You are on page 1of 37

‫المقدمة‬

‫إنه من علمات الصحة في المجتمع أن يتم طرح موضوع كهذا‪ ،‬سواء‬


‫من الناحية الفكرية أو من الناحية العملية‪ ،‬وعلمة الصحة هنا‪ ،‬أن المجتمع أو‬
‫المة بشكل أعم بدأت تُراجع مفاهيمها‪ ،‬وأنماطها في التفكير‪ ،‬باحثة عن التجديد‬
‫والبتكار‪ ،‬ومحاولة إعادة تشكيل العقل العربي المسلم‪ ،‬من أجل الخروج من‬
‫أزمتها التي تعاني منها منذ زمن بعيد‪ .‬ولست بصدد التفصيل في هذه الزمة‪،‬‬
‫وأسبابها وأعراضها وعلجها في هذا المقام‪ ،‬فلذلك حديث في مكان آخر‪.‬‬
‫كما أنه لم يعد خافيا على أحد‪ ،‬أن إعادة تشكيل العقل العربي المسلم‪ ،‬بات‬
‫شرطا أساسيا‪ ،‬من أجل إعادة بناء الحاضر‪ ،‬والستشراف الصحيح لصناعة‬
‫المستقبل‪ ،‬ولتحديد مواطن الخلل والصابة التي تعوق النهوض‪ .‬وذلك أن العقل‬
‫في نهاية المطاف هو الذي ينتج ويولّد عالم الفكار‪ ،‬وهو الذي يتشكل بها‪ ،‬ومن‬
‫ثم ينظر‪ ،‬ويُبدع‪ ،‬ويبتكر‪ ،‬ويحكم على الشياء‪ ،‬من خللها‪.‬‬
‫من هنا يكون من الهمية بمكان أن نُسلط الضوء على مفهوم البداع‬
‫والبتكار‪ .‬من ناحية المفاهيم الخاطئة التي ترسخت بأذهان البعض‪ ،‬والمفاهيم‬
‫المتشابكة التي أشكلت على البعض ‪.‬‬
‫إن البداع نمط من أنماط التفكير‪ ،‬ومستوى متقدم في سلّم القدرات الذهنية‬
‫للنسان يتميز به عن غيره‪ .‬وقد أبدع طبيب بريطاني اسمه »ادوارد دي بونو«‬
‫الذي انتقل في تخصصه من الطب البشري إلى الفلسفة‪ ،‬واستعمل معلوماته‬
‫الطبية عن المخ وأقسامه وعمله في تحليل أنماط تفكير الناس‪ .‬وصار »دي‬
‫بونو« أشهر اسم في العالم في مجال التفكير وتحليله وأنماطه مستوى عميق بأن‬
‫كفاح الفرد مع عالمه الفريد ومع نظرته الفريدة للعالم للوصول إلى الحكمة‬
‫وتحقيق الذات في عالم ل يقدم الدعم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫البداع‬
‫هو‬ ‫لغة‪:‬‬
‫الشيء‬ ‫ابتداء‬
‫أو صنعه أو استنباطه ل عن مثال سابق‪ ،‬ومن ذلك قولنا عن شخص أنه أبدع‬
‫شيئا‪ ،‬قولً أو فعلً‪ ،‬إذ ابتدأه ل من سابق مثال‪ .‬وبهذا المعنى نفسه يوصف ال‬
‫تعالى بأنه (بديع السماوات والرض)‪ .‬البدعة لغةً‬
‫وللبدعة في اللغة أصلن‪ ،‬أحدهما‪( :‬البَدع)‪ ،‬وهو مأخوذ من (بَدَعَ)‪،‬‬
‫وثانيهما‪( :‬البداع)‪ ،‬وهو ما مأخوذ من (أبدعَ)‪ .‬وكل هذين الصلين يعطي معنىً‬
‫واحدا‪ ،‬وهو عبارة عن إنشاء الشيء ل على مثالٍ سابق‪ ،‬واختراعه وابتكاره بعد‬
‫أن لم يكن‪ .‬يقول الفراهيدي عن (البَدع)‪« :‬هو إحداث شيء لم يكن له من قبل‬
‫خلق ول ذكر ول معرفة»(‪ .)1‬ويقول الراغب عن (البداع)‪« :‬هو إنشاء صفةٍ‬
‫ن (البداع) أكثر استعمالً من‬
‫بل احتذاء واقتداء»(‪ .)2‬وينص الزهري على أ ّ‬
‫ن استعمال (البَدع) خطأ‪ ،‬وإنما هو صحيح ولكنه قليل‪،‬‬
‫(البَدع)‪ ،‬وهذا ل يعني أ ّ‬
‫فيقول في ذلك‪ :‬و«(أبدعَ) أكثر في الكلم من (بَدَعَ)‪ ،‬ولو استعمل (بَدَعَ) لم يكن‬
‫خطأ»(‪ !)3‬وعلى هذا الساس تقول من (البَدع)‪« :‬بدعتُ الشيء إذا أنشأته»(‪.)4‬‬
‫وتقول من (البداع)‪ :‬ابتدعَ الشيء‪ :‬أي (أنشأه وبدأه)(‪ ،)5‬وتقول أيضا‪« :‬أبدعتُ‬
‫الشيء أي اخترعته ل على مثال»(‪.)6‬‬

‫‪2‬‬
‫و(أبدَعَ) اللّه تعالى الخلق (إبداعا)‪ :‬أي خلقهم ل على مثال سابق‪،‬‬
‫و(أبدعتُ) الشيءَ و(ابتدعته)‪ :‬استخرجته وأحدثته‪ ،‬ومنه قيل للحالة المخالفة‬
‫(بدعة)‪ ،‬وهي اسم من (البتداع)‪ ،‬كالرفعة من الرتفاع(‪ ،)1‬ومعنى (البدعة)‪:‬‬
‫الشيء الذي يكون أولً(‪ ،)2‬وجمع (البدعة) (البدع)(‪ ،)3‬وانّما سميت (بدعة) لنّ‬
‫قائلها ابتدعها هو نفسه(‪ .)4‬وفي أسماء ال تعالى (البديع)‪ :‬وهو الخالق المخترع‬
‫ل على مثال سابق(‪ .)5‬يقول اللّه تعالى‪( :‬بَديعُ السّمواتِ والَرضِ)(‪ :)6‬أي‬
‫مبتدعها ومبتدئها ل على مثال سبق(‪ ،)7‬وبديع الحكمة غريبها‪ ،‬ومنه الحديث‪:‬‬
‫ل كما تكل البدان»(‪ .)8‬ويقول اللّه تعالى‪:‬‬
‫(روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة‪ ،‬فانها تك ّ‬
‫(وَرَهبَانيّ ًة اَبَتَدعُوها)(‪ :)9‬أي أحدثوها من عند أنفسهم(‪ .)10‬فيتحصل لدينا من‬
‫ن المعنى اللغوي ل(البدعة)‪ :‬هو الشيء الذي يُبتكر ويُخترع‬
‫خلل كل ما تقدّم ا ّ‬
‫من دون مثال سابق‪ ،‬ويُبتدأ به بعد أن لم يكن موجودا من قبل‪.‬‬

‫ل ريب‬
‫البدعة‬ ‫أنّ‬

‫‪3‬‬
‫حرام‪ ،‬ول يشك في حرمتها مسلم واع‪ ،‬لكن المهم في الموضوع تحديدها وتعيين‬
‫مفهومها بشكل دقيق‪ ،‬حتى تكون قاعدة كليّة يرجع إليها عند الشك في‬
‫المصاديق‪ ،‬فإنّ واجب الفقيه تحديد القاعدة‪ ،‬وواجب غيره تطبيقها على مواردها‪،‬‬
‫وهذا الموضوع من أهمّ المواضيع فيها‪.‬‬

‫وقد عرفت البدعة بتعاريف مختلفة‪ ،‬بين متشدد ل يتسامح فيها‪ ،‬وبين‬
‫متسامح في تعريفها‪ ،‬وإليك بعضها‪:‬‬

‫‪ -1‬البدعة‪ :‬ما أحدث ممّا ل أصل له في الشريعة يدلّ عليه‪ .‬أمّا ما كان له‬
‫اصل من الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة شرعا‪ ،‬وإن كان بدعة لغة(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬البدعة‪ :‬أصلها ما أحدث على غير مثال سابق‪ ،‬وتطلق في الشرع في‬
‫مقابل السنّة فتكون مذمومة(‪.)6‬‬
‫ويقول ابن حجر في موضع آخر‪ :‬المحدثات جمع محدثة‪ ،‬والمراد بها أي‬
‫في حديث (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)‪ ،‬ما أحدث وليس له‬
‫أصل في الشرع يسمّى في عرف الشرع بدعة‪ ،‬وما كان له أصل يدلّ عليه‬
‫الشرع فليس ببدعة(‪.)7‬‬

