‫اﺿﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒﺎط ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ‬ ‫اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬

‫د. اﺣﻤﺪ ﺻﺒﺤﻲ ﻣﻨﺼﻮر‬

‫ﺑﺴﻢ اﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ‬

‫اﺿﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒﺎط ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬

‫د. اﺣﻤﺪ ﺻﺒﺤﻲ ﻣﻨﺼﻮر‬ ‫ﻗﺼﺔ هﺬا اﻟﺒﺤﺚ‬ ‫١-ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻦ ٧٧٩١-٠٨٩١ آﻨﺖ ﻓﻲ ﺻﺮاع ﻣ ﻊ ﺷ ﻴﻮخ اﻷزه ﺮ، آ ﺎﻧﻮا ﻳ ﺼﻤﻤﻮن ﻋﻠ ﻰ ﺗﻐﻴﻴ ﺮ ﻣ ﺎ آﺘﺒ ﺖ ﻓ ﻲ‬ ‫رﺳﺎﻟﺘﻲ ﻟﻠﺪآﺘﻮراﻩ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻨﺸﺮ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻻ ﻳﺮﻳﺪون إﻇﻬﺎرهﺎ، وأﻧﺎ ﻣﺼﻤﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ آ ﻞ اﻟﻤ ﺴﻜﻮت ﻋﻨ ﻪ ﻃﻠﺒ ﺎ‬ ‫ﻹﺻﻼﺣﻪ. آﺎن ﻣﻦ ﺑ ﻴﻦ ﻣ ﺎ أﺛ ﺎر ﺣﻔﻴﻈ ﺘﻬﻢ ﻓ ﺼﻞ ﻓ ﻲ اﻟﺮﺳ ﺎﻟﺔ ﻋ ﻦ اﻟﺘﻌ ﺼﺐ اﻟ ﺪﻳﻨﻲ ﺿ ﺪ اﻷﻗﺒ ﺎط ﻓ ﻲ ﻣ ﺼﺮ‬ ‫اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴﺔ ﺑﺘﺄﺛﻴﺮ ﺷ ﻴﻮخ اﻟﺘ ﺼﻮف. أﺧﻴ ﺮا وﺻ ﻠﻨﺎ إﻟ ﻰ ﺣ ﻞ وﺳ ﻂ ﻓ ﻲ ﺻ ﻴﻒ ٠٨٩١ وﺑﻤﻘﺘ ﻀﺎﻩ ﺣ ﺬﻓﺖ ﺛﻠﺜ ﻲ‬ ‫اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، وهﻤﺎ ﺑﺎﺑﺎن آﺒﻴﺮان ﻋﻦ أﺛﺮ اﻟﺘﺼﻮف اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻷﺧﻼﻗﻲ. واآﺘﻔﻴﺖ ﺑﺒﺤﺚ ﺁﺛ ﺎرﻩ اﻟ ﺴﻴﺌﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻨ ﻮاﺣﻲ‬ ‫اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ..اﻟﺦ. ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ اﻻﺗﻔﺎق آﻨﺖ ﻣﻠﺰﻣﺎ ﺑﺤﺬف ﻓ ﺼﻞ اﻟﺘﻌ ﺼﺐ اﻟ ﺪﻳﻨﻲ‬ ‫ﻷﻧﻪ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﺒﺎب اﻟﺪﻳﻨﻲ، ﻟﻜﻨﻨﻲ اﺣﺘﻠﺖ ﻋﻠﻰ إﺑﻘﺎﺋﻪ ﺑﺄن أﻋ ﺪت ﺗﺮﺗﻴ ﺐ اﻟﺒ ﺎب اﻟ ﺴﻴﺎﺳﻲ وأﺿ ﻔﺖ إﻟﻴ ﻪ اﻟﻔ ﺼﻞ‬ ‫اﻟﺨﺎص ﺑﺎﺿﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒﺎط آﺈﺣﺪى ﺛﻤﺎر اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻟ ﺸﻴﻮخ واﻟﻤﻤﺎﻟﻴ ﻚ. وﻧﺠﺤ ﺖ ﻓ ﻲ ﻓ ﺮض رأﻳ ﻲ‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﻮخ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻘﺮءون وإذا ﻗﺮﺋﻮا ﻻ ﻳﻔﻬﻤﻮن .‬ ‫٢- ﻓﻲ أول آﺘﺎب ﻟﻲ "اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺪوي ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ واﻟﺨﺮاﻓﺔ" ﺳﻨﺔ ٢٨٩١ﻧﺸﺮت ﺑﻌﺾ أﺟﺰاء رﺳ ﺎﻟﺘﻲ اﻟﺘ ﻲ‬ ‫ﻧﻮﻗﺸﺖ وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺆاﻣﺮة اﻟﺸﻴﻮخ اﻷﺣﻤﺪﻳﺔ وإﺣﺮاﻗﻬﻢ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻓ ﻲ وﻗ ﺖ واﺣ ﺪ. وآﻨ ﺖ أول ﻣ ﻦ أﻣ ﺎط‬ ‫اﻟﻠﺜﺎم ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﻔﺎﺟﻌﺔ وﺣﻘﻘﻬﺎ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺎ وأﻧﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻋﺮف ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺪﺑﺮ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﺤﺎدﺛﺔ واﻟ ﺬي ﻋﺠ ﺰت‬ ‫اﻟ ﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴ ﺔ ﻋ ﻦ اﻟﻮﺻ ﻮل إﻟﻴ ﻪ، إذ آ ﺎن اﻟ ﺮﺋﻴﺲ اﻟ ﺴﺮي ﻟﺘﻨﻈ ﻴﻢ ﺷ ﻴﻌﻲ ﻓ ﺸﻞ ﻣ ﻦ ﻗﺒ ﻞ زﻋﻴﻤ ﻪ- اﻟ ﺴﻴﺪ‬ ‫اﻟﺒﺪوي – اﻟﻮﻟﻲ اﻟﻤﺸﻬﻮر ﺣﺘﻰ اﻵن - ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻧﻈﺎم اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻲ ﻓﺎﻧﺘﻘﻢ اﻷﺗﺒﺎع ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﺈﺣﺮاق اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ‬ ‫ﻟﻴﻮﻗﻊ اﻟﺨﻠﻞ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻟﻴﺴﻘﻄﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ وآﺎد أن ﻳﻨﺠﺢ.‬ ‫٣- ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٤٨٩١ ﻗﺮرت ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻋﺪة آﺘﺐ ﻣﻦ ﺗﺄﻟﻴﻔﻲ آ ﺎن ﻣﻨﻬ ﺎ آﺘ ﺎﺑﻲ " ﺷﺨ ﺼﻴﺔ ﻣ ﺼﺮ‬ ‫ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ" وﻋﻘﺪت ﻓﻴﻪ ﻓﺼﻼ ﻋﻦ اﺿ ﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒ ﺎط ﺑﻌ ﺪ اﻟﻔ ﺘﺢ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ ، آ ﺎن أول وﺁﺧ ﺮ آﺘ ﺎب‬ ‫ﻣﻘﺮر ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻷزهﺮ ﻳﻘﺪم ﻟﻠﻄﻠﺒﺔ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ وﻳﻨﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﺎ ﻟﻺﺳﻼم.‬ ‫٤- آ ﻞ ه ﺬا وﻟ ﻢ أآ ﻦ ﻗ ﺪ ﻗﺎﺑﻠ ﺖ ﻓ ﻲ ﺣﻴ ﺎﺗﻲ ﻣ ﺼﺮﻳﺎ ﻗﺒﻄﻴ ﺎ وﻟ ﻢ أآ ﻦ ﻗ ﺪ ﺗﻌﺎﻣﻠ ﺖ ﻣ ﻊ أي ﻣ ﻨﻬﻢ ﺑﺤﻜ ﻢ ﺑﻴﺌﺘ ﻲ‬ ‫اﻷزهﺮﻳﺔ. وﻇﻠﻠﺖ هﻜﺬا ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ اﻷﻗﺒﺎط أداﻓﻊ ﻋ ﻨﻬﻢ دون ﻣﻌﺮﻓ ﺔ ﺣﺘ ﻰ ﺑﻌ ﺪ ﺗﺮآ ﻲ اﻷزه ﺮ إﻟ ﻰ أن ﺗﻌﺮﻓ ﺖ‬ ‫ﺑ ﺼﺪﻳﻘﻲ ﻃﻴ ﺐ اﻟ ﺬآﺮ اﻟ ﺪآﺘﻮر ﻓ ﺮج ﻓ ﻮدﻩ ، ﻓﺘﻌﺮﻓ ﺖ ﻣ ﻦ ﺧﻼﻟ ﻪ ﻋﻠ ﻰ آﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻦ اﻷﻗﺒ ﺎط ،ﻣ ﻨﻬﻢ ﻣ ﻦ أﻓﺨ ﺮ‬ ‫ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﻪ ﺣﺘﻰ اﻵن وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ أﻋﺘﺬر ﻋﻨﻪ ﻟﻨﻔﺴﻲ أﻣﺎم ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻌﻠﻼ ﺗﻌﺼﺒﻬﻢ ﺑﻘﺴﻮة اﻻﺿﻄﻬﺎد اﻟﺬي ﺗﺤﻤﻠﻮﻩ.‬ ‫٥- ﺣﻴﻦ اﻧﻄﻠﻖ ﺷﻴﻄﺎن اﻟﺘﻄﺮف ﻳﻘﺘﻞ اﻷﻗﺒﺎط ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻴﺪ وﻏﻴﺮهﺎ ﻓﻲ أواﺋﻞ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت آﻮﻧﺖ ﻣ ﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋ ﺔ‬ ‫ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ اﻟﻨﺒﻼء ) اﻟﺠﺒﻬ ﺔ اﻟ ﺸﻌﺒﻴﺔ ﻟﻤﻮاﺟﻬ ﺔ اﻹره ﺎب ( وآﻨ ﺖ ﻣﻘﺮره ﺎ اﻟﻔﻜ ﺮي وﻣﺴﺘ ﺸﺎرهﺎ اﻟ ﺪﻳﻨﻲ،‬ ‫وآﺎن ﻟﻬﺎ ﻧﻔﻮذ ﺗﺒﺮﻋﺖ ﺑﻪ اﻟﺪوﻟﺔ وﻗﺖ ﺿﻌﻔﻬﺎ أﻣﺎم ﺳﻄﻮة اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻴﺪ واﻷﺣﻴﺎء اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ‬ ‫ﺑﺎﻟﻘﺎهﺮة ﻓﻜﻨﺎ ﻧﺬهﺐ إﻟﻰ ﻣﻌﺎﻗ ﻞ اﻟﺘﻄ ﺮف ﻧ ﺰور اﻟ ﻀﺤﺎﻳﺎ وﻧﻬ ﺎﺟﻢ اﻟﺠﻨ ﺎة وﻧﻨ ﺪد ﺑﻬ ﻢ ﻓ ﻲ ﻟﻘ ﺎءات ﻣﻔﺘﻮﺣ ﺔ ﻓ ﻲ‬ ‫وﻗﺖ ﻗﺒﻊ ﻓﻴﻪ آﺘﺒﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ وﺧﺪﻣﻬﺎ داﺧﻞ ﻣﻜ ﺎﺗﺒﻬﻢ ﻣ ﺬﻋﻮرﻳﻦ وﺑﻌ ﻀﻬﻢ أﺧ ﺬ ﻳﻐ ﺎزل اﻟﻤﺘﻄ ﺮﻓﻴﻦ ﺑ ﻴﻦ ﺳ ﻄﻮر‬ ‫آﺘﺎﺑﺎﺗﻪ ﻳﺤﺠﺰ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻜﺎﻧﺎ ﻓ ﻲ اﻷﺗ ﻮﺑﻴﺲ اﻟﻘ ﺎدم. ﺑﻌ ﺪ أن اﺳ ﺘﻌﺎد اﻟﺤﻜ ﻢ اﻟﻤ ﺴﺘﺒﺪ ﺳ ﻴﻄﺮﺗﻪ اﺗﺒ ﻊ ﻣﻌﻨ ﺎ ﺳﻴﺎﺳ ﺔ "‬ ‫اﻻﺳﺘﺪﻋﺎء واﻻﺳﺘﻐﻨﺎء " أي ﻳﺴﺘﺪﻋﻴﻨﺎ إذا اﺣﺘﺎج وﻳﺴﺘﻐﻨﻰ ﻋﻨﺎ إذا ﻟﻢ ﻳﻌ ﺪ ﻣﺤﺘﺎﺟ ﺎ ﻟﺨ ﺪﻣﺎﺗﻨﺎ اﻟﺘﻄﻮﻋﻴ ﺔ. ﻃﺎﻟﺒﻨ ﺎ‬
‫١‬

‫ﺑﺘﻔﻌﻴﻞ دورﻧﺎ اﻟﻔﻜﺮي ﻟﻨﻘﻄﻊ داﺑﺮ اﻟﺘﻄﺮف اﻟﻔﻜﺮي ﺑﻌﺪ آ ﺴﺮ ﺣ ﺪة اﻟﻬﺠﻤ ﺔ اﻹرهﺎﺑﻴ ﺔ اﻟﻌ ﺴﻜﺮﻳﺔ وﻟﻜ ﻦ اﻟﺤﻜ ﻢ‬ ‫اﻻﺳ ﺘﺒﺪادي آ ﺸﺮ ﻟﻨ ﺎ ﻋ ﻦ أﻧﻴﺎﺑ ﻪ ﻓﺘﻮارﻳﻨ ﺎ ﻋ ﻦ اﻷﻧﻈ ﺎر ﺧ ﻮف اﻻﻋﺘﻘ ﺎل – وﻣﻌﻈﻤﻨ ﺎ ذاق ﻣﺮارﺗ ﻪ. إﻻ أﻧﻨ ﻲ‬ ‫واﺻﻠﺖ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﺔ ﻟﻠﺘﻨ ﻮﻳﺮ ﺛ ﻢ ﻣﺮآ ﺰ اﺑ ﻦ ﺧﻠ ﺪون وﻧ ﺪوة اﺑ ﻦ ﺧﻠ ﺪون اﻷﺳ ﺒﻮﻋﻴﺔ‬ ‫واﻟﻤﻘﺎﻻت اﻷﺳﺒﻮﻋﻴﺔ واﻟﺸﻬﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻒ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ.‬ ‫٦- ﺟﺎءﺗﻨﻲ ﻓﻜﺮة ﻋﻘﺪ ﻣﺆﺗﻤﺮ إﺳﻼﻣﻲ ﻣﺼﺮي ﺧﺎﻟﺺ ﻳﻨ ﺎﻗﺶ ﻗ ﻀﻴﺔ اﺿ ﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒ ﺎط ﻣ ﻦ ﻣﻨﻈ ﻮر إﺳ ﻼﻣﻲ‬ ‫ﻓﻲ ﻣﺮآﺰ اﺑﻦ ﺧﻠﺪون أو اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن. آﺘﺒﺖ هﺬا اﻟﺒﺤﺚ وﻋﺮﺿﺖ اﻷﻣﺮ ﻋﻠ ﻰ ﺻ ﺪﻳﻖ‬ ‫ﻗﺒﻄﻲ ﺻﺤﻔﻲ ﻣﺸﻬﻮر ﻓﺎﻗﺘﻨﺺ اﻟﻔﻜﺮة ﻟﻨﻔﺴﻪ ، وﺑﺪﻻ ﻣ ﻦ دﻋ ﻮة اﻟﻤﻔﻜ ﺮﻳﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﻤ ﺴﺘﻨﻴﺮﻳﻦ دﻋ ﺎ أﺛﺮﻳ ﺎء‬ ‫اﻷﻗﺒﺎط ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ وآﺎﻧ ﺖ اﻟﻮرﻗ ﺔ اﻟﻮﺣﻴ ﺪة ه ﻲ ورﻗﺘ ﻲ اﻟﺘ ﻲ ﻗﺮءوه ﺎ وﺗﺤ ﺪﺛﻮا ﻓ ﻲ ﻣﻮﺿ ﻮﻋﺎت ﺷ ﺘﻰ ﻏﻴﺮه ﺎ،‬ ‫واﻧﺘﻬﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﺘﺠﺎهﻠﻬﻢ ﻟﻄﺒﻊ ورﻗﺘﻲ وﻧﺸﺮهﺎ ، وهﻰ أﺳﺎس اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﺑﻪ أﺣ ﺪ ، واﻟﻔ ﺎﺋﺰ اﻟﻮﺣﻴ ﺪ‬ ‫هﻮ اﻟﺼﺪﻳﻖ اﻟﻘﺒﻄﻲ اﻟﺬي ﺟﻤﻊ اﻷﻣﻮال ﻣﻤﻦ دﻋﺎهﻢ وﺗﺤﻮل اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﺬي آﻨﺖ أﺗﻤﻨﺎﻩ إﻟﻰ ﺟﻠ ﺴﺔ‬ ‫"ﻣﺼﺎﻃﺐ" ﻟﻠﺘﺴﻠﻴﺔ.‬ ‫٧- رﺟﻌﺖ اﺣﻠﻞ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻃﻴﻠﺔ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﺄآﻤﻠﻬﺎ.آﺎن أﻣﻠﻰ هﻮ اﻹﺻﻼح ﻣﻦ داﺧﻞ اﻹﺳﻼم ﻻن اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻓﻲ داﺧ ﻞ‬ ‫اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﻠﻔﻲ اﻟﺬي ﻳﺮﻓﻊ ﻟﻮاء اﻹﺳﻼم زورا. وورﻗﺘﻲ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ﺗﺜﺒﺖ ذﻟﻚ وﺗﻌﻄﻰ أﺳﺎﺳﺎ ﻟﻠﻨﻘﺎش ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻔﻜ ﺮﻳﻦ‬ ‫اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﺗﻐﻴ ﺐ ﻋ ﻨﻬﻢ اﻟﻜﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻦ اﻟﺤﻘ ﺎﺋﻖ، وﻟ ﻮ آ ﺴﺒﻨﺎ ﺑﻌ ﻀﻬﻢ ﻟﻜ ﺎن ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ ﻧ ﺼﺮ آﺒﻴ ﺮ ﻟﻤ ﺼﺮ‬ ‫واﻷﻗﺒﺎط. وﺳﺄﻟﺖ ﻧﻔﺴﻲ: ﻟﻤﺎذا هﺬا اﻟﺘﺠﺎهﻞ ؟ ﻗﺪ أآﻮن اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻷﻗﺒﺎط ﺑ ﺪون أن ﻳﺤ ﻮل دﻓﺎﻋ ﻪ‬ ‫ﻋ ﻨﻬﻢ إﻟ ﻰ اﺳ ﺘﺮزاق، ﻓﻘ ﺪ داﻓﻌ ﺖ ﻋ ﻨﻬﻢ دون أن ﺗﻜ ﻮن ﻟ ﻲ أدﻧ ﻰ ﻣﻌﺮﻓ ﺔ ﺑ ﺄي ﻣ ﻨﻬﻢ ، وداﻓﻌ ﺖ ﻋ ﻨﻬﻢ داﺧ ﻞ‬ ‫اﻷزهﺮ ذاﺗﻪ وآﺴﺒﺖ ﻋﺪاءات داﺧﻞ ﺟﺎﻣﻌﺘﻲ وأﺻﺤﺎﺑﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﻦ ﻟﻢ أﻋﺮﻓﻬﻢ.‬ ‫٨- ﻓ ﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳ ﺔ ﻋﺮﻓ ﺖ اﻟ ﺴﺒﺐ وﺑﻄ ﻞ اﻟﻌﺠ ﺐ. إﻧﻨ ﻲ دون أن أدري – أداﻓ ﻊ ﻋ ﻦ دﻳﻨ ﻲ أوﻻ وأﺧﻴ ﺮا. أه ﺎﺟﻢ‬ ‫اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﻴﻦ ﻷداﻓﻊ ﻋﻦ اﻹﺳﻼم وﻟ ﻴﺲ اﻷﻗﺒ ﺎط. وﻣﻌﻈﻤﻬ ﻢ ﻻ ﻳﺮﻳ ﺪ ذﻟ ﻚ . اﻟﻤﺘﻌ ﺼﺒﻮن ﻣ ﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﺮاﻧ ﻲ ﻣﺨﺘﻠﻔ ﺎ‬ ‫ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺸﻴﻮخ ﻃﺎﻟﻤﺎ أﺗﺤﺪث ﻣﺜﻠﻬﻢ ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻘﺮﺁن وﺑﺎﻟﺘﺮاث. وﻷﻧﻪ ﻳﻜﺮﻩ اﻹﺳﻼم أﺻﻼ ﻓﺎﻧ ﻪ ﻳﺤﻠ ﻮ ﻟ ﻪ أن‬ ‫ﻳﻈﻞ اﻹﺳﻼم ﻣﺘﻬﻤﺎ ﺑﺎﻹرهﺎب أﻓﻀﻞ ﻣﻦ أن ﺁﺗﻰ أﻧﺎ وأﺿﻊ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺑﻞ ﺑ ﻴﻦ‬ ‫اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮﻳﻦ واﻟﻤﺘﻄﺮﻓﻴﻦ. وﻟﻬ ﺬا ﻳﻜ ﺮﻩ ﻣ ﺎ أﻋﻤ ﻞ وﻳﺘﻤﻨ ﻰ أﻻ أﻓﻌ ﻞ. ه ﻮ ﺑ ﺬﻟﻚ ﻳﻠﺘﻘ ﻲ ﻣ ﻊ اﻟﻤﺘﻄ ﺮﻓﻴﻦ‬ ‫اﻟﻮهﺎﺑﻴﻴﻦ، ﻓﺘﻠﻚ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﺷﻴﺎء ﻓ ﻲ ﺗﻠ ﻚ اﻟ ﺪاﺋﺮة ﺣﻴ ﺚ ﻳ ﺘﻼﻣﺲ أﻗ ﺼﻰ اﻟﻴﻤ ﻴﻦ اﻟﻤﺘﻌ ﺼﺐ ﻣ ﻊ أﻗ ﺼﻰ اﻟﻴ ﺴﺎر‬ ‫اﻟﻤﺘﺸﺪد. إﻻ أن ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﺷﻴﺎء ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﺆآ ﺪ أن اﻟﻄ ﺮﻓﻴﻦ اﻟﻤﺘﻄ ﺮﻓﻴﻦ – ﺑﺴﻜﺎﻟﻤﺘﻌ ﺼﺒﻴﻦ.ﻟﻴ ﺴﺎ آ ﻞ اﻟ ﺪاﺋﺮة إﻧﻤ ﺎ‬ ‫ﻣﺠﺮد ﻃﺮﻓﻴﻦ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪﻳﻦ. اﻟﺬي ﻳﺼﻨﻊ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﻗﻊ وﻓﻰ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ ه ﻢ ﻏﻴ ﺮ اﻟﻤﺘﻌ ﺼﺒﻴﻦ‬ ‫. وﻓﻰ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ آﺜﻴﺮ ﻣﺘﺴﻊ ﻟﻠﺘﻌﺼﺐ.‬ ‫ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑ ﻞ اﻟﺘﻌ ﺼﺐ اﻟﻘﺒﻄ ﻲ - اﻟ ﺬي أﺗﻔﻬﻤ ﻪ وأﻋ ﺬرﻩ - هﻨ ﺎك رﻓ ﺎق ﻣ ﻦ ﻧ ﺒﻼء اﻷﻗﺒ ﺎط ﺗﺤﻠ ﻮ ﺑﻬ ﻢ اﻟ ﺪﻧﻴﺎ ﻣﻬﻤ ﺎ‬ ‫اآﻔﻬ ﺮ وﺟﻬﻬ ﺎ. ﻟﻜﺜ ﺮة أﺳ ﻤﺎﺋﻬﻢ ﻻ ﻳﺘ ﺴﻊ اﻟﻤﻘ ﺎل ﻟ ﺬآﺮهﻢ. وه ﻢ داﺋﻤ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻘﻠ ﺐ . ﺣﺘ ﻰ إذا آ ﺎن اﻟﻘﻠ ﺐ .. ﻓ ﻲ‬ ‫اﻟﻤﻨﻔﻰ ..!!‬ ‫ﺁﺳﻒ ﻋﺰﻳﺰي اﻟﻘﺎرئ ﻟﻬ ﺬﻩ اﻟﻤﻘﺪﻣ ﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠ ﺔ ﻟﻬ ﺬا اﻟﺒﺤ ﺚ اﻟ ﺬي آﺘﺒﺘ ﻪ ﻣﻨ ﺬ أآﺜ ﺮ ﻣ ﻦ ﻋ ﺸﺮة أﻋ ﻮام وﻻ ﻳ ﺰال‬ ‫ﺻﺎﻟﺤﺎ "ﻟﻼﺳﺘﻬﻼك اﻵدﻣﻲ "..‬ ‫أﺣﻤﺪ ﺻﺒﺤﻲ ﻣﻨﺼﻮر‬ ‫اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ - ﻓﺮﺟﻴﻨﻴﺎ - ﻣﺎﻳﻮ ٥٠٠٢‬

‫٢‬

‫اﺿﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒﺎط ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬

‫"اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ"‬ ‫ﺑﺴﻢ اﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ‬ ‫﴿ﻓ ﺴﺘﺬآ ُون ﻣ ﺂ أﻗ ﻮل ﻟﻜ ـﻢ وأﻓ ﻮض أﻣ ﺮي إﻟ ﻰ اﻟﻠ ﻪ إن اﻟﻠ ﻪ ﺑ ِﻴﺮ ِﺎﻟﻌﺒ ﺎ ِ﴾ )ﻏ ﺎﻓﺮ ٤٤(‬ ‫ّ ِ ِ ّ ّ َ َ ﺼ ٌ ﺑ ْ َِ د‬ ‫َ َ َ ْ ُﺮ َ َ َ ُ ُ َ ُ ْ َُ َ ّ ُ َ ْ ِ َ َِ‬ ‫وﺑﻌﺪ..‬ ‫هﺬﻩ ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻋﻦ، وﺗﻀﻢ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻵﺗﻴﺔ:‬ ‫١- ﻣﻮﻗﻒ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﺿﻄﻬﺎد ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.‬ ‫٢- ﺑﺪاﻳﺔ اﺿﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒﺎط ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ.‬ ‫٣- اﺿﻄﻬﺎد اﻷﻣﻮﻳﻮن ﻟﻸﻗﺒﺎط ﻋﻨﺼﺮﻳﺎ.‬ ‫ً‬ ‫٤- اﻻﺿﻄﻬﺎد اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻟﻸﻗﺒﺎط ﺑﻌﺪ اﻷﻣﻮﻳﻴﻦ.‬ ‫واﻟﻮاﺿ ﺢ أن اﻟﺘﺮآﻴ ﺰ هﻨ ﺎ ﻋﻠ ﻰ اﻻﺿ ﻄﻬﺎد اﻟ ﺬي ﻻﻗ ﺎﻩ اﻷﻗﺒ ﺎط ﺑﻌ ﺪ اﻟﻔ ﺘﺢ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ وﺟ ﺬورﻩ اﻟﺪﻳﻨﻴ ﺔ‬ ‫واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ، واﻟﻮرﻗﺔ ﺗﺮآ ﺰ ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ ﻟﺘﺒ ﺮئ اﻹﺳ ﻼم ﻣﻨ ﻪ، وﻟﺘﺤ ﺬر ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤﻨﺘ ﺴﺒﻴﻦ ﻟﻺﺳ ﻼم ﻣ ﻦ اﺳ ﺘﻌﺎدة‬ ‫ﺑﻌﺾ ﻣﻈﺎهﺮ اﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﺘﻲ ﺳﺎدت ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ واﻟﺘﻲ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺳﻤﺎﺣﺔ اﻹﺳﻼم وﺷﺮﻳﻌﺘﻪ. وأآﺜﺮ ﻣ ﺎ‬ ‫ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻮرﻗﺔ ﺟﺎء ﺗﻠﺨﻴﺼﺎ ﻟﻤﺆﻟﻔ ﺎت ﺳ ﺎﺑﻘﺔ ﺑﻌ ﻀﻬﺎ ﺗ ﻢ ﻧ ﺸﺮﻩ ﻣﺜ ﻞ )اﻟ ﺴﻴﺪ اﻟﺒ ﺪوي ﺑ ﻴﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘ ﺔ واﻟﺨﺮاﻓ ﺔ(،‬ ‫ً‬ ‫)ﺷﺨ ﺼﻴﺔ ﻣ ﺼﺮ ﺑﻌ ﺪ اﻟﻔ ﺘﺢ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ(.وﺑﻌ ﻀﻬﺎ ﻟ ﻢ ﻳﺤ ﻆ ﺑﻌ ﺪ ﺑﺎﻟﻨ ﺸﺮ ﻣﺜ ﻞ رﺳ ﺎﻟﺘﻲ ﻟﻠ ﺪآﺘﻮراﻩ ﻓ ﻲ ﺟﺎﻣﻌ ﺔ‬ ‫اﻷزه ﺮ، وأﺑﺤ ﺎث أﺧ ﺮى ﻣﺜ ﻞ "ﺣﻘ ﻮق اﻷﻗﻠﻴ ﺎت ﻓ ﻲ اﻹﺳ ﻼم"، "اﻟﺤﻴ ﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴ ﺔ ﻷﺟ ﺪادﻧﺎ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ ﻣﻨ ﺬ‬ ‫ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎم.."، "اﻟﺸﻮرى اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ: أﺻﻮﻟﻬﺎ، ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ.." ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﻘﺎﻻت اﻟﻤﻨﺸﻮرة اﻟﺘﻲ‬ ‫ﻧﺎﻗ ﺸﺖ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤﻮﺿ ﻮﻋﺎت اﻟ ﺴﺎﺑﻘﺔ، وﻧ ﺸﺮﺗﻬﺎ )اﻟﻘ ﺎهﺮة(، )اﻷه ﺎﻟﻲ(، )اﻷﺣ ﺮار(، )اﻷﺧﺒ ﺎر( وإﺻ ﺪارات‬ ‫اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻟﺤﻘ ﻮق اﻹﻧ ﺴﺎن.. وﻧﺄﻣ ﻞ أن ﺗﺘﻠ ﻮ ه ﺬﻩ اﻟﻮرﻗ ﺔ اﻟﺒﺤﺜﻴ ﺔ دراﺳ ﺎت وأﺑﺤ ﺎث ﻟﻤﺜﻘﻔ ﻴﻦ ﺁﺧ ﺮﻳﻦ‬ ‫ﺗﺘﺼﺪى ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ ﻹﻧﺼﺎف اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ وﺗﺒﺮﺋﺔ اﻹﺳﻼم ﻣﻤﺎ ﻳﺮﺗﻜﺒﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.. واﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﻌﺎن..‬

‫د. أﺣﻤﺪ ﺻﺒﺤﻲ ﻣﻨﺼﻮر‬ ‫أآﺘﻮﺑﺮ٤٩٩١‬

‫أوﻻ: ﻣﻮﻗﻒ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﺿﻄﻬﺎد ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‬ ‫ً‬ ‫ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻤﺄﻟﻮف أن ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﺿﻄﻬﺎد ﻣﻌﻴﻦ دون إﺛﺒﺎﺗ ﻪ أوﻻ ﺛ ﻢ ﻳ ﺄﺗﻲ ﺑﻌ ﺪ ذﻟ ﻚ ﺗﻮﺿ ﻴﺢ ﻣﻮﻗ ﻒ اﻹﺳ ﻼم‬ ‫ً‬ ‫ﻣﻨﻪ.إﻻ أن اﻧﺘﻤﺎء اﻟﻤﺆﻟﻒ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺣﺮﺻﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺒﺮﺋﺔ دﻳﻨﻪ وﻣﻌﺎﻳﺸﺘﻪ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ واﻟﺘﺮاث آﻞ ذﻟ ﻚ‬ ‫ﺟﻌﻠ ﻪ ﻳﺒ ﺪأ ﺑﺘﻮﺿ ﻴﺢ ﻣﻮﻗ ﻒ اﻹﺳ ﻼم وﺗﺒﺮﺋﺘ ﻪ ﻣ ﻦ أﻋﻤ ﺎل ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺛ ﻢ ﻳ ﺴﻴﺮ ﻣ ﻊ وﻗ ﺎﺋﻊ اﻻﺿ ﻄﻬﺎد‬ ‫واﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﻦ ﻋﻨﻬﺎ.‬ ‫وﻳﺮى اﻟﻤﺆﻟﻒ أن اﻟﺴﻴﺎق اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻊ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮﻩ.. ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮ اﻹﺳ ﻼم ﺑﺪﻋﻮﺗ ﻪ اﻹﺻ ﻼﺣﻴﺔ اﻟﺘﺤﺮرﻳ ﺔ‬ ‫أوﻻ.. ﺛ ﻢ ﻣ ﺎ ﻟ ﺒﺲ أن ﺗﺤ ﻮل ﻋﻠ ﻰ ﻳ ﺪ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ إﻟ ﻰ إﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳ ﺔ ﻓﺎﺗﺤ ﺔ ﺗﺮاﻋ ﻰ ﻣﻘﺘ ﻀﻴﺎت اﻟﺤﻜ ﻢ واﻟ ﺴﻴﺎﺳﺔ‬ ‫ً‬ ‫واﻟ ﺴﻴﺎدة ﻋﻠ ﻰ ﺣ ﺴﺎب ﺗﻌ ﺎﻟﻴﻢ اﻹﺳ ﻼم ﻧﻔ ﺴﻪ، ﺑ ﻞ إن أﻋﻮاﻧﻬ ﺎ ﻣ ﻦ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟ ﺪﻳﻦ آ ﺎﻧﻮا ﻳ ﺼﻮﻏﻮن ﻟﻬ ﺎ ﻣ ﻦ‬ ‫اﻷﺣﺎدﻳ ﺚ اﻟﻤ ﺰورة واﻟﻔﺘ ﺎوى ﻣ ﺎ ﻳﺒ ﺮر ﻟﻬ ﻢ ﺗ ﺼﺮﻓﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘ ﻲ ﺗﺨ ﺎﻟﻒ اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ، ﺛ ﻢ ﻳﺰﻋﻤ ﻮن أن ﺗﻠ ﻚ‬ ‫اﻷﺣﺎدﻳﺚ واﻟﻔﺘﺎوى أﺑﻄﻠﺖ أﺣﻜ ﺎم اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ ﺗﺤ ﺖ ﻣ ﺼﻄﻠﺢ اﻟﻨ ﺴﺦ. ﺛ ﻢ إﻧﻨ ﺎ ﻧ ﺸﻬﺪ اﻵن ﺑﻌﺜ ﺎ ﻟﻼﺿ ﻄﻬﺎد‬ ‫ً‬
‫٣‬

