You are on page 1of 1028

‫التحولت‬

‫أوفيد‬

‫الكتاب الول‬

‫بدايات العالم‬
‫انفصال العناصر‬
‫خلق النسان‬
‫العصـور الربعة‬
‫العمالقة‬
‫ليكاون‬
‫الطوفان‬
‫ديكاليون وبيـرا‬
‫بيتون‬
‫دافني‬
‫إيو‬
‫آرغوس‬
‫سيرنكْس‬
‫فاييتون‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪1 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪2 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪11 :‬‬

‫ت لنفسي أن أتحدّث عن تحوّلت الجسام في أشكالٍ جديدة‪،‬‬ ‫رسم ُ‬


‫فيا أيّتها اللهة‪ ،‬أعينيني في هذه المحاولة‪،‬‬
‫(ذلك أن هذه التحوّلت هي‪ ،‬كذلك‪ ،‬صنيعكِ)· ‪1‬‬
‫أعينيني بإلهامك وقودي مسيرة هذه القصيدة‬
‫من بدايات العالم حتّى هذا الزمن الذي هو زمني·‬

‫بدايات العالم‬

‫قبل البحر والرض‪ ،‬قبل السّماء التي تغطّي كلّ شيء‪،‬‬


‫ن كلّه‪ ،‬مظهرٌ وحيدٌ وواحدٌ‪،‬‬‫كان للطبيعة‪ ،‬في الكو ِ‬
‫سمّوه السّديم‪2 :‬‬
‫جرماً مشوّشا‪ ،‬ل شكلَ له‪3 ،‬‬
‫كتلةً غُفلً‪ ،‬وركاماً من العناصر المتنافرة·‬
‫لم يكن بعد قد وجد تيتان‪ 4 ،‬لكي يضيءَ العالم بنوره‪،‬‬
‫ولم يكن فيبي (‪ Phebé ( 5‬قد أخذ قرني هلله الجديدين·‬
‫لم تكن الرض معلقةً في الهواء المحيط‪ ،‬متوازنةً بثقلها الخاصّ‪،‬‬
‫ولم تكن أمفيتريت (‪ Amphitrite( 6‬قد بسطت ذراعيها على مدى الشّواطئ·‬
‫أينما وُجدت أرضٌ‪ ،‬كان هناك بحرٌ وهواءٌ كذلك‪،‬‬
‫هكذا لم تكن الرض مستقرّة‪ ،‬ولم يكن البحر صالحاً للملحة‪،‬‬
‫ول نور في الهواء·‬
‫ي من العناصر شكله الخاصّ‪،‬‬ ‫لم يكن ل ّ‬
‫كلّ منها عائقٌ في وجهِ الخر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬بعض التحوّلت شاءتها اللهة‪ ،‬وبعضها نتيجة لتحوّل طبيعي·‬


‫ي بوزيدونيوس (‪ .)Posidonius‬وكان الشاعر هزيود (‬ ‫‪ 2‬هذه النظرةُ للسّديم متطابقةٌ مع نظرة الفيلسوف الرّواق ّ‬
‫‪ )Hésiode‬يتصوّر السّديم كمثل هاويةٍ (‪( · )abime‬راجع اللهة الوثنيّة ـ ‪·)Héogonie ، 611‬‬
‫‪ 3‬الختلط البدئي لجميع الشياء عند آناكزاغوريس (‪ ,)Anaxagore‬تبناه بعده الفلسفة الرّواقيّون· (راجع الفلسفة‬
‫قبل سقراط‪ ،‬سلسلة لبلياد‪ ،‬ص ‪176‬ـ ‪·)276‬‬
‫‪ 4‬تيتان(‪ : )Titan‬اسم يشير إلى كوكب الشمس‪ ،‬ابن تيتان هيبريون (‪ .)Hypérion‬واللهة التيتانيون ينتمون إلى‬
‫جيل اللهة الول·‬
‫‪ 5‬فيبي (‪: )Phébé‬هو القمر‪ ،‬أخو الشمس (القمر بلغة أوفيد مؤنث‪ ،‬ولذلك يجب أن يقال أخت الشمس ـ المذكرة‪،‬‬
‫بلغته)·‬
‫‪ 6‬آمفيتريت (‪ )Amphitrite‬بنت نيريوس (‪ )Nérée‬كان قد خطفها نبتون (‪ )Neptune‬وتزوجها· واسمه هنا يشير‬
‫إلى البحر‪ ،‬كنايةً·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪2 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪3 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪12 :‬‬

‫إذِ البرودةُ في الجسم نفسه تحارب الحرارة‪،‬‬


‫والرّطب يحاربُ الجافّ‪ ،‬واللّين القاسي‪ ،‬والثقيلُ الخفيفَ·‬

‫انفصال العناصر‬

‫ب أنهتها الطبيعة الخيّرة‪ 7 ،‬أو أنهاها إلهٌ‪،‬‬


‫هذه الحر ُ‬
‫فصل الرضَ عن السّماء‪ ،‬والمياه عن الرض‪،‬‬
‫وعيّن مجالً للسماء الشّفافة‪ ،‬وآخر للج ّو الكثيف· ‪8‬‬
‫بعد أن فصل ما بين هذه العناصر‪ ،‬وخلصها من الكتلة المعتمة‪،‬‬
‫ل منها مكانه الخاص‪ ،‬وحّد فيما بينها بروابط الوئام والسّلم·‬ ‫مانحاً لك ّ‬
‫ي الذي ل ثِقلَ له‪ ،‬في القبّة السّماويّة‪،‬‬
‫واندفع الجوهرُ النار ّ‬
‫متّخذا مكاناً له في المناطق العليا·‬
‫الهواءُ هو القربُ إليها لخفّته ولموقعهِ‪،‬‬
‫ض الكثرُ كثافةً‪ ،‬جرّت معها العناصرَ الثقيلة‪،‬‬ ‫والر ُ‬
‫وتكتّلت تحت ثقلها الخاص·‬
‫أما الماء الذي انتشر حولها فقد شغل المكان الخير وطوّق أجزاءها الجامدة·‬
‫عندما قسّم الله‪ ،‬أيا كان‪ ،‬كتلة المادّة‪ ،‬ووزعها‬
‫عندما لءم بين أجزائها المختلفة‪،‬‬
‫بدأ يكتل الرض‪ ،‬لكي يسوّي سطحها من جميع الجهات‪،‬‬
‫في شكل كرةٍ ضخمة·‬
‫ثمّ أمر البحار أن تندفق‪ ،‬وأن تثو َر بهبوب الرّياح السّريعة‬
‫وتُ ّزنّرَ الرضَ بالشّواطئ·‬
‫وأضاف الينابيع والمستنقعات الكبيرة والبحيرات‬
‫ساجناً بين ضفافٍ مائلةٍ منحدراتِ النهار التي تتشرّبها الرض ذاتها‪،‬‬
‫وفقاً للقاليم‪،‬أو تبلغُ البحر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 7‬دافع أفلطون عن خيريّة الخالق ض ّد أمباذقليس (‪ )Empédocle‬الذي كان يرى أن البغض هو الذي يفصل بين‬
‫العناصر‪ ،‬والحبّ (‪ )Eros‬هو الذي يوحّد بينها·‬
‫‪ 8‬التمييز بين الثير (‪ )ether‬والجوّ الكثيف‪( ،‬تمييزٌ أصوليّ ) (‪ .)Cononique‬راجع‪:‬شيشرون‪ ،‬طبيعة اللهة ‪II,‬‬
‫‪ VI‬ـ ‪·)17‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪3 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪4 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪13 :‬‬

‫وإذ يستقبلها في سهل مياهه الكثر انعتاقاً‪،‬‬


‫تجوبُ الشواطئ بدلً من الضّفاف·‬
‫وأمر السّهول أن تمتدّ‪ ،‬والودية أن تنخفض‪ ،‬والغابات أن تتغطّى‪،‬‬
‫والجبال الصّخرية أن تنهض·‬
‫واقتسم السّماء إقليمان في الجنوب‪ ،‬وإقليمان في الشمال‪،‬‬
‫إضافة إلى إقليم خامس بينهما‪ ،‬أكثر حرارة‪،‬‬
‫وكانت الكتلة التي تغلّفها هذه السماء خاضعة للقسمة ذاتها بفضل الله‪،‬‬
‫فهناك على الرض أقاليم بعدد القاليم السّماوية·‬
‫إنّ أوار الشمس يجعل القليم الوسط غير قابل للسّكن؛‬
‫وهناك آخران يغطيهما الثلج الكثيف‪،‬‬
‫وبينهما اثنان حظيا بمناخ معتدل‪ ،‬تتمازج فيه البرودة والحرارة·‬
‫في العلى يترامى الهواء‪،‬‬
‫ل من النار·‬‫أكثر خفة من التراب والماء‪ ،‬وأكثر ثق ً‬
‫إنّه الموطن الذي خصّصه الله للضباب والغيوم التي تبعث القلق في أرواح البشر‪،‬‬
‫والرياح التي تولّد البروقَ والصّاعقة‪،‬‬
‫ن مهندسَ الكونِ لم يُسلم لهواء هذه الرّياح مملكة الجوّ‪،‬‬ ‫غير أ ّ‬
‫فحتى اليوم‪ ،‬يصعب‪ ،‬عندما يوجّه كلّ منها هبوبه في اتجاه مختلف‪،‬‬
‫منعُها من أن تمزّق الكونَ إرباً‪ ،‬وذلك لشدّة الختلف فيما بينها·‬
‫ب إيروس (‪ )Eurus‬نحو أورور (‪ ، )Aurore‬وفوق مملكة النباط‪،‬‬ ‫انسح َ‬
‫ونحو فارس والذروات التي تُضيئُها أشعّة الصّباح·‬
‫نجمةُ السّماء‪ ،‬فيسبر (‪ ، )Vesper‬والشواطئ التي تُدفّئها الشمس الغاربة‪،‬‬
‫مُجاورةٌ زفير (‪.)Zéphyr‬‬
‫وبوري (‪ )Borèe‬القارسة‬
‫تحتلّ سيثيا (‪ )Seythie‬والشمال؛‬
‫أما القاليم المقابلة في الرض فمنقوع ٌة دائماً بالغيوم وبأمطار أوستر (‪Auster( 9‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 9‬الرّياح‪ :‬زفير (الريح الغربيّة)‪ ،‬بوريه (الريح الشمالية)‪ ،‬أوروس (الريح الشرقية)‪ ،‬نوتوس أو أوستر (الريح‬
‫الجنوبية)‪ ،‬كانت‪ ،‬كما يقول هزيود‪ ،‬بنات التيتان آسترايوس (‪ )Astraios‬وإيوس (‪( )Eos‬الفجر)· ولعلّ أوفيد لم يفكّر‬
‫إلّ بـ "إيول" (‪ ، )Eole‬والد البناء الستة‪ ،‬التي تمثل الرياح‪ ،‬وهي مألوفة عند الشعراء‪ ،‬بدءاً من هوميروس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪4 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪5 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪14 :‬‬

‫فوق الرياح‪ ،‬وضع الله الثير السّائل الذي ل وزن له‪،‬‬


‫والمجرّد من شوائب الدنيا·‬
‫عندما فصلَ هذه العناصرَ‪ ،‬واضعًا إيّاها داخل حدود ثابتة‪،‬‬
‫بدأت تتلل في أرجاء السّماوات النّجوم التي كانت تختبئ تحت كتلة تسحقها·‬
‫ولكي ل تحرم أيّة منطقة من نصيبها من الكائنات الحيّة‪،‬‬
‫فإنّ الكواكب واللهة بمختلف أشكالها شغلت ساحة السّماء·‬
‫وهيأت المياه مكاناً في مملكتها للسماك البرّاقة‪،‬‬
‫واستقبلت الرض الحيوانات المتوحشة‪،‬‬
‫والهواء المتحرّك استقبلّ الطّيور·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪5 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪6 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪15 :‬‬


‫خلق النسان‬

‫كان الوجود ل يزال ينقصه كائنٌ أكثر اندِماغاً بالخاتم اللهيّ‪،‬‬


‫رفيع الذكاء‪ ،‬وجديرٌ بأن يقود الكائنات كلّها·‬
‫هكذا ولد النسان‪ ،‬سواءٌ صاغه خالق الشياء كلّها‪،‬‬
‫منشئ الكون الفضل‪ ،‬من البذرة اللهيّة‪،‬‬
‫أو أن التراب الفتيّ الذي انفصل عن مناطق الثير العالية‪،‬‬
‫كان ل يزال يحتفظ بأصولٍ من أخته السّماء‪،‬‬
‫فمزج ابن جابيت (‪ Japet( 10‬هذا التراب بمياه المطر‪،‬‬
‫وصاغه على صورة اللهة‪ ،‬سادة الكون؛‬
‫وفي حين تظلّ الحيوانات الخرى كلّها منخفضة الرؤوس‪،‬‬
‫وعيونها مشدودة إلى الرض‪،‬‬
‫أعطى للنسان وجهًا يتطلّع إلى العلء‪،‬‬
‫داعياً إياه أن يرفع أنظاره إلى الكواكب· ‪11‬‬
‫هكذا‪ ،‬بفضل هذا التحول‪،‬‬
‫عرفت الرض‪ ،‬بكتلتها الفظّة المبهمة‪،‬‬
‫أشكالً بشريّة كانت من قبل مجهولة·‬

‫العصور الربعة‬

‫أوّل العصور‪ ،‬العصر الذهبي‪،‬‬


‫تأسّس دون َر ْدعٍ‪ ،‬ودون شرائع·‬
‫من تلقاء ذاته يمارس الفضيلة والصّدق·‬
‫الخوفُ مجهولٌ‪ ،‬والعقوبات غير معروفة·‬
‫لم يكن أحد يقرأ الوعيدَ‪ ،‬محفوراً على البرونز‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬جابيت‪ :‬من التيتان‪ ،‬أبو بروميثيوس (‪ )Prométhée‬الذي يقال إنه كوّن بشرًا من الطين·‬
‫‪ 11‬فكر ٌة آتيةٌ من أفلطون·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪6 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪7 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪16 :‬‬

‫ومعلَناً في الماكن العامّة·‬


‫وفي هذا الزّمن‪،‬ما كان الناس الذين يتقدّمون بشكاواهم‪،‬‬
‫يرتجفون أمام قضاتهم‪،‬‬
‫بل آمنينَ جميعاً دون حماة·‬
‫والصّنوبر المقطوع من جباله‪،‬لم يكن قد نزل أبداً إلى البحر‪،‬‬
‫لكي يسوحَ في أرجاء العالم·‬
‫ولم يعرف أحدٌ شطآناً أخرى غير شطآن بلده·‬
‫وفي هذا الزّمن‪ ،‬لم تكن الخنادق العميقة تحيط بالقلع‪،‬‬
‫ول وجدت أبواق الحرب بأعناقها الطويلة‪،‬‬
‫ل القرون المقوّسة التي تضرب البرونز لكي يرنّ‪،‬‬
‫ول الخوذ‪ ،‬ول السّيوف·‬
‫الشّعوب تعيش في أمانٍ‪ ،‬دون حاجةٍ إلى جنودٍ‪ ،‬حيا ًة عذبة هادئة·‬
‫كذلك الرض‪ ،‬تعطي كلّ شيء من تلقائها‪ ،‬متحرّرة من كلّ أتاوة·‬
‫ل يغتصبها معولٌ‪ ،‬ول يجرحها محراثٌ·‬
‫طلَب‪ ،‬وفراولةَ الجبال‪،‬‬ ‫الناس يقطفون ثمار القَ ْ‬
‫ثمارَ القَرانيَة‪ ،‬وثمار العلّيق‪،‬‬
‫وثمار البلوط المتساقطة من شجرة جوبيتر ذات الغصان الوارفة·‬
‫الرّبيع أبدي‪،‬‬
‫والنسائم العليلة تداعب بأنفاسها الرّطبة‬
‫الزّهور التي تنبت طبيعياً‪ ،‬بل بذار·‬
‫الرض التي لم يحرثها أحد‪ ،‬تتغطّى بالحصاد‪،‬‬
‫والحقول التي لم تُزرع تصف ّر تحت ثِقل السّنابل·‬
‫في ذلك الزمن‪ ،‬كانت تجري أنها ٌر من اللّبن‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪7 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪8 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪17 :‬‬

‫وأنها ٌر من الرّحيق‪ ،‬هنا وهناك‪،‬‬


‫والبلّوط الخضر يقطّر العسل الشقر· ‪12‬‬
‫عندما ألقي ساتورن في ظلمة التارتاروس (‪ Tartarus( 13‬المُدلهمّة‪،‬‬
‫بينما الكون يعيش تحت سيادة جوبيتر·‬
‫بدأ العصر الفضّي الذي ل يضاهي العصر الذهبي‪،‬‬
‫لكنّه أفضل من العصر البرونزي الوحشيّ البريق‪،‬‬
‫َقصّ َر جوبيتر ُمدّة الربيع في العصر القديم‪،‬‬
‫ونظّم السنة في أربعة فصول‪،‬‬
‫الشتاء‪ ،‬الصّيف‪ ،‬الخريف المتقلّب‪ ،‬والرّبيع السريع·‬
‫آنذاك اشتعل‪ ،‬للمرّة الولى‪ ،‬الهواء بلهيب أنفاسه اليابسة‪،‬‬
‫وتمدّدت رواسِب الجليد التي أحدثتها الرّياح الباردة ‪،‬‬
‫ق كثيفة‪،‬‬‫وآنذاك‪ ،‬للمرّة الولى‪ ،‬دخل الناس بيوتاً كانت مغاور من أورا ٍ‬
‫ومن أغصانٍ تشبكها القشور·‬
‫وللمرّة الولى‪ ،‬كذلك‪ ،‬طمرت بذور سيريس (‪ )Cères‬في أثلم طويلة‪،‬‬
‫وتأوّهت الثيران من عبء النّير·‬
‫ثمّ بدأ العصر الثالث‪ ،‬عصر البرونز‪ ،‬عصر سللةٍ أكثر وحشيّة‪،‬‬
‫وأكثر اندفاعاً إلى المعارك الرّهيبة‪ ،‬دون أن تكون‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬غادرة·‬
‫ثمّ جاء العصر الخير‪ ،‬العصر الذي له صلبة الحديد·‬
‫وسرعان ما برزت الجرائم بمختلف أنواعها·‬
‫هكذا هربت الحشمةُ‪ ،‬والحقيقة‪ ،‬والصّدق‪ ،‬وجاء محلّها الغشّ والمكر‬
‫والخيانة والعنف والهوس الفاحش بالثراء·‬
‫ن معرفتها‪،‬‬‫أسلم البحّار أشرعته للرّياح التي لم يكن بعد قد أحس َ‬
‫وغاص صنوبر السّفن في لجج المواج الجديدة عليه‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 12‬اعتقد القدمون دائماً‪ ،‬أنّ العسلَ كان نوعًا من الندى‪ ،‬يجنيه النحل متكوّناً على سطوحِ أوراق الشجر· وموضوع‬
‫العصر الذهبي عامّ وشائعٌ منذ هزيود· يصفه الشعراء‪ ،‬كما يفعل أوفيد‪ ،‬بشكل سلبي‪ ،‬متعارضًا مع الواقع ـ يتطابق هذا‬
‫العصر في إيطاليا مع مجيء ساتورن‪ ،‬وقد طرد من السماء·‬
‫‪ 13‬التارتار‪ُ :‬قعْرُ الكونِ في الميثولوجيا اليونانية‪ ،‬وما تحت الجحيم‪ ،‬كان يقذف إليه باللهة المهزومين السّاقطين‪،‬‬
‫ويحبس فيه الشرار· وشيئاً فشيئاً‪ ،‬صار معناه الجحيم· (معجم روبير)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪8 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪9 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪18 :‬‬

‫بعد أن كان يعلو شامخاً في ذروات الجبال·‬


‫والرض التي كانت حتى ذلك الوقت ملكاً مشتركاً كضوء الشمس وكالهواء نفسه‪،‬‬
‫خطّطها المسّاح بخطوطٍ طويلة ترسم لها حدوداً·‬
‫ولم يعد يكفي النسان أن يطلب من الرض الخصبة الحصادَ‬
‫والغذية التي تدين له بها‪،‬‬
‫بل اخترق أحشاءها نفسها‪،‬‬
‫الكنوز التي كانت تخبئها حتى قرب ظلمات ستيكس (‪Styx( 14‬‬
‫انتُزِعت من أعماقها‪،‬‬
‫وهي المصادر المسمومة لنواع شقائنا كلّها·‬
‫وسرعان ما ظهر الحديد المفسد‪ ،‬والذهب الكثر إفساداً‪ ،‬لنّه مستخرج منه‪،‬‬
‫ومعهما ظهرت الحرب التي تستخدمهما كليهما للقتال‪،‬‬
‫وهي‪ ،‬بيدها الملطّخة بالدّم‪ ،‬تجعل السلحة القاصفة تتلطم·‬
‫بدأ الناس يعيشون على السّلب والنهب‬
‫لم يعد الضّيف يأمن للمضيف‪ ،‬ول الحمو يأمن صهره‪،‬‬
‫وأصبح الوئام نادراً حتى بين الخوة·‬
‫الزّوج تهديدٌ لحياة زوجته‪،‬‬
‫والزوجة تهديدٌ لحياة زوجها‪ ،‬ـ‬
‫كلهما يهجس بهلك الخر·‬
‫والمّهات الشّرسات يمزجن الشربة بالسّموم الدّكناء·‬
‫والبن يستبق التاريخ المشؤومَ‪ ،‬لكي يتآمر على حياة أبيه·‬
‫هُزمت التّقوى‪ ،‬وهَجرت هذه الرضَ المنقوعةَ بالدّم‪،‬‬
‫العذراءُ أسترايا (‪)Astrèe‬آخر الضّيوف السّماويّين· ‪15‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 14‬ستيكس (‪ :)Styx‬نهرٌ في الجحيم‪ ،‬مياهه سوداء وباردة جداً· له خصائص سحريّة‪ ،‬فيه غطست تيتيس ابنها آشيل‬
‫كي ل تؤثر السّهام فيه·‬
‫‪ 15‬آستريه (‪ :)Astrèe‬هي العدالة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪9 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪10 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪19 :‬‬

‫العمالقة‬
‫لكيل تكون أعالي الثير‪ ،‬أكثر أماناً من الرض‪،‬‬
‫أراد العمالقة‪ ،‬كما يُروى‪ ،‬أن يفتتحوا المملكة السّماوية‪،‬‬
‫ل فوق الجبال‪ ،‬حتى الكواكب·‬ ‫فكدّسوا الجبا َ‬
‫حينئذٍ‪ ،‬قصف الب الكلّي القدرة الولمبَ‪،‬‬
‫متجسّدا في شكل صاعقة‪ ،‬وألقى بيليون (‪)Pélion‬‬
‫في أسفل الوسّا (‪ )Ossa‬الذي كان يحمله· ‪16‬‬
‫ولن أجسام هؤلء المحاربين الوحشية ترقد مدفونة تحت هذه الكتلة‬
‫التي صنعوها بأيديهم‪،‬‬
‫ت بها‪،‬‬‫فإنّ الرض التي غرقت في دماء أبنائها‪ ،‬أخصِب ْ‬
‫ونفخت الحياة في هذه الدماء التي كانت ل تزال حارّة‪،‬‬
‫معطي ًة لهذه الكائنات وجوهًا إنسانية‪،‬‬
‫لكي يبقى أث ٌر من هؤلء الذين كانت أرومةً لهم·‬
‫غير أن هذه السّللة ازدرت اللهة‬
‫مأخوذة‪ ،‬من بين جميع الكائنات‪ ،‬بالعنف وسفك الدماء·‬
‫وما من أحد يجهل أنها سللة خلقت مجبولة بالدم·‬

‫ليكاون (‪Lyca-on( 17‬‬

‫تأوّه أبو البشر ابن ساتورن‪،‬‬


‫عندما رأى هذا المشهد من مقامه في أعلى السّماوات·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 16‬يروي أوفيد صراع العمالقة‪ ،‬أبناء الرض‪ ،‬مع اللهة في الكتاب الخامس· وبيليون(‪ )Pèlion‬كتلة جبليّة ضخمة‬
‫في اليونان· وأوسّا(‪ )Ossa‬كتلة جبلية كذلك· وفي السطورة أن العمالقة كدّسوا بيليون فوق الوسّا لكي يهاجموا‬
‫الولمب·‬
‫‪ 17‬اسم ليكاون مؤلف من اليونانية (‪ ,)Lukos‬كان يجهل مصيره· تاريخه هو ترجمة لطقوس قديمة أنثروبولوجية‬
‫تمارس تمجيداً لزوس في أركاديا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪10 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪11 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪20 :‬‬

‫وإذ تذكر جريمةً أخرى حديثة العهد‪ ،‬لم يكشف عنها بعد‪،‬‬
‫تلك المأدبة المرعبة التي قدّمت على طاولة ليكاون‪،‬‬
‫فقد اعتمل في دخيلة قلبه غضبٌ رهيبٌ جديرٌ بجوبيتر·‬
‫دعا مجلس اللهة‪ ،‬فلبّوا دعوته دون تلكّؤ·‬

‫ل تمييزها حينما تصفو السّماء‪،‬‬ ‫في الجَلَد الزرق‪ ،‬موطن اللهة‪ ،‬طريقٌ يسه ُ‬
‫اسمها المجرّة‪،‬‬
‫يدلّ عليها العيونَ كلّها‪ ،‬بياضها السّاطع·‬
‫هذه الطريق يسلكها اللهة العلون‬
‫عندما يجيئون إلى المقام الملكيّ حيث يقطن الملك الرّاعد·‬
‫يميناً ويساراً‪ ،‬تمتد بأبوابها المُشرعة‪،‬‬
‫السّاحات التي تسكنها الطبقة النبيلة السّماوية‪،‬‬
‫وتسكنُ العامّة معزولةً‪ ،‬في أماكن أخرى·‬
‫في الواجهة وعلى الجوانب‪ ،‬أقام اللهةُ القوياء منازلَهم·‬
‫هذا هو المكان الذي أجرؤ‪ ،‬إذا سُمح لي باستخدام لغة جريئة‪،‬‬
‫أن أسمّيه بلط السّماء· ‪18‬‬
‫هكذا عندما دخل اللهة هذا الحرم الرّخاميّ البهيّ‪،‬‬
‫كان جوبيتر يجلس على عرشٍ عالٍ‪ ،‬مستنداً إلى صولجانٍ عاجيّ‪،‬‬
‫حرّك حول رأسه ثلث مرّات أو أربعاً‪ ،‬ضفائره الرّهيبة‪،‬‬
‫تلك التي ترجّ الرض والبحر والكواكب·‬
‫ثمّ أفصح عن سُخطهِ بهذه العبارات‪:‬‬
‫" كلّ‪ ،‬لم أكن مرّة أكثر قلقًا من أجل السّيادة التي أمارسها على العالم‪،‬‬
‫حتى عندما كانت المُسوخ الزّحافة تتهيأ لكي تطوّق بأذرعها المئةِ السّماء السيرة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 18‬المكان الذي كان يسكنُه أوغست‪ ،‬في أيام أوفيد‪ ،‬رابية تسمى البلط (‪ ، )Palatin‬وكان أجمل حي أرستقراطي في‬
‫روما· يستعيد أوفيد هنا صورة المجتمع النساني‪ ،‬ويقدم المجتمع السماوي على غرارها·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪11 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪12 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪21 :‬‬

‫ل شكّ أن العدوّ كان رهيباً‬


‫غير أن تلك الحرب لم يكن ممكنًا أن تُنسبَ إلّ لعرقٍ واحدٍ‪ ،‬وقضيّة واحدة·‬
‫ي أن أبيد الجنس النسانيّ‪ ،‬في جميع أنحاء الكرة‬ ‫اليوم‪ ،‬يتوجّب عل ّ‬
‫التي يحيطها نيريوس (‪ )Néreus‬بأمواجه الهادرة·‬
‫أقسم على ذلك بأنهار الجحيم التي تسقي تحت الرض غابة ستيكس·‬
‫جرّبت سابقًا جميع الطّرق‪،‬‬
‫غير أن الداء غير قابل للشفاء‪ ،‬ول ب ّد من بتره بالحديد‪،‬‬
‫لكيل ينتشر في العضاء السّليمة·‬
‫عندي‪ ،‬تحت صولجاني أنصاف آلهة‪ ،‬وآلهة ريفيّون ـ‬
‫إلهات ماءٍ (‪ ,)Nymphes‬آلهة حقول (‪ ,)Faunes‬سَتيرون (‪)Satyres‬‬
‫وآلهةُ غابٍ (‪ ,)Silvains‬ضيوفٌ على الجبال·‬
‫ولنهم غير جديرين بعد بالمجاد السّماوية‬
‫فلنسمح على القل بأن تكون الرض التي أعطيناهم إياها صالحة لسكناهم·‬
‫هل تعتقدون‪ ،‬يا آلهة الممالك العليا‪ ،‬أنهم سيكونون آمنين‪،‬‬
‫فيما أنا نفسي سيد الصّاعقة‪ ،‬أنا الذي يقودكم‪ ،‬ويحكمكم‪،‬‬
‫ص معروفٌ جداً بوحشيّته‪ ،‬هو ليكاون؟"‬ ‫تعرّضت لمكايدَ دبّرها ضدّي شخ ٌ‬

‫ارتعب الجميعُ وطلبوا‪ ،‬حانقينَ‪ ،‬معاقبة المجرم·‬


‫ت فئةٌ ضالّة غاضبةٌ أن تُغرقَ اسمَ روما في دم قيصر‪،‬‬ ‫كذلك‪ ،‬عندما سع ْ‬
‫ذعرَ النّوع النسانيّ الذي فوجئَ بهذه الكارثة‪،‬‬
‫وتملك الرّعب الكون بأجمعه·‬
‫ولم يكن ورع مواطنيك يا أوغست (‪ )Auguste‬طيّبا على قلبكَ‪،‬‬
‫أكثر من وَ َرعِ اللهة‪ ،‬على قلبِ جوبيتر·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪12 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪13 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪22 :‬‬

‫عندما هدّأ بحركته وصوته صخبهم‪ ،‬صمتوا جميعاً·‬


‫وحالما توقفت الصّيحات‪ ،‬مكبوحةً بجلل الملك‬
‫قطع جوبيتر الصّمت من جديد بهذه العبارات‪:‬‬
‫" هذا الوحش ـ ل تقلقوا من أجله ـ‬
‫فقد تمّ‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬عقابه·‬
‫لكن ما كانت جريمته وما عقابها فهذا ما سأخبركم به·‬
‫لقد بلغت مسامعي شهرة هذا العصر الفاسد‪،‬‬
‫وتمنيّت أن يكون ما سمعتُه خاطئاً·‬
‫لهذا‪ ،‬هبطت من أعالي الولمب‪ ،‬وأنا من أنا‪،‬‬
‫ورحتُ في صورة إنسان أطوف الرض·‬
‫ل مكان‪،‬‬‫سيطول كثيراً الحديث على الجرائم التي رأيتها في ك ّ‬
‫وما سمعته كان‪ ،‬إلى ذلك‪ ،‬دون الحقيقة·‬
‫عبرت المينال (‪ ,)Ménale‬المأوى الرّهيب للحيوانات المتوحشة‪،‬‬
‫وسيلّين (‪ ,)Cyllène‬والظلل النديّة لغابات الصّنوبر في ليكيا‪Lycée( 19( .‬‬
‫وعند هبوط المساء‪ ،‬حيث كان الغسق يتهيأ لكي يُخلي المكان للّيل‪،‬‬
‫دخلتُ تحت السّقف غير المضياف الذي يؤوي طاغية أركاديا (‪.)Arcadie‬‬
‫أعلنتُ بإشارة خاصّة عن حضور إلهٍ‬
‫فبدأ الشّعب البسيط يصلّي·‬
‫بادئ المر‪ ،‬سخر ليكاون من هذه الصّلوات البارّة‪،‬‬

‫ثمّ صاح‪:‬‬
‫" أريد أن أتأكد‪ ،‬ببرهانٍ واضح‪ ،‬إن كان هذا إلهاً أو بشراً‬
‫فل يقدر أحدٌ بعد ذلك أن يشكّ في الحقيقة·"‬
‫في أثناء اللّيل‪ ،‬بينما كنت مثقلً بالنّعاس‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 19‬حي في أثينا‪ ،‬أطلق اسمه على المدرسة التي أنشأها فيه أرسطو·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪13 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪14 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪23 :‬‬

‫تهيأ لكي يفاجئني ويقتلني·‬


‫بهذا البرهان أراد أن يعرف الحقيقة·‬
‫ض أن يكتفي بذلك‪،‬‬ ‫ولم ير َ‬
‫ق رهينةٍ أرسلها إليه شعب مولوس (‪.)Molosses‬‬ ‫فقد حزّ بسيفه عن َ‬
‫ثم ليّن في الماء الغالي جزءًا من أعضائه النابضة‪،‬‬
‫وشوى الجزاء الخرى على اللّهب·‬
‫ولم يكد يقدّمها على المائدة‪ ،‬حتى هدمتُ عليه بصاعقتي المنتقمة‪،‬‬
‫مسكنه الذي يستحقّ العقاب كمثل ساكنه·‬
‫فهرب مذعوراً‪،‬‬
‫وبعد أن بلغ الرّيف الهادئ‪ ،‬بدأ يولول‪،‬‬
‫عبثاً حاول أن يتكلّم‪ ،‬فقد تمركز في فمه سُعار قلبه·‬
‫واتّجه عطشُه المألوف للقتل إلى القطعان‬
‫وما زال حتى الن يلتذ بالدم·‬
‫انقلبت ثيابه إلى وبر‪ ،‬وذراعاه إلى ساقين؛ صار ذئباً‬
‫ل يزال يحتفظ ببقايا من شكله القديم·‬
‫الوبر الرّمادي نفسه‪ ،‬الهيئة الفاتكة ذاتها‪ ،‬والعينان الملتهبتان إيّاهما·‬
‫ل يزال صورة التوحش ذاتها·‬
‫ق أن تبيد‪،‬‬ ‫ن بيوتًا كثيرة كانت تستح ّ‬‫ب بيتٌ واحد‪ ،‬غير أ ّ‬
‫ضُر َ‬
‫على امتداد الرض تهيمن إرينيس (‪ )Erynis‬المتوحشة‪،‬‬
‫فهيَ رأسُ الجريمة‪،‬‬
‫ل مجال للتأخر! فليتحمّل الجميع (هذا حكمي القاطع) العقاب الذي استأهلوه·"‬
‫ض اللهة دعموا بآرائهم خطابَ جوبيتر‪ ،‬وشحذوا غيظه‪،‬‬ ‫بع ُ‬
‫والخرون أدّوا واجبهم بإشارات الموافقة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪14 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪15 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪24 :‬‬

‫ي هو‪ ،‬مع ذلك‪،‬‬ ‫غير أن هلك الجنس البشر ّ‬


‫ألمٌ حقيقيّ مشترك بين الجميع‪،‬‬
‫وتساءلوا ماذا ستشبهُ الرضُ الخاليةُ من البشر‪،‬‬
‫ومن سيجيء إلى الهياكل جالباً البخور‪،‬‬
‫إن كان جوبيتر يتهيأ لكي يُسلمَ الرضَ إلى الحيوانات المتوحشة لكي تكتسحها ؟‬
‫عن هذه التساؤلت جميعاً‪ ،‬أجاب ملك اللهة‪ ،‬بأنه سيتكفّل بكلّ شيء‪،‬‬
‫طالبًا منهم أل يهلعوا‪ ،‬واعداً إياهم بجنسٍ من البشر‬
‫ل يشبه الجنس السّابق‪ ،‬وسوف يُولد بمُعجزة·‬

‫كان قد تهيأ لكي يغطّي بسهام صاعقته جميع أرجاء الرض‪،‬‬


‫غير أنه خشي أن يرى النار تحرق الثير المقدّس‪،‬‬
‫وتمحق الكون على امتداده‪ ،‬من طرفٍ إلى آخر·‬
‫تذكّر كذلك‪ ،‬أن يوماً سيأتي‪ ،‬مقدّراً‪،‬‬
‫ب فيه البحرُ والبرّ والسّماء ـ المقام اللهيّ‪،‬‬‫يلته ُ‬
‫وأن الكون كلّه‪ ،‬البديع البناء‪ ،‬سوف ينهار·‬
‫هكذا تخلّى عن سهامه المصنوعة بأيدي السيكلوبات (‪Cyclopes( 20‬‬
‫واختار عقاباً مختلفاً·‬
‫ي بالمياه‬
‫قرّر أن يبيدَ الجنسَ البشر ّ‬
‫التي سيجعل الغيوم تصبّها من جمي ِع أنحاء السّماء·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ل منهم عينٌ في منتصفِ الجبين· خلّصهم زوس‬


‫‪ 20‬سيكلوبات (‪ : )Cyclopes‬هم أبنا ٌء ثلثة لورانيوس وغايا· لك ّ‬
‫من جحيم التارتار‪ ،‬فساندوا سكان الولمب ضد التيتان‪ ،‬وصنعوا لجوبيتر سلح الصّاعقة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪15 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪16 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪25 :‬‬

‫الطوفان‬
‫في الحال حبس في أحشاء إيول (‪Eole( 21‬‬
‫ريحَ الشمال وجميع الرّياح التي تبعثر الغيوم المدوّمة·‬
‫ثم أطلق نوتوس (‪ ,)Notus‬فطار بأجنحته الرّطبة‬
‫يغطّي وجهَه المرعبَ ظلمٌ بلون القطران·‬
‫ل من شعره البيض·‬ ‫لحيتُه مثقل ٌة بالمطر‪ ،‬والماءُ يسي ُ‬
‫في جبهته يسكن الضّباب‪،‬‬
‫وأجنحتُه وصدرُه سُيول·‬
‫وعندما م ّد يده‪ ،‬وضغط على الغيوم المعلقة‬
‫تدفّقت مجلجلةً من أعلى الثير‪،‬‬
‫شللت المياه التي كانت تأسرها·‬
‫واجتذبت إيريس (‪ Iris( 22‬رسولة جونون ‪Gunon( 23(,‬‬
‫المتدثرة بألوانٍ زاهية‪ ،‬المياه‬
‫وأخذت تجمعها لكي تغذي بها الغيوم·‬
‫انطرحت السّنابل على الرض‪،‬‬
‫وبكى الفلح آماله منتثرة فوق التراب‬
‫وذهب هبا ًء جهد سنةٍ طويلة·‬
‫غير أن غضب جوبيتر لم ينحصر في حدود السماء‪ ،‬مملكته‪،‬‬
‫فقد ساعده أخوه‪ ،‬ملك المواج اللزورديّة‪ ،‬نبتون‪،‬‬
‫وجعل المواجَ في خدمته·‬
‫استدعى النهار‪ ،‬ومنذ أن دخلت مقرّ سيدها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫" ل تُجدي في هذه الظروف النّصائح الطويلة‪،‬‬
‫أطلقي عنفَك‪ :‬هذا ما يُراد منكِ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 21‬إيول (‪ : )Eole‬هو ابن بوزيدون‪ ،‬وهو سيد الرياح· أهدى إلى يوليس قِربَةً حُبستْ فيها الرّياح كلّها ما عدا الريح‬
‫المؤاتية لدفع مركبه نحو إيتاكا· غير أن رفقاءه فتحوها في أثناء نومه‪ ،‬فولّت هاربةً·‬
‫‪ 22‬إيريس من آلهة ما قبل الولمب‪ ،‬تمثل قوس قزح· والطريق بين السماء والرض· رسولة سكان الولمب‪،‬‬
‫خصوصاً هيرا (‪ )Héra‬زوجة جوبيتر·‬
‫‪ 23‬جونون هي كمثل جوبيتر‪ ،‬ابنة ساتورن·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪16 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪17 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪26 :‬‬

‫افتحي أحواضكِ‪ ،‬وفيما تهدمين سدودك‪،‬‬


‫أطلقي العِنانَ لمواجِك‪ ،‬حرّة من جميع القيود·"‬
‫بعد هذه الوامر‪،‬‬
‫عادت النهارُ إلى مساكنها‪،‬‬
‫فاتح ًة بل حدّ أفوا َه ينابيعها‪،‬‬
‫فأخذت تتدفق طَلْقةً في اتّجاه البحار·‬

‫ض بشوكته الثلثية‪،‬‬ ‫الله‪ ،‬من جهته‪ ،‬ضربَ الر َ‬


‫فارتجّت‪ ،‬وبهذه الرجّة انفتحت للمياه طريقٌ رحبة·‬
‫تحرّرت النهار‪ ،‬فانقضّت خارج مجاريها عبر السّهول المفتوحة‪،‬‬
‫جارفةً معها الغلل والشجر والقطعان والبشر‬
‫ومعابد البيوت وأشياءها المقدّسة·‬
‫ولئن ظلّت بعض البيوت قائمة‪ ،‬وقدرت أن تقاوم‪ ،‬دون أن تتهدّم‪،‬‬
‫فقد غطتها المياه الكثر علوّا منها‪ ،‬وغابت أبراجها في لجج الماء·‬
‫لم يعد يمكن التمييز بين البحر والبر‪،‬‬
‫صار كلّ شيء ماءً‪ ،‬محيطًا من الماء‪،‬‬
‫ولم يعد لهذا المحيط نفسه من شواطئ·‬
‫هناك من التجأ إلى تلّة‪ ،‬وهناك من جلس مُنتحباً في قارب‬
‫يحرك مجاذيفه حيث حرث في الماضي‪،‬‬
‫وهناك من أبحر فوق غلله وعلى أنقاض مزرعته المغمورة‪،‬‬
‫وذلك آخر يتناول سمك ًة من أعلى نبتة دردار صغيرة·‬
‫والمرساة‪ ،‬إن ساعد الحظ‪ ،‬تنغرس في مرجٍ أخضر‬
‫والقوارب المدوّرة تسحق الكروم بثقلها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪17 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪18 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪27 :‬‬

‫وحيث كان الماعز الرّشيق يرعى العشب منذ عهدٍ قريب‬


‫تطرح عجول البحر أجسامها البشعة·‬
‫وتتعجب النيريئيد (‪ )Les Néréides‬وهي ترى حدائق ومدنًا وبيوتاً في أعماق المياه·‬
‫وها هي الدلفين تعيش في الغابات‪،‬‬
‫قافزة في أعالي أغصانها‪،‬‬
‫مصطدمة بأشجار البلوط التي تهزها·‬
‫ها هو الذئب يسبح بين النعاج‪،‬‬
‫والموج يجرف أسودًا يكسوها وبرٌ وحشيّ‪ ،‬ويجرف نموراً·‬
‫الخنزير البريّ في قوّته الخارقة ل يجد ما يُنجدهُ‪،‬‬
‫قوائم اليّل الرشيقة‪ ،‬ل تنجيه من المدّ الجارف‪،‬‬
‫ط فيها‪،‬‬
‫ض يح ّ‬‫الطائر التائه الذي أعياه البحث الطويل عن أر ٍ‬
‫يسقط في البحر‪ ،‬منهك الجنحة·‬
‫غابت المرتفعات تحت هذا الفيضان الهائل‪،‬‬
‫ب قِممَ الجبال·‬
‫فالمواج التي لم يُعهد لها مثيلٌ من قبل‪ ،‬كانت تضر ُ‬
‫جرفت المياه القسم الكبر من الكائنات الحيّة‪،‬‬
‫والذين لم تجرفهم بادوا من فقدان الغذاء‪،‬‬
‫ضحايا جوع طويل·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪18 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪19 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪28 :‬‬

‫ديكاليون وبيرّا (‪Deucalion et Pyrrha( 24‬‬

‫يفصل إقليم الفوكيد (‪ )La Phocide‬الونيان (‪)Les Aoniens‬‬


‫عن حقول أويتا (‪)L`Oeta‬‬
‫كانت هذه خصبة‪ ،‬عندما كانت أرضاً‬
‫غير أنها في هذه اللحظة أصبحت جزءاً من البحر‪،‬‬
‫ولم تعد إلّ سهلً واسعًا من المياه التي تجمّعت بغتةً·‬
‫هناك في هذا المكان جبلٌ وعرٌ ترتفع ذروته المزدوجة حتى الكواكب‪،‬‬
‫يسمّى البّارناس (‪,)Le Parnasse‬‬
‫تتجاوز ذروته الغيوم·‬
‫عندما وصل دوكاليون في قاربه الصّغير إلى هذه الذروة الوحيدة التي لم يغمرها الماء‪،‬‬
‫مع رفيقته التي كانت تقاسمه فراشه‪،‬‬
‫توجّها بصلواتهما إلى ربّات الماء (‪ )Nymphes‬في كوريكيون (‪Corycion(, 25‬‬
‫وإلى آلهة الجبل‪ ،‬وإلى تيميس (‪ )Thémis‬قارئة القدر‪،‬‬
‫وكانت آنذاك وسيطة الوحي·‬
‫لم يُعرف أبداً رجلٌ أكثر فضيلة من هذا الرجل·‬
‫ول أكثر حرصاً على العدالة‪،‬‬
‫ولم تكن بين النساء امرأة تخشى اللهة كمثل زوجته·‬
‫ل بحراً‪،‬‬
‫عندما رأى جوبيتر أنّ الكون المغمور بالماء لم يعد يشكّل إ ّ‬
‫وأنه لم يبق من آلف البشر إلّ رجلٌ واحد‪،‬‬
‫ومن آلف النساء إلّ امرأة واحدة‪،‬‬
‫بريئان كلهما‪ ،‬وَرعان‪ ،‬ويعبد كلهما اللهة‪،‬‬
‫بعثر الغيومَ‪ ،‬وأزاح بريح الشمال ستار المطر‬
‫معيداً إلى الرض منظر السّماء‪ ،‬وإلى السماء منظر الرض·‬
‫كذلك لم يبق شيء من هيجان البحر‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 24‬ديكاليون (‪ : )Deucalion‬ابن بروميثيوس‪ ،‬ملك على تساليا مع زوجته بيرّا (‪ · )Perrha‬كانا عادلين‪ ،‬فنجوا من‬
‫الطوفان‪ ،‬وقد رسا بهما الطّوف على قمّة البارناس· ولويتا (‪ : )L`oeta‬منطقة جبلية في اليونان‪ ،‬تكسوها الحراش·‬
‫والسهل الونيّ‪ :‬هو سهل بيوسيا (‪ ، )Bèotie‬المجاورة لطيبة (‪ )Thèbes‬وأعلى ذروة في البارناس ل تتجاوز‬
‫‪ 7542‬متراً·‬
‫‪ 25‬كوريكون (‪ : )Corycion‬مغارة في منحدر البارناس‪ ،‬فوق دِلْفي (‪.)Delphes‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪19 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪20 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪29 :‬‬

‫وألقى سيد المحيطات شوكته الثلثية‪ ،‬مهدئاً الموج·‬


‫فوق اللّجج ينتصب جسم تريتون (‪ Triton( 26‬اللّزورديّ‪،‬‬
‫والرجوان الذي شهد ولدة أصدافه‪ ،‬يغطي كتفيه‪،‬‬
‫دعاه الله‪ ،‬وأمره أن ينفخ في صدفته الرّنانة‪،‬‬
‫وأن يرجع إلى الوراء بإشارة منه‪ ،‬أمواج البحار والنهار·‬
‫ي اتّساعا‪،‬‬
‫تناول تريتون بوقه الصّدفي‪ ،‬الذي يتدرّج لولبه الحلزون ّ‬
‫بدءًا من أسفله·‬
‫ذلك البوق الذي لم يكد يلمسه بأنفاسه‪ ،‬في وسط المحيط‪،‬‬
‫حتى ردّدت دويه الشواطئ الممتدة على طرفيّ طريق فيبوس (‪· )Phébus‬‬
‫ومنذ أن لمست فمَ الله‪ ،‬في هذا اليوم كذلك‪،‬‬
‫متللئةً بالماء الذي يتقطّر من لحيته الرّطبة‪،‬‬
‫وأعلنت طيّعة لنفاسه‪ ،‬التراجعَ‪ ،‬تنفيذاً للمر‪،‬‬
‫سمعته جميع مياه البر والبحر‪،‬‬
‫وتراجعت‪ ،‬منذ أن سمعته·‬
‫الن‪ ،‬صارت للبحر شواطئ‬
‫وعادت النهار إلى مجاريها‪،‬‬
‫وأخذت تسيل بل عراقيل·‬
‫انخفضت المياه‪ ،‬وبدأت التلل تبرز‪،‬‬
‫والرض تتراءى وأجزاؤها تزداد ظهوراً‪،‬‬
‫مع انحسار الموج·‬
‫بعد أيامٍ طويلة‪ ،‬أبرزت الغابات ذرواتها العارية وأوراقها‪،‬‬
‫حيث كان الطّمي ل يزال عالقاً·‬
‫جدّدَ بناء الكون‪،‬‬
‫ُ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 26‬تريتون (‪ : )Triton‬ابن نبتون‪ ،‬كان يلبس الصداف التي يستخرج منها اللون الرجوانيّ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪20 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪21 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪30 :‬‬

‫وإذ رآه ديكاليون خاوياً‪ ،‬أمام هذه الصّحارى‬


‫ت عميق‪،‬‬
‫حيث يسود صم ٌ‬
‫تدفّقت دموعه وخاطب بيرّا قائلً‪:‬‬
‫" أختاه‪ 27 ،‬يا زوجتي الناجية الوحيدة بين جميع النساء‪،‬‬
‫أنت التي وحّدتني بكِ رابطة الدّم‪ ،‬وصلة الرّحم بين أبوينا‪،‬‬
‫ووحّدنا‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬الزواج‪،‬‬
‫ها نحن الن توحّدنا‪ ،‬كذلك الخطار التي نواجهها·‬
‫نحن الثنان وحدنا‪ ،‬فوق الرض التي تراها الشمس‪،‬‬
‫من المغرب إلى المشرق‪،‬‬
‫نؤلّف السّكان جميعاً‪ ،‬وما عدانا صار فريسة المحيط·‬
‫غير أن هذا اليقين نفسه بأننا نجونا‪ ،‬ليس راسخاً تماماً·‬
‫فالرّعب في هذه اللحظة نفسها يحجب عن فكري النور·‬
‫لو أنك نجوت وحدكِ‪ ،‬من دوني‪،‬‬
‫فكيف كنتِ ستقدرين وحدكِ‪ ،‬أنت البائسة‪،‬‬
‫أن تقاومي الخوف؟ وبأيّة شجاعة؟‬
‫ومن كان سيقف معك في محنتكِ؟‬
‫ولو أنّ المواج غمرتكِ‪،‬‬
‫لكنت من جهتي‪ ،‬صدقيني‪ ،‬تبعتكِ يا زوجتي‪،‬‬
‫ولكانت المواج غمرتني أنا كذلك·‬
‫أوه! لو أستطيع أن أعمّر بالناس الكونَ من جديد‬
‫بالوسائل التي استخدمها أبي‪،‬‬
‫ن تشكّله يداي!‬‫وأن أنفخ الرّوح في طي ٍ‬
‫اليوم‪ ،‬يستمر فينا‪ ،‬نحن الثنين وحدنا‪ ،‬جنس الفانين‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 27‬دوكاليون ابن بروميثيوس‪ ،‬وبيرّا ابنة إيمبيميثيوس أخي بروميثيوس‪ ،‬هما أبناء عم أشقاء· وفي التكوين العائلي‬
‫القديم‪ ،‬كان أبناء الخوة‪ ،‬بوصفهم خاضعين للعلقة نفسها مع رئيس العائلة‪ ،‬إخوة وأخوات· وكان بودلير يخاطب‬
‫عشيقته بـ "يا أختي"·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪21 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪22 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪31 :‬‬

‫هذا ما شاءته اللهة‪،‬‬


‫ونحن وحدنا نموذجا النسانيّة‪ ،‬الوحيدان·"‬

‫صمت· وأخذت دموعهما تجري·‬


‫قرّرا أن يتضرّعا إلى اللهة وأن يطلبا مساعدتهم بسؤال الوحي المقدّس·‬
‫واتجها على الفور إلى نهر كيفيزوس (‪)Céphise‬‬
‫الذي لم تكن مياهه بعد قد استرجعت صفاءها تماماً‪،‬‬
‫والتي عادت إلى التدفق في مجراها الليف·‬
‫آنذاك‪ ،‬بعد أن نثرا على ثيابهما ورأسيهما‬
‫الماء المطهّر الذي اغترفاه من هناك‪،‬‬
‫وجها خطاهما نحو معبد اللهة المعظمة‪،‬‬
‫ب كريه‬‫الذي كانت ذروته كامدة بفعل طحل ٍ‬
‫وكان مذبحه خاليًا من النار·‬
‫وعندما بلغا درجات المعبد‪ ،‬سجدا كلهما‬
‫منحنيين حتى الرض‬
‫وقبّل راجفين الحجرَ البارد‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ت تُرفع إليها تبجيلً‪،‬‬‫" إن كانت اللهة تخفف قسوتها راضيةً بصلوا ٍ‬
‫وفقاً للشعائر المرسومة‪ ،‬وإن كانت تترك لغضبها أن يهدأ‪،‬‬
‫فقولي لنا‪ ،‬يا تيميس (‪ )Thémis‬بأيّة وساط ٍة يمكن تعويض الخسارة‬
‫التي لحقت بجنسنا البشريّ‪،‬‬
‫وساعدينا‪ ،‬أنت الكلّية الرأفة‪ ،‬في عالم غارقٍ في الهاوية·"‬
‫تأثرت اللهة‪ ،‬ونطقت بهذه النبوءة‪:‬‬
‫" ابتعدا عن المعبد‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪22 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪23 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪32 :‬‬

‫غطيا رأسيكما‪،‬‬
‫فكا أحزمة ثيابكما‪،‬‬
‫ل منكما وراء ظهره عظام جدّته·"‬ ‫وليطرح ك ّ‬
‫بقيا طويلً في حالةٍ من الذهول‬
‫وكانت بيرّا أول من قطع الصّمت‬
‫رافض ًة أن تطيعَ ما أمرت به اللهة·‬
‫توسّلت إليها بصوتٍ مرتجفٍ‬
‫ل أمّها‬
‫كي تسامحها إذا لم تتجرأ أن تهينَ ظ ّ‬
‫راميةً عظامها هنا وهناك·‬
‫إلّ أنهما تأمل في جواب الوحي‬
‫ض عميق‪،‬‬ ‫الذي يلفّه غمو ٌ‬
‫وقلباه في عقليهما من جميع النّواحي·‬
‫ن بروميثيوس ابنة إبيميتيوس‬ ‫أخيراً‪ ،‬هدّأ اب ُ‬
‫بهذه الكلمات المطمئنة‪:‬‬
‫" إما أن بصيرتي تخدعني‬
‫وإما أن الوحي يحترم حبّ الوالدين‬
‫ول يأمرنا بأيّة جريمة·‬
‫جدّتنا هي الرض· الحجارة في جسم الرض هي‪،‬‬
‫كما أعتقد‪ ،‬ما يسمّيه بعظامها·‬
‫وهذا ما يأمرنا الوحي بأن نرميه وراء ظهرينا·"‬
‫ومع أن هذا التأويل زعزع ابنة تيتان‪،‬‬
‫فقد ترددت بأن تصدّق‪ ،‬وظلت في شكّها‪،‬‬
‫خشيَ َة أن يتحدّيا‪ ،‬هو وهي‪ ،‬تعاليم سماوية·‬
‫لكن‪ ،‬ماذا ستكلفهما المحاولة؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪23 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪24 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪33 :‬‬

‫ابتعدا‪ ،‬غطيا رأسيهما‪،‬‬


‫وكلهما فكّ حزام ردائه‪ ،‬وأخذا‪ ،‬تنفيذاً للمر‪،‬‬
‫يرشقان الحجارة وراء خطواتهما·‬
‫أخذت هذه الحجارة تفقد صلبتها ومظهرها الجامد‪،‬‬
‫وبدأت تلين قليلً قليلً‬
‫وتتخذ فيما تلينُ‪ ،‬شكلً جديداً‬
‫(من كان سيصدّق ذلك‪ ،‬لو لم يكن القدمون قد أكّدوه؟)‬
‫ثم راحت تتمدّد‪ ،‬وتلطّف مادّتها‪،‬‬
‫وصار يَُلمّحُ فيها إلى درجةٍ ما‪ ،‬وإن بصورة غير واضحة تماماً‪،‬‬
‫ي كمثل ما يخرج من الرّخام بخطوطه الولى‪،‬‬ ‫وجهٌ إنسان ّ‬
‫شبيهًا بالتماثيل غير المكتملة·‬
‫ما كان في هذه الحجارة من نُسغٍ سائل ممزوجٍ بالتراب‪ ،‬يصير لحماً‬
‫والجامد فيها وما يلتوي يتحوّل إلى عظام·‬
‫وما كان عرقًا يظلّ بالسم نفسه·‬
‫وفي مدّة وجيزة‪ ،‬كما شاءت اللهة‪،‬‬
‫تأخذ الحجارة التي رمتها يد الذكر شكلَ رجلٍ‪،‬‬
‫ويحظى الجنس النثويّ بحيا ٍة جديدة في الحجارة التي رمتها يد امرأة‬
‫س يتحمّل المشقات‬ ‫هكذا‪ ،‬نحن‪ ،‬من ذلك الوقت‪ ،‬جن ٌ‬
‫ونقدم نحن أنفسنا البرهان على أصلنا الول·‬

‫بيتون (‪Python( 28‬‬

‫ولدت الرض من تلقائها الحيواناتِ الخرى بأشكالها المتنوعة‪،‬‬


‫عندما سخّنت بحرارة الشمس‪ ،‬الرّطوبة التي كانت ل تزال تختزنها‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 28‬الفعى الخرافيّة التي كانت لها نبوءةُ الرض‪ ،‬والتي قتلها أبوللون في أسفل جبل البارناس‪ ،‬وقد أصبح انتصاره‬
‫عليها كنايةً عن إنتصار نبوءة الولمب (السماء‪ ،‬اللهة) على الرض·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪24 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪25 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪34 :‬‬

‫وعندما نفخت الحرارة الطينَ ومياه المستنقعات‪،‬‬


‫ض مُحييَة‪،‬‬
‫ونمت البذور الخصبة للشياء التي غذتها أر ٌ‬
‫كأنها تنمو في رحم أمّ‪،‬‬
‫وأخذت مع الوقت أشكالً مختلفة·‬
‫هكذا‪ ،‬عندما ترك النيل ذو الينابيع السبعة‪ ،‬الحقول المغمورة‬
‫وردّ أمواجه إلى مجاريها القديمة‪،‬‬
‫وعندما‪ ،‬أرسل كوكب النهار لهبه‪ ،‬من أعالي الفضاء‬
‫إلى الطين الحديث العهد‪،‬‬
‫وجد الفلحون‪ ،‬فيما يفلحون حقولهم‪،‬‬
‫عدداً كبيراً من الحيوانات·‬
‫رأوا منها ما خلق لتوّه‪ ،‬بل رأوا بعضها في لحظة تكوّنه‬
‫ورأوا بعضًا غير كاملٍ‪ ،‬تنقصه بعض أعضائه·‬
‫وفي أحيان كثيرة‪ ،‬كان في الجسم الواحد نفسه‪،‬‬
‫جزءٌ حيّ‪،‬‬
‫والجزء الخر طينٌ لم يأخذ شكله·‬
‫والحقّ أنه عندما ائتلفت الرّطوبة والحرارة‪ ،‬حَبلَتا‪،‬‬
‫ومن هذين الصلين ولدت الكائنات كلها·‬
‫ولئن كانت النار عدوّة الماء‪،‬‬
‫فمن الشعاع الرّطب تتولد الشياء كلها·‬
‫والتآلف في التنافر‪ ،‬أمرٌ يلئم التناسل·‬
‫هكذا‪ ،‬منذ أن عادت الرض التي غمرها الطوفان بالطين‪،‬‬
‫تتلقى من أعالي السماء حرارة الشمس‪،‬‬
‫نشأت منها أنواع من الكائنات ل حصر لها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪25 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪26 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪35 :‬‬

‫تارة ردّت للحيوانات شكلها الوّلي‬


‫وتارة‪ ،‬خلقت مسوخًا جديدة·‬
‫ولقد ولدتكَ‪ ،‬في ذلك الوقت‪ ،‬دون إرادتها‪ ،‬أنت كذلك‪،‬‬
‫يا بيتون الجبار‪،‬‬
‫كنت‪ ،‬بالنسبة إلى الشعوب الحديثة النشأة‪،‬‬
‫التي ل تعرف الفعوان‬
‫مبعث ذعر‪ ،‬وأنت تشغل المكان‪ ،‬على امتداد الجبل·‬

‫النبّال اللهيّ الذي لم يكن بعد يستخدم سلحه‬


‫إلّ في صيد اليائل‪ ،‬واليَحْمور السّريع الهرب‪،‬‬
‫دح َر هذا الوحش‪،‬‬
‫أصل ُه نبالً كثيرةً‬
‫ل بعد أن أفرغ تقريبًا كنانته‬ ‫ولم يقتله إ ّ‬
‫وانتشر سمّ البهيمة نازفًا من جراحها السّود·‬
‫ولكي يعجز الزّمن عن محو ذكرى هذه المأثرة‪،‬‬
‫أنشأ الله‪ ،‬في شكل مباريات احتفاليّة‬
‫ألعابًا مقدّسة أخذت اسمها من الفعوان المقتول‪،‬‬
‫وسمّيت اللعاب البيتيّة·‬
‫الشبّان الذين يفوزون بفضل قبضاتهم‪،‬‬
‫أو أفخاذهم‪ ،‬أو عرباتهم‪،‬‬
‫يتلقون تاجًا من البلوط مكافأةً‪،‬‬
‫لنّ الغار لم يكن بعد معروفاً‪،‬‬
‫أما فيبوس (‪ ، )Phébus‬فقد أخذ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪26 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪27 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪36 :‬‬

‫لكي يعقد شعره الطويل حول جبينه الجميل‪،‬‬


‫أوراقًا من أشجار عديدة متنوّعة·‬
‫دافني (‪)Daphné‬‬

‫كانت دافني ابنة بينيوس (‪ )Peneus‬الحبّ الول لفيبوس·‬


‫ولم يكن هذا الحب وليد قدر أعمى‪،‬‬
‫بل كان وليداً لحقد كوبيدون (‪ )Cupidon‬العنيف·‬
‫فمنذ عهدٍ قريب‪ ،‬رآه إله ديلوس‪،‬‬
‫هو الفخور بانتصاره على الفعوان‪،‬‬
‫يحني طرفي قوسه‪ ،‬شادّا وترها نحوه‪،‬‬
‫فقال له‪:‬‬
‫"ماذا تفعل بأسلح ِة بطلٍ‪،‬‬
‫أيّها الولد البَطِر؟‬
‫هذهِ التي تحملها‪،‬‬
‫يليق بي أنا أن أعلّقها على كتفي؛‬
‫ت ل مهرب منها‬ ‫أستطيع أن أوجّه بها ضربا ٍ‬
‫ن متوحشٍ‪ ،‬وإلى عدوّ·‬ ‫إلى حيوا ٍ‬
‫ومنذ عهد قريب‪ ،‬عندما كان الفعوان بيتون‪،‬‬
‫يغطّي مِساحة كبيرة ببطنه المنتفخ سمّا‪،‬‬
‫قضيت عليه بسهامي التي ل تحصى·‬
‫وأنتَ‪ ،‬يكفي بالنسبة إليك‪،‬‬
‫أن تنثر بمشعلك ما ل أعرف من نيران الحب·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪27 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪28 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪37 :‬‬

‫وإيّاك أن تطمحَ إلى تحقيقِ النّجاح الذي حقّقته·"‬


‫فأجابهُ ابن فينوس‪:‬‬
‫ك أهدافك‪،‬‬‫"يُمكن يا فيبوس‪ ،‬أن تخترق بقوس َ‬
‫أمّا قوسي فسوف تخترقك أنت نفسك·‬
‫واعلم أنّني أتفوّق عليكَ بمآثري‪،‬‬
‫كما يتفوّق إلهٌ على جميعِ الكائنات·"‬
‫قال ذلك‪ ،‬ثم شقّ الهواء بخفق أجنحته·‬
‫ودون أن يُضيّعَ لحظة‪،‬‬
‫وقف على الذروة الظليلةِ في البارناسّ‪،‬‬
‫ومن كنانته المليئة بالسّهام أخذ اثنين‪،‬‬
‫ل منهما فعله الخاصّ·‬ ‫لك ّ‬
‫الوّل يطرد الحبّ‪،‬‬
‫والثاني يولّده·‬
‫هذا الذي يولّده ذهبيّ اللّون‪ ،‬مجهّز برأسٍ حا ّد ولمع·‬
‫وذلك الذي يطرده‪ ،‬مثلّم‪،‬‬
‫وقص َبتُهُ مُسلّحةٌ بالرّصاص وحدَه·‬
‫جرح الله بهذا الثاني‪ ،‬إلهة الغاب‪ ،‬ابنة بينوس (‪,)Peneus‬‬
‫عبْرَ عظامهِ إلى اللّب·‬
‫وبالول‪ ،‬اخترق جسم أبولون (‪ ، )Apollon‬نافذاً ِ‬
‫وسرعان ما يحبّ أبولون‪،‬‬
‫أما إلهة الغاب‪ ،‬فتهرب حتى من اسم العاشقة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪28 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪29 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪38 :‬‬

‫خلواتُ الغابات‪ ،‬جلود الحيوانات الوحشيّة التي صادتها‪،‬‬


‫هي التي تشكّل فرحها الكبر·‬
‫إنها المُنافِسة لفيبي (‪ )Phoebé‬الطّاهرة‪،‬‬
‫كان يكفي شريطٌ صغير لربط شعرها الذي يسترسل بفوضى·‬
‫سعى إليها كثيرٌ من طالبي الزّواج‪،‬‬
‫ت أن تلبّي أيّ طلب‪،‬‬ ‫غير أنها أ ِنفَ ْ‬
‫رافضة الخضوع لنير الزّوج‪،‬‬
‫وتابعت العيش وحيدة في هدوء الغابات·‬
‫ما الزّفاف‪ ،‬ما الحبّ‪ ،‬ما الزّواج؟‬
‫ليست معرفة ذلك من همومها·‬
‫كثيراً ما قال لها والدها‪:‬‬
‫ت مَدينةٌ لي بصهر‪ ،‬يا بُنيّتي·"‬ ‫"أن ِ‬
‫وكثيراً ما قال لها‪:‬‬
‫ت مَدينةٌ لي بأحفادٍ‪ ،‬يا بُنيّتي"·‬ ‫"أن ِ‬
‫أما هي فكانت تُرعبها مشاعلُ الزّواج‪،‬‬
‫كما لو أنها جريمة·‬
‫وكانت حمرة الخجل تنتشر في وجهها الجميل‪،‬‬
‫مجيبةً والدها وذراعاها تتدلّيان من عنقه‪:‬‬
‫" اسمح لي‪ ،‬أيّها الب الحبيب‪،‬‬
‫أن أنعم‪ ،‬أبدياً بعذريّتي·‬
‫لقد حظيت ديانا بذلك من والدها·" ‪29‬‬
‫وافقها والدها على قولها‪،‬‬
‫ولكن أنتِ‪ ،‬يا دافني‪ ،‬جميلةٌ إلى درجة‬
‫تحول دون ما تريدينه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 29‬أعطى جوبيتر هذه النعمة إلى ديانا· وموضوع العذريّة مدار حكايا قديمة كثيرة‪ ،‬بينها حكاية نرسيس (‬
‫‪.)Narcisse‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪29 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪30 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪39 :‬‬

‫فجمالك حاجزٌ دون رغباتك·‬

‫وقعَ فيبوس في الحبّ‪30 ،‬‬


‫رأى دافني‪ ،‬وشاء أن يتزوّجها·‬
‫ما يرغب فيه يأمل تحقيقه‪،‬‬
‫فوحيه الخاصّ هو الذي يغرّر به·‬

‫كما يشتعل القشّ الخفيف‪ ،‬بعد حصاد السّنابل‪،‬‬


‫كما يحترق سياجُ أغصانٍ شائكة‬
‫بمشعلٍ قرّبه إليه مصادف ًة مسافرٌ‪ ،‬أو تركه فيه‪،‬‬
‫وقد طلعَ النهار‪،‬‬
‫هكذا اشتعل الله حباً‪،‬‬
‫وأخذ يحترق حتى أعماق قلبه‪،‬‬
‫ل فيه·‬
‫ويغذي بالمل حبّا ل أم َ‬
‫كان يتأمّل في شَعر إلهة الغاب‪،‬‬
‫وهو يتموّج حول عنقها دون أيّة زينة‪ ،‬متسائلً‪:‬‬
‫"كيف سيكون لو اهتمّت به؟"‬
‫رأى عينيها تتللن كالكواكب‪،‬‬
‫ورأى فمها الصّغير الذي لم تكن رؤيته تطفئ شهوتَهُ‪،‬‬
‫وأعجب بأصابعها‪ ،‬بيديها‪ ،‬بمعصميها‪ ،‬وذراعيها شبه العاريتين·‬
‫بل أكثر‪ ،‬ـ‬
‫تخيّل أنّ ما ل يراه هو الكثر جمالً·‬
‫أما هي‪ ،‬فكانت تهربُ أكثر سرعة من النّسيم؛‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 30‬فيبوس‪ :‬اسم الشمس‪ ،‬وهو كذلك اسمُ أبوللون‪ ،‬منذ أن خلط الشعراء بين الكوكب والله· ومنذ انتصار أبوللون على‬
‫بيتون أصبح سيد الوحي في ديلفي·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪30 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪31 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪40 :‬‬

‫وإذ يعجز عن استبقائها‪،‬‬


‫يخاطبها بمثل هذه العبارات‪:‬‬
‫" أرجوكِ‪ ،‬توقفي يا إله َة الغابة‪ ،‬يا ابنة بينيوس؛‬
‫ليس عدوًا هذا الذي يتتبّعك‪،‬‬
‫تمهّلي‪ ،‬إلهة الغابة·‬
‫تهربين كما تهرب أنثى الحمل من الذئب‪31 ،‬‬
‫والظبيّة من السد‪،‬‬
‫ت من النّسر‪ ،‬بأجنح ٍة مضطربةٍ‪،‬‬ ‫وكما تفرّ الحماما ُ‬
‫ل يهرب من عدوّ‪،‬‬ ‫كّ‬
‫أما أنا‪ ،‬فالحبّ هو الذي يدفعني لكي أقتفي خطاكِ·‬
‫يا لشقائي!‬
‫حاذري أن تسقطي إلى المام!‬
‫ت بل حقّ‪ ،‬أثره في ساقيكِ‪،‬‬ ‫ألّ يترك الشّوك‪ ،‬إن جُرح ِ‬
‫وأكون أنا سبباً لوجعكِ·‬
‫الرض التي تنطلقين فوقها وعرة؛‬
‫تمهّلي‪ ،‬أرجوكِ!‬
‫ل تُسرعي هاربةً·‬
‫أنا نفسي‪ ،‬سأتمهّل في اقتفائكِ·‬
‫اعرفي‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬مَن ذلك الذي سحرتِه‪،‬‬
‫سكّان الجبل‪ ،‬ولستُ راعياً·‬ ‫لستُ من ُ‬
‫لست واحدًا من هؤلء الرّجال الجاهلين الذين يحرسون الثيران والخراف·‬
‫ل تعرفين‪ ،‬يا طائشة‪ ،‬ل تعرفين من تهربينَ منه‪ ،‬ولهذا تهربين·‬
‫أنا من تعدّه سيّدًا عليها بلدُ ديلفي وكلروس (‪ )Claros‬وتينيدوس (‪)Ténédos‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 31‬السم العربي الفصيح لنثى الحمل هو‪ :‬رخلة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪31 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪32 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪41 :‬‬

‫والمقرّ الملكيّ في باتارا (‪· )Patara‬‬


‫جوبيتر أبي‪ ،‬وأنا من يكشف المستقبل والماضي والحاضر‪،‬‬
‫ومن يُزاوج بين الغناء ورنين الوتر·‬
‫سهمي يُصيب‪ ،‬ل يُخطئ‪،‬‬
‫ل أكثر دقة‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬هناك سَهمٌ آخر يضرب ويصيب بشك ٍ‬
‫إنه سهم الذي جرح قلبي‪،‬‬
‫وكان بريئاً من هذا الداء·‬
‫ب من مُبتكراتي‪،‬‬‫الط ّ‬
‫واسمي في الكون كلّه‪ :‬المُعين·‬
‫قوّة النباتات خاضعة لي‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬وا أسفاه!‬
‫ما من نباتٍ يقدر أن يشفي من الحبّ‪،‬‬
‫وفنّي الذي يُفيد الجميع‪،‬‬
‫ل يجد فيه صاحبه أيّة فائدة·"‬
‫بدا أنه سيواصل كلمه‪،‬‬
‫غير أن ابنة بينيوس تابعت سيرها المضطرب‪ ،‬هاربةً‪،‬‬
‫وخلّفته وراءها‪ ،‬وحيداً مع خطابه الذي لم يكمله‪،‬‬
‫ص هذا جمالَها في عينيه·‬
‫ولم يُنق ْ‬

‫كانت الرّياح تهبّ معاكس ًة اتّجاهها‪،‬‬


‫فموّجت ثيابَها‪،‬‬
‫كشفت عن جسمها‬
‫ودفعت شعرَها المرفوعَ إلى الوراء·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪32 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪33 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪42 :‬‬

‫تهرب ويزيدها الهرب جمالً·‬


‫ف عن مُغازلتها‪ ،‬عبثاً‪ ،‬بكلماتٍ رقيقة‪،‬‬ ‫غير أن الله الشاب توق َ‬
‫مدفوعاً وراء خطوات إله ِة الغابة‪ ،‬مُضاعفاً سرعته·‬
‫كمثلِ ما يرى كلبٌ غاليّ‪32 ،‬‬
‫ل مكشوفٍ‪،‬‬ ‫أرنباً في سه ٍ‬
‫فينطلقان ـ‬
‫الول لكي يقنصَ فريسته‪،‬‬
‫والثاني لكي ينجو بنفسه·‬
‫يبدو الول كأنه يوشك أن يلتقف الهارب‪،‬‬
‫ل أن يُمسك به‪ ،‬لحظة يُضيّق عليه‪ ،‬مادّا شِدقهُ‪،‬‬ ‫آم ً‬
‫ق أنه التُقِط‪،‬‬‫ويبدو الثاني غير واث ٍ‬
‫كأنه يتحاشى النّهشات‪،‬‬
‫ويفرّ من الشّدق الذي أدركه‪ ،‬ـ‬
‫كذلك الله والعذراء‪:‬‬
‫على الله يستولي المل‪،‬‬
‫وعلى العذراء يستولي الخوف·‬

‫غير أنه في سيره وراءها‪،‬‬


‫ل بأجنحة إله الحبّ‪،‬‬
‫محمو ً‬
‫أكثرُ سرع ًة منها‪ ،‬ول يحتاج إلى الراحة·‬
‫وها هو ينحني على كتفي الهاربة‪،‬‬
‫س بأنفاسه شعرها المبعثر حول عنقها·‬ ‫يلم ُ‬
‫أما هي فقد أنهكت‪ ،‬وشحب لونها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 32‬كانت الكلبُ الغاليّة (‪ )Gaulois‬مشهورة بسرعتها·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪33 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪34 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪43 :‬‬

‫اتجهت بأنظارها نحو مياه بينيوس‪،‬‬

‫وقد هدّها التعب في هربها السّريع‪ ،‬وقالت‪:‬‬


‫" إليّ يا أبي‪ ،‬أسرع إلى إنقاذي‪،‬‬
‫إن كان للنهار‪ ،‬كمثلك‪ ،‬سلطة إلهيّة‪،‬‬
‫فغيّر شكلي‪ ،‬وخلّصني من جمالي الفاتن·"‬
‫لم تكد تكمل توسّلها حتى استحوذ على أعضائها خدرٌ ثقيل؛‬
‫أحاطت بصدرها الرّهيف قشر ٌة ناعمة‪،‬‬
‫وتحوّل شعرها الطويل إلى ورقٍ‬
‫وذراعاها إلى أغصان‪،‬‬
‫وقدماها اللتان كانتا من هنيهة سريعتي الحركة‪،‬‬
‫ضمتهما إلى التراب جذورٌ ل تقدر أن تتحرّك·‬
‫أما رأسها فتوّجته أعالي شجرة‪،‬‬
‫ق من مفاتنها إلّ النضارة·‬‫ولم يب َ‬
‫ومع ذلك بقي فيبوس على حبّه لها‪،‬‬
‫أحسّ‪ ،‬وهو يلمس جذعها‪،‬‬
‫أن قلبها ل يزال يخفق وراء القشرة الجديدة·‬
‫ثم أحاط بذراعيه الغصان التي حلّت محلّ ذراعي إلهة الغابة‪،‬‬
‫وغطّى بقبلته الخشبَ‪،‬‬
‫غير أن الخشب رفضها‪،‬‬
‫وحينئذٍ قال اللهُ‪:‬‬
‫"حسنًا ما دمت ل تقدرين أن تكوني زوجتي‪،‬‬
‫فسوف تكونين على القلّ شجرتي·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪34 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪35 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪44 :‬‬


‫ف تزيّنين‪ ،‬يا شجرة الغار‪ ،‬شعري‪،‬‬ ‫إلى البد‪ ،‬سو َ‬
‫وقيثارتي وكنانتي·‬
‫سترافقين قادة لتيوم (‪، )Latium‬‬
‫عندما تهزج أصوات الفرح بأناشيد النصر‬
‫وتشهد الكابيتول‪ ،‬المواكبَ الطويلة·‬
‫ستنهضين حارس ًة أمينةً أمام باب أوغست‪،‬‬
‫وتحمين تاج البلّوط الذي يتدلّى في الوسط·‬
‫وكما سيحتفظ بفتوّته رأسي‬
‫الذي لم يعرف شعره المقصّ أبداً‪،‬‬
‫ق ل يذوي·"‬
‫ل إلى البد مزيّنا بور ٍ‬‫فإنّ رأسكِ سيظ ّ‬
‫توقّف بيان (‪ Paean( 33‬عن الكلم‪،‬‬
‫وأمالت شجرة الغار أغصانها الجديدة‪،‬‬
‫رآها الله تحرّك أعلها كأنها تحرّك رأسها·‬

‫إيو (‪IO( 34‬‬

‫في بلد هيمونيا (‪ )L`Hémonie‬خميل ٌة صغيرة‬


‫تسوّرها من الجهات كلّها غابةٌ وعرةٌ‬
‫تسمّى تامبي (‪· )Tampé‬‬
‫في الوسط يقذف نهر بينيوس المنحدر من سفوح بندا (‪، )Pinde‬‬
‫مياهه المزبدة؛ من الشلل الذي تنحدر فيه لججها‪،‬‬
‫تتصاعد غيومٌ‪ ،‬وأبخرة خفيفة تتساقط مطراً‬
‫على ذروات الشجر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 33‬بيان (‪ :)Péan‬لقب أو كنية لبوللون‪ ،‬عندما ينظر إليه بوصفه طبيباً‪ ،‬ولبنه إسكولب(‪ .)Esculape‬وبيان اسمٌ‪،‬‬
‫كذلك‪ ،‬لنشيد ينشد تمجيداً للله·‬
‫‪ 34‬إيو (‪ :)Io‬عند اليونانيين كمثل إيزيس عند المصريين· كانت تُعبد في روما زمن أوفيد‪ ،‬خصوصاً من قبل النساء·‬
‫وكان المصريون يلبسون قمصانًا من الكتّان‪ ،‬بينما كانت الشعوب الخرى تلبس الصّوف·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪35 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪36 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪45 :‬‬

‫ل دَويّها ال ُمصِمّ‬
‫يص ُ‬
‫إلى ما وراء الماكن المُجاورة·‬
‫هنالك‪ ،‬مسكن النهر الكبير‪ ،‬ومقامه‪ ،‬وعزلته المقدّسة·‬
‫هناك‪ ،‬جالساً‪ ،‬تحت مغارة محفورةٍ بالصّخر‪،‬‬
‫يشترع قوانين للمياه وإلهاتها اللئي يُقمنَ في المياه·‬
‫في هذا المكان‪ ،‬تلقت أنهارٌ‪،‬‬
‫أولها تلك الواقعة في المنطقة‪،‬‬
‫وأخذت تتساءل إن كان عليها أن تهنّئ وال َد دافني أو تعزيه‪:‬‬
‫نهر سبيرشيوس (‪ )Sperchios‬الذي يتوّجه شجر الحَور‪،‬‬
‫نهر إينبيوس (‪ )Enipeus‬الصّاخب‪،‬‬
‫نهر أبيدانوس (‪ )Apidanus‬الشيخ‪،‬‬
‫ونهر آمفريزوس (‪ )Amphrysos‬الهادئ·‬
‫ونهر إياس (‪)Eas‬؛‬
‫ثم النهار الخرى التية من جميع البلدان‪،‬‬
‫مدفوعةً بمجاريها العنيفة‪،‬‬
‫تقود إلى البحر أمواجاً أرهقتها التعرّجات الطويلة·‬
‫وحده تغيّب نهر إيناشوس (‪)Inachus‬‬
‫منسحباً إلى أعماق كهفه‪،‬‬
‫ُم َكثّرًا مياهه بدموعه ـ‬
‫فهذا التاعس الحظ يبكي إيو ابنتَهُ‪،‬‬
‫كما لو أنه فقدها·‬
‫ل يعرف إن كانت ل تزال حيّة‪،‬‬
‫أو أصبحت عند أرواح الموتى·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪36 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪37 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪46 :‬‬

‫ي مكان‪،‬‬‫فهذه التي يعثر عليها في أ ّ‬


‫أخذ يظنّ أنها فارقت العالم‪،‬‬
‫وملتهُ أسوأ المخاوف·‬
‫عندما رآها جوبيتر عائدةً من النهر البويّ‪ ،‬قال لها‪:‬‬
‫"أيتها العذراء الجديرة بجوبيتر‪،‬‬
‫والتي ستُسعدُ من تقبله في سريرها ـ‬
‫من تُراهُ يكون ؟ ـ‬
‫تعالي تحت الظلّ الوارف لهذه الغابات‪،‬‬
‫الن‪ ،‬حيث تهيمنُ الحرارةُ‪،‬‬
‫وحيثُ الشّمس في أوجها·‬
‫بينما الشمس تلتهب في منتصفِ مدارها·‬
‫إن كنت تخافين الدخول وحيدة إلى مخابئ الحيوانات المتوحشة‪،‬‬
‫سكِ·‬‫فها هو إلهٌ هنا‪ ،‬يح ُر ُ‬
‫ن تام في أعماق الغابات‪،‬‬ ‫معه يمكنك التقدّم بأما ٍ‬
‫فهو إل ٌه ل يجيء من عامّة اللهة‪،‬‬
‫بل هو أنا‪ ،‬الذي يمسك بيده القويّة صولجان السماء‪،‬‬
‫ومن يُطلقُ الصّاعقة الخاطفة·‬
‫فل تهربي مني·"‬
‫هربت‪،‬‬
‫تجاوزت مراعي ليرنا (‪)Lerne‬‬
‫والحقول المشجّرة في ليركيون (‪، )Lyrcéion‬‬
‫لكن في البعيد‪ ،‬غطّى الله الرض بغيومٍ سوداء؛‬
‫فأوقف هروب إلهة الماء‪،‬‬
‫واغتصبها·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪37 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪38 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪47 :‬‬

‫آرغوس (‪)Argus‬‬

‫في هذه الثناء‪،‬‬


‫كانت جونون تلقي نظراتها على الحقول‪،‬‬
‫أدهشها أن تضفي غيومٌ عابرةٌ مظهر اللّيل‬
‫على نهار مشعّ‪،‬‬
‫تبيّن لها أنها لم تتولّد من النّهر‪،‬‬
‫وليست بخارًا يتصاعد من الرض الرّطبة·‬
‫أجالت عينيها باحثةً حولها عن زوجها‪،‬‬
‫فهي تعرف تماماً خياناته‪ ،‬لكثرة ما فاجأته متلبّسا بالثم·‬
‫قالت عندما لم تعثر عليه في السّماء‪:‬‬
‫"إما أنني مخطئة‪،‬‬
‫وإما أن كرامتي انتُهكتْ·"‬
‫هبطت من أعالي الثير‪،‬‬
‫ومنذ وضعت قدميها على الرض‪،‬‬
‫أمرت الغيوم أن تنقشع·‬
‫غير أن جوبيتر كان قد احتاط لمجيئها‪،‬‬
‫فحوّل ابنة إيناشوس إلى عجلةٍ بيضا َء بياضاً باهراً·‬
‫كانت ل تزال جميلة حتى في هذا التحول·‬
‫أُعجبت ابنة ساتورن بكمال شكلها‪،‬‬
‫وإن يكن على مضض·‬
‫سألت كما لو أنها تجهل الحقيقة‪:‬‬
‫ـ "لمن هذه العجلة؟ من أينَ جاءت‪ ،‬ومن أيّ قطيع؟"‬
‫ت من الرض·"‬ ‫ـ "ولد ْ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪38 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪39 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪48 :‬‬

‫أجابها جوبيتر‪ ،‬مختلقًا كذبةً لكي يضع حدّا لهذه السئلة حول أصلها·‬

‫طلبت ابنة ساتورن من زوجها أن يقدّمها لها·‬


‫وماذا يقدر الله أن يفعل؟‬
‫صعبٌ أن يتخلّى عن موضوع حبّه‪،‬‬
‫رفضُهُ سيثير الرّيبة·‬
‫ولئن كانت الفضيحة تدفعه‪ ،‬من جهة‪ ،‬إلى المتثال‪،‬‬
‫فالحبّ‪ ،‬من الجهة الثانية‪ ،‬يردعه·‬
‫صحيحٌ أن الحبّ كان سيغلب الفضيحة‪،‬‬
‫لكن لو أن جوبيتر رفض أن يعطي لخته‪،‬‬
‫لرفيقة سريره‪ ،‬هديةً بسيطةً كهذه العجلة‪،‬‬
‫لجعلَها تعتقد أنها ليست عجلة·‬
‫وإذ أصبحت هذه الغريمة ملكًا لللهة‪،‬‬
‫فإنها لم تطرد الخوف كلّه‪ ،‬فوراً·‬
‫بل داخلها الشكّ في جوبيتر‪،‬‬
‫وخشيت أن تكون هناك حيلة‪،‬‬
‫حتى اليوم الذي كلفت فيه آرغوس (‪)Argus‬‬
‫ابن أريستور (‪ )Arestor‬بحراسة إيو·‬

‫س بمئة عينٍ تتناوب الرّاحة‪،‬‬


‫كان لرغوس رأ ٌ‬
‫ل مرة‪،‬‬‫تنامُ اثنتان في ك ّ‬
‫والبقيّة تسهر وتظل في الحراسة·‬
‫كيفما اتّجه‪ ،‬يرى إيو·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪39 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪40 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪49 :‬‬

‫تظلّ أمام عينيه‪ ،‬حتى لو أدار ظهره·‬


‫نهاراً‪ ،‬يسمح لها أن ترعى‪،‬‬
‫وعندما تغيب الشمس في أعماق الرض‪،‬‬
‫يسجنها‪ ،‬ويضع حول عنقها حبالً فظّة·‬
‫تتغذى بأوراق الشجر وبالعشاب المرّة‪،‬‬
‫ول سريرَ لكي تنام‪ ،‬إلّ الرض‬
‫التي لم تكن دائمًا مغطاة بالعشب·‬
‫ول شرابَ لها‬
‫غير ماء الجداول الموحلة·‬
‫كم ودّت لو ترفع إلى آرغوس ذراعين ضارعتين‪،‬‬
‫لكن لم تكن لها ذراعان لكي تمدّهما إليه·‬
‫حاولت أن تشكو‪ ،‬فلم يخرج من فمها غير خوار‬
‫يُخيفها‪،‬‬
‫وصوتُها هي يملؤها رُعباً·‬
‫تذهب إلى الضفاف‪،‬‬
‫حيث اعتادت أن تلعب‪ ،‬ضفاف إيناشوس·‬
‫وعندما ترى في الماء قرنيها الجديدين‪،‬‬
‫تتراجع هاربةً من نفسها‪ ،‬مذعورة‪ ،‬هائمة·‬
‫كانت ربّات الينابيع (‪ Naiades( 35‬تجهل من هي‪،‬‬
‫ونهر إيناشوس كذلك يجهل من هي·‬
‫اعتادت أن تتبع والدها‪ ،‬وتتبع أخواتها‪،‬‬
‫تسمح لهم بملمستها‪ ،‬وتتقبّل إعجابهم·‬
‫كان إيناشوس الشيخ يقطف أعشاباَ يقدّمها لها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ن في النهار‬
‫‪ : )Naiades( 35‬ربات الينابيع‪ ،‬أو حوريات الماء اللئي كنّ‪ ،‬كما تروي الساطير اليونانية‪ ،‬يُقم َ‬
‫والبحيرات ويمنحنها الحياة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪40 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪41 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪50 :‬‬

‫فتلمس يدي أبيها‪ ،‬وتقبل راحتيه‪،‬‬


‫غير قادرة أن تحبس دموعها·‬
‫لو أنّ الكلمَ أطاعها‪ ،‬لطلبت الخلص‪،‬‬
‫معلنةً اسمها‪ ،‬مفصحةً عن مصائبها·‬
‫وإذ أعوزَها الكلمُ‪،‬‬
‫رسمت بقوائمها حروفاً على الغبار‪،‬‬
‫كاشفةً السرّ الليم لتحوّلها·‬
‫"ما أشقاني‪":‬‬
‫صرخ إيناشوس‪ ،‬وتعلّق بقرني العجلة البيضاء وعنقها‪،‬‬
‫فيما كان يُصغي إليها وهي تنتحب· وكرّر‪:‬‬
‫"ما أشقاني!‬
‫أنتِ إذن ابنتي التي بحثت عنها الرض كلّها؟‬
‫قبل أن أعثر عليك‪ ،‬كان حزني أقلّ مما هو الن‬
‫وقد عدتِ إليّ·‬
‫تصمتين‪ ،‬وليس في مقدورك أن تتحدثي معي‪،‬‬
‫ول تفلتُ من أعماق قلبك إلّ التأوهات‪،‬‬
‫وكلّ ما أنت قادرة على فعله هو أن تردّي على كلماتي بالخوار·‬
‫وأنا الذي كنتُ‪ ،‬في جهلي‪ ،‬أهيّء لك سرير الزواج ومشاعله!‬
‫أتمنى أولً صهراً‪ ،‬ثم أحفاداً·‬
‫اليوم‪ ،‬عليك أن تجدي زوجاً في القطيع‪،‬‬
‫وفي قطي ٍع عليكِ أن تنجبي ابناً·‬
‫ل يقدر الموت نفسه أن يخلّصني من هذا الحزن العظيم؛‬
‫ومما يزيد في شقائيَ أنني إلهٌ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪41 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪42 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪51 :‬‬

‫فباب الموت المُغلقُ في وجهي‪،‬‬


‫يقضي عليّ بحزنٍ يدوم إلى البد·"‬

‫فيما كان يزفر هذا النواح‬


‫كان آرغوس المرقّش بالعيون يُبعده‪،‬‬
‫يأخذ البنت من أبيها‪،‬‬
‫ع منعزلة·‬‫ويجرّها إلى مرا ٍ‬
‫ثم يمضي‪ ،‬وعلى مسافةٍ منها‪ ،‬يجلس فوق ذروة جبلٍ عالٍ‪،‬‬
‫راصداً جميع الجهات·‬
‫لم يعد سيّد اللهة يقدر أن يتحمّل‪ ،‬أكثر من ذلك‪،‬‬
‫رؤيته لحفيدة فورونيوس (‪ )Phoroneus‬تعاني مثل هذه اللم·‬
‫فدعا واحداً من أبنائه‪ ،‬أنجبته مايا‪36 ،‬‬
‫وأمره بأن يسلم آرغوس إلى الموت·‬
‫أسرع يثبّت أجنح ًة على قدميه‪،‬‬
‫ويقبض بيده القويّة على العصا التي تنشر النوم‬
‫ويغطي شعره بقبّعته‪،‬‬
‫ودون أيّ استعداد آخر‪،‬‬
‫انطلق ابن جوبيتر من أعلى مقامه البويّ‪ ،‬إلى الرض·‬
‫هنا نزع قبعته‪ ،‬وترك أجنحته‪ ،‬واحتفظ بعصاه وحدها·‬
‫استخدمها متنكراً في شكل راعٍ‬
‫يقود عبر الحقول‪ ،‬خارج الطرق المرسومة‪،‬‬
‫سرباً من الماعز‪ ،‬أحضره معه·‬
‫ثم صنع شبّابة وأخذ يعزف عليها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 36‬مايا (‪ :)Maia‬هي إحدى بنات أطلس (‪ )Atlas‬السّبع اللئي يشكّلن الثريّا·‬


‫التحولت أوفيد الصفحة ‪42 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪43 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪52 :‬‬

‫كان النغم جديداً‪،‬‬


‫وفتن الموسيقيّ بفنّه لبّ الحارسِ الذي وضعته جونون·‬
‫قال آرغوس‪:‬‬
‫"أيّا كنتَ‪،‬‬
‫تستطيع أن تجلس معي على هذه الصّخرة·‬
‫لن تجد القطعان في أيّ مكان آخر‪،‬‬
‫عشباً أكثر خصوبة‪،‬‬
‫ل هنا‪ ،‬كما ترى‪ ،‬مؤاتٍ للرّعاة·"‬ ‫والظ ّ‬
‫جلس حفيد الله أطلس (‪، )Atlas‬‬
‫فمنع النهار من النقضاء‪ ،‬بسحر كلمه‬
‫في حكاياته الطويلة‪،‬‬
‫وحاول بموسيقا قصباته المجتمعة أن يغلب العيون اليقظة·‬
‫مع ذلك‪ ،‬صارع الوحش لكي يغلب حلوات النوم؛‬
‫ولئن كانت بعض عيونه قد نامت‪ ،‬فإنّ بعضها كان ل يزال يقظاً‬
‫شبّابة‪،‬‬
‫ثمّ طلب أن يعرف قصّة ابتكار ال ّ‬
‫ث العهد·‬
‫لنّه ابتكارٌ حدي ُ‬

‫سيرينْكس (‪)Syrinx‬‬

‫حينئذٍ أجابه الله قائلً‪:‬‬


‫"في أسفل جبال أركاديا (‪ )Arcadie‬الجليديّة‪،‬‬
‫كانت بين ربّات الشجار (‪ Les Hamadryades( 37‬في نوناكريس (‪)Nonacris‬‬
‫ربّة ماءٍ هي الكثر شهرة بين الخريات·‬
‫إلهات الغاب يسمينها سيرينكس (‪.)Syrinx‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ :)Les Hamadryades( 37‬جنيّات الشجار‪ ،‬التي تقول الساطير بأن كل منها تولد مع الشجرة وتموت بموتها·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪43 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪44 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪53 :‬‬

‫مرارًا كثيرة‪ ،‬أفلتت من مطاردات السّتير (‪Satyres( 38‬‬


‫وجميع اللهة الذين يسكنون الغابات الظليلة‪ ،‬والرياف الخصبة·‬
‫كانت‪ ،‬بحكم ميولها‪ ،‬وبعذريتها نفسها‪،‬‬
‫منقطعةً للتّعّبدِ إلى إلهةِ أورتيجيا(‪ )Ortygie‬؛‬
‫ب اللهة ديانا‪،‬‬
‫يشبه ثوبها الذي تشده بحزامٍ ثو َ‬
‫ويمكن حسبانها ابنة لتونا (‪Latone(، 39‬‬
‫س الله ِة ديانا من ذهب·‬‫لو لم تكن قوسُها من قرن‪ ،‬وقو ُ‬
‫ومن الممكن وقوع الخطأ حتى في حالتها هذه·‬
‫كانت عائدة من تلّة ليسيا (‪، )Lycèe‬‬
‫عندما رآها بّان (‪)Pan‬‬
‫وجّه إليها‪ ،‬ورأسه متوجٌ بأوراق الصّنوبر المُسنّنة‪،‬‬
‫هذه الكلمات···‬

‫وبقيَ على ميركور (‪ )Mercure‬أن ينقل كلمات بّان‪،‬‬


‫يقصّ هربَ إلهة الماء في الحقول‪،‬‬
‫غير عابئةٍ برجائه‪ ،‬حتى وصلت إلى المياه الهادئة‬
‫في نهر لدون (‪ )Ladon‬الرّملي‪،‬‬
‫هناك‪ ،‬أوقف الموج سيرها‪،‬‬
‫فتوسّلت إلى أخواتها الجاريات في الماء كالماء‪ ،‬أن يحوّلنها·‬
‫ن بّان أنه أدرك سيرينكس‪،‬‬ ‫ولحظة ظ ّ‬
‫لم يحضن بذراعيه جسمها‪ ،‬بل قصب المستنقع·‬
‫وفيما كان يصعّد آهاته‪،‬‬
‫ولّد الهواء الذي تحرّك في أنابيب القصب نغماً خفيفاً‪ ،‬يشبه النين·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 38‬السّتير (‪ :)satyres‬أشخاص خرافيّون‪ ،‬تصفهم الساطير بأن نصفهم العلى بشر‪ ،‬والسفل ماعز· وكلمة (‬
‫‪ )satyre‬بالفرنسية تعني الرجل الشهواني‪ ،‬الشّبق·‬
‫‪ 39‬إلهة أورتيجيا (‪ .)Ortygie‬تلميحٌ يشير إلى اللهة ديانا‪ ،‬كمثل عبارة "ابنة لتونا"·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪44 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪45 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪54 :‬‬

‫وصرخ الله الذي سحره هذا الكتشاف‪،‬‬


‫وسحرته هذه النغام الشجيّة‪:‬‬
‫"هكذا سيبقى حديثي معكِ أبديّا·"‬
‫ثم ألّف بين القصبات غير المتساوية الطّول‪،‬‬
‫واصلً إياها بالشمع·‬
‫حافظًا هكذا‪ ،‬اسم إلهة الغاب·‬
‫ي هذه الحكاية‪،‬‬‫كان إله سيلّين (‪ )Cyllène‬يتهيّأ ليرو َ‬
‫عندما رأى أن عيون آرغوس كلّها‪،‬‬
‫انطبقت مستسلمةً للنوم·‬
‫ل هذا النّوم أكثرَ عُمقاً‪،‬‬
‫صمت في الحال‪ ،‬وجع َ‬
‫مُجيلً بعصاه السّحرية فوق أجفانه الواهنة·‬
‫ثمّ‪ ،‬فجأة‪ ،‬فيما رأسه ينحني‪،‬‬
‫ضربه بسيفه المقوّس في مفصل العنق‪،‬‬
‫فتدحرج بدمه المتدفّق‪ ،‬إلى أسفل الصّخرة‪،‬‬
‫ولطّخ منحدراتها الوعرة·‬
‫ت ممدّد؛‬
‫آرغوس‪ ،‬هوذا أن َ‬
‫الضّوء الذي كنت تحرّك به نظراتك‪ ،‬انطفأ‪،‬‬
‫وعيونك المئة غرقت في الليل نفسه·‬
‫أخذتها ابنة ساتورن‪،‬‬
‫وغطّت بها ريش الطائر الذي تحبّه‪،‬‬
‫ونشرتها على ذيله‪،‬‬
‫ل كوكبةٍ من الحجارة الكريمةِ·‬
‫كمث ِ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪45 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪46 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪55 :‬‬

‫في اللحظة نفسها‪ ،‬اشتعلت اللهة غضباً‪،‬‬


‫ودون أن تعطي لغضبها الوقت لكي يهدأ‪،‬‬
‫استدعت إيرينيس ‪ 40‬الرّهيبة‬
‫للنتقام من منافِستها الرغوليّة (‪، )Argoliene‬‬
‫مخبئةً في صميم قلبها‬
‫منخساً يقودها‪،‬هاربةً مذعورةً في أرجاء الكون·‬
‫كنت‪ ،‬أيّها النيل‪ ،‬آخر المطاف لرحيلها الشاقّ·‬
‫فمنذ بلغت النهرَ‪ ،‬سقطت جاثيةً على ض ّفتِه·‬
‫رفعت رأسها‪ ،‬وعنقها مائلٌ إلى الوراء‪،‬‬
‫ووجهت وجهها نحو السّماء‬
‫وبدت أنها بنواحها ودموعها وخوارها المؤلم‪،‬‬
‫تشكو إلى جوبيتر وتسأله أن ينهي بلءها·‬
‫بعد أن طوق الله بذراعيه عنق زوجته‪،‬‬
‫استحلفها أن تضعَ حدّا لهذا العقاب الطويل‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"في المستقبل‪ ،‬أبعدي عنك الخوف‪،‬‬
‫ك بعد اليوم أيّ ألم·"‬‫لن تسبّب ل ِ‬
‫وأشهدَ على وعدِه مستنقعاتِ ستيكس (‪· )Styx‬‬
‫اطمأنت اللهة‪،‬‬
‫وسرعان ما استعادت إيو شكلها الول‪،‬‬
‫وعادت كما كانت سابقاً·‬
‫سقط وبرها عن جسمها‪ ،‬وزال قرناها‪،‬‬
‫وتقلّص محجرا عينيها‪ ،‬وضاق فمها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 40‬إيرينيس (‪ :)Erynis‬إحدى اللهات المكلّفة بمعاقبة الجرائم‪ ،‬وخصوصاً المُرتكبة ضد العائلة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪46 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪47 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪56 :‬‬

‫عادت للظهور كتفاها ويداها‪،‬‬


‫وتلشى الحافر لكي تحلّ محلّه خمسة أظافر؛‬
‫لم يبقَ من العجلة إلّ بياضها البهيّ·‬
‫نهضت إلهة الغاب‪،‬‬
‫ل لقدميها‪،‬‬ ‫التي لم تعد في حاجةٍ إ ّ‬
‫وتردّدت في الكلم‬
‫خوفاً من أن تخور كالعجلة·‬
‫ل عنها·‬
‫وحاولت بخجلٍ أن تستعيدَ اللّغة التي مُنعتْ طوي ً‬

‫فاييتون (‪)Phaéton‬‬

‫إنها الن إلهة كَونيّةُ الصّيتِ‪،‬‬


‫يعبدها الجمهور في لباسه الكتّانيّ‪،‬‬
‫باحتفالٍ‪ ،‬وافداً من جميع الجهات·‬
‫الن ينسب لها إيبافوس (‪ )Epaphus‬ـ ابناً‪،‬‬
‫وُلدَ كما يُقال من مَنيّ الكبير جوبيتر·‬
‫ن كثيرةٌ‬‫أُنشِئتْ له مد ٌ‬
‫ومعابدُ إلى جانب المعابد الخاصّة بأمه·‬
‫كانت له سجايا فاييتون‪ ،‬ابن الشمس‪ ،‬نفسُها‬
‫والعمرُ نفسُه·‬
‫مرّة‪ ،‬لم يشأ هذا الخير أن يخضع للول‪ ،‬تبجّحا منه‪،‬‬
‫وتباهياً بأبيه فيبوس‪،‬‬
‫فثار حفيد إيناشوس‪ ،‬وصرخ في وجهه‪:‬‬
‫"أنت تصدّق‪ ،‬أيها الحمق‪ ،‬كلّ ما تقصّه أمّك‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪47 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪48 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪57 :‬‬

‫وتفتخر بأبٍ ليس أباك·"‬


‫احم ّر فاييتون‪ ،‬وخنق الخجلُ غضبه‪ ،‬فمضى‬
‫ص على كليميني (‪ )Clyméné‬أمه‪ ،‬إهانة إيبافوس‪،‬‬ ‫يق ّ‬
‫قال‪:‬‬
‫"لقد صمتّ‪ ،‬أنا الصّادق البيّ·‬
‫لكي أزيد في ألمكِ يا أمي·‬
‫عا ٌر أن تُوَجّهُ إلينا إهان ًة كهذه‪،‬‬
‫دون أن أستطيع نفيها·‬
‫لكن‪ ،‬إن كان أصلي سماوياً‪،‬‬
‫فأعطيني البرهان على ولدتي العالية‪،‬‬
‫وأثبتي أن لي حقاً في السّماء·"‬
‫ق أمه‪،‬‬‫أنهى كلماته‪ ،‬محتضنًا بذراعيه عن َ‬
‫استحلفها برأسه‪ ،‬ورأس ميروبس (‪Mérops(, 41‬‬
‫وبالمشاعل في أعراس أخواته‪،‬‬
‫ت أكيدة‪ ،‬أباه الحقيقيّ·‬‫أن تجعله يعرف‪ ،‬بعلما ٍ‬
‫ل نعرف إن كانت كليميني أكثر تأثرًا بتوسّلت فاييتون‪،‬‬
‫أو بالغيظ من الهانة التي وجّهت إليها·‬
‫غير أنها مدّت ذراعيها نحو السّماء‪،‬‬
‫وقالت‪ ،‬مسمّرة عينيها في الشمس السّاطعة الضياء‪:‬‬
‫"أقسم لك يا بنيّ‪،‬‬
‫بحقّ الشمس‪ ،‬هذا الكوكب الرّائع ذي الشعة المتللئة‪،‬‬
‫الذي يسمعنا ويرانا‪،‬‬
‫أنّ هذا الكوكب الذي تتأمله‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 41‬ميروبس (‪ : )Mérops‬زوج كليميني‪ ،‬التي خانها مع الشمس· وكان فاييتون وليد هذه الخيانة‪ ،‬وجاءتها كذلك بناتٌ‬
‫ن الهيلياد (‪ ,)Les Héliades‬اللئي سنقرأ تحوّلتهنّ في الكتاب الثاني·‬
‫هّ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪48 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪49 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪58 :‬‬

‫والذي ينظم شؤون العالم‬


‫هو أبوك الحقيقيّ·‬
‫فليمنعني‪ ،‬إن كنت أكذب من أن أراه‬
‫وليكن هذا النهار نهاري الخير·‬
‫ل البويّة؛‬
‫يمكنك‪ ،‬دون جه ٍد كبير‪ ،‬أن تعرفَ المناز َ‬
‫المنزل الذي يصعد منه الله في الفضاء‬
‫يجاور بلدنا·‬
‫اذهب‪ ،‬إن رغبتَ‪ ،‬واسأله هو نفسه·"‬
‫في الحال‪ ،‬انطلق فاييتون‪ ،‬مزهواً بكلمات أمه·‬
‫عبر بلدَ الحبشيّين (‪ ,)Les Ethiopiens‬شعبه‪،‬‬
‫وبلد الهنود (‪ ، )L`Inde‬تحت أشعة الكوكب العظيم‪،‬‬
‫ق والده منها·‬
‫واتجه مُسرعاً نحو المكنة التي يُشر ُ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪49 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪50 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪65 :‬‬

‫الكتابُ الثاني‬

‫فاييتون‬
‫الهيلياد‬
‫سينيوس‬
‫كالّيستو‬
‫آركاس‬
‫كورونيس‬
‫أوكيرهوي‬
‫باتّوس‬
‫آغلوروس‬
‫آنفيا‪ ،‬إلهةُ الغيرة‬
‫أوروبّا‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪50 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪51 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪67 :‬‬

‫فاييتون (‪)Phaéton‬‬

‫ينهض قصرُ الله الشمس على أعمدة عالية‪،‬‬


‫ساطعاً ببهاء الذهب‪ ،‬وبالوقّاد ‪ 1‬الشبيه باللّهب·‬
‫والعاج المتألّق يُتوّج أعاليه‪،‬‬
‫فيما تنوّر الفضة المُضيئة بابَه بمصراعيه الثنين·‬
‫كان الفن يبزّ المادّة‪،‬‬
‫ذلك أن مولسيبر (‪ Mulciber( 2‬هو الذي نقش على هذا الباب مدار الكون‪،‬‬
‫المواجَ التي تحيط بالرض القائمة في الوسط‪،‬‬
‫والكرةَ الرضيّة‪ ،‬والسماء التي تنبسط فوقها؛‬

‫للمياه آلهتها اللزورديّة‪،‬‬


‫تريتون (‪ )Triton‬ذو البوق الصّدفيّ الرّنان‪،‬‬
‫بروتيوس (‪ )Proteus‬المتقلّب‪،‬‬
‫إيجيون (‪ )Egéon‬الذي يضغط بذراعيه على ظهور الحيتان الهائلة‪،‬‬
‫دوريس (‪ Doris( 3‬وبناتها الّلئي‬
‫نرى بعضهنّ يسبحنَ‪ ،‬وبعضهنّ جالسات على صخرة‪،‬‬
‫يجفّفن شعرهنّ الخضر‪ ،‬والخريات يجرينَ وراء السماك·‬
‫ل تختلف الواحدة عن الخرى كثيراً‪،‬‬
‫لكن ليس لهنّ الوجه نفسه·‬
‫ن كما يحدث ذلك بين الخوات·‬ ‫يتشابه َ‬

‫وصوّر على سطحِ الرض بشراً‪ ،‬ومدناً‪ ،‬وغاباتٍ‪ ،‬وحيواناتٍ متوحّشة‪،‬‬


‫أنهاراً وإلهاتِ غابٍ ومياهٍ‪ ،‬وآلهةً أخرى‬
‫ريفيّة‪ ،‬من جميع النواع·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ن مزيجٍ‬
‫‪ 1‬ترجمة اجتهاديّة لكلمة (‪ )Pyrope‬الفرنسية التي لم أجد لها مقابلً في العربيّة‪ ،‬وتشير هذه الكلمة إلى معد ٍ‬
‫من النّحاس والذهب·‬
‫‪ )Mulcilber( 2‬أحد أسماء فولكان (‪ )Vulcain‬الله الذي يصقل المعادن·‬
‫‪ 3‬تريتون‪ ،‬م ّر ذكرُه سابقاً· بروتيوس إله النبوءة‪ ،‬وهو يتحوّل في جميع الشكال التي يشاء· إيجيون (‪ )Egéon‬عملقٌ‬
‫بمئة ذراع‪ ،‬زوج ابنة نبتون· دوريس (‪ )Doris‬بنت أوسيان (‪ )Océan‬وتيتيس (‪ )Téthys‬زوجة نيريوس (‬
‫‪ ,)Néreus‬وأ ّم النيريديّات (‪ )Néréides‬اللواتي يبلغنّ الخمسين أو المئة‪ ،‬عدداً ـ كما تقول النصوص·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪51 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪52 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪68 :‬‬

‫في أعلى هذه اللّوحات‪ ،‬صُوّرت السّماء المتألقة‪،‬‬


‫ت منها على المصراع اليمن‬ ‫ببروجها ـ س ّ‬
‫وستّ على اليسر·‬

‫منذ أن ارتقى ابن كليمني (‪ )Clyméné‬الطريق التي تصعد إلى هذا القصر‬
‫ودخل تحت سقفِ الله الذي يظنّ أنّه أبوه‪،‬‬
‫توجّه بخطواتٍ سريعةٍ نحو وجه الله‪،‬‬
‫غير أنه توقف على مساف ٍة منه‪،‬‬
‫لنه لم يكن قادرًا أن يتحمّل‪ ،‬عن كثبٍ‪ ،‬للءه‪،‬‬
‫كان فيبوس (‪ )Phébus‬يتدثّر معطفاً أرجوانياً‪،‬‬
‫ش يسطع ببريق الزمرّد·‬ ‫جالساً على عر ٍ‬
‫إلى يمينه وإلى يساره‪،‬‬
‫يقف النهار‪ ،‬والشهر‪ ،‬والسنة‪ ،‬وتقف العصورُ‪ ،‬والساعات‪،‬‬
‫ل بينها جميعًا مسافاتٌ متساوية·‬
‫تفص ُ‬
‫ج من الزهر‪،‬‬
‫ويقف الربيع‪ ،‬وعلى رأسه تا ٌ‬
‫والصّيف‪ ،‬عارياً‪ ،‬حاملً أكاليل من السنابل‪،‬‬
‫والخريف‪ ،‬ملطخًا بالعنب الذي عصره‪،‬‬
‫والشتاء الجليديّ‪ ،‬بشعره البيض المنتفش·‬
‫في الوسط‪ ،‬فيما كان الخوف يستولي على الفتى‪،‬‬
‫أمام هذا المشهد المذهل‪،‬‬
‫رآه الله الشمس بعينيه اللتين تريان كلّ شيء·‬
‫ل له‪:‬‬
‫قا َ‬
‫"ما الباعث على سفرك ؟‬
‫ما الشيء الذي تبحث عنه في هذه العالي‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪52 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪53 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪69 :‬‬

‫يا فاييتون‪ ،‬أيّها البن الذي لن أنكرَ أنني أبوه ؟"‬

‫فأجابه فاييتون‪:‬‬
‫"أيّتها الشمس الواحدة للعالم الكبير كله‪،‬‬
‫فيبوس يا أبي ـ‬
‫إن سمحتَ لي أن أناديك بهذا السم‪،‬‬
‫أعطني‪ ،‬يا خالقَ أيامي‪،‬‬
‫إن لم تكن كليميني تخبئ إثمها وراء ادّعاء كاذبٍ‪،‬‬
‫أدلّة تؤكدُ أنني حقاً سليلك‪،‬‬
‫واطر ْد من نفسي عذابَ الشك·"‬
‫عندما أنهى كلمه‪ ،‬وضع أبوه عن رأسه تاج الشعة المتوهجة‬
‫الذي يعلوه‪،‬‬
‫وأمره أن يقتربَ منه‪ ،‬وعانقه قائلً‪:‬‬
‫"كلّ‪ ،‬لن يكون عدلً أن أنك َر أنك ابني·‬
‫لقد أخبرتكَ كليميني بأصلك الحقيقيّ‪،‬‬
‫ب مني ما تشاء‪،‬‬‫سكَ‪ ،‬أطل ْ‬ ‫شكّ في نف ِ‬ ‫ولكي أقضي على ال ّ‬
‫وسوف أحققه لك·‬
‫وأشهد على ما أقوله الغديرَ الذي تقس ُم باسمه اللهة‪،‬‬
‫والذي لم تره عيناي أبداً·"‬
‫لم يكد ينهي كلمه‪ ،‬حتى طلب فاييتون عربة أبيه‪،‬‬
‫والحقّ في أن يقود‪ ،‬طوالَ نهار كامل‪ ،‬جيادها ذات القوائم المُجنّحة·‬
‫ندم الب على وعده‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫"كلماتك تبرهن على تهوّر كلماتي‪،‬‬
‫فيا ليتني أقدر أن أخلفَ وعدي!‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪53 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪54 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪70 :‬‬


‫أعترف يا بني‪،‬‬
‫أن هذا هو الشيء الوحيد الذي لن أسمح لك به·‬
‫أستطيع‪ ،‬على القل‪ ،‬أن أردعك عنه‪،‬‬
‫إن رغبتك ليست خالصة من الخطر·‬
‫المهمّة التي تطلبها‪ ،‬يا فاييتون‪ ،‬عظيمة‪،‬‬
‫ل تلئم قواك‪ ،‬ول عمركَ الرّيق·‬
‫مصيرك مصير إنسانٍ فانٍ‪،‬‬
‫وطموحك طموح الخالدين·‬
‫حتى اللهة ل يُسمحُ لها أن تحظى بمثل هذا الشّرف‪،‬‬
‫فأنتَ‪ ،‬في ل شعورك‪ ،‬تتجاوز طموحاتهم·‬
‫ل منهم فخوراً بقوّته أمرٌ أقبله‪،‬‬
‫أن يكون ك ّ‬
‫لكن ل يقدر أحدٌ أن يقف على قدميه في العربة‬
‫التي تحمل اللّهب‪ ،‬غيري·‬
‫حتى سيد الولمب الرحب‪،‬‬
‫الذي ترشق يده الرّهيبة الصّاعقة الوحشية‪،‬‬
‫لن يقود أبداً عربتي‪،‬‬
‫ومن لديّ‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أكبر من جوبيتر ؟‬

‫القسم الول من الطريق وعرٌ‪،‬‬


‫وأحصنتي ل ترتقيها‪ ،‬في نداوة الصّباح‪،‬‬
‫إلّ بمشقّة‪،‬‬
‫وهي في وسط السماء‪ ،‬من العلوّ‬
‫بحيث إنني أنا نفسي‪ ،‬غالباً‪ ،‬ل أرى البحر والرض دون خوف‪،‬‬
‫وينفعلُ قلبي خافقًا من الرّعب·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪54 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪55 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪71 :‬‬

‫أمّا قسمها الخير فمنحدرٌ‪ ،‬ويحتّم قيادة يدٍ واثقة·‬


‫حتى في هذه الحالة‪،‬‬
‫حدَر‪ ،‬بين أمواجها‪،‬‬ ‫عندما تستقبلني تيتيس (‪ Téthys( 4‬في أسفلِ المُن َ‬
‫ح فيها·‬
‫تظلّ خائفةً من أن أتطوّ َ‬
‫أضفْ أن السماء يح ّركُها إعصا ٌر ل يتوقّف‪،‬‬
‫حتى أنه يجرف الكواكب العالية‪ ،‬ويجعلها تدور بسرع ٍة مدوّخة·‬
‫لمسعايَ هدفٌ آخرٌ نقيض‪:‬‬
‫ل أنقادُ‪ ،‬كمثل الخرين جميعاً‪ ،‬لهذه الحركة المُجازفة‪،‬‬
‫وأتابع مسيرتي في اتجاهٍ معاكسٍ لدورتهم السريعة·‬
‫افترض أنني فوّضت إليك أمر عربتي‪ ،‬فماذا تفعل ؟‬
‫هل تقدر أن تقاوم دوران القطاب‪،‬‬
‫وتمنع محور السماوات من أن يأخذك في اندفاعه ؟‬
‫ربما تتخيل أنك ستجد في العلى غاباتٍ مقدسة‪،‬‬
‫ومدنًا يسكنها اللهة‪ ،‬ومعابد مليئة بالقرابين النّفيسة؛‬
‫لكن ل بد من أن تسير بين فخاخ‪ ،‬وأشكال حيوانات متوحشة·‬
‫حتى عندما ستحافظ على اتجاهكَ‪،‬‬
‫دون أن تنحرف عن طريقك‪،‬‬
‫ينبغي عليك أن تمر بين قرني الثور‪ ،‬المنتصبين أمامك‪،‬‬
‫وقوس السّنطور الهيمونيّ (‪، )Hémonien‬‬
‫شدْقِ السد الكاسر‪ ،‬والعقرب الذي تنعقف طويلً أذرعه الرّهيبة‪،‬‬ ‫وَ‬
‫والسرطان الذي يقوّس أذرعه في اتجاهٍ آخر ‪· 5‬‬
‫ثم إن جيادي التي تثيرها النار المحمولة في صدورها‪،‬‬
‫والتي تزفرها من أشداقِها وخياشيمِها‪ ،‬ليست سهلة القياد·‬
‫فهي ل تكاد تطيق يدي‪ ،‬عندما يشتدّ احتدامها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ )Téthys( 4‬ابنة السماء والرض‪ ،‬زوجة (‪( )Océan‬أوسيان = المحيط)· تستقبل‪ ،‬كلّ مساء‪ ،‬الله ـ الشمس‪ ،‬بعد‬
‫مسيرته النهاريّة·‬
‫ل بكائنٍ خرافيّ‬
‫‪ 5‬صور البروج مقدّمةٌ هنا كأنها كائناتٌ وحشيّة ومخيفة· والسّنطور الهيموني هو برج القوس ـ ممث ً‬
‫نصفه رجل ونصفه فرس‪ ،‬موتّرا قوسَه· وهيمونيا هو اس ٌم قديمٌ لتسّاليا (‪ )Thessalie‬حيث كان يعيش هذا الكائن‪،‬‬
‫ويُسمّى في الترجمة العربيّة‪ :‬قنطورس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪55 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪56 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪72 :‬‬

‫ورؤوسها آنذاك تقاوم أعنّتي·‬


‫لكَ الن يا بني أن تحترس من أن أخصّك بهذه الحَظوة القاتلة‪،‬‬
‫ول يزال لدينا الوقت لكي تعتدل في أمنياتك·‬
‫هكذا لكي تؤمن أنك متحدّر من دمي‪،‬‬
‫ل قاطعاً ؟‬ ‫تطلب دلي ً‬
‫أعطيك إذن هذا الدليل بخوفي‪،‬‬
‫ن كافٍ على أنني أبوك·‬ ‫فمخاوفي البويّة برها ٌ‬
‫هيّا‪ ،‬انظر إلى وجهي ـ‬
‫ليتك تقدر أن تغوص بنظراتك في قلبي‬
‫وتقبض على جزعي البويّ!‬
‫أخيراً‪ ،‬فكّر في جميع الثروات التي ينطوي عليها العالم‪،‬‬
‫واطلب مني ما تشاء ممّا توفّرُه السّماء والرضُ والبحر·‬
‫فلن أردّ لك طلباً‪،‬‬
‫ك أن تعدل إلّ عن شيءٍ واحدٍ‪،‬‬ ‫لن أرجو َ‬
‫هو‪ ،‬في الحقّ‪ ،‬عقابٌ وليسَ امتيازاً·‬
‫فأنتَ‪ ،‬يا فاييتون‪ ،‬ل تلتمس الرّعاية بل العقوبة·‬
‫لماذا‪ ،‬أيها الحمق‪ ،‬تسجن عنقي بين ذراعيك المحبّتين ؟‬
‫ل ما تتمنى‪،‬‬ ‫سأعطيك ك ّ‬
‫ت بمياه ستيكس‪،‬‬ ‫أقسم ُ‬
‫فل تشك في ذلك‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬لتكن أمنيتك أكثر تعقّل·"‬
‫بذلك انتهت نصائح الله؛‬
‫غير أن الفتى تمرّد على هذا الخطاب‪،‬‬
‫وأصرّ على ما طلبه‪ ،‬متحرّقاً للصّعودِ إلى العربة·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪56 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪57 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪73 :‬‬

‫آنذاك‪ ،‬قاده أبوه إلى العربةِ المرفوعةِ‪ ،‬هبة فولكان‪،‬‬


‫بعد أن أبطأ بقدر ما استطاع·‬
‫كان محورها ومقبضها من الذهب‪،‬‬
‫ومن الذهب‪ ،‬كذلك‪ ،‬الدوائر التي تحيط بعَجَلتها‪،‬‬
‫ت من الفضّة؛‬
‫وقضبانُ العجل ِ‬
‫أمّا نيرُها‬
‫فتُزيّنه أحجارُ الزّبرجد‪،‬‬
‫وفيها أحجارٌ كريمة أخرى منظّمة باتّساق‬
‫تعكسُ ضياءَ فوبوس المتللئ·‬

‫فيما كان فاييتون‪ ،‬ذو القلب الكبير‪،‬‬


‫يتأمل بإعجابٍ تفاصيل العربة‪،‬‬
‫فتح الفجرُ اليقظ‪ ،‬من جهة الشرق‪ ،‬بابه الرجوانيّ‬
‫وفناءهُ الذي تغمره ألوان الورد·‬
‫وها هي النجوم تختفي‪،‬‬
‫ولوسيفر (‪ )Lucifer‬يجمع قطيعها‬
‫ن بين حرسِ السماء‪ ،‬آخر النّازلين·‬ ‫ليكو َ‬
‫عندما رآه تيتان (‪ )Titan‬على الرض‪،‬‬
‫ورأى السماء تحمرّ‪ ،‬وطرفي الهلل يضمحلّن‪،‬‬
‫أمر الساعات السريعة أن تسرجَ أحصنتها·‬
‫نفّذت اللهات بسرعةٍ أوامره·‬
‫أحضرتْ‪ ،‬من المعالفِ السّماويّة‪ ،‬الفراسَ التي تنفُثُ النّار‪،‬‬
‫شبعان ًة من غذاء اللهة‪،‬‬
‫وأحكمت المكابح الصّاخبة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪57 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪58 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪74 :‬‬

‫ل إلهيّا‬
‫آنذاك نشر الله على مُحيّا ابنه مَحلو ً‬
‫يُواجه به اللّهب الملتهم‪،‬‬
‫وتوّج شَعرَهُ بالشعّة·‬
‫ثمّ قال له‪ ،‬زافرًا من صدره القلق تنهّدات تٌنذرُ بفجيعة‪:‬‬
‫"أصْغِ على القلّ إلى هذه النّصائح‬
‫الخيرة من أبيكَ‪،‬‬
‫تجنّب الخطرَ يا بنيّ‪،‬‬
‫واستخدم العنّة بقوّة‪،‬‬
‫فأفراسي تركض من تلقائها‪،‬‬
‫والصّعوبة هي في السّيطرة على احتدامها·‬
‫ل تختر طريقاً لك الخطّ المستقيم الذي يخترق المناطق الخمس·‬
‫هناك دربٌ مائلة ترسم منحنىً عريضاً‬
‫ق ثلثاً‪،‬‬
‫تتجنّب‪ ،‬عندما تتجاوز مناط َ‬
‫القطب الجنوبيّ‪ ،‬والدبّ الكبير‪ ،‬الموصول بالشمال·‬
‫من هناك ينبغي أن تمرّ‪،‬‬
‫وسوف ترى آثاراً ظاهرة لدواليب عربتي·‬
‫ولكي توزع في السماء والرض حرارة متساوية‪،‬‬
‫ل تخفّف كثيراً سيرَك‪،‬‬
‫ول تندفع فيه بجه ٍد كبير عند قمم الثير·‬
‫إن ضللتَ‪ ،‬وعَلَوتَ‪ ،‬تحرق المنازل السماويّة‪،‬‬
‫وإنْ غاليتَ في الهُبوطِ‪ ،‬تحرق الرضَ·‬
‫الوسط هو بالنسبة إليك الطريق الكثر أماناً·‬
‫احترسْ‪ ،‬إذا مالت كثيراً إلى اليمين عجلتك‪،‬‬
‫من أن تنحرف بك نحو عقد الفعى‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪58 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪59 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪75 :‬‬

‫أو إذا مالت كثيراً إلى اليسار‪،‬‬


‫من أن تقودك نحو المنطقة المنخفضة من الهيكل ‪Autel( 6(.‬‬
‫ن عربتك على مساف ٍة متساوية من كليهما·‬ ‫لتكُ ْ‬
‫ما تبقّى اتركه إلى ربّة الحظّ ·‬
‫آمل أن تهبّ إلى مساعدتِك‪ ،‬وأن تسه َر عليك‬
‫سكَ·‬
‫خيرًا من سهرِك أنتَ على نف ِ‬

‫هوذا فيما أتكلّم‪،‬‬


‫يصلُ الليلُ الرّطبُ إلى التّخوم‪،‬‬
‫التي تمتدّ على ضفافِ هِسبيريا ‪L`Hespérie( 7(.‬‬
‫ل نقد ُر بعد أن نتأخّر‪،‬‬
‫فها قد دُعينا·‬
‫الفجرُ يشعّ‪ ،‬هازماً الظلمات‪،‬‬
‫خذ بيديك العنّة‪،‬‬
‫وإذا كان قلبك قادراً على التغيّر‪،‬‬
‫فاستخدم نصائحي ل عربتي‪،‬‬
‫ما دمت قادراً أن تفعل ذلك‪ ،‬وما دمتَ هنا‬
‫تقف على أرضٍ صلبة‪،‬‬
‫وما دمتَ لم تطأ بعد هذه العربة التي تتطلّع إليها‬
‫أمانيكَ الحمقاء·‬
‫ت أن ينعم نظرك بالضّوء مطمئناً‬ ‫إن شئ َ‬
‫فاترك لي أن أنشره على الرض·"‬
‫استحوذ فاييتون على العربة‪ ،‬خفيف ًة تحت جسده الفتيّ‪،‬‬
‫وأخذ فيها مكانه واقفاً‪ ،‬مُبتهجاً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬الهيكل (‪ )Antel‬مجموعة نجوم في نصف الكرة الرضيّة الجنوبي‪ ،‬واقعة تحت ذنب العَقرب‪· )Scorpion( ،‬‬
‫والفعى (‪ )Serpent‬مجموعة من النجوم في نصف الكرة الشمالي· ولوسيفر (‪ )Lùcifer‬نجمة الصّباح·‬
‫‪ )L`Hespérie( 7‬هنا هو الغرب حيث تنتهي الرض ويبدأ المحيط (‪ .)Océan‬هنالك يغوص الليل في الموج‪،‬‬
‫عندما تظهر الشمس من الجهة المقابلة· وتشير الظلمة‪ ،‬في السياق اليونانيّ‪ ،‬إلى إيطاليا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪59 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪60 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪76 :‬‬

‫س يداه العنّة التي أوكلت إليه‪،‬‬


‫أنْ تلم َ‬
‫شاكراً أباه الذي أذعن له على مضض·‬

‫والحال أن أفراس الشمس السريعة‪،‬‬


‫بيرويس (‪ ,)Pirois‬وإيويس (‪ ,)Eois‬وإيتون (‪,)Ethon‬‬
‫ورابعها فليجون (‪،)Phlégon‬‬
‫بدأت تمل الجواء بحمحمتها‪ ،‬وبأنفاسها اللهبة‪،‬‬
‫وتضربُ الحواجز بأرجلها·‬
‫ولم تكد تيتيس ‪ Téthys( 8(,‬التي تجهلُ مصيرَ حفيدي‪،‬‬
‫تبع ُد هذه الحواجز‬
‫وتفتح لها السماء اللنهائيّة‪،‬‬
‫حتى انطلقت·‬
‫شقّت بأرجلها الهائجة في الجواء‪،‬‬
‫الغيومَ التي تعرقل انطلقها‪،‬‬
‫رفعتها بأجنحتها‪ ،‬متجاوزة أوروس (‪,)Eurus‬‬
‫الذي ولدَ في المناطق نفسها·‬
‫غير أن العربة كانت خفيفة‪،‬‬
‫بحيث لم تكن أفراسُ الشّمس قادرةً على العتراف بذلك‪،‬‬
‫ولم يكن للنّير‪ ،‬كذلك‪ ،‬ثقله العاديّ·‬
‫ل ما تترنّح المراكبُ المائلةُ الجوانب‪،‬‬‫كمث ِ‬
‫لنعدام ‪ 9‬صابورتها الضرورية‪،‬‬
‫وتصبح لعبةً في يد الموج الذي يجرفها‬
‫لخفتها البالغة‪،‬‬
‫هكذا كانت العربة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ )Téthys( 8‬هي أم كليمين‪ ،‬وفاييتون حفيدها من كليمين نفسها· وكان يمكن أن تمنع انطلق الفراس لو كانت تعرف‬
‫أنه سيموت·‬
‫ل يُوضعُ في سفينة لحفظ توازنها ـ "المنهل"·‬
‫‪ )Lest( 9‬صابورة‪ :‬ثِق ٌ‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪60 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪61 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪77 :‬‬

‫وقد جرّدت من ثقلها المألوف‪،‬‬


‫ف شديد‪،‬‬‫تقفز في ذروات الجواء‪ ،‬مرتجّة بعن ٍ‬
‫كما لو أنها عربة فارغة·‬
‫منذ أن أحسّت الفراس بذلك‪،‬‬
‫ازداد اندفاعها‪ ،‬وتركت الطّريق المرسوم‬
‫ولم تعد تسير في التجاه الذي كانت تتبعه سابقاً·‬
‫ذُعِ َر فاييتون؛‬
‫لم يعد يعرف إلى أيّ جه ٍة يش ّد العنّة التي فُوّضتْ إليه‪،‬‬
‫لم يعد يعرف اتجاه طريقه‪،‬‬
‫ولو عرفه‪ ،‬لما قد َر أن يتحكّم في أفراسه·‬
‫آنذاك‪ ،‬للمرّة الولى‪،‬‬
‫ب الكبر السّبع‬ ‫عرفت نجوم الد ّ‬
‫في منطقةِ الجليدِ‬
‫أوار الشمس‪ ،‬وحاولت عبثاً‬
‫أن تغوص في البحر المُحرّمِ عليها·‬
‫أما الفعى القريبة من القطب المتجمد‪،‬‬
‫والتي كانت حتى ذلك الحين مخدّرة من البرد‪،‬‬
‫ي إنسان‪،‬‬ ‫ول خطر منها على أ ّ‬
‫فقد استمدّت من الحرارة التي اخترقتها هياجاً لم تعرفه·‬
‫أنت كذلك‪ ،‬يا راعي الشّاء ‪Bouvier( 10(,‬‬
‫تهرب‪ ،‬كما يُقال‪ ،‬مضطرباً؛‬
‫على الرغم من بُطئكَ‪ ،‬ومن ُدّبكَ الكبر الذي يُمسك بكَ·‬
‫عندما أنعم فاييتون التاعس‪ ،‬النظر‬
‫من أعالي الثير إلى الرض‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ )Le Bouvier( 10‬مجموعة من كواكب الشمال‪ ،‬بطيئة الدّورة· وهي موصولة بالدب الكبر (‪ · )Chariot‬وفي‬
‫ط كلبيه‪ ،‬يطارد‬
‫المنهل‪ :‬راعي الشّاء‪ ،‬أو البقّار‪" ،‬صورة فلكيّة تمثّل صيّادا بيده اليسرى دبّوس‪ ،‬وبيده اليمنى َممْسَك رب ِ‬
‫بهما الدبّ الكبر حول القطب·"‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪61 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪62 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪78 :‬‬

‫التي كانت تمتدّ إلى السفلِ السّحيق تحته‪ ،‬شحب لونه‪،‬‬


‫ب مفاجئ‪،‬‬ ‫وارتجّتْ ركبتاه من رُع ٍ‬
‫وغمرت عينيه الظلماتُ في قلبِ ضوءٍ عظيم·‬
‫الن يتمنّى لو أنّه لم يم ّد يدَه إلى أفراسِ والدِه‪،‬‬
‫الن يأسف لنه عرف أصله‪ ،‬ونجحت توسّلتُه‪،‬‬
‫سمّي ابن ميروبس·‬ ‫الن يتمنى لو ُ‬
‫ب يدفعه الهبوب الجامح لريح الشمال (‪،)Borée‬‬ ‫إنه مجروفٌ كمرك ٍ‬
‫وقد تخلّى ربانه عن العنان العاجز‪،‬‬
‫تاركاً إياه إلى اللهة وإلى الصّلوات·‬
‫ماذا يقدر أن يفعل ؟‬
‫كان قد اجتاز فضاءً سماوياً واسعاً‪،‬‬
‫بينما يمتدّ أمام عينيه فضاءٌ آخر‪ ،‬أكثر اتساعاً·‬
‫رازهما كليهما بفكره‪،‬‬
‫تارةً‪ ،‬ينظرُ إلى الغروبِ البعيدِ الذي حال القدر دون أن يصلَ إليه‪،‬‬
‫وتارة ينظرُ إلى الوراء‪ ،‬في اتّجاه الشروق؛‬
‫ل يعرف أن يأخذ قراراً‪،‬‬
‫فبقي هكذا حائراً‬
‫ي العنة‪ ،‬ول أن يشدّها·‬ ‫ل يقدر أن يُرخ َ‬
‫ول يعرف أسماء أفراسه·‬
‫ب كثيرة‪ ،‬متناثرة هنا وهناك‪،‬‬
‫انعرضتْ أمامه أعاجي ُ‬
‫في مناطق السماء المتنوعة‪،‬‬
‫خ مُريعة‪،‬‬‫ل لمُسو ٍ‬
‫وأشكا ٌ‬
‫جعلته يرتعدُ رعباً·‬
‫ن يصنع فيه العقربُ‪ ،‬من كلّباته‪ ،‬قوسين‪،‬‬ ‫وثمّة مكا ٌ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪62 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪63 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪79 :‬‬

‫ل ناحية‪،‬‬
‫ويلوي ذيله وذراعيه المدوّرين من ك ّ‬
‫مغطياً بأعضائه فضاء برجين·‬
‫عندما رآه الفتى‪ ،‬يقطرُ سُماً أسود‪،‬‬
‫ب بشوكته المعقوفة‪،‬‬ ‫متهيئاً لكي يضر َ‬
‫فقدَ رشده‪ ،‬وأرخى العنّة‪،‬‬
‫جامدًا من الخوف·‬
‫لم تكد العنة تسقط‪ ،‬عائمةً‪ ،‬على أرداف الفراس‪،‬‬
‫حتى خرجت هذه عن الطريق·‬
‫تحررت من الكوابح‪،‬‬
‫وانطلقت في أجواء منطقة مجهولة‪ ،‬تجري اتفاقاً‬
‫حيثُ يدفعها الجموح·‬
‫اندفعت نحو النجوم الثابتة في أعالي الثير‪،‬‬
‫وجرّت العربة عبر المهاوي·‬
‫تارة تصعد إلى الذروات‪،‬‬
‫وتارة تسقط عبر الجروف والمنحدرات‪ ،‬في أماكن تجاور الرض·‬
‫دُهشَ القمرُ من رؤية أفراس أخيه ‪11‬‬
‫تجري أقرب إلى الرض من أفراسه·‬
‫تبخرت الغيوم المحترقة‪،‬‬
‫والتهم اللّهب الماكنَ الكثر ارتفاعاً على الرض·‬
‫ث ّم انشقّت الرضُ وانفرجتْ؛‬
‫ف نُسغها وتيبّست·‬
‫ج ّ‬
‫شُويَتْ المراعي‪ ،‬واحترقت الشجرة وأوراقها‪،‬‬
‫والحصاد الذي كان يابساً‪ ،‬غذّى نكبته الخاصّة·‬
‫تلك هيَ الكوارث‪ ،‬الكثر بساطة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 11‬القمر (المؤنث بلغة أوفيد)‪ ،‬هو اللهة ديانا؛ والشمس (المذكرة بهذه اللغة)‪ ،‬هي أبولّون·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪63 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪64 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪80 :‬‬

‫ت مدنٌ كبيرة‪ ،‬بأسوارها جميعاً‪،‬‬


‫فقد‪ ،‬باد ْ‬
‫وحوّلت الحرائق بلداناً كاملة‪ ،‬هي وسكّانها‪ ،‬إلى رماد·‬
‫واحترقت غاباتٌ وجبال؛‬
‫شوهد آتوس (‪ )Athos‬يحترق‪،‬‬
‫وطوروس كيليكيا (‪ ,)Tarus de Cilicie‬وتمولوس (‪,)Tmolus‬‬
‫وأوتا (‪ ,)Oeta‬وإيدا (‪ )Ida‬الذي صا َر قاحلً‪،‬‬
‫وكان حتى ذلك الحين‪ ،‬ترويه ينابيع كثيرة‪،‬‬
‫هيليكون (‪ ، )Hélicon‬حيث تقيم العذارى اللهيّات‪،‬‬
‫وهيموس (‪ ، )Hémus‬الذي لم يكن بعد قد أصبح جبل إياغريوس (‪· )Oeagros‬‬
‫ورؤيَ إتنا (‪ )Etna‬يحترق‪،‬‬
‫وكانت نيرانه التي انضافت إليها نيران السماء‪،‬‬
‫تشكّل مَجمرة هائلة·‬
‫واحترقَ البارناس (‪ )Parnasse‬برأسيه‪ ،‬وإيركس (‪ ، )Eryx‬وكنثوس (‪، )Cynthus‬‬
‫وأوتريس (‪ ، )Othrys‬وعُرّي جبلُ رودوب (‪ )Rhodope‬تقريباً‪ ،‬من ثلوجه·‬
‫واحترق الميماس (‪ ، )Mimas‬ودنديما (‪ ، )Dindyme‬وميكال (‪، )Mycale‬‬
‫وسيتيرون (‪ )Cithéron‬المخصّص لعبادة أحد اللهة·‬
‫ولم يدافع عن جبل سكيثيا (‪ )Scythie‬صقيعهُ؛‬
‫وشوهد القوقاز (‪ )Caucase‬يحترق‪ ،‬وأوسّا (‪ ، )Ossa‬وبندوس (‪، )Pindus‬‬
‫والولمب (‪ )Olympe‬الكثر علواً·‬
‫واحترقت جبال اللب (‪ )Alpes‬بذرواتها العالية‪ ،‬واحترق‬
‫آبينينيس (‪ )Apennines‬المتوّج بالغيوم·‬

‫آنذاك رأى فاييتون الكون كلّه يشتعل‪،‬‬


‫لم يقدر أن يتحمّل حرارة بهذه الشدّة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪64 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪65 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪81 :‬‬

‫ن عميق‪،‬‬ ‫كان يتنفس هوا ًء مُلتهباً كأنه طال ٌع من أتو ٍ‬


‫وشعر أن عربته تغلي كما لو أنها فوقَ النّار‪،‬‬
‫وصار الشّرار والرّماد المتطايران حوله ل يُطاقان‪،‬‬
‫ن مُضطرم·‬ ‫غطّي من جميع الجهات بدخا ٍ‬ ‫وُ‬
‫أين يذهب ؟ أين هو ؟‬
‫في قلب ظلمات القطران التي تمنعه من الرّؤية‪،‬‬
‫لم يعد يعرف شيئاً‪،‬‬
‫واستسلم لفراسه المجنّحة·‬
‫جذِبَ دمُ الناس في أثيوبيا‪،‬‬ ‫في ذلك الوقت‪ُ ،‬‬
‫إلى سطحِ أجسامهم‪،‬‬
‫فتحوّل وصار أسودَ‪ ،‬كما يعتقد بعضهم·‬
‫وفيه‪ ،‬صارت ليبيا بهذا الجفاف‪،‬‬
‫لنّ النار قضت على رطوبتها كلّها‪،‬‬
‫وفيه‪ ،‬كذلك بكت إلهات الماء‪ ،‬بشعرهنّ المشعّث‪،‬‬
‫ينابيعهنّ وبحيراتهنّ؛‬
‫بحثت بيوسيا (‪ )Béotie‬عبثاً عن ديرسي (‪)Dircé‬‬
‫وآرغوس (‪ )Argos‬عن أميموني (‪,)Amymoné‬‬
‫وإفيري (‪ )Ephyré‬عن أمواج بيرين (‪.)Pirène‬‬
‫ولم تكن في مأمنٍ‪،‬‬
‫تلك النهار التي أعطاها القدر ضفافاً‬
‫مفصول ًة بسعةٍ‪ ،‬بعضها عن بعض·‬
‫فقد رؤي الدّخان يتصاعد من مياه تانائيس (‪، )Tanaïs‬‬
‫وبينيوس (‪ )Peneus‬القديم‪،‬‬
‫وكايكوس (‪ )Caicus‬التّيترانيّ‪ ،‬وإسمينوس (‪ )Isménus‬المندفع‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪65 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪66 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪82 :‬‬

‫وإيريمانت (‪ )Erymanthe‬الذي يسقي فيجيا (‪، )Phégia‬‬


‫وكسانتوس (‪ )Xanthus‬الذي أصابته النار مرّة ثانية‪،‬‬
‫وليكورماس الصفر(‪ ، )Lycormas‬ومياندر (‪)Méandre‬‬
‫الذي يتلعب بأمواجه المتلوّية‪،‬‬
‫وميلس التراسيّ (‪، )Mélas de Thrace‬‬
‫وأوروتاس (‪· )Eurotas‬‬
‫وشوهد الفرات (‪ ,)Euphrate‬الذي يروي بابل‪ ،‬يحترق؛‬
‫واحترق كذلك العاصي (‪، )L`Oronte‬‬
‫وترمودون السريع (‪، )Thermodon‬‬
‫والغانج (‪ ، )Le Gange‬وفازيس (‪ ,)Phasis‬والهستير (‪· )L`Hister‬‬
‫وغلت مياه آلفيوز (‪، )Alpheus‬‬
‫واحترقت ضفاف سبيرشيوس (‪· )Sperchius‬‬
‫وكان الذهب الذي يجرفه التاج (‪ )Le tage‬في مجراه‪،‬‬
‫يسيل وقد ذوبه اللهيب·‬
‫وبادت الطيور التي كان يستضيفها كايستر (‪)Cayster‬‬
‫والتي كانت ته ّز بأناشيدها الضفاف الميونيّة‬
‫مترمّدة في نهرها الخاص· ‪12‬‬
‫وهرب النيل مذعوراً إلى طرف العالم‪،‬‬
‫يخبئ فيه ينابيعه التي لم نكن بعد عرفناها·‬
‫مصبّاته السبعة الجافة‪ ،‬أصبحت رمالً‪،‬‬
‫سبعَ أودي ٍة بل ماء·‬
‫والكارثة نفسها جفّفت‪ ،‬في بلد إيسماروس (‪، )Ismarus‬‬
‫الهيبر (‪ )L`Hèbre‬وستريمون ‪)Le strymon(.‬‬
‫كذلك جففت في هسبيريا (‪ )Hespèrie‬الراين (‪)Le Rhin‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 12‬لطيور الت ّم غناءٌ شجيّ‪ ،‬ويُقال إنها تجيد في غنائها‪ ،‬وتنتشي سعادةً عندما تغني في لحظة موتها‪ ،‬لنها بالموت‬
‫تتّحد بالله أبولّون‪ ،‬كما يقول أفلطون·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪66 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪67 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪83 :‬‬

‫والرّون (‪ )Le Rône‬والبو (‪، )Le pô‬‬


‫والنهر الذي وعدَ بإمبراطورية العالم‪ ،‬التيبر (‪.)Le Tibre‬‬

‫ل مكانٍ‪،‬‬ ‫وتلك هي الرض في ك ّ‬


‫محزّزة بالشقوق التي ينفذ منها الضوء إلى العالم السفل‪،‬‬
‫مشيعاً الرعب في قلب ملك الجحيم وزوجته·‬
‫البحر يضيق‪،‬‬
‫ل من الرّمال الجدباء‪،‬‬ ‫وتحلّ سهو ٌ‬
‫ط يترامَى·‬
‫حيثُ كان المُحي ُ‬
‫وانبثقت جبالٌ كانت مغطاة حتى ذلك الوقت بمياه البحر العميقة‪،‬‬
‫وجُزرُ السّيكلد (‪ Cyclades( 13‬المبعثرة‪ ،‬ازدادَ عددُها·‬
‫نزلت السماك إلى الغوار السّحيقة‪،‬‬
‫ولم تعد الدلفين المتثنّية تجرؤ أن تقفز‪ ،‬تبعًا لعادتها‪،‬‬
‫فوق المواج في الهواء·‬
‫وكانت عجول البحر تعوم‪ ،‬منقلبةً على ظهورها‪،‬‬
‫هامدةً على وجه البحار·‬
‫نيريوس (‪ )Nereus‬نفسه‪ ،‬كما قيل‪،‬‬
‫ودوريس (‪ )Doris‬وبناتها‪،‬‬
‫اختبأوا جميعاً في أعماق كهوفهم‬
‫التي كانت قد أصبحت ساخنةً·‬
‫ثلث مراتٍ‪ ،‬تجرأ نبتون (‪، )Neptune‬‬
‫أن يرفع وجهه وذراعيه فوق الماء مُنذِراً‪،‬‬
‫وكان مستحيلً عليه في المرات الثلث أن يتحمّل الهواء الملتهب·‬
‫الرض الم التي يزنّرها المحيط‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ : )Cyclades( 13‬المجموعة المركزيّة في جزر الرخبيل اليونانيّ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪67 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪68 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪84 :‬‬

‫القائمة بين مياه البحر والينابيع‪،‬‬


‫التي تناقصت في جميع المكنة‪،‬‬
‫وكانت قد اختبأت في أحشاء أمها‪،‬‬
‫التي ل يَنفُذ إليها‪ ،‬ـ‬
‫الرض الجافة رفعتْ وجهَها المعذّبَ‪ ،‬حتى العنق‪،‬‬
‫وضعت يدها أمام جبينها‪،‬‬
‫وزلزلت كلّ شيءٍ بقُوّةِ اهتزازها‪،‬‬
‫منخفض ًة قليلً تحت مستوى مكانها المعتاد‪،‬‬
‫ثم قالت بصوتها المقدّس‪:‬‬
‫"إن كان هذا حكمك‪،‬‬
‫وإن كنتُ استحققته‪،‬‬
‫فلماذا تبقى صاعقتك عاطل ًة عن العمل‪،‬‬
‫يا سيّد اللهة ؟‬
‫ك بالنار‪،‬‬‫إن كان عليّ أن أهل َ‬
‫فليُسمح لي أن أهلك بنارك‪ ،‬وأن أخفف نكبتي‬
‫حالمةً بأنك أنت سببها·‬
‫ل أكاد أقدر أن أفتح حنجرتي‬
‫لكي أزف َر هذه الكلمات‬
‫ت به النار‪،‬‬
‫هيا‪ ،‬انظر إلى شَعري الذي فتك ْ‬
‫وإلى هذا الرّماد المُحرق الذي يغمر وجهي وعينيّ·‬
‫أتلك هي مكافأتي‪،‬‬
‫أذلك هو الثمن الذي تشرّفني به‬
‫مقابل خصوبتي وخيراتي‪،‬‬
‫مقابل الجراح التي تنزلُ بي من سكّة المحراثِ المقوّسةِ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪68 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪69 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪85 :‬‬

‫والمشط‪،‬‬
‫ومقابل عنائي من الحرثِ طوال السّنة‪،‬‬
‫لكي أوفّر للقطعان الورق‪،‬‬
‫وللنوع النسانيّ الغلل التي يأخذ منها الغذاء الطيّب‪،‬‬
‫والبخو َر من أجلك أنت ؟‬
‫لكن‪ ،‬افترض مع ذلك‪ ،‬أنني أستحقّ دماري‪،‬‬
‫فما العقاب الذي استحقّته المياه‪ ،‬واستحقّه أخوك ؟‬
‫لماذا نرى البحار التي خصّه بها القدر‪،‬‬
‫تتناقص وتنخفض إلى السفل تحت الفضاء ؟‬
‫إن كنتَ ل ترأفُ بي‬
‫أو بأخيكَ‪،‬‬
‫فارفقْ‪ ،‬على القلّ‪ ،‬بسمائك·‬
‫انظر إلى القطبين‪ ،‬فهما يحترقان‬
‫وإذا قضت عليهما النار‪،‬‬
‫فأنّ قصورك ستنهار·‬
‫ها هو أطلس (‪ )Atlas‬نفسه يكابد‪،‬‬
‫ول يكاد في مقدوره أن يحملَ على كتفيه محور العالم المتأجّج·‬
‫فلئن بادَ البحر وهلكت الرض وتهدّم قصر السّماء‪،‬‬
‫فسوف نسقط في عماء السّديم الول·‬
‫خلّصْ من اللهب ما تبقى‪،‬‬
‫واسهرْ على سلم العالم·"‬
‫لم تزد الرض على ذلك‪،‬‬
‫لنها لم تقدر أن تتحمّل الحرارة طويلً‪،‬‬
‫ول أن تتابع كلمها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪69 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪70 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪86 :‬‬

‫أدخلت‪ ،‬من جديد‪ ،‬رأسها في ترائبها‪ ،‬وفي المغاور‬


‫التي تجاور أرواح الموتى·‬
‫حينذاك‪ ،‬صعد الب الكلّي القدرة‪،‬‬
‫وقد أشهد آلهة السّماء‪،‬‬
‫وبينها الله الذي أعار عربته‪،‬‬
‫على أن العالم سيبيد ضحيّة لقدر غاشم‪،‬‬
‫إن لم يبادر إلى إنقاذه ـ‬
‫صعدَ إلى تلك الذروة في الجلدِ الزرق‪ ،‬موطن اللهة‪،‬‬
‫حيث اعتادَ أن ينشرَ الغُيومَ‬
‫فوقَ الرضِ الواسعة‪،‬‬
‫وحيث يُثير الرّعد‪ ،‬ويهزّ حربة الصّاعقة‪،‬‬
‫غير أنه لم يجد آنذاك غيومًا ينشُرُها على الرض‪،‬‬
‫ول مطرًا يصبّه من السّماء·‬
‫أرعدَ‪ ،‬وقذف بالصّاعقة من جهة أذنه اليُمنى‬
‫ل إيّاها على سائقِ العربةِ‪،‬‬ ‫مُنز ً‬
‫مُنتزعًا منه في آنٍ‪ ،‬الحياة والعربة‪،‬‬
‫وأوقف تقدّم النار تحت نيرانها الرّهيبة·‬
‫قفزت الحصنة المذعورة في اتجاهٍ معاكس‪،‬‬
‫ساحبةً أعناقها من النّير‪،‬‬
‫وش َردَتْ‪ ،‬محطّمة عدّتها جميعاً·‬
‫هنا ترقد العنة‪،‬‬
‫جرّ العجلة‪،‬‬ ‫هناك المحور المقتلع من مِ َ‬
‫وهنالك‪ ،‬في الفضاء الواسع‪ ،‬تبعثرت قضبان العجلتِ المُحطّمة‪،‬‬
‫وبقايا العربة التي تناثرت·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪70 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪71 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪87 :‬‬

‫كان فاييتون يتطوّح هاوياً في الجواء‪،‬‬


‫وقد أتلف اللهب شعره المتوهّج‪،‬‬
‫تاركاً حيث يمرّ‪ ،‬ذيلً طويلً‬
‫يُشبه الذيل الذي يتركه أحيانًا نجمٌ‬
‫في وسط سماءٍ صافية‪،‬‬
‫عندما يبدو كأنه‪ ،‬دون أن يسقط فعلً‪،‬‬
‫على وشك السّقوط·‬
‫استقبله‪ ،‬بعيداً جداً عن وطنه‪ ،‬في نصف الكرة المقابل‪،‬‬
‫إيريدان (‪ Eridan( 14‬الكبير‪ ،‬وغسل وجهه المتفحّم·‬
‫وضعت ربات الينابيع في هسبيريا‬
‫وضعن في قبر‪ ،‬جسمَه الذي يتصاعد منه الدخان‪ ،‬محترقًا باللهب‬
‫ذي اللسنة الثلثة‪،‬‬
‫ونقشن على الحجر هذه البيات‪:‬‬
‫"هنا يرقد فاييتون‪،‬‬
‫سائق عربة أبيه؛‬
‫إذا كان لم ينجح في التحكّم بها‪،‬‬
‫فقد سقط على القلّ‬
‫ضحيّة لجُرأ ٍة نبيلة·"‬
‫كان الب التاعس‪ ،‬وقد أرهقه اللم‪،‬‬
‫يخبئ وجهه وراءَ حجابِ الحِداد·‬
‫إن كان علينا أن نؤمن بالمأثور‪،‬‬
‫فقد مرّ يومٌ لم يعرف الشمس‪،‬‬
‫وكانت النارُ هي التي تضيءُ العالم‬
‫الذي وجدَ في هذه الكارث ِة بعضَ الفائدة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 14‬إيريدان‪ :‬هو نهر البو (‪ ، )?Le P‬وقد سقط فيه فاييتون·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪71 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪72 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪88 :‬‬

‫الهيلياد (‪)Les Héliades‬‬

‫ح كلّه‬
‫بعد أن ناحت كليميني النّوا َ‬
‫الذي سبّبته هذه الكارثة‪،‬‬
‫ب ممزّقٍ‪،‬‬ ‫طافت أرجاء الكون‪ ،‬بقل ٍ‬
‫باحثةً عن جس ِم ابنها الهامد‪ ،‬وعظامه·‬
‫عثرت عليه أخيراً‪ ،‬مدفوناً في أرضٍ غريبة‪،‬‬
‫هنالك جثت·‬
‫وعندما قرأت اسمه‪،‬‬
‫سَقَتِ الرّخام بدموعها‪ ،‬ودفّأته بصدرها العاري·‬
‫لم تكن أخواته الهلياديّات أقلّ حزناً‪،‬‬
‫قدّمن ضريبةَ الدّمع‪ ،‬بل جدوى‪ ،‬لموتِ أخيهنّ·‬
‫لطمنَ صدورهنّ بأيديهنّ‪،‬‬
‫وليلً نهارًا كنّ يُنادينَ فايتون‪ ،‬مُمدّداتٍ حولَ قبره‪،‬‬
‫كما لو أنه كان قادراً أن يسمعَ نواحهنّ الليم·‬

‫مرّات أربعاً‪ ،‬أكملَ القم ُر دورته‬


‫وهُنّ‪ ،‬تبعًا للعادة‪ ،‬كنّ يُطلقنَ صرخاتِ الحزنِ الشّديد·‬
‫كانت إحدى الخوات‪ ،‬فاييتوزا (‪ )Phaéthusa‬الكُبرى‪،‬‬
‫تريد أن تجثو على الرض‪،‬‬
‫ت من أن قدميها أصبحتا جامدتين·‬ ‫ش َك ْ‬
‫وعندما حاولت البيضاء لمبيتيا (‪ )Lampétie‬أن تسير إليها‪،‬‬
‫ك بها جَذرٌ أوقفها؛‬‫أمس َ‬
‫وأرادت الثالثة أن تقتلع شعرَها‪،‬‬
‫ل من الشّعر؛‬ ‫ن يديها اقتلعتا أوراقاً من رأسها‪ ،‬بد ً‬ ‫لك ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪72 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪73 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪89 :‬‬

‫ل جذعٍ‪،‬‬ ‫وتأوّهتْ إحداهنّ من رؤية ساقيها تجمدان في شك ِ‬


‫والخرى من رؤية ذراعيها تتحوّلن إلى أغصانٍ طويلة·‬
‫وفيما كانت الدّهشة تستولي عليهنّ‪،‬‬
‫كان القش ُر يغطّي أفخاذهنّ‪،‬‬
‫وشيئاً فشيئاً‪ ،‬أخذ يسجن بطونهنّ وصدورهنّ‪،‬‬
‫ن وأيديهنّ‪،‬‬ ‫وأكتافه ّ‬
‫ولم تبقَ حُرّةً إلّ أفواههنّ لمناداة أمّهنّ·‬
‫وماذا تقدر أمّهنّ أن تفعل‪،‬‬
‫إلّ أن تركضَ هنا وهناك‪ ،‬حيثُ يقودها احتدادُ عذابها‪،‬‬
‫ت يسمح‪ ،‬قبلتِها إلى قبلتِ بناتها ؟‬ ‫وأن تضمّ‪ ،‬ما دام الوق ُ‬
‫وكان ذلك ل يزال قليلً‪ :‬فقد حاولت أن تفصلَ أجسامهنّ‬
‫عن الجذوع التي تسجنها‪،‬‬
‫وكسرت بيديها الغصان اللّدنة‪،‬‬
‫ت من الدّم‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬كان يخرج منها‪ ،‬كأنها جراحٌ‪ ،‬قطرا ٌ‬
‫ل من البنات الّلئي جرحتهنّ‪:‬‬ ‫فصرختْ ك ّ‬
‫"أرجوكِ‪ ،‬توقّفي يا أمّي·‬
‫ت تمزّقين جسمي في جذع الشجرة·‬ ‫فأن ِ‬
‫والن‪ ،‬وداعاً·"‬
‫ن بهذه الكلمات الخيرة·‬ ‫كان القش ُر قد غطّى وجوههنّ عندما تلفّظ َ‬
‫لهذا‪ ،‬تسيلُ من هذه الغصانِ الجديدةِ‬
‫دموعٌ تتج ّمدُ في الشمسِ قطر ًة قطرةً‪،‬‬
‫مُتحوّلةً إلى عَنبَرٍ‬
‫يستقبلُهُ النّهر الصّافي‪،‬‬
‫ويُرسلهُ إلى نساء لتيوم (‪ )Latium‬لكي يتزيّنّ به· ‪15‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 15‬كان العنبر مطلوباً جداً لزينة النسّاء‪ ،‬وكان يعتقد أنه صمغ يسي ُل من بعض الشجار· وهذا هو قول أرسطو الذي‬
‫ل عليه من بول بعض الحيوانات؛ والهيليّاد (‬
‫صُ‬‫ب يُح َ‬
‫يأخذ به أوفيد‪ ،‬وهناك قولٌ آخر يرى أن العنبر تخثّرٌ أو ترسّ ٌ‬
‫‪ )Héliades‬هنّ بنات هيليوس (‪ )Hélios‬وربة الماء رودوس (‪ )Rhodos‬كما يقول بعضهم‪ ،‬وأوفيد منهم‪ ،‬أو‬
‫ن إذن‪ ،‬بحسب هذا القول أخوات فاييتون· ول يذكر أوفيد منهنّ‪ ،‬وهنّ‬ ‫كليمين (‪ ,)Clymène‬كما يقول آخرون ‪ ،‬وه ّ‬
‫ل اثنتين· وقد تحوّلتا إلى شجرتي صفصاف·‬ ‫كثيرات‪ ،‬إ ّ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪73 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪74 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪90 :‬‬

‫سينيوس (‪)Sygnus‬‬

‫ن ستينيليوس (‪ )Sthénélus‬شاهداً على هذه العجوبة·‬ ‫كان سينيوس‪ ،‬اب ُ‬


‫ك بد ِم أمّك‪ ،‬يا فاييتون‪،‬‬
‫ومع أنه كان متّحدا مع َ‬
‫فإنّ لُحمَةَ الصّداقة بينكما كانت‪ ،‬كذلك‪ ،‬وثيقةً جداً·‬
‫لقد هج َر ملذّاتهِ (كان يسود شعوبَ ليغوريا (‪ )Ligurie‬ومدنًا كُبرى)·‬
‫وكانت أصدا ُء نواحه تردّدها الضّفاف الخُضر‪،‬‬
‫ومياه اليريدان‪ ،‬والغابات التي وسّعتْها أخواتكَ·‬
‫وفجأةً‪ ،‬ضعفَ صوته الرّجوليّ‪،‬‬
‫ش أبيض‪،‬‬ ‫وحلّ محلّ شَعرهِ ري ٌ‬
‫وتطاولَ عنقُه بعيداً عن صَدره‪،‬‬
‫ووحّد غشا ٌء بينَ أصابعه التي صارت بلونِ الرجوان‪،‬‬
‫ب كَشْحيهِ جناحان‪،‬‬ ‫وحج َ‬
‫وغطّى فمه منقارٌ غي ُر ُم َدبّبٍ·‬
‫تحوّل سينيوس إلى طائر جديد‪،‬‬
‫ل يركن إلى السّماء وإلى جوبيتر‬
‫لنه يتذكّر النّيران التي أشعلها دون حقّ‪،‬‬
‫بل يفيء إلى المستنقعات ورحاب البحيرات؛‬
‫وكُرهًا منه لهَولِ النار‪،‬‬
‫اختارَ مقاماً له‪ ،‬العنصر السّائل الذي يُناقضها·‬
‫ن والد فاييتون‪ ،‬الكابي الذي فقد بريقه‪،‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإ ّ‬
‫وأصبح كمثل ما كان يظهر للكون في أثناء الكسوف‪،‬‬
‫أخذ يكره النّور والنهارَ ونفسه وروحه‬
‫ويستسلم لللم·‬
‫انضافَ إلى اللم الغضب‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪74 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪75 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪91 :‬‬

‫ولم يعد يقدّم للعالم أيّة خدمة‪ ،‬قائلً‪:‬‬


‫"هذا يكفي‪،‬‬
‫منذ بداية الزمنة كان قدري ألّ أعرف الرَاحة·‬
‫ل ل نهاية لها‪،‬‬
‫لقد تعبتُ من أعما ٍ‬
‫ودون مكافأة·‬
‫فليأتِ آخرٌ‪ ،‬أياً كان‪،‬‬
‫ولي ُقدْ العرَبةَ التي تحمل النّور·‬
‫إن لم يكن هناك أحدٌ‬
‫وإذا أعلنت اللهة أنّها جميعاً عاجزة‪،‬‬
‫فليقدها جوبيتر نفسه·‬
‫ك بأعنّة عربتي‪،‬‬‫سَ‬‫عندها سيحاول أن يُم ِ‬
‫سيتخلّى‪ ،‬على القل‪ ،‬عن صواعقه‬
‫التي تختطف الطفالَ من آبائهم·‬
‫آنذاك‪ ،‬سيعرف‪،‬‬
‫إذ يختبر قوّة أفراسي بقوائمها السّريعة كالّلهب‪،‬‬
‫ب ل يستحقّه الشخصُ الذي لم يقدر أن يقودها·"‬ ‫أن الموتَ عقا ٌ‬

‫عند هذه الكلمات‪،‬‬


‫أحاطت اللهة جميعاً بإله الشمس؛‬
‫توسّلت إليه بصوتٍ ضارعٍ‬
‫ل يغمرَ العالم بالظّلمات·‬
‫أّ‬
‫واعتذر جوبيتر نفسه‪ ،‬لقذفه نيرانه‬
‫مُضيفاً‪ ،‬بوصفه السّيد‪ ،‬التّهديدات إلى التّوسّلت·‬
‫جمع فيبوس أفراسه المذعورة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪75 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪76 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪92 :‬‬

‫والتي ل تزال ترتجف هولً‪،‬‬


‫وضربها‪ ،‬متألّما‪ ،‬بالمهماز والسّوط·‬
‫كان متلهّفا لكي يُعاقبها بقسوة‪،‬‬
‫ت ابنه·‬
‫م َؤنّبا‪ُ ،‬متّهما إياها بمو ِ‬

‫كالّيستو (‪)Callisto‬‬

‫كان الب الكُلّيّ القُدرة‬


‫يجولُ في الحَ َرمِ السّماويّ الواسع‪،‬‬
‫ويرى إن كانت بعض الجزاء التي زعزعها عنفُ النار‪ ،‬تتداعى·‬
‫وعندما رآها متينةً وصلبةً‪ ،‬كما كانت‪،‬‬
‫وجّهَ نظرَهُ إلى الرض وإلى مصائبِ البشريّة·‬
‫غيرَ أن أركاديا (‪ Arcadia( 16‬الثيرة لديه‪،‬‬
‫كانت تجتذبُ رعايتَه الخاصّة·‬
‫أصلحَ فيها مجاريَ النهار والينابيع‬
‫التي لم تكن بعد تجرؤ على الجريان‪،‬‬
‫ومن جديد كسا الرض بالعشاب‪،‬‬
‫والشجرَ بالوراق‪،‬‬
‫وأمر الغابات اليابسة أن تخضوض َر من جديد·‬
‫وفيما كان يذهب ويجيء‪ ،‬مكرّرا زياراته‪،‬‬
‫لفتت انتباهه عذراء من نوناكريس (‪)Nonacris‬‬
‫ى مشتعلً‪ ،‬شغفه حتى العظم·‬ ‫وأضمرَ هو ً‬
‫لم تكن امرأةً ِل َندْف الصّوف وتلطيفه‪،‬‬
‫أو للتّنويع في ترتيب شَعرها·‬
‫بعدَ أن تثبّت قميصَها بمشبكٍ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ن له فيها معبداً على جبل ليكيا (‪ ، )Lycée‬وإما لنه ولد فيها‪ ،‬كما يقول‬
‫‪ 16‬كانت أركاديا عزيزة على جوبيتر‪ ،‬إمّا ل ّ‬
‫كاليماك (‪ )Callimaque‬في أنشودةٍ إلى زوس‪ ،‬خلفاً للمأثور الشائع الذي يقول إنه ولد في كريت (‪· )Crète‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪76 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪77 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪93 :‬‬

‫ط أبيضَ شَعرَها المَعقودَ بل عناية‪،‬‬ ‫ط بشري ٍ‬


‫وترب َ‬
‫تارةً‪ ،‬تأخذ بيدها رمحاً خفيفاً‪ ،‬وتار ًة قوساً‪،‬‬
‫فقد كانت من جنود فيبي·‬
‫س مينالوس (‪)Maenalus‬‬
‫ن تلم ُ‬
‫وبين جميع إلهات الغاب التي كانت خطواته ّ‬
‫لم تكن واحدة أعزّ منها على إلهة المفارق· ‪17‬‬
‫لكن لكلّ حظوةٍ أجلٌ·‬

‫كانت الشمس‪ ،‬في أعالي السّماء‪،‬‬


‫قد تجاوزت لتوّها منتصف مسارها‪،‬‬
‫عندما اخترقت هذه العذراء غابةً‬
‫لم تكن العصور قد اخترقتها·‬
‫أنزلت الكنانة عن كتفها‪ ،‬مُرخِيةً قوسَها الّلدنة‪،‬‬
‫واستلقت على الرض التي يغطّيها العشب‪،‬‬
‫مُسندةً رأسَها المنحني على كنانتها ذات اللوان الحادّة·‬
‫منذ أن رآها جوبيتر مُرهقةً‪ ،‬بل حَرسٍ‪ ،‬قالَ‪:‬‬
‫"ها هي‪ ،‬على القل‪ ،‬مغامرةٌ‬
‫ف عنها زوجتي أيّ شيء·‬ ‫لن تعر َ‬
‫وإذا عرفتْ‪ ،‬فهذا ثمنٌ تؤدّيه لي‪ ،‬أوه!‬
‫نعم‪ ،‬ثمنٌ تؤدّيه عن شِجارها معي·"‬
‫وفي الحال‪ ،‬اتّخذ هيئة اللهة ديانا‪ ،‬صورةً ولباساً‪،‬‬
‫وسألَ‪:‬‬
‫"أنتِ‪ ،‬أيّتها الصبيّة‪ ،‬التي أعدّها بين رفيقاتي‪،‬‬
‫ن تصيّدت‪ ،‬وعلى أيّة قمّة ؟"‬ ‫أي َ‬
‫نهضت الفتاة على العشبِ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 17‬إلهة المفارق (‪ ، )Carrefours‬تريفيا (‪ )Trivia‬هي هيكات (‪ )Hécate‬التي هي نفسها إلهة قمرية‪ ،‬وإذن هي‬
‫ديانا ـ فيبي (‪· )Diane - Phébé‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪77 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪78 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪94 :‬‬

‫وقالت‪:‬‬
‫"سلماً‪ ،‬أيّتها اللهة التي أضعها في منزلةٍ أعلى من جوبيتر‪،‬‬
‫ولو أنّه يسمعني بنفسه·"‬
‫ضحكَ وهو يسمع فرحاً‪،‬‬
‫ف يُفضّل هو نفسَه على نفسِه·‬ ‫كي َ‬
‫قبّل شفتيها ُقبَلً تخلو من البساطة‪،‬‬
‫ي مثلها·‬‫ول ينبغي على عذراء أن تعط َ‬
‫كانت إلهة الغاب تتهيّأ لكي تتحدّث‬
‫عن الغابة التي اصطادت فيها‪،‬‬
‫فأوقفها إذ ضمّها بين ذراعيه‪ ،‬كاشفًا بعُنفِ ِه عن نفسِه·‬
‫أما هي‪ ،‬فقد قاومت‪ ،‬بقدر ما تتمكّن امرأة‪،‬‬
‫(ولو كنتِ ترينها يا ابنة ساتورن‪،‬‬
‫لكنتِ أقلّ غضباً عليها)‬
‫فلقد قاومت‪ ،‬ولكن‪ ،‬على أيّ رجلٍ‪،‬‬
‫تقدرُ فتاةٌ أن تنتصر ؟‬
‫وأيّ إلهٍ ينتصر على جوبيتر ؟‬
‫صعد جوبيتر ظافراً إلى الثير‪،‬‬
‫ب تلكَ الظّلل وهذه الغابة‬ ‫ولعنت إلهة الغا ِ‬
‫التي تواطأت معه في هذا النتهاك·‬
‫وعندما غادرتها‪ ،‬كادت أن تنسى كنانتها المليئة بالسّهام‪،‬‬
‫وقوسَها المعلّقة بها·‬
‫ها هي ديكتينّا (‪ Dictynna( 18‬ترافقها جوقة إلهاتها‪،‬‬
‫تصلُ إلى مُرتفعات مينالوس (‪)Menalus‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪" ، )Dictynna( 18‬الفتاة ذات الشّبكة"‪ ،‬اسمٌ كانت تحمله في كريت إلهة الصّيد‪ ،‬وقد صار في اليونان وروما لقباً‬
‫لرتيميس ـ ديانا (‪· )Artémis - Diane‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪78 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪79 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪95 :‬‬

