرأة صدقين‪ ،‬إنه تأت ساعة ل ف‬
‫هذا البل ول ف أورشليم تسجدون للب‪ ،‬أنتم تسجدون لا لستم تعلمون‪ ،‬أما نن فنسجد لا‬
‫نعلم‪ ،‬لن اللص هو من اليهود‪.‬‬
‫ولكن تأت ساعة‪ ،‬وهي الن‪ ،‬حي الساجدون القيقيون يسجدون للب بالروح والق‪ ،‬لن‬
‫الب طالب مثل هؤلء الساجدين له‪ ،‬ال روح‪ ،‬والذين يسجدون له فبالروح والق ينبغي أن‬
‫يسجدوا" (يوحنا ‪.)24-4/19‬‬
‫فمن هم الساجدون القيقيون الذين يسجدون ف غي قبلة السامريي والعبانيي‪ ،‬إنم المة‬
‫الديدة الت تولد بعد حي‪ ،‬إذ ل تدع أمة قداسة قبلتها سوى أمة السلم الت يفد إليها مليي‬
‫السلمي سنويا ف مكة الكرمة‪.‬‬
‫وقوله عن ساعة قدوم الساجدين القيقيي " ولكن تأت ساعة وهي الن"‪ ،‬يفيد اقترابا ل‬
‫حلولا‪ ،‬كما ف مت‪ " :‬أقول لكم‪ :‬من الن تبصرون ابن النسان جالسا عن يي القوة‪ ،‬وآتيا على‬
‫سحاب السماء" (مت ‪ ،)26/64‬وقد مات الخاطبون وفنوا‪ ،‬ول يروه آتيا على سحاب السماء‪.‬‬
‫ومثله قول السيح‪" :‬وقال له‪ :‬الق الق أقول لكم‪ ،‬من الن ترون السماء مفتوحة‪ ،‬وملئكة‬
‫ال يصعدون وينلون على ابن النسان" (يوحنا ‪( ، )1/51‬وانظر صموئيل ( ‪.)15/28 )1‬‬
‫وقد قال ميخا النب عن مكة والبيت الرام وعن إتيان الناس للحج عند جبل عرفات‪ " :‬يكون‬
‫ف آخر اليام بيت الرب مبنيا على قلل البال‪ ،‬وف أرفع رؤوس العوال يأتي جيع المم‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬تعالوا نطلع إل جبل الرب" (ميخا ‪.)2-4/1‬‬
‫كما رمز النب إشعيا لكة ف نص آخر بالعاقر‪ ،‬وتدث عن الموع الكثية الت تأت إليها‪،‬‬
‫ويعدها بالمان والبكة والعز‪ ،‬فقال‪ " :‬ترني أيتها العاقر الت ل تلد‪ ،‬أشيدي بالترن أيتها الت ل‬
‫تخض‪ ،‬لن بن الستوحشة أكثر من بن ذات البعل‪ ،‬قال الرب‪ :‬أوسعي مكان خيمتك ولتبسط‬
‫شقق مساكنك‪ ،‬ل تسكي‪ ،‬أطيلي أطنابك وشددي أوتادك‪ ،‬لنك تتدين إل اليمي وال اليسار‪،‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 30‬‬

‫ويرث نسلك أما‪ ،‬ويعمر مدنا خربة‪ ،‬ل تاف لنك ل تزين‪ ،‬ول تجلي لنك ل تستحي‪ ،‬فإنك‬
‫تنسي خزي صباك‪ ،‬وعار ترملك ل تذكرينه بعد‪..‬‬
‫قال راحك الرب‪ :‬أيتها الذليلة الضطربة غي التعزية‪ ،‬هانذا أبن بالثد حجارتك‪ ،‬وبالياقوت‬
‫الزرق أؤسسك‪ ،‬وأجعل شرفك ياقوتا‪ ،‬وأبوابك حجارة برمانية‪ ،‬وكل تومك حجارة كرية‪،‬‬
‫وكل بنيك تلميذ الرب‪ ،‬وسلم بنيك كثيا‪ ،‬بالب تثبتي بعيدة عن الظلم فل تافي‪ ،‬وعن الرتعاب‬
‫فل يدنو منك‪ ،‬ها إنم يتمعون اجتماعا ليس من عندي‪ ،‬من اجتمع عليك فإليك يسقط‪ ،‬هانذا قد‬
‫خلقت الداد الذي ينفخ الفحم ف النار ويرج آلة لعمله‪ ،‬وأنا خلقت الهلك ليخرب كل آلة‬
‫صورت ضدك ل تنجح‪ ،‬وكل لسان يقوم عليك ف القضاء تكمي عليه‪ ،‬هذا هو مياث عبيد‬
‫الرب وبرهم من عندي" (إشعيا ‪.)17-54/1‬‬
‫ف النص مقارنة لكة بأورشليم‪ ،‬فسمى مكة بالعاقر لنا ل تلد قبل ممد النب ‪ ،‬ول يوز أن‬
‫يريد بالعاقر بيت القدس‪ ،‬لنه بيت النبياء ومعدن الوحي‪ ،‬وقد يشكل هنا أن نبوة إساعيل كانت‬
‫ف مكة‪ ،‬فل تسمى حينذاك عاقرا‪ ،‬لكن الراد منه مقارنة نسبية مع أنبياء أورشليم‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬لن بن الستوحشة أكثر من بن ذات البعل"‪ ،‬يقصد فيه أن زوارها أو أبناءها أكثر من‬
‫زوار أورشليم الت يسميها ذات البعل‪ ،‬ولفظة بنو الستوحشة يراد منها ذرية إساعيل‪ ،‬الذي وصفته‬
‫التوراة ‪ -‬كما سبق‪ -‬بأنه وحشي " وقال لا ملك الرب‪ :‬ها أنت حبلى فتلدين ابنا وتدعي اسه‪:‬‬
‫إساعيل‪ ،‬لن الرب قد سع لذلتك‪ ،‬وإنه يكون إنسانا وحشيا‪ ،‬يده على كل واحد‪ ،‬ويد كل واحد‬
‫عليه" (التكوين ‪.)12 - 16/11‬‬
‫كما تدثت الزامي عن مدينة السيح الخلص‪ ،‬الدينة الباركة الت فيها بيت ال‪ ،‬والت تتضاعف‬
‫فيها السنات‪ ،‬فالعمل فيها يعدل اللوف ف سواها‪ ،‬وقد ساها باسها (بكة)‪ ،‬فجاء فيها‪ " :‬طوب‬
‫للساكني ف بيتك أبدا يسبحونك‪ ،‬سله‪ ،‬طوب لناس عزهم بك‪ ،‬طرق بيتك ف قلوبم‪ ،‬عابرين ف‬
‫وادي البكاء (ف الترجة النليزية‪ "through the valley of Ba'ca make it a well" :‬فذكر أن‬
‫اسها بكة‪ ،‬وترجته إل وادي البكاء صورة من التحريف كما أسلفنا) يصيونه ينبوعا‪ ،‬أيضا‬
‫ببكات يغطون مورة‪ ،‬يذهبون من قوة إل قوة‪ ،‬يرون قدام ال ف صهيون‪ ،‬يا رب إله النود اسع‬
‫صلت وأصغ يا إله يعقوب‪ ،‬سله‪ ،‬يا مننا انظر يا ال والتفت إل وجه مسيحك‪ ،‬لن يوما واحدا‬
‫ف ديارك خي من ألف‪ ،‬اخترت الوقوف على العتبة ف بيت إلي على السكن ف خيام الشرار‬
‫" (الزمور ‪.)10-84/4‬‬
‫وقد ساها النص العبي بكة‪ ،‬فقال‪[ :‬בְעֵמֶק הַבָכָא]‪ ،‬وتقرأ ‪( :‬بعيمق هبكا)‪ ،‬أي‬
‫وادي بكة‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 31‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫والنص كما جاء ف ترجة الكاثوليك كالتال‪" :‬يتازون ف وادي البكاء‪ ،‬فيجعلونه ينابيع ماء‪،‬‬
‫لن الشترع يغمرهم ببكاته‪ ،‬فينطلقون من قوة إل قوة‪ ،‬إل أن يتجلى لم إله اللة ف صهيون" (‬
‫‪.)8-83/7‬‬
‫وهذا السم العظيم (بكة) هو اسم بلد ممد ‪ ،‬السم الذي سّى القرآن الكري به مكة البلد‬
‫ى للعالي { (آل عمران‪ ،)96 :‬وبركة‬
‫الرام} إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركا وهد ً‬
‫هذا البيت با جعل ال لقاطنيه وقاصديه من مضاعفة السنات عنده‪ ،‬فصلة فيه كما أخب نبينا‬
‫تعدل أكثر من ألف صلة فيما سواه (‪ ،)1‬فصدق فيه قول الزمور‪" :‬لن يوما واحدا ف ديارك خي‬
‫من ألف"‪.‬‬

‫‪(( :‬صلة ف مسجدي هذا [أي مسجد الدينة النورة] خي من ألف صلة فيما سواه إل‬ ‫‪ )(1‬وذلك ف قوله‬
‫السجد الرام))‪ .‬رواه البخاري ح (‪ ،)1190‬ومسلم ح (‪.)1395‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 32‬‬

‫هل الصطفاء في بني إسرائيل فقط؟‬


‫تتحدث النصوص النيلية بتناقض ظاهر عن موضوع اللص الت‪ ،‬فحسب يوحنا فإن السيح‬
‫قال للسامرية ف سياق حديثه عن السِيّا‪" :‬لن اللص هو من اليهود" (يوحنا ‪ .)4/22‬لكن هذا‬
‫المر ترده الكثي من النصوص النيلية والتوراتية الخرى‪ ،‬والت تلقي بظلل الشك على صحة‬
‫صدور هذه العبارة من السيح‪ ،‬خاصة أنا ظاهرة الدراج ف السياق الذي وردت فيه‪.‬‬
‫ونرى هنا من الهية بكان أن نذكر نصوص الكتاب القدس الت تدل على احتمالية انتقال‬
‫النبوة عن بن إسرائيل إل أمة سواهم كالعرب؟‬
‫لقد أرسل ال أنبياء كثر إل بن إسرائيل‪ ،‬فكفروا بم وقتلوهم‪ ،‬ولنتأمل ما قاله النبياء عن هذه‬
‫المة التمردة‪ ،‬لن َر إن كانت مستحقة لدوام البكة والصطفاء‪ ،‬فقد قال عنهم موسى‪" :‬إنم أمة‬
‫عدية الرأي ول بصية فيهم‪ ،‬لو عقلوا لفطنوا بذه وتأملوا آخرتم" (التثنية ‪.)32/28‬‬
‫وقال‪" :‬جيل أعوج ملتو‪ ،‬ألرب تكافئون بذا يا شعبا غبيا غي حكيم؟" (التثنية ‪.)6-32/5‬‬
‫وكذا قال النب إيليا‪ " :‬قد غِرت غية للرب إله النود‪ ،‬لن بن إسرائيل قد تركوا عهدك‬
‫ونقضوا مذابك وقتلوا أنبياءك بالسيف‪ ،‬فبقيت أنا وحدي‪ ،‬وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" (اللوك‬
‫(‪.)19/10 )1‬‬
‫وكذا كان وصف ال لم ف سفر النب حزقيال‪" :‬وقال ل‪ :‬يا ابن آدم‪ ،‬أنا مرسلك إل بن‬
‫إسرائيل‪ ،‬إل أمة متمردة قد تردت عليّ‪ ،‬هم وآباؤهم عصوا عل ّي إل ذات هذا اليوم‪ .‬والبنون‬
‫القساة الوجوه‪ ،‬والصلب القلوب‪ ،‬أنا مرسلك إليهم‪ ،‬فتقول لم‪ :‬هكذا قال السيد الرب‪ ،‬وهم إن‬
‫سعوا وإن امتنعوا‪ .‬لنم بيت متمرد‪ .‬فإنم يعلمون أن نبيا كان بينهم‪ ،‬أما أنت يا ابن آدم فل تف‬
‫منهم‪ ،‬ومن كلمهم ل تف ‪ ...‬وأنت ساكن بي العقارب‪ ،‬من كلمهم ل تف‪ ،‬ومن وجوههم ل‬
‫ترتعب‪ ،‬لنم بيت متمرد‪ ،‬وتتكلم معهم بكلمي‪ ،‬إن سعوا‪ ،‬وإن امتنعوا‪ ،‬لنم متمردون" (حزقيال‬
‫‪.)8-2/3‬‬
‫وكذا قال عنهم النب إشعيا‪" :‬اسعي أيتها السماوات وأصغي أيتها الرض‪ ،‬لن الرب يتكلم‪،‬‬
‫ربيت بني ونشأتم‪ ،‬أما هم فعصوا عليّ‪ ،‬الثور يعرف قانيه‪ ،‬والمار معلف صاحبه‪ ،‬أما إسرائيل‬
‫فل يعرف‪ ،‬شعب ل يفهم‪ ،‬ويل للمّة الاطئة‪ ،‬الشعب الثقيل الث‪ ،‬نسل فاعلي الشر‪ ،‬أولد‬
‫مفسدين‪ ،‬تركوا الرب‪ ،‬استهانوا بقدوس إسرائيل‪ ،‬ارتدوا إل وراء‪ ،‬على أي موضع تضربون‬
‫بعد‪.‬تزدادون زيغانا‪ ،‬كل الرأس مريض‪ ،‬وكل القلب سقيم‪ .‬من أسفل القدم إل الرأس‪ ،‬ليس فيه‬
‫صحة‪ ،‬بل جرح وإحباط‪ ،‬وضربة طرية ل تعصر‪ ،‬ول تعصب‪ ،‬ول تلي بالزيت" (إشعيا ‪.)6 -1/1‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 33‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وما يزال غضب ال بم حت رفع البكة عنهم‪ ،‬وأحلّهم غضبه وانتقامه ولعناته" والن إليكم‬
‫هذه الوصية أيها الكهنة‪ ،‬إن كنتم ل تسمعون ول تعلون ف القلب لتعطوا مدا لسي‪ ،‬قال رب‬
‫النود‪ :‬فإن أرسل عليكم اللعن‪ ،‬وألعن بركاتكم‪ ،‬بل قد لعنتها‪ ،‬لنكم لستم جاعلي ف القلب‪ ،‬ها‬
‫أنا ذا أنتهر لكم الزرع وأمدّ الفرث على وجوهكم" (ملخي ‪.)3-2/1‬‬
‫ولا جاء السيح نادى أورشليم‪ " :‬يا قاتلة النبياء " (مت ‪ ،)13/37‬لكثرة مَن قتلوا على ثراها‬
‫من أنبياء ال الكرام‪.‬‬
‫وقال السيح وهو ياطب جوعهم‪ " :‬ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون الراؤون ‪ ..‬ويل لكم‬
‫أيها القادة العميان ‪ ..‬أيها الهال والعميان ‪ ..‬أيها اليات أولد الفاعي كيف تربون من دينونة‬
‫جهنم‪ ،‬لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة‪ ،‬فمنهم تقتلون وتصلبون‪ ،‬ومنهم تلدون ف‬
‫مامعكم ‪ ...‬يا أورشليم يا أورشليم‪ ،‬يا قاتلة النبياء وراجة الرسلي" (مت ‪.)37 - 23/13‬‬
‫لذا حرمهم ال من أن يكون النب الوعود القادم منهم‪ ،‬لنم نقضوا عهد ال وميثاقه‪ ،‬فلن‬
‫يكون القادم من ذرية داود عليه السلم‪ ،‬أي لن يكون هو السيح عليه صلوات ال وسلمه‪ ،‬فقد‬
‫قال لم‪ " :‬إن نقضتم عهدي ‪ ..‬فإن عهدي مع داود عبدي ينقض‪ ،‬فل يكون له ابن مالكا على‬
‫كرسيه" ( إرميا ‪.) 21 - 33/20‬‬
‫لقد كان السبب الرئيس ف كراهية اليهود للمسيح أنه صدع بالقيقة بي ظهرانيهم‪،‬‬
‫فأعلمهم أن ملكوت ال واصطفاءه سينع منهم ‪ ،‬ويعطى لمة أخرى‪ ،‬وإذا أردنا إثبات ذلك؛ فإننا‬
‫نعود إل أول ماولة آثة راموا منها قتله ‪ ،‬وذلك حي حدثهم عن انصراف النب إيليّا عن أرامل بن‬
‫إسرائيل إل أرملة صيداوية‪ ،‬وأن النب أليشع طهر نعمان السريان دون سائر البص الذين كانوا ف‬
‫بن إسرائيل (انظر لوقا ‪ ،)27-4/25‬فكانت النتيجة أن " امتل غضبا جيع الذين ف الجمع حي‬
‫سعوا هذا‪ ،‬وأخرجوه خارج الدينة‪ ،‬وجاؤوا به إل حافة البل الذي كانت مدينتهم عليه حت‬
‫يطرحوه إل أسفل" (لوقا ‪ ،)29-4/28‬فكان هذا أول الشرر بي اليهود والسيح ‪.‬‬
‫وبعد فأسأل القارئ الكري‪ :‬أهذه المة الت توعدها النبياء تستحق بقاء البكة والنبوة فيها؟‬
‫وإن كان الواب‪ :‬ل‪ ،‬فمن ذا المة الت تكون متارة ومصطفاة؟ من عساها تكون سوى المة‬
‫الوعودة بالبكة مرارا من نسل إساعيل عليه السلم؟ إن أمة من المم ل تدّع أنا تلك المة‬
‫الصطفاة‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 34‬‬

‫صفات أمة الملكوت الجديد‬


‫لا بدل بنو إسرائيل وغيوا نزع ال عنهم النبوة والكتاب‪ ،‬ودفعه لمة أخرى‪ ،‬وحصل ما كان‬
‫النبياء يذرون منه بن إسرائيل‪ ،‬أل وهو انتقال اليية إل سواهم‪ .‬فمن هي المة الديدة‪ ،‬وما‬
‫صفاتا؟‬
‫ف الجابة عن هذا السؤال الام نتأمل أسفار الكتاب القدس لنقف منها على صفات هذه المة‬
‫الديدة‪.‬‬
‫يقول إشعيا على لسان الوحي‪ " :‬أصغيتُ إل الذين ل يسألوا‪ ،‬وُجِدت من الذين ل يطلبون‪،‬‬
‫قلت‪ :‬ها أنذا ها أنذا لمةٍ ل تسمّ باسي‪.‬‬
‫بسطت يدي طول النهار إل شعب متمرد سائر ف طريق غي صال وراء أفكاره‪ ،‬شعب يغيظن‬
‫بوجهي دائما‪( " ....‬إشعيا ‪.)3 - 65/1‬‬
‫فقد ذكر النص انتقال النبوة والمر عن المة القاسية العاصية إل أمة ل تطلب ال قبل‪ ،‬ول‬
‫تسم باسم ال‪ .‬إنا المة المية الت ل ينل عليها كتاب‪.‬‬
‫ويؤكد حزقيال رفع اللك والشريعة من بن إسرائيل‪ ،‬ودفعه لمة مهملة وضيعة‪ ،‬فيقول‪ " :‬إن‬
‫أنا الرب‪ ،‬وضعتُ الشجرة الرفيعة‪ ،‬ورفعتُ الشجرة الوضيعة‪ ،‬وأيبستُ الشجرة الضراء‪،‬‬
‫وأفرختُ الشجرة اليابسة‪ ،‬أنا الربُ تكلمت وفعلت " (حزقيال ‪.)17/32‬‬
‫وقال يوحنا العمدان ف سياق تذيره بن إسرائيل من الغضب الت الذي سيسلطه ال عليهم ‪:‬‬
‫" والن قد وضعت الفأس على أصل الشجر‪ ،‬فكل شجرة ل تصنع ثرا جيدا تقطع وتلقى ف النار‪،‬‬
‫أنا أعمدكم باء التوبة‪ ،‬ولكن الذي يأت بعدي هو أقوى من‪ ،‬الذي لست أهلً أن أحل حذاءه‪ ،‬هو‬
‫سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت ‪( ،)11-3/10‬وانظر مثل التينة الت ل تثمر ف لوقا‬
‫‪ )9-13/6‬لقد كان السيح الفرصة الخية للبقاء على الصطفاء والختيار‪ ،‬فقد وضع الفأس‬
‫على أصل الشجرة‪ ،‬فلما كفروا به وحاولوا قتله‪ ،‬قطعت الشجرة الضراء ويبست‪ ،‬ودفعت للنار‪،‬‬
‫نار الغضب اللي والضلل‪ ،‬وأزهرت شجرة أخرى كانت يابسة‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬لقد أيبس ال شجرة بن إسرائيل وأحرقها‪ ،‬وأفرخ شجرة أخرى كانت يابسة ل تظهر‬
‫فيها النبوات من لدن إساعيل عليه السلم‪ ،‬فكانت هي المة الت سلطها ال على بن إسرائيل‪،‬‬
‫وهو أمر ل يفى على من تأمل حاله عليه الصلة والسلم مع يهود بن النضي ث يهود بن قينقاع‬
‫ث فتكه ببن قريظة‪ ،‬وقضاؤه على آخر تمعاتم ف جزيرة العرب‪ ،‬ف غزوة خيب‪.‬‬
‫ويقول النب حزقيال أيضا‪ " :‬أنت أيها النجس الشرير رئيس إسرائيل الذي قد جاء يومه ف‬
‫ع العمامة وارفعِ التاج‪ ،‬هذه ل تلك‪ ،‬ارفعِ الوضيع‪،‬‬
‫زمان إث النهاية‪ ،‬هكذا قال السيد الرب‪ :‬انز ِ‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 35‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وضعِ الرفيع‪ ،‬منقلبا‪ ،‬منقلبا‪ ،‬منقلبا أجعله‪ ،‬هذا ل يكون حت يأت الذي له الكم‪ ،‬فأعطيه إياه‬
‫" (حزقيال ‪.)27 - 21/25‬‬
‫فإذا جاء صاحب الكم‪ ،‬النب الات‪ ،‬تنقلب المور‪ ،‬وترفع العمامة أي تنسخ الشريعة من بن‬
‫إسرائيل‪ ،‬فالعمامة رمز للكهنة الارونيي الوكلي بأمر الشريعة ف أسباط بن إسرائيل‪ ،‬والذين‬
‫أمروا بلبس خاصة‪ ،‬منها العمامة‪( .‬انظر الروج ‪ )37-28/36‬كما يرفع التاج (اللك)‪.‬‬
‫وحينئذ تصبح المة الرذولة أمة متارة‪ ،‬والمة الختارة أمة مرذولة‪ ،‬كما قال داود‪ " :‬الجر‬
‫الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية‪ ،‬من قبل الرب كان هذا‪ ،‬وهو عجيب ف أعيننا‬
‫" (الزمور ‪ )23 - 118/22‬لكنه حقيقة‪.‬‬
‫وقد ضرب السيح للتلميذ مثل الكرامي ‪ -‬كما سيأت ‪ -‬ث قال‪ " :‬الجر الذي رفضه‬
‫البناؤون هو قد صار رأس الزاوية‪ ،‬من قبل الرب كان هذا‪ ،‬وهو عجيب ف أعيننا‪ ،‬لذلك أقول‬
‫لكم‪ :‬إن ملكوت ال ينـزع منكم‪ ،‬ويعطى لمة تعمل أثاره " (مت ‪.)43 – 21/42‬‬
‫وقد قال السيح لتلميذه بعد أن قص عليهم مثلً من أمثال اللكوت (مثل الزرع)‪ " :‬فانظروا‬
‫كيف تسمعون‪ ،‬لن من له سيعطى‪ ،‬ومن ليس له فالذي يظنه له يؤخذ منه " (لوقا ‪.)8/18‬‬
‫وهكذا فهذه النصوص ذكرت أول صفة من صفات أمة اللكوت‪ ،‬إنا أمة مرذولة وضيعة ل‬
‫تتعبد ل ول ترسل إليها شرائعه‪ ،‬أمة يعجب بنو إسرائيل أن تتحول لا الريادة والختيار‪.‬‬
‫ويقول الرب موضحا صفة أخرى من صفات المة الديدة الت ستنال مياث البكة والنبوة‬
‫من بن إسرائيل‪" :‬فرأى الرب ورذل من الغيظ بنيه وبناته‪ ،‬وقال‪ :‬أحجب وجهي عنهم‪ ،‬وانظر ماذا‬
‫تكون آخرتم‪ ،‬إنم جيل متقلب‪ ،‬أولد ل أمانة فيهم‪ ،‬هم أغارون با ليس إلا‪ ،‬أغاظون بأباطيلهم‪،‬‬
‫فأنا أغيهم با ليس شعبا‪ ،‬بأمة غبية أغيظهم" (التثنية ‪ ،)21-32/19‬إن المة الصطفاة‪ ،‬المة‬
‫الت كانت مرذولة‪ ،‬هي المة الاهلة أو الغبية الت يغيظ ال با بن إسرائيل‪ ،‬وقد قال ال تعال عن‬
‫ممد وأصحابه الكرام‪ } :‬ليغيظ بم الكفار { (الفتح‪.)29 :‬‬
‫وقد كاد بنو إسرائيل لذه المة الديدة فقالوا‪ " :‬بأمة غبية أغيظهم " مع أن وصف الغباء ل‬
‫توصف به المم‪ ،‬وإن وصفت بالهل أو القسوة‪ ،‬فمن هذه المة الاهلة أو الغبية الت ينتقم ال با‬
‫من بن إسرائيل؟ إنا أمة العرب } هو الذي بعث ف الميي رسو ًل منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم‬
‫ويعلمهم الكتاب والكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبي { (المعة‪.)2 :‬‬
‫لكن بولس يطأ ويعل هذه المة الغبية أمة اليونان‪ ،‬فيقول مؤكدا انتقال اللكوت عن بن‬
‫إسرائيل‪ ،‬لكنه يطئ ف تعيي المة الوارثة للملكوت‪" :‬ل فرق بي اليهودي واليونان‪ ،‬لن ربا‬
‫واحدا للجميع‪ ،‬غنيا لميع الذين يدعون به ‪ ...‬لكن أقول‪ :‬ألعل إسرائيل ل يعلم‪ ،‬أو ًل موسى‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 36‬‬

