Professional Documents
Culture Documents
مشكاة السلمية
شبكة مشكاة السلمية
الكتــاب
تأليف
أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بـ سيبويه
نبذة :جاء أبوابًا في أربعة أجزاء ،بدأه المؤلف بباب في علم الكلم من العربية ،واختتمه بباب في الجر ،وقد
اشتمل الكتاب على ألف وخمسين بيت ًا من الشعر .وفيه قال محمد بن يزيد" :لم يُعمل كتاب في علم من العلوم
مه إلى
ه َ ن َ
ف ِ م ْ
مثل كتاب سيبويه؛ وذلك أن الكتب المصن ّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها ،وكتاب سيبويه ل يحتاج َ
غيره "
الجزء الول
مقدمة
بسم ال الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى ال على محمد وعلى آله وسلم قال أبو عبيد ال محمد بن يحيى :قرأت
على ابن ولّد وهو ينظر في أبيه.
وسمعته يقرأ على أبي جعفر أحمد بن محمد المعروف بابن النحّاس.
الحمد ل الذي افتتح بالحمد كتابه وجعله آخر دعاء أهل الجنة فقال جلّ ثناؤه " :وآخر دعواهم أن الحمد ل رب
العالمين ".
قال لنا أبو جعفر أحمد بن محمد :لم يزل أهل العربية يفضّلون كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف
بسيبويه حتّى لقد قال محمد بن يزيد " :لم يعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه وذلك أن الكتب
المصنّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها وكتاب سيبويه ل يحتاج من فهمه إلى غيره ".
وقال أبو إسحاق :إذا تأملت المثلة من كتاب سيبويه تبينت أنه أعلم الناس باللغة.
قال أبو جعفر :وحدثني علي بن سليمان قال حدثني محمد بن يزيد أن المفتشين من أهل العربية ومن له المعرفة
باللغة تتبعوا على سيبويه المثلة فلم يجدوه ترك من كلم العرب إلّ ثلثة أمثلة :منها الهندلع وهي بقلة.
1
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال أبو إسحاق :حدثني القاضي إسماعيل بن إسحاق قال :حدثني نصر بن علي قال :سمعت الخفش يقول :يعد
من أصحاب الخليل في النحو أربعة :سيبويه والنضر بن شميل وعلي بن نصر -وهو أبو نصر ابن علي -
ومؤرّج السدوسي.
قال :وسمعت نصراً يحكي عن أبيه قال :قال لي سيبويه حين أراد أن يضع كتابه :تعال حتى نتعاون على إحياء
علم الخليل.
قال أبو جعفر :وقد رأيت أبا جعفر بن رستم يروي كتاب سيبويه عن المازني غير أن الذي اعتمد عليه أبو جعفر
في كتاب سيبويه إبراهيم ابن السري لمعرفته به وضبطه إياه.
وذكر أن علي بن سليمان حكى أن أبا العباس كان ل يكاد يقرئ أحدًا كتاب سيبويه حتى يقرأه على أبي إسحاق
لصحة نسخته ولذكر أسماء الشعراء فيها.
قال الجرمي :نظرت في كتاب سيبويه فإذا فيه ألف وخمسون بيتاً.
فأما ألف فعرفت أسماء قال أبو جعفر :وسمعت محمد بن الوليد يقول :نظرت في نسخة كتاب سيبويه التي أمليت
بمصر فإذا فيها مائتا حرف خطأ.
قال :ورأيت أبا إسحاق قد أنكر السناد الذي في أولها إنكاراً شديداً.
وقال :لم يقرأ أبو العباس محمد بن يزيد كتاب سيبويه كله على الجرمي ولكن قال أبو إسحاق :قرأته أنا على أبي
العباس محمد بن يزيد وقال لنا أبو العباس :قرأت نحو ثلثه على أبي عمر الجرمي فتوفيّ أبو عمر فابتدأت قراءته
على أبي الحسن سعيد بن مسعدة الخفش وقال الخفش :كنت أسأل سيبويه عمّا أشكل عليّ منه فإن تعصّب عليّ
الشيء منه قرأته عليه.
وأما أبو القاسم بن ولّد فإنه حدّثنا عن أبيه أبي الحسين قال :حدّثني أبو العباس المبرد قال :قرأ المازني كتاب
سيبويه على الجرمي وساءل الخفش عنه وقرأه الجرميّ على الخفش.
قال :وسمعت المبرد يقول :قد أدرك أبو عمر من أخذ عنه سيبويه واختلف إلى حلقة يونس.
وحدّثنا أبو القاسم بن ولد عن أبيه قال :حدثنا أبو العباس قال :حدثني الزيادي أبو إسحاق قال :عمدت إلى أبي
عمر الجرميّ أقرأ عليه كتاب سيبويه ووافيت المازنيّ يقرأ عليه في أثناء " هذا باب ما يرتفع بين الجزأين " فكنّا
نعجب من حذقه وجودة ذهنه.
قال أبو الحسين بن ولّد :يعني أن المازني كان قد بلغ على الخفش إلى هذا الموضع.
وسمعت أبا القاسم بن ولّد يقول :كان أبي قد قدم على أبي العباس المبرّد ليأخذ منه كتاب سيبويه فكان المبرد ل
ل قد سمّاه فأكمل
ن به ضنّة شديدة فكلّم ابنه على أن يجعل له في كل كتاب منها جع ً
يمكّن أحداً من أصله وكان يض ّ
نسخه.
2
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ثم إن أبا العباس ظهر على ذلك بعد فكان قد سعى بأبي الحسين إلى بعض خدمه السلطان ليحبسه له ويعاقبه في
ذلك فامتنع أبو الحسين منه بصاحب خراج بغداد يومئذ وكان أبو الحسين يؤدّب ولده فأجاره منه.
ثم إن صاحب الخراج ألظّ بأبي العباس يطلب إليه أن يقرأ عليه الكتاب حتّى فعل.
قال أبو عبد ال :فقرأته أنا على أبي القاسم وهو ينظر في ذلك الكتاب بعينه وقال لي :قرأته على أبي مراراً.
وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث السماء وبنيت لما مضى ولما يكون ولم يقع وما هو كائن لم ينقطع.
وأما بناء ما لم يقع فإنه قولك آمراً :اذهب واقتل واضرب ومخبراً :يقتل ويذهب ويضرب ويقتل ويضرب.
فهذه المثلة التي أخذت من لفظ أحداث السماء ولها أبنية كثيرة ستبين إن شاء ال.
وأما ما جاء لمعنى وليس باسم ول فعل فنحو :ثمّ وسوف وواو القسم ولم الضافة ونحوها.
وهي تجري على ثمانية مجارٍ :على النصب والجرّ والرفع والجزم والفتح والضمّ والكسر والوقف.
وهذه المجاري الثمانية يجمعهنّ في اللفظ أربعة أضرب :فالنصب والفتح في اللفظ ضرب واحد والجرّ والكسر فيه
ضرب واحد وكذلك الرفع والضمّ والجزم والوقف.
وإنما ذكرت لك ثمانية مجار لفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الربعة لما يحدث فيه العامل -وليس شيء منها
إل وهو يزول عنه -وبين ما يبنى عليه الحرف بنا ًء ل يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل التي لكلّ
منها ضرب من اللفظ في الحرف وذلك الحرف حرف العراب.
وحروف العراب للسماء المتمكّنة وللفعال المضارعة لسماء الفاعلين التي في أوائلها الزوائد الربع :الهمزة
والتاء والياء والنون.
3
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
والنصب في السماء :رأيت زيداً والجرّ :مررت بزيد والرفع :هذا زيد.
وليس في السماء جزم لتمكنها وللحاق التنوين فإذا ذهب التنوين لم يجمعوا على السم ذهابه وذهاب الحركة.
والنصب في المضارع من الفعال :لن يفعل والرفع :سيفعل والجزم :لم يفعل.
وليس في الفعال المضارعة جر كما أنه ليس في السماء جزم لن المجرور داخل في المضاف إليه معاقب
للتنوين وليس ذلك في هذه الفعال.
وإنما ضارعت أسماء الفاعلين أنك تقول :إن عبد ال ليفعل فيوافق قولك :لفاعل حتّى كأنّك قلت :إن زيداً لفاعل
فيما تريد من المعنى.
وتقول سيفعل ذلك وسوف يفعل ذلك فتلحقها هذين الحرفين لمعنى كما تلحق اللف واللم السماء للمعرفة.
ويبّن لك أنها ليست بأسماء أنك لو وضعتها مواضع السماء لم يجز ذلك.
ن يضرب يأتينا وأشباه هذا لم يكن كلماً! إل أنها ضارعت الفاعل لجتماعهما في المعنى.
أل ترى أنّك لو قلت إ ّ
ولما لحقها من السين وسوف كما لحقت السم واللف واللم للمعرفة.
وأما الفتح والكسر والضم والوقف فللسماء غير المتمكنة المضارعة عندهم ما ليس باسم ول فعل مما جاء لمعنى
ليس غير نحو سوف وقد وللفعال التي لم تجر مجرى المضارعة وللحروف التي ليست بأسماء ول أفعال ولم
ل لمعنى.
تجئ إ ّ
والضم والفتح في الفعال التي لم تجر مجرى المضارعة قولهم :ضرب وكذلك كل بناء من الفعل كان معناه فعل.
ولم يسكنو آخر فعل لن فيها بعض ما في المضارعة تقول :هذا رجل ضربنا فتصف بها النكرة وتكون في
موضع ضارب إذا قلت هذا رجل ضارب.
ن المضارع فعل وقد وقعت موقعها في إن وتقول :إن فعل فعلت فيكون في معنى إن يفعل أفعل فهي فعل كما أ ّ
ووقعت موقع السماء في الوصف كما تقع المضارعة في الوصف فلم يسكّنوها كما لم يسكنو من السماء ما
ضارع المتمكن ول ما صيّر من المتمكن في موضع بمنزلة غير المتمكن.
4
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما المتمكن الذي جعل بمنزلة غير المتمكن في موضع فقولك ابدأ بهذا أول ويا حكم.
والوقف قولهم :اضرب في المر ولم يحركوها لنها ل يوصف بها ول تقع موقع المضارعة فبعدت من
المضارعة بعدكم وإذ من المتمكنة.
والفتح في الحروف التي ليست إل لمعنى وليست بأسماء ول أفعال قولهم :سوف وثم.
واعلم أنك إذا ثنّيت الواحد لحقته زيادتان :الولى منهما حرف المد والين وهو حرف العراب غير متحرّك ول
منوّن يكون في الرفع ألفاً ولم يكن واواً ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حد التثنية ويكون في الجر ياء مفتوحا
ما قبلها ولم يكسر ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حدّ التثنية.
ويكون في النصب كذلك ولم يجعلوا النصب ألفاً ليكون مثله في الجمع وكان مع ذا أن يكون تابعًا لما الجر منه
أولى لن الجرّ للسم ل يجاوزه والرفع قد ينتقل إلى الفعل فكان هذا أغلب وأقوى.
وتكون الزيادة الثانية نونًا كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين وهي النون وحركتها الكسر وذلك قولك :هما
الرجلن ورأيت الرجلين ومررت بالرجلين.
وإذا جمعت على حدّ التثنية لحقتها زائدتان :الولى منهما حرف المد والين والثانية نون.
وحال الولى في السكون وترك التنوين وأنها حرف العراب حال الولى في التثنية إل أنها واو ومضموم ما
ن حرف
قبلها في الرفع وفي الجر والنصب ياء مكسور ما قبلها ونونها مفتوحة فرقوا بينها وبين نون الثنين كما أ ّ
اللين الذي هو حرف العراب مختلف فيهما.
ومن ثم جعلوا تاء الجمع في الجر والنصب مكسورة لنهم جعلوا التاء التي هي حرف العراب كالواو والياء
والتنوين بمنزلة النون لنها في التأنيث نظيرة الواو والياء في التذكير فأجروها مجراها.
ن التثنية إذا لحقت الفعال المضارعة علمة للفاعلين لحقتها ألف ونون ولم تكن اللف حرف العراب واعلم أ ّ
لنك لم ترد أن تثنّي يفعل هذا البناء فتضم إليه يفعل آخر ولكنك إنما ألحقته هذا علمة للفاعلين ولم تكن منونة ول
يلزمها الحركة لنه يدركها الجزم والسكون فتكون الولى حرف العراب والثانية كالتنوين فكلما كانت حالها في
الواحد غير حال السم وفي التثنية لم تكن بمنزلته فجعلوا إعرابه في الرفع ثبات النون لتكون له في التثنية علمة
للرفع كما كان في الواحد إذ منع حرف العراب.
5
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وجعلوا النون مكسورة كحالها في السم ولم يجعلوها حرف العراب إذ كانت متحركة ل تثبت في الجزم ولم
يكونوا ليحذفوا اللف لنها علمة الضمار والتثنية في قول من قال :أكلوني البراغيث وبمنزلة التاء في قلت
وقالت فأثبتوها في الرفع وحذفوها في الجزم كما حذفوا الحركة في الواحد.
ووافق النصب الجزم في الحذف كما وافق النصب الجر في السماء لن الجزم في الفعال نظير الجر في السماء
والسماء ليس لها في الجزم نصيب كما أنه ليس للفعل في الجر نصيب.
وذلك وكذلك إذا لحقت الفعال علمة للجمع لحقتها زائدتان إل أنّ الولى واو مضموم ما قبلها لئل يكون الجمع
كالتثنية ونونها مفتوحة بمنزلتها في السماء كما فعلت ذلك في التثنية لنهما وقعتا في التثنية والجمع ههنا كما
أنهما في السماء كذلك وهو قولك :هم يفعلون ولم يفعلوا ولن يفعلوا.
وكذلك إذا ألحقت التأنيث في المخاطبة إلّ أن الولى ياء وتفتح النون لن الزيادة التي قبلها بمنزلة الزيادة التي في
الجمع وهي تكون في السماء في الجر والنصب وذلك قولك :أنت تفعلين ولم تفعلي ولن تفعلي.
وإذا أردت جمع المؤنث في الفعل المضارع ألحقت للعلمة نوناً وكانت علمة الضمار والجمع فيمن قال أكلوني
البراغيث وأسكنت ما كان في الواحد حرف العراب كما فعلت ذلك في فعل حين قلت فعلت وفعلن فأسكن هذا
ههنا وبني على هذه العلمة كما أسكن فعل لنه فعل كما أنه فعل وهو متحرك كما أنه متحرك فليس هذا بأبعد فيها
-إذا كانت هي وفعل شيئاً واحداً -من يفعل إذ جاز لهم فيها العراب حين ضارعت السماء وليست باسم وذلك
قولك :هن يفعلن ولن يفعلن ولم يفعلن.
وتفتحها لنها نون جمع ول تحذف لنها علمة إضمار وجمع في قول من قال أكلوني البراغيث.
وفعل بلم يفعل ما فعل بلم فعل لما ذكرت لك ولنها قد تبنى مع ذلك على الفتحة في قولك هل تفعلن.
وألزموا لم فعل السكون وبنوها على العلمة وحذفوا الحركة لمّا زادوا لنها في الواحد ليست في آخرها حرف
إعراب لما ذكرت لك.
واعلم أن بعض الكلم أثقل من بعض فالفعال أثقل من السماء لن السماء هي الولى وهي أشد تمكّنا فمن ثم لم
يلحقها تنوين ولحقها الجزم والسكون وإنما هي من السماء.
أل ترى أن الفعل ل بد له من السم وإل لم يكن كلماً والسم قد يستغني عن الفعل تقول :ال إلهنا وعبد ال أخونا.
واعلم أن ما ضارع الفعل المضارع من السماء في الكلم ووافقه في البناء أجرى لفظه مجرى ما يستثقلون
ومنعوه ما يكون لما يستخفون وذلك نحو أبيض وأسود وأحمر وأصفر فهذا بناء أذهب وأعلم فيكون في موضع
الجرّ مفتوحاً استثقلوه حين قارب في الكلم ووافق في البناء.
وأما مضارعته في الصفة فإنك لو قلت :أتأتني اليوم قوي وأل بارداً ومررت بجميل كان ضعيفاً ولم يكن في حسن
أتاني رجل قوي وأل ماء بارداً ومررت برجل جميل.
أفل ترى أن هذا يقبح ههنا كما أن الفعل المضارع ل يتكلم به إل ومعه السم لن السم قبل الصفة كما أنه قبل
الفعل.
6
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومع هذا أنك ترى الصفة تجري في معنى يفعل يعني هذا رجل ضارب زيدًا فإن كان اسمًا كان أخفّ عليهم وذلك
نحو أفكل وأكلب ينصرفان في النكرة.
ومضارعة أفعل الذي يكون صفة للسم أنه يكون وهو اسم صفة كما يكون الفعل صفة وأما يشكر فإنه ل يكون
صفة وهو اسم وإنما يكون صفة وهو فعل.
واعلم أن النكرة أخف عليهم من المعرفة وهي أشد تمكناً لن النكرة أول ثم يدخل عليها ما تعرّف به.
واعلم أن الواحد أشد تمكناً من الجميع لن الواحد الول ومن ثم لم يصرفوا ما جاء من الجميع ما جاء على مثال
ليس يكون للواحد نحو مساجد ومفاتيح.
واعلم أن المذكر أخفّ عليهم من المؤنث لن المذكر أول وهو أشد تمكنًا وإنما يخرج التأنيث من التذكير.
أل ترى أن " الشيء " يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أو أنثى والشيء ذكر فالتنوين علمة
للمكن عندهم والخف عليهم وتركه علمة لما يستثقلون.
وجميع ما ل ينصرف إذا أدخلت عليه اللف واللم أو أضيف انج ّر لنها أسماء أدخل عليها ما يدخل على
المنصرف.
ودخل فيها الجر كما يدخل في المنصرف ول يكون ذلك في الفعال وأمنوا التنوين.
فجميع ما يترك صرفه مضارع به الفعل لنه إنما فعل ذلك به لنه ليس له تمكن واعلم أن الخر إذا كان يسكن في
الرفع حذف في الجزم لئل يكون الجزم بمنزلة الرفع فحذفوا كما حذفوا الحركة ونون الثنين والجميع.
ومثل ذلك يذهب عبد ال فل ب ّد للفعل من السم كما لم يكن للسم الول بدّ من الخر في البتداء.
ومما يكون بمنزلة البتداء قولك :كان عبد ال منطلقاً وليت زيداً منطلق لن هذا يحتاج إلى ما بعده كاحتياج المبتدأ
إلى ما بعده.
7
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أن السم أول أحواله البتداء وإنما يدخل الناصب والرافع سوى البتداء والجار على المبتدأ.
أل ترى أن ما كان مبتدأ قد تدخل عليه هذه الشياء حتى يكون غير مبتدأ ول تصل إلى البتداء ما دام مع ما
ذكرت لك إل أن تدعه.
وذلك أنك إذا قلت عبد ال منطلق إن شئت أدخلت رأيت عليه فقلت رأيت عبد ال منطلقاً أو قلت كان عبد ال
منطلقاً أو مررت بعبد ال منطلقًا فالمبتدأ أول جزء كما كان الواحد أول العدد والنكرة قبل المعرفة.
اعلم أن من كلمهم اختلف اللفظين لختلف المعنيين واختلف اللفظين والمعنى واحد واتفاق اللفظين واختلف
المعنيين.
واتفاق اللفظين والمعنى مختلف قولك :وجدت عليه من الموجدة ووجدت إذا أردت وجدان الضّالة.
اعلم أنهم مما يحذفون الكلم وإن كان أصله في الكلم غير ذلك ويحذفون ويعوّضون ويستغنون بالشيء عن الشيء
الذي أصله في كلمهم أن يستعمل حتى يصير ساقطاً.
وأما استغناؤهم والعوض قولهم :زنادقة وزناديق وفرازنة وفرازين حذفوا الياء وعوّضوها الهاء.
وقولهم أسطاع يسطيع وإنما هي أطاع يطيع زادوا السين عوضاً من ذهاب حركة العين من أفعل.
فمنه مستقيم حسن ومحال ومستقيم كذب ومستقيم قبيح وما هو محال كذب.
فأما المستقيم الحسن فقولك :أتيتك أمس وسآتيك غدًا وسآتيك أمس.
8
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما المستقيم الكذب فقولك :حملت الجبل وشربت ماء البحر " ونحوه.
وأما المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه نحو قولك :قد زيدًا رأيت وكي زيدًا يأتيك وأشباه هذا.
وأما المحال الكذب فأن تقول :سوف أشرب ماء البحر أمس.
اعلم أنه يجوز في الشعر ما ل يجوز في الكلم من صرف ما ل ينصرف يشبّهونه بما قد حذف واستعمل محذوفاً
كما قال العجّاج :يريد الحمام.
وقال خفاف بن ندبة السلمىّ :كنواح ريش حمامة نجدية ومسحت بالثتين عصف الثمد وكما قال :دار لسعدى إذه
من هواكا وقال :فطرت بمنصلي في يعملت دوامي اليد يخبطن السريحا وكما قال النجاشي :فلست بآتيه ول
أستطيعه ولك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل وكما قال مالك بن خريم الهمداني :فإن يك غثا أو سمينًا فإنني
سأجعل عينيه لنفسه مقنعاً وقال العشى :وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه ويعدن أعداء بعيد وداد وربما مدوا مثل
مساجد ومنابر فيقولون مساجيد ومنابير شبّهوه بما جمع على غير واحده في الكلم كما قال الفرزدق :وقد يبلغون
ل الصل فيقولون رداد في را ّد وضننوا في ضنّوا ومررتم بجواري قبل.
بالمعت ّ
قال قعنب بن أم صاحب :مهلً أعاذل قد جرّبت من خلقي أنّى أجود لقوام وإن ضننوا ومن العرب من يثقّل الكلمة
إذا وقف عليها ول يثقلها في الوصل فإذا كان في الشعر فهم يجرونه في الوصل على حاله في الوقف نحو :سبسبّا
ل لنهم قد يثقلونه في الوقف فأثبتوه في الوصل كما أثبتوا الحذف في قوله لنفسه مقنعاً وإنما حذفه في الوقف.
وكلك ّ
قال رؤبة :ضخم يحب الخلق الضخما يروي بكسر الهمزة وفتحها.
وقال أيضاً ي مثله وهو الشماخ :له زجل كأنه صوت حا ٍد إذا طلب الوسيقة أو زمير وقال حنظلة بن فاتك :وأيقن
أن الخيل إن تلتبس به يكن لفسيل النخل بعده آبر وقال رجل من باهلة :أو معبر الظهر ينبي عن وليته ما حج ربه
في الدنيا ول اعتمروا وما له من مج ٍد تليدٍ وما له من الريح حظ ل الجنوب ول الصبا وقال :بيناه في دار صدقٍ قد
أقام بها حينًا يعللنا وما نعلله ويحتملون قبح الكلم حتى يضعوه في غير موضعه لنه مستقيم ليس فيه نقيض فمن
ذلك قوله :صددت فأطولت الصدود وقلما وصال على طول الصدود يدوم وإنما الكلم :وقل ما يدوم وصال.
وجعلوا ما ل يجري في الكلم إل ظرفًا بمنزلة غيره من السماء وذلك قول المرار بن سلمة العجلي :ول ينطق
الفحشاء من كان منهم إذا جلسوا منا ول من سوائنا وقال العشى :وما قصدت من أهلها لسوائكا وقال خطام
المجاشعي :وليس شيء يضطرون إليه إل وهم يحاولون به وجهاً.
وما يجوز في الشعر أكثر من أن أذكره لك ههنا لن هذا موضع جمل وسنبين ذلك فيما نستقبل إن شاء ال.
والمفعول الذي لم يتعد إليه فعل فاعل ول يتعدى فعله إلى مفعول آخر وما يعمل من أسماء الفاعلين والمفعولين
عمل الفعل الذي يتعدى إلى مفعول وما يعمل من المصادر ذلك العمل وما يجري من الصفات التي لم تبلغ أن
تكون في القوة كأسماء الفاعلين والمفعولين التي تجري مجرى الفعل المتعدي إلى مفعول مجراها وما أجري
مجرى الفعل وليس بفعل ولم يقو قوته وما جرى من السماء التي ليست بأسماء الفاعلين التي ذكرت لك ول
9
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
الصفات التي هي من لفظ أحداث السماء وتكون لحداثها أمثلة لما مضى ولما لم يمض وهي التي لم تبلغ أن
تكون في القوة كأسماء الفاعلين والمفعولين التي تريد بها ما تريد بالفعل المتعدي إلى مفعول مجراها وليست لها
قوة أسماء الفاعلين التي ذكرت لك ول هذه الصفات كما أنه ل يقوى قوة الفعل ما جرى مجراها وليس بفعل.
والفاعل والمفعول في هذا سواء يرتفع المفعول كما يرتفع الفاعل لنك لم تشغل الفعل بغيره وفرغته كما فعلت
ذلك بالفاعل.
فأما الفاعل الذي ل يتعداه فعله فقولك :ذهب زيدٌ وجلس عمروٌ.
والمفعول الذي لم يتعده فعله ولم يتعد إليه فعل فاعل فقولك :ضرب زيد ويضرب عمرو.
فالسماء المحدث عنها والمثلة دليلة على ما مضى وما لم يمض من المحدث به عن السماء وهو الذهاب
والجلوس والضرب وليست المثلة بالحداث ول ما يكون منه الحداث وهي السماء.
فعبد ال ارتفع ههنا كما ارتفع في ذهب وشغلت ضرب به كما شغلت به ذهب وانتصب زيد لنه مفعول تعدي إليه
فعل الفاعل.
فإن قدمت المفعول وأخرت الفاعل جرى اللفظ كما جرى في الول وذلك قولك :ضرب زيداً عبد ال لنك إنما
أردت به مؤخراً ما أردت به مقدماً ولم ترد أن تشغل الفعل بأول منه وإن كان مؤخراً في اللفظ.
فمن ثم كان حد اللفظ أن يكون فيه مقدماً وهو عربي جيد كثير كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه
أغنى وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم.
واعلم أن الفعل الذي ل يتعدى الفاعل يتعدى إلى اسم الحدثان الذي أخذ منه لنه إنما يذكر ليدل على الحدث.
فمن ذلك :قعد القرفصاء واشتمل الصماء ورجع القهقري لنه ضرب من فعله الذي أخذ منه.
ويتعدى إلى الزمان نحو قولك ذهب لنه بني لما مضى منه وما لم يمض فإذا قال ذهب فهو دليل على أن الحدث
فيما مضى من الزمان وإذا قال سيذهب فإنه دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان ففيه بيان ما مضى وما لم
يمض منه كما أن فيه استدللً على وقوع الحدث.
وذلك قولك قعد شهرين وسيقعد شهرين وتقول :ذهبت أمس وسأذهب غدًا فإن شئت لم تجعلهما ظرفاً فهو يجوز
في كل شيء من أسماء الزمان كما جاز في كل شيء من أسماء الحدث.
10
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ويتعدى إلى ما اشتق من لفظه اسماً للمكان وإلى المكان لنه إذا قال ذهب أو قعد فقد علم أن للحدث مكاناً وإن لم
يذكره كما علم أنه قد كان ذهاب وذلك قولك ذهبت المذهب البعيد وجلست مجلساً حسناً وقعدت مقعدًا كريماً
وقعدت المكان الذي رأيت وذهبت وجهاً من الوجوه.
وقد قال بعضهم ذهب الشام يشبهه بالمبهم إذ كان مكاناً يقع عليه المكان والمذهب.
وهذا شاذ لنه ليس في ذهب دليل على الشام وفيه دليل على المذهب والمكان.
ومثل ذلك قول ساعدة بن جوية :لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب ويتعدى إلى ما كان وقتاً
في المكنة كما يتعدى إلى ما كان وقتاً في الزمنة لنه وقت يقع في المكان ول يختص به مكان واحد كما في
الزمن كان مثله لنك قد تفعل بالماكن ما تفعل بالزمنة وإن كان الزمنة أقوى في ذلك.
وكذلك ينبغي أن يكون إذ صار فيما هو أبعد نحو ذهبت الشام وهو قولك ذهبت فرسخين وسرت الميلين كما تقول
ذهبت شهرين وسرت اليومين.
وإنما جعل في الزمان أقوى لن الفعل بنى لما مضى منه وما لم يمض ففيه بيان متى وقع كما أن فيه بيان أنه قد
وقع المصدر وهو الحدث.
والماكن لم يبن لها فعل وليست بمصادر أخذ منها المثلة والماكن إلى الناسي ونحوهم أقرب.
أل ترى أنهم يخصونها بأسماء كزيد وعمرو وفي قولهم مكة وعمان ونحوها ويكون منها خلق ل تكون لكل مكان
ول فيه كالجبل والوادي والبحر.
والماكن لها جثة وإنما الدهر مضى الليل والنهار فهو إلى الفعل أقرب.
فإن شئت اقتصرت على المفعول الول وإن شئت تعدى إلى الثاني كما تعدى إلى الول.
وذلك قولك :أعطى عبد ال زيداً درهماً وكسوت بشراً الثياب الجياد.
ل " وسميته زيداًومن ذلك :اخترت الرجال عبد ال ومثل ذلك قوله عز وجل " :واختار موسى قومه سبعين رج ً
وكسيت زيدًا أبا عبد ال ودعوته زيدًا إذا أردت دعوته التي تجري مجرى سميته وإن عنيت الدعاء إلى أمر لم
يجاوز مفعولً واحداً.
11
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ** فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وإنما فصل هذا أنها أفعال توصل بحروف الضافة فتقول :اخترت فلناً من الرجال وسميته بفلن كما تقول:
عرفته بهذه العلمة وأوضحته بها وأستغفر ال من ذلك فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل.
وليست عن وعلى ههنا بمنزلة الباء في قوله " :كفى بال شهيداً " وليس بزيد لن عن وعلى ل يفعل بها ذاك ول
بمن في الواجب.
وليست أستغفر ال ذنباً وأمرتك الخير أكثر في كلمهم جميعًا وإنما يتكلم بها بعضهم.
فأما سميت وكنيت فإنما دخلتها الباء على حد ما دخلت في عرفت تقول عرفته زيدًا ثم تقول عرفته بزيد فهو سوى
ذلك المعنى فإنما تدخل في سميت وكنيت على حد ما دخلت في عرفته بزيد.
وليس كل الفعل يفعل به ذها كما أنه ليس كل فعل يتعدى الفاعل ول يتعدى إلى مفعولين.
ومنه قول الفرزدق :منا الذي اختير الرجال سماحةً وجودًا إذا هب الرياح الزعازع نبئت عبد ال بالجو أصبحت
كرامًا مواليها لئيمًا صميمها .
وليس لك أن تقتصر على أحد المفعولين دون الخر وذلك قولك :حسب عبد ال زيداً بكراً وظن عمرو وخالداً أباك
وخال عبد ال زيدًا أخاك.
ومثل ذلك :رأى عبد ال زيدًا صاحبنا ووجد عبد ال زيدًا ذا الحفاظ.
وإنما منعك أن تقتصر على أحد المفعولين ههنا أنك إنما أردت أن تبين ما استقر عندك من حال المفعول الول
يقيناً كان أو شكاً وذكرت الول لتعلم الذي تضيف إليه ما استقر له عندك من هو.
فإنما ذكرت ظننت ونحوه لتجعل خبر المفعول الول يقيناً أو شكاً ولم ترد أن تجعل الول فيه الشك أو تقيم عليه
في اليقين.
وإن قلت رأيت فأردت رؤية العين أو وجدت فأردت وجدان الضالة فهو بمنزلة ضربت ولكنك إنما تريد بوجدت
علمت وبرأيت ذلك أيضاً.
12
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أل ترى أنه يجوز للعمى أن يقول :رأيت وقد يكون علمت بمنزلة عرفت ل تريد إل علم الول.
فمن ذلك قوله تعالى " :ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت " وقال سبحانه " :وآخرين من دونهم ل تعلمونهم
ال يعلمهم " فهي ههنا بمنزلة عرفت كما كانت رأيت على وجهين.
وأما ظننت ذاك فإنما جاز السكوت عليه لنك قد تقول ظننت فتقصر كما تقول ذهبت ثم تعمله في الظن كما تعمل
ذهبت في الذهاب.
ويدلك على أنه الظن أنك لو قلت خلت زيداً وأرى زيدًا لم يجز.
وتقول :ظننت به جعلته موضع ظنك كما قلت نزلت به ونزلت عليه.
ولو كانت الباء زائدة بمنزلتها في قوله عز وجل " :كفى بال " لم يجز السكت عليها فكأنك قلت :ظننت في الدار.
ول يجوز أن تقتصر على مفعول منهم واحد دون الثلثة لن المفعول ههنا كالفاعل في الباب وذلك قولك :أرى
ال بشراً زيدًا أباك ونبأت زيداً عمراً أبا فلن وأعلم ال زيداً عمراً خيراً منك.
واعلم أن هذه الفعال إذا انتهت إلى ما ذكرت لك من المفعولين فلم يكن بعد ذلك متعدي تعدت إلى جميع ما يتعدى
ل وسرقت عبد ال الثوب الليلة
إليه الفعل الذي ل يتعدى الفاعل وذلك قولك :أعطى عبد ال زيدًا المال إعطاء حمي ً
ل تجعله ظرفاً ولكن كما تقول :يا سارق الليلة زيدًا الثوب لم تجعلها ظرفاً.
وتقول :أعملت هذا زيداً قائماً العلم اليقين إعلماً وأدخل ال عمرًا المدخل الكريم إدخالً لنها لما انتهت صارت
بمنزلة ما ل يتعدى.
رفعت عبد ال ههنا كما رفعته في ضرب حين قلت ضرب عبد ال وشغلت به كسى وأعطى كما شغلت به
ضرب.
وانتصب الثوب والمال لنهما مفعولن تعدى إليهما مفعول هو بمنزلة الفاعل.
وإن شئت قدمت وأخرت فقلت كسى الثوب زيد وأعطى المال عبد ال كما قلت ضرب زيدًا عبد ال.
13
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أن المفعول الذي ل يتعداه فعله إلى مفعول يتعدى إلى كل شيء تعدى إليه فعل الفاعل الذي ل يتعداه فعله
إلى مفعول وذلك قولك :ضرب زيد الضرب الشديد وضرب عبد ال اليومين اللذين تعلم ل تجعله ظرفاً ولكن كما
تقول :يا مضروب الليلة الضرب الشديد وأقعد عبد ال المقعد الكريم.
فجميع ما تعدى إليه فعل الفاعل الذي ل يتعداه فعله إلى مفعول يتعدى إليه فعل المفعول الذي ل يتعداه فعله.
واعلم أن المفعول الذي لم يتعد إليه فعل فاعل في التعدي والقتصار بمنزلة إذا تعدى إليه فعل الفاعل لن معناه
متعديًا إليه فعل الفاعل وغير متعد إليه فعله سواء.
أل ترى أنك تقول ضربت زيداً فل تجاوز هذا المفعول وتقول ضرب زيد فل يتعداه فعله لن المعنى واحد.
وتقول :كسوت زيداً ثوباً فتجاوز إلى مفعول آخر وتقول :كسى زيد ثوباً فل تجاوز الثوب لن الول بمنزلة
المنصوب لن المعنى واحد وإن كان لفظه لفظ الفاعل.
لما كان الفاعل يتعدى إلى ثلثة تعدى المفعول إلى اثنين.
وتقول أرى عبد ال أبا فلن لنك لو أدخلت في هذا الفعل الفاعل وبنيته له لتعداه فعله إلى ثلثة مفعولين.
واعلم أن الفعال إذا انتهت ههنا فلم تجاوز تعدت إلى جميع ما تعدى إليه الفعل الذي ل يتعدى المفعول.
وذلك قولك :أعطى عبد ال الثوب إعطاء جميلً ونبئت زيداً أبا فلن تنبيئًا حسناً وسرق عبد ال الثوب الليلة ل
تجعله ظرفاً ولكن على قولك يا مسروق الليلة الثوب صير فعل المفعول والفاعل حيث انتهى فعلهما بمنزلة الفعل
الذي ل يتعدى فاعله ول مفعوله ولم يكونا ليكونا بأضعف من الفعل الذي ل يتعدى.
وقع فيه الفعل وليس بمفعول كالثوب في قولك كسوت الثوب وفي قولك كسوت زيداً الثوب لن الثوب ليس بحال
وقع فيها الفعل ولكنه مفعول كالول.
ل إذا قلت كسوت الثوب وكمعناه إذا كان بمنزل الفاعل إذا
أل ترى أنه يكون معرفة ويكون معناه ثانياً كمعناه أو ً
قلت كسى الثوب.
فلو كان بمنزلة المفعول الذي يتعدى إليه فعل الفاعل نحو عبد ال وزيد ما جاز في ذهبت ولجاز أن تقول ضربت
زيدًا أباك وضربت زيداً القائم ل تريد بالب ول بالقائم الصفة " ول البدل " فالسم الول المفعول في ضربت قد
حال بينه وبين الفعل أن يكون فيه بمنزلته كما حال الفاعل بينه وبين الفعل في ذهب أن يكون فاعلً وكما حالت
السماء المجرورة بين ما بعدها وبين الجار في قولك :لي مثله رجلً ولي ملؤه عسلً وكذلك ويحه فارساً وكما
منعت النون في عشرين أن يكون ما بعدها جرًا إذا قلت :له عشرون درهماً.
14
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ل كعمل مثله فيما بعده أل ترى أنه ل يكون إل نكرة كما أن هذا ل يكون إل نكرة
فعمل الفعل هنا فيما يكون حا ً
ولو كان هذا بمنزلة الثوب وزيد في كسوت لما جاز ذهبت راكباً لنه ل يتعدى إلى مفعول كزيد وعمرو.
وإنما جاز هذا لنه حال وليس معناه كمعنى الثوب وزيد فعمل كعمل غير الفعل ولم يكن أضعف منه إذ كان
يتعدى إلى ما ذكرت من الزمنة والمصادر ونحوه.
واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد فمن ثم ذكر على حدته ولم يذكر مع الول ول يجوز فيه القتصار
على الفاعل كما لم يجز في ظننت القتصار على المفعول الول لن حالك في الحتياج إلى الخر ههنا كحالك في
الحتياج إليه ثمة >".هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول
وذلك قولك :كان ويكون وصار وما دام وليس وما كان نحوهن من الفعل مما ل يستغنى عن الخبر.
تقول :كان عبد ال أخاك فإنما أردت أن تخبر عن الخوة وأدخلت كان لتجعل ذلك فيما مضى.
وإن شئت قلت :كان أخاك عبد ال فقدمت وأخرت كما فعلت ذلك في ضرب لنه فعل مثله وحال التقديم والتأخير
فيه كحاله في ضرب إل أن اسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد.
وتقول :كناهم كما تقول ضربناهم وتقول :إذا لم نكنهم فمن ذا يكونهم كما تقول إذا لم نضربهم فمن يضربهم.
قال أبو السود الدؤلي :فإن ل يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها فهو كائن ومكون كما تقول ضارب
ومضروب.
وقد يكون لكان موضع آخر يقتصر على الفاعل فيه تقول :قد كان عبد ال أي قد خلق عبد ال.
كما تقول رأيت زيدًا تريد رؤية العين وكما تقول أنا وجدته تريد وجدان الضالة وكما يكون أصبح وأمسى مرة
بمنزلة كان ومرة بمنزلة قولك استيقظوا وناموا.
فأما ليس فإنه ل يكون فيها ذلك لنها وضعت موضعاً واحدا ومن ثم لم تصرف تصرف الفعل الخر.
فمما جاء على وقع قوله وهو مقاس العائذي " :أي إذا وقع ".
وقال الخر عمرو بن شأس :بني أسد هل تعلمون بلءنا إذا كان يومًا ذا كواكب أشنعا إذا كانت الحو الطوال كأنما
كساها السلح الرجوان المضلعا أضمر لعلم المخاطب بما يعنى وهو اليوم.
وسمعت بعض العرب يقول أشنعا ويرفع ما قبله كأنه قال :إذا وقع يوم ذو كواكب أشنعا.
15
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أنه إذا وقع في هذا الباب نكرة ومعرفة فالذي تشغل به كان المعرفة لنه حد الكلم لنهما شيء واحد وليس
بمنزلة قولك :ضرب رجل زيداً لنهما شيئان مختلفان وهما في كان بمنزلتهما في البتداء إذا قلت عبد ال منطلق.
تبتدئ بالعرف ثم تذكر الخبر وذلك قولك :كان زيد حليماً وكان حليمًا زيد ل عليك أقدمت أم أخرت إل أنه على
ما وصفت لك في قولك :ضرب زيداً عبد ال.
فإذا قلت :كان زيد فقد ابتدأت بما هو معروف عنده مثله عندك فإنما ينتظر الخبر.
فإذا قلت كان حليمًا فإنما ينتظر أن تعرفه صاحب الصفة فهو مبدوء به في الفعل وإن كان مؤخراً في اللفظ.
فإن قلت :كان حليم أو رجل فقد بدأت بنكرة ول يستقيم أن تخبر المخاطب عن المنكور وليس هذا بالذي ينزل به
المخاطب منزلتك في المعرفة فكرهوا أن يقربوا باب لبس.
وقد تقول :كان زيد الطويل منطلقًا إذا خفت التباس الزيدين وتقول :أسفيها كان زيد أم حليماً وأرجلً كان زيد أم
صبيًا تجعلها لزيد لنه إنما ينبغي لك أن تسأله عن خبر من هو معروف عنده كما حدثته عن خبر من هو معروف
عندك فالمعروف هو المبدوء به.
أل ترى أنك لو قلت :كان إنسان حليماً أو كان رجل منطلقاً كنت تلبس لنه ل يستنكر أن يكون في الدنيا إنسان
هكذا فكرهوا أن يبدءوا بما فيه اللبس ويجعلوا المعرفة خبراً لما يكون فيه هذا اللبس.
حملهم على ذلك أنه فعل بمنزلة ضرب وأنه قد يعلم إذا ذكرت زيداً وجعلته خبرًا أنه صاحب الصفة على ضعف
من الكلم وذلك قول خداش بن زهير :فإنك ل تبالي بعد حول أظبي كان أمك أم حمار وقال حسان بن ثابت :كأن
سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء وقال أبو قيس بن السلت النصاري :أل من مبلغ حسان عني
أسحر كان طبك أم جنون أسكران كان ابن المراغة إذ هجا تميماً بجوف الشام أم متساكر فهذا إنشاء بعضهم.
ل رفعته ونصبت الخر كما فعلت ذلك في ضرب وذلك قولك: وإذا كان معرفة فأنت بالخيار :أيهما ما جعلته فاع ً
كان أخوك زيداً وكان زيد صاحبك وكان هذا زيداً وكان المتكلم أخاك.
وتقول :من كان أخاك ومن كان أخوك كما تقول :من ضرب أباك إذا جعلت من الفاعل ومن ضرب أبوك إذا
جعلت الب الفاعل.
ومثل ذلك قوله عز وجل " :ما كان حجتهم إل أن قالوا " " :وما كان جواب قومه إل أن قالوا ".
16
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال الشاعر :وقد علم القوام ما كان داءها بثهلن إل الخزي ممن يقودها وإن شئت رفعت الول كما تقول :ما
ضرب أخوك إل زيداً.
ومثل قولهم :من كان أخاك قول العرب ما جاءت حاجتك كأنه قال :ما صارت حاجتك ولكنه أدخل التأنيث على ما
حيث كانت الحاجة كما قال بعض العرب :من كانت أمك حيث أوقع من على مؤنث.
وإنما صير جاء بمنزلة كان في هذا الحرف وحده لنه كان بمنزلة المثل كما جعلوا عسى بمنزلة كان في قولهم" :
عسى الغوير أبؤساً " ول يقال :عسيت أخانا.
ومن كلمهم أن يجعلوا الشيء في موضع على غير حاله في سائر الكلم وسترى مثل ذلك إن شاء ال.
ومن يقول من العرب :ما جاءت حاجتك كثير كما يقول من كانت أمك.
ولم يقولوا ما جاء حاجتك كما قالوا من كان أمك لنه بمنزلة المثل فألزموه التاء كما اتفقوا على لعمر كان في
اليمين.
وزعم يونس أنه سمع رؤبة يقول :ما جاءت حاجتك فيرفع.
ومثل قولهم ما جاءت حاجتك إذ صارت تقع على مؤنث قراءة بعض القراء " :ثم لم تكن فتنتهم إل أن قالوا " و "
تلتقطه بعض السيارة ".
وربما قالوا في بعض الكلم :ذهبت بعض أصابعه وإنما أنث البعض لنه أضافه إلى مؤنث هو منه ولو لم يكن
منه لم يؤنثه لنه لو قال :ذهبت عبد أمك لم يحسن.
ومما جاء مثله في الشعر قول الشاعر العشى :وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم إذا
بعض السنين تعرقتنا كفى اليتام فقد أبى اليتيم لن " بعض " ههنا سنون.
ومثله قول جرير أيضاً :لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع ومثله قول ذي الرمة :مشين
كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم وقال العجاج :طول الليالي أسرعت في نقضى وسمعنا من
العرب من يقول ممن يوثق به :اجتمعت أهل اليمامة لنه يقول في كلمه :اجتمعت اليمامة يعني أهل اليمامة فأنث
الفعل في اللفظ إذ جعله في اللفظ لليمامة فترك اللفظ يكون على ما يكون عليه في سعة الكلم.
ومثل " في هذا " يا طلحة أقبل لن أكثر ما يدعو طلحة بالترخيم فترك الحاء على حالها.
وقال الشاعر جرير :يا تيم تيم عدي ل أبا لكم ل يلقينكم في سوءة عمر وسترى هذا مبيناً في مواضعه إن شاء ال.
وسترى ما " إثبات التاء فيه حسن إن شاء ال " من هذا النحو لكثرته في كلمهم.
17
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وسيبين في بابه ".
فإن قلت :من ضربت عبد أمك أو هذه عبد زينب لم يجز لنه ليس منها ول بها ول يجوز أن تلفظ بها و " أنت "
تريد العبد
وذلك قولك :ما كان أحد مثلك وما كان أحد خيراً منك وما كان أحد مجترئاً عليك.
وإنما حسن الخبار ههنا عن النكرة حيث أردت أن تنفي أن يكون في مثل حاله شيء أو فوقه ولن المخاطب قد يحتاج
إلى أن تعلمه مثل هذا.
وإذا قلت كان رجل ذاهباً فليس في هذا شيء تعلمه كان جهله.
ولو قلت كان رجل من آل فلن فارساً حسن لنه قد يحتاج إلى أن تعلمه أن ذاك في آل فلن وقد يجهله.
ولو قلت كان رجل في قوم عاقلً لم يحسن لنه ل يستنكر أن يكون في الدنيا عاقل وأن يكون من قوم.
ول يجوز لحد أن تضعه في موضع واجب لو قلت كان أحد من آل فلن لم يجز لنه إنما وقع في كلمهم نفياً عاماً.
يقول الرجل :أتاني رجل يريد واحداً في العدد ل اثنين فيقال :ما أتاك رجل أي أتاك أكثر من ذلك أو يقول أتاني رجل ل
امرأة فيقال :ما أتاك رجل أي امرأة أتتك.
ويقول :أتاني اليوم رجل أي في قوته ونفاذه فتقول :ما أتاك رجل أي أتاك الضعفاء.
فإذا قال :ما أتاك أحد صار نفياً " عاماً " لهذا كله فإنما مجراه في الكلم هذا.
ولو قال :ما كان مثلك أحداً أو ما كان زيد أحداً كان ناقضاً لنه قد علم أنه ل يكون زيد ول مثله إل من الناس.
ولو قلت ما كان مثلك اليوم أحد فإنه يكون أن ل يكون في اليوم إنسان على حاله إل أن تقول :ما كان زيد أحداً أي من
الحدين.
وما كان مثلك أحد على وجه تصغيره فتصير كأنك قلت :ما ضرب زيد أحداً وما قتل مثلك أحداً.
وحسنت النكرة " ههنا " في هذا الباب لنك لم تجعل العرف في موضع النكر وهما متكافئان كما تكافأت المعرفتان
ولن المخاطب قد يحتاج إلى علم ما ذكرت لك وقد عرف من تعنى بذلك كمعرفتك.
وتقول :ما كان فيها أحد خير منك وما كان أحد مثلك فيها وليس أحد فيها خير منك إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على
قولك فيها زيد قائم أجريت الصفة على السم.
فإن جعلته على قولك فيها زيد قائم " نصبت " تقول :ما كان فيها أحد خيراً منك وما كان أحد خيراً منك فيها إل أنك إذا
أردت اللغاء فكلما أخرت الذي تلغيه كان أحسن.
18
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإذا أردت أن يكون مستقراً تكتفي به فكلما قدمته كان أحسن لنه إذا كان عاملً في شيء قدمته كما تقدم أظن وأحسب
وإذا ألغيت أخرته كما تؤخرهما لنهما ليسا يعملن شيئاً.
والتقديم ههنا والتأخير " فيما يكون ظرفاً أو يكون اسماً في العناية والهتمام مثله فيما ذكرت لك في باب الفاعل
والمفعول.
وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير " واللغاء والستقرار عربي جيد كثير فمن ذلك قوله عز وجل " :ولم يكن له
كفواً أحد ".
وأهل الجفاء من العرب يقولون :ولم يكن كفواً له أحد كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقرة.
وقال الشاعر:
لتقربن قرباً جلذياً ما دام فيهن ** فصل حيا فقد دجا الليل فهيا هيا
بلغة أهل الحجاز ثم يصير إلى أصله وذلك الحرف " ما " .تقول :ما عبد ال أخاك وما زيد منطلقاً.
وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل أي ل يعلمونها في شيء وهو القياس لنه ليس بفعل وليس ما كليس ول يكون
فيها إضمار.
وأما أهل الحجاز فيشبهونها بليس إذ كان معناها كمعناها كما شبهوا بها لت في بعض المواضع وذلك مع الحين خاصة
ل تكون لت إل مع الحين تضمر فيها مرفوعاً وتنصب الحين لنه مفعول به ولم تمكن تمكنها ولم تستعمل إل مضمراً
فيها لنها ليس كليس في المخاطبة والخبار عن غائب تقول لست " ولست " وليسوا وعبد ال ليس ذاهباً فتبنى على
المبتدأ وتضمر فيه ول يكون هذا في لت ل تقول :عبد ال لت منطلقًا ول قومك لتوا منطلقين.
ونظير لت في أنه ل يكون إل مضمراً فيه :ليس ول يكون في الستثنار إذا قلت أتوني ليس زيداً ول يكون بشراً.
وزعموا أن بعضهم قرأ " :ولت حين مناص " وهي قليلة كما قال بعضهم في قول سعد بن مالك القيسي :من فر عن
نيرانها فأنا ابن قيس ل براح جعلها بمنزلة ليس فهي بمنزلة لت في هذا الموضع في الرفع.
ول يجاوز بها هذا الحين رفعت أو نصبت ول تمكن في الكلم كتمكن ليس وإنما هي مع الحين كما أن لدن إنما ينصب
بها مع غدوة وكما أن التاء ل تجر في القسم ول في غيره إل في ال إذا قلت تال لفعلن.
ومثل ذلك قوله عز وجل " :ما هذا بشراً " في لغة أهل الحجاز.
ول يجوز أن يكون مقدماً مثله مؤخراً كما أنه ل يجوز أن تقول :إن أخوك عبد ال على حد قولك :إن عبد ال أخوك
لنها ليست بفعل وإنما جعلت بمنزلته فكما لم تتصرف إن كالفعل كذلك لم يجز فيها كل ما يجوز فيه ولم تقو قوته فكذلك
ما.
19
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثله قوله عز وجل " :ما أنتم إل بشر مثلنا " لما تقو ما حيث نقضت معنى ليس كما لو تقو حين قدمت الخبر.
فمعنى ليس النفي كما أن معنى كان الواجب وكل واحد منهما يعني وكان وليس إذا جردته فهذا معناه.
فإن قلت ليس زيد إل ذاهباً أدخلت ما يوجب كما أدخلت ما ينفي.
وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق :فأصبحوا قد أعاد ال نعمتهم إذ هم قريش وإذا ما مثلهم بشر وهذا ل يكاد يعرف
كما أن " لت حين مناص " كذلك.
ورب شيء هكذا وهو كقول بعضهم :هذه ملحفة جديدة في القلة.
وتقول :ما عبد ال خارجًا ول معن ذاهب ترفعه على أن ل تشرك السم الخر في ما ولكن تبتدئه كما تقول :ما كان عبد
ال منطلقاً ول زيد ذاهب إذا لم تجعله على كان وجعلته غير ذاهب الن.
وكذلك ليس.
وإن شئت جعلتها ل التي يكون فيها الشتراك فتنصب كما تقوم في كان :ما كان زيد ذاهباً ول عمرو منطلقاً.
وذلك قولك :ليس زيد ذاهباً ول أخوك منطلقاً وكذلك ما زيد ذاهبًا ول معن خارجاً.
وليس قولهم ل يكون في ما إل الرفع بشيء لنهم يحتجون بأنك ل تستطيع أن تقول ول ليس ول ما فأنت تقول ليس زيد
ول أخوه ذاهبين وما عمرو ول خالد منطلقين فتشركه مع الول في ليس وفي ما.
فما يجوز في كان إل أنك إن حملته على الول أو ابتدأت فالمعنى أنك تنفي شيئاً غير كائن في حال حديثك.
وكان " البتداء " في كان أوضح لن المعنى يكون على ما مضى وعلى ما هو الن.
ومثل ذلك قولك إن زيداً ظريف وعمرو وعمراً فالمعنى في الحديث واحد وما يراد من العمال مختلف " في كان وليس
وما ".
وتقول :ما زيد كريماً ول عاقلً أبوه تجعله كأنه للول بمنزلة كريم لنه ملتبس به إذا قلت أبوه تجريه عليه كما أجريت
عليه الكريم لنك لو قلت :ما زيد عاقلً أبوه نصبت وكان كلماً.
وتقول :ما زيد ذاهباً ول عاقل عمرو لنك لو قلت ما زيد عاقلً عمرو لم يكن كلماً لنه ليس من سببه فترفعه على
البتداء والقطع من الول كأنك قلت :وما عاقل عمرو.
ولو جعلته من سببه لكان فيه له إضمار كالهاء في الب ونحوها ولم يجز نصبه على ما لنك لو ذكرت ما ثم قدمت
الخبر لم يكن إل رفعاً.
وإن شئت قلت :ما زيد ذهباً ول كريم أخوه إن ابتدأته ولم تجعله على ما كما فعلت ذلك حين بدأت بالسم.
20
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولكن ليس وكان يجوز فيهما النصب وإن قدمت الخبر ولم يكن ملتبساً لنك لو ذكرتهما كان الخبر فيهما مقدماً مثله
مؤخراً وذلك قولك :ما كان زيد ذاهبًا ول قائماً عمرو.
وتقول ما زيد ذاهباً ول محسن زيد الرفع أجود وإن كنت تريد الول لنك لو قلت ما زيد منطلقاً زيد لم يكن حد الكلم
وكان ههنا ضعيفاً ولم يكن كقولك ما زيد منطلقاً هو لنك قد استغنيت عن إظهاره وإنما ينبغي لك أن تضمره.
أل ترى أنك لو قلت ما زيد منطلقاً أبو زيد لم يكن كقولك ما زيد منطلقاً أبوه لنك قد استغنيت عن الظهار فلما كان هذا
كذلك أجري مجرى الجنبي واستؤنف على حاله حيث كان هذا ضعيفاً فيه.
قال الشاعر وهو سواد ابن عدي :ل أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا فأعاد الظهار.
وقال الجعدي :إذا الوحش ضم الوحش في ظللتها سواقط من حر وقد كان أظهرا لعمرك ما معن بتارك حقه ول منسئ
معن ول متيسر وإذا قلت :ما زيد منطلقاً أبو عمرو وأبو عمرو أبوه لم يجز لنك لم تعرفه به ولم تذكر له إضمارًا ول
إظهاراً فيه فهذا ل يجوز لنك لم نجعل له فيه سبباً.
وتقول :ما أبو زينب ذاهبًا ول مقيمة أمها ترفع لنك لو قلت :ما أبو زينب مقيمةً أمها لم يجز لنها ليست من سببه وإنما
عملت ما فيه ل في زينب.
ومن ذلك قول الشاعر وهو العور الشني :هون عليك فإن المور بكف الله مقاديرها فليس بآتيك منهيها ول قاصر
عنك مأمورها لنه جعل المأمور من سبب المور ولم يجعله من سبب المذكر وهو المنهي.
وقد جره قوم فجعلوه المأمور للمنهي والمنهى هو المور لنه من المور وهو بعضها فأجراه وأنثه كما قال جرير :إذا
بعض السنين تعرقتنا كفى اليتام فقد أبي اليتيم ومثل ذلك قول الشاعر النابغة الجعدي :فليس بمعروف لنا أن نردها
صحاحاً ول مستنكر أن تعقرا كأنه قال :ليس بمعروف لنا ردها صحاحاً ول مستنكر عقرها والعقر ليس للرد.
وقد يجوز أن يجر ويحمله على الرد ويؤنث لنه من الخيل كما قال ذو الرمة :مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها
من الرياح النواسم كأنه قال :تسفهتها الرياح وكأنه قال :ليس بآتيتك منهيها وليس بمعروفةٍ ردها حين كان من الخيل
والخيل مؤنثة فأنث.
ومثل هذا قوله تعالى جده " :بلى من أسلم وجهه ل وهو محسن فله أجره عند ربه ول خوف عليهم ول هم يحزنون "
أجرى الول على لفظ الواحد والخر على المعنى.
هذا مثله في أنه تكلم به مذكراً ثم أنث كما جمع ههنا وهو في قوله ليس بآتيتك منهيها كأنه قال :ليس بآتيتك المور.
وفي ليس بمعرفة ردها كأنه قال :ليس بمعرفة خيلنا صحاحاً.
وإن شئت نصبت فقلت :ول مستنكراً أن تعقرا ول قاصراً عنك مأمورها على قولك :ليس زيد ذاهبًا ول عمرو ومنطلقاً
أو ول منطلقاً عمرو.
وتقول :ما كل سوداء تمر ًة ول بيضاء شحمة وإن شئت نصبت شحمةً.
21
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
قال الشاعر أبو داود :أكل امرئٍ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا فاستغنيت عن تثنية كل لذكرك إياه في أول الكلم
ولقلة التباسه على المخاطب.
وجاز كما جاز في قولك :ما مثل عبد ال يقول ذاك ول أخيه وإن شئت قلت :ول مثل أخيه.
وتفريقه أن تقول :ما مثل عبد ال يقول ذاك ول أخيه يكره ذاك.
وذلك قولك :ليس زيد بجبان ول بخيلً وما زيد بأخيك ول صاحبك.
والوجه فيه الجر لنك تريد أن تشرك بين الخبرين وليس ينقض إجراؤه عليك المعنى.
وأن يكون آخره على أوله أولى ليكون حالهما في الباء سواءً كحالهما في غير الباء مع قربه منه.
وقد حملهم قرب الجوار على أن جروا :هذا جحر ضبٍ خربٍ ونحوه فكيف ما يصح معناه.
ومما جاء من الشعر في الجراء على الموضع قول عقيبة السدي :لن الباء دخلت على شيء لو لم تدخل عليه لم يخل
بالمعنى ولم يحتج إليها وكان نصباً.
أل ترى أنهم يقولون حسبك هذا وبحسبك هذا فلم تغير الباء معنى.
ومثل ذلك قول لبيد :فإن لم تجد من دون عدنان والداً ودون معدٍ فلتزعك العواذل والجر الوجه.
ولو قلت :ما زيد على قومنا ول عندنا كان النصب ليس غير لنه ل يجوز حمله على على.
أل ترى أنك لو قلت :ول على عندنا لم يكن لن عندنا ل تستعمل إل ظرفاً وإنما أزدت أن تخبر أنه ليس عندكم.
ومثل ودون معدٍ قول الشاعر وهو كعب بن جعيل :أل حي ندماني عمير بن عامر إذا ما تلقينا من اليوم أو غدا وقال
العجاج :كشحا طوى من بلد مختاراً من يأسه اليائس أو حذارا وتقول :ما زيد كعمرو ول شبيهاً به وما عمرو كخال ٍد ول
مفلحاً النصب في هذا جيد لنك إنما تريد ما هو مثل فلن ول مفلحاً.
فإن أردت أن تقول ول بمنزلة من يشبهه جررت وذلك قولك ما أنت كزيد ول شبيهٍ به فإنما أردت ول كشبيهٍ به.
22
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإذا قلت ما أنت بزيد ول قريباً منه فإنه ليس ههنا معنى بالباء لم يكن قبل أن تجئ بها وأنت إذا ذكرت الكاف تمثل.
فإن لم تجعل قريباً ظرفاً جاز فيه الجر على الباء والنصب على الموضع.
فلول أن فيه إضماراً لم يجز أن تذكر الفعل ولم تعمله في اسم ولكن فيه الضمار مثل ما في إنه.
قال الشاعر وهو حميد الرقط :فأصبحوا والنوى عالي معرسهم وليس كل النوى تلقى المساكين فلو كان كل على ليس
ول إضمار فيه لم يكن إل الرفع في كل ولكنه انتصب على تلقى.
ول يجوز أن تحمل المساكين على ليس وقد قدمت فجعلت الذي يعمل فيه الفعل الخر يلي الول وهذا ل يحسن.
لو قلت كانت زيداً الحمى تأخذ أو تأخذ الحمى لم يجز وكان قبيحاً.
ومثل ذلك في الضمار قول بعض الشعراء العجير سمعناه ممن يوثق بعربيته :إذا مت كان الناس صنفان :شامت وآخر
مثن بالذي كنت أصنع أضمر فيها.
وقال بعضهم :كان أنت خير منه كأنه قال إنه أنت خير منه.
ومثله :كاد تزيغ قلوب فريق منهم وجاز هذا التفسير لن معناه كادت قلوب فريق منهم تزيغ كما قلت :ما كان الطيب إل
المسك على إعمال ما كان المر الطيب إل المسك فجاز هذا إذ كان معناه ما الطيب إل المسك.
وقال هشام أخو ذي الرمة :هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها وليس منها شفاء الداء مبذول ول يجوز ذا في ما في لغة أهل
الحجاز لنه ل يكون فيه إضمار.
ول يجوز أن تقول :ما زيداً عبد ال إضماراً وما زيداً أنا قاتلً لنه ل يستقيم كما لم يستقيم في كان وليس أن تقدم ما
يعمل فيه الخر.
فإن رفعت الخبر حسن حمله على اللغة التميمية كما قلت :أما زيداً فأنا ضاربٌ كأنك لم تذكر أما وكأنك لم تذكر ما
وكأنك قلت :وقال مزاحم العقيلي :وقالوا تعرفها المنازل من منى وما كل من وافى منى أنا عارف وقال بعضهم :وما كل
من وافى منى أنا عارف لزم اللغة الحجازية فرفع كأنه قال :ليس عبد ال أنا عارف فأضمر الهاء في عارف.
وكان الوجه عارفه حيث لم يعمل عارف في كل وكان هذا أحسن من التقديم والتأخير لنهم قد يدعون هذه الهاء في
كلمهم وفي الشعر كثيراً وذلك ليس في شيء من كلمهم ول يكاد يكون في شعر.
23
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
هذا باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجرى الفعل
زعم الخليل أنه بمنزلة قولك :شيء أحسن عبد ال ودخله معنى التعجب.
ول يجوز أن تقدم عبد ال وتؤخر ما ول تزيل شيئاً عن موضعه ول تقول فيه ما يحسن ول شيئًا مما يكون في الفعال
سوى هذا.
وبناؤه أبدًا من فعل وفعل وفعل وأفعل هذا لنهم لم يريدوا أن يتصرف فجعلوا له مثالً واحداً يجري عليه فشبه هذا بما
ليس من الفعل نحو لت وما.
وإن كان من حسن وكرم وأعطى كما قالوا أجدل فجعلوه اسماً وإن كان من الجدل وأجري مجرى أفكل.
ونظير جعلهم ما وحدها اسماً قول العرب :إني مما أن أصنع أي من المر أن أصنع فجعل ما وحدها اسماً.
وما كان نحو ذلك وهو قولك :ضربت وضربني زيد وضربني وضربت زيداً تحمل السم على الفعل الذي يليه.
فالعامل في اللفظ أحد الفعلين وأما في المعنى فقد يعلم أن الول قد وقع إل أنه ل يعمل في اسم واحد نصب ورفع.
وإنما كان الذي يليه أولى لقرب جواره وأنه ل ينقض معنى وأن المخاطب قد عرف أن الول قد وقع بزيد كما كان
خشنت بصدره وصدر زيدٍ وجه الكلم حيث كان الجر في الول وكانت الباء أقرب إلى السم من الفعل ول تنقض معن ً
ى
سووا بينهما في الجر كما يستويان في النصب.
ومما يقوى ترك نحو هذا لعلم المخاطب قوله عز وجل " :والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين ال كثيراً
والذاكرات " فلم يعمل الخر فيما عمل فيه الول استغناءً عنه ومثل ذلك :ونخلع ونترك من يفجرك.
وجاء في الشعر من الستغناء أشد من هذا وذلك قول قيس بن الخطيم :وقال ضابيء البرجمي :فمن يك أمسى بالمدينة
رحله فإني وقياراً بها لغريب وقال أبن أحمر :رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوى رماني فوضع في
موضع الخبر لفظ الواحد لنه قد علم أن المخاطب سيستدل به على أن الخرين في هذه الصفة.
والول أجود لنه لم يضع واحداً في موضع جمع ول جمعاً في موضع واحد.
ومثله قول الفرزدق :إني ضمنت لمن أتاني ما جنى وأبي فكان وكنت غير غدور ترك أن يكون للول خبر حين استغنى
بالخر لعلم المخاطب أن الول قد دخل في ذلك.
ولو تحمل الكلم على الخر لقلت :ضربت وضربوني قومك وإنما كلمهم :ضربت وضربني قومك.
24
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإذا قلت ضربني لم يكن سبيل للول لنك ل تقول ضربني وأنت تجعل المضمر جميعاً ولو أعملت الول لقلت مررت
ومر بي بزيد.
وإنما قبح هذا أنهم قد جعلوا القرب أولى إذا لم ينقض معنىً.
قال الشاعر وهو الفرزدق :ولكن نصفاً لو سببت وسبني بنو عبد شمس من مناف وهاشم وكمتاً مدماةً كأن متونها جرى
فوقها واستشعرت لون مذهب وقال رجل من باهلة :ولقد أرى تغنى به سيفانة تصبي الحليم ومثلها أصباه فالفعل الول
في كل هذا معمل في المعنى وغير معمل في اللفظ والخر معمل في اللفظ والمعنى.
فإن قلت :ضربت وضربوني قومك نصبت إل في قول من قال :أكلوني البراغيث أو تحمله على البدل فتجعله بدلً من
المضمر كأنك قلت :ضربت وضربني ناس بنو فلن.
وعلى هذا الحد تقول :ضربت وضربني عبد ال تضمر في ضربني كما أضمرت في ضربوني.
فإن قلت :ضربني وضربتهم قومك رفعت لنك شغلت الخر فأضمرت فيه كأنك قلت ضربني قومك وضربتهم على
التقديم والتأخير إل أن تجعل ههنا البدل كما جعلته في الرفع.
قال عمر بن أبي ربيعة :إذا هي لم تستك بعود أراكة تنخل فاستاكت به عود إسحل لنه أضمر في آخر الكلم.
وقال المرار السدي :فرد على الفؤاد هوى عميداً وسوئل لو يبين لنا سؤال وقد نغني بها ونرى عصوراً بها يقتدننا
الخرد الخدال وإذا قلت :ضربوني وضربتهم قومك جعلت القوم بدلً من هم لن الفعل ل بد له من فاعل والفاعل ههنا
جماعة وضمير الجماعة الواو.
وكذلك تقول :ضربوني وضربت قومك إذا أعملت الخر فل بد في الول من ضمير الفاعل لئل يخلو من فاعل.
وإنما قلت :ضربت وضربني قومك فلم تجعل في الول الهاء والميم لن الفعل قد يكون بغير مفعول ول يكون الفعل
بغير فاعل.
وقال امرؤ القيس :فلو أن ما أسعى لدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال فإنما رفع لنه لم يجعل القليل مطلوباً
وإنما كان المطلوب عنده الملك وجعل القليل كافياً ولو لم يرد ونصب فسد المعنى.
وقد يجوز ضربت وضربني زيداً لن بعضهم قد يقول :متى رأيت أو قلت زيداً منطلقاً والوجه متى رأيت أو قلت زيد
منطلقٌ.
ومثل ذلك في الجواز ضربني وضربت قومك والوجه أن تقول :ضربوني وضربت قومك فتحمله على الخر.
فإن قلت :ضربني وضربت قومك فجائز وهو قبيح أن تجعل اللفظ كالواحد كما تقول :هو أحسن الفتيان وأجمله وأكرم
بنيه وأنبله.
ول بد من هذا لنه ل يخلو الفعل من مضمر أو مظهر مرفوع من السماء كأنك قلت إذا مثلته :ضربني من ثم وضربت
قومك.
وترك ذلك أجود وأحسن للتبيان الذي يجيء بعده فأضمر من لذلك.
25
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
قال الخفش :فهذا رديء في القياس يدخل فيه أن تقول :أصحابك جلس تضمر شيئاً يكون في اللفظ واحداً.
فقولهم :هو أظرف الفتيان وأجمله ل يقاس عليه أل ترى أنك لو قلت وأنت تريد الجماعة :هذا غلم القوم وصاحبه لم
يحسن.
هذا باب ما يكون فيه السم مبنياً على الفعل قدم أو أخر
فإذا بنيت السم عليه قلت :ضربت زيداً وهو الحد لنك تريد أن تعمله وتحمل عليه السم كما كان الحد ضرب زيد عمراً
حيث كان زيد أول ما تشغل به الفعل.
وإن قدمت السم فهو عربيٌ جيد كما كان ذلك عربياً جيداً وذلك قولك :زيداً ضربت والهتمام والعناية هنا في التقديم
والتأخير سواء مثله في ضرب زيد عمراً وضرب فإذا بنيت الفعل على السم قلت :زيد ضربته فلزمته الهاء.
وإنما تريد بقولك مبنى عليه الفعل أنه في موضع منطلق إذا قلت :عبد ال منطلق فهو في موضع هذا الذي بني على
الول وارتفع به فإنما قلت عبد ال فنسبته له ثم بنيت عليه الفعل ورفعته بالبتداء.
ومثل ذلك قوله جل ثناؤه " :وأما ثمود فهديناهم " وإنما حسن أن يبنى الفعل على السم حيث كان معملً في المضمر
وشغلته به ولول ذلك لم يحسن لنك لم تشغله بشيء.
وإن شئت قلت :زيداً ضربته وإنما نصبه على إضمار فعل هذا يفسره كأنك قلت :ضربت زيداً ضربته إل أنهم ل
يظهرون هذا الفعل هنا للستغناء بتفسيره.
ومثل ترك إظهار الفعل ها هنا ترك الظهار في الموضع الذي تقدم فيه الضمار وستراه إن شاء ال.
وأنشدوا هذا البيت على وجهين :على النصب والرفع قال بشر بن أبي خازم :فأما تميم تميم بن مر فألفاهم القوم روبى
نياما ومنه قول ذي الرمة :فالنصب عربيٌ كثيرٌ والرفع أجود لنه إذا أراد العمال فأقرب إلى ذلك أن يقول :ضربت
زيداً وزيداً ضربت ول يعمل الفعل في مضمر ول يتناول به هذا المتناول البعيد.
ومثل هذا :زيداً أعطيت وأعطيت زيداً وزيدٌ أعطيته لن أعطيت بمنزلة ضربت.
فإن قلت :زيد مررت به فهو من النصب أبعد من ذلك لن المضمر قد خرج من الفعل وأضيف الفعل إليه بالباء ولم
يوصل إليه الفعل في اللفظ فصار كقولك :زيد لقيت أخاه.
26
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإن شئت قلت :زيداً مررت به تريد أن تفسر به مضمراً كأنك قلت إذا مثلت ذلك :جعلت زيداً على طريقي مررت به
ولكنك ل تظهر هذا الول لما ذكرت لك.
وإذا قلت :زيد لقيت أخاه فهو كذلك وإن شئت نصبت لنه إذا وقع على شيء من سببه فكأنه قد وقع به.
والدليل على ذلك أن الرجل يقول أهنت زيداً بإهانتك أخاه وأكرمته بإكرامك أخاه.
وهذا النحو في الكلم كثير يقول الرجل إنما أعطيت زيداً وإنما يريد لمكان زيد أعطيت فلناً.
وإذا نصبت زيداً لقيت أخاه فكأنه قال :ل بست زيداً لقيت أخاه.
وهذا تمثيل ول يتكلم به فجرى هذا على ما جرى عليه قولك أكرمت زيداً وإنما وصلت الثرة إلى غيره.
والرفع في هذا أحسن وأجود لن أقرب إلى ذلك أن تقول :مررت بزيد ولقيت أخا عمرو.
ومثل هذا في البناء على الفعل وبناء الفعل عليه أيهم وذلك قولهم :أيهم تر يأتك وأيهم تره يأتك.
والنصب على ما ذكرت لك لنه كأنه قال :أيهم تر تره يأتك فهو مثل زيد في هذا الباب.
وذلك قولك يوم الجمعة ألقاك فيه وأقل يوم ل ألقاك فيه وأقل يوم ل أصوم فيه وخطيئة يوم ل أصيد فيه ومكانكم قمت
فيه.
فصارت هذه الحرف ترتفع بالبتداء كارتفاع عبد ال وصار ما بعدها مبنياً عليها كبناء الفعل على السم الول فكأنك
قلت :يوم الجمعة مبارك ومكانكم حسن وصار الفعل في موضع هذا.
وإنما صار هذا كهذا حين صار في الخر إضمار اليوم والمكان فخرج من أن يكون ظرفاً كما يخرج إذا قلت :يوم
الجمعة مبارك فإذا قلت :يوم الجمعة صمته فصمته في موضع مبارك حيث كان المضمر هو الول كما كان المبارك هو
الول.
ويدخل النصب فيه كما دخل في السم الول ويجوز في ذلك يوم الجمعة آتيك فيه وأصوم فيه كما جاز في قولك :عبد ال
مررت به كأنه قال :ألقاك يوم الجمعة فنصبه لنه ظرف ثم فسر فقال ألقاك فيه.
وإن شاء نصبه على الفعل نفسه كما أعمل فيه الفعل الذي ل يتعدى إلى مفعول كل ذلك عربي جيد.
أو نصبه لنه ظرف لفعل أضمره وكأنه قال :يوم الجمعة ألقاك.
والنصب في :يوم الجمعة صمته ويوم الجمعة سرته مثله في قولك :عبد ال ضربته إل أنه إن شاء نصبه بأنه ظرف وإن
شاء أعمل فيه الفعل كما أعمله في عبد ال لنه يكون ظرفاً وغير ظرف.
ول يحسن في الكلم أن يجعل الفعل مبنياً على السم ول يذكر علمة إضمار الول حتى يخرج من لفظ العمال في
الول ومن حال بناء السم عليه ويشغله بغير الول حتى يمتنع من أن يكون يعمل فيه ولكنه قد يجوز في الشعر وهو
ضعيف في الكلم.
27
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
قال الشاعر وهو أبو النجم العجلي :قد أصبحت أم الخيار تدعى على ذنباً كله لم أصنع فهذا ضعيف وهو بمنزلته في غير
الشعر لن النصب ل يسكر البيت ول يخل به ترك إظهار الهاء.
وقال امرؤ القيس :فأقبلت زحفاً على الركبتين فثوب لبست وثوب أجر وقال النمر بن تولب :سمعناه من العرب ينشدونه.
وزعموا أن بعض العرب يقول :شهرٌ ثرى وشهرٌ ترى وشهرٌ مرعى.
وقال :ثلث كلهن قتلت عمداً فأخزى ال رابعة تعود فهذا ضعيف والوجه الكثر العرف النصب وإنما شبهوه بقولهم:
الذي رأيت فلن حيث لم يذكروا الهاء.
وهو في هذا أحسن لن رأيت تمام السم به يتم وليس بخبر ول صفةٍ فكرهوا طوله حيث كان بمنزلة اسم واحد كما
كرهوا طول اشهيباب فقالوا :اشهباب.
وهو في الوصف أمثل منه في الخبر وهو على ذلك ضعيف ليس كحسنه بالهاء لنه في موضع ما هو من السم وما
يجري عليه وليس بمنقطع منه خبراً مبنياً عليه ول مبتدأ فضارع ما يكون من تمام السم وإن لم يكن تماماً له ول منه في
البناء.
وذلك قولك :هذا رجل ضربته والناس رجلن :رجل أكرمته ورجل أهنته كأنه قال :هذا رجل مضروب والناس رجلن:
رجل مكرم ورجل مهان.
ومما جاء في الشعر من ذلك قول جرير :أبحت حمى تهامة بعد نجد وما شيء حميت بمستباح يريد الهاء.
وقال الشاعر الحرث بن كلدة :يريد :أصابوه ول سبيل إلى النصب وإن تركت الهاء لنه وصف كما لم يكن النصب فيما
أتممت به السم يعني الصلة.
فمن ثم كان أقوى مما يكون في موضع المبني على المبتدإ لنه ل ينصب به.
وإنما منعهم أن ينصبوا بالفعل السم إذا كان صفةً له أن الصفة تمام السم أل ترى أن قولك مررت بزيد الحمر كقولك
مررت بزيد وذلك أنك لو احتجت إلى أن تنعت فقلت :مررت بزيد وأنت تريد الحمر وهو ل يعرف حتى تقول الحمر
لم يكن تم السم فهو يجري منعوتاً مجرى مررت بزيد إذا كان يعرف وحده فصار الحمر كأنه من صلته.
باب ما يختار فيه إعمال الفعل مما يكون في المبتدإ مبنياً عليه الفعل
وذلك قولك :رأيت زيداً وعمراً كلمته ورأيت عبد ال وزيداً مررت به ولقيت قيسًا وبكراً أخذت أباه ولقيت خالداً وزيداً
اشتريت له ثوباً.
28
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما اختير النصب ههنا لن السم الول مبني على الفعل فكان بناء الخر على الفعل أحسن عندهم إذ كان يبنى على
الفعل وليس قبله اسم مبني على الفعل ليجري الخر على ما جرى عليه الذي يليه قبله إذ كان ل ينقض المعنى لو بنيته
على الفعل.
وهذا أولى أن يحمل عليه ما قرب جواره منه إذ كانوا يقولون :ضربوني وضربت قومك لنه يليه فكان أن يكون الكلم
على وج ٍه واحدٍ -إذا كان ل يمتنع الخر من أن يكون مبنياً على ما بني عليه الول -أقرب في المأخذ.
ومثل ذلك قوله عز وجل " :يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً ".
وقوله عز وجل " :وعاداً وثموداً وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً.
ومثل ذلك :كنت أخاك وزيداً كنت له أخاً لن كنت أخاك بمنزلة ضربت أخاك.
وتقول :لست أخاك وزيداً أعنتك عليه لنها فعل وتصرف في معناها كتصرف كان.
وقال الشاعر وهو الربيع بن ضبع الفزاري :أصبحت ل أحمل السلح ول أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن
مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا وقد يبتد أفيحمل على مثل ما يحمل عليه وليس قبله منصوب وهو عربي جيد.
وذلك قولك :لقيت زيداً وعمرو كلمته كأنك قلت :لقيت زيدًا وعمرو أفضل منه.
فإذا جاز أن يكون في المبتدإ بهذه المنزلة جاز أن يكون بين الكلمين.
وأقرب منه إلى الرفع :عبد ال لقيت وعمرو لقيت أخاه وخالداً رأيت وزيد كلمت أباه.
هو ها هنا إلى الرفع أقرب كما كان في البتداء من النصب أبعد.
وأما قوله عز وجل " :يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " فإنما وجهوه على أنه يغشى طائفةً منكم وطائفة في
هذه الحال كأنه قال :إذ طائفة في هذه الحال فإنما جعله وقتاً ولم يرد أن يجعلها واو عطف وإنما هي واو البتداء.
ومما يختار فيه النصب لنصب الول قوله :ما لقيت زيداً ولكن عمراً مررت به وما رأيت زيداً بل خالداً لقيت أباه تجريه
على قولك :لقيت زيداً وعمراً لم ألقه يكون الخر في أنه يدخله في الفعل بمنزلة هذا حيث لم يدخله لن بل ولكن ل
تعملن شيئاً وتشركان الخر مع الول لنهما كالواو وثم والفاء فأجرهما مجراهن فيما كان النصب فيه الوجه وفيما
جاز فيه الرفع.
هذا باب يحمل فيه السم على اسم بني عليه الفعل مرةً
29
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أي ذلك فعلت جاز.
فإن حملته على السم الذي بني عليه الفعل كان بمنزلته إذا بنيت عليه الفعل مبتدأ يجوز فيه ما يجوز فيه إذا قلت :زيد
لقيته وإن حملته على الذي بني على الفعل اختير فيه النصب كما اختير فيما قبله وجاز فيه ما جاز في الذي قبله.
وذلك قولك :عمرو ولقيته وزيد كلمته إن حملت الكلم على الول.
ومثل ذلك قولك :زيد لقيت أباه وعمراً مررت به إن حملته على الب.
والدليل على أن الرفع والنصب جائز كلهما أنك تقول :زيد لقيت أباه وعمراً إن أردت أنك لقيت عمراً والب.
ومثل ذلك :زيد لقيته وعمرو إن شئت رفعت وإن شئت قلت :زيد لقيته وعمراً.
وتقول :زيد ضربني وعمرو مررت به إن حملته على زيد فهو مرفوع لنه مبتدأ والفعل مبني عليه وإن حملته على
المنصوب قلت زيد ضربني وعمراً مررت به لن هذا الضمار بمنزلة الهاء في ضربته.
فإن قلت :ضربني زيد وعمراً مررت به فالوجه النصب لن زيداً ليس مبنياً عليه الفعل مبتدأ وإنما هو ههنا بمنزلة التاء
في ضربته وذكرت المفعول الذي يجوز فيه النصب في البتداء فحملته على مثل ما حملت ما قبله وكان الوجه إذ كان
ذلك يكون فيه في البتداء.
وإذا قلت :مررت يزيد وعمراً مررت به نصبت وكان الوجه لنك بدأت بالفعل ولم تبتدئ اسماً تبنيه عليه ولكنك قلت:
فعلت ثم بنيت عليه المفعول وإن كان الفعل ل يصل إليه إل بحرف الضافة فكأنك قلت :مررت زيداً.
ولول أنه كذلك ما كان وجه الكلم زيداً مررت به وقمت وعمراً مررت به.
ونحو ذلك قولك :خشنت بصدره فالصدر في موضع نصب وقد عملت الباء.
و " كفى بال شهيداً بيني وبينكم " إنما هي كفى ال ولكنك لما أدخلت الباء عملت والموضع موضع نصب وفي معنى
النصب.
وإذا قلت :عبد ال مررت به أجريت السم بعده مجراه بعد :زيد لقيته لن مررت بعبد ال يجري مجرى لقيت عبد ال.
وتقول :هذا ضارب عبد ال وزيداً يمر به إن حملته على المنصوب فإن حملته على المبتدإ وهو هذا رفعت.
30
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإن ألقيت النون وأنت تريد معناها فهو بتلك المنزلة وذلك قولك :هذا ضارب زيد غداً وعمراً سيضربه.
ولول أنه كذلك لما قلت :أزيداً أنت ضاربه وما زيداً أنا ضاربه.
فهذا نحو مررت بزيد لن معناه منوناً وغير منون سواء كما أنك إذا قلت :مررت بزيد فكأنك قلت :مررت زيداً.
ومما يختار فيه النصب قول الرجل :من رأيت وأيهم رأيت فتقول :زيداً رأيته تنزله منزلة قولك :كلمت عمراً وزيداً
لقيته.
أل ترى أن الرجل يقول :من رأيت فتقول :زيداً على كلمه فيصير هذا بمنزلة قولك رأيت زيداً وعمراً يجري على
الفعل كما يجري الخر على الول بالواو.
ومثل ذلك قولك :أرأيت زيداً فتقول ل ولكن عمراً مررت به.
فإن قال :من رأيته وأيهم رأيته فأجبته قلت زيد رأيته إل في قول من قال زيداً رأيته في البتداء لن هذا كقولك :أيهم
منطلق ومن رسول فيقول فلن.
وإن قال :أعبد ال مررت به أم زيداً قلت :زيداً مررت به كما فعلت ذلك في الول.
فإن قلت ل بل زيداً فانصب أيضًا كما تقول زيداً إذا قال من رأيت لن مررت به تفسيره لقيته ونحوها.
فإنما تحمل السم على ما يحمل السائل كأنهم قالوا :أيهم أتيت فقلت زيداً.
ولو قلت :مررت بعمرو وزيداً لكان عربياً فكيف هذا لنه فعل والمجرور في موضع مفعول منصوب ومعناه أتيت
ل وكان المجرور في موضع المنصوب على فعل ل ينقض المعنى.ونحوها تحمل السم إذا كان العامل الول فع ً
كما قال جرير :جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظورة بن سيار ومثله قول العجاج :كأنه قال :ويسلكن غوراً
غائراً لن معنى يذهبن فيه يسلكن.
ول يجوز أن تضمر فعلً ل يصل إل بحرف جر لن حرف الجر ل يضمر وسترى بيان ذلك.
فإن قلت :لقيت زيداً وأما عمرو فقد مررت به ولقيت زيدًا وإذا عبد ال يضربه عمرو فالرفع إل في قول من قال :زيدًا
رأيته وزيداً مررت به لن أما وإذا يقطع بهما الكلم وهما من حروف البتداء يصرفان الكلم إلى البتداء إل أن يدخل
عليهما ما ينصب ول يحمل بواحد منهما آخر على أول كما يحمل بثم والفاء أل ترى أنهم قرءوا " :وأما ثمود فهديناهم "
وقبله نصب وذلك لنها تصرف الكلم إلى البتداء إل أن يوقع بعدها فعل نحو أما زيداً فضربت.
ولو قلت :إن زيداً فيها أو أن فيها زيدًا وعمرو أدخلته أو دخلت به رفعته إل في قول من قال :زيداً أدخلته وزيداً دخلت
به لن إن ليس بفعل وإنما هو مشبه به.
31
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أل ترى أنه ل يضمر فيه فاعل ول يؤخر فيه السم وإنما هو بمنزلة الفعل كما أن عشرين درهماً وثلثين رجلً بمنزلة
ضاربين عبد ال وليس بفعل ول فاعل.
وكذلك ما أحسن عبد ال وزيد قد رأيناه فإنما أجريته -يعني أحسن -في الموضع مجرى الفعل في عمله وليس كالفعل
ولم يجيء على أمثلته ول على إضماره ول تقديمه ول تأخيره ول تصرفه وإنما هو بمنزلة لدن غدوةً وكم رجلً فقد
عمل عمل الفعل وليسا بفعل ول فاعل.
ومما يختار فيه النصب لنصب الول ويكون الحرف الذي بين الول والخر بمنزلة الواو والفاء وثم قولك :لقيت القوم
كلهم حتى عبد ال لقيته وضربت القوم حتى زيداً ضربت أباه وأتيت القوم أجمعين حتى زيداً مررت به ومررت بالقوم
حتى زيداً مررت به.
فحتى تجري مجرى الواو وثم وليست بمنزلة أما لنها إنما تكون على الكلم الذي قبلها ول تبتدأ وتقول :رأيت القوم
حتى عبد ال وتسكت فإنما معناه أنك قد رأيت عبد ال مع القوم كما كان رأيت القوم وعبد ال على ذلك.
وتقول :هذا ضارب القوم حتى زيداً يضربه إذا أردت معنى التنوين فهي كالواو إل أنك تجر بها إذا كانت غايةً
والمجرور مفعول كما أنك إذا قلت هذا ضارب زيد غداً تجر بكف التنوين.
ولو قلت :هلك القوم حتى زيداً أهلكته اختير النصب ليبنى على الفعل كما بني ما قبله مرفوعًا كان أو منصوباً كما فعل
ذلك بعد ما بني على الفعل وهو مجرور.
فإن قلت :إنما هو لنصب اللفظ فل تنصب بعد مررت بزيد وانصب بعد إن فيها زيداً.
وإن كان الول لنه في معنى الحديث مفعول فل ترفع بعد عبد ال إذا قلت عبد ال ضربته إذا كان بعده :وزيداً مررت
به.
وذلك قولك لقيت القوم حتى عبد ال لقيته فإنما جاء بلقيته توكيداً بعد أن جعله غاي ًة كما تقول مررت بزيد وعبد ال
مررت به.
قال الشاعر وهو ابن مروان النحوي :ألقى الصحيفة كي يخفف رحله والزاد حتى نعله ألقاها والرفع جائز كما جاز في
الواو وثم وذلك قولك لقيت القوم حتى عبد ال لقيته كأنك لقيت القوم حتى زيد ملقى وسرحت القوم حتى زيد مسرح وهذا
باب ما ل يكون فيه إل الرفع لنك لم تذكر فعلً فإذا كان في البتداء زيد لقيته بمنزلة زيد منطلق جاز ههنا الرفع.
يختار فيه النصب وليس قبله منصوب بني على الفعل
وهو باب الستفهام وذلك أن من الحروف حروفاً ل يذكر بعدها إل الفعل ول يكون الذي يليها غيره مظهرًا أو مضمراً.
فإن اضطر شاعر فقدم السم وقد أوقع الفعل على شيء من سببه لم يكن حد العراب إل النصب وذلك نحو لم زيدا
أضربه " إذا اضطر شاعر فقدم لم يكن إل النصب في زيد ليس غير ولو كان في شعر " لنه يضمر الفعل إذا كان ليس
مما يليه السم كما فعلوا ذلك في مواضع ستراها إن شاء ال.
32
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما ما يجوز فيه الفعل مضمراً ومظهراً مقدماً ومؤخراً ول يستقيم أن يبتدأ بعده السماء فهل ولول ولوما وأل لو قلت:
هل زيداً ضربت ولول زيداً ضربت وأل زيداً قتلت جاز.
ولو قلت :أل زيداً وهل زيدًا على إضمار الفعل ول تذكره جاز.
وإنما جاز ذلك لن فيه معنى التحضيض والمر فجاز فيه ما يجوز في ذلك.
ولو قلت :سوف زيدا أضرب لم يحسن أو قد زيدا لقيت لم يحسن لنها إنما وضعت للفعال إل أنه جاز في تلك الحرف
التأخير والضمار لما فابتدءوا بعدها السماء والصل غير ذلك أل ترى أنهم يقولون :هل زيد منطلق وهل زيد في الدار
" وكيف زيد آخذ ".
فإن قلت :هل زيداً رأيت وهل زيد ذهب قبح ولم يجز إل في الشعر لنه لما اجتمع السم والفعل حملوه على الصل فإن
اضطر شاعر فقدم السم نصب كما كنت فاعلً ذلك بقد ونحوها.
وإنما فعلوا ذلك بالستفهام لنه كالمر في أنه غير واجب وأنه يريد " به " من المخاطب أمراً لم يستقر عند السائل.
أل ترى أن جوابه جزم فلهذا اختير النصب وكرهوا تقديم السم لنها حروف ضارعت بما بعدها ما بعد حروف الجزاء
وجوابها كجوابه وقد يصير معنى حديثها إليه.
وهي غير واجبة كالجزاء فقبح تقديم السم " لهذا ".
أل ترى أنك إذا قلت :أين عبد ال آته فكأنك قلت :حيثما يكن آته.
وأما اللف فتقديم السم فيها قبل الفعل جائز كما جاز ذلك في هل " وذلك " لنها حرف الستفهام الذي ل يزول " عنه
" إلى غيره وليس للستفهام في الصل غيره.
وإنما تركوا اللف في من ومتى وهل وهنحوهن حيث أمنوا اللتباس أل ترى أنك تدخلهاعلى من إذا تمت بصلتها كقول
ال عز وجل " :أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي أمناً يوم القيامة ".
وتقول :أم هل فإنما هي بمنزلة قد ولكنهم تركوا اللف استغناء إذ كان هذا " الكلم " ل يقع إل في الستفهام.
فهي ههنا بمنزلة إن في باب الجزاء فجاز تقديم السم فيها كما جاز في قولك :إن شاء ال أمكنني من فلن فعلت " كذا
وكذا ".
ويختار فيها النصب لنك تضمر الفعل فيها لن الفعل أولى إذا اجتمع هو والسم.
فاللف إذا كان معها فعل بمنزلة لول وهل إل أنك إن شئت رفعت فيها وهو في اللف أمثل منه في متى ونحوها لنه ق
صار فيها مع أنك تبتدي بعدها السماء أنك تقدم السم قبل الفعل والرفع فيها على الجواز.
33
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ول يجوز ذلك في هل ولول لنه ل يبتدأ بعدهما السماء.
وليس جواز الرفع في اللف مثل جواز الرفع في ضربت زيدا وعمراً كلمته لنه ليس هاهنا حرف هو بالفعل أولى وإنما
اختير هذا على الجواز وليكون معنى واحداً فهذا أقوى.
" واعلم أ حروف الستفهام كلها يقبح أن يصير بعدها السم إذا كان الفعل بعد السم :لو قلت :هل زيد قام وأين زيد
ضربته لم يجز إل في الشعر فإذا جاء في الشعر نصبته إل اللف فإنه يجوز فيها الرفع والنصب لن اللف قد يبتدأ
بعدها السم.
فإن جئت في سائر حروف الستفهام باسم وبعد ذلك السم اسم من فعل نحو ضارب جاز في الكلم ول يجوز فيه
النصب إل في الشعر لو قلت :هل زيد أنا ضاربه لكان جيدا في الكلم لن ضارباً اسم وإن كان في معنى الفعل.
تقول :أعبد ال ضربته وأزيداً مررت به وأعمرا قتلت أخاه وأعمراً اشتريت له ثوباً.
ففي كل هذا قد أضمرت بين اللف والسم فعلً هذا تفسيره كما فعلت ذلك فيما نصبته في هذه الحرف في غير
الستفهام.
قال جرير :أثعلبة الفوارس أم رياحاً عدلت بهم طهية والخشابا فإذا أوقعت عليه " الفعل " أو على شيء من سببه نصبته
وتفسيره ههنا هو التفسير الذي فسر في البتداء :أنك تضمر فعلً هذا تفسيره.
ومثل ذلك أعبد ال كنت مثله لن كنت فعل والمثل مضاف إليه وهو منصوب.
ومثله أزيداً لست مثله لنه فعل فصار بمنزلة قولك أزيداً لقيت أخاه.
ومثل ذلك :ما أدرى أزيداً مررت به أم عمرًا وما أبالي أعبد ال لقيت أخاه أم عمرا لنه حرف الستفهام وهي تلك اللف
التي في قولك أزيداً لقيته أم عمراً.
وتقول :أعبد ال ضرب أخوه زيداً ل يكون إل الرفع لن الذي من سبب عبد ال " مرفوع " فاعل والذي ليس من سببه
مفعول فيرتفع إذا ارتفع الذي من سببه كما ينتصب إذا انتصب ويكون المضمر ما يرفع كما أضمرت في الول ما
ينصب فإنما جعل هذا المظهر بينا ما هو مثله.
34
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتقول :أعبد ال ضرب أخوه غلمه إذا جعلت الغلم في موضع زيد حين قلت أعبد ال ضرب أخوه زيداً فيصير هذا
تفسيراً لشيء رفع عبد ال لنه يكون موقعًا الفعل بما يكون من سببه كما يوقعه بما ليس من سببه كأنه قال في التمثيل
وإن كان ل يتكلم به :أعبد ال أهان غلمه أو عاقب غلمه أو صار في هذه الحال " عند السائل وإن لم يكن " ثم فسر.
وإن جعلت الغلم في موضع زيد حين رفعت زيداً نصبت فقلت :أعبد ال ضرب أخاه غلمه كأنه جعله تفسيرًا لفعل
غلمه أوقعه عليه لنه قد يوقع الفعل عليه ما هو من سببه كما يوقعه هو على ما هو من سببه وذلك قولك :أعبد ال
ضرب أباه وأعبد ال ضربه أبوه فجرى مجرى أعبد ال هو ضرب زيداً وأعبد ضربه زيد كأنه في التمثيل تفسير لقوله:
أعبد ال أهان أباه غلمه وأعبد ال ضرب أخاه غلمه.
ل فالول رفع.
ول عليك أقدمت الخ أم أخرته أم قدمت الغلم أم أخرته أيهما ما جعلته كزيد مفعو ً
ل فالول نصب.
وإن جعلته كزيد فاع ً
وكذلك آلخوان أكل اللحم عليه و " كذلك " أزيداً سميت به أو سمي به عمرو لن هذا في موضع نصب وإنما تعتبره أنك
لو قلت :آلسوط ضربت فكان هذا كلماً أو آلخوان أكلت لم يكن إل نصباً " كما أنك لو قلت :أزيداً مررت فكان كلماً لم
يكن إل نصباً ".
فإن قلت :أزيد ذهب به أو أزيد انطلق به لم يكن إل رفعاً لنك لو لم تقل " به " فكان كلماً لم يكن إل رفعاً كما قلت:
أزيد ذهب أخوه لنك لو قلت :أزيد ذهب لم يكن إل رفعاً.
وتقول :أزيداً ضربت أخاه لنك لو ألقيت الخ قلت :أزيداً ضربت.
فاعتبر هذا بهذا ثم أجعل كل واحد جئت به تفسير " ما هو " مثله.
واليوم والظروف بمنزلة زيد وعبد ال إذا لم يكن ظروفاً وذلك " قولك " :أيوم الجمعة ينطلق فيه عبد ال كقولك :أعمراً
تكلم فيه عبد ال وأيوم الجمعة ينطلق فيه كقولك :أزيد يذهب به.
وتقول :أأنت عبد ال ضربته تجريه هاهنا مجرى أنا زيد ضربته لن الذي يلي حرف الستفهام أنت ثم ابتدأت هذا وليس
قبله حرف استفهام ول شيء هو بالفعل وتقديمه أولى.
إل أنك إن شئت نصبته كما تنصب زيداً ضربته فهو عربي جيد وأمره " ها " هنا على قولك :زيد ضربته.
فإن قلت :أكل يوم زيداً تضربه فهو نصب كقولك :أزيداً تضربه كل يوم لن الظرف ل يفصل في قولك :ما اليوم زيد
ذاهباً وإن اليوم عمراً منطلق فل يحجز هاهنا كما ل يحجز ثمة.
وتقول :أعبد ال أخوه تضربه كما تقول :أأنت زيد ضربته لن السم هاهنا بمنزلة مبتدأ ليس قبله شيء.
وإن نصبته على قولك :زيدا تضربه قلت :أزيداً أخاه تضربه لنك نصبت الذي من سببه بفعل هذا تفسيره.
35
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومن " قال :زيدا ضربته " قال :أزيداً أخاه تضربه فإنما نصب زيدًا لن ألف الستفهام وقعت عليه والذي من سببه
منصوب.
وقد يجوز الرفع في أعبد ال مررت به على ما ذكرت لك وأعبد ال ضربت أخاه.
" وأما قولك :أزيدا مررتبه فبمنزلة قولك :أزيدا ضربته ".
والرفع في هذا أقوى منه في أعبد ال ضربته وهو أيضاً قد يجوز إذا جاز هذا كما كان " ذلك فيما " قبله من البتداء وما
جاء بعد ما بني على الفعل.
وذلك أنه ابتدأ عبد ال وجعل الفعل في موضع المبني عليه فكأنه قال :أعبد ال أخوك.
فمن زعم أنه إذا قال :ازيداً مررت به إنما ينصبه بهذا الفعل فهو ينبغي له أن يجره لنه ل يصل إل بحرف إضافة.
وإذا أعملت العرب شيئاً مضمراً لم يخرج عن عمله مظهراً في الجر والنصب والرفع تقول :وبلد تريد :ورب بلد.
ومما يقبح بعده ابتداء السماء ويكون السم بعده إذا أوقعت الفعل على شيء من سببه نصباً في القياس :إذا وحيث.