‫فخور ًة بالطّريدة التي صادتها·‬


‫وإذ لمحت الفتاة‪ ،‬نادتها في الحال‪،‬‬
‫ت هذه اسمها‪ ،‬ولّت هاربةً·‬ ‫عندما سمع ْ‬
‫ت أن يكون جوبيتر متخفّيا بهيئة اللهة·‬ ‫فقد خشي ْ‬
‫لكن‪ ،‬عندما رأت إلهات الغاب يتقدّمنَ‪ ،‬في الوقت ذاته‪،‬‬
‫ف منه‪،‬‬
‫أدركتْ أنْ ليس هناك من شَركٍ تخا ُ‬
‫واقتربت منهنّ·‬
‫واحسرتاه!‬
‫ما أصعبَ ألّ يكشف وجهُ النسان عن خطأٍ ارتكبه!‬

‫ت ل تكاد ترفع بصرَها عن الرض‪،‬‬


‫أصبح ْ‬
‫فلم تعد تجرؤ‪ ،‬شأنها في الماضي‪،‬‬
‫أن تُسرعَ للقتراب من اللهة‪ ،‬في المقدّمة·‬
‫التزمت الصّمت‪،‬‬
‫وكشفَ احمرارها عن الهانة التي تلقّاها خفرُها·‬
‫لو أنّ ديانا لم تكن عذراء‪،‬‬
‫لكان بإمكانها أن تدركَ الخطأ من قرائنَ كثيرة·‬
‫ن ذلك‪ ،‬كما يُقال·‬‫فإلهاتُ الغابات يلحظ َ‬
‫للمرّةِ التاسعة‪ ،‬ذرّ قرنا القمر‪ ،‬يُعلنان قرصَه‪،‬‬
‫عندما صادفت اللهة في رحلة صيدِها‪،‬‬
‫وقد أرهقتها النّيران التي أطلقها أخوها‪،‬‬
‫غابةً صغيرة نديّة‪،‬‬
‫ل يُسقسقُ على الحصى الصّقيل‬ ‫ينبجسُ منها جدو ٌ‬
‫الذي يُحرّكه مجراه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪79 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪80 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪96 :‬‬

‫أعجبها الموقع‪ ،‬ثمّ لمستْ بقدمها سطحَ المياه‪،‬‬


‫وأعجبت بها كذلك·‬
‫قالت‪:‬‬
‫ت عن كلّ شاهدٍ‪،‬‬
‫ن الن بعيدا ٌ‬‫"نح ُ‬
‫فلنخلع ثيابنا ولنغص في تيّار هذا الجدول·"‬
‫احمرّت الرّبة البارازيانيّة (‪La Parrahasienne( 19‬‬
‫خلعنَ جميعًا غلئلهنّ‬
‫وبقيتْ واحدة تنتظر‪،‬‬
‫وفيما هي تتردّد‪ ،‬ف َككْنَ ثوبها·‬
‫وعندما طُرحَ الثّوب‪،‬‬
‫َفضَحَ جسمها العاري إثمها·‬
‫أرادت‪ ،‬منذهلةً‪ ،‬أن تخبئ بيديها بطنها‪،‬‬
‫فقالت لها اللهة ديانا‪:‬‬
‫"ابتعدي من هنا‪،‬‬
‫ل تلوّثي هذا النّبع المقدّس·"‬
‫وطردَتها من الجمعِ العزيز عليها·‬

‫ت طويل بهذه المغامرة·‬‫كانت زوجة الله الرّاعد قد علمت منذ وق ٍ‬


‫وأرجأت إلى اللحظة المناسبة انتقامَها الرّهيب·‬
‫والن‪ ،‬لم يعد لديها سببٌ لمزيدٍ من الرجاء·‬
‫وكان آركاس (‪ )Arcas‬الصّغير قد ولد من خصيمتها‬
‫(وهذا ما كان يثير حنق جونون)·‬
‫لم تكد تدير نظرها نحو هذا الطفل‪،‬‬
‫حتى استشاطت روحها غضباً‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 19‬ولدت كالّيستو في برهازيا· ل اسم لها في "التحولت"‪ ،‬وأوفيد يُسمّيها بتَورياتٍ وتلميحات·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪80 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪81 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪97 :‬‬

‫"هكذا أيّتها المرأة الزّانية‪،‬‬


‫لم يكن بعد ينقصك إلّ أن تلدي‬
‫لكي تنشري إهانتي بأمومتك‪،‬‬
‫ولكي تبرهني على الخطيئة الشّائنة لجوبيتر زوجي·‬
‫هذا لن يم ّر بل عقاب·‬
‫ي لك‪،‬‬
‫سأسلبك هذا الجمال الفاتن الذي أعط َ‬
‫والذي فتنتِ به زوجي‪ ،‬أيّتها الفتاة الكريهة·"‬
‫أنهت كلمها‪ ،‬واقفةً إزاءها‪،‬‬
‫وأمسكت بشعرها المُنسدل على جبينها‪،‬‬
‫ض بادئةً برأسها·‬ ‫وطرحتها على الر ِ‬
‫مدّتْ إلهة الغابِ ذراعيها المتوسّلتين إليها‪،‬‬
‫فأخذ ينبتُ عليهما وبرٌ أسود‪،‬‬
‫وانحنت يداها‪ ،‬وظهرتْ في أطرافهما أظافر معقوفة‪،‬‬
‫بحيث صارتا بمثابة ساقين لها·‬
‫ب به جوبيتر سابقاً‪،‬‬ ‫أما فمها الذي أعج َ‬
‫فاتّسع في شكلِ شِدقٍ شنيع·‬
‫ت منها هبَةُ الكلم‪،‬‬ ‫وسُلب ْ‬
‫لكيل تعود قادر ًة أن تثيرَ الشّفقة‬
‫بصلواتها وكلماتها الضّارعة·‬
‫ولم يعد يخرج من حنجرتها الجشّاء‬
‫إلّ صوتٌ هائجٌ‪ ،‬مهدّد‪ ،‬يُشيعُ الرّعب·‬
‫لقد تحوّلت إلى دبّةٍ‪،‬‬
‫ومع ذلك ظلّت مسكونةً بمشاعرها القديمة نفسها·‬
‫ل يبثّ ألمها‪،‬‬‫وكانت‪ ،‬بنواحٍ متواص ٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪81 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪82 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪98 :‬‬

‫ترفع يديها ‪،‬كما حوّلتا‪ ،‬نحو السماء والكواكب؛‬


‫ودون قدرةٍ على الكلم‪،‬‬
‫شاكيةً من جُحودِ جوبيتر·‬
‫آهٍ! كم مرّةً شردتْ أمام منزلها وفي حقولها القديمة‪،‬‬
‫دون أن تجرؤَ على الرّاحة في وحدة الغابة·‬
‫ت هذه الصيّادة مذعورةً أمام الصّيادين‪،‬‬ ‫آهٍ! كم مرّة هرب ْ‬
‫يطاردها بين الصّخور هريرُ الكلب·‬
‫غالباً‪ ،‬كانت تختبئ‬
‫عندما ترى الحيوانات المتوحشة‬
‫ناسيةً ما آلتْ إليه·‬
‫ولكم ارتجفت‪ ،‬هي الدّبة أمام الدّببة‬
‫التي كانت تراها في الجبال‪،‬‬
‫ولكم خافت من الذئاب‪ ،‬مع أن أباها كان في عدادها· ‪20‬‬

‫آركاس (‪)Arcas‬‬

‫ها هو يجيء إلى العالم‪ ،‬آركاس الطّفل‬


‫الطّالع من ابنة ليكاون (‪)Lycaon‬‬
‫جاهلً كلّ شيء عن أمه·‬
‫ت على ولدته‪،‬‬‫بعد أكثر من خمسة عشر عاماً مرّ ْ‬
‫ها هو يلتقي أمّه‪،‬‬
‫بينما كان يطارد الحيوانات الوحشيّة‪،‬‬
‫مختاراً الغابات الكثر مُلءمةً‬
‫ويحيط بشباكه اللفيّة العُقدِ‪ ،‬غابات إيريمانتوس (‪· )Erymanthus‬‬
‫توقفت عندما رأت آركاس‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 20‬راجع الكتاب الول‪ ،‬في ما يتعلق بـِ "ليكاون"‪ ،‬والد كالّيستو·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪82 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪83 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪99 :‬‬

‫كما لو أنها عرفته‪،‬‬


‫أما هو فقد ولّى هارباً·‬
‫هاتان العينان الثابتتان‪ ،‬المسمّرتان أبداً عليه‪،‬‬
‫دون أن يعرف السّبب‬
‫تملنه بالرّعب·‬
‫وفيما بدت كأنها تريد أن تكون أكثر قربًا إليه‪،‬‬
‫تهيّأ لكي يخرقَ صدرها بسهمٍ قاتل·‬
‫غير أنّ الكُلّيّ القُدرة حوّل مجرى المور؛‬
‫رفعهما معاً‪ ،‬متداركاً الجريمة·‬
‫حملتهما ريحٌ سريعةٌ في الفضاء‬
‫وأنزلهما الله في السّماء‬
‫صانعًا منهما مجموعتين متجاورتين من الكواكب· ‪21‬‬
‫غضبت جونون لرؤية منافستها تشعّ وسطَ الكواكب‬
‫فهبطت إلى البحر‪ ،‬عند تيتيس (‪ )Tethys‬البيضاء‬
‫والمحيط الشّيخ‪،‬‬
‫اللّذين يخشع اللهة أمامهما‪ ،‬إجللً‪،‬‬
‫وعندما سألها كلهما عن سبب مجيئها‪ ،‬أجابت‪:‬‬
‫"تريدان أن تعرفا لماذا جاءت ملكة اللهة إلى هنا‪،‬‬
‫تاركةً المنازل الثيريّة؛‬
‫لقد أخذت مكاني في السّماء ملكةٌ أخرى·‬
‫قول عنّي إنني كاذبة‪،‬‬
‫إن لم تريا‪ ،‬عندما ينشر الليل ظلماته على الكون‪،‬‬
‫نجوماً وُضعَتْ حديثاً‪ ،‬مُشرّفةً ـ‬
‫وهذا يُسبّبُ لي كثيرًا من الجراح ـ‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ب الكبر‪ ،‬وصار ابنها آركاس راعي الشّاء‪ ،‬أو البقّار·‬


‫‪ 21‬صارت كالّيستو الد ّ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪83 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪84 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪100 :‬‬

‫في أعلى ذروات السماء‪،‬‬


‫في تلك النّقطةِ‪ ،‬حيثُ الدّائرة الخيرة‬
‫التي تكتنفُ المدا َر الكثر ضيقاً‪،‬‬
‫ط بالطّرف القصى من محور العالم·‬ ‫تحي ُ‬
‫هكذا‪ ،‬من يمتنع عن شَتم جونون‪،‬‬
‫ومن يخافُ من غضبها‪،‬‬
‫عندما أكون الوحيدة‬
‫التي تنفع‪ ،‬فيما تريد أن تضرّ ؟‬
‫آهٍ! لقد قُمت بعملٍ جّيدٍ!‬
‫ولي سُلط ٌة مُعجزةٌ حقّا!‬
‫منعتها من أن تحتفظَ بشكلها النسانيّ‪،‬‬
‫وها هي تُصبحُ إلهة!‬
‫هكذا أعاقبُ الثمين‪،‬‬
‫وإلى هذا الحدّ تصلُ سُلطتي!‬
‫ل ُي ِعدْ إليها جمالها الوّل‪،‬‬
‫لتسْت ِعدْ شكلَها القديم‪،‬‬
‫وليحرّرها جوبيتر من مظهرها الحيوانيّ‪،‬‬
‫ل من قبل مع إيو‪،‬‬ ‫كما فع َ‬
‫حفيدة فورونيوس (‪)Phoroneus‬‬
‫بل لماذا ل يتزوّجها بعد أن يطردَ جونون ؟‬
‫لماذا ل يضعها في سريري ويجعل من ليكاون حمُواً ؟‬
‫لكن أنتما‪ ،‬على القلّ‪،‬‬
‫إن كانت تصل إليكما الهانة‬
‫التي وُجّهت إلى ابنتكما بالتّبنّي‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪84 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪85 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪101 :‬‬

‫فاطردا من أمواجكما اللزورديّة نجومَ الشّمال‪،‬‬


‫انبذا بعيدًا عنكما هذه الكواكب التي لم تستقبل في السّماء‬
‫ل ثمناً لخيانةٍ‪،‬‬
‫إّ‬
‫ول تسمحا لثِمةٍ أن تستحمّ في مياهكما الطّاهرة·"‬

‫كورونيس‬
‫كانت آلهة البحر قد أشارت موافقةً‪،‬‬
‫عندما انطلقت ابنة ساتورن في الهواء الصّافي‪،‬‬
‫راكبةً عربتها الوثيرة التي تجرّها الطّواويس‬
‫بألوانها الزّاهية‪،‬‬
‫هذه التي تَدينُ منذ وقتٍ قليل‪،‬‬
‫بألوانها الى مقتلِ آرغوس‪،‬‬
‫عندما كنتَ أنتَ نفسكَ‪ ،‬أيّها الغرابُ الثرثار‪،‬‬
‫ضكَ القديم بأجنحةٍ سوداء·‬ ‫ل فجأةً بيا َ‬‫تباد ُ‬
‫ذلك أنه كان لريش هذا الطائر بريقُ الثّلج أو الفضّة‪،‬‬
‫كان يُنافسُ الحمام النّاصع البياض‪،‬‬
‫ول يتنازل للوزّ الذي أنقذ صوتُه ال َيقِظُ‪ ،‬يوماً‪ ،‬الكابيتول‪،‬‬
‫ول لطائر التمّ‪ ،‬عاشق المياه·‬
‫لسانه هو الذي دمّره‪،‬‬
‫فثرثرته حوّلت ما كان أبيضَ‬
‫إلى ما يُناقِضُه·‬

‫لم تكن في هيمونيا (‪ )Hémonie‬كلّها‪،‬‬


‫امرأةٌ أكثر جمالً من كورونيس لريسّا·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪85 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪86 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪102 :‬‬


‫وأحبَبتَها يا إله ديلفي (‪)Delphes‬‬
‫بقدر ما بقيت طاهرةً‪ ،‬على القلّ‪،‬‬
‫أو أفلتت من رقابتكَ·‬
‫غير أن طائر فيبوس اكتشفَ خيانتها‪،‬‬
‫ولكي يكشف خطيئتها الخفيّة‪،‬‬
‫طار هذا النمّامُ الذي ل يرحم‪ ،‬إلى عشيقها·‬
‫اقتفته بخفقِ الجناح‪ ،‬أنثى الزّاغ الثرثارة‪،‬‬
‫راغبةً أن تعرفَ كلّ شيء·‬
‫قالت مُدركةً سببَ رحلتِهِ‪:‬‬
‫"الطّريق التي سلكتها ل تؤدّي إلى ما تريده·‬
‫ل تحتقر نبوءاتِ لساني·‬
‫تأمّل فيما كنتُ‪ ،‬وفيما أنا‪،‬‬
‫وتساءل كيفَ استحقَقتُ مصيري·‬
‫سرّي أن وفائي هو الذي ضيّعني·‬
‫ذات يومٍ‪ ،‬وضعتْ بالّس (‪ )Pallas‬إيريكتونيوس (‪)Erichthonius‬‬
‫الطفلَ الذي ول َد بل أمّ‪22 ،‬‬
‫ت من صفصافِ آكتي (‪)Acté‬‬ ‫في سلّة جُدَل ْ‬
‫ووكلته إلى ثلث عذارى‪ ،‬بنات كيكروبس (‪Cécrops( 23‬‬
‫البطل المزدوج الشّكل‪،‬‬
‫مانع ًة إيّاهنّ من رؤية ما أ ْئ ُتمِنّ عليه بوصفهِ سرّا·‬
‫ت مختبئةً تحت الورقِ الناعمِ‪،‬‬ ‫كن ُ‬
‫ن بهِ‪:‬‬‫ل ما يَ ُقمْ َ‬‫ب من أعلى دَردار كثيفٍ ك ّ‬ ‫أراق ُ‬
‫ت إليهنّ‪،‬‬
‫كانت اثنتان منهنّ تحرسان‪ ،‬دون انقطاع‪ ،‬الوديعة التي فوّضَ ْ‬
‫هما باندروزوس (‪ )Pandrosos‬وهيرسي(‪· )Hersé‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 22‬ولدَ إريكتون من نطفة مَنيّ نزلت من فولكان (‪ )Volcain‬إلى فخذ مينيرفا (‪ )Minerve‬التي أرادت أن تتهرّب‬
‫منه·‬
‫‪ 23‬كان سيكروبس‪ ،‬مؤسّس أثينا‪ ،‬ابن الرض‪ ،‬ومن هنا شكله الهجين‪ :‬إنسان حتى زناره‪ ،‬وما تبقى أفعى·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪86 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪87 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪103 :‬‬

‫كانت أغلوروس (‪ )Aglauros‬تتّهم أختيها بالخوف‪،‬‬


‫ففكّت العقد بيدها‪،‬‬
‫ورأينَ داخلَ السلّة الطّفلَ‪ ،‬وإلى جانبه أفعى مُمدّدة·‬
‫نقلتُ كلّ شيء إلى اللهة‪،‬‬
‫ومكافأةً على ما قدّمته لها‪،‬‬
‫ن مينيرفا طردتني‬ ‫عرفتُ أ ّ‬
‫من عداد رعاياها‪،‬‬
‫صنّفتُ في مرتبةٍ تاليةٍ لطائر اللّيل·‬‫و ُ‬
‫ل تعرّض نفسها للخطر‪،‬‬ ‫يُمكن عقابي هذا أن يُعلّم الطّيورَ أ ّ‬
‫بفعلِ ثرثرتها‪،‬‬
‫ن أنّها عاقبتني‬‫لعلّك تظ ّ‬
‫دون سبب ؟‬
‫يمكن أن تسأل بالّس نفسها؛‬
‫أكيدٌ أنها غاضبةٌ‪ ،‬لكنها لن تنكرَ الحقيقة·‬
‫كورونيوس (‪ Coroneus( 24‬الشّهير في بلد فوكيد (‪)Phocide‬‬
‫(ما أقوله هنا معروفٌ جدًاً)‪،‬‬
‫هو الذي جاء بي إلى العالم؛‬
‫كنت ابن َة ملكٍ‪ ،‬وكان يسعى في طلبي زوجةً‪،‬‬
‫طُلّب زواجٍ أغنياء (ل تنظر إليّ بازدراء)·‬
‫فجمالي هو الذي سبّب خرابي·‬
‫ذات يومٍ‪ ،‬كنتُ أسيرُ بخطواتٍ بطيئةٍ على الشاطئ‪،‬‬
‫أتنزّهُ على الرّملِ‪ ،‬كما تعوّدتُ‪ ،‬فرآني إلهُ البحر‬
‫وشغفهُ جمالي·‬
‫عندما أضاعَ‪ ،‬في توسّلهِ إليّ‪ ،‬كلماته المُلطفة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 24‬ل يحدّد أوفيد بدقّة‪ ،‬لنّ اسم الزّاغ (‪ )Corneille‬هو كورونيس (‪ .)Coronis‬فهذه الميرة التي تهرب من‬
‫هيجانات نبتون (‪ )Neptune‬غير كورونيس التي كشف الغراب خيانتها والتي تُسمّى بهذا السم لنّها كانت جميلة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪87 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪88 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪104 :‬‬

‫وكثيرًا من وقته‪،‬‬
‫أرادَ أن يغتصبني‪،‬‬
‫وبدأ يُطاردني·‬
‫هرَبتُ‪ ،‬وإذ تركتُ الرضَ الصّلبة‪،‬‬
‫أنهكني السّيرُ‪ ،‬عبثاً‪ ،‬في الرّملِ الرّخو·‬
‫ث ّم تضرّعتُ إلى الله وإلى البشر‪،‬‬
‫غير أن صوتي لم يسمعهُ أيّ فانٍ·‬
‫ل إنقاذ عذراء‪،‬‬ ‫تأثّرتْ عذراء من أج ِ‬
‫وجاءت لمساعدتي·‬
‫مددْتُ ذراعي نحوَ السّماء‪،‬‬
‫فصارا أسودين‪ ،‬وتحوّل إلى جناحينِ خفيفين·‬
‫ح ثوبي عن كتفيّ‪،‬‬ ‫جهدتُ أن أطر َ‬
‫فحلّ محلّه ريشٌ‪ ،‬نبتَ في جلدي من جذور عميقةٍ·‬
‫حاولتُ أن أضربَ صدريَ العاري بيديّ الثنتين‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬كنتُ فقدتُ صدريَ العاري‪ ،‬ويديّ·‬
‫ركضتُ‪ ،‬لم يعد الرّملُ يؤخّر سرع َة قدميّ‪،‬‬
‫شأنه من هُنيهةٍ‪،‬‬
‫بل كنتُ مرفوعةً فوقَ التّرابِ·‬
‫ت أنّني مَقنوصَةٌ‪ ،‬مخطوفةٌ في الجواء‪،‬‬ ‫سريعاً‪ ،‬شعر ُ‬
‫شيْنٍ‪،‬‬
‫وها أنذا‪ ،‬نقيّة من كلّ َ‬
‫مَمنوحةٌ رفيقةً إلى مينيرفا·‬
‫لكن‪ ،‬ما الفائدة إن كانت نيكتيميني (‪ )Nyctimène‬التي حُوّلتُ إلى طيرٍ‬
‫عقاباً لجريم ٍة رهيبةٍ‪،‬‬
‫تخِلفُني في هذا المجد ؟ ‪25‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 25‬تحوّلت نيكتيمين (‪ )Nyctimène‬إلى بومة عزيزة جداً على مينيرفا‪ ،‬بعد أن مارست الحبّ المحرّم مع والدها·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪88 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪89 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪105 :‬‬

‫تلكَ حكايةٌ مشهورة في جزيرة ليسبوس (‪ )Lesbos‬كلّها‪،‬‬


‫ن نيكتيميني دنّستْ سريرَ والدِها ؟‬ ‫ألم تسمع أبداً بأ ّ‬
‫هيَ كذلك طائرٌ‪ ،‬غيرَ أنّ إحساسها بجُرمِها‬
‫يفرضُ عليها أن تتوارى عن النظار‪ ،‬وعن ضياءِ النّهار·‬
‫وأن تخبّئ خِزيَها في الظّلمات‬
‫وهيَ مطرودةٌ من الفضاء كلّه·"‬
‫أجابَ الغراب‪:‬‬
‫"لتر ّد عليكَ نُبوءا ُتكَ‬
‫التي تدعوني إلى التّراجع·‬
‫إنّني أحتقرُ النّبوءات الباطلة·"‬
‫ل عن متابعة طريقه‪،‬‬ ‫ودون أن يعد َ‬
‫ب ليُخبرَ سيّده أنّه رأى كورونيس نائمةً‬ ‫ذه َ‬
‫ب من هيمونيا·‬ ‫مع شا ّ‬
‫ق بهذه الجريمة‪،‬‬ ‫عندما سمعَ الله العاش ُ‬
‫ط عن جبينه·‬ ‫خرجَ عن طوره‪ ،‬تاركاً إكليلَ الغار يسق ُ‬
‫ت مِضرابه من أصابعه‬ ‫تغيّر وجهه ولونه‪ ،‬وأفل َ‬
‫خ قلبُه بغضبٍ هائجٍ‬ ‫فيما انتف َ‬
‫قابضاً على أسلحته الليفة·‬
‫ي قوسِهِ‪ ،‬وتّرَها‪،‬‬
‫حَنا قَرنَ ْ‬
‫وخرقَ بسهمٍ صائبٍ الصّدرَ الذي طالما ضمّه إلى صدرهِ·‬
‫أطلقتْ ضح ّيتُه‪ ،‬التي أصيبتْ‪ ،‬زفرةً‪،‬‬
‫ي من جرحها‪،‬‬ ‫ساحبةً السّهمَ الحديد ّ‬
‫وفيما كانت أمواج الدّم تصبغُ بالرجوان بياضَ أعضائها‪،‬‬
‫كانت تصرخ‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪89 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪90 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪106 :‬‬

‫"كنتُ أقدرُ‪ ،‬يا فيبوس‪ ،‬أن أتحمّل عقابًا من يدكَ‪،‬‬


‫لكن بعد أن أصبحَ أمّا·‬
‫ن الثنين·"‬ ‫اليوم‪ ،‬بموتي‪ ،‬سنموت كلنا‪ ،‬نح ُ‬
‫صمتتْ‪ ،‬وسالت حياتها مع دمها‪،‬‬
‫وانسابَ في جسمها الذي فقدَ الوعيَ الفتورُ والموتُ·‬

‫ندمَ عشيقها‪ ،‬لكن‪ ،‬وا أسفاه‪ ،‬بعدَ فواتِ الوقت‪،‬‬


‫ب بهذه الوحشيّة‪،‬‬
‫على عقا ٍ‬
‫ولعنَ نفسه‪،‬‬
‫لنه أصغى للوشاية واستسلمَ لهياج الغضب·‬
‫ف بالجُرم‬
‫لعنَ الطّائر الذي أكرههُ على أن يَعر َ‬
‫الذي سبّب عذابه‪،‬‬
‫ن كذلك قوسَ ُه ويدَه وسهامَه التي رمتها بمثلِ هذا التّهوّر·‬ ‫لع َ‬
‫كانت الفتاة قد تهاوت إلى الرض‪،‬‬
‫ضمّها يُدفّئها بصدره‪،‬‬
‫وجَهدَ‪ ،‬بإسعافٍ متأخّر‪ ،‬أن يتغلّب على القدر‪،‬‬
‫ل فنّه الطبّيّ‪،‬‬‫واستخدمَ وسائ َ‬
‫لكن عبثاً·‬
‫بعدَ هذه المُحاولت التي ذهبت سُدىً‪،‬‬
‫وعندما رأى المحرقة تُهيّأ‪،‬‬
‫حيثُ سيأكلُ الّلهب اللهيّ الجسم‪،‬‬
‫(وبما أن الدّموع ل تقدر أن تغسلَ الوجوه السّماويّة)·‬
‫ق قلبهِ الزّفراتُ‪،‬‬‫ت من أعما ِ‬ ‫انطلق ْ‬
‫كما تنوحُ عِجلةٌ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪90 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪91 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪107 :‬‬

‫ب أذنهِ اليُمنى‪،‬‬
‫رأت الهراوة التي هزّها رجلٌ قر َ‬
‫ف بضربةٍ مُدوّية رأسَ العجلِ الذي كانت تُرضعُه·‬‫تقص ُ‬
‫لكن‪ ،‬عندما رشّ على صدر حبيبته عُطوراً‪ ،‬لم تشعر بها‪،‬‬
‫وعندما ضمّها إليه‪ ،‬يودعهما بالكرام المُستحَقّ‬
‫ت غير مُستَحقّ‪،‬‬‫في مو ٍ‬
‫لم يحتمل أن يرى النا َر إيّاها تحوّل إلى رمادٍ‬
‫البذرة التي أنجبها؛‬
‫ن المومة‪،‬‬ ‫ل ابنه من الّلهب‪ ،‬ومن أحضا ِ‬ ‫انتش َ‬
‫ونقله إلى كهفِ شيرون ذات الجسم الهجين·‬
‫أمّا الغراب الذي كان ينتظر المكافأة على خبره المين‪،‬‬
‫فقد نفاه من عِداد الطّيور ذوات الرّيش البيض·‬

‫أوكيرهوي (‪Ocyrhoe( 26‬‬

‫مع هذا‪ ،‬كان السّنطور‪ ،‬سعيداً‬


‫بأن يُربّي طفلً من نسلٍ إلهيّ‪،‬‬
‫ن بمهمّته الشّاقة·‬ ‫وأفرحه الشّرف الذي يقتر ُ‬
‫ها هي مُقبلةٌ‬
‫يُغطّي شَعرُها الشقر كتفيها‪،‬‬
‫ابنةُ السّنطور‪ ،‬التي سمّتها سابقاً إلهةُ المياه شاريكلو (‪، )Chariclo‬‬
‫باسمِ أوسيرهوي‪،‬‬
‫وقد ولدتها على ضفافِ نهر سريع·‬
‫لم يكن كافياً لها أن تتعلّم فنونَ أبيها‬
‫ف عن مُخبّآت القدار·‬ ‫كانت كذلك تكش ُ‬
‫هكذا‪ ،‬عندما استقبلت نفسها بذرةَ الجنون النبويّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 26‬هو شيرون (‪ )Chiron‬نفسه‪ ،‬وكان سنطوراً (‪ · )Centaure‬وكلمة أوكيرهوي (‪ )Ocyrhoè‬تعني باليونانية‬


‫"التيّار أو المجرى السّريع"· وتُلفظ باليونانية "أوكيروييه"·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪91 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪92 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪108 :‬‬

‫ق عليه قلبها‪،‬‬ ‫وهيّجها الله الذي كانت تُغل ُ‬


‫ت له‪:‬‬
‫لمحتِ الطّفل‪ ،‬وقال ْ‬
‫"من أجلِ خلصِ العالم كلّه‪،‬‬
‫اكبَر يا طفلي‪،‬‬
‫غالباً‪ ،‬ستدينُ لكَ أجسامُ الفانين بوجودها·‬
‫بل ستكون لك سلطةُ‬
‫ت منهم·‬ ‫أن تردّ إليهم أرواحهم التي خُطف ْ‬
‫ولنّك أقدمتَ على ذلك مرّة‪،‬‬
‫ب اللهة‪،‬‬ ‫ف تثير عليكَ غض َ‬ ‫فسو َ‬
‫جدّكَ ‪ 27‬دونَ أن تُمارس هذه الموهبة مرّ ًة ثانية·‬ ‫وتحولُ صاعقةُ َ‬
‫وبعدَ أن كنتَ إلهاً‪ ،‬ستصير جسمًا ل د َم فيه‪،‬‬
‫ث ّم يعود جسمكَ الفاني إلهاً·‬
‫ستجدّد قد َركَ مرّتين·‬
‫ت كذلك‪ ،‬يا أبي الغالي‪،‬‬ ‫أن َ‬
‫أنت الخالد‪ ،‬اليومَ‪ ،‬والذي خُلقتَ بقانون ولدتكَ‬
‫لكي تمتدّ حياتكَ في الجيال التية كلّها‪،‬‬
‫ستتمنّى أن تكون قادراً على الموت‪،‬‬
‫عندما سيعذّبك دمُ أفعى وحشيّة‪،‬‬
‫ل من جرحٍ إلى أعضائكَ جميعاً· ‪28‬‬ ‫دخ َ‬
‫ستحوّلك اللهة من شخصٍ خالدٍ إلى آخر فانٍ‪،‬‬
‫وستقطع خيطَ حياتك اللهاتُ الثلث·"‬
‫ل من المستقبل سرّا عند القدار؛‬ ‫كان ل يزال قلي ٌ‬
‫صعدت زفرةٌ من أعماق قلبها‪،‬‬
‫وسقت الدّموع خدّيها‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 27‬جدّه هو جوبيتر‪ ،‬والد أبولّون·‬


‫‪ 28‬هذه هي أسطورة شيرون‪ ،‬التي تتحدّث عنها ابنته‪ :‬جرحه سه ٌم مُبلّل بدم ِهدْرةٍ (أفعوان خرافي له تسعة رؤوس)‪،‬‬
‫ب كثيرًا حتى تمنّى الموت‪ ،‬غير أنه كان خالداً·‬
‫في ليرنا (‪ )Lernie‬تركها هيركول تسقط عليه‪ ،‬دون أن ينتبه· وتعذ َ‬
‫وأعطاه بروميثيوس حقّه بالموت·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪92 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪93 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪109 :‬‬

‫"القدا ُر توقفني‪ ،‬تمنعني من متابعة الكلم·‬


‫وتسلبني القدرة على استخدام صوتي·‬
‫لم أكن أعطي أهمّية لعلمي الذي جرّ عليّ الغضبَ اللهيّ·‬
‫كنتُ أفضّل أن أجهلَ المستقبل·‬
‫خذَتْ منّي‪،‬‬‫أحسّ أنّ صورتي النسانيّة ُأ ِ‬
‫ويروق لي الن أن أتغذى بالعُشب‪،‬‬
‫وفيّ الن غريز ٌة مندفع ٌة تقودني في السّهول الرّحبة·‬
‫جسمي يأخذ شكلَ فرسٍ‪ ،‬بفعلِ القرابة‪،‬‬
‫لكن لماذا الجسم كلّه ؟‬
‫ذلك أن لبي شكلين·"‬
‫انتهى كلمها بشكاوى يتعذر فهمها‪،‬‬
‫وبكلمٍ مشوّشٍ·‬
‫عمّا قليل لن يعود كلماً‪،‬‬
‫ولن يكون صُراخها بعد صراخ فرسٍ‪،‬‬
‫بل سيكون صوتاً يقلّده؛‬
‫وبعد لحظاتٍ‪،‬‬
‫أطلقت حمحماتٍ وحرّكتْ ذراعيها في اتجاه العشاب·‬
‫ثم تقاربت أصابعها‬
‫ووصل حافرٌ خفيفٌ أظافرها الخمسة في كتل ٍة مُقَرّنة·‬
‫وازدادت نسب وجهها وجسمها‪،‬‬
‫وصار القسم الكبر من ثوبها الطويل ذيلً؛‬
‫ف يتموّج إلى يمين عنقها·‬‫أما شعرها الذي كان مبعثراً‪ ،‬فقد تحوّل إلى عر ٍ‬
‫ت نفسه‪،‬‬‫وتحوّل صوتُها ووجهها في الوق ِ‬
‫بل كان عليها أن تهيّء اسماً آخرَ لتحوّلها المُدهش· ‪29‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 29‬صار اسم أوسيرهوي‪ ،‬هيبّي (‪ ,)Hippè‬الفرَس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪93 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪94 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪110 :‬‬

‫باتّوس (‪)Battus‬‬

‫ل ابنُ فيليرا (‪ Philyra( 30‬يبكي‪،‬‬ ‫كان البط ُ‬


‫وعبثاً‪ ،‬يتلمّس عو َنكَ‪ ،‬يا إله دِلفي (‪)Delphes‬‬
‫لنّك لم تكن قادراً أن تخالفَ أوام َر جوبيتر العظيم‪،‬‬
‫وعندما أصبحتَ قادراً على ذلك‪ ،‬كنتَ في مكانٍ آخر·‬
‫ف ميسّينا (‪.)Messénie‬‬ ‫ت تسكنُ إيليد (‪ )L`Elide‬وري َ‬ ‫كن َ‬
‫كان ذلك عندما كنت تلبس جلدَ راعٍ‬
‫ك بيدكَ اليُسرى عصًا من الغابة‪،‬‬ ‫وتمس ُ‬
‫وبالخرى مزمارًا بسبعِ قصباتٍ متفاوتة الطّول·‬
‫وعندما كنت تستسلم لهموم الحبّ‪،‬‬
‫وكان مزماركَ يسحرُ العِجلتِ‪،‬‬
‫فإنّ بعضها الّلواتي لم تعد راعيًا لهنّ‪،‬‬
‫ن يدخلنَ‪ ،‬كما يُروى‪ ،‬في حقولِ بيلوس (‪· )Pylos‬‬ ‫كّ‬
‫وعندما رآهنّ الله ابنُ مايا (‪ )Maia‬ابنةِ أطلس (‪)Atlas‬‬
‫ل اتّجاههنّ واتّجاهه العادي هو‪ ،‬وخبّأهنّ في الغابات·‬ ‫بدّ َ‬
‫كانت سَرقةً لم يشاهدها أحد‪،‬‬
‫إلّ شخصٌ هَرمٌ معروفٌ في ذلك الرّيف‪،‬‬
‫ينادونه في الجوار باس ِم باتّوس·‬
‫كان يُراقبُ الغابات التي وكّلهُ بحراسَتها نيليوس (‪ )Néleus‬الفتيّ‪،‬‬
‫ويسهر على مراعيها المُعشبة‬
‫وعلى قطعانِ خيوله الصيلة·‬
‫خافَ الله منه‪،‬‬
‫حدَ ٍة بي ٍد مُلطِفةٍ‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫أخذه على ِ‬
‫"أيّا كنتَ‪ ،‬أيّها الغريب‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 30‬شيرون (‪· )Chiron‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪94 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪95 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪111 :‬‬

‫إذا صدفَ وسُئلتَ عن هذه القطعان‪،‬‬


‫فقل إنّك لم تشاهدها·‬
‫خذ هذه العِجلة الجميلة‪ ،‬ثمناً لصَمتكَ‪،‬‬
‫لكيل يكون بل مكافأةٍ‪،‬‬
‫ولفضلكَ هذا الذي تقوم به من أجلي·"‬
‫وأعطاه إيّاها·‬
‫قبلها قائلً له‪ ،‬مُشيراً إلى حجر‪:‬‬
‫ب أيّها الغريب بل خوف‪،‬‬ ‫"اذه ْ‬
‫ي عمّا فعلته·"‬‫هذا الحجر سيكشفُ قبل َ‬
‫تظاهر ابنُ جوبيتر أنه يبتعد‪،‬‬
‫وسُرعانَ ما عادَ‪ ،‬بعدَ أن غيّر‪ ،‬في آنٍ‪ ،‬صوتَه ووجهَه·‬
‫ل له‪:‬‬
‫قا َ‬
‫"أنتَ يا من تسكن هذا الرّيف‪،‬‬
‫ت تمُ ّر من هذه الطّريق‪،‬‬
‫عجْل ٍ‬ ‫ساعدني إن رأيتَ ِ‬
‫وب ّددْ شكوكي حولَ سَرق ٍة تمّتْ·‬
‫ومكافأةً على ذلك‪،‬‬
‫سأعطيكَ عِجْل ًة وثورَها·"‬
‫أجابَه الشّيخ الذي أغراه هذا الثمن المُضاعف‪:‬‬
‫"ستعثرُ عليها في أسفلِ الجبال‪ ،‬هناك·"‬
‫ح هذه الجبال·‬ ‫كانت بالفعل في سفو ِ‬

‫ش َرعَ حفيدُ أطلس بالضّحكِ‪ ،‬وصاحَ‪:‬‬


‫"هكذا تخونني أنا من أجلي‪ ،‬أيّها الغادر‪،‬‬
‫تخونني أنا‪ ،‬من أجلي أنا·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪95 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪96 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪112 :‬‬


‫وحوّل هذا القلب الكاذب اليمين إلى حجر صلبٍ‬
‫ل يزال يُسمّى‪ ،‬حتى الن‪ ،‬النمّام‪،‬‬
‫ط بهذه الصّخرة‬
‫ن يرتب ُ‬‫وهو اس ٌم قدي ٌم لعملٍ شائ ٍ‬
‫التي لم يكن جديرًا بها·‬

‫آغلوروس (‪)Aglauros‬‬

‫من هنا حلّق الله الذي كان يضع صولجانَ هرمس‪31 ،‬‬
‫بحركةٍ واثق ٍة من جناحيه‪،‬‬
‫وكان فيما يطير‪ ،‬يتأمّل من أعلى حقول مينيشيا (‪، )Munyche‬‬
‫الرض الغالية على مينيرفا‪،‬‬
‫وأشجار الحدائقِ في ليكيا (‪.)Lycie‬‬
‫وحدث في هذا اليوم أن فتياتٍ طاهراتٍ‬
‫ل تتوّجها الزّهور‪،‬‬ ‫أثقلنَ رؤوسهنّ‪ ،‬وفقاً للعادة‪ ،‬بسل ٍ‬
‫كنّ يحملنَ إلى قلعةِ بالّس (‪ ,)Pallas‬احتفا ًء بالعيد‪،‬‬
‫الشياء الطّاهرة الخاصّة بعبادته· ‪32‬‬
‫جنّحُ‪،‬‬‫ت عندما رآهنّ اللهُ المُ َ‬ ‫كُنّ عائدا ٍ‬
‫وبدلً من أن يُتابعَ طريقَه باستقامةٍ‪،‬‬
‫ط مُنحنٍ‪،‬‬
‫سارَ في خ ّ‬
‫راسماً الدائرة نفسها·‬
‫وكما لو أنّ الحِدأة‪ ،‬الطّائر السّريع بين الطّيور‪،‬‬
‫رأت لحمَ ضحيّةٍ‪ ،‬وراعها منظر الكهنة الذينَ يتجمّعونَ حولها‪،‬‬
‫فحامت‪ ،‬دونَ أن تقرّر البتعاد‪،‬‬
‫ودوّمتْ‪ ،‬بالطّبع‪ ،‬خافقةً أجنحتها حول الفريسةِ التي تأمل بها‪،‬‬
‫ق قلعةِ آكتي (‪، )Acté‬‬ ‫هكذا فو َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ : )Le Cadusée( 31‬شارة الطّبابة‪ ،‬أو صولجان هِرمس‪ ،‬وهو صولجانٌ تلتفّ عليه حيتانٌ‪ ،‬في أعله جناحان·‬
‫‪ 32‬لمناسبة أعياد أثينا (‪ )Les Panathénées‬التي تهيّئها حاملت القرابين· (فتيات كنّ يحملن سلل القرابين في‬
‫العياد اليونانيّة القديمة (‪· )Canéphores‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪96 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪97 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪113 :‬‬

‫حوّل إلهُ سيلّين (‪ )Cyllène‬الرّشيق مسارَه‪،‬‬


‫ورس َم دائرته في فضاء الجواء ذاتها·‬
‫بقدرْ ما يتفوّق لوسيفر ببريق أضوائه على بقيّة النجوم‪،‬‬
‫ويتفوّق فيبي بضوئه الذهبيّ على لوسيفر‪،‬‬
‫تتجاوز هيرسي جميع العذارى الّلئي تسير معهنّ·‬
‫كانت زينة الموكب‪ ،‬وزينة رفيقاتها·‬
‫عندما رأى ابن جوبيتر مفاتنها‪ ،‬تملّكه العجاب·‬
‫التهبَ‪ ،‬مُعلّقا في الهواء‪ ،‬كمثلِ الرّصاص الذي يُرمى‬
‫بمقلعِ باليار (‪ Baléare( 33‬فيطير‪،‬‬
‫ويشتعل في مسيره‪ ،‬ويحظى‪ ،‬تحت الغيوم‪،‬‬
‫بنيرانٍ لم يكن يعرفها·‬

‫غيّر الله طريقه‪،‬‬


‫فغادرَ السّماء متوجّها نحو الرض‪،‬‬
‫لم يكن يتقنّع‪ ،‬لنه كان واثقاً بجماله·‬
‫كان مع ذلك‪ ،‬على كمال جماله‪،‬‬
‫يُضفي عليه‪ ،‬حين يُعنى به‪ ،‬مزيدًا من الفتنة·‬
‫كان يصقل شَعره‪ ،‬ويرتّب دثاره‬
‫لكي ينسدلَ عليه بأناقة‪،‬‬
‫وتبينَ حواشيه وزخارفه الذّهبيّة·‬
‫وكان يجلو خاتمَهُ الذي يجلبُ النومَ‪،‬‬
‫وهو في يده اليُمنى‪ ،‬أو يطرده·‬
‫وكان بعد أن يُنظّف قدميه‪،‬‬
‫يجلو عَقْبيه المُجنّحين·‪34‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 33‬كان رماة المِقلع في جُزر الباليار ماهرين في الرّمي‪ ،‬وكان الرّومان بسبب من ذلك يجنّدونهم في الجيش‬
‫الرّومانيّ·‬
‫ل من عَقبيه·‬
‫‪ )Talonnière( 34‬عَقْبيّ‪ ،‬وهو جناحٌ‪ ،‬كان الله هِرمس يُعلّقه بك ّ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪97 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪98 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪114 :‬‬

‫كان في القصر‪ ،‬في قسمه الكثر انزواءً‪،‬‬


‫ف مزيّنة بالعاجِ والحرشف·‬ ‫ثلثُ غر ٍ‬
‫أنتِ‪ ،‬يا باندروزوس (‪,)Pandrosos‬‬
‫أخذت الغرفة اليمنى‪،‬‬
‫وأخذت آغلوروس اليُسرى‪،‬‬
‫والوسطى أخذتها هيرسي·‬
‫كانت الفتاة التي تشغلُ الغرفةَ اليُسرى‬
‫أوّل من لحظتْ وصولَ ميركور‬
‫ت أن تسألَ اللهَ عن اسمِه‪،‬‬ ‫وتجرّأ ْ‬
‫وعن سببِ زيارته·‬
‫وقد أجابها بهذه العبارات‪:‬‬
‫"أنا حفيد أطلس وبليوني (‪,)Pleioné‬‬
‫أنا من يتولّى عِبرَ الجواءِ أوامرَ أبي‪،‬‬
‫وأبي هو جوبيتر نفسه·‬
‫لن أتعلّل بأعذار باطلةٍ·‬
‫بالنسبة إليكِ‪ ،‬يكفي أن تبقي وفيّةً لختكِ‬
‫وأن تستحقّي أن تُسمّيْ خالة أولدي·‬
‫ل هيرسي‪،‬‬ ‫ت من أج ِ‬‫جئ ُ‬
‫أرجوكِ يسّري حبّي·"‬
‫رمقتْهُ آغلوروس بالعينين اللتين فاجأتا سابقًا المانة السرّية‪،‬‬
‫لمينيرفا الشّقراء·‬
‫ولكي تقدّم له خدم ًة كهذه‪،‬‬
‫طلبت كمّا ضخمًا من الذهب·‬
‫وفي انتظار ذلك‪،‬‬
‫أجبرته على الخروج من البيت·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪98 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪99 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪115 :‬‬

‫آنفيا (إلهة الغيرة) (‪)L`Envie‬‬

‫أدارت نحوها إلهة الحرب نظر ًة مهدّدة‬


‫ق قلبها تنهّداتٍ‬
‫وأطلقتْ من أعما ِ‬
‫كانت من العنفِ بحيثُ رجّتْ في آنٍ صدرَها‬
‫والمجَنّ الموضوعِ على هذا الصّدر القويّ·‬
‫ظنّت أن آغلوروس كشفت بي ٍد مدنّسةٍ عن السرّ‪،‬‬
‫عندما ألقت نظراتها‪ ،‬خلفاً للوعد‪،‬‬
‫على ابن الله الذي يسكن ليمنوس (‪,)Lemnos‬‬
‫والذي وُلدَ بل أم·‬
‫ظنّت كذلك أن آغلوروس ستذهب‬
‫لتحصلَ على اعتراف الله بأختها‬
‫وبتلك الثروة كلّها‬
‫عندما تتسلّم الذهب الذي اقتضاه جشعُها·‬
‫أسرعت بالذهاب إلى منزل آنفيا‬
‫الذي يدنّسه دمٌ أسو ُد ومتعفّن؛‬
‫إنه مأوى يختبئ في أسفل وادٍ ل تعرفه الشمس‪،‬‬
‫ول تصل إليه الرّياح‪ ،‬قاتمٌ‪،‬‬
‫مليءٌ بهوا ٍء مثلّج‪ ،‬يسبّب الشّلل‪،‬‬
‫ت كثيفة·‬ ‫ق دائماً في ظلما ٍ‬ ‫بل نار أبداً‪ ،‬وغار ٌ‬
‫عندما وصلتْ إليه العذراء المُرعبة في الحرب‪،‬‬
‫وقفت أمام العتبة (لم يكن مسموحاً لها أن تدخل تحت السّقف)‪،‬‬
‫وقرعت الباب برأس حربتها‪،‬‬
‫انفتحت العتبة على مصراعيها من ضربة الحربة‪،‬‬
‫فشاهدت مينيرفا في الداخل آنفيا تلتهم لحمَ أفاعٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪99 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪100 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪116 :‬‬

‫هي غذاءٌ لنزعاتها الشّريرة·‬


‫حوّلت عينيها عن هذا المشهد‪،‬‬
‫أمّا آنفيا‪ ،‬فنهضتْ ببطءٍ عن الرض‪،‬‬
‫ل بعضَ أجزائها‪،‬‬ ‫تاركةً أجسامَ أفاعٍ لم تأكل إ ّ‬
‫وتقدّمت بخطوةٍ واهنة·‬
‫ظ اللهةَ التي زادها سلحُها جمالً‪،‬‬ ‫لم تكد تلح ُ‬
‫حتى تأوّهتْ‪،‬‬
‫ورافق تشنّجٌ في وجهها زفراتِها العميقة·‬
‫كان الشّحوب يُهيمنُ على قسَماتها‪،‬‬
‫وجسمُها كلّه شديد النّحول‪،‬‬
‫ول تقدر أن تنظرَ بشكلٍ مستقيم‪،‬‬
‫ح داكنٌ‪،‬‬‫يغطّي أسنانها قل ٌ‬
‫وتمل قلبها ضغينةٌ ل تذبل·‬
‫لسانها مبلّل بالسّم‪،‬‬
‫ل البتسام‪،‬‬ ‫وتجه ُ‬
‫ل ذلك الذي يوّلدُه على شفتيها منظرُ اللم·‬ ‫إّ‬
‫ل تعرف أبداً عذوبة النّوم‪،‬‬
‫لنها دائماً قلقةٌ بفعل هواجسِها السّاهرة·‬
‫غير أنها تنظرُ بغمّ إلى نجاحِ الناس‪،‬‬
‫وتتيبّس من رؤيتهم·‬
‫ق وتتمزّق في آنٍ‪،‬‬ ‫إنّها تُمزّ ُ‬
‫ن عذابها·‬ ‫وهنا يكم ُ‬
‫وعلى الرّغم من أن إلهة تريتون (‪ Triton( 35‬تزدريها‪،‬‬
‫فقد وجّهت إليها هذه العبارات‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 35‬إلهة تريتون هي أثينا (‪( )Athèna‬مينيرفا) التي ولدت‪ ،‬وفقاً للرواية الكثر انتشاراً‪ ،‬قربَ بحيرة تريتون في ليبيا·‬
‫والمدينة التي نُذرت لها هي مدينة أثينا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪100 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪101 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪117 :‬‬

‫"أبيدي بسمّك إحدى بنات كيكروبس (‪)Cécrops‬؛‬


‫هذا ضروريّ·‬
‫إنّها آغلوروس·"‬
‫لم تزد على ذلك‪ ،‬وذهبت تدفع الرضَ ضاغطةً عليها بحربتها·‬
‫لحقت آنفيا بنظرةٍ مائلةٍ‪ ،‬اللهةَ وهي تبتعد·‬
‫زفرتْ غمغماتٍ ضعيفة‪،‬‬
‫ت من النّجاح الذي تهيّئه لمينيرفا·‬ ‫وتأوّه ْ‬
‫تناولت عصاً تملؤها كلّها‪ ،‬من جميع نواحيها‪،‬‬
‫عُقدٌ شائكةٌ‪36 ،‬‬
‫وأخذت‪ ،‬فيما تغطّيها غيومٌ سوداء أينما عبرت‪،‬‬
‫تسحق أزهار الحقول‪ ،‬وتيبّس النباتات‬
‫وتقطعُ رؤوس الخشخاش·‬
‫وكانت تلطّخ بأنفاسها الناسَ والمدنَ والبيوت·‬
‫أخيراً‪ ،‬شاهدت القلعة المنذورة للهة تريتون‪،‬‬
‫حيث تفتّحتْ ب َريْعانها كلّه الفنون والثروات‬
‫ب في عيدٍ دائم·‬ ‫وسلمٌ يجعلُ القلو َ‬
‫ف تُمسك دموعها‪،‬‬ ‫لم تعرف كي َ‬
‫لنها لم ترَ هناكَ ما يُثي ُر الدّموع·‬
‫لكن‪ ،‬منذ أن دخلت غرفة ابنة كيكروبس‪،‬‬
‫قامت بتنفيذ مهمّتها‪،‬‬
‫لمست صدرها بيدها الزّنجاريّة الّلون‪،‬‬
‫ك مسنونة‪،‬‬ ‫وملت قلبَها بأشوا ٍ‬
‫ونفختْ فيها نفَسًا موبوءاً‪،‬‬
‫وقطّرتْ عِبرَ عظامها‪ ،‬ناشر ًة إيّاه في رئتيها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ق غير آمنة·‬
‫ع من العصيّ المحدّد الرؤوس‪ ،‬أو بدبّوس‪ ،‬كمثل المسافرين الذين يغامرون في طر ٍ‬
‫‪ 36‬تتسلّح آنفيا بنو ٍ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪101 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪102 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪118 :‬‬

‫سمّا أسودَ كالقَطِران·‬


‫ُ‬
‫ولكيل تبتعد أسباب العذاب كثيراً عن الفتاة‪،‬‬
‫فقد وضعت أمام عينيها أختَها‪ ،‬وزواجها السّعيد‪،‬‬
‫وصورة الله الجميلة‪،‬‬
‫ت هذه كلّها·‬
‫وضخّم ْ‬

‫ت ابنة كيكروبس‪ ،‬وقد أثارتها هذه المشاهد‪،‬‬ ‫س ْ‬‫أح ّ‬


‫خزُها في قلبها·‬‫بغيرةٍ خفيّة‪ ،‬ت ِ‬
‫تعذّبت في الّليل‪ ،‬تعذبت في النهار‪،‬‬
‫وأمضتهما في النّواح·‬
‫ذابت التاعس ُة كمثلِ الجليد تحتَ شمسٍ شاحبة‪،‬‬
‫ل بطيء·‬ ‫ضحيّة هُزا ٍ‬
‫الته َمتْها سعادة هيرسي (‪)Hersé‬‬
‫كما تلتهم النار نباتاتٍ شائكة‪ ،‬تترمّد‪،‬‬
‫دون أن يُضاف إليها لهب‪ ،‬بحرارتها الفاترة·‬
‫تمنّت أحياناً الموت‪،‬‬
‫لئلّ ترى هذا الزّواج؛‬
‫وأرادت أحيانًا أن تفضحه أمام صرامة أبيها‬
‫بوصفه جريمةً·‬
‫أخيراً‪ ،‬جلست على العتبة‪،‬‬
‫قُبالةَ الله الذي كان يقترب‪،‬‬
‫مانع ًة إيّاه من الدّخول·‬
‫ف ملطفاته‪ ،‬وتوسّلته‪،‬‬ ‫ضاع َ‬
‫وكلماته الكثر عذوبةً·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪102 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪103 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪119 :‬‬

‫قالتْ‪:‬‬
‫"يكفي·‬
‫لن أتحرّك من هنا‬
‫ل بعدَ أن أراكَ مطروداً·"‬ ‫إّ‬
‫ب مباشرةً إلهُ سيلين‪:‬‬‫فأجا َ‬
‫"لنحرص إذن على هذا التّفاق‪،‬‬
‫َتبَعاً لطريقتكِ·"‬
‫وفتح البابَ بعصاه اللهيّة·‬
‫ت أن تنهضَ‪،‬‬ ‫جهد ْ‬
‫لكن جميع أجزاء الجسم التي تُحنى عند الجلوس‪،‬‬
‫كانت جامدةً في جسمها‪ ،‬بثقلٍ يشُلّها·‬
‫قاومت لكي تنهضَ بقامتها وتقف‪،‬‬
‫غير أن مفاصلَ رُكبها كانت متصلّبة‪،‬‬
‫وكان البردُ ينسابُ حتى أطراف أظافرها‪،‬‬
‫وعروقها التي لم يعد الدّم يجري فيها‪،‬‬
‫فقدتْ لونها·‬

‫كمثلِ سرطانٍ ل شفاء منه‪،‬‬


‫ل اتجاه‪،‬‬‫ينش ُر فتكَهُ في ك ّ‬
‫وبعد الجزاء التالفة‪،‬‬
‫يمتدّ إلى الجزاء السّليمة‪،‬‬
‫هكذا كان ثلجُ الموتِ‪ ،‬يخترقُ شيئاً فشيئاً‪،‬‬
‫صدرَها‪ ،‬ويسدّ عليه مجاري الحياة والتّنفس·‬
‫لم تحاول أبداً أن تتكلّم‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪103 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪104 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪120 :‬‬

‫ولو حاولت‪،‬‬
‫لما وجد صوتُها مخرجاً·‬
‫كان الحجر قد حلّ محلّ عنقها‪،‬وتصلّب وجهها·‬
‫ل ل د َم فيه·‬
‫ل تمثا ً‬
‫لم تعد‪ ،‬وكانت ل تزال جالسةً‪ ،‬إ ّ‬
‫الحجرُ نفسه لم يعد أبيضَ‪،‬‬
‫فقد سوّدته روحُها·‬

‫أوروبا (‪)Europa‬‬

‫ب هكذا كلمَها وقلبَها الدّنِس‪،‬‬‫بعدَ أن عاق َ‬


‫تركَ حفيدُ أطلس الرضَ التي أخذت اسمها من بالّس‪،‬‬
‫وطارَ إلى الثير·‬
‫انزوى به أبوه‪،‬‬
‫ب الذي يدفعه إلى الكلم‪،‬‬ ‫ودون أن يعترف له بالح ّ‬
‫ل له‪:‬‬
‫قا َ‬
‫ي المين‪ ،‬يا ابني؛‬‫"ل تتأخر‪ ،‬يا كاهنَ وصايا َ‬
‫اهبط من هنا بسرعتكَ المألوفة·‬
‫ثمّة بلدٌ إلى يسارنا‪ ،‬ترف ُع أنظارها ‪ 37‬إلى أمّك‪،‬‬
‫يسمّيها السّكان بل َد صيدون·‬
‫إلى هناك ينبغي أن تذهب‪،‬‬
‫ي يَرعى‪،‬‬
‫في عشبِ الجبال‪ ،‬بعيداً‪ ،‬ترى هذا القطيع الملك ّ‬
‫قدْهُ نحوَ الشاطئ·"‬
‫لم يكد ينتهي من كلمه‪،‬‬
‫حتى كانت الثيران تُساق من الجبلِ في طريقها‪،‬‬
‫وفقاً للمر‪ ،‬نحو الشّاطئ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 37‬ينظر سكان صيدون إلى الثريّا‪ ،‬ومايا‪ ،‬إحدى نجومها‪ ،‬هي أمّ ميركور· من السّماء‪ ،‬ينظر جوبيتر إلى الجنوب‪،‬‬
‫ويرى فينيقيا إلى يساره·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪104 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪105 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪121 :‬‬

‫حيثُ اعتادت ابنة الملك القويّ على هذه المنطقة‪،‬‬


‫أن تلهو مع رفيقاتها‪ ،‬عذارى صور·‬

‫قلّما يتّفق الحبّ والجللة‪ ،‬ويقيمان معاً·‬


‫فهو نفسه‪ ،‬الب وسيّد اللهة‪،‬‬
‫المسلّح اليد بالصّاعقة ذات الرؤوس الثلثة‪،‬‬
‫والذي يهزّ الكون‪ ،‬بإشار ٍة من رأسه‪،‬‬
‫هو نفسه ـ تركَ صولجانه المهيب‬
‫وتجلّى في شكلِ ثور·‬
‫كان يخورُ‪ ،‬كثور من القطيع‪،‬‬
‫ويعرض جمالَه فوق العشبِ الناعم·‬
‫لونه لونُ ثلجٍ لم تطأه بعد قدَمٌ‪،‬‬
‫تاركةً فوقه أثرها الخشن‪،‬‬
‫ولم تبلّله بعد النسمات الجنوبيّة الرّطبة·‬

‫عنقه منتفخٌ بالعضل‪،‬‬


‫ب يتدلّى حتى كتفيه·‬ ‫وله غبغ ٌ‬
‫قرناه صغيران‪،‬‬
‫لكن يُمكن الدّفاع عن أنهما كُوّنا باليد‪،‬‬
‫وأنهما يتفوّقان ببريقهما على جُمانِ ما ٍء نقيّ·‬
‫ليس في جبهته ما يُهدّد‪،‬‬
‫وليس في عينيه ما يُخيف·‬
‫وتهيمنُ على وجهه أماراتُ السّلم·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪105 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪106 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪122 :‬‬


‫ن بهذا الجمال‪،‬‬
‫دُهشتْ ابنة أجينور (‪ Agénor( 38‬من رؤية حيوا ٍ‬
‫ول يبدو أنه يبحثُ عن المُصارعة·‬
‫لكن‪ ،‬على الرّغم من هذه العذوبة الغامرة‪،‬‬
‫خافت في البداية أن تلمسه·‬
‫ت منه‪،‬‬‫وسُرعان ما اقتربَ ْ‬
‫قدّمت لفمه أزهاراً ناصعة البياض·‬
‫استولى الفرح على عاشقها‪،‬‬
‫وفيما ينتظر اللّذة التي يأملُ بها‪ ،‬قبّل يديها·‬
‫ب عليه الن‪ ،‬نعم يصعب عليه‪،‬‬ ‫وها يصع ُ‬
‫أن يُرجئ‪ ،‬طويلً‪ ،‬ما تبقّى·‬
‫طورًا يبتهجُ‪ ،‬قافزاً على العشبِ الخضر‪،‬‬
‫وطورًا ينام واضعاً فوق الرّمل الشقر‪،‬‬
‫شحَهُ الثّلجيّ البياض·‬
‫كَ ْ‬
‫عندما بدّد شيئاً فشيئاً خوفَ الفتاة‪،‬‬
‫أخذ يقدّم لها حيناً صدره‪،‬‬
‫لكي تلطفه بيدها‪،‬‬
‫وحينًا قرنيه لكي تغمرهما بأكاليل غضّة·‬
‫حتى إن الميرة تجرّأتْ‪ ،‬جاهل ًة من يحملها‪،‬‬
‫أن تجلس على ظهر الثور·‬
‫آنذاك‪ ،‬أخذ الله يترك‪ ،‬رويداً رويداً‪،‬‬
‫ف من الشاطئ‪،‬‬ ‫القسم الجا ّ‬
‫ويغسلُ في أمواجه الولى‪ ،‬قدميه الماكرتين‪،‬‬
‫ل غنيمته في عرضِ البحر·‬ ‫ث ّم ابتعدَ‪ ،‬حام ً‬
‫ارتعبت الفتاة‪ ،‬والتفتت نحو الشاطئ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 38‬ابنة أجينور هي أوروب‪ ،‬وأجينور هو ملك فينيقيا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪106 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪107 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪123 :‬‬

‫حيثُ اختطفها‪،‬‬
‫تمسك بيدها اليُمنى قرنًا‬
‫واضعةً يدَها الخرى على ردفه·‬
‫وأخذت ثيابها التي حرّكتها ارتعاشةُ الخوف‪،‬‬
‫تتموّج على هوى الرّياح·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪107 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪108 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪129 :‬‬


‫الكتابُ الثالث‬

‫قــــــــــدمــــــــــــــوس‬
‫آكتــــــــــــــــيــــــــون‬
‫ســــــــيـــمــــيلـــــــيا‬
‫تــــــيريـــــــــزيـــــاس‬
‫نــــــــــــــرســـــــــيس‬
‫إيــــــــــــــــــكــــــــــو‬
‫بــــــــــــانــــــــــتيوس‬
‫البحّــارة الترّهانيّــون‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪108 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪109 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪131 :‬‬

‫قدموس (‪)Cadmus‬‬

‫كان الله‪ ،‬بعد أن تج ّردَ من شكلِ الثّور الكاذب‪،‬‬


‫كاشفاً عن هُو ّيتِهِ‬
‫قد نزلَ في ريفِ ديكتيه (‪،)Dictèé‬‬
‫ب ابنه قدموس‪،‬‬ ‫آنذاك أمرَ ال ُ‬
‫جاهلً مصي َر ابنته‪،‬‬
‫أن يبحثَ عن أختِهِ المخطوفة·‬
‫وسيكون عقابه‪ ،‬إذا لم يجدها‪ ،‬النفيَ ـ‬
‫هكذا أضافَ هذا البُ‪ ،‬الرّؤوف القاسي في آنٍ·‬
‫بعدَ أن طافَ الكونَ كلّه‪،‬‬
‫(من يقدر في الواقع أن يكتشفَ حباً سرّيا لجوبيتر ؟)‬
‫ترك ابن أجينور بلده هاربًا من غضب أبيه·‬
‫ذهب ضارعاً يستشيرُ وحي فيبوس‪،‬‬
‫ويسأله عن المكان الذي ينبغي عليه أن يقيم فيه·‬
‫قال فيبوس‪:‬‬
‫ل مُنعزلة‪،‬‬‫"سترى عِجلةً في حقو ٍ‬
‫لم تحمل النّير طول حياتها‪،‬‬
‫جرّ المحراث·‬ ‫ولم تعرف تعبَ َ‬
‫سرْ في طريقكَ‪ ،‬متّخذا إيّاها دليلً·‬
‫وفي الحقولِ المُعشبة‪ ،‬حيث سترتاح‪،‬‬
‫ضَعْ أسُساً لسوار مدينةٍ‪،‬‬
‫ف تُسمّيها المدينة البيوسيّة (‪"· )Béotienne‬‬ ‫سو َ‬
‫لم يكد قدموس ينزل من حضن كاستاليا (‪)Castalie‬‬
‫حتى لمحَ‪ ،‬عجلةً تمشي ببطءٍ وبل حرسٍ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪109 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪110 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪132 :‬‬

‫ول يحمل عُنقها أيّة علم ٍة للتبعيّة·‬


‫سار وراءها‪ ،‬مُقتفياً آثارها خطوةً خطوةً‪،‬‬
‫مصلّيا بصمتٍ لفيبوس الذي هداه إلى طريقه·‬

‫كان قد اجتاز حقولَ سيفيزوس (‪ )Céphisus‬وبانوبا (‪)Panope‬‬


‫عندما توقّفت العِجلة‪،‬‬
‫مالئةً الجواء بنواحها‪،‬‬
‫فيما ترفعُ نحو السّماء جبهتها الجميلة‪،‬‬
‫التي يزيّنها قرنان عاليان·‬
‫ثم تمدّدت على الرض ونامت في العشب الناعم·‬
‫مُديرةً نظرها إلى الوراء نحو الرّفقة الذين يقتفونها؛‬
‫شكر قدموس الله‪،‬‬
‫ثمّ حيّا تلك الجبال وتلك الحقول التي لم يكن يعرفها‪،‬‬
‫مُقبّل هذه الرض الغريبة·‬
‫أخذ يتهيّأ لكي يقدّم قرباناً إلى جوبيتر‪،‬‬
‫وأمر خدّامه أن يذهبوا إلى نبعٍ جار‬
‫يستقونَ منه الماءَ لطقوسِ إراقة الخمر·‬

‫كانت تمتدّ هنالك غاب ٌة قديمة‬


‫لم تنتهكها بعد أيّة بَلْطة·‬
‫ف كثيفة·‬
‫وفي الوسط مغارةٌ تظلّلها أغصانُ صفصا ٍ‬
‫ل قبّةً منخفضة‪،‬‬
‫وكانت ثمّة أحجارٌ مجموعةٌ‪ ،‬تشكّ ُ‬
‫يجري تحتها ينبوعٌ غزيرٌ·‬
‫في أعماقِ هذه المغارة‪ ،‬يختبئ أفعوان‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪110 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪111 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪133 :‬‬

‫سليل مارس (‪· )Mars‬‬


‫يلفتُ النّظر رأسه وجسمه المرقّط بالذهب·‬
‫من عينيه يتطاير الشّرر‪،‬‬
‫خ بالسّم·‬ ‫وجسمه كلّه منتف ٌ‬
‫لسانه مثلّث‪،‬‬
‫ش ْدقُهُ مُنتفحٌ بثلثة صفوفٍ من السنان·‬ ‫وَ‬
‫لم يكد الغرباء ‪ 1‬التون من بلد صور‬
‫يضعون أقدامهم في هذه الغابة المُهلكة‪،‬‬
‫لم تكد الجرار تلقى في الماء‪،‬‬
‫لم يكد صداها يرنّ‪،‬‬
‫حتى مدّ الفعوان المُ ْزرَورقُ رأسَه من أعماقِ المغارة‪،‬‬
‫وأصدرَ فحيحاً رهيباً·‬
‫أفلتت الجرار من أيديهم‪،‬‬
‫وتوقّف الدّم عن الجريان في أجسامهم‪،‬‬
‫جمّدها الذهول·‬‫وسيطرت رجفةٌ مفاجئةٌ على أعضائهم التي َ‬
‫ها هو الوحش يحرّك عرقوبه المُحَرفش‪ ،‬بحلقاته اللّينة‪،‬‬
‫راسمًا بقفز ٍة متلوّية أقواساً ضخمة؛‬
‫و في الجواء الخفيفة ينتصب‬
‫عالياً إلى أكثر من منتصفه‪،‬‬
‫مهيمناً على الغابة كلّها‪،‬‬
‫بجسمه الذي يساوي بضخامته جسم الفعوان ‪2‬‬
‫الذي يفصل الدّب الكبر عن الدّب الصغر·‬
‫وسُرعان ما انقضّ على الفينيقيّين جميعاً‪،‬‬
‫سوا ٌء من كان منهم يتهيّأ لقتاله‪،‬‬
‫شلّهم الخوف·‬ ‫أو للهرب‪ ،‬أو من َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬الفينيقيّون الذين رافقوا قدموس· وديكتيه‪ ،‬منطقة في القسم الشرقيّ من جزيرة كريت·‬
‫‪ 2‬التّنين‪ )Dragon( ،‬وهو مجموعة من الكواكب بين مجموعة الدّب الكبر‪ ،‬ومجموعة الدّب الصغر·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪111 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪112 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪134 :‬‬

‫ولقد تهاووا أمامه ـ بعضهم مزّقتهم لدغاته‪،‬‬


‫وبعضهم طواهم في ثناياه‪،‬‬
‫وبعضهم سمّمتْه أنفاسُه الكريهة القاتلة·‬

‫بلغت الشمسُ أوجَها·‬


‫ش ابنُ آجينور‪ ،‬لتأخر رفقائه‪،‬‬ ‫فتقلّصت الظللُ‪ ،‬ودُه َ‬
‫فأخذ يبحث عن آثارهم·‬
‫كان يلبس فروة أسدٍ‪ ،‬ويتسلّح بحرب ٍة متوهّجة النّصل‪،‬‬
‫وبرمحٍ‪ ،‬وبشجاعته التي تتفوّق على جميع السلحة·‬
‫دخل إلى الغابة‪ ،‬ورأى الجثث‪ ،‬ورأى العدوّ المنتصر‬
‫يجثم عليها بجسمه الضّخم‪ ،‬لعقًا إيّاها بلسانه المُدمّى·‬
‫صرخ قائلً‪:‬‬
‫"إمّا أن أثأ َر لموتكم‪،‬‬
‫أيّها الرفقاء الوفياء‪،‬‬
‫وإمّا أن ألحق بكم·"‬
‫قال ذلك ورفع بيده اليُمنى‪ ،‬كتلةً هائل ًة من الحجر‪،‬‬
‫وبجه ٍد كبير رمى هذا الثّقل الضّخم· ‪3‬‬
‫كان يُمكن لهذه الصّدمة أن ترجّ السوار المتوّجة بأبراجٍ عالية‪،‬‬
‫حتى ذرواتها‪،‬‬
‫غير أن الفعوان لم يُجرحْ‪،‬‬
‫فقد ردّ هذه الضّربة الرّهيبة جلدُه السود القاسي‬
‫الذي تحميه حراشفه كأنها درع·‬
‫لكن مع ذلك لم يكن جلده من القسوة‬
‫بحيث ل يتأثر بالرّمح نفسه‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 3‬القتال بين قدموس وتنّين طيبة‪ ،‬يذكره أوريبيدوس في مسرحيّته (الفينيقيات ‪ 836‬ـ ‪ )576‬ويستأنفه سينيكا (‬
‫‪ )Sènèque‬في (أوديب ‪ 907‬ـ ‪·)327‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪112 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪113 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪135 :‬‬

‫فبعد أن نفذ النّصل في إحدى ثناياه‪،‬‬


‫وسط عموده الفقريّ الليّن‪،‬‬
‫نفذ فيه واخترقه كلّه حتى أحشائه·‬
‫أدار الوحشُ رأسه على ظهره‪ ،‬هائجًا من الوجع‪،‬‬
‫ص فيه‪،‬‬‫ونظر إلى جرحه‪ ،‬وعضّ النّبل الذي غا َ‬
‫جاهداً لكي يحرّكه في مختلف التجاهات‪،‬‬
‫وتوصّل إلى أن ينتزعه من ردفه·‬
‫غير أن النصل ظلّ ثابتاً في عظامه·‬
‫وهذا مما زاد في هيجانه العاديّ‪،‬‬
‫فانتفخت أوداجه المليئة بالدّم‪،‬‬
‫ش ْدقِهِ الوبئ·‬
‫وخرج زبدٌ أبيض من َ‬
‫كانت الرض التي يلمسها تدوّي تحت حراشفه‪،‬‬
‫ش ْدقِهِ‪ ،‬على صورة ستيكس (‪)Styx‬‬ ‫والبُخار السود المُتصاعد من َ‬
‫يلطّخ الجواء ويلوّثها·‬
‫ل منحنياتٍ ضخمةٍ‪،‬‬ ‫طوراً‪ ،‬يتدحرج لولبياً‪ ،‬مُشكّ ً‬
‫وطوراً ينتصبُ أكثر استقام ًة من جذعٍ فارعٍ‪،‬‬
‫وطورًا يندفعُ‪ ،‬بقفزةٍ واسعةٍ‪ ،‬كسيلٍ تسرّع المطا ُر تدفّقه‪،‬‬
‫فيقتلعُ بصدره الشجارَ التي تعيقه·‬
‫تراجع ابنُ آجينور قليلً‪،‬‬
‫وواصل الهُجومَ بجلدِه السديّ‪،‬‬
‫أوقف الشّدق المُه ّددَ‪ ،‬مواجهًا إيّاه برمحه·‬
‫وأخذ الفعوانُ الهائجُ يُهاجم بعضّات ل طائلَ وراءها‬
‫النّصل الذي ل يُكسَر‪،‬‬
‫ويغرسُ أسنانه في حدّه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪113 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪114 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪136 :‬‬

‫ل من حنكه السّام‬ ‫بدأ الدمُ يسي ُ‬


‫ويصبغ العشبَ الذي يجري فوقه‪،‬‬
‫غير أن الجرحَ كان خفيفاً‬
‫إذ تراجعَ الحيوانُ أمام الضربة·‬
‫مرجعاً إلى الوراء عُنقَه الذي لم يكد يُخدش‪،‬‬
‫ل دون أن يظلّ السّلح داخل الجرح‪،‬‬‫بهذه الحركة الرتداديّة‪ ،‬حا َ‬
‫وينفذ أعمقَ فأعمق·‬
‫أخيراً‪ ،‬بعدَ أن غر َز ابن آجينور النّصل في حلقومه‪،‬‬
‫شدّ على العنق‪ ،‬دون أن يُتيحَ له النفلت‪،‬‬
‫حتى اصطدم الخصم‪ ،‬من جرّاء تراجعه‪ ،‬بشجرة بلّوط‪،‬‬
‫حيث اخترقَ النّصل رأسه واخترق الخشب كذلك·‬
‫انحنت الشجرة تحت ثقل الفعوان‪،‬‬
‫وتأوّه الخشب الذي كان يجلده بطرف ذيله·‬

‫ل لعدوّه المغلوب‪،‬‬
‫فيما كان الغالب يتأمّل الطّول الهائ َ‬
‫سُمعَ صوتٌ‪ ،‬فجأة·‬
‫لم يكن مُمكنًا معرفة المصدر الذي جاء منه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"لماذا‪ ،‬يا ابن آجينور‪،‬‬
‫تحدّق في الفعوان الذي فرغت من قتله ؟‬
‫ق فيه·"‬
‫أنتَ كذلك ستصبح أفعوانًا يُحدّ ُ‬
‫سيطر الرّعب على قدموس‪ ،‬فأضاع فكره وفقد لونه‪،‬‬
‫وقفّ شعره بفعلِ هل ٍع مجمّد·‬
‫لكن‪ ،‬ها هي حامية البطل بالّس‪،‬‬
‫ط من أعلى ذروات السماء‪ ،‬وتأتي إليه‪،‬‬ ‫تهب ُ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪114 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪115 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪137 :‬‬

‫أمرته بأن يحرث الرض ويزرع فيها‬


‫ب مُقبل·‬
‫أسنان الفعوان‪ ،‬أصولً لشع ٍ‬
‫أطاعها‪،‬‬
‫وعندما فتح المحراث الذي يضغطه بيده‪ ،‬أثلماً‪،‬‬
‫بذر في التراب‪ ،‬وفقاً للمر الذي تلقاه‪،‬‬
‫تلك السنان التي يجب أن يولد بش ٌر منها·‬
‫آنذاك‪ ،‬وهذه مُعجزة ل تصدّق‪ ،‬أخذ الطّين يتحرّك‪،‬‬
‫بدأت تظهر أولً خارج الثلم أسنّةُ حرابٍ‬
‫ثمّ خوذ تحرّكها رؤوس تتغطّى بمخروطاتها‬
‫ذوات اللوان الحيّة·‬
‫ثمّ بدأت تخرج من الرض أكتافٌ وصدورٌ‪،‬‬
‫وأذرعٌ مثقلة بالحراب·‬
‫وظهر حش ٌد كبيرٌ من الجنود المسلّحين بالتّروس·‬
‫هكذا‪ ،‬كمثل ما يحدث في العياد‪،‬‬
‫عندما يُرفعُ السّتار في المسارح‪،‬‬
‫تشاهد في بادئ المر‪ ،‬أشكالٌ مصوّرة‬
‫تبرز أوّل وجوهها‪،‬‬
‫ثم تُبرز‪ ،‬شيئاً فشيئاً ما تبقى‪،‬‬
‫ب كلّها من الكواليس بحرك ٍة بطيئةٍ ومتدرّجة‪،‬‬ ‫حتى تُسح َ‬
‫وتبدو مرئيّة بكاملها‪،‬‬
‫واضع ًة أقدامها على حافّة المسرح·‬

‫وتهيّأ قدموس لمتشاقِ أسلحته‬


‫مُرتاعاً من هؤلء العداء الجدد‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪115 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪116 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪139 :‬‬

‫فصرخ أحد المُحاربين من هذا الشّعب الذي خلقته الرض لتوّها‪:‬‬


‫"ل تمتشق أسلحتك‪،‬‬
‫ب الهليّة·"‬‫ول تتدخّل في هذه الحر ٍ‬
‫ضربَ بسيفِهِ‪،‬‬
‫ل ذلك‪،،‬‬ ‫فيما يقو ُ‬
‫أحدَ إخوته الذين وُلدوا من الرض·‬
‫ف من بعيد·‬ ‫وهو نفسه سقط بضربةِ رُمحٍ قُذ َ‬
‫وهذا الذي أسلمه إلى الموت‪،‬‬
‫لم يعش بعده طويلً‪،‬‬
‫ت له من هُنيهة·‬ ‫وردّ الروحَ التي أعطي ْ‬
‫على غرارهم‪،‬‬
‫ش كلّه·‬‫استرسل في الضّراوة الجي ُ‬
‫ومات هؤلء الخوة الذين ولدوا فجأةً‬
‫في حربٍ أهليّة‪ ،‬من الطّعنات التي تبادلوها·‬
‫كان هؤلء الفتيان‬
‫الذين لم يمنحهم القدر إلّ حياةً قصيرةً جداً‪،‬‬
‫قد جابهوا أمّهم الدّامية ‪4‬‬
‫بصدورهم التي كانت ل تزال فاترة·‬
‫ل خمسة‪ ،‬بينهم إيشيون (‪· )Echion‬‬ ‫لم يبقَ منهم إ ّ‬
‫ألقى سلحه على الرض بأم ٍر من اللهة تريتون‬
‫ب من إخوته سلماً صادقاً‪،‬‬ ‫وطل َ‬
‫عرضه عليهم هو نفسه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 4‬الصّراع الخوي بين الخوة الذين بذرهم قدموس‪ ،‬يدشّن مأساة عائلة طيبة‪ ،‬التي انتهت بأهوال ارتكاب المحارم‪،‬‬
‫وبالحرب بين إيتيوكل (‪ )Etèocle‬وبولينيس (‪·)Polynice‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪116 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪117 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪140 :‬‬

‫ثم أصبحوا شركاء الغريب المهاجر من صيدون في أعماله‪،‬‬


‫عندما أسّس المدينة التي أمرتْ ُه ببنائها نبوءة فيبوس·‬
‫كانت طيبة (‪ )Thèbes‬قد نهضت·‬
‫وكان قد بدا يا قدموس أنّك وجدتَ السّعادة في منفاك·‬
‫شرّفك مارس وفينوس بقبولك صهراً لهما· ‪5‬‬
‫أضِف إلى ذلك الخلفَ الذي أعطتك إيّاه زوجتك اللهيّة الصل‪،‬‬
‫الكثيرَ من الناث‪ ،‬والكثير من الحفاد‪،‬‬
‫الذين أصبحوا هم أنفسهم في ريعان شبابهم·‬
‫نعم‪ ،‬غير أنّ النسان يجب أن ينتظر دائماً‪،‬‬
‫اليوم الخير‪:‬‬
‫ن إنه سعيدٌ‪،‬‬‫ول ينبغي أن يُقال عن أيّ إنسا ٍ‬
‫قبل وفاتِه‪،‬‬
‫ووداعه المأتميّ الخير·‬

‫آكتيون (‪)Actéon‬‬

‫حفيدكَ يا قدموس‬
‫بقرنيه اللذين أثقل جبينه خلفاً للطبيعة‪،‬‬
‫ب لعذابك الول‪ ،‬في قلبِ رخائك الغامر‪،‬‬ ‫هو سب ٌ‬
‫ت من دماء سيّدك·‬‫وأنتِ كذلك أيّتها الكلب التي ارتوي ِ‬
‫ولئن نظرنا عن كثبٍ‪ ،‬فإننا نرى أنه ضاع‬
‫بخطٍأ من ربّة الحظّ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 5‬تزوّج قدموس من هرمونيا (‪ )Harmonie‬وكان هذا الزواج سبباً في حقدِ فولكان (‪ )Vulcain‬زوج فينوس؛ غير‬
‫أن هذا الحقد ينضاف إلى حقد جونون التي لم تغفر حب جوبيتر لوروبّا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪117 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪118 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪141 :‬‬

‫ل من الغابة·‬ ‫في الجزء الكثر انعزا ً‬


‫كان غارًا ل يدين للفنّ بأيّ شيء‪:‬‬
‫فالطّبيعة‪ ،‬بعبقريّتها وحدها‪،‬‬
‫هي التي أعطته شكله الفنّيّ·‬
‫رسمت بالغَُليْسِ الخفيف‪،‬‬
‫والحجر الخُفّان المليء بالحياة‪6 ,‬‬
‫مُنحنى قبّ ٍة طبيعيّة·‬
‫ق ينبوعٌ صغيرٌ‬ ‫إلى اليمين يُسقس ُ‬
‫يمل ماؤه الشّفاف حوضاً واسعاً‬
‫يحيط به حزا ٌم من العشب·‬
‫هنا اعتادتْ إلهة الغابات عندما كانت تتعب من الصّيد‪،‬‬
‫ل بالماء النّقيّ جسمها البتوليّ·‬ ‫أن تغس َ‬
‫عندما دخلت إلى هذا الغار‪،‬‬
‫استودعت ربّة الغاب المكلّفة بأسلحتها‬
‫رمحَها‪ ،‬وكنانتها‪ ،‬وقوسها المستريحة·‬
‫ووضعت ربّة أخرى على ذراعيها‬
‫الثوبَ الذي تخلعه اللهة·‬
‫ونزعت ربّتان أخريان حذاءها من قدميها·‬
‫والمه ُر بينهنّ‪ ،‬كروكالي (‪ ,)Crocalé‬ابنة إيسمينوس(‪)Isménus‬‬
‫جمعت في شكلِ عقدةٍ الشّعر المبعثر‬
‫على العنقِ اللهيّ‪،‬‬
‫في حين يتموّج شعرها هي ‪ ،‬مبعثراً·‬
‫أما نيفيلي(‪ )Néphélé‬وهيالي (‪ )Hyalé‬ورانيس (‪، )Rhanis‬‬
‫وبسيكاس(‪ )Psécas‬وفيالي (‪، )Phialé‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬الحجر حيّ ـ كما كان يُعتقد في كلّ حجر يُقتلع من الرض· وقد استخدمنا كلمة "فَُليْس"‪ ،‬لنعدام كلمة أخرى‪ ،‬وهي‬
‫ي والتكوين‬
‫ي يُطلق على تكوينين مسامّييْن من طبقات الرض‪ ،‬التّكوين الرّسوب ّ‬
‫كما جاء في "المنهل"‪" :‬اس ٌم نعت ّ‬
‫الثّوْرانيّ·"‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪118 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪119 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪142 :‬‬

‫فأخذنَ يغترفنَ الماء من الينبوع‪،‬‬


‫ويسكبنه عليها من جرارهنّ الطّافحة·‬
‫وفي أثناء سكبه على ابنة تيتان‪ ،‬وفقاً لما ألِفنهُ‪،‬‬
‫جاء حفي ُد قدموس‪ ،‬بعد أن أنهى أعماله‪،‬‬
‫ت حديثة النّموّ‪ ،‬يجهلُها‪،‬‬‫يُنزّهُ خطواته المتعثّرة بين دَغلٍ من شُجيرا ٍ‬
‫حتى بلغ الغابة المقدّسة؛‬
‫ذلك أن قدره كان يدفعه إلى هذا المكان·‬
‫ولم يكد يضع قدميه في هذا المُنعزَل‪،‬‬
‫ث يُريق النّبع طلّه‪،‬‬
‫حي ُ‬
‫حتى بدأت الرّباتُ‪ ،‬وقد لمحْنَ رجلً‪،‬‬
‫ث كنّ‪،‬‬ ‫يلطمنَ صدورهنّ‪ ،‬عارياتٍ حي ُ‬
‫ويملنَ الغابةَ بصُراخِهنّ الحاد·‬
‫أسرعنَ يلتففنَ حولَ ديانا‬
‫ويُقمْنَ لها سوراً بأجسامهنّ·‬
‫ل منهنّ‪،‬‬‫غير أن اللهة أكثر طو ً‬
‫ي تتجاوزهنّ جميعاً برأسِها·‬
‫فه َ‬

‫كما تعكس الغيوم أشعّةَ الشمس التي تضربها مواجهةً‪،‬‬


‫أو كما يتلوّن الفجر بالرجوان‪،‬‬
‫هكذا احمرّتْ ديانا لنها رؤيتْ عاريةً·‬
‫ومع أنّ جمع رفيقاتها يُحطْنَ بها‪،‬‬
‫فقد انتحتْ‪ ،‬وأدارت وجهها·‬
‫وكم تمنّت لو أنّ سهامها في متناول يدها‪،‬‬
‫فأخذت ماءً كان قربها‪ ،‬ورشّته على وجه الفتى‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪119 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪120 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪143 :‬‬

‫ساكبةً هذا الماء المُنتقِم على شَعره‪،‬‬


‫مُضيف ًة هذه الكلمات التي تنذره بهلكه القريب‪:‬‬
‫"اذهب الن‪ ،‬وأخبر أنّك رأيتني عاريةً‬
‫ت ذلك·"‬‫إن استطع َ‬
‫ت بتهديداتها هذه‪،‬‬
‫اكتف ْ‬
‫فأنبتت في الرّأس الذي بلّله بالماء‪،‬‬
‫ل مُعمّر‪7 ،‬‬
‫قرنيْ وع ٍ‬
‫وأطالت عنقه‪،‬‬
‫ودبّبت طرفي أذنيه‪،‬‬
‫وحوّلت يديه إلى قدمين‬
‫وذراعيه إلى فخذين طويلتين‪،‬‬
‫وغطّت جسمه بجلدٍ مُبرقش·‬
‫أعطته‪ ،‬إضافةً إلى ذلك‪ ،‬روحًا شديدة الهلع·‬
‫ولّى البطل‪ ،‬ابن أوتونوي (‪ )Autonoè‬هارباً‪،‬‬
‫ودُهشَ‪ ،‬فيما يركض‪ ،‬من سُرعته·‬
‫لكن عندما رأى في الماء وجهه وقرْنيْه‪،‬‬
‫كاد أن يَصرخ‪:‬‬
‫"ما أشقاني!"‬
‫لكن لم تخرج من فمه أيّة كلمة·‬
‫تأوّه‪ ،‬وكان تأوّهه لغتَه كلّها·‬
‫سالت دموعه على وجهٍ لم يعد وجهه‪،‬‬
‫فلم يبقَ له من هيئته القديمة إلّ عقلهُ·‬
‫ماذا ينبغي عليه أن يفعل ؟‬
‫يعود إلى بيته‪ ،‬في المقرّ الملكيّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 7‬مُعمّر‪ :‬فقد كان يُظنّ أن الوعل يعيش عمراً أطول أربع مرّات من عمر الزّاغ‪ ،‬وأن عمر هذا أطول من عمر‬
‫النسان بتسع مرّات·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪120 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪121 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪144 :‬‬


‫أم يختبئ في الغابات ؟‬
‫منعه الخجل من الخيار الوّل‪،‬‬
‫ف دونَ الخيار الثاني·‬
‫وحال الخو ُ‬
‫وفي أثناء تردّده‪ ،‬لمحته كلبه·‬
‫دلّ عليه الوّلن‪ ،‬ميلمبوس (‪ )Mélampus‬وإيكنوباتس (‪)Ichnobatès‬‬
‫نباحاً‪ ،‬بحاسّة شمّهما المرهفة·‬
‫ولدَ إيكنوباتيس في غنوس (‪، )Gnosse‬‬
‫وينحدر ميلمبوس من سللة سبارطيّة·‬
‫بعدهما‪ ،‬جرتْ إليه كلبٌ أخرى‪،‬‬
‫أكثرُ سُرع ًة من ريحٍ عاصفة‪:‬‬
‫بامفاجوس (‪ ، )Pamphagus‬دورسوس (‪ ، )Dorceus‬وأوريبازوس (‪، )Oribasus‬‬
‫والثلثة من أركاديا (‪· )Arcadie‬‬
‫نيبروفونوس (‪ ، )Nébrophonus‬ذو البأس‪،‬‬
‫تيرون (‪ )Théron‬الفتّاك‪ ،‬ليلبس (‪، )Lélaps‬‬
‫بتيريلس (‪ ، )Ptérélas‬النفيس لسرعته‪،‬‬
‫وآغري (‪ )Agré‬النّفيس لفطنتهِ‪،‬‬
‫ي منذ فترة قريبة‪،‬‬‫وهيليه (‪ ، )Hylée‬الوثّاب‪ ،‬الذي جرحه خنزيرٌ برّ ّ‬
‫نابيّ (‪ ، )Napé‬الذي ينحدر من ذئبٍ‪،‬‬
‫بيمينس (‪P‬د ‪ ، )ménis‬الذي كان يُرافق القطعان سابقاً‪،‬‬
‫هاربيا (‪ ، )Harpyia‬التي تصطحب صغيريها‪،‬‬
‫ولدون السّيسيونيّ (‪ ، )Ladon le Sicyonien‬ذو الخواصر الضّامرة‪،‬‬
‫دروماس (‪ ، )Dromas‬كاناشيه (‪، )Canaché‬‬
‫ستيكتي (‪ ، )Sticté‬تيغريس (‪، )Tigris‬‬
‫آلسي (‪ ، )Alcè‬لوكون (‪ ، )Leucon‬ذو الوبر الثلجيّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪121 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪122 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪145 :‬‬

‫أسبولوس (‪ ، )Asbolus‬ذو الوبر السود‪،‬‬


‫لكون (‪ )Lacon‬الصّلب‪،‬‬
‫آييلو (‪ )Aello‬الذي ل يتعب من الرّكض‪،‬‬
‫توس (‪ ، )Thous‬ليسيزيا (‪ ، )Lyciscé‬السّريعة‪،‬‬
‫وأخوها القبرصيّ‪،‬‬
‫هاربالوس (‪ ، )Harpalos‬الموسوم ببقع ٍة بيضاءَ في وسط جبهته السّوداء‪،‬‬
‫ميلنيوس(‪ ، )Mèlaneus‬لكني (‪ ، )Lachné‬ذو الجسم الكثّ الوبر‪،‬‬
‫ب من جبل ديكتي (‪، )Dicté‬‬ ‫وكلبان آخران‪ ،‬مولودان ل ٍ‬
‫وأ ّم لكونيّة (‪، )Laconienne‬‬
‫لبروس (‪ ، )Labros‬وآغريدوس (‪، )Agridos‬‬
‫هيلكتور (‪ ، )Hylactor‬ذو الصّوت الحادّ‪،‬‬
‫وكلبٌ أخرى كذلك‪ ،‬يطول الكلم كثيرًا إذا تحدّثنا عنها·‬
‫هذا السّرب الضّاري من الكلب‪،‬‬
‫المتلهّفة إلى الفريسة‪،‬‬
‫أخذ يطارد الشّابّ عبر الصّخور‪ ،‬والمنحدرات‪ ،‬والماكن الوعرة‪،‬‬
‫وفي المناطق الصّعبة‪ ،‬أو التي ل دروب فيها·‬
‫ب في المكنة ذاتها‪،‬‬ ‫وكان يهر ُ‬
‫حيث طاردَ غالباً فريسته·‬
‫ب من حيواناتٍ كانت في خدمته·‬ ‫نعم إنّه‪ ،‬وا أسفاه‪ ،‬يهر ُ‬
‫أرادَ أن يصرخ فيها‪:‬‬
‫"أنا آكتيون‪ ،‬تذكّري سيّدك·"‬
‫غير أنّ الكلمات لم تعد طَوعَ إرادته·‬
‫النّباح وحده هو الذي كان يمل الجواء بالدويّ·‬
‫من ميلنشيتيس (‪ )Mélanchètès‬جاءته النّهشة الولى ‪8‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ب إناث·‬
‫‪ 8‬بدأت الهجوم عليه ونهشَه كل ٌ‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪122 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪123 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪146 :‬‬

‫في ظهره‪،‬‬
‫والنّهشة الثانية من تيريداماس (‪· )Théridamas‬‬
‫وأمسك أوريزوتروفوس (‪ )Oresitrophus‬بكتفه·‬
‫كانت هذه الكلب الثلثة قد لحقته متأخرة عن الكلب الخرى‪،‬‬
‫غير أنها تقدّمتها بسلوكها الطّرق المختصرة في الجبل·‬
‫ك بسيّدها‪،‬‬ ‫وبينما كانت تمس ُ‬
‫كانت بقيّة السّرب تتجمّع؛‬
‫وانقضّت النياب كلّها على جسمه‪ ،‬في الوقت ذاته·‬
‫ح جديدة·‬‫لم يعد في جسمه مكانٌ لجرا ٍ‬
‫تأوّه آكتيون‪ ،‬ولئن كان صوته لم يعد صوت إنسانٍ‪،‬‬
‫ل أن يُجه َر به‪،‬‬ ‫فهو ليس مع ذلك الصّوت الذي يقدر أيّ ٌ‬
‫مل بتأوّهاته الليمة المُرتفعاتِ التي كان يألفها‪،‬‬
‫ولنعدام ذراعيه‪،‬راح يدور في التجاهات كلّها‪ ،‬صامت الوجه‪،‬‬
‫حانيًا ركبتيه‪ ،‬في وضع الصّلة‪ ،‬ضارعاً·‬
‫وكان رفقاؤه‪ ،‬دون أن يعرفوه‪،‬‬
‫يحرّضون الكلبَ الهائجة كعادتهم·‬
‫باحثين عن آكتيون بنظراتهم‪،‬‬
‫كما لو أنه غائب‪،‬‬
‫وينادون تنافساً‪" :‬آكتيون!"‬
‫كان هو يدير رأسه حين يسمع اسمه‪،‬‬
‫أمّا هم فيتذمّرون من غيابه‪ ،‬ومن بطئه في الحضور‪،‬‬
‫ليشاهد الفريسةَ التي ُقدّمتْ إليه·‬
‫يو ّد فعلً لو كان غائباً‪،‬‬
‫غير أنه حاضرٌ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪123 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪124 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪147 :‬‬

‫يودّ لو يرى‪ ،‬دون أن يكون الفريسة‪،‬‬


‫مآث َر كلبه الوحشيّة·‬
‫انتصبت من جميع الجهات حولَ سيّدها‬
‫ل أيّل‪ ،‬خادعٍ‪،‬‬
‫وقد غاصت خراطيمها في جسمه المختبئ في شك ِ‬
‫ومزّقته إرباً إرباً·‬
‫وكان عليه أن يلفظَ حياته بآلف الجراح‬
‫لكي يروي غليلَ اللهة ذاتِ الكنانة ديانا·‬

‫سيميليا (‪)Sémélé‬‬

‫تنوّع تأويل الخبر ·‬


‫رأى بعضهم أن اللهة متحجّرة العاطفة‪،‬‬
‫واستحسنَ آخرون صرامتها‪،‬‬
‫ق لعذريّتها المتقشّفة·‬‫معلنين أن هذا العقاب ح ّ‬
‫ولكلّ منهم أسبابٌ صالحةٌ يداف ُع عنها·‬
‫زوجة جوبيتر وحدها كانت‬
‫أقلّ اهتمامًا بالتعبير عن استنكارها أو استحسانها‬
‫منها بشماتتها ببيت آجينور·‬
‫فقد شملت بحقدها الذي تكنّه على الصّوريّة‪ 9 ،‬منافستها‪،‬‬
‫جميع أفراد العائلة نفسها·‬
‫وها هو يَنضافُ إلى مَطاعنِها القديمة‪،‬‬
‫آخرُ حديثٌ جدّا‪:‬‬
‫تألّمت من أن سيميليا‬
‫تحملُ في أحشائها بذرة جوبيتر العظيم·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 9‬أي أوروبّا التي خطفها جوبيتر· وحقدُ جونون أمرٌ مسلّم به في الشّعر منذ النّيادة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪124 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪125 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪148 :‬‬

‫ولحظة أطلقت للسانها المنافس عِنانَه‪ ،‬قالت‪:‬‬


‫ت من هذا الخصام الذي تكرّرَ مراراً ؟‬ ‫"ماذا أفد ُ‬
‫عليّ أن أهاج َم تلك المرأة نفسها·‬
‫هي التي سأقضي عليها‬
‫إن كان لي الحقّ أن أسمّى جونون العظيمة‪،‬‬
‫إن كنت جديرةً أن أمسك بيدي الصّولجان‬
‫المزيّن بالحجارة الكريمة‪،‬‬
‫إن كنت ملكةً‬
‫أختاً لجوبيتر وزوجةً له·‬
‫إنني أخته على القل‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬من يدري ؟‬
‫لعلّها اقتنعت بلقاءاتٍ س ّريّةٍ‪،‬‬
‫وكانت إهانتها لسريرنا عابرة ؟‬
‫غير أنّها حبلت!‬
‫هذا ما كان ينقصني!‬
‫ل يقدّم البرهان الواضحَ على جريمتها‪،‬‬‫هوذا حضنها المُثق ُ‬
‫ب من جوبيتر وحده‬ ‫وتريد أن تكتس َ‬
‫شرف أن تكون أمّا‪،‬‬
‫في حين أنني لم أكد أنعم به أنا نفسي·‬
‫تلك هي ثقتها بجمالها!‬
‫سأعرف كيف أحوّل هذه الثقة إلى خيبة!‬
‫ت ابنة ساتورن‬ ‫كلّ‪ ،‬لس ُ‬
‫إن لم يُغرقها جوبيتر نفسه في أمواج ستيكس (‪"· )Styx‬‬
‫بعد أن أنهت كلماتها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪125 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪126 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪149 :‬‬

‫نهضت من عرشها‪ ،‬وتوجّهت‬


‫متخفّية في غيمةٍ شقراء‪،‬‬
‫إلى بيت سيميليا·‬
‫غير أنها‪ ،‬قبل أن تترك الغيوم‪،‬‬
‫اتخذت مظهر امرأةٍ عجوز‪ ،‬وغطّت صدغيها بشعر أبيض‪،‬‬
‫وملت جلدها بالتجاعيد‬
‫وتقدّمتْ‪ ،‬حانيةً أعضاءها‪ ،‬بخطواتٍ مضطربة·‬
‫اتخذت كذلك صوت امرأ ٍة مُسنّة‪:‬‬
‫هي مربّية سيميليا‪ ،‬بيروي (‪ ,)Béroè‬نفسها‬
‫المُنحدرة من إيبيدور (‪.)Epidaure‬‬
‫بعدَ أن وجّهت الحديث‪ ،‬بخطابٍ طويلٍ ومضلّل‬
‫إلى ذكر اسم جوبيتر‪ ،‬تنهّدتْ وقالت‪:‬‬
‫"أتمنّى أن يكون جوبيتر‪،‬‬
‫غير أنني خائفة·‬
‫كم من الناس تسللوا‪ ،‬تحت أسماءِ آلهةٍ‪،‬‬
‫إلى مخادع طاهرة·‬
‫ومع ذلك ل يكفي أن يكون جوبيتر‪،‬‬
‫ينبغي كذلك أن يُعطيكِ ضماناً لحبّه·‬
‫إن كان هو حقاً‪ ،‬فأصرّي على أن تظهر العَظَمةُ‬
‫والعزّة اللّتان تحيطان به‪ ،‬عندما يضمّك بين ذراعيه·‬
‫كما تظهران عندما تستقبله جونون النبيلة بين أحضانها·"‬
‫بهذه العبارات قادت جونون ابنة قدموس السّاذجة‪،‬‬
‫إلى تنفيذ ما خطّطت له·‬
‫وها هي تطلب من جوبيتر نعمةً لم تسمّها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪126 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪127 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪150 :‬‬


‫فيُجيبها الله‪:‬‬
‫"اختاري‪،‬‬
‫لن تواجهي رفضاً·‬
‫ولقناعكِ بشكلٍ أفضل‬
‫سأتّخذ شهوداً‬
‫آلهةَ ستيكس‪،‬‬
‫هذا النهر الذي تخشاه اللهةُ وتمجّده·"‬
‫ت بوعدٍ مشؤوم‪،‬‬ ‫فرح ْ‬
‫وازدادت من كياسة عشيقها‪ ،‬سلطتُها التي ستؤدّي إلى هلكها‪،‬‬
‫فتابعت كلمَها قائلةً‪:‬‬
‫"كما تراك ابنة ساتورن بين ذراعيها‪،‬‬
‫عندما توحّد بينكما روابطُ فينوس‪،‬‬
‫أريدُ أن أراكَ‪،‬‬
‫عندما تعطيني نفسكَ·"‬
‫ق فمَها‪،‬‬
‫ت أن تُكملَ‪ ،‬وأرادَ الله أن يُغل َ‬ ‫أراد ْ‬
‫غيرَ أنّ كلماتها المتهوّرة كانت قد طارت في الهواء·‬
‫أنه لم يعد في مقدورهما‪،‬‬
‫أن تنك َر هي ما تمنّته‪،‬‬
‫أو أن يُنكرَ هو ما وعدَ به·‬

‫امتل بالحزنِ‪ ،‬صاعداً إلى العالي السّماويّة·‬


‫جمعَ‪ ،‬بإشار ٍة من وجهه‪ ،‬الغيو َم الوديعة‪،‬‬
‫وضمّ إليها العواصفَ والبروقَ‬
‫ممزوجةً بالرّياح‪ ،‬والرّعد‪ ،‬والصّاعقة التي ل مَحي َد عنها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪127 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪128 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪151 :‬‬

‫ل مع ذلك‪ ،‬بقدر إمكانه‪ ،‬أن يُخفّفَ قوّته·‬ ‫حاو َ‬


‫فلم يتسلّح هذه المرّة بالنيران‬
‫التي صرعَ بها تيفيوس (‪ )Typhoeus‬بأيديه المئة‪10 ،‬‬
‫فهي نيرانٌ بالغة الهول·‬
‫هناكَ صاعقةٌ أخرى أكثرُ خفّة‪،‬‬
‫وضعت فيها أيدي السّيكلوبات (‪ )Cyclopes‬عُنفاً أقلّ‪،‬‬
‫ولهباً أقلّ وسُخطاً أقلّ‪،‬‬
‫يُسمّيها اللهة صاعق ًة من الدّرجة الثانية·‬
‫ك بها ودخلَ إلى بيت آجينور·‬ ‫أمس َ‬
‫لم يقدر جس ُم فاني ٍة أن يتحمّلَ القصفَ الذي يرجّ الجواء‪،‬‬
‫فقد ترمّدت سيميليا في النّيران‪ ،‬هدايا زوجها·‬
‫انتُزعَ الولدُ‪ ،‬غير المكتمل النموّ‪ ،‬من أحشاء أمّه‪،‬‬
‫وخيطَ‪ ،‬وهو ل يزال واهياً‪،‬‬
‫(إن كان العتقاد بهذه المُعجزة مُمكناً)‪،‬‬
‫ث يُكملُ الوقت الذي كان عليه‬ ‫إلى فخ ِذ أبيه‪ ،‬حي ُ‬
‫أن يُمضيه في أحشاء أمّه·‬
‫ت إينو (‪ ,)Ino‬شقيقة أمّه‪ ،‬مهدَه‪ ،‬بالرّعاية الولى·‬ ‫خِفيةً‪ ،‬أحاط ْ‬
‫ثمّ عهدت به إلى ربّات الغاب في نيزا (‪)Nysa‬‬
‫الّلئي خبّأنه في مغاورهنّ‪،‬‬
‫وغذّينه باللّبن·‬

‫تيريزياس (‪)Tirésias‬‬

‫فيما كانت هذه الحداث تتمّ على الرض‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 10‬تيفيوس (‪ )Typheus‬أحد العمالقة الذين حاولوا أن يتسلّقوا الولمب·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪128 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪129 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪152 :‬‬

‫مرسومةً بشرعِ القدر‪،‬‬


‫وكان مهد باخوس (‪ ,)Bacchus‬المولود مرّتين‪،‬‬
‫في مأمنٍ من الذى‪،‬‬
‫يُروى أنّه خطرَ لجوبيتر الذي انتشى بكوثر اللهة‬
‫أن يطرح عنه همومه الثقيلة‪،‬‬
‫لكي يلهو بحرّيةٍ‪ ،‬مع جونون‪،‬‬
‫الخالية هي نفسها من الهموم كلّها·‬
‫قالَ لها‪:‬‬
‫س بها النثى‬ ‫"أكيدٌ أنّ الشّهوة التي تح ّ‬
‫أعمق من تلك التي يحسّ بها الذكر·"‬
‫أنكرت جونون ذلك‪،‬‬
‫واتّفقا أن يستشيرا تيريزياس العلّمة‪،‬‬
‫ذلك أنه كان يعرف شهوات الجنسين·‬
‫ب بعصاه حيّتين كبيرتين‬ ‫فذات يومٍ‪ ،‬ضر َ‬
‫تمارسان الجنسَ في غابةٍ خضراء‪،‬‬
‫وحينذاك‪ ،‬يا للمعجزة! انقلب‬
‫من رجلٍ إلى امرأة‪،‬‬
‫وبقي كذلك طوال سبعةِ فصولٍ خريفيّة‪،‬‬
‫وفي الفصل الثامن رآهما ثانية‪ ،‬فقالَ لهما‪:‬‬
‫"إن كان للضّربات التي تلقّيتماها‬
‫مثلُ هذه القوّة لتغيير جنس من يضربكما‪،‬‬
‫فإنني أودّ اليو َم كذلك أن أضربكما·"‬
‫ضربَ الحيّتين‪،‬‬
‫وسُرعان ما استردّ شكلَه الوّل‪ ،‬ومظهره الطّبيعيّ·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪129 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪130 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪153 :‬‬

‫إذن‪ ،‬أخذ تيريزياس حَكماً في هذا النقاش المُمتع‪،‬‬


‫فأكّد رأي جوبيتر·‬
‫ت ابنة سارتون غيظًا مُفرطاً‪،‬‬ ‫وإذ اغتاظ ْ‬
‫ل يستحقّه هذا الموضوع‪ ،‬كما يؤكّدون‪،‬‬
‫ل أبدي·‬ ‫فقد حكمت على عينيه بالبقاء في لي ٍ‬
‫ق ليّ إل ٍه أن يُهدّم صنيعَ إلهٍ آخر)‪،‬‬ ‫لكنّ الب الكلّيّ القدرة‪( ،‬إذ ل يح ّ‬
‫أعطاه‪ ،‬بدلً من الضّوء الذي فقده‪،‬‬
‫أن يعرفَ المستقبلَ‪،‬‬
‫مُخفّفاً العقابَ بفضلِ ِه هذا·‬

‫نرسيس (‪)Narcisse‬‬

‫عاش تيريزياس في مدن أونيا (‪,)Aonie‬‬


‫ل مكان‪،‬‬ ‫حيث ذاعَ صيته في ك ّ‬
‫س الذين يأتون لستشارته·‬
‫يُعطي أجوب ًة ل تُخطئ للنا ِ‬
‫ليريوبي (‪ )Liriope‬ربّة الماء ذات الشّعر الّلزوردي‪،‬‬
‫هي أوّل من اختبر نبوءاته في قول الحقيقة·‬

‫قديماً‪ ،‬احتضنها اللهُ النّهرُ كيفيزوس (‪ )Céphise‬في مَجراه المُتعرّج‬


‫وأبقاها سجينةً وسطَ أمواجه‪ ،‬واغتصبها·‬
‫حبلت‪ ،‬وكانت تملك جمالً نادراً‪،‬‬
‫وولدتْ طفلً‪،‬‬
‫ل لن تحبّه ربّات الماء‪،‬‬‫بدا منذ ولدته أه ً‬
‫سمّتهُ نرسيس·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪130 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪131 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪154 :‬‬

‫جاءت تسأل تيريزياس إن كانت حياته ستمتدّ‬


‫في شيخوخةٍ طويلة·‬
‫فأجابها العرّاف‪ ،‬شارحُ القدر‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"نعم‪ ،‬إن لم يعرف نفسه·"‬
‫ظلّت هذه العبارة النّبوئيّة‬
‫تبدو لفترةٍ طويلة كأنها بل معنى‪،‬‬
‫غير أنّ النبوءة أثبتتها‬
‫سيْرِ الشياء‪ ،‬وكيفيّة موتِ نرسيس‬ ‫طريقةُ َ‬
‫وغرابةُ جنونِه·‬
‫كان ابنُ كيفيزوس قد أضافَ سنةً‪،‬‬
‫إلى سنواته الخمس عشرة‪،‬‬
‫يجمع بين الطفولة والرجولة‬
‫يثير الشهوة في عدد كبير من الفتيان والفتيات·‬
‫غير أن جماله الشّهيّ كان يخبىء صلفاً جامحاً‪،‬‬
‫بحيث لم يقدر أن يُلمسه‬
‫ل الفتيان ول الفتيات·‬

‫إيكو (‪)Echo‬‬

‫خصَ َة العود‪،‬‬
‫فيما كان نرسيس يقود إلى شباكه أيائل رَ ْ‬
‫جذب انتباه إلهة الغاب إيكو (‪ )Echo‬التي ترجّع الصوت‪،‬‬
‫والتي ل تعرف أن تسكتَ عندما يُوجّه إليها الكلم‪،‬‬
‫ول أن تبادر هي بالكلم·‬
‫في ذلك الوقت‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪131 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪132 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪155 :‬‬


‫كان ليكو جسمٌ‪،‬‬
‫ولم تكن تحوّلت الى مجرّد صوت·‬
‫مع ذلك فإنّ فمها الثرثار‬
‫لم يكن يفيدها إلّ في أن يُرجّع‬
‫ل ما تسمعه·‬ ‫الكلمات الخيرة لك ّ‬
‫هكذا شاءت لها جونون·‬
‫عندما كانت اللهة تفاجئ إلهات الغاب‬
‫الّلئي كنّ يستسلمنَ غالباً في الجبال‬
‫لمداعبات زوجها جوبيتر‪،‬‬
‫كانت إيكو تجهد لستبقائها‪ ،‬بأحاديث طويلة‪،‬‬
‫لكي توفّر للهات الغاب فرصة الهرب·‬
‫تنبّهت إلى ذلك ابنة ساتورن‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫"هذا اللّسان الذي خدعني‪،‬‬
‫لن تكون لك عليه‪ ،‬بعد الن‪،‬‬
‫إلّ سلطةٌ ضعيفة·‬
‫ولن تستخدمي الكل َم بعد الن‬
‫إلّ استخداماً قصيراً جداً·"‬
‫ووضعت تهديدها هذا موضعَ التّنفيذ·‬
‫غير أن إيكو بقيت تكرّر الرّنات الخيرة‪،‬‬
‫التي يبثّها الصّوت‪،‬‬
‫وتعيد الكلمات التي سمعتها·‬
‫هكذا عندما كانت تلمح نرسيس شارداً‬
‫في الحقول المنعزلة‪،‬‬
‫كانت تقتفي‪ ،‬خفيةً‪ ،‬آثاره‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪132 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪133 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪156 :‬‬

‫والشّهوة تتأكّلها·‬
‫وبقدر ما كانت تتبعه‪،‬‬
‫كانت تقترب من النار التي تحرقها·‬
‫وتلك سُرعةٌ ـ ل تفوقها سرعة الكبريت الحيّ‬
‫ن به أطراف المشاعل‪،‬‬ ‫الذي تُده ُ‬
‫حين يشتعل في احتكاكه باللّهب·‬
‫أوه! كم مرّةً أرادتْ أن تدنو منه‬
‫ت مُلطفة‪،‬‬ ‫لتخاطبه بكلما ٍ‬
‫ت وديعةٍ·‬ ‫ولتوجّه إليه التماسا ٍ‬
‫وكانت طبيعتها تأبى ذلك‪ ،‬ول تسمح لها بالمبادرة·‬
‫غير أنها‪ ،‬وهذا مُتاحٌ لها‪،‬‬
‫صدِ الصوات‬ ‫كانت جاهز ًة لتر ّ‬
‫وترجيع كلماتها الخاصّة·‬
‫مصادفةً‪،‬‬
‫حدثَ أنّ الشّابّ انفصلَ عن جمعِ رفقائه الوفياء‪،‬‬
‫فصرخ‪:‬‬
‫"أقُربي أحدٌ ؟"‬
‫ـ "نعم‪ ،‬أحدٌ·"‬
‫أجابت إيكو·‬
‫أخذ‪ ،‬مذهولً‪ ،‬يطوف بنظره‬
‫في التجاهات كلّها‪ ،‬صارخًا بصوته كلّه‪:‬‬
‫ـ"تعالي·"‬
‫فردّت على هذا النّداء بندا ٍء مماثلٍ·‬
‫التفتَ‪ ،‬وإذ لم يرَ أحداً يجيء‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪133 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪134 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪157 :‬‬

‫"لماذا تهربين منّي ؟"‬


‫هكذا كان يستقبل الكلمَ الذي يُرسله·‬
‫ألحّ‪ ،‬وإذ رأى نفسه مخدوعاً‬
‫بالصّوت الذي يتناوب مع صوته‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"لنجتمع هنا!"‬
‫لم تكن هناك غبطةٌ أعظم تردّ بها إيكو على عبار ٍة كمثل هذه‪ ،‬فكرّرتْ‪:‬‬
‫"لنتّحدْ!"‬
‫وإذ فُتنتْ هي نفسها بما قالته‪،‬‬
‫ت من الغابة‪،‬‬‫خرج ْ‬
‫وأرادتْ أن تطوّق بذراعيها‬
‫العنقَ الذي طالما تشهّتهُ·‬
‫هربَ نرسيس‪ ،‬وقال هارباً‪:‬‬
‫"اسحبي هاتين الذراعين‬
‫ل عناق!‬
‫أفضّل أن أموتَ‬
‫على أن أستسلم لكِ·"‬
‫ولم تُرجّع إيكو إلّ عبارة‪:‬‬
‫"أستسلم لك·"‬
‫أحسّت إيكو أنّها احتُق َرتْ‪،‬‬
‫فذهبت تختبئ في الغابات‪،‬‬
‫مُغطّيةً بالوراقِ وجهها المُثقل خجلً وعاراً·‬
‫ومن ذلك الوقت‪،‬‬
‫تعيش في مغاورَ منعزلة·‬
‫غير أنّ حبّها بقي محفوراً في قلبها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪134 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪135 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪158 :‬‬

‫والحزن الذي سبّبه نبذها‬


‫لم يكفّ عن النموّ·‬
‫كانت الهموم التي تُبقيها ساهرةً‪،‬‬
‫تستهلكُ جسمَها البائس‪،‬‬
‫وكان الهزال يُيبّس جلدها‪،‬‬
‫تبخّر نُسْغُ أعضائها‪،‬‬
‫ولم يبق لها إلّ الصّوت والعظام·‬
‫صوتها سليمٌ‪،‬‬
‫أما عظامها فقد اتّخذت‪ ،‬كما يُقال‪ ،‬شكل صخرةٍ·‬
‫مذّاك‪ ،‬تختبئ في الغابات‪،‬‬
‫ول تظهر أبداً على الجبال؛‬
‫س كلّهم يسمعونها·‬‫غير أن النا َ‬
‫الصّوت ـ‬
‫هذا كلّ ما تبقّى منها·‬

‫ل هذه اللهة‪،‬‬ ‫كمث ِ‬


‫رأت أخرياتٌ وُِلدْنَ في المياه‪ ،‬أو على الجبال‪،‬‬
‫ن نرسيس يزدريهنّ‬ ‫أّ‬
‫كذلك رأى قبلهنّ عديدٌ من الشبّان أنه يزدريهم·‬
‫رفع شابّ كان قد استخفّ به نرسيس‬
‫يديه إلى السّماء‪ ،‬وصرخ‪:‬‬
‫"ليته يُبتلى هو كذلك بالحبّ‪،‬‬
‫ق حبيبته·"‬
‫ويبْقَى محروماً أبداً من عنا ِ‬
‫وقد استجابت إلهة رامنونت (‪ Rhamnonte( 11‬لهذا التّوسّل العادل·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 11‬إلهة رامنونت هي نيميزيس (‪ ، )Némésis‬التي هي تجسيدُ النتقام اللهيّ‪ ،‬وتعاقب كلّ إفراطٍ يقوم به أبناء‬
‫البشر· وكان لها معبدٌ يُزارُ في رامنونت·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪135 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪136 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪159 :‬‬

‫ي تتلل مياهه تللؤ الفضّة‪،‬‬ ‫كان هناك ينبوعٌ نق ّ‬


‫لم يقترب منه أبداً الرّعاة‪،‬‬
‫ول الماعز الذي كانوا يرعونه في الجبال‪،‬‬
‫ولم تقترب منه أيّة ماشية‪،‬‬
‫أو أيّ طائر‪ ،‬أو أيّ حيوانٍ وحشيّ‪،‬‬
‫ول عكّر نقاءه أيّ غصنٍ سقط من شجرة·‬
‫يمتدّ حوله عشبٌ‪ ،‬يستمدّ حياته من مجاورته لمياهه‪،‬‬
‫وتمتدّ غاب ٌة تمنع الشمس من تسخين المناخ حوله·‬
‫هنا جاء الشّابّ الذي أتعبه احتدام الصّيد‬
‫وحرارة النّهار‪،‬‬
‫يتمدّد على الرض‪،‬‬
‫مفتوناً بجمال المكان‪ ،‬ونضارة النّبع·‬
‫ها هو يروي عطشه‪،‬‬
‫غير أنه يشعر أنّ عطشًا جديداً يأتيه‪،‬‬
‫وفيما كان يشرب‪،‬‬
‫أخذ بصورته التي رآها في الماء‪،‬‬
‫بانعكاسٍ رجراجٍ‪،‬‬
‫فما لم يكن إلّ ظِلّ‪،‬‬
‫ب أنّه جسم·‬
‫حس َ‬
‫انتشى أمام نفسه‪،‬‬
‫وجمد‪ ،‬بارد الوجه‪ ،‬شبيهًا بتمثالٍ‬
‫ت من رخام باروس (‪· )Paros‬‬ ‫منحو ٍ‬
‫تمدّد على التراب‪،‬‬
‫وتأمّل نجمتين لم تكونا إل عينيه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪136 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪137 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪160 :‬‬

‫وشعره الجدير بباخوس‪ ،‬وليس أقلّ جدارةً بأبولّون‪12 ،‬‬


‫وخدّيه النّاعمين‪ ،‬وعنقه العاجيّ‪،‬‬
‫وفمه البديع‪،‬‬
‫ولونه الذي يشعّ بألقٍ عقيقيّ‬
‫يوشّحه بياضٌ كالثّلج·‬
‫ب بكلّ ما يوحي بالعجاب·‬ ‫أعج َ‬
‫تشهّى نفسه‪ ،‬دون أن يدري أنه العاشق والمعشوق·‬
‫إطراءاته يوجّهها إلى نفسه‪،‬‬
‫والنّيران التي يحسّها‬
‫هي تلك التي يُشعلها هو·‬
‫كم مرّةٍ أعطى قبلً ل طائلَ وراءها‬
‫إلى هذا النّبع الماكر·‬
‫ق ذراعيه لكي يُمسك بعنقه‬ ‫كم مرّةٍ‪ ،‬أغر َ‬
‫الذي كان يراه وسطَ المياه‪،‬‬
‫دون أن يقدر على الوصول إليه!‬
‫ماذا كان يرى ؟‬
‫يجهل تماماً·‬
‫لكنّ ما يراه يُضْنيه‪،‬‬
‫والخداع نفسه الذي يُوهمُ عينيه‪ ،‬يوقظهما·‬
‫أيّها الطفل السّاذج‪،‬‬
‫لماذا تصرّ عبثاً‬
‫على أن تُمسكَ بصورةٍ هاربةٍ ؟‬
‫ما تبحث عنه ل وجود له‪،‬‬
‫والشيء الذي تحبّه يتلشى منذ أن تلتفت إليه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 12‬أبولّون وباخوس‪ ،‬في السطورة‪ ،‬شابّان أبديّان‪ ،‬ل يتخطّيان حدود المراهقة‪ ،‬وليس لهما كغيرهما لحية وشعر‪ ،‬فقد‬
‫أعفيا من هاتين الخاصّتين الذكوريّتين الثانويّتين·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪137 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪138 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪161 :‬‬


‫ليس الشّبح الذي تراه‪،‬‬
‫ل انعكاساً لصورتك؛‬ ‫إّ‬
‫ل قوام له بنفسه‪،‬‬
‫ل معك‪،‬‬ ‫يأتي ويظ ّ‬
‫ت أن تبتعد·‬
‫ومعك سيبتعد‪ ،‬إن قدر َ‬

‫ل قلقُ سيريس‪ 13 ،‬ول الحاجة إلى النّوم‬


‫يُمكن أن يُخرجه من هذا المكان·‬
‫مُنطرحاً فوق عشبِ المساء‪،‬‬
‫يتأمّل الصّورة الكاذبة بنظر ٍة ل تشبع·‬
‫يموت ضحيّة عينيه·‬
‫ينهض قليلً‪ ،‬مادّا ذراعيه نحو أشجار تحيط به‪،‬‬
‫ويقول‪:‬‬
‫"أيّتها الغابات‪،‬‬
‫هل كابدَ في الماضي عاشقٌ‬
‫مصيرًا أكثر قسوةً ؟‬
‫تعرفين‪،‬‬
‫ذلك أنّك‪ ،‬غالباً‪ ،‬قدّمت إلى الحبّ‬
‫ملجأً في أوانه·‬
‫أنتِ التي ُتعَدّ حياتها بالعصور‪،‬‬
‫هل تتذكّرين أنّك رأيت في هذا الزّمن المديدِ‪،‬‬
‫عاشقاً يضنى كمثلي ؟‬
‫يفتنني كائنٌ أراه‪،‬‬
‫غير أن هذا الكائن الذي أراه والذي يفتنني‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 13‬سيريس (‪ )Cérés‬إلهة الغلل ‪،‬لسيما القمح والحبوب·وهي كذلك كناية عن الغذاء·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪138 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪139 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪162 :‬‬

‫ل أقدر أن أصلَ إليه·‬


‫كبيرٌ هو الضّلل الذي يُضادّ حبّي·‬
‫وليس بيننا‪ ،‬وهذا مما يزيد في العذاب‪،‬‬
‫بحرٌ واسعٌ‪ ،‬ول دروبٌ طويلة‪،‬‬
‫ول جبالٌ‪،‬‬
‫ب مُغلقة·‬
‫ول معاقلُ بأبوا ٍ‬
‫كلّ‪،‬‬
‫ل من الماء·‬ ‫ل يفصلنا إلّ قلي ٌ‬
‫وهو كذلك‪ ،‬يتشهّى عناقي‪،‬‬
‫إذ كلّما مددتُ شفتيّ نحو هذه المياه الصّافية‬
‫ل قبلةٍ‪،‬‬
‫من أج ِ‬
‫يَجهدُ هو أن يرفع إليّ شفتيه·‬
‫يُخيّل إليّ أنني أقدر أن ألمسه‪،‬‬
‫فثمّة عائقٌ واهنٌ‪ ،‬هو وحده‪ ،‬يعترض حبّنا·‬
‫اخرجْ‪ ،‬أيّا كنتَ‪ ،‬تقدّم إليّ‪،‬‬
‫لماذا أيّها الطفل‪ ،‬الذي ل شبيه له‪،‬‬
‫تلهو بي هكذا ؟‬
‫ب عندما أقترب منكَ ؟‬ ‫أين تهر ُ‬
‫أكيد‪ ،‬ل وجهي‪ ،‬ول عمري‬
‫هما اللذان يدفعانكَ إلى الهرب·‬
‫أحبّتني أنا كذلك إلهاتُ غابٍ‪،‬‬
‫وتجعلني أنتَ أقرأ على وجهكَ الحبيب ما ل أدري من المل‪،‬‬
‫وعندما أمدّ لك ذراعيّ‪،‬‬
‫تمدّ لي ذراعيكَ من تلقائكَ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪139 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪140 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪163 :‬‬

‫وعندما أبتسم لك‪ ،‬تبتسم لي·‬


‫عكَ تجري‪،‬‬ ‫وغالبًا كذلك‪ ،‬رأيتُ دمو َ‬
‫عندما كنت أبكي·‬
‫تردّ على إشاراتي حانياً رأسكَ‪،‬‬
‫وتعيدُ إليّ‪،‬‬
‫ت فمكَ الجميل‪،‬‬ ‫كما أتخيّل‪ ،‬من حركا ِ‬
‫كلماتٍ ل تصلُ إلى أذني·‬
‫غير أن هذا الطّفل هو أنا·‬
‫ت ذلك‪،‬‬ ‫أدرك ُ‬
‫ولم تعد صورتي تخدعني·‬
‫أحترقُ حبّا لذاتي‪،‬‬
‫أشعلُ الّلهب الذي أحمله في أحشائي·‬
‫ماذا أفعل ؟‬
‫أكون المتلمّس‪،‬‬
‫أم المُلتمس ؟‬
‫وماذا ألتمس بعد الن ؟‬
‫ما أشتهيه‪ ،‬كامنٌ فيّ‪،‬‬
‫ب فقري·‬ ‫فَغناي هو سب ُ‬
‫أوه! ليتني أستطيع أن أنفصلَ عن جسمي!‬
‫أمنيةٌ فريد ٌة لعاشقٍ‪:‬‬
‫ب بعيدًا عنّي·‬‫أتمنّى أن يكون من أح ّ‬
‫لقد استنفد العذاب قوايَ‪،‬‬
‫ولن أعيش بعد طويلً‪،‬‬
‫ف أنطفئ وأنا في شرخ الشّباب·‬ ‫فسو َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪140 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪141 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪164 :‬‬

‫ي قاسياً‪،‬‬ ‫ليس الموت بالنسبة إل ّ‬


‫ذلك أنه سيخلّصني من آلمي؛‬
‫ت أتمنّى لمن أحبّه حياةً طويلة·‬ ‫كن ُ‬
‫غير أننا‪ ،‬وقد اتّحدنا بقلبينا‪،‬‬
‫حتَضَرُ‪،‬‬‫س ُن ْ‬
‫ومعاً سنُص ّعدُ الرّمق الخيرَ·"‬
‫أنهى كلمه‪ ،‬هاذياً‪ ،‬عائداً‬
‫إلى التأمّل في صورته·‬
‫ن دموعَه كدّرت الماءَ‪،‬‬ ‫غير أ ّ‬
‫ولم تعد صورته واضحة في الماء المُضطرب·‬
‫عندما رآها تمّحي‪ ،‬صرخ‪:‬‬
‫"أين تهربين ؟‬
‫إبقَي‪،‬‬
‫ل تهجري‪ ،‬أيّتها القاسية‪ ،‬من يع ُب ُدكِ·‬
‫ليُسمحَ لي أن أنظ َر بعينيّ‬
‫إلى ما ل أقدرُ أن ألمسه بيديّ‪،‬‬
‫وأن أغذّي بهِ جنوني البائس·"‬
‫خلع ثيابه‪ ،‬فيما ينوح‪ ،‬بادئًا من أعلى‪،‬‬
‫وأخذ‪ ،‬بيديه البيضاوينِ كالرّخام‪،‬‬
‫يضربُ صدره العاري الذي بدأ تحت الضّربات‪،‬‬
‫يتلوّن بلونٍ ورديّ‪،‬‬
‫ويُصبح كمثل ثمرةٍ‪ ،‬بيضاء من جهةٍ‪،‬‬
‫موشّحة بالحُمرةِ‪ ،‬من جهةٍ ثانية؛‬
‫أو كمثل عنقو ٍد من العنب‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪141 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪142 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪165 :‬‬

‫متدرّج اللوان‪،‬‬
‫مائلٍ‪ ،‬قبل نُضجه‪،‬‬
‫إلى اللّون الرجوانيّ·‬

‫لم يكد يرى صدره‬


‫في الماء الذي صفا‪،‬‬
‫حتى أصبح عاجزاً عن التّحمّل·‬
‫ي يذوب أمام لهبٍ خفيف‪،‬‬ ‫كمثلِ شم ٍع ذهب ّ‬
‫أو كما يذوب صقيعُ الصّباح تحت أشعّة الشمس الدافئة‪،‬‬
‫هكذا أتلفه الحبّ‪،‬‬
‫ذائباً في النار الخفيّة التي أخذت تفترسه رويداً رويداً·‬
‫فقد ذلك اللون الذي كان بياضه‬
‫يتوشّح ببريقٍ قرمزيّ·‬
‫وفقد عافيته‪،‬‬
‫وقواه وجميع المفاتن التي كان يتعشّقها منذ قليل‪،‬‬
‫ولم يبقَ في جسمه أيّ شيء من الجمال الذي أحبّته إيكو·‬
‫عندما رأته من جديد‪،‬‬
‫رثتْ له‪،‬‬
‫رغمَ سخطها عليه·‬
‫كان هذا الشابّ التّاعس‪ ،‬كلّما صرخ‪" :‬وا أسفاه!"‪،‬‬
‫يُجيبه صوت إلهة الغابة مرجّعاً‪" :‬وا أسفاه!"·‬
‫وعندما كان يضرب ذراعيه بيديه‪،‬‬
‫كانت ترجّع صوت الضّربات·‬
‫"وا أسفاه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪142 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪143 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪166 :‬‬

‫أيّها الطّفل الذي أحببته عبثاً!"‪:‬‬


‫هذه كانت آخر الكلمات التي تفوّه بها‪،‬‬
‫ناظرًا كعادته‪ ،‬إلى الماء·‬
‫وكانت المكنة حوله ترجّعُ اللفاظ ذاتها‪،‬‬
‫واحداً واحداً·‬
‫قال‪" :‬وداعاً!"·‬
‫فردّت إيكو‪" :‬وداعاً!"·‬
‫ترك رأسه المُرهقَ يسقط على العشبِ الخضر‪،‬‬
‫أغلق الموت عينيه اللتين كانتا‬
‫تعجبان دائماً بجمال سيّدهما·‬
‫حتى بعد أن أدخلَ إلى دار الجحيم‪،‬‬
‫كان ل يزال يتأمّل نفسه في ماء ستيكس·‬
‫بكته أخواته‪ ،‬ربّات الينابيع (‪)Les Naïades‬‬
‫وقصصنَ شعورهنّ‬
‫ت إيّاها لخيهنّ·‬ ‫ناذرا ٍ‬
‫وبكته كذلك إلهات الغاب (‪· )Les Dryades‬‬
‫وكانت إيكو ترجّع نواحهنّ·‬
‫وها هي ُت َهيّأ المحرقة‪،‬‬
‫والمشاعل التي تُح ّركُ في الجواء‪،‬‬
‫ومحِفّةُ الموت·‬
‫غابَ الجسمُ‪،‬‬
‫وفي مكانه نبتت زهرة بلون الزّعفران‬
‫تحيط بقلبها أوراقٌ بيضاء· ‪14‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 14‬تحمل هذه الزّهرة اسم نرسيس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪143 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪144 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪167 :‬‬


‫بانتيوس (‪)Pentheus‬‬

‫أعطى ذيوعُ هذا الحدث‬


‫في المدن اليونانيّة‪ ،‬شهرةً للعرّاف يستحقّها‪15 ،‬‬
‫وأصبح ذائع الصّيت في التنبّؤ·‬
‫ل أن بانتيوس‪ ،‬مُحتقِرُ اللهة‪ ،‬ابن إشيون (‪، )Echion‬‬ ‫إّ‬
‫كان وحده بين الجميع‪ ،‬يزدري الشّيخ‪16 ،‬‬
‫مستهزئًا بكلماته النّبوئيّة·‬
‫كان يُعيّره بالظّلمات التي غرق فيها‬
‫وبالشّقاء الذي سلبه النّور·‬
‫وكان العرّاف يهزّ رأسه المتوّج بالشّعر البيض‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"ما تكون سعادتك‪،‬‬
‫ت كذلك‪ ،‬النّور‬ ‫إذا حدث أن سُلبتَ‪ ،‬أن َ‬
‫الذي يعفيك من أن ترى طقوسَ باخوس المقدّسة!‬
‫س بعيداً‪،‬‬
‫ذلك أن يوماً سيأتي‪ ،‬وأتنبّأ بأنه لي َ‬
‫يظهر فيه هنا إل ٌه جديدٌ‪ ،‬ليبير‪ 17 ،‬ابن سيميليا·‬
‫وإذا لم تتنازل وتُقم معبداً‪ ،‬تمجيداً له‪،‬‬
‫ل مكان‪،‬‬ ‫ف ُتمَزّق‪ ،‬وتُبعثر في ك ّ‬ ‫فإنّ أعضاءكَ سو َ‬
‫وسوف تُدنّس بدمكَ الغاباتِ‬
‫ت أمّك·‬‫وأمّك وأخوا ِ‬
‫سيأتي هذا اليوم‪،‬‬
‫ف من تمجيدِ اللوهةِ‪،‬‬ ‫فأنتَ ستأن ُ‬
‫وسوف تتذمّر من أنّني في قلب ظلماتي‬
‫رأيت‪ ،‬وكانت رؤيتي مٌبينة·"‬
‫كان الشّيخ ل يزال يتكلّم‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 15‬تيريزياس الذي كان قد تنبّأ بنهاية نرسيس·‬


‫‪ 16‬أي تيريزياس·‬
‫ج بديونيزوس‪ ،‬منذ وقتٍ طويل· ويدمج أوفيدُ اسمه في‬
‫‪ 17‬ليبير إل ٌه إيطاليانيّ (النسبة إلى إيطاليا القديمة)‪ ،‬ممتز ٌ‬
‫السّياق اليونانيّ‪ ،‬بتلفيق‪ ،‬إلى جانب اسم سيميليا (‪· )Sémélé‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪144 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪145 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪168 :‬‬

‫عندما بدأ ابن إشيون يطرده‪ ،‬مهينًا إيّاه·‬


‫ن كلمات العرّاف تحقّقتْ‬ ‫غير أ ّ‬
‫وتمّت نبوءاته·‬
‫جاء ليبير‪،‬‬
‫ج من الصّراخ الذي يُرافق أعياده·‬ ‫وها هي الحقول ترت ّ‬
‫الناس يتسارعون‪ ،‬ـ‬
‫الرّجال‪ ،‬ربّات السر‪ ،‬الفتيان‪،‬‬
‫الصّغار والكبار‪،‬‬
‫كلّهم يهرعون إلى هذه العبادة الجديدة·‬
‫وكان بانتيوس يصرخ‪:‬‬
‫"يا أبناء التّنين‪،‬‬
‫يا سُللة مارس‪،‬‬
‫أيّ هذيانٍ ضربَ عقولكم ؟‬

‫البرونز مُرتطماً بالبرونز‪،‬‬


‫ي ذو الفتحة المقوّسة‪،‬‬‫والنا ُ‬
‫والرّقى السّحرية‬
‫هذه إذن‪ ،‬بالغة السّطوة‪،‬‬
‫حتى إنّ الرّجال الذين لم ترهبهم السّيوف المحاربة‪،‬‬
‫ول البواق‪ ،‬ول الكتائب التي تنتفخ بالسلحة ال ُم َهدّدة‪،‬‬
‫يستسلمون لصراخ النساء‬
‫وللجنون الذي تثيره الخمر‬
‫وللجماعات الفاحشة‪ ،‬والطّبول الجوفاء ؟‬
‫لمن أدينُ بهذه المفاجأة ؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪145 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪146 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪169 :‬‬

‫ألكم أيّها الشّيوخ‪،‬‬


‫أنتم يا من جئتم إلى هذه الرض‪،‬‬
‫بعد إبحار طويلٍ‪،‬‬
‫لكي تؤسّسوا صورَ الجديدة‪،‬‬
‫وتُقيموا منازلكم‪،‬‬
‫تقبلون اليوم أن تصبحوا سجناء بل قتال·‬
‫ألكم أنتم‪ ،‬أيّها الفتيان‪ ،‬الشدّ حماسةً‪،‬‬
‫بسبب عمرهم القريب إلى عمري‪،‬‬
‫أنتم المَخلوقون لكي تُشهروا السلحةَ‬
‫ل مزاريقَ باخوس‪،‬‬
‫ولكي تزيّنوا بالخوذ ل بالغصان ؟‬
‫أرجوكم أن تتذكّروا أصولكم‪،‬‬
‫وأن تتسلّحوا بشجاعة ذلك التنّين‬
‫الذي أباد وحده كثيرًا من أعدائه·‬
‫ماتَ دفاعًا عن مياه ينبوعه‪،‬‬
‫أمّا أنتم فعليكم أن تنتصروا من أجل مجدكم·‬
‫قتلَ رجالً شجعاناً‪،‬‬
‫فانبذوا أنتم الجبناء‪ ،‬وكونوا الحرّاس المناء‬
‫لشرفِ آبائكم·‬
‫إذا كانت القدار لم تُ ِردْ لطيبة‬
‫أن تظلّ واقفةً‪ ،‬مدّة طويلة‪،‬‬
‫فلتتقوّض أسوارُها تحت وطأة اللت والجنود‬
‫في هزيم اللهب والحديد!‬
‫آنذاك‪ ،‬لن يجرّ شقاؤنا علينا‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪146 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪147 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪170 :‬‬

‫أيّة ملمة‪،‬‬
‫ونقدر أن نتشكّى من مصيرنا‬
‫دون أن نخفيه‪،‬‬
‫ل من دموعنا·‬ ‫أو أن نخج َ‬
‫لكن‪ ،‬كلّ·‬
‫اليوم‪ ،‬سيستولي على طيبةَ طفلٌ ضعيفٌ‪،‬‬
‫ل يميلُ إلى الحرب‪ ،‬ول إلى السلحة والخيول‪،‬‬
‫ن به شعره‪،‬‬ ‫ل يُحبّ إلّ المُرّ‪ ،‬يَده ُ‬
‫والكاليل‪ ،‬زينة التخنّث‪،‬‬
‫والرجوانَ‪ ،‬والثياب الصّارخة‪،‬‬
‫المقصّبة بالذهب·‬
‫حسناً!‬
‫أما أنا فسأذهب حالً‬
‫شريط َة أن تبتعدوا عنه‪،‬‬
‫وأن تُجبروه على العتراف‬
‫ب ُمتَخيّلٍ‪،‬‬‫بأنه ينتسب إلى أ ٍ‬
‫بأنّ أمجاده كاذبة·‬
‫ماذا ؟‬
‫إذا كان آكريزيوس ‪ 18‬من الجرأة‬
‫بحيث يزدري هذا الله المُزيّ َ‬
‫ف‬
‫ويُغلقُ‪ ،‬في وجهِهِ‪ ،‬أبوابَ آرغوس‪،‬‬
‫فكيف يرتجف بانتيوس ومدينة طيبة كلّها‪،‬‬
‫أمام هذا الغريب ؟‬
‫اذهبوا الن (موجهاً المر إلى خدمه)‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 18‬ملك آرغوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪147 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪148 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪171 :‬‬

‫اذهبوا واحضروا أمامي رئيس هذه العصابة‬


‫مُثقلً بالغلل!‬
‫خوَر‪ ،‬ودون تأخّر·"‬
‫نَفّذوا إرادتي دون َ‬

‫البحّارة التّيرانيّون (‪Tyrrhèniens( 19‬‬

‫عبثًا عنّفه آنذاكَ جدّه آتاماس (‪Athamas( 20‬‬


‫وجميع أقربائه‪،‬‬
‫وعبثاً حاولوا إيقافه·‬
‫كانت تحذيراتهم تضاعفُ عنفه‪،‬‬
‫وكانت كلّ عرقلةٍ‬
‫تثيره وتفاقم شرّه·‬
‫ل يهبطُ المُنحدَر‪،‬‬‫كمثلِ سي ٍ‬
‫ل عائقَ في مجراه‪،‬‬
‫هادئاً‪ ،‬بخريرٍ واهنٍ‪،‬‬
‫فإذا عرقلته‬
‫جذوع الشّجر‪ ،‬أو الصّخور‪،‬‬
‫أزبد وأرغى‪،‬‬
‫ل مظهراً عاصفاً·‬ ‫فتُضفي عليه العراقي ُ‬
‫وحالما عاد الخدم‬
‫والدّم يتدفّق منهم‪،‬‬
‫سألهم سيّدهم أين باخوس‪،‬‬
‫فأجابوه أنّهم لم يروا باخوس‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫" أحد رفقائه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 19‬هم (‪· )Les Etrusques‬‬


‫‪ 20‬آتاماس‪ ،‬هو زوج إينو (‪ )Ino‬وعم بانتيوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪148 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪149 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪172 :‬‬


‫أحد كهّان عبادته‪،‬‬
‫سجينٌ عندنا·"‬
‫وقدّموا له رجلً‪ ،‬رُبطتْ يداه وراء ظهره‪،‬‬
‫هجر بلد التّيرانيين لكي يلحق بموكب الله‪ ،‬المقدّس·‬
‫ألقى عليه بانتيوس نظراتٍ كانت رهيبة بفعل الغضب‪،‬‬
‫ومع أنّ إقناعه بإرجاء ساع ِة تعذيبه‪ ،‬أمرٌ صعبٌ‪،‬‬
‫فقد قال له‪:‬‬
‫"سوف تهلك‪،‬‬
‫وسيكون موتك أمثولةً للخرين‪،‬‬
‫لكن عرّفني أوّل باسمكَ‪،‬‬
‫ي أبويكَ‪ ،‬وباسم وطنكَ‪،‬‬ ‫وباسمَ ْ‬
‫وقل لي لماذا تحتفل بشعائر من نوعٍ جديد·"‬
‫أجابه الجنبي بل خوف‪:‬‬
‫"اسمي آسيتس (‪، )Acétés‬‬
‫وطني هو ميونا (‪ )Méonie‬؛ ‪21‬‬
‫ل متواضع·‬ ‫وأبواي من أص ٍ‬
‫ن قويّة‪،‬‬
‫لم يترك لي أبي حقولً أحرثها بثيرا ٍ‬
‫ت تنتج الصّوف‪،‬‬ ‫ول حيوانا ٍ‬
‫ول قطعان بقر·‬
‫كان فقيرًا يشتغل بمدّ أشراكٍ للسّمك‬
‫بخيطٍ وشصّ‪،‬‬
‫واجتذابها وهي تختلج في أسفل قصَبة·‬
‫كانت مهنته هذه تشكّل ثروته كلّها·‬
‫عندما علّمني إيّاها· قال لي‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 21‬ميونيا اسمٌ آخر لليديا (‪.)Lydie‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪149 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪150 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪173 :‬‬

‫"خذ الثروة التي أملكها‪،‬‬


‫أنت يا خليفتي ويا وارثَ عملي·"‬
‫ي مُلكٍ‬
‫وعندما مات لم يترك لي أ ّ‬
‫إلّ الماء‪،‬‬
‫هذا كلّ ما أقدر أن أسمّيه إرثي·‬
‫وأنا‪ ،‬بعد ذلك‪،‬لكي ل أبقى مربوطًا دائماً‬
‫إلى الصّخور ذاتها‪،‬‬
‫تعلّمت أن أقو َد بيدي ِدفّةَ المركب‬
‫وألحظ بعينيّ الكوكب الذي يرمز إلى المطر‪،‬‬
‫كوكب أولينوس ‪ Olénus( 22(,‬وتايجيتي (‪، )Taygété‬‬
‫والقِلص (‪ ، )Les Hyades‬والدبّ (‪، )L`Ourse‬‬
‫ومنازل الرّياح‪،‬‬
‫والمرافئ المؤاتية للمراكب·‬
‫ذات يومٍ‪ ،‬كنت ذاهباً إلى ديلوس (‪,)Délos‬‬
‫اقتربت من شواطئ شيوس (‪,)Chios‬‬
‫وحين بلغت الضّفة‪ ،‬مُجدّفًا من الجهة اليُمنى‪،‬‬
‫ت بقفزةٍ خفيفةٍ إلى البرّ‪،‬‬ ‫قم ُ‬
‫ووطئت الرّمل الرّطب·‬
‫سرعان ما انقضى الليل‪،‬‬
‫وعندما بدأ الفجر يؤَرْجنُ السّماء‪،‬‬
‫نهضتُ‪ ،‬وقلتُ للخرين أن يذهبوا للبحث عن الماء البارد‪،‬‬
‫ودللتهم على الطّريق التي تؤدّي إلى النّبع·‬
‫ظ من أعلى تلّة‬ ‫أما أنا فبقيتُ ألح ُ‬
‫ماذا َت ِعدُ الرّيح·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 22‬كانت الماعز تعدّ امّا لمالتيه (‪ ,)Amalthée‬مُرضعةً جوبيتر في جزيرة كريت‪ ،‬لكن يُشكّ في ذلك· وأولينوس‬
‫مدينة في أشّائي (‪( ,)Achaie‬اليونان القديمة)تايجيتي‪ ،‬إحدى نجوم الثريّا ـ بنات أطلس· والقِلص هي النّجوم التي‬
‫ن كذلك بنات أطلس· وتعدّ أحياناً مرضعات لديونيزوس· ظهورها‪ ،‬كمثل نجمة الماعز‪ ،‬كان‬‫تشعّ على جبين الثّور· وه ّ‬
‫يتوافق مع هطول أمطار الربيع·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪150 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪151 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪174 :‬‬

‫ناديت رفقائي وعدتُ إلى مركبي·‬


‫ـ "ها نحنُ!"‪:‬‬
‫ردّ عليّ أوفيلتيس (‪، )Opheltès‬‬
‫من مقدّمة المركب‪ ،‬وحمل معه على امتداد الشّاطئ‬
‫غنيمةً‪( ،‬هذا‪ ،‬على أيّ حال‪ ،‬هو السم الذي أعطاه إيّاها) وجدها‬
‫ل ذا جمالٍ بتوليّ·‬‫ل مُقفر‪ :‬طف ً‬‫في حق ٍ‬
‫بدا هذا الطّفل يترنّح مُثقلً بالنّعاس والخمر‪،‬‬
‫فراقبته باهتمام ـ‬
‫تفحّصت لباسَه‪ ،‬وجهه‪ ،‬هيئته‪،‬‬
‫فلم أجد فيه ما يُشيرُ إلى أنّه من الفانين·‬
‫هذا ما أحسسته‪ ،‬وقلتُ لرفقائي‪:‬‬
‫"مَن الله الذي يختبئ في هذا الجسم ؟‬
‫أتساءلُ·‬
‫هناك إلهٌ في هذا الجسم·‬
‫أيّا كنتَ‪ ،‬أوه! تعطّف علينا·‬
‫أعنّا في أعمالنا‪،‬‬
‫واغفر كذلك لهؤلء الرجَال·‬

‫"توقف عن الصّلة لجلنا"؛‬


‫ي ديكتيس (‪ ، )Dictys‬الكثر سُرع ًة من الجميع‪،‬‬ ‫هكذا صرخ ف ّ‬
‫عندما ينبغي الصّعود إلى أعالي الدّوقل‪ ،‬والهبوط منها‪،‬‬
‫مُمسكًا بالحبال·‬
‫وافق على رأيه ليبيس (‪، )Libys‬‬
‫وميلنتوس (‪ )Mélanthus‬الشقر‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪151 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪152 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪175 :‬‬

‫الذي يسهرُ على جؤجؤ السّفينة‪،‬‬


‫وآلكيميدون (‪ )Alcimédon‬وكذلك إيبوبيوس (‪)Epopeus‬‬
‫الذي يقود بصوته إيقاع المجاذيف وتوقّفها‪،‬‬
‫ويحضّ على الشّجاعة·‬
‫وافق كذلك الخرون كلّهم‪،‬‬
‫فقد أعمتهم شهوةُ الغنيمة!‬
‫وصرختُ‪" :‬كلّ لن يلطّخ هذا المركبَ‬
‫ل تدنيسيّ·‬
‫عم ٌ‬
‫فحقّ القيادة هنا لي وحدي·"‬

‫استولى الغضب على ليكاباس (‪)Lycabas‬‬


‫الشج ُع بين بحّارة المركب‪،‬‬
‫ي من مدينة توسكانا (‪)Toscane‬‬ ‫والذي نُف َ‬
‫عقاباً له لرتكابه جريمة شنيعة·‬
‫قاومته‪ ،‬فحاول أن يخنق عنقي بقبضتهِ الشّديدة·‬
‫ل شدّني‬‫ولو أنني لم أتمسّك‪ ،‬مع أنني دائخٌ‪ ،‬بحب ٍ‬
‫لكان تغلّب عليّ ورماني في البحر·‬
‫أعطاه الحقّ البحّارة الزنادقة جميعاً·‬
‫حينذاك‪ ،‬أخيراً‪،‬‬
‫ت باخوس ـ‬ ‫أيقظَ ضجيجُ الصوا ِ‬
‫نعم كان ذلك باخوس ـ‬
‫خدَرهِ‪ ،‬فزالَ سُكرُه‪ ،‬واستعادَ وعيَهُ·‬
‫من َ‬
‫قال‪:‬‬
‫"ماذا تفعلون ؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪152 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪153 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪176 :‬‬

‫ما هذا الصّراخ ؟‬


‫أخبروني‪ ،‬أيّها البحّارة‪،‬‬
‫كيف جئتُ إلى هنا ؟‬
‫أين تريدون أن تأخذوني ؟"‬
‫فأجابه بروريوس (‪: )Proreus‬‬
‫"ل تخش شيئاً·‬
‫قل لنا في أيّ مرفٍأ تحبّ أن تنزل‪،‬‬
‫وسوف نرسو بك حيث تريد·"‬
‫قال ليبير‪:‬‬
‫"في ناكسوس (‪· )Naxos‬‬
‫أبحروا إلى هذه الجهة‪،‬‬
‫هناك مقامي‪،‬‬
‫ستجدون هناك أرضاً مضيافة·"‬
‫أقسم هؤلء الدّجالون بالبحر وبجمي ِع اللهة‬
‫أنّهم سيلبّون طلبه‪،‬‬
‫سلِمَ للشرعةِ المركب‬‫وأمروني بأن أ ْ‬
‫الذي تزيّنه اللوان الصّارخة·‬

‫كانت ناكسوس إلى يميننا‪،‬‬


‫فأدرتُ الشرعة إلى الميمنة·‬
‫قال لي أوفيلتيس‪:‬‬
‫"ماذا تفعل أيّها الحمق ؟‬
‫هل فقدتَ عقلك ؟"‬
‫وبما أن كلّ منهم يقلق على نفسه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪153 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪154 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪177 :‬‬

‫قال لي معظمهم‪ ،‬بإشار ٍة من رؤوسهم‪،‬‬


‫"اتّجه إلى اليسار·"‬
‫وهمسَ الخرون بذلك في أذنيّ·‬
‫ذُهلتُ‪ ،‬وقلتُ‪:‬‬
‫"ليأتِ آخرُ وليأخذ ال َدفّةَ!·"‬
‫ت موقعي‬ ‫وترك ُ‬
‫ل فيه فنّي إلى شريكٍ في جريمة·‬ ‫الذي يتحوّ ُ‬
‫عنّفني البحّارة كلّهم‪،‬‬
‫وجمي ُعهُم ضَجّوا·‬
‫صرخ أحدهم‪ ،‬إيتاليون (‪ ،)Ethalion‬قائلً‪:‬‬
‫ن إذن‪،‬‬‫"أتظ ّ‬
‫أنّ خلصنا كلّنا يتوقّف عليك وحدك ؟"‬
‫وأخذ هو نفسه مكاني ‪،‬‬
‫في السفينة مبتعداً عن ناكسوس‪،‬‬
‫في التجاه المُضادّ·‬
‫حينئذٍ‪ ،‬سخ َر الله منهم‪،‬‬
‫كأنّه لم يكتشف خيانتهم إلّ ساعتها‪،‬‬
‫ونظر من أعلى الكَوثل المائل‪،‬‬
‫يتفحّص البحر‪ ،‬متظاهرًا بأنّه يبكي‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"ليس هذا ‪ ،‬أيّها البحّارة‪ ،‬الشاطئ الذي وعدتموني به‪،‬‬
‫ل فيها·‬
‫وهذه الرض ليست الرض التي طلبتُ أن أنز َ‬
‫ي مجد تنالونه أيها الرجال‬ ‫وأ ّ‬
‫من خداعكم‪،‬‬
‫ومن تغريركم بطفلٍ وحيد ؟"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪154 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪155 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪178 :‬‬

‫كنت قد بدأت أبكي‪،‬‬


‫والعصابة الفاسقة تضحك من بكائي‪،‬‬
‫كاسحةً الموج بضربات مجاذيفها السريعة·‬
‫والن‪ ،‬بهذا الله نفسه‪( ،‬الله الكثر حضوراً) ‪23‬‬
‫أقسمُ أنّ ما رويته حقيقيّ‬
‫إلى درج ٍة يبدو معها أنه غير واقعيّ·‬

‫توقّف المركب فوق المياه‪،‬‬


‫جامداً‪ ،‬كما لو أنّه في مرسى‪ ،‬بل ماء·‬
‫استمرّ البحّارة مذهولين يضربون البحر بمجاذيفهم‪،‬‬
‫ناشرين الشرعة‪،‬‬
‫جاهدين‪ ،‬يواصلون سيرهم بهذه الوسيلة المزدوجة؛‬
‫غير أنّ جذوعًا من الّلبلب‬
‫بدأت تعرقلُ المجاذيف؛‬
‫عُقدُها تلتفّ وتتلوّى من جميع النحاء‪،‬‬
‫وعذوقها تلوّنُ الشرعة·‬
‫الله نفسه هزّ رمحه المغطّى بعناقيد الكرمة‪،‬‬
‫ن مُثقلةٍ بالعنب·‬
‫وعلى جبينه إكليلٌ من غصو ٍ‬
‫تضطجع حوله أشباح نمورٍ‬
‫ق وفهودٍ رقطاء فرّاسة‪،‬‬‫وأوشا ٍ‬
‫فهرع البحّارة يقذفون بأنفسهم في البحر‪،‬‬
‫في سَور ٍة من الجنون‪ ،‬أو من الرّعب·‬
‫الوّل ميدون (‪ ، )Médon‬صار أسو َد بكامله‪،‬‬
‫عندما نهضَ‪ ،‬انحنى ظهره متّخذا شكلَ القوس·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 23‬يلعب أوفيد هنا على كلمة "حضور"· وواضحٌ للقارئ أنّ المتكلّم‪ ،‬آسيتيس‪ ،‬هو في الواقع ديونيزوس نفسه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪155 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪156 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪179 :‬‬

‫قال له ليكاباس‪:‬‬
‫"ما الوحشُ الذي تتحوّل إليه ؟"‬
‫وفيما كان يتكلّم‪،‬‬
‫اتّسع فمُه وانعقف أنفه‪ ،‬وتغطّى جلده الذي قسا‪ ،‬بالحراشف·‬
‫أراد ليبيس (‪ )Libys‬أن يقلبَ المجاذيف المتصلّبة‪،‬‬
‫فرأى يديه تتقلّصان وتنكمشان‪ ،‬ولم تعودا َي َديْن‪،‬‬
‫ل أن يُسمّيا زعانف·‬ ‫لم يعد ممكناً إ ّ‬
‫كان آخ ُر يحاول أن يمدّ ذراعيه إلى الحبال‪،‬‬
‫حيث تغلغلَ اللّبلب‪،‬‬
‫فلم تعد له ذراعان؛‬
‫وقفز في البحر جسمُهُ‬
‫مبتوراً‪ ،‬محدودباً‪،‬‬
‫ينتهي بذيلٍ في شكلِ منجلٍ‪،‬‬
‫يذكّر بقرنَيْ الهلل·‬

‫كانوا يقفزون من جميع الجهات‬


‫ويفجّرون حولهم رذاذاً غزيراً·‬
‫يعومون من جديد‪ ،‬ث ّم يغوصون تحت الماء‪،‬‬
‫كما لو أنّهم يشكّلون في لعبهم جوقاتٍ راقصة·‬
‫وكانت أجسامهم مستسلم ًة لمرحٍ عارم‪،‬‬
‫يتنشّقون ماء البحر‪ ،‬ويلفظونه بأنوفهم العريضة·‬
‫بين العشرين رجلً‪ ،‬كما كنّا‪،‬‬
‫(هكذا كان عدد بحّارة المركب)‪،‬‬
‫بقيتُ وحيداً‪ ،‬مرعوباً‪ ،‬مجلّدا‪ ،‬مرتعشاً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪156 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪157 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪180 :‬‬

‫ل أكاد أسيطرُ على نفسي‪،‬‬


‫حتى طمأنني الله بهذه الكلمات‪:‬‬
‫ف من قلبكَ‪،‬‬‫"اطردْ كلّ خو ٍ‬
‫واتّجه نحو دِيا (‪" .)Dia‬‬
‫رسَوْتُ في هذه الجزيرة‪،‬‬
‫وانقطعتُ لعبادة باخوس‪،‬‬
‫والحتفال بطقوسِه·‬

‫لكن بانتيوس أجابه قائلً‪:‬‬


‫"لئن كنتُ أصغيتُ إلى روايتك الطويلة الماكرة‬
‫فلكي يهدأ غضبي مع الوقت·‬
‫أسرعوا‪ ،‬أيّها الخدم‪ ،‬أمسكوا بهذا الرّجل‪،‬‬
‫وبعد أن تعاقبوه بأقصى العذاب‪،‬‬
‫غطّسوه في ظلماتِ ستيكس·"‬
‫جرّ التيرهانيّ آسيتيس‪ ،‬ووُضعَ في سجنٍ منفرد·‬ ‫في الحال‪ُ ،‬‬
‫ي تعذيبه‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬فيما كانوا يهيّئون الحديد واللّهب‪ ،‬أداتَ ْ‬
‫فُتحت البواب من تلقائها‪ ،‬كما يُروى‪،‬‬
‫ومن تلقائها سقطت الغلل عن ذراعيه‪،‬‬
‫دون أن يفكّها أحد·‬
‫تشبّث ابن إيشيون بموقفه‪،‬‬
‫لم يعدْ يأمر أحدًا بالذّهاب‪،‬‬
‫بل سار بنفسه إلى جبال كيثيرون(‪)Cithéron‬‬
‫التي اختيرت للحتفال بالطّقوس‪،‬‬
‫وكانت تدوّي بالناشيد والصّرخات الحادّة‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪157 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪158 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪181 :‬‬

‫التي تُطلقها كاهنات باخوس·‬

‫كمثل الحصان المحتدم الذي يرتعش‬


‫ويضطرم تشهّيا للمعارك‪،‬‬
‫عندما يعطي الشارة البرونز المدوّي في البوق الحربي‪،‬‬
‫اهتاج بانتيوس من العويل الطويل‬
‫الذي يرجّ الجواء وكانت الصّرخات التي يسمعها‬
‫تزيد في اهتياجه·‬

‫يمتدّ‪ ،‬قريبًا من وسط الجبال‪،‬‬


‫ل بل شجر‪،‬‬ ‫سه ٌ‬
‫تكتنفه غابةٌ على أطرافه‪،‬‬
‫يمكن العين أن تحيط برؤيته على امتداده الكامل·‬
‫هنا‪ ،‬كان بانتيوس يُلقي على الطّقوس نظرة تدنيسيّة‪،‬‬
‫عندما رأته امرأةٌ‪ ،‬وكانت الولى·‬
‫وثبَتْ‪ ،‬هي الولى‪ ،‬راكضةً بشكلٍ جنونيّ‪،‬‬
‫وضربته‪ ،‬هي الولى‪ ،‬بمزراق باخوس‪،‬‬
‫وكانت تلك أمّه· ‪24‬‬
‫وصرختْ‪:‬‬
‫"يا أختيّ‪،‬‬
‫أسرعا أنتما الثنتان!‬
‫ها هو الخنزير البرّي الشّنيع‬
‫الذي يجول في حقولنا·‬
‫ل هذا الخنزير·"‬‫وأنا من تُريد أن تقت َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 24‬هي آغافيا (‪ ، )Agavé‬ابنة قدموس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪158 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪159 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪182 :‬‬

‫وانقضّ الجمعُ كلّه‪ ،‬مَجروفًا بالجُنون‪ ،‬على بانتيوس‬


‫الذي كان وحيداً‪،‬‬
‫ت يُطاردنَ‪،‬‬
‫وأخذت تلك النّساء المُحتشدا ُ‬
‫وهو يرتعد من الرّعب·‬
‫التّاعس المُرتجف‪:‬‬
‫وكلمه الن أقلّ عُنفاً·‬
‫والن صار يعترف بذنبه‪،‬‬
‫ويُق ّر بأنّه آثم·‬

‫مع ذلك‪ ،‬صرخ مجروحاً‪:‬‬


‫"إليّ‪ ،‬وأنجديني يا أوتونوي (‪)Autonoé‬‬
‫ت أمّي!‬
‫يا أخ َ‬
‫ل آكتيون (‪ )Actéon‬مثيراً لشفقتكِ·"‬
‫ليكن ظ ّ‬
‫لكنّها لم تعد تعرف من هو آكتيون‪،‬‬
‫واقتلعت اليد اليُمنى لهذا المتوسّل‪،‬‬
‫وقطعت إينو ‪ 25‬كذلك يده الثانية·‬
‫لم يعد للتاعس الحظ ذراعٌ يمدّها إلى أمّه‪،‬‬
‫غير أنه كشفَ لها عن جسمه الذي بُترَتْ أطرافه‪،‬‬
‫قائلً‪:‬‬
‫"انظري يا أمّي·"‬
‫وإذ نظرتْ إليه‪،‬‬
‫صاحت مُولولةً‪ ،‬يدوّمُ رأسُها في جميعِ الجهات‪،‬‬
‫ونفشتْ شَعرها في الهواء·‬
‫ثم قطعت رأس ابنها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 25‬أخوات آغافيا‪ :‬إينو‪ ،‬وأوتونويه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪159 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪160 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪183 :‬‬

‫ثمّ أمسكته بيديها الدّاميتين‪ ،‬وصرختْ‪:‬‬


‫"إيو! رفيقاتي‪،‬‬
‫هذا النّصر هو صنيعُنا!"‬
‫لم تكن الوراق التي لمسها الخريف‪،‬‬
‫والتي ل تكاد تثبتُ على ذرواتِ الشّجر‪،‬‬
‫أكثر سرعةً في انجرافها بالرّيح‪،‬‬
‫من أعضاء بانتيوس التي بعثرتها‬
‫هذه اليدي الوحشيّة·‬
‫وإذ تثقّفت نساء إيسمينوس بهذه المثولة‪،‬‬
‫ن بالطّقس الجديد‪،‬‬ ‫فإنّهنّ يحتفل َ‬
‫يُقدّمنَ البخورَ إلى الله‪،‬‬
‫ويُمجّدن هياكله المُقدّسة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪160 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪161 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪187 :‬‬

‫الكتابُ الرابع‬

‫بنــــــــــات مــــينــــــياس‬
‫بـــــيــــرّام وتـــــيســـــبي‬
‫فـــــينـــــــوس ومــــــارس‬
‫لــــوكـــوتـــوي وكــليتيا‬
‫سَلْمـاكيس وهيرما فروديتوس‬
‫أتـــــاماــــــــس وإيـــــــنو‬
‫مقــــــــرّ أرواح المـــــــوتى‬
‫تــــــــــيــــــــزفـــــــــــــون‬
‫قـــــدمـــــوس وهـــرمونيا‬
‫بـــــــــــــــرســـــــــــــيوس‬
‫آنـــــــــــدروميـــــــــــــــدا‬
‫مــــــــــــــــــيــــــــــــــدوزا‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪161 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪162 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪189 :‬‬

‫بنات مينياس (‪)Minyas‬‬

‫غير أن آلكيثوي (‪ ,)Alcithoé‬ابنة مينياس‪1 ،‬‬


‫زعمت أنه ل ينبغي تلقّي أسرار الله‪،‬‬
‫بل إنّ جرأتها بلغت ح ّد التهوّر‬
‫فأكّدت أن باخوس ليس ابناً لجوبيتر‬
‫وتواطأت معها أخواتها في تجديفها·‬
‫ل بعيدِ باخوس‬ ‫هيّأ الكاهن احتفا ً‬
‫وكان على الخادماتِ وسيّداتهنّ أن يوقفنَ أعمالهنّ‪،‬‬
‫وأن تغطّي كلّ منهنّ صدرها بجلد حيوانٍ‬
‫وتفكّ شريط شعرها‪،‬‬
‫وتضع على رأسها إكليلً‬
‫ق باخوسَ‬ ‫وتحمل في يدها مِزرا َ‬
‫م َزيّناً بأوراق الشجر·‬
‫وتنبّأ بأن الله سيكون رهيباً‬
‫إذا ارتُكبتْ خطايا في حقّه·‬
‫أطاعت ربّات العائلت والنساء الشّابات‪،‬‬
‫وضعنَ جانباً نسيجهنّ وسللهنّ وأعمالهنّ التي أوقفنها‪،‬‬
‫وقدّمنَ البخور للله الذي ابتهلن إليه‬
‫ت باسمه باخوس‪ ،‬بروميوس (‪ ,)Bromius‬ليوس (‪)Lyeus‬‬ ‫مناديا ٍ‬
‫الطّالع من النار‪،‬‬
‫المولود مرّتين‪،‬‬
‫الوحيد الذي ولدَ من أمّين·‬
‫أضفن كذلك لهذه السماء أسماءَ أخرى·‬
‫ابن نيزوس (‪ ، )Nyseus‬ثيونوس (‪ ,)Thyaneus‬ذا الشّعر الطّويل‪،‬‬
‫لينيوس (‪ )Léneus‬الذي أعطي له ل َغرْسهِ الكرمة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬مينياس (‪ ,)Minyas‬ملك أوركومين (‪ ,)Orchomène‬في بيوسيا (‪ .)Béotie‬وتجمع هذا الكتاب بالكتاب السّابق‪،‬‬
‫الثالث‪ ،‬وحدة المكان‪ ،‬بيوسيا‪ ،‬ووحدة الموضوع‪ :‬رفض العتراف بباخوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪162 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪163 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪190 :‬‬

‫ينبوع الفرح‪،‬‬
‫نيكتيليوس (‪ ,)Nyctélius‬إيليليوس (‪ )Elèleus‬أبانا‪،‬‬
‫ياكوس (‪ ,)Iacchus‬يوهان(‪، )Euhan‬‬
‫إضافةً إلى السماء العديدة التي تُسمّى بها‪،‬‬
‫يا ليبر (‪ ، )Liber‬بين شعوبِ اليونان·‬
‫ذلك أنّ شبابك ل يفنى‪2 ،‬‬
‫أنت الطفل البديّ‪ ،‬الكائن الجمل‪،‬‬
‫محطّ النظار في أعالي السماوات·‬
‫رأسكَ‪ ،‬حين تبدو بل قرنين‪ ،‬رأس عذراء‪،‬‬
‫والشرق تابعٌ لك حتى أقاصيه‪،‬‬
‫حيث يروي الغانج (‪ ، )Le Gange‬في آخر مجراه‪،‬‬
‫بلد الهنود السّمر· ‪3‬‬
‫أنت أيّها الله ذو الجلل‪ ،‬مَن أهَْلكَ‪ ،‬عقاباً على تجديفهما‬
‫بانتيوس وليكورغوس (‪ Lycurgus(، 4‬المسلّحين‬
‫بالبلطة ذات الحدّين‪،‬‬
‫ت من ألقى في المواج البحّارة التّيرانيّين‪،‬‬ ‫أن َ‬
‫أنتَ من حنى عنق الوشاق‬
‫الذي تزيّنه أعنّة بألوانٍ صارخة·‬
‫وراءك تسير كاهنات باخوس‪ ،‬والسّتيرات‪ ،‬والشّيخ السّكران ‪5‬‬
‫الذي تسند أعضاءه المترنّحة عصاً من شجر الحِلتيت‪،‬‬
‫والذي ل يكاد يثبت على حماره المقوّس الظهر·‬
‫أينما ذهبت تدوّي صرخات الشّبان‪ ،‬وأصوات النسّاء‪،‬‬
‫والطّبول التي تُقرع بالرّاحات‪،‬‬
‫والصّنوج البرونزيّة المُقعّرة‪،‬‬
‫والنايات المصنوعة من خشب البَقْس الطويلة النابيب·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 2‬أسماء ديونيزوس الطّقوسيّة كثيرة‪:‬بروميوس‪ ،‬المرتعش‪،‬ليوس‪ ،‬المخلّص من الهموم‪،‬تيونيان‪ ،‬ابن تيونيه (‬