‫‪ -3‬البدعة لغة‪ :‬ما كان مخترعا‪ .‬وشرعا‪ :‬ما أحدث على خلف أمر‬
‫الشرع ودليله الخاص أو العام(‪.)8‬‬
‫‪ -4‬البدعة في الشرع موضوعه‪ :‬الحادث المذموم(‪.)9‬‬
‫‪ -5‬إنّ البدعة الشرعية هي‪ :‬التي تكون ضللة‪ ،‬ومذمومة(‪.)10‬‬
‫‪ -6‬البدعة‪ :‬طريقة في الدين مخترعة‪ ،‬تضاهي الشرعية‪ ،‬يقصد بالسلوك‬
‫عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وعرّفه الشاطبي أيضا في مكان آخر بنفس ذلك وأضاف في آخره‪( :‬يقصد‬
‫بالسلوك عليها‪ :‬المبالغة في التعبّد ل تعالى)(‪ .)11‬وما أضافه ليس أمرا كليّا كما‬
‫سيوافيك عند البحث عن أسباب نشوء البدعة ودواعيها‪.‬‬
‫وهذه التعاريف‪ ،‬تحدّد البدعة تحديدا‪ ،‬وتصوّر لها قسما واحدا‪ .‬والمحدود‬
‫في هذه التعاريف هو البدعة في الشرع والدين السلمي‪ ،‬والتدخّل في أمر‬
‫التقنين والتشريع‪.‬‬
‫وهناك من حدّدها ثمّ قسّمها إلى‪ :‬محمودة ومذمومة‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫‪ -1‬عن حرملة بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الشافعي (رحمه ال) يقول‪( :‬البدعة‬
‫بدعتان‪ :‬بدعة محمودة وبدعة مذمومة‪ ،‬فما وافق السنّة فهو محمود وما خالف‬
‫السنّة فهو مذموم)‪.‬‬

‫‪ -2‬وقال الربيع‪ :‬قال الشافعي (رحمه ال)‪( :‬المحدثات من المور‬


‫ضربان‪ :‬أحدهما يخالف كتابا أو سنّة أو إجماعا أو أثرا‪ ،‬فهذه البدعة الضللة‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬ما أحدث من الخبر ل خلف فيه لواحد من هذا‪ ،‬فهي محدثة غير‬
‫مذمومة)(‪.)12‬‬

‫‪ -3‬قال ابن حزم‪( :‬البدعة في الدين‪ ،‬كلّ ما لم يأت في القرآن‪ ،‬ول عن‬
‫ن منها ما يؤجر عليه صاحبه ويعذّر بما قصد إليه من الخير‪،‬‬
‫رسول ال‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫ومنها ما يؤجر عليه صاحبه ويكون حسنا وهو ما كان أصله الباحة‪ ،‬كما روي‬
‫عن عمر (رضي ال عنه)‪( :‬نعمت البدعة هذه ‪ -‬إلى أن قال‪ -:‬ومنها ما يكون‬
‫مذموما‪ ،‬ول يعذّر صاحبه‪ ،‬وهو ما قامـــت الحجـــة عـــلى فساده‬
‫فتمــــادى القــــائل به)(‪.)13‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -4‬وقال الغزالي‪( :‬وما يقال‪ :‬انّه أبدع بعد رسول ال‪ ،‬فليس كل ما أبدع‬
‫منهيا بل المنهي عنه بدعة تضاد سنّة ثابتة‪ ،‬وترفع أمرا من الشرع مع بقاء‬
‫علّته‪ ،‬بل البداع قد يجب في بعض الحوال إذا تغيّرت السباب)(‪.)14‬‬

‫ن كل ما‬
‫‪ -5‬وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة‪( :‬إعلم أ ّ‬
‫ل ما وافق أصول سنّته وقواعدها أو قيس عليها‬
‫ظهر بعد رسول ال بدعة‪ ،‬وك ّ‬
‫ل ما خالفها فهو بدعة سيّئة وضللة)(‪.)15‬‬
‫فهو بدعة حسنة‪ ،‬وك ّ‬

‫‪ -6‬وقال ابن الثير‪( :‬البدعة بدعتان‪ :‬بدعة هدى‪ ،‬وبدعة ضلل‪ ،‬فما كان‬
‫في خلف ما أمر ال به ورسوله (صلى ال عليه وآله) فهو في حيز الذم‬
‫والنكار‪ ،‬وما كان واقعا تحت عموم ما ندب ال إليه‪ ،‬وحثّ عليه ال أو رسوله‬
‫فهو في حيّز المدح‪ .‬وما لم يكن له مثال موجود‪ ،‬كنوع من الجود والسخاء وفعل‬
‫المعروف‪ ،‬فهو من الفعال المحمودة‪ ،‬ول يجوز أن يكون ذلك في خلف ما‬
‫ي (صلى ال عليه وآله) قد جعل له في ذلك ثوابا فقال‪:‬‬
‫ن النب ّ‬
‫ورد الشرع به‪ ،‬ل ّ‬
‫ن سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها) وقال في ضدّه‪( :‬ومن‬
‫(من س ّ‬
‫سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها) وذلك إذا كان في خلف ما‬
‫أمر ال به رسوله (صلى ال عليه وآله)‪.‬‬

‫ومن هذا النوع قول عمر (رضي ال عليه)‪( :‬نعمت البدعة هذه‬
‫(التراويح) لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح) سمّاها بدعة‬
‫ن النبيّ (صلى ال عليه وآله) لم يسنّها لهم وإنّما صلّها ليالي ثمّ‬
‫ومدحها‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫تركها ولم يحافظ عليها‪ ،‬ول جمع الناس لها‪ ،‬ول كانت في زمن أبي بكر‪ ،‬وإنّما‬
‫عمر (رضي ال عنه) جمع الناس عليها وندبهم إليها‪ ،‬فبهذا سمّاها بدعة‪ ،‬وهي‬
‫على حقيقة سنّة‪ ،‬لقوله (صلى ال عليه وآله)‪( :‬عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء‬

‫‪6‬‬
‫الراشدين من بعدي) وقوله‪( :‬اقتدوا باللذين من بعدي‪ :‬أبي بكر وعمر) وعلى‬
‫هذا التأويل يحمل الحديث الخر‪( :‬كل محدثة بدعة) إنّما يريد ما خالف أصول‬
‫الشريعة ولم يوافق السنّة‪ .‬وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفا في الذم) ‪.‬‬

‫تعليق بخصوص الخلط بين البدعة بمفهومها الديني والبداع ‪:‬‬

‫ما سطرته اقلم طائفة كبيرة من الوعاظ والزاهدين في القضاء والقدر‬


‫والزهد والتوكل والسنة والبدعة ‪:‬‬
‫ففهم القضاء والقدر والتوكل كـبـــل عن المغالبة ورسخ في النفوس‬
‫– بوجه من الوجوه – أن العمل وعدمه سيان ‪ ،‬وأن ترك العمل توكلً على ال‬
‫أدل على قوة اليقين وصحة التوكل‬
‫وفهم السنة والبدعة أورث ثقافة تفضل المس على اليوم ابدًا ‪ ،‬ترى ان‬
‫ذلك فحوى (خير امتي قرني ) و(كل بدعة ضللة) ‪ ،‬والذي ل يجوز الحداث‬
‫فيه هو دين ال ‪ ،‬أما امور الدنيا الخالصة(فأنتم اعلم بأمور دنياكم) فينبغي ان‬
‫تكون كلها إبداعًا إذا كان ما يــبدَع فيه خير مما اُبدِع ‪ ،‬لن البداع اذا توقف‬
‫فقدت الحياة معناها الذي هو التجدد والتغيير فصارت تكرارًا آليًا ل فضل فيه‬
‫لليوم على المس ول للغد على اليوم ‪ ،‬يورث الضيق والملل ثم التحلل والفناء‬
‫المعنوي الذي يسميه بعض علماء الجتماع (النتحار الداخلي) ويعزو اليه انهيار‬
‫الحضارات‬

‫‪7‬‬
‫‪ --‬ومن سلبيات هذا الفهم ‪ :‬انه جرد المة من العقل وصيرها غثاء‬
‫كغثاء السيل تقتات ابدًا من ماضيها وتستعيض بذكره عن صنع مثله وتردد‬
‫التراث ول تجدده وتفخر به وتعبده وتكسل فتدعي الزهد والتوكل واتباع السنة‬
‫وتعجز فتعلق عجزها على القضاء والقدر‬

‫‪ *2‬عدم التوسط بين الفراط والتفريط بل والميل الى التطرف والمغالة‬


‫اللذان ل تستقيم بهما حياة البشر ول تستطيع الفطرة السليمة التكيف معهما ‪.‬‬

‫‪ *3‬تحجيم دور المرأة الى اقل حجم ممكن ‪ ،‬ففقدت المة نصف طاقتها‬
‫وانجازاتها ‪ ،‬بل واصبحت المرأة عبئًـا على المة بدل ان تكون عونًا لها على‬
‫النهوض‬