تقول :إذا عب ال تلقاه فأكرمه وحيث زيدا تجده فأكرمه لنهما يكونان في معنى حروف المجازاة.
لو قلت :اجلس حيث زيد جلس وإذا زيد يجلس كان أقبح من قولك :إذا جلس زيد وإذا يجلس وحيث " يجلس وحيث "
جلس.
والرفع بعدهما جائز لنك قد تبتدئ السماء بعدهما فتقول :اجلس حيث عبد ال جالس واجلس إذا عبد ال جلس.
تقول :نظرت فإذا زيد يضربه عمرو لنك لو قلت :نظرت فإذا زيد يذهب لحسن.
تقول :جئت إذ عبد ال قائم و " جئت " إذ عبد ال يقوم إل أنها في فعل قبيحة نحو قولك :جئت إذ عبد ال قام.
ولكن " إذ " إنما يقع في الكلم الواجب فاجتمع فيها هذا وأنك تبتدئ السم بعدها فحسن الرفع.
ومما ينتصب أوله لن آخره ملتبس بالول قوله :أزيداً ضربت عمراً وأخاه وأزيدا ضربت رجل يحبه وأزيدا ضربت
جاريتين يحبهما فإنما نصبت الول لن الخر ملتبس به إذ كانت صفته ملتبسة به.
وإذا أردت أن تعلم التباسه به فأدخله في الباب الذي تقدم فيه الصفة فما حسن تقديم صفته فهو ملتبس بالول وما ل
يحسن فليس ملتبسا به.
36
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أل ترى أنك تقول :مررت برجل منطلقة جاريتان يحبهما ومررت برجل منطلق زيد وأخوه لنك لما أشركت بينهما في
الفعل صار زيد ملتبسا بالخ فالتبس برجل ولو قلت :أزيدا ضربت عمرا وضربت أخاه لم يكن كلما لن عمرا ليس فيه
من سبب الول شيء ول ملتبسا به.
أل ترى أنك لو قلت :مررت برجل قائم عمرو وقائم أخوه لم يجز لن أحدهما ملتبس بالول والخر ليس ملتبساً.
من أسماء الفاعلين والمفعولين مجرى الفعل كما يجري في غيره مجرى الفعل وذلك قولك :أزيداً أنت ضاربه وأزيدا
أنت ضارب له وأعمراً أنت مكرم أخاه وأزيدا أنت نازل عليه.
كأنك قلت :أنت ضارب وأنت مكرم وأنت نازل كما كان ذلك في الفعل لنه يجري مجراه ويعمل في المعرفة كلها
والنكرة مقدماً ومؤخراً ومظهراً ومضمراً.
وتقول :أعمراً أنت واجد عليه وأخالدا أنت عالم به وأزيدا أنت راغب فيه لنك لو ألقيت عليه وبه وفيه مما ها هنا لتعتبر
لم يكن ليكون إل مما ينتصب كأنه قال :أعبد ال أنت ترغب فيه وأعبد ال أنت تعلم به وأعبد ال أنت تجد عليه فإنما
استفهمته عن علمه به ورغبته فيه في حال مسألتك.
ولو قال :آلدار أنت نازل فيها فجعل نازلً اسماً رفع كأنه قال :آلدار أنت رجل فيها.
ولو قال :أزيد أنت ضاربه فجعله بمنزلة قولك " :أزيداً " أنت أخوه جاز.
ومثل ذلك في النصب :أزيدا أنت محبوس عليه وأزيداً أنت مكابر عليه.
ومما يجري مجرى فاعل من أسماء الفاعلين فواعل أجروه مجرى فاعله حيث كانوا جمعوه وكسروه عليه كما فعلوا
ذلك بفاعلين وفاعلت.
وقال أبو كبير الهذلي :مما حملن به وهن عواقد حبك النطاق فعاش غير مهبل وقال العجاج :أوالفا مكة من ورق الحمى
وقد جعل بعضهم فعالً بمنزلة فواعل فقالوا :قطان مكة وسكان البلد الحرام لنه جمع كفواعل.
وأجروا اسم الفاعل إذا أرادوا أن يبالغوا في المر مجراه إذا كان على بناء فاعل لنه يريد به ما أراد بفاعل من إيقاع
الفعل إل أنه يريد أن يحدث عن المبالغة.
فما هو الصل الذي عليه أكثر هذا المعنى :فعول وفعال ومفعال وفعل.
وقد جاء :فعيل كرحيم وعليم وقدير وسميع وبصير يجوز فيهن ما جاز في فاعل من التقديم والتأخير والضمار
والظهار.
لو قلت :هذا ضروب رؤوس الرجال وسوق البل على :وضروب سوق البل جاز كما تقول " :هذا " ضارب زيد
وعمرا تضمر وضارب عمرا.
37
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
هجوم عليها نفسه غير أنه متى يرم في عينيه بالشبح ينهض وقال أبو ذؤيب الهذلي :قلى دينه واهتاج للشوق إنها على
الشوق إخوان العزاء هيوج وقال القلخ :أخا الحرب لباسا إليها جللها وليس بولج الخوالف أعقل وسمعنا من يقول" :
أما العسل فأنا شراب ".
وقال :بكيت أخا اللواء يحمد يومه كريم رؤوس الدارعين ضروب وقال أبو طالب بن عبد المطلب :ضروب بنصل
السيف سوق سمانها إذا عدموا زاداً فإنك عاقر وقد جاء في فعل وليس في كثرة ذلك قال وهو عمرو بن أحمر :أو مسحل
شنج عضادة سمحج بسراته ندب لها وكلوم وقل " :إنه لمنحار بوائكها ".
وأجروه حين بنوه للجمع كما أجرى في الواحد ليكون كفواعل حين أجري مثل فاعل من ذلك ثم زادوا أنهم في قومهم
غفر ذنبهم غير فجر ومما جاء على فعل قوله :حذر أمورا ل تخاف وآمن ما ليس منجيه من القدار ومن هذا الباب قول
رؤبة :برأس دماغ رؤوس العز ومنه قول ساعدة بن جوية :حتى شآها كليل موهنا عمل باتت طراباً وبات الليل لم ينم
وقال الكميت :شم مهاوين أبدان الجزور مخا -ميص العشيات ل خور ول قزم ومنه قدير وعليم ورحيم لنه يريد
المبالغة " في الفعل ".
وليس " هذا " بمنزلة قولك حسن وجه الخ لن هذا ل يقلب ول يضمر وإنما حده أن يتكلم به في اللف واللم أو نكرة
ول تعني به أنك أوقعت فعلً سلف منك إلى أحد.
ول يحسن أن تفصل بينهما فتقول :هو كريم فيها حسب الب.
ومما أجري مجرى الفعل من المصادر قول الشاعر :على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلً زريق المال ندل الثعالب
كأنه قال :أندل.
وقال المرار السدي :أعلقة أم الوليد بعد ما أفنان رأسك كالثغام المخلس وقال :بضرب بالسيوف رؤوس قوم أزلنا
هامهن عن المقيل وتقول :أعبد ال أنت رسول له ورسوله لنك ل تريد بفعول ههنا ما تريد به في ضروب لنك ل تريد
أن توقع منه فعلً عليه فإنما هو بمنزلة " قولك " :أعبد ال أنت عجوز له.
وتقول :أعبد ال أنت له عديل وأعبد ال أنت له جليس لنك ل تريد به مبالغة في فعل ولم تقل :مجالس فيكون كفاعل
فإنما هذا اسم بمنزلة قولك :أزيد أنت وصيف له أو غلم له.
وإنما جاز في التي بنيت للمبالغة لنها بنيت للفاعل من لفظه والمعنى واحد وليست بالبنية التي هي في الصل أن
تجرى مجرى الفعل يدلك على ذلك أنها قليلة.
فإذا لم يكن فيها مبالغة الفعل فإنما هي بمنزلة غلم وعبد لن السم على فعل يفعل فاعل وعلى فعل يفعل مفعول.
فإذا لم يكن واحد منهما ول وتقول :أكل يوم أنت فيه أمير ترفعه لنه ليس بفاعل وقد خرج " كل " من أن يكون ظرفًا
فصار بمنزلة عبد ال أل ترى أنك إذا قلت :أكل يوم ينطلق فيه صار كقولك :أزيد يذهب به ولو جاز أن تنصب كل يوم
وأنت تريد بالمير السم لقلت :أعبد ال عليه ثوب لنك تقول :أكل يوم لك ثوب فيكون نصباً.
فإن قلت :أكل يوم لك فيه ثوب فنصبت وقد جعلته خارجاً من أن يكون ظرفاً فإنه ينبغي أن تنصب :أعبد ال عليه ثوب.
38
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وهذا ل يكون لن الظرف هنا لم ينصبه فعل إنما عليه ظرف للثوب وكذلك فيه.
فهي ظننت وحسبت وخلت وأريت ورأيت وزعمت وما يتصرف من أفعالهن.
فإذا جاءت مستعملة فهي بمنزلة رأيت وضربت وأعطيت في العمال والبناء على الول في الخبر والستفهام وفي كل
شيء.
وذلك قولك :أظن زيداً منطلقاً وأظن عمراً ذاهباً وزيداً أظن أخاك وعمراً زعمت أباك.
ومن قال :عبد ال ضربته نصب " فقال " :عبد ال أظنه ذاهباً.
وتقول :أظن عمراً منطلقًا وبكراً أظنه خارجاً كما قلت :ضربت زيداً وعمراً كلمه وإن فإن ألغيت قلت :عبد ال أظن
ذاهب وهذا إخال أخوك وفيها أرى أبوك.
وقال اللعين يهجو العجاج :أبالراجيز يا ابن اللؤم توعدني وفي الراجيز خلت اللؤم والخور أنشدناه يونس مرفوعاً
عنهم.
وإنما كان التأخير أقوى لنه " إنما " يجيء بالشك بعدما يمضي كلمه على اليقين أو بعدما ما بتبدئ وهو يريد اليقين ثم
يدركه الشك كما تقول :عبد ال صاحب ذاك بلغني وكما قال :من يقول ذاك تدري فأخر ما لم يعمل فيأوله كلمه.
وإنما جعل ذلك فيما بلغه بعدما مضى كلمه على اليقين وفيما يدري.
فإذا ابتدأ كلمه على ما في نيته من الشك أعمل الفعل قدم أو أخر كما قال :زيداً رأيت ورأيت زيداً.
وكلما طال الكلم ضعف التأخير إذا أعملت وذلك قولك :زيداً أخاك أظن فهذا ضعيف كما يضعف زيداً قائمًا ضربت
لن الحد أن يكون الفعل مبتدا إذا عمل.
ومما جاء في الشعر معملً في زعمت زعمت قول أبي ذؤيب :فإن تزعميني كنت أجل فيكم فإني شربت الحلم بعدك
بالجهل عددت قشيراً إذ عددت فلم أسأ بذاك ولم أزعمك عن ذاك معزل وتقول :أين ترى عبد ال قائماً وهل ترى زيداً
ذاهباً لن هل وأين كأنك لم تذكرهما لن ما بعدهما ابتداء كأنك قلت :أترى زيداً ذاهباً وأتظن عمراً منطلقاً.
فإن قلت :أين وأنت تريد أن تجعلها بمنزلة " فيها " إذا استغنى بها البتداء قلت :أين ترى زيد وأين ترى زيداً.
واعلم أن " قلت " إنما وقعت في كلم العرب على أن يحكى بها وإنما تحكى بعد القول ما كان كلماً ل قولً نحو قلت:
زيد منطلق لنه يحسن أن تقول :زيد منطلق ول تدخل " قلت ".
39
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتقول :قال زيد إن عمراً خير الناس.
وتصديق ذلك قوله جل ثناؤه " :وإذا قالت الملئكة يا مريم إن ال اصطفاك " ولول ذلك لقال " :إن " ال " ".
وكذلك " جميع " ما تصرف من فعله إل " تقول " في الستفهام شبهوها بتظن ولم يجعلوا كيظن وأظن في الستفهام
لنه ل يكاد يستفهم المخاطب عن ظن غيره ول يستفهم هو إل عن ظنه فإنما جعلت كتظن كما أن ما كليس في لغة أهل
الحجاز ما دامت في معناها وإذا تغيرت عن ذلك أو قدم الخبر رجعت إلى القياس وصارت اللغات فيها كلغة تميم.
ولم تجعل " قلت " كظننت لنها إنما أصلها عندهم أن يكون ما بعدها محكياً فلم تدخل في باب ظننت بأكثر من هذا كما
أن " ما " لم تقو قوة ليس ولم تقع في كل مواضعها لن أصلها " عندهم " أن يكون ما بعدها مبتدأ.
وسأفسر لك إن شاء ال ما يكون بمنزلة الحرف في شيء ثم ل يكون معه على أكثر أحواله وقد بين بعضه فيما مضى.
وذلك قولك :متى تقول زيداً منطلقاً وأتقول عمراً ذاهبًا وأكل يوم تقول عمراً منطلقًا ل يفصل بها كما ل يفصل بها في:
أكل يوم زيداً تضربه.
فإن قلت :أأنت تقول زيد منطلق رفعت لنه فصل بينه وبين حرف الستفهام كما فصل في قولك :أأنت زيد مررت به
فصارت بمنزلة أخواتها وصارت على الصل.
ل تقول بني لؤي لعمر أبيك أم متجاهلينا وقال عمر بن أبي ربيعة :أما الرحيل فدون بعد غد فمتى تقول
قال الكميت :أجها ً
الدار تجمعنا وإن شئت رفعت بما نصبت فجعلته حكاية.
وزعم أبو الخطاب -وسألته عنه غير مرة -أنا ناساً من العرب يوقف بعربيتهم وهم بنو سليم وأعلم أن المصدر قد يلغى
كما يلغى الفعل وذلك قولك :متى زيد ظنك ذاهب وزيد ظني أخوك وزيد ذاهب ظني.
فإن ابتدأ فقلت :ظني زيد ذاهب كان قبيحاً " ل يجوز البتة كما ضعف أظن زيد ذاهب.
وهو في متى وأين أحسن إذا قلت :متى ظنك زيد ذاهب " ومتى تظن عمرو منطلق لن قبله كلماً.
وإنما ضعف هذا في البتداء كما يضعف :غير شك زيد ذاهب وحقاً عمرو منطلق.
وإن شئت قلت :متى ظنك زيداً أميراً كقولك :متى ضربك عمراً.
وقد يجوز أن تقول :عبد ال أظنه منطلق تجعل هذه الهاء على ذاك كأنك قلت :زيد منطلق أظن ذاك ل تجعل الهاء لعبد
ال ولكنك تجعلها ذاك المصدر كأنه قال :أظن ذاك الظن أو أظن ظني.
فإنما يضعف هذا إذا ألغيت لن الظن يلغى في مواضع أظن حتى يكون بدلً من اللفظ به فكره إظهار المصدر ههنا كما
قبح أ يظهر ما انتصب عليه سقياً.
فإذا قلت :أظن ذاك عاقل كان أحسن من قولك :زيد أظن ظني عاقل ذاك أحسن لنه ليس بمصدر وهو اسم مبهم يقع
على كل شيء.
40
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أل ترى أنك لو قلت :زيد ظني منطلق لم يحسن ولم يجز أن تضع ذاك موضع ظني.
وترك ذاك في أظن إذا كان لغواً أقوى منه إذا وقع على المصدر " لن ذاك إذا كان مصدراً فإنك ل تجيء به لن
المصدر يقبح أن تجيء به ههنا فإذا قبح المصدر فمجيئك بذاك أقبح لنه مصدر ".
وإذا ألغيت فقلت :عبد ال أظن منطلق فهذا أجمل من قولك :أظنه.
وأظن بغير هاء أحسن لئل يلتبس بالسم وليكون أبين في أنه ليس يعمل.
فأما ظننت أنه منطلق فاستغنى بخبر أن تقول :أظن أنه فاعل كذا وكذا فتستغنى.
وإنما يقتصر على هذا إذا علم أنه مستغن بخبر أنه.
وقد يجوز أن تقول :ظننت زيداً إذا قال :من تظن أي من تتهم فتقول :ظننت زيداً كأنه قال :اتهمت زيداً.
ولم يجعلوا ذاك في حسبت وخلت وأرى لن من كلمهم أن يدخلوا المعنى في الشيء ل يدخل في مثله.
وسألته عن أيهم لم لم يقولوا :أيهم مررت به فقال :لن أيهم " هو " حرف الستفهام ل تدخل عليه اللف وإنما تركت
اللف استغناء فصارت بمنزلة البتداء.
أل ترى أن حد الكلم أن تؤخر الفعل فتقول :أيهم رأيت كما تفعل ذلك باللف فهي نفسها بمنزلة البتداء.
وإن قلت :أيهم زيداً ضرب قبح كما يقبح في متى ونحوها وصار أن يليها الفعل هو الصل لنها من حروف الستفهام
ول يحتاج إلى اللف فصارت كأين.
تقول :من أمة ال ضربها وما أمة ال أتاها نصب في كل ذا لنه أن يلي هذه الحروف الفعل أولى كما أنه لو اضطر
شاعر في متى وأخواتها نصب.
لنك تبتدئه لتنبه المخاطب ثم تستفهم بعد ذلك وذلك قولك :زيد كم مرة رأيته وعبد ال هل لقيته وعمرو هل لقيته وكذلك
سائر حروف الستفهام فالعامل فيه البتداء كما أنك لو قلت :أرأيت زيداً هل لقيته كان علمت هو العامل فكذلك هذا.
فإن قلت :زيد كم مرة رأيت فهو ضعيف إل أن تدخل الهاء كما ضعف في قوله " :كله لم أصنع ".
ول يجوز أن تقول :زيداً هل رأيت إل أن تردي معنى الهاء مع ضعفه فترفع لنك قد فصلت بين المبتدأ وبين الفعل
فصار السم مبتدأ والفعل بعد حرف الستفهام.
41
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولو حسن هذا أو جاز لقلت " :قد علمت زيد كم ضرب ولقلت :أرأيت زيد كم مرة ضرب على الفعل الخر.
فكما ل تجد بدًا من إعمال الفعل " الول " كذلك ل تجد بداً من إعمال البتداء لنك إنما تجيء بالستفهام بعدما تفرغ من
البتداء.
ولو أرادوا العمال لما ابتدءوا بالسم أل ترى أنك تقول :زيد هذا أعمرو ضربه أم بشر ول تقول :عمراً أضربت.
فحرف الستفهام ل يفصل به بين العامل والمعمول ثم يكون على حاله إذا جاءت اللف أولً وإنما يدخل على الخبر.
ومما ل يكون إل رفعاً قولك :أأخواك اللذان رأيت لن رأيت صلة للذين وبه يتم اسماً فكأنك قلت :أأخواك صاحبانا.
ولو كان شيء من هذا ينصب شيئاً في الستفهام لقلت في الخبر :زيداً الذي رأيت فنصبت كما تقول :زيداً رأيت.
وإذا كان الفعل في موضع الصفة فهو كذلك وذلك قولك :أزيد أنت رجل تضربه وأكل يوم ثوب تلبسه.
فإذا كان وصفاً فأحسنه أن يكون فيه الهاء لنه ليس بموضع إعمال ولكنه يجوز فيه كما جاز في الوصل لنه في موضع
ما يكون من السم.
ولم تكن لتقول :أزيداً أنت رجل تضربه وأنت إذا جعلته وصفًا للمفعول لم تنصبه لنه ليس بمبني على الفعل ولكن الفعل
في موضع الوصف كما كان في موضع الخبر.
فمن ذلك قول الشاعر :وقال زيد الخير :أفي كل عام مأتم تبعثونه على محمر ثوبتموه وما رضا وقال جرير فيما ليس فيه
الهاء :أبحت حمى تهامة بعد نجد وما شيء حميت بمستباح وقال آخر :فما أدري أغيرهم تناء وطول العهد أم مال
أصابوا ومما ل يكون فيه إل الرفع قوله :أعبد ال أنت الضاربه لنك إنما تريد معنى أنت الذي ضربه.
أل ترى أنه ل يجوز أن تقول :ما زيداً أنا الضارب ول زيداً أنت الضارب " وإنما تقول :الضارب زيداً على مثل قولك
الحسن وجهاً ".
أل ترى أنك ل تقول :أنت المائة الواهب كما تقول :أنت زيداً ضارب.
وتقول :هذا ضارب كما ترى فيجيء على معنى هذا يضرب وهو يعمل في حال حديثك وتقول :هذا ضارب فيجيء على
مغنى هذا سيضرب.
وإذا قلت :هذا الضارب فإنما تعرفه على معنى الذي ضرب فل يكون إل رفعاً كما أنك لو قلت :أزيد أنت ضاربه إذا لم
ترد بضاربه الفعل وصار معرفة " رفعت " فكذلك هذا الذي ل يجيء إل على هذا المعنى فإنما وأصل وقوع الفعل صفة
للنكرة كما ل يكون السم كالفعل إل نكرة.
أل ترى أنك لو قلت :أكل يوم زيداً تضربه لم يكن إل نصباً لنه ليس بوصف.
فإذا كان وصفاً فليس بمبني عليه الول كما أنه ل يكون السم مبنياً عليه في الخبر فل يكون ضارب بمنزلة يفعل وتفعل
إل نكرة.
42
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتقول :أذكر أن تلد ناقتك أحب إليك أم أنثى كأنه قال :أذكر نتاجها أحب إليك أم أنثى.
فأن تلد اسم وتلد به يتم السم كما يتم الذي بالفعل فل عمل له " هنا " كما ليس يكون لصلة الذي عمل.
وتقول :أزيد أني ضربه عمرو أمثل أم بشر كأنه قال :أزيد ضرب عمرو إياه أمثل أم بشر فالمصدر مبتدأ وأمثل مبني
عليه ولم ينزل منزلة يفعل فكأنه قال :أزيد ضاربه خير أم بشر.
وذلك لنك ابتدأته وبنيت عليه فجعلته اسمًا ولم يلتبس زيد بالفعل إذ كان صلة له كما لم يلتبس به الضاربه حين قلت:
زيد أنت الضاربه إل أن الضاربه في معنى الذي ضربه والفعل تمام هذه السماء " فالفعل ل يلتبس بالول إذا كان هكذا
".
وتقول :أأن تلد ناقتك ذكراً أحب إليك أم أنثى لنك حملته على الفعل الذي هو صلة أن فصار في صلته فصار كقولك:
الذي رأيت أخاه زيد.
ول يجوز أن تبتدئ بالخ قبل الذي وتعمل فيه رأيت " أخاه زيد ".
فكذلك ل يجوز النصب في قولك :أذكر أن تلد ناقتك أحب إليك أم أنثى.
وذلك أنك لو قلت :أخاه الذي رأيت زيد لم يجز وأنت تريد :الذي رأيت أخاه زيد.
ومما ل يكون في الستفهام إل رفعاً " قولك " :أعبد ال أنت أكرم عليه أم زيد وأعبد ال أنت له أصدق أم بشر كأنك
قلت :أعبد ال أنت أخوه أم بشر لن أفعل ليس بفعل ول اسم يجري مجرى الفعل وإنما هو بمنزلة حسن وشديد ونحو
ذلك.
وتقول :أزيد أنت له أشد ضرباً أم عمرو فإنما انتصاب الضرب كانتصاب زيد في قولك :ما أحسن زيداً وانتصاب وجه
في قولك :حسن وجه الخ.
فالمصدر هنا كغيره من السماء كقولك :أزيد أنت له أطلق وجهاً أم فلن.
ومما ل يكون في الستفهام إل رفعاً قولك :أعبد ال إن تره تضربه وكذلك إن طرحت الهاء مع قبحه فقلت :أبعد ال إن
تر تضرب فليس للخر سبيل على السم لنه مجزوم وهو جواب الفعل الول وليس للفعل الول سبيل لنه مع إن
بمنزلة قولك :أعبد ال حين يأتيني أضرب فليس لعبد ال في يأتيني حظ لنه بمنزلة قولك :أعبد ال يوم الجمعة أضرب.
ومثل ذلك :زيد حين أضرب يأتيني لن المعتمد على زيد آخر الكلم وهو يأتيني.
وكذلك إذا قلت :زيداً إذا أتاني أضرب وإنما هو بمنزلة حين.
وأحسنه أن تدخل في رأيت الهاء لنه غير مستعمل فصارت حروف الجزاء في هذا بمنزلة قولك :زيد كم مرة رأيته.
43
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإذا قلت :إن تر زيداً تضرب فليس إل هذا صار بمنزلة قولك :حين ترى زيداً يأتيك لنه صار في موضع المضمر حين
قلت :زيد حين تضربه يكون كذا وكذا.
ولو جاز أن تجعل زيداً مبتدأ على هذا الفعل لقلت :القتال زيداً حين تأتي تريد القتال حين تأتي زيداً.
وتقول في الخبر وغيره :إن زيداً تره تضرب تنصب زيدًا لن الفعل أن يلي إن أولي كما كان ذلك في حروف الستفهام
وهي أبعد من الرفع لنه ل يبنى فيها السم على مبتدأ.
وإنما أجازوا تقديم السم في إن لنها أم الجزاء ول تزول عنه فصار ذلك فيها كما صار في ألف الستفهام ما لم يجز في
الحروف الخر.
وقال النمر بن تولب :ل تجزعي إن منفساً أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي وإن اضطر شاعر فأجري إذا مجرى إن
فجازى بها قال :أزيد إذا تر تضرب إن جعل تضرب جواباً.
والسم ههنا مبتدأ إذا جزمت نحو قولهم :أيهم يأتك تضرب إذا جزمت لنك جئت بتضرب مجزوماً بعد أن عمل البتداء
في أيهم ول سبيل له عليه.
وإن قلت :زيد إذا يأتيني أضرب تريد معنى الهاء ول تريد زيداً أضرب إذا يأتيني ولكنك تضع أضرب ههنا مثل أضرب
إذا جزمت وإن لم يكن مجزوماً لن المعنى معنى المجازاة في قولك :أزيد إن يأتك أضرب ول تريد به أضرب زيداً
فيكون على أول الكلم كما لم ترد بهذا أول الكلم رفعت.
وإنما رفعت الول في هذا كله لنك جعلت تضرب وأضرب جواباً فصار كأنه من صلته إذ كان من تمامه ولم يرجع إلى
الول.
وإنما ترده إلى الول فيمن قال :إن تأتني آتيك وهو قبيح وإنما يجوز في الشعر.
وإذا قلت :أزيد إن يأتك تضرب فليس تكون الهاء إل لزيد ويكون الفعل الخر جواباً للول.
ويدلك على أنها ل تكون إل لزيد أنك لو قلت :أزيد إن تأتك أمة ال تضربها لم يجز لنك وإذا قلت :زيداً لم أضرب أو
زيداً لن أضرب لم يكن فيه إل النصب لنك لم توقع بعد لم ولن شيئاً يجوز لك أن تقدمه قبلهما فيكون على غير حاله
بعدهما " كما كان ذلك في الجزاء ".
ولن أضرب نفي لقوله :سأضرب كما أن " ل تضرب نفي لقوله :اضرب " ولم أضرب نفي لضربت.
وتقول :كل رجل يأتيك فاضرب " نصب " لن يأتيك ههنا صفة فكأنك قلت :كل رجل صالح اضرب.
44
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإن قلت :أيهم جاءك فاضرب رفعته لنه جعل جاءك في موضع الخبر وذلك لن قوله :فاضرب في موضع الجواب
وأي من حروف المجازاة وكل رجل ليست من حروف المجازاة.
ومثله :زيد إن أتاك فاضرب إل أن تريد أول الكلم فتنصب ويكون على حد قولك :زيداً إن أتاك تضرب وأيهم يأتك
تضرب إذا كان بمنزلة الذي.
فإن وضعته في موضع زيد عن يأتك تضرب رفعت فارفع إذا كانت تضرب جواباً ليأتك وكذلك حين.
فأعمله في الول وليس هذا في القياس لنها تكون بمنزلة حين وإذا وحين ل يكون واحدًا منهما وتقول :الحر حين تأتيني
فيكون ظرفاً لما فيه من معنى الفعل.
فإن قلت :زيداً يوم الجمعة أضرب لم يكن فيه إل النصب لنه ليس ههنا معنى جزاء ول يجوز الرفع إل على قوله :كله
لم أصنع أل ترى أنك لو قلت :زيد يوم الجمعة فأنا أضربه لم يكن " ولو قلت :زيد إذا جاءني فأنا أضربه كان جيداً ".
فهذا يدلك على أنه يكون على غير قوله زيداً أضرب حين يأتيك.
والمر والنهي يختار فيهما النصب في السم الذي يبنى عليه الفعل ويبنى على الفعل كما اختير ذلك في باب الستفهام
لن المر والنهي إنما هما للفعل كما أن حروف الستفهام بالفعل أولى وكان الصل فيها أن يبتدأ بالفعل قبل السم فهكذا
المر والنهي لنهما ل يقعان إل بالفعل مظهراً أو مضمراً.
وهما أقوى في هذا من الستفهام لن حروف الستفهام قد يستفهم بها وليس بعدها إل السماء نحو قولك :أزيد أخوك
ومتى زيد منطلق وهل عمرو ظريف.
والمر والنهي ل يكونان إل بفعل وذلك قولك :زيداً اضربه وعمراً امرر به وخالداً اضرب أباه وزيداً اشتر له ثوباً.
ومثل ذلك :أما زيداً فاقتله وأما عمراً فاشتر له ثوباً وأما خالداً فل تشتم أباه وأما بكراً فل تمرر به.
ومنه :زيداً ليضربه عمرو وبشراً ليقتل أباه بكر لنه أمر للغائب بمنزلة افعل للمخاطب.
وقد يكون في المر والنهي أن يبنى الفعل على السم وذلك قولك :عبد ال اضربه ابتدأت عبد ال فرفعته بالبتداء ونبهت
المخاطب له لتعرفه باسمه ثم بنيت الفعل عليه كما فعلت ذلك في الخبر.
أل ترى أنك لو قلت :زيد فمنطلق لم يستقم فهو دليل على أنه ل يجوز أن يكون مبتدأ.
45
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإن شئت نصبته على شيء هذا تفسيره كما كان ذلك في الستفهام وإن شئت على عليك كأنك قلت :عليك زيداً فاقتله.
وقد يحسن ويستقيم أن تقول :عبد ال فاضربه إذا كان مبيناً على مبتدأ مظهر أو مضمر.
فأما في المظهر فقولك :هذا زيد فاضربه وإن شئت لم تظهر " هذا " ويعمل كعمله إذا أظهرته وذلك قولك :الهلل وال
فانظر إليه كأنك قلت :هذا الهلل ثم جئت بالمر.
ومما يدلك على حسن الفاء ههنا أنك لو قلت :هذا زيد فحسن جميل كان " كلماً " جيداً.
ومن ذلك قول الشاعر :وقائلة خولن فانكح فتاتهم وأكرومة الحيين خلو كما هيا هكذا سمع من العرب تنشده.
وتقول :هذا الرجل فاضربه إذا جعلته وصفاً ولم تجعله خبراً.
وكذلك :هذا زيد فاضربه إذا كان معطوفاً على " هذا " أو بدلً.
وتقول :اللذين يأتيانك فاضربهما تنصبه كما تنصب زيداً وإن شئت رفعته على أن يكون مبنياً على مظهر أو مضمر.
وإن شئت كان مبتدأ لنه يستقيم أن تجعل خبره من غير الفعال بالفاء.
أل ترى أنك لو قلت :الذي يأتيني فله درهم والذي يأتيني فمكرم محموم كان حسناً.
وإنما جاز ذلك لن قوله :الذي يأتيني فله درهم في معنى الجزاء فدخلت الفاء في خبره كما تدخل في خبر الجزاء.
ومن ذلك قوله عز وجل :الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلنية فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول
هم يحزنون ".
ومن ذلك قولهم :كل رجل يأتيك فهو صالح وكل رجل جاء فله درهمان لن معنى الحديث وأما قول عدي بن زيد:
أرواح مودع أم بكور أنت فانظر لي ذاك تصير فإنه على أن يكون في الذي يرفع على حالة المنصوب في النصب.
يعني أن الذي من سببه مرفوع فترفعه بفعل هذا يفسره كما كان المنصوب ما هو من سببه ينتصب فيكون ما سقط على
سببيه تفسيره في الذي ينصب على أنه شيء هذا تفسيره.
يقول :ترفع " أنت " على فعل مضمر لن الذي من سببه مرفوع وهو السم المضمر الذي في انظر.
وقد يجوز " أن يكون " أنت على قوله :أنت الهالك كما يقال :إذا ذكر إنسان لشيء قال الناس :زيد.
ول يكون على أن تضمر هذا لنك ل تشير للمخاطب إلى نفسه ول تحتاج إلى ذلك وإنما تشير له إلى غيره.
أل ترى أنك لو أشرت له إلى شخصه فقلت :هذا أنت لم يستقم.
46
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
قال ال تعالى جده " :طاعة وقول معروف ".
فهو مثله.
فإما أن يكون أضمر السم وجعل هذا خبره كأنه قال :أمرى طاعة " وقول معروف " أو يكون أضمر الخبر فقال:
طاعة وقول معروف أمثل.
واعلم أن الدعاء بمنزلة المر والنهي وإنما قيل " :دعاء " لنه استعظم أن يقال :أمر أو نهي.
وذلك قولك :اللهم زيداً فاغفر ذنبه وزيداً فأصلح شأنه وعمراً ليجزه ال خيراً.
وتقول :زيداً قطع ال يده وزيداً أمر ال عليه العيش لن " معناه معنى " زيداً ليقطع ال يده.
وقال أبو السود الدؤلي :أميران كانا آخياني كلهما فكلً جزاه ال عني بما فعل ويجوز فيه من الرفع ما جاز في المر
والنهي ويقبح فيه ما يقبح في المر والنهي.
وتقول :أما زيداً فجدعاً له وأما عمراً فسقياً له لنك لو أظهرت الذي انتصب عليه سقياً وجدعاً لنصبت زيداً وعمراً
فإضماره بمنزلة إظهاره كما تقول :أما زيداً فضرباً.
وتقول :أما زيد فسلم عليه وأما الكافر فلعنة ال عليه لن هذا ارتفع بالبتداء.
وأما قوله عز وجل " :الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ".
وقوله تعالى " :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " فإن هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثل قوله تعالى " :مثل
الجنة التي وعد المتقون ".
ثم قال بعد " :فيها أنهار من ماء " فيها كذا وكذا.
فغنما وضع المثل للحديث الذي بعده فذكر أخباراً وأحاديث فكأنه قال :ومن القصص مثل الجنة أو مما يقص عليهكم مثل
الجنة فهو محمول على هذا الضمار " ونحوه ".
وكذلك " الزانية والزاني " " كأنه " لما قال جل ثناؤه " :سورة أنزلناها فرضناها ".
قال :في الفرائض الزانية والزاني " أو الزانية والزاني في الفرائض ".
ثم قال :فاجلدوا فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع كما قال :وقائلة :خولن فانكح فتاتهم فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه
المضمر.
وكذلك " :والسارق والسارقة " " كأنه قال :و " فيما فرض عليكم " السارق والسارقة أو السارق والسارقة فيما فرض
عليكم ".
ويحمل على نحو من هذا " ومثل ذلك " " :واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ".
47
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقد يجري هذا في زيد وعمرو على هذا الحد إذا كنت تخبر " بأشياء " أو توصي.
وقد قرأ أناس " :والسارق والسارقة " و " الزانية والزاني " وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة.
وإنما كان الوجه في المر والنهي النصب لن حد الكلم تقديم الفعل وهو فيه أوجب إذ كان ذلك يكون في ألف الستفهام
لنهما ل يكونان إل بفعل.
وقبح تقديم السم في سائر الحروف لنها حروف تحدث قبل الفعل.
وقد يصير معنى حديثهن إلى الجزاء والجزاء ل يكون إل خبراً وقد يكون فيهن الجزاء في الخبر وهي غير واجبة
كحروف الجزاء فأجريت مجراها.
والمر ليس يحدث له حرف سوى الفعل فيضارع حروف الجزاء فيقبح حذف الفعل منه كما يقبح حذف الفعل بعد
حروف الجزاء.
وإنما يقبح حذف الفعل وإضماره بعد حروف الستفهام لمضارعتها حروف الجزاء.
وإنما قلت :زيداً اضربه واضربه مشغولة بالهاء لن المر والنهي ل يكونان إل بالفعل فل يستغنى عن الضمار إن لم
يظهر.
باب حروف أجريت مجرى حروف الستفهام و حروف المر والنهي وهي حروف النفي شبهوها بحروف الستفهام
حيث قدم السم قبل الفعل لنهن غير واجبات كما أن اللف وحروف الجزاء غير واجبة وكما أن المر والنهي غير
واجبين.
وسهل تقديم السماء فيها لنها نفي لواجب وليست كحروف الستفهام والجزاء وإنما هي مضارعة وإنما تجيء لخلف
قوله :قد كان.
وذلك قولك :ما زيداً ضربته ول زيداً قتلته وما عمرًا لقيت أباه ول عمراً مررت به ول بشراً اشتريت له ثوباً.
وكذلك إذا قلت :ما زيداً أنا ضاربه إذا لم تجعله اسماً معروفاً.
قال هدبة بن الخشرم العذري :فل ذا جلل هبنه لجلله ول ذاع ضياع هن يتركن للفقر وقال زهير :ل الدار غيرها
بعدي النيس ول بالدار لو كلمت ذا حاجة صمم وقال جرير :فل حسباً فخرت به لتيم ول جداً إذا ازدحم الجدود وإن
شئت رفعت والرفع فيه أقوى إذ كان يكون في ألف الستفهام لنهن نفي واجب يبتدأ بعدهن ويبنى على المبتدأ بعدهن
ولم يبلغن أن يكن مثل ما شبهن به.
فإن جعلت " ما " بمنزلة ليس في لغة أهل الحجاز لم يكن إل الرفع لنك تجيء بالفعل بعد أن يعمل فيه ما هو بمنزلة
فعل يرفع كأنك قلت :ليس زيد ضربته.
وقد أنشد بعضهم هذا البيت رفعًا " قول مزاحم العقيلي " :وقالوا تعرفها المنازل من منى وما كل من وافي منى أنا
عارف فإن شئت حملته على ليس وإن شئت حملته على " كله لم أصنع ".
48
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فهذا أبعد الوجهين.
وقد زعم بعضهم أن ليس تجعل كما وذلك قليل ل يكاد يعرف فهذا يجوز أن يكون منه :ليس خلق ال أشعر منه وليس
قالها زيد.
قال حميد الرقط :فأصبحوا والنوى عالي معرسهم وليس كل النوى يلقي المساكين وقال هشام أخو ذي الرمة :هي
الشفاء لدائي لو ظفرت بها وليس منها شفاء الداء مبذول هذا كله سمع من العرب.
والوجه والحد أن تحمله على أن في ليس إضماراً وهذا مبتدأ كقوله :إنه أمة ال ذاهبة.
إل أنهم زعموا أن بعضهم قال :ليس الطيب إل المسك وما كان الطيب إل المسك.
فإن قلت :ما أنا زيد لقيته رفعت إل في قول من نصب زيداً لقيته لنك قد فصلت كما فصلت في قولك :أنت زيد لقيته.
" وإن كانت ما التي هي بمنزلة ليس فكذلك كأنك قلت :لست زيد لقيته " لنك شغلت الفعل " بأنا " وهذا مبتدأ بعد اسم
وهذا الكلم في موضع خبره وهو فيه أقوى لنه عامل في السم الذي بعده.
وكذلك :إني زيد لقيته وأنا عمرو ضربته وليتني عبد ال مررت به لنه إنما هو اسم مبتدأ " ثم ابتدئ بعده " أو اسم فأما
قوله عز وجل " :إنا كل شيء خلقناه بقدر " فإنما هو على قوله :زيداً ضربته وهو عربي كثير.
وقد قرأ بعضهم " :وأما ثمود فهديناهم " إل أن القراءة ل تخالف لن القراءة السنة.
وتقول :كنت عبد ال لقيته لنه ليس من الحروف التي ينصب ما بعدها كحروف الستفهام وحروف الجزاء ول ما شبه
بها وليس بفعل ذكرته ليعمل في شيء فينصبه أو يرفعه ثم يضم إلى الكلم الول السم بما يشرك " به " كقولك :زيداً
ضربت وعمراً مررت به ولكنه شيء عمل في السم ثم وضعت هذا في موضع خبره مانعاً له أن ينصب كقولك :كان
عبد ال أبوه منطلق.
ولو قلت :كنت أخاك وزيداً مررت به نصبت لنه قد أنفذ إلى مفعول ونصب ثم ضممت إليه اسمًا وفعلً.
وإذا قلت :كنت زيد مررت به فقد صار هذا في موضع أخاك ومنع الفعل أن يعمل.
وكذلك :حسبتني عبد ال مررت به لن هذا المضمر المنصوب بمنزلة المرفوع في كنت لنه يحتاج إلى الخبر كاحتياج
السم في كنت وكاحتياج المبتدأ فإنما هذا في موضع خبره كما كان في موضع خبر كان فإنما أراد أن يقول :كنت هذه
حالي وحسبتني هذه حالي كما قال :لقيت عبد ال وزيد يضربه عمرو فإنما قال :لقيت عبد ال وزيد هذه حاله ولم يعطفه
على الحديث الول ليكون في مثل معناه ولم يرد أن يقول :فعلت وفعل وكذلك لم يرده في الول.
أل ترى أنه لم ينفذ الفعل في كنت إلى المفعول الذي به يستغنى الكلم كاستغناء كنت بمفعوله.
49
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإذا قلت :زيداً ضربت وعمراً مررت به فليس الثاني في موضع خبر ول تريد أن يستغنى به شيء ل يتم غل به فإنما
حاله كحال الول " في أنه مفعول " وهذا " الثاني " ل يمنع الول مفعوله أن ينصبه لنه ليس في موضع خبره فكيف
يختار فيه النصب وقد حال بينه وبين مفعوله وكان في موضعه إل أن تنصبه على قولك :زيداً ضربته.
ومثل ذلك :قد علمت لعبد ال تضربه فدخول اللم يدلك أنه إنما أراد به ما أراد إذا لم يكن قبله شيء لنها ليست مما
يضم به الشيء إلى الشيء كحروف الشتراك فكذلك ترك الواو في الول هو كدخول اللم هنا.
وإن شاء نصب كما قال الشاعر وهو المرار السدي :فلو أنها إياك عضتك مثلها جررت على ما شئت نحراً وكلكل.
ثم يبدل مكان ذلك السم اسم آخر فيعمل فيه كما عمل في الول وذلك قولك :رأيت قومك أكثرهم ورأيت بني زيد ثلثيهم
ورأيت بني عمك ناساً منهم ورأيت عبد ال شخصه وصرفت وجوهها أولها.
فهذا يجيء على وجهين :على أنه أراد :رأيت أكثر قومك و " رأيت " ثلثي قومك وصرفت وجوه أولها ولكنه ثنى السم
توكيداً كما قال جل ثناؤه " :فسجد الملئكة كلهم أجمعون " وأشباه ذلك.
فمن ذلك قوله عز وجل " :يسألونك عن الشر الحرام قتال فيه ".
وقال الشاعر :وذكر تقتد برد مائها وعتك البول على أنسائها ويكون على الوجه الخر الذي أذكره لك وهو أن يتكلم
فيقول :رأيت قومك ثم يبدو له أن يبين ما الذي رأى منهم فيقول :ثلثيهم أو ناساً منهم.
ول يجوز أن تقول :رأيت زيداً أباه والب غير زيد لنك ل تبينه بغيره ول بشيء ليس منه.
وكذلك ل تثني السم توكيداً وليس بالول ول شيء منه فإنما تثنيه وتؤكده مثنى بما هو منه أو هو هو.
وإنما يجوز رأيت زيداً أباه ورأيت عمراً أن يكون أراد أن يقول :رأيت عمراً أو رأيت أبا زيد فغلط أو نسي ثم استدرك
كلمه بعد " وإما أن يكون أضرب عن ذلك فنحاه وجعل عمراً مكانه ".
فأما الول فجيد عربي مثله قوله عز وجل " :ول على الناس حج البيت من استطاع عليه سبيل " لنهم من الناس.
ومثله إل أنهم أعادوا حرف الجر " :قال المل الذين استكبروا من قومه للذين اشتضعفوا لمن آمن منهم ".
ومن هذا الباب " قولك " :بعت متاعك أسفله قبل أعله واشتريت متاعك أسفله أسرع من اشترائي أعله واشتريت
متاعك بعضه أعجل من بعض وسقيت إبلك صغارها أحسن من سقي كبارها وضربت الناس بعضهم قائمًا وبعضهم
قاعداً فهذا ل يكون فيه إل النصب لن ما ذكرت بعده ليس مبنياً عليه فيكون مبتدأ وإنما هو من نعت الفعل زعمت أن
بيعه أسفله كان قبل بيعه أعله وأن الشراء كان في بعض أعجل من بعض وسقيه الصغار كان أحسن من سقيه الكبار
ولم تجعله خبراً لما قبله.
ومن ذلك قولك :مررت بمتاعك بعضه مرفوعًا وبعضه مطروحاًن فهذا ل يكون مرفوعاً لنك حملت النعت على
المرور فجعلته حالً " للمرور " ولم تجعله مبنياً على المبتدأ.
ومن هذا الباب :ألزمت الناس بعضهم بعضاً وخوفت الناس ضعيفهم قويهم.
50
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فهذا معناه في الحديث المعنى " الذي " في قولك :خاف الناس ضعيفهم قويهم ولزم الناس بعضهم بعضاً فلما قلت:
أزلمت وخوفت صار مفعولً وأجريت الثاني على ما جرى عليه الول وهو فاعل وعلى ذلك دفعت الناس بعضهم
ببعض على قولك :دفع الناس بعضهم بعضاً.
ودخول الباء ههنا بمنزلة قولك :ألزمت كأنك قلت في التمثيل :أدفعت كما أنك تقول :ذهبت به " من عندنا " وأذهبته من
عندنا وأخرجته " معك " وخرجت به معك.
وكذلك ميزت متاعك بعضه من بعض وأوصلت القوم بعضهم إلى بعض فجعلته مفعولً على حد ما جعلت الذي قبله
وصار قوله إلى بعض ومن بعض في موضع مفعول منصوب.
ومن ذلك :فضلت متاعك أسفله على أعله " فإنما جعله مفعولً من قوله :خرج متاعك أسفله على أعله " كأنه قال في
التمثيل :فضل متاعك أسفله على أعله " فعلى أعله في موضع نصب ".
ومثل ذلك :صككت الحجرين أحدهما بالخر على أنه مفعول من اصطك الحجران أحدهما بالخر.
ومثل ذلك " قوله عز وجل " " :ولول دفاع ال الناس بعضهم ببعض ".
وهذا ما يجرى منه مجرورًا كما يجرى منصوباً وذلك قولك :عجبت من دفع الناس بعضهم ببعض إذا جعلت الناس
مفعولين كان بمنزلة قولك :عجبت من إذهاب الناس بعضهم بعضاً لنك إذا قلت :أفعلت استغنيت عن الباء وإذا قلت:
فعلت احتجت إليها وجرى في الجر على قولك :دفعت الناس بعضهم ببعض.
وإن جعلت الناس فاعلين قلت :عجبت من دفع الناس بعضهم بعضاً جرى في الجر على حد مجراه في الرفع كما جرى
في الول على مجراه في النصب وهو قولك :دفع الناس بعضهم بعضاً.
وكذلك جميع ما ذكرنا إذا أعملت فيه المصدر فجرى مجراه في الفعل.
و " من " ذلك قولك :عجبت من موافقة الناس أسودهم أحمرهم جرى على قولك :وافق الناس أسودهم أحمرهم.
وتقول :سمعت وقع أنيابه بعضها فوق بعض جرى على قولك :أنيابه بعضها فوق بعض.
وتقول :عجبت من إيقاع أنيابه فوق بعض على حد قولك :أوقعت أنيابه بعضها فوق بعض.
هذا وجه اتفاق الرفع والنصب في هذا الباب واختيار النصب واختيار الرفع.
تقول :رأيت متاعك بعضه فوق بعض إذا جعلت فوقاً في موضع السم المبني على المبتدأ وجعلت الول مبتدأ كأنك
قلت :رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض ففوق في موضع أحسن.
وإن جعلته حالً بمنزلة قولك :مررت بمتاعك بعضه مطروحًا وبعضه مرفوعاً نصبته لنه لم تبن عليه شيئاً فتبتدئه.
وإن شئت قلت :رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض فيكون بمنزلة قولك :رأيت بعض متاعك الجيد فوصلته إلى
مفعولين لنك أبدلت فصرت كأنك قلت :رأيت بعض متاعك.
والرفع في هذا أعرف لنهم شبهوه بقولك :رأيت زيداً أبوه أفضل منه لنه اسم هو للول ومن سببه " كما أن هذا له
ومن سببه " والخر هو المبتدأ الول كما أن الخر ههنا هو المبتدأ الول.
51
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومما جاء في الرفع قوله تعالى " :ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على ال وجوههم مسودة ".
ومما جاء في النصب أنا سمعنا من يوثق بعربيته يقول :خلق ال الزرافة يديها طول من رجليها.
وحدثنا يونس أن العرب تنشد هذا البيت وهو لعبدة بن الطبيب :فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما وقال
رجل من بجيلة أو خثعم :ذريني إن أمرك لن يطاعا وما الفيتني حلمي مضاعا وقال آخر في البدل :إن علي ال أن تبايعا
تؤخذ كرهاً أو تجيء طائعا فهذا عربي حسن والول أعرف وأكثر.
وتقول :جعلت متاعك بعضه فوق بعض فله ثلثة اوجه في النصب :إن شئت جعلت فوق في موضع الحال كأنه قال:
علمت متاعك وهو بعضه على بعض أي في هذه الحال كما جعلت ذلك في رأيت في رؤية العين.
وإن شئت نصبته على ما نصبت عليه رأيته زيداً وجهه أحسن من وجه فلن " تريد رؤية القلب ".
وإن شئت نصبته على أنك إذا قلت :جعلت متاعك يدخله معنى ألقيت فيصير كأنك قلت :ألقيت متاعك بعضه فوق بعض
لن ألقيت كقولك :أسقطت متاعك بعضه على بعض وهو مفعول من قولك :سقط متاعك بعضه على بعض فجرى كما
جرى صككت الحجرين أحدهما بالخر.
فقولك " بالخر " ليس في موضع اسم هو الول ولكنه في موضع السم الخر في قولك :صك الحجران أحدهما الخر
ولكنك أوصلت الفعل بالباء كما أن مررت بزيد السم منه في موضع اسم منصوب.
ومثل هذا :طرحت المتاع بعضه على بعض لن معناه أسقطت فأجري مجراه وإن لم يكن من لفظه فاعل.
وتصديق ذلك قوله عز وجل " :ويجعل الخبيث بعضه على بعض ".
والوجه الثالث :أن تجعله مثل :ظننت متاعك بعضه أحسن من بعض.
تقول :جعلت متاعك بعضه على بعض فوجه الرفع فيه على ما كان في رأيت.
وتقول :أبكيت قومك بعضهم على بعض وحزنت قومك بعضهم على بعض فأجريت هذا على حد الفاعل إذا قلت :بكى
قومك بعضهم على بعض " وحزن قومك بعضهم على بعض " فالوجه هنا النصب لنك إذا قلت :أحزنت قومك بعضهم
على بعض وأبكيت قومك بعضهم على بعض لم ترد أن تقول :بعضهم على بعض في عون ول أن أجسادهم بعضها
على بعض فيكون الرفع الوجه ولكنك أجريته على قولك :بكى قومك بعضها بعضًا فإنما أوصلت الفعل إلى السم بحرف
جر والكلم في موضع اسم منصوب كما تقول :مررت على زيد ومعناه مررت زيداً.
فإن قيل :حزنت قومك بعضهم أفضل من بعض " وأبكيت قومك بعضهم أكرم من بعض " كان الرفعة الوجه لن الخر
هو الول ولم تجعله في موضع مفعول هو غير الول.
وإن شئت نصبته على قولك :حزنت قومك بعضهم قائماً وبعضهم قاعداً على الحال لنك قد تقول :رأيت قومك أكثرهم
وحزنت قومك بعضهم فإذا جاز هذا أتبعته ما يكون حالً.
وإن كان مما يتعدى إلى مفعولين أنفذته إليه لنه كأنه لم تذكر قبله شيئاً كأنه رأيت قومك وحزنت قومك.
52
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإن أجريته على النصب فهو عربي جيد.
يبدل فيه الخر من الول ويجرى على السم فالبدل أن تقول :ضرب عبد ال ظهره وبطنه وضرب زيد الظهر والبطن
وقلب عمرو ظهره وبطنه ومطرنا سهلنا وجبلنا ومطرنا السهل والجبل.
وإن شئت نصبت تقول :ضرب زيد الظهر والبطن ومطرنا السهل والجبل وقلب زيد ظهره وبطنه.
ولكنهم أجازوا هذا كما أجازوا " قولهم " :دخلت البيت وإنما معناه دخلت في البيت.
والعامل فيه الفعل وليس المنتصب ههنا بمنزلة الظرف لنك لو قلت " :قلب " هو ظهره وبطنه وأنت تعني على ظهره
لم يجز.
ولم يجيزوه في غير السهل والجبل والظهر والبطن كما لم يجز دخلت عبد ال فجاز هذا في هذا وحده كما لم يجز حذف
حرف الجر إل في الماكن في مثل :دخلت البيت.
واختصت بهذا كما أن لدن مع غدوة لها حال ليست في غيرها من السماء وكما أن عسى لها في قولهم " :عسى الغوير
أبؤساً " حال ل تكون في سائر الشياء.
ونظير هذا أيضاً في أنهم حذفوا حرف الجر ليس إل قولهم :نبئت زيداً قال ذاك إنما يريد عن زيد إل أن معنى الول
معنى الماكن.
وإن شئت رفعت على البدل وعلى أن تصيره بمنزلة أجمعين تأكيداً.
فإن قلت :ضرب زيد اليد والرجل جاز " على " أن يكون بدل وأن يكون توكيدا.
وإن نصبته لم يحسن لن الفعل إنما أنفذ في هذه السماء خاصة إلى المنصوب إذا حذفت منه حرف الجر إل أن تسمع
العرب تقول في غيره وقد سمعناهم يقولون :مطرتهم ظهراً وبطناً.
وتقول :مطر قومك الليل والنهار على الظرف وعلى الوجه الخر.
وإن شئت رفعته على سعة الكلم كما قال :صيد عليه الليل والنهار وهو نهاره صائم وليله قائم وكما قال جرير :لقد لمتنا
يا أم غيلن في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم فكأنه في كل هذا جعل الليل بعض السم.
وقال آخر :أما النهار ففي قيد وسلسلة والليل في قعر منحوت من الساج فكأنه جعل النهار في قيد والليل في بطن منحوت
أو جعله السم أو بعضه.
وإن شئت قلت :ضرب عبد ال ظهره ومطر قومك سهلهم على قولك :رأيت القوم أكثرهم ورأيت عمراً شخصه كما قال:
فكأنه لهق السراة كأنه ما حاجبيه معين بسواد " يريد :كأن حاجبيه فأبدل حاجبيه من الهاء التي في كأنه وما زائدة ".
ملك الخورنق والسدير وداته ما بين حمير أهلها وأوال " يريد :ما بين أهل حمير فأبدل الهل من حمير ".
53
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك قولهم :صرفت وجوهها أولها.
وأما قول جرير :مشق الهواجر لحمهن مع السرى حتى ذهبن كل كلً وصدورا فإنما هو على قوله :ذهب قدماً وذهب
أخراً.
وقال عمرو بن عمار النهدي :طويل متل العنق أشرف كاهلً أشق رحيب الجوف معتدل الجرم كأنه قال :ذهب صعداً
فإنما خبر أن الذهاب كان على هذه الحال.
ومثله " :قول رجل من عمان " :إذا أكلت سمكًا وفرضاً ذهبت طولً وذهبت عرضا فإنما شبه هذا الضرب من
المصادر.
وليس هذا مثل قول عامر بن الطفيل :فلبغينكم قنًا وعوارضًا ولقبلن الخيل لبة ضرغد لن قنًا وعوارض مكانان
وإنما يريد :بقناً وعوارض ولكن الشاعر شبهه بدخلت البيت وقلب زيد الظهر والبطن.
" الذي " جرى مجرى الفعل المضارع في المفعول في المعنى فإذا أردت فيه من المعنى ما أردت في يفعل كان نكرة
منوناً وذلك قولك :هذا ضارب زيداً غداً.
وتقول :هذا ضارب عبد ال الساعة فمعناه وعمله مثل " هذا " يضرب زيداً الساعة.
وكان " زيد " ضارباً أباك فإنما تحدث أيضاً عن اتصال فعل في حال وقوعه.
وكان موافقاً زيداً فمعناه وعمله كقولك :كان يضرب أباك ويوافق زيداً.
ومما جاء في الشعر :منوناً " من هذا الباب قوله " :إني بحبلك واصل حبلي وبريش نبلك رائش نبلي وقال " عمر " بن
أبي ربيعة :وقال زهير :بدا لي أني لست مدرك ما مضى ول سابقاً شيئاً إذا كان جائيا وقال الخوص الرياحي :مشائيم
ليسوا مصلحين عشيرة ول ناعباً إل ببين غرابها واعلم أن العرب يستخفون فيحذفون التنوين والنون ول يتغير من
المعنى ول يجعله معرفة.
فمن ذلك " قوله عز وجل " " :كل نفس ذائقة الموت " و " إنا مرسلو الناقة " و " لو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم
" و " غير محلى الصيد ".
" و " يزيد هذا عندك بياناً قوله تعالى جده " :هدياً بالغ الكعبة " و " عارض ممطرنا ".
54
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وستراه مفصلً أيضاً في بابه مع غير هذا من الحجج إن شاء ال.
وقال الخليل :هو كائن أخيك على الستخفاف والمعنى :هو كائن أخاك.
ومما جاء في الشعر غير منون قول الفرزدق :أتاني على القعساء عادل وطبه برجلي لئيم واست عبد تعادله يريد :عادلً
وطبه.
وقال الزبرقان بن بدر :وقال السليك بن السلكة :تراها من يبيس الماء شهباً مخالظ درة منها غرار " يريد :عرف الخيل
".
ومما يزيد هذا الباب إيضاحاً " أنه " على معنى المنون قول النابغة :احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام شراع
وارد الثمد " فوصف به النكرة ".
وقال المرار السدي :سل الهموم بكل معطي رأسه ناج مخالط صهبة متعيس فهو على المعنى ل على الصل والصل
التنوين لن هذا الموضع ل يقع فيه معرفة.
ولو كان الصل ههنا ترك التنوين لما دخله التنوين ول كان ذلك نكرة وذلك أنه ل يجري مجرى المضارع فيما ذكرت
لك.
وزعم عيسى أن بعض العرب ينشد هذا البيت " لبي السود الدؤلي " :فألفيته غير مستعب ول ذاكر ال إل قليل لم
يحذف التنوين استخفافاً ليعاقب المجرور ولكنه حذفه للتقاء الساكنين " كما قال :رمى القوم ".
وتقول في هذا الباب :هذا ضارب زيد وعمرو إذا أشركت بين الخر والول في الجار لنه ليس في العربية شيء يعمل
في حرف فيمتنع أن يشرك بينه وبين مثله.
وإن شئت نصبت على المعنى وتضمر له ناصباً فتقول :هذا ضارب زيد وعمراً كأنه قال :ويضرب عمرًا أو وضارب
عمراً.
ومما جاء على المعنى قول جرير :جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سيار وقال كعب بن جعيل "
التغلبي " :أعني بخوار العنان تخاله إذا راح يردى بالمدجج أحردا وأبيض مصقول السطام مهنداً وذا حلق من نسج داود
مسردا فحمله على المعنى كأنه قال :وأعطني أبيض مصقول السطام وقال :هات مثل أسرة منظور " بن سيار ".
والنصب في الول أقوى وأحسن لنك أدخلت الجر على الحرف الناصب ولم تجيء ههنا إل بما أصله الجر ولم تدخله
على ناصب ول رافع.
والجر أجود.
وقال " رجل من قيس عيلن " :وزعم عيسى أنهم ينشدون هذا البيت :هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا
عون بن مخراق فإذا أخبر أن الفعل قد وقع وانقطع فهو بغير تنوين البتة لنه إنما أجري مجرى الفعل المضارع له كما
أشبهه الفعل المضارع في العراب فكل واحد منهما داخل على صاحبه فلما أراد سوى ذلك المعنى جرى مجرى
السماء التي من غير ذلك الفعل لنه إنما شبه بما ضارعه من الفعل كما شبه به في العراب.
55
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وذلك قولك :هذا ضارب عبد ال وأخيه.
وكذلك قولك :هذا ضارب زيد فيها وأخيه وهذا قاتل عمرو أمس وعبد ال وهذا ضارب عبد ال ضرباً شديدًا وعمرو.
ولو قلت :هذا ضارب عبد ال وزيداً جاز على إضمار فعل أي وضرب زيداً.
وإنما جاز هذا الضمار لن معنى الحديث في قولك هذا ضارب زيد :هذا ضرب زيداً وإن كان ل يعمل عمله فحمل
على المعنى كما قال جل ثناؤه " :ولحم طير مما يشتهون.
وحور عين " لما كان المعنى في الحديث على قوله :لهم فيها حمله على شيء ل ينقض الول في المعنى.
ومثله قول الشاعر :يهدي الخميس نجاداً في مطالعها إما المصاع وإما ضربة رغب ومثله قول كعب بن زهير :فلم يجد
إل مناخ مطية تجافى بها زور نبيل وكلكل ومفحصها عنها الحصى بجرانها ومثنى نواج لم يخنهن مفصل ومسر ظماء
واترتهن بعدما مضت هجعة من آخر الليل ذبل كأنه قال :وثم سمر " ظماء ".
وقال :بادت وغير آيهن مع البلى إل رواكد جمرهن هباء ومشجج أما سواء قذاله فبدا وغير ساره المعزاء لن قوله " إل
رواكد " هي في معنى الحديث :بها رواكد فحمله على شيء لو كان عليه الول لن ينقض الحديث.
والجر في هذا أقوى يعني هذا ضارب زيد وعمرو وعمراً بالنصب.
وقد فعل لنه اسم وإن كان قد جرى مجرى الفعل بعينه.
والنصب في الفصل أقوى إذا قلت :هذا ضارب زيد فيها وعمراً وكلما طال الكلم كان أقوى وذلك أنك ل تفصل بين
الجار وبين ما يعمل فيه فكذلك صار هذا أقوى.
فمن ذلك قوله جل ثناؤه " :وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ".
وكذلك إن جئت باسم الفاعل الذي تعدى فعله إلى مفعولين وذلك قولك :هذا معطى زيد درهما وعمرو إذا لم تجره على
الدرهم والنصب على ما نصبت عليه ما قبله.
والنصب إذا ذكرت الدرهم أقوى لنك " قد " فصلت بينهما.
وإن لم ترد بالسم الذي يتعدى فعله إلى مفعولين أن يكون الفعل قد وقع أجريته مجرى الفعل الذي يتعدى إلى مفعول في
التنوين وترك التنوين وأنت تريد معناه و " في " النصب والجر وجميع أحواله فإذا نونت فقلت :هذا معط زيداً درهمًا ل
تبالي أيهما قدمت لنه يعمل عمل الفعل.
وإن لم تنون لم يجز هذا معطي درهماً زيد لنك ل تفصل بين الجار والمجرور لنه داخل في السم فإذا نونت انفصل
كانفصاله في الفعل.
فل يجوز إل " في قوله " هذا معطى زيداً كما قال تعالى جده " :فل تحسبن ال مخلف وعده رسله ".
56
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
باب جرى مجرى الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين في اللفظ ل في المعنى وذلك قولك :يا سارق الليل أهل الدار " و
" تقول على هذا الحد :سرقت الليل أهل الدار فتجري الليلة على الفعل في سعة الكلم كما قال :صيد عليه يومان وولد له
ستون عاماً.
فاللفظ يجري على قوله :هذا معطى زيد درهماً والمعنى إنما هو في الليلة وصيد عليه في اليومين غير أنهم أوقعوا الفعل
عليه لسعة الكلم.
ومثل ما أجري مجرى هذا في سعة الكلم والستخفاف قوله عز وجل " :بل مكر الليل والنهار ".
فإن نونت فقلت :يا سارقاً الليلة أهل الدار كان حد الكلم أن يكون أهل الدار على سارق منصوبًا ويكون الليلة ظرفًا لن
هذا موضع انفصال.
ول يجوز :يا سارق الليلة أهل الدار إل في شعر كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور.
فإذا كان منوناً فهو بمنزلة الفعل الناصب تكون السماء فيه منفصلة.
قال الشاعر وهو الشماخ :رب ابن عم لسليمى مشمعل طباخ ساعات الكرى زاد الكسل " هذا على :يا سارق الليلة أهل
الدار ".
وقال الخطل :وكرار خلف المحجرين وجواده إذا لم يحام دون أنثى حليلها فإن قلت :كرار وطباخ صار بمنزلة طبخت
وكررت تجريها مجرى السارق حين نونت على سعة الكلم.
وقال " رجل من بني عامر " :ويوم شهدناه سليماً وعامراً قليل سوى الطعن النهال نوافله " وكما قال :ثماني حجج
حججتهن بيت ال ".
ومما جاء في الشعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة.
لما رأت ساتسدما استعبرت ل در اليوم من لمها وقال أبو حية النميري :كما خط الكتاب بكف يوماً يهودي يقارب أو
يزيل وهذا ل يكون فيه إل هذا لنه ليس في معنى فعل ول اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل.
ومما جاء مفصولً بينه وبين المجرور قول العشى :ول نقاتل بالعص -ي ول نرامي بالحجاره إل عللة أو بدا -هة
قارح نهد الجزاره وقال ذو الرمة :فهذا قبيح.
وقالت درنا بنت عبعبة من بني قيس بن ثعلبة :هما أخوا في الحرب من ل أخا له إذا خاف يوماً نبوة فدعاهما وقال
الفرزدق :يا من رأى عارضاً أسر به بين ذراعي وجبهة السد وأما قوله عز وجل " :فبما نقضهم ميثاقهم " فإنما جاء
لنه ليس ل " ما " معنى سوى ما كان قبل أن تجيء إل التوكيد فمن ثم جاء ذلك إذ لم ترد به أكثر من هذا وكانا حرفين
أحدهما في الخر عامل.
57
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولو كان اسماً أو ظرفاً أو فعلً لم يجز.
وأما قوله :أدخل فوه الحجر فهذا جرى على سعة الكلم " والجيد أدخل فاه الحجر " وكما قال :أدخلت في رأسي
القلنسوة " والجيد أدخلت في القلنسوة رأسي ".
وليس مثل اليوم والليلة لنهما ظرفان فهو مخالف له في هذا موافق " له " في السعة.
قال الشاعر :ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه وسائره باد إلى الشمس أجمع فوجه الكلم فيه هذا كراهية النفصال.
هذا باب صار الفاعل فيه بمنزلة الذي فعل في المعنى وما يعمل فيه
وذلك قولك :هذا الضارب زيداً فصار في معنى " هذا " الذي ضرب زيداً وعمل عمله لن اللف واللم منعتا الضافة
وصارتا بمنزلة التنوين.
وقد قال قوم من العرب ترضى عربيتهم :هذا الضارب الرجل شبهوه بالحسن الوجه وإن كان ليس مثله في المعنى ول
في أحواله إل أنه اسم وقد يجر كما يجر وينصب أيضاً كما ينصب وسيبين ذلك في بابه " إن شاء ال ".
وقد يشبهون الشيء بالشيء وليس مثله في جميع أحواله وسترى ذلك في كلمهم كثيراً.
وقال المرار السدي :أنا ابن التارك البكري بشر عليه الطير ترقبه وقوعا سمعناه ممن يرويه عن العبر وأجرى بشراً
على مجرى المجرور لنه جعله بمنزلة ما يكف منه التنوين.
ومثل ذلك في الجراء على ما قبله :هو الضارب زيداً والرجل ل يكون فيه إل النصب لنه عمل فيهما عمل المنون ول
يكون :هو الضارب عمرو كما ل يكون :هو الحسن وجه.
ومن قال :هذا الضارب الرجل قال :هو الضارب الرجل وعبد ال.
ومن ذلك إنشاد بعض العرب قول العشى :الواهب المائة الهجان وعبدها عوذاً تزجى بينها أطفالها وإذا ثنيت أو جمعت
فأثبت النون قلت :هذان الضاربان زيدًا وهؤلء الضاربون الرجل ل يكون فيه غير هذا لن النون ثابتة.
ومثل ذلك قوله عز وجل " :والمقيمين الصلة والمؤتون الزكاة ".
وقال ابن مقبل :يا عين بكي حنيفاً رأس حيهم الكاسرين القنا في عورة الدبر فإن كففت النون جررت وصار السم داخ ً
ل
في الجار " و " بدلً من النون لن النون ل تعاقب اللف واللم ولم تدخل على السم بعد أن ثبتت فيه اللف واللم لنه
ل يكون واحدًا معروفاً ثم يثنى فالتنوين قبل اللف واللم لن المعرفة بعد النكرة فالنون مكفوفة والمعنى معنى ثبات
النون كما كان ذلك في السم الذي جرى مجرى الفعل المضارع وذلك قولك :هما الضارب زيد والضاربو عمرو.
أسيد ذو خريطة نهاراً من المتلقطي قرد القمام وقال رجل من بني ضبة :الفراجي باب المير المبهم وقال رجل من
النصار :الحافظو عورة العشيرة ل يأتيهم من ورائنا نطف لم يحذف النون للضافة ول ليعاقب السم النون ولكن
حذفوها كما حذفوها من اللذين والذين حيث طال الكلم وكان السم الول منتهاه السم الخر.
وقال الخطل :أبني كليب إن عمي اللذا سلبا الملوك وفككا الغلل لن معناه " معنى " الذين فعلوا وهو مع المفعول
بمنزلة اسم مفرد لم يعمل في شيء كما أن الذين فعلوا مع صلته بمنزلة اسم.
58
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال أشهب بن رميلة :وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القول كل القوم يا أم خالد وإذا قلت :هم الضاربوك وهما
الضارباك فالوجه فيه الجر لنك إذا كففت النون من هذه السماء في المظر كان الوجه الجر إل في قول من قال" :
الحافظو عورة العشيرة ".
ول يكون في قولهم :هم ضاربوك أن تكون الكف في موضع النصب لنك لو كففت النون في الظهار لم يكن إل جراً
ول يجوز في الظهار :هم ضاربوا زيداً لنها ليست في معنى الذي " لنها " ليست فيها اللف واللم كما كانت في
الذي.
واعلم أن حذف النون والتنوين لزم مع علمة المضمر غير المنفصل لنه ل يتكلم به مفرداً حتى يكون متصلً بفعل
قبله أو باسم فيه ضمير فصار كأنه النون والتنوين في السم لنهما ل يكونان إل زوائد ول يكونان إل في أواخر
الحروف.
والمظهر وإن كان يعاقب النون والتنوين فإنه ليس كعلمة المضمر المتصل لنه اسم ينفصل ويبتدأ وليس كعلمة
الضمار لنها في اللفظ كالنون والتنوين فهي أقرب إليها من المظهر اجتمع فيها هذا والمعاقبة.
وقد جاء في الشعر وزعموا أنه مصنوع :هم القائلون الخير والمرونه إذا ما خشوا من محدث المر معظما وقال :ولم
يرتفق والناس محتضرونه جميعاً وأيدي المعتفين رواهقه باب من المصادر جرى مجرى الفعل المضارع وذلك قولك:
عجبت من ضرب زيدا " فمعناه أنه يضرب زيداً.
وتقول :عجبت من ضرب زيداً " بكر ومن ضرب زيد عمراً إذا كان هو الفاعل كأنه قال :عجبت من أنه يضرب زيد
عمرًا ويضرب عمراً زيد.
ل ومفعولً لنك إذا قلت :هذا ضارب فقد جئت وإنما خالف هذا السم الذي جرى مجرى الفعل المضارع في أن فيه فاع ً
بالفاعل وذكرته وإذا قلت :عجبت من ضرب فإنك لم تذكر الفاعل فالمصدر ليس بالفاعل وإن كان فيه دليل على الفاعل
" فلذلك احتجت فيه إلى فاعل ومفعول ولم تحتج حين قلت :هذا ضارب زيداً إلى فاعل ظاهر لن المضمر في ضارب
هو الفاعل ".
فمما جاء من هذا قوله عز وجل " :أو إطعام في يوم ذي مسغبة.
وقال :فلول رجاء النصر منك ورهبة عقابك قد صاروا لنا كالموارد وقال :أخذت بسجلهم فنفحت فيه محافطة لهن إخا
الذمام وقال :يضرب بالسيوف رؤوس قوم أزلنا هامهن عن المقيل وإن شئت حذفت التنوين كما حذفت في الفاعل وكان
ل كان أو مفعولً لنه اسم قد كففت عنه التنوين كما فعلت ذلك
المعنى على حاله إل أنك تجر الذي يلي المصدر فاع ً
بفاعل ويصير المجرور بدلً من التنوين معاقباً له.
وذلك قولك :عجبت من ضربه زيداً إن كان فاعلً ومن ضربه زيد إن كان المضمر مفعول.
وتقول :عجبت من كسوة زيد أبوه وعجبت من كسوة زيد أباه إذا حذفت التنوين.
ومما جاء ل ينون قول لبيد :عهدي بها الحي الجميع وفيهم قبل التفرق ميسر وندام ومنه قولهم " :سمع أذني زيدًا يقول
ذاك ".
قال رؤبة :ورأي عيني الفتى أخاكا يعطي الجزيل فعليك ذاكا وتقول :عجبت من ضرب زيد وعمرو إذا أشركت بينهما
كما فعلت ذلك في الفاعل.
59
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومن قال هذا ضارب زيد وعمراً قال :عجبت له من ضرب زيد وعمراً كأنه أضمر :ويضرب عمراً " أو وضرب عمراً
".
قال رؤبة :قد كنت داينت بها حساناً مخافة الفلس والليانا وتقول :عجبت من الضرب زيداً كما قلت :عجبت من
الضارب زيدًا يكون اللف واللم بمنزلة التنوين.
وقال الشاعر :ضعيف النكاية أعداءه يخال الفرار يراخي الجل وقال المرار " السدي " :لقد علمت أولى المغيرة أنني
لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا ومن قال :هذا الضارب الرجل لم يقل :عجبت له من الضرب الرجل لن الضارب
الرجل مشبه بالحسن الوجه لنه وصف للسم كما أن الحسن وصف وليس هو بحد الكلم مع ذلك.
وقد ينبغي في قياس من قال :الضارب الرجل أن يقول :الضارب أخي الرجل كما يقول :الحسن الخ والحسن وجه الخ
وكان الخليل يراه.
وإن شئت قلت :هذا ضرب عبد ال كما تقول :هذا ضارب عبد ال فيما انقطع من الفعال.
ل أو
وتقول :عجبت من ضرب اليوم زيداً كما قال :يا سارق الليل أهل الدار ل در اليوم من لمها لنهم لم يجعلوه فع ً
فعل شيئاً في اليوم إنما هو بمنزلة :ل بلدك.
ويجوز :عجبت له من ضرب أخيه يكون المصدر مضافاً فعل أو لم يفعل ويكون منوناً وليس بمنزلة ضارب.
ولم تقوم أن تعمل عمل الفاعل لنها ليست في معنى الفعل المضارع فإنما شبهت بالفاعل فيما عملت فيه.
وما تعمل فيه معلوم إنما تعمل فيما كان من سببها معرفاً باللف واللم أو نكرة ل تجاوز هذا لنه ليس بفعل ول اسم هو
في معناه.
والضافة فيه أحسن وأكثر لنه ليس كما جرى مجرى الفعل ول في معناه فكان أحسن عندهم أن يتباعد منه في اللفظ
كما أنه ليس مثله في المعنى وفي قوته في الشياء.
ومع هذا إنهم لو تركوا التنوين أو النون لم يكن أبداً إل نكرة على حاله منوناً.
فلما كان ترك التنوين فيه والنون ل يجاوز به معنى النون والتنوين كان تركهما أخف عليهم فهذا يقوي " أن " الضافة
" أحسن " مع التفسير الول.
فالصفة تقع على السم الول ثم توصلها إلى الوجه وإلى كل شيء من سببه على ما ذكرت لك كما تقول :هذا ضارب
الرجل وهذه ضاربة الرجل إل أن الحسن في المعنى للوجه والضرب ههنا للول.
ومن ذلك قولهم :هو أحمر بين العينين وهو جيد وجه الدار.
ومما جاء منونًا قول زهير :أهوى لها أسفع الخدين مطرق ريش القوادم لم تنصب له الشبك وقال العجاج :محتبك ضخم
شئون الرأس وقال أيضاً النابغة :ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام وهو في الشعر كثير.
60
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أن كينونة اللف واللم في السم الخر أكثر وأحسن من أن ل تكون فيه اللف واللم لن الول في اللف واللم
وفي غيرهما ههنا على حالة واحدة وليس كالفاعل فكان إدخالهما أحسن وأكثر كما كان ترك التنوين أكثر وكان اللف
واللم أولى لن معناه حسن وجهه.
فمن ذلك قوله " " :هو " حديث عهد بالوجع ".
وقال عمرو بن شأس :ألكنى إلى قومي السلم رسالة بآية ما كانوا ضعافًا ول عزلً ول سيئي زي إذا ما تلبسوا إلى
حاجة يوماً مخيسة بزل وقال حميد الرقط :لحق بطن بقراً سمين ومما جاء منوناً قول أبي زبيد " يصف السد " :كأن
أثواب نقاد قدرن له يعلو بخملتها كهباء هدابا وقال أيضاً :هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة محطوطة جدلت شنباء أنيابا وقال
عيد بن زيد :من حبيب أو أخي ثقة أو عدو شاحط دارا وقد جاء في الشعر حسنة وجهها شبهوه بحسنة الوجه وذلك
رديء " لنه بالهاء معرفة كما أمن دمنتين عرس الركب فيهما بحقل الرخامى قد عفا طللهما أقامت على ربعيهما
جارتا صفا كميتا العالي جونتا مصطلهما واعلم أنه ليس في العربية مضاف يدخل عليه اللف واللم غير المضاف
إلى المعرفة في هذا الباب وذلك قولك :هذا الحسن الوجه أدخلوا اللف واللم على حسن الوجه لنه مضاف إلى معرفة
ل يكون بها معرفة أبداً فاحتاج إلى ذلك حيث منع ما يكون في مثله البتة ول يجاوز به معنى التنوين.
فأما النكرة فل يكون فيها إل الحسن وجهًا تكون اللف واللم بدلً من التنوين لنك لو قلت :حديث عهد أو كريم أب لم
تخلل بالول في شيء فتحتمل له اللف واللم لنه على ما ينبغي أن يكون عليه.
قال رؤبة :الحزن بابًا والعقور كلباً وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من العرب ينشدون هذا البيت للحارث ابن ظالم :فما
قومي بثعلبة بن سعد ول بفزارة الشعرى رقاباً فإنما أدخلت اللف واللم في الحسن ثم أعملته كما قال :الضارب زيداً.
وعلى هذا الوجه تقول :هو الحسن الوجه وهي عربية جيدة.
قال الشاعر :وقد يجوز في هذا أن تقول :هو الحسن الوجه على " قوله " :هو الضارب الرجل.
فالجر في هذا الباب من وجهين " :من الباب الذي هو له وهو الضافة ومن إعمال الفعل ثم يستخف فيضاف ".
فإذا ثنيت أو جمعت فأثبت النون فليس إل النصب وذلك قولهم :هم الطيبون الخبار وهما الحسنان الوجه.
ومن ذلك قوله تعالى " :قل هل ننبئكم بالخسرين أعمالً ".
وقالت خرنق " من بني قيس " :ل يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر النازلون بكل معترك والطيبون معاقد
الزر فإن كففت النون جررت كان المعمول فيه نكرة أو فيه ألف ولم كما قلت :هؤلء الضاربو زيد وذلك قولهم :هم
الطيبو أخبار.
وإن شئت نصبت على قوله :الحافظو عورة العشيرة وتقول فيما ل يقع إل منوناً عملً في نكرة " وإنما وقع منوناً " لنه
فصل فيه بين العامل والمعمول فالفصل لزم له أبداً مظهرًا أو مضمراً وذلك قولك :هو خير منك أباً و " هو " أحسن
منك وجهاً.
61
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإن شئت أخرت الفصل في اللفظ وأصله التقديم لنه ل يمنعه تأخيره عمله مقدماً كما قال :ضرب زيد عمرو فعمرو
مؤخر في اللفظ مبدوء به في المعنى وهذا مبدوء به في أنه يثبت التنوين ثم يعمل.
ول يعمل إل في نكرة كما أنه ل يكون إل نكرة ول يقوى قوة الصفة المشبهة فألزم فيه وفيما يعمل فيه وجهًا واحداً.
فإن أضفت فقلت " :هذا " أول رجل اجتمع فيه لزوم النكرة وأن يلفظ بواحد " وهو يريد الجمع " وذلك لنه أراد أن
يقول :أول الرجال فحذف استخفافاً واختصاراً كما قالوا :كل رجل يريدون كل الرجال.
فكما استخفوا بحذف اللف واللم استخفوا بترك بناء الجميع واستغنوا عن اللف واللم وعن قولهم :خير الرجال وأول
الرجال.
ومثل ذلك في ترك اللف واللم وبناء الجميع قولهم :عشرون درهماً إنما أرادوا عشرين من الدراهم فاختصروا
واستخفوا.
ولم يكن دخول اللف واللم يغير العشرين عن نكرته فاستخفوا بتركما لم يحتج إليه.
أل ترى أنك تؤنثها وتذكرها وتجمعها كالفاعل تقول :مررت برجل حسن الوجه أبوه " كما تقول :مررت برجل حسن
أبوه وهو " مثل قولك :مررت برجل ضارب أبوه.
فإن جئت بخير منك أو عشرين رفعت لنها ملحقة بالسماء " ل تعمل وتقول :هو خير رجل في الناس وأفره عبد في
الناس لن الفارة هو العبد ولم تلق أفره ول خيراً على غيره ثم تختص شيئاً فالمعنى مختلف.
وليس هنا فصل ولم يلزم إل ترك التنوين كما أن عشرين وخيراً منك لم يلزم فيه إل التنوين.
ولم يدخلوا اللف واللم كما لم يدخلوه في الول وتفسيره تفسير الول.
وإنما أثبتوا اللف واللم في قولهم :أفضل الناس لن الول قد يصير به معرفة فأثبتوا اللف واللم وبناء الجميع ولم
ينون وفرقوا بترك النون والتنوين بين معنيين.
وقد جاء من الفعل ما قد أنفذ إلى مفعول ولم يقو قوة غيره مما قد تعدى إلى مفعول وذلك قولك :امتلت ماء وتفقأت
شحماً ول تقول :امتلته ول تفقأته.
ول يعمل في غيره من المعارف ول يقدم المفعول فيه فتقول :ماء امتلت كما ل يقدم المفعول فيه في الصفة المشبهة ول
في هذه السماء لنها ليست كالفاعل.
وذلك لنه فعل ل يتعدى إلى مفعول وإنما هو بمنزلة النفعال ل يتعدى إلى مفعول نحو كسرته فانكسر ودفعته فاندفع.
فهذا النحو إنما يكون في نفسه ول يقع على شيء فصار امتلت من هذا الضرب كأنك قلت :ملني فامتلت.
62
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما أصله امتلت من الماء وتفقأت من الشحم فحذف هذا استخفافًا وكان الفعل أجدر أن يتعدى إن كان هذا ينفذ وهو -
في أنهم ضعفوه -مثله.
فالمجرور هنا بمنزلة التنوين وانتصب الرجل والثنان كما انتصب الوجه في قولك :هو أحسن منه وجهاً.
ومما أجرى هذا المجرى أسماء العدد :تقول فيما كان لدنى العدة بالضافة إلى ما يبنى لجمع أدنى العدد إلى أدنى العقود
وتدخل في المضاف إليه اللف واللم لنه يكون الول به معرفة.
وكذلك تقول :فيما بينك وبين العشرة وإذا أدخلت اللف واللم قلت :خمسة الثواب وستة الجمال.
فل يكون هذا أبداً إل غير منون يلزمه أمر واحد لما ذكرت لك.
فإذا زدت على العشرة شيئاً من أسماء أدنى العدد فإنه يجعل مع الول اسمًا واحداً استخفافاً ويكون في موضع " اسم "
منون.
وذلك قولك :أحد عشر درهماً واثنا عشر درهمًا وإحدى عشر جارية.
ويجرى ذلك السم مجرى الواحد الذي لحقته الزيادة للجمع كما لحقته الزيادة للتثنية ويكون حرف العراب الواو والياء
وبعدهما النون وذلك قولك :عشرون درهماً.
فإن أردت أن تثلث أدنى العقود كان له اسم من لفظ الثلثة يجرى مجرى السم الذي كان للتثنية وذلك قولك :ثلثون
عبداً.
وكذلك إلى أن تتسعه وتكون النون لزمة له كما كان ترك التنوين لزماً للثلثة إلى العشرة.
وإنما فعلوا هذا بهذه السماء وألزموها وجهًا واحداً لنها ليست كالصفة في معنى الفعل ول التي شبهت بها فلم تقوى تلك
القوة ولم يجز حين جاوزت أدنى العقود فيما تبين به من أي صنف العدد إل أن يكون لفظه واحدًا ول تكون فيه اللف
واللم لما ذكرت لك.
63
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وكذلك هو إلى التسعين فيما يعمل فيه ويبين به من أي صنف العدد.
فإذا بلغت العدد " الذي يليه " تركت التنوين والنون وأضفت وجعلت الذي يعمل فيه ويبين به العدد من أي صنف هو
واحداً كما فعلت فيما نونت فيه إل أنك تدخل فيه اللف واللم لن الول يكون به معرفة ول يكون المنون به معرفة.
وكذلك العقد الذي بعده واحداً كان أو مثنى وذلك قولك :ألف درهم وألفا درهم.
قال الربيع بن ضبع الفزاري :عاش الفتى مائتين عاماً فقد أودى المسرة والفناء وقال :وأما ثلثمائة إلى تسعمائة فكان
ينبغي أن تكون في القياس مئين أو مئات ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر حيث جعلوا ما يبين به العدد واحداً لنه اسم
لعدد كما أن عشرين اسم لعدد.
وليس بمستنكر في كلمهم أن يكون اللفظ واحداً والمعنى جميع حتى قال بعضهم في الشعر " من ذلك " مال يستعمل في
الكلم.
وقال علقمة بن عبدة :بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب وقال :ل تنكروا القتل وقد سبينا في
حلقكم عظم وقد شجينا فاختص " التثليث " بهذا الباب إلى تسعمائة.
كما أن لدن في غدوة حال ليست في غيرها تنصب بها كأنه ألحق التنوين في لغة من قال :لد.
وقال بعضهم :لداً غدوة كأنه أسكن الدال ثم فتحها كما قال :اضرب زيداً ففتح الباء لما جاء بالنون الخفيفة.
وتكون النون في نفس الحرف بمنزلة نون من وعن فقد يشذ الشيء من كلمهم عن نظائره ويستخفون الشيء في موضع
" و " ل يستخفونه في غيره.
وسترى أشباه هذا ومما جاء في الشعر على لفظ الواحد يراد به الجميع :كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زمانكم زمن
خميص ومثل ذلك " في الكلم " قوله تبارك وتعالى " :فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً " وقررنا به عيناً وإن شئت
قلت :أعيناً وأنفساً كما قلت :ثلثمائة وثلث مئين ومئات ولم يدخلوا اللف واللم كما لم يدخلوا في امتلت ماءً.
فمن ذلك أن تقول على قول السائل :كم صيد عليه وكم غير ظرف لما ذكرت لك من التساع واليجاز فتقول :صيد عليه
يومان.
64
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما المعنى صيد عليه الوحش في يومين ولكنه اتسع واختصر.
فالمعنى ولد له الولد ولد له الولد ستين عاماً ولكنه اتسع وأوجز.
ومن ذلك أن تقول :كم سير عليه وكم غير ظرف فيقول :يوم الجمعة ويومان.
فكم هاهنا بمنزلة قوله :ما صيد عليه وما ولد له من الدهر واليام فليس كم ظرفاً كما أن " ما " ليس بظرف.
ومن ذلك أن يقول :كم ضرب به فنقول :ضرب به ضربتان وضرب به ضرب كثير.
ومما جاء على اتساع الكلم والختصار قوله تعالى جده " :واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها " إنما
يريد :أهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية كم كان عاملً في الهل لو كان هاهنا.
ومثله " :بل مكر الليل والنهار " وإنما المعنى :بل مكر كم في الليل والنهار.
وقال عز وجل " :ولكن البر من آمن بال " وإنما هو :ولكن البر بر من آمن بال واليوم الخر.
ومثله في التساع " قوله عز وجل " " :ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما ل يسمع إل دعاءً ونداءً " وإنما شبهوا
بالمنعوق به.
وإنما المعنى :مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي ل يسمع.
ومثل ذلك " من كلمهم " :بنو فلن يطؤهم الطريق يريد :يطؤهم أهل الطريق.
وقالوا :صدنا قنوين وإنما يريد صدنا بقنوين أو صدنا وحش قنوين وإنما قنوان اسم أرض.
إنما يريد :أنت أكرم على من صاحب الضرب وأنت أنكد من صاحب تركه لن قولك :أن أضربك وأن تتركه هو
الضرب والترك لن أن اسم وتتركه " وأضربك " من صلته كما تقول :يسوءني أن أضربك أي يسوءني ضربك وليس
يريد :أنت أكرم على من الضرب ولكن أكرم على من صاحب الضرب.
وقال الجعدي :كأن عذيرهم بجنوب سلى نعام قاق في بلد قفار العذير :الصوت.
ومن ذلك قول عامر بن الطفيل :فلبغينكم قنًا وعوارضًا ولقبلن الخيل لبة ضرغد إنما يريد :عذير نعام.
" ومن ذلك قول ساعدة :لدن بهز الكفيعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب يريد :في الطريق ".
65
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومن ذلك قولهم :أكلت أرض كذا وكذا وأكلت بلدة كذا وكذا إنما أراد أصاب من خيرها وأكل من ذلك وشرب.
ومنه ما ومنه قولهم " :هذه الظهر أو العصر أو المغرب " إنما يريد صلة هذا الوقت.
وقال الحطيئة :وشر المنايا ميت بين أهله كهلك الفتى قد أسلم الحي حاضره يريد :منية ميت.
وقال النابغة الجعدي :وكيف تواصل من أصبحت خللته كأبي مرحب يريد :كخللة أبي مرحب.
وتقول :متى سير عليه فيقول :أمس أو أول من أمس فيكون ظرفاً على أنه كان السير في ساعة دون سائر ساعات اليوم
أو حين دون سائر أحيان اليوم.
ويكون أيضاً على أنه يكون السير في اليوم كله لنك قد تقول :سير عليه في اليوم ويسار عليه في يوم الجمعة والسير
وقد تقول :سير عليه اليوم فترفع وأنت تعني في بعضه كما تقول في سعة الكلم :الليلة الهلل وإنما الهلل في بعض
الليلة وإنما أراد الليلة ليلة الهلل ولكنه اتسع وأوجز.
وكذلك أيضاً هذا كله " كأنه قال :سير عليه سير اليوم.
والرفع في جميع هذا عربي كثير في جميع لغات العرب على ما ذكرت لك من سعة الكلم واليجاز يكون على كم غير
ظرف وعلى متى غير ظرف ".
ومما ل يكون العمل فيه من الظروف إل متصلً في الظرف كله قولك :سير عليه الليل والنهار والدهر والبد.
وهذا جواب لقوله :كم سير عليه إذا جعله ظرفاً لنه يريد :في كم سير عليه.
فتقول مجيباً له :الليل ولنهار " والدهر " والبد علة معنى في الليل والنهار وفي البد.
ويدلك على أنه ل يكون أن يجعل العمل فيه في يوم دون اليام وفي ساعة دون الساعات أنك ل تقول :لقيته الدهر "
والبد وأنت تريد يوماً منه ول لقيته الليل وأنت تريد لقاءهفي ساعة دون الساعات وكذلك النهار إل أن تريد سير عليه
الدهر أجمع والليل " كله على التكثير.
وإنما جاء هذا على جواب كم لنه جعله على عدة اليام والليالي فجرى على جواب ما هو للعدد كأنه قال :سير عليه عدة
اليام أو عدة الليالي.
66
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومن ذلك " مما يكون متصلً " قولك :سير عليه يومين " أو ثلثة أيام لنه عدد.
أل ترى أنه ل يجوز أن تجعله ظرفاً وتجعل اللقاء في أحدهما دون الخر.
ولو قلت :سير عليه المؤمنين " وأنت تعني أن السير كان في أحدهما ولم يجز.
وأما متى فإنما تريد " بها " أن يوقت لك وقتاً ول تريد بها عدداً فإنما الجواب " فيه " :اليوم أو يوم كذا أو شهر كذا أو
سنة كذا أو الن أو حينئذ وأشباه هذا.
ومما أجرى مجرى " البد " والدهر والليل والنهار :المحرم وصفر " وجمادى " وسائر أسماء الشهور إلى ذي الحجة
لنهم جعلوهن جملة واحدة لعدة أيام كأنهم قالوا :سير عليه الثلثون يوماً.
ولو قلت :شهر رمضان أو شهر ذي الحجة لكان بمنزلة يوم الجمعة والبارحة والليلة ولصار جواب متى.
وجميع ما ذكرت لك مما يكون على متى يكون مجرى على كم ظرفاً وغير ظرف.
وبعض ما يكون في كم ل يكون في متى نحو الليل " والنهار " والدهر لن كم " هو " الول فجعل الخر تبعاً له.
وتقول :سير عليه الليل تعني ليل ليلتك وتجري على الصل.
كما تقول في الدهر :سير عليه الدهر وإنما تعني بعض الدهر ولكنه يكثر.
كما يقول الرجل :جاءني أهل الدنيا وعسى أن ل وكذلك شهرا ربيع حين ثنيت جاء على العدد عندهم ل يجوز أن تقول:
يضرب شهري ربيع وأنت تريد في أحدهما كما ل يجوز لك في اليومين وأشباههما.
فليس لك في هذه الشياء إل أن تجريها على ما أجروها ول يجوز لك أن تريد بالحرف إل ما أرادوا.
وسمعنا العرب الفصحاء يقولون :انطلقت الصيف أجروه على جواب متى لنه أراد أن يقول في ذلك الوقت ولم يرد
العدد وجواب كم.
وقال ابن الرقاع :فقصرن الشتاء بعد عليه وهو للذود أن يقسمن جار فهذا يكون على متى ويكون على كم ظرفين وغير
ظرفين.
واعلم أن الظروف من الماكن مثل الظروف من الليالي واليام في الختصار وسعة الكلم.
فمن ذلك أن يقول :كم سير عليه من الرض فتقول :فرسخان أو ميلن أو بريدان كما قالت :يومان.
وكذلك لو قال :كم صيد عليه من الرض يجري " على " هذا المجرى.
67
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإن شئت نصبت وجعلت كم ظرفًا كما فعلت ذلك في اليومين " فل يكون ظرفاً وغير ظرف إل على كم لنه عدد كما
كان ذلك في اليومين ".
فإن قلت :أين سير عليه قال :سير عليه مكان كذا وكذا وسير عليه المكان الذي تعلم فهو بمنزلة قوله :يوم كذا وكذا
واليوم الذي تعلم.
فأجر " كم " في الماكن مجراها في اليام والليالي وأجر أين في الماكن مجرى متى في اليام.
فإن لم تجعله ظرفاً وجعلته على سعة الكلم رفعته على " أن " كم غير ظرف وعلى " أن " أين غير ظرف كما فعلت
ذلك في متى.
وتقول سير عليه ليل طويل وسير عليه نهار طويل وإن لم تذكر الصفة وأردت هذا المعنى رفعت إل أن الصفة تبين بها
معنى الرفع وتوضحه وإن شئت نصبت على نصب الليل والنهار ورمضان.
وتقول :سير عليه يوم فترفعه على حد قولك :يومان " وتنصبه عليه ".
وإن شئت قلت :سير عليه يوم أتانا فيه فلن كأنه قال :متى سير عليه فيقول :يوماً كنت فيه عندنا.
فهذا يحسن فيه على متى ويصير بمنزلة يوم كذا وكذا لنك قد وقته وعرفته بشيء.
وتقول :سير عليه غدوة يا فتى وبكرة فترفع على مثل ما رفعت ما ذكرنا.
والنصب فيه على ذلك لنك قد تجريه وإن لم يتصرف مجرى يوم الجمعة تقول :موعدك غدوة أو بكرة فترفع على مثل
ما رفعت ما ذكرنا والنصب فيه على ذلك.
وتقول :ما لقيته مذ غدوة أو بكرة وكذلك :غداة أمس وصباح يوم الجمعة والعشية وعشية يوم الجمعة ومساء ليلة
الجمعة.
وكذلك :نصف النهار لنك قد تقول في هذا :بعد نصف النهار وموعدك نصف النهار.
وكذلك سواء النهار لنك تقول :هذا سواء النهار إذا أردت وسطه كما تقول :هذا نصف النهار.
وتقول :سير عليه ضحوة من الضحوات إذا لم تعن ضحوة يومك لنها بمنزلة قولك :ساعة من الساعات.
وكذلك قولك :سير عليه عتمة من الليل لنك تقول :أتانا بعد ما ذهبت عتمة من الليل.
68
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتقول :قد مضى لذلك ضحوة وضحوةً والنصب فيه وجهه على ما مضى.
وتقول في الماكن :سير عليه ذات اليمين وذات الشمال لنك تقول :داره ذات اليمين وذات الشمال.
وتقول :سير عليه أيمن وأشمل وسير عليه اليمين والشمال لنه يتمكن.
وقال أبو النجم :وإن شئت جعلته ظرفاً كما قال عمرو بن كلثوم :وكان الكأس مجراها اليمينا ومثل ذات اليمين وذات
الشمال :شرقي الدار وغربي الدار تجعله ظرفاً وغير ظرف.
قال جرير :هبت جنوباً فذكرى ما ذكرتكم عند الصفاة التي شرقي حورانا وقال بعضهم :داره شرقي المسجد.
وذلك قولك :متى سير عليه فيقول الحاج وخفوق النجم وخلفة فلنس وصلة العصر.
فإنما هو :زمن مقدم الحاج وحين خفوق النجم ولكنه على سعة الكلم والختصار.
وليس هذا في سعة الكلم والختصار بأبعد من :صيد عليه يومان وولد له ستون عاماً.
وتقول :سير عليه فرسخان يومين لنك شغلت الفعل بالفرسخين فصار كقولك :سير عليه بعيرك يومين.
وإن شئت قلت :سير عليه فرسخين يومان أيهما رفعته صار الخر ظرفاً.
وإن شئت نصبته على الفعل في سعة الكلم ل على الظرف كما جاز :يا ضارب اليوم زيداً أو يا سائر اليوم فرسخين.
وتقول :صيد عليه يوم الجمعة غدوة يا فتى وإن شئت جعلته ظرفاً لنك كأنك قلت :السير في يوم الجمعة في هذه الساعة.
وإن شئت قلت :سير عليه الجمعة غدوة كما تقول :سير عليه يوم الجمعة صباحاً أي سير عليه يوم الجمعة في هذه
الساعة.
69
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك :ما لقيته مذ يوم الجمعة صباحاً أي في هذه الساعة وإنما معناه أنه في هذه الساعة وقع اللقاء كما كان ذلك في:
سير عليه يوم الجمعة غدوة.
وتقول :سير عليه يوم الجمعة غدوة تجعل غدوة بدلً من اليوم كما تقول :ضرب القوم بعضهم.
وتقول :إذا كان غد فأتى وإذا كان يوم الجمعة فالقني فالفعل لغد واليوم كقولك :إذا غد فأتى.