‫اﻟﺬي آﺎن ﺳﻤﺔ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ، وذﻟﻚ اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ رﻋﺎﻳﺘﻪ واﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﻟﻪ ﺗﻴﺎر اﻟﺘﻄﺮف اﻟ ﺬي ﻳﺮﻓ ﻊ‬ ‫ﻟﻮاء اﻹﺳﻼم.. ﻟﺬا آﺎن ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﻣﻮﻗﻒ اﻹﺳﻼم ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ.‬ ‫وﻟ ﻦ ﻧﻜ ﺮر اﻟﻜ ﻼم اﻟﻤﻌﺘ ﺎد اﻟﻤﻌ ﺮوف ﻋ ﻦ ﺳ ﻤﺎﺣﺔ اﻹﺳ ﻼم اﻟ ﺬي ﻳﻜ ﺮرﻩ ﻧﺠ ﻮم اﻟﺘﻴ ﺎر اﻟﻤ ﺪﻧﻲ ﻟﻠﺘﻄ ﺮف ﺑﻌ ﺪ‬ ‫ﺣﻮادث اﻟﻌﻨ ﻒ ﺿ ﺪ اﻷﻗﺒ ﺎط، إذ ﻣ ﻦ اﻟﻤﻌﺘ ﺎد أن ﻳ ﺸﺤﻨﻮا اﻟﻨﻔ ﻮس ﺑﺎﻟﺒﻐ ﻀﺎء واﻟﺘﻌ ﺼﺐ، ﻓ ﺈذا وﻗﻌ ﺖ ﺣ ﻮادث‬ ‫اﻟﻌﻨ ﻒ وﺳ ﺎﻟﺖ دﻣ ﺎء أﺳ ﺮﻋﻮا ﻳﺘﻮﺿ ﺌﻮن ﺑ ﺪﻣﺎء اﻟﻘﺘﻠ ﻰ ﺛ ﻢ ﻳﺘﺤ ﺪﺛﻮن ﻋ ﻦ ﺳ ﻤﺎﺣﺔ اﻹﺳ ﻼم وﻳ ﺴﺘﻨﻜﺮون‬ ‫وﻳﺸﺠﺒﻮن. وﻣﻊ أن ﺣﺪﻳﺜﻬﻢ ﻋﻦ ﺳﻤﺎﺣﺔ اﻹﺳﻼم ﺻﺤﻴﺢ ﻷﻧﻪ ﻣﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﻧﺼﻮص ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ، وﻟﻜ ﻦ آ ﺎن ﻳﻠ ﺰﻣﻬﻢ‬ ‫ً‬ ‫ﻹﺑﺮاء اﻟﺬﻣﺔ أن ﻳﻮﺿﺤﻮا ﻋﺒﺚ وﺗﺰوﻳﺮ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻤﻨﺴﻮﺑﺔ آﺬﺑﺎ ﻟﻠﻨﺒﻲ )ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺼﻼة واﻟ ﺴﻼم( واﻟﺘ ﻲ ﻳﻘ ﻮم‬ ‫ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺳﺲ اﻟﺘﻄﺮف واﻹرهﺎب وﻳﻌﻠﻨﻮا ﺗﺒﺮﺋﺔ اﻟﺮﺳﻮل واﻹﺳﻼم ﻣﻨﻬﺎ وﻣﻦ إﺳﺎءة اﻻﺳﺘﺨﺪام ﻟﻠﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ‬ ‫اﻟﺬي وﺿﻌﻪ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ، ﻋﺼﻮر اﻟﺘﻌﺼﺐ واﻟﻈﻼم.‬ ‫واﻟﻤﻬﻢ أﻧﻨﺎ وﻓﻰ ﺗﻮﺿﻴﺤﻨﺎ ﻟﻤﻮﻗﻒ اﻹﺳﻼم ﺳﻨﻌﺘﻤﺪ ﻣﻨﻬﺠﺎ ﺟﺪﻳﺪا.. ﻳﺠﻴ ﺐ ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺌﻠﺔ ﻣﺤ ﺪدة وﺑﺤﻘ ﺎﺋﻖ ﻗﺮﺁﻧﻴ ﺔ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﻣﺆآﺪة وﺣﻘﺎﺋﻖ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﺘﻮاﺗﺮة..‬ ‫ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﻤﺘﻮاﺗﺮة أن اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻤﺼﺮي- واﻷﻗﺒﺎط ﺑﺎﻟﺬات- ﺷﻌﺐ ﻣ ﺴﺎﻟﻢ ﻳﻜ ﺮﻩ اﻟﻌﻨ ﻒ وﻳ ﺴﺘﺮﻳﺢ‬ ‫ﻟﻠﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻇﻠﻢ اﻟﺤﺎآﻢ وﻗﻠﻤﺎ ﻳﺜﻮر ﻋﻠﻴ ﻪ وه ﺬا اﻟ ﺸﻌﺐ اﻟﻤ ﺴﺎﻟﻢ اﻟﻤ ﺄﻣﻮن اﻟﺠﺎﻧ ﺐ ﻣ ﺎ ه ﻮ اﻟﺘﻮﺻ ﻴﻒ اﻟﻘﺮﺁﻧ ﻲ‬ ‫ﻟﻪ؟. واﻹﺟﺎﺑ ﺔ ﻣ ﻦ ﻧ ﺺ اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ ﺗﺆآ ﺪ أﻧ ﻪ ﺷ ﻌﺐ ﻣ ﺴﻠﻢ ﻣ ﺆﻣﻦ، ﻷن اﻹﺳ ﻼم ﻓ ﻲ ﻣﻌﻨ ﺎﻩ اﻟﻈ ﺎهﺮي ﻓ ﻲ‬ ‫اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺒﺸﺮ هﻮ اﻟﺴﻼم واﻟﺴﻠﻢ، وﻷن اﻹﻳﻤﺎن ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻟﻈﺎهﺮي هﻮ اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن.‬ ‫وﻧﺄﺗﻲ إﻟﻰ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ:‬ ‫إن آﻠﻤﺔ اﻹﻳﻤﺎن ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎهﺎ اﻟﻠﻐﻮي واﻟﻘﺮﺁن ﻟﻬﺎ اﺳﺘﻌﻤﺎﻻن: )ﺁﻣﻦ ﺑـ..(، )ﺁﻣﻦ ﻟـ..(‬ ‫١- "ﺁﻣ ﻦ ﺑ ـ" أي اﻋﺘﻘ ﺪ، ﻣﺜ ﻞ ﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﴿ﺁﻣ ﻦ اﻟ ّﺳ ﻮل ﺑﻤ ﺂ أﻧ ﺰل إﻟﻴ ﻪ ﻣ ﻦ رﺑ ﻪ َاﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن آ ﻞ ﺁﻣ ﻦ ِﺎﻟﻠ ﻪ‬ ‫َ َ ﺮ ُ ُ ِ َ ُ ْ ِ َ َِ ْ ِ ِ ّ ّ ِ و ْ ُ ْ ِ ُ َ ُ ّ َ َ ﺑ ّ ِ‬ ‫و َﻶﺋﻜﺘﻪ وآﺘﺒﻪ ورﺳﻠﻪ ﻻ ﻧﻔ ّق ﺑﻴﻦ أﺣﺪ ّﻦ رﺳﻠ ِ﴾ )اﻟﺒﻘ ﺮة ٥٨٢(. و"ﺁﻣ ﻦ ﺑ ـ" ﺑﻤﻌﻨ ﻰ اﻋﺘﻘ ﺪ ﺗﻌﻨ ﻰ اﻹﻳﻤ ﺎن‬ ‫َﻣ ِ َ ِ ِ َ ُ ُ ِ ِ َ ُ ُِ ِ َ ُ َﺮ ُ َ ْ َ َ َ ٍ ﻣ ّ ُِﻪ‬ ‫اﻟﻘﻠﺒﻲ اﻟﺒﺎﻃﻨﻲ، أو اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ. واﻟﺒﺸﺮ ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ ﻳﺨﺘﻠﻔ ﻮن ﺣﺘ ﻰ ﻓ ﻲ ﺧ ﻼل اﻟ ﺪﻳﻦ اﻟﻮاﺣ ﺪ واﻟﻤ ﺬهﺐ‬ ‫اﻟﻮاﺣﺪ. واﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺆآﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺟﻴﻞ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﺧﺘﻼﻓﺎﺗﻬﻢ اﻟﻌﻘﻴﺪﻳ ﺔ إﻟ ﻰ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ. "اﻟﺒﻘ ﺮة‬ ‫٣١١، ﺁل ﻋﻤﺮان ٥٥، ﻳﻮﻧﺲ ٣٩، اﻟﻨﺤﻞ ٤٢١، اﻟﻤﺎﺋﺪة ٨٤، اﻟﺰﻣﺮ ٣، ٦٤".‬ ‫٢- اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻵﺧﺮ هﻮ "ﺁﻣﻦ ل" أي وﺛﻖ واﻃﻤﺄن وأﺻ ﺒﺢ ﻣ ﺄﻣﻮن اﻟﺠﺎﻧ ﺐ ﻣﺄﻣﻮﻧ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻨ ﺎس وﺗﻜ ﺮر ه ﺬا‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ، ﻓﻔﻲ ﻗﺼﺔ ﻧﻮح ﻗﺎل ﻟ ﻪ اﻟﻤ ﺴﺘﻜﺒﺮون ﴿ﻗ ﺎﻟﻮا أﻧ ﺆﻣﻦ‬ ‫َ ُ َْ َُ ْ ِ ُ‬ ‫ً‬ ‫ﻟﻚ َاﺗﺒﻌﻚ اﻷرذُﻮ َ﴾ )اﻟﺸﻌﺮاء ١١١( أي آﻴﻒ ﻧﺜ ﻖ ﻓﻴ ﻚ وﻧﻄﻤ ﺌﻦ إﻟﻴ ﻚ وﻗ ﺪ اﺗﺒﻌ ﻚ اﻟﺮﻋ ﺎع.. وﺗﻜ ﺮر ذﻟ ﻚ‬ ‫َ َ و ّ َ َ َ ْ َﻟ ن‬ ‫اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻋﻦ "ﺁﻣﻦ ﻟـ" ﻓﻲ ﻗﺼﺔ إﺑﺮاهﻴﻢ )اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت ٦٢( وﻗﺼﺔ ﻳﻮﺳﻒ )ﻳﻮﺳﻒ ٧١( وﻗﺼﺔ ﻣﻮﺳ ﻰ )اﻟ ﺪﺧﺎن‬ ‫١٢، اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ٧٤( وﻓﻰ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘ ﺮﺁن ﻋ ﻦ أﺣ ﻮال اﻟﻨﺒ ﻲ اﻟﺨ ﺎﺗﻢ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨ ﺔ )ﺁل ﻋﻤ ﺮان ٣٧، اﻟﺒﻘ ﺮة ٥٧(‬ ‫وﻣﻮاﺿﻊ أﺧﺮى آﺜﻴﺮة. واﻹﻳﻤﺎن ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن هﻮ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﺣﺴﺐ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﻈﺎهﺮي، ﻓﻜ ﻞ ﻣ ﻦ ﺗﺄﻣﻨ ﻪ‬ ‫وﻳﻜﻮن ﻣﺄﻣﻮن اﻟﺠﺎﻧﺐ هﻮ إﻧﺴﺎن ﻣﺆﻣﻦ، أﻣﺎ ﻋﻘﻴﺪﺗ ﻪ ﻓﻬ ﺬا ﺷ ﺄن ﺧ ﺎص ﺑﻌﻼﻗﺘ ﻪ ﺑ ﺎﷲ، واﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻳﺤﻜ ﻢ ﻋﻠﻴ ﻪ‬ ‫وﻋﻠﻴﻚ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ. وﻗﺪ ﺟﺎء اﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻻن ﻣﻌﺎ ﻟﻜﻠﻤﺔ اﻹﻳﻤﺎن ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤﺪ "ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ‬ ‫ً‬ ‫وﺳﻠﻢ" ﴿ﻳ ﺆﻣﻦ ِﺎﻟﻠ ﻪ وﻳ ﺆﻣﻦ ﻟﻠﻤ ﺆﻣ ِﻴ َ﴾ )اﻟﺘﻮﺑ ﺔ ١٦( أي أﻧ ﻪ )ﻳ ﺆﻣﻦ ﺑ ﺎﷲ( أي ﻳﻌﺘﻘ ﺪ ﻓﻴ ﻪ وﺣ ﺪﻩ إﻟﻬ ﺎ و)ﻳ ﺆﻣﻦ‬ ‫ً‬ ‫ُ ْ ِ ُ ﺑ ّ ِ َ ُ ْ ِ ُ ِ ْ ُ ْ ِﻨ ﻦ‬ ‫ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ( أي ﻳﺜﻖ ﻓﻴﻬﻢ وﻳﻄﻤﺌﻦ ﻟﻬﻢ. وﺑﺘﻄﺒﻴﻖ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻤﺼﺮي ﻓﻬﻮ ﺷﻌﺐ ﻣ ﺆﻣﻦ‬ ‫ﻷﻧﻪ ﺷﻌﺐ ﻳﻨﺤﺎز داﺋﻤﺎ ﻟﻸﻣﻦ واﻷﻣﺎن، ﺑﻞ إﻧ ﻪ ﻗ ﺪ ﻳ ﺼﺒﺮ ﻋﻠ ﻰ ﻇﻠ ﻢ اﻟﺤ ﺎآﻢ إﻳﺜ ﺎرا ﻣﻨ ﻪ ﻟﻠﺪﻋ ﺔ واﻟ ﺴﻜﻮن. أﻣ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻓﻤﺮﺟﻌﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ وﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ، واﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﻟﻨﺎ ﺣﺴﺐ اﻟﻈﺎهﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ، واﻟﻈ ﺎهﺮ ه ﻮ إﻳﺜ ﺎر‬ ‫اﻷﻣ ﻦ واﻷﻣ ﺎن، واﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻟ ﻢ ﻳﻌ ﻂ أﺣ ﺪا اﻟﺤ ﻖ ﻓ ﻲ أن ﻳﺘﺤ ﺪث ﺑﺎﺳ ﻤﻪ أو أن ﻳﻘ ﻴﻢ ﻳﻮﻣ ﺎ ﻟﻠﺤ ﺴﺎب ﻗﺒ ﻞ ﻳ ﻮم‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫٤‬

‫اﻟﺤﺴﺎب، وﻣﻦ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﻓﻘ ﺪ ﺗﻘﻤ ﺺ دور اﷲ وأﺻ ﺒﺢ ﻣ ﺪﻋﻴﺎ ﻟﻺﻟﻮهﻴ ﺔ وﻣﻨﺒ ﻮذا ﻣ ﻦ اﻻﻧﺘﻤ ﺎء ﻟﺘﻌ ﺎﻟﻴﻢ اﻟﻘ ﺮﺁن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻜﺮﻳﻢ.‬ ‫وﺑﺘﻄﺒﻴﻖ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ اﻹﻳﻤﺎن اﻟﻈﺎهﺮي- ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺒﺎط ﺑﺎﻟﺬات- ﻧﺮاهﻢ ﻣ ﻦ ﺧ ﻼل ﺗ ﺎرﻳﺨﻬﻢ‬ ‫اﻟﻄﻮﻳﻞ أآﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﺗﻌﺮﺿﺎ ﻟﻼﺿﻄﻬﺎد واﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻴﻪ، ﻣﻨﺬ اﺿﻄﻬﺎد اﻟﺮوﻣﺎن ﻓﻲ ﺣﻜﻢ دﻗﻠ ﺪﻳﺎﻧﻮس وآ ﺮاآﻼ،‬ ‫ً‬ ‫إﻟﻰ اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻓﻲ ﻓﺘﺮات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻷﻣﻮﻳﺔ واﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ واﻟﻤﻤﻠﻮآﻴﺔ، وﻻ ﻧﻘﻮل اﻟﻌ ﺼﻮر اﻹﺳ ﻼﻣﻴﺔ‬ ‫ﻷن اﻹﺳﻼم ﻳﺮﻓﺾ اﻟﻈﻠﻢ. آﺎن اﻷﻗﺒﺎط- وﻻ ﻳﺰاﻟﻮن- ﻳﺘﺤﻤﻠﻮن اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا، وورﺛ ﻮا ﺣﺘ ﻰ اﻵن‬ ‫ﺻﺒﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻜﺎرﻩ ﻳﺪﻓﻌﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ واﻟﺴﻜﻮن واﻟﻤﻐﺎﻻة ﻓﻲ اﻟﺤﺬر وﺗﻮﻗﻊ اﻟﺨﻄﺮ وﻃﻠﺐ اﻷﻣﻦ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واﻷﻣ ﺎن ﺑ ﺄي وﺳ ﻴﻠﺔ. وذﻟ ﻚ ﻳﺠﻌﻠﻬ ﻢ أآﺜ ﺮ ﻣ ﻦ ﻏﻴ ﺮهﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ اﺳ ﺘﺤﻘﺎﻗﺎ ﻟﻤﻌﻨ ﻰ اﻹﻳﻤ ﺎن‬ ‫اﻟﻈﺎهﺮي، أي اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟﻤﻌﺘﺪى ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻳﻜﻮن ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻘﺪر أﺑﻌﺪ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ اﻹﻳﻤ ﺎن ﺑﻤﻌﻨ ﺎﻩ‬ ‫اﻟﻈﺎهﺮي وﻣﻌﻨﺎﻩ اﻻﻋﺘﻘﺎدي أﻳﻀﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﺘﻲ ﺳﻨﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻬﺎ.. ه ﺬا ﻓﻴﻤ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﻳﺨﺺ ﻣﻌﻨﻰ اﻹﻳﻤﺎن.. ﻓﻤﺎ هﻮ ﻧﺼﻴﺐ اﻷﻗﺒﺎط ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ اﻹﺳﻼم؟‬ ‫اﻹﺳﻼم آﺎﻹﻳﻤﺎن ﻟﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﻇﺎهﺮي، وﻣﻌﻨﻰ ﺑﺎﻃﻨﻲ ﻗﻠﺒﻲ اﻋﺘﻘﺎدي، ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻟﺒ ﺎﻃﻨﻲ اﻻﻋﺘﻘ ﺎدي اﻟﺨ ﺎص ﺑﻌﻼﻗ ﺔ‬ ‫اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺮﺑﻪ هﻮ اﻻﻧﻘﻴﺎد ﷲ وﺣﺪﻩ. أي أن ﻳﺴﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ ﻃﺎﻋﺔ ﷲ وﺣﺪﻩ، واﻹﺳﻼم ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻧﺰل ﻓﻲ‬ ‫ﺟﻤﻴﻊ رﺳﺎﻻت اﻟ ﺴﻤﺎء ﻋﻠ ﻰ ﺟﻤﻴ ﻊ اﻷﻧﺒﻴ ﺎء وﺑﻜ ﻞ اﻟﻠﻐ ﺎت، إﻟ ﻰ أن ﻧ ﺰل ﺑﺎﻟﻠﻐ ﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴ ﺔ وﺻ ﺎر ﻳﻨﻄ ﻖ ﺑﻜ ﻼم‬ ‫"اﻹﺳﻼم" اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻰ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻘﺎد إﺳﻼم اﻟﻮﺟﻪ واﻟﻘﻠ ﺐ واﻟﺠ ﻮارح ﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ، أو آﻘﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻟﺨ ﺎﺗﻢ اﻷﻧﺒﻴ ﺎء‬ ‫﴿ﻗﻞ إﻧ ِﻲ ه َا ِﻲ رﺑﻲ إﻟﻰ ﺻ َاط ﻣﺴﺘ ِﻴﻢ ِﻳﻨﺎ ﻗ َﻤﺎ ﻣﻠﺔ إﺑ َا ِﻴﻢ ﺣ ِﻴﻔﺎ و َﺎ آﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺮ ِﻴﻦ. ﻗ ﻞ إن ﺻ ﻼ ِﻲ‬ ‫ُ ْ ِ ّﻨ َﺪ ﻧ َ ّ َ َِ َ ِﺮ ٍ ّ ْ َﻘ ٍ د ً ِﻴ ً ّّ َ ِ ْﺮ ه َ َﻨ ً َﻣ َ َ ِ َ ْ ُ ْ ِآ َ ُ ْ ِ ّ َ َﺗ‬ ‫َ ُ ُﻜ َ َ ْﻴ َ َ َﻤ ﺗ ّ ِ َ ّ ْ َ َﻤ َ َ َ ﺮ َ َ ُ َ ِ َِ َ ُ ِ ْ ُ ََ َ ْ َو ُ ْ ُ ِْﻤ ﻦ‬ ‫وﻧﺴ ِﻲ وﻣﺤ َﺎي وﻣ َﺎ ِﻲ ﻟﻠﻪ رب اﻟﻌ ﺎﻟ ِﻴﻦ. ﻻ ﺷ ِﻳﻚ ﻟ ﻪ وﺑ ﺬﻟﻚ أﻣ ﺮت وأﻧ ﺎ أ ّل اﻟﻤ ﺴﻠ ِﻴ َ﴾ )اﻷﻧﻌ ﺎم ١٦١:‬ ‫٣٦١( أي أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺄﻣﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺄن ﻳﻘﻮل أن اﷲ هﺪاﻩ إﻟﻰ دﻳﻦ إﺑ ﺮاهﻴﻢ اﻟ ﺼﺮاط اﻟﻤ ﺴﺘﻘﻴﻢ وه ﻮ أن ﺗﻜ ﻮن‬ ‫ﷲ وﺣ ﺪﻩ ﺻ ﻼﺗﻪ وﻧ ﺴﻜﻪ وﺣﻴﺎﺗ ﻪ وﻣﻤﺎﺗ ﻪ، وﺑ ﺬﻟﻚ ﻳﻜ ﻮن أول اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻨ ﺪ اﷲ.. وه ﺬا ه ﻮ ﻣﻌﻨ ﻰ اﻹﺳ ﻼم‬ ‫اﻻﻋﺘﻘﺎدي اﻟﻘﻠﺒﻲ اﻟﺬي ﺳﻴﺤﻜﻢ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ، واﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻟ ﻦ ﻳﻘﺒ ﻞ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ دﻳﻨ ﺎ ﺁﺧ ﺮ ﻏﻴ ﺮ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺨﻀﻮع أو اﻻﺳﺘﺴﻼم ﻟﻪ وﻃﺎﻋﺘﻪ وﺣﺪﻩ، وذﻟﻚ ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿إن اﻟ ّﻳﻦ ِﻨ ﺪ اﻟﻠ ﻪ اﻹﺳ ﻼ ُ﴾، ﴿وﻣ ﻦ ﻳﺒﺘ ﻎ‬ ‫ِ ّ ﺪ َ ﻋ َ ّ ِ ِ ْ َم َ َ َ ْ َ ِ‬ ‫ﻏﻴ ﺮ اﻹﺳ ﻼم ِﻳﻨ ﺎ ﻓﻠ ﻦ ﻳﻘﺒ ﻞ ﻣﻨ ﻪ وه ﻮ ﻓ ﻲ اﻻﺧ ﺮة ﻣ ﻦ اﻟ َﺎﺳ ِﻳ َ﴾ )ﺁل ﻋﻤ ﺮان ٥٨،٩١(، ﻓﺎﻹﺳ ﻼم ه ﻮ‬ ‫َ ِ َ ِ ِ َ ْﺨ ِ ﺮ ﻦ‬ ‫َ ْ َ ِ ْ َ ِ د ً ََ ْ ُ ْ َ َ ِ ْ ُ َ ُ َ ِ‬ ‫اﻟﺨﻀﻮع ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻜﻞ اﻟﻠﻐﺎت وﻓﻰ آﻞ زﻣﺎن وﻣﻜﺎن وﻓﻰ آﻞ اﻟﺮﺳﺎﻻت، إﻻ أﻧﻪ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﻊ اﻷﺳﻒ ﻗﺪ ﺗﺤ ﻮل‬ ‫إﻟﻰ ﻣﺠﺮد وﺻﻒ واﺳﻢ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ واﻟﻬﻮﻳﺔ ﻣﻬﻤﺎ آﺎن ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻇﺎﻟﻤﺎ أو ﻓﺎﺳﻘﺎ.‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻳﺄﺑﻪ ﻟﻤﺎ ﻳﻄﻠﻘﻪ اﻟﺒﺸﺮ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ أﻟﻘﺎب وﺗﻘﺴﻴﻤﺎت ﻣﺜﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا واﻟﺬﻳﻦ ه ﺎدوا- اﻟﻴﻬ ﻮد-‬ ‫واﻟﻨﺼﺎرى واﻟﺼﺎﺑﺌﻴﻦ )أي اﻟﺨﺎرﺟﻴﻦ ﻋﻠﻰ دﻳﻦ أﻗﻮاﻣﻬﻢ( واﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ ﻳﺆآ ﺪ ﻓ ﻲ ﺁﻳﺘ ﻴﻦ أن اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨ ﻮن‬ ‫إﻳﻤﺎﻧﺎ ﺑﺎﻃﻨﻴﺎ وﻇﺎهﺮﻳﺎ- )ﺑﺎﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن ﻣﻊ اﻟﺒ ﺸﺮ واﻻﻋﺘﻘ ﺎد ﻓ ﻲ اﷲ وﺣ ﺪﻩ( وﻳﻌﻤﻠ ﻮن اﻟ ﺼﺎﻟﺤﺎت وﻳﺆﻣﻨ ﻮن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﺑﺎﻟﻴﻮم اﻵﺧﺮ وﻳﻌﻤﻠﻮن ﻟﻪ، ﻓﻬﻢ ﻣﻦ أوﻟﻴﺎء اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺳﻮاء آ ﺎﻧﻮا ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ )أﺗﺒ ﺎع اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ( أو ﻣ ﻦ‬ ‫اﻟﻴﻬﻮد أو ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺎرى أو ﻣﻦ اﻟﺼﺎﺑﺌﻴﻦ، ﻳﻘﻮل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿إن اﻟ ِﻳﻦ ﺁﻣ ُﻮا َاﻟ ِﻳﻦ ه ﺎ ُوا َاﻟﻨ َﺎرى َاﻟ ّﺎﺑ ِﻴﻦ‬ ‫ِ ّ ّﺬ َ َﻨ ْ و ّ ﺬ َ َ د ْ و ّ ﺼ َ َ و ﺼ ِﺌ َ‬ ‫ﻣﻦ ﺁﻣﻦ ِﺎﻟﻠﻪ َاﻟﻴﻮم اﻻﺧﺮ وﻋﻤﻞ َﺎِﺤﺎ ﻓﻠﻬﻢ أﺟﺮهﻢ ِﻨﺪ رﺑﻬﻢ وﻻ ﺧﻮف ﻋﻠ ﻴﻬﻢ وﻻ ه ﻢ ﻳﺤﺰﻧ ﻮ َ﴾ )اﻟﺒﻘ ﺮة‬ ‫َ ْ َ َ ﺑ ّ ِ و ْ َ ْ ِ َ ِ ِ َ َ ِ َ ﺻ ﻟ ً ََ ُ ْ َ ْ ُ ُ ْ ﻋ َ َ ّ ِ ْ َ َ َ ْ ٌ ََ ْ ِ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ن‬ ‫٢٦(. وﻳﻘﻮل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿إن اﻟ ِﻳﻦ ﺁﻣ ُﻮا َاﻟ ِﻳﻦ َﺎ ُوا َاﻟ ّﺎﺑ ُﻮن َاﻟﻨ َﺎرى ﻣﻦ ﺁﻣﻦ ِﺎﻟﻠﻪ َاﻟﻴ ﻮم اﻻﺧ ﺮ وﻋﻤ ﻞ‬ ‫ِ ّ ّﺬ َ َﻨ ْ و ّﺬ َ ه د ْ و ﺼ ِﺌ َ و ّﺼ َ َ َ ْ َ َ ﺑ ّ ِ و ْ َ ْ ِ َ ِ ِ َ ِ َ‬ ‫َﺎِﺤﺎ ﻓﻼ ﺧﻮف ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻻ هﻢ ﻳﺤﺰ ُﻮ َ﴾ )اﻟﻤﺎﺋﺪة ٩٦(. أي أن ﻣﻦ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﷲ واﻟﻴ ﻮم اﻵﺧ ﺮ وﻳﻌﻤ ﻞ ﺻ ﺎﻟﺤﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﺻ ﻟ ً َ َ َ ْ ٌ َ َ ْ ِ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َﻧ ن‬ ‫ﻓﻬﻮ ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ارﺗﻀﻰ اﻹﺳﻼم دﻳﻨ ً، أي اﺳﺘ ﺴﻠﻢ ﷲ ﻃﺎﻋ ﺔ وﺧ ﻀﻊ ﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ اﻧﻘﻴ ﺎدا. ﺳ ﻮاء آ ﺎن ﻣ ﻦ‬ ‫ً‬ ‫ﺎ‬ ‫اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ أو اﻟﻴﻬ ﻮد أو اﻟﻨ ﺼﺎرى أو اﻟ ﺼﺎﺑﺌﻴﻦ، وذﻟ ﻚ ﺑﻐ ﺾ اﻟﻨﻈ ﺮ ﻋ ﻦ اﻟﻄﻮاﺋ ﻒ واﻟﻤ ﺴﻤﻴﺎت. وذﻟ ﻚ ﻣ ﺎ‬ ‫ﺳﻨﻌﺮﻓﻪ ﻳﻮم اﻟﻔﺼﻞ أو ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ أو ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ، وﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ أن ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ إﻧﺴﺎن ﺑ ﺸﺄﻧﻪ وإﻻ آ ﺎن‬ ‫ﻣﺪﻋﻴﺎ ﻟﻺﻟﻮهﻴﺔ.‬ ‫ً‬ ‫وهﺬا هﻮ ﻣﻌﻨﻰ اﻹﺳﻼم اﻟﺒﺎﻃﻨﻲ اﻟﻘﻠﺒﻲ اﻻﻋﺘﻘﺎدي ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ. اﺳﺘﺴﻼم ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺣﺪﻩ ﺑﻠﻐﺔ اﻟﻘﻠﻮب، وهﻰ‬ ‫ً‬ ‫ﻟﻐﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻳﺘﻔﻖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﺸﺮ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﻬﻤﺎ اﺧﺘﻠﻒ اﻟﺰﻣﺎن واﻟﻤﻜﺎن واﻟﻠﺴﺎن.. أﻣﺎ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣ ﻞ اﻟﻈ ﺎهﺮي‬ ‫ﻓﻬﻮ اﻟﺴﻼم واﻟ ﺴﻠﻢ ﻓ ﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣ ﻞ ﺑ ﻴﻦ اﻟﺒ ﺸﺮ. ﻳﻘ ﻮل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﴿ﻳﺄﻳﻬ ﺎ اﻟ ِﻳﻦ ﺁﻣﻨ ﻮا ادﺧﻠ ﻮا ﻓ ﻲ اﻟ ﺴﻠﻢ َﺂﻓ ً﴾ )اﻟﺒﻘ ﺮة‬ ‫ّْ ِ آ ّ ﺔ‬ ‫ََ ّ َ ّ ﺬ َ َ ُ ْ ْ ُُ ْ ِ‬
‫٥‬

‫٨٠٢( أي أﻣﺮ ﻟﻬﻢ ﺑﺈﻳﺜﺎر اﻟﺴﻠﻢ. وﺗﺤﻴﺔ اﻹﺳﻼم هﻲ اﻟﺴﻼم.. واﺳﻢ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ هﻮ اﻟﺴﻼم.. وآﻞ ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺒ ﺮ‬ ‫ﻋﻦ ﺗﺄآﻴﺪ اﻹﺳﻼم ﻋﻠ ﻰ وﺟﻬ ﻪ اﻟ ﺴﻠﻤﻲ. وﻳﺆآ ﺪ اﻟﻤﻌﻨ ﻰ اﻟ ﺴﺎﺑﻖ ﻟﻺﻳﻤ ﺎن ﺑﻤﻌﻨ ﻰ اﻹﻳﻤ ﺎن واﻷﻣ ﺎن.. واﻹﻧ ﺴﺎن‬ ‫اﻟﺬي ﻳﺤﻘﻖ اﻹﻳﻤﺎن ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻜﻮن ﻣﺄﻣﻮن اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻻ ﻳﻌﺘﺪي ﻋﻠﻰ أﺣﺪ.. وﻳﺤﻘﻖ اﻹﻳﻤ ﺎن اﻟﺒ ﺎﻃﻨﻲ‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻓﻼ ﻳﺆﻣﻦ إﻻ ﺑﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ إﻟﻬﺎ ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪ اﷲ ﻣﺴﺘﺤﻘﺎ ﻟﻸﻣﻦ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة. واﻹﻧﺴﺎن اﻟ ﺬي ﻳﺤﻘ ﻖ اﻹﺳ ﻼم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻜﻮن ﻣﺴﺎﻟﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﺘﺪي ﻋﻠﻰ أﺣﺪ، وﻳﺤﻘﻖ اﻹﺳﻼم اﻟﻘﻠﺒﻲ ﻓﻼ ﻳﺴﻠﻢ ﻗﻠﺒﻪ وﺟﻮارﺣﻪ إﻻ ﷲ‬ ‫ً‬ ‫ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺴﺘﺤﻘﺎ ﻟﻠﺴﻼم ﻓﻲ اﻵﺧﺮة.‬ ‫ً‬ ‫ﻳﻘﻮل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿اﻟ ِﻳﻦ ﺁﻣ ُﻮا وﻟﻢ ﻳﻠﺒﺴﻮا ِﻳ َﺎﻧﻬﻢ ﺑﻈﻠﻢ أوﻟـﺌﻚ ﻟﻬﻢ اﻷﻣﻦ وهﻢ ﻣﻬﺘ ُو َ﴾ )اﻷﻧﻌﺎم ٢٨(. أي أن اﻟﺬﻳﻦ‬ ‫ّﺬ َ َ ﻨ ْ َ َ ْ َ ْ ِ ُ َ ْ إ ﻤ َ ُ ْ ِ ُ ْ ٍ ُ ْ َ َ ِ َ َ ُ ُ ْ ُ َ ُ ْ ّ ْ َ ﺪ ن‬ ‫ﺁﻣﻨﻮا ﺑﺎﷲ ﻓﻲ ﻋﻘﻴﺪﺗﻬﻢ وأﻣﻨﻬﻢ اﻟﻨﺎس ﻓﻠ ﻢ ﻳﻈﻠﻤ ﻮا أﺣ ﺪا ﻟﻬ ﻢ اﻷﻣ ﻦ ﻓ ﻲ اﻵﺧ ﺮة، ﻷن اﻟﺠ ﺰاء ﻣ ﻦ ﻧﻔ ﺲ اﻟﻌﻤ ﻞ.‬ ‫ً‬ ‫َ ُ ْ ﻓ ْ ُ ُﻓ ِ ِ ُ ن‬ ‫وﻳﻘﻮل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻢ وهﻢ ﺁﻣﻨﻮن ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ﴿وهﻢ ِﻲ اﻟﻐﺮ َﺎت ﺁﻣﻨ ﻮ َ﴾ )ﺳ ﺒﺄ ٧٣(. وﻳﻘ ﻮل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋ ﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ‬ ‫ﺳﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ أذاهﻢ ﻷﻧﻬﻢ آﺎﻧﻮا ﻣﺴﺎﻟﻤﻴﻦ، وآﺎﻧﻮا ﻓﻲ ﻋﻘﻴﺪﺗﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺣﺪﻩ: ﴿ﻟﻬﻢ َار اﻟﺴﻼم ِﻨ ﺪ‬ ‫َ ُْ د ُ ّ َِ ﻋ َ‬ ‫رﺑﻬﻢْ﴾ )اﻷﻧﻌﺎم ٧٢١(. أي ﻟﻬﻢ اﻟﺴﻼم ﻓﻲ اﻵﺧﺮة.. ﻷﻧﻬﻢ أﻋﻄﻮا اﻟﺴﻼم ﻟﻠﺒ ﺸﺮ.. ﻟ ﺬا ﺗﻘ ﻮل ﻟﻬ ﻢ اﻟﻤﻼﺋﻜ ﺔ وه ﻢ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ْ ُﻠ َ ِ ﺴ ٍ ِ ِ ﻦ‬ ‫ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﺠﻨ ﺔ ﴿ادﺧُﻮه ﺎ ﺑ َﻼم ﺁﻣﻨ ﻴ َ﴾ )اﻟﺤﺠ ﺮ ٦٤( أي ﺳ ﻼم وأﻣ ﻦ. أي إﺳ ﻼم وإﻳﻤ ﺎن ﻓ ﻲ اﻟ ﺪﻧﻴﺎ آ ﺎن‬ ‫ﺟﺰاؤﻩ اﻟﺴﻼم واﻷﻣﻦ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة، ﻓﺄﺻﺤﺎب اﻟﺠﻨﺔ هﻢ اﻟﺬﻳﻦ آﺎﻧﻮا ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﺴﺎﻟﻤﻴﻦ ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ ﺁﻣﻨﻴﻦ ﻣ ﺄﻣﻮﻧﻴﻦ.‬ ‫وﻟﻜﻦ ﻣﺎ هﻲ ﺻﻠﺔ ذﻟﻚ ﺑﻮﻃﻨﻨﺎ ﻣﺼﺮ؟‬ ‫إن ﻣﺼﺮ هﻲ اﻟﺒﻠﺪ اﻟﻮﺣﻴﺪ- ﺑﻌﺪ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺤﺮام- اﻟﺬي ذآﺮﻩ اﻟﻘﺮﺁن ﻣﻘﺮوﻧﺎ ﺑﺎﻷﻣﻦ، ﻓﺎﻟﻨﺒﻲ ﻳﻮﺳ ﻒ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﻼم‬ ‫ً‬ ‫ﺣ ﻴﻦ اﺳ ﺘﻘﺒﻞ أﺑ ﺎﻩ ﻳﻌﻘ ﻮب ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﻼم وأﺧﻮﺗ ﻪ ﻗ ﺎل ﻟﻬ ﻢ ﴿ادﺧﻠ ﻮا ﻣ ﺼﺮ ِن ﺷ ﺂء اﻟﻠ ﻪ ﺁﻣﻨ ﻴ َ﴾ )ﻳﻮﺳ ﻒ ٩٩(‬ ‫ْ ُُ ْ ِ ْ َ إ َ َ ّ ُ ِ ِ ﻦ‬ ‫وﻣﺼﺮ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮد أرض وﺟﻐﺮاﻓﻴﺎ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ.إﻧﻬﺎ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺸﺮ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ أﻣﻦ وأﻣ ﺎن، أو‬ ‫هﻜﺬا ﺗﻠﻮن ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ اﻟﻤﺼﺮي ﻃﻴﻠﺔ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻗﺮﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣ ﺎن اﺳﺘ ﻀﺎف ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﻐﺮﺑ ﺎء واﻟﻮاﻓ ﺪﻳﻦ ﻓﺘﻤﺘﻌ ﻮا ﺑﻜ ﺮم‬ ‫ً‬ ‫اﻟ ﻀﻴﺎﻓﺔ واﻷﻣ ﻦ، وآ ﺎن ﻣ ﻨﻬﻢ ﻳﻮﺳ ﻒ اﻟ ﺬي ﻣﻜ ﻦ اﷲ ﻟ ﻪ ﻓ ﻲ اﻷرض ﺑﻤﺠ ﺮد دﺧﻮﻟ ﻪ ﻣ ﺼﺮ )ﻳﻮﺳ ﻒ ١٢(‬ ‫واﻟﻤﺼﺮﻳﻮن أﺣﻖ ﺷﻌﺐ ﻓ ﻲ ﺷ ﻌﻮب اﻟﻌ ﺎﻟﻢ ﺑ ﺄن ﻳﻮﺻ ﻒ ﺑﺄﻧ ﻪ ﺷ ﻌﺐ ﻣ ﺴﻠﻢ ﻣ ﺆﻣﻦ ﺣ ﺴﺐ ﻃﺒﻴﻌﺘ ﻪ اﻟﺘ ﻲ ﺗ ﺆﺛﺮ‬ ‫اﻟﺴﻼم. واﻷﻗﺒ ﺎط اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻮن ﺑﺎﻟ ﺬات أآﺜ ﺮ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ إﻳﺜ ﺎرا ﻟﻠ ﺴﻼم واﻟﻤ ﺴﺎﻟﻤﺔ واﻷﻣ ﻦ واﻷﻣ ﺎن وه ﻢ ﺑ ﺬﻟﻚ‬ ‫ً‬ ‫أﺣﻖ اﻟﺒﺸﺮ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺑﻮﺻﻒ اﻹﺳ ﻼم ﺑﻤﻌﻨ ﻰ اﻟ ﺴﻼم واﻟﻤ ﺴﺎﻟﻤﺔ وﺑﻮﺻ ﻒ اﻹﻳﻤ ﺎن ﺑﻤﻌﻨ ﻰ اﻷﻣ ﻦ واﻷﻣ ﺎن. أﻣ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﻋﻘﺎﺋﺪﻧﺎ- ﺟﻤﻴﻌﺎ- ﻓﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ هﻮ وﺣﺪﻩ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ وﻟﻢ ﻳﻌﻂ ذﻟﻚ اﻟﺤﻖ ﻷﺣ ﺪ.. وﻗ ﺪ ﺟﻌ ﻞ‬ ‫ً‬ ‫ﻟﻠﻔﺼﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﻮﻣﺎ هﻮ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ، وﺑﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻷﺣﺪﻧﺎ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ أن ﻳﺘﺼﺪى ﺑﺎﻟﺘ ﺴﻔﻴﻪ ﻟﻌﻘﺎﺋ ﺪ اﻵﺧ ﺮﻳﻦ، ﺑ ﻞ‬ ‫ً‬ ‫أﻧﻪ ﻣﻦ أدب اﻟﺤﻮار ﻓﻲ اﻹﺳﻼم أن ﻧﺮﺗﻀﻰ ﺗﺄﺟﻴﻞ اﻟﺤﻜﻢ إﻟﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، أﻣ ﺎ ﺁﻳ ﺎت اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ‬ ‫اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻋﻘﺎﺋﺪ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﻬ ﻲ اﻟﺤ ﻖ اﻟ ﺬي ﻳﻘﻮﻟ ﻪ رب اﻟﻌ ﺰة ﻓ ﻲ ﺷ ﺄن ﻳﺨ ﺺ ذاﺗ ﻪ وﻳ ﺮد ﺑ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺎ‬ ‫ﻳﻘﻮﻟﻪ اﻟﺒﺸﺮ ﻋﻨﻪ، وﻣﻊ ﺗﻜﺮار ﺗﻠﻚ اﻵﻳﺎت اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻓ ﺈن اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ ﻳﺆآ ﺪ ﻟﻠﻨﺒ ﻲ ﻧﻔ ﺴﻪ- ﺑﻌ ﺪ ﺗﻮﺿ ﻴﺢ اﻟﺤ ﻖ‬ ‫اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم- أﻧﻪ إذا ﺟﺎءﻩ أﺣﺪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﺘﻮﺿ ﻴﺢ ﻳﺠﺎدﻟ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻤﻮﺿ ﻮع ﻓﻤ ﺎ ﻋﻠﻴ ﻪ‬ ‫إﻻ أن ﻳﺒﺘﻬﻞ ﺑﺄن ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻌﻨ ﺔ اﷲ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻜ ﺎذﺑﻴﻦ، أي ﻟ ﻢ ﻳ ﺄﻣﺮﻩ ﺑﺎﺗﻬ ﺎﻣﻬﻢ ﺑ ﺎﻟﻜﻔﺮ أو اﻟﻤ ﺮوق ﻋ ﻦ اﻟﺤ ﻖ، وإﻧﻤ ﺎ‬ ‫ﻣﺠ ﺮد اﻟﻤﺒﺎهﻠ ﺔ ﻷن ﺗﻜ ﻮن ﻟﻌﻨ ﺔ اﷲ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻜ ﺎذﺑﻴﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻔ ﺮﻳﻘﻴﻦ اﻟﻤﺘﺨﺎﺻ ﻤﻴﻦ.. )ﺁل ﻋﻤ ﺮان ٣٣: ٧٥، ٨٥:‬ ‫١٦( .‬ ‫وإذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﺣﻖ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤﺪ )ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم( ﻧﻔﺴﻪ أن ﻳﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺠﺎدﻟﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ ﻓﻠﻴﺲ ﻣ ﻦ‬ ‫ﺣﻖ أﺣﺪ ﺑﻌﺪﻩ أن ﻳﺘﻬﻢ ﻏﻴﺮﻩ ﻣ ﻦ اﻟﺒ ﺸﺮ واﻟﻄﻮاﺋ ﻒ ﺑ ﺎﻟﻜﻔﺮ ﺑ ﻞ ﻋﻠﻴ ﻪ أن ﻳﺤ ﺎور ﺑﺎﻟﺤﻜﻤ ﺔ واﻟﻤﻮﻋﻈ ﺔ اﻟﺤ ﺴﻨﺔ،‬ ‫ﻓﺒ ﺬﻟﻚ أﻣ ﺮ اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ )اﻟﻨﺤ ﻞ ٥٢١، اﻹﺳ ﺮاء ٣٥، ﻓ ﺼﻠﺖ ٤٣، ﺳ ﺒﺄ ٤٢( ﺑ ﻞ ﻋﻠﻴ ﻪ أن ﻳ ﺼﻔﺢ ﻋ ﻦ‬ ‫اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﻴﻦ ﻣﻌﻪ وﻳﺼﺒﺮ وﻳﻨﺘﻈﺮ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ وﻋﻠﻴﻬﻢ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻓﺬﻟﻚ ﻣﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ‬ ‫)اﻟﺤﺠﺮ ٥٨، اﻟﺰﺧﺮف ٨٨، اﻟﺠﺎﺛﻴﺔ ٤١(.‬ ‫ً‬ ‫وإذا آ ﺎن ه ﺬا ﻋﺎﻣ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣ ﻞ ﻣ ﻊ اﻟﻤ ﺸﺮآﻴﻦ اﻟﻜ ﺎﻓﺮﻳﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﻤ ﺪون أﻳ ﺪﻳﻬﻢ ﺑ ﺎﻷذى ﻟﻠﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓ ﺈن ﻷه ﻞ‬ ‫اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻦ اﻟﻨ ﺼﺎرى واﻟﻴﻬ ﻮد ﺗﻌ ﺎﻣﻼ ﺧﺎﺻ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺠ ﺪال واﻟﺤ ﻮار، وﻗ ﺪ أوﺿ ﺢ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ذﻟ ﻚ ﺑ ﺎﻟﻨﻬﻰ ﻋ ﻦ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺠﺪال ﻣﻌﻬﻢ إﻻ ﺑﺎﻟﺘﻲ هﻲ أﺣﺴﻦ، ﻷن أﻏﻠﺒﻬﻢ ﻳﻤﻴﻞ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻢ واﻟﺴﻼم، أﻣ ﺎ اﻟﻈ ﺎﻟﻤﻮن ﻣ ﻨﻬﻢ ﻓ ﻼ ﺟ ﺪال ﻣﻌﻬ ﻢ‬
‫٦‬