‫يقول أنا أغيكم با ليس أمة‪ ،‬بأمة غبية أغيظكم‪ ،‬ث إشعياء يتجاسر ويقول‪ :‬وجدت من الذين ل‬
‫يطلبون وصرت ظاهرا للذين ل يسألوا عن‪ ،‬أما من جهة إسرائيل فيقول‪ :‬طول النهار‪ ،‬بسطت يديّ‬
‫إل شعب معاند ومقاوم" (رومية ‪ ،)21-10/12‬فهو يؤمن بانتقال اللكوت عن بن إسرائيل‪ ،‬لكنه‬
‫يعل المة الديدة أمة اليونان الذين توجه لدعوتم‪ ،‬وقد آمنوا به كما آمن كثي غيهم‪ ،‬فل وجه‬
‫لصوصهم به‪ ،‬والعن الذي يقصده للملكوت هو الستجابة لدعوته‪ ،‬وهو معن يضيق كثيا عما‬
‫نذكره من صفات أمة اللكوت العظيمة‪.‬‬
‫وأيضا ل يصح أن تكون أمة اليونان هي المة الغبية الت ترث اللكوت‪ ،‬لن اليونان أمة‬
‫حضارة وعلم‪ ،‬وبولس نفسه يقول عن اليونانيي‪" :‬لن اليهود يسألون آية‪ ،‬واليونانيي يطلبون‬
‫حكمة" (كورنثوس (‪ ،)1/22 )1‬فكيف يوصف طلب الكمة بالغباء أو الهل؟!‬
‫فالمة الديدة هي ‪ -‬ول ريب ‪ -‬أمة العرب الوعودة بالبكة دون سائر المم‪ ،‬وقد جاء ف‬
‫كلم إشعيا متنبئا بالنب الذي يظهر منها‪ ،‬فذكر أنه يهرب من قومه‪ ،‬ث ينتصر عليهم‪ ،‬ويفن مدهم‬
‫بعد برهة‪ ،‬ليبدأ بعدها مد جديد‪ ،‬وهو النب الذي تسقط على يديه دولة بابل الفارسية‪ ،‬وتنكسر‬
‫عند قدميه آلتها النحوتة فيقول‪" :‬قال ل السيد‪ :‬اذهب أقم الارس‪ ،‬ليخب با يرى‪ ،‬فرأى ركابا‬
‫أزواج فرسان‪ ،‬ركاب حي‪ ،‬ركاب جال‪ ،‬فأصغى إصغاء شديدا‪ ،‬ث صرخ كأسد‪ :‬أيها السيد أنا‬
‫قائم على الرصد دائما ف النهار‪ ،‬وأنا واقف على الحرس كل الليال‪ ،‬وهوذا ركاب من الرجال‪،‬‬
‫أزواج من الفرسان‪ .‬فأجاب وقال‪ :‬سقطت‪ ،‬سقطت بابل‪ ،‬وجيع تاثيل آلتها النحوتة كسرها إل‬
‫الرض‪.‬‬
‫يا دياست وبن بيدري‪ ،‬ما سعته من رب النود إله إسرائيل أخبتكم به‪ ،‬وحي من جهة‬
‫ل صارخ من سعي‪ :‬يا حارس ما من الليل‪ ،‬يا حارس ما من الليل‪ .‬قال الارس‪ :‬أتى‬
‫دومة‪.‬صرخ إ ّ‬
‫صباح وأيضا ليل‪ ،‬إن كنتم تطلبون فاطلبوا‪ .‬ارجعوا تعالوا‪ ،‬وحي من جهة بلد العرب‪ ،‬ف الوعر‬
‫ف بلد العرب تبيتي يا قوافل الددانيي‪ ،‬هاتوا ماء للقاة العطشان‪ ،‬يا سكان أرض تيماء وافوا‬
‫الارب ببزه‪ ،‬فإنم من السيوف قد هربوا ‪ ....‬قال ل السيد‪ :‬ف مدة سنة كسنة الجي‪ ،‬يفن كل‬
‫مد قيدار " (إشعيا ‪.)16 - 6 /21‬‬
‫والنص بعد حديثه عن سقوط فارس يعود ليتحدث إل الددانيي من أهل تيماء‪ ،‬ويطلب منهم‬
‫حاية الارب إل بلدهم الوعرة‪ ،‬ويبشرهم بفناء مد أبناء قيدار بن إساعيل بعد برهة بسيطة‪.‬‬
‫والددانيون كما قال معجم الكتاب القدس هم سكان تيماء ف شال الجاز‪ ،‬ول تفى الوعورة‬
‫ف تضاريس تلك البلد‪ ،‬والنص يبشر بانتصار السلمي بعد سنة أو ثان ف معركة بدر أو فتح مكة‬
‫على أبناء قيدار‪ ،‬وقيدار هو البن الثان لساعيل‪( .‬انظر التكوين ‪.)13 / 25‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 37‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫واسم قيدار يطلق أيضا على البلد الت غلب عليها ذرية قيدار كما ف قوله‪" :‬قال الرب‪:‬‬
‫قوموا اصعدوا إل قيدار" (إرميا ‪ ،)28 /49‬وهو الراد بقوله " يفن كل مد قيدار" ‪ ،‬فهو يبشر‬
‫بانتصار السلمي على أبناء بلد قيدار‪.‬‬
‫ويقول إشعيا ف وصف تلك المة‪ " :‬من أنض من الشرق الذي يلقيه النصر عند رجليه دفع‬
‫أمامه أما‪ ،‬وعلى ملوك سلطه‪ ،‬جعلهم كالتراب بسيفه‪ ،‬وكالقش النذري بقوسه‪ ،‬طردهم‪ ،‬مر سالا‬
‫ف طريق ل يسلكه برجليه‪ ،‬من فعل وصنع داعيا الجيال من البدء‪ .‬أنا الرب الول‪ ،‬ومع الخرين‬
‫أنا هو " (إشعيا ‪ )4 - 41/2‬وإذا كان النص نبوءة فبمن تققت النبوءة؟ ومن ذا السلط على‬
‫الشعوب من قبل الرب الت من الشرق؟ وهي ما قد يطلق على بلد العرب كما جاء ف إرمياء‬
‫"اصعدوا إل قيدار‪ ،‬أخربوا بن الشرق " (إرمياء ‪.)49/28‬‬
‫ولقد كان السلمون هم المة الت عذب ال بن إسرائيل على يديها‪ ،‬بعد أن عذبم على يد‬
‫بتنصر " لنم رذلوا شريعة رب النود واستهانوا بكلم قدوس إسرائيل‪ ،‬من أجل ذلك حي‬
‫غضب الرب على شعبه‪ ،‬ومد يده عليه وضربه حت ارتعدت البال‪ ،‬وصارت جثثهم كالزبل ف‬
‫الزقة" (إشعيا ‪.)25-5/24‬‬
‫ويضي النص ليحكي عن عذاب آخر قادم على يد أمة‪ ،‬بل أمم قوية البطش‪ ،‬وهو سوى‬
‫العذاب الول "مع كل هذا ل يرتد غضبه بل يده مدودة بعد‪ ،‬فيفع راية للمم من بعيد ويصفر لم‬
‫من أقصى الرض‪ ،‬فإذا هم بالعجلة يأتون سريعا‪ ،‬ليس فيهم رازح ول عاثر‪ ،‬ل ينعسون ول ينامون‬
‫ول تنحل حزم أحقائهم‪ ،‬ول تنقطع سيور أحذيتهم‪ ،‬الذين سهامهم مسنونة‪ ،‬وجيع قسيهم مدودة‪،‬‬
‫حوافر خيلهم تسب كالصوان‪ ،‬وبكراتم كالزوبعة‪ ،‬لم زمرة كاللبوة‪ ،‬ويزمرون كالشبل‪،‬‬
‫ويهرون ويسكون الفريسة‪ ،‬ويستخلصونا ول منقذ‪ ،‬يهرون عليهم ف ذلك اليوم كهدير البحر‪،‬‬
‫فإن نظر إل الرض فهوذا ظلم الضيق والنور قد أظلم بسحبها " (إشعيا ‪ ،)30-5/26‬فحكى‬
‫هذا النص شجاعة أصحابه صلى ال عليه وسلم كما قال ال‪ } :‬ممد رسول ال والذين معه‬
‫ل من ال ورضوانا سيماهم ف‬
‫أشداء على الكفار رحاء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فض ً‬
‫وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم ف التوراة { (الفتح‪.)29 :‬‬
‫وف نص آخر يتحدث أشعيا عن الفرح والبهجة والعز الذي يصل ف ديار قيدار من انتصار‬
‫هذا النب‪ "..‬لترفع البية ومدنا صوتا‪ ،‬الديار الت سكنها قيدار‪ .‬لتترن سكان سالع‪ ،‬من رؤوس‬
‫البال ليهتفوا‪ ،‬ليعطوا الرب مدا‪ ،‬ويبوا بتسبيحه ف الزائر‪ ،‬الرب كالبار‪ ،‬كرجل حروب‬
‫غيته‪ ،‬يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه" (إشعيا ‪.)13 - 11 / 42‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 38‬‬

‫وكان النص يتحدث عن السبب الذي يدعو لذا الفرح‪ ،‬أل وهو ظهور النب النتظر " هو ذا‬
‫عبدي الذي أعضده‪ ،‬متاري الذي سرت به نفسي‪ ،‬وضعت روحي عليه‪ ،‬فيخرج الق للمم‪ ،‬ل‬
‫يصيح ول يرفع ول يسمع ف الشارع صوته‪ .‬قصبة مرضوضة ل يقصف‪ ،‬وفتيلة خامدة ل يطفئ‪،‬‬
‫إل المان يرج الق‪ ،‬ل يكل ول ينكسر حت يضع الق ف الرض‪ ،‬وتنتظر الزائر شريعته "‬
‫(إشعيا ‪ ،)4 - 42/1‬فمن هو الفاتح صاحب الشريعة الذي ل ينكسر‪ ،‬من ذا الذي أخرج الق‬
‫لكل أمم الرض‪ ،‬إنه ممد ‪.‬‬
‫ويتوعد النب إشعيا بن إسرائيل الذين يرفون كتاب ال ول يلتزمون شريعته‪ ،‬يتوعدهم بالنب‬
‫صاحب السفر الختوم‪ ،‬النب الذي ل يعرف القراءة‪ ،‬فيقول‪" :‬الرب قد سكب عليكم روح سبات‬
‫وأغمض عيونكم‪ ،‬النبياء ورؤساؤكم الناظرون غطّاهم‪ ،‬وصارت لكم رؤيا الكل مثل كلم السفر‬
‫الختوم الذي يدفعونه لعارف الكتابة قائلي‪ :‬اقرأ هذا‪ ،‬فيقول‪ :‬ل أستطيع لنه متوم‪ ،‬أو يدفع‬
‫الكتاب لن ل يعرف الكتابة ويقال له‪ :‬اقرأ هذا‪ ،‬فيقول‪ :‬ل أعرف الكتابة(‪. )1‬‬
‫فقال السيد‪ :‬لن هذا الشعب قد اقترب إل بفمه وأكرمن بشفتيه‪ ،‬وأما قلبه فأبعده عن‪،‬‬
‫وصارت مافتهم من وصية الناس معلمة‪ ،‬لذلك هانذا أعود أصنع بذا الشعب عجبا وعجيبا‪ ،‬فتبيد‬
‫حكمة حكمائه‪ ،‬ويتفي فهم فهمائه‪ ،‬ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب‪ ،‬فتصي أعمالم‬
‫ف الظلمة ويقولون‪ :‬من يبصرنا ومن يعرفنا‪ ،‬يا لتحريفكم‪ ،‬هل يسب الابل كالطي حت يقول‬
‫الصنوع عن صانعه‪ :‬ل يصنعن‪ ،‬أو تقول البلة عن جابلها‪ :‬ل يفهم‪ ،‬أليس ف مدة يسية جدا‬
‫يتحول لبنان بستانا‪ ،‬والبستان يسب وعرا‪ ،‬ويسمع ف ذلك اليوم الصمّ أقوال السفر وتنظر من‬
‫القتام والظلمة عيون " (إشعيا ‪ ،)18-29/10‬إنه ذات العن الذي تتحدث عنه النصوص‪ ،‬شجرة‬
‫خضراء تذبل‪ ،‬وأخرى يابسة تضر وتورق‪ ،‬وذلك حي يفتح السفر الختوم على يد النب الميّ‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬أو يدفع الكتاب لن ل يعرف الكتابة ويقال له‪ :‬اقرأ هذا‪ ،‬فيقول‪ :‬ل أعرف الكتابة "‪،‬‬
‫يسجل اللحظة العظيمة الت يبدأ نزول الوحي فيها على النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ففي صحيح‬
‫البخاري عن عائشة أم الؤمني أنا قالت‪ ..:‬جاءه الق وهو ف غار حراء‪ ،‬فجاءه اللَك‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬قال‪ :‬فأخذن‪ ،‬فغطن حت بلغ من الهد‪ ،‬ث أرسلن‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬قلت‪ :‬ما أنا‬
‫‪ )1(1‬النص ف جيع الترجات العالية‪ :‬بعن ‪" :‬ل أعرف القراءة" فيما سوى الترجة العربية‪ ،‬ول يفى أنه أريد من‬
‫تريف الترجة العربية‪ ،‬وتويل العبارة من (ل أعرف القراءة) إل (ل أعرف الكتابة) نوع من التحريف أريد منه‬
‫صرف القارئ العرب عن تقق القصة بألفاظها ف غار حراء ‪.‬‬
‫לאמֹר‪ְ --‬‬
‫קרָא‬ ‫ספֶר ֵ‬ ‫שר לֹא‪-‬י ָ ַ‬
‫דע ֵ‬ ‫א ֶ‬ ‫ספֶר‪ַ ,‬‬
‫על ֲ‬ ‫ה ֵ‬ ‫وف النص العبان ‪ [ :‬וְנ ִ ַ‬
‫תן ַ‬
‫ספֶר ] ‪ ،‬ولفظة ‪ ( :‬קרא ) العبانية والت تلفظ (كرا) تعن‬
‫תי ֵ‬
‫ע ִ‬ ‫מר‪ ,‬לֹא י ָ ַ‬
‫ד ְ‬ ‫נ ָא‪-‬ז ֶה; ו ְא ַ‬
‫القراءة‪ ،‬ل الكتابة‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 39‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫بقارئ‪ ،‬فأخذن فغطن الثانية حت بلغ من الهد‪ ،‬ث أرسلن فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ‪،‬‬
‫فأخذن فغطن الثالثة ث أرسلن فقال‪ }:‬اقرأ باسم ربك الذي خلق ‪ ‬خلق النسان من علق ‪ ‬اقرأ‬
‫(‪)1‬‬
‫وربك الكرم{ (العلق‪.)3-1:‬‬
‫وما قاله إشعيا عن أمة اليهود صدقه فيه السيح‪ ،‬حي قال لليهود‪" :‬فقد أبطلتم وصية ال‬
‫بسبب تقليدكم‪ ،‬يا مراؤون‪ ،‬حسنا تنبأ عنكم إشعياء قائلً‪ :‬يقترب إل هذا الشعب بفمه‪ ،‬ويكرمن‬
‫بشفتيه‪ ،‬وأما قلبه فمبتعد عن بعيدا‪ ،‬وباطلً يعبدونن‪ ،‬وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس" (مت‬
‫‪.)9-15/6‬‬
‫فهذه النبوءة للنب إشعيا ل تتحقق حت زمن السيح عليه السلم‪ " ،‬لذلك هانذا أعود أصنع‬
‫بذا الشعب عجبا وعجيبا‪ ،‬فتبيد حكمة حكمائه ويتفي فهم فهمائه ‪ ..‬أليس ف مدة يسية جدا‬
‫يتحول لبنان بستانا‪ ،‬والبستان يسب وعرا‪ ،‬ويسمع ف ذلك اليوم الصمّ أقوال السفر‪ ،‬وتنظر من‬
‫القتام والظلمة عيون " (إشعيا ‪.)18-29/14‬‬
‫إنه يتوعدهم بالنب صاحب السفر الختوم‪ ،‬النب الذي ل يعرف القراءة ول الكتابة‪ ،‬ويتحدث‬
‫قبله عن النب القارئ الذي ل يقرأ السفر‪ ،‬لنه متوم‪ ،‬فالنب القارئ هو عيسى عليه السلم‪( .‬انظر‬
‫لوقا ‪ ،)18-4/16‬لكنه لن يقرأ السفر الختوم الذي سيقرأه النب الذي ل يعرف الكتابة‬
‫"وصارت لكم رؤيا الكل مثل كلم السفر الختوم الذي يدفعونه لعارف الكتابة قائلي‪ :‬اقرأ هذا‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬ل أستطيع‪ ،‬لنه متوم‪ ،‬أو يدفع الكتاب لن ل يعرف الكتابة ويقال له‪ :‬اقرأ هذا‪ ،‬فيقول‪ :‬ل‬
‫أعرف الكتابة"‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري ف صحيحه ح (‪.)4‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 40‬‬

‫بشارة يعقوب عليه السلم بشيلون‬


‫وقد توال النبياء وهم يبشرون بقدم نب آخر الزمان‪ ،‬ويذكرون صفاته وأحواله والت من‬
‫أهها أنه ليس من بن إسرائيل كما أنه صاحب شريعة تدوم إل البد‪ ،‬يسحق أعداءه‪ ،‬ودعوتُه‬
‫تكون لي جيع المم‪.‬‬
‫وهذه الصفات ل تتوافر ف أحد ادعى النبوة سواه‪ ،‬ول يكن للنصارى حل تلك النبوءات الت‬
‫يقرون ف أنا نبوءات‪ ،‬ل يكن لم أن يملوها على غيه ‪ ،r‬إذ موسى وعيسى كانا نبيي إل بن‬
‫إسرائيل فقط‪ ،‬وكان موسى صاحب شريعة انتصر أتباعه على أعدائهم‪ ،‬وأما عيسى فلم ينل‬
‫بشريعة مستقلة‪ ،‬إذ هو نزل بشريعة موسى وبتكميلها‪ ،‬فهو القائل‪" :‬ل تظنوا أن جئت لنقض‬
‫الناموس أو النبياء‪ ،‬ما جئت لنقض بل لكمل" (مت ‪ ،)5/17‬ول يقيض له أن ينتصر على‬
‫أعدائه‪ ،‬بل تزعم النصارى أنم تكنوا منه وصلبوه‪ .‬فكيف يقال بأنه الختار الذي يسحق أعداءه‬
‫وتترقبه المم؟‬
‫وأقدم النبوءات الكتابية الصرية الت تدثت عن النب الات جاءت ف وصية يعقوب لبنيه قبل‬
‫وفاته حي قال لم‪" :‬ودعا يعقوب بنيه‪ ،‬وقال‪ :‬اجتمعوا لنبئكم با يصيبكم ف آخر اليام‪ ،‬اجتمعوا‬
‫واسعوا يا بن يعقوب‪ ،‬وأصغوا إل إسرائيل أبيكم ‪ ...‬ل يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بي‬
‫رجليه حت يأت شيلون‪ ،‬وله يكون خضوع شعوب " (التكوين ‪ ،)49/10‬فهو يبهم عن وقت‬
‫زوال اللك والشريعة عنهم ف آخر اليام‪.‬‬
‫وأما نسخة الرهبانية اليسوعية‪ ،‬فالنص فيها‪" :‬ل يزول الصولان من يهوذا‪ ،‬ول عصا القيادة‬
‫من بي قدميه؛ إل أن يأت صاحبها وتطيعه الشعوب"‪.‬‬
‫والنص حسب ترجوم يوناثان أوضح‪ ،‬وفيه‪" :‬ل يتوقف اللوك والكام من عائلة يهوذا‪ ،‬ول‬
‫(‪)1‬‬
‫يتوقف معلمو الشريعة من نسله حت ييء اللك السيا أصغر أبنائه"‪.‬‬
‫وتتلف التراجم ف ثلث من كلمات النص‪ ،‬فقد أبدل البعض كلمة "قضيب" باللك أو‬
‫الصولان‪ ،‬وكلها بعن واحد‪ ،‬وكذا أبدلت كلمة "مشترع" بالراسم والدبر أو عصا القيادة‪ ،‬وهي‬
‫متقاربة بعن صاحب الشريعة مدبر قومه‪.‬‬
‫وأما الختلف الهم فكان ف كلمة "شيلون" الت أبقتها معجم الترجات على حالا‪ ،‬وف‬
‫تراجم عبانية أخرى قيل‪ " :‬إل أن يأت السيح "‪ ،‬وقد فسر القس إبراهيم لوقا "شيلون" بالسيح‪،‬‬
‫واعتبها ترجة صحيحة لكلمة " شيلوه " العبية‪ ،‬ففيه [שִילֹה]‪ ،‬وذكرت الطبعة المريكية‬
‫للكتاب القدس ف هامشها أن كلمة " شيلون " تعن‪ :‬المان‪ ،‬أو‪ :‬الذي له‪.‬‬

‫‪ )1(1‬برهان يتطلب قرارا‪ ،‬جوش مكدويل ‪ ،‬ص (‪.)175‬‬


‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 41‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫فما هو العن الدقيق للكلمة (شيلون) الت تدور حولا النبوءة؟‬


‫ف الجابة عن هذا السؤال يرى القس السابق والبي ف اللغات القدية عبد الحد داود أن‬
‫كلمة " شيلون " ل ترج ف أصلها العبي عن معان‪ ،‬أهها‪-:‬‬
‫‪ )1‬أن تكون من الكلمة سريانية مكونة من كلمت "بشيتا" و "لوه"‪ ،‬ومعن الول منهما‪" :‬هو"‬
‫أو "الذي"‪ ،‬والثانية (لوه) معناها " له "‪ ،‬ويصبح معن النبوءة حسب ترجته الفسرة‪ " :‬إن الطابع‬
‫اللكي التنبئ لن ينقطع من يهوذا إل أن ييء الشخص الذي يصه هذا الطابع‪ ،‬ويكون له خضوع‬
‫الشعوب "‪.‬‬
‫‪ )2‬أن تكون الكلمة مرفة من كلمة " شيلواح " ومعناها‪ " :‬رسول ال " كما يعب بالكلمة‬
‫مازا عن الزوجة الطلقة لنا ترسل بعيدا‪ ،‬وتفسي الكلمة بالرسالة مال إليه القديس جيوم‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فترجم العبارة " ذلك الذي أرسل "‪.‬‬
‫وأيا كان العن فإن النبوءة تتحدث عن شخص تدعوه‪ :‬شيلون‪ .‬وليس عن الكان السمى‬
‫"شيلون" كما ادعى بعض الفسرين‪ ،‬فمن هو شيلون؟‬
‫وليس القصود بزوال اللك زواله حقيقة‪ ،‬بل زوال أحقيته وموجبه من قبل ال‪ ،‬لن زوال‬
‫اللك من اليهود ل يوافق ظهور نب‪ ،‬أيا كان هذا النب‪ ،‬فالقصود زوال الصطفاء والبكة‪.‬‬
‫ول يكن القول بأن شيلون هو موسى‪ ،‬لن ملوك يهوذا كانوا بعده بقرون‪ ،‬ول يكن القول‬
‫بأنه سليمان‪ ،‬لن اللك دام بعده ف ذريته ول ترفع به الشريعة‪ ،‬كما ل ترفع بالسيح الذي ما جاء‬
‫لنقض الناموس ول تضع له شعوب‪ ،‬بل ول شعب اليهودية الذين بعث إليهم فقال‪ " :‬ل أرسل إل‬
‫إل خراف بيت إسرائيل الضالة " (مت ‪.)24 / 15‬‬
‫والسيح عليه الصلة والسلم ل يلك على بن إسرائيل يوما واحدا‪ ،‬بل هرب منهم لا أرادوا‬
‫تليكه عليهم " لا علم أنم مزمعون أن يأتوا ويتطفوه ليجعلوه ملكا‪ ،‬انصرف أيضا إل البل‬
‫وحده " (يوحنا ‪.)6/15‬‬
‫ولا ادعى عليه اليهود عند بيلطس أنه يقول عن نفسه بأنه ملك نفى ذلك‪ ،‬وتدث عن ملكة‬
‫روحية مازية غي حقيقية فقال‪ " :‬ملكت ليست من هذا العال‪ ،‬لو كانت ملكت من هذا العال لكان‬
‫خدامي ياهدون لكي ل أسلم إل اليهود " (يوحنا ‪.)18/36‬‬
‫ول يكن أن يكون هذا النب من بن إسرائيل‪ ،‬لن مبعثه يقطع صولان وشريعة إسرائيل كما‬
‫يفهم من النص‪ ،‬فمن ذا يكون شيلون؟‬

‫‪ )(1‬انظر ‪ :‬ممد ف الكتاب القدس‪ ،‬عبد الحد داود‪ ،‬ص (‪.) 182 ، 85 - 77‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 42‬‬

‫إنه النب الذي بشرت به هاجر وإبراهيم " يده على كل واحد " (التكوين ‪ ،)16/12‬والذي‬
‫قال عنه النب حزقيال‪ " :‬يأت الذي له الكم فأعطيه إياه " (حزقيال ‪.)21/27‬‬
‫وقد قال السيح مبشرا بالذي ينسخ الشرائع بشريعته‪" :‬ل تظنوا أن جئت لنقض الناموس أو‬
‫النبياء‪ ،‬ما جئت لنقض بل لكمل‪ ،‬فإن الق أقول لكم‪ :‬إل أن تزول السماء والرض ل يزول‬
‫حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حت يكون الكل" (مت ‪ .)18-5/17‬هذا "الذي له‬
‫الكل"‪ ،‬هو " الذي له الكم "‪.‬‬
‫وهو النب الذي يسميه بولس بالكامل‪ ،‬وميئه فقط يبطل الشريعة وينسخها "وأما النبوات‬
‫فستبطل‪ ،‬واللسنة فستنتهي‪ ،‬والعلم فسيبطل‪ ،‬لننا نعلم بعض العلم‪ ،‬ونتنبأ بعض التنبؤ‪ ،‬ولكن مت‬
‫جاء الكامل‪ ،‬فحينئذ يبطل ما هو بعض" (كورنثوس (‪.)10-12/8 )1‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 43‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫موسى عليه السلم يبشر بظهور نبي ورسول مثله‬


‫وينـزل موسى عليه السلم عن جبل الطور بعد ما كلمه ربه‪ ،‬فيقول ماطبا بن إسرائيل‪" :‬قال‬
‫ل الرب‪ :‬قد أحسنوا ف ما تكلموا‪ ،‬أقيم لم نبيا من وسط إخوتم مثلك‪ ،‬وأجعل كلمي ف فمه‪،‬‬
‫فيكلمهم بكل ما أوصيه به‪ ،‬ويكون أن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسي أنا‬
‫أطالبه‪ ،‬وأما النب الذي يطغى‪ ،‬فيتكلم باسي كلما ل أوصه أن يتكلم به‪ ،‬أو الذي يتكلم باسم آلة‬
‫أخرى‪ ،‬فيموت ذلك النب‪.‬‬
‫وإن قلت ف قلبك‪ :‬كيف نعرف الكلم الذي ل يتكلم به الرب؟ فما تكلم به النب باسم‬
‫الرب ول يدث ول يصِر‪ ،‬فهو الكلم الذي ل يتكلم به الرب‪ ،‬بل بطغيان تكلم به النب‪ ،‬فل تف‬
‫منه " (التثنية ‪.)22 - 17 / 18‬‬
‫والنص كما هو واضح يتحدث عن نب عظيم يأت بعد موسى عليه السلم‪ ،‬ويذكر صفات هذا‬
‫النب‪ ،‬والت نستطيع من خللا معرفة من يكون‪.‬‬
‫ويزعم النصارى أن هذا النب قد جاء‪ ،‬وهو عيسى عليه السلم‪ ،‬فقد قال بطرس ف سياق‬
‫حديثه عن السيح " فإن موسى قال للباء‪ :‬إن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلكم من إخوتكم‪ ،‬له‬
‫تسمعون ف كل ما يكلمكم به‪ ،‬ويكون أن كل نفس ل تسمع لذلك النب تباد من الشعب‪ ،‬وجيع‬
‫النبياء أيضا من صموئيل فما بعده‪ ،‬جيع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بذه اليام " (أعمال ‪3/22‬‬
‫‪ ،)26 -‬فبطرس يرى نبوءة موسى متحققة ف شخص السيح‪.‬‬
‫لكن النص دال على نبينا ‪ ،‬إذ ل دليل عند النصارى على تصيصه بالسيح‪ ،‬بينما يظهر ف‬
‫النص عند تليله أدلة كُثر تشهد بأن القصود به هو نبينا ‪ .‬إذ يذكر النص التورات أوصاف هذا‬
‫البعوث البشر به‪:‬‬
‫‪ )1‬أنه نب " أقيم لم نبيا "‪ ،‬والنصارى يدعون للمسيح اللية‪ ،‬بل يدعي الرثوذكس أنه ال‬
‫نفسه‪ ،‬فكيف يقول لم‪ :‬أقيم نبيا‪ ،‬ول يقول‪ :‬أقيم نفسي‪ ،‬أو أقيم إلا‪.‬‬
‫‪ )2‬أنه من غي بن إسرائيل‪ ،‬بل هو من بي إخوتم أي أبناء عمومتهم "من وسط إخوتم"‪،‬‬
‫وعمومة بن إسرائيل هم بنو عيسو بن إسحاق‪ ،‬وبنو إساعيل بن إبراهيم‪.‬‬
‫ومن العهود ف التوراة إطلق لفظ " الخ " على ابن العم‪ ،‬ومن ذلك قول موسى لبن‬
‫إسرائيل‪ " :‬أنتم مارون بتخم إخوتكم بنو عيسو " (التثنية ‪ ،)2/4‬وبنو عيسو بن إسحاق ‪ -‬كما‬
‫سلف ‪ -‬هم أبناء عمومة لبن إسرائيل‪ ،‬وجاء نوه ف وصف أدوم‪ ،‬وهو من ذرية عيسو "وأرسل‬
‫ل من قادش إل ملك أدوم‪ ،‬هكذا يقول أخوك إسرائيل‪ :‬قد عرفت كل الشقة الت‬
‫موسى رس ً‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 44‬‬