وإن شئت قلت :إذا كان غداً فأتى وهي لغة بني تميم والمعنى أنه لقي رجلً فقال له :إذا كان ما نحن عليه من السلمة أو
كان ما نحن عليه من البلء في غد فأتى ولكنهم أضمروا استخفافاً لكثرة كان في كلمهم لنه الصل لما مضى وما
سيقع.
وحذفوا كما قالوا :حينئذ الن وإنما يريد :حينئذ واسمع إلى الن فحذف واسمع كما قال :تال ما رأيت كاليوم زجلً أي
كرجل أراه اليوم رجلً.
وإنما أضمروا ما كان يقع مظهراً استخفافاً ولن المخاطب يعلم ما يعني فجرى بمنزلة المثل كما تقول :ل عليك وقد
عرف المخاطب ما تعني أنه ل بأس عليك ول ضر عليك ولكنه حذف لكثرة هذا في كلمهم.
وقد تقول :إذا كان غداً فأتني كأنه ذكر أمراً إما خصومةً وإما صلحاً فقال :إذا كان غداً فأتني.
فهذا جائزٌ في كل فعل لنك إنما أضمرت بعد ما ذكرت مظهرًا والول محذوفٌ منه لفظ المظهر وأضمروا استخفافاً.
فإن قلت :إذا كان الليل فأتني لم يجز ذلك لن الليل ل يكون ظرفاً إل أن تعني الليل كله على ما ذكرت لك من التكثير فإن
وجهته على إضمار شيء قد ذكرت على ذلك الحد جاز ومما ل يسن فيه إل النصب قولهم :سير عليه سحر ل يكون فيه
إل أن يكون ظرفاً لنهم إنما يتكلمون به في الرفع والنصب والجر باللف واللم يقولون :هذا السحر وبأعلى السحر وإن
السحر خير لك من أول الليل.
إل أن تجعله نكر ًة فتقول :سير عليه سحر من السحار لنه يتمكن في الموضع.
ى ول
ومثله :سير عليه ضحىً إذا عنيت ضحى يومك لنهما ل يتمكنان من الجر في هذا المعنى ل تقول :موعدك ضح ً
عند ضحىً ول موعدك سحير إل أن تنصب.
ومثل ذلك :صيد عليه صباحاً ومساءً وعشيةً وعشاءً إذا أردت عشاء يومك ومساء ليلتك لنهم لم يستعملوه على هذا
المعنى إل ظرفاً.
أل ترى أنك ل تقول :إن ذات مرة كان موعدهم ول تقول :إنما لك ذات مرة كما تقول :إنما لك يوم.
وكذلك :إنما يسار عليه بعيدات بين لنه بمنزلة ذات مرة.
70
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك :سير عليه بكراً.
وكذلك :ضحوة في يومك الذي أنت فيه يجري مجرى عشية يومك الذي أنت فيه.
وكذلك :سير " عليه " عتمة إذاأردت عتمة ليلتك كما تقول :صباحاً ومسا ًء وبكراً.
وكذلك :سير عليه ذات يومٍ وسير عليه ذات ليلةٍ بمنزلة ذات مرةٍ.
وكذلك :سير عليه ليلً ونهاراً إذا أردت ليل ليلتك ونهار نهارك لنه إنما يجرى على قولك :سير عليه بصراً وسير عليه
ظلماً إل أن تريد " معنى " سير عليه ليلُ طويلُ ونهارُ طويلُ فهو على ذلك الحد غير متمكن وفي هذا الحال متمكنُ
كما أن السحر باللف واللم متصرفُ في المواصع التي ذكرت وبغير اللف واللم غير متمكن فيها.
تقول :سير عليه ذا صباحٍ أخبرنا بذلك يونس عن العرب إل أنه قد جاء في لغةٍ لخثعم مفارقاً لذات مرةٍ وذات ليلةٍ.
وقال رجل من خثعم :عزمت على إقامة ذي صباح لشيء ما يسود من يسود فهو على هذه اللغة يجوز فيه الرفع.
وجميع ما ذكرنا من غير المتمكن إذا ابتدأت اسماً لم يجز أن تبنيه عليه وترفع إل أن تجعله ظرفاً وذلك قولك :موعدك
سحيراً وموعدك صباحاً.
ومثل ذلك :إنه ليسار عليه صباح مساء إنما معناه صباحاً ومساءً وليس يريد بقوله صباحاً ومساءً صباحًا واحداً ومساءً
واحداً ولكنه يريد صباح أيامه ومساءها.
فليس يجوز هذه السماء التي لم تتمكن من المصادر التي وضعت للحين وغيرها من السماء أن تجري مجرى يوم
الجمعة وخفوق النجم ونحوهما.
ومما يختار فيه أن يكون ظرفًا ويقبح أن يكون غير ظرف صفة الحيان تقول :سير عليه طويلً وسير عليه حديثاً وسير
عليه كثيراً وسير عليه قليلً وسير عليه قديماً.
وإنما نصب صفة الحيان على الظرف ولم يجز الرفع لن الصفة ل تقع مواقع السم كما أنه ل يكون إل حال قوله :أل
ماء ولو بارداً لنه لو قال :ولو أتاني باردٌ كان قبيحاً.
ولو قلت :آتيك بجيدٍ كان قبيحاً حتى تقول :بدرهم جيد وتقول :أتيك به جيداً.
فكما ل تقوى الصفة في هذا إل حالً أو تجري على اسم كذلك هذه الصفة ل تجوز إل ظرفاً أو تجري على اسم.
وقد يحسن أن تقول :سير عليه قريب لنك تقول :لقيته مذ قريب.
71
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
والنصب عربي جيد كثير.
وربما جرت الصفة في كلمهم مجرى السم فإذا كان كذلك حسن.
فمن ذلك :البرق والبطح وأشباههما ومن ذلك ملىٌ من النهار والليل تقول :سير عليه ملىٌ والنصب فيه كالنصب في
قريبٍ.
ومما يبين لك أن الصفة ل يقوى فيها إل هذا أن سائلً لو سألك فقال :هل سير عليه لقلت :نعم سير عليه شديداً وسير
عليه حسناً.
إل أن تقول :سير عليه سير حسنٌ أو سير عليه سير شديد.
فإن قلت :سير عليه طويل من الدهر وشديدٌ من السير فأطلت الكلم ووصفت كان أحسن وأقوى وجاز ول يبلغ في
الحسن السماء.
وإنما جاز حين وصفت وأطلت لنه ضارع السماء لن الموصوفة في الصل هي السماء.
فيرتفع كما ينتصب إذا شغلت الفعل به وينتصب إذا شغلت الفعل بغيره.
فمن ذلك قولك على قول السائل :أي سير سير عليه فتقول :سير عليه سير شديد وضرب فإن قلت :ضرب به ضرباً
ضعيفاً فقد شغلت الفعل بغيره عنه.
وكذلك إن أردت هذا المعنى ولم تذكر الصفة تقول :سير عليه سيرٌ وضرب به ضربٌ كأنك قلت :سير عليه ضربٌ من
السير أو سير عليه شيء من السير.
وكذلك جميع المصادر ترتفع على أفعالها إذا لم تشغل الفعل بغيرها.
وتقول :سير عليه أيما سير سيراً شديداً كأنك قلت :سير عليه بعيرك سيراً شديداً.
وتقول :سير عليه سيرتان أيما سير كأنك قلت :سير عليه بعيرك أيما سير فجرى مجرى ضرب زيد أيما ضرب
وضرب عمرو ضرباً شديداً.
72
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتقول على قول السائل :كم ضربةً ضرب به وليس في هذا إضمار شيء سوى كم والمفعول كم فتقول :ضرب به
ضربتان وسير عليه سيرتان لنه أراد أن يبين له العدة فجرى على سعة الكلم والختصار وإن كانت الضربتان ل
تضربان وإنما المعنى :كم ضرب الذي وقع به الضرب من ضربةٍ فأجابه على هذا المعنى ولكنه اتسع واختصر.
وكذلك هذه المصادر التي عملت فيها أفعالها إنما يسأل عن هذا المعنى وكلنه يتسع ويخزل الذي يقع به الفعل اختصاراً
واتساعاً.
وليس ذلك بأبعد من قولك :ولد له ستون وسمعت من أثق به من العرب يقول :بسط عليه مرتان وإنما يريد :بسط عليه
العذاب مرتين.
وتقول :سير عليه طوران :طور كذا وطور كذا والنصب ضعيف جداً إذا ثنيت كقولك :طورٌ كذا وطورٌ كذا.
وتقول :سير عليه طورين وتقول :ضرب به ضربتين أي قدر ضربتين من الساعات كما تقول :سير عليه ترويحتين.
ومثل ذلك :انتظر به نحر جزورين إنما جعله على الساعات كما قال :مقدم الحاج وخفوق النجم فكذلك جعله ظرفاً.
وإن جعلت المرتين وما أشبههما مثل السير رفعت ونصبت إذا أضمرت.
ومما يجيء توكيدًا وينصب قوله :سير عليه سيراً وانطلق به انطلقاً وضرب به ضرباً فينصب على وجهين :أحدهما
على أنه حال على حد قولك :ذهب به مشياً وقتل به صبراً.
وإن وصفته على هذا الحد كان نصباً تقول :سير به سيراً عنيفاً كما تقول :ذهب به مشياً عنيفاً.
وإن شئت نصبته على إضمار فعل آخر ويكون بدلً من اللفظ بالفعل فتقول :سير عليه سيراً وضرب به ضرباً كأنك قلت
بعد ما قلت :سير عليه وضرب به :يسيرون سيرًا ويضربون ضرباً وينطلقون انطلقاً ولكنه صار المصدر بدلً من
اللفظ بالفعل نحو يضربون وينطلقون وجرى على قوله :إنما أنت سيراً سيراً وعلى قوله :الحذر الحذر.
وإن أنت قلت على هذا المعنى :سير عليه وضرب به الضرب جاز على قوله :الحذر الحذر وعلى ما جاء فيه اللف
واللم نحو العراك وكان بدلً من اللفظ بالفعل وهو عربي جيد حسن.
ومثله :سير عليه سير البريد وإن وصفت على هذه الحال لم يغيره الوصف كما لم يغير الوصف ما كان حالً.
ول يجوز أن تدخل اللف واللم في السير إذا كان حالً كما لم يجز أن تقول :ذهب به المشي العنيف وأنت تريد أن
تجعله حالً.
73
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
قال الراعي :نظارةً حين تعلو الشمس راكبها طرحاً بعيني لياحٍ فيه تحديد فأكد بقوله طرحاً وشدد لنه يعلم المخاطب
حين قال :نظارةً أنها تطرح.
وإن شئت قلت :سير عليه السير كما قلت :سير عليه سير شديد.
وإن وصفته كان أقوى وأبين كما كان ذلك في قوله :سير عليه ليل طويل ونهار طويل.
وجميع ما يكون بدلً من اللفظ بالفعل ل يكون إل على فعل قد عمل في السم لنك ل تلفظ بالفعل فارغاً فمن ثم لم يكن
فيه الرفع في كلمهم لنه إنما يعمل فيه ما هو بمنزلة اللفظ به إل أنه صار كأنه فعل قد لفظ به فأولى ما عمل فيه ما هو
بمنزلة اللفظ به.
ومما يسبق فيه الرفع لنه يراد به أن يكون في موضع غير المصدر قوله :قد خيف منه خوفٌ وقد قيل في ذلك قول.
إنما يريد :قد خيف منه أمر أو شيء وقد قيل في ذلك خيرٌ أو شرٌ.
وإن حملته عليه السير والضرب في التوكيد حالً وقع فيه الفعل أو بدلً من اللفظ بالفعل نصبت.
وإن كان المفعل مصدراً أجري مجرى ما ذكرنا من الضرب والسير وسائر المصادر التي ذكرنا وذلك قولك :إن في
ألف درهم لمضرباً أي إن فيها لضرباً فإذا قلت :ضرب به ضرباً قلت :ضرب به مضرباً وإن رفعت رفعت.
قال جرير :ألم تعلم مسرحي القوافي فل عيا بهن ول اجتلبا أي تسريحي القوافي.
وكذلك تجري المعصية مجرى العصيان والموجدة بمنزلة المصدر لو كان الوجد يتكلم به.
تداركن حيا من نمير بن عامرٍ أسارى تسام الذل قتلً ومحربا فإن قلت :ذهب به مذهبٌ أو سلك به مسلك رفعت لن
المفعل ههنا ليس بمنزلة الذهاب والسلوك وإنما هو الوجه الذي يسلك فيه والمكان الذي يذهب إليه وإنما هو بمنزلة
قولك :ذهب به السوق وسلك به الطريق.
وكذلك المفعل إذا كان حيناً نحو قولهم :أتت الناقة على مضربها أي على زمان ضرابها.
وكذلك مبعث الجيوش تقول :سير عليه مبعث الجيوش ومضرب الشول.
قال حميد بن ثور :وما هي إل في إزار وعلقةٍ مغار ابن همام على حي خثعما فصير مغاراً وقتاً وهو ظرفٌ.
هذا باب ما ل يعمل فيه ما قبله من الفعل الذي يتعدى إلى المفعول
ول غيره لنه كلم قد عمل بعضه في بعض فل يكون إل مبتدأً ل يعمل فيه شيء قبله لن ألف الستفهام تمنعه من ذلك.
وهو قولك :قد علمت أعبد ال ثم أم زيد وقد عرفت أبو من زيد وقد عرفت أيهم أبوه وأما ترى أي برقٍ ها هنا.
74
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فهذا في موضع مفعول كما أنك إذا قلت :عبد ال هلرأيته فهذا الكلم في موضع المبنى على المبتدأ الذي يعمل فيه
فيرفعه.
ومثل ذلك :ليت شعري أعبد ال ثم أم زيد وليت شعري هل رأيته فهذا في موضع خبر ليت.
فإنما أدخلت هذه الشياء على قولك :أزيد ثم أم عمرو وأيهم أبوك لما احتجت إليه من المعاني.
ومثل ذلك قوله عز وجل " :لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً " وقوله تعالى " :فلينظر أيها أزكى طعاماً ".
فهذه اللم تمنع العمل كما تمنع ألف الستفهام لنها إنما هي لم البتداء وإنما أدخلت عليه علمت لتؤكد وتجعله يقيناً قد
علمته ول تحيل على علم غيرك.
كما أنك إذا قلت :قد علمت أزيد ثم أم عمرو أردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم وأردت أن تسوي علم المخاطب فيهما
كما استوى علمك في المسألة حين قلت :أزيد ثم أم عمرو.
ومثل ذلك قوله عز وجل " :ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الخرة من خلقٍ ".
ولو لم تستفهم ولم تدخل لم البتداء لعملت عملت كما تعمل عرفت ورأيت وذلك قولك :قد عملت زيداً خيرًا منك كما
قال تعالى جده " :ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت " وكما قال جل ثناؤه " :ل تعلمونهم ال يعلمهم " كقولك :ل
تعرفونهم ال يعرفهم.
وتقول :قد عرفت زيداً أبو من هو وعلمت عمراً أأبوك هو أم أبو غيرك فأعملت الفعل في السم الول لنه ليس
بالمدخل عليه حرف الستفهام كما أنك إذا قلت :عبد ال أأبوك هو أم أبو غيرك أو زيد أبو من هو فالعامل في هذا
البتداء ثم استفهمت بعده.
ومما يقوي النصب قولك :قد علمته أبو من هو وقد عرفتك أي رجل أنت.
وإن شئت قلت :قد علمت زيد أبو من هو كما تقول ذاك فيما ل يتعدى إلى مفعولٍ وذلك قولك :اذهب فانظر زيد أبو من
هو ول تقول :نظرت زيداً.
واذهب فسل زيد أبو من هو وإنما المعنى :اذهب فسل عن زيد ولو قلت :اسأل زيداً على هذا الحد لم يجز.
ومثل ذلك :دريت في أكثر كلمهم لن أكثرهم يقول :ما دريت به مثل :ما شعرت به.
75
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك :ليت شعري زيد أعندك هو أم عند عمرو.
ول بد من هو لن حرف الستفهام ل يستغنى بما قبله إنما يستغنى بما بعده فإنما جئت بالفعل قبل مبتدإٍ قد وضع
الستفهام في موضع المبنى عليه الذي يرفعه فأدخلته عليه كما أدخلته على قولك :قد عرفت لزيد خير منك.
وإنما جاز هذا فيه مع الستفهام لنه في المعنى مستفهم عنه كما جاز لك أن تقول :إن زيداً فيها وعمرو.
فابتدأ لن معنى الحديث حين قال :إن زيداً منطلق :زيد منطلق ولكنه أكد بإن كما أكد فأظهر زيدًا وأضمره والرفع قول
يونس.
فإن قلت :قد عرفت أبو من زيد لم يجز إل الرفع لنك بدأت بما ل يكون إل استفهاماً وابتدأته ثم بنيت عليه فهو بمنزلة
قولك :قد علمت أأبوك زيد أم أبو عمرو.
فإن قلت :قد عرفت أبا من زيد مكني انتصب على مكنى كأنك قلت :أبا من زي ٌد مكنى ثم أدخلت عرفت عليها.
ومثله قولك :قد علمت أأبا زيد تكنى أم أبا عمرو ثم أدخلت عليه علمت كما أدخلته حين لم يكن ما بعده إل مبتدأ فل
ينتصب إل بهذا الفعل الخر كما لم يكن في الول إل مبتدأ.
وإذا قلت :قد عرفت زيداً أبو من هو قلت :قد عرفت زيداً أبا من هو مكنى.
ونصب الخر كما نصبه حين قال :قد عرفت أبا من أنت مكنى وكأنه قال :زيد أبا من هو مكنى.
ثم أدخل الفعل عليه وكأنه قال :زيد أأبا بشرٍ يكنى أم أبا عمرو ثم أدخل الفعل عليه وعمل الفعل الخر حين كان بعد ألف
الستفهام.
وتقول :قد عرفت زيداً أبو أيهم يكنى به وعلمت بشراً أيهم يكنى به ترفعه كما ترفع أيهم ضربته.
وتقول :أرأيتك زيداً أبو من هو وأرأيتك عمراً أعندك هو أم عند فلن ل يحسن فيه إل النصب في زيد.
أل ترى أنك لو قلت :أرأيت أبو من أنت أو أرأيت أزيدٌ ثم أم فلنٌ لم يحسن لن فيه معنى أخبرني عن زيد وهو الفعل
الذي ل يستغنى السكوت على مفعوله الول فدخول هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة أخبرني في الستغناء فعلى هذا
أجرى وصار الستفهام في موضع المفعول الثاني.
وتقول :قد عرفت أي يوم الجمعة فتنصب على أنه ظرف ل على عرفت.
وبعض العرب يقول :لقد علمت أي حين عقبتي وبعضهم يقول :لقد عملت أي حين عقبتي.
وأما قوله :حتى كأن لم يكن إل تذكره والدهر أيتما حالٍ دهارير فإنما هو بمنزلة قولك :والدهر دهارير كل حال وكل
مرة أي في كل حال وفي كل مرة فانتصب لنه ظرف كما تقول :القتال كل مرة وكل أحوال الدهر.
76
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
باب من الفعل سمي الفعل فيه بأسماء لم تؤخذ من أمثلة الفعل الحادث
وموضعها من الكلم المر والنهي فمنها ما يتعدى المأمور إلى مأمور به ومنها ما ل يتعدى المأمور ومنها ما يتعدى
المنهي إلى منهي عنه ومنها ما ل يتعدى المنهي.
أما ما يتعدى فقولك :رويد زيداً فإنما هو اسم لقولك :أرود زيداً.
وزعم أبو الخطاب أن بعض العرب يقول :حيهل الصلة فهذا اسم ائت الصلة أي ائتوا الثريد وأتوا الصلة.
ومنه قوله :تراكها من إبل تراكها فهذا اسم لقوله له :اتركها.
وقال :مناعها من إبل مناعها وأما ما ل يتعدى المأمور ول المنهي إلى مأمور به ول إلى منهى عنه فنحو قولك :مه مه
وصه صه وآه وإيه وما أشبه ذلك.
واعلم أن هذه الحروف التي هي أسماء للفعل ل تظهر فيها علمة المضمر وذلك أنها أسماء وليست على المثلة التي
أخذت من الفعل الحادث فيما مضى وفيما يستقبل وفي يومك ولكن المأمور والمنهي مضمران في النية.
وإنما كان من أصل هذا في المر والنهي وكانا أولى به لنهما ل يكونان إل بفعل فكان الموضع الذي ل يكون إل فعلً
أغلب عليه.
وهي أسماء الفعل وأجريت مجرى ما فيه اللف واللم نحو :النجاء لئل يخالف لفظ ما بعدها لفظ ما بعد المر والنهي.
ولم تصرف تصرف المصادر لنها ليست بمصادر وإنما سمي بها المر والنهي فعملت عملهما ولم تجاوز فهي تقوم
مقام فعلهما.
قال الهذلي :رويد عليا جد ما ثدى أمهم إلينا ولكن بغضهم متماين وسمعنا من العرب من يقول :وال لو أردت الدراهم
لعطيتك رويد ما الشعر.
يريد :أرود الشعر كقول القائل :لو أردت الدراهم لعطيتك فدع الشعر.
ويقولون أيضاً :ساروا رويداً فيحذفون السير ويجعلونه حالً به وصف كلمه واجتزأ بما في صدر حديثه من قول ساروا
عن ذكر السير.
77
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومن ذلك قولك للرجل تراه يعالج شيئاً :رويداً إنما تريد :علجاً رويداً.
فهذا على وجه الحال إل أن يظهر الموصوف فيكون على الحال وعلى غير الحال.
واعلم أن رويداً تلحقها الكاف وهي في موضع افعل وذلك كقولك :رويدك زيداً ورويد كم زيداً.
وهذه الكاف التي لحقت رويداً إنما لحقت لتبين المخاطب المخصوص لن رويد تقع للواحد والجميع والذكر والنثى
فإنما أدخل الكاف حين خاف التباس من يعني بمن ل يعنى وإنما حذفها في الول استغناء بعلم المخاطب أنه ل يعني
غيره.
وتركها كقولك للرجل :أنت تفعل إذا كان مقبلً عليك بوجهه منصتاً لك.
وقد تقول أيضاً :رويدك لمن ل يخاف أن يلتبس بسواه توكيدًا كما تقول للمقبل عليك المنصت لك :أنت تفعل ذاك يا فلن
توكيداً.
وذا بمنزلة قول العرب :هاء وهاءك وها وهاك وبمنزلة قولك :حيهل وحيهلك وكقولهم :النجاءك.
فهذه الكاف لم تجيء علماً للمأمورين والمنبهين المضمرين ولو كانت علماً للمضمرين لكانت خطأ لن المضمرين ها
هنا فاعلون وعلمة المضمرين الفاعلين الواو كقولك :افعلوا.
وإنما جاءت هذه الكاف توكيداً وتخصيصًا ولو كانت اسماً لكان النجاءك محالً لنه ل يضاف السم الذي فيه اللف
واللم.
وينبغي لمن زعم أنهن أسماء أن يزعم أن كاف ذاك اسم فإذا قال ذلك لم يكن له بد من أن يزعم أنها مجرورة أو منصوبة
فإن كانت منصوبةً انبغى له أن يقول :ذاك نفسك زيدٌ إذا أراد الكاف وينبغي له أن يقول :إن كانت مجرورة ذاك نفسك
زي ٌد وينبغي له أن يقول :إن تاء أنت اسم وإنما تاء أنت بمنزلة الكاف.
ومما يدلك على أنه ليس باسم قول العرب :أرأيتك فلناً ما حاله فالتاء علمة المضمر المخاطب المرفوع ولو لم تلحق
الكاف كنت مستغنياً كاستغنائك حين كان المخاطب مقبلً عليك عن قولك :يا زيد ولحاق الكاف كقولك :يا زيد لمن لو لم
تقل له يا زيد استغنيت.
وحدثنا من ل نتهم أنه سمع من العرب من يقول :رويد نفسه جعله مصدراً كقوله " :فضرب الرقاب ".
وكقوله :عذير الحي ونظير الكاف في رويد في المعنى ل في اللفظ لك التي تجيء بعد هلم في قولك :هلم لك فالكاف ههنا
اسم مجرور باللم والمعنى في التوكيد والختصاص بمنزلة الكاف التي في رويد وأشباهها كأنه قال :هلم ثم قال :إرادتي
بهذا لك فهو بمنزلة سقيا لك.
وإن شئت قلت :هلم لي بمنزلة هات لي وهلم ذاك لك بمنزلة أدن ذاك منك.
78
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتقول فيما يكون معطوفاً على السم المضمر في النية وما يكون صفة له في النية كما تقول في المظهر.
أما المعطوف فكقولك :رويدكم أنتم وعبد ال كأنك قلت :افعلوا أنتم وعبد ال لن المضمر في النية مرفوع فهو يجري
مجرى المضمر الذي يبين علمته في الفعل.
فإن قلت :رويدكم وعبد ال فهو أيضاً رفع وفيه قبح لنك لو قلت :اذهب وعبد ال كان فيه قبح فإذا قلت :اذهب أنت
وعبدال حسن.
ومثل ذلك في القرآن " :فاذهب أنت وربك فقاتل " و " اسكن أنت وزوجك الجنة ".
وتقول :رويدكم أنتم أنفسكم فيحسن الكلم كأنك قلت :افعلوا أنتم أنفسكم.
فإن قلت :رويدكم أنفسكم رفعت وفيها قبح لن قولك :افعلوا أنفسكم فيها قبح فإذا قلت :أنتم أنفسكم حسن الكلم.
وتقول :رويدكم أجمعون ورويدكم أنتم أجمعون كل حسن لنه يحسن في المضمر الذي له علمة في الفعل.
وكذلك الحروف التي هي أسماء للفعل جميعاً تجري هذا المجرى لحقتها الكاف أو لم تلحقها إل أن هلم إذا لحقتها لك فإن
شئت حملت أجمعين ونفسك على الكاف المجرورة فتقول :هلم لكم أجمعين وهلم لكم أنفسكم.
ول يجوز أن تعطف على الكاف المجرورة السم لنك ل تعطف المظهر على المضمر المجرور.
أل ترى أنه يجوز لك أن تقول :هذا لك نفسك ولكم أجمعين ول يجوز أن تقول :هذا لك وأخيك.
وإن شئت حملت المعطوف والصفة على المضمر المرفوع في النية فتقول :هلم لك أنت وأخوك وهلم لكم أجمعون.
فإن لم
هذا باب من الفعل سمي الفعل فيه بأسماء مضافة ليست من أمثلة الفعل الحادث
ولكنها بمنزلة السماء المفردة التي كانت للفعل نحو رويد وحيهل ومجراهن واحد وموضعهن من الكلم المر والنهي
إذا كانت للمخاطب المأمور والمنهي.
وإنما استوت هي ورويد وما أشبه رويد كما استوى المفرد والمضاف إذا كانا اسمين نحو عبد ال وزيد مجراهما في
العربية سواء.
ومنها ما يتعدى المأمور إلى مأمور به ومنها ما يتعدى المنهي إلى المنهي عنه ومنها ما ل يتعدى المأمور ول المنهي.
فأما ما يتعدى المأمور إلى مأمور به فهو قولك :عليك زيداً ودونك زيداً وعندك زيداً تأمره به.
79
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما ما تعدى المنهي إلى منهي عنه فقولك :حذرك زيدًا وحذارك زيداً سمعناهما من العرب.
وأما ما ل يتعدى المأمور ول المنهي فقولك :مكانك وبعدك إذا قلت :تأخر أو حذرته شيئاً خلفه.
كذلك عندك إذا كنت تحذره من بين يديه شيئاً أو تأمره أن يتقدم.
وكذلك فرطك إذا كنت تحذره من بين يديه شيئاً أو تأمره أن يتقدم.
وحدثنا أبو الخطاب أنه سمع من العرب من يقال له :إليك فيقول :إلى.
فقال :أتنحى.
هذا النحو إنما سمعناه في هذا الحرف وحده وليس لها قوة الفعل فتقاس.
واعلم أن هذه السماء المضافة بمنزلة السماء المفردة في العطف والصفات وفيما قبح فيها وحسن لن الفاعل المأمور
والفاعل المنهي في هذا الباب مضمران في النية.
ول يجوز أن تقول :رويده زيداً ودونه عمراً وأنت تريد غير المخاطب لنه ليس بفعل ول يتصرف تصرفه.
وقد يجوز أن تقول :عليكم أنفسكم وأجمعين فتحمله على المضمر المجرور الذي ذكرته للمخاطب كما حملته على لك
حين ذكرتها بعد هلم ولم تحمل على المضمر الفاعل في النية ويدلك على أنك إذا قلت :عليك فقد أضمرت فاعلً في النية
وإنما الكاف للمخاطبة قولك :على زيدا وإنما أدخلت الياء على مثل قولك للمأمور :أولني زيداً.
فلو قلت :أنت نفسك لم يكن إل رفعاً ولو قال :أنا نفسي لم يكن إل جراً.
أل ترى أن الياء والكاف إنما جاءتا لتفصل بين المأمور والمر في المخاطبة.
أل ترى أن للمأمور اسمين :اسماً للمخاطبة مجروراً واسمه الفاعل المضمر في النية كما كان له اسم مضمر في النية
حين قلت :على.
80
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإذا قلت :عليك فله اسمان :مجرور ومرفوع.
ول يحسن أن تقول :عليك وأحيك كما ل يحسن أن تقول :هلم لك وأخيك.
وكذلك :حذرك يدلك على أن حذرك بمنزلة عليك قولك :تحذيري زيداً إذا أردت حذرني زيداً.
ومن جعل رويداً مصدراً قال :رويدك نفسك إذا أراد أن يحمل نفسك على الكاف كما قال :عليك نفسك حين حمل الكلم
على الكاف.
وهي مثل :حذرك سواء إذا جعلته مصدراً لن الحذر مصدر وهو مضاف إلى الكاف.
فإن حملت نفسك على الكاف جررت وإن حملته على المضمر في النية رفعت.
وأما قول العرب :رويدك نفسك فإنهم يجعلون النفس بمنزلة عبد ال إذا أمرت به كأنك قلت :رويدك عبد ال إذا أردت:
أرود عبد ال.
وأما حيهلك وهاءك وأخواتها فليس فيها إل ما ذكرنا لنهن لم يجعلن مصادر.
واعلم أن ناساً من العرب يجعلون هلم بمنزلة المثلة التي أخذت من الفعل يقولون :هلم وهلمى وهلماً وهلموا.
واعلم أنك ل تقول :دوني كما قلت :على لنه ليس كل فعل يجيء بمنزلة أولني قد تعدى إلى مفعولين فإنما على بمنزلة
أولني ودونك بمنزلة خذ.
واعلم أنه ل يجوز لك أن تقول :عليه زيداً تريد به المر كما أردت ذلك في الفعل حين قلت :ليضرب زيداً لن عليه ليس
من الفعل وكذلك حذره زيداً قبيحةٌ لنها ليست من أمثلة الفعل.
فإنما جاء تحذيري زيداً لن المصدر يتصرف مع الفعل فيصير حذرك في موضع احذر وتحذيري في موضع حذرني
فالمصدر أبداً في موضع فعله.
واعلم أنه يقبح :زيداً عليك وزيداً حذرك لنه ليس من أمثلة الفعل فقبح أن يجري ما ليس من المثلة مجراها إل أن
تقول :زيداً فتنصب بإضمارك الفعل ثم تذكر عليك بعد ذلك فليس يقوى هذا قوة الفعل لنه ليس بفعل ول يتصرف
تصرف الفاعل الذي في معنى يفعل.
هذا باب ما جرى من المر والنهي على إضمار الفعل المستعمل إظهاره
إذا علمت أن الرجل مستغن عن لفظك بالفعل وذلك قولك :زيداً وعمراً ورأسه.
81
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وذلك أنك رأيت رجلً يضرب أو يشتم أو يقتل فاكتفيت بما هو فيه من عمله أن تلفظ له بعمله فقلت :زيداً أي أوقع عملك
بزيدٍ.
استغنيت عن الفعل بعلمه أنه مستخب ٌر فعلى هذا يجوز هذا وما أشبهه.
وأما النهي فإنه التحذير كقولك :السد السد والجدار الجدار والصبي الصبي وإنما نهيته أن يقرب الجدار المخوف
المائل أو يقرب السد أو يوطئ الصبي.
وإن شاء أظهر في هذه الشياء ما أضمر من الفعل فقال :اضرب زيداً وأشتم عمراً ول توطئ الصبي وأحذر الجدار ول
تقرب السد.
ومنه أيضاً قوله :الطريق الطريق إن شاء قال :خل الطريق أو تنح عن الطريق.
قال جرير :خل الطريق لمن يبني المنار به وأبرز ببرزة حيث اضطرك القدر ول يجوز أن تضمر تنح عن الطريق لن
الجار ل يضمر وذلك أن المجرور داخل في الجار غير منفصل فصار كأنه شيء من السم لنه معاقب للتنوين ولكنك
إن أضمرت أضمرت ما هو في معناه مما يصل بغير حرف إضاف ٍة كما فعلت فيما مضى.
ول يجوز :زيد عمراً إذا كنت ل تخاطب زيداً إذا أردت ليضرب زيدٌ عمراً وأنت تخاطبني فإنما تريد أن أبلغه أنا عنك
أنك قد أمرته أن يضرب عمراً وزيد وعمرو غائبان فل يكون أن تضمر فعل الغائب.
وكذلك ل يجوز زيداً وأنت تريد أن أبلغه أنا عنك أن يضرب زيداً لنك إذا أضمرت فعل الغائب ظن السامع الشاهد إذا
قلت :زيداً أنك تأمره هو بزيد فكرهوا اللتباس هنا ككراهيتهم فيما لم يؤخذ من الفعل نحو قولك :عليك أن يقولوا عليه
زيداً لئل يشبه ما لم يؤخذ من أمثلة الفعل بالفعل.
وكرهوا هذا في اللتباس وضعف حيث لم يخاطب المأمور كما كره وضعف أن يشبه عليك وهذه حجج سمعت من
العرب وممن يوثق به يزعم أنه سمعها من العرب.
من ذلك قول العرب في مثل من أمثالهم " :اللهم ضبعاً وذئباً " إذا كان يدعو بذلك على غم رجل.
وإذا سألتهم ما يعنون قالوا :اللهم أجمع أو اجعل فيها ضبعاً وذئباً.
وإنما سهل تفسيره عندهم لن المضمر قد استعمل في هذا الموضع عندهم بإظهار.
حدثنا أبو الخطاب أنه سمع بعض العرب وقيل له :لم أفسدتم مكانكم هذا فقال :الصبيان بأبي.
82
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
كأنه حذر أن يلم فقال :لم الصبيان.
وحدثنا من يوثق به أن بعض العرب قيل له :أما بمكان كذا وكذا وجد وهو موضع يمسك الماء.
ومن ذلك قول الشاعر وهو المسكين :أخاك أخاك إن من ل أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلح كأنه يريد :الزم أخاك.
ومن ذلك قولك :زيداً وعمراً كأنك تريد :اضرب زيداً وعمراً كما قلت :زيداً وعمراً رأيت.
ومنه قول العرب " :أمر مبكياتك ل أمر مضحكاتك " و " الظباء على البقر ".
ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره في غير المر والنهي وذلك قولك إذا رأيت رجلً متوجهاً وجهة الحاج قاصداً في
هيئة الحاج فقلت :مكة ورب الكعبة.
حيث زكنت أنه يريد مكة كأنك قلت :يريد مكة وال.
ويجوز أن تقول :مكة وال على قولك :أراد مكة وال كأنك أخبرت بهذه الصفة عنه أنه كان فيها أمس فقلت :مكة وال
أي أراد مكة إذ ذاك.
ومن ذلك قوله عز وجل " :بل ملة إبراهيم حنيفاً " أي بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً كأنه قيل لهم :اتبعوا حين قيل لهم" :
كونوا هوداً أو نصارى ".
أو رأيت رجلً يسدد سهماً قبل القرطاس فقلت :القرطاس وال أي يصيب القرطاس.
وإذا سمعت وقع السهم في القرطاس قلت :القرطاس وال أي أصاب القرطاس.
ولو رأيت ناساً ينظرون الهلل وأنت منهم بعيد فكبروا لقلت :الهلل ورب الكعبة أي أبصروا الهلل.
أو رأيت ضرباً فقلت على وجه التفاؤل :عبد ال أي يقع بعبد ال أو بعبد ال يكون.
ومثل ذلك أن ترىرجلً يريد أن يوقع فعلً أو رأيته في حال رجل قد أوقع فعلً أو أخبرت ومنه أن ترى الرجل أن تخبر
عنه أنه قد أتى أمراً قد فعله فتقول :أكل هذا بخلً أي أتفعل كل هذا بخلً.
وإن شئت رفعته فلم تحمله على الفعل ولكنك تجعله مبتدأ.
وإنما أضمرت الفعل ها هنا وأنت مخاطب لن المخاطب المخبر لست تجعل له فعلً آخر يعمل في المخبر عنه.
وأنت في المر للغائب قد جعلت له فعلً آخر يعمل كأنك قلت :قل له ليضرب زيداً أو قل له :اضرب زيداً أو مره أن
يضرب زيدًا فضعف عندهم مع ما يدخل من اللبس في أمر واحدٍ أن يضمر فيه فعلن لشيئين.
83
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وذلك قولك " :الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشرٌ " و " المرء مقتول بما قتل به إن خنجراً فخنجرٌ
وإن سيفاً فسيفٌ ".
وإن شئت أظهرت الفعل فقلت :إن كان خنجراً فخنجر وإن كان شراً فشرٌ.
ومن العرب من يقول :إن خنجراً فخنجراً وإن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً كأنه قال :إن كان الذي عمل خيراً جزى خيراً
وإن كان شراً جزي شراً.
والرفع أكثر وأحسن في الخر لنك إذا أدخلت الفاء في جواب الجزاء استأنفت ما بعدها وحسن أن تقع بعدها السماء.
وإنما أجازوا النصب حيث كان النصب فيما هو جوابه لنه يجزم كما يجزم ولنه ل يستقيم واحد منهما إل بالخر
فشبهوا الجواب بخبر البتداء وإن لم يكن مثله في كل حالةٍ كما يشبهون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله ول قريباً منه.
وإذا أضمرت فأن تضمر الناصب أحسن لنك إذا أضمرت الرافع أضمرت له أيضاً خبراً او شيئًا يكون في موضع
خبره.
وإن أضمرت الرافع كما أضمرت الناصب فهو عربي حسن وذلك قولك :إن خير فخير وإن خنجر فخنجر كأنه قال :إن
كان معه خنجر حيث قتل فالذي يقتل به خنجر وإن كان في أعمالهم خير فالذي يجزون به خير.
ويجوز أن تجعل إن كان خير على :إن وقع خير كأنه قال :إن كان خير فالذي يجزون به خير.
وزعم يونس أن العرب تنشد هذا البيت لهدبة بن خشرم :فإن تك في أموالنا ل نضق بها ذراعاً وإن صبر فنصبر لصبر
والنصب فيه جيد بالغ على التفسير الول والرفع على قوله :وإن وقع صبر أو إن كان فينا صبر فإنا نصبر.
وأما قول الشاعر لنعمان بن المنذر :قد قيل ذلك إن حقاً وإن كذباً فما اعتذارك من شيءٍ إذا قبل فالنصب فيه على
التفسير الول والرفع يجوز على قوله إن كان فيه حق وإن كان فيه باطل كما جاز ذلك في :إن كان في أعمالهم خير.
ومن ذلك قوله عز وجل " :وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ ".
ومثل ذلك قول العرب في مثل من أمثالهم " :إن ل حظية فل ألية " أي إن ل تكن له في الناس حظية فإني غير أليةٍ كأنها
قالت في المعنى :إن كنت ممن ل يحظى عنده فإني غير ألية.
ولو عنت بالحظية نفسها لم يكن إل نصباً إذا جعلت الحظية على التفسير الول.
ومثل ذلك :قد مررت برجل إن طويلً وإن قصيراً وامرر بأيهم أفضل إن زيداً وإن عمراً وقد مررت برجل قبل إن زيداً
وإن عمرًا ل يكون في هذا إل النصب لنه ل يجوز أن تحمل الطويل والقصير على غير الول ول زيدًا ول عمراً.
84
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما إن حق وإن كذب فقد تستطيع أن ل تحمله على الول فتقول :إن كان فيه حق أو كان فيه كذب أو إن وقع حق أو
باطل.
ول يستقيم في ذا أن تريد غير الول إذا ذكرته ول تستطيع أن تقول :إن كان فيه طويل أو كان فيه زيد ول يجوز على
إن وقع.
وقال ليلى الخيلية :ل تقربن الدهر آل مطرفٍ إن ظالماً أبداً وإن مظلوما وقال ابن همام السلولي :وأحضرت عذري
عليه السهو -د إن عاذرا لي وإن تاركا فنصبه لنه عني المير المخاطب.
ولو قال :إن عاذر لي وإن تارك يريد :إن كان لي في الناس عاذر أو غير عاذر جاز.
وقال النابغة الذبياني :حدبت على بطون ضنة كلها إن ظالماً فيهم وإن مظلوما ومن ذلك أيضاً قولك :مررت برجل
صالحٍ وإن ل صالحاً فطالحٌ.
ومن العرب من يقول :إن ل صالحاً فطالحاً كأنه يقول :إن ل يكن صالحاً فقد مررت به أو لقيته طالحاً.
ح وهذا قبيح ضعيف لنك وزعم يونس أن من العرب من يقول :إن ل صالحٍ فطالحٍ على :إن ل أكن مررت بصالحٍ فبطال ٍ
تضمر بعد إن ل فعلً آخر فيه حذف غير الذي تضمر بعد إن ل في قولك :إن ل يكن صالحاً فطالحٌ.
ول يجوز أن يضمر الجار ولكنهم لما ذكروه في أول كلمهم شبهوه بغيره من الفعل.
وكان هذا عندهم أقوى إذا أضمرت رب ونحوها في قولهم :وبلدةٍ ليس بها أنيس ومن ثم قال يونس :امرر على أيهم
أفضل إن زيداً وإن عمرو.
واعلم أنه ل ينتصب شيء بعد إن ول يرتفع إل بفعل لن إن من الحروف التي يبنى عليها الفعل وهي إن المجازاة
وليست من الحروف التي يبتدأ بعدها السماء ليبنى عليها السماء.
فإنما أراد بقوله :إن زيد وإن عمرو إن مررت بزيد أو مررت بعمرو فجرى الكلم على فعل آخر وانجر السم بالباء
لنه ل يصل إليه الفعل إل بالباء كما أنه حين نصبه كان محمولً على كان أخر ل على الفعل الول.
ومن رأى الجر في هذا قال :مررت برجل إن زيد وإن عمرو يريد :إن كنت مررت بزيدٍ أو كنت مررت بعمرو.
ولو قلت :عندنا أيهم أفضل أو عندنا رجل ثم قلت :إن زيداً وإن عمراً كان نصبه على كان وإن رفعته رفعته على كان
كأنك قلت :إن كان عندنا زيدٌ أو كان عندنا عمروٌ.
ول يكون رفعه على عندنا من قبل أن عندنا ليس بفعل ول يجوز بعد إن عندنا أن تبنى السماء على السماء ول
السماء تبنى على عندنا كما لم يجز لك أن تبني بعد إن السماء على السماء.
واعلم أنه ل يجوز لك أن تقول :عبد ال المقتول وأنت تريد :كن عبد ال المقتول لنه ليس فعلً يصل من شيء إلى شيء
ولنك لست تشير له إلى أحد.
ومن ذلك قول العرب :من بد شولً فإلى إتلئها نصب لنه أراد زماناً.
85
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
والشول ل يكون زمانًا ول مكاناً فيجوز فيها وكقولك :من لد صلة العصر إلى وقت كذا وكقولك :من لد حائط إلى مكان
كذا فلما أراد الزمان حمل الشول على شيء يحسن أن يكون زماناً إذا عمل في الشول ولم يحسن إل ذا كما لم يحسن
ابتداء السماء بعد إن حتى أضمرت ما يحسن أن يكون بعدها عاملً في السماء.
وقد جره قوم على سعة الكلم وجعلوه بمنزلة المصدر حين جعلوه على الحين وإنما يريد حين كذا وكذا وإن لم يكن في
قوة المصادر لنه ل يتصرف تصرفها.
واعلم أنه ليس كل حرف يظهر بعده الفعل يحذف فيه الفعل ولكنك تضمر بعد ما أضمرت فيه العرب من الحروف
والمواضع وتظهر ما أظهروا وتجري هذه الشياء التي هي على ما يستخفون بمنزلة ما يحذفون من نفس الكلم ومما
هو في الكلم على ما أجروا فليس كل حرف يحذف منه شيء ويثبت فيه نحو :يك ويكن ولم أبل وأبال لم يحملهم ذاك
على أن يفعلوه بمثله ول يحملهم إذا كانوا يثبتون فيقولون :في مر أومر أن يقولوا :في خذ أوخذ وفي كل أوكل.
وأما قول الشاعر :لقد كذبتك نفسك فاكذبنها فإن جزعاً وإن إجمال صبر فهذا على إما وليس على إن الجزاء كقولك :إن
حقاً وإن كذباً.
أل ترى أنك تدخل الفاء ولو كانت على إن الجزاء وقد استقبلت الكلم لحتجت إلى الجواب.
فليس قوله :فإن جزعاً كقوله :إن حقاً وإن كذباً ولكنه على قوله تعالى " :فإما منا بعد وإما فداءً ".
ولو قلت :فإن جزعٌ وإن إجمال صبر كان جائزاً كأنك قلت :فإما أمرى جزعٌ وإما إجمال صب ٍر لنك لو صححتها فقلت:
إما جاز ذلك فيها.
ومن أجز ذلك في الكلم دخل عليه أن يقول :مررت برجل إن صالحٍ أن طالحٍ يريد إما.
وإن أراد إن الجزاء فهو جائزٌ لنه يضمر فيها الفعل وإما يجري ما بعدها ههنا على البتداء وعلى الكلم الول أل ترى
أنك تقول :قد كان ذلك صلحاً أو فساداً.
ولو قلت :قد كان ذلك إن صلحاً وإن فساداً كان النصب على كان أخرى ويجوز الرفع على ما ذكرنا.
ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره قولك :هل خيراً من ذلك وأل خيراً من ذلك أو غير ذلك.
كأنك قلت :أل تفعل خيراً من ذلك أو أل تفعل غير ذلك وهل تأتي خيراً من ذلك.
وربما عرضت هذا على نفسك فكنت فيه كالمخاطب كقولك :هل أفعل وأل أفعل.
وإن شئت رفعته فقد سمعنا رفع بعضه من العرب وممن سمعه من العرب.
86
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فجاز إضمار ما يرفع كما جاز إضمار ما ينصب.
ومن ذلك قولك :أو فرقاً خيراً من حبٍ أي أو أفرقك فرقاً خيراً من حبٍ.
وإنما حمله على الفعل لنه سئل عن فعله فأجابه على الفعل الذي هو عليه.
ولو رفع جاز كأنه قال :أو أمري فرق خير من حب.
وإنما انتصب هذا النحو على أنه يكون الرجل في فعل فيريد أن ينقله أو ينتقل هو إلى فعل آخر.
ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره قولك :أل طعام ولو تمراً كأنك قلت :ولو كان تمراً وأتني بدابة ولو
حماراً.
وإن شئت قلت :أل طعام ولو تمر كأنك قلت :ولو يكون عندنا تمرٌ ولو سقط إلينا تمرٌ.
وهو بمنزلة إن في هذا الموضع يبنى عليها الفعال والرفع قبيح في :فهل دينار وفي :ولو حمار لنك لو لم تحمله على
إضمار يكون ففعل المخاطب أولى به.
والرفع في هذا وفي :ولو حمارٌ بعيد كأنه يقول :ولو يكون مما يأتيني به حمارٌ.
ولو بمنزلة إن ل يكون بعدها إل الفعال فإن سقط بعدها اسم ففيه فعل مضمر في هذا الموضع تبنى عليه السماء.
فلو قلت :أل ماء ولو بارداً لم يحسنإل النصب لن بارداً صفة.
ولو قلت :ائتني بباردٍ كان قبيحاً ولو قلت :ائتني بتمرٍ كان حسناً أل ترى كيف قبح أن يضع الصفة موضع السم.
ومن ذلك قول العرب :ادفع الشر ولو إصبعاً كأنه قال :ولو دفعته إصبعًا ولو كان إصبعاً.
ول يحسن أن تحمله على ما يرفع لنك إن لم تحمله على إضمار يكون ففعل المخاطب المذكور أولى وأقرب فالرفع في
هذا وفي ائتني بدابة ولو حمار بعيد كأنه يقول :ولو يكون مما تأتيني به حما ٌر ولو يكون مما تدفع به إصبعٌ.
ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره أن ترى الرجل قد قدم من سفر فتقول :خير مقدم.
أو يقول الرجل :رأيت فيما يرى النائم كذا وكذا فتقول :خيرًا وما شر وخيراً لنا وشراً لعدونا.
87
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أما النصب فكأنه بناه على قوله قدمت فقال :قدمت خير مقدم وإن لم يسمع منه هذا اللفظ فإن قدومه ورؤيته إياه بمنزلة
قوله :قدمت.
وكذلك إن قيل :قدم فلن وكذلك إذا قال :رأيت فيما يرى النائم كذا وكذا فتقول :خيراً لنا وشراً لعدونا.
وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ أو مبنيٌ على مبتدأ ولم يرد أن يحمله على الفعل ولكنه قال :هذا خير مقدم وهذا خير لنا وشر
لعدونا وهذا خير وما سر.
ومن ثم قالوا :مصاحب معان ومبرور مأجور كأنه قال :أنت مصاحب وأنت مبرور.
فإذا رفعت هذه الشياء فالذي في نفسك ما أظهرت وإذا نصبت فالذي في نفسك غير ما وأما قولهم :راشداً مهدياً فإنهم
أضمروا اذهب راشداً مهدياً.
وإن شئت رفعت كما رفعت مصاحب معان ولكنه كثر النصب في كلمهم لن راشداً مهدياً بمنزلة ما صار بدلً من
اللفظ بالفعل كأنه لفظ برشدت وهديت.
حدثنا بذلك عن العرب عيسى ويونس وغيرهما كأنه قال :رجعت مبروراً واذهب مصاحباً.
ومما ينتصب أيضًا على إضمار الفعل المستعمل إظهاره قول العرب :حدث فلن بكذا وكذا فتقول :صادقاً وال.
ومن ذلك أيضاً أن ترى رجلً قد أوقع أمراً أو تعرض له فتقول :متعرضاً لعنن لم تعنه أي دنا من هذا المر متعرضاً
لعنن لم يعنه.
ومثله :بيع الملطى ل عهد ول عقد وذلك إن كنت في حال مساومةٍ وحال بيعٍ فتدع أبايعك استغناءً لما فيه من الحال.
ومثله :مواعيد عرقوبٍ أخاه بيثرب كأنه قال :واعدتني مواعيد عرقوب أخاه ولكنه ترك واعدتني استغناءً بما هو فيه من
ذكر الخلف واكتفاءً بعلم من يعنى بما كان بينهما قبل ذلك.
وكل عربي.
88
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثله :غضب الخيل على اللجم كأنه قال :غضبت أو رآه غضبان فقال :غضب الخيل فكأنه بمنزلة قوله :غضبت غضب
الخيل على اللجم.
ومن العرب من يرفع فيقول :غضب الخيل على اللجم فرفعه كما رفع بعضهم :الظباء على البقر.
ومثله أن تسمع الرجل ذكر رجلً فتقول :أهل ذاك وأهله أي ذكرت أهله لنك في ذكره تحمله على المعنى.
هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره استغناءً عنه
كأنك قلت :إياك بح وإياك باعد وإياك اتق وما أشبه ذا.
ومن ذلك أن تقول :نفسك يا فلن أي اتق نفسك إل أن هذا ل يجوز فيه إظهار ما أضمرت ولكن ذكرته لمثل لك ما ل
يظهر إضماره.
ومن ذلك أيضاً قولك :إياك والسد وإياي والشر كأنه قال :إياك فاتقين والسد وكأنه قال :إياي لتقين والشر.
ومثله :إياك وإياه وإياي وإياه كأنه قال :إياك باعد وإياه أو نح.
وزعم أن بعضهم يقال له :إياك فيقول :إياي كأنه قال :إياي أحفظ وأحذر.
وحذفوا الفعل من إياك لكثرة استعمالهم إياه في الكلم فصار بدلً من الفعل وحذفوا كحذفهم :حينئذٍ الن فكأنه قال :احذر
السد ولكن ل بد من الواو لنه اسم مضموم إلى آخر.
ومن ذلك :رأسه والحائط كأنه قال :خل أو دع رأسه والحائط فالرأس مفعول والحائط مفهول معه فانتصبا جميعاً.
ومن ذلك قولهم :شأنك والحج كأنه قال :عليك شأنك مع الحج.
ومن ذلك :امرأ ونفسه كأنه قال :دع امرأ مع نفسه فصارت الواو في معنى مع كما صارت في معنى مع في قولهم :ما
صنعت وأخاك.
وإن شئت لم يكن فيه ذلك المعنى فهو عربي جيد كأنه قال :عليك رأسك وعليك الحائط وكأنه قال :دع امرأ ودع نفسه
فليس ينقض هذا ما أردت في معنى مع من الحديث.
89
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك :أهلك والليل كأنه قال :بادر أهلك قبل الليل وإنما المعنى أن يحذره أن يدركه الليل.
ومن ذلك قولهم :ماز رأسك والسيف كما تقول :رأسك والحائط وهو يحذره كأنه قال :اتق رأسك والحائط.
وإنما حذفوا الفعل في هذه الشياء حين ثنوا لكثرتها في كلمهم واستغناءً بما يرون من الحال ولما جرى من الذكر
وصار المفعول الول بدلً من اللفظ بالفعل حين صار عندهم مثل :إياك ولم يكن مثل :إياك لو أفردته لنه لم يكثر في
كلمهم كثرة إياك فشبهت بإياك حيث طال الكلم وكان كثيراً في الكلم.
فلو قلت :نفسك أو رأسك أو الجدار كان إظهار الفعل جائزاً نحو قولك :اتق رأسك واحفظ نفسك واتق الجدار.
فلما ثنيت صار بمنزلة إياك وإياك بدل من اللفظ بالفعل كما ومما جعل بدلً من اللفظ بالفعل قولهم :الحذر الحذر والنجاء
النجاء وضرباً ضرباً.
فإنما انتصب هذا على الزم الحذر وعليك النجاء ولكنهم حذفوا لنه صار بمنزلة افعل.
ومن ثم قالوا وهو لعمرو بن معد يكرب :أريد حباءه ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد وقال الكميت :نعاء جذاماً
غير موت ول قتل ولكن فراقاً للدعائم والصل وقال ذو الصبع العدواني :عذير الحي من عدوا -ن كانوا حية الرض
فلم يجز إظهار الفعل وقبح كما كان ذلك محالً.
هذا باب ما يكون معطوفاً في هذا الباب على الفاعل المضمر في النية
ويكون معطوفًا على المفعول وما يكون صفة المرفوع المضمر في النية ويكون على المفعول وذلك قولك :إياك أنت
نفسك أن تفعل وإياك نفسك أن تفعل.
فإن عنيت الفاعل المضمر في النية قلت :إياك أنت نفسك كأنك قلت :إياك نح أنت نفسك وحملته على السم المضمر في
نح.
فإن قلت :إياك نفسك تريد السم المضمر الفاعل فهو قبيح وهو على قبحه رفع ويدلك على قبحه أنك لو قلت :اذهب
نفسك كان قبيحاً حتى تقول :أنت نفسك.
فمن ثم كان نصباً لنك إذا وصفت بنفسك المضمر المنصوب بغير أنت جاز تقول :رأيتك نفسك ول تقول :انطلقت
نفسك.
وإذا عطفت قلت :إياك وزيداً والسد وكذلك :رأسك ورجليك والضرب.
وإن حملت الثاني على السم المرفوع المضمر فهو قبيح لنك لو قلت :اذهب وزيد كان قبيحاً حتى تقول :اذهب أنت
وزيد.
فإن قلت إياك أنت وزيدٌ فأنت بالخيار إن شئت قلت ذاك أنت وزيد جاز فإن قلت :رأيتك قلت ذاك وزيداً فالنصب أحسن
لن المنصوب يعطف على المنصوب المضمر ول يعطف على المرفوع المضمر إل في الشعر وذلك قبيح.
90
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أنشدنا يونس لجرير :أنشدناه منصوباً وزعم أن العرب كذا تنشده.
واعلم أنه ل يجوز أن تقول :إياك زيداً كما أنه ل يجوز أن تقول :رأسك الجدار حتى تقول :من الجدار أو والجدار.
فإذا قلت :إياك أن تفعل تريد إياك أعظ مخافة أن تفعل أومن أجل أن تفعل جاز لنك ل تريد أن تضمه إلى السم الول
كأنك قلت :إياك نح لمكان كذا وكذا.
ولو قلت :إياك السد تريد من السد لم يجز كما جاز في أن إل أنهم زعموا أن ابن أبي إسحاق أجاز هذا البيت في شعر:
إياك إياك المراء فإنه إلى الشر دعاءٌ وللشر جالب كأنه قال :إياك ثم أضمر بعد إياك فعلً آخر فقال :اتق المراء.
وقال الخليل :لو أن رجلً قال :إياك نفسك لم أعنفه لن هذه الكاف مجرورة.
وحدثني من ل أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابياً يقول :إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب.
حتى صار بمنزلة المثل وذلك قولك " :هذا ول زعماتك ".
ومن ذلك قول الشاعر وهو ذو الرمة وذكر الديار والمنازل :ديار مية إذا مي مساعفة ول يرى مثلها عجم ول عرب
كأنه قال :أذكر ديار مية.
ولكنه ل يذكر أذكر لكثرة ذلك في كلمهم واستعمالهم إياه ولما كان فيه من ذكر الديار قبل ذلك ولم يذكر :ول أتوهم
زعماتك لكثرة استعمالهم إياه ولستدلله مما يرى من حاله أنه ينهاه عن زعمه.
ومن ذلك قول العرب " :كليهما وتمراً " فذا مثل قد كثر في كلمهم واستعمل وترك ذكر الفعل لما كان قبل ذلك من
الكلم كأنه قال :أعطني كليهما وتمراً.
ومن ذلك قولهم " :كل شيء ول هذا " و " كل شيء ول شتيمة حر " أي ائت كل شيء ول ترتكب شتيمة حر فحذف
لكثرة استعمالهم إياه فأجري مجرى :ول زعماتك.
ومن العرب من يقول " :كلهما وتمراً " كأنه قال :كلهما لي ثابتان وزدني تمراً.
كأنه قال :كل شيء أمم ول شتيمة حر وترك ذكر الفعل بعد ل لما ذكرت لك ولنه يستدل بقوله :كل شيء أنه ينهاه.
اعتاد قلبك من سلمى عوائده وهاج أهواءك المكنونة الطلل ربع قواء أذاع المعصرات به وكل حيران سار ماؤه خضل
كأنه قال :وذاك ربع أو هو ربع " رفعه على ذا وما أشبهه سمعناه ممن يرويه عن العرب ".
91
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثله " لعمر بن أبي ربيعة " :هل تعرف اليوم رسم الدار والطلل كما عرفت بجفن الصيقل الخلل دار لمروة إذ أهلي
وأهلهم بالكانسية نرعى اللهو والغزل فإذا رفعت فالذي في نفسك ما أظهرت وإذا نصبت فالذي في نفسك غير ما
أظهرت.
ومما ينتصب في هذا الباب على إضمار الفعل المتروك إظهاره " :انتهوا خيراً لكم " و " وراءك أوسع لك " وحسبك
خيراً لك إذا كنت تأمر.
ومن ذلك قول " الشاعر وهو " ابن أبي ربيعة :فواعديه سرحتي مالك أو الربا بينهما أسهل وإنما نصبت خيراً لك
وأوسع لك لنك حين قلت " :انته " فأنت تريد أن تخرجه من أمر وتدخله في آخر.
وقال الخليل :كأنك تحمله على ذلك المعنى كأنك قلت :انته وادخل فيما هو خير لك فنصبته لنك قد عرفت أنك إذا قلت
له :انته أنك تحمله على أمر آخر فلذلك انتصب وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكلم ولعلم المخاطب أنه محمول
على أمر حين قال له :انته فصار بدلً من قوله :ائت خيراً " لك " وادخل فيما هو خير لك.
فإنما قلت :انته وائت أمراً قاصداً إل أن هذا يجوز لك فيه إظهار الفعل فإنما ذكرت لك ذا لمثل لك الول به لنه قد كثر
في كلمهم حتى صار بمنزلة المثل فحذف كحذفهم :ما أريت كاليوم رجلً.
ومثل ذلك قول القطامي :فكرت تبتغيه فوافقته على دمه ومصرعه السباعا ومثله قوله " وهو ابن الرقيات " :لن تراها
ولو تأملت إل ولها في مفارق الرأس طيبا وإنما نصب هذا لنه حين قال وافقته " و " قال :لن تراها فقد علم أن الطيب
والسباع قد دخل في الرؤية والموافقة وإنهما قد اشتمل على ما بعدهما في المعنى.
ومثل ذلك قول ابن قميئة :تذكر أرضاً بها أهلها أخوالها فيها وأعمامها لن الخوال والعمام قد دخلوا في التذكر.
إذا تغنى الحمام الورق هيجني ولو تغربت عنها أم عمار قال الخليل رحمه ال :لما قال هيجني عرف أنه قد كان ثم تذكر
لتذكرة الحمام وتهييجه فألقى ذلك الذي قد عرف منه على أم عمار كأنه قال :هيجني فذكرني أم عمار.
ومثل ذلك أيضًا قول الخليل رحمه ال وهو قول أبي عمرو :أل رجل إما زيدًا وإما عمراً لنه حين قال :أل رجل فهو
متمن شيئاً يسأله ويريده فكأنه قال :اللهم اجعله زيداً أو عمراً أو وفق لي زيداً أو عمراً.
وإن شاء أظهر فيه وفي جميع هذا الذي مثل به وإن شاء اكتفي فلم يذكر الفعل لنه قد عرف أنه متمن سائل شيئاً وطالبه.
ومثل ذلك قول الشاعر " وهو عبد بني عبس " :قد سالم الحيات منه القدما الفعوان والشجاع الشجعما وذات قرنين
ضموزاً ضرزما فإنما نصب الفعوان والشجاع لنه قد علم أن القدم ههنا مسالمة كما أنها مسالمة فحمل الكلم على أنها
مسالمة.
ومثل هذا البيت إنشاد بعضهم لوس بن حجر :وإنشاد بعضهم للحارق بن نهيك :ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط
مما تطيح الطوائح لما قال :ليبك يزيد كان فيه معنى ليبك يزيد كما كان في القدم أنها مسالمة كأنه قال :ليبكه ضارع.
ومن ذلك قول عبد العزيز " الكلبي " :وجدنا الصالحين لهم جزاء وجنات وعيناً سلسيل لن الوجدان مشتمل في
المعنى على الجزاء فحمل الخر على المعنى.
92
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال :أسقى الله عدوات الوادي وجوفه كل ملث غادي كل أجش حالك السواد كأنه قال :سقاها كل أجش كما حمل
ضارع لخصومة على ليبك يزيد لنه فيه معنى سقاها كل أجش.
ول يجوز أن تقول :ينتهي خيراً له ول أأنتهي خيرًا لي لنك إذا نهيت فأنت تزيجه إل أمر وإذا أخبرت أو استفهمت فأنت
لست تريد شيئاً من ذلك إنما تعلم خبراً أو تسترشد مخبراً وليس بمنزلة وافقته على دمه ومصرعه السباعا لن السباع
داخل في معنى وافقته كأنه قال :وافقت السباع على مصرعه " والخير والشر ل يكون محمولً على ينتهي وشبهه ل
تستطيع أن تقول :انتهيت خيراً كما تقول :قد أصبت خيراً ".
وقد يجوز أن تقول :أل رجل إما زيد وإما عمرو كأنه قيل له :من هذا المتمني فقال :زيد أو عمرو.
ومثل :ليبك يزيد قراءة بعضهم " :وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولدهم شركاؤهم " رفع الشركاء على " مثل "
ما رفع عليه ضارع.
هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره في غير المر والنهي
حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه ولنهم أمنوا أن يكون على الباء لو قلت :أخذته بصاعد كان قبيحاً لنه صفة ول تكون
في موضع السم كأنه قال :أخذته بدرهم فزاد الثمن صاعداً أو فذهب صاعداً.
ول يجوز أن تقول :وصاعد لنك ل تريد أن تخبر أن الدرهم مع صاعد ثمن لشيء كقولك :بدرهم وزيادة ولكنك أخبرت
بأدنى الثمن فجلته أولً ثم قروت شيئاً بعد شيء لثمان شتى.
فالواو لم ترد فيها هذا المعنى ولم تلزم الواو الشيئين أن يكون أحدهما بعد الخر.
أل ترى أنك إذا قلت :مررت بزيد وعمرو لم يكن في هذا دليل أنك مررت بعمرو بعد زيد.
ومما ينتصب في غير المر والنهي على الفعل المتروك إظهاره قولك :يا عبد ال والنداء كله.
وأما يا زيد فله علة ستراها في باب النداء إن شاء ال تعالى حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم هذا في الكلم وصار يا بدل
من اللفظ بالفعل كأنه قال :يا أريد عبد ال فحذف أريد وصارت يا بدلً منها لنك إذا قلت :يا فلن علم أنك تريده.
ومما يدلك على أنه ينتصب على الفعل وأن يا صارت بدلً من اللفظ بالفعل قول العرب :يا إياك إنما قلت :يا إياك أعنى
ولكنهم حذفوا الفعل وصار يا وأيا وأي بدلً من اللفظ بالفعل.
وزعم الخليل رحمه ال أنه سمع بعض العرب يقول :يا أنت.
93
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
هذا قول الخليل رحمه ال في الوجهين.
ومن ذلك قول العرب :من أنت زيداً فزعم يونس أنه على قوله :من أنت تذكر زيداً ولكنه كثر في كلمهم واستعمل
واستغنوا عن إظهاره فإنه قد علم أن زيداً ليس خبراً " ول مبتدأ " ول مبنياً على مبتدأ فل بد من أن يكون على الفعل
كأنه قال :من أنت معرفاً ذا السم ولم يحمل زيداً على من ول أنت.
ول يكون من أنت زيداً إل جواباً كأنه لما قال :أنا زيد قال :فمن أنت ذاكراً زيداً.
وبعضهم يرفع وذلك قليل كأنه قال :من أنت كلمك أو ذكرك زيد.
وإنما قل الرفع لن إعمالهم الفعل أحسن من أن يكون خبراً لمصدر ليس له ولكنه يجوز على سعة الكلم وصار كالمثل
الجاري حتى إنهم ليسألون الرجل عن غيره فيقولون للمسؤول :من أنت زيداً كأنه يكلم الذي قال :أنا زيد أي أنت عندي
بمنزلة الذي قال :أنا زيد فقيل له :من أنت زيداً كما تقول للرجل " :أطري إنك ناعلة واجمعي ".
ومن ذلك قول العرب :أما أنت منطلقاً انطلقت معك وأما زيد ذاهباً ذهبت معه.
وقال الشاعر وهو عباس بن مرداس :أبا خراشة أما أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع فإنما هي " أن " ضمت إليها
" ما " وهي ما التوكيد ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضاً من ذهاب الفعل كما كانت الهاء واللف عوضًا في
الزنادقة واليماني من الياء.
وهذا أحرى أن يلزموا فيه إذ كانوا يقولون :آثراً ما فيلزمون ما شبهوها بما يلزم من النونات في لفعلن واللم في إن
كان ليفعل وإن كان ليس مثله وإنما هو شاذ كنحو ما شبه بما ليس مثله فلما كان قبيحاً عندهم أن يذكروا السم بعد أن
ويبتدئوه بعدها كقبح كي عبد ال يقول ذاك حملوه على الفعل حتى صار كأنهم قالوا :إذ صرت منطلقاً فأنا أنطلق " معك
" لنها في معنى إذ في هذا الموضع وإذ في معناها أيضاً في هذا الموضع إل أن إذ ل يحذف معها الفعل.
و " أما " ل يذكر بعدها الفعل المضمر لنه من المضمر المتروك إظهاره حتى صار ساقطاً بمنزلة تركهم ذلك في
النداء وفي من أنت زيداً.
فإن أظهرت الفعل قلت :إما كنت منطلقاً انطلقت إنما تريد :إن كنت منطلقاً انطلقت فحذف الفعل ل يجوز ههنا كما لم
يجز ثم إظهاره لن أما كثرت في كلمهم واستعملت حتى صارت كالمثل المستعمل.
وليس كل حرف هكذا كما أنه ليس كل حرف بمنزلة لم أبل ولم يك ولكنهم حذفوا هذا لكثرته وللستخفاف فكذلك حذفوا
الفعل من أما.
ومثل ذلك قولهم :إما ل فكأنه يقول :افعل هذا إن كنت ل تفعل غيره ولكنهم حذفوا " ذا " لكثرة استعمالهم إياه وتصرفهم
حتى استغنوا عنه بهذا.
ومن ذلك قولهم :مرحباً وأهلً وإن تأتني فأهل الليل والنهار.
94
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وزعم الخليل رحمه ال حين مثله أنه بمنزلة رجل رأيته قد سدد سهمه فقلت :القرطاس أي أصبت القرطاس أي أنت
عندي ممن سيصيبه.
فإنما رأيت رجلً قاصدًا إلى مكان أو طالباً أمرًا فقلت :مرحباً وأهلً أي أدركت ذلك وأصبت فحذفوا الفعل لكثرة
استعمالهم إياه وكأنه صار بدلً من رحبت بلدك وأهلت كما كان الحذر بدلً من احذر.
ل وبك أهلً.
ويقول الراد :وبك وأهلً وسه ً
وإذا قال :وبك أهلً فهو يقول :ولك الهل إذا كان عندك الرحب والسعة.
فإذا رددت فإنما تقول :أنت عندي ممن يقال له هذا لو جئتني.
وإنما جئت ببك لنبين من تعني بعد ما قلت :مرحباً كما قلت :لك بعد سقيا.
وقال طفيل الغنوي :وبالسهب ميمون القبة قوله لملتمس المعروف :أهل ومرحب أي هذا أهل ومرحب.
وقال أبو السود :فاعرف فيما ذكرت لك أن الفعل يجري في السماء على ثلثة مجار :فعل مظهر ل يحسن إضماره
وفعل مضمر مستعمل إظهاره وفعل مضمر متروك إظهاره.
فأما الفعل الذي ل يحسن إضماره فإنه أن تنتهي إلى رجل لم يكن في ذكر ضرب ولم يخطر بباله فتقول :زيداً.
فل بد له من أن تقول له :اضرب زيدًا وتقول له :قد ضربت زيداً.
أو يكون موضعاً يقبح أن يعرى من الفعل نحو أن وقد وما أشبه ذلك.
وأما الموضع الذي يضمر فيه وإظهاره مستعمل فنحو قولك :زيداً لرجل في ذكر ضرب تريد :اضرب زيداً.
وأما الموضع الذي ل يستعمل فيه الفعل المتروك إظهاره فمن الباب الذي ذكر فيه إياك إلى الباب الذي آخره ذكر مرحباً
وأهلً.
باب ما يظهر فيه الفعل وينتصب فيه السم لنه مفعول معه ومفعول به كما انتصب نفسه في قولك :امرأ ونفسه.
وذلك قولك :ما صنعت وأباك ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها إنما أردت :ما صنعت مع أبيك ولو تركت الناقة مع
فصيلها.
فالفصيل مفعول معه والب كذلك والواو لم تغير المعنى ولكنها تعمل في السم ما ومثل ذلك :ما زلت وزيداً " حتى فعل
" أي ما زلت بزيد حتى فعل فهو مفعول به.
95
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وما زلت أسير والنيل أي مع النيل واستوى الماء والخشبة أي بالخشبة.
وقال :فكونوا أنتم وبني أبيكم مكان الكليتين من الطحال وقال :وكان وإياها كحران لم يفق عن الماء إذا لقاه حتى تقددا
ويدلك على أن السم ليس على الفعل في صنعت أنك لو قلت :اقعد وأخوك كان قبيحاً حتى تقول :أنت لنه قبيح أن
تعطف على المرفوع المضمر.
فإذا قلت :ما صنعت أنت ولو تركت هي فأنت بالخيار إن شئت حملت الخر على ما حملت عليه الول وإن شئت حملته
على المعنى الول.
باب معنى الواو فيه كمعناها في الباب الول إل أنها تعطف السم هنا على ما ل يكون ما بعده إل رفعاً على كل حال.
وذلك قولك :أنت وشأنك وكل رجل وضيعته وما أنت وعبد ال وكيف أنت وقصعة من يا زبرقان أخا بني خلف ما أنت
ويب أبيك والفخر وقال جميل :وأنت امرؤ من أهل نجد وأهلنا تهام فما النجدي والمتغور وقال :وكنت هناك أنت كريم
قيس فما القيسي بعدك والفخار وإنما فرق بين هذا وبين الباب الول لنه اسم والول فعل فأعمل كأنك قلت في الول :ما
صنعت أخاك وهذا محال ولكن أردت أن أمثل لك.
ولو قلت :ما صنعت مع أخيك وما زلت بعبد ال لكان مع أخيك وبعبد ال في موضع نصب.
ولو قلت :أنت وشأنك كنت كأنك قلت :أنت وشأنك مقرونان وكل امرئ وضيعته مقرونان لن الواو في معنى مع عنا
يعمل فيما بعدها ما عمل فيما قبلها من البتداء والمبتدأ.
وإن شئت كان على الوجه الخر كأنك قلت :أنت وعبد ال أعلم من غيركما.
فإن قلت :أنت أعلم وعبد ال في الوجه الخر فإنها أيضًا تعمل فيما بعدها البتداء كما أعملت في ما صنعت وأخاك "
صنعت ".
فعلى أي الوجهين وجهته صار على المبتدأ لن الواو وكذلك :ما أنت وعبد ال وكيف أنت وعبد ال كأنك قلت :ما أنت
وما عبد ال وأنت تريد أن تحقر أمره أو ترفع أمره.
و " كذلك " :كيف أنت وعبد ال وأنت تريد أن تسأل عن شأنهما لنك إنما تعطف بالواو إذا أردت معنى مع على كيف
وكيف بمنزلة البتداء كأنك قلت :وكيف عبد ال فعملت كما عمل البتداء لنها ليست بفعل ولن ما بعدها ل يكون إل
رفعاً.
يدلك على ذلك قول الشاعر " وهو زياد العجم ويقال غيره " :تكلفني سويق الكرم جرم وما جرم وما ذاك السويق أل
ترى أنه يريد معنى مع والسم يعمل فيه ما.
وقال وهو لبي عنترة العبسي :فمن يك سائلً عني فإني وجروة ل ترود ول تعار فهذا كله ينتصب انتصاب إني وزيداً
منطلقان ومعناهن مع لن إني ها هنا بمنزلة البتداء ليست بفعل ول اسم بمنزلة الفعل.
96
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وكيف أنت وزيد وأنت وشأنك مثالهما واحد لن البتداء وكيف وما وأنت يعملن فيما كان معناه مع بالرفع فيحسن
ويحمل على " المبتدأ كما يحمل على " البتداء.
أل ترى أنك تقول :ما أنت وما زيد فيحسن ولو قلت :ما صنعت وما زيد لم يحسن ولم يستقم إذا أردت معنى ما صنعت
وزيداً ولم يكن لتعمل ما أنت وكيف أنت عمل صنعت وليستا بفعل ولم نرهم أعملوا شيئاً من هذا كذا.
فإذا نصبت فكأنك قلت :ما صنعت زيداً مثل ضربت زيداً ورأيت.
ولم نر شيئاً من هذا ليس بفعل فعل به هذا فتجريه مجرى الفعل.
وهو قليل في كلم العرب ولم يحملوا الكلم على ما ول كيف ولكنهم حملوه على الفعل على شيء لو ظهر حتى يلفظوا
به لم ينقض ما أرادوا من المعنى حين حملوا الكلم على ما وكيف كأنه قال :كيف تكون وقصعة من ثريد وما كنت
وزيداً لن كنت وتكون يقعان ها هنا كثيرًا ول ينقضان ما تريد من معنى الحديث.
فمضى صدر الكلم وكأنه قد تكلم بها " وإن كان لم يلفظ بها لوقوعها ههنا كثيراً ".
ومن ثم أنشد بعضهم :فما أنا والسير في متلف يبرح بالذكر الضابط لنهم يقولون " :ما كنت " هنا كثيرًا ول ينقض هذا
المعنى.
وفي " كيف " معنى يكون فجرى " ما أنت " مجرى " ما كنت " كما أن كيف على معنى يكون.
وإذا قال :أنت وشأنك فإنما أجرى كلمه على ما هو فيه الن ل يريد كان ول يكون.
وإن كان حمله على هذا ودعاه إليه شيء قد كان بلغه فإنما ابتدأ وحمله على ما هو فيه الن وجرى على ما يبنى على
المبتدأ.
ولذلك لم يستعملوا ههنا الفعل من كان ويكون لما أرادوا من الجراء على ما ذكرت لك.
وزعم أبو الخطاب أنه سمع بعض العرب الموثوق بهم ينشد " هذا البيت نصباً " :أتوعدني بقومك يا ابن حجل أشابات
يخالون العبادا بما جمت من حضن وعمرو وما حضن وعمرو والجيادا وزعموا أنالراعي كان ينشد هذا البيت نصباً:
أزمان قومي والجماعة كالذي منع الرحالة أن تميل مميل كأنه قال :أزمان كان قومي والجماعة فحملوه على كان.
أنها تقع في هذا الموضع كثيراً ول تنقض ما أرادوا من المعنى حين يحملون الكلم على ما يرفع فكأنه إذا قال :أزمان
قومي كان معناه :أزمان كانوا قومي والجماعة كالذي وما كان حضن وعمرو والجيادا.
ولو لم يقل :أزمان كن قومي لكان معناه إذا قال :أزمان قومي أزمان كان قومي لنه أمر قد مضى.
وأما أنت وشأنك وكل امرئ وضيعته وأنت أعلم وربك وأشبه ذلك فكله رفع ل يكون فيه النصب لنك إنما تريد أن تخبر
بالحال التي فيها المحدث عنه في حال حديثك فقلت :أنت الن وأما الستفهام فإنهم أجازوا فيه النصب لنهم يستعملون
الفعل في ذلك الموضع كثيراً يقولون :ما كنت وكيف تكون إذا أرادوا معنى مع ومن ثم قالوا :أزمان قومي والجماعة
لنه موضع يدخل فيه الفعل كثيراً يقولون :أزمان كان وحين كان.
وهذا مشبه بقول صرمة النصاري :بداء لي أنى لست مدرك ما مضى ول سابق شيئاً إذا كان جائيا فجعلوا الكلم على
شيء يقع هنا كثيراً.
97
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثله " قول الخوص " :مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ول ناعب إل ببين غرابها فحملوه على ليسوا بمصلحين ولست
بمدرك.
ومثله لعامر بن جوين الطائي :فلم أر مثلها خباسة واحد ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله فحملوه على أن لن الشعراء
قد يستعملون أن ههنا مضطرين كثيراً.
باب منه يضمرون فيه الفعل لقبح الكلم وذلك قولك :مالك وزيدًا وما شأنك وعمراً.
فإن حملت الكلم على الكاف المضمرة فهو قبيح وإن حملته على الشأن لم يجز لن الشأن ليس يلتبس بعبد ال إنما يلتبس
به الرجل المضمر في الشأن.
فلما كان ذلك قبيحاً حملوه على الفعل فقالوا :ما شأنك وزيداً أي ما شأنك وتناولك زيداً.
قال المسكين الدارمي :فما لك والتلدد حول نجد وقد غصت تهامة بالرجال وقال :وما لكم والفرط ل تقربوه وقد خلته
أدنى مرد لعاقل ويدلك أيضاً على قبحه إذا حمل على الشأن أنك إذا قلت :ما شأنك وما عبد ال لم يكن كحسن ما جرم
وما ذاك السويق لنك توهم أن الشأن هو الذي يلتبس بزيد " وإنما يلتبس شأن الرجل بشأن زيد ".
ومن أراد ذلك فهو ملغز تارك لكلم الناس الذي يسبق إلى أفئدتهم.
فإذا أظهر السم فقال :ما شأن عبد ال وأخيه يشتمه فليس إل الجر لنه قد حسن أن تحمل الكلم على عبد ال لن
المظهر المجرور يحمل عليه المجرور.
وسمعنا أيضاً من العرب الموثوق بهم من يقول :ما شأن قيس والبر تسرقه.
لما أظهروا السم حسن عندهم أن يحملوا عليه فإذا أضمرت فكأنك قلت :ما شأنك وملبسة زيداً أو وملبستك زيداً فكان
أن يكون زيد على فعل وتكون الملبسة على الشأن لن الشأن معه ملبسة له أحسن من أن يجروا المظهر على
المضمر.
فإن أظهرت " السم في الجر " عمل عمل كيف في الرفع.
ومن قال :ما أنت وزيداً قال :ما شأن عبد ال وزيداً.
كأنه قال :ما كان شأن عبد ال وزيداً وحمله على كان لن كان تقع ههنا.
والرفع أجود وأكثر " في :ما أنت وزيد " والجر في قولك :ما شأن عبد ال وزيد أحسن وأجود كأنه قال :ما شأن عبد ال
وشأن زيد ومن نصب في :ما أنت وزيداً أيضاً قال :ما لزيد وأخاه كأنه قال :ما لزيد وأخاه كأنه قال :ما كان شأن زيد
وأخاه لنه يقع في هذا المعنى ههنا فكأنه قد كان تكلم به.
ومن ثم قالوا :حسبك وزيداً لما كان فيه معنى كفاك وقبح أن يحملوه على المضمر نووا الفعل كأنه قال :حسبك ويحسب
أخاك درهم.
98
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما ويلً له وأخاه وويله وأباه فانتصب على معنى الفعل الذي نصبه كأنك قلت :ألزمه ال ويله وأباه فانتصب على معنى
الفعل الذي نصبه فلما كان كذلك -وإن كان ل يظهر -حمله على المعنى.
وإن قلت :ويل له وأباه نصبت لن فيه ذلك المعنى كما أن حسبك يرتفع بالبتداء وفيه معنى كفاك.
وهو نحو مررت به وأباه وإن كان أقوى لنك ذكرت الفعل كأنك قلت :ولقيت أباه.
وأما هذا لك وأباك فقبيح " أن تنصبالب " لنه لم يذكر فعلً ول حرفاً في معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلم بالفعل.
باب ما ينصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل وإظهاره وذلك قولك :سقياً ورعياً ونحو قولك :خيبة
ودفرًا وجدعًا وعقراً وبؤساً وأفة وتفة وبعداً وسحقاً.
ونحو قول ابن ميادة :تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي بجارية بهراً لهم بعدها بهرا أي تباً.
وإنما ينتصب هذا وما أشبهه إذا ذكر مذكور فدعوت له أو عليه على إضمار الفعل كأنك قلت :سقاك ال سقياً ورعاك "
ال " رعياً وخيبك ال خيبة.
وإنما اختزل الفعل ها هنا لنهم جعلوه بدلً من اللفظ بالفعل كما جعل الحذر بدلً من احذر.
وكذلك هذا كأنه بدل من سقاك ال ورعاك " ال " ومن خيبك ال.
وما جاء منه ل يظهر له فعل فهو على هذا المثال نصب كأنك جعلت بهراً بدلً من بهرك ال فهذا تمثيل ول يتكلم به.
ومما يدلك أيضاً على أنه على الفعل نصب أنك لم تذكر شيئاً من هذه المصادر لتبني عليه كلماً كما يبنى على عبد ال
إذا ابتدأته وأنك لم تجعله مبنياً على اسم مضمر في نيتك ولكنه على دعائك له أو عليه.
وأما ذكرهم " لك " بعد سقياً فإنما هو ليبينوا المعنى بالدعاء.
وربما جاء به على العلم توكيداً فهذا بمنزلة قولك " :بك " بعد قولك :مرحباً يجريان مجرى واحدًا فيما وصفت لك.
قال أبو زبيد :أقام وأقوى ذات يوم وخيبة لول من يلقى وشر ميسر وهذا شبيه رفعه ببيت سمعناه ممن يوثق بعربيته
يرويه لقومه قال :عذيرك من مولى إذا نمت لم ينم يقول الخنا أو تعتريك زنابره فلم يحمل الكلم على اذعرين ولكنه
قال :إنما عذرك إياي من مولى هذا أمره.
ومثله قول الشاعر :أهاجيتم حسان عند ذكائه فغي لولد الحماس طويل وفيه المعنى الذي يكون في المنصوب كما أن
قولك :رحمة ال عليه فيه معنى الدعاء كأنه قال :رحمه ال.
99
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ل وما أشبه هذا.
وذلك قولك :ترباً وجند ً
فإن تفسيراً ههنا كتفسيرها في الباب الول كأنه قال :ألزمك ال وأطعمك ال ترباً وجندلً وما أشبه " من الفعل "
واختزل الفعل ها هنا لنهم جعلوه بدلً من قولك :تربت يداك " وجندلت ".
وقد رفعه بعض العرب فجعله مبتدأ مبنياً عليه ما بعده قال الشاعر :لقد ألب الواشون ألباً لبينهم فترب لفواه الوشاة
وجندل وفيه ذلك المعنى الذي في المنصوب كما كان ذلك في الول.
ومن ذلك قول العرب :فاها لفيك وإنما تريد :فا الداهية كأنه قال :ترباً لفيك فصار بدلً من اللفظ بالفعل وأضمر له كما
أضمر للترب والجندل فصار بدلً من اللفظ بقوله :دهاك ال.
وقال أبو سدرة " الهجمي " :تحسب هواس وأقبل أنني بها مفتد من واحد ل أغامره فقلت له :فاها لفيك فإنها قلوص
امرئ قاريك ما أنت حاذره ويدلك على أنه يريد به الداهية قوله وهو عامر ابن الحوص :وداهية من دواهي المنو -ن
ترهبها الناس ل فالها فجعل للداهية فما حدثنا بذلك من يوثق به.
وذلك قولك :هنيئاً مرياً " كأنك قلت :ثبت لك هنيئاً مريئاً وهنأه ذلك هنيئاً ".
وإنما نصبته لنه ذكر " لك " خيرا أصابه رجل فقلت :هنيئاً مريئاً كأنك قلت :ثبت ذلك له هنيئاً مريئاً أو هنأه ذلك هنيئاً
فاختزل الفعل لنه صار بدلً من اللفظ بقولك :هنأك.
ويدلك على أنه على إضمار هنأك ذلك هنيئًا قول الشاعر وهو الخطل :إلى إمام تغادينا فواضله أظفره ال فليهنئ له
الظفر كأنه إذا قال :هنيئاً له الظفر فقد قال :ليهنئ له الظفر وإذا قال :ليهنئ له الظفر فقد قال :هنيئاً له الظفر فكل واحد
منهما بدل من صاحبه فلذلك اختزلوا الفعل هنا كما اختزلوه في قولهم :الحذر.
فالظفر والهنئ عمل فيهما الفعل والظفر بمنزلة السم في قوله :هنأه ذلك حين مثل.
وكذلك قول الشاعر :هنيئاً لرباب البيوت بيوتهم وللعزب المسكين ما يتلمس باب ما جرى من المصادر المضافة مجرى
المصادر المفردة المدعو بها وذلك :ويلك وويحك وويسك وويبك.
ومثل ذلك :عددتك وكلتك " ووزنتك " ول تقول :وهبتك لنهم لم يعدوه.
وهذا حرف ل يتكلم به مفرداً إل أن يكون على ويلك وهو قولك :ويلك وعولك ول يجوز :عولك.
هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر في غير الدعاء
من ذلك قولك :حمداً وشكرًا ل كفراً وعجبًا وأفعل ذلك وكرامة ومسرة ونعمة عين وحباً ونعام عين ول أفعل ذاك ول
كيداً ول همًا ولفعلن ذاك ورغماً وهواناً.
100
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإنما ينتصب هذا على إضمار الفعل كأنك قلت :أحمد ال حمداً وأشك ال شكرًا وكأنك قلت :أعجب عجباً وأكرمك كرامة
وأسرك مسرة ول أكاد كيدًا ول أهم هماً وأرغمك وإنما اختزل الفعل ههنا لنهم جعلوا هذا بدلً من اللفظ بالفعل كما
فعلوا ذلك في باب الدعاء.
كأن قولك :حمدًا في موضع أحمد ال وقولك :عجباً منه في موضع أعجب منه وقوله :ول كيداً في موضع ول أكاد ول
أهم.
وزعم يونس أن رؤبة ابن العجاج كان ينشد هذا البيت رفعاً وهو لبعض مذحج " وهو هني ابن أحمر الكناني " :عجب
لتلك قضية وإقامتي فيكم على تلك القضية أعجب وسمعنا بعض العرب الموثوق به يقال له :كيف أصبحت فيقول :حمد
ال وثناء عليه كأنه يحمله على مضمر في نيته هو المظهر كأنه يقول :أمري " وشأني " حمد ال وثناء عليه.
ولو نصب لكان الذي في نفسه الفعل ولم يكن مبتدأ لبيني عليه ول ليكون مبنياً على شيء هو ما أظهر.
وهذا مثل بيت سمعناه من بعض العرب الموثوق به يرويه :فقالت حنان ما أتى بك ههنا أذو نسب أم أنت بالحي عارف
لم ترد حن ولكنها قالت :أمرنا حنان أو ما يصيبنا حنان.
ومثله في أنه على البتداء وليس على فعل قوله عز وجل " :قالوا معذرة إلى ربكم ".
لم يريدوا أن يعتذروا اعتذاراً مستأنفاً من أمر ليموا عليه ولكنهم قيل لهم " :لم تعظون " قوماً " قالوا :موعظتنا معذرة
إلى ربكم.
ولو قال رجل لرجل :معذرة إلى ال وإليك من كذا وكذا يريد اعتذاراً لنصب.
ومثل ذلك قول الشاعر :يشكو إلى جملى طول السرى صبر جميل فكلنا مبتلى والنصب أكثر وأجود لنه يأمره.
ومثل الرفع " فصبر جميل وال المستعان " كأنه يقول :المر صبر جميل.
والذي يرفع عليه حنان وصبر وما أشبه ذلك ل يستعمل إظهاره وترك إظهاره كترك إظهار ما ينصب فيه.
ومثله قول بعض العرب :من أنت زيد أي من أنت كلمك زيد فتركوا إظهار الرافع كترك إظهار الناصب ولن فيه ذلك
المعنى وكان بدلً من اللفظ بالفعل وسترى مثله إن شاء ال.
ولكنها مصادر وضعت موضعًا واحداً ل تتصرف في الكلم تصرف ما ذكرنا من المصادر.
وذلك قولك :سبحان ال ومعاذ ال وريحانه وعمرك ال إل فعلت " وقعدك ال إل فعلت " كأنه حيث قال :سبحان ال
قال :تسبيحاً وحيث قال :وريحانه قال :واسترزاقاً لن معنى الريحان الرزق.
101
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فنصب هذا على أسبح ال تسبيحاً واسترزق ال استرزاقاً فهذا بمنزلة سبحان ال وريحانه وخزل الفعل ههنا لنه بدل من
اللفظ بقوله :سبحك واسترزقك.
وعياذاً انتصب على أعوذ بال عياذاً ولكنهم لم يظهروا الفعل ههنا كما لم يظهر في الذي قبله.
قال :عمرتك ال بمنزلة نشدتك ال فصارت عمرك ال منصوبة بعمرتك ال كأنك قلت :عمرتك عمرًا ونشدتك نشداً
ولكنهم خزلوا الفعل لنهم جعلوه بدلً من اللفظ به.
قال الشاعر :عمرتك ال إذا ما ذكرت لنا هل كنت جارتنا أيام ذي سلم فقعدك ال يجري هذا المجرى وإن لم يكن له فعل.
وكأن قوله :عمرك ال وقعدك ال بمنزلة نشدك ال وإن لم يتكلم بنشدك ال ولكن زعم الخليل رحمه ال أن هذا تمثيل
يمثل به.
قال الشاعر ابن أحمر :عمرتك ال الجليل فإنني ألوي عليك لو أن لبك يهتدي والمصدر النشدان والنشدة.
وهذا ذكر معنى " سبحان " وإنما ذكر ليبين لك وجه نصبه وما أشبهه.
زعم أبو الخطاب أن سبحان ال كقولك :براءة ال من السوء كأنه يقول " :أبرئ " براءة ال من السوء.
وزعم أن مثله قول الشاعر وهو العشى :أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر أي براءة منه.
وأما ترك التنوين في سبحان فإنما ترك صرفه لنه صار عندهم معرفة وانتصابه كانتصاب الحمد ل.
وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل :سلماً تريد تسلماً منك كما قلت :براءة منك تريد :ل ألتبس بشيء من أمرك.
وزعم أن أبا ربيعة كان يقول :إذا لقيت فلنًا فقل " له " سلماً.
وزعم أن هذه الية " :وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما " بمنزلة ذلك لن الية فيما زعم مكية ولم يؤمر المسلمون
يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قولك " :براءة منكم " وتسلما ل خير بيننا وبينكم ول شر.
وزعم أن قول الشاعر وهو أمية بن أبي الصلت :سلمك ربنا في كل فجر بريئاً ما تغنثك الذموم على قوله :براءتك ربنا
من كل سوء.
فكل هذا ينتصب انتصاب حمداً وشكراً إل أن هذا يتصرف وذاك ل يتصرف.
ونظير سبحان ال في البناء من المصادر والمجرى ل في المعنى " غفران " لن بعض العرب يقول :غفرانك ل
كفرانك يريد استغفارًا ل كفراً.
ومثل هذا قوله جل ثناؤه " :ويقولون حجراً محجوراً أي حراماً محرماً يريدبه البراءة من المر ويبعد عن نفسه أمراً
فكأنه قال :أحرم ذلك حراماً محرماً.
102
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل :أتفعل كذا وكذا فيقول :حجراً أي ستراً وبراءة من هذا.
فهذا ينتصب على إضمار الفعل ولم يرد أن يجعله مبتدأ خبره بعده ول مبنياً على اسم مضمر.
واعلم أن من العرب من يرفع سلماً إذا أراد معنى المبارأة كما رفعوا حنان.
سمعنا بعض العرب يقول " لرجل " :ل تكونن مني " في شيء " إل سلم بسلم أي أمري وأمرك المبارأة والمتاركة.
وتركوا لفظ ما يرفع كما تركوا فيه لفظ ما ينصب لن فيه ذلك المعنى ولنه بمنزلة لفظك بالفعل.
وقد جاء سبحان منوناً مفرداً في الشعر قال الشاعر وهو أمية ابن أبي الصلت :سبحانه ثم سبحاناً يعود له وقبلنا سبح
الجودي والجمد شبهه بقولهم :حجراً وسلماً.
وأما سبوحاً قدوساً رب الملئكة والروح فليس بمنزلة سبحان ال لن السبوح والقدوس اسم ولكنه على قوله :أذكر
سبوحاً قدوساً.
وذاك أنه خطر على باله أو ذكره ذاكر فقال :سبوحاً أي ذكرت سبوحًا كما تقول :أهل ذاك إذا سمعت الرجل ذكر الرجل
بثناء أو يذم كأنه قال :ذكرت أهل ذاك لنه حيث جرى ذكر الرجل " في منطقه " صار عنده بمنزلة قوله :أذكر فلنًا أو
ذكرت فلناً.
كما أنه حيث أنشد ثم قال :صادقاً صار النشاد عنده بمنزلة قال ثم قال :صادقاً وأهل ذاك فحمله على الفعل متابعاً للقائل
والذاكر.
فكذلك :سبوحاً قدوساً كأن نفسه " صارت " بمنزلة الرجل الذاكر والمنشد حيث خطر على باله الذكر ثم قال :سبوحاً
قدوساً أي ذكرت سبوحاً متابعاً لها فيما ذكرت وخطر على بالها.
وخزلوا الفعل لن هذا الكلم صار عندهم بدلً من سبحت كما كان مرحباً بدلً من رحبت بلدك وأهلت.
ومن العرب من يرفع فيقول :سبوح قدوس " رب الملئكة والروح " كما قال :أهل ذاك وصادق وال.
ومثل ذلك :خير ما رد في أهل ومال " وخير ما رد في أهل ومال " أجري مجرى خير مقدم وخير مقدم.
ومما ينتصب فيه المصدر على إضمار الفعل المتروك إظهاره ولكنه في معنى التعجب قولك :كرماً وصلفاً كأنه قال:
ألزمك ال وأدام لك كرمًا وألزمت صلفاً ولكنهم خزلوا الفعل ههنا كما خزلوه في الول لنه صار بدلً من قولك :أكرم
به وأصلف به كما انتصب مرحباً.
وقلت " لك " كما قلت " بك " بعد مرحباً لتبين من تعني فصار بدلً في اللفظ من رحبت " بلدك.
وسمعت أعرابياً وهو أبو مرهب يقول :كرماً وطول أنف أي أكرم بك وأطول بأنفك ".
باب يختار فيه أن تكون المصادر مبتدأة مبنياً عليها ما بعدها وما أشبه المصادر من السماء والصفات وإنما استحبوا
الرفع فيه لنه صار معرفة وهو خبر فقوي في البتداء بمنزلة عبد ال والرجل الذي تعلم لن البتداء إنما هو خبر
وأحسنه إذا اجتمع نكرة ومعرفة أن يبتدئ بالعرف وهو أصل الكلم.
103
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولو قلت :رجل ذاهب لم يحسن حتى تعرفه بشيء فتقول :راكب من بني فلن سائر.
وتبيع الدار فتقول :حد منها كذا وحد منها كذا فأصل البتداء للمعرفة.
فلما أدخلت فيه اللف واللم وكان خبراً حسن البتداء وضعف البتداء بالنكرة إل أن يكون فيه معنى المنصوب.
وليس كل حرف يصنع به ذاك كما أنه ليس كل حرف يدخل فيه اللف واللم من هذا الباب.
واعلم أن الحمد ل وإن ابتدأته ففيه معنى المنصوب وهو بدل من اللفظ بقولك :أحمد ال.
وأما قوله :شيء ما جاء بك فإنه يحسن وإن لم يكن على فعل مضمر لن فيه معنى ما جاء بك إل شيء.
وقد ابتدئ في الكلم على غير ذا المعنى وعلى غير ما فيه معنى المنصوب وليس بالصل قالوا في مثل " :أمت في
الحجر ل فيك ".
ومن العرب من ينصب باللف واللم من ذلك قولك :الحمد ل فينصبها عامة بني تميم وناس وسمعنا العرب الموثوق
بهم يقولون :التراب لك والعجب لك.
فتفسير نصب هذا كتفسيره حيث كان نكرة كأنك قلت :حمداً وعجباً ثم جئت بلك لتبين من تعني ولم تجعله مبنياً عليه
فتبتدئه.
يجري مجرى ما فيه اللف واللم من المصادر والسماء وذلك قولك :سلم عليك ولبيك وخير بين يديك وويل لك وويح
لك وويس لك وويلة لك وعولة لك وخير له وشر له و " لعنة ال على الظالمين ".
فهذه الحروف كلها مبتدأ مبني عليها ما بعدها والمعنى فيهن أنك ابتدأ شيئاً قد ثبت عندك ولست في حال حديثك تعمل في
إثباتها وتزجيتها وفيها ذلك المعنى كما أن حسبك فيها معنى النهي وكما أن رحمه ال عليه فيه معنى رحمة ال.
فهذا المعنى فيها ولم تجعل بمنزلة الحروف التي إذا ذكرته كنت في حال ذكرك إياها تعمل في إثباتها وتزجيتها كما أنهم
لم يجعلوا سقياً ورعياً بمنزلة هذه الحروف فإنما تجريها كما أجرت العرب وتضعها في المواضع التي وضعن فيها ول
تدخلن فيها ما لم يدخلوا من الحروف.
أل أترى أنك لو قلت :طعاماً لك وشرابًا لك ومالً لك تريد معنى سقيًا أو معنى المرفوع الذي فيه معنى الدعاء لم يجز
لنه لم يستعمل هذا الكلم كما استعمل ما قبله.