‫ﺑﻞ ﻳﻜﺘﻔ ﻲ اﻟﻤ ﺴﻠﻢ ﺑ ﺄن ﻳﻘ ﻮل ﻟﻬ ﻢ ﺑﺄﻧ ﻪ ﻳ ﺆﻣﻦ ﺑﻤ ﺎ أﻧ ﺰل إﻟﻴ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن ﻣ ﺎ أﻧ ﺰل إﻟ ﻴﻬﻢ ﻓ ﻲ اﻟﺘ ﻮراة واﻹﻧﺠﻴ ﻞ‬ ‫واﻟﻜﺘﺐ اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ اﻷﺧﺮى، وأﻧﻪ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻹﻟﻪ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺬي هﻮ إﻟﻪ اﻟﺠﻤﻴ ﻊ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ وأه ﻞ اﻟﻜﺘ ﺎب، وه ﻮ‬ ‫ﻳﺴﻠﻢ وﺟﻬﻪ ﻟﺬﻟﻚ اﻹﻟﻪ ﺟﻞ وﻋﻼ.. وذﻟﻚ ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿وﻻ ﺗ َﺎدﻟﻮا أهﻞ اﻟﻜﺘ ﺎب إﻻ ﺑ ﺎﻟ ِﻲ ه ﻲ أﺣ ﺴﻦ إﻻ‬ ‫َ َ ُﺠ ُِ َ ْ َ ْ َ ْ ِ َ ِ ِ ّ ِ ّﺘ ِ َ َ ْ َ ُ ِ ّ‬ ‫اﻟ ِﻳﻦ ﻇﻠﻤ ﻮا ﻣ ﻨﻬﻢ و ُﻮﻟ ﻮا ﺁﻣﻨ ﺎ ِﺎﻟ ﺬي ُﻧ ﺰل إﻟﻴﻨ ﺎ وُﻧ ﺰل إﻟ ﻴﻜﻢ وإﻟ ـﻬ َﺎ وإﻟ ـﻬﻜﻢ َاﺣ ﺪ وﻧﺤ ﻦ ﻟ ﻪ ﻣ ﺴﻠ ُﻮ َ﴾‬ ‫ّ ﺬ َ ََ ُ ْ ِ ْ ُ ْ َﻗ ُ َ ْ َ ّ ﺑ ّ ِ َ أ ِ َ َِ ْ َ َأ ِ َ َِ ْ ُ ْ ََِ َ ُﻨ ََِ َ ُ ُ ْ و ِ ٌ َ َ ْ ُ َ ُ ُ ِْﻤ ن‬ ‫)اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت ٦٤(. أي ﻳﻘﻮل ذﻟﻚ وﻻ ﻳﺘﻌﺪاﻩ إذا ﺟﺎءﻩ ﻇﺎﻟﻤﻮن ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد واﻟﻨﺼﺎرى ﻟﻴﺠﺎدﻟﻮﻩ وﻳﺨﺎﺻﻤﻮﻩ.‬ ‫وﻟﻜﻦ ﻧﺠﻮم اﻟﺘﻄﺮف ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻳﺤﻠﻮ ﻟﻬﻢ ﺗﻜﻔﻴ ﺮ اﻟﻨ ﺼﺎرى وﻳﻔﺘﺤ ﻮن اﻟﻄﺮﻳ ﻖ ﻟﺘﻜﻔﻴ ﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ آﻠ ﻪ وﺗﻜﻔﻴ ﺮ‬ ‫ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ، وﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﺳﺘﺤﻼل اﻟﺪﻣﺎء واﻷﻣﻮال. وﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻓ ﺈن ﺁﻳ ﺎت اﻟﻤ ﻮاﻻة ﻓ ﻲ‬ ‫اﻟﻘﺮﺁن ﻗﺪ ﺗﻢ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﺿ ﺪ اﻷﺑﺮﻳ ﺎء ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ اﻷﻗﺒ ﺎط، وﻳ ﺼﺮخ ﺧﻄﺒ ﺎء اﻟﻤ ﺴﺎﺟﺪ ﻓ ﻲ اﻟﺘﺤ ﺮﻳﺾ ﺿ ﺪ‬ ‫اﻷﻗﺒﺎط ﻣﺴﺘﺸﻬﺪﻳﻦ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿ﻳـﺄﻳ َﺎ اﻟ ِﻳﻦ ﺁﻣ ُﻮا ﻻ ﺗﺘﺨ ُوا اﻟﻴ ُﻮد َاﻟﻨ َﺎرى أوﻟﻴ ﺂء ﺑﻌ ﻀﻬﻢ أوﻟﻴ ﺂء ﺑﻌ ﺾ‬ ‫َََ ّﻬ ّﺬ َ َﻨ ْ َ َ ّ ِﺬ ْ ْ َﻬ َ و ّﺼ َ َ َ ِْ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ِْ َ ُ َ ْ ٍ‬ ‫َﻣ َ َ َّ ُ ْ ﻣ ُ ْ َِ ّ ُ ِ ْ ُ‬ ‫و َﻦ ﻳﺘﻮﻟﻬﻢ ّﻨﻜﻢ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻨﻬﻢْ﴾ )اﻟﻤﺎﺋﺪة ١٥(. وه ﻢ ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ اﻻﺳﺘ ﺸﻬﺎد اﻟﺨ ﺎﻃﺊ وﻳﺘﻨﺎﺳ ﻮن ﺗ ﺸﺮﻳﻌﺎت اﻟﻤ ﻮاﻻة‬ ‫وﻣﻌﻨﺎهﺎ، آﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎﺳﻮن ﺗﺸﺮﻳﻌﺎت اﻟﻘﺘﺎل وأﻧﻪ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ وﻟ ﻴﺲ ﻟﻼﻋﺘ ﺪاء ﻋﻠ ﻰ اﻷﺑﺮﻳ ﺎء. إن ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ‬ ‫اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻷﻗﺒﺎط ﻣﻄﻠﻘﺎ وﻟﻴ ﺴﺖ ﻟﻬ ﺎ ﻋﻼﻗ ﺔ ﺑ ﺄي ﻳﻬ ﻮد وﻧ ﺼﺎرى ﻣ ﺴﺎﻟﻤﻴﻦ أو ﺑﻴﻨﻨ ﺎ وﺑﻴ ﻨﻬﻢ ﻋﻬ ﺪ‬ ‫وﻣﻴﺜﺎق. ﺗﻨﻄﺒﻖ اﻵﻳﺔ ﻓﻘﻂ ﺣﻴﻦ ﻳﻘﻊ اﻋﺘﺪاء أﺟﻨﺒ ﻲ ﺣﻴﻨﺌ ﺬ ﺗﺤ ﺮم ﻣ ﻮاﻻة ذﻟ ﻚ اﻟﻌ ﺪو اﻟﻐ ﺎزي ﺿ ﺪ أﺑﻨ ﺎء اﻟ ﻮﻃﻦ‬ ‫واﻷهﻞ واﻟﻌﺸﻴﺮة.‬ ‫وﺣﺘ ﻰ ﻧﻔﻬ ﻢ اﻟﺨﻠﻔﻴ ﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴ ﺔ ﻓ ﻲ ﺗ ﺸﺮﻳﻌﺎت اﻟﻤ ﻮاﻻة واﻟﻘﺘ ﺎل ﻋﻠﻴﻨ ﺎ أن ﻧ ﺴﺘﺮﺟﻊ ﺗ ﺎرﻳﺦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓ ﻲ ﻣﻜ ﺔ‬ ‫وﺗﻌﺮﺿ ﻬﻢ ﻟﻼﺿ ﻄﻬﺎد واﻷذى ﻓﻴﻬ ﺎ ﻟﻤﺠ ﺮد أﻧﻬ ﻢ اﺗﺒﻌ ﻮا دﻳﻨ ﺎ ﺟﺪﻳ ﺪا ﻣﺨﺎﻟﻔ ﺎ ﻟ ﺪﻳﻦ اﻷﻏﻠﺒﻴ ﺔ. ﺛ ﻢ وﺻ ﻞ ﺑﻬ ﻢ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اﻻﺿﻄﻬﺎد إﻟﻰ إرﻏﺎﻣﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺮك اﻟﻮﻃﻦ واﻷهﻞ، وآﺎن ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ اﻷهﻞ ﻣﻦ ﺗﻄﺮف ﻓﻲ إﻳﺬاﺋﻬﻢ وﻣﻨﻬﻢ ﻣ ﻦ‬ ‫اﻋﺘ ﺪل، وﻣ ﻨﻬﻢ ﻣ ﻦ ﺳ ﻜﺖ ﻋ ﻦ اﻟﻈﻠ ﻢ. وﻟﻜ ﻨﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳﺘﺮآ ﻮا اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓ ﻲ ﺣ ﺎﻟﻬﻢ ﺑﻌ ﺪ أن اﺳ ﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠ ﻰ‬ ‫ً‬ ‫دﻳﺎرهﻢ وأﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻹﻳﻼف أو رﺣﻠﺔ ﻗﺮﻳﺶ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء واﻟﺼﻴﻒ. ﻓﻮاﺻ ﻞ اﻟﻤ ﺸﺮآﻮن اﻋﺘ ﺪاءاﺗﻬﻢ‬ ‫وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﺗﺤﻤﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ذﻟﻚ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻨﺰل ﻟﻬﻢ اﻹذن ﺑﺎﻟﻘﺘﺎل. ﻓﻨﺰل اﻹذن ﺑﺎﻟﻘﺘﺎل ﻟﻠ ﺮد ﻋﻠ ﻰ ﻗﺘ ﺎل‬ ‫ﻗﺎﺋﻢ ﻳﻌﺘﺪي ﺑﻪ اﻟﻤﺸﺮآﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻌﻼ. وهﺬا ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﴿أذن ﻟﻠ ِﻳﻦ ﻳﻘ ﺎﺗُﻮن ﺑ ﺄﻧﻬﻢ ﻇﻠﻤ ﻮا وإن‬ ‫ُ ِ َ ِّ ﺬ َ ُ َ َﻠ َ ِ َ ّ ُ ْ ُِ ُ ْ َِ ّ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻠ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻧ ﺼﺮهﻢ ﻟﻘ ِﻳ ٌ﴾ أي أن اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ آ ﺎﻧﻮا ﻳﻮاﺟﻬ ﻮن ﻗﺘ ﺎﻻ واﻋﺘ ﺪاءا ﻇﺎﻟﻤ ﺎ ﻓﺠ ﺎءهﻢ اﻹذن ﺑ ﺮد ذﻟ ﻚ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ َ ََ َ َ ْ ِ ِ ْ َ َ ﺪ ﺮ‬ ‫اﻻﻋﺘﺪاء اﻟﻈﺎﻟﻢ ﺑﻤﺜﻠﻪ، ﺛﻢ ﺗﻘﻮل اﻵﻳﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺗﻮﺿﺢ ﺧﻠﻔﻴﺔ أﺧﺮى ﻟﺬﻟﻚ اﻻﺿﻄﻬﺎد اﻟ ﺬي واﺟﻬ ﻪ اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن ﻓ ﻲ‬ ‫ﻣﻜﺔ ﻗﺒ ﻞ أن ﻳﻘ ﺎﺗﻠﻬﻢ اﻟﻤ ﺸﺮآﻮن ﻓ ﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨ ﺔ ﴿اﻟ ِﻳﻦ أﺧﺮﺟ ﻮا ﻣ ﻦ دﻳ ﺎر ِﻢ ﺑﻐﻴ ﺮ ﺣ ﻖ إﻻ َن ﻳ ُﻮﻟ ﻮا رﺑﻨ ﺎ اﻟﻠ ُ﴾‬ ‫ّ ﺬ َ ُ ْ ِ ُ ْ ِ ِ َ ِه ِ َ ْ ِ َ ّ ِ ّ أ َ ﻘ ُ ْ َ ّ َ ّ ﻪ‬ ‫)اﻟﺤ ﺞ ٠٤،٩٣( ﺛ ﻢ ﺗﻮاﻟ ﺖ ﺑﻌ ﺪهﺎ ﺗ ﺸﺮﻳﻌﺎت اﻟﻘﺘ ﺎل ﺗ ﺮﺑﻂ اﻷواﻣ ﺮ ﺑﺎﻟﻘﻮاﻋ ﺪ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺻ ﺪ، وﻧﺰﻟ ﺖ ﺗ ﺸﺮﻳﻌﺎت‬ ‫اﻟﻤﻮاﻻة ﻓﻲ إﻃﺎر ذﻟﻚ اﻟﺼﺮاح اﻟﺤﺮﺑﻲ، وﻣﻨﻬﺎ ﻧﻔﻬﻢ أن اﻟﻤﻮاﻻة أن ﺗﻜﻮن )ﻣﻊ( ﻓﺮﻳﻖ )ﺿﺪ( ﻓﺮﻳ ﻖ ﺁﺧ ﺮ ﻓ ﻲ‬ ‫إﻃ ﺎر اﻟﺤ ﺮب ﻣ ﻊ/ﺿ ﺪ، أي ﺗﻌﻨ ﻰ اﻟﺘﺤ ﺎﻟﻒ ﻣ ﻊ ﻃ ﺮف ﺿ ﺪ ﺁﺧ ﺮ. وﺑﺎﻟﺘ ﺎﻟﻲ ﻓﺈﻧ ﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺤ ﺮم واﻟﻤﻤﻨ ﻮع أن‬ ‫ﻳﺘﺤﺎﻟﻒ ﺑﻌﺾ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ أي أن ﻳﻮاﻟ ﻮا اﻟﻤ ﺸﺮآﻴﻦ اﻟﻤﻌﺘ ﺪﻳﻦ ﻋﻠ ﻰ ﻗ ﻮﻣﻬﻢ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ، وﺑﻬ ﺬا ﻧﺰﻟ ﺖ ﺗﻔ ﺼﻴﻼت‬ ‫ﺳﻮرة اﻟﻤﻤﺘﺤﻨﺔ.‬ ‫وﻓﻴﻬﺎ اﻵﻳﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ- وهﻰ ﺁﻳﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﺸﺮﻳﻊ اﻟﻤ ﻮاﻻة- ﺗﺆآ ﺪ أن اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻻ ﻳﻨﻬ ﻰ ﻋ ﻦ اﻟﺒ ﺮ واﻟﻘ ﺴﻂ ﻣ ﻊ‬ ‫اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ – وﻟﻢ ﻳﺼﻔﻬﻢ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﻤﺸﺮآﻴﻦ ﻷﻧﻬﻢ ﺣﺴﺐ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﻈﺎهﺮي ﻣﺴﻠﻤﻮن ﻣﺴﺎﻟﻤﻮن ﻟ ﻢ‬ ‫ﻳﻘ ﺎﺗﻠﻮا اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑ ﺴﺒﺐ دﻳ ﻨﻬﻢ وﻟ ﻢ ﻳﺨﺮﺟ ﻮهﻢ ﻣ ﻦ دﻳ ﺎرهﻢ- ﻓﻘ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋ ﻨﻬﻢ ﴿ﻻ ﻳﻨﻬ ﺎآﻢ اﻟﻠ ﻪ ﻋ ﻦ اﻟ ِﻳﻦ ﻟ ﻢ‬ ‫ّ َْ َ ُ ُ ّ ُ َ ِ ّ ﺬ َ َ ْ‬ ‫ﻳﻘ ﺎﺗُﻮآﻢ ﻓ ﻲ اﻟ ّﻳﻦ وﻟ ﻢ ﻳﺨﺮﺟ ﻮآﻢ ﻣ ﻦ دﻳ ﺎرآﻢ َن ﺗﺒ ّوهﻢ وﺗﻘ ﺴﻄﻮا إﻟ ﻴﻬﻢ إن اﻟﻠ ﻪ ﻳﺤ ﺐ اﻟﻤﻘ ﺴ ِﻴ َ﴾ واﻵﻳ ﺔ‬ ‫ﺪ ِ ََ ْ ُ ْ ِ ُ ُ ْ ّ ِ َ ِ ُ ْ أ َ َ ﺮ ُ ْ َ ُ ْ ِ ُ َ ْ َِ ْ ِ ْ ِ ّ ّ َ ُ ِ ّ ْ ُ ْ ِﻄ ﻦ‬ ‫ُ َ ِﻠ ُ ْ ِ‬ ‫اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﺗﺤﺼﺮ اﻟﻨﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻤﻮاﻻة ﻓﻲ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮا اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑ ﺴﺒﺐ دﻳ ﻨﻬﻢ وأﺧﺮﺟ ﻮهﻢ ﻣ ﻦ دﻳ ﺎرهﻢ أو‬ ‫ﺳﺎﻋﺪوا ﻋﻠﻰ إﺧ ﺮاﺟﻬﻢ ﻣ ﻦ دﻳ ﺎرهﻢ، واﻟﻨﻬ ﻰ هﻨ ﺎ ﻋ ﻦ ﻣ ﻮاﻻﺗﻬﻢ واﻟﺘﺤ ﺎﻟﻒ ﻣﻌﻬ ﻢ ﺿ ﺪ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻃﺒﻌ ﺎ ﴿إﻧﻤ ﺎ‬ ‫ً ِّ َ‬ ‫ﻳﻨ َﺎآﻢ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ اﻟ ِﻳﻦ ﻗ ﺎﺗُﻮآﻢ ﻓ ﻲ اﻟ ّﻳﻦ وأﺧﺮﺟ ﻮ ُﻢ ﻣ ﻦ دﻳ ﺎرآﻢ وﻇ ﺎه ُوا ﻋﻠ ﻰ إﺧ َاﺟﻜﻢ َن ﺗﻮﻟ ﻮهﻢ وﻣ ﻦ‬ ‫ﺪ ِ ََ ْ َ ُ آ ّ ِ َ ِ ُ ْ َ َ َﺮ ْ ََ َ ِ ْ ﺮ ِ ُ ْ أ َ َّ ْ ُ ْ َ َ‬ ‫َ ْﻬ ُ ُ ّ ُ َ ِ ّﺬ َ َ َﻠ ُ ْ ِ‬ ‫ﻳﺘﻮﻟﻬﻢ ﻓﺄوﻟـﺌﻚ هﻢ اﻟ ّﺎﻟ ُﻮ َ﴾.‬ ‫َ َ َّ ُ ْ َُ ََْ ِ َ ُ ُ ﻈ ِﻤ ن‬ ‫أوﻟﺌﻚ اﻟﻤﺘﺎﺟﺮون ﺑﺎﻹﺳﻼم هﻢ أﺣﻮج اﻟﻨﺎس ﻟﻔﻬ ﻢ ﺗ ﺸﺮﻳﻌﺎت اﻟﻘ ﺮﺁن وﺣﺮﺻ ﻬﺎ ﻋﻠ ﻰ ﺣﻘ ﻦ اﻟ ﺪﻣﺎء، ﺧ ﺼﻮﺻﺎ‬ ‫ً‬ ‫دﻣﺎء اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻵﻣﻨﻴﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﻤ ﺴﺎﻟﻤﻴﻦ – وﻣ ﻨﻬﻢ اﻷﻗﺒ ﺎط اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻮن ﺣ ﺴﺐ اﻟﺘﻮﺻ ﻴﻒ اﻟﻘﺮﺁﻧ ﻲ - وه ﻢ‬
‫٧‬

‫اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻌﺘﺪون ﻋﻠﻰ أﺣﺪ وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن أﺣﺪهﻢ ﻗﺎﺗﻼ إﻻ ﻓ ﻲ ﺣﺎﻟ ﺔ واﺣ ﺪة ه ﻲ اﻟﻘﺘ ﻞ اﻟﺨﻄ ﺄ.. وﻓ ﻰ ذﻟ ﻚ‬ ‫ً‬ ‫ﻳﻘﻮل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿و َﺎ َﺎن ﻟﻤﺆﻣﻦ َن ﻳﻘﺘﻞ ﻣﺆ ِﻨﺎ إﻻ ﺧ َﺌً﴾ )اﻟﻨﺴﺎء ٢٩(، أي ﻣﺎ آﺎن ﻳﺼﺢ وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘ ﺼﻮر‬ ‫َﻣ آ َ ِ ُ ْ ِ ٍ أ َ ْ ُ َ ُ ْﻣ ً ِ ّ َﻄ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫أن ﻳﻘﺘﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﻣﺆﻣﻨﺎ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺨﻄ ﺄ وﻋ ﺪم اﻟﺘﻌﻤ ﺪ. اﻟﻤ ﺆﻣﻦ اﻵﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻢ اﻟﻤ ﺴﺎﻟﻢ ﻗ ﺪ ﻳﻘﺘ ﻞ ﻣﺠﺮﻣ ﺎ إذا‬ ‫ً‬ ‫ﺣﺎول اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻴﻪ ﻷن ﻟﻪ ﺣﻖ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ، وإذا ﻗﺘﻞ اﻟﻤﻌﺘﺪى ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻗﺘﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﻣ ﺴﺎﻟﻢ‬ ‫وإﻧﻤﺎ ﻗﺘﻞ ﻣﺠﺮﻣﺎ ﻣﻌﺘﺪﻳً، ﻓ ﺎﻟﻤﺠﺮم اﻟﻤﻌﺘ ﺪى ﻋﻠ ﻰ اﻷﺑﺮﻳ ﺎء اﻟﻤ ﺴﺎﻟﻤﻴﻦ ﻻ ﻳﻤﻜ ﻦ أن ﻳﻜ ﻮن ﻣ ﺴﻠﻤﺎ ﻣﻬﻤ ﺎ زﻋ ﻢ.‬ ‫ﺎ‬ ‫ً‬ ‫وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﻟﻢ ﻗﺪ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺄ ﻓﻴﻘﺘ ﻞ إﻧ ﺴﺎﻧﺎ ﺑﺮﻳﺌ ﺎ ﻣ ﺴﻠﻤﺎ ﻣ ﺄﻣﻮن اﻟﺠﺎﻧ ﺐ ﻣﺆﻣﻨ ﺎ دون ﻗ ﺼﺪ، وﺣﻴﻨﺌ ﺬ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﻓﻌﻠﻴﻪ أن ﻳﺪﻓﻊ اﻟﺪﻳ ﺔ آﻤ ﺎ ﻓ ﺼﻠﺘﻪ اﻵﻳ ﺔ )٢٩( ﻣ ﻦ ﺳ ﻮرة اﻟﻨ ﺴﺎء. وﻟﻜ ﻦ ذﻟ ﻚ اﻟﻤ ﺆﻣﻦ اﻵﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺄﻣﻮن اﻟﺠﺎﻧ ﺐ‬ ‫اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻤﺴﺎﻟﻢ إذا ﻗﺘﻠﻪ ﻣﺠﺮم ﻋﻤﺪا ﻓﻤﺎ ﺟﺰاء ذﻟﻚ اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ؟‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﺗﻘﻮل اﻵﻳﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﴿و َﻦ ﻳﻘﺘﻞ ﻣﺆ ِﻨﺎ ﻣﺘﻌ ّﺪا ﻓﺠ َﺁؤﻩ ﺟﻬﻨﻢ َﺎِﺪا ِﻴ َﺎ وﻏﻀﺐ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﻟﻌﻨ ﻪ وأﻋ ﺪ ﻟ ﻪ ﻋ َاﺑﺎ‬ ‫َ ﻣ َ ْ ُ ْ ُ ْ ﻣ ً ّ َ َ ﻤ ً َ َﺰ ُ ُ َ َ ّ ُ ﺧ ﻟ ً ﻓ ﻬ َ َ ِ َ ّ ُ َ َ ْ ِ َ َ َ َ ُ َ َ َ ّ َ ُ َ ﺬ ً‬ ‫ﻋ ِﻴﻤً﴾ )اﻟﻨﺴﺎء ٣٩( وه ﻰ اﻵﻳ ﺔ اﻟﻮﺣﻴ ﺪة ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﺘ ﻲ ﺣﻠﻔ ﺖ ﺑﻜ ﻞ أﻧ ﻮاع اﻟﻌ ﺬاب واﻟﻐ ﻀﺐ واﻟﻠﻌﻨ ﺎت..‬ ‫َﻈ ﺎ‬ ‫وذﻟﻚ ﻳﺪﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﺪاﺣﺔ ﻗﺘﻞ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺴﺎﻟﻢ اﻟﺒﺮيء..‬ ‫وﺗﻘﻮل اﻵﻳﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺗﺤﺪد ﻟﻨﺎ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﺤﺮص اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺘﻪ وﺣﻘﻦ دﻣﻪ ﴿ َﺎ أﻳ َﺎ اﻟ ِﻳﻦ‬ ‫ﻳ َ ّﻬ ّﺬ َ‬ ‫ﺁﻣ ُﻮا إ َا ﺿﺮﺑﺘﻢ ِﻲ ﺳ ِﻴﻞ اﻟﻠ ﻪ ﻓﺘﺒﻴﻨ ﻮا وﻻ ﺗ ُﻮﻟ ﻮا ﻟﻤ ﻦ أﻟﻘ ﻰ إﻟ ﻴﻜﻢ اﻟ ﺴﻼم ﻟ ﺴﺖ ﻣﺆ ِﻨ ً﴾ )اﻟﻨ ﺴﺎء ٤٩( ﻓﺎﻵﻳ ﺔ‬ ‫َﻨ ْ ِذ َ َ ْ ُ ْ ﻓ َﺒ ِ ّ ِ َ َ َ ّ ُ ْ َ َ َﻘ ُ ْ ِ َ ْ َ ْ َ َ َِ ْ ُ ُ ّ َ َ َ ْ َ ُ ْﻣ ﺎ‬ ‫ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻻﺷﺘﺒﺎك اﻟﺤﺮﺑ ﻲ ﺑ ﻴﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ وأﻋ ﺪاﺋﻬﻢ اﻟﻤﻌﺘ ﺪﻳﻦ، إذ ﻻ ﻳﺠ ﻮز ﻟﻠﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ أن ﻳﺤ ﺎرﺑﻮا إﻻ ﻓ ﻲ‬ ‫ﺣﺎﻟﺔ واﺣﺪة هﻲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ ﺿﺪ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ﻓﻘﻂ. ﻟ ﺬا ﺗﺤ ﺬرهﻢ اﻵﻳ ﺔ ﻣ ﻦ ﻗﺘ ﻞ اﻟﻤ ﺴﺎﻟﻤﻴﻦ ﺣﺘ ﻰ أﺛﻨ ﺎء ﺗﻠ ﻚ‬ ‫اﻟﺤﺮب اﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ، وﺗﺆآﺪ ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة أن ﻳﺘﺒﻴﻨﻮا ﻋﺪوهﻢ ﻋﻨﺪ اﻻﺷﺘﺒﺎك، ﻓﻜﻞ ﻣ ﻦ أﻟﻘ ﻰ إﻟ ﻴﻬﻢ اﻟ ﺴﻼم أو أﻟﻘ ﻰ‬ ‫ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﺗﺤﻴ ﺔ اﻹﺳ ﻼم ﻓﻬ ﻮ ﻣ ﺆﻣﻦ.. أي أن ﺗﺤﺪﻳ ﺪ اﻹﻳﻤ ﺎن أو اﻟﻤ ﺆﻣﻦ ﻟ ﻴﺲ ﺑﻤ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻘﻠ ﺐ وﻟﻜ ﻦ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻳﺨ ﺺ‬ ‫ﺗﻌﺎﻣﻠﻨﺎ اﻟﻈﺎهﺮي، ﻓﺎﻹﻳﻤﺎن هﻮ ﻣﺠﺮد إﻟﻘﺎء ﺗﺤﻴﺔ اﻹﺳﻼم وﻋﺪم اﻻﻋﺘﺪاء، وﻣﻦ أﻟﻘﻰ اﻟﺴﻼم ﻓﻘﺪ أﺻ ﺒﺢ ﻣﺆﻣﻨ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﻣ ﺴﻠﻤﺎ ﺑﻐ ﺾ اﻟﻨﻈ ﺮ ﻋ ﻦ دﻳﻨ ﻪ وﻣﻠﺘ ﻪ وﻋﻘﻴﺪﺗ ﻪ ، وﺣﺘ ﻰ ﻟ ﻮ آ ﺎن ﻣﻮﺟ ﻮدا ﻓ ﻲ ﺻ ﻒ اﻷﻋ ﺪاء ﻋﻨ ﺪ اﻻﺷ ﺘﺒﺎك‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺤﺮﺑ ﻲ وﻟﻜ ﻦ رﻓ ﻊ ﺻ ﻮﺗﻪ ﺑﺎﻟ ﺴﻼم ﻳﻜ ﻮن ﺑ ﺬﻟﻚ ﻣﺆﻣﻨ ﺎ ﻻ ﺑ ﺪ ﻣ ﻦ ﺣﻤﺎﻳﺘ ﻪ، وﻣ ﻦ ﻳﻘ ﻊ ﻓ ﻲ ﺟﺮﻳﻤ ﺔ ﻗﺘﻠ ﻪ ﻳﻜ ﻮن‬ ‫ﻣﺴﺘﺤﻘﺎ ﻟﻠﻌﺬاب اﻟﺨﺎﻟﺪ واﻟﻠﻌﻨﺔ واﻟﻐﻀﺐ وﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ.‬ ‫ً‬ ‫ﻟﻘﺪ ﻧﺰﻟﺖ اﻵﻳﺎت اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ- أول ﻣﺎ ﻧﺰﻟﺖ- ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺘﻤ ﻊ ﻋﺮﺑ ﻲ وﺑ ﺪوى أﺳ ﺮع ﻣ ﺎ ﻳﻜﻮﻧ ﻮن إﻟ ﻰ اﻟﺤ ﺮب، وﻗ ﺪ‬ ‫وﺻﻒ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﺒﺪو اﻷﻋﺮاب اﻟﺬﻳﻦ آﺎﻧﻮا ﻳﺤﺎﺻﺮون دوﻟﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤ ﺪ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﻼم ﺑ ﺄﻧﻬﻢ أﺷ ﺪ اﻟﻨ ﺎس آﻔ ﺮا‬ ‫ً‬ ‫وﻧﻔﺎﻗً، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أوﺻﻰ ﺑﺤﻘﻦ دﻣﺎﺋﻬﻢ ﺑﻤﺠﺮد أن ﻳﻠﻘﻰ أﺣﺪهﻢ اﻟﺴﻼم أو ﻳﺒﺪى رﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟ ﺴﻼم‬ ‫ﺎ‬ ‫واﻋﺘﺒﺮﻩ ﻣﺆﻣﻨﺎ ﺣﺴﺐ اﻟﻈﺎهﺮ أو ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن. ﺑﻞ أﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻻﺷﺘﺒﺎك اﻟﺤﺮﺑﻲ ﻓﺈن اﻟﻌ ﺪو اﻟﻤﻘﺎﺗ ﻞ‬ ‫ً‬ ‫إذا آﻒ ﻳﺪﻩ وأﻋﻠﻦ رﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ﺣﻘﻦ دﻣﻪ وﺗﻮﺻﻴﻠﻪ إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ﺁﻣﻨﺎ ﺳﺎﻟﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻳ ﺴﻤﻊ اﻟﻘ ﺮﺁن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺤﻖ وﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﺣﺠﺔ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ ﴿وإن أﺣ ﺪ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺸﺮ ِﻴﻦ اﺳ ﺘ َﺎرك ﻓ ﺄﺟﺮﻩ ﺣﺘ ﻰ‬ ‫َِ ْ َ َ ٌ ّ َ ْ ُ ْ ِآ َ ْ َﺠ َ َ َ َ ِ ْ ُ َ ّ َ‬ ‫ﻳﺴﻤﻊ آﻼم اﻟﻠﻪ ﺛ ّ أﺑﻠﻐﻪ ﻣﺄﻣﻨﻪ ذﻟﻚ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻗﻮم ﻻ ﻳﻌﻠ ُﻮ َ﴾ )اﻟﺘﻮﺑﺔ ٦(.‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ ّ ِ ُﻢ َ ْ ِ ْ ُ َ ْ َ َ ُ َ ِ َ ِ َ ّ ُ ْ َ ْ ٌ ّ َ ْ َ ﻤ ن‬ ‫هﺬﻩ ﺗﺸﺮﻳﻌﺎت ﻓﻲ ﺣﻘﻦ دﻣﺎء اﻟﻤﺤﺎرﺑﻴﻦ ﺳﺎﻋﺔ اﻻﺷﺘﺒﺎك.. وﺻﻴﺎﻧﺔ ﺣﻴﺎة اﻟﻤ ﺪﻧﻴﻴﻦ ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺮب ﺣﺘ ﻰ ﻟ ﻮ آ ﺎﻧﻮا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﻣ ﺸﺘﺒﻬﺎ ﻓ ﻲ اﺷ ﺘﺮاآﻬﻢ ﻓ ﻲ اﻻﻋﺘ ﺪاء آ ﺎﻷﻋﺮاب اﻟ ﺬﻳﻦ ه ﻢ أﺷ ﺪ اﻟﻨ ﺎس آﻔ ﺮا وﻧﻔﺎﻗ ﺎ ﻟﻬ ﻢ.ن آ ﺎﻧﻮا ﻳﺘﺮﺑ ﺼﻮن‬ ‫ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﻳﻨﺎﻓﻘﻮﻧﻬﻢ وﻳﻜﻴﺪون ﻟﻬﻢ .‬ ‫ﻓﻤﺎ هﻮ ﺣﻜﻢ اﻷﻗﺒﺎط اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻗﺮﻧﺎ إﻻ اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻷذى واﻻﺿ ﻄﻬﺎد؟ ﺛ ﻢ ه ﻞ‬ ‫ً‬ ‫ﻳﺠﻮز أن ﻳﺘﻌﺮﺿﻮا ﻻﺿﻄﻬﺎد أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰﻋﻤ ﻮن أﻧﻬ ﻢ ﻳﺆﻣﻨ ﻮن ﺑ ﺎﻟﻘﺮﺁن وﻳﺘﻤ ﺴﻜﻮن ﺑﺎﻹﺳ ﻼم؟ ﺛ ﻢ ﻣ ﺎ ه ﻮ‬ ‫ﺣﻜﻢ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻤﺴﺤﻮن ﺑﺎﺳﻤﻪ وﻳﺮﺗﻜﺒ ﻮن ﺗﺤ ﺖ ﺷ ﻌﺎرﻩ أﻓﻈ ﻊ اﻟﺠ ﺮاﺋﻢ؟! ﻧﺮﺟ ﻮ ﻣ ﻦ آ ﻞ ﻣ ﻦ‬ ‫ﻳﻬﻤﻪ اﻷﻣﺮ ﺑﺄن ﻳﻘﺮأ ﺑﻘﻠﺐ ﻣﻔﺘﻮح وﺑﺘﻤﻌﻦ اﻵﻳﺎت اﻟﺜﻼث )٢٩، ٣٩، ٤٩( ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء، وﻳﺘ ﺪﺑﺮ ﺣ ﺮص‬ ‫اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻣﺔ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﺴﺎﻟﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ آﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻷﻋﺮاب اﻟﻤﺸﻬﻮر ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺴﻠﺐ واﻟﻨﻬﺐ واﻟﻜﻔ ﺮ‬ ‫واﻟﻨﻔﺎق واﻟﻐﺪر واﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﻳﻦ واﻟﻤﺴﺎﻟﻤﻴﻦ.. وﻟﻜﻦ اﻟﻘﺮﺁن ﻳﻌﻄﻰ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺣ ﺼﺎﻧﺔ ﺿ ﺪ اﻟﻘﺘ ﻞ‬ ‫أﺛﻨﺎء اﻻﺷ ﺘﺒﺎك اﻟﺤﺮﺑ ﻲ ﺑﻤﺠ ﺮد أن ﻳﻠﻘ ﻰ ﺑﻠ ﺴﺎﻧﻪ آﻠﻤ ﺔ اﻟ ﺴﻼم. ﻓﻤ ﺎ ﺑﺎﻟﻨ ﺎ ﺑﺎﻟ ﺬﻳﻦ ﻋﺎﺷ ﻮا ﻓ ﻲ أرﺿ ﻬﻢ ﻋ ﺸﺮات‬
‫٨‬