‫‪ *4‬التوجه الشديد والغريب نحو رد كل شيء لتفسير الحلم والسحر‬


‫وفك السحر والشعوذة والذي يمارس الغالب منه تحت اسم وعباءة الدين ‪.‬‬

‫‪ *5‬هذا بالضافة الى الموروث من عادات وتقاليد بالية يستنكرها العقل‬


‫والدين ول تزال تقرها الفعال‬

‫‪ * 6‬الفكرة السائدة ‪ :‬أن الذكاء أهم من العلم !‬


‫الذكاء من غير معرفة ملئمة قليل الجدوى ‪ ،‬وعقل متوسط في امكاناته‬
‫مع معرفة جيدة وبيئة علمية مناسبة يمكّن من غير شك صاحبه من التفوق‬
‫والنجاح والتميز‪ ...‬والقاعدة العامة في هذا الشأن وكل شأن هي انه كلما اوغل‬
‫الناس في الحضارة صارت قيمة ماهو مكتسب أهم مما هو فطري ‪ ...‬ونحن ل‬
‫زلنا نعمل بعكس القاعدة ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ * 7‬وجود جوانب عدة في الشرع لم يستغلها العقل المسلم بل ربما لم‬
‫يستوعبها الى يومنا هذا كما ينبغي ‪ ،‬وانما فُـهمت في حقبة من التاريخ‬
‫السلمي وفي بيئة معينة فجــعل ذلك الفهم مرجعا مطلقا او شبه مطلق ل‬
‫تجوز الحيدة عنه ‪ ،‬او من الحوط والسلم عدم تجاوزه‬

‫‪ *8‬الوقوف عند (الفاظ )النصوص الشرعية‬


‫وهذا المنهج يعزل الشرع في جانب من الحياة والفهم ‪ ،‬ويسجنه في‬
‫التاريخ عن الواقع وتجدده الذي ل يقف عند حد ‪ ،‬ومن آثار ذلك ما ينزع اليه‬
‫الفقهاء من تحريم كل جديد وكل ما لم ينص عليه في كتب القدماء ‪ ،‬وما يترتب‬
‫على هذا المنزع من عزل الشريعة عن الحياة ونزع الثقة بها من قلوب الناس ‪،‬‬
‫إذ يظل الجديد يتمدد ويتسع في الحياة على عدم تشريع الفقهاء له ‪ ،‬حتى يصير‬
‫جزء من حياة الناس ل غنى عنه ول تستطيع الفتوى ان تصرفهم عنه ‪ ،‬ثم‬
‫يذعن الفقهاء بعد فوات الوان ويبحثون له عن مخرج يحلله بعد أن حلله‬
‫الواقع ‪ ،‬فتصبح الفتوى تحصيل حاصل ويفقد الناس الثقة بالمفتي كما حصل‬
‫بشأن المخترعات من تلفزيون وتعليم النساء والفضائيات والنترنت ‪.‬‬

‫ال صطلح هو روح النص العلمي ول يتأتّى التفاهم‬


‫والتطوير إل بتحديد مفهومه ودلل ته عن طريق‬
‫التخطيط له وتنسيق نشاطه وتوحيده وتنميطه‬
‫وتعريفه ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫الكتابة العلمية مفتاح العلوم‬

‫الكتابة العلمية عصبها المصطلح وقوامها مفهومه ول فرق بينها‬


‫وبين الكتابة الصيلة إل بهما وبكونها ترمي إلى منتهى الدقة وأقصى‬
‫اليجاز وغاية الفادة والعلم‪ .‬إنهما تشتركان في اقتضاء السلسة‬
‫والفصاحة والبلغة والبيان‪ ،‬أي تسلسل عناصر الجملة وتناسقها وعدم‬
‫تنافرها وتبليغ المراد منها وجلء الفكرة من ورائها في أناقة وحسن‬
‫ديباجة ‪ ،‬وإن كان ذلك في العلم أولى وأدعى وأنفع‪ ،‬لنه السبيل إلى الرقي‬
‫والنص فيه أداة المعرفة إذا تجلى ووعاؤها إذا استقام واستوفى‪.‬‬
‫وإذا علمنا أن "الترجمة القوية لون من النشاء توجب ما يوجبه‬
‫الكلم المبتكر من قوة الوصف والتأنّق في الصوغ" (مبارك [بدون تاريخ]‪:‬‬
‫‪.)119‬‬
‫وينقسم نقل النصوص المتخصصة إلى نوعين‪ ،‬أحدهما الترجمة‬
‫والثاني التلخيص‪ ،‬الذي يدخل في باب التعريب‪ ،‬لن المترجم ينقل إلى‬
‫العربية وهو غير مقيد بالنص الذي ينطلق منه في اللغة المترجم منها‪.‬‬
‫فبعد أن تضح المفاهيم المصطلحية‪ ،‬لن تكتمل الصورة وينجلي‬
‫المقصود تماما‪ ،‬على العموم‪ ،‬إل بمجالسة الخصائي في الميدان قصد‬
‫الستفسار ومناظرته قصد التعمق‪ .‬وإن التلخيص أصعب وأشد امتحانا‬

‫‪10‬‬
‫للمترجم لنه عليه أن يغوص في كنه المعنى ويمسك بخيوطه ويستخرج‬
‫دقائقه وتفاصيله ويستبين جوهره‪ ،‬فيقدم خلصة ما فهم وزبدة ما‬
‫استوعب‪ ،‬في حين أن المترجم متى استحكم فهمه‬
‫لفحوى المصطلح وتمكن من إيجاد المقابل المناسب له‪ ،‬فإنه يحتمل جدا أن‬
‫يوصل المعنى تدريجيا إلى القارئ المتخصص الذي له إلمام بالموضوع‬
‫ودراية بخلفيته‪ ،‬حتى وإن خفي عليه هو البعد الكامل لما قيل وما ذكر وما‬
‫أضمر‪ ،‬شريطة أن يوفق في المصطلح ويبرع في الداء‪ .‬ومتى ترجمت‬
‫نصوص متتالية من نفس الميدان المعرفي استأنس المترجم بمصطلحاتها‬
‫وبحث واستجلى وقرأ ووعى‪ ،‬فإنه يصبح متخصصا في ترجمة ذلك‬
‫الموضوع‪ ،‬وإن لم يتخصص فيه‪ .‬لذا‪ ،‬فإن التخصص في الترجمة ممكن‬
‫على صعوبته ويحصل بالمعايشة والممارسة والمواظبة‪ .‬وهو مطلوب‪،‬‬
‫حتى وإن كانت ترجمة العالم المتخصص ذي المقدرة اللغوية أنفع وأسلم‪.‬‬

‫اللغوي العارف بأصول اللغة ومسالكها وإمكانات ا القادر على‬


‫التصرف فيها وتطويعها ؟‬

‫العال ال تخصص ال لم بال وضوع الواقف على خباياه ومضامينه ؟‬

‫‪11‬‬
‫المصطلح قوام النص العلمي‬

‫المصطلح هو روح النص العلمي ول يتأتّى التفاهم والتطوير إل‬


‫بتحديد مفهومه ودللته عن طريق التخطيط له وتنسيق نشاطه وتوحيده‬
‫وتنميطه وتعريفه‪.‬‬
‫وفي حين يلزم إحصاء كل ما وضع من مصطلحات ولمّ شتاتها‪ ،‬وهذا‬
‫ما تسهّله الحوسبة في أيامنا هذه ول الحمد‪ ،‬فإنه لبد من التوثيق الحسن‬
‫باحتواء وتوفر المصادر والمراجع والوثائق‪ ،‬ومنها كافة المعاجم المتاحة‬
‫في السوق وفي المكتبة العربية‪ ،‬كما ينبغي إتباع منهجية صحيحة في‬
‫وضع المصطلح وتعريبه وترجمته‬
‫وقد تفطن السلف الصالح العارف إلى أهمية ذلك‪ ،‬ومنهم حنين بن إسحاق‪،‬‬
‫في العشر مقالت في العين‪ ،‬وابن النديم‪ ،‬في الفهرست‪ ،‬والخوارزمي‪ ،‬في‬
‫مفاتيح العلوم‪ ،‬و ابن سينا‪ ،‬في القانون في الطب‪ ،‬و ابن البيطار‪ ،‬في‬
‫الجامع لمفردات الدوية والغذية (أنظر عبد العزيز ‪ .)1990‬فلما صادفتهم‬
‫المصطلحات المتخصصة الجديدة عليهم وعلى العربية أوردوا الصل ومعه‬
‫مقابله العربي أصيل‪ ،‬متى استطاعوا ‪ ،‬ا أو معرّبا‪ ،‬وتفسيره أو تعريفه‪.‬‬
‫وبذلك انتبهوا إلى أن خير وسيلة لحصر المجال الدللي للمصطلح هو‬
‫تعريفه‪ ،‬سواء حين الوضع أو الستعمال‪ .‬غير أن العلماء وأهل النظر‬
‫خافوا على المعجم العربي من التلوّث بالمصطلح المحدث الذي عدوه غريبا‬
‫ونقمة على اللغة وظل الجدال قائما بين محبّذ ورافض ومستعمل‬
‫ومستنكف‪ ،‬ولذلك خلت المعاجم العربية القديمة من المصطلحات‬