فهذا يدلك ويبصرك أنه ينبغي لك أن تجري هذا الحروف كما أجرت العرب وأن تعني ما عنوا " بها ".
فكما لم يجز أن يكون كل حرف بمنزلة المنصوب الذي أنت في حال ذكرك إياه تعمل في إثباته وتزجيته ولم يجز لك أن
تجعل المنصوب بمنزلة المرفوع.
104
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل الرفع " :طوبى لهم وحسن مآب " يدلك على رفعها رفع حسن مآب.
وأما قوله تعالى جده " :ويل يومئذ للمكذبين " و " ويل للمطففين " فإنه ل ينبغي أن تقول إنه دعاء ههنا لن الكلم بذلك
قبيح واللفظ " به " قبيح ولكن العباد إنما كلموا بكلمهم وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون فكأنه وال أعلم قيل لهم:
ويل للمطففين وويل " يومئذ " للمكذبين أي هؤلء ممن وجب هذا القول لهم لن هذا الكلم إنما يقال لصاحب الشر
والهلكلة فقيل :هؤلء ممن دخل في الشر والهلكة ووجب لهم هذا.
ومثل ذلك " قوله تعالى " " :فقول له قولً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ".
فالعلم قد أتى من وراء ما يكون ولكن اذهبا أنتما في رجائكما وطمعكما ومبلغكما من العلم وليس لهما أكثر من ذا ما لم
يعلما.
وتقول :ويل له ويل طويل فإن شئت جعلته بدلً من المبتدأ الول وإن شئت جعلته صفة له وإن شئت قلت :ويل لك ويلً
طويلً تجعل الويل الخر غير مبدول ول موصوف به ولكنك تجعله دائماً أي ثبت لك الويل دائماً.
ومن هذا الباب :فداء لك أبي وأمي وحمي لك أبي ووقاء لك أمي.
ول تقول :عولة لك إل أن يكون قبلها ويلة لك ول تقول :عول لك حتى تقول :ويل لك لن ذا يتبع ذا كما أن ينوءك يتبع
يسوءك ول يكون ينوءك مبتدأ.
واعلم أن بعض العرب يقول :ويلً له وويلة له وعولة لك ويجريها مجرى خيبة.
من ذلك قول الشاعر وهو جرير :كسا اللؤم تيماً خضرة في جولدها فويلً لتيم من سرابيلها الخضر ويقول الرجل :يا
ويله! فيقول الخر :ويلً كيلً! كأنه يقول :لك ما دعوت به ويلً كيلً.
يدلك على ذلك قولهم إذا قال يا ويله :نعم ويلً كيلً أي كذلك أمرك أو لك الويل ويلً كيلً.
وربما قالوا :يا ويلً كيلً وإن شاء جعله على قوله :جدعًا وعقراً.
فوضعوا الكلم فيه على غير ما وضعت العرب وذلك قولك :ويح له وتب وتباً لك وويحاً.
فجعلوا التب بمنزلة الويح وجعلوا ويح بمنزلة التب فوضعوا كل واحد منهما على غير الموضع الذي وضعته العرب.
ول بد لويح مع قبحها من أن تحمل على تب لنها إذا ابتدأت لم يجز حتى يبنى عليها كلم وإذا حملتها على النصب كنت
تبنيها على شيء مع قبحها.
فإذا قلت :ويح له ثم ألحقتها التب فإن النصب فيه أحسن لن تباً إذا نصبتها فهي مستغنية عن لك فإنما قطعتها من أول
الكلم كأنك قلت :وتباً لك فأجريتها على ما أجرتها العرب.
ول تشبهها لن تباً تستغنى عن لك ول تستغنى ويح عنها فإذا قلت :تباً له وويح له فالرفع ليس فيه كلم ول يختلف
النحويون في نصب التب إذا قلت :ويح له وتباً له.
105
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فهذا يدلك على أن النصب في تب فيما ذكرنا أحسن لن " له " لم يعمل في التب.
كان فيه اللف واللم أو لم يكن فيه على إضمار الفعل المتروك إظهاره لنه يصير في الخبار وذلك قولك :ما أنت إل
سيراً وإل سيراً سيراً وما أنت إل الضرب الضرب وما أنت إل قتل قتل وما أنت إل سير البريد " سير البريد ".
ل وما أنت إل تفعل الفعل ولكنهم حذفوا الفعل لما ذكرت لك.
فكأنه قال في هذا كله :ما أنت إل تفعل فع ً
وصار في الستفهام والخبر بمنزلته في المر والنهي لن الفعل يقع ههنا كما يقع فيهما وإن كان المر والنهي أقوى
لنهما ل يكونان بغير فعل فلم يمتنع المصدر ههنا " أن ينتصب " لن العمل يقع ههنا مع المصدر في الستفهام "
والخبر كما يقع في المر والنهي والخر غير الول كما كان ذلك في المر والنهي إذا قلت :ضرباً فالضرب غير
المأمور ".
وتقول :زيد سيراً سيراً وإن زيداً سيراً سيرًا وكذلك في ليت ولعل ولكن وكأن وما أشبه ذلك " وكذلك إن قلت :أنت
الدهر سيراً سيراً " وكان عبد ال الدهر سيراً سيراً وأنت مذ اليوم سيراً سيراً.
واعلم أن السير إذا كنت تخبر عنه في هذا الباب فإنما تخبر بسير متصل بعض ببعض في أي الحوال كان.
وأما قولك :إنما أنت سير فإنما جعلته خبراً لنت ولم تضمر فعلً.
ومن ذلك قولك :ما أنت إل شرب البل وما أنت إل ضرب الناس وما أنت إل ضرباً الناس.
وأما شرب البل فل ينون لنك لم تشبهه بشرب البل وأن الشرب ليس بفعل يقع منك على البل.
ونظير ما انتصب قول ال عز وجل في كتابه " :فإما منا بعد وإما فداء " إنما انتصب على :فإما تمنون مناً وإما تفادون
فداء ولكنهم حذفوا الفعل لما ذكرت لك.
ومثله قول " الشاعر وهو " جرير :ألم تعلم مسرحي القوافي فل عياً بهن ول اجتلبا كأنه نفى قوله :فعياً بهن واجتلبا
أي فأنا أعيا بهن وأجتلبهن اجتلباً ولكنه نفى هذا حين قال " :فل ".
وإن شئت رفعت هذا كله فجعلت الخر هو الول فجاز على سعة الكلم.
من ذلك قول الخنساء :ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار فجعلها القبال والدبار فجاز على سعة
الكلم كقولك :نهارك صائم وليلك قائم.
لعمري وما دهري بتأبين هالك ول جزع مما أصاب فأوجعا جعل دهره الجزع.
106
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما أراد :وما دهري دهر جزع ولكنه جاز على سعة الكلم واستخفوا واختصوا كما فعل ذلك فيما مضى.
وأما ما ينتصب في الستفهام من هذا الباب فقولك :أقياماً يا فلن والناس قعود وأجلوساً والناس يعدون ل يريد أن يخبر
أنه يجلس ول أنه قد جلس وانقضى جلوسه ولكنه يخبر أنه في تلك الحال في جلوس وفي قيام.
وقال الراجز وهو العجاج :أطرباً وأنت قنسري وإنما أراد :أتطرب أي أنت في حال طرب ولم يرد أن يخبر عما مضى
ول عما يستقبل.
ومن ذلك قول بعض العرب " :أغدة كغدة البعير وموتاً في بيت سلولية " كأنه إنما أراد :أأغد غدة كغدة البعير وأموت
موتاً في بيت سلولية.
وقال جرير :أعبداً حل في شعبي غريباً ألؤماً ل أبا لك واغترابًا يقول :أتلؤم لؤماً وأتغترب اغترابا وحذف الفعلين في
هذا الباب لنهم جعلوه بدلً من اللفظ " وأما عبداً فيكون على ضربين :إن شئت على النداء وإن شئت على قوله :أتفتخر
عبداً ثم حذف الفعل ".
وكذلك إن أخبرت ولم تستفهم تقول :سيراً سيراً عنيت نفسك أو غيرك وذلك أنك رأيت رجلً في حال سير أو كنت في
حال سير أو ذكر رجل يسير أو ذكرت أنت بسير وجرى كلم يحسن بناء هذا عليه كما حسن في الستفهام.
لنك إنما تقول :أطرباً وأسيراً إذا رأيت ذلك من الحال أو ظننته فيه.
وعلى هذا يجري هذا الباب إذا كان خبراً أو استفهاماً إذا رأيت رجلً في حال سير أو ظننته فيه فأثبت ذلك له.
ومعنى هذا الباب أنه فعل متصل في حال ذكرك إياه استفهمت أو أخبرت وأنك في حال ذكرك شيئاً من هذا الباب تعمل
في تثبيته لك أو لغيرك.
ومثل ما تنصبه في هذا الباب وأنت تعني نفسك قول الشاعر :سماع ال والعلماء أني أعوذ بحقو خالك يا ابن عمرو
وذلك أنه جعل نفسه في حال من يسمع فصار بمنزلة من رآه في حال سير فقال :إسماعا ال
استفهمت أو لم تستفهم وذلك قولك :أقائماً وقد قعد الناس وأقاعداً وقد سار الركب.
وكذلك إن أردت هذا المعنى ولم تستفهم تقول :قاعداً علم ال وقد سار الركب وقائماً قد علم ال وقد قعد الناس.
وذلك أنه رأى رجلً في حال قيام أو حال قعود فأراد أن ينبهه فكأنه لفظ بقوله :أتقوم قائماً وأتقعد قاعداً ولكنه حذف
استغناء بما يرى من الحال وصار السم بدلً من اللفظ بالفعل فجرى مجرى المصدر في هذا الموضع.
ومثل ذلك :عائذاً بال من شرهاً كأنه رأى شيئاً يتقى فصار عند نفسه في حال استعاذة حتى صار بمنزلة الذي رآه في
حال قيام وقعود لنه يرى نفسه في تلك الحال فقال :عائذاً " بال " كأنه قال :أعوذ بال عائذاً بال ولكنه حذف الفعل لنه
بدل من قوله :أعوذ بال فصار هذا يجري ها هنا مجرى عياذاً بال.
107
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإذا ذكرت شيئاً من هذا الباب فالفعل متصل في حال ذكرك وأنت تعمل في تثبيته لك أو لغيرك في حال ذكرك إياه كما
كنت في باب حمداً وسقيًا وما أشبهه إذا ذكرت شيئاً منه في حال تزجيه وإثبات وأجريت عائذاً " بال " في الضمار
والبدل مجرى المصدر كما كان هنيئاً بمنزلة المصدر فيما ذكرت لك.
وقال الشاعر وهو عبد ال بن الحارث السهمي من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم :ألحق عذابك بالقوم الذي
طغوا وعائذاً بك أن يعلوا فيطغوني فكأنه قال :وعياذاً بك.
ومثله قوله :أراك جمعت مسألة وحرصاً وعند الحق زحاراً أنانا كأنه قال " :تزحر " زحيراً و " تئن " أنيناً " ثم وضعه
مكان هذا أي أنت عند الحق هكذا ".
هذا باب ما جرى من السماء التي لم تؤخذ من الفعل مجرى السماء التي أخذت من الفعل
وإنما هذا أنك رأيت رجلً في حال تلون وتنقل فقلت :أتميماً مرة وقيسياً أخرى كأنك قلت :أتحول تميمياً مرة وقيسياً
أخرى.
فأنت في هذه الحال تعمل في تثبين هذا له وهو عندك في تلك الحال في تلوم وتنقل وليس يسأله مسترشداً عن أمر هو
جاهل به ليفهمه إياه ويخبره عنه ولكنه وبخه بذلك.
وحدثنا بعض العرب أن رجلً من بني أسد قال يوم جبلة واستقبله بعير أعور فتطير " منه " فقال :يا بني أسد أعور وذا
ناب! فلم يرد أن يسترشدهم ليخبروه عن عوره وصحته ولكنه نبههم كأنه قال :أتستقبلون أعور وذا ناب! فالستقبال في
حال تنبيهه إياهم كان واقعاً كما كان التلون والتنقل عندك ثابتين في الحال الول وأراد أن يثبت لهم العور ليحذوره.
ومثل ذلك قول الشاعر :أفي السلم أعياراً جفاء وغلظة وفي الحرب أشباه الماء العوارك أي تنقلون وتلونون مرة كذا
ومرة كذا.
وقال :أفي الولئم أولداً لواحدة وفي العيادة أولداً لعلت وأما قول الشاعر :أعبداً حل في شعبي غريبًا فيكون على
وجهين :على النداء على أنه رآه في حال افتخار واجتراء فقال :أعبداً أي أتفخر عبداً كما قال :أتميمياً " مرة ".
وإن أخبرت في هذا الباب على هذا الحد نصبت أيضاً كما نصب في حال الخبر السم الذي أخذ من الفعل وذلك قولك:
تميمياً قد علم ال مرة وقيسياً أخرى.
فلم ترد أن تخبر القوم بأمر قد جهلوه ولكنك أردت أن تشتمه بذلك فصار بدلً من اللفظ بقولك :أتتم مرة وتتقيس أخرى
وأتمضون وقد استقبلكم هذا وتنقلون وتلونون فصار هذا كهذا كما كان ترباً وجندلً بدلً من اللفظ بتربت وجندلت لو تكلم
بهما.
ولو مثلت ما نصبت عليه العيار والعور في البدل من اللفظ لقلت :أتعيرون مرة وأتعورون إذا أوضحت معناه لنك
إنما تجريه مجرى ما له فعل من لفظه وقد يجرى مجرى الفعل ويعمل عمله ولكنه كان أحسن أن توضحه بما يتكلم به
إذا كان ل يغير معنى الحديث.
وكذلك هذا النحو ولكنه يترك استغناء بما يحسن من الفعل الذي ل ينقض المعنى.
وأما قوله جل وعز " :بلى قادرين " فهو على الفعل الذي أظهر كأنه قال :بلى نجمعها قادرين.
108
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما قوله وهو الفرزدق :فإنما أراد :ول يخرج فيما أستقبل كأنه قال :ول يخرج خروجاً.
أل تراه ذكر " عاهدت " في البيت الذي قبله فقال :ألم ترني عاهدت ربي وإنني لبين رتاج قائماً ومقام ولو حمله على أنه
نفى شيئاً هو فيه ولم يرد أن يحمله على عاهدت جاز.
وإلى هذا الوجه كان يذهب عيسى فيما نرى لنه لم يكن يحمله على عاهدت.
فإذا قلت :ما أنت إل قائم وقاعد وأنت تميمي مرة وقيسي أخرى وإني عائذ بال ارتفع.
هذا كله ليس فيه إل الرفع لنه مبني على السم الول والخر هو الول فجرى عليه.
وزعم يونس أن من العرب من يقول :عائذ بال يريد :أنا عائذ بال كأنه أمر قد وقع بمنزلة الحمد ل وما أشبهه.
وزعم الخليل رحمه ال أن رجلً لو قال :أتميمي يريد " :أنت " ويضمرها لصاب.
وإنما كان النصب ها هنا الوجه لنه موضع يكون السم فيه عاقباً للفظ بالفعل فاختير فيه كما يختار فيما مضى من
المصادر التي في غير السماء.
فإن أظهر هذا المضمر لم يكن إل الرفع إذ جاز الرفع وأنت تضمر وجاز لك أن تحمل عليه المصدر وهو غيره في
قوله :أنت سر سير فلم يجز حيث أظهر السم عندهم إل الرفع كما أنه لو أظهر الفعل الذي هو بدل منه لم يكن إل نصباً.
فكما لم يجز في الضمار أن تضمر بعد الرفع ناصباً كذلك لم تضمر بعد الظهار وصار المبتدأ والفعل يعمل كل واحد
منهما على " حدة في هذا الباب ل يدخل واحد على " صاحبه.
باب ما يجيء من المصادر مثنى منتصبًا على إضمار الفعل المتروك إظهاره
وذلك قولك :حنانيك كأنه قال :تحننا بعد تحنن " كأنه يسترحمه ليرحمه " ولكنهم حذفوا الفعل لنه صار بدلً منه.
ول يكون هذا مثنى إل في حال إضافة كما لم يكن سبحان ال ومعاذ ال إل مضافاً.
قال الشاعر وهو طرفة بن العبد :أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض وزعم الخليل رحمه
ال أن معنى التثنية أنه أراد تحننا بعد تحنن كأنه قال :كلما كنت في رحمة وخير منك فل ينقطعن وليكن موصولً بآخر
من رحمتك.
ومثل ذلك :لبيك وسعديك وسمعنا من العرب من يقول :سبحان ال وحنانيه كأنه قال :سبحان ال واسترحاماً كما قال:
سبحان ال وريحانه يريد :واسترزاقه.
109
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما قولك :لبيك وسعديك فانتصب " هذا " كما انتصب سبحان ال وهو أيضاً بمنزلة قولك إذا أخبرت :سمعاً وطاعة.
ومن العرب من يقول :سمع وطاعة أي أمرى سمع وطاعة بمنزلة :فقالت حنان ما أتى بك هاهنا وكما قال :سلم.
والذي يرتفع عليه حنان وسمع وطاعة غير مستعمل كما أن الذي ينتصب عليه لبيك وسبحان ال غير مستعمل.
وإذا قال :سمعاً وطاعة فهو في تزجية السمع والطاعة كما قال :حمداً وشكراً على هذا التفسير.
ومثل ذلك :حذاريك كأنه قال :ليكن منك حذر بعد حذر كما أنه أراد بقوله لبيك وسعديك :إجابة بعد إجابة كأنه قال :كلما
أجبتك في أمر فأنا في " المر " الخر مجيب وكأن هذه التثنية أشد توكيداً.
ومثله إذا أنه قد يكون حالً وقع عليه الفعل قول الشاعر وهو عبد بني الحسحاس :إذا شق برد شق بالبرد مثله دواليك
حتى ليس للبرد لبس أي مداولتك ومداولة " لك ".
ومثله أيضاً :ضرباً هذاذيك وطعناً وخضًا ومعنى " تثنية " دواليك أنه فعل من اثنين لني إذا داولت فمن كل واحد منا
فعل.
وإن شاء حمله على أن الفعل وقع هذاً بعد هذا " فنصبه " على الحال.
وزعم يونس أن لبيك اسم واحد ولكنه جاء على " هذا " اللفظ في الضافة كقولك :عليك.
وزعم الخليل أنها تثنية بمنزلة حواليك لنا سمعناهم يقولون :حنان.
وبعض العرب يقول " :لب " فيجريه مجرى أمس وغاق ولكن موضعه نصب.
ولست تحتاج في هذا الباب إلى أن تفرد لنك إذا أظهرت السم تبين أنه ليس بمنزلة عليك وقد قالوا :حوالك " فأفردوا "
كما قالوا :حنان.
قال الراجز :أهدموا بيتك ل أبا لكا وحسبوا أنك ل أخا لكا وأنا أمشي الدألى حوالكا وقال :دعوت لما نابني مسوراً فلبي
فلبي يدي مسور فلو كان بمنزلة على لقال :فلبي يدي مسور لنك تقول :على زيد وإذا أظهرت السم.
وما اشتقا منه وإنما ذكر ليبين لك وجه نصبه كما ذكر معنى سبحان ال.
حدثنا أبو الخطاب أنه يقال للرجل المداوم على الشيء ل يفارقه ول يقلع عنه :قد ألب فلن على كذا وكذا.
110
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ويقال :قد أسعد فلن فلناً على أمره وساعده فاللباب والمساعدة دنو ومتابعة :إذا ألب على الشيء فهو ل يفارقه وإذا
أسعده فقد تابعه.
فكأنه إذا قال الرجل للرجل :يا فلن فقال :لبيك وسعديك فقد قال له :قرباً منك ومتابعة لك.
فهذا تمثيل وإن كان ل يستعمل في الكلم كما كان براءة ال تمثيلً لسبحان ال ولم يستعمل.
وكذلك إذا قال :لبيك وسعديك يعني بذلك ال عز وجل فكأنه قال :أي رب ل أنأى عنك في شيء تأمرني به.
وأما قوله :وسعديك فكأنه يقول :أنا متابع أمرك وأولياءك غير مخالف.
وإنما حملنا على تفسير لبيك وسعديك لنوضح به وجه نصبهما لنهما ليسا بمنزلة سقياً وحمدًا وما أشبه هذا.
أل ترى أنك تقول للسائل عن تفسير سقياً وحمداً :إنما هو سقاك ال سقياً وأحمد ال حمداً وتقول :حمداً بدل من أحمد ال
وسقياً بدل من سقاك ال.
ول تقدر أن تقول :ألبك لباً وأسعدك سعدًا ول تقول :سعداً بدل من أسعد ول لباً بدل من ألب.
فلما لم يكن ذاك فيه التمس له شيء من غير لفظه معناه كبراءة ال حين ذكرناها لنبين معنى سبحان ال.
فالتمست " ذلك " للبيك وسعديك واللفظ الذي اشتقا منه إذ لم يكونا فيه بمنزلة الحمد والسقي في فعلهما ول يتصرفان
تصرفهما.
فمعناهما القرب والمتابعة فمثلت بهما النصب في لبيك وسعديك كما مثلت ببراءة النصب في سبحان ال.
ومثل ذلك تمثيلك :أفة وتفة إذا سئلت عنهما بقولك :أنتنا لن معناهما وحدهما واحد مثل تمثيلك بهراً بتباً ودفراً بنتناً.
وأما قولهم :سبح ولبى وأفف فإنهما أراد أن يخبرك أنه قد لفظ بسبحان ال وبلبيك وبأف فصار هذا بمنزلة قوله :قد
دعدع وقد بأبأ إذا سمعته يلفظ بدع وبقوله :بأبي.
ويدلك على ذلك قولهم :هلل إذا قال :ل إله إل ال.
ولو كان هذا بمنزلة كلمته من الكلم لكان سبحان " ال " ولب وسعد مصادر مستعملة متصرفة في الجر والرفع
والنصب واللف واللم ولكن سبحت ولبيت بمنزلة هللت ودعدعت إذا قال :دع ول إله إل ال.
باب ما ينتصب فيه المصدر المشبه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره
وذلك قولك :مررت به فإذا له صوت صوت حمار ومررت به فإذا له صراخ صراخ الثكلى.
111
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
" و " قال الشاعر وهو النابغة الذبياني :مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد وقال :لها بعد
إسناد الكليم وهدئه ورنة من يبكى إذا كان باكيا فإنما انتصب هذا لنك مررت به في حال تصويت ولم ترد أن تجعل
الخر صفة للول ول بدلً منه.
ولكنك لما قلت :له صوت علم أنه قد كان ثم عمل فصار قولك :له صوت بمنزلة قولك :فإذا هو يصوت فحملت الثاني
على المعنى.
وهذا شبيه في النصب ل في المعنى بقوله تبارك وتعالى " :وجاعل الليل سكنًا والشمس والقمر حسبانا " لنه حين قال:
" جاعل الليل " فقد علم القارئ أنه على معنى جعل " فصار كأنه قال :وجعل الليل سكناً " وحمل الثاني على المعنى.
فكذلك " له " صوت فكأنه قال :فإذا هو يصوت " فحمله على المعنى فنصبه كأنه توهم بعد قوله له صوت :يصوت "
صوت الحمار أو يبديه أو يخرجه صوت حمار ولكنه حذف هذا لنه صار " له صوت " بدلً منه.
فإذا قلت :مررت به " فإذا هو " يصوت صوت الحمار فعلى الفعل غير حال.
فإن قلت :صوت حمار " فألقيت اللف واللم " فعلى إضمارك فعلً بعد الفعل المظهر سوى الفعل المظهر وتجعل
صوت حمار مثالً عليه يخرج الصوت أو حالً كما أردت ذلك حين قلت :فإذا له صوت.
وإن شئت أوصلت إليه يصوت فجعلته العامل فيه كقولك :يذهب ذهاباً.
ويدلك " على أنك " إذا قلت " :فإذا " له صوت صوت حمار فقد أضمرت فعلً بعد " له صوت " وصوت حمار
انتصب على أنه مثال أو حال يخرج عليه الفعل أنك إذا أظهرت الفعل الذي ل يكون المصدر بدلً منه احتجت إلى فعل
آخر تضمره.
فمن ذلك قول الشاعر :إذا رأتني سقط أبصارها دأب بكار شايحت بكارها ويكون على غير الحال " وإن شئت بفعل
مضمر كأنك قلت :تدأب فيكون أيضًا مفعولً وحالً كما يكون غير حال ".
فما ل يكون حالً ويكون على الفعل قول الشاعر وهو رؤبة :لوحها من بعد بدن وسنق تضميرك السابق يطوى للسبق "
وإن شئت كان على :أضمرها وإن شئت كان على :لوحها لن تلويحه تضمير ".
ومثله قوله وهو العجاج :ناج طواه الين مما وجفا طي الليالي زلفاً فزلفا سماوة الهلل حتى احقوقفا وقد يجوز أن
تضمر فعلً آخر كما أضمرت بعد " له صوت " يدلك على ذلك أنك لو أظهرت فعلً ل يجوز أن يكون المصدر مفعولً
عليه صار بمنزلة :له صوت وذلك قوله وهو أبو كبير ما إن يمس الرض إل منكب منه وحرف الساق طي المحمل
صار " ما إن يمس الرض " بمنزلة له طي لنه إذا ذكر ذا عرف أنه طيان.
وقد يدخل في صوت حمار :إنما أنت شرب البل " إذا " مثل " بقوله " :إنما أنت شرباً.
فما كان معرفة كان مفعولً ولم يكن حالً وشركته النكرة.
وإن شئت جعلته حالً عليه وقع المر وهو تشبيهه للول يدلك على ذلك أنك لو أدخلت " مثل " ههنا كان حسنًا وكان
نصباً فإذا أخرجت " مثل " قام المصدر النكرة مقام مثل لنه مثله نكرة فدخول مثل يدلك على أنه تشبيه.
112
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإذا قلت :فإذا هو يصوت صوت حمار فإن شئت نصبت على أنه مثال وقع عليه الصوت وإن شئت نصبت على ما
فسرنا وكان غير حال وكأن هذا جواب لقوله :على أي حال وكيف ومثله.
وكأنه قيل له :كيف وقع المر أو جعل المخاطب بمنزلة من قال ذلك فأراد أن يبين كيف وقع المر وعلى أي مثال
فانتصب وهو موقوع فيه وعليه وعمل فيه ما قبله وهو الفعل.
وإذا كان معرفة لم يكن حالً وكان على فعل مظهر إن جاز أن يعمل فيه أو على مضمر إن لم يجز المظهر كما ينتصب
" طي المحمل " على غير " يمس ".
وإن شئت قلت :له صوت صوت حمار وله صوت خوار ثور وذلك إذا جعلته صفة وإن كان معرفة لم يجز أن يكون
صفة لنكرة كما ل يكون حالً.
وزعم الخليل أنه يجز له صوت صوت الحمار على الصفة لنه تشبيه فمن ثم جاز أن توصف النكرة به.
وزعم الخليل رحمه ال أنه يجوز أن يقول الرجل :هذا رجل أخو زيد إذا أردت أن تشبهه بأخي زيد.
وهذا قبيح ضعيف ل يجوز إل في موضع الضطرار ولو جاز هذا لقلت :هذا قصير الطويل تريد :مثل الطويل.
فلم يجز هذا كما قبح أن تكون " المعرفة " حالً للنكرة إل في الشعر.
وهو في الصفة أقبح لنك تنقض ما تكلمت به فلم يجامعه في الحال كما فارقه في الصفة.
وذلك قولك :له علم علم الفقهاء وله رأي رأي الصلء.
وإنما كان الرفع في هذا الوجه لن هذه خصال تذكرها في الرجل كالحلم والعلم والفضل ولم ترد أن تخبر بأنك مررت
برجل في حال تعلم ول تفهم ولكنك أردت أن تذكر الرجل بفضل فيه وأن تجعل ذلك خصلة قد استكملها كقولك :له
حسب حسب الصالحين لن هذه الشياء وما يشبهها صارت تحلية عند الناس وعلمات.
وإن شئت نصبت فقلت :له علم علم الفقهاء كأنك مررت به في حال تعلم وتفقه وكأنه لم يستكمل أن يقال :له عالم.
وإنما فرق بين هذا وبين الصوت لن الصوت علج وأن العلم صار عندهم بمنزلة اليد والرجل.
ويدلك على ذلك قولهم :له شرف وله دين وله فهم.
ولو أرادوا أنه يدخل نفسه في الدين ولم يستكمل أن يقال :له دين لقالوا :يتدين وليس بذلك ويتشرف وليس له شرف
ويتفهم وليس له فهم.
فلما كان هذا اللفظ للذين لم يستكملوا ما كان غير علج بعد النصب في قولهم :له علم علم الفقهاء.
113
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإذا قال :له علم علم الفقهاء فهو يخبر عما قد استقر فيه قبل رؤيته وقبل سمعه منه أو رآه يتعلم فاستدل بحسن تعلمه
على ما عنده من العلم ولم يرد أن يخبر أنه إنما بدأ في علج العلم في حال ليقه إياه لن هذا ليس مما يثنى به وإنما الثناء
في هذا الموضع أن يخبر بما استقر فيه ول يخبر أن أمثل شيء كان منه التعلم في حال لقائه.
هذا باب ما يختار فيه الرفع إذا ذكرت المصدر الذي يكون علجاً
وذلك نحو قولك :له صوت صوت حسن لنك إنما أردت الوصف كأنك قلت :له صوت حسن وإنما ذكرت الصوت
توكيداً ولم ترد أن تحمله على الفعل لما كان صفة وكان الخر هو الول كما قلت :ما أنت إل قائم وقاعد حملت الخر
على أنت لما كان الخر هو الول.
ومثل ذلك :له صوت أيما صوت وله صوت مثل صوت الحمار لن أيا والمثل صفة أبدا.
وإذا قلت :أيما صوت فكأنك قلت :له صوت حسن جداً وهذا صوت شبيه بذلك.
فالرفع في هذا أحسن لنك ذكرت اسماً يحسن أن يكون هذا الكلم منه يحمل عليه كقولك :هذا رجل مثلك وهذا رجل
حسن وهذا رجل أيما رجل.
وأما :له صوت صوت حمار فقد علمت أن صوت حمار ليس بالصوت الول وإنما " جاز " رفعه على سعة الكلم كما
جاز لك أن تقول :ما أنت إل سير.
فكأن الذين يقولون :صوت حمار اختاروا هذا كما اختاروا :ما أنت إل سيراً إذ لم يكن الخر هو الول فحملوه على فعله
كراهة أن يجعلوه من السم الذي ليس به كما كرهوا أن يقولوا :ما أنت إل سير إذا لم يكن الخر هو الول.
فحملوه على فعله فصار له صوت صوت حمار ينتصب على فعل مضمر كانتصاب " تضميرك السابق " على الفعل
المضمر.
وإن قلت :له صوت أيما صوت أو مثل صوت الحمار أو له صوت صوتاً حسناً جاز.
ويقوي ذلك أن يونس وعيسى جميعاً زعما أن رؤبة كان ينشد هذا البيت نصباً :فيها ازدهاف أيما ازدهاف يحمله على
الفعل الذي ينصب صوت حمار لن ذلك الفعل لو ظهر نصب ما كان صفة وما كان غير صفة لنه ليس باسم تحمل
عليه الصفات.
أل ترى أنه لو قال :مثل تضميرك أو مثل دأب بكار نصب.
فلما أضمروه فيما يكون غير الول أضمروه أيضًا فيما يكون هو الول كأنه قال :تزدهف أيما ازدهاف ولكنه حذفه لن
ل من الفعل.
له ازدهاف قد صار بد ً
وذلك قولك :هذا صوت صوت حمار لنك لم تذكر فاعلً ولن الخر هو الول حيث قلت " :هذا ".
114
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فالصوت هذا ثم قلت :هو صوت حمار لنك سمعت نهاقاً.
فل شك في رفعه.
وإن شبهت أيضاً فهو رفع لنك لم تذكر فاعلً يفعله وإنما ابتدأته كما تبتدئ السماء فقلت :هذا ثم بنيت عليه شيئاً هو هو
فصار كقوله :هذا رجل رجل حرب.
وإذا قلت :له صوت فالذي في اللم هو الفاعل وليس الخر به فلما بنيت أول الكلم كبناء السماء كان آخره أن يجعل
كالسماء أحسن وأجود فصار كقولك :هذا رأس رأس حمار وهذا رجل أخو حرب إذا أردت الشبه.
ومن ذلك :عليه نوح نوح الحمام على غير صفة لن الهاء التي في عليه ليست بفاعل كما أنك إذا قلت :فيها رجل فالهاء
ليست بفاعل فعل بالرجل شيئاً فلما جاء على مثال السماء كان الرفع الوجه.
يدلك على " ذلك " أن الرفع في هذا وفي عليه أحسن لنك إذا قلت :هذا أو عليه فأنت ل تريد أن تقول مررت بهذه
السماء تفعل فعلً ولكنك جعلت " عليه " موضعاً للنوح و " هذا " مبنى عليه نفسه.
ولو نصبت كان وجهاً لنه إذا قال :هذا صوت أو هذا نوح أو عليه نوح فقد علم أن مع النوح والصوت فاعلين فحمله
على المعنى كما قال :ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
ل وليس بفعل.
وذلك قولك :له يد الثور وله رأس رأس الحمار لن هذا اسم ول يتوهم على الرجل أنه يصنع يدًا ول رج ً
وذلك قولك :صوته صوت حمار وتلويحه تضميرك السابق ووجدي بها وجد الثكلى لن هذا ابتداء فالذي يبنى على
البتداء بمنزلة البتداء.
أل ترى أنك تقول :زيد أخوك فارتفاعه كارتفاع زيد أبدا فلما ابتدأه وكان محتاجاً إلى ما بعده لم يجعل بدلً من اللفظ
بيصوت وصار كالسماء.
قال الشاعر " وهو مزاحم العقيلي " :وجدي بها وجد المضل بعيره بنخلة لم تعطف عليه العواطف وكذلك لو قلت:
مررت به فصوته صوت حمار.
فإن قال :فإذا صوته يريد الوجه الذي يسكت عليه دخله نصب لنه يضمر بعد ما يستغنى عنه.
لنه عذر لوقوع المر فانتصب لنه موقوع له ولنه تفسير لما قبله لم كان وليس بصفة لما قبله ول منه فانتصب كما
انتصب درهم في قولك :عشرون درهماً.
وذلك قولك :فعلت ذاك حذار الشر وفعلت ذاك مخافة فلن وادخار فلن.
115
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
قال الشاعر هو " حاتم " بن عبد ال " الطائي :واغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما وقال الخر
وهو النابغة الذبياني :وحلت بيوتي في يفاع ممنع يخال به راعي الحمولة طائرا حذاراً على أن ل تنال مقادتي ول
نسوتي حتى يمتن حرائرا وقال آخر وهو الحارث بن هشام :فصفحت عنهم والحبة فيهم طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد
وقال الراجز وهو العجاج :والهول من تهول القبور وفعلت ذاك أجل كذا " وكذا ".
فهذا كله ينتصب لنه مفعول له كأنه قيل له :لم فعلت كذا " وكذا " فقال :لكذا " وكذا " ولكنه لما طرح اللم عمل فيه ما
قبله كما عمل في " دأب بكار " ما قبله حين طرح مثل وكان حالً.
وحسن فيه اللف واللم لنه ليس بحال فيكون في موضع فاعل حالً.
ول يشبه بما مضى من المصادر في المر والنهي ونحوهما لنه ليس في موضع ابتداء ول موضعاً يبنى على مبتدأ.
لنه حال وقع فيه المر فانتصب لنه موقوع فيه المر وذلك قولك :قتلته صبراً ولقيته فجاءة ومفاجأةً وكفاحاً ومكافحةً
ولقيته عياناً وكلمته مشافهةً وأتيته ركضاً وعدواً ومشياً وأخذت ذلك عنه سمعاً وسماعاً.
وليس كل مصدر وإن كان في القياس مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع لن المصدر ههنا في موضع
فاعل إذا كان حالً.
أل ترى أنه ل يحسن أتانا سرعةً ول أتانا رجلةً كما أنه ليس كل واطرد في هذا الباب الذي قبله لن المصدر هناك ليس
في موضع فاعل.
ومثل ذلك قول الشاعر وهو زهير بن أبي سلمى :فلياً بلي ما حملنا وليدنا على ظهر محبوك ظماء مفاصله كأنه يقول:
حملنا " وليدنا " لياً بلي كأنه يقول " :حملناه " جهداً بعد جهد.
واعلم أن هذا الباب أتاه النصب كما أتى الباب الول ولكن هذا جواب لقوله :كيف لقيته كما كان الول جواباً لقوله :لمه
وهذا ما جاء منه في اللف واللم وذلك قولك :أرسلها العراك.
قال لبيد بن ربيعة :فأرسلها العراك ولم يذدها ولم يشفق على نغص الدخال وليس كل المصادر في هذا الباب يدخله
اللف واللم كما أنه ليس كل مصدر في باب الحمد ل والعجب لك تدخله اللف واللم وإنما شبه بهذا حيث كان مصدراً
وكان غير السم الول.
وهذا ما جاء منه مضافاً معرفةً وذلك قولك :طلبته جهدك كأنه قال :اجتهاداً.
وليس كل مصدر يضاف كما أنه ليس كل مصدر تدخله اللف واللم في هذا الباب.
116
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك :فعله رأى عيني وسمع أذني قال ذاك.
وإن قلت :سمعاً جاز إذا لم تختص نفسك ولكنه كقولك :أخذته عنه سماعاً.
كالمضاف في الباب الذي يليه وذلك قولك :مررت به وحده ومررت بهم وحدهم ومررت برجل وحده.
ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز :مررت بهم ثلثتهم وأربعتهم وكذلك إلى العشرة.
وزعم الخليل رحمه ال أنه إذا نصب ثلثتهم فكأنه يقول :مررت بهؤلء فقط لم أجاوز هؤلء.
كما أنه إذا قال :وحده فإنما يريد :مررت به فقط لم أجاوزه.
وأما بنو تميم فيجرونه على السم الول :إن كان جراً فجراً وإن كان نصباً فنصباً وإن كان رفعاً فرفعاً.
وزعم الخليل أن الذين يجرونه فكأنهم يريدون أن يعموا كقولك :مررت بهم كلهم أي لم أدع منهم أحداً.
وزعم الخليل رحمه ال حيث مثل نصب وحده وخمستهم أنه كقولك :أفردتهم إفراداً.
ومثل خمستهم قول الشماخ :أتتني سليم قضها بقضيضها تمسح حولي بالبقيع سبالها كأنه قال :انقضاضهم " أي "
انقضاضاً.
وإنما ذكرنا الفراد في وحده والنقضاض في قضهم لنه إذا قال :قضهم فهو مشتق من في معنى النقضاض لنه كأنه
يقول :انقض آخرهم على أولهم.
وكذلك وحده إنما هو من معنى التفرد فكذلك أيضاً يكون خمستهم نصباً إذا أردت معنى النفراد فإن أردت أنك لم تدع
منهم أحداً جررت كما كان ذلك في قضهم.
هذا باب ما يجعل من السماء مصدراً كالمصدر الذي فيه اللف واللم
نحو العراك وهو قولك :مررت بهم الجماء الغفير والناس فيها الجماء الغفير.
وزعم الخليل رحمه ال أنهم أدخلوا اللف واللم في هذا الحرف وتكلموا به على نية مال تدخله اللف واللم وهذا جعل
كقولك :مررت بهم قاطبة ومررت بهم طراً " أي جميعاً إل أن هذا نكرة ل يدخله اللف واللم كما أنه ليس كل المصادر
بمنزلة العراك كأنه قال :مررت بهم جميعاً.
117
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فهذا تمثيل وإن لم يتكلم به.
فصار طراً " وقاطبة بمنزلة سبحان " ال " في بابه لنه ل يتصرف كما أن طراً وقاطبة ل يتصرفان وهما في موضع
المصدر ول يكونان معرفةً ولو كانا صفةً لجريا على السم أو بنيا على البتداء فلم يوجد ذا في الصفة.
وقد رأينا المصادر قد باب ما ينتصب أنه حال يقع فيه المر وهو اسم وذلك قولك :مررت بهم جميعاً وعمةً وجماعةً
كأنك قلت :مررت بهم قياماً.
وإنما فرقنا بين هذا الباب والباب الول لن الجميع وعامةً اسمان متصرفان تقول :كيف عامتكم وهؤلء قوم جميع.
فإذا كان السم حالً يكون فيه المر لم تدخله اللف واللم ولم يضف.
لو قلت :ضربته القائم تريد :قائماً كان قبيحاً ولو قلت :ضربتهم قائميهم تريد :قائمين كان قبيحاً.
فلما كان كذلك جعلوا ما أضيف ونصب نحو خمستهم بمنزلة طاقته وجهده " ووحده " وجعلوا الجماء الغفير بمنزلة
العراك وجعلوا قاطبة وطرا إذا لم يكونا اسمين بمنزلة الجميع وعامة كقولك :كفاحاً ومكافحة وفجاءة.
فجعلت هذه كالمصادر المعروفة البينة كما جعلوا عليك ورويدك كالفعل المتمكن وكما جعلوا سبحان ال ولبيك بمنزلة
حمداً وسقياً.
وزعم يونس أن وحده بمنزلة عنده وأن خمستهم والجماء الغفير وقضهم كقولك :جميعاً وليس مثله لن الخر هو الول
عند يونس في المسألة الولى وفاه إلى فى ههنا غير الول وأما طرا وقاطبة فأشبه بذلك لنه جيد أن يكون حالً غير
المصدر نكرة والذي نأخذ به الول.
وتقول :هو نسيج وحده لنه اسم مضاف إليه بمنزلة نفسه إذا قلت :هذا جحيش وحدة وجعل يونس نصب وحده كأنك
قلت :مررت برجل على حياله فطرحت " على " فمن ثم قال :هو مثل عنده.
ول يكون مثل جميعاً لما ذكرت لك وصار وحده بمنزلة خمستهم لنه مكان قولك :مررت به واحده " فقام وحده مقام
واحده ".
وذلك قولك :هذا عبد ال حقا وهذا زيد الحق ل الباطل وهذا زيد غير ما تقول.
وزعم الخليل رحمه ال أن قوله :هذا القول ل قولك إنما نصبه كنصب غير ما تقول لن " ل قولك " في ذلك المعنى.
118
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أل ترى أنك تقول :هذا القول ل ما تقول فهذا في موضع نصب.
ومثل ذلك في الستفهام :أجدك ل تفعل كذا وكذا كأنه قال :أحقا ل تفعل كذا وكذا وأصله من الجد كأنه قال :أجدا ولكنه ل
يتصلف ول يفارقه الضافة كما كان ذلك في لبيك ومعاذ ال.
وأما " غير ما تقول " فل تعرى من أن تكون في هذا الموضع مضافة إلى اسم معروف نحو قولك لنه لو قال غير قول
أول قولً لم يكن في هذا بيان لنه ليس كل قول باطل وإنما يريد أن يحقق الول بأمر معروف.
ولو قال :هذا المر غير قيل باطل كان حسنا لنه قد وكد أول كلمه بأمر معروف وقد اختصه فصار بمنزلة قولك :ل
قولك حين جعله مضافاً لنك قد اختصصته من جميع القول بإضافتك وأنه يسوغ أن يكون قوله باطل ول يسوغ أن
يكون جميع القوال باطل.
ومن ذلك قولك :قد قعد البتة ول يستعمل إل معرفة باللف واللم كما أن جهدك وأجدك ل يستعملن إل معرفة
بالضافة.
وأما الحق والباطل فيكونان معرفة باللف واللم ونكرة لنهما لم ينزل منزلة ما لم يتمكن من المصادر كسبحان
وسعديك ولكنهم أنزلوهما منزلة الظن وكذلك اليقين لنك تحقق به كما تفعل ذلك بالحق.
ومثل ذلك قول الحوص :إنى لمنحك الصدود وإننى قسماً إليك مع الصدود لميل وإنما صار توكيداً لنفسه لنه حين
قال :له على فقد أقر واعترف وحين قال :لميل علم أنه بعد حلف ولكنه قال :عرفاً وقسماً وتوكيداً كما " أنه إذا " قال:
سير عليه فقد علم أنه كان سير ثم قال :سيراً توكيداً.
واعلم أنه قد تدخل اللف واللم في التوكيد في هذه المصادر المتمكنة التي تكون بدلً من اللفظ بالفعل :كدخولها في
المر والنهي والخبر والستفهام فأجرها في هذا الباب مجراها هناك.
فأما المضاف فقول ال تبارك وتعالى " :وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع ال " وقال ال تبارك
وتعالى " :ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر ال ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
وقال جل ثناؤه " :والمحصنات من النساء إل ما ملكت أيمانكم كتاب ال عليكم ".
119
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
لنه لما قال جل وعز " :مر السحاب " وقال " :أحسن كل شيء " علم أنه خلق وصنع ولكنه وكد وثبت للعباد.
ولما قال " :حرمت عليكم أمهاتكم " حتى انقضى الكلم علم الخاطبون أن هذا مكتوب عليهم مثبت عليهم وقال :كتاب
ال توكيدا كما قال :صنع ال وكذلك :وعد ال لن الكلم الذي قبله وعد وصنع فكأنه قال جل وعز :وعدًا وصنعاً وخلقاً
وكتاباً.
وكذلك :دعوة الحق لنه قد علم أن قولك :ال أكبر دعاء الحق ولكنه توكيد كأنه قال :دعاء حقا.
قال رؤبة :إن نزارا أصبحت نزارا دعوة أبرار دعوا أبرارا لن قولك :أصبحت نزاراً بمنزلة :هم على دعوة بارة.
وقد زعم بعضهم أن كتاب ال " نصب " على قوله :عليكم كتاب ال.
وقال :قوم صبغة ال منصوبة على المر وقال بعضهم :ل بل توكيدا والصبغة :الدين.
وقد يجوز الرفع فيما ذكرنا أجمع على أن يضمر شيئاً هو المظهر كأنك قلت :ذاك وعد ال وصبغة ال أو هو دعوة الحق
على هذا ونحوه رفعه.
ومن ذلك قوله جل وعز " :كأن لم يلبثوا إل ساعة من نهار بلغ " كأنه قال :ذاك بلغ.
واعلم أن هذا الباب أتاه النصب كمنصوب بما قبله من المصادر في أنه ليس بصفة ول من اسم قبله وإنما ذكرته لتؤكد
به ولم تحمله على مضمر يكون ما بعده رفعاً وهو مفعول به.
ومثل نصب هذا الباب قول الشاعر وهو الراعى :دأبت إلى أن ينبت الظل بعد ما تقاصر حتى كاد في الل يمصح
وجيف المطايا ثم قلت لصحبتى ولم ينزلوا أبردتم فتروحوا لنه قد عرف أن قوله " دأبت " :سرت لما ذكر في صدر
قصيدته فصار دأبت بمنزلة أوجفت عنده فجعل وجيف المطايا توكيداً لوجفت الذي هو في ضميره.
واعلم أن نصب هذا " الباب " المؤكد به العام منه وما وكد به نفسه ينصب على إضمار فعل غير كلمك الول لنه
ليس في معنى كيف ول لم كأنه قال :أحق حقاً فجعله بدلً كظنا من أظن ول أقول قولك وأقول غير ما تقول وأتجد جدك
وكتب ال تبارك وتعالى كتابه وادعوا دعاء حقا وصبغ ال صبغة ولكن ل يظهر الفعل لنه صار بدلً منه بمنزلة سقيا.
وزعم الخليل رحمه ال أنه بمنزلة قولك :أنت الرجل علماً وديناً وأنت الرجل فهماً وأدباً أي أنت الرجل في هذه الحال.
ومن ذلك قولك :أما علماً فل علم له وأما علماً فل علم عنده وأما علماً فل علم وتضمر له لنك إنما تعني رجلً.
وقد يرفع هذا في لغة بني تميم والنصب في لغتها أحسن " لنهم يتوهمون الحال ".
120
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتقول :أما العلم فعالم بالعلم وأما العلم فعالم بالعلم.
فالنصب على أنك لم تجعل العلم الثاني العلم الول الذي لفظت به قبله كأنك قلت :أما العلم فعالم بالشياء.
وأما الرفع فعلى أنه جعل العلم الخر هو العلم الول فصار كقولك :أما العلم فأنا عالم به وأما العلم فما أعلمني به.
فإن جعلت الهاء غير العلم الول نصبت كأنك قلت :أما علماً فما أعلمني بعبد ال.
وإذا قلت :أما الضرب فضارب فهذا ينتصب على وجهين :على أن يكون الضرب مفعول كقولك :أما عبد ال فأنا
ضارب ويكون نصباً على قولك :أما علماً فعالم كأنك قلت :أما ضرباً فضارب فيصير كقولك :أما ضربا فذو ضرب.
وقد ينصب أهل الحجاز في هذا الباب باللف واللم لنهم قد يتوهمون في هذا الباب غير الحال وبنو تميم كأنهم ل
يتوهمون غيره فمن ثم لم ينصبوا في اللف واللم وتركوا القبح.
فكأن الذي توهم أهل الحجاز الباب الذي ينتصب لنه موقوع له نحو قولك فعلته مخافة ذلك.
وذلك قولهم :أما النبل فنبيل وأما العقل فهو الرجل الكامل كأنه قال :هو الرجل الكامل العقل والرأي أي للعقل والرأي
وكأنه أجاب من قال :لمه وعلى هذا الباب فأجر جميع ما أجريته نكرة حال إذا أدخلت فيه اللف واللم.
قال الشاعر:
أل ليت شعرى هل إلى أم معمر ** سبيل فأما الصبر عنها فل صبرا
وأما بنو تميم فيرفعون لما ذكرت لك فيقولون :أما العلم فعالم كأنه قال :فأنا أو فهو عالم به.
وكان إضمار هذا أحسن عندهم من أن يدخلوا فيه مال يجوز كما قال سبحانه " :يوماً ل تجزى نفس " أضمر " فيه "
وقال الشاعر " عبد الرحمن بن حسان " :أي فليس لنا منك جود.
ومما ينتصب من الصفات حالً كما انتصب المصدر الذي يوضع موضعه ول يكون إل حالً قوله :أما صديقاً مصافياً
فليس بصديق مصاف وأما طاهراً فليس بطاهر وأما عالماً فعالم.
فهذا نصب لنه جعله كائناً في حال علم وخارجا من حال طهور ومصادقة.
والرفع ل يجوز هنا لنك قد أضمرت صاحب الصفة وحيث قلت أما العلم فعالم فلم تضمر مذكورا قبل كلمك وهو العلم
فمن ثم حسن في هذا الرفع ولم يجز الرفع في الصفة.
ول يكون في الصفة اللف واللم لنه ليس بمصدر فيكون جوابًا لقوله لمه وإنما المصدر تابع له ووضع في موضعه
حال.
واعلم أن ما ينتصب في هذا الباب فالذي بعده أو قبله من الكلم قد عمل فيه كما عمل في الحذر ما قبله إذا قلت :أكرمته
حذر أن أعاب وكما عمل في قوله :أتاه مشياً وماشياً.
121
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وذلك قولك :أما العبيد فذو عبيد وأما العبد فذو عبد وأما عبدان فذو عبدين.
وإنما اختير الرفع لن ما ذكرت في هذا الباب أسماء والسماء ل تجري مجرى المصادر.
أل ترى أنك تقول :هو الرجل علمًا وفقهاً ول تقول :هو الرجل خيلً وإبلً.
فلما قبح ذلك جعلوا ما بعده خبراً له كأنهم قالوا :أما العبيد فأنت فيهم أو أنت منهم ذو عبيد أي لك من العبيد نصيب كأنك
أردت أن تقول :أما من العبيد أو أما في العبيد فأنت ذو عبيد.
وأما قوله :أما العبد فأنت ذو عبد فكأنه قال :أما في العبد فأنت ذو عبد ولكنه أخر في وأضمر فيه اسمه كما فعل ذلك في
العبيد فلما قبح عندهم أيكون بمنزلة المصدر ولم يكن مما يجوز فيه عندهم ذلك حملوه على هذا فراراً من أن يدخلوا في
المصدر ما ليس منه كما فعلت تميم ذلك في العلم حين رفعوه.
وكأنك قلت :أما العبيد فهم لك وأما العبد فهو لك وسمعنا من العرب من يقول :أما ابن مزنية فأنا ابن مزنية كأنه قال :أما
ابن مزنية فأنا ذاك جعل الخر هو الول كماكان قائلً ذلك في اللف واللم :أما ابن المزنية فأنا ابن المزنية.
وإن شئت نصبته على الحال كما قلت :أما صديقاً فأنت صديق وأما صاحبا فأنت صاحب.وزعم يونس أن قوماً من
العرب يقولون :أما العبيد فذو عبيد وأما العبد فذو عبد يجرونه مجرى المصدر سواء.
وذلك أنهم شبهوه بالمصدر كما شبهوا الجماء الغفير بالمصدر وشبهوا خمستهم بالمصدر.
كأن هؤلء أجازوا :هو الرجل العبيد والدراهم أي للعبيد وللدراهم وهذا ل يتكلم به وإنما وجهه وصوابه الرفع وهو قول
العرب وأبي عمرو ويونس ول أعلم الخليل خالفهما.
وقد حملوه على المصدر فقال النحويون :أما العلم والعبيد فذو علم وذو عبيد.
وهذا قبيح لنك لو أفردته كان الرفع الصواب فخبث إذ أجرى غير المصدر كالمصدر وشبهوه بما هو في الرداءة مثله
وهو قولهم :ويل لهم وتب.
وأما قوله :أما البصرة فل بصرة لك وأما الحارث فل حارث لك وأما أبوك فل أبا لك فهذا ل يكون فيه أبداً إل الرفع لنه
اسم " معروف " ومعلوم قد عرف المخاطب منه مثل ما قد عرفت كأنك قلت :أما الحارث فل حارث لك بعده أو فل
حارث لك سواه وكأنه قال :أما البصرة فليست لك وأما الحارث فليس لك لن ذلك المعنى تريد.
ولو قال :أما العبيد فأنت ذو عبيد يريد عبيداً بأعيانهم قد عرفهم المخاطب كمعرفتك كأنك قلت :أما العبيد الذين تعرف لم
يكن إل رفعا.
ولو قال :أما أبوك فلك أب لكان على قوله :فلك به أب أو فيه أب وإنما يريد بقوله :فيه أب مجرى الب على سعة الكلم
وليس إلى النصب ههنا سبيل.
122
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما جاز النصب في العبيد حين لم يجعلهم شيئاً معروفاً بعينه لنه يشبهه بالمصدر والمصدر قد تدخله اللف واللم
وينتصب على ما ذكرت لك.
فإذا أردت شيئاً بعينه وكان هو الذي تلزمه الشارة جرى مجرى زيد وعمرو وأبيك.
وأما قول الناس للرجل :أما أن يكون عالما فهو عالم وأما أن يعلم شيئاً فهو عالم فقد يجوز أن تقول :أما أن ل يكون يعلم
فهو يعلم وأنت تريد " أن " يكون كما جاءت " :لئل يعلم أهل الكتاب " في معنى لن يعلم أهل الكتاب.
فهذا يشبه أن يكون بمنزلة المصدر لن أن مع الفعل الذي يكون صلة بمنزلة المصدر كأنك قلت :أما علما وأماكينونة
علم فأنت عالم.
أل ترى أنك تقول :أنت الرجل أن تنازل أو " أن " تخاصم كأنك قلت نزالً وخصومة وأنت تريد المصدر الذي في قوله
فعل ذاك مخافة ذاك.
أل ترى أنك تقول :سكت عنه أن أجتر مودته كما تقول :اجترار مودته.
ول تقع أن وصلتها حالً يكون الول في حال وقوعه لنها إنما تذكر لما لم يقع باب ما ينتصب من السماء التي ليست
بصفة ول مصادر لنه حال يقع فيه المر فينتصب لنه مفعول به وبعض العرب يقول :كلمته فوه إلى فى كأنه يقول:
كلمته وفوه إلى فى أي كلمته وهذه حالة.
فالرفع على قوله كلمته وهذه حاله والنصب على قوله :كلمته في هذه الحال فانتصب لنه حال وقع فيه الفعل.
وأما بايعته يداً بيد فليس فيه إل النصب لنه ل يحسن أن تقول :بايعته ويد بيد ولم يرد أن يخبر أنه بايعه ويده في يده
ولكنه أراد أن يقول :بايعته بالتعجيل ول يبالي أقريباً كان أم بعيداً.
وإذا قال :كلمته فوه إلى فى فإنما يريد أن يخبر عن قربه منه وأنه شافهه ولم يكن بينهما أحد.
ومثله من المصادر في أن تلزمه الضافة وما بعدها مما يجوز فيه البتداء ويكون حالً قوله :رجع فلن عوده على بدئه
وانثنى فلن عوده على بدئه كأنه قال :انثنى عوداً على بدء.
ول يستعمل في الكلم رجع عوداً على بدء ولكنه مثل به.
ومن رفع فوه إلى فى أجاز الرفع في قوله :رجع فلن عوده على بدئه.
ومما ينتصب لنه حال وقع فيه الفعل قولك :بعت الشاء شاة ودرهماً وقامرته درهماً في درهم وبعته دارى ذراعاً بدرهم
وبعت البرقفيز بن بدرهم وأخذت زكاة ماله درهماً لكل أربعين درهماً وبينت له حسابه باباً باباً وتصدقت بمالي درهماً
درهماً.
واعلم أن هذه الشياء ل ينفرد منها شيء دون ما بعده وذلك أنه ل يجوز أن تقول :كلمته فاه حتى تقول إلى فى لنك إنما
تريد مشافهة والمشافهة ل تكون إل من اثنين فإنما يصح المعنى إذا قلت إلى فى ول يجوز أن تقول بايعته يداً لنك إنما
تريد أن تقول :أخذ مني وأعطاني فإنما يصح المعنى إذا قلت :بيد لنهما عملن.
ول يجوز أن تقول :انثنى عوده لنك إنما تريد أنه لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوع وإنما أردت أنه رجع في حافرته
أي نقض مجيئه برجوع وقد يكون أن ينقطع مجيئه ثم يرجع فيقول :رجعت عودي على بدئي أي رجعت كما جئت.
123
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ول يجوز أن تقول :بعت داري ذراعا وأنت تريد بدرهم فيرى المخاطب أن الدار كلها ذراع.
ول يجوز أن تقول :بعت شائي شاة شاة وأنت تريد بدرهم فيرى المخاطب أنك بعتها الول فالول على الولء.
ول يجوز أن تقول :بينت له حسابه باباً فيرى المخاطب أنك إنما جعلت له حسابه باباً واحداً غير مفسر.
ول يجوز تصدقت بمالي درهماً فيرى المخاطب وأما قول الناس :كان البر قفيزين وكان السمن منوين فإنما استغنوا
هاهنا عن ذكر الدرهم لما في صدورهم من علمه ولن الدرهم هو الذي يسعر عليه فكأنهم إنما يسألون عن ثمن الدرهم
في هذا الموضع كما يقولون :البربستين وتركوا ذكر الكر استغناء بما في صدورهم من علمه وبعلم المخاطب لن
المخاطب قد علم ما يعني فكأنه إنما يسأل هنا عن ثمن الكر كما سأل الول عن ثمن الدرهم.
وزعم الخليل أنه يجوز :بعت الشاء شاة ودرهم إنما يريد شاة بدرهم ويجعل بدرهم خبراً للشاة وصارت الواو بمنزلة
الباء في المعنى كما كانت في قولك :كل رجل وضيعته في معنى مع.
وإذا قلت شاة بدرهم فإن بدرهم ليس مبنياً على اسم قبله ولكنه إنما جاء ليبين به السعر كما جاءت " لك " في سقياً لتبين
من تعني.
فالباء هاهنا بمنزلة إلى في قولك :فاه إلى في ولم تبن على ما قبلها.
وكذلك ما انتصب في هذا الباب وكان ما بعده مما يجوز أن يبنى على ما قبله في هذا الباب.
وزعم الخليل رحمه ال أنه يجوز أن تقول :بعت الدار ذراع بدرهم كما جاز لك في الشاء.
وزعم أنه يقول :بعت دارى الذراعان بدرهم وبعت البر القفيزان بدرهم.
ولم يشبه هذا بقوله :فاه إلى في لن هذا في بابه بمنزلة المصار التي تكون حالً يقع فيها المر نحو قولك :لقيته كفاحاً
ونحو قوله :أرسلها العراك وفعلت ذاك طاقتي.
وليس كل مصدر في هذا الباب تدخله اللف واللم ويكون معرفة بالضافة وليس كل المصادر في هذا الباب يكون فيها
هذا فالسماء أبعد.
ل يكون فيه المر كما أنه ل يجوز لك أن " تدخلفلذلك كان الذراع رفعاً لنه ل يجوز أن " تجعله معرفة وتجعله حا ً
اللف واللم في قولك لقيته قائماً وقاعداً أن تقولك لقيته القائم والقاعد ول " تقول " :ضربته القائم فلما قبح ذلك في
الذراع جعل بمنزلة قولك :لقيته يده فوق رأسه.
ومثل ذلك :بعته ربح الدرهم درهم ل يكون فيه النصب على حال.
وزعم الخليل رحمه ال أن قولهم :ربحت الدرهم درهماً محال حتى تقول :في الدرهم وللدرهم.
قيل له :ل يجوز ذلك كما ل تقول مررت أخاك وأنت تريد بأخيك.
124
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإن قال :ل يجوز حذف الباء من هذا قيل له :فهذا ل يقال أيضاً.
وقال الخليل رحمه ال :كلمني يده في يدي الرفع ل يكون غيره لن هذا ليكون من صفة الكلم.
وقال الخليل رحمه ال :إن شئت جعلت :رجعت عودك في بدئك مفعولً بمنزلة قولك :رجعت المال على أي رددت المال
علي كأنه قال :ثنيت عودى على بدئى.
يقع فيه السعر وإن كنت لم تلفظ بفعل ولكنه حال يقع فيه السعر فينتصب كما انتصب لو كان حالً وقع فيه الفعل لنه في
أنه حال وقع فيه أمر في الموضعين سواء.
وإن شئت ألغيت لك فقلت :لك الشاء شاة بدرهم شاة بدرهم كما قلت :فيها زيد قائم رفعت.
وإذا قلت :الشاء لك فإن شئت رفعت وإن شئت نصبت وصار لك الشاء إذا نصبت بمنزلة وجب الشاء كما كان فيها زيد
قائماً بمنزلة :استقر زيد قائماً.
وسمعنا العرب الموثوق بهم ينصبونه سمعناهم يقولون :العجب من بر مررنا به قبل قفيزاً بدرهم " قفيزا بدرهم "
فحملوه على المعرفة وتركوا النكرة لقبح النكرة أن تكون موصوفة بما ليس صفة وإنما هو اسم كالدرهم والحديد.
أل ترى أنك تقول :هذا مالك درهمًا وهذا خاتمك حديدًا ول يحسن أن تجعله صفة فقد يكون الشيء حسناً إذا كان خبرا
وقبيحاً إذا كان صفة.
وأما الذين رفعوه فقالوا :مررت ببر قبل قفيز بدرهم فجعلوا القفيز مبتدأ.
وقع فيه اللف واللم شبهوه بما يشبه من السماء بالمصادر نحو قولك :فاه إلى في وليس بالفاعل ول المفعول.
فكما شبهوا هذا بقولك عوده على بدئه وليس بمصدر كذلك شبهوا الصفة بالمصدر وشذ هذا كما شذت المصادر في بابها
ل وهي معرفة وكما شذت السماء التي وضعت موضع المصدر. حيث كانت حا ً
125
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وما يشبه بالشيء في كلمهم وليس مثله في جميع أحواله كثير وقد بين فيما مضى وستراه أيضاً إن شاء ال.
وهو قولك :دخلوا الول فالول وجرى على قولك واحدًا فواحدًا ودخلوا رجل رجلً.
وإن شئت رفعت فقلت :دخلوا الول فالول جعله بدل وحمله على الفعل كأنه قال :دخل وإن شئت قلت :دخلوا رجل
فرجل تجعله بدلً كما قال عز وجل " :بالناصية.
فإن قلت :ادخلوا فأمرت فالنصب الوجه ول يكون بدلً لنك لو قلت :ادخل الول فالول أو رجل رجل لم يجز ول يكون
صفة لنه ليس معنى الول فالول أنك تريد أن تعرفه بشيء تحليه به.
لو قلت :قومك الول فالول أتونا لم يستقم وليس معناه معنى كلهم فأجرى مجرى خمستهم ووحده.
ول يجوز في غير الول هذا كما ل يجوز أن تقول :مررت به واحده ول بهما اثنيهما.
وكان عيسى يقول :ادخلوا الول فالول لن معناه ليدخل فحمله على المعنى وليس بأبعد من " :ليبك يزيد ضارع
لخصومة " فإذا قلت :ادخلوا الول والخر والصغير والكبير فالرفع لن معناه معنى كلهم كأنه قالك ليدخلوا كلهم.
وإذا أردت بالكلم أن تجريه على السم كما تجري النعت لم يجز أن تدخل الفاء لنك لو قلت :مررت بزيد أخيك
وصاحبك كان حسنا ولو قلت :مررت بزيد أخيك فصاحبك والصاحب زيد لم يجز.
ولو قلتها بالواو حسنت كما أنشد كثير من العرب والبيت لمية بن أبي عائذ :ويأوي إلى نسوة عطل وشعث مراضيع
مثل السعالي ولو قلت " فشعث " قبح.
ل يكون فيه غيره وقال :يكون على جواز كلكم حمله على البدل ".
هذا باب ما ينتصب من السماء والصفات لنها أحوال تقع فيها المور
فإن شئت جعلته حيناً قد مضى وإن شئت جعلته حيناً مستقبلً.
وإنما قال الناس هذا منصوب على إضمار إذا كان فيما يستقبل وإذ كان فيما مضى لن هذا لما كان ذا معناه أشبه عندهم
أن ينتصب على إذا كان.
" ولو كان على إضمار كان لقلت :هذا التمر أطيب منه البسر لن كان قد ينصب المعرفة كما ينصب النكرة فليس هو
على كان ولكنه حال ".
ومنه :مررت برجل أخبث ما يكون أخبث منك أخبث ما تكون وبرجل خير ما يكون خير منك خير ما تكون وهو أخبث
ما يكون أخبث منك أخبث ما تكون.
126
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فهذا كله محمول على مثل ما حملت عليه ما قبله.
وإن شئت قلت :مررت برجل خير ما يكون خير منك كأنه يريد برجل خير أحواله خير منك أي خير من أحوالك.
وجاز له أن يقول :خير منك وهو يريد " :خير " من أحوالك كما جاز أن تقول :نهارك صائم وليلك قائم.
وتقول :البر أرخص ما يكون قفيزان أي البر أرخص أحواله التي يكون عليها قفيزان كأنك قلت :البر أرخصه قفيزان.
ومن ذلك هذا البيت تنشده العرب على أوجه بعضهم يقول وهو قول عمرو بن معد يكرب :الحرب أول ما تكون فتية
تسعى ببزتها لكل جهول أي أعرب أولها فتية ولكنه أنث الول كما تقول :ذهبت بعض أصابعه.
وبعضهم يقول " :الحرب أول ما تكون فتية " أي إذا كانت في ذلك الحين.
وبعضهم يقول " :الحرب أول ما تكون فتية " كأنه قال :الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية كما تقول :عبد ال أحسن ما
يكون قائماً.
ومن رفع الفتية ونصب الول على الحال قال :البر أرخص ما يكون قفيزان.
ومن نصب الفتية ورفع الول قال :البر أرخص ما يكون قفيزين.
وأما عبد ال أحسن ما يكون قائماً فل يكون فيه إل النصب لنه ل يجوز لك أن تجعل أحسن أحواله قائماً على وجه من
الوجوه.
وتقول :عبد ال أخطب ما يكون يوم الجمعة والبداوة أطيب ما تكون شهري ربيع كأنك قلت :أخطب ما يكون عبد ال في
يوم الجمعة وأطيب ما تكون البداوة في شهري ربيع.
ومن العرب من يقول :أخطب ما يكون المير يوم الجمعة وأطيب ما تكون البداوة شهرا ربيع كأنه قال :أخطب أيام
المير يوم الجمعة وأطيب أزمنة البداوة شهرا ربيع.
وجاز أخطب أيامه يوم الجمعة على سعة الكلم وكأنه قال :أطيب الزمنة التي تكون فيها البداوة شهرا ربيع وأخطب
اليام التي يكون فيها المير خطيباً يوم الجمعة.
كأنه قيل له أي غاية هذه عندك وأي إتيان ذا عندك أسريع أم بطيء فقال :أبطوه على معنى :ذاك أبطؤه.
وتقول :آتيك يوم الجمعة أو يوم السبت أبطؤه أو يوم السبت أبطؤه واعطيته درهما أو درهمين أكثر ما أعيته " وأعطيته
درهما أو درهمان أكثر ما أعطيته ".
وإن شاء نصب أكثر أيضاً على أنه حال وقعت فيه العطية.
وإن شاء قال :آتيك يوم الجمعة أبطأه أي أبطأ التيان يوم الجمعة.
127
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
باب ما ينتصب من الماكن والوقت وذلك لنها ظروف تقع فيها الشياء وتكون فيها فانتصب لنه موقوع فيها ومكون
فيها وعمل فيها ما قبلها كما أن العلم إذا قلت أنت الرجل علماً عمل فيه ما قبله وكما عمل في الدرهم عشرون إذا قلت:
عشرون درهماً.
فالمكان قولك هو خلفك وهو قدامك وأمامك وهو تحتك وقبالتك وما أشبه ذلك.
ومن ذلك قولك أيضاً :هو ناحية من الدار " وهو ناحية الدار وهو ناحيتك وهو نحوك " وهو مكاناً صالحاً وداره ذات
اليمين وشرقى كذا قال الشاعر وهو جرير :هبت جنوباً فذكرى ما ذكرتكم عند الصفاة التي شرقي حورانا وقالوا:
منازلهم يميناً " ويساراً " وشمالً.
قال الشاعر وهو عمرو ابن كلثوم :صددت الكأس عنا أم عمرو وكان الكأس مجراها اليمينا أي على ذات اليمين حدثنا
بذلك يونس عن أبي عمرو وهو رأيه.
وتقول :هو قصدك كما قال الشاعر وسمعنا بعض العرب ينشده كذا :سرى بعدما غار الثريا وبعدما كأن الثريا حلة الغور
منخل أي قصده يقال هو حلة الغور أي قصده سمعنا ذلك ممن يوثق به من العرب.
ويقال :هما خطان جنابتى أنفها يعني الخطين اللذين اكتنفا جنبي أنف الظبية.
وقال الشاعر وهو العشى :نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية جنبي فطيمة ل ميل ول عزل فهذا كله انتصب على ما هو
فيه وهو غيره وصار بمنزلة المنون الذي يعمل فيما بعده نحو العشرين ونحو قوله " :هو " خير منك عملً فصار " هو
" خلفك وزيد خلفك بمنزلة ذلك.
والعامل في خلف الذي هو موضع له والذي هو في موضع خبره كما أنك إذا قلت :عبد ال أخوك فالخر قد رفعه الول
وعمل فيه وبه استغنى الكلم وهو منفصل منه.
ومن ذلك قول العرب :هو موضعه وهو مكانه وهذا مكان هذا وهذا رجل مكانك إذا أردت البدل.
ويقال للرجل :اذهب معك بفلن فيقول :معي رجل مكان فلن أي معي رجل يكون بدلً منه ويغني غناءه ويكون واعلم
أن هذه الشياء كلها انتصابها من وجه واحد.
واعلم أن هذه الشياء كلها قد تكون أسماء غير ظروف بمنزلة زيد وعمرو.
وقال الشاعر وهو لبيد :فغدت كل الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها ومن ذلك أيضاً :هذا سواءك وهذا
رجل سواءك فهذا بمنزلة مكانك إذا جعلته في معنى بذلك.
128
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
قال بعض العرب لما اضطر في الشعر جعله منزلة غير قال الشاعر وهو رجل من النصار :ول ينطق الفحشاء من
كان منهم إذا قعدوا منا ول من سوائنا وقال الخر وهو العشى :تجانف عن جو اليمامة ناقتي وما قصدت من أهلها
لسوائكا ومثل ذلك :أنت كعبد ال كأنه يقول :أنت كعبد ال أي أنت في حال كعبد ال فأجرى مجرى بعبد ال.
قال الراجز " وهو حميد الرقط " :وقال خطام المجاشعى :وصاليات ككما يؤثفين ويدلك على أن سواءك وكزيد يمنزلة
الظروف أنك تقول :مررت بمن سواءك وعلى من سواءك والذي كزيد فحسن هذا كحسن من فيها والذي فيها ول تحسن
السماء ههنا ول تكثر في الكلم.
وتقول :كيف أنت إذا أقبل قبلك ونحى نحوك كأنه قال :كيف أنت إذا أريدت ناحيتك وإذا أريد ما عندك حين قال :إذا نحى
نحوك وأما حين قال :أقبل قبلك فكأنه قال :كيف أنت إذا أقبل النقب الركاب جعلهما اسمين.
وزعم الخليل رحمه ال أن النصب جيد إذا جعله ظرفاً وهو بمنزلة قول العرب :هو قريب منك وهو قريباً منك أي مكاناً
قريباً منك.
حدثنا يونس أن العرب تقول في كلمها :هل قريباً منك أحد كقولهم :هل قربك أحد.
وأما دونك فإنه ل يرفع أبداً وإن قلت :هو دونك في الشرف لن هذا إنما هو مثل كما كان هذا مكان ذا في البدل مثلً
ولكنه على السعة.
وإنما الصل في الظروف الموضع والمستقر من الرض ولكنه جاز هذا كما تقول :إنه لصلب القناة وإنه لمن شجرة
صالحة ولكنه على السعة.
وأما قصد قصدك فمثل نحى نحوك وأقبل قبلك يرتفع كما يرتفعان وينتصب كما ينتصبان.
وإن شئت قلت :هو دونك إذا جعلت الول الخر ولم تجعله رجلً.
وقد يقولون :هو دون في غير الضافة أي هو دون من القوم وهذا ثوب دون إذا كان رديئاً.
واعلم أنه ليس كل موضع و " ل " كل مكان يحسن أن يكون ظرفاً فمما ل يحسن أن يكون ظرفاً أن العرب لتقول هو
جوف المسجد ول هو داخل الدار ول هو خارج الدار حتى تقول :هو في جوفها وفي داخل الدار ومن خارجها.
وإنما فرق بين خلف وما أشبهها وبين هذه الحروف لن خلف وما أشبهها للماكن التي تلي السماء من أقطارها.
على هذا جرت عندهم والجوف والخارج عندهم بمنزلة الظهر والبطن والرأٍس واليد وصارت خلف وما أشبهها تدخل
على كل اسم فتصير أمكنة تلي السم من نواحيه وأقطاره ومن أعله وأسفله وتكون ظروفا كما وصفت لك وتكون
أسماء كقولك :هو ناحية الدار إذا أردت الناحية بعينها وهو في ناحية الدار فتصير بمنزلة قولك :هو في بيتك وفي دارك.
ويدلك على أن المجرور بمنزلة السم غير الظرف أنك تقول :زيد وسط الدار وضربت وسطه وتقول :في وسط الدار
فيصير بمنزلة قولك :ضربت وسطه مفتوحاً مثله.
129
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أن الظروف بعضها أشد تمكنا من بعض في السماء نحو القبل والقصد والناحية.
وأما الخلف والمام والتحت فهن أقل استعمالً في الكلم أن تجعل أسماء.
وهذه حروف تجري مجرى خلفك وأمامك ولكنا عزلناها لنفسر معانيها لنها غرائب.
فمن ذلك حرفان ذكرناهما في الباب الول ثم لم نفسر معناهما وهما صددك ومعناه القصد وسقبك ومعناه القرب ومنه
قول العرب :هو وزن الجبل أي ناحية منه وهم زنة الجبل أي حذاءه.
وكان هذا بمنزلة قول العرب :هو حذاءه وإزاءه وحواليه بنو فلن وقومك أقطار البلد.
ومن ذلك قول الشاعر وهو أبو حية النميري :إذا ما نعشناه على الرحل ينثني مساليه عنه من وراء ومقدم ومساله:
عطفاه فصار بمنزلة " جنبي فطيمة " :بالمكان غير المختص شبهت به إذ كانت تقع على الماكن وذلك قول العرب
سمعناه منهم :هو منى منزلة الشغاف وهو مني منزلة الولد.
ويدلك على أنه ظرف قولك :هو مني بمنزلة الولد فإنما أردت أن تجعله في ذلك الموضع فصار كقولك :منزلي مكان كذا
وكذا وهو مني مزجر الكلب وأنت مني مقعد القابلة وذلك إذا دنا فلزق بك من بين يديك.
قال الشاعر وهو أبو ذؤيب :فوردن والعيوق مقعد رابئ ال ضرباء خلف النجم ل يتتلع وهو منك مناط الثريا.
وقال الحوص :وإن بني حرب كما قد علمتم مناط الثريا قد تعلت نجومها وقال :هو مني معقد الزار فأجرى هذا مجرى
قولك :هو مني مكان السارية وذلك لنها أماكن ومعناها هو مني في المكان الذي يقعد فيه الضرباء وفي المكان الذي نيط
به الثريا وبالمكان الذي ينزل به الولد وأنت مني في المكان الذي تقعد فيه القابلة وبالمكان الذي يعقد عليه الزار فإنما
أراد هذا المعنى ولكنه حذف الكلم.
وجاز ذلك كما جاز دخلت البيت وذهبت الشأم لنها أماكن وإن لم تكن كالمكان.
وليس يجوز هذا في كل شيء لو قلت :هو مني مجلسك أو متكأ زيد أو مربط الفرس لم يجز.
ومن ذلك قول العرب :هو مني درج السيل أي مكان درج السيل من السيل.
قال الشاعر وهو ابن هرمة :أنصب للمنية تعتريهم رجالي أم هم درج السيول ويقال رجع أدراجه أي رجع في الطريق
الذي جاء فيه.
هذا معناه فأجرى مجرى ما قبله كما أجروا ذلك المجرى درج السيول.
وأما ما يرتفع من هذا الباب فقولك :هو مني فرسخان وهو مني عدوة الفرس ودعوة الرجل " وغلوة السهم " وهو مني
يومان وهو مني فوت اليد.
130
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإنما فارق هذا الباب الول لن معنى هذا أنه يخبر أن بينه وبينه فرسخين ويومين ودعوة الرجل وفوتاً.
فهذا على هذا المعنى وجرى على الكلم الول كأنه هو لسعة الكلم كما قالوا :أخطب ما يكون المير يوم الجمعة.
وأما قول العرب :أنت مني مرأى ومسمع فإنما رفعوه لنهم جعلوه هو الول حتى صار بمنزلة قولهم :أنت مني قريب.
أنصب للمنية تعتريهم رجالي أم هم درج السيول فجعلهم هم الدرج كما تقول :زيد قصدك إذا جعلت القصد زيدًا وكما
يجوز لك أن تقول :عبد ال خلفك إذا جعلته هو الخلف.
واعلم أن هذه الحروف بعضها أشد تمكناً في أن يكون اسماً من بعض كالقصد والنجو والقبل والناحية وأما الخلف
والمام والتحت والدون فتكون أسماء وكينونة " تلك " أسماء أكثر وأجرى في كلمهم.
وكذلك مرأى ومسمع كينونتهما أسماء أكثر ومع ذلك إنهم جعلوه اسماً خاصاً بمنزلة المجلس والمتكأ وما أشبه ذلك
فكرهوا أن يجعلوه ظرفاً.
وقد زعموا أن بعض الناس ينصبه يجعله بمنزلة درج السيول فينصبه وهو قليل كأنهم لما قالوا :بمرأى ومسمع فصار
غير السم الول في المعنى واللفظ شبهوه بقوله :هو مني يمنزلة الولد.
وقد زعم يونس أن ناساً يقولون :هو مني مزجر الكلب يجعلونه بمنزلة مرأى ومسمع.
وكذلك مقعد ومناط يجعلونه هو الول فيجري كقول الشاعر :وأنت مكانك من وائل مكان القراد من است الجمل وإنما
حسن الرفع ههنا لنه جعل الخر هو الول كقولك :له رأس رأس الحمار.
ولو جعل الخر ظرفاً جاز ولكن الشاعر أراد أن يشبه مكانه بذلك المكان.
وأما قولهم :دارى خلف دارك فرسخاً فانتصب لن خلف خبر للدار وهو كلم قد عمل بعضه في بعض واستغنى فلما
قال :دارى خلف دارك أبهم فلم يدر ما قدر ذاك فقال :فرسخاً وذراعًا وميلً أراد أن يبين.
فيعمل هذا الكلم في هذه الغايات بالنصب كما عمل :له عشرون درهماً في الدرهم كأن هذا الكلم شيء منون يعمل فيما
ليس من اسمه ول هو هو كما كان :أفضلهم رجلً بتلك المنزلة.
وإن شئت قلت :دارى خلف دارك فرسخان تلغي خلف كما تلغي فيها إذا قلت :فيها زيد قائم.
وزعم يونس أن أبا عمرو كان يقول :داري من خلف دارك فرسخان فشبهه بقولك :دارك مني فرسخان لن خلف ههنا
اسم وجعل من فيها بمزلتها في السم.
وأما العرب فتجعله بمنزلة قولك :خلف فتنصب وترفع لنك تقول :أنت من خلفي ومعناه أنت خلفي ولكن الكلم حذف.
وتقول :أنت مني فرسخين أي أنت مني ما دمنا نسير فرسخين فيكون ظرفاً كما كان ما قبله مما شبه بالمكان.
131
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما الوقت والساعات واليام والشهور والسنون وما أشبه ذلك من الزمنة والحيان التي تكون في الدهر فهو قولك" :
القتال يوم الجمعة " إذا جعلت يوم الجمعة ظرفاً و " الهلل الليلة ".
وإنما انتصبا لنك جعلتهما ظرفاً وجعلت القتال في يوم الجمعة والهلل في الليلة.
وإن قلت :الليلة الهلل واليوم القتال نصبت التقديم والتأخير في ذلك سواء.
فأما اليوم الحد واليوم الثنان فإنه ل يكون إل رفعاً وكذلك إلى الخميس لنه ليس يعمل فيه كأنك أردت أن تقول :اليوم
الخامس والرابع.
وكذلك :اليوم خمسة عشر من الشهر إنما أردت هذا اليوم تمام خمسة عشر من الشهر ويومان من الشهر رفع كله فصار
بمنزلة قولك :العام عامها.
ومن العرب من يقول :اليوم يومك فيجعل اليوم الول بمنزلة الن لن الرجل قد يقول :أنا اليوم أفعل ذاك ول يريد يوماً
بعينه.
وتقول :عهدي به قائمًا وعلمي به ذا مال فتنصب على أنه حال وليس بالعهد ول العلم وليسا هنا ظرفين.
واعلم أن ظروف الدهر أشد تمكنا في السماء لنها تكون فاعلة ومفعولة.
تقول :أهلكك الليل والنهار واستوفيت أيامك فأجرى الدهر هذا المجرى.
والجر إنما يكون في كل اسم مضاف إليه واعلم أن المضاف إليه ينجر بثلثة أشياء :بشيء ليس باسم ول ظرف وبشيء
يكون ظرفاً وباسم ل يكون ظرفاً".
فأما الذي ليس باسم ول ظرف فقولك :مررت بعبد ال وهذا لعبد ال وما أنت كزيد ويالبكر وتال ل أفعل ذاك ومن وفي
ومذ وعن ورب وما أشبه ذلك وكذلك أخذته عن زيد وإلى زيد.
وأما الحروف التي تكون ظرفاً فنحو خلف وأمام وقدام ووراء وفوق وتحت وعند وقبل ومع وعلى لنك تقول :من عليك
كما تقول :من فوقك وذهب من معه.
132
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وعن أيضاً ظرف بمنزلة ذات اليمين والناحية.
أل ترى أنك تقول :من عن يمينك كما تقول :من ناحية كذا وكذا.
وقبالة ومكانك ودون وقبل وبعد وإزاء وحذاء وما أشبه هذا من المكنة والزمنة.
وذلك قولك :أنت خلف عبد ال وأمام زيد وقدام أخيك وكذلك سائر هذه الحروف.
ومثل ذلك أيضاً السماء المختصة نحو :حمار وجدار ومال وأفعل نحو قولك :هذا أعمل الناس وما أشبه هذا من السماء
كلها وذلك قولك :هذا مثل عبد ال وهذا كل مالك وبعض وهذا حمار زيد وجدار أخيك ومال عمرو.
وأما الباء وما أشبهها فليست بظروف ول أسماء ولكنها يضاف بها إلى السم ما قبله أو ما بعده.
فإذا قلت :يا لبكر فإنما أردت أن تجعل ما يعمل في المنادى من الفعل المضمر مضافاً إلى بكر باللم.
وإذا قلت :مررت بزيد فإنما أضفت المرور إلى زيد بالباء وكذلك هذا لعبد ال.
وإذا قلت :أنت كعبد ال فقد أضفت إلى عبد ال الشبه بالكاف.
وإذا قلت :أخذته من عبد ال فقد أضفت الخذ إلى عبد ال بمن.
وإذا قلت :مذ زمان فقد أضفت المر إلى وقت من الزمان " بمذ ".
وإذا قلت :أنت في الدار فقد أضفت كينونتك في الدار إلى الدار بفي.
وإذا قلت :فيك خصلة سوء فقد أضفت إليه الرداءة بفي.
وإذا قلت :رب رجل يقول ذاك فقد أضفت القول إلى الرجل برب.
وإذا قلت :بال وال وتال فإنما أضفت الحلف إلى ال سبحانه.
والشريك على الشريك والبدل على المبدل منه وما أشبه ذلك فأما النعت الذي جرى على المنعوت فقولك :مررت برجل
ظريف قبل فصار النعت مجرورًا مثل المنعوت لنهما كالسم الواحد.
" وإنما صارا كالسم الواحد " من قبل أنك لم ترد الواحد من الرجال الذين كل واحد منهم رجل ولكنك أردت الواحد من
الرجال الذين كل واحد منهم رجل ظريف فهو نكرة وإنما كان نكرة لنه من أمة كلها له مثل اسمه.
133
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وذلك أن الرجال كل واحد منهم رجل والرجال الظرفاء كل واحد منهم رجل ظريف فاسمه يخلطه بأمته حتى ل يعرف
منها.
فإن أطلت النعت فقلت :مررت برجل عاقل كريم مسلم فأجره على أوله.
ومن النعت أيضاً :مررت برجل أيما رجل فإيما نعت للرجل في كماله وبذة غيره كأنه قال :مررت برجل كامل.
وكذلك :كافيك من رجل وهمك من رجل " وناهيك من رجل " ومررت برجل ما شئت من رجل ومررت برجل شرعك
من رجل ومررت برجل هدك من رجل " وبامرأة هدك من امرأة ".
فهذا كله على معنى واحد وما كان منه يجري فيه العراب فصار نعتاً لوله جرى على أوله.
وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول :مررت برجل هدك من رجل ومررت بامرأة هدتك من امرأة فجعله فعلً "
مفتوحاً كأنه قال :فعل وفعلت " بمنزلة كفاك وكفتك.
فمثلك نعت على أنك قلت هو رجل كما أنك رجل ويكون نعتاً أيضاً على أنه لم يزد عليك ولم ينقص عنك في شيء من
المور.
ومثله :مررت برجل مثلك أي صورته شبيهة بصورتك وكذلك :مررت برجل ضربك وشبهك.
وكذلك نحوك يجرين في المعنى والعراب مجرى واحداً وهن مضافات إلى معرفة صفات لنكرة.
" ويونس يقول :هذا مثلك مقبلً وهذا زيد مثلك إذا قدمه جعله معرفة وإذا أخره جعله نكرة.
ومنه :مررت برجل شر منك فهو نعت على أنه نقص أن يكون مثله.
ومنه :مررت برجل خير منك فهو نعت له بأنه قد زاد على أن يكون مثله.
ومنه :مررت برجل غيرك فغيرك نعت يفصل به بين من نعته بغير وبين من أضفتها إليه حتى ل ومنه :مررت برجل
آخر " فآخر " نعت على نحو غير.
ومنه :مررت برجل حسن الوجه نعت الرجل بحسن وجهه ولم تجعل فيه الهاء هي إضمار الرجل كما تقول :حسن
وجهه لنه إذا قيل حسن الوجه علم أنه ل يعني من الوجوه إل وجهه.
ومثل ذلك :مررت بامرأة حسنة الوجه إنما أدخلت الهاء في الحسنة لن الحسنة إنما وقعت نعتاً لها ثم بلغت به بعد ما
صار نعتاً لها حيث أردت فمن ثم صارت فيها الهاء.
134
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وليست بمنزلة حسن وجهه في اللفظ وإن كان المعنى واحدًا لن الحسن ههنا للول ثم تضيفه إلى من تريد وحسن الوجه
مضاف إلى معرفة صفة للنكرة فلما كانت صفة للنكرة أجريت مجراها كما جرت مجراها أخواتها مثل وما أشبهها.
ومما يكون نعتاً للنكرة وهو مضاف إلى معرفة قول الشاعر امرؤ القيس :بمنجرد قيد الوابد لحه طراد الهوادي كل شأ
ومغرب ومنه أيضاً :مررت على ناقة عبر الهواجر.
ومما يكون مضافًا إلى المعرفة ويكون نعتاً للنكرة السماء التي أخذت من الفعل فأريد بها معنى التنوين.
من ذلك :مررت برجل ضاربك فهو نعت على أنه سيضربه كأنك قلت :مررت برجل ضارب زيداً ولكن حذف التنوين
استخفافاً.
وإن أظهرت السم وأردت التخفيف والمعنى معنى التنوين جرى مجراه حين كان السم مضمراً وذلك قولك :مررت
برجل ضاربه رجل فإن شئت حملته على أنه سيفعل وإن شئت على أنك مررت به وهو في حال عمل وذلك قوله عز
وجل " :هذا عارض ممطرنا ".
واعلم أن كل مضاف إلى معرفة وكان للنكرة صفة فإنه إذا كان موصوفًا أو وصفاً أو خبراً أو مبتدأً بمنزلة النكرة
المفردة.
ويدلك على ذلك قول " الشاعر وهو " جرير :ظللنا بمستن الحرور كأننا لدى فرس مستقبل الريح صائم كأنه قال :لدى
مستقبل صائم.
وقال المرار السدي :سل الهموم بكل معطى رأسه ناج مخالط صهبة متعيس مغتال أحبله مبين عنقه في منكب زبن
المطى عرندس سمعناه ممن يرويه من العرب ينشده هكذا.
ومنه أيضًا قول ذي الرمة :سرت تخبط الظلماء من جانبي قساً وحب بها من خابط الليل زائر فكأنهم قالوا :بكل معط "
رأسه " ومن خابط " الليل ".
ومثله قول جرير :يارب غابطنا لو كان يعرفكم لقى مباعدة منكم وحرمانا وقال أبو محجن الثقفي :فرب ل يقع بعدها إل
نكرة فذلك يدلك على أن " غابطنا " " ومثلك " نكرة.
ومن ذلك قول العرب :لي عشرون مثله ومائة مثله فأجروا ذلك بمنزلة عشرين درهماً ومائة درهم.
فالمثل وأخواته كأنه كالذي حذف منه التنوين في قوله مثل زيداً وقيد الوابد.
وهذا تمثيل ولكنها كمائة وعشرين فلزمها شيء واحد وهو الضافة.
وزعم يونس أنه يقول :عشرون غيرك على قوله عشرون مثلك.
وزعم يونس والخليل رحمهما ال أن الدرهم ليست نكرة لنهم يقولون :مائة الدرهم التي تعلم فهي بمنزلة عبد ال.
135
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وزعم يونس والخليل أن هذه الصفات المضافة إلى المعرفة التي صارت صفة للنكرة قد يجوز فيهن كلهن أن يكون
معرفة وذلك معروف في كلم العرب.
يدلك على ذلك أنه يجوز لك أن تقول :مررت بعبد ال ضاربك فجعلت ضاربك بمنزلة صاحبك.
وزعم يونس أنه يقول :مررت بزيد مثلك إذا أرادوا مررت بزيد المعروف بشبهك فتجعل مثلك معرفة.
ويدلك على ذلك قوله :هذا مثلك قائما كأنه قال هذا أخوك قائماً.
وذاك أنه يجوز لك أن تقول :هذا الحسن الوجه فيصير ومن النعت أيضاً :مررت برجل إما قائم وإما قاعد فقد أعلمهم أنه
ليس بمضطجع " ولكنه " شك في القيام والقعود وأعلمهم أنه على أحدهما.
ومن النعت أيضاً :مررت برجل ل قائم ول قاعد جر لنه نعت كأنك قلت :مررت برجل قائم وكأنك تحدث من في قلبه
أن ذاك الرجل قائم أو قاعد فقلت :ل قائم ول قاعد لتخرج ذلك من قلبه.
ومنه :مررت برجل راكب فذاهب استحقهما إل أنه بين أن الذهاب بعد الركوب وأنه ل مهلة بينهما وجعله متصلً به.
ومنه :مررت برجل راكب ثم ذاهب فبين أن الذهاب بعده وأن بينهما مهلة وجعله غير متصل به فصيره على حدة.
ومنه :مررت برجل راكع أو ساجد فإنما هي بمنزلة إما وإما إل أن إما يجاء بها ليعلم أنه يريد أحد المرين وإذا قال "
أو " ساجد فقد يجوز أن يقتصر عليه.
ومنه :مررت برجل راكع ل ساجد لخراج الشك أو لتأكيد العلم فيهما.
ومنه :مررت :برجل راكع بل ساجد إما غلط فاستدرك وإما نسي فذكر.
ومنه :مررت برجل حسن الوجه جميلة جر لنه حسن الخاصة جميلها والوجه ونحوه خاص ولو كان حسن العامة لقال
حسن جميل.
وكذلك :مررت برجل رجل سوء كأنك قلت :مررت برجل فاسد لن الصدق صلح والسوء فساد.
وليس الصدق ههنا بصدق اللسان لو كان كذلك لم يجز لك أن تقول هذا ثوب صدق وحمار صدق وكذلك السوء ليس في
معنى سؤته.
ومن النعت أيضاً :مررت برجلين مثلين فتفسير المثلين أن كل واحد منهما مثل صاحبه.
136
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك سيان وسواء.
ومنه :مررت برجلين مثلك أي كل واحد منهما مثلك ووجه آخر على انهما جميعاً مثلك.
ومنه :مررت برجلين غيرك فإن شئت حملته على أنهما غيره في الخصال وفي المور وإن شئت على قوله :مررت
برجلين آخرين إذا أردت أنه قد ضم معك في المرور سواك فيصير كقولك :برجل آخر إذا ثني به.
ومنه :مررت برجلين سواء على أنهما لي يزيدا على رجلين ولي ينقصا من رجلين.
ومنه أيضاً :مررت برجلين مسلم وكافر جمعت السم وفرقت النعت.
وإن شئت كان المسلم والكافر بدلً كأنه أجاب من قال :بأي ضرب مررت وإن شاء رفع كأنه أجاب من قال :فما هما
فالكلم على هذا وإن لم يلفظ به المخاطب لنه إنما يجري كلمه على قدر مسألتك عنده لو سألته.
وكذلك :مررت برجلين رجل صالح ورجل طالح إن شئت صيرته تفسيراً لنعت وصار إعادتك الرجل توكيداً.
وإن شئت جعلته بدلً كأنه جواب لمن قال :بأي رجل مررت.
وإن شئت رفعت على قوله فما هما ومما جاء في الشعر قد جمع فيه السم وفرق النعت وصار مجروراً قوله " وهو
رجل من باهلة " :بكيت وما بكا رجل حليم على ربعين مسلوب وبال كذا سمعنا العرب تنشده والقوافي مجرورة.
ومنه أيضاً :مررت بثلثة نفر :رجلين مسلمين ورجل كافر جمعت السم وفصلت العدة ثم نعته وفسرته.
وإن شئت أجريته مجرى الول في البتداء فترفعه وفي البدل فتجره.
قال " الرجز وهو " العجاج :خوى على مستويات خمس كركرة وثفنات ملس وهذا يكون على وجهين :على البدل وعلى
الصفة.
ومثال ما يجيء في هذا الباب على البتداء وعلى الصفة والبدل قوله عز وجل " :قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل
في سبيل ال وأخرى كافرة ".
ومن الناس من يجر والجر على وجهين :على الصفة وعلى البدل.
ومنه قول كثير عزة :وكنت كذى رجلين :رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت فأما مررت برجل راكع وساجد
ومررت برجل رجل صالح فليس الوجه فيه إل الصفة وليس هذا بمنزلة مررت برجلين مسلم وكافر ول ما أشبهه من
قبل أنك ثم تبعض كأنك قلت :أحدهما كذا والخر كذا ومنهم كذا " ومنهم كذا ".
وإذا قلت :مررت برجل قائم ومررت برجل قاعد فهذا اسم واحد.
137
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولو قلت :مررت برجل مسلم وثلثة رجال مسلمين لم يحسن فيه إل الجر لنك جعلت الكلم اسمًا واحداً حتى صار
كأنك قلت :مررت بقائم ومررت برجال مسلمين.
وهذا قول يونس :ولو جاز الرفع لقلت :كان عبد ال راكع لنك إن شبهته بالتبعيض فالتبعيض ههنا رفع إذا قلت :كان
أخواك راكع وساجد.
ومثل ذلك :مرت برجل وامرأة وحمار قيام فرقت السماء وجمعت النعت فصارجمع النعت ههنا بمنزلة قولك :مررت
برجلين مسلمين لن النعت ههنا ليس مبعضاً ولو جاز في هذا الرفع لجاز مررت بأخيك وعبد ال وزيد قيام فصار
النعت ههنا مع السماء بمنزلة اسم واحد.
وتقول :مررت بأربعة صريع وجريح لن الصريع والجريح غير الربعة فصار على قولك :منهم صريع ومنهم جريح.
ومن النعت أيضاً :مررت برجل مثل رجلين وذلك في الغناء " والجزء ".
وهذا مثل قولك :مررت ببر ملء قدحين فالذي يضاف إليه الملء مقياس ومكيال ومثقال ونحوه والول موزون ومقيس
ومكيل.
وكذلك :مررت برجلين مثل رجل في الغناء كقولك :ببرين ملء قدح.
وتقول :مررت برجل مثل رجل وتقول :مررت برجل أسد شدة وجرأة إنما تريد مثل السد.
وهذا ضعيف قبيح لنه اسم لم يجعل صفة وإنما قاله النحويون شبه بقولهم :مررت بزيد أسداً شدة.
ومنه أيضاً :مررت برجل صالح بل طالح وما مررت برجل كريم بل لئيم أبدلت الصفة الخرة من الصفة الولى
وأشركت بينهما بل في الجراء على المنعوت.
وكذلك :مررت برجل صالح بل طالح ولكنه يجيء على النسيان أو الغلط فيتدارك كلمه لنه ابتدأ بواجب.
ومثله :ما مررت برجل صالح لكن طالح أبدلت الخر من الول فجرى مجراه في بل.
فإن قلت :مررت برجل صالح ولكن طالح فهو محال لن لكن ل يتدارك بها بعد إيجاب ولكنها يثبت بها بعد النفي.
وإن شئت رفعت فابتدأت على هو فقلت :ما مررت برجل صالح ولكن طالح وما مررت برجل صالح بل طالح ومررت
برجل صالح بل طالح لنها من الحروف التي يبتدأ بها.
ومن ذلك قوله عز وجل " :وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون ".
138
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أن بل ول بل ولكن يشركن بين النعتين فيجريان على المنعوت كما أشركت بينهما الواو والفاء وثم وأو ول وإما
وما أشبه ذلك.
وتقول :ما مررت برجل مسلم فكيف رجل راغب في الصدقة بمنزلة :فأين راغب في الصدقة.
وزعم يونس أن الجر خطأ لن أين ونحوها يبتدأ بهن ول يضمر بعدهن شيء " كقولك :فهل دينارا إل أنهما مما يكون
بعدهما الفعل ".