‫اﻟﻘﺮون ﻓﻲ ﺳﻠﻢ وﺳﻼم وإآﺮام ﻟﻠﻀﻴﻒ ورﻋﺎﻳﺔ ﻟﻠﻐﺮﻳﺐ؟ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﺷﻮا ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ ﺁﻣﻨﻴﻦ ﻣ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣ ﺴﺎﻟﻤﻴﻦ ﻳﺠ ﺪ‬ ‫اﻟﻐﺮﻳﺐ ﻋﻨﺪهﻢ اﻷﻣﻦ واﻟﺴﻼم. أﻟﻴﺲ ﻣ ﻦ ﻳﻌﺘ ﺪي ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﻳﻜ ﻮن ﻣ ﺴﺘﺤﻘﺎ ﻟﻤ ﺎ ﺟ ﺎء ﻓ ﻲ ﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﴿وﻣ ﻦ ﻳﻘﺘ ﻞ‬ ‫َ َ َ ُْ ْ‬ ‫ً‬ ‫ﻣﺆ ِﻨﺎ ﻣﺘﻌ ّﺪا ﻓﺠ َﺁؤﻩ ﺟﻬﻨﻢ َﺎِﺪا ِﻴ َﺎ وﻏﻀﺐ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﻟﻌﻨﻪ وأﻋﺪ ﻟﻪ ﻋ َاﺑﺎ ﻋ ِﻴﻤً﴾.‬ ‫ُ ْﻣ ً ّ َ َﻤ ً َ َﺰ ُ ُ َ َ ّ ُ ﺧ ﻟ ً ﻓ ﻬ َ َ ِ َ ّ ُ ََ ْ ِ ََ َ َ ُ ََ َ ّ َ ُ َﺬ ً َﻈ ﺎ‬ ‫وﻧﺨﻠﺺ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ إﻟﻰ أن أﻗﺒﺎط ﻣ ﺼﺮ ﺑ ﺎﻟﻤﻔﻬﻮم اﻟﻘﺮﺁﻧ ﻲ ﻟﻺﺳ ﻼم واﻹﻳﻤ ﺎن )اﻟﻈ ﺎهﺮي( ﻣﺆﻣﻨ ﻮن ﻣ ﺴﻠﻤﻮن،‬ ‫أي ﻣﺄﻣﻮﻧﻮن ﻣﺴﺎﻟﻤﻮن، واﻟﺬي ﻳﻘﺘﻞ واﺣﺪا ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻠﻌﻨﺔ واﻟﻐﻀﺐ اﻹﻟﻬﻲ واﻟﺨﻠﻮد ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ﻣﻊ ﻋ ﺬاب‬ ‫ً‬ ‫ﻋﻈﻴﻢ، وﺗﺰداد ﺟﺮﻳﻤﺘﻪ ﺣﻴﻦ ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﺑ ﺬﻟﻚ ﻳﻘ ﻮم ﺑﺠﻬ ﺎد ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ.. وﻳ ﺸﺎرآﻪ ﻓ ﻲ ﺟﺮﻳﻤﺘ ﻪ أوﻟﺌ ﻚ اﻟ ﺬﻳﻦ‬ ‫ﻳﻐﺮرون ﺑﻪ أو ﻳﺘﻘﺎﻋﺴﻮن ﻋﻦ ﺗﻄﻬﻴﺮ اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻤﻔﺘ ﺮاة واﻟﻔﺘ ﺎوى اﻟ ﺴﺎﻣﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﺠﻌ ﻞ‬ ‫دﻳﻦ اﻹﺳﻼم واﻟﺴﻼم ﻣﺘﻬﻤﺎ ﺑﺎﻹرهﺎب واﻟﺘﻄﺮف..‬ ‫ً‬ ‫ﺛﺎﻧﻴﺎ: اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻟﻸﻗﺒﺎط ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ‬ ‫ً‬ ‫اﻷﻋﺮاب اﻟﺬﻳﻦ هﻢ أﺷ ﺪ اﻟﻨ ﺎس آﻔ ﺮا وﻧﻔﺎﻗ ﺎ ﻣ ﺎ ﻟﺒ ﺚ أن أﻋﻠﻨ ﻮا اﻟ ﺮدة ﺑﻌ ﺪ وﻓ ﺎة اﻟﺮﺳ ﻮل ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﻼم وه ﺎﺟﻢ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﻘﺎﻣﺖ ﺣﺮوب اﻟﺮدة ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ أﺑ ﻰ ﺑﻜ ﺮ، وﺑﻌ ﺪ إﺧﻤﺎده ﺎ رأى أﺑ ﻮ ﺑﻜ ﺮ أن ﻳ ﺸﻐﻞ اﻷﻋ ﺮاب‬ ‫وأن ﻳﻤﺘﺺ ﻃﺎﻗﺘﻬﻢ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت ﺧﺎرج اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻓﺄﺻﺒﺢ اﻟﻤﺮﺗﺪون اﻟﺴﺎﺑﻘﻮن ﻋﻤﺎد اﻟﺠ ﻴﺶ‬ ‫اﻟﻔﺎﺗﺢ اﻟﺬي ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ واﻟﺬي ﻗﻬﺮ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ، وأﺻﺒﺤﺖ ﻣ ﺴﺘﻌﻤﺮات‬ ‫اﻟﺪوﻟﺘﻴﻦ اﻟﻌﻈﻤﻴﻴﻦ ﺿﻤﻦ وﻻﻳﺎت اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﺎهﻀﺔ، وآﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﺿ ﻤﻦ ه ﺬﻩ اﻟﻮﻻﻳ ﺎت، وﻗ ﺪ‬ ‫دﺧﻞ ﺷﻌﺒﻬﺎ ﺗﺤ ﺖ وﻻﻳ ﺔ اﻟﻌ ﺮب اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ أو ﻓ ﻲ ذﻣ ﺘﻬﻢ ورﻋ ﺎﻳﺘﻬﻢ ﺑﺘﻌﺒﻴ ﺮات اﻟﻘ ﺮون اﻟﻮﺳ ﻄﻰ. وﻗ ﺪ ﻗﺎﺳ ﻰ‬ ‫اﻷﻗﺒ ﺎط ﻣ ﻦ ﻇﻠ ﻢ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻷﻣﻮﻳ ﺔ اﻟﻤ ﺸﻬﻮرة ﺑﻘ ﺴﻮﺗﻬﺎ وﺗﻌ ﺼﺒﻬﺎ ﻟﻠﻌ ﺮب ﺿ ﺪ اﻟ ﺸﻌﻮب اﻷﺧ ﺮى ﻣﺜ ﻞ ﻣ ﻮاﻟﻰ‬ ‫اﻟﻌﺮاق وإﻳﺮان وأﻗﺒﺎط ﻣﺼﺮ. إﻻ أن اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻤﺆﺳﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺰف ﻋﻦ ﺑﺤﺜﻬ ﺎ اﻟﻜﺜﻴ ﺮون إن اﺿ ﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒ ﺎط‬ ‫ﺑ ﺪأ ﻓ ﻲ ﻋ ﺼﺮ اﻟﺨﻠﻔ ﺎء اﻟﺮاﺷ ﺪﻳﻦ وأﺛﻨ ﺎء وﻻﻳ ﺔ ﻋﻤ ﺮو ﺑ ﻦ اﻟﻌ ﺎص ﻓ ﺎﺗﺢ ﻣ ﺼﺮ واﻟ ﺬي ﻳ ﺸﻬﺪ اﻟﻜﺜﻴ ﺮون ﻣ ﻦ‬ ‫اﻷﻗﺒﺎط وﻣﺆرﺧﻴﻬﻢ ﺑﺈﻧ ﺼﺎﻓﻪ وﺣﺒ ﻪ ﻟﻸﻗﺒ ﺎط.. وﻳﻤﻜ ﻦ أن ﻧﺮآ ﺰ ﻣﻼﻣ ﺢ اﺿ ﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒ ﺎط ﻓ ﻲ ﺗﻠ ﻚ اﻟﻔﺘ ﺮة ﻓ ﻲ‬ ‫ﺟﺎﻧﺒﻴﻦ أﺳﺎﺳﻴﻴﻦ هﻤﺎ ﻓﺮض اﻟﺠﺰﻳﺔ وﻣﺼﻄﻠﺢ أهﻞ اﻟﺬﻣﺔ..‬ ‫ﻓﺮض اﻟﺠﺰﻳﺔ:‬ ‫اﻵﻳ ﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴ ﺔ اﻟﻮﺣﻴ ﺪة اﻟﺘ ﻲ ﺗﺤ ﺪﺛﺖ ﻋ ﻦ اﻟﺠﺰﻳ ﺔ ﺗﻘ ﻮل ﴿ﻗ ﺎﺗُﻮا اﻟ ِﻳﻦ ﻻ ﻳﺆﻣﻨ ﻮن ِﺎﻟﻠ ﻪ وﻻ ﺑ ﺎﻟﻴﻮم اﻻﺧ ﺮ وﻻ‬ ‫َ ِﻠ ْ ّ ﺬ َ َ ُ ْ ِ ُ َ ﺑ ّ ِ َ َ ِ ْ َ ْ ِ َ ِ ِ َ َ‬ ‫ﻳﺤﺮ ُﻮن َﺎ ﺣﺮم اﻟﻠﻪ ور ُﻮﻟﻪ وﻻ ﻳ ِﻳ ُﻮن ِﻳﻦ اﻟﺤﻖ ﻣﻦ اﻟ ِﻳﻦ ُو ُﻮا اﻟﻜ َﺎب ﺣﺘﻰ ﻳﻌ ُﻮا اﻟﺠﺰﻳﺔ َﻦ ﻳﺪ وه ﻢ‬ ‫ُ َ ّﻣ َ ﻣ َ ّ َ ّ ُ َ َﺳ ُ ُ َ َ َﺪ ﻨ َ د َ ْ َ ّ ِ َ ّﺬ َ أ ﺗ ْ ْ ِﺘ َ َ ّ َ ُ ْﻄ ْ ْ ِ ْ َ َ ﻋ َ ٍ َ ُ ْ‬ ‫َﺎﻏ ُو َ﴾ )اﻟﺘﻮﺑ ﺔ ٩٢(. وﺗ ﺸﺮﻳﻌﺎت اﻟﻘ ﺮﺁن ﻟﻬ ﺎ درﺟ ﺎت ﺛ ﻼث، أواﻣ ﺮ ﺗ ﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﺗﺤﻜﻤﻬ ﺎ ﻗﻮاﻋ ﺪ ﺗ ﺸﺮﻳﻌﻴﺔ‬ ‫ﺻ ِﺮ ن‬ ‫ﺗﻬﺪف إﻟﻰ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺗﺸﺮﻳﻌﻴﺔ، ﻓﺎﻷواﻣﺮ اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﻣﺜ ﻞ )ﻗ ﺎﺗﻠﻮا( أو )اﻧﻔ ﺮوا( ﺗﺤﻜﻤﻬ ﺎ اﻟﻘﻮاﻋ ﺪ اﻟﺘ ﺸﺮﻳﻌﻴﺔ اﻟﺘ ﻲ‬ ‫ﺗﺠﻌﻞ أواﻣﺮ اﻟﻘﺘﺎل ﻻ ﺗﻜﻮن إﻻ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ ورد اﻻﻋﺘﺪاء ﺑﻤﺜﻠﻪ دون زﻳﺎدة أو ﻧﻘﺼﺎن )اﻟﺒﻘ ﺮة‬ ‫٠٩١، ٤٩١(. ﺛﻢ ﻳﻜﻮن اﻟﻬﺪف اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻟﻠﻘﺘﺎل ﻓﻲ اﻹﺳﻼم أو ﻓﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ ه ﻮ ﻣﻨ ﻊ اﻟﻔﺘﻨ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ، واﻟﻔﺘﻨ ﺔ‬ ‫هﻲ اﻻﺿﻄﻬﺎد اﻟﺪﻳﻨﻲ أو إآﺮاﻩ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻋﻘﺎﺋ ﺪهﻢ، ﻓﺎﻟﻤﻘ ﺼﺪ اﻟﺘ ﺸﺮﻳﻌﻲ ﻣ ﻦ اﻟﻘﺘ ﺎل ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ أن‬ ‫ﺗﺨﺘﻔﻲ اﻟﻔﺘﻨﺔ واﻹآﺮاﻩ وأن ﻳﻜ ﻮن اﻟﻨ ﺎس أﺣ ﺮارا ﻓ ﻲ اﻋﺘﻨ ﺎق ﻣ ﺎ ﻳﺮﻳ ﺪون ﺣ ﺴﺒﻤﺎ ﺷ ﺎء اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﺣ ﻴﻦ ﺧﻠﻔﻬ ﻢ‬ ‫ً‬ ‫أﺣﺮارً، وﺟﻌ ﻞ ﻣ ﺮﺟﻌﻬﻢ إﻟ ﻴﻬﻢ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ ﻟﻴﺤﺎﺳ ﺒﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺎ اﺧﺘ ﺎروﻩ ﺑﻤﺤ ﺾ إرادﺗﻬ ﻢ وذﻟ ﻚ ﻣﻌﻨ ﻰ ﻗﻮﻟ ﻪ‬ ‫ا‬ ‫ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﺑﻘﺘﺎل اﻟﻤﺸﺮآﻴﻦ اﻟﻌﺮب اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻀﻄﻬﺪون ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻬﻢ ﻓﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﴿وﻗ ﺎﺗُﻮهﻢ ﺣﺘ ﻰ ﻻ ﺗﻜ ﻮن ﻓﺘﻨ ﺔ‬ ‫َ َ ِﻠ ُ ْ َ ّ َ َ َ ُ َ ِ ْ َ ٌ‬ ‫وﻳ ُﻮن اﻟ ّﻳﻦ ﻟﻠﻪ ﻓﺈن اﻧﺘﻬ ﻮا ﻓ ﻼ ﻋ ﺪ َان إﻻ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻈ ﺎﻟ ِﻴ َ﴾ )اﻟﺒﻘ ﺮة ٣٩١(. واﻗ ﺮأ أﻳ ﻀﺎ ﺁﻳ ﺔ ٩٣ ﻓ ﻲ ﺳ ﻮرة‬ ‫ً‬ ‫ّ ِﻤ ﻦ‬ ‫َ َﻜ َ ﺪ ُ ّ ِ َ ِ ِ ْ َ َ ْ َ َ ُ ْ و َ ِ ّ َ َ‬ ‫اﻷﻧﻔﺎل.‬ ‫إذن ﻻﺑ ﺪ أن ﻧﻔﻬ ﻢ ﺗ ﺸﺮﻳﻌﺎت اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ ﻓ ﻲ اﻷواﻣ ﺮ واﻟﻘﻮاﻋ ﺪ واﻟﻤﻘﺎﺻ ﺪ ﺣﺘ ﻰ ﻧﻌ ﺮف أن اﻟﻤﻘ ﺼﻮدﻳﻦ‬ ‫ﺑﺎﻟﻘﺘﺎل ﻓ ﻲ ﺁﻳ ﺔ ﴿ﻗ ﺎﺗُﻮا اﻟ ِﻳﻦ ﻻ ﻳﺆﻣﻨ ﻮن ِﺎﻟﻠ ﻪ وﻻ ﺑ ﺎﻟﻴﻮم اﻻﺧ ِ﴾ ه ﻢ أوﻟﺌ ﻚ اﻟﻤﻌﺘ ﺪون ﻣ ﻦ أه ﻞ اﻟﻜﺘ ﺎب و ﻻ‬ ‫َ ِﻠ ْ ّ ﺬ َ َ ُ ْ ِ ُ َ ﺑ ّ ِ َ َ ِ ْ َ ْ ِ َ ِ ﺮ‬ ‫ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻰ ﻏﻴﺮهﻢ ﻣﻦ اﻟﻤ ﺴﺎﻟﻤﻴﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻟ ﻢ ﻳﻌﺘ ﺪوا ﻋﻠ ﻰ دوﻟ ﺔ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ، ﻷﻧ ﻪ ﻻ ﻣﺠ ﺎل ﻓ ﻲ اﻹﺳ ﻼم‬ ‫ﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻰ أﺣﺪ وإﻧﻤﺎ ﻟﺮد اﻻﻋﺘﺪاء ﺑﻤﺜﻠﻪ ﻓﻘﻂ..‬
‫٩‬

‫واﻵﻳﺔ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ دوﻟﺔ أو ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻋ ﺪواﻧﻲ اﻧﻌ ﺪم ﻓﻴ ﻪ اﻹﻳﻤ ﺎن ﺑﻤﻌﻨ ﻰ اﻷﻣ ﻦ وﺑﻤﻌﻨ ﻰ اﻻﻋﺘﻘ ﺎد اﻟ ﺴﻠﻴﻢ، وه ﻮ‬ ‫ﻳﺘﺠﺎوز ﺣﺪودﻩ إﻟﻰ ﺣﺪود اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻴﻌﺘﺪي ﻋﻠﻴﻬﻢ وﺣﻴﻨﺌﺬ ﻓﻼﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺘ ﺎل ﻟ ﺮد اﻻﻋﺘ ﺪاء ﺑﻤﺜﻠ ﻪ، وﺑﻌ ﺪ ﺗﺤﻘﻴ ﻖ‬ ‫اﻟﻨﺼﺮ وﻃﺮدﻩ إﻟﻰ دﻳﺎرﻩ ﻳﺠﺐ إرﻏﺎﻣﻪ ﻋﻠﻰ دﻓﻊ اﻟﺠﺰﻳﺔ- وﻟﻴﺲ ﻋﻠ ﻰ دﺧ ﻮل اﻹﺳ ﻼم- وه ﻰ ﻏﺮاﻣ ﺔ ﺣﺮﺑﻴ ﺔ‬ ‫آﺎﻟﺸﺄن ﻓﻲ ﻋﻘﻮﺑﺔ اﻟﻤﻌﺘﺪى، واﻟﺬي ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺒﺸﺮى ﺣﺘﻰ اﻵن ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎهﺪات اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻘﺪهﺎ اﻟﻤﻨﺘ ﺼﺮ‬ ‫ﻣﻊ اﻟﻤﻬﺰوم ﺧﺼﻮﺻﺎ إذا آﺎن ﻣﻌﺘﺪﻳﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻊ أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺘﻴﻦ وﻣﺎ ﺣ ﺪث ﻣ ﻊ اﻟﻌ ﺮاق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﺑﻌﺪ ﻏﺰو اﻟﻜﻮﻳﺖ.‬ ‫وإذا ﻃﺒﻘﻨﺎ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻓﺮض اﻟﺠﺰﻳﺔ وﺟﺪﻧﺎهﺎ ﺗﻨﻄﺒ ﻖ ﻋﻠ ﻰ اﻟ ﺮوم اﻟﺒﻴ ﺰﻧﻄﻴﻴﻦ، وﻗ ﺪ ذآ ﺮ‬ ‫اﻟﺘﺎرﻳﺦ أﻧﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺪءوا اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﺒﻲ )ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻼم( وﺣﺮﺿ ﻮا‬ ‫ﺿﺪهﺎ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﺼﺮاﻧﻴﺔ ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ ﻏﺰوات ﻣﺆﺗﺔ وﺗﺒ ﻮك... واﻟﺘ ﺎرﻳﺦ ﻳ ﺬآﺮ أن اﻟﺒﻴ ﺰﻧﻄﻴﻴﻦ آ ﺎﻧﻮا‬ ‫ﻳﺪﻓﻌﻮن اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻟﻠﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻌ ﺪ اﻟﻬﺰﻳﻤ ﺔ، وأﻧ ﻪ آ ﺎن ﻳﺤ ﺪث اﻟﻌﻜ ﺲ ﻓﻴ ﺪﻓﻊ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن اﻟﺠﺰﻳ ﺔ ﻟﻠﺒﻴ ﺰﻧﻄﻴﻴﻦ آﻤ ﺎ‬ ‫ﺣﺪث ﻣﻊ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺣﻴﻦ دﻓﻊ ﻟﻬﻢ ﺟﺰﻳﺔ ﻗﺪرهﺎ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ﺳﻨﻮﻳﺎ أﺛﻨﺎء اﻧﺸﻐﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﺤﺮب ﻣ ﻊ )ﻋﻠ ﻰ(.. وآ ﺎن‬ ‫ً‬ ‫اﻟ ﺮوم اﻟﺒﻴ ﺰﻧﻄﻴﻴﻦ ﻳ ﺪﻓﻌﻮن اﻟﺠﺰﻳ ﺔ ﻟﻠﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻲ اﻷول، ﻓﺄﺻ ﺒﺢ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺼﺮ‬ ‫اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﺪﻓﻌﻮن اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻟﻠﺒﻴﺰﻧﻄﻴﻴﻦ.. وهﻜﺬا ﺗﺒﺎدل اﻟﻔﺮﻳﻘﺎن اﻟﻤﻮاﻗﻊ آﻞ ﺣﺴﺐ ﻗﻮﺗﻪ.‬ ‫وآﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ أن ﻳﺪﻓﻊ اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﻮن اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻟﻌﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﺑﻌﺪ أن هﺰﻣﻬﻢ وأﺟﻼهﻢ ﻋﻦ ﻣﺼﺮ.. وﻟﻜﻦ‬ ‫ﺣ ﺪث اﻟﻌﻜ ﺲ. إذ دﻓﻌﻬ ﺎ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻮن اﻟ ﺬﻳﻦ ﺗﺤ ﺎﻟﻔﻮا ﻣ ﻊ ﻋﻤ ﺮو ﺿ ﺪ اﻟﺒﻴ ﺰﻧﻄﻴﻴﻦ. وﻟ ﺬﻟﻚ ﻗ ﺼﺔ ﻧﻌﺮﻓﻬ ﺎ ﻣ ﻦ‬ ‫اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي ﻓﻲ آﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﺸﻬﻮر "اﻟﺨﻄﻂ".‬ ‫ﻓﺎﻟﻤﻘﺮﻳﺰي ﻳﺸﻴﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻄﻮر إﻟﻰ ﻣ ﺴﺎﻋﺪة اﻷﻗﺒ ﺎط اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ ﻟﻠﻌ ﺮب اﻟﻔ ﺎﺗﺤﻴﻦ ﺿ ﺪ اﻟ ﺮوم. وﻣﻨ ﺬ أن دﺧ ﻞ‬ ‫ﻋﻤ ﺮو ﺑﺠﻴ ﺸﻪ إﻟ ﻰ ﺳ ﻴﻨﺎء ﻣﺘﻮﺟﻬ ﺎ إﻟ ﻰ ﻣ ﺼﺮ أرﺳ ﻞ أﺳ ﻘﻒ اﻷﻗﺒ ﺎط ﻓ ﻲ اﻹﺳ ﻜﻨﺪرﻳﺔ أﻣ ﺮا إﻟ ﻰ اﻷﻗﺒ ﺎط ﺑ ﺄن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﻳﻌﺎوﻧﻮا اﻟﻌﺮب وﻳﺘﻨﺒﺄ ﺑﺰوال دوﻟﺔ اﻟﺮوم، واﺳ ﺘﺠﺎب اﻷﻗﺒ ﺎط ﻟﺘﻠ ﻚ اﻷواﻣ ﺮ. وﺣ ﻴﻦ ﻧ ﺰل ﻋﻤ ﺮو ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﻮار‬ ‫ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻔﺮﻣﺎ آﺎن اﻷﻗﺒﺎط أﻋﻮاﻧﺎ ﻟﻪ ﻳﻤﺪوﻧﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻟﻤﺆن. واﻷﻗﺒ ﺎط ه ﻢ اﻟ ﺬﻳﻦ ﺳ ﺎﻋﺪوا ﻋﻤ ﺮو ﻓ ﻲ ﻓ ﺘﺢ‬ ‫ً‬ ‫اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺑﻌﺪ ﺣﺼﺎرهﺎ اﻟﺸﺪﻳﺪ. وﻇﻠﻮا ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻳﻤﺪون اﻟﻌ ﺮب ﺑﺎﻷﻃﻌﻤ ﺔ واﻟﻤ ﺆن وﻳﺠﻤﻌ ﻮن ﻟﻬ ﻢ اﻷﺧﺒ ﺎر،‬ ‫واﻷﻗﺒ ﺎط ه ﻢ اﻟ ﺬﻳﻦ اﺳ ﺘﻤﺎﻟﻮا اﻟﻘ ﺎﺋﻢ ﻋﻠ ﻰ ﺣﺮاﺳ ﺔ أﺑ ﻮاب اﻹﺳ ﻜﻨﺪرﻳﺔ- وآ ﺎن ﻗﺒﻄﻴ ﺎ- ﻓﻔ ﺘﺢ أﺑﻮاﺑﻬ ﺎ ﻟﻠﻌ ﺮب‬ ‫ً‬ ‫ﻓﺎﻗﺘﺤﻤﻮهﺎ، واﻟﻤﻨﺘﻈﺮ ﺑﻌﺪ هﺬا أن ﻳﺤﻔﻆ ﻋﻤﺮو اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻟﻸﻗﺒﺎط اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎﻋﺪوا ﺟﻴﺸﻪ اﻟ ﻀﺌﻴﻞ ﻋﻠ ﻰ ﻓ ﺘﺢ ﺑﻠ ﺪهﻢ‬ ‫آﺮاهﻴﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺮوم اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﻴﻦ.‬ ‫وﻟﻜﻦ اﻟﺬي ﺣﺪث أن اﻟﻤﻘﻮﻗﺲ- اﻟﻮاﻟﻲ اﻟﺮوﻣﻲ- هﻮ اﻟﺬي أﻗﻨﻊ ﻋﻤﺮو ﺑﺄن ﻳﺪﻓﻊ اﻷﻗﺒﺎط اﻟﺠﺰﻳﺔ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﺮوم‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻤﻬﺰوﻣﻴﻦ . وﻗﺪ آﺎن اﻷﻗﺒ ﺎط ﻳ ﺪﻓﻌﻮن اﻟﺠﺰﻳ ﺔ ﻟﻠ ﺮوم ﺣ ﺴﺐ اﻟﻤﻌﺘ ﺎد ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺼﻮر اﻟﻮﺳ ﻄﻰ ، ﻓ ﺘﻌﻠﻢ اﻟﻌ ﺮب‬ ‫اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن ﻣ ﻨﻬﻢ ه ﺬا اﻟﻘ ﺎﻧﻮن اﻟﺠ ﺎﺋﺮ وﻃﺒﻘ ﻮﻩ ﻋﻠ ﻰ اﻷﻗﺒ ﺎط اﻟ ﺬﻳﻦ ﺳ ﺎﻋﺪوهﻢ ﻋﻠ ﻰ اﺣ ﺘﻼل ﺑﻼده ﻢ !! ﻓﺒﻌ ﺪ‬ ‫ﺣﺼﺎر ﺑﺎﺑﻠﻴﻮن اﻟﺬي اﺳﺘﻤﺮ ﺳﺒﻌﺔ أﺷﻬﺮ اﻗﺘﺤﻢ اﻟﻌﺮب أﺑ ﻮاب اﻟﺤ ﺼﻦ ﻓﺎﺿ ﻄﺮ اﻟﻤﻘ ﻮﻗﺲ ﻟﻠﺘﻔ ﺎوض ﻋﻠ ﻰ أن‬ ‫ﻳﺪﻓﻊ اﻷﻗﺒﺎط اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻟﻠﻌﺮب دﻳﻨﺎرﻳﻦ ﻋﻦ آ ﻞ رﺟ ﻞ. ﻷن اﻟ ﺮوم ﻟ ﻦ ﻳﻘﺒﻠ ﻮا دﻓ ﻊ اﻟﺠﺰﻳ ﺔ وﻟ ﻦ ﻳﻘﺒ ﻞ اﻟﻌ ﺮب إﻻ‬ ‫ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺔ أو اﻹﺳﻼم أو اﻟﺤﺮب وهﻜﺬا ﻧﺠ ﺎ اﻟﻤﻘ ﻮﻗﺲ ﻣ ﻦ ﻏﺮاﻣ ﺔ اﻟﺠﺰﻳ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﻳ ﺮﻓﺾ اﻟ ﺮوم دﻓﻌﻬ ﺎ، ودﻓﻌﻬ ﺎ‬ ‫اﻷﻗﺒﺎط اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎﻋﺪوا ﻋﻤﺮو ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻮح، ﺑﻞ أﻧﻪ ﻓ ﺮض ﻋﻠ ﻴﻬﻢ إﻟ ﻰ ﺟﺎﻧ ﺐ اﻟﺠﺰﻳ ﺔ اﻟﻘﻴ ﺎم ﺑ ﻀﻴﺎﻓﺔ اﻟﻌ ﺮب ﻓ ﻲ‬ ‫ﻗﺮاهﻢ ﺛﻼث أﻳﺎم.‬ ‫وﺑﻠﻎ ﻋﺪد اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ دﻓﻌﻮا اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﺳﺘﺔ ﻣﻼﻳ ﻴﻦ.. وﺷ ﺮهﺖ ﻧﻔ ﺲ ﻋﻤ ﺮو ﻟﻬ ﺬﻩ اﻟﻤﻼﻳ ﻴﻦ وﺑﻌ ﺪ أن‬ ‫رﺿﻲ ﺑﺪﻓﻊ اﻟﻤﺼﺮي دﻳﻨﺎرﻳﻦ ﻃﻠﺐ أآﺜﺮ، واﻟﻤﻘﺮﻳﺰي ﻳﺬآﺮ أن واﻟﻰ )إﺧﻨﺎ( ﺳ ﺄل ﻋﻤ ﺮا ﻋ ﻦ ﻣﻘ ﺪار اﻟﺠﺰﻳ ﺔ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻮاﺟﺒﺔ ﻋﻠﻰ أهﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ )إﺧﻨﺎ( ﻓﻘﺎل ﻟﻪ ﻋﻤﺮو ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ رآﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ "ﻟ ﻮ أﻋﻄﻴﺘﻨ ﻲ ﻣ ﻦ اﻟ ﺮآﻦ إﻟ ﻰ اﻟ ﺴﻘﻒ‬ ‫ﻣﺎ أﺧﺒﺮﺗﻚ، إﻧﻤﺎ أﻧﺘﻢ ﺧﺰاﻧﺔ ﻟﻨﺎ إن آﺜﺮ ﻋﻠﻴﻨﺎ آﺜﺮﻧﺎ ﻋﻠﻴﻜﻢ وإن ﺧﻔﻒ ﻋﻨ ﺎ ﺧﻔﻔﻨ ﺎ ﻋ ﻨﻜﻢ". وآ ﺎن ذﻟ ﻚ ﺳ ﺒﺒﺎ ﻓ ﻲ‬ ‫ً‬ ‫ﺧﺮوج ذﻟ ﻚ اﻟﺮﺟ ﻞ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻄﺎﻋ ﺔ، ﻓﻘ ﺪ ه ﺮب إﻟ ﻰ اﻟ ﺮوم وﻋ ﺎد ﺑﺠ ﻴﺶ ﺑﻴﺰﻧﻄ ﻲ اﺳ ﺘﻌﺎد اﻹﺳ ﻜﻨﺪرﻳﺔ، وأﻋ ﺎد‬
‫٠١‬

‫ﻋﻤﺮو ﻓﺘﺢ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ وﺗﺨﻠﻴﺼﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮوم ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ. وﻋﻤ ﺮو ﺑ ﻦ اﻟﻌ ﺎص آ ﺎن راﺋ ﺪا ﻟﻠﺪوﻟ ﺔ اﻷﻣﻮﻳ ﺔ‬ ‫ً‬ ‫ﻓﻲ ﺷﺮاهﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻤ ﻊ اﻟﺠﺰﻳ ﺔ ﻣ ﻦ اﻷﻗﺒ ﺎط وﻏﻴ ﺮهﻢ، وﺣﺘ ﻰ ﻣ ﻦ أﺳ ﻠﻢ ﻣ ﻦ اﻷﻗﺒ ﺎط آ ﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﻌﻔﻮﻧ ﻪ ﻣ ﻦ دﻓ ﻊ‬ ‫اﻟﺠﺰﻳﺔ، واﻻﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻲ أﻣﻴ ﺔ آ ﺎن اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ﻋﻤ ﺮ ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ اﻟﻌﺰﻳ ﺰ ﻓ ﻲ ﺣﻜﻤ ﻪ اﻟﻘ ﺼﻴﺮ ، ﻓﻘ ﺪ‬ ‫رﻓﻊ اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻋﻤﻦ أﺳﻠﻢ ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻪ واﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﺣﻴﺎن ﺑﻦ ﺷﺮﻳﺢ ﻳﺨﺒﺮﻩ ﺑﺘﻨﺎﻗﺺ اﻟﺠﺰﻳﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻘﺮار، ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴ ﻪ‬ ‫ﻋﻤﺮ اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻳﺆﻧﺒﻪ وﻳﻘﻮل ﻟﻪ: ﺿﻊ اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻋﻤﻦ أﺳﻠﻢ ﻗﺒﺢ اﷲ رأﻳ ﻚ ﻓ ﺈن اﷲ إﻧﻤ ﺎ ﺑﻌ ﺚ ﻣﺤﻤ ﺪا هﺎدﻳ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وﻟﻢ ﻳﺒﻌﺜﻪ ﺟﺎﺑﻴﺎ..!!‬ ‫ً‬ ‫وﻇﻠﺖ اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻧﻘﻄﺔ ﺳﻮداء ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻮﻻة اﻷﻣﻮﻳﻴﻦ واﻟﻌﺒﺎﺳﻴﻴﻦ ﻳﺪﻓﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻘ ﻰ ﻋﻠ ﻰ دﻳﻨ ﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ‬ ‫إﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻲ ﺳﻨﺔ ١٢٩/٧١٥١، وﺟﺎء اﻟﻔﺘﺢ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﻓﻔ ﺮض ﺟﺰﻳ ﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﻣ ﺴﻠﻤﻴﻦ وﻣ ﺴﻴﺤﻴﻴﻦ، وﻇﻠ ﺖ اﻟﺨﺰاﻧ ﺔ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﺔ ﺗ ﺪﻓﻌﻬﺎ ﻟﺘﺮآﻴ ﺎ ﺑ ﺼﻮرة ﻋﺎدﻳ ﺔ ﺣﺘ ﻰ ﺗﻨﺒ ﻪ ﻟﻬ ﺎ ﻋﺒ ﺪ اﻟﻨﺎﺻ ﺮ‬ ‫وأﻟﻐﺎهﺎ..!!‬ ‫وﻧﻌﻮد إﻟﻰ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص وﻣﺎ آﺘﺒﻪ اﻟﻤﻘﺮﻳ ﺰي ﻓ ﻲ اﻟﺨﻄ ﻂ ﻋ ﻦ ﻓ ﺘﺢ ﻣ ﺼﺮ.. ﻳﻘ ﻮل أن ﻋﻤ ﺮا أﻋﻠ ﻦ ﻷه ﻞ‬ ‫ً‬ ‫ﻣﺼﺮ: أن ﻣﻦ آﺘﻤﻨﻲ آﻨﺰا ﻋﻨﺪﻩ ﻓﻘﺪرت ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺘﻠﺘﻪ!! وﻗﻴﻞ ﻟﻪ أن ﻗﺒﻄﻴﺎ ﻣ ﻦ اﻟ ﺼﻌﻴﺪ اﺳ ﻤﻪ ﺑﻄ ﺮس ﻟﺪﻳ ﻪ آﻨ ﺰ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﻓﺮﻋﻮﻧﻲ ﻓﺤﺒﺴﻪ ﻋﻤﺮو واﺳﺘﺠﻮﺑﻪ ﻓﺄﺻﺮ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﻜﺎر، وﻋﻠﻢ ﻋﻤﺮو ﺑﺬآﺎﺋﻪ ﻣﻜﺎن اﻟﻜﻨﺰ ﻓﺎﺳ ﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻴ ﻪ وﻗﺘ ﻞ‬ ‫اﻟﻤﺼﺮي وﻋﻠﻖ رأﺳﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻓﺎرﺗﻌﺐ اﻷﻗﺒﺎط وﻣﻦ آﺎن ﻋﻨ ﺪﻩ آﻨ ﺰ أﺳ ﺮع ﺑﺘ ﺴﻠﻴﻤﻪ إﻟ ﻰ ﻋﻤ ﺮو..‬ ‫وﻳﺬآﺮ اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي أن ﻋﻤ ﺮا اﻋﺘﻘ ﻞ ﻗﺒﻄﻴ ﺎ ﺁﺧ ﺮ اﺗﻬﻤ ﻪ ﺑﻤﻤ ﺎﻷة اﻟ ﺮوم واﺳ ﺘﺠﻮﺑﻪ وﺣ ﺼﻞ ﻣﻨ ﻪ ﻋﻠ ﻰ أآﺜ ﺮ ﻣ ﻦ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﺧﻤ ﺴﻴﻦ إردﺑ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟ ﺬهﺐ..!! وﻣ ﻦ ﻣﺠﻤ ﻮع ه ﺬﻩ اﻟﻤ ﺼﺎدرات ﺗ ﻀﺨﻤﺖ ﺛ ﺮوة ﻋﻤ ﺮو اﻟﺸﺨ ﺼﻴﺔ وﺣ ﻴﻦ‬ ‫ﺣﻀﺮﺗﻪ اﻟﻮﻓﺎة اﺳﺘﺤﻀﺮ أﻣﻮاﻟﻪ ﻓﻜﺎﻧﺖ )٠٤١( أردﺑﺎ ﻣ ﻦ اﻟ ﺬهﺐ، وﻗ ﺎل ﻟﻮﻟﺪﻳ ﻪ: ﻣ ﻦ ﻳﺄﺧ ﺬ ه ﺬا اﻟﻤ ﺎل؟ ﻓ ﺄﺑﻰ‬ ‫ً‬ ‫وﻟﺪاﻩ أﺧﺬﻩ وﻗﺎﻻ ﻟﻪ: ﺣﺘﻰ ﺗﺮد إﻟﻰ آﻞ ذي ﺣﻖ ﺣﻘﻪ.. وﻣ ﺎت ﻋﻤ ﺮو واﺳ ﺘﻮﻟﻰ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ﻣﻌﺎوﻳ ﺔ ﻋﻠ ﻰ آ ﻞ ﺗﻠ ﻚ‬ ‫اﻓﻴﻪ.ل اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻔﻬﺎ ﻋﻤﺮو ﻓﻲ ﻣﻴﺮاﺛﻪ وﻗﺎل: ﻧﺤﻦ ﻧﺄﺧﺬﻩ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ .. أي ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ وﺳﺤﺖ..!!‬ ‫وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓ ﺈن ﻋﻤ ﺮو ﺑ ﻦ اﻟﻌ ﺎص ه ﻮ أﻓ ﻀﻞ ﻣ ﻦ ﺣﻜ ﻢ ﻣ ﺼﺮ وأآﺜ ﺮهﻢ رﻓﻘ ﺎ ﺑﺎﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎرﻧ ﺔ ﺑﻐﻴ ﺮﻩ..‬ ‫ً‬ ‫واﻟﺜﺎﺑﺖ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺴﺮﻓﺎ ﻓﻲ ﺳﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء آﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻏﻴ ﺮﻩ ﻣ ﻦ اﻟ ﻮﻻة آﻤ ﺎ أﻧ ﻪ آ ﺎن ﺣ ﺴﻦ اﻟ ﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓ ﻲ ﺟﺒﺎﻳ ﺔ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺨﺮاج واﻟﺠﺰﻳﺔ، ﻓﻠﻢ ﻳﺮهﻖ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ، وآﺎن ﻳﺠﻤﻊ اﻟﺠﺰﻳﺔ ٢١ ﻣﻠﻴﻮن دﻳﻨﺎر، ﻓﺄﺻ ﺒﺢ اﻟ ﻮاﻟﻲ ﺑﻌ ﺪﻩ ﻋﺒ ﺪ اﷲ‬ ‫ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﺮح ﻳﺠﻤﻌﻬﺎ ٤١ ﻣﻠﻴﻮن دﻳﻨﺎر. وأدى ﺗﻄﺮف اﻟﻮﻻة اﻷﻣﻮﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﺟﻤﻊ اﻷﻣﻮال ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ إﻟ ﻰ‬ ‫اﺿ ﻄﺮار اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ ﻟﻠﻘﻴ ﺎم ﺑﺜ ﻮرات ﻣﺘﻌﺎﻗﺒ ﺔ، ﻓﺄﺧﻤ ﺪ اﻷﻣ ﻮﻳﻴﻦ ﺛ ﻮراﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳ ﺪ واﻟﻨ ﺎر.. وﺗﻄﺮﻓ ﻮا ﻓ ﻲ‬ ‫اﺿﻄﻬﺎدهﻢ واﻟﻌﺴﻒ ﺑﻬﻢ.. وﺳﻴﺄﺗﻲ ﺗﻔﺼﻴﻞ ذﻟﻚ..‬ ‫ﻣﺼﻄﻠﺢ أهﻞ اﻟﺬﻣﺔ:‬ ‫ﻟﻢ ﻳ ﺄت ﻟﻔ ﻆ اﻟﺬﻣ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن إﻻ ﻓ ﻲ ﻣﻮﺿ ﻌﻴﻦ ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ﻋ ﻦ ﻃﺒﻴﻌ ﺔ ﻣ ﺸﺮآﻲ اﻟﻌ ﺮب اﻟﺒﺪوﻳ ﺔ اﻟﻌﺪواﻧﻴ ﺔ‬ ‫وآﻴﻒ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺮاﻋﻮن ﻋﻬﺪا وﻻ ﻣﻴﺜﺎﻗﺎ وﻻ ذﻣ ﺔ إذا اﻧﺘ ﺼﺮوا ﴿آﻴ ﻒ وِن ﻳﻈﻬ ُوا ﻋﻠ ﻴﻜﻢ ﻻ ﻳﺮﻗﺒ ﻮا ﻓ ﻴﻜﻢ إﻻ‬ ‫َ ْ َ َإ َ ْ َ ﺮ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ ِ ُ ْ ِ ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وﻻ ذﻣﺔ﴾، ﴿ﻻ ﻳﺮﻗ ُﻮن ِﻲ ﻣﺆﻣﻦ إﻻ وﻻ ذﻣﺔ وأوﻟـﺌﻚ هﻢ اﻟﻤﻌﺘ ُو َ﴾ )اﻟﺘﻮﺑﺔ ٠١،٨(.‬ ‫َ َ ْ ُﺒ َ ﻓ ُ ْ ِ ٍ ِ ّ َ َ ِ ّ ً َُ ََْ ِ َ ُ ُ ْ ُ ْ َﺪ ن‬ ‫َ َ ًِّ‬ ‫وﻇﻬ ﺮ ﻣ ﺼﻄﻠﺢ أه ﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ ﺑﻌ ﺪ اﻟﻔﺘﻮﺣ ﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴ ﺔ ﺿ ﻤﻦ ﻣ ﺼﻄﻠﺢ ﺁﺧ ﺮ ه ﻮ "اﻟﻤ ﻮاﻟﻰ" ﻟﻴ ﻀﻊ ﺗﻮﺻ ﻴﻔﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﻟﻠﺸﻌﻮب اﻟﺘﻲ دﺧﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﻮزة اﻟﻌﺮب اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.. واﻟﻤﻌﻨﻰ واﺣﺪ ﻷهﻞ اﻟﺬﻣﺔ واﻟﻤﻮاﻟﻰ ﻓﻲ أﻧﻬﻢ أﺗﺒﺎع ورﻋﻴ ﺔ‬ ‫اﻟﻌﺮب اﻟﺤﺎآﻤﻴﻦ، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ هﻢ ﻣﻮاﻃﻨﻮن ﻣﻦ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أو أﻗﻞ.. واﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟﻌﻤﻠ ﻲ ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ ه ﻮ ﻣ ﺎ ﻋﺎﻧ ﺎﻩ‬ ‫اﻟﻤﻮاﻟﻰ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻌﺮاق وإﻳﺮان وﻣﺎ ﻋﺎﻧﺎﻩ أهﻞ اﻟﺬﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻗﺒﺎط ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي ﺗﺤﺖ وﻃﺄة اﻻﺿ ﻄﻬﺎد‬ ‫واﻻﺳﺘﻌﻼء..‬ ‫وﺑﻴﻨﻤﺎ دﺧﻞ ﻣﺼﻄﻠﺢ "اﻟﻤﻮاﻟﻰ" إﻟﻰ ﻣﺘﺤﻒ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻤﺘﻊ أﺑﻨ ﺎء اﻟﻔ ﺮس واﻟﻌ ﺮاق ﺑﺤﻘ ﻮﻗﻬﻢ ﻓ ﻲ اﻟﺪوﻟ ﺔ‬ ‫اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺳﻬﻤﻮا ﻓﻲ ﺗﺄﺳﻴﺴﻬﺎ، ﻓﺈن ﻣﺼﻄﻠﺢ أهﻞ اﻟﺬﻣﺔ ﺑﻘﻰ ﻣﺴﺘﻌﻤﻼ ووﺻﻤﺔ ﻋﺎر ﻋﻠﻰ آ ﻞ ﻣ ﻦ ﺗﻤ ﺴﻚ‬ ‫ً‬
‫١١‬