‫‪12‬‬
‫المتخصصة التي بقيت مقبورة في صلب الكتب‪ .‬وقد اكتملت لغة العلوم في‬
‫السلم في القرن الرابع الهجري واستقرت مصطلحاتها في معظمها‬
‫وتوحّد استعمالها مشرقًا ومغربًا ودونت في معاجم سميت "مفردات"‬
‫و"تعريفات"‪ ،‬ومن تلك المعاجم مفاتيح العلوم الذي ألّفه أبو عبد ال‬
‫الخوارزمي (ت ‪ )997‬في النصف الثاني من القرن الرابع والتعريفات‬
‫للشريف الجرجاني (‪ )1413 - 1339‬والتوقيف على مهمات التعاريف لعبد‬
‫الرؤوف بن المُناوي (ت ‪ )1631‬وكشّاف اصطلحات الفنون لمحمد علي‬
‫التهاوني (ت بعد ‪.)1631‬‬

‫ما هو البداع؟ وماذا نقصد بالبداع؟‬


‫في الحقيقة هناك تعاريف كثيرة للبداع‪ ،‬لذلك سنذكر بعض التعاريف‪ ،‬من‬
‫أيسر هذه التعاريف التعريف التالي "العملية التي تؤدي إلى ابتكار أفكار‬
‫جديدة‪ ،‬تكون مفيدة ومقبولة اجتماعيا عند التنفيذ" وهناك تعريف شامل‬
‫للدكتور على الحمادي‪ ،‬أورده ضمن كتابه الول من سلسلة البداع وهو‬
‫التعريف التالي "هو مزيج من الخيال العلمي المرن‪ ،‬لتطوير فكرة قديمة‪ ،‬أو‬
‫ليجاد فكرة جديدة‪ ،‬مهما كانت الفكرة صغيرة‪ ،‬ينتج عنها إنتاج متميز غير‬
‫مألوف‪ ،‬يمكن تطبيقه واستعماله" وأعتقد بأن هذا هو التعريف الشامل‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫إذا البداع هو إنتاج أفكار جديدة خارجة عن المألوف‪ ،‬على شرط أن تكون‬
‫أفكار مفيدة‪ ،‬وقد يكون البداع في مجال يجلب الدمار والضرر وهذا ل‬
‫يسمى إبداع بل تخريب‪ ،‬فلو قلنا أن موظف ابتكر طريقة جديدة لتخفيض‬
‫التكاليف أو لتعزيز النتاج أو لمنتج جديد‪ ،‬فتعتبر هذه الفكرة من البداع‪.‬‬

‫ويمكنك الرجوع إلى كتاب "شرارة البداع" د‪ .‬علي الحمادي حيث ستجد‬
‫تعريف شامل للبداع والمفاهيم المتصلة به‪ .‬وهذا الملف هو تعريف‬
‫مختصر جدا للبداع ول أود الطالة‪.‬‬

‫من هو المبدع؟‬
‫يظن بعض الناس أن النسان المبدع ولد هكذا مبدعا‪ ،‬وهو مفهوم غير‬
‫صحيح‪ ،‬وللختصار أقول كل شخص يستطيع أن يبدع ويبتكر إل من يأبى!‬
‫كان أحد رجال العمال يقف في طابور طويل في إحدى المطارات‪ ،‬لحظ‬
‫الرجل أن أغلفة تذاكر السفر بيضاء خالية‪ ،‬ففكر في طباعة إعلنات على‬
‫هذه المغلفات وتوزيع هذه الغلفة مجانا على شركات الطيران‪ ،‬وافقت‬
‫شركات الطيران على هذا العرض‪ ،‬وتعاون رجل العمال مع مدير إحدى‬
‫المطابع وتم هذا المشروع‪ ،‬والنتيجة أرباح بمليين الدولرات! الفكرة‬
‫إبداعية وصغيرة‪ ،‬لكنها جديدة ولم يفكر فيها أحد من قبل‪ ،‬وصار لهذا‬
‫الرجل زبائن من الشركات الكبرى في الوليات المتحدة‪.‬‬
‫البداع الفردي‬

‫‪14‬‬
‫نستعرض في هذا القسم خصائص الشخص المبدع‪ ،‬معوقات البداع لدى‬
‫الفراد‪ ،‬طرق وأساليب لتصبح أكثر إبداعا‪ ،‬طرق توليد الفكار‪ ،‬ثم بعض‬
‫المثلة والمجالت التي يستطيع الفرد أن يبدع فيها‪.‬‬
‫صفات المبدعين‬
‫هذه بعض صفات المبدعين‪ ،‬التي يمكن أن تتعود عليها وتغرسها في نفسك‪،‬‬
‫وحاول أن تعود الخرين عليها أيضا‪.‬‬

‫يبحثون عن الطرق والحلول البديلة ول يكتفون بحل أو طريقة واحدة‪.‬‬


‫لديهم تصميم وإرادة قوية‪.‬‬
‫لديهم أهداف واضحة يريدون الوصول إليها‪.‬‬
‫يتجاهلون تعليقات الخرين السلبية‪.‬‬
‫ل يخشون الفشل ( أديسون جرب ‪ 1800‬تجربة قبل أن يخترع المصباح‬
‫الكهربائي )‪.‬‬
‫ل يحبون الروتين‪.‬‬
‫يبادرون‪.‬‬
‫إيجابيون ومتفاؤلون‪.‬‬
‫وإذا لم تتوافر فيك هذه الصفات ل تظن بأنك غير مبدع‪ ،‬بل يمكنك أن‬
‫تكتسب هذه الصفات وتصبح عادات متأصلة لديك‪.‬‬
‫وكثيرة هي المقولت التي تؤيد مقولة كل شخص ممكن أن‬
‫يكون مبدع‪ ،‬لكنني من وجهة نظري الشخصية أؤمن بأن تلك‬
‫المقولة "كل شخص مبدع" غير صحيحة لنها تذيب مفهوم‬

‫‪15‬‬
‫البداع وتصهره وتجعله مفهوم نسبي ‪ ،‬مفهوم يخمد ثورة‬
‫التميز والوهج التي ميز ال بها بعض البشر‪ ،‬تلك المقولة كأنها‬
‫تقول للبخيل أن كريم لكنك كريم بنسبة منخفضة‪ ،‬وتقول للكريم‬
‫أنت بخيل لكن بنسبة منخفضة ‪ ،‬حسب ما يراه كثير من‬
‫المهتمين والمتخصصين في مجال الموهبة والبداع من خلل‬
‫منحنى التوزيع العتدال الطبيعي ‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫• تتراوح تعريفات الب داع بدءا من النظر إليه على أنه‬
‫عملية بسيطةللت ال شكلتت بطريقة مناسبة‬

‫أنه عمليةتقتيق وتعبي تكامل عن إمكانات الفرد الفريدة وال تميزة ‪.‬‬

‫• تعريف رايت ‪: Wright‬‬


‫حالة خاصة من سلوك حل ال شكلت مع التأكيد على أصالة الل وقيمته‪.‬‬

‫• تعريف ماكيلر ‪:Mckeller‬‬


‫تفاعل مركب بي التفكي الواقعي والتفكي الي ال ‪.‬‬

‫• وعرّف شتاين ‪ Stein‬الب داع‬


‫‪Person‬‬ ‫الشخص‬
‫‪ Process‬مفيد أو مقنع ‪.‬‬
‫عمليةف وقت ٍ معي على أنه مُرضٍ أو‬
‫عملية ينتج عنها عمل جديد تقبلهُجا عة ما‬
‫ضغط اجتماعي ‪Press‬‬
‫* وقال هايز ‪ Hayes‬إنّ النشاط الب‬
‫المنتجداعي هو نشاط له نتائجه ذات‬
‫‪Product‬‬
‫القيمة الكبية ويكون جديدا أو مدهشًا ‪16 .‬‬
‫مفهوم البداع على أنه عملية ‪: Creative Process‬‬

‫يعرّف تورانس ‪ Torrance‬البداع بأنه "عملية يصبح فيها المتعلم حساسا‬


‫للمشكلت‪ ،‬وبالتالي هو عملية إدراك الثغرات والخلل في المعلومات‬
‫والعناصر المفقودة وعدم التساق بينها‪ ،‬ثم البحث عن دلئل ومؤشرات في‬
‫الموقف وفيما لدى المتعلم من معلومات‪ ،‬ووضع الفروض حولها‪ ،‬واختبار‬
‫صحة هذه الفروض والربط بين النتائج‪ ،‬وربما إجراء التعديلت وإعادة‬
‫اختبار الفروض"‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ المنحى الرابع‪ :‬مفهوم البداع بناءً على الموقف البداعي أو البيئة‬
‫المبدعة ‪:Creative Situation‬‬