أل ترى أنك لو قلت :رأيت زيداً فأين عمراً أو فهل بشراً لم يجز.
ولكن وبل ل يبتدآن ول يكونان إل على كلم فشبهن بإما وأو ونحوهما.
ومما جرى نعتاً على غير وجه الكلم " :هذا جحر ضب خرب " فالوجه الرفع وهو كلم أكثر العرب وأفصحهم.
وهو القياس لن الخرب نعت الجحر والجحر رفع ولكن بعض العرب يجره.
وليس بنعت للضب ولكنه نعت للذي أضيف إلى الضب فجروه لنه نكرة كالضب ولنه في موضع يقع فيه نعت الضب
ولنه صار هو والضب بمنزلة اسم واحد.
فإذا كان لك قلت :هذا حب رماني فأضفت الرمان إليك وليس لك الرمان إنما لك الحب.
فكذلك يقع على جحر ضب ما يقع على حب رمان تقول :هذا جحر ضبي وليس لك الضب إنما لك جحر ضب فلم يمنعك
ذلك من أن قلت جحر ضبي والجحر والضب بمنزلة اسم مفرد فانجر الخرب على الضب كما أضفت الجحر إليك مع
إضافة الضب.
ومع هذا أنهم أتبعوا الجر كما أتبعوا الكسر الكسر نحو قولهم :بهم وبدارهم وقال الخليل رحمه ال :ل يقولون إل هذان
جحرا ضب خربان من قبل أن الضب واحد والجحر جحران وإنما بغلطون إذا كان الخر بعدة الول وكان مذكراً مثله
أو مؤنثاً وقالوا :هذه جحرة ضباب خربة لن الضباب مؤنثة ولن الجحرة مؤنثهة والعدة واحدة فغلطوا.
وهذا قول الخليل رحمه ال ول نرى هذا والول إل سواء لنه إذا قال :هذا جحر ضب متهدم ففيه من البيان أنه ليس
بالضب مثل ما في التثنية من البيان أنه ليس بالضب.
وقال العجاج :كأن نسج العنكبوت المرمل فالنسج مذكر والعنكبوت أنثى.
كما أشرك بينهما في النعت فجريا على المنعوتوذلك قولك :مررت برجل وحمار قبل.
قالوا وأشركت بينهما في الباء فجريا عليه ولم تجعل للرجل منزلة بتقديمك إياه يكون بها أولى من الحمار كأنك قلت
مررت بهما.
139
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فالنفي في هذا أن تقول :ما مررت برجل وحمار أي ما مررت بهما وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء ول
بشيء مع شيء لن يجوز أن تقول :مررت بزيد وعمرو والمبدوء به في المرور عمرو " ويجوز أن يكون زيداً "
ويجوز أن يكون المرور وقع عليهما في حالة واحدة.
فإذا سمعت المتكلم يتكلم بهذا أجبته على أيها شئت لنها قد جمعت هذه الشياء.
وقد تقول :مررت بزيد وعمرو على أنك مررت بهما مرورين وليس في ذلك " دليل " على المرور المبدوء به كأنه
يقول :ومررت أيضًا بعمرو.
ومن ذلك " قولك " :مررت بزيد فعمرو ومررت برجل فامرأة.
ومن ذلك :مررت برجل ثم امرأة فالمرور ههنا مروران وجعلت ثم الول مبدوءاً به وأشركت بينهما في الجر.
ومن ذلك " قولك " :مررت برجل أو امرأة فأو أشركت بينهما في الجر وأثبتت المرور لحدهما دون الخر وسوت
بينهما في الدعوى.
وجواب أو إن نفيت السمين :ما مررت بواحد منهما وإن أثبت أحدهما قلت :ما مررت بفلن.
ومن ذلك :مررت برجل ل امرأة أشركت بينهما ل في الباء وأحقت المرور للول وفصلت بينهما عند من التبسا عليه
فلم يدر بأيهما مررت.
وأما الذي يحسن فهو أن تقول :مررت برجل ثم تبدل الحمار مكان الرجل فتقول :حمار إما أن تكون غلطت أو نسيت
فاستدركت وإما أن يبدو لك أن تضرب عن مرورك بالرجل وتجعل مكانه مرورك بالحمار بعد ما كنت أردت غير ذلك.
140
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك قولك :ل بل حمار.
ومن ذلك قولك مررت برجل بل حمار وهو على تفسير :مررت برجل حمار.
ومن ذلك :ما مررت برجل بل حمار وما مررت برجل ولكن حمار أبدلت الخر من لول وجعلته مكانه.
وقد يكون فيه الرفع على أن يذكر الرجل فيقال :من أمره ومن أمره فتقول أنت :قد مررت به فما مررت برجل بل حمار
ولكن حمار أي بل هو حمار ولكن هو حمار.
ولو ابتدأت كلماً فقلت :ما مررت برجل ولكن حمار تريد :ولكن هو حمار كان عربياً أو بل حمار أو ل بل حمار كان
كذلك كأنه قال :ولكن الذي مررت به حمار.
وإذا كان قبل ذلك منعوت فأضمرته أو اسم فأضمرته أو أظهرته فهو أقوى لنك تضمر ما ذكرت وأنت هنا تضمر ما لم
تذكر.
وهو جائز عربي لن معناه ما مررت بشيء هو رجل فجاز هذا كما جاز المنعوت المذكور نحو قولك " :ما " مررت
برجل صالح بل طالح.
ومثل ذلك قوله عز وجل " :وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ".
فهذا على أنهم قد كانوا ذكروا الملئكة قبل ذلك بهذا وعلى الوجه الخر.
ومن المبدل أيضاً قولك :قد مررت برجل أو امرأة إنما ابتدأ بيقين ثم جعل مكانه شكا أبدله منه فصار الول والخر
الدعاء فيهما سواء فهذا شبيه بقوله :ما مررت بزيد ولكن عمرو ابتدأ بنفي ثم أبدل مكانه يقيناً.
وأما قولهم :أمررت برجل أم امرأة إذا أردت معنى أيهما مررت به فإن أم تشرك بينهما كما أشركت بينهما أو .وأما :ما
مررت برجل فكيف امرأة فزعم يونس أن الجر خطأ وقال :هو بمنزلة أين.
ومن جر هذا فهو ينبغي له أن يقول :ما مررت بعبد ال فلم أخيه وما لقيت زيداً واعلم أن المعرفة والنكرة في باب
الشريك والبدل سواء.
فالمعرفةُ خمسة أشياء :السماء التي هي أعلمٌ خاصةً والمضاف الى المعرفة إذا لم ترد معنى التنوين واللف واللمُ
والسماء المبهمة والضمارُ.
فأما العلمة المختصة فنحو زَيدٍ وعَمرٍو وعبدِ ال وما أشبه ذلك.
141
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما صار معرفةً لنه اسمٌ وقع عليه يُعرف به بعينه دون سائر أمته.
وأما المضاف الى معرفة فنحو قولك :هذا أخوك ومررتُ بأبيك وما أشبه ذلك.
وإنما صار معرفةً بالكاف التي أضيف إليها لن الكاف يراد بها الشيء بعينه دون سائر أمّته.
وأما اللف واللم فنحو الرجل والفرس والبعير وما أشبه ذلك.
وإنما صار معرفة لنك أردت باللف واللم الشيء بعينه دون سائر أمته لنك قلت :مررتُ برجلٍ فإنك إنما زعمت أنك
إنما مررت بواحدٍ ممن يقع عليه هذا السمُ ل تريد رجلً بعينه يعرفه المخاطَب.
وإذا أدخلتَ اللف واللم فإنما تُذكّره رجلً قد عرَفه فتقول :الرجل الذي من أمره كذا وكذا ليتوهّم الذي كان عهدَه ما
تذكّر من أمره.
وأما السماء المبهمة فنحو هذا وهذه وهذان وهاتان وهؤلء وذلك وتلك وذانك وتانك وأولئك وما أشبه ذلك.
وإنما صارت معرفةً لنها صارت أسماء إشارة الى الشيء دون سائر أمّته.
وإنما صار الضمار معرفة لنك إنما تضمِر اسماً بعد ما تعلم أن مَنْ يحدّث قد عرف مَن تعني وما تعني وأنك تريد شيئاً
يعلمه.
واعلم أن العَلَم الخاص من السماء يوصَف بثلثة أشياء :بالمضاف الى مثله وباللف واللم وبالسماء المبهمة.
واللف واللم نحو قولك :مررت بزيد الطويل وما أشبه هذا من الضافة واللف واللم.
والمضاف الى المعرفة يوصف بثلثة أشياء :بما أضيف كإضافته وباللف واللم والسماء المبهمة وذلك :مررتُ
بصاحبك أخي زيد ومررتُ بصاحبك الطويل ومررت بصاحبك هذا.
فأما اللف واللم فتوصف باللف واللم وبما أضيف الى اللف واللم لن ما أضيف الى اللف واللم بمنزلة اللف
واللم فصار نعتاً كما صار المضاف الى غير اللف واللم صفةً لما ليس فيه اللف واللم نحو مررتُ بزيد أخيك وذلك
قولك :مررتُ بالجميل النبيل ومررتُ بالرجل ذي المال.
وإنما منع أخاك أن يكون صفةً للطويل أن الخ إذا أضيف كان أخصّ لنه مضاف الى الخاص والى إضماره فإنما
ينبغي لك أن تبدأ به وإن لم تكتفِ بذلك زدتَ من المعرفة ما تزداد به معرفة.
142
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما منع هذا أن يكون صفةً للطويل والرجل أن المخبِر أراد أن يقرّب به شيئاً ويشير إليه لتعرفه بقلبك وبعينك دون
سائر الشياء.
وإذا قال الطويل فإنما يريد أن يعرّفك شيئاً بقلبك ول يريد أن يعرّفكه بعينك فلذلك صار هذا يُنعت بالطويل ول يُنعت
الطويل بهذا لنه صار أخصّ من الطويل حين أراد أن يعرّفه شيئاً بمعرفة العين ومعرفة القلب.
وإذا قال الطويل فإنما عرّفه شيئاً بقلبه دون عينه فصار ما اجتمع فيه شيئان أخصّ.
واعلم أن المبهمة توصَف بالسماء التي فيها اللف واللم والصفات التي فيها اللف واللم جميعاً.
وإنما وُصفتْ بالسماء التي فيها اللف واللم لنها والمبهمة كشيء واحد والصفات التي فيها اللف واللم هي في هذا
الموضع بمنزلة السماء وليست بمنزلة الصفات في زيد وعمرو إذا قلتَ مررتُ بزيد الطويل لني ل أريد أن أجعل هذا
اسماً خاصاً ول صفةً له يُعرف بها وكأنك أردت أن تقول مررت بالرجل ولكنك إنما ذكرت هذا لتقرّب به الشيء وتشير
إليه.
ويدلّك على ذلك أنك ل تقول :مررتُ بهذين الطويل والقصير وأنت تريد أن تجعله من السم الول بمنزلة هذا الرجل
ول تقول :مررتُ بهذا ذي المال كما قلت :مررتُ بزيد ذي المال.
واعلم أن صفات المعرفة تجري من المعرفة مجرى صفات النكرة من النكرة وذلك قولك :مررتُ بأخوَيْك الطويلَيْن
فليس في هذا إل الجرّ كما ليس في قولك :مررت برجل طويل إل الجرّ.
وتقول :مررت بأخوَيْك الطويل والقصير ومررتُ بأخوَيك الراكع والساجد ففي هذا البدل وفي هذا الصفة وفيه البتداء
كما كان ذلك في مررت برجلين صالح وطالح.
وإذا قلت :مررت بزيد الراكع ثم الساجد أو الراكع فالساجد أو الراكع ل الساجد أو الراكع أو الساجد أو إما الراكع وإما
الساجد وما أشبه هذا لم يكن وجه كلمه إل الجرّ كما كان ذلك في النكرة.
واعلم أن كل شيء كان للنكرة صفةً فهو للمعرفة خبر وذلك قولك :مررت بأخويك قائمَيْن فالقائمان هنا نصب على حدّ
الصفة في النكرة.
وتقول :مررت بأخويك مسلمًا وكافراً هذا على مَن جرّ وجعلهما صفةً للنكرة ومن جعلهما بدلً من النكرة جعلهما بدلً
سفَعاً بالناصيةِ.
من المعرفة كما قال ال عز وجل " :لَنَ ْ
حفُ
فإلى ابنِ أمّ أناسٍ ارحلُ ناقتي ** عمرٍو فتُبلغُ حاجتي أو تُز ِ
مِلكٍ إذا نزل الوفودُ ببابه ** عرَفوا مواردَ مُزبِدٍ ل يُن َزفُ
143
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومَن رفع في النكرة رفع في المعرفة.
قال الفرزدق:
وكانت قُشَيرٌ شامتاً بصديقها وآخرَ مَرزيّا وآخرَ رازِيا وقال الخر وهو ذو الرمّة:
وإن شئت كان بمنزلة رأيتُه قائماً كأنه صار خبراً على حدّ من جعله صفة للنكرة على الوجه الثلثة.
واعلم أن المضمر ل يكون موصوفاً من قِبل أنك إنما تضمِر حين ترى أن المحدّث قد عرف مَن تعني ولكن لها أسماء
تُعطَف عليها تعمّ وتؤكد وليست صفةً لن الصفة تحلية نحو الطويل أو قرابة نحو أخيك وصاحبك وما أشبه ذلك أو نحو
السماء المبهمة ولكنها معطوفة على السم تجري مجراه فلذلك قال النحويون صفة.
وذلك قولك :مررت بهم كلهم أي لم أدعْ منهم أحداً ويجيء توكيداً كقولك :لم يبق منهم مُخبّر وقال بقي منهم.
واعلم أن الخاص من السماء ل يكون صفةً لنه ليس بحلي ٍة ول قرابة ول مبهم ولكنه يكون معطوفاً على السم كعطف
أجمعين.
وهذا قول الخليل رحمه ال وزعم أنه من أجل ذلك قال :يا أيها الرجل زيدٌ أقبلْ.
وإنما صار المبهم بمنزلة المضاف لن المبهم تقرّب به شيئاً أو تُباعده وتُشير إليه.
ومن الصفة :أنت الرجل كلّ الرجل ومررت بالرجل كلّ الرجل.
فإن قلت :هذا عبد ال كلّ الرجل أو هذا أخوك كلّ الرجل فليس في الحُسن كاللف واللم لنك إنما أردت بهذا الكلم هذا
الرجل المبالغ في الكمال ولم ترد أن تجعل كل الرجل شيئاً تعرّف به ما قبله وتبيّنه للمخاطب كقولك :هذا زيد.
فإذا خفت أن يكون لم يُعرَف قلت :الطويل ولكنك بنيت هذا الكلم على شيء قد أثبتّ معرفته ثم أخبرت أنه مستك ِملٌ
للخِصال.
144
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك قولك :هذا العالِم حقّ العالِم وهذا العالم كلّ العالم إنما أراد أنه مستحقٌ للمبالغة في العلم.
جدّ العالم فإنما يريد معنى هذا عالِم جداً أي هذا قد بلغ الغاية في العلم.
فإذا قال هذا العالم ِ
ل كلّ رجل وهذا عالمٌ حقّ عالم وهذا عالمٌ جدّ عالم.
فجرى هذا الباب في اللف واللم مجراه في النكرة إذا قلت :هذا رج ٌ
ويدلّك على أنه ل يريد أن يثبّت بقوله كلّ الرجل الول أنه لو قال :هذا كلّ الرجل كان مستغنياً به ولكنه ذكر الرجل
توكيداً كقولك :هذا رجلٌ صالحٌ ولم يرد أن يبيّن بقوله كلّ الرجل ما قبله كما يبين زيداً إذا خاف أن يلتبس فلم يرد ذلك
باللف واللم وإنما هذا ثناء يحضُرك عند ذكرك إياه.
ومن الصفة قولك :ما يَحسن بالرجل مثلِك أن يفعل ذاك وما يحسن بالرجل خيرٍ منك أن يفعل ذاك.
جمّاء
وزعم الخليل رحمه ال أنه إنما جرّ هذا على نية اللف واللم ولكنه موضعٌ ل تدخله اللف واللم كما كان ال َ
الغفيرَ منصوباً على نيّة إلقاء اللف واللم نحو طُرّا وقاطبةً والمصادر التي تشبهها.
وزعم رحمه ال أنه ل يجوز في :ما يحسن بالرجل شبيهٍ بك الجرّ لنك تقدّر فيه على اللف واللم.
وقال :وأما قولهم :مررتُ بغيرك مثلك وبغيرك خيرٍ منك فهو بمنزلة مررتُ برجل غيرك خيرٍ منك لن غيرك ومثلك
ن نكرة ومَن جعلها معرفة قال :مررتُ بمثلك خيراً منك وإن شاء خيرٍ منك على البدل.
وأخواتها يك ّ
أل ترى أنه ل يجوز :ما يَحسن بزيد خيرٍ منك لنه بمنزلة كل الرجل في هذا.
فإن قلت :مثلِك وأنت تريد أن تجعله المعروف بشبهه جاز وصار بمنزلة أخيك.
ولم يُرد في قوله :ما يحسن بالرجل خيرٍ منك أن يُثبِت له شيئاً بعينه ثم يعرّفه به إذا خاف التباساً.
مبتدأة أما بدل المعرفة من النكرة فقولك :مررتُ برجلٍ عبدِ ال.
كأنه قيل له :بمَن مررت أو ظنّ أنه يقال له ذاك فأبدل مكانه ما هو أعرفُ منه.
ومثل ذلك قوله عزّ وجل ذكره " :وإنك لَتَهدي الى صِراطٍ مستقيمٍ صِراطِ ال ".
وإن شئت قلت :مررتُ برجلٍ عبدُ ال كأنه قيل لك :مَن هو أو ظننت ذلك.
ومن البدل أيضاً :مررتُ بقوم عبدِ ال وزيد وخالد والرفعُ جيد.
145
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال الشاعر وهو بعض الهُذليين وهو مالك بن خُويلد الخُناعي :يا َميّ إن تَفقِدي قومًا وَلدتِهمِ أو تُخلَسيهم فإن الدهر
ى كما فعل ذلك في النكرة. خلسُ والرفع جائز قوي لنه لم ينقض معن ً
وأما المعرفة التي تكون بدلً من المعرفة فهو كقولك :مررتُ بعبد ال زيد إما غلطتَ فتداركتَ وإما بدا لك أن تُضرِب
عن مرورك بالول وتجعله للخر.
ن بيوتَ يَشكُرَ خَبطةً أخوالُنا و ُهمُ بنو العمامِ كأنه حين قال:وأما الذي يجيء مبتدأ فقول الشاعر وهو مُهلهلٌ :ولقد خبَط َ
خبطنَ بيوت يشكرَ قيل له :وما هم فقال :أخوالُنا وهم بنو العمام.
وقد يكون مررتُ بعبد ال أخوك كأنه قيل له :مَن هو أو مَن عبدُ ال فقال :أخوك.
ول يكون صفةً كقولك :مررتُ برجلٍ أسدٍ شدةً لن المعرفة ل توصَف بها النكرة ول يجوز أن توصَف بنكرة أيضاً لما
ذكرتُ لك.
فالمعنى فيه على وجهين :إن شئت جعلته يلزمه ويخالطه فيما يُستقبل وإن شئت جعلته عملً كائناً في حال مرورك.
وإن ألقيتَ التنوينَ وأنت تريد معناه جرى مثله إذا كان منوّنا.
وحين قلت :مررتُ برجل ملزم أباه رجلٌ وحين قلت :مررتُ برجل ملزم أبيه رجلٌ فكأنك قلت في جميع هذا :مررتُ
برجل ملزم أباه ومررتُ برجلٍ ملزم أبيه لن هذا يجري مجرى الصفة التي تكون خالص ًة للول.
وتقول :مررتُ برجلٍ مخالِطِ بَدنه أو جسدِه داءٌ فإن ألقيتَ التنوينَ جرى مجرى الول إذا فإن قلت :مررتُ برجلٍ
مخالطِه داء وأردتَ معنى التنوين جرى على الول كأنك قلت :مررتُ برجل مخالطٍ إياه داء.
146
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإذا كان يجري عليه إذا التبس بغيره فهو إذا التبس به أحرى أن يجري عليه.
وإن زعم زاعمٌ أنه يقول مررتُ برجل مخالطِ بدنه داء ففرق بينه وبين المنوّن.
قيل له :ألستَ تعلم أن الصفة إذا كانت للول فالتنوين وغير التنوين سواء إذا أردت بإسقاط التنوين معنى التنوين نحو
قولك :مررتُ برجل ملزمٍ أباك ومررت برجلٍ ملزمِ أبيك أو ملزمِك فإنه ل يجد ُبدّا من أن يقول نعم وإل خالف
جميعَ العرب والنحويين.
فإذا قال ذلك قلتَ :أفلستَ تجعل هذا العمل إذا كان منوّنا وكان لشيء من سبب الول أو التبس به بمنزلته إذا كان للول
فإنه قائل :نعم وكأنك قلت مررتُ برجل ملزم.
فإذا قال ذلك قلتَ له :ما بالُ التنوين وغير التنوين استويا حيث كانا للول واختلفا حيث كانا للخِر وقد زعمتَ أنه يجري
عليه إذا كان للخِر كمجراه إذا كان للول.
ولو كان كما يزعمون لقلتَ :مررتُ بعبد ال الملزمِه أبوه لن الصفة المعرفة تجري على المعرفة كمجرى الصفة
النكرة على النكرة.
ولو أن هذا القياس لم تكن العرب الموثوق بعربيتها تقوله لم يُلتفت إليه ولكنّا سمعناها تنشد هذا البيت جرّا وهو قول ابن
غطَفان :ونظرْنَ من خَلَل الخدور بأعيُنٍ مَرضى مُخالطها السّقام صِحاحِ وسمعنا من العرب من يرويه ميّادة المُ ّريّ من َ
ويروي القصيدة التي فيها هذا البيت لم يلقّنه أحدٌ هكذا.
وأنشد غيره من العرب بيتاً آخر فأجروه هذا المجرى وهو قوله:
فالعمل الذي لم يقع والعمل الواقع الثابت في هذا الباب سواء وهو القياس وقولُ العرب.
فإن زعموا أن ناساً من العرب ينصبون هذا فهم ينصبون :به داء مخالطَه وهو صفة للول.
وإنما ذكرنا هذا لن ناساً من النحويين يفرقون بين التنوين وغير التنوين ويفرقون إذا لم ينوّنوا بين العمل الثابت الذي
ليس فيه علجٌ يرونه نحو الخذ واللزم والمخالط وما أشبهه وبين ما كان علجاً يرونه نحو الضارب والكاسر
فيجعلون هذا رفعاً على كل حال ويجعلون اللزم وما أشبهه نصباً إذا كان واقعًا ويُجرونه على القل إذا كان غير واقع.
وبعضهم يجعله نصباً إذا كان واقعاً ويجعله على كل حال رفعاً إذا كان غير واقع.
تقول :مررتُ برجلٍ ملزمُه رجل أي مررت برجلٍ صاحبُ ملزَمتِه رجلٌ فصار هذا كقولك :مررتُ برجل أخوه
رجل.
147
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ل ملزمُوه بنو فلن.
وتقول على هذا الحد :مررت برج ٍ
فقولك ملزموه يدلّك على أنه اسم ولو كان عملً لقلت :مررت برجلٍ ملزمه قومُه كأنك قلت :مررتُ برجلٍ ملزمٍ إياه
قومُه أي قد لزم إياه قومُه.
هذا باب ما جرى من الصفات غير العمل على السم الول إذا كان لشيء من سببه
وذلك قولك :مررت برجلٍ حسَنٍ أبوه ومررتُ برجلٍ كريمٍ أخوه وما أشبه هذا نحو المسلم والصالح والشيخ والشاب.
وإنما أُجريت هذه الصفات على الول حتى صارت كأنها له لنك قد تضعها في موضع اسمِه فيكون منصوباً ومجروراً
ومرفوعًا والنعتُ لغيره.
وذلك قولك :مررت بالكريم أبوه ولقيتُ موسّعاً عليه الدنيا وأتاني الحسنةُ أخلقُه فالذي أتاك والذي أتيتَ غيرُ صاحب
الصفة وقد وقع موقعَ اسمه وعمل فيه ما كان عاملً فيه وكأنك قلت :مررتُ بالكريم ولقيتُ موسّعاً عليه وأتاني الحسنُ
فكما جرى مجرى اسمه كذلك جرى مجرى صفته.
صفّتُه ومررت بصحيفةٍ طينٌ خا َتمُها ومررت برجلٍ فضّة حِليةٌ سيفه.
وهو قول العامة وذلك قولك :مررتُ بسرجٍ خَزّ ُ
لو قلت :له خاتمٌ حديدٌ أو هذا خاتمٌ طينٌ كان قبيحاً إنما الكلم أن تقول :هذا خاتم حديد وصُفّة خزّ وخاتمٌ من حديد وصفةٌ
من خزّ.
ويدلّك أيضاً على أنه ليس بمنزلة حسنٍ وكريمٍ أنك تقول :مررت بحسَنٍ أبوه وقد مررت بالحسن أبوه فصار هذا بمنزلة
اسمٍ واحد كأنك قلت :مررتُ بحسَنٍ إذا جعلتَ الحسن للمرور به.
ن أبوه ومررتُ برجل ملزمِه أبوه كأنهم قالوا :مررت برجل حسنٍ وبرجل ملزمٍ.
فمن ثمّ أيضاً قالوا :مررتُ برجل حس ٍ
فالجرّ يكون في :مررت بصحيفة طينٍ خاتمُها على هذا الوجه.
ومن العرب من يقول :مررت بقاعٍ عرفَجٍ كلُه يجعلونه كأنه وصفٌ.
مجرى السماء التي ل تكون صفة وذلك أفعلُ منه ومثلُك وأخواتُهما وحسبُك من رجلٍ وسواءٌ عليه الخيرُ والشرّ وأيّما
ب لك وكلُ رجل وأفعلُ شيء نحو خيرُ شيء وأفضلُ شيء وأفعلُ ما يكون رجلٍ وأبو عَشَر ٍة وأبٌ لك وأخٌ لك وصاح ٌ
وأفعلُ منك.
وإنما صار هذا بمنزلة السماء التي ل تكون صفةً من قبَل أنها ليست بفاعلة وأنها ليست كالصفات غير الفاعلة نحو
ل ويدخلها اللف واللم وتضاف الى ما فيه اللفحسَنٍ وطويل وكريم من قبل أن هذه تُفرَد وتؤنّث بالهاء كما يُؤنّث فاع ٌ
َ
واللم وتكون نكرةً بمنزلة السم الذي يكون فاعلً حين تقول هذا رجلٌ ملزمُ الرجل.
148
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وذلك قولك :هذا حسنُ الوجه.
ومع ذلك أنك تدخِل على حسَن الوجه اللف واللم فتقول :الحسنُ الوجه كما تقول الملزم الرجل.
وكذلك أيّ.
ول تستطيع أن تدخِل اللف واللم على شيء منها كما أدخلتَ ذلك على الحسن الوجه ول تنوّن ما تنوّن منه على حد
تنوين الفاعل فتكون بالخيار في حذفه وتركه ول تؤنّث كما تؤنّث الفاعل فلم يَق َو قوّة الحَسَن إذا لم يُفرد إفرادَه.
فلما جاءت مضارعةً للسم الذي ل يكون صفة البتّة إل مستكرَهاً كان الوجهُ عندهم فيه الرفعَ إذا كان النعتُ للخِر
وذلك قولك :مررتُ برجلٍ حسنٌ أبوه.
ومع ذلك أيضاً أن البتداء يحسُن فيهنّ تقول :خيرٌ منك زيدٌ وأبو عشرةٍ زيدٍ وسواءٌ عليه الخيرُ والشرّ.
فلما جاءت مضارعةً للسماء التي ل تكون صف ًة وقَويت في البتداء كان الوجه فيها عندهم الرفعَ إذا كان النعت للخِر.
وذلك قولك :مررت برجلٍ خيرٌ منه أبوه ومررتُ برجل سواءٌ عليه الخيرُ والش ّر ومررت برجل أبٌ لك صاحبُه
ل هو ومررتُ برجل أيّما رجل هو.ومررت برجل حَسبُك من رج ٍ
ل رفعلتَ أيضاً.
وإن قلت :مررتُ برجلٍ حسبُك به من رج ٍ
وزعم الخليل رحمه ال أن به ههنا منزلة هو ولكن هذه الباء دخلت ههنا توكيداً كما قال :وكفى بالشيب والسلم.
فإن قلت :مررتُ برجل شديدٍ عليه الحرّ والبردُ جررتَ من قبل أن شديداً قد يكون صف ًة وحدَه مستغنياً عن عليه وعن
ذكر الحرّ والبرد ويدخل في جميع ما دخل الحَسنُ.
وإن قلت :مررت برجلٍ سواءٍ في الخير والشرّ جررت لن هذا من صفة الول فصار كقولك :مررتُ برجلٍ خيرٍ منك.
ل مفضّض
وإن قلت :مررتُ برجل مُستوٍ عليه الخيرُ والشرّ جررتَ أيضاً لنه صار عملً بمنزلة قولك :مررتُ برج ٍ
سيفُه ومررتُ برجل مسمومٍ شرابُه ويدخله جميعُ ما يدخل الحَسنَ.
149
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وزعم يونس أن ناساً من العرب يجرّون هذا كما يجرّون مررتُ برجلٍ خَزّ صُفّتُه.
ومما يقوّيك في رفع هذا أنك ل تقول مررتُ بخيرٍ منه أبوه ول بسواء عليه الخير والش ّر كما تقول بحسَنٍ أبوه.
وتقول :مررتُ برجل كلّ ماله درهمان ل يكون فيه إل الرفع لن كل مبتدأ والدرهمان مبنيان عليه.
ل مالٍ.
فإن أردت بقولك :مررت برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه جاز لنه قد يوصف به تقول هذا مال ك ّ
ج كلّ.
وليس استعماله وصفاً بقوة أبي عشرةٍ ول كثرته وليس بأبعد من مررت برجل خز صُفته ول قاعٍ عرْف ٍ
ومن جواز الرفع في هذا الباب أني سمعت رجلين من العرب عربيين يقولن :كان عبد ال حسبُك به رجلً.
وهذا أقرب الى أن يكون فيه الجراء على الول إذا كان في الخزّ والفضة لن هذا يوصَف به ول يوصَف بالخ ّز ونحوه.
وذلك قولك :مررت بحيةٍ ذراعٌ طولُها ومررت بثوب سبعٌ طوله ومررت برجلٍ مائةٌ إبله فهذه تكون صفاتٍ كما كانت
خيرٌ منك صفةً.
يدلّك على ذلك قول العرب :أخذ بنو فلن من بني فلن إبلً مائةً فجعلوا مائ ًة وصفاً.
فاختير الرفعُ فيه لنك ل تقول :ذراعٌ الطول منوّنًا ول غير منوّن.
وبعض العرب يجرّه كما يجرّ الخزّ حين يقول :مررت برجل خزّ صُفّته ومنهم من يجرّه وهم قليل كما تقول :مررت
برجلٍ أسد أبوه إذا كنت تريد أن تجعله شديدًا ومررت برجل مثل السد أبوه إذا كنتَ تشبّهه.
فإن قلت :مررت بدابّة أسدٌ أبوها فهو رفعٌ لنك إنما تخبر أن أباها هذا السّبع.
فإن قلت :مررتُ برجل أسدٌ أبوه على هذا المعنى رفعتَ إل أنك ل تجعل أباه خَلقُه كخِلقة السد ول صورته.
ومن قال :مررت برجلٍ أسد أبوه قال :مررت برجل مائةٍ إبله.
وزعم يونس أنه لم يسمعه من ثقة ولكنهم يقولون :هو نارٌ حُمرةً لنهم قد يبنون السماء على المبتدأ ول يصفون بها
ن وإن كنتَ تريد معنى أنه مبالغٌ في الشدة لنه ليس بوصف. فالرفعُ فيه الوجه والرفع فيه أحس ُ
150
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وجرّه كجرّ السد.
وقد يجوز على هذا الحد أن تقول :مررت برجل حسنٌ أبوه.
وإن وصفته فقلت :مررت برجل حسنٌ ظريفٌ أبوه فالرفع فيه الوجه والحد والجرّ فيه قبيح لنه يفصل بوصف بينه
وبين العامل.
أل ترى أنك لو قلت مررتُ بضاربٍ ظريفٍ زيدًا وهذا ضاربٌ عاقلٌ أباه كان قبيحاً لنه وصفه فجعل حاله كحال
السماء لنك إنما تبتدئ بالسم ثم تصفه.
فإن قلت :مررت برجل شديدٌ رجلٌ أبوه فهو رفع لن هذا وإن كان صفةً فقد جعلته في هذا الموضع اسماً بمنزلة أبي
عشرة أبوه يقبح فيه ما يقبح في أبي عشرة.
ومن قال :مررت برجلٍ أبي عشرة أبوه قال :مررت برجل شديد رجلٍ أبوه.
وإذا قال :مررت برجل حسنٍ الوجه أبوه فليس بمنزلة أبي عشر ٍة أبوه لن قولك :حسن الوجه أبوه بمنزلة قولك مررت
برجل حسنٍ الوجه فصار هذا بدخول التنوين يشبه ضارباً إذا قلت :مررتُ برجل ضاربٍ أباه.
وأبو عشرة ل يدخله التنوين ول يجري مجرى الفعل ولكنك ألقيتَ التنوين استخفافاً فصار بمنزلة قولك :مررت برجلٍ
ل ومررتُ برجل ملزم أبيه رجلٌ إذا أردتَ معنى التنوين فكأنك قلت :مررتُ برجلٍ حسن أبوه. ملزم أباه رج ٌ
وتقول :مررتُ برجل حسن الوجه أبوه كما تقول :مررت بالرجل الحسن الوجه أبوه وكما تقول :مررتُ بالرجل
الملزمِه أبوه.
أل ترى أنك ل تقول :مررتُ بخير منه أبوه ول بأبي عشرة وأما قوله :مررت برجلٍ سوا ٍء والعدمُ فهو قبيح حتى تقول:
هو والعدمُ لن في سواء اسمًا مضمَراً مرفوعًا كما تقول مررتُ بقوم عربٍ أجمعون فارتفع أجمعون على مضمر في
عربٍ بالنية.
فإن تكلّمت به على قبحه رفعتَ العدمَ وإن جعلته مبتدأ رفعتَ سواءً.
وتقول :ما رأيت رجلً أبغضَ إليه الشرّ منه إليه وما رأيت أحداً أحسنَ في عينه الكُحل منه في عينه.
وليس هذا بمنزلة خيرٌ منه أبوه لنه مفضّل للب على السم في مِن وأنت في قولك :أحسن في عينه الكحلُ منه في عينه
ل تريد أن تفضّل الكحل على السم الذي في من ول تزعم أنه قد نقص عن أن يكون مثله ولكنك زعمت أن للكحل ههنا
عملً وهيئةً ليست له في غيره من المواضع فكأنك قلت :ما رأيت رجلً عاملً في عينه الكحل كعمله في عين زيد وما
ل مبغضاً إليه الشرّ كما ُبغّض إلى زيد.
رأيت رج ً
151
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ويدلّك على أنه ليس بمنزلة خيرٌ منه أبوه أن الهاء التي تكون في مِن هي الكحلُ والشرّ كما أن الضمار الذي في عمله
و ُبغّض هو الكحل والشرّ.
ومما يدلّك على أنه على أوّله ينبغي أن يكون أن البتداء فيه مُحال :أنك لو قلت :أبغضُ إليه منه الشرّ لم يجز ولو قلت:
خيرٌ منه أبوه جاز.
وإن شئت قلت :ما رأيت أحداً أحسن في عينه الكحل منه وما رأيت رجلً أبغضَ إليه الشرّ منه وما من أيامٍ أحبّ الى ال
فيها الصومُ من عشر ذي الحجة فإنما المعنى الول إل أن الهاء هنا السم الول ول تخبر أنك فضّلت الكحلَ عليه ول
أنك فضّلت الصوم على اليام ولكنك فضّلت بعضَ اليام على بعضٍ.
والهاء في الول هو الكحل وإنما فضلته في هذا الموضع على نفسه في غير هذا الموضع ولم ترد أن تجعله خيراً من
نفسه البتّة.
قال الشاعر وهو سُحيمُ بن وَثيل :مررتُ على وادي السّباع ول أرى كوادي السباع حين يُظلمُ واديا أقلّ به ر ْكبٌ أ َتوْه
تَئيّة وأخوفَ إل ما وَقى ال ساريا وإنما أراد :أقلّ به الرّكب تَئيّة منهم به ولكنه حذف ذلك استخفافاً كما تقول :أنت أفضل
ول تقول من أحد.
واعلم أن الرفع والنصبَ تجري السماء ونعتُ ما كان من سببها ونعتُ ما التبس بها وما التبس بشيء من سببها فيهما
مجراهنّ في الجرّ.
واعلم أن ما جرى نعتاً على النكرة فإنه منصوب في المعرفة لن ما يكون نعتاً من اسم النكرة يصير خبراً للمعرفة لنه
ليس من اسمه.
سبَ الذين اجتَرحوا السّيّئات أن تجعَلهُم كالذين آمنوا وعملوا الصّالحات سَواءٌ مَحياهُم
من ذلك قوله جلّ وعزّ " :أم حَ ِ
ومَماتُهُم ".
ومن أجرى هذا على الول فإنه ينبغي له أن ينصبه في المعرفة فيقول :مررتُ بعبد ال خيراً منه أبوه.
وليست بمنزلة العمل نحو ضارب وملزم وما ضارعه نحو حَسن الوجه.
152
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ب ولزَمَ.
أل ترى أن هذا عملٌ يجوز فيه يَضربُ ويلزم وضر َ
ولو قلت :مررت بخيرٍ منه أبوه كان قبيحاً وكذلك بأبي عشرة أبوه.
ولكنه حين خلَص للول جرى عليه كأنك قلت :مررتُ برجلٍ خيرٍ منك.
ومن قال :مررتُ برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه فشبّه بقوله :مررتُ برجل حسنٍ أبوه.
فهو ينبغي له أن يقول :مررتُ بعبد ال أبي العشرة أبوه كما قال :مررتُ بزيدٍ الحسنِ أبوه.
ومن قال :مررتُ بزيدٍ أخوه عمرٌو لم يكن فيه إل الرفع لن هذا اس ٌم معروف بعينه فصار بمنزلة قولك :مررتُ بزي ٍد
عمرٌو أبوه ولو أن العشرة كانوا قوماً بأعيانهم قد عرفهم المخاطَب لم يكن فيه إل الرفع لنك لو قلت :مررتُ بأخيه أبوك
كان مُحالً أن ترفع البَ بالخ وهي في مررتُ بأبي عشرة أبوه وبأبي العشرة أبوه إذا لم يكن شيئاً بعينه تجوز على
استكراهٍ.
فإن جعلتَ الخَ صف ًة للول جرى عليه كأنك قلت :مررتُ بأخيك فصار الشيء بعينه نحو زيد وعمرو وضارع أبو
عشرة حَسنٌ حين ولم يكن شيئاً بعينه قد عرفه كمعرفتك على ضعفه واستكراهه.
واعلم أن كل شيء من العمل وما أشبهه نحو حسن وكريم إذا أدخلتَ فيه اللفَ واللم جرى على المعرفة كمجراه على
النكرة حين كان نكرةً كقولك :مررت بزيد الحَسن أبوه ومررتُ بأخيك الضاربِهِ عمرو.
واعلم أن العرب يقولون :قومٌ َمعْلُوجاء وقومٌ مَشيخةٌ وقوم مَشيوخاء يجعلونه صفةً بمنزلة شيوخ وعُلوج.
هذا باب ما جرى من السماء التي من الفعال وما أشبهها مجرى الفعل
ج قومُك.
وذلك قولك :مررتُ برجلٍ حسنٍ أبواه وأحسنٌ أبَواه وأخار ٌ
ب أبواك
فصار هذا منزلة قال أبواك وقال قومُك على حدّ من قال :قومك حسنون إذا أخّروا فيصير هذا بمنزلة أذاه ٌ
وأمنطلِقٌ قومُك.
فإن بدأتَ بالسم قبل الصفة قلت :قومُك منطلقون وقومك حسنون كما تقول أبواك قال ذاك وقومك قالوا ذاك.
ت مؤنّث فهو يجري مجرى المذكّر إل أنك تُدخِل الهاء وذلك قولك :أذاهبةٌ جاريتاك وأكريمةٌ نساؤكم.
ت بنع ٍ
فإن بدأ َ
فصارت الهاء في السماء بمنزلة التاء في الفعل إذا قلت :قالت نساؤكم وذهبتْ جاريتاك.
وإنما قلت :أكريمةٌ نساؤكم على قول من قال :أنساؤكم كريمات إذا أخّر الصفة.
واللفُ والتاء والواو والياء والنون في الجميع واللفُ والنون في التثنية بمنزلة الواو واللف في قال وقالوا وبمنزلة
الواو والنون في يقولون.
وكذلك :أقُرَشيّ قومُك وأقرشيّ أبواك إذا أردت الصفة جرى مجرى حسن وكريم.
153
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما قالت العرب :قال قومُك وقال أبواك لنهم اكتفوا بما أظهروا عن أن يقولوا قال أبواك وقالوا قال الشاعر :ألي َ
س
أكرمَ خلقِ ال قد علِموا عند الحفاظ بَنو عمرو بنِ حُنجودِ صار ليس ههنا بمنزلة ضرب قومَك بنو فلن لن ليس فعلٌ
فإذا بدأتَ بالسم قلت :قومُك قالوا ذاك وأبواك قد ذهبا لنه قد وقع ههنا إضما ٌر في الفعل وهو أسماؤهم فلبد للمضمَر
أن يجيء بمنزلة المظهر.
إل أنهم أدخلوا التاء ليفصلوا بين التأنيث والتذكير وحذفوا اللف والنون لمّا بدءوا بالفعل في تثنية المؤنث وجمعه كما
حذفوا ذلك في التذكير.
فإن بدأتَ بالسم قلت :نساؤك قُلنَ ذاك كما قلت :قومُك قالوا ذاك.
وتقول :جاريتاك قالتا كما تقول :أبواك قال لن في قُلن وقالتا إضماراً كما كان في قال وقالوا.
وإذا قلت :ذهبتْ جاريتاك أو جاءتْ نساؤك فليس في الفعل إضما ٌر ففصلوا بينهما في التأنيث والتذكير ولم يفصلوا بينهما
في التثنية والجمع.
وإنما جاءوا بالتاء للتأنيث لنها ليست علم َة إصمار كالواو واللف وإنما هي كهاء التأنيث في طَلْحة وليست باسم.
وكلما طال الكلم فهو أحسنُ نحو قولك :حضر القاضي امرأةٌ لنه إذا طال الكلم كان الحذف أجمل وكأنه شيءٌ يصير
بدلً من شيء كالمعاقبة نحو قولك :زنادقة وزناديق فتحذف الياء لمكان الهاء وكما قالوا في مُغتَلِمُ :مغَيلِم و ُمغَيليم وكأن
الياء صارت بدلً مما حذفوا.
وإنما حذفوا التاء لنهم صار عندهم إظهار المؤنث يكفيهم عن ذكرهم التاء كما كفاهم الجمي ُع والثنان حين أظهروهم
عن الواو واللف.
وهذا في الواحد من الحيوان قليل وهو في المَوات كثير فرقوا بين المَوات والحيوان كما فرقوا بين الدميين وغيرهم.
تقول :هم ذاهبون وهم في الدار ول تقول :جمالُك ذاهبون ول تقول :هم في الدار وأنت تعني الجِمال ولكنك تقول :هي
وهنّ ذاهبة وذاهبات.
ومما جاء في القرآن من المَوات قد حُذفت فيه التاء قوله عزّ وجلّ " :فمنْ جاءهُ موعظةٌ من ربّه فانتهى " وقوله " :مِن
بعدِ ما جاءهُم البَيّنات ".
وهذا النحو كثيرٌ في القرآن وهو في الواحدة إذا كانت من الدميين أقل منه في سائر الحيوان.
أل ترى أن لهم في الجميع حالً ليست لغيرهم لنهم الوّلون وأنهم قد ُفضّلوا بما لم يفضّل به غيرهم من العقل والعلم.
وأما الجميع من الحيوان الذي يكسّر عليه الواحد فبمنزلة الجميع من غيره الذي يكسّر عليه الواحد في أنه مؤنّث.
154
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتقول :هم جملٌ وهي الجِمال وهو عَيْرٌ وهي العيار فجرت هذه كلها مجرى هي الجُذوع.
وما أشبه ذلك يُجرى هذا المجرى لن الجميع يؤنّث وإن كان كلّ واحد منه مذكّرا من الحيوان.
فلما كان كذلك صيّروه بمنزلة المَوات لنه قد خرج من الول المكن حيث أردت الجميع.
فلما كان ذلك احتملوا أن يُجروه مُجرى الجميع المَوات قالوا :جاء جواريك وجاء نساؤك وجاء بناتُك.
وقالوا فيما لم يكسّر عليه الواحد لنه في معنى الجمع كما قالوا في هذا كما قال ال تعالى جده " :ومنهم مَن يستمعون
إليكَ " إذ كان في معنى الجميع وذلك قوله تعالى " :وقال نسوةٌ في المدينة ".
واعلم أن من العرب من يقول :ضربوني قومُك وضرباني أخواك فشبّهوا هذا بالتاء التي يُظهرونها في قالت فُلنة
وكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علمةً كما جعلوا للمؤنّث وهي قليلة.
ي أبوه وأمّه بحَورانَ يعصِرنَ السّليط أقاربُهْ وأما قوله جلّ ثناؤه " :وأسَرّوا
قال الشاعر :وهو الفرزدق :ولكنْ دِياف ّ
النّجوى الذين ظلموا " فإنما يجيء على البدل وكأنه قال :انطلقوا فقيل له :مَن فقال :بنو فلن.
فقوله جلّ وعزّ " :وأسَرّوا النجوى الذين ظلموا " على هذا فيما زعم يونس.
وقال الخليل رحمه ال تعالى :فعلى هذا المثال تجري هذه الصفات.
ن وكهلينَ.
خ وكهلٌ إذا أردتَ شابّين وشيخي َ
وكذلك شابّ وشي ٌ
ل كهلون
قال الخليل رحمه ال :فإن ثنّيت أو جمعتَ فإن الحسن أن تقول :مررتُ برجلٍ قُرَشيان أبواه ومررتُ برج ٍ
صفّته.
أصحابه تجعله اسماً بمنزلة قولك :مررت برجلٍ خزّ ُ
وقال الخليل رحمه ال :من قال أكلوني البراغيث أجرى هذا على أوله فقال :مررت برجل حَسنيْن أبواه ومررتُ بقومٍ
قُرَشيّين آباؤهم.
وكذلك أفعل نحو أعورَ وأحمر تقول :مررت برجل أعورَ أبواه وأحمرَ أبواه.
ومن قال أكلوني البراغيث قلت على حدّ قوله :مررتُ برجلٍ أعورَيْن أبواه.
وتقول :مررت برجل أعورَ آباؤه كأنك تكلّمت به على حدّ أعورِينَ وإن لم يُتكلّم به كما توهّموا في هَلكى وموتى
ومرضى أنه فُعل بهم فجاءوا به على مثال جَرحى وقتلى ول يقال هُلِك ول مُرض ول ُموِت.
قال الشاعر وهو النابغة الجعدي :ول يشعر الرّمح الصمّ كُعوبُه بثروةِ رهطِ العيَطِ المتظلّمِ وأحسنُ من هذا أعورٌ
قومُك ومررتُ برجلٍ صُ ّم قومُه.
ن قومُه وليس يجري هذا مجرى الفعل إنما يجري مجرى الفعل ما دخله اللفُ والنون والواو وتقول :مررت برجلٍ حسا ٍ
والنون في التثنية والجمع ولم يغيّره نحو قولك :حسنٌ وحسنان فالتثنية لم تغيّر بناءَه.
155
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتقول :حسنون فالواو والنون لم تغيّر الواحدَ فصار هذا بمنزلة قال وقالوا لن اللف والواو لم تغيّر فعلَ.
وأما حِسانٌ وعُورٌ فإنه اسمٌ كُسّر عليه الواحد فجاء مبنيًا على مثالٍ كبناء الواحد وخرج من بناء الواحد الى بناء آخر ل
تلحقه في آخره زيادة كالزيادة التي لحقت في قُرشيّ في الثنين والجميع.
فهذا الجميع له بناءٌ بُني عليه كما بُني الواحد على مثاله فأُجرى مجرى الواحد.
ومما يدلّك على أن هذا الجميع ليس كالفعل أنه ليس شيءٌ من الفعل إذا كان للجميع يجيء مبنياً على غير بنائه إذا كان
للواحد فمن ثم صار حِسانٌ وما أشبهه بمنزلة السم الواحد نحو مررتُ برجلٍ جُ ُنبٍ أصحابُه ومررت برجل صَرورةٍ
قومُه.
واعلم أن ما كان يُجمع بغير الواو والنون نحو حَسَنٍ وحِسان فإن الجود فيه أن تقول :مررتُ برجلٍ حِسان قومُه.
وما كان يُجمع بالواو والنون نحو منطلِق ومنطلقين فإن الجود فيه أن يُجعل بمنزلة الفعل المتقدّم فتقول :مررتُ برجلٍ
منطلِق قومُه.
ومن قال " :فمَنْ جاءهُ موعظةٌ من ربّه " وكان أبو عمرو يقرأ " :خاشعاً أباصرُهُم ".
قال الشاعر وهو أبو ذؤيب ال ُهذَليّ :بعيدُ الغَزاة فما إن يَزا لُ مُضطَمراً طُرّتاه طَليحا وقال الفرزدق :وكُنا وَرثناه على عهدِ
ك قفا مُق ِرفٍ لئيمٍ مآثرُه قُعدُ ِد وقال آخر وهو أبو زبيد
تُبّع طويلً سَواريه شديداً دعائمُهْ وقال الفرزدق أيضاً :قَرَنْبى يَح ّ
الطائي :مُستَحِنّ بها الرياحُ فما يَجْ تابُها في الظلم كلّ هَجودِ وقال آخر من بني أسد :فلقى ابنَ أنثى يبتغي مثلَ ما ابتغى
من القوم مَسقيّ السّمام حدائ ُد ْه وقال آخر الكُميت بن معروف :ومازِلت مَحمولً عليّ ضغين ٌة ومُضطَلِ َع الضغان مُذ أنا يافعُ
وهذا في الشعر أكثر من أن أحصيه لك.
ومن قال ذهب فلنةُ قال :أذاهبٌ فلنةُ وأحاض ٌر القاضيَ امرأةٌ.
وقد يجوز في الشعر موعظةٌ جاءنا كأنه اكتفى بذكر الموعظة عن التاء.
وأما المنفطرة فيجيء على العمل كقولك منشقّة وكقولك مرضعة للتي ترضع.
وأما " ُكلّ في فَلَك يسبحون " و " رأي ُتهُم لي ساجدين " و " يا أيها النّمل ادخُلوا مساكنكم " فزعم أنه بمنزلة ما يعقل
ويسمع لما ذكرهم بالسّجود وصار النمل بتلك المنزلة حين حدّثت عنه كما تحدّث عن الناسيّ.
وكذلك " في فلك يسبحون " لنها جُعلت -في طاعتها وفي أنه ل ينبغي لحد أن يقول :مُطرنا ب َنوْء كذا ول ينبغي لحد أن
يعبد شيئًا منها -بمنزلة من يَعقل من المخلوقين ويُبصر المور.
156
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
قال النابغة الجعديّ :شَربتُ بها والدّيك يدعو صَباحهُ إذا ما بنو نعشٍ دَنوْا فتصوّبوا فجاز هذا حيث صارت هذه الشياء
عندهم تُؤمَر وتُطيع وتفهم الكلم وتعبد بمنزلة الدميين.
وسألتُ الخليل رحمه ال عن :ما أحسنَ وجوهَهما فقال :لن الثنين جميعٌ وهذا بمنزلة قول الثنين :نحن فعلنا ذاك ولكنهم
أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفرداً وبين ما يكون شيئاً من شيء.
وقد جعلوا المفردين أيضاً جميعاً قال ال جلّ ثناؤه " :وهل أتاكَ نبأ الخصمِ إذ تسوّروا المِحرابَ.
قال الراجز وهو خِطام :ظهراهما مثلُ ظهورِ التّرسَين وقالوا :وضعا رِحالَهما يريد :رحَليْ راحلتين.
وحدّ الكلم أن يقول :وضعتُ رحلي الراحلتين فأجرَوه مجرى شيئين من شيئين.
في بعض المواضع أحسن وقد يستوي فيه إجراء الصفة على السم وأن تجعله خبراً فتنصبه فأما ما استويا فيه فقوله:
مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائدٍ به إن جعلته وصفاً.
وإن لم تحمله على الرجل وحملتَه على السم المضمَر المعروف نصبتَه فقلت :مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائداً به كأنه
قال :معه بازٌ صائداً به حين لم يرد أن يحمله على الول.
ل ومررتُ به قائم إن حملتَه على الرجل وإن حملته على مررت به نصبته كأنك قلت :مررتُ به
وكما تقول :أتيتُ على رج ٍ
قائماً.
ومثله :نحن قومٌ ننطلق عامدون الى بلد كذا إن جعلتَه وصفاً.
ومنه :مررتُ برجلٍ معه بازٌ قابضٍ على آخَر ومررت برجلٍ معه جُبّة لبسٍ غيرَها.
وإن حملتَه على ما في عنده من الضمار نصبت كأنك قلت :عنده صقر صائداً ببازٍ.
وكذلك :مررت برجلٍ معه الفرسُ راكب بِر َذوْناً إن لم ترد الصفة نصبتَ كأنك قلت :معه الفرسُ راكباً برذوناً.
157
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
سدَ كلمٌ كثير ولكان الوجه :مررتُ برجل جميلِه حسنِ الوجه.
ولو كان هذا على القلب كما يقول النحويون لفَ َ
فهذا ل يكون فيه إل الوصف لنه ل يجوز أن تجعل المعرفة حالً يقع فيه شيء.
ولم تقل جميلَه لنك لم ترد أن تقول إنه حسنُ الوجه في هذه الحال ول أنه حسنٌ وجهه جميلً أي في هذه الحال حسنَ
وجهه.
فلم يرد هذا المعنى ولكنه أراد أن يقول :هذا رجلٌ جميلُ الوجه كما يقال.
وإن أردتَ الوجه الخ َر فنصبت فهو جائزٌ ل بأس به وإن كان ليس له قوّة الوصف في هذا.
ن وأقوى.
فهذا الذي الوصفُ فيه أحس ُ
ومثله في أن الوصف أحسن :هذا رجلٌ عاقلٌ لبيب لم يجعل الخرَ حالً وقع فيه الول ولكنه أثنى عليه وجعلهما شرعاً
سواء وسوّى بينهما في الجراء على السم.
ضعُفَ لنه لم يرد أن الول وقع وهو في هذه الحال ولكنه أراد أنهما فيه ثابتان لم يكن واحدٌ منهما قبل صاحبه كما وإنما َ
تقول :هذا رجلٌ سائرٌ راكباً دابةً.
وقد يجوز في سعة الكلم على هذا ول ينقُض المعنى في أنهما شَ ْرعٌ سواء فيه.
لو كان ذلك لكان الحدّ والوجه في قوله :مررتُ بامرأة آخذةٍ عبدَها فضاربته النصبَ لن القلب ل يصلح ولقلت :مررت
برجلٍ عاقلةٍ أمّه لبيبةً لنه ل يصلح أن تقدّم لبيبةً فتضمر فيها المّ ثم تقول عاقلةٍ أمّه.
وتقول :مررت برجل معه كيسٌ مختوم عليه الرفع الوجهُ لنه صفة الكيس.
والنصب جائز على قوله :فيها رجلٌ قائماً وهذا رجلٌ ذاهباً.
158
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أنك إذا نصبتَ في هذا الباب فقلت :مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائداً به غدًا فالنصبُ على حاله لن هذا ليس بابتداء
ول يُشبه :فيها عبدُ ال قائمٌ غدًا لن الظروف تُلغى حتى يكون المتكلم كأنه لم يذكرها في هذا الموضع فإذا صار السم
مجروراً أو عاملً فيه فعلٌ أو مبتدأ لم تُلغِه لنه ليس يرفعه البتداء وفي الظروف إذا قلت :فيها أخواك قائمان يرفعه
البتداء.
وتقول :مررتُ برجلٍ معه امرأةٌ ضاربتُه فهذا بمنزلة قوله :معه كيسٌ مختومٌ عليه.
وتقول :مررتُ برجل معه امرأةٌ ضاربُها هو فكأنك قلت :معه امرأةٌ ضاربُها زيدٌ.
ومثل قولك ضاربُها هو قوله :مررتُ برجل معه امرأة ضاربُها أبوه إذا جعلتَ الب مثل زيد فإن لم تُنزل هو والبَ منزلة
زيد وما ليس من سببه ولم يلتبس به قلت :مررتُ برجل معه امرأةٌ ضاربِها أبوه أو هو.
وإن شئت نصبت تُجرى الصفة على الرجل ول تُجريها على المرأة كأنك قلت :ضاربِها وضاربَها وخصَصتَه بالفعل
فيجري مجرى مررتُ برجلٍ ضاربِها أبوه ومررت بزيد ضاربَها أخوه.
ول يجوز هذا في زيد كما أنه ل يجوز مررتُ برجلٍ ضاربِها زيدٌ ول مررتُ بعبد ال ضاربَها خالدٌ وكما كان لم يجز يا ذا
الجاريةِ الواطئَها زيدٌ فتحملَه على النّداء.
ولكن الجرّ جيد أل ترى أنك لو قلت :مررتُ بالذي وطئها أبوه جاز ولو قلت بالذي وطئها زيد لم يكن.
فإن قلت :يا ذا الجارية الواطئِها أبوه جررتَ كما تجرّ في زيد حين قلت :يا ذا الجارية الواطئِها زيد.
وتقول :يا ذا الجارية الواطئَها أبوه تجعل الواطئَها من صفة المنادى ول يجوز أن تقول :يا ذا الجارية الواطئَها زيد من قبل
أن الواطئَها من صفة المنادى فل يجوز كما ل يجوز أن تقول :مررتُ بالرجل الحَسن زيدٌ وقد يجوز أن تقول بالحَسن
أبوه.
وإن شئت نصبتَه كما تقول :يا ذا الجارية الواطئَها فتُجريه على المنادى ول تُجريه على الجارية.
وإن قلت :يا ذا الجارية الواطئِها وأن تريد الواطئِها هو لم يجز كما ل يجوز مررتُ بالجارية الواطئِها تريد هو أو أنت كما
ل يجوز هذا وأنت تريد البَ أو زيداً.
وليس هذا كقولك :مررتُ بالجارية التي وطئَها زيد أو التي وطئَها لن الفعل يضمَر فيه وتقع فيه علمة الضمار والسم
ل تقع فيه علمةُ الضمار فلو جاز ذلك لجاز أن يوصَف ذلك المضمَر بهو فإنما يقع في هذا إضمار السم رفعاً إذا لم
يوصف به شيء غي ُر الول وذلك قولك يا ذا الجارية الواطئَها ففي هذا إضمار هو وهو اسمُ المنادى والصفة إنما هي
للول المنادى.
خذِ به تريد أنت ولجاز مررتُ بجاريتك راضياً عنها تريد أنت.
ولو جاز هذا لجاز مررتُ بالرجل ال ِ
159
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولو قلت مررت بجاريةٍ رضيت عنها ومررت بجاريتك راضياً عنها أو مررتُ بجاريتك قد رضيتَ عنها كان جيداً لنك
تضمِر في الفعل وتكون فيه علمة الضمار ول يكون ذلك في السم إل أن تضمِر اسمَ الذي هو وصفه ول يوصف به
شيء غيره مما يكون من سببه ويلتبس به.
وأما ُربّ رجلٍ وأخيه منطلقَين ففيها قبحٌ حتى تقول :وأخٍ له.
والمنطلقان عندنا مجروران من قبل أن قوله وأخيه في موضع نكرة لن المعنى إنما هو وأخٍ له.
فإن قيل :أمضافة الى معرفة أو نكرة فإنك قائل الى معرفة ولكنها أجريت مُجرى النكرة كما أن مثلك مضافة الى معرفة
وهي توصف بها النكرة وتقع مواقعَها.
ويدلّك على أنها نكرة أنه ل يجوز لك أن تقول :ربّ رجلٍ وزيدٍ ول يجوز لك أن تقول :ربّ أخيه حتى تكون قد ذكرت قبل
ذلك نكرة.
ومثل ذلك قول بعض العرب " :كل شاةٍ وسَخلتِها " أي وسخلةٍ لها ول يجوز حتى تذكر قبله نكرة فيُعلَم أنك ل تريد شيئاً
بعينه وأنك تريد شيئاً من أمة كلّ واحد منهم رجل وضممتَ إليه شيئاً من أمة كلهم يقال له أخٌ.
وقال :أي فتى هيجاء أنت وجارِها إذا ما رجالٌ بالرجال استقلّت فالجا ّر ل يكون فيه أبداً ههنا إل الجرّ لنه ل يريد أن
ي فتى
يجعله جار شيء آخر فتى هيجاء ولكنه جعله فتى هيجاء جار هيجاء ولم يردْ أن يعني إنساناً بعينه لنه لو قال :أ ّ
هيجاءَ أنت وزيدٌ لجعل زيداً شريكه في المدح.
فهذا السم الذي لم يكن ليكون نكر ًة وحدَه ول يوصف به نكرة ولم يحتمل عندهم أن يكون نكرة ول يقع في موضع ل
يكون فيه إل نكرة حتى يكون أول ما يَشغلُ به العاملَ نكرة ثم يُعطف عليه ما أضيف الى النكرة ويصيّر بمنزلة مثلك
ونحوه.
ولم يَصر هذا نكرة إل على هذا الوجه كما أن أجمعين ل يجوز في الكلم إل وصفاً وكما أن أيّ تكون في النداء كقولك :يا
هذا ول يجوز إل موصوفاً.
ل الوصف والموصوف في الكلم كما أنه ليس حالُ النكرة كحال هذا الذي ذكرتُ لك.
وليس هذا حا َ
160
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فهذا ينتصب لن الهاء التي في معه معرفة فأشركَ ومثله :مررت برجلٍ مع امرأة ملتزمين فله إضمارٌ في مع كما كان له
إضمار في معه إل أن للمضمَر في معه علَما وليس له في مع امرأة علَم إل بالنية.
ويدلّك على أنه مضمَرٌ في النية قولُك :مررت بقومٍ مع فلن أجمعون.
ومما ل يجوز فيه الصفة :فوق الدار رجلٌ وقد جئتك برجل آخَر عاقلَين مسلمين.
وتقول :اصنعْ ما سَرّ أخاك وأحبّ أبوك الرجلن الصالحان على البتداء وتنصبه على المدح والتعظيم كقول الخِرْنق من
قيس بن ثعلبة :ل يَبعَدنْ قومي الذين هُمُ سَمّ العُداةِ وآفةُ الجُزْرِ النازلين بكل معت َركٍ والطيبون معاقدَ الزْ ِر ول يكون نصبُ
هذا كنصب الحال وإن كان ليس فيه اللف واللم لنك لم تجعل في الدار رجل وقد جئتك بآخر في حال تنبي ٍه يكونان فيه
لشارة ول في حال ع َملٍ يكونان فيه لنه إذا قال :هذا رجلٌ مع امرأة أو مررت برجلٍ مع امرأة فقد دخل الخرُ مع الول
ل وامرأةٍ.
في التنبيه والشارة وجعلتَ الخِ َر في مرورك فكأنك قلت :هذا رجلٌ وامرأة ومررت برج ٍ
وأما اللف واللم فل يكونان حالً البتة لو قلت :مررت بزيدٍ القائمَ كان قبيحاً إذا أردت قائماً.
وإن شئت نصبتَ على الشّتم وذلك قولك :اصنعْ ما ساء أباك وكرِه أخوك الفاسقين الخبيثين.
ول سبيل الى الصفة في هذا ول في قولك :عندي غُلم وقد أتيتُ بجارية فارهين لنك ل تستطيع أن تجعل فارهين صف ًة
للول والخِر ول سبيل الى أن يكون بعض السم جرّا وبعضه رفعاً فلما كان كذلك صار بمنزلة ما كان معه معرفة من
النكرات لنه ل سبيل الى وصف هذا كما أنه ل سبيل الى وصف ذلك فجُعل نصباً كأنه قال :عندي عبد ال وقد أتيت بأخيه
ن بكلّ معت َركٍ وفرّوا من الحالة في عندي غل ٌم وأُتيتُ بجارية الى الصب
فارهين جعل الفارهين ينتصبان على :النازلي َ
كما فرّوا إليه في قولهم :فيها قائماً رجلٌ.
واعلم أنه ل يجوز أن تصف النكرة والمعرفة كما ل يجوز وصفُ المختلفين وذلك قولك :هذه ناقة وفصيلها الراتعان.
فهذا محال لن الراتعان ل يكونان صف ًة للفصيل ول للناقة ول تستطيع أن تجعل بعضَها نكرةً وبعضَها معرفةً.
وقبّحه بقوله :هذا لبن إنسانَين عندنا كِرامًا فقال :الجرّ ههنا مختلفٌ ولم يُشرَك الخِرُ فيما ج ّر ومثل ذلك :هذه جارية
خوَي ابنين اسمٌ واحدٌ والمضاف إليه الخِرُ منتهاه ولم يُشركِ الخِرَ بشيء من حروف خوَي ابنين لفلن كِراماً لن أ َ
أَ
الشراك فيما جرّ السم الول.
خوَي ابنَيْك العُقلء الحُلَماء لن هذا في المعرفة مثل ذاك في النكرة فل يكون الكرام والعقلء صفة
ومثل ذلك :هذا فرسُ أ َ
للخوين والبنين ول يجوز أن يُجرى وصفاً لما انجرّ من وجهين كما لم يجز فيما اختلف إعرابُه.
ومما ل تجري الصفةُ عليه نحوُ هذان أخواك وقد تولّى أبواك الرجالُ الصالحون إل أن ترفعه على البتداء أو تنصبه على
المَدْح والتعظيم.
161
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وسألتُ الخليل رحمه ال عن :مررت بزيدٍ وأتاني أخوه أنفسهما فقال :الرفع على هما صاحباي أنفسهما والنصب على
أعنيهما ول مدح فيه لنه ليس مما يُمدح به.
وتقول :هذا رجلٌ وامرأتُه منطلقان وهذا عبد ال وذاك أخوك الصالحان لنهما ارتفعا من وجهٍ واحد وهما اسمان بُنيا على
مبتدأين وانطلق عبد ال ومضى أخوك الصالحان لنهما ارتفعا بفعلين وذهب أخوك وقَدِم عمرو الرجلن الحليمان.
واعلم أنه ل يجوز :مَن عبد ال وهذا زيدٌ الرجلين الصالحين رفعتَ أو نصبتَ لنك ل تُثني إل على من أثبتّه وعلمتَه ول
يجوز أن تَخلِط من تعلم ومن ل تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة وإنما
هذا باب ما ينتصب لنه حالٌ صار فيها المسئول والمسئول عنه
وذلك قولك :ما شأنُك قائماً وما شأن زيدٍ قائماً وما لخيك قائماً.
فهذا حالٌ قد صار فيه وانتصب بقولك :ما شأنُك كما ينتصب قائماً في قولك :هذا عبد ال قائماً بما قبله.
ومثل ذلك مَن ذا قائماً بالباب على الحال أي مَن ذا الذي هو قائمٌ بالباب.
وأما العامل فيه فبمنزلة هذا عبدُ ال لن مَن مبتدأ قد بُني عليه اسم.
أما قولهم :مَن ذا خيرٌ منك فهو على قوله :من الذي هو خي ٌر منك لنك لم ترد أن تشير أو تومِئ الى إنسان قد استبان لك
فضلُه على المسئول فيُعِلمَكه ولكنك أردت مَن ذا الذي هو أفضل منك.
فإن أومأتَ الى إنسان قد استبان لك فضلُه عليه فأردتَ أن يُعِل َمكَه نصبتَ خيراً منك كما قلت :مَن ذا قائماً كأنك قلت :إنما
أريد أن أسألك عن هذا الذي قد صار في حالٍ باب ما ينتصب على التعظيم والمدح وإن شئت جعلته صفةً فجرى على
الول وإن شئت قطعتَه فابتدأتَه.
وذلك قولك :الحمد ل الحميد هو والحمد ل أهلَ الحمد والمُلك ل أهلَ المُلك.
ولو ابتدأته فرفعتَه كان حسناً كما قال الخطل :نفسي فداء أمير المؤمنين إذا أبدى النواجذَ يومٌ باسلٌ ذكَرُ الخائضُ الغمرَ
والميمونُ طائره خليفةُ ال يُستسقى به المطرُ وأما الصفة فإن كثيراً من العرب يجعلونه صفةً فيُتبعونه الولَ فيقولون :أهلِ
الحمد والحميد هو وكذلك الحمد ل أهلِه :إن شئت جررت وإن شئت نصبت.
وإن شئت ابتدأت كما قال مُهلهِل :ولقد خبطن بيوتَ يشكُرَ خبطةً أخوالنا وهمُ بنو العمامِ وسمعنا بعض العرب يقول" :
الحمد ل ربّ العالمين " فسألت عنها يونس فزعم أنها عربية.
162
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك قول ال عز وجلّ " :لكِنِ الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلكَ
والمقيمينَ الصل َة والمؤتون الزكاة ".
فأما المؤمنون وقال جلّ ثناؤه " :ولكنّ البرّ مَن آمن بال واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبيّين وآتى المالَ على حُبه
ذوي القُربى واليتامى والمساكين وابنَ السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلة وآتى الزكا َة والموفونَ بعهدهم إذا
عاهدوا والصابرين في البأساءِ والضراء وحين البأسِ ".
ولو ابتدأتَه فرفعته على البتداء كان جيدًا كما ابتدأتَ في قوله " :والمؤتون الزكاةَ ".
ن قومي الذي همُ سمّ العُداة وآفةُ الجُزْرِ النازلين بكل مُعت َركٍ والطيبون
ونظير هذا النصب من الشعر قول الخِرنِق :ل يبعَدَ ْ
معاقدَ الزر فرفعُ الطيبين كرفع المؤتين.
ومثل هذا في هذا البتداء قول ابن خياط العُكلي :وكل قوم أطاعوا أمرَ مُرشدهم إل ُنمَيراً أمرَ غاويها الظاعنين ولما
يُظعنوا أحدًا والقائلون لمنْ دارٌ نُخلّيها وزعم يونس أن من العرب من يقول " :النازلون بكل معترك والطيبين " فهذا مثل "
والصابرين ".
ومن العرب من يقول :الظاعنون والقائلين فنصبُه كنصب الطيبين إل أن هذا شتمٌ لهم وذمّ كما أن الطيبين مدحٌ لهم وتعظيم.
وإن شئت أجريتَ هذا كلّه على السم الول وإن شئت ابتدأتَه جميعاً فكان مرفوعاً على البتداء.
كل هذا جائز في ذين البيتين وما أشبههما كلّ ذلك واسع.
وزعم عيسى أنه سمع ذا الرمة يُنشد هذا البيت نصباً :لقد حملتْ قيسُ بن عَيلنَ حربَها على مستقلّ للنوائب والحربِ أخاها
إذا كانت عِضاضاً سما لها على كل حالٍ من ذَلول ومن صعبِ زعم الخليل أن نصب هذا على أنك لم ترد أن تحدّث الناس
ول مَن تخاطب بأمرٍ جهلوه ولكنهم قد علموا من ذلك ما قد علمتَ فجعله ثناء وتعظيماً ونصبه على الفعل كأنه قال :أذكرُ
أهلَ ذاك وأذكر المقيمين ولكنه فعلٌ ل يستعمل إظهارُه.
ن نفعل كذا لنه ل يريد أن يخبر مَن ل يدري أنه من بني فلن ولكنه ذكر ذلك افتخاراً
وهذا شبيهٌ بقوله :إنا بني فل ٍ
وابتهاءً.
إل أن هذا يجري على حرف النداء وستراه إن شاء ال عزّ وجلّ في بابه في باب النداء مبيّنا.
وتُرك إظهار الفعل فيه حيث ضارع هذا وأشباهه لن إنّا بني فلن ونحوه بمنزلة النداء.
قال الخليل :كأنه قال :وأذكرهنّ شُعثاً إل أن هذا فعلٌ ل يُستعمل إظهارُه.
163
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وزعم يونس أنك تقول :مررت بزيد أخيك وصاحبك كقول الراجز :بأعيُن منها مليحات ال ّن َقبْ شكلِ التّجارِ وحللِ
سبْ كذلك سمعناه من العرب.
المكت َ
وكذلك قال مالك بن خويلد الخُناعي :يا ميّ ل يُعجز اليامَ ذو حِ َيدٍ في حَومةِ الموت رزّام وفرّاس يحمي الصريمةَ أُحدا ُ
ن
الرجال له صيدٌ ومجترئٌ بالليل همّاس وإن شئت حملته على البتداء كما قال :فَتي الناس ل يخفى عليهم مكانُه وضِرغامةٌ
إن همّ بالحرب أوقعا وقال آخر :إذا لقى العداء كان خلتَهم وكلبٌ على الدنين والجارِ نابحُ كذلك سمعناهما من الشاعرين
اللذين قالهما.
واعلم أنه ليس كل موضع يجوز فيه التعظيم ول كل صفة يحسن أن يعظّم بها.
لو قلت :مررت بعبد ال أخيك صاحبَ الثياب أو البزّاز لم يكن هذا مما يعظّم به الرجل عند الناس ول يفخّم به.
وأما الموضع الذي ل يجوز فيه التعظيم فأن تذكر رجلً بنبيهٍ عند الناس ول معروفٍ بالتعظيم ثم تعظّمه كما تعظّم النبيه.
فإن قلت مررت بقومك الكرام الصالحين ثم قلت المُطعِمين في المَحل جاز لنه إذا وصفهم صاروا بمنزلة من قد عُرف
منهم ذلك وجاز له أن يجعلهم كأنه قد عُلموا.
وليس كل شيء من الكلم يكون تعظيماً ل عزّ وجلّ يكون تعظيماً لغيره من المخلوقين :لو قلت :الحمدُ لزيد تريد العظمةَ
لم يجز وكان عظيماً.
وقد يجوز أن تقول :مررت بقومك الكرام إذا جعلت المخاطَب كأنه قد عرفهم كما قال مررت برجلٍ زيدٌ فتُنزله منزلةَ من
قال لك من هو وإن لم يتكلم به.
ما أشبهه تقول :أتاني زيدٌ الفاسقَ الخبيث :لم يرد أن يكرره ول يعرّفك شيئاً تُنكره ولكنه شتمه وبلغنا أن بعضهم قرأ هذا
الحرف نصباً " :وامرأتُه حمّالة الحطب " لم يجعل الحمالة خبراً للمرأة ولكنه كأنه قال :أذكرُ حمّالة الحطب شتماً لها وإن
كان فعلً ل يُستعمل إظهاره.
وقال النابغة:
ي القارعُ
لَعمري وما عَمري عليّ بهيّن ** لقد نطقتْ بُطلً عل ّ
164
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وزعم يونس أنك إن شئت رفعتَ البيتين جميعاً على البتداء تُضمر في نفسك شيئاً لو أظهرته لم يكن ما بعده إل رفعاً.
ومثل ذلك:
وزعموا أن أبا عمرو كان ينشد هذا البيت نصباً وهذا الشعرُ لرجل معروف من أزْدِ السّراة:
خمُرْ
قُبّح من يزني بعو ** فٍ من ذوات ال ُ
جعله شتماً وكأنه حين ذكر الحلب صار من يخاطَب عنده عالماً بذلك.
وقال:
فلم يردْ أن يجعله شتماً ولكنه أراد أن يعدّد صفاتهم ويفسّرها فكأنه قال :أما أجسامهم فكذا وأما أحلمهم فكذا.
وقال الخليل رحمه ال :لو جعله شتماً فنصبه على الفعل كان جائزاً.
وقد يجوز أن ينصب ما كان صفة على معنى الفعل ول يريد مدحاً ول ذمّا ول شيئاً مما ذكرت لك.
وقال:
165
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وما غرّني حوزُ الرّزاميّ مِحصَناً ** عواشيها بالجوّ وهو خصيبُ
ومِحصن :اسم الرزامي فنصبه على أعني وهو فعل يظهر لنه لم يرد أكثر من أن يعرّفه بعينه ولم يرد افتخاراً ول مدحاً
ول ذماً.
ومن هذا الترحم والترحم يكون بالمسكين والبائس ونحوه ول يكون بكل صفة ول كل اسم ولكن ترحّم بما ترحّم به العرب.
وزعم الخليل أنه يقول :مررت به المسكين على البدل وفيه معنى الترحّم وبدله كبدل مررت به أخيك.
وقال:
وكان الخليل يقول :إن شئت رفعته من وجهين فقلت :مررت به البائس كأنه لما قال مررت به قال المسكين هو كما يقول
مبتدئاً :المسكين هو والبائس أنت.
وإن شاء قال :مررت به المسكين كما قال :وفيه معنى الترحّم كما كان في قوله رحمةُ ال عليه معنى رحمه ال.
فما يُترحّم به يجوز فيه هذان الوجهان وهو قول الخليل رحمه ال.
وقال أيضاً :يكون مررت به المسكين على :المسكين مررت به وهذا بمنزلة لقيته عبد ال إذا أراد عبد ال لقيتُه.
ل ويدخل فيه اللف واللم ولو جاز هذا لجاز مررت بعبد ال الظريف تريد
وهذا ل يجوز لنه ل ينبغي أن يجعله حا ً
ظريفاً.
ولكنك إن شئت حملته على أحسنَ من هذا كأنه قال :لقيت المسكينَ لنه إذا قال مررت بعبد ال فهو عملٌ كأنه أضمر
عملً.
وكأن الذين حملوه على هذا إنما حملوه عليه فِراراً من أن يصفوا المضمَر فكان حملهم إياه على الفعل أحسن.
وزعم الخليل رحمه ال أنه يقول إنه المسكين أحمق على الضمار الذي جاز في مررت كأنه قال :إنه هو المسكين أحمق.
وهو ضعيف.
وجاز هذا أن يكون فصلً بين السم والخبر لن فيه معنى المنصوب الذي أجريته مجرى :إنا تميماً ذاهبون.
166
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإذا قلت :بي المسكينَ كان المر أو بك المسكينَ مررت فل يحسن فيه البدل لنك إذا عنيت المخاطَب أو نفسَك فل يجوز
أن يكون ل يدري من تعني لنك لست تحدّث عن غائب ولكنك تنصبه على قولك :بنا تميماً وإن شئت رفعته على ما رفعت
عليه ما قبله.
فهذا المعنى يجري على هذين الوجهين والمعنى وأما يونس فزعم أنه ليس يرفع شيئاً من الترحم على إضمار شيء يرفع
ولكنه إن قال ضربته لم يقل أبداً إل المسكين يحمله على الفعل.
وكذلك مررت به المسكين يحمل الرفعَ على الرفع والجرّ على الجرّ والنصب على النصب.
باب ما ينتصب لنه خبر للمعروف المبني على ما هو قبله من السماء المبهمة
ن وما
والسماء المبهَمة :هذا وهذان وهذه وهاتان وهؤلء وذلك وذانك وتلك وتانك وتيك وأولئك وهو وهي وهما وهم وه ّ
أشبه هذه السماء وما ينتصب لنه خبر للمعروف المبني على السماء غير المبهمة.
فأما المبني على السماء المبهمة فقولك :هذا عبد ال منطلقًا وهؤلء قومك منطلقين وذاك عبد ال ذاهبًا وهذا عبد ال
معروفاً.
ولم يكن ليكون هذا كلماً حتى يُبنى عليه أو يبنى على ما قبله.
فالمبتدأ مُسند والمبني عليه مسند إليه فقد عمل هذا فيما بعده كما يعمل الجارّ والفعل فيما بعده.
والمعنى أنك تريد أن تنبهه له منطلقاً ل تريد أن تعرّفه عبد ال لنك ظننت أنه يجهله فكأنك قلت :انظر إليه منطلقاً فمنطلقٌ
حالٌ قد صار فيها عبد ال وحالَ بين منطلق وهذا كما حال بين راكب والفعل حين قلت :جاء عبد ال راكباً صار لعبد ال
وصار الراكب حالً.
فكذلك هذا.
فكذلك هذه السماء المبهمة التي توصَف بالسماء التي فيها اللف واللم.
وأما هو فعلمة مضمَر وهو مبتدأ وحال ما بعده كحاله بعد هذا.
167
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وذلك أنك ذكرت للمخاطَب إنساناً كان يجهله أو ظننت أنه يجهله فكأنك قلت :أثبتْه أو ال َزمْه معروفًا فصار المعروف حالً
كما كان المنطلق حالً حين قلت :هذا زيد منطلقاً.
والمعنى أنك أردت أن توضّح أن المذكور زيد حين قلت معروفًا ول يجوز أن تذكر في هذا الموضع إل ما أشبه المعروف
لنه يعرّف ويؤكّد فلو ذكر هنا النطلق كان غير جائز لن النطلق ل يوضّح أنه زيد ول يؤكده.
قال ابن دارة :وقد يكون هذا وصواحبه بمنزلة هو يعرّف به تقول :هذا عبد ال فاعرفْه إل أن هذا علمةً للمضمَر ولكنك
أردت أن تعرّف شيئاً بحضرتك.
أي اع ِرفْني بما كنتَ تعرف وبما كان بلغك عني يم يفسّر الحال التي كان يعلمه عليها أو تبلغه فيقول :أنا عبد ال كريماً
جواداً وهو عبد ال شجاعاً بطلً.
وتقول :إني عبد ال مصغّراً نفسه لربّه ثم تفسّر حال العبيد فتقول :آكِلً كما تأكل العبيد.
وإذا ذكرت شيئاً من هذه السماء التي هي علمة للمضمَر فإنه مُحال أن يظهر بعدها السم إذا كنت تُخبر عن عمل أو
صفة غير عمل ول تريد أن تعرّفه بأنه زيدٌ أو عمرو.
وكذلك إذا لم توعد ولم تفخر أو تصغّر نفسك لنك في هذه الحوال تعرّف ما تُرى أنه قد جُهل أو تُنزل المخاطَب منزلة
من يجهل فخراً أو تهدّداً أو وعيداً فصار هذا كتعريفك إياه باسمه.
وإنما ذكر الخليل رحمه ال هذا لنعرف ما يُحال منه وما يَحسن فإن النحويين مما يتهاونون بالخلفْ إذا عرفوا العراب.
وذلك أن رجلً من إخوانك ومعرفتك لو أراد أن يخبرك عن نفسه أو عن غيره بأمر فقال :أنا عبد ال منطلقاً وهو زيد
منطلقاً كان مُحالً لنه إنما أراد أن يخبرك بالنطلق ولم يقل هو ول أنا حتى استغنيت أنت عن التسمية لن هو وأنا
علمتان للمضمَر وإنما يضمِر إذا علم أنك عرفت من يعني.
إل أن رجلً لو كان خلفَ حائط أو في موضع تجهله فيه فقلت من أنت فقال :أنا عبد ال منطلقاً في حاجتك كان حسناً.
وأما ما ينتصب لنه خبر مبنيّ على اسم غير مبهم فقولك :أخوك عبد ال معروفاً.
وإنما نصبت للمنطلقين لنه ل سبيل الى أن يكون صفةً لعبد ال ول أن يكون صفة للثنين فلما كان ذلك مُحالً جعلته حالً
صاروا فيها كأنك قلت :هذا عبد ال منطلقاً.
168
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وهذا شبيه بقولك :هذا رجل مع امرأةٍ قائمَيْن.
وإن شئت قلت :هذان رجلن وعبد ال منطلقان لن المنطلقين في هذا الموضع من اسم الرجلين فجريا عليه.
س في
ومن قال :هذان رجلن وعبد ال منطلقان قال :هؤلء ناس وعبد ال منطلقون لنه لم يُشرك بين عبد ال وبين نا ٍ
النطلق.
وهذا شبيه بقول من قال :كل شا ٍة وسخلتها بدرهم إنما يريد كل شا ٍة وسخلة لها بدرهم.
ومن قال كل شاةٍ وسخلتها فجعله يمنزلة كل رجل وعبد ال منطلقاً لم يقل في الراتعين إل النصب لنه إنما يريد حينئذ
المعرفة ول يريد أن يُدخل السخلة في الكل لن كل ل يدخل في هذا الموضع إل على النكرة.
والوجه كل شاةٍ وسخلتها بدرهم وهذه ناقة وفصيلها راتعين لن هذا أكثر في كلمهم وهو القياس.
وذلك قولك :هذا عبد ال منطلقٌ حدّثنا بذلك يونس وأبو الخطاب عمن يوثق به من العرب.
وزعم الخليل رحمه ال أن رفعه يكون على وجهين :فوجهٌ أنك حين قلت :هذا عبد ال أضمرت هذا أو هو كأنك قلت هذا
منطلق أو هو منطلق.
والوجه الخر :أن تجعلهما جميعاً خبراً لهذا كقولك :هذا حلوٌ حامضٌ ل تريد أن تنقض الحلوة ولكنك تزعم أنه جمع
الطعمين.
نزّاعة قال :سمعنا ممن يروي هذا الشعر من العرب يرفعه :من يكُ ذا بتّ فهذا بتّي مقيّظ مصيّف مشتي وأما قول الخطل:
ولقد أبيتُ من الفتاة بمنزل فأبيتُ ل حرجٌ ول محرومُ فزعم الخليل رحمه ال أن هذا ليس على إضمار أنا.
ولو جاز هذا على إضمار أنا لجاز :كان عبد ال ل مسل ٌم ول صالح على إضمار هو.
ج ول محروم.
ولكنه فيما زعم الخليل رحمه ال :فأبيت بمنزلة الذي يقال ل حر ٌ
وقد زعم بعضهم أن رفعه على النفي كأنه قال :فأبيتُ ل حرج ول محروم بالمكان الذي أنا به.
169
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال الخليل رحمه ال :كأنه حكاية لما كان يُتكلّم به قبل ذلك فكأنه حكى ذلك اللفظ كما قال :كذَبْتُم وبيتِ ال ل تنكحونَها
بني شابَ قرناها تصُرّ وتحُلبُ أي بني من يقال له ذلك.
وقد يكون رفعه على أن تجعل عبد ال معطوفاً على هذا كالوصف فيصير كأنه قال :عبد ال منطلقٌ.
وتقول :هذا زيدٌ رجلٌ منطلقٌ على البدل كما قال تعالى جدّه " :بالناصية.
أو ينتصب فيه الخبر لنه حال لمعروفٍ مبني على مبتدأ
فأما الرفع فقولك :هذا الرجل منطلقٌ فالرجل صفة لهذا وهما بمنزلة اسم واحد كأنك قلت :هذا منطلقٌ.
قال النابغة :توهّمت آياتٍ لها فعرفتُها لستة أعوام وذا العام سابعُ كأنه قال :وهذا سابعٌ.
وأما النصب فقولك :هذا الرجل منطلقاً جعلتَ الرجل مبنياً على هذا وجعلت الخبر حالً له قد صار فيها فصار كقولك :هذا
عبد ال منطلقاً.
وإنما يريد في هذا الموضع أن يُذكَر المخاطَب برجلٍ قد عرفه قبل ذلك وهو في الرفع ل يريد أن يُذكره بأحد وإنما أشار
ل مفعول فيها لن المبتدأ يعمل فيما بعده كعمل فقال هذا منطلقٌ فكأن ما ينتصب من أخبار المعرفة ينتصب على أنه حا ٌ
الفعل فيما يكون بعده ويكن فيه معنى التنبيه والتعريف ويحولُ بين الخبر والسم المبتدأ كما يحول الفاعل بين الفعل والخبر
فيصير الخبر حالً قد ثبت فيها وصار فيها كما كان الظرف موضعاً قد صِيرَ فيه بالنية وإن لم يذكر فعلً.
وذلك أنك إذا قلت فيها زيدٌ فكأنك قلت استقرّ فيها زيد وإن لم تذكر فعلً والنصب بالذي هو فيه كانتصاب الدرهم بالعشرين
لنه ليس من صفته ول محمولً على ما حُمل عليه فأشبه عندهم ضاربٌ زيداً.
وكذلك هذا عمل فيما بعده عمل الفعل وصار منطلقٌ حالً فانتصب بهذا الكلم انتصابَ راكب بقول :مرّ زيد راكباً.
وأما قوله عز وجلّ " هو الحقّ مصدّقا " فإن الحق ل يكون صفةً لهو من قبل أن هو اسم مضمَر والمضمر ل يوصَف
بالمظهر أبداً لنه قد استغنى عن الصفة.
وإنما تُضمِر السم حين يستغنى بالمعرفة فمن ثمّ لم يكن في هذا الرفع كما كان في هذا الرجلُ.
أل ترى أنك لو قلت :مررت بهو الرجل لم يجز ولم يَحسن ولو قلت :مررت بهذا الرجل كان حسناً جميلً.
لنه خبر لمعروف يرتفع على البتداء قدّمته أو أخرته وذلك قولك :فيها عبد ال قائماً وعبد ال فيها قائماً.
فعبد ال ارتفع بالبتداء لن الذي ذكرت قبله وبعده ليس به وإنما هو موضعٌ له ولكنه يجري مجرى السم المبني على ما
قبله.
170
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أل ترى أنك لو قلت :فيها عبد ال حسُن السكوت وكان كلماً مستقيماً كما حسن واستُغنى في قولك :هذا عبد ال.
ويدلّك على ذلك أنك تقول :إن فيها زيداً فيصير بمنزلة قولك :إن زيداً فيها لن فيها لما صارت مستقَراً لزيد يستغني به
السكوت وقعَ موقع السماء كما أن قولك :عبد ال لقيتُه يصير لقيتُه فيه بمنزلة السم كأنك قلت :عبد ال منطلق فصار
قولك فيها كقولك :استقرّ عبد ال ثم أردت أن تُخبِر على أية حالٍ استقرّ فقلت قائماً فقائم حال مستقَرّ فيها.
قال النابغة :فبتّ كأني ساورتْني ضئيلةٌ من الرُقشِ في أنيابها السمُ ناقعُ وقال الهذلي :ل درّ درّي إن أطعمتُ نازلَكم قِرفَ
الحتيّ وعندي البُ ّر مكنوزُ كأنك قلت :الب ّر مكنوزٌ عندي وعبد ال قائمٌ فيها.
فإذا نصبت القائم ففيها قد حالت بين المبتدأ والقائم واستُغني بها فعمل المبتدأ حين لم يكن القائم مبنياً عليه عمل هذا زيدٌ
قائماً وإنما تجعل فيها إذا رفعت القائم مستقرّاً للقيام وموضعاً له وكأنك لو قلت :فيها عبد ال لم يجز عليه السكوت.
وهذا يدلّك على أن فيها ل يُحدث الرفع أيضاً في عبد ال لنها لو كانت بمنزلة هذا لم تكن لتُلغى ولو كان عبد ال يرتفع
بفيها لرتفع بقولك عبد ال مأخوذٌ لن الذي يرفع وينصب ما يستغني عليه السكوت وما ل يستغني بمنزلة واحدة.
أل ترى أن كان تعمل عمل ضرب ولو قلت كان عبد ال لم يكن كلمًا ولو قلت ضرب عبد ال كان كلماً.
ل ول هَبِجٌ عاري العظام عليه الودْع منظومُ فجميعومما جاء في الشعر أيضاً مرفوعاً قوله لبن مقبل :ل سافِرُ ال ّنيّ مدخو ٌ
ما يكون ظرفاً تلغيه إن شئت لنه ل يكون آخِراً إل على ما كان عليه أولً قبل الظرف ويكون موضع الخبر دون السم
فجرى في أحد الوجهين مجرى ما ل يستغني عليه السكوت كقولك :فيك زيدٌ راغبٌ فرغبتُه فيه.
ومثل قولك فيها عبد ال قائماً :هو لك خالصاً وهو لك خالصٌ كأن قولك هو لك بمنزلة أهبُه لك ثم قلت خالصاً.
ومن قال فيها عبد ال قائم قال هو لك خالص فيصير خالص مبنياً على هو كما كان قائم مبنياً على عبد ال وفيها لَغوٌ إل
أنك ذكرت فيها لتبيّن أين القيام وكذلك لك إنما أردت أن تبيّن لمن الخالصُ.
وقد قُرئ هذا الحرف على وجهين " :قُل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصةٌ يوم القيامة " بالرفع والنصب.
وبعض العرب يقول :هو لك الجمّاء الغفيرُ يرفع كما يرفع الخالص.
ل ول يُتكلم به.
فهذا تمثي ٌ
ومما جاء في الشعر قد انتصب خبرُه وهو مقدّم قبل الظرف قوله :إن لك ْم أصلَ البلد وفرعَها فالخير فيكم ثابتاً مبذول
وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول :أتكلم بهذا وأنت ههنا قاعداً.
ومما ينتصب لنه حال وقع فيه أمر قول العرب :هو رجلُ صدقٍ معلوماً ذاك وهو رجل صدق معروفاً ذاك وهو رجل
صدق بينّا ذاك كأنه قال :هذا رجل صدق معروفاً صلحُه فصار حالً وقع فيه أمر لنك إذا قلت :هو رجل صدقٍ فقد
أخبرتَ بأمر واقع ثم جعلتَ ذلك الوقوع على هذه الحال.
171
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولو رفعتَ كان جائزاً على أن تجعله صفةً كأنك قلت :هو رجل معروفُ صلحُه.
ومثل ذلك :مررت برجل حسنةٍ أمه كريماً أبوها زعم الخليل أنه أخبر عن الحُسن أنه وجبَ لها في هذه الحال.
وهو كقولك :مررت برجلٍ ذاهبةٍ فرسُه مكسوراً سرجُها والول كقولك :هو رجل صدق معروفاً صدقه وإن شئت قلت
معروفٌ ذلك ومعلوم ذلك على قولك :ذاك معروفٌ وذاك معلوم.
سمعتُه من الخليل.
ليس واحدٌ منها أولى به من الخر ول يُتوهّم به واحدٌ دون آخر له اسمٌ غيره
ومعناه إذا قلت هذا أبو الحارث أو هذا ثُعالة أنك تريد هذا السد وهذا الثعلب وليس معناه كمعنى زيد وإن كانا معرفةً.
وكان خبرهما نصباً من قبل أنك إذا قلت هذا زيدٌ فزيد اسم لمعنى قولك هذا الرجل إذا أردتَ شيئاً بعينه قد عرفه المخاطَب
بحلْيته أو بأمر قد بلغه عنه قد اختُص به دون من يعرف.
فكأنك إذا قلت هذا زيد قلت :هذا الرجل الذي من حِليته ومن أمره كذا وكذا بعينه فاخ ُتصّ هذا المعنى باسم عَلَم يلزم هذا
المعنى ليُحذف الكلم وليُخرَج من السم الذي قد يكون نكرة ويكون لغير شيء بعينه.
لنك إذا قلت هذا الرجل فقد يكون أن تعني كماله ويكون أن تقول هذا الرجل وأن تريد كل ذكَر تكلم ومشى على رجلين
فهو رجل.
فإذا أراد أن يُخلِص ذلك المعنى ويختصه ليُعرَف من يُعنى بعينه وأمره قال زيد ونحوه.
وإذا قلت :هذا أبو الحارث فأنت تريد هنا السد أي هذا الذي سمعتَ باسمه أو هذا الذي قد عرفتَ أشباهه ول تريد أن تشير
الى شيء قد عرفه بعينه قبل ذلك كمعرفته زيداً ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا السم فاخ ُتصّ هذا المعنى
باسم كما اختُص الذي ذكرنا بزيد لن السد يتصرف تصرّف الرجل ويكون نكرة فأرادوا أسما ًء ل تكون إل معرفة وتلزم
ذلك المعنى.
وإنما منع السد وما أشبهه أن يكون له اس ٌم معناه معنى زيد أن السد وما أشبهها ليست بأشياء ثابتة مقيمة مع الناس
فيحتاجوا الى أسماء يعرفون بها بعضًا من بعض ول تحفَظ حُلها كحفظ ما يَثبت مع الناس ويقتنونه ويتخذونه.
أل تراهم قد اختصوا الخيل والبل والغنم والكلب وما تثبت معهم واتخذوه بأسماء كزيد وعمرو.
172
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومنه أبو جُخادب وهو شيء يشبه الجندُب غير أنه أعظم منه وهو ضربٌ من الجنادب كما ومن ذلك ابنُ قِتْرة وهو ضربٌ
من الحيات فكأنهم إذا قالوا هذا ابن قتْرة فقد قالوا هذا الحية الذي من أمره كذا وكذا.
وإذا قالوا بنات أوبَر فكأنهم قالوا هذا الضرب الذي من أمره كذا وكذا من الكمأة وإذا قالوا أبو جُخادب فكأنهم قالوا هذا
الضرب الذي سمعتَ به من الجنادب أو رأيته.
ومثل ذلك ابنُ آوى كأنه قال هذا الضرب الذي سمعته أو رأيته من السباع فهو ضرب من السباع كما أن بنات أوبر ضربٌ
من الكمأة.
وبعض العرب يقول أبو بُريص وحمار قبّان كأنه قال في كل واحد من هذا الضرب الذي يعرَف من أحناش الرض
بصورة كذا.
وكأنه قال في المؤنث نحو أم حُبين هذه التي تعرَف من أحناش الرض بصورة كذا.
واختصت العرب لكل ضرب من هذه الضروب اسمًا على معنى الذي تعرفها به ل تدخله النكرة كما أن الذي تعرف ل
تدخله النكرة كما فعلوا ذلك بزيد والسد.
إل أن هذه الضروب ليس لكل واحد منها اسم يقع على كل واحد من أمته يدخله المعرفة والنكرة بمنزلة السد يكون معرفة
ونكرة ثم اختُص باسم معروف كما اختُص الرجل بزيد وعمرو وهو أبو الحارث ولكنها لزمت اسمًا معروفًا وتركوا السم
الذي تدخله المعاني المعرفة والنكرة ويدخله والتعجب كقولك :هذا الرجل وأنت تريد أن ترفع شأنه.
وابن عِرس يراد به معنى واحد كما أريد بأبي الحارث وبزيد معنى واحد واستُغني به.
ومثَل هذا في بابه مثَل رجل كانت كُنيته هي السم وهي الكنية.
ويدلّك على أن ابن عرس وأم حُبين وسامّ أبرص وابن مَطَر معرفة أنك ل تدخل في الذي ُأضِفن إليه اللف واللم فصار
بمنزلة زيد وعمرو.
وأما ابن قترة وحمار قبّان وما أشبههما فيدلك على معرفتهن ترك صرف ما أُضفن إليه.
وقد زعموا أن بعض العرب يقول :هذا ابنُ عرس مُقبلٌ فرفعه على وجهين :فوجهٌ مثل :هذا زيد مقبل ووجه على أنه جعل
ما بعده نكرة فصار مضافاً الى نكرة بمنزلة قولك هذا رجلٌ منطلق.
173
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ونظير ذلك هذا قيسُ ُقفّة آخر منطلق.
وقيسُ قُفة لقب واللقاب والكُنى بمنزلة السماء نحو زيد وعمرو ولكنه أراد في قيس قُفة ما أراد في قوله هذا عُثمان آخر
فلم يكن له بدّ من أن وعلى هذا الحد تقول :هذا زيد منطلق كأنك قلت هذا رجل منطلق فإنما دخلت النكرة على هذا العلَم
الذي إنما وُضع للمعرفة ولهذا جيء به فالمعرفة هنا الوْلى.
وأما ابن لَبون وابن مَخاض فنكرة لنها تدخلها اللف واللم.
س وقال أبو عطاءقال جرير فيما دخل فيه اللف واللم :وابن اللَبون إذا ما لُزّ في قَرَن لم يستطع صولةَ البُ ْزلِ القناعي ِ
السّندي :مفدّمةً قزّا كأن رِقابها رِقاب بنات الماء أفزَعها الرّعد وقال الفرزدق :وجدنا نهشَلً فضَلتْ فقيْمًا كفضل ابن
المَخاض على الفصيلِ فإذا أخرجتَ اللف واللم صار السم نكرةً.