‫أصابتنا" (العدد ‪ ،)20/14‬وف موضع آخر "ل تكره أدوميا لنه أخوك" (التثنية ‪ .)23/7‬فسماه‬
‫أخا‪ ،‬وأراد أنه من أبناء عمومة إسرائيل‪.‬‬
‫ومثله سى سفر اليام اللك صدقيا أخا للملك يهوياكي‪ ،‬فقال‪" :‬أرسل اللك نبوخذ ناصّر‬
‫فأتى به (أي اللك يهوياكي) إل بابل مع آنية بيت الرب الثمينة‪ ،‬وملك صدقيا أخاه على يهوذا‬
‫وأورشليم" (اليام ( ‪ ،)36/10 )2‬وهو ف القيقة عمه‪ ،‬كما نص عليه سفر اللوك‪ ،‬فقال‪" :‬ملّك‬
‫ملك بابل متّنيا عمه عوضا عنه‪ ،‬وغيّر اسه إل صدقيا" (اللوك ( ‪ ،)18 -17 /24 )2‬فاستخدم‬
‫لفظ الخ‪ ،‬ومراده العم‪ ،‬ما يؤكد صحة هذا الستخدام ف قوله‪" :‬إخوتم"‪ ،‬ومراده أبناء عمومتهم‪.‬‬
‫وعليه فهذا النب يتمل أن يكون من العرب تقيقا للبكة الوعودة ف نسل إساعيل‪ ،‬وقد‬
‫يكون من بن عيسو بكر إسحاق‪ .‬لكن أحدا من بن عيسو ل يدع أنه النب النتظر‪.‬‬
‫‪ )3‬هذا النب من خصائصه أنه مثل لوسى الذي ل يقم ف بن إسرائيل نب مثله "ول يقم بعد نب‬
‫ف إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه" (التثنية‪ ،)34/10 :‬وقد جاء ف النسخة‬
‫السامرية من التوراة ما تعريبه‪" :‬ول يقوم أيضا نب ف بن إسرائيل كموسى الذي ناجاه ال" (التثنية‬
‫‪.)34/10‬‬
‫وهذه الصلة‪ ،‬أي الثلية لوسى متحققة ف نبينا ‪ ،‬متنعة ف أخيهما السيح عليهم جيعا‬
‫صلوات ال وسلمه‪ ،‬حيث نرى الكثي من أمثلة التشابه بي موسى وممد ‪ ،‬والت ل ندها ف‬
‫السيح‪ ،‬من ذلك ميلدها الطبيعي‪ ،‬وزواجهما‪ ،‬وكونما صاحبا شريعة‪ ،‬وكل منهما بعث بالسيف‬
‫على عدوه‪ ،‬وكلها قاد أمته‪ ،‬وملك عليها‪ ،‬وكلها بشر‪ ،‬بينما تزعم النصارى بأن السيح إله‪،‬‬
‫وهذا ينقض كل مثل لو كان‪.‬‬
‫ب القادم بثلية موسى‪ ،‬صارفا إياه عن نفسه فقال‪ " :‬ل تظنوا أن‬
‫وقد وصف السيحُ الن َ‬
‫أشكوكم إل الب‪ ،‬يوجد الذي يشكوكم‪ ،‬وهو موسى الذي عليه رجاؤكم‪ ،‬لنكم لو كنتم‬
‫تصدقون موسى لكنتم تصدقونن‪ ،‬لنه هو كتب عن‪ ،‬فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف‬
‫تصدقون كلمي" (يوحنا ‪ ،)47-5/45‬فسماه موسى الرجو أو النتظر‪ ،‬لشابته له‪.‬‬
‫وعن هذا الذي يشكو بن إسرائيل يقول السيح‪ " :‬أجاب يسوع‪ :‬أنا ليس ب شيطان‪ ،‬لكن‬
‫أكرم أب وأنتم تينونن‪ ،‬أنا لست أطلب مدي‪ ،‬يوجد من يطلب ويدين" (يوحنا ‪.)50-8/49‬‬
‫‪ )4‬من صفات هذا النب أنه أمي ل يقرأ ول يكتب‪ ،‬والوحي الذي يأتيه وحي شفاهي‪ ،‬يغاير ما‬
‫جاء النبياء قبله من صحف مكتوبة " وأجعل كلمي ف فمه "‪ ،‬وقد كان السيح عليه السلم قارئا‬
‫(انظر لوقا ‪.)18-4/16‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 45‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫‪ )5‬أنه يتمكن من بلغ كامل دينه‪ ،‬فهو " يكلمهم بكل ما أوصيه به "‪ .‬وهو وصف منطبق‬
‫على ممد ‪ ،‬فقد كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه قوله تعال‪ } :‬اليوم أكملت لكم‬
‫دينكم وأتمت عليكم نعمت ورضيت لكم السلم دينا { (الائدة‪.)3 :‬‬
‫وقد وصفه السيح ف نبوءة البارقليط‪ ،‬الت يأت شرحها‪ ،‬فقال‪ " :‬وأما العزي الروح القدس‬
‫الذي سيسله الب باسي‪ ،‬فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يوحنا ‪.)14/26‬‬
‫ول يكن أن يكون السيح عليه السلم هو ذلك النب الذي يبلغ كل ما يوصيه به ربه‪ ،‬فقد‬
‫رفع السيح عليه السلم‪ ،‬ولديه الكثي ما يود أن يبلغه إل تلميذه‪ ،‬لكنه ل يتمكن من بلغه‪ ،‬لكنه‬
‫بشرهم بالقادم الذي سيخبهم بكل الق‪ ،‬لنه النب الذي تكمل رسالته‪ ،‬ول يول دون بلغها‬
‫قتله أو إيذاء قومه‪ ،‬يقول عليه السلم‪ " :‬إن ل أمورا كثية أيضا لقول لكم‪ ،‬ولكن ل تستطيعون‬
‫أن تتملوا الن‪ ،‬وأما مت جاء ذاك روح الق فهو يرشدكم إل جيع الق‪ ،‬لنه ل يتكلم من‬
‫نفسه‪ ،‬بل كل ما يسمع يتكلم به" (يوحنا ‪.)13-16/12‬‬
‫‪ )6‬أن الذي ل يسمع لكلم هذا النب فإن ال يعاقبه‪ " ،‬ويكون أن النسان الذي ل يسمع‬
‫لكلمي الذي يتكلم به باسي‪ ،‬أنا أطالبه "‪ ،‬وقد فسرها بطرس‪ ،‬فقال‪ " :‬ويكون أن كل نفس ل‬
‫تسمع لذلك النب تباد من الشعب "‪ ،‬فهو نب واجب السمع والطاعة على كل أحد‪ .‬ومن ل يسمع‬
‫‪ ،‬حيث انتقم ال من كل من كذبه من‬ ‫له تعرض لعقوبة ال‪ ،‬وهو ما حاق بميع أعداء النب‬
‫مشركي العرب والعجم‪ ،‬وقد قال السيح عنه ف نبوءة الكرامي ‪ -‬ويأت شرحها‪" :-‬ومن سقط‬
‫على هذا الجر يترضض‪ ،‬ومن سقط هو عليه يسحقه " (مت ‪ ،)21/44‬فهو الجر الصلب الذي‬
‫يفن أعداءه العصاة‪ ،‬والذي بشر بقدمه النب دانيال "وف أيام هؤلء اللوك يقيم إله السماوات‬
‫ملكة لن تنقرض أبدا‪ ،‬و َملِكها ل يُترك لشعب آخر‪ ،‬وتسحق وتفن كل هذه المالك‪ ،‬وهي تثبت‬
‫إل البد‪ ،‬لنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل ل بيدين‪ ،‬فسحق الديد والنحاس والزف‬
‫والفضة والذهب" (دانيال ‪.)45 - 2/21‬‬
‫وأما السيح عليه السلم فلم يكن له هذه القوة وتلك النعة‪ ،‬ول يتوعد حت قاتليه‪ ،‬فكيف‬
‫بأولئك الذين ل يسمعوا كلمه‪ ،‬فقد قال لوقا ف سياق قصة الصلب " فقال يسوع‪ :‬يا أبتاه اغفر‬
‫لم‪ ،‬لنم ل يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا ‪ ،)23/34‬فأين هو من خب ذاك " النسان الذي ل‬
‫يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسي أنا أطالبه"‪.‬‬
‫‪ )7‬من صفات هذا النب أنه ل يقتل‪ ،‬بل يعصم ال دمه عن أن يتسلط عليه السفهاء بالقتل‪،‬‬
‫فالنب الكذاب عاقبته "يوت ذلك النب"‪ ،‬أي يقتل‪ ،‬فالقتل نوع منه‪ ،‬ولن كل أحد يوت‪ ،‬وهنا‬
‫يزعم النصارى بأن السيح قتل‪ ،‬فل يكن أن يكون هو النب الوعود‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 46‬‬

‫وبالرجوع إل التراجم القدية للنص نرى أن ثة تريفا وقع ف الترجة ‪ ،‬فقد جاء ف طبعة‬
‫‪1844‬م " فليقتل ذلك النب "‪ ،‬ول يفى سبب هذا التحريف‪.‬‬
‫‪ )8‬يتحدث عن الغيوب ويصدق الواقع كلمه‪ ،‬وهذا النوع من العجزات يكثر ف القرآن‬
‫والسنة ‪ -‬ما يطول القام بذكره ‪ ،-‬ويكفي هنا أن أورد نبوءة واحدة ما تنبأ به ‪ ،‬فكان كما‬
‫أخب‪.‬‬
‫ففي عام ‪ 617‬م كادت دولة الفرس أن تزيل المبطورية الرومانية من خارطة الدنيا‪ ،‬فقد‬
‫وصلت جيوش كسرى أبرويز الثان إل وادي النيل‪ ،‬ودانت له أجزاء عظيمة من ملكة الرومان‪،‬‬
‫ففي سنوات معدودة تكن جيش الفرس من السيطرة على بلد الشام وبعض مصر‪ ،‬واحتلت‬
‫جيوشهم أنطاكيا شالً‪ ،‬ما يؤذن بنهاية وشيكة للمبطورية الرومانية‪ ،‬وأراد هرقل أن يهرب من‬
‫القسطنطينية‪ ،‬لول أن كبي أساقفة الروم أقنعه بالصمود وطلب الصلح الذليل من الفرس‪.‬‬
‫ووسط هذه الحداث‪ ،‬وخلفا لكل التوقعات أعلن النب أن الروم سينتصرون على الفرس‬
‫ف بضع سني‪ ،‬أي فيما ل يزيد عن تسع سني‪ ،‬فقد نزل عليه قوله‪ :‬غلبت الروم ‪ ‬ف أدن الرض‬
‫وهم من بعد غلبهم سيغلبون ‪ ‬ف بضع سني ل المر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح الؤمنون ‪‬‬
‫بنصر ال (الروم‪.)5-2 :‬‬
‫وكان كما تنبأ ‪ ،‬ففي عام ‪625 ،624 ،623‬م استطاع هرقل أن يتخلص من لوه ومونه‪،‬‬
‫وشن ثلث حلت ناجحة أخرجت الفرس من بلد الشام‪ ،‬وف عام ‪627‬م واصل الرومان زحفهم‬
‫حت وصلوا إل ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسية‪ ،‬واضطر الفرس لطلب الصلح مع‬
‫الرومان‪ ،‬وأعادوا لم الصليب القدس الذي كان قد وقع بأيديهم‪ ،‬فمن ذا الذي أخب ممدا‬
‫بذه النبوءة العظيمة؟ إنه النب الذي تنبأ عنه موسى عليه السلم‪.‬‬
‫يقول الؤرخ إدوار جِب ف كتابه "تاريخ سقوط واندار المباطورية الرومانية"‪" :‬ف ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬حي تنبأ القرآن بذه النبوءة‪ ،‬ل تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا‪ ،‬لن السني الثنت عشر‬
‫الول من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء المبطورية الرومانية"‪.‬‬
‫روى الترمذي عن ابن عباس ف قول ال تعال‪ :‬غلبت الروم ‪ ‬ف أدن الرض وهم من بعد‬
‫غلبهم سيغلبون ‪ ‬ف بضع سني قال‪ :‬كان الشركون يبون أن يظهر أهل فارس على الروم‪ ،‬لنم‬
‫وإياهم أهل الوثان‪ ،‬وكان السلمون يبون أن يظهر الروم على فارس لنم أهل الكتاب‪ ،‬فذكروه‬
‫لب بكر‪ ،‬فذكره أبو بكر لرسول ال قال‪ :‬أما إنم سيغلبون‪ ،‬فذكره أبو بكر لم‪ ،‬فقالوا‪ :‬اجعل‬
‫بيننا وبينك أجلً‪ ،‬فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا‪ ،‬وإن ظهرت كان لكم كذا وكذا‪ ،‬فجعل أجلً‬
‫خس سني‪ ،‬فلم يظهروا‪ ،‬فذكروا ذلك للنب فقال‪ :‬أل جعلته إل دون العشر‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 47‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫قال أبو سعيد‪ :‬والبضع ما دون العشر‪.‬‬


‫قال‪ :‬ث ظهرت الروم بعد‪ ،‬قال‪ :‬فذلك قوله تعال‪ :‬غلبت الروم ‪ ‬ف أدن الرض وهم من‬
‫(‪)1‬‬
‫بعد غلبهم سيغلبون ‪ ‬ف بضع سني ‪.‬‬
‫وهكذا ظهر لكل ناظر منصف أن النب الذي تنبأ عنه موسى ل تتحقق أوصافه ف السيح‬
‫العظيم عليه الصلة والسلم‪ ،‬وتققت ف أخيه ممد صلى ال عليهما وسلم تسليما كثيا‪.‬‬
‫وما يؤكد ذلك أنه هذه الصفات متمعة ل تتوافر ف غيه من النبياء‪ ،‬فإن اليهود ل يقولون‬
‫بجيء هذا السيح فيما سبق‪ ،‬بل مازالوا ينتظرونه‪.‬‬
‫إذ لا بعث يي عليه السلم ظنه اليهود النب الوعود‪ ،‬وأقبلوا عليه يسألونه " النب أنت؟‬
‫فأجابم‪ :‬ل " (يوحنا ‪ ،)1/21‬أي لست النب الذي تنتظره اليهود‪.‬‬
‫ث أراد تلميذ السيح أن تتحقق النبوءة ف السيح‪ ،‬فذات مرة لا رأوا معجزاته " قالوا‪ :‬إن هذا‬
‫بالقيقة النب الت إل العال‪.‬‬
‫وأما يسوع فإذ علم أنم مزمعون أن يأتوا ويتطفوه ليجعلوه ملكا‪ ،‬انصرف أيضا إل البل‬
‫وحده " (يوحنا ‪ ،)15 - 6/14‬فقد أراد تلميذ السيح تنصيبه ملكا ليحققوا النبوءة الوجودة‬
‫لديهم عن النب النتظر الذي يلك ويقق النصر لشعبه‪ ،‬فلما علم السيح عليه السلم أنه ليس النب‬
‫الوعود هرب من بي أيديهم‪.‬‬
‫ويرى النصارى أن ثة إشكالً ف النص التورات (التثنية ‪ )22-18/17‬ينع قول السلمي‪،‬‬
‫فقد جاء ف مقدمة سياق النص أن ال لا كلم موسى قال‪ " :‬يقيم لك الرب إلك نبيا من وسطك‬
‫من إخوتك مثلي ‪ ...‬قد أحسنوا ف ما تكلموا‪ :‬أقيم لم نبيا من وسط إخوتم مثلك " (التثنية‬
‫‪ ،)18 - 18/15‬فقد وصفت النب بأنه "من وسطك" أي من بن إسرائيل‪ ،‬ولذا ينبغي حل القطع‬
‫الثان من النص على ما جاء ف القطع الول‪ ،‬فالنب " من وسطك " أو كما جاء ف بعض التراجم‬
‫"من بينك" أي أنه إسرائيلي‪.‬‬
‫لكن التحقيق يرد هذه الزيادة الت يراها الحققون تريفا‪ ،‬بدليل أن موسى ل يذكرها‪ ،‬وهو‬
‫يعيد خب النب على مسامع بن إسرائيل‪ ،‬فقال‪ " :‬قال ل الرب قد أحسنوا فيما تكلموا‪ ،‬أقيم لم‬
‫نبيا من وسط إخوتم مثلك " (التثنية ‪ ،)18-18/17‬ولو كانت من كلم ال لا صح أن يهملها‪.‬‬
‫كما أن هذه الزيادة ل ترد ف اقتباس بطرس واستفانوس للنص كما جاء ف أعمال الرسل قال‬
‫بطرس‪" :‬فإن موسى قال للباء‪ :‬إن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلكم من إخوتكم‪ ،‬له تسمعون ف‬
‫كل ما يكلمكم به" (أعمال ‪.)3/22‬‬

‫‪ )(1‬رواه الترمذي ف سننه ح (‪.)3193‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 48‬‬

‫وقال استفانوس‪" :‬هذا هو موسى الذي قال لبن إسرائيل‪ :‬نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلكم‬
‫من إخوتكم‪ ،‬له تسمعون" (أعمال ‪ ،)7/37‬فلم يذكرا تلك الزيادة‪ ،‬ولو كانت أصلية لذكرت ف‬
‫سائر الواضع‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 49‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫نبوءة موسى عن البركة الموعودة في أرض فاران‬


‫وقبيل وفاة موسى عليه السلم ساق لبن إسرائيل خبا مباركا ‪ ،‬فقد جاء ف سفر التثنية‪" :‬هذه‬
‫البكة الت بارك با موسى رجل ال بن إسرائيل قبل موته‪ ،‬فقال‪ :‬جاء الرب من سيناء‪ ،‬وأشرق لم‬
‫من سعي‪ ،‬وتلل من جبل فاران‪ ،‬وأتى من ربوات القدس‪ ،‬وعن يينه نار شريعة‪ ،‬فأحب الشعب‪،‬‬
‫جيع قديسيه ف يدك‪ ،‬وهم جالسون عند قدمك‪ ،‬يتقبلون من أقوالك" (التثنية ‪.)3-33/1‬‬
‫وأكد هذه النبوءة النب حبقوق‪ ،‬حيث ذكر خبا أفزعه‪ ،‬لنه يشي إل انتقال النبوة بعيدا عن‬
‫قومه بن إسرائيل‪ ،‬يقول‪" :‬يا رب قد سعت خبك‪ ،‬فجزعت‪ ،‬يا رب عملك ف وسط السني أ ْحيِه‪،‬‬
‫ف وسط السني عرّف‪ ،‬ف الغضب اذكر الرحة‪ ،‬ال جاء من تيمان‪ ،‬والقدوس من جبل فاران‪.‬‬
‫سله‪ .‬جلله غطى السماوات‪ ،‬والرض امتلت من تسبيحه‪ ،‬وكان لعان كالنور‪ .‬له من يده‬
‫شعاع‪ ،‬وهناك استتار قدرته‪ ،‬قدامه ذهب الوبأ‪ ،‬وعند رجليه خرجت المى‪ ،‬وقف وقاس الرض‪،‬‬
‫نظر فرجف المم ‪( " ....‬حبقوق ‪.)6 - 3/3‬‬
‫وقبل أن نضي ف تليل النص نتوقف مع الختلف الكبي الذي تعرض له هذا النص ف‬
‫الترجات الختلفة‪.‬‬
‫فقد جاء ف الترجة السبعينية‪" :‬واستعلن من جبل فاران‪ ،‬ومعه ربوة من أطهار اللئكة عن‬
‫يينه‪ ،‬فوهب لم وأحبهم‪ ،‬ورحم شعبهم‪ ،‬وباركهم وبارك على أظهاره‪ ،‬وهم يدركون آثار‬
‫رجليك‪ ،‬ويقبلون من كلماتك‪ .‬أسلم لنا موسى مثله‪ ،‬وأعطاهم مياثا لماعة يعقوب "‪.‬‬
‫وف ترجة الباء اليسوعيي‪" :‬وتلى من جبل فاران‪ ،‬وأتى من رُب القدس‪ ،‬وعن يينه قبس‬
‫شريعة لم" ‪.‬‬
‫وف ترجة ‪1622‬م العربية‪ " :‬شرف من جبل فاران‪ ،‬وجاء مع ربوات القدس‪ ،‬من يينه‬
‫الشريعة "‪ ،‬ومعن ربوات القدس أي ألوف القديسي الطهار‪ ،‬كما ف ترجة ‪1841‬م " واستعلن‬
‫من جبل فاران‪ ،‬ومعه ألوف الطهار‪ ،‬ف يينه سنة من نار "‪.‬‬
‫واستخدام ربوات بعن ألوف أو الماعات الكثية معهود ف الكتاب القدس "ألوف ألوف‬
‫تدمه‪ ،‬وربوات ربوات وقوف قدامه" (دانيال ‪ ،)7/10‬ومثله قوله‪" :‬كان يقول‪ :‬ارجع يا رب إل‬
‫ربوات ألوف إسرائيل" (العدد ‪ ،)10/36‬فالربوات القادمي من فاران هم الماعات الكثية من‬
‫القديسي‪ ،‬التي مع قدوسهم الذي تلل ف فاران‪.‬‬
‫والنص التورات يتحدث عن ثلثة أماكن ترج منها البكة‪ ،‬أولا‪ :‬جبل سيناء حيث كلم ال‬
‫موسى‪ .‬وثانيها‪ :‬ساعي‪ ،‬وهو جبل يقع ف أرض يهوذا‪( .‬انظر يشوع ‪ ،)15/10‬وثالثها‪ :‬هو جبل‬
‫فاران‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 50‬‬

‫وتنبئ الواضع الت ورد فيها ذكر " فاران " ف الكتاب القدس أنا تقع ف صحراء فلسطي ف‬
‫جنوبا‪.‬‬
‫لكن تذكر التوراة أيضا أن إساعيل قد نشأ ف برية فاران‪( .‬انظر التكوين ‪ ،)21/21‬ومن‬
‫العلوم تارييا أنه نشأ ف مكة الكرمة ف الجاز‪.‬‬
‫ويرى السلمون أن النص نبوءة عن ظهور عيسى عليه السلم ف سعي ف فلسطي‪ ،‬ث ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم ف جبل فاران‪ ،‬حيث يأت ومعه اللف من الطهار مؤيدين بالشريعة من ال‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫وذلك متحقق ف رسول ال لمور‪:‬‬
‫‪ )1‬أن جبل فاران هو جبل مكة‪ ،‬حيث سكن إساعيل‪ ،‬تقول التوراة عن إساعيل‪ " :‬كان ال مع‬
‫الغلم فكب‪ ،‬وسكن ف البية‪ ،‬وكان ينمو رامي قوس‪ ،‬وسكن ف برية فاران‪ ،‬وأخذت له أمه‬
‫زوجة من أرض مصر " (التكوين ‪.)21-21/20‬‬
‫وقد انتشر أبناؤه ف هذه النطقة‪ ،‬فتقول التوراة‪ " :‬هؤلء هم بنو إساعيل ‪ ...‬وسكنوا من‬
‫حويلة إل شور " (التكوين ‪ ،)18 - 25/16‬وحويلة كما جاء ف قاموس الكتاب القدس منطقة‬
‫(‪)1‬‬
‫ف شال أرض اليمن‪ ،‬بينما شور ف جنوب فلسطي‪.‬‬
‫وعليه فإن إساعيل وأبناءه سكنوا هذه البلد المتدة جنوب الجاز وشاله‪ ،‬وهو يشمل أرض‬
‫فاران الت سكنها إساعيل‪.‬‬
‫كما وقد قامت الدلة التاريية على أن فاران هي الجاز‪ ،‬حيث بن إساعيل وأبوه الكعبة‪،‬‬
‫وحيث تفجر زمزم تت قدميه‪ ،‬وهو ما اعترف به عدد من الؤرخي كما نقل عنهم الؤرخ الندي‬
‫مولنا عبد الق فدريات ف كتابه " ممد ف السفار الدينية العالية" ومن هؤلء الؤرخي الؤرخ‬
‫جيوم واللهوت يوسبيوس فقال بأن فاران هي مكة‪ ) ( .‬وجاء ف قاموس ‪Strong's Hebrew‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ Bible Dictionary‬ان فاران ف صحراء العرب‪ ،‬حيث يقول‪Paran, a desert of " :‬‬
‫‪."Arabia‬‬
‫‪ )2‬أن وجود منطقة اسها فاران ف جنوب سيناء ل ينع من وجود فاران أخرى‪ ،‬هي تلك الت‬
‫سكنها إساعيل‪ ،‬فقد ورد مثلً إطلق اسم سعي على النطقة الت تقع ف أرض أدوم والت هي‬
‫حاليا ف الردن‪ ،‬وتكرر ذلك الطلق ف مواضع عديدة ف الكتاب‪ ،‬ول تنع كثرتا أن يطلق ذات‬
‫السم على جبل ف وسط فلسطي غرب القدس ف أرض سبط يهوذا‪( .‬انظر يشوع ‪.)15/10‬‬