‫يُقصد بالبيئة المبدعة المناخ بما يتضمنه من ظروف ومواقف تيسر البداع‪،‬‬
‫أو تحول دون إطلق طاقات المتعلم البداعية‪ .‬وتُقسّم هذه الظروف إلى‬
‫قسمين هما‪:‬‬

‫أ ـ ظروف عامة‪ :‬ترتبط بالمجتمع وثقافته‪ ،‬فالبداع ينمو ويترعرع في‬


‫المجتمعات التي تتميز بأنها تهيئ الفرص لبنائها للتجريب دون خوف أو‬

‫‪17‬‬
‫تردد‪ ،‬وتُقدم نماذج مبدعة من أبنائها من الجيال السابقة كنماذج يتلمس‬
‫الجيل الحالي خطاها‪ ،‬وبالتالي تُشجّع على نقد وتطوير الفكار العلمية‬
‫والرياضية والدبية ‪...‬‬

‫وقد أعد تورانس تقريرا حول زيارته لليابان للمقارنة بين تأثير كل من‬
‫الثقافتين اليابانية والمريكية على النجاز البداعي‪ ،‬وقد ذكر أنه وجد في‬
‫اليابان ‪ 115‬مليونا من فائقي النجاز ـ وهم جميع سكان اليابان ـ بعكس‬
‫أمريكا‪ .‬ويفسر تورانس ذلك في ضوء ثقافة المجتمع الياباني الميسر للبداع‬
‫والتفكير البداعي‪ ،‬ومظاهر الجد والدقة والنظام والصرامة والجهد المكثف‪،‬‬
‫والتدريب على حل المشكلت بدءا من مرحلة رياض الطفال‪.‬‬

‫ب ـ ظروف خاصة‪ :‬وترتبط بالمعلمين والمديرين والمشرفين التربويين‬


‫وأدوارهم في تهيئة الظروف والبيئة الصفية والمدرسية لتنمية البداع لدى‬
‫الطلب‪.‬‬

‫* تعددت وسائل قياس البداع والمقاييس المستخدمة للتعرف على الطلب‬


‫المبدعين وعليه ظهرت مقاييس لسمات الشخصية مثل قائمة سمات التفكير‬
‫المبدع (‪ )Torance‬ومقاييس القدرة على التفكير البداعي‪ ،‬وقائمة السمات‬
‫للشخصية المبدعة (خير ال ‪ )1981‬ومقاييس التجاه نحو البداع (زين‬
‫العابدين درويش ‪ ... )1983‬الخ‪.‬‬

‫* مكونات البداع والتفكير البداعي‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫يتضمن البداع والتفكير البداعي يتضمن مجموعة من القدرات العقلية‬
‫تحددها غالبية البحوث والدراسات التربوية والنفسية بما يلي‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬الطلقة (‪)Fluency‬‬

‫تتضمن الطلقة الجانب الكمي في البداع‪ ،‬ويُقصد بالطلقة تعدد الفكار‬


‫التي يمكن أن يأتي بها المتعلم المبدع‪ ،‬وتتميز الفكار المبدعة بملءمتها‬
‫لمقتضيات البيئة الواقعية‪ ،‬وبالتالي يجب أن تُستبعد الفكار العشوائية‬
‫الصادرة عن عدم معرفة أو جهل كالخرافات‪.‬‬

‫وعليه كلما كان المتعلم قادرا على إنتاج عدد أكبر من الفكار أو الجابات‬
‫في وحدة الزمن‪ ،‬توفرت فيه الطلقة أكثر‪.‬‬

‫وتُقاس الطلقة بأساليب مختلفة منها على سبيل المثال‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ سرعة التفكير بإعطاء كلمات في نسق محدد‪ ،‬كأن تبدأ أو تنتهي‬
‫بحرف أو مقطع معين (هراء‪ ،‬جراء ‪ )..‬أو التصنيف السريع للكلمات في‬
‫فئات خاصة‪( .‬كرة‪ ،‬ملعب‪ ،‬حكم ‪.)..‬‬

‫‪ 2‬ـ تصنيف الفكار وفق متطلبات معينة‪ ،‬كالقدرة على ذكر أكبر عدد‬
‫ممكن من أسماء الحيوانات الصحراوية أو المائية‪ ،‬أو أكبر قدر من‬
‫الستعمالت للجريدة‪ ،‬أو الحجر‪ ،‬أو العلب الفارغة ‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ 3‬ـ القدرة على إعطاء كلمات ترتبط بكلمة معينة‪ ،‬كأن يذكر المتعلم أكبر‬
‫عدد ممكن من التداعيات لكلمة نار‪ ،‬أو سمكة‪ ،‬أو سيف‪ ،‬أو مدرسة ‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ القدرة على وضع الكلمات في أكبر قدر ممكن من الجمل والعبارات‬
‫ذات المعنى‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المرونة (‪)Flexibility‬‬

‫* تتضمن المرونة الجانب النوعي في البداع‪ ،‬ويُقصد بالمرونة تنوع‬


‫الفكار التي يأتي بها المتعلم المبدع‪ ،‬وبالتالي تشير المرونة إلى درجة‬
‫السهولة التي يغير بها المتعلم موقفا ما أو وجهة نظر عقلية معينة‪.‬‬

‫فالتلميذ على سبيل المثال‪ ،‬الذي يقف عند فكرة معينة أو يتصلب فيها‪ ،‬يُعتبر‬
‫أقل قدرة على البداع من تلميذ مرن التفكير قادر على التغيير حين يكون‬
‫ذلك ضروريا‪.‬‬

‫ومن أمثلة الختبارات الشائعة للمرونة اختبار إعادة ترتيب إعادة عيدان‬
‫الكبريت‪ ،‬أو الستعمالت غير المعتادة لشياء مألوفة ‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الصالة (‪)Originality‬‬

‫يُقصد بالصالة التجديد أو النفراد بالفكار‪ ،‬كأن يأتي المتعلم بأفكار جديدة‬
‫متجددة بالنسبة لفكار زملئه‪ .‬وعليه تشير الصالة إلى قدرة المتعلم على‬
‫إنتاج أفكار أصيلة‪ ،‬أي قليلة التكرار بالمفهوم الحصائي داخل المجموعة‬

‫‪20‬‬
‫التي ينتمي إليها المتعلم‪ .‬أي كلما قلت درجة شيوع الفكرة زادت درجة‬
‫أصالتها‪ .‬ولذلك يوصف المتعلم المبدع بأنه الذي يستطيع أن يبتعد عن‬
‫المألوف أو الشائع من الفكار‪.‬‬

‫* تختلف الصالة عن عاملي الطلقة والمرونة فيما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ الصالة ل تشير إلى كمية الفكار البداعية التي يعطيها الفرد‪ ،‬بل‬
‫تعتمد على قيمة ونوعية وجدة تلك الفكار‪ ،‬وهذا ما يميز الصالة عن‬
‫الطلقة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الصالة ل تشير إلى نفور المتعلم من تكرار تصوراته أو أفكاره هو‬
‫شخصيا كما في المرونة‪ ،‬بل تشير إلى النفور من تكرار ما يفعله الخرون‪،‬‬
‫وهذا ما يميزها عن المرونة‪.‬‬

‫وعليه يمكن قياس الصالة عن طريق‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ كمية الستجابات غير المألوفة والتي تُعتبر أفكارا مقبولة لمشاكل‬
‫محددة مثيرة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ اختيار عناوين لبعض القصص القصيرة المركزة في موقف مكثف قد‬
‫يكون دراميا أو فكاهيا‪ .‬ويُطلب من المتعلم أن يذكر لها عناوين طريفة أو‬

‫‪21‬‬
‫غريبة بقدر ما يستطيع في وقت محدد‪ ،‬مع احتمال استبدال القصة بصورة‬
‫أو شكل‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التفاصيل (الكمال) (‪)Elaboration‬‬

‫يُقصد بالتفاصيل (أو الكمال أو التوسيع) البناء على أساس من المعلومات‬


‫المعطاة لتكملة (بناء) ما من نواحيه المختلفة حتى يصير أكثر تفصيلً أو‬
‫العمل على امتداده في اتجاهات جديدة‪ .‬أو هو قدرة المتعلم على تقديم‬
‫إضافات جديدة لفكرة معينة‪ ،‬كما يمكنه أن يتناول فكرة بسيطة أو رسما أو‬
‫مخططا بسيطا لموضوع ما ثم يقوم بتوسيعه ورسم خطواته التي تؤدي إلى‬
‫كونه عمليا‪.‬‬