قال ذو الرّمة :ورَدتُ اعتِسافاً والثريّا كأنها على قمة الرأس ابنُ ماءٍ مُحلّق وكذلك ابن أفعلَ إذا كان أفعل ليس باسمٍ لشيء.
وهذا خطأ لن أفعل ل ينصرف وهو نكرة أل ترى أنك تقول هذا أحمرُ ُق ُمذٌ فترفعه إذا جعلته صفة للحمر ولو كان معرفةً
كان نصباً
جَنوبٌ َذ َوتْ عنها التناهي وأنزلتْ ** بها يومَ ذبّاب السّبيب صيامِ
يكون لكل من كان من أمته أو كان في صفته من السماء التي يدخلها اللف واللم M0تكون نكرتُه الجامعة لما ذكرتُ
لك من المعاني.
صعِق.
وذلك قولك فلن بنُ ال ّ
والصعقُ في الصل صفة تقع على كل من أصابه الصّعق ولكنه غلب عليه حتى صار عَلَماً بمنزلة زيد وعمرو.
وكابن الصّعق قولُهم :ابن رألن وابنُ كُراع صار علماً لنسان واحد وليس كل من كان ابناً لرألن وابناً لكُراع غلب عليه
هذا السم.
فإن أخرجت اللف واللم من النجم والصّعق لم يكن معرفة من قبل أنك صيّرته معرفةً باللف واللم كما صار ابنُ رألن
معرفةً برألن فلو ألقيتَ رألن لم يكن معرفةً.
174
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وزعم الخليل رحمه ال أن الذين قالوا الحارث والحَسَن والعبّاس إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه ولم يجعلوه
سمّي به ولكنهم جعلوه كأنه وصفٌ له غلَب عليه.
ُ
وأما ما لزمته اللف واللم فلم يسقُطا منه فإنما جُعل الشيء الذي يلزمه ما يلزم كلّ واحد من أمته.
وأما الدّبران والسّماك والعيّوق وهذا النحو فإنما يُلزَم اللفَ واللم من قبل أنه عندهم الشيء بعينه.
فإن قال قائل :أيقال لكل شيء صار خلف شيء دَبَران ولكل شيء عاق عن شيء عيّوق ولكل شيء سمك وارتفع سِماك
فإنك قائل له :ل ولكن هذا بمنزلة العِدل والعَديل.
والعديل :ما عادَلك من الناس والعِدل ل يكون إل للمتاع ولكنهم فرقوا بين البناءين ليفصلوا بين المتاع وغيره.
ومثل ذلك بناء حصين وامرأة حصان فرقوا بين البناء والمرأة فإنما أرادوا أن يُخبروا أن البناء مُحرز لمن لجأ إليه وأن
المرأة محرزة لفرجها.
ومثل ذلك الرزين من الحجارة والحديد والمرأة رزان فرقوا بين ما يُحمَل وبين ما ثقُل في مجلسه فلم يخفّ.
وهذا أكثر من أن أصفه لك في كلم العرب فقد يكون السمان مشتقّين من شيء والمعنى فيهما واحد وبناؤهما مختلف
فيكون أحد البناءين مختصاً به شيء دون شيء ليفرق بينهما.
فإن كان عربياً نعرفه ول نعرف الذي اشتُق منه فإنما ذاك لنّا جهلنا ما علم غيرُنا أو يكون الخِر لم يصل إليه علم وصل
الى الول المسمّي.
فإن قلت :هذان زيدان منطلقان وهذان عَمران منطلقان لم يكن هذا الكلم إل نكرة من قبل أنك جعلته من أمة كل رجل منها
زيد وعمرو وليس واحد منها أولى به من الخَر.
أل ترى أنك تقول :هذا زيد من الزيدين أي هذا واحد من الزيدين فصار كقولك :هذا رجل من الرجال.
وإنما فرقوا بين أبانين وعرفات وبين زيدَين وزيدِين من قبل أنهم لم يجعلوا التثنية والجمع علماً لرجلين ول لرجال
بأعيانهم وجعلوا السم الواحد علماً لشيء بعينه كأنهم قالوا إذا قلت ائتِ بزيد إنما تريد :هاتِ هذا الشخص الذي نشير لك
إليه.
175
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولم يقولوا إذا قلنا جاء زيدانِ فإنما نعني شخصين بأعيانهما قد عُرفا قبل ذلك وأُثبتا ولكنهم قالوا إذا قلنا قد جاء زيد فلن
وزيدُ بن فلن فإنما نعني شيئين بأعيانهما فهكذا تقول إذا أردت أن تُخبر عن معروفين.
وإذا قالوا هذان أبانان وهؤلء عرفات فإنما أرادوا شيئاً أو شيئين بأعيانهما اللذين نشير إليهما.
وكأنهم قالوا إذا قلت ائت أبانين فإنما نعني هذين الجيلين بأعيانهما اللذين نشير لك إليهما.
أل ترى أنهم لم يقولوا :امرر بأبان كذا وأبن كذا لم يفرقوا بينهما لنهما جعلوا أبانين اسماً لهما يُعرفان به بأعيانهما.
وليس هذا في الناسيّ ول في الدواب إنما يكون هذا في الماكن والجبال وما أشبه ذلك من قبل أن الماكن والجبال أشياء
ل تزول فيصير كل واحد من الجبلين داخلً عندهم في مثل ما دخل فيه صاحبُه من الحال في الثّبات والخِصب والقحط ول
يشار الى واحد منهما بتعريف دون الخر فصارا كالواحد الذي ل يزايله منه شيء حيث كان في الناسي وفي الدواب.
والنسانان والدابتان ل يثبتان أبدًا بأنهما يزولن ويتصرفان ويشار الى أحدهما والخر عنه غائب.
عمَرين وهما نكرة فصارا معرفة باللف واللم كما صار وأما قولهم :أعطِكم سُنّة ال ُعمَرين فإنما أُدخلت اللف واللم على ُ
الصّعق معرفة بهما واختُصا به كما اختُص النجم بهذا السم فكأنهما جُعل من آمة كل واحد منهم عُمر ثم عُرّفا باللف
واللم فصارا بمنزلة الغرِيّيْن المشهورين بالكوفة وبمنزلة النّسرين إذا كنتَ تعني النجمين.
باب ما يكون السم فيه بمنزلة الذي في المعرفة إذا بُني على ما قبله
وذلك قولك :هذا مَن أعرف منطلقاً وهذا مَن ل أعرف منطلقاً أي هذا الذي علمتُ أني ل أعرفه منطلقاً.
وهذا ما عندي مَهيناً وأعرف ول أعرف وعندي حشوٌ لهما يتمّان به فيصيران اسماً كما كان وقال الخليل رحمه ال :إن
شئت جعلتَ مَن بمنزلة إنسان وجعلت ما بمنزلة شيء نكرتين ويصير منطلقٌ صفةً لمن ومَهينٌ صفة لمَا.
وزعم أن هذا البيت عنده مثل ذلك وهو قول النصاري :فكفى بنا فضلً على مَن غيرِنا حبّ النبي محمد إيّانا.
ومثل ذلك قول الفرزدق :إني وإياك إذ حلّت بأرحُلنا كمن بواديه بعد المحل ممطورِ وأما هذا ما لديّ عنيد فرفعُه على
وجهين :على شيء لديّ عنيد وعلى هذا بعلي شيخٌ.
وقد أدخلوا في قول من قال إنها نكرة فقالوا :هل رأيتم شيئًا يكون موصوفاً ل يُسكَت عليه فقيل لهم :نعم يا أيها الرجل.
فرُب اسم ل يحسن عليه عندهم السكوت حتى يصفوه وحتى يصير وصفُه عندهم كأنه به يتم السم لنهم إنما جاءوا بيا أيها
ليصلوا الى نداء الذي فيه اللف واللم فلذلك جيء به.
وكذلك مَن وما إنما يُذكران لحشوهما ولوصفهما ولم يُرَد بهما خِلوَين شيء فلزمه الوصف كما لزمه الحشو وليس لهما
بغير حشو ول وصف معنى فمن ثم كان الوصف والحشو واحداً.
176
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
والحشو ل يكون أبداً لمن وما إل وهما معرفة.
وذلك من قبل أن الحشو إذا صار فيهما أشبهتا الذي فكما أن الذي ل يكون إل معرف ًة ل يكون ما ومَن إذا كان الذي بعدهما
حشواً وهو الصلة إل معرفة.
ومثل ذلك الجمّاء الغفير فالغفير وصفٌ لزم وهو توكيد لن الجمّاء الغفير مَثَل فلزم الغفيرُ كما لزم ما في قولك إنك ما
وخَيراً.
واعلم أن كفى بنا فضلً على مَن غيرُنا أجود وفيه ضعفٌ إل أن يكون فيه هو لن هو من بعض الصلة وهو نحو مررت
ل وكما قرأ بعض الناس هذه الية " :تماماً على الذي أحسَنُ ".
بأيّهم أفض ُ
واعلم أنه يقبح أن تقول هذا مَن منطلق إذا جعلتَ المنطلق حشواً أو وصفاً فإن أطلتَ الكلم فقلت مَن خيرٌ منك حسُن في
الوصف والحشو.
ل يقول :ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءاً وما أنا بالذي قائل لك قبيحاً.
زعم الخليل رحمه ال أنه سمع من العرب رج ً
فالوصف بمنزلة الحشو المَحشو لنه يَحسن بما بعده كما أن الحشو المحش ّو ويقوّي أيضاً أن مَن نكرة قول عمرو بن قَميئة:
يا ُربّ مَن يُبغض أذوادَنا رُحنَ على بغْضائه واغتدَيْنْ و ُربّ ل يكون ما بعدها إل نكرة.
وذلك قولك هذا أول فارسٍ مُقبلٌ وهذا كلّ متاعٍ عندك موضوعٌ وهذا خيرٌ منك مقبلٌ.
ومما يدلّك على أنهن نكرة أنهن مضافات الى نكرة وتوصَف بهن النكرة.
ل مالٍ عندك.
س أول فارسٍ وهذا مالٌ ك ّ
وذلك أنك تقول فيما كان وصفاً :هذا رجل خيرٌ منك وهذا فار ٌ
ويُستدلّ على أنهن مضافات الى نكرة أنك تصف ما بعدهن بما توصَف به النكرة ول تصفه بما وحدّثنا الخليل أنه سمع من
العرب من يوثق بعربيته يُنشد هذا البيت وهو قول الشمّاخ :وكلّ خليلٍ غيرُ هاضمِ نفسِه لوصلِ خليلٍ صارمٌ أو معازِرُ
فجعله صفةً لكل.
ل فتىً
وحدثني أبو الخطاب أنه سمع من يوثق بعربيته من العرب ينشد هذا البيت :كأنّا يومَ قُرّى إ نّما نقتلُ إيّانا قبَلنا منه ُم ك ّ
حسّانا فجعله وصفاً لكل.
أبيضَ ُ
ومثل ذلك :هذا أيّما رجل منطلقٌ وهذا حسبُك من رجل منطلقٌ.
ويدلك على أنه نكرة أنك تصف به النكرة فتقول :هذا رجل حسبُك من رجل فهو بمنزلة مثلك وضاربك إذا أردت النكرة.
177
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ل معصِفة هوجاء ليس للُبّها زَبرُ سمعناه ممن يرويه من العرب.
ل قول ابن أحمر :وَِلهَت عليه ك ّ
ومما يوصَف به ك ّ
س مقبلً من قبل أنه ل يستطيع أن يقول هذا أولُ الفارس فيُدخل عليه اللف واللم فصار عنده ومن قال هذا أول فار ٍ
بمنزلة المعرفة فل ينبغي له أن يصفه بالنكرة وينبغي له أن يزعم أن درهماً في قولك عشرون درهماً معرفة فليس هذا
بشيء وإنما أرادوا من الفرسان فحذفوا الكلم استخفافاً وجعلوا هذا يُجزِئُهم من ذلك.
وقد يجوز نصبُه على نصب :هذا رجلٌ منطلقاً وهو قول عيسى.
وزعم الخليل أن هذا جائز ونصبُه كنصبه في المعرفة جعله حالً ولم يجعله وصفاً.
ومثل ذلك :مررتُ برجل قائماً إذا جعلتَ الممرورَ به في حال قيامٍ.
وقد يجوز على هذا :فيها رجلٌ قائمًا وهو قول الخليل رحمه ال.
وزعم يونس أن ناسًا من العرب يقولون :مررتُ بماءٍ قِعدةَ رجلٍ والجرّ الوجهُ.
وإنما كان النصب هنا بعيداً من قبل أن هذا يكون من صفة الول فكرهوا أن يجعلوه حالً كما كرهوا أن يجعلوا الطويل
والخ حالً حين قالوا :هذا زيد الطويل وهذا عمرو أخوك وألزموا صفة النكرة كما ألزموا صفة المعرفة المعرفةَ وأرادوا
أن يجعلوا حالَ النكرة فيما يكون من اسمها كحال المعرفة فيما يكون من اسمها.
وزعم مَن نثق به أنه سمع رؤب َة يقول :هذا غلمٌ لك مُقبلً جعله حالً ولم يجعله من اسم واعلم أن ما كان صفةً للمعرفة ل
يكون حالً ينتصب انتصابَ النكرة وذلك أنه ل يَحسُن لك أن تقول :هذا زيدٌ الطويلَ ول هذا زيدٌ أخاك من قبل أنه من قال
هذا فينبغي له أن يجعله صفةً للنكرة فيقول :هذا رجلٌ أخوك.
ومثل ذلك في القبح :هذا زيدٌ أسودَ الناس وهذا زيدٌ سيدَ الناس حدّثنا بذلك يونس عن أبي عمرو.
ولو حسُن أن يكون هذا خبراً للمعرفة لجاز أن يكون خبراً للنكرة فتقول هذا رجلٌ سيدَ الناس من قبل أن نصب هذا رجلٌ
منطلقًا كنصب هذا زيد منطلقاً فينبغي لما كان حالً للمعرفة أن يكون حالً للنكرة.
فليس هكذا ولكن ما كان صفةً للنكرة جاز أن يكون حالً للنكرة كما جاز حالً للمعرفة.
ول يجوز للمعرفة أن تكون حالً كما تكون النكرة فتلتبس بالنكرة.
ولو جاز ذلك لقلت :هذا أخوك عبد ال إذا كان عبد ال اسمه الذي يُعرف به.
إنما تكون المعرفة مبنياً عليها أو مبنية على اسم أو غير اسم وتكون صف ًة لمعروف لتبيّنه وتؤكده أن تقطعه من غيره.
فإذا أردت الخبر الذي يكون حالً وقع فيه المر فل تضع في موضعه السم الذي جُعل ليوضّح المعرفة أو تبيّن به.
فالنكرة تكون حالً وليست تكون شيئاً بعينه قد عرفه المخاطَب قبل ذلك.
178
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
باب ما ينتصب خبره لنه معرفة
وهي معرفة ل توصَف ول تكون وصفاً وذلك قولك :مررت بكلّ قائمًا ومررتُ ببعضٍ قائمًا وببعضٍ جالساً.
وإنما خروجهما من أن يكونا وصفين أو موصوفين لنه ل يحسن لك أن تقول :مررت بكلّ الصالحين ول ببعضٍ
الصالحين.
قبُح الوصف حين حذفوا ما أضافوا إليه لنه مخالف لما يضاف شاذّ منه فلم يج ِر في الوصف مجراه.
كما أنهم حين قالوا يا ألُ فخالفوا ما فيه اللف واللم لم يصلوا ألفَه وأثبتوها.
وصار معرفة لنه مضاف الى معرفة كأنك قلت :مررت بكلهم وببعضهم ولكنك حذفت ذلك المضاف إليه فجاز ذلك كما
جاز :لهِ أبوك تريد :ل أبوك حذفوا اللف واللمين.
وليس هذا طريقةَ الكلم ول سبيله لنه ليس من كلمهم أن يُضمروا الجار.
وقال :ما فيهم يفضلك في شيء يريد ما فيهم أحد يفضلك كما أراد ل بأس عليك أو نحوه.
ول يكونان وصفاً كما لم يكونا موصوفين وإنما ينضعان في البتداء أو يُبنَيان على اسم أو غير فالبتداء نحو قوله عز
وجلّ " :وكلّ آتوه داخرين ".
قال ال عز وجل " :وإنْ كلّ لما جميعٌ لدينا مُحضَرون " وقال :أتيته والقومُ جميعٌ وسمعته من العرب أي مجتمعون.
وزعم الخليل رحمه ال أنه يستضعف أن يكون كلهم مبنياً على اسم أو على غير اسم ولكنه يكون مبتدأ أو يكون كلهم
صفة.
فقلت :ولمَ استضعفت أن يكون مبنياً فقال :لن موضعه في الكلم أن يُعمّ به غيره من السماء بعدما يُذكر فيكون كلهم
صفةً أو مبادأ.
فالمبتدأ قولك إن قومك كلهم ذاهبٌ أو ذكر قوم فقلت :كلهم ذاهبٌ.
فالمبتدأ بمنزلة الوصف لنك إنما ابتدأت بعدما ذكرت ولم تبنه على شيء فعممت به.
وقال :أكلتُ شا ًة كلّ شاةٍ حسن وأكلت كلّ شا ٍة ضعيف لنهم ل يعمّون هكذا فيما زعم الخليل رحمه ال.
وذلك أن كلهم إذا وقع موقعاً يكون السم فيه مبنياً على غيره شُبّه بأجمعين وأنفسهم ونفسه فألحق بهذه الحروف لنها إنما
توصَف بها السماء ول تُبنى على شيء.
وذاك أن موضعها من الكلم أن يُع ّم ببعضها ويؤكد ببعضها بعد ما يُذكر السم إل أن كلهم قد يجوز فيها أن تُبنى على ما
قبلها وإن كان فيها بعض الضعف لنه قد يُبتدأ به فهو يشبه السماء التي تُبنى على غيرها.
179
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وكلهما وكلتاهما وكلهنّ يجرين مجرى كلهم وأما جميعهم فقد يكون على وجهين :يوصَف به المضمَر والمظهر كما
يوصَف بكلهم ويُجرى في الوصف مجراه ويكون في سائر ذلك بمنزلة عامتهم وجماعتهم يُبتدأ ويُبنى على غيره لنه يكون
نكرة تدخله اللف واللم وأما كل شيء وكل رجل فإنما يبنيان على غيرهما لنه ل يوصَف بهما.
وإنما فررتَ الى النصب في هذا الباب كما فررت الى الرفع في قولك :بصحيفةٍ طينٌ خاتَمها لن الطين اسم وليس مما
يوصَف به ولكنه جوهرٌ يضاف إليه ما كان منه.
ومن قال :مررتُ بصحيفة طينٍ خاتَمها قال :هذا راقودٌ خلّ وهذه صفّة خزّ.
وهذا قبيح أجري على غير وجهه ولكنه حسن أن يُبنى على المبتدأ ويكون حالً.
ول يكون صفةًفيشبه السماء التي أخذت من الفعل ولكنهم جعلوه يلي ما ينصب ويرفع وما يجرّ.
فأجره كما أجروه فإنما فعلوا به ما يُفعل بالسماء والحال مفعولٌ فيها.
والمبنيّ على المبتدأ بمنزلة ما ارتفع بالفعل والجارّ بتلك المنزلة يجري في السم مجرى الرافع والناصب.
وانتصب لن هذا الكلم قد عمل فيها كما عمل الرجل في العلم حين قلت :أنت الرجل عِلْماً.
فالعل ُم منتصبٌ على ما فسّرت لك وعمل فيه ما قبله كما عمل عشرون في الدرهم حين قلت عشرون درهماً لن الدرهم
ليس من اسم العشرين ول هو هي.
180
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك هذا عربيّ حسبَه.
وما لم ُيضَف من هذا ولم تدخله اللف واللم فهو بمنزلة ما لم ُيضَف فيما ذكرنا من ومثل ذلك هذه عشرون مِرارًا وهذه
عشرون أضعافاً.
وزعم يونس أن قوماً يقولون :هذه عشرون أضعافُها وهذه عشرون أضعافٌ أي مضاعفةٌ.
والنصب أكثر.
وهذا شيء ينتصب على أنه ليس من اسم الول ول هو هو وذلك قولك :هذا عربي محضاً وهذا عربي قلباً فصار بمنزلة
دِنياً وما أشبهه من المصادر وغيرها.
ومما ينتصب على أنه ليس من اسم الول ول هو هو قولك :هذه مائلةٌ وزنَ سبعةٍ ونقدَ الناس وهذه مائة ضربَ المير
وهذا ثوبٌ نسجَ اليمن كأنه قال :نسجاً وضرباً ووزناً.
قال الخليل رحمه ال :إذا جعلتَ وزنَ مصدراً نصبت وإن جعلته اسمًا وصفتَ به وشبّه ذلك بالخَلق قال :قد يكون الخلق
المصدر ويكون الخلقُ المخلوق وقد يكون الحلَب الفعل والحلَب المحلوب فكأن الوزن ههنا اسمٌ وكأن الضرب اسم كما
تقول رجلٌ رِضاً وامرأة عدلٌ ويومٌ غمّ فيصيرُ هذا الكلم صفةً.
181
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال :أستقبح أن أقول هذه مائة ضربُ المير فأجعلَ الضرب صفةً فيكون نكر ًة وُصفت بمعرفة ولكن أرفعه على البتداء
كأنه قيل له ما هي فقال :ضربُ المير.
واعلم أن جميع ما ينتصب في هذا الباب ينتصب على أنه ليس من اسم الول ول هو هو.
والدليل على ذلك أنك لو ابتدأت اسماً لم تستطع أن تبني عليه شيئاً مما انتصب في هذا الباب لنه جرى في كلم العرب أنه
ليس منه ول هو هو.
ي وعربيٌ جِدٌ لم يجز ذلك فإذا لم يجز أن يُبنى على المبتدأ فهو من الصفة أبعد لن هذه الجناس التي
لو قلتَ ابنُ عمي د ْن ٌ
يضاف إليها ما هو منها ومن جوهرها ول تكون صفة وقد تُبنى على المبتدأ كقولك :خاتمك فضّة ول فما انتصب في هذا
الباب فهو مصدر أو غير مصدر قد جُعل بمنزلة المصدر وانتصب من وج ٍه واحد.
واعلم أن الشيء يوصَف بالشيء الذي هو هو وهو من اسمه وذلك قولك :هذا زيدٌ الطويل.
ويوصَف بالشيء الذي ليس به ول من اسمه كقولك :هذا درهم وزناً ل يكون إل نصباً.
هذا باب ما ينتصب لنه قبيح أن يوصف بما بعده ويبنى على ما قبله
لما لم يجز أن توصف الصفة بالسم وقُبح أن تقول :فيها قائمٌ فتضع الصفة موضع السم كما قبح مررت بقائم وأتاني قائم
جعلت القائم حالً وكان المبني على الكلم الول ما بعده.
ولو حسُن أن تقول :فيها قائم لجاز فيها قائم رجلٌ ل على الصفة ولكنه كأنه لما قال فيها قائم قيل له مَن هو وما هو فقال:
رجل أو عبد ال.
وحُمل هذا النصب على جواز فيها رجلٌ قائماً وصار حين أخّر وجه الكلم فراراً من القبح.
وقال الخر:
182
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإن قال قائل :أجعله بمنزلة راكباً مرّ زيدٌ وراكباً مرّ الرجلُ قيل له :فإنه مثله في القياس لن فيها بمنزلة مرّ ولكنهم كرهوا
ذلك فيما لم يكن من الفعل لن فيها وأخواتها ل يتصرّفن تصرّف الفعل وليس بفعل ولكنهن أنزلن منزلة ما يستغني به
السم من الفعل.
ومن ثمّ صار مررت قائماً برجل ل يجوز لنه صار قبل العامل في السم وليس بفعل والعامل الباء.
فإن قال :أقول مررت بقائماً رجل فهذا أخبث من قبل أنه ل يُفصل بين الجار والمجرور ومن ثم أُسقط ُربّ قائماً رجلٍ.
ولو استحسنّاه لقلنا هو بمنزلة فيها قائماً رجل ولكن معرفة قبحه أمثل من إعرابه.
وأما بك مأخوذٌ زيد فإنه ل يكون إل رفعاً من قبل أن بك ل تكون مستقراً لرجل.
ولو نصبت هذا لنصبت اليوم منطلقٌ زيدٌ واليومَ قائمٌ زيد.
ومثل ذلك :عليك نازلٌ زيد لنك لو قلت :عليك زيد وأنت تريد النزول لم يكن كلماً.
وتقول :عليك أميراً زيد لنه لو قال عليك زيد وهو يريد المرةَ كان حسناً.
وكلما تقدّم كان أضعف له وأبعد فمن ثمّ لم يقولوا قائماً فيها رجل ولم يحسن حُسن :فيها قائماً رجلٌ.
وليست تثنيته بالتي تمنع الرفع حاله قبل التثنية ول النصب ما كان عليه قبل أن يثنّى.
وإن زعمتَ أنه انتصب بالخِر فكأنك قلت :زيد قائماً فيها.
فإنما هذا كقولك قد ثبت زيد أميراً قد ثبت فأعدتَ قد ثبت توكيداً وقد عمل الول في زيد وفي المير.
183
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثله في التوكيد والتثنية :لقيتُ عمراً عمرا.
فإن أردتَ أن تُلغي فيها قلت فيها زيدٌ قائم فيها كأنه قال زيد قائم فيها فيها فيصير بمنزلة قولك فيك زيدٌ راغبٌ فيك.
وتقول في النكرة :في دارك رجلٌ قائم فيها فتجري قائم على الصفة.
وإن شئت قلت :فيها رجل قائماً فيها على الجواز كما يجوز فيها رجلٌ قائماً.
وإن شئت قلت أخوك في الدار ساكنٌ فيها فتجعل فيها صفةً للساكن.
ولو كانت التثنية تنصب لنصبتْ في قولك :عليك زيدٌ حريص عليك ونحو هذا مما ل يُستغنى به.
سعِدوا ففي الجثّة خالدين فيها " فهو مثل " إن المتّقين في جنات وعُيون.
فإن قلت :قد جاء " :وأما الذين َ
واعلم أن المبتدأ لبد له من أن يكون المبنيّ عليه شيئاً هو هو أو يكون في مكان أو زمان.
فأما الذي يُبنى عليه شيء هو هو فإن المبني عليه يرتفع به كما ارتفع هو بالبتداء وذلك قولك :عبد ال منطلق ارتفع عبد
ال لنه ذُكر ليُبنى عليه المنطلق وارتفع المنطلق لن المبنيّ على المبتدأ بمنزلته.
وزعم الخليل رحمه ال أنه يستقبح أن يقول قائم زيد وذاك إذا لم تجعل قائماً مقدّماً مبنياً على المبتدأ كما تؤخّر وتقدّم
فتقول :ضرب زيداً عمرٌو وعمرٌو على ضرب مرتفع.
صفّتك.
وذلك قولك تميميّ أنا ومَشنوءٌ مَن يشنَؤك ورجلٌ عبدُ ال وخزّ ُ
فإذا لم يريدوا هذا المعنى وأرادوا أن يجعلوه فعلً كقوله يقوم زيدٌ وقام زيد قبح لنه اسم.
184
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما حسن عندهم أن يجري مجرى الفعل إذا كان صفةً جرى على موصوف أو جرى على اسم قد عمل فيه كما أنه ل
يكون مفعولً في ضارب حتى يكون محمولً على غيره فتقول :هذا ضاربٌ زيداً وأنا ضارب زيداً ول يكون ضاربٌ زيداً
على ضربتُ زيدًا وضربت عمراً.
فكما لم يجز هذا كذلك استقبحوا أن يجري مجرى الفعل المبتدإ وليكون بين الفعل والسم فصيل وإن كان موافقاً له في
مواضع كثيرة فقد يوافق الشيء الشيءَ ثم يخالفه لنه ليس مثله.
وقد كتبنا ذلك فيما مضى وسنراه فيما يُستقبل إن شاء ال.
ل واحد منهما ل
لنه مستقَرّ لما بعد وموضع والذي عمل فيما بعده حتى رفعه هو الذي عمل فيه حين كان قبله ولكن ك ّ
يُستغنى به عن صاحبه فلما جُمعا استغنى عليهما السكوت حتى صارا في الستغناء كقولك :هذا عبد ال.
ومثله :ثمّ زيدٌ وههنا عمرٌو وأين زي ٌد وكيف عبد ال وما أشبه ذلك.
وهذا ل يكون إل مبدوءاً به قبل السم لنها من حروف الستفهام فشُبّهت بهل وألف الستفهام لنهن يستغنين عن اللف
ول يكنّ كذا إل استفهاماً.
وأما عبد ال فإنه منحديث لول وارتفع بالبتداء كما يرتفع بالبتداء بعد ألف الستفهام كقولك :أزيدٌ أخوك إنما رفعتَه على
ما رفعتَ عليه زيدٌ أخوك.
وكأن المبني عليه الذي في الضمار كان في مكان كذا وكذا فكأنه قال :لول عبد ال كان بذلك المكان ولوا القتال كان في
زمان كذا وكذا ولكن هذا حُذف حين كثُر استعمالُهم إياه في الكلم كما حُذف الكلم من إمّال زعم الخليل رحمه ال أنهم
أرادوا إن كنت ل تفعل غيره فافعلْ كذا وكذا إمال ولكنهم حذفوه لكثرته في الكلم.
وما أغفلَه عنك شيئاً أي دعِ الشكّ عنه فحُذف هذا لكثرة استعمالهم.
ومن ذلك :هل من طعام أي هل من طعام في زمان أو مكان وإنما يريد :هل طعامٌ فمِن طعا ٍم في موضع طعامٌ كما كان ما
أتاني من رجل في موضع ما أتاني رجلٌ.
185
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثله جوابه :ما من طعام.
وذلك أنك رأيت صورة شخص فصار آية لك على معرفة الشخص فقلت :عبد ال وربي كأنك قلت :ذاك عبد ال أو هذا
عبد ال.
ولو حُدّثتَ عن شمائل رجلٍ فصار آيةً لك على معرفته لقلت :عبد ال.
كأن رجلً قال :مررتُ برجل راحم للمساكين بارّ بوالديه فقلت :فلن والِ.
وهي من الفعل يمنزلة عشرين من السماء التي بمنزلة الفعل ل تصَرّف تصرّف الفعال كما أن عشرين ل تصرّف
تصرّف السماء التي أخذت من الفعل وكانت بمنزلته ولكن يقال بمنزلة السماء التي أُخذت من الفعال وشُبهت بها في
هذا الموضع فنصبت درهماً لنه ليس من نعتها ول هي مضافة إليه ولم ترد أن تحمل الدرهم على ما حُمل العشرون عليه
ولكنه واحد بيّن به العدد فعملت فيه كعمل الضارب في زيد إذا قلت :هذا ضاربٌ زيداً لن زيداً ليس من صفة الضارب
ول محمولً على ما حُمل عليه الضارب.
ل وكأنّ.
ن ولكنّ وليت ولع ّ
وهي أ ّ
وذلك قولك :إن زيداً منطلقٌ وإن عمراً مسافرٌ وإن زيداً أخوك.
وكذلك أخواتها.
وزعم الخليل أنها عملت عملين :الرف َع والنصب كما عملت كان الرفع والنصب حين قلت :كان أخاك زيدٌ.
إل أنه ليس لك أن تقول كأن أخوك عبدَ ال تريد كأن عبدَ ال أخوك لنها ل تصرّف تصرّف الفعال ول يضمَر فيها
المرفوع كما يضمَر في كان.
فمن ثمّ فرقوا بينهما كما فرقوا بين ليس وما فلم يجروها مجراها ولكن قيل هي بمنزلة الفعال فيما بعدها وليست بأفعال.
وتقول :إن زيداً الظريف منطلق فإن لم يُذكر المنطلق صار الظريف في موضع الخبر كما قلت :كان زيد الظريف ذاهباً
فلما لم تجئ بالذاهب قلت :كان زيدٌ الظريفَ فنصب هذا في كان بمنزلة رفع الول في إن وأخواتها.
وتقول :إن فيها زيداً قائماً وإن شئت رفعت على إلغاء فيها وإن شئت قلت :إن زيداً فيها قائماً وقائمٌ.
186
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتفسير نصب القائم ههنا ورفعه كتفسيره في البتداء وعبد ال ينتصب بأن كما ارتفع ثمّ بالبتداء إل أن فيها ههنا بمنزلة
هذا في أنه يستغني على ما بعدها السكوت وتقع موقعه.
وليست فيها بنفس عبد ال كما كان هذا نفسَ عبد ال وإنما هي ظرفٌ ل تعمل فيها إن بمنزلة خلفَك وإنما انتصب خلفك
بالذي فيه.
وقد يقع الشيء موقع الشيء وليس إعرابه كإعرابه وذلك قولك :مررت برجل يقول ذاك فيقول في موضع قائل وليس
إعرابه كإعرابه.
وتقول :إن بك زيداً مأخوذ وإن لك زيداً واقفٌ من قبل أنك إذا أردت الوقوف والخذ لم يكن بك ول لك مستقرّين لعبد ال
ول موضعين.
أل ترى أن السكوت ل يستغني على عبد ال ومثل ذلك :إن فيك زيداً لراغب.
قال الشاعر:
فل تلْحِني فيها فإن بحبّها ** أخاكَ مُصابُ الثلب جمّ بلبِلُهْ
كأنك أردت :إن زيداً راغبٌ وإن زيداً مأخوذٌ ولم تذكر فيك ول بكَ فألغيتا ههنا كما أُلغيتا في البتداء.
ولو نصبت هذا لقلت إن اليوم زيداً منطلقاً ولكن تقول إن اليوم زيداً منطلق وتُلغي اليومَ كما ألغيتَه في البتداء.
وتقول :إن اليوم فيه زيدٌ ذاهبٌ من قبل أن إنّ عملت في اليوم فصار كقولك :إن عمراً فيه زيدٌ متكلم.
ويدلّك على أن اليوم قد عملت فيه إن أنك تقول اليوم فيه زيدٌ ذاهبٌ فترفع بالبتداء فكذلك تنصب بأن.
قال الشاعر وهو أبو زُبيد الطائي :إن امرأً خصّني عمداً مودّته على التنائي لَعندي غي ُر مكفورِ فلما دخلت اللم فيما ل
يكون إل لغواً عرفنا أنه يجوز في فيها ويكون لغواً لن فيها قد تكون لغواً.
وإذا قلت :إن زيداً فيها لقائمٌ فليس إل الرفع لن الكلم محمول على إنّ واللم تدل على وروى الخليل رحمه ال أن ناساً
يقولون :إن بك زيدٌ مأخوذ فقال :هذا على قوله إنه بك زيدٌ مأخوذ وشبّه بما يجوز في الشعر نحو قوله وهو ابن صريم
حقّان لنه
اليشكري :ويوماً تُوافينا بوجهٍ مقسّمٍ كأنْ ظبيةٌ تعطو الى وارق السّلَ ْم وقال الخر :ووجهٌ مشرقُ النحرِ كأنْ ثدياهُ ُ
ل يحسن ههنا إل الضمار.
وزعم الخليل أن هذا يشبه قول من قال :وهو الفرزدق :فلو كنت ضبّياً عرفتَ قرابتي ولكنّ زَنجيّ عظيم المشاف ِر والنصب
أكثر في كلم العرب كأنه قال :ولكن زنجياً عظيمَ المشافر ل يعرف قرابتي.
ل معروفٌ
ل معروفٌ " أي طاعةٌ وقو ٌ
ولكنه أضمر هذا كما يُضمر ما بني على البتداء نحو قوله عزّ وجلّ " :طاع ٌة وقو ٌ
أمثل.
ت ضفّاطا ولكن طالباً أناخ قليلً فوق ظهر سبيلِ أي ولكن طالباً منيخاً أنا.
وقال الشاعر :فما كن ُ
187
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فالنصب أجود لنه لو أراد إضماراً لخفّف ولجعل المضمَر مبتدأ كقولك :ما أنت صالحاً ورفعه على قوله ولكنّ زنجيّ.
ك كلّ مَن يحفى وينتعلُ فإن هذا على إضمار الهاء لم يحذفوا لنْ
وأما قول العشى :في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا أنْ هال ٌ
يكون الحذف يُدخله في حروف البتداء بمنزلة إن ولكن ولكنهم حذفوا كما حذفوا الضمار وجعلوا الحذف علَماً لحذف
الضمار في إن كما فعلوا ذلك في كأن.
وأما ليتما زيداً منطلقٌ فإن اللغاء فيه حسن وقد كان رؤبة ابن العجّاج ينشد هذا البيت رفعًا وهو قول النابغة الذبياني :قالت
أل ليتما هذا الحمامُ لنا الى حمامتنا ونصفُ فقدِ فرفعه على وجهين :على أن يكون بمنزلة قول من قال :مثلً ما بَعوض ٌة أو
يكون بمنزلة قوله :إنما زيدٌ منطلقٌ.
ج َعلٍ لعلّما أنت حالِمُ وقال الخليل :إنما ل تعمل فيما وقال الشاعر وهو ابن كُراع :تحّللْ وعالجْ ذاتَ نفسك وانظُرَنْ أيا ُ
بعدها كما أن أرى إذا كانت لغواً لم تعمل فجعلوا هذا نظيرها ونظيرُ إنما قول الشاعر وهو المرّار ال َف ْقعَسي :أعَلقةً أمّ
الوليد بعدما أفنانُ رأسكَ كالثّغام المُخِْلسِ جعل بعد مع ما بمنزلة حرفٍ واحد وابتدأ ما بعده.
واعلم أنهم يقولون :إن زيدٌ لذاهبٌ وإنْ عمرٌو لخيرٌ منك لما خفّفها جعلها بمنزلة لكنْ حين خفّفها وألزمها اللم لئل تلتبس
بإن التي هي بمنزلة ما التي تنفي بها.
ومثل ذلك " :إن كلّ نفسٍ لما عليها حافظٌ " إنما هي لعليها حافظٌ.
وقال تعالى " :وإنْ كلّ لَما جميعٌ لدينا مُحضَرون " إنما هي :لجمي ٌع وما لغوٌ.
وقال تعالى " :وإنْ وجدنا أكثرَهم لَفاسقين " " وإنْ نظنّك لمِن الكاذبين ".
وأما أكثرهم فأدخلوها في حروف البتداء حين حذفوا كما أدخلوها في حروف البتداء حين ضمّوا إليها ما.
ما يَحسن عليه السكوتُ في هذه الحرف الخمسة لضمارك ما يكون مستقَرّا لها وموضعاً لو أظهرته وليس هذا المضمَر
بنفس المظهر.
ويقول الرجل للرجل :هل لكم أحدٌ إن الناس أ ْلبٌ عليكم فيقول :إن زيداً وإن عمراً أي إن لنا.
سفْر ما مضى َمهَل وتقول :إن غيرها إبلً وشاءً كأنه قال :إن لنا غيرَها إبلً
وقال العشى :إن محلً وإنّ مُرتحَلً وإن في ال ّ
وشاءً أو عندنا غيرَها إبلً وشاء.
188
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وانتصب البلُ والشاء كانتصاب فارسٍ إذا قلت :ما في الناس مثلُه فارساً.
ومثل ذلك قول الشاعر :يا ليتَ أيامَ الصّبا رواجعا فهذا كقوله :أل ماء بارداً كأنه قال :أل ماء لنا مارداً وكأنه قال :يا ليت
لنا أيام الصبا وكأنه وتقول :إن قريباً منك زيداً إذا جعلت قريباً منك موضعه.
وإذا قلت جعلت الول هو الخِر قلت :إن قريباً منك زيدٌ.
وتقول :إن قريباً منك زيدٌ والوجهُ إذا أردتَ هذا أن تقول :إن زيداً قريبٌ منك أو بعيد منك لنه اجتمع معرفةٌ ونكرة.
وقال امرؤ القيس :وإن شفاءً عَب َرةٌ مُهراقةٌ فهل عند رَسمٍ دارس من ُم َعوّلِ فهذا أحسن لنهما نكرة.
وقلما يكون بعيداً منك ظرفًا وإنما قلّ هذا لنك ل تقول إن بُعدَك زيدًا وتقول إن قربَك زيد.
والدليل على هذا قول العرب :هذا لك بدلَ هذا أي هذا لك مكان هذا.
وإن جعلت البدل بمنزلة البديل قلت إن بدلَك زيدٌ أي إن بديلَك زيدٌ.
فهذا يجري مجرى النكرة في كان وليس لن المخاطَب يحتاج الى أن تُعلمه ههنا كما يحتاج الى أن تعلمه في قولك ما كان
أحدٌ فيها خيراً منك.
واعلم أن التقديم والتأخير والعناية والهتمام هنا مثلُه في باب كان ومثل ذلك قولك :إن أسداً في الطريق رابضاً وإن
بالطريق أسداً رابضٌ.
وإن شئت جعلت بالطريق مستقراً ثم وصفتَه بالرابض فهذا يجري هنا مجرى ما ذكرتُ من النكرة في باب كان.
ف وعمرٌو وإن
فيشاركه فيه السم الذي ولِيها ويكون محمولً على البتداء فأما ما حُمل على البتداء فقولك :إن زيداً ظري ٌ
زيداً منطلقٌ وسعي ٌد فعمرو وسعيد يرتفعان على وجهين فأحدُ الوجهين حسنٌ والخر ضعيف.
فأما الوجه الحسن فأن يكون محمولً على البتداء لن معنى إن زيداً منطلقٌ زيدٌ منطلق وإن دخلتْ توكيداً كأنه قال :زيدٌ
منطلق وعمرو.
189
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما الوجه الخر الضعيف فأن يكون محمولً على السم المضمَر في المنطلق والظريف فإن أردتَ ذلك فأحسنه أن تقول:
منطلقٌ هو وعمرٌو وإن زيداً ظريفٌ هو وعمرو.
وإن شئت جعلت الكلم على الول فقلت :إن زيداً منطلقٌ وعمراً ظريفٌ فحملته على قوله عزّ وجلّ " :ولو أن ما في
الرض من شجرةٍ أقلمٌ والبحرَ يمدّه من بعده سبعةُ أبحُرٍ ".
وقد رفعه قومٌ على قولك :لو ضربتَ عبدَ ال وزيدٌ قائم ما ضرّك أي لو ضربت عبد ال وزيدٌ في هذه الحال كأنه قال :ولو
أن ما في الرض من شجرة أقلمٌ والبحر هذا أمره ما نفدت كلمات ال.
وإذا قلت إن زيداً فيها وعمرٌو جرى عمرٌو بعد فيها مجراه بعد الظريف لن فيها في موضع الظريف وفي فيها إضمار.
أل ترى أنك تقول :إن قومك فيها أجمعون وإن قومك فيها كلّهم كما تقول :إن قومك عرب أجمعون وفي فيها اس ٌم مضمَر
مرفوع كالذي يكون في الفعل إذا قلت :إن قومك ينطلقون أجمعون.
وقال جرير :إن الخلفة والنبوّة فيه ُم والمَكرُمات وسادةٌ أطها ُر وإذا قلت :إن زيداً فيها وإن زيدًا يقول ذاك ثم قلت نفسه
فالنصب أحسن.
وإذا نصبتَ فتفسيره كنصبه واعلم أن لعلّ وكأنّ وليت ثلثتهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إنّ إل أنه ل يُرفع بعدهن
شيء على البتداء ومن ثمّ اختار الناس ليتَ زيداً منطلقٌ وعمراً وقَبُح عندهم أن يحملوا عمراً على المضمر حتى يقولوا
هو ولم تكن ليت واجب ًة ول لعلّ ول كأن فقبح عندهم أن يُدخلوا الواجب في موضع التّمني فيصيروا قد ضموا الى الول ما
ليس على معناه بمنزلة إن.
فالعاقل اللبيب يرتفع على وجهين :على السم المضمَر في منطلق كأنه بدلٌ منه فيصير كقولك :مررت به زيدٌ إذا أردت
جوابَ بمن مررتَ.
190
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فكأنه قيل له :من ينطلق فقال :زي ٌد العاقلُ اللبيب.
وإن شاء رفعه على :مررتُ به زيدٌ إذا كان جوابَ مَن هو فنقول :زيد كأنه قيل له :مَن هو فقال :العاقل اللبيب.
وقد قرأ الناس هذه الية على وجهين " :قُل إن ربي يقذف بالحقّ علّم الغُيوب " و " علمَ.
انتصابَه إذا صار ما قبله مبنياً على البتداء لن المعنى واحدٌ في أنه حالٌ وأن ما قبله قد عمِل فيه ومنعه السمُ الذي قبله
أن يكون محمولً على إن.
وذلك قولك :إن هذا عبدُ ال منطلقاً وقال تعالى " :إن هذه أمتُكم أمةً واحدة ".
وقد قرأ بعضهم " :أمتَكم أم ٌة واحدة " حمل أمتكم على هذه كأنه قال إن أمتكم كلها أمةٌ واحدة.
وتقول :إن هذا الرجل منطلقٌ فيجوز في المنطلق هنا ما جاز فيه حين قلت :هذا الرجل منطلقٌ إل أن الرجل هنا يكون
خبراً للمنصوب وصفةً له وهو في تلك الحال يكون صفة لمبتدأ أو خبراً له.
وكذلك إذا قلت :ليتَ هذا زيدٌ قائماً ولعل هذا زيدٌ ذاهبًا وكأن هذا بِشرٌ منطلقاً.
إل أن معنى إن ولكن لنهما واجبتان كمعنى هذا عبدُ ال منطلقاً وأنت في ليت تمنّاه في الحال وفي كأن تشبّه إنساناً في
حال ذهابه كما تمنيته إنساناً في حال قيام.
فلعل وأخواتها قد عملنَ فيما بعدهنّ عملين :الرفع والنصب كما أنك حين قلت :ليس هذا عمراً وكان هذا بشراً عملنا عملين
رفعتا ونصبتا كما قلت ضربَ هذا زيداً فزيداً ينتصب بضرب وهذا ارتفع بضرب ثم قلت :أليس هذا زيداً منطلقاً فانتصب
المنطلق لنه حال وقع فيه المر فانتصب كما انتصب في إن وصار بمنزلة المفعول الذي تعدّى إليه فعل الفاعل بعدما
تعدّى الى مفعول قبله وصار كقولك :ضرب عبد ال زيداً قائماً فهو مثله في التقدير وليس مثله في المعنى.
وتقول :إن الذي في الدار أخوك قائماً كأنه قال :من الذي في الدار فقال :إن الذي في الدار أخوك قائماً فهو يجري في أن
ولكنّ في الحُسن والقُبح مجراه في البتداء :إنْ قبُح في البتداء أن تذكر المنطلق قبُح ههنا وإن حسُن أن تذكر المنطلق
حسُن ههنا وإن قبُح أن تذكر الخ في البتداء قبُح ههنا لن المعنى واحد وهو من كلمٍ واجب.
ومن قال :إن هذا أخاك منطلقٌ قال :إن الذي رأيتُ أخاك ذاهبٌ.
ول يكون الخ صفةً للذي لن أخاك أخصّ من الذي ول يكون له صفة من قبل أن زيدًا ل يكون صفةً لشيء.
191
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال :أمن عمل الجرّاف أمسِ وظلمه وعدوانه أعتَبْتُمونا براسمِ أمي َريْ عداءٍ إن حبسنا عليهما بهائمَ مالٍ أوديا بالبهائم
نصبهما على الشتم لنك إن حملت الميرين على العتاب كان محالً وذلك لنه ل تحمل صفة الثنين على الواحد ول
تحمل الذي جرّ العتابُ على الذي جرّ الظلم فلما اختلف الجرّان واختلطت الصفتان صار بمنزلة قولك :فيها رجلٌ وقد
أتاني آخرُ كريمين ولو ابتدأ فرفع كان جيداً.
ومما ينتصب على المدح والتعظيم قول الفرزدق :ولكنني استبقيت أعراضَ مازنٍ وأيامَها من مستنيرٍ ومظلمِ أناساً بثغ ٍر
لتزالُ رماحهم شوارعَ من غير العشيرة في الد ِم ومما ينتصب على أنه عظّم المر قول عمرو بن شأس السدي :ولم أرَ
ليلى بعد يومٍ تعرّضتْ لنا بين أثواب الطّراف من ال َدمْ كِلبيّة وبرِيّة حَبْتريّة نأ ْتكَ وخانتْ بالمواعيد والذممْ وقال الخر:
ضن ْنتُ بنفسي حقبةً ثم أصبحتْ لبنتِ عطاء بينُها وجميعها ضِبابيةً مُرّيّة حابيّة مُنيفًا بنعفِ الصّيدلين وضيعُها فكل هذا
سمعناه ممن يرويه من العرب نصباً.
ومما يدلك على أن هذا ينتصب على التعظيم والمدح أنك لو حملت الكلم على أن تجعل حالً لما بنيته على السم الول
كان ضعيفاً.
وليس هنا تعريفٌ ول تنبيهٌ ول أراد أن يوقع شيئاً في حال لقبحه ولضعف المعنى.
وزعم يونس أنه سمع رؤبة يقول :أنا ابنُ سعدٍ أكرمَ السّعدينا.
وقال الخليل :إن من أفضلهم كان زيداً على إلغاء كان وشبّهه بقول الشاعر وهو الفرزدق :فكيف إذا رأيت ديارَ قوم
وجيران لنا كانوا كرامِ وقال :إن من أفضلهم كان رجلً يقبح لنك لو قلت إن من خيارهم رجلً ثم سكتّ كان قبيحاً حتى
تعرّفه بشيء أو تقول :رجلً من أمره كذا وكذا.
وقال :إن فيها كان زيد على قولك :إنه فيها كان زيدٌ وإل فإنه ل يجوز أن تحمل الكلم على إنّ.
وقال :إن أفضلهم كان زيدٌ وإن زيدًا ضربتُ على قوله :إنه زيداً ضربت وإنه كان أفضلهم زيدٌ.
ويجوز أيضاً على :إن زيداً ضربتُه وإن أفضلَهم كانه زيد فتنصبه على إن وفيه قبحٌ كما كان في إن.
ي مفصول ٌة
وسألت الخليل رحمه ال تعالى عن قوله " :ويْكأنّه ل يُفلح " وعن قوله تعالى جدّه " :ويْكأن ال " فزعم أنه و ْ
من كأن والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نُبّهوا فقيل لهم :أما يشبه أن يكون هذا عندكم هكذا.
وقال القرشي وهو زيد بن عمرو بن ُنفَيل :سالتاني الطلقَ أن رأتاني قلّ مالي وقد جئتماني بنُكرِ َويْ كأنْ مَن يكن له نشبٌ
ب ومَن يفتقر يعِشْ عيش ضُرّ واعلم أن ناساً من العرب يغلطون فيقولون :إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان يُح َب ْ
وذاك أن معناه معنى البتداء فيُرى أنه قال :هم كما قال :على ما ذكرتُ لك.
وأما قوله عزّ وجلّ " :والصابئون " فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدأ على قوله " والصابئون " بعدما مضى الخبر.
وقال الشاعر بشر بن أبي خازم :وإل فاعلَموا أنّا وأنتم بُغاةٌ ما بقينا في شِقاقِ كأنه قال :بُغاةٌ ما بقينا وأنتم.
192
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
هذا باب كَمْ
اعلم أن لكَم موضعين :فأحدهما الستفهام وهو الحرف المستفهَم به بمنزلة كيف وأين.
ل ومفعولً وظرفاً ويُبنى عليها إل أنها ل تصرّف تصرّف يوم وليل كما أن حيث وأين
وهي تكون في الموضعين اسماً فاع ً
ل يتصرفان تصرّف تحتك وخلفك وهما موضعان بمنزلتهما غير أنهما حروفٌ لم تتمكن في الكلم إنما لها مواضع تلزمها
في الكلم.
ومثل ذلك في الكلم كثير وقد ذكر فيما مضى وستراه فيما يُستقبَل إن شاء ال.
أما كم في الستفهام إذا أُعملت فيما بعدها فهي بمنزلة اسم يتصرّف في الكلم منوّن قد عمل فيما بعده لنه ليس من صفته
ول محمولً على ما حُمل عليه.
وإذا قال لك رجل :كم لك فقد سألك عن عدد لن كمْ إنما هي مسألة عن عدد ههنا فعلى المجيب أن يقول :عشرون أو ما
شاء مما هو أسماء لعدة.
فإذا قال لك :كم لك درهماً أو كم درهماً لك ففسّر ما يسأل عنه قلت عشرون درهماً فعملت كم في الدرهم عمل واعلم أن كمْ
تعمل في كل شيء حسن للعشرين أن تعمل فيه فإذا قبح للعشرين أن تعمل في شيء قبح ذلك في كم لن العشرين عددٌ
منوّن وكذلك ك ْم هو منوّن عندهم كما أن خمسةَ عشر عندهم بمنزلة ما قد لفظوا بتنوينه لول ذلك لم يقولوا خمسةَ عشر
درهماً ولكن التنوين ذهب منه كما ذهب مما ل ينصرف وموضعه موضع اسم منوّن.
وكذلك ك ْم موضعها موضع اسم منوّن وذهبتْ منها الحركة كما ذهبت من إذ لنهما غي ُر متمكّنين في الكلم.
وذلك أنك لو قلت :كم لك الدرهمَ لم يجز كما لم يجز في قولك عشرون الدرهم لنهم إنما أرادوا عشرين من الدراهم.
وهذا معنى الكلم ولكنهم حذفوا اللفَ واللم وصيّروه الى الواحد وحذفوا من استخفافاً كما قالوا :هذا أول فارس في الناس
وإنما يريدون هذا أول من الفرسان.
فحُذف الكلم.
وذلك أن قولك العشرون لك درهماً فيها قبح ولكنها جازت في كم جوازاً حسناً لنه كأنه صار عوضاً من التمكن في الكلم
لنها ل تكون إل مبتدأة ول تؤخّر فاعل ًة ول مفعولة.
ولو قال :أتاكَ ثلثون اليوم درهماً كان قبيحاً في الكلم لنه ل يقوى قوةَ الفاعل وليس مثل كم لما ذكرت لك.
193
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقد قال الشاعر :على أنني بعدَ ما قد مضى ثلثون للهجر حَولً كميل يذكّرنيك حنينُ العَجول ونوحُ الحمامة تدعو هَديل
وكم رجلً أتاك أقوى من كم أتاك رجلً وكم ههنا فاعلة.
وتقول :كم مثله لك وكم خيراً منه لك وكم غيره لك كل هذا جائز حسن لنه يجوز بعد عشرين فيما زعم يونس.
تقول :كم غيره مثله لك انتصب غير بكم وانتصب المثل لنه صفة له.
ولم يُجز يونس والخليل رحمهما ال كم غِلماناً لك لنك ل تقول عشرونَ ثياباً لك إل على وجه لك مائةٌ بيضاً وعليك راقودٌ
خَل.
فإن أردت هذا المعنى قلت :كم لك غِلمانًا ويقبح أن تقول كم غلماناً لك لنه قبيح أن تقول :عبد ال قائماً فيها كما قبح أن
تقول قائماً فيها زيدٌ.
وإذا قلت :كم عبد ال عندك فكم ظرفٌ من اليام وليس يكون عبد ال تفسيراً لليام لنه ليس منها.
والتفسير :كم يوماً عبد ال ماكثٌ أو كم شهراً عبد ال عندك فعبد ال يرتفع بالبتداء كما ارتفع بالفعل حين قلت :كم رجلً
ضرب عبد ال.
فإذا قلت :كم جريباً أرضُك فأرضك مرتفعةٌ بكَم لنها مبتدأ ٌة والرض مبنية عليها وانتصب الجريب لنه ليس بمبني على
مبتدإ ول مبتدإ ول وصف فكأنك قلت :عشرون درهماً خيرٌ من عشرة.
وإن شئت قلت :كم غلمانٌ لك فتجعل غلمان في موضع خبر كمْ وتجعل لك صفةً لهم.
وسألته عن قوله :على كم جذعٍ بيتُك مبني فقال :القياس النصب وهو قول عامة الناس.
فأما الذين جرّوا فإنهم أرادوا معنى مِن ولكنهم حذفوها ههنا تخفيفاً على اللسان وصارت على عوضاً منها.
ومثل ذلك :الِ ل أفعل وإذا قلت لها ال ل أفعلِ لم يكن إل الجرّ وذلك أنه يريد ل وال ولكنه صار ها عوضاً من اللفظ
بالحرف الذي يجر وعاقبه.
ل لتفعلنّ إذا استفهمت أضمروا الحرف الذي يج ّر وحذفوا تخفيفاً على اللسان وصارت ألف الستفهام بدلً منهومثل ذلك :ا ِ
في اللفظ معاقباً.
واعلم أن كم في الخبر بمنزلة اسم يتصرّف في الكلم غير منوّن يجرّ ما بعده إذا أُسقط التنوين وذلك السم نحو مائتي
درهم فانجرّ الدرهم لن التنوين ذهب ودخل فيما قبله.
فإن قال قائل :ما شأنُها في الخبر صارت بمنزلة اسمٍ غير منوّن فالجواب فيه أن تقول :جعلوها في المسألة مثل عشرين
وما أشبهها وجُعلت في الخبر بمنزلة ثلثة الى العشرة تجرّ ما بعدها كما جرّت هذه الحروف ما بعدها.
194
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فجاز ذا في كم حين اختلف الموضعان كما جاز في السماء المتصرّفة التي هي للعدد.
واعلم أن كم في الخبر ل تعمل إل فيما تعمل فيه ُربّ لن المعنى واحدٌ إل أن كم اسمٌ و ُربّ غير اسم بمنزلة مِنْ.
واعلم أن ناساً من العرب يُعملونها فيما بعدها في الخبر كما يُعملونها في الستفهام فينصبون بها كأنها اس ٌم منوّن.
ويجوز لها أن تعمل في هذا الموضع في جميع ما عملت فيه ُربّ إل أنها تنصب لنها منونة ومعناها منوّنة وغير منونة
سواءٌ لنه لو جاز في الكلم أو اضطُرّ شاع ٌر فقال ثلثةٌ أثواباً كان معناه ثلثة أثواب.
وقال يزيد بن ضَبّة :وقال الخر :أنعتُ عَيراً من حميرِ خَنز َرهْ في كلّ عَيرٍ مائتان َكمَ َرهْ وبعض العرب ينشد قول
الفرزدق :كم عمّة لك يا جريرُ وخالةً فَدْعاءَ قد حلبتْ عليّ عِشاري وهم كثيرٌ فمنهم الفرزدق والبيت له.
وقد قال بعضهم :كم على كل حال منونة ولكن الذين جروا في الخبر أضمروا مِن كما جاز لهم أن يضمروا ُربّ.
وزعم الخليل أن قولهم :لهِ أبوك ولقيتُه أمس إنما هو على :ل أبوك ولقيته أمس ولكنهم حذفوا الجا ّر واللف واللم تخفيفاً
ف واحد فمن ثمّ قبُح ولكنهم قد
على اللسان وليس كل جا ّر يضمَر لن المجرور داخلٌ في الجارّ فصارا عندهم بمنزلة حر ٍ
يُضمِرونه ويحذفونه فيما كثر من كلمهم لنهم الى تخفيف ما أكثروا استعمالَه أحوج.
وقال الشاعر العَنبري :وجدّاء ما يُرجى بها ذو قرابةٍ لعطفٍ وما يَخشى السّماةَ رَبيبُها وقال امرؤ القيس :ومثلِك بِكراً قد
ت وثَيّبا فألهيتُها عن ذي تمائم مُغ َيلِ وقال الشاعر :ومثلَك رهبي قد تركتُ رذيّة تقلّب عينيها إذا مرّ طائرُ سمعنا ذلك
طرق ُ
ممن يرويه عن العرب.
والتفسير الول في كمْ أقوى لنه ل يحمل على الضطرار والشاذّ إذا كان له وجهٌ جيد.
ول يقوى قول الخليل في أمس لنك تقول ذهب أمس بما فيه.
وقال :إذا فصلت بين كم وبين السم بشيء استغنى عليه السكوت أو لم يستغن فاحمله على لغة الذين يجعلونها بمنزلة اسم
منوّن لنه قبيحٌ أن تفصل بين الجار والمجرور لن المجرور داخل في الجارّ فصارا كأنهما كلمة واحدة.
والسم المنوّن يفصل بينه وبين الذي يعمل فيه تقول :هذا ضاربٌ بك زيدًا ول تقول :هذا ضاربُ بك زيدٍ.
وقال زهير :تؤمّ سناناً وكم دونَه من الرض مُدودباً غارُها وقال القطاميّ :كم نالني منه ُم فضلً على عدمٍ إذ ل أكاد من
القتار أحتملُ وإن شاء رفع فجعل كمِ المرار التي ناله فيها الفضل فارتفع الفضل بنالَني فصار كقولك :كم قد أتاني زيدٌ
ل وكم مفعول فيها وهي المرار التي أتاه فيها وليس زيدٌ من المرار. فزيد فاع ٌ
كم عمّة لك يا جرير وخالةٌ فدعاء قد حلَبتْ عليّ عشاري فجعل كم مراراً كأنه قال :كم مرة قد حلبت عشاري عليّ عمّاتك.
س أصواتُ الفراريجِ وقال الخر :فكم وقال ذو الرمة ففصل بين الجارّ والمجرور :كأن أصوات مِن إيغالهن بنا أواخر المي ِ
قد فاتني بطلٌ كميّ وياسرُ فتيةٍ سمحٌ هَضومُ وقد يجوز في الشعر أن تجرّ وبينها وبين السم حاج ٌز فتقول :كم فيها رجلٍ
كما قال العشى :إل عُللةَ أو بُدا هةَ قارحٍ نهدِ الجُزا َرهْ فإن قال قائلٌ :أضمر مِن بعد فيها.
قيل له :ليس في كل موضع يضمر الجارّ ومع ذلك إن وقوعها بعد كم أكثر.
195
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقد يجوز في الشعر أن تج ّر وبينها وبين السم حاجز على قول الشاعر :كم بجو ٍد مقرفٌ نال العُلى وكريمٌ بخلُه قد وضَعهْ
الجرّ والرفع والنصب على ما فسّرناه كما قال :كم فهيم ملكٍ أغرّ وسوقةٍ حكمٍ بأرديةِ المكارم مُحتبى وقال :وتقول :كم قد
ل ول رجلن وكم عبد لك ل عبدٌ ول عبدان. أتاني ل رج ٌ
فهذا محمول على ما حُمل عليه كم ل على ما تعمل فيه كم كأنك قلت :ل رجلٌ أتاني ول رجلن ول عبدٌ لك ول عبدان.
وذاك لن كم تفسّر ما وقعتْ عليه من العدد بالواحد المنكور كما قلت عشرون درهماً أو بجميع منكور نحو ثلثة أثواب.
ل ول رجلين في الخبر أو الستفهام كان غير جائز لنه ليس هكذا تفسيرُ العدد ولو جاز ذا لقلت :له
ولو قلت :كم ل رج ً
ل وكان نقضاً.
عشرون ل عبداً ول عبدين فل رجلٌ ول رجلن توكيدٌ لكم ل للذي عمل فيه لنه لو كان عليه كان محا ً
ومثل ذلك قولك للرجل :كم لك عبدًا فيقول :عبدان أو ثلثة أعبُدٍ حمل الكلم على ما حمل عليه كم ولم يُرد السائل من
المسئول أن يفسّر له العدد الذي يسأل عنه إنما على السائل أن يفسر العدد حتى يجيبه المسئول عن العدد ثم يفسره بعد إن
شاء فيعمل في الذي يفسر به العدد كما أعمل السائل كم في العبد ولو أراد المسئول عن ذلك أن ينصب عبداً أو عبدين على
كم كان قد أحال كأنه يريد أن يجيب السائل بقوله :كم عبداً فيصير سائلً.
ومع ذلك أنه ل يجوز لك أن تُعمل كم وهي مضمرة في واح ٍد من الموضعين لنه ليس بفعل ول اسم أُخذ من الفعل أل ترى
أنه إذا قال المسئول عبدين أو ثلثة أعبدٍ فنصب على كم أنه قد أضمر كم.
وزعم الخليل رحمه ال أنه يجوز أن تقول :كم غلماً لك ذاهبٌ تجعل لك صفةً للغلم وذاهباً خبراً لكم.
ومن ذلك أن تقول :كم منكم شاهدٌ على فلن إذا جعلت شاهداً خبراً لكم وكذلك هو في الخبر أيضًا تقول :كم مأخوذٌ بك إذا
أردت أن تجعل مأخوذاً بك في موضع لك إذا قلت :كم لك لن لك ل تعمل فيه كم ولكنه مبنيّ عليها كأنك قلت كم رجلٍ لك
وإن كان المعنيان مختلفين لن معنى كم مأخوذٌ بك غير معنى كم رجلٍ لك ول يجوز في ُربّ ذلك لن كم اس ٌم وربّ غير
اسم فل يجوز أن تقول ُربّ رجلٌ لك.
وذلك قولك :له كذا وكذا درهماً وهو مبهمُ في الشياء بمنزلة كم وهو كنايةٌ للعدد بمنزلة فلن إذا كنيتَ به في السماء
ت وكيتَ.وكقولك :كان من المر ذَيّة وذيةَ وذيتَ وذيتَ وكي َ
وكذلك كأيّنْ رجلً قد رأيتُ زعم ذلك يونس وكأيّن قد أتاني رجلً.
إل أن أكثر العرب إنما يتكلمون بها مع مع مِن قال عزّ وجل " :وكأيّنْ مِن قريةٍ ".
وقال عمرو بن شأس :وكائنْ رددنا عنكمُ مِن مُدجِجٍ يجيء أمام اللفِ يَردي مُقنّعا فإنما ألزموها مِن لنها توكيد فجُعلت
كأنها شيء يتم به الكلم وصار كالمثل.
ومثل ذلك :ولسيما زيدٍ فربّ توكيدٍ لزمٌ حتى يصير كأنه من الكلمة.
196
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإن حذفتَ مِن وما فعربي.
وقال :إن جرّها أحدٌ من العرب فعسى أن يجرّها بإضمار مِن كما جاز ذلك فيما ذكرنا في كم.
وقال :كذا وكأيّن عملتا فيما بعدهما كعمل أفضلهم في رجل حين قلت :أفضلُهم رجلً فصار أيّ وذا بمنزلة التنوين كما كان
هُم بمنزلة التنوين.
وقال الخليل رحمه ال كأنهم قالوا :له كالعدد درهماً وكالعدد من قرية.
وإنما تجيء الكاف للتشبيه فتصير وما بعدها بمنزلة شيء واحد.
إذا كانت منوّنة في الخبر والستفهام وذلك ما كان من المقادير وذلك قولك :ما في السماء موضع كفّ سحابًا ولي مثلُه عبداً
وما في الناس مثلُه فارسًا وعليها مثلُها زُبداً.
وذلك أنك أردت أن تقول :لي مثلُه من العبيد ولي ملؤه من العسل وما في السماء موضع كفّ من السحاب فحذف ذلك
تخفيفاً كما حذفه من عشرين حين قال :عشرون درهماً وصارت السماء المضافُ إليها المجرورةُ بمنزلة التنوين ولم يكن
ما بعدها من صفتها ول محمولً على ما حُملت عليه فانتصب بمل ِء كفّ ومثلِه كما انتصب الدرهم بالعشرين لن مثل
بمنزلة عشرين والمجرور بمنزلة التنوين لنه قد منع الضافة كما منع التنوين.
وزعم الخليل رحمه ال أن المجرور بدلٌ من التنوين ومع ذلك أنك إذا قلت لي مثلُه فقد أبهمتَ كما أنك إذا قلت لي عشرون
فقد أبهمت النواع فإذا قلت درهماً فقد اختصصتَ نوعاً وبه يُع َرفُ من أي نوع ذلك العدد.
فكذلك مثلُه هو مبهَم يقع على أنواع :على الشجاعة والفروسة والعبيد.
والعبدُ ضرب من الضروب التي تكون على مقدار المثل فاستخرج على المقدار نوعًا والنوع هو المِثل ولكنه ليس من
اسمه والدرهم ليس من العشرين ول من اسمه ولكنه ينصب كما تنصب العشرون ويُحذف من النوع كما يُحذف من نوع
العشرين والمعنى مختلف.
وكذلك :لي ملء الدار خيرًا منك ولي خيرٌ منك عبدًا ولي ملء الدار أمثالَك لن خيراً منك نكرةٌ وأمثالك نكرةٌ.
وإن شئت قلت :لي ملء الدار رجلً وأنت تريد جميعاً فيجوز ذلك ويكون كمزلته في كم وعشرين.
وإن شئت قلت :رجالً فجاز عنده كما جاز عنده في كم حين دخل فيها معنى ُربّ لن المقدار معناه مخالفٌ لمعنى كم في
ب كما تقول ثلثةٌ أثواباً أي من ذا الجنس
الستفهام فجاز في تفسيره الواحد والجميع كما جاز في كم إذ دخلها معنى ُر ّ
تجعله بمنزلة التنوين.
ومثل ذلك :ل كزيدٍ فارساً إذا كان الفارسُ هو الذي سميته كأنك قلت :ل فارسَ كزيد فارساً.
197
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال كعب بن جعيل :لنا مِرفَدٌ سبعون ألف مُدجّج فهل في مَعدّ فوق ذلك مِرفدا كأنه قال :فهل في معدّ مرفدٌ فوق ذلك
مرفداً.
ومثل ذلك :تال رجلً كأنه أضمر تال ما رأيتُ كاليوم رجلً وما رأيت مثلَه رجلً.
وذلك قولك :ويحَه رجلً ول درّه رجلً وحسبُك به رجلً وما أشبه ذلك.
وإن شئت قلت :ويحَه من رجلٍ وحسبُك به من رجل ول درّه من رجل فتدخل من ههنا كدخولها في كم توكيداً.
وانتصب الرجل لنه ليس من الكلم الول وعمل فيه الكلم الول فصارت الهاء بمنزلة التنوين.
ومع هذا أيضاً أنك إذا قلت وحيه فقد تعجّبت وأبهمتَ من أي أمور الرجل تعجّبت وأي النواع تعجبّت منه.
فإذا قلت فارساً وحافظاً فقد اختصصت ولم تُبهم وبيّنت في أي نوع هو.
ومن ذلك قول العشى :تقول ابنتي حين جدّ الرحيلُ فأبْرحتَ رباً وأبرحتَ جارا ومثله :أكرمْ به رجلً.
وذلك لنهم بدءوا بالضمار لنهم شرطوا التفسير وذلك نووا فجرى ذلك في كلمهم هكذا كما جرتْ إن بمنزلة الفعل الذي
تقدّم مفعولُه قبل الفاعل فلزم هذا هذه الطريقة في كلمهم كما لزمتْ إن هذه الطريقة في كلمهم.
وما انتصب في هذا الباب فإنه ينتصب كانتصاب ما انتصب في باب حسبُك به وويحه وذلك قولهم :نِعمَ رجلً عبدُ ال كأنك
قلت :حسبُك به رجلً عبدُ ال لن المعنى واحد.
ومثل ذلك :رُبّه رجلً كأنك قلت :ويحه رجلً في أنه عمل فيما بعده كما عمل ويحه فيما بعده ل في المعنى.
ول يجوز لك أن تقول نعمَ ول رُبّه وتسكت لنهم إنما بدؤوا بالضمار على شريطة التفسير وإنما هو إضمار مقدّم قبل
السم والضمار الذي يجوز عليه السكوت نحو زيدٌ ضربتُه إنما أضمر بعد ما ذكر السم مظهراً فالذي تقدم من الضمار
لزمٌ له التفسير حتى يبيّنه ول يكون في موضع الضمار في هذا الباب مظهر.
ومما يضمر لنه يفسّره ما بعده ول يكون في موضعه مظه ٌر قول العرب :إنه كِرا ٌم قومُك وإنه ذاهبةٌ أمتُك.
فالهاء إضمارُ الحديث الذي ذكرتَ بعد الهاء كأنه في التقدير -وإن كان ل يُتكلم به -قال :إن المر ذاهبةٌ أمتُك وفاعلةٌ
فلنة فصار هذا الكلم كله خبراً للمر فكذلك ما بعد هذا في موضع خبره.
وأما قولهم :نعم الرجل عبد ال فهو بمنزلة :ذهب أخوه عبد ال عمل نِعم في الرجل ولم يعمل في عبدُ ال.
وإذا قال عبدُ ال فكأنه فقيل له :ما شأنه فقال :نِعم الرجل.
198
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فنعمَ تكون مرة عامل ًة في مضمر يفسّره ما بعده فتكون هي وهو بمنزلة ويحه ومثلَه ثم يعملن في الذي فسّر المضمر عمل
مثله وويحه إذا قلت لي مثله عبداً.
ل ومرة بمنزلة ذهب أخوه فتجري مجرى المضمر الذي قُدّم لما بعده من التفسير وسدّ مكانه لنهفهي مرة بمنزلة رُبّه رج ً
قد بيّنه وهو نحو قولك :أزيداً ضربتَه.
واعلم أنه محال أن تقول :عبد ال نعمَ الرجل والرجلُ غيرُ عبد ال كما أنه محال أن تقول عبد ال هو فيها وهو غيره.
واعلم أنه ل يجوز أن تقول :قومُك نِعمَ صغارُهم وكبارهم إل أن تقول :قومك نعمَ الصغار ونعم الكبار وقومُك نعمَ القو ُم
وذلك لنك أردت أن تجعلهم من جماعات ومن أمم كلهم صالحٌ كما أنك إذا قلت عبدُ ال نعمَ الرجل فإنما تريد أن تجعله من
أمةٍ كلهم صالح ولم ترد أن تعرّف شيئاً بعينه بالصلح بعد نعمَ.
ومثل ذلك قولك :عبدُ ال فا ِرهُ العبدِ فاره الدابة فالدابة لعبد ال ومن سببه كما أن الرجل هو عبد ال حين قلت عبدُ ال نعمَ
الرجل ولست تريد أن تُخبر عن عبد بعينه ول عن دابة بعينها وإنما تريد أن تقول إن في مِلكِ زيد العبدَ الفارِه والدابة
الفارهة إذ لم ترد عبداً بعينه ول دابةً بعينها.
فالسمُ الذي يظهر بعد نعمَ إذا كانت نِعمَ عاملةَ فيه السمُ الذي فيه اللف واللم نحو الرجل وما أضيف إليه وما أشبهه نحو
غلم الرجل إذا لم ترد شيئاً بعينه.
كما أن السم الذي يظهر في ُربّ قد يُبدأ بإضمار الرجل قبله حين قلت :رُبّه رجلً لما ذكرتُ لك وتبدأ بإضمار الرجل في
نعمَ لما ذكرتُ لك.
فإنما منعك أن تقول نعمَ الرجلَ إذا أضمرتَ أنه ل يجوز أن تقول حسبُك به الرجل إذا أردت معنى حسبُك به رجلً.
ومن زعم أن الضمار الذي في نعمَ هو عبد ال فقد ينبغي له أن يقول نعمَ عبد ال رجلً وقد ينبغي له أن يقول :نعمَ أنت
رجلً فتجعل أنت صفةً للمضمَر.
وإنما قبُح هذا المضمر أن يوصَف لنه مبدوء به قبل الذي يفسّره والمضمَر المقدّم قبل ما يفسّره ل يوصَف لنه إنما ينبغي
لهم أن يبيّنوا ما هو.
فإن قال قائل :هو مضمر مقدّم وتفسيره عبد ال بدلً منه محمولً على نعمَ فأنت قد تقول عبد ال نعمَ رجلً فتبدأ به ولو كان
نعمَ يصير لعبد ال لما قلت عبدُ ال نعمَ الرجلُ فترفعه فعبد ال ليس من نعمَ في شيء والرجل هو عبدُ ال ولكنه منفصلٌ
منه كانفصال الخ منه إذا قلت :عبد ال ذهب أخوه.
ويدلّك على أن عبد ال ليس تفسيراً للمضمَر أنه ل يعمل فيه نعمَ بنصبٍ ول رفع ول يكون عليها أبداً في شيء.
واعلم أن نعمَ تؤنّث وتذكّر وذلك قولك :نعمتِ المرأةُ وإن شئت قلت :نعمَ المرأةُ كما قالوا ذهبَ المرأة.
ف في نعمت أكثر.
والحذ ُ
ت بكلّ.
واعلم أنك ل تُظهر علمةَ المضمرين في نع َم ل تقولِ :نعْموا رجالً يكتفون بالذي يفسّره كما قالوا مرر ُ
199
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال ال عزّ وجلّ " :وكلّ آترهُ داخرين " فحذفوا علمة الضمار وألزموا الحذف كما ألزموا نِعمَ وبئسَ السكان وكما
ألزموا خُذ الحذف ففعلوا هذا بهذه الشياء لكثرة استعمالهم هذا في كلمهم.
وأما قولهم :هذه الدار نعمتِ البلدُ فإنه لما كان البلد الدارَ أقحموا التاء فصار كقولك :مَن كانت أمّك وما جاءت حاجتَك.
ومن قال نعمَ المرأةُ قال نعمَ البلدُ وكذلك هذا البلد نعمَ الدارُ لما كانت البلد ُذكّرتْ.
فلزم هذا في كلمهم لكثرته ولنه صار كالمثَل كما لزمت التاء في ما جاءت حاجتَ.
وزعم الخليل رحمه ال أن حبّذا بمنزلة حبّ الشيء ولكن ذا وحبّ بمنزلة كلمة واحدة نحو لول وهو اسم مرفوع كما تقول:
يا ابنَ عمّ فالعمّ مجرورٌ أل ترى أنك تقول للمؤنّث حبّذا ول تقول حبّذه لنه صار مع حبّ على ما ذكرتُ لك وصار المذكّر
هو اللزم لنه كالمثَل.
وسألتُه عن قوله :وهو الراعي :فأومأْتُ إيما خفيّا لحبترٍ ول عينا حبترٍ أيّما فتى فقال :أيّما تكون صفةً للنكرة وحا ً
ل
للمعرفة وتكون استفهاماً مبنياً عليها ومبنية على غيرها ول تكون لتبيين العدد ول في الستثناء نحو قولك أ َتوْني إل زيداً.
فأيّما ل تكون في الستثناء ول يختصّ بها نوع من النواع ول يُفسّر بها عدد.
أل ترى أنك تقول سُبحان ال مَن هو وما هو فهذا استفهام فيه معنى التعجب.
ولو كان خبراً لم يجز ذلك لنه ل يجوز في الخبر أن تقول مَن هو وتسكت.
وأما أح ٌد وكَرّاب وأرمٌ وكَتيعٌ وعريبٌ وما أشبه ذلك فل يقعن واجباتٍ ول حالً ول استثناء ول يُستخرج به نوعٌ من
النواع فيعمل ما قبله فيه عمل عشرين في الدرهم إذا قلت عشرون درهمًا ولكنهن يقعن في النفي مبنياً عليهن ومبنية على
غيرهن.
فمن ثم تقول :ما في الناس مثلُه أحدٌ حملتَ أحداً على مثل ما حملت عليه مثلً.
200
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإن شئت قلت :لي مثلُه عب ٌد فرفعتَ.
وإن شئت رفعتَه على فإذا قلت :عليها مثلُها زُبدٌ فإن شئت رفعت على البدل وإن شئت رفعت على قوله ما هو فتقول :زبدٌ
أي هو زُبدٌ.
وزعم الخليل رحمه ال أنهم نصبوا المضافَ نحو يا عبدَ ال ويا أخانا والنكرة حين قالوا :يا رجلً صالحاً حين طال الكلم
كما نصبوا :هو قبلَك وهو بعدَك.
ورفعوا المفر َد كما رفعوا قبلُ وبع ُد وموضعهما واحد وذلك قولك :يا زيدُ ويا عمرو.
قلت :أرأيتَ قولهم يا زيدُ الطويلَ علمَ نصبوا الطويل قال :نُصب لنه صف ٌة لمنصوب.
فقلت :أرأيتَ الرفعَ على أي شيء هو إذا قال يا زيدُ الطويلُ قال :هو صف ٌة لمرفوع.
قلت :ألستَ قد زعمت أن هذا المرفوع في موضع نصبٍ فل َم ل يكون كقوله لقيتُه أمس الحدثَ قال :من قبل أن كل اسم
مفرد في النداء مرفوع أبداً وليس كل اسم في موضع أمس يكون مجروراً فلما اطّرد الرفعُ في كل مفرد في النداء صار
عندهم بمنزلة ما يرتفع بالبتداء أو بالفعل فجعلوا وصفَه إذا كان مفرداً بمنزلته.
وقال الخليل رحمه ال :كأنهم لما أضافوا ردّوه الى الصل.
201
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
جمّة.
وقال الخليل رحمه ال وسألته عن يا زيد نفسَه ويا تميمُ كلّكم ويا قيسُ كلّهم فقال :هذا كلّه نصبٌ كقولك :يا زيدُ ذا ال ُ
وأما يا تميمُ أجمعون فأنته فيه بالخيار إن شئت قلت أجمعون وإن شئت قلت أجميعن ول ينتصب على أعني من قبل أنه
مُحال أن تقول أعني أجمعين.
وأما المضاف في الصفة فهو ينبغي له أن ل يكون إل نصباً إذا كان المفردُ ينتصب في الصفة.
قلت :أرأيت قول العرب :يا أخانا زيداً أقبل قال :عطفوه على هذا المنصوب فصار نصباً مثله وهو الصل لنه منصوب
في موضع نصبٍ.
وقد زعم يونس أن أبا عمرو كان يقوله :وهو قول أهل المدينة قال :هذا بمنزلة قولنا يا زيد كما كان قولُه يا زيدُ أخانا
بمنزلة يا أخانا فيُحملُ وصفُ المضاف إذا كان مفرَداً بمنزلته إذا كان منادى.
ويا أخانا زيداً أكثرُ في كلم العرب لنهم يردّونه الى الصل حيث أزالوه عن الموضع الذي يكون فيه منادى كما ردوا ما
زيدٌ إل منطلقٌ الى أصله وكما ردوا أتقولُ حين جعلوه خبراً الى أصله.
فأما المفرد إذا كان منادى فكلُ العرب ترفعه بغير تنوين وذلك لنه كثُر في كلمهم فحذفوه وجعلوه بمنزلة الصوات نحو
حَوب وما أشبهه.
فأما قول أبي عمرو فعلى قولك :يا زيدُ الطويلٌ وتفسيره كتفسيره.
سطِرنَ سطرا لَقائلٌ يا نصرُ نصراً نصرا وأما قول رؤبة فعلى أنه جعل نصراً عطفَ البيان وقال رؤبة :إني وأسطارٍ ُ
ونصبَه كأنه على قوله يا زيدُ زيداً.
وتفسير يا زيدُ زيدُ الطويلُ كتفسير يا زيدُ الطويلُ فصار وصفُ المفرد إذا كان مفرداً بمنزلته لو كان منادى.
وبعضُهم ينشد :ين نصرُ نص ُر نصرا وتقول :يا زيدُ وعمرو ليس إل لنهما قد اشتركا في النداء في قوله يا.
وكذلك يا زيدُ وعبد ال ويا زيدُ ل عمرو ويا زيدُ أو عمرو لن هذه الحروف تُدخل الرفعَ في الخِر كما تدخل في الول
وليس ما بعدها بصفة ولكنه على يا.
وقال الخليل رحمه ال من قال يا زيدُ وال ّنضْرَ فنصب فإنما نصب لن هذا كان من المواضع التي يُردّ فيها الشيء الى
أصله.
202
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فأما العرب فأكثر ما رأيناهم يقولون :يا زيدُ والنضرُ.
فرفع.
ويقولون :يا عمرو والحارثُ وقال الخليل رحمه ال :هو القياس كأنه قال :ويا حارثُ.
ولو حمل الحارثُ على يا كان غيرَ جائز البتة نصب أو رفع من قبل أنك ل تنادي اسماً فيه اللفُ واللم بيا ولكنك أشركت
بين النضر والول في يا ولم تجعلها خاصة للنضر كقولك ما مررت وقال الخليل رحمه ال :ينبغي لمن قال النّضر فنصب
لنه ل يجوز يا النضرُ أن يقول :كلّ نعج ٍة وسخلتها بدرهمٍ فينصب إذا أراد لغة من يجرّ لنه محال أن يقول كل سخلتها
وإنما جرّ لنه أراد وكلّ سخلةٍ لها.
ورفع ذلك لن قوله والنضرُ بمنزلة قوله ونضرُ وينبغي أن يقول :أيّ فتى هيجاء أنتَ وجارَها لنه محالٌ أن يقول وأيّ
جارِها.
ل وأخاه.
وينبغي أن يقولُ :ربّ رج ٍ
فليس ذا من قبل ذا ولكنها حروفٌ تُشرك الخِر فيما دخل فيه الول.
ولو جاءت تلي ما وليه السم الول كان غير جائز لو قلت :هذا فصيلها لم يكن نكرة كما كان هذه ناقة وفصيلها.
وتقول :يا أيها الرجل وزيدُ ويا أيّها الرجلُ وعبدَ ال لن هذا محمول على يا كما قال رؤبة :يا دارَ عفراءَ ودارَ البَخدَنِ
وتقول يا هذا ذا الجمة كقولك :يا زيدُ ذا الجمّة ليس بين أحدٍ فيه اختلف.
ول يقع في موقعه غيرُ المفرد فأي ههنا فيما زعم الخليل رحمه ال كقولك يا هذا والرجل وصفٌ له كما يكون وصفاً لهذا.
وإنما صار وصفه ل يكون فيه إل الرفع لنك ل تستطيع أن تقول يا أيّ ول يا أيها وتسكت لنه مبهَم يلزمه التفسيرُ فصار
هو والرجل بمنزلة اسمٍ واحد كأنك قلت يا رجل.
واعلم أن السماء المبهَمة التي توصَف بالسماء التي فيها اللف واللم تُنزَل بمنزلة أي وهي هذا وهؤلء وأولئك وما
أشبهها وتوصَف بالسماء.
وإذا قلت يا هذا الرجل فأنت لم ترد أن تقف على هذا ثم تصفه بعد ما تظن أنه لم يُعرف فمن ثم وُصفت بالسماء التي فيها
اللف واللم لنها والوصف بمنزلة اسم واحد كأنك قلت :يا رجل.
203
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فهذه السماء المبهمة إذا فسرتها تصير بمنزلة أي كأنك إذا أردت أن تفسّرها لم يجزْ لك أن تقف عليها.
وإنما قلت :يا هذا ذا الجمة لن ذا الجمة ل توصف به السماء المبهمة إنما يكون بدلً أو عطفاً على السم إذا أردت أن
تؤكد كقولك :يا هؤلء أجمعون وإنما أكدت حين وقفتَ على السم.
جمّة.
واللف واللم والمبهَم يصيران بمنزلة اسم واحد يدلك على ذلك أن أي ل يجوز لك فيها أن تقول يا أيها ذا ال ُ
فالسماء المبهمة توصَف باللف واللم ليس إل ويفسّر بها ول توصَف بما يوصف به غير المبهمة ول تفسّر بما يفسّر به
غيرها إل عطفاً.
وليس ذا بمنزلة يا ذا ذا الجمة من قبل أن الضامر العنسِ والحسن الوجه كقولك :يا ذا الضامر ويا ذا الحسن وهذا المجرور
ها هنا بمنزلة المنصوب إذا قلت يا ذا الحسن الوجه ويا ذا الحسنُ وجهاً.
ويدلك على أنه ليس بمنزلة ذي الجمة أن ذا معرفة بالجمة والضامرُ والحسن ليس واحدٌ منهما معرفةً بما بعده ولكن ما
بعده تفسي ٌر لموضع الضمور والحُسن إذا أردت أن ل تُبهمهما.
وإذا قلت الضامرُ فقد عمّمت وإذا قلت العنس فقد اختصصتَ شيئاً من سببه كما اختصصت ما كان منه وكأن العنسَ شي ٌء
منه فصار هذا تبييناً لموضع ما ذكرتَ كما صار الدرهمُ يبيّن به ممّ ولو قلت :يا هذا الحسن الوجه لقلت يا هؤلء العشرين
ل وهذا بعيد فإنما هو بمنزلة الفعل إذا قلت يا هذا الضارب زيداً ويا هذا الضارب الرجلَ كأنك قلت يا هذا الضارب
رج ً
وذكرت ما بعده لتبيّن موضع الضرب ول تبهمه ولم يُجعَل معرفةً بما بعده.
ومن ثم كان الخليل يقول :يا زيد الحسنُ الوجه قال :هو بمنزلة قولك يا زيدُ الحسن.
ولو لم يجز فيما بعد زيد الرفع لما جاز في هذا كما أنه إذا لم يجز يا زيد ذو الجمة لم يجز يا هذا ذو الجمة.
وقال الخليل رحمه ال :إذا قلت يا هذا وأنت تريد أن تقف عليه ثم تؤكده باسم يكونُ عطفاً عليه فأنت فيه بالخيار :إن شئت
رفعت وإن شئت نصبت وذلك قولك يا هذا زيد وإن شئت قلت زيداً يصير كقولك :يا تميم أجمعون وأجمعين.
وكذلك يا هذان زيدٌ وعمرو وإن شئت قلت زيداً وعمراً فتُجري ما يكون عطفاً على السم مُجرى ما يكون وصفاً نحو
قولك :يا زيدُ الطويلُ ويا زيدُ الطويلَ.
ويقوّي يا زيد الحسنُ الوجه -ول تلتفتْ فيه الى الطول -أنك ل تستطيع أن تناديه فتجعله وصفاً مثلَه منادى.
واعلم أن هذه الصفات التي تكون والمبهمة بمنزلة اسم واحد إذا وُصفت بمضاف أو عُطف على شيء منها كان رفعاً من
قبل أنه مرفوع غيرُ منادى.
204
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واطّرد الرفع في صفات هذه المبهمة كاطراد الرفع في صفاتها إذا ارتفعت بفعلٍ أو ابتداء أو تبنى على مبتدأ فصارت
بمنزلة صفاتها إذا كانت في هذه الحال.
كما أن الذين قالوا يا زيدُ الطويل جعلوا زيداً مبنزلة ما يرتفع بهذه الشياء الثلثة.
فمن ذلك قول الشاعر :يا أيها الجاهلُ ذو التنزّي وتقول :يا أيها الرجل زيدٌ أقبلْ وإنما تنوّن لنه موضعٌ يرتفع فيه المضاف
وإنما يُحذف منه التنوين إذا كان في موضع ينتصب فيه المضاف.
وتقول :يا زيدُ الطويلُ ذو الجمة إذا جعلته صفةً للطويل وإن حملته على زيد نصبت.
فإذا قلت يا هذا الرجلُ فأردتَ أن تعطف ذا الجمة على هذا جاز فيه النصب ول يجوز ذلك في أي لنه ل تعطف عليه
السماء.
أل ترى أنك ل تقول :يا أيها ذا الجمة فمن ثم لم يكن مثله.
وأما قولك يا أيها ذا الرجل فإن ذا وصفٌ لي كما كان اللف واللم وصفاً لنه مبهَم مثله فصار صفةً له كما صار اللف
واللم وما أضيف إليهما صفةً لللف واللم وذلك نحو قولك :مررتُ بالحسن الجميل وبالحسن ذي المال.
وقال ذو الرمة :أل أيها ذا المنزلُ الدارس الذي كأنك لم يعهد بك الحيّ عاهدُ ومن قال يا زيدُ الطويلَ قال ذا الجمّة ل يكون
فيه غيرُ ذلك إذا جاء بها من بعد الطويل.
وتقول :يا زيدُ النّاكي العدوّ وذا الفضل إن حملتَ ذا الفضل على زيد نصبتَ لنه وصفٌ لمنادى وهو مضاف.
وإن حملته على غير زيد انتصب على يا كأنك قلت :ويا ذا الفضل.
وهذا بمنزلة قولك :اصنعْ ما سرّ أباك وأحبّ أخوك الرجلين الصالحين.
فإذا قلت يا زيد وعمرو ثم قلت الطويلين فأنت بالخيار إن شئت نصبت وإن شئت رفعت لنه بمنزلة قولك يا زيدُ الطويلُ.
وتقول :يا هؤلء وزيدُ الطّوال والطوالَ لنه كله رفعٌ والطوالُ ها هنا رفع عطف عليهم.
وتقول :يا هذا ويا هذان الطوالَ وإن شئت قلت الطوالُ لن هذا كله مرفوع والطوالُ ههنا عطفٌ وليس الطوالُ بمنزلة يا
هؤلء الطوالُ لن هذا إنما هو من وصف غير المبهَمة.
وإنما فرقوا بين العطف والصفة لن الصفة تجيء بمنزلة اللف واللم كأنك إذا قلت مررتُ بزيدٍ أخيك فقد قلت مررتُ
بزيد الذي تعلم.
وإذا قلت مررت بزيد هذا فقد قلت بزيدٍ الذي ترى أو الذي عندك.
205
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ت بقومك الذين من صفتهم كذا وكذا ول مررتُ بقومك الهَنينَ.
ت بقومك كلهم فأنت ل تريد أن تقول مرر ُ
وإذا قلت مرر ُ
وعلى هذا المثال جاء مررتُ بأخيك زيدٍ فليس زيدٌ بمنزلة اللف واللم.
ومما يدلك على أنه ليس بمنزلة اللف واللم أنه معرفةٌ بنفسه ل بشيء دخل فيه ول بما بعده.
فكل شيء جاز أن يكون هو والمبهَم بمنزلة اسم واحد هو عطفٌ عليه.
وإنما جرت المبهَمة هذا المجرى لن حالها ليس كحال غيرها من السماء.
وتقول يا أيها الرجلُ وزيدُ الرجلين الصالحين من قبل أن رفعهما مختلف وذلك أن زيداً على النداء والرجل نعت ولو كان
بمنزلته لقلت يا زيدُ ذو الجُمة كما تقول يا أيها الرجل ذو الجمة.
واعلم أنه ل يجوز لك أن تنادي اسماً فيه اللف واللم البتة إل أنهم قد قالوا :يا ال اغفِر لنا وذلك من قبل أنه اسمٌ يلزمه
اللف واللم ل يفارقانه وكثر في كلمهم فصار كأن اللف واللم فيه بمنزلة اللف واللم التي من نفس الحروف وليس
بمنزلة الذي قال ذلك من قبل أن الذي قال ذلك وإن كان ل يفارقه اللف واللم ليس اسماً بمنزلة زيد وعمرو غالباً.
أل ترى أنك تقول يا أيها الذي قال ذاك ولو كان اسماً غالباً بمنزلة زيد وعمرو لم يجز ذا فيه وكأن السم وال أعلمُ إلهٌ فلما
أُدخل فيه اللف واللم حذفوا اللف وصارت اللف واللم خلَفاً منها.
ومثل ذلك أناسٌ فإذا أدخلت اللف واللم قلت الناس إل أن الناس قد تفارقهم اللف واللم ويكون نكرة واسمُ ال تبارك
وتعالى ل يكون فيه ذلك.
وليس النّجم والدبرانُ بهذه المنزلة لن هذه الشياء اللف واللم فيها بمنزلتها في الصّعق وهي في اسم ال تعالى بمنزلة
شيء غير منفصل في الكلمة كما كانت الهاء في الجحاجحة بدلً من الياء وكما كانت اللف في يَمانٍ بدلً من الياء.
وغيّروا هذا لن الشيء إذا كثُر في كلمهم كان له نحوٌ ليس لغيره مما هو مثلُه.
وقال الخليل رحمه ال :اللهم نداءٌ والميمُ ها هنا بدلٌ من يا فهي ها هنا فيما زعم الخليل رحمه ال آخرَ الكلمة بمنزلة يا في
أولها إل أن الميم ها هنا في الكلمة كما أن نون المسلمين في الكلمة بُنيت عليها.
فالميم في هذا السم حرفان أولُهما مجزومٌ والهاء مرتفعةٌ لنه وقع عليها العراب.
وإذا ألحقتَ الميم تصف السم من قبل أنه صار مع الميم عندهم بمنزلة صوتٍ كقولك :يا هناهْ.
206
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما قوله عز وجلّ " :اللهمّ فاطرَ السموات والرض " فعلى يا فقد صرّفوا هذا السم على وجوه لكثرته في كلمهم ولن
له حالً ليست لغيره.
وأما اللف والهاء اللتان لحقتا أي توكيداً فكأنك كررت يا مرتين إذا قلت :يا أيها وصار السم بينهما كما صار هو بين ها
وذا إذا قلت ها هو ذا.
وقال الشاعر :من أجلك يا التي تيّمت قلبي وأنت بخيلةٌ بالودّ عني شبّهه بيا ال.
وزعم الخليل رحمه ال أن اللف واللم إنما منعهما أن يدخل في النداء من قبل أن كل اسم في النداء مرفوع معرفة.
ق فمعناه كمعنى يا أيها الفاسقُ ويا أيها الرجل وصار معرفةً لنك أشرت إليه وقصدت
وذلك أنه إذا قال يا رجل ويا فاس ُ
قصدَه واكتفيت بهذا عن اللف واللم وصار كالسماء التي هي للشارة نحو لهذا وما أشبه ذلك وصار معرفةً بغير ألف
ولم لنك إنما قصدت قصدَ شيء بعينه.
ب وكما صار
وصار هذا بدلً في النداء من اللف واللم واستُغني به عنهما كما استغنيت بقولك اضربْ عن لتضر ْ
المجرور بدلً من التنوين وكما صارت الكاف في رأيتك بدلً من رأيتُ إياكَ.
وإنما يُدخلون اللف واللم ليعرّفوك شيئاً بعينه قد رأيتَه أو سمعت به فإذا قصدوا قصد الشيء بعينه دون غيره وعنوه ولم
يجعلوه واحداً من أمة فقد استغنوا عن اللف واللم.
ومما يدلك على أن يا فاسقُ معرفة قولك :يا خباثِ ويا لَكاعِ ويا فساقِ تريد يا فاسقةُ ويا خبيثةُ ويا لَكعاءُ فصار هذا اسماً
لهذا كما صارت جَعار اسماً للضّبع وكما صارت حَذام ورقاش اسماً للمرأة وأبو الحارث اسماً للسد.
سقُ.
ث ولَكاعِ ول ُلكَع ول فُ َ
ويدلك على أنه اسم للمنادى أنهم ل يقولون في غير النداء جاءتني خَبا ِ
فإنما اخ ُتصّ النداء بهذا السم أن السم معرفة كما اختُص السد بأبي الحارث إذ كان معرفة.
ولو كان شيء من هذا نكرةً لم يكن مجروراً لنها ل تُجرّ في النكرة.
ومن هذا النحو أسماء اختُص بها السم المنادى ل يجوز منها شيء في غير النداء نحو :يا ويقوّي ذلك كله أن يونس زعم
أنه سمع من العرب من يقول :يا فاسقُ الخبيثُ.
ومما يقوّي أنه معرفة تركُ التنوين فيه لنه ليس اسمٌ يشبه الصوات فيكون معرفةً إل لم ينوّن وينوّن إذا كان نكرة.
وقال الخليل رحمه ال :إذا أردت النكرة فوصفتَ أو لم تصف فهذه منصوبة لن التنوين لحقها فطالت فجُعلت بمنزلة
المضاف لما طال نُصب ورُ ّد الى الصل كما فُعل ذلك بقبلُ وبعدُ.
فإنما جعل الخليل رحمه ال المنادى بمنزلة قبل وبعد وشبّهه بهما مفردين إذا كان مفرداً فإذا طال وأضيف شبّهه بهما
مضافين إذا كان مضافاً لن المفرد في النداء في موضع نصبٍ كما أن قبلُ وبعدُ قد يكونان في موضع نصب وجرّ
ولفظُهما مرفوع فإذا أضفتهما رددتَهما الى الصل.
207
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وكذلك نداء النكرة لما لحقها التنوين وطالت صارت بمنزلة المضاف.
جتِ للعين عَبرةً فماءُ الهوى ير َفضّ أو يترقْرَق وقال الخر توبةُ بن الحُميّر :لعلك يا تيساً
وقال ذو الرمّة :أداراً بحُزوى ِه ْ
نزا في مريرةٍ مُعذّب ليلى أن تراني أزورها وقال عب ُد يغوث :وأما قول الطّرمّاح :يا دا ُر أقوت بعدَ أصرامِها عامًا وما
يعنيك من عامها فإنما ترك التنوين فيه لنه لم يجعل أق َوتْ من صفة الدار ولكنه قال :يا دارُ ثم أقبل بعدُ يحدّث عن شأنها
فكأنه لما قال :يا دارُ أقبل على إنسان فقال :أقوتْ وتغيّرتْ وكأنه لما ناداها قال :إنها أقوتْ يا فلن.