‫‪ )(1‬انظر ‪ :‬قاموس الكتاب القدس‪ ،‬ص (‪.)329‬‬


‫‪ )(2‬انظر ‪ :‬ممد ف بشارات النبياء‪ ،‬ممود الشرقاوي‪ ،‬ص (‪. )14‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 51‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫ولنا أن نسأل أولئك الذين يصرون على أن فاران هي فاران سيناء‪ :‬من هو القدوس الذي‬
‫تلل من ذلكم البل الذي ل يرتبط بأدن علقة بأي من أحداث النسانية الهمة‪ ،‬فمن الذي تلل‬
‫عليه؟‬
‫‪ )3‬ل يقبل قول القائل بأن النص يكي عن أمر ماضٍ‪ ،‬إذ التعبي عن المور الستقبلة بصيغة‬
‫الاضي معهود ف لغة الكتاب القدس‪ .‬يقول اسبينوزا‪ " :‬أقدم الكتاب استعملوا الزمن الستقبل‬
‫للدللة على الاضر‪ ،‬وعلى الاضي بل تييز كما استعملوا الاضي للدللة على الستقبل‪ ...‬فنتج‬
‫عن ذلك كثي من التشابات"‪.‬‬
‫‪ )4‬ونقول‪ :‬ل خص جبل فاران بالذكر دون سائر البال لو كان المر مرد إشارة إل انتشار‬
‫مد ال كما زعم بعض كتاب اليهود‪ ،‬فإن مد ال ل يتوقف عند حدود فارن أو جبل سعي‪.‬‬
‫‪ )5‬وما يؤكد أن المر متعلق بنبوءة الديث عن آلف القديسي‪ ،‬والذين تسميهم بعض‬
‫التراجم " أطهار اللئكة " أي أطهار التباع‪ ،‬إذ يطلق هذا اللفظ ويراد به‪ :‬التباع‪ ،‬كما جاء ف‬
‫سفر الرؤيا أن " ميخائيل وملئكته حاربوا التني‪ ،‬وحارب التنيُ وملئكتُه ‪( "...‬الرؤيا ‪.)12/7‬‬
‫فمت شهدت فاران مثل هذه اللوف من الطهار إل عند ظهور ممد ‪ r‬وأصحابه؟‬
‫‪ )6‬وما جاء ف سفر حبقوق يؤيد قول السلمي حيث يقول‪ " :‬ال جاء من تيمان‪ ،‬والقدوس‬
‫من جبل فاران‪ .‬سله‪ .‬جلله غطى السماوات‪ ،‬والرض امتلت من تسبيحه‪ ،‬وكان لعان كالنور‪.‬‬
‫له من يده شعاع‪ ،‬وهناك استتار قدرته‪ ،‬قدامه ذهب الوبأ‪ ،‬وعند رجليه خرجت المى‪ ،‬وقف‬
‫وقاس الرض‪ ،‬نظر فرجف المم ‪( " ...‬حبقوق ‪.)6 - 3/3‬‬
‫فالنص شاهد على أنه ثة نبوة قاهرة تلمع كالنور‪ ،‬ويل الفاق دوي أذان هذا النب بالتسبيح‪.‬‬
‫وتيمان كما يذكر مررو الكتاب القدس هي كلمة عبية معناها‪ " :‬النوب "‪ ،‬لذا يقول النص‬
‫الكاثوليكي للتوراة‪" :‬ال يأت من النوب‪ ،‬والقدوس من جبل فاران"‪ ،‬ولا كان الخاطبون ف‬
‫فلسطي فإن الوحي البشر به يأت من جهة النوب أي من جزيرة العرب‪ ،‬فالقدوس سيبعث ف‬
‫جبل فاران‪.‬‬
‫ومن هذا كله فالقدوس التللئ ف جبال فاران هو نب السلم‪ ،‬فكل الصفات الذكورة لنب‬
‫فاران متحققة فيه‪ ،‬ول تتحقق ف سواه من النبياء الكرام‪.‬‬
‫المزامير تبشر بصفات نبي آخر الزمان‬
‫وها هي الزامي تبشر بالنب الات‪ ،‬ويصفه أحد مزاميها‪ ،‬فيقول ماطبا إياه باسم اللك‪" :‬فاض‬
‫قلب بكلم صال‪ ،‬متكلم أنا بإنشائي للملك‪ ،‬لسان قلم كاتب ماهر‪ :‬أنت أبرع جالً من بن‬
‫البشر‪ ،‬انسكبت النعمة على شفتيك‪ ،‬لذلك باركك ال إل البد‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 52‬‬

‫تقلد سيفك على فخذك أيها البار جللك وباءك‪ ،‬وبللك اقتحم‪ .‬اركب من أجل الق‬
‫والدعة والب‪ ،‬فتريك يينك ماوف‪ ،‬نُُبلُك السنونة ف قلب أعداء اللك‪ ،‬شعوبٌ تتك يسقطون‪.‬‬
‫كرسيك يا ال إل دهر الدهور‪ ،‬قضيب استقامة قضيب ملكك‪ .‬أحببت الب وأبغضت الث‪.‬‬
‫من أجل ذلك مسحك إلك بدهن البتهاج أكثر من رفقائك ‪ ...‬بنات ملوك بي حظياتك‪،‬‬
‫جعلت اللكة عن يينك بذهب أوفي‪.‬‬
‫اسعي يا بنت وانظري‪ ،‬وأميلي أذنك‪ ،‬انسي شعبك وبيت أبيك‪ ،‬فيشتهي اللك حسنك‪ ،‬لنه‬
‫هو سيدك فاسجدي له ‪ ...‬عوضا عن آبائك يكون بنوك‪ ،‬تقيمهم رؤساء ف كل الرض‪ ،‬أذكر‬
‫اسك ف كل دور فدور‪ .‬من أجل ذلك تمدك الشعوب إل الدهر والبد " (الزمور ‪- 45/1‬‬
‫‪.)17‬‬
‫ويسلم النصارى بأن النص نبوءة بالنب الت‪ ،‬ويزعمون أنه عيسى عليه السلم‪ ،‬فيما يرى‬
‫السلمون أن الصفات الت رمزت ف النص إنا تعود إل ممد ‪ ،‬وتنع أن يكون العن به عيسى‬
‫أو غيه من النبياء الكرام‪ ،‬ففي النص تسع أوصاف لذا النب‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ )1‬كونه صاحب حسن ل يعدل ف البشر " بي ف السن أفضل من بن البشر "‪ ،‬ول يوز‬
‫للنصارى القول بأنه السيح‪ ،‬وهم الذين يقولون‪ :‬تققت ف السيح نبوة إشعيا‪ ،‬وفيها أن التنبئ به‬
‫"ل صورة له ول جال فننظر إليه‪ ،‬ول منظر فنشتهيه " (إشعيا ‪ ،)52/2‬وهذا العن الذي ل‬
‫نوافقهم عليه (‪ )1‬أكده علماؤهم‪ ،‬فقال كليمندوس السكندران‪ " :‬إن جاله كان ف روحه وف‬
‫أعماله‪ ،‬وأما منظره فكان حقيا " وقال ترتليان‪ " :‬أما شكله فكان عدي السن السمان‪ ،‬وبالري‬
‫(‪)2‬‬
‫كان بعيدا عن أي مد جسدي " ومثله قال مارتي وأوريانوس وغيها‪.‬‬
‫فمن كان هذا قوله بالسيح ل يق له أن يقول بأنه أيضا‪ ":‬أبرع جالً من بن البشر "‪.‬‬

‫‪ )(1‬ل يبعث ال نبيا إل غاية ف السن‪ ،‬فذلك أدعى لتصديقهم وعدم عيبهم بلقهم‪ ،‬وقد وصف رسول ال‬
‫ل آدم كأحسن‬
‫عيسى عليه السلم خصوصا بأنه كان غاية ف السن‪ ،‬فقد رآه ف رؤيا عند الكعبة (( فرأيت رج ً‬
‫ما أنت راء من آدم الرجال‪ ،‬له لـمّة كأحسن ما أنت راء من اللمم‪ ،‬قد رجلها‪ ،‬فهي تقطر ماءً ‪ ...‬فسألت‪ :‬من‬
‫هذا؟ فقيل‪ :‬هذا هو السيح بن مري ))‪ .‬رواه مسلم ح (‪.)169‬‬
‫‪ )(2‬انظر ‪ :‬ممد نب السلم ف التوراة والنيل والقرآن‪ ،‬ممد عزت الطهطاوي‪ ،‬ص (‪ ، )18‬أقانيم النصارى ‪،‬‬
‫أحد حجازي السقا ‪ ،‬ص (‪ ،)31‬النبوة والنبياء ف اليهودية والسيحية والسلم‪ ،‬أحد عبد الوهاب‪ ،‬ص (‬
‫‪ ،)136‬السيحية القة الت جاء با السيح ‪ ،‬علء أبو بكر ‪ ،‬ص (‪. )404 – 396‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 53‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وقد جاءت الثار تتحدث عن حسن نبينا وفيض جاله بعد أن كساه ال بلباس النبوة‪ ،‬فلم ير‬
‫أجل منه‪ .‬ففي الثر الصحيح يقول الباء بن مالك‪( :‬كان رسول ال أحسن الناس وجها‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وأحسنه َخلْقا‪ ،‬ليس بالطويل البائن ول بالقصي)‪.‬‬
‫‪ )2‬أن النبوة وكلمها يرج من شفتيه "انسكبت النعمة على شفتيك"‪ ،‬فقد كان أميا‪ ،‬ووحيه‬
‫غي مكتوب‪ ،‬فيما كانت لبراهيم وموسى صحفا‪ ،‬كما كان عيسى قارئا‪( .‬انظر لوقا ‪.)4/16‬‬
‫وقد جاءت نصوص كتابية عدة تؤكد أمية النب القادم منها ما سبق ف سفر التثنية " أجعل‬
‫كلمي ف فمه " (التثنية ‪ ،)18/18‬وما جاء ف إشعيا " أو يدفع الكتاب لن ل يعرف القراءة‪،‬‬
‫فيقال له‪ :‬اقرأ‪ ،‬فيقول‪ :‬ل أعرف الكتابة " (إشعيا ‪.)29/12‬‬
‫وف غي الترجة العربية التداولة " ل أعرف القراءة " وهي تاثل ‪ -‬كما سبق ‪ -‬قول النب‬
‫صلى ال عليه وسلم ف غار حراء‪ (( :‬ما أنا بقارئ ))‪.‬‬
‫‪ )3‬كونه مبارك إل البد‪ ،‬صاحب رسالة خالدة " باركك ال إل البد ‪ ...‬كرسيك يا ال إل‬
‫دهر الدهور "‪.‬‬
‫‪ )4‬كونه صاحب سيف يقهر به أعداءه لقامة الق والعدل " تقلد سيفك على فخذك أيها‬
‫البار ‪ ...‬بللك اقتحم‪ .‬من أجل الق والدعة والب‪ ،‬فتريك يينك ماوف‪ .‬نُبُلك السنونة ف قلب‬
‫أعداء اللك‪ ،‬شعوب تتك يسقطون "‪.‬‬
‫والسيح عليه السلم ل يمل سيفا ول أسقط أعداءه‪ ،‬ول صوب نبله ف قلوب أعدائه لنشر‬
‫دعوة الق‪ ،‬كما ل يكن ملكا ف قومه‪.‬‬
‫‪ )5‬وهذا النب مب للخي‪ ،‬مبغض للث كحال جيع النبياء‪ ،‬لكن ال فضله عليهم " مسحك‬
‫ال إلك بدهن البتهاج أكثر من رفقائك "‪.‬‬
‫‪ )6‬يؤتى لذا النب بالدايا لعزه‪ ،‬وبنات اللوك يكن ف خدمته أو ف نسائه " بنات ملوك بي‬
‫حظياتك‪ ..‬بنت صور أغن الشعوب تترضى وجهك بدية ‪." ..‬‬
‫وقد تزوج النب بصفية بنت حيي بن أخطب سيد قومه‪ ،‬كما أهديت إليه مارية القبطية‪،‬‬
‫وكانت شهربانو بنت يزدجر ملك فارس تت ابنه السي ‪.t‬‬
‫‪ )7‬تدين له المم بالضوع‪ ،‬وتدخل المم ف دينه بفرح وابتهاج " بلبس مطرزة وتضر إل‬
‫اللك‪ ،‬ف إثرها عذارى صاحباتا‪ ،‬مقدمات إليك‪ ،‬يضرن بفرح وابتهاج يدخلن إل قصر اللك"‪.‬‬
‫‪ )8‬يستبدل قومه بالعز بعد الذل " عوضا عن آبائك يكون بنوك‪ ،‬تقيمهم رؤساء ف كل‬
‫الرض"‪.‬‬

‫‪ )(3‬رواه البخاري ف صحيحه ح (‪.)3549‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 54‬‬

‫‪ )9‬يكتب له الذكر الميد سائر الدهر " أذكر اسك دور فدور‪ ،‬من أجل ذلك تمدك‬
‫الشعوب إل الدهر والبد " فهو أحد وممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫يبشر بنبي من غير ذ ريت ه‬ ‫د اود ع ليه السلم‬


‫ويتحدث داود عن النب القادم فيقول‪ " :‬قال الرب لرب‪ :‬اجلس عن يين حت أضع أعداءك‬
‫موطئا لقدميك‪ ،‬يرسل الرب قضيب عزك من صهيون‪ ،‬تسلط ف وسط أعدائك شعبك‪ ،‬فتدب ف‬
‫يوم قوتك ف زينة مقدسة ‪ ..‬أقسم الرب ولن يندم‪ :‬أنت كاهن إل البد على رتبة ملكي صادق‪.‬‬
‫الرب عن يينك‪ ،‬يطم ف يوم رجزه ملوكا يدين بي المم‪ ،‬مل جثثا‪ ،‬أرضا واسعة سحق‬
‫رؤوسها‪( "..‬الزمور ‪.)6-110/1‬‬
‫ويرى اليهود والنصارى ف النص نبوءة بالسيح القادم من ذرية داود من اليهود‪.‬‬
‫وقد أبطل السيح لليهود قولم‪ ،‬وأفهمهم أن القادم لن يكون من ذرية داود‪ ،‬ففي مت " كان‬
‫الفريسيون متمعي‪ ،‬سألم يسوع‪ :‬ماذا تظنون ف السيح؟ ابن من هو؟ قالو له‪ :‬ابن داود‪ .‬قال لم‪:‬‬
‫فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلً‪ :‬قال الرب لرب‪ :‬اجلس عن يين حت أضع أعداءك موطئا‬
‫لقدميك‪ ،‬فإن كان داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن ييب بكلمة " (مت‬
‫‪ )46 - 22/41‬وف مرقس " فداود نفسه يدعوه ربا‪ .‬فمن أين هو ابنه " (مرقس ‪)12/37‬‬
‫و(انظر لوقا ‪.)44 – 20/41‬‬
‫وتسمية عيسى عليه السلم للنب بالسيح سبق التنبيه عليها‪.‬‬
‫فلقب "السيح النتظر" يتعلق بسيح يلك ويسحق أعداءه‪ ،‬وهو ما رأينا تنكر السيح عليه‬
‫السلم له ف مواطن عديدة‪ ،‬منها أنه قال لبيلطس‪ " :‬ملكت ليست ف هذا العال " (يوحنا‬
‫‪ ،)18/36‬أي أنا ملكة روحية‪.‬‬
‫وهي غي الملكة الت يبشر با داود ف مزاميه‪ ،‬حيث قال‪" :‬أضع أعداءك موطئا لقدميك‪،‬‬
‫يرسل الرب قضيب عزك من صهيون‪ ،‬تسلط ف وسط أعدائك شعبَك ‪ ..‬يطم ف يوم رجزه‬
‫ملوكا يدين بي المم‪ ،‬مل جثثا‪ ،‬أرضا واسعة سحق رؤوسها ‪."..‬‬
‫وهو الذي قال عنه يعقوب‪ " :‬له خضوع شعوب " (التكوين ‪.)49/10‬‬
‫وينقل القس الدكتور فهيم عزيز عميد كلية اللهوت للبوتستانت ف مصر عن علماء الغرب‬
‫إنكارهم " أن يسوع كان يتصرف ويتكلم كمسيح لليهود أو السيا الذي كان ينتظره العهد‬
‫القدي"‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 55‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وقد تنبأ وبشر سليمان أيضا ف الزامي بالنب اللك‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ " :‬ويلك من‬
‫البحر إل البحر‪ ،‬ومن النهر إل أقاصي الرض‪ ،‬أمامه تثو أهل البية‪ ،‬وأعداؤه يلحسون التراب‪،‬‬
‫ملوك ترشيش والزائر يرسلون تقدمة‪ ،‬ملوك شبا وسبإ يقدمون هدية‪ ،‬ويسجد له كل اللوك‪ ،‬كل‬
‫المم تتعبد له‪ ،‬لنه ينجي الفقي الستغيث والسكي إذ ل معي له‪ ،‬يشفق على السكي والبائس‬
‫ويلص أنفس الفقراء‪ ،‬من الظلم والطف يفدي أنفسهم‪ ،‬ويكرم دمهم ف عينيه‪ ،‬ويعيش ويعطيه‬
‫من ذهب شبا‪ ،‬ويصلّي لجله دائما‪ ،‬اليوم كله يباركه‪ ،‬تكون حفنة بر ف الرض ف رؤوس البال‪،‬‬
‫تتمايل مثل لبنان ثرتا ويزهرون من الدينة مثل عشب الرض‪.‬‬
‫يكون اسه إل الدهر‪ ،‬قدام الشمس يتد اسه‪ ،‬ويتباركون به‪ ،‬كل أمم الرض يطوّبونه‪ ،‬مبارك‬
‫الرب ال إله إسرائيل الصانع العجائب وحده‪ ،‬ومبارك اسم مده إل الدهر ولتمتلئ الرض كلها‬
‫من مده‪ ،‬آمي ث آمي " (الزمور ‪ ،)19-72/8‬فمن هو الذي سجدت وأذعنت وذلت له اللوك‪،‬‬
‫ومده ال ف كل الدهور؟ ل ريب أنه ممد ‪ ،‬الذي دانت لسلطانه أعظم مالك عصره‪ ،‬الروم‬
‫والفرس‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 56‬‬

‫البشارة بالملكوت‬
‫ومن اللقاب الت أعطيت للدين الديد وأتباعه ف الكتاب القدس " اللكوت " أو " ملكوت‬
‫السماوات "‪ ،‬الذي أنبأ السيح عن انتقاله عن أمة اليهود إل أمة أخرى‪ ،‬فقال‪ " :‬إن ملكوت ال‬
‫ينع منكم ويعطى لمة تعمل أثاره " (مت ‪.)21/43‬‬
‫هذا اللكوت تقاطرت النبياء على البشارة به " كان الناموس والنبياء إل يوحنا‪ ،‬ومن ذلك‬
‫الوقت يبشر بلكوت ال ‪ ،‬وكل واحد يغتصب نفسه إليه " (لوقا ‪.)17-16/16‬‬
‫واللكوت قد بشر باقتراب عصره النب يوحنا العمدان‪ ،‬يقول مت‪ " :‬جاء يوحنا العمدان‬
‫يكرز ف برية اليهودية قائلً‪ :‬توبوا لنه قد اقترب ملكوت السماوات " (مت ‪.)2 - 3/1‬‬
‫وتدث العمدان عن اللكوت القادم فقال لليهود متوعدا‪ " :‬يا أولد الفاعي من أراكم أن‬
‫تربوا من الغضب الت ‪ ...‬والن قد وضعت الفأس على أصل الشجر‪ ،‬فكل شجرة ل تصنع ثرا‬
‫جيدا تقطع وتلقى ف النار‪ ،‬أنا أعمدكم باء التوبة‪ ،‬ولكن الذي يأت بعدي هو أقوى من‪ ،‬الذي‬
‫لست أهلً أن أحل حذاءه‪ ،‬هو سيعمدكم بالروح القدس ونار‪ ،‬الذي رفشه ف يده‪ ،‬وسينقي بيدره‬
‫ويمع قمحه إل الخزن‪ ،‬وأما التب فيحرقه بنار ل تطفأ‪ .‬حينئذ جاء يسوع من الليل إل الردن‬
‫إل يوحنا ليتعمد منه‪( " ....‬مت ‪.)13 - 3/1‬‬
‫ولنتوقف سريعا مع الصفات الت ذكرها يوحنا العمدان لصاحب اللكوت‪.‬‬
‫فأولا‪ :‬أنه يأت بعده‪ ،‬فل يكن أن يكون هذا الت بعده هو السيح الذي أتى ف أيام يوحنا‬
‫العمدان‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أنه قوي‪ ،‬وقوته تفوق قوة يوحنا العمدان‪ ،‬ومثل هذا الوصف ل ينطبق على السيح‬
‫الذي يزعم النصارى مصرعه على الصليب قريبا ما جرى ليوحنا العمدان‪ ،‬وأن هذا من غلبة‬
‫رسول ال على سائر أعدائه! ث بلغ من القوة أنه طهر الرض من رجس الوثنية بالروح والنار‬
‫أي بدعوته العظيمة وقوته القاهرة‪ ،‬وكل ما تقدم ل ينطبق على أحد سوى رسول ال ‪.‬‬
‫وبعد وفاة يوحنا العمدان جدد يسوع البشارة باقتراب اللكوت‪ " ،‬ابتدأ يسوع يكرز ويقول‪:‬‬
‫توبوا لنه قد اقترب ملكوت السماوات " (مت ‪ " ،)4/17‬وكان يسوع يطوف كل الليل يعلم‬
‫ف مامعهم‪ ،‬ويكرز ببشارة اللكوت " (مت ‪ " ،)4/23‬كان يسي ف مدينة وقرية يكرز ويبشر‬
‫بلكوت ال‪ ،‬ومعه الثنا عشر" (لوقا ‪.)8/1‬‬
‫وقد اعتب السيح عليه السلم البشارة باللكوت مهمته الول‪ ،‬بل الوحيدة‪ ،‬فقال‪ " :‬فقال لم‪:‬‬
‫إنه ينبغي ل أن أبشر الدن الخر أيضا بلكوت ال‪ ،‬لن لذا قد أرسلت" (لوقا ‪.)4/34‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 57‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وأمر تلميذه بأن يبشروا باقتراب اللكوت فقال‪ " :‬اكرزوا قائلي‪ :‬إنه قد اقترب ملكوت‬
‫السماوات " (مت ‪.)10/7‬‬
‫ث علم السيح تلميذه أن يقولوا ف صلتم تلك العبارة الت ما يزال النصارى يرددونا إل‬
‫اليوم " أبانا الذي ف السماوات‪ ..‬ليأت ملكوتك " (لوقا ‪.)10/2‬‬
‫ومن خلل هذا كله نستطيع أن نقول بأن رسالة عيسى كانت بشارة باللكوت الذي بشر به‬
‫يوحنا العمدان‪ ،‬ووصفا بعض ما يكتنفه‪ ،‬وهذا اللكوت هو بعد السيح ف أمة تعمل أثاره‪ ،‬ول‬
‫تضيعه كما أضاعه اليهود‪.‬‬
‫فما هو هذا اللكوت؟‬
‫ييب النصارى بأن اللكوت "شيوع اللة السيحية ف جيع العال وإحاطتها كل الدنيا بعد نزول‬
‫السيح"‪ ،‬وفسره آخرون بأنه انتصار الكنيسة على اللحدينن وفسره آخرون بأنه البشارة باللص‬
‫بدم السيح‪ ،‬يقول القمص تادرس يعقوب ملطي ف تفسيه لنيل مت‪" :‬فإن اللكوت الذي أعلنه‬
‫السيد السيح هو "بشارة اللكوت" أو "إنيل اللكوت"‪ ...‬تعب عن اخبار اللص الفرحة الت‬
‫قدمها لنا ال ف ابنه يسوع"‪.‬‬
‫ويعجب السلمون لنصراف النصارى عن معن اللكوت وتعلقهم با ل طائل وراءه‪ ،‬فلقد‬
‫انتصرت الكنيسة وحكمت أوربا قرونا عدة‪ ،‬ول نر ما يستحق أن يكون أمرا يبشر به العمدان‬
‫والسيح والتلميذ‪.‬‬
‫وكذلك فإن أخبار اللص الزعوم ل يكن أن تكون هي البشارة الت كان السيح يطوف‬
‫مبشرا با ف الدن والقرى‪ ،‬فأقرب تلميذه ل يفهموا هذا العن‪ ،‬ومنهم التلميذان النطلقان لعمواس‬
‫بعد حادثة الصلب‪ ،‬فقد كانا يبكيان لفوات اللص بوت السيح " فقال لما‪ :‬ما هذا الكلم الذي‬
‫تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسي ‪...‬كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الوت وصلبوه‪،‬‬
‫ونن كنا نرجو أنه هو الزمع أن يفدي إسرائيل‪ ،‬ولكن مع هذا كله اليوم له ثلثة أيام منذ حدث‬
‫ذلك " ( لوقا ‪ .) 21-24/17‬لقد جهل التلميذان موضوع اللص بوت السيح‪ ،‬فهما يبحثان‬
‫عن خلص آخر‪ ،‬وهو اللص الدنيوي الذي ينتظره بنو إسرائيل‪.‬‬
‫وأيضا جهلت الموع الؤمنة الت شهدت الصلب أن الصلب هو البشارة الفرحة الت كان‬
‫يبشر با السيح فرجعوا وهم يبكون وينوحون " وكل الموع الذين كانوا متمعي لذا النظر لا‬
‫أبصروا ما كان‪ ،‬رجعوا وهم يقرعون صدورهم " ( لوقا ‪.) 49 - 23/48‬‬
‫ول يكن أن يكون اللكوت الوعود هو اللص بدم السيح لن النصوص ذكرت أمورا تدث‬
‫قبل ميء اللكوت‪ ،‬فهي علمات تتحقق قبل حلول اللكوت‪ ،‬ومن بينها قيام أمة جديدة وملكة‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 58‬‬