‫وقد أشارت ملحظات تورانس في بحوث البداع إلى أن التلميذ الصغار‬


‫الكثر إبداعا يميلون إلى زيادة الكثير من التفصيلت غير الضرورية إلى‬
‫رسوماتهم وقصصهم‪.‬‬

‫^ مراحل العملية البداعية ( عملية البداع ‪:) Creative Process‬‬

‫ما زال فهم عملية البداع ومراحلها من أكثر القضايا الخلفية بين التربويين‬
‫وعلماء النفس وطرائق التدريس‪ ،‬ويذكر والس وماركسبري & ‪Wallas‬‬
‫‪ Marksberry‬أن عملية البداع عبارة عن مراحل متباينة تتولد أثناءها‬
‫الفكرة الجديدة المبدعة‪ ،‬وتمر بمراحل أربع هي‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ 1‬ـ مرحلة العداد أو التحضير ‪: Preparation‬‬

‫في هذه المرحلة تُحدد المشكلة وتُفحص من جميع جوانبها‪ ،‬وتُجمع‬


‫المعلومات حولها ويُربط بينها بصور مختلفة بطرق تحدد المشكلة‪ .‬وتشير‬
‫بعض البحوث إلى أن الطلب الذين يخصصون جزءا أكبر من الوقت‬
‫لتحليل المشكلة وفهم عناصرها قبل البدء في حلها هم أكثر إبداعا من أولئك‬
‫الذين يتسرعون في حل لمشكلة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ مرحلة الحتضان (الكمون أو الختمار ‪:) Incubation‬‬

‫مرحلة ترتيب يتحرر فيها العقل من كثير من الشوائب والفكار التي ل صلة‬
‫لها بالمشكلة‪ ،‬وهي تتضمن هضما عقليا ـ شعوريا ول شعوريا ـ‬
‫وامتصاصا لكل المعلومات والخبرات المكتسبة الملئمة التي تتعلق‬
‫بالمشكلة‪.‬‬

‫كما تتميز هذه المرحلة بالجهد الشديد الذي يبذله المتعلم المبدع في سبيل حل‬
‫المشكلة‪ .‬وترجع أهمية هذه المرحلة إلى أنها تعطي العقل فرصة للتخلص‬
‫من الشوائب والفكار الخطأ التي يمكن أن تعوق أو ربما تعطل الجزاء‬
‫الهامة فيها‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ مرحلة الشراق (أو اللهام ‪:)Illumination‬‬

‫‪23‬‬
‫وتتضمن انبثاق شرارة البداع (‪ )Creative Flash‬أي اللحظة التي تولد فيها‬
‫الفكرة الجديدة التي تؤدي بدورها إلى حل المشكلة‪ .‬ولهذا تعتبر مرحلة‬
‫العمل الدقيق والحاسم للعقل في عملية البداع‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ مرحلة التحقيق (أو إعادة النظر ‪:) Verification‬‬

‫في هذه المرحلة يتعين على المتعلم المبدع أن يختبر الفكرة المبدعة ويعيد‬
‫النظر فيها ليرى هل هي فكرة مكتملة ومفيدة أو تتطلب شيئا من التهذيب‬
‫والصقل‪ .‬وبعبارة أخرى هي مرحلة التجريب (الختبار التجريبي) للفكرة‬
‫الجديدة (المبدعة)‪.‬‬

‫* فريق يعد الب تكار إنتاج شيء جديد من حل مشكلة أو تعبي فن ‪،‬‬
‫والد ة هنا أمر نسب؛ أما الب داع فهو حالة خاصة من الب تكار وذلك‬
‫حي يكون الشيء جديدًا على الفرد وغيه ‪.‬‬
‫* وفريقٌ آخر يوافق القول الو ل إل أنهيد د أنّ الب داع وجه من أوجه‬
‫الب تكار أو صورة فنية أو أدبيّة له ‪.‬‬
‫* وهناك فريقٌيا لف الق وال السابقة‪ ،‬حيث أنه يضع الب تكارتت مظلة‬
‫الب داع من خلل تصنيف تايلور للمستويات الم سة للب داع ‪،‬‬
‫حي يد د ال ستوى الرابع ب الب داع الب‪24‬تكاري‪.‬‬
‫هل البداع والبتكار كلمتان مترادفتان ؟‬
‫قد يعد إنتاج أي شيء جديد من حل مشكلة أو تعبير فني والجدة هنا أمر‬
‫نسبي فما يعد جديدا بالنسبة لفرد قد يكون معروفا لدى آخرين والطفل في‬
‫كثير من ألعابه مبتكر أصيل وكذا من يخترع جهازا أو يضع نظاما اجتماعيا‬
‫أو اقتصاديا جديدا و أما البداع فهو حالة خاصة من البتكار وذلك حين‬
‫يكون الشيء الجديد جديدا على الفرد وغيره وكثير من الباحثين يجعل‬
‫البداع والبتكار مترادفين إذ العبرة بوجود السمات العقلية والنفسية التي‬
‫تؤهل صاحبها للتيان بالجديد‪ .‬ونحن سنعتمد في هذا البحث ترادف الكلمتين‬
‫فنقول‪ :‬البداع أو البتكار هو النشاط الذي يقود إلى إنتاج يتصف بالجدة‬
‫والصالة والقيمة بالنسبة للمجتمع ‪.‬‬

‫مستويات البداع‪:‬‬
‫وبديهي أن البداع على مستويات شتى منها البسيط الذي يقدر عليه كثير من‬
‫الناس‪ ,‬ومنها المتوسط الذي يقدر عليه قلة من البشر‪ ,‬ومنها العالي الذي‬
‫ينتجه العباقرة قد تقرأ قصيدة لشاعر عادي فتجد في أحد أبياتها صورة‬
‫شعرية جديدة‪ ,‬وقد تجد شاعرا محلقا يهز مشاعرك ويأخذ بأحاسيسك وأنت‬
‫تحلق معه في صور ومعان وتعبيرات فائقة‬

‫عناصر البداع‪:‬‬
‫وفي تقويم أي عمل إبداعي أو شخصية مبدعة ينظر إلى توافر عناصر‬
‫البداع الساسية وهي ‪ :‬المرونة والطلقة والصاله‬

‫‪25‬‬
‫فأما المرونة فتعني سيولة المعلومات المختزنة وسهولة استدعائها وتنظيمها‬
‫وإعادة بنائها والنظر إلى المسائل من زوايا عدة‬
‫وأما الطلقة فهي غزارة النتاج وسرعة توليد وحدات من المعلومات‬
‫كإعطاء كلمات تتفق مع معنى ما أو تضاده أو تربط جزاءا بكل والطلقة‬
‫تقارب مفهوم التفكير المتشعب‬
‫وأما الصالة فتعني التفرد بالفكرة ول يقصد بذلك أن تكون الفكرة منقطة‬
‫عما قبلها ولكن صاحبها زاد فيها شيئا أو عرضها بطريقة جديدة أو وصل‬
‫إلى نظرية تنظم أفكار متفرقة قال بها آخرون فالخليل بن أحمد حين استنبط‬
‫قواعد الشعر التي كان يمارسها الشعراء والمام الشافعي أبدع في استنباط‬
‫قواعد أصول الفقه التي كانت مختزنة في عقول الفقهاء و ماندلييف أبدع في‬
‫نظم جدول التصنيف الدروي للعناصر التي كانت معظم خواصها معروفة‬
‫من قبله وفتحي الدريني أبدع حين وضع نظرية التعسف في استعمال الحق‬
‫مع أن الفقهاء منذ القديم كانوا يحكمون هذه النظرية في كثير من الحكام‬
‫وتعني الصالة في النهاية أن تكون الفكرة المبدعة جزءا من شخصية‬
‫المبدع والمفكرون الذي يتميزون بالصالة هم أكثر تفتحا عقليا وانفعاليا‬
‫وبعض علماء النفس يزيد على عناصر البداع الثلثة المذكورة عناصر‬
‫أخرى مثل الفائدة ( بأن يكون الشيء الجديد مفيدا للمجتمع ) والقبول‬
‫الجتماعي بأن يكون موافقا لقيم المجتمع‪ .‬لكن مثل هذين العنصرين يبقيان‬
‫محل جدل فقد ل تدرك فائدة الجديد إل بعد حين وقد يكون هذا الشيء مفيدا‬
‫في مجال ضارا في مجال وقد يكون مرفوضا من المجتمع اليوم مقبول غدا‬
‫أو مرفوضا في مجتمع ومقبول في مجتمع آخر‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مجالت البتكار‪:‬‬
‫ومن خلل ما ذكرنا يكمن الوصول إلى أن للبتكار والبداع مجالت شتى‬
‫كالدب وفنونه والفقه وأصوله والقتصاد والكيمياء والعسكرية وعلوم اللغة‬
‫والرسم والموسيقى ‪ .‬ولكل مجال مقاييسه وخصوصياته وإن كانت المقاييس‬
‫في الفنون والداب أقل تحديدا وأضعف ضبطا‬
‫أهمية البتكار‪:‬‬
‫حظي البتكار بدراسات كثيرة في النصف الثاني من القرن العشرين فهو في‬
‫أرفع مستوياته ومن أهم الصفات النسانية التي تغير التاريخ فالمجتمع ل‬
‫يمكن تغييره تغييرا نوعيا عبر التخطيط بل عبر أعمال المبدعين ‪.‬‬
‫يشير كونانت ‪ ) CONANT _ ( 1964‬إلى أهمية المبدعين فيقول ‪ " :‬إن‬
‫عالما واحدا من المرتبة الولى ( أي من المبدعين ) ل يعوضه عشرة رجال‬
‫من الدرجة الثانية في العلوم ‪ .‬إنه لعديم الجدوى أن يسند إلى رجل من الفئة‬
‫الثانية مهمة حل مشكلة من المستوى الول‬