ومثل ذلك قول الحوص :يا دارُ حسرَها البِلى تحسيراً وسَفتْ عليها الريحُ بعدكَ مُورا وأما قول الشاعر لعمرو بن قنعاس:
ت ولول حبّ أهلك ما أتيتُ فإنه لم يجعل بالعلياء وصفاً ولكنه قال :بالعلياء لي بيتٌ وإنما تركتُه لك
أل يا بيتُ بالعلياء بي ُ
أيها البيت لحبّ أهله.
وأما قول الحوص :سلمُ ال يا مطرٌ عليها وليس عليكَ يا مطرُ السلمُ فإنما لحقه التنوين كما لحق ما ل ينصرف لنه
بمنزلة اسم ل ينصرف وليس مثل النكرة لن التنوين لزمٌ للنكرة على كل حال والنصبَ.
وهذا بمنزلة مرفوع ل ينصرف يلحقه التنوين اضطراراً لنك أردت في حال التنوين في مطرٍ ما أردت حين كان غير
منوّن ولو نصبتَه في حال التنوين لنصبته في غير حال التنوين ولكنه اسم اطّرد الرفعُ فيه وفي أمثاله في النداء فصار كأنه
يُرفع بما يرفع من الفعال والبتداء فلما لحقه التنوين اضطراراً لم يغيّر رفعه كما ل يغيّر رفع ما ل ينصرف إذا كان في
موضع رفع لن مطراً وأشباهه في النداء بمنزلة ما هو في موضع رفع فكما ل ينتصب ما هو في موضع رفع كذلك ل
ينتصب هذا.
وكان عيسى بن عمر يقول يا مطراً يشبّه بقوله يا رجلً يجعله إذا ُنوّن وطال كالنكرة.
ولم نسمع عربياً يقوله وله وجه من القياس إذا ُنوّن وطال كالنكرة.
ينضمّ فيه قبل الحرف المرفوع حرفٌ وينكسر فيه قبل الحرف المجرور الذي ينض ّم قبل المرفوع وينفتح فيه قبل
المنصوب ذلك الحرف.
أل تراهم يقولون :هذا زيدُ بنُ عبد ال ويقولون :هذه هندُ بنتُ عبد ال فيمن صرف فتركوا التنوين ها هنا لنهم جعلوه
بمنزلة اسم واحد لمّا كثُر في كالمهم فكذلك جعلوه في النداء تابعاً لبن.
وأما مَن قال :يا زيدُ بنَ عبد ال فإنه إنما قال هذا زيدُ بنُ عبد ال وهو ل يجعله اسمًا واحداً وحذف التنوين لنه ل ينجزم
حرفان.
208
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإن قلت :هل قالوا :هذا زيدُ الطويلُ فإن القول فيه أن تقول جُعل هذا لكثرته في كلمهم بمنزلة قولهمَ :لدُ الصلة حذفها
لنه ل ينجزم حرفان ولم يحرّكها.
واخ ُتصّ هذا الكلم بحذف التنوين لكثرته كما اخ ُتصّ ل أدرِ ولم أُ َبلْ لكثرتهما.
ومن جعله بمنزلة لَدُنْ فحذفه للتقاء الساكنين ولم يجعله بمنزلة اسم واحد قال :هذه هندٌ بنتُ فلن.
وأما زيدُ ابنَ أخينا فل يكون إل هكذا من قبل أنك تقول :هذا زيدٌ ابنُ أخينا فل تجعله اسمًا واحدًا كما تقول هذا زيدٌ أخونا.
وزي ٌد في قولك يا زيدُ بنَ عمرو في موضع نصب كما أن الم في موضع جرّ في قولك :يا ابنَ أمّ ولكنه لفظه كما ذكرت
لك وهو على الصل.
ويكون الول بمنزلة الخر وذلك قولك :يا زيدَ زيدَ عمرٍو ويا زيدَ زيدَ أخينا ويا زيدَ زيدَنا.
زعم الخليل رحمه ال ويونس أن هذا كله سواء وهي لغة للعرب جيدة.
ل وذلك
وقال جرير :يا تَيْمَ تيمَ عَديّ ل أبا لكمُ ل يُلقيَنّكم في سَودةٍ عمرُ وقال بعض ولدِ جرير :يا زيدَ زيدَ ال َي ْعمَلتِ الذّ ّب ِ
لنهم قد علموا أنهم لو لم يكرروا السم كان الول نصباً فلما كرروا السمَ توكيدًا تركوا الول على الذي كان يكون عليه
لو لم يكرروا.
وقال الخليل رحمه ال :هو مثلُ ل أبالك قد علم أنه لو لم يجئ بحرف الضافة قال أباكَ فتركه على حاله الولى واللم وها
هنا بمنزلة السم الثاني في قوله :يا تيمَ تيمَ عديّ وكذلك قول الشاعر إذا اضطُرّك يا بؤسَ للحَرب إنما يريد :يا بؤسَ
الحرب.
وكأن الذي يقول :يا تيمَ تيم عَديّ لو قاله مضطَرّا على هذا الحد في الخبر لقال :هذا تيمُ تيمُ عديّ.
قال :وإن شئت قلت يا تيمُ تيمُ عديّ كقولك :يا تيمُ أخانا لنك تقول هذا تيمٌ تيمُ عدي كما تقول :هذا تيمٌ أخونا.
وزعم الخليل رحمه ال أن قولهم :يا طلحةَ أقبلْ يشبه :يا تسمَ تيمَ عديّ من قبل أنهم قد علموا أنهم لو لم يجيئوا بالهاء لكان
آخرُ السم مفتوحاً فلما ألحقوا الهاء تركوا السم على حاله التي كان عليها قبل أن يُلحقوا الهاء.
وقال النابغة الذبياني :كليني لهمّ يا أميمةَ ناصبِ وليلٍ أقاسيه بطيءِ الكواكبِ فصار يا تيمَ تيمَ عدي اسما واحداً وكان الثاني
بمنزلة الهاء في طلحة تحذف مرة ويجاء بها أخرى.
واعلم أه ل يجوز في غير النداء أن تُذهب التنوين من السم الول لنهم جعلوا الول والخِر بمنزلة اسم واحد نحو طلحةَ
في النداء واستخفوا بذلك لكثرة استعمالهم إياه في النداء ول يُجعل بمنزلة ما جُعل من الغايات كالصوت في غير النداء
لكثرته في كلمهم.
ول يُحذف هاء طلحة في الخبر فيجوز هذا في السم مكرّرا يعني طرح التنوين من تيمٍ تيمِ عدي في الخبر.
209
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما فعلوا هذا بالنداء لكثرته في كلمهم ولن أول الكلم أبداً النداء إل أن تدعه استغناء بإقبال المخاطَب عليك فهو أول
كلّ كلم لك به تعطف المكلّم عليك فلما كثر وكان الول في كل موضع حذفوا منه تخفيفاً لنهم مما يغيّرون الكثر في
كلمهم حتى جعلوه بمنزلة الصوات وما أشبه الصوات من غير السماء المتمكنة ويحذفون منه كما فعلوا في لم أُ َبلْ.
ومن قال يا زيدُ الحسنُ قال يا طلحةَ الحسنُ لنها كفتحة الحاء إذا حذفت الهاء.
اعلم أن ياء الضافة ل تثبت مع النداء كما لم يثبت التنوين في المفرد لن ياء الضافة في السم بمنزلة التنوين لنها بدل
من التنوين ولنه ل يكون كلماً حتى يكون في السم كما أن التنوين إذا لم يكن فيه ل يكون كلماً فحُذف وتُرك آخرُ السم
جراً ليُفصَل بين الضافة وغيرها وصار حذفها هنا لكثرة النداء في كلمهم حيث استغنوا بالكسرة عن الياء.
ولم يكونوا ليثبتوا حذفها إل في النداء ولم يكن لُبسٌ في كلمهم لحذفها وكانت الياء حقيقةً بذلك لما ذكرتُ لك إذ حذفوا ما
هو أقل اعتللً في النداء وذلك قولك :يا مومِ ل بأسَ عليكم وقال ال جلّ ثناؤه " :يا عبادِ فاتّقون ".
واعلم أن بقيان الياء لغة في النداء في الوقف والوصل تقول :يا غلمي أقبل.
وقال الراجز وهو عبد ال بن عبد العلى القرشي :وكنت إذ كنتَ إلهي َوحْدَكا لم يكُ شيء يا إلهي قبلكا وقد يبدلون مكان
الياء اللف لنها أخفّ وسنبين ذلك إن شاء ال وذلك قولك :يا ربّا تجاوز عنّا ويا غلما ل تفعل.
وزعم الخليل رحمه ال أنه سمع من العرب من يقول :يا أمةُ ل تفعلي.
ويدلك على أن الهاء بمنزلة الهاء في عمة وخالة أنك تقول في الوقف :يا أمّه ويا أبَ ْه كما تقول يا خالَهْ.
وإنما يُلزمون هذه الهاء في النداء إذا أضفتَ الى نفسك خاصة كأنهم جعلوها عوضاً من حذف الياء وأرادوا أن ل يخلّوا
بالسم حين اجتمع فيه حذف الياء وأنهم ل يكادون يقولون يا أباهْ ويا أمّاه وهي قليلة في كلمهم وصار هذا محتملً عندهم
210
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
لما دخل النداء من التغيير والحذف فأرادوا أن يعوّضوا هذين الحرفين كما قالوا أيْنُقٌ لما حذفوا العين رأساً جعلوا الياء
عوضاً فلما ألحقوا الهاء في أبَهْ وأمّهْ صيّروها بمنزلة الهاء التي تلزم السم في كل موضع نحو خالة وعمة.
واخ ُتصّ النداء بذلك لكثرته في كلمهم كما اخ ُتصّ النداء بيا أيها الرجلُ.
ول يكون هذا في غير النداء لنهم جعلوها تنبيهاً فيها بمنزلة يا.
وأكدوا التنبيه ب ها حين جعلوا يا مع ها فمن ثم لم يجز لهم أن يسكتوا على أي ولزمه التفسير.
قال :قد يكون الشيء المذكّر يوصَف بالمؤنث ويكون الشيء المذكّر له السم المؤنّث نحو َنفْس وأنت تعني الرجل به.
ويكون الشيء المؤنث يوصَف بالمذكر وقد يكون الشيء المؤنث له السم المذكر.
فهذه الصفات.
والسماء قولهمَ :نفْسٌ وثلثة أنفس وقولهم ما رأيت عيناً يعني عين القوم.
فكأن أبَهْ اسم مؤنث يقع للمذكر لنهما والدان كما تقع العين للمذكر والمؤنث لنهما شخصان.
فكأنهم إنما قالوا أبوان لنهم جمعوا بين أبٍ وأبةٍ إل أنه ل يكون مستعمَلً إل في النداء إذا عنيت المذكّر.
واستغنوا بالم في المؤنث عن أبة وكان ذلك عندهم في الصل على هذا فمن ثم جاءوا عليه بالبوين وجعلوه في غير
النداء أباً بمنزلة الوالد وكأن مؤنثه أبةٌ كما أن مؤنث الوالد والدة.
ومن السماء فرَسٌ هو للمذكّر فجعلوه لهما وكذلك عدْل وما أشبه ذلك.
وحدّثنا يونس أن بعض العرب يقول :يا أ ّم ل تفعلي جعلوا هذه الهاء بمنزلة هاء طلحة إذ قالوا :يا طلحَ أقبلْ لنهم رأوها
متحركةً بمنزلة هاء طلحة فحذفوها ول يجوز ذلك في غير الم من المضاف.
وإنما جازت هذه الشياء في الب والم لكثرتهما في النداء كما قالوا :يا صاح في هذا السم.
وليس كل شيء يكثر في كلمهم يغيّر عن الصل لنه ليس بالقياس عندهم فكرهوا ترك الصل.
وتثبت فيه الياء لنه غير منادى وإنما هو بمنزلة المجرور في غير النداء.
فذلك قولك :يا ابنَ أخي ويا ابنَ أبي يصير بمنزلته في الخبر.
211
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال الشاعر أبو زُبيد الطائي:
وقالوا :يا ابنَ أمّ ويا ابن عمّ فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد لن هذا أكثرُ في كلمهم من يا ابنَ أبي ويا غلمَ غلمي.
وقد قالوا أيضاً :يا ابنَ أمّ ويا ابنَ عمّ كأنهم جعلوا الول والخر اسماً ثم أضافوا الى الياء كقولك :يا أحدَ عشرَ أقبلوا.
وعلى هذا قال أبو النجم :واعلم أن كل شيء ابتدأتُه في هذين البابين أولً فهو في القياس.
وذلك في الستغاثة والتعجب وذلك الحرفُ اللمُ المفتوحة وذلك قول الشاعر وهو مهلهل:
وأما قوله يا لَبكرٍ أين أين الفرار فإنما استغاث بهم لهم أي لمَ تفرّون استطالةً عليهم ووعيداً.
وقال الخر:
212
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ل وأمضى من سُليك المقانبِ
خطّاب لَيلى يا لَبُرثنَ منكمُ ** أد ّ
لَ ُ
وقالوا :يا لَلعجب ويا لَلفليقة كأنهم رأوا أمراً عجباً فقالوا :يا لَبُرثن أي مثلكم دُعي للعظائم.
وقالوا :يا لَلعجب ويا لَلماء لما رأوا عجباً أو رأوا ماء كثيراً كأنه يقول :تعالَ يا عجبُ أو تعال يا ماء فإنه من أيامك
وزمانك.
ومثل ذلك قولهم :يا لَدواهي أي تعالينَ فإنه ل يُستنكر لكنّ لنه من إبّانكنّ وأحيانكن.
ولم يلزم في هذا الباب إل يا للتنبيه لئل تلتبس هذه اللم بلم التوكيد كقولك :لَعمرو خيرٌ منك.
ول يكون مكان يا سواها من حروف التنبيه نحو أي وهَيا وأيا لنهم أرادوا أن يميزوا هذا من ذلك الباب الذي ليس فيه
معنى استغاثة ول تعجب.
وزعم الخليل رحمه ال أن هذه اللم بدلٌ من الزيادة التي تكون في آخر السم إذا أضفتَ نحو قولك :يا عجَباه ويا بَكراه إذا
استغثتَ أو تعجّبت.
فصار كلُ واحد منهما يعاقب صاحبَه كما كانت هاء الجحاجحة معاقبةً ياء الجحاجيح وكما عاقبت اللف في يمانٍ الياء في
َيمَني.
لنه مدعوّ له ها هنا وهو غير مدعوّ وذلك قول بعض العرب :يا لِلعجب ويا لِلماء وكأنه نبّه بقوله يا غيرَ الماء للماء.
وعلى ذلك قال أبو عمرو :يا ويلٌ لك ويا ويحٌ لك كأنه نبّه إنساناً ثم جعل الويل له.
وعلى ذلك قول قيس بن ذريح :فيا لَلناس للواشي المُطاع يا لقومي لفرقة الحبابِ كسروها لن السم الذي بعدها غير
منادى فصار بمنزلته إذا قلت هذا لزيدٍ.
فاللم المفتوحة أضافت النداء الى المنادى المخاطَب واللم المكسورة أضافت المدعوّ الى ما بعده لنه سببُ ومما يدلّك
على أن اللم المكسورة ما بعدها غيرُ مدعوّ قوله :يا لعنةُ الِ والقوامِ كلّهمُ والصالحينَ على سِمعانَ من جارِ فيا لغير
اللعنة.
ت الى الصل.
وتقول :يا لَزي ٍد ولعمرو وإذا لم تجئ بيا الى جنب اللم كسرتَ وردد َ
اعلم أن المندوب مدعوّ ولكنه متفجّع عليه فإن شئت ألحقتَ في آخر السم اللف لن الندبة كأنهم يترنمون فيها وإن شئت
لم تُلحق كما لم تلحق في النداء.
213
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
جبَ منه.
واعلم أن المندوب لبد له من أن يكون قبل اسمه يا أو وا كما لزم يا المستغاثَ به والمتع ّ
واعلم أن اللف التي تلحق المندوب تُبتح كلّ حركة قبلها مكسورة كانت أو مضمومة لنها تابعة لللف ول يكون ما قبل
اللف إل مفتوحاً.
فأما ما تلحقه اللف فقولك :وازيداه إذا لم تُضف الى نفسك وإن أضفتَ الى نفسك فهو سواء لنك إذا أضفتَ زيداً الى نفسك
فالدالُ مكسورة وإذا لم تُضف فالدال مضمومة ففتحت المكسور كما فتحت المضموم.
ومن قال يا غلمي وقرأ يا عبادي قال :وازيدِيا إذا أضاف من قبل أنه إنما جاء باللف فألحقها الياء وحرّكها في لغة من
جزم الياء لنه ل ينجزم حرفان وحرّكها بالفتح لنه ل يكون ما قبل اللف إل مفتوحاً.
وزعم الخليل أنه يجوز في النّدبة واغلمِيَهْ من قبل أنه قد يجوز أن أقول واغُلميَ فأبيّن الياء كما أبينها في غير النداء
وهي في غير النداء مبيّنة فيها للغتان :الفتح والوقف.
ومن لغة مَن يفتح أن يُلحق الهاء في الوقف حين يبيّن الحركة كما أُلحقت الهاء بعد اللف في الوقف لن يكون أوضحَ لها
في قولك يا رَبّاه.
فإذا بيّنت الياء في النداء كما بينتها في غير النداء جاز فيها ما جاز إذا كانت غيرَ نداء.
قال الشاعر وهو ابن قيس الرُقيّات :تبكيهم دَهماءُ مُعولةً وتقول سلمى وارَزِيّتيَهْ وإذا لم تُلحق اللفَ قلت :وازيدُ إذا لم
تُضف ووازيدِ إذا أضفت وإن شئت قلت :وازيدي.
وإذا أضفت المندوب وأضفتَ الى نفسك المضاف إليه المندوبُ فالياء فيه أبداً بيّنة وإن شئت ألحقت اللف وإن شئت لم
تُلحق.
واعلم أنك إذا وصلتَ كلمَك ذهبتْ هذه الهاء في جميع الندبة كما تذهب في الصلة إذا كانت تبيّن به الحركة.
ولم يحرّكوها في هذا الموضع في النداء إذ كانت زيادة غير منفصلة من السم فصارت تعاقب وكانت أخفّ عليهم فهذا في
النداء أحرى لنه موضع حذف.
وزعموا أن هذا البيت يُنشَد على وجهين وهو قول رؤبة :فهْي تُنادي بأبي وابْنِيما ويروى :بأبا وابناما فما فضلٌ وإنما حكى
نُدبتَها.
214
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أنه إذا وافقت الياء الساكنة ياءَ الضافة في النداء لم تحذف أبداً ياء الضافة ولم يُكسر ما قبلها كراهيةً للكسرة في
الياء ولكنهم يلحقون يا َء الضافة وينصبونها لئل ينجزم حرفان.
وإذا ندبت فأنت بالخيار :إن شئت ألحقت اللفَ وإن لم تُلحق جاز كما جاز ذلك في غيره.
وكذلك اللف إذا أضفتها إليك مجراها في الندبة كمجراها في الخبر إذا أضفت إليك.
وإذا وافقت ياء الضافة ألفاً لم تحرّك اللف لنها إن حرّكت صارت ياء والياء ل تدخلها كسرةٌ في هذا الموضع.
فلما كان تغييرهم إياها يدعوهم الى ياء أخرى وكسرة تركوها على حالها كما تُركت ياء قاضي إذ لم يخافوا التباسًا وكانت
أخفّ وأثبتوا ياء الضافة ونصبوها لنه ل ينجزم حرفان.
فإذا ندبت فأنت بالخيار إن شئت ألحقت اللف كما ألحقتها في الول وإن شئت لم تُلحقها وذلك قولك :وامُثنّاياه وامُثنّاي.
فإن لم تُضف الى نفسك قلت :وا مُثنّاه وتحذف الول لنه ل ينجزم حرفان ولم يخافوا التباساً :فذهبتْ كما تذهب في اللف
واللم ولم يكن كالياء لنه ل يدخلها نصبٌ.
إن كان مكسوراً فهي ياء وإن كان مضموماً فهي واو.
وإنما جعلوها تابعة ليفرقوا بين المذكر والمؤنث وبين الثنين والجميع وذلك قولك :واظهْرَهُوهْ إذا أضفت الظهر الى مذكر
وإنما جعلتها واواً لتفرق بين المذكر والمؤنث إذا قلت :واظهرَهاهْ.
وتقول :واظهرهُموه وإنما جعلت اللف واواً لتفرق بين الثنين والجميع إذا قلت :واظهرهُماه.
وإنما حذفت الحرف الول لنه ل ينجزم حرفان كما حذفت اللف الول من قولك وامُثنّاه.
وإنما فعلوا ذلك ليفرقوا بينها وبين المذكر إذا قلت :واغُلمَكاه.
في وتقول :واأبا عمرياه وإن كنت إنما تندب الب وإياه تضيف الى نفسك ل عَمراً من قبل أن عمراً مجراه هنا كمجراه لو
كان لك لنه ل يستقيم لك إضافة الب إليك حتى تجعل عمراً كأنه لك لن ياء الضافة عليه تقع ول تحذفها لن عمراً غير
منادى.
215
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومما يدلّك على أن عمراً ها هنا بمنزلته لو كان لك أنه ل يجوز أن تقول هذا أبو النّضرك ول هذه ثلث ُة الثوابِك إذا أردت
أن تضيف الب والثلثة من قبل أنه ل يسوغ لك ول تصل الى أن تضيف الول حتى تجعل الخِر مضافاً إليك كأنه لك.
وزعم الخليل رحمه ال أنه منعه من أن يقول الظريفاه أن الظريف ليس بمنادى ولو جاز ذا لقلت :وازيدُ أنت الفارسُ
البَطَلهْ لن هذا غير منادى كما أن ذلك غير نداء.
وليس هذا كقولك :واأميرَ المؤمنيناه ول مثل :واعبدَ قيساه من قبل أن المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد منفرد
والمضاف إليه هو تمام السم ومقتضاه ومن السم.
أل ترى أنك لو قلت عبداً أو أميراً وأنت تريد الضافة لم يجز لك.
ولو قلت هذا زيد كنتَ في الصفة بالخيار إن شئت وصفتَ وإن شئت لم تصف.
ولستَ في المضاف إليه بالخيار لنه من تمام السم وإنما هو بدل من التنوين.
ويدلك على ذلك أن ألف الندبة إنما تقع على المضاف إليه كما تقع على آخر السم المفرد ول تقع على المضاف
والموصوف إنما تقع ألفُ الندبة عليه ل على الوصف.
وأما يونس فيلحق الصفة اللف فيقول :وازيدُ الظريفاه واجُمجمتيّ الشّاميّتيْناه.
سمّي باث َنيْ عشر تقول :واثنا عشرَاه لنه اسم مفرد بمنزله قِنّسرين.
وكذلك رجل ُ
فهذا بمنزلة واغلمَهاه جعلت ألف الندبة تابعة لتفرق بين الثنين والجميع.
ولو سميتَ رجلً بغلمهم أو غلمهما لم تحرّف واحدًا منهما عن حاله قبل أن يكون اسماً ولتركته على حاله الول في كل
شيء.
فكذلك ضربا وضربوا إنما تحكي الحال الولى قبل أن يكونا اسمين وصارت اللف تابعة لهما كما تبعت التثنية والجمع
قبل أن يكونا اسمين نحو
216
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وزعم الخليل رحمه ال ويونس أنه قبيح وأنه ل يقال.
ص ول تُبهم لن
أل ترى أنك لو قلت واهذاه كان قبيحاً لنك إذا ندبت فإنما ينبغي لك أن تفجّع بأعرف السماء وأن تخ ّ
الندبة على البيان ولو جاز هذا لجاز يا رجلً ظريفاً فكنت نادباً نكرة.
وإنما كرهوا ذلك أنه تفاحَش عندهم أن يختلطوا وأن يتفجّعوا على غير معروف.
فكذلك تفاحش عندهم في المبهَم لبهامه لنك إذا ندبت تُخبر أنك قد وقعت في عظيم وأصابك جسيمٌ من المر فل ينبغي لك
أن تُبهم.
وزعم أنه ل يستقبح وامَن حفر بئر زَمزماه لن هذا معروف بعينه وكأن التبيين في الندبة عذر للتفجع.
فإذا كان ذا تُرك لنه ل يُعذر على أن يُتفجّع عليه فهو ل يُعذر بأن يتفجّع ويُبهم كما ل يُعذر على أن يتفجّع على من ل
يعنيه أمره.
وإن لم تندب قلت :يا ثلثةً وثلثين كأنك قلت يا ضارباً رجلً.
وليس هذا بمنزلة قولك يا زي ُد وعمرو لنك حين قلت يا زيدُ وعمرو جمعت بين اسمين كلُ واحد منهما مفرد يُتوهّم على
حياله وإذا قلت يا ثلثةً وثلثين فلم تُفرد الثلثة من الثلثين لتُتوهّم على حيالها ول الثلثين من الثلثة.
أل ترى أنك تقول يا زيدُ ويا عمرو ول تقول يا ثلثة ويا ثلثون لنك لم ترد أن تجعل كل واحد منهما على حياله فصار
بمنزلة قولك ثلثة عشر لنك لم ترد أن تفصل ثلثةً من العشرة ليتوهّموها على حيالها.
ب ولكن التنوين إنما يثبت لنه وسط السم ورجلً من تمام السم فصار
وقال :يا ضارباً رجلً معرفة كقولك يا ضار ُ
التنوين بمنزلة حرف قبل آخر السم.
أل ترى أنك لو سمّيت رجلً خيراً منك لقلت يا خيراً منك فألزمته التنوين وهو معرفة لن الراء ليست آخر السم ول
منتهاه فصار بمنزلة الذي إذا قلت هذا الذي فعل.
فكما أن خيراً منك لزمه التنوين وهو معرفة كذلك لزم ضارباً رجلً لن الباء ليست منتهى السم وإنما يُحذب التنوين في
النداء من آخر السم.
217
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فلما لزمت التنوينة وطال الكلم رجع الى أصله.
وكذلك ضارب رجل إذا ألقيت التنوين تخفيفاً لن الرجل ل يجعل ضارباً نكرة إذا أردت معنى التنوين كما ل يجعله معرفة
في غير النداء إذا أردت معنى التنوين وحذفته نحو قولك :هذا ضاربُك قاعداً.
أل ترى أن حذف التنوين كثباته ل يغيّر الفاعل إذا كنت تحذفه وأنت تريد معناه.
وأما قولك يا أخا رجل فل يكون الخ ها هنا إل نكرة لنه مضاف الى نكرة كما أن الموصوف بالنكرة ل يكون إل نكرة
ول يكون الرجل ههنا بمنزلته إذا كان منادى لنه ثم يدخله التنوين وجاز لك أن تريد معنى اللف واللم ول تلفظ بهما
وهو هنا غير منادى وهو نكرة فجُعل ما أضيف إليه بمنزلته.
فأما السم غيرُ المندوب فينبّه بخمسة أشياء :بيا وأيا وهَيا وأي وباللف.
إل أن الربعة غير اللف قد يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشيء المتراخي عنهم والنسان المعرض عنهم
الذي يُرَون أنه ل يُقبل عليهم إل بالجتهاد أو النائم المستثقل.
وقد يستعملون هذه التي للمد في موضع اللف ول يستعملون اللف في هذه المواضع التي يمدون فيها.
وقد يجوز لك أن تستعمل هذه الخمسة غيروا إذا كان صاحبك قريباً منك وإن شئت حذفتهن كلهن استغناءً كقولك :حار بنَ
كعبٍ وذلك أنه جعلهم بمنزلة مَن هو مقبِلٌ عليه بحضرته يخاطبه.
ول يحسن أن تقول :هذا ول رجلُ وأنت تريد :يا هذا ويا رجلُ ول يجوز ذلك في المبهم لن الحرف الذي ينبّه به لزم
المبهم كأنه صار بدلً من أيّ حين حذفته فلم تقل يا أيها الرجل ول يا أيهذا ولكنك تقول إن شئت :مَن ليزال مُحسنًا أفعل
كذا وكذا لنه ل يكون وصفاً لي.
وقد يجوز حذفُ يا من النكرة في الشعر وقال العجّاج :جاريَ ل تستنكِري عَذيري يريد يا جاريةُ.
ل وأطرِقْ كَرا.
وقال في مَثَل :اف َتدِ مخنوقُ وأصبِحْ لي ُ
ومع ذلك أن الندبة كأنهم يترنمون فيها فمن ثم ألزموها الم ّد وألحقوا آخر السم المدّ مبالغةً في الترنّم.
ما جرى على حرف النداء وصفاً له وليس بمنادى ينبّهه غيره
218
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولكنه اخ ُتصّ كما أن المنادى مختصّ من بين أمته لمرك ونهيك أو خبرك.
فالختصاص أجرى هذا على حرف النداء كما أن التسوية أجرت ما ليس باستخبار ول استفهام على حرف الستفهام لنك
تسوّي فيه كما تسوي في الستفهام.
فالتسوية أجرتْه على حرف الستفهام والختصاصُ أجرى هذا على حرف النداء.
فجرى هذا كقولك أزيدٌ عندك أم عمرو وأزيدٌ أفضلُ أم خالدٌ إذا استفهمتَ لن علمك قد استوى فيهما كما استوى عليك
المران في الول.
وذلك قولك :أما أنا فأفعل كذا وكذا أيها الرجل ونفعل نحن كذا وكذا أيها القوم وعلى المضارب الوضيعةُ أيها البائع واللهم
ص ول تُبهم حين قلت :أيتها العصابةُ وأيها الرجل أراد أن يؤكد لنه قد اختصّ حين اغفِر لنا أيتها العصابة وأردت أن تخت ّ
صتٌ لك :كذا كان المر يا أبا فلن توكيداً.
قال أنا ولكنه أكد كما تقول للذي هو مقبلٌ عليه بوجهه مستم ٌع من ِ
يجري على ما جرى عليه النداء فيجيء لفظه على موضع النداء نصبًا لن موضع النداء نصب ول تجري السماء فيه
مجراها في النداء لنهم لم يجروها على حروف النداء ولكنهم أجروها على ما حمل عليه النداء.
وذلك قولك :إنا معشرَ العرب نفعل كذا وكذا كأنه قال :أعني ولكنه فعلٌ ل يظهر ول يُستعمل كما لم يكن ذلك في النداء
لنهم اكتفوا بعلم المخاطَب وأنهم ل يريدون أن يحملوا الكلم على أوله ولكن ما بعده محمول على أوله.
سبٍ فينا سَراةُ بني سعدٍ وناديَها وقال الفرزدق :ألم ترَ أنّا
وذلك نحو قوله وهو عمرو بن الهتَم :إنّا بني مِنقرٍ قومٌ ذوو ح َ
بني دارِمٍ زُرارةُ منا أبو معبدِ فإنما اخ ُتصّ السم هنا ليعرَف بما حُمل على الكلم الول وفيه معنى الفتخار.
وقال رؤبة :بنا تميماً يُكشف الضّبابْ وقال :نحن العُربَ أقرى الناس لضيف فإنما أدخلتَ اللف واللم لنك أجريت الكلم
على ما النداء عليه ولم تُجره مجرى السماء في النداء.
ب وإنما دخل في هذا الباب من حروف النداء أيّ وحدَها فجرى مجراه في النداء.
أل ترى أنه ل يجوز لك أن تقول :يا العر َ
نحن بنو أمّ البنينَ الربعه ونحن خيرُ عامر بنِ صَعصعَهْ فل يُنشدونه إل رفعاً لنه لم يرد أن يجعلهم إذا افتخروا أن
يُعرَفوا بأن عدّتهم أربعة ولكنهم جعل الربعة وصفاً ثم قال :المُطعمِون الفاعلون بعدما حلّهم ليُعرَفوا.
وإذا صغّرت المر فهو بمنزلة تعظيم المر في هذا الباب وذلك قولك :إنا معش َر الصعاليك ل قوةَ بنا على المُروّة.
وزعم الخليل رحمه ال أن قولهم :بك الَ نرجو الفضلَ وسُبحانك الَ العظيمَ نصبُه كنصب ما قبله وفيه معنى التعظيم.
وزعم أن دخول أيّ في هذا الباب يدل على أنه محمول على ما حُمل عليه النداء يعني أيتها العصابة فكان هذا عندهم في
الصل أن يقولوا فيه يا ولكنهم خزلوها وأسقطوها حين أجروه على الصل.
219
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أنه ل يجوز لك أن تُبهم في هذا الباب فتقول :إني هذا أفعلُ كذا وكذا ولكن تقول :إني زيدًا أفعلُ.
ول يجوز أن تذكر إل اسمًا معروفاً لن السماء إنما تُذكرها توكيدًا وتوضيحاً هنا للمضمَر وتذكيراً وإذا أبهمتَ فقد جئت
ل من المضمَر.
بما هو أشك ُ
ولو جاز هذا لجازت النكر ُة فقلتَ إنا قوماً فليس هذا من مواضع النكرة والمبهَم ولكن هذا موضعُ بيان كما كانت الندبةُ
موضعَ بيان فقبُح إذ ذكروا المر توكيداً لما يعظّمون أمرَه أن يذكروا مبهماً.
وأكثر السماء دخولً في هذا الباب بنو فلن ومعشَر مُضافةً وأهل البيت وآل فلن.
ول يجوز أن تقول إنهم فعلوا أيتها العصابةُ إنما يجوز هذا للمتكلم والمكلّم المنادى كما أن هذا ل يجوز إل لحاضر.
وسألت الخليل رحمه ال ويونس عن نصب قول الصّلتان العبدي :يا شاعراً ل شاعرَ اليومَ مثلَه جَري ٌر ولكنْ في كليبٍ
تواضعُ فزعما أنه غير منادى وإنما انتصب على إضمار كأنه قال يا قائل الشعر شاعراً وفيه معنى حسبُك به شاعراً.
كأنه حيث نادى قال حسبُك به ولكنه أضمر كما أضمروا في قوله :تال رجلً وما أشبهه مما ستجده في الكتاب إن شاء ال
عز وجل.
ومما جاء وفيه معنى التعجّب كقولك :يا لك فارسًا قولُ الخوص ابن شُريح الكلبي :تمنّاني ليلقاني لَقيطٌ أعامِ لك بنَ
صعصعةَ بنِ سعدِ وإنما دعاهم لهم تعجباً لنه قد تبيّن لك أن المنادى يكون فيه معنى أفعِل به يعني يا لك فارساً.
وقد يجوز أن تقول بعد النداء مقبِلً على مَن تحدّثه :هندٌ هذه بين خِلبٍ وكبدٍ فيكون معرفة.
ف أواخر السماء المفرد تخفيفاً كما حذفوا غير ذلك من كلمهم تخفيفاً وقد كتبناه فيما مضى وستراه فيما بقي
والترخيم حذ ُ
إن شاء ال تعالى.
واعلم أن الترخيم ل يكون إل في النداء إل أن يُضطرّ شاعرٌ وإنما كان ذلك في النداء لكثرته في كلمهم فحذفوا ذلك كما
حذفوا التنوين وكما حذفوا الياء من قومي ونحوه في النداء.
واعلم أن الترخيم ل يكون في مضاف إليه ول في وصف لنهما غيرُ منادَيين ول يرخّم مضاف ول اس ٌم منوّن في النداء
من قبل أنه جرى على الصل وسلِم من الحذف حيث أُجري مجراه في غير النداء إذا حملتَه على ما ينصب.
يقول :إن المحذوف في الترخيم إنما يقع على النداء ل على العراب وحين قلت يا زيد أقبل فحذفت ياء الضافة كنت إنما
حذفت هذا العراب وحين قلت يا زيد أقبل فحذفت ياء الضافة كنت إنما حذفت هذا العراب ومع ذلك إنه إنما ينبغي أن
تحذف آخر شيء في السم ول يُحذف قبل أن تنتهي الي آخره لن المضاف إليه من السم الول بمنزلة الوصل من الذي
إذا قلت الذي قال وبمنزلة التنوين في السم.
ول ترخّم مستغاثاً به إذا كان مجروراً لنه بمنزلة المضاف إليه.
220
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أن الحرف الذي يلي ما حذفت ثابتٌ على حركته التي كانت فيه قبل أن تحذف إن كان فتحاً أو كسرًا أو ضمًا أو وقفاً
لنك لم ترد أن تجعل ما بقي من السم اسماً ثابتاً في النداء وغير النداء ولكنك حذفت حرف العراب تخفيفاً في هذا
الموضع وبقي الحرف الذي يلي ما حُذف على حاله لنه ليس عندهم حرفَ العراب.
اعلم أن كل اسم كان مع الهاء ثلثة أحرف أو أكثر من ذلك كان اسماً خاصاً غالباً أو اسماً عامًا لكل واحد من أمة فإن
حذف الهاء منه في النداء أكثر في كلم العرب.
وأما السم العام العامّ فنحو قول العجّاج :جاريَ ل تستنكري عذيري إذا أردت يا سَلَمةُ ويا جاريةُ.
وأما ما كان على ثلثة أحرف مع الهاء فنحو قولك :يا شا ارْجُني ويا ُثبَ أقبِلي إذا أردت :واعلم أن ناساً من العرب يثبتون
ل وبعض من يُثبت يقول :يا سلمةَ أقبل.
الهاء فيقولون :يا سلمةُ أقب ْ
واعلم أن العرب الذين يحذفون في الوصل إذا وقفوا قالوا :يا سلم ْه ويا طلحَهْ.
وإنما ألحقوا هذه الهاء ليبينوا حركة الميم والحاء وصارت هذه الهاء لزمة لهما في الوقف كما لزمت الهاء وقف ارمه ولم
يجعلوا المتكلم بالخيار وحذف الهاء عند الوقف وإثباتها من قبل أنهم جعلوا الحذف لزماً لهاء التأنيث في الوصل كما لزم
حذفُ الهاء من ارمِهْ في الوصل وكأنهم ألزموا هذه الهاء في ا ْرمِهْ في الوقف ولم يجعلوها بمنزلتها إذا بيّنت حركة ما لم
يحذف بعده شيء نحو علَيّهْ وإلّي ْه ولكنها لزمة كراهية أن يجتمع في ارمِه حذف الهاء وترك الحركة فأرادوا أن تثبت
الحركة على كل حال ليكون ثباتُها عوضاً من الحذف للياء والهاء فبُيّنت الحركة بالهاء في السكوت ليكون ثباتُها في السم
على كل حال لئل يُخلّوا به.
واعلم أن الشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء في الوقف وذلك لنهم يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلً منها.
وقال الشاعر ابن الخرع :كادت فزارةُ تشقي بنا فأولى فزار ُة أولى فَزارا قفي قبل التفرّق يا ضُباعا وقال هُدبةُ :عُوجي
علينا واربَعي يا فاطِما وإنما كان الحذف ألزمَ للهاءات في الوصل وفيها أكثر منه في سائر الحروف في النداء من قبل أن
الهاء في الوصل في غير النداء تبدّل مكانَها التاء فلما صارت الهاء في موضع يحذف منه ل يُبدّل منه شيء تخفيفاً كان ما
يُبدّل ويُغيّر أولى بالحذف وهو له ألزم وجعلوا تغييره الحذف في موضع الحذف إذ كان متغيراً ل محالة.
وسمعنا الثقة من العرب يقول :يا حَرملْ يريد يا حَرمََلهْ كما قال بعضهم :إ ْرمْ يقفون بغير هاء.
واعلم أن هاء التأنيث إذا كانت بعد حرف زائد لو لم تكن بعده حُذف أو بعد حرفين لو لم تكن بعدهما حُذفا زائدين لم يحذف
من قبل أن الحروف الزوائد قبل الهاء في الترخيم بمنزلة غير الزوائد من الحروف وذلك قولك في طائفية :يا طائفي أقبلي
وفي مَرجانة :يا مرجانَ أقبلي.
ولو حذفتَ ما قبل الهاء كحذفك إياه وليس بعده هاء لقلت في رجل يسمّى عُثمانةَ يا عُثمَ أقبل لن الهاء لو لم تكن ههنا لقلت
يا عُثْمَ أقبل فإنما الكلم أن تقول يا عُثمان أقبل.
فأجْرِ ترخيمَ هذا بعد الزوائد مجراه إذا كان بعدما هو من نفس الحرف.
221
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ط ل تفعلي من قبل أن الهاء لو لم تكن بعد الميم لقلت يا ومَن حذف الزوائد مع الهاء فإنه ينبغي له أن يقول في فاظمة :يا فا ِ
ط كما تقول يا حارِ فأنت تحذف ما هو من نفس الحرف كما تحذف الزوائد فإذا ألحقته الزوائد لم تحذفه مع الزوائد. فا ِ
بمنزلة اسم يتصرّف في الكلم لم يكن فيه هاء قط وذلك قول بعض العرب وهو عنترة العبسي :يَدعون عنترُ والرماحُ
كأنها أشطانُ بيرٍ في لَبان الدهمِ جعلوا السم عنترا وجعلوا الراء حرف العراب.
وقال السود بن يعفُر تصديقاً لهذه اللغة :أل هل لهذا الدهر من مُتعلّل عن الناس مهما شاء بالناس أن يفعل وهذا ردائي
عنده يستعيره ليسلُبَني حقي أمالِ بنَ حنظلِ وذلك لن الترخيم يجوز في الشعر في غير النداء فلما رخّم جعل السم بمنزلة
اسمٍ ليست فيه هاء.
وقال رؤبة:
فزعم يونس أنه كان يسميها مرة ميّة ومرة ميّا ويجعل كل واحد من السمين اسماً لها في النداء وفي غيره.
وعلى هذا المثال قال بعض العرب إذا رخّموا :يا طَلحُ ويا عنترُ.
ويكون أن تجعله بمنزلة ميّ بعد ما حذفت منه وقد يكون ميّ أيضاً كذلك يجعلها بمنزلة ما ليس فيه هاء بعد ما تحذف
الهاء.
وأما قول العرب :يا ُفلُ أقبلْ فإنهم لم يجعلوه اسماً حذفوا منه شيئاً يثبت فيه في غير النداء ولكنهم بنوا السمَ على حرفين
وجعلوه بمنزلة دم.
والدليل على ذلك أنه ليس أح ٌد يقول يا ُفلَ فإن عنوا امرأة قالوا :يا فُلةُ :وهذا السم اخ ُتصّ به النداء وإنما بُني على حرفين
لن النداء موضعُ تخفيف ولم يجز في غير النداء لنه جُعل اسماً ل يكون إل كنايةً لمنادى نحو يا هَنا ْه ومعناه يا رجلُ.
وأما فلن فإنما هو كناية عن اسم سُمي به المحدّث عنه خاصّ غالب.
222
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وجعلت السم بمنزلة ما لم تكن فيه الهاء أبدلتَ حرفاً مكان الحرف الذي يلي الهاء وإن لم تجعله بمنزلة اسم ليس فيه الهاء
لم يتغير عن حاله التي كان عليها قبل أن تحذف.
وذلك قولك في عَرقو ٍة و َقمَحد َوةٍ وإن جعلت السم بمنزلة اسم لم تكن فيه الهاء على حالٍ :يا عَرقي ويا َقمَحْدي من قبل أنه
ليس في الكلم اسمٌ آخر كذا.
وإن رخّمت رجلً يسمى قَطَوان فجعلته بهذه المنزلة قلت :يا قَطا أقبلْ.
فإن رخّمت رجلً اسمُه طُفاوةُ قلت :يا طُفاءُ أقبلْ من قبل أنه ليس في الكلم اسمٌ هكذا آخِره يكون حرفَ العراب يعني
الواو والياء إذا كانت قبلهما ألف زائدة ساكنة لم يثبتا على حالهما ولكن تُبدّل الهمزة مكانَهما.
فإن لم تجعلهما حروف العراب فهي على حالها قبل أن تحذف الهاء وذلك قولك :يا طُفاوَ أقبلْ إذا لم ترد أن تجعله بمنزلة
اسم ليست فيه الهاء.
واعلم أن ما يُجعل بمنزلة اسم ليست فيه هاء أقلّ في كلم العرب وترك الحرف على ما كان عليه قبل أن تُحذف الهاء أكثر
من قبل أن حرف العراب في سائر الكلم غيره.
وقد حملهم ذلك على أن رخّموه حيثُ جعلوه بمنزلة ما ل هاء فيه.
وتقول في حَ ْي َوةَ :يا حَيوَ أقبل فإن رفعت الواو تركتها على حالها لنه حرف أُجري على الصل وجُعل بمنزلة غزوٍ ولم
يكن التغيير لزماً وفيه الهاء.
واعلم أنه ل يجوز أن تحذف الهاء وتجعل البقية بمنزلة اسم ليست فيه الهاء إذا لم يكن اسماً خاصاً غالباً من قبل أنهم لو
فعلوا ذلك التبس المؤنّث بالمذكّر.
واعلم أن السماء التي ليس في أواخرها هاء أن ل يُحذف منها أكثر لنهم كرهوا أن ُيخِلّوا بها وإن حذفتَ فحسن.
وليس الحذف لشيء من هذه السماء ألزم منه لحارث ومالك وعامر وذلك لنهم استعملوها كثيراً في الشعر وأكثروا
التسمية بها للرجال.
قال مهلهل بن ربيعة :يا حارِ ل تجهلْ على أشياخِنا إنّا ذَوو السّورات والحلم وقال امرؤ القيس :أحارِ ترى برقاً أُري َ
ك
وميضَهُ كلمعِ اليدين في حَبيّ مكلّل وقال النصاري :يا مالِ والحقّ عنده فقفوا وقال النابغة الذبياني :فصالحونا جميعاً إن
بدا لكلم ول تقولوا لنا أمثالَها عام وهو في الشعر أكثر من أن أحصيه.
وكل اسم خاص رخّمته في النداء فالترخيم فيه جائز وإن كان في هذه السماء الثلثة أكثر.
223
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فمن ذلك قول الشاعر :فقلتم تعال يا يَزي بنَ مُخرّم فقلت لكم إني حليف صُداءِ وهو يزيد بن مخرّم.
أل يا ليلَ إن خُيّرت فينا بنفسي فانسري أين الخيارُ يريد في الول :يزيد وفي الثاني ليلى.
وقال أوس بن حجر :تسكّرت منّا بعد معرفةٍ لَمي يريدُ :لميسَ.
واعلم أن كل شيء جاز في السم الذي في آخره هاء بعد أن حذفت الهاء منه في شعر أو كلم يجوز فيما ل هاء فيه بعدُ أن
تحذف منه.
فمن ذلك قول امرئ القيس :لَنِعمَ الفتى تَعشو الى ضوء ناره طريفُ بن مالٍ ليلة الجوع والخصَرْ جعل ما بقي بعد ما حذف
بمنزلة اسم لم يُحذف منه شيء كما جعل ما بقي بعد حذف الهاء بمنزلة اسمٍ لم تكن فيه الهاء.
فزعم الخليل رحمه ال أنهم خففوا هذه السماء التي ليست أواخرها الهاء ليجعلوا ما كان على خمسة على أربعة وما كان
على أربعة على ثلثة.
فإنما أرادوا أن يقرّبوا السم من الثلثة أو يصيّروه إليها وكان غاية التخفيف عندهم لنه أخف شيء عندهم في كلمهم ما
لم يُنتقص فكرهوا أن يحذفوه إذ صار قصاراهم أن ينتهوا إليه.
واعلم أنه ليس من اسم ل تكون في آخره هاء يُحذف منه شيء إذا لم يكن اسماً غالباً نحو زيد وعمرو من قبل أن المعارف
الغالبة أكثر في الكلم وهم لها أكثر استعمالً وهم لكثرة استعمالهم إياها قد حذفوا منها في غير النداء نحو قولك :هذا زيد
بن عمرو ولم يقولوا هذا زيد ابنُ أخيك.
ولو حذفت من السماء غير الغالبة لقلت في مسلمين :يا مُسلم أقبِلوا وفي راكب :يا راكِ أقبلْ.
ك ول
إل أنهم قد قالوا :يا صاح وهم يريدون يا صاحبُ وذلك لكثرة استعمالهم هذا الحرف فحذفوا كما قالوا :لم أُ َبلْ ولم ي ُ
أدرِ.
ل وفي مروان :يا م ْروَ أقبل وفي أسماء :يا أسمَ أقبلي.
وذلك قولك في عثمان :يا عُ ْثمَ أقب ْ
وقال الفرزدق:
وقال الراجز :يا نعمَ هل تحلف ل تَدينُها وقال لبيد :يا أسمَ صبراً على ما كان من حدثٍ إن الحوادث مَلقيّ ومنتظَ ُر وإنما
كان هذان الحرفان بمنزلة زيادة واحدة من قبل أنك لم تُلحق الحرفَ الخِر أربعة أحرف رابعهن اللف من قبل أن تزيد
النون التي في مروان واللف التي في فعلء ولكن الحرف الخر الذي قبله زيدا معاً كما أن ياءَي الضافة وقعتا معاً.
ولم تلحق الخرةَ بعد ما كانت الولى لزمة كما كانت ألف سلمى إنما لحقتْ ثلثة أحرف ثالثها الميم لزمها ولكنهما
زيادتان لحقتا معاً فحذفتا جميعاً كما لحقنا جميعاً.
224
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وكذلك ترخيم رجل يقال له مسلمون بحذف الواو والنون جميعاً من قبل أن النون لم تلحق واواً ول ياء قد كانت لزمت قبل
ذلك.
ولو كانت قد لزمت حتى تكون بمنزلة شيء من نفس وكذلك رجل اسمه مُسلمان :تحذف اللف والنون.
وأما رجل اسمه بَنون فل يُطرح منه إل النون لنك ل تصيّر اسماً على أقل من ثلثة أحرف.
ومن جعل ما بقي من السم بعد الحذف بمنزلة اسم يتصرف في الكلم لم تكن فيه زيادة قطّ قال يا بَني لنه ليس في الكلم
اسم يتصرّف آخره كآخِر بَنو.
وذلك قولك في منصور :يا مَنصُ أقبلْ وفي عمارٍ :يا ع ّم أقبل وفي رجل اسمه عنتريسٌ :يا عنتَرِ أقبلْ.
وذلك لنك حذفت الخر كما حذفت الزائد وما قبله ساكن بمنزلة الحرف الذي كان قبل النون زائداً فهو زائد كما كان ما
قبل النون زائدًا ولم يكن لزماً لما قبله من الحروف ثم لحقه ما بعده لن ما بعده ليس من الحروف التي تُزاد.
فلما كانت حال هذه الزيادة حالَ تلك الزيادة وحُذفت الزيادة وما قبلها حُذف هذا الذي من نفس الحرف.
ل وفي رجل اسمه هَبَيّخ :يا هَ َبيّ أقبل لن هذه الواو التي في قنوّر والياء التي في هبيّخ وذلك قولك في قَ َنوّرٍ :يا قنوّ أقب ْ
بمنزلة الواو التي في جدول والياء التي في عِثيَر.
وإنما لحقنا لتُلحقا ما كان على ثلثة أحرف ببنات الربعة وليصير بمنزلة حرف من نفس الحرف كفاء جعفر في هذا
السم.
ويدلك على أنها بمنزلتها أن اللف التي تجيء لتُلحق الثلثة بالربعة منوّنة كما ينوّن ما هو من نفس الحرف وذلك نحو
مِعزى.
ومع ذلك أن الزوائد تلحقها كما تلحق ما ليس فيه زيادة نحو جِلواخٍ وجِريال وقِرواح كما تقول سِرداح.
ولو حذفوا من سميدع حرفين لحذفوا من مهاجر حرفين فقالوا :يا مُها وهذا ل يكون لنه إخلل مُفرط بما هو من نفس
الحرف.
225
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وذلك قولك في رجل اسمه حَوليا أو بَردَرايا :يا بَردراي أقبلْ ويا حَولي أقبل من قبل أن هذه اللف لو جيء بها للتأنيث
والزيادة التي قبلها لزمة لها يقعان معاً لكانت الياء ساكنة وما كانت حية لن الحرف الذي يجعل وما بعده زيادة واحدة
ساكن ل يتحرك ولو تحرك لصار بمنزلة حرف من نفس الحرف ولجاء بناء آخرُ.
ولكن هذه اللف بمنزلة الهاء التي في درحاية وفي عفارية لن الهاء إنما تلحق للتأنيث والحرف الذي قبلها بائن منها قد
لزم ما قبله قبل أن تلحق.
وكذلك اللف التي تجيء للتأنيث إذا جاءت وحدها لن حال الحرف الذي قبلها كحال الحرف الذي قبل الهاء والهاء ل
تكون أبداً مع شيء قبلها زائد بمنزلة زيادة واحدة وإن كان ساكناً نحو ألف سِعلة.
سعَيلِية ولكانت في التحقير ياء مجزومة كالياء التي تكون بدل ألف سِرحان إذا قلت
ولو كانت بمنزلة زيادة واحدة لم يقولوا ُ
سُرَيحين أو بمنزلة عُثمان إذا قلت عُثيمان ولكنها لحقت حرفاً جيء به ليلحق الثلثة ببنات الربعة.
وكذلك ألف التأنيث إذا جاءت وحدها يدلّك على ذلك تحرّك ما قبلها وحياته.
ت وما
وإنما كانت هذه الحرف الثلثة الزوائد :الياء والواو واللف وما بعدها بمنزلة زيادة واحدة لسكونها وضعفها فجعل ْ
بعدها بمنزلة حرف واحد إذ كانت ميتة خفية.
ويدلك على أن اللف التي في حَوليا بمنزلة الهاء أنك تقول :حَولئي كما تقول :دِرحائي.
ولو كانت وما قبلها بمنزلة زيادة واحدة لم تحذف اللف كما ل تحذفها إذا قلت :خُنفساوي.
باب ما إذا طُرحت منه الزائدتان اللتان بمنزلة زيادة واحدة رجعت حرفاً
وذلك قولك في رجل اسمه قاضون :يا قاضي أقبل وفي رجل اسمه ناجيّ :يا ناجي أقبل أظهرت الياء لحذف الواو والنون
وفي رجل اسمه مُصطَفون :يا مصطفى أقبل.
وإنما رددت هذه الحروف لنك لم تَبن الواحد على حذفها كما بُنيت دمٌ على حذف الياء ولكنك حذفتهن لنه ل يسكن
حرفان معاً فلما ذهب في الترخيم ما حذفتهن لمكانه رجعتهن.
فحذف الواو والنون ههنا كحذفها في مسلمين لن حذفها لم يكن إل لنه ل يسكن حرفان معاً والياء واللف يعني في قاضي
ومصطفى تثبتان كما ثبتت الميم في مسلمين.
وإنما كانت الكسرة أولى الحركات به لنه لو لم يُدغم كان مكسوراً فلما احتجتَ الى تحريكه كان أولى الشياء به ما كان
لزماً له لو لم يُدغم.
226
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما مفرّ فإذا حذفت منه وهو اسم رجل لم تحرّك الراء لن ما قبلها متحرك.
وإن حذفت من اسم مُحمارّ أو مُضارّ قلت :يا مُحمارِ ويا مُضارِ تجيء بالحركة التي هي له في الصل كأنك حذفت من
مُحمارر حيث لم يجز لك أن تُسكِن الراء الولى.
أل ترى أنك إذا احتجت الى تحريكها والراء الخرة ثابتة لم تحرّك إل على الصل وذلك قولك لم يَحمارِرْ فقد احتجت الى
تحريكها في الترخيم كما احتجت إليه هنا حين جزمت الراء الخرة.
وإن سمّيته بمضارّ وأنت تريد المفعول قلت :يا مُضارَ أقبل كأنك حذفت من مُضارَر.
وأما مُحمرّ إذا كان اسم رجل فإنك إذا رخّمته تركت الراء الولى مجزومة لن ما قبلها متحرك فل تحتاج الى حركتها.
ومن زعم أن الراء الولى زائدة كزيادة الواو والياء واللف فهو ل ينبغي له أن يحذفها مع الراء الخرة من قبل أن هذا
الحرف ليس من حروف الزيادة وإنما يُزاد في التضعيف فأشبه عندهم المضاعَف الذي ل زيادة فيه نحو مرتدّ وممتدّ حين
جرى مجراه ولم يجئ زائداً غير مضاعَف لنه ليس عندهم من حروف الزيادة وإنما جاء زائداً في التضعيف لنه إذا
ضوعِف جرى مجرى المضاعَف الذي ليس فيه زيادة.
ولو جعلت هذا الحرف بمنزلة الياء واللف والواو لثبت في التحقير والجمع الذي يكون ثالثه ألفاً.
أل ترى أنه صار بمنزلة اسم على خمسة أحرف ليس فيه زيادة نحو جر َدحْل وما أشبه ذلك.
وأما رجل اسمه إسحارّ فإنك إذا حذفت الراء الخرة لم يكن لك بدّ من أن تحرك الراء الساكنة لنه ل يلتقي حرفان ساكنان.
وحركته الفتحة لنه يلي الحرف الذي منه الفتحة وهو اللف.
أل ترى أن المضاعف إذا أُدغم في موضع الجزم حُرّك آخر الحرفين لنه ل يلتقي ساكنان وجُعل حركته كحركة أقرب
المتحركات منه.
وذلك قولك :لم يردّ ولم يرتدّ ولم يفرّ ولم يعضّ.
فإذا كان أقرب من المتحرك إليه الحرف الذي منه الحركة المفتوحة ول يكون ما قبله إل مفتوحاً كان أجدرَ أن تكون
حركته مفتوحة لنه حيث قرب من الحرف الذي منه الفتحة وإن كان بينهما حرف كان مفتوحاً فإذا قرب منه هو كان أجدرَ
أن تفتحه وذلك لم يُضارّ.
وكذلك تقول :يا إسحارّ أقبل فعلت بهذه الراء ما كنت فاعلً بالراء الخرة لو ثبت الراءان ولم تكن الخرة حرف العراب
فجرى عليها ما كان جارياً على تلك كما جرى على ميم ُمدّ ما كان بعد الدال الساكنة وامُدُد هو الصل.
إن شئت فتحت اللم إذا أسكنتَ على فتحة انطلق ولم ي ْلدَ إذا جزموا اللم.
ن وكيف.
فهذا كأي َ
وإنما منع إسحارّا أن يكون بمنزلة مُحمارّ أن أصل محمارّ مُحمارِر يدلك على ذلك فعله إذا قلت لم يَحمارِر.
227
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما إسحارّ فإنما هو اسم وقع مُدّغما آخره وليس لرائه الولى في كلمهم نصيب في الحركة ول تقع إل ساكنة كما أن
حمّر والراء الولى من شرّاب ل يقعان إل ساكنين ليستا عندهم إل على السكان في الكلم وفي الصل.الميم الولى من ال ُ
باب الترخيم
في السماء التي كل اسم منها من شيئين كانا بائنين فضُمّ أحدهما الى صاحبه فجُعل اسمًا واحداً بمنزلة عَنتريس وحَلكوك
ختَ نصّر ومارَسَرجِس ومثل رجل اسمه خمسة عشر ومثل عم َروَيه. وذلك مثل حَضرَموت ومَعدي كَرب وبُ ْ
أل ترى أني إذا حقّرته لم أغيّر الحرف الذي يليه كما لم أغيّر الذي يلي الهاء في التحقير عن حاله التي كان عليها قبل أن
يُحقّر وذلك قولك في تَمرة تُميرَة فحال الراء واحدة.
حضَيرَموت وقال :أُراني إذا أضفت الى الصدر وحذفت الخر فأقول في مَعدي كَرب:
وكذلك التحقير في حضرمَوت تقول ُ
ي وأقول في الضافة الى أربعة عشر أربعيّ فحذف السم الخر بمنزلة الهاء فهو في الموضع الذي يُحذف فيه ما
معد ّ
يثبت في الضافة أجدر أن يحذف إذا أردت أن ترخّم.
وهذا يدل على أن الهاء تُضمّ الى السماء كما يُضمّ السم الخر الى الول.
أل ترى أنها ل تُلحق بنات الثلثة بالربعة ول الربعة بالخمسة كما أن هذه السماء الخرة لم تُضمّ الى الصدر لتُلحق
الصدر ببنات الربعة ول لتُلحقه ببنات الخمسة وذلك لنها ليست زائدات في الصدور ول هي منها ولكنها موصولة بها
وأُجريت مجرى عنتَريس ونحوه ول يغيّر لها بناء كما ل يغيّر لياء الضافة أو ألف التأنيث أو لغيرهما من الزيادات.
كما أن السماء الخرة لم تغيّر بناء الولى عن حالها قبل أن تُضمّ إليها لم تغيّر خمسة في خمسة عشر عن حالها.
فالهاء وهذه السماء الخرة مضمومة الى الصدور كما يُضمّ المضاف إليه الى المضاف لنهما كانا بائنين وُصل أحدهما
بالخر فالخر بمنزلة المضاف إليه في أنه ليس وإذا رخّمت رجلً اسمه خمسة عشر قلت :يا خمس َة أقبل وفي الوقف تبيّن
الهاء -يقول ل تجعلها تاء -لنها تلك الهاء التي كانت في خمسة قبل أن تُضمّ إليها عشرَ.
كما أنك لو سمّيت رجلً مُسلمين قلت في الوقف :يا مُسِلمَهْ لن الهاء لو أبدلت منها تاء لتُلحق الثلثة بالربعة لم تحرّك
الميم.
وأما اثنا عشر فإذا رخّمته حذفت عشر مع اللف لن عشر بمنزلة نون مُسلمين واللف بمنزلة الواو وأمره في الضافة
والتحقير كأمر مُسلمين.
واعلم أن الحكاية ل ترخّم لنك ل تريد أن ترخّم غير منادى وليس مما يغيّره النداء وذلك نحو تأبط شراً وبرق نحرُه وما
أشبه ذلك.
ولو رخّمت هذا لرخمت رجلً يسمى بقول عنترة :يا دار عبلةَ بالجِواء تكلّمي.
228
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
باب ما رخمت الشعراء في غير النداء اضطراراً
وأما قوله وهو رجل من بني يشكر :لها أشارير من لحم تُ َتمّره من الثّعالي ووزخزٌ من أرانيَها ومنهلٍ ليس له حَوازق
جمّه نقانقُ وإنما أراد ضفادع فلما اضطرّ الى أن يقف آخر السم كره أن يقف حرفاً ل يدخله الوقف في هذا ولِضفادي َ
الموضع فأبدل مكانه حرفًا يوقَف في الجر والرفع.
وليس هذا لنه حذف شيئاً فجعل الياء عوضاً منه لو كان ذلك لعوضت حارثاً الياء حيث حذفت الثاء وجعلت البقية بمنزلة
اسم يتصرّف في الكلم على ثلثة أحرف وذلك حين قلت يا حارُ.
ولو قلت هذا لقلت يا مَروي إذا أردت أن تجعل ما بقي من مروان بمنزلة ما بقي من حارث حين قلت :يا حارُ.
و(ل) تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين ونصبها لما بعدها كنصب إن لما بعدها.
وترك التنوين لما تعمل فيه لزم لنها جُعلت وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد نحو خمسة عشر وذلك لنها ل تشبه سائر ما
ينصب مما ليس باسم وهو الفعل وما أجري مجراه لنها ل تعمل إل في نكرة ول وما تعمل فيه في موضع ابتداء فلما
خولف بها عن حال أخواتها خولف بلفظها كما خولف بخمسة عشر.
ب ل تعمل إل في نكرة وكما أن كم ل تعمل في الخبر والستفهام إل في النكرة لنك ل فل ل تعمل إل في نكرة كما أن ر ّ
تذكر بعد ل إذا كانت عاملة شيئاً بعينه كما ل تذكر ذلك بعد ربّ وذلك لن ربّ إنما هي للعدة بمنزلة كم فخولف بلفظها
حين خالفت أخواتها كما خولف بأيّهم حين خالفت الذي وكما قالوا يا ال حين خالفت ما فيه اللف واللم وسترى أيضاً نحو
ذلك إن شاء ال عزّ وجلّ.
فجعلت وما بعدها كخمسة عشر في اللفظ وهي عاملة فيما بعدها كما قالوا يا ابن أم فهي مثلها في اللفظ وفي أن الول
عامل في الخر.
فل ل تعمل إل في نكرة من قبل أنها جواب فيما زعم الخليل رحمه ال في قولك :هل من عبد أو جارية فصار الجواب
نكرة كما أنه ل يقع في هذه المسألة إل نكرة.
واعلم أن ل وما عملت فيه في موضع ابتداء كما أنك إذا قلت :هل من رجل فالكلم بمنزلة اسم مرفوع مبتدأ.
وكذلك :ما من رجل وما من شيء والذي يُبنى عليه في زمان أو في مكان ولكنك تضمره وإن شئت أظهرته.
229
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
والدليل على أن ل رجلَ في موضع اسم مبتدأ وما من رجل في موضع اسم مبتدأ في لغة بني تميم قول العرب من أهل
الحجاز :ل رجلَ أفضل منك.
وأخبرنا يونس أن من العرب من يقول :ما من رجل أفضلُ منك وهل من رجل خيرٌ منك كأنه قال :ما رجلٌ أفضلُ منك
وهل رجلٌ خيرٌ منك.
واعلم أنك ل تفصل بين ل وبين للنفي كما ل تفصل بين من وبين ما تعمل فيه وذلك أنه ل يجوز لك أن تقول :ل فيها رجلَ
كما أنه ل يجوز لك أن تقول في الذي هو جوابه هل من فيها رجل.
ومع ذلك أنهم جعلوا ل وما بعدها بمنزلة خمسة عشر فقُبح أن يفعلوا بينهما عندهم كما ل يجوز أن يفصلوا بين خمسة
وعشر بشيء من الكلم لنها مشبهة بها.
اعلم أن التنوين يقع من المنفي في هذا الموضع إذا قلت :ل غلمَ لك كما يقع من المضاف الى اسم وذلك إذا قلت :ل مثلَ
زيد.
وزعم الخليل رحمه ال أن النون إنما ذهبت للضافة ولذلك ألحقت اللف التي ل تكون إل في الضافة.
وإنما كان ذلك من قبل أن العرب قد تقول :ل أباك في معنى ل أبالك فعلموا أنهم لو لم يجيئوا باللم لكان التنوين ساقطًا
كسقوطه في ل مثل زيد فلما جاءوا بلم الضافة تركوا السم على حاله قبل أن تجيء اللم إذ كان المعنى واحدًا وصارت
اللم بمنزلة السم الذي ثُنّي به في النداء ولم يغيروا الول عن حاله قبل أن تجيء به وذلك قولك :يا تَيْم تَيْم عَديّ وبمنزلة
الهاء إذا لحقت طلحةَ في النداء لم يغيّروا آخر طلحةَ عما كان عليه قبل أن تلحق وذلك قولهم :كليني لهمّ يا أميم َة ناصبِ
ومثل هذا الكلم قول الشاعر إذا اضطُر للنابغة :يا بؤسَ للجهل ضرّارا لقوامِ حملوه على أن اللم لو لم تجئ لقلت يا بؤسَ
الجهل.
وإنما فُعل هذا في المنفي تخفيفاً كأنهم لم يذكروا اللم كما أنهم إذ قالوا يا طلحةَ أقبلْ فكأنهم لم يذكروا الهاء وصارت اللم
من السم بمنزلة الهاء من طلحة ل تغيّر السم عن حاله قبل أن تلحق كما ل تغيّر الهاء السمَ عن حاله قبل أن تلحق فالنفيُ
في موضع تخفيف كما أن النداء في موضع تخفيف فمن ثم جاء فيه مثل ما جاء في النداء.
وإنما ذهبت النون في ل مُسل َميْ لك على هذا المثال جعلوه بمنزلة ما لو حُذفت بعده اللم كان مضافاً الى اسم وكان في
معناه إذا ثبتت بعده اللم وذلك قولك :ل أباك فكأنهم لو لم يجيئوا باللم قالوا ل مُسلمَيْك فعلى هذا الوجه حذفوا النون في ل
مُسلمَي لك وذا تمثيلٌ وإن لم يُتكلم بل مسلمَ ْيكَ.
وتقول :ل يَدَينِ بها لك ول يدينِ اليوم لك إثبات النون أحسن وهو الوجه.
وذلك أنك إذا قلت :ل َي َديْ لك ول أبالك فالسمُ بمنزلة اسم ليس بينه وبين المضاف إليه شيء نحو ل مِثل زيد فكما قبح أن
تقول ل مثل بها زيد فتفصل قبح أن تقول ل يَدَي بها لك ولكن تقول :ل يَدَين بها لك ول أبَ يوم الجمعة لك كأنك قلت :ل
يدين بها ول أبَ يوم الجمعة ثم جعلت لك وكذلك إن لم تجعل لك خبراً ولم تفصل بينهما وجئت بلك بعد أن تضمر مكاناً
وزماناً كإضمارك إذا قلت :ل رجلَ.
230
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ثم تقول لك لتبيّن المنفيّ عنه وربما تركتَها استغناءً بعلم المخاطب وقد تذكرها توكيداً وإن عُلم من تعني.
فكما قبح أن تفصل بين المضاف والسم المضاف إليه قُبح أن تفصل بين لك وبين المنفي الذي قبله لن المنفي الذي قبله
إذا جعلته كأنه اسمٌ لم تفصل بينه وبين المضاف إليه بشيء قبح فيه ما قُبح في السم المضاف الى اسم لم تجعل بينه وبينه
شيئاً لن اللم كأنها ههنا لم تُذكر.
وهذا يجوز في الشعر لن الشاعر إذا اضط ّر فصل بين المضاف والمضاف إليه.
قال الشاعر وهو ذو الرمة :كأن أصواتَ من إيغالهنّ بنا أواخرِ المَيس أصواتُ الفراريجِ وإنما اختير الوجهُ الذي تثبَت فيه
النون في هذا الباب كما اختير في كم إذا قلت كم بها رجلً مصاباً وأنت تُخبر لغة من ينصب بها لئل يفصَل بين الجار
والمجرور :ومن قال :كم بها رجل مصاب فلم يُبالِ القبح قال :ل يَ َديْ بها لك ول أخا يوم الجمعة لك ول أخا فاعلم لك.
ل مصابٍ وترك النون في ل يَديْ بها لك قول يونس واحتج بأن الكلم ل يستغني إذا قلت كم بها
والجرّ في كم بها رج ٍ
رجلٍ.
والذي يستغني به الكلم وما ل يستغني به قبحهما واحدٌ إذا فصلت بكل واحد منهما بين الجارّ والمجرور.
ل مصاب كقبح ُربّ فيها رجل فلو حسن بالذي ل يستغني به الكلم لحسُن بالذي يستغني به كماأل ترى أن قبح كم بها رج ٍ
أن كل مكان حسن لك أن تفصل فيه بين العامل والمعمول فيه بما يحسن عليه السكوت حسن لك أن تفصل فيه بينهما بما
يقبح عليه السكوت.
وذلك قولك :إن بها زيدًا مصابٌ وإن فيها زيداً قائمٌ وكان بها زيد مصاباً وكان فيها زيدٌ مصاباً.
وإنما يفرَق بين الذي يحسُن عليه السكوت وبين الذي ل يحسن عليه في موضع غير هذا.
ن ول جري َتيْ لك إذا جعلت الخِر مضافاً ولم تجعله خبراً له وصار الول مضمَراً له خبرٌ كأنك قلت :ل
وتقول :ل غلمَي ِ
غلمين في مِلكك ول جاريتيْ لك كأنك قلت :ول جاريتَيك في التمثيل ولكنهم ل يتكلمون.
فإنما اخ ُتصّت ل في الب بهذا كما اخ ُتصّ لدُن مع غُدوةَ بما ذكرت لك.
ومن كلمهم أن يجري الشيء على ما ل يستعمل في كلمهم نحو قولهم :ملمحُ ومذاكيرُ ل يستعملون ل مَلمَح ًة ول
مِذكارًا وكما جاء عذيرك على مثال ما يكون نكرة ومعرفة نحو ضَربًا وضرْبَك ول يُتكلم به إل معرفةً مضافة.
ومنه ما قد مضى.
وإن شئت قلت :ل غلمين ول جريتين لك إذا جعلت لك خبراً لهما وهو قول أبي عمرو.
وكذلك إذا قلت :ل غلمين لك وجعلت لك خبراً لنه ل يكون إضافة وهو خبرٌ لن المضاف يحتاج الى الخبر مضمَراً أو
مظهَراً.
231
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
أل ترى أنه لو جاز تيمُ تَيمُ عديّ في غير النداء لم يستقم لك إل أن تقول ذاهبون.
فإذا قلت ل أبا لك فها هنا إضمارُ مكان ولكنه تُرك استخفافاً واستغناء.
قال الشاعر وهو نهارُ بن تَوسِعة اليشكُريّ فيما جعله خبراً :أبي السل ُم ل أبَ لي سواهُ إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ وإذا ترك
التنوين فليس السم مع ل بمنزلة خمسة عشر لنه لو أراد ذلك لجعل لك خبرًا وأظهر النون أو أضمر خبراً ثم جاء بعدها
بلك توكيداً ولكنه أجراه مجرى ما ذكرت لك في النداء لنه موضع حذف وتخفيف كما أن النداء كذلك.
وتقول أيضاً إن شئت :ل غلمين ول جاريتين لك ول غلمين وجاريتين كأنك قلت :ل غلمين ول جاريتين في مكان كذا
وكذا لك فجاء بلك بعد ما بنى على الكلم الول في مكان كذا وكذا كما قال :ل يَدَين بها لك حين صيّره كأنه جاء بلك فيه
بعد ما قال ل يَدين بها في الدنيا.
واعلم أن المنفي الواحد إذا لم يك لك فإنما يُذهب منه التنوين كما أُذهب من آخر خمسة عشر كما أُذهب من المضاف.
والدليل على ذلك أن العرب تقول :ل غلمين عندك ول غلمين فيها ول أبَ فيها وأثبتوا النون لن النون ل تُحذف من
السم الذي يُجعل وما قبله أو وما بعده بمنزلة اسم واحد.
أل تراهم قالوا :الذين في الدار فجعلوا الذين وما بعده من الكلم بمنزلة اسمين جُعل اسماً واحداً ولم يحذفوا النون لنها ل
تجيء على حدّ التنوين.
وإنما صارت السماء حين وَلِيَت لك بمنزلة المضاف لنهم كأنهم ألحقوا اللم بعد اسمٍ كان مضافاً كما أنك حين قلت :يا تيمَ
تيمَ عَديّ فإنما ألحقتَ السم اسماً كان مضافاً ولم يغيّر الثاني المعنى كما أن اللم لم تغيّر معنى ل أباكَ.
وإذا قلت :ل أبَ فيها فليست في من الحروف التي إذا لحقتْ بعد مضاف لم تغيّر المعنى الذي كان قبل أن تلحق.
أل ترى أن اللم ل تغيّر معنى المضاف الى السم إذا صارت بينهما كما أن السم الذي يثنّى به ل يغيّر المعنى إذا صار
بين الول والمضاف إليه فمن ثمّ صارت اللم بمنزلة السم يثنّى به.
وتقول :ل غلمَ وجارية فيها لن ل إنما تُجعل وما تعمل فيه اسماً واحداً إذا كانت الى جنب السم فكما ل يجوز أن تفصل
خمسةً من عشر كذلك لم يستقم هذا لنه مشبّه به فإذا فارقه جرى على الصل.
قال الشاعر :ل أبَ وابناً مثلُ مَروانَ وابنِه إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا وتقول :ل رجلَ ول امرأةً يا فتى إذا كنت ل
بمنزلتها في ليس حين تقول :ليس لك ل رجلٌ ول امرأة فيها.
ل ول امرأةَ
وقال رجل من بني سُليم وهو أنس بن العبّاس :ل نسبَ اليومَ ول خُلةً اتّسع الخَرقُ على الراقع وتقول :ل رج َ
فيها فتُعيد ل الولى كما تقول :ليس عبد ال وليس أخوه فيها فتكون حالُ الخرة في تثنيتها كحال الولى.
فإن قلت :ل غلمين ول جاريتين لك إذا كانت الثانية هي الولى أثبتّ النون لن لكَ خب ٌر عنهما والنون ل تذهب إذا
جعلتهما كاسم واحد لن النون أقوى من التنوين فلم يُجروا عليها ما أجرَوا على التنوين في هذا الباب لنه مفارِق للنون
ولنها تثبت فيما ل يَثبت فيه.
واعلم أن كل شيء حسن لك أن تُعمل فيه ُتبّ حسُن لك أن تعمِل فيه ل.
وسألت الخليلَ رحمه ال عن قول العرب :ولسيما زيدٍ فزعم أنه مثل قولك :ول مثلَ زيدٍ وما لَغوٌ.
232
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقال :ولسيما زي ٌد كقولهم دعْ ما زيدٌ وكقوله " :مثلً ما بَعوضةٌ " فسيّ في هذا الموضع بمنزلة مثل فمن ث ّم عملتْ فيه ل
ب مثلِ زيدٍ.
ب في مثل وذلك قولك :ر ّ كما تعمل ُر ّ
وقال أبو محجن الثقفي :يا ُربّ مثِلكِ في النساء غريرةٍ بيضاءَ قد م ّتعْتُها بطَلقِ ما يثبت فيه التنوين من السماء المنفية
وذلك من قبل أن التنوين لم يصر منتهى السم فصار كأنه حرف قبل آخر السم وإنما يُحذف في النفي والنداء منتهى
السم.
ن وضاربٍ وخيرٍ صار من تمام السموهو قولك :ل خيراً منه لك ول حسَناً وجهُه لك ول ضارباً زيداً لك لن ما بعد حس ٍ
فقبح عندهم أن يحذفوا قبل أن ينتهوا الى منتهى السم لن الحذف في النفي في أواخر السماء.
وقال الخليل رحمه ال :كذلك ل آمِراً بالمعروف لك إذا جعلت بالمعروف من تمام السم وجعلتَه متصلً به كأنك قلت :ل
آمِرًا معروفاً لك.
وإن قلت ل آمِرَ بمعروف فكأنك جئت بمعروف بعد ما بنيتَ على الول كلماً كقولك :ل آمِرَ في الدار يوم الجمعة.
وإن شئت جعلته كأنك قلت :ل آمِر يوم الجمعة فيها فيصير المبني على الول مؤخّرًا ويكون المُلغى مقدّما.
وكذلك ل راغبًا الى ال لك ول مُغيراً على العداء لك إذا جعلت الخِر متصلً بالول كاتصال منك بأفعل.
وإن شئت قلت :ل آمراً يومَ الجمعة إذا نفيتَ المرينَ يوم الجمعة ل من سواهم من المرين فإذا قلت :ل آمرَ يومَ الجمعة
فأنت تنفي المرين كلهم ثم أعلمت في أي حين.
وإذا قلت ل ضارباً يوم الجمعة فإنما تنفي ضاربي يوم الجمعة في يومه أو في يوم غيره وتجعل يوم الجمعة فيه منتهى
السم.
فنوّنْ في هذا ما نوّنته في النداء مما ذكرت لك إل النكرة فإن النكرة في هذا الباب بمنزلة المعرفة في النداء.
ول تعمل ل إل في النكرة تُجعل معها بمنزلة خمسة عشر فالنكرة ههنا بمنزلة المعرفة هناك إل ما ذكرت لك.
اعلم أنك إذا وصفت المنفي فإن شئت نونت صفةَ المنفي وهو أكثر في الكلم وإن شئت لم تنوّن.
فأما الذين نوّنوا فإنهم جعلوا السم ول بمنزلة اسم واحد وجعلوا صفة المنصوب في هذا الموضع بمنزلته في غير النفي.
فإذا قلت :ل غلمَ ظريفاً لك فأنت في الوصف الول بالخيار ول يكون الثاني إل منوّنا من قبل أنه ل تكون ثلثة أشياء
منفصلة بمنزلة اسم واحد.
233
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك :ل غلمَ فيها ظريفاً إذا جعلتَ فيها صفةً أو غير صفة.
وإن كررتَ السمَ فصار وصفاً فأنت فيه بالخيار إن شئت نوّنت وإن شئت لم تنوّن.
وذلك قولك :ل رجلَ اليوم ظريفاً ول رجلَ فيها عاقلً إذا جعلت فيها خبرًا أو لغواً ول رجلَ فيك راغباً من قبل أنه ل يجوز
لك أن تجعل السم والصفة بمنزلة اس ٍم واحد وقد فصلتَ بينهما كما أنه ل يجوز لك أن تفصل بين عشر وخمسة في خمسة
عشر.
ومما ل يكون الوصفُ فيه إل منوناً قوله :ل ماء سماءٍ لك باردًا ول مثلَه عاقلً من قبل أن المضاف ل يُجعل مع غيره
بمنزلة خمسة عشر وإنما يذبه التنوين منه كما يذهب منه في غير هذا الموضع فمن ثمّ صار وصفُه بمنزلته في غير هذا
الموضع.
أل ترى أن هذا لو لم يكن مضافاً لم يكن إل منوناً كما يكون في غير باب النفي وذلك قولك :ل ضارباً زيداً لك ول حسناً
وجهَ الخ فيها.
فإذا كففتَ التنوين وأضفت كا بمنزلته في غير هذا الباب كما كان كذلك غيرَ مضاف فلما صار التنوين إنما ُي َكفّ للضافة
جرى على الصل.
فإذا قلت :ل ماءَ ول لبنَ ثم وصفت اللبن فأنت بالخيار في التنوين وتركه.
فإذا جعلت الصفة للماء لم يكن الوصفُ إل منوّنا لنه ل يُفصَل بين الشيئين اللذين يجعلن بمنزلة اسم واحد مضمَرًا أو
مظهَرًا لنهما قد صارا اسمًا واحداً بمنزلة زيد ويحتاجان الى الخبر مضمَراً أو مظهَراً.
أل ترى أنه لو جاز تَيمُ تيمُ عديّ لم يستقم إل أن تقول ذاهبون.
وذلك قولك :ل غلمين ظريفين ول مسلمين صالحين لك من قبل أن الظريفين والصالحين نعتٌ للمنفي ومن اسمه وليس
واحدٌ من السمين وِليَ ل ثم ولِيتَه لك ولكنه وصف وموصوف فليس للموصوف سبيل الى الضافة.
ولم يجئ ذلك في الوصف لنه ليس بالمنفي وإنما هو صفة وإنما جاز التخفيف في النفي فلم يجز ذلك إل في المنفي كما أنه
يجوز في المنادى أشياء ل تجوز في وصفه من الحذف والستخفاف.
234
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
بها العِينُ والرامُ ل عِدّ عندَها ** ول كَ َرعٌ إل المَغاراتُ والرّ ْبلُ
وقال رجل من بني مَذحِج :هذا لعَمرُكم الصّغارُ بعينه ل أمّ لي إن كان ذاك ول أبُ فزعم الخليل رحمه ال أن هذا يجري
على الموضع ل على الحرف الذي عمل في السم كما أن الشاعر حين قال :فلسنا بالجبال ول الحديدا أجراه على الموضع.
ومثل ذلك أيضًا قول العرب :ل مثلَه أحدٌ ول كزيد أحدٌ.
ل ول قوة إل بال.
وتقول :ل مثلَه رجلٌ إذا حملته على الموضع كما قال بعضُ العرب :ل حو َ
وإن شئت قلت :ل مثلَه رجلً على قوله :لي مثلُه غلماً.
ل منك
ل أفض ُ
وقال ذو الرمة :وقال الخليل رحمه ال :يدلك على أن ل رجلَ في موضع اسم مبتدأ مرفوع قولك :ل رج َ
كأنك قلت :زيدٌ أفضل منك.
سوْء.
سوْء كأنك قلت :حسبك قولُ ال ّ
ومثل ذلك :بحَسبك قول ال ّ
وقال الخليل رحمه ال :كأنك قلت :رجلٌ أفضل منك حين مثّله.
وأما قول جرير :يا صاح َبيّ دنا الرّواح فسِيرا ل كالعشيةِ زائرًا ومَزورا فل يكون إل نصباً من قبل أن العشية ليست
ل فكاليوم كقولك في اليوم لن الكاف ليست باسم.
بالزائر وإنما أراد :ل أرى كالعشية زائراً كما تقول :ما رأيت كاليوم رج ً
وفيه معنى التعجب كما قال :تال رجلً وسبحان ال رجلً وإنما أراد :تال ما رأيت رجلً ولكنه يترك الظهار استغناءً لن
المخاطَب يعلم أن هذا الموضع إنما يضمَر فيه هذا الفعل لكثرة استعمالهم إياه.
ل لن الخِر هو الول ولن زيداً رجل وصار ل كزيد كأنك قلت :ل أحدَ كزيد ثم
وتقول :ل كالعشية عشيةٌ ول كزيد رج ٌ
ل كما تقول :ل مال له قليلٌ ول كثير على الموضع.
قلت رج ٌ
قال الشاعر امرؤ القيس :كأنه قال :ول شيء كهذا ورفع على ما ذكرتُ لك.
وإن شئت نصبته على نصبه :فهل في مَعدّ فوق ذلك مِرفَدا كأنه قال :ل أحدَ كزيد رجلً وحمل الرجل على زيد كما حمل
المرفد على ذلك.
ل ول كثيراً.
وإن شئت نصبتَه على ما نصبتَ عليه ل مال له قلي ً
ونظير ل كزيد في حذفهم السم قولُهم :ل عليك وإنما يريد :ل بأس عليك ول شيء عليك ولكنه حذف لكثرة استعمالهم إياه.
قبل أن تدخل ل ول يجوز ذلك إل أن تُعيد ل الثانية من قبل أنه جواب لقوله :أغلمٌ عندك أم جارية إذا ادّعيت أن أحدهما
عنده.
235
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ول يحسن إل أن تُعيد ل كما أنه ل يحسن إذا أردت المعنى الذي تكون فيه أم إل أن تذكرها مع اسم بعدها.
وإذا قال ل غلمَ فإنما هي جوابٌ لقوله :هل من غلم وعملتْ ل فيما بعدها وإن كان في موضع ابتداء كما عملتْ مِن في
الغلم وإن كان في موضع ابتداء.
فمما ل يتغير عن حاله قبل أن تدخل عليه ل قولُ ال عز وجلّ ذكره " :ل خوفَ عليهم ول هُم يحزنون ".
وقال الشاعر الراعي :وما ص َرمْ ُتكِ حتى قلتِ مُعلنةً ل ناق ٌة ليَ في هذا ول جملُ وقد جُعلت وليس ذلك بالكثر بمنزلة ليس.
وإن جعلتها بمنزلة ليس كانت حالُها كحال ل في أنها في موضع ابتداء وأنها ل تعمل في معرفة.
فمن ذلك قول سعد بن مالك :مَن صدّ عن نيرانها فأنا ابنُ قيسٍ ل بَراحُ واعلم أن المعارف ل تجري مجرى النكرة في هذا
الباب لن ل ل تعمل في معرفة أبداً.
فأما قول الشاعر :ل هيثَمَ الليلةَ للمَطيّ فإنه جعله نكرة كأنه قال :ل هيثمَ من الهيثمَين.
وقال ابن الزبير السدي :أرى الحاجاتِ عند أبي خُبَيبٍ نكِدْنَ ول أميّة بالبل ِد وتقول :قضية ول أبا حسن تجعله نكرة.
قلت :فكيف يكون هذا وإنما أراد عليّا رضي ال عنه فقال :لنه ل يجوز لك أن تعمِل ل في معرفة وإنما تعملها في النكرة
فإذا جعلت أبا حسنٍ نكرة حسن لك أن تعمِل ل وعلم المخاطَب أنه قد دخل في هؤلء المنكورين عليّ وأنه قد غُيّب عنها.
فإن قلت :إنه لم يُردْ أن ينفي كل من اسمُه علي فإنما أراد أن ينفي منكورين كلهم في قضيته مثلُ عليّ كأنه قال :ل أمثالَ
عليّ لهذه القضية ودلّ هذا الكلم على أنه ليس لها عليّ وأنه قد غيّب عنها.
ومثله قول الشاعر مُزاحم ال ُعقَيلي :ف َرطْنَ فل ردّ لما ُبتّ وانقضى ولكن بغوضٌ أن يقالَ عديمُ وقد يجوز في الشعر رفع
المعرفة ول تثنى ل.
قال الشاعر :بكتْ جزعاً واسترجعت ثم آذنتْ ركائبها أن ل إلينا رجوعُها واعلم أنك إذا فصلت بين ل وبين السم بحشو لم
يحسن إل أن تعيد ل الثانية لنه جُعل جواب :أذا عندك أم ذا ولم تُجعل ل في هذا الموضع بمنزلة ليس وذلك لنهم جعلوها
إذا رفعتْ مثلها إذا نصبتْ ل تفصل لنها ليست بفعل.
ول يجوز ل فيها أحد إل ضعيفًا ول يحسن ل فيك خيرٌ فإن تكلّمت به لم يكن إل رفعًا لن ل ل تعمل إذا فُصل بينها وبين
السم رافع ًة ول ناصبة لما ذكرت لك.
وتقول :ل أحد أفضل منك إذا جعلته خبراً وكذلك :ل أحدَ خيرٌ منك :قال الشاعر :وردّ جازرُهم حَرفاً ُمصَرّمة ول كري َم
من الوِلدان مصبوحُ لما صار خبراً جرى على الموضع لنه ليس بوصف ول محمول على ل فجرى مجرى :ل أحدَ فيها
إل زيد.
ل منك في قول من جعلها كليس ويُجريها مجراها ناصبة في المواضع وفيما يجوز أن يُحمَل
وإن شئت قلت :ل أح ٌد أفض َ
عليها.
236
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولم تُجعل ل التي كليس مع ما بعدها كاسم واحد لئل يكون الرافع كالناصب.
لنه ل يجوز لل أن تعمل في معرفة كما ل يجوز ذلك لربّ فمن ذلك قولك :ل غلم لك ول العبّاس.
فإن قلت :أحملُه على ل فإنه ينبغي لك أن تقول :ربّ غلمٍ لك والعباس وكذلك ل غلم لك وأخوه.
فأما من قال :كلّ شاة وسخلتِها بدرهم فإنه ينبغي له أن يقول :ل رجلَ لك وأخاه لنه كأنه قال :ل رجلَ لك وأخاً له.
قبل أن تلحق وذلك لنها لحقت ما قد عمل فيه غيرُها كما أنها إذا لحقت الفعال التي هي بدل منها لم تغيّرها عن حالها التي
كانت عليها قبل أن تلحق.
ول يلزمك في هذا الباب تثنية ل كما ل تثنّي ل في الفعال التي هي بدل منها.
وذلك قولك :ل مرحَباً ول أهلً ول كرامةً ول مسرّة ول شللً ول سقيًا ول رَعياً ول هنيئاً ول مريئاً صارت ل مع هذه
السماء بمنزلة اسم منصوب ليس معه ل لنها أجريت مجراها قبل أن تلحق ل.
ومثل ذلك :ل سلمٌ عليك لم تغيّر الكلم عما كان عليه قبل أن تلحق.
وقال جرير :ونُبّئت جوّابا وسَكناً يسبّني وعمرو بن عفرا ل سلمٌ على عمرِو فلم يلزمك في ذا تثنية ل كما لم يلزمك ذلك
في الفعل الذي فيه معناه وذلك ل سلّم ال عليه.
فدخلتْ في ذا الباب لتنفي ما كان دُعاء كما دخلت على الفعل الذي هو بدلٌ من لفظه.
ومما جرى مجرى الدعاء مما هو تطلّقٌ عند طلب الحاجة وبشاشة نحو كرامةً ومسرّة ونُعمةَ عين.
فدخلتْ على هذا كما دخلتْ على قوله :ول أُكرمُك ول أسُرّك ول أُنعمُك عيناً.
ولو قبح دخولها هنا لقبح في السم كما قبح في ل ضَرباً لنه ل يجوز :ل اضربْ في المر.
وقد دخلت في موضع غير هذا فلم تغيّره عن حاله قبل أن تدخله وذلك قولهم :ل سَواء وإنما دخلت ل هنا لنها عاقبت ما
ارتفعتْ عليه سواء.
أل ترى أنك ل تقول هذان ل سواءٌ فجاز هذا كما جاز :ل ها الِ ذا حين عاقبتْ ولم يجز ذكر الواو.
وقالوا :ل َنوْلك أن تفعل لنهم جعلوه معاقِباً لقوله :ل ينبغي أن تفعل كذا وكذا وصار بدلً منه فدخل فيه ما دخل في ينبغي
كما دخل في ل سلمٌ ما دخل في سلّم.
237
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
واعلم أن ل قد تكون في بعض المواضع بمنزلة اسم واحد هي والمضاف إليه ليس معه شيء وذلك نحو قولك :أخذتَه بل
ذَنب وأخذته بل شيء وغضبتَ من ل شيء وذهبتَ بل عتاد والمعنى معنى ذهبت بغير عتاد وأخذتَه بغير ذنب إذا لم ترد
أن تجعل غيراً شيئاً أخذه ومثل ذاك قولك للرجل :أجئتَنا بغير شيء أي رائقاً.
وتقول إذا قلّلت الشي َء أو صغّرت أمره :ما كان إل كل شيء وإنك ول شيئاً سواءٌ.
ومن هذا النحو قول الشاعر وهو أبو الطّفيل :تركتَني حين ل مالٍ أعيشُ به وحين جُنّ زمانُ الناس أو كَلِبا والرفع عربي
على قوله :حين ل مُس َتصْرَخُ و :ل بَراحُ والنصبُ أجودُ وأكثر من الرفع لنك إذا قلت ل غلمَ فهي أكثر من الرافعة التي
بمنزلة ليس.
نّ وأما قول جرير :ما بالُ جهلِك بعد الحِلم والدين وقد علكَ
قال الشاعر وهو العجّاج :حنّت قَلوصي حين ل حينَ َمحَ ْ
ن ول بمنزلة ما إذا أُلغيتْ.
مَشيبٌ حين ل حينِ فإنما هو حينَ حي ٍ
واعلم أنه قبيح أن تقول :مررتُ برجل ل فارسٍ حتى تقول :ل فارسٍ ول شجاع.
ومثلُ ذلك :هذا زيدٌ ل فارساً ل يحسن حتى تقول :ل فارساً ول شجاعاً.
ت امرؤٌ منا خُلقتَ لغيرنا حياتُك ل نفعٌ وموتُك فاجِعُ فكذلك هذه الصفات وما جعلته خبراً
قال رجلٌ من بني سَلول :وأن َ
للسماء نحو :زيدٌ ل فارسٌ ول شجاع.
واعلم أن ل في الستفهام تعمل فيما بعدها كما تعمل فيه إذا كانت في الخبر فمن ذلك قوله البيت لحسّان بن ثابت :أل طِعانَ
ول فُرسانَ عاديةً إل تَجشّؤكم عند التنانيرِ وقال في مثل :أفل قُماصَ بالعَير.
ومن قال :ل غلم ول جارية قال :أل غلمٌ وأل جارية.
واعلم أن ل إذا كانت مع ألف الستفهام ودخل فيها معنى التمني عملتْ فيما بعدها فنصبته ول يحسن لها أن تعمل في هذا
الموضع إل فيما تعمل فيه في الخبر وتسقط النون والتنوين في التمني كما سقطا في الخبر.
وتقول :أل غلمين أو جاريتين لك كما تقول :ل غلمين وجاريتين لك.
وتقول :أل ماءَ ولبناً كما قلت :ل غلمَ وجاريةً لك تُجريها مجرى ل ناصبة في جميع ما ذكرتُ لك.
وسألت الخليل رحمه ال عن قوله :أل رجلً جزاه ال خيراً يدلّ على محصلةٍ تبيتُ فزعم أنه ليس على التمني ولكنه
بمنزلة قول الرجل :فهلّ خيراً من ذلك كأنه قال :أل تُروني رجلً جزاه ال خيراً.
وأما يونس فزعم أنه نوّن مضطراً وزعم أن قوله :ل نسبَ اليومَ ول خُلّة على الضطرار.
238
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
والذي قال مذهب.
ول يكون الرفع في هذا الموضع لنه ليس بجواب لقوله :أذا عندك أم ذا وليس في ذا الموضع معنى ليس.
وتقول :أل ماء وعسلً بارداً حلوًا ل يكون في الصفة إل التنوين لنك فصلت بين السم والصفة حين جعلتَ البرد للماء
والحلوةَ للعسل.
ومن قال :ل غل َم أفضلُ منك لم يقل في أل غل َم أفضلَ منك إل بالنصيب لنه دخل فيه معنى التمني وصار مستغنياً عن
الخبر كاستغناء اللهمّ غلمًا ومعناه اللهم هب لي غلماً.
وما فيه ذلك المعنى من حروف الضافة وليس باسم فحاشى وخل في بعض اللغات.
اعلم أن إل يكون السم بعدها على وجهين :فأحدُ الوجهين أن ل تغير السم عن الحال التي كان عليها قبل أن تلحق كما أن
ل حين قلت :ل مرحباً ول سلمٌ لم تغيّر السم عن حاله قبل أن تلحق فكذلك إل ولكنها تجيء لمعنى كما تجيء ل لمعنى.
والوجه الخر أن يكون السم بعدها خارجاً مما دخل فيه ما قبله عاملً فيه ما قبله من الكلم كما تعمل عشرون فيما بعدها
إذا قلت عشرون درهماً.
فأما الوجه الذي يكون فيه السم بمنزلته قبل أن تلحق إل فهو أن تُدخل السم في شيء تنفي عنه ما سواه وذلك قوله :ما
أتاني إل زي ٌد وما لقيتُ إل زيدًا وما مررتُ إل بزيدٍ تُجري السم مجراه إذا قلت ما أتاني زي ٌد وما لقيتُ زيدًا وما مرر ُ
ت
بزيد ولكنك أدخلت إل لتوجب الفعال لهذه السماء ولتنفي ما سواها فصارت هذه السماء مُستثناة.
فليس في هذه السماء في هذا الموضع وجه سوى أن تكون على حالها قبل أن تلحق إل لنها بعد إل محمولة على ما يجرّ
ويرفع وينصب كما كانت محمولة عليه قبل أن تلحق إل ولم تشغل عنها قبل أن تلحق إل الفعلَ بغيرها.
وذلك قولك :ما أتاني أحدٌ إل زي ٌد وما مررتُ بأحدٍ إل زيدٍ وما رأيتُ أحداً إل زيداً جعلت المستثنى بدلً من الول فكأنك
قلت :ما مررتُ إل بزيدٍ وما أتاني إل زي ٌد وما لقيتُ إل زيداً.
كما أنك إذا قلت :مررت برجلٍ زيدٍ فكأنك قلت :مررتُ بزيدٍ.
فهذا وجه الكلم أن تجعل المستثنى بدلً من الذي قبله لنك تُدخله فيما أخرجتَ منه الول.
239
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومن ذلك قولك :ما أتاني القو ُم إل عمرو وما فيها القومُ إل زيدُ وليس فيها القوم إل أخوك ومن قال :ما أتاني القومُ إل أباك
لنه بمنزلة أتاني القومُ إل أباك فإنه ينبغي له أن يقول " :ما فعلوه إل قليلً منهم ".
وحدّثني يونس أن أبا عمرو كان يقول :الوجهُ ما أتاني القومُ إل عبد ال.
ولو كان هذا بمنزلة أتاني القوم لما جاز أن تقول :ما أتاني أحد كما أنه ل يجوز أتاني أحدٌ ولكن المستثنى في هذا الموضع
سهُم " ولكان ينبغي له أن يقول ما
مب َدلٌ من السم الول ولو كان من قبل الجماعة لما قلت " :ولم يكنْ لهم شُهداءُ إل أنف ُ
أتاني أحدٌ إل قد قال ذاك إل زيد لنه ذكر واحداً.
ومن ذلك أيضاً :ما فيهم أحدٌ اتخذتُ عنده يداً إل زيدٌ وما فيهم خيرٌ إل زيدٌ إذا كان زيد هو الخير.
وتقول :ما مررتُ بأحد يقول ذاك إل عبدِ ال وما رأيت أحدًا يقول ذاك إل عبد ال وما رأيت أحدًا يقول ذاك إل زيداً.