‫‪ ,)Thyoné‬وهو اسمٌ آخر لسيميليا‪،‬لينيوس‪ ،‬إله المعْصرة‪،‬نيكتيليوس‪ ،‬إله السرار الليليّة‪،‬إيليليا‪ ،‬تجسيد لصوات‬
‫الطيور الليلية المفترسة (النّعاق والنّعاب)‪ ،‬وهو هنا تجسيد لصوات كاهنات باخوس المُفترسة‪ ،‬ولصراخهنّ‬
‫الفرح·إيوهان‪ ،‬إياكوس‪ ،‬أحد السماء (الصّوفيّة) السرّية‪ ،‬مثل باخوس·‬
‫‪ 3‬تغلّب ديونيزوس على الهنود في غزوةٍ طويلة‪ ،‬حربيّة‪ ،‬و(صوفيّة ـ رمزيّة)· وعاد منها بموكبٍ أصبح تقليدياً‪ ،‬تسير‬
‫فيه الهنود والسّتيرات وآلهة آخرون ثانويّون·‬
‫‪ 4‬ليكورغوس‪ ،‬ملك تراسيا (‪ )Thrace‬الذي أصيب بالجنون وحُكمَ عليه بالموت‪ ،‬لنه عارض ديونيزوس·‬
‫‪ 5‬هُو سيلين (‪ ، )Silène‬ستي ٌر يقال إنه هو الذي سهر على تربية ديونيزوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪163 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪164 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪191 :‬‬

‫تتضرّع إليك نساء إسمينوس ‪:‬‬


‫"تعالَ إلينا‪،‬‬
‫هادئاً وخيّرا‪ ،‬بسكينتك وعطفك·"‬
‫و ُي ْت ِممْنَ الطّقوس المرسومة·‬
‫وحدهنّ بنات مينياس‪ ،‬في منازلهنّ‪ ،‬يعكّرنَ صَفوَ العيد‬
‫بأعمال مينيرفا‪ ،‬التي هي في غير موضعها‪ ،‬إذ يُنفّشْنَ الصّوف‬
‫و َيبْرُمنَ خيوطه بإبهامهنّ‪،‬‬
‫أو يُكببنَ على النسيج‪ ،‬ويُحمّسنَ خادماتهنّ على العمل·‬
‫قالت إحداهنّ وهي تسحب الخيط برشاقة‪:‬‬
‫"في حين تحتفل الخريات‪ ،‬بطّالت‪،‬‬
‫بشعائر كاذبة‪،‬‬
‫فنحن من جهتنا‪ ،‬اللئي يَستبقينا هنا بالّس‪،‬‬
‫الله الكثر جدارة بالعبادة‪،‬‬
‫نلطّف أشغالنا اليدويّة المفيدة بأحاديث متنوّعة·‬
‫ل منا بدورها‪،‬‬‫فَلْترو ك ّ‬
‫قصّةً لزميلتها‪ ،‬تَشغلُ آذاننا البطّالة‪،‬‬
‫لكي تمنعنا من الشّعور بطول الوقت· "‬
‫صفّقت أخواتها لما قالته‪ ،‬ورجونها أن تكون هي البادئة·‬
‫أيّة حكاية ستختار بين كثيراتٍ ؟‬
‫تأمّلت وشاورت نفسها‪ :‬هل تكون حكايتك‪،‬‬
‫أنتِ يا ديرسيتيس (‪ )Dercétis‬البابليّة‪،‬‬
‫طيَتْ بالحراشف بعد تحوّلها‪،‬‬ ‫التي يُعتقد‪ ،‬في فلسطين‪ ،‬أنّ أعضاءها غ ّ‬
‫وأنّها تسبّبُ هيجانَ البُحيرات ؟‬
‫هل تروي بالحرى كيف أن ابنتها‪ ،‬المكسوّة بالرّيش‪،‬‬
‫أمضت سنواتها الخيرة في أبراجٍ صغير ٍة بيضاء ؟ ‪6‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬ديرسيتيس إلهة بابليّة كان لها جسم سمكة ووجه امرأة· والضّمير في "ابنتها" يعود إلى سميراميس التي تحوّلت عند‬
‫موتها إلى حمامة‪ ،‬كما يروي ديودور الصّقليّ·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪164 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪165 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪192 :‬‬

‫أو كيف أنّ إحدى ربّات الينابيع كانت تحوّل‪،‬‬


‫ل تعازيمها‪ ،‬وبفعل نباتاتٍ بالغة القوّة‪،‬‬
‫بفع ِ‬
‫شبّانا إلى أسماكٍ خرساء‪،‬‬‫ُ‬
‫حتى لقتِ المصي َر نفسَه ؟‬
‫أو كيف أن شجرةً كانت تحمل‪ ،‬فيما مضى‪ ،‬ثمارًا بيضاء‪،‬‬
‫ت دماً ؟‬‫تحمل الن ثماراً سوداء ـ منذ أن سُقي ْ‬
‫ص هذه الحكاية الخيرة‬ ‫قرّرت أن تق ّ‬
‫لنّها ليست شائعة·‬
‫هكذا بدأت بهذه العبارات‪،‬‬
‫فيما كان الصّوف يستسلم للخيوط التي تصنعها يدُها‪:‬‬

‫بيراموس وتيسبي (‪)Pyramus et Thisbé‬‬

‫"كان بيراموس‪،‬‬
‫الجمل بين الشبّان‬
‫وتيسبي الكثر فتنةً بين فتيات الشّرق·‬
‫يسكنان منزلين متجاو َريْن في المدينة‬
‫التي تدين لسميراميس بحزامٍ عالٍ من السوار المبنيّة بالجرّ المشوي·‬
‫أدّى بهما التجاور إلى التعارف‪،‬‬
‫وشجّع خطوات حبّهما الولى·‬
‫ولم يفتأ هذا الحبّ أن كبر مع الوقت‪،‬‬
‫ن أبويهما لم يُمانعا‬
‫ولو أ ّ‬
‫لكانا أضاءا مشعلَ الزّواج الشّرعي·‬
‫ب قلبيهما‪،‬‬
‫غير أنّ الهيامَ الذي أله َ‬
‫لم يقدر أبواهما أن يحول دونه·‬
‫لم يكن لهما أيّ صديقٍ حميم‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪165 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪166 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪193 :‬‬

‫وكانا يتكلّمان بالشارات والحركات‪،‬‬


‫وبقدْر ما كان حبّهما دفيناً‪،‬‬
‫ازداد عنف اضطرامه في أعماق روحيهما·‬
‫كان قد حدثَ شقّ صغيرٌ في السّور المشترك بين بيتيهما‪،‬‬
‫ولم يلحظه أح ٌد من قبل·‬
‫(لكن ما الذي ل يكتشفه الحبّ ؟)‪،‬‬
‫فأنتما‪ ،‬أيّها العاشقان الشّابان‪،‬‬
‫كنتما أوّل من رآه·‬
‫جعلتما منه َمعْبراً لصوتيكما‪،‬‬
‫تصل عبره‪ ،‬دون خطر‪ ،‬إلى هدفها‪،‬‬
‫أحاديثكما العذبة المهموسة·‬
‫غالباً‪ ،‬فيما تقف تيسْبي من جهة‪،‬‬
‫وبيراموس من الجهة الثانية‪،‬‬
‫ل أنفاس الخر‪،‬‬ ‫يترصّد ك ّ‬
‫كانا يقولن‪:‬‬
‫"أيّها الجدار الغيور‪،‬‬
‫لماذا تعارض حبّنا ؟‬
‫ماذا يكلّفك أن تسمح لجسمينا بأن يلتقيا ؟‬
‫وإذا كان هذا طلبًا كثيراً‪،‬‬
‫فماذا يكلّفك أن تنفتحَ أكثر لكي نتبادلَ‬
‫ل قبلتنا ؟‬ ‫على الق ّ‬
‫مع ذلك‪ ،‬لسنا ناك َريْن للجميل‪،‬‬
‫فنحنُ نعترف أنّ كلماتنا استطاعت بفضلك‬
‫أن تشقّ لنفسها طريقاً حتى آذاننا العاشقة·"‬
‫ل بمفرده هذه التّنهّدات التي ل تجدي‪،‬‬ ‫بعد أن صعّد ك ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪166 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪167 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪194 :‬‬

‫مع مجيء الليل‪،‬‬


‫ل منهما الخر‪،‬‬ ‫ودّع ك ّ‬
‫مُعطياً من جهته إلى الجدار قُبلً لم تكن تصلُ إلى الجهة المقابلة·‬
‫وعندما طردَ فجرُ الغدِ كواكبَ الليل‪،‬‬
‫وجفّفت الشّمس بأشعّتها العشابَ التي يُغطّيها الجليد‪،‬‬
‫عادا إلى موعدهما·‬
‫ل مهموس‪،‬‬ ‫حينذاك‪ ،‬بعد نُواحٍ طوي ٍ‬
‫قرّرا أن يُحاول‪ ،‬في سكون الليل‪،‬‬
‫ل من بيته·‬
‫أن يخدعا حارسيهما‪ ،‬ويخرج ك ّ‬
‫تسلّل من منزليهما‪،‬‬
‫خرجا من المدينة ذاتها‪،‬‬
‫ولكي ل يَشردا بعيداً في سيرهما عبر الحقول‪،‬‬
‫اتّفقا على اللقاء عند قبر نينوس ‪ Ninus( 7(,‬والختباء تحت الشّجرة التي تظلّله·‬
‫ت مثقلة بثمار بيضاء كالثّلج‪،‬‬ ‫وهي شجرة تو ٍ‬
‫ف نبعٍ بارد·‬‫وتنهض على ضفا ِ‬
‫غرق النّهار الذي بدا لهما أنّه يمضي بطيئاً‪،‬‬
‫في المواج‪،‬‬
‫ومن هذه المواج تصاعدَ اللّيل·‬

‫بمهارةٍ في وسط الظّلمات‪،‬‬


‫أدارت تيسبي الباب على محاوره‪،‬‬
‫وخرجت خادعةً حرسَ عائلتها·‬
‫غطّت وجهها بنقابٍ‪ ،‬وجاءت إلى القبر‪،‬‬
‫وجلست تحت شجرة التّوت·‬
‫كان الحبّ يبعث فيها الشّجاعة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 7‬نينوس ملك بابل‪ ،‬وزوج سميراميس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪167 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪168 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪195 :‬‬


‫شدْقها الذي ل يزال مُزبداً‪،‬‬ ‫وها هي لبؤةٌ‪ ،‬تلطّخ َ‬
‫بدماء الثيران التي قتلتها منذ قليل‪،‬‬
‫تجيء لترويَ عطشها من ماء الينبوع المجاور·‬
‫لمحتها تيسبي‪ ،‬عذراء بابل‪ ،‬تحت أشعّة القمر‪،‬‬
‫من بعيد‪،‬‬
‫فهربت بخطو ٍة مُرتعدةٍ‪ ،‬داخل ًة مغارة مُظلمة‪،‬‬
‫وفي أثناء هربها تركت النّقاب الذي يُغطّي كتفيها‪،‬‬
‫يسقط عنها·‬
‫ت طويلة من الينبوع‪،‬‬ ‫عندما ارتوت اللّبؤة المفترسة بجرعا ٍ‬
‫واتّجهت عائدةً إلى الغابات‪،‬‬
‫وجدت مصادف ًة ذلك النّقاب الخفيف الذي تركته الفتاة‪،‬‬
‫فمزّقته بشدْقها المُدمّى·‬
‫وعندما خرج بيراموس متأخراً‪،‬‬
‫ورأى فوق الغبار الكثيف الثار الكيدة للوحش‪،‬‬
‫غمر الصفرار وجهه·‬
‫لكن عندما رأى كذلك النّقاب مبقّعا بالدّم‪،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫"سيرى هذا الليل نفسه‬
‫موتَ عاشقيْن·‬
‫كانت هي الكثر جدارة منّي بحياةٍ طويلة·‬
‫أنا الثم·‬
‫أنا الذي ضيّع ُتكِ‪ ،‬أيّتها التاعسة الحظ‪،‬‬
‫أنا الذي دفعكِ للمجيء‪ ،‬ليلً‪،‬‬
‫إلى هذه المكنة التي يوحي فيها كلّ شيءٍ بالرّعب‪،‬‬
‫ولم أسبقكِ في المجيء·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪168 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪169 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪196 :‬‬

‫فتّتي جسمي‪ ،‬عاقبيني على جُرم َ‬


‫ي‬
‫مُمزّقةً أحشائي بنهشاتك الوحشيّة‪،‬‬
‫أيّتها السود التي تسكن هذه الصّخور!‬
‫غير أنّ الجبان هو وحده من يقتصر على استدعاء‬
‫الموت الذي يتمنّاه·"‬
‫تناولَ نقابَ تيسبي‪،‬‬
‫وأخذه معه تحت ظلّ الشجرة المعهودة‪،‬‬
‫غمر بدموعه هذا النّقاب الذي يعرفه جيّدا‬
‫وغمره بقبلته‪ ،‬صارخاً‪:‬‬
‫"خذ كذلك دمي الذي ستريقه يداي·"‬
‫واستلّ النّصل الذي يحمله في حزامهِ‬
‫وشكّه في صدره·‬
‫ضرُ‪ ،‬انتزعه من الجرح الّلهب‪،‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬وقد أخذ يُحت َ‬
‫وانبجس الدّم عالياً جدّا من جسمه الذي سقط على قفاه‪،‬‬
‫كمثل ما ينشقّ أنبوبُ الرّصاص‪ ،‬عندما يتضرّر‬
‫ويقذفُ صافراً‪ ،‬من فتحةٍ ضيّقة‬
‫َدفْقاتٍ طويلة من الماء‪،‬‬
‫يُمزّق عنقها الهواء·‬
‫أخذت ثمار الشّجرة‪ ،‬بفعل هذا الطلّ الذي يصبّه الموت‪،‬‬
‫مظهراً قاتماً‪،‬‬
‫وارتوى جذرها بالدّم‪،‬‬
‫مُعطياً لثمر التّوت الذي يتدلّى من أغصانها‪،‬‬
‫لون الرجوان·‬
‫كانت تيسبي ل تزال ترتجف‪،‬‬
‫غير أنّها لم تكن تريد أن تترك حبيبها ينتظرها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪169 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪170 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪197 :‬‬

‫فعادت تبحث عنه بقلبها وعينيها·‬


‫إنّها تتحرّق لكي تروي له الخطار التي نجت منها‬
‫تعرف المكانَ‪ ،‬تعرف شكل الشّجرة‪،‬‬
‫غير أنّ لون ثمارها جعلها تتردّد‪،‬‬
‫وتتساءل إن كانت هي نفسها حقاً·‬
‫وفيما هي حائرة‪ ،‬شاهدت مرتعبةً‬
‫الجسم الذي يختلج على الرض المُدمّاة·‬
‫تراجعتْ‪،‬‬
‫أكثر اصفرارًا من نبتة البَقْس‪،‬‬
‫وارتعشتْ كالبحر‪ ،‬حين يرتجف سطحه‬
‫وقد جعّدته ريحٌ خفيفة·‬
‫لكن‪ ،‬بعد لحظة‪ ،‬تحقّقت من أنّه جس ُم من تحبّ·‬
‫إذّاكَ أخذت تضرب ذراعيها البريئتين‬
‫ت مدوّية‪،‬‬‫بضربا ٍ‬
‫وتقتلع شَعرَها‪،‬‬
‫وتحتضن ذلك الجسم الحبيب‪،‬‬
‫ج دموعها‬ ‫وتبكي حانيةً على جرحه‪ ،‬مازجةً مو َ‬
‫بموج دمه‪،‬‬
‫صارخةً‪ ،‬فيما تطبع قبلتها على وجهه المجمّد‪:‬‬
‫"بيراموس‪،‬‬
‫ي أخذك منّي ؟‬ ‫أيّ قدر وحش ّ‬
‫أجبني‪ ،‬بيراموس‪،‬‬
‫أنا حبيبتك‪ ،‬تيسبي‪ ،‬تناديك‬
‫اسمعني‪ ،‬وارفع رأسك المائل·"‬
‫سمع بيراموس السم تيسبي‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪170 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪171 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪198 :‬‬

‫ففتح عينيه اللّتين أثقلهما الموت‪،‬‬


‫ولم يكد يراها حتى أطبقهما·‬
‫آنذاك رأت النّقاب والغمدَ العاجيّ الفارغ من نصله‪،‬‬
‫فقالت‪:‬‬
‫"من يدك ‪ ،‬ومن حبّك‬
‫هذه الضّربة القاضية‪ ،‬أيّها السّيء الحظ!‬
‫لي أنا كذلك ي ٌد قويّة جدّا‪ ،‬لهذه الغاية ‪ ،‬على القلّ‪،‬‬
‫ب سيعطيني القوّة الكافية لكي أضرب نفسي·‬ ‫وفي قلبي ح ّ‬
‫سأتبعك إلى ما وراء هذه الحياة‪،‬‬
‫وسوف يُقال إنني كنت السّبب المُحزن لموتك‪،‬‬
‫ورفيق َة هذا الموت·‬
‫كان الموت‪ ،‬وا أسفاه‪ ،‬هو وحده الذي يقدر أن يأخذك مني‪،‬‬
‫لكن ل شيء بعد الن يُمكن أن يأخذك مني‪،‬‬
‫حتى الموت نفسه·‬
‫مع ذلك نتوجّه‪ ،‬نحن الثنين‪ ،‬بهذا الرّجاء‪ ،‬إليكما‬
‫أنتَ‪ ،‬يا أبي المنكود‪،‬‬
‫وأنتَ يا والدَ حبيبي‪ ،‬المنكود‪:‬‬
‫ليرقد في قبر واحدٍ‬
‫هذان اللّذان وحّدهما الحبّ الوفيّ‬
‫واللحظة الخيرة من حياتيهما·‬
‫ل تردّا عنهما هذه النّعمة·‬
‫وأنتِ‪ ،‬أيّتها الشجرة‪ ،‬التي ل تظلّل غصونها ال َ‬
‫ن‬
‫إلّ جسماً واحداً‪،‬‬
‫وفي هنيهةٍ ستظلّل جسميْن‪،‬‬
‫احفظي علماتِ موتنا ـ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪171 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪172 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪199 :‬‬

‫احملي إلى البد ثماراً قاتمة رمزاً للحداد‪،‬‬


‫ت من دمِ عاشقيْن·"‬‫لكي تشهدي على أنّك ارتوي ِ‬
‫كانت وهي تُنهي كلماتها‪،‬‬
‫وقد ثبّتتْ رأس السّيف تحت صدرها‪،‬‬
‫ثمّ تركت جسدها يسقط على النّصل‬
‫الذي ل يزال حارّا من دم بيراموس·‬
‫وكانت اللهة قد استجابت إلى رجائها‪،‬‬
‫واستجاب كذلك البوان·‬
‫فتلك الثمار‪ ،‬عندما تنضج‪،‬‬
‫تأخذ لوناً ضارباً إلى السّواد·‬
‫وما تبقّى من مَحْرقتهما‬
‫يستقرّ في مَ ْرمَدةٍ واحدة·"‬
‫فينوس ومارس (‪)Vénus et Mars‬‬

‫أنهت القاصّة حكايتها·‬


‫وبعد فاصلٍ قصير‪ ،‬أخذت ليوكونوي (‪ )Leuconoé‬الكلم‪،‬‬
‫ت‪:‬‬‫فيما أصغت إليها أخواتها بصم ٍ‬
‫"حتى الله الشمس‪ ،‬هذا الذي ينظّم كوكبه المتللئ حياة الكون‪،‬‬
‫خضعَ للحبّ‪،‬‬
‫وسوف أقصّ أخبار حبّ الله الشمس·‬
‫يُقال إنّ هذا الله هو أوّل من رأى‬
‫زنا فينوس ومارس‪،‬‬
‫فهو بين اللهة الرّائي الوّل·‬
‫أغضبه هذا الثم‪،‬‬
‫فكشف لبن جونون‪ 8 ،‬زوج فينوس‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 8‬ابن جونون هو فولكان (‪ ,)Vulcain‬وقد أنجبته اللهة دون تدخّل الذكر‪ ،‬لكي تبرهن لجوبيتر الذي أنجب مينيرفا‬
‫دون تدخّل أيّة امرأة‪ ،‬أنها تقدر هي كذلك أن تستغني عنه في النجاب·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪172 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪173 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪200 :‬‬


‫عن الهانة الخفيّة لفِراشه‪،‬‬
‫شعر ابنُ جونون أنّه يفقد عقلَهُ‬
‫وعملَهُ الذي بين يديه في آن·‬
‫وفي الحال هيّأ بمِبردِهِ سلسلَ ناعمة من البرونز‪،‬‬
‫ومن الشّباك والشراك التي ل تراها العين‪،‬‬
‫والتي ل تفوقها الخيوط الكثر رهافةً‬
‫ول النسيج الذي تدلّيه العناكب‬
‫من جسور الخشب في أعالي السّقوف·‬
‫وجعلها طيّعةً لبسط احتكاكٍ‪،‬‬
‫ولقلّ حركة·‬
‫وأحاط بها السّرير مُ َرتّبًا إيّاها بمهارةٍ·‬
‫لم يكد يلتقي الزّوجة والله الزّاني في الفراش ذاته‬
‫حتى أطبقت عليهما هذه السلسل‪،‬‬
‫بفضل براعة الزوج في هذا البتكار الجديد‪،‬‬
‫فتجمّدا وهما في أوج عناقهما·‬
‫وسُرعان ما فتح صانع ليمنوس (‪)Lemnos‬‬
‫أبواب العاج‪ ،‬وأدخل اللهة·‬
‫ل مُخزٍ·‬ ‫بقي العاشقان ممدّدين‪ ،‬مُقيّدين‪ ،‬بشك ٍ‬
‫كان بين اللهة الذين لم يُحزنهم أبداً هذا المشهد‪،‬‬
‫إلهٌ تمنّى الفضيحة نفسها بالثمن نفسه·‬
‫فأخذ الولمبيّون الخالدون يضحكون‪،‬‬
‫وظلّ هذا العمل فترة طويلة‬
‫ث مُفضّلٍ في جميع الروقة السّماويّة·‬ ‫موضوعاً لحدي ٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪173 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪174 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪201 :‬‬

‫ليوكوثوي وكليتيا (‪)Leucothoé et Clytié‬‬

‫س إلهة كيثيرا (‪ )Cythère‬هذه الفضيحة‪،‬‬ ‫لم تن َ‬


‫وأرادت الثأر ـ‬
‫أرادت لمن يشي بالحُبّ الخفيّ‪،‬‬
‫ب مشابه·‬ ‫أن يُخان في ح ّ‬
‫فماذا يُفيدكَ الن‪ ،‬يا ابن هيبيريون (‪، )Hypérion‬‬
‫جمالك وتألّقك وضياؤك الباهر ؟‬
‫أنت‪ ،‬يا من أشعّته تُلهب الرض البعيدة‪،‬‬
‫ب بنار جديدة·‬ ‫مُلته ٌ‬
‫أنت من يتوجّب عليه أن يرى كلّ شيء‪،‬‬
‫لم تعد ترى إلّ ليوكوثوي‪،‬‬
‫ص هذه العذراء وحدها‬ ‫تخ ّ‬
‫بنظراتٍ هي للعالم كلّه·‬
‫إمّا أن تنهض باكراً في سماء الشّرق‪،‬‬
‫وإمّا أن تغوصَ متأخراً في المياه‪،‬‬
‫وعندما تتوقف لتأمّلها‪،‬‬
‫تطيل ساعاتِ الشّتاء‪،‬‬
‫وأحيانًا تنكسف‪،‬‬
‫وتنعكس تغيّرات روحك في ضيائك‪،‬‬
‫والظلمة التي تحجبك آنذاك‪،‬‬
‫تُرعب قلوبَ الفانين·‬
‫ب دون أن يتدخّل القمر‪ ،‬الكثر قرباً إلى الرض‪،‬‬ ‫تشح ُ‬
‫واضعاً جرمه أمامك·‬
‫وح ّبكَ هو الذي يُضفي عليك هذا الشّحوب·‬
‫لقد استحوذ على حنانك شخصٌ واحد‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪174 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪175 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪202 :‬‬

‫فلم تعد كليميني (‪ )Clyméné‬ول رودوس (‪)Rhodos‬‬


‫تهيمنان عليكَ‪،‬‬
‫ولم يعد يُهيمن عليكَ جمالُ آيا (‪Aea(, 9‬‬
‫التي وََلدَت سيرسي (‪,)Circé‬‬
‫ول كليتيا التي ل تزال تصبو‬
‫بالرّغم من ازدراءاتك‪ ،‬إلى فراشك‪،‬‬
‫وتكابد منه‪ ،‬في هذه السّاعة نفسها‪ ،‬جُرحاً خطيراً·‬
‫نسيتهنّ جميعًا من أجل لوكوتو‬
‫التي ولدتها في بلد العطور ‪ 10‬أورينوم (‪,)Eurynomé‬‬
‫الجميلة بل مثيل·‬
‫لكن عندما كبرت الفتاة‬
‫تفوّقت البنة على أمّها‪،‬‬
‫بقدْر ما كانت أمّها تتفوّق على جميع النّساء الخريات·‬
‫كان أبوها أورخاموس (‪ )Orchamus‬ملكاً‬
‫ن آخيمينيد (‪,)Achéménides‬‬ ‫على مد ِ‬
‫معدوداً في المرتبة السّابعة بين أحفاد بيلوس (‪ )Bélus‬القديم·‬

‫تحت سماء هسبيريا‬


‫تمتدّ المراعي الخاصّة بخيول الله الشمس‪،‬‬
‫ق اللهة‪،‬‬
‫حيث نجدُ بدلً من العشب‪ ،‬رحي َ‬
‫الذي يُغذي أجسامهنّ المُرهَقة من العمل اليوميّ‪،‬‬
‫ويُعطيها قوّة من أجلِ عملٍ جديد·‬
‫عندما تكون الخيول‬
‫في هذه المكنة‪ ،‬تتغذى‬
‫من الطّعام اللهيّ‪ ،‬ويكون الليل قد حلّ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ )Aea( 9‬جزيرة في إيطاليا كما يقول هوميروس· وهي داخلةٌ في البحر‪ ،‬وخارجة من جبل مونتي سيرسيو (‪Monte‬‬
‫‪ )Circeo‬في منطقة تيرّاسينا (‪ .)Terracina‬هناك ولدت سيرسي· ولدتها بيرسييس (‪ )Perséis‬بنت تيتيس (‬
‫‪ )Téthys‬والمحيط (‪ )L`Océan‬وزوجة الله الشمس·‬
‫‪ 10‬بلد فارس‪ ،‬مملكة الخمينيين أحفاد آخيمينيس (‪.)Achéménès‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪175 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪176 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪203 :‬‬

‫يتسلّل الله إلى غرفة من يُحبّها‪،‬‬


‫في هيئة أمّها أورينوم‬
‫بين اثنتي عشرة خادمة‪،‬‬
‫فيرى ليوكوثوي‪ ،‬في ضوء القناديل‪،‬‬
‫تسحب خيوطًا تساوي بينها‪ُ ،‬مدَوّر ًة مغازلَها·‬
‫هكذا‪ ،‬بعد أن يَمنحها قُبلته‬
‫كما تمنح أ ّم قبلتها لبنتها الغالية‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫"بيننا سرّ‪،‬‬
‫انسَحبْنَ‪ ،‬أيّتها الخادمات‪،‬‬
‫ن أمّا حقّها في الكلم‬
‫ول تسلبْ َ‬
‫إلى ابنتها·"‬
‫فتطيع الخادمات‪ ،‬ويبقى الله في الغرفة دون شُهود·‬
‫قال‪:‬‬
‫"أنا هو الذي يقيس دورانَ السّنة‪،‬‬
‫من يرى كلّ شيء‪،‬‬
‫وبه ترى الرض كلّ شيء‪،‬‬
‫أنا عين العالم·‬
‫ثِقي بي ـ فأنا أحبّك·"‬
‫تضطرب ليوكوثوي‪،‬‬
‫وفي اضطرابها‪،‬‬
‫ت من يدها مغازلها وغزلتها‪،‬‬ ‫تُفلِ ُ‬
‫وتسقط على الرض·‬
‫الخوف نفسه يزيد من جمالها·‬
‫وفورًا يستعيد عشيقُها شكلَه الحقيقيّ‬
‫وبهاءه المُعتاد·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪176 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪177 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪204 :‬‬

‫آنذاك تستسلم الفتاة لعنفه‪،‬‬


‫رغم ارتياعِها من هذا الظهور المفاجئ‪،‬‬
‫مغلوب ًة ببهاء الله‪،‬‬
‫ودون أن تتذمّرَ أو تشكو·‬

‫أيقظت غيرة كليتيا التي كان الله الشمس هائمًا بها‪،‬‬


‫حتى ذلك الوقت‪ ،‬هيامًا بل حدود·‬
‫فهيّجها الغضب على منافستها‬
‫ل مكان‪،‬‬ ‫وأخذت تتحدّث عن زناها في ك ّ‬
‫واغتابتها‪ ،‬فاضح ًة إيّاها‪ ،‬أمام والدها·‬
‫كان والد ليوكوثوي شرساً ل يرحم‪،‬‬
‫فرفض توسّلتها·‬
‫وعبثًا مدّت يديها‬
‫نحو نيران الله الشمس‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫"لقد اغتصبني·‬
‫ولم تكن لي أبداً يدٌ في ذلك·"‬
‫سجنها المتوحّش في حُفر ٍة عميقة‪،‬‬
‫وكدّسَ فوقها كَومةً ثقيلةً من الرّمل·‬
‫بدّده ابن هيبريون بأشعّته·‬
‫فتح لكِ‪ ،‬يا إلهة الماء‪ ،‬مخرجاً‬
‫يقدرُ وجهكِ أن يبرز منه·‬
‫لكن‪ ،‬ل·‬
‫كنتِ أصبحتِ عاجزةً عن أن ترفعي رأسكِ‬
‫حيث غارتِ الحياةُ تحت ثِقلِ الرض·‬
‫ت مجرّد جس ٍم ل دم فيه‬ ‫كنت أصبح ِ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪177 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪178 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪205 :‬‬


‫يتم ّددُ بل حراكٍ·‬
‫ويُقال إنّ الله الذي تطيعه خيولٌ سريعة‬
‫لم ي َر مشهداً أكثر إيلماً‪،‬‬
‫منذ أن ضربت الصّاعقة فاييتون·‬
‫حاول بقوّة أشعّته أن يبثّ حرارة الحياة‬
‫في أعضائها المتجلّدة‪،‬‬
‫لكن مثل هذا المسعى الكبير يُقاومه القدر·‬
‫عطِراً على الجسم واللّحد‪،‬‬ ‫آنذاك صبّ كوثراً َ‬
‫وصرخ بعد نواحٍ طويل‪:‬‬
‫"سوف تصعدين في الفضاءات‬
‫رغم كلّ شيء·"‬
‫وفي الحال‪ ،‬تلدّنَ الجسمُ المُشْبعُ بالكوثر السّماويّ‪،‬‬
‫وانحلّ غامراً بعطره الرض·‬
‫ت جذعُ لُبانٍ‬ ‫ونب َ‬
‫ارتسمت جذوره في التراب‬
‫رويداً رويداً‪،‬‬
‫ثاقبًا برأسه سطح الرض· ‪11‬‬
‫أما كليتيا‬
‫ب أن يَعذرَ لها حقدَها‪،‬‬‫فمهما استطاع الح ّ‬
‫وأن يُبرّئ حقدُها وشايتَها‪،‬‬
‫فإنّها لن ترى بعد‪ ،‬صانعَ الضّوء‪ ،‬يعودُ إليها‪،‬‬
‫وتوقّف عن أن يتذوّق معها ملذات فينوس·‬
‫مذّاك انمحقتْ‪،‬‬
‫يُش ّردُها هِيامها‪،‬‬
‫دون قدرةٍ على أن تتحمّل رفقةَ إلهاتِ الماء·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 11‬تحوّلت لوكوتويه إلى شجرة بخور تقدّم صَمغًا يُحرقُ في القرابين·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪178 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪179 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪206 :‬‬

‫وكانت تظلّ نهاراً وليلً تحت قبّة جوبيتر‪،‬‬


‫جالسةً على الرض العارية‪،‬‬
‫وشعرُها يتموّج مشعّثا على رأسها العاري·‬
‫تسعة أيّام‪ ،‬بل ماء‪ ،‬بل غذاء‪،‬‬
‫ل من الندى النقيّ‪،‬‬ ‫لم تكن تقتات إ ّ‬
‫ومن دموعها‪ ،‬ول تتحرّك من مكانها·‬
‫ل دورته‪،‬‬‫لم تكن تنظر إلّ وجه الله مكم ً‬
‫ونحوه وحده تديرُ وجهها‪،‬‬
‫ويُقالُ إنّ أعضاءها علقتْ بالرض‪،‬‬
‫ع ل نس َغ فيها‬
‫بينها جزءٌ زال لونه وتحوّل إلى جذو ٍ‬
‫ب كابٍ‪،‬‬
‫يغمره شحو ٌ‬
‫وبينها جزءٌ آخر صار بلونٍ أحمر‪:‬‬
‫رأسها هو الذي يختبئ تحت زهرةٍ تشبه البنفسج·‬
‫ومع أنّ جذرَها يُمسكُ بها‪،‬‬
‫فهي تتلفّت نحو حبيبها الله الشمس‪،‬‬
‫مسكون ًة بحبّها له حتى بعد تحوّلها·" ‪12‬‬

‫سَلْماكيس وهيرمافروديتوس (‪)Salmacis et Hermaphroditus‬‬

‫فتنت هذه المغامرة التي قصّتها ليوكونوي‬


‫مسامعَ رفيقاتها·‬
‫بعضهنّ أنكرْنَ إمكان حدوثها‪،‬‬
‫وقالت الخريات إنّ اللهة الحقيقيين‬
‫قادرون على كلّ شيء‪،‬‬
‫وباخوس ليس في عداد هؤلء·‬
‫طلبت قصّة جديدة من آلكيثوي (‪,)Alcithoé‬‬
‫بعد صمتِ أختيها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ت كليتيا إلى نبتة "رقيب الشمس"·‬
‫‪ 12‬تحوّل ْ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪179 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪180 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪207 :‬‬

‫فقالت‪ ،‬وهي تحرّك مكوكها في خيوط الكتّان المبسوط على النّول‪:‬‬


‫ب دافنيس (‪ ، )Daphnis‬الشّائع‪،‬‬ ‫"لن أرويَ ح ّ‬
‫راعي إيدا ‪ ،‬الذي حوّلته إلهة غابٍ‪،‬‬
‫ساخطة على منافستها‪ ،‬إلى صخرة‪،‬‬
‫فما أشدّ البغضاء التي تُحرقُ قلوبَ الحبّاء·‬
‫لن أحكي كيف أنه كان لسيتون (‪، )Sithon‬‬
‫ل تجدي ٍد في قوانين الطبيعة‪،‬‬
‫بفض ِ‬
‫س ملتبسٌ‪ :‬يكون مرّةً رجلً‪ ،‬ومرّةً امرأة·‬ ‫جن ٌ‬
‫ت أيّها الطفل كلميس (‪)Celmis‬‬ ‫وأن َ‬
‫الذي كنت أميناً لجوبيتر‪ ،‬وتحوّلت إلى كتلةٍ من الماس‪،‬‬
‫وأنتم أيّها الكوريتيون (‪ )Curétes‬الذين ولدوا من المطر الطيّب‪،‬‬
‫وأنتما‪ ،‬يا كروكوس (‪ )Crocus‬ويا سميلكس (‪)Smilax‬‬
‫اللذان تحوّل إلى زهرتين صغيرتين‪،‬‬
‫سأضربُ صفحاً عنكم جميعاً·‬
‫أريد أن أفتن العقول بسحر جديد· ‪13‬‬
‫من أين تجيء شهرة سالماكيس المحزنة ؟‬
‫كيف يحدث أن مياهه‬
‫توهنُ العضا َء وتليّنها عندما تلمسها ؟‬
‫هذا ما سأخبركم به‪،‬‬
‫ذلك أن السبب مجهولٌ‪ ،‬مع أنّ أصحاب الينبوع معروفون جدّا·‬
‫ل من إلهة كيثيرا (‪)Cythère‬‬ ‫كان لميركور طف ٌ‬
‫أرضعته ربّات الينابيع في مغاور إيدا (‪.)Ida‬‬
‫يُمكن التعرّف بوضوح إلى أبيه وأمه‪ ،‬في قسماته·‬
‫بل أن السم الذي أعطيَ له‬
‫يذكّر بهما معاً·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 13‬سيتون هو ملك تراسيا (‪ ,)Thrace‬وأوفيد هو الوحيد الذي يُشير إلى تغيّر جنسه· وسيلميس أهان ريا (‪)Rhéa‬‬
‫فتحوّل إلى كتل ٍة من الماس· والكوريتيون شياطين كانوا يسهرون على طفولة جوبيتر في كريت‪ ،‬أمّا كروكوس‬
‫وسميلكس فقد تحوّل ـ الول إلى نبتة زعفران‪ ،‬والثاني إلى لبلبٍ شائك·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪180 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪181 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪208 :‬‬

‫عندما بلغ الخامسة عشرة‬


‫ترك الجبالَ التي شاهدت ولدته‪،‬‬
‫وطاب له‪ ،‬بعد ابتعاده عن إيدا‪ ،‬حيث أرضعَ‪،‬‬
‫أن يتشرّد في أماكنَ غير معروفة·‬
‫وكان فضوله يُخفّف تعبه·‬
‫زار مدن ليكيا (‪ ,)Lycia‬والبلد التي تجاورها‪ ،‬كاريا (‪· )Caria‬‬
‫هناك رأى غديرًا تتيح مياهُه الصّافية‬
‫للنظّر أن ينفذ إلى العماق‪،‬‬
‫حيث ل وجود للقصب كما في المستنقعات‪،‬‬
‫ول للطّحالب العقيمة‪،‬‬
‫ول لنباتات السَلِ‪ ،‬ذوات الطراف الحادّة‪،‬‬
‫ل شيء يُفسد نقاوة الماء·‬
‫غير أن لضفاف هذا الغدير حزاماً‬
‫من الكل الدائم النّداوة‪،‬‬
‫ومن العشاب الدّائمة الخضرة·‬
‫كانت تسكنه إلهة ماءٍ‪،‬‬
‫لكنّها غير ماهرةٍ في الصّيد‪،‬‬
‫لم تعتدْ أن توتّ َر قوساً‬
‫ول أن تتبارى مع سرعةِ الحيوانات·‬
‫كانت هي وحدها‪ ،‬بين إلهات الماء‪،‬‬
‫مجهول ًة عند ديانا الرّشيقة‪ ،‬الخفيفة·‬
‫يُروى أنّ أخواتها كنّ يقلْنَ لها غالباً‪:‬‬
‫"خذي يا سَلْماكيس رُمحاً‬
‫أو كنانةً صارخة اللوان‪،‬‬
‫واجمعي بين أوقات فراغكِ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪181 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪182 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪209 :‬‬

‫وتَمارينِ الصّيد القاسية·"‬


‫فلم تكن تأخذ رمحاً‪،‬‬
‫ول كنانةً صارخة اللوان‬
‫ولم تكن أبدًا تجمع بين أوقات فراغها‬
‫وتمارين الصّيد القاسية؛‬
‫غير أنها أحياناً تغسل جسمها الجميلَ في ينبوعها‬
‫وغالبًا تمشّط شعرها بمشطٍ كيتوريّ ‪14‬‬
‫ناظرة إلى المياه لكي تتأكّد من شكل تسريحتها·‬
‫وطوراً تستريحُ فوق سرير من الوراق‬
‫أو العشاب اللّينة‪،‬‬
‫مغطّاة بحجابٍ شفّاف‪،‬‬
‫تقطفُ أزهاراً·‬
‫وصادف أنّها كانت تقطف الزّهر‪،‬‬
‫لحظة رأت الشابّ‪،‬‬
‫فأرادت أن يكون لها·‬
‫لكن‪ ،‬قبلَ أن تدنو منه‪ ،‬وعلى الرّغم من نفاد صبرها‪،‬‬
‫أخذت ترتّب زينتها‬
‫وتُلقي نظرةً على براقعها‪ ،‬وتزيّن وجهها·‬
‫ل ما ينبغي لكي تعدّ جميلةً·‬ ‫كان عندها ك ّ‬
‫آنذاك خاطبته قائلةً‪:‬‬
‫"أيّها الشابّ‪،‬‬
‫أنت جديرٌ بأن تعدّ إلهاً·‬
‫ولو كنت إلهاً‪،‬‬
‫لكنتَ قادرًا أن تكون كوبيدون·‬
‫ولئن كنتَ فانياً‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 14‬نسبة إلى جبل سيتور (‪ )Cytore‬الذي كان مُغطّى بأشجار البقس (‪ )Buis‬الذي تُصنع منه المشاط·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪182 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪183 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪210 :‬‬

‫فما أسعد أولئك الذين أعطوك الحياة‪،‬‬


‫وكم هو سعيدٌ أخوكَ‪،‬‬
‫وكم هي سعيدة بالتأكيد أختك‪ ،‬إن كانت لك أخت‪،‬‬
‫والمُرضعة التي أعطتك ثديها!‬
‫غير أن الكثر سعادة كذلك من هؤلء جميعاً‬
‫خطيبتك ـ تلك التي سوف تتكرّم بأن تضيء لها‬
‫مشعلَ الزّواج!‬
‫فإن كانت لك خطيبة‪،‬‬
‫دعني أنعم سرّا بحبك‬
‫وإلّ‪ ،‬فإنّ أجمل ما أتمنّاه‬
‫أن أكون زوجتك التي تشاطرك الحياة‬
‫الى البد!"‬
‫ثمّ صمتت إلهة الماء‪،‬‬
‫وكان الحمرار قد غطّى وجه الشابّ‬
‫(ذلك أنه ل يعرف ما الحبّ)‬
‫غير أنّ هذا الحمرار زاد في جماله·‬
‫فهو يذكّر بلون الثمار التي تتدلّى من شجر ٍة مكشوفةٍ للشمس‪،‬‬
‫أو بلون العاج الموشّح بالرجوان‪،‬‬
‫أو كذلك بلون القمر الذي يكتسي حُمرةً‬
‫في ما تحت سطحه البيض‪،‬‬
‫عندما تدوّي عبثاً أصوات البرونز‬
‫طالبةً له النّجدة· ‪15‬‬
‫كانت إلهة الماء تلتمسُ‪ ،‬دون كللٍ‪،‬‬
‫ل ـ كمثلِ ما تتلقّاها أختٌ‪ ،‬على القلّ‪،‬‬ ‫قُب ً‬
‫وفيما كانت تمدّ يدها نحو عُنقه العاجيّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫جدَ بالضّرب قويّا على‬


‫‪ 15‬كان يُعتقد في الماضي أن خسوف القمر تسببه رقيَة سحر مؤذية‪ ،‬وأن من الممكن أن يُن َ‬
‫المعدن ـ البرونز وغيره·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪183 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪184 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪211 :‬‬

‫قال لها‪:‬‬
‫"هل تتوقّفين‪،‬‬
‫أو تريدين أن أهرب منكِ‪،‬‬
‫وأتركك وحيدةً في هذا المكان ؟"‬
‫ارتعبتْ سَلماكيس‪ ،‬وأجابته‪:‬‬
‫"سأترك لك المكان‪،‬‬
‫أيّها الغريبُ‪،‬‬
‫وأحرّرك من حضوري·"‬
‫هكذا تظاهرتْ أنها تتراجع وتبتعد‪،‬‬
‫حريص ًة أن تلتفتَ وراءها‪،‬‬
‫ل كثيفٍ واختبأت‪،‬‬ ‫ثمّ دخلت في دغ ٍ‬
‫منحنية‪ ،‬حانيةً ركبتها·‬
‫ل طبيعيّ‪،‬‬ ‫أمّا هو فكان متأكّدا بشك ٍ‬
‫أن ليس هناك أح ٌد يُراقبه‬
‫في هذا المكان حيث بقي يتجوّل وحيداً·‬
‫عندما رأى الماء الذي يتلعبُ أمامه‪،‬‬
‫ي قدميه‪،‬‬ ‫غمس فيه أخمصَ ْ‬
‫من أطراف أصابعهما حتّى العقب·‬
‫وإذ التذّ كثيرًا بحالة الماء‪،‬‬
‫خلع فوراً‪ ،‬عن جسمه المُرهف‪،‬‬
‫الرّداء الناعم الذي يكسوه·‬
‫آهٍ! الن ظهرت فتنته‪،‬‬
‫وها هو جماله الذي عُرّيَ‪،‬‬
‫يؤجّجُ سَلْماكيس بالشّهوة·‬
‫بَرقتْ عيناها‪ ،‬كمثلِ أشعّةٍ باهرةٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪184 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪185 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪212 :‬‬

‫يبثّها قرصُ فيبوس النّقيّ‬


‫عندما تعكسها مرآةٌ تواجهه·‬
‫ل بصعوبة كبيرة‪،‬‬ ‫لم تكن قادرة‪ ،‬إ ّ‬
‫على الصّبر‪ ،‬وعلى تأجيل لحظة السّعادة·‬
‫فهي تريد العناق فوراً‬
‫ولم تعد قادرة على أن تكبح شهوتها·‬

‫أخذ الشّاب يضرب جسمه براحتيه‬


‫ثمّ قفز‪ ،‬برشاقةٍ‪ ،‬في الماء‪،‬‬
‫وفيما كان يحرّك ذراعيه بالتناوب‪،‬‬
‫كان يتلل في المياه الصّافية‬
‫كمثل تمثالٍ من العاج‪،‬‬
‫أو كمثل زنبقٍ ناصعِ البياض‬
‫عندما يُغطّى بزجاجٍ شفاف·‬
‫كانت إلهة الماء‪ ،‬قد خلعت ثيابها كلّها بعيداً‪،‬‬
‫فصرختْ‪:‬‬
‫"لقد انتصرتُ‪ ،‬إنّه لي·"‬
‫وألقتْ بنفسها في الماء·‬
‫أخذ يتخبّط‪ ،‬غير أنها أمسكت به‪،‬‬
‫وعلى الرّغم من مقاومته‪،‬‬
‫اختطفت منه قُبلً·‬
‫ت يديها تحت جسمه‪،‬‬ ‫دسّ ْ‬
‫وقبضت على صدره المتمرّد‪،‬‬
‫وأخذت تطوّقه تار ًة من جهة‪،‬‬
‫وتارة من جهةٍ أخرى·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪185 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪186 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪213 :‬‬

‫ت منها‪،‬‬
‫ل أن يُفل َ‬
‫عبثًا كان يُصارع‪ ،‬محاو ً‬
‫أطبقت عليه كما تفعل حيّة‬
‫يؤازرها طائرُ سّي ِد اللهة‪،‬‬
‫ويطي ُر بها في الفضاء·‬
‫تقّيدُ الحيّة‪ ،‬وهي تتدلّى في الفراغ‪،‬‬
‫رأسَ النّسر ومخالبه‪،‬‬
‫وتلفّ بثنايا ذيلها أجنحته المفتوحة·‬
‫أو كما يلتفّ اللّبلب حول جذوع الشجار الكبيرة‪،‬‬
‫أو كما يفعل كذلك أخطبوطٌ‪،‬‬
‫عندما يُفاجئ عدواً تحت المياه‪،‬‬
‫يسجنه بين مِجَسّاتِهِ الممدودة في التجاهات كلّها·‬

‫استمرّ سليلُ أطلس ‪ 16‬يُقاوم‪،‬‬


‫ويحول دون الفرح الذي تأمل به إلهة الماء·‬
‫فأخذت تضيّق عليه وتغمره بجسمها كلّه‪،‬‬
‫وتشدّه بقوّة إليها‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫"عبثًا تقاوم أيّها الخبيث‪،‬‬
‫ت أبداً·‬
‫فلن تفل َ‬
‫استجيبي لي‪ ،‬أيّتها اللهة‪،‬‬
‫اعملي على ألّ يأتي أبداً اليوم الذي يُبعدني عنه‪،‬‬
‫أو يبعده عنّي!"‬
‫استجابت اللهة‪،‬‬
‫فامتزج جسماهما واتّخذا صورة كيانٍ واحدٍ·‬
‫عندما نضع غصنيْن متلصقين تحت قِشْرٍ واحدٍ‪،‬‬
‫نراهما يلتحمان وينموان معاً‪ ،‬ويكبران معاً·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 16‬هيرمافروديتوس هو‪ ،‬من جهة أبيه هرمس (‪ )Hermès‬حفيد مايا (‪ )Maia‬التي هي ابنة أطلس (‪. )Atlas‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪186 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪187 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪214 :‬‬

‫هكذا منذ أن وحّد بينهما العناق العنيد‪،‬‬


‫لم يعودا اثنين‪،‬‬
‫وإن صار لهما شكلٌ مزدوج‪:‬‬
‫ل نقدر أن نقول إن كان ذلك امرأةً‪ ،‬أو شاباً·‬
‫س لهما‪،‬‬
‫فهما يبدوان ألّ جن َ‬
‫ل منهما في الوقت نفسه جنسين·‬ ‫وأنّ لك ّ‬
‫هكذا‪ ،‬عندما رأى الطفل بفعل هذه المياه الصّافية‪،‬‬
‫التي نزل إليها رجلً‪ ،‬أنه لم يعد ذكراً إلّ بنصفه‪،‬‬
‫وأن أعضاءه فقدت رجولتها‪،‬‬
‫بسط هيرمافروديتوس يديه‪،‬‬
‫وصرخ عاليًا بصوتٍ لم تعد فيه أيّة ذكورة‪:‬‬
‫" ُمنّا على ابنيكما‪،‬‬
‫يا أبي ويا أمّي‪،‬‬
‫أنتما اللذان أعطيتماه اسميكما‪،‬‬
‫بهذه النّعمة‪:‬‬
‫ل يعود رجلً أيّ إنسانٍ‬ ‫أّ‬
‫ينزل في هذا النّبع‪ ،‬إلّ بنصفه‪،‬‬
‫عندما يخرج منه‪،‬‬
‫س هذه المياه!"‬
‫وأن يفقد ذكوريّته رأسًا منذ أن يُلم َ‬
‫أثّرت في البوين صلة البن المزدوج الجنس‬
‫فاستجابا لها‪،‬‬
‫ونشرا في النّبع نَسغاً ملوّثا وشرّيرا·"‬
‫هنا تنتهي الحكاية·‬
‫غير أنّ بنات مينياس كنّ ل يزلنَ جادّات في عماهنّ؛‬
‫ن عيده‪،‬‬‫يحتقرنَ الله ويدنّسْ َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪187 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪188 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪215 :‬‬


‫ل غير مرئيّة بهديرها البَهيم‪،‬‬ ‫عندما دوّتْ‪ ،‬فجأةً‪ ،‬طبو ٌ‬
‫واختلطت أصوات المزامير ذوات الفتحات المقوّسة‬
‫برنين البرونز·‬
‫وأخذ المُرّ والزعفران ينشران عطريهما‪،‬‬
‫وبدأ الكتّان‪ ،‬وتلك مُعجزة ل تصدّق‪ ،‬يخضرّ‬
‫وتحوّل النسيج العالق في أنواله إلى أوراق لبلب‪،‬‬
‫وبعضه تحوّل إلى أوراق كرمةٍ‪،‬‬
‫وصارت الخيوط الحديثة العهد قضباناً‬
‫تحمل عناقيدَ عنبٍ‪،‬‬
‫ومنحَ الرجوان ألقه للعنب الذي يتلوّن به·‬
‫كان اليوم قد انتهى‪ ،‬واقتربت السّاعة‬
‫التي ل نقدر أن نسمّيها بساعة الظّلمات‬
‫أو بساعة النور‪،‬‬
‫بل السّاعة التي يُتاخم فيها النور ظلمة الليل المريبة·‬
‫فجأةً‪ ،‬ارتجّ السّقف‬
‫صمْغيّة تلتهب‪،‬‬
‫وبدا كأنّ مشاعل ِ‬
‫وتضيئُ المبنى بنورها الصهب‪،‬‬
‫وكأنّ أشباحَ حيواناتٍ مفترسة وهميّة تملؤه بعوائها·‬
‫كانت الخوات الثلث قد سارعْنَ‬
‫ن الذي يتصاعد منه الدّخان‪،‬‬ ‫للختباء في منزله ّ‬
‫يبحثنَ هنا وهناك‬
‫ت من اللّهب ومن الضّوء·‬ ‫هاربا ٍ‬
‫ن يبحثنَ عن الظلمات‪،‬‬ ‫وفيما ك ّ‬
‫امتدّ غشاءٌ على أجسامهنّ المتقلّصة‪،‬‬
‫ونبتت أجنحة رقيقة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪188 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪189 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪216 :‬‬

‫تغطّي أذرعَهنّ·‬
‫كيف فقدنَ شكلهنّ القديم ؟‬
‫لم تكن الظلمات تُتيح معرفة ذلك·‬
‫وطِرْنَ ل بفضلِ ريشٍ‪،‬‬
‫وإنّما سندتهنّ في الفضاء أجنحتهنّ الشّفافة‬
‫وحاولن الكلم‪،‬‬
‫لكن لم تصدر عنهنّ إلّ أصواتٌ ضعيفة بحجم أجسامهنّ‪،‬‬
‫ل تفصحُ عن نواحهنّ الخفيف‬
‫ل بصراخٍ حادّ·‬ ‫إّ‬
‫ل يسكنّ الغابات بل البيوت‪،‬‬
‫عدوّات للضوء‪،‬‬
‫ل يَطرْنَ إلّ في الليل·‬
‫ن مدينات باسمهنّ إلى فيسبر (‪)Vesper‬‬ ‫وه ّ‬
‫كوكب المساء· ‪17‬‬

‫أتاماس وإينو (‪)Athamas et Ino‬‬

‫منذ ذلك الوقت‪،‬‬


‫تحتفل مدينة طيبة كلّها بالله باخوس‪،‬‬
‫وتتحدّث إحدى عمّات الله الجديد‬
‫ل مكانٍ عن جبروته الرّهيب·‬ ‫في ك ّ‬
‫ت كثيراتٍ‬ ‫عمّته هذه بين أخوا ٍ‬
‫هي الوحيدة التي ل تعرف أيّ حزنٍ آخر‪،‬‬
‫غير الحزان التي سبّبتها لها أخواتها‪،‬‬
‫بينما أبناؤها يملون نفسها زَهْواً‪،‬‬
‫لنّ إلهاً ‪ 18‬كان رضيعاً لها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 17‬تحوّلت بنات مينياس إلى خفّاشات (وطاويط)· في اللتينيّة‪· )Wespertiliones( :‬‬
‫‪ 18‬هي إينو (‪ ,)Ino‬وكان ديونيزوس رضيعاً لها·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪189 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪190 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪217 :‬‬

‫ولنها حظيت بشرف النّوم في فراشٍ واحدٍ‬


‫مع آتاماس·‬
‫وإذ شعرت بذلك جونون‪ ،‬رفضت أن تتقبلّه‪،‬‬
‫وقالت في نفسها‪:‬‬
‫"استطاع ابن زانيةٍ‬
‫أن يحوّل بحّارة ميونيا (‪)Méonia‬‬
‫ويرميهم في البحر‬
‫وأن يجعل أمّا تمزّق بيديها جس َد ابنها‪،‬‬
‫ويغطّي بنات مينياس الثلث‬
‫بأجنحةٍ لم تكن معروفة حتى ذلك الوقت‪،‬‬
‫وجونون ل تستطيع أن تفعل أيّ شيء‪،‬‬
‫ل أن تبكي‪،‬‬ ‫إّ‬
‫لنها لم تثأر للهانات التي ُوجّهتْ إليها ؟‬
‫ي أن أقبل بذلك ؟‬ ‫وعل ّ‬
‫أهذه إذن قوّتي كلّها ؟‬
‫إنه هو نفسه يعلّمني ما سأفعله‬
‫ي أن نأخذ أمثولتٍ حتى من العدو)‪،‬‬ ‫(طبيع ّ‬
‫فهو يوضح لي كفايةً وأكثر‪،‬‬
‫بمقتل بّانتيوس‪،‬‬
‫ما يقدر أن يحقّقه الغضب الهائج·‬
‫فلماذا ل تضلّ إينو ضلل أخواتها‪،‬‬
‫وتقتفي‪ ،‬بجنونها هي‪ ،‬أمثولتهنّ ؟"‬
‫مقرّ أرواحِ الموتى‬

‫ق يُعتّم انحدارها شجرُ طَ ْقسُوسٍ سامّ‬


‫ثمّة طري ٌ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪190 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪191 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪218 :‬‬

‫تؤدّي‪ ،‬عبْرَ هدو ٍء عميق‪ ،‬إلى المنازل الجهنميّة·‬


‫هنالك ترسلُ مياه ستيكس (‪ )Styx‬الهامدة‪،‬‬
‫البُخارات التي تصعّدها·‬
‫ومن هنا تهبط الظلل الحديثة العهد والشباحُ‬
‫ل بمآتمها·‬
‫التي احتُف َ‬
‫يُقيمُ الشّحوب والبرد بامتدادهما الكامل‬
‫في هذه الماكن البائرة·‬
‫وتجهل أرواح الموتى الجديدة الطّريق التي تعود‬
‫إلى مدينة ستيكس‪،‬‬
‫والقصر الرّهيب لديس (‪ Dis( 19‬السود·‬
‫لهذه المدينة الضّخمة ألف شارع‪،‬‬
‫ولها من جميع الجهات أبوابٌ مفتوحة·‬
‫وكما يستقبل البحر النها َر من الرض كلّها‪،‬‬
‫هكذا يستقبل هذا المكان جميعَ الرواح·‬
‫فهو ل يضيق على أيّ شعب‪،‬‬
‫ول يحسّ إطلقاً بتكاثر الوافدين·‬
‫في كلّ جه ٍة منه‪،‬‬
‫ل ل د َم فيها‪،‬‬ ‫تأتي وتذهب ظل ٌ‬
‫وليس لها لحمٌ أو عظم‪،‬‬
‫بعضها يمضي مُسرعاً إلى السّاحة‪،‬‬
‫بعضها في قصر العالم السّفلي‪،‬‬
‫ل مختلفة‪،‬‬‫بعضها غارقٌ في أعما ٍ‬
‫تذكرّها بحياتها السّابقة·‬
‫وبعضها الخر يرزح تحت العقاب الذي استحقّته·‬
‫صمّمت جونون ابنة ساتورن‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ )Dis( 19‬ديس‪ ،‬لقبٌ لبلوتون (‪ ,)Pluton‬ومعناه "الغنيّ" لنه يُهيمن على مملكةٍ هي الكثر سكاناً·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪191 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪192 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪219 :‬‬

‫أن تترك منزلها السّماويّ‬


‫لكي تزور هذا المكان·‬
‫(تتمادى كثيراً في استسلمها لضغينتها وغضبها)‬
‫لم تكد تدخل إليه‪،‬‬
‫لم تكد العتبة تئنّ تحت وطأة جسمها المقدّس‪،‬‬
‫حتى رفع سيربيروس (‪)Cerberus‬‬
‫ن ثلثة عواءات·‬ ‫رأسه الثلثيّ‪ ،‬مُطلقاً في آ ٍ‬
‫نادت الخوات المولودات من الليل‪،‬‬
‫تلك اللهات الرّهيبات الشّرسات·‬
‫كنّ يجلسنَ أمام أبواب الفولذ التي تنغلق على السّجن‪،‬‬
‫يُمشّطن ثعابين شعرهنّ السّوداء‪،‬‬
‫ن عندما تعرّفنَ على جونون‬ ‫ن ينهض َ‬ ‫وها ه ّ‬
‫في عتمة الضّباب·‬
‫يُسمّى هذا المكان مثوى الجريمة·‬
‫هنا‪ ،‬كان تيتيوس (‪ )Tityos‬يُعرّض أحشاءه للتّمزيق‪،‬‬
‫ق مساح ٍة من تسعة فدادين·‬ ‫ممدّداً فو َ‬
‫هناك‪ ،‬ل تستطيع يا تانتالوس (‪)Tantalus‬‬
‫أن تصلَ إلى الماء‪،‬‬
‫والشجرة التي تنحني على رأسكَ‬
‫تُفلت منكَ باستمرار·‬
‫ستَمسكَ‪،‬‬‫وأنت‪ ،‬يا سيزيف‪ ،‬تحاول أن ت ْ‬
‫أو تدفعَ أمامكَ صخرتك الجاهزة لكي تسقط من جديد·‬
‫وها هو إكسيون (‪ )Ixion‬يدور على دولبه‪،‬‬
‫محكوماً بمطاردة نفسه وبالتهرّب منها·‬
‫أمّا حفيدات بيلوس (‪،)Bélus‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪192 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪193 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪220 :‬‬

‫ن ما ًء بل نهاية‪،‬‬
‫فينزحْ َ‬
‫ما ًء يضيع ول يُفدْنَ منه أبداً‪،‬‬
‫ت أبناء عمومتهنّ· ‪20‬‬
‫لنّهنّ تجرّأن وعملنَ على مو ِ‬

‫تيسيفوني (‪)Tisiphone‬‬

‫ت نظراتها الشّرسة‬ ‫بعد أن ألق ْ‬


‫على جميع هؤلء المجرمين‪،‬‬
‫خصوصاً على إكسيون‪،‬‬
‫التفتت ابنة ساتورن من جديد نحو سيزيف‪ ،‬قائلةً‪:‬‬
‫"لماذا يكابد هذا من بين إخوة كثيرين‪،‬‬
‫عقابًا أبدياً‪،‬‬
‫بينما يؤْوي قصرٌ غنيّ آتاماس المتعجرف‪،‬‬
‫الذي طالما احتقرني كمثل ما تفعل زوجته ؟"‬
‫وأخذت تشرح أسباب حقدها‪ ،‬وسفرها‪،‬‬
‫وما طلبته·‬
‫تريد أن تدمّر بيت قدموس ‪،‬‬
‫وأن تعمل الخوات الجهنميّات‬
‫على جرّ آتاماس إلى الجريمة·‬
‫أوامرُ‪ ،‬وعودٌ‪ ،‬صلواتٌ‪:‬‬
‫هذه كلّها استخدمتها معاً‪ ،‬في التماساتها‬
‫لدى اللهات الثلث·‬
‫عندما أنهت جونون كلمها‪،‬‬
‫حرّكتْ تيسيفوني شعرها البيض‪،‬‬
‫المشعّث دائماً‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 20‬هنا يتجمّع المجرمون الكبار الذين يُعاقبون أبديّا· العملق تيتيوس الذي أراد أن يغتصب لتونا (‪ ,)Latone‬فعوقب‬
‫بأن تأكل كبده حيتان‪ ،‬وبأن تعود لكي تؤكل ثانيةً‪ ،‬وفقًا ليقاع أوجه القمر· وعوقبَ تانتال‪ ،‬لتجديفه‪ ،‬بالجوع والعطش‪،‬‬
‫وعوقب سيزيف بأن يُدحرج إلى البد صخرةً‪ ،‬لنه تجرّأ وقيّد الموت (إله الموت)· وعوقب إكسيون بأن يدور على‬
‫ي مع جونون‪ ،‬ولهذا فهي تنظر إليه أكثر مما تنظر إلى الخرين· أخيراً‬ ‫دولبه‪ ،‬لنه اشتهى أن يُمارسَ العمل الجنس ّ‬
‫ن قتلنَ أزواجهنّ الذين كانوا كذلك‬
‫ل لقاع له‪ ،‬لنّه ّ‬
‫ن أن يملنَ بالماء برمي ً‬
‫الدّانائيدات (فراشات الليل) اللئي يحاول َ‬
‫أبناء عمومتهنّ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪193 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪194 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪221 :‬‬

‫أرجعت إلى الوراء ثعابين جدائلها‬


‫التي كانت تتدلّى أمام فمها‪ ،‬وأجابت‪:‬‬
‫"ل حاجة إلى الطالة المواربة·‬
‫اعتبري أوامرك هذه نافذة كلّها·‬
‫اتركي هذه المملكة الكريهة‪،‬‬
‫واصعدي إلى جوّ السّماء‪ ،‬النقى·"‬
‫عادت جونون‪ ،‬مليئة بالفرح‬
‫وقبل أن تدخل السّماء‪،‬‬
‫رشّتْ عليها إيريس‪ ،‬ابنة توماس (‪)Thaumas‬‬
‫طلّ ماءٍ طهور·‬

‫على عجَلٍ‪،‬‬
‫أمسكت تيزيفون الشّرسة بمشعلٍ‬
‫مغطّسٍ في الدّم‪،‬‬
‫وارتدت معطفاً لوّنه بالحُمر ِة مدّ من الدّم‪،‬‬
‫ولفّت حولَ خاصرتها ثعبانًا يُعانقها‪،‬‬
‫وخرجتْ من مقرّها·‬
‫تُرافقها آلهةُ الحداد‪ ،‬والهلع‪ ،‬والهول‪ ،‬والجنون‪ ،‬المقطّب الوجه·‬
‫وعندما توقّفتْ أمام عتبة ابن إيولوس (‪Eolus(. 21‬‬
‫ارتجّت البواب‪ ،‬كما يُروى‪،‬‬
‫وفقدت مصاريعها المصنوعة من خشب ال َقيْقبِ ألوانها‪،‬‬
‫وهربت الشمس نفسها من هذه الماكن·‬
‫أرعبت هذه العاجيب زوجة آتاماس‪،‬‬
‫وذُعر منها هو كذلك·‬
‫فأخذا يستعدان للهرب من منزلهما‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 21‬إيولوس هو ملك تيسّاليا(‪ )Thessalie‬وابنه هو آتاماس (‪.)Athamas‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪194 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪195 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪222 :‬‬

‫لكن انتصبت أمامهما إيرينيس (‪ )Erinys‬المُميتة‪،‬‬


‫وسدّت عليهما الطّريق‪،‬‬
‫فاتح ًة ذراعيها الملفوفتين بعُقدِ الفاعي‬
‫محرّكةً شعرها·‬
‫وتحرّكت في جسمها كلّه‪ ،‬ضاجّة‪ ،‬ثعابينُ ـ‬
‫بعضها متمدّد على كتفيها‪،‬‬
‫وبعضها يزحف حول صدرها‪ ،‬صافراً‪،‬‬
‫قاذفاً لعابه‪ ،‬راشقاً لسانه إلى الخارج·‬
‫حينئذٍ انتزعت من وسط شعرها أفعوانين‪،‬‬
‫وطرحتهما فجأة من يدها القاتلة‪،‬‬
‫فأخذا يهيمان على صدرَيْ إينو وآتاماس‪،‬‬
‫وينفخان عليهما أنفاسهما الموبوءة·‬
‫لم يتركا جراحاً في جس َميْ الزّوجين‪،‬‬
‫لكنّ جراحَ روحيهما كانت رهيبةً·‬
‫ت معها كذلك‬‫كانت إيرينيكس قد أحضر ْ‬
‫سموماً سائلةً وعجيبة‪:‬‬
‫شدْقِ سيربيروس‪،‬‬‫الزّبد الذي يخرج من َ‬
‫س ّم إيخيدنا (‪Echidna(، 22‬‬
‫والجنون الذي يخالطه الهذيان‪،‬‬
‫والنسيان الذي يُعمي العقل‪،‬‬
‫والجريمة‪ ،‬والدّموع‪ ،‬والسّعار‪،‬‬
‫وشهوة القتل‪،‬‬
‫هذا كلّه‪ ،‬مسحوقاً في مركّب واحدٍ·‬
‫وبعد أن نقعتْ ُه بالدّم الغضّ‪،‬‬
‫غلته في قَعر إناءٍ برونزيّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 22‬إيخيدنا ‪ )Echidna(,‬مسخٌ‪ ،‬نصفه امرأة‪ ،‬ونصفه أفعى· وقد ولدت مسوخًا كثيرة‪ ،‬بينها سيــــربيروس (‬
‫‪ ، )Cerbèrus‬و ِهدْرة ليــرنا (‪ [ )Hydre de Lerne‬أفعوان خرافي ذو تسعة رؤوس ]‪,‬وشيـــــمير (‪,)Chimère‬‬
‫وأسد نيــــميا (‪ ، )Le Lion de Nimèe‬ونســــــر بروميثـــــــيوس (‪)L`aigle de Prométheus‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪195 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪196 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪223 :‬‬

‫ب من الشّوكران السّام‬
‫محرّكة إيّاه بقضي ٍ‬
‫ل يزال في اخضراره·‬
‫وفيما كان الرّعب يستولي على هاتين الضّحيّتين‪،‬‬
‫أخذت تصبّ في صدريهما هذا السّم الذي يُزلزل الرّوح‪،‬‬
‫ل منهما قلبه‬ ‫وتُخلخل في ك ّ‬
‫في عُمقِ أعماقه·‬
‫ث ّم أدارت مشعلها تكراراً‬
‫راسمةً بسرعةٍ دائر ًة يتتابع فيها اللّهب·‬
‫وإذ انتصرتْ‪ ،‬واثق ًة من أداء مهمّتها‪،‬‬
‫عادتْ إلى مقرّ الظلل‪،‬‬
‫مملكة ديس الكبير‪،‬‬
‫وفكّت عنها الفعوان الذي كانت تحيط به خصرَها·‬
‫فجأة‪،‬‬
‫صرخ ابن إيولوس بغضبٍ ضار‪،‬‬
‫في وسطِ قصره‪:‬‬
‫"إيو! رفقائي‪ ،‬اطرحوا شباككم في هذه الغابات‪،‬‬
‫ت فيها الن لبؤةً وشبلين·"‬ ‫رأي ُ‬
‫واندفع مُقتفياً آثار زوجته‪،‬‬
‫التي عدّها‪ ،‬لجنونه‪ ،‬حيواناً متوحّشا!‬
‫طفله ليارخوس (‪)Léarchus‬‬
‫الذي كان يبتسم ويمدّ ذراعيه الصّغيرتين‪،‬‬
‫انتزعه من صدر أمّه‪،‬‬
‫ل مِقلعٍ‪ ،‬مرّتين أو ثلثاً في الهواء‪،‬‬ ‫وحرّكه‪ ،‬كمث ِ‬
‫ثمّ حطّم بل رحمةٍ رأسَ الطّفل على صخرةٍ صلْدة·‬
‫جنّتْ المّ بدورها‪،‬‬ ‫حينذاك‪ُ ،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪196 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪197 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪224 :‬‬

‫من اللم أو من السمّ الذي انتشر في عروقها‪،‬‬


‫وأخذت تُطلقُ صراخًا مسعوراً·‬
‫هربتْ‪ ،‬منفوشة الشّعر‪ ،‬مستشيطةً غضباً‪،‬‬
‫صارخةً‪ ،‬وهي تحضن بين ذراعيها‪،‬‬
‫طفلها الخر ميليكيرتيه (‪: )Mélicerte‬‬
‫"إيوهويه! باخوس!·"‬
‫وحين سمعت جونون اسم باخوس‪،‬‬
‫أخذت تضحك قائلةً‪:‬‬
‫"هذا جزاء رضيعك‪ ،‬خذيه·"‬
‫هناك صخر ٌة تُشرفُ على البحر‪،‬‬
‫تشكّل قاعدتها التي جوّفها الموج‬
‫ملجًأ يحميها من المطر·‬
‫وكان لذروتها الشّامخة في الجوّ واجهةٌ فوق البحر·‬
‫صعدت إليها إينو (ذلك أن جنونها أعطاها قوّة)‪،‬‬
‫وقذفت بنفسها‪ ،‬دون خوفٍ يوقفها‪،‬‬
‫إلى المواج حاملةً ولدها‪،‬‬
‫وغمر الموجَ‪ ،‬بفعل الصّدمة‪ ،‬زبدٌ أبيض؛‬
‫تأثرت فينوس حزناً على تعاسة حفيدتها‪23 ،‬‬
‫التي ل تستحقّها‪،‬‬
‫وخاطبت عمّها بهذه الكلمات الرّقيقة‪:‬‬
‫"يا ملك المياه‪،‬‬
‫أنتَ يا من نصيبُه أعظمُ الممالك‬
‫بعد مملكة السّماء‪،‬‬
‫النّعمة التي ألتمسها عظيمةٌ·‬
‫ترأف بأهلي الذين يتقاذفهم الموج‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 23‬إينو هي ابنة هارمونيا (‪ )Harmonie‬التي هي ابنة فينوس ومارس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪197 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪198 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪225 :‬‬

‫على امتداد البحر اليّونيّ الهائل‪،‬‬


‫أضِفْهم إلى اللهة التابعين لك·‬
‫أتمتّع أنا نفسي بشي ٍء من الحظوة في المحيط‪،‬‬
‫إن صحّ أنني كنت فيما مضى زبداً‬
‫تحوّلَ في قلب الّلجة إلى جسدٍ‪،‬‬
‫وأن السم اليونانيّ الذي أحمله‪،‬‬
‫جاء من هناك·"‬
‫تقبّل نبتون التماسها بإشار ٍة من رأسه‪،‬‬
‫جرّد الضحيّتين من أجزائهما الفانية‪،‬‬
‫ل مَهيباً‪،‬‬
‫مُضفياً عليهما جل ً‬
‫ن نفسه اسميهما وشكليهما·‬ ‫مبدّلً في ال ِ‬
‫سمّى المّ ليوكوثوي (‪,)Leucothée‬‬ ‫َ‬
‫وأعطى البنَ اسمَ الله باليمون (‪.)Palémon‬‬

‫اقتفت الصّيدونيات‪ ،‬رفيقات إينو‪،‬‬


‫آثار خطواتها‪ ،‬بقدر ما استطعنَ·‬
‫ت توقّفت عند الصّخرة·‬ ‫ن هذه الخطوا ِ‬ ‫ولحظنَ أ ّ‬
‫ن أنّها ماتت‪،‬‬ ‫ظن ّ‬
‫ن يبكينَ عائلة قدموس‪،‬‬ ‫فأخذ َ‬
‫ويلطمنَ صدورهنّ بأيديهنّ‪،‬‬
‫ن ثيابهنّ‪ ،‬ويقتلعنَ شعورهنّ·‬ ‫ويُمزّق َ‬
‫وأخذنَ يتّهمنَ اللهة بالظّلم والقسوة‬
‫ض ّد مُنافستها‪ ،‬ويُشنّعنَ عليها·‬
‫لم تستطع جونون أن تتحمّل إهاناتهنّ‪،‬‬
‫فقالتْ"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪198 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪199 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪226 :‬‬

‫"سأجع ُل منكنّ المثلَ الكبرَ‬


‫على قسوتي·"‬
‫وتبعَ العملُ القولَ·‬
‫صرخت تلك التي كانت الكثر تعلّقا بسيّدتها‪:‬‬
‫"سأتبعُ الملكة حتى قاع البحر·"‬
‫وحاولت أن تلقي بنفسها‪ ،‬غير أنها لم تكن قادرة على الحركة‪،‬‬
‫وظلّت جامدة على الصّخرة·‬
‫حاولت أخرى أن تلطم صدرها‪ ،‬كما اعتادت‪،‬‬
‫لكن عبثاً حاولت‪،‬‬
‫شعرت أنّ ذراعيها تجمّدتا·‬
‫وتلك ثالث ٌة مدّتْ ذراعيها صوبَ الموج‪،‬‬
‫فتحوّلت إلى حجر‪ ،‬وبقيت ذراعاها ممدودتين إلى الموج نفسه·‬
‫وهذه رابعة أمسكت بشعرها‪ ،‬وأخذت تقتلعه‪،‬‬
‫وفجأة‪ ،‬تُرى أصابعها تتجمّد وسط شعرها·‬
‫ل منهنّ متحجّرةً في الوقفة التي فوجئت وهي تقفها·‬ ‫وبقيت ك ّ‬
‫وحُوّلتْ أخرياتٌ إلى طيور·‬
‫يحوّمن فوق البحر‬
‫ويُلمسْنَ الموج بحفيفِ أجنحتهنّ‪24 .‬‬

‫قدموس‪ ،‬هرمونيا (‪)Cadmus, Harmonie‬‬


‫ل يعرف ابن آجينور‬
‫ن ابنته وحفيده صارا في عداد آلهة البحر·‬ ‫أّ‬
‫وها هو‪ ،‬بعد الشّقاء الطّويل المتواصل‪،‬‬
‫وبعد العاجيب التي كان شاهداً عليها‪،‬‬
‫يُغاد ُر المدينة التي أسّسها مُستسلمًا لغمّه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 24‬تحوّلن إلى نوارس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪199 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪200 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪227 :‬‬

‫كما لو أنّه كان رازحًا تحت قدَر يعمّ البلد‪،‬‬


‫ل تحت قدره الخاصّ·‬
‫بعد أن تشرّد طويلً‪،‬‬
‫وصل مع زوجته إلى أرض إيلّيريا (‪)L`Illyrie‬‬
‫الن‪ ،‬تحت ثِقلِ السّنوات وسوء الحظّ‪،‬‬
‫يتذكّران المصائب الولى التي مرّت على عائلتيهما‪،‬‬
‫ويعرضان في أحاديثهما اللمَ التي كابداها·‬
‫قال قدموس‪:‬‬
‫"كان إذن مقدّساً‬
‫ذلك التنّين الذي شككتهُ برُمحي‬
‫ت صيدون‪،‬‬ ‫عندما غادر ُ‬
‫ونثرتُ على الرضِ أسنانه السّامّة‬
‫بذاراً لم يكن معروفاً حتى ذلك الوقت ؟‬
‫إن كانت اللهة تستبسلُ بتوجيه ضرباتِها إليّ‪،‬‬
‫انتقامًا لذلك التنّين‪،‬‬
‫فإنّني أتوسّل إليها أن تجعل مني أنا كذلك تنّينا‬
‫يتمطّى بعقده الطّويلة·"‬
‫لم يكد يُنهي كلمه‪،‬‬
‫حتى تمدّد كمثل تنّين‪،‬‬
‫وأخذت خواصره تتطاول‪،‬‬
‫وبدأ يرى على جلده المتصلّب حراشف تظهر‪،‬‬
‫ويرى بُقعاً زرقاء تظهر كذلك‪ ،‬هنا وهناك‪ ،‬على جسمه الذي اسودّ·‬
‫سقط على صدره ورأسه إلى أمامه‪،‬‬
‫والتأمت فخذاه‪ ،‬الواحدة بالخرى‪،‬‬
‫ورقّتا رويداً رويداً‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪200 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪201 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪228 :‬‬

‫س مستدير·‬
‫وأخذتا شكلً برأ ٍ‬
‫بقيت ذراعاه‪،‬‬
‫بسطهما أمامه‪ ،‬وقال وهو يغسل بدموعه وجهه‬
‫الذي كان ل يزال وجه إنسان‪:‬‬
‫"اقتربي يازوجتي‪ ،‬اقتربي‬
‫أيّتها التاعسة الحظّ·‬
‫المسيني‪ ،‬ما دام هنالك شي ٌء مني‪،‬‬
‫خذي هذه اليد‪ ،‬ما دامت ل تزال لي‪،‬‬
‫وما دام كياني كلّه لم يتحوّل بعد إلى تنّين·"‬
‫كان يو ّد أن يُتابع كلمه‪،‬‬
‫لكن فجأة‪ ،‬انشقّ لسانه اثنين‪،‬‬
‫ولم يعد الكلم يُطاوعه·‬
‫وكلّما تهيّأ لكي يُفصحَ عن شكوى‪،‬‬
‫صار يفحّ·‬
‫الفحيحُ هو الصّوت الوحي ُد الذي تركته له الطّبيعة·‬

‫وصرخت زوجته‪ ،‬لطمةً صدرها العاري‪:‬‬


‫"ابقَ‪ ،‬قدموس·‬
‫اخلعْ‪ ،‬أيّها التاعس‪ ،‬هذا الشّكل المخيف·‬
‫ما هذا إذن‪ ،‬يا قدموس ؟‬
‫أين قدماك ؟‬
‫أين كتفاكَ‪ ،‬يداكَ‪ ،‬لونك‪ ،‬وجهك‪،‬‬
‫وأينَ ما تبقّى ؟‬
‫لماذا يا آلهة السّماء‪ ،‬ل تحوّلينني‪،‬‬
‫أنا كذلك‪ ،‬إلى أفعى ؟"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪201 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪202 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪229 :‬‬

‫لم تكد تنهي كلمها‪،‬‬


‫حتى لعِقَ قدموس وجه زوجته‪،‬‬
‫واقترب من صدرها الحبيب‪،‬‬
‫كأنه يتعرّف عليها‪،‬‬
‫وطبعَ عليه قبلً‪،‬‬
‫وحاول‪ ،‬كما كان المر في الماضي أن يتعلّق بعُنقها·‬
‫استولى الرّعب على الحاضرين جميعاً‪،‬‬
‫(فرفقاء قدموس كانوا معه)‬
‫لكن هي‪ ،‬أخذت تداعب العنقَ الملس لهذا التّنين‪،‬‬
‫المتوّج بقُنزُعة·‬
‫فجأة‪،‬‬
‫ها هما حيّتان تزحفان‬
‫وتقرّب الواحدة إلى الخرى مطاويها‬
‫حتى لحظة اختفائهما في أعماق الغابة المُجاورة·‬
‫إنّهما حتى اليوم‪،‬‬
‫ل يَهربان من البشر‪،‬‬
‫ول يلدغانهم أبداً·‬
‫فهذان التنينان الليفان‬
‫يحتفظان بذكرى أصلهما البشري وحياتيهما في الماضي·‬

‫برسيوس (‪)Perseus‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬كان للثنين عزا ٌء كبير‬


‫عن هذا التحوّل في حفيدهما‬
‫الذي كانت الهند تعبده‪،‬‬
‫وكانت تحتفي به في معابد بنيت تمجيداً له·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪202 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪203 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪230 :‬‬

‫لم يبقَ إلّ آكريزيوس (‪ ,)Acrisius‬ابن آباس (‪)Abas‬‬


‫المنحدر من الدّم نفسه‪،‬‬
‫لكي يصدّ عن أسوارِ آرغوس (‪ )Argos‬اللهَ‬
‫ويحمل السّلح ضدّه‬
‫رافضًا أن يعترف بأنه ابن جوبيتر· ‪25‬‬
‫كما كان يرفض كذلك أن يعترف‬
‫ن برسيوس ابنٌ لجوبيتر‪،‬‬ ‫بأ ّ‬
‫وهو الذي حبلت به دانائي (‪,)Danaé‬‬
‫بعد أن أخصبها مط ٌر ذهبيّ· ‪26‬‬
‫لكن لن يلبثَ آكريزيوس حتى يندمَ‬
‫(عظيمةٌ هي قوّة الحقيقة)‬
‫على إهانته الله‪،‬‬
‫وعلى تنكّره لحفيده هو·‬
‫المسألة الولى تمّت في السماء‪،‬‬
‫أما الثانية‪ ،‬فعندما أعاد الجثة المشهورة للوحش‬
‫الفعوانيّ الشّعر‪27 ،‬‬
‫شاقّا الهواء الناعم بأجنحته الثاقبة‪،‬‬
‫وفيما كان يحلّق‪ ،‬منتصراً‪ ،‬فوق رمال ليبيا‪،‬‬
‫سقطت قطرات د ٍم من رأس الوحش‪،‬‬
‫أحيتها الرض التي تلقّتها‪،‬‬
‫وحوّلتها إلى زواحف من مُختلف النواع‪،‬‬
‫ش في هذه البلد·‬ ‫ومن هنا كثرة الفاعي التي تعي ُ‬
‫ثمّ طاردته الرّياح الخصيمة في الفضاء‬
‫فأخذ يتقلّب كمثل غيم ٍة مُثقلةٍ بالماء·‬
‫كان يحدّق من أعالي الفضاء في الرض البعيدة‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 25‬آجينور والد قدموس‪ ،‬وجدّ ديونيزوس‪ ،‬هو أخٌ لبيليوس‪ ،‬ج ّد آباس (‪ )Abas‬ودانائي (‪ ، )Danaè‬وإذن جدّ‬
‫بيرسيوس·‬
‫‪ 26‬يتّضحُ هنا رفض العتراف بألوهة ديونيزوس‪ ،‬فلكريزيوس ابنةٌ هي دانائي‪ ،‬التي تزعم أنّ إلهاً لقّحها‪ ،‬وهو‬
‫يرفض أن يعترف بالصل اللهيّ لحفيدها‪ ،‬وتبعًا لذلك‪ ،‬منطقيّا‪ ،‬بالصل اللهيّ لديونيزوس·‬
‫‪ 27‬هذا المسخ هو ميدوزا (‪ )Mèduse‬الذي قتله برسيوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪203 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪204 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪231 :‬‬

‫مُحلّقا فوق الكون·‬


‫رأى ثلث مرّات بنات نعشٍ المجلّدات‪،‬‬
‫وثلث مرات أذرع السّرطان‪،‬‬
‫أحيانًا كان يُسا ُر به إلى المغرب‪،‬‬
‫وأحياناً كان يُسار به إلى الشّرق·‬

‫أخيراً في نهاية النهار‪ ،‬توقفَ خوفًا من الرّكون إلى الليل‪،‬‬


‫على ذروات هسبيريا‪،‬‬
‫في مملكة أطلس‪،‬‬
‫طلب أن يأخذ فيها قسطاً من الرّاحة‪،‬‬
‫إلى أن يستدعي لوسيفر (‪ )Lucifer‬نيران إله الفجر‪،‬‬
‫ويستدعي إله الفجر عربة النهار·‬
‫كان يعيش هنالك‪ ،‬ابن يابيتوس (‪ ,)Japet‬أطلس‪،‬‬
‫ذلك الملك الذي يتجاوز بقامته العالية جميعَ البشر·‬
‫كان يُخضع لقانونه أقاصي الرض‬
‫والبحرَ الذي يفتح أمواجه لخيول الشمس الّلهثة‪،‬‬
‫مستقبلً عربتها المُرهَقة‪28 .‬‬
‫ف قطي ٍع من النّعاج‪ ،‬ومثلها من قطعان الثيران‬ ‫أل ُ‬
‫تشرد في مراعيه·‬
‫لم يكن له قرب أرضه أيّ جار‬
‫لكي يُحدّد اتّساعها·‬
‫ق ذهبيّ‬ ‫ق تتلل ببري ٍ‬ ‫وكانت لشجاره أورا ٌ‬
‫مُغطّية أغصانها الذهبيّة وثمارَها الذهبيّة·‬
‫قال له بيريسيوس‪:‬‬
‫"أيّها الغريب‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 28‬هسبيريا‪ ،‬بلد المساء‪ ،‬هي إقليم منطقة جبل طارق‪ ،‬حيث تنهض أعمدة هركول‪( ،‬هِ َرقْل) (‪· )Hercule‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪204 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪205 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪232 :‬‬

‫ك مجدُ ولدةٍ شهيرة‪،‬‬ ‫إن كان يؤثّ ُر في َ‬


‫فأنا سليلُ جوبيتر‪،‬‬
‫وإن كنت تعجبُ بالمآثر الكُبرى‪،‬‬
‫ب بمآثري·‬ ‫فسوفَ تعج ُ‬
‫أطلب إليكَ الضّيافة والرّاحة·"‬
‫أخذ الملك يتذكّر تلك النبوءة القديمة‬
‫التي أعلنها تيميس (‪ )Thémis‬في البرناس‪:‬‬
‫"سيأتي وقت‪ ،‬يا أطلس‪،‬‬
‫تعرّى فيه أشجارك من ذهبها‪،‬‬
‫وينال ابنٌ لجوبيتر‪ ،‬مجدَ الفوز بها·" ‪29‬‬
‫وخوفًا من ذلك‪،‬‬
‫ن متينة‪،‬‬ ‫كان أطلس قد سوّرَ حدائقه بجدرا ٍ‬
‫وأوكل حراستها إلى تنينٍ ضخم‬
‫يصدّ عن تخومها جميعَ الغراب·‬
‫هكذا ردّ على بيرسيوس قائلً‪:‬‬
‫"اذهب من هنا‪،‬‬
‫وإلّ‪ ،‬فإنّ المآثر الكُبرى التي تدّعيها كذباً‪،‬‬
‫لن تفيدكَ في شيء·‬
‫كذلك‪،‬‬
‫لن يفيدك جوبيتر نفسه·"‬
‫وأضاف إلى هذا التّهديد‪ ،‬العنفَ‪،‬‬
‫فقد حاول أن يطردَ بيديه البطلَ‬
‫الذي كان يتردّد ويمزج في كلمه بين الّلين والشدّة·‬
‫لم يكن بيرسيوس من القوّة بحيث يُقاوم‬
‫(من في الواقع يستطيع أن يُوازي بقوّته قوّة أطلس ؟)‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 29‬لم تكن هذه النّبوءة تعني بيرسيوس‪ ،‬بل هيركول (هرقل) الذي سيأتي ويستولي على ثمار حديقة الهسبيريد (‬
‫‪.)Hespérides‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪205 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪206 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪233 :‬‬

‫فقال له‪:‬‬
‫"حسناً‪،‬‬
‫ت ل تهمّك صداقتي‪،‬‬ ‫ما دم َ‬
‫فخذ هذه الهديّة·"‬
‫واستدار‪ ،‬مُبدياً له من الجهة اليُسرى‪،‬‬
‫وجه ميدوزا (‪ )Méduse‬الشّنيع·‬

‫تحوّل أطلس بعلوّه كلّه‪ ،‬إلى جبلٍ·‬


‫صار شعره ولحيته غاباتٍ‪،‬‬
‫وصارت ذرواتٍ كتفاه وذراعاه·‬
‫وما كان رأسه‪ ،‬فيما مضى‪ ،‬عل شاهقاً‬
‫وتحوّلَ إلى قمّة·‬
‫أمّا عظامه فتحوّلت إلى حجارة·‬
‫ث ّم امتدّ جسمه في التجاهات كلّها‪،‬‬
‫امتداداً ضخماً·‬
‫(تلك هي إرادتكِ‪ ،‬أيّتها اللهة)‬
‫وأصبحت السّماء‪ ،‬بمداها كلّه‪،‬‬
‫وكواكبها جميعاً‪ ،‬تتّكئ عليه· ‪30‬‬

‫آندروميدا (‪)Androméda‬‬

‫كان ابن هيبّوتيس (‪Hippotès( 31‬‬


‫قد وضع الرّياح في سجنها البديّ‪،‬‬
‫س للعمل‪،‬‬
‫وكان لوسيفر الذي يدعو النا َ‬
‫يتلل باللق الكثر سطوعاً‬
‫في أعالي السّماوات·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 30‬صار أطلس مجموعة الجبال في أفريقيا الشّماليّة قبل أن يُصبح دعامةً للسماء·‬
‫‪ 31‬ابن هيبوتيز هو إيولوس‪ ،‬إله الرّياح· وهو غير إيولوس الملك‪ ،‬الذي سبق ذكره·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪206 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪207 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪234 :‬‬

‫أخذ بيرسيوس جناحيه وربطهما بقدميه‬


‫وعلّق بحزامه سلحَه المقوّس‬
‫ثمّ حرّك عَقْبيه‪،‬‬
‫وطار يَجوبُ الهواء النقيّ·‬
‫كان قد خلّف حوله ووراءه شعوبًا عديدة‪،‬‬
‫عندما وقع نظره على شعوب أثيوبيا‬
‫وعلى حقول كيفيوس (‪Cépheus( · 32‬‬
‫رأى أندروميدا هنالك تؤدّي عقاباً ل تستحقّه‬
‫عن لغة أمّها‪ ،‬المتغطرسة‪،‬‬
‫بأم ٍر من آمّون (‪ Ammon( 33‬الذي ل يعرف الرّأفة·‬
‫رآها سليل آباس مقيّدة الذراعين‬
‫إلى صخرةٍ صلدةٍ (لو لم يحرّك نسيمٌ خفيفٌ شعرَ الفتاة‪،‬‬
‫ت من عينيها‪،‬‬ ‫ولو لم يَجر ندًى حا ّر من دموعٍ سال ْ‬
‫ل من الرّخام)‪،‬‬ ‫لكان حسبها تمثا ً‬
‫ب قلبه دون أن يدري‪،‬‬ ‫فاخترقت نارُ الح ّ‬
‫وذهلَ هائماً بهذا الجمال العظيم‪،‬‬
‫حتى كاد ينسى أن يضربَ الهواء بجناحيه·‬
‫ض بقدميه حتى قال لها‪:‬‬ ‫لم يكد يلمس الر َ‬
‫"أنتِ يا من خُلقتِ‪،‬‬
‫ل لمثل هذه السّلسل‪،‬‬
‫بل لتلك التي توحّد بين العشّاق‪،‬‬
‫استجيبي لطلبي‪،‬‬
‫اكشفي لي اسم هذا البلد‪ ،‬بلدكِ‪،‬‬
‫ت مُثقلةٌ بالحديد ؟"‬ ‫ولماذا أن ِ‬
‫التزمت الصّمتَ بادئ بدءٍ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 32‬سيفيا ملكٌ أسطوريّ للمنطقة·‬


‫‪ 33‬تباهت كاسّيوبيا (‪( )Cassiopèe‬بأنها أجمل من النّيريئيديّات) (‪ )Les Nèrèides‬إلهات البحر)‪ ،‬فأرسل نبتون‬
‫ي آمّون إنه ينبغي أن تقدّم له آندروميدا‪ ،‬ابنة سيفيا وكاسّيوبيا·‬
‫ب البلد‪ ،‬فقال العرّاف اللّيب ّ‬
‫مِسخًا يُخرّ ُ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪207 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪208 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪235 :‬‬

‫لم تجرؤ هي العذراء‪ ،‬أن تخاطبَ رجلً·‬


‫ولو لم تكن مقيّدة‬
‫لكانت غطّت بيديها وجهها البسيط·‬
‫لم تكن قادرة إلّ على البكاء‪،‬‬
‫فامتلت عيناها بالدّموع·‬

‫لكنّ بيرسيوس ألحّ‪،‬‬


‫فخشيت آنذاك أن تبدو أنها اقترفت جُرماً‬
‫ل تريد أن تعترف به‪،‬‬
‫فأخبرته باسم البلد‪ ،‬بلدها‪،‬‬
‫وبغطرسة أمّها‪ ،‬الطّائشة‬
‫في إثبات جمالها·‬
‫لم تكن بعد قد أخبرته بكلّ شيء‪،‬‬
‫حين دوّى الموج‪،‬‬
‫ش بحريّ‪ ،‬منتصباً في البحر الهائل‪،‬‬ ‫ووصلَ وح ٌ‬
‫مغطّيا بصدره مدى الموج‪ ،‬الرّحب·‬

‫صرخت الفتاة‪ ،‬وأسرع إلى جوارها أبوها المحزون‪،‬‬


‫ترافقه أمّها‪،‬‬
‫كلهما شقيّ‪ ،‬لكن هي الكثر شقاءً·‬
‫ل يقدران أن يُساعداها‪،‬‬
‫فأحضرا لها ضريبة الدموع والتأوّهات‬
‫التي يستحقّها حظّها العاثر‪،‬‬
‫وطوّقا بأذرعتهما جسمها المقيّد·‬
‫آنئذٍ قال لهما الغريب‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪208 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪209 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪236 :‬‬

‫"سيكون لديكما‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬الوقت كلّه للبكاء‪،‬‬


‫وليس لديكما إلّ لحظةٌ لنقاذ ابنتكما·‬
‫إذا طلبتها منكما‪ ،‬أنا بيرسيوس‪ ،‬ابنُ جوبيتر‪،‬‬
‫وابن تلك التي جعل منها ذهبُ جوبيتر الولود أمّا‬
‫في سجنها‪ ،‬أنا بيرسيوس‪،‬‬
‫قاهر الغورغونا (‪ )Gorgone‬ذات الجدائل الفعوانيّة‪،‬‬
‫أنا الذي تجرّأ‪ ،‬محمولً على أجنح ٍة مُرتعشة‪،‬‬
‫أن يجوب الفضاء‪،‬‬
‫فسوف يقع اختياركما عليّ بالتأكيد‪،‬‬
‫صهرًا مفضّل على الخرين جميعاً·‬
‫ل كثيرة‪ ،‬نعمةً أخرى‪،‬‬ ‫أريد أن أضيف إلى فضائ َ‬
‫شرط أن تكون اللهة في عَوني·‬
‫فلتكن لي‪،‬‬
‫وأنا ألتزم إنقاذها ببسالتي·"‬
‫استعجلَ البوان البطلَ‪ ،‬قابليْن شَرطَه‪،‬‬
‫(من كان يقدر أن يتردّد ؟)‬
‫ووعداه‪ ،‬إضافةً إلى ابنتهما‪،‬‬
‫بمملكةٍ‪ ،‬مهراً·‬
‫ها هو الوحشُ البحريّ‪،‬‬
‫شبيهاً بمركبٍ سريعٍ‪ ،‬يشقّ المياهَ‬
‫بحافّة حيزومه‪،‬‬
‫عندما تدفعه إلى المام‬
‫أذرع الفتيان البحّارة الذين يتصبّبون عرقاً‪،‬‬
‫ج بقوّة صدره‪،‬‬ ‫يُبعدُ الموا َ‬
‫ويقترب من الصّخور·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪209 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪210 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪237 :‬‬

‫لم تكن تفصله عنها بعد إلّ مسافة‬


‫كتلك التي يُمكن أن يجتازها في الفضاء‬
‫الرّصاص الذي يرميه بقوّة الذراع كلّها‬
‫مِقلعٌ بالياريّ·‬
‫عندما لطمَ‪ ،‬فجأة‪ ،‬البطل الشاب‬
‫الرض بقدمه‪،‬‬
‫وارتفع حتى الغيم·‬
‫لم يكد الوحش يلمح ظلّه على سطح البحر‪،‬‬
‫حتى انقضّ هائجاً على هذا الظلّ·‬
‫كذلك عندما رأى طائرُ جوبيتر في مجالٍ مكشوف‬
‫تنّيناً يقدّم لفيبوس ظهره الدكن‪،‬‬
‫أمسك به من الوراء‪،‬‬
‫شدْقه المُرعب‪،‬‬ ‫ولكي يحول دون أن يلتفت إليه ب َ‬
‫غرز في العُنق المكسوّ بالحراشف‬
‫مخالبَه المتعطّشة للدّم·‬
‫ل إيناخوس (‪ )Inachus‬مُلقياً بنفسه‪،‬‬ ‫هكذا‪ ،‬انقضّ سلي ُ‬
‫بطيرانٍ سريعٍ في الفضاء‪،‬‬
‫على ظهر الوحش‪،‬‬
‫وبضربةٍ رجّت ُه هو نفسه‬
‫غرز نصْلَهُ في الكتف اليُمنى حتى كُلّبه المعقوف·‬
‫ها هو الوحش‪ ،‬وقد جُرحَ جُرحًا بليغاً‪،‬‬
‫ب تارة في الفضاء بعلوّه كلّه‪،‬‬ ‫ينتص ُ‬
‫وتارة يغوص تحت المياه‪،‬‬
‫وطوراً يدور على نفسه‪،‬‬
‫ب تطوّقه‪ ،‬نابحةً·‬ ‫كخنزير برّي أرعبه قطي ٌع من كل ٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪210 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪211 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪238 :‬‬

‫كان بيرسيوس‪ ،‬بفضل أجنحته‪،‬‬


‫يتّقي برشاق ٍة لدغات عدوّه الدمويّة·‬
‫يطعنه حيث رأى فرصةً‬
‫بسيفه المقوّس كالمنجل‪،‬‬
‫في ظهره المغطّى بالصداف المدوّرة‪،‬‬
‫وفي أضلعه‪،‬‬
‫أو في المكان الذي ينتهي في الجسم بذيلٍ‬
‫رقيقٍ كذيل السّمكة·‬
‫وكان الوحش يدفع بشدقه أمواج البحر الممزوجة‬
‫بدمه الرجوانيّ‪،‬‬
‫فتبلّل أجنحة بيرسيوس‪ ،‬حتى إنها اخضلّتْ وثقلتْ·‬
‫لم يعد يركن إلى أجنحته العَقِبيّة المُشبعة بالماء‪،‬‬
‫ق المواج‪،‬‬ ‫ورأى صخرة يرتفع رأسها فو َ‬
‫عندما تكون هادئةً‪،‬‬
‫ويغطّيها البحر حين يكون هائجاً‪،‬‬
‫فاستند إليها‪،‬‬
‫مُمسِكًا بيده اليُسرى طرفها القصى‪،‬‬
‫غارزاً نصله ثلث مرّات أو أربعَ في أحشاء الوحش‪،‬‬
‫ي مُتنفّس·‬ ‫غير تاركٍ له أ ّ‬
‫ودوّى التّصفيق والصّراخ على الشاطئ‪،‬‬
‫عاليين حتى المنازل السّماويّة·‬
‫ي أندروميدا‪ ،‬كاسيوبيا وسيفيا‬ ‫غمر الفرحُ أبوَ ْ‬
‫وحيّيا البطل صهراً لهما·‬
‫وأعلناه سندًا لبيتهما ومُنقذاً له·‬
‫ت قيودها‪،‬‬ ‫وتقدّمت نحوهم الفتاة‪ ،‬وقد ُفكّ ْ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪211 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪212 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪239 :‬‬

‫هي التي كانت سبباً لهذه المأثرة‪،‬‬


‫ومكافأةً لها·‬
‫أمّا بيرسيوس فكان يغترفُ ماءً‬
‫ل به يديه الظّافرتين‪،‬‬ ‫يغس ُ‬
‫وخشي أن يَجرح الحصى الخشن الرّأس‬
‫المتموّج بالفاعي‪،‬‬
‫فبسط على الرض أوراقًا ليّنة‪،‬‬
‫وكدّسَ طبق ًة من النباتات النّاعمة‬
‫التي تنمو تحت المياه‪،‬‬
‫ووضع فوقها رأس ميدوزا‪ ،‬ابنة فوركيس (‪.)Phorcys‬‬
‫هذا النبات المقطوع حديثاً‪،‬‬
‫والذي ل يزال لبّ إسفنجيّ‬
‫يمدّه بالحياة‪،‬‬
‫سُرعان ما أحسّ بتأثير الرّأس الوحشيّ‪،‬‬
‫في احتكاكه به‪،‬‬
‫فتصلّب‪،‬‬
‫واكتسبت الوراق والغصان‬
‫قسوةً لم تكن معروفةً حتى ذلك الوقت·‬
‫إلّ أن إلهات البحر حاولنَ تكرار هذه العجوبة‬
‫في أغصانٍ أخرى·‬
‫وإذ أعجبنَ بنجاحهنّ في كلّ مرّة‪،‬‬
‫فقد أخذن يرمينَ بذور هذه الغصان‪ ،‬كما هي‪،‬‬
‫في المياه·‬
‫ول يزال المُرجان يحتفظ حتى الن بالخاصّية نفسها‪،‬‬
‫فهو يتصلّب عند احتكاكه بالهواء‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪212 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪213 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪240 :‬‬

‫وما يكون في البحر غصنًا ليّنا‬


‫يُصبح‪ ،‬عندما يخرج منه‪ ،‬حجراً·‬
‫رفع بيرسيوس لللهة الثلثة ثلثة هياكل من العشب‪،‬‬
‫اليسر لميركور‪،‬‬
‫واليمن لكِ‪ ،‬أيّتها العذراء المُحاربة‪،‬‬
‫والوسط لجوبيتر·‬
‫وضحّى عجلةً لمنيرفا‪،‬‬
‫عجْلً للله المُجنّح‪،‬‬‫وِ‬
‫ولكَ أنتَ‪ ،‬يا سيّد اللهة‪ ،‬ضحّى ثوراً·‬
‫ثم‪ ،‬في الحال‪ ،‬أخذ آندروميدا‪ ،‬مكافأةً له‬
‫على هذه المأثرة العظيمة‪،‬‬
‫رافضاً المهر·‬
‫ب مشاعلَهما·‬ ‫ح ّركَ أمامهما‪ ،‬إلها الزّفافِ والح ّ‬
‫وسُكبت العطور ملءَ اليدي على اللّهب‬
‫وعلّقت الكاليل على البيوت‪،‬‬
‫وانطلقت من الجهات كلّها‬
‫القيثارات والمزامير والناشيد‪،‬‬
‫تعبيراً عن السعادة التي تغمر قلوبًا معيّدة·‬
‫وفُتحتْ أبواب القصر‬
‫للجميع فرأوا فِناءه المُزخرفَ بالذهب‪،‬‬
‫في امتداده كلّه·‬
‫جهّزت بالطّعام على نح ٍو بديع‪،‬‬ ‫ل موائدَ ُ‬‫وحو َ‬
‫أخذ رؤساء كيفيوس (‪ )Cèpheus‬أماكنهم في الوليمة‬
‫التي أقامها الملك·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪213 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪214 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪241 :‬‬

‫ميدوزا (‪)Mèduse‬‬

‫بعد أن انتهوا من تناول الطعام‪،‬‬


‫وأبهجت القلوبَ الخمرةُ الكريمةُ‪ ،‬هديّة باخوس‪،‬‬
‫ل آباس عن مُستوى التّمدّنِ‬ ‫استفسرَ سلي ُ‬
‫في البلد‪ ،‬وعن خصائصِها·‬
‫فقدّم أحدُ المَدعُوّين لحفيدِ لينكيوس (‪ Lyncèe( 34‬جواباً‬
‫عن استفساره‪ ،‬وصفاً لعاداتِ السّكانِ ومزاياهُم·‬
‫ثم قال له‪:‬‬
‫"الن‪ ،‬أيّها البطل الجريء‪ ،‬بيرسيوس‪،‬‬
‫أرجوك أن تقول لنا‬
‫بأيّة بسالة معجزة‪ ،‬بأيّة مناورةٍ‬
‫استوليتَ على هذا الرأسِ‬
‫الفعواني الشّعر·"‬
‫فأجابه سليل آجينور‪:‬‬
‫"في أسفل الطلس المتجمّد‪ ،‬مكانٌ‬
‫خ من الصّخور·‬ ‫يحميه سورٌ راس ٌ‬
‫في مدخله‪ ،‬تسكن أختان‪ ،‬ابنتا فورسيس‪35 ،‬‬
‫ل عينٌ واحدة‪،‬‬ ‫ليس لهما إ ّ‬
‫يستخدمانها بالتّناوب·‬
‫وفي أثناء التناوب‪ ،‬أخفيتها بحيلةٍ ماهرة‪،‬‬
‫واضعاً يدي محلّ اليد التي تأخذها‪،‬‬
‫ثم‪ ،‬عِبرَ مغاورَ تخفى على جميع العيون‪،‬‬
‫ويتعذر الوصول إليها‪،‬‬
‫عبرَ صخور مكسوّة بغاباتٍ وعرة‪،‬‬
‫وصلتُ إلى مَسْكن الغورغون·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 34‬لنسيا هو الوحيد الذي حافظت عليه زوجته الدّانائيديّة (‪( )Danaide‬فراشة الليل)‪ ،‬هو والد آباس (‪ ,)Abas‬والد‬
‫آكريزيوس (‪ ,)Acrisios‬والد دانائي (‪ ,)DanaE‬وإذن جدّ بيرسيوس·‬
‫‪ 35‬ابنتا فورسيس هما (‪" ,)Les Gréos‬العانستان"· هما حارستا الطّريق التي تؤدّي إلى الفورغون (‪، )Gorgones‬‬
‫وهي مُسوخٌ أسطوريّة شعرها من الثعابين·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪214 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪215 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪242 :‬‬

‫رأيت هنا وهناك على الطّرق وفي الحقول‬


‫ل بشرٍ وحيوانات‪،‬‬
‫أشكا َ‬
‫تحوّلت‪ ،‬بفعل فقدانها شكلها الوّل‪،‬‬
‫إلى حجار ٍة لها هيئة الميدوزا·‬
‫غير أنني لم أكن أنظر إلّ إلى انعكاس‬
‫وجهها الشّنيع في التّرس البرونزيّ الذي‬
‫كان في يدي اليُسرى‪،‬‬
‫وعندما سيطر عليها وعلى أفاعيها نُعاسٌ ثقيلٌ‪،‬‬
‫فصلتُ رأسها عن عنقها·"‬
‫وروى بيرسيوس كذلك كيف أنّ بيكاسوس (‪Pégasus( 36‬‬
‫ذا الجنحة السّريعة‪ ،‬وأخاه‬
‫ولدا من دم ميدوزا·‬
‫ثمّ تحدث عن المخاطر الشديدة الواقعيّة في مسيرته الطويلة‪،‬‬
‫عن البحر والبرّ اللذين رآهما تحته‪ ،‬من ذروة السّماء‪،‬‬
‫والكواكب التي حملته نحوها الجنحة التي كان يجوبُ بها الفضاء·‬
‫كانوا يأملون بمواصلة الستماع إليه‪،‬‬
‫غير أنه توقف‪،‬‬
‫وآنئذٍ تناول الكلمَ أحد النبلء الضّيوف‪،‬‬
‫وسأله‪ ،‬لماذا تحمل ميدوزا‪،‬‬
‫وحدها بين جميع أخواتها العديدات‪،‬‬
‫ثعابين ممتزجةً بشعرها·‬
‫فأجابه ضيف الملك‪:‬‬
‫"يستحقّ ما تسألني عنه أن يُروى·‬
‫إليكَ إذن سبب العجوبة‬
‫التي تستدعي سؤالك·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 36‬بيكاسوس‪ ،‬الحصان المجنّح‪ ،‬كان مطيّة لبيلّيروفون (‪ .)Bellèrophon‬أخوها كريزاور (‪ )Chrysaor‬شخ ٌ‬


‫ص‬
‫ب لمسخين‪ :‬جيريون (‪ )Gèryon‬وهو‬
‫يدين باسمه إلى السّيف الذهبيّ الذي كان يحمله وهو يُولد‪ ،‬والذي هو نفسه أ ٌ‬
‫ق بثلثة أجسام‪ ،‬وإيشيدنا (‪ )Echidna‬الذي مرّ ذكره·‬ ‫عمل ٌ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪215 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪216 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪243 :‬‬

‫كانت ميدوزا مشهورة بجمالها‪،‬‬


‫وكان يَسعى للفوز بها عد ٌد كبيرٌ من طالبي الزواج‪،‬‬
‫يتنافسون عليها بغير ٍة قُصْوى·‬
‫ولم تكن تملك في شخصها كلّه‬
‫ما يُثير العجاب كمثل شعرها‪،‬‬
‫وأعرف شخصًا يؤكّد أنّه رآها·‬
‫ويُقال إنّ إله البحار أغواها‬
‫في معبدٍ لمينيرفا‪،‬‬
‫فأشاحت ابنة جوبيتر بوجهها الطّاهر‬
‫مُغطّي ًة إيّاه بترسها‪،‬‬
‫ي مثل هذا النتهاك بل عقابٍ‪،‬‬ ‫ولكيل تبق َ‬
‫حوّلت شعر الغورغونيّة إلى ثعابين شنيعة·‬
‫وهي ل تزال حتى اليوم‪،‬‬
‫تضع على صدرها الثعابين‬
‫التي خلقتها بمشيئتها‬
‫لكي تسلّط على أعدائها الرعبَ والهلع" ‪37‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 37‬مينيرفا تضع على صدرها درعاً من جلد الماعز· وتثبّت على تُرسها رأس الغورغونيّة‪ ،‬الذي قطعه بيرسيوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪216 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪217 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪249 :‬‬

‫الكتابُ الخامس‬

‫فيــــــنـــــــــــيـــــوس‬
‫بـــــــــــريـــــتــــــوس‬
‫بــــــوليـــــديكتيــس‬
‫ميـنيرفا‪ ،‬ربّات الوحي‬
‫سيريـس‪ ،‬بـروزيربّينا‬
‫كــــــــيــــــــانـــــــــي‬
‫آســـــكــــالفــــــوس‬
‫جنــــيّـــات البـــــحـر‬
‫آريـــــــــــتـــــــــــــوزا‬
‫تـــريبــــتوليمـــــوس‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪217 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪218 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪251 :‬‬

‫فينيوس (‪)Phineus‬‬

‫فيما كان البطل‪ ،‬ابن داناي (‪،)Danaé‬‬


‫ص هذه العاجيب في وسط السّيفانيّين المجتمعين‪،‬‬ ‫يق ّ‬
‫شدٍ مضطرب·‬ ‫ملت ساحة القصر‪ ،‬ضجّةُ حَ ْ‬
‫لم تكن ضجّة الناشيد التي ترافق العراس‪ ،‬عادةً‪،‬‬
‫بل تلك التي تُنبئ بأهوال المعارك·‬
‫فجأة‪ ،‬حدثت في المأدبة جلبةٌ‬
‫ض بحراً هادئاً‪،‬‬‫تشبه تلك التي تخ ّ‬
‫عندما يُثيرُ المواجَ عصفُ الرّياح الهائجة·‬

‫على رأس الحشد‪ ،‬يسير فينيوس‬


‫س من البرونز·‬
‫المغامر مسبّب الحرب‪ ،‬رافعاً رُمحًا من المرّان برأ ٍ‬
‫قال‪:‬‬
‫"ها أنا جاهزٌ لكي أثأر‬
‫من هذا الذي سلبني زوجتي قبل عرسها·‬
‫لن يقدر أن يخلّصك من يديّ‪،‬‬
‫ل أجنحتك‪ ،‬ول جوبيتر المُختبئُ‬
‫ل من الذهب الخادع·"‬ ‫وراء شك ٍ‬

‫كان على أهبةِ أن يقذف بسلحه‪،‬‬


‫فصرخ فيه كيفيوس (‪ ، )Cépheus‬قائلً‪:‬‬
‫"ماذا تفعل ؟‬
‫أيّ جنونٍ‪ ،‬يا أخي‪ ،‬يدفعك إلى الجريمة ؟‬
‫ل كهذا ؟‬
‫أهكذا تكافئ عم ً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪218 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪219 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪252 :‬‬

‫أهذه هي الهديّة التي تقدّمها لمن أنقذ حياة ابنتي ؟‬


‫إن شئتَ أن تعرف الحقيقة‪،‬‬
‫فليس بيرسيوس هو من خطفها منك‪،‬‬
‫بل النّيريديات (‪ )Les Néréides‬الحاقدات‪،‬‬
‫وآمّون (‪ ,)Ammon‬ذو الجبين القرن‬
‫والوحش الذي جاء من البحر لكي يقتات من أحشائي·‬
‫ت منكَ‪ ،‬عندما حُكمَ عليها بالهلك‪،‬‬ ‫لقد سُلب ْ‬
‫ل إذا كان موتها هو ما تريده‪ ،‬في قسوتك‪،‬‬ ‫إّ‬
‫فيصبحُ حدادنا عليها عزاءً لك!‬
‫ت مُشاهداً‪،‬‬‫يبدو أنه لم يكن كافيًا لك أنكَ بقي َ‬
‫عندما كانت مُثقلةً بالسّلسل‪،‬‬
‫وأنك‪ ،‬أنت عمّها وخطيبها‪،‬‬
‫لم تقدّم لها أية مساعدة·‬
‫وتشكو بعد ذلك من أنّ شخصاً آخر أنقذها‪،‬‬
‫ع من هذا البطل مكافأته ؟‬ ‫وتريد أن تنتز َ‬
‫إذا كانت المكافأة تبدو لك جميلةً‪،‬‬
‫فقد كان عليك أن تذهب لكي تأخذها من الصّخرة‬
‫التي كانت مقيّدة بها·‬
‫والن أتركْ هذا الذي ذهب إليها‪،‬‬
‫والذي بفضله لم تُحرمْ شيخوختي من س َندٍ‪،‬‬
‫أن ينال الثّمن الذي يستحقّه ما فعله‪،‬‬
‫وما عاهدنا ُه عليه·‬
‫وافهم إذن‪،‬‬
‫أنني ل أفضّله عليك‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪219 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪220 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪253 :‬‬

‫ت أكيد·"‬ ‫وإنما على مو ٍ‬


‫لم يُجب فينيوس بأيّة كلمة‪،‬‬
‫غير أنه أخذ ينظر تارةً إلى أخيه‪،‬‬
‫وتارةً إلى بيرسيوس‪،‬‬
‫غير عارفٍ إن كان سيضرب الوّل أو الثاني·‬
‫أخيراً‪ ،‬بعد لحظ ٍة من التردّد‪،‬‬
‫هزّ رمحه‪ ،‬بالقوّة كلّها التي يمنحه إيّاها الغضب‪،‬‬
‫ورمى به بيرسيوس‪ ،‬لكن دون أن يُصيبه·‬
‫انغرز الرّمح في السّرير‪،‬‬
‫حينذاك‪ ،‬قفز بيرسيوس من بين الطنافس‪ ،‬غاضباً‪،‬‬
‫ورمى عدوّه برمحه نفسه·‬
‫ولو لم يختبئ فينيوس وراء مذبحٍ وفّرَ لهذا الغادر‬
‫حماي ًة ل يستحقّها‪،‬‬
‫لكان اخترق صدره·‬
‫ومع ذلك لم تذهب الضربة عبثاً‪،‬‬
‫فقد غاصت الحربة في جبين روتيوس‬
‫فسقط‪ ،‬وانتُزعَ النّصلُ من جُمجمته‪،‬‬
‫وفي الحال ضرب الرض بعقبيه‪،‬‬
‫وبلّل بدمه الموائدَ المجاورة له·‬
‫حينذاك‪ ،‬ألهب قلوبَ رفقائه غضبٌ جامحٌ‪،‬‬
‫ل من الحراب‪،‬‬ ‫وتساقط واب ٌ‬
‫ن أن كيفيوس يجب أن يموت‪،‬‬ ‫بعضهم أعل َ‬
‫هو وصهره·‬
‫غير أن كيفيوس كان قد ترك وراءه عتبة منزله‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪220 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪221 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪254 :‬‬

‫مُشهدًا العدالة‪ ،‬والصّدق وآلهة الضّيافة‪،‬‬


‫على أن هذه الفوضى انفجرت رغمًا عنه·‬
‫سارعت بالّس (‪ )Pallas‬عاشقةُ الحرب‪،‬‬
‫وأخذت تحمي أخاها ‪ 1‬بمجنّها‪ ،‬وتشجّعه·‬
‫كان هناك هنديّ‪ ،‬آتيس (‪ ,)Athis‬ولدته‪ ،‬كما يُقال‪،‬‬
‫ليمنيا (‪ ,)Limnèe‬ابنة الغانج (‪,)Gange‬‬
‫تحت المياه البلّوريّة‪،‬‬
‫فريدُ الجمال‪،‬‬
‫في زهو سنواتهِ السّتّ عشرة·‬
‫ل لباسٌ نفيسٌ‪:‬‬ ‫يزيده جما ً‬
‫دثارٌ قصي ٌر من صور‪،‬‬
‫ش مذهّبة·‬
‫تحيطُ به حوا ٍ‬
‫يزيّن عنقَه عق ٌد ذهبيّ‪،‬‬
‫ط مقوّس·‬ ‫ويزيّن شعرَه المُشبعَ بعطرِ المرّ‪ ،‬مش ٌ‬
‫ل يخطىء رمحه الهدف مهما كان بعيداً‪،‬‬
‫ويبرع في استخدام القوس·‬
‫عندما شدّ الى الوراء‬
‫قرنيْ سلحِه‪،‬‬
‫كان بيرسيوس يُمسكُ بحطبةٍ تشتعل في وسط المذبح‪،‬‬
‫ط مبهمٍ‬
‫ويوجّه له ضربةً تحوّل وجهه إلى خلي ٍ‬
‫من اللّحم والعظام المكسّرة·‬
‫كان ل يزال يحرّك رأسه الجميل‬
‫الغارق في الدّم‪،‬‬
‫عندما رآه الشوريّ ليكاباس (‪،)Lycabas‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬مينيرفا هي ابنة جوبيتر‪ ،‬كمثل بيرسيوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪221 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪222 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪255 :‬‬

‫الكثر تعلّقا به بين أصدقائه‪،‬‬

‫يلفظ حياته‪ ،‬مقصوف ًة قبل الوان‪،‬‬


‫فأخذ يذرف الدّموع‪،‬‬
‫ثم أمسك بالقوس التي وتّرها آتيس‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫"سأنازلك الن بنفسي‪،‬‬
‫ولن أتركك تستمتع طويلً بموت طفلٍ‪،‬‬
‫يسبّب لك العار أكثر مما يسبب الفخر·"‬
‫لم يكن قد أكمل كلمه بعد‪ ،‬حتى انطلق من الوتر‬
‫نبْلٌ ثاقبٌ‪،‬‬
‫غير أن بيرسيوس توقّاه‪،‬‬
‫وظلّ عالقاً في ثنايا ردائه·‬
‫ثمّ رفع حفيد آكريزيوس في وجه ليكاباس‬
‫ق ميدوزا‪،‬‬
‫خنْ ِ‬
‫الكُلّب الذي اختبره في َ‬
‫وشكّه في صدره·‬
‫أدار ليكاباس‪ ،‬الذي أخذ يحتضر‪،‬‬
‫ت كثيفة‪،‬‬
‫نحو آتيس نظراته العائمة في ظلما ٍ‬
‫وسقط قربه‪،‬‬
‫حاملً إلى أرواح الموتى‬
‫عزاء ذهابه وراءه إلى الموت·‬

‫ها هما‪ :‬فورباس (‪ )Phorbas‬السّييني‪،‬‬


‫ابن ميتيون (‪,)Métion‬‬
‫ي آمتيميدون (‪,)Amtimèdon‬‬ ‫والليب ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪222 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪223 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪256 :‬‬

‫اللّذان كانا متلهّفيْن للمشاركة في المعركة‪،‬‬


‫يسقطان معاً‪ ،‬جنباً إلى جنب‪،‬‬
‫منزلقيْن في بركة الدّم الحارّ الذي كان يغمر المكان·‬
‫حاول أن يَنهضا ثانيةً‪،‬‬
‫فأوقفهما سيف البطل‪ ،‬الذي غاص في خاصرة الثاني‬
‫وفي عنق فورباس·‬

‫كان إيريتوس (‪ ، )Erytus‬ابن آكتور (‪)Actor‬‬


‫يحملُ بلطةً عريضةً ذات ح ّديْن‪،‬‬
‫لم يحاول بيرسيوس أن يضربه بسيفه المزوّد بكُلّب‪،‬‬
‫بل كانت هنالك باطي ٌة كبيرة‪،‬‬
‫تزيّنها نقوشٌ بارزة‪،‬‬
‫كتلةٌ بوزنٍ ضخم ـ أخذها بيديه الثنتين‪،‬‬
‫وقذف بها خصمه‪،‬‬
‫فتقيّأ موجةً حمرا َء من الدّم‪،‬‬
‫وانقلبَ على قفاه‬
‫ضارباً الرضَ برأسِه·‬
‫ث ّم تساقط تحت ضرباته‬
‫بوليديغمون (‪ )Polydegmon‬المنحدر من دم سميراميس‪،‬‬
‫وآباريس (‪ )Abaris‬التي من القوقاز‪،‬‬
‫وليكيتوس (‪ )Lycétos‬ابن سبيرشيوس (‪، )Sperchius‬‬
‫ص أبداً‪،‬‬
‫وهيليكس (‪ )Hélix‬الذي لم يعرف شعره المق ّ‬
‫وفليجياس (‪، )Phlégyas‬‬
‫وكليتوس (‪، )Clytus‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪223 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪224 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪257 :‬‬

‫وأخذ يطأ بقدميه أكداسًا من المُحتضرين‬


‫الذين يتحرّكون أمامه·‬
‫ب عدوّه‪،‬‬‫كان فينيوس الذي ل يجرؤ أن يُقاتل عن كث ٍ‬
‫يسدّد حربةً‪،‬‬
‫أخطأت مرماها وأصابت إيداس (‪)Idas‬‬
‫الذي حاول عبثاً أن يتجنّب القتال‪،‬‬
‫ي من الطّرفين·‬ ‫فلم ينتصر ل ّ‬
‫ت متوعّدة‪ ،‬وقال له‪:‬‬‫نظر إيداس إلى فينيوس الشرس نظرا ٍ‬
‫"بما أنني استُدرجتُ لتخاذ قرار‪،‬‬
‫دافع عن نفسك‪ ،‬يا فينيوس‪،‬‬
‫ض ّد العدوّ الذي صنعته لنفسك‪،‬‬
‫أعطني ثمن الضربة التي تلقّيتها بضربتي هذه·"‬

‫وكان قد انتزع النّصلَ من جسمه لكي يردّه له‪،‬‬


‫غير أن أعضاءه فقدت دمها كلّه‪،‬‬
‫فانهار وسقط على الرض·‬
‫ف كليمينوس (‪)Clymenus‬‬ ‫سقط كذلك‪ ،‬بسي ِ‬
‫هوديتيس (‪ )Hoditès‬الذي يشغل المرتبة الولى‬
‫بعد ملك السّيفانيين·‬
‫وطعن هيبسوس (‪ )Hypseus‬بروتوينور (‪، )Prothoénor‬‬
‫وطعن لنكيدس (‪ Lancides( 2‬هيبسوس·‬
‫ظهر بينهما الشّيخ إيماتيون (‪)Emathion‬‬
‫ب العدالة ويخاف اللهة‪،‬‬ ‫الذي يح ّ‬
‫ويُقاتل بالكلم لنّ العمر لم يكن يُتيح له أن يحملَ السّلح·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 2‬لنسيا (‪ )Lyncèe‬هو جدّ بيرسيوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪224 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪225 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪258 :‬‬

‫تقدّم ولعن هذا القتال المجرم‪،‬‬


‫ح بيديه المرتجفتين‪،‬‬
‫وفيما كان يحضن المذب َ‬
‫قطع كروميس (‪ )Chromis‬رأسه‬
‫بضربةٍ من سيفه‪،‬‬
‫وسرعان ما سقط على المذبح‪،‬‬
‫ل نصف حيّ‪،‬‬ ‫حيث وجّه لعناته بلسانٍ‪ ،‬لم يكن إ ّ‬
‫وفي قلبِ اللّهب لفظَ آخ َر أنفاسه·‬

‫ل بيد فينيوس‬ ‫ث ّم قت َ‬
‫الخوان بروتياس (‪ )Brotéas‬وآمّون (‪)Ammon‬‬
‫المصارعان اللذان ل يُغلبان بفضل قفّاز المصارعة‪،‬‬
‫غير أنّ هذا لم يُجدِ أمام السيف‬
‫فقضى عليهما فينيوس·‬
‫ل أمبيكوس (‪ ,)Ampycus‬كاهن سيريس (‪,)Cérès‬‬ ‫كما قُت َ‬
‫الذي كان يغطّي جبهته بعصابةٍ بيضاء·‬
‫وأنت كذلك‪ ،‬يا لمبيتيديس (‪,)Lampétidès‬‬
‫الذي لم تولد أبدًا لكي تمارس الحرب‪،‬‬
‫بل للنقطاع إلى عملٍ سلميّ‪،‬‬
‫تموّج صوت القيثارة التي ترافق صوتك·‬
‫وكنت قد دعيتَ لكي تُحيي بأغانيك المأدبةَ والعيد·‬

‫كان واقفاً على حدة‪،‬‬


‫ك بيده ريشته المُسالمة‪،‬‬
‫يُمس ُ‬
‫عندما قال له بيتّالوس (‪ )Pettalus‬مُستهزئاً‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪225 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪226 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪259 :‬‬

‫"اذهبْ وأكمل غناءَك‬


‫عند أرواح الموتى‪ ،‬في ستيكس·"‬
‫غارزاً رأس سيفه في صدغه اليسر·‬
‫سقط المغنّي‪،‬‬
‫وكان ل يزال يلمس بأصابعه التي تُحتضر‪،‬‬
‫أوتار قيثارته‪،‬‬
‫حيث خرجت منها وهو يسقط نغماتٌ نائحة·‬

‫لم يترك ليكورماس (‪ )Lycormas‬الفتّاك موته بل عقاب‪،‬‬


‫فاقتلع دربازًا من البلّوط من مصراع الباب اليمن‪،‬‬
‫وضرب به بيتالوس في وسط الجمجمة‪،‬‬
‫فهوى على الرض كثور يُذبَح·‬
‫وجدّ بيلتيس (‪ )Pélatès‬الذي ولدَ على ضفاف سينبس (‪)Cinyps‬‬
‫في انتزاع الدّرباز البلّوطيّ الخر من المصراع اليسر‪،‬‬
‫وفيما هو يجدّ في عمله‪ ،‬اخترقت يده اليمنى‬
‫حربةُ كوريتوس (‪ ,)Corythus‬ابن مارماريك (‪،)Marmarique‬‬
‫وسمّرتها على الخشب·‬
‫في أثناء ذلك شكّ آباسُ (‪ )Abas‬سيفَه في خاصرته·‬
‫غير أن بيلتيس لم يكن سقط بعد‪،‬‬
‫وبقي يُحتضر ويده تتدلّى معلّقة بمصراع الباب·‬
‫كذلك رقد هامدًا ميلنيوس (‪، )Mélaneus‬‬
‫الذي انحاز إلى بيرسيوس‪،‬‬
‫ومات دوريلس (‪ )Dorylas‬الغنيّ بالمزارع‪،‬‬
‫الغنى في نازامونيا (‪)Nasamonia‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪226 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪227 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪260 :‬‬

‫ل أكثر امتداداً‪،‬‬
‫فلم يكن فيها من يملك حقو ً‬
‫أو يكدّس من القمح غللً أكثر جمالً·‬
‫ي به‬
‫النّصلُ الذي رُم َ‬
‫اخترق الكاذة بشكلٍ مائلٍ‪،‬‬
‫حيث الصابة قاتلة·‬
‫أصابه هالكيونيوس (‪ )Halcyoneus‬من باكتريا (‪)Bactria‬‬
‫وعندما رآه يَزف ُر مُحشرجاً‪ ،‬ورأى عينيه تنقلبان‪،‬‬
‫قال له‪:‬‬
‫"خذ معك المكان الذي تشغله‬
‫فهذا كلّ ما سيبقى لكَ‬
‫من أطيانكَ الضّخمة·"‬
‫وترك جسمه ينزف دماً·‬
‫ولكي ينتقم له حفيد آباس‪،‬‬
‫انتزع الرّمحَ من جرحه الذي كان ل يزال حارّا‪،‬‬
‫وقذف به هالسيونيوس·‬
‫أصابه النّصلُ في وسط أنفه‪ ،‬مُخترقاً رأسه‪،‬‬
‫بارزًا من الجهتين·‬
‫وفيما كانت ربّة الحظ تسند يده‪،‬‬
‫جندَلَ البطلُ بيرسيوس بضربتين مختلفتين‬
‫كليتيوس وكلنيس (‪ )Clytius, Clanis‬المولودين من أمّ واحدة‪:‬‬
‫اخترق فخذي كليتيوس‪ ،‬سهمٌ من المرّان‬
‫قذفته ذراعه البارعة·‬
‫وتلقّى كلنيس في فمه رمحاً آخر انغرز في أسنانه·‬
‫ثم سقط كذلك سيلدون (‪ )Céladon‬المنديسيّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪227 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪228 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪261 :‬‬

‫ب مجهول‪،‬‬ ‫وآستريوس (‪ )Astreus‬المولود من أمّ سوريّة وأ ٍ‬


‫وإيتيون (‪ )Ethion‬الذي كان فيما مضى بارعاً في قراءة المستقبل‪،‬‬
‫لكن الذي خذلته هنا نبوءات طائر خادعٍ·‬
‫سقط كذلك تواكتيس (‪ ,)Thoactès‬مروّض جياد الملك‪،‬‬
‫وآجيرتيس (‪ )Agyrtès‬الذي يُسَرْبلُهُ العارُ‬
‫لنّه قتل أباه·‬
‫كان بيرسيوس قد أنجز أشياء كثيرة‪،‬‬
‫وبقيت أمامه أشياء أكثر‪،‬‬
‫ذلك أن الجميع يستبسلون للقضا ِء عليه·‬
‫كان مُحاصَرًا من جميع الجهات‬
‫بعصاباتٍ موحّدةٍ لخدمة قضيّةٍ‬
‫تنتهكُ الحقوق المُكتسَبة والعهد الثابت·‬
‫تقف إلى جانبه تمنّياتُ والدِ زوجتِهِ‪،‬‬
‫ي الذي ل يُجدي وفاؤه‪،‬‬ ‫الوف ّ‬
‫وزوجته الجديدة‪ ،‬وأمّها‪،‬‬
‫الذين كانوا يملون ساحة القصر بالعويل الليم‬
‫الذي تحجبه قرقعة السلحة وتأوّهاتُ المُحتضرين·‬
‫ق بالدّم المنزلَ الذي دنّسته‬
‫وكانت بيلّلونا (‪ ، )Bellone‬ربّة الحرب‪ ،‬تُغر ُ‬
‫وتثير حماسة المُقاتلين·‬
‫ق فينيوس وأنصارُهُ جميعاً‪ ،‬البطلَ بيرسيوس‪،‬‬ ‫طوّ َ‬
‫كانت النّبالُ تتطاير حول جانبيه‪ ،‬وعينيه وأذنيه‪،‬‬
‫متراصّةً كوابلٍ في الشّتاء·‬
‫آنذاك‪ ،‬أسند كتفيه على عمودٍ كبير من الرّخام‪،‬‬
‫ب من الظّهر‪،‬‬‫متأكّدًا أنّه لن يُضر َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪228 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪229 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪262 :‬‬

‫وأخذ يواجه الحشدَ ويصدّ هجماته·‬


‫يُهاجمه من اليسار مولبوس (‪ )Molpus‬الخارونيّ‪،‬‬
‫يهاجمه من اليمين إيتيمّون (‪ )Ethemon‬النّبطيّ·‬

‫عندما يَسمع نمرٌ عضّهُ الجوع‬


‫خوا َر قطيعين من الثيران‬
‫في واديين منفصلين‪،‬‬
‫ض عليه‪،‬‬‫ل يعرف القطيع الذي سيختاره لينق ّ‬
‫متحرّقاً للنقضاض على الثنين معاً‪،‬‬
‫هكذا كان بيرسيوس يتساءل‬
‫هل ينقضّ يميناً أو يساراً ؟‬
‫دح َر مولبوس بضربةٍ اخترقت ساقه‪،‬‬
‫مُكتفيًا بهزيمته‪،‬‬
‫ن إيتيمون لم يعطه الوقت‪،‬‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫وفيما كان الغيظ يستولي عليه‪،‬‬
‫ويه ّم بضرب بيرسيوس‪،‬‬
‫في أعلى عنقه‪ ،‬مُسرعاً‪ ،‬شاهراً أمامه سيفه‪،‬‬
‫طاشت ضربته‪،‬‬
‫وأصابَ سطحَ العمود‪،‬‬
‫فتحطّم‪ ،‬وارتدّت شظاياه منغرسة في حلقه·‬
‫غير أنّ الجرح لم يكن من الخطورة بحيث يسبّب موته·‬
‫وفيما كان يتهاوى ويمدّ عبثًا ذراعيه المجرّديْن من السّلح‪،‬‬
‫اخترقه بيرسيوس بكُلّبه الذي يدين به إلى إله سيلّلين·‬
‫ن بسالته سوف ترزحُ أمام العدد‪،‬‬ ‫لكن‪ ،‬عندما رأى بيرسيوس أ ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪229 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪230 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪263 :‬‬


‫صرخ فيهم قائلً‪:‬‬
‫"ما دمتم تجبرونني أنتم أنفسكم‪،‬‬
‫ن من عدوّ·‬ ‫فسوف أطلبُ العو َ‬
‫أديروا وُجوهكم يا أصدقائي‪،‬‬
‫إن كان لي هنا أصدقاء·"‬
‫وأبرز رأسَ الغورغونا·‬
‫فر ّد عليه تيسكيلوس (‪ ,)Thescélus‬قائلً‪:‬‬
‫"ابحثْ في مكانٍ آخر‪،‬‬
‫ص يؤثّر فيه سح ُركَ·"‬‫عن شخ ٍ‬
‫وفيما كانت يده تتهيّأ لرمي حربة قاتلة‪،‬‬
‫ل من الرّخام‪ ،‬في وقفته ذاتها·‬ ‫بقي جامداً‪ ،‬تمثا ً‬
‫كان إلى جانبه آمبيكس (‪ ,)Ampyx‬يصوّب سيفه‬
‫إلى صدر بيرسيوس الشجاع‪،‬‬
‫وبينما كانت يده اليُمنى تحاول أن تضربَ‪،‬‬
‫تصلّبتْ ولم تعد قادرة على التحرّك‪،‬‬
‫ل إلى المام ول إلى الوراء·‬
‫آنئذٍ قال نيليوس (‪ )Nileus‬الذي كان يتباهى باطلً‬
‫بأنه ينحدر من النّيل ذي المصبّات السّبعة‪،‬‬
‫حتى إنه نقش على ترسه فروع النّهر السّبعة‪،‬‬
‫بعضها بالفضّة‪ ،‬وبعضها الخر بالذهب ـ‬
‫قال‪:‬‬
‫"انظر‪ ،‬يا بيرسيوس‪ ،‬إلى حيث ترقى سُللتي‪،‬‬
‫ت بطلٍ مثلي‪،‬‬ ‫فسوف يكون سقوطك تحت ضربا ِ‬
‫عزا ًء كبيرًا تحمله معك إلى موطنِ الظللِ الخرساء·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪230 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪231 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪264 :‬‬

‫توقّفت الرّنات الخيرة في صوته‪،‬‬


‫دون أن تكتمل‪ ،‬وبدا فمه المفتوح‪،‬‬
‫كأنه يريد أن يتكلّم‪ ،‬غير أنّ شفتيه لم تتركا لكلماته أن تمرّ·‬
‫عندئذٍ‪ ،‬أخذ إيريكس (‪ )Eryx‬يوبّخ رفقاءه صارخاً‪:‬‬
‫"إنّه جُبنُكم هذا الذي يشلّكم‪،‬‬
‫ل قوّة الغورغون·‬
‫سارعوا معي‪ ،‬واقضوا على هذا الفتى‬
‫الذي ل يعرف أن يستعمل إلّ أسلحةً سحرية·"‬
‫ن قدميه قيّدتا بالرض‪،‬‬ ‫و َهمّ بالندفاع‪ ،‬لك ّ‬
‫ل تمثالٌ يحملُ السّلح بيديه·‬ ‫ولم يبقَ منه إ ّ‬
‫هؤلء استحقّوا على القلّ عقابهم‪،‬‬
‫ن آكونتيوس (‪ ,)Aconteus‬وهو من جنود بيرسيوس‪،‬‬ ‫غير أ ّ‬
‫ويحارب من أجله‪،‬‬
‫وقع نظرُه على الغورغونا‪،‬‬
‫وسُرعان ما أصبح جسمه صلباً كالحجر·‬
‫واعتقد آستياجيس (‪ )Astyages‬أنه ل يزال حيّا‪،‬‬
‫فضربه بسيفه الطّويل‪،‬‬
‫لكنّ السّيف أرجع رناتٍ حادّة·‬
‫وبينما كان يقف مذهولً‪،‬‬
‫ي مُحتفظًا بالدّهشة·‬‫تحوّل مثله‪ ،‬وبقي وجهه الرّخام ّ‬
‫يطول الكلم كثيراً‪،‬‬
‫إذا سمّينا جميع المقاتلين البسطاء‪،‬‬
‫الذين ينتمون إلى العامّة·‬
‫كان عدد الناجين من المعركة مئتين‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪231 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪232 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪265 :‬‬

‫وجميع هؤلء الرّجال تحجّروا من رؤية الغورغون·‬

‫أخيراً‪ ،‬ندم فينيوس على هذه الحرب غير العادلة‪،‬‬


‫لكن‪ ،‬ماذا يقدر أن يفعل ؟‬
‫ع متنوّعة‪،‬‬ ‫ل تماثيل بأوضا ٍ‬ ‫ل يرى إ ّ‬
‫ل منهم باسمه‪،‬‬‫تعرّف فيها على أنصاره‪ ،‬وسمّى ك ّ‬
‫وطلب مساعدتهم‪،‬‬
‫ق عينيه‪،‬‬ ‫صدّ ٍ‬
‫وأخذ يلمس‪ ،‬غيرَ م َ‬
‫الكثر قرباً إليه‪ :‬كانوا رخاماً·‬
‫أدار وجهه‪ ،‬وحينذاك مدّ يديه جانبيّا‬
‫وذراعيه‪ ،‬علمةً على الهزيمة‪ ،‬وتوسّل قائلً‪:‬‬
‫"لقد انتصرتَ‪ ،‬يا بيرسيوس‪،‬‬
‫أبعدْ هذا الوحش الذي تمسك به·‬
‫أيّا كانت هذه الميدوزا‪،‬‬
‫أبعدْ هذا الرّأس الذي يحوّل كلّ شيءٍ إلى حجر·‬
‫أب ِعدْهُ‪ ،‬أتضرّع إليك·‬
‫ليس الحقد أو الطّموح إلى المُلك هو ما دفعني إلى هذه الحرب·‬
‫حاربت لكي يكون لي زوجة·‬
‫كانت حقوقك تستند إلى خدماتك‪،‬‬
‫أمّا حقوقي فتستند إلى الزّمن·‬
‫ت أن تتنازل·‬ ‫آسف لنّك رفض َ‬
‫امنحني‪ ،‬أيّها المحارب الباسل‪،‬‬
‫الحياة وحدها‪،‬‬
‫ل أطلب شيئاً آخر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪232 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪233 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪266 :‬‬

‫ولك كلّ ما تبقّى·"‬


‫تكلّم دون أن يجرؤ على إدارة عينيه‬
‫نحو ذلك الذي يتضرّع صوته إليه·‬
‫أجابه بيرسيوس‪:‬‬
‫ن به عليك‪،‬‬ ‫"ثمّة فض ٌل يمكن أن أم ّ‬
‫أيّها الجبان فينيوس‬
‫ن مثلك‪،‬‬ ‫وهو ثمنٌ عظيمٌ لجبا ٍ‬
‫ن به عليك‪:‬‬ ‫ل تخف‪ ،‬سأم ّ‬
‫لن يكابد جسمك طعناتِ الحراب أبداً·‬
‫سأفعل أكثر‪،‬‬
‫سأعطيك صَرحًا يبقى على مدى العصور‪،‬‬
‫وسوف يُرى إليك دائماً في منزل والد زوجتي‪،‬‬
‫لكي تبقى لزوجتي‪ ،‬عزاءً لها‪،‬‬
‫صور ُة من كان خطيبها·"‬
‫أنهى كلمه‪،‬‬
‫مقدّماً وجه ابنة فوركيس (‪)Phorcys‬‬
‫من الجهة التي أدار فينيوس نحوها وجهه المرتعب·‬
‫حاول فينيوس جاهداً أن يحوّل نظراته إلى اتجاهٍ آخر‪،‬‬
‫فتصلّب عنقه‪،‬‬
‫وصارت الدّموع التي كانت تبلّل عينيه قاسيةً كالحجر‪،‬‬
‫ومع ذلك احتفظ الرّخام بتعبير الرّعب والتّضرّع‪،‬‬
‫المبثوث في قسماته‪،‬‬
‫وبحركةِ يديه المُسْتسلمتيْن‪،‬‬
‫وبهيئته الذليلة·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪233 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪234 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪267 :‬‬

‫بريتوس (‪)Prétus‬‬

‫عاد حفيد آباس بعد انتصاره مع زوجته‬


‫إلى أكناف وطنه‪،‬‬
‫ولكي يثأر لجدّه ويُعزّز مركزه‪،‬‬
‫ق هذا الجميل‪،‬‬ ‫وهو دون أن يستح ّ‬
‫هاجم بريتوس‪ ،‬الذي سيطر على قلعة أخيه آكريزيوس‪،‬‬
‫بعد أن طرده بقوّة السّلح·‬
‫لكن‪ ،‬ل نجدة السلحة‪،‬‬
‫ول مُقاومة القلعة التي سا َد عليها‪ ،‬جوراً‪،‬‬
‫استطاعتا أن تحميا بريتوس من النظرات الرّهيبة للوحش‬
‫ذي الشّعر الفعوانيّ·‬
‫بوليديكتيس (‪)Polydectès‬‬

‫لم تقدر بسالة هذا البطل الشّاب‪،‬‬


‫التي برهنت عليها مآثر عديدة‪،‬‬
‫ول المصائب التي واجهها‪ ،‬أن تؤثّر فيكَ‪،‬‬
‫أنت يا بوليديكتيس‬
‫الذي يملك على سيريفوس (‪ )Sèriphos‬الصّغيرة·‬
‫ل ل يَرحم‪،‬‬ ‫بل ظلّ حقدك عليه متواص ً‬
‫وغضبكَ الجائر ل يقف عند حدّ‪،‬‬
‫ص من مجده‪،‬‬‫حتى أنّك تنتق ُ‬
‫ن ما يُنسب إلى ميدوزا ليس إلّ افتراءً·‬ ‫وتزعم أ ّ‬
‫قال له بيرسيوس‪:‬‬
‫"سأقدّم لك بُرهاناً على أنّ ذلك حقيقيّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪234 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪235 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪268 :‬‬

‫احْ ِم عينيك!"‬
‫ثمّ‪ ،‬دون أن يُريق قطر ًة من الدّم‪،‬‬
‫حوّل برأس ميدوزا‪،‬‬
‫رأسَ الملك إلى كُتل ٍة من الحجر‪3 .‬‬
‫مينيرفا‪ ،‬ربّاتُ الوحي‬

‫طوالَ ذلك الوقت‪،‬‬


‫كانت مينيرفا (‪ )Minerva‬إلهة تريتون (‪ ,)Triton‬ترافق أخاها‪،‬‬
‫الذي ولدَ من مطر ذهبيّ‪،‬‬
‫ن غيمةٍ‪،‬‬
‫وها هي الن‪ ،‬تخرج من مخبئها في حض ِ‬
‫وتغادر سيريفوس·‬
‫سلكتْ فوق البحر أقصرَ الطرق‪،‬‬
‫تاركةً إلى يمينها كيتنوس (‪ )Cythnos‬وجياروس (‪,)Gyaros‬‬
‫متّجهةً نحو طيبة (‪ )Thèbes‬وجبل هيليكون (‪,)Hèlicon‬‬
‫حيث تقيم العذارى التّسع‪ ،‬ربّات الفنون·‬
‫توقفت على هذا الجبل‪،‬‬
‫وبعد أن استراحت‬
‫خاطبت الخوات العارفات بهذه الكلمات‪:‬‬
‫"حملتِ الرّواية إلى أذنيّ‬
‫إشاعةً تقول إن نبعًا جديداً‬
‫انبجس حديثًا تحت السّنابك الصّلبة‬
‫للحصان ذي الجنحة السّريعة‪،‬‬
‫المنحدر من ميدوزا·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 3‬استقبل بولديكتيس دانائي (‪ )Danaè‬التي هُجرت مع ابنها· أحبّها‪ ،‬وعندما راهق ابنها‪ ،‬بيرسيوس‪ ،‬أرسله للبحث‬
‫عن رأس ميدوزا‪ ،‬لكي يُبعده عن أمّه· ولم تستسلم دانائي لرغباته· ل يروي أوفيد ذلك‪ ،‬وإنما يجعل من بوليديكتيس‬
‫بانثيوس (‪ )Penthée‬آخر يرفض بداهة البطولة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪235 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪236 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪269 :‬‬

‫والغاية من سفري هي هذا النبع‪،‬‬


‫فقد أردت أن أشاهد هذه الُعجوبة‪،‬‬
‫وكنتُ قد رأيت الحصان نفسه‪،‬‬
‫يولد من دم أمّه·"‬
‫أجابتها يورانيا (‪ )Uranie‬قائلةً‪:‬‬
‫"أيّا كان السّبب الذي دفعك إلى زيارة مُقامنا‪،‬‬
‫أيّتها اللهة‪،‬‬
‫فقد ملتِ قلوبنا بهجةً·‬
‫الشّهرة تنطق بالحقيقة‪،‬‬
‫فنحن ندين بهذا النبع إلى بيجاسوس (‪" )Pégasus‬‬
‫ثمّ اصطحبت مينيرفا إلى الماء المقدّس·‬
‫ب اللهةِ بمياهٍ فجّرها من الرضِ‬ ‫طال إعجا ُ‬
‫حصانٌ رفسَها بقوائمِه‪،‬‬
‫ط بها‪،‬‬
‫وتأمّلت جمي َع ما يُحي ُ‬
‫ظللَ الغابة العتيقة‪ ،‬والمغاورَ‪،‬‬
‫والحقول المزيّنة بزهور ل تُحصى·‬
‫هنّأت الخوات التسع على أعمالهنّ وعلى مُقامهنّ·‬
‫حينئذٍ قالت لها واحد ٌة منهنّ‪:‬‬
‫"تنطقين بالحقّ‪ ،‬أيتها اللهة تريتون‪،‬‬
‫أنتِ يا من كنت تقدرين‪ ،‬لو أنّ شجاعتك‬
‫ت أكثر عظمة‪،‬‬ ‫لم تحملك نحو مشروعا ٍ‬
‫أن تشاركي في جوقتنا·‬
‫أنتِ حكيمةٌ جداً في امتداح أعمالنا ومقامنا·‬
‫نعم‪ ،‬إننا نستمتع بمصير سعيدٍ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪236 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪237 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪270 :‬‬

‫شريطة أن نكون في أمان·‬


‫لكن الجريمة تُبيح لنفسها كلّ شيء‪،‬‬
‫وكلّ شيء يُرعب النّفوس العذراء·‬
‫هكذا تعود إليّ أمام عينيّ‪ ،‬باستمرار‪،‬‬
‫صورة ذلك المتوحّش بيرينيوس (‪,)Pyréneus‬‬
‫ولم أصْحُ تماماً حتى الن من غَشْيتي·‬
‫فهذا الفظّ المُحتالُ قادَ جنودَه التّراسيين‪،‬‬
‫واستولى على دوليس (‪ )Daulis‬وحقول فوسيس (‪)Phosis‬‬
‫وأخضعها جوراً لسلطته·‬
‫كنّا ذاهباتٍ إلى ذروات البارناس المُقدّسة‪،‬‬
‫فرآنا‪ ،‬وحيّا ألوهتنا بنبر ٍة مُرائية قائلً‪:‬‬
‫"يا بنات منيموزينا (‪( )Mnémosyne‬ذلك أنه عرفنا)‬
‫توقّفنَ‪،‬‬
‫ل تتردّدن‪ ،‬رجاءً‪ ،‬في البحث تحت سقف بيتي‪،‬‬
‫عن مأوى يقيكنّ مشقّات الطّقس والمطر‪( ،‬كانت تمطر فعلً)·‬
‫فطالما دخلت اللهة بيوتاً‬
‫لم تكن على َقدْرها·"‬
‫ت هذه الدّعوة وظروفها‪،‬‬ ‫رضينا بالمجيء معه‪ ،‬قابل ٍ‬
‫ودخلنا الغرفة الولى من قصره·‬
‫كان المطر قد توقف‪،‬‬
‫بعد أن انتصر إله ريح الشّمال على إله ريح الجنوب‪،‬‬
‫وهربت الغيوم القاتمة إلى السّماء الصّافية·‬
‫تهيّأنا للخروج‪،‬‬
‫ن بيرينيوس أغلق البواب وتهيّأ لغتصابنا‪،‬‬ ‫لك ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪237 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪238 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪271 :‬‬

‫غير أننا صفّقنا بأجنحتنا وأفلتنا منه·‬


‫آنذاك‪ ،‬تبعَنا‪ ،‬صاعداً إلى أعلى القلعة‪،‬‬
‫وصرخ قائلً‪:‬‬
‫"الطّريق التي تسُل ْكنَها‪،‬‬
‫ستكون كذلك طريقي·"‬
‫وفي الفورة التي كانت تسلبه عقله‪،‬‬
‫تطوّح من ذروة بُرجٍ‬
‫ساقطاً على مقدّم جبهته‪ ،‬مُرتطماً بالرض‪،‬‬
‫فتحطّمت جُمجمته‪ ،‬وبلّل الترابَ‪ ،‬فيما يموت‪،‬‬
‫بدمه الثم·"‬

‫كانت ربّة الفن ‪ 4‬ل تزال تتكلّم‬


‫عندما رنّ صوتٌ لرفيف أجنحةٍ في الفضاء‪،‬‬
‫ت مُح ّييَة من أعالي الشّجر·‬
‫وسُمعتْ أصوا ٌ‬
‫رفعت ابنة جوبيتر عينيها‪،‬‬
‫وحاولت أن تعرف من أين تنطلق أصواتٌ‬
‫ت شديدة الوضوح‬ ‫تشكّل كلما ٍ‬
‫ظانّ ًة أنّها تخرج من فمٍ إنسانيّ·‬
‫وكانت تلك زقزقات طيور عقعقٍ‬
‫ع نوعُها في مُحاكاة كلّ شيء·‬ ‫بر َ‬

‫دُهشت اللهة‪،‬‬
‫فاستأنفت ربّة الفنّ كلمَها‪ ،‬قائلةً‪:‬‬
‫"منذ مدّة غير بعيدة‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 4‬الخوات التسع هنّ إلهات الفنّ اللواتي يحمينَ الغناءَ والشّعر والفنون والعلوم في الميثولوجيا الغريقيّة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪238 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪239 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪272 :‬‬

‫جاءت هذه الطّيور التي تسمعينها‬


‫ت فيها·‬‫تكثّر بدورها عدد الطّيور‪ ،‬بعد معركةٍ غُلب ْ‬
‫ولّدها بييروس (‪ )Pièros‬الغنيّ‪،‬‬
‫في حقول بيلّ (‪· )Pella‬‬
‫كانت إيفيبي (‪ )Evippè‬البيونيّة أمّهنّ‪،‬‬
‫ولدت تسع مرّات‪،‬‬
‫متضرّعة إلى لوسينا ‪ )Lucine( 5‬القادرة تسع مرّات·‬
‫ن يبجّلن عددهنّ‬ ‫هذه الخوات التّسع اللواتي ك ّ‬
‫باعتزاز أحمقَ‪،‬‬
‫ن معاً‬ ‫وصلن إلى هنا‪ ،‬بعد أن اجتز َ‬
‫جمي َع مدنِ هيمونيا واليونان‪،‬‬
‫وأخذن يتحدّيننا بهذه العبارات‪:‬‬
‫"توقّفن عن إفساد الجمهور الجاهل‬
‫بعذوبة أناشيدكنّ‪ ،‬الباطلة·‬
‫يجب أن تقسن أنفسكنّ بنا نحن‪،‬‬
‫إن كانت لكنّ ثقةٌ بأنفسكنّ·‬
‫لن تتفوّقن علينا‪ ،‬في الصّوت أو في الفنّ‪،‬‬
‫وعددنا مُضا ٍه لعددكنّ‪،‬‬
‫إمّا أن تُسلّمن لنا‪ ،‬إن غُلِبتُنّ‪،‬‬
‫الينبوعَ الذي فجّره ابن ميدوزا وآغانيبّي (‪)Aganippè‬‬
‫والذي يسقي بلد هيانتس (‪,)Hyantes‬‬
‫ل هيمونيا‬‫وإمّا أن نتخلّى لكُنّ عن حُقو ِ‬
‫ونعود إلى بيونيا (‪ )Pèonie‬المُغطّاة بالثلج·‬
‫ولتحكم بيننا ربّات الينابيع·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 5‬لوسينا (‪ )Lucine‬صفة مميّزة لللهة جونون (‪ ,)Junon‬عندما تسهر على الولدة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪239 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪240 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪273 :‬‬

‫كان مُخزياً أن نتنازع‪،‬‬


‫وبدا لنا تراجعنا أكثر خزيًا كذلك·‬
‫ن مُحكّمات‪،‬‬
‫أقسمت‪ ،‬بالنهار‪ ،‬ربّات الماء اللّواتي تمّ اختياره ّ‬
‫وأخذن أمكنتهنّ على مقاع َد منحوتةٍ في الصّخر الحيّ·‬
‫آنئذٍ‪ ،‬بدأت دون أن يُحدّد دورُها بالقرعة‪،‬‬
‫واحدةٌ‪ ،‬بياريديّة‪ ،‬كانت الولى في إعلن بداية النّزاع‪،‬‬
‫ب التي يدعمها أصحاب القبّة الزرقاء·‬ ‫بدأت تمجّد الحر َ‬
‫وقد نسبت إلى العمالقة مجداً كاذباً‪،‬‬
‫وانتقصت من مآثر اللهة الكبار·‬
‫روتْ أنّ تيفون (‪ )Typhon‬الخارج من أحشاء الرض‪،‬‬
‫سكّان السّماوات وهزمهم إلى أن وصلوا‪،‬‬ ‫رجّ ُ‬
‫وقد أنهكهم التعب‪ ،‬إلى مصر‪،‬‬
‫على ضفاف النيل الذي ينقسم إلى سبعة مصبّات·‬
‫أضافت أنّ تيفون‪ ،‬ابن الرض‪،‬‬
‫طارد اللهة إلى هناك‪،‬‬
‫وأنهم اتخذوا‪ ،‬لكي يتخفّوا‪ ،‬أشكالً خادعة·‬
‫قالت‪:‬‬
‫"كان جوبيتر على رأسِ القطيع‪،‬‬
‫من هنا يُمثّلُ‪ ،‬حتى اليوم‪ ،‬تحت اسم آمّون الليبيّ‪،‬‬
‫بقرنين مُقوّسين·‬
‫وتحوّل الله ديلوس (‪ )Délos‬إلى غُراب‪،‬‬
‫وابن سيميليا (‪ )Sémélè‬إلى َتيْس‪،‬‬
‫وأخت فيبوس (‪ )Phébus‬إلى ِقطّة‪،‬‬
‫وصارت ابنة ساتورن (‪ )Saturne‬عِجل ًة بيضاء كالثلج‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪240 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪241 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪274 :‬‬

‫وفينوس سمكةً‪،‬‬
‫وكان إله سيلّين يتنكّر تحت أجنحة الطّائر أبي منجل·"‬
‫هنا توقفت البياريديّة عن مزاوجة صوتها بأنغام القيثارة‪،‬‬
‫آنذاك دُعينا نحن‪ ،‬بنات آونيا (‪ )Aonie‬للبدء‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬ربّما ليس لديك الوقت وال ُمتّسع‬
‫لكي تعيري أذنيكِ لنبراتنا·"‬

‫فأجابت مينيرفا‪:‬‬
‫"ل ينشغلْ بالكِ‪،‬‬
‫كرّري عليّ نشيدكنّ من أوّله إلى آخره·"‬
‫فاستأنفت ربّة الفنّ قائلةً‪:‬‬
‫"كلّفنا واحدةً منّا‬
‫لكي تمثّلنا وحدها في هذه المُنافسة·‬
‫نهضت كاليوب ‪)Calliope( 6‬‬
‫ضمّت شعرها المُبعثر بغصنِ لبلبٍ‪،‬‬
‫ثمّ اختبرت بطرف إبهامها الوتار الصّوتيّة‪،‬‬
‫وبدأت تضربها‪،‬تؤالف بين تناغماتها‪،‬‬
‫وتنشد‪:‬‬

‫سيريس‪ ،‬بروزيربينا (‪)Cèrès, Proserpine‬‬

‫"كانت سيريس هي الولى‬


‫ض بسكّتها المقوّسة‪،‬‬
‫التي شقّتْ الر َ‬
‫والولى التي أعطت لسكان الرض القمحَ‬
‫والنباتات التي جعلتها الحراثة صالحةً للغذاء‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬كالّيوب (‪ )Calliope‬هي ربّة الشعر الملحمي·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪241 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪242 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪275 :‬‬

‫والولى التي أعطتهم الشّرائع‪،‬‬


‫فنحن ندين بكلّ شيءٍ لسيريس·‬
‫هي التي ينبغي عليّ أن أغنّيها‪،‬‬
‫فلعلّ أناشيدي أن تكون لئق ًة باللهة!‬
‫ل لناشيدي·‬ ‫اللهة على أيّ حالٍ أه ٌ‬
‫كانت جزيرة تريناكريس (‪ Trinacris( 7‬الضّخمة قد أُرسيَت‬
‫على أعضاء العملق تيفون‬
‫فكانت تضغط عليه مُرهق ًة إيّاه بثقلها الكبير‪،‬‬
‫هو الذي كان قد تجرّأ أن يطمحَ إلى مقامٍ سماويّ·‬
‫كان يُكافح‪ ،‬جاهداً لكي ينهض‪،‬‬
‫ن يده اليُمنى كانت جامد ًة تحت بيلوروس (‪,)Pèloros‬‬ ‫غير أ ّ‬
‫المجاور لوزونيا (‪,)Ausonie‬‬
‫ك تحت جبل باخينوس (‪,)Pachynos‬‬ ‫ويدُه اليُسرى بل حرا ٍ‬
‫فيما ليليبيا (‪ )Lilybèe‬يضغطُ على ساقيه‪،‬‬
‫وإتنا (‪ )Etna‬يَجثم على رأسه·‬
‫كان تيفون الوحشيّ‪ ،‬يردّ أمواج الرّمل‪،‬‬
‫فيما يتمدّد تحت الجبل‪،‬‬
‫ويتقيّأ اللّهب من فمه·‬
‫كان غالبًا يُحاولُ أن يرفع الرض التي تجثم عليه‪،‬‬
‫لكي يُحرّرَ صدره بانهيار المدنِ والجبالِ العالية·‬
‫آنذاك تهتزّ الرض‪،‬‬
‫ويخشى ملك الموتى الصّامتين نفسُه‬
‫شقّ واسعٌ أعماقها‪،‬‬ ‫من أن ينشقّ التّراب وأن يكشف ِ‬
‫ويجيء النهار نافذًا منه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ن فيها ثلثة رؤوس داخلة في البحر·‬


‫سمّيت كذلك ل ّ‬
‫‪ 7‬تريناكريس هي صقلّية‪ ،‬اليوم· و ُ‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪242 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪243 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪276 :‬‬

‫ب بين الظّلل القلقة·‬ ‫ناشراً الرّع َ‬


‫هذا الخوف من هذه الكارثة‪،‬‬
‫دفع ملك الجحيم إلى الخروج من مقامه المُظلم‪،‬‬
‫فصعد في عربته التي تجرّها أحصنةٌ سودٌ‬
‫وطاف‪ ،‬يقظاً‪ ،‬جميع السس التي تقوم عليها صقلّية·‬
‫ي مكانٍ‪،‬‬
‫عندما تأكّد أن ل شيء سيتزعزع في أ ّ‬
‫ذهبت عنه مخاوفه‪،‬‬
‫وفيما كان يتجوّل‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬هنا وهناك‪،‬‬
‫لمحته إلهة إيريكس (‪ Eryx( 8‬من ذروة الجبل حيث تقيم‪،‬‬
‫فعانقت ابنها ذا الجنحة السّريعة‪ ،‬قائلة له‪:‬‬
‫"أنت يا لمتي‪ ،‬يا ذراعي‪،‬‬
‫يا قوتي‪،‬‬
‫يا ابني‪ ،‬يا كوبيدون الغالي (‪,)Cupidon‬‬
‫خذِ السهم التي تُخضع لكَ البشر جميعاً‪،‬‬
‫وصوّبها سريعةً إلى قلب هذا الله‪،‬‬
‫الذي آل إليه السّهم الخير‬
‫بين ممالك العالم الثلث·‬
‫هكذا تُخضع سكّان السماء وجوبيتر نفسَه‪،‬‬
‫وتُخضع آلهةَ البحر والملك الذي تطيعه آلهة البحر·‬
‫لماذا يكون العالم السّفليّ استثناءً ؟‬
‫لماذا ل توسّع إمبراطوريّة أمّك‬
‫التي هي كذلك إمبراطوريّتك ؟‬
‫فهذا الثلث من الكون معرّض للخطر·‬
‫حتى في السماء‪( ،‬وتلك هي ثمرة صبرنا)‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 8‬بروزيربينا هي ابنة سيريس وجوبيتر‪ ،‬وهما أخت بلوتون وأخوه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪243 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪244 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪277 :‬‬

‫ب تتضاءل كما تتضاءل قوّتي·‬ ‫نُزدَرى‪ ،‬وقوّة إله الح ّ‬


‫أل ترى أن مينيرفا وديانا التي تقذف بسهامها بعيداً‪،‬‬
‫قد تخلّصتا من قوانيني·‬
‫وابنة سيريس (‪ ,)Cèrès‬هي كذلك‪،‬‬
‫ستظلّ عذراء‪ ،‬إن تحمّلناها‪،‬‬
‫ذلك أنها تعلّل نفسها بالمل ذاته·‬
‫لكن‪ ،‬أنت‪ ،‬اجم ْع هذه اللهة بعمّها‪،‬‬
‫ت تثقُ بي‪،‬‬‫إن كن َ‬
‫دفاعاً عن المملكة التي نسوسُها معاً·"‬

‫هكذا تكلّمت فينوس‪،‬‬


‫ففتح هو كنانته‪،‬‬
‫ولكي يطيع أمّه‪،‬‬
‫اختار بين ألف سهمٍ‪ ،‬واحداً هو الكثر رهافةً‪،‬‬
‫والوثق إصابةً‪،‬‬
‫والشدّ انقياداً لحركة القوس·‬
‫أسند سلحَه إلى ركبته‪،‬‬
‫حانياً طرفيها اللّينين‪،‬‬
‫واخترق قلبَ ديس (‪ )Dis‬برأس القصبة·‬
‫هناك بحيرة عميقة غير بعيدة عن أسوار هينّا (‪,)Henna‬‬
‫تسمّى بيرغوس (‪,)Pergus‬‬
‫ل يسمع نهر الكايستر (‪ )Cayster‬في مجراه‬
‫عدداً من طيور الت ّم تغنّي‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪244 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪245 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪278 :‬‬

‫أكبر من عددها في هذا الوقت·‬


‫تحيط به غابة من جميع الجهات تكلّل مياهه‪،‬‬
‫وتصنعُ من ظللِها حجاباً‪ ،‬بينه وبين أشعّة فيبوس·‬
‫هنا تحافظ الوراق على النّداوة‪،‬‬
‫ورطوبة الرض تجعل الزها َر شبيهةً بأرجوان صور‪،‬‬
‫فالرّبيع هنا ل ينتهي·‬
‫في هذه الغابة الصّغيرة‪،‬‬
‫كانت بروزيربّينا ترتع وتلهو‪،‬‬
‫تقطف أزهار البنفسج‪ ،‬أو الزّنبق الذي يتلل بياضاً‪،‬‬
‫وبالحماسة الخاصّة بالفتيات‬
‫كانت تمل سللها وطيّات ثوبها‪،‬‬
‫ق مع رفيقاتها لكي تعرفَ‬ ‫في سبا ٍ‬
‫ن قطفت أكثر من الخريات·‬ ‫من منه ّ‬
‫كانت رؤيتها والتعلّق بها واختطافها‪،‬‬
‫بالنسبة إلى ديس‪ ،‬مسألة لحظة‪،‬‬
‫ب ل يصبر أبداً·‬ ‫ذلك أنّ الح ّ‬
‫نادت اللهة المرعوبة أمّها ورفيقاتها‬
‫بصرخاتٍ يائسة‪،‬‬
‫مُلحّةً خصوصاً على أمّها·‬
‫كانت قد مزّقت ثيابها من أهدابها العليا‪،‬‬
‫وأفلتت من ثوبها الزّهور التي قطفتها بيديها‪،‬‬
‫وتناثرت·‬
‫كانت سنوات طفولتها‬
‫من البراءة‪ ،‬بحيث أحزنها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪245 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪246 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪279 :‬‬

‫كثيراً تناث ُر هذه الزّهور·‬


‫اندفع الخاطف بعربته إلى المام‪ ،‬واستثار أحصنته‪،‬‬
‫مناديًا كلّ منها باسمه الخاصّ·‬
‫وضربَ على أعناقهنّ وأعرافهنّ‬
‫بالعنّة ذات اللّون الصّدأيّ القاتم‪،‬‬
‫وانطلق عبر البحيرات العميقة‪ ،‬وغدران باليكي (‪,)Paliques‬‬
‫التي تتصاعد منها رائحة الكبريت‪،‬‬
‫وتخرج‪ ،‬وهي تفور‪ ،‬من الرض المشقّقة·‬
‫ثمّ عبر الحقول حيث الباخياد ‪)Bacchiades(, 9‬‬
‫السّللة المنحدرة من كورنثة (‪)Corinthe‬‬
‫المدينة ذات البحرين‪،‬‬
‫ترفع أسوارها بين مرافئ متفاوتة·‬

‫كياني (‪)Cyané‬‬

‫في المسافة التي تفصل بين غدير كياني ونبع آريتوزا (‪)Aréthuse‬‬
‫التي من بيزا (‪ ,)Pise‬يمتدّ خليجٌ تتجمّع فيه مياه البحر‪،‬‬
‫تحيط به ألسنةٌ أرضيّة ضيّقة·‬
‫كانت تسكن هناك‪ ،‬تلك التي أعطت اسمها إلى بحيرةٍ‪ ،‬سيانا‪،‬‬
‫إحدى ربّات الماء الكثر شهرةً في صقلّية·‬
‫نهضت فوق اللّجة حتى زنّارها‪،‬‬
‫وقالت‪ ،‬وقد تعرّفت على اللهة‪:‬‬
‫"لن تذهبَ إلى أبعد‪،‬‬
‫ل تستطيع أن تكون صهر سيريس غصباً عنها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 9‬يمثل الباخياد (‪ )Bacchiades‬العائلت الكورنثيّة التي أسّست سرقوسة (‪. )Syracuse‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪246 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪247 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪280 :‬‬

‫كان ينبغي‪ ،‬بدلً من أن تخطف ابنتها‪،‬‬


‫أن تطلبها منها·‬
‫إن كان مسموحاً لي أن أقارن بين الشياء الصّغيرة‬
‫وتلك الكبيرة‪،‬‬
‫فأنا كذلك أحبّني آنابيس (‪)Anapis‬‬
‫لكن‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬لم أصبح زوجته‬
‫ل بعد أن تغلّبت عليّ توسّلته‪،‬‬ ‫إّ‬
‫ل كمثلِ هذه التي يهزمها الرّعب·"‬
‫ث ّم مدّت يديها من الجهتين‬
‫وسدّت الممر·‬
‫لم يقدر ابن ساتورن أن يكبت غضبه طويلً‪،‬‬
‫فحثّ أحصنته الرّهيبة‪ ،‬هازّا بيده القويّة‬
‫صولجانه الملكيّ‪ ،‬قاذفاً به في أعماق اللّجة·‬
‫فتحت الرض له‪ ،‬بفعل هذه الضّربة‪ ،‬ممرّا‬
‫حتى العماق السّفلى‪،‬‬
‫وغابت العربةُ في الشّقّ·‬
‫لم تعد كياني تجهر بصوتها‪،‬‬
‫وأخذت تبكي اللهة المخطوفة‬
‫وحقوق ينبوعها التي انتُهكتْ‪،‬‬
‫حاملةً في روحها جرحاً ل شفاء له·‬
‫ذرفت دموعاً غزبرة‪،‬‬
‫وذابت في المياه التي كانت منذ قليلٍ‬
‫إلهتها الكبيرة·‬
‫كان من الممكن أن يُرى كيف تسترخي أعضاؤها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪247 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪248 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪281 :‬‬