‫جديدة‪ ،‬وهو ما ل يتحقق قبل انتشار السيحية ف العال‪ ،‬ول حي صلب السيح ‪ ،‬يقول مت‪:‬‬
‫"فسألوه قائلي‪ :‬يا معلّم مت يكون هذا؟ وما هي العلمة عندما يصي هذا؟‬
‫فقال‪ :‬انظروا ل تضلوا‪ ،‬فإن كثيين سيأتون باسي قائلي‪ :‬إن أنا هو‪ ،‬والزمان قد قرب‪ ،‬فل‬
‫تذهبوا وراءهم‪ ،‬فإذا سعتم بروب وقلقل فل تزعوا‪ ،‬لنه ل بد أن يكون هذا أولً‪ ،‬ولكن ل‬
‫يكون النتهى سريعا‪.‬‬
‫ث قال لم‪ :‬تقوم أمة على أمة‪ ،‬وملكة على ملكة‪ ،‬وتكون زلزل عظيمة ف أماكن وماعات‬
‫وأوبئة‪ ،‬وتكون ماوف وعلمات عظيمة من السماء ‪..‬‬
‫وقال لم مثلً‪ :‬انظروا إل شجرة التي وكل الشجار‪ ،‬مت أفرخت تنظرون وتعلمون من‬
‫أنفسكم أن الصيف قد قرب‪ ،‬هكذا أنتم أيضا‪ ،‬مت رأيتم هذه الشياء صائرة‪ ،‬فاعلموا أن ملكوت‬
‫ال قريب ‪..‬‬
‫الق أقول لكم‪ :‬إنه ل يضي هذا اليل حت يكون الكل‪ ،‬السماء والرض تزولن ولكن‬
‫كلمي ل يزول‪ ،‬فاحترزوا لنفسكم لئل تثقل قلوبكم ف خار وسكر وهوم الياة‪ ،‬فيصادفكم‬
‫ذلك اليوم بغتة‪ ،‬لنه كالفخ يأت على جيع الالسي على وجه كل الرض‪ ،‬اسهروا إذا وتضرعوا‬
‫ل للنجاة من جيع هذا الزمع أن يكون‪ ،‬وتقفوا قدام ابن النسان"‬
‫ف كل حي‪ ،‬لكي تسبوا أه ً‬
‫(لوقا ‪.)36-21/6‬‬
‫وف قوله‪ ":‬وتقفوا قدام ابن النسان" ما يربط اللكوت بشخص ابن النسان القادم‪ ،‬فهو ل‬
‫يتحدث عن انتشار السيحية‪ ،‬بل يتحدث عن ظهور النب الات ابن النسان‪ ،‬ويدعوهم للستعداد‬
‫للقائه‪.‬‬
‫فاللكوت هو أمة تعمل وفق إرادة ورضاء صاحب اللكوت جل جلله‪.‬‬
‫يقول وليم باركلي ف تفسيه لسفر العمال‪" :‬اللكوت هو متمع على الرض‪ ،‬تُن ّفذُ فيه إرادة ال‬
‫تاما كما ف السماء"‪.‬‬
‫وف أحد تشبيهات السيح للملكوت أبان لتلميذه عن سبب انتقاله عن بن إسرائيل فقال‪:‬‬
‫"اسعوا مثلً آخر‪ ،‬كان إنسان رب بيت‪ ،‬غرس كرما‪ ،‬وأحاطه بسياج‪ ،‬وحفر فيه معصرة وبن‬
‫برجا‪ ،‬وسلمه إل كرامي وسافر‪.‬‬
‫ولا قرب وقت الثار أرسل عبيده إل الكرامي ليأخذ أثاره‪ ،‬فأخذ الكرامون عبيده‪ ،‬وجلدوا‬
‫بعضا وقتلوا بعضا ورجوا بعضا‪ ،‬ث أرسل إليهم أيضا عبيدا آخرين أكثر من الولي‪ ،‬ففعلوا بم‬
‫كذلك‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 59‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫فأخيا أرسل إليهم ابنه قائلً‪ :‬يهابون ابن‪ ،‬وأما الكرامون فلما رأوا البن قالوا فيما بينهم‪ :‬هذا‬
‫هو الوارث‪ ،‬هلموا نقتله ونأخذ مياثه‪ ،‬فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم‪ ،‬وقتلوه‪.‬‬
‫فمت جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامي؟ قالوا له‪ :‬أولئك الردياء يهلكهم هلكا‬
‫رديا‪ ،‬ويسلم الكرم إل كرامي آخرين يعطون الثار ف أوقاتا‪.‬‬
‫قال لم يسوع‪ :‬أما قرأت قط ف الكتب‪ :‬الجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية‪،‬‬
‫من قبل الرب كان هذا‪ ،‬وهو عجيب ف أعيننا‪ ،‬لذلك أقول لكم‪ :‬إن ملكوت ال ينع منكم‬
‫ويعطى لمة تعمل أثاره‪ ،‬ومن سقط على هذا الجر يترضض‪ ،‬ومن سقط هو عليه يسحقه‪.‬‬
‫ولا سع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم " (مت ‪،)45 - 21/33‬‬
‫(وانظر لوقا ‪ ،)19 - 20/9‬فمن تراه تكون المة العظيمة الت إذا غزت أمة سحقتها‪ ،‬وإذا أرادتا‬
‫أمة نكصت على عقبيها؟ ل ريب أنا المة الت هزمت أعظم دولتي ف عصرها‪ :‬الروم والفرس‪،‬‬
‫وانساحت ف الرض‪ ،‬وملكت خلل قرن واحد ما بي الصي وفرنسا‪ ،‬إنا أمة السلم‪.‬‬
‫ونبوءة مت السالفة تيل على نبوءة ف كتب النبياء‪ ،‬وهي ما جاء ف مزامي داود عن الت‬
‫باسم الرب "أحدك لنك استجبت ل‪ ،‬وصرت ل خلصا‪ ،‬الجر الذي رفضه البناؤون قد صار‬
‫رأس الزاوية‪ ،‬من قبل الرب كان هذا‪ ،‬وهو عجيب ف أعيننا‪ ،‬هذا هو اليوم الذي صنعه الرب‪،‬‬
‫نبتهج ونفرح فيه‪ ،‬آه يا رب خلّص‪ ،‬آه يا رب أنقذ‪ ،‬مبارك الت باسم الرب" (الزمور ‪-118/21‬‬
‫‪.)25‬‬
‫وقد قال ‪(( :‬مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل ابتن بيوتا‪ ،‬فأحسنها وأجلها وأكملها‬
‫إل موضع لبنة من زاوية من زواياها‪ ،‬فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون‪ :‬أل وضعت‬
‫(‪)1‬‬
‫إنه الجر الذي تت به النبوات‪.‬‬ ‫هاهنا لبِنة‪ ،‬فيتم بنيانك‪ ،‬فقال ‪ :‬فكنت أنا اللبِنة))‪.‬‬
‫وقبل أن نتقل إل شرح النبوءة يسن بنا أن ننوه إل الطأ الذي وقع فيه بطرس حي زعم أن‬
‫السيح هو الجر الذي رفضه البناؤون ‪ ،‬فقال‪" :‬يسوع الناصري الذي صلبتموه أنتم ‪ ...‬هذا هو‬
‫الجر الذي احتقرتوه أيها البناؤون‪ ،‬الذي صار رأس الزاوية‪ ،‬وليس بأحد غيه اللص‪ ،‬لن ليس‬
‫اسم آخر تت السماء قد أعطي بي الناس به ينبغي أن نلص" (أعمال ‪ ،)12-4/10‬مع أن‬
‫الجر الذي أخب عنه داود ث السيح نبوة غالبة‪ ،‬وأمة ظافرة‪ ،‬وهذه النبوة ليست ف بن إسرائيل‬
‫كما شهد السيح عليه السلم ‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري ح (‪ ،)3535‬ومسلم ح (‪.)2286‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 60‬‬

‫ولبطرس عذر ف خطئه‪ ،‬فهو إنسان عامي عدي العلم كما شهد له أولئك الذين استمعوا لديثه‬
‫وتعجبوا من العجزات الت صنعها‪ ،‬فقد قال ف ذات السياق‪ " :‬فلما رأوا ماهرة بطرس ويوحنا‪،‬‬
‫ووجدوا أنما إنسانان عديا العلم وعاميان‪ ،‬تعجبوا " ( أعمال ‪.) 4/13‬‬
‫وهذا الثل العجيب من السيح (مثل الكرامي) يكي تنكر اليهود لنعم ال واصطفائه لم‬
‫بقتلهم أنبياءه وهجر شريعته‪ ،‬ويكي انتقال اللكوت إل أمة تقوم بأمر ال تعال وتقوى على‬
‫أعدائها وتسحقهم‪.‬‬
‫وهذه المة مرذولة متقرة "الجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية"‪ ،‬لكن ال‬
‫اختارها رغم عجب اليهود من تول اللكوت إل هذه المة الرذولة‪ ،‬لكنه قدر ال العظيم "من قبل‬
‫الرب كان هذا‪ ،‬وهو عجيب ف أعيننا"‪..‬‬
‫فمن تكون هذه المة الرذولة؟ إنا أمة العرب‪ ،‬أبناء الارية هاجر‪ ،‬الت يزدريها الكتاب‬
‫القدس‪ ،‬فقد قالت سارة‪" :‬اطرد هذه الارية وابنها‪ ،‬لن ابن الارية ل يرث مع ابن إسحاق‬
‫" (التكوين ‪.)21/10‬‬
‫وقال بولس مفتخرا على العرب متقرا لم‪ " :‬ماذا يقول الكتاب؟ اطرد الارية وابنها‪ ،‬لنه ل‬
‫يرث ابن الارية مع ابن الرة‪ ،‬إذا أيها الخوة‪ :‬لسنا أولد جارية‪ ،‬بل أولد الرة " (غلطية‬
‫‪.)31 - 4/30‬‬
‫وقد ضرب السيح الزيد من المثال للملكوت القادم‪ ،‬فبيّن ف مثل آخر أنه ليس ف بن‬
‫إسرائيل‪ ،‬المة الت ل تستحق اصطفاء ال لا‪ ،‬يقول مت‪" :‬جعل يسوع يكلمهم أيضا بأمثال قائلً‪:‬‬
‫يشبه ملكوت السموات إنسانا ملكا صنع عرسا لبنه‪ ،‬وأرسل عبيده ليدعوا الدعوين إل العرس‪،‬‬
‫فلم يريدوا أن يأتوا‪ ،‬فأرسل أيضا عبيدا آخرين قائلً‪ :‬قولوا للمدعوين‪ :‬هوذا غذائي أعددته‪ ،‬ثيان‬
‫ومسمنات قد ذبت‪ ،‬وكل شيء معد‪ ،‬تعالوا إل العرس‪.‬‬
‫ولكنهم تاونوا ومضوا‪ ،‬واحد إل حقله‪ ،‬وآخر إل تارته‪ ،‬والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم‬
‫وقتلوهم‪.‬‬
‫فلما سع اللك غضب وأرسل جنوده‪ ،‬وأهلك أولئك القاتلي وأحرق مدينتهم‪ ،‬ث قال لعبيده‪:‬‬
‫أما العرس فمستعد‪ ،‬وأما الدعوون فلم يكونوا مستحقي‪ ،‬فاذهبوا إل مفارق الطرق‪ ،‬وكل من‬
‫وجدتوه فادعوه إل العرس‪.‬‬
‫فخرج أولئك العبيد إل الطرق‪ ،‬وجعوا كل الذين وجدوهم أشرارا وصالي‪ ،‬فامتل العرس‬
‫من التكئي‪ ،‬فلما دخل اللك لينظر التكئي رأى هناك إنسانا ل يكن لبسا لباس العرس‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫يا صاحب كيف دخلت إل هنا وليس عليك لباس العرس؟ فسكت‪ ،‬حينئذ قال اللك للخدام‪:‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 61‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫اربطوا رجليه ويديه وخذوه‪ ،‬واطرحوه ف الظلمة الارجية‪ ،‬هناك يكون البكاء وصرير السنان‪،‬‬
‫لن كثيين يدعون‪ ،‬وقليلي ينتخبون" (مت ‪.)14-22/1‬‬
‫وف مثل آخر بي لم أنواع الناس ف قبول اللكوت والذعان له‪ ،‬ودعاهم لقبوله والذعان له‪،‬‬
‫فقال‪" :‬فكلهم كثيا بأمثال قائلً‪ :‬هوذا الزارع قد خرج ليزرع‪ ،‬وفيما هو يزرع سقط بعض على‬
‫الطريق‪ ،‬فجاءت الطيور وأكلته‪.‬‬
‫وسقط آخر على الماكن الحجرة‪ ،‬حيث ل تكن له تربة كثية‪ ،‬فنبت حالً‪ ،‬إذ ل يكن له عمق‬
‫أرض‪ ،‬ولكن لا أشرقت الشمس احترق‪ ،‬وإذ ل يكن له أصل جف‪.‬‬
‫وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه‪.‬‬
‫وسقط آخر على الرض اليدة‪ ،‬فأعطى ثرا‪ ،‬بعض مائة‪ ،‬وآخر ستي‪ ،‬وآخر ثلثي‪ ،‬من له‬
‫أذنان للسمع فليسمع ‪...‬‬
‫فاسعوا أنتم مثل الزارع‪ ،‬كل من يسمع كلمة اللكوت ول يفهم‪ ،‬فيأت الشرير ويطف ما قد‬
‫زرع ف قلبه‪ ،‬هذا هو الزروع على الطريق‪.‬‬
‫والزروع على الماكن الحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالً يقبلها بفرح‪ ،‬ولكن ليس له‬
‫أصل ف ذاته بل هو إل حي‪ ،‬فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالً يعثر‪.‬‬
‫والزروع بي الشوك هو الذي يسمع الكلمة‪ ،‬وهم هذا العال وغرور الغن ينقان الكلمة‪،‬‬
‫فيصي بل ثر‪.‬‬
‫وأما الزروع على الرض اليدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم‪ ،‬وهو الذي يأت بثمر فيصنع‬
‫بعض مائة وآخر ستي وآخر ثلثي" (مت ‪.)23-13/1‬‬
‫ويتطابق هذا الثل النيلي مع الثل الذي ضربه النب لحوال الناس مع دعوته‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫((مثل ما بعثن ال به من الدى والعلم كمثل الغيث الكثي أصاب أرضا‪ ،‬فكان منها نقية قبلت الاء‬
‫فأنبتت الكل والعشب الكثي‪ ،‬وكانت منها أجادب أمسكت الاء‪ ،‬فنفع ال با الناس‪ ،‬فشربوا‬
‫وسقوا‪ ،‬وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنا هي قيعان ل تسك ماء ول تنبت كل‪ ،‬فذلك مثل‬
‫من فقه ف دين ال ونفعه ما بعثن ال به فعلم وعلم‪ ،‬ومثل من ل يرفع بذلك رأسا‪ ،‬ول يقبل هدى‬
‫(‪)1‬‬
‫ال الذي أرسلت به))‪.‬‬
‫وحدث السيح تلميذه عن انتشار اللكوت الذي هو أصغر البذور‪ ،‬لكنه أعظمها انتشارا ‪،‬‬
‫يقول مت‪" :‬قدم لم مثلً آخر قائلً‪ :‬يشبه ملكوت السموات حبة خردل‪ ،‬أخذها إنسان‪ ،‬وزرعها‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري ف صحيحه ح (‪.)79‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 62‬‬

‫ف حقله‪ ،‬وهي أصغر جيع البذور‪ ،‬لكن مت نت فهي أكب البقول‪ ،‬وتصي شجرة‪ ،‬حت إن طيور‬
‫السماء تأت وتتآوى ف أغصانا‪.‬‬
‫قال لم مثلً آخر‪ :‬يشبه ملكوت السموات خية أخذتا امرأة وخبأتا ف ثلثة أكيال دقيق‬
‫حت اختمر الميع‪ ،‬هذا كله كلم به يسوع الموع بأمثال‪ ،‬وبدون مثل ل يكن يكلمهم" (مت‬
‫‪( .)34-13/31‬انظر مرقس ‪.)32-4/30‬‬
‫يقول النبا أثناسيوس ف تفسيه لنيل يوحنا‪" :‬لكل مثل من أمثلة السيد السيح درس‪ ،‬فمثل‬
‫الزوان يعلمنا عن حروب العدو لبناء اللكوت‪ ،‬وحبة الردل يعلمنا عن نو اللكوت‪."..‬‬
‫وف نص آخر يتحدث عن هيمنة الشريعة الديدة على سائر الشرائع السابقة ونسخها لا‪،‬‬
‫فيقول‪ " :‬أيضا يشبه ملكوت السموات كنا مفيا ف حقل وجده إنسان‪ ،‬فأخفاه‪ ،‬ومن فرحه مضى‬
‫وباع كل ما كان له واشترى ذلك القل‪.‬‬
‫أيضا يشبه ملكوت السموات إنسانا تاجرا يطلب للئ حسنة‪ ،‬فلما وجد لؤلؤة واحدة كثية‬
‫الثمن‪ ،‬مضى وباع كل ما كان له‪ ،‬واشتراها" (مت ‪.)46-13/44‬‬
‫وقد قال السيح مبشرا بالقادم الذي ينسخ الشرائع بشريعته‪" :‬ل تظنوا أن جئت لنقض الناموس‬
‫أو النبياء‪ ،‬ما جئت لنقض بل لكمل‪ ،‬فإن الق أقول لكم‪ :‬إل أن تزول السماء والرض ل‬
‫يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حت يكون الكل" (مت ‪ ،)18-5/17‬فمن هو هذا‬
‫الذي له الكل‪ ،‬إنه ذات النب الذي يسميه بولس بالكامل‪ ،‬وميئه فقط يبطل الشريعة وينسخها‬
‫"وأما النبوات فستبطل‪ ،‬واللسنة فستنتهي‪ ،‬والعلم فسيبطل‪ ،‬لننا نعلم بعض العلم‪ ،‬ونتنبأ بعض‬
‫التنبؤ‪ ،‬ولكن مت جاء الكامل فحينئذ يبطل ما هو بعض" (كورنثوس (‪.)10-12/8 )1‬‬
‫وكما تدث السيح عن هذا النب تدث عن تأخر زمان ظهوره عن النبوات السابقة‪ ،‬لكن‬
‫ذلك لن ينع عظيم الجر والثواب لمته‪ ،‬فضرب هذا الثل وقال‪ " :‬فإن ملكوت السماوات يشبه‬
‫ل رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر َفعَلة لكرمه‪ ،‬فاتفق مع الفعلة على دينار ف اليوم‬
‫رج ً‬
‫وأرسلهم إل كرمه‪ ،‬ث خرج نو الساعة الثالثة‪ ،‬ورأى آخرين قياما ف السوق بطالي‪ ،‬فقال لم‪:‬‬
‫اذهبوا أنتم أيضا إل الكرم فأعطيكم ما يق لكم‪ ،‬فمضوا‪.‬‬
‫وخرج أيضا نو الساعة السادسة والتاسعة وفعل ذلك‪.‬‬
‫ث نو الساعة الادية عشرة خرج ووجد آخرين قياما بطالي‪ ،‬فقال لم‪ :‬لاذا وقفتم ههنا‪ ،‬كلّ‬
‫النهار بطالي؟‬
‫قالوا له‪ :‬لنه ل يستأجرنا أحد‪ .‬قال لم‪ :‬اذهبوا أنتم أيضا إل الكرم فتأخذوا ما يق لكم‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 63‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫فلما كان الساء قال صاحب الكرم لوكيله‪ :‬ادع الفعلة وأعطهم الجرة مبتدئا من الخرين إل‬
‫الولي‪.‬‬
‫فجاء أصحاب الساعة الادية عشرة وأخذوا دينارا دينارا‪ ،‬فلما جاء الولون ظنوا أنم‬
‫يأخذون أكثر‪ ،‬فأخذوا هم أيضا دينارا دينارا‪ ،‬وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت قائلي‪:‬‬
‫هؤلء الخرون عملوا ساعة واحدة‪ ،‬وقد ساويتهم بنا نن الذين احتملنا ثقل النهار والر‪.‬‬
‫فأجاب وقال لواحد منهم‪ :‬يا صاحب ما ظلمتك‪ ،‬أما اتفقت معي على دينار؟ فخذ الذي لك‬
‫واذهب‪ ،‬فإن أريد أن أعطي هذا الخي مثلك‪ .‬أو ما يل ل أن أفعل ما أريد بال أم عينك شريرة‬
‫لن أنا صال!‬
‫هكذا يكون الخرون أولي‪ ،‬والولون آخرين‪ ،‬لن كثيين يُدعَون‪ ،‬وقليلون ينتخبون " (مت‬
‫‪.)16 - 20/1‬وهكذا فاز الخرون بالجر والثواب‪.‬‬
‫فالخرون هم الولون السابقون كما قال السيح وأكده رسول ال ‪ r‬بقوله‪(( :‬نن الخرون‬
‫السابقون)) (‪ ،)1‬وقوله‪(( :‬مثلكم ومثل أهل الكتابي كمثل رجل استأجر أجراء فقال‪ :‬من يعمل ل‬
‫غدوة إل نصف النهار على قياط؟ فعملت اليهود‪ ،‬ث قال‪ :‬من يعمل ل من نصف النهار إل صلة‬
‫العصر على قياط‪ ،‬فعملت النصارى‪ ،‬ث قال من يعمل ل من العصر إل أن تغيب الشمس على‬
‫قياطي؟ فأنتم هم‪ .‬فغضبت اليهود والنصارى فقالوا‪ :‬مالنا أكثر عملً وأقل عطاءً؟ قال‪ :‬هل‬
‫( ‪)2‬‬
‫نقصتكم من حقكم؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فذلك فضلي أوتيه من أشاء))‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري ح (‪.)836‬‬


‫‪ )(2‬رواه البخاري ح ( ‪.)2268‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 64‬‬

‫النبي دانيال يتنبأ بزمان الملكوت‬


‫وقد نقل الكتاب القدس بعض نبوءات النبياء عن زمن ظهور هذا اللكوت‪ ،‬ومن ذلك أن‬
‫بتنصر رأى رؤيا أفزعته ول يعرف العرافون ول النجمون تعبيها‪ ،‬ففسرها له النب دانيال فقال‪:‬‬
‫"أنت أيها اللك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم‪ ،‬هذا التمثال العظيم البهي جدا وقف قبالتك‪،‬‬
‫ومنظره هائل‪ ،‬رأس هذا التمثال من ذهب جيد‪ ،‬وصدره وذراعاه من فضة‪ ،‬بطنه وفخذاه من‬
‫ناس‪ ،‬ساقاه من حديد‪ ،‬قدماه بعضها من حديد والبعض من خزف‪.‬‬
‫كنت تنظر إليه إل أن قطع حجر بغي يدين‪ ،‬فضرب التمثال على قدميه اللتي من حديد‬
‫وخزف فسحقهما‪ ،‬فانسحق حينئذ الديد والزف والنحاس والفضة والذهب معا‪ ،‬وصارت‬
‫كعصافة البيدر ف الصيف‪ ،‬فحملتها الريح فلم يوجد لا مكان‪.‬‬
‫أنت أيها اللك ملك ملوك‪ ،‬لن إله السماوات أعطاك ملكة واقتدارا وسلطانا وفخرا‪ ،‬وحيثما‬
‫يسكن بنو البشر ووحوش الب وطيور السماء‪ ...‬فأنت هذا الرأس من ذهب‪.‬‬
‫وبعدك تقوم ملكة أخرى أصغر منك‪ ،‬وملكة ثالثة أخرى من ناس فتتسلط على كل الرض‪،‬‬
‫وتكون ملكة رابعة صلبة كالديد‪ ،‬لن الديد يسحق كل شيء‪ ،‬وكالديد الذي يكسر تسحق‬
‫وتكسر كل هؤلء‪ ،‬وبا رأيت القدمي والصابع بعضها من خزف والبعض من حديد‪ ،‬فبعض‬
‫الملكة يكون قويا والبعض قصما‪ ،‬وبا رأيت الديد متلطا بزف الطي فإنم يتلطون بنسل‬
‫الناس‪.....‬‬
‫وف أيام هؤلء اللوك يقيم إله السماوات ملكة لن تنقرض أبدا‪ ،‬و َملِكها ل يُترك لشعب آخر‪،‬‬
‫وتسحق وتفن كل هذه المالك‪ ،‬وهي تثبت إل البد‪ ،‬لنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل ل‬
‫بيدين‪ ،‬فسحق الديد والنحاس والز ف والفضة والذهب‪ .‬ال العظيم قد عرف اللك ما سيأت‬
‫بعد هذا‪ .‬اللم حق وتعبيه يقي " (دانيال ‪.)45 - 2/21‬‬
‫يقول هودجكن ف كتابه "السيح ف كل الكتب" ‪ :‬وأما الجر الذي قطع بغي يدين ويسحق‬
‫التمثال العظيم فكناية عن ملكة "السيا"‪ :‬أي السيح النتظر‪.‬‬
‫وف التفسي التطبيقي‪" :‬وأما الجر القطوع من البل فيشي إل ملكوت ال الذي يكمه السِيّا‬
‫(‪)1‬‬
‫ملك اللوك إل البد "‪.‬‬
‫فالرؤيا كما يظهر هي عن المالك الت ستقوم بي يدي بن اللكوت‪ ،‬فأولا ملكة بابل الت‬
‫يرأسها بتنصر‪ ،‬والت يرمز لا ف اللم بالرأس الذهب‪.‬‬

‫‪ )(1‬التفسي التطبيقي‪ ،‬ص (‪.)1684‬‬


‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 65‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫ث ملكة فارس الت قامت أقامها خسرو‪ ،‬وتسلط ملكها قورش على بابل سنة (‪ 593‬ق‪.‬م)‪،‬‬
‫ورمز لا ف النام بالصدر والذراعي من فضة‪.‬‬
‫ث تلتها ملكة مقدونية والت قضت على ملكة الفرس‪ ،‬وأسسها السكندر القدون (‪336‬‬
‫ق‪.‬م)‪ ،‬ويرمز لا ف النام بالبطن والفخذين من النحاس‪.‬‬
‫ث تلتها امباطورية الرومان والت أسسها المبطور بوفبيوس (‪ 63‬ق‪.‬م)‪ ،‬ورمز لا ف النام‬
‫بساقي من حديد وقدمي إحداها من خزف وأخرى من حديد‪ ،‬ولعله أراد دولت فارس والروم أو‬
‫(‪)1‬‬
‫انقسام المباطورية الرومانية ‪.‬‬
‫"وف أيام هؤلء اللوك يقيم إله السماوات ملكة لن تنقرض أبدا "‪ ،‬فقد جاء الجر الذي رذله‬
‫البناؤون وقد قطع بغي يدين‪ ،‬إذ جاء من السماء ليقضي على الفرس والروم‪ ،‬وأقام اللكوت‬
‫الوعود ف الدنيا قرونا طويلة‪ ،‬ول ينقطع بأس هذه المة إل ف هذا القرن الخي‪.‬‬
‫ل ما يلبث أن يزول‪ ،‬فتشرق‬
‫ولعل ف هذه النبوءة ما يبشر بكون هذا الكسوف عرضا زائ ً‬
‫شس أمة السلم من جديد‪.‬‬
‫وقريبا من رؤيا بتنصر رأى دانيال رؤيا اليوانات الربع "قال‪ :‬كنت أرى ف رؤياي ليلً‪ ،‬وإذا‬
‫بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبي‪ ،‬وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مالف‬
‫ذاك‪ ،‬الول كالسد ‪ ...‬وإذا بيوان آخر ثان شبيه بالدب ‪ ...‬وإذا بآخر مثل النمر ‪ ...‬وإذا بيوان‬
‫رابع هائل وقوي وشديد جدا‪ ،‬وله أسنان من حديد كبية‪ ،‬أكل وسحق وداس الباقي برجليه‪،‬‬
‫وكان مالفا لكل اليوانات الذين قبله وله عشرة قرون ‪...‬‬
‫كنت أرى ف رؤى الليل‪ ،‬وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى‪ ،‬وجاء إل القدي اليام‪،‬‬
‫فقربوه قدامه‪ ،‬فأعطي سلطانا ومدا وملكوتا‪ ،‬لتتعبّد له كل الشعوب والمم واللسنة‪ ،‬سلطانه‬
‫سلطان أبدي ما لن يزول‪ ،‬وملكوته ما ل ينقرض" (دانيال ‪.)18-7/3‬‬
‫ويوافق النصارى على أن المالك الربعة هي البابلية ث الفارسية ث اليونانية ث الرومانية‪،‬‬
‫ويرون اللكوت متحققا ف ظهور دين السيح وتأسيس الكنيسة ف يوم المسي عندما نزل الروح‬
‫القدس على التلميذ الجتمعي ف أورشليم‪.‬‬
‫لكن الملكة الروحية الت أسسها الواريون ل يكن أن تكون اللكوت الوعود‪ ،‬لن دانيال‬
‫يتحدث عن أربع مالك حقيقية‪ ،‬سحق آخرَها ملكٌ حقيقي‪ ،‬ل روحي " وف أيام هؤلء اللوك يقيم‬

‫‪ )(1‬انظر ‪ :‬إظهار الق ‪ ،‬رحة ال الندي (‪ ، )1169 – 4/1166‬البشارة بنب السلم ف التوراة والنيل‪ ،‬أحد‬
‫حجازي السقا (‪.)51 – 2/48‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 66‬‬

‫إله السموات ملكة لن تنقرض أبدا‪ ،‬وملكها ل يترك لشعب آخر‪ ،‬وتسحق وتفن كل هذه‬
‫المالك" (دانيال ‪.)2/44‬‬
‫وقال عن الملكة ونبيها‪ " :‬لتتعبد له كل الشعوب والمم واللسنة " (دانيال ‪.)7/14‬‬
‫وقد فهم التلميذ من السيح أن هذه الملكة القادمة زمنية ل روحية‪ ،‬فسألوه وهم يظنون أنا‬
‫تقوم على يديه‪ " :‬هل ف هذا الوقت ترد اللك إل إسرائيل؟ " (أعمال ‪ ،)1/6‬وقد اجتهد السيح‬
‫ف إفهامهم أن ملكته روحية‪ ،‬بينما الملكة القادمة ملكة حقيقية‪.‬‬
‫ث إن ملكة التلميذ ل تقهر الدولة الرومانية‪ ،‬بل إن الرومان قهروا السيحية بعد حي‪ ،‬حي‬
‫أدخلوا وثنياتم فيها‪.‬‬
‫وكيف للنصارى أن يقولوا بقهر الرومان‪ ،‬وهم يزعمون أن السيح مات على أعواد صليب‬
‫رومان‪.‬‬
‫أما السلمون فهم الذين قضوا على الدولة الرومانية‪ ،‬واقتلعوها من أرض فلسطي‪ ،‬ث بقية‬
‫بلد الشام ومصر‪ ،‬ث أضحت عاصمتها القسطنطينية عاصمة للسلم دين اللكوت‪..‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 67‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫البشارة بـ(محماد) مشتهى المم‬