وإن حملتَه على الضمار الذي في الفعل فقلت :ما رأيت أحدًا يقول ذاك إل زيد ورفعت فجائز حسن.
قال الشاعر وهو عديّ بن زيد :في ليلةٍ ل نرى بها أحداً يحكي علينا إل كواكبُها وكذلك ما أظن أحدًا يقول ذاك إل زيداً.
وكذلك ما علمت أحداً وإنما اختير النصبُ هنا لنهم أرادوا أن يجعلوا المستثنى بمنزلة المبدَل منه وأن ل يكون بدلً إل من
منفيّ فالمبدَل منه منصوب منفي ومضمَره مرفوع فأرادوا أن يجعلوا المستثنى بدلً منه لنه هو المنفي وهذا وصف أو
خبر وقد تكلموا بالخر لن معناه النفي إذا كان وصفًا لمنفي كما قالوا :قد عرفت زيدٌ أبو مَن هو لما ذكرتُ لك لن معناه
معنى المستفهَم عنه.
وقد يجوز :ما أظن أحداً فيها إل زيدٌ ول أحدَ منهم اتخذتُ عنده يداً إا زيدٍ على قوله :إل كواكبُها.
وتقول :ما ضربتُ أحدًا يقول ذاك إل زيداً ل يكون في ذا إل النصب وذلك لنك أردت في هذا الموضع أن تخبر بموقوع
فعلِك ولم ترد أن تخبر أنه ليس يقول ذاك إل زيد ولكنك أخبرت أنك ضربت ممن يقول ذاك زيداً.
والمعنى في الول أنك أردت أنه ليس يقول ذاك إل زي ٌد ولكنك قلت رأيتُ أو ظننت أو نحوهما لتجعل ذلك فيما رأيت وفيما
ظننت.
قال الخليل رحمه ال :أل ترى أنك تقول :ما رأيته يقول ذاك إل زيد وما ظننته يقوله إل عمرو.
فهذا يدلك على أنك إنما انتحيت على القول ولم ترد أن تجعل عبد ال موضعَ فعل كضربتُ وقتلت ولكنه فعلٌ بمنزلة ليس
يجيء لمعنى وإنما يدل على ما في علمك.
240
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأقلّ رجلٍ مبتدأ مبنيّ عليه والمستثنى بدل منه لنك تُدخله في شيء تُخرج منه مَن سواه.
وكذلك أقلّ من يقول ذلك وقلّ من يقول ذاك إذا جعلتَ مَن بمنزلة رجلٍ.
حدّثنا بذلك يونس عن العرب يجعلونه نكرة كما قال :ربّ ما تكره النفوسُ مِن ال مر له فَرجةٌ كحلّ العِقالِ فجعل ما نكرة.
والسم ل على ما عمل في السم ولكن السم وما عمل فيه في موضع اسم مرفوع أو منصوب.
وذلك قولك :ما أتاني من أحدٍ إل زيدٌ وما رأيت من أحدٍ إل زيداً.
وإنما منعك أن تحمل الكلم على مِن أنه خلفٌ أن تقول :ما أتاني إل من زيد فلما كان كذلك حمله على الموضع فجعله بدلً
منه كأنه قال :ما أتاني أحد إل فلن لن معنى ما أتاني أحد وما أتاني من أحدٍ واحدٌ ولكن مِن دخلت هنا توكيداً كما تدخل
الباء في قولك :كفى بالشيب والسلم وفي :ما أنت بفاعل ولستَ بفاعلٍ.
ومثل ذلك :ما أنت بشيء إل شيء ل يُعبَأ به من قبل أن بشيء في موضع رفع في لغة بني تميم فلما قبُح أن تحمله على
الباء صار كأنه بدل من اسم مرفوع وبشيء في لغة أهل الحجاز في موضع منصوب ولكنك إذا قلت :ما أنت بشيء إل
شيء ل يُعبَأ به استوت اللغتان فصارت ما على أقيس الوجهين لنك إذا قلت :ما أنت بشيء إل شيء ل يُعبَأ به فكأنك قلت:
ما أنت إل شيء ل يُعبَأ به.
وتقول :لستَ بشيء إل شيئاً ل يُعبَأ به كأنك قلت :لستَ إل شيئاً ل يُعبَأ به والباء ههنا بمنزلتها فيما قال الشاعر :يا ابْ َنيْ
لُبَينَي لستُما بيدٍ إل يداً ليست لها عضُ ُد ومما أجري على الموضع ل على ما عمل في السم :ل أحدَ فيها إل عبد ال فل أحدَ
في موضع اسم مبتدأ وهي ههنا بمنزلة من أحدَ في ما أتاني.
أل ترى أنك تقول :ما أتاني من أحدٍ ل عبدُ ال ول زيدٌ من قبل أنه خلفٌ أن تحمل المعرفة على مِن في ذا الموضع كما
تقول ل أحدَ فيها ل زي ٌد ول عمرو لن المعرفة ل تُحمل على ل وذلك أن هذا الكلم جواب لقوله :هل مِن وتقول :ل أحدَ
رأيته إل زيد إذا بنيتَ رأيته على الول كأنك قلت :ل أحدَ مرئي.
فإن قلبتَه فجعلتَه يلي أن وما في لغة أهل الحجاز قبح ولم يَجز لنهما ليسا بفعل فيُحتمل قلبُهما كما لم يجز فيهما التقديم
والتأخير ولم يجز ما أنت إل ذاهباً ولكنه لما طال الكلم قويَ واحتُمل ذلك كأشياء تجوز في الكلم إذا طال وتزداد حُسناً.
وتقول :إن أحداً ل يقول ذاك وهو ضعيف خبيث لن أحداً ل يستعمل في الواجب وإنما نفيتَ بعد أن أوجبتَ ولكنه قد
احتُمل حيث كان معناه النفي كما جاز في كلمهم :قد عرفتُ زيدٌ أبو مَن هو حيث كان معناه أبو مَن زيدٌ.
فمن أجاز هذا قال :إن أحداً ل يقول هذا إل زيداً كما أنه يقول على الجواز :رأيتُ أحدًا ل يقول ذاك إل زيداً يصير هذا
بمنزلة ما أعلمُ أن أحداً يقول ذاك كما صار هذا بمنزلة ما رأيتُ حيث دخله معنى النفي.
241
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإن شئت قلت إل زيدٌ فحملته على يقول كما جاز :يحكي علينا إل كواكبُها وليس هذا في القوة كقولك :ل أحدَ فيها إل زي ٌد
وأقلّ رجلٍ رأيتُه إل عمرو لن هذا الموضع إنما ابتُدئ مع معنى النفي وهذا موضعُ إيجاب وإنما جيء بالنفي بعد ذلك في
الخبر فجاز الستثناء أن يكون بدلً من البتداء حين وقع منفياً.
ول يجوز أن يكون الستثناء أولً لو لم يقل أقلّ رجلٍ ول رجلَ لن الستثناء لبد له ها هنا من النفي.
حدثنا بذلك يونس وعيسى جميعاً أن بعض العرب الموثوقَ بعربيته يقول :ما مررتُ بأحدٍ إل زيداً وما أتاني أحدٌ إل زيداً.
وعلى هذا :ما رأيت أحداً إل زيداً فينصب زيداً على غير رأيت وذلك أنك لم تجعل الخر بدلً من الول ولكنك جعلته
منقطعاً مما عمل في الول.
والدليل على ذلك أنه يجيء على معنى :ولكن زيداً ول أعني زيداً.
وعمل فيه ما قبله كما عمل العشرون في الدرهم إذا قلت عشرون درهماً.
ومثله في النقطاع من أوله :إن لفُلن وال مالً إل أنه شقيّ فأنه ل يكون أبداً على إن لفلن وهو في موضع نصبٍ وجاء
على معنى :ولكنه شقيّ.
وهو لغة أهل الحجاز وذلك قولك :ما فيها أحد إل حماراً جاءوا به على معنى ولكن حماراً وكرهوا أن يُبدلوا الخِر من
الول فيصيرَ كأنه من نوعه فحُمل على معنى ولكن وعمل فيه ما قبله كعمل العشرين في الدرهم.
وأما بنو تميم فيقولون :ل أحدَ فيها إل حمارٌ أرادوا ليس فيها إل حمار ولكنه ذكر أحداً توكيداً لن يُعلم أن ليس فيها آدميّ
ثم أبدل فكأنه قال :ليس فيها إل حمارٌ.
قال الشاعر وهو أبو ذؤيب الهذلي :فإن تُمسِ في قبرٍ برَه َوةَ ثاوياً أنيسُك أصداءُ القبور تصيحُ فجعلهم أنيسَه.
وعلى هذا أنشدت بنو تميم قولَ النابغة الذبياني :يا دارَ ميّة بالعلياء فالسّند أق َوتْ وطال عليها سالفُ الب ِد وقفتُ فيها
ُأصَيلناً أُسائلها ع ّيتْ جواباً وما بالرّبع من أحدِ إل أُواريّ لياً ما أبيّنها والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجَلدِ وأهل الحجاز
ينصبون.
242
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإن شئت كان على الوجه الذي فسّرته في الحمار أول مرة.
ومن ذلك من المصادر :ما له عليه سلطانٌ إل التكلف لن التكلف ليس من السلطان.
ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ ذكره " :ما لهم به من عِلمٍ إل اتّباع الظنّ " ومثله " :وإن نشأْ نُغر ْقهُم فل صريحَ لهم ول هُم
يُنقَذون.
ومثل ذلك قول النابغة :حلفتُ يميناً غيرَ ذي مَث َنوِيةٍ ول عِلمَ إل حُسنَ ظنّ بصاحبِ وأما بنو تميم فيرفعون هذا كله يجعلون
اتّباع الظن علمهم وحُسنَ الظن علمه والتكلّف سلطانه.
وهم يُنشدون بيت ابن اليهم التغلبي رفعاً :ليس بيني وبين قيسٍ عِتابُ غيرُ طعنِ الكُلى وضربِ الرّقاب جعلوا ذلك العتاب.
وزعم الخليل أن الرفع في هذا على قوله :وخيلٍ قد دلَفتُ لها بخيلٍ تحيةُ بينِهم ضربٌ وَجيعُ جعل الضرب تحيّتهم كما
جعلوا اتّباع الظن علمَهم.
وإن شئت كانت على ما فسّرت لك في الحمار إذا لم تجعله أنيسَ ذلك المكان.
ولكن فمن ذلك قوله تعالى " :ل عاصمَ اليومَ من أمر ال إل مَن رحم " أي ولكن من رحم.
ت فنفعها إيمانُها إل قومَ يونسَ لمّا آمنوا " أي ولكن قوم يونس لما آمنوا.
وقوله عز وجلّ " :فلول كانت قرية آمن ْ
وقوله عز وجل " :فلول كانَ من القرون من قبلِكم أولوا بقي ٍة ينهونَ عن الفساد في الرض إل قليلً ممن أنجينا منهم " أي
ولكن قليلً مما أنجينا منهم.
وقوله عز وجلّ " :أُخرِجوا من ديارهم بغير حقّ إل أن يقولوا ربّنا ال " أي ولكنهم يقولون :ربُنا ال.
243
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك أيضاً من الكلم فيما حدّثنا أبو الخطاب :ما زاد إل ما نقص وما نفع إل ما ضرّ.
كما أنك إذا قلت :ما أحسنَ ما كلّم زيداً فهو ما أحسنَ كلمَ زيداً.
ولول ما لم يجز الفعل بعدُ إل في ذا الموضع كما ل يجوز بعد ما أحسنَ بغير ما كأنه قال :ولكنه ضرّ وقال :ولكنه نقص.
هذا معناه.
وقال النابغة الجعدي :فتى كمُلت خيراتُه غير أنه جوادٌ فل يُبقي من المال باقيا كأنه قال :ولكنه مع ذلك جواد.
ومثل ذلك قوله وهو قول بعض بني مازن يقال له عنزُ بن دجاجة :من كان أشركَ في تفرّق فالجٍ فلَبُونه جرِبَت معاً وأغدّت
إل كناشرةَ الذي ضيّعتم كالغُصن في غُلوائه المنبّت كأنه قال :ولكن هذا كناشرة.
وقال:
لول ابنُ حارثة الميرُ لقد ** أغض ْيتَ من شتمي على رغمِ
وذلك قولهم ما أتاني إل أنهم قالوا كذا وكذا فأنّ في موضع اسم مرفوع كأنه قال :ما أتاني إل قولُهم كذا وكذا.
والحجةُ على أنّ هذا في موضع رفع أنّ أبا الخطاب حدّثنا أنه سمع من العرب الموثوق بهم مَن لم يمنع الشربَ منها غيرُ
ل وزعموا أن ناساً من العرب ينصبون هذا الذي في موضع الرفع فقال الخليل أنْ نطقَتْ حمامة في غصونٍ ذات أوقا ِ
رحمه ال :هذا كنصب بعضهم يومئذ في كل موضع فكذلك غير أن نطقت.
لنه مخرَجٌ مما أدخلت فيه غيره فعمل فيه ما قبله كما عمل العشرون في الدرهم حين قلت :له عشرون درهماً.
وهذا قول الخليل رحمه ال وذلك قولك :أتاني القومُ إل أباك ومررتُ بالقوم إل أباك والقوم فيها إل أباك وانتصب الب إذ
لم يكن داخلً فيما دخل فيه ما قبله ولم يكن صفة وكان العاملُ فيه ما قبله من الكلم كما أن الدرهم ليس بصفة للعشرين ول
محمولٍ على ما حُملت عليه وعمل فيها.
244
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما منع البَ أن يكون بدلً من القوم أنك لو قلت أتاني إل أبوك كان مُحالً.
وإنما جاز ما أتاني القومُ إل أبوك لنه يحسن لك أن تقول :ما أتاني إل أبوك فالمبدَل إنما يجيء أبداً كأنه لم يُذكَر قبله شيء
لنك تُخلي له الفعل وتجعله مكان الول.
فإذا قلت :ما أتاني القومُ إل أبوك فكأنك قلت :ما أتاني إل أبوك.
وتقول :ما فيهم أحدٌ إل وقد قال ذلك إل زيداً كأنه قال :قد قالوا ذلك إل زيداً.
والدليل على أنه وصف أنك لو قلت :لو كان معنا إل زي ٌد لهلكْنا وأنت تريد الستثناء لكنت قد أحلتَ.
ونظر ذلك قوله عزّ وجلّ " :لو كان فيهما آلهة إل الُ لفسدَتا ".
ومثل ذلك قوله تعالى " :ل يستوي القاعدون من المؤمنين غي ُر أولي الضّرر " وقوله عزّ وجلّ ذكره " :صراطَ الذين
أنعمتَ عليهم غير المغضوبِ عليهم ".
ومثل ذلك في الشعر للبيد بن ربيعة :وقال أيضاً :لو كان غيري سُليمى اليومَ غيّرهُ وقعُ الحوادث إل الصارمُ الذّكر كأنه
قال :لو كان غيري غيرُ الصارم الذكر لغيّره وقع الحوادث إذا جعلت غيرا الخرة صفة للولى.
وإذا قال :ما أتاني أحد إل زيد فأنت بالخيار إن شئت جعلت إل زيد بدلً وإن شئت جعلته صفةً.
ول يجوز أن تقول :ما أتاني إل زيدٌ وأنت تريد أن تجعل الكلم بمنزلة مثل وإنما يجوز ذلك صفة.
ونظير ذلك من كلم العرب أجمعون ل يجري في الكلم إل على اسم ول يعمل فيه ناصبٌ ول رافعٌ ول جارّ.
وقال عمرو بن معدي كرب :وكلُ أخٍ مُارقُه أخوه ل َعمْرُ أبيك إل الفرقدانِ كأنه قال :وكلُ أخ غيرُ الفرقدين مفارقُه أخوه إذا
وصفتَ به كُلً كما قال الشمّاخ :وكلُ خليلٍ غيرُ هاضم نفسِه لوصلِ خليلٍ صارمٌ أو مُعازرُ ول يجوز رفع زيد على إل أن
يكون لنك ل تضمِر السم الذي هذا من تمامه لن أنْ يكون
245
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
قال كعب بن مالك :الناسُ ألبٌ علينا فيك ليس لنا إل السيوفَ وأطرافَ القنا وزَرُ سمعناه ممن يرويه عن العرب الموثوق
بهم كراهية أن يجعلوا ما حدّ المستثني أن يكون بدلً منه بدلً من المستثنى.
فإن قلت :ما أتاني أحدٌ إل أبوك خيرٌ من زيد وما مررتُ بأحدٍ إل عمرو خيرٍ من زيد وما مررتُ بأحد إل عمرو خيرٍ من
زيدٍ كان الرفع والجرّ جائزين وحسُن البدل لنك قد شغلت الرافعَ والجارّ ثم أبدلتَه من المرفوع والمجرور ثم وصفتَ بعد
ذلك.
وكذلك :مَن لي إل أبوك صديقاً لنك أخليت مَن للب ولم تُفرده لن يعمل كما يعمل المبتدأ.
وقد قال بعضهم :ما مررتُ بأحدٍ إل زيداً خيرٍ منه وكذلك مَن لي إل زيداً صديقًا وما لي أحدٌ إل زيداً صديقٌ كرهوا أن
يقدّموا وفي أنفسهم شيء من صفته إل نصباً كما كرهوا أن يقدّم قبل السم إل نصباً.
وإن شئت قلت :ما لي إل أبوك صديقاً كأنك قلت :لي أبوك صديقاً كما قلت :مَن لي إل أبوك صديقاً حين جعلتَه مثلَ :ما
مررتُ بأحدٍ إل أبيك خيراً منه.
ومثله قول الشاعر وهو الكَلحَبة الثعلبي :أمرتُكمُ أمري بمنقطَع اللّوى ول أمرَ للمَعصيّ إل مضيّعا كأنه قال :للمعضيّ أمرٌ
مضيّعا كما جاز فيها رجلٌ قائماً.
ما تكون فيه في المستثنى الثاني بالخيار وذلك قولك :ما لي إل زيداً صديقٌ وعمراً وعمرٌو ومَن لي إل أباك صديقٌ وزيداً
وزيدٌ.
أما النصب فعلى الكلم الول وأما الرفع فكأنه قال :وعمرو لي لن هذا المعنى ل ينقضُ ما تريد في النصب.
وإن شئت قلت :ما أتاني إل زيداً إل عمرٌو فتجعل التيان لعمرو ويكون زيد منتصباً من حيث انتصب عمرو فأنت في ذا
بالخيار إن شئت نصبت الول ورفعت الخر وإن شئت نصبتَ الخِر ورفعت الول.
246
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وتقول :ما أتاني إل عمراً إل بِشراً أحدٌ كأنك قلت :ما أتاني إل عمراً أحدٌ إل بِشرٌ فجعلتَ بشراً بدلً من أحد ثم قدّمت بشراً
فصار كقولك :ما لي إل بشراً أحدٌ لنك إذا قلت :ما لي إل عمراً أحدٌ إل بشرٌ فكأنك قلت :ما لي أحدٌ إل بشرٌ.
فما لي إل الُ ل َربّ غيرَه وما لي إل الَ غيرَك ناصرُ فغيرَك بمنزلة إل زيداً.
وأما قوله وهو حارثة بن بدر الغُدانيّ :يا كعبُ صبراً على ما كان من حدثٍ يا كعبُ لم يبقَ منا غيرُ أجل ِد إل بقيّات أنفاسٍ
ق منها مثلُ أجل ٍد إل بقياتُ أنفاس.تُحشرِجُها كراحلٍ رائحٍ أو باكرٍ غادي فإن غير ههنا بمنزلة مثل كأنك قلت :لم يب َ
وعلى ذا أنشدَ بعض الناس هذا البيت رفعاً للفرزدق :ما بالمدينة دارٌ غي ُر واحدةٍ دار الخليفة إل دارُ مروانِ جعلوا غير
صفة بمنزلة مثل ومَن جعلها بمنزلة الستثناء لم يكن له بدّ من أن ينصب أحدَهما وهو قول ابن أبي إسحاق.
ولو قلت :ما أتاني إل زيدٌ إل أبو عبد ال كان جيداً إذا كان أبو عبد ال زيداً ولم يكن غيره لن هذا يكرّر توكيداً كقولك:
رأيت زيداً زيداً.
وقد يجوز أن يكون غيرَ زيد على الغلط والنسيان كما يجوز أن تقول :رأيتُ زيداً عمراً له ومثلُ ما أتاني إل زيدٌ إل أبو
عبد ال إذا أردت أن تبيّن وتُوضحَ قوله :ما لك من شيخِك إل عملُه إل رسيمُه وإل َرمَُلهْ
وذلك قولك :ما مررتُ بأحد إل زيدٌ خيرٌ منه كأنك قلت :مررت بقوم زيدٌ خيرٌ منهم إل أنك أدخلت إل لتجعل زيداً خيراً
من جميع من مررتَ به.
ولو قال :مررتُ بناس زيدٌ خيرٌ منهم لجاز أن يكون قد مرّ بناس آخرين هم خيرٌ من زيد فإنما قال :ما مررتُ بأحدٍ إل زيدٌ
خيرٌ منه ليخبر أنه لم يمرّ بأح ٍد يفضل زيداً.
ن تفعل في موضع نصب والمعنى حتى تفعل أو كأنه قال :أو تفعل.
وأما قولهم :وال ل أفعلُ إل أن تفعل فأ ْ
اعلم أن غيراً أبداً سوى المضاف إليه ولكنه يكون فيه معنى إل فيُجرى مُجرى السم الذي بعد إل وهو السم الذي يكون
داخلً فيما يخرج منه غيره وخارجاً مما يدخل فيه غيره.
فأما دخوله فيما يخرج منه غيرُه فأتاني القومُ غيرَ زيد فغيرهم الذين جاءوا ولكن فيه معنى إل فصار بمنزلة السم الذي
بعد إل.
وأما خروجه مما يدخل فيه غيره فما أتاني غيرُ زيدٍ.
247
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وكلُ موضع جاز فيه الستثناء بإل جاز بغيْر وجرى مجرى السم الذي بعد إل لنه اسم بمنزلته وفيه معنى إل.
ولو جاز أن تقول :أتاني القومُ زيداً تريد الستثناء ول تذكر إل لما كان إل نصباً.
ول يجوز أن يكون غير بمنزلة السم الذي يُبتدأ بعد إل وذلك أنهم لم يجعلوا فيه معنى إل مبتدأ وإنما أدخلوا فيه معنى
الستثناء في كل موضع يكون فيه بمنزلة مثل ويُجزئ من الستثناء.
أل ترى أنه لو قال :أتاني غيرُ عمرٍو كان قد أخبر أنه لم يأته وإن كان قد يستقيم أن يكون قد أتاه فقد يُستغنى به في مواضع
من الستثناء.
ولو قال :ما أتاني غيرُ زيد يريد بها منزلة مثل لكان مُجزِئاً من الستثناء كأنه قال :ما أتاني الذي هو غيرُ زيد فهذا يُجزئ
من
زعم الخليل رحمه ال ويونس جميعاً أنه يجوز :ما أتاني غيرُ زيد وعمرو.
فالوجه الجرّ.
وذلك أن غير زيد في موضع إل زي ٌد وفي معناه فحملوه على الموضع كما قال :فلسنا بالجبال ول الحديدا فلما كان في
موضع إل زي ٌد وكان معناه كمعناه حملوه على الموضع.
والدليل على ذلك أنك إذا قلت غيرُ زيد فكأنك قد قلت إل زيد.
أل ترى أنك تقول :ما أتاني غيرُ زيد وإل عمرٌو فل يقبحُ الكلم كأنك قلت :ما أتاني إل زيد وإل عمرو.
وذلك قولك :ليس غيرُ وليس إل كأنه قال :ليس إل ذاك وليس غير ذاك ولكنهم حذفوا ذلك تخفيفًا واكتفاءً بعلم المخاطَب
وما يعني.
وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول :ما منهم مات حتى رأيتُه في حال كذا وكذا وإنما يريد ما منهم واحدٌ مات.
ومثل ذلك أيضاً قوله :لو قلتَ ما في قومها لم تيثَمِ يَفضُلُها في حَسبٍ وميسَمِ يريد :ما في قومها أحد فحذفوا هذا كما قالوا:
لو أن زيداً هنا وإنما يريدون :لكان كذا وكذا.
248
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل قولهم ليس غير :هذا الذي أمسِ يريد الذي فعل أمس.
وقوله وهو العجّاج :بعد اللّتيّا واللّتيا والتي فليس حذف المضاف إليه في كلمهم بأشدّ من حذف تمام السم.
فإذا جاءتا وفيهما معنى الستثناء فإن فيهما إضماراً على هذا وقع فيهما معنى الستثناء كما أنه ل يقع معنى النهي في
حسبك إل أن يكون مبتدأ.
وذلك قولك :ما أتاني القومُ ليس زيدًا وأتوني ل يكون زيداً وما أتاني أح ٌد ل يكون زيداً كأنه حين قال :أتوني صار
المخاطَب عنده قد وقع في خلَده أن بعض التين زيدٌ حتى كأنه قال :بعضُهم زيدٌ فكأنه قال :ليس بعضهم زيداً.
فهذه حالهما في حال الستثناء وعلى هذا وقع فيهما الستثناء فأجرهما كما أجروهما.
وذلك قولك :ما أتاني أحدٌ ليس زيداً وما أتاني رجل ل يكون بشراً إذا جعلت ليس ول يكون بمنزلة قولك :ما أتاني أح ٌد ل
يقول ذاك إذا كان ل يقول في موضع قائلٌ ذاك.
ويدلّك على أنه صفة أن بعضهم يقول :ما أتتني امرأةٌ ل تكون فلة وما أتتني امرأة ليست فلنة.
فلو لم يجعلوه صفةً لم يؤنّثوه لن الذي ل يجيء صفة فيه إضمار مذكّر.
أل تراهم يقولون :أتينني ل يكون فلنة وليس فلنة يريد :ليس بعضُهن فلنة والبعض مذكّر.
وأما عدا وخل فل يكونان صفة ولكن فيهما إضمار كما كان في ليس ول يكون وهو إضمارٌ قصته فيهما قصته في ل
يكون وليس.
وذلك قولك :ما أتاني أحدٌ خل زيداً وأتاني القومُ عدا عمراً كأنك قلت :جاوز بعضُهم زيداً.
إل أن خل وعدا فيهما معنى الستثناء ولكني ذكرت جاوز لمثّل لك به وإن كان ل يُستعمل في هذا الموضع.
فما هنا اسمٌ وخل وعدا صلة له كأنه قال :أتوني ما جاوز بعضُهم زيداً.
وما هم فيها عدا زيداً كأنه قال :ما هم فيها ما جوز بعضُهم زيداً وكأنه قال :إذا مثّلت ما خل وما عدا فجعلتَه اسماً غير
موصول قلت :أتوني مجاوزتَهم زيداً مثّلته بمصدر ما هو في معناه كما فعلتَه فيما مضى.
وإذا قلت :أتوني إل أن يكون زيدٌ فالرفع جيدٌ بالغ وهو كثير في كلم العرب لن يكونُ صلةٌ لنْ وليس فيها معنى
الستثناء وأن يكون في موضع اسم مستثنى كأنك قلت :يأتونك إل أن يأتيك زيد.
والدليل على أن يكون ليس فيها هنا معنى الستثناء :أن ليس وعدا وخل ل يقعن ههنا.
249
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثلُ الرفع قولُ ال عزّ وجلّ " :إل أن تكونَ تجارةٌ عن تراضٍ منكم ".
وأما حاشا فليس باسم ولكنه حرفٌ يجر ما بعده كما تجرّ حتى ما بعدها وفيه معنى الستثناء.
فإذا قلت ما خل فليس فيه إل النصب لن ما اسمٌ ول تكون صلتُها إل الفعل ها هنا وهي ما التي في قولك :أفعلف ما فعلتَ.
وأما أتاني القوم سواك فزعم الخليل رحمه ال أن هذا كقولك :أتاني القوم مكانك وما أتاني أحدٌ مكانك إل أن في سواك
معنى الستثناء.
اعلم أن المضمَر المرفوع إذا حدّث عن نفسه فإن علمته أنا وإن حدّث عن نفسه وعن آخر قال :نحنُ وإن حدّث عن نفسه
وعن آخرين قال :نحنُ.
ول يقع أنا في موضع التاء التي في فع ْلتُ ل يجوز أن تقول فعل أنا لنهم استغنوا بالتاء عن أنا.
وأما المضمَر المخاطَب فعلمته إن كان واحداً :أنت وإن خاطبتَ اثنين فعلمتُهما :أنتُما وإن خاطبتَ جميعًا فعلمتُهم :أنتم.
واعلم أنه ل يقع أنتَ في موضع التاء التي في فعَ ْلتَ ول أنتما في موضع تُما التي في فعلتُما.
ول يقع أنتم في موضع ُت ْم التي في فعلتُم لو قلت فعل أنتم لم يجز.
وأما المضمَر المحدّث عنه فعلمتُه :هو وإن كان مؤنّثا فعلمته :هي وإن حدّثت عن اثنين فعلمتُهما :هُما.
وإن حدّثت عن جميع فعلمتهم :هُم وإن كان الجميع جميع المؤنّث فعلمته :هُنّ.
ول يقع هو في موضع المضمَر الذي في فعل لو قلت فعل هو لم يجز إل أن يكون صفةً.
ول يجوز أن يكون هُما في موضع اللف التي في ضربا واللف التي في يضربان لو قلت ضرب هُما أو يضربُ هُما لم
يجز.
250
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ول يقع هُم في موضع الواو التي في ضربوا ول الواو التي مع النون في يضربون.
وكذلك هي ل تقع موضع الضمار الذي في فعلتْ لن ذلك الضمار بمنزلة الضمار الذي له علمة.
ن ويفعلنَ لو قلت فعل هُنّ لم يجز إل أن يكون صفةً كما لم يجز ذلك في المذكّر
ول يقع هُنّ في موضع النون التي في فعلْ َ
فالمؤنّث يجري مجرى المذكّر.
فمن ذلك قولهم :كيف أنت وأين هو من قبل أنك ل تقدر على التاء ههنا ول على الضمار الذي في فعلَ.
ومثل ذلك :نحن وأنتم ذاهبون لنك ل تقدر هنا على التاء والميم التي في فعلتُم كما ل تقدر في الول على التاء في فعلتَ.
وكذلك جاء عبد ال وأنت لنك ل تقدر على التاء التي تكون في الفعل.
وتقول :فيها أنتم لنك ل تقدر على التاء والميم التي في فعلتُم ها هنا.
وفيها هم قياماً بتلك المنزلة لنك ل تقدر هنا على الضمار الذي في الفعل.
ومثل ذلك :أما الخبيث فأنت وأما العاقل فهو لنك ل تقدر هنا على شيء مما ذكرنا.
وقال ال عزّ وجلّ " :كأنه هو وأوتينا العلم " فوقع هو ها هنا لنك ل تقدر على الضمار الذي في فعلَ.
قال عمرو بن معدي كرب :قد عل َمتْ سلمى وجاراتُها ما قطّر الفارس إل أنا وكذلك هاأناذا وها نحن أولء وها هو ذاك
وها هما ذانك وها هم أولئك وها أنت ذا وها أنتما ذان وها أنتم أولء وها أنتنّ أولء وها هنّ أولئك.
وإنما استُعملت هذه الحروف هنا لنك ل تقدر على شيء من الحروف التي تكون علمةً في وزعم الخليل رحمه ال أن ها
هنا هي التي مع ذا إذا قلت هذا وإنما أرادوا أن يقولوا هذا أنت ولكنهم جعلوا أنت بين ها وذا وأرادوا أن يقولوا أنا هذا
وهذا أنا فقدّموا ها وصارت أنا بينهما.
وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوقَ بهم يقولون :أنا هذا وهذا أنا.
251
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وقد تكون ها في ها أنت ذا غير مقدّمة ولكنها تكون للتنبيه بمنزلتها في هذا يدلّك على هذا قوله عزّ وجل " :ها أنتم هؤلء
" فلو كانت ها ها هنا هي التي تكون أولً إذا قلت هؤلء لم ُتعَد ها ها هنا بعد أنتم.
وحدّثنا يونس أيضاً تصديقاً لقول أبي الخطاب أن العرب تقول :هذا أنت تقول كذا وكذا لم يرِد بقوله هذا أنت أن يعرّفه
نفسَه كأنه يريد أن يعلمه أنه ليس غيره.
هذا محال ولكنه أراد أن ينبهه كأنه قال :الحاضرُ عندنا أنت والحاضر القائل كذا وكذا أنت.
اعلم أن علمة المضمرين المنصوبين إيّا ما لم تقدَر على الكاف التي في رأيتك وكُما التي في رأيتُكما وكُم التي في رأيتكم
ن التي في
وكُنّ التي في رأيتكنّ والهاء التي في رأيته والهاء التي في رأيتها وهُما التي في رأيتهما وهُم التي في رأيتهم وه ّ
رأيتهن وني التي في رأيتني ونا التي في رأيتنا.
فإن قدرت على شيء من هذه الحروف في موضع لم تُوقع إيّا ذلك الموضع لنهم استغنوا بها عن إيّا كما استغنوا بالتاء
وأخواتها في الرفع عن أنت وأخواتها.
فمن ذلك قولهم :إياك رأيتُ وإياك أعني فإنما استعلمت إياك ها هنا من قبل أنك ل تقدر على الكاف.
وقال ال عزّ وجلّ " :وإنا أو إياكم لعلى هُدى أو في ضَلل مُبين " من قبل أنك ل تقدر على كُم ههنا.
ونظير ذلك قوله تعالى جدّه " :ضلّ من تدعون إل إياه ".
مُبَرّأ من عيوب الناس كلّهمِ فال يرعى أبا حربٍ وإيّانا لنه ل يقدر على نا التي في رأيتَنا.
ف بني مقيّدة الحمارِ ولكني خشيتُ على عديّ سيوفَ القوم أو إياك حارِ
وقال الخر :لعمرك ما خشيت على عديّ سيو َ
ويُروى :رماح القوم لنه لم يقدر على الكاف.
وتقول :إن إياك رأيتُ كما تقول إياك رأيت من قبل أنك إذا قلت إن أفضلهم لقيتُ فأفضلَهم منتصب بلقيت.
فإن قلت :إن أفضلهم لقيت فنصبت أفضلهم بإنّ فهو قبيح حتى تقول لقيتُه وقد بُيّن وجه ذلك وقد بيناه في باب إن وأخواتها
واستُعملت إياك لقبح الكاف والهاء ها هنا.
فإن قلتِ :لمَ وقد تقع الكاف ها هنا وأخواتها تقول عجبتُ من ضربيكَ ومن ضربيه ومن ضربيكم فالعرب قد تكلّم بهذا
وليس بالكثير.
ولم تستحكم علمات الضمار التي ل تقع إيّا مواقعها كما استحكمت في الفعل ل يقال عجبت من ضربكَني إن بدأت به قبل
المتكلم ول من ضربهيك إن بدأت بالبعيد قبل القريب.
252
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فلما قبُح هذا عندهم ولم تستحكم هذه الحروف عندهم في هذا الموضع صارت إيّا عندهم في ومثل ذلك :كان إيّاه لن كانَه
قليلة ولم تستحكم هذه الحروف ها هنا ل تقول كانني وليسني ول كانَك.
وتقول :أتوني ليس إياك ول يكون إياه لنك ل تقدر على الكاف ول الهاء ها هنا فصارت إيّا بدلً من الكاف والهاء في هذا
الموضع.
ل وجعلت المضمَر الذي علمته الكاف فاعلً وتقول :عجبتُ من ضَرب زيد أنت ومن ضربك هو إذا جعلت زيدًا مفعو ً
فجاز أنت ههنا للفاعل كما جاز إيّا للمفعول لن إيا وأنت علمتا الضمار وامتناع التاء يقوّي دخولَ أنت ههنا.
وتقول :قد جرّبتك فوجدتُك أنت أنت فأنتَ الولى مبتدأة والثانية مبنية عليها كأنك قلت فوجدتُك وجهُك طليق.
ل فكن َ
ت ومثل ذلك :أنت أنت وإن فعلتَ هذا فأنت أنت أي فأنت الذي أعرف أو أنت الجواد وإن شئت قلت :قد وليتَ عم ً
ت أنت صفة وجعلت إياك بمنزلة الظريف إذا قلت :فوجدتُك أنت الظريف. أنت إياك وقد جرّبتك فوجدتُك أنت إياك جعل َ
وتقول :أنت أنت تكرّرها كما تقول للرجل أنت وتسكت على حد قولك :قال الناس زيد.
ت فكنتَ كنت إذا كرّرتها توكيداً وإن شئت جعلت كنتَ صفةً لنك قد تقول :قد جُرّبت فكنت
وعلى هذا الحد تقول :قد جُرّ ْب َ
ثم تسكت.
فعلمات الضمار حالهن ها هنا كحالهن في الفعل ل تقوى أن تقول :عليك إياه ول رُويدَ إيّاه لنك قد تقدر على الهاء تقول
عليكَه ورُويدَه.
وحدثنا يونس أنه سمع من العرب من يقول عليكَني من غير تلقين ومنهم من ل يستعمل ني ول نا في ذا الموضع استغناءً
بعليك بي وعليك بنا عن ني ونا وإياي وإيانا.
ولو قلت عليك :إياه كان ها هنا جائزاً في عليك وأخواتها لنه ليس بفعل وإن شبّه به.
253
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولم واعلم أنه قبيح أن تقول :رأيت فيها إياك ورأيت اليوم إياه من قبل أنك قد تجد الضمار الذي هو سوي إيّا وهو الكاف
التي في رأيتك فيها والهاء التي في رأيته اليوم فلما قدروا على هذا الضمار بعد الفعل ولم ينقض معنى ما أرادوا لم تكلموا
بأياك استغنوا بهذا عن إياك وإياه.
ولو جاز هذا لجاز ضربَ زيدٌ إياك وإنّ فيها إياك ولكنهم لما وجدوا إنك فيها وضربَه زيدٌ ولم ينقض معنى ما أرادوا لو
قالوا :إن فيها إياك وضرب زيدٌ إياك استغنوا به عن إيّا.
وأما :ما أتاني إل أنت وما رأيت إل إياك فإنه ل يدخل على هذا من قبل أنه لو أخّر إل كان الكلم محالً.
ولو أسقط إل كان الكلم منقلب المعنى وصار الكلم على معنى آخر.
ول يجوز في الكلم فمن ذلك قول حُميد الرقط :إليك حتّى بلغتْ إيّاكا وقال الخر لبعض اللصوص :كأنّا يومَ قُرّى إ نّما
نقتلُ إيّانا قتلنا منه ُم كلّ فتى أبيضَ حُسّانا اعلم أن أنت وأخواتها ل يكنّ علمات لمجرور من قبل أن أنت اسم مرفوع ول
يكون المرفوع مجروراً.
ول يجوز إيّا أن تكون علمةً لمضمر مجرور من قبل أن إيّا علم ٌة للمنصوب فل يكون المنصوب في موضع المجرور
ولكن إضمار المجرور علماته كعلمات المنصوب التي ل تقع مواقعَهن إيّا إل أن تضيف الى نفسك نحو قولك :بي ولي
وعندي.
وتقول :مررتُ بزيد وبك وما مررتُ بأحد إل بك أعدتَ مع المضمَر الباء من قبل أنهم ل يتكلمون بالكاف وأخواتها منفردة
فلذلك أعادوا الجارّ مع المضمَر.
ولم توقِع إيّا ول أنت ول أخواتها ههنا من قبل أن المنصوب والمرفوع ل يقعان في موضع المجرور.
اعلم أن المفعول الثاني قد تكون علمته إذا أُضمَر في هذا الباب العلمة التي ل تقع إيّا موقعها وقد تكون علمتُه إذا أُضمَر
إيّا.
فأما علمة الثاني التي ل تقع إيا موقعها فقولك :أعطانيه وأعطانيك فهذا هكذا إذا بدأ المتكلم بنفسه.
فإن بدأ بالمخاطب قبل نفسه فقال :أعطاكَني أو بدأ بالغائب قبل نفسه فقال :قد أعطاهوني فهو قبيح ل تكلّم به العرب ولكن
النحويين قاسوه.
وإنما قبُح عند العرب كراهيةَ أن يبدأ المتكلم في هذا الموضع بالبعد قبل القرب ولكن تقول أعطاك إيّاي وأعطاه إياي
فهذا كلم العرب.
وجعلوا إيّا تقع هذا الموقع إذ قبُح هذا عندهم كما قالوا :إياك رأيتُ وإياي رأيت إذ لم يجز لهم ني رأيتَ ول كَ رأيتُ.
254
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإذا كان المفعولن اللذان تعدّى إليهما فعل الفاعل مخاطَباً وغائباً فبدأتَ بالمخاطَب قبل الغائب فإن علمة الغائب العلم ُة
التي ل تقع موقعها إيّا وذلك قوله :أعطي ُتكَه وقد أعطاكَه وقال عزّ وجلّ " :ف ُعمّيتْ عليكم أنُلزمُكموها وأنتم لها كارهون ".
وإنما كان المخاطَب أولى بأن يُبدأ به من قبل أن المخاطَب أقرب الى المتكلم من الغائب فكما كان المتكلم أولى بأن يبدأ
بنفسه قبل المخاطَب كان المخاطَب الذي هو أقرب من الغائب أولى بأن يُبدأ به من الغائب.
فإن بدأت بالغائب فقلت :أعطاهوكَ فهو في القبح وأنه ل يجوز بمنزلة الغائب والمخاطَب إذا بُدئ بهما قبل المتكلم ولكنك
إذا بدأت بالغائب قلت قد أعطاه إياك.
وأما قول النحويين :قد أعطاهوك وأعطاهوني فإنما هو شيء قاسوه لم تكلّم به العرب ووضعوا الكلم في غير موضعه
وكان قياس هذا لو تُكلّم به كان هيّنا.
ويدخل على مَن قال هذا أن يقول الرجل إذا منحته نفسه :قد منحتنيني.
أل ترى أن القياس قد قبُح إذا وضعت ني في غير موضعها فإذا ذكرتَ مفعولين كلهما غائب فقلت أعطاهوها وأعطاهاه
جاز وهو عربي.
على أنه قد قال الشاعر :وقد جعلتْ نفسي تطيبُ لضَغمةٍ لضغ ِمهِماها يقرعُ العَظمَ نابُها ولم تستحكم العلمات ها هنا كما لم
تستحكم في :عجبت من ضَربي إيّاك ول في كان إياه ول في ليس إياه.
وتقول :حسبتُك إياه وحسبتني إياه لن حسبتُنيه وحسب ُتكَه قليل في كلمهم وذلك لن حسبتُ بمنزلة كان إنما يدخلن على
المبتدأ والمبني عليه فيكونان في الحتياج على حال.
أل ترى أنك ل تقتصر على السم الذي يقع بعدهما كما ل تقتصر عليه مبتدأ.
ت وكان لنهما إنما يجعلن المبتدأ والمبني عليه فيما مضى يقيناً أو شكّا أو عِلماً وليس
وكذلك الحروف التي بمنزلة حسب ُ
بفعل أحدثته ول يجوز أن تقول ضربتُني ول ضربتُ إيّاي ل يجوز واح ٌد منهما لنهم قد استغنوا عن ذلك بضربتُ نفسي
وإيّاي ضربتُ.
ك ول
ول علمة المضمَر المتكلم ول علمة المضمَر المحدّث عنه الغائب وذلك أنه ل يجوز لك أن تقول للمخاطَب :اضرِ ْب َ
ك ول ضربْتَك لما كان المخاطب فاعلً وجعلت مفعوله نفسه قبُح ذلك لنهم استغنوا بقولهم اقتُل نفسك وأهلكتَ نفسك
اقتُ ْل َ
عن الكاف ها هنا وعن إياك.
وكذلك المتكلم ل يجوز له أن يقول أهلكتُني ول أُهلكُني لنه جعل نفسه مفعوله فقبُح وذلك لنهم استغنوا بقولهم أنفعُ نفسي
عن ني وعن إياي.
255
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ل وكان مفعوله نفسه لنهم استغنوا عن الهاء وعن إياه بقولهم ظلم
وكذلك الغائب ل يجوز لك أن تقول ضربه إذا كان فاع ً
ت وأُرى وزعمتُ ورأيت إذا لم تعنِ رؤية العيننفسه وأهلك نفسه ولكنه قد يجوز ما قبح ها هنا في حسبتُ وظننت وخل ُ
ووجدتُ إذا لم ترد وجدان الضالة وجميع حروف الشك وذلك قولك :حسبتُني وأراني ووجدتُني فعلت كذا وكذا ورأيتُني ل
يستقيم لي هذا.
وكذلك ما أشبه هذه الفعال تكون حال علمات المضمَرين المنصوبين فيها إذا جعلت فاعليهم أنفسهم كحالها إذا كان
الفاعل غير المنصوب.
ومما يثبت علمة المضمَرين المنصوبين ها هنا أنه ل يحسن إدخال النفس ها هنا.
لو قلت يظن نفسه فاعل ًة وأظن نفسي فاعلةً على حد يظنه وأظنني ليُجزئَ هذا من ذا لم يُجزئ كما أجزأ أهلكتَ نفسك عن
أهلكتَك فاستُغنى به عنه.
ت وأخواتها والفعال الُخَر لن حسبت وأخواتها إنما أدخلوها على مبتدأ ومبني عليه لتجعل الحديث
وإنما اقترفتْ حسب ُ
شكاً أو علماً.
أل ترى أنك ل تقتصر على المنصوب الول كما ل تقتصر عليه مبتدأ والفعال الخَر إنما هي بمنزلة اسم مبتدأ والسماء
مبنية عليها.
أل ترى أنك ل تقتصر على السم كما تقتصر على المبني على المبتدأ فلما صارت حسبتُ وأخواتُها بتلك المنزلة جُعلتْ
بمنزلة إن وأخواتها إذا قلت إنني ولعلّني ولكنني وليتني لن إن وأخواتها ل يُقتصر فيها على السم الذي يقع بعدها لنها
إنما دخلت على مبتدأ ومبني على مبتدأ.
وإذا أردت برأيتُ رؤية العين لم يجز رأيتُني لنها حينئذ بمنزلة ضر ْبتُ.
وإذا أردتَ التي بمنزلة علمتُ صارت بمنزلة إن وأخواتها لنهن لسن بأفعال وإنما يجئن لمعنى.
وكذلك هذه الفعال إنما جئن لعلمٍ أو شك ولم يُردْ فعلً سلف منه الى إنسان يبتدئه.
المتكلم والمجرور المتكلم اعلم أن علمة إضمار المنصوب المتكلم ني وعلمة إضمار المجرور المتكلم الياء.
أل ترى أنك تقول إذا أضمرتَ نفسك وأنت منصوب :ضربني وقتلني وإنني ولعلني.
فإن قلت :ما بال العرب قد قالت :إني وكأني ولعلي ولكني فإنه زعم أن هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة في كلمهم
وأنهم يستثقلون في كلمهم التضعيف فلما كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف حذفوا التي تلي الياء.
أل ترى أن النون قد تُدغَم مع اللم حتى تبدَل مكانها لم وذلك لقربها منها فحذفوا هذه النون كما يحذفون ما يكثر
استعمالهم إياه.
256
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وسألته رحمه ال عن الضاربي فقال :هذا اسم ويدخله الجرّ وإنما قالوا في الفعل :ضربني ويضربني كراهية أن يدخلوا
الكسرة في هذه الباء كما تدخل السماء فمنعوا هذا أن يدخله كما مُنع الجر.
فإن قلت :قد تقول اضرِب الرجل فتكسرُ فإنك لم تكسرها كسراً يكون للسماء إنما يكون هذا للتقاء الساكنين.
قد قال الشعراء :ليتي إذا اضطروا كأنهم شبهوه بالسم حيث قالوا الضاربي والمضمَر منصوب.
قال الشاعر زيد الخليل :كمُنية جابرٍ إذ قال ليتي أصادفه وأفقدُ جلّ مالي وسألته رحمه ال عن قولهم عني وقدْني وقطْني
ومني ولدُنّي فقلت :ما بالهم جعلوا علمة إضمار المجرور ها هنا كعلمة إضمار المنصوب فقال :إنه ليس من حرف
ط ول النون التي في مِن فلم يكن لهم بدّ
تلحقه ياء الضافة إل كان متحرّكا مكسوراً ولم يريدوا أن يحركوا الطاء التي في ق ْ
من أن يجيئوا بحرف لياء الضافة متحرك إذ لم يريدوا أن يحركوا الطاء ول النونات لنها ل تئكَر أبداً إل وقبلها حرف
متحرك مكسور.
وكانت النون أولى لن من كلمهم أن تكون النون والياء علمة المتكلم فجاءوا بالنون لنها إذا كانت مع الياء لم تخرج هذه
العلمة من علمات الضمار وكرهوا أن يجيئوا بحرف غير النون فيخرجوا من علمات الضمار.
وإنما حملهم على أن ل يحركوا الطاء والنونات كراهيةُ أن تشبه السماء نحو يدٍ وهَنٍ.
وأما ما تحرّك آخره فنحو مع ولدُ كتحريك أواخر هذه السماء لنه إذا تحرك آخره فقد صار كأواخر وقد جاء في الشعر:
قطِي وقَدي.
فأما الكلم فلبدّ فيه من النون وقد اضطرّ الشاعر فقال قدِي شبّهه بحسبي لن المعنى واحد.
قال الشاعر :قدْني من نصر الخُبيبَين قدِي ليس المامُ بالشحيح المُلحدِ لما اضطرّ شبهه بحسبي وهَني لن ما بعد ه ٍ
ن
وحسب مجرور كما أن ما بعد قد مجرور فجعلوا علمة الضمار فيهما سواء كما قال ليتي حيث اضطرّ فشبّهه بالسم
نحو الضاربي لن ما بعدهما في الظهار سواء فلما اضطرّ جُعل ما بعدهما في الضمار سواءً.
وسألناه رحمه ال عن إلى ولدى وعلى فقلنا :هذه الحروف ساكنة ول ترى النون دخلتْ عليها.
فقال :من قبل أن اللف في لدى والياء في على اللذين قبلهما حرف مفتوح ل تحرّك في كلمهم واحدة منهما لياء الضافة
ويكون التحريك لزماً لياء الضافة فلما علموا أن هذه المواضع ليس لياء الضافة عليها سبيلٌ بتحريك كما كان لها السبيل
على سائر حروف المُعجم لم يجيئوا بالنون إذ علموا أن الياء في ذا الموضع واللف ليستا من الحروف التي تحرّك لياء
الضافة.
ولو أضفت الى الياء الكاف التي تجرّ بها لقلت :ما أنت كِي والفتح خطأ وهي متحركة كما أن أواخر السماء متحركة وهي
تجرّ كما أن السماء تج ّر ولكن العرب قلما تكلموا بذا.
وأما قطْ وعن ولدُن فإنهن تباعدنَ من السماء ولزمهن ما ل يدخل السماء المتمكنة وهو السكون وإنما يدخل ذلك على
الفعل نحو خُذْ وزِنْ فضارعت الفعل وما ل ُيجَرّ أبداً وهو ما أشبه الفعل فأجريت مجراه ولم يحرّكوه.
وذلك لولك ولولي إذا أضمرت السم فيه جُرّ وإذا أظهرت رُفع.
257
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولو جاءت علمة الضمار على القياس لقلت لول أنت كما قال سبحانه " :لول أنتم لكنّا مؤمنين " ولكنهم جعلوه مضمَراً
مجروراً.
ن لوليَ طِحتَ كما هوى بأجرامه من قُلةِ النّيق مُنهَوي وهذا قول الخليل رحمه ال
قال الشاعر يزيد بن الحكَم :وكم موط ٍ
ويونس.
يا أبتا علّك أو عساكا والدليل على أنها منصوبة أنك إذا عنيت نفسك كانت علمتُك ني.
قال عمران بن حطآن :ولي نفسٌ أقول لها إذا ما تُنازعني لعلّي أو عساني فلو كانت الكاف مجرورة لقال عساي ولكنهم
جعلوها بمنزلة لعلّ في هذا الموضع.
فهذان الحرفان لهما في الضمار هذا الحال كما كان للدُنْ حالٌ مع غُدوة ليست مع غيرها وكما أن لت إذا لم تُعملها في
الحيان لم تعملها فيما سواها فهي معها بمنزلة ليس فإذا جاوزتها فليس لها عمل.
ول يستقيم أن تقول وافق الرفعُ الج ّر في لولي كما وافق النصبُ الجرّ حين قلت :معك وضربَك لنك إذا أضفت الى نفسك
اختلفا وكان الجر مفارِقاً للنصب في غير السماء.
ول تقل :وافق الرف ُع النصبَ في عساني كما وافق النصبُ الجرّ في ضرْبَك ومعك لنهما مختلفان إذا أضفت الى نفسك كما
ذكرتُ لك.
وزعم ناس أن الياء في لولي وعساني في موضع رفع جعلوا لولي موافقةً للج ّر وني موافقةً للنصب كما اتفق الجرّ
والنصب في الهاء والكاف.
وهذا وجه رديء لما ذكرت لك ولنك ل ينبغي لك أن تكسر الباب وهو مطّرد وأنت تجد له نظائر.
وربما وقع ذلك في كلمهم وقد بُيّن بعض ذلك وستراه فيما تستقبل
فمن ذلك قولك :لعبد ال مالٌ ثم تقول لك مالٌ وله مال فتفتح اللم وذلك أن اللم لو فتحوها في الضافة للْتبستْ بلم
البتداء إذا قال إن هذا لعليّ ولهذا أفضل منك فأرادوا أن يميزوا بينهما فلما أضمروا لم يخافوا أن تلتبس بها لن هذا
الضمار ل يكون للرفع ويكون للجرّ.
أل تراهم قالوا :يا لَبكرٍ حين نادوا لنهم قد علموا أن تلك اللم ل تدخل ها هنا.
وقد شبّهوا به قولهم :أعطيتُكموه في قول من قال :أعطيتُكم ذلك فيجزم ردّه بالضمار الى أصله كما ردّه باللف واللم
حين قال :أعطيتُكم اليوم فشبّهوا هذا بلكَ وله وإن كان ليس مثله لن من كلمهم أن يشبهوا الشيء بالشيء وإن لم يكن
مثله.
وزعم يونس أنه يقول :أعطي ُت ُكمْهُ وأعطي ُت ُكمْها كما يقول في المظهر.
258
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
والول أكثر وأعرف.
أما ما يحسن أن يشركه المظهر فهو المضمر المنصوب وذلك قولك :رأيتك وزيداً وإنك وزيدًا وأما ما يقبح أن يشركه
المظهر فهو المضمر في الفعل المرفوع وذلك قولك :فعلت وعب ُد ال وأفعل وعبدُ ال.
وزعم الخليل أن هذا إنما قبح من قبل أن هذا الضمار يُبنى عليه الفعل فاستقبحوا أن يشرك المظهر مضمَراً يغيّر الفعل
عن حاله إذا بعد منه.
وإنما حسنتْ شِركتُه المنصوب لنه ل يغيّر الفعل فيه عن حاله التي كان عليها قبل أن يضمر فأشبه المظهر وصار
منفصلً عندهم بمنزلة المظهر إذ كان الفعل ل يتغيّر عن حاله قبل أن يضمَر فيه.
وأما فعلتُ فإنهم قد غيّروه عن حاله في الظهار أُسكنتْ فيه اللم فكرهوا أن يشرك المظهر مضمَراً يُبنى له الفعل غير
بنائه في الظهار حتى صار كأنه شيء في كلمة ل يفارقها كألف أعطيتُ.
فإن نعتّه حسن أن يشركه المظهر وذلك قولك :ذهبت أنت وزيدٌ وقال ال عزّ وجلّ " :اذهبْ أنت وربّك " و " :اسكُنْ أنت
وزوجُك الجنة ".
وذلك أنك لما وصفتَه حسن الكلم حيث طوّله وأكّده كما قال :قد علمتُ أن ل تقول ذاك فإن أخرجتَ ل قبُح الرفع.
فأنت وأخواتها تقوّي المضمَر وتصير عوضاً من السكون والتغيير ومِن ترك العلمة في مثل ضربَ.
وقال ال عزّ وجلّ " :لو شاء الُ ما أشركنا ول آباؤُنا ول حرّمنا " حسُن لمكان ل.
وإذا قلت نفسُك فإنما تريد أن تؤكد الفاعل ولما كانت تفسُك يتكلم بها مبتدأة وتحمل على ما يُج ّر ويُنصب ويُرفع شبهوها
بما يشرك المضمَر وذلك قولك :نزلتُ بنفس الجبل ونفس الجبل مُقابلي ونحو ذلك.
وكلّهم قد تكون بمنزلة أجمعين لن معناها معنى أجمعين فهي تجري مجراها.
وأما علمة الضمار التي تكون منفصلة من الفعل ول تغيّر ما عمل فيها عن حاله إذا أُظهر فيه السم فإنه يشركها المظهر
لنه يشبه المظهر وذلك قولك :أنت وعبدُ ال ذاهبان والكريم أنت وعبدُ ال.
واعلم أنه قبيح أن تقول :ذهبت وعبدُ ال وذهبتُ وعبدُ ال وذهبت وأنا لن أنا بمنزلة فلما لحقنا والجيادُ عشيةً دعَوا يا
َلكَلبٍ واعتزَيْنا لعامرِ ومما يقبح أن يشركه المظهر علم ُة المضمَر المجرور وذلك قولك :مررتُ بك وزيدٍ وهذا أبوك
وعمرٍو كرهوا أن يشرك المظهر مضمَراً داخلً فيما قبله لن هذه العلمة الداخلة فيما قبلها جمعتْ أنها ل يُتكلّم بها إل
معتمدة على ما قبلها وأنها بدلٌ من اللفظ بالتنوين فصارت عندهم بمنزلة التنوين فلما ضعفتْ عندهم كرهوا أن يُتبعوها
259
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ت في
الس َم ولم يجز أيضاً أن يُتبعوها إياه وإن وصفوا ل يحسن لك أن تقول مررت بك أنت وزي ٍد كما جاز فيما أضمر َ
الفعل نحو قمتَ أنت وزيد لن ذلك وإن كان قد أُنزل منزلة آخر الفعل فليس من الفعل ول من تمامه وهما حرفان يستغني
كلُ واحدٍ منهما بصاحبه كالمبتدأ والمبني عليه وهذا يكون من تمام السم وهو بدل من الزيادة التي في السم وحال السم
إذا أضيف إليه مثلُ حاله منفرداً ل يستغنى به ولكنهم يقولون :مررتُ بكُم أجمعين لن أجمعين ل يكون إل وصفاً.
وتقول أيضاً :مررتُ بك نفسك لما أج ْزتَ فيها ما يجوز في فعلتُم مما يكون معطوفاً على السماء احتملت هذا إذ كانت ل
تغيّر علمة الضمار ها هنا ما عمل فيها فضارعتْ ها هنا ما ينتصب فجاز هذا فيها.
وقد يجوز في الشعر أن تُشرك بين الظاهر والمضمر على المرفوع والمجرور إذا اضطرّ الشاعر.
وجاز قمتَ أنت وزيدٌ ولم يجز مررتُ بك أنت وزي ٍد لن الفعل يستغني بالفاعل والمضاف ل يستغني بالمضاف إليه لنه
بمنزلة التنوين.
شوَ ِر وقال الخر :فاليومَ قرّبت تهجونا وتشتمِنا فاذهبْ فما بك واليامِ من
حمُر الجلّة جأبٍ حَ ْ
قال :آ َبكَ أّيهْ بي أو مُصدّرِ من ُ
عجبِ
واستغنوا عن الضمار في حتى بقولهم :رأيتُهم حتى ذاك وبقولهم :دعْهُ حتى يوم كذا وكذا وبقولهم :دعهُ حتى ذاك
وبالضمار في الى إذا قال دعهُ إليه لن المعنى واحد كما استغنوا بمثلي ومثله عن كي وكَهُ.
واستغنوا عن الضمار في مُذ بقولهم :مذ ذاك لن ذاك اس ٌم مبهَم وإنما يذكر حين يُظن أنه قد عرفت ما يعني.
ولو اضطرّ شاعر فأضاف الكاف الى نفسه قال :ما أنت كِي.
وكَي خطأ من قبل أنه ليس في العربية حرفٌ يُفتح قبل ياء الضافة.
باب ما تكون فيه أنت وأنا ونحن وهو وهي وهم وهن وأنتنّ وهما وأنتما وأنتم وصفاً
260
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
اعلم أن هذه الحروف كلها تكون وصفاً للمجرور والمرفوع والمنصوب للمضمرين وذلك قولك :مررتُ بك أنت ورأيتُك
أنت وانطل ْقتَ أنت.
وليس وصفاً بمنزلة الطويل إذا قلت مررتُ بزيدٍ الطويل ولكنه بمنزلة نفسه إذا قلت مررتُ به نفسه وأتاني هو نفسه
ورأيتُه هو نفسَه.
وإنما تريد بهنّ ما تريد بالنفس إذا قلت :مررتُ به هو هو ومررت به نفسِه ولست تريد أن تحلّيه بصفة ول قرابة كأخيك
ولكن النحويين صار ذا عندهم صفةً لن حاله كحال الموصوف كما أن حال الطويل وأخيك في الصفة بمنزلة الموصوف
في الجراء لنه يلحقها ما يلحق الموصوفَ من العراب.
واعلم أن هذه الحروف ل تكون وصفاً للمظهر كراهيةَ أن يصفوا المظهر بالمضمَر كما كرهوا أن يكون أجمعون ونفسُه
معطوفاً على النكرة في قولهم :مررتُ برجلٍ نفسِه ومررتُ بقوم أجمعين.
واعلم أن هذا المضمَر يجوز أن يكون بدلً من المظهر وليس بمنزلته في أن يكون وصفاً له لن الوصف تابع للسم مثلُ
قولك :رأيت عبدَ ال أبا زيد.
فأما البدل فمنفرد كأنك قلت :زيداً رأيت أو رأيت زيداً ثم قلت إياه رأيت.
واعلم أنه قبيح أن تقول مررتُ به وبزيدٍ هما كما قبُح أن تصف المظهر والمضمَر بما ل يكون إل وصفاً للمظهر.
وإن أراد البدل قال :مررتُ به وبزيدٍ بهما لبد من الباء الثانية في البدل.
وليس هذا بمنزلة قولك :أظنه هو خيراً منك من قبل أن هذا موضع فصل والمضمَر والمظهر في الفصل سواء.
أل ترى أنك تقول رأيت زيداً هو خيراً منك وقال ال عزّ وجلّ " :ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزلَ إليك من ربّك هو
الحقّ ".
فأما ضربتُ وقتلتُ ونحوهما فإن السماء بعدها بمنزلة المبني على المبتدأ وإنما تذكر قائماً بعد ما يستغني الكلم ويكتفي
وينتصب على أنه حال فصار هذا كقولك :رأيته إيّاه يوم الجمعة.
261
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فأما نفسه حين قلت :رأيته إياه نفسه فوصفٌ بمنزلة هو وإياه بدل وإنما ذكرتهما توكيداً كقوله جلّ ذكره " :فسجد الملئكة
ل والنفس وصف كأنك قلت :رأيت الرجلَ زيداً نفسه وزيد بدل ونفسه على السم. كلهم أجمعون " إل أن إياه بد ٌ
وإنما كان الفصل في أظن ونحوها لنه موضع يلزم فيه الخبر وهو ألزم له من التوكيد لنه ل يجد منه بدّا.
وإنما فصل لنك إذا قلت كان زيدٌ الظريف فقد يجوز أن تريد بالظريف نعتاً لزيد فإذا جئت بهو أعلمت أنها متضمنة
للخبر.
وإنما فصل لما لبد له منه ونفسه يجزئ من إيّا كما تُجزئ منه الصفة لنك جئت بها توكيداً وتوضيحاً فصارت كالصفة.
فإن قلت أظنه خيراً منه جاز أن تقول إياه لن هذا ليس موضع فصل واستغنى الكلم فصار كقولك :ضربتُه إياه.
فإذا قلت إنك فيها إياك فهو مثل أظنه خيراً منه يجوز أن تقول :إياك.
ويدلك على أن الفصل كالصفة أنه ل يستقيم أظنه هو إياه خيراً منك إذا كان أحدهما لم يكن الخر لن أحدهما يُجزئ من
الخر لن الفصل هو كالصفة والصفة كالفصل.
وكذلك أظنه إياه هو خيراً منه لن الفصل يجزئ من التوكيد والتوكيد منه.
فجاز هذا في هذه الفعال التي السماء بعدها بمنزلتها في البتداء إعلماً بأنه قد فصل السم وأنه فيما ينتظر المحدّث
ويتوقعه منه مما لبد له من أن يذكره للمحدّث لنك إذا ابتدأت السم فإنما تبتدئه لما بعده فإذا ابتدأت فقد وجب عليك
مذكور بعد المبتدأ لبد منه وإل فسد الكلم ولم يسغ لك فكأنه ذكر هو ليستدلّ المحدّث أن ما بعد السم ما يُخرجه مما
وجب عليه وأن ما بعد السم ليس منه.
وإذا صارت هذه الحروف فصلً وهذا موضع فصلها في كلم العرب فأجرِه كما أجروه.
فمن تلك الفعال :حسبتُ وخ ْلتُ وظننت ورأيت إذا لم ترد رؤية العين ووجدتُ إذا لم ترد وجدانَ الضالة وأُرى وجعلتُ إذا
لم ترد أن تجعلها بمنزلة عملت ولكن تجعلها بمنزلة صيّرته خيراً منك وكان وليس وأصبح وأمسى.
ويدلك على أن أصبح وأمسى كذلك أنك تقول أصبح أباك وأمسى أخاك فلو كانتا بمنزلة جاء وركب لقبُح أن تقول أصبح
ف كما يقبح ذلك في جاء وركب ونحوهما.
العاقلَ وأمسى الظري َ
262
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فمما يدلّك على أنهما بمنزلة ظننتُ أنه يُذكر بعد السم فيهما ما يُذكر في البتداء.
واعلم أن ما كان فصلً ل يغيّر ما بعده عن حاله التي كان عليها قبل أن يُذكر وذلك قولك :حسبتُ زيداً هو خيرًا منك وكان
عبد ال هو الظريف وقال ال عزّ وجلّ " :ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق ".
وقد زعم ناسٌ أن هو ها هنا صفة فكيف يكون صفة وليس من الدنيا عربي يجعلها ها هنا صفة للمظهر.
ولو كان ذلك كذلك لجاز مررتُ بعبد ال هو نفسه فهو ها هنا مستكرهة ل يتكلم بها العرب لنه ليس من مواضعها عندهم.
ويدخل عليهم :إن كان زيد لهو الظريف وإن كنا لنحن الصالحين.
ولو كان صفة لم يجز أن يدخل عليه اللم لنك ل تُدخلها في ذا الموضع على الصفة فتقول :إن كان زيد للظريف عاقلً.
ومن ذلك قوله عز وجلّ " :ول يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم ال من فضله هو خيراً لهم " كأنه قال :ول يحسبنّ الذين
يبخلون البُخل هو خيراً لهم.
ولم يذكر البخل اجتزاء بعلم المخاطَب بأنه البخل لذكره يبخلون.
ومثل ذلك قول العرب " :من كذب كان شراً له " يريد كان الكذب شراً له إل أنه استغنى بأن المخاطَب قد علم أنه الكذب
لقوله كذب في أول حديثه فصار هو وأخواتُها هنا بمنزلة ما إذا كانت لغواً في أنها ل تغيّر ما بعدها عن حاله قبل أن تُذكَر.
ل وفي البتداء ولكن ما بعدها مرفوع لنه مرفوع قبل أن تذكر الفصل.
واعلم أنها تكون في إن وأخوتها فص ً
واعلم أن هو ل يحسن أن تكون فصلً حتى يكون ما بعدها معرفة أو ما أشبه المعرفة مما طال ولم تدخله اللف واللم
فضارع زيداً وعمراً نحو خير منك ومثلك وأفضل منك وش ّر منك كما أنها ل تكون في الفصل إل وقبلها معرفة أو ما
ضارعها كذلك ل يكون ما بعدها إل معرفة أو ما ضارعها.
لو قلت :كان زيد هو منطلقاً كان قبيحاً حتى تذكر السماء التي ذكرتُ لك من المعرفة أو ما ضارعها من النكرة مما ل
يدخله اللف واللم.
وقد جعل ناسٌ كثير من العرب هو وأخواتها في هذا الباب بمنزلة اسمٍ مبتدأ وما بعده مبني عليه فكأنك تقول :أظنّ زيداً
أبوه خيرٌ منه ووجدتُ عمراً أخوه خيرٌ منه.
فمن ذلك أنه بلغنا أن رؤبة كان يقول :أظن زيداً هو خيرٌ منك.
وحدثنا عيسى أن ناساً كثيرًا يقرؤونها " :وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمون ".
وقال الشاعر قيس بن ذريح :تُ َبكّي على لُبنى وأنت تركتَها وكنتَ عليها بالمَل أنت أقدرُ وكان أبو عمرو يقول :إن كان لهو
العاقل.
263
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وأما قولهم " :كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه اللذان يهوّدانه وينصّرانه " ففيه ثلثة أوجه :فالرفع وجهان
والنصب وجه واحد.
فأحد وجهي الرفع أن يكون المولود مضمَرًا في يكون والبوان مبتدآن وما بعدهما مبني عليهما كأنه قال :حتى يكون
المولود أبواه اللذان يهوّدانه وينصّرانه.
ومن ذلك قول الشاعر رجل من بني عبس :إذا ما المرء كان أبوه عبس فحسبُك ما تريد الى الكلم وقال آخر :متى ما ُيفِد
ن كلُ كسبه له مطعمٌ من صدرِ يوم ومأكلُ والوجه الخر :أن تعمل يكون في البوين ويكون هُما مبتدأ وما بعده
كسباً يك ْ
خبراً له.
وإذا قلت :كان زيد أنت خيرٌ منه وكنت أنا يومئذ خيرٌ منك فليس إل الرفع لنك إنما تفصل بالذي تعني به الول إذا كان ما
بعد الفصل هو الول وكان خبره ول يكون الفصل ما تعني به غيره.
أل ترى أنك لو أخرجت أنت لستحال الكلم وتغيّر المعنى وإذا أخرجت هو من قولك كان زيد هو خيراً منك لم يفسد
المعنى.
وأما إذا كان ما بعد الفصل هو الول قلت :هذا عبد ال هو خي ٌر منك وضربتُ عبدَ ال هو قائ ٌم وما شأن عبد ال هو خي ٌر
منك فل تكون هو وأخواتها فصلً فيها وفي أشباهها ها هنا لن ما بعد السم ها هنا ليس بمنزلة ما يُبنى على المبتدأ وإنما
ينتصب على أنه حالٌ كما انتصب قائم في قولك :انظُر إليه قائماً.
أل ترى أنك ل تقول هذا زيد هو القائم ول ما شأنُك أنت الظريفُ.
فليس هذا بالموضع الذي يحسن فيه أن يكون هو وأخواتها فصلً لن ما بعد السماء هنا ل يفسد تركُه الكلم فيكون دليلً
على أنه فيما تكلمه به وإنما يكون هو فصلً في هذه الحال.
باب ل تكون هو وأخواتها فيه فصل ولكن يكنّ بمنزلة اسم مبتدأ
وذلك قولك :ما أظن أحداً هو خير منك وما أجعلُ رجلً هو أكرم منك وما إخالُ رجلً هو أكرمُ منك.
وأما أهل المدينة فينزلون هو ها هنا بمنزلته بين المعرفتين ويجعلونها فصلً في هذا الموضع.
فزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحناً وقال :احتبى ابنُ مروان في ذِه في اللحن.
يقول :لحنَ وهو رجل من أهل المدينة كما تقول :اشتمل بالخطأ وذلك أنه قرأ " :هؤلء بناتي هنّ أطهرَ لكم " فنصب.
وكان الخليل يقول :وال إنه لعظيمٌ جعلهم هو فصلً في المعرفة وتصييرهم إياها بمنزلة ما إذا كانت ما لغواً لن هو بمنزلة
أبوه ولكنهم جعلوها في ذلك الموضع لغواً كما جعلوا ما في بعض المواضع بمنزلة ليس.
264
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإنما قياسُها أن تكون بمنزلة كأنما وإنما.
ومما يقوّي ترك ذلك في النكرة أنه ل يستقيم أن تقول :رجلٌ خيرٌ منك.
ويقول :ل يستقيم أظن رجلً خيراً منك فإن قلت :ل أظن رجلً خيراً منك فجيد بالغ.
ول تقول :أظن رجلً خيراً منك حتى تنفي وتجعله بمنزلة أحد فلما خالفَ المعرفة في الواجب الذي هو بمنزلة البتداء لم
يج ِر في النفي مجراه لنه قبيح في
ي القوم أفضلُ.
أل ترى أنك تقول :أيٌ أفضل وأ ُ
فصار المضاف وغير المضاف يجريان مجرى مَن كما أن زيداً وزيدَ مَناة يجريان مجرى عمرو فحال المضاف في
العراب والحُسن والقبح كحال المفرد.
قال ال عز وجل " :أيّا ما تدعو فله السماء الحُسنى " فحسُن كحسنه مضافاً.
وتقول :أيها تشاء لك فتشاء صلةٌ ليها حتى كمل اسماً ثم بنيتَ لك على أيها كأنك قلت :الذي تشاء لك.
وسألتُ الخليل رحمه ال عن قولهم :اضربْ أيّهم أفضل فقال :القياس النصب كما تقول :اضرب الذي أفضلُ لن أياً في
غير الجزاء والستفهام بمنزلة الذي كما أن مَن في غير الجزاء والستفهام بمنزلة الذي.
وحدّثنا هارون أن ناساً وهم الكوفيون يقرؤونها " :ثم لننزِعنّ من كل شيعةٍ أيّهم أشدّ على الرحمن عُتيّا " وهي لغة جيدة
نصبوها كما جرّوها حين قالوا :امرُرْ على أيهم أفضلُ فأجراها هؤلء مجرى الذي إذا قلت :اضربِ الذي أفضلُ لنك
تُنزل أيًا ومَن منزلة الذي في غير الجزاء والستفهام.
وزعم الخليل أن أيّهم إنما وقع في اضربْ أيّهم أفضل على أنه حكاية كأنه قال :اضرب الذي يقال له أيّهم أفضلُ وشبهه
ج ول محرومُ وأما يونس فيزعم أنه بمنزلة قولك :أشهدُ إنك لَرسولُ
بقول الخطل :ولقد أبيتُ من الفتاة بمنزلٍ فأبيتُ ل حر ٌ
ال.
ب معلّقة.
واضر ْ
وأرى قولهم :اضربْ أيهم أفضلُ على أنهم جعلوا هذه الضمة بمنزلة الفتحة في خمسةَ عشرَ وبمنزلة الفتحة في النَ حين
قالوا من النَ الى غ ٍد ففعلوا ذلك بأيهم حين جاء مجيئاً لم تجئ أخواته عليه إل قليلً واستُعمل استعمالً لم تُستعمله أخواته
إل ضعيفاً.
وذلك أنه ل يكاد عربي يقول :الذي أفضل فاضربْ واضربْ مَن أفضلُ حتى يدخلَ هو.
265
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ول يقول :هاتِ ما أحسنُ حتى يقول ما هو أحسن.
فلما كانت أخواته مفارِقة له ل تستعمل كما يُستعمل خالفوا بإعرابها إذا استعملوه على غير ما استُعملت عليه أخواته إل
قليلً.
كما أن قولك :يا الُ حين خالف سائرَ ما فيه اللف واللم لم يحذفوا ألفَه وكما أن ليس لمّا خالفت سائر الفعل ولم تصرّف
تصرّف الفعل تُركت على هذه الحال.
ل ضعيفاً.
وجاز إسقاط هو في أيهم كما كان :ل عليك تخفيفاً ولم يجزْ في أخواته إل قلي ً
وأما الذين نصبوا فقاسوه وقالوا :هو بمنزلة قولنا اضربِ الذين أفضلُ إذا أثرنا أن نتكلم به.
ومن قال :امرُرْ على أيّهم أفضل قال :امرُرْ بأيهم أفضل وهما سواء.
ق الى
فإذا جاء أيهم مجيئاً يحسن على ذلك المجيء أخواته ويكثر رجع الى الصل والى القياس كما ردوا ما زيدٌ إل منطل ٌ
الصل والى القياس.
وتفسير الخليل رحمه ال ذلك الول بعيد إنما يجوز في شعر أو في اضطرار.
ولو ساغ هذا في السماء لجاز أن تقول :اضربِ الفاسقُ الخبيثُ تريد الذي يقال له الفاسقُ الخبيثُ.
ي أفضلُ.
ومن قولهما :اضربْ أ ٌ
ويقيس ذا على الذي وما أشبهه من كلم العرب ويسلّم في ذلك المضاف الى قول العرب ذلك يعني أيهم وأجروا أياً على
القياس.
ول ينبغي لك أن تقيس على الشاذ المنكر في القياس كما أنك ل تقيس على أمس أمسك ول على أيقول ول سائر أمثلة القول
ول على الن أنَك.
ولو جعلوا أياً في النفراد بمنزلته مضافاً لكانوا خُلقاء إن كان بمنزلة الذي معرفةً أن ل ينوّن لن كل اسم ليس يتمكن ل
يدخله التنوين في المعرفة ويدخله في النكرة.
266
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وسألته رحمه ال عن أيّي وأيّك كان شراً فأخزاه ال فقال :هذا كقولك :أخزى ال الكاذب مني ومنك إنما يريد منا.
فإنما أراد أيّنا كان شراً إل أنهما لم يشتركا في أي ولكنه أخلصَه لكل واحدٍ منهما.
وقال الشاعر العباس ابن مرداس :فأيي ما وأيّك كان شراً فسيقَ الى المُقامةِ ل يراها وقال خداشُ بن زهير :ولقد علمتُ إذا
الرجالُ تناهزوا أيي وأيّكم أعزّ وأمن ُع وقال خداش أيضاً :فأيي وأيّ ابنِ الحُصين وعثعثٍ غداةَ التقينا كان عندك أعذرا
وذلك قولك :اضربْ أيّهم هو أفضل واضرب أيّهم كان أفضل واضرب أيهم أبوه زيد.
وزعم الخليل رحمه ال أنه سمع عربياً يقول :ما أنا بالذي قائل لك شيئاً.
وهذه قليلة ومن تكلم بهذا فقياسه اضربْ أيّهم قائل لك شيئاً.
فقلت :فما بالُ المسألة الولى فقال :لنه إذا طال الكلم فهو أمثلُ قليلً وكأن طولَه عوض من ترك هو.
فمَن كمل اسماً برأيتَ فصار بمنزلة القوم فكأنك قلت :أيّ القوم أفضل وأيهم أفضلُ وكذلك أيُ الذين رأيت في الدار أفضلُ.
وتقول :أي الذين رأيتَ في الدار أفضل لن رأيت من صلة الذين وفيها متصلة برأيت لنك ذكرت موضع الرؤية فكأنك
قلت أيضاً :أي القوم أفضل وأيهم أفضل لن فيها لم تغيّر الكلم عن حاله.
ت أفضلُ.
ت قومَه أفضل كان بمنزلة قولك :أيُ مَن رأي َ
كما أنك إذا قلت :أيُ مَن رأي َ
وتقول :أيّ من في الدار رأيت أفضلَ وذاك لنك جعلت في الدار صلة فتمّ المضاف إليه أيٌ اسماً ثم ذكرتَ رأيت فكأنك
قلت :أي القوم رأيت أفضل ولم تجعل في الدار ها هنا موضعاً للرؤية.
وتقول :أيّ مَن في الدار رأيتَ أفضل كأنك قلت :أيُ من رأيتَ في الدار أفضلُ.
267
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ولو قلت أيُ من في الدار رأيتَه زيدٌ إذا أردت أن تجعل في الدار موضعاً للرؤية لجاز.
ولو قلت :أيُ مَن رأيت في الدار أفضل قدّمت أو أخّرت سواء.
فهذا إن جعلته استفهاماً فإعرابه الرفع وهو كلم صحيح من قبل أن يأتنا نعطِه صلةٌ لمَن فكمل اسماً.
أل ترى أنك تقول مَن إن يأتنا نعطِه بنو فلن كأنك قلت :القومُ بنو فلن ثم أضفتَ أياً إليه فكأنك قلت :أيُ القوم نُكرمه
وأيّهم نُكرمه فإن لم تدخل الهاء في نُكرم نصبتَ كأنك قلت :أيهم نُكرم.
ولكنك إن قلت أيّ مَن إن يأتنا نعطِه نُكرم تُهين كان في الخبر كلماً لن أيّهم بمنزلة الذي في الخبر فصار نكرم صلةً
وأعملت تُهين كأنك قلت :الذي نُكرمُ تُهين.
وتقول :أيّ مَن إن يأتنا نُعطه نُكرم تُهن كأنك قلت :أيّهم نُكرِم تُهن.
وتقول :أيُ مَن يأتينا يريد صلتنا فنحدّثه فيستحيل في وجه ويجوز في وجه.
فأما الوجه الذي يستحيل فهو أن يكون يريد في موضع مُريدٍ إذا كان حالً فيه وقع التيان لنه معلّق بيأتينا كما كان فيها
معلّقا برأيت في :أيُ مَن رأيت في الدار أفضل فكأنك قلت :أيُهم فنحدثه.
وأما الوجه الذي يجوز فيه فأن يكون يريدُ مبنياً على ما قبله ويكون يأتينا الصلة.
فإن أردت ذلك كان كلماً كأنك قلت :أيّهم يريد صلتَنا فنحدّثه وفنحدّثه إن أردت الخبر.
فإن أخرجت الفاء فقتل :أيّ من يأتيني نُحدّثه فهو كلم في الستفهام محالٌ في الخبار.
وذلك أن مَن الثانية صلتها إن يأتنا نعطه فصار بمنزلة زيد فكأنك قلت :أيّ مَن إن يأته زيدٌ يُعطه تأتِ يكرمْك فصار إن
يأته زيدٌ يعطِه صلة لمن الولى فكأنك قلت :أيهم تأتِ يُكرمْك.
فجميع ما جاز وحسن في أيهم ها هنا جاز في :أي مَن إن يأته من إن يأتنا نعطه يُعطِه لنه بمنزلة أيهم.
وسألت الخليل رحمه ال عن قولهم :أيهنّ فلنة وأيتهنّ فلنة فقال :إذا قلت أيّ فهو بمنزلة كل لن كلً مذكّر يقع للمذكر
والمؤنث وهو أيضاً بمنزلة بعض فإذا قلت أيتهن فإنك أردت أن تؤنث السم كما أن بعض العرب فيما زعم الخليل رحمه
ال يقول :كلّتهن منطلقة.
268
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وذلك أن رجلً لو قال :رأيت رجلً قلت :أياً فإن قال :رأيت رجلين قلت :أيّيْن وإن قال :رأيت رجالً قلت :أيّين فإن ألحقتَ
يا فتى في هذا الموضع فهي على حالها قبل أن تلحق يا فتى.
وإذا قال رأيت امرأة قلت :أيةً يا فتى فإن قال :رأيتُ امرأتين قلت :أيّتَين يا فتى فإن قال :رأيتُ نسوةً قلت :أيّات يا فتى فإن
تكلم بجميع ما ذكرنا مجروراً جررتَ أياً وإن تكلم به مرفوعاً رفعتَ أياً لنك إنما تسألهم على ما وضع عليه المتكلم
كلمه.
قلت :فإن قال :رأيت عبدَ ال أو مررت بعبد ال قال :فإن الكلم أن ل تقول أياً ولكن تقول :مَن عبدُ ال وأيٌ عبدُ ال ل
يكون إذا جئت بأي إل الرفع كما أنه ل يجوز إذا قال :رأيت عبدَ ال أن تقول مَنَا وكذلك ل يجوز إذا قال رأيت عبدَ ال أن
تقول أيّا ول تجوز الحكاية فيما بعد أي كما جاز فيما بعد مَن وذلك أنه إذا قال رأيت عبدَ ال قلت :أيٌ عبدُ ال وإذا قال:
مررتُ بعبد ال قلت :أيٌ عبدُ ال وإنما جازت الحكاية بعد مَن في قولك مَن عبد ال لن أياً واقعة على كل شيء وهي
للدميين.
ومَن أيضاً مُسكّنة في غير بابها فكذلك يجوز أن تجعل ما بعد مَن في غير بابه.
اعلم أنك تثنّي مَن إذا قلت رأيت رجلين كما تثنّي أياً وذلك قولك :رأيت رجلين فتقول :مَنَيْن كما تقول أيّين.
وإن قال رأيت امرأتين قلت مَنَتيْن كما قلت أيّتين إل أن النون مجزومة.
فإن قال :رأيت نساءَ قلت :مَناتْ كما قلت أيّات إل أن الواحد يخالف أيًا في موضع الجرّ والرفع وذلك قولك :أتاني رجلٌ
فتقول مَنُو وتقول مررت برجل فتقول مَني.
وسنبين وجه هذه الواو والياء في غير هذا الموضع إن شاء ال.
فأيّ في موضع الجر والرفع إذا وقفتَ بمنزلة زيد وعمرو وذلك لن التنوين ل يلحق مَن في الصلة وهو يلحق أياً فصارت
بمنزلة زيد وعمرو وأما مَن فل ينوّن في الصلة فجاء في الوقف مخالفاً.
وزعم الخليل أن مَنَ ْه ومَنَتَيْن ومَنَيْن ومَناتْ ومَنِين كل هذا في الصلة مُسكن النون وذلك أنك تقول إذا رأيت رجالً أو نساءً
أو امرأة أو امرأتين أو رجلً أو رجلين :مَني يا فتى.
وزعم الخليل رحمه ال أن الدليل على ذلك أنك تقول مَنو في الوقف ثم تقول مَن ي فتى فيصير بمنزلة قولك مَن قال ذاك
فتقول :مَن يا فتى إذا عنيت جميعًا كأنك تقول مَن قال ذاك إذا عنيت جماعةً.
وإما فارق باب مَن باب أيّ أن أياً في الصلة يثبت فيه التنوين تقول :أيٌ ذا وأيةٌ ذهْ.
وزعم أن من العرب وقد سمعناه من بعضهم من يقول :أيّون هؤلء وأيان هذان.
269
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فأيٌ قد تُجمع في الصلة وتضاف وتثنّى وتنوّن ومَن ل يثنّى ويُجمع في الستفهام ول يضاف وأيٌ منوّن على كل حال في
الستفهام وغيره فهو أقوى.
وحدّثنا يونس أن ناساً يقولون أبداً :مَنَا ومَنِي ومَنو عنيت واحداً أو اثنين أو جميعاً في الوقف.
فمن قال هذا قال أياً وأيٍ وأيٌ إذا عنى واحداً أو جميعاً أو اثنين.
وإنما فعلوا ذلك بمَن لنهم يقولون :مَن قال ذاك فيعنون ما شاءوا من العدد.
وأما يونس فإنه كان يقيس مَنَهْ على أية فيقول :مَنَةٌ ومنةً ومنةٍ إذا قال يا فتى.
وهذا بعيد وإنما يجوز هذا على قول شاعر قاله مرة في شعر ثم لم يُسمع بعدُ :أتَوا ناري فقلت مَنونَ أنتم فقالوا الجِنّ قلت
عِموا ظلما وهذا بعيد ل تكلّم به العرب ول يستعمله منهم ناس كثير.
وإذا قال رأيت امرأةً ورجلً فبدأت في المسألة بالمؤنّث قلت :مَن ومَنا لنك تقول مَن يا فتى في الصلة في المؤنث.
وإن بدأت بالمذكّر قلت مَن ومَنَهْ وإنما جُمعت أيٌ في الستفهام ولم تُجمع في غيره لنه إنما الصل فيها الستفهام وهي فيه
أكثر في كلمهم وإنما تشبه السماء التامة التي ل تحتاج الى صلة في الجزاء وفي الستفهام.
وقد تشبّه مَن بها في هذه المواضع لنها تجري مجراها فيها.
ولم تقوَ قوةَ في أيٍ لما ذكرت لك ولما يدخلها من التنوين والضافة.
وذلك أنه ل يجوز أن يقول الرجل :رأيت عبدَ ال فتقول مَنَا لنه إذا ذكر عبد ال فإنما يذكر رجلً تعرفه بعينه أو رج ً
ل
أنت عنده ممن يعرفه بعينه فإنما تسأله على أنك ممن يعرفه بعينه إل أنك ل تدري الطويلُ هو أم القصير أم ابنُ زيد أم ابن
عمرو فكرهوا أن يُجرى هذا مجرى النكرة إذا كانا مفترقين.
وكذلك رأيته ورأيت الرجل ل يحسن لك أن تقول فيهما إل مَن هو ومنِ الرجل.
وقد سمعنا من العرب من يقال له ذهبنا معهم فيقول :مع مَنِينْ وقد رأيته فيقول :مَنا أو رأيت مَنا.
270
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وذلك أنه سأله على أن الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفه بعينه وأن المر ليس على ما وضعه عليه المحدّث فهو ينبغي له
أن يسأل في ذا الموضع كما سأل حين قال رأيت رجلً.
باب اختلف العرب في السم المعروف الغالب إذا استفهمت عنه بمَن
اعلم أن أهل الحجاز يقولون إذا قال الرجل رأيت زيداً :مَن زيداً وإذا قال مررتُ بزيد قالوا :مَن زيد وإذا قال :هذا عبد ال
قالوا :من عبد ال وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال.
فأما أهل الحجاز فإنهم حملوا قولهم على أهم حكوا ما تكلم به المسئول كما قال بعض العرب :دعنا من َتمْرتان على
الحكاية لقوله :ما عنده تمرتان.
وسمعتُ عربياً مرة يقول لرجل سأله فقال :أليس قُرشياً فقال :ليس بقرشياً حكايةً لقوله.
فجاز هذا في السم الذي يكون علَماً غالباً على ذا الوجه ول يجوز في غير السم الغالب كما جاز فيه وذلك أنه الكثر في
كلمهم وهو العلَم الول الذي به يتعارفون.
وإنما حكى مبادرة للمسئول أو توكيداً عليه أنه ليس يسأله عن غير هذا الذي تكلم به.
وإذا قال :رأيت أخا خالد لم يجز مَن أخا خالد إل على قول من قال :دعنا مِن تمرتان وليس بقرشياً.
وقال يونس :إذا قال رجلٌ :رأيت زيداً وعمراً أو زيداً وأخاه أو زيداً أخا عمرو فالرفع يردّه الى القياس والصل إذا جاوز
ق الى الصل. الواحد كما تُردّ ما زيدٌ إل منطل ٌ
وأما ناسٌ فإنهم قاسوه فقالوا :تقول مَن أخو زيد وعمرو ومن عمراً وأخا زيدٍ تُتبع الكلم بعضه بعضاً.
وهذا حسن.
فإذا قالوا مَن عمراً ومن أخو زيد رفعوا أخاً زيد لنه قد انقطع من الول بمن الثاني الذي مع الخ فكأنك قلت مَن أخو زيد
كما أنك تقول تبّا له وويلً وتباً له وويلٌ له.
وسألت يونس عن :رأيت زيدَ بنَ عمرو فقال :أقول مَن زيدَ ابن عمرو لنه بمنزلة اسم واحد.
وهكذا ينبغي إذا كنت تقول يا زيدَ ابن عمرو وهذا زيدُ بن عمرو فتسقط التنوين.
فأما مَن زيدٌ الطويل فالرفع على كل حال لن أصل هذا جرى للواحد لتعرّفه له بالصفة فلما جاوز ذلك ردّه الى العرف.
ومَن نوّن زيداً جعل ابن صفةً منفصلة ورفع في قول يونس.
271
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
فإذا قال رأيت زيداً قال :أيٌ زيدٌ فليس فيه إل الرفع يُجريه على القياس.
وإن أدخلت الواو والفاء في مَن فقلت :فمَن أو َومَنْ لم يكن فيما بعده إل الرفع.
فإذا ذكر ثلثة قلت :المَنيّينْ وتحمل الكلم على ما حمل عليه المسئول إن كان مجرورًا أو منصوباً أو مرفوعاً كأنك قلت:
القُرشيّ أم الثّقفيّ.
فإن قال القرشيّ نصب وإن شاء رفع على هو كما قال صالحٌ في :كيف كنتَ فإن كان المسئول عنه من غير النس
باب إجرائهم صلةَ مَن وخبره ن والفلنة لن ذلك كناية عن
ن والهنَ ُة والفل ُ
فالجواب الهَ ُ
إذا عنيت اثنين صلة اللذين وإذا عنيت جميعاً كصلة الذين فمن ذلك قوله عز وجل " :ومنهم من يستعمون إليك ".
ومن ذلك قول العرب فيما حدثنا يونس :مَن كانت أمّك وأيّهنّ كانت أمّك ألحق تاء التأنيث لما عنى مؤنثاً كما قال :يستعمون
إليك حين عنى جميعاً.
ت مؤنثاً.
وزعم الخليل رحمه ال أن بعضهم قرأ " :ومَن تق ُنتْ منكنّ ل ورسوله " فجُعلت كصلة التي حين عني َ
وليس يكون كالذي إل مع ما ومَن في الستفهام فيكون ذا بمنزلة الذي ويكون ما حرف الستفهام وإجرائهم إياه مع ما
بمنزلة اسم واحد.
أما إجراؤهم ذا بمنزلة الذي فهو قولك :ماذا رأيت فيقول :متاعٌ حسنٌ.
حبٌ فيُقضى أم ضَلل وباطلُ وأما إجراؤهم إياه مع ما بمنزلة اسم واحد
وقال الشاعر لبيد أل تسألن المرء ماذا يحاول أ َن ْ
فهو قولك :ماذا رأيت فتقول :خيراً كأنك قلت :ما رأيت ومثل ذلك قولهم :ماذا ترى فنقول :خيراً.
وقال جلّ ثناؤه " :ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً ".
فلو كان ذا لغواً لما قالت العرب :عمّاذا تسأل ولقالوا :عمّ ذا تسأل كأنهم قالوا :عمّ تسأل ولكنهم جعلوا ما وذا اسمًا واحداً
كما جعلوا ما وإن حرفاً واحداً حين قالوا :إنما.
272
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
ومثل ذلك كأنما وحيثما في الجزاء.
ولو كان ذا بمنزلة الذي في ذا الموضع البتة لكان الوجه في ماذا رأيت إذا أجاب أن يقول :خيرٌ.
وقال الشاعر وسمعنا بعض العرب يقول :دعي ماذا عملتِ سأتّقيه ولكنْ بالمغيّب نبّئيني فالذي ل يجوز في هذا الموضع
وما ل يحسن أن تُلغيها.
وقد يجوز أن يقول الرجل :ماذا رأيت فيقول :خيرٌ إذا جعلت ما وذا اسمًا واحداً كأنه قال :ما رأيت خي ٌر ولم يُجبه على
رأيت.
ح وفي مَن رأيت فيقول :زيدٌ كأنه قال :أنا صالح ومن رأيت زيدٌ.
ومثل ذلك قولهم في جواب كيف أصبحت فيقول :صال ٌ
والنصب في هذا الوجه لنه الجواب على كلم المخاطَب وهو أقرب الى أن تأخذ به.
وقال عزّ وجلّ " :ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطيرُ الولين ".
وقد يجوز أن تقول إذا قلت من الذي رأيتَ :زيداً لن ها هنا معنى فعل فيجوز النصب ها هنا كما جاز الرفعُ في الول.
إذا أنكرتَ أن تُثبت رأيَه على ما ذكر أو تنكر أن يكون رأيه على خلف ما ذكر.
فالزيادة تتبع الحرف الذي هو قبلها الذي ليس بينه وبينها شيء.
فإن كان مضمومًا فهو واو وإن كان مكسوراً فهي ياء وإن كان مفتوحاً فهي ألف وإن كان ساكناً تحرّك لئل يسكن حرفان
فيتحرك كا يتحرك في اللف واللم والساكن مكسوراً ثم تكون الزيادة تابعةً له.
فمما تحرّك من السواكن كما وصفتُ لك وتبعته الزيادةُ قول الرجل :ضربت زيدًا فتقول منكِراً لقوله :أزيدَنيه.
وصارت هذه الزيادة علَماً لهذا المعنى كعلَم الندبة وتحركت النون لنها ساكنة ول يسكن حرفان.
فإن ذكر السم مجروراً جررته أو منصوباً نصبته أو مرفوعاً رفعته وذلك قولك إذا قال :رأيت زيداً :أزيدَنيه وإذا قال
مررتُ بزيد :أزيدِنيه وإذا قال هذا زيدٌ :أزيدُنيه لنك إنما تسأل عما وضع كلمه عليه.
إما منكِراً لرأيه أن يكون على ذلك وإما على خلف المعرفة.
وسمعنا رجلً من أهل البادية قيل له :أتخرج إن أخصبت البادية فقال :أنا إنِيه منكِراً لرأيه أن يكون على خلف أن يخرج.
ويقول :قد قدم زيد فتقول :أزيدُنيه غيرَ رادّ عليه متعجباً أو منكراً عليه أن يكون رأيهُ على غير أن يقدم أو أنكرتَ أن يكون
قدِم فقلت :أزيدُنيه فإن قلت مجيباً لرجل قال :قد لقيتُ زيداً وعمراً قلت :أزيدًا وعمرَنيه تجعل العلمة في منتهى الكلم.
أل ترى أنك تقول إذا ضربتُ عمراً :أضربتَ عمرَاهْ وإن قال :ضربتُ زيداً الطويل قلت :أزيداً الطويله تجعلها في منتهى
الكلم.
273
مكتبة سيبويه الكتاب
مشكاة السلمية
وإن قلت :أزيداً يا فتى تركت العلمة كما تركت علمة التأنيث والجمع حرف اللين في قولك :مَنا ومَني ومَنو حين قلت يا
فتى وجعلت يا فتى بمنزلة ما هو في مَن حين قلت مَن يا فتى ولم تقل مَنين ول مَنَهْ ول مَني أذهبتَ هذا في الوصل وجعلت
ل وامرأةً.
يا فتى بمنزلة ما هو من مسألتك يمنع هذا كله وهو قولك مَن ومَنَهْ إذا قال رأيت رج ً
فمَنَهْ قد منعتْ مَن من حروف اللين فكذلك هو ها هنا يمنع كما يمنع ما كان في كلم المسئول العلمة من الول.
ول تدخل في يا فتى العلمة لنه ليس من حديث المسئول فصار هذا بمنزلة الطويل حين منع العلمة زيداً كما منع مَن ما
ذكرتُ لك وهو كلم العرب.
ومما تُتبعه هذه الزيادة من المتحرّكات كما وصفتُ لك قوله :رأيت عُثمان فتقول :أعُثماناه ومررت بعثمان فتقول :أعُثماناه
ومررتُ بحذام فتقول :أحَذاميهُ وهذا عمر فتقول :أعُمرُوهْ فصارت تابعة كما كانت الزيادة التي في واغُلمهوهْ تابعة.
وكذلك أوضحوا بها ها هنا لن في العلم الهاء والهاء خفية والياء كذلك فإذا جاء الهمزة والنون جاء حرفان لو لم يكن
بعدهما الهاء وحرف اللين كانوا مستغنين بهما.
فإنما ذكرت لك هذا لتعلم أنهم قد يطلبون إيضاحها بنحو من هذا الذي ذكرتُ لك.
وقد يقول الرجل :إني قد ذهبت فتقول :أذهبتُوه ويقول :أنا خارج فتقول :أنا إنِيه تُلحق الزيادة ما لفظ به وتحكيه مبادرةً له
وتبييناً أنه يُنكر عليه ما تكلم به كما فُعل ذلك في :مَن عبدَ ال وإن شاء لم يتكلم بما لفظ به وألحق العلمة ما يصحّح المعنى
كما قال حين قال :أتخرج الى البادية :أنا إنِيه.
وإن كنت متثبتاً مسترشداً إذا قال ضربت زيداً فإنك ل تُلحق الزيادة.
وإذا قال ضربتُه فقلت :أقلتَ ضربتُه لم تلحق الزيادة أيضاً لنك إنما أوقعت حرف الستفهام على قلت ولم يكن من كلم
المسئول وإنما جاء على السترشاد ل على النكار.
274