‫وتلين عظامها‪،‬‬
‫وكيف تفقد أظافرُها الصّلبة·‬
‫الجزاء الولى التي تحوّلت من جسمها إلى ماءٍ‪،‬‬
‫هي الكثر رهافةً‪:‬‬
‫شعرها الّلزورديّ‪،‬‬
‫أصابعها‪،‬‬
‫ساقاها وقدماها·‬
‫ذلك أن التحوّل إلى ما ٍء نديّ‬
‫سريعٌ بالنّسبة إلى الجزاء النّحيلة من الجسم·‬
‫ث ّم تلشى كتفاها‪ ،‬وظهرها وكشحها وصدرها‬
‫متحوّلة إلى جداولَ صافية·‬
‫أخيراً‪ ،‬أخذ يجري في عروقها التي تفكّكت‬
‫ماءٌ‪،‬‬
‫بدلً من الدّم الحارّ‪،‬‬
‫ولم يبق منها أيّ شي ٍء يمكن أن تقبضَ اليد عليه·‬
‫والحال أنّ أمّ بروزيربينا‪ ،‬القلقة لمصير ابنتها‪،‬‬
‫كانت تبحث عنها عبثاً‪ ،‬في جميع أنحاء الرض‪،‬‬
‫وفي جميع البحار·‬
‫لم يكن إلهُ الفجر‪ ،‬عندما ينهض‪ ،‬وشعره ل يزال نديّا‬
‫ول هيسبيروس (‪,)Hespérus‬‬
‫يريانها إلّ راحل ًة دون توقّف·‬
‫ولقد أضاءت بيديها الثنتين‪،‬‬
‫مشاعل من الصّنوبر بنار إيتنا‬
‫كانت تحملها باستمرار في الظلمات الباردة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪248 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪249 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪282 :‬‬

‫وكانت عندما يكسف النهار النّجوم‬


‫تستأنف البحث عن ابنتها بدءاً من القاليم‬
‫التي تغيب الشمس فيها‪،‬‬
‫وانتهاءً بتلك التي تشرق منها·‬
‫كان التعب قد أنهكها‪ ،‬وهدّها العطش‪،‬‬
‫وما من نب ٍع بلّل شفتيها‪،‬‬
‫عندما رأت مُصادفةً كوخًا مغطّى بالقصب·‬
‫دقّتْ على بابه المتواضع‪،‬‬
‫فخرجت منه امرأة عجوز‪،‬‬
‫وعندما رأت اللهة تطلب الماءَ‬
‫قدّمت لها شرابًا عذباً‬
‫رشّتْ عليه شعيرًا مَشويّا· ‪10‬‬
‫فيما كانت اللهة تشرب ما ُقدّمَ لها‪،‬‬
‫ل بهيئةٍ خشنة ووقحة‪،‬‬ ‫وقف أمامها طف ٌ‬
‫وبدأ يضحك ويصفها بأنّها شرهة·‬
‫استاءت اللهة‪ ،‬فقذفت في وجهه‪،‬‬
‫وهو ل يزال يتكلّم‪،‬‬
‫بما بقي في الناء من الشراب‪،‬‬
‫وتناثر عليه الشّعير الممزوج بالسّائل·‬
‫ل ذراعيه قائمتان‬ ‫تبقّع وجهه‪ ،‬وحلّت مح ّ‬
‫وانضاف ذيلٌ إلى أعضائه المتحوّلة·‬
‫صغّر جسمه إلى حجمٍ ضئيل‪،‬‬ ‫و ُ‬
‫لكيل يعود قادراً على اليذاء·‬
‫صارت قامته أصغر من قامة عظايةٍ صغيرة·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬نوع من العصيدة يُصنع من طحين الشّعير·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪249 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪250 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪283 :‬‬

‫ذُهلتْ المرأة العجوز وأخذت تبكي‬


‫وتحاول أن تلمس هذا الحيوان الذي ولد بأعجوبة‪،‬‬
‫غير أنه هرب منها وسارع لكي يختبئ·‬
‫وهو يحملُ اسمًا يذكّر بلونِ جسمه‬
‫المرقّشِ بنقاطٍ هنا وهناك· ‪11‬‬

‫ت البلدان‬
‫سيطول الكلم كثيراً إن ذكر ْ‬
‫والبحار التي جابتها اللهة في تطوافها الشّارد·‬
‫فالعالم لم يكن كافياً لبحثها·‬
‫عادت إلى صقلّية‪،‬‬
‫وفيما كانت تتحرّاها في الجهات كلّها‪،‬‬
‫وصلت إلى ضفاف كياني·‬
‫كانت كياني ستقصّ عليها كلّ شيء‪،‬‬
‫لو أنها لم تتحوّل‪،‬‬
‫وعبثاً أرادت أن تتكلّم‪،‬‬
‫فلم يعد لها ف ٌم ول لسانٌ‪،‬‬
‫ول أيّة وسيلةٍ للتعبير·‬
‫مع ذلك أبرزت علم ًة أكيدة‪،‬‬
‫ففي هذا المكان حدث أن بيرسيفونا (‪)Pérséphone‬‬
‫تركت حزامَها الذي تعرفه أمّها جيّدا‪،‬‬
‫يسقط في الّلجة المقدّسة·‬
‫وقد وضعته ربّة الماء عائماً على وجه المياه·‬
‫ولم تكد اللهة تتحقّق منه‪،‬‬
‫مدركةً أخيراً أن ابنتها كانت ضحيّة اختطافٍ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 11‬اسم الطفل أسكالبوس (‪ ,)Ascalabos‬وهو يعني العظاية المُرقّشة التي تحوّلَ إليها·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪250 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪251 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪284 :‬‬

‫حتى أخذت تقتلع شعرها المبعثر‪،‬‬


‫ت مُضاعفة·‬ ‫وتلطم صدرها لطما ٍ‬
‫لم تكن تعرف بعد أين ابنتها‪،‬‬
‫غير أنها لعنت جميع أقاليم الرض‪،‬‬
‫ووصفتها بأنها ناكرة للجميل‪،‬‬
‫ول تستحقّ الحصاد الذي هو من نعمها‪،‬‬
‫خصوصاً تريناكريس‪ ،‬حيث عثرت فيها على آثار من فقدتْها·‬
‫وأخذت كذلك تكسر بيدٍ ل شفقة فيها‬
‫المحاريث التي كانت تقلب التراب‪،‬‬
‫وفي غضبها‪ ،‬أبادت الفلّحين‬
‫وثيران الفلحة معاً·‬
‫ومنعت الرض المزروعة من أن تر ّد ما أودعَ فيها‪،‬‬
‫وأفسدت البذار·‬
‫وعانت خصوبة هذه البلد‪ ،‬المشهورة في العالم كلّه‪،‬‬
‫ب تلك الشهرة·‬ ‫انحطاطًا كذّ َ‬
‫أخذ القمح يموت أخضر منذ بزوغه‪،‬‬
‫طوراً من فرط الحرّ‪،‬‬
‫وطوراً من فرط المطر·‬
‫وقامت الكواكب والرّياح بأعمالها المدمّرة الخاصة·‬
‫كانت الطّيور النّهمة تنهب البذار المرميّ في الثلم‪،‬‬
‫وكان الزّؤان والشّوك وال ِعكْرشُ‬
‫ق خميرةَ الحصاد·‬ ‫تخن ُ‬

‫آنذاك‪ ،‬رفعت ربّة الماء‪ ،‬التي أحبّها آلفيوس (‪)Alpheus‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪251 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪252 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪285 :‬‬

‫رأسها فوق أمواجه التية من إيليدا ‪)Elide(,‬‬


‫وقالت‪ ،‬وهي تردّ شعرها المنسدل على جبينها‪ ،‬فوق أذنيها‪:‬‬
‫ت عنها‬‫"أنتِ يا أمّ العذراء التي بحث ُ‬
‫في الكون كلّه‪،‬‬
‫أنتِ يا أمّ الحصاد‪،‬‬
‫ضعي حدّا لتعبكِ الهائل‪،‬‬
‫ل تُلحقي بغضبكِ الرّهيب أرضًا وفيّةً لكِ·‬
‫هذه الرض ل تستحقّه‪،‬‬
‫ل مُرغمةً·‬‫فلم تنفتح أمام الخاطف إ ّ‬
‫ل أتوسّل من أجل وطني‪،‬‬
‫فقد جئت إلى هنا أطلبُ الستضافة·‬
‫بيزا (‪ )Pise‬وطني‪،‬‬
‫وإيليدا منشأي·‬
‫أقيم في صقلّية كأجنبيّة‪،‬‬
‫ي أكثر من أيّة بقعةٍ أخرى·‬ ‫غير أن هذه البُقعة تعزّ عل ّ‬
‫احتفظتُ باسميَ آريتوزا‪،‬‬
‫وفيها الن منزلي ومقامي·‬
‫اهدئي وحافظي عليها·‬
‫لماذا هجرت وطني‪ ،‬لماذا وصلت إلى أورتيجيا (‪)Ortygia‬‬
‫عبْ َر هذا المتداد البحري الكبير‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ذلك ما سأقصّه عليكِ في الوقت المُناسب‪،‬‬
‫عندما تتخلّصين من همومك‪ ،‬ويُشرق وجهكِ·‬
‫انشقّت أمامي الرضُ‪،‬‬
‫ومنحتني طريقاً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪252 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪253 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪286 :‬‬


‫غُصتُ عبرها في العماقِ‪ ،‬في المغاور السّفلى‪،‬‬
‫وها أنا هنا‪ ،‬أرفعُ رأسي‪،‬‬
‫لكي أتأمّل الكواكبَ التي غابت طويلً عن عينيّ·‬
‫هكذا‪ ،‬بينما كنتُ أجري تحت الرض‪،‬‬
‫ت بعينيّ‬‫في لجّة ستيكس‪ ،‬رأي ُ‬
‫ابنتكِ بّروزيربينا·‬
‫كانت حزينة‪،‬‬
‫ولم يكن الرّعبُ قد فارق وجهها بعد·‬
‫لكنّها مع ذلك ملكةٌ‬
‫إلهةُ العالمِ المظلم‪،‬‬
‫والزّوجةُ القويّة للله‬
‫الذي يُهيمنُ على الجحيم·"‬
‫ظلّت أ ّم بّروزيربينا‪ ،‬فيما تصغي إلى كلماتها‪،‬‬
‫جامدةً كما لو أنها حجرٌ‪،‬‬
‫وبدت لفترة طويلةٍ كأنها مصعوقةٌ·‬
‫ثم حلّ محلّ اضطراب فكرها‪ ،‬المريع‪،‬‬
‫ل فظاعةً·‬‫ألمٌ ل يق ّ‬
‫آنذاك‪ ،‬صعدت إلى عربتها‪،‬‬
‫واندفعت في الفضاء نحو المناطق السّماويّة·‬
‫هنالك‪ ،‬وقفت أمام جوبيتر‪ ،‬مُكفهرّة الجبين‪،‬‬
‫مُبعثرة الشّعر‪ ،‬تتأجّج بالحقد‪ ،‬وقالت له‪:‬‬
‫"من أجل دمي ودمكَ جئتُ إلى هنا‪،‬‬
‫أتوسّل إليك يا جوبيتر·‬
‫إن لم يكن للمّ سلطةٌ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪253 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪254 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪287 :‬‬

‫ل البنةَ تؤثرُ في قلب أبيها·‬ ‫فلع ّ‬


‫ل تأنفْ‪ ،‬أرجوكَ‪ ،‬من الهتمام بها‬
‫لنني أنا التي ولدتها·‬
‫ل عنها‪،‬‬‫لقد عثرت على ابنتي بعد أن بحثت طوي ً‬
‫ك يعني الفقدان الذي ل ريب فيه‪،‬‬ ‫سواءٌ كان العثور في نظر َ‬
‫أو كان يعني معرفةَ أين هي·‬
‫سأصفح عن اختطافها‪،‬‬
‫شريطة أن يردّها‪،‬‬
‫إذ ل يليق بابنتكَ أن يكون قاطع طريقٍ زوجاً لها‪،‬‬
‫إن كانت الن لم تعد ابنتي·"‬
‫فأجابها جوبيتر‪:‬‬
‫"ابنتكِ‪ ،‬بالنسبة إليّ‬
‫كما هي‪ ،‬بالنسبة إليكِ‪،‬‬
‫العهدُ المشترك لمحبّتنا‪،‬‬
‫وكلنا مُكلّف به·‬
‫لكن‪ ،‬إن أحببتِ أن تعطي للشياءِ أسماءها الحقيقيّة‪،‬‬
‫ن هذه المغامرة ليست إهانةً‪،‬‬ ‫فإ ّ‬
‫وإنّما هي في الواقع حبّ·‬
‫ليس في صهر كهذا ما يُخجلنا‪،‬‬
‫إن منحته‪ ،‬أيّتها اللهة‪ ،‬رضاك·‬
‫عندما لن تبقى له ألقابٌ أخرى‪،‬‬
‫سيظلّ مجده عظيمًا أن يكون أخاً لجوبيتر!‬
‫ماذا أقول ؟‬
‫بل إنّه لن تنقصَه ألقابٌ أخرى‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪254 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪255 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪288 :‬‬

‫ل لنّ القدر شاء ذلك·‬ ‫فأنا ل أتقدّمه إ ّ‬


‫مع هذا‪ ،‬إن كان قلبكِ مُصرّا على الفصل بينهما‪،‬‬
‫ن بّروزيربينا ستعود إلى السّماوات‪،‬‬ ‫فإ ّ‬
‫لكن بشرطٍ شكليّ‪:‬‬
‫ألّ تكون شفتاها مسّتا هنالك أيّ طعام·‬
‫ذلك هو قرارُ إلهات القدر·"‬

‫آسكالفوس (‪)Ascalaphus‬‬

‫هكذا تكلّم جوبيتر·‬


‫غير أن سيريس أصرّت على إعادة ابنتها من الجحيم‪،‬‬
‫وهذا ما عارضته القدار·‬
‫ذلك أنّ الفتاة كانت قد قطعت صومها‪،‬‬
‫فعندما كانت تتنزّه في الحدائقِ المزروعة جيّدا‪،‬‬
‫قطفت ببراءةٍ‪ ،‬من شجر ٍة مُنحنيةٍ تحت ثمارها‬
‫رمّانة‪،‬‬
‫أخذت سبع حبّات من القشرة الشّاحبة‪،‬‬
‫وعصرتها بين شفتيها‪،‬‬
‫لم يرها أحدٌ إلّ آسكالفوس‪12 ،‬‬
‫الذي يُقال إن أمّه أورفني (‪,)Orphnè‬‬
‫وهي إحدى ربّات الماءِ المشهورات في آفيرنوس (‪,)Avernus‬‬
‫قد حبلت به من آشيرون (‪)Achéron‬‬
‫الذي كانت تحبّه‪،‬‬
‫وولدته تحت ظللٍ سوداء·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ك يعني البومة· وآسكالفيوس هنا مُرتبطٌ بعالم الموت‪ ،‬بوساطة أمّه أورفني (الظلمة) وأبيه‪،‬‬
‫‪ 12‬آسكالف اسمٌ مشتر ٌ‬
‫نهر الجحيم‪ :‬آخيرون (‪. )Achèron‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪255 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪256 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪289 :‬‬

‫رآها‪،‬‬
‫وكانت وشايته الفظّة بها‬
‫ل دون عودتها إلى الرض·‬ ‫حائ ً‬
‫انتحبت ملكة إيريبا ‪Erèbe( 13(،‬‬
‫وحوّلت الشّاهد إلى طائرٍ مشؤوم‪،‬‬
‫وأنبتت منقاراً في رأسه‬
‫الذي كانت تبلّله بماء فليجيتون (‪,)Phlégéthon‬‬
‫وريشاً‪ ،‬وعينين ضخمتين·‬
‫وإذ تخلّص من شكله الوّل‪،‬‬
‫تغطّى بأجنح ٍة تميل إلى الشّقرة‪،‬‬
‫وتضخّم رأسه‪،‬‬
‫وطالت أظافره وتقوّست·‬
‫وصار ل يكاد أن يقدر على تحريك ريشه‬
‫الذي نبتَ على ذراعيه المُسترخيتين·‬
‫تحوّل إلى طائ ٍر شنيع‪،‬‬
‫رسولٍ للشّقاء الذي يقترب‪،‬‬
‫بومًا بليداً‪،‬‬
‫ونذيرَ شؤمٍ للبشر·‬
‫جنّياتُ البحر‬

‫يمكن أن يبدو هذا الشّخص مُستحِقّا لعقابه‪،‬‬


‫لنه أفشى سرّا‪،‬‬
‫لكن أنتنّ يا بناتِ آخيلوس (‪,)Achélos‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 13‬إيريبا (‪ )Erèbe‬اسمٌ من أسماء الجحيم التي أصبحت بروزيربينا ملكةً عليها·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪256 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪257 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪290 :‬‬

‫من أين يجيء ريشكنّ‪،‬‬


‫ن هذه القوائم التي تشبه قوائم الطّيور‪،‬‬
‫ومن أين جاءتك ّ‬
‫ل منكنّ وجه عذراء ؟‬‫بينما لك ّ‬
‫هل لنّكنّ كنتنّ‪ ،‬عندما كانت بروزيربّينا تقطف الزهور الرّبيعيّة‪،‬‬
‫في عِداد رفيقاتها‪،‬‬
‫أيّتها الجنّيات العارفات ؟‬
‫بحثتنّ عنها عبثاً في الرض كلّها‪،‬‬
‫ن أن تكنّ قادراتٍ على التّحويم‬‫وتمنّيت ّ‬
‫فوق المواج‪ ،‬بأجنح ٍة تكون كالمجاديف‪،‬‬
‫لكي يشارك البحر هو كذلك في اهتمامكنّ‪،‬‬
‫وتلطّفت اللهة مُستجيب ًة لتمنّياتكنّ‪،‬‬
‫وفجأةً رأيتنّ أعضاءكنّ تتغطّى بريشٍ حيوانيّ·‬
‫ت إنسانيّ‪،‬‬‫لكن‪ ،‬بقيت لكُنّ وجوهُ عذارى‪ ،‬وصو ٌ‬
‫ل لغنائكنّ الرّخيم المخلوق لِسحر الذان‪،‬‬ ‫لكي يظ ّ‬
‫وللموهبة الطّبيعيّة في أفواهكنّ‪،‬‬
‫اللّسان ذاته·‬
‫غيرأن جوبيتر الموزّع بين أخيه‬
‫وأخته الحزينة‪،‬‬
‫قسمَ السّنة إلى قسمين متساويين·‬
‫والن تمضي اللهة التي تمتدّ سلطتها‬
‫على المملكتين معاً‪،‬‬
‫نصف السّنة مع أمّها‪،‬‬
‫ونصفها الخر مع زوجها·‬
‫وسُرعان ما رؤيت وقد تغيّر مزاجها ووجهها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪257 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪258 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪291 :‬‬

‫ن جبين هذه اللهة‬


‫ذلك أ ّ‬
‫الذي يُمكن أن يبدو متجهّماً حتى لديس (‪ )Dis‬نفسه‪،‬‬
‫يتلل فرحاً‪،‬‬
‫كمثلِ شمسٍ ترين عليها غيو ٌم مُثقلةٌ بالمطر‪،‬‬
‫فتخرج منها مُنتصرةً عليها·‬

‫آريتوزا (‪)Aréthusa‬‬

‫أرادت سيريس المُنعِمة‪،‬‬


‫بعد أن أعيدت إليها ابنتها‪،‬‬
‫وتحرّرت من القلق‪،‬‬
‫أن تعرف‪ ،‬يا آريتوزا‪ ،‬سبب هربكِ‬
‫ت نبعٌ مقدّس·‬ ‫ولماذا أن ِ‬
‫صمتت المواج‪،‬‬
‫رفعت إلهتها رأسها في قلبِ النّبع‪،‬‬
‫وبعد أن نشّفت بيدها شعرَها الخضر‪،‬‬
‫أخذت تقصّ الحبّ القديم الوّل لنهرِ ألفيوس (‪.)Alpheus‬‬
‫قالت‪:‬‬
‫"كنتُ إحدى الربّات اللّئي يسكُنّ في آخايا‬
‫ن من تبدو أكثر رغبةً منّي‬ ‫ولم يكن بينه ّ‬
‫في أن تطوف الغابات‪،‬‬
‫وتمدّ فيها شِباكَ صيدها·‬
‫ومع أنني لم أحاول أبداً أن أصنع لنفسي‬
‫صيتاً بأنني جميلة وشُجاعة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪258 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪259 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪292 :‬‬

‫فلم يكن أحد يدعوني إلّ بآريتوزا الجميلة·‬


‫ولم تكن المدائح التي تُغدقُ عليّ بسرور كبير‪،‬‬
‫ي أيّة لذّة·‬‫تبعث في نفس َ‬
‫فمزايا الجسمِ التي كانت تزدهي بها الخريات‪،‬‬
‫أخجلُ أنا‪ ،‬ببساطتي‪ ،‬منها‪،‬‬
‫وأع ّد مََلكَةَ المتاعِ إثماً·‬
‫أتذكّر أنني كنت عائد ًة من غابةِ ستيمفالوس (‪,)Stymphalus‬‬
‫يهدّني التعب‪،‬‬
‫وكانت الحرارة مُرهقةً‪،‬‬
‫لكنّ تعبي جعلها أكثر إرهاقاً·‬
‫صادفت نهراً يجري دون اضطراب‬
‫ول صوت له‪،‬‬
‫شفّافا‪ ،‬إلى درج ٍة يُمكن معها‬
‫تعدادُ الحصى في أعماقه‪،‬‬
‫وهادئاً حتى ل يكاد يبدو أنه يجري·‬
‫ق أبيض‪،‬‬ ‫ف بور ٍ‬ ‫كانت أشجارُ صفصا ٍ‬
‫وأشجارُ حور تغذيها مياهه‪،‬‬
‫تبسط على منحدرات ضفافه ظللً‬
‫صنعتها الطّبيعة وحدها·‬
‫اقتربتُ‪،‬‬
‫ن قدميّ‪،‬‬ ‫بلّلت أوّل باط َ‬
‫ثم غطّستهما حتى باطن الرّكبة·‬
‫لم يكن هذا كافياً‪،‬‬
‫فككتُ زنّاري‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪259 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪260 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪293 :‬‬

‫ووضعتُ ثيابي الناعمة‬


‫تحت الغصان المنحنية لشجرةِ صفصافٍ‪،‬‬
‫ثم نزلت في الماء عاريةً·‬
‫وفيما كنت أشقّ المياه وأضمّها إليّ‪،‬‬
‫مُستسلمةً إلى السّباحة‬
‫في أشكالها التي ل تُحصى‪،‬‬
‫ت كلّها‪،‬‬
‫محرّكة ذراعيّ المبسوطتين في التّجاها ِ‬
‫سمعتُ في أعماق الماء وشوشةً ل أعرف ما هي·‬
‫ارتعبتُ‪،‬‬
‫وخرجتُ إلى الضّفة الكثر قُرباً‪،‬‬
‫ـ "أين تذهبين بهذه السّرعة يا آريتوزا ؟"‬
‫سمعته يكرّر بصوتٍ أجشّ·‬
‫ت كما أنا‪ ،‬بل ثيابٍ‪،‬‬ ‫هرب ُ‬
‫فقد بقيتْ حيثُ كانت على الضّفة المقابلة·‬
‫غير أنه صار أكثر استبسالً في مُطاردتي‪،‬‬
‫وأكثر تلهّفاً·‬
‫وبدا له‪ ،‬لنني عاريةٌ‪ ،‬أن التغلّب عليّ‬
‫أكثر سهولةً·‬
‫أما أنا فكنت أركض‪،‬‬
‫وهو يشدّد عليّ خناقه‪ ،‬بشكلٍ وحشيّ‬
‫كمثل ما يُطارد الصّقر حمام ًة ترتجف·‬
‫حتى أسوار أورخومينوس (‪ )Orchomènus‬وبسوفيس (‪)Psophis‬‬
‫حتى أسفل سيلّين (‪,)Cyllène‬‬
‫حتى أودية مينالوس (‪ ,)Ménalus‬وإيريمانتوس (‪ )Erymanthus‬النديّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪260 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪261 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪294 :‬‬

‫وإيليس (‪,)Elis‬‬
‫صمدتْ سرعتي‪،‬‬
‫لنني لم أكن أقلّ سرعة منه‪،‬‬
‫غير أنني لم أكن قادرةً على إطالة السّباق‪،‬‬
‫لنّ قواي لم تكن كافية·‬
‫أمّا هو فكان قادرًا أن يبذل جهداً طويلً·‬
‫مع ذلك‪ ،‬تابعتُ الرّكض‬
‫عِبرَ السّهول والجبال التي تغطّيها الغابات‪،‬‬
‫ب فيها·‬
‫عِبرَ الحجارة والصّخور والماكن التي ل درو َ‬
‫رأيت‪،‬والشمس وراء ظهري‪،‬‬
‫ل كبيرًا ينبسط أمام قدميّ·‬ ‫ظّ‬
‫ربّما كان ذلك توهّما ولّده الخوف‪،‬‬
‫لكنني موقنةٌ بأنني سمعتُ مرعوبةً وقعَ خطواته‪،‬‬
‫ت بأنفاس فمه العنيفة‬ ‫وأحسس ُ‬
‫تحرّك شرائطَ شعري·‬
‫وصرختُ‪ ،‬مُنهك ًة من تعب الرّكض‪:‬‬
‫إنّني أسيرة‪ ،‬فأنجديني أيّتها اللهة ديانا‪،‬‬
‫أنقذي حارسة أسلحتكِ‪،‬‬
‫تلك التي عهدتِ إليها غالباً‬
‫ل قوسك والسّهام المُخبّأة في كنانتكِ·‬ ‫بحم ِ‬
‫تأثرت اللهة‪،‬‬
‫ي غيمةً كثيفةً أحضرتْها معها·‬ ‫فألقت عل ّ‬
‫لم أكد ألتحف بضبابها‪،‬‬
‫حتى أخذ النّهر يذهب ويأتي‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪261 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪262 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪295 :‬‬

‫يبحث عني حول الغيمة‪ ،‬جاهلً أنني في داخلها·‬


‫مرّتين‪ ،‬دون أن يعرف‪،‬‬
‫دار حول المغارة التي خبّأتني فيها اللهة·‬
‫مرّتين‪ ،‬ناداني‪:‬‬
‫إيو‪ ،‬آريتوزا!‬
‫إيو‪ ،‬آريتوزا!‬
‫ولكم خفق آنذاك قلبي التّاعس!‬
‫ألم أكن كمثل نعجةٍ صغيرة‬
‫تسمع من آخر الزريبة‬
‫عواءَ الذئاب حولها‪،‬‬
‫أو كمثل أرنبٍ يختبئ في دغلٍ‪،‬‬
‫وهو يرى إلى خراطيم الكلب التي تطارده‪،‬‬
‫دون أن يجرؤ على القيام بأيّة حركة ؟‬
‫مع ذلك لم يُغادر آلفيوس المكان‪،‬‬
‫لنه لم يرَ أيّ أثرٍ لخطواتي بعيدًا عنه‪،‬‬
‫وبقيت عيناه عالقتين بالفضاء الذي تغطّيه الغيمة·‬
‫وفيما كان يُحاصرني‪،‬‬
‫غمر أعضائي عرَقٌ باردٌ‪،‬‬
‫وأخذت قطراتٌ لزورديّة تسيل من جسمي كلّه·‬
‫حيثما كنت أضع قدميّ‪،‬‬
‫كان ينشأ غديرٌ·‬
‫وكان النّدى يسقط من شعري‪،‬‬
‫وفي وقتٍ أقصرَ من الوقت الذي‬
‫أقدر فيه الن أن أروي هذه القصّة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪262 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪263 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪296 :‬‬

‫تحوّلت إلى ينبوع·‬


‫غير أن النّهر تحقّق في مياهه‬
‫من تلك التي يُحبّها·‬
‫فتخلّص من شكله النسانيّ الذي استعاره‪،‬‬
‫واستعاد شكله السّائل‪،‬‬
‫لكي يتّحد بي·‬
‫فتحت إلهة ديلوس الرضَ‪،‬‬
‫وأنا أتابع مجرايَ‬
‫غائصةً في مغاورها المُعتمة‪،‬‬
‫حتى أورتيجيا (‪Ortygie(, 14‬‬
‫العزيزة على قلبي‪ ،‬لنها تحمل كُنيةَ إلهتي الحامية‪،‬‬
‫والتي‪ ،‬قبل غيرها‪ ،‬ردّتني إلى سطح الرض‪،‬‬
‫تحت قبّة السّماوات·"‬

‫تريبتوليموس (‪)Triptolèmus‬‬

‫هكذا انتهت قصّة آريتوزا·‬


‫ن ثعبانيْن إلى عربتها‪،‬‬‫كانت إلهة الخصب تقرُ ُ‬
‫فأجبرتها على وضع اللجام في شدقيها‪ ،‬ثم اندفعت في الفضاء‪،‬‬
‫بين السّماء والرض·‬
‫أدارت عربتها المجنّحة نحو المدينة التي تحبّها‬
‫إلهة تريتون·‬
‫هناك عهدت بها‬
‫إلى تريبتوليموس ‪)Triptolèmus(.‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 14‬أورتيجيا‪ ،‬السم القديم لجزيرة ديلوس‪ ،‬حيث ولدت اللهة ديانا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪263 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪264 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪297 :‬‬


‫أعطته بذوراً وصفتها له‪،‬‬
‫لكي يبذرَ بعضها في أرضٍ ل تزال دون حراثةٍ‪،‬‬
‫ض أعيدَ حرثها بعد فاصلٍ طويل·‬ ‫وبعضها الخر في أر ٍ‬
‫سريعاً‪ ،‬مرّ الشّابّ في سيره في الفضاء‪،‬‬
‫فوق أوروبا وآسيا‪،‬‬
‫ثم استدار متّجهاً نحو بلد سكيثيا (‪,)Scythia‬‬
‫حيث كان يملك لينكوس (‪. )Lyncus‬‬
‫دخل إلى مقام هذا الملك‪،‬‬
‫ل من أين أتى‪،‬‬ ‫فسُئ َ‬
‫وما هدف رحلته‪،‬‬
‫وما اسمه‪ ،‬وأين وطنه·‬
‫أجاب‪:‬‬
‫"وطني هو أثينا الذائعة الصّيت‪،‬‬
‫واسمي تريبتوليموس·‬
‫ولم أصل إلى هنا‬
‫عابراً المياه في سفينة‪،‬‬
‫ول الرضَ سيراً على قدميّ·‬
‫شققْتُ طريقي في الفضاء‪،‬‬
‫ل معي ِنعَمَ سيريس‬ ‫حام ً‬
‫التي إذا نُشرت على مدى الحقول الرّحب‪،‬‬
‫فإنها ستنتج حصادًا مثمراً‪،‬‬
‫وأغذيةً طيّبة·"‬
‫غار منه هذا المتوحّش‪ ،‬وأراد أن يكون هو‬
‫ث هذا الخير العظيم‪،‬‬ ‫باع َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪264 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪265 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪298 :‬‬

‫فاستضافه‪،‬‬
‫وعندما رآه مستسلماً إلى النوم‪،‬‬
‫هاجمه‪ ،‬شاهرًا بيده سيفاً·‬
‫ولحظة كان يتهيّأ لطعنه في صدره‪،‬‬
‫حوّلت سيريس هذا المجرم إلى وشَق‪،‬‬
‫وأمرت البطل الشاب‪،‬‬
‫المولود في مدينة موبسوبوس (‪Mopsopus( 15‬‬
‫ق من جديد‪ ،‬في الفضاء‪ ،‬عربته المقدّسة·‬ ‫أن يُطل َ‬

‫كانت الكثر جللً بيننا‪،‬‬


‫قد أنهت نشيدها الحاذق·‬
‫ع تامّ‬
‫وأعلنت ربّات الماء‪ ،‬بإجما ٍ‬
‫ن هيليكون (‪)Hèlicon‬‬ ‫أنّ اللهات اللواتي يسك ّ‬
‫قد انتصرنّ·‬
‫ن يشتمننا‪،‬‬‫احتدّت خصيماتنا المغلوبات وأخذ َ‬
‫فقالت ربّة الوحي‪:‬‬
‫ن أنكنّ استحققتنّ العقابَ‪،‬‬ ‫"ما دام ل يكفيك ّ‬
‫للتحدّي الذي قمتنّ به‬
‫وأنكنّ تضِفنَ خطأً منكنّ الشّتائم‪،‬‬
‫وبما أن صبرنا ليس بل حدود‪،‬‬
‫ت لمعاقبتكنّ‪،‬‬ ‫فإننا جاهزا ٌ‬
‫وسنمضي في ذلك إلى حيث يقودنا غضبُنا·"‬
‫ن من ذلك‪،‬‬
‫غير أن بنات إيماثيوس (‪ )Emathius‬سخر َ‬
‫واستخففن بهذا الخطاب المتوعّد‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 15‬موبسوبوس‪ ،‬هو أحد ملوك أثينا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪265 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪266 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪299 :‬‬

‫خ كبير‪،‬‬ ‫جاهدات أن يتكلّمن‪ ،‬بصرا ٍ‬


‫باسطاتٍ في وجهنا أيديهنّ بوقاحةٍ‪،‬‬
‫عندما رأينَ فجأةً أجنحةً تبرز في أظافرهنّ‪،‬‬
‫ن تتغطّى بالريش·‬ ‫ورأين أذرعه ّ‬
‫وإذ نظرت الواحدة إلى الخرى‪،‬‬
‫ورأين أفواههنّ تتقلّص في أشكال مناقيرَ صلبة‪،‬‬
‫س جديد‪،‬‬ ‫وتحوّلن إلى طيور من جن ٍ‬
‫خُلقَ لكي يعيش في الغابات‪،‬‬
‫طمْنَ صدورهنّ‪،‬‬ ‫أردْنَ أن يل ُ‬
‫لكن ها هنّ يتدلّين في الفضاء‪،‬‬
‫ت أذرعهنّ·‬ ‫ت بحركا ِ‬ ‫مرفوعا ٍ‬
‫إنّه الجنس المُصرصرُ في الغابات‪،‬‬
‫جنس طيور ال َعقْعق·‬
‫ل تزال تحتفظ حتى الن داخل أجسامهنّ المجنّحة‬
‫ب َقوْقأتهنّ‪ ،‬بن ْقنَقِتهنّ الخشنة‪،‬‬
‫ورغبتهنّ المفرطة في الكلم·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪266 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪267 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪303 :‬‬

‫الكتابُ السادس‬

‫بالّس‪ ،‬آراخـــنـــي‬
‫نــــــيـــــوبــــــــــي‬
‫فــــلّحــــــو ليكيا‬
‫مــــــارســـــــيــاس‬
‫بـــــــيــلوبـــــــــس‬
‫بروكني‪ ،‬فيلوميل‬
‫بــــورياس‪ ،‬أوريتيا‬
‫زيتـيس‪ ،‬كالئيس‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪267 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪268 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪305 :‬‬

‫بالّس‪ ،‬آراخني (‪)Pallas, Arachné‬‬

‫أصغت اللهة تريتون إلى هذه الحكاية‪،‬‬


‫وامتدحت غناء الونيديّات ‪ )Aonides(، 1‬وغضبهنّ العادل‪،‬‬
‫قائلةً في نفسها‪:‬‬
‫"ل يكفي أن نمدَح‪:‬‬
‫فلنكن جديرين نحن كذلك بأن نُمتدَح‪،‬‬
‫ن آلهتنا دون عقاب·"‬ ‫وألّ نسمح بأن تُها َ‬
‫وفكّرت في معاقبة الميونيانيّة‪ ،‬آراخني‪،‬‬
‫التي ترفض‪ ،‬كما نُقلَ إليها‪ ،‬أن تعترف لها‬
‫بالتفوّق في فنّ نسج الصّوف·‬
‫لم تكن آراكني مشهورةً‬
‫ل بمرتبتها الجتماعيّة‪ ،‬ول بأصولها‪،‬‬
‫بل تأخذ شهرتها من فنّها‪ ،‬وحده·‬
‫كان أبوها إدمون (‪ )Idmon‬الكولوفونيّ (‪)Colophon‬‬
‫يصبغ بأرجوان فوكيا (‪)Phocèe‬‬
‫الصّوف الذي يشبه السفنج·‬
‫وكانت أمّها ميّتة‪ ،‬غير أنها هي كذلك‬
‫تنحدر من عائلة بسيطة‪ ،‬ووضعها شبيه بوضع زوجها·‬
‫مع ذلك صنعت آراخني لنفسها اسماً مشهوراً‬
‫في مدن ليديا (‪ ,)Lydia‬بفنّها‪،‬‬
‫وكما كانت تنحدر من عائلة بسيطةٍ‬
‫فقد كانت تسكن هيبايبا (‪ )Hypaepa‬المتواضعة·‬
‫كانت ربّات الكرم في تمولوس (‪ )Tmolus‬يهجرنَ غالباً كرومَ العنب‪،‬‬
‫لكي يتأمّلن أعمالها المدهشة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 1‬تسكن ربّات الوحي في هيليكون الواقعة في آونيا (‪ ,)Aonia‬وهو اسمٌ آخر لبيوسيا (‪ ,)Béotie‬والونيديّات اسمٌ‬
‫آخرٌ‪ ،‬إذن‪ ،‬لربّات الوحي·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪268 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪269 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪306 :‬‬

‫كذلك كانت ربّات الماء في باكتولوس (‪)Pactolus‬‬


‫ن ينابيعهنّ للغرض نفسه·‬ ‫يهجر َ‬
‫لم تكن وحدها ممتعةً‪ ،‬رؤيةُ النسيج الذي أكملت صناعته‪،‬‬
‫بل كانت ممتعةً كذلك رؤيته في أثناء صناعته (لمهارتها في عملها)‬
‫سواءٌ‪ ،‬وهي تلفّ الصّوف الخامَ (لكي نبدأ من البداية)‬
‫ت مُستديرة‪،‬‬ ‫في كبيبا ٍ‬
‫أو تُشكّله بأصابعها‪،‬‬
‫ت مكرّرة النّدائفَ الشّبيهة بالغيوم‬ ‫أو تسحب بضربا ٍ‬
‫فتمدّدها وتُليّنها بمقدار‪،‬‬
‫أو تدير المغزل المصقولَ‪ ،‬بلمسةٍ خفيف ٍة من إبهامها‪،‬‬
‫أو تطرّز بالبرة·‬
‫كان واضحًا أنّها تلميذة بالّس·‬
‫لكن‪ ،‬كانت هي تنكر ذلك·‬
‫ل كهذا‪،‬‬‫ن قو ً‬‫وترى أ ّ‬
‫إهانةٌ لها‪ ،‬فتجهر قائلةً‪:‬‬
‫ل معي في مباراةٍ‪،‬‬ ‫"لتدخ ْ‬
‫وسوف أخضع لها‪ ،‬إذا تغلّبت عليّ·"‬
‫أخذت بالّس شكلَ امرأةٍ عجوز‪،‬‬
‫تغطّي صدغيها بشع ٍر مُستعار أبيض‪،‬‬
‫ويسن ُد عكّاز أعضاءها الواهية·‬
‫ثم خاطبت آراخني قائلةً‪:‬‬
‫ض الكريهةَ وحدها‪،‬‬ ‫"ل تجلب لنا الشيخوخةُ المرا َ‬
‫فالتجربة هي كذلك ثمرة العمر·‬
‫ل تستهيني بنصيحتي‪،‬‬
‫يمكنك ان تتطلّعي إلى الشهرة بين جميع النساء‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪269 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪270 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪307 :‬‬

‫بأنكِ الكثر مهارةً في صناعة الصّوف·‬


‫لكن ل تدّعي بأنك تضاهين إلهةً·‬
‫ت متهوّرة‪،‬‬‫أن ِ‬
‫ت متوسّل لغفران كلماتك‪،‬‬ ‫فتضرّعي لها بصو ٍ‬
‫وسوف تصفح عنك إن فعلتِ·"‬
‫نظرت إليها آراكني نظراتٍ شرسة‪،‬‬
‫تركت العمل الذي بدأته‪،‬‬
‫وقالت‪ ،‬وهي ل تكاد تسيطر على يدها‪،‬‬
‫مُفصحةً عن غضبها بتعابير وجهها‬
‫مُخاطِب ًة بّالّس التي ل تعرفها‪ ،‬بهذه العبارات‪:‬‬
‫"لقد فقدتِ عقلكِ‪،‬‬
‫وشيخوختكِ الطّويلة تُرهقكِ·‬
‫بلى‪ ،‬شقاءٌ أن يعيش النسان طويلً·‬
‫إن كان لك كنّةٌ‪،‬‬
‫ك ابنةٌ‪،‬‬‫إن كانت ل ِ‬
‫فاحفظي لهما نصائحكِ·‬
‫عندي من الحكمة ما يكفي لكي أنصحَ نفسي·‬
‫ل تظنّي أنّ لما تقولينه أثراً في نفسي‪،‬‬
‫فقراري لم يتغيّر·‬
‫لماذا ل تأتي هي نفسها ؟‬
‫لماذا تتهرّب من المباراة ؟"‬

‫آنذاك‪ ،‬قالت اللهة‪:‬‬


‫"لقد جاءت·"‬
‫ثم طرحت شكل المرأة العجوز‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪270 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪271 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪308 :‬‬

‫وظهرت بوصفها بّالّس·‬


‫فاستقبلتها كإلهةٍ‪ ،‬ربّات الماء والغاب‪،‬‬
‫ونساء ليديا·‬

‫وحدها آراخني لم تشعر بأيّ خوف‪،‬‬


‫غير أنها احمرّت‪،‬‬
‫لكنّ احمرارها المُفاجئ‬
‫الذي لوّن وجهها رغمًا عنها‪،‬‬
‫اختفى بدوره·‬
‫هكذا يتلوّن الفضاء بالرجوان‪،‬‬
‫منذ أن يبدأ الفجر مسيرته‪،‬‬
‫ت معدودات‪،‬‬ ‫ثم‪ ،‬بعد لحظا ٍ‬
‫يبيضّ تحت أشعّة الشمس المشرقة·‬
‫أصرّت على ما قالته‪،‬‬
‫مُسرعةً نحو هلكها‪،‬‬
‫يدفعها طموحها الحمق إلى الفوز في المباراة·‬
‫ذلك أن ابنة جوبيتر ل تتراجع‪،‬‬
‫ولن تعطيها بع ُد أيّة نصيحةٍ‪،‬‬
‫وفوق ذلك لن ترجئ المباراة·‬

‫ل من جهتها ن ْولً‬ ‫في الحال هيّأت ك ّ‬


‫شدّته بخيوطِ السّداة الرفيعة‬
‫ووُصلَ النّول بالعارضة·‬
‫تفصل القصبة بين خيوط السّداة‪،‬‬
‫وفي الفاصل‪ ،‬وفقًا للمكّوك المُسنّن‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪271 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪272 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪309 :‬‬


‫تندرجُ اللّحمة التي تكرّها الصابع‪،‬‬
‫وترصّ‪ ،‬مسلوكةً في السّداة‪،‬‬
‫بالسنان المفصّلة في المِنسج·‬

‫ل منهما ـ‬‫أسرعت ك ّ‬
‫شدّت ثيابها إلى صدرها بحزام‪،‬‬
‫وحرّكت ذراعيها البارعتين بحماسةٍ‬
‫تكذب تعبَها·‬
‫واستخدمت كلتاهما لصبغِ النّسيج‪،‬‬
‫الرجوان الذي أعدّته صور في آنيةٍ برونزيّة‪،‬‬
‫وألواناً أخرى أش ّد قتامةً‪،‬‬
‫تميّز فيما بينها فروقاتٌ خفيفة·‬
‫كمثل القوسِ الذي يبرز مُنحناهُ الضّخم‬
‫على مدى السّماوات‪،‬‬
‫عندما تصطدم أشعّة الشمس بالمطر‬
‫فهو يتلل بألوانٍ عديدة متنوّعة‪،‬‬
‫غير أنّ النتقال من لونٍ إلى آخر‬
‫س به عيون الناظرين‬ ‫ل تح ّ‬
‫لفرط تماهيها حيث يتلمسان‪،‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فهما في نهاياتهما‪ ،‬متباينان·‬
‫في الخيوط‪ ،‬ينحبكُ ذهبٌ َلدْنٌ‪،‬‬
‫وفي النسيج تدور أحداث الزمنة القديمة·‬

‫رسمت بّالّس صخرة مارس‪ ،‬التي تنهض‬


‫على قلعة كيكروبس (‪ ,)Cécrops‬والجدَل ‪2‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 2‬قام الجدلُ بين أثينا وبوزيدون ( = مينيرفا ونبتون) لمعرفة من منهما سيعطي اسمه إلى أثينا التي أسّسها سيكروبس·‬
‫وتلّة مارس كانت الموضع الذي دار فيه هذا الجدل·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪272 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪273 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪310 :‬‬

‫الذي أثاره في الماضي اسم المنطقة·‬


‫يظهر في الرّسم آلهة السماء الثنا عشر‪،‬‬
‫مُصطفّين حول جوبيتر بوقار مهيبٍ‪،‬‬
‫جالسين على مقاعدَ عالية·‬
‫ل منهم يعرف من مظهره‪،‬‬ ‫كّ‬
‫أما صورة جوبيتر فهي صورة ملك·‬
‫رسمت بّالّس إلهَ البحار واقفاً·‬
‫يضربُ صخوراً وعرة بشوكته الثلثية الطويلة‪،‬‬
‫حيث يظهر الحصان الوحشي من وسط صخرةٍ نصف مشقوقة‪،‬‬
‫دليلً يستند إليه لكي يطالبَ بالمدينة·‬
‫ومنحت بالّس‪ ،‬لشخصها هي‬
‫ل مسنون·‬ ‫ترساً وحربةً بنص ٍ‬
‫تغطّي رأسها خوذةٌ‪ ،‬ويحمي المِجَنّ صدرَها·‬
‫ورسمت الرض‪ ،‬مضروبةً بحربتها‪،‬‬
‫مُنتج ًة زيتونةً مُثقل ًة بالثمار وبالورق الفضيّ‪،‬‬
‫فيما يعبّر اللهة عن إعجابهم·‬
‫والنّصر هو الذي يكمل المشهد·‬
‫وقد أضافت اللهة كذلك‪،‬‬
‫لكي تفهم بالمثلة تلك التي تنافسها‬
‫الثمن الذي يمكن أن تنتظره عن جرأتها الوقحة‪ ،‬ـ‬
‫أضافت في الزوايا الربع‪،‬‬
‫أربعة مشاهد أخرى‪ ،‬بألوانٍ زاهية‪،‬‬
‫تتميّز عن الولى بصِغر أشكالها·‬
‫في إحدى الزوايا‪ ،‬يشاهد رودوب (‪ )Rhodope‬التّراسيّ‬
‫وهيموس (‪ ,)Hémus‬وهما الن جبلن يغطّيهما الثلج‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪273 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪274 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪311 :‬‬

‫غير أنهما كانا سابقاً شخصين‬


‫يغتصبان أسماء أكبر اللهة·‬
‫وفي زاوية ثانية‪ ،‬صوّرت المصير المؤسف‬
‫الذي لقته أمّ القزام‪،‬‬
‫وكانت قد تحدّت جونون‬
‫فغلبتها‪ ،‬وحوّلتها إلى كُركِيّ‪،‬‬
‫ت عليها بأن تعلنَ الحربَ على شعبها الخاصّ·‬ ‫وحكم ْ‬

‫في زاويةٍ أخرى رسمت آنطيغوني (‪)Antigoné‬‬


‫التي تجرّأت ماضياً على أن تقارن نفسها‬
‫بتلك التي تشارك جوبيتر العظيم عرشه‪،‬‬
‫فحوّلتها جونون الملكيّة الى طائر·‬
‫أن تكون إيليون (‪ )Ilion‬موطنها‬
‫ولميدون (‪ )Laomèdon‬أباها‬
‫ق أبيض الرّيش‬ ‫أمر لم يحُل دون تحوّلها إلى لَقْل ٍ‬
‫يصفّق لنفسه‪ ،‬مُفرقعًا منقاره·‬
‫يشغل الزاوية الخيرة كينيراس (‪,)Cinyras‬‬
‫ب منه أولده‪،‬‬ ‫الذي سُل َ‬
‫ويشاهد وهو يقبّل درجات هيكلٍ هي أعضاء بناته‪،‬‬
‫نائماً على الحجر‪ ،‬يذرف الدّموع·‬
‫ونسجت بالّس حول هذه الّلوحات جميعاً‬
‫ي من أغصان الزيتون‪،‬‬ ‫حواش َ‬
‫رمزاً للسّلم·‬
‫هنا توقّفت·‬
‫ت عملَها بصورة الشّجرة المنذورة لها·‬ ‫أنه ْ‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪274 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪275 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪312 :‬‬

‫أما آراخني‪ ،‬فرسمت أوروبّا (‪)Europe‬‬


‫مخدوعةً بصورة ثور·‬
‫خيّل أنها رسمت ثوراً حقيقيّا‪ ،‬وبحراً حقيقياً·‬ ‫وي َ‬
‫تبدو أوروبا‪ ،‬تتلفّت بعينيها نحو الرض التي غادرتها‪،‬‬
‫مناديةً رفيقاتها‪،‬‬
‫رافعةً إلى الوراء قدميها الخائفتين‪،‬‬
‫لئلّ تلمسهما المواج التي تُحدق بها·‬
‫رسمت كذلك هذه الصّناع آستيريا (‪)Astérie‬‬
‫سجينةً لنسرٍ يحتضنها·‬
‫ورسمت ليدا (‪ )Léda‬نائمةً تحت أجنحة طائر التمّ‪،‬‬
‫وجوبيتر مُختبأً في شكلِ سَتيرٍ‪،‬‬
‫ل من الميرة الجميلة ابنة نيكتيوس (‪,)Nyctéus‬‬ ‫جاع ً‬
‫أمّا لتوأمين‪،‬‬
‫ُمتّخذاً سيماءَ آمفيتريون (‪ ,)Amphitryon‬لكي يغويكِ‬
‫أنتِ‪ ،‬يا ملكة تيرانتا (‪,)Tirynthe‬‬
‫متحوّل إلى شلّل ذهبٍ لكي يخدع داناي (‪)Danaé‬‬
‫وإلى لهبٍ لكي يغري ابنة آزوبوس (‪)Asopus‬‬
‫وإلى راعٍ من أجل منيموزينا (‪)Mnémosyne‬‬
‫ن مُرقّطٍ من أج ِل ابنة ديو (‪.)Déo‬‬ ‫وإلى ثعبا ٍ‬
‫ورسمتكَ أنت كذلك‪ ،‬يا نبتون (‪)Neptune‬‬
‫متحوّل في شكلِ ثور مخيفٍ‪،‬‬
‫ُم َهيّ ٍم بابنةِ إيولوس (‪)Eole‬‬
‫ل نهر إينيبوس (‪ ,)Enipeus‬تلد اللوئيد (‪ )Les Aloïdes‬العملقين‪،‬‬ ‫و في شك ِ‬
‫ل كبشٍ خادعًا ابنة بيزالتا (‪)Bisalte‬‬
‫وفي شك ِ‬
‫وعندما تحوّلت إلى فرسٍ للسّباق‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪275 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪276 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪313 :‬‬

‫ك اللهةُ ذات الشعر الشقر‪،‬‬ ‫شعرتْ بأُوار َ‬


‫المُنعِمة‪ ،‬أمّ الحصاد·‬
‫وشعرت بالُوار نفسه‪ ،‬وأنت في شكل طير‪،‬‬
‫تلك التي يتوّجها شعرٌ أفعوانيّ الجدائل‪،‬‬
‫أمّ الفرس السّباقيّ المجنّح·‬
‫وشعرت به كذلك ميلنتو(‪)Mélantho‬‬
‫وأنت في شكل دلفين·‬
‫لقد أعطت آراكني لجميع الشخوص وجميع المكنة‬
‫المظهر الملئم·‬
‫ب فلّح‪،‬‬‫يُرى فيبوس (‪ )Phébus‬لبساً ثيا َ‬
‫ثم يُرى مكتسياً تارةً ريشَ ص ْقرٍ‪،‬‬
‫وتارة جلد أسدٍ‪،‬‬
‫ويُرى في شكلِ را ٍ‬
‫ع‬
‫يُغوي إيسّي (‪ )Issé‬ابنة مكاروس (‪.)Macareus‬‬
‫ويُرى باخوس‬
‫يُغوي إيريغونا (‪,)Erigone‬‬
‫متّخذاً مظهراً خادعًا لعنقو ٍد من العنب·‬
‫ويرى ساتورن (‪ ,)Saturne‬متحوّل إلى حصان‪،‬‬
‫يُنجبُ خيرونَ (‪ )Chiron‬ذا الطّبيعة المزدوجة· ‪3‬‬
‫وامتلت أطراف النسيج بحواشٍ خفيفة‪،‬‬
‫ب متشابكة·‬‫حيث تختلط الزهور بأغصان لبل ٍ‬

‫لم تكن بّالّس ول آنفيا (‪ )Envie‬إلهة الغيرة‬


‫بقادرتين أن تجدا أيّ عيبٍ في هذا العمل·‬
‫وقد أغضب هذا النجاح العذراءَ ذات الشعر الشقر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 3‬عندما طارد جوبيتر آستيريا‪ ،‬تحوّلت إلى سُمانى‪ ،‬لكي تهرب منه‪ ،‬ثم أصبحت جزيرة أورتيجيا (‪)Ortygie‬‬
‫سمّيت فيما بعد ديلوس·ـ ليدا هي أم كاستور وبولّوكس‪ ،‬هيلينا وكليتيمنيستر·ـ ابنة نيكتيوس‬ ‫(جزيرة السّمانى) ‪ ،‬والتي ُ‬
‫هي آنتيوبا (‪ ,)Antiope‬أم آمفيون وزيتوس·ـ آلكمينا (‪ ، )Alcmène‬زوجة آمفيتريون‪ ،‬ولدت هيرقل (‪· )Hercule‬ـ‬
‫دانائي هي أم بيرسيوس (‪· )Perseus‬ـ ابنة آزوبوس هي إيجينا (‪ )Egine‬أم إياكوس (‪· )Eaqueus‬ـ منيموزينا (‬
‫‪ )Mnémosyne‬هي أم ربّات الوحي (‪· )Les Muses‬ـ ديو هو اسمٌ آخر لديميتير = سيريس‪ ،‬وابنتها هي إذن‬
‫بروزيربينا‪ ،‬ابنة جوبيتر كذلك‪ ،‬وقد ارتكب معها المحرّم·ـ ابنة إيول (‪ )Eole‬هي كاناكوس (‪ )Canacus‬التي ولدت‬
‫عدّة أبناء من نبتون·ـ نبتون‪ ،‬متحوّل إلى نه ِر إينيبوس (‪ ، )Enipèus‬يغوي إيفيميديا (‪ ، )Iphimèdie‬زوجة آلويس (‬
‫‪ )Aloès‬الذي كان ابنها·ـ ولدت له ابنين عملقين· أوتوس (‪ )Otus‬وإيفيالتا (‪ · )Ephialte‬وولد من تيوفانيا (‬
‫جزّة الذهبيّة· وولد من ميدوزا بيكاس‪ ،‬ومن ميلنتو ابنة ديكاليون (‬
‫‪ )Théophané‬ابنة بيزالتا‪ ،‬الكبش ذا ال ُ‬
‫ب آدميتا (‬
‫‪ ، )Deucalion‬ديلفوس (‪ )Delphus‬مؤسّس ديلف (‪·)Delphes‬ـ فيبوس‪ ،‬في شكل فلّح يح ّ‬
‫‪ ، )Admète‬وفي شكل راعٍ‪ ،‬يغوي إيسّي‪ ،‬فتاة من ليسبوس·ـ ليبر‪ ،‬هو ديونيزيوس‪ ،‬وَلدَ من الثينيّة إيرغونا‪ ،‬ابناً· ـ‬
‫أخيراً‪ ،‬تُنسب أبوّة شيرون إلى ساتورن·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪276 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪277 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪314 :‬‬

‫فمزّقت القماشة الملوّنة التي تقدّم أخطاء اللهة·‬


‫حقّة البخور‬ ‫كانت ل تزال تمسك بيدها ُ‬
‫التية من جبل كيتورس ‪)Cytorus(،‬‬
‫وضربت بها ثلث مرات أو أربعًا جبين آراخني‪،‬‬
‫ابنة إدمون·‬
‫لم تقدر التاعسة الحظ أن تتحمّل الهانة‪،‬‬
‫فعقدت‪ ،‬وهي في أوج غمّها‪ ،‬حبلً حولَ عنقها·‬
‫وكانت قد تدلّت‪ ،‬عندما أشفقت عليها بالّس‪،‬‬
‫وأرادت أن تلطّف مصيرها قائلةً‪:‬‬
‫"عيشي‪،‬‬
‫لكن ظلّي أيّتها الشقيّة معلّقةً!‬
‫أريد أن يشمل هذا العقاب سللتك كلّها‪،‬‬
‫لكي ل تأملي بمستقبلٍ أفضل‪،‬‬
‫وأن يشمل كذلك أبناء أخيك وأختك الكثر قِدماً·"‬
‫ثم رشّتها‪ ،‬وهي تبتعد عنها‪ ،‬بعصارة عشبةٍ‬
‫اختارتها هيكات (‪. )Hécate‬‬
‫في الحال‪ ،‬منذ أن لمسها هذا السّم المشؤوم‪،‬‬
‫سقط شعرها‪ ،‬وأنفها وأذناها‪،‬‬
‫وتقلّص رأسها‪ ،‬وانكمش جسمها كلّه‪،‬‬
‫وارتبطت بخاصرتها أصابع نحيلة‬
‫حلّت محلّ ساقيها‪،‬‬
‫ولم يعد الباقي كلّه إلّ بطناً‬
‫ج منه خيوطاً·‬ ‫تستخر ُ‬
‫هكذا‪ ،‬وقد تحوّلت إلى عنكبوت‪،‬‬
‫أخذت تواصل عملها في النّسيج‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪277 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪278 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪315 :‬‬

‫شأنها في الماضي·‬

‫نيوبي (‪)Niobè‬‬

‫اهتزّت رعبًا ليديا (‪ )Lydie‬كلّها·‬


‫وانتشر خبر هذا الحدث في مدن فريجيا (‪,)Phrygia‬‬
‫وكان مدار الحاديث كلّها في الكون الواسع·‬
‫عرفت نيوبي‪ ،‬قبل زواجها‪ ،‬هذه الضحيّة‪،‬‬
‫عندما كانت هي نفسها صبيّة‬
‫تسكن في ليديا قرب سيبيلوس (‪)Sipylus‬‬
‫إلّ أن عقاب آراخني‪ ،‬التي تنتمي إلى البلد نفسه‪،‬‬
‫لم يعلّمها الخضوع إلى اللهة‪،‬‬
‫والتحدّث بكلمٍ أقلّ عجرفةً·‬
‫كانت لديها بواعث كثيرة للخُيلء‪،‬‬
‫لكن ل مواهب زوجها‪،‬‬
‫ول نشأتهما هما معاً‪،‬‬
‫ول المملكة الكبيرة الخاضعة لسلطانهما‪،‬‬
‫ول العتزاز الذي تولّده في نفسها هذه المتيازات‪ ،‬ـ‬
‫لم يكن هذا كلّه مبعث فخرٍ لها‪،‬‬
‫بقدر ما كان أبناؤها·‬
‫وكانت تستحقّ أن تسمّى أسعد المّهات‪،‬‬
‫لو لم تكن هي نفسُها ترى نفسَها كذلك·‬
‫ن ابنة تيريزياس‪ ،‬مانتو (‪ ,)Manto‬التي تقرأ المستقبل‪،‬‬ ‫والحال أ ّ‬
‫أخذت تصرخ بصوتها النبويّ‪،‬‬
‫ملءَ الشّوارع‪ ،‬مُنخطف ًة بوحيٍ إلهيّ‪:‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪278 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪279 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪316 :‬‬

‫شدْنَ يا نساء إسمينوس (‪,)Isménus‬‬ ‫"احت ِ‬


‫واذهبنَ لكي تقدّمن إلى لتونا (‪)Latone‬‬
‫وابني لتونا الثنين‪،‬‬
‫البخورَ وصلوات التّقوى‪،‬‬
‫واحبكنَ ورق الغار بشعركنّ·‬
‫لتونا هي التي تأمركنّ بلساني·" ‪4‬‬
‫أطاعت النساء‪،‬‬
‫وزيّنت جميع نساء طيبة رؤوسهنّ بورق الغار‪،‬‬
‫وقدّمن البخور‪ ،‬وصلواتهنّ‪،‬‬
‫إلى اللّهب المقدّس·‬

‫ها هي نيوبي تتقدّم‪،‬‬


‫يحيط بها موكبٌ حاشدٌ‪،‬‬
‫تلبس ثوباً فريجيّا بديعاً‪،‬‬
‫مُقصّباً بالذهب·‬
‫توقّفت‪ ،‬جميلةً بقدر ما يسمح الغضب‪،‬‬
‫وهزّت بحركةٍ من رأسها الملكيّ‬
‫شعرها الذي يتموّج على كتفيها‪،‬‬
‫ثم أدارت حولها‪ ،‬بشموخٍ‪ ،‬نظراتٍ بهيّة‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫"ما هذا الجنون الذي يجعلكم تفضّلون آلهةً بالسّماع‪،‬‬
‫على آلهةٍ ترونهم ؟‬
‫ولماذا تنذر الهياكل لعبادة لتونا (‪,)Latone‬‬
‫بينما لم يقدّم بعد البخور للهتي ؟‬
‫أبي‪ ،‬أنا هو تانتالوس (‪,)Tantalus‬‬
‫الذي أُذن له وحده أن يجلسَ إلى مائدة اللهة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 4‬لتونا هي ابنة الجبّار التيتان سيوس (‪ ، )Titan Céus‬ولها من جوبيتر أبوللون وديانا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪279 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪280 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪317 :‬‬

‫وأمّي أختٌ للثريّا (‪.)Pléiades‬‬


‫وجدّي هو أطلس الكبير‪ ،‬الذي يحمل على كتفيه‬
‫القبّة الثيريّة·‬
‫وجوبيتر هو جدّي الخر‪،‬‬
‫وأفتخر بأنه كذلك والد زوجي‪5 .‬‬
‫شعوب فريجيا ترتجف تحت شريعتي‪،‬‬
‫وأملك في قصر قدموس·‬
‫نحن‪ ،‬زوجي وأنا‪ ،‬سيّدان على هذه السوار‬
‫التي نهضت على أنغام قيثارته‪،‬‬
‫سكّانها·‬
‫وسيّدان على ُ‬
‫وأرى ثرواتٍ هائلةً‪،‬‬
‫في منزلي‪ ،‬ليّة جهةٍ وجّهت نظراتي·‬
‫وجمالي‪ ،‬فوق ذلك‪ ،‬جديرٌ بإلهة·‬
‫إلى هذه الفضائل كلّها‪،‬‬
‫أضيفوا سب َع بناتٍ‪ ،‬وسبعة صبيانٍ‬
‫وقريباً‪ ،‬العددَ نفسَه من الصهار والكنّات·‬
‫ابحثوا الن عن أسباب المآثر‬
‫التي تتأسّس عليها كبريائي‪،‬‬
‫ي ابنة من ل أعرف‬ ‫وتجرّأوا أن تفضّلوا عل ّ‬
‫ق يُسمّى كيوس (‪,)Coeus‬‬ ‫أيّ عمل ٍ‬
‫لتونا‪ ،‬التي لم تقدر‪،‬‬
‫أن تحصل ماضياً‪ ،‬على أبسط مأوى‪،‬‬
‫في هذه الرض الواسعة لكي تلدَ فيها·‬
‫لم تردِ السّماء‪ ،‬ول الرض‪ ،‬ول المياهُ‬
‫أن تستقبلَ إلهتكم·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 5‬نيوبي هي ابنة تانتالوس‪ ،‬الذي هو ابن جوبيتر‪ ،‬وابنة ديوني‪ ،‬إحدى نجوم الثريّا الخوات‪ ،‬وإحدى بنات أطلس·‬
‫وتزوّجت آمفيون (‪ )Amphion‬الذي هو ابن جوبيتر‪ ،‬والذي حصّن طيبة جاذباً إليها الحجارة بإيقاعات قيثاره·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪280 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪281 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪318 :‬‬

‫كانت منفيّة من العالم‪ ،‬عندما رأتها ديلوس‬


‫وقالت مُشفقةً على هذه المتشرّدة‪:‬‬
‫"نحن الثنتان نتشرّد غريبتين‪ ،‬ـ‬
‫أنتِ في الرض‪،‬‬
‫وأنا بين المواج·" ‪6‬‬
‫ثم أعطتها مأوى متحرّكا·‬
‫صارت لتونا أمّا لطفلين·‬
‫وهذا أقلّ سبع مرّات ممن حملتهم أحشائي·‬
‫إنني سعيدة‪ ،‬فمن يستطيع إنكار ذلك ؟‬
‫وسوف أبقى سعيدة·‬
‫من يقدر كذلك أن يشكّ ؟‬
‫تمنحني الطّمأنينة وفرة خيراتي·‬
‫فأنا من العظمةِ بحيث ل تقدر ربّة الحظّ أن تؤذيني‪،‬‬
‫وحتى لو انتزعت مني قسمًا كبيراً من فضلها‪،‬‬
‫فسوف تترك لي ما هو أعظم·‬
‫فما أملكه اليوم‪ ،‬يُبقيني عاليةً‪،‬‬
‫أعلى من كلّ خوف·‬
‫افترضْنَ أنّ قسمًا من أبنائي انتزع منّي‪،‬‬
‫ن هذه الخسارة لن تقلّصني في اثنين‪،‬‬ ‫فإ ّ‬
‫كما هي حال لتونا·‬
‫ق كبي ٌر بينها وبين امرأ ٍة ل أولدَ لها ؟‬
‫أهناك فر ٌ‬
‫ل تُكملنَ هذه التّضحية‪،‬‬
‫ابتعدنَ بسرعةٍ‪ ،‬وانزعْنَ أوراقَ الغار‬
‫التي تزيّن شعوركنّ·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ض كلّها من أن تستقبل لتونا‪ ،‬لكي تضع جنينها· وأشفقت عليها ديلوس‪ ،‬التي كانت حتى‬‫‪ 6‬منعت جونون‪ ،‬غيرةً‪ ،‬الر َ‬
‫ذلك الوقت جزيرة عائمة· وهذه الجزيرة التي كانت تُسمّى فريجيا‪ ،‬ثُبّتت في قرارة البحر‪ ،‬بوساطة أعمدة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪281 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪282 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪319 :‬‬

‫نزعت نساء طيبةَ أوراق الغار‪،‬‬


‫وتركنَ التّضحي َة دون أن تكتمل·‬
‫ن أن يفعلنه‪،‬‬‫كلّ ما قدر َ‬
‫هو أن يوشوشنَ بصوتٍ خافتٍ‬
‫صلواتهنّ إلى اللهة·‬
‫غضبت اللهة من على ذروة كينثوس (‪,)Cynthus‬‬
‫وجّهت هذه الكلمات إلى ولديها الثنين‪:‬‬
‫"هي ذي أنا أمّكما‪،‬‬
‫الفخورة بأنني ولدتكما‪،‬‬
‫أنا التي ل تخضع إلّ لجونون‪ ،‬بين جميع اللهات‪،‬‬
‫أرى أنّ ألوهيّتي توضعُ موضعَ الشّك‪،‬‬
‫وأنني أط َردُ‪ ،‬يا ولديّ‪ ،‬إن لم تُنجداني‬
‫من هياكل كنت فيها مَعبودةً في العصور كلّها·‬
‫ول ينحصر ألمي في هذا وحده‪،‬‬
‫فقد أضافت ابنة تانتالوس إلى هذا التّجديف‪،‬‬
‫الشّتيمة·‬
‫لقد تجرّأت أن تنتقص منكما‪ ،‬أنتما‪،‬‬
‫وتضعكما في مرتب ٍة أدنى من أولدها‪،‬‬
‫وقالت عنّي (لعلّ ما قالته يرتدّ عليها!)‬
‫إنني أمّ بدون أولد·‬
‫لقد بدا لسانها الفاسق جديراً بلسان أبيها·" ‪7‬‬
‫وهمّت لتونا أن تضيفَ صلواتٍ إلى ما روته‪،‬‬
‫فقال فيبوس‪:‬‬
‫"يكفي·‬
‫الشّكوى الطّويلة تؤخّرُ العقابَ·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ي لنّه حنث بيمينه·‬
‫ب أبد ّ‬
‫‪ 7‬حُكمَ تانتالوس بعذا ٍ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪282 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪283 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪320 :‬‬

‫وقال فيبي (‪ )Phébé‬الكلمَ نفسه·‬


‫وانطلق الثنان بطيرانٍ سريعٍ عِبرَ الفضاء‪،‬‬
‫وهبطا‪ ،‬مُختبئين في غيمةٍ‪،‬‬
‫على قلعة قدموس·‬

‫قربَ السوار‪،‬‬
‫كان يمت ّد بعيداً سهلٌ واسعٌ‬
‫ترتاده الخيولُ باستمرار‪،‬‬
‫صار ترابه ليّنا من كثرة العجلت‪،‬‬
‫ومن السّنابك الصّلبة·‬
‫هناك‪ ،‬بين أبناء آمفيون السّبعة‪،‬‬
‫ق قويّة‪،‬‬
‫كان بعضهم يمتطي أحصنة سبا ٍ‬
‫يشدّون على جُنوبها ـ المغطّاة بأرجوان صور‪،‬‬
‫ويسوسونها بأعنّ ٍة مُثقلةٍ بالذهب·‬
‫كان أحدهم‪ ،‬إيسمينوس (‪,)Isménus‬‬
‫بك ُر أمّه‪،‬‬
‫يُح ّركُ في ميدان السّباق الدائريّ‪،‬‬
‫حصاناً يسيطر على شدقه المزبد‪،‬‬
‫عندما صرخ‪:‬‬
‫"لقد قُضيَ عليّ!"‬
‫فقد استقرّ سهمٌ في وسط صدره·‬
‫تركت يده المُحتضرة العنّة‬
‫وانزلق ببطءٍ‪ ،‬جانبيّا‪ ،‬على الكتفِ اليُمنى من حصانه·‬
‫سمع سيبّيلوس (‪ ,)Sipylus‬الذي كان إلى جانبه‬
‫أصواتَ كنانةٍ في الفضاء‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪283 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪284 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪321 :‬‬

‫فترك العنة هارباً‪،‬‬


‫كما يفعل ربّان أحسّ باقتراب العاصفة‬
‫عندما يرى غيمةً‪،‬‬
‫فينشر من جميع الجهات أشرعته المطويّة‪،‬‬
‫لكي ل يترك أيّة نسمةٍ خفيفةٍ تضيعُ منه·‬
‫وعبثًا ترك العنّة‪،‬‬
‫فقد طارده السّهم المحتوم‬
‫ونفذ وهو يرتجّ‪ ،‬في أعلى عنقه‪،‬‬
‫وخرج رأسه المعدني ظاهراً من الجهة الثانية·‬
‫تدحرج على عنق الحصان وقائمتيه‬
‫وهو ينطلق بسرعته كلّها‪،‬‬
‫ض بدمه الذي كان ل يزال حارّا·‬ ‫ولطّخ الر َ‬
‫ظ فيديموس (‪)Phédimus‬‬ ‫وبعد أن كان التاعس الح ّ‬
‫وأخوه تانتالوس وريث اسم جدّيهما‪ ،‬قد أنهيا عملهما المعتاد‪،‬‬
‫وعادا‪ ،‬يلمعان من الزّيت‪ ،‬بفعل التمارين الرّياضيّة‬
‫التي تجمع الشبّان في الميدان الرّياضيّ‪،‬‬
‫وكانا متعانقين بشدّة‪،‬‬
‫عندما اخترقهما سهمٌ‪ ،‬أطلقه وت ٌر مشدودٌ‪،‬‬
‫في الوضعيّة التي كانا عليها‪،‬‬
‫متصلين الواحد بالخر‪،‬‬
‫فكافحا صدراً إلى صدر‪،‬‬
‫انتحبا معاً‪،‬‬
‫ومعاً انحنيا من الوجع‪،‬‬
‫وانهارا على الرض·‬
‫معاً‪ ،‬ممدّدين على التراب‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪284 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪285 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪322 :‬‬

‫وجّها إلى السماء نظراتهما الخيرة‪،‬‬


‫ومعاً‪ ،‬لفظا أنفاسهما الخيرة·‬
‫ت قويّة‬
‫مزّق ألفينور (‪ )Alphénor‬صدرَه بضربا ٍ‬
‫عندما شاهد ذلك‪،‬‬
‫وسارع لكي يرفع بين ذراعيه‬
‫أعضاءهما المتثلّجة‪،‬‬
‫فسقط وهو يقوم بهذا الواجب الوَرع·‬
‫فقد اخترق إله ديلوس بسهمٍ قاتلٍ‬
‫صدرَه‪ ،‬من جهةٍ إلى أخرى·‬
‫انتزع الشابّ السّهم‪،‬‬
‫غير أنّ جزءًا من رئتيه خرجَ مع نصل ِه‬
‫ب دمه في الهواء‪ ،‬لحظة هربت حياته·‬ ‫وهر َ‬
‫ولم يمت داماسيكتون (‪، )Damasichthon‬‬
‫ذو الشعر الطّويل‪ ،‬من جرحٍ واحدٍ‪،‬‬
‫فقد أصيبَ أوّل حيث تبدأ السّاق‪،‬‬
‫وحيث يشكّل باطن الرّكبة السّريع النفعال‬
‫ل ليّنا·‬
‫مفص ً‬
‫ثمّ‪ ،‬فيما كانت يده تحاول أن تنتزع السّهم المشؤوم‪،‬‬
‫غاصَ سهمٌ آخر حتى الرّيش‪ ،‬في عنقه·‬
‫دفعه الدّم إلى الخارج‪،‬‬
‫فقد انبجس عالياً جدّا‪،‬‬
‫وبدفق ٍة مفاجئةٍ‪ ،‬اخترقَ الفضاء بعيداً·‬

‫أما الخير إليونوس (‪)Ilioneus‬‬


‫فقد رفع عبثاً ذراعيه المتوسّلتين‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪285 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪286 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪323 :‬‬

‫نحو السماء‪ ،‬قائلً‪:‬‬


‫"أيّتها اللهة‪،‬‬
‫أنتم جميعاً‪ ،‬بقدر ما ُت َعدّون‬
‫ل أنّه ل يجوز التوسّل إليهم جميعاً)‪،‬‬ ‫(جاه ً‬
‫أنقذوني·"‬
‫وقد أثر في رامي السّهام اللهيّ‪،‬‬
‫عندما لم يعد ممكناً ردّ السهم‬
‫لكن‪ ،‬على القلّ‪ ،‬كان الجرح الذي رزح تحته‪،‬‬
‫خفيفاً‪،‬‬
‫ولم ينفذ عميقاً في قلبه·‬
‫أنبأ المّ بهذه الكارثة المفاجئة‪،‬‬
‫ذيوعُ الخبر‪ ،‬وألمُ الشعب‪ ،‬وبكاء القرباء·‬
‫أذهلها أن يكون اللهة قاموا بها‪،‬‬
‫وغضبت لنهم تجرّأوا على ذلك‪،‬‬
‫ولنّ حقوقهم تبلغ هذا الحدّ·‬
‫أما آمفيون فقد غرز خنجراً في صدره‪،‬‬
‫واضعًا بضربةٍ واحدةٍ‪،‬‬
‫حدّا للمه ولحياته·‬
‫واأسفاه‪ ،‬كم تختلف‪ ،‬نيوبي‪ ،‬الن‬
‫عن نيوبي تلك التي أبعدت الشعب‪ ،‬منذ قليلٍ‪،‬‬
‫عن معابد لتونا‪،‬‬
‫والتي كانت تتقدّم في المدينة متغطرسةً·‬
‫كانت آنذاك موضوعَ غير ٍة عند أقربائها‪،‬‬
‫وهي الن موضوعَ شفقةٍ حتى عند أعدائها·‬
‫أخذت‪ ،‬منحنيةً على أجسا ِم أبنائها الهامدة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪286 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪287 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪324 :‬‬

‫توزّع‪ ،‬بل تبصّرٍ‪ ،‬على جميع أبنائها‬


‫قبلتِها الخيرة·‬
‫ث ّم أبعدت عنهم ذراعيها الكابيتين‪،‬‬
‫رافعةً إيّاهما نحو السّماء‪ ،‬صارخةً‪:‬‬
‫"تغذّي‪ ،‬يا لتونا القاسية‪،‬‬
‫من ألمي‪ ،‬تغذي‪،‬‬
‫ك من دموعي‪،‬‬ ‫ل قلب ِ‬
‫إروي غلي َ‬
‫إروي قلبكِ المتوحّش·‬
‫ومع هذه المآتم السبعة‬
‫أموت في المحرقة سبع مرات·‬
‫استمتعي بانتصاركِ‪،‬‬
‫انتصري‪ ،‬يا عدوّتي·‬
‫لكن‪ ،‬أين هذا النصر ؟‬
‫حتى في شقائي‪ ،‬ما أزال أغنى منكِ‪ ،‬في سعادتكِ‪،‬‬
‫حتى بعد هذه الخسارة الكبيرة‪،‬‬
‫ل يزال النصر إلى جانبي·"‬
‫سُمعَ في أثناء كلمها دويّ وت ٍر يُشدّ في القوس‪،‬‬
‫وحدها نيوبي‪ ،‬من بين الجميع‪ ،‬لم ترتجف أبداً‪،‬‬
‫فالشّقاء زادها شجاعةً·‬
‫كانت تقف أمام أسرّة الخوة السّبعة‬
‫أخواتهم‪ ،‬بثيابٍ سوداء‪ ،‬وشع ٍر مُشعّث·‬
‫ن أن تنتزعَ السهمَ المُستقرّ في صدرها‬ ‫أرادت إحداه ّ‬
‫فانهارتْ‪ ،‬ميّتة‪ ،‬منحنيةَ الوجهِ على أخيها·‬
‫وحاولت أخرى أن تعزّي أمّها التاعسة‪،‬‬
‫فأضاعت فجأة الكلمَ وسقطتْ تحت ضربةٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪287 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪288 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪325 :‬‬

‫طوتها اثنتين على نفسها·‬


‫وهذه التي كانت تحاول عبثاً أن تهربَ‬
‫انهارت على الرض·‬
‫وتلك تحتضر فوق جسم أختها‪،‬‬
‫وأخرى تختبئ‪،‬‬
‫وترى أخرى تتحرّك مرتجفةً·‬
‫ح مختلفة‬ ‫ت منهنّ قد مُتنَ بجرا ٍ‬
‫كانت سِ ّ‬
‫ولم يكن بقي منهنّ إلّ واحدة·‬
‫غطّتها أمّها بكامل جسمها‪ ،‬وكامل ثيابها‪ ،‬صارخةً‪:‬‬
‫"اتركي واحدة‪ ،‬الصّغرى بينهنّ‪،‬‬
‫ل أطلب إلّ الصّغرى‪ ،‬إلّ واحدة·"‬
‫وفيما كانت تتوسّل‪،‬‬
‫ماتت هذه التي تتوسّل من أجلها·‬
‫وإذ فقدت عائلتها جميعاً ـ أبناءها وبناتِها‪ ،‬وزوجَها‪،‬‬
‫سقطت جالس ًة بين أجسامهم الهامدة‪،‬‬
‫يُجمّدها العذاب·‬
‫لم تعد الرّيح تحرّك شعرها‪،‬‬
‫لم يعد الدّم يلوّن وجهها·‬
‫وجمدت عيناها وسط وجهها ال ُمقْفر‪،‬‬
‫فلم يعد في قسماتها أيّ أثرٍ للحياة·‬
‫تجمّد لسانها نفسه داخل ح َنكِها المُتجمّد‪،‬‬
‫وتوقّفت في عروقها كلّ حركة·‬
‫لم يعد في إمكان عنقها أن يميل‪،‬‬
‫ولم تعد ذراعاها تقومان بأيّة حركة‪،‬‬
‫ولم تعد تستطيع قدماها أن تتقدّما·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪288 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪289 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪326 :‬‬

‫لم تعد إلّ حجراً حتى في أحشائها·‬


‫مع ذلك ظلّت تبكي‪،‬‬
‫أخذتها إلى وطنها‪ ،‬ريحٌ عاصفةٌ‬
‫حاجب ًة إيّاها بزوبعة·‬
‫هناك‪ ،‬وقد وُضِعت في ذروة جبلٍ‪،‬‬
‫ب ماءً‪،‬‬ ‫تذو ُ‬
‫واليوم ل تزال هذه الكتلة من الرّخام‪8 ،‬‬
‫تذرف الدّموع·‬

‫فلحو ليكيا‬

‫ُمذّاك‪ ،‬يرتاع الرّجال والنساء‬


‫من الغضب الذي تظهره اللهة·‬
‫جميعهم أخذوا‪ ،‬باحترا ٍم جديدٍ‪ ،‬يعبدون‬
‫القوّة الرّهيبة لللهة التي أنجبت توأمين‪،‬‬
‫وأتاحَ لهم هذا الحدث الخطير‪،‬‬
‫مناسبةً لكي يرووا أحداثًا مماثلة‬
‫أكثر قدماً‪ ،‬كما يجري عادةً·‬
‫روى أحدهم قائلً‪:‬‬
‫"كان ثمّة كذلك في الحقول الخصبة في ليكيا (‪)Lycia‬‬
‫فلّحون‪ ،‬لم يمرّ احتقارهم لللهة‬
‫بل عقاب·‬
‫القصّة غير منتشرة‪ ،‬وذلك عائد‬
‫لظروف هؤلء الشخاص‪ ،‬الغامضة‪،‬‬
‫ل إدهاشاً·‬
‫غير أنها ليست أق ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 8‬في ليديا صخرة ينبجس منها نبعٌ‪ ،‬كان يُسمّى نيوبي· فقد نقلت نيوبي من طيبة إلى ليديا‪ ،‬قمّة سيبيليوس‪ ،‬حيث كان‬
‫أبوها ملكاً·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪289 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪290 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪327 :‬‬

‫ي الغديرَ والمكانَ اللذين‬


‫رأيتُ بأ ّم عين ّ‬
‫جعلتهما العجوبة شهيرين·‬
‫كان أبي مسنّا‪ ،‬وغير قادر على تحمّل السّفر‬
‫فكلّفني أن أحضرَ من هناك ثيراناً‬
‫أُحسنَ اختيارها‪،‬‬
‫وفي لحظة سفري‪ ،‬أرسل معي هو نفسه دليلً‬
‫ل من تلك المنطقة·‬ ‫رج ً‬
‫كنت أسير في المراعي مع دليلي‪،‬‬
‫عندما رأيت فجأة‪ ،‬واقفاً وسطَ غدير‪،‬‬
‫هيكلً قديماً اسودّ من دخانِ الضاحي‪،‬‬
‫ب مُرتعش·‬‫ص ٌ‬
‫ويحيطُ به ق َ‬
‫توقّف دليلي‪ ،‬وتمتم بصوتٍ خائف‪:‬‬
‫ل ذلك دليلُ خير!"‬ ‫"لع ّ‬
‫مع ذلك سألت إن كان ذلك هيكلً‬
‫مخصّصا لربّات الينابيع‪،‬‬
‫أو لله الرّيف فونوس (‪)Faunus‬‬
‫أو لل ٍه من البلد ذاته‪،‬‬
‫فأجابني دليلي‪:‬‬
‫"كلّ‪ ،‬أيّها الشابّ‪،‬‬
‫من يقيم في هذا الهيكل‪،‬‬
‫ليس إلهاً من الجبال؛‬
‫إنه هيكلٌ لتلك السّيدة التي نفتها من الكون‬
‫زوجة سيّد اللهة‪،‬‬
‫والتي لم تكد تحصل بتوسّلتها على ملجأ‬
‫في ديلوس المتشرّدة‪ ،‬يوم كانت هذه الجزيرة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪290 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪291 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪328 :‬‬

‫تطفو على المياه·‬


‫هنالك‪ ،‬مستندةً إلى نخلةٍ‪،‬‬
‫وإلى شجرة بّالّس‪،‬‬
‫وضعت لتونا توأمين‪،‬‬
‫رغماً عن جونون·‬
‫وكان عليها‪ ،‬حتى بعد أن أصبحت أمّا‪،‬‬
‫كما تؤكّد الرواية‪،‬‬
‫ب من جونون‪ ،‬حاملةً على صدرها‬ ‫أن تهر َ‬
‫طفليها اللهيّين‪،‬‬
‫خ ْيمَر· ‪9‬‬
‫وكانت قد وصلت إلى ليكيا‪ ،‬وطن َ‬
‫وذات يومٍ كانت شمسه ُتصْلي الحقولَ‬
‫حرّها الثقيل‪،‬‬
‫بَ‬
‫فانهارت اللهة من التعب الطويل‪،‬‬
‫ش مُحرق·‬ ‫وتملّكها‪ ،‬بفعل نيران الشمس‪ ،‬عط ٌ‬
‫وكان طفلها الشّرهان قد اسْتنزفا حليبَ ثدييها·‬
‫حدث آنذاك أن رأت في عُمق الوادي‬
‫ل المتداد‪،‬‬‫غديراً ضئي َ‬
‫فيه فلّحون يجنون منه السّوحر المُمرعَ‬
‫الفسائلَ‪ ،‬والسلَ‪ ،‬والُشنة التي تكثر في المُستنقعات·‬
‫اقتربت لتونا ‪ ،‬وطوت ركبتيها‬
‫منحنيةً على الرض‪،‬‬
‫لكي تغترف ما ًء بارداً تروي به ظمأها‪،‬‬
‫فمنعها القرويّون·‬
‫قالت لهم اللهة‪:‬‬
‫"لماذا تمنعون عني هذا الماء ؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫خ ْيمَر(‪ :)Chimère‬حيوان خرافي‪ ،‬له رأس اسد‪ ،‬وجسم شاة‪،‬وذنب حيّة·‬


‫‪َ 9‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪291 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪292 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪329 :‬‬

‫استخدام الماء حقّ للناس جميعاً·‬


‫لم ترد الطبيعة أن تكونَ الشمسُ‬
‫والهواءُ والماء مُلكاً خاصّا لشخصٍ‪،‬‬
‫وأنا هنا لكي أتمتّع بحقّ مشتركٍ للجميع·‬
‫ومع ذلك أتوسّل إليكم أن تسمحوا لي‬
‫أن أشربَ·‬
‫ل أريد أن أغسل أعضائي‪،‬‬
‫ول جسمي المُرهق‪،‬‬
‫وإنما أريد أن أروي عطشي·‬
‫فمي جفّ ريقُه‪ ،‬وأنا أتكلّم‪،‬‬
‫وحنجرتي يابسة ل تكاد أن تترك ممرّا لصوتي‪،‬‬
‫إنّ جُرع ًة من الماء‬
‫ستكون بالنسبة إليّ رحيقاً·‬
‫سأعترف أنني مدينةٌ لكم بالحياة‪،‬‬
‫ذلك أنكم ستعطونني الحياة بإعطائكم لي هذا الماء·‬
‫الطفوا كذلك بهذين الطّفلين‪،‬‬
‫اللذين يمدّان لكم‪ ،‬من صدري‪ ،‬أيديهما الصّغيرة·"‬
‫وصادف آنذاك فعلً‪،‬‬
‫أنّ طفليها كانا يمدّان أيديهما·‬
‫من ذا الذي كان ل يتأثر‬
‫بالكلمات العذبة التي نطقت بها اللهة ؟‬
‫ومع ذلك أصرّوا‪ ،‬رغماً عن توسّلها‪،‬‬
‫على منعِها·‬
‫وأرادوا مهدّدين‪ ،‬أن يُجبروها على البتعاد‪،‬‬
‫وأخذوا كذلك يشتمونها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪292 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪293 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪330 :‬‬

‫لم يكتفوا بذلك‪،‬‬


‫فأخذوا‪ ،‬بأقدامهم وأيديهم‪،‬‬
‫يعكّرون مياه الغدير·‬
‫ويحرّكون في أعماق مجراه‪،‬‬
‫إمعاناً في الذى‪ ،‬طينَهُ الرّخو‪،‬‬
‫قافزين هنا وهناك·‬
‫أنسى الغضب ابنة سيوس (‪ )Céus‬عطشها·‬
‫ص ل يجدرون به‪،‬‬ ‫وتوقّفت عن التوسّل إلى أشخا ٍ‬
‫ب مُذلّ‪ ،‬بالنسبة إلى إلهة‪،‬‬
‫آنفةً أن تسترسلَ طويلً في خطا ٍ‬
‫ثم رفعت يديها إلى الكواكب‪ ،‬داعيةً عليهم بقولها‪:‬‬
‫"أرجو أن تظلّوا أحياء إلى البد‪،‬‬
‫في غديركم!"‬
‫واستُجيبَ رجاء اللهة!‬
‫فقد وجدوا لذةً بالبقاء في الماء‪،‬‬
‫تارة يغوصون بأجسامهم كلها في أعماقِ الماء الرّاكد‪،‬‬
‫وتارة يبرزون رؤوسهم‪،‬‬
‫وأحيانًا يسبحون عائمين على وجه الماء‪،‬‬
‫وأحيانًا يجلسون على ضفّة الغدير‪،‬‬
‫وطورًا يعودون بقفزةٍ إلى مغاورهم الرّطبة الباردة·‬
‫غير أنهم كانوا ل يزالون يقلّبون ألسنتهم الخبيثة‪،‬‬
‫في مهاجمتها‪،‬‬
‫ومع أنهم يختبئون تحت الماء‪،‬‬
‫فقد كانوا يحاولون‪ ،‬بوقاحةٍ‪ ،‬أن يُحقّروها·‬
‫صارت أصواتهم جشّاء‬
‫وانتفخت بلعيمهم من جهد أنفاسهم‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪293 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪294 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪331 :‬‬

‫ومطّت الشتائم التي أطلقوها أفواههم العريضة الفاغرة·‬


‫ل منهم إلى كتفيه‪،‬‬
‫انضمّ رأس ك ّ‬
‫وغاب عنقه‪،‬‬
‫وتلوّن صُلبُه بالخضر‪،‬‬
‫وصار بطنُه‪ ،‬الجزءُ الكبر من جسمه‪ ،‬ذا لون أبيض·‬
‫ت جديدة‪ ،‬تقفز في العماق الموحلة·‬
‫لقد تحوّلوا إلى كائنا ٍ‬
‫لقد أصبحوا ضفادع·"‬

‫مارسياس (‪)Marsyas‬‬

‫عندما قصّ الرّاوي الذي أجهل اسمه‪،‬‬


‫بهذه العبارات نهاي َة فلّحي ليسيا الحزينة‪،‬‬
‫ذكّر راوٍ آخر بمغامرة السّتير مارسياس‬
‫الذي عثر على ناي ألقت به إلهة تريتون‪،‬‬
‫وعندما خسر المباراة في العزف أمام أبولون أنزل به العقاب ·‬
‫فصرخ مارسياس قائلً‪:‬‬
‫"لماذا تقتلعني من نفسي ؟"‬
‫"آه! واندماه!‬
‫آه! ل يستحقّ الناي أن أدفع هذا الثمن الباهظ!"‬
‫وعلى الرغم من صرخاته‪،‬‬
‫سُلخَ جلده عن جسمه كلّه‪،‬‬
‫ولم يعد إلّ جرحاً‬
‫يسي ُل دمه من جميع الجهات‬
‫عرّيت‪،‬‬‫ظهرت عضلته التي ُ‬
‫وأخذت عروقُه التي عُرّيتْ من جلدها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪294 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪295 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪332 :‬‬

‫تختلج بحرك ٍة تشنّجيّة·‬


‫كان من الممكن تعداد أمعائه المُختلجة‬
‫وأعصابه التي أخذ الضّوء يُنيرها في صدره·‬
‫آلهة الرياف‪ ،‬آلهة الغابات‪،‬‬
‫والسّتير (‪ ,)Satyres‬إخوته‪،‬‬
‫وأولومبوس (‪ )Olympus‬الذي كان ل يزال يعزّه‬
‫حتى في هذه اللحظة‪،‬‬
‫وربّات الينابيع ـ هؤلء كلّهم بكوه‪،‬‬
‫وبكاه معهم جميع الرّعاة‬
‫الذين كانوا يرعون على هذه الجبال‪،‬‬
‫الحيوانات ذوات الصّوف‪ ،‬وقطعان الثيران·‬
‫كانت دموعهم تبلّل‪ ،‬وهي تتساقط‪ ،‬الرضَ الخصبة‪،‬‬
‫فكانت هذه تستقبلها في صدرها‪،‬‬
‫وترتوي منها حتى أعماق عروقها·‬
‫وبعد أن حوّلت الرض هذه الدّموع إلى ماءٍ‬
‫أعادتها إلى الفضاءات الحرّة·‬
‫هكذا وُلدَ نهرٌ يسيلُ‪ ،‬بين منحدرات ضفافه‪،‬‬
‫ويصبّ في البحر الهائج·‬
‫إنه النهر الذي يُسمّى مارسياس‪،‬‬
‫أصفى النهار في فريجيا·‬

‫بيلوبس (‪)Pélops‬‬

‫بعد هذه القصّة‪،‬‬


‫سُرعان ما عاد الشّعب إلى الواقع الرّاهن‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪295 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪296 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪333 :‬‬

‫وبكى فُقدان آمفيون ونسله‪ ،‬ساخطاً‬


‫على المّ·‬
‫وكان بيلوبس ‪ )Pélops( 10‬آنذاك الوحيدَ الذي بكاها·‬
‫وقد اكتشف‪ ،‬فيما ينزع ثيابه عن صدره‪،‬‬
‫عاج كتفه اليُسرى·‬
‫ففي أثناء ولدته‪ ،‬كانت هذه الكتف‬
‫بلون كتفه اليُمنى تماماً‪،‬‬
‫وكانت مثلها كذلك بلحمها·‬
‫بعد ذلك‪ ،‬سرعانَ ما مُزّقت أعضاؤه‬
‫بيدي أبيه‪،‬‬
‫ن اللهة‪ ،‬كما يؤكّد الرّواة‪ ،‬جمعتها·‬ ‫غير أ ّ‬
‫وجدتها جميعاً‪ ،‬إلّ ما كان يشغل الوسطَ‬
‫بين العنق وأعلى الذراع‪،‬‬
‫فوضعت مكان الجزء المفقود‬
‫قطع ًة من العاج‪ ،‬قدّمت له الوظيفة ذاتها·‬
‫وبفضل هذه النّعمة‪،‬‬
‫أعيد تكوين بيلوبس بشكلٍ كامل·‬

‫بروكني فيلوميل (‪)Prucné Philoméla‬‬

‫يجتمع المراء في الطراف المجاورة‪،‬‬


‫وتتوسّل المدن القريبة إلى ملوكها‬
‫لكي ينقلوا تعازيهم إلى طيبة‪:‬‬
‫آرغوس‪ ،‬سبارطة‪ ،‬ميسينا (‪،)Mycenae‬‬
‫كاليدون‪ ،‬التي لم تكن بعد عُرضةً لغضب ديانا الشّرسة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬بيلوبس هو ابن تانتاليوس‪ ،‬وإذن هو أخو نيوبي·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪296 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪297 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪334 :‬‬

‫أوركيمينوس (‪ )Orchemenus‬الخصبة‪ ،‬كورنثة (‪)Corinthe‬‬


‫الشهيرة ببرونزها‪،‬‬
‫ميسّينا (‪ )Messène‬البيّة‪،‬‬
‫باترا (‪ ,)Patrae‬كليونا (‪ )Cléonae‬المتواضعة‪،‬‬
‫بيلوس (‪ ,)Pylos‬حيث كان يملك نيليوس (‪)Neleus‬‬
‫وتريزينا (‪ ,)Trézène‬التي لم يكن بيتيوس (‪ )Pitheus‬يحكمها بعد‪،‬‬
‫والمدن الخرى المسوّرة وراء البرزخ‪،‬‬
‫الذي يضربه بحران‪،‬‬
‫وتلك التي يراها النظر‪ ،‬من المَضيقِ‪ ،‬خارجاً·‬
‫من كان يمكن أن يصدّق ؟‬
‫وحدكِ أنتِ‪ ،‬يا أثينا (‪ )Athènes‬امتنعتِ·‬
‫فقد حالت الحرب آنذاك دون القيام بهذا الواجب‪،‬‬
‫ج من الطّغاة نُقلتْ عِبر البحر‪،‬‬ ‫كانت أفوا ٌ‬
‫تزرع الرّعب في جدران موبسوبوس (‪.)Mopsopus‬‬
‫وقد هزمهم تيريوس (‪ )Téreus‬التراسيّ‬
‫الذي أنجد المدينة بقواه المسلّحة‪،‬‬
‫فصار اسمه بهذا النصر مجيداً·‬
‫ن بانديون (‪ )Pandion‬بقوّة هذا النّصير‬ ‫فُت َ‬
‫الذين يدين بها إلى ثرواته وإلى جنوده‪،‬‬
‫وفتن بتألّق عائلته التي كانت تنحدر‬
‫من غراديفوس ‪ )Gradivus( 11‬الكبير‪،‬‬
‫فأعطاه ابنته بروكني زوجةً·‬
‫لكن‪ ،‬ل جونون‪ ،‬شفيعة الزواج‪،‬‬
‫ول ربّة الزّفاف‪ ،‬ول ربّات الرّعاية‬
‫ن هذا الزواج·‬‫حضرْ َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 11‬غراديفوس هو نعت لتيني للله مارس·‬


‫التحولت أوفيد الصفحة ‪297 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪298 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪335 :‬‬

‫ت مشاعلَ‬
‫حضرت الومينيديّات (‪ )Les Euménides‬حامل ٍ‬
‫استلبْنها من موكبٍ مأتميّ‪،‬‬
‫وهنّ اللئي مددن وسائد السرير·‬
‫وجاءت إلى السّقف بومة مشؤومة‬
‫حطّت فوق غرفة الزّفاف·‬
‫وتحت رعاية هذا الطائر‪،‬‬
‫تزوج تيريوس وبروكني‪،‬‬
‫وفي رعايته رُزقا ابناً·‬
‫تلقّيا‪ ،‬طبعاً‪ ،‬تهنئات تراسيا‬
‫وهما نفسهما توجّها إلى اللهة بالشكر والحمد‪،‬‬
‫وتمنيا أن يُسمّى النهار الذي أعطيت فيه‬
‫ابنة الذائع الصّيت بانديون‪ ،‬إلى الملك‬
‫واليوم الذي ولد فيه ابنهما إيتيس (‪)Itys‬بيومي عيد!‬
‫ن مصالحنا الخاصّة تُعمينا!‬ ‫إّ‬
‫كان تيتانوس (‪ )Titanus‬قد أعاد الخريف‬
‫خمس مرّات‪ ،‬في سيرورة دورانه السّنويّة‪،‬‬
‫عندما قالت بروكني لزوجها‪ ،‬فيما تلطفه‪:‬‬
‫"إن كنت غالية عليك‪،‬‬
‫فاسمح لي أن أزور أختي‬
‫أو أن تزورني هي؛‬
‫سوف تعد والدَ زوجتك بأن‬
‫ترجعَها بعد وقت قصير من الزيارة·‬
‫ل تقدر أن تقدّم لي هديّة‬
‫تعادل‪ ،‬بالنسبة إليّ‪ ،‬رؤية أختي·"‬
‫أمر تيريوس بإطلق مركبٍ في البحر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪298 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪299 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪336 :‬‬

‫ودخل المركبُ‪ ،‬مَقوداً بالشراع والمجذاف‪،‬‬


‫إلى مرفأ سيكروبس‪،‬‬
‫وبلغ شواطئَ بيرايوس (‪· )Piraeus‬‬
‫عندما التقى بوالد زوجته‬
‫تصافحا‪ ،‬وساقا حديثاً‪،‬‬
‫في طالعٍ سعيد·‬
‫بدأ تيريوس‪ ،‬يتحدّث عن المهمّة التي كلّفته بها زوجته‪،‬‬
‫والتي هي سبب مجيئه‪،‬‬
‫ووعد بأن يُعيد سريعاً الفتاة التي سيؤتمن عليها·‬
‫ها هي فيلوميل تُقبلُ ثريّة بحليّها المتللئة‪،‬‬
‫وأكثرُ ثراءً‪ ،‬كذلك‪ ،‬بجمالها·‬
‫كانت ستشبه ربّات الينابيع وربات الغابات‪،‬‬
‫لو أُعطينَ الحليّ نفسها‪ ،‬والزينة نفسها·‬
‫عندما رأى تيريوس الفتاة‪،‬‬
‫اشتعل كمثل قشّ أصفر‪ ،‬وُضعتْ تحته النار‪،‬‬
‫ب تُحرق‬ ‫وكمثل أوراقٍ وأعشا ٍ‬
‫فوق كومةٍ من الحشيش·‬
‫الحق أن جمال فيلوميل‪ ،‬كان فيه ما يفتن·‬
‫غير أن طبعه الشهوانيّ‬
‫هو الذي يُحرّكه‪،‬‬
‫ذلك أن سكّان بلده ميّالون إلى شهوات فينوس‪،‬‬
‫فآفة سُللته هي كذلك الفةُ التي تتأكّله·‬
‫لم يعد‪ ،‬في اندفاعه‪ ،‬يفكّر إلّ في أن يُفسدَ‬
‫رقابة المحيطينَ بالفتاة‪ ،‬ووفاء مربّيتها‪،‬‬
‫وأن يُغريَها بهدايا نفيسة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪299 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪300 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪337 :‬‬

‫ت مملكته كلّها‪،‬‬‫ق من أجلها ثروا ِ‬‫ويُنف َ‬


‫أو أن يَخطفها ويحتفظ بها من بعد‬
‫ولو كان الثمن حرباً رهيبة·‬
‫حبّه الجامح·‬
‫ما من شي ٍء ل يجرؤ عليه ُ‬
‫فلم يعد قلبه قادراً على احتواء الّلهب الذي يطفح به·‬
‫بدأ يتحمّل بصعوبةٍ أيّ تأخير·‬
‫ففي أحاديثه النافذة الصّبر‪ ،‬أخذ يعود باستمرار‬
‫إلى رسالة بروكني ‪ ،‬متابعًا رغبته الخاصّة بحجّة إرضائها·‬
‫لقد جعله الحبّ فصيحاً‪،‬‬
‫فكان كلّما تجاوزت مطالبه الحدّ المعقولَ‬
‫يدّعي بأن ذلك ما تريده بروكني·‬
‫ويضيف إليه الدّموع‪،‬‬
‫كما لو أن بروكني طلبتها منه كذلك·‬
‫أيّتها اللهة!‬
‫ما أظلم الليل الذي تمتلئ به قلوب البشر!‬
‫فالجهود نفسها التي يقوم بها تيروس لكي يرتكب جريمةً‪،‬‬
‫تُظهره زوجاً صالحاً‪،‬‬
‫فكأن جريمته هي التي تبعث على امتداحه!‬
‫وماذا أقول عن فيلوميل التي انضمّت إلى رغباته‪،‬‬
‫فطلبت من والدها‪ ،‬فيما تطوّق كتفيه بذراعيها الملطفتين‪،‬‬
‫أن تهب لرؤية أختها‪ ،‬باسمِ سعادتها‬
‫وضدّ سعادتها كانت تعمل هي نفسها·‬
‫كان تيروس يتأمّلها‪،‬‬
‫ومُسبقًا كان يداعبها بنظراته·‬
‫وعندما يرى قبلتها التي تمنحها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪300 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪301 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪338 :‬‬

‫وذراعيها حول عنق والدها‪،‬‬


‫كان هذا كلّه بمثابة مهماز‪ ،‬ومشعلٍ‪،‬‬
‫وغذاءٍ للهُيامِ الذي يُضلّه·‬
‫وكلّما عانقت والدها‪،‬‬
‫تمنى أن يكون هو والدها‪،‬‬
‫لنه لن يكون أباً أقلّ إجراماً·‬
‫استسلم الب لتوسّلت ابنتيه‪،‬‬
‫فشكرت فيلوميل‪ ،‬فرحةً‪ ،‬والدها·‬
‫كانت التاعسة الحظ ترى نجاحاً لها ولختها‬
‫ما سيكون قضاءً عليها وعلى أختها‪ ،‬معاً·‬

‫لم يكن بقي لفوبوس غير مسافة قصيرة يجتازها‪،‬‬


‫وكانت أحصنته تطأ بحوافرها‬
‫المنطقة التي ينحني فيها الولمب·‬
‫الموائد حافل ٌة بوليمةٍ ملكيّة‪،‬‬
‫س مسكوبةٌ في آنيةٍ من الذهب·‬ ‫ونِع ُم باخو َ‬
‫ل من الضيوف إلى نومٍ هادئ·‬ ‫ثمّ استسلم ك ّ‬
‫غير أن ملك تراسيا يحترق شهوة لفيلوميل‪،‬‬
‫رغم بعدها عنه‪،‬‬
‫فيتذكّر وجهها وحركاتها ويديها‬
‫متصوّرا على هوى رغباته‪ ،‬المفاتنَ‬
‫التي لم يرها بعد·‬
‫هو نفسه يغذي النار التي تلتهمه‬
‫وهيامه يبعد عنه النّومَ·‬
‫حان وقت السّفر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪301 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪302 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪339 :‬‬


‫فصافح بانديون يد صهره المستعدّ للرّحيل‪،‬‬
‫وأوصاه‪ ،‬والدّموع في عينيه‪ ،‬بمن يرافقها‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"ها هي ابنتي‪ ،‬يا صهري العزيز‪،‬‬
‫أعهدُ بها إليك‪،‬‬
‫ما دام حناني يقسرني‪،‬‬
‫ما دامت الختان تريدان ذلك‪،‬‬
‫وما دمت أنتَ كذلك تريده‪ ،‬يا تيريوس·‬
‫ن النيّة‬
‫أتوسّل إليك‪ ،‬باسم حُس ِ‬
‫وباسم القرابة التي تجمع بين قلبينا‪،‬‬
‫وأستحلفك باللهة‬
‫أن تسه َر عليها بحبّ أبويّ‪،‬‬
‫فهي العزاء الجميل لشيخوختي القلقة·‬
‫أعدها إليّ‪ ،‬عندما تستطيع‪،‬‬
‫ل تأخير سيبدو لي طويلً جداً·‬ ‫فك ّ‬
‫وأنتِ كذلك‪ ،‬يا فيلوميل‪،‬‬
‫عودي إليّ‪ ،‬عندما تقدرين‪ ،‬إن كنت تحبينني·‬
‫يكفي أن تعيش أختك بعيداً عني·"‬
‫كان‪ ،‬فيما يعطي هذه التوصيات‪،‬‬
‫يغمر ابنته بالقبل‪،‬‬
‫وكانت الدموع التي فجّرها حنانه تنهمر من عينيه‪،‬‬
‫في أثناء كلمه·‬
‫وعربوناً على الوفاء‪،‬‬
‫ل منهما يده اليُمنى‬ ‫طلب من ك ّ‬
‫وضمّهما معًا في يده‪،‬‬
‫راجيًا إيّاهما أن يحمل لبنته ولحفيده الغائبين‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪302 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪303 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪340 :‬‬

‫سلمًا يُحيي ذكراهما في نفسه·‬


‫لم يكد أن يقدرَ على التلفّظ بكلمة الوداع الخيرة‬
‫ت مليءٍ بالنّحيب‪،‬‬
‫بصو ٍ‬
‫وارتعب هو ذاته من الهواجس‬
‫التي كانت تتحرّك في نفسه·‬

‫لم تكد فيلوميل تصعد إلى المركب ذي اللوان الصّارخة‪،‬‬


‫ولم تكد المجاذيف توضع في البحر‪،‬‬
‫وتنأى اليابسة‪،‬‬
‫حتى صرخ تيريوس‪:‬‬
‫"النّصر!‬
‫هذا المركب يحمل ما كنت أتشهّاه!"‬
‫لقد انتصر‪،‬‬
‫ول يقدر هذا المتوحّش أن يؤجّل سعادته‪،‬‬
‫إلّ على مضض!‬
‫لم تتحوّل نظراته لحظةً عن الفتاة‪،‬‬
‫هكذا‪ ،‬كمثل ما يلتقط طائرُ جوبيتر‬
‫أرنباً بين مخالبه المعقوفة‪،‬‬
‫ويضعه في عشّه على ذروةٍ·‬
‫يُصبح الهرب مُستحيلً على السير‪،‬‬
‫ول تفارق عين الخاطف فريسته·‬
‫كانت رحلة العودة بلغت حدّها‪،‬‬
‫ونزل البحّارة من مركبهم متعبين‬
‫على شاطئ وطنهم‪،‬‬
‫عندما كان الملك يقود ابنة بانديون‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪303 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪304 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪341 :‬‬

‫إلى حظيرةٍ بأسوار عالية‪،‬‬


‫تتوارى وسط غابة قديمة·‬
‫هناك‪،‬أبقاها شاحبةً‪ ،‬مرتجفةً‪ ،‬فريسةً لجميع الهوال‪،‬‬
‫تتساءل‪ ،‬والدّموع تمل عينيها أين أختها ؟‬
‫غير أنه أبقاها سجينةً‪،‬‬
‫واعترف لها بخطّته المجرمة‪،‬‬
‫وافتضّ بالقوّة هذه العذراء‪،‬‬
‫هذه المرأة الوحيدة التي استغاثت‪ ،‬عبثاً‪،‬‬
‫بصرخاتٍ عالية‪،‬‬
‫تارةً بوالدها‪ ،‬وتارة بأختها‪،‬‬
‫وخصوصاً باللهة ذوي القدرة والعلوّ·‬
‫ل مذعورةٍ‬ ‫كانت ترتعش كأنثى حم ٍ‬
‫جرحها ذئبٌ رماديّ الوبر‪،‬‬
‫شدْقه‪،‬‬
‫تظنّ‪ ،‬وقد أفلتت من َ‬
‫أنها لم تصبح بعد في مأمنٍ‪،‬‬
‫أو كمثل حمامةٍ رأت ريشها مبللً بدمها‪،‬‬
‫فاستولى عليها الرّعب‪،‬‬
‫ول تزال خائفة من البراثن التي تضغط عليها·‬
‫عندما استعادت فيلوميل وعيها‬
‫انتزعت شعرها المبعثر‪،‬‬
‫ت قويّة·‬
‫ورضّت ذراعيها بضربا ٍ‬
‫كمثل امرأةٍ في حدادٍ‪،‬‬
‫ثم مدّت يديها نحو تيريوس‪ ،‬صارخةً‪:‬‬
‫"يا لك من وحشٍ‬
‫ارتكب هذه الجريمة النكراء!‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪304 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪305 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪342 :‬‬

‫إذن‪ ،‬ل شيء أيّها الطّاغية‬


‫ّأثّر فيكَ·‬
‫ل توصيات أبي‪ ،‬ول الدّموع التي فجّرها حنانه‪،‬‬
‫ول ذكرى أختي‪ ،‬ول عذريّتي‪،‬‬
‫ول شريعة الزواج ؟‬
‫لقد دنّستَ كلّ شيء·‬
‫أصبحتُ منافس ًة لختي‪،‬‬
‫وأصبحتَ أنتَ زوجًا لمرأتين·‬
‫ب كمثل عدوّة‪،‬‬ ‫ينبغي أن أعاق َ‬
‫فلماذا ل تنتزع حياتي‪ ،‬أيّها الغادر‪،‬‬
‫لكي تكتمل جرائمك ؟‬
‫ليتك قتلتني‪،‬‬
‫قبل هذا النتهاك الدّنيء‬
‫الذي جعل مني خليل ًة لك‪،‬‬
‫إذن‪ ،‬لكان ظلّي نقيّا من كلّ عيب·‬
‫لكن‪ ،‬إن كانت مثل هذه النتهاكات‬
‫ل تخفى على اللهة‪،‬‬
‫وإذا لم تكن قدرتهم لفظًا باطلً‪،‬‬
‫وإذا لم يكن هلك مع شرفي كلّ شيء‪،‬‬
‫فإنني‪ ،‬ذات يومٍ‪ ،‬سأنتقم منك·‬
‫سأكشف سلوكك‬
‫نابذةً كلّ حياء·‬
‫وسأقول ذلك أمام الشعب‪،‬‬
‫إن أسعفتني الوسيلة·‬
‫إذا أبقيتني سجينةً في هذه الغابات‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪305 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪306 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪343 :‬‬

‫فإنني سأملؤها بنواحي‬


‫وسوف ترقّ لي الصّخور صديقاتي الحميمات‪،‬‬
‫في شقائي·‬
‫سيكون صوتي مسموعاً من السّماء‪،‬‬
‫ومن اللهة إن كانوا يسكنون فيها·"‬
‫ولّدت هذه التهديدات الغضبَ في قلب الطاغية المتوحش‪،‬‬
‫ل عنه شدّة·‬
‫يرافقه خوف ل يق ّ‬
‫ل مدفوعًا بهذا وذاك‪ ،‬سيفَه من غمده‬ ‫فاست ّ‬
‫الذي يتدلّى من حزامه‪،‬‬
‫وأمسكَ بالفتاة من شعرها‪،‬‬
‫ل إيّاها بالسلسل·‬
‫وربط ذراعيها وراء ظهرها‪ ،‬مُثق ً‬
‫كانت فيلوميل تمدّ عنقها‪،‬‬
‫فقد أملت بالموت عندما رأت السّيف‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬فيما كان لسانها الناقم‪،‬‬
‫يستغيث دون توقّف بوالدها‪،‬‬
‫وتحاول أن تتكلّم‪،‬‬
‫ك به تيريوس بكُلّبات‪،‬‬ ‫أمس َ‬
‫وقطعه بسيفه الوحشيّ·‬
‫أخذ جذر اللسان يضطرب في جوف فمها‪،‬‬
‫وسقط اللسان نفسه‪،‬‬
‫وكان ل يزال يتمتم‪ ،‬مُختلجاً على الرض السّوداء‬
‫من الدّم‪،‬‬
‫وكما يختلج ذنب حيّةٍ مقطوعٌ‬
‫كان يختلج‪ ،‬ويحاول قبل أن يموت‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪306 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪307 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪344 :‬‬

‫أن يلتحق بجذره الذي ينتمي إليه·‬


‫حتى بعد هذه الجريمة الجديدة‪،‬‬
‫أشبعَ تيروس شهواته‪ ،‬مرّات عديدة‬
‫من الجسم الذي شوّهه‪،‬‬
‫هكذا‪ ،‬كما يُروى (لكن ل أكاد أجرؤ على التصديق)·‬
‫وقد تجرّأ‪ ،‬ملطّخًا بهذه الجرائم‪،‬‬
‫أن يجيء إلى بروكني·‬
‫عندما رأت هذه زوجها‪،‬‬
‫سألته عن أختها‪،‬‬
‫فصعّد تأوّهات مُصطنعة‪،‬‬
‫ن فيلوميل ماتت‪،‬‬‫وأخبرها بروايةٍ كاذبة أ ّ‬
‫وزيّن بدموعه إمكان تصديقه بل دليل·‬

‫نزعت بروكني عن كتفيها‬


‫ط ذهبيّ عريض‪،‬‬
‫براقعها التي تتوهّج بشري ٍ‬
‫ب حدادٍ‪،‬‬‫وارتدت ثو َ‬
‫وبنت قبرًا تذكاريّا‪،‬‬
‫ت لرواحِ الموتى·‬ ‫مُقدّمة هِبا ٍ‬
‫وأخذت تبكي موتَ أختها‬
‫التي كان ينبغي أن تبكيها لسببٍ آخر·‬

‫كان إله النهار قد أكمل عِبرَ البروج الثني عشر‪،‬‬


‫دورته السنويّة‪،‬‬
‫فماذا يمكن أن تفعل فيلوميل ؟‬
‫س يحول دونَ هربها‬ ‫هناك حر ٌ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪307 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪308 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪345 :‬‬

‫وحولها تنهض أسوارُ الحظيرة‪ ،‬الكثيفة‪،‬‬


‫المبنيّة بحجارةٍ ضخمة‪،‬‬
‫وفمها الخرس ل يقدر أن يكشف الجريمة·‬
‫غير أن عبقريّة اللم ل نهاية لها‪،‬‬
‫والشّقاء يولّد الذكاء·‬
‫فقد علّقتْ‪ ،‬بحيلةٍ بارعة‪،‬‬
‫ل بدائيّ‬
‫سدَاة نسيجٍ في نوْ ٍ‬‫َ‬
‫ونسجت عبر خيوطه البيض حروفاً أرجوانيّة‬
‫تكشف الجريمة·‬
‫عندما اكتمل العمل‪ ،‬عهدت به إلى امرأةٍ‬
‫وطلبت منها بالشارة أن تأخذه إلى سيّدتها·‬
‫فحملته هذه إلى بروكني‪،‬‬
‫دون أن تعرف السرّ الذي ينطوي عليه·‬
‫نشرتْ زوجة الطّاغية الوحش قطعة النسيج‪،‬‬
‫وقرأت الحروف الرّهيبة التي تخبرها بنكبتها‪،‬‬
‫فصمتت (وما كان أعجب قدرتها على ذلك)·‬
‫أغلق اللم فمَها‪،‬‬
‫ت تعبّر بشكلٍ كافٍ‬ ‫وبحث لسانها‪ ،‬عبثاً‪ ،‬عن كلما ٍ‬
‫عن سُخطها·‬
‫لم يعد أمام عينيها إلّ صورة العقاب‪،‬‬
‫ف الدّموع‪،‬‬‫فاندفعت‪ ،‬دون أن يؤخرها ذر ُ‬
‫متهيّئة لكي تخترق جميع قوانين الخير والشرّ·‬

‫كان ذلك في وقتٍ اعتادت فيه نساء تراسيا‬


‫إحياء طقوسِ باخوس‪ ،‬في أعيادٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪308 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪309 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪346 :‬‬

‫يُحتفلُ بها ثلث سنوات·‬


‫والليل هو المؤتمن على هذه الطقوس·‬
‫في أثناء الليل‪ ،‬يرنّ جبلُ الرّودوب (‪ )Rhodope‬رنيناً برونزيّا حادّا‪،‬‬
‫وفي ذلك الليل‪،‬‬
‫تخرج الملكة من منزلها‪،‬‬
‫فترتدي الثياب الخاصّة بطقوس اللهة‪،‬‬
‫وتأخذ الشارات التي تناسب الطّقوس·‬
‫ن تتدلّى منها عناقيد عنبٍ‪،‬‬‫تغطّي رأسها قضبا ٌ‬
‫ويتدلّى على جنبها اليسر جلدُ أيلٍ‪،‬‬
‫وعلى كتفيها تستقرّ حربةٌ خفيفة·‬
‫انطلقت بروكني في الغابات‪،‬‬
‫يتبعها جمهور رفيقاتها‪ ،‬الرّهيب·‬
‫وقد تظاهرتْ‪ ،‬أيّها الله باخوس‪،‬‬
‫بأنّ عنفَ انفعالتكَ هو الذي يخضّها‬
‫بينما هي مخضوض ٌة بعنف آلمها·‬

‫وصلت أخيراً إلى الحظيرة المنعزلة‪،‬‬


‫خلعت أبوابها‪ ،‬فيما تقول‪ ،‬صارخةً الصّراخ الباخوسيّ‪ ،‬إيفوهيا!‬
‫ورأت أختها·‬
‫ثم كستها بشعارات باخوس‪ ،‬مخبّئة وجهها‬
‫تحت أوراق اللبلب‪،‬‬
‫فأخذتها مذهولةً‪ ،‬سائرةً بها إلى جدران قصرها·‬
‫لم تكد فيلوميل التاعسة الحظ تلحظ أنها وصلت إلى عتبة هذا المنزل الكريه‪،‬‬
‫حتى أخذت ترتجف من الهول‪،‬‬
‫ب جميعَ قسماتها·‬
‫وغمرَ الشّحو ُ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪309 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪310 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪347 :‬‬

‫وجدت بروكني مكانًا ملئماً‪،‬‬


‫فنزعت عن أختها البائسة‬
‫اللباسَ الخاصّ بالطقوس‪،‬‬
‫ورأت وجهها الذي احم ّر من الخجل‪،‬‬
‫وحاولت أن تضمّها بين ذراعيها‪،‬‬
‫لكن أختها لم تجرؤ أن ترفع عينيها‪،‬‬
‫ول أن تنظ َر مُواجهةً‪،‬‬
‫ت يبدو لها أنها منافستها·‬ ‫إلى أخ ٍ‬
‫خفضت جبينها نحو الرض‪،‬‬
‫وتمنّت أن تُقس َم ُمتّخذةً اللهة شهوداً‪،‬‬
‫أن العنف هو وحده الذي أجبرها على تحمّل النتهاك·‬
‫وعوّضت بالحركات عن الصّوت الذي فقدته·‬
‫لم تعد بروكني نفسها قادرةً‬
‫على احتواء الغضب الذي يؤجّجها·‬
‫وقالت لئمةً دموعَ أختها‪:‬‬
‫"ل يجوز أن نلجأ إلى الدموع‪،‬‬
‫بل إلى السّيف‬
‫أو أيّة وسيلةٍ أخرى أكثر هولً‬
‫إن كنت تعرفينها·‬
‫أما أنا‪ ،‬يا أختي‪،‬‬
‫فمستعدّة لجميع الجرائم·‬
‫أو سأحمل مشعلً‬
‫وأحرق هذا المنزل الملكيّ‬
‫وأطوّح في قلب اللّهب‪،‬‬
‫تيريوس مسبّب آلمكِ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪310 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪311 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪348 :‬‬

‫أو سأستأصل بهذا السّيف لسانه‪،‬‬


‫وعينيه‪ ،‬والعضاءَ التي انتهكت شرفكِ‪،‬‬
‫ح ل أعدّها‪،‬‬ ‫أو‪ ،‬بجرا ٍ‬
‫سأطارد روحه الثمة·‬
‫إنني مستعدّة للثأر الكثر فظاعةً·‬
‫لكن‪ ،‬ما هو ؟‬
‫ل أزال أتساءل·"‬
‫كانت بروكني قد أنهت كلمها‪،‬‬
‫عندما حضر ابنها إيتيس (‪ )Itys‬أمامها‪،‬‬
‫فكأنه يوحي بما تقدر أن تجرؤ عليه·‬
‫ت فتّاكة‪:‬‬‫وصرخت‪ ،‬ملقيةً عليه نظرا ٍ‬
‫"آهٍ!‬
‫كم تشبه أباك!"‬
‫وأخذت دون أن تقول المزيد‪،‬‬
‫تتهيّأ لجريم ٍة شنيعة‪،‬‬
‫والغضب يغلي صامتاً في أعماق قلبها·‬
‫غير أن الولد اقترب منها‬
‫فقد جاء ليُحيّي أمه‪،‬‬
‫وطوّق عنقها بذراعيه الصّغيرتين‪،‬‬
‫وقبّلها قبلتٍ أرفقها بكلماتٍ طفوليّة لطيفة·‬
‫تزلزلت أمّه‪،‬‬
‫وتوقّف غضبها المُنكسر‪،‬‬
‫وعلى الرغم من كلّ شيءٍ‬
‫ابتلّت عيناها بالدّموع التي حاولت أن تسيطر عليها·‬
‫لكن‪ ،‬عندما شعرت أن حنانها القويّ جداً‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪311 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪312 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪349 :‬‬

‫يحيّر قلبها الموميّ‪،‬‬


‫حوّلت نظراتها عن ابنها‪،‬‬
‫نحو وجه أختها·‬
‫آنذاك‪ ،‬أخذت تتأمّلهما واحدًا بعد الخر‪ ،‬قائلةً‪:‬‬
‫ت مُلطفة‪،‬‬
‫"لماذا يوجّه لي الوّل كلما ٍ‬
‫وتلك المقطوعة اللسان تظلّ خرساء ؟‬
‫هذا يُسمّيني أمّه‪،‬‬
‫لماذا تلك ل تسمّيني أختها ؟‬
‫انظري‪ ،‬يا ابنة بانديون‪،‬‬
‫بأيّ رجلٍ زوّجوك ؟‬
‫س ُد‬
‫أصلكِ يف ُ‬
‫ج كمثلِ تيريوس·"‬
‫وجُر ٌم أن يُحترمَ زو ٌ‬

‫في الحال‪ ،‬أخذت إيتيس‪ ،‬كمثل نمرةٍ‬


‫على ضفاف الغانج (‪)Gange‬‬
‫تجرّ عبر الدغال صغير غزالةٍ‬
‫ل تزال تغذيه بحليبها·‬
‫هكذا جرّت ابنها‪ ،‬إلى ركن منزو من المنزل العالي؛‬
‫كان الطّفل يم ّد ذراعيه‪،‬‬
‫متنبّئا بمصيره‪ ،‬صارخاً‪:‬‬
‫"أمّي! أمي!"‬
‫ويرتمي على عنق بروكني·‬
‫آنذاك‪ ،‬ضربته بالسيف حيث يلتقي الصّدر بالخاصرة‪،‬‬
‫دون أن تحوّل عينيها·‬
‫كان جرحٌ واحدٌ كافياً لكي يُميته‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪312 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪313 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪350 :‬‬

‫ن فيلوميل قطعت بالسّيف عنقه·‬


‫غير أ ّ‬
‫كانت نسمة الحياة ل تزال تجري في أعضائه‬
‫بينما كانتا معاً تقطّعانه إرباً إرباً·‬

‫غلتا بعضها في آنيةٍ من البرونز‪،‬‬


‫شكّ في سفافيد تلتهب فوق النار‪،‬‬ ‫وبعضها ُ‬
‫وكانت الغرفة تسيل دماً·‬
‫تلك هي الوليمة التي دعت إليها بروكني‬
‫زوجها تيريوس دون أن يرتاب في شيء‪،‬‬
‫وأبعدت عنه رفقاءه وخدمه‪،‬‬
‫ن هذه حفلة دينيّة‪،‬‬ ‫بحجّة أ ّ‬
‫وأنه‪ ،‬تبعاً لتقاليد بلدها‪،‬‬
‫ل بدّ أن يُقيمها وحيداً·‬
‫أكل تيريوس هذا الطّعام‬
‫جالساً على عرشِ أسلفه العالي‪،‬‬
‫وغيّب في جوفه لحمه الخاصّ·‬
‫كان فكره غارقاً في ظلمات كثيفة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"إيتوني بإيتيس·"‬
‫لم تقدر بروكني أن تُخفي فرحاً وحشيّا‪،‬‬
‫وهي الن تتحرّق لكي تكشف بنفسها عن الُضحية‬
‫التي أنجزتها‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫"من تطلبه هو الن معك·"‬
‫جال ببصره حوله باحثاً عن الطّفل‪،‬‬
‫وفيما كان يواصل البحث عنه‪ ،‬ويناديه‪،‬‬
‫قفزت فيلوميل أمامه‪ ،‬مُشعّثة الشعر‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪313 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪314 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪351 :‬‬

‫كما تركتها جريمته الوحشيّة‪،‬‬


‫ورمت رأس إيتيس المدمّى في وجه أبيه·‬
‫ت مضى‪ ،‬كما تتمنّى الن‪،‬‬ ‫لم تتمنّ في أيّ وق ٍ‬
‫القدرة على الكلم‪ ،‬وعلى التعبير عن فرحها‪،‬‬
‫ستَحَقّة·‬
‫ت ُم ْ‬
‫بإهانا ٍ‬

‫دفع التّراسيّ المائدة بصراخٍ عظيم‪،‬‬


‫واستحضر من وادي ستيكس‪،‬‬
‫الخوات المكلّلت بالثعابين·‬
‫تار ًة يريد أن يتقيّأ‪ ،‬أن يشقّ صدره لو أمكن‬
‫ليخرجَ الطّعام الرّهيب‬
‫ويظهرَ اللحم الذي ينطوي عليه‪،‬‬
‫وتار ًة يبكي مسمّيا نفسه بقبر ابنه·‬
‫وطورًا يلحق‪ ،‬ابنتي بانديون‪ ،‬شاهرًا بيده سيفه·‬
‫وبدا كأن لجسميهما أجنحة‪،‬‬
‫وأخذا يتأرجحان في الهواء·‬
‫وكانا يتأرجحان في الواقع تحملهما الجنحة·‬
‫إحداهما طارت إلى الغابات‪ ،‬متحوّلة إلى عندليب‪،‬‬
‫والثانية ظلّت تحت السّقوف‪ ،‬متحوّلة إلى سنونوّة·‬
‫كان صدرها ل يزال يحتفظ بآثار الجريمة‪،‬‬
‫ريشها مبق ٌع بالدّم·‬
‫أما تيريوس الذي جرفه اللم‬
‫وشهوة الثأر‪ ،‬فقد تحوّل هو كذلك‬
‫إلى طير‪ ،‬تعلو جبهته قُنزعةٌ‬
‫وحلّ في المام محلّ سيفه الطويل‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪314 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪315 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪352 :‬‬

‫نتو ٌء هو منقا ٌر يتجاوز الحدّ‪:‬‬


‫إنه الطّير الذي يُسمّى الهدهد‪،‬‬
‫لرأسه هيئةٌ يبدو معها كأنه مسلّح·‬

‫بورياس‪ ،‬أوريثيا (‪)Borèas, Orithyia‬‬

‫هذا العذاب الذي عاناه باندريون‬


‫قاده إلى مملكة الموتى في العالم السفل‪،‬‬
‫قبل أن يبلغ نهاية الشيخوخة الطويلة·‬
‫فانتقل الصّولجان والحكم في بلده إلى إيرختيوس (‪)Erechtheus‬‬
‫الذي كان طبيعيّا أن يُسألَ إن كانت قوّته عائدة إلى سلحه‬
‫أو إلى عدالته·‬
‫كان أبًا لربعة أبناء ولربع بنات‪،‬‬
‫اثنتان منهنّ متساويتان في الجمال·‬
‫كنتِ واحدةً منهما‪ ،‬يا بروكريس (‪، )Procris‬‬
‫وكان كيفالوس (‪ )Cèphalus‬زوجكِ السّعيد·‬
‫أمّا بورياس ‪ 12‬الذي كان يؤاذيه تيريوس‪ ،‬والتّراسيون‪،‬‬
‫فلم يقدر أن يحصل على أوريثيا‪ ،‬حبيبته‪،‬‬
‫لنه في طلبه إيّاها‪ ،‬كان يفضّل اللّجوء إلى التوسّلت‬
‫ل إلى القوّة·‬
‫وعندما رأى أخيراً أنه لن يبلغ باللطفِ والقناع شيئاً‪،‬‬
‫غضبَ‪ ،‬وأطلق لغضبه العنان‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"نعم‪ ،‬أنا جدي ٌر بها·‬
‫ولماذا تجنّبتُ أسلحتي‪ ،‬والعنفَ‪ ،‬والقوّة‪،‬‬
‫والغضبَ‪ ،‬والوعيدَ ؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 12‬بورياس هو إله ريح الشمال‪ ،‬ويسكن في تراسيا· وتاريخه يوضح العنف الذي اشتهر به التراسيون·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪315 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪316 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪353 :‬‬

‫لماذا استخدمت التوسّل الذي ل يلئمني ؟‬


‫ف مخلوقٌ من أجلي‪:‬‬ ‫العن ُ‬
‫بالعنفِ أطرد الغيومَ القاتمة‪،‬‬
‫وبه أحرّك البحارَ‪،‬‬
‫وأقطع شجر البلوط الكثير العقد‪،‬‬
‫وأجمّد الثلجَ‪ ،‬وأسوطُ الرضَ بوابلِ البرد·‬
‫وأنا كذلك‪ ،‬من يُقاتل إخوته الذين يلتقيهم‬
‫في الفضاءات السّماويّة‪ ،‬فهنالك حلبتي‪،‬‬
‫ل شديداً بحيث إن الفضاء الذي يفصل ما بيننا‬ ‫قتا ً‬
‫ن بدويّ اصطدامنا‪،‬‬ ‫ير ّ‬
‫واللهب الكامن في الغيوم‬
‫ينفجر من خواصرها الممزّقة·‬
‫كذلك أنا الذي يُرعب أرواحَ الموتى والكون أجمع‬
‫بالزّلزل التي أحدثها‪،‬‬
‫عندما أتغلّل في دهاليز الرض المحدّبة‪،‬‬
‫وأرفع بعنفٍ على ظهري كهوفها العميقة·‬
‫ذلك هو السّلطان الذي كان ينبغي عليّ‬
‫أن أستخدمه‪ ،‬عندما أبحث عن زوجة·‬
‫كان عليّ أن أجعل من إيريختيوس والداً لزوجتي‬
‫بالعنف ل بالتوسّل·"‬
‫زيتيس‪ ،‬كالئيس (‪)Zètès, Calais‬‬

‫لم يكد بورياس ينطق بهذه الكلمات‬


‫وبلهجةٍ أشدّ عنفاً‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪316 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪317 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪354 :‬‬

‫حتى حرّك أجنحته‪،‬‬


‫فتولّد من خفقِها هُبوبٌ‪ ،‬عمّ أنحاءَ الرض‪،‬‬
‫وهيّج مدى البحار الواسع‪،‬‬
‫وكنس الرض‪ ،‬جارّا على ذروات الجبال‬
‫معطفه الغباريّ·‬
‫وبفضل الظلمة التي تخبّئه‪،‬‬
‫لفّ بأجنحته الشّقرِ حبيبته أوريثيا‪،‬‬
‫وهي ترتعش من الخوف·‬
‫وكان طيرانه‪ ،‬بفعل الحركة‪ ،‬يزيد نار حبّه اشتعالً·‬
‫لم يضغط أبداً على أعنّة رحيله الفضائيّ‬
‫قبل أن يصلَ إلى الشعب‬
‫وإلى أسوار سيكونيس (‪)Cicones‬‬
‫مُصطحباً تلك التي خطفها·‬
‫هنالك صارت عذراء بلد آكتي (‪، )Acté‬‬
‫زوجةً لملك الصّقيع‪،‬‬
‫وهناك أصبحت ولوداً‪:‬‬
‫ولدت توأمين يشبهان أمّهما في كلّ شيء‪،‬‬
‫لو لم تكن لهما‪ ،‬كمثل أبيهما‪ ،‬أجنحة·‬
‫مع ذلك‪ ،‬يُروى أنّ هذه الجنحة لم تولد معهما·‬
‫وبقي هذان الصّغيران كالئيس وزيتيس‪،‬‬
‫دون ريشٍ‪ ،‬حتى نبتت لحيتاهما‬
‫تحت شعرهما الشقر·‬
‫آنذاك غطّى جناحان‪ ،‬كمثل الطيور‪،‬‬
‫ل منهما‪ ،‬من جهتيها‪،‬‬ ‫خاصرة ك ّ‬
‫وظلّل خدّيهما في الوقت ذاته زغبٌ أشقر·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪317 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪318 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪355 :‬‬

‫هكذا‪ ،‬عندما انتقل من الطفولة إلى الفتوّة‪،‬‬


‫عازمينَ على الفوز بالجُزّة الفاتنة‬
‫التي تتلل كلّ وبر ٍة فيها‪،‬‬
‫رحل مع أحفاد مينياس ‪)Minyas( 13‬‬
‫عبر البحر الذي كان ل يزال مجهولً‪،‬‬
‫في المركب الول بين المراكب·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 13‬أحفاد مينياس هم المغامرون في اليونان القديمة (‪.)Argonauts‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪318 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪319 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪359 :‬‬

‫الكتابُ السابع‬

‫جــازون‪ ،‬ميديا‬
‫مـيديا‪ ،‬إيــزون‬
‫ميـديا‪ ،‬بيلياس‬
‫هــرب ميـــديـا‬
‫تــــيـــزيـــــوس‬
‫أيــــاكــــــــوس‬
‫كيفالوس‪ ،‬بروكريس‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪319 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪320 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪361 :‬‬

‫جازون ‪ ،‬ميديا (‪)Jason, Medee‬‬

‫آنئذ ‪ ،‬كان خلف مينياس (‪ )Minyas‬يمخرون البحر‬


‫في سفينتهم التي انطلقت من خليج باغازي (‪· )Pagasai‬‬
‫وكانوا قد زاروا فينيوس (‪ )Phineus‬ورأوا إليه‬
‫يجرجر شيخوخة بائسة ‪ ،‬في ليل أبدي ·‬
‫وكان ابنا آكيلون (‪ )Aquilon‬الشابان ‪،‬‬
‫قد طردا بعيداً عن فم الشيخ التاعس ‪،‬‬
‫الطيور ذات الرؤوس النسائية التي تجوعه ‪1‬‬
‫وبعد آلم كثيرة ‪،‬‬
‫بلغ أخيراً جازون (‪ )Jason‬الذائع الصيت ‪ ،‬ورفقاؤه‬
‫المياه السريعة في فازيس (‪ )Phasis‬الغريني ·‬
‫ذهبوا إلى الملك وطلبوا منه جزة الكبش فريكسوس (‪،)Phrixus‬‬
‫ففرض على خلف مينياس عدداً رهيبًا من العمال الضخمة ·‬
‫إل أن ناراً عنيفة اشتعلت في قلب ميديا ‪ ،‬ابنة الملك ‪،‬‬
‫وصارعت ذلك طويل ‪ ،‬لكن العقل لم يستطع أن يتغلب على هذيانها ·‬
‫فقالت تخاطب نفسها ‪:‬‬
‫"عبثا تقاومين ‪ ،‬يا ميديا ·‬
‫ثمة إله ل أعرف من هو ‪ ،‬يناوئ جهودك ·‬
‫وسيكون المر مدهشا إذا لم يكن هنالك ما نسميه بالحب‬
‫(أو على القل ما يشبه الحبّ) ·‬
‫لماذا تبدو لي أوامر أبي قاسيةً ؟‬
‫نعم ‪ ،‬في الحقيقة هي قاسية ·‬
‫هذا الشاب رأيته منذ عهدٍ قريب للمرّة الولى ‪،‬‬
‫فمن أين يجيئني هذا الخوف على حياته ؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬هذه الطيور هي الهاربي (‪ ، )Harpyes‬عفاريت مجنحة "تخطف" أرواح الطفال · وكان فينيوس ملك تراسيا ‪،‬‬
‫الذي عمي بإرادة من جوبيتر عقابا على جرم يختلف في تفسير أسبابه ‪ ،‬جائعا باستمرار لن هذه العفاريت كانت تنزع‬
‫منه كل غذاء أو تلوثه · وقد طردها زيتيس (‪ )zete‬وكالئيس (‪ )Calais‬ابنا بورياس (‪ ، )Boree‬ريح الشمال ‪ ،‬التي‬
‫تسمى هنا الكيلون (‪ ، )Aquilon‬عرفانا منهما بجميل فينيوس الذي علمهما كيف يجتنبان الصخور العائمة في مدخل‬
‫بون ‪ -‬أوكسن (‪ · )Pont - Euxin‬فالتجأت هذه العفاريت إلى جزيرة في البحر اليوني·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪320 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪321 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪362 :‬‬

‫ف كبير كهذا ؟‬ ‫ما علّة خو ٍ‬


‫اطردي من قلبك البتول هذا اللّهب الذي يلتهمه‬
‫ت ‪ ،‬أيّتها التاعسة ·‬
‫إن استطع ِ‬
‫إن استطعتُ ‪ ،‬لو كنت أستطيع‬
‫لكنت اكثر تعقل ·‬
‫لكن ‪ ،‬هناك قوّة مجهولة ترهقني ‪ ،‬رغمًا عنّي ·‬
‫يعطيني الهوى نصيح ًة ‪،‬‬
‫ويُعطيني العقل أخرى ·‬
‫أرى الخير ‪ ،‬وأستحسنه‬
‫غير أنّ الشرّ هو ما يجذبني ·‬
‫لماذا ‪ ،‬يا ابنة الملك ‪ ،‬تلتهبين حبّا‬
‫من أجل أجنبيّ ‪ ،‬وتفكّرين بأخذِ زوج من كونٍ آخر ؟‬
‫يستطيع وطنك أن يقدّم لكِ ما يجدر بحبّك ·‬
‫أن يعيش هذا الشاب‬
‫أو أن يموت ‪ ،‬أم ٌر من شأن اللهة ·‬
‫ل ‪ ،‬فَ ْل َيعِشْ !‬
‫كّ‬
‫أقدر أن أرفع إليهم هذا التوسّل ‪،‬‬
‫حتى دون حبّ ·‬
‫وماذا كانت جريمة جازون ؟‬
‫من إذن ل يتعاطف مع جازون ؟‬
‫إلّ إذا كان متوحّشا‬
‫لعمره ‪ ،‬ولنشأته وشجاعته ؟‬
‫من ل يتأثر بجماله وحده ‪،‬‬
‫إن غاب الباقي كله ؟‬
‫قلبي أنا ‪ ،‬على القل ‪ ،‬متأثر به ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪321 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪322 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪363 :‬‬


‫إن لم أساعده ‪ ،‬فسوف يهلك‬
‫تحت أنفاس الثيران ‪،‬‬
‫أو يعرض لضربات العداء‬
‫الذين بذرتهم يده ‪ ،‬وولدتهم الرض ‪،‬‬
‫أو يسلم فريسة ‪ ،‬كمثل حيوان متوحش ‪،‬‬
‫إلى شراهة التنين ·‬
‫إن كنت أطيق ذلك ‪،‬‬
‫فسأقدر آنذاك أن أقول‬
‫إنني ولدت من نمرة‬
‫وأن أقول‬
‫ليس في قلبي غير الحديد والصخر · لماذا آنذاك ‪ ،‬ل أذهب أنا كذلك ‪،‬‬
‫أنظر إليه وهو يموت ‪،‬‬
‫وألطخ عيني المتواطئتين ‪ ،‬بهذا المشهد ؟‬
‫لماذا ل أذهب لحرض عليه الثيران ‪،‬‬
‫وأبناء الرض العتاة ‪،‬‬
‫والتنين الذي ل ينام ؟‬
‫لتحمني اللهة من هذا كله !‬
‫لكن ليست المسألة أن أتمنى‬
‫بل أن أعمل ·‬
‫وماذا !‬
‫هل أتخلى عن صولجان أبي ؟‬
‫وبعون مني أضمن سلمة غريب ل أعرفه‬
‫لكي ينشر ‪ ،‬وقد نجا بفضلي ‪ ،‬أشرعته في الريح ويمضي بدوني ‪،‬‬
‫لكي يصبح زوجا لخرى ‪،‬‬
‫ولبقى أنا ‪ ،‬ميديا ‪ ،‬وحيدة ‪ ،‬أتحمّل عقابي ؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪322 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪323 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪364 :‬‬

‫إن كان قادراً على ذلك‬


‫إن استطاع أن يُفضّل عليّ امرأةً أخرى ‪،‬‬
‫فَ ْليَهلكْ ‪ ،‬هذا الناكر الجميل !‬
‫ن تعبير وجهه ‪ ،‬ونبل نفسه ‪،‬‬ ‫غير أ ّ‬
‫وسحر شخصه ‪ ،‬ل تسمح لي‬
‫أن أخشى غدرًا من جهته‬
‫أو نسيانًا ل ِنعَمي عليه ·‬
‫قبل كلّ شيء سيعاهدني‬
‫وسأجبره على أن يتّخذ اللهة شهوداً لعهدنا ·‬
‫ل مؤكّد ؟‬‫لماذا ترتابين من مستقب ٍ‬
‫هيّئي نفسكِ للعمل ·‬
‫ل تأخير ·‬ ‫تجنّبي ك ّ‬
‫سيكون جازون أسيراً لفضلكِ إلى البد ·‬
‫سيتزوّجك في ضوء المشاعل الحتفاليّة‬
‫ت في مدن اليونان‬ ‫ت كثيرا ٌ‬ ‫وسوف تحتفل بكِ أمّها ٌ‬
‫لنكِ أنقذتِ حياة أبنائِهنّ ·‬
‫هكذا أختي ‪ ،‬أخي ‪ ،‬أبي ‪ ،‬آلهتي ‪،‬‬
‫التراب الذي رأى ولدتي ·· هكذا ‪ ،‬إذن ‪،‬‬
‫سأهجر هذا كلّه ؟‬
‫ظ ‪ ،‬وبلدي متوحّشة ‪،‬‬ ‫نعم ‪ ،‬لنّ أبي ف ّ‬
‫وأخي ل يزال طفلً ·‬
‫تمنّياتُ أختي إلى جانبي‬
‫وأحمل في داخلي أكبر اللهة ·‬
‫ل مجد ‪ ،‬في كلّ ما سأتخلّى عنه ·‬
‫وما أبهى المجد الذي سأحصل عليه بهربي ‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪323 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪324 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪365 :‬‬

‫ي‪،‬‬ ‫إنّه مج ُد إنقاذ الشّاب اليونان ّ‬


‫ل‪،‬‬
‫وفرصة التعرّف على بلدٍ ‪ ،‬حيث الحياة أكثر جما ً‬
‫وعلى مدن ذاعت شهرتها إلى هنا ‪،‬‬
‫وعلى الحضارة والفنون في كل بقعة ·‬
‫ولي أخيرا ‪،‬‬
‫الرجل الذي سأتخلى من أجله‬
‫عن كنوز الكون كلها ‪،‬‬
‫ابن إيزون ! (‪)Eson‬‬
‫عندما سيصبح زوجي ‪،‬‬
‫سيقال عني إنني امرأة سعيدة ‪،‬‬
‫تحبها اللهة ‪،‬‬
‫وسيعلو رأسي حتى الكواكب ·‬
‫وما يهم ذلك الكلم الذي يدور على ما ل أعرف‬
‫من جبال ‪ 2 ،‬تتلطم في قلب المواج ‪،‬‬
‫وتهاجم البحارة على خاريبديس (‪، )Charybdis‬‬
‫عدوة السفن ‪ ،‬التي تبتلع الموج حينا ‪،‬‬
‫وحينا تلفظه ‪،‬‬
‫على سكيلل (‪ )Scylla‬الكاسرة ‪،‬‬
‫التي تتزنر بحزام من كلب متوحشة‬
‫تجعل بحر صقلية يدوي بنباحها ·‬
‫ليكن ·‬
‫غير أنني عندما سأحصل على من أحب ‪،‬‬
‫مشدودة إلى صدر جازون ‪،‬‬
‫سأترك نفسي تمضي بعيداً في دروب البحار ·‬
‫وعندما سأضمه بين ذراعي ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 2‬هي المعروفة باسم (‪ ، )Les symplegades‬وهي عبارة عن صخور عائمة تحاول أن تسحق المراكب التي‬
‫تخاطر بنفسها في المرور بينها ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪324 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪325 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪366 :‬‬

‫لن أخشى شيئًا ‪،‬‬


‫وإذا شعرت ببعض الخوف ‪،‬‬
‫فسوف يكون خوفاً على زوجي ‪،‬‬
‫خوفاً عليه وحده ·‬
‫الزوج ؟ ماذا تقولين ؟‬
‫ل ‪ ،‬لماذا تغطّين خطأك ‪ ،‬يا ميديا ‪ ،‬باسمٍ خادعٍ ؟‬ ‫كً‬
‫ك‪،‬‬‫انظري بالحرى إلى أيّ حدّ يقو ُدكِ هيام ِ‬
‫ي‪،‬‬‫لنتهاكِ الشّرعِ الله ّ‬
‫واهربي من الجريمة ما دمتِ قادرة حتى الن " ·‬
‫كانت تتكلّم ‪ ،‬وأمام عينيها تنهض الفضيلة ‪،‬‬
‫وحبّ الوالدين ‪ ،‬والحياة ‪،‬‬
‫وكان كوبيدون المَغلوب يُدير ظهرَه ·‬
‫توجّهت إلى الهياكل القديمة ‪ ،‬لللهة هيكات (‪Hecate(، 3‬‬
‫ابنة بيرسيس (‪ ، )Perses‬المُختبئة في أعماق غابةٍ ‪،‬‬
‫ل كثيفة ·‬‫تحت ظل ٍ‬
‫هي الن أكثر قوّة من ذي قبل ‪،‬‬
‫نجحت في أن تطرد عنها بعيداً‬
‫الهوى الذي كان يُشعل قلبها‬
‫عندما رأت أمامها ابن إيزون ·‬
‫ولم تكد نيرانها تنطفىء حتى اشتعلت من جديد ‪،‬‬
‫احمرّ خدّاها ‪،‬‬

‫ومن جديد تضرّم وجهها كلّه ·‬


‫كان حب ميديا يفتر‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 3‬هيكات ‪ ،‬وفق رأي هيسيود (‪ )Hesiode‬في كتابه "أنساب اللهة" (‪ ، )Theogonie, 404 - 452‬هي إلهة‬
‫خيرة ‪ ،‬ابنة بيرسيس (‪ ، )Perses‬الذي هو ابن الشمس · وهذا مما جعل هيكات تصبح في عداد عائلة آييتيس (‬
‫‪ )Aeetes‬الذي هو نفسه ابن الشمس ‪ ،‬وهي ابنة أخيه · وهي كذلك ابنة أخي سيرسي وباسيفائي اللتين هما أختا‬
‫آييتيس ‪ ،‬وابنة عم ميديا ‪ ،‬وكانت بوصفها نسيبة القمر ‪ ،‬تمثل كامرأة بثلثة أجسام أو بثلثة رؤوس ‪ ،‬مجسدة في آن‬
‫وجوه القمر الثلث ‪ :‬الهلل ‪ ،‬البدر ‪ ،‬والربع الخير منه ‪ ،‬والطرق الثلثة التي تتلقى في المفترقات التي تسهر عليها‬
‫·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪325 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪326 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪367 :‬‬

‫ويبدو كأنّه يخمد ‪،‬‬


‫وفجأ ًة يضطرمُ‬
‫عندما يحضر الشاب وترى مَفاتنه ·‬
‫كمثل شرارةٍ صغيرة ‪،‬‬
‫تختبىء تحت كوم ٍة من الرّماد ‪،‬‬
‫وتتغذى من هبوب الرّيح ‪،‬‬
‫ث ّم تحتدم ‪،‬‬
‫وتجد في هذا الحتدام قواها الولى ·‬
‫وقد شاء الحظّ بالفعل أن يكون ابن إيزون ‪،‬‬
‫ذلك اليوم ‪ ،‬أكثر جمالً منه في أيّ وقت ‪،‬‬
‫فكان لعشيقته أعذارها ·‬
‫كانت تتأمّله ‪ ،‬مثبّت ًة عينيها على وجهه ‪،‬‬
‫كما لو أنها تراه للمرّة الولى ·‬
‫كان يبدو لها ‪ ،‬في هُيامها الجنونيّ ‪،‬‬
‫أنّ قسماته ليست قسمات إنسانٍ ‪،‬‬
‫ولم تعد تحوّل أنظارَها عنه ·‬
‫غير أن هذا الجنبيّ هو الذي بدأ الكلم ‪،‬‬
‫أمسك بيدها ‪،‬‬
‫وطلب منها بصوتٍ عاشقٍ‬
‫أن تساعده ‪ ،‬واعدًا إيّها أن يُشاركها سريرَها ·‬
‫آنذاك ‪ ،‬قالت له باكيةً ‪:‬‬
‫" أعرف جيّدا ما سأفعله‬
‫وليس جهلي بواجبي هو ما يدفعني ‪،‬‬
‫بل الحبّ ·‬
‫ستنجو ‪ ،‬بفضلي ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪326 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪327 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪368 :‬‬


‫ك بعد أن أنقذكَ "‬ ‫فكن عند عهدِ َ‬
‫تعهّد جازون بشرفه مُقسماً على الوفاء لها‬
‫بهياكل اللهة ذات الوجوه الثلثة ‪،‬‬
‫وباللهة الذي يهيمنون في هذه الغابة ‪،‬‬
‫وبالله الذي يرى كلّ شيء ‪،‬‬
‫والذي ولد والد زوجته المقبلة ‪،‬‬
‫وبالنجاح الذي يأمله ·‬
‫وبالمخاطر التي سيواجهها ·‬
‫في الحال ‪ ،‬تناول منها أعشابا مسحورة ‪،‬‬
‫وتعلم كيفية استخدامها ‪،‬‬
‫ومضى إلى مأواه فرحاً ·‬

‫في الغداة ‪ ،‬عندما طرد الفجر النجوم المتللئة ‪،‬‬


‫تجمع الشعب في حقل منذور للله مارس ‪،‬‬
‫وجلس في الماكن العالية ·‬
‫جلس الملك نفسه بين حرسه ‪،‬‬
‫وهو يُعرف بسهولة ‪ ،‬من لباس الرجوان‬
‫ومن صولجانه العاجي ·‬
‫وها هي الثيران ذات القوائم البرونزية‬
‫تنفث من خياشيمها الفولذية‬
‫ناراً أحرقت العشب بمرورها عليه ·‬
‫كانت صدورها وحلوقها المضطرمة‬
‫تهدر ‪ ،‬فيما تقذف دوامات اللهب ‪،‬‬
‫كمثل ما تهدر المحارق المليئة ‪،‬‬
‫أو يهدر الكلس الذي يصبح كاويا‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪327 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪328 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪369 :‬‬

‫في أتون تحت الرض ‪ ،‬متحلل‬


‫تحت دفق الماء يسقى به ·‬
‫مع ذلك ‪ ،‬سار ابن إيزون لملقاتها ·‬
‫عندما اقترب ‪،‬‬
‫أدارت نحوه وجوهها المتوعدة الرهيبة ‪،‬‬
‫وقرونها ذات الرؤوس الحديدية ·‬
‫وأخذت تضرب الرض الغبراء بقوائمها الظلفاء ‪،‬‬
‫وتمل النحاء بخوار ترافقه غيوم من الدخان ·‬
‫جمد الخوف أبناء مينياس ‪،‬‬
‫وتقدم جازون غير شاعر بالنفاس المحرقة‬
‫التي تصعدها الثيران‬
‫(كم هي قوية تلك العشاب المسحورة) ·‬
‫وأخذ بيد جريئة يداعب غبغبها المتدلي تحت أحناكها ‪،‬‬
‫أخضعها ‪،‬‬
‫وأجبرها أن تجر المحراث الثقيل ‪،‬‬
‫وأن تحرث ذلك السهل الذي لم يلمسه الحديد من قبل ·‬
‫ذهل الكولشيديون‬
‫وازداد جازون شجاعة وحماسة‬
‫بالصراخ الذي أطلقه أبناء مينياس ·‬
‫عند ذاك ‪ ،‬تناول من خوذة برونزية‬
‫أسنان التنين ‪ ،‬ونثرها في الحقل الذي حرثه ·‬
‫لين التراب هذا البذار ‪ ،‬المسموم مسبقاً‬
‫بسم التنين ‪،‬‬
‫وكبرت السنان التي بذرت في الثلم‬
‫وصارت أجساماً جديدة ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪328 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪329 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪370 :‬‬

‫وكما يأخذ الطفل شكله النساني في رحم أمه ‪،‬‬


‫حيث تجتمع أجزاء كيانه ‪،‬‬
‫ثم يخرج من الرحم ‪ ،‬وقد اكتمل نضجه ‪،‬‬
‫لكي يعيش في المناخ البشري المشترك ‪،‬‬
‫هكذا ‪ ،‬بعد اكتساب الشكل النساني‬
‫في أحشاء الرض الملقحة ‪،‬‬
‫نهض محاربون في الحقل الذي أظهرهم إلى العالم ‪،‬‬
‫يشهرون ‪ ،‬وتلك معجزة أكثر إدهاشًا ‪ ،‬أسلحة ولدت معهم ·‬
‫عندما رآهم اليونانيون‬
‫يستعدون لرشق رماحهم ذوات الرؤوس المفولذة‬
‫على بطل هيمونيا (‪ )Hemonie‬الشاب ‪،‬‬
‫سيطر عليهم الرعب ‪،‬‬
‫انحنت في آن واحد جباههم وشجاعتهم ·‬
‫ل منيعاً ·‬
‫استولى الرعب حتى على تلك التي جعلت منه رج ً‬
‫اصفرت من رؤية هذا الشاب وحيدًا ‪،‬‬
‫عرضة لضربات أعداء كثيرين ·‬
‫فجأة توقف دمها ‪ ،‬وجلست بل حراك ·‬
‫خافت أل تكون للعشاب التي أعطته إياها‬
‫الخصائص الكافية ‪،‬‬
‫فغنت ‪ ،‬لكي تنجده ‪ ،‬ترانيم سحرية ‪،‬‬
‫واستحضرت أسرار فنها ·‬
‫أبعد عنه عنف الله مارس وحوله ضدهم‬
‫ل‪،‬‬ ‫ألقى جازون وسط أعدائه حجراً ثقي ً‬
‫فهؤلء الخوة الطالعون من الرض يهلكون‬
‫بالطعنات التي يتبادلونها · يسقطون‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪329 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪330 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪371 :‬‬

‫ضحايا حرب أهلية ·‬


‫هنأ الخيون المنتصر ‪،‬‬
‫وأقبلوا عليه مسرعين لضمه بين أذرعهم ·‬
‫أنت كذلك ‪ ،‬تمنيت أن تعانقي المنتصر ‪،‬‬
‫يا ابنة المتوحشين ‪،‬‬
‫والحياء هو الذي صد رغبتك ‪،‬‬
‫ومع ذلك كنت ستعانقينه ‪،‬‬
‫غير أن اهتمامك بسمعتك حال دون ذلك ·‬
‫لكنك ‪ ،‬وهذا متاح لك تماماً ‪،‬‬
‫تشعرين في أعماق قلبك ‪،‬‬
‫بفرح خفي ‪ ،‬وتحمدين تعازيمك‬
‫واللهة التي ألهمتك إياها ·‬
‫بقي أن ينوم بخاصية العشاب ‪ ،‬التنين الساهر‬
‫الذي كان يجذب النظار بقنزعته‬
‫وألسنته الثلثة وأسنانه المعقوفة ‪،‬‬
‫ذلك الوحش الشنيع الذي كان يحرس‬
‫الشجرة التي تتلل ببريق الذهب ·‬
‫رمت عليه ميديا نبتة‬
‫يفعل نسغها فعل السبات‬
‫كررت ثلث مرات ألفاظا‬
‫تجلب النوم الهادئ ‪،‬‬
‫وتوقف البحر المائج‬
‫والنهار الهائجة ·‬
‫فسيطر النوم على هاتين العينين اللتين لم تنطبقا من قبل ‪،‬‬
‫واستحوذ البطل ‪ ،‬ابن إيزون ‪ ،‬على الجزة الذهبية ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪330 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪331 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪372 :‬‬

‫أخذ هذه الهدية مزهوا‬


‫وأخذ معها غنيمة أخرى ‪ ،‬تلك التي يدين لها‬
‫بمثل هذا الفضل الكبير ‪،‬‬
‫ووصل ظافرا ‪ ،‬تصحبه زوجته ‪،‬‬
‫إلى مرفأ إيولكوس (‪· )Iolcos‬‬

‫ميديا ‪ ،‬إيزون (‪)Medea, Eson‬‬

‫قدمت المهات في هيمونيا‬


‫وقدم الباء المثقلون بالسنين ‪،‬‬
‫قرابين لللهة ‪ ،‬سعداء بلقاء أبنائهم ·‬
‫وبفضل عنايتهم ‪،‬‬
‫ذاب البخور المكدس على الجمر ·‬
‫والضحايا ذات القرون الذهبية‬
‫وفت نذورهم ·‬
‫لكن إيزون لم يكن حاضرا‬
‫بين هؤلء الذين يحتفلون حمدا لللهة ·‬
‫فقد أنهكته الشيخوخة‬
‫وهو مشرف على الموت ·‬
‫حينئذ قال ابن إيزون ‪:‬‬
‫"أنت ‪ ،‬يا من أدين لها بسلمتي ‪،‬‬
‫وهذا ما أعترف به ‪ ،‬يا زوجتي الغالية ‪،‬‬
‫لقد أعطيتني ‪ ،‬وهذا صحيح ‪ ،‬كل شيء ‪،‬‬
‫وعدد النعم التي أغدقتها عليّ يتجاوز كل ظن ·‬
‫لكن ‪ ،‬إن كان ل يزال لتعازيمك تلك القوة الخرى ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪331 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪332 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪373 :‬‬

‫فأنقصي جزءا من سنواتي‬


‫وأضيفيها إلى سنوات أبي" ·‬
‫ولم يقدر أن يحبس دموعه ·‬
‫تأثرت ميديا من هذا التوسل‬
‫الذي أوحاه البر بالب ·‬
‫خطرت في قلبها الذي أخذت تنبض فيه مشاعر مختلفة ‪،‬‬
‫ذكرى والدها الذي هجرته ·‬
‫غير أنها لم تترك لهذا الشعور أن يظهر ‪ ،‬وقالت ‪:‬‬
‫"أي كلم آثم‬
‫خرج من فمك ‪ ،‬يا زوجي ؟‬
‫أهكذا تعتقد أنني سأكون قادرة‬
‫على أن أنقل إلى حساب آخر ‪ ،‬أيا كان ‪،‬‬
‫جزءا من حياتك ؟‬
‫معاذ اللهة هيكات !‬
‫ما تطلبه ل عدل فيه ‪،‬‬
‫غير أنني سأحاول أن أحقق من أجلك‬
‫يا جازون ‪ ،‬أكثر مما تطلب ·‬
‫سأحاول بفني أن أعيد شيخوخة والد زوجي إلى صباها ‪،‬‬
‫دون أن أفعل ذلك‬
‫على حساب سنوات تخصك أنت ·‬
‫فلعل اللهة ذات الوجوه الثلثة أن تساعدني !‬
‫لعلها تؤازرني وتيسر مثل هذا المشروع الكبير‬
‫الذي أقدم عليه" ·‬
‫كان ل بد من انتظار ثلث ليال‬
‫حتى يتلقى طرفا القمر بشكل تام لكي يكمل قرصه ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪332 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪333 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪374 :‬‬

‫وعندما بدأ يتلل في تمام اكتماله ‪،‬‬


‫وتشكل وجهه كليا ·‬
‫وأخذ ينظر إلى الرض ‪،‬‬
‫دون أن يحجب قرصه أي ظل ‪،‬‬
‫خرجت ميديا من منزلها ‪ ،‬لبسة ثوبا بل حزام ‪،‬‬
‫عارية القدمين ‪ ،‬وشعرها محلول يتموج بحرية‬
‫على كتفيها ‪· 4‬‬
‫وأخذت ‪ ،‬في الهدوء الكبير لمنتصف الليل ‪،‬‬
‫تنقل هنا وهناك ‪ ،‬خطواتها الشاردة ‪،‬‬
‫بل رفيق ·‬
‫البشر ‪ ،‬الطيور ‪ ،‬الحيوانات الوحشية‬
‫كلها مسترخية في نوم عميق ·‬
‫(تنساب بل ضجة ‪،‬‬
‫كما لو أنها تنام هي كذلك) ·‬
‫ل ضجيج في السيجة ‪،‬‬
‫كل شيء صامت ‪،‬‬
‫الوراق التي ل حراك فيها ‪ ،‬والهواء الرطب ·‬
‫الكواكب وحدها‬
‫تقذف ضياءها بعيداً ·‬
‫دارت ميديا حول نفسها ثلث مرات ‪،‬‬
‫باسطة ذراعيها نحو الكواكب ‪،‬‬
‫واغترفت ثلث مرات من النهر ماء‬
‫رشته على شعرها ‪،‬‬
‫وأطلقت ثلث صرخات حادة ‪،‬‬
‫ثم حنت ركبتها على الرض القاسية ‪ ،‬وقالت ‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 4‬هذا هو اللباس الطقوسي الخاص في العمال الدينية أو السحرية ‪ ،‬وميديا هنا متحررة من أي رباط ‪ ،‬أو حزام ‪ ،‬أو‬
‫عقدة في شعرها يمكن أن تعيق فعالية حركاتها ·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪333 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪334 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪375 :‬‬

‫"أيها الليل ‪،‬‬


‫الصديق المين لسراري ‪،‬‬
‫وأنت أيتها النجوم الذهبية‬
‫التي تخلفين ‪ ،‬أنت والقمر ‪ ،‬نيران النهار ‪،‬‬
‫وأنت يا هيكات ‪ ،‬ذات الرؤوس الثلثة ‪،‬‬
‫يا نجيتي ‪،‬‬
‫يا من تقدم عونها للتعازيم‬
‫وفن السحرة‬
‫وأنت ‪ ،‬أيتها الرض التي تزود هؤلء‬
‫بأعشاب كلية القدرة ·‬
‫وأنت ‪ ،‬أيتها الجواء ‪ ،‬الرياح ‪ ،‬الجبال ‪ ،‬النهار ‪ ،‬البحيرات ‪،‬‬
‫وأنت جميعا ‪،‬‬
‫يا آلهة الغابات ‪ ،‬ويا آلهة الليل ‪،‬‬
‫بفضلك ‪ ،‬عندما أردت ‪،‬‬
‫عادت النهار ‪ ،‬بين ضفافها المنذهلة ‪ ،‬إلى ينابيعها ·‬
‫وبفضلك أهدىء بتعازيمي المواج الثائرة ‪،‬‬
‫وأثير المواج الهادئة ‪،‬‬
‫أفرق الغيوم وأجمعها ‪،‬‬
‫أطرد الرياح وأستدعيها ·‬
‫وبفضلك أكسر بتعازيمي أشداق الثعابين ‪،‬‬
‫أحرك الصخور ‪ ،‬وأشجار البلوط ‪ ،‬وغابات كاملة‬
‫وأسيرها ·‬
‫أجعل الجبال ترتجف ‪،‬‬
‫والتراب يئن ‪،‬‬
‫وأخرج من القبور أرواح الموتى ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪334 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪335 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪376 :‬‬

‫أنت كذلك ‪ ،‬أيها القمر ‪،‬‬


‫أجذبك إلى الرض ‪،‬‬
‫على الرغم مما يفعل برونز تيميزا لكي يخفف آلمك ‪·5‬‬
‫وتعويذاتي تجعل حتى البريق‬
‫في عربة جدي نفسها ‪ ،‬شاحبا‬
‫وسمومي تكسف الفجر ‪،‬‬
‫أنت جميعا ‪ ،‬من أجلي ‪،‬‬
‫أخمدت لهب الثيران ‪،‬‬
‫وفرضت على أعناقها المتمردة ثقل المحاريث المقوسة ·‬
‫أنت التي أجبرت المحاربين الذين ولدتهم الثعابين ‪،‬‬
‫أن يشهر بعضهم على بعض حربا رهيبة ‪،‬‬
‫وأغرقت في النوم من ل يعرف النوم ‪ ،‬حارس الجزة ‪،‬‬
‫وغافلته ‪،‬‬
‫وأرسلت ذلك الذهب كله إلى مدن اليونان ·‬
‫الن تلزمني نسوغ تعيد إلى الشيخ شبابه ‪،‬‬
‫ترده إلى زهرة العمر ‪،‬‬
‫وتسمح له بأن يسترجع سنواته الولى ·‬
‫نعم ‪ ،‬ستعطينني إياها ‪،‬‬
‫ذلك أن الكواكب لم تجىء عبثا‬
‫لكي تشع بمثل هذا اللق ‪،‬‬
‫وليس عبثا أن تكون هذه العربة هنا قربي ‪،‬‬
‫مجرورة بأعناق تنانين مجنحة" ·‬
‫كانت قربها فعل ‪،‬‬
‫عربة هابطة من السماوات ·‬
‫صعدت إليها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 5‬كان يعتقد أن للسحرة سلطة على العناصر الطبيعية ‪ ،‬ومنها إنزال القمر إلى الرض · وكان يعتقد أن القرع بأدوات‬
‫برونزية يشوش السحر ‪ ،‬ويساعد القمر في مقاومة فعله ‪ ،‬خصوصا في حالة الخسوف ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪335 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪336 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪377 :‬‬

‫وبعد أن داعبت أعناق التنانين الملجومة بالمكابح ‪،‬‬


‫حركت بيدها العنة الخفيفة ‪،‬‬
‫وسرعان ما صعدت في الفضاء ‪،‬‬
‫ومن هناك في العالي ‪ ،‬ألقت نظراتها‬
‫على وادي تمبي (‪ )Tempe‬التيسالي ‪،‬‬
‫ثم وجهت تنانينها نحو المنطقة التي قررت أن تذهب إليها ‪،‬‬
‫تفحصت العشاب التي نبتت في أوسا (‪، )Ossa‬‬
‫وبيليون (‪ )Pelion‬ذي الذروة العالية ‪،‬‬
‫وأوتريس (‪ ، )Othrys‬وبندوس (‪، )Pindus‬‬
‫والولمب الكثر علوا منه ·‬
‫بين العشاب التي اختارتها‬
‫أعشاب كانت تقتلعها مع جذورها ‪،‬‬
‫وأخرى كانت تقطعها بحد منجل برونزي مقوس ·‬
‫اختارت كثيراً من هذه النباتات الطبية‬
‫من على ضفاف البيدانوس (‪، )Apidanus‬‬
‫وكثيراً غيرها على ضفاف آمفريزوس (‪، )Amphrysus‬‬
‫وأنت يا إنيبوس (‪، )Enipeus‬‬
‫أديت كذلك ضريبة ·‬
‫وأشركت في خدمتها بينيوس (‪، )Peneus‬‬
‫ومياه سبيرشيوس (‪)Spercheus‬‬
‫وشواطىء بحيرة بوبي (‪ ، )Boebe‬المغطاة بالسل ·‬
‫وقطفت من آنتيدون (‪، )Anthedon‬‬
‫قرب أوبيوس (‪ )Eubeus‬عشبة محيية‬
‫لم تكن بعد مشهورة في تحولت غلوكوس (‪· Glaucus( 6‬‬
‫عندما رجعت ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬إشارة إلى الصياد غلوكوس (‪ )Glaucus‬الذي صار خالدا بفضل هذه العشبة التي قطفتها ميديا · وسوف يجيء‬
‫ذكر هذا الصياد في الكتاب الثالث عشر ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪336 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪337 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪378 :‬‬

‫كان النهار التاسع والليل التاسع قد رأياها‬


‫في عربتها التي تقودها التنانين المجنحة ‪،‬‬
‫تطوف الحقول في جميع الجهات ·‬
‫لم تفعل التنانين إل أنها شمت رائحة نباتاتها ‪،‬‬
‫وكان هذا كافيا لكي تنسلخ عنها‬
‫جلودها التي شاخت ·‬
‫عندما وصلت ‪ ،‬وقفت على العتبة‬
‫أمام الباب ‪ ،‬تظللها السماء وحدها ‪،‬‬
‫فقد كانت تتجنب التصال بالناس ·‬
‫بنت هيكلين من العشب ‪،‬‬
‫واحدا إلى اليمين ‪ ،‬تمجيدا لهيكات ‪،‬‬
‫وآخر إلى اليسار ‪ ،‬تمجيدا لجوفانتاس ‪· )Juventas( 7‬‬
‫وبعد أن كللتهما بنبات رعي الحمام ‪ ،‬وبأغصان برية ‪،‬‬
‫حفرت غير بعيد عنها حفيرتين ‪،‬‬
‫وتهيأت للحتفال بتقديم أضحية ·‬
‫غرزت سكينا في عنق نعجة سوداء الصوف‬
‫ورشت الدم على الحفرتين الفارغتين ·‬
‫ثم سكبت فيهما خمرا ‪،‬‬
‫وسكبت من إناء آخر لبنا فاترا‬
‫وكانت في الوقت نفسه ‪،‬‬
‫تتفوه بألفاظ ‪ ،‬مستحضرة آلهة الرض ·‬
‫طلبت من ملك الظلل ‪،‬‬
‫ومن الزوجة التي خطفها ‪،‬‬
‫أل يسرعا كثيراً في انتزاع‬
‫نسمة الحياة من أعضاء الشيخ ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ ، )Juventas( 7‬هي عند الرومان ‪ ،‬إلهة الشباب · وتقابل اللهة هيبي (‪ )Hebe‬عند اليونان ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪337 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪338 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪379 :‬‬