‫وبعد عودة بن إسرائيل من السب‪ ،‬وتفيفا لحزانم‪ ،‬ساق لم النب حجي بشارة من ال فيها‪:‬‬
‫"ل تافوا‪ ،‬لنه هكذا قال رب النود‪ ،‬هي مرة بعد قليل‪ ،‬فأزلزل السماوات والرض والبحر‬
‫واليابسة‪ ،‬وأنزل كل المم‪ ،‬ويأت مشتهى كل المم‪ ،‬فأمل هذا البيت مدا قال رب النود‪ ....‬مد‬
‫هذا البيت الخي يكون أعظم من مد الول قال رب النود‪ ،‬وف هذا الكان أعطي السلم يقول‬
‫رب النود" (حجي ‪.)9 - 2/6‬‬
‫وهذه النبوءة ل ريب تتحدث عن القادم الذي وعد به إبراهيم ‪ ،‬وبشر به يعقوب وموسى ث‬
‫داود عليهم الصلة والسلم‪.‬‬
‫وقبل أن نلج ف تديد شخصية هذا الشتهى من كل المم نتوقف مع القس السابق عبد الحد‬
‫داود‪ ،‬وهو البي باللغات القدية‪ ،‬إذ يسوق لنا النص بالعبانية‪ " :‬لسوف أزلزل كل الرض‪،‬‬
‫وسوف يأت (مماد) لكل المم ‪ ...‬وف هذا الكان أعطي السلم "‪ ،‬فقد جاء ف العبية لفظة‬
‫"مماد " أو " حدت " كما ف قراءة أخرى حديثة‪ ،‬ولفظة " مِمْادْ " ف العبانية تستعمل عادة‬
‫لتعن‪ " :‬المنية الكبية " أو "الشتهى"‪ ،‬والنص حسب الترجة العبانية التداولة ‪( :‬فباؤا حدات‬
‫كول هاجوييم)‪.‬‬
‫لكن لو أبقينا السم على حاله دون ترجة‪ ،‬كما ينبغي أن يكون ف الساء ‪ ،‬فإنا واجدون لفظة‬
‫" مماد " هي الصيغة العبية لسم أحد‪ ،‬والذي أضاعها الترجون عندما ترجوا الساء أيضا‪.‬‬
‫وجاء ف تام النبوءة الديث عن البيت الخي ل‪ ،‬والذي هو أعظم مدا من البيت الول‪ ،‬ث‬
‫يقول‪ " :‬ف هذا الكان أعطي السلم "‪ ،‬وقد استخدمت الترجة العبية لفظة "شالوم " والت من‬
‫(‪)1‬‬
‫المكن أن تعن السلم‪ ،‬فالسلم والسلم مشتقان من لفظة واحدة‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬ف هذا الكان أعطي السلم "‪ ،‬قد تتحدث عن عقد المان الذي عم تلك الرض‬
‫والذي أعطاه عمر بن الطاب لهل القدس عندما فتحها‪ ،‬فتكون النبوءة عن إعطاء السلم ول‬
‫تنسبه إل الشتهى‪ ،‬ذلك أن المر ت بعد وفاته ف أتباعه وأصحابه الكرام‪.‬‬
‫ول ريب أن البنوءة ل تتحدث عن السيح‪ ،‬إذ ل تقارب بي ألفاظ النبوءة واسه‪ ،‬أو بي معانيه‬
‫وما عهد عنه عليه السلم‪ ،‬إذ ل يستتب المن ف القدس حال بعثته‪ ،‬بل بشر اليهود براب‬
‫هيكلهم بعد حي‪ ،‬كما كان رسولً إل بن إسرائيل فحسب‪ ،‬وليس لكل المم‪ ،‬والقادم هو‬
‫مشتهى المم جيعا‪ ،‬وليس خاصا ببيت يعقوب كما جاء ف وصف السيح مرارا‪.‬‬

‫‪ )(1‬ومثل هذا ف القرآن ف قوله‪ } :‬يا أيها الذين آمنوا ادخلوا ف السلم كافة { (البقرة‪.)208 :‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 68‬‬

‫وهذا الستعمال لكلمة " السلم " بعن " السلم " يراه عبد الحد داود لزما ف موضع‬
‫آخر من الكتاب القدس‪ ،‬فقد جاء ف إنيل لوقا أن اللئكة ترنوا عند ميلد السيح قائلي‪ " :‬الجد‬
‫ل ف العال‪ ،‬وعلى الرض السلم‪ ،‬وبالناس السرة " (لوقا ‪.)2/14‬‬
‫ويتساءل القس السابق عبد الحد داود أي سلم حلّ على الرض بعد ميلد السيح‪ ،‬فقد‬
‫تتابع القتل والروب ما تزال تطحن‪ ،‬وإل قيام الساعة‪ ،‬ولذلك فإن الترجة الصحيحة لكلمة‬
‫"إيرينا " اليونانية ف العبانية‪ " :‬شالوم "‪ ،‬وهي ف العربية " السلم " كما " السلم "‪.‬‬
‫وإن أصر النصارى على تفسي كلمة " إيرينا " بالسلم‪ ،‬فقد جعلوا من عيسى مناقضا لنفسه‪،‬‬
‫إذ قال‪ " :‬جئت للقي نارا على الرض ‪ ...‬أتظنون أن جئت لعطي سلما على الرض‪ .‬كل‬
‫أقول لكم‪ ،‬بل انقساما ‪( " ...‬لوقا ‪ ،)51 - 12/49‬وف مت‪ " :‬ل تظنوا أن جئت للقي سلما‬
‫على الرض‪ ،‬ما جئت للقي سلما‪ ،‬بل سيفا " (مت ‪.)10/34‬‬
‫وتبعا لذا يرى عبد الحد داود أن صانعي السلم هم السلمون‪ ،‬وذلك ف قول السيح‪:‬‬
‫"طوب لصانعي السلم‪ ،‬لنم يدعون أبناء ال " (مت ‪ ،)5/9‬فيى أن الترجة الدقيقة هي " طوب‬
‫للمسلمي "‪ ،‬وليس صانعي السلم اليال‪ ،‬الذي ل ولن يوجد على الرض‪.‬‬
‫كما ل يستطيع أحد ينتمي إل فرق النصارى الختلفة والتباغضة طوال تاريخ النصرانية‪ ،‬ل‬
‫يستطيع أن يقول بأن السلم قد تقق ف نفوس الؤمني‪ ،‬إذ الحقاد التطاولة بينهم تكذب ذلك‬
‫كله‪.‬‬
‫وجاء ف تام النشودة الزعومة للملئكة‪ " :‬وبالناس السرة "‪ ،‬واستخدم النص اليونان كلمة‬
‫"يودكيا " وهي كلمة مشتقة من الفعل اليونان " دوكيو "‪ ،‬ومعناها كما ف القاموس الغريقي‪:‬‬
‫"لطيف‪ ،‬مسن‪ ،‬دمث‪ " ...‬ومن معانيها أيضا السرور ‪ -‬الحبة ‪ -‬الرضا ‪ -‬الرغبة‪ ،‬الشهرة‪...‬‬
‫فكل هذه الطلقات تصح ف ترجة كلمة " يودوكيا " الت يصح أيضا أن تترجم ف العبانية‬
‫إل (مماد‪ ،‬ما حامود) الشتقة من الفعل " حد " ومعناه‪ :‬الرغوب فيه جدا‪ ،‬أو البهيج‪ ،‬أو الرائع أو‬
‫الحبوب أو اللطيف‪ ،‬وهذا كله يتفق مع العان الت تفيدها كلمة ممد وأحد‪ ،‬واللتان تقاربان ف‬
‫الشتقاق كلمت (حدا و مماد) العبانيتي‪ ،‬ومثل هذا التقارب يدل على أن لما أساس واحد‬
‫مشترك كما هو الال ف كثي من كلمات اللغات السامية‪.‬‬
‫وينبه الب السابق عبد الحد داود إل وجود هذا النص ف إنيل لوقا اليونان‪ ،‬ف الوقت‬
‫الذي كانت فيه العبارات سريانية حي مقالا‪ ،‬ول يكن ‪ -‬حت مع بذل الهد وفرض المانة ف‬
‫الترجة ‪ -‬أن تترجم كلمة ما من لغة إل أخرى‪ ،‬وتفيد نفس العان الصلية للكلمة‪ .‬ومع ضياع‬
‫الصول ل يكن التحقق من دقة هذه الترجة‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 69‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫والترجة الصحيحة للترنيمة كما يرى عبد الحد داود هي‪ " :‬المد ل ف العال‪ ،‬وعلى‬
‫(‪)1‬‬
‫الرض إسلم‪ ،‬وللناس أحد "‪.‬‬

‫‪ )(1‬انظر ‪ :‬ممد ف الكتاب القدس‪ ،‬عبد الحد داود‪ ،‬ص (‪ ، )165 – 147‬النيل والصليب ‪ ،‬عبد الحد‬
‫داود ‪ ،‬ص (‪ ، )55-33‬البشارة بنب السلم ف التوراة والنيل‪ ،‬أحد حجازي السقا (‪.)372 – 2/370‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 70‬‬

‫البشارة بإيلياء‬
‫ومن الساء الت رمز الكتاب القدس با إل النب ‪ " r‬إيلياء " وهي وفق حساب المّل‬
‫(‪)1‬‬
‫اليهودي تساوي ‪53‬‬
‫وهو أيضا اسم لنب عظيم أرسله ال عز وجل إل بن إسرائيل‪ ،‬وكان ذلك ف القرن التاسع‬
‫قبل اليلد‪ ،‬وهو الذي يسميه القرآن إلياس‪.‬‬
‫وف آخر أسفار التوراة العبانية يتحدث النب ملخي ف سفره القصي عن عصيان بن إسرائيل‬
‫وعن إيليا أو إيلياء القادم الديد‪ ،‬وهو غي إلياس الذي كان قد توف منذ سبعة قرون‪ ،‬فيقول‬
‫ملخي بأن ال يقول‪ " :‬هأنذا أرسل ملكي‪ ،‬فيهيء الطريق أمامي‪ ،‬ويأت بغتة إل هيكله السيدُ‬
‫الذي تطلبونه‪ ،‬وملك العهد الذي تسرون به‪ ،‬هو ذا يأت‪ ،‬قال رب النود‪.‬‬
‫من يتمل يوم ميئه‪ ،‬ومن يثبت عند ظهوره‪ ،‬لنه مثل نار المحص‪ ،‬ومثل أشنان القصار ‪...‬‬
‫(ملخي ‪.)2 - 3/1‬‬
‫فالنص ف سفر النب ملخي يتحدث عن اثني‪ ،‬أحدها الذي يهيئ الطريق أمام القادم من عند‬
‫الرب‪.‬‬
‫والثان هو الذي يأت بغتة إل اليكل‪ ،‬ويسميه‪ :‬السيد‪ ،‬وملك العهد‪ .‬وهو الذي يطلبه بنو‬
‫إسرائيل وينتظرونه‪.‬‬
‫وف آخر سفره يقول ملخي‪ ،‬وحديثه مازال متصلً عن هذا القادم وعن تبديل بن إسرائيل‬
‫وكفرهم فيقول‪ " :‬اذكروا شريعة موسى عبدي الت أمرته با ف حوريب على كل إسرائيل‬
‫الفرائض والحكام‪ .‬هأنذا أرسل إليكم إيّليا النب قبل ميء يوم الرب اليوم العظيم والخوف‪ ،‬فيد‬
‫قلب الباء على البناء وقلب البناء على آبائهم‪ ،‬لئل آت وأضرب الرض بلعن " (ملخي ‪4/4‬‬
‫‪.)5 -‬‬
‫فقد سى ملخي النب القادم إيليا بعد أن ذكرهم بوصية موسى على جبل حوريب والت ذكر‬
‫فيها موسى النب القادم مثله من بي إخوة بن إسرائيل‪ ،‬قال الفسر صاحب "تفة اليل"‪ " :‬إن‬
‫إيلياء الرسول الذكور ف آخر سفر ملخي هو ملغوز‪ ،‬وهذا هو حب العال الذي يأت ف آخر‬
‫(‪)2‬‬
‫الزمان "‪.‬‬
‫ويرى النصارى أن النب الذي يهد الطريق هو يوحنا العمدان السمى بإيليا ف النص يقول‬
‫مرقس‪ " :‬كما هو مكتوب ف النبياء ها أنا أرسل ملكي الذي يهيئ طريقك قدامك ‪ ..‬كان يوحنا‬

‫‪( )(1‬أ=‪ ،1‬ي=‪ ،10‬ل=‪ ،)30‬وهو ما تساويه كلمة أحد (أ=‪ ،1‬ح=‪ ،8‬م=‪ ،40‬د=‪.)4‬‬
‫‪ )(2‬انظر ‪ :‬الفارق بي الخلوق والالق‪ ،‬عبد الرحن باجي البغدادي ‪ ،‬ص (‪. )654‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 71‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫العمدان يعمد ف البية ‪ ...‬وكان يكرز قائلً‪ :‬يأت بعدي من أقوى من‪ ،‬الذي لست أهلً أن أنن‬
‫وأحل سيور حذائه‪ ،‬أنا عمدتكم بالاء‪ ،‬وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس‪ ،‬وف تلك اليام جاء‬
‫يسوع‪( " ..‬مرقس ‪ ،)9 - 1/2‬وهو ما نقله لوقا عن لسان السيح‪ " :‬بل ماذا خرجتم لتنظروا‪،‬‬
‫أنبيا؟ نعم أقول لكم‪ :‬وأفضل من نب‪ ،‬هذا هو الذي كتب عنه‪ :‬ها أنا أرسل أمام وجهك ملكي‬
‫الذي يهيئ طريقك قدامك‪ ،‬لن أقول لكم‪ :‬إنه بي الولودين من النساء ليس نب أعظم من يوحنا‬
‫العمدان‪ ،‬ولكن الصغر ف ملكوت ال أعظم منه" (لوقا ‪.)7/26‬‬
‫فالمهِد للطريق‪ -‬حسب رأي النصارى‪ -‬هو يوحنا العمدان‪ ،‬والمهد له النتظر هو عيسى‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫ويعتبون الول إيليا لقول مت على لسان السيح ف سياق حديثه عن يوحنا العمدان‪ " :‬ماذا‬
‫خرجتم لتنظروا‪ .‬أنبيا؟ نعم أقول لكم وأفضل من نب‪ ،‬فإن هذا هو الذي كتب عنه‪ :‬ها أنا أرسل‬
‫أمام وجهك ملكي الذي يهيئ طريقك قدامك‪ .‬الق أقول لكم‪ :‬ل يقم بي الولودين من النساء‬
‫أعظم من يوحنا العمدان‪ ،‬ولكن الصغر ف ملكوت السماوات أعظم منه ‪ ...‬لن جيع النبياء‬
‫والناموس إل يوحنا تنبئوا‪ .‬وإن أردت أن تقبلوا فهذا هو إيليا الزمع أن يأت‪ ،‬من له أذنان للسمع‬
‫فليسمع " (مت ‪.)15 - 11/9‬‬
‫ويذكر مت أيضا بأن السيح قال‪ " :‬إن إيليا يأت أولً ويرد كل شيء‪ ،‬ولكن أقول لكم‪ :‬إن‬
‫إيليا قد جاء ول يعرفوه ‪ ...‬حينئذ فهم التلميذ أنه قال لم عن يوحنا العمدان " (مت ‪- 17/10‬‬
‫‪.)13‬‬
‫وهكذا يرى النصارى أن البشِر المهد للطريق هو يوحنا (إيليا)‪ ،‬والبشَر به هو السيح‪.‬‬
‫والصحيح أن إيليا رمز للنب القادم‪ ،‬وليس للنب المهد لطريقه‪.‬‬
‫وقبل أن نلج لفهم حقيقة هذه النبوءة نرى لزاما أن ننبه ببعض ما تعرضت له هذه النصوص‬
‫من تريف‪ ،‬ففي ملخي " ملك العهد "‪ ،‬وهو ف الترجات القدية‪" :‬رسول التان"‪ ،‬وف الترجة‬
‫الديثة يقول‪" :‬أرسل ملكي"‪ ،‬وف القدية‪ " :‬أرسل رسول "‪ ،‬وف بعض الطبعات‪ " :‬يأت السيد "‬
‫وف بعضها‪ " :‬الول "‪ ،‬وف أخرى‪ " :‬إيليا "‪.‬‬
‫وف نصوص الناجيل تريف للقتباس من ملخي الذي استعمل ضمي التكلم " الطريق‬
‫أمامي"‪ ،‬وف الناجيل أصبح الضمي راجعا على السيح " يهيئ طريقك قدامك "‪.‬‬
‫كما نرى يد التحريف قد طالت كلم السيح والعمدان حي زعم النيليون أن السيح اعتب‬
‫العمدان هو المهد لدعوته "هذا هو الذي كتب عنه‪ :‬ها أنا أرسل أمام وجهك ملكي الذي يهيئ‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 72‬‬

‫طريقك قدامك " (لوقا ‪ ،)7/26‬وأنه ساه إيليا النتظر "ولكن أقول لكم‪ :‬إن إيليا قد جاء ول‬
‫يعرفوه ‪ ...‬حينئذ فهم التلميذ أنه قال لم عن يوحنا العمدان " (مت ‪.)13 - 17/12‬‬
‫ومن التحريف قولم أن العمدان أخب أن القوي الذي بشر بقدومه بعده هو السيح "ولكن ف‬
‫وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه‪ ،‬هو الذي يأت بعدي الذي صار قدامي‪ ،‬الذي لست بستحق أن‬
‫أحل سيور حذائه ‪ ..‬وف الغد نظر يوحنا يسوع مقبلً إليه فقال‪ :‬هوذا حل ال الذي يرفع خطية‬
‫العال‪ ،‬هذا هو الذي قلت عنه‪ :‬يأت بعدي رجل صار قدامي‪ ،‬لنه كان قبلي" (يوحنا ‪.)40-1/26‬‬
‫ودعوانا التحريف ليس مردها عدم اتفاق هذه النصوص مع السألة الت نن بصدد إثباتا‪ ،‬بل‬
‫مرده أن يوحنا العمدان أنكر أن يكون هو النب إيليا المهد بي يدي السيد القادم‪ ،‬فقد نفى هو‬
‫ذلك عن نفسه لا جاءه رسل اليهود من الكهنة واللويي " ليسألوه من أنت؟ فاعترف ول ينكر‪،‬‬
‫وأقر‪ :‬إن لست أنا السيح‪.‬‬
‫فسألوه إذا ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال‪ :‬لست أنا‪ .‬النب أنت؟ فأجاب‪ :‬ل " (يوحنا ‪،)21 - 1/19‬‬
‫فهذا نص صريح ينكر فيه يوحنا أنه إيليا المهد للطريق ‪ ،‬كما هو ليس السيح النتظر أو النب‬
‫القادم‪.‬‬
‫ويلزم من قول العمدان تكذيب السيح ف قوله بأن إيليا قد جاء أو أن يكون العمدان كاذبا‬
‫حي أنكر أنه إيليا‪ ،‬أو يلزم القول بأن التلميذ ل يفهموا كلم السيح‪ ،‬وهذا الخي هو الول‪ ،‬فقد‬
‫أخطأ مت حي قال‪ " :‬حينئذ فهم التلميذ أنه قال لم عن يوحنا العمدان "‪ ،‬لقد ظنوا أنم فهموا‪،‬‬
‫بينما القيقة أنم ل يفهموا‪ ،‬لقد كان يدثهم عن نفسه‪ ،‬فهو النب القادم الذي يهيئ الطريق للقادم‬
‫النتظر " هأنذا أرسل ملكي‪ ،‬فيهيء الطريق أمامي‪ ،‬ويأت بغتة إل هيكله السيدُ الذي تطلبونه‪،‬‬
‫وملك العهد الذي تسرون به‪ ،‬هو ذا يأت‪ ،‬قال رب النود"‪.‬‬
‫ث إن صفات إيليا ل تنطبق على العمدان‪ ،‬لنه يأت بعد السيح‪ ،‬فقد قال السيح عنه‪ " :‬إيليا‬
‫الزمع أن يأت" والسيح والعمدان متعاصران‪.‬‬
‫وعندما يأت إيليا فإنه " يرد كل شيء "‪ ،‬و " فيد قلب الباء على البناء‪ ،‬وقلب البناء على‬
‫آبائهم "‪ ،‬ومثل هذا ل ينقل عن العمدان الذي عاش ف الصحراء‪ ،‬طعامه الراد والعسل‪ ،‬ولباسه‬
‫وبر البل‪ ،‬وغاية ما صنعه تعميد من جاءه تائبا‪( .‬انظر مت ‪.)5 - 3/1‬‬
‫ول يكن التسليم بأن العمدان كان تهيدا للمسيح‪ ،‬إذ كيف يقال ذلك‪ ،‬والعمدان قبيل مقتله‬
‫‪ -‬حسب الناجيل ‪ -‬ل يعرف حقيقة السيح‪ ،‬ويرسل تلميذه ليسألوا السيح " أنت هو الت أم‬
‫ننتظر غيك؟ " (مت ‪.)11/3‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 73‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫فكيف يقال بأنه أرسل بي يديه‪ ،‬وهو ل يعرف حقيقته؟ ث ماذا صنع يوحنا بي يدي مقدم‬
‫السيح؟ هل صنع شيئا يتعلق بالهمة الت تزعمها الناجيل له؟‬
‫ل يرد عنه سوى البشارة باللكوت كما بشر به السيح بعده‪( .‬انظر مت ‪ )3/1‬كما كان يعمد‬
‫الذين يأتونه معترفي بطاياهم‪( .‬انظر مت ‪ ،)3/6‬وهذا الذي صنعه السيح أيضا‪ ،‬وهو ما يؤكد أن‬
‫دعوتما واحدة‪ ،‬أل وهي البشارة بالنب نب اللكوت‪ ،‬كما قال‪ " :‬فقال لم‪ :‬إنه ينبغي ل أن‬
‫أبشر الدن الخر أيضا بلكوت ال‪ ،‬لن لذا قد أرسلت" (لوقا ‪ ،)4/34‬فقد أرسل للبشارة‬
‫باللكوت القادم‪ ،‬فهو مهد ومبشر بي يديه‪.‬‬
‫والق أن العمدان وعيسى صاحبا دعوة واحدة‪ ،‬أي كلها بعث مبشرا بالنب الات‪ ،‬فهما‬
‫البشِران بالنب الات‪ ،‬والذي أساه مت بلكوت السماوات‪ ،‬فقد بشر باقتراب عصره النب يوحنا‬
‫العمدان‪ " ،‬جاء يوحنا العمدان يكرز ف برية اليهودية قائلً‪ :‬توبوا لنه قد اقترب ملكوت‬
‫السماوات " (مت ‪.)2 - 3/1‬‬
‫وبعد وفاة يوحنا العمدان جدد يسوع البشارة باللكوت‪ " ،‬ابتدأ يسوع يكرز ويقول‪ :‬توبوا‬
‫لنه قد اقترب ملكوت السماوات " (مت ‪ " ،)4/17‬وكان يسوع يطوف كل الليل يعلم ف‬
‫مامعهم ويكرز ببشارة اللكوت " (مت ‪.)4/23‬‬
‫وأمر تلميذه بأن يبشروا باقتراب اللكوت فقال‪ " :‬اكرزوا قائلي‪ :‬إنه قد اقترب ملكوت‬
‫السماوات " (مت ‪ ،)10/7‬لقد كانت دعوتما واحدة‪ ،‬وهي البشارة والتمهيد للنب القادم‪.‬‬
‫وكما ل يتحقق ف العمدان صفات المهد للنب القادم‪ ،‬فإن الصفات الت ذكرها يوحنا العمدان‬
‫للت بعده ل تتحقق ف السيح‪ ،‬فقد قال العمدان‪ " :‬أنا أعمدكم باء التوبة‪ ،‬ولكن الذي يأت بعدي‬
‫ل أن أحل حذاءه‪ ،‬هو سيعمدكم بالروح القدس ونار‪ ،‬الذي رفشه ف‬
‫هو أقوى من‪ ،‬الذي لست أه ً‬
‫يده‪ ،‬وسينقي بيدره‪ ،‬ويمع قمحه إل الخزن‪ ،‬وأما التب فيحرقه بنار ل تطفأ‪ ،‬حينئذٍ جاء يسوع من‬
‫الليل إل الردن إل يوحنا ليعتمد منه " (مت ‪.)13 - 3/11‬‬
‫فقد وصف العمدان النب القادم بعده بأنه " أقوى من"‪ ،‬وليس ف دعوة السيح أو حياته‬
‫الشخصية ما يشي إل هذه القوة‪ ،‬فكلها ل يبعث بشرع جديد‪ ،‬كما ل يلك على قومه‪ ،‬ول يكن‬
‫ل منهما مات مقتولً! فأين القوة‬
‫لي منهما نفوذ أو سلطان‪ ،‬بل تزعم النصارى ‪ -‬باطلً ‪ -‬أن ك ً‬
‫الت ذكرها العمدان؟‬
‫وذكر العمدان أن الت بعده يعمد بالروح والنار‪ ،‬أي يلك سلطان الدين والدنيا لتغيي النكر‬
‫والفز على التوبة‪ ،‬فهو ل يتوقف عن حدود الطهارة الظاهرية للجسد بالغتسال بالاء‪ ،‬بل يهتم‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 74‬‬

‫بطهارة الباطن‪ ،‬ووسيلته ما يأت به روح القدس (جبيل) من وحي وبلغ وبيان‪ ،‬كما قام بتطهي‬
‫كثي من الرض من الوثنية بالنار‪.‬‬
‫ومثل هذه العمودية ل يفعلها السيح الذي عمد تلميذه بالاء‪ ،‬وكانت بشارته استمرارا‬
‫لعمودية العمدان‪ ،‬وهي البشارة بالتوبة ومغفرة الطايا فإن السيح دعا ‪ -‬بعد حادثة الصلب‬
‫والقيامة ‪ -‬كل واحد من تلميذه "أن يُكرز باسه بالتوبة ومغفرة الطايا" (لوقا ‪ ،)24/47‬فلم‬
‫تتلف معموديته عن معمودية العمدان ف شيء‪( .‬انظر يوحنا ‪.)23 – 3/22‬‬
‫واستمر تلميذه بعده يعمدون بالاء كما كان العمدان يعمد‪ ،‬ولا جاء بولس إل جاء إل‬
‫أفسس‪ ،‬فإذ وجد تلميذ قال لم‪ :‬هل قبلتم الروح القدس لا آمنتم‪ .‬قالوا له‪ :‬ول سعنا أنه يوجد‬
‫الروح القدس‪ .‬فقال لم‪ :‬فبماذا اعتمدت؟ فقالوا‪ :‬بعمودية يوحنا‪ .‬فقال بولس‪ :‬إن يوحنا عمد‬
‫ل للشعب أن يؤمنوا بالذي يأت بعده‪ ،‬أي بالسيح يسوع‪ ،‬فلما سعوا اعتمدوا‬
‫بعمودية التوبة قائ ً‬
‫باسم الرب يسوع" (أعمال ‪ ،)5-19/1‬ولو كان للمسيح تعميد يالف ما عليه تعميد العمدان‬
‫لعرف بي التلميذ وشاع‪.‬‬
‫كما ل يقق السيح قول العمدان عن النب الت‪" :‬رفشه ف يده‪ ،‬وسينقي بيدره‪ ،‬ويمع قمحه‬
‫إل الخزن‪ ،‬وأما التب فيحرقه بنار ل تطفأ " وهذه كناية يفسرها الدكتور وليم أدي بقوله‪ " :‬كناية‬
‫عن ناية العمل كله‪ ،‬ويكن أن يكون القصد من هذا التشبيه‪ :‬الشارة إل تأديب ال للناس‬
‫وقصاصه لم ف هذه الياة"‪ ،‬بل هو كناية أبعد من ذلك‪ ،‬إذ تبي سلطانه الذي ينقي الصل الذي‬
‫أنـزله ال على أنبيائه ما علق فيه‪ ،‬فيحذف الترهات الدخيلة ويزيفها‪.‬‬
‫وعليه فالت البشر به هو ممد ‪ ،‬وهو فقط الذي أتى إل أرض القدس واليكل بغتة يوم‬
‫أسري به إل بيت القدس‪ ،‬بينما نشأ السيح ويوحنا ف ربوع اليكل‪.‬‬
‫وهو النب الذي سته بعض الترجات برسول التان‪ ،‬إذ كان قد دعا إليه ونبه إل أنه من سنن‬
‫الدى‪ ،‬والتزمه السلمون بعده‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 75‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫الصغر في ملكوت الله‬