‫ﺑﺪﻳﻨﻪ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺸﻌﻮب ﻏﻴﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وآ ﺎن اﻟﻤ ﺴﻴﺤﻴﻮن اﻟﻌ ﺮب ﺑﻤﻨﺠ ﺎة ﻣ ﻦ ه ﺬا اﻟﻤ ﺼﻄﻠﺢ وﺁﺛ ﺎرﻩ اﻟﺠﺎﻧﺒﻴ ﺔ‬ ‫ﻷﻧﻬﻢ ﻋﺮب، أﻣﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮن ﻓﻲ اﻟﺸﺎم واﻟﻌﺮاق وﻣﺼﺮ ﻓﻘﺪ ﺣﻤﻠﻮا ذﻟﻚ اﻟﻮﺻﻒ ﻋﻠ ﻰ آ ﺎهﻠﻬﻢ، وﻗﺎﺳ ﻮا ﺗﺤﺘ ﻪ‬ ‫أوزار اﻻﺿ ﻄﻬﺎد اﻟﻌﻨ ﺼﺮي ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺼﺮ اﻷﻣ ﻮي، ﺛ ﻢ اﻻﺿ ﻄﻬﺎد اﻟ ﺪﻳﻨﻲ ﺑﻌ ﺪﻩ.. وﺗ ﻢ ﺗﻘﻨ ﻴﻦ ﺗﻠ ﻚ اﻟﻨﻈ ﺮة‬ ‫اﻻﺳ ﺘﻌﻼﺋﻴﺔ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔ ﺔ ﻟﻠﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ ﻓ ﻲ آﺘ ﺐ اﻟﻔﻘ ﻪ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻳﺨ ﺺ اﻟﺘﻌﺎﻣ ﻞ ﻣ ﻊ أه ﻞ اﻟﻤﻠ ﻞ اﻷﺧ ﺮى ﻏﻴ ﺮ‬ ‫اﻹﺳ ﻼﻣﻴﺔ، وأﺣ ﺪﺛﻮا ﻟﻬ ﺎ آﻴﺎﻧ ﺎ ﺗ ﺸﺮﻳﻌﻴﺎ ﻣ ﻦ أﺣﺎدﻳ ﺚ ﻣﻔﺘ ﺮاﻩ ﻧ ﺴﺒﻮهﺎ ﻟﻠﻨﺒ ﻲ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﻼم ﺗﺒ ﻴﺢ اﺿ ﻄﻬﺎد أه ﻞ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻜﺘﺎب واﻻﺳﺘﻌﻼء ﻋﻠﻴﻬﻢ..‬ ‫وﺗﻨﺎﺳﻰ أوﻟﺌﻚ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﺮﺁن ﻣﻊ أهﻞ اﻟﻜﺘﺎب وأﻣﺮﻩ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻤﺠﺎدﻟﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤ ﺴﻨﻰ وآﻴ ﻒ أن رب اﻟﻌ ﺰة ﺟ ﻞ‬ ‫ً‬ ‫وﻋﻼ أﺟﺮى ﺣﻮارا ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ وآﻴ ﻒ ﻗ ﺎل ﻟﻠﻨﺒ ﻲ اﻟﺨ ﺎﺗﻢ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﻼم ﴿ﻓ ِن ُﻨ ﺖ ﻓ ﻲ ﺷ ﻚ ﻣﻤ ﺂ‬ ‫َﺈ آ َ ِ َ ّ ّ ّ‬ ‫َﻧﺰﻟ َﺂ إﻟﻴﻚ َﺎﺳﺄل اﻟ ِﻳﻦ ﻳﻘﺮ ُون اﻟﻜ َﺎب ِﻦ ﻗﺒﻠ َ﴾ )ﻳﻮﻧﺲ ٤٩(. وﻣﻌﻨﺎهﺎ واﺿ ﺢ ﻳﻐﻨ ﻰ ﻋ ﻦ اﻟ ﺸﺮح.. وآﻴ ﻒ‬ ‫أ َ ْﻨ َِ ْ َ ﻓ َْ ِ ّﺬ َ َ ْ َء َ ْ ِﺘ َ ﻣ َ ِْﻚ‬ ‫وﺻ ﻒ اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻨ ﺼﺎرى ﺑﺎﻟ ﺬات ﺑ ﺄﻧﻬﻢ أﻗ ﺮب ﻣ ﻮدة ﻟﻠ ﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨ ﻮا ﻷن ﻣ ﻨﻬﻢ ﻗﺴﻴ ﺴﻴﻦ ورهﺒﺎﻧ ﺎ وأﻧﻬ ﻢ ﻻ‬ ‫ﻳ ﺴﺘﻜﺒﺮون )اﻟﻤﺎﺋ ﺪة ٢٨(. وآﻴ ﻒ أﻣ ﺮ اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ ﺑﻤﻌﺎﻣﻠ ﺔ اﻟﻤﺨ ﺎﻟﻔﻴﻦ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻘ ﺴﻂ واﻟﺒ ﺮ ﻃﺎﻟﻤ ﺎ ﻟ ﻢ‬ ‫ﻳﻌﺘﺪوا ﺑﺎﻟﻘﺘﺎل وﻟﻢ ﻳﻄﺮدوا اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ دﻳﺎرهﻢ وﻟﻢ ﻳﺘﺤﺎﻟﻔﻮا ﻣ ﻊ ﻋ ﺪوهﻢ اﻟﻤﻌﺘ ﺪى ﻋﻠ ﻴﻬﻢ )اﻟﻤﻤﺘﺤﻨ ﺔ ٨، ٩(.‬ ‫وآﻴﻒ أﻣﺮ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻤﻌﺎﻣﻠﺔ أه ﻞ اﻟﻜﺘ ﺎب ﻋﻠ ﻰ ﻧﻔ ﺲ اﻟﻤ ﺴﺘﻮى ﻣ ﻊ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓ ﻲ اﻟﻄﻌ ﺎم واﻟﻤ ﺼﺎهﺮة،‬ ‫ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ أﻣﻦ وأﻣﺎن وﺳﻠﻢ وﺳﻼم، )وﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﻣﻌﻨ ﻰ اﻹﻳﻤ ﺎن واﻹﺳ ﻼم( ﻓﻘ ﺎل‬ ‫ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﴿اﻟﻴ ﻮم أﺣ ّ ﻟﻜ ﻢ اﻟﻄﻴﺒ ﺎت وﻃﻌ ﺎم اﻟ ِﻳﻦ ُوﺗ ﻮا اﻟﻜﺘ ﺎب ﺣ ﻞ ﻟﻜ ﻢ وﻃﻌ ﺎﻣﻜﻢ ﺣ ﻞ ﻟﻬ ﻢ َاﻟﻤﺤ ﺼ َﺎت ﻣ ﻦ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ِ ﻞ َ ُ ُ ّ ّ َ ُ َ َ َ ُ ّ ﺬ َ أ ُ ْ ْ ِ َ َ ِ ّ ّ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ْ ِ ّ ّ ُ ْ و ْ ُ ْ َﻨ ُ ِ َ‬ ‫اﻟﻤﺆﻣ َﺎت َاﻟﻤﺤﺼ َﺎت ﻣﻦ اﻟ ِﻳﻦ ُو ُﻮا اﻟﻜ َﺎب ِﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ إ َﺁ ﺁﺗﻴﺘ ُﻮهﻦ أ ُﻮره ّ ﻣﺤﺼ ِﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﻣ َﺎﻓ ِﻴﻦ وﻻ‬ ‫ْ ُ ْ ِﻨ ِ و ْ ُ ْ َﻨ ُ ِ َ ّﺬ َ أ ﺗ ْ ْ ِﺘ َ ﻣ َ ِْ ُ ْ ِذ َ ْ ُﻤ ُ ّ ُﺟ َ ُﻦ ُ ْ ِﻨ َ َ ْ َ ُﺴ ِﺤ َ َ َ‬ ‫ُ ّ ِ ِ َ َ ْﺪ ٍ َﻣ َ ْ ُ ْ ﺑ ﻹ ﻤ ِ َ َ ْ َ ِ َ َ َُ ُ َ ُ َ ﻓ َ ِ َ ِ ِ َ ْﺨ ِﺮ ﻦ‬ ‫ﻣﺘﺨﺬي أﺧ َان و َﻦ ﻳﻜﻔﺮ ِﺎ ِﻳ َﺎن ﻓﻘﺪ ﺣﺒﻂ ﻋﻤﻠﻪ وهﻮ ِﻲ اﻻﺧﺮة ﻣﻦ اﻟ َﺎﺳ ِﻳ َ﴾ )اﻟﻤﺎﺋﺪة ٥(.‬ ‫واﻟﻤ ﺼﺎهﺮة اﻟﻤ ﺸﺘﺮآﺔ واﻟﺤﻴ ﺎة اﻟﻤ ﺸﺘﺮآﺔ ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺎس اﻟﺘ ﺴﺎوي ﺗﻌﻨ ﻰ ﻋﻼﻗ ﺎت اﻟ ﺪم واﻟﻘﺮاﺑ ﺔ واﻟﺤﻴ ﺎة‬ ‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮآﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻨﻔﺲ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ اﻟﺘ ﺴﺎﻣﺢ واﻟﺘ ﺴﺎوي ﻓ ﻲ اﻟﺤﻘ ﻮق واﻟﻮاﺟﺒ ﺎت وﻳ ﺼﺒﺢ آ ﻞ‬ ‫إﻧﺴﺎن ﺣﺮا ﻓﻲ ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ آﻴﻒ ﻳﺸﺎء ﺑﻌﺪ ﺗﺪﻗﻴﻖ وﺗﺤﻘﻴﻖ أو ﺑﺪون ﺗﺪﻗﻴﻖ وﺗﺤﻘﻴﻖ، وهﺬا ﺷﺄﻧﻪ، وﺣ ﺴﺎﺑﻪ ﻋﻨ ﺪ رﺑ ﻪ‬ ‫ً‬ ‫ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، واﻟﻤﻬﻢ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺴﺎﻟﻤﺎ ﺁﻣﻨﺎ ﻣﺄﻣﻮن اﻟﺠﺎﻧﺐ أو ﻣﺴﻠﻤﺎ ﻣﺆﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﻌﺘﺪي ﻋﻠ ﻰ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫أﺣ ﺪ، وﻗ ﺪ ﺳ ﻠﻢ اﻟﻨ ﺎس ﻣ ﻦ ﻟ ﺴﺎﻧﻪ وﻳ ﺪﻩ.. ﺿ ﺎع ذﻟ ﻚ آﻠ ﻪ ﺑ ﺴﺒﺐ ﻣ ﺼﻄﻠﺢ أه ﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ اﻟ ﺬي أوﺟ ﺪ اﻟﺘﻔﺮﻗ ﺔ‬ ‫واﻻﺿﻄﻬﺎد.. وﻓﺮض اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ آﺎن هﻮ اﻟﺘﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺼﻄﻠﺢ أهﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ‬ ‫وﻣﺎ ﻧﺘﺞ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺁﺛﺎر.‬ ‫وﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺮض ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﺑﻔﺮض اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻟﻜﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﻗﺪم اﻟﻤﺴﺎواة ﻣﻊ اﻟﻌﺮب، وﻟﻜﻦ أن ﻳﻔ ﺮض‬ ‫ﻋﻤﺮ ﺛﻢ ﻋﺜﻤﺎن اﻟﺠﺰﻳﺔ ﻋﻠﻰ رؤوس اﻷﻓﺮاد ﻣﻦ اﻷﻣﻢ اﻷﺧﺮى ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﻢ ﻋﻨﺼﺮ أﻗﻞ ﺷﺄﻧﺎ وﻣﻮاﻃﻨﻮن ﻣﻦ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺪرﺟ ﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴ ﺔ، وآﺎﻧ ﺖ ﺗﻠ ﻚ اﻟﺒﺪاﻳ ﺔ ﻟﻤ ﺼﻄﻠﺢ أه ﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ واﺿ ﻄﻬﺎدهﻢ.. ﺛ ﻢ ﺳ ﺎر اﻷﻣﻮﻳ ﻮن ﻋﻠ ﻰ ﻃﺮﻳ ﻖ‬ ‫اﻟﺘﺼﻌﻴﺪ ﻓﻲ اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻟﻸﻗﺒﺎط ﻓﻲ ﻣﺼﺮ وﻟﻠﻤﻮاﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق.‬ ‫ﺛﺎﻟﺜﺎ: اﺿﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒﺎط ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي‬ ‫ً‬ ‫اﻷﻣ ﻮﻳﻴﻦ ﻋﺎرﺿ ﻮا اﻹﺳ ﻼم وﺣ ﺎرﺑﻮﻩ ﺣﺮﺻ ﺎ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺼﺎﻟﺤﻬﻢ اﻟﺘﺠﺎرﻳ ﺔ، ﺛ ﻢ اﻧ ﻀﻤﻮا إﻟﻴ ﻪ وﺁزروﻩ ﺣﺮﺻ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﻣ ﺼﺎﻟﺤﻬﻢ اﻟﺘﺠﺎرﻳ ﺔ ﺣﻴ ﺚ آ ﺎﻧﻮا ﻗ ﺎدة ﻗ ﺮﻳﺶ ﻓ ﻲ رﺣﻠﺘ ﻲ اﻟ ﺸﺘﺎء واﻟ ﺼﻴﻒ، وﻋ ﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬ ﺎ وﺛﻘ ﻮا‬ ‫ﻋﻼﻗﺎﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﺼﺮاﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺸﺎم اﻟﺘﺠﺎري ﺛﻢ ﺑﻌ ﺪ أن دﺧﻠ ﻮا اﻹﺳ ﻼم أﺛﻤ ﺮ ﺗﻌ ﺎوﻧﻬﻢ ﻣ ﻊ‬ ‫ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻓﻲ إﺧﻀﺎع اﻟﺸﺎم ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﺛﻢ ﺳﺎﻋﺪﺗﻬﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻃﻴ ﺪ دوﻟ ﺘﻬﻢ اﻷﻣﻮﻳ ﺔ.‬ ‫ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳ ﻀﻄﻬﺪ اﻷﻣﻮﻳ ﻮن ﻧ ﺼﺎرى اﻟﻌ ﺮب ﺑ ﻞ ﻋ ﺎﻣﻠﻮهﻢ ﻋﻠ ﻰ ﻗﺎﻋ ﺪة اﻟﻤ ﺴﺎواة ، ﻓ ﺎﻟﻮاﻟﻲ ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺮاق ﺧﺎﻟ ﺪ‬ ‫اﻟﻘﺴﺮي أﻗﺎم آﻨﻴﺴﺔ ﻷﻣﻪ اﻟﻨﺼﺮاﻧﻴﺔ، واﻷﺧﻄﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻨﺼﺮاﻧﻲ آﺎن ﻧ ﺪﻳﻢ اﻟﺨﻠﻔ ﺎء اﻷﻣ ﻮﻳﻴﻦ ﻳ ﺪﺧﻞ‬ ‫ﻋﻠ ﻴﻬﻢ وﻓ ﻰ ﻋﻨﻘ ﻪ اﻟ ﺼﻠﻴﺐ، واﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ﻋﻤ ﺮ ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ اﻟﻌﺰﻳ ﺰ دﻓﻨ ﻮﻩ ﻓ ﻲ دﻳ ﺮ ﺳ ﻤﻌﺎن ﺑﺠ ﻮار دﻣ ﺸﻖ.. إﻻ أن‬ ‫اﻷﻣﻮﻳﻴﻦ- ﺧﻼ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ- اﺷﺘﻬﺮوا ﺑﺎﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﻌﻨﺼﺮي ﺿﺪ اﻷﺟﻨﺎس ﻏﻴﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴ ﺔ، ﻓﺎﺿ ﻄﻬﺪوا‬ ‫اﻟﻔ ﺮس واﻟﻌ ﺮاﻗﻴﻴﻦ، وأﻟﺠﺌ ﻮهﻢ ﻟﻠﺜ ﻮرة اﻟﻤﺘﻜ ﺮرة وﺗﺄﻳﻴ ﺪ آ ﻞ ﺛ ﺎﺋﺮ ﺷ ﻴﻌﻲ أو ﻋﻠ ﻮي ﻋﻠ ﻰ اﻷﻣ ﻮﻳﻴﻦ.. آﻤ ﺎ‬
‫٢١‬

‫اﺿﻄﻬﺪوا اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ ﻟﻤﺠ ﺮد أﻧﻬ ﻢ ﻣ ﺼﺮﻳﻮن وﻣﻮاﻃﻨ ﻮن رﻋﺎﻳ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟﺪرﺟ ﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴ ﺔ أو اﻟﺜﺎﻟﺜ ﺔ، واﻋﺘﺒ ﺮوهﻢ‬ ‫ﺑﻘﺮة ﺣﻠﻮﺑﺎ ﺗﺪر ﻟﻬﻢ اﻟﺨﻴﺮ، وﻻ ﺑﺄس ﺑﺄن ﻳﻤﺘﺼﻮا ﻟﺒﻨﻬﺎ ودﻣﻬﺎ إذا أﻣﻜﻦ..‬ ‫ً‬ ‫وأدى اﻟﻌﺴﻒ ﻓﻲ ﺟﺒﺎﻳﺔ اﻟﺠﺰﻳﺔ واﻟﺨﺮاج إﻟﻰ ﺛﻮرة اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ، وهﻢ أﻗﺪر ﺷﻌﻮب اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ اﺣﺘﻤﺎل اﻟﺼﺒﺮ،‬ ‫وﻟﻜ ﻦ اﻟﻌ ﺴﻒ اﻷﻣ ﻮي آ ﺎن ﻓ ﻮق ﻃﺎﻗ ﺔ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻮن أﻧﻔ ﺴﻬﻢ.!! وﻧﺮﺟ ﻊ ﻟﻠﻤﻘﺮﻳ ﺰي ﻓ ﻲ اﻟﺨﻄ ﻂ..‬ ‫ﻳﺬآﺮ أن اﻷﻗﺒﺎط ﺻﺎروا ﻋﻮﻧﺎ ﻟﻌﻤﺮو ﻋﻠﻰ اﻟ ﺮوم ﺣﺘ ﻰ اﻧﺘ ﺼﺮ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ، وإن ﻋﻤ ﺮا آﺘ ﺐ أﻣﺎﻧ ﺎ ﻟﺒﻄ ﺮك اﻟﻘ ﺒﻂ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﺳ ﻨﺔ ﻋ ﺸﺮﻳﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻬﺠ ﺮة ﻓ ﺄﺗﻰ إﻟ ﻰ ﻋﻤ ﺮو وﺟﻠ ﺲ ﻋﻠ ﻰ آﺮﺳ ﻲ اﻟﺒﻄﺮﻳﺮآﻴ ﺔ ﺑﻌ ﺪ ﻏﻴ ﺎب ﺛﻼﺛ ﺔ ﻋ ﺸﺮ ﺳ ﻨﺔ.‬ ‫واﺣﺘﻤﻞ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن ﺟﺸﻊ ﻋﻤﺮو ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﻄ ﺮك ﺑﻨﻴ ﺎﻣﻴﻦ اﻟ ﺬي آ ﺎن ﻟ ﻪ اﻟﻨﻔ ﻮذ اﻷآﺒ ﺮ ﻋﻠ ﻰ ﻗﻠ ﻮب‬ ‫اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ. وﺗﺒﺪل اﻟﺤﺎل ﺑﻌﺪ ﺗﺤﻜﻢ اﻷﻣﻮﻳﻴﻦ ﻣﻦ أوﻻد ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜ ﻢ، ووﺻ ﻞ اﻻﺿ ﻄﻬﺎد إﻟ ﻰ اﻟﺒﻄﺎرآ ﺔ‬ ‫اﻷﻗﺒﺎط واﻟﺮهﺒﺎن أﻧﻔﺴﻬﻢ.. ﻓﻔﻲ وﻻﻳﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ﺻﻮدر اﻟﺒﻄﺮك ﻣﺮﺗﻴﻦ، وأﻣ ﺮ ﻋﺒ ﺪ‬ ‫اﻟﻌﺰﻳﺰ- وهﻮ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ واﻟﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ- ﺑﺈﺣ ﺼﺎء اﻟﺮهﺒ ﺎن وأﺧ ﺬ ﻣ ﻨﻬﻢ اﻟﺠﺰﻳ ﺔ، وه ﻰ أول‬ ‫ﺟﺰﻳﺔ أﺧﺬت ﻣﻦ اﻟﺮهﺒﺎن.‬ ‫وﺗﻮﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻋﺒﺪ اﷲ اﺑﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﻓﺎﺷﺘﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺼﺎرى، واﻗﺘ ﺪى ﺑ ﻪ اﻟ ﻮاﻟﻲ اﻟﺘ ﺎﻟﻲ ﻗ ﺮة‬ ‫ﺑﻦ ﺷﺮﻳﻚ ﻓﺄﻧﺰل ﺑﺎﻟﻨﺼﺎرى ﺷﺪاﺋﺪ ﻟﻢ ﻳﺒﺘﻠﻮا ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻠﻰ ﺣ ﺪ ﻗ ﻮل اﻟﻤﻘﺮﻳ ﺰي. وأﻗ ﺎم اﻷﻣﻮﻳ ﻮن ﻣﺬﺑﺤ ﺔ‬ ‫ﻟﻸﻗﺒﺎط ﺳﻨﺔ ٧٠١ هﺠﺮﻳﺔ ﺣﻴﻦ ﺛﺎروا ﻓﻲ ﺷﺮق اﻟﺪﻟﺘﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺟﺸﻊ اﻟﻮاﻟﻲ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺤﺒﺤ ﺎب.. وﻓ ﻰ ﺧﻼﻓ ﺔ‬ ‫ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺗﻄﺮف اﻟﻮاﻟﻲ أﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ زﻳﺪ اﻟﺘﻨﻮﺧﻲ ﻓﻲ اﺿﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒﺎط، ﻓﺼﺎدر أﻣﻮاﻟﻬﻢ ووﺳ ﻢ أﻳ ﺪي‬ ‫اﻟﺮهﺒﺎن ﺑﺤﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ، وآﻞ ﻣﻦ وﺟﺪﻩ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻐﻴﺮ وﺳﻢ ﻗﻄﻊ ﻳﺪﻩ، وﻓﺮض ﻏﺮاﻣ ﺎت ﻋﻠ ﻰ اﻷﻗﺒ ﺎط، وﺻ ﺎدر‬ ‫اﻷﻣﻮال ﻣﻦ اﻷدﻳﺮة، وﻣﻦ وﺟﺪﻩ ﻣﻦ اﻟﺮهﺒﺎن ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷدﻳﺮة ﺑﻼ وﺳﻢ ﺿﺮب ﻋﻨﻘﻪ أو ﻋﺬﺑ ﻪ، وه ﺪم اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ‬ ‫وآﺴﺮ اﻟﺼﻠﺒﺎن.‬ ‫وﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ هﺸﺎم ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺗﺸﺪد اﻟﻮاﻟﻲ ﺣﻨﻄﻠﺔ ﺑﻦ ﺻﻔﻮان ﻓﻲ زﻳﺎدة اﻟﺨ ﺮاج، وأﺣ ﺼﻰ اﻷﻗﺒ ﺎط وﺟﻌ ﻞ‬ ‫ً‬ ‫ﻋﻠ ﻰ آ ﻞ ﻧ ﺼﺮاﻧﻲ وﺷ ﻤﺎ ﻓﻴ ﻪ ﺻ ﻮرة أﺳ ﺪ وﻣ ﻦ وﺟ ﺪﻩ ﺑ ﻼ وﺷ ﻢ ﻋﻠ ﻰ ﻳ ﺪﻩ ﻗﻄ ﻊ ﻳ ﺪﻩ.‬ ‫وﺛﺎر اﻟﻌﺮب اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن ﺳ ﻨﺔ ٧١١ ﺑ ﺴﺒﺐ ﻗﻴ ﺎم اﻷﻗﺒ ﺎط ﺑﺒﻨ ﺎء آﻨﻴ ﺴﺔ ﻳﻮﺣﻨ ﺎ، وآ ﺎن ذﻟ ﻚ ﻓ ﻲ وﻻﻳ ﺔ اﻟﻮﻟﻴ ﺪ ﺑ ﻦ‬ ‫رﻓﺎﻋﺔ.‬ ‫وأدت زﻳ ﺎدة اﻟﻤﻈ ﺎﻟﻢ إﻟ ﻰ ﻗﻴ ﺎم اﻷﻗﺒ ﺎط ﺑﺜ ﻮرة ﻋﺎرﻣ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟ ﺼﻌﻴﺪ ﺳ ﻨﺔ ١٢١ هﺠﺮﻳ ﺔ، واﻧﺘﻘﻠ ﺖ اﻟﺜ ﻮرة إﻟ ﻰ‬ ‫ﺳﻤﻨﻮد ﺳﻨﺔ ٢٣١ وإﻟﻰ رﺷﻴﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻌﺎم وﺗﻮﻟﻰ اﻷﻣﻮﻳﻮن إﺧﻤﺎدهﺎ ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ اﻟﺸﺪﻳﺪ، وﻓﻰ ه ﺬا اﻟﻌ ﺎم اﻧﻬ ﺰم‬ ‫ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺁﺧﺮ ﺧﻠﻴﻔﺔ أﻣ ﻮي أﻣ ﺎم اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻴﻴﻦ ﻓﻬ ﺮب إﻟ ﻰ ﻣ ﺼﺮ ﻓﻮﺟ ﺪهﺎ ﺛ ﺎﺋﺮة ﻋﻠ ﻰ ﻣﻈ ﺎﻟﻢ اﻷﻣ ﻮﻳﻴﻦ،‬ ‫وﻣﻊ ﻇﺮوﻓﻪ اﻟﺴﻴﺌﺔ إﻻ أن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻷﻣﻮي اﻟﻬﺎرب اﺳﺘﻨﻔﺬ ﻣﺎ ﺑﻘﻰ ﻣ ﻦ ﻗﻮﺗ ﻪ وﻋﺪﺗ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﻀﺎء ﻋﻠ ﻰ ﺛ ﻮرات‬ ‫اﻷﻗﺒﺎط ﺣﺘﻰ ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺛﻢ واﺻﻞ هﺮوﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ أﻣﺎم اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ إﻟﻰ أن ﻟﻘﻲ ﺣﺘﻔﻪ ﻓﻲ أﺑ ﻮ ﺻ ﻴﺮ،‬ ‫وآ ﺎن ﻳﺤﺘﺠ ﺰ ﻋﻨ ﺪﻩ اﻟﺒﻄ ﺮك اﻟﻘﺒﻄ ﻲ وﻣﺠﻤﻮﻋ ﺔ ﻣ ﻦ آﺒ ﺎر اﻟﺮهﺒ ﺎن وزﻋﻤ ﺎء اﻷﻗﺒ ﺎط ﻓ ﺄﻓﺮج ﻋ ﻨﻬﻢ اﻟﺠ ﻴﺶ‬ ‫اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ . ودﺧﻠﺖ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ.. أو ﻓﻲ اﻻﺿﻄﻬﺎد اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ..‬ ‫راﺑﻌﺎ: اﺿﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒﺎط ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي‬ ‫ً‬ ‫اﻧﺘﻬﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي ﺳﻨﺔ ٢٣١ هﺠﺮﻳﺔ. وﺗﻮاﻟ ﺖ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺼﺮ دوﻟ ﺔ اﻟﺨﻼﻓ ﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻴﺔ واﻟ ﺪول اﻟﻤ ﺴﺘﻘﻠﺔ ﻓ ﻲ‬ ‫إﻃ ﺎر اﻟﺨﻼﻓ ﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻴﺔ آﺎﻟﻄﻮﻟﻮﻧﻴ ﺔ واﻹﺧ ﺸﻴﺪﻳﺔ، ﺛ ﻢ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴ ﺔ وﺑﻌ ﺪهﺎ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻷﻳﻮﺑﻴ ﺔ اﻟﺘ ﻲ اﻧﺘﻬ ﺖ‬ ‫ﺑﺴﻴﻄﺮة اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ، وﺑﻌﺪهﻢ ﺳﻨﺔ ١٢٩ آﺎن اﻟﻔﺘﺢ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ واﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻴﻄﺮت ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺼﺮ ﻓﻌﻠﻴ ﺎ‬ ‫أو اﺳﻤﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻮﻃﻬﺎ .أي هﻲ ﻓﺘﺮة ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻰ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎ ﻣ ﻦ اﻟﺰﻣ ﺎن، وﻗ ﺪ آ ﺎن اﺿ ﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒ ﺎط ﻓﻴﻬ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﺳ ﻤﺔ ﺑ ﺎرزة ﺗﺤﺘ ﺎج إﻟ ﻰ ﻣﺠﻠ ﺪات ﻓ ﻲ رﺻ ﺪهﺎ وﻟﻜﻨﻨ ﺎ ﻧﻮﺿ ﺢ اﻟﻤﻼﻣ ﺢ اﻷﺳﺎﺳ ﻴﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻤﻮﺿ ﻮع ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨﺤ ﻮ‬ ‫اﻟﺘﺎﻟﻲ:‬

‫٣١‬

‫أوﻻ: ﻣﻦ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ إﻟﻰ ﺳﻨﺔ ٥٣٢ هﺠﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﺘﻮآﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ:‬ ‫ً‬ ‫وﻓﻰ هﺬﻩ اﻟﻔﺘﺮة واﺻﻞ اﻷﻗﺒﺎط ﺛﻮراﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻇﻠﻢ اﻟ ﻮﻻة اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻴﻴﻦ، وآ ﺎن اﻻﺿ ﻄﻬﺎد ﻓ ﻲ أﻏﻠﺒ ﻪ رﺳ ﻤﻴﺎ ﻣ ﻦ‬ ‫ً‬ ‫اﻟ ﺴﻠﻄﺔ اﻟﺤﺎآﻤ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﺮﻳ ﺪ اﻋﺘ ﺼﺎر اﻟ ﻀﺮاﺋﺐ ﺑﺎﻟﻘ ﺴﻮة، واﻟﻌﻨ ﻒ ﻓ ﻼ ﻳﺠ ﺪ اﻷﻗﺒ ﺎط ﻃﺮﻳﻘ ﺔ إﻻ اﻟﺜ ﻮرة اﻟﺘ ﻲ‬ ‫ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺎﻟﻬﺰﻳﻤﺔ واﻟﻤﺬاﺑﺢ.. وﻧﻌﻄﻰ أﻣﺜﻠﺔ ﺳﺮﻳﻌﺔ:‬ ‫• ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٠٥١ هﺠﺮﻳ ﺔ ﺛ ﺎر اﻷﻗﺒ ﺎط ﻓ ﻲ ﺳ ﺨﺎ وﻃ ﺮدوا وﻻة اﻟ ﻀﺮاﺋﺐ ﻓﺄرﺳ ﻞ ﻟﻬ ﻢ اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻴﻮن ﺟﻴ ﺸﺎ ﻳﻘ ﻮدﻩ‬ ‫ً‬ ‫ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﺗﻢ، وه ﺎﺟﻢ اﻷﻗﺒ ﺎط اﻟﺠ ﻴﺶ ﻟ ﻴﻼ وﻗﺘﻠ ﻮا ﺑﻌ ﺾ أﻓ ﺮادﻩ وهﺰﻣ ﻮا ﺑﻌ ﺾ ﻓ ﺼﺎﺋﻠﻪ، إﻻ أن اﻹﻣ ﺪادات‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﺗﻼﺣﻘﺖ وﺣﺎﺻﺮت اﻷﻗﺒﺎط وهﺰﻣﺘﻬﻢ، واﻣﺘﺪ اﻻﻧﺘﻘﺎم إﻟﻰ ﺣﺮق اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ. واﺿ ﻄﺮ اﻷﻗﺒ ﺎط إﻟ ﻰ دﻓ ﻊ‬ ‫ﻏﺮاﻣﺔ ﻗﺪرهﺎ ﺧﻤﺴﻮن أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ﻟﻠﻮاﻟﻲ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻠﻰ آﻲ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ ﺣﺮق اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ إﻻ أﻧ ﻪ أﺑ ﻰ..‬ ‫وﺗﻮﻟﻰ ﺑﻌﺪﻩ اﻟﻮاﻟﻲ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻋﻴﺴﻰ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﻓﺎﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﻧﺼﻴﺤﺔ اﻷﺋﻤﺔ اﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﻤ ﺸﻬﻮرﻳﻦ‬ ‫ﺑﻤﺼﺮ ﻣﺜﻞ اﻟﻠﻴﺚ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ وﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻟﻬﻴﻌﺔ، وﻗﺪ أﻓﺘﻮا ﻟﻪ ﺑﺄن ﺑﻨ ﺎء اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ ﻣ ﻦ ﻋﻤ ﺎرة اﻟﺒﻠ ﺪ، ﻓ ﺄذن اﻟ ﻮاﻟﻲ‬ ‫ﺑﺈﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ، وﻟﻜﻦ ﻇﻠﺖ اﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻬﺎ..‬ ‫• ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٦٥١ هﺠﺮﻳﺔ ﻋﺎد اﻷﻗﺒﺎط ﻟﻠﺜﻮرة ﻓﻲ ﺑﻠﻬﻴﺖ، ﻓﺄرﺳﻞ ﻟﻬ ﻢ اﻟ ﻮاﻟﻲ ﻣﻮﺳ ﻰ ﺑ ﻦ ﻋﻴ ﺴﻰ ﺟﻴ ﺸﺎ ﻓﻬ ﺰﻣﻬﻢ‬ ‫ً‬ ‫وﺣﻜ ﻢ ﺑﻘﺘ ﻞ اﻟﺮﺟ ﺎل وﺳ ﺒﻰ اﻟﻨ ﺴﺎء واﻟﺬرﻳ ﺔ . وﺟ ﺎء اﻟﻤ ﺄﻣﻮن ﻟﺰﻳ ﺎرة ﻣ ﺼﺮ وأﻧ ﺐ اﻟ ﻮﻻة واﻋﺘﺒ ﺮهﻢ ﺳ ﺒﺐ‬ ‫اﻟﻤﻈﺎﻟﻢ واﻟﺜﻮرات، وأﻣﺮ ﺑﺒﻌﺾ اﻹﺻﻼﺣﺎت..‬ ‫• وآﺎﻧ ﺖ ﺛ ﻮرة ٦١٢ هﺠﺮﻳ ﺔ ه ﻲ ﺁﺧ ﺮ ﺛ ﻮرات اﻷﻗﺒ ﺎط اﻟﺤﺮﺑﻴ ﺔ، وﺑﻌ ﺪهﺎ اﺗﺒﻌ ﻮا ﻃﺮﻳ ﻖ اﻟﻤﻘﺎوﻣ ﺔ اﻟ ﺴﺮﻳﺔ،‬ ‫وﻧﺤﻦ ﻧﻨﻘﻞ ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻷﻗﺒﺎط ﻋﻦ اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي وهﻮ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﺗﻌﺼﺒﻪ ﺿﺪ اﻟﻨﺼﺎرى، ﻳﻘ ﻮل ﻓ ﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴ ﻖ ﻋﻠ ﻰ‬ ‫ﺛﻮرة ٦١٢ هﺠﺮﻳﺔ وﺁﺛﺎرهﺎ "وﻣﻦ ﺣﻴﻨﺌﺬ ذﻟﺖ اﻟﻘﺒﻂ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أرض ﻣﺼﺮ وﻟﻢ ﻳﻘﺪر أﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺨ ﺮوج‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن، وﻏﻠﺒﻬﻢ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن ﻋﻠ ﻰ ﻋﺎﻣ ﺔ اﻟﻘ ﺮى، ﻓﺮﺟﻌ ﻮا ﻣ ﻦ اﻟﻤﺤﺎرﺑ ﺔ إﻟ ﻰ اﻟﻤﻜﻴ ﺪة واﺳ ﺘﻌﻤﺎل اﻟﻤﻜ ﺮ‬ ‫واﻟﺤﻴﻠﺔ وﻣﻜﺎﻳﺪة اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ..‬ ‫ﺛﺎﻧﻴ ﺎ: وﺷ ﻬﺪ ﻋ ﺼﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ اﻟﻤﺘﻮآ ﻞ ﻇ ﺎهﺮة ﺟﺪﻳ ﺪة ه ﻲ اﻧﺘ ﺼﺎر اﻟﻔﻜ ﺮ اﻟﺤﻨﺒﻠ ﻲ اﻟﻤﺘ ﺸﺪد وهﺰﻳﻤ ﺔ اﻟﻔﻜ ﺮ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﻲ اﻟﻌﻘﻼﻧﻲ، وﻗﺪ اﺳﺘﻤﺎل اﻟ ﺴﻠﻔﻴﻮن ﻣ ﻦ أﺻ ﺤﺎب اﺑ ﻦ ﺣﻨﺒ ﻞ ورواة اﻷﺣﺎدﻳ ﺚ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ اﻟﻤﺘﻮآ ﻞ إﻟ ﻴﻬﻢ،‬ ‫وﺑﺘﺄﺛﻴﺮهﻢ دﺧﻠﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﺿﻄﻬﺎد ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺬهﺐ واﻟﺪﻳﻦ، ﻓﺤﻮآﻢ ﺷﻴﻮخ اﻟﺘﺼﻮف وﻃ ﻮرد‬ ‫اﻟ ﺸﻴﻌﺔ وه ﺪم ﺿ ﺮﻳﺢ اﻟﺤ ﺴﻴﻦ ﻓ ﻲ آ ﺮﺑﻼء، وﺻ ﺪرت ﻗ ﺮارات ﻻﺿ ﻄﻬﺎد اﻟﻴﻬ ﻮد واﻟﻨ ﺼﺎرى، واﻧﺘ ﺸﺮت‬ ‫اﻟﺮواﻳﺎت واﻟﻔﺘﺎوى اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻊ اﻹﻃﺎر اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻲ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت، وﻣﻨﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻤ ﺸﻬﻮر "ﻣ ﻦ رأى ﻣ ﻨﻜﻢ‬ ‫ً‬ ‫ﻣﻨﻜﺮا ﻓﻠﻴﻐﻴﺮﻩ ﺑﻴﺪﻩ..." ذﻟﻚ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺰاﺋﻒ اﻟﺬي أﺛﺒﺘﻨﺎ آﺬﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺑﺠﺮﻳﺪة اﻷﺣﺮار واﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺪﺳﺘﻮر‬ ‫اﻟﻌﻤﻠﻲ ﻟﻠﺘﻄﺮف ﺣﺘﻰ اﻵن..‬ ‫وﻳﻬﻨﺎ أن هﺬﻩ اﻟﻔﻜﺮة آﺎن ﻟﻬﺎ اﺑﻠﻎ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ اﻧﺘﻘﺎل اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻟﻸﻗﺒﺎط ﻣﻦ داﺋﺮة اﻟﺤﻜ ﻢ واﻟ ﺴﻴﺎﺳﺔ إﻟ ﻰ اﻟ ﺸﺎرع‬ ‫واﻟﻌﻮام، وﺳﺎﻋﺪت اﻟﺮواﻳﺎت واﻟﻔﺘﺎوى وﺟﻬﻮد اﻟﻔﻘﻬﺎء واﻟﻘﺼﺎﺻﻴﻦ وأهﻞ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﺷﺨﻦ اﻷﻓﺮاد اﻟﻌ ﺎدﻳﻴﻦ‬ ‫ﺑﺎﻟﻜﺮاهﻴﺔ ﺿﺪ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺬهﺐ ﺳ ﻮاء آ ﺎﻧﻮا ﺻ ﻮﻓﻴﺔ أو ﺷ ﻴﻌﺔ أو آ ﺎﻧﻮا ﻣﺨ ﺎﻟﻔﻴﻦ ﻟﻬ ﻢ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪﻳﻦ أي ﻣ ﻦ‬ ‫اﻟﻴﻬﻮد أو ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺎرى.. وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﺤﻮل اﻻﺿﻄﻬﺎد اﻟﺮﺳﻤﻲ اﻟﻌﻨﺼﺮي ﻟﻸﻗﺒﺎط إﻟ ﻰ اﺿ ﻄﻬﺎد دﻳﻨ ﻲ ﻳ ﺸﺎرك‬ ‫ﻓﻴ ﻪ اﻟﻤ ﺼﺮي اﻟﻤ ﺴﻠﻢ ﺿ ﺪ أﺧﻴ ﻪ اﻟﻤ ﺼﺮي اﻟﻘﺒﻄ ﻲ.. وﺑﻤ ﺮور اﻟ ﺰﻣﻦ ﺗﻌ ﺎﻇﻢ ﺗ ﺄﺛﻴﺮ ﺗﻠ ﻚ اﻟﺮواﻳ ﺎت واﻟﻔﺘ ﺎوى‬ ‫وأﺻﺒﺤﺖ رآﺎﺋﺰ دﻳﻨﻴﺔ ﺗﻔﺮق ﺑﻴﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻮاﺣﺪ وﺗﺒﺎﻋﺪ ﺑﻴ ﻨﻬﻢ وﺑ ﻴﻦ اﻟ ﺪﻳﻦ اﻟﺤ ﻖ اﻟ ﺬي ﻧ ﺰل ﻋﻠ ﻰ ﺧ ﺎﺗﻢ‬ ‫اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼم. واﻟﻤﺆﺳﻒ أن اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻴﻮم - إذا أراد أن ﻳﺘﺪﻳﻦ - ﻳﺠﺪ أﻣﺎﻣﻪ آﺘﺎﺑ ﺎت أوﻟﺌ ﻚ اﻷﺋﻤ ﺔ ﻓﻴﻤ ﺎ‬ ‫ﻳﻌﺮف اﻵن ﺑﻜﺘﺐ اﻟﻔﻘﻪ واﻟﺴﻨﻦ وﻗﺪ اﺣﺘﻮت ﻋﻠ ﻰ ﺗﻠ ﻚ اﻟﺮواﻳ ﺎت واﻟﻔﺘ ﺎوى ﻓﻴﺄﺧ ﺬهﺎ ﻋ ﻨﻬﻢ آﺄﻧﻬ ﺎ اﻟ ﺪﻳﻦ اﻟﺤ ﻖ‬ ‫وﻳﺼﺪق ﻧﺴﺒﺘﻬﺎ اﻟﻜﺎذﺑﺔ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤ ﺪ ، ﻣ ﻊ أﻧﻬ ﺎ – أي ﺗﻠ ﻚ اﻷﺣﺎدﻳ ﺚ – ﻗ ﺪ آﺘﺒﻮه ﺎ وﻧ ﺴﺒﻮهﺎ ﻟﻠﻨﺒ ﻲ ﺑﻌ ﺪ ﻣﻮﺗ ﻪ‬ ‫ﺑﺄآﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺮﻧﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ﻋﺒﺮ إﺳﻨﺎد ﺷ ﻔﻬﻲ ﻣ ﻀﺤﻚ. إﻻ أن اﻟﻤ ﺴﻠﻢ اﻟﻴ ﻮم ﻳ ﺼﺪق ه ﺬﻩ اﻷﺣﺎدﻳ ﺚ اﻟﻤﻔﺘ ﺮاة‬
‫٤١‬