‫عندما حازت على رضاهما بصلوات‬


‫تمتمت بها طويلً ‪،‬‬
‫أمرت بإحضار جسم إيزون ‪ ،‬الواهن ‪،‬‬
‫إلى الهواء الطلق ·‬
‫وبعد أن أغرقته بتعازيمها في نوم عميق ‪،‬‬
‫أضفى عليه مظهر الموت ‪،‬‬
‫مددته فوق سرير من العشب ‪،‬‬
‫آمرة ابن إيزون وخدمه أن ينسحبوا بعيدا ‪،‬‬
‫وأنذرتهم بأن عليهم أن يحولوا عن أسرارها أنظارهم المدنسة ‪،‬‬
‫فتفرقوا عندما سمعوا كلمها ·‬
‫أخذت ميديا تطوف حول الهيكلين ‪،‬‬
‫حيث يشتعل اللهب ‪،‬‬
‫مشعثة الشعر ‪ ،‬كمثل كاهنات باخوس ·‬
‫غطت في الحفرتين السوداوين من الدم ‪،‬‬
‫مشاعل من الخشب المقطوع قطعا رقيقة ‪،‬‬
‫ثم أشعلتها في الهيكلين ‪،‬‬
‫وطهرت الشيخ بالنار ثلث مرات ‪،‬‬
‫وثلث مرات بالماء‬
‫وثلث مرات بالكبريت ·‬
‫في أثناء ذلك ‪،‬‬
‫وفي حوض من البرونز موضوع فوق الجمر ‪،‬‬
‫كان يغلي شراب قوي ‪ ،‬يفيض ‪،‬‬
‫ويولد زبدا يبيض سطحه ·‬
‫كانت تطبخ فيه جذورا اقتلعتها من وادي هيمونيا‬
‫وبذورا ‪ ،‬وأزهارا ‪ ،‬ونسوغا سوداء اللون ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪338 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪339 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪380 :‬‬

‫مضيفة إلى هذا كله حجارة‬


‫جاءت بها من أقاصي الشرق ‪،‬‬
‫ورمل مغسول بمياه المحيط وهي في حالة الجزر ‪،‬‬
‫مضيفة كذلك ندى جمع في الليل‬
‫في ضوء البدر ‪،‬‬
‫وأجنحة رجيمة لعفريت ‪ ،‬مصحوبة بلحمه ذاته ‪،‬‬
‫وأحشاء ذئب تعود أن يبدل شكله الحيواني الوحشي ‪،‬‬
‫بشكل إنسان ·‬
‫ولم تنس أن تضيف حشرة‬
‫قاضمة ‪ ،‬نحيلة ‪ ،‬محرشفة الجلد ‪،‬‬
‫وكبد أيل مات بعد حياة طويلة ‪،‬‬
‫مضيفة إليهما منقارا ورأسا‬
‫لزاغ عاش تسعة قرون ·‬
‫عندما هيأت ابنة المتوحشين‬
‫بهذه المواد كلها وبمواد عديدة أخرى ل اسم لها ‪،‬‬
‫تنفيذ خطتها التي تتجاوز قدرة النسان ‪،‬‬
‫حركتها جميعا بغصن يابس قديم ‪،‬‬
‫من زيتونة ناعمة الثمار ‪،‬‬
‫مازجة العمق بالسطح ·‬
‫وها هو هذا الغصن القديم الذي أدارته في الحوض الملتهب‬
‫يخضر ‪ ،‬ثم في بضع لحظات يتغطى بالورق ‪،‬‬
‫وفجأة تثقله ثمار الزيتون ·‬
‫وحيثما كان الزبد يفيض بفعل النار ‪،‬‬
‫خارج الحوض ‪ ،‬وحيثما سقطت نقاط ساخنة على الرض ‪،‬‬
‫لبس المكان حلة ربيعية ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪339 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪340 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪381 :‬‬

‫نبتت فيه أزهار ‪ ،‬ونبت عشب طري ·‬


‫عندما رأت ميديا ذلك ‪،‬‬
‫سلت سيفا من غمده ‪،‬‬
‫فتحت عنق الشيخ ‪،‬‬
‫وتركت دمه القديم يسيل منه ‪،‬‬
‫وسكبت مكانه النسوغ التي هيأتها‬
‫لم يكد إيزون يتشربها بفمه‬
‫أو بفوهة جرحه ‪،‬‬
‫حتى صارت لحيته البيضاء سوداء ‪،‬‬
‫واسود كذلك شعره البيض ·‬
‫غاب نحوله‬
‫وتلشى شحوب وجهه وذبوله ·‬
‫ملت مادة جديدة تجويف تجاعيده ‪،‬‬
‫واستعادت أعضاؤه كل عافيتها ·‬

‫ذهل إيزون ‪،‬‬


‫فقد وجد نفسه من جديد‬
‫كما كان سابقًا منذ أربعين سنة ·‬
‫رأى باخوس من أعالي السماء هذه العجوبة الخارقة ‪،‬‬
‫وعرف أن مربياته يمكن أن يستعدن صباهن ‪،‬‬
‫وأن الكولشيدية ستغدق عليه هذا الفضل ·‬
‫ميديا ‪ ،‬بيلياس (‪)Medea,Pelias‬‬

‫أرادت ميديا أن تواصل حيلها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪340 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪341 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪382 :‬‬

‫فاصطنعت كراهية كاذبة لزوجها‬


‫والتجأت ‪ ،‬متوسلة ‪ ،‬إلى بيت بيلياس ‪· 8‬‬
‫استقبلتها ابنتاه‬
‫لن الشيخوخة ترهقه هو كذلك ·‬
‫لم تحتج الماكرة الكولشيدية إلى وقت طويل‬
‫لكي تفتنهما بمظهر صداقة خادعة ·‬
‫عدت بين مآثرها ‪ ،‬في المقام الول ‪،‬‬
‫المأثرة التي أخرجت إيزون من شيخوخته ‪،‬‬
‫واسترسلت ملحة على ذلك ·‬
‫آنذاك أملتا ابنتا بيلياس‬
‫في أن أباهما سيتمكن من أن‬
‫يستعيد صباه ‪ ،‬بطريقة مماثلة ·‬
‫وطلبتا هذا الفضل من ميديا‬
‫تاركتين لها هي أن تحدد الثمن بنفسها ‪،‬‬
‫ولو كان يتخطى المألوف ·‬
‫ظلت صامتة بضع لحظات ‪ ،‬وبدت كأنها تردد ‪،‬‬
‫تاركة ‪ ،‬بوقار زائف ‪ ،‬البنتين تتوسلن إليها‬
‫في حيرة من أمرهما ·‬
‫أخيراً ‪ ،‬وعدت قائلة ‪:‬‬
‫"لكي تكون لكما ثقة أكبر في فني ‪،‬‬
‫فإن الكبش الكبر سنا‬
‫الذي يسير على رأس نعاجكما ‪،‬‬
‫سيعود حمل ‪ ،‬بفضل الشراب الذي أعده" ·‬
‫وفي الحال أحضر إليهما حيوان كثير الصوف‬
‫أرهقته سنوات ل عد لها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 8‬بيلياس هو أخو إيزون ‪ ،‬وعم جازون · وهو الذي أرسل جازون للحصول على الجزة الذهبية ‪ ،‬والذي قتل أخاه‬
‫إيزون ‪ ،‬على وفق رواية ‪ ،‬ل يتبناها أوفيد · وميديا إذن جاءت لكي تعاقبه · هكذا دون توضيح ‪ ،‬ينتقل أوفيد بالقارىء‬
‫من ميديا الخيرة إلى ميديا المخادعة · وهي مشهورة ‪ ،‬على الخص ‪ ،‬بصفتها هذه الخيرة ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪341 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪342 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪383 :‬‬


‫ينحني قرناه حول صدغيه المجوفين ·‬
‫نبشت ميديا بسكين من هيمونيا عنقه المتجعد ‪،‬‬
‫فلم تتبقع إل بنقاط قليلة من الدم ·‬
‫ألقت معا في إناء برونزي‬
‫جسم الحيوان ونسوغا قوية الخصائص ‪،‬‬
‫فقلص السائل أعضاءه ‪ ،‬وقرنيه ‪ ،‬وعمره الكبير ·‬
‫وها هو ثغاء ضعيف يخرج من وسط الناء ·‬
‫ولحظة التعجب من هذا الثغاء‬
‫قفز حمل إلى الخارج ‪ ،‬هاربا بمرح‬
‫باحثا عن ضرعين جاهزين لرضاعه ·‬
‫أصيبت ابنتا بيلياس بالذهول ‪،‬‬
‫فيما كانتا تنظران إلى المعجزة التي‬
‫وعدت بها ميديا ‪ ،‬مؤكدة صدقها ‪،‬‬
‫وآنذاك كررتا عليها بإلحاح ما طلبتاه منها ·‬

‫ثلث مرات ‪ ،‬نزع فيبوس النير‬


‫عن خيوله الغارقة في نهر هيبيريا (‪Hiberie(، 9‬‬
‫وكانت الكواكب تضيء الليل الرابع‬
‫بنورها الساطع ‪ ،‬عندما وضعت‬
‫ابنة آييتسس (‪ ، )Aeetes‬الماكرة ‪،‬‬
‫على اللهب السريع ماء نقيا‬
‫وأعشابا ل خصائص لها ·‬
‫كان نوم يشبه الموت قد خدر أعضاء الملك ‪،‬‬
‫وأعضاء حرسه ‪ ،‬بفعل تعازيم ميديا ‪،‬‬
‫وبقدرتها التي يدين بها لسانها للسحر ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 9‬يشير نهر هيبيرا إلى الغرب ‪ ،‬حيث تغيب الشمس ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪342 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪343 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪384 :‬‬

‫كانت ابنتا الشيخ بأمر من الكولشيدية ‪،‬‬


‫قد اجتازتا معها العتبة ‪،‬‬
‫ووقفن حول السرير ·‬
‫قالت لهما ‪:‬‬
‫"لماذا تترددان الن ؟‬
‫لماذا أنتما جامدتان ؟‬
‫استل سيفيكما ‪ ،‬وأريقا‬
‫دم الشيخ ‪ ،‬لكي أستطيع‬
‫أن أدخل دما فتيا‬
‫إلى عروقه التي أفرغت ·‬
‫بين أيديكما حياة أبيكما وعمره ‪،‬‬
‫فإذا كان في قلبيكما بعض البر البوي ‪،‬‬
‫وإن كنتما ل تكتفيان بأن تحركا‬
‫في نفسيكما آمال باطلة ‪،‬‬
‫فساعدا أباكما ·‬
‫اطردا شيخوخته بقوة السلح ‪،‬‬
‫اغرزا السيف في صدره ‪،‬‬
‫لكي يخرج منه دمه الفاسد" ·‬
‫انقادت الولى إلى نصائحها ‪،‬‬
‫فصارت الكثر حبا لبيها ‪،‬‬
‫والكثر بعدا عن الجريمة ‪،‬‬
‫هي الكثر إجراما ·‬
‫لكن أيا منهما لم تقدر أن تتحمل‬
‫منظر الطعنات التي توجهها ‪،‬‬
‫فحولتا أنظارهما إلى الجهة الخرى ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪343 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪344 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪385 :‬‬

‫وأخذتا ‪ ،‬بعماوة ‪ ،‬تضاعفان الجراح‬


‫بأيديهما المجرمة ·‬
‫استند الشيخ إلى مرفقه ‪،‬‬
‫وهو يسيل دماء محاولً ‪ ،‬وهو نصف مشوه ‪،‬‬
‫أن ينهض من سريره ‪ ،‬وقال‬
‫وهو يمد وسط السيوف ‪ ،‬ذراعيه الكامدتين ‪:‬‬
‫"ماذا ‪ ،‬يا ابنتاي ‪ ،‬تفعلن ؟‬
‫ما القضية التي تحرضكما‬
‫ضد حياة أبيكما ؟"‬
‫خار قلباهما ‪ ،‬وخارت يداهما في آن ·‬
‫كان يهم بقول المزيد ‪،‬‬
‫عندما أوقفت الكولشيدية كلمه ‪،‬‬
‫قاطعة عنقه ‪،‬‬
‫رامية أعضاءه الممزقة في الماء الذي يغلي ·‬

‫هرب ميديا‬

‫لو أن التنانين المجنحة‬


‫لم تنقلها إلى الفضاء ‪،‬‬
‫لما قدرت أن تتجنب العقاب ·‬
‫هربت عبر أعالي الفضاء ‪،‬‬
‫فوق ظلل بيليون (‪ ، )Pelion‬ملجأ فيليرا ‪، )Philyra( 10‬‬
‫وفوق أوتريس (‪، )Othrys‬‬
‫والماكن التي أشهرتها مغامرة سيرامبوس ‪)Cerambus( 11‬‬
‫المغرق في القدم ·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬فيليرا هي أم السنطور شيرون (‪ ، )Chiron‬كانت تسكن معه في بيليون ·‬


‫‪ 11‬كان سيرامبوس يعيش في وادي سبيرشيوس (‪ · )Sperchius‬وفي رواية ‪ ،‬خلفا لما يقوله أوفيد ‪ ،‬تحول‬
‫سيرامبوس إلى خنفساء عقابا له ‪ ،‬لنه أهان إلهات الغابات ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪344 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪345 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪386 :‬‬

‫كانت تحمله في الجواء‬


‫أجنحةٌ أخذها من إلهات الغاب ‪،‬‬
‫عندما طُمرت كتلة الرض الثقيلة‬
‫تحت مياه المحيط ‪،‬‬
‫طمْر معها في طوفانِ دوكاليون (‪· )Deucalion‬‬ ‫فنجا من خطر ال ّ‬
‫تركت ميديا إلى يسارها بيتّان اليلوسيّة (‪)Pitane‬‬
‫وأعالي الصخور التي تتطاول شبيهة بأفعى ‪، 12‬‬
‫وغابة إيدا (‪، )Ida‬‬
‫ل أيّل خادعٍ ‪،‬‬
‫حيث خبّأ باخوس ‪ ،‬تحت شك ِ‬
‫الثّورّ الذي سرقه ابنه ‪،‬‬
‫ومرّت حيث دُفن والد كوريتوس (‪)Corythus‬‬
‫تحت حفن ٍة من الرّمل ‪،‬‬
‫وفي الحقول التي أرعبتها ماييرا (‪)Maera‬‬
‫بنباحها الحديث العهد ·‬
‫مدينة أوريبيلوس ‪)Eurypilus( 13‬‬
‫حيث حُكمت أمّهات عائلة كوس (‪)Cos‬‬
‫بأن يضعنَ قروناً ‪،‬‬
‫فيما يبتعد جيش هرقل (‪· )Hercule‬‬
‫رودس (‪ ، )Rhodes‬الغالية على فيبوس ‪،‬‬
‫وإياليزوس (‪ )Ialysus‬مقرّ التيلشين (‪)Telchines‬‬
‫الذين كانوا يسحرون بنظراتهم‬
‫ل ما تراه عيونهم ‪ ،‬والذين غضب عليهم جوبيتر ‪،‬‬ ‫كّ‬
‫فأغرقهم في المياه التي يسيطر عليها أخوه ·‬
‫اجتازت ميديا كذلك أسوار كارتايا (‪)Carthaia‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 12‬لكل من المكنة التي عبرتها ميديا في هربها ‪ ،‬تاريخه الخاص · يروي أوفيد في الكتاب الحادي عشر أن أفعى‬
‫كانت تتهيأ لتعض رأس أورفيوس ‪ ،‬تحولت إلى صخرة · وهذه الصخرة هي ليسبوس التي طارت ميديا فوقها ·‬
‫والقصة المتعلقة بابن ليبر ‪ -‬ديونيزيوس ‪ ،‬تجري في جبل إيدا ‪ ،‬جنوبي ترواد (‪ ، )Troade‬المنطقة التي عاش فيها‬
‫باريس (‪ )Paris‬ومات · ويشير إليه أوفيد بعبارة "والد كورتيوس" ليوحي بالمغامرة الحزينة التي قام بها هذا الشاب ‪،‬‬
‫والتي أدت إلى أن يقتله أبوه ‪ -‬لن هيلين (‪ )Helene‬أحبته · وتذكر ماييرا التي تحولت إلى كلبة بهيكوبا (‪)Hecube‬‬
‫التي تحولت هي كذلك إلى كلبة ‪( ،‬الكتاب الثالث عشر) ·‬
‫‪ 13‬أوريبيلوس هو ملك كوس ‪ ،‬وقد حاول أن يمنع هرقل من الرسو في جزيرته·‬
‫والتيليشين هم شياطين رودوس ‪ ،‬الذين اخترعوا فنونا وتقنيات كثيرة · رشوا الجزيرة بماء ستيكس لكي يجعلوها‬
‫جرداء ل تثمر · فغضب جوبيتر ورماهم في البحر ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪345 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪346 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪387 :‬‬


‫في سيوس (‪ )Ceos‬القديمة ‪،‬‬
‫حيث عرف أبٌ هو آلكيداماس (‪)Alcidamas‬‬
‫ل مفاجىءٍ أنّ حمام ًة وديعةً‬ ‫بشك ٍ‬
‫وُلدتْ من جس ِم ابنته ‪· 14‬‬
‫ثم رأت بعد ذلك بحيرة هيريا (‪، )Hyrie‬‬
‫وتامبي (‪ ، )Tempe‬مدينة سينيوس (‪)Cygnus‬‬
‫التي اشتهرت بطائر التمّ الذي ظهر فيها فجأة ·‬
‫فإلى هذه المدينة في الواقع ‪،‬‬
‫جلب فيليوس (‪ )Phyllius‬امتثالً لوامر الطفل‬
‫طيورا وأسداً متوحّشا ‪ ،‬روّضها جميعاً ·‬
‫طرَ كذلك بأن يغلب ثورًا ‪ ،‬فغلبه ·‬ ‫وأخ ِ‬
‫غير أنّه لم يعترف لسينيوس بالثور‬
‫الذي طالب به كأعطية أخيرة ‪،‬‬
‫فغضب ‪ ،‬قائلً له ‪:‬‬
‫"سوف تتمنّى لو كنت أعطيتني إيّاه ؟" ·‬
‫وألقى نفسه من أعلى صخرة ·‬
‫ظنّ الجميع أنه سقط ‪ ،‬لكنه‬
‫تحوّل إلى تمّ ‪ ،‬وأخذ يتأرجح في الفضاء‬
‫محمولً على أجنح ٍة بيضاء كالثلج ·‬
‫ذابت أمّه هيريا بكاءً عليه ‪،‬‬
‫جاهلةً أنه ل يزال حيّا ‪،‬‬
‫سمّيت باسمها ·‬ ‫وتحوّلت إلى بحيرة ُ‬

‫قريبًا من هناك ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 14‬أخيراً · كان آلسيداماس قد أقسم ‪ ،‬مشهدا على ذلك أبوللون ‪ ،‬أن يعطي ابنته إلى شاب أثيني ‪ ،‬ثم نسي قسمه ‪،‬‬
‫وزوجها إلى آخر ‪ ،‬ماتت فيما كانت تلد طفل ‪ ،‬ومن سرير موتها طارت حمامة ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪346 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪347 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪388 :‬‬

‫يعلو بليرون (‪)Pleuron‬‬


‫حيث بحثت كومبيا (‪ ، )Combe‬ابنة أوفيوس (‪، )Ophius‬‬
‫عن ملجأً لتنجوَ من ضربات أبنائها ·‬
‫ثم رأت ميديا حقول كالوريا (‪، )Calauria‬‬
‫المنذورة لبن لتونا (‪ ، )Latona‬والتي شهدت‬
‫تحوّل ملكٍ وزوجته إلى طائرين ·‬
‫إلى اليمين سيلّلينا (‪)Cyllene‬‬
‫حيث ساند مينيفرون (‪ )Ménéphron‬أمّه ‪،‬‬
‫كما تفعل البهائم المتوحّشة ·‬
‫اكتشفت ‪ ،‬كذلك بعيدًا ‪ ،‬فيما كانت تتلفّت إلى الوراء ‪،‬‬
‫كيفيزوس (‪ )Cephisus‬ينتحب على مصير حفيده‬
‫الذي حوّله أبوللون إلى عِجلٍ بحريّ‬
‫منتفخ بالشحم ·‬
‫ومنزل أوميلوس (‪ ، )Eumelus‬الذي‬
‫يبكي ابنه لنه خطف إلى الفضاء ‪· 15‬‬
‫أخيراً ‪ ،‬وصلت ميديا مع تنانينها المجنحة‬
‫إلى إفيرا (‪ )Ephyre‬التي يسقيها‬
‫نهر بيرينا (‪· )Pirene‬‬
‫هناك ‪ ،‬في الزمنة الولى ‪،‬‬
‫للعالم ‪ ،‬تبعاً لتقليد مغرق في القدم ‪،‬‬
‫كان الناس يولدون من الفطور‬
‫التي تتفتح في أثناء المطر ·‬
‫لكن بعد أن قتلت سموم الكولشيدية‬
‫زوجة جازون الجديدة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 15‬تزوجت كومبيا من زوج شرس وولدت منه أبناء كثيرين ‪ ،‬فهربت منه وأخذتهم معها· ثم هربت من أبنائها‬
‫أنفسهم ‪ ،‬متحولة إلى طائر · وكانت جزيرة كالوريا منذورة لبوللون · أوميلوس قتل ابنه لنه ارتكب خطيئة في أثناء‬
‫تضحية قدمت لبوللون ‪ ،‬وقد حوله هذا الله إلى طائر يظن أنه الوروار ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪347 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪348 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪389 :‬‬

‫ورأى البحران كلهما منزل الملك فريسة للهب ‪،‬‬


‫صبغت آنذاك ميديا سيفها المجدف‬
‫بدم أطفالها ‪،‬‬
‫وبعد أن انتقمت ‪ ،‬هربت‬
‫هذه الم الكريهة من أسلحة جازون ·‬
‫دخلت إلى قلعة بالس (‪)Pallas‬‬
‫تحملها تنانينها ‪ ،‬هدية تيتان ‪،‬‬
‫ورأتكما ‪ -‬أنت يا فينيوس (‪، )Pheneus‬‬
‫مثال العدالة ‪،‬‬
‫وأنت أيها الشيخ بيريفاس (‪)Periphas‬‬
‫تطيران معا ‪،‬‬
‫ورأت كذلك حفيدة بوليبيمون (‪)Polypemon‬‬
‫تحوم بأجنحة جديدة ‪· 16‬‬
‫استقبل إيجيوس (‪ )Egeus‬هذه الغريبة ‪،‬‬
‫وذلك هو اللوم الوحيد الذي استحقه ·‬
‫ولم يكتف باستضافتها ‪،‬‬
‫فقد تجاوز ذلك إلى القتران بها‬
‫اقترانا زواجيًا ‪،‬‬

‫تيزيوس (‪)Theseus‬‬
‫في تلك اللحظة ‪ ،‬وصل تيزيوس‬
‫الذي لم يكن أبوه ‪ ،‬حتى ذلك الوقت ‪ ،‬يعرفه ‪،‬‬
‫والذي أعاد السلم ببسالة‬
‫إلى المضيق الذي يتخبط بين بحرين ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 16‬كان بيريفاس ملكاً على أثينا قبل سيكروبس · وكان مواطنوه يقيمون له احتفالت غار منها جوبيتر · وقد رضي ‪،‬‬
‫بطلب من أبوللون ‪ ،‬أل يبيد بيريفاس ‪ ،‬مكتفيا بتحويله إلى نسر · وقد طلبت فينيوس زوجته أن تحول هي كذلك إلى‬
‫طائر ‪ ،‬فحولت إلى عقاب· أما حفيدة بوليبيمون آلكيونا (‪ ، )Alcyone‬فقد أغرقها في البحر أبوها سكيرون (‬
‫‪ ، )Sciron‬وكان رجلً شريرا ‪ ،‬فتحولت إلى طائر بحري يحمل اسمها (‪· )Alcyon‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪348 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪349 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪390 :‬‬

‫ركبت ميديا ‪ ،‬لكي تقتله ‪ ،‬مزيجا‬


‫أدخلت فيه عشبة القونيطن‬
‫التي جلبتها سابقاً من شواطىء سكيثيا (‪· )Scythie‬‬
‫ويقال إن سم هذه العشبة تكون‬
‫بين أسنان كلب إيخيدنا في الجحيم ·‬
‫كانت هنالك مغارة تغطي مدخلها‬
‫ظلمات كثيفة ‪ ،‬وطريق وعرة جر فيها بطل تيرينثيا ‪· )Tirynthe( 17‬‬
‫كيربيريوس ‪ ،‬على الرغم من مقاومته ‪،‬‬
‫عندما واجه أشعة النهار الساطعة ‪،‬‬
‫محول نظراته ‪،‬‬
‫رابطا إياه بسلسلة ذات حلقات فولذية ·‬
‫وقد اهتاج الوحش بشكل عنيف ‪،‬‬
‫فأخذ يمل الفضاء بنباحه الثلثي معا ‪،‬‬
‫ناثرا على عشب الحقول‬
‫قطرات بيضاء من الزبد ·‬
‫تخثرت ‪ ،‬كما يقال ‪ ،‬ونمت خاصيتها المشؤومة‬
‫بالغذاء الذي عثرت عليه في التراب الغني الخصب ·‬
‫من هنا أطلق الفلحون على بعض العشاب القوية‬
‫اسم القونيطن ‪،‬‬
‫لنها تنبت في الصخور الصلبة ·‬
‫قدم إيجيوس بنفسه هذا السم لبنه ‪،‬‬
‫مخدوعا من زوجته ‪،‬‬
‫كأنه يقدمه إلى عدو ·‬
‫تناول تيزيوس بيده الكأس التي قدمت له ‪،‬‬
‫دون أن يرتاب في الخطر ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 17‬هو هرقل ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪349 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪350 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪391 :‬‬


‫لحظة رأى أبوه على مقبض سيفه العاجي‬
‫علمة العائلة ‪،‬‬
‫دفع بعيدا عن فمه الشراب القاتل ·‬
‫ونجت ميديا من الموت في غيمة‬
‫جمعتها بقوة سحرها‬
‫أما الب ‪ ،‬فلم يكن ‪ ،‬على الرغم من فرحه بإنقاذ حياة ابنه ‪،‬‬
‫أقل ذعرا‬
‫من أن جريمة بمثل هذه الوحشية كادت أن تحدث منذ قليل ·‬
‫أشعل اللهب على هياكل اللهة ‪،‬‬
‫وأثقلها بالقرابين ·‬
‫وراحت الفؤوس تضرب أعناق الثيران ‪ ،‬الكثيرة العضل ‪،‬‬
‫المزينة بأشرطة ملفوفة حول قرونها ·‬
‫لم يشهد سابقاً شعب أثينا ‪،‬‬
‫كما قيل ‪ ،‬يوما بأبهة هذا اليوم ·‬
‫كان الكبار وعامة الناس ‪،‬‬
‫يحتفلون بإقامة الموائد ·‬
‫وبوحي من الخمر ‪ ،‬كانوا ينشدون هذا النشيد ‪:‬‬
‫"أنت ‪ ،‬يا تيزيوس العظيم ‪18‬‬
‫من رآه ماراتون (‪ ، )Marathon‬معجبا ‪،‬‬
‫يريق دم الثور الكريتي ·‬
‫ولئن كان الفلح يحرث حقول كروميون (‪)Cromyon‬‬
‫خالي البال من الخنزير البري ‪،‬‬
‫فهذا بعملك وبفضل منك ·‬
‫وبفضلك رأت أرض إيبيدوروس (‪)Epidaurus‬‬
‫اندحار ابن فولكان (‪)Vulcain‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 18‬يعد البطل تيزيوس بطل تمدين ‪ ،‬وهو منذور لتطهير الرض من الشرار والمسوخ · وقد عددت مآثره تباعا ‪:‬‬
‫قتل الثور الذي كان يخرب منطقة ماراتون ‪ ،‬وخنزيرة كروميون ‪ ،‬وبيريفيتيس الذي كان يقتل المسافرين بهراوته ‪،‬‬
‫وبروكروستيس الذي كان يضع المسافرين على سرير ‪ ،‬ويمددهم على وفق قاماتهم ‪ ،‬ساحبا أعضاءهم أو مقلصا إياها‬
‫‪ ،‬قاطعا أرجلهم · وسيرسيون الذي كان يغتال المسافرين ‪ ،‬وسينيس الذي كان يحني شجرتي صنوبر حتى الرض‬
‫ويربط بهما ضحاياه ‪ ،‬قبل أن يعيدهما إلى وضعهما الول · وسيرون الذي كان يرمي المسافرين في البحر ‪ ،‬والذي‬
‫سميت صخرة باسمه ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪350 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪351 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪392 :‬‬

‫الذي كان يتسلح بهراوة ·‬


‫ورأت ضفاف سيفيزوس اندحار بروكروستوس (‪ )Procrustus‬الشرس‬
‫ورأت إيليوسيس (‪ ، )Eleusis‬المدينة الغالية على سيريس (‪)Ceres‬‬
‫موت كيركيون (‪)Cercyon‬‬
‫وقضي على سينيس (‪ )Cinis‬الذي كان يفرط بوحشية ‪،‬‬
‫في استخدام قوته الرهيبة‬
‫التي كانت تقدر أن تلوي جذوع الشجر ‪،‬‬
‫وتحني من الذروات إلى السفوح أشجار الصنوبر ‪،‬‬
‫والذي كان يمزق أعضاء ضحاياه ·‬
‫الطريق التي تؤدي إلى جدران ميغارا (‪ )Megara‬آمنة ‪،‬‬
‫ومفتوحة للجميع ‪ ،‬منذ اندحار سكيرون (‪· )Sciron‬‬
‫ويرفض البحر والرض‬
‫أن يكون فيهما مأوى لعظام هذا الشرير المبعثرة ·‬
‫طويل ‪ ،‬قذف بها ‪ ،‬هنا وهناك ‪،‬‬
‫فتصلبت ‪ ،‬كما يقال ‪ ،‬مع الزمن‬
‫حتى تحولت إلى صخور سميت باسمه ·‬
‫إذا أردنا أن نعد مآثرك وسنواتك ‪،‬‬
‫فإن مآثرك تتفوق بعددها على سنواتك ‪،‬‬
‫من أجلك ‪ ،‬أيها الكثر بسالة بين البطال ‪،‬‬
‫يرفع شعبنا نذوره إلى ال ؛‬
‫وتعظيما لك ‪،‬‬
‫نفرغ هذه الكؤوس المترعة بنعم باخوس" ·‬
‫دوت هتافات الشعب وصلواته‬
‫تمجيدا للبطل في أرجاء القصر الملكي ‪،‬‬
‫ولم يبق في المدينة كلها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪351 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪352 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪393 :‬‬

‫مكان يخيم عليه الحزن ·‬

‫أياكوس (‪)Aeacus‬‬

‫لكن ‪ ،‬كم هو صحيح انعدام اللذة الصافية ‪،‬‬


‫إن في الفرح دائما شيئا من الحزن ‪،‬‬
‫فبعد أن التقى إيجيوس بابنه ‪،‬‬
‫لم يعرف سعادة خالية من القلق ·‬
‫كان مينيوس يتهيأ للحرب ‪،‬‬
‫ومع أنه قوي بجنوده وأسطوله ‪،‬‬
‫فقد كان يستمد قوته العظمى من غضبه البوي ‪:‬‬
‫كان يحاول أن يحقق بالسلح ثأرا عادل‬
‫لموت أندروجيوس (‪· Androgeus( 19‬‬
‫وكان قد جمع حوله من أجل هذه الغزوة‬
‫جيوشا حليفة ‪،‬‬
‫فمخر البحار في جميع التجاهات ‪،‬‬
‫بها وبأسطوله السريع الذي تعتز به مملكته ·‬
‫انضم إلى قضيته آنافا (‪ )Anaphe‬ومملكة آستيباليا (‪)Astypalaea‬‬
‫الول بالوعود ‪ ،‬والثانية بالحرب ·‬
‫انضم كذلك ميكونوس (‪ )Myconos‬المتواضع ‪،‬‬
‫وحقول كيمولوس (‪ )Cimolos‬الطباشيرية ‪،‬‬
‫وسهول سيريفوس (‪ )Seriphos‬وباروس (‪ ، )Paros‬الجزيرة‬
‫المعروفة برخامها الجميل ‪،‬‬
‫وسيفنوس (‪ )Siphnos‬التي سلمتها قديما‬
‫آرنا (‪ )Arne‬الخائنة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 19‬اندروجيوس هو ابن مينوس ‪ ،‬ملك كريت · قتله الثينيون لنهم غاروا من النجاحات التي حققها في احتفالت‬
‫أعياد أثينا (‪ · )Panathenes‬وكان عليهم ‪ ،‬مقابل ذلك ‪ ،‬أن يدفعوا ‪ ،‬كل سنة ‪ ،‬إلى مينوس جزية من أربعة عشر‬
‫شخصا ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪352 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪353 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪394 :‬‬

‫والتي بعد أن أخذت الذهب الذي اقتضاه جشعها ‪،‬‬


‫تحولت إلى طائر مهووس كذلك بالذهب ‪ ،‬حتى اليوم ‪،‬‬
‫هو غراب الزرع ‪ ،‬ذو القائمتين السوداوين ‪،‬‬
‫والمكسو بأجنحة سوداء ‪،‬‬
‫غير أن أولياروس (‪ )Oliarus‬وديديميس (‪)Didymes‬‬
‫وجياروس (‪ ، )Gyaros‬وبيبارتيوس الغنية بزيتها المتللىء ‪،‬‬
‫رفضت أن تساعد مراكب كنوسوس (‪· )Cnossus‬‬
‫هكذا توجه مينوس ‪ ،‬يسارا ‪ ،‬نحو إينوبيا (‪، )Eonopia‬‬
‫مملكة إياكوس ‪ ،‬التي سماها القدماء بهذا السم ‪،‬‬
‫لكن إياكوس أعطاها اسما آخر ‪،‬‬
‫هو اسم أمه إيجينا (‪· Aegina( 20‬‬
‫اندفع الناس متلهفين لمعرفة بطل بهذه الشهرة ‪،‬‬
‫واستقبله تيلمون (‪ )Telamon‬وبيليوس (‪، )Peleus‬‬
‫خرج كذلك إياكوس ‪ 21‬نفسه من بيته ‪،‬‬
‫بخطوات خفف سرعتها ثقل الشيخوخة ‪،‬‬
‫وسأل مينوس عن السبب الذي جاء به ·‬
‫تنهد الملك المالك على شعوبه المئة ‪،‬‬
‫حين سمع هذا السؤال الذي أيقظ في نفسه‬
‫ألمه البوي ‪ ،‬وأجابه بهذه العبارات ‪:‬‬
‫"أستحلفك أن تساعد جنودي‬
‫الذين أقودهم لثأر لبني ‪،‬‬
‫وأن تشارك في هذه الغزوة البارة ·‬
‫إنني ألتمس ما يعزي ‪ ،‬ميتا في قبره " ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 20‬إيجينا هي ابنة الله النهر آزوبوس (‪ ، )Asopus‬وإياكوس ابنها من جوبيتر ·‬


‫‪ 21‬كان لياكوس من زوجته ولدان ‪ :‬بيليوس الذي سيصبح فيما بعد أبا لخيل (‪ ، )Achille‬وتيلمون الذي سيصبح‬
‫أبا لجاكس (‪ · )Ajax‬ومن إحدى عشيقاته ابن ثالث هو فوكوس الذي سيقتله فيما بعد أخوه بيليوس ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪353 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪354 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪395 :‬‬

‫فأجابه حفيد آزوبوس ‪:‬‬


‫"ل جدوى من توسلك ‪،‬‬
‫فمدينتي ل تقدر أن تستجيب له ·‬
‫ما من بلد يرتبط عضويا بشعب كيكروبس‬
‫كمثل هذا البلد ·‬
‫فالتحالف الذي يوحد بيننا راسخ جداً " ·‬

‫ابتعد مينوس ‪ ،‬حزينا ‪ ،‬وقال له ‪:‬‬


‫"سيكلفك هذا التحالف غالياً " ·‬

‫معتقداً أن التهديد بالحرب خير له من إعلنها ‪،‬‬


‫واستنفاذ قواه في هذا المكان قبل الوان ·‬
‫كانت رؤية السطول الكريتي من أسوار إينوبيا ‪،‬‬
‫ل تزال ممكنة ‪،‬‬
‫عندما تقدمت سفينة أثينية ‪،‬‬
‫ناشرة جميع القلوع ‪،‬‬
‫ودخلت إلى مرفأ حلفائها ‪،‬‬
‫تقل سيفالوس (‪ ، Cephalus( 22‬وفي الوقت نفسه ‪،‬‬
‫رسالة من وطنه ·‬
‫لم يكن أبناء إياكوس الشباب رأوا كيفالوس‬
‫منذ مدة طويلة ‪،‬‬
‫مع ذلك عرفوه وصافحوه وأخذوه‬
‫إلى مقر والدهم ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 22‬سيفالوس هو زوج بروكريس (‪ )Procris‬ابنة ملك أثينا ‪ ،‬إيريكتيوس (‪، )Erechtee‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪354 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪355 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪396 :‬‬

‫دخل معهم البطل الذي ل يزال وجهه النبيل‬


‫يحتفظ بآثار جماله القديم ‪،‬‬
‫ممسكا بيده غصن زيتون ‪ -‬الشجرة الغالية على الشعب كله ·‬
‫إلى يمينه وإلى يساره ‪،‬‬
‫يسير شخصان أصغر منه سنا ‪،‬‬
‫كليتوس (‪ )Clytos‬وبوتيس (‪، )Butes‬‬
‫ابنا بالس (‪· Pallas( 23‬‬
‫لم يكد يجلس في حضرة الملك‬
‫حتى وجه إليه الكلم بحسب العرف والعادة ·‬
‫ثم قدم كيفالوس الرسالة‬
‫التي كلفه بها سليل كيكروبس ·‬
‫طلب العون مذكرا بالمعاهدة‬
‫وبالتزامات أبويهما ‪ ،‬مضيفاً‬
‫أن مينوس يتطلع إلى السيطرة على اليونان كلها ·‬
‫وبعد أن دافع بفصاحته‬
‫عن القضية التي أوكلت إليه ‪،‬‬
‫أجاب إياكوس ‪ ،‬ساندا يده اليسرى على مقبض صولجانه ‪:‬‬
‫"ل تطلبي العون مني يا أثينا ‪،‬‬
‫خذيه ‪،‬‬
‫ل تترددي في النظر إلى قوى‬
‫هذه الجزيرة كأنها قواك ‪،‬‬
‫وإلى الثروات التي توفرها أحوالي الراهنة كأنها ثرواتك ·‬
‫عندي من الجنود أكثر مما يلزمني‬
‫حتى لكي أدافع عن نفسي ضد العدو ·‬
‫الوضاع مؤاتية لي ‪ ،‬بفضل اللهة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 23‬بالس هو ابن بانديون (‪ )Pandion‬الذي كان ملكا على أثينا بعد إيريكتيوس بجيلين‪ ،‬وثلثة أجيال بعد بانديون‬
‫آخر ‪ ،‬هو والد بروكنيا (‪ · )Procne‬أحد إخوته هو إيجيوس (‪ )Egee‬والد تيزيوس (‪ · )Thesee‬وكان له هو نفسه‬
‫خمسون ولدا ‪ ،‬بينهم كليتوس وبوتيس ·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪355 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪356 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪397 :‬‬

‫ول تزودني ‪ ،‬لكي أرفض ‪ ،‬بأي عذر" ·‬


‫فقال كيفالوس ‪:‬‬
‫"آه ‪ ،‬نعم ‪ ،‬عسى أن يكون هذا !‬
‫أتمنى أن يزداد كذلك رخاء شعبك‬
‫سررت ‪ ،‬دون شك ‪ ،‬عند وصولي‬
‫برؤية شابين يتقدمان لستقبالي ‪،‬‬
‫يبدوان من عمر واحد ‪،‬‬
‫غير أنني ل أرى إل قليل‬
‫من هؤلء الذين رأيتهم هنا سابقا ‪،‬‬
‫عندما استقبلتني للمرة الولى" ·‬

‫تأوه إياكوس ‪ ،‬وأجاب قائلً بصوت قاتم ‪:‬‬


‫"بعد البداية المحزنة ‪،‬‬
‫جاء مصير أفضل ·‬
‫وكيف أستطيع أن أروي لك الثاني‬
‫دون أن أروي البداية !‬
‫سأعود رأسا إلى الصل ‪،‬‬
‫ولكي ل أطيل عليك ‪،‬‬
‫لم يعد أولئك الذين تبحث عنهم ذاكرتك المينة ‪،‬‬
‫إل رمادا في الرض ‪ ،‬وأكداسا من العظام !‬
‫وفوق ذلك ل يشكلون إل جزءا ضئيل من خسائري !‬
‫فقد ضرب طاعون رهيب‬
‫شعبي الذي كان يطارده غضب جونون ‪،‬‬
‫التي حقدت على بلد سميت باسم منافستها ‪· 24‬‬
‫كافحنا هذا الوبأ‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 24‬كانت جونون تكره إيجينا التي جعل منها جوبيتر أما ‪ ،‬كما كانت تكره إيو ‪ ،‬وسيميل (‪ )Semele‬وكل عشيقات‬
‫زوجها ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪356 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪357 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪398 :‬‬

‫في حدود كونه ناتجا عن الطبيعة النسانية ‪،‬‬


‫ونجهل علته المشؤومة ‪،‬‬
‫بالوسائل التي يقدمها فن الطب ·‬
‫غير أن الكارثة تخطت جميع وسائل الغاثة ‪،‬‬
‫فلم تستطع أن تتغلب عليها ·‬
‫أرسلت السماء إلى الرض ضبابا كثيفا ‪،‬‬
‫وغيوما حشتها بحرارة مرهقة ·‬
‫مرات أربع ‪ ،‬جمع القمر قرنيه ‪،‬‬
‫ودور قرصه الضوئي ·‬
‫مرات أربع ‪ ،‬في محاقه ‪،‬‬
‫تحدى تمام قرصه ‪،‬‬
‫وفي أثناء هذا كله ‪ ،‬لم ينقطع هبوب ريح الجنوب‬
‫عن نشر الحرارة الميتة في كل مكان ‪،‬‬
‫ومن الثابت أن الينابيع والحواض‬
‫قد تسربت إليها العدوى ‪،‬‬
‫وأن آلفا من الفاعي انتشرت‬
‫في الرض غير المزروعة ‪،‬‬
‫ولوثت مجاري المياه ·‬
‫كانت الكلب والطيور والخراف والثيران والحيوانات المتوحشة ‪،‬‬
‫بموتها أكداسا أكداسا ‪،‬‬
‫هي الولى التي كشفت عن شدة هذا الوبأ المفاجىء ·‬
‫الفلح السيء الحظ‬
‫يذهل من رؤية ثيرانه القوية‬
‫تنهار في أثناء فلحته ‪ ،‬وتتمدد‬
‫في الثلم غير المكتمل ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪357 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪358 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪399 :‬‬

‫والحيوانات ذوات الصوف‬


‫تطلق ثغاء اللم ·‬
‫أصوافها تتساقط من تلقائها‬
‫وأجسامها تبيد ·‬
‫وفرس السباق ‪ ،‬النشط من هنيهة ‪،‬‬
‫والذي شهرته انتصاراته في الحلبة ‪،‬‬
‫يفقد جدارته بها ·‬
‫كان يتأوه عند معلفه ‪،‬‬
‫ناسيا أمجاده القديمة ‪،‬‬
‫منتظرا في خمود ‪ ،‬موته ·‬
‫وتخلى الخنزير البري عن ضراوته ‪،‬‬
‫ولم تعد الغزالة تعتمد على سرعتها ‪،‬‬
‫وتوقفت الدببة عن مهاجمة القطعان الكبيرة ·‬
‫كان كل شيء يضنى ‪،‬‬
‫وفي الغابات ‪ ،‬في الحقول ‪ ،‬على الطرق ‪،‬‬
‫تتمدد جثث شنيعة‬
‫تلوث الهواء برائحتها ·‬
‫والغريب أن الكلب والطيور المفترسة‬
‫والذئاب ذوات الوبر الرمادي ‪،‬‬
‫لم تكن تلمسها أبدا ·‬
‫كانت تتساقط من تلقائها متحللة إلى غبار ‪،‬‬
‫تنبعث منها روائح كريهة تنقل بعيدا العدوى ·‬

‫امتد فتك هذه الكارثة ‪ ،‬وهو الشد رهبة ‪،‬‬


‫إلى المزارعين البائسين ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪358 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪359 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪400 :‬‬

‫مرسيا سلطانه في حرم هذه المدينة الكبيرة‬


‫أول‪ ،‬يفترس الحشاء لهب خفي‪،‬‬
‫يكشف عنه احمرار الجلد وحرارة النفس المحرقة ·‬
‫واللسان خشن ومنتفخ ‪،‬‬
‫والفم يابس ‪ ،‬ينفتح في الريح الحارة ‪،‬‬
‫ول يتنسم بين الشفتين المفتوحتين غير الهواء النتن ·‬
‫لم يكن المصابون قادرين على تحمل الغطاء أو اللباس ‪،‬‬
‫فكانوا يضعون صدورهم التي فقدت إحساسها‬
‫وأجسامهم على التراب ‪،‬‬
‫ينقلون إلى الرض حرارتهم ‪،‬‬
‫بدل من أن يترطبوا بها ·‬
‫ل يقدر أحد أن يوقف الوبأ ‪،‬‬
‫اندفع وحشيا جارفا الطباء أنفسهم ‪،‬‬
‫متساقطين ضحايا الفن الذي يمارسونه ·‬
‫وبقدر ما كان يقترب من المرضى ‪،‬‬
‫تفانيا في خدمتهم ‪،‬‬
‫كان المقتربون يصابون سريعاً بالوبأ المشؤوم ·‬
‫وعندما كانوا يفقدون المل ‪،‬‬
‫ويرون أن الموت هو وحده الذي يقدر‬
‫أن ينهي آلمهم ‪،‬‬
‫كانوا يستسلمون لغرائزهم ‪ ،‬دون أي هاجس‬
‫بالدوية الناجعة ·‬
‫والحق أنه لم تكن هناك أدوية ناجعة ·‬
‫كانوا يتسارعون ‪ ،‬بل نظام ‪ ،‬وبل خجل ‪،‬‬
‫إلى ضفاف الينابيع ‪ ،‬ومجاري المياه ‪ ،‬والبار ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪359 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪360 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪401 :‬‬

‫ولم يكن ظمأهم ينطفئ إل بانطفاء حياتهم ‪،‬‬


‫فيما كانوا يشربون ·‬
‫ماتت في المياه أعداد كبيرة ‪ ،‬منهكة ‪،‬‬
‫لم تكن قادرة أن تنهض من أمكنتها ·‬
‫وأعداد أخرى تواصل المجيء إلى هذه المياه ذاتها‬
‫لكي تستقي منها ·‬

‫بعض هؤلء التعساء‬


‫عانى رعبا واشمئزازا من مكان نومه ‪،‬‬
‫حتى أنه كان يهجره قافزا منه ‪،‬‬
‫وإذا كانت قواه ل تسمح له بالوقوف ‪،‬‬
‫فإنه يتدحرج على الرض ·‬
‫كان كل يهرب من منزله ‪،‬‬
‫ناظرا إليه كأنه مكان مشؤوم ‪،‬‬
‫متهما بالوبأ ضيق المكان الذي يسكنه ‪،‬‬
‫لنه يجهل علته ·‬
‫شوهد أشخاص أنصاف موتى‬
‫يشردون في الشوارع ‪ ،‬ما استطاعوا الوقوف على أرجلهم ‪،‬‬
‫وآخرون يفترشون الرض ‪ ،‬ويبكون ‪،‬‬
‫باذلين جهدا ضخما ‪،‬‬
‫لكي يديروا عيونهم المتعبة حولهم ·‬
‫يمدون أيديهم إلى كواكب السماء ‪،‬‬
‫ونحو الغيوم التي تتدلى فوق رؤوسهم ·‬

‫ثم يصعدون أنفاسهم الخيرة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪360 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪361 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪402 :‬‬

‫بعضهم من هنا ‪ ،‬وبعضهم من هناك ‪،‬‬


‫حيث يأتيهم الموت ·‬

‫ما مشاعري آنذاك ؟‬


‫بماذا كان عليّ أن أشعر ‪،‬‬
‫إن لم يكن بالقرف من الحياة ‪،‬‬
‫وبالرغبة في أن أشارك شعبي مصيره ؟‬
‫حيثما كنت أوجه نظراتي ‪،‬‬
‫كنت أرى حشدا من الجسام يغطي الرض ·‬
‫هكذا ‪ ،‬كما تسقط عن الغصون‬
‫الثمار الفاسدة بأبسط حركة ‪،‬‬
‫وكما تسقط بهزة‬
‫عن شجرة البلوط ‪ ،‬ثمارها ·‬
‫انظر إلى الهيكل الذي يقابلك ‪،‬‬
‫حيث يصعد على سلسلة طويلة من الدرجات ‪،‬‬
‫إنه هيكل منذور لجوبيتر ‪،‬‬
‫من منا لم يحمل إلى مذابحه بخورا بل جدوى ؟‬
‫كم مرة ‪ ،‬مات أمام هذه الملحم التي ل ترحم ‪،‬‬
‫زوج فيما يصلي من أجل زوجته ‪ ،‬وأب فيما يصلي من أجل ابنه !‬
‫كم مرة شوهد في أيديهم‬
‫جزء من البخور ‪ ،‬لم يحرقوه !‬
‫كم مرة ‪ ،‬تساقطوا بضربة مفاجئة‬
‫أمام المعبد ‪ ،‬فيما يتلفظ‬
‫الكاهن بالكلمات المقدسة ‪،‬‬
‫ويريق خمرة صافية بين قرون الثيران ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪361 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪362 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪403 :‬‬

‫أنا نفسي ‪ ،‬ذات يوم ‪ ،‬فيما كنت أقدم أضحية‬


‫إلى جوبيتر ‪ ،‬من أجل نفسي ‪ ،‬ووطني ‪ ،‬وأبنائي الثلثة ‪،‬‬
‫رأيت الضحية ‪ ،‬تطلق خوارا كئيبا ‪،‬‬
‫وتنهار فجأة ‪ ،‬دون أن تذبح ‪،‬‬
‫وعندما توضع السكين على عنقها ‪،‬‬
‫ل تلونها إل بضع قطرات من الدم !‬
‫ل يعود في المريض ما يكشف‬
‫عن حقيقة اللهة وإرادتهم ·‬
‫كان الوبأ الرهيب ينفذ حتى الحشاء ·‬
‫رأيت جثثا مبعثرة أمام أبواب المعبد ·‬
‫وأمام المذابح نفسها ‪ ،‬كانوا تعساء‬
‫يخنقون أنفسهم بحبل ‪ ،‬لكي يجعلوا‬
‫موتهم أكثر إثارة للغضب ‪،‬‬
‫متحررين بهذا الموت من خوفهم من الموت ‪،‬‬
‫طالبين من تلقائهم هذه اللحظة المشؤومة التي تقترب ·‬
‫توقفنا عن أخذ الجثث ‪ ،‬كما تقتضي العادة ‪،‬‬
‫في مواكب مأتمية‬
‫فأبواب المدينة لم تكن من الرحابة‬
‫بحيث تتسع لهذه المواكب ·‬
‫الجثث ترقد دون لحد‬
‫فوق الرض ‪،‬‬
‫أو تطرح في محارق ضخمة‬
‫دون تكريمها بأي قربان ·‬
‫نسي الناس التوقير ‪،‬‬
‫فأخذوا يتخاصمون حول كل محرقة‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪362 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪363 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪404 :‬‬

‫ويحرقون موتاهم في نيران محارق أعدت لغيرهم ·‬


‫لم يعد هناك شخص لكي يبكيهم ‪،‬‬
‫ل دمع يواكب الرواح الهائمة ‪-‬‬
‫أطفال وآباء ‪ ،‬فتيانا وشيوخا ·‬
‫لم تعد الرض نفسها تتسع للقبور ‪،‬‬
‫لم يعد الشجر كافيا للمحارق ·‬

‫أرهقني هذا العصار من الشرور ‪ ،‬فصرخت ‪:‬‬


‫"يا جوبيتر ‪،‬‬
‫إن صح ‪ ،‬كما يقال ‪ ،‬أن أيجينا ‪ ،‬ابنة آزوبوس ‪،‬‬
‫حضنتك بين ذراعيها ‪،‬‬
‫وإذا كنت ل تخجل ‪ ،‬أيها الله القادر ‪،‬‬
‫من أن تكون أبي ‪،‬‬
‫فأعد لي مواطني ‪،‬‬
‫أو أنزلني أنا كذلك إلى القبر" ·‬

‫وقد كشف لي عن إرادته ببرق ورعد سعيد ‪،‬‬


‫فقلت آنذاك ‪:‬‬
‫"أتقبل هذه النبوءة ‪ ،‬متوسما برجائي إليك ‪،‬‬
‫أن تكون علمة سعيدة على نواياك ·‬
‫فهذه النبوءة التي ترسلها إليّ ‪ ،‬هي الضمانة" ·‬

‫قريبا من هناك ‪ ،‬كانت شجرة نادرة الجمال‬


‫تفرش أغصانها بعيدا ‪،‬‬
‫شجرة بلوط ‪ ،‬منذورة إلى جوبيتر ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪363 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪364 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪405 :‬‬

‫ولدت من بلوط دودونا ‪· )Dodone( 25‬‬


‫كنا نرى فيها النمل الذي يجمع القمح ‪ ،‬في صف طويل ‪،‬‬
‫حامل أحمال ثقيلة في أفواهه الصغيرة ‪،‬‬
‫سائرا على طريق واحدة‬
‫في تجاعيد قشرتها ·‬
‫أدهشني عددها ‪ ،‬وقلت ‪:‬‬
‫"وا أبتاه ‪ ،‬يا خير اللهة ‪،‬‬
‫أعطني مواطنين بهذا العدد ‪،‬‬
‫لكي أمل مكاني الفارغ" ·‬
‫كان حفيف صاخب ‪ ،‬دون أية ريح ‪،‬‬
‫يحرك الغصون ‪،‬‬
‫ويجوب الشجرة الكبيرة ·‬
‫ارتعدت أطرافي ‪ ،‬انفعال وخوفا ‪،‬‬
‫ووقف شعر رأسي ‪،‬‬
‫إل أنني غمرت الشجرة‬
‫والرض بقبلتي ‪،‬‬
‫لم أبح بما أرجوه ‪،‬‬
‫وكنت أرجو مع ذلك ‪،‬‬
‫وأتعلل بآمالي في سويداء قلبي ·‬
‫حل الليل ‪،‬‬
‫واستولى النوم على جسدي الذي أنهكته الهموم ·‬
‫آنذاك ‪ ،‬بدت الشجرة نفسها ‪ ،‬تشرئب‬
‫أمام عيني ‪ ،‬بعدد أغصانها ذاته ‪،‬‬
‫وعدد نملها ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 25‬كانت دودونا مكانا مشهورا للنبوءات ‪ ،‬يفسر فيه حفيف أوراق شجرة البلوط ‪ ،‬المنذورة لجوبيتر ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪364 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪365 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪406 :‬‬

‫كانت تهتز بالحفيف نفسه ‪،‬‬


‫وتنشر تحتها ‪ ،‬في الحقول ‪،‬‬
‫الجيش الذي ينقل القمح ·‬
‫وفجأة ‪ ،‬بدت النمال كأنها تتضخم‬
‫وتكبر ‪،‬‬
‫تكبر مرتفعة عن الرض ·‬
‫وانتصبت قاماتها ‪ ،‬وها هي واقفة ·‬
‫فقدت نحولها ‪ ،‬وقسما من أرجلها ‪ ،‬ولونها السود ‪،‬‬
‫واتخذت أعضاؤها شكل إنسانيا ·‬

‫ذهب عني النوم ‪،‬‬


‫واستيقظت مزدريا هذا الحلم ‪،‬‬
‫متشكيا من أن اللهة ل تساعدني ·‬
‫في هذه الثناء ‪،‬‬
‫سرى دوي في قصري ‪،‬‬
‫وخيل إليّ أنني أسمع أصواتا إنسانية ‪،‬‬
‫لم تعد مألوفة لدي ·‬
‫افترضت أن ذلك من أثر النوم ‪،‬‬
‫عندما وصل تيلمون (‪)Telamon‬‬
‫مسرعا ‪ ،‬قائل ‪ ،‬وهو يفتح بابي ‪:‬‬
‫"سوف ترى أشياء‬
‫تتجاوز جميع المتوقعات ‪،‬‬
‫وجميع العتقادات ·‬
‫تعال معي"·‬
‫خرجت ‪ ،‬فشاهدت البشر أنفسهم الذين رأيت صورهم في نومي ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪365 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪366 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪407 :‬‬

‫يصطفون في الترتيب ذاته ·‬


‫اقتربوا ‪ ،‬وسلموا علي بوصفي ملكا عليهم ·‬
‫وفيت ما علي لجوبيتر ‪،‬‬
‫وأنا الن أشارك هذا الشعب الجديد‬
‫المدينة ‪ ،‬والحقول التي حرمت‬
‫من الشعب الذي كان يحرثها سابقا ·‬
‫سميت الشعب الجديد "الميرميدون" ‪· 26‬‬
‫لكي تبقى ذكرى أصلهم مرتبطة باسمهم ·‬
‫رأيت أجسامهم ‪ ،‬وفي ما يتعلق بخصائصهم‬
‫فهم اليوم كما كانوا سابقا ·‬
‫إنهم عرق مقتصد ‪ ،‬ل يتعب ‪،‬‬
‫حريص على ماله ‪ ،‬ويحب الدخار ·‬
‫هؤلء الشبان المتساوون ‪ ،‬عمرا وقيمة ‪،‬‬
‫سيسيرون وراءك في الحرب ‪،‬‬
‫عندما تترك الريح الشرقية مكانها‬
‫لريح الجنوب ·‬

‫كيفالوس ‪ ،‬بروكريس (‪)Cephalus, Procris‬‬

‫شغلت هذه الحاديث وما يشبهها‬


‫نهار البطلين ‪،‬‬
‫وقد خصصت ساعاته الخيرة‬
‫لما لذّ وطاب من المآكل ‪،‬‬
‫وخصص الليل للنوم ·‬
‫وفيما كانت الشمس تظهر فوق الفق‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ )Myrmidons( 26‬تعني (‪ ، )Murmex‬باليونانية النمل ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪366 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪367 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪408 :‬‬

‫أشعتها الذهبية ‪،‬‬


‫وكانت الريح الشرقية متواصلة الهبوب‬
‫تحتجز الشرعة الجاهزة للعودة ‪،‬‬
‫جاء أبناء بالس لرؤية كيفالوس ‪ 27‬الكبر منهما ‪،‬‬
‫ثم ذهب الثلثة إلى الملك‬
‫الذي كان ل يزال غارقا في نوم عميق ·‬
‫استقبلهم على العتبة فوكوس (‪ )Phocus‬أحد أبناء إياكوس ‪،‬‬
‫ذلك أن تيلمون وأخاه الخر‬
‫كانا يجندان جنودا للحرب ·‬
‫أخذ فوكوس أبناء كيكروبس إلى داخل القصر ‪،‬‬
‫استضافهم في أجنحة جميلة‬
‫جلس معهم ·‬
‫ل حظ آنذاك بين يدي كيفالوس‬
‫رمحا مصنوعا من خشب غير معروف ‪،‬‬
‫ومجهزا بنصل ذهبي ·‬
‫بعد بضع كلمات من الحديث ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫"أحب الغابات ‪ ،‬وأحب الصيد ·‬
‫لكن ‪ ،‬قل لي ‪،‬‬
‫من أي خشب صنع الرمح الذي تحمله ؟‬
‫أتساءل عن ذلك منذ رأيته ·‬
‫لبدّ إذا كان خشبه مرّانا من أن يكون لونه أشقر‬

‫وإذا كان من خشب القرانية‬


‫فل بد من أن يحمل عقدا ·‬
‫ل أعرف نوع خشبه ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 27‬حفيد إيول هو سيفالوس ‪ ،‬ابن ديون (‪ )Deion‬الذي هو ابن إيول ‪ ،‬وهو غير سيد الرياح ‪ ،‬الذي كان حفيدا‬
‫لديكاليون (‪· )Deucalion‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪367 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪368 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪409 :‬‬

‫لم تر عيناي أبدا رمحا أجمل منه " ·‬


‫فأجابه أحد الخوين التيين من آكتيه (‪· Acte( 28‬‬
‫"واستخدامه يدهشك‬
‫أكثر من جماله ·‬
‫يصيب دائما هدفه ·‬
‫عندما يقذف ‪،‬‬
‫ل يخضع اتجاهه للمصادفة أبدا ‪،‬‬
‫ودون أن يرده أحد ‪،‬‬
‫يعود مدمى إلى النقطة التي انطلق منها "·‬
‫أراد البطل الشاب ‪ ،‬فوكوس حفيد نيريوس ‪)Nerus( 29‬‬
‫أن يعرف كل شيء ‪،‬‬
‫لماذا أعطي ؟ ومن أعطاه ؟‬
‫ومن أية يد تجيء هدية جميلة كهذه ؟‬
‫وأجاب كيفالوس عن هذه السئلة ‪،‬‬
‫بقدر ما سمح له الحياء ·‬
‫روى كل شيء ‪،‬‬
‫إل أنه لم يقل شيئا عن الثمن‬
‫الذي دفعه لهذا الرمح ·‬
‫ثم شعر ‪ ،‬فيما يتذكر زوجته التي فقدها ‪،‬‬
‫باللم يستيقظ في نفسه‬
‫فقال والدمع يفيض من عينيه ‪:‬‬
‫"هذا الرمح ‪ ،‬يا ابن اللهة ‪،‬‬
‫لكن ‪ ،‬من يصدق ذلك ؟ ‪-‬‬
‫هو الذي يبكيني ·‬
‫وسوف يبكيني طويل‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 28‬أي أحد أبناء بالس ·‬


‫‪ 29‬هو فوكوس الذي ولد من حب إياكوس ونيريدية (‪· )Nereide‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪368 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪369 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪410 :‬‬

‫إن أعطاني القدر حياة طويلة ·‬


‫إنه هو الذي سبب خسراني ‪،‬‬
‫وفقد زوجي الحبيبة ·‬
‫فيا ليتني لم أحظ أبدا بهذه الهدية !‬
‫كانت بروكريس ‪ ،‬إذا بلغ سمعك ‪ ،‬بالحرى ‪،‬‬
‫اسم أوريتيا (‪ ، )Orithyia‬أخت أوريتيا‬
‫التي خطفها بوريوس (‪· )Boreus‬‬
‫خلْ َقاً وخُُلقًَا ‪،‬‬
‫إذا أردنا أن نقارن بينهما ‪َ ،‬‬
‫فإن بروكريس كانت أجدر بأن تخطف ·‬
‫زوجني إياها إيريكتيوس (‪ ، )Erechtheus‬أبوها ‪،‬‬
‫وإله الحب وحد بيننا ·‬
‫قيل عني إنني سعيد ‪،‬‬
‫وكنت سعيدا حقا ·‬
‫لكن ‪ ،‬يبدوا أن سعادتي أزعجت اللهة ‪،‬‬
‫وإل لكنت سعيدا ‪ ،‬اليوم كذلك ·‬
‫كان قد مر الشهر الثاني‬
‫على الحتفال المقدس الذي جمعنا ‪،‬‬
‫عندما كنت ‪ ،‬ذات صباح ‪ ،‬أمد شباكي لليائل المقرنة ‪،‬‬
‫فرأتني إلهة الفجر‬
‫من ذروة هيميتوس (‪ )Hymettus‬الدائم الزهرار ‪،‬‬
‫حيث كان ضياؤها الزعفراني يطرد الظلمات ‪،‬‬
‫وخطفتني على الرغم من مقاومتي ·‬
‫ليسمح لي بأن أقول الحقيقة ‪،‬‬
‫دون إهانة لهذه اللهة ‪،‬‬
‫وهي أنه كان لوجهها الوردي‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪369 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪370 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪411 :‬‬

‫كل ما يفتن ‪،‬‬


‫وأنها تخضع لشرعها تخوم النهار‬
‫وتخوم الليل ‪،‬‬
‫وأنها تشرب الندى نقيا كمثل الكوثر ·‬
‫إنني أعترف بهذا كله ·‬
‫غير أنني كنت أحب بروكريس ‪،‬‬
‫ولم يكن في قلبي غيرها‬
‫ولم يكن غيرها في فمي ·‬
‫احتججت بقوانين الزواج المقدسة ‪،‬‬
‫ومعانقتها القريبة العهد ‪،‬‬
‫وبزواجنا الذي لم يمض عليه إل وقت قصير‬
‫وبلقاءاتنا الولى في سريرنا‬
‫الذي تركته منذ هنيهة ·‬
‫لكن اللهة غضبت ‪ ،‬وقالت ‪:‬‬
‫"توقف ‪ ،‬أيها الكافر بالنعمة ‪،‬‬
‫عن هذا النواح ‪،‬‬
‫احتفظ ببروكريس ‪،‬‬
‫لكن ‪ ،‬إن كنت أرى المستقبل فسوف تقول يوما ‪:‬‬
‫"ليتها لم تكن زوجة لي"‬
‫وأعادتني حانقة ‪،‬‬
‫إلى من أحبها ·‬
‫وفي أثناء عودتي ‪،‬‬
‫فيما كنت أستعيد كلمات اللهة ‪،‬‬
‫بدأت أخاف من أن زوجتي‬
‫لم تكن وفية لشرع الزواج ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪370 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪371 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪412 :‬‬

‫كان جمالها وعمرها يغريانني‬


‫بالظن أنها زانية ‪،‬‬
‫وكانت طهارتها تصدني عن ذلك ·‬
‫غير أنني كنت مع ذلك غائبا ‪،‬‬
‫وهذه التي تركتها لتوي تقدم لي‬
‫مثال عن الخيانة ‪· 30‬‬
‫لكننا ‪ ،‬نحن العشاق الخرين ‪،‬‬
‫نخاف من كل شيء ·‬
‫هكذا اخترت أن أنخرط في بحث‬
‫هو الذي ولد عذابي ‪،‬‬
‫وأن أختبر بالهدايا طهارة بروكريس‬
‫ووفاءها ·‬
‫كانت إلهة الفجر‬
‫تعزز مخاوفي‬
‫وتغير قسماتي‬
‫وهذا ما أعتقد أنه تراءى لي ·‬
‫وصلت مغيرا هيئتي إلى جدران أثينا الغالية على بالس ‪،‬‬
‫ودخلت إلى منزلي ·‬
‫كان كل شيء فيه كامل‬
‫تخيم البراءة على كل شيء ‪،‬‬
‫ويسيطر القلق على سيده الغائب‬
‫لم أقدر أن أصل إلى ابنة إيريكتيوس ‪،‬‬
‫إل بعد جهد كبير ‪ ،‬وحيل عديدة ·‬
‫أسرتني رؤيتها ‪،‬‬
‫وكدت أن أعدل عن الختبار الذي هيأته‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 30‬كانت إلهة الفجر خائنة لزوجها تيتونوس (‪· )Thithonos‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪371 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪372 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪413 :‬‬

‫لكي أتأكد من وفائها ·‬


‫صعب علي كثيرا‬
‫أن أمتنع عن تقبيلها ‪،‬‬
‫كما كان علي أن أفعل ·‬
‫كانت حزينة ‪،‬‬
‫لكن لم تكن أية امرأة تفوقها جمال‬
‫على الرغم من حزنها ·‬
‫كان التحسر على الزوج الذي سلب منها ‪،‬‬
‫يفترس قلبها ·‬
‫حاول أن تتخيل ‪ ،‬يا فوكوس ‪ ،‬كيف كانت مفاتنها‬
‫عندما يجعلها اللم نفسه أكثر فتنة ·‬
‫هل أقص عليك كم مرة صد خفرها‬
‫كلمي اللذع وكم مرة قالت لي ‪:‬‬
‫"أصون نفسي من أجل شخص واحد ‪،‬‬
‫فله وحده ‪ ،‬أينما كان ‪،‬‬
‫أحتفظ بالمباهج التي يمكن أن أقدمها له" ·‬
‫أي رجل صحيح الفكر‬
‫لم يكن ليجد هذا البرهان على وفائها كافيا ؟‬
‫لم أكتف به ‪،‬‬
‫وكافحت من أجل أن أضرب نفسي ·‬
‫أخيرًا ‪ ،‬بعد أن وعدتها بثروة من أجل ليلة واحدة ‪،‬‬
‫وبعد إسرافي في هداياي ‪،‬‬
‫زعزعت قناعتها ·‬
‫صرخت آنذاك ‪:‬‬
‫"إن من ترينه أمامك ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪372 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪373 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪414 :‬‬

‫فاتن كاذب ‪،‬‬


‫كاذب للسف ·‬
‫كنت في الواقع زوجك ‪،‬‬
‫وأنا الن شاهد يفاجئك متلبسة بالجرم ·‬
‫لم تجب بشيء ‪،‬‬
‫غير أنها هربت رازحة‬
‫تحت وطأة عار خفي ‪،‬‬
‫من زوجها الرديء ‪،‬‬
‫ومن البيت ‪ ،‬حيث نصب لها الفخ ·‬
‫وفي حقدها علي ‪،‬‬
‫حقدت على الجنس الذكوري كله ·‬
‫كانت ترى شاردة في الجبال ‪،‬‬
‫منهمكة بأعمال لللهة ديانا ·‬
‫شعرت ‪ ،‬بعد أن هجرتني‬
‫بنار أكثر اضطراما‬
‫تنساب في عظامي ·‬
‫التمست الصفح عني ‪،‬‬
‫مسلما بأخطائي ‪،‬‬
‫ومعترفا أن هدايا عظيمة كهذه‬
‫لو قدمت لي‬
‫لكان يمكن أن تجعلني أنا نفسي‬
‫أرتكب خطيئة مشابهة ·‬
‫بعد هذا العتراف ‪ ،‬وبعد أن ثأرت بروكريس‬
‫لشرفها الذي طعن فيه ‪،‬‬
‫عادت إلي ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪373 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪374 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪415 :‬‬

‫وأمضت معي سنوات عذبة‬


‫في وفاق كامل ·‬
‫أعطتني ‪ ،‬إلى ذلك ‪ ،‬كما لو أن عطاءها‬
‫لشخصها كان شيئا قليل ‪،‬‬
‫كلبا وضعته في خدمتها‬
‫اللهة ديانا الغالية عليها ·‬
‫قائلة لها ‪:‬‬
‫"سيتفوق في السباق‬
‫على جميع الكلب"·‬
‫وأعطتني في الوقت نفسه هذا الرمح‬
‫الذي تراه بين يدي ·‬
‫هل ترغب في أن تعرف‬
‫ماذا كان مصير هذه الهدية الثانية ؟‬
‫أصغ ·‬
‫ستملؤك بالدهشة ‪،‬‬
‫حكايته الخارقة ·‬
‫كان ابن ليوس (‪ ، )Laïus‬قد فسر بفطنته‬
‫الحجية التي لم يقدر قبله‬
‫أي عقل أن يصل إلى معناها ·‬
‫والوحش ذو السئلة الغامضة‬
‫يرقد في الهاوية حيث تطوح ‪،‬‬
‫متخليا عن أحاييله الماكرة ‪· 31‬‬
‫وسرعان ما انقضت كارثة ثانية‬
‫في آونيا (‪ ، )Aonie‬على مدينة طيبة ·‬
‫كانت حيوانا وحشيا ‪ ، 32‬شعر كثير من الفلحين‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 31‬ابن ليوس هو أوديبوس (‪ )Oedipe‬الذي حل لغز سفنكس الذي وضعته جونون على أبواب مدينة طيبة لنها‬
‫أهانتها ·‬
‫‪ 32‬هذا الحيوان الوحشي هو ثعلب جبل توميس (‪ ، )Teumesse‬قرب طيبة · وقد أطلقه ديونيزوس (‪)Dionysos‬‬
‫الذي أراد أن يعاقب أهل طيبة لنهم استثنوا من العرش أحفاد قدموس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪374 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪375 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪416 :‬‬

‫أنه يهدد حياة قطعانهم‬


‫وحياتهم هم ‪،‬‬
‫فاضطربوا مذعورين ·‬
‫جئت وجاء معي شبان المنطقة المجاورة ‪،‬‬
‫وأحطنا بشباكنا السهل الواسع ·‬
‫كان الحيوان يجتازها سريعا بقفزة خفيفة ‪،‬‬
‫هاربا من فوق الحبل الممدود فوق الشباك التي وضعناها ·‬
‫أطلقنا الكلب ‪،‬‬
‫فأفلت منها ‪ ،‬سريعا كمثل عصفور ‪ ،‬مستهترا بسربها جميعا ·‬
‫فطلب إلي بصراخ كبير وبالجماع‬
‫أن أطلق الكلب الذي تلقيته هدية ‪،‬‬
‫والذي يسمى ليلبس (‪· Loelaps( 33‬‬
‫وكان يتململ لكي يتفلت من السلسلة‬
‫التي تطوق عنقه وتمنعه من النطلق ·‬
‫لم نكد نطلقه ‪ ،‬حتى أصبحنا ل نعرف أين هو ·‬
‫كان الغبار يحمل الثر المضطرم لقوائمه ‪،‬‬
‫واختفى هو نفسه عن أعيننا ·‬
‫ليس الرمح بأكثر سرعة ‪،‬‬
‫ول تندفع الكرة من المقلع المقذوف في الهواء ‪،‬‬
‫بأكثر سرعة ‪،‬‬
‫ول القصبة الخفيفة في قوس غورتينا ‪· )Gortyne( 34‬‬
‫هناك تلة ترتفع في وسط الحقول ‪،‬‬
‫تطل ذروتها على امتدادها ·‬
‫صعدت إليها ‪ ،‬وأخذت أتابع بعيني‬
‫هذا السباق الذي ل مثيل له ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 33‬يعني اسم هذا الكلب في اليونانية "العصار" ·‬


‫‪ 34‬مدينة في كريت (إقريطش) · كان الكريتيون مشهورين في صنع القواس ورمي السهام·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪375 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪376 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪417 :‬‬

‫طورا ‪ ،‬يبدو الحيوان كأنه ملتقط ‪،‬‬


‫وطورا يبدو كأنه يختبىء تحت النهشات نفسها ·‬
‫كان من المكر بحيث ل يهرب في خط مستقيم‬
‫عبر المكان ‪،‬‬
‫فكان يخادع الشدق الذي يطارده ‪،‬‬
‫راجعا أدراجه ‪ ،‬راسما دوائر ‪،‬‬
‫بحيث ل يقدر عدوه أن يمسك باندفاعه ·‬
‫غير أن هذا العدو كان يوشك أن يدركه ‪،‬‬
‫فكان ينافسه في السرعة ‪،‬‬
‫حتى ليخيل أنه يقبض عليه ‪،‬‬
‫لكن عبثا ‪ ،‬ولم تكن نهشاته الخائبة‬
‫تلتقف غير الهواء ·‬
‫لجأت إلى رمحي ‪،‬‬
‫وفيما كانت يدي تهزه ‪،‬‬
‫محاول أن أمرر أصابعي في الحزام ‪،‬‬
‫أدرت عيني ‪،‬‬
‫فلم أعد ألمح ‪ ،‬ويا للعجب !‬
‫وسط السهل ‪،‬‬
‫عندما وجهتهما إلى النقطة الواحدة ذاتها ‪،‬‬
‫إل تمثالين من الرخام ‪،‬‬
‫لحدهما هيئة الهارب ‪،‬‬
‫وللخر النباح ·‬
‫أكيد أن إلها أراد أل يكون‬
‫أي من هذين الخصمين منتصرا‬
‫في هذا السباق ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪376 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪377 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪418 :‬‬

‫إن صح أن إلها كان يشاهد هذه المباراة" ·‬


‫هنا توقف سيفالوس عن الكلم ‪،‬‬
‫فقال فوكوس ‪:‬‬
‫"لكن ما الثم الذي اقترفه هذا الرمح نفسه ؟"‬
‫فأجاب كيفالوس راويا ذلك بهذه العبارات ‪:‬‬
‫"كانت سعادتي ‪ ،‬يا فوكوس ‪،‬‬
‫مصدر ألمي ·‬
‫سأحدثك أول عن سعادتي ·‬
‫آه ‪ ،‬كم أحب أن أتذكر ‪ ،‬يا ابن إياكوس ‪،‬‬
‫وقت المسرات ‪ ،‬تلك السنوات الولى ‪،‬‬
‫حيث كنت ‪ ،‬كما ينبغي ‪ ،‬سعيدا بزوجتي ‪،‬‬
‫وحيث كانت سعيدة بزوجها ·‬
‫كان يوحد بيننا ‪ ،‬نحن الثنين ‪،‬‬
‫اهتمام متبادل وحنان مشترك ·‬
‫لم تكن لتفضل سرير جوبيتر‬
‫على حبي ·‬
‫ولم تكن لتقدر أي امرأة أن تغريني ‪،‬‬
‫حتى لو كانت فينوس‬
‫هي التي تعرض نفسها علي ·‬
‫كان قلبانا يشتعلن بنار واحدة ‪،‬‬
‫وكنت ‪ ،‬كل يوم ‪،‬‬
‫عندما تضرب الشمس بأشعتها الولى‬
‫ذروات الجبال ‪،‬‬
‫أمضي ‪ ،‬بحميا شبابي ‪،‬‬
‫لصطاد في الغابات ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪377 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪378 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪419 :‬‬

‫لم أكن أرغب في اصطحاب خدم ‪،‬‬


‫أو أحصنة ‪ ،‬أو كلب مرهفة الشم ‪،‬‬
‫أو شباك ذوات عقد‬
‫ول أحمل سلحا آخر‬
‫غير هذا الرمح ·‬
‫عندما تتعب يداي من إراقة‬
‫دماء الحيوانات الوحشية ‪،‬‬
‫كنت أعود طلبا لنداوة الظلل‬
‫وللنسيم الذي كان يهب من أعماق الودية‬
‫التي يغطيها الثلج ·‬
‫كنت أبحث عن هذا النسيم العذب‬
‫إبان حرارة النهار ‪،‬‬
‫وطالما انتظرته ‪،‬‬
‫فيريحني من تعبي ·‬
‫كان من عادتي أن أغني · أتذكر ‪:‬‬
‫"تعال أيها النسيم ‪،‬‬
‫وامنحني السعادة ·‬
‫تغلغل في صدري يا ساحري ‪،‬‬
‫خفف ‪ ،‬كما تعرف أن تفعل ‪،‬‬
‫الحرارة التي تحرقني"·‬
‫لعلني كنت أضيف ‪ ،‬مجروفا بقدري ‪،‬‬
‫كلمات عذبة أخرى ‪،‬‬
‫ربما قلت ‪:‬‬
‫"أنت لي شهوة عظيمة‬
‫تحييني بلمساتك ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪378 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪379 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪420 :‬‬

‫تجعلني أحب الغابات والوحدة ·‬


‫وفمي دائم الشراهة‬
‫لرتشاف أنفاسك" ·‬
‫كانت هذه الكلمات الغامضة‬
‫تسقط في أذن مخدوعة لشخص مجهول ·‬
‫حسب أن اسم النسيم الذي أناديه غالبا‬
‫هو اسم لحدى إلهات الغاب ‪،‬‬
‫وأنني عاشق لهذه اللهة ·‬
‫وفي الحال ‪ ،‬ذهب هذا النمام المتهور‬
‫إلى بروكريس ‪ ،‬ينقل لها خبرا ل سند له ‪،‬‬
‫مكررا عليها بصوت هامس ما كان سمعه ·‬
‫الحب سريع التصديق ‪،‬‬
‫ففي الحال صعقت بألم مفاجىء ‪ ،‬كما قيل لي ‪،‬‬
‫وأغمي عليها ·‬
‫عندما استعادت أخيراً وعيها ‪،‬‬
‫احتجت على شقائها ‪ ،‬على ظلم القدر ‪،‬‬
‫شاكية خيانتي ‪،‬‬
‫خائفة في سخطها الذي أثارته تهمة كاذبة ‪،‬‬
‫مما ل وجود له ‪،‬‬
‫خائفة من اسم ل جسم له ·‬
‫كانت السيئة الحظ تنتحب‬
‫كما لو أن لها منافسة حقيقية ·‬
‫مع هذا ‪ ،‬كان يحدث لها غالبا أن تشك ‪،‬‬
‫وفي أوج ضيقها ‪ ،‬آملة أن تكون قد خدعت ‪،‬‬
‫وترفض أن تصدق النمام ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪379 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪380 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪421 :‬‬


‫ول تريد أن تحكم على زوجها ‪،‬‬
‫إل إذا رأت ‪ ،‬على القل ‪ ،‬بأم عينيها خطيئته ·‬
‫في الغد ‪ ،‬بعد أن كان ضياء إلهة الفجر‬
‫قد طرد الليل ‪،‬‬
‫خرجت ‪ ،‬وذهبت إلى الغابة ‪،‬‬
‫ثم ‪ ،‬تمددت على العشب‬
‫بعد أعمالي في الغابة ‪ ،‬وبدأت أقول ‪:‬‬
‫"تعال إليّ أيها النسيم ‪،‬‬
‫تعال خفف عني تعبي" ·‬
‫ي بغتة أنني سمعت ما ل أدري‬ ‫وخيل إل ّ‬
‫من النواح الذي يرجع كلماتي كالصدى ‪،‬‬
‫مع ذلك ‪ ،‬تابعت قائل ‪:‬‬
‫"تعال ‪ ،‬أنت أيها الثير !"‬
‫فسمعت من جديد صوتا خفيفا ‪،‬‬
‫سببه سقوط ورقة ‪،‬‬
‫وقلت إن ذلك حيوان وحشي ‪،‬‬
‫فقذفته برمحي السريع كالطير ·‬
‫كانت بروكريس ‪ ،‬وقد أصيبت في صميم صدرها ‪،‬‬
‫فصرخت ‪:‬‬
‫"ما أشقاني !"‬
‫لم أكد أتعرف على صوت زوجتي الوفية‬
‫حتى سارعت ‪ ،‬مضطربا ‪ ،‬إلى المكان الذي صدر منه الصوت ·‬
‫رأيت بروكريس نصف ميتة ‪،‬‬
‫ثيابها المبعثرة ملطخة بدمها ‪،‬‬
‫تسحب من جرحها ‪( ،‬آه ‪ ،‬إرث لحظي العاثر)‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪380 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪381 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪422 :‬‬

‫النصل الذي كانت قد أعطتني إياه ·‬


‫رفعت بهدوء ‪ ،‬بين ذراعي ‪ ،‬جسدها الغلى علي‬
‫من جسدي ‪،‬‬
‫وعصبت جرحها الميت بقطعة من ثوبي‬
‫الذي مزقته عن صدري ‪،‬‬
‫وجهدت لكي أوقف نزيف دمها ·‬
‫استحلفتها أل تتركني وراءها‬
‫ملطخا بجريمة موتها ·‬
‫لكن قواها كانت قد تخلت عنها ‪،‬‬
‫وضغطت بشدة على نفسها ‪ ،‬فيما تشرف على الموت ‪،‬‬
‫لكي تقول لي هذه الكلمات ‪:‬‬
‫"باسم الروابط الزوجية التي تجمع بيننا ‪،‬‬
‫باسم آلهة السماء وآلهة الدنيا التي أنتمي إليها ‪،‬‬
‫باسم كل ما قدرت أن أفعله لكي أستحق حنانك ‪،‬‬
‫باسم حبي القوي ‪،‬‬
‫حتى في ساعة ضعفي هذه ‪،‬‬
‫والذي هو سبب موتي ‪،‬‬
‫أتوسل إليك ‪،‬‬
‫ل تسمح لهذه "النسيم" أن تصبح زوجتك‬
‫وأن تأخذ مكاني في فراشنا"‬
‫أدركت آنذاك ‪ ،‬فيما تتلفظ بهذه الكلمات ‪،‬‬
‫أن السم هو الذي ولد هذا الخطأ كله ·‬
‫وقلت لها ذلك‬
‫لكن ‪ ،‬ماذا كان يجديها هذا القول ؟‬
‫فقدت وعيها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪381 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪382 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪423 :‬‬

‫وما بقي من قواها تلشى مع دمها ·‬


‫وظلت نظراتها مركزة علي ‪،‬‬
‫ما دامت عيناها قادرتين على النظر ‪،‬‬
‫ثم لفظت ‪ ،‬في أحضاني ‪،‬‬
‫روحها التاعسة بين شفتي ‪،‬‬
‫غير أن وجهها الهادىء‬
‫كان يؤكد ‪ ،‬فيما تموت ‪،‬‬
‫أنها واثقة من وفائي" ·‬
‫كان الشبان يبكون فيما يسمعون هذه الحكاية من البطل‬
‫الذي كان هو نفسه يذرف الدموع ·‬
‫ورأوا آنذاك إياكوس مقبل ‪ ،‬يرافقه ابناه الخران ‪،‬‬
‫وجنوده الجدد ‪،‬‬
‫واستقبل كيفالوس هؤلء الجنود المسلحين تسليحا قويا ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪382 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪383 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪429 :‬‬

‫الكتاب الثامن‬

‫نيزوس ‪ ،‬سكيلّل‬
‫المينوتور والمتاهة‬
‫تاج آريان‬
‫ديدالوس وإيكاروس‬
‫بيرديكس‬
‫الخنزير الكاليدونيّ‬
‫ميلياغر‬
‫تيزيوس وأخيلووس‬
‫فيليمون وبوكيس‬
‫إيريسيختون‬
‫مْنيسْترا‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪383 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪384 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪431 :‬‬

‫نيزوس ‪ ،‬سكيلل (‪)Nisus, Scylla‬‬

‫فيما كان لوسيفير يفتح الطريق واسعا ‪،‬‬


‫للنهار الفاتن‬
‫هازما ساعات الليل ‪،‬‬
‫أخذت الريح الشرقية تتوقف ‪،‬‬
‫وتتصاعد غيوم رطبة في الفضاء ·‬
‫والهبوب الهادىء لريح الجنوب‬
‫يفتح طريق العودة لجنود إيكاوس وكيفالوس ‪،‬‬
‫الذين وصلوا ‪ ،‬لحسن الحظ ‪ ،‬إلى المرفأ المنشود ‪،‬‬
‫أبكر مما توقعوا ·‬
‫في أثناء ذلك خرب مينوس‬
‫شواطىء ميغارا (‪)Megara‬‬
‫وجرب قواه الحربية في مدينة آلكاتوس ‪،)Alcathous( 1‬‬
‫حيث يملك نيزوس ·‬
‫وكان لهذا الملك على رأسه ‪،‬‬
‫وسط شعره البيض الذي يجتذب احترام الجميع ‪،‬‬
‫شعرة تتلل ببريق أرجواني ‪،‬‬
‫تحرس سلطته العليا ‪· 2‬‬
‫للمرة السادسة ‪ ،‬كان قد ظهر طرفا الهلل ‪،‬‬
‫دون أن يتقرّر مصير الحرب ·‬
‫كان إله النّصر ‪ ،‬منذ وقتٍ طويل ‪،‬‬
‫يحومُ بأجنحتهِ الحائرة بين الفريقين ·‬
‫ي‪،‬‬ ‫ج ‪ ،‬ملك ّ‬
‫كان ثمّةَ بر ٌ‬
‫ملحقّ بالسوار المدوّية‬
‫التي وضع عليها ابن لتونا ‪ ،‬كما يُقال ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 1‬الكاتوس هو مؤسس مدينة ميغارا (‪ )Megare‬على أرض ليليج ‪ ،‬وقد سمى المدينة باسمه·‬
‫‪ 2‬نيزوس هو أخو إيجيوس (‪ )Egeus‬وبالس ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪384 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪385 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪432 :‬‬

‫قيثارَه ‪،‬‬
‫فاحتفظ الحج ُر بأنغامه ·‬
‫اعتادت ابنة نيزوس ‪ ،‬أن تصعدَ غالباً‬
‫إلى هذا البرج ‪،‬‬
‫وتجعل جدرانَه ترنّ بحصىً صغير تلقيه ‪،‬‬
‫عندما كان السّلم سائداً ·‬
‫وكانت في الحرب تجيء إليه كذلك غالباً ‪،‬‬
‫لكي تتأمّل من أعاليه المعارك‬
‫التي يخوضها مارس ‪ ،‬الله الحديديّ ·‬
‫وقد أتاح لها استمرار الحربِ طويلً‬
‫أن تعرف حتى أسماء عظمائها ‪،‬‬
‫وأسلحتهم ‪ ،‬وخيول سباقهم ‪ ،‬وألبستهم ‪،‬‬
‫وكناناتهم السّيدونيّة ‪· 3‬‬
‫كانت أكثر معرف ًة بسهام قائدهم ‪ ،‬ابن أوروبا ‪. 4‬‬
‫بل كانت تعرفها أكثر مما ينبغي ·‬

‫رأت أنّ مينوس الذي يخبّىء رأسه تحت خوذةٍ‬


‫تزيّنها عُفر ٌة من الرّيش ‪،‬‬
‫ل تحت هذه الخوذة ·‬ ‫جمي ٌ‬
‫ترسه البرونزيّ المتللىء‬
‫يلئمه بشكلٍ جيّد ·‬
‫إذا حرّك ذراعه إلى الوراء ‪،‬‬
‫وهزّ رمحهَ اللّين ‪،‬‬
‫اُعجبت به ‪،‬‬
‫لجمعه في ذلك ‪ ،‬بين البراعة والقوّة ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 3‬نسبة إلى سيدون (‪ )Cydon‬مدينة في كريت ‪ ،‬مشهورة بالنبالين ·‬


‫‪ 4‬مينوس ‪ ،‬هو ابن جوبيتير وأوروبا ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪385 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪386 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪433 :‬‬

‫وإذا وضع سهم القصب على وترِ قوسه‬


‫وثنا مُنحناه الواسع ‪،‬‬
‫تقسم بأنّ له وقفةَ فيبوس‬
‫حين يستعدّ لرمي سهامه ·‬
‫لكن ‪ ،‬عندما يطرح خوذته البرونزيّة ‪،‬‬
‫كاشفاً عن رأسه ‪،‬‬
‫وعندما يكون في لباسه الرجوانيّ‬
‫راكباً حصانًا أبيض بسرجٍ مزركش ‪،‬‬
‫سائسًا شدقه المُزب َد ‪،‬‬
‫آنذاك ل تكاد ابنة نيزوس أن تظلّ‬
‫مسيطرةً على نفسها ‪،‬‬
‫أو قادرة على استخدام عقلها ·‬
‫وربّما قالت لنفسها ‪:‬‬
‫سعيدٌ هو الرّمح الذي يلمسه ‪،‬‬
‫وما أسعد العنّة التي تشدّ يده عليها !‬
‫ودّت هذه العذراء ‪ ،‬في احتدام هيامها ‪،‬‬
‫لو تقدر أن تذهب‬
‫إلى قلبِ الجيش العدوّ ·‬
‫وأن تقفز من أعلى البرج‬
‫إلى المعسكر الكريتي ‪،‬‬
‫أو تفتح للعدو أبواب البرونز ‪،‬‬
‫وتفعل كل ما يريد مينوس ·‬
‫كانت من مكانها الذي تجلس فيه ‪،‬‬
‫تتأمل خيامه البيض‬
‫وتقول في ذات نفسها ‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪386 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪387 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪434 :‬‬

‫"هل عليّ أن أفرح بهذه الحرب المؤسفة ‪،‬‬


‫أو أن أحزن ؟‬
‫ل أعرف ·‬
‫أحزن لنها تجعل من مينوس الذي أحبه عدوا لي ‪،‬‬
‫لكن ‪ ،‬لول الحرب ‪ ،‬هل كنت عرفته ؟‬
‫ولعله كان يقدر مع ذلك أن يتوقف عن القتال‬
‫ويأخذني رهينة ‪،‬‬
‫ويجد في رفيقة ‪،‬‬
‫وضمانة للسلم ·‬
‫إن كانت تلك التي ولدتك ‪،‬‬
‫أنت يا أجمل الملوك ‪،‬‬
‫جميلة مثلك ‪،‬‬
‫فإنها كانت جديرة بأن يحترق إله بنار حبها !‬
‫آه ما أعظم سعادتي ‪ ،‬لو قدرت أن أحط في معسكره‬
‫محمولة على أجنحة عبر الهواء ‪،‬‬
‫فأكشف له عن نفسي وعن حبي ‪،‬‬
‫وأسأله ما المهر الذي يطلبه ثمنا لحبه ‪،‬‬
‫شريطة أل يطلب قلعة وطني ·‬
‫فسحقا للسرير الذي أقاسمه إياه ‪،‬‬
‫إن كانت الخيانة ثمنا للحصول عليه !‬
‫مع أن عفو المنتصر المتسامح‬
‫يجعل غالبا من الهزيمة مكسبا للمهزومين ·‬
‫أكيد أن الحرب التي يقوم بها عادلة‬
‫لنه يثأر لقتل ابنه ·‬
‫إنه قوي بالقضية التي يدافع عنها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪387 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪388 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪435 :‬‬

‫وبالسلحة التي تدعم هذه القضية ‪،‬‬


‫وأنا على ثقة بأننا سوف ننهزم ·‬
‫إن كان ذلك المصير الذي ينتظر المدينة ‪،‬‬
‫فلماذا هذه السوار الثيرة علي‬
‫تفتح لهذا البطل ‪ ،‬بفضل مارس الذي يؤازره ‪،‬‬
‫ل بفضل حبي ؟‬
‫خير أن ينتصر ‪ ،‬دون مذبحة ‪،‬‬
‫دون تأخر ‪،‬‬
‫دون أن يدفع من دمه ثمنا للنصر ·‬
‫هكذا ‪ ،‬على القل ‪ ،‬لن أخاف ‪ ،‬يا مينوس ‪،‬‬
‫من أن يقتلك ‪ ،‬خطأ ‪ ،‬واحد منا ‪،‬‬
‫ومن هو الذي يملك ‪ ،‬حقا ‪ ،‬الوحشية الكافية‬
‫لكي يكون من الجسارة بحيث يوجه‬
‫إليك عامدا رمحه القاتل ؟"‬
‫لقد تم المر ‪ ،‬واتخذت قرارها‬
‫بأن تسلم نفسها ووطنها‬
‫لكي يكون مهرا ‪ ،‬وتنهي هذه الحرب ·‬
‫لكن ل يكفي أن تريد ‪:‬‬
‫"فثمة حرس يسهرون على تخوم المدينة ‪،‬‬
‫وأبي يحرس البواب التي تغلق المداخل ·‬
‫آه ‪ ،‬ما أتعسني !‬
‫ل أخاف إل إياه ‪،‬‬
‫هو وحده الذي يحول دون أن أحقق رغباتي ·‬
‫آه ‪ ،‬ليت اللهة خلقتني بل أب !‬
‫غير أن الحقيقة هي أن كل منا‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪388 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪389 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪436 :‬‬

‫إله نفسه !‬
‫وإلهة الحظ ل تسمع صلوات الجبان ·‬
‫من زمن قديم ‪ ،‬كانت امرأة أخرى ‪،‬‬
‫تشتعل بالهيام ذاته ‪،‬‬
‫فتخلت بفرح عن كل ما يعترض حبها ·‬
‫لماذا تكون امرأة أخرى‬
‫أكثر شجاعة مني ؟‬
‫أشعر أنني قادرة على اقتحام اللهب والسيوف ‪،‬‬
‫غير أنني ل أحتاج في مشروعي هذا ‪،‬‬
‫إلى أن أجابه اللهب والسيوف ‪:‬‬
‫ل أحتاج إل إلى شعرة من أبي‬
‫فهي عندي أنفس من الذهب ·‬
‫هذا الرجوان هو الذي سيضمن سعادتي‬
‫ويشبع رغباتي كلها" ·‬
‫حل ‪ ،‬فيما كانت تتكلم ‪،‬‬
‫الليل ‪ ،‬المرضع الكبير للهموم ‪،‬‬
‫وزادتها الظلمات شجاعة ·‬
‫كان هذا وقت الراحة الولى‬
‫حيث تستسلم إلى النوم القلوب‬
‫التي أنهكتها هواجس النهار ·‬
‫دخلت في هدوء إلى غرفة أبيها‪،‬‬
‫ثم ‪ ،‬يا للجريمة الكريهة ! جردت هذه البنة‬
‫والدها من الشعرة التي يرتبط بها مصيره ·‬
‫وبعد أن استحوذت على غنيمتها الجانية ‪،‬‬
‫أخذتها بسرعة ‪ ،‬مجتازة باب المدينة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪389 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪390 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪437 :‬‬

‫سائرة وسط العداء ‪ ،‬واثقة بالخدمة التي تؤديها لهم ‪،‬‬


‫حتى وصلت إلى ملكهم ·‬
‫تملكه الرعب عندما سمعها تقول ‪:‬‬
‫"الحب هو الذي دفعني إلى الجريمة ·‬
‫أنا سكيلل ‪ ،‬ابنة الملك نيزوس ‪،‬‬
‫أسلم إليك أرباب وطني ‪،‬‬
‫وأرباب بيتي ·‬
‫ل أطلب مكافأة إل شخصك ·‬
‫خذ ضمانا لحبي هذه الشعرة الرجوانية ‪،‬‬
‫وتأكد أن هذه ليست شعرة أسلمها إليك ‪،‬‬
‫وإنما هي رأس أبي !"‬
‫كانت يدها فيما تنهي كلمها‬
‫تقدم إلى مينوس الهدية المنكرة ·‬
‫ابتعد مينوس عن الهدية المقدمة ‪،‬‬
‫وقال مضطربا من هذا العمل الغريب الذي أقدمت عليه ‪:‬‬
‫"لتطردك اللهة من الكون الذي تسوده ‪،‬‬
‫أنت ‪ ،‬يا عار عصرنا !‬
‫لتحرمك البر والبحر !‬
‫أما أنا فلن أسمح بأن تتلوث كريت ‪،‬‬
‫مهد جوبيتر ‪ ،‬المملكة التي أسودها ‪،‬‬
‫برؤية وحش مثلك" ·‬
‫وبعد أن فرض على أعدائه المغلوبين‬
‫الشروط التي أملتها عدالته السامية ‪،‬‬
‫أمر بفك الحبال التي تربط أسطوله‬
‫وتجهيز سفنه المكسوة برونزا ·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪390 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪391 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪438 :‬‬

‫عندما رأت سكيلل السفن ·‬


‫تمخر المواج دون أن يمنحها‬
‫سيدها المكافأة على جريمتها ‪،‬‬
‫وبعد أن توسلت إليه عبثا ‪ ،‬اشتعلت غضبا عاصفا ‪،‬‬
‫وصرخت ممدودة اليدين ‪ ،‬مبعثرة الشعر ‪ ،‬ثائرة ‪:‬‬
‫"أين تهرب هكذا ‪،‬‬
‫تاركا من أنعمت عليك ‪،‬‬
‫أنت يا من فضلته على وطني ‪،‬‬
‫وفضلته على أبي ؟‬
‫أين تهرب أيها الطاغية ‪،‬‬
‫ونصرك ‪ ،‬هو معا ‪ ،‬جريمتي ونعمتي ؟‬
‫ل شيء إذن أثر فيك ‪-‬‬
‫ل فضلي ‪ ،‬ول حبي ‪ ،‬ول يقيني‬
‫بأن آمالي كلها تتوقف عليك ؟‬
‫فأين أذهب الن وأنت تتخلى عني ؟‬
‫إلى وطني ؟‬
‫فهو مغلوب ‪ ،‬مهدم ·‬
‫لكن ‪ ،‬افترض أنه ل يزال واقفا ‪،‬‬
‫فإن خيانتي أغلقته في وجهي ·‬
‫هل أذهب وأعرض نفسي لنظرات أبي ؟‬
‫فلقد سلمتك إياه ·‬
‫وأبناء وطني يكرهونني بحق ·‬
‫والشعوب المجاورة تخاف من أمثولتي ·‬
‫أغلقت على نفسي الكون كله ‪،‬‬
‫لكي تبقي كريت وحدها مفتوحة لي ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪391 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪392 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪439 :‬‬

‫فإن حرمتني إياها ‪ ،‬كذلك ‪،‬‬


‫وإن تخليت عني ‪،‬‬
‫أيها الجاحد الفضل ‪،‬‬
‫فلن أوروبا ‪ ،‬ليست هي التي ولدتك ‪،‬‬
‫بل سيرتيس (‪ Syrtes( 5‬الجدباء ‪،‬‬
‫أو نمرة من أرمينيا ‪،‬‬
‫أو خاريبديس التي تحرك ريح الجنوب أمواجها ·‬
‫ولنك لست ابن جوبيتر ‪،‬‬
‫ولم يغو أمك في شكل ثور ‪ ،‬خادع ·‬
‫ولن تكون قصة ولدتك إل خرافة كاذبة ·‬
‫وهذا الذي أتى بك إلى هذا العالم‬
‫ثور حقيقي ‪ ،‬حيوان وحشي ‪،‬‬
‫لم يكن يعرف أبدا حبا لية عجلة !‬
‫نيزوس ‪ ،‬يا أبي ‪ ،‬عاقبني !‬
‫ابتهجي لشقائي‬
‫أيتها السوار التي خنتها ·‬
‫أعترف ‪ ،‬نعم ‪ ،‬أنني أستحق ذلك ‪،‬‬
‫وأستحق الموت ·‬
‫غير أن لواحد ممن خسروا بسبب عقوقي ‪،‬‬
‫أن يضربني الضربة القاضية ·‬
‫وأنت يا من انتصرت بفضل جريمتي ‪،‬‬
‫لماذا تريد أن تعاقبني عليها ؟‬
‫يجب أن تكون هذه المؤامرة على وطني وعلى أبي‬
‫نعمة في عينيك ·‬
‫إنها حقا جديرة بزوج مثلك ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 5‬سيرتيس ‪ ،‬مكان في البحر ‪ ،‬خطر على الملحة ‪ ،‬في شواطىء ليبيا ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪392 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪393 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪440 :‬‬

‫تلك المرأة الزانية التي تنكرت‬


‫في صورة عجلة برية وغشت ثوراً شرساً‬
‫وحملت في أحشائها ثمرة شنيعة ‪6‬‬
‫هل تصل كلماتي إلى أذنيك ؟‬
‫أم أن تأوهاتي أخذتها الرياح نفسها‬
‫التي أخذت مراكبك ‪،‬‬
‫أيها المنكر النعمة ؟‬
‫لم يعد الن يدهشني أن تكون باسيفائي‬
‫فضلت ثورا عليك ·‬
‫كنت أكثر وحشية منه ·‬
‫آه ‪ ،‬ما أشقاني !‬
‫هوذا سعيد بالهرب السريع ‪ ،‬وبالمياه تصخب‬
‫فيما تمخرها مجاذيفه ‪،‬‬
‫وفيما أبتعد عن عينيه وتبتعد بلدي ·‬
‫لكنك هربت بل طائل ‪،‬‬
‫ولن تربح شيئا بنسيان نعمي ‪،‬‬
‫وسوف أتبعك غصبًا عنك ‪،‬‬
‫سأضم بين ذراعي مؤخر سفينتك المقوس‬
‫وأتجرجر على مدى البحر" ·‬

‫قالت ذلك ‪ ،‬ثم وثبت بين المواج ‪،‬‬


‫وأخذت تلحق السفن ‪،‬‬
‫بفضل القوة التي منحها إياها هيامها ·‬
‫التصقت ‪ ،‬رفيقة كريهة ‪ ،‬بسفينة الملك الكريتي ‪،‬‬
‫وكان أبوها ينظر إليها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬كان مينوس متزوجاً من باسيفائي (‪ )Pasiphae‬التي حبلت من جماع وحشي بثور هو المينوتور ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪393 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪394 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪441 :‬‬

‫(ذلك أنه كان يتأرجح في الفضاء ‪ ،‬متحول إلى نسر‬


‫بحري بأجنحة شقراء) ‪،‬‬
‫فانقض لكي يمزقها بمنقاره المعقوف ‪،‬‬
‫على الكوثل الذي تلتصق به ‪،‬‬
‫عندما أفلتت ‪ ،‬مذعورة ·‬
‫وقيل إن هواء خفيفا تلقاها‬
‫وحال بينها وبين الموج ‪،‬‬
‫ويعود ذلك إلى الريش‬
‫الذي استخدمته متغطية به ‪ ،‬وتحولت بفضله‬
‫إلى طائر أبيض هو البلشون ‪،‬‬
‫يذكر بالشعرة التي قطعتها ‪· 7‬‬

‫المينوتور (‪ )Le Minotaure‬والمتاهة‬

‫وفي مينوس نذوره لجوبيتر‬


‫مضحيا مئة ثور ‪ ،‬فور عودته ‪،‬‬
‫عندما وضع قدميه على أرض الكريتيين ‪،‬‬
‫وزين قصره بغنائمه من العدو ·‬
‫وكان خزي سللته قد اشتد ‪،‬‬
‫إذ كشف وحش ‪ ،‬بغرابة شكله المزدوج ‪،‬‬
‫للعيون كلها ‪ ،‬زنا أمه الفاحش ·‬
‫قرر مينوس أن يبعد عن منزله أصل هذا الخزي ‪،‬‬
‫وأن يسجنه في مكان مظلم ومضلل ·‬
‫بنى هذا المكان ديدالوس (‪ )Daedalus‬الكثر شهرة‬
‫في فن المعمار ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 7‬سيريس هو السم اليوناني لطائر البلشون البيض · وهو قريب من الفعل اليوناني (‪ )Keirein‬الذي يعني ‪ :‬قطع ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪394 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪395 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪442 :‬‬

‫شوش فيه نقاط الستدلل في الطرق المختلفة ‪،‬‬


‫مضل النظر بتعرجاتها الخادعة ·‬

‫هكذا في فريجيا (‪، )Phrygia‬‬


‫تتلعب المواج الصافية في نهر المياندر (‪)Méandre‬‬
‫فهو ‪ ،‬في مجراه الغامض ‪،‬‬
‫يتقدم تارة ‪،‬‬
‫وتارة يرجع إلى الوراء ‪،‬‬
‫متوجها للقاء مياهه ‪،‬‬
‫التي تجري مسرعة نحوه ·‬
‫إنه يتعب أمواجه الحائرة‬
‫بدفعها أحيانا صوب ينبوعه ‪،‬‬
‫وأحيانا صوب مياه البحر ·‬
‫كذلك مل ديدالوس بأسباب الخطأ‬
‫ممرات ل حصر لها ‪،‬‬
‫فكان يصعب عليه ‪ ،‬هو نفسه ‪ ،‬أن يعود إلى العتبة‬
‫لفرط ما كان هذا البناء مضلل ·‬

‫تاج آريان (‪)Ariane‬‬

‫في هذا المكان سجن مينوس‬


‫الوحش الذي هو نصف ثور‬
‫ونصف إنسان ‪،‬‬
‫وكان قد شبع مرتين‬
‫من دم أثينا ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪395 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪396 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪443 :‬‬

‫غير أن واحدا ممن أرسلتهم إليه ‪ ،‬في المرة الثالثة‬


‫القرعة التي تتجدد كل تسع سنوات ‪،‬‬
‫تغلب عليه ·‬
‫فقد عثر تيزيوس ‪ ،‬بمساعدة فتاة عذراء ‪ ،‬هي آريان ‪،‬‬
‫وبفضل خيط جدله ‪،‬‬
‫على باب المدخل الذي ل يهتدى إليه ‪،‬‬
‫والذي لم يعد منه أي داخل ‪ ،‬قبله ·‬
‫وسرعان ما أبحر إلى ديا (‪، )Dia‬‬
‫بعد أن خطف ابنة مينوس ‪،‬‬
‫وهنالك تركها على الشاطىء ·‬
‫كانت وحيدة ‪ ،‬تزفر تأوهاتها ‪،‬‬
‫عندما جاء باخوس يأخذها بين ذراعية ‪،‬‬
‫وينقذها ‪،‬‬
‫وقد رغب أن يضفي عليها‬
‫بريق كوكب ل يخمد ‪،‬‬
‫فنزع عنها التاج الذي يزين جبينها ‪،‬‬
‫وقذف به إلى السماء ·‬
‫طار عبر الجواء اللطيفة ‪،‬‬
‫وفي أثناء طيرانه ‪،‬‬
‫تحولت حجارته الكريمة إلى نجوم‬
‫بأنوار مشعة ‪،‬‬
‫واستقرت في قبة السماء ·‬
‫غير أنها احتفظت بشكل التاج ‪،‬‬
‫ومكانها واقع بين نيكسوس (‪ ، )Nixus‬كوكب الرجل الراكع ‪،‬‬
‫وكوكب الرجل حامل الثعبان ‪· 8‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 8‬هذه المجموعات الثلث من النجوم ‪ ،‬في نصف الكرة الشمالي ‪ ،‬قريبة من مجموعة الدب الكبر والصغر · وقيل‬
‫عن كوكب الرجل الراكع إنه هرقل ‪ ،‬وقيل إنه تيزيوس ‪ ،‬وقيل إنه إكسيون (‪· )Ixion‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪396 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪397 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪444 :‬‬

‫ديدالوس وإيكاروس (‪)Dedalus et Icarus‬‬

‫في هذه الثناء ‪،‬‬


‫بدأ ديدالوس الذي تعب من كريت ‪،‬‬
‫ومن نفي طال ‪،‬‬
‫يشعر أن حبه لمسقط رأسه ‪ ،‬ينبعث في نفسه ‪،‬‬
‫غير أن البحر كان يبقيه أسيرا ‪،‬‬
‫فقال ‪:‬‬
‫"يستطيع مينوس أن يغلق في وجهي‬
‫البر والبحر ·‬
‫السماء ‪ ،‬على القل ‪ ،‬مفتوحة أمامي ·‬
‫ومنها سأمضي ·‬
‫حتى عندما يصبح مينوس سيدا على الشياء كلها ‪،‬‬
‫فهو لن يصبح سيدا على الريح" ·‬
‫هكذا أكب على فن لم يكن حتى ذلك الوقت معروفا ‪،‬‬
‫مخضعا الطبيعة لقوانين جديدة ·‬
‫هيأ ريشا في خيط واحد ‪ ،‬بادئا بالحجم الصغر ‪،‬‬
‫بحيث إن الريشة الصغيرة تكون تالية للكبيرة ‪،‬‬
‫وبحيث يبدو أن الريش يرتفع بشكل منحدر ·‬
‫هكذا ترتب عادة ‪ ،‬بشكل متنام ‪ ،‬القصبات غير المتساوية للمزمار الريفي ·‬
‫ثم ربط هذا الريش في الوسط بالقنب ‪،‬‬
‫وفي السفل بالشمع ‪،‬‬
‫وبعد جمعه هكذا ‪،‬‬
‫حناه قليل لكي يقلد الطيور الحقيقية ·‬
‫كان إيكاروس الشاب يقف إلى جانبه ‪،‬‬
‫مشرق الوجه ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪397 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪398 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪445 :‬‬

‫ل بأنه يمسك بأدوات موته ‪،‬‬ ‫جاه ً‬


‫طورا يقبض الريش الذي يحركه الهواء الشارد ‪،‬‬
‫وطورا يلين بإبهامه الشمع الشقر ‪،‬‬
‫وكان بهذا اللعب يؤخر العمل المدهش‬
‫الذي يقوم به والده ·‬
‫عندما أنجز الفنان عمله ‪،‬‬
‫حاول أن يوازن بنفسه‬
‫جسمه بين جناحيه ‪،‬‬
‫وتأرجح في الهواء الذي يحركه ·‬
‫وخاطب ابنه معلما إياه قائل ‪:‬‬
‫"إيكاروس ‪،‬‬
‫ابق على علو متوسط ‪ ،‬في طيرانك ‪،‬‬
‫هذا ما أنصحك به ·‬
‫إن انخفضت كثيرا ‪ ،‬أثقل الماء جناحيك ‪،‬‬
‫وإن علوت كثيرا ‪ ،‬أحرقتك حرارة الشمس ·‬
‫ط ْر بين المنزلتين ‪،‬‬
‫ِ‬
‫وأدعوك أل تثبت أنظارك على كوكب راعي الشتاء ‪،‬‬
‫ول على الكوكب الحلزوني‬
‫ول على كوكب أوريون ·‬
‫اتخذني ‪ ،‬في اتجاهك ‪ ،‬أنا وحدي ‪ ،‬دليلً" ·‬
‫علمه في الوقت نفسه ‪،‬‬
‫فن الطيران ‪ ،‬مكيفا من أجل كتفيه‬
‫أجنحة لم تكن معروفة حتى ذلك الوقت ·‬
‫فيما كان يعمل هذا الشيخ ويقدم نصائحه ‪،‬‬
‫كان خداه يتبللن بالدمع ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪398 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪399 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪446 :‬‬

‫وكانت رعشة تهز يديه البويتين ·‬


‫قبل ابنه قبلت لن يكررها‬
‫وطار قلبه ‪ ،‬محركا جناحيه ‪،‬‬
‫قلقا من أجل رفيقه ‪،‬‬
‫كمثل طائر يأخذ من أعالي عشه ‪ ،‬عبر الفضاء ‪،‬‬
‫فراخه الصغيرة ·‬
‫شجعه لكي يسير وراءه ‪،‬‬
‫معلما إياه الفن المشؤوم ‪،‬‬
‫وكان كلما حرك جناحيه ‪،‬‬
‫ينظر وراءه إلى جناحي ابنه ·‬
‫رآهما صياد مشغول بمد أشراكه ·‬
‫إلى السمك ‪ ،‬في طرف صنارته المضطربة ‪،‬‬
‫وراح يستند إلى عكازه ‪،‬‬
‫وفلح يستند إلى مقبض سكته ‪،‬‬
‫وذهلوا جميعاً ·‬
‫حسبوا فيما ينظرون إلى هذين الرجلين‬
‫القادرين على السير في الفضاء ‪،‬‬
‫أنهما من اللهة ·‬
‫كانت ساموس (‪ )Samos‬الغالية على جونون ‪،‬‬
‫قد أصبحت إلى يسارهما ‪،‬‬
‫وكانا قد تجاوزا ديلوس (‪ )Delos‬وباروس (‪· )paros‬‬
‫وكانت إلى يمينهما ليبانتوس (‪· )Lebinthos‬‬
‫وكاليمنا (‪ )Calymne‬الغنية بالعسل ‪،‬‬
‫عندما تخلى البن عن دليله ‪،‬‬
‫مستسلما كليا إلى لذة طيرانه الجريء ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪399 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪400 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪447 :‬‬

‫وإلى جاذبية السماء ·‬


‫هكذا اتجه نحو مناطق أكثر علوا ·‬
‫آنذاك ذوبت مجاورة الشمس المحرقة‬
‫الشمع العطر ‪ ،‬الذي يثبت ريشه ·‬
‫وها هو الشمع يسيل ‪ ،‬فيحرك ذراعيه‬
‫العاريتين ‪ ،‬ويرى أنه فقد جناحيه‬
‫اللذين كانا مجدافيه في الفضاء ·‬
‫لم تعد له أية سلطة على الهواء ‪،‬‬
‫وفمه الذي كان يصرخ باسم أبيه ‪،‬‬
‫ابتلعه الماء اللزوردي الذي أعطاه اسمه ‪· 9‬‬
‫أما أبو التاعس ‪ ،‬الذي لم يعد أبا ‪ ،‬فكان يصرخ ‪:‬‬
‫"إيكاروس ‪ ،‬إيكاروس ‪،‬‬
‫أين أنت ؟‬
‫في أي مكان أبحث عنك ؟"‬
‫كان ل يزال يصرخ ‪" :‬إيكاروس !" عندما رأى الريش ‪،‬‬
‫فوق الماء ·‬
‫عندئذ ‪ ،‬أخذ يلعن فنه ·‬
‫ثم وضع في القبر جسم ابنه ‪،‬‬
‫واحتفظت باسمه الرض التي دفن فيها ·‬

‫بيرديكس (‪)Perdix‬‬
‫فيما كان ديدالوس يودع جسم ابنه التاعس‬
‫في القبر ‪ ،‬رآه الحجل الثرثار‬
‫من أقصى ساقية موحلة ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 9‬سقط إيكاروس في القسم الشرقي من بحر إيجه (إيجيوس) ‪ ،‬في مكان سمي باسمه · أما ديدالوس ‪ ،‬فكان يود أن‬
‫يعود إلى موطنه ‪ ،‬أثينا ‪ ،‬غير أن طيرانه قاده إلى آسيا الصغرى ‪ ،‬بين ساموس وسبوراد ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪400 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪401 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪448 :‬‬

‫صفق بجناحيه ‪ ،‬وغنى معبرا عن فرحه ·‬


‫كان آنذاك الطائر الوحيد من نوعه ‪،‬‬
‫ولم ير ما يشبهه في السنوات السابقة ·‬
‫اليوم ‪ ،‬وقد اتخذ هذا الشكل ‪،‬‬
‫فل بد أنه يشكل لك تبكيتا دائما‬
‫يا ديدالوس ·‬
‫والواقع أن أخت ديدالوس ‪،‬‬
‫أوكلت إليه ‪ ،‬جاهلة بأحكام القدر ‪،‬‬
‫تعليم ابنها ‪ ،‬الذي كان قد بلغ الثانية عشرة من عمره ‪،‬‬
‫وجديرا بالفادة من دروس المعلم ·‬
‫وهو نفسه الذي صنع من الحديد المسنون ‪،‬‬
‫عندما لحظ أن للسمكة حسكة في وسطها ‪،‬‬
‫متخذا إياها نموذجا ‪- ،‬‬
‫صنع سلسلة من السنان‬
‫وابتكر المنشار ·‬
‫وكان كذلك أول من جمع بين المنشار والسنان ‪،‬‬
‫بفعل رباط مشترك‬
‫هو ذراعان من الحديد ‪،‬‬
‫بحيث إن أحدهما يبقى حيث هو ‪،‬‬
‫فيما يرسم الخر دائرة ‪،‬‬
‫وذلك بفضل بقائهما منفصلين بمسافة واحدة ·‬
‫هكذا غار منه ديدالوس ‪،‬‬
‫فرماه من أعلى قلعة مينيرفا ‪،‬‬
‫وأشاع كذبا أنه مات من جراء حادث مفاجىء ·‬
‫غير أن بالس ‪ ،‬حامية العبقرية ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪401 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪402 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪449 :‬‬

‫تلقته بين ذراعيها ‪،‬‬


‫وحولته إلى طائر ‪،‬‬
‫وفي الجواء نفسها كسته بالريش ·‬
‫وقد انتقلت قوة فكره اليقظ سابقاً‬
‫إلى جناحيه ورجليه ‪،‬‬
‫واحتفظ باسمه القديم ·‬
‫مع ذلك ‪ ،‬ل يعلو هذا الطائر كثيرا‬
‫ول يبني عشه في الغصان أو في الذروات العالية ·‬
‫إنه يحوم قريبا من الرض ‪،‬‬
‫ويضع بيوضه في السيجة ‪،‬‬
‫ويرتاب من العالي‬
‫عندما يتذكر سقوطه القديم ·‬

‫الخنزير الكاليدوني‬

‫كان ديدالوس قد تعب ‪،‬‬


‫فتوقف في إتنا (‪ )Etna‬وكوكالوس (‪)Cocalus‬‬
‫التي حملت السلح ‪ ،‬استجابة لرجائه ‪،‬‬
‫لكي تدافع عنه ‪،‬‬
‫محييا تعاطفها معه ·‬

‫وكانت أثينا قد توقفت ‪،‬‬


‫بفضل النتصار المجيد الذي حققه تيزيوس ‪،‬‬
‫عن دفع الضريبة الرديئة ·‬
‫زينت الهياكل بالتيجان ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪402 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪403 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪450 :‬‬

‫ابتهل الناس إلى مينيرفا المحاربة ‪،‬‬


‫وإلى جوبيتر وبقية اللهة ·‬
‫أريق ‪ ،‬تمجيدا لهم ‪ ،‬الدم الذي وعدوا به ‪،‬‬
‫وقدمت لهم القرابين وأكداس البخور ·‬
‫كانت الشهرة في سيرها المتشرد ‪،‬‬
‫قد نشرت اسم تيزيوس في مدن اليونان كلها ·‬
‫وكانت الشعوب التي تسكن آشايا (‪ )Achaie‬الغنية ‪،‬‬
‫تلتمس منه العون في أخطارها الكبيرة ·‬
‫وهو الذي دعته كاليدون ‪ ،‬مع أن عندها ميلياغر (‪)Meleagre‬‬
‫لمساعدتها ‪ ،‬بتوسلت مليئة بالجزع ·‬
‫وكان الباعث على طلب المساعدة ‪،‬‬
‫خنزير بري ‪ ،‬يخدم اللهة ديانا‬
‫ويثأر لغضبها ·‬
‫يقال إن أونوس (‪، Oeneus( 10‬‬
‫قدم إلى سيريس (‪ ، )Ceres‬ذات سنة ‪،‬‬
‫كان فيها الموسم خصبا ‪،‬‬
‫بواكير الحبوب ‪،‬‬
‫وقدم إلى باخوس الخمرة التي يمنحنا إياها ‪،‬‬
‫وإلى مينيرفا الشقراء‬
‫شراب بالس ·‬
‫وتلقى جميع اللهة الخرين ‪ ،‬بعد آلهة الريف ‪،‬‬
‫التمجيد الذي كانوا يتطلعون بلهفة إليه ·‬
‫ويقال إن اللهة ديانا نسيت ‪ ،‬هي وحدها ‪،‬‬
‫وأن البخور كان ينقص في معابدها المهجورة ·‬
‫ولما كانت طريق الغضب إلى اللهة أنفسهم ‪ ،‬سهلة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬كان أونوس ملكا على كاليدونا ‪ ،‬في إيتوليا (‪ · )Etolie‬وكان ميلياغر ‪ ،‬بحسب الساطير ‪ ،‬ابنه ‪ ،‬أو ابن مارس ·‬
‫ويتبنى أوفيد هذه الرواية الثانية ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪403 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪404 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪451 :‬‬

‫فقد صرخت قائلة ‪:‬‬


‫"لن أسمح ‪ ،‬على القل ‪،‬‬
‫أن تبقى هذه الهانة بل عقاب ·‬
‫سيقال بأنني لم أكرم ‪،‬‬
‫لكنهم لن يقولوا بأنني لم أنتقم" ·‬
‫هكذا أرسلت اللهة إلى حقول أونوس ‪،‬‬
‫لكي تثأر لهانتها ‪،‬‬
‫خنزيرا بريا كان من الضخامة‬
‫بحيث أن إيبيريوس المعشب‬
‫لم يكن فيه ثور أكثر ضخامة ‪،‬‬
‫وإنما كان في أرياف صقلية من نوعه ‪،‬‬
‫ما هو أصغر منه ·‬
‫كان الدم واللهب يتبجسان من عينيه ‪،‬‬
‫وكان وبره ينتصب مشدودا على عنقه ‪،‬‬
‫كذلك ‪ ،‬كان ينتصب على جسمه زغب‬
‫في صلبة الحراب ·‬
‫وفيما كان يطلق نخيرا أجش‬
‫كان يسيل على كتفيه العريضتين ‪،‬‬
‫زبد ملتهب ·‬
‫وكانت أسنانه كمثل أسنان الحيوان الهندي ‪،‬‬
‫تخرج من شدقه الصاعقة ‪،‬‬
‫وتشعل أنفاسه أوراق الشجر ·‬
‫كان طورا يدوس القمح النابت ‪ ،‬الذي ل يزال‬
‫كالعشب ‪،‬‬
‫وطورا يحصد سنابله التي نضجت ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪404 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪405 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪452 :‬‬

‫ويحصد معها آمال المزارعين‬


‫الذين يحكم عليهم بذرف الدموع ‪،‬‬
‫ويخرب هكذا نعم اللهة سيريس ·‬
‫عبثا انتظرت البيادر والهراءات‬
‫الحصاد الذي وعدت به ·‬
‫كان يمدد على التراب عناقيد العنب الكبيرة‬
‫مع قضبانها الطويلة ‪،‬‬
‫وثمار الزيتون التي ل تزال خضراء ‪،‬‬
‫مع غصونها ·‬
‫وكان يمارس سخطه حتى على الخراف ‪،‬‬
‫ولم يكن يقدر الرعاة ول الكلب على الدفاع عنها ‪،‬‬
‫ولم تكن الثيران الشرسة ‪ ،‬تقدر كذلك‬
‫أن تدافع عن إناثها ·‬

‫ميلياغر (‪)Meleagre‬‬

‫صار السكان يهربون من كل جهة ‪،‬‬


‫ول يشعرون أنهم في مأمن إل وراء جدران المدينة ·‬
‫أخيرًا ‪،‬‬
‫جمع ميلياغر نخبة من الشبان الذين يكنون مثله‬
‫حبا عارما للنصر ‪:‬‬
‫التوأمين ابني تينداروس (‪، Tyndareus( 11‬‬
‫اللذين ل منافس لهما في فنهما ‪-‬‬
‫الول في فن المصارعة ‪،‬‬
‫والثاني في فن الفروسية ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 11‬هما كاستور (‪ )Castor‬الخبير في فن الفروسية ‪ ،‬وبوللوكس (‪ )Pollux‬الخبير في فن المصارعة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪405 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪406 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪453 :‬‬

‫جازون (‪ )Jason‬البناء الول للسفن ‪،‬‬


‫بيريتوس (‪ )Pirithous‬وتيزيوس (‪، )Theseus‬‬
‫اللذين تؤالف بينهما صداقة سعيدة ·‬
‫ابني تيستيوس (‪، Thestius( 12‬‬
‫ابني آفاريوس (‪: )Aphareus‬‬
‫لنسيوس (‪ )Lynceus‬وإيداس (‪ )Idas‬المتوقد ·‬
‫سينيوس (‪ )Ceneus‬الذي لم يعد امرأة ‪،‬‬
‫لفكيبوس (‪ )Leucippus‬المتغطرس‬
‫آكاستوس (‪ )Acastus‬الماهر في رمي الرمح ‪،‬‬
‫هيبوتوس (‪، )Hippothous‬‬
‫ودرياس (‪ )Dryas‬وفينيكس (‪ )Phenix‬ابن آمنتور (‪)Amyntor‬‬
‫وتوأم آكتور (‪ ، )Actor‬وفيليوس (‪)Phyleus‬‬
‫اللذين أرسلهما إيليس (‪· )Elis‬‬
‫تيلمون (‪ )Telamon‬كذلك ‪،‬‬
‫ووالد آشيل (‪ )Achille‬الكبير ‪،‬‬
‫وابن فيريس (‪، )Pheres‬‬
‫وإيولوس (‪ )Iolaus‬البيوسي ‪،‬‬
‫وأريتيون (‪ )Eurytion‬الذي ل يتعب ‪،‬‬
‫إيشيون (‪ )Echion‬الذي ل يغلب في الفروسية ‪،‬‬
‫وليليكس (‪ )Lelex‬الناريكسي‬
‫وبانوبيوس (‪، )Panopeus‬‬
‫وهيليوس (‪ ، )Hyleus‬وهيبازوس (‪ )Hippasus‬المتكبر ‪،‬‬
‫ونسطور (‪ )Nestor‬الذي ل يزال في زهرة شبابه ‪،‬‬
‫وأولئك الذين أرسلهم هيبوكون (‪)Hippocoon‬‬
‫من آميكل (‪، )Amiclae‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 12‬هما بليكسبوس (‪ )Plexippus‬وتوكسيوس (‪· )Toxeus‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪406 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪407 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪454 :‬‬

‫وآنكايوس (‪ )Ancaeus‬من أركاديا ‪،‬‬


‫ول ييرتس (‪، )Laertes‬‬
‫والثاقب الفكر ابن أمبيكوس (‪، )Ampicus‬‬
‫وابن أوكليوس (‪ )Oecleus‬الذي لم يكن لديه شيء يخشاه‬
‫من زوجته ‪،‬‬
‫وبطلة تيجيوس (‪ )Tegeus‬الصيادة ‪، 13‬‬
‫التي هي مجد لغابات ليكيوس (‪· )Lyceus‬‬
‫كان إبزيم مصقول يشبك ثوبها ‪،‬‬
‫وكان شعرها غير المزين مجموعا في عقدة واحدة ‪،‬‬
‫ينسدل على كتفها اليسرى ‪،‬‬
‫ويتصادى مع كنانتها العاجية التي تضم سهامها ·‬
‫وكانت يدها اليسرى تمسك بالقوس ·‬
‫تلك كانت زينتها ·‬
‫أما قسماتها ‪ ،‬فيمكن القول بصدق‬
‫إنها كانت قسمات عذراء في وجه فتى ‪،‬‬
‫وقسمات فتى في وجه عذراء ·‬
‫لم يكد يراها البطل الكاليدوني حتى عشقها ‪،‬‬
‫على الرغم من اللهة ‪،‬‬
‫واستولى على قلبه لهب خفي ‪،‬‬
‫فصرخ قائلً ‪:‬‬
‫"سعيد ذلك الذي‬
‫تتنازل وتتخذه زوجاً" ·‬
‫لم تسمح له الظروف والشرف أن يقول أكثر من ذلك ·‬
‫كان هناك بالنسبة إليه ‪ ،‬مشروع أعظم ‪:‬‬
‫المعركة الكبيرة التي تناديه وتستعجله ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 13‬هي آتلنتا (‪ ، )Atlante‬من تيجيوس في أركاديا ‪ ،‬ابنة إيازوس (‪ )Iasos‬التي أهملها لخيبته من أنه لم يرزق‬
‫بابن ذكر بدل منها ‪ ،‬فأرضعتها دبة ‪ ،‬ونشأت مع الصيادين في الغابات ‪ ،‬وشاركتهم حياتهم القاسية ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪407 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪408 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪455 :‬‬

‫كانت غابة كثيفة بأشجار ضخمة ‪،‬‬


‫لم تخدشها العصور ‪،‬‬
‫تتدرج صعدا بدءا من السهل ‪،‬‬
‫وتطل على مدى الحقول ·‬
‫عندما وصل البطال إليها ‪،‬‬
‫مد بعضهم الشباك ‪،‬‬
‫وفصل بعضهم بين كلب الصيد‬
‫وتبع آخرون آثار الخنزير البري‬
‫متلهفين لكتشاف هذا الوحش‬
‫الذي يغامرون بحياتهم بحثا عنه ·‬
‫كان في الغابة واد عميق‬
‫تسيل فيه عادة الجداول التي تشكلها مياه المطر ·‬
‫في القسم السفل منه ‪،‬‬
‫ينمو الصفصاف اللين ‪ ،‬والشنة الخفيفة ‪،‬‬
‫والسل ‪ ،‬صديق الغدران ‪ ،‬والسوحر ‪،‬‬
‫والقصب الناحل بين القصب الطويل ·‬
‫من هذا المكان ‪ ،‬حركوا الخنزير‬
‫فانقض على وسط أعدائه ‪،‬‬
‫كمثل صاعقة تهدر من غيوم تتلطم ·‬
‫يقتلع في سيره الشجر ‪،‬‬
‫فتدوي الغابة ‪ ،‬مزلزلة ·‬
‫والفتيان يصرخون‬
‫فيما توجه إليه أيديهم القوية الحراب‬
‫التي تلمع نصالها العريضة ·‬
‫ينقض على الكلب ‪ ،‬مفرقا‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪408 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪409 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪456 :‬‬

‫تلك التي تجابه اندفاعه ‪،‬‬


‫وبضربات جانبية ‪ ،‬يشتت سربها النابح ·‬

‫لم تكن للرمح الول الذي قذفته ذراع إيشيون‬


‫أية جدوى ‪،‬‬
‫ولم يحدث إل جرحا خفيفا في جذع شجرة قيقب ·‬
‫أما الثاني ‪ ،‬فلو لم يكن قذف بقوة شديدة ‪،‬‬
‫لكان أصاب ‪ ،‬كما خيل ‪ ،‬الهدف ‪ ،‬منغرزا في ظهر الوحش ·‬
‫غير أنه طار فوقه ‪،‬‬
‫وكان جازون الباغازي‬
‫هو الذي رماه ·‬
‫آنذاك ‪ ،‬صرخ ابن آمبيكوس ‪:‬‬
‫"فيبوس !‬
‫إن كنت عبدتك ‪،‬‬
‫وأثابر على عبادتك‬
‫فأعني لكي أصيب بنصل ل يخطئ‬
‫الهدف الذي أسعى إليه" ·‬
‫استجاب الله لدعائه بقدر ما استطاع ‪،‬‬
‫فضرب الصياد الخنزير ‪،‬‬
‫لكنه لم يجرحه ·‬
‫كانت اللهة ديانا قد نزعت النصل من الرمح ‪ ،‬فيما كان يطير ‪،‬‬
‫ووصل الخشب دون سن ·‬
‫ازداد هياج الحيوان ‪،‬‬
‫فاشتعلت عيناه نارا‬
‫وانطلق اللهب من صدره ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪409 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪410 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪457 :‬‬

‫وانقض الخنزير المتحرق للقتل‬


‫باندفاع ل يقاوم على البطال الشبان ‪،‬‬
‫كما تندفع كتلة من الحجر أطلقها حبل مشدود‬
‫لضرب الجدران ‪ ،‬أو لضرب أبراج‬
‫مليئة بالجنود ·‬
‫فطرح أرضا هيبالموس (‪)Hippalmos‬‬
‫وبيلغون (‪ ، )Pelagon‬اللذين‬
‫كانا يدافعان في الجناح اليمن ·‬
‫فرفعهما رفقاؤهما وأخذوهما ·‬
‫أما إيناسيموس (‪ )Enaesimus‬ابن هيبوكون (‪)Hippocoon‬‬
‫فلم يستطع أن يتجنب الضربة القاتلة ·‬
‫كان ‪ ،‬فيما يرتجف بكامله ‪،‬‬
‫يتهيأ ليبتعد عنه ‪ ،‬عندما أحس ‪،‬‬
‫وقد عرقب ‪ ،‬أن عضلته تتخلى عنه ·‬

‫ربما كان مات ‪ ،‬كذلك ‪ ،‬بطل بيلوس (‪)Pylos‬‬


‫قبل أيام طروادة ‪،‬‬
‫لو لم ينطلق بفضل رمحه الذي غرسه في الرض ‪،‬‬
‫قافزا إلى أغصان شجرة كانت تنهض قربه ‪،‬‬
‫واستطاع من موقعه العالي‬
‫أن يراقب آمنا تحت قدميه‬
‫العدو الذي هزمه ·‬
‫اهتاج هذا العدو ‪ ،‬فاركا أسنانه‬
‫على جذع بلوطة ‪ ،‬وأخذ يترصد اللحظة‬
‫التي يقتل فيها ضحايا جددا ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪410 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪411 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪458 :‬‬

‫وقد غرز أنيابه المقوسة‬


‫واثقًا بها ‪ ،‬بعد أن شحذها من هنيهة ‪،‬‬
‫في فخذ ابن أورتيتوس (‪ )Eurtytus‬الشهير ·‬

‫كان الخوان التوأمان اللذان لم يكونا بعد قد أصبحا كوكبين في السماء ‪،‬‬
‫والجميلن أحدهما كالخر ‪،‬‬
‫يمتطيان حصانين أبيضين كالثلج ‪، 14‬‬
‫يقلبان في الهواء ‪،‬‬
‫بحركة مترددة ‪،‬‬
‫سني رمحيهما ·‬
‫كان من الممكن أن يطعنا الوحش المغطى بالوبر‬
‫طعنة نافذة ‪،‬‬
‫لو أنه لم يدخل في دغل كثيف ‪،‬‬
‫ل تخترقه الحصنة ول الحراب ·‬
‫طاردة تيلمون (‪)Telamon‬‬
‫لكن ‪ ،‬في حمياه المتهورة التي تجرفه ‪،‬‬
‫سقط ورأسه إلى المام ‪،‬‬
‫فأوقفه جذع شجرة ·‬
‫وفيما كان بيليوس (‪ )Peleus‬يرفعه ‪،‬‬
‫وضعت بطلة تيجيوس‬
‫سهما سريعا في وتر قوسها‬
‫وشدته وأطلقته ·‬
‫مر السهم تحت أذن الوحش ‪،‬‬
‫ولم يحدث إل جرحا خفيفا على سطح جسمه ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 14‬هما كاستور وبوللوكس اللذان أصبحا المجموعة الكوكبية ‪ :‬برج الجوزاء ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪411 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪412 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪459 :‬‬

‫صبغ وبره ببضع قطرات من الدم ·‬


‫مع ذلك ‪ ،‬سرت الفتاة بنجاح ضربتها ‪،‬‬
‫وسر أكثر ‪ ،‬كذلك ‪ ،‬ميلياغر (‪· )Meleagre‬‬
‫كان ‪ ،‬على الرجح ‪ ،‬أول من رأى الدم السائل ‪،‬‬
‫وأول من وجه إليه أنظار رفقائه ‪،‬‬
‫قائلً لها ‪:‬‬
‫"أنت جديرة حقًا بجائزة البسالة‬
‫وسوف تنالينها" ·‬
‫احمر الشبان ‪ ،‬فأخذ كل منهم يحث الخر ‪،‬‬
‫ويشجعه بصوت مرتفع ‪،‬‬
‫وبدأوا يرمون جميعاً وابلً من السهام دون تنظيم ‪،‬‬
‫يعرقل بعضها بعضاً‬
‫ويحول دون أن تصيب هدفها ·‬
‫آنذاك ‪ ،‬صاح الركادي ‪ ، 15‬المسلح ببلطته ذات الحدين ‪،‬‬
‫يدفعه غضبه لمجابهة مصيره ‪:‬‬
‫"تعلموا ‪ ،‬أيها الفتيان ‪،‬‬
‫كيف أن ذراع الرجل تفوق ذراع المرأة ·‬
‫اتركوني أبرهن ·‬
‫يمكن ابنة لتونا نفسها أن تحمي‬
‫هذا الوحش من أسلحتها ‪،‬‬
‫لكنه سوف يقتل بيدي‬
‫على الرغم من اللهة ديانا" ·‬
‫لم يكد فمه المتعجرف ينطق بهذه الكلمات الوقحة ‪،‬‬
‫رافعًا بيديه الثنتين بلطته المزدوجة الحد ‪،‬‬
‫حتى انتصب على أصابعه ‪ ،‬مدلى على طرفي قدميه ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 15‬الركادي هو آنسيوس (‪· )Anceus‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪412 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪413 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪460 :‬‬

‫غير أن الحيوان استدرك هجومه الجريء ‪،‬‬


‫غارزا فيه نابيه ‪،‬‬
‫حيث الطريق التي تؤدي بأقصى سرعة إلى الموت ‪،‬‬
‫في أعلى ثنية الفخذ ·‬
‫سقط الركادي ‪،‬‬
‫وخرجت كتلة أحشائه في أمواج من الدم ‪،‬‬
‫غمرت الرض ·‬
‫كان ابن إكسيون (‪ ، )Ixion‬بيريتوس (‪)Pirithous‬‬
‫يسير للقاء العدو ‪ ،‬رافعاً حربته ‪ ،‬بيده القوية ·‬
‫فصاح به ابن إيجيوس ‪:‬‬
‫"ابتعد أنت ‪ ،‬يا من أحبه‬
‫أكثر من نفسي ‪،‬‬
‫توقف ‪ ،‬فأنت جزء من روحي ·‬
‫يمكن أن نظهر بسالتنا‬
‫من بعيد ·‬
‫فقد مات أنكايوس ‪،‬‬
‫ضحية لشجاعته المتهورة" ·‬
‫ل من خشب القرانية ‪،‬‬ ‫قال ذلك ‪ ،‬وقذف رمحاً ثقي ً‬
‫مجهزا برأس برونزي ·‬
‫كان قذفه بارعا ‪ ،‬وكاد أن يحقق رغباته ‪،‬‬
‫لو لم يكن أعاقه ‪،‬‬
‫غصن مثقل بالوراق ‪،‬‬
‫فسيلة من شجرة مقطوعة ·‬
‫قذف ابن إيزون (‪ ، )Eson‬بدوره ‪ ،‬رمحًا ‪،‬‬
‫غير أن المصادفة حولته عن هدفه ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪413 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪414 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪461 :‬‬

‫فأصاب كلباً بريئاً منغرزاً في أحشائه ‪،‬‬


‫خارجًا منها لكي ينغرز من جديد في الرض ·‬
‫كان للضربات التي وجهها ميلياغر‬
‫مصير آخر ‪:‬‬
‫إحدى الحربتين اللتين انطلقتا من يده ‪،‬‬
‫انغزرت في الرض ‪،‬‬
‫وانغرزت الثانية في ظهر الحيوان ·‬
‫وفيما كان الهياج يستولي عليه ‪،‬‬
‫دائراً حول نفسه ‪،‬‬
‫يختلط الزبد في شدقه المرتعش ‪،‬‬
‫بدمه السائل من جديد ‪،‬‬
‫غرز في كتفه ‪ ،‬جارحه الذي يواجهه ‪ ،‬مثيرا هياجه ‪،‬‬
‫حربة تتطاير شررا ·‬
‫عبر رفقاؤه عن فرحهم بصرخات شجعته ‪،‬‬
‫وأسرعوا ليشدوا بأيديهم على اليد المنتصرة ‪،‬‬
‫ويتأملوا بإعجاب مصرع الوحش ‪،‬‬
‫الذي يغطي جسمه الهامد على الرض ‪،‬‬
‫مساحة كبيرة ·‬
‫كانوا يرون أن لمسه باليد ل يزال خطرا ‪،‬‬
‫غير أنهم ‪ ،‬مع ذلك ‪ ،‬صبغوا أسلحتهم جميعا بدمه ·‬
‫ثم وضع المنتصر قدمه على رأسه المشؤوم قائلً ‪:‬‬
‫"اقبلي يا عذراء أركاديا‬
‫هذا الغنم الذي يخصني ·‬
‫أريد أن تشاركيني نصري" ·‬
‫وقدم لها في الحال جلد الخنزير البري ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪414 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪415 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪462 :‬‬

‫المكسو بالوبر الخشن ‪،‬‬


‫ورأسه المسلح بأنياب ضخمة ·‬
‫أعجبت الفتاة بالهدية وفتنت بمن قدمها ‪،‬‬
‫غير أنها أثارت غيرة الخرين ‪،‬‬
‫وعل الهمس من الجميع ·‬
‫بينهم إبنا تيستيوس (‪)Thestius‬‬
‫اللذان صاحا بصوت رهيب ‪،‬‬
‫وكلهما يمد ذراعه ‪:‬‬
‫"هيا ‪ ،‬يا امرأة ‪،‬‬
‫اتركي هذا كله ·‬
‫ل تغتصبي مجداً هو من حقنا ·‬
‫واحذري من أن تغرك ثقتك بجمالك‬
‫وأن تخسري مساعدة عشيقك الشجاع" ·‬
‫وانتزعا من الفتاة الهدية التي أخذتها ‪،‬‬
‫ومن المنتصر حقه في التصرف بها ·‬
‫لم يستطع ابن مارس أن يتحمل هذه الهانة ‪،‬‬
‫فصرخ بهما ‪ ،‬طافحًا بالغضب ‪،‬‬
‫كازا على أسنانه ‪:‬‬
‫"تعلما ‪ ،‬يا من تسلبان مجد الخرين ‪،‬‬
‫أية مسافة تفصل بين التهديد والتنفيذ" ·‬

‫وغرز نصل فاتكا‬


‫في قلب بليكسيبوس (‪)Plexippus‬‬
‫الذي لم يكن ينتظره أبدا ·‬
‫لم يعرف توكسيوس (‪ )Toxeus‬ماذا يفعل ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪415 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪416 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪463 :‬‬

‫كان يريد أن يثأر لخيه ‪،‬‬


‫ويخشى في الوقت نفسه أن يلقي مصيره ·‬
‫لم يتركه ميلياغر يتردد طويل ‪،‬‬
‫فدفأ ‪ ،‬ثانية ‪ ،‬سلحه ‪،‬‬
‫الذي كان دافئًا من الجريمة الولى ‪،‬‬
‫في دم الخ الثاني ·‬

‫آلتيا وميلياغر (‪)Althoea et Meleagre‬‬

‫كانت آلتيا ‪ 16‬تحمل إلى هياكل اللهة‬


‫تقدمات لنتصار ابنها ‪،‬‬
‫عندما رأت جثتي أخويها ·‬
‫لطمت صدرها ‪ ،‬مالئة المدينة بعويلها ‪،‬‬
‫ثم غيرت ثيابها المطرزة بالذهب‬
‫ولبست ثيابا سوداء ·‬
‫لكن ‪ ،‬منذ أن كشف لها عن اسم القاتل ‪،‬‬
‫نسيت حزنها كله ‪ ،‬وتوقفت دموعها ‪،‬‬
‫ولم تعد لديها إل رغبة واحدة ‪ :‬العقاب ·‬
‫عندما كانت ابنة تيستيوس (‪، )Thestius‬‬
‫ترتاح في سريرها ‪ ،‬بعد أن ولدت ابنها ‪،‬‬
‫كانت الخوات الثلث ‪ 17‬يضعن حطبة‬
‫في نار الموقد ‪ ،‬ويقلن ‪ -‬فيما يغزلن بإبهامهن‬
‫الخيط الذي ربط به مصير الولد ‪:‬‬
‫"دوام هذه الحطبة‬
‫هو نفسه الدوام الذي‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 16‬آلتيا هي ابنة تيستيوس ·‬


‫‪ 17‬الخوات الثلث هن (‪ ، )Les Parques‬الهات القدر ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪416 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪417 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪464 :‬‬

‫نعطيه لحياتك ‪ ،‬أيها الوليد الجديد"‬


‫خرجت اللهات بعد التلفظ بهذه النبوءة ‪،‬‬
‫وفي الحال ‪ ،‬انتزعت الم الحطبة المشتعلة من النار ‪،‬‬
‫وبللتها بالماء ·‬
‫طويلً بقيت الحطبة مخبأة في بيتها ‪،‬‬
‫وفيما كانت تحفظها ‪،‬‬
‫كانت تحفظ حياتك ‪ ،‬أيها البطل الشاب ·‬
‫هكذا ‪ ،‬أخرجت الحطبة من مخبئها‬
‫وطلبت أن يؤتى إليها بأغصان صنوبر‬
‫وبقطع من الخشب ‪،‬‬
‫ثم أشعلت فيها النار ·‬
‫حاولت أربع مرات أن ترمي الحطبة في النار ‪،‬‬
‫وفي كل مرة كانت تتوقف حائرة ·‬
‫كانت تتصارع فيها الم والخت ‪،‬‬
‫وكان كل من هذين السمين‬
‫يشد نحوه ‪ ،‬في اتجاهين متعاكسين ‪،‬‬
‫قلباً واحداً ·‬
‫طورا ‪ ،‬يشحب وجهها من هول الجريمة‬
‫التي تفكر بارتكابها ‪،‬‬
‫وطورا تمل نيران الغضب عينيها ببريق أحمر ·‬
‫تارة ‪ ،‬يخيل أن قسماتها المتوعدة‬
‫تفصح عما ل يعرف من العمال الوحشية ‪،‬‬
‫وتارة ‪ ،‬تفصح عن الرأفة ·‬
‫ول يكاد الحتدام الشرس لسخطها‬
‫يجفف دموعها ‪ ،‬حتى تتجدد وتتواصل ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪417 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪418 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪465 :‬‬

‫كمثل مركب تجره الريح من جهة ‪،‬‬


‫ويجره الموج من الجهة الثانية ‪،‬‬
‫كانت تكابد فعل هاتين القوتين المتناقضتين‬
‫وتخضع لهما في جريها المتعثر ‪،‬‬
‫هكذا كانت ابنة تيستيوس تتموج حائرة‬
‫بين مشاعر متباينة ‪،‬‬
‫وإذ يهدأ غضبها ‪ ،‬ل يلبث أن يثور من جديد ·‬
‫غير أنها بدأت تشعر أن الخت فيها أفضل من الم ‪،‬‬
‫ولكي تطمئن بدمها أشباح من يجري دمهما في عروقها ‪،‬‬
‫صارت ‪ ،‬بفعل التقوى ‪ ،‬كافرة !‬
‫هكذا قالت ‪ ،‬وهي ترى إلى الحطبة في أوج اشتعالها ‪:‬‬
‫"هذه هي الحطبة التي ستحرق‬
‫ثمرة أحشائي !" ·‬
‫وتابعت ‪ ،‬ممسكة بيدها الوحشية ‪ ،‬الحطبة‬
‫التي يرتبط بها مصير تاعس ‪،‬‬
‫واقفة أمام هيكل مأتمي ‪:‬‬
‫"أومينيديس (‪، )Eumenides‬‬
‫يا إلهات العقاب ‪ ،‬انظرن ‪ ،‬أنتن الثلث ‪،‬‬
‫هذه الضحية‬
‫المهيأة لرضاء ربات الجحيم ·‬
‫أثأر ‪ ،‬غير أنني أخترق القانون اللهي ·‬
‫لبد من الموت ‪،‬‬
‫للتكفير عن الموت ·‬
‫لبد من أن أضيف جريمة إلى جريمة ‪،‬‬
‫ومأتما إلى مأتم ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪418 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪419 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪466 :‬‬

‫لعل بيتنا الثم يصير خرابا‬


‫من تراكم المآتم !‬
‫هل يزهو أونيوس بانتصار ابنه ‪،‬‬
‫بينما تفقد تيستيوس أخويها ؟‬
‫كل ! خير أن تذرفا الدموع ‪،‬‬
‫أنتما معاً ·‬
‫وعسى أن تقدرا ‪،‬‬
‫يا روحي أخوي ‪،‬‬
‫أيها ‪ ،‬الشبحان اللذان جردا من جسميهما‬
‫الولء الذي أقدمه لكما ‪،‬‬
‫وأن تتقبل تقدمة مأتمية تكلفني غاليا ‪،‬‬
‫الثمرة التاعسة التي حملتها أحشائي ·‬
‫سامحاني ‪ ،‬يا أخوي ‪ ،‬بوصفي أما ·‬
‫فيداي تخوران أمام جريمة كهذه ‪،‬‬
‫وأعترف ‪ ،‬أنه يستحق الموت ‪،‬‬
‫لكن ‪ ،‬ما ينفرني هو أن أكون القاتلة ·‬
‫كان سيبقى بل عقاب ‪ ،‬يحيا ‪،‬‬
‫ويملك على كاليدونا (‪)Calydon‬‬
‫منتصراً ‪ ،‬مزهوا حتى بنجاح جريمته ‪،‬‬
‫ل من الرماد ‪،‬‬ ‫وأنتما لن تكونا إل قلي ً‬
‫شبحين متجمدين تحت الرض ؟‬
‫كل ‪ ،‬ما كنت لحتمل ذلك ·‬
‫فليمت هذا المجرم ‪ ،‬وليأخذ آمال أبيه ‪،‬‬
‫وليؤذن موته بسقوط المملكة والوطن !‬
‫لكن ‪ ،‬أين الحب المومي ‪ ،‬والرعاية الحنونة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪419 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪420 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪467 :‬‬

‫التي يدين بها الباء لبنائهم ‪،‬‬


‫والتعب الذي كابدته طوال عشرة شهور ؟‬
‫آه ‪ ،‬ليت السماء شاءت‬
‫أن تحترق وأنت طفل ‪،‬‬
‫وأن أتألم لذلك !‬
‫لقد عشت بفضلي ‪،‬‬
‫واليوم ستموت بخطيئتك ·‬
‫ق مكافأة جرمك ·‬ ‫تَلَ ّ‬
‫أعطيتك الحياة مرتين ‪:‬‬
‫ولدتك أول ‪،‬‬
‫وانتزعت الحطبة من النار ‪ ،‬ثانيا ·‬
‫ي‪،‬‬ ‫فأعد الحياة إل ّ‬
‫أو اجمعني بأخوي في القبر ·‬
‫أريد أن أعمل ‪ ،‬ول أستطيع ·‬
‫فماذا أفعل ؟‬
‫تارة ‪ ،‬أرى أمام عيني جراح أخوي ‪،‬‬
‫وصورة هذه المذبحة الرهيبة ‪،‬‬
‫وتارة يحطم شجاعتي ‪،‬‬
‫الحب المومي ‪،‬‬
‫وكوني أما ·‬
‫آه ‪ ،‬ما أشقاني !‬
‫سيكون انتصاركما ‪ ،‬يا أخوي ‪،‬‬
‫عارا علي ‪،‬‬
‫لكن ‪ ،‬انتصرا مع ذلك ‪ ،‬شريطة أن أتبعكم أنا نفسي ‪،‬‬
‫أنتما ‪ ،‬وهذا الذي أرسله إليكما‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪420 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪421 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪468 :‬‬

‫عزاء وطمأنة" ·‬
‫أنهت كلمها مديرة رأسها ‪،‬‬
‫طارحة في الموقد ‪،‬‬
‫الحطبة المشؤومة ‪،‬‬
‫بيد ترتجف ·‬
‫زفرت الحطبة ‪ ،‬أو خيل أنها تزفر التأوهات ‪،‬‬
‫عندما أصبحت فريسة اللهب الذي يلتهمها ‪ ،‬على مضض ·‬
‫كان ميلياغر ‪ ،‬دون أن يعرف شيئًا ‪،‬‬
‫يحترق ‪ ،‬بعيدًا ‪ ،‬بالنار ذاتها ·‬
‫كان يحس بأحشائه تتلف بهذا الجمر المختبئ ‪،‬‬
‫وكان يتجاوز بقوة الشجاعة آلمه الرهيبة ·‬
‫غير أنه كان حزينا جدًا ‪ ،‬فيما يرى نفسه ينهار‬
‫بموت ل مجد فيه ‪،‬‬
‫ودون دم مراق ‪،‬‬
‫واصفا الضربة التي قضت على آنكيوس (‪)Ancius‬‬
‫بأنها حظوة من القدر ·‬
‫نادى بصوته الذي يحتضر ‪ ،‬متحسرًا ‪،‬‬
‫أباه الشيخ ‪ ،‬وإخوانه ‪،‬‬
‫وأخواته الرقيقات ‪ ،‬ورفيقة فراشه ‪،‬‬
‫وربما أمه ‪ ،‬نفسها ·‬
‫ازدادت آلمه مع تزايد اللهب ‪،‬‬
‫ثم بدأت بالتضاؤل ‪-‬‬
‫انطفأ اللهب ‪ ،‬وانطفأت اللم‬
‫في الوقت نفسه ·‬
‫رويداً رويدًا ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪421 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪422 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪469 :‬‬

‫أخذت روحه تفلت منه ‪،‬‬


‫منطلقة في الهواء الخفيف ‪،‬‬
‫فيما كان رماد أبيض ‪،‬‬
‫يغطي الحطبة ‪ ،‬رويداً رويداً ·‬
‫غاصت ‪ ،‬في الحداد ‪ ،‬كاليدونا العالية ‪،‬‬
‫وذرفت الدموع ‪ ،‬شبانا وشيوخا ‪،‬‬
‫انتحب الشعب وكبراؤه ‪،‬‬
‫واقتلعت أمهات السر التي تسكن في كاليدونا ‪،‬‬
‫شعورهن ‪ ،‬على ضفاف إيونوس (‪)Euenus‬‬
‫ولطمن صدورهن ·‬
‫كان والد ملياغر ‪ ،‬يتمدد على الرض ‪ ،‬ويعفر‬
‫بالتراب شعره البيض‬
‫ووجهه الذي أذبلته الشيخوخة ‪،‬‬
‫ويلعن سنه الكبيرة ·‬
‫أما الم ‪ ،‬فقد عاقبت نفسها بيدها ‪،‬‬
‫غارزة خنجراً في قلبها ‪،‬‬
‫تدفعها الندامة على هذه الجريمة البشعة ·‬
‫كل‪ ،‬لو أن ال أعطاني مئة فم‬
‫ومئة لغة جميلة ‪،‬‬
‫وعبقرية ضخمة ‪،‬‬
‫ومزايا موسيقا الهيليكون (‪ )Helicon‬جمعيها ‪،‬‬
‫لما استطعت أن أعيد النواح الكئيب‬
‫لخواته التاعسات ·‬
‫ن ‪ ،‬دون أن يأبهن لجمالهن ‪،‬‬ ‫كُ ّ‬
‫يلطمن صدورهن الكابية ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪422 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪423 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪470 :‬‬

‫ويدفئن ما يرينه من جسم أخيهن ‪،‬‬


‫ويحتضنه بأذرعهن ‪ ،‬ويغطينه بالقبل ‪،‬‬
‫ويقبلن ‪ ،‬حتى المحفة الموضوعة على المحرقة ·‬
‫ثم ‪ ،‬عندما أصبح جسمه رمادا ‪،‬‬
‫أخذن يجمعن رماده ‪ ،‬ويضعنه على صدورهن ‪،‬‬
‫ويسجدن ‪ ،‬ويتمددن على قبره ‪،‬‬
‫ويقبلن اسمه المحفور على الحجر ‪،‬‬
‫ويبللن هذا السم بدموعهن ·‬

‫أخيرًا ‪ ،‬وقد تشفت اللهة ديانا‬


‫بخراب منزل أونيوس‬
‫حولت الجميع ‪ ،‬باستثناء غورجا (‪)Gorge‬‬
‫وكنة ألكمينا النبيلة ‪18‬‬
‫جعلت الريش ينمو على أجسامهن ‪،‬‬
‫ورفعتهن عن الرض ‪،‬‬
‫مادة أجنحة طويلة على أذرعهن ‪،‬‬
‫مغيرة أفواههن إلى مناقير حادة ‪،‬‬
‫وأرسلتهن في الفضاء ·‬

‫تيزيوس وأخيلووس (‪)Théseus et Acheloüs‬‬

‫في هذه الثناء ‪،‬‬


‫كان تيزيوس ‪ ،‬بعد أن شاطر رفقاءه محنهم ‪،‬‬
‫يعود إلى قلعة إيريكتيوس (‪)Erechteus‬‬
‫التي تحميها إلهة تيتون (‪)Triton‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 18‬كان أونيوس ‪ ،‬والد ميلياغر ‪ ،‬ابنا لبارتاون · ولد ست بنات · تحولت أربع منهن إلى دجاجات فرعونية (الفرغر) ·‬
‫واستثنيت الختان الخيرتان ‪ :‬غورجا ‪ ،‬لسباب لم يذكرها رواة الساطير ‪ ،‬وديانيرا (‪ )Dejanire‬كنة آلكمينا ‪ ،‬أي‬
‫زوجة هرقل (‪ ·)Hercule‬ويقال أحياناً إن الب الحقيقي لديجانيرا هو ديونيزوس ‪ ،‬وأنه هو الذي شفع وأنقذها ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪423 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪424 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪471 :‬‬

‫وقد أوقفه على الطريق وأخره‬


‫نهر آخيلووس الذي كانت المياه قد ضخمت مجراه ·‬
‫قال له هذا الله ‪:‬‬
‫"ادخل تحت سقفي ‪،‬‬
‫أيها المير الثيني الشهير ‪،‬‬
‫ول تعرض نفسك لعنف مياهي ·‬
‫أحيانا تجرف أشجارا بكاملها‬
‫وتدحرج بجلجلة عظيمة صخورا ماكرة‬
‫تنهض في طريقها ·‬
‫رأيت زرائب عالية ‪ ،‬تجاور ضفافي ‪،‬‬
‫مجروفة مع قطعانها ‪،‬‬
‫ل الثيران ‪ ،‬في هذه الحالة ‪ ،‬تجديها قوتها ‪،‬‬
‫ول الخيول تجديها السرعة ·‬
‫وعندما تذوب جبال الثلوج وتتدفق‬
‫يتشكل سيل ‪ ،‬كثيراً ما ابتلع‬
‫شبانا في دواماته العاصفة ·‬
‫أكثر أمنا أن ترتاح‬
‫إلى أن يعود نهري إلى مجراه‬
‫بين ضفافه العادية ‪،‬‬
‫وتتناقص مياهه حتى يقدر على احتوائها"·‬
‫أشار ابن إيجيوس بالموافقة ‪ ،‬مجيبا ‪:‬‬
‫"سأقبل ‪ ،‬يا أخيلووس ‪،‬‬
‫ضيافتك ونصائحك" ·‬
‫ي من الحجر الخفان ذي المسام ‪،‬‬ ‫هكذا ‪ ،‬دخل في فناء ُبنِ َ‬
‫والحجر الرسوبي غير المصقول ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪424 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪425 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪472 :‬‬

‫كانت أرضه الرطبة مغطاة بالطحلب الناعم ‪،‬‬


‫وسقفه مزينا بتجاويف تتكون بشكل متعاقب‬
‫من أصداف ورخويات مرجانية ·‬

‫كان هيبيريون ‪ 19‬قد قطع ثلثي مسيرته المضيئة ‪،‬‬


‫فتمدد تيزيوس ورفقاؤه في العمل ‪ ،‬على أسرتهم ‪:‬‬
‫من جهة ‪ ،‬ابن إكسيون ‪، )Ixion( 20‬‬
‫ومن الجهة الثانية ‪،‬‬
‫بطل تريزينا (‪ ، )Trezene‬ليليكس (‪، )Lelex‬‬
‫الذي كانت بعض الشعرات البيض‬
‫آخذة في تزيين صدغيه ‪،‬‬
‫وجميع أولئك الذي رأى‬
‫نهر أركانانيا (‪ ، )Arcananie‬الفخور‬
‫باستقبال مثل هذا الضيف ‪،‬‬
‫أنهم جديرون بالحتفاء نفسه ·‬
‫وفي الحال جاءت ربات الماء ‪،‬‬
‫حافيات القدام ‪،‬‬
‫يملن بالطعمة الموائد الموضوعة أمامهم ‪،‬‬
‫ثم ‪ ،‬رفعت الطعمة ‪،‬‬
‫وقدمن الخمرة في كؤوس من الحجر الكريم ·‬
‫آنذاك ‪ ،‬سأل البطل الذائع الصيت ‪،‬‬
‫فيما كان يتأمل البحر الذي يمتد بعيداً أمام عينيه ‪،‬‬
‫مشيراً بإصبعه ‪:‬‬
‫"ما ذلك المكان الذي نراه هنالك ؟‬
‫قل لنا اسم هذه الجزيرة ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 19‬هيبيريون هو الشمس ·‬
‫‪ 20‬ابن إكسيون هو بيريتوس (‪· )Pirithoüs‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪425 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪426 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪473 :‬‬

‫مع أنه يخيل إلى أن هناك أكثر من واحدة" ·‬


‫أجابه النهر ‪:‬‬
‫"هناك في الواقع أكثر من واحدة ‪،‬‬
‫في هذا المكان الذي نراه ·‬
‫إنها خمسة أمكنة مختلفة ‪،‬‬
‫ول يسمح البعد بتمييز أحدها عن الخر ·‬
‫اعلم ‪ ،‬لكي تكون أقل دهشة ‪،‬‬
‫لما تفعله اللهة ديانا عندما تحتقر ‪،‬‬
‫أن هذه الجزر كانت ربات ماء ·‬
‫ذات يوم ضحين عشرة ثيران‬
‫ودعون إلى المأدبة المقدسة‬
‫آلهة الحقول ·‬
‫نسينني ‪ ،‬ورقصن بدوني ‪ ،‬رقصهن المرح ·‬
‫امتلت غضبا ‪ ،‬وهجت ‪،‬‬
‫وطفح مائي أكثر من أي وقت مضى ‪،‬‬
‫واقتلع فيضي القاسي ‪ ،‬كمثل قلبي ‪،‬‬
‫الشجر من غاباته ‪،‬‬
‫والتراب من أرضه ·‬
‫وجرفت إلى البحر البلد ‪ ،‬وربات الماء‬
‫اللئي تذكرنني آنذاك ·‬
‫وفصلت مياهي المتحدة مع أمواجه‬
‫أرضا لم تكن تشكل إل منطقة واحدة ·‬
‫ومزقتها إلى ما أمكن من الجزاء‬
‫التي تراها وسط المياه ·‬
‫لكن ‪ ،‬هناك جزيرة أخرى‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪426 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪427 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪474 :‬‬

‫كما ترى بنفسك ‪ ،‬معزولة بعيدا ‪،‬‬


‫عزيزة علي ‪ ،‬يسميها البحارة بيريميل (‪)Perimele‬‬
‫كانت فتاة سلبتها ‪،‬‬
‫وقد خطفتها بحبي ‪ ،‬حق الدعاء بأنها عذراء ·‬
‫غضب هيبوداماس (‪ )Hippodamas‬أبوها ‪،‬‬
‫ورماها من أعلى صخرة في الهاوية ‪،‬‬
‫لكي يقتلها ·‬
‫تلقيتها بذراعي ‪ ،‬وحضنتها ‪ ،‬فيما كانت تسبح ‪،‬‬
‫وصحت ‪:‬‬
‫"أيها الله الذي أعطاه القدر‬
‫مملكة الكون الثانية ‪،‬‬
‫يا إله المياه المتشردة ‪،‬‬
‫المسلح بالشوكة الثلثية ‪،‬‬
‫أنت يا من نقود إليه في آخر سيرنا ‪،‬‬
‫أنا والنهار الخرى ‪،‬‬
‫مياهنا المقدسة ‪،‬‬
‫هبني حضورك يا نبتون ‪،‬‬
‫واستجب لصلتي ·‬
‫ترى هذه الفتاة التي أحملها ‪،‬‬
‫فأنا سبب شقائها ·‬
‫ل‪،‬‬
‫لو كان والدها هيبوداماس طيباً وعاد ً‬
‫أو ‪ ،‬لو كان أقل قسوة إزاء ابنته ‪،‬‬
‫لكان أشفق عليها وسامحني ·‬
‫كن في عون هذه التاعسة‬
‫التي حاول أبوها أن يغرقها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪427 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪428 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪475 :‬‬

‫أعطها ملجأ ‪،‬‬


‫أو لتصبح هي نفسها ملجأ ·‬
‫لكي أقدر أن أواصل احتضانها بذراعي" ·‬
‫حنى ملك البحار رأسه موافقا ‪،‬‬
‫فرجت إشارته هذه بالموافقة ‪،‬‬
‫المياه في امتداداتها جميعا ‪،‬‬
‫كانت ربة الماء ترتجف من الرعب ‪،‬‬
‫غير أنها كانت تواصل سباحتها ·‬
‫وأنا ‪ ،‬فيما كنت ألمس صدرها الذي يخفق انفعال ‪،‬‬
‫وفيما كنت أداعبها ‪،‬‬
‫كنت أشعر بجسمها كله‬
‫يتصلب ‪ ،‬وبصدرها يتغطى بطبقة من التراب ·‬
‫وفيما كنت أتكلم ‪،‬‬
‫كانت أرض جديدة تغطي أعضاءها العائمة ·‬
‫وكانت هذه العضاء تكبر ‪،‬‬
‫وتتحول حتى أصبحت جزيرة ؟ ·‬

‫فيليمون وبوكيس (‪)Philemon et Baucis‬‬

‫هنا أنهى النهر حكايته ‪،‬‬


‫وقد أثرت هذه المغامرة المدهشة‬
‫في نفوس الضيوف جميعاً ·‬
‫إل أن ابن إكسيون ‪· 21‬‬
‫سخر من سذاجتها ·‬
‫ولما كان يزدري اللهة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 21‬كان بيريتوس يحتقر اللهة كمثل أبيه الذي تجرأ واشتهى جونون ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪428 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪429 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪476 :‬‬

‫مليئا بالغطرسة ‪ ،‬قال ‪:‬‬


‫"خرافات هذه التي تقصها علينا ‪،‬‬
‫يا أخيلووس ·‬
‫أنت تنسب إلى اللهة‬
‫قدرة مفرطة ‪ ،‬إن كنت تعتقد‬
‫أنهم يعطون للجسام أشكالها ‪،‬‬
‫ويأخذونها منها" ·‬
‫ذهل الجميع ‪ ،‬واستهجنوا كلمًا كهذا ‪،‬‬
‫خصوصاً ليليكس الذي كان العمر قد أنضج عقله ·‬
‫ل‪:‬‬‫فأخذ الكلم قائ ً‬
‫"هائلة هي قدرة السماء ‪،‬‬
‫ل حدود لها ·‬
‫ليس لللهة إل أن تقول للشيء‬
‫كن ‪ ،‬فيكون ·‬
‫واسمع ما سيضع حدا لشكوكك ‪:‬‬
‫على تلل فريجيا ‪ ،‬قرب زيزفونة ‪،‬‬
‫بلوطة يحيط بها جدار صغير ·‬
‫رأيت أنا نفسي هذا المكان ‪،‬‬
‫عندما أرسلني بيتيوس (‪)Pittheus‬‬
‫إلى حقول بيلوبس (‪، )Pelops‬‬
‫حيث كان أبوه ملكا ·‬
‫غير بعيد من هناك ‪ ،‬غدير‬
‫كان في الماضي مكانا قابلً للسكنى ‪،‬‬
‫ولم يبق لمياهه اليوم من ضيوف‬
‫إل طيور الغماسة ‪ ،‬وطيور الغرة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪429 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪430 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪477 :‬‬

‫صديقات الغدران ·‬
‫كان جوبيتر يجيء إليه في صورة إنسان ‪،‬‬
‫وكان حفيد أطلس ‪ ،‬الله الذي يحمل صولجان هرمس ‪،‬‬
‫يرافق أباه ‪ ،‬نازعاً أجنحته ·‬
‫كانا يدخلن إلى بيوت عديدة‬
‫ويسألن عن مكان يرتاحان فيه ‪،‬‬
‫وكانت البيوت كلها تغلق في وجهيهما ·‬
‫استقبلهما بيت واحد ‪،‬‬
‫كان صغيراً حقًا ‪ ،‬يغطيه القش ‪،‬‬
‫وقصب المستنقعات ‪،‬‬
‫لكن تسكنه امرأة ورعة‬
‫هي العجوز بوكيس (‪)Baucis‬‬
‫وشخص آخر بعمرها هو فيليمون (‪)Philemon‬‬
‫يعيشان معا منذ صباهما ·‬
‫في هذا الكوخ شاخا معا ‪،‬‬
‫وخف عليهما الفقر بإقرارهما به ‪،‬‬
‫وبتحمله دون مرارة ·‬
‫من العبث البحث هنا عن سيد وعبد ‪،‬‬
‫فالبيت كله لهما ‪ ،‬معا ‪،‬‬
‫وهما نفساهما يعطيان الوامر وينفذانها ·‬
‫هكذا ‪ ،‬منذ أن وصل هذان المقيمان في السماء‬
‫إلى هذا المنزل المتواضع ‪،‬‬
‫واجتازا بابه البسيط ‪ ،‬خافضين رأسيهما ‪،‬‬
‫دعاهما الشيخ لكي يرتاحا‬
‫مقدما لهما مقعداً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪430 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪431 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪478 :‬‬