‫وثة بشارة أخرى جاءت على لسان السيح تبشر بالسيح النتظر ‪ ،‬وتؤكد أنه أعظم النبياء‪،‬‬
‫وأنه النب السمى إيليّا‪ ،‬وأنه الذي تقاطرت النبوات على البشارة به ‪ ،‬يقول السيح‪ " :‬الق الق‬
‫أقول لكم‪ :‬ل يقم بي الولودين من النساء أعظم من يوحنا العمدان‪ ،‬ولكن الصغر ف ملكوت‬
‫السماوات أعظم منه ‪ ..‬لن جيع النبياء والناموس إل يوحنا تنبؤوا‪ ،‬وإن أردت أن تقبلوا فهذا هو‬
‫إيليا الزمع أن يأت‪ ،‬من له أذنان للسمع فليسمع " (مت ‪ ،)15 - 11/11‬فالصغر ف ملكوت‬
‫السماوات هو إيلياء الزمع أن يأت‪ ،‬الذي تنبأ به النبياء‪ ،‬نبيا تلو نب‪ ،‬وكان آخرهم يوحنا‬
‫العمدان‪.‬‬
‫فمن هو إيليّا‪ ،‬الصغر ف ملكوت السماوات؟ إنه ممد رسول ال ‪ r‬الذي صغر بتأخره ف‬
‫الزمان عن سائر النبياء‪ ،‬لكنه فاقهم جيعا باكتمال رسالته ورضا ال بدينه دينا خاتا إل قيام‬
‫الساعة‪ ،‬فإن ل يكن ممدا ‪ r‬فمن ذا يكون؟‬
‫ول يكن لنصران أن يدعي بأن عيسى هو آخر الرسل والنبياء ليانم برسالة تلميذه بل‬
‫وغيهم كبولس‪ ،‬كما ل تكمل رسالته عليه السلم بدليل التعديل والنسخ الذي أجراه الواريون‬
‫عليها ف الجمع الورشليمي الول بزعم التيسي على التنصرين‪ ،‬فأبطلوا التان‪ ،‬وأحلوا بعض‬
‫مرمات التوراة‪.‬‬
‫وعليه فل تصدق على السيح كلمة " الصغر "‪ ،‬لنه ليس آخر النبياء‪ ،‬كما أنه ل يصرح‬
‫ول يفهم أنه كان يتحدث عن نفسه حي قال‪ " :‬ولكن الصغر ف ملكوت السماوات أعظم منه ‪..‬‬
‫لن جيع النبياء والناموس إل يوحنا تنبؤوا‪ ،‬وإن أردت أن تقبلوا فهذا هو إيليّا الزمع أن يأت‪ ،‬من‬
‫له أذنان للسمع فليسمع " (مت ‪.)15 - 11/11‬‬
‫وهذا الصغر إنا يأت ف ملكوت السماوات الت ل تكن قد قامت يومذاك‪ ،‬وهو مزمع أن يأت‬
‫ولا يأت بعد‪ ،‬إنه ممد ‪.r‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 76‬‬

‫المسيح يبشر بالبارقليط‬


‫لكن أعظم بشارات العهد الديد بالنب الات هي نبوءات السيح عن ميء البارقليط رئيس‬
‫هذا العال‪ ،‬وحسب نسخة الرهبانية اليسوعية "سيد هذا العال"‪.‬‬
‫وينفرد يوحنا ف إنيله بذكر هذه البشارات التوالية من السيح بذا النب النتظر‪ ،‬حيث يقول‬
‫السيح موصيا تلميذه‪ " :‬إن كنتم تبونن فاحفظوا وصاياي‪ ،‬وأنا أطلب من الب فيعطيكم معزيا‬
‫آخر‪ ،‬ليمكث معكم إل البد‪ ،‬روح الق الذي ل يستطيع العال أن يقبله‪ ،‬لنه ل يراه ول يعرفه‪،‬‬
‫وأما أنتم فتعرفونه لنه ماكث معكم‪ ،‬ويكون فيكم ‪ ...‬إن أحبن أحد يفظ كلمي‪ ،‬ويبه أب وإليه‬
‫نأت‪ ،‬وعنده نصنع منـزلً‪.‬‬
‫الذي ل يبن ل يفظ كلمي‪ ،‬والكلم الذي تسمعونه ليس ل‪ ،‬بل للب الذي أرسلن‪ ،‬بذا‬
‫كلمتكم وأنا عندكم‪ ،‬وأما العزي الروح القدس الذي سيسله الب باسي فهو يعلمكم كل شيء‪،‬‬
‫ويذكركم بكل ما قلته لكم …‪ .‬قلت لكم الن قبل أن يكون‪ ،‬حت مت كان تؤمنون‪ ،‬ل أتكلم‬
‫أيضا معكم كثيا‪ ،‬لن رئيس هذا العال يأت‪ ،‬وليس له فّ شيء " (يوحنا ‪.)30 – 14/15‬‬
‫وف الصحاح الذي يليه يعظ السيح تلميذه طالبا منهم حفظ وصاياه‪ ،‬ث يقول‪ " :‬مت جاء‬
‫العزي الذي سأرسله أنا إليكم من الب‪ ،‬روح الق الذي من عند الب ينبثق‪ ،‬فهو يشهد ل‪،‬‬
‫وتشهدون أنتم أيضا لنكم معي ف البتداء‪.‬‬
‫قد كلمتكم بذا لكي ل تعثروا‪ ،‬سيخرجونكم من الجامع‪ ،‬بل تأت ساعة فيها يظن كل من‬
‫يقتلكم أنه يقدم خدمة ل ‪ ...‬قد مل الزن قلوبكم‪ ،‬لكن أقول لكم الق‪ :‬إنه خي لكم أن أنطلق‪،‬‬
‫لنه إن ل أنطلق ل يأتيكم العزي‪ ،‬ولكن إن ذهبت أرسله إليكم‪.‬‬
‫ومت جاء ذاك يبكت العال على خطية وعلى بر وعلى دينونة‪ ،‬أما على خطية فلنم ل يؤمنون‬
‫ب‪ ،‬وأما على بر فلن ذاهب إل أب ول ترونن أيضا‪ ،‬وأما على دينونة فلن رئيس هذا العال قد‬
‫دين‪.‬‬
‫إن ل أمورا كثية أيضا لقول لكم‪ ،‬ولكن ل تستطيعون أن تتملوا الن‪ ،‬وأما مت جاء ذاك‪،‬‬
‫روح الق‪ ،‬فهو يرشدكم إل جيع الق‪ ،‬لنه ل يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به‪،‬‬
‫ويبكم بأمور آتية‪ ،‬ذاك يجدن‪ ،‬لنه يأخذ ما ل ويبكم" (يوحنا ‪.)16/14 - 15/26‬‬
‫ففي هذه النصوص يتحدث السيح عن صفات الت بعده‪ ،‬فمن هو هذا الت؟‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 77‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫البارقليط عند النصارى‬


‫ييب النصارى بأن الت هو روح القدس الذي نزل على التلميذ يوم المسي ليعزيهم ف‬
‫فقدهم للسيد السيح‪ ،‬وهناك " صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة‪ ،‬ومل كل‬
‫البيت حيث كانوا جالسي‪ ،‬وظهرت لم ألسنة منقسمة كأنا من نار‪ ،‬واستقرت على كل واحد‬
‫منهم‪ ،‬وامتل الميع من الروح القدس‪ ،‬وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن‬
‫ينطقوا " (أعمال ‪.)4 - 2/1‬‬
‫ول تذكر أسفار العهد الديد شيئا ‪ -‬سوى ما سبق ‪ -‬عن هذا الذي حصل يوم المسي من‬
‫قيامة السيح‪.‬‬
‫يقول النبا أثناسيوس ف تفسيه لنيل يوحنا‪ " :‬البارقليط هو روح ال القدوس نفسه العزي‪،‬‬
‫البارقليط‪ :‬العزي " الروح القدس الذي يرسله الب باسي " (يوحنا ‪ ،)14/26‬وهو الذي نزل‬
‫عليهم يوم المسي (أعمال ‪ )4 - 2/1‬فامتلوا به وخرجوا للتبشي‪ ،‬وهو مع الكنيسة وف‬
‫الؤمني‪ ،‬وهو هبة ملزمة لليان والعماد "‪.‬‬

‫البارقليط عند المسلمين‬


‫ويعتقد السلمون أن ما جاء ف يوحنا عن العزي رئيس هذا العال الت‪ ،‬إنا هو بشارة من‬
‫السيح بنبينا ‪ ،‬وذلك يظهر من أمور‪:‬‬
‫منها أن لفظة " العزي " لفظة حديثة استبدلتها التراجم الديدة للعهد الديد‪ ،‬فيما كانت‬
‫التراجم العربية القدية (‪1820‬م‪1831 ،‬م‪1844 ،‬م) تضع الكلمة اليونانية (البارقليط) كما هي‪،‬‬
‫وهو ما تصنعه كثي من التراجم العالية‪.‬‬
‫وف تفسي كلمة " بارقليط " اليونان نقول‪ :‬إن هذا اللفظ اليونان الصل‪ ،‬ل يلو من أحد‬
‫حالي‪ ،‬الول أنه "باراكلي توس"‪ .‬فيكون حسب قول النصارى بعن‪ :‬العزي والعي والوكيل‪.‬‬
‫والثان أنه " بيوكلوتوس "‪ ،‬فيكون قريبا من معن‪ :‬ممد وأحد‪.‬‬
‫ويقول أسقف بن سويف النبا أثناسيوس ف تفسيه لنيل يوحنا‪ " :‬إن لفظ بارقليط إذا‬
‫حرف نطقه قليلً يصي "بيكليت"‪ ،‬ومعناه‪ :‬المد أو الشكر‪ ،‬وهو قريب من لفظ أحد"‪.‬‬
‫ويسأل عبد الوهاب النجار الدكتور كارلو نيلنو ‪ -‬الاصل على الدكتوراه ف آداب اليهود‬
‫اليونانية القدية ‪ -‬عن معن كلمة " بيكلوتس " فيقول‪ " :‬الذي له حد كثي "‪.‬‬
‫وما يؤكد خطأ الترجة أن اللفظة اليونانية (بيكلوتس ) اسم ل صفة‪ ،‬فقد كان من عادة‬
‫اليونانيي زيادة السي ف آخر الساء‪ ،‬وهو ما ل يصنعونه ف الصفات‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 78‬‬

‫ويرى عبد الحد داود أن تفسي الكنيسة للبارقليط بأنه " شخص يدعى للمساعدة أو شفيع‬
‫أو مام أو وسيط " غي صحيح‪ ،‬فإن كلمة بارقليط اليونانية ل تفيد أيا من هذه العان‪ ،‬فالعزي ف‬
‫اليونانية يدعى (باراكالون أو باريوريتس)‪ ،‬والحامي تعريب للفظة (سانرس)‪ ،‬وأما الوسيط أو‬
‫الشفيع فتستعمل له لفظة " ميديتيا "‪ ،‬وعليه فعزوف الكنيسة عن معن المد إل أي من هذه‬
‫العان إنا هو نوع من التحريف‪.‬‬
‫ويوافقه الدكتور سيسون ف كتاب "الروح القدس أو قوة ف العال"‪ ،‬فيقول‪" :‬السم العزي‬
‫ليس ترجة دقيقة جدا"‪.‬‬
‫وما سبق يتضح أن ثة خلفا بي السلمي والنصارى ف الصل اليونان لكلمة " بارقليط "‬
‫حيث يعتقد السلمون أن أصلها " بيكلوتوس " وأن ثة تريفا قام به النصارى لخفاء دللة‬
‫الكلمة على اسم النب ‪ r‬أحد‪ :‬الذي له حد كثي‪.‬‬
‫ومثل هذا التحريف ل يستغرب وقوعه ف كتب القوم‪ ،‬ففيها من الطوام ما يعل تريف كلمة‬
‫" البيقليط " من السهل الي‪.‬‬
‫كما أن وقوع التصحيف والتغي ف الساء كثي عند الترجة بي اللغات وف الطبعات‪ ،‬فاسم‬
‫"بارباس" ف الترجة البوتستانتية هو ف نسخة الكاثوليك " بارابا "‪ ،‬وكذا (السيا‪ ،‬ماشيح)‬
‫و(شيلون‪ ،‬شيلوه) وسوى ذلك‪ ،‬وكلمة " البارقليط " مترجة عن السريانية لغة السيح الصلية فل‬
‫يبعد أن يقع مثل هذا التحوير حي الترجة‪.‬‬
‫وللء التحريف ف هذه الفقرة فإن أدوين جونس ف كتابه " نشأة الديانة السيحية " يعترف‬
‫بأن معن البارقليط‪ :‬ممد‪ ،‬لكنه يطمس اعترافه بكذبة وطامّة ل تنطلي على أهل العلم والتحقيق‪،‬‬
‫ل منهم بعد ظهور السلم وتأثرهم‬
‫فيقول بأن السيحيي أدخلوا هذا السم ف إنيل يوحنا جه ً‬
‫بالثقافة الدينية للمسلمي‪.‬‬

‫البارقليط بشر نبي‪ ،‬وليس روح القدس‬


‫وأيا كان العن للبارقليط‪ :‬أحد أو العزي فإن الوصاف والقدمات الت ذكرها السيح‬
‫للبارقليط تنع أن يكون القصود به روح القدس‪ ،‬وتؤكد أنه كائن بشري يعطيه ال النبوة‪ .‬وذلك‬
‫واضح من خلل التأمل ف نصوص يوحنا عن البارقليط‪.‬‬
‫‪ -‬فإن يوحنا استعمل ف حديثه عن البارقليط أفعالً حسية (الكلم‪ ،‬والسمع‪ ،‬والتوبيخ) ف‬
‫قوله‪ " :‬كل ما يسمع يتكلم به " وهذه الصفات ل تنطبق على اللسنة النارية الت هبت على‬
‫التلميذ يوم المسي‪ ،‬إذ ل ينقل أن اللسنة النارية تكلمت يومذاك بشيء‪ ،‬وأما الروح فغاية ما‬
‫يصنعه إنا هو اللام القلب‪ ،‬وأما الكلم فهو صفة بشرية‪ ،‬ل روحية‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 79‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وقد فهم أوائل النصارى قول يوحنا بأنه بشارة بكائن بشري‪ ،‬وادعى مونتنوس ف القرن الثان‬
‫(‪187‬م) أنه البارقليط القادم‪ ،‬ومثله صنع مان ف القرن الرابع فادعى أنه البارقليط‪ ،‬وتشبه بالسيح‬
‫فاختار اثنا عشر تلميذا وسبعون أسقفا أرسلهم إل بلد الشرق‪ ،‬ولو كان فهمهم للبارقليط أنه‬
‫(‪)1‬‬
‫القنوم الثالث لا ترؤوا على هذه الدعوى‪.‬‬
‫‪ -‬ومن صفات الت أنه ييء بعد ذهاب السيح من الدنيا‪ ،‬فالسيح وذلك الرسول العزي ل‬
‫يتمعان ف الدنيا‪ ،‬وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن العزى ل يكن أن يكون الروح القدس الذي أيد‬
‫السيح طيلة حياته‪ ،‬بينما العزي ل يأت الدنيا والسيح فيها " إن ل أنطلق ل يأتيكم العزي"‪.‬‬
‫وروح القدس سابق ف الوجود على السيح‪ ،‬وموجود ف التلميذ من قبل ذهاب السيح‪ ،‬فقد‬
‫كان شاهدا عند خلق السماوات والرض‪( .‬انظر التكوين ‪ ،)1/2‬وكان مع بن إسرائيل طويلً‬
‫"أين الذي جعل ف وسطهم روح قدسه" (إشعيا ‪.)63/11‬‬
‫وكان لروح القدس دور ف ولدة عيسى‪ ،‬حيث أن أمه " وجدت حبلى من الروح القدس‬
‫" (مت ‪ ،)1/18‬فدل ذلك على وجوده‪.‬‬
‫كما اجتمعا سويا يوم تعميد السيح‪ ،‬حي "نـزل عليه الروح القدس بيئة جسمية مثل حامة"‬
‫(لوقا ‪ ،)3/22‬فالروح القدس موجود مع السيح وقبله‪ ،‬وأما العزي " إن ل أنطلق ل يأتيكم "‪،‬‬
‫فهو ليس الروح القدس‪ .‬والقادم النتظر سيد هذا العال ل يأت بعد‪ ،‬ففي الرهبانية اليسوعية ‪" :‬لن‬
‫سيد هذا العال آت‪ ،‬وليس له يد علي"‪.‬‬
‫‪ -‬وما يدل على بشرية الروح القدس أنه من نفس نوع السيح‪ ،‬والسيح كان بشرا‪ ،‬وهو يقول‬
‫عنه‪" :‬وأنا أطلب من الب فيعطيكم معزيا آخر"‪ ،‬وهنا يستخدم النص اليونان كلمة (‪ )allon‬وهي‬
‫تستخدم للدللة على الخر من نفس النوع‪ ،‬فيما تستخدم كلمة (‪ )hetenos‬للدللة على آخر من‬
‫نوع مغاير‪ .‬وإذا قلنا إن القصود من ذلك رسول آخر أصبح كلمنا معقولً‪ ،‬ونفتقد هذه العقولية‬
‫إذا قلنا‪ :‬إن القصود هو روح القدس الخر‪ ،‬لن روح القدس واحد وغي متعدد‪.‬‬
‫‪ -‬ث إن الت عرضة للتكذيب من قبل اليهود والتلميذ‪ ،‬لذا فإن السيح يكثر من الوصية‬
‫باليان به وأتباعه‪ ،‬فيقول لم‪ " :‬إن كنتم تبونن فاحفظوا وصاياي "‪ ،‬ويقول‪ " :‬قلت لكم قبل أن‬
‫يكون‪ ،‬حت إذا كان تؤمنوا "‪ ،‬ويؤكد على صدقه فيقول‪ " :‬ل يتكلم من نفسه‪ ،‬بل كل ما يسمع‬
‫يتكلم به"‪.‬‬

‫‪ )(1‬انظر ‪ :‬الواب الفسيح لا لفقه عبد السيح‪ ،‬خي الدين اللوسي (‪ ، )291 – 1/286‬ممد ف الكتاب‬
‫القدس ‪ ،‬عبد الحد داود ‪ ،‬ص (‪ ، )225-224‬البشارة بنب السلم ف التوراة والنيل‪ ،‬أحد حجازي السقا (‬
‫‪.)278 – 2/276‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 80‬‬

‫وهذه الوصاة ل معن لا إن كان الت هو الروح القدس‪ ،‬حيث نزل على شكل ألسنة نارية‪،‬‬
‫فكان أثرها ف نفوسهم معرفتهم للغات متلفة‪ ،‬فمثل هذا ل يتاج إل وصية لليان به والتأكيد‬
‫على صدقه‪ ،‬لنه يقوم ف القلب من غي حاجة لرده أو قدرة على تكذيبه‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن الروح القدس أحد أطراف الثالوث‪ ،‬وينبغي وفق عقيدة النصارى أن يكون التلميذ‬
‫مؤمني به‪ ،‬فلم أوصاهم باليان به؟‬
‫‪ -‬وروح القدس وفق كلم النصارى إله مساو للب ف ألوهيته‪ ،‬وعليه فهو يقدر أن يتكلم من‬
‫عند نفسه‪ ،‬وروح الق الت " ل يتكلم من نفسه‪ ،‬بل كل ما يسمع يتكلم به"‪.‬‬
‫‪ -‬ودل نص يوحنا على تأخر زمن إتيان البارقليط‪ ،‬فقد قال السيح لم‪ " :‬إن ل أمورا كثية‬
‫أيضا لقول لكم‪ ،‬ولكن ل تستطيعون أن تتملوا الن‪ ،‬وأما مت جاء ذاك روح الق فهو يرشدكم‬
‫إل جيع الق "‪ ،‬فثمة أمور يب با هذا النب ل يستطيع التلميذ إدراكها‪ ،‬لن البشرية ل تصل‬
‫لالة الرشد التام ف فهم هذا الدين الكامل الذي يشمل مناحي الياة الختلفة‪ ،‬ومن غي العقول أن‬
‫تكون إدراكات التلميذ قد اختلفت خلل عشرة أيام من صعود السيح إل السماء‪ ،‬وليس ف‬
‫النصوص ما يدل على مثل هذا التغيي‪.‬‬
‫بل إن النصارى ينقلون عنهم أنم بعد نزول الروح عليهم قد أسقطوا كثيا من أحكام‬
‫الشريعة وأحلوا الحرمات‪ ،‬فسقوط الحكام عندهم أهون من زيادةٍ ما كانوا ليحتملوها أو‬
‫يطيقوها زمن السيح‪ .‬فالبارقليط يأت بشريعة ذات أحكام تثقل على الكلفي الضعفاء‪ ،‬كما قال‬
‫ل { (الزمل‪.)5 :‬‬
‫ال‪ } :‬إنا سنلقي عليك قولً ثقي ً‬
‫‪ -‬كما أن السيح أخب أنه قبل أن يأت البارقليط ستقع أحداث هامة وبارزة " سيخرجونكم من‬
‫الجامع‪ ،‬بل تأت ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة ل"‪ ،‬وهذا المر إنا حصل بعد‬
‫المسي‪ ،‬بل بعد قرون من رفع السيح‪ ،‬فالنص ل يتحدث عن اضطهاد الرومان أو اليهود لتباع‬
‫السيح‪ ،‬وإنا يتحدث عن اضطهاد رجالت الكنيسة لتباع السيح الوحدين‪ ،‬وهم ‪ -‬أي رجال‬
‫الكهنوت ‪ -‬يظنون أنم بذلك يسنون صنعا‪ ،‬ويقدمون خدمة ل ودينه‪ ،‬فقررت مامعهم طرد‬
‫آريوس والوحدين‪ ،‬وأخرجوهم من الجامع الكنسية ‪ ،‬وحكموا عليهم بالرمان والضطهاد‪،‬‬
‫واستمر الضطهاد بأتباع السيح حت ندر الوحدون قبيل ظهور السلم‪.‬‬
‫‪ -‬وذكر يوحنا أن السيح خبّر تلميذه بأوصاف البارقليط‪ ،‬والت ل تتمثل بالروح القدس الال‬
‫على التلميذ يوم المسي‪ ،‬فهو شاهد تنضاف شهادته إل شهادة التلميذ ف السيح " فهو يشهد‬
‫ل‪ ،‬وتشهدون أنتم أيضا " فأين شهد الروح القدس للمسيح؟ وب شهد؟‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 81‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫بينا ند أن رسول ال شهد للمسيح بالباءة من الكفر وادعاء اللوهية والبنوة ل‪ ،‬كما‬
‫شهد بباءة أمه ما رماها به اليهود } وبكفرهم وقولم على مري بتانا عظيما {(النساء‪.)156 :‬‬
‫‪ -‬وأخب السيح عن تجيد الت له‪ ،‬فقال‪" :‬ذاك يجدن‪ ،‬لنه يأخذ ما ل ويبكم" ول يجد‬
‫السـيح أحد ظـهر بعده كما مده نب السلم ‪ ،‬فقد أثن عليه‪ ،‬وبيّن فضله على سائر العالي‪.‬‬
‫ف حي أنه ل ينقل لنا أي من أسفار العهد الديد أن روح القدس أثن على السيح أو مده يوم‬
‫المسي‪ ،‬حي نزل على شكل ألسنة نارية‪.‬‬
‫‪ -‬وأخب السيح أن البارقليط يكث إل البد‪ ،‬أي دينه وشريعته‪ ،‬بينا ند أن ما أعطيه التلميذ‬
‫من قدرات يوم المسي ‪ -‬إن صح ‪ -‬اختفت بوفاتم‪ ،‬ول ينقل مثله عن رجالت الكنيسة بعدهم‪.‬‬
‫وأما رسولنا فيمكث إل البد بديه ورسالته‪ ،‬وإذ ل نب بعده ول رسالة‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن البارقليط " يذكركم بكل ما قلته لكم " وليس من حاجة بعد رفعه بعشرة أيام إل‬
‫مثل هذا التذكي‪ ،‬ول ينقل العهد الديد أن روح القدس ذكرهم بشيء‪ ،‬بل إنا ند كتاباتم‬
‫ورسائلهم فيها ما يدل على تقادم الزمن ونسيان الكاتب لبعض التفاصيل الت يذكرها غيه‪ ،‬بينما‬
‫ذكر رسول ال بكل ما غفلت عنه البشرية من أوامر ال الت أنزلا على أنبيائه ومنهم السيح‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫‪ -‬والبارقليط له مهمات ل يقم با الروح القدس يوم المسي فهو " مت جاء ذاك يبكت العال‬
‫على خطية‪ ،‬وعلى بر‪ ،‬وعلى دينونة " ول يوبخ الروح القدس أحدا يوم المسي‪ ،‬بل هذا هو‬
‫صنيع رسول ال مع البشرية الكافرة‪.‬‬
‫ويرى عبد الحد داود أن التوبيخ على الب قد فسره السيح بقوله بعده‪ " :‬وأما على بر فلن‬
‫ذاهب إل أب ول ترونن "‪ ،‬ومعناه أنه سيوبخ القائلي بصلبه‪ ،‬النكرين لنجاته من كيد أعدائه‪ ،‬وقد‬
‫أخبهم أنه سيطلبونه ولن يدوه‪ ،‬لنه سيصعد إل السماء‪ " ،‬يا أولدي أنا معكم زمانا قليلً بعد‪،‬‬
‫ستطلبونن‪ ،‬وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا ل تقدرون أنتم أن تأتوا‪ ،‬أقول لكم أنتم الن ‪"...‬‬
‫(يوحنا ‪.)13/32‬‬
‫كما سيوبخ النب الت الشيطان ويدينه با يبثه من هدي ووحي "وأما على دينونة فلن رئيس‬
‫(‪)1‬‬
‫هذا العال قد دين"‪.‬‬