‫‪27‬‬
‫ضمّنت كثي من التعاريف الب داع كجزء أساسي من شخصية‬
‫ال وهوب ‪ ..‬ولعلّ من أشهرها تعريف رنزولف ن وذج الل قات الثلث ‪:‬‬
‫‪ -‬تتكون ال وهبة والتفوق من تفاعل ثلث مم وعات من السمات الن سانية وهي‪ :‬الذكاء‪،‬‬
‫الب داع‪ ،‬الدافعية‪.‬‬

‫هل الموهوبون هم المبدعون ؟‬


‫الموهوبون نوعان ‪ :‬نوع يتميز أفراده بقدرات إبداعية ويغلب عليهم أسلوب‬
‫التفكير التشعبي أي القدرة على توجيه تفكيرهم في اتجاهات عدة وقد‬
‫تتصادم نتائج تفكيرهم مع أعراف المجتمع وقيمه وأنظمته ‪ .‬وقد ل يكونون‬
‫من المتفوقين في مقاييس الذكاء العام وقد يصعب التعامل معهم في‬
‫المؤسسات المألوفة‪.‬‬
‫ونوع يتميز بذكاء مرتفع ويغلب عليه أسلوب التفكير اللم أي التفكير‬
‫المركز حول مناهج دراسية وأساليب إدارية مقررة وقواعد أخلقية‬
‫واجتماعية سائدة وكل من النوعين إذ اقترن بالدأب والجد والمثابرة أو توافر‬
‫فيه الدافع والمزاج فإنه يؤدي إلى نتائج إيجابية رفيعة إما في مجال البداع‬
‫وهو النوع الول وأما مجال التفوق الدراسي وما يتبعه من النجاح في معظم‬
‫المؤسسات الرسمية والخاصة وهو النوع الثاني ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫إن الرتباط بين الذكاء العام وبين البداع ارتباط ضعيف لذلك سيجب‬
‫البحث عن الصفات الشخصية الخرى للمبدعين‪ .‬وإن مقاييس الذكاء‬
‫والتفوق الدراسي والشهادات الكاديمية ل تصلح لكشف القدرات البداعية ‪.‬‬

‫الصفات الشخصية للمبدعين ‪:‬‬


‫تقوم الدراسات الحصائية لشخصيات المبدعين على دراسة كل صفة عقلية‬
‫أو نفسية من الصفات المتوقع تأثيرها‪ ،‬مقارنة مع مجموعة ضابطة ‪ ،‬بشرط‬
‫أن يكون أفراد المجموعة الضابطة من المستوى العلمي أو التخصصي نفسه‬
‫‪ ،‬كأن تقاس تلك الصفات لدى كيميائي مبدع وآخر عادي‪ ،‬وكلهما يحمل‬
‫الشهادة الدراسية نفسها والدرجة العلمية ذاتها‪ ،‬وكذا تقاس لدى كاتب‬
‫للقصص الخيالي مع قصاص آخر ‪ ..‬وهما يحملن نفس الشهادة الدراسية‬
‫ذاتها‪.‬‬
‫ونتيجة تلك الدراسة الحصائية تبين أن هناك زمرتين من الصفات‬
‫الشخصية للمبدعين ‪ :‬الصفات العقلية ‪ ،‬والصفات النفسية والمزاجية ‪.‬‬
‫‪ -1‬الصفات العقلية ‪:‬‬
‫أساس البداع هو التفكير التباعدي أو التشعبي ‪ ،‬وعناصره الساسية الثلث‬
‫هي ‪ :‬المرونة والصالة والطلقة ‪ .‬وهنا نستعرض عوامل وجوده ‪ .‬فأهم‬
‫عوامل وجوده العقلية هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الذكاء‪ :‬قد يبدو أن الذكاء الحاد والبداع متلزمان! والحقيقة إن‬
‫الرتباط بينهما ليس كما نتصور ‪ ،‬والعلقة بينهما تحتاج إلى توضيح‬
‫وتفصيل ‪ .‬إذا اعتبرنا الذكاء قدرة عقلية عامة فهو يختلف عن البداع‪ ،‬وإن‬

‫‪29‬‬
‫كان يرتبط به‪ ،‬لن البداع أكثر تحديدا وأكثر خصوصية من الذكاء‪ ،‬كما أن‬
‫البداع ليس جزءا من الذكاء وإن كان مرتبطا به‪.‬‬
‫فقد تبين بالستقراء والملحظة والبحث العلمي أن الذكياء جدا ليسوا‬
‫مبدعين دائما ‪ ،‬وأن المبدعين ليسوا دائما من الذكياء جدا فمن يحصل على‬
‫علمات مرتفعة جدا في روائز الذكاء ليس دائما من المبدعين ‪ .‬وكذلك لم‬
‫يحصل المبدعون على الدرجات العالية جدا في روائز الذكاء ‪.‬‬
‫مع هذا كله وجدت علقة بين الذكاء والبتكار في المستويات العليا جدا‬
‫وعندئذ يجتمع التزان النفسي والستقامة السلوكية والنتائج العبقرية وهو ما‬
‫كان عند أئمة وقادة عظام كأبي بكر وعمر ‪ ,‬وخالد والمثنى وأبي حنيفة‬
‫والشافعي وأبي السود الدؤلي والخليل والشاطبي وابن خلدون وحسن البنا‬
‫وسيد قطب‬
‫ويبدو أنه عندما ل يكون للذكاء أهمية ظاهرة في عملية البتكار فإن‬
‫خصائص الشخصية الخرى النفسية والمزاجية تتدخل بشكل حاسم‪.‬‬
‫الذكاء شرط للبداع فلبد من حد أدنى مقبول لحدوث البداع فان تحقق هذا‬
‫الشرط فإن البداع فإن يتوقف على عوامل أخرى عقلية ونفسية‪ .‬ولبد من‬
‫ملحظة اختلف هذا الحد الدنى للذكاء بين ميدان وآخر من ميادين‬
‫البداع‪.‬‬
‫مثل ‪ :‬قد لوحظ أن درجة الذكاء المطلوبة في البداع التقني كاختراع‬
‫الجهزة ‪ ,‬درجة قليلة نسبيا بالقياس إلى الدرجة المطلوبة في العلوم‬
‫الفيزيائية والرياضية وكذلك فدرجة الذكاء المطلوبة في البداع الدبي‬
‫درجة عالية نسبيا أمام الدرجات المطلوبة في ميادين البداع التعبيري‬

‫‪30‬‬
‫الخرى كالرسم والتمثيل وأمام الدرجات المطلوبة في البداع العلمي‬
‫والتقني ‪.‬‬

‫‪ -2‬الحساسية للمشكلت ‪:‬‬


‫والمراد منها حساسية الفرد لوجود مشكلة تثير التفكير تتطلب حل‪ .‬وفي‬
‫البداع العلمي خاصة يتوقف نجاح الفرد إلى حد كبير على قدرته في طرح‬
‫السئلة وعلى نوع هذه السئلة ‪ .‬وكثير من هذه المواقف ل يجد فيه النسان‬
‫العادي مشكلة بينما يرى فيه آخرون مشكلة وذلك لختلف معايير كل‬
‫إنسان وموازينه وطريقة تفكيره ومستوى هذا التفكير واهتماماته ودوافعه ‪.‬‬

‫‪ -3‬درجة التعقيد التي يمكن للفرد أن يتعامل معها‪:‬‬


‫وهي قدرة الفرد على توجيه فكره في أكثر من اتجاه في الوقت نفسه ( أي‬
‫قدرته على التفكير التشعيبي أو التباعدي ) وهو أمر تزداد صعوبته كلما‬
‫ازداد عدد العناصر التي يتعامل معها العقل أثناء التفكير ‪.‬‬