‫وضعت عليه بوكيس اللطيفة‬


‫غطاء خشنا ·‬
‫ثم حركت في الموقد رماده الذي ل يزال مشتعل‬
‫وأشعلت نار العشية ‪ ،‬مغذية إياها‬
‫بأوراق وقشور يابسة ‪،‬‬
‫باعثة فيها اللهب‬
‫بأنفاسها التي أوهنها العمر ·‬
‫أحضرت من سقيفتها قطعا من الخشب ‪،‬‬
‫وأغصانا يابسة كسرتها إلى أجزاء دقيقة ‪،‬‬
‫وضعتها تحت قدر صغيرة من البرونز ·‬
‫وذهب زوجها لكي يحضر بقول‬
‫من الحديقة المروية جيدا ‪،‬‬
‫نزع عنها أوراقها ‪،‬‬
‫ثم تناول بمذراة ذات سنين ‪،‬‬
‫ظهر خنزير مدخنا ‪،‬‬
‫كان يتدلى من عارضة خشبية سوداء ·‬
‫قطع من هذا اللحم المحفوظ من زمن طويل‬
‫شريحة رقيقة وضعها في الماء الغالي‬
‫لكي يلينها ·‬
‫في هذه الثناء ‪ ،‬كانا يسحران بأحاديثهما‬
‫الدقائق التي ل تزال تفصل ضيفيهما عن الطعام ‪،‬‬
‫جاهدين أن يبعدا عنهما ملل النتظار ·‬
‫كان عندهما دلو من الزان ‪،‬‬
‫يتدلى بعروقه المقوسة من مسمار ‪،‬‬
‫مله بالماء الدافىء لكي يقدر المسافران ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪431 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪432 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪479 :‬‬

‫أن يدفئا أعضاءهما ·‬


‫وكان في وسط البيت فراش من الشنة اللينة‬
‫موضوع على سرير ‪،‬‬
‫قوائمه وإطاره من الصفصاف ·‬
‫نفضا فراشهما المحشو بالشنة النهرية اللينة ‪،‬‬
‫غطياه بسجادة لم يكونا يمدانها‬
‫إل في أيام العياد ·‬
‫غير أنها لم تكن إل سجادة عتيقة ‪،‬‬
‫ل قيمة لها ‪ ،‬تليق بسرير من خشب الصفصاف ‪،‬‬
‫سينام اللهان فيه ·‬
‫شمرت العجوز ثوبها ‪،‬‬
‫ووضعت ‪ ،‬وهي ترتجف ‪ ،‬طاولة أمامهما‬
‫كانت قائمتها الرابعة أقصر من بقية القوائم ‪،‬‬
‫فوضعت تحتها كسرة خزف لكي تتساوى بالخريات ·‬
‫ثم بعد أن زال تقلقل الطاولة ‪،‬‬
‫واستقام توازنها ‪،‬‬
‫مسحتها بنعناع أخضر ‪ ،‬واضعة فوقها ثمارا عنبية ‪،‬‬
‫ثمار مينيرفا الطاهرة ‪،‬‬
‫بلونين مختلفين ‪،‬‬
‫وثمار القرانية الخريفية ‪ ،‬محفوظة في الماء المملح ‪،‬‬
‫وهندباء ‪ ،‬وفجل ‪ ،‬ولبنا مكثفا ‪،‬‬
‫وبيضا مقلبا بيد خفيفة تحت رماد فاتر ‪،‬‬
‫وقدم هذا كله في صحون من الطينة ذاتها ‪ ،‬وكؤوسا‬
‫مصنوعة من خشب الزان ‪،‬‬
‫بطنت جوانبها المجوفة بشمع ذهبي ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪432 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪433 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪480 :‬‬

‫بعد قليل وصلت من الموقد الطعمة الساخنة ·‬


‫ثم جاءا بالخمرة ‪ ،‬ولم تكن قديمة ‪،‬‬
‫ووضعاها جانبا لفترة ‪،‬‬
‫لكي يتركا مكانا لدورة الطعام الثانية ·‬
‫ثم ظهر الجوز ‪ ،‬والتين ممزوجا بالتمر المتجعد ‪،‬‬
‫والخوخ ‪ ،‬والتفاح الطيب الرائحة ‪ ،‬في سلل واسعة ‪،‬‬
‫والعنب المقطوف من دوال أرجوانية الورق ‪،‬‬
‫وفي الوسط قرص عسل أبيض ·‬
‫لكن ‪ ،‬إلى هذا كله ‪،‬‬
‫يضاف ما هو أطيب كذلك ‪،‬‬
‫وجهان خيران ‪ ،‬واستقبال‬
‫ل يوحي ‪ ،‬ل بالبرودة ول بالفقر ·‬

‫في هذه الثناء ‪،‬‬


‫لحظ الزوجان أن إناء الخمر يفرغ ثم يمتلىء وحده ·‬
‫وأن الخمر تنسكب فيه من تلقائها ·‬
‫أذهلتهما هذه العجوبة ‪ ،‬دهشة وخوفا ‪،‬‬
‫فرفع بوكيس وفيليمون أيديهما إلى السماء خائفين ‪ ،‬وأخذا يصليان ·‬
‫واعتذرا عن هذا الطعام الذي قدماه دون تحضير مسبق ·‬
‫كانت لديهما إوزة ‪ ،‬وحيدة ‪ ،‬تحرس كوخهما البسيط ‪،‬‬
‫فتأهبا لذبحها وتقديمها إلى ضيفيهما اللهين ·‬
‫أتعبت الوزة ‪ ،‬بفضل أجنحتها السريعة ‪،‬‬
‫خطواتهما التي أثقلها العمر ‪،‬‬
‫فأفلتت منهما ‪ ،‬طويل ‪،‬‬
‫ورأياها أخيرًا تلجأ إلى اللهين نفسيهما ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪433 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪434 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪481 :‬‬


‫وقد منعا ذبحها قائلين ‪:‬‬
‫"نعم ‪ ،‬نحن إلهان ‪،‬‬
‫سينال جيرانكما العقاب الذي يستحقه تجديفهم‬
‫وأنتما ستنجوان من الكارثة‬
‫التي ستحل فيهم ·‬
‫لكن ‪ ،‬يجب أن تتركا سقفكما ‪،‬‬
‫رافقانا ‪ ،‬واصعدا معنا إلى قمة الجبل" ·‬
‫أطاع كلهما اللهين ‪،‬‬
‫وصعدا بجهد المنحدر الطويل ‪،‬‬
‫يتكىء كل منهما على عصاه ·‬

‫كان قد بقي عليهما ‪ ،‬ليبلغا قمة الجبل ‪،‬‬


‫أن يقطعا المسافة التي يقطعها سهم عندما يرمى ·‬

‫ورأيا ‪ ،‬فيما كانا يلتفتان ‪،‬‬


‫أن الغدير ابتلع كل شيء ‪،‬‬
‫ووحده ‪ ،‬كان كوخهما ل يزال قائما ·‬
‫وفيما كانا مأخوذين بهذه العجوبة ‪،‬‬
‫ويندبان مصير جيرانهما ‪،‬‬
‫كان هذا الكوخ العتيق ‪،‬‬
‫الضيق حتى عليهما هما الثنين ‪،‬‬
‫يتحول إلى هيكل ·‬
‫حلت أعمدة محل أوتاده المتشعبة ‪،‬‬
‫ومحل القش الصفر ‪ ،‬ظهر سقف ذهبي ·‬
‫الباب مزخرف بالنقوش ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪434 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪435 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪482 :‬‬

‫والرخام يغطي الرض ·‬


‫آنئذ ‪ ،‬قال بطيبة ابن ساتورن ‪:‬‬
‫أيها الشيخ ‪ ،‬يا صديق العدالة ‪،‬‬
‫وأنت أيتها الزوجة الجديرة بعادل ‪،‬‬
‫قول لي ماذا تتمنيان ؟"‬
‫بعد أن تحدث فيليمون لحظة مع بوكيس ‪،‬‬
‫أخبر اللهين بأمنيتهما المشتركة ‪:‬‬
‫"أن نكون كاهنيكما ‪،‬‬
‫وحارسي هيكلكما ‪،‬‬
‫هذا ما نطلبه ·‬
‫وبما أننا أمضينا حياتنا‬
‫في وحدة كاملة ‪،‬‬
‫فعسى أن نموت معا في لحظة واحدة ·‬
‫عسى أل تضعني هي في قبري" ·‬
‫تحققت أمنياتهما ‪،‬‬
‫فسهرا على حراسة الهيكل ‪ ،‬الفترة كلها‬
‫التي أتاحتها لهما الحياة ·‬
‫ويوما ‪ ،‬فيما كانا يقفان ‪ ،‬وقد هدهما العمر ‪،‬‬
‫أمام الدرجات المقدسة ‪،‬‬
‫ويرويان حكاية هذا المكان ‪،‬‬
‫رأت بوكيس أن فيليمون يتغطى بالورق ‪،‬‬
‫ورأى الشيخ فيليمون‬
‫أن بوسيس تتغطى هي كذلك بالورق ·‬
‫وكانت قمة تتعالى فوق وجهيهما ‪،‬‬
‫وتحدثا معا بقدر ما استطاعا ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪435 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪436 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪483 :‬‬

‫وقال ‪:‬‬
‫"وداعا يا زوجتي !"‬
‫وقالت ‪:‬‬
‫"وداعا يا زوجي !"‬
‫وفي اللحظة نفسها غاب فم كل منهما ‪،‬‬
‫تحت القشر الذي أخفاهما ·‬
‫حتى اليوم يشير سكان بلد تينوس (‪)Thynos‬‬
‫إلى جذعين متجاورين ولدا من جسميهما ·‬
‫هذا ما قصه علي شيوخ جديرون بالثقة ‪،‬‬
‫ليس عندهم أي باعث للكذب علي ·‬
‫أما أنا فقد رأيت أكاليل تتدلى من أغصان ‪،‬‬
‫وقدمت منها أكاليل غضة ‪ ،‬قائلً ‪:‬‬
‫"التقياء‬
‫يحبهم اللهة ·‬
‫وأولئك الذي يمجدون اللهة‬
‫يمجدون هم بدورهم" ·‬

‫إريسيختون (‪)Erysichton‬‬

‫توقف ليليكس (‪ )Lelex‬عن الكلم ‪،‬‬


‫وقد أثرت الرواية ‪ ،‬وسلطة راويها في الضيوف ‪،‬‬
‫وبخاصة تيزيوس ·‬
‫آنئذ ‪ ،‬خاطبه النهر الكاليدوني ‪ ،‬متكئا على مرفقه ‪،‬‬
‫قائلً ‪:‬‬
‫"هناك ‪ ،‬أيها البطل الباسل ‪ ،‬أجسام‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪436 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪437 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪484 :‬‬

‫تحولت مرة ‪،‬‬


‫واحتفظت بأشكالها الجديدة ·‬
‫هناك أجسام أخرى‬
‫كان لها الحظ في أن تتخذ على التوالي‬
‫أشكال عديدة ·‬
‫يا بروتيوس (‪، )Proteus‬‬
‫الذي يسكن البحر ‪ ،‬محيطًا بذراعيه الرض ·‬
‫فقد ظهرت مرة في شكل شاب ‪،‬‬
‫ومرة في شكل أسد ·‬
‫وكنت يوما خنزيراً برياً رهيبًا ‪،‬‬
‫ويومًا ثعباناً مخيفاً ل يقترب أحد منه ·‬
‫وكنت كذلك ‪ ،‬مرة ‪ ،‬ثوراً مسلحاً بقرنين ·‬
‫وأحيانًا كنت حجرًا ‪،‬‬
‫وتارة كنت شجرة ·‬
‫وطورا ‪ ،‬اتخذت شكل ماء صاف ‪،‬‬
‫وكنت نهراً ·‬
‫وطورا كنت لهبا عدوا للماء ·‬
‫لزوجة أوتوليكوس ‪، )Autolycus( 22‬‬
‫ابنة إيريسختون ‪ ،‬الحظوة نفسها ·‬
‫وكان أبوها من الجنون بحيث ازدرى‬
‫قدرة اللهة ‪ ،‬رافضا أن يحرق‬
‫العطور في هياكلهم ·‬
‫ويقال إنه انتهك هيكل لسيريس ‪،‬‬
‫رافعًا بيده بلطة ‪،‬‬
‫شاهرا ‪ ،‬هكذا ‪ ،‬نصل مدنسا‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 22‬اسمها منيسترا (‪ ، )Mnestra‬وهي دليل آخر على صحة التحول ‪ ،‬وأبوها ابن تريوباس (‪ ، )Triopas‬هو نسخة‬
‫مطابقة لليكاون (‪ ، )Lycaon‬وبيرتيوس ‪ ،‬وإيكسيون ‪ ،‬وللخرين الذين يزدرون اللهة ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪437 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪438 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪485 :‬‬

‫على أشجاره القديمة ·‬


‫كانت تعلو هنالك شجرة بلوط ضخمة ‪،‬‬
‫عريقة الجذع ‪،‬‬
‫تحيط بها أشرطة ‪ ،‬وألواح تذكارية‬
‫وأكاليل ‪ ،‬علمات على تمنيات مستجابة ·‬
‫وكانت ربات الغاب يقمن غالباً‬
‫برقصهن المرح في ظلها ·‬
‫وكن غالبا يعقدن دائرة‬
‫حول جذعها ‪ ،‬متشابكات اليدي ·‬
‫وكان يلزمهن خمسة عشر باعا‬
‫لقياس كتلته الضخمة ·‬
‫كانت تتجاوز الشجار الخرى‬
‫كما تتجاوز هذه العشب النامي تحت ظللها ·‬
‫لكن ‪ ،‬لم يقدر أي شيء أن يمنع ابن تريوباس (‪)Triopas‬‬
‫من أن يأتي إليها بفؤوسه ‪،‬‬
‫آمرا خدمه أن يقطعوا هذه البلوطة المقدسة‬
‫من أسفل جذعها ·‬
‫ولما رآهم يترددون في تنفيذ أمره ‪،‬‬
‫انتزع الشقي من أحدهم فأسه ‪ ،‬صارخا ‪:‬‬
‫"حتى لو كانت عزيزة على اللهة ‪،‬‬
‫أو بالخرى لو كانت اللهة نفسها ‪،‬‬
‫فإن ذروتها الخضراء ستلمس الرض" ·‬
‫ثم هز الفأس ضارباً الشجرة بعنف ‪ ،‬ضربات مائلة ‪،‬‬
‫فاهتزت بلوطة ديو ‪ ، 23‬وانتحبت ·‬
‫وفي لحظة ‪ ،‬بدأت أوراقها وبراعمها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 23‬ديو هو الشكل الدوري (اليوناني القديم) لسم الرض · وإذا أضيف إلى هذا السم كلمة (‪( )Meter‬الم) ‪ ،‬يصبح‬
‫ديميتر ‪ -‬سيريس (‪· )Demeter - Ceres‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪438 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪439 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪486 :‬‬


‫تصفر ‪،‬‬
‫ووصل الصفرار نفسه إلى أغصانها الطويلة ·‬
‫لم تكد اليد المنتهكة تحدث جرحاً في الجذع ‪،‬‬
‫حتى انفجر دم من القشر المشقوق ‪،‬‬
‫كمثل ما يتدفق الدم من عنق مذبوح لثور ضخم ‪،‬‬
‫اختير ضحية وذبح أمام الهيكل ·‬
‫استولى الذهول على الحاضرين جميعاً ‪،‬‬
‫وتجرأ أحدهم على إعاقة هذا القتل‬
‫ممسكا بالفأس الوحشية ·‬
‫فقال له التيسيلياني ‪ ،‬وهو ينظر إليه شزرا ‪:‬‬
‫"خذ مكافأة تقواك" ·‬
‫محول الفأس عن الشجرة ‪ ،‬إلى الرجل ‪،‬‬
‫قاطعاً رأسه ·‬
‫ثم عاد ليضرب البلوطة من جديد ‪،‬‬
‫وإذاك ‪ ،‬عل من قلبها صوت يقول ‪:‬‬
‫"أنا ‪ ،‬تحت هذا الخشب الذي يخبئني ‪،‬‬
‫ربة غاب عزيزة جداً على سيريس ·‬
‫أتنبأ لك ‪ ،‬فيما أموت ‪،‬‬
‫أن العقاب على جرائمك يقترب ‪،‬‬
‫وهذا مما يعزيني عن موتي" ·‬
‫تابع إريسيختون تنفيذ جريمته ·‬
‫أخيرًا ‪،‬‬
‫بعد أن زلزلت الشجرة بضربات ل تحصى‬
‫وبعد أن شدت بالحبال ‪،‬‬
‫سقطت ‪ ،‬ساحقة تحت ثقلها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪439 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪440 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪487 :‬‬

‫أشجارًا كثيرة مجاورة ·‬


‫ذهلت ربات الغاب من هذه الخسارة‬
‫التي أصابتهن كما أصابت الغابة ·‬
‫أخذن جميعا يبكين أختهن ‪،‬‬
‫لبسات ثيابا سوداء ‪،‬‬
‫وذهبن إلى سيريس ‪ ،‬طالبات منها‬
‫أن تعاقب إيريسيختون ·‬
‫أشارت اللهة بحركة موافقة من رأسها ‪،‬‬
‫وقد هزت هذه الحركة البديعة‬
‫الرض المثقلة بالحصاد الوافر ·‬
‫ابتكرت نوعاً من العقاب كان يمكن‬
‫أن يثير الشفقة على المجرم‬
‫لو لم تكن جرائمه حولته إلى شخص‬
‫ل يستحق أية شفقة ‪:‬‬
‫وهو أن يترك جسمه‬
‫لعذاب الجوع ‪ ،‬الفتاك ·‬
‫ل تقدر اللهة أن تذهب بنفسها‬
‫إلى هذا الوحش ‪،‬‬
‫(فالقدار ل تسمح بأن تلتقي سيريس والجوع) ‪،24‬‬
‫لذلك استدعت إلهة من الجبال ‪،‬‬
‫ربة ريفية ‪ ،‬وخاطبتها قائلة ‪:‬‬
‫"في أقصى سكيثيا (‪)Scythie‬‬
‫مكان جليدي ‪ ،‬بلد قفر ‪،‬‬
‫أرض جدباء ‪،‬‬
‫بل حصاد ول شجر ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 24‬السطر الموضوعة بين معقوفين ‪ ،‬ترجمة لبيات غير مثبتة في جميع المخطوطات ‪ ،‬وأحيانًا ‪ ،‬يشكك في صحتها‬
‫·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪440 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪441 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪488 :‬‬

‫هناك تسكن إلهة البرد الذي يخدر الحياة ‪،‬‬


‫وتسكن إلهة الشحوب وإلهة الرتعاش ‪،‬‬
‫وإلهة الجوع التي ل تشبع أبداً ·‬
‫مري هذه الخيرة أن تنفذ‬
‫إلى الصدر الثم لمنتهك المقدسات ‪،‬‬
‫وأل تتيح لوفرة الغذية أن تتغلب عليها ‪،‬‬
‫وأن تنتصر ‪ ،‬في هذا الكفاح ‪،‬‬
‫بقواي الخاصة بي ·‬
‫ولكي ل يرعبك طول السفر ‪،‬‬
‫خذي عربتي‬
‫خذي تنانيني وبالعنة ‪،‬‬
‫سوف تسوسينها في أعالي السماء" ·‬
‫صعدت الربة إلى العربة التي أعطتها إياها سيريس ‪،‬‬
‫وسارت في الجواء ‪،‬‬
‫حتى وصلت إلى سيثيا ·‬
‫هناك ‪ ،‬على ذروة جبل جليدي يسمى القوقاز‬
‫رفعت النير عن أعناق التنانين ‪،‬‬
‫وبدأت تبحث عن إلهة الجوع ·‬
‫رأتها في حقل من الحجر ‪،‬‬
‫تقتلع بأظافرها وأسنانها‬
‫بعض العشاب الصغيرة النادرة ·‬
‫كان شعرها منتفشا ‪ ،‬ووجهها ممتقعا ·‬
‫عيناها غائرتان ‪،‬‬
‫وشفتاها بيضاوان ‪ ،‬ذابلتان ‪،‬‬
‫بَحّاء الحنجرة ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪441 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪442 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪489 :‬‬

‫ويمكن أن ترى أحشاؤها‬


‫من وراء جلدها القاسي ·‬
‫وكانت عظامها الشديدة النحول‬
‫تبرز ناتئة تحت حقوها ·‬
‫ولم يبق لها من بطنها إل مكانه ‪،‬‬
‫وبدا صدرها معلقا كما لو أنه‬
‫يتدلى من حاجز عمودها الفقري‬
‫وقد أبرز الهزال مفاصله ·‬
‫وكان محيط ركبتيها منتفخا ‪،‬‬
‫فيما كان عقباها يشكلن نتوءا ضخما إلى الخارج ·‬

‫منذ أن شاهدتها ربة الغاب من بعيد ‪،‬‬


‫(ذلك أنها لم تجرؤ على القتراب منها) ‪25‬‬
‫نقلت إليها رسالة اللهة ·‬
‫لم تتوقف إل لحظة ‪،‬‬
‫وظلت على مسافة منها ‪،‬‬
‫وشعرت أنها جائعة ‪،‬‬
‫مع أنها لم تكد أن تصل ‪،‬‬
‫هكذا رجعت على أعقابها ‪،‬‬
‫في الفضاء السماوي ‪،‬‬
‫وأعادت التنانين إلى هيمونيا ·‬
‫نفذت إلهة الجوع أوامر اللهة سيريس‬
‫مع أنها دائما تناوىء أعمالها ·‬
‫حملتها الريح عبر الفضاء إلى المنزل المحدد ‪،‬‬
‫دخلت رأسا إلى غرفة المنتهك ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 25‬السطر الموضوعة بين معقوفين ‪ ،‬ترجمة لبيات غير مثبتة في جميع المخطوطات ‪ ،‬وأحيانًا ‪ ،‬يشكك في صحتها‬
‫·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪442 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪443 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪490 :‬‬

‫فرأته غارقا في نوم عميق ·‬


‫(كان الوقت ليلً)‬
‫واحتضنته بذراعيها ‪ ،‬منبثة فيه‬
‫بلهاثها ·‬
‫ملت بأنفاسها حلقومه ‪ ،‬وصدره ‪ ،‬وفمه ‪،‬‬
‫ونشرت في عروقه الفارغة الحاجة إلى الغذاء ·‬
‫بعد أن أدت مهمتها‬
‫هجرت هذا العالم الخصب ‪،‬‬
‫وعادت إلى مسكنها البائس ‪،‬‬
‫في الماكن التي ألفتها ·‬

‫كان النوم الهادئ ل يزال يداعب إريسيختون ‪،‬‬


‫بأجنحته المنعمة ‪،‬‬
‫وهو الشقي ‪ ،‬تحت سطوة الحلم ‪،‬‬
‫يبحث عن الطعام ‪ ،‬محركا فكيه عبثا ‪،‬‬
‫منهكا أسنانه فوق أسنانه ‪،‬‬
‫معذبا حلقومه المخدوع بغذاء وهمي‬
‫ملتهما ‪ ،‬بل جدوى ‪،‬‬
‫الهواء الذي ل يلمس ‪ ،‬بدل من الطعام ·‬
‫ولم يكد يطرد النوم حتى تملكته‬
‫حاجة عاصفة إلى الطعام ‪ ،‬تستبد بحلقومه‬
‫الشره ‪ ،‬وبأحشائه التي ل قعر لها ·‬
‫طلب على الفور أن يحضر له ما ينتجه البحر‪ ،‬والبرّ ‪ ،‬والفضاء ·‬
‫وأخذ يشكو أمام مائدته الملى بالطعمة ‪،‬‬
‫من تركه بل طعام ‪ ،‬صائما ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪443 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪444 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪491 :‬‬


‫وفي وسط وجبات الطعام التي تقدم له ‪،‬‬
‫كان يبحث عن وجبات أخرى ·‬
‫وما يمكن أن يكفي مدينة ‪ ،‬وشعبًا بكامله ‪،‬‬
‫لم يكن يكفيه هو ‪ ،‬وحده ·‬
‫وبقدر ما كانت معدته تبتلع ‪،‬‬
‫كانت تتزايد شهواته ·‬

‫كمثل البحر يتلقى النهار من الرض كلها ‪،‬‬


‫دون أن يهدأ عطشه ‪ ،‬فيشرب‬
‫مجاري المياه من أقاليم بعيدة ·‬
‫وكمثل النار في عنفها ‪ ،‬ل ترفض أي غذاء ‪،‬‬
‫فتلتهم قطعا ل تحصى من الخشب ‪،‬‬
‫وتظل دائما أكثر شراهة ‪،‬‬
‫بل تتزايد هذه الشراهة‬
‫بقدر ما يرمى فيها من المواد ·‬
‫هكذا كان فم المنتهك إيريسيختون ‪،‬‬
‫يزدرد الطعمة كلها ‪ ،‬فيما يطلب غيرها ·‬
‫وكان أي طعام يستثيره ليطلب منه المزيد ‪،‬‬
‫وكان بفرط أكله ‪،‬‬
‫يظل بطنه فارغا باستمرار ·‬

‫منيسترا (‪)Mnestra‬‬

‫كانت ثروته قد تضاءلت ‪،‬‬


‫إشباعا لجوعه ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪444 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪445 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪492 :‬‬

‫ولكي يمل حتى القرار هاوية بطنه ·‬


‫لكن جوعه الوحشي لم يتضاءل ‪،‬‬
‫وازداد استعارا لهب شراهته التي ل ترتوي ·‬
‫أخيرًا ‪ ،‬عندما ألقى في أمعائه‬
‫كل ما يملكه ‪،‬‬
‫بقيت لديه ابنة تستحق أبا آخر ‪،‬‬
‫باعها كذلك ‪ ،‬هي التي تعيش في الضيق ·‬
‫لكنها كانت من الكبرياء ‪،‬‬
‫بحيث إنها ل تقبل سيدا ·‬
‫قالت ‪ ،‬تخاطب البحر المجاور ‪،‬‬
‫مادة يديها إليه ‪:‬‬
‫"اخطفني من سيدي ‪،‬‬
‫أنت يا من حظي باختطاف بكارتي"‬
‫الواقع أن هذه الحظوة‬
‫كانت لنبتون ·‬
‫لم يرفض توسلها ‪،‬‬
‫وكان سيدها الذي جاء وراءها ‪،‬‬
‫يراها أمامه ‪،‬‬
‫عندما أعطاها الله صورة جديدة ‪:‬‬
‫قسمات رجل ‪،‬‬
‫ورداء خاصا بصيادي السماك ·‬
‫نظر إليها سيدها قائلً ‪:‬‬
‫"أنت يا من تخبىء تحت طعم صغير‬
‫شصا برونزيا ‪،‬‬
‫أنت يا من تجيد قيادة القصبة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪445 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪446 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪493 :‬‬

‫عسى أن تجد البحر هادئًا دائماً‬


‫والسمك تحت المياه ‪،‬‬
‫ساذجًا دائما !‬
‫عسى أل يحس بشصك‬
‫إل وهو مأخوذ به !‬
‫من هنيهة ‪ ،‬كانت هنا امرأة‬
‫بثياب خشنة ‪ ،‬وشعر مشعث ‪،‬‬
‫كانت هنا ‪ ،‬واقفة ‪ ،‬على هذا الشاطىء ‪،‬‬
‫رأيتها أنا نفسي ‪،‬‬
‫قل لي أين هي ‪،‬‬
‫ذلك أن آثار قدميها ‪،‬‬
‫تشير إلى أنها لم تذهب بعيداً"‬
‫أدركت الفتاة أن لحماية الله‬
‫نتيجة سعيدة ·‬
‫وسرت أن تسأل أين هي ‪،‬‬
‫فأجابت عن السؤال قائلة ‪:‬‬
‫"سامحني ‪ ،‬أيا كنت ·‬
‫لم أحول بصري عن هذه المياه العميقة ‪،‬‬
‫وظل انتباهي مركزاً على عملي ·‬
‫ولكي أبدد شكوكك ‪،‬‬
‫أشهد على ذلك إله البحار ‪:‬‬
‫عسى أن يكون عونا لي في مهنتي ‪،‬‬
‫فباستثنائي أنا ‪،‬‬
‫لم يظهر على هذا الشاطئ ‪ ،‬منذ وقت طويل ‪،‬‬
‫ل رجل ‪ ،‬ول امرأة" ·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪446 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪447 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪494 :‬‬

‫صدقها سيدها ‪،‬‬


‫فعاد يطأ الرمل بخطواته مبتعدًا ‪،‬‬
‫ضحية للحيلة ‪،‬‬
‫ثم استعادت الفتاة حياتها الولى ·‬
‫عندما رأى والدها أن للفتاة الصغيرة‬
‫موهبة التحول ‪ ،‬باعها مرارا عديدة‬
‫لسياد مختلفين ·‬
‫فقد حولت مرة إلى فرس أصيلة ‪،‬‬
‫ومرة إلى طائر ·‬
‫وحولت إلى ثور ‪،‬‬
‫ويوما آخر إلى أيل ·‬
‫وكانت تفلت من أسيادها‬
‫موفرة للشراهة البوية‬
‫أطعمة يحصل عليها بالحتيال ·‬
‫لكن ‪،‬‬
‫بعد أن استهلك إريسيختون‬
‫كل مادة لديه ‪،‬‬
‫قدم العذاب المفرط غذاء جديدا‬
‫لمرضه الشنيع ‪،‬‬
‫فشرع المنكود الحظ يمزق ‪ ،‬هو نفسه ‪ ،‬بأسنانه‬
‫أعضاءه ‪،‬‬
‫مغذياً جسمه بتقطيعه ·‬
‫"لكن لماذا أتوقف هكذا طويلً‬
‫عند أمثلة غريبة علي ؟‬
‫أنا كذلك ‪ ،‬أقدر أن أغير ‪ ،‬غالباً ‪ ،‬جسمي‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪447 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪448 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪495 :‬‬

‫أيها الشاب ‪،‬‬


‫غير أن عدد أشكالي محدود ·‬
‫أحيانا ‪ ،‬أظهر نفسي‬
‫كما أنا الن في هذه اللحظة ‪،‬‬
‫وتارة أظهر في شكل ثعبان يتلوى ‪،‬‬
‫وطوراً أظهر في هيئة قائد القطيع ‪،‬‬
‫واضعا قوتي كلها في قرني ؛‬
‫في قرني ‪ ،‬طالما استطعت ‪،‬‬
‫فهذا السلح غائب اليوم‬
‫عن نصف جبيني كما ترى" ·‬
‫ثم تبع هذا الكلم تأوه ونواح ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪448 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪449 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪499 :‬‬

‫الكتابُ التاسع‬

‫أخـيلووس وهِــرَقـل‬
‫نيسّـــوس وديانـيرا‬
‫مـــوت هـــــرقــــــل‬
‫ليـــــــــخــــــــــــاس‬
‫مصـــــــير هــــرقـل‬
‫آلكمينا وغالنتيس‬
‫دريــــوبي ولوتيــس‬
‫إيـــــــــــــولـــــــوس‬
‫بيبــــــــــليــــــــــس‬
‫إيـــــــــفـــــــــــــيس‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪449 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪450 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪501 :‬‬

‫أخيلووس وهرقل (‪)Achelous et Hercule‬‬

‫سأل البطل ابن نبتون الله‬


‫عن سببِ تأوّهاته ‪،‬‬
‫وعن سبب البتر في جبينه ·‬
‫آنذاك ابتدأ النّهر الكاليدونيّ‬
‫ج من القصب ‪،‬‬ ‫وشعره يتموّج طبيعيّا تحت تا ٍ‬
‫ل‪:‬‬‫يتكلّم قائ ً‬
‫ي‪،‬‬‫"تسألني شيئاً يشقّ جوابه عل ّ‬
‫فأين المنكسر الذي يتمنّى أن يتذكّر معاركه ؟‬
‫ص ذلك بأمانةٍ كاملةٍ ·‬‫غير أنني سأق ّ‬
‫كان عارُ هزيمتي‬
‫أدنى من مجد قتالي ‪،‬‬
‫ن من انتصر عليّ‬ ‫وعزائي الكبير أ ّ‬
‫ص كبير ·‬ ‫شخ ٌ‬
‫ربّما تناهى إلى سمعك‬
‫اسم ديانيرا (‪. )Dejanira‬‬
‫كانت عذراء بالغة الجمال ‪،‬‬
‫يتنافس عليها عد ٌد كبيرٌ من طالبي الزّواج ·‬
‫ت معهم إلى منزل الرّجل الذي‬ ‫جئ ُ‬
‫ج ابنته ·‬
‫ل منّا أن يكون زو َ‬ ‫يتمنّى ك ّ‬
‫قلتُ ‪:‬‬
‫"اقبلني صهراً" ·‬
‫وقال هرقل الشّيء نفسه ‪،‬‬
‫وانسحب الخرون أمامنا ·‬
‫قال منافسي إنّه يقدّم إلى الفتاة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪450 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪451 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪502 :‬‬

‫جوبيتر والداً لزوجها ·‬


‫وتباهى بمجد أعماله‬
‫وما حقّقه بالنتصار على المخاطر‬
‫التي عرّضته لها زوجة أبيه ·‬
‫فرددتُ عليه قائلً ‪:‬‬
‫"ل يقدر إل ٌه أن يبرأ من العار‬
‫إذا خضعَ لفانٍ" ·‬
‫(لم يكن هِرَقل بعد قد أصبحَ إلهاً) ‪،‬‬
‫ترى فيّ سيّد النّهر الذي ينزّه مياهه في مملكتك ‪،‬‬
‫فلن أكون بالنّسبة إليكَ صهراً غريبًا ‪،‬‬
‫آتياً من منطق ٍة بعيد ٍة ‪،‬‬
‫بل صهرًا من بلدكَ ‪ ،‬واحدًا من رعيّتكَ ·‬
‫ل يؤذيني ‪،‬‬ ‫لكن أرجو أ ّ‬
‫كَونُ جونون ‪ ،‬ملكة اللهة ‪،‬‬
‫ل تلحقني ببغضائها ‪،‬‬
‫وكوني لم أحكم أبداً بأشغالٍ شاقّة ·‬
‫تتباهى ‪ ،‬يا ابن آلكمينا (‪، )Alcmene‬‬
‫بانحدارك من جوبيتر ‪،‬‬
‫فهو إمّا أنّه والدك ‪ ،‬بادّعاء كاذب ‪،‬‬
‫وإمّا أنه والدك حقّا ‪،‬‬
‫لكن بارتكابه جريمةً ·‬
‫هكذا تجعل من أمّك زاني ًة ‪،‬‬
‫عندما تدّعي أنّه والدك ·‬
‫فاخت ْر ‪:‬‬
‫هل تفضّل أن تعترف بأنّ أبوّة جوبيتر كاذبة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪451 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪452 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪503 :‬‬


‫أو بأنّك مَدينٌ بولدتك للعار ‪ 1‬؟"‬
‫لم يتوقّف هرقل ‪ ،‬فيما كنت أتكلّم‬
‫عن َرمْيي بنظراته المتوعّدة ·‬
‫أخيرًا عندما فقد سيطرتَه على غضبه‬
‫الذي اشتعل في صدره ‪،‬‬
‫تكلّم قائلً ‪:‬‬
‫"اليد عندي‬
‫خي ٌر من اللّسان ·‬
‫يُمكنك أن تنتصر بالكلم ‪،‬‬
‫ويكفيني أن أنتصر بالقتال" ·‬
‫وتقدّم نحوي بشراسةٍ وغطرسةٍ ·‬
‫ت من التراجع ‪،‬‬ ‫خجل ُ‬
‫بعد الكلم المتعجرف الذي قلته ·‬
‫ت عنّي ثوبي الخضر ‪،‬‬ ‫نزع ُ‬
‫ت مُحترسًا ‪،‬‬‫ووقف ُ‬
‫ذراعاي تواجهان ذراعيه وقبضتاي مقوّستان‬
‫أمام صدري ‪،‬‬
‫وهيّأت نفسي للقتال ·‬
‫أمّا هو ‪ ،‬فجمع في راحتيه‬
‫تراباً نثره على جسمي ‪، 2‬‬
‫واصفرّ بدوره‬
‫من الرّمل الشقر الذي غطّيته به ·‬
‫كان يُحاول أن يُمسك بعنقي ‪ ،‬مرّة ‪،‬‬
‫ومرّةً بساقيّ السّريعتين في الفلت منه ‪،‬‬
‫ل‪،‬‬‫أو هكذا بدا على الق ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬يروى أن أم تيزيوس زارها في الليلة نفسها زوجها إيجيوس ‪ ،‬والله نبتون ‪ ،‬بحيث إن ابنها كان يسمى أحيانا ابن‬
‫نبتون ·‬
‫‪ 2‬عندما يتصارع اثنان ‪ ،‬يرمي كل منهما رمل على الخر ‪ ،‬لكيل تنزلق أيديهما على الزيت الذي يدهنان به جسميهما‬
‫·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪452 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪453 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪504 :‬‬

‫هاجمنّي من الجهات كلّها ‪،‬‬


‫فحماني وزني ‪،‬‬
‫وجعَلَ هجماتِه دون طائل ·‬
‫ب كبيرٍ ‪،‬‬‫كمثل صخر ٍة تُحاصرها المواج بصخ ٍ‬
‫وتظلّ راسخ ًة ‪،‬‬
‫تدافع عنها كتلتها الخاصّة ·‬
‫ابتعدنا ‪ ،‬لحظةً ‪ ،‬أحدنا عن الخر ‪،‬‬
‫ث ّم تقاربنا من جديد لكي نستأنف المعركة ·‬
‫وقفَ كلّ منا في مكانه ‪،‬‬
‫مُصمّماً على ألّ يستسلم ·‬
‫كانت قدمي تلمس قدمه ‪،‬‬
‫وكنت أضغط بأصابعي على أصابعه ‪،‬‬
‫فيما ينحني صدري بكامله إلى المام ‪،‬‬
‫وأضغط بجبهتي على جبهته ·‬
‫ت ثورين قويّين ‪،‬‬ ‫كذلك رأي ُ‬
‫ينقضّ أحدهما على الخر ‪،‬‬
‫عندما يتنافسان على جائزة المعركة ‪:‬‬
‫العجلة الكثر جمالً في المرعى ·‬
‫يتأمّلها القطيع مذعورًا ‪،‬‬
‫غير عارفٍ من المنتصر‬
‫الذي سينال مُلكيّة بهذه الرّوعة ؟‬
‫حاول هرَقل ثلث مرّات دون أن ينجح‬
‫ي عنه صدري الذي يضغط عليه ·‬ ‫في أن يُقص َ‬
‫وفي المرّة الرّابعة أفلت من قبضتي ‪،‬‬
‫فاكّا ذراعيّ اللّتين تطوّقانه ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪453 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪454 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪505 :‬‬

‫وأدارني على نفسي بهجم ٍة مُفاجئة ‪،‬‬


‫(ما دام واجباً العتراف بالحقيقة) ‪،‬‬
‫مُلتصقًا بظهري ‪ ،‬بكلّ ثقله ·‬
‫تستطيع أن تصدّقني‬
‫(ل أبحث في هذه اللحظة عن الفتخار بالكاذيب)‬
‫أنه خيل إليّ أنني أحمل جبلً أنوء تحته ·‬
‫مع ذلك ‪ ،‬نجحت ‪ ،‬وإن بمشقة ‪،‬‬
‫في أن أجعل ذراعي الراشحتين عرقا ‪،‬‬
‫تنزلقان بيننا ‪،‬‬
‫وأن أفك جسمي من العقد الرهيبة‬
‫التي تسجنه ·‬
‫وإذ رآني ألهث مبهورا ‪،‬‬
‫شدد ضغطه علي ‪،‬‬
‫ليمنعني من استعادة قواي ‪،‬‬
‫آخذا بتلبيبي ‪،‬‬
‫أخيرًا لمست التراب بركبتي ‪،‬‬
‫انطرحت وتمرغ فمي في التراب ·‬
‫كنت أقل منه قوة ‪،‬‬
‫هكذا لجأت إلى حيلي ‪:‬‬
‫أفلت من خصمي متخذا شكل ثعبان طويل ‪،‬‬
‫طاويا جسمي في حلقات متعرجة ‪،‬‬
‫راشقًا بصفير وحشي لساني المتشعب ·‬
‫أخذ هرقل يضحك‬
‫ل‪:‬‬‫ساخرا من حيلي ‪ ،‬قائ ً‬
‫"تعلمت في المهد ترويض الثعابين ·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪454 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪455 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪506 :‬‬

‫وإن افترضنا أنك تتفوق على الثعابين الخرى ·‬


‫يا أخيلووس ‪،‬‬
‫فكيف تكون حالك ‪،‬‬
‫أنت الفعوان ذو الجسم الواحد ‪،‬‬
‫مع هدرة ليرنا (‪)Lerna‬‬
‫ذلك الفعوان ذو الرؤوس المئة ؟‬
‫إنه يولد من جراحه نفسها ‪،‬‬
‫فلم أكن أقدر أن أقطع بشكل نهائي أحد رؤوسه‬
‫التي تحيط به ‪،‬‬
‫لن اثنين آخرين كانا ينبتان محله في اللحظة نفسها ‪،‬‬
‫ويزيدان في قوة عنقه ·‬
‫هذا الوحش الذي كان دمه يلد‬
‫أحناشا كمثل الغصان ‪،‬‬
‫والذي كان ينمو بنقصانه ‪،‬‬
‫روضته ‪ ،‬ثم أسلمته بعد ذلك‬
‫إلى النار ·‬
‫أي مصير تنتظر ‪ ،‬أنت ‪،‬‬
‫يا من اتخذت شكل ثعبانيا خادعا ‪،‬‬
‫مستخدما أسلحة غريبة عنك ‪،‬‬
‫أنت ‪ ،‬يا من يختبىء وراء‬
‫شكل ل يعول عليه" ·‬
‫ثم وضع بين أصابعه أعلى عنقي ‪،‬‬
‫ضاغطا عليه ‪،‬‬
‫فضاقت أنفاسي كما لو كنت أخنق بكماشتين ‪،‬‬
‫وجهدت أن أخلص عنقي من ضغط إبهاميه ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪455 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪456 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪507 :‬‬

‫وإذ غلبت ‪ ،‬وأنا في شكلي الثعباني هذا ‪،‬‬


‫بقي لي شكل ثالث يمكن أن أتخذه ‪،‬‬
‫هو شكل ثور وحشي ·‬
‫فتحولت إلى ثور ‪،‬‬
‫واستأنفت القتال ·‬
‫ألقى البطل ذراعيه ‪ ،‬مهاجما إياي من الجهة اليسرى ‪،‬‬
‫على غبغبي ‪ ،‬فاندفعت ‪ ،‬وتبعني‬
‫فيما يشدني نحوه ·‬
‫أخيراً ضغط على قرني ‪ ،‬غارزا إياهما‬
‫في الرض الصلبة ‪،‬‬
‫ورماني أرضا على سطح الحلبة ·‬
‫لم يكن ذلك كافيًا ‪،‬‬
‫ففيما كان يمسك بيده الوحشية‬
‫أحد قرني ‪ ،‬كسره على الرغم من صلبته ‪،‬‬
‫واقتلعه من جبيني مشوها إياه ·‬
‫ملته ربات الماء بالثمار وبالزاهير العطرة‬
‫ونذرته إلى اللهة ·‬
‫واغتنت من قرني إلهة الخصب المنعمة" ·‬

‫حال ‪ ،‬بعد أن أنهى كلمه ‪،‬‬


‫تقدمت إحدى ربات الماء اللئي يخدمنه ‪،‬‬
‫مشمرة قميصها ‪ ،‬على غرار اللهة ديانا ‪،‬‬
‫وشعرها يتموج على الجانبين ‪،‬‬
‫حاملة في هذا القرن الغني‬
‫ثمار الخريف الطيبة كلها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪456 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪457 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪508 :‬‬

‫المخصصة للدورة الثانية من الطعام ·‬


‫طلع النهار ‪،‬‬
‫وضربت أشعة الشمس الولى ذروات الجبال ‪،‬‬
‫آنذاك انسحب البطال الفتيان ‪،‬‬
‫دون ان ينتظروا عودة النهر إلى هدوئه ‪،‬‬
‫وإلى جريانه الوديع ‪،‬‬
‫وعودة مياهه كلها إلى مجراها ·‬
‫كان آخيلووس يخبىء وسط أمواجه‬
‫وجهه الريفي وجبينه الذي بتر أحد قرنيه ·‬

‫نيسوس وديانيرا (‪)Nessus et Dejanira‬‬

‫مع ذلك ‪ ،‬لم يفقد الله ‪ ،‬في هزيمته ‪،‬‬


‫غير الزينة التي سلبه إياها المنتصر ‪،‬‬
‫وظل ما تبقى من جسده ‪ ،‬كاملً ·‬
‫بل إنه يخفي ما أصاب جبينه‬
‫تحت أوراق الصفصاف ‪ ،‬أو تحت القصب‬
‫الذي يتتوج به ·‬
‫لكن أنت ‪ ،‬يا نيسوس الوحشي ‪،‬‬
‫مت ‪ ،‬ضحية حبك للعذراء نفسها ‪،‬‬
‫بسهم سريع اخترق ظهرك ·‬

‫كان ابن جوبيتر قد وصل ‪،‬‬


‫عائداً مع زوجته الجديدة نحو أسوار وطنه ‪،‬‬
‫إلى ضفاف إينوس (‪ )Euenus‬المندفعة ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪457 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪458 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪509 :‬‬

‫كان هذا النهر أكبر من العادة آنذاك ‪،‬‬


‫لتضخمه من أمطار الشتاء ‪،‬‬
‫يشكل دوامات عديدة ‪،‬‬
‫ولم يكن عبوره ممكنا ·‬
‫لم يكن البطل يخشى أي شيء على نفسه ‪،‬‬
‫غير أنه كان قلقاً على زوجته ·‬
‫اقترب منه نيسوس القوي ‪،‬‬
‫ل‪:‬‬
‫العارف بمعابر النهر ‪ ،‬قائ ً‬
‫"أتعهد ‪ ،‬يا هرقل ‪،‬‬
‫أن أنقل هذه إلى الضفة الثانية ·‬
‫وأنت ‪ ،‬لديك القوة‬
‫لكي تعبر النهر سباحة"‬
‫وكل بطل آونيا (‪ )Aonie‬إلى نيسوس ‪،‬‬
‫عذراء كاليدونا ‪ ،‬الشاحبة رعبا ‪،‬‬
‫المرتجفة ‪ ،‬الخائفة من النهر ومن ناقلها ·‬
‫ثم ‪ ،‬في هذه الحالة التي وجد نفسه فيها ‪،‬‬
‫ل كنانته وجلد السد‬ ‫حام ً‬
‫(ذلك أنه قذف إلى الضفة الخرى ‪ ،‬بهراوته وبقوسه المنحنية) ‪،‬‬
‫قال في نفسه ‪:‬‬
‫"ما دمت قد بدأت ‪،‬‬
‫فلنتصر على هذا النهر" ·‬
‫لم يتردد ‪ ،‬ولم يفكر أن يبحث عن التيار الكثر هدوءا ‪،‬‬
‫ول أن يستسلم لمجرى الماء الطيع ·‬
‫وها هو ‪ ،‬فيما كان يقف على الضفة الخرى ‪،‬‬
‫يلتقط القوس التي قذف بها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪458 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪459 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪510 :‬‬

‫يتعرف على صوت زوجته ‪،‬‬


‫فقد كان نيسوس يتهيأ ليخطف‬
‫الوديعة التي أوكلت إليه ·‬
‫ل‪:‬‬‫صرخ البطل قائ ً‬
‫"أين تأخذها ‪ ،‬أيها السنطور الغادر ‪،‬‬
‫واثقاً حتى الجنون ‪،‬‬
‫في خفة قوائمك ؟‬
‫أتكلم معك يا نيسوس ‪،‬‬
‫أيها الكائن المزدوج الشكل ‪،‬‬
‫أصغ ‪ ،‬ول تختلس ثروتي ·‬
‫إذا لم يكن لديك أي احترام لي ‪،‬‬
‫فمن الممكن للدولب الذي عذب أباك‬
‫أن يبعدك عن حب ممنوع ·‬
‫غير أنك لن تفلت مني ‪،‬‬
‫وعبثًا تعتمد على مزايا الحصان فيك ·‬
‫سأصيبك ‪ ،‬ل بقدمي ‪ ،‬بل بسهامي" ·‬
‫تأكدت كلماته الخيرة بالفعل ‪،‬‬
‫واخترق سهم أطلقته يده ‪ ،‬ظهر الهارب ‪،‬‬
‫وخرج النصل المقوس من صدره ·‬
‫ولم يكد النصل يستخرج حتى انبجس الدم من جرحين ‪،‬‬
‫ممزوجًا بسم هدرة ليرنا ‪ ،‬القاتل ·‬
‫أمسك به نيسوس ‪ ،‬قائلً في نفسه ‪:‬‬
‫"كل ‪ ،‬لن أموت دون أن أنتقم" ·‬
‫وأعطى لهذه التي خطفها ‪،‬‬
‫قميصه المصبوغ بدم ل يزال حارا ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪459 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪460 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪511 :‬‬

‫كتعويذة خاصة لثارة الحب ·‬

‫موت هرقل‬

‫مرت سنوات طويلة‬


‫وكانت مآثر هرقل العظيم وأمجاده‬
‫قد ملت الرض ‪،‬‬
‫ونفذت الشروط التي فرضها حقد جونون الشرسة ·‬
‫كان يتهيأ ‪ ،‬بعد عودته منتصراً‬
‫من يخاليا (‪، Oechalia( 3‬‬
‫لكي يقدم التضحية الموعودة إلى‬
‫جوبيتر في كينيوم (‪، )Ceneum‬‬
‫عندما سبقته الشائعات إلى سمعك ‪ ،‬يا ديانيرا ‪،‬‬
‫الشائعات التي تلتذ بإضافة الخرافة إلى الحقيقة ‪،‬‬
‫وتكبر ‪ ،‬بعد مقدمات ل طائل وراءها ‪،‬‬
‫بالكاذيب التي تختلقها ‪:‬‬
‫أخبرتك أنه موله بإيول (‪. )Iole‬‬
‫صدقت العاشقة الخبر ‪،‬‬
‫وأقلقتها ضجة هذا الهيام الجديد ‪،‬‬
‫فاستسلمت التاعسة أولً إلى الدموع الغزيرة ‪،‬‬
‫مفصحة عن ألمها بالبكاء ·‬
‫غير أنها لم تلبث أن ساءلت نفسها ‪:‬‬
‫"لماذا أبكي ؟‬
‫سوف تسر ببكائي‬
‫هذه التي تنافسني ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 3‬أويخاليا هي المدينة التي كان يملك فيها أوريتوس (‪ )Eurytus‬أبو إيول (‪ . )Iole‬استولى هرقل على المدينة ‪ ،‬بعد‬
‫منافسة طويلة معه ‪ ،‬وقتله ‪ ،‬هو وأبناءه · وأخذ إيول ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪460 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪461 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪512 :‬‬

‫وبما أن مجيئها أصبح قريبا ‪،‬‬


‫فإن علي أن أعجل وأتدبر أمري ‪،‬‬
‫ما دام لدي وقت ‪،‬‬
‫ولم تستول بعد على فراشي ·‬
‫هل علي أن أشكو ‪ ،‬أم أن أصمت ؟‬
‫أن أعود إلى كاليدونا ‪ ،‬أو أبقى هنا ؟‬
‫أن أهجر هذا البيت ‪،‬‬
‫أم أبقى وأقاوم ‪،‬‬
‫وماذا إذا تذكرت ‪ ،‬يا ميلياغر ‪، 4‬‬
‫أنني أختك ‪،‬‬
‫ودبرت انتقاماً باهرا ‪،‬‬
‫وأظهرت ما تستطيع امرأة ‪،‬‬
‫ترزح تحت وطأة الظلم والغم ‪،‬‬
‫وذبحت منافستي ؟"‬
‫شرد فكرها في اتجاهات مختلفة ‪،‬‬
‫فقررت أخيراً أن ترسل القميص‬
‫الملطخ بدم نيسوس ‪،‬‬
‫والقادر أن ينعش حباً خائراً ·‬
‫ودون أن تشك في أي خطر ‪،‬‬
‫أعطت هي بنفسها إلى ليخاس (‪، )Lichas‬‬
‫الذي لم يشك هو كذلك ‪،‬‬
‫القميص الذي سيكون سببًا لمصائبها ·‬
‫وكلفته (يا للمنكودة الخط !) بكلمات مقنعة ‪،‬‬
‫أن يقدمه هدية إلى زوجها ·‬
‫أخذه البطل غير عارف ما ينتظره ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 4‬ديجانيرا هي أخت ميلياغر الذي قتل خاليه · (راجع الكتاب الثامن) ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪461 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪462 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪513 :‬‬


‫ملقياً على كتفيه سموم هدرة ليرنا ‪· 5‬‬
‫فيما كان يحرق البخور في اللهب ‪،‬‬
‫رافعاً إلى اللهة صلواته ‪،‬‬
‫ل بيده مشجبا‬
‫حام ً‬
‫ليسكب الخمر على المذابح الرخامية ‪،‬‬
‫كان السم يهيج ‪ ،‬وكان فعله القاتل ‪،‬‬
‫يسري ‪ ،‬وقد أطلقه اللهب ‪،‬‬
‫في أعضاء هرقل ‪،‬‬
‫مسيطرًا عليها من جميع الجهات ·‬
‫كظم البطل ‪ ،‬بشجاعته المعهودة ‪ ،‬تأوهاته ‪،‬‬
‫بقدر ما استطاع ·‬
‫وعندما انتصر اللم على صبره ‪،‬‬
‫ترك المذابح ‪ ،‬مالئا بصراخه غابات أويتا (‪. )Oeta‬‬
‫فجأة ‪ ،‬أخذ يجهد لتمزيق القميص القاتل ‪،‬‬
‫لكن ‪ ،‬كان حيث يمزقه ‪ ،‬يمزق جلده‬
‫بشكل يرعب وصفه ‪،‬‬
‫أو كان يظل ملتصقاً بأعضائه ‪،‬‬
‫على الرغم من جهوده لكي يخلعه ‪،‬‬
‫أو يعري عضلته الممزقة ‪،‬‬
‫وعظامه الضخمة ·‬
‫كان دمه يرتعش ‪ ،‬ويجففه احتراق السم ‪،‬‬
‫كمثل ما ترتعش حربة حميت في النار ‪،‬‬
‫وغمست في حوض من الماء المثلج ·‬
‫ولم يقف المر عند هذا الحد ‪،‬‬
‫كان لهب ل يشبع يلتهم أحشاءه ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 5‬كان هرقل قد غمس سهامه في دم هدرة ليرنا ‪ ،‬المسموم ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪462 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪463 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪514 :‬‬

‫وعرق أسود يسيل من جسده كله ‪،‬‬


‫وكانت عضلته المتلفة تغلي ‪،‬‬
‫فيما يذوب الداء الخفي‬
‫لب عظامه ·‬
‫آنذاك رفع يديه صوب الكواكب ‪،‬‬
‫وصرخ قائلً ‪:‬‬
‫"تنعمي بجحيمي ‪ ،‬يا ابنة ساتورن ‪،‬‬
‫نعم ‪ ،‬تنعمي ·‬
‫تأملي ‪ ،‬أيتها اللهة القاسية ‪ ،‬من أعلى السماوات ‪،‬‬
‫عذابي ‪،‬‬
‫وأشبعي قلبك المتوحش ·‬
‫أو بالحرى ‪ ،‬إن كان لدي ما يثير الشفقة ‪،‬‬
‫حتى عند عدو ‪ ،‬أعني أنت ‪،‬‬
‫ب‪،‬‬‫ب مُرع ٍ‬ ‫فانتزعي مني حياةً فريس ًة لتعذي ٍ‬
‫حيا ًة كريهةً عليّ ولم أعطها‬
‫إلّ لكي أتألّم ·‬
‫ي نعمةً ‪،‬‬‫سيكون الموتُ بالنّسبة إل ّ‬
‫سيكون هدّية لئقةً بزوجة أبٍ شرسة ·‬
‫هل أنا حقّا من غلب بوزيريس (‪)Busiris‬‬
‫الذي كان يُدنّس الهياكل بدماء الجانب ؟‬
‫ب أنتايوس (‪)Antaeus‬‬ ‫أأنا من سل َ‬
‫القوى التي كانت تتعهدها أمه ؟‬
‫أأنا من لم يكن يخيفه ‪ ،‬ل الجسم الثلثي‬
‫لراعي هيبيريا (‪)Hiberie‬‬
‫ول رأسك الثلثي ‪ ،‬يا سيربيروس ؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪463 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪464 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪515 :‬‬

‫هل أنتما حقًا أنتما ‪ ،‬يا يداي ‪،‬‬


‫اللتان جعلتا قرني الثور الرهيب‬
‫يلمسان التراب ؟‬
‫أأنتما اللتان رأتكما تعملن ‪،‬‬
‫مدينة إيليس (‪ ، )Elis‬ومياه ستيمفالوس (‪، )Stymphalus‬‬
‫وغابات بارتينيوس (‪ )Parthenius‬؟‬
‫أحقا بفضلكما أحضرت حمالة السيف ‪،‬‬
‫المرصعة بالذهب ‪ ،‬من تيرمودون (‪)Thermodon‬‬
‫والثمار التي وكل بها إلى حراسة‬
‫تنين ل يعرف النوم أبدا ؟‬
‫أحقا تغلبتما على مقاومة السنطورات‬
‫والخنزير البري الذي كان يخرب أركاديا ؟‬
‫أأنا من خسرت الهدرة أمامه ‪،‬‬
‫ولم يفدها شيئا أن تنمو وهي تنقص ‪،‬‬
‫وأن تستعيد قواها مضاعفة ؟‬
‫هل أذكر كذلك بأنني هدمت المزاود‬
‫عندما رأيت خيول ملك تراسيا‬
‫تسمن بدم البشر ‪،‬‬
‫ورأيت تلك المزاود‬
‫ممتلئة بالجسام الممزقة ‪،‬‬
‫وأنني قتلت ‪ ،‬معا ‪ ،‬السيد وخيوله ؟‬
‫ها هما الذراعان اللذان خنقا أسد نيميا (‪)Nemea‬‬
‫وصرعاه ‪،‬‬
‫ها هو العنق الذي حمل السماء ·‬
‫تعبت امرأة جوبيتر القاسية‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪464 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪465 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪516 :‬‬

‫من إعطائي الوامر ‪،‬‬


‫ولم أتعب أبدا من تنفيذها ‪· 6‬‬
‫لكن ‪ ،‬ها هي اليوم تقع بلية جديدة‬
‫يقف أمامها كل شيء عاجزا ‪:‬‬
‫الشجاعة ‪ ،‬أسلحة الهجوم ‪ ،‬وأسلحة الدفاع ·‬
‫ففي أعماق رئتي ‪،‬‬
‫تجري نار مفترسة ‪ ،‬تجد غذاءها في أعضائي كلها ·‬
‫الملك أوريستيوس (‪ ، Eurystheus( 7‬مع ذلك ·‬
‫مليء بالحياة ·‬
‫وهناك أشخاص يعتقدون بوجود اللهة !"‬
‫قال ذلك ‪ ،‬مهدوداً باللم ‪،‬‬
‫شارداً على ذروات أويتا (‪، )Oeta‬‬
‫كمثل ثور يحمل حربة غرزها في جسمه‬
‫صياد ‪ ،‬ثم ولى هارباً ·‬
‫كانت تمكن رؤيته ‪ ،‬تارة ‪ ،‬يتأوه ‪،‬‬
‫وتارة يرتعش من الحنق ‪،‬‬
‫محاول أن يمزق ثيابه كلها ‪،‬‬
‫يقتلع جذوع الشجر ‪ ،‬ويطلق غضبه على الجبال ‪،‬‬
‫أو يمد ذراعيه نحو السماء ‪ ،‬حيث يهيمن والده ·‬
‫ليخاس (‪)Lichas‬‬

‫هوذا يلمح ليخاس‬


‫الذي كان يختبىء مرتجفا‬
‫في تجويف صخرة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬يستعيد هرقل في لحظة موته المآثر التي توجب أن يحققها لكي يطفئ حقد جونون ‪:‬‬
‫بوزيريس ملك مصر ‪ ،‬كان يذبح الغرباء الذين يمرون في مملكته · وقد أراد أن يفعل ذلك بهرقل ‪ ،‬فقتله ·‬
‫آنتايوس ‪ ،‬عملق قتله هرقل ‪ ،‬ممسكا إياه بذراعيه ‪ ،‬خارج كل تماس مع الرض ‪ ،‬أمه ‪ ،‬التي كانت تجدد قواه منذ‬
‫تلمسها قدماه ·‬
‫جيريون (‪ )Geryon‬وحش بثلثة رؤوس ‪ ،‬وثلثة جذوع ‪ ،‬كان يسكن جزيرة إريتيا (‪ ، )Erythia‬من جهة الغرب ‪،‬‬
‫قتله هرقل ·‬
‫وكان على هرقل أن يخرج من الجحيم الكلب ذا الرؤوس الثلثة سيربيروس · ثم حارب في اليونان ثوراً رهيباً‬
‫روضه ·‬
‫وفي إليدا ‪ ،‬نظف زرائب أوجياس (‪ ، )Augias‬قاتل خيوله جميعها ·‬
‫وعلى ضفاف بحيرة كتثفالوس في أركاديا ‪ ،‬قتل الطيور التي كانت تخرب المنطقة ·‬
‫وحول غابة بارتينيوس ‪ ،‬بين أركاديا وآرغوليدا ‪ ،‬قتل الغزالة المنذورة للهة الصيد ديانا ·‬
‫وذهب إلى ضفاف ثيرمودون ‪ ،‬وهو نهر في آسيا الصغرى ‪ ،‬لكي يأخذ حمالة السيف الذهبية ‪ ،‬التي قدمها الله مارس‬
‫لملكة المازونيات (‪. )Amazones‬‬
‫وذهب إلى بستان الهيسبيريد ‪ ،‬بحثا عن الثمار الذهبية التي كان يحرسها تنين ·‬
‫وكان قتال السناطير حلقة في سفره إلى إريمانتيا (‪ ، )Erymanthe‬وقد قنص خنزيراً برياً متوحشاً على ضفة رافد‬
‫لنهر آلفيوس (‪. )Alphee‬‬
‫وقد ذكر قتاله مع هدرة ليرنا ‪ ،‬وتله استدعاء الخيول الدموية لديوميد (‪، )Diomede‬‬
‫ملك تراسيا ‪ ،‬الخيول التي قدم لها هرقل سيدها بوصفه علفا ·‬
‫وقتل أسد نيميا في آرغوليدا ‪ ،‬وصنع من جلده خوذة ودرعا ·‬
‫أخيراً ‪ ،‬حمل ‪ ،‬لفترة ‪ ،‬على كتفيه الكون ‪ ،‬حال محل الله أطلس ‪ ،‬الذي كان يقطف الثمار من بستان الهيسبيريد ·‬
‫ومجموع مآثره اثنتا عشرة مأثرة ·‬

‫‪ 7‬هو ابن عم أمفيتريون وآلكمينا ‪ ،‬وهو الذي فرض على هرقل ‪ ،‬بتحريض من جونون ‪ ،‬أن يحقق الثني عشر‬
‫ل ‪ ،‬المذكورة سابقاً ·‬
‫عم ً‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪465 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪466 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪517 :‬‬

‫وكان اللم قد أوصل هياجه ‪ ،‬إلى الجنون ·‬


‫فقال له ‪:‬‬
‫"أنت إذن يا ليخاس من قدم‬
‫لي هذه الهدية المشؤومة ؟‬
‫أنت من سيكون قاتلي ؟"‬
‫كان التاعس يرتجف ‪ ،‬وقد اصفر رعبا ‪،‬‬
‫ويتلفظ مذعورًا ‪ ،‬ببعض كلمات العتذار ·‬
‫وفيما كان يتكلم ‪،‬‬
‫ويتهيأ ليلمس ركبتي هرقل‬
‫أمسك به ‪ ،‬ودوره ثلث أو أربع مرات‬
‫قاذفا به في أمواج بحر أوبيا (‪، )Eubea‬‬
‫بقوة أشد من قوة المنجنيق ·‬
‫وسرعان ما تجمد ليخاس ‪ ،‬معلقاً في الفضاء ·‬

‫يقال إن أنفاس الريح المثلجة‬


‫تكثف المطر ‪ ،‬فيتحول إلى ثلج ·‬
‫وينعقد بدوره الثلج الرخو‬
‫مدومًا ‪ ،‬متكوراً في شكل برد كثيف ·‬
‫هكذا عندما قذفت بليخاس في الفراغ‬
‫ذراعان قويتان ‪،‬‬
‫ويبس الرعب حتى القطرة الخيرة ‪،‬‬
‫دم جسمه ‪،‬‬
‫تحول إلى صخرة صلبة ‪،‬‬
‫إن شئنا أن نصدق مأثورات الزمن القديم ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪466 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪467 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪518 :‬‬

‫ثمة حتى اليوم صخرة صغيرة‬


‫في بحر أوبيا ‪ ،‬تنتصب فوق‬
‫أعماق الهاوية ‪ ،‬وتحتفظ بآثار‬
‫شكل إنساني ·‬
‫يخاف البحارة من أن يطأوها بأقدامهم ‪،‬‬
‫كما لو أنها تحس ‪ ،‬يسمونها ليخاس ·‬

‫لكن ‪ ،‬أنت ‪ ،‬يا ابن جوبيتر ‪ ،‬الشهير ‪،‬‬


‫بعد أن قطعت الشجر النابت على قمة أويتا ‪،‬‬
‫أقمت محرقة ‪،‬‬
‫ثم أخذت قوسك العظيمة ‪،‬‬
‫وكنانتك وسهامك‬
‫التي قدر لها أن ترى ثانية مملكة طروادة ‪، 8‬‬
‫إذ قدمتها هدية إلى ابن بوياس (‪، )Poeas‬‬
‫الذي كلفته بأن يشعل النار في محرقتك ·‬
‫وفيما كان اللهب الشره يغلف الكتلة العليا‬
‫من الخشب المقدس ‪،‬‬
‫غطيت ذروته بجلد السد النيمي ‪،‬‬
‫ورقدت فيه ‪ ،‬مسندا رأسك على هراوتك ‪،‬‬
‫هادىء الوجه ‪ ،‬كما لو أنك كنت تتمدد‬
‫أمام مأدبة ‪ ،‬يحيط بجبينك إكليل من الزهر‬
‫وسط أكواب ملى بالخمرة الصافية ·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 8‬يشير هنا أوفيد إلى ابن بوياس (‪ ، )Poias‬فيلوكتيت ‪ ،‬الذي ورث أسلحة هرقل · ذهب إلى حرب طروادة ‪ ،‬لكن‬
‫لدغته أفعى في تينيدوس · وقد صار جرحه كريه الرائحة ‪ ،‬بحيث إن القواد اليونان تركوه في ليمنوس · وكانت نبوءة‬
‫قد قالت بأن طروادة لن تؤخذ إل بمساعدة سهام هرقل ‪ .‬فذهب يوليسيس وديوميد ونيوبتوليم للبحث عن بطل ليمنوس ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪467 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪468 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪519 :‬‬

‫مصير هرقل‬

‫كان اللهب الجبار يهدر ‪،‬‬


‫ممتدا في جميع أنحاء المحرقة ‪،‬‬
‫واصل إلى أعضاء البطل‬
‫الذي كان ينتظره بازدراء هادىء ‪،‬‬
‫فيما يهتز اللهة خوفا على منقذ الرض ·‬
‫أدرك ذلك جوبيتر ‪ ،‬ابن ساتورن ‪،‬‬
‫فوجه إليهم بلهجة فرحة هذه الكلمات ‪:‬‬
‫"خوفكم ‪ ،‬يا سكان السماوات ‪ ،‬سرور لي ·‬
‫إنني أبتهج وأسعد من كل قلبي‬
‫أن أسمى ملك شعب عارف للجميل ‪،‬‬
‫وأبا له ‪،‬‬
‫وأن أراكم ترعون‬
‫ابني بفضلكم ·‬
‫ولئن كان يستحقه لمآثره التي تتجاوز الحدود النسانية ‪،‬‬
‫فإنني مدين به لكم ‪،‬‬
‫أنا كذلك ·‬
‫لكن ‪ ،‬اطردوا من قلوبكم المينة‬
‫هذه الهموم ‪،‬‬
‫ول تقلقوا من هذا اللهب‬
‫المشتعل في أويتا ·‬
‫فمن تغلب على كل شيء ‪،‬‬
‫سيعرف كيف يتغلب على هذه النار‬
‫التي ترونها ·‬
‫لن يشعر بقدرة إله النار ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪468 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪469 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪520 :‬‬

‫إل في ذلك الجزء من كيانه‬


‫الذي يجيء من أمه ·‬
‫ما جاءه مني أبدي ‪ ،‬معصوم ‪،‬‬
‫منزه عن الموت ‪،‬‬
‫وفي مأمن من اللهب ·‬
‫الن ‪ ،‬بعد أن أكمل هذا العنصر‬
‫زمنه على الرض ‪،‬‬
‫سأستقبله في المقام السماوي ·‬
‫آمل أن يغتبط جميع اللهة بما سأفعله ·‬
‫مع ذلك ‪ ،‬إن كان بينكم ‪ ،‬مصادفة ‪،‬‬
‫أحد ل يرضى أن يرى هرقل وقد أصبح إلهًا ‪،‬‬
‫فمن الممكن أن ينتقد إعطاءه هذه المكافأة ‪،‬‬
‫غير أنه سيعترف أن ابني جدير بها ‪،‬‬
‫وهكذا سيعطيني الحق رغما عنه" ·‬
‫أثنى اللهة على هذا الخطاب ‪،‬‬
‫وبدا أن ملكة السماوات نفسها ‪ ،‬زوجة جوبيتر ‪،‬‬
‫أصغت إلى الجزء الكبر منه ‪،‬‬
‫دون أن تغتاظ ‪،‬‬
‫غير أن الغيظ ارتسم على قسماتها‬
‫وهي تسمع الكلمات الخيرة ‪،‬‬
‫وبدت مستاءة من التلميح‬
‫الذي يشير إليها ·‬
‫في هذه الثناء ‪،‬‬
‫كان إله النار‬
‫قد نقل كل ما يمكن اللهب أن يهدمه‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪469 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪470 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪521 :‬‬

‫ولم يبق من هرقل أي شكل يدل عليه ·‬


‫لم يعد فيه شيء مما صور على هيئة أمه ‪،‬‬
‫ولم يحتفظ إل بما يحمل علمة جوبيتر ·‬

‫كمثل ما يرى ثعبان يستعيد شبابه ‪،‬‬


‫عندما تقشر شيخوخته مع تقشر جلده ‪،‬‬
‫وينشر قوته ‪ ،‬ويتألق ببريق جلده الجديد ‪،‬‬
‫هكذا تراءى بطل تيرانثيا‬
‫وقد انتزع عنه هيكله الفاني ‪،‬‬
‫يستعيد حياته في الجزء الفضل من كيانه ·‬
‫ظهر من جديد أكثر جسامة ‪،‬‬
‫وقد أضفيت عليه مهابة جليلة‬
‫جديرة بالتقديس ·‬
‫أبوه الكلي القدرة ‪ ،‬رفعه‬
‫في حضن غيمة على عربة تقودها‬
‫أربعة أحصنة ‪،‬‬
‫وأحله بين الكواكب المللئة ·‬

‫آلكمينا وغالنتيس (‪)Alcmena et Galanthis‬‬

‫شعر أطلس بزيادة وزن السماء ‪،‬‬


‫غير أن غضب إيريستيوس (‪)Eurystheus‬‬
‫لم يكن بعد قد هدأ ·‬
‫ظل يطارد ابن البطل ‪ ، 9‬بالحقد الشديد نفسه‬
‫الذي حمله لبيه ·‬
‫كانت إيول (‪ )Iola‬وحدها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 9‬الشارة إلى هيلوس (‪ ، )Hyllus‬ابن هرقل وديانيرا ·‬


‫التحولت أوفيد الصفحة ‪470 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪471 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪522 :‬‬

‫هي من بقي للكمينا الرغوسية ‪،‬‬


‫التي تعذبها هموم طويلة ‪،‬‬
‫لكي تفضي إليها بشكاواها‬
‫التي تنتزعها منها الشيخوخة ‪،‬‬
‫وتقص عليها أعمال ابنها ‪،‬‬
‫المشهود لها في الكون كله ‪،‬‬
‫وآلمها الخاصة ·‬
‫كان هيلوس (‪ ، )Hyllus‬بأمر من أبيه هرقل ‪،‬‬
‫قد أعطى لهذه الفتاة‬
‫مكاناً في فراشه ‪ ،‬وفي قلبه ‪،‬‬
‫وأخصب أحشاءها ببذار كريم ·‬
‫خاطبتها آلكمينا قائلة ‪:‬‬
‫"عسى ‪ ،‬من جهتك على القل ‪،‬‬
‫أن تجدي اللهة إلى جانبك ·‬
‫لعلهم يختصرون آلمك ‪،‬‬
‫عندما ينتهي أمد حملك ‪،‬‬
‫وتبتهلين إلى إيليثيا ‪، )Ilithyia( 10‬‬
‫حامية النساء في أثناء الوضع‬
‫الذي يخفن منه ·‬
‫كانت إيليثيا قاسية معي ‪ ،‬إرضاء لجونون ‪،‬‬
‫وكانت اللحظة قد اقتربت ‪،‬‬
‫اللحظة التي يولد فيها هرقل‬
‫الذي كانت تنتظره أعمال كثيرة ‪،‬‬
‫فيما كانت الشمس تطأ الصورة‬
‫العاشرة من فلك البروج ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 10‬إيليثيا ‪ ،‬ابنة زوس وهيرا ‪ ،‬هي اللهة اليونانية التي ترعى الولدات · وهي تمثل بجونون‪ ،‬أي لوسينا (‬
‫‪ ، )Lucine‬عندما تمارس مهمة القابلة ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪471 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪472 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪523 :‬‬

‫كان وزن الجنين يكبر كشحي ‪،‬‬


‫فما أحمله كان ضخما ‪،‬‬
‫بحيث يسهل التعرف في هذا الحمل الخفي ‪،‬‬
‫على أبوة جوبيتر ·‬
‫كنت أصبحت عاجزة عن تحمل‬
‫آلمي طويلً ·‬
‫حين أتحدث عن ذلك ‪ ،‬حتى في هذه اللحظة ‪،‬‬
‫يتثلج جسمي من الرعب ‪،‬‬
‫فمجرد ذكراه تؤلمني ·‬
‫بعد تعذيب استمر سبع ليال ‪،‬‬
‫وسبعة نهارات ‪،‬‬
‫وكان الوجع قد استنفدني ‪،‬‬
‫مددت ذراعي إلى السماء ‪،‬‬
‫أبتهل صارخة ‪ ،‬إلى لوسينا (‪)Lucina‬‬
‫وآلهة الولدة ‪· 11‬‬
‫جاءت لوسينا ‪،‬‬
‫غير أن جونون عدوتي‬
‫كانت قد أفسدتها سلفا ‪،‬‬
‫طالبة منها أن تضحي لها بحياتي ·‬
‫فلم تكد تسمع تأوهاني‬
‫حتى جلست عند المذبح أمام بابي ‪،‬‬
‫وقد أبقت ولدتي معلقة ‪،‬‬
‫واضعة ساقا على ساق‬
‫شابكة أصابعها المتباعدة كأسنان المشط ·‬
‫كانت كذلك تردد بصوت منخفض ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 11‬كان اللهة الذين يرعون المخاض ‪ ،‬ممثلين بتماثيل في وضع راكع أمام هيكل مينيرفا ‪ ،‬في الكابيتول (المدينة) ·‬
‫وقد نقلت إلى روما من سورية ‪ ،‬بعد هزيمة الملك أنطيوخوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪472 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪473 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪524 :‬‬

‫تعزيمات توقف المخاض الذي ابتدأ ·‬


‫ضاعفت الدفع ‪ ،‬واتهمت في تيهي ‪،‬‬
‫جوبيتر ‪ ،‬بنكران الجميل ‪،‬‬
‫وهي تهمة باطلة ·‬
‫تمنيت الموت ‪ ،‬وزفرت نواحا‬
‫يمكن أن يلين صلبة الحجر ·‬
‫ونذرت أمهات السر اللئي أتين لغاثتي ‪،‬‬
‫واللئي يسكن في مدينة قدموس ‪،‬‬
‫نذورا للسماء ‪،‬‬
‫وشجعنني وأنا في أوج آلمي ·‬
‫كانت تجلس قربي إحدى خادماتي ‪ ،‬فتاة من العامة ‪،‬‬
‫هي الشقراء غالنتيس (‪)Galanthis‬‬
‫التي جعلتها‬
‫سرعتها في تنفيذ أوامري ‪ ،‬وخدماتها الجيدة‬
‫غالية علي ·‬
‫فهمت أن هناك ما ل أدري من تأثير جونون‬
‫العدواني ·‬
‫وكانت تدخل وتخرج كثيرًا ‪،‬‬
‫من باب غرفتي ‪،‬‬
‫فرأت اللهة جالسة على المذبح ‪،‬‬
‫ضامة ذراعيها ‪ ،‬وأصابعها متشابكة‬
‫فوق ركبتيها ·‬
‫قالت لها ‪:‬‬
‫"أيا كنت ‪،‬‬
‫هنئي سيدتي ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪473 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪474 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪525 :‬‬

‫لقد ولدت آلكمينا الرغوسية ·‬


‫إنها الن أم ‪،‬‬
‫وأمنياتها تحققت" ·‬
‫انتفضت اللهة التي تتحكم بالولدات ‪،‬‬
‫وفكت ‪ ،‬في اضطرابها ‪ ،‬يديها المتشابكتين ‪،‬‬
‫وآنذاك ‪ ،‬انفكت قيودي أنا كذلك ‪،‬‬
‫وولدت سريعا ·‬
‫أخذت غالتيس ‪ ،‬تضحك ‪ ،‬كما يروى ‪،‬‬
‫واعية أنها خدعت اللهة ‪،‬‬
‫وكانت ل تزال تضحك عندما أمسكت بها‬
‫اللهة القاسية ‪،‬‬
‫وأخذت تجرها من شعرها الجميل ·‬
‫تمنعها من النهوض عن الرض ‪،‬‬
‫كلما حاولت ذلك ‪،‬‬
‫وجعلت من ذراعيها قائمتين أماميتين ·‬
‫إنها تحتفظ بسرعتها القديمة ‪،‬‬
‫ولم يفقد ظهرها لونه ‪ ،‬غير أنها غيرت شكلها ·‬
‫بما أن فمها ساعد بكذبة امرأة‬
‫على وشك أن تلد ‪ ،‬فإنها تلد من فمها ‪،‬‬
‫وهي تعيش في منازلنا ‪،‬‬
‫كما كانت سابقاً ‪· 12‬‬

‫دريوبي ولوتيس (‪)Dryope et Lotis‬‬

‫فيما كانت آلكمينا تتحدث‬


‫كان التأثر باديا عليها لذكرى خادمتها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 12‬تحولت غالنتيس إلى سرعوبة (بنت عرس) · وقد أقام لها هرقل ‪ ،‬فيما بعد ‪ ،‬معبدا يقدم فيه أهل طيبة قرابين في‬
‫أعياد البطل ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪474 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪475 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪526 :‬‬

‫وأطلقت زفرة ·‬
‫وإذ رأتها كنتها حزينة ‪،‬‬
‫قالت لها ‪:‬‬
‫"إل أنها ‪ ،‬يا أمي ‪،‬‬
‫كانت غريبة عن دمنا ‪،‬‬
‫تلك التي ترثين لتحولها ·‬
‫فما يكون المر إن قصصت عليك‬
‫مصير أختي العجيب ؟‬
‫غير أن الدموع واللم تمنعني من الكلم ·‬
‫اسمها دريوبي ‪،‬‬
‫كانت ابنة وحيدة لمها‬
‫(ولدت لبي من زوجة أخرى)‬
‫وكانت الكثر شهرة بجمالها‬
‫بين نساء أوكاليا (‪. )Oechalia‬‬
‫كان الله الذي يملك على ديلفي (‪)Delphi‬‬
‫وديلوس (‪، )Delos‬‬
‫قد سلبها عذريتها اغتصابا ‪،‬‬
‫عندما استقبلها آندريمون (‪)Andremon‬‬
‫زوجة له ·‬
‫وقيل عنه‬
‫إنه وجد السعادة في هذا الزواج ·‬
‫كانت هناك بحيرة‬
‫تذكر ضفافها المنحدرة انحداراً خفيفاً‬
‫بشواطىء البحر المنعطفة ‪،‬‬
‫تتوجها في جزئها العلى أزهار الرند ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪475 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪476 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪527 :‬‬

‫ذهبت إليها دريوبي دون أن ترتاب‬


‫في مصيرها ‪،‬‬
‫وما يبدو لك أكثر إثارة للغضب‬
‫هو أنها كانت تقدم أكاليل لربات المياه ‪،‬‬
‫حاملة على ذراعيها حملً لطيفاً ‪،‬‬
‫طفل لم يكمل بعد سنته الولى ‪،‬‬
‫تغذيه بحليبها الدافىء الخير ·‬

‫غير بعيد عن البحيرة ‪،‬‬


‫كانت تنهض شجرة لوتس‬
‫صديقة المياه ‪ ،‬تغطيها أزهار‬
‫يذكر لونها بأرجوان صور ‪،‬‬
‫ويعد بثمار كثيرة جديدة ·‬
‫قطفت دريوبي بعضها ‪،‬‬
‫لتعطيها إلى ابنها ‪ ،‬تسلية له ·‬
‫كنت أتهيأ لقوم بالعمل نفسه‬
‫(لنني كنت معها)‬
‫عندما رأيت قطرات من الدم‬
‫تسقط من هذه الزهار ‪،‬‬
‫ورأيت أعناقها تهتز وترتعش ·‬
‫والواقع ‪ ،‬كما أخبرنا الفلحون ‪ ،‬فيما بعد ‪،‬‬
‫أن ربة الماء لوتيس (‪)Lotis‬‬
‫التي هربت من معاشرة بريابوس (‪)Priapus‬‬
‫الفاحشة ‪،‬‬
‫تخلت عن شكلها الول ‪ ،‬دون أن تغير اسمها‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪476 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪477 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪528 :‬‬

‫لكي تتخذ شكل هذه الزهرة ·‬


‫لم تدرك أختي شيئًا من هذا كله ·‬
‫ارتعبت ‪ ،‬وأرادت أن تعود أدراجها‬
‫مبتعدة عن ربات الماء اللئي‬
‫جاءت لكي تعبدهن ·‬
‫غير أن قدميها انغرستا في الرض‬
‫كمثل جذرين ‪ ،‬واتحدتا بالتراب ·‬
‫كافحت لكي تقتلعهما ‪،‬‬
‫لكنها لم تستطع أن تحرك إل الجزء‬
‫العلى من جسمها ·‬
‫صعد القشر بطيئًا من السفل ‪،‬‬
‫وغطى شيئاً فشيئًا ثنيتي فخذيها ·‬
‫عندما رأت ذلك ‪،‬‬
‫رفعت يديها إلى شعرها ‪،‬‬
‫وحاولت أن تستأصله ‪،‬‬
‫فامتلت يدها بالوراق ‪،‬‬
‫وغطت الوراق رأسها كله ·‬
‫شعر الصغير أمفيسوس (‪)Amphissos‬‬
‫(هذا هو السم الذي أعطاه إياه جده اوريتوس (‪)Eurytus‬‬
‫أن الثدي المومي يتصلب ‪،‬‬
‫وأن الحليب ‪ ،‬على الرغم من جهده ‪،‬‬
‫لم يعد يستجيب لشفتيه ·‬
‫كنت أرى هذا المصير القاسي ‪،‬‬
‫يتم أمامي ‪ ،‬دون أن أقدر‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪477 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪478 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪529 :‬‬

‫على مساعدتك ‪ ،‬يا أختي ·‬


‫حاولت ‪ ،‬بقدر ما سمحت لي قواي ‪،‬‬
‫أن أؤخر ‪ ،‬باحتضاني ‪ ،‬تقدم الجذع والغصون ·‬
‫بل إنني تمنيت ‪ ،‬وأعترف بذلك ‪،‬‬
‫أن أسجن تحت القشر ذاته ·‬
‫لم يلبث أن وصل زوج دريوبي ‪،‬‬
‫بحثاً عنها ‪ ،‬يرافقه أبوها التاعس ·‬
‫وبدلً من دريوبي التي يبحثان عنها ‪،‬‬
‫أشرت إلى شجرة لوتس ·‬
‫فغمرا بالقبل القشر الذي كان ل يزال فاترا ‪،‬‬
‫وسجدا قرب جذور هذه الشجرة الغالية‬
‫يضمانها بأيديهما ·‬
‫لم يكن بقي فيك شيء ‪ ،‬يا أختي الحبيبة ‪،‬‬
‫إل أصبح جزءا من شجرة‬
‫ما عدا الوجه ·‬
‫كانت الدموع تبلل الوراق النابتة من جسمها ‪،‬‬
‫فيما كان فمها ل يزال قادراً على‬
‫إخراج صوتها ‪ ،‬زافرا أنينها في الفضاء ‪:‬‬
‫"إن كان التعساء جديرين بالتصديق ‪،‬‬
‫فأنا ‪ ،‬كل ‪،‬‬
‫وأقسم باللهة ‪ ،‬ل أستحق هذا المصير ·‬
‫لقد عوقبت ولم اقترف إثما ‪،‬‬
‫عشت في البراءة ‪،‬‬
‫وإذا كنت أكذب ‪ ،‬فلتيبس‬
‫ولفقد أوراقي التي تغطيني ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪478 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪479 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪530 :‬‬

‫ولسقط تحت ضربات الفأس ‪،‬‬


‫ولتكن النار نهايتي ·‬
‫لكن ‪،‬‬
‫انتزعوا ‪ ،‬على القل ‪ ،‬هذا الطفل‬
‫من أغصان أمه ‪،‬‬
‫واعهدوا به إلى مرضعة ·‬
‫اسمحوا لي أن أراه غالبًا ‪،‬‬
‫يرضع تحت شجرتي ‪،‬‬
‫وأن يجيء ليلعب تحتها ·‬
‫وعندما يصبح قادراً على الكلم ‪،‬‬
‫اعملوا على أن يسلم علي باسمي ‪ -‬أما له ·‬
‫ليقل بحزن ‪:‬‬
‫"أمي مختبئة في هذا الجذع" ·‬
‫لكن ‪،‬‬
‫ليبتعد عن الغدران ‪،‬‬
‫وليحترس من أن يقطف أزهار الشجر ‪،‬‬
‫وليتوقع أن يرى في أعوادها كلها‬
‫أجساما إلهية ·‬
‫وداعا ‪،‬‬
‫يا زوجي الحبيب ‪ ،‬وأنتما كذلك ‪،‬‬
‫يا أختي ‪ ،‬ويا أبي ·‬
‫احرسوا ‪،‬‬
‫إن كنتم تحبونني ‪ ،‬أوراقي‬
‫من جراح المشذب الحاد ‪،‬‬
‫ومن هجوم القطعان ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪479 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪480 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪531 :‬‬

‫وبما أنه محظور علي أن أنحني نحوكم ‪،‬‬


‫فانهضوا إلي ‪ ،‬تعالوا وخذوا قبلتي‬
‫ما دام ل يزال ممكنا لمس شفتي ·‬
‫وأرفعوا طفلي إليهما ·‬
‫ل أستطيع أن أتابع كلمي ‪،‬‬
‫فها هي قشرة لينة تتمدد على عنقي البيض ‪،‬‬
‫وها هو تحت ذروة يتوارى رأسي ·‬
‫أبعدوا أيديكم عن عيني ‪،‬‬
‫فل جدوى في مراسم الدفن ‪،‬‬
‫واتركوا القشرة الصاعدة تطبق‬
‫عيني الخذتين بالنطفاء" ·‬
‫هكذا توقف فمها عن الكلم ‪،‬‬
‫وعن الحياة في لحظة واحدة ·‬
‫وظلت أغصانها الجديدة ‪ ،‬بعد تحولها ‪،‬‬
‫تحتفظ بحرارة جسمها ‪،‬‬
‫إلى أمد طويل ·‬

‫إيولوس (‪)Iolaus‬‬

‫فيما كانت إيول تقص هذه العجوبة ‪،‬‬


‫وآلكمينا تمسح بإبهامها دموع ابنة أوريتوس ‪،‬‬
‫وتبكي هي كذلك ‪،‬‬
‫كانت أعجوبة أخرى تتم ‪ ،‬وتوقف‬
‫مجرى أفكارهما الحزينة ·‬
‫كان إيولوس يقف على العتبة العالية ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪480 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪481 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪532 :‬‬

‫ل‪،‬‬‫في هيئة يافع ‪ ،‬يكاد يبدو طف ً‬


‫يغطي خديه زغب متفاوت‬
‫مسترجعاً قسماته في سنواته الولى ·‬
‫كانت هيبي (‪ ، )Hebe‬ابنة جونون ‪،‬‬
‫قد أسبغت عليه هذه النعمة ‪،‬‬
‫مستسلمة لتوسلت زوجها ‪· 13‬‬
‫وكانت تتهيأ لكي تقسم على أل تسبغ ‪،‬‬
‫بعد ذلك ‪ ،‬على أحد ‪ ،‬نعمة كهذه ‪،‬‬
‫عندما عارضتها تيميس (‪ )Themis‬قائلة ‪:‬‬
‫"ها هي طيبة تستسلم لهوال الحرب ‪،‬‬
‫ل يمكن أن يغلب كابانيوس (‪)Capaneus‬‬
‫إل بقوة جوبيتر ‪،‬‬
‫وسوف يتساوى أخوان في الموت ‪،‬‬
‫ويرى عراف ‪ ،‬في حضن الرض المنشقة ‪،‬‬
‫شبحه ذاته ‪، 14‬‬
‫ويثأر ابن لبيه ‪ ،‬بقتل أمه ‪،‬‬
‫وسيبدو أنه في آن ‪ ،‬بار ومجرم ·‬
‫وسوف يهرب ‪ ،‬مذعورًا من جريمته ‪،‬‬
‫مسلوب العقل ‪ ،‬وبل وطن ·‬
‫تطارده أشباح ربات الجحيم الثلث ‪،‬‬
‫وشبح أمه ‪،‬‬
‫حتى اليوم الذي تطلب فيه زوجته منه‬
‫طوق الذهب القاتل ‪،‬‬
‫حيث يغرز في خواصره ‪،‬‬
‫سيف قريبه فيجيوس (‪. )Phegeus‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 13‬هي ‪ ،‬ابنة جونون ‪ ،‬تزوجت من هرقل منذ وصوله إلى الولمب · (في الكتاب السابع ‪ ،‬يعطيها أوفيد ‪ ،‬اسمها‬
‫اللتيني (‪ . )Juventas‬وقد حصل هرقل ‪ ،‬بفضل صلته الجديدة بها ‪ ،‬على تجدد شباب إيولوس ‪ ،‬رفيقه المين في‬
‫أعماله ·‬
‫‪ 14‬العراف ‪ ،‬هو أمفياروس الذي قتل حين رمي حيا في الجحيم ‪ ،‬وهكذا رأى شبحه · (انظر الكتاب الثامن) ·‬
‫وأمفياروس هذا ‪ ،‬كان كلف ابنه آلكمايون (‪ )Alcmaion‬بأن يأخذ بثأره · وبعد أن قتل أمه إيريفيليه (‪، )Eryphile‬‬
‫طاردته أشباح ربات الجحيم فهرب من آرغوس ولجأ إلى أركاديا واستقر في فيجيا التي تحمل اسم ملكها فيجيوس ·‬
‫فتزوج ابنة الملك ‪ ،‬وأهدى إليها العقد الذهبي المشؤوم · فلما ذهب يطلب نبوءة في بيتيا‪ ،‬تزوج كاليرو ‪ ،‬ابنة النهر‬
‫آخيلووس ‪ ،‬وهي بدورها طلبت منه العقد الشهير · فلما عاد إلى فيجيا لحضار العقد ‪ ،‬قتله أبناء فيجيوس ‪ ،‬وقدموا‬
‫العقد لمعبد أبولون في دلف· أما الزوجة الجديدة كاليرو ‪ ،‬فقد تضرعت إلى زوس الذي وهبها أن يبلغ أطفالها الرجولة‬
‫فورا دون عبور مراحل العمر ‪ ،‬كي يثأروا لبيهم آلكمايون·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪481 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪482 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪533 :‬‬

‫حينذاك ‪ ،‬سوف تتوسل ابنة آخيلووس‬


‫كاليرهو (‪ ، )Callirhoe‬إلى جوبيتر العظيم ‪،‬‬
‫أن يعطي إلى أبنائها الذين ل يزالون في المهد ‪،‬‬
‫السنوات التي سلبت من إيولوس ·‬
‫وسوف تطلب منه أل يترك طويلً ‪،‬‬
‫بل ثأر ‪ ،‬موت زوجها المنتصر ·‬
‫يحصل جوبيتر الذي تأثر بتوسلتها‬
‫من أجلهما ‪ ،‬قبل الوقت ‪،‬‬
‫على نعم ربيبته التي هي كذلك كنته ‪،‬‬
‫ويصنع منهم رجالً ‪،‬‬
‫منذ طفولتهم الولى" ·‬
‫بيبليس (‪)Byblis‬‬

‫لم يكد صوت تيميس النبوئي‬


‫يكشف عن هذا المستقبل ‪،‬‬
‫حتى سرت أحاديث متنوعة ‪،‬‬
‫وشاعت بين اللهة ·‬
‫كان يوشوش ‪:‬‬
‫"لماذا ل تكون عند آخرين‬
‫القدرة لمنح النعمة ذاتها ؟"‬
‫كانت ابنة بالس الجبار ‪،‬‬
‫تتذمر من رؤية زوجها يشيخ ‪،‬‬
‫وكانت سيريس الخيرة‬
‫تشكو من أن ليازون (‪)Iasion‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪482 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪483 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪534 :‬‬

‫شعرا أبيض ·‬
‫وكان مولسيبير إله النار ‪،‬‬
‫يطالب ليريختونيوس (‪)Erichthonius‬‬
‫بالحق في استئناف حياة جديدة ·‬
‫وكانت فينوس تحاول هي كذلك ‪،‬‬
‫وقد أقلقها المستقبل ‪،‬‬
‫أن تحقق لنشيزيس (‪)Anchises‬‬
‫تجديد الشباب ‪· 15‬‬
‫ما من إله ‪،‬‬
‫إل كان مهتما بشخص ما ·‬
‫كانوا يزيدون الخلف والضوضاء بحماسة‬
‫كل منهم لمن يهتم به ‪،‬‬
‫حتى أخذ جوبيتر الكلم ‪:‬‬
‫"قولوا ‪ ،‬أيها اللهة ‪،‬‬
‫إن كان لي عندكم شيء من الوقار ‪،‬‬
‫إلى أين تسير بكم رغباتكم ؟‬
‫أهناك واحد بينكم يعتقد‬
‫أنه من القوة بحيث ينتصر حتى على القدر ؟‬
‫القدر هو الذي أعاد إيولوس‬
‫إلى العمر الذي أتمه ·‬
‫والقدر هو الذي يعطي الشباب‬
‫إلى أبناء كاليرهو ‪،‬‬
‫ل التحايل ول السلح ·‬
‫أنتم أنفسكم ‪ ،‬وأنا كمثلكم‬
‫(لعلكم تقبلون هذا القانون بطيبة خاطر)‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 15‬كان لعدد من اللهة قرناء ‪ ،‬زوجات وأزواج ‪ ،‬من البشر الفانين · أورورا ابنة بالس ‪ ،‬التي حصلت على الخلود‬
‫لزوجها تيتون (‪ )Tithon‬نسيت أن تطلب الفتوة البدية · وكانت سيريس ‪ ،‬بحسب بعض المأثورات ‪ ،‬تحب إيازون ·‬
‫وكان إيريكتونيوس ‪ ،‬ابن فولكان (موليسيبير) قد ولد من دون أم ‪ ،‬وتمنى أبوه أن يعود ويحيا من جديد حياة سوية ·‬
‫وكانت فينوس زوجة آنشيزيس ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪483 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪484 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪535 :‬‬

‫نخضع للقدر ·‬
‫لو كنت أقدر أن أغير فيه شيئاً‬
‫لما كان ابني إياكوس (‪)Aeacus‬‬
‫ينحني تحت ثقل السنوات ‪،‬‬
‫ولكان رادامنتوس (‪)Rhadamanthus‬‬
‫يعيش في شرخ شبابه‬
‫بل نهاية ·‬
‫كذلك المر فيما يتعلق بابني الغالي ‪ ،‬مينوس ‪،‬‬
‫الذي يولد له عبء الشيخوخة الثقيل ‪،‬‬
‫الزدراء ‪،‬‬
‫والذي لم يعد يقود مملكته بسطوته‬
‫السابقة نفسها" ·‬
‫هدأت اللهة كلمات جوبيتر ‪،‬‬
‫ولم يعودوا يجرؤون على الشكوى ‪،‬‬
‫بعد أن رأوا أن السنين‬
‫ترهق رادامنتوس ‪ ،‬وإياكوس ‪ ،‬ومينوس ·‬
‫وكان مينوس ‪ ،‬وهو في أوج قوة العمر ‪،‬‬
‫ينشر الرعب ‪ ،‬باسمه وحده ‪،‬‬
‫في الممالك العظيمة ·‬
‫غير أنه في هذه الفترة ‪ ،‬ضعف‬
‫وبات يخاف من ميليتوس (‪، )Miletus‬‬
‫ابن أبوللون ‪ ،‬المزهو بشبابه القوي ‪،‬‬
‫والذي يعتز بكون فيبوس أبا له ·‬
‫ومع أنه متيقن من أن ميليتوس‬
‫يهدد عرشه ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪484 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪485 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪536 :‬‬

‫فإنه لم يكن يجرؤ‬


‫على نفيه بعيداً عن موطن أبيه ·‬
‫غير أنك نفيت نفسك من تلقائك ‪ ،‬يا ميليتوس ‪،‬‬
‫نقلتك سفينة سريعة عبر أمواج‬
‫البحر اليجي ‪،‬‬
‫ورفعت على أرض آسيا ‪ ،‬أسوار مدينة‬
‫تحمل اسم مؤسسها ·‬

‫هناك عرفت ابنة مياندر (‪)Maeandre‬‬


‫كيانيوس (‪ )Cyaneus‬التي كانت جميلة ‪،‬‬
‫بل مثيل ‪،‬‬
‫فيما كانت تسير في منعطفات النهر البوي ‪،‬‬
‫الذي يلتف على نفسه مرارًا عديدة ·‬
‫هناك ولدت توأمين ‪ :‬بيبليس وكونوس (‪. )Caunus‬‬
‫كانت بيبليس تعلم الفتيات ‪،‬‬
‫أل يمارسن إل الحب المشروع ·‬
‫فقد أحبت بيبليس حباً عنيفاً‬
‫أخاها ‪ ،‬حفيد أبوللون ‪،‬‬
‫أحبته كما ل تحب أخت أخاها ‪،‬‬
‫وأكثر مما كان ينبغي ·‬
‫لم تكن في البداية ‪ ،‬تفهم طبيعة هيامها ‪،‬‬
‫ولم تكن تعتقد أنها تأثم ‪،‬‬
‫لنها تمنح أخاها قبلت متواترة ‪،‬‬
‫أو لنها تطوق عنقه بذراعيها ·‬
‫امضت فترة طويلة مخدوعة‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪485 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪486 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪537 :‬‬

‫بالمظهر الكاذب لحنان عائلي ·‬


‫وشيئاً فشيئاً أخذ حبها ينحرف ·‬
‫فعندما كانت تجيء لرؤية أخيها ‪،‬‬
‫كانت تتزين ‪،‬‬
‫حريصة جداً على أن تبدو جميلة في عينيه ‪،‬‬
‫وتغار إن كانت قربه امرأة أكثر جمالً ·‬
‫لم تكن عرفت نفسها بعد ‪،‬‬
‫ولم تكن في نفسها شهوات ‪،‬‬
‫ومع ذلك فإن الهيام كان يضطرم‬
‫في أعماق قلبها ·‬
‫ثم أخذت تنادي كونوس ‪ ،‬يا سيدي ‪،‬‬
‫وتكره السماء التي تقوم على القرابة الدموية ‪،‬‬
‫وتفضل أن يسميها "بيبليس"‬
‫على أن يسميها "أختي" ·‬
‫مع ذلك ‪ ،‬لم تكن تجرؤ أن تفتح نفسها لمال‬
‫غير نقية ‪،‬‬
‫ما دامت متيقظة ‪،‬‬
‫غير أنها غالبًا ‪،‬‬
‫عندما تستسلم لغفوة طيبة ‪،‬‬
‫ترى موضوع حبها ‪،‬‬
‫بل يخيل إليها أن جسمها‬
‫يتحد بجسم أخيها ‪،‬‬
‫وتخجل من ذلك ‪،‬‬
‫وإن كانت راقدة في فراشها ·‬
‫وعندما يهرب النوم ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪486 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪487 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪538 :‬‬

‫تبقى صامتة فترة طويلة ‪،‬‬


‫تحاول أن تقبض ثانية على صور حلمها ‪،‬‬
‫ثم تفصح ‪ ،‬مضطربة الفكر ‪ ،‬عن نفسها ‪ ،‬قائلة ‪:‬‬
‫"ما أتعسني !‬
‫ماذا تعني هذه الرؤى التي تتجلى لي‬
‫في هدوء الليل ؟‬
‫آه ! عسى أل تتحقق !‬
‫لماذا حلمت هذا الحلم ؟‬
‫كونوس جميل حتى لعينين عدوانيتين ·‬
‫إنه يعجبني ‪ ،‬وأستطيع أن أحبه‬
‫لو لم يكن أخي ‪،‬‬
‫ولكان جديرا بي ·‬
‫المصيبة هي أنني أخته ·‬
‫لن أحاول ارتكاب جريمة كهذه ‪،‬‬
‫ما دمت مستيقظة ‪،‬‬
‫لكن ليت الصورة نفسها تعود غالباً‬
‫لزيارتي في الحلم ·‬
‫فليس على الحلم شاهد ‪،‬‬
‫وليس بريئًا من بعض الشهوات‬
‫التي تشبه الشهوات الحقيقية ·‬
‫آه يا فينوس !‬
‫آه يا كوبيدون ‪،‬‬
‫الرفيق المجنح لمك العذبة !‬
‫أية لذائذ تذوقتها ‪،‬‬
‫أية متعة شبه حقيقية خبرتها !‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪487 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪488 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪539 :‬‬

‫كما لو أنني شعرت بكياني كله‬


‫يذوب في فراشي حتى لب عظامي !‬
‫أية ذكرى بهيجة !‬
‫كانت ‪ ،‬مع ذلك ‪ ،‬هذه الشهوة‬
‫سريعة جدًا ‪،‬‬
‫وكان الليل قصيراً جداً‬
‫واختطفها مني ·‬
‫أوه ! لو كان مسموحاً لي أن أغير اسمي ‪،‬‬
‫وأتحد بك ·‬
‫أية سعادة يا كونوس ‪،‬‬
‫أن أصبح كنة أبيك !‬
‫وكم تكون سعادتي عظيمة‬
‫أن تصبح صهرًا لبي !‬
‫ليت اللهة تشاء ذلك !‬
‫آنئذ نتشارك في كل شيء ‪،‬‬
‫ما عدا أسلفنا !‬
‫متمنية أن يكون العرق الذي تنحدر منه‬
‫أكثر عظمة من عرقي ‪،‬‬
‫جاهلة آنذاك المرأة التي كنت ستجعلها أما ‪،‬‬
‫أنت ‪ ،‬يا أجمل الرجال !‬
‫لكن ‪ ،‬لن تكون ‪ ،‬بالنسبة إلي ‪ ،‬إل أخا‬
‫نحن اللذين جعلنا حظي البائس‬
‫نولد من البوين نفسيهما ·‬
‫الحاجز الذي يفصل بيننا‬
‫هو الشيء الوحيد الذي سيكون‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪488 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪489 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪540 :‬‬

‫مشتركا بيننا ·‬
‫إذن ‪،‬‬
‫بماذا تتنبأ لي هذه الرؤى ؟‬
‫لكن ‪ ،‬ما قيمة حلم كهذا الحلم ؟‬
‫وهل للحلم قيمة ؟‬
‫اللهة أكثر حظوة !‬
‫نعم ‪ ،‬ذلك أن اللهة تزوجوا أخواتهم ·‬
‫تزوج ساتورن من أوبس (‪)Ops‬‬
‫التي كانت متحدة معه بالدم ·‬
‫وتزوج أوقيانوس (‪ )Ocean‬من تيتيس (‪، )Tethys‬‬
‫وسيد الولمب من جونون ·‬
‫غير أن لللهة امتيازاتهم ‪،‬‬
‫فلماذا أحاول أن أقايس بين ما يحدث في السماء‬
‫وما على الرض من عادات وتقاليد ؟‬
‫علي ‪ ،‬إما أن أطرد من قلبي هذه الشهوة المحرمة ‪،‬‬
‫وإما أن أموت ‪،‬‬
‫إذا عجزت عن طردها‬
‫قبل أن أسقط في هذه الخطيئة ‪،‬‬
‫وعلى جثماني يغدق أخي القبلت !‬
‫مع ذلك ينبغي أن نشترك ‪ ،‬نحن الثنان ‪،‬‬
‫في اتخاذ هذا القرار ·‬
‫فلو افترضنا أنني قابلة ‪،‬‬
‫فإن ذلك سيبدو له جريمة ·‬
‫غير أن أبناء آيلوس ‪)Aeolus( 16‬‬
‫لم يخافوا من مشاركة أخواتهم أسرتهن !‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 16‬جاء في الدويسة (‪ )V,X‬أن أولد إيولس الستة تزوجوا أخواتهم الست · وهنا تتجرأ بيبليس على ذكر ارتكاب‬
‫المحارم بين اللهة الول (أوبس وساتورن ‪ ،‬الوسيان وتيتيس ‪ ،‬جوبيتر وجونو) ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪489 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪490 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪541 :‬‬

‫لكن ‪ ،‬كيف عرفت ذلك ؟‬


‫لماذا ذكرت هذا المثال ؟‬
‫إلى أين جرفت ؟‬
‫ابتعد عني ‪ ،‬أيها اللهب الفاحش ‪،‬‬
‫ل أريد أن يكون عندي لخي‬
‫غير الحنان المسوغ لخت له ·‬
‫مع ذلك ‪ ،‬لو أنه هام بي ‪،‬‬
‫فلربما استطعت أن أستسلم لهذيانه ·‬
‫أهكذا إذن ‪ ،‬أنا التي لم تكن لترفض توسلته ‪،‬‬
‫سأذهب بنفسي لوجه إليه توسلتي ؟‬
‫هل تقدرين أن تتكلمي ؟‬
‫هل تقدرين أن تقومي بمثل هذا العتراف ؟‬
‫نعم ‪ ،‬سيرغمني الحب على ذلك ‪،‬‬
‫سأقدر عليه ·‬
‫نعم ‪ ،‬وإذا أغلق الخجل فمي‬
‫فإن رسالة أبعثها سرا‬
‫ستكشف له عن نيراني الخفية" ·‬
‫راقت لها الخطة ‪،‬‬
‫فهذه الفكرة هي التي انتصرت على تردداتها ·‬
‫نهضت ‪ ،‬واستندت إلى مرفقها اليسر ‪ ،‬قائلة ‪:‬‬
‫"له أن يقرر ‪،‬‬
‫فلعترف له بهذا الحب المجنون ·‬
‫واأسفاه ‪،‬‬
‫إلمَ يجرني شقائي ؟‬
‫ما هذا اللهب الذي يضرم قلبي ؟"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪490 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪491 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪542 :‬‬

‫سطرت بيد ترتجف‬


‫كلمات كانت تبحث عنها فيما تفكر ·‬
‫كانت يدها اليمنى تمسك بالقلم الحديدي ‪،‬‬
‫وتمسك يدها اليسرى ‪،‬‬
‫بالشمع الذي كان ل يزال جافا ·‬
‫بدأت ‪ ،‬ثم ترددت ·‬
‫كتبت ‪ ،‬ثم محت ·‬
‫غيرت ‪ ،‬استنكرت ‪ ،‬استحسنت ·‬
‫أخذت اللواح ‪ ،‬ثم وضعتها ·‬
‫وضعت اللواح ثم أخذتها ·‬
‫هكذا دائما ‪،‬‬
‫ل تعرف ما تريد ‪،‬‬
‫وكل ما كان يبدو أنها مهيأة للقيام به ‪،‬‬
‫كان يكدرها ‪،‬‬
‫وكان يمتزج في وجهها الحياء والتهور ·‬
‫كانت قد كتبت كلمة "أخت" ‪،‬‬
‫فقررت أن تمحوها ‪،‬‬
‫وحفرت أخيراً على الشمع المصحح‬
‫هذه الكلمات ‪:‬‬
‫"السلم الذي ل يمكن أن تتلقاه‬
‫إل منك وحدك ‪،‬‬
‫ترسله إليك امرأة تحبك ·‬
‫العار ‪ ،‬أوه !‬
‫نعم ‪ ،‬العار يمنعها‬
‫من قول اسمها ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪491 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪492 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪543 :‬‬

‫إذا سألت عما أرغب فيه ‪،‬‬


‫فإنني أود أن ينظر في قضيتي‬
‫دون أن يعرف اسمي ·‬
‫أود أل تتعرف في على بيبليس‬
‫قبل أن أتأكد من تحقق رغباتي ·‬

‫كان يمكن أن تتنبأ بجرح قلبي ‪،‬‬


‫من شحوب وجهي الناحل ‪،‬‬
‫من عيني الدامعتين غالبًا ‪،‬‬
‫من تنهداتي التي كنت أصعدها‬
‫دون سبب ظاهر ‪،‬‬
‫من عناقي المتكرر ‪،‬‬
‫وأخيرًا من قبلتي التي لم يكن لها ‪،‬‬
‫وربما لحظت ذلك ‪،‬‬
‫الشكل الذي يكون لقبلت الخت ·‬
‫أنا نفسي ‪ ،‬مع ذلك ‪ ،‬وعلى الرغم من الجرح‬
‫العميق الذي أحمله في قلبي ‪،‬‬
‫وعلى الرغم من الهذيان المحتدم ‪،‬‬
‫الذي كان يغلي في صدري ‪،‬‬
‫عملت كل شيء‬
‫(وأشهد على ذلك اللهة)‬
‫لكي أشقى ·‬
‫طويلً صارعت في شقائي ‪،‬‬
‫لكي أتخلص من سهام كوبيدون القاسية ‪،‬‬
‫وتحملت آلما مرعبة بشجاعة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪492 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪493 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪544 :‬‬

‫ل يتوقعها أحد من فتاة ·‬


‫إنني مجبرة على العتراف بأنني هزمت‬
‫وبأنني أتضرع إليك لكي تساعدني‬
‫بتوسلتي الخجولة ·‬
‫وحدك ‪ ،‬تقدر أن تنقذ هذه التي تحبك‬
‫ووحدك ‪ ،‬تقدر أن تهلكها ‪،‬‬
‫فاختر بين هذين المرين ·‬
‫ليست عدوة هذة التي تتضرع إليك ‪،‬‬
‫بل امرأة ‪،‬‬
‫قريبة جدًا منك ‪ ،‬تحترق‬
‫لكي تكون أكثر قربا‬
‫وأن تتحد بك برباط أكثر حميمية ·‬

‫لنترك للشيوخ علم القانون ‪،‬‬


‫لهم أن يبحثوا عما هو مسموح ‪،‬‬
‫وعما هو جريمة ‪ ،‬وعما ليس بجريمة ·‬
‫لهم أن يلحظوا موازين القانون ‪،‬‬
‫أما نحن ‪ ،‬في عمرنا ‪،‬‬
‫فتوافقنا فينوس المغامرة ·‬
‫ما المسموح ؟‬
‫ل نزال نجهله ·‬
‫غير أننا نعتقد أن كل شيء مباح ‪،‬‬
‫وفي هذا نقتدي باللهة العظام ·‬
‫ل قسوة الب ‪ ،‬ل احترام الرأي العام ‪،‬‬
‫ل هاجس سمعتنا ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪493 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪494 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪545 :‬‬


‫ل الخوف ‪ ،‬ل شيء سيوقفنا ·‬
‫سنغطي إذن خلستنا العذبة‬
‫باسم الحنان الخوي !‬
‫ولي الحرية كلها لكي أكلمك ‪ ،‬خفية ·‬
‫أما عناقاتنا والقبل التي نتبادلها ‪،‬‬
‫فتتم جهارا ·‬
‫إلى متى يستمر ما ل يزال ينقص اتحادنا ؟‬

‫ترأف بهذه التي تعترف لك بحبها ‪،‬‬


‫ولم تكن لتعترف به أبدا ‪،‬‬
‫لو لم تكن أسرت فيه بأعنف لهب ممكن ·‬
‫ل تعرض نفسك لكي ينقش اسمك على قبري‬
‫بوصفك سبب موتي" ·‬
‫تلك هي الكلمات المغترة التي كانت تخطها‬
‫على الشمع ‪ ،‬عندما أعوزتها الفسحة ‪،‬‬
‫لن اللوح كان قد امتل ·‬
‫وأضافت على الهامش السطر الخير ·‬
‫ختمت بسرعة هذه الرسالة التي تدينها ‪،‬‬
‫طابعة إياها بختم ثمين‬
‫بللته بدموعها‬
‫(ذلك أن لسانها كان جافا) ·‬
‫نادت أحد عبيدها ‪،‬‬
‫والخجل يمل قلبها ‪،‬‬
‫وقالت له بصوت جعله الخوف عذبا ‪:‬‬
‫"خذ هذه الرسالة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪494 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪495 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪546 :‬‬

‫أيها الخادم المين · إلى ···"‬


‫وبعد صمت طويل ‪ ،‬أضافت ‪" :‬أخي" ·‬
‫لحظة كانت تعطيه اللواح‬
‫أفلتت من يدها وسقطت على الرض ·‬
‫تطيرت من ذلك ‪،‬‬
‫غير أنها أرسلتها ·‬
‫ذهب الخادم ‪ ،‬في لحظة ملئمة ‪،‬‬
‫إلى كونوس ‪،‬‬
‫ناقلً إليه الرسالة السرية ·‬

‫منذ أن قرأ جزءا منها ‪،‬‬


‫تملكه على الفور غضب مفاجئ ‪،‬‬
‫فرماها الشاب سليل مياندر ‪ ،‬بعيدا عنه‬
‫وصرخ ‪ ،‬وهو ل يكاد يتمالك يديه‬
‫الجاهزتين لصفع الخادم المضطرب على وجهه ‪:‬‬
‫"انصرف ‪ ،‬ما دمت قادراً ‪ ،‬أيها الخادم الثيم‬
‫المتواطئ في حب محرم ‪،‬‬
‫كان يمكن أن يكون موتك ثمنا لجريمتك ‪،‬‬
‫لو لم يكن يلحق بي الفضيحة" ·‬
‫هرب ناقل الرسالة مذعورا ‪،‬‬
‫وروى لسيدته جواب كونوس ‪ ،‬الرهيب ·‬
‫شحبت ‪ ،‬يا بيبليس ‪ ،‬فيما ينقل إليك هذا الرفض ‪،‬‬
‫وسرى صقيع في جسدك ‪،‬‬
‫واضطربت ·‬
‫غير أنها عندما استعادت وعيها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪495 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪496 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪547 :‬‬

‫عاد إليها في الوقت نفسه هذيانها ‪،‬‬


‫وترك لسانها لهذه الكلمات أن تتطاير منه‬
‫في الهواء الذي ل تكاد أن تحركه ‪:‬‬
‫"هذا ما أستحقه تماما ‪،‬‬
‫كيف كنت في هذه الدرجة من الجسارة‬
‫لكشف له عن جرحي ؟‬
‫لماذا تعجلت إلى هذا الحد ‪،‬‬
‫ووكلت بسرعة إلى اللواح‬
‫سرا ‪ ،‬كان علي أن أكتمه ؟‬
‫كان ينبغي أن أختبر مسبقاً‬
‫مشاعره ‪ ،‬بكلمات غامضة ·‬
‫كان علي ‪ ،‬لكي تؤازرني الريح في مسيرتي ‪،‬‬
‫أل أبسط أمامها إل جزءا من الشراع ‪،‬‬
‫وألحظ من أي جهة تهب ‪،‬‬
‫مبحرة في بحر ل خطر فيه ·‬
‫وها أنا أترك رياحا لم أختبرها‬
‫تنفخ أشرعتي كلها ·‬
‫هكذا جرفت إلى الصخور ‪،‬‬
‫وها أنا أغرق في لجج المحيط‬
‫مع سفينتي الجانحة ‪،‬‬
‫والعودة محرمة على أشرعتي ·‬
‫بل إن نذيرا صادقا حذرني‬
‫من إطلق العنان لحبي ‪:‬‬
‫عندما أمرت بنقل ألواحي الشمعية ‪،‬‬
‫أفلتت من يدي ‪ ،‬فسقطت ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪496 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪497 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪548 :‬‬

‫وأسقطت معها آمالي ·‬


‫ألم يكن علي أن أستبدل نهاراً بآخر ‪،‬‬
‫وأغير خططي كليا ‪،‬‬
‫ل ‪ ،‬بالحرى أن أغير النهار ؟‬
‫أنذرني الله نفسه ‪،‬‬
‫مقدما لي إشارة كانت ستملؤني يقينا‬
‫لو لم يكن فكري مريضاً ·‬
‫بالتأكيد ‪،‬‬
‫بدل من أن أوكل سري إلى الشمع ‪،‬‬
‫كان علي أن أتكلم أنا نفسي ‪،‬‬
‫أن أتقدم منه شخصيًا ‪،‬‬
‫وأفجر هذياني ·‬
‫فيرى دموعي ‪،‬‬
‫ويرى الحب في وجهي ‪،‬‬
‫وكنت استطعت أن أقول له‬
‫أشياء أكثر مما تضمنته ألواحي ·‬
‫وقدرت ‪،‬‬
‫رغما عنه ‪،‬‬
‫أن أحيط عنقه بذراعي‬
‫وإن كان دفعني ‪،‬‬
‫كنت أظهرت استعدادي للموت أمام عينيه ·‬
‫ألثم قدميه ‪ ،‬وأطلب منه الحياة ‪،‬‬
‫راكعة على الرض ·‬
‫كنت استخدمت جميع الوسائل ‪،‬‬
‫إن لم تفد إحداها بمفردها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪497 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪498 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪549 :‬‬

‫فربما استطاعت كلها مجتمعة أن تخفف قساوة قلبه ·‬


‫ومع هذا ‪ ،‬ربما ارتكب خطأ ما ‪،‬‬
‫ذلك الخادم الذي أرسلته إليه ·‬
‫لم يتوجه إليه كما كان ينبغي ‪،‬‬
‫أظن أنه لم يختر اللحظة الملئمة ‪،‬‬
‫لم يترقب الساعة التي يكون فيها فكره‬
‫متحررا من الهموم ·‬
‫هذا ما آذاني ‪،‬‬
‫ذلك أنه لم يولد من نمرة ‪،‬‬
‫وليس لقلبه قساوة الحجر ‪،‬‬
‫وصلبة الحديد أو الفولذ ·‬
‫ولم يرضع حليب لبؤة ·‬
‫سوف يغلب ‪،‬‬
‫ينبغي أن أهاجمه من جديد ‪،‬‬
‫ولن يدفعني النفور إلى التراجع عن خطتي ‪،‬‬
‫ما بقيت في نسمة من الحياة ·‬
‫فلئن كان واجبي الول ‪،‬‬
‫إن افترضنا أن في إمكاني أن ألغي ما فعلته ‪،‬‬
‫هو أل أقوم بهذا الفعل ‪،‬‬
‫فإن واجبي الثاني ‪ ،‬بما أنني قمت به ‪،‬‬
‫هو أن أتابعه حتى النجاح الكامل ·‬
‫ويستحيل عليه هو ‪ ،‬في الواقع ‪ ،‬إذا تنكرت الن لرغباتي ‪،‬‬
‫أل يحتفظ إلى البد بذكرى ما فعلت ·‬
‫وبما أنني سأتوقف عن إلحاحي عليه ‪،‬‬
‫فإن حبي سيبدو له كأنه نتيجة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪498 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪499 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪550 :‬‬

‫لرادة ضعيفة ‪،‬‬


‫أو مناورة تهدف إلى اختباره ‪،‬‬
‫وإلى أخذه بالحيلة ·‬
‫أو سيعتقد ‪ ،‬على القل ‪ ،‬أنني ضحية‬
‫ل إلى الله الذي يستبسل ضدي ‪،‬‬
‫والذي يتلف قلبي في نيرانه ‪،‬‬
‫بل إلى نزوة عابرة ·‬
‫في كل حال ‪ ،‬لم أعد الن قادرة على التظاهر‬
‫بأنني لم أقترف عمل آثما ·‬
‫فلقد كتبت ‪ ،‬وتوسلت ‪ ،‬وتلوثت إرادتي ·‬
‫ولكيل أزيد ‪ ،‬أقول إنني‬
‫ل أستطيع الزعم بأنني بريئة ·‬
‫ما تبقى علي لفعله كثير‬
‫لتحقيق ما أتمناه ‪،‬‬
‫ول يضيف الكثير إلى الجريمة" ·‬
‫كانت تتكلم حائرة ‪ ،‬مبلبلة الفكر ‪،‬‬
‫فريسة الندم على ما اقترفته ‪،‬‬
‫بحيث لم تعد تفكر إل أن تمضي فيه إلى أبعد ‪،‬‬
‫متجاوزة الحدود ‪،‬‬
‫معرضة نفسها في الغالب ‪ ،‬هي التاعسة الحظ ‪،‬‬
‫إلى النبذ ·‬

‫سرعان ما هرب كونوس من وطنه ‪،‬‬


‫ومن ارتكاب المحارم ‪،‬‬
‫يائسا من النتهاء إلى حل ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪499 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪500 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪551 :‬‬

‫وأسس مدينة جديدة في أرض غريبة ‪· 17‬‬


‫آنذاك ‪ ،‬فقدت ابنة ميليتوس القانطة ‪،‬‬
‫عقلها تماما ‪ ،‬كما يروى ·‬
‫مزقت ثيابها على صدرها ‪،‬‬
‫جرحت ‪ ،‬وقد استشاطت غضبًا ‪ ،‬ذراعيها ·‬
‫تركت الن لهذيانها أن ينفجر علنية ‪،‬‬
‫معترفة بالمال التي كان يغذيها هواها الثم ‪،‬‬
‫ذلك أنها هجرت بلدها ‪ ،‬ومنزلها الكريه ‪،‬‬
‫وتتبعت آثار أخيها في المنفى ·‬
‫سارت بيبليس معولة في الحقول الواسعة ‪،‬‬
‫تحت بصر النساء الشابات في بوباسوس (‪)Bubasus‬‬
‫شبيهة بكاهنات باخوس في إيسماروس (‪)Ismarus‬‬
‫اللئي يستأنفن ‪ ،‬وقد هيجهن صولجانك ‪ ،‬الحتفاء‬
‫بأعيادك الثلثية الحول ‪،‬‬
‫يا ابن سيميلي (‪. )Semele‬‬

‫من هناك أخذت تنقل خطاها الشاردة ‪،‬‬


‫عبر كاريا (‪ )Caria‬وليكيا (‪، )Lycia‬‬
‫وبين الليليجيين (‪ )Leleges‬المحاربين ·‬
‫ثم عبرت كراجوس (‪ )Cragus‬وليميرا (‪)Limyre‬‬
‫ومياه كسانتوس (‪، )Xanthos‬‬
‫والمرتفعات التي يسكن فيها الخيمر ‪-‬‬
‫الحيوان الذي يقذف اللهب‬
‫من وسط جسمه ‪،‬‬
‫والذي له صدر لبؤة ورأسها ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 17‬أسس مدينة كونوس على شاطىء كاريا (‪. )Carie‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪500 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪501 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪552 :‬‬

‫وله ذنب أفعوان ·‬


‫لم تكن بقيت أمامك غابات تجتازينها ‪،‬‬
‫يا بيبليس ‪ ،‬عندما سقطت ‪،‬‬
‫وقد أرهقك السير ‪،‬‬
‫ونمت على الرض القاسية ‪،‬‬
‫تعطينها بشعرك المبعثر ‪،‬‬
‫داعكة تحت رأسك الوراق الميتة ·‬
‫كانت ربات الغاب في ليليج‬
‫يجهدن غالباً لرفعها بين أذرعهن المرهفة ‪،‬‬
‫ويلححن عليها لكي تجد دواء‬
‫لحبها ‪ ،‬ويحاولن أن يعزين روحها‬
‫المغلقة دون أصواتهن ·‬
‫وكانت بيبليس تظل ممددة ‪ ،‬صامتة‬
‫تضغط بأظافرها على النبات الخضر ‪،‬‬
‫وتسقي العشب بجدول من الدمع ·‬
‫صنعت ربات الغاب من هذه الدموع‬
‫نبعًا ل ينضب أبدا ·‬
‫فأية نعمة أكبر من هذه ‪،‬‬
‫كان يمكنهن أن يسبغنها ؟‬
‫وها هي بيبليس ‪ ،‬كمثل ما ترى قطرات الصمغ ‪،‬‬
‫تسيل من قشر مشقوق ‪،‬‬
‫أو كمثل قار لزج يخرج من أحشاء الرض التي يثقلها ‪،‬‬
‫أو كذلك ‪ ،‬عندما يقترب النسيم العليل ‪ ،‬وزفيره العذب ‪،‬‬
‫ويرى إلى الماء الذي حبسه البرد في مجراه ‪،‬‬
‫يسيل ذائباً تحت الشمس ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪501 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪502 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪553 :‬‬

‫ها هي بيبليس ‪ ،‬حفيدة فيبوس ‪،‬‬


‫تتحول ‪ ،‬وقد استنفدها الدمع ‪،‬‬
‫إلى ينبوع ل يزال حتى اليوم ‪،‬‬
‫يحتفظ في أوديته باسم سيدته ‪،‬‬
‫ويتدفق في الظل الداكن لشجرة بلوط خضراء ·‬

‫إيفيس (‪)Iphis‬‬

‫كان لخبر هذه العجوبة‬


‫أن يمل المدن الكريتية المئة ‪،‬‬
‫لو لم تكن شهدت كريت نفسها ‪،‬‬
‫منذ عهد أكثر قربا ‪ ،‬حدوث‬
‫أعجوبة أخرى في تحول إيفيس ·‬

‫ولد ليغدوس (‪)Ligdus‬‬


‫في أرض فاستوس (‪)Phaestos‬‬
‫المجاورة لمملكة كنوسوس (‪. )Knossos‬‬
‫اسمه غامض ‪ ،‬لكنه حر ‪ ،‬ومن عامة الشعب ·‬
‫لم يكن له من الثروة أكثر مما له من النبل ‪،‬‬
‫لكن حياته وشرفه كانا بل عيب ·‬
‫كانت زوجته تحمل طفلً في أحشائها ‪،‬‬
‫وقد أنذرها ‪ ،‬عندما اقتربت‬
‫ساعة وضعها ‪ ،‬قائلً ‪:‬‬
‫"أتمنى لك أمنيتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ ،‬أن تكون آلم الوضع أقل ما يمكن ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪502 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪503 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪554 :‬‬

‫ل ذكراً ‪،‬‬
‫والثانية ‪ ،‬أن تضغي طف ً‬
‫وإل سيكون العبء ثقيلً جدًا علينا ‪،‬‬
‫وتحول ثروتي دون أن أتحمله ·‬
‫إن حدث إذن ‪ ،‬وهو احتمال مؤسف أنكره ‪،‬‬
‫أن تلدي ابنة ‪ ،‬فإنني أنبهك (على مضض ‪،‬‬
‫فسامحني أيها الواجب البوي)‬
‫إلى أنها ستقتل" ·‬
‫أراق هذا الكلم فيضًا من الدموع‬
‫ممن سمعته ‪ ،‬وممن قاله ‪ ،‬على السواء ·‬
‫وعبثا ‪ ،‬ضاعفت تيليتوزا (‪)Telethusa‬‬
‫توسلتها ‪ ،‬راجية زوجها ‪ ،‬أل يسجن آماله‬
‫في هذه الحدود ·‬
‫غير أن ليغدوس أصر على قراره ·‬

‫عندما أخذت الم الفقيرة تنوء بحمل‬


‫العبء الذي نضج ‪،‬‬
‫والذي كان يثقل خواصرها ‪،‬‬
‫رأت ‪ ،‬في منتصف الليل ‪،‬‬
‫في الحلم ‪ ،‬أو هكذا خيل إليها ‪،‬‬
‫ابنة إيناخوس (‪، )Inachus‬‬
‫تقف أمام سريرها ‪،‬‬
‫يحيط بها موكبها المقدس ·‬
‫كان جبينها مزينا بالهلل ‪،‬‬
‫مقرونا بسنابل شقراء تتلل بالذهب ‪،‬‬
‫ومقرونا بالشعار الملكي ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪503 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪504 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪555 :‬‬

‫وحولها آنوبيس (‪ )Anubis‬النابح ‪،‬‬


‫وبوباستيس (‪ )Bubastis‬المقدسة ‪،‬‬
‫وآبيس (‪ ، )Apis‬موشوما بألوان متنوعة ‪،‬‬
‫الله الذي يكبح الصوت‬
‫والذي يدعو بإصبعه إلى الصمت ‪،‬‬
‫إضافة إلى المزاهر ‪،‬‬
‫وإلى أوزيريس (‪ )Osiris‬الذي لم ينته‬
‫البحث عنه أبدا ‪،‬‬
‫وإلى الثعبان الغريب المنفوخ كله بسم‬
‫يغرق في النوم ‪· 18‬‬
‫ترى تيليتوزا المشهد كله بوضوح‬
‫كما لو أنها مستيقظة ·‬
‫هكذا خاطبتها اللهة قائلة ‪:‬‬
‫"تيليتوزا ‪،‬‬
‫أنت يا من أعدها بين عابداتي ‪،‬‬
‫ضعي حمل همومك ‪،‬‬
‫وانسي أوامر زوجك ·‬
‫ل تترددي ·‬
‫عندما تخلصك لوسينا (‪، )Lucina‬‬
‫ربي طفلك ‪ ،‬سواء كان ذكراً أو أنثى ·‬
‫إني إلهة معينة ‪،‬‬
‫وأساعد من يطلب العون مني ·‬
‫لن يكون لديك ما تشكين منه‬
‫فأنت ل تمجدين إلهة جاحدة" ·‬
‫ثم خرجت من الغرفة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 18‬رأت تيليتوزا في الحلم موكب إيزيس ‪ ،‬ابنة إيناكوس ‪ ،‬ووصف أوفيد لهذا الموكب شهادة على شهرة إيزيس في‬
‫عصر أوغوست · وعشيقته كورينا (‪ )Corinne‬في كتابه "فن الحب ‪ ، "Amours‬وسنثيا (‪ )Cynthie‬عشيقة‬
‫بروبيرسيوس (‪ )Properce‬هما من تابعات إيزيس ‪ ،‬التي تمثل بإيو (‪ ، )Io‬ابنة إيناكوس ‪ ،‬الذي يذكر قرناه بطرفي‬
‫الهلل الذي تضعه إيزيس · كانت إيزيس التي يتوجها ثعبان في شكل إكليل ‪ ،‬هي في آن ‪ ،‬سيريس مع سنابلها ‪ ،‬وإلهة‬
‫مصرية يحيط بها آنوبيس ‪ ،‬وبوباستيس ‪ ،‬وهي إلهة لها رأس قطة ‪ ،‬وآبيس ‪ ،‬وهوروس ‪ -‬هاربوكرات ‪-‬‬
‫‪ ، Harpocrate - Horus‬ابنها ‪ ،‬الذي كان يضع إصبعـه على شفتـيه ‪ ،‬كمـــا لــو أنه كـان يدعو إلى الصمت ‪،‬‬
‫وأوزيريس الذي قطعه إربا إربا تيفون (‪ ، )Typhon‬والذي أعادت تكوينه ‪ ،‬والثعبــــان الذي هو ‪ ،‬بل شـــــك ‪،‬‬
‫الصـــل الــــذي يصــفه بأنــــه "ناقل النوم" ‪ ،‬الشــــاعر هلفيوس سينّا (‪)Helvius Cinna‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪504 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪505 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪556 :‬‬

‫بعد أن أعطتها هذه النصيحة ·‬

‫نهضت الكريتية من سريرها مبتهجة ‪،‬‬


‫وتضرعت إلى اللهة أن تحقق حلمها ‪،‬‬
‫مادة نحو الكواكب يديها النقيتين ·‬
‫وسرعان ما تزايدت آلمها ‪،‬‬
‫وخرج حملها من تلقائه إلى ضوء النهار ·‬
‫ولدت ابنة ‪ ،‬دون علم الب ‪،‬‬
‫وأمرت الم بتربيتها ‪ ،‬بوصفها ابنا ذكراً ·‬
‫صدق كلمها ‪،‬‬
‫ولم يعرف أحد ‪ ،‬باستثناء المرضعة ‪،‬‬
‫سر الحيلة ·‬
‫وفي الب نذوره ‪ ،‬وسمى الطفل باسم جده ‪ :‬إيفيس ·‬

‫أعجب هذا السم الم ‪ ،‬لنه مشترك‬


‫بين الجنسين ‪ ،‬ويتيح لها أل تخدع أحدا ·‬
‫بقيت كذبتها مذاك مخبأة ‪،‬‬
‫بفضل هذه الحيلة الورعة ·‬
‫كان لباس الطفل لباس ذكر ‪،‬‬
‫وكانت تقاطيعه جميلة سواء للنثى‬
‫أو للذكر ·‬
‫وحين بلغت الثانية عشرة ‪،‬‬
‫عندما أعطاك أبوك خطيبة ‪،‬‬
‫إيانتا (‪ )Ianthe‬الشقراء ‪،‬‬
‫المشهورة بجمالها بين عذارى فيستوس ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪505 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪506 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪557 :‬‬

‫والتي تدين بالحياة إلى تيليستيس (‪. )Telestes‬‬


‫كان لهما العمر نفسه ‪،‬‬
‫وكانت لهما المفاتن نفسها ‪،‬‬
‫ودرستا عند معلم واحد ‪،‬‬
‫المبادىء الولى التي تدرس في سن الطفولة ·‬
‫من هنا نشأ الحب الذي نفذ‬
‫إلى الروحين البسيطتين لهاتين الرفيقتين ‪،‬‬
‫وأحدث في كل منهما جراحًا متساوية ·‬
‫لكن لم تكن لديهما آمال واحدة ·‬
‫كانت إيانتا تنتظر اليوم الذي ستلتهب‬
‫فيه ‪ ،‬من أجلها ‪ ،‬مشاعل الزواج المتفق عليه ‪،‬‬
‫والذي سيظهر فيه نفسه رجلً ·‬
‫وكانت إيفيس تحب دون أمل‬
‫بأن تمتلك من تحب ·‬
‫هذه الفكرة نفسها ‪،‬‬
‫كانت كذلك تثير حبها ·‬
‫هي عذراء ‪،‬‬
‫وتتحرق من أجل عذراء ·‬
‫قالت ‪ ،‬وهي تحبس دموعها بمشقة ‪:‬‬
‫"إلى أين ينتهي بي هذا المر ‪،‬‬
‫أنا التي تعيش فريسة لعذاب لم يعرفه أحد ‪،‬‬
‫ضحية لحب مخيف ‪،‬‬
‫ول نموذج له ؟‬
‫لو كانت اللهة تريد أن تحافظ علي ‪،‬‬
‫لكان عليها أن تقوم بذلك ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪506 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪507 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪558 :‬‬

‫ولو كانت تريد ‪ ،‬على العكس ‪ ،‬هلكي ‪،‬‬


‫لكانت ‪ ،‬على القل ‪ ،‬أصابتني بداء معروف ‪،‬‬
‫طبيعة وعادة ·‬
‫ل تضنى العجلة حبًا من أجل عجلة ‪،‬‬
‫ول الفرس من أجل فرس ·‬
‫شهوات النعاج تتوجه إلى الكبش ‪،‬‬
‫والغزالة تتبع الغزال ·‬
‫وهكذا تتزاوج الطيور ‪،‬‬
‫فبين جميع الكائنات الحية‬
‫ل نرى أنثى تهيم بأنثى ·‬
‫ل أريد أن أكون من هذا العالم ‪،‬‬
‫أعرف أن كريت أنتجت جميع الشياء المخيفة ·‬
‫نعم ‪ ،‬أحبت ابنة الشمس ثورا ‪،‬‬
‫لكن ‪ ،‬كانت أنثى أحبت ذكرا ·‬
‫حبي أنا ‪ ،‬إن جرؤت على العتراف بالحقيقة ‪،‬‬
‫أكثر جنونا من حب ابنة الشمس ·‬
‫والحال أن المل بملذات فينوس ‪،‬‬
‫هو الذي أغراها ·‬
‫فهي ‪ ،‬بحيلة ‪ ،‬وفي شكل عجلة ‪،‬‬
‫تلقت مداعبات ثور ‪،‬‬
‫ومن أرادت أن تغويه‬
‫كان ل يزال عشيقاً ·‬
‫لو جاءت عبقرية العالم كله إلى هذه البلد ‪،‬‬
‫لو عاد إليها ديدالوس نفسه ‪،‬‬
‫تحضنه في طيرانه أجنحة مدهونة بالشمع ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪507 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪508 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪559 :‬‬

‫فماذا بقدر أن يفعل من أجلي ؟‬


‫هل يقدر بكل ما أوتي من حيل فنه ‪،‬‬
‫أن يجعلني أنا الفتاة أتحول إلى شاب ؟‬
‫هل يحولك أنت ‪ ،‬يا إيانتا ؟‬
‫أليس من الفضل أن توطدي شجاعتك ‪،‬‬
‫يا إيفيس ‪،‬‬
‫وتستعيدي سيطرتك على نفسك ‪،‬‬
‫وتنبذي بعيدًا عنك هذا الحب ‪ ،‬المحال‬
‫العاري من الصواب ؟‬
‫فكري بجنسك الذي أخذته من الطبيعة ‪،‬‬
‫إل إذا كنت تحاولين أن تخدعي نفسك ·‬
‫تطلعي إلى ما أبيح لك ·‬
‫أحبي ‪ ،‬بوصفك امرأة ‪،‬‬
‫من يتوجب على امرأة أن تحبه ·‬
‫من المل ينبجس الحب ‪،‬‬
‫ووحده المل يغذيه ·‬
‫الطبيعة هي التي حرمتها عليك ·‬
‫ليس هناك عقبة تحول دون عناق من تحبينها ‪،‬‬
‫ول يحول دون ذلك الحرس الذي يحيطون بها ‪،‬‬
‫ول تحول رقابة زوج مرتاب أو قساوة أب ·‬
‫ول يحول رفضها ‪ ،‬هي نفسها ‪:‬‬
‫ومع هذا كله ‪،‬‬
‫فإن اتحادك بها محرم ‪،‬‬
‫وكل شيء يكيد لك ‪،‬‬
‫فل تقدرين أن تكوني سعيدة ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪508 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪509 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪560 :‬‬

‫عندما يكون ضدك البشر واللهة ·‬


‫حتى الن ‪ ،‬لم يكن أي مما تمنيته باطلً ‪:‬‬
‫أعطاني اللهة الخيرون‬
‫كل ما كانوا يقدرون عليه ·‬
‫وما أريده هو ما يريده ‪ ،‬كذلك ‪ ،‬أبي ‪،‬‬
‫وما تريده إيانتا نفسها ‪،‬‬
‫ووالد زوجي ‪ ،‬المقبل ·‬
‫لكن إرادة الطبيعة ضدي ‪،‬‬
‫وهي أكثر قوة من الجميع ‪،‬‬
‫وهي وحدها أصل شقائي ·‬
‫ها هي تأتي ‪ ،‬تلك اللحظة المشتهاة ‪،‬‬
‫يقترب يوم العرس ‪ ،‬وقريباً‬
‫ستنتسب إيانتا إلى ·‬
‫نعم ‪ ،‬غير أنها لن تكون لي ‪،‬‬
‫سنموت عطشا في قلب الماء ·‬
‫أنت ‪ ،‬يا جونون ‪،‬‬
‫وأنت يا إله الزواج ‪،‬‬
‫لماذا تحضران هذا الحتفال ‪،‬‬
‫وليس فيه زوج ‪،‬‬
‫ولسنا إل زوجتين ؟" ·‬

‫صمتت ‪ ،‬بعد هذه الكلمات ‪،‬‬


‫وكانت الفتاة الخرى فريسة لنيران مشابهة ‪،‬‬
‫فقالت متوسلة ‪:‬‬
‫"أسرع إلي ‪ ،‬يا إله الزواج !"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪509 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪510 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪561 :‬‬

‫ما تطلبه كانت تخشاه تيليتوزا ‪،‬‬


‫كانت تارة تؤجل تاريخ الزواج ‪،‬‬
‫وتارة تصطنع توعكا لربح الوقت ‪،‬‬
‫وغالبا تخدمها تنبؤات وأحلم تحتج بها ·‬
‫غير أنها كانت قد استنفدت كل ما يمكن أن يقدم‬
‫مادة لكاذيبها ‪،‬‬
‫وكاد أن يحل الموعد الذي ينبغي‬
‫أن تتلل فيه مشاعل العرس ‪،‬‬
‫التي طالما أرجئت ‪،‬‬
‫فلم يبق لحلول هذا الموعد ‪،‬‬
‫إل نهار واحد ·‬
‫آنذاك ‪،‬‬
‫فكت تيليتوزا الشرطة‬
‫التي تعصب بها رأسها ورأس ابنتها ‪،‬‬
‫ثم أحاطت بذراعيها ‪ ،‬منفوشة الشعر ‪،‬‬
‫مذبح إيزيس قائلة ‪:‬‬
‫"إيزيس ‪،‬‬
‫أنت يا من تعيشين في بلد باريتونيوم (‪)Paretonium‬‬
‫وحقول ماريوتيس (‪. )Mareotis‬‬
‫وفارس (‪، )Pharos‬‬
‫والنيل بفروعه السبعة ‪،‬‬
‫أعينينا ‪ ،‬أتضرع إليك ·‬
‫امنحي لدائنا دواء ·‬
‫أنت أيتها اللهة ‪ ،‬أنت من رأيتها ‪ ،‬سابقا‬
‫ورأيت كذلك هذه الرموز ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪510 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪511 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪562 :‬‬

‫موكبك ‪ ،‬مشاعلك ‪ ،‬صوت مزهرك ‪،‬‬


‫وحفرت أوامرك في ذاكرتي المينة ·‬
‫إن كانت هذه البنة رأت النور ‪،‬‬
‫إن كنت أنا نفسي في مأمن من العقاب ‪،‬‬
‫فأنا مدينة بذلك ‪،‬‬
‫إلى نصائحك وإلى حمايتك ·‬
‫ترأفي بنا نحن الثنتين ‪،‬‬
‫ولتؤازرنا قدرتك الرحيمة" ·‬
‫وراء هذه الكلمات‬
‫سالت دموع تيليتوزا ‪،‬‬
‫وخيل إليها أن اللهة حركت هياكلها ‪،‬‬
‫وقد حركتها في الواقع ·‬
‫فقد هزت زلزلة أبواب المعبد ‪،‬‬
‫وقذف هلل اللهة ‪ ،‬وهو صورة القمر ‪،‬‬
‫وميضا ‪،‬‬
‫وسمع دوي مزهرها ·‬
‫غادرت أم إيفيس المعبد ‪،‬‬
‫دون أن تكون قد تيقنت بعد ‪،‬‬
‫لكن غادرته فرحة بهذا الفأل السعيد ·‬
‫وفيما كانت تخرج ‪ ،‬ترافقها ابنتها ‪،‬‬
‫كانت هذه تسير بخطوات أكبر مما اعتادت ‪،‬‬
‫ووجهها يفقد شيئا من بياضه ‪،‬‬
‫وقواها تتزايد ‪،‬‬
‫وبدا في قسماتها مزيد من النشاط ‪،‬‬
‫وأخذ شعر رأسها يقصر طبيعيا ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪511 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪512 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪563 :‬‬

‫وشعرت أن فيها قوة‬


‫لم تكن أبدا في امرأة ·‬
‫والحق ‪ ،‬يا من كنت امرأة ‪،‬‬
‫منذ لحظة ‪،‬‬
‫أنت الن شاب ·‬
‫احملوا قرابينكم إلى المعابد ‪،‬‬
‫اطردوا كل خوف ‪،‬‬
‫واستسلموا للفرح بثقة !‬
‫أحضروا القرابين إلى المعابد ‪،‬‬
‫وأضافوا إليها نقشا ·‬
‫كان هذا النقش يروي كل شيء‬
‫في بحر بيت شعري واحد ‪:‬‬
‫"وفى إيفيس الذي أصبح ذكرا ‪،‬‬
‫نذوره عن أمنية تمناها‬
‫عندما كان امرأة" ·‬
‫أضاء اليوم التالي بأشعته ‪،‬‬
‫مدى الكون كله ‪،‬‬
‫عندما جاءت فينوس ‪ ،‬وجونون ‪ ،‬وإله الزواج ‪ ،‬ومساعدوهم ‪،‬‬
‫واجتمعوا قرب المشاعل الزواجية ‪،‬‬
‫وتزوج إيفيس ‪ ،‬الذي أصبح رجل ‪ ،‬حبيبته يانتا ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪512 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪513 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪569 :‬‬

‫الكتابُ العاشر‬

‫أورفيوس وأوريديس‬
‫كيبّـــــــــاريسّــــوس‬
‫غـــــــانـيمـــــــيدس‬
‫هيـــــــــاكنـــــــثوس‬
‫بيــــــــــجماليـــــون‬
‫مِـــــــــــــــــــــيــــــرّا‬
‫فيــنوس وأدونيـــس‬
‫آتـــــــــــلنـــــــــــــتا‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪513 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪514 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪571 :‬‬

‫أورفيوس وأوريديس (‪)Orphée et Eurydice‬‬

‫من هناك‪ ،‬رحلَ إله الزّواج (‪)Hymen‬‬


‫في الفضاء الرّحب‪،‬‬
‫لبساً رداءه الزّعفرانيّ اللّون‪،‬‬
‫ُمتّجهاً إلى بلد تيسّاليا‪،‬‬
‫حيث دعاه‪ ،‬بل جدوى‪ ،‬صوتُ أورفيوس‪،‬‬
‫لحفلة عرسه·‬
‫ح أنه جاء‪،‬‬‫صحي ٌ‬
‫لكن بل كلم احتفاليّ‪،‬‬
‫وبل وجهٍ ضاحكٍ‪،‬‬
‫وبل بشار ٍة سعيدة·‬
‫كان المشعل نفسه الذي يحمله‬
‫ل دُخاناً‬‫ل يكفّ عن الصّفير مُرسِ ً‬
‫يُثي ُر الدّموع·‬
‫وحاولَ عبثاً أن يُح ّركَه‬
‫فلم يقدر أن يُفجّر منه اللّهب·‬
‫وما تل كانَ أكثرَ شؤماً‪،‬‬
‫إذ بينما كانت الزّوجة الجديدة‪،‬‬
‫تتنزّه بين العشاب والنباتات‪،‬‬
‫مَصحوب ًة بعددٍ من ربّات الينابيع‪،‬‬
‫ماتت بعضّة أفعى في عقبها·‬
‫وعندما بكاها كفايةً‪ ،‬مُنشدُ رودوبا (‪Rhodope( 1‬‬
‫على سطحِ الرض‪،‬‬
‫أرادَ أن يكتشف حتى مُقامَ الظّلل·‬
‫تجرّأ أن يهبط إلى الجحيم‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬أي أورفيوس نفسه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪514 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪515 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪572 :‬‬

‫من باب تيناروس (‪ )Taenarus‬المُظلم‪،‬‬


‫مارّا وسطَ حشدٍ خفيفٍ من أشباح موتى‬
‫وُضعوا‪ ،‬بورعٍ‪ ،‬في قُبورهم‪،‬‬
‫ورأى بيرسيفونا‪ ،‬وسيّد المملكة الكئيبة‪،‬‬
‫ملكَ الظلل·‬
‫وبعد أن اختبر قيثاره‪،‬‬
‫ضارباً على أوتاره‪،‬‬
‫أنش َد مُغنّياً‪:‬‬
‫"يا آلهة هذا العالم الرضيّ‪،‬‬
‫حيث تهبط مخلوقاتُ جنسِنا‪،‬‬
‫المُنقادة كلّها إلى الموت‪،‬‬
‫لم أهبط إلى هذه المكنة‪،‬‬
‫إن سمحتم لي بقول الحقيقة‪ ،‬بعيدًا عن مُوارباتِ‬
‫اللغة الخادعة ـ‬
‫لكي أرى الجحيم المُدلهمّ‪،‬‬
‫أو لكي أقيّد سيربيروس الذي ولدته ميدوزا‬
‫من رقابه الثلثِ‪ ،‬بوبرها المجدول بالفاعي·‬
‫لقد أتيت بحثاً عن زوجتي·‬
‫سمّها‬
‫وطئت بقدمها أفعى‪ ،‬فأدخلت فيها ُ‬
‫وقتلتها وهي في زهرة العمر·‬
‫ت لجدَ القوّة على تحمّل هذه الخسارة‪،‬‬‫ل أنكر أنني جاهد ُ‬
‫وحاولتُ‪،‬‬
‫غيرَ أنّ إله الحبّ غلبني·‬
‫إنّه إل ٌه ذائعُ الصّيت في المناطق العليا على الرض‪،‬‬
‫أهو مشهو ٌر كذلك‪ ،‬عندكم ؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪515 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪516 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪573 :‬‬

‫ل أعرف‪،‬‬
‫غير أنني أفترض أنّ له شهرته‬
‫هنا كذلك·‬
‫وإذا لم يكن الختطاف القديم ‪ 2‬الذي يُحكى عنه‪،‬‬
‫خرافةً‪،‬‬
‫ب به‪ ،‬أنتِ كذلك·‬
‫فقد جمعكِ الح ّ‬
‫أستحلفكِ‪ ،‬أيّتها اللهة‪ ،‬بهذه الماكن‬
‫الملى بالهَوْلِ‪،‬‬
‫بهذا العماءِ الضّخم‪،‬‬
‫بهذه المملكة الفسيحة الصّامتة‪،‬‬
‫أن تحلّي عقدة مصير أوريديس‪،‬‬
‫ت قبلَ الوان·‬ ‫التي حُبكَ ْ‬
‫كلّ شيءٍ عائدٌ إليكِ‪ ،‬أيّتها اللهة·‬
‫كلّنا‪ ،‬بعد توقّف قصير‪،‬‬
‫آجلً أم عاجلً‪،‬‬
‫نأتي مُسرعين إلى المقام نفسه·‬
‫هنا مكاننا جميعاً‪،‬‬
‫هنا مُقامنا الخير‪،‬‬
‫ت من يملك على جنسنا البشريّ‪،‬‬ ‫وأن ِ‬
‫المُلكَ البقى·‬
‫كانت هي كذلك ستخضع لقوانينك‪ ،‬أيّتها اللهة‪،‬‬
‫بعد أن تكمل قسطها من الحياة‬
‫وتصبح ناضجةً للقبر·‬
‫ب منّةً‪،‬‬
‫ل أطل ُ‬
‫بل أطلبُ حقّي في الستمتاع بما يخصّني·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 2‬اختطاف بروزيربينا من قبل بلوتون (‪· )Pluton‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪516 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪517 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪574 :‬‬


‫وإذا كانت القدار تحرمني هذا الفضل‬
‫من أجل زوجتي‪،‬‬
‫فأنا مُصمّم على عدم العودة إلى الوراء·‬
‫وابتهجي آنذاك أيّتها اللهة‪،‬‬
‫بموتنا معاً‪ ،‬نحن الثنين·"‬
‫كانت الشباح التي ل دم فيها تبكي‪،‬‬
‫فيما كان يُصعّد هذه الزّفرات‪،‬‬
‫ترافقها أنغام قيثاره·‬
‫ف تنتالوس (‪ )Tantalus‬عن مطاردة الماء‬ ‫ك ّ‬
‫الذي يهرب منه‪،‬‬
‫وتوقّفت عَجَل ُة إيكسيون (‪، )Ixion‬‬
‫ونسيت الطيور أن تمزّق أكباد ضحاياها‪،‬‬
‫وتركت حفيدات بيلوس (‪ )Bélus‬جرارهنّ‪،‬‬
‫وأنتَ‪ ،‬يا سيزيف‪ ،‬جلستَ على صخرتك·‬
‫وآنذاك بلّلت الدّموع‪ ،‬للمرّة الولى‪ ،‬كما يُقال‪،‬‬
‫خدود ربّات الجحيم‪ ،‬اللئي غلبتهنّ أنغامُه·‬
‫ولم تقدر الزوجة الملكيّة‪،‬‬
‫ول الله الذي يملك على الجحيم‪،‬‬
‫أن يُغالب هذا الرّجاء·‬
‫فناديا أوريديس‪ ،‬وكانت بين الظلل‬
‫التي وصلت حديثاً·‬
‫ت بطيئةٍ بسببِ‬ ‫تقدّمت بخطوا ٍ‬
‫من لسعة الفعى·‬
‫وأعيدَتْ إلى اورفيوس‪،‬‬
‫شريطة ألّ ينظر إلى الوراء‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪517 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪518 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪575 :‬‬

‫قبل أن يخرج من وادي آفيرنوس (‪، )Avernus‬‬


‫وإل فلن تكون لهذا الفضل أيّة نتيجة·‬

‫وسط صمتٍ عميق‪،‬‬


‫سارا‪ ،‬أورفيوس وأوريديس‪،‬‬
‫ب كثيف·‬ ‫في ممرّ منحدر‪ ،‬وعرٍ‪ ،‬يغطّيه ضبا ٌ‬
‫كانا قد اقتربا من بلوغ سطح الرض‪،‬‬
‫ت منه أوريديس‪،‬‬ ‫عندما خشي أورفيوس أن تفل َ‬
‫فتلهّف لرؤيتها‪،‬‬
‫والتفت إليها مجروفًا بحبّه‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬سرعانَ ما تراجعت إلى الوراء·‬
‫مدّت ذراعيها‪ ،‬جاهد ًة أن يتمسّك بها‪،‬‬
‫وأن تتمسّك به‪،‬‬
‫غير أن التاعسة الحظ لم تقبض‬
‫إلّ على الهواء الذي ل يُلمس·‬
‫ك من زوجها‪ ،‬فيما تموت ميتتها الثانية‪،‬‬ ‫لم تش ُ‬
‫(وم ّم تشكو‪ ،‬إن لم يكن من كَونِها معشوقةً ؟)‪،‬‬
‫وودّعته وداعاً أخيراً‬
‫لم يكد يبلغ أذنيه‪،‬‬
‫هابط ًة من جديدٍ في الهاوية‬
‫التي كانت خارج ًة منها·‬

‫ذُهلَ أورفيوس‪ ،‬فيما يرى إلى الموت‬


‫يختطف زوجته مرّة ثانية‪،‬‬
‫كمثل من يرى مذعوراً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪518 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪519 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪576 :‬‬

‫إلى الرؤوس الثلثة لكلب الجحيم‪،‬‬


‫والذي يحمل رأسه الوسط السّلسل·‬
‫ل بعد أن عاد إلى شكله الول‪،‬‬ ‫لم يُفارقه هذا الذّعر إ ّ‬
‫عندما تحوّل جسمه إلى حجر·‬
‫كمثل أولينوس (‪ )Olénos‬الذي تحمّل‬
‫مسؤوليّة الخطأ الذي ارتكبته زوجته‪،‬‬
‫وأراد أن يظهر‪ ،‬بوصفه مُذنباً·‬
‫كمثل ما كنتِ كذلك أيّتها التاعسة ليتيا(‪)Léthéa‬‬
‫الفخورة جدّا بجمالكِ·‬
‫قلبان اتّحدا سابقاً‪ ،‬في الحبّ‪،‬‬
‫لم يعودا اليوم إلّ صخراً‪،‬‬
‫على ذروةٍ رطبةٍ في جبال إيدا·‬
‫لجأ أورفيوس إلى الصّلوات‬
‫وعبثاً حاول أن يهبطَ مرّة ثانيةً إلى الجحيم‪،‬‬
‫فقد صدّه حارسُ المرور·‬
‫بقي سبع َة أيّام كاملة‪،‬‬
‫جالساً على الحافّة‪،‬‬
‫مهملً حاله‪،‬‬
‫مجرّدا من نعمِ سيريس·‬
‫كان حبّه وألمه ودموعه‪،‬‬
‫غذاءه الوحيد·‬
‫عندما استنفد شكواه لدى آلهة الجحيم‪،‬‬
‫انسحب أخيراً إلى أعالي رودوبّا (‪)Rhodope‬‬
‫وهيموس (‪ )Hémus‬الذي تضربه ريح الشمال·‬
‫كان تيتانوس (‪ )Titanus‬قد أنهى‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪519 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪520 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪577 :‬‬

‫للمرّة الثالثة‪ ،‬السّنة التي تغلقها السماك‪،‬‬


‫ساكنة المياه‪،‬‬
‫وكان أورفيوس قد هرب من غوايات النساء‪،‬‬
‫إمّا لنّ حبّهنّ كان شؤمًا عليه‪،‬‬
‫وإمّا وفا ًء لعهد·‬
‫ن يتلهّفن‬
‫لكن‪ ،‬ما أكثر اللئي كُ ّ‬
‫للزّواج من الشّاعر‪،‬‬
‫وما أكثر اللئي كنّ حزيناتٍ‬
‫لنّه صدّهنّ·‬
‫وهو نفسه الذي علّمت أناشيدُه شعوبَ تراقيا‬
‫أن توجّه حبّها للفتيان الذكور‪،‬‬
‫وأن تقطف الزهور الولى من ذلك الربيع القصير‬
‫الذي يسبقُ فترة الصّبا·‬

‫كيبّاريسوس (‪)Cyparissus‬‬

‫كانت هناك رابيةٌ‬


‫تمتدّ فوقها هضب ٌة مكشوفةٌ جداً‪،‬‬
‫منسوجةٌ بالعشبِ الخضر·‬
‫كان الموقع يعوزه الظّل‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬عندما كان الشاعر سليل اللهة‪،‬‬
‫يجلس فيه‪ ،‬ويُلمسُ أوتاره‪،‬‬
‫وترنّ في أرجائه‪،‬‬
‫فإنّ الظلل آنئذٍ كانت تغمره·‬
‫يجيء إليه سنديان شاونيا (‪)Chaonie‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪520 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪521 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪578 :‬‬

‫وغيض ُة هيلياد (‪، )Héliades‬‬


‫ول يغيب عنه البلّوط الصّبغيّ بأوراقِه الشّامخة‪،‬‬
‫والزّيزفون اللّين‪ ،‬والزّان‪،‬‬
‫والغار البتوليّ‪ ،‬والبندق الرّخص العود·‬
‫وهناك بينها‪،‬‬
‫كانت تُرى كذلك شجرة المُرّان‬
‫التي تُصنع منها الرّماح‪،‬‬
‫والصّنوبر الذي ل عُق َد فيه‪،‬‬
‫والبلّوط الخضر المائل تحت ثقل ثماره‪،‬‬
‫والدّلب‪ ،‬الملجأ في أيّام البهجة‪،‬‬
‫والقيقبُ بأنواعه المتعدّدة‪،‬‬
‫ترافقها أشجار الصّفصاف التي تنمو قرب النهار‪،‬‬
‫واللّوتس صديق المياه‪،‬‬
‫والبقس الدّائم الخضرار‪،‬‬
‫والطّرفاء النّحيلة‪،‬‬
‫والس بلَوْنيهِ‪،‬‬
‫ي ذو الثمار الضّاربة إلى السّواد·‬ ‫والفلوس الغار ّ‬
‫تأتي كذلك‪ ،‬أنت أيّها اللّبلب المُعرّش اللّدن القدمين‪،‬‬
‫وتأتين أنتِ‪ ،‬أيّتها الكرمة المغطّاة بالقضبان‬
‫التي تحمل العناقيد‪،‬‬
‫وأنتِ‪ ،‬يا شجيرات الدّردار المكسوّة بالدّوالي‪،‬‬
‫وتلك المُسمّاة بلسان العصافير‪،‬‬
‫وأنتِ يا أشجار القطلب المُثقلة بالثّمار الحمراء‪،‬‬
‫ويا أشجار النخيل اللّدنة‪،‬‬
‫التي يُكافأ بها المنتصرون‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪521 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪522 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪579 :‬‬

‫وأنتِ‪ ،‬يا شجرة الصّنوبر‬


‫بضفائرك النّافرة‪،‬‬
‫وأعاليكِ الشّائكة‪،‬‬
‫والتي تحبّها أ ّم اللهة‪،‬‬
‫إن صحّ أن أتّيس (‪ )Attis‬الذي تحبه سيبيل (‪)Cybèle‬‬
‫تخلّى من أجلها عن الشّكل النسانيّ‬
‫لكي يأخذ شكل هذه الشّجرة‪،‬‬
‫ويصير جوهرَ جذعها الصّلب· ‪3‬‬
‫إلى هذه الجَمهرة من الشجار‪،‬‬
‫انضمّت شجرة السّرو التي تذكّر بتخوم المدرّجات‪،‬‬
‫ل يحبّه إلهٌ‬‫وكانت‪ ،‬فيما مضى‪ ،‬طف ً‬
‫تطيعه أوتار القيثارة كما يطيعه وترُ القوس·‬
‫كان في حقول كارتيا (‪ ، )Carthea‬أيّل كبير‬
‫منذورٌ لربّات الغاب في البلد‪،‬‬
‫ل تمتدّ رحبةً‬ ‫وكان لقرونه العالية ظل ٌ‬
‫فوق رأسه·‬
‫كانت هذه القرون تتلل بالذهب‪،‬‬
‫وعلى امتداد كتفيه‪،‬‬
‫تتموّج‪،‬‬
‫عقودٌ مُحلّة بالحجارة الكريمة‪،‬‬
‫تتدلّى من عنقه المستدير·‬
‫ضيّ‪،‬‬‫ويهتزّ على جبهته‪ ،‬ختمٌ ف ّ‬
‫ب له منذ الولدة‪،‬‬ ‫وُه َ‬
‫تمسك به خيوطٌ صغيرة·‬
‫للئُ تش ّع من أذنيه‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 3‬شجرة شاونيا هي السّنديان‪ ،‬وأجمل أشجار السنديان كانت أشجار دودونا (‪ )Dodone‬المنذورة إلى جوبيتر· (انظر‬
‫الكتاب السابع)· والهلياد (‪ )les Hèliades‬هنّ أخوات فايتون (‪ )Phaéton‬اللئي تحوّلن إلى أشجار ـ ربّما كانت‬
‫ي لنه يخبّئ دافني (‪ )Daphné‬التي بقيت عذراء (انظر الكتاب الول)· وتقدّم أشجار الدّلب‬ ‫حوْر· والغار بتول ّ‬
‫أشجار َ‬
‫ظللها في أعياد القرية· ويذكّر اللوتس بتحوّل لوتيس (‪( )Lotis‬انظر الكتاب التاسع)· والصنوبر شجرة منذورة إلى‬
‫ب بنوبةٍ من الجنون‪ ،‬خصى‬ ‫سيبيل· ويتخيّل أوفيد أن هذه الشجرة تخبّئ آتّيس الشاب‪ ،‬الذي لم يكن وفيّا لللهة‪ ،‬فأصي َ‬
‫فيها نفسه· صفحت عنه اللهة وأصبح رفيقها المفضّل·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪522 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪523 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪580 :‬‬

‫وحول تجويف صدغيه‪،‬‬


‫يُعاشر الناسَ‪ ،‬مقدّما عنقه للمداعبة‪،‬‬
‫ت أيدٍ مجهولة‪،‬‬‫حتى لمداعبا ِ‬
‫بريئاً من الخوف‪،‬‬
‫متحرّرا من حيائه الطّبيعيّ·‬

‫مع ذلك لم يكن أحدٌ يحبّه‪،‬‬


‫كما تحبّه أنت‪ ،‬يا كيبّاريسّوس‪،‬‬
‫يا أجمل أطفال سيوس (‪· )Céos‬‬
‫ت من يأخذ هذا اليّل‬ ‫كنت أن َ‬
‫ليرعى العشبَ الجديد‪،‬‬
‫أو ليشربَ ماءَ الينابيع الصّافية·‬
‫ت تارةً تعقد على قرونه أزهارًا من كلّ لونٍ‪،‬‬ ‫كن َ‬
‫وتارةً‪ ،‬تصعد على ظهره‪ ،‬كمثلِ فارسٍ مرحٍ‪،‬‬
‫وتمضي هنا وهناك‪،‬‬
‫سائسًا بأعنّةٍ أرجوانيّة‬
‫عنقه الذي ينقاد وديعاً للزّمام·‬

‫كان الوقت صيفاً‪ ،‬في وسط النهار‪،‬‬


‫وكانت الحرارة تُلهبُ ذراعيْ السّرطان المقوّستين‪،‬‬
‫ضيفِ الشّواطئ· ‪4‬‬
‫ب اليّل‪،‬‬‫فتع َ‬
‫ومدّد جسمه على الرض التي يُغطّيها العشب‪،‬‬
‫وأخذ يتنسّم الهواء البارد في ظلّ الشّجر·‬
‫خطأً‪ ،‬شكّه كيبّاريوس الشابّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 4‬السّرطان هو رمز البرج الفلكي المعروف بالسم نفسه‪ ،‬وهو يتطابق مع بداية الحرارة الشّديدة في الصّيف· وتقول‬
‫أسطورة إن السّرطان عضّ عقب هرقل‪ ،‬عندما كان يُصارع الهِدرة‪ ،‬على ضفاف بحيرة ليرنا (‪ ، )Lerne‬فكافأته‬
‫جونون‪ ،‬محوّلة إيّاه إلى كوكبٍ·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪523 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪524 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪581 :‬‬

‫برمحه الرّهيف‪،‬‬
‫وعندما رآه يموت من جرحه العنيف‪،‬‬
‫تمنّى أن يموتَ هو نفسه كذلك·‬
‫وكم أس َمعَ ُه فيبوس من الكلمات المعزّية‪،‬‬
‫وكم مرّة لمَه لكي يُخفّف آلمَه‪،‬‬
‫ويجعلها متناسبةً مع أسبابها·‬
‫ن نواح الشّاب لم يخفّ‪،‬‬ ‫غير أ ّ‬
‫وطلب إلى اللهة‪ ،‬فضلً أخيراً‪،‬‬
‫ل دموعه تنسكب إلى البد·‬ ‫أن تظ ّ‬
‫ل من البكاء‪،‬‬ ‫وها هو دمه ينفد في سي ٍ‬
‫وينتشر لونٌ أخضرٌ على أعضائه·‬
‫أمّا شعره الذي كان من هُنيهةٍ ينسدل‬
‫على جبينه البيض كالثلج‪،‬‬
‫فقد انتصبَ‪ ،‬وتصلّب وشكّل رأسًا دقيقاً‬
‫يحدّق في السّماء المرصّعة بالنّجوم·‬
‫تأوّه الله‪ ،‬وقال بحزنٍ‪:‬‬
‫"سأسكب عليك دموعاً‬
‫تسكب منها على الخرين·‬
‫وسوف تظلّ رفيقَ اللم·" ‪5‬‬
‫غانيميدس (‪)Ganymède‬‬

‫تلك هي الغابة التي اجتذبها‬


‫المغنّي اللهيّ‪ ،‬جالساً في حلق ٍة‬
‫من الحيوانات البريّة‪ ،‬وبين حش ٍد من الطّيور·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 5‬كانت شجرة السّرو مأتميّة‪ ،‬تُزرع قربَ المقابر والقبور·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪524 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪525 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪582 :‬‬

‫بعد أن اختبر أوتار قيثاره‪،‬‬


‫محرّكا إيّاها بإبهامه‪ ،‬وتأكّد من أنّ أصواتها‬
‫ت متناغمة‪،‬‬
‫تنتج‪ ،‬وإن اختلفت‪ ،‬ائتلفا ٍ‬
‫غنّى مُنشداً‪:‬‬
‫"ألهميني يا إلهة الوحي‪ ،‬يا أمّي‪،‬‬
‫أناشيدَ خاصّة بجوبيتر‪ ،‬أوّل‪ ،‬دون سواه‪،‬‬
‫فمملكته تتقدّم جميع الممالك·‬
‫غالباً‪ ،‬فيما مضى‪ ،‬أصغى إليّ جوبيتر‪،‬‬
‫فيما كنت أحتفي بسلطانه·‬
‫فيما مضى‪ ،‬كذلك‪ ،‬وكانت لديّ ريشة عزفٍ‬
‫أكثر ثقلً على يديّ‪،‬‬
‫غنّيت العمالقة والصّاعقة المظفّرة التي أُنزلتْ‬
‫على حقول فليغرا (‪· )Phlègra‬‬
‫اليوم‪ ،‬تلزمني قيثارة أخفّ‪:‬‬
‫فلنغنّ للفتيان الذين تحبّهم اللهة‪،‬‬
‫وللفتيات اللئي أدّى بهنّ الحبّ الوحشيّ‬
‫إلى أن يفقدنَ عقولهنّ‪،‬‬
‫واللئي بفوضاهنّ سبّبن لنفسهنّ عقابًا مُستحقّا·‬
‫كان سيّد اللهة يذوب حبّا‬
‫لغانيميدس الفريجيّ (‪· )Phrygien‬‬
‫فهو كائنٌ‬
‫آثرَ جوبيتر أن يتّخذ صورته‬
‫مفضّل إيّاها على صورته هو·‬
‫مع أنّه لم يكن يتنازل‬
‫كي يحلّ في أيّة صورةٍ أخرى‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪525 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪526 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪583 :‬‬

‫غير صورة الطّائر‬


‫الذي يقدر أن يحمل صواعقه· ‪6‬‬
‫ومنذ أن طار‪ ،‬ضارباً الهواء بجناحيه المُستعارين‪،‬‬
‫اختطفَ حفيد إيلوس (‪· )Ilus‬‬
‫ول يزال هذا الفتى حتى اليوم‪،‬‬
‫يمزج الشراب في كأس جوبيتر‪،‬‬
‫ويقدّم له الرّحيق‪،‬‬
‫على الرّغم من جونون·‬

‫هِياكنثوس (‪)Hyacinthe‬‬

‫"وأنت كذلك‪ ،‬يا ابن أميكلس‪)Amyclas( ،‬‬


‫كان فوبوس يود أن يضعك في السّماوات‬
‫ن قدرك الحزين ترك له الوقت ليقومَ بذلك·‬ ‫لو أ ّ‬
‫غير أنّه‪ ،‬في حدود قدرته‪ ،‬منحك الخلود·‬
‫فما دام الرّبيع يطرد الشتاء‬
‫ويعقب برجُ الحمل برجَ الحوت‪ ،‬الممطر‪،‬‬
‫ل تنمو وتُزهر بين العشاب المخضوضرة·‬ ‫ستظ ّ‬
‫أحبّك أبي بين الجميع‪،‬‬
‫ودلفي‪ ،‬مركز العالم‪ ،‬حُرمَ من الله الحارس‪،‬‬
‫طول إقامته على ضفاف أوروتاس‪،‬‬
‫في سبارطة غير المسوّرة·‬
‫لم يعد يهت ّم بقيثاره ول بسهامه‪،‬‬
‫وإذ نسيَ نفسه‪،‬‬
‫لم يعد يرفض أن يحمل شباكك‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬أي النسر‪ ،‬وحفيد إيلوس المذكور لحقاً هو غانيميد·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪526 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪527 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪584 :‬‬