‫‪ )(1‬انظر ‪ :‬ممد ف الكتاب القدس‪ ،‬عبد الحد داود‪ ،‬ص (‪ ، )216‬التوراة والنيل والقرآن والعلم ‪ ،‬موريس‬
‫بوكاي ‪ ،‬ص (‪ ، )132 – 131‬البشارة بنب السلم ف التوراة والنيل‪ ،‬أحد حجازي السقا (‪- 2/272‬‬
‫‪.) 280 ، 274‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 82‬‬

‫وصفة التوبيخ ل تناسب من سي بالعزي‪ ،‬وقيل بأنه جاء إل التلميذ يعزيهم بفقد سيدهم‬
‫ونبيهم‪.‬‬
‫ث العزاء إنا يكون ف الصائب‪ ،‬والسيح كان يبشرهم بذهابه وميء الت بعده‪.‬‬
‫كما أن العزاء إنا يكون حي الصيبة وبعدها بقليل‪ ،‬وليس بعد عشرة أيام (موعد نزول الروح‬
‫القدس على التلميذ)‪ ،‬ث لاذا ل يقدم العزي القادم العزاء لم السيح‪ ،‬فقد كانت أول به‪.‬‬
‫ث ل يوز للنصارى أن يعتبوا قتل السيح على الصليب مصيبة تستوجب العزاء‪ ،‬إذ هو‬
‫برأيهم سبب اللص والسعادة البدية للبشرية‪ ،‬فوقوعه فرحة ما بعدها فرحة‪ ،‬وإصرار النصارى‬
‫على أن التلميذ احتاجوا لعزاء الروح القدس يبطل عقيدة الفداء واللص‪.‬‬
‫ومن استعراض ما سبق ثبت بأن روح القدس ليس هو البارقليط‪ ،‬فكل صفات البارقليط‬
‫صفات لنب يأت بعد عيسى‪ ،‬وهو النب الذي بشر به موسى عليه السلم‪ ،‬فالبارقليط " ل يتكلم من‬
‫نفسه‪ ،‬بل كل ما يسمع يتكلم به "‪ ،‬وكذا الذي بشر به موسى " أجعل كلمي ف فمه‪ ،‬فيكلمهم‬
‫بكل ما أوصيه به "‪ ،‬وهو وصف النب ‪ r‬كما قال ال } وما ينطق عن الوى ‪ ‬إن هو إل وحي‬
‫يوحى ‪ ‬علمه شديد القوى { (النجم‪.)5 - 3 :‬‬
‫بل كل ما ذكر عن البارقليط له شواهد ف القرآن والسنة تقول بأن الرسول هو صاحب‬
‫هذه النبوءة‪ ،‬إذ هو الشاهد للمسيح‪ ،‬وهو الخب بالغيوب‪ ،‬الذي ل نب بعده‪ ،‬وقد ارتضى ال دينه‬
‫إل قيام الساعة دينا‪..‬‬

‫اعتراضات القس فندر وردود العلمة الهندي عليها‬


‫ويثي القس فندر ف وجه السلمي أسئلة يراها تنع من صرف البارقليط إل النب ممد ‪.r‬‬
‫أولها‪ :‬أنه ورد ف البارقليط أنه روح الق ثلث مرات‪ ،‬وف مرة رابعة ورد أنه روح‬
‫القدس(‪ )1‬وهي كما يقول القس فندر ألفاظ مترادفة تدل على الروح القدس‪.‬‬
‫والعلمة رحة ال الندي ف كتابه العظيم "إظهار الق" يسلم بترادف هذه اللفاظ‪ ،‬ويؤكد أن‬
‫لفظة (روح ال) دالة على النبياء أيضا‪ ،‬كما جاء ف رسالة يوحنا الول‪" :‬فل تؤمنوا أيها الحباء‬
‫بكل روح من الرواح‪ ،‬بل امتحنوا الرواح حت تعلموا هل هي من عند ال أم ل ؟ لن كثيين‬
‫من النبياء الكذبة برزوا إل هذا العال " ( يوحنا (‪ ،) 2-4/1 )1‬فالنبياء الصادقون هم روح ال‪،‬‬
‫والنبياء الكذبة هم روح الشيطان‪.‬‬

‫‪ )(1‬يذكر موريس بوكاي وممد عبد الليم أبو السعد أن النص ف الخطوطة السينائية ليس فيه ذكر الروح‬
‫القدس‪ .‬التوراة والنيل والقرآن والعلم‪ ،‬موريس بوكاي‪ ،‬ص (‪ ،)132‬دراسة نقدية تليلية لنيل مرقس‪ ،‬ممد‬
‫عبد الليم أبو السعد‪ ،‬ص (‪.)192‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 83‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وبي يوحنا كيفية معرفة روح الق من روح الضلل‪ ،‬أي معرفة النبياء الصادقي وتييزهم عن‬
‫النبياء الكذبة‪ ،‬فقال‪ " :‬بذا تعرفون روح ال‪ :‬كل روح يعترف بيسوع السيح أنه قد جاء ف‬
‫السد فهو من ال‪ ،‬وكل روح ل يعترف بيسوع السيح أنه قد جاء ف السد فليس من ال‪ ،‬وهذا‬
‫هو روح ضد السيح الذي سعتم أنه يأت‪ ،‬والن هو ف العال" (يوحنا (‪.)6 - 4/2 )1‬‬
‫ورسولنا هو روح الق بدليل قول يوحنا‪ ،‬لنه يعترف بالسيح أنه رسول من عند ال‪ ،‬وأنه‬
‫جسد‪ ،‬وأنه من ال كما سائر الناس هم من ال‪ ،‬أي أن ال خلقهم‪ .‬وبولس هو روح الضلل الذي‬
‫يعتب السيح إلا‪ ،‬وهو الوجود ف العال حينذاك‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن الطاب ف إنيل يوحنا توجه للحواريي كما ف قوله " يعلمكم " و " أرسله‬
‫إليكم"‪ ....‬وعليه فينبغي أن يوجد البارقليط ف زمنهم‪.‬‬
‫وينع رحة ال الندي هذا الفهم‪ ،‬بل الراد‪ :‬النصارى بعدهم‪ .‬وأقامهم السيح مقام التلميذ‪،‬‬
‫وهو أمر معهود ف أسفار العهد الديد‪ ،‬فقد جاء ف مت ف خطاب رؤساء الكهنة والشيوخ‬
‫والجمع " أقول لكم‪ :‬من الن تبصرون ابن النسان جالسا عن يي القوة‪ ،‬وآتيا على سحاب‬
‫السماء" (مت ‪ ،)26/64‬وقد مات الخاطبون وفنوا‪ ،‬ول يروه آتيا على سحاب السماء‪.‬‬
‫ومثله قول السيح‪" :‬وقال له‪ :‬الق الق أقول لكم‪ :‬من الن ترون السماء مفتوحة‪ ،‬وملئكة‬
‫ال يصعدون وينلون على ابن النسان" (يوحنا ‪.)1/51‬‬
‫ثالثها‪ :‬أن البارقليط ل يراه العال ول يعرفه‪ ،‬فقد جاء "ل يستطيع العال أن يقبله‪ ،‬لنه ل‬
‫يراه ول يعرفه‪ ،‬وأما أنتم فتعرفونه لنه ماكث معكم‪ ،‬ويكون فيكم" بينما ممد ‪ r‬قد عرفه الناس‬
‫ورأوه‪.‬‬
‫ويرد العلمة رحة ال الندي بأن هذا ليس بشيء‪ ،‬لن روح القدس عندهم هو ال أو روح‬
‫ال‪ ،‬والعال يعرف ربه أكثر من معرفته بحمد‪ ،‬فهي ل تصدق على تأويلهم بال‪.‬‬
‫ويرى رحة ال الندي أن القصود بالنص هو أن العال ل يعرف هذا النب العرفة القيقية (أي‬
‫نبوته) أما أنتم واليهود فتعرفونه‪ ،‬لخبار السيح والنبياء لكم عنه‪.‬‬
‫وأما سائر الناس فهم كما قال السيح‪ " :‬لنم مبصرين ل يبصرون‪ ،‬وسامعي ل يسمعون ول‬
‫(‪)1‬‬
‫يفهمون " (مت ‪.)13/13‬‬
‫وليس القصود بقوله‪ " :‬ل يستطيع العال أن يقبله‪ ،‬لنه ل يراه ول يعرفه‪ ،‬وأما أنتم فتعرفونه‬
‫لنه ماكث معكم" ليس مقصودا الرؤية البصرية والعرفة السية‪ ،‬بل العرفة اليانية‪ .‬ومثله ما جاء‬
‫ف يوحنا "أجاب يسوع‪ :‬لستم تعرفونن أنا‪ ،‬ول أب‪ ،‬لو عرفتمون لعرفتم أب أيضا" (يوحنا ‪)8/19‬‬

‫‪ )(1‬انظر ‪ :‬إظهار الق‪ ،‬رحة ال الندي (‪.)1204 - 4/1198‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 84‬‬

‫ومثله ف الناجيل كثي‪ .‬يقول مت هنري ف تفسيه لنيل يوحنا‪ :‬إن كلمة (يرى) ف النص اليونان‬
‫ل تفيد رؤية العي‪ ،‬بل رؤية البصية‪.‬‬
‫ولربا كان عدم معرفتهم بالنتظر القادم أنه غريب وليس من اليهود " وأما السيح فمت جاء ل‬
‫يعرف أحد من أين هو" (يوحنا ‪.)7/27‬‬
‫رابعها‪ :‬جاء ف وصف البارقليط أنه " مقيم عندكم وثابت فيكم"‪ ،‬فدل ‪ -‬حسب رأي‬
‫القس فندر ‪ -‬على وجوده مع الواريي‪ ،‬ول يصدق هذا على ممد ‪.‬‬
‫ويرى رحة ال الندي أن النص ف تراجم وطبعات أخرى‪ " :‬مستقر معكم وسيكون فيكم"‪،‬‬
‫وف غيها‪ " :‬ماكث معكم ويكون فيكم "‪.‬‬
‫والعن ف ذلك كله الستقبال وليس النية‪ ،‬بعن أنه سيقيم عندكم أو يكث عندكم‪ .‬ذلك أن‬
‫النص دل على ذلك‪ ،‬فهو يقول بعدم وجوده بينهم ذلك الوقت " قد قلت لكم قبل أن يكون‪،‬‬
‫حت مت إذا كان تؤمنوا "‪ ،‬و " إن ل أنطلق ل يأتكم البارقليط "‪ .‬وهو ما يقوله النصارى حي‬
‫يؤمنون أن ميئه وحلوله كان ف يوم المسي‪.‬‬
‫ومثله أخب حزقيال عن خروج يأجوج ومأجوج بصيغة الاضر‪ ،‬وهم ل يرجوا بعد فقال‪" :‬ها‬
‫هو قد جاء وصار‪ ،‬يقول الرب‪ :‬هذا هو اليوم الذي قلت عنه " (حزقيال ‪ ،)39/8‬ومثله ف (يوحنا‬
‫‪.)5/25‬‬
‫خامسها‪ :‬جاء ف كتاب العمال‪ " :‬وفيما هو متمع معهم أوصاهم أن ل يبحوا من‬
‫أورشليم بل ينتظروا موعد الب الذي سعتموه من‪ ،‬لن يوحنا عمد الاء‪ ،‬وأما أنتم فستتعمدون‬
‫بالروح القدس‪ ،‬ليس بعد هذه اليام بكثي " (أعمال ‪ ،)5 - 1/4‬ويرى فندر أن هذا " يدل على‬
‫أن بارقليط هو الروح النازل يوم الدار‪ ،‬لن الراد بوعد الب هو بارقليط "‪.‬‬
‫وف رده يبي رحة ال الندي أن ما جاء ف العمال وعد آخر ل علقة له بالبارقليط الذي‬
‫تدث عنه يوحنا فحسب‪ ،‬فقد وعدوا بجيء الروح القدس ف وعد آخر‪ ،‬وتقق الوعود با ذكر‬
‫لوقا ف العمال‪ .‬أما ما ذكره يوحنا عن ميء البارقليط فل صلة له بذه السألة‪.‬‬
‫كما اعترض آخرون من النصارى على انطباق هذه النبوءة على نبينا لن البارقليط سيسله‬
‫السيح " ولكن إن ذهبت أرسله إليكم"‪ ،‬ومثله ف قوله‪" :‬العزي الذي سأرسله أنا إليكم من‬
‫الب"‪ ،‬ف حي أن ممدا رسول ال ل السيح‪.‬‬
‫وقد تغافل القائل عن قول ال‪" :‬العزي الروح القدس الذي سيسله الب"‪ ،‬فهو رسول الب‪،‬‬
‫ونسبة الرسال إل السيح مازية غي حقيقية‪ ،‬ومثلها ف قوله ‪ " :‬قال لا ملك الرب‪ :‬تكثيا أكثر‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 85‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫نسلك‪ ،‬فل يعد من الكثرة " (التكوين ‪ ،)16/10‬والكثّر البارك لنسل هاجر وغيها هو ال‪،‬‬
‫وليس ملكه‪ ،‬لكن لا كان اللك هو واسطة الخبار نسب الفعل إل نفسه‪.‬‬
‫ونو هذا الصنيع وقع ف سفر اللوك‪ ،‬فقد نسب النب إيليا إل نفسه العقوبة اللية الت‬
‫ب اللكَ اخآب‪ ،‬فقد " قال اخآب ليليا‪ :‬هل وجدتن يا عدوي؟ فقال‪ :‬قد‬
‫سيعاقب با الر ُ‬
‫وجدتك‪ ،‬لنك قد بعتَ نفسك لعمل الشر ف عين الرب‪ ،‬هانذا أجلب عليك شرا‪ ،‬وأبيد نسلك‪،‬‬
‫وأقطع لخآب كل بائل بائط ومجوز ومطلق ف إسرائيل" (اللوك (‪ ،)21-21/20 )1‬فقد‬
‫نسب النب إيليا إل نفسه ما هو ف القيقة صنيع ال وعقوبته‪ ،‬وهذه النسبة غي حقيقية‪ ،‬ولكنه‬
‫استحقها لكونه البلِغ عن ال لذه العقوبة‪.‬‬
‫ومثله سواء بسواء ما قاله السيح ف نبوءته عن البارقليط‪.‬‬
‫وبذلك فإننا نرى ف البارقليط النبوءة الت ذكرها القرآن الكري } وإذ قال عيسى بن مري يا‬
‫بن إسرائيل إن رسول ال إليكم مصدقا لا بي يدي من التوراة ومبشرا برسول يأت من بعدي اسه‬
‫أحد { (الصف‪.)6 :‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 86‬‬

‫خاتمة‬
‫وهكذا رأينا النبياء يبشرون بالنب الات نبيا تلو نب‪ " .‬كان الناموس والنبياء إل يوحنا‪ ،‬ومن‬
‫ذلك الوقت يبشر بلكوت ال"‪.‬‬
‫يبشرون بالنب الذي أخذ عليهم اليثاق بأن يؤمنوا به إن جاء وينصرونه } وإذ أخذ ال ميثاق‬
‫النبيي لا آتيتكم من كتاب وحكمة ث جاءكم رسول مصدق لا معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال‬
‫أأقررت وأخذت على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين { (آل‬
‫عمران‪.)81 :‬‬
‫وقام النبياء ببلغ أقوامهم خب هذا النب " جيع النبياء والناموس إل يوحنا تنبؤوا‪ ،‬وإن أردت‬
‫أن تقبلوا فهذا هو إيلياء الزمع أن يأت "‪.‬‬
‫وحفظ لنا الكتاب القدس – رغم ما تعرض له من التحريف ‪ -‬بعضا من هذه البشارات عن‬
‫هذا النب العظيم‪ ،‬فهو النب الذي يقق وعد ال لبراهيم وزوجه هاجر بالبكة ف ابنها إساعيل‪،‬‬
‫وهو الذي " له خضوع شعوب "‪.‬‬
‫وهو النب الذي ماثل موسى‪ ،‬وبشر به قومه بن إسرائيل‪ ،‬وهو النب الذي تتلل نبوته عند‬
‫جبال فاران‪ ،‬ويكون من أمة تقوم بأمر ملكوت ال الذي سينع من بن إسرائيل " ويعطى لمة‬
‫تعمل أثاره "‪ ،‬وذلك لنم " أغارون بغي إله‪ ،‬وأغضبون بعبوداتم الباطلة‪ ،‬وأنا أيضا أغيهم بغي‬
‫شعب‪ ،‬وبشعب جاهل أغضبهم "‪.‬‬
‫وهكذا انتقلت النبوة والصطفاء إل أمة العرب الرذولة " الجر الذي رفضه البناؤون قد‬
‫صار رأس الزاوية "‪.‬‬
‫وذكرت النصوص النيلية والتوراتية اسم النب وصفاته‪ ،‬فقد ساه السيح " البارقليط "‪ ،‬وهو‬
‫بعن أحد‪ ،‬ووعدت به اللئكة "وعلى الرض السلم‪ ،‬وللناس أحد" (حسب ترجة الب السابق‬
‫عبد الحد داود)‪.‬‬
‫وتدثت السفار عن أرض هجرته "وحي من جهة بلد العرب‪ ،‬ف الوعر من بلد العرب"‪،‬‬
‫ودعت لنصرته ومواساته "يا سكان أرض تيماء وافوا الارب ببزه"‪.‬‬
‫كما تدثت النصوص عن انتصار هذا النب‪ ،‬وأن دينه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار‪ ،‬فهو الذي‬
‫"يده على كل واحد"‪ ،‬و "له يكون خضوع شعوب "‪ ،‬و "شعوب تتك يسقطون"‪ ،‬و "الرب عن‬
‫يينك يطم ف يوم رجزه ملوكا يدين بي المم مل جثثا‪ ،‬أرضا واسعة سحق رؤوسها "‪" ،‬ل يكل‬
‫ول ينكسر حت يضع الق ف الرض"‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 87‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫وهو الغضب الت على الكفرة‪ ،‬ومنهم اليهود الذين حذرهم يوحنا العمدان فقال‪" :‬يا أولد‬
‫الفاعي من أراكم أن تربوا من الغضب الت ‪ ...‬سيعمدكم بالروح القدس ونار‪ ،‬الذي رفشه ف‬
‫يده‪ ،‬وسينقي بيدره‪ ،‬ويمع قمحه إل الخزن‪ ،‬وأما التب فيحرقه بنار ل تطفأ"‪ ،‬و " من سقط على‬
‫هذا الجر يترضض‪ ،‬ومن سقط هو عليه يسحقه"‪.‬‬
‫وذكرت النبوات أيضا بأن هذا القادم هو آخر النبياء‪ ،‬وأن سلطانه أي شريعته يتد إل البد‬
‫"يقيم إله السماوات ملكة لن تنقرض أبدا ‪ ...‬وهي تثبت إل البد "‪ ،‬و " أما قديسو العلي‬
‫فيأخذون الملكة‪ ،‬ويتلكون الملكة إل البد وإل أبد البدين " وكما قال ‪(( :‬ل تزال طائفة من‬
‫أمت ظاهرين حت يأتيهم أمر ال وهم ظاهرون))‪ ،‬وف رواية مسلم‪(( :‬حت تقوم الساعة)) ( ) ‪ ،‬فهو‬
‫‪1‬‬

‫الذي بشر السيح بدولته حي قال‪" :‬فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إل البد "‪.‬‬
‫ورسالة هذا النب ليست خاصة بالعرب أو بن إسرائيل‪ ،‬بل هي عامة لكل الشعوب‪ ،‬فهو‬
‫"يبكت العال على خطية"‪ ،‬و "له يكون خضوع شعوب"‪ ،‬وهو "مشتهى كل المم"‪ ،‬الذي "لتتعبد‬
‫له كل الشعوب والمم واللسنة"‪.‬‬
‫وهو النب المي الذي حدثت عنه التوراة والنيل "وأجعل كلمي ف فمه"‪ ،‬وهو المي البشر‬
‫بالنبوة ف غار حراء "أو يدفع الكتاب لن ل يعرف القراءة فيقال له‪ :‬اقرأ‪ .‬فيقول‪ ،‬ل أعرف‬
‫الكتابة"‪.‬‬
‫وهو الذي ل ينطق عن الوى " ل يتكلم من نفسه‪ ،‬بل كل ما يسمع يتكلم به "‪ ،‬ويبلغ كامل‬
‫دعوته‪ ،‬فل يول الوت أو القتل دون بلغه "فيكلمهم بكل ما أوصيه به"‪.‬‬
‫وهو صاحب شريعة مثل موسى "تنتظر الزائر شريعته"‪ ،‬وشريعته مؤيدة بالقوة "وعن يينه نار‬
‫شريعة لم "‪ ،‬وشريعته شاملة لكل مناحي الياة فهو "يعلمكم كل شيء"‪ ،‬و "ويرشدكم إل جيع‬
‫الق"‪ ،‬وبجيئه تنسخ شريعة موسى‪" ..‬ل يزول قضيب من يهوذا‪ ،‬ومشترع من بي رجليه‪ ،‬حت‬
‫يأت"‪.‬‬
‫وهو أعظم العالي‪ ،‬وهو رئيس هذا العال الت "رئيس هذا العال يأت "‪ ،‬ولئن كانت النساء ل‬
‫تلد مثل يوحنا العمدان‪ ،‬فإن " الصغر ف ملكوت السماوات أعظم منه " ‪.r‬‬

‫وقد صدق كريستوفر ديفيز أستاذ علم مقارنة الديان حي قال‪ " :‬إن كل هذه النبوءات‬
‫بعانيها وأوصافها ل تنطبق إل على النب العرب ممد " ‪.r‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري ح (‪ ، )6881‬ومسلم ح ( ‪.)1923‬‬


‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 88‬‬

‫المصادر والمراجع‬
‫* القرآن الكري ‪.‬‬
‫* الكتاب القدس‪ .‬طبعة ‪ :‬دار الكتاب القدس ف الشرق الوسط (النسخة البتستانتية)‪.‬‬
‫* الكتاب القدس‪ .‬طبعـة ‪ :‬دار الكتاب القدس فـ الشرق الوسـط (النسـخة الرثوذكسـية‬
‫الكاثوليكية)‪.‬‬
‫* الكتاب القدس‪ .‬طبعة‪ :‬الرهبانية اليسوعية (نسخة كاثوليكية) ‪ .‬توزيع جعيات الكتاب القدس ف‬
‫الشرق‪ .‬بيوت‪.‬‬
‫* الكتاب القدس ‪( .‬السفار القدسة العبانية‪ ،‬السفار القدسة اليونانية)‪ .‬ترجة العال الديد‬
‫(نسخة شهود يهوه)‪.‬‬
‫* التوراة السامرية ‪ .‬ترجة الكاهن ‪ :‬أبو السن إسحاق الصوري ‪ .‬نشرها ‪ :‬أحد حجازي السقا‪.‬‬
‫ط ‪ . 1‬دار النصار ‪ .‬القاهرة ‪1398 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* إنيل برنابا ‪ .‬ترجة ‪ :‬خليل سعادة ‪ .‬ط ‪ .‬دار الوثائق ‪ .‬الكويت ‪ 1406 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪------------------------------------‬‬
‫* إظهار الق ‪ .‬رحة ال الندي ‪ .‬تقيق ‪ :‬ممد أحد ملكاوي ‪ .‬ط ‪ .1‬دار الديث ‪ .‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪1404‬هـ‪.‬‬
‫* النيل والصليب ‪ .‬عبد الحد داود ‪ .‬القاهرة ‪1351 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* البشارة بنب السلم ف التوراة والنيل ‪ .‬أحد حجازي السقا ‪ .‬دار البيان العرب ‪ .‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪1977‬م ‪.‬‬
‫* التفسي التطبيقي للكتاب القدس‪ ،‬مموعة من العلماء اللهوتيي‪.‬‬
‫* دراسة تليلية نقدية لنيل مرقس تاريا وموضوعيا ‪ .‬ممد عبد الليم مصطفى أبو السعد ‪ .‬ط‬
‫‪1404 ،1‬هـ ‪.‬‬
‫* قاموس الكتاب القدس ‪ ،‬نبة من الساتذة ومن اللهوتيي ‪ .‬هيئة التحرير ‪ :‬بطرس عبد اللك ‪،‬‬
‫جون ألكساندر طمسن ‪ ،‬إبراهيم مطر ‪ .‬دار الثقافة ‪.‬‬
‫* ماذا يقول الكتاب القدس و الغرب عن ممد ‪r‬؟ أحد ديدات ‪ .‬ط ‪ . 1‬الدار الصرية للنشر‬
‫والتوزيع ‪ .‬القاهرة ‪1404 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* ممد ف التوراة والنيل والقرآن ‪ .‬إبراهيم خليل أحد ‪ .‬الكتبة التجارية ‪ .‬مكة الكرمة ‪،‬‬
‫‪1409‬هـ ‪.‬‬
‫هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله‬
‫( ‪) 89‬‬ ‫عليه وسلم؟‬

‫* ممد ف الكتاب القدس ‪ .‬ديفيد بنجامي (عبد الحد داود) ‪ .‬ترجة ‪ :‬فهمي شا ‪ .‬مراجعة ‪:‬‬
‫أحد ممد الصديق ‪ .‬مطابع الدوحة الديثة ‪.‬‬
‫* ممد نب السلم ف التوراة والنيل والقرآن ‪ .‬ممد عزت الطهطاوي ‪ .‬مكتبة النور ‪.‬‬
‫* السيّا النتظر نب السلم ‪ .r‬أحد حجازي السقا ‪ .‬ط ‪ ، 1‬مكتبة الثقافة الدينية ‪ .‬مصر‬
‫‪1398‬هـ ‪.‬‬
‫* يوحنا العمدان بي السلم والنصرانية ‪ .‬أحد حجازي السقا ‪ .‬ط ‪ . 1‬دار التراث العرب ‪،‬‬
‫‪1399‬هـ ‪.‬‬
‫)سلسلة الهدى والنور (‪5‬‬
‫( ‪) 90‬‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫رقم الصفحة‬ ‫الوضوع‬

‫‪1‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪3‬‬ ‫مدخل لنبوءات الكتاب القدس‬
‫‪7‬‬ ‫اللك النتظر‬
‫‪9‬‬ ‫عدم فهم التلميذ لنبوءات السيح‬
‫‪14‬‬ ‫هل ادعى السيح أنه السيح النتظر‬
‫‪19‬‬ ‫عن نفسه أنه النب النتظر ‪ r‬هل قال ممد‬
‫‪21‬‬ ‫ذرية إساعيل الباركة‬
‫‪31‬‬ ‫هل الصطفاء ف بن إسرائيل فقط؟‬
‫‪33‬‬ ‫صفات أمة اللكوت الديد‬
‫‪39‬‬ ‫بشارة يعقوب عليه السلم بشيلون‬
‫‪42‬‬ ‫موسى عليه السلم يبشر بنب ورسول مثله‬
‫‪48‬‬ ‫نبوءة موسى عن البكة الوعودة ف أرض فاران‬
‫‪51‬‬ ‫الزامي تبشر بصفات نب آخر الزمان‬
‫‪55‬‬ ‫البشارة باللكوت‬
‫‪63‬‬ ‫النب دانيال يتنبأ بزمان اللكوت‬
‫‪66‬‬ ‫البشارة بـ(ممادا) مشتهى المم‬
‫‪69‬‬ ‫البشارة بإيليا‬
‫‪74‬‬ ‫الصغر ف ملكوت ال‬
‫‪75‬‬ ‫السيح يبشر بالبارقليط‬
‫‪85‬‬ ‫خاتة‬
‫‪87‬‬ ‫الصادر والراجع‬

You might also like