‫‪ -4‬قدرة الفرد على التقويم المناسب للفكار ‪:‬‬


‫يجب أن تكون الفكار صالحة ومقبولة حتى تكون مفيدة‪ ,‬وإذا غاب‬
‫التقويم كانت الفكار محتوية على جزء كبير غير مناسب وصرف الجهد‬
‫العقلي في معالجة هذا الجزء تضييع للوقت وتعويق للبداع‪ .‬لكن درجة‬
‫الضبط يجب أل تكون كبيرة بحيث ل تؤثر على العناصر الساسية للبداع‬
‫( المرونة والطلقة والصالة ) وإل كانت جمودا وعقم تفكير وقد تمنع‬
‫الفرد من التفاعل مع العناصر بشكل أصيل ‪ .‬وإن مشكلة أن يكون التقويم‬

‫‪31‬‬
‫سببا في تعويق الدماغ‪ .‬كانت عامل في ظهور طريقة خاصة في تدريب‬
‫البداع سميت( العصف الذهني )‬

‫‪ -2‬الصفات النفسية والمزاجية ‪:‬‬


‫من أبرز الصفات الساسية عند المبدعين صفة العتماد على النفس والثقة‬
‫الزائدة بها والتحفظ والعزلة ورقة القلب والحساسية والتفكير المستقل‬
‫والبصيرة النفسية وضعف النا العلى ( أي النتساب للمجتمع )‬
‫البتكار – بعكس الكفاءة في العمال التقليدية – ليس بالضرورة مرغوبا به‬
‫في كثير من المهن والعمال‪ ,‬لن صاحبه واثق من نفسه جدا ويتصرف‬
‫بأسلوب مفاجئ وقد ل يلتزم بالمعايير الخلقية والجتماعية ( وخاصة إذا‬
‫كان البتكار في ميادين الفنون والداب )‬
‫ويتسم المبدعون من الدباء إلى سمة يمكن تسميتها بالبصيرة النفسية أو‬
‫التقمص الوجداني‪ ,‬وهي تعني قدرة الديب أو الفنان على فهم شخصيات‬
‫الخرين والشعور بمشاعرهم والتوحد مع الموضوع وهذه القدرة تختلف عن‬
‫المشاركة الوجدانية التي تعني التعاطف‪.‬‬
‫الفنان المبدع إذا يحس بمشاعر الخرين وينظر إلى الحداث من خلل‬
‫عيونهم ويدرك دوافع سلوكهم‪ ,‬وقد يدين في أثناء ذلك أو في نتيجته تلك‬
‫الدوافع‪.‬‬
‫كما ينشأ عن البصيرة النفسية لدى المبدعين من الدباء والفنانين ‪ :‬التجاه‬
‫الجمالي الذي يعني اللتقاط الحساس لي تناسق أو عنصر جمالي يقع في‬
‫مركز النتباه واستقراء معان ل يدركها النسان العادي ‪ ,‬لكن النسان‬

‫‪32‬‬
‫العادي عندما يطلع عليها في أعمال الفنان أو الديب يعجب بها أو يستهجنها‬
‫ومثال ذلك رؤى الصوفيين ‪.‬‬
‫ونتيجة لشعور المبدع بتميزه واستقلل تفكيره ومخالفته لرؤى أبناء مجتمعه‬
‫في مجال رؤاه الخاصة‪ ..‬ينمو عنده العتداد بالنفس والعتماد عليها بمقابل‬
‫ضعف شعوره بالنتماء إلى المجتمع الذي ل يقدم إلية – وفق اعتقاده – إل‬
‫القليل‪.‬‬

‫البداع والبتكار‪:‬‬
‫كان البداع مرادفا للذكاء بل كان مرادفا لحدة الذكاء فكل شخص ذو ذكاء‬
‫رفيع يسمى عبقريا أو موهوبا ‪ ,‬والبداع وجه من ألوجه البتكار أو صورة‬
‫أدبية وفنية له بينما يرتكز البتكار على الشكل العلمي في معناه المتداول ‪,‬‬
‫ولكن البتكار في المفهوم العلمي هو تطبيق لكل موقف جديد إزاء مشكلة‬
‫من المشكلت ‪ ,‬فهو يتضمن الجوانب الدبية والعلمية والفنية والبداعية‬
‫والنسانية أيضا ‪ .‬فالصلة وثيقة بينهما ويصلن لحد الترابط والبداع قد‬
‫يسمى إلهاما أو كما يقول أديسون العبقري المخترع ( تدين العبقرية بجزء‬
‫واحد إلى اللهام وبتسعة وتسعين جزءا إلى الكد والمجهود )‬
‫فالبداع قريب من الختراع في المفهوم‪ ,‬فهو مصطلح يطلق على شيء ما‬
‫على أن يكون هذا الشيء جديدا في صياغته وإن كانت عناصره موجودة‬
‫من قبل كإبداع عمل من العمال الدبية أو العلمية أو الفنية‪.‬‬
‫فالبداع نشاط إنساني يقوم على الجهد والرادة وبه بعض اللهام وبعض‬
‫الصناعة أيضا ‪ ,‬وقد يقتصر البداع على الصياغة الدبية والصنعة الفنية‬
‫والرتفاع بمستوى الفكرة إلى التأصيل و لن ابتكار المعنى ليس بفضيلة في‬

‫‪33‬‬
‫حد ذاته وإنما البداع الحقيقي يتمثل في صياغة الفكرة وإخراجها إلى‬
‫الوجود ‪ ,‬وقد يقال أن البداع هو خلق للواقع وليس انعكاسا له لن المبدع‬
‫هو الذي يتجاوز بتراكيبه الفنية منظور الرؤية البصرية التي تنقل الواقع إلى‬
‫منظور الرؤية الحدسية التي تصطدم بهذا الواقع لتفتت مفرداته وتسلكه في‬
‫نظام جديد يتجاوز اكتشاف الجزيئات إلى اكتشاف ما بينها من علقات دقيقة‬
‫ل تدرك بالبصر أو بالرؤية لكن بالبصيرة والروية ‪ ,‬فالبداع ل يعني الجدة‬
‫الكاملة أو الصالة التامة ولكنه أخذ وصياغة بالضافة إلى الموهبة من خلق‬
‫وإضافة ‪.‬‬
‫وفي إحدى الدراسات لم يثبت أن هناك ارتباطا وثيقا بين البداع والذكاء‬
‫لدى عينة من المراهقين مرتفعي الذكاء ‪ ,‬إل أن الدراسة أثبتت وجود علقة‬
‫وثيقة بين البداع والنزعة إلى المخاطرة والتحرر من الساليب المعتادة‬
‫للتفكير والميل للبحث عن اتجاهات جديدة والقدام نحو ما هو غير يقيني‬
‫وهي كلها محددات للبتكار لن البداع ل يمكن تصوره على أنه نتاج‬
‫لقدرات عقلية معرفية بحته ولكن لبد من سياق اجتماعي يرعى سمات‬
‫البداع وينميها خلل عملية التنشئة الجتماعية مما يساعد على تأصيل‬
‫القدرات البداعية المختلفة ومما يعني وجود علقة قوية ما بين البداع‬
‫والبتكار‪.‬‬
‫فالختراع والبتكار يمثلن نوعا من البداع يتمثل في إنتاج مركب مادي‬
‫جديد من أجل غاية معينه ويختلف البداع كذلك عن معنى الختراع وعن‬
‫معنا الكتشاف لن الكتشاف ل يطلق إل على اكتشاف معرفة جديدة بأشياء‬
‫كان لها وجود من قبل‬

‫‪34‬‬
‫ونكتفي بهذه الصطلحات التي تقربنا أكثر من مفهوم البتكار ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫المراجع ‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫• عبدالفتاح‪ ،‬اسماعيل (‪ .)2003‬البتكار وتنميته لدى أطفالنا‪ .‬مصر‪:‬مكتبة الدار‬
‫العربية للكتاب‪.‬‬
‫• جروان ‪ ،‬فتحي (‪ .)1998‬الموهبة والتفوق والبداع‪.‬العين‪ :‬دار الكتاب‬
‫الجامعي‪.‬‬
‫• جروان ‪ ،‬فتحي (‪.)2003‬البداع‪ .‬عمان ‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫• زيتون ‪ ،‬عايش (‪ .)1987‬تنمية التفكير البداعي في تدريس العلوم‪.‬عمان‪:‬‬
‫جميعة عمال المطابع التعاونية‬
‫• صبحي‪ ،‬تيسير(‪ .)1992‬الموهبة و البداع‪ :‬طرائق التشخيص و أدواته‬
‫المحوسبة‪ .‬عمان‪ :‬دار التنوير العلمي‪ ،‬دار إشراق‪.‬‬
‫• السرور ‪ ،‬ناديا هايل(‪ .)1998‬مدخل الى تربية المتميزين والموهوبيين‪ .‬عمان‪:‬‬
‫دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫• السرور‪ ،‬ناديا هايل(‪ .)2002‬مقدمة في البداع‪.‬عمان‪ :‬دار وائل للنشر و‬
‫التوزيع‪.‬‬

‫‪37‬‬

You might also like