‫وﻳﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤﺪا ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﻗﺪ ﻗﺎﻟﻬ ﺎ ﻓﻌ ﻼ ، وﻋﻠ ﻰ أﺳﺎﺳ ﻬﺎ ﻳﻌﺘﻘ ﺪ أن آﺮاهﻴ ﺔ اﻟﻤﺨ ﺎﻟﻔﻴﻦ ﻓ ﻲ اﻟﻤ ﺬهﺐ‬ ‫واﻻﻋﺘﻘﺎد ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ آ ﺎﻧﻮا ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﺎﻟﻤﻴﻦ اﻟ ﺼﺎﺑﺮﻳﻦ. واﻟ ﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ ﻣ ﺎ ﻧ ﺮاﻩ ﻓ ﻲ ﻋ ﺼﺮﻧﺎ‬ ‫اﻟﺮاهﻦ ﻣ ﻦ اﺿ ﻄﻬﺎد ﻟﻸﻗﺒ ﺎط ﻣ ﻊ ﻋﻠ ﻮ ﻟﻨﻔ ﻮذ اﻟﺘﻴ ﺎر اﻟﺤﻨﺒﻠ ﻲ اﻟ ﺴﻠﻔﻲ واﻟ ﺬي اﺳ ﺘﻌﺎدﺗﻪ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟ ﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻋﺒ ﺮ‬ ‫ﻣﺬهﺒﻬﺎ اﻟﻮهﺎﺑﻲ وأﺻﺒﺢ ﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎﺗﻪ اﻟﺘﻄﺮف واﻟﺘﻌﺼﺐ واﻻﻧﻐﻼق واﺿ ﻄﻬﺎد اﻟﻤﺨ ﺎﻟﻔﻴﻦ واﻟﺤﻜ ﻢ ﺑﺘﻜﻔﻴ ﺮهﻢ‬ ‫وﻣﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻣﻦ ﺳﻔﻚ ﻟﻠﺪﻣﺎء واﺳﺘﺤﻼل ﻟﻸﻣﻮال..‬ ‫أﻋﺎد ذﻟﻚ ﻟﻌﺼﺮﻧﺎ اﻟﺮاهﻦ ﻣﺎ ﺳﺎد ﻓ ﻲ ﻋ ﺼﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ اﻟﻤﺘﻮآ ﻞ اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻲ ﻣ ﻦ ﺳ ﻄﻮة اﻟﻔﻘﻬ ﺎء اﻟﻤﺘ ﺰﻣﺘﻴﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ‬ ‫ﺳﻤﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺄه ﻞ اﻟ ﺴﻨﺔ واﺳ ﺘﻤﺮت ﺳ ﻄﻮﺗﻬﻢ ﻓ ﻲ ﻋ ﺼﺮ ﻣ ﻦ ﺟ ﺎء ﺑﻌ ﺪﻩ ﻣ ﻦ اﻟﺨﻠﻔ ﺎء ﺣﺘ ﻰ أﺻ ﺒﺤﺖ ﺳﻴﺎﺳ ﺔ‬ ‫ﻣﺘﺒﻌﺔ . ﺛ ﻢ أﻋ ﺎد اﻟﺘﻄ ﺮف اﻟﻮه ﺎﺑﻲ واﻟﻨﻔ ﻮذ اﻟ ﺴﻌﻮدي ه ﺬا اﻟﺘ ﺮاث ﺣﻴ ﺎ ﻓ ﻲ ﻋ ﺼﺮﻧﺎ.وﻟ ﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒ ﺎ ﺑﻌ ﺪهﺎ أن‬ ‫ً‬ ‫ﻧﻌﺮف أن أﺋﻤﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻤﺸﻬﻮرﻳﻦ ﻋﺎﺷﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ اﺑﻦ ﺣﻨﺒ ﻞ إﻟ ﻰ اﻟﺒﺨ ﺎري وﻣ ﺴﻠﻢ واﻟﺤ ﺎآﻢ وﻏﻴ ﺮهﻢ‬ ‫،وﻗ ﺪ أﺻ ﺒﺤﻮا اﻵن ﻓ ﻲ ﻋ ﺼﺮﻧﺎ ﺁﻟﻬ ﺔ ﻣﻨﺰه ﺔ ﻋ ﻦ اﻟﺨﻄ ﺄ وﻣ ﻦ ﻳﻨﺎﻗ ﺸﻬﻢ - ﻣﻌﺘﺒ ﺮا إﻳ ﺎهﻢ ﺑ ﺸﺮا ﻳﺨﻄﺌ ﻮن‬ ‫وﻳﺼﻴﺒﻮن – ﻳﻜﻮن ﻣﺼﻴﺮﻩ اﻻﺗﻬﺎم ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ وإﻧﻜﺎر اﻟﺴﻨﺔ.!!‬ ‫وﻧﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ اﺿﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒﺎط ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻔﺘﺮة. ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٥٣٢ هﺠﺮﻳﺔ أﺻﺪر اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺘﻮآ ﻞ‬ ‫ﻣﺮﺳﻮﻣﺎ ﻳﻬﺪف إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﺮ )أهﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ(ﻓ ﻲ آ ﻞ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳ ﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻴﺔ، وذﻟ ﻚ ﺑ ﺈﻟﺰاﻣﻬﻢ ﺑﺎرﺗ ﺪاء زى ﻣﻌ ﻴﻦ‬ ‫ً‬ ‫وﻣﻈﻬﺮ ﻣﻌﻴﻦ، ﻣﻊ هﺪم اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺠﺪﻳﺪة وﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﻀﺮاﺋﺐ واﻟﻌﺸﻮر ﻣ ﻦ ﻣﻨ ﺎزﻟﻬﻢ وأن ﻳﺠﻌ ﻞ ﻋﻠ ﻰ أﺑ ﻮاب‬ ‫ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﺻﻮرا ﻟﻠﺸﻴﺎﻃﻴﻦ، وﻧﻬﻰ اﻟﻤﺮﺳﻮم ﻋﻦ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﻢ وﺗﻌﻠ ﻴﻤﻬﻢ ﻋﻨ ﺪ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ، وﺗ ﺴﻮﻳﺔ ﻗﺒ ﻮرهﻢ ﺑ ﺎﻷرض‬ ‫ً‬ ‫وأﻻ ﻳﺤﻤﻠ ﻮا اﻟ ﺼﻠﻴﺐ ﻓ ﻲ أﻋﻴ ﺎدهﻢ وأﻻ ﻳ ﺸﻌﻠﻮا اﻟﻤ ﺼﺎﺑﻴﺢ ﻓ ﻲ اﺣﺘﻔ ﺎﻻﺗﻬﻢ وأﻻ ﻳﺮآﺒ ﻮا اﻟﺨﻴ ﻮل.. وﻗ ﺪ ﻃﺒ ﻖ‬ ‫اﻟﻮﻻة ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ أﻗﺒﺎط ﻣﺼﺮ وأﺻﺒﺤﺖ ﺳﻨﺔ ﻣﺘﺒﻌﺔ.‬ ‫وﻣﻔﻬﻮم ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮارات أن ﻳ ﺸﺎرك اﻟﻨ ﺎس ﻓ ﻲ إﻟ ﺰام اﻷﻗﺒ ﺎط ﺑﻬ ﺎ، وﻣ ﻦ هﻨ ﺎ ﺑ ﺪأ اﻧﻐﻤ ﺎس اﻟﻌ ﻮام ﻓ ﻲ اﺿ ﻄﻬﺎد‬ ‫اﻷﻗﺒﺎط.. وﺗﻌﻠﻤﻮا أن ذﻟﻚ ﻳﻌﻨﻰ إﻇﻬﺎر اﻹﺧﻼص ﻟﻺﺳﻼم، واﻧﺘﻘﻞ ذﻟﻚ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺨﺎﻃﺊ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻻة اﻟﻤﺘ ﺪﻳﻨﻴﻦ‬ ‫ﻣﺜﻞ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن اﻟﺬي اﺳﺘﻘﻞ ﺑﻤﺼﺮ ذاﺗﻴﺎ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ، وآﺎن ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﺑﺘﺪﻳﻨﻪ وﺟﺮأﺗﻪ ﻋﻠ ﻰ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﺳﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ، وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻷﻗﺒﺎط ﻳﺸﻜﻠﻮن ﺧﻄﺮا ﻋﻠ ﻰ ﻧﻔ ﻮذﻩ، ﺑ ﻞ آ ﺎن ﻳ ﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﻬ ﻢ ﻓ ﻲ دواوﻳﻨ ﻪ‬ ‫ً‬ ‫وأﻋﻤﺎﻟﻪ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻗ ﺎم ﺑﻌﻤﻠﻴ ﺎت اﺿ ﻄﻬﺎد ﺿ ﺪ اﻷﻗﺒ ﺎط آ ﺄﻓﺮاد وﻣﻨ ﺸﺂت دﻳﻨﻴ ﺔ.. وﻟ ﻢ ﺗﻜ ﻦ ﻟ ﻪ ﻓﻴﻬ ﺎ دواﻓ ﻊ‬ ‫ﺳﻴﺎﺳ ﻴﺔ، ﻣﻤ ﺎ ﻳ ﺮﺟﺢ أن دواﻓﻌ ﻪ آﺎﻧ ﺖ دﻳﻨﻴ ﺔ ﻧﺘﻴﺠ ﺔ ﺗ ﺄﺛﺮﻩ ﺑ ﺎﻟﻔﻜﺮ اﻟ ﺴﻠﻔﻲ اﻟ ﺴﻨﻲ اﻟ ﺴﺎﺋﺪ، وﻗ ﺪ آ ﺎن ﻣﻌﺮوﻓ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﺑﺈﺧﻼﺻﻪ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻔﻜﺮ.‬ ‫واﻟﻤﻘﺮﻳ ﺰي ﻳ ﺬآﺮ أن أﺣﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﻃﻮﻟ ﻮن أﻟ ﺰم اﻟﺒﻄ ﺮك ﻣﻴﺨﺎﺋﻴ ﻞ ﺑ ﺪﻓﻊ ﻏﺮاﻣ ﺔ ﻗ ﺪرهﺎ ﻋ ﺸﺮون أﻟ ﻒ دﻳﻨ ﺎر‬ ‫واﺿﻄﺮﻩ ﻟﺒﻴﻊ أوﻗﺎف اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ، وﻓﺮض اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺿﺮاﺋﺐ ﺟﺪﻳﺪة ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺒﺎط.. وﺣﺪث ﺳﻨﺔ ٠٠٣ هﺠﺮﻳ ﺔ‬ ‫إﺣﺮاق آﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ.. وﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﻴ ﺔ اﺷ ﺘﺪ اﻟ ﻮاﻟﻲ اﺑ ﻦ اﻟﺠ ﺮاح ﻋﻠ ﻰ اﻷﻗﺒ ﺎط‬ ‫وأﻟﺰم اﻟﺮهﺒﺎن ﺑﺪﻓﻊ اﻟﺠﺰﻳ ﺔ ﻓﺎﺳ ﺘﻐﺎﺛﻮا ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻲ اﻟﻤﻘﺘ ﺪر ﻓ ﺄﻣﺮ ﺑﺮﻓ ﻊ اﻟﺠﺰﻳ ﺔ ﻋ ﻨﻬﻢ اآﺘﻔ ﺎء ﺑﻤ ﺎ دﻓﻌ ﻪ‬ ‫ﻋﺎﻣﺔ اﻷﻗﺒﺎط.‬ ‫وأﻗﺎم ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻐﺞ دوﻟﺘﻪ اﻹﺧﺸﻴﺪﻳﺔ ﺑﻤﺼﺮ ﻓﺄرﺳﻞ ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﺟﻴﺸﻪ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻨ ﻴﺲ ﻋﻠ ﻰ ﺳ ﺎﺣﻞ اﻟﻤﺘﻮﺳ ﻂ‬ ‫ﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء ﻓﺼﺎدر ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﺑﻬﺎ.‬ ‫وﻗﺎﻣﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ ﺑﺨﻼﻓﺔ ﺷﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺗﻨﺎوئ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟ ﺴﻨﻴﺔ ﻓ ﻲ ﺑﻐ ﺪاد . وﻓ ﻰ ﺑﺪاﻳ ﺔ اﻟﻔ ﺎﻃﻤﻴﻴﻦ ﻓ ﻲ‬ ‫ﻣﺼﺮ آﺎﻧﻮا ﻣﺘﺴﺎﻣﺤﻴﻦ ﻣﻊ اﻷﻗﺒﺎط واﻟﻴﻬﻮد، ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﻌﺰ ﻟ ﺪﻳﻦ اﷲ واﺑﻨ ﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ اﻟﻌﺰﻳ ﺰ ﺑ ﺎﷲ إﻻ‬ ‫ً‬ ‫أن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺤﺎآﻢ اﺑﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﺎﷲ اﻟﻔ ﺎﻃﻤﻲ آ ﺎن ﻣ ﺸﻜﻠﺔ ﻣﺰﻣﻨ ﺔ ﻟﻜ ﻞ اﻟﻤ ﺼﺮﻳﻴﻦ وﺧ ﺼﻮﺻﺎ اﻷﻗﺒ ﺎط‬ ‫ً‬ ‫ﺑﺴﺒﺐ ﻗﺮاراﺗﻪ اﻟﻐﺮﻳﺒ ﺔ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗ ﻀﺔ وﺟﺮأﺗ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﺳ ﻔﻚ اﻟ ﺪﻣﺎء.. ﻓﻔ ﻲ ﺳ ﻨﺔ ٣٩٣ هﺠﺮﻳ ﺔ أﻣ ﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ اﻟﺤ ﺎآﻢ‬ ‫ﺑﺄﻣﺮ اﷲ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﺑﺎﻋﺘﻘﺎل اﻟﺒﻄﺮك زﺧ ﺮﻳﺲ ﻟﻤ ﺪة ﺛﻼﺛ ﺔ ﺷ ﻬﻮر. وآ ﺎن اﻟﺘ ﺴﺎﻣﺢ ﻣ ﻊ اﻷﻗﺒ ﺎط ﻓ ﻲ ﻋﻬ ﺪ اﻟﻤﻌ ﺰ‬ ‫واﻟﻌﺰﻳ ﺰ ﻗ ﺪ ﻣﻜ ﻦ ﻟﻜﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻨﻬﻢ اﻟﻌﻤ ﻞ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪواوﻳﻦ واﻟﺤ ﺼﻮل ﻋﻠ ﻰ آﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻦ اﻟﻨﻔ ﻮذ واﻷﻣ ﻮال، وﺑﺎﻟﺘ ﺎﻟﻲ‬
‫٥١‬

‫ﺗﻌﺎﻇﻤﺖ اﻟﺸﻜﺎوى ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﻴﻦ واﻟﻌﻮام ﺑﻌﺪ أن ﺗﻢ ﺷ ﺤﻦ اﻟﻘﻠ ﻮب ﺑﺎﻟﺘﻌ ﺼﺐ اﻟ ﺪﻳﻨﻲ. وأﺛﻤ ﺮت اﻟ ﺴﻌﺎﻳﺔ‬ ‫ﺑﻬﻢ ﻓﻲ إﻏﻀﺎب اﻟﺤﺎآﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ - وآ ﺎن ﻻ ﻳﻤﻠ ﻚ ﻧﻔ ﺴﻪ إذا ﻏ ﻀﺐ - ﻟ ﺬﻟﻚ أﻣ ﺮ ﺑﻘﺘ ﻞ ﻋﻴ ﺴﻰ ﺑ ﻦ ﻧ ﺴﻄﻮرس‬ ‫وﻓﻬﺪ ﺑﻦ إﺑ ﺮاهﻴﻢ وهﻤ ﺎ ﻣ ﻦ آﺒ ﺎر اﻟﻨ ﺼﺎرى ﻓ ﻲ اﻟ ﺪواوﻳﻦ . ﺛ ﻢ أﻋ ﺎد اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ اﻟﺤ ﺎآﻢ اﻟﻌﻤ ﻞ ﺑﻤﺮﺳ ﻮم اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ‬ ‫اﻟﻤﺘﻮآ ﻞ اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻲ ﻓﻴﻤ ﺎ ﻳﺨ ﺺ ارﺗ ﺪاء اﻟﻨ ﺼﺎرى أزﻳ ﺎء ﻣﻌﻴﻨ ﺔ ﻟﻠﺘﺤﻘﻴ ﺮ واﻟﺘ ﺸﻬﻴﺮ وﻣ ﻨﻌﻬﻢ ﻣ ﻦ اﻻﺣﺘﻔ ﺎل‬ ‫ﺑﺄﻋﻴ ﺎدهﻢ، وﺻ ﺎدر أوﻗ ﺎف اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ وأﺣ ﺮق اﻟ ﺼﻠﺒﺎن وﻣﻨ ﻊ اﻷﻗﺒ ﺎط ﻣ ﻦ ﺷ ﺮاء اﻟﻌﺒﻴ ﺪ واﻟﺠ ﻮاري، وه ﺪم‬ ‫اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺲ وﺧﺎرج اﻟﻘﺎهﺮة وأﺑﺎح ﻟﻠﻌﻮام ﻧﻬﺒﻬ ﺎ ﻓ ﺴﺎهﻢ ﻓ ﻲ زﻳ ﺎدة اﻟﺘﻌ ﺼﺐ ﺑ ﻴﻦ أﺑﻨ ﺎء اﻟ ﻮﻃﻦ اﻟﻮاﺣ ﺪ‬ ‫واﻟﺸﻌﺐ اﻟﻮاﺣﺪ.‬ ‫وﺗﻄﺮف اﻟﺤﺎآﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﻓ ﻲ ﺗﺤﻘﻴ ﺮ اﻷﻗﺒ ﺎط ﻓ ﺄﻟﺰﻣﻬﻢ ﺑﺘﻌﻠﻴ ﻖ ﺻ ﻠﺒﺎن ﺧ ﺸﺒﻴﺔ ﺛﻘﻴﻠ ﺔ )٥ أرﻃ ﺎل( ﻓ ﻲ‬ ‫أﻋﻨﺎﻗﻬﻢ وﻣﻨﻌﻬﻢ رآﻮب اﻟﺨﻴﻞ، وﻣﻨﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎح ﻟﻬ ﻢ ﺑ ﺎﻟﺮآﻮب ﻋﻠ ﻰ اﻟﺤﻤﻴ ﺮ ﺑ ﺎﻷﺟﺮة أو اﻟﺮآ ﻮب‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻤﺮاآﺐ ﺑﺄﺟﺮة.. ﺛﻢ ﺗﻄﻮرت اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺠﻨﻮﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺤﺎآﻢ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﻓﺄﺧﺬ ﻓﻲ هﺪم اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ آﻠﻬ ﺎ وأﺑ ﺎح‬ ‫ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﻟﻠﻨﺎس ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻬﺒﺎ وإﻗﻄﺎﻋ ً، ﻓﻨﻬ ﺐ اﻟﻌ ﻮام آ ﻞ ﻣ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ واﻗﺘﻄﻌ ﻮا أرﺿ ﻬﺎ واﻗﺘ ﺴﻤﻮهﺎ وﺑﻨ ﻮا ﻣ ﺴﺎﺟﺪ‬ ‫ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ وأﻗﻴﻤﺖ اﻟﺼﻼة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﻤﺸﻬﻮرة اﻟﺘﻲ ﺑﻘﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻣﺜ ﻞ آﻨﻴ ﺴﺔ ﺷ ﻨﻮدة واﻟﻜﻨﻴ ﺴﺔ‬ ‫اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ. واﻧﺘﻘﻠﺖ اﻟﺤﻤﻰ ﻟﻠﻌﻮام ﻓﺘﻜﺎﺛﺮوا ﺑﺎﻟﺸﻜﺎوى ﻋﻠﻰ دﻳﻮان اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﻄﺎﻟﺒﻮن ﺑﻤ ﺴﺘﺤﻘﺎت وهﻤﻴ ﺔ ﻟﻬ ﻢ ﻋﻠ ﻰ‬ ‫اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ وأﻣﺘﻌﺘﻬ ﺎ، وآﺎﻧ ﺖ اﻟ ﺴﻠﻄﺎت اﻟﻔﺎﻃﻤﻴ ﺔ ﺗ ﻮاﻓﻘﻬﻢ، ﻓ ﺎﻣﺘﻸت اﻷﺳ ﻮاق ﺑﺎﻟﻤﻨﻬﻮﺑ ﺎت ﻣ ﻦ أﻣﺘﻌ ﺔ اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ‬ ‫واﻟﻨﺼﺎرى ﻣﺜﻞ أواﻧﻲ اﻟﺬهﺐ واﻟﻔﻀﺔ واﻷﻳﻘﻮﻧﺎت واﻟﺜﻴﺎب اﻟﻔﺎﺧﺮة وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ.‬ ‫واﻧﺘﻘﻞ اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻣﻦ اﻟﻘﺎهﺮة إﻟﻰ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻓﻜﺘﺐ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺤﺎآﻢ إﻟﻰ وﻻﺗﻪ ﺑﺘﻤﻜﻴﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ه ﺪم اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ‬ ‫واﻷدﻳﺮة ﻓﻌ ﻢ اﻟﻬ ﺪم ﻓﻴﻬ ﺎ ﻣﻨ ﺬ ﺳ ﻨﺔ ٣٠٤ هﺠﺮﻳ ﺔ واﺳ ﺘﻤﺮ اﻟﻬ ﺪم ﺣﺘ ﻰ وﺻ ﻞ ﻃﺒﻘ ﺎ ﻹﺣ ﺼﺎء اﻟﻤﻘﺮﻳ ﺰي ﺳ ﻨﺔ‬ ‫ً‬ ‫٥٠٤ هﺠﺮﻳ ﺔ إﻟ ﻰ أآﺜ ﺮ ﻣ ﻦ ﺛﻼﺛ ﻴﻦ أﻟ ﻒ ﻣﻨ ﺸﺄة دﻳﻨﻴ ﺔ ﺑ ﻴﻦ ﺑﻴﻌ ﺔ ﻟﻠﻴﻬ ﻮد ودﻳ ﺮ وآﻨﻴ ﺴﺔ ﻟﻠﻨ ﺼﺎرى ﻓ ﻲ ﻣ ﺼﺮ‬ ‫واﻟﺸﺎم وﺗﻢ ﻧﻬﺐ آﻞ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎﺗﻬﺎ وأوﻗﺎﻓﻬﺎ.‬ ‫ﺛﻢ اﺷﺘﺪت اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﺄﺻﺪر ﻗﺮارا ﺑﻨﻔﻲ اﻷﻗﺒﺎط وإﺧﺮاﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣ ﺼﺮ إﻟ ﻰ ﺑ ﻼد اﻟ ﺮوم وﻣﻌﻬ ﻢ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻴﻬ ﻮد، ﻓ ﺎﺟﺘﻤﻊ أﻋﻴ ﺎﻧﻬﻢ ﺗﺤ ﺖ ﻗ ﺼﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ﻳﺒﻜ ﻮن وﻳ ﺼﺮﺧﻮن ﺣﺘ ﻰ رﺣﻤﻬ ﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔ ﺔ ورﺟ ﻊ ﻋ ﻦ ﻗ ﺮار‬ ‫اﻟﻨﻔ ﻲ.!! واﺿ ﻄﺮ آﺜﻴ ﺮون ﻟﻠ ﺪﺧﻮل ﻓ ﻲ اﻹﺳ ﻼم.. وآ ﺎن ذﻟ ﻚ أﻓﻈ ﻊ ﺗﺠﺮﺑ ﺔ ﻟﻼﺿ ﻄﻬﺎد اﻟﻄ ﺎﺋﻔﻲ ﻓ ﻲ ﺗ ﺎرﻳﺦ‬ ‫ﻣﺼﺮ اﻟﻮﺳﻴﻂ.. وﺑﻌﺪهﺎ ﺑﺮزت ﺑﻌﺾ ﺣﺮآﺎت اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻓﻲ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻷﻳﻮﺑﻴ ﺔ وﻓ ﻲ ﺑﺪاﻳ ﺔ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴ ﺔ..‬ ‫إﻻ أن اﻟﻌ ﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠ ﻮآﻲ )اﻟ ﺬي اﻣﺘ ﺪت ﻣﻼﻣﺤ ﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴ ﺔ ﺑﻌ ﺪ ﺳ ﻘﻮط اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴ ﺔ ﻟﺘ ﺸﻜﻞ ﻣﻼﻣ ﺢ‬ ‫اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ( ﺷﻬﺪ ﻣﻼﻣﺢ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻷﻗﺒﺎط..‬ ‫ﺛﺎﻟﺜﺎ: ﻓﺎﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺮ ﺑﺄﺳﺎ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻷﻗﺒﺎط ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ اﻹدارﻳﺔ واﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ، وﻓﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أوﺳﻌﺖ ﻟﻠﺸﻴﻮخ ﻧﻔﻮذا ﻓﻲ إدارﺗﻬﺎ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﺳﻮاء ﻣﺎ آﺎن ﺧﺎﺻ ﺎ ﺑﺎﻟﻮﻇ ﺎﺋﻒ اﻟﺪﻳﻮاﻧﻴ ﺔ آ ﺎﻟﻮزارة أو آ ﺎن ﺧﺎﺻ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﺑﺎﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ آﺎﻟﻘﻀﺎء واﻟﺤﺴﺒﺔ وﻣﺸﻴﺨﺔ اﻟﺨﻮاﻧﻖ واﻟﻤﺪارس واﻟﺠﻮاﻣﻊ.. وﻓ ﻰ ه ﺬا اﻟﻌ ﺼﺮ- اﻟﻤﻤﻠ ﻮآﻲ-‬ ‫ﺗﺴﻴﺪ اﻟﺘﺼﻮف اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻌﻘﻠﻴﺔ وﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﺘﺼﻮف اﻟﺴﻜﻮن واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻜ ﺎرﻩ، أي آ ﺎن‬ ‫ﻣﻨﺘﻈﺮا أن ﻳﻌﻴﺶ اﻷﻗﺒﺎط أزهﻰ ﻋﺼﻮر اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻲ . إﻻ أن اﻟﻌﻜﺲ ه ﻮ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺬي ﺣﺪث.‬ ‫وﻳﺮﺟﻊ اﻟﺴﺒﺐ إﻟﻰ ﻋﺎﻣﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﻧﺘﺠﺖ ﻋﻨﻪ ﺁﺛﺎر ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ زادت ﻓﻲ ﺗﺄآﻴﺪﻩ وﺳﻴﻄﺮﺗﻪ. وﻗﺪ أﺷﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﻗﺒ ﻞ إﻟ ﻰ‬ ‫ﺧﻄﻮرة ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻷﺳﺎﺳﻲ وهﻮ إدﺧﺎل آﺮاهﻴﺔ "أهﻞ اﻟﺬﻣﺔ" ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺎت واﻟﻔﺘﺎوى اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘ ﻲ أﺻ ﺒﺤﺖ‬ ‫ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ واﻟﺘﻠﻘﻴﻦ واﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ ﻣ ﻦ أﺑ ﺮز ﻃﻘ ﻮس اﻟﺘ ﺪﻳﻦ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮون اﻟﻮﺳ ﻄﻰ وه ﻰ ﻋ ﺼﺮ اﻟﺘﻌ ﺼﺐ اﻟ ﺪﻳﻨﻲ‬ ‫واﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ واﻟﺘﻄ ﺮف اﻟ ﺸﻜﻠﻲ ﻓ ﻲ اﻟﺘﻤ ﺴﻚ ﺑﻤﻈ ﺎهﺮ اﻟﺘ ﺪﻳﻦ دون ﻓﻬ ﻢ ﺣﻘﻴﻘ ﻲ ﻟﻠ ﺪﻳﻦ.. وذﻟ ﻚ ﻣ ﺎ ﺳ ﺎد‬ ‫اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻗﺘﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺗﻢ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ إﻟﻰ ﻗ ﺴﻤﻴﻦ: ﻣ ﻮﻃﻦ اﻟﻜﻔ ﺎر وﻣ ﻮﻃﻦ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ، وآ ﻞ ﻣﻌ ﺴﻜﺮ ﻳ ﺘﻬﻢ اﻵﺧ ﺮ‬ ‫ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ وﻳﻨﻌﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺼﺤﻴﺢ اﻹﻳﻤﺎن. ﺛﻢ ﻻ ﻧﻨﺴﻰ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ وأﺛﺮهﺎ ﻓﻲ ﺗ ﺄزﻳﻢ اﻟﻌﻼﻗ ﺔ ﺑ ﻴﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ‬ ‫واﻟﻨﺼﺎرى ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﻮام واﻟﻔﻘﻬﺎء .‬
‫٦١‬

‫ﺟ ﺎء اﻟﻌ ﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠ ﻮآﻲ وﻗ ﺪ ﺗ ﺸﺒﻊ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن- ﻣ ﻦ ﻋﻠﻤ ﺎء وﻋ ﻮام- ﺑﺄﻓﻜ ﺎر اﻟﺘﻌ ﺼﺐ اﻟﺘ ﻲ ﻧ ﺸﺮهﺎ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ‬ ‫واﻟﺴﻠﻔﻴﻮن ﻣﻨﺬ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﺘﻮآﻞ وأﺻﺒﺤﺖ آﻤﺎ ﻳﻘﺎل "ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮم ﻣﻦ اﻟ ﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟ ﻀﺮورة". ﺻ ﺤﻴﺢ أن اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ‬ ‫اﺿﻄﻬﺪوا اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻤﺘﻮآﻞ وﻣﻨﺬ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻬﺠﺮي ﺣﻴﺚ آﺎن اﻟﺘﺼﻮف ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺘﻪ، وﺻ ﺤﻴﺢ‬ ‫أن اﻟ ﺼﻮﻓﻴﺔ ﻣﻨ ﺬ اﻟﻘ ﺮن اﻟ ﺴﺎﺑﻊ اﻟﻬﺠ ﺮي ردوا اﻟﺘﺤﻴ ﺔ ﺑﺄﺣ ﺴﻦ ﻣﻨﻬ ﺎ ﻓﺒ ﺪءوا ﻓ ﻲ اﺿ ﻄﻬﺎد اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ وﻓﻘﻬ ﺎء‬ ‫اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ اﻟﻬﺠﺮي.. وﻟﻜﻦ اﻟﺼﺮاع اﻟ ﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑ ﻴﻦ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ واﻟ ﺼﻮﻓﻴﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠ ﻮآﻲ‬ ‫واﻧﺘﺼﺎر اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ - اﻟﻤﺸﻬﻮرﻳﻦ ﺑﺘﺴﺎﻣﺤﻬﻢ- ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﻤﺘ ﺰﻣﺘﻴﻦ ﻣ ﻦ ﺗﻴ ﺎر اﺑ ﻦ ﺗﻴﻤﻴ ﺔ ﻟ ﻢ ﻳ ﻨﻌﻜﺲ ﺗ ﺴﺎﻣﺤﺎ‬ ‫ﺳﺎﺋﺪا ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺎﻷﻗﺒﺎط ، ﺑﻞ ﻇﻞ اﺿﻄﻬﺎد اﻟﻔﻘﻬﺎء واﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻟﻸﻗﺒ ﺎط ﻣﻮﺟ ﻮدا ﻓ ﻲ ﻓﺘ ﺮات ﻣﺨﺘﻠﻔ ﺔ‬ ‫ً‬ ‫ﻷن ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ اﺗﻔﻖ ﻣﻊ اﻟﻔﻘﻬ ﺎء اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ ﻓ ﻲ اﻋﺘﺒ ﺎر اﻟ ﺴﻨﻦ اﻟﻤﻜﺘﻮﺑ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳ ﻲ اﻟﺜ ﺎﻧﻲ ﺗﺮاﺛ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫دﻳﻨﻴﺎ ﻳﺠﺐ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﻪ . أي ﻳﺘﺼﺎرﻋﻮن ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﻟﻜﻦ ﻳﺠﺘﻤﻌﻮن ﻋﻠﻰ آﺮاهﻴﺔ اﻷﻗﺒﺎط.‬ ‫ً‬ ‫وهﺬا اﻟﺘﺸﺒﻊ ﺑﺄﻓﻜﺎر اﻟﺘﻌﺼﺐ وﻣﻤﺎرﺳﺘﻪ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻴﺪﻩ ﻋﻮاﻣﻞ أﺧﺮى ﻣﻨﻬﺎ أن اﻟﺘﺼﻮف ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻟﻌ ﺼﺮ‬ ‫اﻟﻤﻤﻠﻮآﻲ ﺗﺤﻮل ﻣﻦ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻨﻈﺮي اﻟﻤﻠﻲء ﺑﺎﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟ ﺬي آ ﺎن ﻳ ﺮددﻩ اﻟﺤ ﻼج واﺑ ﻦ ﻋﺮﺑ ﻲ واﺑ ﻦ اﻟﻔ ﺎرض-‬ ‫وأﺣﻴﺎﻧﺎ أﺑﻮ ﺣﺎﻣﺪ اﻟﻐﺰاﻟﻲ- إﻟﻰ ﻃ ﺮق ﺻ ﻮﻓﻴﺔ ﻋﻤﻠﻴ ﺔ ﺗ ﺴﻌﻰ ﻟﻠ ﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠ ﻰ اﻟ ﺸﺎرع اﻟﻤ ﺼﺮي وﺗﺠﺘ ﺬب ﻟﻬ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫اﻷﻋ ﻮان واﻟﻤﺮﻳ ﺪﻳﻦ وﺗ ﺴﺘﺮزق ﺑﺎﻟﺘﺠ ﺎرة ﺑﺎﻟ ﺪﻳﻦ ﻓ ﻲ اﻟﻤﻮاﻟ ﺪ اﻟ ﺼﻮﻓﻴﺔ وﺣ ﻮل اﻷﺿ ﺮﺣﺔ.. وﻣ ﻦ هﻨ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳﻌ ﺪ‬ ‫ﻷوﻟﺌ ﻚ اﻟ ﺸﻴﻮخ اﻟﺠ ﺪد ﻣﺘ ﺴﻊ ﻟﻠﺘﻨﻈﻴ ﺮ أو ﻣﻨﺎﻗ ﺸﺔ اﻷﻓﻜ ﺎر اﻟ ﺴﻠﻔﻴﺔ اﻟﺘﻌ ﺼﺒﻴﺔ ﻟﺨ ﺼﻮﻣﻬﻢ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ، ﺑ ﻞ أن‬ ‫اﻟﺘﺼﻮف ﻓﻲ ﺗﺄﺛﻴﺮﻩ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻟﻐﻴﺮ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻗﺪ هﺒﻂ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺣﻀﻴﺾ اﻟﺠﻤﻮد وإﻏ ﻼق ﺑ ﺎب‬ ‫اﻻﺟﺘﻬﺎد وﺗﻌﻘﻴﻢ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ، ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ ﺗﺮﺳﻴﺦ اﻟﻤﺘﻮارث ﻣﻦ اﻟﻔﻜﺮ اﻟ ﺴﻠﻔﻲ وﺗﺤ ﺼﻴﻨﻪ ﺿ ﺪ اﻟﻨﻘ ﺪ‬ ‫واﻟﻨﻘﺎش ﺑﻞ وﺗﻘﺪﻳﺲ أﺋﻤﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﻔﻘﻪ وأﺳﻔﺎرهﻢ وﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﻢ..‬ ‫وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻓﺈن أﺷﻴﺎخ اﻟﺘﺼﻮف ﻓﻲ ﺳﻌﻴﻬﻢ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﻳﺪﻳﻦ وﻗﻌﻮا ﻓ ﻲ اﻟﺘﻨ ﺎﻓﺲ، واﻣﺘ ﺪت‬ ‫ﺳﺎﺣﺎت اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻟﺘﺸﻤﻞ ﺻﺮاﻋﺎ داﺧﻠﻴﺎ ﺑﻴﻦ أﺷ ﻴﺎخ اﻟﻄﺮﻳ ﻖ اﻟ ﺼﻮﻓﻲ اﻟﻮاﺣ ﺪ، وﺑ ﻴﻦ أﺷ ﻴﺎخ اﻟﻄ ﺮق اﻟ ﺼﻮﻓﻴﺔ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ذات اﻷﺻ ﻞ اﻟﻮاﺣ ﺪ، واﻟﻄ ﺮق اﻟ ﺼﻮﻓﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔ ﺔ، ﺛ ﻢ ﺑ ﻴﻦ اﻟ ﺼﻮﻓﻴﺔ وﻣ ﺸﺎهﻴﺮ اﻟﻔﻘﻬ ﺎء أﺻ ﺤﺎب اﻟ ﺼﻴﺖ‬ ‫واﻷﺗﺒﺎع، ﺛﻢ اﻣﺘﺪت اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻟﺘﺸﻤﻞ ﺻﺮاﻋﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ واﻟﺮهﺒﺎن وأﺻﺤﺎب اﻟﻨﻔﻮذ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﻴﻦ اﻷﻗﺒ ﺎط ﻣ ﻊ‬ ‫ً‬ ‫ﻏﻴ ﺮة أﺻ ﺤﺎب اﻟﻤﻮاﻟ ﺪ اﻟ ﺼﻮﻓﻴﺔ ﻣ ﻦ اﺣﺘﻔ ﺎل أو ﻣﻮﻟ ﺪ دﻳﻨ ﻲ ﻟﻸﻗﺒ ﺎط.. وذﻟ ﻚ اﻟﺘﻨ ﺎﻓﺲ أدى إﻟ ﻰ ﺗﻌ ﺼﺐ‬ ‫ﻓﺎﺿﻄﻬﺎد ﻓﺤﻮادث ﻣﺆﺳﻔﺔ.‬ ‫وﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ آﺎن ﻳﺠﺮى ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻓﺲ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨﻔ ﻮذ إذ آ ﺎن اﻟﺤ ﺴﺪ ﻳﻼﺣ ﻖ ﺑﻌ ﺾ آﺒ ﺎر اﻟﻤ ﻮﻇﻔﻴﻦ‬ ‫اﻷﻗﺒ ﺎط ﻓﻴﻠﺠ ﺄ ﺑﻌ ﺾ اﻟ ﺸﻴﻮخ إﻟ ﻰ إﺛ ﺎرة اﻟﺠﻤ ﺎهﻴﺮ واﻟﻔﻘﻬ ﺎء ﺿ ﺪهﻢ وﺗﺜ ﻮر ﺣﺮآ ﺎت اﻟﺘﻌ ﺼﺐ وﺗﻠﺠ ﺄ اﻟﺪوﻟ ﺔ‬ ‫ﻟﺘﺮﺿﻴﺔ اﻟﺸﻴﻮخ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎح ﺑﺎﺿﻄﻬﺎد اﻷﻗﺒﺎط.. وﺑﻌﺾ اﻷﻗﺒﺎط آﺎن ﻳﻌﻠﻦ إﺳ ﻼﻣﻪ ﻟﻴﻨﺠ ﻮ ﻣ ﻦ داﺋ ﺮة اﻻﺿ ﻄﻬﺎد‬ ‫وﻳﺪﻋﻢ ﻣﺮآﺰﻩ اﻟﻮﻇﻴﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﻘ ﻮم إدارﺗﻬ ﺎ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻈﻠ ﻢ واﻟﻌ ﺴﻒ.. وﻳ ﺴﺘﺨﺪم ذﻟ ﻚ اﻟ ﺬي‬ ‫أﺳﻠﻢ ﻧﻔﻮذﻩ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ اﻻﻧﺘﻘﺎم ﻣﻤﻦ ﺳﺎﻣﻮﻩ اﻟﺬل واﻟﻬﻮان وهﻮ ﻗﺒﻄ ﻲ.. وهﻜ ﺬا آﺎﻧ ﺖ ﺗ ﺪور ﻃﺎﺣﻮﻧ ﺔ اﻟﺘﻌ ﺼﺐ‬ ‫واﻻﺿ ﻄﻬﺎد ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠ ﻮآﻲ ﻓ ﻮق رؤوس اﻟﺠﻤﻴ ﻊ.. وآ ﻢ أﺣﻮﺟﻨ ﺎ ﻟﺪراﺳ ﺔ اﻟﺘ ﺎرﻳﺦ واﻻﺳ ﺘﻔﺎدة ﺑ ﻪ..‬ ‫وﻧﻌﻄﻰ أﻣﺜﻠﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻠﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻧﺮاﻋﻰ ﺗﺮﺗﻴﺒﻬﺎ ﺣﺴﺐ اﻟﺴﻨﻴﻦ..‬ ‫١- ﻣﺄﺳﺎة اﻟﺮاهﺐ ﺑﻮﻟﺲ اﻟﺤﺒﻴﺲ ﺳﻨﺔ ٦٦٦ هﺠﺮﻳﺔ:‬ ‫وﻗﺼﺘﻪ ﻣﻊ اﻟﻈﺎهﺮ ﺑﻴﺒﺮس ﺗﺸﺒﻪ ﻗﺼﺔ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻣﻊ اﻟﻘﺒﻄﻲ ﺑﻄﺮس ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻜﻨﺰ اﻟﺬي ﻗﺘﻠ ﻪ ﻋﻤ ﺮو‬ ‫ﺑﻌ ﺪ أن اﺳ ﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠ ﻰ آﻨ ﺰﻩ ﺑﺎﻟﺤﻴﻠ ﺔ.. آ ﺎن اﻟﺮاه ﺐ ﺑ ﻮﻟﺲ آﺎﺗﺒ ﺎ ﻧ ﺼﺮاﻧﻴﺎ ﺛ ﻢ ﺗﺮه ﺐ، وﻗ ﺪ ﻋﺜ ﺮ ﻋﻠ ﻰ آﻨ ﺰ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﻓﺮﻋﻮﻧﻲ ﻓﺄﺧﻔﺎﻩ وأﺧﺬ ﻳﺘ ﺼﺪق ﻣﻨ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﻓﻘ ﺮاء اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ واﻷﻗﺒ ﺎط واﻧﺘ ﺸﺮ ﺧﺒ ﺮﻩ ﻓﺎﻋﺘﻘﻠ ﻪ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن اﻟﻈ ﺎهﺮ‬ ‫ﺑﻴﺒﺮس وﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ ذﻟﻚ اﻟﻜﻨﺰ ﻓﺮﻓﺾ وﻗﺎل ﻟﻠ ﺴﻠﻄﺎن أﻧ ﻪ ﻳ ﺴﺎﻋﺪ ﺑ ﺬﻟﻚ اﻟﻜﻨ ﺰ اﻟﻔﻘ ﺮاء واﻟﻤﺤﺘ ﺎﺟﻴﻦ وﻣﻌﻈﻤﻬ ﻢ‬ ‫ﻣﻤ ﻦ ﻳ ﺼﺎدر اﻟ ﺴﻠﻄﺎن أﻣ ﻮاﻟﻬﻢ أي أن اﻷﻣ ﻮال ﺗ ﺼﻞ ﻟﻠ ﺴﻠﻄﺎن ﻓ ﻲ ﻧﻬﺎﻳ ﺔ اﻷﻣ ﺮ، وآ ﺄن اﻟﺮاه ﺐ ﻗ ﺪ أﻋﻄ ﻰ‬ ‫ﺿﻮءا أﺧﻀﺮ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن اﻟﻈ ﺎهﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس ﻓ ﻲ ﻣ ﺼﺎدرة اﻷﻗﺒ ﺎط ﺑﺎﻟ ﺬات، إذ ﺗﻜ ﺎﺛﺮ ﺿ ﺤﺎﻳﺎ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن ﻣ ﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ‬ ‫ً‬
‫٧١‬