‫أو يُمسك بكلبك‪،‬‬


‫أو يُرافقك إلى ذروات جبلٍ وعر·‬
‫كان تمتّعه الكبير بحضورك‬
‫هو ما يُغذي اللّهب الذي فيه·‬
‫كان إله الشمس قد أصبح في منتصف مساره تقريباً‪،‬‬
‫على مساف ٍة متساويةٍ بين اللّيل الذي يجيء‬
‫واللّيل الذي مضى·‬
‫تعرّيا‪ ،‬كلهما‪ ،‬من لباسهما‪،‬‬
‫ثمّ استعدّا‪ ،‬وكلهما يتلل‬
‫بنسغِ الزّيت المرهميّ‪،‬‬
‫للتّباري في َرمْي القرص العريض·‬
‫بعد أن أرْجحه الوّل‪ ،‬فيبوس‪ ،‬بيده‬
‫قذف به في الفضاء‪ ،‬حيث شقّ بثقله‬
‫الغيوم التي صادفها في انطلقه·‬
‫بعد فترة طويلة‪،‬‬
‫سقطت هذه الكتلة الثقيلة على الرض‬
‫مبرهنةً في آنٍ على قوّة الله وعلى مهارته·‬
‫وفي الحال‪ ،‬سارع المتهوّر هِياكنثوس‪،‬‬
‫مأخوذًا بحميّة اللّعب‪،‬‬
‫لكي يلتقط القرص·‬
‫غير أنّ سطح الرض‪ ،‬الصّلب‬
‫ردّ الضّربة التي نزلت عليه من أعالي الجوّ‪،‬‬
‫ممّا جعل القرص يقفز من جديد‬
‫ضارباً وجهه·‬
‫شحب الفتى‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪527 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪528 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪585 :‬‬

‫ولم يكن الله أقلّ شحوبًا منه‪،‬‬


‫فاحتضن جسمه الخائر القوى‪،‬‬
‫ل أن ينعشه طوراً‬ ‫محاو ً‬
‫وأن يوقف‪ ،‬طوراً آخر‪،‬‬
‫سيلن الدّم من جرحه الرّهيب‪،‬‬
‫أو أن يضع عليه أعشاباً‬
‫تُمسك بروحه التي تتوارى·‬
‫كان الفنّ عاجزاً‪،‬‬
‫والجرح متعذّرَ الشّفاء·‬
‫عندما يُكسرُ المنثور‪ ،‬والخشخاش‪ ،‬والزّنبق‬
‫الرّافع سداته الصّفراء‪،‬‬
‫في حديقةٍ مرويّة جيّدا‪،‬‬
‫ن هذه الزّهور سُرعان ما تذبل‪،‬‬ ‫فإ ّ‬
‫فتحني رؤوسها الواهنة‪،‬‬
‫وتدير جباهها نحو الرض‪،‬‬
‫عاجزةً عن التّماسك والوقوف‪،‬‬
‫هكذا ذبلَ وجه هِياسِنثا المحتضر‪،‬‬
‫كان عنقه الذي تخلّت عنه قوته‪،‬‬
‫هو نفسه عبئًا عليه‪،‬‬
‫فمالَ ساقطاً على كتفه·‬

‫آنذاك‪ ،‬قال أبوللون‪:‬‬


‫"تموت‪ ،‬يا طفل أوباليا (‪Oebalie(، 7‬‬
‫حتى دون أن تتذوّق زهرة العمر‪،‬‬
‫فيما أرى إلى جرحك الذي يتّهمني·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 7‬هي إسبارطة‪ ،‬وهكذا سمّاها الملك السطوريّ أوبالوس (‪ · )Oebalos‬ويُمكن أن يُفهم من هذا الكلم أنّ هياسنثا هو‬
‫ابن أوبالوس· لكن وفقًا للنساب الشائعة‪ ،‬يُقال إنّ أوبالوس هو ابن أخي أو ابن أخت هياسنثا· وأميكلس هو ابن‬
‫لكيديمون (‪ )Lacédémon‬وسبارتي (‪ )Sparté‬هو مؤسّس مدينة آميكليوس (‪ )Amycleès‬على نهر أوروتاس (‬
‫‪· )Eurotas‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪528 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪529 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪586 :‬‬

‫أنتَ عذابي‪ ،‬وأنتَ إثمي·‬


‫ط يدي على قبرك‬ ‫ستخ ّ‬
‫ن يدي قتلتك‪،‬‬ ‫أّ‬
‫فأنا مُسبّب موتكَ·‬
‫لكن‪ ،‬ما جريمتي ؟‬
‫إنّها جريمةٌ أخرى للحبّ‪،‬‬
‫إلّ إذا كان في المقدور القول‬
‫إنها جريمةُ اللّعب·‬
‫ليتني أقدر أن أموت معك‪،‬‬
‫كما أستحقّ·‬
‫وما دامت شريعة القدر تحول دون ذلك‬
‫فسوف تكون حاضرًا أبداً في فكري‪،‬‬
‫ولن تتوقّف شفتاي المينتان‬
‫عن تكرار اسمك·‬
‫تمجيداً لك‪،‬‬
‫ستعلو أناشيدي فيما ترتعش‬
‫قيثارتي تحت يدي·‬
‫سوف تتذكّر‪ ،‬أنت الزّهرة الجديدة‪،‬‬
‫تأوّهاتي بكلمةٍ ستحملها مكتوبةً عليك·‬
‫وسوف يأتي وقتٌ‬
‫ل أن يتّخذ هو كذلك‬ ‫يكون فيه لبطلٍ باس ٍ‬
‫شكل هذه الزّهرة‪،‬‬
‫حيث سيقرأ اسمه على التّويجات ذاتها·"‬
‫فيما كانت هذه الكلمات التنبؤيّة تخرج من‬
‫فم أبوللون‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪529 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪530 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪587 :‬‬

‫كان الدّم الذي سال على الرض‬


‫ولوّن العشب‪ ،‬يتوقّف عن كونه دماً·‬
‫وظهرت زهر ٌة أكثر توهّجا من أرجوان صور‪،‬‬
‫قريبة إلى الزّنبق‪،‬‬
‫لو لم تكن قرمزيّة‪ ،‬وهو فضيّ·‬
‫لم يكن هذا كافيًا لبولّلون‬
‫(فهذه التحيّة صادرة عنه)‪،‬‬
‫هكذا‪ ،‬نقش هو نفسه على أوراقها‪،‬‬
‫حروفاً تذكّر بتأوّهاته آي آي آي‪،‬‬
‫ول تزال على الوراق‬
‫الحروف الكئيبة التي خطّها الله· ‪8‬‬
‫ل تخجل إسبارطة من ولدة هياكنثوس‪،‬‬
‫فهي ل تزال حتى الن تعت ّز به·‬
‫وكلّ سن ٍة تحلّ أعياده‬
‫التي يُحتفى بها‪،‬‬
‫وفقاً للطّقوس القديمة‪ ،‬بأبّهة عالية·‬

‫لكن‪ ،‬إذا سألتم‪ ،‬بالمقابل‪ ،‬مصادفةً‬


‫آماتوس (‪ )Amathus‬الغنيّة بالمعادن‪،‬‬
‫فهي وإن كانت رغبت في ولدة عاهراتها‪،‬‬
‫ن كما تنكر أولئك الرّجال‬ ‫ستنكره ّ‬
‫ل منهم يعلوها قرنان‪،‬‬ ‫الذين كانت جبهة ك ّ‬
‫سمّوا‪ ،‬لذلك‪ ،‬بالمقرّنين· ‪9‬‬‫وُ‬
‫كان يرتفع أمام أبوابهم هيكلُ جوبيتر المضياف‪،‬‬
‫وسط غاب ٍة يتردّد إليها الناس كثيراً·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 8‬تحوّل هياكنثوس إلى نوع من الزّنبق‪ ،‬كان يُظنّ أن تويجاته تحمل كلمة آي (‪ ، )Ai‬وتعني باليونانيّة‪" :‬وا أسفاه"·‬
‫وهذان الحرفان هما كذلك الحرفان الولن من اسم أجاكس (‪ ، )Ajax‬الذي يتحوّل بعد موته ويُصبح هذه الزهرة‬
‫نفسها التي تدين بنشأتها إلى هياكنثوس· (انظر الكتاب الثالث عشر)·‬
‫‪ 9‬آماتونتوس في قبرص‪ ،‬الجزيرة الغالية على فينوس‪ ،‬حيث نشأت أسطورتان قليلتا النتشار· التّقليد الذي يقول إن‬
‫سكّانها الوائل كانوا مقرّنين‪ ،‬قد يكون وليد التسمية (‪ ، )Cèrastis‬التي أعطيَتْ للجزيرة بسبب رؤوسها الكثيرة‬
‫ن بالطّريقة‬
‫الدّاخلة في البحر‪ ،‬كما ولدت أسطورة السّيكلوبات من البراكين· والعاهرات (‪ )Les Propoetides‬عرف َ‬
‫نفسها‪ ،‬ل ب ّد من أن تكون للسطورة علقة بوجود المومسات في معبد فينوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪530 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪531 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪588 :‬‬

‫ولو أن غريباً رآه مُبقّعا بالدّم‪،‬‬


‫لكان في إمكانه القول‬
‫إنّ عجولً ونعاجاً‬
‫من آماتوس‪ ،‬ذُبحتْ‬
‫ب المومة‪:‬‬ ‫وهي ل تزال ترضع حلي َ‬
‫وكان ذلك في الواقع ضيفًا مذبوحاً·‬
‫كانت فينوس الخيّرة‪،‬‬
‫التي ترفض هذه الطّقوس الكريهة‪،‬‬
‫تتهيّأ لكي تهجر مدنها وأرياف أوفيوزا (‪Ophiusa(. 10‬‬
‫قالت‪:‬‬
‫"لكن ما جُرم هذا البلد الطيّب ؟‬
‫وهذه المدن التي أحبّها‬
‫ماذا جنتْ ؟‬
‫ب هذه السّللة الكافرة‬ ‫الحرى أن تُعاق َ‬
‫على جرمها بالنّفي‪ ،‬أو بالموت‪ ،‬أو بعقابٍ‬
‫ط بين النفي والموت·‬ ‫وس ٍ‬
‫وما يُمكن أن يكون هذا العقاب‪،‬‬
‫إن لم يكن التّحوّل ؟"‬
‫ل جديدٍ‬‫فيما كانت تتساءل أيّ شك ٍ‬
‫يمكن أن تعطيهم إيّاه‪،‬‬
‫أدارت عينيها نحو قرونهم‪ ،‬وقالت في نفسها‬
‫يُمكن أن تُبقيها لهم‪،‬‬
‫وحوّلت أجسامهم الضّخمة‬
‫ن عاتية·‬
‫إلى ثيرا ٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬أوفيوز‪ ،‬أي الجزيرة ذات الفاعي· وأوفيد هو وحده الذي يسمّي جزيرة قبرص بهذا السم·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪531 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪532 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪589 :‬‬

‫غير أن العاهرات الشّريرات‬


‫تجرّأن على إنكار ألوهيّة فينوس·‬
‫لهذا كنّ يستأهلنَ العقابَ الذي‬
‫ن اللهة الغاضبة·‬ ‫فرضته عليه ّ‬
‫أصبحنَ‪ ،‬كما يُقال‪ ،‬النّساء الوائل اللئي‬
‫ن مفاتنهنّ·‬
‫يُعهّرْ َ‬
‫وبما أنّهنّ تجرّدن من كلّ حياء‪،‬‬
‫وتجمّدت دماؤهنّ‪ ،‬فلم تعد خدودهنّ تحمرّ‪،‬‬
‫تحوّلن‪ ،‬بتبدّل ل يكاد أن يُحسّ‪،‬‬
‫إلى قطع من الصوّان·‬

‫بيجماليون (‪)Pygmalion‬‬

‫"عاش بيجماليون عزباً‪ ،‬بل رفيقةٍ‪،‬‬


‫ن يعشنَ حيا ًة منذورة للجريمة‪،‬‬ ‫لنّه رآه ّ‬
‫ثائراً على الفات التي ملت بها الطّبيعة‬
‫قلوب النساء·‬
‫فلم تشاركه زوجةٌ سريره أبداً·‬
‫غير أنّه‪ ،‬بفضل براعةٍ مدهشة‪،‬‬
‫نجح في أن ينحت من العاج‬
‫البيض كالثلج‪،‬‬
‫جسمَ امرأةٍ جميلةٍ لم تقدر الطّبيعة‬
‫أن تخلق شبيهاً له‪،‬‬
‫وأصبح عاشقًا لهذا العمل·‬
‫كانت عذراء‪ ،‬ولها جميع الظواهر الواقعيّة‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪532 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪533 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪590 :‬‬

‫حتى ليخيّل أنّها امرأة حيّة‪،‬‬


‫وأنها ترغب في أن تتحرّك‪،‬‬
‫لول الخفر الذي يمنعها·‬
‫فكثيراً ما يختفي الفنّ‪،‬‬
‫بقوّة الفنّ نفسها·‬
‫دُهشَ بيجماليون‪،‬‬
‫وشغفته صورة هذا العمل·‬
‫كان غالبًا يقرّب يديه منه‬
‫لكي يتأكّد إن كان ما يلمسه لحماً أو عاجاً‪،‬‬
‫كأنه لم يكن بعد يريد أن يعترف‬
‫بأنّه من العاج·‬
‫وكان يقبّل تمثاله هذا‪،‬‬
‫ويتخيّل أنّه يردّ له القبل·‬
‫وكان يتحدّث معه‪ ،‬ويضمّه بين ذراعيه·‬
‫وكان يتصوّر أن الجسد يستسلم‬
‫لملمس أصابعه‪،‬‬
‫ويخشى أن يترك أثراً كابياً‬
‫على العضاء التي لمستها·‬
‫كان طورًا يداعب هذه الحبيبة‪،‬‬
‫وطورًا يقدّم لها الهدايا التي تسرّ الفتيات‪،‬‬
‫أصدافاً‪ ،‬وعقوداً برّاقة‪ ،‬وعصافير صغيرة‪،‬‬
‫وأزهارًا من كلّ لون‪ ،‬وزنابق‪ ،‬وكراتٍ ملوّنة‪،‬‬
‫ودموعًا تساقطت من أشجار هيلياد (‪Héliades(· 11‬‬
‫ب جميلة‪،‬‬
‫كان يزيّنها كذلك بثيا ٍ‬
‫ويضع في أصابعها حجارة كريمة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 11‬هذه الدموع هي العنبر‪( .‬انظر الكتاب الثاني)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪533 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪534 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪591 :‬‬

‫وعقوداً طويلةً في عنقها·‬


‫وكانت تتدلّى من أذنيها للئ خفيفة‪،‬‬
‫وعلى صدرها سلسل صغيرة·‬
‫كان كلّ شيءٍ لئقًا بها‪،‬‬
‫ولم تكن‪ ،‬وهي عاريةٌ‪ ،‬أقلّ جمالً·‬
‫كان سريرها أرائك مصبوغةً بأرجوان صيدون‪،‬‬
‫وكان يسمّيها رفيقة سريره‪،‬‬
‫واضعاً عنقها المائل على وسائدَ‬
‫من ريشٍ ناعم‪ ،‬كما لو أنها كانت‬
‫قادرةً على الحساس بنعومته·‬

‫ها هو يحلّ اليومُ الذي تحتفل فيه قبرص كلّها‬


‫بعيد فينوس احتفالً متألّقا‪:‬‬
‫سيَتْ قرونُها المقوّسة بالذهب‪،‬‬ ‫ت كُ ِ‬
‫عجْل ٌ‬
‫ِ‬
‫يسقطنَ تحت السّكين‬
‫التي تحزّ أعناقهنّ البيضاء كالثلج‪،‬‬
‫والبخور يتصاعد من جميع النحاء·‬
‫بعد أن وضع بيجماليون قربانه‪،‬‬
‫قال‪ ،‬واقفًا أمام المعبد‪ ،‬بصوتٍ خجولٍ‪:‬‬
‫"إن كنتِ‪ ،‬أيّتها اللهة‪،‬‬
‫قادرةً على منح كلّ شيء‪،‬‬
‫فإنني أتوسّل إليك‬
‫أن تمنحيني زوجةً‪،‬‬
‫(لم يجرؤ أن يقول‪ :‬امنحيني زوجةً‬
‫شبيه ًة بعذراء العاج)·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪534 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪535 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪592 :‬‬

‫أدركت فينوس التي كانت جالس ًة تحضر عيدها‪،‬‬


‫معنى هذا التوسّل·‬
‫واشتعل اللّهب ثلث مرّات‬
‫رافعاً رأسه في الهواء‪،‬‬
‫منبئاً بالتّدابير الملئمة التي ستتخذها اللهة·‬

‫عندما عاد الفنان إلى بيته‪،‬‬


‫وقف أمام تمثال الفتاة‪،‬‬
‫وقبّله منحنياً على السّرير‪،‬‬
‫ل إليه أنّه يشعر بحرارة جسمها·‬ ‫خيّ َ‬
‫قرّب إليه من جدي ٍد فمه‪،‬‬
‫فيما كانت يداه تتلمّسان الصّدر‪،‬‬
‫وفي هذه الملمسة‪ ،‬تأثر العاج‪،‬‬
‫فقد صلبته‪ ،‬منثنياً تحت الصابع‪،‬‬
‫مستسلماً‪ :‬كمثل شمع هيميتّوس (‪)Hymettus‬‬
‫مسترخياً في الشمس‪،‬‬
‫تشكّله الصابع‪ ،‬متخذاً أشكالً كثيرة التّنوّع‪،‬‬
‫جاهزًا دائماً لتشكّلت أخرى·‬

‫وقف العاشق مذهولً‪،‬‬


‫ح يمتزج بالحذر·‬ ‫يملؤه فر ٌ‬
‫تردد في الستمتاع‪ ،‬خوفًا من أن يكون مُخطئاً·‬
‫س مادّة رغباته‪،‬‬‫وأخذت يده تج ّ‬
‫تبدأ جسّها وتعيده‪،‬‬
‫وكان ذلك حقّا‪ ،‬جسماً حيّا‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪535 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪536 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪593 :‬‬

‫ق تنبض تحت لمساته·‬ ‫وشعر بعرو ٍ‬


‫آنذاك وجّه بطل بافوس (‪)Paphos‬‬
‫الشّكر والحمد إلى فينوس‪،‬‬
‫فقد لمس فمه أخيرًا فماً حقيقيّا·‬
‫أحسّت الفتاة بقبله واحمرّت‪،‬‬
‫ورأت‪ ،‬وهي ترفع نظرة خجولة نحو الضّوء‪،‬‬
‫السّماء وحبيبها معاً·‬
‫وحضرت اللهة زواجهما الذي هو صنيعها·‬
‫ثم‪ ،‬بعد أن قرّب القمر طرفيه تسع مرّات‬
‫من قرصه الممتلئ‪،‬‬
‫سمّيتْ بافوس‪،‬‬
‫وضعت الزّوجة الشابّة طفلةً‪ُ ،‬‬
‫سمّيت الجزيرة باسمها·‬ ‫وُ‬

‫ميرّا (‪)Myrrha‬‬

‫"من هذه البنة‪ ،‬وُلدَ فيما بعد كينيراس (‪)Cinyras‬‬


‫الذي لو لم ينجب أولداً‪،‬‬
‫لكان عُ ّد بين الفانين السّعداء·‬
‫سأغنّي مغامرة رهيبةً‪،‬‬
‫فابتعدْنَ‪ ،‬أيّتها الفتيات‪،‬‬
‫وأنتم‪ ،‬ابتعدوا كذلك‪ ،‬أيّها الباء·‬
‫أو‪ ،‬إذا كان في أناشيدي‪ ،‬ما يفتن أفكاركم‪،‬‬
‫فل تصدّقوني‪،‬‬
‫ل تصدّقوا هذه الجريمة‪،‬‬
‫وإذا صدّقتموها‪ ،‬فصدّقوا كذلك عقاب الجريمة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪536 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪537 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪594 :‬‬

‫لكن‪،‬‬
‫إن كانت الطّبيعة تتيح رؤية هذه الفظاعات‪،‬‬
‫فإنني أهنّئ شعوب تراقيا‪،‬‬
‫وهذا الجزء الذي نسكنه من العالم‪،‬‬
‫أهنئ وطننا لنه بعي ٌد عن هذه المناطق‬
‫التي وَلدت كائناً قادراً على ارتكاب مثل هذه الشّناعة·‬
‫لتبقَ أرض بانشايا (‪ )Panchaia‬غنيّة بما تنتجه من الهال‪،‬‬
‫والقِرفة والتّرياق والبخور الذي يقطر من الشجيرات‬
‫وغيرها من زهور الفاويه·‬
‫لكن لتبقَ وحيدةً كذلك‪،‬‬
‫في إنتاج المرّ‪،‬‬
‫فهذه الشّجرة الجديدة‬
‫ل تساوي الثمن الذي دفع من أجلها·‬
‫ينفي كوبيدون نفسه‬
‫أن تكون سهامه هي التي سبّبت آلمك‪ ،‬يا ميرّا‪،‬‬
‫ن مشاعله لم تقم بأيّ دور في جريمتك·‬ ‫ويُعلن بأ ّ‬
‫سمّمتك بأنفاسها‬
‫إحدى الخوات الثلث‪،‬‬
‫فيما كانت تحمل جذوة الش ّر من الجحيم‬
‫وأفاعيَ منتفخ ًة بالسمّ·‬
‫كُره الب جريمة‪،‬‬
‫وحبّه كحبّك جريمةٌ أشدّ من الكره·‬
‫تلك هي نخبة النبلء‪ ،‬من النحاء كلّها‪،‬‬
‫تذهب إليكِ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪537 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪538 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪595 :‬‬

‫وفتيان الشرق جميعاً يتنافسون‬


‫على مجد النّوم في فراشكِ·‬
‫فاختاري بين الجميع زوجاً لكِ‪ ،‬يا ميرّا‬
‫شريطة أن تستثني بينهم واحداً·‬

‫كانت ميرّا تعي ذلك تماماً‪،‬‬


‫وكانت تحارب حبّها الشّائن‪ ،‬قائلةً في نفسها‪:‬‬
‫"إلى أين يقودني هواي ؟‬
‫أيّتها اللهة‪،‬‬
‫أيّتها التّقوى البنويّة‪،‬‬
‫يا حقوق آبائنا المقدّسة‪،‬‬
‫أتوسّل إليكِ‪ ،‬تداركي جريمة سِفاحٍ‪،‬‬
‫قاومي جريم ًة أفكّر بارتكابها‪،‬‬
‫هذا إن كانت جريمةً‪ ،‬حقّا·‬
‫لكن‪ ،‬يُقال إن التقوى البنويّة‪،‬‬
‫ل تدين هذا الحبّ‪ ،‬وجميع الحيوانات الخرى‬
‫تتزاوج دون اختيار·‬
‫ل تخجل العِجلة من الشعور بأبيها‬
‫ضاغطاً على حَقْويها·‬
‫والحصان يتّخذ من ابنته زوجةً·‬
‫والتّيس يُخصبُ الماعز الذي أنجبه‪،‬‬
‫ومن البذرة نفسها التي تكوّن منها الطّائر‬
‫يكوّن غيره‪ ،‬بدوره·‬
‫ما أسعد الكائنات التي تنعم‬
‫بهذا المتياز·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪538 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪539 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪596 :‬‬

‫لقد أنتجت وساوس النسان‬


‫قوانين خبيثة‪،‬‬
‫وما تسمح به الطّبيعة‪ ،‬تحرّمه أحكامٌ صارمة·‬
‫هناك‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬وهذا مؤكّد‪،‬‬
‫شعوبٌ تتزوّج فيها الم ابنها‪،‬‬
‫والبنت أباها‪،‬‬
‫ويقترن فيها الحنان البنويّ‬
‫بالرّغبة العاشقة·‬
‫ما أشقاني لنني لم أولد فيها !‬
‫إنني ضحيّة المصادفة التي أعطتني‬
‫هذه المكنةَ وطناً·‬
‫لكن‪ ،‬لماذا أعود إلى مثل هذه الفكار ؟‬
‫ابتعدي عني‪ ،‬أيّتها المال المحرّمة!‬
‫هذا المير جديرٌ بأن أحبّه‪،‬‬
‫لكن بوصفه أباً لي·‬
‫هكذا‪ ،‬إذن‪ ،‬لو لم أكن ابنة كينيراس الكبير‪،‬‬
‫لكنت أستطيع الدّخول إلى فراش كينيراس·‬
‫لكن‪ ،‬بما أنه مسبّقا يخصّني‬
‫فهو ليس لي‪،‬‬
‫وشقائي كلّه آتٍ من قرابتنا نفسها·‬
‫ولو كنت غريبةً عنه‪،‬‬
‫لكانت أمنياتي سهلة الستجابة·‬
‫أودّ أن أهرب بعيداً‬
‫أن أهجر حقول وطني‪ ،‬لكي أنجو من الجريمة·‬
‫ن حميّا هُيامي المشؤوم تمنعني‪،‬‬ ‫لك ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪539 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪540 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪597 :‬‬

‫وعليّ أن أبقى هنا لكي أرى كينيراس‪،‬‬


‫لكي ألمسه‪ ،‬لكي أتكلّم معه وأعانقه‪،‬‬
‫إن لم يكن مسموحاً لي بأكثر من ذلك·‬
‫هل تقدرين أن تحلمي بأكثر من ذلك‪،‬‬
‫أيّتها البنة العاقّة ؟‬
‫هل تشعرين كيف تمزجين بين القوانين والسماء ؟‬
‫هل تصبحين‪ ،‬في آنٍ‪ ،‬منافس ًة لمّك‪،‬‬
‫وعشيق ًة لبيكِ!‬
‫ت ابنك‪،‬‬ ‫هل ينبغي أن يُقال عنكِ أخ ُ‬
‫وأمّ أخيك ؟‬
‫أل تخافين من الخوات الثلث‬
‫اللئي ينسدلُ شعرهنّ أفاعيَ سوداً‪،‬‬
‫ويرى الثمون مشاعلهنّ الرّهيبة‬
‫تهدّد عيونهم ووجوههم ؟‬
‫آه! ما دام جسمك بعد لم يُدنّس‪،‬‬
‫فل تدنّسي روحكِ!‬
‫ل تنتهكي بقرانٍ وحشيّ‬
‫قوانين الطّبيعة الكلّية القدرة·‬
‫وإذا افترضنا أنك تريدين ذلك‪،‬‬
‫فإنّ قوّة الشياء تقف ضدّك‪:‬‬
‫كينيراس أبٌ يحترم الرّوابط العائليّة‪،‬‬
‫وشديد التعلّق بواجباته·‬
‫أوه! كم أتمنّى أن يكون فريسة جنونٍ‬
‫يشبه جنوني·"‬
‫فيما هي تخاطب نفسها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪540 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪541 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪598 :‬‬


‫كان كينيراس‪ ،‬أمام جمهور طالبي الزّواج منها‪،‬‬
‫وكلّهم جديرون بمصاهرته‪،‬‬
‫ل يعرف أن يتّخذ قراراً·‬
‫وسألها فيما يعدّد لها أسماءهم‪،‬‬
‫من الذي تشتهي أن يكون لها زوجاً·‬
‫ظلّت صامتةً في البداية‪،‬‬
‫وفيما كانت تثبّت نظراتها العاشقة على وجه أبيها‪،‬‬
‫كان قلبها يغلي‪،‬‬
‫وتبلّلت عيناها بندىً لهب·‬
‫أراد كينيراس أن يوقف دموعها‪،‬‬
‫ظنّا منه أنها ناتجةٌ عن حيائها البتوليّ‪،‬‬
‫فمسح خدّيها وقبّلها·‬
‫وكم كانت ميرّا سعيدة بالقبل التي تلقّتها·‬
‫وعندما رجاها أن تختار الشّخص الذي‬
‫تريد أن يكون لها زوجاً‪ ،‬وأجابت‪:‬‬
‫"أريد شخصاً يشبهك"‪،‬‬
‫امتدح هذا الجواب‪ ،‬دون أن يدرك معناه‪،‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫"حافظي من أجلي على هذا الحبّ البنويّ·"‬
‫عندما سمعت الفتاة لفظة الحب البنويّ‬
‫خفضت جبينها‪ ،‬واعيةً‬
‫بالجرم الذي ترتكبه·‬

‫كان اللّيل قد أكمل نصف مسيرته‪،‬‬


‫وكان النّوم قد روّح عن هموم الفانين‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪541 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪542 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪599 :‬‬

‫وأراح أجسامهم·‬
‫غير أن ابنة كينيراس كانت ل تزال تسهر‬
‫ب ل يُروّض‪،‬‬ ‫فريسةً لله ٍ‬
‫غارقةً أكثر فأكثر في رغباتها الجنونيّة·‬
‫طوراً تيأس‪،‬‬
‫وطورًا تبدو أنها جريئة على كلّ شيء‪،‬‬
‫موزّعة بين العار والهيام‬
‫متسائلةً إلى أيّ جهة ستنحاز·‬
‫عندما تجرح فأسٌ كبيرة شجر ًة كبيرة‪،‬‬
‫وتكون الشّجرة جاهزةً لتلقّي الضّربة الخيرة‪،‬‬
‫فإننا ل نعرف في أيّة جهةٍ ستسقط‪،‬‬
‫ل من جميع الجهات مُحترسين·‬ ‫ونظ ّ‬
‫هكذا كانت هذه الرّوح الطّائشة‪،‬‬
‫التي تقلقلها الضّربات المتوالية‪،‬‬
‫فتترنّح من هنا ومن هناك‪،‬‬
‫تميل تارةً إلى جهةٍ‪،‬‬
‫وتارةً إلى جهةٍ‪،‬‬
‫ل ترى لحبّها حدّا أو راحةً‬
‫إلّ في الموت·‬
‫ولقد اختارت الموت·‬
‫نهضت‪ ،‬وقرّرت أن تعقد شريطاً حول عنقها·‬
‫وقالت وهي تتدلّى‪:‬‬
‫"وداعاً‪ ،‬أيّها الع ّز كينيراس‪،‬‬
‫أظنّ انّ س ّر موتي لن يغيب عنك·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪542 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪543 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪600 :‬‬

‫ثم شدّت الحلقة التي كانت تُمسك‬


‫بعنقها الشّاحب·‬

‫يُقال إن همس كلماتها وصل إلى أذن ْ‬


‫ي‬
‫المربيّة المينة وهي تحرس عتبة الطّفلة‬
‫التي سهرت على تربيتها·‬
‫نهضت المرأة العجوز‪،‬‬
‫فتحت الباب‪ ،‬ورأت أداة الموت‬
‫الذي يُهيّأ·‬
‫في اللّحظة نفسها‪ ،‬أطلقت صرخةً‪،‬‬
‫ولطمت صدرها‪ ،‬ومزّقت البراقع‪،‬‬
‫وانتزعت من عنق ميرّا الحلقة‬
‫التي تضغط عليه‪،‬‬
‫مُقطّعة إيّاها إرباً إرباً·‬
‫آنذاك‪ ،‬وفيما سمحت لدموعها أن تجري كما تشاء‪،‬‬
‫ضمّتها بين ذراعيها وسألتها لماذا هذا الرّباط ؟‬
‫صمتت الفتاة‪،‬‬
‫وأطرقت إلى الرض‪ ،‬خرساء‪ ،‬جامدة·‬
‫حزنت لنها سمحت باكتشاف الستعدادات الطويلة‬
‫التي قامت بها لكي تموت·‬
‫الحّت المرأة العجوز‪،‬‬
‫واستحلفتها بأن تأتمنها على أحزانها‪،‬‬
‫كاشفةً عن شعرها البيض‪،‬‬
‫وثدييها النّاضبين‪،‬‬
‫والرّعاية التي أحاطت بها طفولتها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪543 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪544 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪601 :‬‬

‫وعبثاً سألت‪،‬‬
‫فقد كانت الفتاة تُشيحُ بوجهها‪ ،‬وتنتحب·‬

‫كانت المربيّة مصمّمة على المضيّ إلى النّهاية‬


‫في أسئلتها‪ ،‬ولم تعد تقتصر‬
‫على الوعد بالكتمان‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫"تكلّمي‪ ،‬واسمحي لي‬
‫بأن أساعدك·‬
‫ي بانعدام العمل·‬ ‫إن شيخوختي ل تحكم عل ّ‬
‫أهي ضربة جنونٍ أصابتك ؟‬
‫ت تشفيك·‬ ‫أعرف امرأةً تعرف تعاويذ ونباتا ٍ‬
‫أأنتِ ضحيّة ُرقْي ٍة مؤذية ؟‬
‫ساطهّرك بطقسٍ سحريّ·‬
‫أذلك نتيجةٌ لغضب اللهة ؟‬
‫هناك وسيلة لتهدئة غضبهم بالضاحي·‬
‫ماذا أقدر أن أفترض كذلك ؟‬
‫ن ثروتك وعائلتك ل مساس فيهما‪،‬‬ ‫أكيد أ ّ‬
‫ت مستقيمة·‬ ‫وتتابعان مساريْهما بخطوا ٍ‬
‫وحياتك رغيدة الى جوار أبيك·"‬
‫عندما سمعت ميرّا الكلم على أبيها‬
‫زفرت من عمق أعماقها زفرةً‪،‬‬
‫وظلّت المربيّة‪ ،‬مع ذلك‪،‬‬
‫ل يُخامرها أدنى شكّ في الجريمة·‬
‫غير أنّها أحسّت أن لديها نوعاً‬
‫من الحزن الذي يولّده الحبّ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪544 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪545 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪602 :‬‬

‫توسّلت إلى الفتاة‪ ،‬راسخة القرار‪،‬‬


‫أن تكشف لها الحقيقة كلّها‪ ،‬مهما كانت·‬
‫ضمّتها‪ ،‬مغمورة بالدّموع‪ ،‬إلى صدرها‬
‫الذي أذواه العمر‪ ،‬وقالت‪،‬‬
‫وهي تغطّيها كلّها بذراعيها الواهنتين‪:‬‬
‫"فهمت·‬
‫أنتِ عاشقة·‬
‫اطمئنّي‪ ،‬في هذه الحالة كذلك‪،‬‬
‫ستكون حميّتي كلّها في خدمتكِ‪،‬‬
‫ولن يعرف أبوك أيّ شيء·"‬
‫انتزعت ميرّا نفسها قافزةً‬
‫من الذراعين اللتين تحيطان بها‪،‬‬
‫مضطربةً‪ ،‬ضاغط ًة بوجهها على فراشها‪،‬‬
‫وصرخت قائلةً‪:‬‬
‫"اخرجي·‬
‫أتضرّع إليك·‬
‫وارفُقي بتاعسةٍ‪ ،‬يهدّها الخزي·"‬
‫وتابعت ملحّةً‪:‬‬
‫"اخرجي‪،‬‬
‫أو توقّفي عن السّؤال عن سبب عذابي·‬
‫تلك جريم ٌة تعملين على الكشف عنها·"‬
‫ارتعدت المرأة العجوز‪،‬‬
‫ومدّت يديها اللتين ترتجفان من العمر والخوف‪،‬‬
‫وسقطت ضارعةً‬
‫على قدمي هذه التي ربّتها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪545 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪546 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪603 :‬‬

‫تارةً تلطفها‪،‬‬
‫وطورًا تحاول أن تُخيفَها‪،‬‬
‫عازمةً على أن تعرف كلّ شيء·‬
‫وإلّ‪ ،‬فهي تهدّد بالكشف‬
‫عن الرّباط وعن المحاولة الفاجعة·‬
‫لكنها وعدت بمساعيها الحميدة‪،‬‬
‫إذا عرفت س ّر هذا الحبّ·‬
‫رفعت ميرّا رأسها‪،‬‬
‫كان صدر مربّيتها غارقًا بفيض دموعها‪،‬‬
‫وحاولت مراراً جاهدةً أن تتكلّم‪،‬‬
‫وفي كلّ مرّة كان صوتُها يختنق·‬
‫أخيراً‪ ،‬صرخت من فرط خجلها‪ ،‬مغطّية وجهها بثيابها‪:‬‬
‫"أوه! ما أسعد أمي أن يكون لها‬
‫مثل هذا الزوج!"‬
‫وأخذت تنتحب دون أن تتفوّه بأيّة كلمة أخرى·‬

‫فهمت المربيّة‪،‬‬
‫واخترقت رعدةٌ لبّ العظام‬
‫في أعضائها المتجمّدة·‬
‫وقف شعرها البيض من كلّ جهةٍ‬
‫على رأسها‪ ،‬منفوشًا من الرّعب·‬
‫وحاولت‪ ،‬بقوّة الكلمات‪ ،‬أن تطرد ما أمكنها‪،‬‬
‫هذا الحبّ الشائن·‬
‫واعترفت الفتاة بحكمة تحذيرها‪،‬‬
‫غير أنها ظلّت تؤثر الموت‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪546 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪547 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪604 :‬‬


‫على حِرمانها ممّن تحبّ·‬
‫قالت آنذاك المربيّة‪:‬‬
‫"عيشي‪ ،‬إذن‪،‬‬
‫سيكون لكِ ···"‬
‫لم تجرؤ أن تقول‪" :‬أبوك"·‬
‫فصمتت‪ ،‬مُشهد ًة اللهة على وعدها·‬

‫كانت أمّهات العائلت تعيّد بورعٍ‬


‫أعياد سيريس السّنويّة·‬
‫حيث يقدّمن لها‪ ،‬في ثيابهنّ البيضاء كالثلج‪،‬‬
‫أكاليل من السّنابل‪،‬‬
‫وبواكير مواسمهنّ‪،‬‬
‫وحيث يمتنعن حتى نهاية اللّيلة التّاسعة‪،‬‬
‫عن لذائذ فينوس‪ ،‬وعن ملمسة أزواجهنّ·‬
‫كانت الملكة سنكريئيس (‪)Cenchréis‬‬
‫تشاركهنّ في احتفالهنّ‪ ،‬وتحضَر معهنّ‬
‫السرار المقدّسة·‬
‫آنذاك‪ ،‬فيما كانت الزّوجة الشّرعيّة‬
‫غائبةً عن سرير الملك‬
‫وجدت المربّية كينيراس مُثقلً بالخمر‪،‬‬
‫فصوّرت له‪ ،‬في اندفاعها الثم‪،‬‬
‫امرأ ًة مشغوف ًة به‪ ،‬بحبّ صحيح‪،‬‬
‫ومجّدت جمالها‪ ،‬مبدّلة اسمها·‬
‫سأل ما عمرها‪ ،‬فأجابت‪:‬‬
‫"لها عمر ميرّا·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪547 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪548 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪605 :‬‬

‫أمرها أن تذهب للبحث عنها‪،‬‬


‫وعندما عادت‪ ،‬قالت لها‪:‬‬
‫"افرحي‪ ،‬يا طفلتي·‬
‫النّصرُ لنا·"‬
‫لم تُسلم الفتاة التاعسة للفرح‬
‫نفسَها كاملةً‪،‬‬
‫س كئيب·‬‫فقد كان يُرهقها هاج ٌ‬
‫لكنّها فرحةٌ‪ ،‬مع ذلك‪،‬‬
‫بقدر ما تتصارع أفكارها في داخلها·‬
‫كانت تلك اللحظة التي يهدأ فيها كلّ شيء‪،‬‬
‫ب الكبر‬
‫وكان الكوكب‪ ،‬راعي الشتاء‪ ،‬بين كواكب الد ّ‬
‫قد أمال عربته على المنحدر‬
‫حيث ينحرف مجرّ العجلة· ‪12‬‬
‫ذهبت ميرّا إلى جريمتها‪،‬‬
‫فيما كان القمر الذهبيّ يتوارى‬
‫وكانت الكواكب تختبئ وراء غيومٍ سوداء‪،‬‬
‫ومشاعل الليل انطفأت·‬

‫كنت‪ ،‬يا إيكاروس‪،‬‬


‫أوّل من غطى وجههُ‪ ،‬وقلّدتك إيرغونا‬
‫التي نالت‪ ،‬بفضل ورعها البنويّ‬
‫مجداً سماويّا· ‪13‬‬
‫تعثّرت ميرّا ثلث مرّات‬
‫وكانت في ذلك دعو ٌة نبوئيّة لكي تتراجع·‬
‫وثلث مرّات‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫سكُ ُربُط كلبيه اللذين يُطارد بهما‬


‫‪ 12‬راعي الشاء‪ ،‬صورة فلكيّة تمثّل صياداً‪ ،‬بيده اليسرى دبّوس‪ ،‬وبيده اليُمنى َممْ َ‬
‫الدب الكبر حول القطب· والعبارة كلّها لكي تقول إن الوقت تجاوز منتصف الليل· (انظر الكتاب الثاني)·‬
‫‪ 13‬إيكاروس هنا هو إيكاروس أثينا‪( ،‬وهو غير ابن ديدالوس)‪ ،‬كان له ابنة اسمها إريغونا· علّم الرّعاة استخدام‬
‫الخمر· لكنّ هؤلء سكروا بعد الشرب‪ ،‬فاعتقدوا أنّهم تسمموا‪ ،‬وقتلوه· وكشف كلبه ماييرا (‪ )Maera‬لبنته عن المكان‬
‫الذي وضعت فيه جثته· فانتحرت يأساً·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪548 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪549 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪606 :‬‬

‫أسمعتها البومة صُراخها الكئيب لكي تُنذرها‪،‬‬


‫غير أنّها واصلت مسيرَها·‬

‫كانت ظلمات الليل الكثيفة تخفّف خجلها‪،‬‬


‫كانت تمسك بيدها اليُسرى ي َد مربّيتها‪،‬‬
‫وبيدها اليُمنى تستكشف متلمّسة طريقها‬
‫وسط الظلم·‬
‫هاهي تصل إلى عتبة الغرفة‪،‬‬
‫ها هي تفتح الباب‪،‬‬
‫ها هي تدخل ـ‬
‫وإذّاك‪ ،‬تنحني ركبتاها‪ ،‬وترتجف مفاصلها‪،‬‬
‫ينكمش لونها‪ ،‬ودمها يتقلّص·‬
‫كانت بقدر ما تقترب من الجريمة‪،‬‬
‫يتملّكها الرّعب·‬
‫تندم على شجاعتها وتودّ لو تقدر‪،‬‬
‫أن تتراجع‪ ،‬دون أن تُعرف·‬
‫لكن‪ ،‬فيما هي تتردّد‪ ،‬كانت العجوز‬
‫تجرّها من يدها وتوصلها إلى السّرير المُعلّى‪،‬‬
‫وتُسلمها إلى أبيها قائلةً‪:‬‬
‫"خذها‪ ،‬ها هي·‬
‫إنّها لك‪ ،‬يا كينيراس·"‬
‫جامعةً بين جسميهما الملعونين·‬
‫استقبل الب طفلة أحشائه في سريره الدّنس‪،‬‬
‫مهدّئا مخاوف الفتاة‪ ،‬جاهداً في طمأنتها·‬
‫ولعلّه استخدم حقوق العمر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪549 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪550 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪607 :‬‬

‫مُسمّيا إيّاها‪" :‬بنيّتي"‪،‬‬


‫ولعلّها قالت له‪" :‬أبي"·‬
‫هكذا ل شيء ينقص السّفاح‪،‬‬
‫ول ينقصه حتى السم·‬
‫خرجت ميرّا من السرير البويّ ملقّحة‬
‫حاضنةً في أحشائها الكريهة بذرة دنسةً‪،‬‬
‫حاملةً في داخلها ثمرة الجريمة·‬

‫جدّدت الليلة التالية لذائذها المُخزية‪،‬‬


‫ولم تكن الخيرة·‬
‫في النّهاية‪ ،‬وفي تلهّف كينيراس‬
‫لمعرفة هذه التي تحبّه‪ ،‬بعد أن احتضنها‬
‫مرارًا بين ذراعيه‪،‬‬
‫رأى في ضوء مشعلٍ‬
‫الجريم َة وابنته·‬
‫استلّ‪ ،‬وقد التج َم من اللم‪،‬‬
‫سيفًا لمعًا من غمده يتدلّى قربه·‬
‫لكن ميرّا هربت‪،‬‬
‫وأفلتت من الموت‪ ،‬بفضل ظلمات الليل الكثيفة·‬
‫وبعد أن تشرّدت في البراري الفسيحة‪،‬‬
‫غادرت العربيّة السّعيدة بنخيلها‪،‬‬
‫وأرض بنشايا (‪ )Panchaie‬الغنيّة·‬
‫رأت في سيرها المتشرّد‬
‫اكتمال القمر تسعَ مرّات‪،‬‬
‫ل أن تتوقّف أخيراً‪ ،‬منهكةً‪ ،‬في أرضِ سبأ·‬ ‫قب َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪550 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪551 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪608 :‬‬

‫غير قادرة أن تحمل طويلً‬


‫عبء أحشائها·‬
‫آنذاك‪ ،‬فيما ل تعرف ماذا تريد‪،‬‬
‫وفيما يتوزّعها الخوف من الموت والقرف من الحياة‪،‬‬
‫صلّت إلى اللهة‪ ،‬قائلةً‪:‬‬
‫"أيّتها اللهة‪،‬‬
‫أعترف إن كانت آذانكِ مفتوحةً‬
‫لعترافات الثمين‪،‬‬
‫بأني استحققت مصيري‪،‬‬
‫ول أرفض أن أتحمّل عقاباً رهيباً·‬
‫غير أنني ل أريد أن أدنّس الحياء‬
‫ببقائي في هذا العالم‪،‬‬
‫ول الموتى‪ ،‬بموتي·‬
‫اطرديني‪ ،‬أيّتها اللهة من مملكتيْ‬
‫الحياة والموت‪،‬‬
‫واجعلي مني كائناً آخر‬
‫يحرّم عليه الموت والحياة·"‬

‫ثمّة آلهةٌ مفتوحةُ الذان لسماع‬


‫اعترافات الثمين·‬
‫ت ميرّا‪ ،‬رغباتها الخيرة على القل‪،‬‬ ‫وقد حظيتْ رغبا ُ‬
‫باللهة العطوفة·‬
‫ذلك أنّها‪ ،‬فيما كانت ل تزال تصلّي‪،‬‬
‫غطّى التراب قدميها‪ ،‬وذابت أظافرهما‪،‬‬
‫ل منحنية‪،‬‬
‫وخرجت منهما جذورٌ متطاول ٌة بأشكا ٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪551 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪552 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪609 :‬‬


‫صارت قاعدةً لجذعٍ فارعٍ·‬
‫تحوّلت عظامها إلى خشب صُلبٍ‬
‫ي فيه ُلبّها·‬
‫بق َ‬
‫وصار دمها نُسْغاً‪،‬‬
‫وشكّلت ذراعاها أغصانًا كبيرة‪،‬‬
‫وأصابعها أغصانًا صغيرة‪،‬‬
‫وحلّت محلّ بشرتها قشر ٌة كثيفةٌ·‬
‫وكانت هذه الشجرة‪ ،‬فيما تنمو‪،‬‬
‫تضغط على أحشائها‪ ،‬وعلى حملهنّ الثقيل·‬
‫وبعد أن سطّحت صدرها‪ ،‬تهيّأت لكي تغطّي عنقها·‬
‫ولم ترد أن يطول صبرها‪،‬‬
‫فتقدّمت الخشب الخذ في العلوّ‪،‬‬
‫وانحنت على نفسها‪،‬‬
‫وغمرت وجهها بالقشرة·‬
‫ومع أنها فقدت مع جسمها كلّ شعور‪،‬‬
‫فقد واصلت بُكاءها‪،‬‬
‫وكانت نُطَفٌ حارّة تسيل من الشجرة·‬
‫دموعها غالية جدّا‪ :‬فالمرّ‪ ،‬مقطّرا من الخشب‪،‬‬
‫يحتفظ باسم المرأة التي أعطته·‬
‫وسوف ينتشر ذكرها في ما يأتي من الزمنة·‬
‫والحال أن الطفل الذي تكوّن في الثم‪،‬‬
‫نما في قلب الخشب‪،‬‬
‫وكان يبحث عن مخرجٍ يستطيع أن يتخلّص به‬
‫من الرّحم التي تحمله·‬
‫كانت أحضان الم المُثقلة‪ ،‬تنتفخ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪552 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪553 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪610 :‬‬

‫في قلب الشجرة‪،‬‬


‫وتتمدّد تحت ثقل حملها·‬
‫لم تعد قادرةً الن على الكلم‬
‫لكي تُفصح عن آلمها‪ ،‬فالصّوت ينقصها‪،‬‬
‫في لحظة الولدة‪ ،‬لكي تدعو لوسينا لمساعدتها·‬
‫مع ذلك بدا أن الشجرة في مخاضٍ‪،‬‬
‫مالت‪ ،‬وأصدرت تأوّهات متكرّرة‪،‬‬
‫ض من الدّموع·‬ ‫فيما يبلّلها في ٌ‬
‫اقتربت لوسينا بطيبةٍ من الغصان الموجعة‪،‬‬
‫ووضعت يدها عليها‪،‬‬
‫وقالت الكلمات التي تخلّص المرأة في المخاض·‬
‫آنذاك‪ ،‬انشقّت الشّجرة‪،‬‬
‫ومن شقّ في القشرة‬
‫أخرجت حِملَها الحيّ‪،‬‬
‫وصرخ الطفل الوليد·‬
‫ش من العشب النّاعم‪،‬‬ ‫وضعته ربّات الينابيع في فرا ٍ‬
‫ضمّخنه بدموع أمّه·‬ ‫و َ‬
‫إلهة الغيرة نفسها أعجبت بجماله‪،‬‬
‫فهو يذكّر بصور إله الحبّ‪،‬‬
‫كما يرسمه الفنانون عارياً في لوحاتهم·‬
‫لكن‪ ،‬لكي تزول في الرّسم الفروقات كلّها‪،‬‬
‫أعطوا هذا الطفل كنانةً خفيفةً‪،‬‬
‫أو جرّدوا كوبيدون من كنانته·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪553 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪554 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪611 :‬‬

‫فينوس وأدونيس (‪)Vénus et Adonis‬‬

‫يجري الزّمن طائرًا بأجنحته الخفيّة‪،‬‬


‫ويمضي دون أن ننتبه إليه·‬
‫ل شيء أكثر سُرع ًة من السّنوات‪،‬‬
‫فهذا الذي كان ابنَ أخته وجدّه‪،‬‬
‫والذي كان‪ ،‬منذ عهدٍ قريب‪ ،‬سجيناً في شجرةٍ‪،‬‬
‫ورأى النور‪،‬‬
‫ل وليداً جميلً‪،‬‬ ‫وكان أمس ل يزال طف ً‬
‫ها هو‪ ،‬اليوم‪ ،‬فتىً‪،‬‬
‫ها هو‪ ،‬اليوم‪ ،‬رجلٌ‬
‫وها هو‪ ،‬بجماله‪ ،‬يتفوّق على نفسه·‬
‫وها هو‪ ،‬يفتن فينوس ذاتها‪،‬‬
‫ويثأر منها للهيام الذي دُفعت أمّه إليه·‬
‫ذلك أن ابن فينوس‪ ،‬الله الصّغير‪ ،‬حامل الكنانة‬
‫ي فيما يعطي قبلةً‬ ‫لمس الصّدر الموم ّ‬
‫إلى فينوس‪،‬‬
‫ودون أن يعرف‪،‬‬
‫بقصبة سهمٍ‪،‬‬
‫بارز ٍة فوق حرفِ الكنانة·‬
‫دفعت اللهة ابنها‪ ،‬عندما أحسّت‬
‫أنها جُرحتْ‪،‬‬
‫غير أن الجرح كان أعمق مما تراءى‪،‬‬
‫وهي نفسها خدعتها عيناها في بادئ المر·‬

‫فتنها جمال الشابّ‪،‬‬


‫يجري الزّمن طائرًا بأجنحته الخفيّة‪،‬‬
‫ويمضي دون أن ننتبه إليه·‬
‫ل شيء أكثر سُرع ًة من السّنوات‪،‬‬
‫فهذا الذي كان ابنَ أخته وجدّه‪،‬‬
‫والذي كان‪ ،‬منذ عهدٍ قريب‪ ،‬سجيناً في شجرةٍ‪،‬‬
‫ورأى النور‪،‬‬
‫ل وليداً جميلً‪،‬‬
‫وكان أمس ل يزال طف ً‬
‫ها هو‪ ،‬اليوم‪ ،‬فتىً‪،‬‬
‫ها هو‪ ،‬اليوم‪ ،‬رجلٌ‬
‫وها هو‪ ،‬بجماله‪ ،‬يتفوّق على نفسه·‬
‫وها هو‪ ،‬يفتن فينوس ذاتها‪،‬‬
‫ويثأر منها للهيام الذي دُفعت أمّه إليه·‬
‫ذلك أن ابن فينوس‪ ،‬الله الصّغير‪ ،‬حامل الكنانة‬
‫ي فيما يعطي قبلةً‬ ‫لمس الصّدر الموم ّ‬
‫إلى فينوس‪،‬‬
‫ودون أن يعرف‪،‬‬
‫بقصبة سهمٍ‪،‬‬
‫بارز ٍة فوق حرفِ الكنانة·‬
‫دفعت اللهة ابنها‪ ،‬عندما أحسّت‬
‫أنها جُرحتْ‪،‬‬
‫غير أن الجرح كان أعمق مما تراءى‪،‬‬
‫وهي نفسها خدعتها عيناها في بادئ المر·‬

‫فتنها جمال الشابّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪554 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪555 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪612 :‬‬

‫فنسيت شواطئ كيثيرا (‪، )Cythèra‬‬


‫وهجرت بافوس التي يطوّقها بح ٌر عميقٌ·‬
‫وكنيدوس (‪ )Cnidos‬المشهورة بالسماك‪،‬‬
‫وآماتوس الغنيّة بالمعادن·‬
‫لم تعد تظهر حتى في السماء‪:‬‬
‫صارت تفضّل أدونيس على السّماء·‬
‫ل مكان‪،‬‬‫تعلّقت بخطواته‪ :‬ترافقه في ك ّ‬
‫وتشرد هنا وهناك‪،‬‬
‫في الجبال والغابات والصّخور الكثيرة الدّغل‪،‬‬
‫رافعةً ثوبَها إلى ركبتيها كمثل اللهة ديانا‪،‬‬
‫وهي التي اعتادت دائماً على الرّاحة الهادئة‬
‫تحت الظّلل‪ ،‬وعلى التزيّن وإبراز جمالها·‬

‫كانت تحرّض الكلب وتطارد الحيوانات‬


‫التي يُمكن اصطيادها دون خطر‪ ،‬ـ‬
‫الرانب السّريعة الهرب‪ ،‬مطأطأةَ الرّأس‪،‬‬
‫واليائل ذات القرون العالية‪،‬‬
‫أو تلك السّمراء·‬
‫كانت تقف على مسافةٍ من الخنازير البريّة‬
‫التي تُخيف بقوّتها‪،‬‬
‫وتتجنّب الذئاب الخاطفة‪،‬‬
‫والدّببة المسلّحة بالظافر‪،‬‬
‫والسودَ التي تكرعُ دماء الثيران·‬
‫وكانت تُلزمك أنت كذلك‪ ،‬يا أدونيس‪،‬‬
‫بالخوف من هذه الحيوانات·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪555 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪556 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪613 :‬‬

‫كانت تريدك أن تفيدَ من نصائحها‪:‬‬


‫"كنْ باسلً في وجه الطّريدة التي تهربُ أمامك·‬
‫ومن الخطر أن تجابه تلك التي تجابهك·‬
‫احذر‪ ،‬يا حبيبي الفتيّ‪،‬‬
‫من أن تكون متهوّرا‪ ،‬وتجازفَ بسعادتي·‬
‫ل تهاجم أبداً الحيوانات التي سلّحتها الطّبيعة·‬
‫ل أريد أن أدفع ثمناً غالياً لشهامتك·‬
‫عمركَ وجمالك اللذان فتنا فينوس‬
‫ل يعرفان أن يفتنا السود‪ ،‬والخنازير البرّية‬
‫الحريريّة الوبر‪،‬‬
‫أو أن يؤثرا في عيون الحيوانات المتوحّشة وقلوبها·‬
‫الخنازير البريّة العنيدة‬
‫تحمل الصّاعقة في أنيابها المقوّسة·‬
‫والسود ذوات الشّعر الصهب‬
‫ذوات انقضاض عنيف‪،‬‬
‫ول شيء يُقاوم غضبها·‬
‫إنه جنسٌ أمقته·"‬
‫عندما سألها أدونيس عن سبب ذلك‪ ،‬أجابت‪:‬‬
‫"سأخبرك·‬
‫فأصغِ إلى قصّة جريمةٍ أصبحت قديمة‪،‬‬
‫تتلوها معجزةٌ ستملؤك بالدّهشة·‬
‫غير أنني أشعر بالتّعب‬
‫نتيج ًة لنهماكٍ غريبٍ عليّ·‬
‫ها هي تماماً في الوقت المناسب‪،‬‬
‫شجرةُ حور يدعونا ظلّها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪556 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪557 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪614 :‬‬

‫والعشب يقدّم لنا فراشاً·‬


‫ب أن أتمدّد هنا‬
‫أح ّ‬
‫على الرض‪ ،‬معك·"‬
‫في الحال تمدّدت‪ ،‬ضاغطةً بجسمها‬
‫على العشب وعلى حبيبها معاً·‬
‫وضعت رأسها على صدر الفتى‪،‬‬
‫مُنقلبةً على ظهرها‪،‬‬
‫وبدأت تروي هذه الحكاية‬
‫التي كانت تقطعها أحيانًا بقبلتها·‬

‫آتلنتا (‪)Atlanta‬‬

‫ت بها‪،‬‬‫"كانت هناك امرأة ربّما سمع َ‬


‫تتفوّق في الرّكض حتى على الرّجال‬
‫المشهورين بأنّهم عدّاؤون·‬
‫وما يُحكى عنها ليس خرافةً‪،‬‬
‫فالواقع أنها كانت تبذّهم جميعاً·‬
‫يصعب تحديد ما كان فيها موضع العجاب الشدّ‪:‬‬
‫أسُرعة قدميها‪،‬‬
‫أم كمال جمالها·‬
‫ذات يوم سألت الله إن كان عليها‬
‫أن تتخذ زوجاً‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"زوجٌ! كلّ يا أتلنتا‪،‬‬
‫ل يلزمك هذا أبداً·‬
‫اهربي من الزوج·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪557 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪558 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪615 :‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬لن تفلتي منه‪،‬‬


‫وتعيشين‪ ،‬لكن دون أن تكوني أنت نفسك·"‬
‫أرعبها جوابُ الله‪،‬‬
‫ت كثيفة‪،‬‬
‫فمضت الفتاة تعيش في غابا ٍ‬
‫وكانت تضع بقسوةٍ على جموع طالبي الزواج منها‪،‬‬
‫شرطاً يدعوهم إلى الهرب‪،‬‬
‫كانت تقول لهم‪:‬‬
‫"لن يتزوّجني أح ٌد منكم‪،‬‬
‫إلّ إذا غلبني في مباراة ال َعدْو‪،‬‬
‫فتسابقوا معي‬
‫وسوف يتلقّى الكثر سُرعةً‪ ،‬ثمنًا لنتصاره‬
‫هو يدي وفراشي·‬
‫وأولئك الذين أتفوّق عليهم‬
‫سيدفعون حياتهم ثمناً لهزيمتهم·‬
‫ذلك سيكون قانون المباراة·"‬
‫كان هذا القانون وحشيّا‪،‬‬
‫ل أبداً (فما أعظم قوّة الجمال!)‪،‬‬
‫غير أنه لم يح ْ‬
‫دون أن يتسارع للمباراة‪،‬‬
‫ع من طالبي الزواج·‬ ‫جمهورٌ شجا ٌ‬

‫كان هيبّومينيس (‪ )Hippomenes‬جالسًا‬


‫بين من يشاهدون هذه المباراة غير المتكافئة·‬
‫وكان يتساءل ساخراً‪:‬‬
‫"هل تمكن مجابهة مثل هذا الخطر الشديد‪،‬‬
‫للفوز بزوجةٍ ؟"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪558 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪559 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪616 :‬‬

‫وينتقد إفراط الفتيان·‬


‫لكن عندما رأى وجه آتلنتا وجسمها‬
‫مجرّدا من براقعه‪،‬‬
‫الجميل كجسمي‪،‬‬
‫أو كجسمك لو صرت امرأة‪،‬‬
‫خذَ بها‪ ،‬ورفع يديه‪ ،‬صارخاً‪:‬‬ ‫أِ‬
‫ت أتّهمهم‬
‫"عفوكم‪ ،‬يا من كن ُ‬
‫منذ قليل‪،‬‬
‫فلم أكن أعرف المكافأة التي تتنافسون عليها·"‬
‫ولفرط ما مجّدها‪،‬‬
‫التهب حبّا‪ ،‬هو نفسه·‬
‫ي منهم‬ ‫وأخذ يرجو ألّ يسبقها أ ّ‬
‫في المباراة‬
‫فالغيرة خلقت فيه الخوف من ذلك·‬
‫وقال في نفسه‪:‬‬
‫"لماذا ل أجرّب الحظ‪ ،‬أنا كذلك‪،‬‬
‫في هذا السّباق ؟‬
‫اللهة أنفسهم يؤازرون الشّجعان·"‬
‫فيما كان هيبومينيس يُشاور نفسه‪،‬‬
‫كانت العذراء تطير بخطو ٍة مجنّحة·‬
‫ومع أنّها كانت تخرق المسافة أمام عيني‬
‫الفتى اليونيّ‪ ،‬بسرعةٍ كسرعة السّهم السّيثيّ‪،‬‬
‫ت مضى·‬ ‫ب بجمالها‪ ،‬أكثر من أيّ وق ٍ‬ ‫فقد أعجِ َ‬
‫والحقّ أنّ العدْوَ زادها جمالً·‬
‫كان الهواء يُحرّك أشرطة عقبيها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪559 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪560 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪617 :‬‬


‫وراء قدميها الخفيفتين‪،‬‬
‫وكان شعرها يُرى متطايراً على كتفيها العاجيّتين‪،‬‬
‫وتُرى الشرطة المهدّبة بالزّركشات‬
‫تزيّن ركبتيها·‬
‫كان البياض البتوليّ لجسمها موشّحا بلونٍ قرمزيّ‪،‬‬
‫كمثل بياض فناءٍ يعكس ظلّة الرجوان التي تغطّيه·‬
‫وفيما كان الغريب يرى هذا المشهد‪،‬‬
‫كان اجتياز الحدّ قد تمّ في أقصى الميدان·‬
‫وتلقّت آتلنتا المنتصرة‬
‫تاج العياد على جبهتها·‬
‫وصعّد المغلوبون آهاتهم‬
‫خاضعين للعقاب المقرّر·‬

‫مع ذلك‪ ،‬توجّه هيبومينيس إلى وسط الحلبة‪،‬‬


‫دون أن يُرعبه مصيرهم الكئيب‪،‬‬
‫وقال‪ ،‬مثبّتا نظراته على الفتاة‪:‬‬
‫"لماذا تبحثين عن المجد في انتصار سهلٍ‬
‫على منافسين ضعفاء ؟‬
‫عليك أن تتباري معي·‬
‫إن أعطاني الحظّ الفوز‪،‬‬
‫فلن يكون لك أن تخجلي‬
‫ل كمثلي غلبك·‬‫لنّ رج ً‬
‫أبي هو ميغاروس (‪ ، )Mégareus‬ملك أونشيستوس (‪)Onchestus‬‬
‫جدّه نبتون (‪ ، )Neptune‬فأنا ابن حفيد‬
‫ملك المياه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪560 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪561 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪618 :‬‬

‫وقدْري ليس تابعاً لمنشأي·‬


‫إن غُلبتُ‪ ،‬فإنّ انتصارك على هيبومينيس‪،‬‬
‫سيمنحك شهرةً هائلةً وأبديّة·"‬
‫فيما كان يتكلّم‪ ،‬كانت ابنة شونيوس (‪)Schoeneus‬‬
‫تلقي عليه نظر ًة عذبةً‪ ،‬وتتساءل‬
‫ما إذا كان عليها أن تتمنّى الهزيمة أو النّصر‪،‬‬
‫قائلة‪:‬‬
‫"أيّ إل ٍه عدوّ للشبّان الفاتنين‪،‬‬
‫يريد خسارة هذا الشابّ‬
‫فيدفعه لكي يُغامر بحياته الغالية‪،‬‬
‫طلباً للقتران بي ؟‬
‫هذا ثمنٌ ل أرى أنني أساويه·‬
‫ليس جماله هو الذي يؤثر فيّ‬
‫(وإن كان يُمكنه أن يؤثر فيّ)‬
‫وإنما ل يزال طفلً‪،‬‬
‫وليس هو الذي يثير شفقتي‪ ،‬بل عمره·‬
‫وماذا أقول عن روحه الشّجاعة التي ل تخاف الموت ؟‬
‫ث ّم إنّه في الرّتبة الرّابعة من سللة سيّد البحار·‬
‫ويُحبّني‪ ،‬ويعطي قيمة كبيرة لسعادة الزواج بي‪،‬‬
‫إلى درجة استعداده للموت‪،‬‬
‫إن حال قدرٌ غاشم بيني وبين أمنياته·‬
‫ب مني‪ ،‬ما دام ثمّة وقتٌ‪ ،‬أيّها الغريب‪،‬‬ ‫اهر ْ‬
‫ارفضْ فراشي المدمّى·‬
‫زواجيَ‪ ،‬قاسٍ‪،‬‬
‫ول وجود لمرأ ٍة ل تقبل أن تتّحد بك·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪561 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪562 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪619 :‬‬

‫يمكن أن تعجب فتاةً تعرف كيف تقدّرك·‬


‫لكن‪ ،‬لماذا ينبغي أن أهت ّم بك‪،‬‬
‫ل بسببي كثيرون آخرون ؟‬ ‫وقد سبق أن قُت َ‬
‫له أن يقرّر·‬
‫ليمت إذن‪،‬‬
‫ما دام لم يأخذ أمثول ًة من موت كثيرين‬
‫طلبوا الزواج بي‪،‬‬
‫وما دام يذهب إلى درجة احتقار الحياة·‬
‫إذن‪ ،‬هل يموت لنه أراد‬
‫أن يعيش معي ؟‬
‫هل يكون الثمن الذي يدفعه لحبّه‬
‫موتًا ل يستحقّه ؟‬
‫سيولّد انتصاري حقداً عليّ ل يرحم‪،‬‬
‫غير أنّ الخطأ في ذلك ليس خطأي·‬
‫فلتعدل عن قرارك‪ ،‬أو ما دمتَ فقدتَ عقلك‪،‬‬
‫فلتكن الكثر سُرعةً!‬
‫لكن يا للمظهر البتوليّ‬
‫على وجه هذا الطفل!‬
‫آه‪ ،‬أيّها التاعس هيبومينيس‪،‬‬
‫لماذا رأتني عيناك ؟‬
‫أنتَ حقّا جديرٌ بالحياة·‬
‫لو أنني أكثر سعادةً‪،‬‬
‫لو أن القدار المُعادية لم تحرّم عليّ الزواج‪،‬‬
‫لكنت أنت الوحيد الذي أودّ‬
‫أن أشاركه سريري·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪562 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪563 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪620 :‬‬

‫كانت تتكلّم بسذاجةٍ‪ ،‬وقد جرحها‪،‬‬


‫للمرّة الولى‪ ،‬إله الرّغبة‪،‬‬
‫جاهلةً ما سيُصيبها‪،‬‬
‫عاشقةً دون أن تدري أنها عاشقة·‬

‫أخذ الشعب والكبار يُطالبون‬


‫ببدء المباريات المعتادة‪،‬‬
‫ي سليل نبتون‪ ،‬هيبومينيس‪،‬‬ ‫عندما توسّل إل ّ‬
‫بصوتٍ قلقٍ‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"أتضرّع إلى إلهة كيثيرا‬
‫أن تؤازرني في ما أقوم به‪،‬‬
‫وأن تحمي اللّهب الذي أشعلته في قلبي·"‬
‫حمل إليّ النّسيم اللطيف هذا الرّجاء الشّجيّ‪،‬‬
‫وأعترف أنني تأثرت به‪،‬‬
‫ولم تتأخر مؤازرتي له·‬
‫ل يُسمّيه أهل البلد حقلَ تاماسوس (‪)Tamasus‬‬ ‫ثمّة حق ٌ‬
‫هو الكثر خصباً في جزيرة قبرص·‬
‫نذره لي أجدادهم سابقاً‪،‬‬
‫وأضافوا هذه الهبة إلى مزايا الهياكل الخاصّة بي·‬
‫في وسط هذا الحقل‪،‬‬
‫تتألّق شجرةٌ‪ ،‬يُسمعُ حفيفُ غصونها الذهبيّة الشّقر‪،‬‬
‫الشّبيهة بالضّفائر·‬
‫ت تمامًا من هذا المكان‪،‬‬
‫وصل ُ‬
‫حامل ًة بيدي ثلث تفّاحات ذهبيّة‬
‫قطفتهنّ منها· ‪14‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ت من أحد هياكلها في قبرص·‬


‫‪ 14‬كان التفاح منذوراً لفينوس· وما أعطته لهيبومينيس آ ٍ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪563 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪564 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪621 :‬‬

‫ل هيبومينيس‪،‬‬ ‫لم يكن يراني أحدٌ إ ّ‬


‫فاقتربت منه وقلت له ماذا‬
‫يتوجّب عليه أن يفعل·‬
‫كانت البواق قد أعلنت بدء المباراة·‬
‫كان المتنافسان منحنيين إلى المام‪،‬‬
‫فانطلقا خارج الحاجز‪،‬‬
‫ولمسا بخطواتهما السّريعة سطح الرّمل·‬
‫وبدا أنهما يقدران أن يسيرا مع أمواج البحر‪،‬‬
‫دون أن يُبلّل أقدامهما‪،‬‬
‫ويجريان فوق سنابل حصادٍ أشقرَ‪،‬‬
‫دون أن تنحني·‬
‫كانت الهتافات المتعاطفة مع الفتى‬
‫تشجّعه ـ صارخةً‪:‬‬
‫"ها هي ـ ها هي اللّحظة‬
‫التي يجب أن تسرع فيها!‬
‫أسرع يا هيبومينيس‪،‬‬
‫هذه هي اللحظة التي يجب‬
‫أن تعطي فيها طاقتك كلّها·‬
‫ل تضيّع لحظةً‪،‬‬
‫وسوف تنتصر·"‬
‫ربّما كانت ابنة شينيوس هي الكثر فرحاً‬
‫بهذه الكلمات‪ ،‬من البطل ابن ميغاريوس·‬
‫أوه! كم مرّة كان بإمكانها أن تكون السبّاقة‪،‬‬
‫فتباطأت لكي ترى الوجه الثير‪،‬‬
‫دون أن تحوّل عينيها عنه إلّ على مضض!‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪564 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪565 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪622 :‬‬

‫غير أنّ التّعب بدأ يُنشّف فمَ‬


‫هيبومينيس الّلهث‪ ،‬ول يزال الح ّد بعيداً·‬
‫آنذاك قذف سليل نبتون‬
‫بإحدى ثمار شجرتي‪ ،‬الثلث·‬
‫فوجئت الفتاة‪ ،‬والتفتت وهي تعدو‪،‬‬
‫منجذبةً بالتّفاحة المتوهّجة‪ ،‬والتقطت الذّهب‬
‫الذي يتدحرج على الرض·‬
‫فتجاوزها هيبومينيس‪،‬‬
‫وأخذ التصفيق يُدوّي في حرم المشهد·‬
‫غير أنّ آتلنتا استدركت‪ ،‬بقفزةٍ سريعةٍ‪،‬‬
‫الزمن الذي أضاعته بوقفتها هذه‪،‬‬
‫تاركةً الفتى وراءها من جديد·‬
‫تأخرّت مرّة ثانية بتفّاحة‬
‫رُميتْ أمام قدميها‪،‬‬
‫لكنها لحقت به‪ ،‬وتجاوزته كذلك·‬
‫بقي الجزء الخير من الميدان لجتيازه‪،‬‬
‫فصرخ قائلً‪:‬‬
‫"هذه هي اللحظة التي‬
‫تساعدينني فيها‪ ،‬أيّتها اللهة‬
‫التي أدين لها بهذه العطيّة السّماويّة"·‬
‫وقذف سليل نبتون بالذهب المتللئ جانبيّا‪،‬‬
‫في جهة من الحلبة لكي يؤخر عودة منافسته‪،‬‬
‫ل ما فيه من قوّة الشّباب·‬ ‫مستخدماً ك ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪565 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪566 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪623 :‬‬


‫فبدت الفتاة كأنها تتساءل‬
‫ما إذا كانت تذهب لكي تأخذه·‬
‫آنذاك أجبرتُها على التقاطه‪،‬‬
‫وأضفتُ إلى الثقل الذي تحمله‬
‫ثقلَ التفّاحة التي التقطتها‪،‬‬
‫بحيث يعمل ضدّها في آنٍ‪ ،‬الزمن الضائع‪،‬‬
‫والعبء الذي تحمله·‬
‫أخيراً لكي ل تكون حكايتي أكثر بطئاً‬
‫عدْوها ذاته‪،‬‬
‫من َ‬
‫سُبقتِ الفتاةُ‪ ،‬وتزوّج المنتصر‬
‫تلك التي كانت ثمناً لكفاحه·‬

‫أل أستحقّ‪ ،‬يا أدونيس‪ ،‬أن يُقدّم لي‬


‫الشّكر والحمد‪ ،‬وأن يُرفع لي تحيّة‪ ،‬بخوره ؟‬

‫لقد نسي نعمي عليه‪،‬‬


‫ولم يقدّم لي ل الشكر ول الحمد‪ ،‬ول البخور·‬
‫وفي الحال تحوّلت طيبتي إلى غضبٍ‪،‬‬
‫فأخذني الغيظ من ازدرائه‪،‬‬
‫ولم أردْ أن أعرّض نفسي لشتائم الجيال المُقبلة‪،‬‬
‫هكذا قرّرت أن أجعل منه أمثولةً‪،‬‬
‫محتدمةً غضباً أنا نفسي على الزوجين·‬
‫كان هناك هيكلٌ بناه سابقاً‪ ،‬وفا ًء لنذر نذره‪،‬‬
‫إيخيون الشهير ‪ ، )Echion( 15‬ل ّم اللهة‪،‬‬
‫في أعماقِ غابةٍ كثيفة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ق ولد من أسنان التنين التي زرعها قدموس‪( ،‬انظر الكتاب الثالث)‪ ،‬وهو ابو بانتيوس (‪)Pentheus‬‬
‫‪ 15‬إيشيون عمل ٌ‬
‫·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪566 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪567 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪224 :‬‬

‫وذات يوم‪ ،‬كانا يمرّان قرب هذا الهيكل‪،‬‬


‫فدفعهما تعبُ طريقٍ طويلٍ إلى الرّاحة·‬
‫هناك‪ ،‬سيطرت على هيبومينيس رغبةٌ عارمةٌ‬
‫بألعاب الحبّ‪ ،‬أثارتها فيه إرادتي·‬
‫كان يقوم قرب الهيكل كوخٌ ضعيفُ الضاءة‪،‬‬
‫يشبه المغارة‪ ،‬ويحتمي تحت قبّة‬
‫طبيعيّة من الرض ذات تكوين رسوبيّ·‬
‫ج ُد منذ أزمن ٍة بعيدةٍ‬‫وكان يُمَ ّ‬
‫بوصفه مكانًا مقدّسا·‬
‫كان كاهنه قد جمع فيه تماثيل قديمةً‬
‫من الخشب‪ ،‬تمثّل اللهة·‬
‫دخل هيبومينيس إلى حرمه ودنّسه‬
‫مُنتهكًا إيّاه بسلوكٍ شائن·‬
‫كانت الصّور المقدّسة تشيح بنظراتها‪،‬‬
‫وكانت أم اللهة‪ ،‬بتاجها ذي البراج‪،‬‬
‫ق الثمينَ في مياه ستيكس·‬ ‫تتساءل إن كانت ستُغر ُ‬
‫ن هذا العقاب سيكون خفيفاً·‬ ‫وبدا لها أ ّ‬
‫إذّاك‪ ،‬تغطّى عنقاهما‪ ،‬النقيّان من هنيهة‪،‬‬
‫بعُفرةٍ شقراء‪ ،‬وتقوّست أصابعهما‬
‫في شكل براثن‪ ،‬ونشأت في أكتافهما أرجلٌ‪،‬‬
‫وانتقل ثقل جسميهما كلّه‪ ،‬إلى صدريهما‪،‬‬
‫ل منهما ذيلٌ‪،‬‬ ‫وصار لك ّ‬
‫يكنس وجه الرّمل·‬
‫وها هي نظراتهما تعبّر عن الغضب‪،‬‬
‫وبدلً من الكلم‪،‬‬
‫وذات يوم‪ ،‬كانا يمرّان قرب هذا الهيكل‪،‬‬
‫فدفعهما تعبُ طريقٍ طويلٍ إلى الرّاحة·‬
‫هناك‪ ،‬سيطرت على هيبومينيس رغبةٌ عارمةٌ‬
‫بألعاب الحبّ‪ ،‬أثارتها فيه إرادتي·‬
‫كان يقوم قرب الهيكل كوخٌ ضعيفُ الضاءة‪،‬‬
‫يشبه المغارة‪ ،‬ويحتمي تحت قبّة‬
‫طبيعيّة من الرض ذات تكوين رسوبيّ·‬
‫ج ُد منذ أزمن ٍة بعيدةٍ‬‫وكان يُمَ ّ‬
‫بوصفه مكانًا مقدّسا·‬
‫كان كاهنه قد جمع فيه تماثيل قديمةً‬
‫من الخشب‪ ،‬تمثّل اللهة·‬
‫دخل هيبومينيس إلى حرمه ودنّسه‬
‫مُنتهكًا إيّاه بسلوكٍ شائن·‬
‫كانت الصّور المقدّسة تشيح بنظراتها‪،‬‬
‫وكانت أم اللهة‪ ،‬بتاجها ذي البراج‪،‬‬
‫ق الثمينَ في مياه ستيكس·‬ ‫تتساءل إن كانت ستُغر ُ‬
‫ن هذا العقاب سيكون خفيفاً·‬ ‫وبدا لها أ ّ‬
‫إذّاك‪ ،‬تغطّى عنقاهما‪ ،‬النقيّان من هنيهة‪،‬‬
‫بعُفرةٍ شقراء‪ ،‬وتقوّست أصابعهما‬
‫في شكل براثن‪ ،‬ونشأت في أكتافهما أرجلٌ‪،‬‬
‫وانتقل ثقل جسميهما كلّه‪ ،‬إلى صدريهما‪،‬‬
‫ل منهما ذيلٌ‪،‬‬‫وصار لك ّ‬
‫يكنس وجه الرّمل·‬
‫وها هي نظراتهما تعبّر عن الغضب‪،‬‬
‫وبدلً من الكلم‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪567 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪568 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪625 :‬‬

‫صارا يُطلقان زئيراً·‬


‫وبدلً من غرف القصر‪،‬‬
‫صارا يسكنان الغابات·‬
‫فلقد تحوّل إلى أسدٍ ولبؤة‪،‬‬
‫ل اللهة سيبيل‬ ‫يُخيفان الجميع إ ّ‬
‫التي يضغطان على عنانها‬
‫بين أسنانهما الخاضعة·‬
‫تجنّبهما‪ ،‬يا حبيبي‪،‬‬
‫كمثل ما تتجنّب جميع أنواع الحيوانات المتوحّشة‪،‬‬
‫التي تبرز صدورها للقتال‪،‬‬
‫بدلً من أن تدير ظهورها هاربةً·‬
‫حاذر من أن تكون شجاعتك‬
‫وبالً علينا نحن الثنين·"‬

‫تلك كانت نصائح فينوس·‬


‫وها هي تأخذ طريق السّماوات‬
‫في عربتها التي تحملها‬
‫طيور التّم·‬
‫وحدث أنّ الكلب لحقت أثر خنزيرٍ برّي‬
‫نفّرته من وجاره‪،‬‬
‫وكان يوشك أن يخرج من الغابة‪،‬‬
‫عندما طعنه البطل الشابّ‪ ،‬ابن سينيراس‪،‬‬
‫بضربةٍ مائلة·‬
‫وفي الحال‪ ،‬انتزع الحيوان بفنْطيسَتهِ المقوّسة‪،‬‬
‫الحربة المصبوغة بدمه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪568 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪569 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪626 :‬‬

‫ارتعب أدونيس وبحث عن ملجأ‬


‫غير أن الخنزير الشرس لحقه‪،‬‬
‫وغرز أنيابه في ثنية فخذه‬
‫وتركه يتمدّد مُحتضراً‬
‫على الرمل الصهب·‬
‫لم تكن بعد إلهة سيتيرا‪،‬‬
‫المحمولة عبرَ الفضاء في عربتها الخفيفة‪،‬‬
‫قد وصلت إلى قبرص‪ ،‬حيث كانت تقودهاأجنحة طيورها‪،‬‬
‫عندما تعرّفت من بعيد على أنين المحتضر‪،‬‬
‫فوجّهت نحوه طيورها البيض·‬
‫رأته من أعالي الفضاء‪ ،‬فاقداً وعيه‪،‬‬
‫يتخبّط في دمه·‬
‫وفي الحال‪ ،‬قفزت إلى الرض‪،‬‬
‫وانتزعت براقع صدرها‪،‬‬
‫ونثرت شعرها‪ ،‬لطمةً صدرَها‬
‫بيديها اللتين لم تُخلقا لهذه المُهمّة·‬
‫قالت‪ ،‬متّهمة القدر‪:‬‬
‫"كلّ‪ ،‬ليس كلّ شيء خاضعاً لقضائك·‬
‫ستبقى إلى البد‪ ،‬يا أدونيس الغالي‪،‬‬
‫ذكرى ألمي‪:‬‬
‫مشهد موتك‪ ،‬الذي سيُمثّل دوريّا‪،‬‬
‫سيذكّر كلّ سنةٍ بحزني ونواحي·‬
‫وسوف يتحوّل دمك إلى زهرةٍ·‬
‫ماذا! استطعتِ‪ ،‬يا بيرسيفونا‪،‬‬
‫فيما مضى‪ ،‬أن تصنعي من جسم امرأةٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪569 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪570 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪628 :‬‬

‫النّعناع الطّيب الرّائحة· ‪16‬‬


‫وأنا هل أكون ملومةً‬
‫إن أعطيت إلى هذا البطل‪،‬‬
‫إلى ابن سينيراس‪ ،‬شكلً جديداً ؟"‬

‫ثم سكبت على دم الشابّ رحيقاً عطراً‪،‬‬


‫وسُرعان ما فا َر كمثلِ فقّاعات‬
‫شفّافة‪ ،‬تصعد من أعماق غدير‬
‫إلى سطح مياهه الصّفراء·‬
‫ض أكثر من ساعةٍ‬ ‫ولم يم ِ‬
‫حتى وُلدت من هذا الدّم‪،‬‬
‫زهرةٌ بلونه نفسه‪،‬‬
‫تشبه زهرة الرّمان‬
‫التي تخبّئ حبوبها تحت قشر ٍة ناعمةٍ·‬
‫لكن‪ ،‬ل يُمكن الستمتاع بها طويلً‪،‬‬
‫ذلك أنها‪ ،‬لخ ّفتِها الكثيرة‪،‬‬
‫ولثباتها الهشّ‪،‬‬
‫تسقط‪ ،‬وتُسقطها‬
‫هذه التي تُعطيها اسمها‪ :‬الرّيح· ‪17‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 16‬كانت منتيوس (‪ )Mentheus‬محبوبة بلوتون‪ ،‬قد تحوّلت إلى نعناع‪ ،‬بفعل بروزربين (‪ )Proserpine‬التي تغار‬
‫منها‪ ،‬أو بفعل الله الذي جعلها بهذا التّحوّل تتخلّص من الهموم التي عاقبتها بها اللهة·‬
‫‪ 17‬كان اسم زهرة شقائق النعمان (‪ )anèmone‬مرتبطاً باسم الرّيح‪ :‬آنيموس (‪·)Anémos‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪570 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪571 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪631 :‬‬

‫الكتاب الحادي عشر‬

‫مـــــوت أورفـــيوس‬
‫عقــاب السّـكيرات‬
‫مــــــــــيــــــــــــداس‬
‫لوميدون وهيزيونا‬
‫بيـــــليوس وتيتيس‬
‫ديــــــــــدالــــــــيون‬
‫ذئــــــــب بّيـــليوس‬
‫ســايكس وآلكـيونا‬
‫إلــــــــــــه النّـــــــوم‬
‫إيـــــــــــزاكـــــــوس‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪571 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪572 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪633 :‬‬

‫موت أورفيوس‬

‫فيما كان شاعرُ تراقيا‬


‫يجتذب بأنغامه الغابات وحيوانات البرّ‬
‫ويجعل الصّخور ذاتها تسير وراءه‪،‬‬
‫ت من تراقيا‬ ‫كانت نساء مهووسا ٌ‬
‫يُغطّين صدورهنّ بجلود الحيوانات‪،‬‬
‫يُراقبنَ من أعالي ربوةٍ‬
‫أورفيوس يؤالف بين أناشيده‪،‬‬
‫ونغمات الوتار التي تضربها أصابعه·‬

‫حرّكت إحدى النّساء شعرها‬


‫في الهواء الناعم‪ ،‬صارخةً‪:‬‬
‫"هوذا‪،‬‬
‫ها هو الشخص الذي يحتقرنا!"‬
‫وضربت بمزراقها فم الشّاعر‪ ،‬العذب النغام‪،‬‬
‫الذي يحبّه أبّوللون·‬
‫غير أن رأس المزراق المغطّى بالورق‬
‫ترك أثراً‪ ،‬ولم يجرحه·‬
‫تناولت أخرى حجراً‪،‬‬
‫وقذفته في الفضاء نحوه‪،‬‬
‫غير أنه غُلبَ في طريقه‬
‫بتناغماتِ الصّوت والقيثارة‪،‬‬
‫وسقط عند قدميْ أورفيوس‪،‬‬
‫كأنه كان يطلب صفحَه‬
‫عن هذا الغضب الثم·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪572 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪573 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪634 :‬‬

‫تضاعفت شجاعة عدوّاته‪،‬‬


‫ن عليه‪ ،‬ولم يعد أيّ شيء يثنيهنّ عنه·‬‫فهجم َ‬
‫لم يعدن يُطعنَ إلّ إيرينيس (‪ )Erinys‬الهائجة·‬
‫كانت عذوبة النغام ستفلّ حرابهنّ‪،‬‬
‫لول أن صراخهن المدوّي‬
‫ومزمار بيريسنثا (‪ ، )Bérécynthe‬المقوّس الفتحة‪،‬‬
‫والطّبول الطويلة‪ ،‬والتّصفيق باليدي‪،‬‬
‫وصياح الباخوسيّات ـ لول أن هذا كلّه‬
‫لم يحجب صوتَ القيثارة·‬
‫أخيراً لم يعد الشاعر مسموعاً‪،‬‬
‫وتبقّعت الحجارة بدمه·‬

‫كانت الضّحايا الولى تلك الحيوانات‬


‫التي اجتذبتها أنغامه وبقيت جامد ًة من شدّة إعجابها‪:‬‬
‫ل من الحيوانات البريّة·‬‫طيو ٌر ل تُحصى‪ ،‬أفاعٍ‪ ،‬قطيعٌ كام ٌ‬
‫هذه الشّهادة على انتصار أورفيوس‪،‬‬
‫سلبته إيّاها السّكيرات الفاجرات·‬
‫ثمّ وجّهن أيديهنّ المدمّاة‬
‫إلى أورفيوس نفسه·‬
‫تجمّعن كمثل الطّيور التي ترى طائر الليل‬
‫يشرد مغامراً في وضَح النهار·‬
‫ورأى الشاعر هذه النساء يسرنَ إليه‬
‫ويضربنه بمزاريقهنّ‪ ،‬المزيّنات بالورق الخضر‪،‬‬
‫والتي لم تكن مصنوع ًة لهذا الغرض·‬
‫كان كمثل أيّل حكم عليه بالموت صباحاً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪573 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪574 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪635 :‬‬

‫في حلبة المُدرّج‪ ،‬وسيُطرح فريسةً للكلب·‬


‫كانت بعضهنّ ترفع عليه ال َمدَر‪،‬‬
‫وبعضهنّ أغصانًا كُسرتْ من الشجر‪،‬‬
‫وبعضهنّ أحجاراً·‬
‫فقد كان كلّ شي ٍء جيداً لتسليحِ غضبهنّ·‬
‫وكانت في الجوار ثيران تحرث الرض‬
‫تحت ثقلِ المحراث‪،‬‬
‫وفلحون يحفرون التربة المتمرّدة بأذرعهم القويّة‪،‬‬
‫ويُهيّئون بالعرق الغزير الحصادَ·‬
‫لكن‪ ،‬عندما رأوا هذا القطيع من النساء‬
‫هربوا‪ ،‬تاركين أدوات عملهم·‬
‫وها هي‪ ،‬في الرّيف المُقفر‪ ،‬تنطرحُ مبعثرةً‪،‬‬
‫المعازقُ‪ ،‬والمماشطُ الثقيلة‪ ،‬والمعاول الطويلة·‬
‫استحوذت عليها السّكيرات‪ ،‬ساخطاتٍ·‬
‫قطّعن‪ ،‬إرباً إرباً‪ ،‬الثيران ذات القرون المُخيفة‪،‬‬
‫وأتيْنَ راكضاتٍ لكي يُجهزنَ على الشاعر‬
‫ي اللهة·‬‫نج ّ‬
‫مدّ إليهنّ يديه‪ ،‬متمتماً بضعَ كلماتٍ‬
‫بقيت‪ ،‬للمرّة الولى‪ ،‬دون أيّ تأثير·‬
‫لم يعد أيّ شيء ينفعل بصوته‪،‬‬
‫وها هنّ النساء المُنتهكاتُ‬
‫يضربنهُ الضّربة القاضية·‬
‫وصعدت روحه‪ ،‬يا جوبيتر‪ ،‬طائرةً في الفضاء‬
‫من ذلك الفم الذي جعل الحيوانات البريّة تفهمه‪،‬‬
‫وجعل الصّخور تُصغي إليه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪574 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪575 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪636 :‬‬

‫بكت عليكَ‪ ،‬يا أورفيوس‪ ،‬الطّيور الحزينة‪،‬‬


‫وجموع الحيوانات البريّة‪ ،‬والصّخور الصّلدة‬
‫والغابات التي طالما فتنتْها أناشيدك·‬

‫من أجلكَ‪ ،‬أعلنتِ الشجار الحدادَ‬


‫فتعرّت من أوراقها‪،‬‬
‫وتركت لجدائلها أن تتساقط·‬
‫وقيل إن النهار نفسها كانت تجري فائض ًة بدموعها هيَ‪،‬‬
‫وخبّأت ربّات الغابات وربّات الماء‬
‫براقعهنّ تحت معاطف سوداء‪،‬‬
‫وتركن شعورهنّ تطفو على الماء·‬
‫تناثرت أعضاء الشاعر القتيل هنا وهناك‪:‬‬
‫تلقّيت أنت‪ ،‬يا نهر هيبروس (‪)Hèbrus‬‬
‫رأسه وقيثاره·‬
‫وحدثت آنذاك معجز ٌة جديدة‪،‬‬
‫فقد أخذت القيثارة‪ ،‬فيما يجرفها التيار‪،‬‬
‫تُصد ُر ما ل يُعرفُ من النغام الشّاكية·‬
‫وكان لسانه الذي لم تعد فيه حياةٌ‬
‫يردّد صوتًا نائحاً‪،‬‬
‫وتجيبه الضّفاف بأصداءِ النّواح·‬
‫وها هما‪ ،‬الرّأس والقيثارة‪،‬‬
‫يهجران نهر الوطن إلى البحر‪ ،‬حيث أخذهما·‬
‫ألقاهما في ميتيمنا (‪، )Méthymna‬‬
‫على شاطئ ليسبوس·‬
‫ض ثعبانٌ رهيبٌ‬ ‫هنالك انق ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪575 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪576 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪637 :‬‬


‫نحو الرّأس المطروح مهملً‬
‫على شاطئٍ غريبٍ‪،‬‬
‫ونحو شعره الذي ل يزال بليلً‬
‫بندى الماء·‬

‫أخيراً جاء أبوللون‬


‫فدفع الثعبان الذي كان يتهيّأ للعض‪،‬‬
‫مجمّدا شدقه المفتوح‪ ،‬تاركًا إيّاه فاغراً‪،‬‬
‫كما هو‪ ،‬في شكل صخرةٍ صلدة· ‪1‬‬
‫وهبط شبحُ أورفيوس تحت الرض‪،‬‬
‫وتعرّف على جميع الماكن التي‬
‫كان قد رآها من قبل·‬
‫وأخذ يبحث عن أوريديس‬
‫في الماكن التي تسكنها الرواح التقيّة‪،‬‬
‫فرآها‪ ،‬وضمّها بين ذراعيه المتلهّفتين·‬
‫كانا تارةً يجتازان هذا المكان‬
‫بخطوةٍ واحدةٍ‪ ،‬أحدهما إلى جانب الخر·‬
‫وكان تار ًة يتبع رفيقته التي تدلّه‪،‬‬
‫وتارةً يسير أمامها·‬
‫الن‪ ،‬يقدر أورفيوس أن يلتفت‪ ،‬دون خوف‪،‬‬
‫لكي يرى أوريديس·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬ذلك هو الثعبان الذي رأته ميديا (‪ )Médée‬في أثناء هربها‪( .‬راجع الكتاب السّابع)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪576 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪577 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪638 :‬‬

‫سكّيرات‬
‫عقابُ ال ّ‬

‫لم يسمح ليوس (‪Lyaus( 2‬‬


‫بأن تبقى جريمة كهذه بل عقاب·‬
‫حزن لفقدان الشاعر الذي كان يمجد أسراره‪،‬‬
‫فحكم في الحال على جميع النساء اليدونيّات‬
‫اللئي شاركنَ في الجريمة‪،‬‬
‫أن يبقينَ في الغابات‪ ،‬حيث قيّدهنّ‬
‫إلى الرض بجذور متعرّجة·‬
‫ل منهنّ‬‫أطال أصابع قدميْ ك ّ‬
‫إلى المكان الذي توقّفت فيه عن المطاردة‪،‬‬
‫وجعل أطرافها تنفذ في الرض المتراصّة·‬
‫عندما يُدخِلُ طائرٌ رجله‬
‫في الخيوط التي يُخفيها بمهارةٍ صائد الطيور‪،‬‬
‫عندما يشعر أنّه التُقط‪،‬‬
‫يخفق بجناحيه‪ ،‬يتحرّك‪ ،‬ويضيّق الخناق‬
‫على نفسه بحركاته ذاتها·‬
‫هكذا كانت كلّ واحدةٍ من هذه النّسوة‪،‬‬
‫تحاول‪ ،‬مضطربةً‪ ،‬وهي ثابتةٌ مشدودةٌ بقوّة إلى الرض‪،‬‬
‫أن تهرب‪ ،‬لكن عبثاً·‬
‫كان جذ ٌر ليّن يُمسكُ بها‪ ،‬يسجنها‪،‬‬
‫ويوقف اندفاعها·‬
‫وعندما كُنّ يبحثنَ ليريْنَ أصابعهنّ‬
‫وأقدامهنّ وأظافرهنّ‪،‬‬
‫ن المدوّرات·‬ ‫ن يريْنَ أليافاً خشبيّة تتسلّق سيقانه ّ‬
‫كّ‬
‫ن يُردنَ‪ ،‬في آلمهنّ‪،‬‬ ‫كّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 2‬ليوس‪ ،‬من أسماء باخوس‪":‬المنقذ من الهموم"· (راجع الكتاب الرابع)· والجدير بالذكر هنا‪ ،‬هو أنّ أورفيوس‪ ،‬ابن‬
‫ل هو كذلك في طقوس باخوس وأسراره‪ ،‬ففيه يلتقي الشكلن الشّعريّان اللذان‬ ‫أبوللون وكالّيوب (‪ ,)Calliope‬داخ ٌ‬
‫يوضعان أحياناً موضعَ التنافس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪577 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪578 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪639 :‬‬

‫ن بأيديهنّ‪،‬‬
‫أن يضربنَ أفخاذه ّ‬
‫لكن كانت ضرباتهنّ تسقط على الخشب·‬
‫صدورهنّ صارت الن خشباً‪،‬‬
‫وأكتافهنّ صارت كذلك خشباً·‬
‫ن الممتدّة تحوّلت إلى‬
‫وها هي أذرعه ّ‬
‫أغصانٍ حقيقيّة ل مجال فيها للشكّ·‬

‫ميداس (‪)Midas‬‬

‫ف باخوس بهذا القصاص‪،‬‬ ‫لم يكت ِ‬


‫فهجر البلد نفسَها‪ ،‬يُرافقه موك ٌ‬
‫ب‬
‫أقلّ وحشيّة‪،‬‬
‫ل تمولوس (‪)Tmolus‬‬ ‫ومضى لكي يزور الكرومَ في جب ِ‬
‫على ضفاف باكتولوس (‪ )Pactolus‬الذي لم يكن بعد‪،‬‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬وافرَ الغنى‪،‬‬
‫ولم يكن ذَهَبُ رماله يثير الشّهوات·‬

‫كانت ترافقه كذلك حاشيته المألوفة‪:‬‬


‫الكاهنات الباخوسيّات والسّتير·‬
‫غير أنّ سيلينوس (‪ )Silènus‬كان غائباً·‬
‫إذ بينما كان يترنّح تحت ثقل العمر والخمر‪،‬‬
‫فاجأه فلّحون فريجيّون‪،‬‬
‫فأخذوه‪ ،‬مقيّدا بأكاليل من الزهر‪،‬‬
‫إلى ملكهم ميداس الذي لقّنه طقوس السّكر‬
‫أورفيوس التّراقيّ‪ ،‬وإيمولبوس (‪ )Eumolpus‬الثينيّ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪578 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪579 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪640 :‬‬

‫لم يكد ميداس يتعرّف على صديق الله‪،‬‬


‫والرّفيق المشارك في أسراره‪،‬‬
‫حتى احتفل بوصول هذا الضّيف‬
‫بأعيا ٍد بهيجةٍ على مدى عشرة أيّام وعشر ليالٍ كاملة·‬
‫كان لوسيفر‪ ،‬نجم الصّبح‬
‫قد اصطحب معه للمرّة الحادية عشرة‪ ،‬في السّماوات‪،‬‬
‫جيش الكواكب‪ ،‬عندما وصل الملك‪ ،‬فرحاً‬
‫إلى حقول ليديا‪ ،‬وأعاد إلى الله الشاب‪ ،‬سيلينيوس‬
‫الذي كان مربّيه‪،‬‬
‫وقد أنعمَ الله على ميداس‬
‫ـ غير أن ما كان نعمة عاد نقمة ـ‬
‫أن يختار مكافأ ًة يتمنّاها قلبه‪،‬‬
‫لسعادته بالعثور على من ربّاه·‬
‫وهي هبة أساء ميداس استغللها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"اعملْ على أن يتحوّل إلى ذهبٍ‬
‫أشقر البريق‪،‬‬
‫كلُ ما يمسّه جسمي·"‬
‫استجاب باخوس لهذه المنية‬
‫ووفاها‪ ،‬معطيًا ميداس امتيازاً‬
‫سيكون شؤمًا عليه‪ ،‬وأسِفَ‬
‫لنه لم يطلب أمنيةً أكثر حكمةً·‬
‫ذهب بطل بيريكنثا ‪ )Bérécynthe( 3‬مسروراً‪،‬‬
‫ابتهج مما سيؤدّي إلى شقائه‪،‬‬
‫وأخذ يلمس كلّ ما يُصادفه‪،‬‬
‫لكي يتأكّد من أن الوعد ليس كذباً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 3‬بطل بيرسنثا‪ ،‬هو ميداس‪ ،‬لنه ملك فيجيا‪ ،‬حيث ينهض جبل بيرسنثا· وسيلينوس‪ ،‬هو ابن بّان (‪ )Pan‬من ربّة ماءٍ·‬
‫كان ملكاً‪ ،‬ومُكلّفا بالسّهر على ديونيزيوس· وإيمولبوس‪ ،‬هو ابن بوزيدون‪ ،‬وملك إيلوزيس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪579 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪580 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪641 :‬‬

‫ولكي يختبر سُلطته·‬


‫كسرَ‪ ،‬وهو ل يكاد أن يثق في نفسه‪،‬‬
‫غصنًا من بلّوطة خضراء غير عالية‪،‬‬
‫يغطّيه الورق الخضر‪،‬‬
‫ن من الذّهب·‬ ‫فتحوّل إلى غُص ٍ‬
‫تناول حجراً‪،‬‬
‫فاتّخذ الحجر كذلك لون الذهب الشّاحب·‬
‫لمس قطعةً من الطّين‪،‬‬
‫فتحوّلت بقوّة لمسه إلى سبيك ٍة ذهبيّة·‬
‫قطع سنابل يابسة‪ ،‬نعماً من سيريس‪،‬‬
‫فصار الحصاد ذهباً·‬
‫أمسك بيده ثمرة قطفها لتوّه عن شجرةٍ‪،‬‬
‫ن أنها هديّة من الهسبيريد ‪Hespérides( 4(.‬‬ ‫فظ ّ‬
‫وعندما وضع أصابعه على البواب العالية في قصره‪،‬‬
‫أخذت هذه البواب تُصدر أشعّة·‬
‫وعندما غسل يديه في ما ٍء نقيّ‬
‫صار من الممكن لهذا الماء الذي يتدفّق من يديه‪،‬‬
‫أن يخدع داناي (‪Danaé( 5‬‬
‫أصبح ل يكاد هو نفسه أن يتّسع لحتواء المال‬
‫التي تمرّ في ذهنه‪ ،‬ذهبًا كلّها·‬
‫جلس مأخوذاً بالرّفاهيّة‪ ،‬إلى المائدة الباذخة التي ملها‬
‫خدمه بالطعمة‪ ،‬وينقصها خبزُ القمح المحمّص·‬
‫لكن عندماأخذت أصابعه‬
‫تلمس نعمَ سيريس‪ ،‬بدأت هذه النّعم‬
‫تتجمّد في الحال·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 4‬الهيسبيريد‪ ،‬ثلث ربّات للماء‪ ،‬يعشنَ بعيداً في الغرب‪ ،‬حارساتٍ للتفاح الذهبيّ·‬
‫‪ 5‬حبلت دانائي من جوبيتر الذي اتّخذ شكلَ مط ٍر ذهبيّ· (انظر الكتاب الرابع)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪580 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪581 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪642 :‬‬

‫وعندما تهيّأ لكي يطحن الطعمة بأسنانه الشّرهة‪،‬‬


‫غابت منذ لمسها‬
‫تحت صفيحة معدنٍ أشقر·‬
‫وعندما مزج شراب الله الذي استجاب لمنيته‬
‫بالماء النّقيّ‪،‬‬
‫أخذ الذهب الذائب يسيل‬
‫بين شفتيه المفتوحتين·‬
‫ارتعب من هذه المصيبة الغريبة‪ ،‬الغنى والفقر في آن‪،‬‬
‫فلم يعد يطلب إلّ الهرب من هذا الرّخاء‬
‫وامتل رعبًا مما كان تمنّاه سابقاً·‬
‫ليس عنده ما يُطفئ به جوعه‪،‬‬
‫وهو في أوج الثروة·‬
‫والعطش ييبّس حلقومه ويُلهبه·‬
‫لعن هذا الذهب الذي سبّب له‬
‫آلمًا يستحقّها جدّا·‬
‫رفع إلى السماء يديه وذراعيه المتللئة بالذهب‪،‬‬
‫وصرخ قائلً‪:‬‬
‫"اصفح عني‪ ،‬يا إله المعصرة‪،‬‬
‫يا أبانا·‬
‫إنها خطيئتي‪ ،‬لكن ارحمني‪،‬‬
‫أتضرّع إليك·‬
‫أنقذني من هذا الوبأ الذهبيّ·"‬
‫قدرة اللهة متسامحة‪،‬‬
‫وقد اعترف الثم·‬
‫أعاده باخوس إلى طبيعته الولى‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪581 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪582 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪643 :‬‬

‫وسحب النّعمة التي منحه إيّاها‬


‫ل له‪:‬‬
‫موفيًا بعهده‪ ،‬قائ ً‬
‫"ل تقدر أن تظلّ‬
‫مطليّا بالذهب‬
‫الذي اشتهيته‪ ،‬دون حذر·‬
‫اذهب إلى النهر المجاور لمدينة سارديس (‪ )Sardis‬الكبيرة‪،‬‬
‫وتابع طريقك‪ ،‬فيما تصعد مجراه بين أعالي ضفافه‪،‬‬
‫حتى تصل إلى المكان الذي ينبع منه·‬
‫آنذاك‪ ،‬عندما تكون أمام ينبوعه المُزبد‪،‬‬
‫حيث يتفجّر في أمواج غزيرة‪،‬‬
‫ضعْ رأسك تحت الماء‪،‬‬
‫واغسل في آنٍ جسمك وخطيئتك·"‬
‫غاص الملك‪ ،‬طيّعا لهذا المر‪ ،‬في النبع‪،‬‬
‫والنعمة التي كانت لديه في تحويل كلّ شيء إلى ذهب‪،‬‬
‫أضْفتْ على المياه لونًا جديداً‪،‬‬
‫منتقلةً من جسمِ النسان إلى النهر·‬

‫ل تزال حتى اليوم تربة تلك المناطق‪،‬‬


‫التي تلقّت بذرة المعدن العتيق‬
‫صلدةً من الذهب الذي يُلقي انعكاساته الشاحبة‬
‫عل الطّين المُشبع بالمياه·‬
‫اشمأ ّز ميداس من الغنى‪،‬‬
‫فأخذ يفضّل على كلّ شيء‪ ،‬الغابات والحقول‪،‬‬
‫والله بّان (‪ )Pan‬الذي كانت مغاور الجبال‪،‬‬
‫مُقامه العاديّ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪582 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪583 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪644 :‬‬

‫غير أن ذهنه ظلّ غليظاً‪،‬‬


‫وكان حُمقه وبالً عليه‪ ،‬مرّة ثانية·‬

‫كان جبل تمولوس الذي يُطلّ على مدى بحريّ واسع‪،‬‬


‫يرفع ذروته الوعرة إلى عل ّو كبير‪،‬‬
‫ويمدّ جانبيه حتى سارديس من جهة‪،‬‬
‫وحتى هيباباي (‪ )Hypapae‬المتواضعة‪ ،‬من جهة ثانية·‬
‫هنالك‪ ،‬كان بّان يمتدح أمام ربّات الغاب‪،‬‬
‫موهبته الموسيقيّة‪،‬‬
‫ويعزف ألحاناً خفيفة على قصباته المطليّة بالشّمع·‬
‫إذّاك تجرّأ أن يقول باستخفافٍ‬
‫ن أنغام أبوللون دون أنغامه·‬ ‫إّ‬
‫وعندما عرض مناقشة هذا المر على تمولوس الشيخ‪،‬‬
‫كان يبدأ منافس ًة غير متكافئة·‬
‫كان الشّيخ الذي اتّخِذ حَكماً‪،‬‬
‫يجلس مُقصياً عن أذنيه أشجار الغابات·‬
‫غير أن أوراق البلوط كانت تتوج شعره الدّاكن·‬
‫وكانت ثمار بلّوط تتدلّى على مستوى صَدغيه·‬
‫قال‪ ،‬فيما ينظر إلى إله القطعان‪:‬‬
‫"الحكَمُ جاهزٌ‪ ،‬ينتظرك·"‬
‫عزف بّان على مزماره الرّيفيّ‬
‫الذي سحر بأنغامه البرّية‬
‫ميداس الواقف إلى جانبه·‬
‫وعندما انتهى‪،‬‬
‫التفت تمولوس المقدّس نحو فيبوس‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪583 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪584 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪645 :‬‬

‫فدارت مع حركة وجهه الغابة التي تحيط به·‬


‫كان فيبوس برأسه الشقر‬
‫ف من على البّارناس‪،‬‬ ‫الذي يتوّجه غا ٌر قُط َ‬
‫ض بردائه الملوّن بأرجوان صور‪،‬‬ ‫يكنس الر َ‬
‫ويرفع بيده اليُسرى‬
‫قيثارته المرصّعة بالحجارة الكريمة وبالعاج الهنديّ‪،‬‬
‫يُمسك ريشة العزف بيده اليُمنى·‬
‫وقفته نفسها تدلّ على أنه أستاذٌ في فنّه·‬
‫حرّكت إبهامه البارعة الوتار‪،‬‬
‫فسلبت عذوبة أنغامه تمولوس‪،‬‬
‫وطلب من بّان أن يعترف بأن القيثارة‬
‫تفوّقت على قصباته·‬
‫وافق الجميع على القرار‬
‫الذي أعلنه تمولوس الجبل‪،‬‬
‫ل ميداس الذي هاجمه مُعلناً أنه غير عادلٍ·‬ ‫إّ‬
‫لم يردْ أبوللون‬
‫أن تظلّ أذنان غليظتان كأذني ميداس‪،‬‬
‫تحتفظان بشكلهما النسانيّ·‬
‫أطالهما‪ ،‬مالئًا إيّاهما بوبرٍ رماديّ‪،‬‬
‫وجعل جذريهما مرنين‪ ،‬وأعطاهما القدرة‬
‫على التحرّك في جميع الجهات·‬
‫ل لميداس‪ ،‬ما عدا الذنين‪ ،‬شكل النسان·‬ ‫وظ ّ‬
‫لم يُعاقَب إلّ في هذا الجزء من جسمه‪،‬‬
‫فهو ممهو ٌر بأذنيْ حمار بطيء الخطوات·‬
‫كان يُريد أن يُخبّئ قُبحًا يخجل منه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪584 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪585 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪646 :‬‬

‫فحاول أن يُغطّي رأسه بعُصاباتٍ أرجوانيّة‪،‬‬


‫غير أن الخادم الذي اعتاد أن يقصّر‬
‫بالنّصل شعره الطّويل رآهما·‬
‫لم يجرؤ أن يكشف عن التشوّه الذي فاجأه‪،‬‬
‫مع أنه كان يتلهّف للخبار عنه بشكلٍ علنيّ‪،‬‬
‫وغير قادر على الصّمت·‬
‫فانسحب على حدةٍ‬
‫وفتح ثقباً في الرض‪،‬‬
‫ت منخفضٍ‪ ،‬حال أذنيْ سيّده‪،‬‬ ‫نقل إليه بصو ٍ‬
‫اللتين رآهما·‬
‫بعد أن همس الخبر في الرض المحفورة بيديه‪،‬‬
‫طمّ الحفرة مُعيداً ترابها إليها‪،‬‬
‫طامراً سرّه فيها·‬
‫وعندما امتلت الحفرة‪ ،‬ابتعد صامتاً·‬
‫أخذت غاب ٌة كثيف ٌة من القصب المُرتعش‬
‫تنمو في هذا المكان·‬
‫وبعد مرور سن ٍة عليها‪،‬‬
‫نضج القصب‪ ،‬وخان من كان سبباً لوجوده·‬
‫ذلك أنه كان‪ ،‬في ريح الشمال التي تحرّكه‪،‬‬
‫يردّد الكلمات التي خبّأها الخادم‪،‬‬
‫ويُخبرُ عن الحالة التي آلت إليها أذنا سيّده·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪585 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪586 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪647 :‬‬

‫لوميدون وهيزيونا (‪)Laomédon et Hésione‬‬


‫بعد النتقام‪ ،‬غادر أبوللون تمولوس‪،‬‬
‫طائراً في الفضاء النقيّ‪،‬‬
‫متجاوزاً مضيق هيللي (‪)Hellé‬‬
‫ابنةِ نيفيلي ‪ Néphélé( 6(,‬وتوقّف في السّهول التي يملك عليها لوميدون·‬
‫هناك‪ ،‬إلى يمين سيجيون (‪ ، )Sigeion‬ويسار روتيون (‪)Rhoiteion‬‬
‫ينهض على ضفاف الماء العميق‪،‬‬
‫ل قدي ٌم منذورٌ لجوبيتر‪ ،‬الله الرّعاد‬ ‫هيك ٌ‬
‫الذي يخاطب رعدُه العال َم كلّه·‬
‫من هناك‪ ،‬رأى أبوللون لوميدون‬
‫يبني أسوار طروادة‪ ،‬مدينته الجديدة·‬
‫ن مثل هذا المشروع الكبير‪،‬‬ ‫ورأى أ ّ‬
‫ل صعبةٍ‪،‬‬ ‫ل يتقدّم إلّ بأعما ٍ‬
‫وأنه يستلزم نفقاتٍ ضخمةً·‬
‫هكذا انضمّ أبوللون إلى الله الذي يحمل‬
‫الشّوكة الثلثيّة‪،‬‬
‫الممجّد سيّدا على الهاوية العاصفة‪،‬‬
‫فلبس الشّكل النسانيّ‪ ،‬رافعاً‬
‫الجدران الضروريّة لطاغية فريجيا‪،‬‬
‫بعد أن تلقّى وعدًا بمبلغ من الذّهب مقابل البناء·‬
‫عندما نهض البناء‪،‬‬
‫رفض الملك أن يدفع ثمنه‪،‬‬
‫وزيادة في الغدر‬
‫ث باليمين·‬ ‫أضاف الكذب إلى الحن ِ‬
‫فقال له سيّد البحار‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬نيفيلي هي زوجة آتاماس (‪ )Athamas‬الولى‪ ،‬والدة فريكسوس (‪ )Phrixus‬وهيللي· (راجع الكتاب السابع)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪586 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪587 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪648 :‬‬

‫"لن تبقى جريم ُتكَ بل عقاب·"‬


‫ب مياهَه كلّها‬‫وفي الحال‪ ،‬ص ّ‬
‫على شاطئ هذه المدينة الجشعة‬
‫وحوّل ريف طروادة إلى بحرٍ‪،‬‬
‫مهدّمًا ثروات الفلّحين‪،‬‬
‫غامراً الرض المزروعة تحت المواج·‬
‫ف هذا العقاب‪:‬‬ ‫لم يك ِ‬
‫فقد فرض على الملك أن يسلّم ابنته كذلك‬
‫ش بحريّ·‬ ‫لكي تقدّم إلى وح ٍ‬
‫وكانت مقيّدة بصخرةٍ صلدةٍ‬
‫عندما حرّرها هرقل·‬
‫وعند تحريرها سأل عن الحصنة‬
‫التي اشترط أن يأخذها مكافأةً‪ ،‬ووُعدَ بها·‬
‫ل عن مأثرته هذه‪،‬‬ ‫لكن‪ ،‬لم تسلّم له كبدي ٍ‬
‫فاقتحم أسوار طروادة واستولى‬
‫ق معه·‬
‫على هذه المدينة التي كذبت مرّتين‪ ،‬وكان الح ّ‬
‫لم يُرد تيلمون (‪ )Télamon‬الذي شارك في غزوها‪،‬‬
‫أن ينسحب ما لم يُحتفل به·‬
‫ف ُقدّمت له هيزيون (‪)Hésione‬‬
‫التي أصبحت زوجته‪،‬‬
‫ذلك أن بيليوس (‪ )Péléus‬كان قد اشتُهر‬
‫بسبب زواجه من إلهة·‬
‫ولم يكن أكثر زهواً باسمِ جدّه‪ ،‬منه باسم والد زوجته·‬
‫ذلك أنه ليس الوحيد السّعيد‬
‫بكونه حفيد جوبيتر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪587 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪588 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪649 :‬‬

‫ولكنّه الوحيد السّعيد‬


‫بكونِ زوجته إلهةً·‬

‫بيليوس وتيتيس (‪)Peléus et Thétis‬‬

‫في الواقع‪ ،‬كان الشيخ بروتيوس (‪Proteus(، 7‬‬


‫قد قال لتيتيس (‪: Thétis( 8‬‬
‫"ينبغي‪ ،‬يا إلهة البحر ‪،‬‬
‫أن تصبحي أمّا·‬
‫سيجيء منك ولدٌ تتفوّق مآثره‬
‫على مآثر أبيه‪،‬‬
‫وسوف يوصف كذلك بأنه أكثر عظمةً·"‬
‫آنذاك‪ ،‬لكيل يكون في العالم شيء‬
‫أكثر عظم ًة من جوبيتر‪،‬‬
‫فإن جوبيتر نفسه امتنع عن اتّخاذ تيتيس‪ ،‬ربّة المياه‪،‬‬
‫زوجةً له‪،‬‬
‫على الرّغم من الهيام المضطرم‬
‫الذي اشتعل في قلبه·‬
‫وأراد أن يستمتع حفيده بيليوس‪،‬‬
‫بدلً منه‪،‬‬
‫بمعانقاتِ العذراء البحريّة·‬

‫في تيسّاليا خليجٌ يمدّ ذراعيه المقوّستين كالمنجل‪،‬‬


‫لو كان الماء فيه أكثر عُمقاً‪،‬‬
‫لكان حُوّلَ إلى مرفأ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 7‬إلهٌ بحريّ دائمُ التحوّل كالبحر‪ ،‬في أشكالٍ مختلفة·‬


‫‪ 8‬إلهةٌ بحريّة كالبحر في تحوّل متواصل·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪588 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪589 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪650 :‬‬

‫لكن ل يكاد البحر فيه أن يغمر سطح الرّمال·‬


‫وكان شاطئه من الصّلبة بحيث‬
‫ل يحتفظ بأيّ أثرٍ للخطوات‪ ،‬ول يُبطئ السّير‪،‬‬
‫ول يتغطّى أبداً بالُشنةِ العائمة·‬
‫كانت بالقرب منه غاب ٌة من الس‬
‫مُثقلةٌ بثمار مزدوجةِ اللون·‬
‫في وسطها تنفتح مغارة ل يعرف أحدٌ‬
‫إن كانت من آثار الطّبيعة‬
‫أو من آثار الفنّ·‬
‫الحرى أنها من هذه الخيرة·‬
‫كنتِ غالباً‪ ،‬يا تيتيس‪ ،‬تأتين إليها عاريةً‪،‬‬
‫طيّعٌ لزمامك·‬‫يحملك دلفينٌ َ‬
‫ت تستسلمين للنوم‪،‬‬ ‫ذات يوم‪ ،‬فاجأك بيليوس‪ ،‬فيما كن ِ‬
‫راقدةً فيها·‬
‫وعندما قاومت توسّلته المُلحّة‪،‬‬
‫تهيّأ لكي يغتصبك‪،‬‬
‫واضعاً ذراعيه حول عنقك·‬
‫لو لم تلجأي إلى براعتك الليفة‬
‫ل متنوّعة‪،‬‬
‫في تغيير شكلكِ‪ ،‬والظهور في أشكا ٍ‬
‫لكانت جرأته حقّقت أهدافها·‬
‫صرتِ مرّة طائراً‪،‬‬
‫غير أنه أمسك به·‬
‫ثم تحوّلت إلى شجرة ضخمة‪،‬‬
‫فضمّ الشجرة إلى صدره‪،‬‬
‫ثم اتّخذت ثالثاً شكل نمر ٍة مخطّطة الجلد‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪589 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪590 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪651 :‬‬

‫فارتعب هذه المرّة‬


‫ورفع ذراعيه عن جسمك·‬

‫في الحال‪ ،‬سكب خمراً على الماء‪ ،‬تمجيداً للهة البحر‪،‬‬


‫وأحرق لحم نعجةٍ‪ ،‬وأشعل البَخور‪،‬‬
‫حتى انبثق من اللّجة العرّاف بروتيوس‪،‬‬
‫وقال له‪:‬‬
‫"سوف تنعمُ‪ ،‬يا بيليوس‪ ،‬بالزواج‬
‫الذي تطمح إليه·‬
‫ليس لك إلّ أن تفاجئ تيتيس‪،‬‬
‫عندما ترتاح نائم ًة بين جدران مغارتها‪ ،‬الخشنة‬
‫وحينذاك‪ ،‬اسجنْها‪ ،‬دون أن تشعر‪،‬‬
‫في شبكةٍ من الخيوط المعقودة بشكلٍ قويّ·‬
‫عكَ الشكال العديدة التي ستظهر بها‪،‬‬ ‫ل تخد ْ‬
‫بل أبقِها بين ذراعيكَ‪ ،‬أيّا كان شكلها‪،‬‬
‫إلى أن تعود إلى شكلها الوّل·"‬
‫ثم عاد غائصاً في البحر‪ ،‬تاركًا لمواج مملكته‬
‫أن تنغلق على كلماته الخيرة·‬
‫كان تيتان المائل إلى الغروب‬
‫قد لمس بمجرّ عجلته المائل بحر هيسبيريا (‪، )Hespérie‬‬
‫عندما ذهبت اللهة البحريّة الجميلة‬
‫إلى صخرتها‪ ،‬داخلةً إلى الملجأ حيث‬
‫ينتظرها سريرها المألوف·‬
‫لم يكن بيليوس قد احتضن‪ ،‬بشكلٍ كاملٍ‪،‬‬
‫جسمها البتوليّ‪ ،‬حتى كانت تخرج‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪590 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪591 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪652 :‬‬


‫من تحوّل إلى آخر·‬
‫في النّهاية‪ ،‬أدركت أنّ أغللً‬
‫تُحيط بأغصانها‪ ،‬وأن ذراعيها ممدودتان‬
‫في اتجاهين متعاكسين·‬
‫آنذاك تأوّهت قائلةً‪:‬‬
‫ل بإرادة اللهة·"‬
‫"لم يكن انتصارك ممكناً إ ّ‬
‫وعادت كما هي‪ ،‬تيتيس·‬
‫عندما سمع البطل هذا العتراف‪ ،‬طوّقها بذراعيه‪،‬‬
‫وامتلك تلك التي يُحبّها‪،‬‬
‫مالئاً أحشاءها بآشيل العظيم· ‪10‬‬

‫دايداليون (‪)Daedalion‬‬

‫كان بيليوس سعيدًا بابنه‪،‬‬


‫سعيداً بزوجته·‬
‫ولو لم يكن هناك ما يُلم عليه‪ ،‬وهو مقتل فوكوس (‪، )Phocus‬‬
‫لكان استمتع بنعمِ حظّه جميعاً·‬
‫فقد تلوّث بدم أخيه‪ ،‬وطُردَ من البيت العائليّ‪،‬‬
‫فوجد ملجأً في أرض تراشينا (‪Trachine(. 11‬‬
‫كان يملك هناك‪ ،‬دون عنفٍ ودون دماء‪،‬‬
‫ابن لوسيفر‪ ،‬سييكس (‪، )Seyx‬‬
‫الذي كان وجهه يتلل ببريقٍ أبويّ·‬
‫لكن‪ ،‬كان في ذلك الوقت‪ ،‬يبكي أخاه‬
‫ف منه‪ ،‬غارقاً في الحداد‪ ،‬كأنّه لم يعد هو هو·‬ ‫الذي اختُط َ‬
‫وصل بيليوس إلى تراشينا‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬أشهر بطل إغريقيّ في حرب طروادة·‬


‫‪ 11‬تراشينا مشهورة‪ ،‬خصوصاً‪ ،‬بالنساء اللئي يشكّلن جوقة التراشينيّات عند سوفوكليس· وهناك رفع هرقل محرقته‬
‫المأتميّة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪591 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪592 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪653 :‬‬

‫مُرهقًا من الهموم‪ ،‬مُتعبًا من السّفر‪،‬‬


‫ودخل إلى المدينة مع بعض صحبته‪،‬‬
‫بعد أن ترك قرب جدرانها‪،‬‬
‫في وادٍ ظليل‪،‬‬
‫قطعان الخراف والثيران التي اقتادها معه·‬
‫وحالما أجيز له‪ ،‬قدّم نفسه أمام الملك‬
‫مادّا يدين متوسّلتين‪،‬‬
‫تحملن غصن الزيتون·‬

‫عرّف بنفسه‪ ،‬وبأبيه‪ ،‬ولم يُخفِ‬


‫إلّ جريمته‪ ،‬مُفسّرا منفاه تفسيراً كاذباً·‬
‫وطلب ملجأً في المدينة أو في ريفها·‬
‫فأجابه ملك تراشينا بلهجةٍ عطوفةٍ‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"العامّة الكثر بساطةً‪ ،‬يا بيليوس‪،‬‬
‫مقبولةٌ‪ ،‬وتستمتعُ بخيراتي‪،‬‬
‫فلستُ ملكاً على بل ٍد غير مِضيافةٍ·‬
‫ف لتدابيري الطيّبة‬
‫أض ْ‬
‫ت قويّة‪ :‬اسماً شهيراً‪،‬‬‫مُستندا ٍ‬
‫ف أن يكونَ جوبيتر جدّك·‬ ‫وشر َ‬
‫ل تُضعْ وقتك في التّوسّل‪،‬‬
‫فما تطلبه ستناله·‬
‫ق أنّك ستشارك في كلّ ما تراه هنا·‬ ‫وثِ ْ‬
‫فلعلّ ما تراه هنا‬
‫أن يكون‪ ،‬بمشيئةِ السّماء‪ ،‬أقلّ حزناً!"‬
‫وبكى‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪592 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪593 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪654 :‬‬

‫سأله بيليوس وصحبه عن السّبب‬


‫الذي يبعث على مثل هذا الحزن الكبير‪،‬‬
‫فأجاب‪ ،‬حينذاك‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫ن هذا الطّائر‬‫"ربّما تعتقدون أ ّ‬
‫الذي يعيش على النّهب والقنص‬
‫والذي ينشر الرّعب بين النّسلِ المُجنّح‪،‬‬
‫كان دائمًا مكسوّا بالرّيش·‬
‫كلّ‪ ،‬فمن قبل‪ ،‬كان رجلً‪،‬‬
‫وكان مهيّماً‪ ،‬محارباً شَرساً‪،‬‬
‫(وبقي دائماً شبيهًا بنفسه!)‬
‫جاهزاً باستمرار للعنف‪،‬‬
‫وكان اسمه دايداليون· ‪12‬‬
‫كان أبوه كذلك‪ ،‬الكوكب الذي يُسمّى الفجر‪،‬‬
‫والذي هو آخر من يغيب من السماء·‬
‫كنت دائماً أحبّ السّلم‪،‬‬
‫وكان هاجسي الوحيد أن أعمل على استمرار السلم‪،‬‬
‫والسعادة التي أدينُ بها لزواجي‪ ،‬في الوقت نفسه·‬
‫لم يكن أخي يستطيبُ غي َر المعارك الدّامية‪،‬‬
‫كان يستخدم لخضاع الملوك‪ ،‬والبلدان‪،‬‬
‫تلك الشجاعة التي أصبحت‪ ،‬اليوم‪ ،‬بعد تحوّلها‪،‬‬
‫تُجهدُ نفسها‪ ،‬في مطاردة الحمائم في تيسبي (‪Thisbé(. 13‬‬
‫كانت له ابنةٌ‪ ،‬شيونا (‪)Chione‬‬
‫جميلةٌ أعظم الجمال‪،‬‬
‫ومنذ بلغت الرّابعة عشرة‪،‬‬
‫وأصبحت صالحةً للزواج‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 12‬هو أخو سايكس (‪· )Ceyx‬‬


‫‪ 13‬تيسبي امرأ ٌة بابليّة جميلة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪593 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪594 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪655 :‬‬

‫طلب الزواج منها ألف شخص·‬


‫مصادفةً‪ ،‬ذات يومٍ‪ ،‬فيما كان فوبوس وابن مايا (‪ Maia(، 14‬ميركوري‪،‬‬
‫عائدين ـ الوّل من هيكله في دلفي (‪، )Delphi‬‬
‫والثاني من جبل سيلّلينا (‪,)Cyllène‬‬
‫رأياها كلهما‪ ،‬وكلهما شغفه حبّها·‬
‫أخّر أبوللون‪ ،‬حتى الليل لحظة فينوس‬
‫التي وعدها بها‪،‬‬
‫أمّا ميركوري الذي كان أقلّ صبراً‪،‬‬
‫فلمس وجه الفتاة بعصاه المنوّمة·‬
‫عندما مسّها هذا السّحر الملكي‬
‫نامت‪ ،‬وعرفت عنف الله واغتصابه·‬
‫كان الليل قد زرعَ السّماء بالنّجوم‪،‬‬
‫فاتّخذ فيبوس شكل امرأةٍ عجوز‬
‫وتذوّق بدوره اللّذة التي كان‬
‫آخ ُر قد تذوّقها قبله·‬
‫عندما بلغ حملُ شيونا الوقت الذي حدّدته الطّبيعة‪،‬‬
‫وُلدَ من الله ذي القدمين المُجنّحتين ابنٌ ماكرٌ‪،‬‬
‫حيَل‪،‬‬
‫هو أوتو ليكوس (‪ Autolycus(، 15‬بارعٌ في جميع أنواع ال ِ‬
‫يُحوّلُ السودَ إلى أبيض والبيض إلى أسود‪،‬‬
‫فهو‪ ،‬بدهائه‪ ،‬ابنٌ جدي ٌر بأبيه·‬
‫وولد من فيبوس (ذلك أنّ الم وضعت توأمين)‬
‫ابنٌ سيصبح مشهوراً بأناشيده المتناغمة‪،‬‬
‫وبموهبته في العزف على القيثار‪،‬‬
‫هو فيلّمون (‪· )Philammon‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 14‬ميركوري (‪ )Mercury‬هو ابن مايا·‬


‫‪ 15‬ورث أوتوليكوس صفات أبيه هرمس (‪ ، )Hermès‬ونقلها كذلك إلى حفيده يوليسيس (‪)Ulysse‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪594 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪595 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪656 :‬‬

‫لكن ماذا أفاد شيونا‬


‫أن تكون وضعت توأمين وفتنت‬
‫إلهين‪ ،‬وأن يكون أبوها محاربًا باسلً‪،‬‬
‫وأن تعدّ بين أجدادها جوبيتر الرّعاد ؟‬
‫ألم يكن المجد ذاته شؤماً‬
‫بالنسبة إلى فانين كثيرين ؟‬
‫هكذا كان‪ ،‬على القلّ‪ ،‬بالنسبة إلى هذه التاعسة الحظّ·‬
‫فقد تجرّأت على أن تضع نفسها فوق اللهة ديانا‪،‬‬
‫وأن تنتقدها·‬
‫ه ّز اللهة غضبٌ رهيبٌ‪ ،‬فصرخت‪:‬‬
‫"بأعمالي‪ ،‬إذن‪،‬‬
‫سأجعلك تعجبين بي!"‬
‫وفي الحال‪ ،‬أخذت قوسها‪،‬‬
‫ووتّرتْها مُطلِقَةً سهماً‬
‫اخترق ذلك اللسان الذي يستحقّ العقاب·‬
‫صار اللسان أخرس‪،‬‬
‫ولم يعد الصّوت‬
‫يطيع جهد الضحيّة‪ ،‬لكي ينقل الكلم·‬
‫وفيما كانت تحاول أن تتكلّم‪ ،‬كانت حياتها‬
‫تسيل ضائعةً مع دمها·‬
‫ب آنذاك‬
‫وأنا‪ ،‬التاعس! بأيّ قل ٍ‬
‫احتضنتُها بين ذراعيّ‪،‬‬
‫مُشاركاً أخي الحبيب‪،‬‬
‫مُحاولً أن أعزّيه بكلماتي·‬
‫غير أنّ الب فقد إحساسه‪ ،‬ولم يسمع‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪595 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪596 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪657 :‬‬

‫أكثر مما تسمع صخرة هديرَ المواج·‬


‫واستمرّ يبكي يائسًا ابنتَه‬
‫ت منه·‬
‫التي خُطف ْ‬
‫وعندما رأى جسمَها فريسةً للّهب‬
‫اندفع أربعَ مرّات ليرميَ نفسه في وسط المحرقة‪،‬‬
‫صدّ عنها أربع مرّات‪،‬‬ ‫و ُ‬
‫فهرب مُسرعاً‪ ،‬يتطوّح‬
‫ق مرسومةٍ‪،‬‬ ‫خارجَ كلّ طري ٍ‬
‫كمثل ثور ينطلق خافضاً رأسه‬
‫وفي عنقه تنغرز حُماتُ الزنابير·‬
‫وبدا لي ُمذّاك أنه يسيرُ‬
‫أسرعَ مما يسير النسان‪،‬‬
‫ن قدميه تحوّلتا إلى جناحين·‬ ‫فكأ ّ‬
‫هكذا أفلت من جميع المطاردات‪،‬‬
‫وتوقّف‪ ،‬مُحاصرًا برغبةِ الموت‪،‬‬
‫على ذروة البّارناس·‬
‫غير أنّ أبوللون أشفق عليه‪،‬‬
‫ولمّا حاول دايداليون أن يُلقي بنفسه‬
‫من أعلى الصّخرة‪ ،‬حوّله الله إلى طائر·‬
‫فصارت له فجأةً أجنحة‪،‬‬
‫أبقته عالقاً في الفضاء·‬
‫وأعطاه منقاراً مقوّسا‪ ،‬ومخالبَ معقوفةً‪،‬‬
‫وشجاع ًة تليق بالشّخص الذي كانه سابقاً‪،‬‬
‫وقوّة أكبر من جسمه·‬
‫وهو الن صقرٌ‪ ،‬حيوانٌ فظّ‪ ،‬عنيفٌ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪596 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪597 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪658 :‬‬

‫على جميع الطّيور‪ ،‬شقيّ هو نفسه‪،‬‬


‫ول يولّد للخرين غير الشقاء·"‬

‫ذئب بّيليوس (‪)Péleus‬‬

‫فيما كان ابن لوسيفر يروي‬


‫خبرَ العجوبة التي أصابت أخاه‪،‬‬
‫جاء حارس قطعان بيليوس‬
‫يركض لهثاً‪ ،‬صارخاً‪:‬‬
‫"بيليوس‪ ،‬بيليوس!‬
‫ك بمصيب ٍة كبيرةٍ·"‬ ‫جئتُ لخبر َ‬
‫أمره بيليوس أن يُفصحَ عن الخبر‬
‫الذي يحمله‪ ،‬مهما كان·‬
‫كان ملكُ تراشينا نفسه قلقاً‪،‬‬
‫وارتسم على وجهه الخوف الذي يشغله·‬
‫استأنف الحارس‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"كنت قد سقتُ إلى الشاطئ المتعرّج‬
‫ثيرانك المُتعبة‪،‬‬
‫لحظة كانت الشمس‪ ،‬وقد بلغت‬
‫أعلى نقطةٍ في طريقها‪ ،‬وسطَ القبّة السّماويّة‪،‬‬
‫تاركةً وراءها فضا ًء يساوي‬
‫الفضاء الذي بقي أمامها لكي تجتازه·‬
‫ي قد حنى ركبه‬ ‫كان قس ٌم من ثيران َ‬
‫على الرّمل الصهب‪،‬‬
‫وكانت فيما تضطجع على الرض‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪597 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪598 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪659 :‬‬

‫تنظر إلى البحر الذي يمت ّد بعيداً·‬


‫كان آخرُ يتشرّد هنا وهناك‪،‬‬
‫ت بطيئةٍ·‬
‫بخطوا ٍ‬
‫وكان بعضها الخر يسبح‪،‬‬
‫رافعاً أعناقه‬
‫مُبقياً رؤوسه فوق سطح الماء·‬
‫ل ل يُرى فيه ما يتلل‬ ‫قرب البحر‪ ،‬يرتفعُ هيك ٌ‬
‫ل الرّخام ول الذهب‪،‬‬
‫لكن تظلّله الجذوعُ المتلصقة لغاب ٍة قديمةٍ‪:‬‬
‫إنّه هيكلُ نيريوس (‪ )Néreus‬وبناته النّيريديّات·‬
‫ي كان يُجفّف شباكه‬ ‫أخبرني نوت ّ‬
‫ن اللهة في هذه النواحي‬ ‫على الشاطئ‪ ،‬أ ّ‬
‫هم آلهة البحر·‬
‫يمتدّ إلى جانب الهيكل‬
‫ط به ستا ٌر كثيفٌ من شجر الصّفصاف‪،‬‬ ‫مستنق ٌع يُحي ُ‬
‫شكّله ماء البحر في أثناء المدّ·‬
‫من هناك انفجر صوتٌ رهيبٌ‬
‫مل النحاء المجاورة بالرّعب‪،‬‬
‫ل ـ ذئبٌ‬
‫عواءُ حيوانٍ هائ ٍ‬
‫خرج من ظلل المستنقع‪،‬‬
‫ب يُلطّخه الزّبد والدّم المتخثّر·‬ ‫ق مُرع ٍ‬ ‫بشد ٍ‬
‫يلمع في عينيه لهبٌ أحمر‪،‬‬
‫يثيره السّعارُ والغضب معاً·‬
‫غير أنّ عنفه جاء بالحرى من غضبه·‬
‫إذ لم يكن يبحث عن الشّبع‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪598 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪599 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪660 :‬‬

‫ع جهنّميّ‬‫عن الخلصِ من جو ٍ‬
‫قاتلً بضعة ثيران‪،‬‬
‫وإنّما يهجم على القطيع بكامله ويقتله كلّه·‬
‫ض كثيرون بيننا بوحشيّة‪،‬‬ ‫عُ ّ‬
‫فيما كانوا يريدون أن يصدّوه‪،‬‬
‫وماتوا من جراحهم·‬
‫كلّ شيء أحمر من الدم‪ :‬الشاطئ‪،‬‬
‫والمواج‪ ،‬والمستنقع المليء بالخُوار·‬
‫ل تأخّرٍ سيكون شؤماً‬ ‫كّ‬
‫ول مكانَ للتّردّد·‬
‫لم نفقد بعد القطيع كلّه‪،‬‬
‫فلنسرع إذن إلى السّلح·‬
‫إلى السّلح! ولنوحّد قوّة حِرابنا·"‬

‫فيما كان الرّاعي يتكلّم‪ ،‬كان بيليوس يبدو قليل‬


‫التّأثر لهذه الخسارة·‬
‫أدرك‪ ،‬متذكّرا جريمته‪،‬‬
‫ل ابنها‪،‬‬
‫أن ربّة الماء التي قُت َ‬
‫هي التي تُرسلُ ثيرانه‪،‬‬
‫قُرباناً عن روح ابنها فوكوس· ‪16‬‬
‫أمرَ سايكس مُحاربيه‬
‫أن يضعوا الدّروع والحِرابَ‪،‬‬
‫وتهيّأ هو نفسه للمسير معهم·‬
‫غير أن زوجته آلكيونا (‪ )Alcyone‬التي شغلتها الضّجة‪،‬‬
‫ل من غُرفتها‪،‬‬ ‫عجَ ٍ‬
‫خرجت على َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 16‬فوكوس هو ابن إياك وربّة الماء (النيريئيد) بساماتي (‪· )Psamathé‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪599 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪600 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪661 :‬‬

‫ولمّا تُكمل ترتيبَ شعرها‪،‬‬


‫فأسدلته على كتفيها‪،‬‬
‫وتعلّقت بعنق زوجها‪ ،‬مُستحلف ًة إيّاه وهي تبكي‪،‬‬
‫ن أن يُعرّضَ للخطر شخصَه‪،‬‬ ‫ل نجدةً ‪ ،‬دو َ‬
‫أن يُرس َ‬
‫وأن يُنقذ حياتين بإنقاذِه حياته·‬
‫قال لها‪:‬‬
‫"مخاوفكِ‪ ،‬أيّتها الملكة‪ ،‬مُشرّفة‪،‬‬
‫لكن تستطيعين أن تطرديها من نفسكِ‪،‬‬
‫ضتِهِ يكفي لكي يملني عرفاناً·‬ ‫وما عَرَ ْ‬
‫ب أن يُحملَ السّلح من أجلي وحدي‪،‬‬ ‫لكن‪ ،‬ل اح ّ‬
‫ضدّ وحشٍ لم يُشهد مثله أبداً·‬
‫وينبغي عليّ أن أذهب لكي أتضرّع إلى آله ِة هذا البحر·"‬
‫كان ينهض‪ ،‬قريبًا من هنالك‪ ،‬برجٌ عالٍ‬
‫منارةٌ مرفوعةٌ على ذروةِ القلعةِ‪،‬‬
‫ضوْءُها يعيد المل إلى المراكب التي أرهقتها المواج·‬
‫صعدوا إليه‪ ،‬ورأوا إلى الثيران‬
‫تتمدّد مذبوحةً على الشاطئ‪ ،‬وإلى الوحش‬
‫الذي أبادَ القطيع‪ ،‬وقد احم ّر شدقُه من المجزرة‪،‬‬
‫وتلطّخ بالدّم وبَرُه الطّويل·‬
‫رفع بيليوس يديه نحو شاطئ البحر‪،‬‬
‫متضرّعاً إلى بساماتي (‪ )Psamathé‬ذات الجسم اللزورديّ‪،‬‬
‫أن تخفّفَ غضبَها‪ ،‬وأن تساعده·‬
‫لم تستسلم ربّة الماء للتأثّر بالتّضرّعات‬
‫التي وجّهها إليها بيليوس‪،‬‬
‫ن تيتيس (‪ ، )Thétis‬تشفّعت لزوجها‪،‬‬ ‫غير أ ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪600 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪601 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪662 :‬‬


‫وحصلت على الصّفح عنه·‬
‫ومع أنّ الذئب دُعيَ للنسحاب‪ ،‬فلم تفت ْر شدّة فتكِهِ‪،‬‬
‫بل استمرّ في هِياجه‪ ،‬تثيره شهو ُة الدّم·‬
‫أخيراً‪ ،‬فيما كان يغرز أنيابه في عنقِ عِجلةٍ‪،‬‬
‫ويُمزّقها‪،‬‬
‫ن من الرّخام‪،‬‬ ‫حوّلته ربّة الماء إلى حيوا ٍ‬
‫مُحتفظًا بجسمه القديم كلّه‪ ،‬ما عدا اللون·‬
‫كان يُرى من لون الحجر أنه لم يعد ذئباً‪،‬‬
‫ولم يعد فيه ما يُخيف·‬
‫إلّ أنّ القدار لم تسمحَ لبيليوس الهارب‬
‫أن يستقرّ في هذه البلد‪،‬‬
‫فظلّ يتشرّد‪ ،‬منفيّا‪ ،‬ووصلَ‬
‫إلى مانييزيا(‪، )Magnésia‬‬
‫حيث طهّره من الجريمة التي ارتكبها‪،‬‬
‫آكاستوس (‪ ,)Acastus‬ملك تيسّاليا·‬

‫سايكس وآلكيونا (‪)Céyx et Alcyone‬‬

‫في هذه الثناء‪،‬‬


‫كان الملك سايكس‪ ،‬المُضطرب القلب‪،‬‬
‫المليء بالكآبة‬
‫من أعجوبة اختطاف أخيه‪ ،‬وتحوّلِهِ‪،‬‬
‫يتهيّأ للذهاب إلى هيكل إله كلروس (‪· )Claros‬‬
‫يستشير واحدًا من وُسطاء الوحي المقدّسين‬
‫الذين يؤاسون البشر في ويلتهم·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪601 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪602 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪663 :‬‬

‫وكان فورباس (‪ Phorbas( 17‬المجدّف وعصابته‪،‬‬


‫يمنعون الوصول إلى معبد دلفي·‬
‫وكان قد أخبركِ‪ ،‬سابقاً‪ ،‬بخطّته‪ ،‬يا آلكيونا‪ ،‬يا أوفى النساء·‬
‫لكن‪ ،‬حالما سمعت زوجته شعرت بالبرودة‬
‫تنفذ حتى لبّ عظامها·‬
‫ن نبتةِ البقس‪،‬‬
‫وغطّى وجهها شحوبٌ بلو ِ‬
‫واغتسل بالدّموع خدّاها·‬
‫حاولت ثلث مرّات أن تبكي‪،‬‬
‫ل من الدّمع‪ ،‬ثلث مرّات·‬ ‫وأغلق فمها سي ٌ‬
‫وفيما كان النحيب يقطع التأوّهات التي يولّدها حبّها‪،‬‬
‫قالت‪:‬‬
‫"أيّ خطأٍ ارتكبتُ‪ ،‬يا زوجي الحبيب‪،‬‬
‫لكي يتغيّر قلبك ؟‬
‫ماذا حدث للحبّ الذي كنتَ‪،‬‬
‫حتى الن‪ ،‬تعترف لي به ؟‬
‫أتستطيع الن أن تهجر آلكيونا‬
‫دون أن تقلق على مصيرها ؟‬
‫هل تغريك الن السفار الطويلة ؟‬
‫هل الغياب اليوم‪،‬‬
‫يجعلني أغلى عليك ؟‬
‫أحسبك‪ ،‬على القلّ‪ ،‬ستسلك طريق البرّ‪،‬‬
‫هكذا‪ ،‬أغتمّ لرحيلك‪ ،‬دون أن اخاف‪،‬‬
‫وسيكون اهتمامي خاليًا من الهموم·‬
‫فالبحر هو ما يُرعبني‪،‬‬
‫ترعبني صورة المواج‪ ،‬المريعة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 17‬كان فورباس من فليجيا (‪ )Phlégia‬يُهاجم المسافرين الذاهبين إلى دلفي·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪602 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪603 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪664 :‬‬

‫رأيت من قبل على الشاطئ‬


‫ألواحاً خشبيّة محطّمة‪،‬‬
‫وطالما قرأت أسماءً على قبور‬
‫ل يضمّ أيّ منها رفاتاً·‬
‫ل تستسلم لغواية الثقة الخادعة‬
‫بأنّ والد زوجتك هو ابن هيبوتيز ‪Hippotès( 18(،‬‬
‫الذي يُمسك بالرّياح العاصفة‪ ،‬حبيسة سجنه‪،‬‬
‫ويهدّئ الموج حين يشاء·‬
‫فعندما تُفلتُ الرّياح من عِقالها‪،‬‬
‫وتُصبحُ سيّدة على البحر‪،‬‬
‫ل يعودُ شي ٌء يُوقفها·‬
‫ل برّ ول بحر‬
‫في مأمنٍ من هيجانها·‬
‫إنّها تقتحم حتى غيوم السّماء نفسها‪،‬‬
‫وتجعل النيران تتطاير شرراً‬
‫متفجّرة من اصطدامها الرّهيب·‬

‫بقدر ما تزداد معرفتي بها‬


‫(ذلك أنني عرفتها كثيراً‪ ،‬وغالبًا عندما كنت طفلةً‪،‬‬
‫ورأيتها في بيت أبي)‪،‬‬
‫يزداد يقيني بأنها خطرة·‬
‫إن كانت جميع التّوسّلت عاجزةً‬
‫عن َثنْي عزمكَ‪ ،‬يا زوجي العزيز‪،‬‬
‫إن كنت مصمّما على السّفر‪،‬‬
‫فخذني معك·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 18‬ابن هيبوتيز هو إيول (‪ ، )Eole‬والد آلكيونا‪ ،‬وسيّد الرّياح·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪603 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪604 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪665 :‬‬

‫نكون معاً‪ ،‬على القلّ‪ ،‬في قلب العواصف‪،‬‬


‫ولن أخشى من الخطار إلّ ما نواجهه فعلً·‬
‫هكذا نتحمّلها معاً‪ ،‬مهما كانت‪،‬‬
‫ومعاً يحملنا البحر الواسع·"‬

‫بهذه الكلمات‪ ،‬وهذه الدموع‪ ،‬حرّكت ابنة إيول (‪)Eole‬‬


‫شعورَ زوجها‪ ،‬ابن الكوكب‪،‬‬
‫ذلك أنّ حبّه ل يقلّ اضطراماً عن حبّها·‬
‫غير أنه لم يُردْ أن يعدل عن سفره‬
‫الذي ينوي أن يقومَ به بحراً‪،‬‬
‫ول أن يُشركَ آلكيونا في مخاطره·‬
‫وأجابها بحشدٍ من السباب الخاصّة‬
‫طمْئنُ قلبها القلق·‬
‫التي تُ َ‬
‫إلّ أنه لم ينجح في إقناعها بخطّته·‬
‫أخيراً‪،‬‬
‫أضاف هذه العهود التي أمكن لها وحدها‬
‫أن تهدّئ حبيبته‪:‬‬
‫"نعم‪ ،‬أعترف أنّ كلّ انفصالٍ‬
‫هو‪ ،‬بالنسبة إلينا‪ ،‬طويلٌ جدّا·‬
‫لكن‪ ،‬أقسم لكِ بنار الكوكب‪ ،‬أبي‪،‬‬
‫أنني سأعود إليكِ‬
‫إن سمحت لي القدار بذلك‪،‬‬
‫قبل أن يُكمل القمر دورته الثانية·"‬
‫ل بعودته‪،‬‬
‫ل بهذا الوعد‪ ،‬في قلب زوجته‪ ،‬الم َ‬ ‫حالما أدخ َ‬
‫أمرَ بإحضار سفينةٍ من مُستودعِ السّفن‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪604 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪605 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪666 :‬‬

‫وإنزالها في البحر‪ ،‬وتجهيزها بعتادها·‬


‫ارتعدت آلكيونا مجدّدا من هذا المنظر‪،‬‬
‫كأنها كانت تقرأ المستقبل‪،‬‬
‫تاركةً حرّية التّدفّق لدموعها‬
‫التي كانت تتصاعد إلى عينيها‪،‬‬
‫وضمّت زوجها بين ذراعيها·‬
‫أخيراً‪،‬‬
‫ظ لكلمةِ "وداعاً!"‬ ‫تركت التاعسة الح ّ‬
‫ت من فمها الحزين‪،‬‬ ‫أن تُفل َ‬
‫وانهارتْ·‬
‫أراد سايكس أن يتريّث‪،‬‬
‫غير أنّ بحّارته الفتيان كانوا قد أحضروا‬
‫المجاذيف‪ ،‬واقفين في صفّين اثنين‪ ،‬واضعين إيّاها‬
‫على صدورهم القويّة‪،‬‬
‫وكانوا بضرباتٍ متساويةٍ‪،‬‬
‫يشقّون المواج·‬
‫رفعت آلكيونا عينيها النّديّتين‪،‬‬
‫وكان زوجها واقفاً‬
‫على كَ ْوثَلِ السّفينة المقوّس‪،‬‬
‫يلوّح بيده تلويحة الوداع·‬
‫لمحته هو قبل الكلّ‪ ،‬وأجابته بالتّلويحة ذاتها·‬
‫عندما ابتعدت اليابسة‬
‫ولم تعد العيون قادر ًة أن تتعرّف على الوجوه‪،‬‬
‫ظلّت هي تتابع النّظر‪ ،‬بقدر ما تستطيع أن تميّزها·‬
‫حينذاك‪ ،‬أخذت تتأمّل الرّاية التي‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪605 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪606 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪667 :‬‬


‫تخفق على ذروة الصّاري·‬
‫وعندما غابت الرّاية نفسها‪،‬‬
‫عادت قلقةً إلى سريرها الفارغ‬
‫مُستلقيةً على الوسائد·‬
‫كان منظر فراشها وبيتها يُثير من جديدٍ‬
‫دموعها‪ ،‬مُذكّرًا إيّاها بذلك الجزء من حياتها الغائب عنها·‬

‫كان المركب قد خرج من حمى الشواطئ‪،‬‬


‫وبدأت ريح البحر ترجّ الحبال·‬
‫أدار البحّارة على جانب السّفينة‬
‫المجاذيف المعلّقة‪،‬‬
‫وثبّتوا السّواري في أعلى الصّاري‪،‬‬
‫ناشرين الشرعة كلّها‪،‬‬
‫لستقبال الرّيح التي تهبّ·‬
‫لم تكن السّفينة‪ ،‬فيما تشقّ الماء‪،‬‬
‫قطعت بعدُ أكثرَ من نصف طريقها‪،‬‬
‫لكنها باتت بعيدةً عن اليابسة من الجهتين‪،‬‬
‫عندما بدأ البحر‪ ،‬مع اقتراب الليل‪،‬‬
‫يهيجُ ويزبد‪،‬‬
‫وبدأت الرّيح الشّرقيّة تعصفُ‬
‫بمزيدٍ من العنف·‬
‫صرخَ ال ّربّان قائلً‪:‬‬
‫"أسرعوا·‬
‫أنزلوا الدّوقل من العلى·‬
‫ع كلّها‬
‫اطووا القلو َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪606 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪607 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪668 :‬‬

‫على الصّواري·"‬
‫كانت تلك أوامره·‬
‫غير أنّ العاصفة التيةَ مواجهةً‪ ،‬عارضتهُ‪،‬‬
‫واصطفاق المواج حال دون سماع صوته‪،‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬أسرع بعضهم من تلقائهم لسحب المجاذيف‪،‬‬
‫وأسرع آخرون لدهنِ هيكل السّفينة بالزّفت العازل‪،‬‬
‫وبعضهم الخر لخفاء الشرعة عن هيجان الرّياح·‬
‫وكان هذا يُفرغ الماء من خزّان السّفينة في ماء البحر‪،‬‬
‫وذلك يرفع الدّقل·‬
‫فيما كانت هذه العمال جاريةً بشكل غير منظّم‪،‬‬
‫كانت العاصفة تزداد عنفاً‪،‬‬
‫والرّياح تشنّ حروبًا رهيبةً‪ ،‬من جميع الجهات‪،‬‬
‫وتخضّ البحر الثائر·‬
‫تملّك الرّعب ال ّربّان نفسَه‪،‬‬
‫معترفاً أنه يجهل وضع السّفينة‪،‬‬
‫ويجهل ما يتوجّب عليه أن ينظّمه‪ ،‬أو ما يريده‪،‬‬
‫ذلك أنّ الخطر أصبح ساحقاً‪،‬‬
‫ن كلّها عن دَرئه·‬ ‫وتعجز وسائل الف ّ‬

‫لم تعد السّفينة إلّ جلجلةً هائل ًة من صُراخ البحّارة‪،‬‬


‫خبْط الموج الثقيل‪،‬‬
‫وصرير الحبال‪ ،‬و َ‬
‫متكسّرا على الموج‪ ،‬وصواعق الفضاء·‬
‫كان البحر الهائج يبدو ممتزجاً بالسّماء‪،‬‬
‫حتى كأنّه يلمس الغيوم التي تغطّيه‪،‬‬
‫ويُبلّلها برذاذه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪607 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪608 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪669 :‬‬

‫تارةً‪ ،‬فيما يكنس الرّمال الشّقر‬


‫من أعماق اللّجّة‪ ،‬يتّخذ لونها·‬
‫وتار ًة يبدو أكثر سواداً من ماء ستيكس·‬
‫أحياناً‪ ،‬يمتدّ أبيض‬
‫تحت زبد المواج المتقصّفة·‬
‫كانت سفينة تراشينا‬
‫خاضعةً‪ ،‬هي كذلك‪ ،‬لهواء الموج·‬
‫طوراً‪ ،‬تعلو في الفضاء‪ ،‬وتبدو كأنها‬
‫تقف على قمّة جبلٍ‪ ،‬ناظرةً‬
‫إلى أوديةٍ خضراء مفتوحة تحتها‪،‬‬
‫حتى أحشاء العالم السفل·‬
‫وطوراً‪ ،‬عندما تهبط في وسط المواج‬
‫التي تطوّقها برؤوسها المقوّسة‪،‬‬
‫تبدو كأنها تنظر إلى القبّة السّماويّة‬
‫من قاع هاوية الجحيم·‬

‫كانت جوانبها ترنّ غالباً بفعل‬


‫قرع المواج‪ ،‬وتئنّ‬
‫في أثناء هجومها‪ ،‬كمثل جدران قلعةٍ‪،‬‬
‫يرميها منجنيقٌ أو بَرقيلٌ‬
‫ت تُحيلها إلى حطام·‬ ‫بضربا ٍ‬
‫كانت المواج‪ ،‬محمولةً بهبوب الرّياح‪،‬‬
‫تنقضّ على السّفينة‪ ،‬عاليةً عليها‪،‬‬
‫كمثل أسو ٍد فتّاكة‪ ،‬تنقضّ‪ ،‬وصدورها إلى المام‪،‬‬
‫ى جديدة من انقضاضها نفسه‬ ‫وقد استمدّت قو ً‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪608 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪609 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪670 :‬‬

‫على السلحة وعلى الحراب التي توجّه إليها·‬


‫في هذه الثناء‪،‬‬
‫كانت الدّسارات التي تسدّ ُثغَر السّفينة‪،‬‬
‫قد تخلخلت‪ ،‬وأخذت الشّقوق‪ ،‬وقد زال‬
‫دهانها الشّمعي‪ ،‬تتّسع فاتح ًة ممرّا‬
‫للماء القاتل·‬
‫وها هي الغيوم تنشقّ‪،‬‬
‫تاركةً للمطر أن ينهمر مدراراً·‬
‫كان يُخيّل أنّ السّماء كلّها تنزل في البحر‪،‬‬
‫وأنّ البحر الثائر يصعد إلى أقاليم السّماء·‬
‫تبلّلت الشرعة بالعواصف‪،‬‬
‫وامتزجت مياه السّماء بالمياه المالحة‪،‬‬
‫ب يتلل·‬ ‫ولم يكن في الثير أيّ كوك ٍ‬
‫كان الليل يزداد كثافةً‪ ،‬بظلمات العاصفة‪،‬‬
‫التي انضافت إلى ظلماته هو‪،‬‬
‫وكانت البروق‪ ،‬في أثناء ذلك‬
‫تمزّقه وتضيئه‪،‬‬
‫فيما تشتعل المياه بنيران الصّاعقة·‬
‫أخذ الماء يندفع داخل السّفينة‪،‬‬
‫في جوانبها المُقعّرة‪،‬‬
‫وكما يحدث أحياناً أن يبلغ جنديّ‬
‫أكثر شجاع ًة من الخرين‪ ،‬الهدفَ المرجوّ‪،‬‬
‫بعد محاولته الكثيرة‬
‫لكي يتسلّق أسوار مدينةٍ تدافع عن نفسها‪،‬‬
‫فيحتلّ جدار السّور وحده‪ ،‬بين مئات المحاربين‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪609 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪610 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪671 :‬‬

‫مشتعلً بهوى النّصر‪،‬‬


‫هكذا‪ ،‬بعد أن هزّت المواج تسع مرّات‪،‬‬
‫جوانب السّفينة‪ ،‬العالية‪،‬‬
‫انقضّت‪ ،‬للمرّة العاشرة‪ ،‬من المام‬
‫موج ٌة أكثر ضخامةً وأكثر عُلُوّا‪،‬‬
‫تحاصرُ هيكلها المُتعبَ‪،‬‬
‫واستمرّت تُحاصره‬
‫حتى انفصل في الدّاخل عن أسواره‪،‬‬
‫كما لو أنها تقتحم السّفينة·‬
‫كان البحر ل يزال يقذف أمواجًا جديدة‬
‫على السفينة‪ ،‬مُحاولً أن يسيطر عليها·‬
‫غير أنّ الموجة المُظفّرة كانت قد وصلت إلى داخلها‪،‬‬
‫وكان جميع البحّارة قد بدأوا يتلطمون‬
‫سكّان مدينةٍ أمام جيشٍ غاز‪،‬‬‫كما يتلطم ُ‬
‫بعضه يقوّضُ‬
‫أسوارهم من الخارج‬
‫بينما يحتلّهم من الدّاخل بعضه الخر·‬

‫الفنّ‪ ،‬في مثل هذه الحالة‪ ،‬عاجزٌ‬


‫والشّجاعة تنحني·‬
‫كان المنكودو الحظّ‪ ،‬في المواج التي تقترب‪،‬‬
‫يظنّون أنهم يرون جيشاً من المنايا‬
‫يتهيّأ للنقضاض عليهم·‬
‫لم يكن بعضهم قادراً أن يحبس دموعه‪،‬‬
‫وكان الذهول مستولياً على بعضهم‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪610 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪611 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪672 :‬‬

‫وبعضهم الخر يغبط من يأملون بحفلة المأتم·‬


‫هذا‪ ،‬فيما يصلّي‪ ،‬يقدّم نذورًا لللهة‪،‬‬
‫رافعًا يديه عبثاً نحو السماء غير المرئيّة‪،‬‬
‫متوسّل أن تساعده·‬
‫وذلك يتذكّر إخوتَه وأبويه‪،‬‬
‫وآخرُ أطفالَه‪ ،‬وبيته‪،‬‬
‫وكلّ ما غادره·‬
‫لم يكن الملك سايكس يفكّر إلّ في آلكيونا‪،‬‬
‫لم يكن آسفاً إلّ عليها وحدها‪،‬‬
‫وإن كان سعيداً بكونها لم تصحبه·‬
‫كان يُريد أن يعود نحو شواطئ وطنه‪،‬‬
‫ويوجّه إلى بيته نظراته الخيرة·‬
‫غير أنه لم يكن يدري في أيّ جهةٍ هو‪،‬‬
‫لضخامة الهيجان في المواج المُدوّمة·‬
‫ثم إنّ الظّلمات التية من الغيوم‪،‬‬
‫السّوداء كالقار‪ ،‬كانت تحجب السماء كلّها‬
‫عن عينيه‪ ،‬وتجعل ظلمات الليل أشدّ كثافةً·‬
‫وها هو إعصا ٌر مُثقلٌ بالمطرِ‪،‬‬
‫ف صدمته‪،‬‬ ‫يكسرُ صاري السّفينة بعن ِ‬
‫ويكسر كذلك الدّفة·‬
‫وانتصبت المواج بكبرياءٍ فوق الجُثث‪،‬‬
‫علمةً على نصرها‪،‬‬
‫وأخذت تنظر من أعلى‪ ،‬حانيةً ذرواتها‪،‬‬
‫إلى المواج الخرى·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪611 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪612 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪673 :‬‬


‫ثم سقطت إلى المام‪ ،‬مُغرقةً السفينة‬
‫ف صدمتها معاً‪،‬‬ ‫إلى أعماق المياه‪ ،‬بثقلها وعن ِ‬
‫حتى أنها بدت ثقيلةً‪ ،‬كما لو أنّ جبل آتوس (‪)Athos‬‬
‫أو جبل بندوس (‪ )Pindus‬قد اقتُلِعا‬
‫ف بهما معاً في عرض البحر·‬ ‫من أصولهما وقُذ َ‬
‫غرق معها بحّارة كثيرون غاصوا تحت كُتلِ الماء‪،‬‬
‫وقد عجزوا عن الصّعود ثانيةً إلى السّطح‪،‬‬
‫فلقوا نهايتهم·‬
‫وتعلّق آخرون بأنقاض السّفينة المحطّمة‪،‬‬
‫ك بخشبةٍ من حُطامها‪،‬‬ ‫كان سايكس نفسه يُمس ُ‬
‫باليد نفسها التي تعوّدت على صولجانه‪،‬‬
‫مُصلّيا إلى والد زوجته وإلى والده‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬واأسفاه! عبثاً·‬
‫كان‪ ،‬فيما يعوم‪ ،‬كما تشاء المصادفة‪،‬‬
‫حاملً‪ ،‬بخاصّة‪ ،‬بين شفتيه‪ ،‬اسم زوجته آلكيونا‪،‬‬
‫يفكّر فيها ويناديها‪،‬‬
‫متمنّيا أن تقدر على رؤية جسمه‬
‫عندما يطرحه البحر‪،‬‬
‫وأن تدفن جثّته يدا حبيبته·‬
‫كان ل يزال عائماً‪،‬‬
‫يفتح فمه‪ ،‬متلفّظا باسم حبيبته الغائمة‪،‬‬
‫كلّما أتاح له الموج‪،‬‬
‫وكان يُغمغمه كذلك وهو تحته·‬
‫ب قبّة سائل ٌة قاتمة‬
‫لكن‪ ،‬ها هي تنتص ُ‬
‫حول المواج التي تحمله‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪612 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪613 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪674 :‬‬

‫ق وتغطّي بأنقاضها‬ ‫وها هي تنش ّ‬


‫رأس سايكس‪ ،‬طاوي ًة إيّاه في جوفها·‬

‫بقي لوسيفر ‪ 19‬في الظلّ‪ ،‬تلك الليلة‪،‬‬


‫لم يكن ممكناً تمييزه‪،‬‬
‫وبما أنّ مغادرة السّماء محرّمة عليه‪،‬‬
‫فقد أخفى وجهه وراء غيو ٍم كثيفةٍ·‬
‫في هذه الثناء‪،‬‬
‫كانت ابنة إيول‪ ،‬جاهلةً الكارثة‪،‬‬
‫تعدّ الليالي‪ ،‬وتُعجّل في إنهاء الثياب‬
‫التي سيرتديها زوجها‪،‬‬
‫وتلك التي سترتديها هي نفسها‬
‫عندما يعود‪ ،‬ممنّيةً نفسها عبثاً‪،‬‬
‫بأمل عودته·‬
‫كانت تقدّم بخوراً ورعاً لجميع اللهة‪،‬‬
‫وبخاصّة إلى هياكل جونون·‬
‫وكانت تمضي إلى المذابح تصلّي‬
‫من أجل ذلك الذي لم يعد حيّا·‬
‫كانت تطلب أن يعود زوجها‬
‫سالماً وغير مُصابٍ بأذى‪،‬‬
‫وألّ يكون قد فضّل عليها أيّة امرأةٍ أخرى·‬
‫وكانت هذه المنية‬
‫هي وحدها التي أمكن أن تُستجاب·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 19‬هو أبو سايكس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪613 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪614 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪675 :‬‬

‫إلهُ النّوم‬

‫لم تكن اللهة العظيمة‪ ،‬من جهتها‪ ،‬تحتمل طويلً‬


‫التّوسّل إليها من أجل ميّت·‬
‫ج من هيكلها‬ ‫كانت تريد أن تُخر َ‬
‫ن دنّسهما الحِداد‪ 20 ،‬فقالت‪:‬‬ ‫يديْ ِ‬
‫"إيريس‪،‬‬
‫أيّتها النَاقلةُ المينة لوصاياي‪،‬‬
‫اذهبي بسرعةٍ‬
‫إلى الحرَمِ المنوّم‪ ،‬حيث يقيم إله النوم‪،‬‬
‫ومُريه أن يُرسلَ إلى آلكيونا‬
‫حلماً له هيئة سايكس الذي فقدته‪،‬‬
‫يخبرها بصدقٍ كاملٍ عن المصيبة التي كان ضحيّتها·"‬
‫في الحال لبست إيريس حجابَها‬
‫ذا اللوان العديدة‪،‬‬
‫واتّجهت لكي تنفذ المر إلى المسكن الملكيّ‬
‫الذي تخبّئه غيمةٌ‪،‬‬
‫ناشرةً لمعان قوسها المُنحنية‬
‫في أنحاء السّماء·‬

‫هناك‪ ،‬غير بعيدٍ عن بلد السّيمّريين (‪Cimmériens(، 21‬‬


‫مغارةٌ موغلةٌ‬
‫في أحشاء الجبل‪،‬‬
‫هي البيت الغريب لله النوم الكسول·‬
‫لم تقدر الشمس أبداً أن تجعل أشعّتها‬
‫تنفذ إلى هذه المغارة‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 20‬آلكيونا‪ ،‬بوصفها زوجة ميّت‪ ،‬هي في حالة تدنّس· ل تقدر أن تقترب من معابد تستلزم القتراب منها في حال ٍة من‬
‫الطّهارة·‬
‫‪ 21‬يسكن السّيمريّون حيث ل تظهر الشمس‪ ،‬إلى جوار الموتى·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪614 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪615 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪676 :‬‬

‫ل عند شروقها‪ ،‬ول في منتصف طريقها‪،‬‬


‫ول في مغيبها·‬
‫كان يخرج من الرض حولها‬
‫ضبابٌ قاتمٌ‪ ،‬ويُهيمن عليها‬
‫ضوءٌ مريبٌ كضوء الغسق·‬
‫هنا‪ ،‬ل يُنادي الطّير السّاهر‪،‬‬
‫المتوّج بقنزعةٍ‪ ،‬الفجر أبداً بأغانيه‪:‬‬
‫فل شيء يقطع الصّمت ـ‬
‫ل نِباح الكلب اليقظة‪،‬‬
‫ول صوت الو ّز ذي الذن الكثر رهافةً·‬
‫ل تُسمعُ هناك أصواتُ حيواناتٍ متوحّشة‪،‬‬
‫أو قطعانٍ‪،‬‬
‫ول أصواتٌ إنسانيّة‪:‬‬
‫ل نأمةَ‪ ،‬ول ضجّة·‬
‫إنه مُقامُ الصّمت والرّاحة الكاملة·‬
‫لكن يخرج من أسفل الصّخرة نهر ليثيا (‪)Léthe‬‬
‫هامسًا بخريره الخافت فوق الحصى‪،‬‬
‫مغريًا بالنّوم·‬
‫أمام مدخل المغارة‪،‬‬
‫ت متنوّع‬‫يُزهرُ خشخاشٌ خصبٌ‪ ،‬ونبا ٌ‬
‫يُستخدم نسغه في الليل‪،‬‬
‫لتكوين السّحر المنوّم الذي ينشره الليل‬
‫مع نداوته على الرض المُظلمة·‬
‫ل باب يصرّ دائراً في محوره‪،‬‬
‫فل وجود لبابٍ واحدٍ في المنزل كلّه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪615 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪616 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪677 :‬‬

‫ول حارس على العتبة·‬


‫ينهض في منتصف المغارة‬
‫سريرٌ آبنوسيّ‪ ،‬بوسائد من الرّيش‪،‬‬
‫جميعها من لونٍ واحدٍ‪ ،‬يُغطّيها حجابٌ داكن اللون·‬
‫هناك‪ ،‬يُريح الله أعضاءه الواهنة·‬
‫حوله‪ ،‬هنا وهناك‪ ،‬تنام الحلم الوهميّة‬
‫في أشكالٍ متنوّعة‪،‬‬
‫عديدة‪ ،‬عددَ سنابلِ الحصادِ وأوراقِ الغابة‬
‫أو الرّمال التي يطرحها البحر على الشاطئ·‬
‫دخلت العذراء اللهيّة هذا المكان‪،‬‬
‫مزيحةً بيدها الحلمَ التي تُعرقل سيرها‪،‬‬
‫ق ثوبها‬ ‫وسُرعان ما أضاء بري ُ‬
‫هذا المُقام المقدّس·‬
‫فتح إله النوم‪ ،‬بصعوب ٍة كّليّة‪،‬‬
‫أجفانَه الرّاكدة‪،‬‬
‫فانغلقت‪ ،‬مرّة بعد مرّة‪،‬‬
‫فيما كان رأسه الواهن يتأرجح‬
‫ويلطم بذقنه أعلى صدره·‬
‫أخيراً‪،‬‬
‫أخرجَ نفسَه من نفسِه‪،‬‬
‫واتّكأ على مرفقِهِ‪ ،‬سائلً إيريس‬
‫(ذلك أنّه عرفها)‬
‫عن سبب زيارتها·‬
‫فأجابت‪:‬‬
‫"يا ربّ النّوم‪ ،‬يا راحة الطّبيعة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪616 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪617 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪678 :‬‬