‫أوﻗﻊ ﺑﻬﻢ اﻟﻤﺼﺎدرات وﻓﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻐﺮاﻣﺎت وﻗﺎم ذﻟ ﻚ اﻟﺮاه ﺐ ﺑ ﺪﻓﻊ اﻟﻐﺮاﻣ ﺎت ﻋ ﻨﻬﻢ وإﻋ ﺎﻧﺘﻬﻢ، واﻧﻄﻠ ﻖ‬ ‫اﻟﺮاهﺐ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﺴﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺪن واﻟﻘﺮى ﻳﻌﻴﻦ اﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻴﻦ وﻳﻄﻠﻖ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻪ ﺳﺮاح اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻴﻦ واﻟﻤﺤﺒﻮﺳ ﻴﻦ ﺑ ﺴﺒﺐ‬ ‫ﻋﺠﺰهﻢ ﻋﻦ دﻓ ﻊ اﻟﻐﺮاﻣ ﺎت واﻹﺗ ﺎوات وﻳﺘ ﺼﺪق ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺤ ﺮوﻣﻴﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻨ ﺼﺎرى واﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ وﻏﻴ ﺮهﻢ ﻣ ﻦ‬ ‫اﻟﻨﺼﺎﺑﻴﻦ ﻣﺤﺘﺮﻓﻲ اﻟﻔﻘ ﺮ، وﻣ ﻦ اﻟﻨ ﻮادر اﻟﺘ ﻲ ﺗﺤﻜ ﻰ أن ﺑﻌ ﻀﻬﻢ آ ﺎن ﻳﻘ ﻮم أﻣﺎﻣ ﻪ ﺑﺘﻤﺜﻴﻠﻴ ﺔ، ﻳﻘ ﻮم اﺛﻨ ﺎن ﺑﺠ ﺮ‬ ‫رﺟﻞ وهﻮ ﻳﺴﺘﻐﻴﺚ وهﻤﺎ ﻳﻀﺮﺑﺎﻧﻪ ﻳﻤﺜﻼن دور رﺟﺎل اﻟﺸﺮﻃﺔ ﻓﻴ ﺴﺘﻐﻴﺚ اﻟﻤ ﻀﺮوب ﺑﺎﻟﺮاه ﺐ ﻳﻘ ﻮل ﻟ ﻪ "ﻳ ﺎ‬ ‫أﺑﻮﻧﺎ أﻗﻀﻰ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻮن، ﻓﻴﺴﺄﻟﻪ اﻟﺮاهﺐ ﻋﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻮن، وﻳﻜﺘﺐ ﻟﻪ ورﻗﺔ ﺑ ﺎﻟﻤﺒﻠﻎ اﻟ ﺬي ﻳﺪﻋﻴ ﻪ،‬ ‫ّ‬ ‫ﻓﻴﺄﺧﺬوﻧﻪ وﻳﺼﺮﻓﻮﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻴﺮﻓﻲ آﻤﺎ هﻮ.. ووﺻﻠﺖ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ﻋ ﻦ ﻃﺮﻳ ﻖ ذﻟ ﻚ اﻟﺮاه ﺐ‬ ‫ﻓﻴﻤﺎ دﻓﻌﻪ ﻋﻦ اﻟﻤﺤﺒﻮﺳﻴﻦ واﻟﻤﺼﺎدرﻳﻦ، وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ذﻟﻚ اﻟﺮاهﺐ ﻳﺄآﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻤﺎل، ﺑ ﻞ آ ﺎن ﻃﻌﺎﻣ ﻪ وﻧﻔﻘﺎﺗ ﻪ‬ ‫ﻣﻦ ﺻﺪﻗﺎت اﻟﻨﺼﺎرى، ﺛﻢ ﺣﺪث ﺣﺮﻳﻖ ﻏ ﺎﻣﺾ ﻓ ﻲ ﺣ ﻲ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴ ﺔ ﻓ ﻲ ﺳ ﻨﺔ ٣٦٦ واﻧﺘ ﺸﺮ ﻓ ﻲ أﺣﻴ ﺎء أﺧ ﺮى‬ ‫ﺑﺎﻟﻘﺎهﺮة واﺗﺨﺬهﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻴﺼﺎدر آﻞ أﻣﻮال اﻟﺮاهﺐ ﻓ ﺎﺗﻬﻢ اﻟﻴﻬ ﻮد واﻟﻨ ﺼﺎرى ﺑﺈﺷ ﻌﺎل ذﻟ ﻚ‬ ‫اﻟﺤﺮﻳ ﻖ، وأﺻ ﺪر أﻣ ﺮا ﺑ ﺈﺣﺮاق آ ﻞ اﻟﻴﻬ ﻮد واﻷﻗﺒ ﺎط، وﻟﻜ ﻲ ﻳ ﺘﻘﻦ ه ﺬﻩ اﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻴ ﺔ ﻓﻘ ﺪ ﺟﻤ ﻊ آﺒ ﺎر اﻟﻴﻬ ﻮد‬ ‫ً‬ ‫واﻟﻨﺼﺎرى ﺗﺤﺖ اﻟﻘﻠﻌﺔ وأﺣﻀﺮ اﻟﺤﻄﺐ واﻟﻮﻗﻮد، وآﺎن ﻋﺪدهﻢ أﻟﻮﻓ ﺎ وارﺗﻔﻌ ﺖ اﺳ ﺘﻐﺎﺛﺎﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟ ﺴﻠﻄﺎن، ﻓﻌﻔ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻧﻈﻴﺮ ﻏﺮاﻣﺔ ﻗﺪرهﺎ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ أﻟ ﻒ دﻳﻨ ﺎر.. وآﻤ ﺎ ﺗﻮﻗ ﻊ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن ﺑ ﺎدر اﻟﺮاه ﺐ ﺑ ﻮﻟﺲ ﺑ ﺪﻓﻌﻬﺎ‬ ‫ﻋﻠﻰ أﺧﺮهﺎ. ﻓﺎآﺘﺴﺐ ﺷﻬﺮة ﻓﻲ آﻞ أﻧﺤ ﺎء ﻣ ﺼﺮ، وﺻ ﺎرت ﺗﺘﺒﻌ ﻪ ﻣﻈ ﺎهﺮات أﻳﻨﻤ ﺎ ﺳ ﺎر ﺗﺘﺒ ﺮك ﺑ ﻪ وﺗﻄﻠ ﺐ‬ ‫ﻣﻨﻪ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات واﻷﻣﻮال..‬ ‫وﺗﻜﺎﺛﺮت ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻈﺎهﺮات ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳ ﻜﻨﺪرﻳﺔ وأﺛ ﺎرت ﻏ ﻴﻆ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﻟ ﺸﻴﻮخ ﻓﺄرﺳ ﻠﻮا ﻓﺘ ﺎوﻳﻬﻢ ﻟﻠ ﺴﻠﻄﺎن‬ ‫ﺗﺤ ﺘﻢ ﻗﺘ ﻞ ذﻟ ﻚ اﻟﺮاه ﺐ ﺣﺘ ﻰ ﻻ ﻳﻔ ﺘﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓ ﻲ دﻳ ﻨﻬﻢ، ورﺁه ﺎ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن ﻓﺮﺻ ﺔ ﺷ ﺮﻋﻴﺔ ﻟﻴ ﺘﺨﻠﺺ ﻣ ﻦ‬ ‫اﻟﺮاهﺐ وﻳﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ آﻨﺰﻩ اﻟﺨﺒﻴﻲء ﻓﺎﻋﺘﻘﻠﻪ واﺳﺘﺠﻮﺑﻪ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻜﻨﺰ ﻓﺮﻓﺾ اﻟﺮاه ﺐ اﻻﻋﺘ ﺮاف،‬ ‫ﻓﺄﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺘﻌﺬﻳﺒﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺘﺮف.. واﺳﺘﻤﺮ اﻟﺮاهﺐ ﺗﺤﺖ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ إﻟﻰ أن ﻟﻔﻆ أﻧﻔ ﺴﺎﻩ اﻷﺧﻴ ﺮة وﻣ ﺎت ﺳ ﻨﺔ‬ ‫٦٦٦ هﺠﺮﻳﺔ وﻣﺎت ﻣﻌﻪ ﺳﺮ اﻟﻜﻨﺰ.‬ ‫٢- اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺼﻮﻓﻲ ﺧﻀﺮ اﻟﻌﺪوى ﺳﻨﺔ ٢٧٦ هﺠﺮﻳﺔ:‬ ‫آ ﺎن ه ﺬا اﻟ ﺸﻴﺦ ﻳﺘﻤﺘ ﻊ ﺑﺎﻋﺘﻘ ﺎد اﻟ ﺴﻠﻄﺎن اﻟﻈ ﺎهﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس.. وﻣ ﺸﻬﻮرا ﺑﺎﻧﺤﻼﻟ ﻪ اﻟﺨﻠﻘ ﻲ وﺷ ﺬوذﻩ اﻟﺠﻨ ﺴﻲ‬ ‫ً‬ ‫وﺗﻌﺼﺒﻪ ﺿﺪ اﻟﻨﺼﺎرى ﻓﻲ اﻟﺸﺎم وﻣ ﺼﺮ، وأﻓ ﺴﺢ اﻟﻈ ﺎهﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس ﻟ ﻪ اﻟﻤﺠ ﺎل ﻓﻬ ﺪم آﺜﻴ ﺮا ﻣ ﻦ اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ ﻓ ﻲ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ، وﻣﻦ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺘﻲ ه ﺪﻣﻬﺎ ﺑﻤ ﺼﺮ آﻨﻴ ﺴﺔ اﻟ ﺮوم ﺑﺎﻹﺳ ﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻟﺘ ﻲ ﻳ ﺸﺎع أن ﻓﻴﻬ ﺎ رأس اﻟﻨﺒ ﻲ‬ ‫ﻳﺤﻴ ﻰ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﻼم )ﻳﻮﺣﻨ ﺎ(، وﻗ ﺪ ﺗﺤﻮﻟ ﺖ ﻋﻠ ﻰ ﻳ ﺪ اﻟ ﺸﻴﺦ ﺧ ﻀﺮ اﻟﻌ ﺪوى إﻟ ﻰ ﻣ ﺴﺠﺪ وﺳ ﻤﺎﻩ )اﻟﻤﺪرﺳ ﺔ‬ ‫اﻟﺨﻀﺮاء( وأﻧﻔﻖ ﻓﻲ ﺗﻌﻤﻴﺮ هﺬﻩ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻷﻣﻮال اﻟﻜﺜﻴﺮة ﻣﻦ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎل.‬ ‫٣- واﻗﻌﺔ اﻟﻨﺼﺎرى ﺳﻨﺔ ٢٨٦ هﺠﺮﻳﺔ:‬ ‫ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ آﺎن اﻟﻨﺼﺎرى ﻣﻘﻬﻮرﻳﻦ ﻓﻲ ﺳ ﻠﻄﻨﺔ اﻟﻈ ﺎهﺮ ﺑﻴﺒ ﺮس واﻟ ﺴﻠﻄﺎن اﻟﻤﻨ ﺼﻮر ﻗ ﻼوون‬ ‫واﻧﺘﻬﻰ ذﻟﻚ ﺑﺘ ﻮﻟﻲ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن اﻷﺷ ﺮف ﺧﻠﻴ ﻞ ﺑ ﻦ ﻗ ﻼوون اﻟ ﺬي أﻧﻬ ﻰ اﻟﻮﺟ ﻮد اﻟ ﺼﻠﻴﺒﻲ ﻓ ﻲ اﻟ ﺸﺎم. اﻷﺷ ﺮف‬ ‫ﺧﻠﻴﻞ ﺑﻦ ﻗﻼوون أﺗﺎح ﻟﻸﻗﺒﺎط اﻟﻨﻔﻮذ وﻋﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ آﺒ ﺎر اﻟﻤ ﻮﻇﻔﻴﻦ اﻷﻗﺒ ﺎط اﻟ ﺬﻳﻦ ﺗﻮﻟ ﻮا اﻟﻜﺘﺎﺑ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪواوﻳﻦ،‬ ‫ﻓ ﺄﺗﻴﺢ ﻟﻬ ﻢ اﻟﺘﻨﻔ ﻴﺲ ﻋﻤ ﺎ ﻓ ﻲ ﺻ ﺪروهﻢ ﻣ ﻦ ﻣ ﺸﺎﻋﺮ اﻻﻧﺘﻘ ﺎم، ﻓﺘ ﺴﻠﻄﻮا ﻋﻠ ﻰ أرﺑ ﺎب اﻟﺤ ﻮاﺋﺞ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ‬ ‫ﻳﺬﻟﻮﻧﻬﻢ.. وأدى ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻌﺮف ﺑﻮاﻗﻌﺔ اﻟﻨ ﺼﺎرى ﺳ ﻨﺔ ٢٨٦ هﺠﺮﻳ ﺔ. وﺑ ﺪأت اﻟﻮاﻗﻌ ﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﺗ ﺐ‬ ‫اﻟﻘﺒﻄﻲ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﺳﻢ "ﻋﻴﻦ اﻟﻐﺰال" وﻗﺪ اﺗﻬﻢ ﺳﻤﺴﺎرا ﻣﺴﻠﻤﺎ ﺑﺘﺄﺧﻴﺮ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ أﻣ ﻮال ﻟﻸﻣﻴ ﺮ اﻟﻤﻤﻠ ﻮآﻲ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اﻟ ﺬي ﻳﻌﻤ ﻞ ﻋﻨ ﺪﻩ اﻟﻜﺎﺗ ﺐ اﻟﻘﺒﻄ ﻲ ﻋ ﻴﻦ اﻟﻐ ﺰال. ورأى اﻟﻨ ﺎس ﻓ ﻲ اﻟ ﺸﺎرع اﻟﺴﻤ ﺴﺎر اﻟﻤ ﺴﻠﻢ ﻳﻌﺘ ﺬر ﻟﻠﻜﺎﺗ ﺐ‬ ‫اﻟﻘﺒﻄﻲ وﻳﻘﺒﻞ ﻗﺪﻣﻪ وهﻮ راآﺐ ﺣﺼﺎﻧﻪ واﻟﻜﺎﺗﺐ ﻻ ﻳﺰداد إﻻ ﺗﺠﺒﺮا وهﻮ ﻳﺼﻤﻢ ﻋﻠﻰ اﻋﺘﻘﺎل اﻟﺴﻤﺴﺎر وأﺧﺬﻩ‬ ‫ً‬ ‫إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻷﻣﻴﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻲ، وﺗﺪﺧﻞ اﻟﻨ ﺎس ﻓ ﻲ اﻟ ﺸﻮارع وﺗﺠﻤﻬ ﺮوا ﻳﺤ ﺎوﻟﻮن ﺗﺨﻠ ﻴﺺ اﻟﺴﻤ ﺴﺎر ﻣ ﻦ اﻟﻜﺎﺗ ﺐ‬ ‫وهﻮ ﻳﺮﻓﺾ، ﻓﻤﺎ آﺎن ﻣﻦ اﻟﻨﺎس إﻻ أن ﺗﻜﺎﺛﺮوا ﻋﻠ ﻰ اﻟﻜﺘ ﺎب وأﻟﻘ ﻮﻩ ﻣ ﻦ ﻋﻠ ﻰ داﺑﺘ ﻪ وﺧﻠ ﺼﻮا اﻟﺴﻤ ﺴﺎر ﻣ ﻦ‬ ‫ﻳﺪﻩ. ﻓﺬهﺐ اﻟﻜﺎﺗﺐ إﻟﻰ اﻷﻣﻴ ﺮ وأﺣ ﻀﺮ ﻋ ﺪة ﻣ ﻦ اﻟﺠﻨ ﻮد وﺷ ﺮﻋﻮا ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺒﺾ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨ ﺎس.. وﺛ ﺎرت اﻟﻌ ﻮام‬
‫٨١‬

‫وﺻﺎروا ﻓﻲ ﻣﻈﺎهﺮة ﻏﺎﺿﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﻌﺔ ﻳﻬﺘﻔﻮن "اﷲ أآﺒﺮ" ﻓﺨﺎف اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻦ ﺛﻮرة اﻟﻌﻮام ﺣﻴﻦ ﻋﺮف ﺑﻤ ﺎ‬ ‫ﺣﺪث ، ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺎﻋﺘﻘﺎل اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻘﺒﻄﻲ ﻋ ﻴﻦ اﻟﻐ ﺰال وأﺻ ﺪر ﻣﺮﺳ ﻮﻣﺎ ﺑﻌ ﺰل اﻟﻜﺘﺒ ﺔ اﻷﻗﺒ ﺎط إن ﻟ ﻢ ﻳ ﺪﺧﻠﻮا ﻓ ﻲ‬ ‫ً‬ ‫اﻹﺳﻼم وﻣﻦ رﻓﺾ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﺿﺮﺑﺖ ﻋﻨﻘﻪ. ﻓﺎﺧﺘﻔﻰ اﻷﻗﺒﺎط ﻣﻦ اﻟﺸﻮارع.. ووﻗﻊ اﻟﻨﻬﺐ ﻓ ﻲ‬ ‫ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ.. واﻟﺴﺒﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻧﺴﺎﺋﻬﻢ، وأﺻﺒﺢ اﻟﺸﺎرع ﻣﺸﺤﻮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﺰﻳ ﺪ ﻣ ﻦ اﻟ ﺘﻌﻄﺶ ﻟﻠﻌﻨ ﻒ وأﺻ ﺒﺢ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴ ﻚ‬ ‫ً‬ ‫أﺳ ﺮى ﻟﻠ ﺸﻌﻮر اﻟ ﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﺘﻌ ﺼﺐ ، ﻓ ﺄﻣﺮ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن ﺑﺤﻔ ﺮ ﺣﻔ ﺮة آﺒﻴ ﺮة ﻓ ﻲ ﺳ ﻮق اﻟﺨﻴ ﻞ ﻹﺣ ﺮاق اﻟﻜﺘﺒ ﺔ‬ ‫اﻟﻨ ﺼﺎرى، وﺣ ﻀﺮ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن واﻷﻣ ﺮاء، وﺗ ﺸﻔﻊ اﻷﻣﻴ ﺮ ﺑﻴ ﺪرا ﻓ ﻲ اﻷﻗﺒ ﺎط.. وﻓ ﻰ اﻟﻨﻬﺎﻳ ﺔ ارﺗ ﻀﻰ اﻟﻜﺘﺒ ﺔ‬ ‫اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻹﺳﻼم، وآﺘﺒﻮا إﻗﺮارا ﺑﺬﻟﻚ.‬ ‫ً‬ ‫وﻳﻘ ﻮل اﻟﻤﻘﺮﻳ ﺰي ﻳﻌﻠ ﻖ ﻋﻠ ﻰ ﺗﻠ ﻚ اﻟﺤﺎدﺛ ﺔ "ﻓ ﺼﺎر اﻟ ﺬﻟﻴﻞ ﻣ ﻨﻬﻢ ﺑﺈﻇﻬ ﺎر اﻹﺳ ﻼم ﻋﺰﻳ ﺰً، ﻳﺒ ﺪى ﻣ ﻦ إذﻻل‬ ‫ا‬ ‫اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ واﻟﺘ ﺴﻠﻂ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﺑ ﺎﻟﻈﻠﻢ ﻣ ﺎ آ ﺎن ﺗﻤﻨﻌ ﻪ ﻧ ﺼﺮاﻧﻴﺘﻪ ﻣ ﻦ إﻇﻬ ﺎرﻩ . أي ﺑﻤﺠ ﺮد اﻟﻨﻄ ﻖ ﺑﺎﻟ ﺸﻬﺎدة- أو‬ ‫اﻟ ﺸﻬﺎدﺗﻴﻦ- أﻧﻘ ﺬ آ ﻞ ﻣ ﻨﻬﻢ ﺣﻴﺎﺗ ﻪ وأﺻ ﺒﺢ ﻣ ﻦ ﺣﻘ ﻪ اﻻﻧﺘﻘ ﺎم ﻣ ﻦ ﺧ ﺼﻮﻣﻪ ﺑ ﺴﻴﻒ اﻟ ﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴ ﺔ وﻓ ﻰ‬ ‫ﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ.. وﺗﻠﻚ ﺿﺮﻳﺒﺔ اﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﺴﻮد ﻣﺠﺘﻤﻌﺎ وﻳﻨﺸﺮ اﻟﻔﺮﻗﺔ واﻟﻜﺮاهﻴﺔ ﺑﻴﻦ أﺑﻨﺎﺋﻪ.‬ ‫ً‬ ‫٤- واﻗﻌﺔ اﻟﻮزﻳﺮ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﺳﻨﺔ ٠٠٧ هﺠﺮﻳﺔ:‬ ‫ﻗ ﺪم ذﻟ ﻚ اﻟ ﻮزﻳﺮ اﻟﻤﻐﺮﺑ ﻲ ﻟﻠﻘ ﺎهﺮة ﻓ ﻲ ﻃﺮﻳﻘ ﻪ ﻟﻠﺤ ﺞ واﺣﺘﻔ ﺖ ﺑ ﻪ اﻟ ﺴﻠﻄﺎت اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴ ﺔ، وﻧ ﺰل ذﻟ ﻚ اﻟ ﻮزﻳﺮ‬ ‫اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻳﺘﺠﻮل ﻓﻲ اﻟﻘﺎهﺮة ﻓﻲ ﺳﻮق اﻟﺨﻴﻞ ﻓﺮأى رﺟﻼ راآﺒﺎ ﻓﺮﺳ ﻪ ﻓ ﻲ ﺛﻴ ﺎب ﻓ ﺎﺧﺮة وﺟﻤﺎﻋ ﺔ ﻳﻤ ﺸﻮن ﻓ ﻲ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رآﺎﺑﻪ وﺣﻮﻟﻪ أﺻﺤﺎب اﻟﺤﺎﺟﺎت ﻳﺘﻀﺮﻋﻮن إﻟﻴﻪ وﻳﻘﺒﻠ ﻮن ﻗﺪﻣﻴ ﻪ ورآﺎﺑ ﻪ وه ﻮ ﻳ ﺼﻴﺢ ﺑﻐﻠﻤﺎﻧ ﻪ أن ﻳﻄ ﺮدوهﻢ‬ ‫ﺎ‬ ‫وه ﻢ ﻳ ﺰدادون ﻟ ﻪ ﺧ ﻀﻮﻋً، ﻓ ﺴﺄل اﻟ ﻮزﻳﺮ اﻟﻤﻐﺮﺑ ﻲ ﻋ ﻦ ذﻟ ﻚ اﻟﺮاآ ﺐ ﺻ ﺎﺣﺐ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن ﻓﻌ ﺮف أﻧ ﻪ آﺎﺗ ﺐ‬ ‫ﻧﺼﺮاﻧﻲ، ﻓﻐﻀﺐ وﺻﻌﺪ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪﻩ ووﺟﺪ آﺒﺎر اﻷﻣﺮاء ﻓﺄﺧﺬ ﻳﻌﻈﻬﻢ وﻳﺒﻜﻰ وﻳﺤ ﺬرهﻢ ﻣ ﻦ ﻧﻘﻤ ﺔ اﷲ‬ ‫إذ ﺗﺮآ ﻮا أﻋ ﻮاﻧﻬﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻜﺘﺒ ﺔ اﻷﻗﺒ ﺎط ﻳ ﺬﻟﻮن اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ، وﻧﺠ ﺢ اﻟ ﻮزﻳﺮ اﻟﻤﻐﺮﺑ ﻲ ﻓ ﻲ إﺛ ﺎرة اﻷﻣ ﺮاء واﻧﺘﻬ ﻰ‬ ‫اﻷﻣﺮ ﺑﺎﺳﺘﺼﺪار ﻗﺮارات اﺳﺘﺮﺟﻌﺖ ﻣﺮاﺳﻴﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺘﻮآﻞ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﻓﻲ إﻟﺰام اﻷﻗﺒﺎط ﺑ ﺰى ﻣﻌ ﻴﻦ وﻣ ﻨﻌﻬﻢ‬ ‫ﻣﻦ رآ ﻮب اﻟﺨﻴ ﻞ، وآﺎﻟﻌ ﺎدة ﺗﻄ ﻮر اﻷﻣ ﺮ ﺑ ﺎﻟﻮزﻳﺮ اﻟﻤﻐﺮﺑ ﻲ ﻓﻘ ﺎم ﻳ ﺪﻋﻮ ﻟﻬ ﺪم اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ ﻓﻮﻗ ﻒ ﺿ ﺪﻩ ﻗﺎﺿ ﻰ‬ ‫اﻟﻘﻀﺎة اﻟﻤﺼﺮي اﺑﻦ دﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺪ وأﻓﺘﻰ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮز أن ﻳﻬﺪم ﻣﻦ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ إﻻ ﻣﺎ اﺳﺘﺠﺪ ﺑﻨﺎؤﻩ، وﻟﻜ ﻦ اﺿ ﻄﺮ‬ ‫اﻷﻗﺒﺎط إﻟﻰ ﻏﻠﻖ ﺑﻌﺾ آﻨﺎﺋﺴﻬﻢ ﺧﻮﻓﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻬﺪم..‬ ‫ً‬ ‫واﻧﺘﻘﻠ ﺖ ﻋ ﺪوى اﻟﺘﺨﺮﻳ ﺐ ﻣ ﻦ اﻟ ﻮزﻳﺮ اﻟﻤﻐﺮﺑ ﻲ إﻟ ﻰ اﻟﻌ ﻮام ﻓﻜﺜ ﺮت ﺷ ﻜﺎوﻳﻬﻢ ﻓ ﻲ اﻟﻨ ﺼﺎرى، وآﺎﻟﻌ ﺎدة‬ ‫اﺳﺘﺮﺿﺘﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺒﺎط واﻟﻴﻬﻮد، وﻣﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﻇﻒ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪواوﻳﻦ.. ورﺁه ﺎ‬ ‫اﻟﻌﻮام ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻔﺮض ﺳ ﻴﻄﺮﺗﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ أﻏﻨﻴ ﺎء اﻷﻗﺒ ﺎط، ﻓﺘﺘﺒﻌ ﻮهﻢ ﺑﺎﻟ ﻀﺮب ﺣﺘ ﻰ اﺧﺘﻔ ﻮا ﻣ ﻦ اﻟ ﺸﻮارع وﻟﺠ ﺄ‬ ‫ً‬ ‫ﺑﻌﻀﻬﻢ إﻟﻰ إﻇﻬﺎر اﻹﺳﻼم ﺗﻜﺒﺮا ﻣﻦ ارﺗﺪاء اﻟﺰى اﻟﻤﻔﺮوض ﻋﻠﻴﻬﻢ.. وأدى ذﻟﻚ اﻻﺿﻄﻬﺎد إﻟ ﻰ ﺗ ﺪﺧﻞ ﻣﻠ ﻚ‬ ‫ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ إذ أرﺳﻞ هﺪﻳﺔ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن اﻟﻤﻤﻠ ﻮآﻲ ﺳ ﻨﺔ ٣٠٧ هﺠﺮﻳ ﺔ وﻳﺮﺟ ﻮﻩ إرﺟ ﺎع اﻷﻗﺒ ﺎط إﻟ ﻰ وﻇ ﺎﺋﻔﻬﻢ وﻓ ﺘﺢ‬ ‫آﻨﺎﺋﺴﻬﻢ.. ﻓﺎﺳﺘﺠﺎب ﻟﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻓﺘﺢ آﻨﻴﺴﺔ ﻓﻲ ﺣﺎرة زوﻳﻠﺔ وأﺧﺮى ﺑﺎﻟﺒﻨﺪﻗﺎﻧﻴﻴﻦ..‬ ‫٥- ﺣﺮآﺔ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺒﻜﺮي ﺳﻨﺔ ٤١٧ هﺠﺮﻳﺔ:‬ ‫واﻟ ﺸﻴﺦ اﻟﺒﻜ ﺮي أﺣ ﺪ اﻟ ﺼﻮﻓﻴﺔ اﻟﺒ ﺎرزﻳﻦ ﻓ ﻲ ﺳ ﻠﻄﻨﺔ اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻣﺤﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﻗ ﻼوون، وأﺣ ﺪ ﺧ ﺼﻮم اﻟ ﺸﻴﺦ اﺑ ﻦ‬ ‫ﺗﻴﻤﻴﺔ. وﺣﺪث أن ﻋﺮف اﻟ ﺸﻴﺦ اﻟﺒﻜ ﺮي أن اﻟﻨ ﺼﺎرى اﺳ ﺘﻌﺎروا ﻣ ﻦ ﻗﻨﺎدﻳ ﻞ ﺟ ﺎﻣﻊ ﻋﻤ ﺮو ﺷ ﻴﺌﺎ ﻓﻬﺠ ﻢ اﻟ ﺸﻴﺦ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺒﻜﺮي ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻧﻜﻞ ﺑﺎﻟﻨﺼﺎرى ﻓﻴﻬﺎ، ﺛﻢ ﻋ ﺎد إﻟ ﻰ ﺟ ﺎﻣﻊ ﻋﻤ ﺮو وأه ﺎن اﻟﻤ ﻮﻇﻔﻴﻦ ﻓﻴ ﻪ، ووﺻ ﻞ أﻣ ﺮﻩ‬ ‫ﻟﻠ ﺴﻠﻄﺎن ﻓﻌﻘ ﺪ ﻟ ﻪ ﻣﺠﻠ ﺴﺎ ﻟﻠﺘﺤﻘﻴ ﻖ، ﻓﺄﺧ ﺬت اﻟﻌ ﺰة اﻟ ﺸﻴﺦ اﻟﺒﻜ ﺮي وأﻏﻠ ﻆ اﻟﻘ ﻮل ﻟﻠ ﺴﻠﻄﺎن وه ﻮ ﻳﺘ ﺼﻮر أن‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻪ وﻳﺘﻌﻆ، وﻟﻜﻦ ﻓ ﻮﺟﺊ ﺑﺎﻟ ﺴﻠﻄﺎن ﻳ ﺄﻣﺮ ﺑﻘﻄ ﻊ ﻟ ﺴﺎﻧﻪ ﻋﻘﺎﺑ ﺎ ﻟ ﻪ ﻋﻠ ﻰ ﺟﺮأﺗ ﻪ.. ﻓﺎﻧﻘﻠ ﺐ اﻟ ﺸﻴﺦ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺒﻜﺮي إﻟﻰ ﺣﺎﻟ ﺔ أﺧ ﺮى، وأﺧ ﺬ ﻳ ﺴﺘﻐﻴﺚ ﺑ ﺎﻷﻣﺮاء ﻳﺮﺟ ﻮهﻢ اﻟﺘ ﺸﻔﻊ ﻟ ﻪ ﻋﻨ ﺪ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن ﺣﺘ ﻰ ﻻ ﻳﻘﻄ ﻊ ﻟ ﺴﺎﻧﻪ،‬ ‫ورق ﻟﻪ اﻷﻣﺮاء ﻓﺘﺸﻔﻌﻮا ﻓﻴﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن.. ﻓﺄﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻨﻔﻴﻪ..‬

‫٩١‬

‫٦- واﻗﻌﺔ اﻹﺣﺮاق اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ وﻗﺖ واﺣﺪ ﺳﻨﺔ ١٢٧ هﺠﺮﻳﺔ:‬ ‫ﻓﻲ آﺘﺎﺑﻨﺎ "اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺪوي ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ واﻟﺨﺮاﻓﺔ" اﻟﻤﺄﺧﻮذ ﻋﻦ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺪآﺘﻮراﻩ ﺣﻘﻘﻨﺎ هﺬﻩ اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﻤﺠﻬﻮﻟ ﺔ‬ ‫واﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺼﺮي وأﺛﺒﺘﻨﺎ أن اﻟﻤﺴﺌﻮل ﻋﻨﻪ هﻲ ﺣﺮآﺔ "أﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪوي" اﻟﺴﺮﻳﺔ اﻟ ﺸﻴﻌﻴﺔ اﻟﻤ ﺴﺘﺘﺮة‬ ‫ﺑﺎﻟﺘﺼﻮف، إذ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ ﻓﺸﻞ ﺗﻠ ﻚ اﻟﺤﺮآ ﺔ اﻟ ﺴﺮﻳﺔ ﻓ ﻲ ﻗﻠ ﺐ ﻧﻈ ﺎم اﻟﺤﻜ ﻢ اﻟﻤﻤﻠ ﻮآﻲ - ﻹﻗﺎﻣ ﺔ دوﻟ ﺔ ﺷ ﻴﻌﻴﺔ ﺗﻌﻴ ﺪ‬ ‫اﻟﺤﻜ ﻢ اﻟﻔ ﺎﻃﻤﻲ ﻟﻤ ﺼﺮ واﻟﻤﻨﻄﻘ ﺔ - ﻗﺎﻣ ﺖ ﺑﺘﻔﺠﻴ ﺮ ﻋﻤﻠﻴ ﺔ إرهﺎﺑﻴ ﺔ ﺳ ﺮﻳﺔ ﻹﺣ ﺮاج اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴ ﺔ: وه ﻰ‬ ‫اﻟﺘﺪﻣﻴﺮ اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻣﻦ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻷﺳﻮان ﻓﻲ وﻗﺖ واﺣ ﺪ وﺑﻄﺮﻳﻘ ﺔ واﺣ ﺪة.. إذ أﻧ ﻪ ﺑﻌ ﺪ ﺻ ﻼة‬ ‫اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻳﻮم اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ رﺑﻴﻊ اﻷول ﺳﻨﺔ ١٢٧ هﺠﺮﻳ ﺔ ﻓ ﻮﺟﺊ اﻟﻤ ﺼﻠﻮن ﻓ ﻲ آ ﻞ اﻟﻤ ﺪن اﻟﻤ ﺼﺮﻳﺔ اﻟﺘ ﻲ‬ ‫ً‬ ‫ﺑﻬ ﺎ آﻨ ﺎﺋﺲ ﺑﻤﺠ ﺬوب ﻣﺠﻬ ﻮل اﻟﺸﺨ ﺼﻴﺔ ﻳﻘ ﻒ ﺻ ﺎﺋﺤﺎ ﻣ ﻀﻄﺮﺑﺎ داﻋﻴ ﺎ ﻟﺤ ﺮق اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ، وﺣ ﻴﻦ ﻳﺨ ﺮج‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﺠﺪ ﻳﻔﺎﺟ ﺄون ﺑﺘ ﺪﻣﻴﺮ اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨ ﺔ وﺣﺮﻗﻬ ﺎ وﻗ ﺪ ﺳ ﻮﻳﺖ ﺑ ﺎﻷرض . وﻓ ﻰ ﺿ ﻮء‬ ‫اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻓﻲ ﺑﺮآ ﺎت اﻟﻤﺠﺎذﻳ ﺐ اﻟ ﺬي ﺗ ﺴﻴﺪ اﻟﻌ ﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠ ﻮآﻲ ﻳ ﺆﻣﻦ اﻟﻨ ﺎس ﺑﺄﻧﻬ ﺎ إرادة إﻟﻬﻴ ﺔ واﻧﻜ ﺸﻔﺖ أﻣ ﺎم‬ ‫ﺑﺼﻴﺮة ذﻟﻚ اﻟﻤﺠ ﺬوب "اﻟﻤﻜ ﺸﻮف ﻋﻨ ﻪ اﻟﺤﺠ ﺎب". وﺳ ﺮﻋﺎن ﻣ ﺎ ﻳ ﺪب اﻟﺤﻤ ﺎس إﻟ ﻰ اﻟﻌ ﻮام وﻳ ﺸﺎرآﻮن ﻓ ﻲ‬ ‫اﻹﺟﻬﺎز ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺑﻨﻴﺎن ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ..‬ ‫ووﺻﻞ إﻟ ﻰ ﻋﻠ ﻢ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻣﺤﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﻗ ﻼوون ﻣ ﺎ ﺣ ﺪث ، ﺟﺎءﺗ ﻪ اﻷﻧﺒ ﺎء ﻣ ﻦ ﺿ ﻮاﺣﻲ اﻟﻘ ﺎهﺮة ﺑ ﺄن‬ ‫اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪ دﻣﺮت ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ وﺑﻨﻔﺲ اﻟﻜﻴﻔﻴ ﺔ.. وأن اﻟﻤﺠ ﺬوب اﻟﻤﺠﻬ ﻮل ﻗ ﺪ ﺻ ﺎح ﻓ ﻲ ﻧﻔ ﺲ اﻟﻮﻗ ﺖ‬ ‫وﻓ ﻰ آ ﻞ اﻟﻤ ﺴﺎﺟﺪ.. وﻓ ﻰ اﻟﻴ ﻮم اﻟﺘ ﺎﻟﻲ ﺟ ﺎءت اﻷﻧﺒ ﺎء ﻣ ﻦ اﻹﺳ ﻜﻨﺪرﻳﺔ واﻟﻮﺟ ﻪ اﻟﺒﺤ ﺮي واﻟ ﺼﻌﻴﺪ أن آ ﻞ‬ ‫اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ- ﻋﺪا اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ- ﻗﺪ أﺻﺎﺑﻬﺎ اﻟﻬﺪم واﻟﺤﺮﻳﻖ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ، أي ﻓ ﻲ ﺳ ﺎﻋﺔ اﻟ ﺼﻔﺮ. وﺑﻠ ﻎ ﻋ ﺪد‬ ‫اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﺳﺘﻴﻦ آﻨﻴﺴﺔ.. وﺗﻌﺠﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن وواﻓﻖ ﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻘ ﻀﺎء ﻋﻠ ﻰ أﻧﻬ ﺎ إرادة اﷲ، ﻷﻧ ﻪ ﻻ ﻳ ﺴﺘﻄﻴﻊ‬ ‫ﺑﺸﺮ أن ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﻓﻲ آﻞ أﻧﺤﺎء ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ، واﻗﺘﻨﻊ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن ﺑ ﺮأي اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﺑ ﺄﻻ ﻳﻔﻌ ﻞ ﺷ ﻴﺌﺎ ﻷﻧﻬ ﺎ‬ ‫ً‬ ‫إرادة اﷲ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻘﻒ ﻓﻲ وﺟﻬﻬﺎ إﻧﺴﺎن. إﻻ أن اﻷﻗﺒﺎط ﻟﻢ ﻳﻘﺘﻨﻌﻮا.. وﺻﻤﻤﻮا ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﻘﺎم..‬ ‫ﻓﻲ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻓﻮﺟﺊ ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺎهﺮة ﺑﺎﺷﺘﻌﺎل اﻟﺤﺮاﺋﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ ﻧ ﻮاح ﻣﺨﺘﻠﻔ ﺔ، وﻻ ﻳﻜ ﺎدون ﻳﻔﺮﻏ ﻮن‬ ‫ﻣﻦ إﻃﻔﺎء ﺣﺮﻳﻖ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺎﺟﺌﻬﻢ ﺣﺮﻳﻖ ﺁﺧﺮ، واﺳ ﺘﺮاح اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن إﻟ ﻰ اﻟﺘﻔ ﺴﻴﺮ اﻟﻐﻴﺒ ﻲ اﻟﻘﺎﺋ ﻞ ﺑﺄﻧﻬ ﺎ إرادة اﷲ،‬ ‫ﻟﻮﻻ أﻧﻬﻢ اآﺘﺸﻔﻮا ﻓﺘﻴﻠﺔ آﺒﻴﺮة ﻣﻠﻮﺛﺔ ﺑ ﺎﻟﻨﻔﻂ ﻗ ﺪ أﻟﻘﻴ ﺖ ﻋﻠ ﻰ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤ ﺴﺎﺟﺪ ﻣ ﻊ ﺗ ﻮاﻟﻰ اﻟﺤﺮاﺋ ﻖ ﻓ ﻲ اﻟﺠﻮاﻣ ﻊ‬ ‫واﻟﺨﻮاﻧ ﻖ واﻟﻤ ﺪارس.. ﻓﺄﺷ ﺎرت أﺻ ﺎﺑﻊ اﻻﺗﻬ ﺎم ﻟﻸﻗﺒ ﺎط، وﺳ ﺮﻋﺎن ﻣ ﺎ ﺿ ﺒﻄﻮا ﺑﻌ ﺾ اﻟﺮهﺒ ﺎن ﻣﺘﻠﺒ ﺴﻴﻦ‬ ‫واﻋﺘﺮﻓﻮا ﻓﺄﺣﺮﻗﺖ اﻟﺴﻠﻄﺎت أرﺑﻌﺔ ﻣﻨﻬﻢ.. واﻧﻄﻠﻖ اﻟﻌﻮام ﻓﻲ إﻳﺬاء اﻷﻗﺒﺎط، واﻧﺪﻟﻌﺖ اﻟﻤﻈﺎهﺮات وآﺎدت أن‬ ‫ﺗﺘﺤ ﻮل إﻟ ﻰ ﻣ ﺬاﺑﺢ، وأﺳ ﺮﻋﺖ اﻟ ﺴﻠﻄﺎت اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴ ﺔ ﺑﺎﻟ ﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠ ﻰ اﻷﻣ ﻮر وﻗﺒ ﻀﺖ ﻋﻠ ﻰ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻌ ﻮام‬ ‫وﻣﺜﻴ ﺮي اﻟ ﺸﻐﺐ وآ ﺎن ﻣ ﻨﻬﻢ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤﺘﻌﻤﻤ ﻴﻦ واﻟﺘﺠ ﺎر، وأﻣ ﺮت اﻟ ﺴﻠﻄﺎت ﺑﻘﻄ ﻊ ﺑﻌ ﻀﻬﻢ ﻧ ﺼﻔﻴﻦ، أو ﻣ ﺎ‬ ‫ﻳﻌﺮف ﺑﺎﻟﺘﻮﺳﻴﻂ، وﺗﺪﺧﻞ اﻟﻜﺒﺎر وﺗﺸﻔﻌﻮا ﻓﻲ آﺒﺎر اﻟﻤﺘﻬﻤﻴﻦ وأﻓﺮج ﻋﻨﻬﻢ . إﻻ أن اﻟﺤﺮﻳﻖ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ، وﺿ ﺒﻂ‬ ‫ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺼﺎرى ﻣﺘﻠﺒﺴﻴﻦ واﻋﺘﺮﻓﻮا ﺗﺤﺖ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﻌ ﻮام ﺑﻤ ﺎ ﺣ ﺪث ﺣﺎﺻ ﺮوا اﻟﻘﻠﻌ ﺔ وواﺟﻬ ﻮا‬ ‫اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺼﻴﺤﺔ رﺟﻞ واﺣﺪ ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻨ ﺼﺮة اﻟ ﺪﻳﻦ ﻓﺨ ﺸﻊ ﻟﻬ ﻢ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن وﺳ ﻤﺢ ﻟﻬ ﻢ ﺑﻘﺘ ﻞ آ ﻞ ﻣ ﻦ وﺟ ﺪوﻩ ﻣ ﻦ‬ ‫اﻟﻨﺼﺎرى، ﺛﻢ ﺗﻌﺪل اﻷﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ ﻣﻦ ﻳﻠﺒﺲ اﻟﻌﻤﺎﻣﺔ اﻟﺒﻴ ﻀﺎء ﻣ ﻦ اﻟﻨ ﺼﺎرى وﻣ ﻦ ﻳﺮآ ﺐ داﺑ ﺔ، وﻓ ﺮض ﻋﻠ ﻴﻬﻢ‬ ‫رآﻮب اﻟﺤﻤﻴﺮ ﺑﻬﻴﺌﺔ ﻣﻘﻠﻮﺑﺔ وﻻ ﻳﺪﺧﻠﻮن اﻟﺤﻤﺎﻣﺎت إﻻ وﻓﻰ رﻗﺎﺑﻬﻢ ﺟﺮس وﻻ ﻳﺮﺗﺪى أﺣﺪهﻢ زى اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ،‬ ‫وأﻻ ﻳﻌﻤﻠﻮا ﻓﻲ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ، وﻋﺰل ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻗﺒﺎط ﻣﻦ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ.. وآﺎن ذﻟﻚ أﻓﻈﻊ اﺿﻄﻬﺎد واﺟﻬﻪ اﻷﻗﺒ ﺎط ﻓ ﻲ‬ ‫اﻟﻌ ﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠ ﻮآﻲ.. وآﺎﻧ ﺖ ﻟ ﻪ ﺁﺛ ﺎرﻩ اﻟﺪاﺧﻠﻴ ﺔ واﻟﺨﺎرﺟﻴ ﺔ.. ﻓﻌﻠ ﻰ اﻟ ﺼﻌﻴﺪ اﻟ ﺪاﺧﻠﻲ اﺣﺘ ﺪم اﻟﻌ ﺪاء واﻟﺤﻘ ﺪ‬ ‫اﻟﻄﺎﺋﻔﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ واﻷﻗﺒﺎط ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ آﻤﺎ ﺳﻨﺮى..‬ ‫وﻋﻠ ﻰ اﻟ ﺼﻌﻴﺪ اﻟﺨ ﺎرﺟﻲ اﺷ ﺘﺪ ﻏ ﻀﺐ ﻣﻠ ﻚ اﻟﺤﺒ ﺸﺔ اﻟ ﺬي آ ﺎن ﻳﻌﺘﺒ ﺮ ﻧﻔ ﺴﻪ ﻣ ﺴﺌﻮﻻ ﻋ ﻦ ﺣﻤﺎﻳ ﺔ اﻷﻗﺒ ﺎط‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﻓﺒﻌﺚ ﺑﺎﺣﺘﺠﺎج ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻠﻬﺠﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ وﻳﻬﺪد ﻓﻴ ﻪ ﺑﺎﺗﺨ ﺎذ إﺟ ﺮاءات ﻣﻤﺎﺛﻠ ﺔ ﺿ ﺪ‬ ‫اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻨﺪﻩ وﻳﻬﺪد ﺑﺘﺤﻮﻳﻞ ﻣﺠﺮى اﻟﻨﻴﻞ، ﻏﻴ ﺮ أن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ ﻣﺤﻤ ﺪ ﻟ ﻢ ﻳﻌﺒ ﺄ ﺑﻬ ﺬا اﻟﺘﻬﺪﻳ ﺪ وﻟ ﺬﻟﻚ ﺑ ﺪأ ﺳ ﻠﻄﺎن‬
‫٠٢‬

‫اﻟﺤﺒﺸﺔ واﺳﻤﻪ "ﻋﻤﺪ ﺻﻬﻴﻮن" اﻟﺤ ﺮب ﺿ ﺪ اﻹﻣ ﺎرات اﻹﺳ ﻼﻣﻴﺔ اﻟﻤﺠ ﺎورة ﻟ ﻪ، وﺗ ﺎﺑﻊ اﺑﻨ ﻪ "ﺳ ﻴﻒ أرﻋ ﺪ"‬ ‫أﻋﻤﺎﻟﻪ ﺿﺪ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ وﻣﻤﺘﻠﻜﺎت اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﻪ.. وﺗﻤﻜﻦ أﺣﺪ ﺿﺤﺎﻳﺎ اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻟﺴﻨﺔ ١٢٧‬ ‫هﺠﺮﻳ ﺔ ﻣ ﻦ اﻻﻧﺘﻘ ﺎم ﻟﻘﻮﻣ ﻪ اﻷﻗﺒ ﺎط ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ.. وه ﻮ اﻟﻨ ﺸﻮ اﻟ ﺬي أﻇﻬ ﺮ اﻹﺳ ﻼم ﻟ ﺪى اﻟ ﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻ ﺮ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ وﺳﻤﺎﻩ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒ ﺪ اﻟﻮه ﺎب ﺷ ﺮف اﻟ ﺪﻳﻦ، وأﻇﻬ ﺮ ﻟﻠ ﺴﻠﻄﺎن اﻟ ﻮرع واﻟﻔﻘ ﺮ واﻟﺰه ﺪ ﻓﺤ ﺎز ﻋﻠ ﻰ ﺛﻘﺘ ﻪ‬ ‫وﺗﻌﺎﻇﻢ ﻧﻔ ﻮذﻩ ﺣﺘ ﻰ أﺻ ﺒﺢ اﻟﻤ ﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴ ﺔ آﻠﻬ ﺎ ﻟﻤ ﺪة ﺳ ﺒﻊ ﺳ ﻨﻴﻦ وﺳ ﺒﻌﺔ أﺷ ﻬﺮ ﺣﺘ ﻰ ﻗﺘﻠ ﻪ‬ ‫اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻌﺪ ﺗﻌﺬﻳﺐ ﺷﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻳﻮم اﻷرﺑﻌﺎء ﺛﺎﻧﻲ رﺑﻴﻊ اﻵﺧﺮ ﺳﻨﺔ ٠٤٧ هﺠﺮﻳﺔ.‬ ‫وﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ اﻟﻨﺸﻮ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓ ﻲ إﻃ ﺎر اﻟ ﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮآﻴ ﺔ وﺗﺤ ﺖ ﺷ ﻌﺎرهﺎ آ ﺎن ﻻ ﻳﻤﻜ ﻦ ﺗﻔ ﺴﻴﺮﻩ إﻻ ﻓ ﻲ ﺿ ﻮء‬ ‫اﻻﻧﺘﻘﺎم ﻟﻘﻮﻣﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺿﻤﻦ رﺿﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻨﻪ.. وﻗ ﺪ ﺗﻨﻮﻋ ﺖ ﻣﻈﺎﻟﻤ ﻪ ﻟﻠﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣ ﺎ ﺑ ﻴﻦ ﻗﺘ ﻞ‬ ‫وﻣ ﺼﺎدرة وﻧﻔ ﻰ وﺗﻘﻄﻴ ﻊ أﻃ ﺮاف وﺧ ﺼﺎي، وآﺎﻧ ﺖ ﻣ ﺼﺎدرﺗﻪ ﻟﻮﺟ ﻮﻩ اﻟﻨ ﺎس وأرﺑ ﺎب اﻟﻤﻨﺎﺻ ﺐ واﻟﺘﺠ ﺎر‬ ‫واﻟﻌﻮام ﻻ ﺗﻨﻘﻄﻊ.. وآ ﺎن ﻳﺠﺘﻤ ﻊ آ ﻞ ﻟﻴﻠ ﺔ ﻣ ﻊ ﺧﻮاﺻ ﻪ واﻟﻤﻘ ﺮﺑﻴﻦ ﻣﻨ ﻪ ﻳﻔﻜ ﺮ ﻓ ﻲ ﻃﺮﻳﻘ ﺔ ﺟﺪﻳ ﺪة ﻟﻼﻧﺘﻘ ﺎم ﻣ ﻦ‬ ‫اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ وﻓ ﺮض ﺿ ﺮاﺋﺐ ﺟﺪﻳ ﺪة ﻋﻠ ﻴﻬﻢ أو اﻹﻳﻘ ﺎع ﺑﺄﺻ ﺤﺎب اﻟﻤﻨﺎﺻ ﺐ أو ﺳ ﻠﺐ اﻷوﻗ ﺎف ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤ ﺴﺎﺟﺪ‬ ‫وﺑﻴﻮت اﻟﻌﺒﺎدة..‬ ‫وﺑﺮﻏﻢ ﺗﻨﻮع أﻋﺪاﺋﻪ واﺧﺘﻼﻓﺎﺗﻬﻢ وﺗﻔﺮﻗﻬﻢ وﺻﺮاﻋﺎﺗﻬﻢ إﻻ أﻧﻬﻢ اﺗﺤﺪوا ﺿﺪ اﻟﻨ ﺸﻮ، وﺣ ﺎوﻟﻮا اﻟﻜﻴ ﺪ ﻟ ﻪ ﻣ ﺮارا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إﻻ أن ﺛﻘ ﺔ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن ﻓﻴ ﻪ وﻗﻔ ﺖ ﺣ ﺎﺋﻼ ﻳﺤﻤﻴ ﻪ . وﻓ ﻰ ﻋﻬ ﺪﻩ ﺿ ﺎع ﺻ ﻮت اﻻﺿ ﻄﻬﺎد ﺿ ﺪ اﻷﻗﺒ ﺎط.. ﺑ ﻞ أن‬ ‫اﺿ ﻄﻬﺎدﻩ ﻟﻠﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﺟﻌﻠﻬ ﻢ ﺟﻤﻴﻌ ﺎ ﻳﺠﺘﻤﻌ ﻮن ﻓ ﻲ اﻟﻤ ﺴﺎﺟﺪ ﻟﻠ ﺪﻋﺎء ﻋﻠﻴ ﻪ.. وﻋﻨ ﺪﻣﺎ ﻋﻠ ﻢ اﻟﻨ ﺸﻮ ﺑ ﺬﻟﻚ ﻣ ﺎ زال‬ ‫ً‬ ‫ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ﺣﺘﻰ ﻣﻨﻊ اﻟﻮﻋﺎظ ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻆ. وﺗﺤﺪى اﻟﻨﺸﻮ آﺒﺎر اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ- وهﻢ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﻔﻮذ اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟ ﺸﻌﺒﻲ-‬ ‫ﻓﻄﺮد ﻣﻦ ﻣﺼﺮ أﺷﻬﺮ ﺻﻮﻓﻲ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻩ وهﻮ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻜﺮدي اﻟﺬي ﻧﻔﺎﻩ ﻟﻠﺸﺎم، آﻤﺎ اﻋﺘﻘﻞ ﺷ ﻴﺦ ﺧﺎﻧﻘ ﺎﻩ ﺑﻬ ﺎء‬ ‫اﻟﺪﻳﻦ أرﺳﻼن ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ واﺗﻬﻤﻪ ﺑﺘﻬﻢ ﺑﺎﻃﻠﺔ . وﻓﻰ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻇﻬﺮ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ﺧﻴﺎﻧﺘﻪ وﺳ ﺮﻗﺎﺗﻪ ﻓﺎﻋﺘﻘﻠ ﻪ واﻋﺘﻘ ﻞ‬ ‫أﺧﺎﻩ وﺻﻬﺮﻩ وأﻋﻮاﻧﻪ، واآﺘﺸﻒ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺣﺠﻢ ﻣﺎ ﺳﺮﻗﻪ ﻣﻦ أﻣﻮال وﻧﻔ ﺎﺋﺲ.. ﻓﻌﺬﺑ ﻪ وﻗﺘﻠ ﻪ.. وآ ﺎن اﻟ ﺘﺨﻠﺺ‬ ‫ﻣﻨﻪ ﻳﻮم ﻋﻴﺪ، ذاﻋﺖ ﻓﻴﻪ أﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﻜﺮاﻣﺎت وﺷﺘﻰ اﻻدﻋﺎءات وﻣﻨﻬﺎ أن اﻟﻨﻴﻞ زاد ورؤﻳﺖ اﻟﻤﻨﺎﻣﺎت اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻗﻮﻟﻬﻢ، وﺳﺎرت اﻟﻤﻈﺎهﺮات ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻤﺼﺎﺣﻒ واﻷﻋﻼم..‬ ‫وﺑﻌﺪ اﻟﻨﺸﻮ ﻋﺎدت ﺣﺮآﺎت ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ﺿﺪ اﻷﻗﺒﺎط.. ﻣﻨﻬ ﺎ ﺳ ﻨﺔ ٨٣٨ هﺠﺮﻳ ﺔ : ه ﺪم اﻟ ﺸﻴﺦ ﺳ ﻠﻴﻢ ﻟﻜﻨﻴ ﺴﺔ ﺟ ﺪدهﺎ‬ ‫اﻟﻨﺼﺎرى ﻓﻲ اﻟﺠﻴﺰة. وﺳﻨﺔ ١٤٨ هﺠﺮﻳﺔ : هﺪم اﻟﺸﻴﺦ ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻄﻨﻄﺎوي ﻟﺪﻳﺮ اﻟﻌﻄﺶ اﻟﺬي ﻳﻘ ﺎم ﻋﻨ ﺪﻩ‬ ‫ﻣﻮﻟﺪ ﺳﻨﻮي ﻳﻀﺎهﻰ ﻣﻮﻟﺪ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺪوي، ﻓﺄﺣﺲ اﻟﺸﻴﺦ ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻄﻨﻄﺎوي ﺑ ﺎﻟﻐﻴﺮة ﻓﻤ ﺎ زال ﻳ ﺴﻌﻰ ﺣﺘ ﻰ‬ ‫ه ﺪم اﻟ ﺪﻳﺮ.. وآ ﺎن ﻣﺜﻠ ﻪ اﻟ ﺸﻴﺦ اﻟﻨﻌﻤ ﺎﻧﻲ ﺳ ﻨﺔ ٢٥٨ هﺠﺮﻳ ﺔ اﻟ ﺬي ﺗﺨ ﺼﺺ ﻓ ﻲ ه ﺪم اﻟﻜﻨ ﺎﺋﺲ اﻟﺘ ﻲ ﻳﺠ ﺪدهﺎ‬ ‫أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ..‬ ‫وآﺎﻧﺖ ﻋﺎدة ﺳﻴﺌﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺼﻮر أﻧﻪ إذا ﺣﺪث أوﺑﺌﺔ أو ﻣﺠﺎﻋﺎت وﻧﻘﺼﺎن ﻟﻠﻨﻴﻞ ﻓﻤﻦ اﻟﺴﻬﻞ أن ﻳﻌﺘﺒ ﺮ ذﻟ ﻚ‬ ‫ﻏﻀﺒﺎ ﻣﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﻬﺎون ﻣﻊ "أه ﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ" واﻟ ﺴﻤﺎح ﻟﻬ ﻢ ﺑﻤﻤﺎرﺳ ﺔ ﺷ ﻌﺎﺋﺮهﻢ، ﻟ ﺬﻟﻚ آﺎﻧ ﺖ ﺗ ﺮﺗﺒﻂ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻤﺠﺎﻋ ﺎت واﻷوﺑﺌ ﺔ أﺣﻴﺎﻧ ﺎ ﺑﺤﺮآ ﺎت اﺿ ﻄﻬﺎد ﻃﺎﺋﻔﻴ ﺔ ﺗ ﺴﺘﺠﻠﺐ رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﺑﻈﻠ ﻢ اﻷﺑﺮﻳ ﺎء !! وﻓ ﻰ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻨﻬﺎﻳ ﺔ.. ﻓﻤ ﻊ وﺟ ﻮد آ ﻞ ﺗﻠ ﻚ اﻻﺿ ﻄﻬﺎدات ﻓ ﺈن اﻟﻨﻈ ﺮة اﻟﻤﻨﻬﺠﻴ ﺔ ﺗﺤ ﺘﻢ اﻻﻋﺘ ﺮاف ﺑﺄﻧﻬ ﺎ آﺎﻧ ﺖ ﺟﻤ ﻼ‬ ‫ً‬ ‫اﻋﺘﺮاﺿﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤ ﺼﺮي اﻟﻄﻮﻳ ﻞ ﺑﻌ ﺪ اﻟﻔ ﺘﺢ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ. ﻟ ﻢ ﺗﻜ ﻦ ﻇ ﺎهﺮة ﻋﺎﻣ ﺔ ﻓ ﻲ ﺗ ﺎرﻳﺦ ﻣ ﺼﺮ ﻓ ﻲ‬ ‫اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ. ﺑﻞ أن اﻟﻈﺎهﺮة اﻟﻌﺎﻣﺔ هﻲ ﺳﻴﺎدة اﻟﺘ ﺴﺎﻣﺢ ﺑ ﻴﻦ أﻓ ﺮاد اﻟ ﺸﻌﺐ. إﻻ أن اﻻﺳ ﺘﺜﻨﺎء آ ﺎن ﻳ ﺄﺗﻲ‬ ‫ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎم أﺳﺎﺳﺎ وهﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﺼﺮﻳﻴﻦ أو ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻮاﻓﺪﻳﻦ. وﺟﺎءت ﺣﺮآﺎت ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻌ ﻮام ﺣ ﻴﻦ‬ ‫ﺗﺄﺛﺮوا ﺑﺎﻟﻈﺮوف اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﻬﺎ اﻵﺧ ﺮون وه ﺬا ﻣ ﺎ ﻳﻨﻄﺒ ﻖ ﺣﺎﻟﻴ ﺎ ﻋﻠ ﻰ ﺗﻠ ﻚ اﻟﺤﺮآ ﺔ اﻟ ﺴﻠﻔﻴﺔ اﻟﻮهﺎﺑﻴ ﺔ اﻟ ﺴﻌﻮدﻳﺔ‬ ‫اﻷﺻﻞ واﻟﻤﻨﻬﺞ واﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﺪﻳﻦ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﻤﺘﺴﺎﻣﺢ.‬ ‫وﻋﺪا ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻻت اﻟﺘﻲ رﺻﺪﻧﺎهﺎ آﺎﻧﺖ هﻨﺎك ﻣﻼﻣﺢ إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ آﺜﻴﺮة ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﻦ ﺑﻌ ﺾ اﻟﺤﻜ ﺎم وﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء‬ ‫إﻻ أﻧﻬﺎ آﺎﻧﺖ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ. وهﻰ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﺪﻳﻦ اﻟﻤ ﺼﺮي اﻟ ﺬي اﺷ ﺘﻬﺮ ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺼﻮر‬

‫١٢‬

‫اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﺎﻻﻋﺘ ﺪال وإﻳﺜ ﺎر اﻟ ﺴﻼم وآ ﺎن ذﻟ ﻚ اﻟﺘ ﺪﻳﻦ اﻟﻤ ﺼﺮي ﻳﺜﻴ ﺮ إﻋﺠ ﺎب اﻟﺮﺣﺎﻟ ﺔ واﻟﻤ ﺆرﺧﻴﻦ اﻟﻘ ﺎدﻣﻴﻦ‬ ‫ﻟﻤﺼﺮ. آﻤﺎ ﺣﺪث ﻣﻊ اﺑﻦ ﺧﻠﺪون واﺑﻦ ﻇﻬﻴﺮة وﻏﻴﺮهﻤﺎ، وذﻟﻚ ﻣﻮﺿﻮع ﺁﺧﺮ ﺷﺮﺣﻪ ﻳﻄﻮل..‬ ‫وﺑﻌــﺪ..‬ ‫اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ:‬ ‫)١( ﻓﻬﻨﺎك ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻬﺎ:‬ ‫وهﻰ أن دﻳﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ آ ﻞ ﻋ ﺼﺮ ﻳﻨ ﺰل ﺑ ﺎﻟﺤﻖ واﻟﺨﻴ ﺮ واﻟ ﺼﻼح واﻟ ﺴﻼم واﻟﻌ ﺪل وﻳ ﺴﺘﺤﻴﻞ أن ﻳﻜ ﻮن‬ ‫ﻣﺴﺌﻮﻻ ﻋﻤﺎ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﺒ ﺸﺮ ﻣ ﻦ ﻇﻠ ﻢ وﺗﻌ ﺼﺐ ﺑﺎﺳ ﻢ اﻟ ﺪﻳﻦ.. أن اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻳﻘ ﻮل ﴿ﻟﻘ ﺪ أرﺳ ﻠ َﺎ رﺳ ﻠ َﺎ ِﺎﻟﺒﻴﻨ ﺎت‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْﻨ ُ ُ َﻨ ﺑ ْ َ ّ َ ِ‬ ‫ً‬ ‫وَﻧﺰﻟﻨ ﺎ ﻣﻌﻬ ﻢ اﻟﻜﺘ ﺎب َاﻟ ِﻴ َان ﻟﻴﻘ ﻮم اﻟﻨ ﺎس ِﺎﻟﻘ ﺴ ِ﴾ )اﻟﺤﺪﻳ ﺪ ٥٢(.أي أن ه ﺪف اﻟﺮﺳ ﺎﻻت اﻟ ﺴﻤﺎوﻳﺔ ه ﻮ‬ ‫َأ َ ْ َ َ َ ُ ُ ْ ِ َ َ و ْﻤ ﺰ َ ِ َ ُ َ ّ ُ ﺑ ْ ِ ْﻂ‬ ‫إرﺳﺎء اﻟﻘﺴﻂ واﻟﻌ ﺪل.. ﻓﻬ ﻞ ﻣ ﻦ اﻟﻌ ﺪل أن ﺗﺘ ﺴﻠﻂ ﻃﺎﺋﻔ ﺔ ﻋﻠ ﻰ أﺧ ﺮى ﺑ ﺎﻟﻈﻠﻢ واﻟﻘﻬ ﺮ..؟ وه ﻞ ﻣ ﻦ اﻟﻌ ﺪل أن‬ ‫ﻳﻨﺘﺴﺐ ذﻟﻚ ﻟﺪﻳﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ؟. إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻘﻮل ﻋﻦ ذاﺗﻪ ﴿و َﺎ اﻟﻠﻪ ﻳ ِﻳﺪ ﻇﻠْﻤﺎ ﻟﻠﻌ ﺎﻟ ِﻴ َ﴾ )ﺁل ﻋﻤ ﺮان ٨٠١(.‬ ‫َﻣ ّ ُ ُﺮ ُ ُ ً ّ ْ َ َﻤ ﻦ‬ ‫وﻳﻘ ﻮل ﴿وﻣ ﺎ اﻟﻠ ﻪ ﻳ ِﻳ ﺪ ﻇﻠْﻤ ﺎ ﻟﻠﻌﺒ ﺎ ِ﴾ )ﻏ ﺎﻓﺮ ١٣(. أي أن رب اﻟﻌ ﺰة ﺟ ﻞ وﻋ ﻼ ﻗ ﺪ أدان اﻟﻈﻠ ﻢ وأوﺿ ﺢ أن‬ ‫َ َ ّ ُ ُﺮ ُ ُ ً ّ ْ ِ َ د‬ ‫اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ هﻢ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺎر ﻳﻮم اﻟﺤﺴﺎب ﴿وﻋﻨﺖ اﻟﻮ ُﻮﻩ ﻟﻠﺤﻲ اﻟﻘ ّﻮم وﻗﺪ َﺎب ﻣﻦ ﺣﻤﻞ ﻇﻠْﻤً﴾ )ﻃﻪ ١١١(.‬ ‫َ َ َ ِ ْ ُﺟ ُ ِ ْ َ ّ ْ َﻴ ِ َ َ ْ ﺧ َ َ ْ َ َ َ ُ ﺎ‬ ‫ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺴﺘﺴﻴﻎ ﻣﻦ ﻳﺪﻋﻰ اﻹﺳﻼم أن ﻳﻈﻠﻢ ﻣﻦ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻴﺪة، ﺧﺼﻮﺻﺎ وأﻧﻪ ﻳﻌﻠ ﻢ أن اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ه ﻮ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺬي ﺷﺎء أن ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﺨﺘﻠﻔﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﴿وﻟﻮ َﺂء رﺑﻚ ﻟﺠﻌﻞ اﻟﻨ ﺎس أﻣ ﺔ َاﺣ ﺪة وﻻ ﻳ َاﻟ ﻮن ﻣﺨﺘﻠﻔ ﻴﻦ.‬ ‫َ َ ْ ﺷ َ َ ّ َ َ َ َ َ ّ َ ُ ّ ً و ِ َ ً َ َ َﺰ ُ َ ُ ْ َ ِ ِ َ‬ ‫إﻻ َﻦ رﺣﻢ رﺑﻚ وﻟﺬﻟﻚ ﺧﻠﻘﻬﻢْ﴾ )هﻮد ٩١١،٨١١(.وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ ه ﻮ اﻟ ﺬي ﻳ ﺪﻋﻮ ﻷدب اﻟﺤ ﻮار‬ ‫ِ ّ ﻣ ّ ِ َ َ ّ َ َِ َِ َ ََ َ ُ‬ ‫ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔ ﻴﻦ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋ ﺪ وﻳﺆﺟ ﻞ اﻟﺤﻜ ﻢ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋ ﺪ إﻟ ﻰ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ. وﻳﺆآ ﺪ ﻋﻠ ﻰ أهﻤﻴ ﺔ اﻟﺘ ﺴﺎﻣﺢ واﻟ ﺴﻼم‬ ‫واﻟﻤﺴﺎواة.. ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻴﺶ اﻟﺒﺸﺮ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻳﺶ ﺳﻠﻤﻰ ﻣ ﻊ ذﻟ ﻚ اﻻﺧ ﺘﻼف اﻟ ﺬي ﺧﻠﻘﻬ ﻢ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻠ ﻰ أﺳﺎﺳ ﻪ. أن‬ ‫اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻘﻮل ﻋﻦ رﺳﺎﻟﺘﻪ اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ اﻟﺘﻲ أرﺳ ﻞ ﺑﻬ ﺎ ﻣﺤﻤ ﺪا ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﻼم ﴿وﻣ ﺂ أرﺳ ﻠ َﺎك إﻻ رﺣﻤ ﺔ ﻟﻠﻌ ﺎﻟ ِﻴ َ﴾‬ ‫َ َ َ ْ َ ْﻨ َ ِ ّ َ ْ َ ً ّ ْ َ َ ﻤ ﻦ‬ ‫ً‬ ‫)اﻷﻧﺒﻴﺎء ٧٠١( أي أرﺳ ﻠﻪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ رﺣﻤ ﺔ ﻟﻠﻌ ﺎﻟﻤﻴﻦ وﻟ ﻢ ﻳﺮﺳ ﻠﻪ ﻟﻘﺘ ﻞ واﺿ ﻄﻬﺎد اﻵﺧ ﺮﻳﻦ..ﻓﻜﻴ ﻒ ﻳﺴﺘ ﺴﻴﻎ‬ ‫ﺑﻌﻀﻬﻢ أن ﻳﻨﺴﺐ ﻟﻠﻨﺒﻲ )ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم( أﺣﺎدﻳﺚ ﻟﻢ ﻳﻘﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﺿﻄﻬﺎد اﻟﺒﺸﺮ وإﻳﺬاﺋﻬﻢ؟..‬ ‫)٢( هﻨﺎك ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻇﻬﺮت ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮض اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﻤﻮﺟﺰ..‬ ‫وهﻰ أن ﻓﺎﺗﻮرة اﻻﺿﻄﻬﺎد ﺗﺘﻀﺨﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺪﻓﻌﻬﺎ اﻟﺠﻨﺎة ﺑﻌﺪ اﻟ ﻀﺤﺎﻳﺎ، ﻓﺎﻟﺪوﻟ ﺔ اﻷﻣﻮﻳ ﺔ ﺳ ﺎرت ﺳﻴﺎﺳ ﺘﻬﺎ ﻋﻠ ﻰ‬ ‫أﺳﺎس اﻟﺘﻌﺼﺐ، ﺑﺪأت اﻟﺘﻌﺼﺐ ﻟﻠﻌ ﺮب ﺿ ﺪ ﻏﻴ ﺮ اﻟﻌ ﺮب، ﺛ ﻢ ﺗﻄﺮﻓ ﺖ ﻓ ﻲ اﻟﺘﻌ ﺼﺐ ﻓﺘﻌ ﺼﺒﺖ ﻟﻘﺒﺎﺋ ﻞ ﺿ ﺪ‬ ‫أﺧﺮى ﻓﻲ ﻧﻄﺎق اﻟﻌﺮوﺑﺔ، ﺛﻢ ﺗﻄﺮﻓﺖ أآﺜﺮ ﻓﺄﺻﺒﺢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﺘﻌﺼﺐ ﻻﺑﻨﻪ ﺿﺪ أﺧﻴ ﻪ، ﻓﻴﻌ ﺰل أﺧ ﺎﻩ ﻣ ﻦ وﻻﻳ ﺔ‬ ‫اﻟﻌﻬﺪ وﻳﻮﻟﻰ اﺑﻨﻪ ﻣﻜﺎﻧﻪ.. وﻓﻰ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ آﺎﻧﺖ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ هﻲ اﻟﺴﻼح اﻟﻔﺘﺎك اﻟﺬي ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻷﻣﻮﻳ ﺔ ﻓ ﻲ‬ ‫ﺷﺒﺎﺑﻬﺎ.. وآﺎﻧﺖ أﻗﻮى دوﻟﺔ ووﺻﻠﺖ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻬﺎ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻣ ﺪى ﻓ ﻲ ﺗ ﺎرﻳﺦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ.. وﻟﻜ ﻦ دﻣﺮﺗﻬ ﺎ اﻟﻌ ﺼﺒﻴﺔ‬ ‫ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ.. وهﻮ درس- ﻟﻮ ﺗﻌﻠﻤﻮن- ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﺎﻟﺘﻌﺼﺐ ﺣﻴﻦ ﻳﺒﺪأ أو ﻳﺴﺘ ﺸﺮى ﻻ ﻳﻨﺘﻬ ﻲ إﻻ ﺑﺘ ﺪﻣﻴﺮ أﺻ ﺤﺎﺑﻪ‬ ‫واﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﺪﻳﻨﻲ أﻳﻀﺎ ﻳﺮﺗﺪ ﺳﻼﺣﻪ إﻟﻰ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻳﺘﺤﻮل ﻣﻦ ﺗﻌﺼﺐ دﻳﻨﻲ إﻟ ﻰ ﺗﻌ ﺼﺐ ﻣ ﺬهﺒﻲ داﺧ ﻞ اﻟ ﺪﻳﻦ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻮاﺣﺪ ﺛﻢ ﺗﻀﻴﻖ اﻟﺤﻠﻘﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﻬ ﺎ اﺗﻬﺎﻣ ﺎت اﻟﺘﻜﻔﻴ ﺮ واﻟﺘﻜﻔﻴ ﺮ اﻟﻤ ﻀﺎد ﻟﺘ ﺼﻞ إﻟ ﻰ ﺗﻜﻔﻴ ﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ آﻠ ﻪ آﻤ ﺎ‬ ‫ﻳﺤ ﺪث اﻵن. وﺗﺘﺤ ﻮل اﺗﻬﺎﻣ ﺎت اﻟﺘﻜﻔﻴ ﺮ إﻟ ﻰ ﻗﺘ ﻞ وﻋﻤﻠﻴ ﺎت إرهﺎﺑﻴ ﺔ. وﻗ ﺪ ﺷ ﻬﺪﻧﺎ أﻣﺜﻠ ﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴ ﺔ وﻧ ﺸﻬﺪ اﻵن‬ ‫ﺻﺤﻮة ﺳﻠﻔﻴﺔ ﺗﻨﺸﺮ اﻹرهﺎب وﺗﺴﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء، وﻟﻜﻦ هﻨﺎك ﻣﺎ هﻮ أﺧﻄﺮ.. ﻓﻤﻌﻈﻢ اﻟﺘﺤﺮﻳﻔﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴ ﺔ ﻓ ﻲ ﻋﻘﺎﺋ ﺪ‬ ‫اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ وﺗ ﺮاﺛﻬﻢ أدﺧﻠﻬ ﺎ ﻋﻠﻤ ﺎء اﻟﻤ ﻮاﻟﻰ اﻷﻋ ﺎﺟﻢ اﻟﻨ ﺎﻗﻤﻮن وﻗ ﺪ ﻋﺠ ﺰوا ﻋ ﻦ اﻻﻧﺘﻘ ﺎم ﻷﻧﻔ ﺴﻬﻢ ﻓ ﺪﺧﻠﻮا ﻓ ﻲ‬ ‫اﻹﺳﻼم ﻟﻴﻜﻴﺪوا ﻟﻺﺳﻼم..‬ ‫وﻣﻦ أﺳﻒ أن آﺘﺒﻬﻢ وأﺳﻔﺎرهﻢ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ورواﻳﺎﺗﻬﻢ وﻓﺘ ﺎوﻳﻬﻢ ﺗﻨ ﺎﻗﺾ اﻹﺳ ﻼم وﺗﻄﻌ ﻦ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﺮﺁن وﻓ ﻰ ﺧ ﺎﺗﻢ‬ ‫اﻟﻨﺒﻴﻴﻦ.. وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﺎﻟﺘﺼﺪﻳﻖ واﻟﺘﻘﺪﻳﺲ أي أن اﻧﺘﻘﺎﻣﻬﻢ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﺣﺘ ﻰ اﻵن !! وﺑ ﺴﺒﺐ اﻻﺿ ﻄﻬﺎد‬ ‫اﻟ ﺪﻳﻨﻲ واﻟﻌﻨ ﺼﺮي آ ﺎن اﻋﺘﻨ ﺎق اﻹﺳ ﻼم ﻃﺮﻳﻘ ﺎ ﺳﻴﺎﺳ ﻴﺎ ﻟﻼﻧﺘﻘ ﺎم ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ.. وﻟ ﻮ آﺎﻧ ﺖ هﻨ ﺎك ﻋﺪاﻟ ﺔ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وﻣﺴﺎواة وﺣﺮﻳﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﻟﻤﺎ ﻟﺠﺄ أوﻟﺌﻚ إﻟﻰ ﺧﻨﺪق اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺴﺮﻳﺔ..‬
‫٢٢‬

‫أن اﻻﺿﻄﻬﺎد اﻟﻌﻨ ﺼﺮي ﻗ ﺼﻴﺮ اﻟﻌﻤ ﺮ.. ﻓﻘ ﺪ اﻧﺘﻬ ﻰ اﺿ ﻄﻬﺎد اﻷﻣ ﻮﻳﻴﻦ ﻟﻐﻴ ﺮ اﻟﻌ ﺮب ﺑﻴﻨﻤ ﺎ ﺑﻘ ﻰ اﻻﺿ ﻄﻬﺎد‬ ‫اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺬي أدﺧﻠﻪ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ورواة اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻢ اﻟﺘﺪﻳﻦ، ﺛﻢ ﺳﺎﻋﺪ اﻟﺠﻤﻮد اﻟﻌﻘﻠ ﻲ ﻋﻠ ﻰ ﺑﻘ ﺎء ذﻟ ﻚ اﻟﺘ ﺮاث‬ ‫دون ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ، ﺑﻞ أﺧﺬ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻟﻠﺘﻄﺒﻴﻖ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻩ ﻣﻦ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺘﺪﻳﻦ.. وﻓ ﻰ ﻋ ﺼﺮﻧﺎ ﻇﻬ ﺮت "اﻟ ﺼﺤﻮة اﻟﺪﻳﻨﻴ ﺔ"‬ ‫ﺗﻬﺪف ﻟﻠﺮﺟﻮع ﺑﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻔﻴﺔ وأﻓﻜﺎر اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﻠﻒ واﻟﺘﻌﺼﺐ واﻟﺠﻤﻮد اﻟﻌﻘﻠﻲ..‬ ‫واﻟﺨﻄﻮرة ﻣﺤﻘﻘﺔ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺼﺤﻮة اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻤﺰﻋﻮﻣﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺪﻋﻢ ﻧﻔ ﺴﻬﺎ ﺑﺎﻻﺳ ﺘﻨﺎد اﻟ ﺪﻳﻨﻲ، ﻣﻤ ﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬ ﺎ ﻗﻨﺎﺑ ﻞ‬ ‫ﻣﻮﻗﻮﺗ ﺔ اﻧﻔﺠ ﺮت وﺗﻨﻔﺠ ﺮ ﻓ ﻲ وﺟﻮهﻨ ﺎ ﺟﻤﻴﻌ ً، ﻷﻧﻬ ﺎ آﻌ ﺎدة اﻟﺤﺮآ ﺎت واﻟ ﺪﻋﻮات اﻟﻤﺘﻄﺮﻓ ﺔ ﺗﺒ ﺪأ ﺑﺘﻜﻔﻴ ﺮ‬ ‫ﺎ‬ ‫ﺎ‬ ‫أﺻﺤﺎب اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻷﺧﺮى وﺗﻨﺘﻬﻲ إﻟﻰ ﺗﻜﻔﻴﺮ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌً، وﺗﺒﺪأ ﺑﺎﺿﻄﻬﺎد اﻵﺧﺮﻳﻦ وﻗﺘﻠﻬﻢ وﺗﻨﺘﻬﻲ إﻟﻰ ﻗﺘﻞ‬ ‫اﻷهﻞ واﻷﻗﺎرب واﻟﺰﻣﻼء داﺧﻞ اﻟﺨﻠﻴﺔ اﻟﺴﺮﻳﺔ اﻟﻮاﺣﺪة وﻗﺪ رأﻳﻨﺎ أن ﺣﺮآﺎت اﻟﺘﻌﺼﺐ ﺗﺒﺪأ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺛ ﻢ ﺗﻨﺘ ﺸﺮ‬ ‫آﺎﻟﺴﺮﻃﺎن اﻟﻤﺪﻣﺮ.. وﺧﻄﻮرﺗﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻣﺸﺮوﻋﻴﺔ زاﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ وﺗﺮﻓﻊ ﻟﻮاء اﻟﺠﻬﺎد.‬ ‫ﻓ ﺎﻟﻤﻄﻠﻮب أن ﻧﺜﺒ ﺖ زﻳ ﻒ ﺗﻠ ﻚ اﻟﻤ ﺸﺮوﻋﻴﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﺨ ﺎﻟﻒ اﻟﻜﺘ ﺎب اﻟﻌﺰﻳ ﺰ. وذﻟ ﻚ ﻳﺤﺘ ﺎج إﻟ ﻰ إﺻ ﻼح دﻳﻨ ﻲ‬ ‫ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، إن ﻟﻢ ﺗﻘﻢ ﺑﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻓﻠﺘﺒﺎدر إﻟﻴ ﻪ دواﺋ ﺮ اﻻﺳ ﺘﻨﺎرة ﻓ ﻲ ﻣ ﺼﺮ، ﻓﺎﻹﺻ ﻼح اﻟ ﺪﻳﻨﻲ ه ﻮ اﻟ ﺬي ﻳﻨﻘ ﺬ‬ ‫ﻣﺼﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﺮف واﻹرهﺎب وﻟﻦ ﻳﻜﻮن اﻹﺻﻼح اﻟﺪﻳﻨﻲ إﻻ ﺑﺎﻻﺣﺘﻜﺎم ﻟﻠﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ وﻋﺮض ذﻟ ﻚ اﻟﺘ ﺮاث‬ ‫ﻋﻠﻴ ﻪ ﺣﺘ ﻰ ﻧﻨ ﺼﻒ اﻹﺳ ﻼم ﻣ ﻦ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ. ﴿أﻓﻐﻴ ﺮ اﻟﻠ ﻪ أﺑﺘﻐ ﻲ ﺣ َﻤ ﺎ وه ﻮ اﻟ ﺬي أﻧ ﺰل إﻟ ﻴﻜﻢ اﻟﻜﺘ ﺎب‬ ‫َ َ َ ْ َ ّ ِ َ ْ َ ِ َﻜ ً َ ُ َ ّ ِ َ َ َ َ َ ِ َ ْ ُ ُ ْ ِ َ َ‬ ‫ﻣﻔﺼﻼ َاﻟ ِﻳﻦ ﺁﺗﻴ َﺎهﻢ اﻟﻜ َﺎب ﻳﻌﻠ ُﻮن أ ّﻪ ﻣﻨﺰل ّﻦ رﺑﻚ ِﺎﻟﺤ ّ﴾ )اﻷﻧﻌﺎم ٤١١(.‬ ‫ُ َ ّ ً و ّﺬ َ َ ْﻨ ُ ُ ْ ِﺘ َ َ َْﻤ َ َﻧ ُ ُ َ ّ ٌ ﻣ ّ ّ َ ﺑ ْ َﻖ‬ ‫وﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ.. وداﺋﻤﺎ ﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ.‬ ‫ً‬

‫٣٢‬