‫أيّها الكثر عذوبةً من جميع اللهة‪،‬‬


‫يا سلم الرّوح‪،‬‬
‫أنت الذي تطرد الهموم‪،‬‬
‫ل قاسية‪،‬‬
‫وتريح الجسامَ التي أنهكتها أعما ٌ‬
‫وتجعلها تستعيد قُواها‬
‫من أجل مهمّات جديدة‪،‬‬
‫است ْدعِ الحلمَ التي تُجيد‪ ،‬على النّحو الفضل‪،‬‬
‫مُحاكاة الشكال الحقيقيّة‪،‬‬
‫ومُرها أن تذهبَ إلى تراشينا‪،‬‬
‫مدينة هرقل‪ ،‬حيث تأخذ شكل سايكس‪،‬‬
‫وتقترب من آلكيونا‪،‬‬
‫ظاهرةً لها في صورة الملك الغريق·‬
‫تلك هي إرادة جونون·"‬
‫عندما أكملت إيريس مهمّتها‪،‬‬
‫ابتعدت‪ ،‬لنّها لم تعد قادرةً على أن تقاوم‬
‫مدّة أطول‪ ،‬فتورَ النّوم·‬
‫وإذ أحسّت بالنوم يتغلغل في أعضائها‪،‬‬
‫هربت عائدةً إلى السّماوات‬
‫على قوسِها التي جاءت بها·‬
‫آنذاك‪ ،‬أيقظ الله‪ ،‬بين شَعب أطفاله اللف‪،‬‬
‫ع من يُحاكي الشّكل النسانيّ‪،‬‬ ‫أبر َ‬
‫مورفيوس (‪· )Morpheus‬‬
‫ل أحدٌ سواه يُحاكي بمثل فنّه‬
‫شيَةَ‪ ،‬والوجه‪ ،‬والصّوت‪ ،‬وحتى الثياب والحاديثَ‬ ‫المِ ْ‬
‫الكثرَ ألفةً عند كلّ شخص‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪617 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪618 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪679 :‬‬

‫غير أنّه ل يُحاكي إلّ الرّجال·‬


‫يأخذ آخرُ شكلَ الحيوان المتوحّش‪،‬‬
‫والطّائر‪ ،‬والفعى ذات الجسم الطويل·‬
‫وتسمّيه اللهة إيكيلوس (‪، )Icélos‬‬
‫ويسمّيه البشر فوبيتور (‪· )Phobétor‬‬
‫ث يتميّز كذلك بحيلٍ أخرى‪،‬‬ ‫هناك ثال ٌ‬
‫هو فانتازوس (‪ Phantasos(، 22‬ويتنكّر‬
‫في أشكال التراب‪ ،‬والحجر‪ ،‬والماء‪ ،‬والخشب‪،‬‬
‫وفي جميع أنواع الكائنات‪ ،‬غير الحيّة·‬
‫تظهر هذه الحلم في الليل‪،‬‬
‫على الملوك والرؤساء‪،‬‬
‫وتظهر أخرى على الناس والعامّة·‬
‫يتركهم أبوهم جميعاً جانباً‪،‬‬
‫ل يختار إله النوم بين هؤلء الخوة ال ُكثُر‬
‫إلّ واحداً هو مورفيوس‪ ،‬لكي يُنفّذ الوصيّة‬
‫التي أوصلتها إليه ابنة تاوماس(‪Thaumas(. 23‬‬
‫ها هو يستسلم من جديد إلى ارتخاءٍ عذبٍ‬
‫فيترك رأسه يميل‪،‬‬
‫مخبئًا إيّاه في أعماق سريره·‬
‫طار مورفيوس عِبرَ الظّلمات‪،‬‬
‫دون أن تحدث أجنحته أيّ ضجيجٍ·‬
‫وفي مدى لحظةٍ‪ ،‬وصل إلى المدينة الهيمونيّة·‬
‫نزع أجنحته‪ ،‬وأخذ قسمات سايكس·‬
‫وقف أمام سرير التاعسة الحظ‪،‬‬
‫كابياً‪ ،‬شبيهًا بجثّة‪ ،‬وعارياً تماماً·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 22‬إله النوم‪ ،‬ابن الليل وأخو الموت‪ ،‬ل يتحرّك· يُرسلُ أبناءه· يُشي ُر مورفيوس‪ ،‬أي الشكل‪ ،‬إلى الخصائص التي‬
‫يحدّدها النصّ· وإيكيليوس‪ ،‬ويعني باليونانيّة‪ ،‬الشّبيه‪ ،‬هو السم اللهيّ لفوبيتور‪ ،‬المُرعب‪ ،‬أي الكابوس· أما‬
‫فانتازوس‪ ،‬فهو الحلم نفسه·‬
‫ت عديداتٌ‪ ،‬بينهنّ إيريس·‬
‫‪ 23‬توماس هو أحد أبناء البحر والرض· وله بنا ٌ‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪618 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪619 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪680 :‬‬

‫بدت لحيته مبلّلة‪،‬‬


‫ط كبيرة‪،‬‬ ‫خيّل أنّ الماء ينطف بنق ٍ‬ ‫وُ‬
‫من شعره المبلّل·‬
‫آنذاك‪ ،‬قال لها‪ ،‬منحنياً على السّرير‪،‬‬
‫ووجهه يفيض بالدّموع‪:‬‬
‫"هل تتعرّفين على سايكس‪،‬‬
‫أيّتها التاعسة‪ ،‬يا زوجتي ؟‬
‫ت غيّر قسماتي كثيراً ؟‬ ‫أم أنّ المو َ‬
‫وجّهي نظراتك نحوي‪،‬‬
‫وسوف تتعرّفين عليّ·‬
‫لكن لن تري زوجك‪ ،‬بل شبحه·‬
‫لم تقدّم لي صلواتك‪ ،‬يا آلكيونا‪،‬‬
‫أيّ عونٍ·‬
‫أنا ميّت‪،‬‬
‫فكُفّي عن تعليل النفس بتوهّم عودتي·‬
‫فاجأت ريحُ الجنوب‪ ،‬جامعةُ الغيوم‪،‬‬
‫سفينتي في البحر اليجيّ‪،‬‬
‫وبعد أن تقاذفتها‪ ،‬على هواها‪،‬‬
‫في عصفِها الرّهيب‪ ،‬حطّمتها·‬
‫واحتلّ الماء فمي‬
‫الذي كان يردّد‪ ،‬عبثاً‪ ،‬اسمك‬
‫بصرخاتٍ عالية·‬
‫هذا الذي يحمل لك الخبر‬
‫ك فيه‪،‬‬
‫ل يُش ّ‬‫ليس رسو ً‬
‫فهو ل يجيئك بإشاعةٍ غامضة‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪619 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪620 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪681 :‬‬

‫بل أنا الذي يجئ به إلى هنا‪ ،‬بعد غرقي‪،‬‬


‫لكي أخبرك‪ ،‬أنا نفسي بمصيري·‬
‫هيّا‪ ،‬انهضي‪ ،‬هاتي دموعك‪،‬‬
‫البسي ثياب الحداد‪ ،‬ول تتركيني أذهب‬
‫إلى ظلل العالم السفل‪،‬‬
‫قبل أن تبكيني·"‬
‫قال مورفيوس هذه العبارات بصوتٍ‬
‫حسبت آلكيونا أنّه صوت زوجها·‬
‫خيّل إليها أنه أراق دموعاً حقيقيّة‪،‬‬
‫ُ‬
‫وأنّ ليده نفسها حركات سايكس·‬
‫انتحبت آلكيونا‪ ،‬وسكبت دموعها‪،‬‬
‫وحرّكت ذراعيها‪ ،‬فيما كانت ل تزال نائمة·‬
‫كانت تحاول أن تقبض على جسم‪،‬‬
‫فلم تقبض إلّ على الرّيح‪،‬‬
‫آنذاك صرخت‪:‬‬
‫"ابقَ·‬
‫أين ترحل ؟‬
‫سنمضي سويّة·"‬
‫استيقظت‪ ،‬مضطربةً من صوتها‪،‬‬
‫ومن ظهور زوجها‪،‬‬
‫وأخذت تبحث أوّل إن كان ما رأته‬
‫ل يزال موجوداً‪ ،‬ذلك أنّ خ َدمَها‬
‫الذين أقلقتهم صرخاتها‪،‬‬
‫أحضروا معهم مصباحاً·‬
‫ي مكانٍ‪،‬‬ ‫ولمّا لم ترَ زوجها في أ ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪620 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪621 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪682 :‬‬

‫أخذت تلطم وجهها‪،‬‬


‫وتدقّ على صدرها‪ ،‬ممزّقةً ثيابها·‬
‫وأخذت تقتلع شعرها دون أن تفكّ جدائلها‪،‬‬
‫وعندما سألتها مُربّيتها عن سبب ذلك‪،‬‬
‫أجابتها‪:‬‬
‫"انتهى المر‪،‬‬
‫انتهت آلكيونا·‬
‫لقد ماتت مع زوجها·‬
‫ل تعزّوني‪،‬‬
‫لقد مات غرقاً· رأيته· عرفته·‬
‫ت يدي لمسك به‪،‬‬ ‫عندما ابتعد‪ ،‬مدد ُ‬
‫فلم يكن إلّ شبحاً‪ ،‬شبحاً يسهل التعرّف عليه‪،‬‬
‫الشّبح الحقيقيّ لزوجي·‬
‫لم يكن لوجهه‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬إن شئتِ‬
‫أن تعرفي كلّ شيءٍ‪ ،‬تعبيره الليف‪،‬‬
‫ول البريق الذي كان يش ّع به سابقاً·‬
‫كان سايكس شاحباً‪ ،‬عارياً‪،‬‬
‫وكان شعره ل يزال مبلّل‪،‬‬
‫عندما رأيته أمامي ـ‬
‫كان هناك‪ ،‬في هذه الحالة المُحزنة‪،‬‬
‫في هذا المكان ذاته‬
‫(وأخذت تبحث لترى إن كان قد ترك أثرًا منه)·‬
‫ذلك ما كانت توقّعاتي‬
‫تدفعني إلى الخوف منه·‬
‫ل تبتعد عنّي‪،‬‬‫كنت أتوسّل إليك أ ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪621 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪622 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪683 :‬‬

‫ألّ تثق بالرّيح·‬


‫وبما أنّك كنت ذاهباً إلى الموت‪،‬‬
‫فلماذا‪ ،‬على القلّ‪ ،‬لم تأخذني معك ؟‬
‫كنت سأنال كلّ حظو ٍة بالسّير وراءك‪:‬‬
‫ما كانت لتبقى في حياتي‬
‫لحظةٌ واحدة لم أمضها معك‪،‬‬
‫ل بيننا·‬
‫ولمَا كان الموت فصَ َ‬
‫الن‪ ،‬أموت‪ ،‬وإن لم أكن معك·‬
‫أنا كذلك‪ ،‬وإن كنت غائبةً‪ ،‬لعبة المواج‪،‬‬
‫والبحر‪ ،‬أنا البعيدة عنه‪،‬‬
‫يقبض بسلطانه عليّ·‬
‫سيكون قلبي أكثر قسوةً كذلك‬
‫من البحر نفسه‪،‬‬
‫لو حاولت جاهدةً أن أطيلَ حياتي‪،‬‬
‫أو أن أصارعَ لكي أتغلّب على‬
‫مثل هذا اللم الكبير·‬
‫لكن كلّ‪ ،‬لن أصارع‪ ،‬لن أتركك لشقائك·‬
‫الن‪ ،‬على القلّ‪،‬‬
‫سأمضي لبحث عنك وأعثر عليك·‬
‫سيجمعنا قبرٌ واحدٌ‪ ،‬إن لم نكن‬
‫في مِرمَدَةٍ واحدة‪،‬‬
‫فسنكون‪ ،‬على القلّ‪ ،‬في َنقْشٍ واحد·‬
‫إن لم تلمس عظامي عظامك‪،‬‬
‫فسوف يتلمس‪ ،‬على القل‪،‬‬
‫اسمك واسمي·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪622 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪623 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪684 :‬‬

‫أخذ اللم يحُول دون أن تُتابعَ كلمَها‪،‬‬


‫وكانت بين عبارةٍ وأخرى تلطمُ صدرَها‪،‬‬
‫ب من قلبها المُحطّم·‬ ‫ويتصاعدُ النّحي ُ‬
‫في الصّباح‪ ،‬غادرت منزلها وذهبت إلى الشاطئ·‬
‫اتّجهت حزينةً إلى الماكن التي سافر منها زوجها‪،‬‬
‫وبقيت فيها جامدةً·‬
‫قالت‪:‬‬
‫"من هنا أبحر·‬
‫هذا هو الشاطئ‪ ،‬وهنا قبّلني‪،‬‬
‫فيما يُفارقني‪ ،‬قبلَهُ الخيرة·"‬
‫وفيما كانت تتذكّر ما فعلته في هذا المكان‪،‬‬
‫ل نظراتها في البحر‪،‬‬ ‫وتُجي ُ‬
‫لمحت‪ ،‬على مساف ٍة كبيرةٍ‪ ،‬في البحر‪،‬‬
‫جثّة·‬
‫شيئًا يُشبه ُ‬
‫لم تكن ممكنةً في البداية معرفة هذا الشيء تماماً‪،‬‬
‫وعندما قرّبته المواج قليلً‪،‬‬
‫أصبح واضحاً‪ ،‬على الرّغم من البعد‪،‬‬
‫ن هذا الشيء جثّة·‬ ‫أّ‬
‫لم تكن بعد قد عرفت ما كانت تراه‪،‬‬
‫ن هذا كان غريقاً‪،‬‬ ‫لكن‪ ،‬بما أ ّ‬
‫فقد تأثرت بالفأل·‬
‫ذرفت دمعةً على هذا الميّت‬
‫كما لو أنّها تبكي مجهولً·‬
‫قالت‪:‬‬
‫"أرثي‪ ،‬واأسفاه‪ ،‬لشقائكَ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪623 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪624 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪685 :‬‬

‫أيّا كنتَ‪ ،‬ولشقاء زوجتكَ‪،‬‬


‫إن كانت لك زوجة·"‬
‫ازداد اقتراب الجثّة في تدافع الموج‪،‬‬
‫وبقدر ما كانت تراقبها‪ ،‬كان فكرها‬
‫يزداد اضطراباً·‬
‫وها هي الن قريبةٌ جدًا من البرّ‪،‬‬
‫وتراها جيّدا بحيث يمكن أن تتعرّف عليها‪:‬‬
‫كانت حقّا جُثة زوجها·‬
‫وصرخت‪:‬‬
‫"إنه هو"‪،‬‬
‫لطمةً‪ ،‬في الوقت نفسه‪،‬‬
‫وجهها‪ ،‬مقتلعةً شعرها‪ ،‬ممزّقة ثيابها·‬
‫وقالت وهي تم ّد يديها المرتجفتين نحو سايكس‪:‬‬
‫"تلك هي إذن‪ ،‬يا زوجي الحبيب‪،‬‬
‫تلك هي الحالة التي تعود بها إليّ‪،‬‬
‫أيّها التاعس الحظّ!"‬
‫على ضفّة الماء‪ ،‬كان يرتفع سدّ‬
‫بنته يدُ النسان‪،‬‬
‫يكسر عن بعدٍ حدّة البحر‪،‬‬
‫ويُتعبُ هجوم أمواجه‬
‫في استقباله إيّاها‪ ،‬أوّل·‬
‫قفزت إليه آلكيونا‪ ،‬بل طارت‪،‬‬
‫(وهذه كانت أعجوبة)‪،‬‬
‫ضربت الهواء الخفيف بأجنحتها التي‬
‫نبتت لتوّها‪ ،‬وحوّمت ـ طائرًا مُحزناً‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪624 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪625 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪686 :‬‬

‫يُلمس وجه الماء·‬


‫كانت تُطلق‪ ،‬فيما تطير‪ ،‬صراخًا‬
‫يُشبه صراخ الستغاثة ـ صوتاً شاكياً‬
‫وحادّا‪ ،‬يطلع من منقار ضامرٍ·‬
‫عندما لمست الجسم الصّامت الهامد‪،‬‬
‫أحاطت بأجنحتها الحديثة العهد‪ ،‬أعضا َء من كانت تحبّه‪،‬‬
‫وغمرته عبثاً بوساطة منقارها الصّلب‪،‬‬
‫بقبلتٍ باردة·‬
‫هل أحسّ سايكس بها‪،‬‬
‫أم أنه تراءى كأنه يُحرّك رأسه‬
‫المستسلم إلى حركات المواج ؟‬
‫كان ذلك موضع تساؤلٍ‪،‬‬
‫غير أنه أحسّ بالقبل حقّا·‬
‫أخيراً‪،‬‬
‫حوّلتهما اللهة الرّحيمة إلى طائرين· ‪24‬‬
‫بقي حبّهما كما هو‪،‬‬
‫بعد أن خضعا للمصير ذاته‪،‬‬
‫ي تغيير على وفائهما الزوجيّ‪،‬‬ ‫ولم يطرأ أ ّ‬
‫منذ أن أصبحا طائرين‪،‬‬
‫فهما يتزاوجان ويلدان·‬
‫على مدى سبعة أيّام هادئ ٍة من فصل الشتاء‪،‬‬
‫تحضن آلكيونا عشّها المعلّق على الماء·‬
‫عندما يكون البحر في هدوئه المُطلق·‬
‫ويحرس إيول الرّياح‪ ،‬مانعًا إيّاها‬
‫من الخروج‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 24‬تحوّل كلهما إلى آلكيون‪ ،‬الطائر البحريّ‪ :‬ربما إلى قِرلّى‪ ،‬أو إلى غمّاس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪625 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪626 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪687 :‬‬

‫ويهيّئ لحفاده مياهاً هادئة·‬

‫أيزاكوس (‪)Aesacus‬‬

‫رآهما شيخٌ يطيران معًا‬


‫في مدى البحر الواسع‪،‬‬
‫فأعجب بهذا الحنان الذي يوحّد بينهما حتى النهاية·‬
‫وقال آخر‪ ،‬وربّما هو نفسه‪:‬‬
‫"ترون هذا الطّائر الذي يلمس المواجَ‬
‫بساقيه النّحيلتين‪،‬‬
‫(مشيراً إلى غمّاس طويل ال ُعنُق)‬
‫إنّه سليل عائل ٍة ملكيّة·‬
‫إذا شئتم أن تعرفوا تسلسل أسلفه‬
‫فإنّ البطال الذين ينحدر منهم‪،‬‬
‫كانوا على التوالي‪:‬‬
‫إيلوس (‪ ,)Ilus‬آسّاراكوس (‪,)Assaracus‬‬
‫غانيميدا (‪ )Ganymède‬التي خطفها جوبيتر‪،‬‬
‫الشّيخ لوميدون (‪ )Laomédon‬وبريام (‪)Priam‬‬
‫الذي كان مُقدّراً له‬
‫أن يرى اليّام الخيرة لطروادة·‬
‫وكان هيكتور أخًا لهذا الطائر·‬
‫ولو لم يكن‪ ،‬في شبابه الول‪،‬‬
‫ضحيّة قدر خارقٍ‪،‬‬
‫لكان اكتسب شهر ًة ل تقلّ عن شهرة هيكتور·‬
‫ن هيكتور مَدينٌ بالحياة‬ ‫غير أ ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪626 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪627 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪688 :‬‬

‫إلى ابنة ديماس (‪ ، )Dymas‬هيكوبا (‪)Hécuba‬‬


‫بينما ولدَ إيزاكوس سرّا‪ ،‬كما يُقال‬
‫في غابات إيدا (‪ ، )Ida‬من أِلكْزيرو (‪)Alexiroe‬‬
‫التي أنجبها غرانيكوس (‪ )Granicus‬ذو القرنين· ‪25‬‬
‫كان إيزاكوس يكره المدن‪،‬‬
‫فكان يهرب من قصر أبيه المتألّق‪،‬‬
‫ل يُحبّ إلّ القامة في الجبال المنعزلة‪،‬‬
‫والرياف‪ ،‬حيث ل تُعرف البّهة‪،‬‬
‫ولم يكن يختلط بمجتمع إيليون (‪)Ilion‬‬
‫إلّ نادراً·‬
‫ومع ذلك لم يكن قلبه فظّا‬
‫عجز الحبّ أن ينتصر عليه·‬
‫فقد ترصّد غالباً في الغابات هيسبيريا‪،‬‬
‫ابنة سيبرين (‪· )Cébrène‬‬
‫وذات يومٍ رآها على الشاطئ البويّ‪،‬‬
‫تاركةً شعرها ينسدل على كتفيها‪،‬‬
‫مجفّفة إيّاه في الشمس·‬
‫لم يكد يراها حتى هربت ربّة الماء‬
‫كمثل غزالةٍ مذعورةٍ‪ ،‬تهرب من الذئب‬
‫المغر الوبر‪،‬‬
‫أو كمثل بطّة النهر‪ ،‬تهرب من الصّقر‬
‫الذي فاجأها بعيدًا عن غديرها·‬
‫لحقها الطّرواديّ‪ ،‬فضاعف الخوف خطواتها‪،‬‬
‫وضاعف الحبّ خطواته‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 25‬غرانيكوس‪ ،‬نهرٌ في فريجيا‪ ،‬له قرنان كمثل جميع النهار اللهة· إيزاكوس هو إذن ابنٌ غير شرعيّ لبريام‬
‫وآليكزيرو‪ ،‬بينما كان هيكتور أحد أبنائه من زوجته هيكوبا ابنة ملك فريجيا‪ ،‬ديماس· وثمّة رواية تنسب ليزاكوس‬
‫ولدةً شرعيّة‪ ،‬جاعل ًة منه ابناً لبريام ولزوجته الولى آريسبي (‪· )Arisbé‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪627 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪628 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪689 :‬‬

‫وكاد أن يُمسك بها·‬


‫ها هو ثعبانٌ يختبئ في العشب‬
‫يغرز أنيابه في قدم الهاربة‪،‬‬
‫سمّا‬
‫تاركاً فيها ُ‬
‫تغلغل في جسمها كلّه·‬
‫فتوقّفت‪ ،‬في آنٍ‪ ،‬عن الهرب وعن الحياة·‬
‫احتضن إيزاكوس‪ ،‬ضائعاً‪،‬‬
‫هذا الجسم الهامد‪ ،‬وصرخ‪:‬‬
‫"نادمٌ‪ ،‬نادمٌ‬
‫على مطاردتكِ·‬
‫غير أنني لم أتوقّع مثل هذا الشّقاء‪،‬‬
‫ك بهذا الثمن·‬ ‫ولم أكن أريد أن أفوز ب ِ‬
‫كنا‪ ،‬أيّتها التاعسة الحظّ‪ ،‬اثنين‬
‫في تسبيب موتك‪ :‬الثعبان الذي عضّك‪،‬‬
‫وأنا الذي وفّر له الفرصة·‬
‫غير أنّ جُرمي أكبر من جرمه‪،‬‬
‫هكذا سأقدّم لك بموتي‬
‫ما يُعزّيك عن موتكِ·"‬
‫قال ذلك‪ ،‬ورمى نفسه في البحر‪،‬‬
‫من أعلى صخرةٍ حتّت المواج الهادرة قاعدتها·‬
‫أشفقت عليه تيتيس (‪,)Thétys‬‬
‫فهوّنت سقوطه‪ ،‬مستقبل ًة إيّاه بين أحضانها·‬
‫وفيما كان يسبح في الماء‪ ،‬غطّته بالرّيش‪،‬‬
‫وحُر َم من الموت الذي تمنّاه·‬
‫غضب العاشقُ لقسْره على الحياة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪628 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪629 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪690 :‬‬

‫وللعقبة التي تمنع روحه الحاضرة لكي‬


‫تتخلّص من هذه القامة الكئيبة·‬
‫طار بالجنحة التي كست كتفيه من هنيهة‪،‬‬
‫على عُل ّو منخفضٍ‪،‬‬
‫ومن جديدٍ طوّح بنفسه في الموج·‬
‫غير أن ريشه كان له سنداً·‬
‫آنذاك‪ ،‬غاص إيزاكوس‪ ،‬غاضباً‪،‬‬
‫بدءاً من رأسه في الّلجّة‪،‬‬
‫باحثًا بل توقّف عن طريق الموت·‬
‫أنحله الحبّ‪ ،‬وتطاولت ساقاه بين مفاصلهما·‬
‫لكن‪،‬‬
‫بقي له عنقٌ طويلٌ‬
‫ومسافة طويلة تفصل رأسه عن جسمه·‬
‫يحبّ البحر‪،‬‬
‫والسم الذي ل يزال يحمله‪ ،‬يُشيرُ‬
‫إلى أنّه ل يتوقّف عن الغوص في أمواجه· ‪26‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 26‬تحوّل إيزاكوس إلى غمّاس‪ ،‬واسم هذا الطائر في اللتينيّة مرغوس (‪· )Mergus‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪629 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪630 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪695 :‬‬

‫الكتابُ الثاني عشر‬

‫الحملة الولى على طروادة‬


‫آخـــــــيل وسيـــــــنيوس‬
‫كــــــــــــــــــاينــــــــيوس‬
‫السّـــــــــــــناطـــــــــــيـر‬
‫نســـــــــطور وهــــــرَقـل‬
‫مــــــــــــــوت آخـــــــــيل‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪630 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪631 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪697 :‬‬

‫الحملة الولى على طروادة‬

‫كان بريام يبكي موت ابنه إيزاكوس‪،‬‬


‫غيرَ عارفٍ أنه ل يزال يحيا‬
‫تحت أجنح ٍة تُخفيه·‬
‫حتى هيكتور وإخوته الخرون‬
‫أقاموا على قبرٍ لم يكن فيه إلّ اسمه‪،‬‬
‫حفلةً مأتميّة ذهبت سُدىً·‬
‫لم يكن باريس (‪ )Pâris‬حاضراً‬
‫لكي يقوم بهذا الواجب الحزين·‬
‫لكن‪ ،‬بعد ذلك بقليل‪ ،‬جلب إلى بلده‬
‫مع الزّوجة التي كان قد خطفها‪،‬‬
‫ويْلت حربٍ طويلة·‬
‫فلقد تآزرت ألف سفينةٍ لمطاردته‪،‬‬
‫يدعمها اليونانيّون بقواهم كلّها مجتمعةً· ‪1‬‬
‫لم يكن الثأر ليتأخر‪،‬‬
‫ل دون ركوب البحر‪،‬‬ ‫لو أنّ هياج الرّياح لم يح ْ‬
‫ن لبيوسيا (‪)La Béotie‬‬ ‫ولو أ ّ‬
‫لم تحتجز في أوليس(‪ )Aulis‬الشّهيرة بأسماكِها‪،‬‬
‫المراكب الجاهزةَ للسّفر·‬
‫هنا كان الدّانائيون (‪ Les Danaens( 2‬يهيّئون‪،‬‬
‫تِبعاً لعادات آبائهم‪ ،‬أضحيةً لجوبيتر·‬
‫ولم يكد اللّهب الذي أشعلوه أن يلمع‬
‫فوق المذبح القديم‪ ،‬حتى رأوا ثعبانًا أدكن اللّون‬
‫ب تنهض‬ ‫يصعد زاحفاً على شجرة دُل ٍ‬
‫في مكان الحتفال بالتّضحية·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫سكّان بلدهم الُوَل‪ ،‬باسم البيلجيين (‪· )Pélasges‬‬


‫‪ 1‬كان اليونانيون يُسمّون ُ‬
‫ك قديمٌ لرغوس (‪· )Argos‬‬
‫‪ 2‬نسبةً إلى داناوس (‪ ، )Danaos‬وهو مل ٌ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪631 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪632 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪698 :‬‬

‫كان في أعلى هذه الشّجرة‬


‫ش فيه ثمانية فِراخٍ‪،‬‬‫ع ّ‬
‫قبضَ عليها الثعبانُ مع الطّائر المّ‬
‫التي كانت تحوّمُ حولَ فراخها الضّائعة‪،‬‬
‫ش ْدقِهِ الجَشِع·‬
‫وغ ّيبَها جميعاً في َ‬
‫أصيبَ الجميعُ بالذهول‪،‬‬
‫ل ابنُ تيستور (‪Thestor(، 3‬‬ ‫وقا َ‬
‫العرّاف البارعُ في قراءةِ المُستقبل‪:‬‬
‫"سوف ننتصر·‬
‫ابتهجوا أيّها اليونانيّون‪،‬‬
‫ستسقط طروادة‪،‬‬
‫ن عناءنا سيدومُ طويلً·"‬ ‫لك ّ‬
‫ن هذه الفِراخ التّسعة‬ ‫وأوضَحَ أ ّ‬
‫تُنبئُ بتسعِ سنواتٍ من الحرب·‬
‫ق بتجعّداتِ جسمِهِ‪،‬‬ ‫ن يُعان ُ‬
‫وفيما كان الثعبا ُ‬
‫أغصانَ الشّجرة الخضراء‪،‬‬
‫تحوّل إلى حج ٍر كمث ِل هيئتهِ ذاتِها‪،‬‬
‫ل ثعبان·‬‫مُحتفظاً بشك ِ‬

‫عنْفِهِ‬
‫ل نَشْرَ ُ‬
‫كان نيريوس (‪ )Néreus‬يُواص ُ‬
‫في مياهِ آونيا (‪ ، )Aonia‬ويحول دون انتقالِ المُحاربين·‬
‫ن نبتون‬
‫ك من اعتقدَ أ ّ‬
‫هنا َ‬
‫يحمي طروادة لنّه بنى أسوارَها‪،‬‬
‫ل بهِ‬
‫غيرَ أنّ ذلك لم يكن الرّأي الذي يقو ُ‬
‫ابنُ تيستور·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 3‬تيستور هو ابن كالشاس (‪· )Calchas‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪632 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪633 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪699 :‬‬

‫ن أنّه‬
‫كان يعرف ويُعل ُ‬
‫ل ُبدّ من دمِ عذرا َء لكي يهدأ‬
‫غضب اللهة العذراء·‬
‫وعندما انتصرت المصلحةُ العامّة‬
‫حبّ أجاممنون لبنتهِ‬ ‫على ُ‬
‫وتغلّبَ الملكُ فيه على الب‪،‬‬
‫وأخذت إيفيجينيا (‪ )Iphigénia‬مكانَها‬
‫أما َم المذبح‪ ،‬بين الكَهنةِ الباكين‪،‬‬
‫متهيّئةً لكي تُعطي دمَها النّقيّ‪،‬‬
‫ت اللهة بدورها·‬ ‫عند ذاك‪ ،‬غُلبَ ْ‬
‫فقد نشرت غيمةً أمام العيون كلّها‬
‫في أثناء الحتفال الدّينيّ‪،‬‬
‫فيما يحتشد الجمهور‪،‬‬
‫ويعلو ضجيجُ الصّلوات‪،‬‬
‫ووضَعت‪ ،‬كما يُقالُ‪ ،‬غزالةً‬
‫مكانَ إيفيجينيا·‬
‫آنذاك‪ ،‬عندما طُمئنت اللهةُ ديانا‬
‫بضحيّةٍ توافقُها‪،‬‬
‫ب فيبي (‪، )Phébé‬‬
‫وانتهى غضبُ البحر‪ ،‬في الوقتِ نفسِه‪ ،‬مع غض ِ‬
‫فإنّ المراكبَ اللف استقبلت الرّياح بنجاحٍ‬
‫وبعد عددٍ من التّقلّبات‪،‬‬
‫وصلت إلى شاطئ طروادة·‬
‫ثمّة مكانٌ في وسطِ الكون‪،‬‬
‫بين الرضِ والبحر والمناطقِ السّماويّة‪،‬‬
‫على حدود هذه العوالم الثلثة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪633 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪634 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪700 :‬‬

‫من هذا المكان‪ ،‬تُمكن رؤيةُ ما يجري في البُلدان كلّها‪،‬‬


‫حتى الكثرُ بُعداً بينها‪،‬‬
‫ت ل يبل ُغ فيه الذان‬ ‫وما من صو ٍ‬
‫الجاهزة لكي تتلقّاه·‬
‫هنالك تسكنُ إلهةُ الشّهرة·‬
‫اختارت فيه أعلى ذرواته‪ ،‬مقاماً لها‪،‬‬
‫ل عديدة‪،‬‬ ‫تقودُ إليه مداخ ُ‬
‫وجدرانه مليئةٌ بالنّوافذ‪،‬‬
‫ب يُغلق·‬ ‫وليس له با ٌ‬
‫ل ونهاراً·‬ ‫ح لي ً‬
‫فهذا المنزل مفتو ٌ‬
‫وهو يتكوّن بكامله من البرونز الرنّان‪،‬‬
‫ج كلّه ويتموّج‪ ،‬مُرجعاً الكلم‪،‬‬ ‫يرت ّ‬
‫ضخّماً ما يسمع·‬ ‫مُ َ‬
‫وليس في داخله أيّة زاويةٍ‬
‫يسودُ فيها الهدوء والصّمت·‬
‫ليس فيه مع ذلك‪ ،‬صُراخٌ حادّ‬
‫بل وشوشاتٌ خافتة‬
‫تشبه هدير البحر‪،‬‬
‫إذ يُسم ُع من بعيد·‬
‫ي الذي يتركه الرّعد‪ ،‬بعيداً‪،‬‬ ‫أو تشبهُ الدّو ّ‬
‫عندما يشاء جوبيتر أن تتلطم الغيوم الدّكناء·‬
‫في فنائه يتجمّع حشدٌ كاملٌ‪،‬‬
‫شعبٌ خفيفٌ يأتي ويروحُ‪،‬‬
‫وتسري فيه‪ ،‬في التّجاهات كلّها‬
‫آلفُ الخبار الكاذبة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪634 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪635 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪701 :‬‬

‫ممزوجةً بتلك الصّحيحة‪،‬‬


‫فل يُسمع إلّ دورانُ الكلمِ الملتبس·‬
‫ل ما يمل بأخباره‬ ‫بين هذه القاوي ِ‬
‫آذان البطّالين‪،‬‬
‫ج ما يُقالُ في مكانٍ آخر·‬‫والخرى تروّ ُ‬
‫وتتزايدُ القصص الكاذبة‪ ،‬وكلّ را ٍو جديدٍ‬
‫يضمنُ حقيقة ما سمعه‪ ،‬يُضيفُ إليه شيئًا من عنده·‬
‫هنالك تُقيمُ آلهةُ السّذاجة‬
‫والضّلل المتهوّر‪ ،‬والفرح الواهم‬
‫والرّعب الذّاهل‬
‫والفتنةُ التي تنفجر بغتةً والوساوس‬
‫التي ل يعرف أح ٌد من أين تأتي·‬
‫وترى إلهةُ الشّهرة بنفسها‪ ،‬كلّ ما يحدث في السّماء‪،‬‬
‫وفي البحر‪ ،‬وعلى الرض‪،‬‬
‫ن بأكمله·‬
‫فهي تُراقبُ الكو َ‬

‫آخيل وسينيوس (‪)Achille et Sygnus‬‬

‫نشرت إلهةُ الشّهر ِة‬


‫ن اليونانيّة التي وصلت‬ ‫خبرَ السّف ِ‬
‫مُحمّل ًة بالجنودِ البواسل·‬
‫هكذا‪ ،‬لمّا تقدّم هذا العدوّ مُسلّحا‪،‬‬
‫لم يكن وصولُه مفاجئاً·‬
‫عارضَ الطّرواديّون إرساءَ السّفن‪،‬‬
‫مُدافعينَ عن شواطئهم·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪635 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪636 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪702 :‬‬

‫وكنتَ‪ ،‬يا بروتيزيلوس (‪، )Protésilaus‬‬


‫أوّل من سقطَ· كما شاء القدر‪،‬‬
‫ب ُرمْحِ هكتور·‬
‫هذه المعركة التي نشبت‪،‬‬
‫كلّفت اليونانيّين غالياً‪،‬‬
‫وعرّفهم بهكتور موتُ بطلِهم الشّجاع·‬
‫غير أنّ الطّرواديين بدورهم عرفوا‬
‫من خسارتهم الكبيرة ماذا تقدر أن تفعل‬
‫سواعد اليونانيّين·‬
‫كان الدّم قد صبغَ شاطئَ سيجيوم (‪)Sigeum‬‬
‫وسينيوس‪ ،‬ابن نبتون‪،‬‬
‫قد أهلكَ ألف مقاتل·‬
‫وكان آخيل‪ ،‬في عربته‪ ،‬يُطاردُ الطّرواديين‪،‬‬
‫ويُزلزلُ أفواجاً كاملةً‪ ،‬بضربات رمحِه البليونيّ‪4 ،‬‬
‫مُغطّيا الرضَ بهم‪ ،‬صُفوفاً صفوفاً·‬
‫وفيما كان يبحثُ بينهم‬
‫عن سينيوس‪ ،‬أو هيكتور‪،‬‬
‫التقى الوّل‪ ،‬أمّا هكتور فكانَ مصيرُهُ‬
‫قد أُجّلَ عشر سنوات·‬
‫آنذاك‪ ،‬حرّك الحصنةَ التي تحملُ‬
‫أعناقُها البيضُ نيرَ عَربتِهِ‪،‬‬
‫مُ َوجّهًا إيّاها نحو العدُوّ‪ ،‬هازّا رُمحاً‬
‫بكلّ ما في ذراعِ ِه من القُوّة‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫ت أيّا من كنتَ‪ ،‬أيّها الفتى‪،‬‬ ‫"مُ ْ‬
‫ن مو ُتكَ بيدِ آخيل العظيم‪،‬‬ ‫وَليكُ ْ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 4‬بيليون (‪ )Pélion‬جبلٌ في تيسّاليا· وكان رمحُ آشيل قد قطع من هذا الجبل· قطعه السّنطور شيرون· ولم يكن أحد‬
‫غير آشيل يقدرُ أن يستخدمه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪636 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪637 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪703 :‬‬

‫عزاءً لكَ·"‬
‫قالَ هذا ولم يَزدْ·‬
‫فقد كان رُمحُهُ الثّقي ُل يتبعُ كلماته الخيرة‪،‬‬
‫ح الذي قذفته ي ٌد ل تُخطئ‪،‬‬ ‫ومع أنّ الرّم َ‬
‫ب هدفَهُ‪،‬‬‫أصا َ‬
‫فإنّ النّصلَ لم يُحدث أيّ جُ ْرحٍ·‬
‫كان مفلولً·‬
‫ل سينيوس‪:‬‬ ‫فقا َ‬
‫"لماذا تتعجّب من كو ِنكَ لم تجرحني‪،‬‬
‫ن اللهةِ‪،‬‬ ‫ت اب ُ‬‫أن َ‬
‫ذلك أنّ إلهة الشّهرة أخبرتني من أنت·‬
‫(وقد تعجّب آشيل فعلً)·‬
‫لم يُقدّم لي أيّة مساعدةٍ‪،‬‬
‫ل هذه الخوذة التي تراها‬
‫مزيّنة بعُرْفِ حصانٍ أشقر‪،‬‬
‫ول هذا التّرس المجوّف‬
‫الذي يغمُرُ ذراعيَ اليُسرى‪،‬‬
‫فأنا ل استخدمها إلّ للزّينة·‬
‫كمثل الله مارس نفسه‪ ،‬الذي ل غاية له‬
‫من السلحة التي يرتديها‪ ،‬إلّ الزّينة·‬
‫وعندما أرفض الوقاية التي توفّرها لي‬
‫ج من المعركة بل جراحٍ‪ ،‬كذلك·‬ ‫فسوفَ أخر ُ‬
‫ول يتأتّى هذا من كوني ابناً لربّة من ربّات البحر‪،‬‬
‫بل من الله نفسه الذي يأمرُ نيريوس‪،‬‬
‫وبناته النيريديّات‪ ،‬ويأمرُ البحا َر جمعاء·" ‪5‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 5‬سينيوس هو ابن نبتون‪ ،‬يتباهى بولدته أمام آشيل ابن النّيريديّة تيتيس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪637 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪638 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪704 :‬‬

‫ثمّ وجّه إلى آخيل سهماً‬


‫ظلّ مغروساً في مُنحنى ترسِه·‬
‫ثقبَ البرونز‪ ،‬والطّبقات التّسع الولى‬
‫من جلود الثّيران‪ 6 ،‬مُتوقّفًا عند العاشرة·‬
‫انتزعه البطلُ‪ ،‬ورمى ثانيةً‬
‫بيده القويّة سهمًا مُرتعشاً‪،‬‬
‫ومن جديد ظلّ جسمُ خصمِه سليماً‪ ،‬بل جراح·‬
‫كان سينيوس ل يزال مكشوفاً‬
‫مُعرّضاً نفسه للضّربات‪،‬‬
‫ولم يُصبْهُ كذلك بأيّ أذى‪ ،‬سهمٌ ثالث·‬
‫التهبَ آشيل غضباً‪،‬‬
‫كمثلِ ثورٍ في الحلبة الضّخمة‪،‬‬
‫يطعنُ بقرنِهِ الرّهيب القماش الرجوانيّ‬
‫ن طعناته ل تُجدي·‬‫الذي يُقدّمُ له لثارته‪ ،‬ويشعرُ أ ّ‬
‫في هذه الثناء‪ ،‬تفحّصِ البطل رمحه‬
‫ليتأكّد من أنّ نصله لم يسقط‪،‬‬
‫وكان النّصل مثبّتا بالخشبِ تماماً‪،‬‬
‫فصرخ‪:‬‬
‫"تلك هي إذن ذراعي الواهنة ؟‬
‫هل فقدت قوّتها السّابقة‪،‬‬
‫أمامَ خصْمٍ واحدٍ ؟‬
‫ذلك أنني كنت مليئًا بالقوّة‪،‬‬
‫عندما كنت أوّل من دمّرَ جدرانَ ليرنيزوس (‪، )Lyrnésus‬‬
‫ت تينيدوس (‪)Ténédos‬‬ ‫وعندما غمر ُ‬
‫سكّانهما·‬‫وطيبة(‪ )Thèbes‬بدماءِ ُ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬كانت التّروس تُصنعُ من جُلودِ الثّيران‪ ،‬فيُخاطُ الواحدُ فوقَ الخر‪ ،‬ثمّ توضعُ فوقها لحمايتها صفيحة من البرونز·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪638 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪639 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪705 :‬‬

‫وعندما احمَرّت ميا ُه نهرِ كايكوس (‪)Caicus‬‬


‫من مجزر ِة شعبهِ‪،‬‬
‫وعندما كابَدت تيليفوس (‪)Téléphus‬‬
‫مَرّتين عجائبَ رُمحي·‬
‫حتى هنا تَشهدُ بما فعلته‪،‬‬
‫بما أقد ُر أن أفعله دائماً‪،‬‬
‫ث كثير ٌة كدّستُها وأراها على الشاطئ·"‬
‫جُث ٌ‬
‫ق كفايةً‬‫ل ذلكَ‪ ،‬وكما لو أنّهُ ل يث ُ‬‫قا َ‬
‫بمآثره الماضية‪ ،‬رمى رُمحاً‬
‫على مينيتس (‪ ، )Ménétès‬وهو ليسيّ خاملٌ‪،‬‬
‫كان أمامه‪ ،‬فنفذ السّهم معاً في درعِهِ والصّدر‬
‫ب مُحتَضراً‬ ‫الذي تُغطّيه‪ ،‬وسقطَ المُحار ُ‬
‫قارعاً الرضَ برأسِهِ·‬
‫انتزعَ آشيل النّصْلَ من جرحهِ الذي ل يزال حارّا‪،‬‬
‫وصرخَ‪:‬‬
‫"نعم‪ ،‬تلك هي ذراعي‪،‬‬
‫وذلك هو الرّمح‬
‫اللّذان أعطياني النّصرَ‪ ،‬في ما مضى·‬
‫سوف أديرهما نحو عدوّي الجديد‪،‬‬
‫فلعلّهما‪ ،‬أيّتها اللهة‪،‬‬
‫أن يُلقيا النّجاح ذاته·"‬
‫ثمّ رمى سينيوس برُمحِهِ ـ لم يُخطئ مُرّانه‪،‬‬
‫ب بصلصلةٍ الكتفَ اليُسرى للبطل‬ ‫بل ضر َ‬
‫الذي لم يتجنّبه‬
‫وارتدّ عنها كما يرتدّ عن جدار‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪639 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪640 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪706 :‬‬


‫أو صخرةٍ ضخمة·‬
‫غير أنّ آخيل رأى في المكان الذي أصابه‬
‫من جسمِ سينيوس بقع ًة من الدّم‪،‬‬
‫سُ ّر بها‪ ،‬لكن بل جدوى·‬
‫فلم يكن ثمّة جرحٌ‪،‬‬
‫وكان هذا الدّم د َم مينيتيس·‬

‫آنذاك‪ ،‬اندف َع مُرتعشاً‪ ،‬من أعلى عربته‬


‫شاهراً بيدِهِ سيفَه المتللئ‪،‬‬
‫ب عدوّه المليء بالثّقة·‬ ‫مُهاجماً عن قري ٍ‬
‫ق الدّرع والخوذة‪،‬‬ ‫رأى أنّه اختر َ‬
‫ن نَصْل ُه يُفَلّ‬
‫وراى كذلك أ ّ‬
‫على هذا الجسمِ الصّلْب·‬
‫ل هذا المر‪،‬‬ ‫لم يعد يُطيقُ الستمرار في تحمّ ِ‬
‫فضربَ ثلث مرّات أو أربعاً خصمه‬
‫على وجهه وعلى تجويف صدغيه‪،‬‬
‫بترسه الذي ردّه إليه‪ ،‬وبمقبض سيفه·‬
‫وإذ رآه يتراجعُ‪ ،‬لحقَهُ‪،‬‬
‫مُحاصرًا إيّاه‪ ،‬ضاغطًا عليه‪ ،‬مُلحّا‬
‫حيْرتِهِ·‬‫ل يترك له مجالً للفاقةِ من َ‬
‫استولى الرّعبُ على سينيوس‪،‬‬
‫وأخذ حجابٌ من الظّلمات يطفو أمام عينيه·‬
‫وفيما كان يتراجعُ القهقرى‪،‬‬
‫اصطدمَ بصخرةٍ وسطَ حقلِ القتال‪،‬‬
‫فدفعه آخيل عليها‪ ،‬ورماه بعنفٍ إلى الوراء‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪640 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪641 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪707 :‬‬

‫سمّره إلى الرض·‬ ‫على ظهره‪ ،‬و َ‬


‫ثمّ اجتذبَ الحزا َم تحت ذقنه خانقًا إيّاه‪ ،‬قاطعاً أنفاسَه‪،‬‬
‫ل ممرّ للهواء المُحيي·‬
‫مُغلقاً ك ّ‬
‫كان آشيل يتهيّأ لتجريد المغلوب‪،‬‬
‫عندما لم يعد يرى منه إلّ أسلحته التي تركها‪،‬‬
‫فقد حوّل إلهُ البحار جسمه إلى ذلك الطّائر البيض الرّيش‬
‫والذي كان‪ ،‬فيما مضى‪ ،‬يحمل اسمه·‬

‫كاينيس (‪)Cainis‬‬

‫تلتْ هذه المأثرة وهذا النّجاح‬


‫راحةٌ على مدى أيّام عدّة·‬
‫ل من الخصمين المُتحاربيْن هجومه‬ ‫أوقفَ ك ّ‬
‫مُلقياً أسلحته·‬
‫س يَقِظٌ يسهرُ على أسوار طروادة‪،‬‬ ‫كان حر ٌ‬
‫ق اليونانيّين·‬
‫وحرسٌ يقظٌ آخر يسهرُ على خناد ِ‬
‫ل العيدُ‪،‬‬
‫في هذه الثناء ح ّ‬
‫فضحّى آخيلُ المُنتصر على سينيوس‬
‫عجْلةً لللهة بالّس (‪Pallas(، 7‬‬ ‫ِ‬
‫لكي ينالَ فضلَها·‬
‫وضعَ اللّحم قطعاً على نار المذابح‪،‬‬
‫طيّبة على اللهة‬ ‫وكانت رائحته ال ّ‬
‫تنتشرُ عاليةً في الفضاء·‬
‫ُقدّمَ جُز ٌء منهُ تضحيةً‪،‬‬
‫ووُ ّزعَ ما تبقّى على الموائد·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 7‬اس ٌم لللهة اليونانيّة أثينا‪ ،‬التي سمّاها الرّومانيّون مينيرفا (‪· )Minerve‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪641 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪642 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪708 :‬‬

‫آنذاك تمدّد القادة على أسرّتهم‪،‬‬


‫وأخذوا يتغذّون باللّحم المشويّ‬
‫ويُخفّفون بالخمرةِ هُمومَهُم وعطشَهم·‬
‫لم يطلبوا للتّسليةِ قيثارةً‬
‫ول أناشيدَ‪ ،‬ول المزمارَ ال ُمثَقّبَ‬
‫ع من خشبِ البَقْسِ·‬ ‫الطّويل‪ ،‬المصنو َ‬
‫بل خصّصوا اللّيل كُلّه لحديثٍ طويلٍ‬
‫دارَ حولَ الفضيلةِ الحربيّة·‬
‫كانوا يُعيدونَ مآثرَهم ومآثرَ العدوّ‪،‬‬
‫ل بدوره‪ ،‬أن يتذكّروا‬ ‫وكان يروقُ لهم‪ ،‬كُ ّ‬
‫الخطارَ العديدة التي واجهوها‬
‫وتغلّبوا عليها·‬
‫عن أيّ شيءٍ في الواقع‪ ،‬كان سيتكلّم آخيل‬
‫وما الحديث المفضّل لضيوفِ آخيل العظيم ؟‬
‫كان انتصاره الخير على سينيوس‪،‬‬
‫الموضوعَ الرئيسَ للحديث·‬
‫وكان كُلّ منهم يعجب كيف لم يقدر‬
‫أيّ سلحٍ أن يؤثّر في جس ِم هذا المُحارب‬
‫الذي كان مَعصوماً عن الجُروح‪،‬‬
‫ل الحديد·‬ ‫وصلباً بحيث يف ّ‬

‫فوجئَ آخيلُ أوّل‬


‫وفوجئ معه اليونانيّيون عندما‬
‫قال نسطور الشّيخُ‪:‬‬
‫"سينيوس في هذا الوقت‪ ،‬هو الوحيدُ‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪642 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪643 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪709 :‬‬

‫الذي استطاعَ أن يستخفّ بالنّصالِ‪،‬‬


‫وأن يَبقى جسمُهُ عصيّاً على جميعِ الطّعنات·‬
‫لكن‪ ،‬أنا نفسي‪ ،‬رأيتُ في الماضي شخصاً‬
‫كان جسمُه يستطيع أن يتلقّى ألفَ سهمٍ‬
‫ن أن يُجرَح·‬ ‫دو َ‬
‫هذا الشّخص هو كايينيوس (‪ )Caeneus‬التّيساليّ‬
‫الذي اشتهرَ بأعماله الباهرة‪،‬‬
‫وكانَ يعيشُ في أوتريس(‪· )Othrys‬‬
‫وكان الكث ُر إدهاشاً في هذا المتياز‪،‬‬
‫هو أنّه وُلدَ امرأة·" ‪8‬‬
‫عندما سمعَ الحُضورُ هذه العجوبة الخارقة‪،‬‬
‫اشتدّ اهتمامهم‪ ،‬وطلبوا جميعاً من نسطور‬
‫ومعهم آشيل‪ ،‬أن يقصّها عليهم‪:‬‬
‫"هيّا تكلّم·‬
‫نُريدُ جميعاً أن نُصغي إليكَ‪ ،‬أيّها الشّيخُ الفصيحُ‬
‫المُثقلُ بالسّنين‪ ،‬يا مثالَ الحكمةِ في عصرنا·‬
‫قلْ لنا من كان كاينيوس هذا‪،‬‬
‫ولماذا تغيّر جنسه‪ ،‬وفي أيّ حربٍ‪،‬‬
‫ن أيّة معركةٍ عرفته‪،‬‬ ‫وفي ميدا ِ‬
‫ومن تغلّب عليه‪ ،‬إن كان تغلّب عليه أحد·"‬
‫آنذاك‪ ،‬تكلّم الشّيخُ قائلً‪:‬‬
‫"عبءُ العمرِ هو بالنّسبةِ إليّ‬
‫عقبةٌ كبيرة·‬
‫نسيتُ أشيا َء كثيرة‬
‫رأيتها في صبايَ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 8‬امرأة اسمها كاينيس(‪ ، )Caenis‬وعندما صارت رجلً تحوّل السم فصار كاينيوس (‪·)Caeneus‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪643 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪644 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪710 :‬‬

‫ل أتذكّر ما يفوقُها عدداً·‬


‫غيرَ أنني ل أزا ُ‬
‫وما من حدثٍ في الحربِ أو في السّلم‬
‫ظلّ محفورًا بعُمقٍ في ذاكرتي‪ ،‬كمثلِ‬
‫هذه العجوبة·‬
‫ل قدرَ‪ ،‬بفضلِ شيخوخته الطّويلة‪،‬‬ ‫إن كان رج ٌ‬
‫أن يكون شاهداً على كثيرٍ من الحداثِ‪،‬‬
‫فهو أنا·‬
‫ت مئتي سنة‪،‬‬‫عش ُ‬
‫وأنا النَ في القرنِ الثالثِ من حياتي· ‪9‬‬
‫كانت كاينيس (‪ ، )Caenis‬ابنةُ إيلتوس (‪)Elatus‬‬
‫مشهورةً بجمالها·‬
‫كانت ت ُبذّ عذارى تيسّاليا جميعاً·‬
‫وكانَ في المدنِ المُجاورة‪،‬‬
‫وفي مُد ِنكَ يا آخيل (ذلك أنّها كانت من بلدكَ)‬
‫حشدٌ من طالبي الزّواج‪،‬‬
‫ن تكونَ رفيقةً له·‬‫ل منهم‪ ،‬بل طائلٍ‪ ،‬أ ْ‬ ‫يتمنّى ك ّ‬
‫ولعلّ بيليوس حاول كذلك‬
‫أن يُدخِلَها إلى سَريره·‬
‫ن أ ّمكَ كانت قد أعطيتْ لهُ زوجةً‪،‬‬ ‫لك ّ‬
‫أو وُعدَ بها·‬
‫لم تقترن كاينيس بأيّ رجلٍ‬
‫عن طريقِ روابطِ الزّواج·‬
‫وذات يومٍ‪ ،‬فيما كانت تتش ّردُ على ضفافٍ‬
‫منعزلةٍ‪ ،‬اغتصبها إلهُ البحار‪ ،‬كما تقول إلهةُ الشّهرة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 9‬كان نسطور ابن نيليوس(‪ )Néleus‬وكلوريس (‪ )Chloris‬ابنة نيوبي (‪ · )Niobé‬أعطى أبوللون لنسطور‪،‬‬
‫تعويضًا عن موت أطفال نيوبي‪ ،‬عدد السّنوات التي أخذت من أعمارهم· فوصلَ عُمره إلى قَ ْرنِه الثّالث·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪644 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪645 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪711 :‬‬


‫ق نبتون لذائذ هذا الحبّ الجديد‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وعندما تذوّ َ‬
‫ك أن تتمني أمنيةً‪ ،‬أيّا كانت‪،‬‬ ‫"يُمكن ِ‬
‫دونَ خِشيةٍ من أن تُرفضَ·‬
‫اختاري ما تشائين·"‬
‫وإليكم ما ترويه كذلك إلهةُ الشّهرة‪:‬‬
‫"أجابت كاينيس‪:‬‬
‫يُلهمُني العارُ الذي لحقَ بي‬
‫أمنيةً خارقةً‪ :‬أريدُ أن يستحيلَ عليّ‬
‫من الن فصاعداً‪ ،‬أن يلحقَ بي‬
‫شي ٌء مُشابهٌ·‬
‫ل أبقى امرأةً‪،‬‬‫اسمحْ لي أ ّ‬
‫وبذلك تحقّق جميعَ رغباتي·"‬
‫فيما كانت تلفظُ كلماتها الخيرة‪ ،‬صار صوتُها أكث ُر قُوّةً‬
‫جلٍ‪،‬‬‫وكان من الممكن أن يُعتقَد بأنّه صوتُ ر ُ‬
‫دون أن يكون هذا العتقاد خاطئاً·‬
‫ذلك أنّ إله البحر العميق كان قد وافق‪،‬‬
‫وزاد على ذلك فأنعمَ عليها‪،‬‬
‫ل تشعُ َر أبداً بأيّ جُرحٍ‪،‬‬‫بأ ّ‬
‫وألّ تؤثّ َر فيها النّصال·‬
‫ح كاينيوس بهذا المتياز‪،‬‬ ‫فر َ‬
‫وانقطَ َع منذ تلك اللّحظة للقيام بأعمالِ الرّجال‪،‬‬
‫متج ّولً في حُقولِ بينيوس (‪· )Péneus‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪645 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪646 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪712 :‬‬

‫السّناطير (‪)Les Centaures‬‬

‫"كان بيريتوس (‪ )Pirithous‬ابنُ الشّجاعِ إكسيون‬


‫قد تزوّج هيبّودامي (‪,)Hippodamè‬‬
‫ودعا المتوحّشين أبناء نيوس (‪ Nueus( 10‬أن يتمدّدوا‬
‫ل من الموائد‬ ‫صفّ طوي ٍ‬ ‫أمامَ َ‬
‫في مغار ٍة تخفيها غابةٌ تحت ظللها·‬
‫كان رؤساء تيسّاليا حاضرين‪ ،‬وكنت أنا نفسي حاضراً·‬
‫وكان ضجيج الحشدِ الصّاخب‬
‫يُدوّي عالياً في القصر ال ُم َعيّد·‬
‫ها هم يُنشدون نشيدَ الزّفاف‪،‬‬
‫وها هو دُخانُ النّيران المقدّسة‬
‫يتصاعدُ في ساحةِ القصر·‬
‫وها هي العذراء تصلُ باهرة الجمال‪،‬‬
‫ب من أمّهات العائلت‬ ‫يُحيطُ بها موك ٌ‬
‫ومن الفتيات·‬
‫كنّا نقولُ ما أسع َد بيريتوس في اقترانه‬
‫ل هذه الزوجة‪،‬‬ ‫بمث ِ‬
‫ت هذه النّبوءة·‬ ‫لكن بعد قليل ُكذّبَ ْ‬
‫ن قلبك‪ ،‬يا أوريتوس(‪، )Eurytus‬‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫الكثرُ وحشيّة بين السّناطير الوحوش‪،‬‬
‫الذي هيّجته الخمرة‪ ،‬ازداد هياجاً‬
‫من رؤية الفتاة‪ ،‬وانضافت الرّغبة فيك‬
‫سكْرِ·‬‫إلى جنون ال ّ‬
‫عمّتِ العيدَ الفوضى‪،‬‬ ‫وفي الحال َ‬
‫ت الموائد‪ ،‬وجُرّت الزّوجة الجديدة بقسوةٍ‬ ‫فقُلب ِ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬ابن إكسيون هو بيريتوس (‪ · )Pirithous‬وينحدر الّلبيت من لبيتيس (‪ ، )Lapithès‬الذي هو بطل اللبيت‬


‫ورم ٌز لهم· ولبيتيس هو ابن أبوللون·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪646 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪647 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪713 :‬‬

‫من شعرها·‬
‫وكما أنّ أوريتوس اختطف هيبودامي‪،‬‬
‫فإنّ كلّ سنطور اختطف المرأة التي‬
‫تُعجبه‪ ،‬أو التي قدرَ عليها‬
‫حتى بدت القاعة كأنّها مدينةٌ تُؤخذُ عُنوةً·‬
‫دوّى المنزلُ بصرخاتِ النّساء·‬
‫ونهضنا في الحال جميعاً‪،‬‬
‫وكان تيزيوس (‪ )Théseus‬أوّل من صرخَ قائلً‪:‬‬
‫"ما هذا الجنون الذي يثيرك يا أوريتوس‪،‬‬
‫فتتجرّأ‪ ،‬وأنا حيّ‪ ،‬على تحدّي بيريتوس ؟‬
‫هل تجهل أنّ إهانته هي إهانةٌ لنا‬
‫نحن الثنين ؟"‬
‫ل بل فعل‪،‬‬ ‫ولكيل تبقى كلماته قو ً‬
‫فإنّ البطلَ الشّه َم أبعدَ السّناطير المُتوعّدة‬
‫وخلّص من ضراوتهم العروس المخطوفة·‬
‫لم يُجب إيريتوس بكلمةٍ‪،‬‬
‫ن الكلمات تعوزه لكي يُس ّوغَ‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫مثلَ هذا السّلوك·‬
‫غير أنّه صفع بيديه الوقحتين‬
‫وجهَ المُدافعِ النّبيل ورضّ صدرَه·‬
‫كانت هناك باطي ٌة قديمةٌ‬
‫تُزيّنها صورٌ منقوشةٌ بشكلٍ نافرٍ‪،‬‬
‫رفعها ابنُ إيجيوس‪،‬‬
‫ناهضًا بهذه الكتلة الضّخمة‬
‫التي لم تكن شيئاً بالنّسبة إليه‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪647 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪648 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪714 :‬‬

‫وقذف بها على رأسِ خصمِه·‬


‫فتقيّأ هذا في آنٍ‪ ،‬من جرحِهِ‬
‫ومن فمِهِ‪ ،‬دماغَ ُه ممزوجاً بموجٍ‬
‫من الدّم والخمر‪ ،‬وسقط على ظهره‬
‫يرفسُ بحوافره الهواء·‬
‫التهبَ السّناطير غضباً‬
‫لمقتل أخيهم‪ ،‬فصرخوا جميعاً بصوتٍ واحدٍ‪:‬‬
‫"إلى السّلح! إلى السّلح!"·‬
‫وأثارت الخمرُ شجاعتهم·‬
‫وفي الحال بدأوا المعركة‪ ،‬قاذفين في الهواء‪،‬‬
‫بالكؤوس‪ ،‬والجرار الهشّة‪،‬‬
‫والنية المُستديرة·‬
‫ستُخد َم للعيد‪،‬‬
‫كلّ ما ا ْ‬
‫صا َر يُستخدمُ للحربِ والقتل·‬

‫كان أميكوس (‪ ، )Amycus‬ابنُ أوفيون (‪)Ophion‬‬


‫أوّل من تجرّأ على تجريد الهيكل القائم في القصْر‪،‬‬
‫من التّقدِماتِ التي تُزيّنه‪،‬‬
‫ل شمعداناً كبيراً‬
‫وأوّل من تناو َ‬
‫مزخرفاً بالمشاعل المتللئة‪،‬‬
‫فرفعه فوق رأسه‪ ،‬كما يفعل المضحّي‬
‫ق بفأسه‬‫الذي يتهيّأ ليش ّ‬
‫عنقَ ثور أبيضٍ‪،‬‬
‫وتركه يسقط على جبين كيلدون (‪ ، )Céladon‬الّلبيت ّ‬
‫ي‬
‫فضاعت معالمُ وجههِ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪648 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪649 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪715 :‬‬

‫وتحوّل إلى كومةٍ من العِظام·‬


‫خرجتْ عينا ُه من َمحْجِ َريْهما‪،‬‬
‫وتحطّمت عِظام وجهه‪،‬‬
‫إلى درجةٍ أنّ أنفَه الذي دُفعَ إلى الوراء‪،‬‬
‫طارَ وانغرز في وسط القصر·‬
‫انتزع بيلتيس(‪)Pélatès‬‬
‫قائمةَ طاولةٍ من خشبِ ال َقيْقبِ‬
‫وضربَ السّنطور المُعتدي‪ ،‬فبصقَ أسنانه‪،‬‬
‫فيما كان ذقنه يتدلّى فوق صدره‪،‬‬
‫ممزوجةً بدمٍ أسود‪،‬‬
‫ثم ضربه ضرب ًة ثانيةً‪،‬‬
‫قادتهُ إلى العالم السفل·‬
‫كان غرينيوس (‪ )Gryneus‬واقفاً قريبًا من هناك‪،‬‬
‫يُلقي نظر ًة متوعّد ًة على المذبح‪،‬‬
‫الذي كان دُخانه ل يزال متصاعداً·‬
‫قال في نفسِه‪:‬‬
‫"لماذا ل أستخدمه ؟"‬
‫وفي الحال رفع المذبح الضّخم بناره التي تملؤه‪،‬‬
‫جمْعِ الّلبيتيين‪،‬‬
‫قاذفًا به وسطَ َ‬
‫ساحقًا اثنين منهم‪ :‬بروتياس (‪)Brotéas‬‬
‫وأوريون (‪· )Orion‬‬
‫وكان لوريون أمّ هي ميكالي (‪)Mycalé‬‬
‫ن تعازيمها كثيرًا ما تغلبّت‬ ‫يُقالُ إ ّ‬
‫على مقاومة الهلل‬
‫مُجْبر ًة إيّاه أن ينزل على الرض· ‪11‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪( 11‬انظ ْر الكتاب السّابع)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪649 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪650 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪716 :‬‬

‫خ إيكساديوس (‪: )Exadius‬‬


‫فصر َ‬
‫"لن تبقى بل عقابٍ‬
‫إن وجدتُ سلحاً·"‬
‫ي أيّل‪ ،‬كانا تقدمةً نذوريّة‪،‬‬ ‫وتسلّح بق ْرنَ ْ‬
‫معروضيْن على ذروة صنوبرة·‬
‫غرز القرْنيْن في محجري غرينيوس‪،‬‬
‫وبقيت إحداهما ملتصقةً بأحد القرنين‪،‬‬
‫أمّا الثانية‬
‫ك بها‬ ‫فتدحرجت على لحيته‪ ،‬وأمس َ‬
‫الدّم المتخثّر الذي يغمرها‪ ،‬فبقيت معلّقة عليها·‬
‫لكن ها هو رويتوس(‪، )Rhoetus‬‬
‫يقبضُ في وسطِ المذبح على جذو ٍة ملتهبةٍ‪،‬‬
‫ويَرْميها على صدغِ شاراكسوس (‪ )Sharaxus‬اليسر‪،‬‬
‫المغطّى بالشّعر الشقر·‬
‫جرى اللّهب سريعاً في الشّعر والتهمه‬
‫كأنّه قشّ يابسٌ·‬
‫وكان الدّم الذي يسيلُ من الجرحِ‬
‫يُوّلدُ‪ ،‬فيما يحترق‪ ،‬صفيرًا مُرعباً‪،‬‬
‫كمثل الحديد المُحمّى على النّار‪ ،‬عندما‬
‫يسحبه الحدّاد بملقط مقوّسة‬
‫ويضعه في حوضٍِ ماء·‬
‫فلحظة يتبلّل المعدن‪ ،‬يرتعش ويصفرّ‬
‫في الماء الذي يسخن·‬
‫ح يُقصي عن شَعره المُنتفش‬ ‫كان الجري ُ‬
‫اللّهب الذي يلتهمه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪650 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪651 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪717 :‬‬

‫ع من الرض العتبة‪ ،‬واضعًا إيّاها‬ ‫انتز َ‬


‫حمْلُ الذي يمل عربةً·‬ ‫على كتفيه‪ ،‬هي ال ِ‬
‫هكذا حال ثقلها‬
‫ي بها عدوّه‪،‬‬ ‫دون أن يرم َ‬
‫ن هذه الكتلة الحجريّة الضّخمة‬ ‫بل إ ّ‬
‫سحقت رفيقه كوميتيس (‪، )Cométès‬‬
‫الذي كان الكثر قرباً إليه·‬
‫لم يتمالك رويتوس نفسه من الفرح‪،‬‬
‫فصرخ‪:‬‬
‫"يا ليت جميع رفقائك‪،‬‬
‫يستعملون هم كذلك‪ ،‬قواهم!"‬
‫وأعادَ الكرّ َة بجذوته نصفِ المُشتعلة‪ ،‬على شاراكوس·‬
‫فكسر بثلث أو أربع ضرباتٍ ُوجّهت بعُنفٍ‪،‬‬
‫مَفصِلَ الرّقبة‪ ،‬غارزاً عظام جمجمته‬
‫في دماغه الذي سال خارجاً·‬
‫تقدّم‪ ،‬بعد هذا النتصار‪ ،‬نحو‬
‫إيفاغروس (‪ )Evagrus‬وكوريتوس (‪)Corythus‬‬
‫ودرياس (‪· )Dryas‬‬
‫فصرخ إيفاغروس‪ ،‬فيما يرى كوريتوس يسقط‪،‬‬
‫ولم يكد خدّاه يتغطّيان بزغبهما الول‪:‬‬
‫"أيّ انتصار حقّقت‬
‫بقتلكَ هذا الطّفل ؟"‬
‫لم يترك له رويتوس مجالً لمزي ٍد من الكلم‪،‬‬
‫فأدخلَ في فمه المفتوح الجذوةَ الحمراء من اللّهب‬
‫مخترق ًة فمه إلى صدره·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪651 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪652 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪718 :‬‬

‫يطاردك‪ ،‬أنت كذلك‪ ،‬يا درياس المخيف‪،‬‬


‫تاركاً لنيرانه أن تدوّم حول رأسه‪،‬‬
‫لكنّه لن يُحقّق معك النّجاح نفسه·‬
‫ل مكان‪،‬‬ ‫كان يتباهى بنشره القتلَ في ك ّ‬
‫ث يتّصل العُنقُ والكتفُ‪،‬‬ ‫عندما اخترقتَهُ حي ُ‬
‫ستْها النّار·‬
‫بحربتكَ التي قَ ّ‬
‫تأوّه رويتوس‪ ،‬وانتزعَ الحربةَ بجه ٍد كبير‪،‬‬
‫من العظمِ المُقاوم‪ ،‬وهربَ غارقًا بدمه·‬
‫هرب معه أورنيوس (‪ )Orneus‬وليكاباس (‪)Lycabas‬‬
‫وميدون (‪ )Médon‬مجروحاً في كتفه اليُمنى‪،‬‬
‫وبيزينور (‪ )Pisénor‬وتوماس (‪,)Thaumas‬‬
‫وميرميروس (‪ )Merméros‬الذي تفوّق سابقاً في سباقِ العّدو‬
‫على جميعِ خصومه‪،‬‬
‫وكان الن يسيرُ ببطءٍ‪ ،‬بسبب جرحه·‬
‫وهربَ فولوس (‪ )Pholus‬وميلنيوس (‪)Mélaneus‬‬
‫وآباس (‪ )Abas‬صيّاد الخنازير البريّة‪،‬‬
‫ل عبثًا أن يُبعدَ رفقاءه‬‫وذلك الذي حاو َ‬
‫عن هذه المعركة‪ ،‬العرّاف آستيلوس (‪.)Astylos‬‬
‫وهو نفسه الذي قال لنيسوس (‪، )Nessus‬‬
‫فيما كان يراه هاربًا من الضّربات‪:‬‬
‫"ل تحتاج إلى الهرب‪،‬‬
‫ت ُمدّخرٌ لقوسِ هِرَقل·" ‪12‬‬ ‫أن َ‬
‫لكن بالمقابل‪ ،‬لم يُفلت من الموت أورينوموس (‪)Eurynomus‬‬
‫ول ليسيداس (‪ ,)Lycidas‬وآريوس(‪)Aréos‬‬
‫وآمبريوس (‪ ,)Imbreus‬فقد ضربتهم جميعاً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪( 12‬انظرْ الكتاب التّاسع)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪652 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪653 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪719 :‬‬

‫يدُ درياس‪ ،‬مواجَهةً·‬


‫أنت كذلك‪ ،‬يا كرينيوس(‪، )Créneus‬‬
‫ت مُواجهةً‪ ،‬مع أنّك أدرتَ ظه َركَ هارباً‬ ‫ضُرب َ‬
‫إلى عد ّوكَ‪ ،‬إذ بينما كنت تُلقي نظرةً‬
‫صلَ رُمحه الثّقيل‬‫ت نَ ْ‬
‫وراءك‪ ،‬تلقّي َ‬
‫بين عينيك الثنتين‪ ،‬حيث يتّصلُ‬
‫النفُ وأسفلُ الجبين·‬

‫ب كلّه‪،‬‬
‫كان آفيداس (‪ )Aphidas‬في هذا الصّخ ِ‬
‫ل يزال راقداً‪ ،‬مُستَرخياً حتى أعماق أوردته‪،‬‬
‫غائصاً في نومِه·‬
‫ك بيده المُتراخية كأساً‬‫كان يُمس ُ‬
‫من الخمر الممزوجة بالماء‪ ،‬ويرتاحُ بفتور‬
‫على جلدٍ وَبرٍ‪ ،‬ل ُدبّةٍ من جبلِ أوسّا (‪، )Ossa‬‬
‫ولم يُفدهُ شي ٌء من هذا كلّه‬
‫في تجنّبِ القتال·‬
‫ذلك أنّ فورباس (‪ )Phorbas‬الذي رآه‬
‫من بعيد‪ ،‬أدخلَ أصابعه في حزام رمحه‪،‬‬
‫وقال له‪:‬‬
‫"اذهبْ‪ ،‬واشربْ خمر َتكَ ممزوجةً بماءِ الجحيم·"‬
‫ودون أن يُضيّع لحظةً‪،‬‬
‫قذف برمحه الشّابّ النّائم على ظهره·‬
‫فاخترقَ المُرّان المُسلّح بالحديد العُنقَ في وضعه كما كان·‬
‫لم يشعر آفيداس أنّه يموت‪،‬‬
‫كان حلقومه يمتلئ بالدّم السود‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪653 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪654 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪720 :‬‬

‫جاريًا متدفّقا على سريره‪،‬‬


‫وحتى في كأسه·‬
‫ي بيتريوس (‪)Pétreus‬‬ ‫ت بعين ّ‬‫رأي ُ‬
‫يجهدُ أن يقتل َع من الرضِ‬
‫شجر َة بلّوط مُثقلةً بالثمار·‬
‫لكن عندما كان يُحيط جذعَها بذراعيه‬
‫ويهزّها طوراً إلى جهته‪ ،‬وطوراً إلى جه ٍة ثانية‪،‬‬
‫يُحرّكها ويُقلقلُها‪ ،‬اخترقَ أضلعَه‬
‫رُمحُ بيريتوس‪ ،‬مُسمّراً صدره‬
‫على سطح الشّجرة الصّلب‪ ،‬الذي كان يتمسّك به·‬
‫ج ْندَلَ ليكوس (‪)Lycus‬‬ ‫ويُقالُ إنّ بيريتوس َ‬
‫بضرباته الباسلة‪ ،‬وأنّه صرعَ كذلك كروميس (‪· )Chromis‬‬
‫لكنّه نال بهاتين المأثرتين مجداً‬
‫ل ممّا ناله انتصاره على ديكتيس (‪ )Dictys‬وهيلوبس (‪)Hélops‬‬ ‫أق ّ‬
‫ق صدغيه‪،‬‬ ‫ل هيلوبس بطعنةِ رُمحٍ اختر َ‬ ‫قُت َ‬
‫ونفذ من الذنِ اليُمنى إلى الذنِ اليُسرى·‬
‫وكان ديكتيس ينزلُ من جبلٍ‪ ،‬وَعْرٍ من جانبيه‪،‬‬
‫وفيما كان يهرب مرتعبًا من ابن إيكسيون‬
‫الذي يُطارده‪ ،‬سقطَ على رأسه‪،‬‬
‫كاسرًا تحت ثِقلِ جسمه شجرة مُرّان ضخمة‪،‬‬
‫مُغطّيا أنقاضَها بأحشائه·‬
‫تقدّم أفاريوس (‪ )Aphareus‬للثأر له‪،‬‬
‫ل أن يَرميها·‬
‫فاقتلعَ صخر ًة من الجبلِ وحاو َ‬
‫لكن سبقَهُ تيزيوس‬
‫ع بلّوطة عظامَ مرفقهِ الضّخمة‪،‬‬ ‫فحطّم بجذ ِ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪654 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪655 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪721 :‬‬

‫ثم‪ ،‬دون أن يُضيّع الوقتَ‪،‬‬


‫أو يُجهزَ على هذا الجسمِ الذي أصبحَ عاجزاً‪،‬‬
‫قفز على َردْفِ السّنطور الضّخم بيانور (‪)Biénor‬‬
‫ل قبلَ الن غير نفسه‪،‬‬‫الذي لم يحم ْ‬
‫وضغط بركبته على أضلعِه‪،‬‬
‫شادّا إلى الوراء شعره الذي أمسكه بيده اليُسرى‪،‬‬
‫مُحطّما وجهه بجذع البلّوطة ذي العُقد‪،‬‬
‫وجبهته المتوعّدة‪،‬‬
‫وجوانب صدغيه الصّلبة·‬
‫وبهذا الجذع نفسه‪ ،‬ط َرحَ أرضًا كذلك‬
‫نيديمنوس (‪ )Nédymnus‬وليكوتاس (‪)Lycotas‬‬
‫الماهر في رمي الرّمح‪ ،‬وهيبّازوس (‪)Hippasus‬‬
‫الذي تخبّئ صدرَه لحيتُه الطّويلة‪،‬‬
‫وريبيوس (‪ )Rhippeus‬الذي يتجاوز بقامته‬
‫أعالي الغابات‪،‬‬
‫وتيريوس (‪ )Théreus‬الذي كان مُعتاداً‪،‬‬
‫عندما يصطاد الدّببة في جبال تيسّاليا أن يأخذها‬
‫إلى منزله‪ ،‬حيّةً وعاصيةً·‬

‫لم يعد ديموليون (‪ )Démolion‬يُطيق رؤية تيزيوس‬


‫يُحقّق نصراً تلوَ آخر‪،‬‬
‫فحاولَ بجه ٍد كبير أن يقتلع صنوبر ًة مُثقلةً بالسّنين‪،‬‬
‫وعندما عجز عن ذلك‬
‫كسرَها ورمى بها عدوّه·‬
‫غير أنّ تيزيوس استدار مُتجنّباً الضّربةَ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪655 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪656 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪722 :‬‬


‫التي كانت تهدّده· وهو في ذلك‬
‫مَدينٌ لتنبي ٍه من بالّس‪ ،‬كما يؤكّد هو نفسه·‬
‫سدًى‪،‬‬ ‫غير أنّ سقوط الشّجرة لم يذهب ُ‬
‫ذلك أنّها أصابت كرانتور (‪، )Crantor‬‬
‫المُحارب القدير‪ ،‬فقطعت عُنقه‪،‬‬
‫فاصل ًة إيّاه عن صدره‪ ،‬وعن كتفه اليُسرى·‬
‫كان كرانتور هذا مُرَوّضَ جيادٍ‬
‫عندَ أبيكَ‪ ،‬يا آخيل·‬
‫فقد قدّمه له آمنتور (‪ )Amyntor‬ملكُ دولوبيس (‪)Dolopes‬‬
‫الذي هُزمَ في الحرب‪ ،‬عُربونَ سلمٍ‬
‫وصداقةٍ أمينة·‬
‫وعندما رأى بيليوس من بعيد جسمَه الذي شطرَهُ‬
‫هذا الجُرح المُرعب شطرين‪ ،‬قالَ‪:‬‬
‫ق هذا القُربانَ المأتميّ‪،‬‬‫"تَلَ ّ‬
‫ي بين جمي ِع مُرافقيّ الشّبان·"‬ ‫على القلّ‪ ،‬يا كرانتور‪ ،‬العزّ لد ّ‬
‫رامياً بذراعه القويّة‬
‫التي زادها الغضبُ قوّةً‪ ،‬رُمحه المُرّانيّ‬
‫على ديموليون‪ ،‬فاخترق النّصل قفصَه الصّدريّ‪ ،‬وأضلعَه‪،‬‬
‫وانغرز متأرجحاً في عظامِه·‬
‫انتزعَ السّنطورُ من جُرحهِ الخشبَ‬
‫دون النّصل‪،‬‬
‫انتزعه بعد جَهدٍ‪،‬‬
‫أمّا النّصل فبقي في الرّئة·‬
‫غير أنّ اللم هيّج غضبه‪،‬‬
‫فجاء‪ ،‬على الرّغم من جرحه‪ ،‬إلى عدوّه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪656 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪657 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪723 :‬‬

‫وأخذ يدوسه بحوافره·‬


‫تلقّى بيليوس الضّربات المُدوّية على خوذته‬
‫وعلى تُرسِهِ‪ ،‬حاميًا كتفيه بأسلحته‬
‫الممدودة إلى المام‪،‬‬
‫ق بضربةٍ واحدةٍ‬ ‫ثمّ اختر َ‬
‫في خاصرةِ السّنطور‪ ،‬ثديَيْهِ الثنين·‬
‫ل عن بُعدٍ فليجريوس (‪)Phlégréos‬‬ ‫وكان قد سبقَ لبيليوس أن قت َ‬
‫وهيليس (‪ ، )Hylès‬وعن قُربٍ‬
‫إيفينوس (‪ )Iphinous‬وكلنيس (‪)Clanis‬‬
‫وها هو يُضيفُ دوريلس (‪)Dorylas‬‬
‫الذي كان يُغطّي رأسه بجلدِ ذئبٍ‪،‬‬
‫ويحم ُل بيده‪ ،‬رمزًا لنصالٍ قاتلة‪،‬‬
‫قَر َنيْ ثور مقوّسين‪ ،‬صبغتهما بالحمر‬
‫ج من الدّم·‬
‫أموا ٌ‬
‫ت له آنذاك (فالغضب كان يمنحني القوّة)‪:‬‬ ‫قل ُ‬
‫"انظر كيف أنّ قرنيْكَ‬
‫ل يُساويان نصلي·"‬
‫ورميْتُهُ برمحي·‬
‫لم يكن قادراً أن يتجنّبه‪،‬‬
‫فحمى جبينَه بيدِه اليُمنى‪،‬‬
‫سمّرت يدُه على جبينِه·‬ ‫لكنّ الضّربة أصابته‪ ،‬و ُ‬
‫أطلقَ صرخةً عالية‪،‬‬
‫وفيما كان مُسمّرا‪،‬‬
‫عاجزاً تماماً بفعلِ جرحه العنيف‪،‬‬
‫ضربه بيليوس الذي كان أقرب إليه منّي‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪657 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪658 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪724 :‬‬

‫بسيفه‪ ،‬في وسط جَ ْوفِه·‬


‫قفز دوريلس‪ ،‬هذا الوحش‪،‬‬
‫جارّا أحشاءه على الرض‪ ،‬وكان‬
‫يدوسُها وهو يجرّها‪ ،‬بقدميه·‬
‫وكان‪ ،‬فيما يدوسها‪ ،‬يُمزّقها‪،‬‬
‫متحسّسا ساقيه‪ ،‬وأخيراً‬
‫سقط على الرض‪ ،‬مُفرّغ الجوف·‬

‫أمّا أنتَ‪ ،‬في هذه المعركة‪ ،‬يا كيلّروس (‪,)Cyllarus‬‬


‫فقد كان جمالك ِفدْيةً ل تُجدي‪،‬‬
‫هذا‪ ،‬إن سلّمنا أنّ كائنًا مثلك‬
‫يُمكن أن يكون جميلً·‬
‫كان لسيلّروس لحيةٌ ناشئةٌ‪،‬‬
‫ن ذهبيّ‪،‬‬‫لحيةٌ بلو ٍ‬
‫وكان شعره ذهبيّا‬
‫ل من كتفيه حتى خاصرته‪،‬‬ ‫ينسد ُ‬
‫وكانت على وجهه سيماء اللّطف والقوّة·‬
‫كان عُنقه‪ ،‬وكتفاه‪ ،‬وذراعاه‪ ،‬وصدره‬
‫وكلّ ما فيه من النسان‪،‬‬
‫يذكّرُ بأجمل آيات الفنّ·‬
‫ولم تكن أشكال الحصان‪ ،‬في نصفِه السفل‬
‫ل ممّا فيه من النسان·‬ ‫ل وكما ً‬‫أقلّ جما ً‬
‫فإذا أعطيناه عنق حصانٍ ورأسه‬
‫فإنّه يُصبحُ جديراً بكاستور (‪ ، )Castor‬البطل الخيّال·‬
‫في كَشْحيْهِ توازنٌ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪658 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪659 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪725 :‬‬

‫وعضلته بارزةٌ على لَبانِهِ·‬


‫جسمه كلّه أكثرُ سواداً من القار الكثر سواداً‪،‬‬
‫ن ذيله أبيض‪،‬‬ ‫غير أ ّ‬
‫وقوائمه بيضاء هي كذلك·‬
‫كثيراتٌ هنّ الشّابّات من جنسِه‪،‬‬
‫الّلئي حاولْنَ استمالتَه‪،‬‬
‫وقد فازت بقلبه واحد ٌة بينهنّ هي‬
‫هيلونومي (‪ )Hylonomé‬الكثرُ جمالً‬
‫بين جميع الّلئي سكنّ في الغابات العالية‪،‬‬
‫وسط هذه الكائنات نصف الحيوانيّة·‬
‫وحدها عرفت أن تجتذب سيلّروس‬
‫بمداعباتها‪ ،‬بحبّها وبإعلنها عن هذا الحبّ·‬
‫قدّمت لجسمها العنايةَ التي تستوجبها طبيعته·‬
‫كانت تُملّس شعرَها بمشطٍ‪،‬‬
‫وتصن ُع لنفسِها أكاليلَ ـ طورًا من نبات ندى البحر‪،‬‬
‫وطوراً من البنفسج‪ ،‬أو من الورد·‬
‫أحيانًا تتوّجُ رأسَها بالزّنبق‬
‫الباهر البياض‬
‫ل يوم‬ ‫وتغسلُ وجهها مرّتين ك ّ‬
‫س من بين غابات‬ ‫في الينابيع التي تنبج ُ‬
‫باغازي (‪ )Pagasae‬العالية‪،‬‬
‫وتُغطّسُ جسمَها مرّتين في مياهِها·‬
‫ف تختار جلودَ الحيواناتِ‬ ‫ف كي َ‬
‫تعر ُ‬
‫الكثرَ ملءم ًة لتغطية كتفيها‪،‬‬
‫أو خاصرتها اليُسرى·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪659 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪660 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪726 :‬‬

‫كان كلهما يُحبّ الخر‪،‬‬


‫يتشرّدان معاً في الجبال‪،‬‬
‫ومعًا يدخلن إلى المغارات·‬
‫ص ِر لبّيت (‪، )Lapithe‬‬
‫كانا آتيَيْن جنباً إلى جنبٍ إلى قَ ْ‬
‫وشاركا جنباً إلى جنبٍ في هذا القتال الوحشيّ·‬
‫قذف مجهولٌ رُمحاً‪ ،‬فبلغكَ من الجهةِ اليُسرى‪،‬‬
‫وأصابكَ‪ ،‬يا سيلّروس‪ ،‬تحت النّقطة‬
‫ل فيها الصّدر بالعُنق·‬
‫التي يتّص ُ‬
‫ب قلبُك إلّ بجُرحٍ بسيطٍ‪،‬‬
‫لم يُصَ ْ‬
‫غير أنّه‪ ،‬بعد انتزاع السّهم‪،‬‬
‫تجمّد وتجمّد جسمك كلّه·‬
‫في الحال‪ ،‬أخذت هيلونومي بين ذراعيها‬
‫أعضاء المُحتضَر‪ ،‬واضعةً يدها على الجُرح‪،‬‬
‫مُخفّفةً ألمَهُ·‬
‫قرّبت فمَها من فمِ سيلّروس‪،‬‬
‫وحاولت أن تسدّ الطّريق في وجه روحه الهاربة·‬
‫عندما رأته أخيرًا يموت‪،‬‬
‫تفوّهت بكلماتٍ حالَ صُراخُ المُتحاربين‬
‫دون وصولها إلى أذنيّ‪،‬‬
‫ثمّ ألقت بنفسها فوقَ حدّ السّلح الذي قتل زوجها‪،‬‬
‫وعانقته بذراعيها‪ ،‬فيما تموت هي نفسها·‬
‫يُخيّل إليّ أنني ل أزال أرى فايوكوميس (‪)Phaeocomès‬‬
‫الذي جمعَ ستّة من جلودِ السودِ‪،‬‬
‫عاقداً الواحدَ بالخر‪،‬‬
‫مُغطّيا بها جسمَه المُزدوَج‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪660 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪661 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪727 :‬‬

‫النسان والحصان·‬
‫قذف بأرومةٍ كان سيصعبُ على ثوريْنِ مقْرونيْنِ‬
‫أن يُحرّكاها‪ ،‬ساحقاً بها تيكتافوس (‪)Tectaphos‬‬
‫ابنَ أولينوس (‪، )Olénos‬‬
‫من رأسِهِ حتّى قدميْهِ·‬
‫[تحطّمت جمجمته الضّخمة‪،‬‬
‫ب مُخّه المائع من فمهِ‬ ‫وسالَ لُبا ُ‬
‫ومنخريْهِ وعينيْهِ وأذنيْهِ‪،‬‬
‫ب متخثّر يتسرّب من طبقٍ‬ ‫كمثلِ حلي ٍ‬
‫ع من قُضبانِ البّلوط‪،‬‬ ‫مصنو ٍ‬
‫أو كمثلِ السّائل الذي يجري‪،‬‬
‫تحت ضغطِ جسمٍ ثقيلٍ‪،‬‬
‫على سطحٍ مثقُوبٍ كالغربال‪،‬‬
‫ضيّقة]· ‪13‬‬‫ت كثيف ٍة من الثّقوب ال ّ‬ ‫مُتسرّباً في قطرا ٍ‬
‫لكن‪ ،‬عندما رأيتُ أنّ السّنطور يتهيّأ‬
‫لتجري ِد عدوّه الهامد عند قدميْهِ‪ ،‬من أسلحتِه‪،‬‬
‫(وهذا ما يعرفه أبوكَ جيّدا)‪،‬‬
‫غرزتُ سيفي في أحشائه حتى عُمقِ أعماقِها·‬
‫جنْدَلَت كذلك بسيفي كتونيوس (‪)Chthonius‬‬ ‫َ‬
‫وتيليبوس (‪· )Télébous‬‬
‫ن متشعّب‪،‬‬ ‫كان الوّل مسلّحا بغص ٍ‬
‫والخ ُر برمحٍ·‬
‫ترك هذا الرّمح جُرحاً فيّ تقد ُر أن ترى أثره‪،‬‬
‫فالنّدبة القديمةُ ل تزال ظاهرة·‬
‫إذّاك‪ ،‬كان عليهم أن يُرسلوني إلى حصار بيرغام (‪Pergame(، 14‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 13‬هذه البيات الموضوعة بين معقوفتين‪ ،‬غير موجودة في أفضل مخطوطات الكتاب‪ ،‬وتُعدّ أحياناً‪ ،‬مدسوسةً أو‬
‫مُحرّفة·‬
‫‪ 14‬قلعة طروادة‪ ،‬ويُطلقُ هذا السم أحياناً على طروادة نفسها·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪661 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪662 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪728 :‬‬

‫لنني كنتُ سأقدرُ‪ ،‬على القلّ‪ ،‬أن أؤخّ َر‬


‫بانتصاراتي انتصاراتِ هيكتور العظيم‪،‬‬
‫إن لم أتجاوزها·‬
‫لكن‪ ،‬في ذلك الوقت‪ ،‬لم يكن هيكتور‬
‫قد وُجدَ‪ ،‬أو كان طفلً‪،‬‬
‫ي كُلّها·‬
‫واليوم سلبتني الشّيخوخة قُوا َ‬
‫ص عليكَ كيف انتص َر بيريفاس (‪)Périphas‬‬ ‫هل أق ّ‬
‫على السّنطور بيراتوس(‪ )Pyraetus‬؟‬
‫أو كيفَ غرز أمبيكس(‪)Ampyx‬‬
‫في وجهِ إيشيتلوس(‪ ,)Echetlus‬عندما رآه مواجهةً‪،‬‬
‫واقفاً على أرجُلِهِ الربع‪،‬‬
‫عصاً من خشبِ القرانية ل رأسَ لها ؟‬
‫وقد قتل ماكاريوس (‪ )Macareus‬البيليترونيّ‪،‬‬
‫إريغدوبّوس (‪ِ )Erigdupus‬بمُخْلٍ‬
‫ثقبَ صدرَه·‬
‫ن يديّ نيسوس(‪)Nessus‬‬ ‫أتذكّر كذلك أ ّ‬
‫ب كيميلوس (‪· )Cymélus‬‬ ‫غرزتا حربةً في حال ِ‬
‫ن آمبيكس‪،‬‬‫ن موبسوس (‪ Mopsus(، 15‬اب ُ‬ ‫ول تظنّ أ ّ‬
‫ل قراءة المُستقبل·‬ ‫لم يكن يعرف إ ّ‬
‫ح هوديتيس (‪ )Hoditès‬أرضاً‬ ‫فقد طر َ‬
‫سه ٌم قذف به موبسوس·‬
‫وعبثاً حاولَ الوّل أن يتكلّم‪،‬‬
‫فقد كان لسانه مسمّرا بذقنه‪،‬‬
‫وذقنُه مُسمّراً بحلقومه·‬
‫كان كاينيوس (‪ )Caeneus‬قد قتلَ خمسة أعداء‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪( 15‬انظرْ الكتاب الثامن)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪662 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪663 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪729 :‬‬

‫ستيفيلوس (‪ ، )Styphélus‬وبروموس (‪)Bromus‬‬


‫آنتيماخوس (‪ ، )Antimachus‬وإيليموس (‪)Elymus‬‬
‫وبيراكتيس (‪ )Pyractès‬الذي كان مسلّحا ببلطة·‬
‫لم أعد أتذكّر الضّربات‪،‬‬
‫وإنّما أتذكّر عدد الضّحايا وأسماءهم·‬
‫أسرع آنذاك لتريوس (‪، )Latreus‬‬
‫مُسلّحا بما استلبه من هاليزوس (‪)Halésus‬‬
‫الذي كان قد قتلهُ·‬
‫كان جبّارا بضخامة أعضائه وبقامته‪،‬‬
‫تجاوز الشّباب‪ ،‬ولم يكن قد أصبحَ شيخاً·‬
‫كانت له قُوّة الشباب‪،‬‬
‫ن صدغيه يشتعلن شيباً·‬ ‫مع أ ّ‬
‫كان تُرسُهُ وسيفُه ورُمحُهُ الطّويل المقدونيّ‪،‬‬
‫تَلفتُ إليه النظار كلّها·‬
‫يُديرُ وجهه نحو الجيشيْن‪،‬‬
‫مٌ َقرْقعاً أسلحته‪،‬‬
‫راسماً مرّات عديدة الدّائرة ذاتها‪ ،‬دائراً حولَها‪،‬‬
‫مُرسِلً في الهواء هذه الكلمات المتغطرسة‪:‬‬
‫"وأنتَ‪ ،‬يا كاينيس (‪)Caenis‬‬
‫ل محاربتكَ لنا ؟‬ ‫هل عليّ أن أتحمّ َ‬
‫فأنتَ ستبقى دائماً بالنّسبة إليّ‪ ،‬امرأة‪،‬‬
‫ل دائماً كاينيس·‬ ‫ستظ ّ‬
‫ت أمثول َة ولدتكَ ونشأتكَ‪،‬‬ ‫إذن‪ ،‬نسي َ‬
‫ونسيتَ ذكرى مغامرتكَ‬
‫والثّمن الذي دفعتَه لكي تشتري مظهركَ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪663 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪664 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪730 :‬‬

‫الذّكوريّ الكاذب ؟‬
‫ت عندما وُلدتَ‪،‬‬ ‫فكّرْ‪ ،‬إمّا بما كن َ‬
‫وإمّا بما حدث لك‪ ،‬وهيّا‬
‫خذْ مِغزلً وسلّةً‪،‬‬
‫ُ‬
‫ط تحت إبها ِمكَ‪،‬‬ ‫وافتل بخي ٍ‬
‫واترك الحربَ للرّجال·"‬
‫لم يكد يُنهي هذه التّبجّحات حتّى رماه‬
‫كاينيوس برُمحٍ اخترقَ خاصرتَه التي شدّها ال َعدْوُ‪،‬‬
‫في المكان الذي يلتحق فيه‬
‫جسم النسان بجسمِ الحصان·‬
‫جُنّ السّنطور من اللم‪،‬‬
‫فأخذ يضربُ برمحِهِ الطّويل الوجهَ المَكشوفَ للمُحاربِ الشابّ·‬
‫كان السّلح يقفز كما يقفز البَ َردُ‬
‫على سطحِ السّقف‪،‬‬
‫أو كمثلِ حصاةٍ صغيرةٍ رُميت‬
‫ل مُجوّف·‬ ‫على طب ٍ‬
‫هاجم لتريوس عدُوّه عن قُربٍ‬
‫جاهداً أن يغرزَ سيفَه في خاصرته‬
‫على الرّغم من صلبتها·‬
‫غير أنّه لم يجدْ فيها مكاناً‬
‫ق فيه ممرّا·‬ ‫يقدر سيفُه أنْ يش ّ‬
‫وصرخَ‪:‬‬
‫"غير أنّك لن تنج َو منّي‪،‬‬
‫سأقتلكَ بوسطِ سيفي‪،‬‬
‫ل عليكَ·"‬
‫لنّ رأسه فُ ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪664 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪665 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪731 :‬‬

‫ثمّ أخذ يضربه جانبيّا بحدّ السّيف‬


‫فأصابَهُ‪ ،‬ويدُه ممدودةٌ‪ ،‬بضربةٍ‬
‫طوّقتْ خصرَه كلّه·‬
‫دوّى جسمُه بتأثير هذه الضّربة‬
‫صدِم·‬
‫كمثلِ رخامٍ ُ‬
‫وقفزت شفرةُ السّيف‪ ،‬عندما لمست‬
‫هذا السّطح الجاسئَ‪ ،‬طائرةً شظايا·‬
‫بعدَ أن عرّض كاينيوس كفايةً أعضاءه التي ل تُجرح‬
‫لهجماتِ السّنطور المُنذهل‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫"هيّا النَ‪،‬‬
‫سأرى ماذا يُمكن أن يفعلَ سيفي‬
‫في جسمك·"‬
‫وفي الحال غرز سيفَهُ القاتلُ في خاصرةِ الحصان‪،‬‬
‫ثمّ أدارَه وكرّر ذلك بيده‪ ،‬في أعماقِ‬
‫أحشائه‪ ،‬مُحدِثاً جُرحاً آخ َر داخلَ الجُرح·‬
‫هكذا سارعتِ السّناطير‬
‫ت عليهِ جميعاً‬
‫غاضبةً‪ ،‬صارخةً‪ ،‬وانهال ْ‬
‫بالسلحةِ التي توفّرت لها·‬
‫غير أنّ هذه السلحة كانت تسقطُ مفلولةً‪،‬‬
‫ولم يقدرْ أيّ منها أن يؤثّر في جس ٍم كاينيوس‬
‫ابنِ إيلتوس (‪ ، )Elatus‬أو يُريق‬
‫نُقطةً واحد ًة من دمِهِ·‬

‫تلك أعجوبةٌ ملتهم بالدّهشةِ‪،‬‬


‫خ مونيشوس (‪: )Monychus‬‬ ‫وصر َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪665 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪666 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪732 :‬‬

‫"آه‪ ،‬يا للخزيِ!‬


‫ب شعبنا كلّهُ رجلٌ واحدٌ‬ ‫غل َ‬
‫وليس رجلً بشكلٍ كاملٍ·‬
‫كلّ‪ ،‬كلّ‪ ،‬إنّه رجلٌ حقّا·‬
‫جبْنِنا‪،‬‬
‫فنحنُ‪ ،‬نحنُ النَ‪ ،‬ب ُ‬
‫نُمثّل ما كان هُوَ بالمسِ·‬
‫وماذا تُجدينا أذرعنا الضّخمة‪ ،‬وقوّتنا المزدوجة‪،‬‬
‫وهذا المتياز الذي خصّتنا به الطّبيعة بين جميعِ الكائنات‬
‫جامع ًة فينا‪ ،‬الكائنين الح ّييْنِ‪ ،‬الكث ُر قُوّةً!‬
‫كلّ‪ ،‬ليس صحيحًا أنّنا وُلدنا من إلهةٍ‬
‫ولسنا أبنا َء إيكسيون الذي كان عظيماً‬
‫ل أن يُغريَ جونون المتكبّرة·‬ ‫حتى أنّه أمِ َ‬
‫س ذكراً‬ ‫ها نحن مغلوبون‪ ،‬هَ َزمَنا عدُوّ لي َ‬
‫ل نصفيّا·‬
‫إّ‬
‫دَحرجوا فوقَه صخوراً‪،‬‬
‫جذوعَ شجرٍ‪ ،‬جبالً كاملةً‪،‬‬
‫اقذفوه بالغاباتِ لكي تخنقوا روحَهُ الرّاسخة‪،‬‬
‫وإذا لم يمتْ بجُرحٍ قاتلٍ‪،‬‬
‫فليسقط ميّتا تحت ثِقلِها!"‬
‫فيما كان يُنهي كلمَه‪ ،‬عث َر مُصادفةً‬
‫على جذعِ شجرةٍ اقتلعها العُنفُ الغاضبُ‬
‫لريحِ الجنوب‪ ،‬وقذف به العدوّ الرّهيب·‬
‫تبعَهُ آخرونَ في الحال‪،‬‬
‫وفي لحظةٍ‪ ،‬فرغَ جبلُ أوتريس (‪)Othrys‬‬
‫ل بيليون (‪ )Pélion‬ظِللَهُ·‬ ‫من أشجاره‪ ،‬وفقدَ جب ُ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪666 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪667 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪733 :‬‬


‫كان كاينيوس يتحرّك لهثاً‬
‫مغمورًا تحت الثّقَلِ الهائلِ‬
‫لهذه الشجار المقطّعة·‬
‫وحاولَ أن يرف َع بكتفيه المتينتيْنِ‬
‫كُتلةَ الخشبِ التي تغطّيه·‬
‫لكن‪ ،‬عندما ارتفعَ حِملُهُ فوقَ وجهِه ورأسِهِ‪،‬‬
‫عندما لم يعد يحظى بهوا ٍء يتنفّسه‪،‬‬
‫ت من الوَهَن·‬ ‫عرفَ لحظا ٍ‬
‫حاولَ أحياناً‪ ،‬لكن عبثاً‪ ،‬أن ينهضَ‬
‫ليَعثُرَ على الهواء‪،‬‬
‫ج بعيدًا عنه هذه الغابات المُكدّسة·‬ ‫وأن ُيدَحر َ‬
‫ل يُشبهُ ما تولّده‬ ‫وكان أحيانًا يهزّها بشك ٍ‬
‫هزّة أرضيّة في ذرواتِ جبلِ إيدا‬
‫الذي نراه من هنا·‬
‫ف كثيراً·‬‫ث بعد ذلك ؟ ل نعر ُ‬ ‫ماذا حد َ‬
‫هناك من زعمَ أنّ جسمَ كاينيوس‬
‫س من الشّجر‪،‬‬ ‫غاصَ تحت هذه الكدا ِ‬
‫في ظلمِ الجحيم·‬
‫ن أمبيكس يُكذّب ذلك‪،‬‬ ‫ن اب َ‬
‫غير أ ّ‬
‫فقد رأى طائراً بريشٍ أصهبَ‬
‫ط هذه الكداس المنضّدة‪،‬‬ ‫يخرجُ من وس ِ‬
‫طائراً في الفضاء النّقيّ·‬
‫أنا نفسي آنذاك رأيته مرّة أولى وأخيرة·‬
‫ورآه موبسوس يحو ُم بهدوءٍ‬
‫فوق رفقائه في السّلح‪ ،‬ويُطلقُ حولَهم‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪667 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪668 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪734 :‬‬

‫ت مُدوّية‪ ،‬وكان يُتابعه‬ ‫صرخا ٍ‬


‫بفكره ونظره‪ ،‬في آنٍ‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"سلماً‪ ،‬يا مجدَ وطنِ اللبيتيين‪،‬‬
‫يا من كنتَ أمس محارباً عظيماً‪،‬‬
‫وصرتَ اليومَ طائرًا مُ ْفرَداً·‬
‫سلماً‪ ،‬يا كاينيوس!" ‪16‬‬
‫ت هذه العجوبة بتأثي ٍر من سُلط ِة موبسوس‪،‬‬ ‫قُبل ْ‬
‫وفجّر الغضبُ الل َم فينا·‬
‫غضبنا من أن يجتم َع هذا العد ّو الكبير‬
‫من العداء ِلدَحْرِ رجلٍ واحد·‬
‫س أبداً هذا اللم‪ ،‬رافعين سيوفنا‪،‬‬ ‫ولم نن َ‬
‫ل عندما اندحرَ قس ٌم من السّناطير‬ ‫إّ‬
‫تحت ضرباتنا‪ ،‬وأخفى عنّا الهربُ واللّيل‬
‫من تبقّى منهم·"‬

‫نسطور وهرَقل (‪)Nestor et Hercule‬‬

‫هكذا روى نسطور‪ ،‬ملك بيلوس (‪ )Pylos‬المعركة‬


‫التي نشبت بين الّلبيتيين والسّناطير‬
‫أنصافِ الرّجال·‬
‫حزن تليبّوليموس (‪)Tlépolèmus‬‬
‫لنّه لم يذكر ِهرَقل‪ ،‬ولم يقدر‬
‫أن يسكتَ على ذلك· قال‪:‬‬
‫"يُدهشني أيّها الشّيخ أن تكون مآثر هرقل‬
‫قد غابت عن ذاكرتك·‬
‫كان أبي دائمًا يقصّ عليّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ق عليه بالدّارجة في مصر‪،‬‬
‫‪ 16‬تحوّل كاينيوس إلى طائر طويل السّاق والعنق يُسمّى بالعربيّة الفُصحى نُحام‪ ،‬ويُطل ُ‬
‫اسم البَشَروش·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪668 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪669 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪735 :‬‬

‫كيف روّض السّناطير أبناءَ نيوس·"‬


‫فأجابه نسطور بحزن‪:‬‬
‫"لماذا تجبرني على أن أتذكّر شقائي‪،‬‬
‫لمَتْهُ السّنوات‬
‫وأن أفتحَ جرحًا َ‬
‫بشكلٍ أليم ؟‬
‫لماذا تريد أن أعترف بكراهيتي لبيكَ‬
‫والهانات التي نِلتُها منه ؟‬
‫ق اللهة العظام‪ ،‬إنّ مآثره‬ ‫نعم‪ ،‬وح ّ‬
‫تتخطّى كلّ ظنّ‪،‬‬
‫ن بأخبار أعمالِه الخيّرَة‪،‬‬ ‫فلقد مل الكو َ‬
‫(وأفضّل لو أستطيع نكرانها)·‬
‫غير أنّ دايفوبوس (‪)Deiphobus‬‬
‫وبوليدامس (‪ ، )Polydamas‬وهكتور نفسه‪17 ،‬‬
‫ليسوا موضوعًا لمدائحنا·‬
‫ومن‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬يمتدح عدوّا ؟‬
‫ك الذّائعُ الصّيت أسوا َر ميسّينا (‪، )Messène‬‬ ‫ماضياً‪ ،‬هدّ َم أبو َ‬
‫وقوّض مدنَ إيليس وبيلّوس‬
‫ق أبداً مثل هذا المصير·‬ ‫التي ل تستح ّ‬
‫أدخلَ النارَ والسّيف إلى منزلي‪،‬‬
‫ُكنّا اثنَيْ عشرَ طفلً لنيليوس (‪، )Néleus‬‬
‫س كلّهم‪،‬‬‫بفتوةٍ جميلةٍ يعجبُ بها النا ُ‬
‫وهؤلء جميعاً‪ ،‬باستثنائي‪ ،‬سقطوا‬
‫تحت ضربات هرقل·‬
‫نُدركُ بعناء أنّه استطا َ‬
‫ع‬
‫أن يتغلّب على إخوتي الخرين‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ي معروفٌ بنصائحه الجيّدة·‬


‫‪ 17‬دايفوبوس أخو هكتور· وبوليداماس بطلٌ طرواد ّ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪669 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪670 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪736 :‬‬

‫ن موت بيريكليمينوس (‪)Périclymenus‬‬ ‫غير أ ّ‬


‫لُغزٌ عجيب·‬
‫كان يُمكنه أن يظهرَ في أيّ شكلٍ أراد‪،‬‬
‫وأن يتخلّى عنه‪ ،‬كما يشاء·‬
‫كانت تلك نعمةٌ خصّ ُه بها نبتون‪،‬‬
‫مُنجبُ سُللة نيليوس·‬
‫ب عبثاً جميع أنواع التّحوّل‪،‬‬ ‫بعد أن جرّ َ‬
‫أخذ شكلَ طائرٍ عزيزٍ على سيّد اللهة‪،‬‬
‫ويحملُ الصّاعقة في براثنه·‬
‫وقد أفا َد من قوّة هذا الطّائر‬
‫فمزّق وجهَ هرقل بأجنحته‪ ،‬ومِنقاره المقوّس‪،‬‬
‫وبراثنه المعقوفة·‬
‫حينذاك‪َ ،‬وتَرَ هرقلُ قوسَه التي ل تُخطئ‪،‬‬
‫مُوجّهًا إيّاها صوبَه‪،‬‬
‫وفيما كان الطّائر يُحوّم في الفضاء‪،‬‬
‫معلّقا وسطَ الغيوم‪،‬‬
‫أصابه في المكان الذي يتّصل فيه‬
‫الجناحُ بالخاصرة·‬
‫لم يكن الجرحُ خطراً‪،‬‬
‫غير أنّ العضلت التي كسرتْها الضّربة‬
‫توقّفت عن الحركة‪،‬‬
‫سالبةً من جسمه القُدرةَ على الطّيران·‬
‫سقطَ على الرض لنّ ريشه‬
‫ضَعفَ ولم يعد قادرًا أن يُسيطرَ على الهواء·‬
‫أمّا السّهم الخفيفُ الذي بقيَ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪670 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪671 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪737 :‬‬

‫ص فيه‪،‬‬
‫مُلتصقًا بجناحِهِ‪ ،‬فغا َ‬
‫تحت ثِقلِ الجسم الذي اخترقه‪،‬‬
‫فيما وراء الخاصرة‪ ،‬وخرج من حُلقومه‪،‬‬
‫في الجهةِ اليُسرى·‬
‫أتعتقد الن أنّ عليّ أنا بنفسي‬
‫أن أمتدحَ مآثرَ هرقل العزيز‪،‬‬
‫أيّها القائد المشهور لسطولِ رودوس ؟‬
‫مع هذا‪ ،‬أردتُ أن أثأرَ لخوتي‬
‫ي عن أعمالِه الكبيرة·‬ ‫سكُوت َ‬‫بُ‬
‫وتظلّ صداقتي لكَ كما هي‪ ،‬كاملةً·"‬
‫ن نيليوس هذه الكلمات‬ ‫عندما قال اب ُ‬
‫بنبر ٍة تملؤها العذوبة‪ ،‬تذوّقَ الضّيوف من جديد‪،‬‬
‫بعد روايته‪ ،‬عطايا باخوس·‬
‫ثم نهضوا إلى أس ّرتِهم‬
‫خصّصينَ للنّومِ ما تبقّى من اللّيل·‬ ‫مُ َ‬

‫موتُ آخيل‬

‫كان الله الذي يُدبّرُ أمواجَ البحر‬


‫وفي يده شوكته الثلثيّة‪،‬‬
‫يبكي في قلبه البويّ‬
‫لنّ جسمَ ابنه تحوّل إلى طائرِ التمّ‬
‫العزيز على فاييتون (‪Phaéthon(· 18‬‬
‫وقد تجاوز الحدّ في حقده على آخيل الشّرس‪،‬‬
‫وفي استسلمِه للغضب العنيد·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ن نبتون إله البحر‪ ،‬وانتهت بمقتل سينيوس‬ ‫‪ 18‬يُشير أوفيد هنا إلى المعركة التي جاء وصفُها بين آخيل وسينيوس اب ُ‬
‫وتحوّله إلى طائر التمّ· وهو ما سبّب نقمة إله البحر على آخيل· وحين يصف طائر التمّ بأنّه عزيز على فايتون (ابن‬
‫الله الشمس ـ انظرْ الكتاب الثاني) فهو يُشيرُ إلى شخصٍ آخر بالسم نفسه هو سينيوس ابن ستينيلوس‪ ،‬وكان صديقاً‬
‫حميماً لفايتون‪ ،‬تحوّل هو كذلك إلى طائر تمّ (‪· )Cygne‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪671 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪672 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪738 :‬‬

‫كان قد مضى على الحرب زهاء عشر سنوات‪،‬‬


‫عندما توجّه إلى الله الطّويل الشّعر‪ ،‬أبوللون‪،‬‬
‫قائلً‪:‬‬
‫عزّه بين جميعِ أبناء أخي‪،‬‬ ‫"أنتَ يا منْ أ ِ‬
‫أنتَ من رفعَ معي بل جدوى‬
‫أسوارَ طروادة‪ ،‬أل تتأوّه لرؤي ِة هذه القلعة‬
‫قريب ًة من السّقوط ؟‬
‫أل تتألّم لنّ آلفًا من الرّجال قُتلوا‪،‬‬
‫ن عن هذه السوار ؟‬ ‫مُدافعي َ‬
‫أل يتراءى لعين ْيكَ ظلّ هكتور‬
‫مَجروراً حول طروادتِه الغالية‪،‬‬
‫لكيل نسمّيهم كلّهم ؟‬
‫مع ذلك‪ ،‬ما يزال حيّا هذا البطل الفتّاك‬
‫الكث ُر دمَويّةً من الحرب ذاتها‪،‬‬
‫آخيل الذي هدّم صنيعَنا·‬
‫فليتقدّم أمامي وحدي‪،‬‬
‫وسوفَ أعرّفه بما تقدر عليه‬
‫شوكتي الثّلثيّة·‬
‫ب عدوّنا مُواجهةً‪،‬‬‫لكن‪ ،‬بما أنني ل أستطيع أن أحار َ‬
‫فاضربْهُ أنتَ‪ ،‬دون أن يتوقّع‪،‬‬
‫بسهمٍ غير مرئيّ·"‬
‫قَبلَ إل ُه ديلوس بذلك‪،‬‬
‫وسرّ ُه أن يُرضيَ حق َد عمّه وحقدَه هو·‬
‫ها هو يصلُ‪ ،‬تُغطّيه غيمةٌ‪ ،‬إلى صُفوفِ جيشِ طروادة·‬
‫لمحَ في وسط الجنود المُتذابحين‪ ،‬باريس (‪)Paris‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪672 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪673 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪739 :‬‬

‫يرشقُ السّهام هنا وهناك‬


‫ن مجهولين·‬ ‫على يونانيي َ‬
‫كشفَ له عن شخصِهِ اللهيّ‪،‬‬
‫وسُرعانَ ما قالَ‪:‬‬
‫س ْفكِ‬
‫"لماذا تُضيّع سه َمكَ في َ‬
‫دِما ِء هذه الدّهماء ؟‬
‫إن كان يهمّك أمر قو ِمكَ‬
‫فواجِهْ آخيلَ‪ ،‬واثأرْ لخوتكَ المقتولين·"‬
‫ن بيليوس‪،‬‬ ‫قال هذه الكلمات‪ ،‬مُشيراً إلى اب ِ‬
‫شاهراً سيفَه‪ ،‬يُغطّي الرضَ بقتلى طروادة‪،‬‬
‫ووجّه إليه قوس باريس‪ ،‬مُديرًا بيدٍ قاتلةٍ‬
‫السّهم الذي ل يُخطئ هدفه·‬
‫إن كان للشّيخ بريام (‪ ، )Priam‬منذ موت هكتور‪،‬‬
‫ح به‪ ،‬فهو هذا·‬ ‫شيءٌ يفر ُ‬
‫ب محاربينَ كباراً‪،‬‬ ‫هكذا‪ ،‬يا آخيلُ‪ ،‬يا من غل َ‬
‫غلبكَ الخاطفُ الجبانُ ليونانيّة خانت زوجها·‬
‫ف أنّك ستسقط تحت ضرباتِ امرأة‪،‬‬ ‫لكن‪ ،‬لو كنت تعر ُ‬
‫ت آثرتَ أن تسقطَ تحت بلطةٍ‬ ‫لكن َ‬
‫ف تيرمودون (‪Thermodon(· 19‬‬ ‫على ضفا ِ‬
‫وها هو الن‪ ،‬هذا المحاربُ‬
‫الذي كان َويْلً على الطّرواديين‪ ،‬ومجداً‬
‫لشعبِ اليونان وسنداً‪،‬‬
‫آخيلُ البطلُ الذي ل يُهزمُ في المعارك‪،‬‬
‫ها هو الن فريسة اللّهب· ‪20‬‬
‫الله الذي سلّحه‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 19‬تيرمودون نهرٌ في آسيا الصّغرى‪ ،‬كان يُحيط بمملكة المازونيّات (‪( · )Amazones‬انظ ْر الكتاب التّاسع)·‬
‫والملكة هي بانتيزيليوس (‪ ، )Panthésileus‬أخذت المازونيّات إلى نجدة طروادة‪ ،‬وقتلها آشيل‪ ،‬وبدأ يُحبّها عندما‬
‫رآها وهي تموت· وفي قول أوفيد "تحت ضربات امرأة" هجاء لباريس خاطف هيلنة اليونانيّة‪ ،‬وقد سبق وصفه له‬
‫بالجُبن·‬
‫ب من أمّه تيتيس·‬
‫‪ 20‬الله فولكان أو هيفايستوس‪ ،‬هو الذي صنع أسلحة آشيل بطل ٍ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪673 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪674 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪740 :‬‬

‫هو نفسه الذي أحرقه·‬


‫لم يعدْ إلّ رماداً‪،‬‬
‫ق من آخيل العظيم‬ ‫ولم يب َ‬
‫ل ما ل يكاد أن يمل مِ ْر َمدَةً صغيرة·‬ ‫إّ‬
‫ي أبداً‬
‫غير أنّ مجده الح ّ‬
‫يمل الكون بأجمعه·‬
‫ذلك هو الفضاء الذي يتطابقُ‬
‫ل كمثله·‬ ‫مع عظَمةِ بط ٍ‬
‫في هذا‪ ،‬كان ابن بيليوس مُتكافئًا مع نفسه‪،‬‬
‫ول يُحسّ بفراغِ الجحيم‪ ،‬مُقام الظّلل الباطلة·‬
‫تُرسه نفسه‪ ،‬وهذا معيارٌ‪،‬‬
‫يكفي لشعال حربٍ‪،‬‬
‫فالسلحة تُشه ُر تنافُساً على أسلحتِه·‬
‫ول يتجرّأ على ادّعاء ذلك ـ‬
‫ن تيديوس (‪)Tydeus‬‬ ‫ل اب ُ‬
‫ول أجاكس‪ ،‬ابن أويليوس (‪، )Oiléus‬‬
‫سنّا‪،‬‬
‫ول ابنُ آتريوس (‪ )Atreus‬الصغرُ ِ‬
‫ب الكبرُ سنّا والشدّ خطراً‪،‬‬ ‫ول أخوه المُحار ُ‬
‫ول أيّ شخص آخر·‬
‫وحدهما‪ ،‬ابن تيلمون(‪)Télamon‬‬
‫وابن ليرتيس (‪)Laertes‬‬
‫كانا واثقيْن من نفسيهما ثِق ًة كافيةً‬
‫بحيث يتطلّعان إلى مثل هذا الشّرف العظيم·‬
‫وقد عرفَ الملك أجامنون كيف يتجنّب‬
‫المسؤوليّة والضّغائن‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪674 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪675 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪741 :‬‬

‫فدعا قادة اليونانيين إلى الجتماع في المُعسكر‪،‬‬


‫حكّمينَ في هذه المُنافسة·‬
‫وجعلهم جميعًا مُ َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪675 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪676 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪745 :‬‬

‫الكتابُ الثالث عشر‬

‫أجاكس ويوليس وأسلحة آشيل‬


‫مــــــــوتُ أجــــــــــاكــــس‬
‫ســـــــــقـوط طـــــــــــروادة‬
‫بــوليكسينا وبوليـدوروس‬
‫مــــــــيــــــــــــــمنــــــــــون‬
‫إينـــــــــياس وآنــــــــــيوس‬
‫ابــــــنــــــــــتا أوريـــــــــون‬
‫آســــــــــيس وغـــــــالتيــا‬
‫سيـــــــــللّ وجـــــلوكـوس‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪676 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪677 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪747 :‬‬

‫أجاكس ويوليس وأسلحة آشيل‬

‫جلسَ القادةُ‪،‬‬
‫واصطفّ حولهم الجمهورُ واقفاً‪ ،‬صفًّا دائريّا·‬
‫أمامهم‪ ،‬نهضَ البطلُ أجاكس‪ ،‬بتُرسِهِ‬
‫الذي تغطّيه سبعةُ جلودٍ‪،‬‬
‫عاجزاً عن السّيطرة على غضبه‪،‬‬
‫مُديراً نظراته الشّرسة نحو شاطئ سيجيوم (‪)Sigeum‬‬
‫ونحو السطول الذي يرسي فيه‪،‬‬
‫ثمّ رفع يديه قائلً‪:‬‬
‫"هكذا‪ ،‬أيّها اللهُ جوبيتر‪،‬‬
‫أداف ُع أمامَ سُفننا عن قضيّتي‪،‬‬
‫ومع مَنْ أقارَنُ ؟‬
‫مع يوليس‪،‬‬
‫هذا الذي لم يتردّد في الهرب‬
‫من النار التي أشعلها هكتور‪،‬‬
‫والتي جابهتها‪ ،‬أنا‪،‬‬
‫وطردتها بعيداً عن أسطولنا· ‪1‬‬
‫ب الكاذبة‬‫ط ِ‬
‫ح بالخُ َ‬‫ذلك أنّ الكفا َ‬
‫أقلّ خطرًا من الكفاح بالسلحة·‬
‫بل لم أخْلَق أنا للكلمِ‪،‬‬
‫ولم يُخلق هو للعمل·‬
‫وبقدر ما تتجلّى قوّتي في الفنّ الفاتك‪ ،‬فنّ الله مارس‪،‬‬
‫في ميدان المعركة‪،‬‬
‫يتجلّى فنّه هو في لسانه·‬
‫ن أيّها اليونانيّون‪،‬‬
‫ل أنّني ل أظ ّ‬
‫إّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬حاول هكتور أن يحرق السطول اليونانيّ‪ ،‬وأجاكس هو الذي أنقده من النار·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪677 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪678 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪748 :‬‬

‫أنني في حاجةٍ إلى أن أذكّركم بمآثري·‬


‫ق منها‪،‬‬‫فأنا واث ٌ‬
‫وأنتم رأيتموها·‬
‫فليُخبرنا يوليس بمآثره‪،‬‬
‫تلك التي حقّقها دون شهود‪ ،‬والتي ل يعرفُ‬
‫سرّها إلّ الليلُ وحده·‬
‫أعترفُ أنّ المكافأة التي أطلبها كبيرةٌ‪،‬‬
‫غير أنّ صفات من يُنافسني عليها‪،‬‬
‫تُفرغُها من أيّة قيمة·‬
‫فل مكان لكي يفخرَ أجاكس‪،‬‬
‫بالحصول على ما يأمل يوليس كذلك‬
‫بالحصول عليه‪ ،‬مهما كان عالياً·‬
‫بالنّسبة إليه‪ ،‬حقّقت له هذه المنافسةُ‬
‫نجاحاً‪ ،‬منذ هذه اللحظة‪،‬‬
‫ل كنتُ منافساً له·‬ ‫فعندما سيُهزم‪ ،‬سيُقا ُ‬
‫أمّا بالنّسبة إليّ‪،‬‬
‫شكّ في شجاعتي‪،‬‬ ‫لو افترضنا إمكانَ ال ّ‬
‫فسوف يكون لي أن أبقى مُتفوّقاً بنبالتي‬
‫ت من تيلمون (‪)Télamon‬‬ ‫لنني وُلد ُ‬
‫الذي احتلّ أسوارَ طروادة بقيادةِ‬
‫هرَقل الباسل‪ ،‬والذي وصل إلى‬
‫شواطئ كولشيدا‪ ،‬بسفين ٍة من تيسّاليا·‬
‫كان أبوه‪ ،‬إياكوس (‪)Aeacus‬‬
‫الذي حكمَ بالعدل في مملكة الظلل الصّامتة‬
‫حيث كانت ترينُ صخر ٌة بثِقلِها كلّه‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪678 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪679 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪749 :‬‬

‫على سيزيف ابن إيولوس (‪Aeolus( 2‬‬


‫ويعترف جوبيتر‪ ،‬سيّد اللهة‪،‬‬
‫مُعلناً أنّ إياكوس ابنه·‬
‫هكذا يكون أجاكس الثالثَ في نسلِ جوبيتر·‬
‫ن هذا‬
‫ق مع ذلك‪ ،‬أيّها اليونانيّون‪ ،‬أ ّ‬
‫أواف ُ‬
‫ب ل يُفيدُ قضيّتي شيئاً‪،‬‬
‫النّس َ‬
‫لو لم يكن في الوقتِ نفسه مشتركاً‬
‫مع آشيل العظيم·‬
‫كان آشيل أخي‪3 ،‬‬
‫ب بإرثِ أخي·‬ ‫وأنا أطال ُ‬
‫فلماذا هذا المولو ُد من دمِ سيزيف‪،‬‬
‫والذي يشبهه كثيرًا بحيَلِهِ ومكرِهِ‪،‬‬
‫يريد أن يُدخلَ في سللة إياكوس‪،‬‬
‫أسماءَ عائل ٍة غريبة ؟‬
‫هل أحْ َر ُم من هذه السلحة‪،‬‬
‫ت دون أن يشكوني‬ ‫لنني حملتُ السّلح قبله‪ ،‬وجئ ُ‬
‫في ذلك أيّ شخص ؟‬
‫ي مَنْ كان‬‫هل ينبغي أن يفضّل عل ّ‬
‫آخرَ الجميعِ في حملِ السّلح‪،‬‬
‫ل أن يتجنّبَ أخطارَ الحرب‬ ‫ومن حاو َ‬
‫ف ابنُ نوبليوس (‪Nauplius( 4‬‬ ‫مُتصنّعاً الجنون‪ ،‬حتّى كش َ‬
‫الكثر مهار ًة منه‪،‬‬
‫ى لنفسه‪،‬‬‫لكن الشدّ أذ ً‬
‫عن مكره الجبان‪ ،‬وجرّه إلى هذا المُعسكر‬
‫الذي كان يهرب منه ؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 2‬في رواية سابقة عن اللياذة أن يوليس هو ابن سيزيف· ويستغلّ أجاكس هذه الرّواية للنّيل منه·‬
‫‪ 3‬تيليمون والد أجاكس هو أخو بيليوس والد آشيل· وهما ابنا إياكوس· فأجاكس وآشيل أخوان‪ ،‬على وفق تقليد قديم‪،‬‬
‫لنّ لهما جدّا مشتركاً·‬
‫‪ 4‬ابن نوبليوس هو بالميديس (‪ · )Palamèdes‬وكان يوليس يعرف بوساطة نبوءة أنّه إذا ذهب إلى حرب طروادة‬
‫فسيبقى غائبًا عن بيته طوال عشرين سنة· لهذا عندما جاء مينيلس وبالميديس للبحث عنه‪ ،‬تظاهر بالجنون· فكشف‬
‫ل قاسٍ‪ ،‬كما نرى في السّطور التالية·‬ ‫ن يوليس ثأر منه بشك ٍ‬
‫بالميديس حيلته‪ ،‬وفي هذا كان ض ّد نفسه‪ ،‬ل ّ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪679 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪680 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪750 :‬‬

‫هل ينبغي إذن أن يأخذ هذه السلحة المَجيدة‬


‫لنّه رفضَ أن يتسلّح بأيّ منها ؟‬
‫ع منّي‪ ،‬وأحْ َرمُ‬ ‫وأنا تُنتز ُ‬
‫ك ابنِ عمّي‪ ،‬لنني جابهتُ‬ ‫من مُل ِ‬
‫المخاط َر منذ السّاعة الولى ؟‬
‫آه! ليتَ جنونه كان‪ ،‬بمشيئة اللهة‪ ،‬حقيقيّا‬
‫صدّقَ‪ ،‬ولم يُرافقنا أبداً‬ ‫أو ليته ُ‬
‫إلى أسوار طروادة‪،‬‬
‫هذا المُرشد إلى الجريمة!‬
‫ولم تكن تعيشُ في ليمنوس (‪Lemnos( 5‬‬
‫ن بوياس (‪)Poias‬‬ ‫يا اب َ‬
‫في هَجْ ٍر يُسبّبُ لنا العارَ‪،‬‬
‫ت من يختبئ‪ ،‬كما يُقال‪،‬‬ ‫أن َ‬
‫في كُهوفِ الغابات‪ ،‬تُحرّك الصّخور‬
‫بنحيبكَ‪ ،‬وتدعو على ابن ليرتيس‬
‫بالغضبِ اللهيّ الذي اسْتحقّه·‬
‫سدًى‬‫لن تذهب لعَنا ُتكَ ُ‬
‫إنْ صحّ وجو ُد اللهة·‬
‫نعم‪ ،‬حتى اليوم‪ ،‬ل يزال هذا البطلُ‬
‫الذي ربط مصيرَه بمصيرِ سلحنا‬
‫سمُها‪،‬‬ ‫مُ ْقسِمًا اليمينَ نفسها التي نُقْ ِ‬
‫والذي كان‪ ،‬ويا للسف‪ ،‬أحد قادة اليونان‪،‬‬
‫وريثاً لسهام هرقل‪،‬‬
‫مُنهكًا من المرضِ والجوع‪،‬‬
‫ول لباسَ له غير ريش الطّيور‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 5‬ابن بوياس هو فيلوكتيتيس (‪ )Philoctètes‬الذي أشعلَ النار في محرقة هرقل‪ ،‬فاستحقّ أن يأخذ أسلحته·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪680 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪681 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪751 :‬‬

‫التي يتغذّى بها·‬


‫وهو يستخدم في صيدِها السّهام التي صنعناها‬
‫لكي تُعجّلَ في تدمير طروادة·‬
‫وهو ل يزال حيّا‪ ،‬لنّه لم يُرافق يوليس!‬
‫وكان التّاعس الحظّ بالماديس‪،‬‬
‫يُفضّلُ لو كان الهَجْرُ مصيرَه‪ ،‬هو كذلك‪،‬‬
‫إذن لكان ل يزال حيّا‪ ،‬أو لكان على القلّ‪،‬‬
‫مات‪ ،‬دون أن ُيتّهمَ بارتِكابِ جريمة·‬
‫وقد ادّعى مُنافِسي أنّ بالماديس خانَ قضيّة اليونانيّين‪،‬‬
‫وبرهنَ على هذه الجريمة الوهميّة‬
‫بإبراز الذّهب الذي خبّأه هو نفسه· ‪6‬‬
‫وهو في ذلك يتذكّر جيّدا انّ بالماديس فضحَ‪،‬‬
‫لسوء حظّه‪ ،‬جنونه الكاذب·‬
‫هكذا أضعفَ يوليس قُوى اليونانيّين‪ ،‬إمّا بالمَنفى‬
‫وإمّا بالموت·‬
‫ذلك هو قِتاله‪،‬‬
‫جعْلِ نفسه مُخيفاً·‬ ‫وتلك هي طريقته في َ‬
‫ي نفسه‪،‬‬ ‫هذا الرّجل قد يبُ ّز بفصاحته نسطور الوف ّ‬
‫لكنّه لن يُقنعَني بأنه لم يرتكب جريمةً‬
‫عندما تخلّى عنه‪،‬‬
‫فقد أخّره جرحُ أحدِ أحصنته‪،‬‬
‫ل بالسّنين وبالشّيخوخة‪،‬‬ ‫عدا كونه مُثق ً‬
‫وتوسّل إلى يوليس كي يُساعدَه‪،‬‬
‫غير أنّ رفيقه في السّلح خانه·‬
‫ليست هذه تُهمةً باطلةً‪،‬‬
‫‪ 6‬لكي يجعل اليونانيين يصدّقون أنّ بالميديس خان قضيّتهم‪ ،‬أخفى يوليس تحت سريره الذهب الذي أخذه ثمناً لخيانته·‬
‫وقد سلّمه أجاممنون‪ ،‬مقتنعًا بخيانته‪ ،‬إلى اليونانيين الذين رجموه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪681 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪682 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪752 :‬‬

‫ن تيديوس (‪)Tydeus‬‬ ‫فإنّ ديوميديس (‪ )Diomides‬اب َ‬


‫يعرف ذلك حقّ المعرفة·‬
‫ذلك أنّه سمّى يوليس باسمه‬
‫مرارًا عديدة‪ ،‬موبّخا صديقه الذي يضطربُ خوفاً‪،‬‬
‫عاتباً عليه لهربه·‬
‫غير أنّ اللهة تنظر إلى أعمال الفانين‬
‫بعيونٍ عادلة‪ ،‬وها هو الذي رفض‬
‫أن يُساعد نسطور‪ ،‬يحتاج بدوره إلى من يُساعده·‬
‫فكما أنّه تخلّى عن نسطور‬
‫ي كذلك عنهُ‪ ،‬هو·‬ ‫تُخلّ َ‬
‫فهو بنفسه أعلنَ الحُكمَ الذي يُدينه·‬
‫كان يصرخ عاليًا مُنادياً رُفقاءه‪،‬‬
‫أسرعتُ فرأيته يرتجفُ‪ ،‬شاحبًا من الذّعر‪،‬‬
‫مُرَوّعاً من الموت الذي يتهدّده·‬
‫غطّيته بترسيَ الواسع‪،‬‬
‫واقيًا من الضّربات المسكينَ المُمدّد على الرض‪،‬‬
‫مُنقذاً حياته (ل أرى في ذلك فخراً عظيماً!)‬
‫ي جهد·‬ ‫دون أن يقومَ بأ ّ‬

‫ت مُصرّا على منافستي في هذه السلحة‪،‬‬ ‫إن كن َ‬


‫فَلْن ُعدْ إلى المكان نفسه·‬
‫عدْ أمامَ العدوّ بجُرحكَ‪ ،‬وخوفكَ المُعتاد‪،‬‬
‫ُ‬
‫اختبئ وراء تُرسي‪ ،‬ووراء هذا المخبأ‪،‬‬
‫شهِرْ حَربَك عليّ·‬
‫أْ‬
‫بعد أن أنقذتُ من الخط ِر هذا البط َ‬
‫ل‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪682 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪683 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪753 :‬‬

‫الذي لم تترك له جراحه القوّة‬


‫لكي ينهضَ واقفاً‪،‬‬
‫أخذ يركضُ هارباً‪،‬‬
‫كما لو أنّه ل وجود ليّ جرحٍ‬
‫ل هذا الهرب·‬ ‫يُعرق ُ‬
‫تقدّم هكتور إلى المعركة‪،‬‬
‫مُصطحبًا معه اللهة‪،‬‬
‫وحيثما كان ينقضّ‪ ،‬لم يكن يُخيفك أنت وحدك‪ ،‬يا يوليس‬
‫وإنّما كان يُخيف كذلك الشّجعان‪،‬‬
‫لما كان يجرّه وراءه من الرّعب·‬
‫أمّا أنا‪ ،‬فقد رميته على ظهره قاذفًا إيّاه‬
‫عن بُعدٍ بصخر ٍة كبيرة‪،‬‬
‫لحظةَ كان يزهو بالتّقْتيل وبالدّم المُراق·‬
‫وعندما طلبَ أن يأتي واحدٌ منّا‬
‫ويُنازلَهُ في معرك ٍة فرديّة‪،‬‬
‫لم يجرؤ على ذلك إلّ أنا‪ ،‬وحدي·‬
‫آنذاك صلّيتم‪ ،‬أيّها اليونانيّون‬
‫لكي يخصّني القدر بذلك‪،‬‬
‫واستجابت اللهة صلواتكم·‬
‫ولئن سألتم كيف دارت المعركة‪،‬‬
‫فاعلموا أنني لم أكن مغلوباً على أمري·‬
‫عندئذٍ‪ ،‬سُرعان ما حملَ الطّرواديّون‬
‫الحديدَ والنّار ضدّ أسطول اليونانيين‪،‬‬
‫وكان جوبيتر نفسه يقودهم·‬
‫أين كان آنذاك يوليس الفصيح ؟‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪683 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪684 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪754 :‬‬

‫لقد حميتُ أنا بصدري سفنَكم اللف‪،‬‬


‫التي تُمثّلُ أملكم بالعودة·‬
‫فأعطوني هذه السلحة‪ ،‬مقابل هذه السّفن الكثيرة·‬
‫وإذا كان مسموحاً لي أن أقول الحقيقة كلّها‪،‬‬
‫فإنني ألتمس هذا الشّرف من أجلها‪،‬‬
‫ل من أجلي·‬
‫إنّ مجدها ومجدي واحدٌ‪ :‬فهذه السلحة‬
‫هي التي تسعى إلى أجاكس‪،‬‬
‫وليس أجاكس هو الذي يسعى إليها·‬
‫لِيحدّثنا ملكُ إيتاكا‪ ،‬مقارنةً بهذه المآثر‪،‬‬
‫عن ريزوس (‪ ، )Rhésus‬والجَبان دولون (‪)Dolon‬‬
‫عن أسْرِ ابن بريام‪ ،‬هيلينوس (‪، )Hélénus‬‬
‫واختطاف التّمثال بالّديوم· ‪7‬‬
‫ل شيء كان واضحاً‬
‫ل أن ديوميد (‪، )Diomède‬‬ ‫ل شيء إ ّ‬
‫كان حاضراً‬
‫إذا كنتم ستقدّمون أسلحة آشيل‬
‫ت بهذا المُستوى الهزيل‪ ،‬فاقسموها‬ ‫لخدما ٍ‬
‫وأعطوا قسمها الفضل إلى ديوميد·‬
‫مع ذلك‪ ،‬ماذا يفعل بها ابن إيتاكا هذا‪،‬‬
‫ل في العتمة‪،‬‬ ‫الذي ل يتحرّك أبداً إ ّ‬
‫دون لجوء إلى السّلح‪ ،‬والذي يستخدم الحيلة‪،‬‬
‫ع عدوّا غافلً ؟‬ ‫لكي يخد َ‬
‫غير أنّ بريقَ الخوذة التي تتلل‬
‫بأشعّة الذّهب‪ ،‬سيفضح أحابيلَه‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 7‬أي يوليس نفسه‪ ،‬ودوليشيوم جزيرة صغيرة قرب إيتاكا‪ ،‬كان يملكها·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪684 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪685 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪755 :‬‬


‫كاشفًا عنه في مخابئه·‬
‫وفضلً عن ذلك‪،‬‬
‫فإنّ سيّد دوليشيوم (‪Dulichium(، 8‬‬
‫إن غطّى رأسَه بخوذة آشيل‪،‬‬
‫لن يقدر أن يتحمّل ثِقلها·‬
‫ل تكون هذه الحربة‬ ‫كذلك يستحيل أ ّ‬
‫المقطوعة من جبل بيليون‪،‬‬
‫عبئاً ثقيلً جدّا‬
‫على ذراعيه الواهنتين·‬
‫ولن يكون هذا التّرس الذي حُفرت عليه صورة العالم الواسع‪،‬‬
‫مُلئمًا ليده اليُسرى‬
‫التي ل جرأة فيها‪ ،‬والتي لم تُخلق‬
‫ل لكي تعملَ خفيةً·‬ ‫إّ‬
‫لماذا تطلب أيّها الوقح‪ ،‬عطيّة ستزيدك ضعفاً‪،‬‬
‫وتولّد في نفس العدوّ‪ ،‬إن ارتكبَ الشّعب اليونانيّ‬
‫ك إيّاها‪،‬‬
‫حَ‬ ‫خطأ من ِ‬
‫ل الخوفَ‪ ،‬بل بالحرى الرّغبة في تجريدك منها ؟‬
‫س لك‪،‬‬‫ثم إنّ الهرب‪ ،‬حيث ل مناف َ‬
‫سيكون صعباً عليك‪ ،‬يا أجبن البشر‪،‬‬
‫عندما تكون جارّا مثل هذا العِبْء·‬
‫وفضلً عن ذلك‪،‬‬
‫ن تُرسك الذي لم تُظهرهُ في المعارك‬ ‫فإ ّ‬
‫إلّ نادراً‪ ،‬لم يَلحَقْ به أيّ أذىً حتى الن·‬
‫أمّا تُرسي فمثقوبٌ بألفِ جرحٍ وجرح‪،‬‬
‫لكثرة السّهام التي تلقّاها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 8‬فتْيا هو المكان الذي يُقيم فيه بيليوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪685 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪686 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪756 :‬‬

‫س جديدٍ يحلّ محلّه·‬‫ول ُبدّ من تُر ٍ‬


‫أخيراً‪ ،‬ماذا تُجدي إطالة الكلم ؟‬
‫ن عمليّا· ألقوا في وسط العدوّ‬ ‫ف ْلنُمتحَ ْ‬
‫بأسلحة البطل الباسل‪،‬‬
‫ومُرُونا أن نمضي للبحث عنها‪،‬‬
‫وشرّفوا بها مَن يُعيدُها·"‬

‫أنهى ابن تيلمون كلمه‪،‬‬


‫وتبعَ كلماته الخيرة ضجيجٌ مُبهمٌ من الجمهور‪،‬‬
‫إلى أن نهض البطل ابن لييرتيس·‬
‫أبقى نظراته فتر ًة مُحدّقةً في الرض‪،‬‬
‫ثمّ رفعها نحو القادة‪،‬‬
‫وفتح فمَه لكي يقولَ‬
‫ل من السّحر·‬ ‫هذا الخطاب المُنتظر بفصاحةٍ لم تَخْ ُ‬
‫قال‪:‬‬
‫ن اللهة استجابت لرغباتي‬ ‫"لو أ ّ‬
‫ورغباتكم‪ ،‬أيّها اليونانيون‪ ،‬لما كان‬
‫هناك مجالٌ للسؤال إلى من يؤولُ‬
‫هذا الرث العظيم الذي هو موضوع هذا النّقاش المهمّ‪،‬‬
‫ولكنتَ‪ ،‬يا آشيل‪ ،‬ل تزال تملك هذه السلحة‪،‬‬
‫وكنت ل تزال معنا·‬
‫لكن ما دامت القدار الظّالمة‪،‬‬
‫سلبتهُ منّا‪ ،‬أنتم وأنا‪( ،‬ماسحًا بيده‬
‫عينيه كما لو أنّه يبكي)‬
‫ف نعطيه لشيل العظيم‪،‬‬ ‫خلَ ٍ‬‫فأيّ َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪686 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪687 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪757 :‬‬

‫أفضل من الخلف الذي شارك بفضلِه آشيل العظيم‪،‬‬


‫في نجاح اليونانيين ؟‬
‫لكن‪ ،‬ل تحسبوا أن هيئة منافسي البليدة‪،‬‬
‫كما يبدو في الواقع‪ ،‬مزيّة له‪،‬‬
‫ل تؤذيني براعتي التي أستخدمها دائماً‬ ‫راجياً أ ّ‬
‫من أجلكم‪ ،‬أيّها اليونانيون·‬
‫ولعلّ فصاحتي‪ ،‬مهما قلّت‪،‬‬
‫والتي تُدافع اليوم عن قضيّتي الخاصّة‪،‬‬
‫ولطالما دافعت عن قضاياكم‪،‬‬
‫ل تسبّب لي أيّة عداوة·‬ ‫أّ‬
‫فل تفرضوا على أيّ إنسانٍ‬
‫أن يزدري مزاياه الشّخصيّة·‬
‫ي أن أعدّ السّللة‪ ،‬والسلفَ‪،‬‬ ‫ذلك أنّه يشقّ عل ّ‬
‫وكلّ ما ليس عملً خاصّا‪ ،‬مزايا شخصيّة·‬
‫لكن‪ ،‬ما دام أجاكس ذكّر بأنه‬
‫ابنٌ لحفيد جوبيتر‪ ،‬فإنّ جوبيتر‬
‫هو كذلك والد سُللتي‪،‬‬
‫ويفصلني عنه عدد المراتب نفسها·‬
‫ذلك أنّ أبي هو لييرتس‪،‬‬
‫وآرسيزيوس (‪ )Arcésius‬هو أبو لييريتس‪،‬‬
‫وجوبيتر هو أبو أرسيزيوس·‬
‫وليس بينهم من أدينَ‪ ،‬أو نُفي·‬
‫أنتمي‪ ،‬زياد ًة على ذلك‪ ،‬من جهة أمّي‪،‬‬
‫ل نبيلٍ‪ ،‬بفضل إله سيلّلينا·‬ ‫إلى أص ٍ‬
‫فالجدّ الوّل لكلّ من أبويّ‪ ،‬كان إلهاً·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪687 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪688 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪758 :‬‬

‫غير أنني ل أطالبُ بالسلحة التي نراها أمامنا‬


‫لنّ أصلي من جهة أمّي أكثر نبالةً‬
‫من أصل أجاكس‪،‬‬
‫ي أبي بريئتان من أخيه·‬ ‫وليس لنّ يدَ ْ‬
‫قوّموا‪ ،‬في هذه المسألة‪ ،‬مزايانا‬
‫ل يُعدّ بين صفات أجاكس‬ ‫شريطةَ أ ّ‬
‫ن تيلمون وبيليوس كانا أخوين‪،‬‬ ‫أّ‬
‫وألّ يؤخذ بالحسبان نظامُ القرابة‪،‬‬
‫بل ألقُ الجدارة·‬
‫أو إذا كان هناك بحثٌ عن قرابة الدّم‬
‫وعن الوارثين من الدّرجة الولى‪،‬‬
‫فهناك بيليوس والد آشيل‪،‬‬
‫وهناك بيرّوس (‪ )Pyrrhus‬ابنه‪،‬‬
‫فأيّة درجةٍ يشغلها أجاكس ؟‬
‫يجب أن تُعطى هذه السلحة إلى ْفتِيا (‪)Phthia‬‬
‫أو إلى سكيروس (‪Scyros(· 9‬‬
‫ن توسير (‪)Teucer‬‬ ‫ثم إ ّ‬
‫هو ابن عمّ آشيل‪ ،‬كمثل منافسي‪،‬‬
‫فهل يطالب بهذا الرث‪،‬‬
‫ب به ؟‬
‫وهل يحصل عليه إنْ طال َ‬
‫هكذا‪ ،‬ما دام النّقاش يدور حصراً‬
‫حول أعمالنا‪ ،‬فإنّ أعمالي كثيرة جدّا‬
‫ي أن أعدّدها بسهولةٍ‬ ‫بحيث يتعذّر عل ّ‬
‫كلّها‪ ،‬في هذا الخطاب·‬
‫غير أنني سأتّخذ الوقائعَ في تسَلسُلها‪ ،‬دليلً لي·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 9‬سيروس هي الجزيرة التي نشأ فيها بيرّوس ابن آشيل·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪688 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪689 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪759 :‬‬

‫كانت ربّة البحر‪ ،‬والدة آشيل‪،‬‬


‫تعرفُ مسبقاً بالموتِ الذي يُكنّه المستقبل‬
‫لبنها‪ ،‬لذلك موّهته‪ ،‬وخُدعَ الجميعُ‪،‬‬
‫وبينهم أجاكس‪ ،‬بمظهرِ الثوب الذي كان يرتديه·‬
‫ت أنا‪ ،‬بين سِلعٍ خاصّة بالنّساء‪،‬‬ ‫آنذاك‪ ،‬أدخل ُ‬
‫أسلحةً مصنوع ًة ليقاظ الغرائز الذّكوريّة·‬
‫لم يكن البطل بعد قد طرحَ الثّياب النّسويّة‬
‫التي يرتديها‪ ،‬عندما كان يُمسك بين يديه‬
‫ل له‪:‬‬ ‫تُرساً وحربةً‪ ،‬وكنتُ أقو ُ‬
‫"لكَ أنتَ يا ابنَ اللهة‪،‬‬
‫تحتفظ طروادة بشرفِ سقوطِها‪،‬‬
‫فماذا تنتظر لكي تدمّر هذه المدينة ؟"‬
‫ل هذا البطلَ‬‫ت يدي عليه‪ ،‬مُرسِ ً‬ ‫وضع ُ‬
‫إلى مهمّته البطوليّة·‬
‫مآثره هي كذلك من صُنعي·‬
‫وأنا من تغلّب رمحه على تيليفوس (‪)Téléphus‬‬
‫في ميدان المعركة‪،‬‬
‫وأنا من سم َع توسّلته‪،‬‬
‫وأعدْتُ إليه الحياة·‬
‫ل منّي·‬
‫وإذا كانت طيبة سقطت‪ ،‬فذلك بفض ٍ‬
‫وثقوا أنني أنا من استولى على ليسبوس‪،‬‬
‫وتينيدوس (‪)Ténédos‬‬
‫وعلى كريزي (‪ )Chrysé‬وسيللّ (‪، )Cilla‬‬
‫مدنِ أبوللون‪ ،‬وعلى سكيروس (‪ )Scyros‬كذلك·‬
‫ن يديَ هي التي زلزلت أسوار ليرنيسوس (‪)Lyrnèsus‬‬ ‫وتأكّدوا أ ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪689 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪690 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪760 :‬‬

‫وطوّحت بها إلى الرض·‬


‫أعطيتكم على القلّ‪ ،‬لكيل أسمّي محاربين آخرين‪،‬‬
‫ذلك الذي كان في مقدوره وحده‬
‫أن يقضيَ على هكتور الرّهيب‪،‬‬
‫ع هكتور الذّائع الصّيت·‬
‫فبفضلي أنا صُر َ‬
‫إنني أطلبُ أسلحة آشيل‬
‫ثمناً للسلحة التي سمحت باكتشافه·‬
‫أعطيته‪ ،‬في أثناء حياته‪ ،‬السلحة الثانية‪،‬‬
‫والن بعد موته‪ ،‬أطالبُ بالسلحة الخرى·‬

‫عندما عرف اليونانيون جميعاً بالعار الذي لحقَ أحدهم‪10 ،‬‬


‫وملت ألفُ سفينةٍ مرفأ أوليس‪،‬‬
‫ولم تكن الرّياح التي طال انتظارها تهبّ‪،‬‬
‫أو كانت تعاكس أسطولنا‪،‬‬
‫آنذاك أمرَ عرّاف عنيفٌ أجاممنون‬
‫أن يُقدّم ابنته البريئةَ ضحيّة‬
‫إلى ديانا اللهة القاسية القلب·‬
‫رفضَت أبوّته ذلك‪ ،‬متمرّدا على اللهة أنفسهم‪،‬‬
‫فثمّة أبٌ في قلب هذا الملك·‬
‫وأنا من وجد الكلمات التي تهدّئ قلبه البويّ‬
‫وهديته للتّفكير بالخير العام·‬
‫نعم أعترف‪ ،‬اليوم‪ ،‬وليغفرْ لي ابنُ آتريوس ‪11‬‬
‫تقديراً لهذا العتراف‪ ،‬أنني ربحت هنا‬
‫ض مُنحاز·‬ ‫قضيّة صعب ًة أمام قا ٍ‬
‫ن مصلحة الشّعب‪ ،‬وشرفَ أخيه‪،‬‬ ‫إلّ أ ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬المقصود هو مينيلس زوج هيلنة التي كانت السّبب في حرب طروادة·‬


‫‪ 11‬ابن آتريوس هو أجاممنون الذي يعرض يوليس حججه أمامه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪690 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪691 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪761 :‬‬

‫والسّلطة العليا المفوّضة إليه‪،‬‬


‫أقنعتْهُ بأن يدفع من دمه ثمناً لمجده·‬
‫بُعثتُ كذلك لرؤية المّ‪12 ،‬‬
‫ل لكي أقنعها‪،‬‬
‫بل لكي أخدعها ببعضِ ال َمكْر·‬
‫ن ابن تيلمون ذهبَ محلّي‬ ‫ولو أ ّ‬
‫لكانت سفننا حتى اليوم‬
‫تنتظر الرّياح الملئمة·‬
‫بُعثت كذلك‪ ،‬من أجل محادثاتٍ جريئة‪،‬‬
‫إلى أسوار إيليون (‪Ilion(· 13‬‬
‫رأيتُ في قلعة طروادة‪،‬‬
‫مجلسَ الشّيوخ مجتمعاً‪ ،‬ودخلتُ إليه·‬
‫كان ل يزال مليئًا بالبطال‪،‬‬
‫وقد دافعتُ‪ ،‬دون هلعٍ‪ ،‬باسمِ الجميع‬
‫عن القضيّة التي عهدت بها اليونان إليّ·‬
‫اتّهمت بّاريس‪ ،‬وطالبتُ بإعادة هيلين‪،‬‬
‫وبالكنوز التي سرقها·‬
‫أثّرت في نفس بريام‪ ،‬وفي نفس آنتينور (‪Anténor( 14‬‬
‫الذي كان يُشاطره الرّأي·‬
‫ف هيلين‪،‬‬‫وأولئك المتواطئينَ معهم في خط ِ‬
‫شقّ عليهم أن يسيطروا على أيديهم المجرمة‪،‬‬
‫كما تعلم يا مينيلس‪،‬‬
‫وكان ذلك اليوم الوّل‬
‫الذي أواجه فيه الخط َر معك·‬
‫ت كثيرٌ لكي أعدّد‬ ‫يلزمني وق ٌ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 12‬هي كليتيمنيستر (‪· )Clytemnestre‬‬


‫‪ 13‬اسمٌ آخر لطروادة·‬
‫‪ 14‬هو رفيق بريام·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪691 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪692 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪762 :‬‬

‫جميعَ الخدمات التي قدّمتها لكم‬


‫بنصائحي الحكيمة‪،‬‬
‫وبأسلحتي في هذه الحربِ الطويلة·‬
‫بعد المعارك الولى‬
‫بقي العداء طويلً محبوسينَ وراء أسوار المدينة‪،‬‬
‫ولم يعد لدينا أيّ إمكانٍ‬
‫ض مكشوفة·‬ ‫للقتال في أر ٍ‬
‫ولم نستأنف القتال أخيراً‬
‫ل بعد عشر سنوات‪،‬‬ ‫إّ‬
‫فماذا فعلتَ في هذه المدّة‪ ،‬أنتَ‬
‫من ل يعرف شيئاً إلّ القتال ؟‬
‫وماذا قدّمت ؟‬
‫أمّا أنا‪ ،‬إذا أردتَ أن تعرفَ ماذا فعلت‪،‬‬
‫ن للعدوّ‪،‬‬ ‫ت أنصبُ الكمائ َ‬ ‫فقد كن ُ‬
‫طمْئن حُلفاءنا‬ ‫وأحصّنُ خنا ِدقَنا‪ ،‬وأ َ‬
‫حاضّا إيّاهم على أن يتحمّلوا بهدوءٍ‬
‫هُمومَ حربٍ طويلة‪،‬‬
‫وأعلّمهم طرقَ التموّن‪ ،‬والتّسلّح‪،‬‬
‫ت أبعَثُ للقيا ِم بالمهمّات‬ ‫وكن ُ‬
‫التي تقتضيها حاجاتنا·‬

‫ثمّ ها هو ملكُنا‪ ،‬مخدوعاً بحلمٍ رآه‪،‬‬


‫ونزولً عند نصيحة الله جوبيتر‪،‬‬
‫يأمرنا بأن نكفّ عن الحرب التي بدأناها‪،‬‬
‫مسوّغاً أمره بسلطة من ألهمه·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪692 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪693 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪763 :‬‬

‫كان مُفترضًا أن يُعارضَ أجاكس هذا المر‪،‬‬


‫مُطالبًا بتدمير طروادة‪ ،‬مُواصلً القتال‬
‫الذي يقدر عليه·‬
‫لماذا‪ ،‬إذن‪ ،‬لم يوقف اليونانيين‬
‫الذين كانوا يتهيّأون للرّحيل ؟‬
‫لماذا لم يُحارب ؟‬
‫لماذا لم يقدّم أمثولةً‪،‬‬
‫يقتدي بها الجمهور الحائر ؟‬
‫لم يكن ذلك فوق طاقة هذا البطل‪،‬‬
‫الذي لم يعرف فمه أبداً غير التّبجّح·‬
‫ب هو كذلك·‬ ‫ماذا أقول ؟ لقد هر َ‬
‫نعم‪ ،‬رأي ُتكَ وخجِلتُ من أجِلكَ‪،‬‬
‫ك تُديرُ ظه َركَ للعدوّ‪ ،‬وتهيّء‬ ‫رأيتُ َ‬
‫خزْيٍ أشرعتَك·‬ ‫بِ‬
‫وفي الحال صرختُ‪:‬‬
‫"ماذا تفعلون‪ ،‬ما هذا الجنونُ‬
‫الذي يحرّككم‪ ،‬يا رفقائي‪،‬‬
‫لتركِ طروادة التي هي في قبضتنا ؟‬
‫ماذا تأخذون معكم إلى بيوتكم‪،‬‬
‫بعد عشر سنواتٍ‪ ،‬إلّ الخزْي ؟"‬
‫بهذه الكلمات‪ ،‬وبغيرها من النّوع نفسِه‪،‬‬
‫أعدْتُ الفارّين من السطول الذي يتهيّأ للرّحيل‬
‫بهؤلء الذين أداروا ظهورهم لطروادة·‬
‫استدْعى ابن آتريوس حلفاءه‬
‫الذين شلّهم الذّعر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪693 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪694 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪764 :‬‬

‫وحتّى في هذه اللّحظة لم يجرؤ‬


‫ح فمه·‬‫ن تيلمون أن يفت َ‬ ‫اب ُ‬
‫ن تيرسيتيس (‪Thersites( 15‬‬ ‫غير أ ّ‬
‫تشجّع فعلً وأطلقَ ضدّ الملوك‬
‫عباراتٍ وقحةً لم تمرّ‪ ،‬دون عقاب‪،‬‬
‫والفضل في ذلك لي·‬
‫هكذا نهضتُ‪ ،‬مُحَرّضاً مواطنينا القلقين‪،‬‬
‫على مُهاجمة العدوّ‪،‬‬
‫وأعادَ لهم صوتيَ‬
‫الشّجاعة التي فقدوها·‬
‫وهم‪ ،‬منذ تلك اللحظة‪ ،‬مَدينون لي‪ ،‬بالشّجاعة‬
‫التي بدا هذا الذي ترونه‪ ،‬أنّه ُيبْرزها‪،‬‬
‫ذلك أنّني كنتُ أعيده‪ ،‬عندما كان يهرب·‬
‫أخيراً‪ ،‬أين بين اليونانيّين‪،‬‬
‫من يمتدحك‪ ،‬أو من يريد عونَك ؟‬
‫ن ديوميد‬‫أمّا أنا فإ ّ‬
‫يُشركني في كلّ ما يفعل·‬
‫يعترف بقيمتي‪،‬‬
‫ل مطمئنّا‪،‬‬‫وهو يظ ّ‬
‫عندما يُرافقه يوليس·‬
‫وإنّه لشيءٌ مه ّم أن تكون الوحيدَ‬
‫الذي يختارك ديوميد‪،‬‬
‫ف اليونانيين·‬
‫بين آل ِ‬
‫هكذا‪ ،‬ولم أكن مختاراً‬
‫من القدر للغزْو‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 15‬كان تيرسيتيس ممن شجّع اليونانيين على تركِ طروادة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪694 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪695 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪765 :‬‬

‫مضيْتُ‪ ،‬على الرّغم من الخطار‬


‫التي كان الليلُ والعد ّو يُحيطانني بها‪،‬‬
‫وكانت لديّ الشّجاعة لمواجهة دولون الطّرواديّ‬
‫الذي كانت تحرّكه شجاع ٌة كشجاعتنا‬
‫وقتلته‪ ،‬ليس دون إجباره قبل ذلك‬
‫على الفصاح عن جميع ما يعرفه‬
‫عمّا تهيّء طروادة الغادرة·‬
‫كنتُ أعرفُ كلّ شيء‪،‬‬
‫ث عنه‪،‬‬
‫ولم يبقَ لديّ ما أبح ُ‬
‫وصرتُ قادراً أن أعودَ أدراجي‪،‬‬
‫ومعي النّصر الذي وعدْتُ به نفسي·‬
‫غير أنني لم أتوقّف عند هذه المأثرة‪،‬‬
‫بل مضيتُ إلى خيام ريزوس (‪)Rhésus‬‬
‫وقتلته في معسكرٍ هو ورفقاؤه·‬
‫هكذا‪ ،‬بعد أن انتصرت‪ ،‬محقّقا أمنياتي‪،‬‬
‫عدتُ‪ ،‬راكباً العربة التي أخذتها منه‪،‬‬
‫بأبّهة العائد المظفّر·‬
‫والن أ ْنكِروا عليّ أسلحة آشيل‬
‫الذي كانت أحصنته الثمن الذي طلبه‬
‫العدوّ لغزوته اللّيليّة·‬
‫وفي هذه الحالة‪،‬‬
‫سيكون أجاكس‪ ،‬في تعامله معي‬
‫أكثر شهامةً منكم·‬

‫هل أذكّر بكتائبِ ساربيدون (‪ )Sarpédon‬اللّيسيّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪695 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪696 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪766 :‬‬

‫التي اسْتأصلها سيفي ؟‬


‫ل من الدّم‪،‬‬
‫فقد صرعتُ‪ ،‬في سي ٍ‬
‫كايناروس (‪ ,)Caenaros‬ابن إيفيتوس (‪,)Iphilus‬‬
‫وآلستور (‪ ,)Alastor‬وكروميوس (‪,)Chromius‬‬
‫وآلكاندر (‪ ، )Alcandre‬وهاليوس (‪، )Halius‬‬
‫ونويمون (‪ ,)Noémon‬وبريتانيس (‪,)Prytanis‬‬
‫وقتلتُ شيرسيداماس (‪,)Chersidamas‬‬
‫وتون (‪ ,)Thoon‬وشاروبس (‪,)Charops‬‬
‫وإينّوموس (‪ )Ennomos‬الذي كان‬
‫يجرّه قدَ ٌر ل يرحم‪،‬‬
‫وآخرين أقلّ شهرةً سقطوا تحت ضرباتي‪،‬‬
‫عند أسوار المدينة· ‪16‬‬
‫أنا كذلك‪ ،‬أيّها المواطنون‪،‬‬
‫ل منها أمكنتها‬‫أحملُ جراحاً تجع ُ‬
‫جراحًا مجيدة·‬
‫ول تصدّقوني بناءً على الكلم وحده‪،‬‬
‫هي ذي‪ ،‬انظروا‪،‬‬
‫ح بيده رداءه‪ ،‬ثمّ يستأنف‪ ،‬قائلً)‪:‬‬ ‫(يُزي ُ‬
‫هوذا الصّدر الذي خاطر بنفسه‬
‫دائمًا من أجل قضيّتكم·‬
‫على العكس‪ ،‬لم يسكب ابن تيلمون‬
‫طوال سنواتٍ عديدة‬
‫من أجل رفقائه في السّلح‪،‬‬
‫قطرةً واحدة من دمه‪:‬‬
‫فليس في جسمه جرحٌ واحدٌ!‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 16‬ساربيدون قائد ليسيّ كان يُحارب إلى جانب الطّرواديين· قتل ابنَ هرَقل‪ ،‬تليبوليموس (‪ )Tlépolèmus‬الذي‬
‫تسلّح بأسلحة آشيل‪ ،‬وردّ الطّرواديين عن السطول اليونانيّ·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪696 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪697 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪767 :‬‬

‫وماذا يُجدي قوله إنّه حملَ السّلح‬


‫لكي يُدافعَ عن أسطول اليونانيين‬
‫ضدّ الطّرواديين‪ ،‬وضدّ الله جوبيتر ؟‬
‫ف أنّه حملها‪،‬‬
‫أعتر ُ‬
‫فليس من عادتي أن أنتقصَ‬
‫بنيّة اليذاء‪ ،‬العمالَ الجديرة بالثّناء·‬
‫لكن‪ ،‬ليتوقّف عن أن ينسبَ إليه وحده‬
‫مزايا تخصّ الجميع‪،‬‬
‫طكُم أنتم كذلك حقّكم من هذا الشّرف·‬ ‫و ْليُعْ ِ‬
‫إنّ حفيد آكتور (‪ )Actor‬هو الذي صدّ الطّرواديين‪،‬‬
‫مُتقنّعاً بمظهر آشيل‪،‬‬
‫وأبعدهم عن سُفننا التي كانت على‬
‫ي ومن يُدافع عنها·‬ ‫شكِ أن تحترق‪ ،‬ه َ‬ ‫َو َ‬
‫ويتوهّم أجاكس بأنّه هو وحده‬
‫الذي تجرّأ على أن يعرّض‬
‫نفسه لسهامِ هكتور·‬
‫وهو في ذلك‪ ،‬ينسى مَِلكَنا‪ ،‬وقوّادنا‪ ،‬وأنا نفسي·‬
‫وينسى أنّه كان المرشّح التاسعَ‬
‫للقيام بهذا الواجب‪،‬‬
‫ولم يتم اختياره إلّ بفضلِ القدر·‬
‫مع ذلك‪ ،‬ماذا كانت‪ ،‬يا شُجاعَ الشّجعان‪،‬‬
‫نتيجةُ لقائك معه ؟‬
‫لقد خرج منه هيكتور دون أن تُصيبه بجرحٍ واحد·‬
‫آه‪ ،‬ما أشقاني! ما أشدّ اللمَ‬
‫الذي تبعثُه فيّ ذكرى اليوم‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪697 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪698 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪768 :‬‬

‫الذي سقط فيه َمعْقِلُ اليونانِ‪ ،‬آشيل!‬


‫لم تمنعني لحظةً واحدةً‪،‬‬
‫ل الدّموع ول الغمّ‪ ،‬ول الخوف‪،‬‬
‫منْ رفعِ جسمِه المطروح في الغبار‬
‫وإعادته إليكم·‬
‫وهاتان هما‪ ،‬نعم‪ ،‬هاتان هما الكتفان‬
‫ت عليهما جسم آشيل‬ ‫اللّتان حمل ُ‬
‫وأسلحته في الوقت نفسه‪ ،‬هذه السلحة‬
‫حمْلها ثانيةً·‬
‫التي أجهد الن كذلك في َ‬
‫حمْل‪،‬‬‫عندي القوّة التي يقتضيها مثل هذا ال ِ‬
‫ولي قلبٌ قادرٌ‪ ،‬ل تشكّوا في ذلك‪،‬‬
‫على الشّعور بقيمة الشّرف‬
‫الذي ستمنحونني إيّاه·‬
‫ماذا إذن ؟‬
‫تُراها‪ ،‬اللهة اللّزورديّة‪ ،‬أمّه‪،‬‬
‫لم تلتمسْ‪ ،‬إكرامًا لبنها‪ ،‬هذه الهديّة السّماويّة‪،‬‬
‫ن مدهشٌ‪ ،‬هذه السلحة‪،‬‬ ‫هذا الصّنيع الذي أنجزه ف ّ‬
‫إلّ لكي ترى جنديّا فظّا‪ ،‬مجرّدا من الذكاء‪،‬‬
‫يحملُها اليوم ؟‬
‫فهو عاجزٌ عن التعرّف على الصّور‬
‫المنقوشة على التّرسِ ـ‬
‫المحيطِ‪ ،‬الرض‪ ،‬الكواكب في أعالي السّماء‪،‬‬
‫الثّريّا‪ ،‬القِلصِ‪ ،‬كوكب الدّبّ الذي ل يغوص‬
‫في البحر أبداً‪ ،‬والمدينتين المتقابلتين‪،‬‬
‫وسيف أوريون (‪ )Orion‬المتللئ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪698 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪699 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪769 :‬‬

‫يريدُ أن يتملّك أسلحةً‬


‫ل يفهمُ منها شيئاً·‬
‫ب مُضنية‬
‫وعندما يتّهمني بأنني تملّصت من واجبات حر ٍ‬
‫ولم أشارك إلّ متأخّرا‪،‬‬
‫في العملِ الذي كان قد ابتدأ‪،‬‬
‫أفل يتنبّه إلى أنّه يُهينُ آشيل الشّريف ؟‬
‫إذا كانت الخدع ُة تُسمّى جريمة‪،‬‬
‫فهو وأنا آثمان·‬
‫وإذا كان التّأخّر غلطةً‪،‬‬
‫فقد وصلتُ إلى هنا قبله·‬
‫س ُتبْقينا ـ أنا من زوجتي العذبة‪،‬‬ ‫لقد ا ْ‬
‫وآشيل من أمّه الحنون·‬
‫فلهما خصّصنا اليّام الولى من الحرب‪،‬‬
‫لكن كانت اليّام الباقية كلّها لكم·‬
‫ف تُهمةً مشتركةً بيني‬ ‫ل أخا ُ‬
‫وبين مثل هذا البطل‪،‬‬
‫ت ل أقدرُ اليومَ على التّبرّؤ منها·‬ ‫إن كن ُ‬
‫ولئن كان آشيل‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬قد عُرفَ‪،‬‬
‫حذْقِ يوليس‪،‬‬ ‫ل من ِ‬ ‫فهذا تمّ بفض ٍ‬
‫حذْقِ أجاكس!‬
‫ولم يُعرف يوليس أبداً بفضلِ ِ‬
‫ل يجوز أن تُفاجئنا الشّتائم‬
‫التي يغمرني بها لسانه الغبيّ‪،‬‬
‫ذلك أنّه يأخذ عليكم أنتم كذلك‬
‫عيوبًا كثيرة·‬
‫ولئن كان عاراً عليّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪699 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪700 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪770 :‬‬

‫أنّني اتّهمت خطًأ بالميديس (‪، )Palamedes‬‬


‫فهل يكون شرفاً لكم‪ ،‬أنّكم أدنْتُموه ؟‬
‫ن بالميديس‬ ‫غير أ ّ‬
‫لم يقدر أبداً أن يتبرّأ من جريمةٍبمثلِ هذه الشّناعة وهذا الوضوح‪،‬‬
‫وليسَ القيلُ والقالُ‬
‫هو الذي عرّفكم بخيانته·‬
‫لقد رأيتموها‪ ،‬وكان دليلُ الجريمة أما َم أعينكم·‬
‫ولئن كان ابن بوياس(‪)Poias‬‬
‫احتُجزَ في جزيرة ليمنوس‪ ،‬العزيزة على فولكان (‪، )Vulcain‬‬
‫فأنا بري ٌء من ذلك·‬
‫دافعوا عمّا فعلتم‪،‬‬
‫ذلك أنّكم أجمعتم على فعلِه·‬
‫لن أنك َر أنني نصحته بأن يتخلّص‬
‫ب ومن السّفر‪،‬‬ ‫من متاعبِ الحر ِ‬
‫وأن يبحث في الرّاحة عن الوسيلة‬
‫التي تضع حدّا للمه القاسية·‬
‫ولقد أصغى إليّ وها هو ل يزال يعيش‪،‬‬
‫ولم تكن نصيحتي صادقةً وحسب‪،‬‬
‫وإنّما كانت صائب ًة كذلك‪،‬‬
‫لكن كان يكفيها أن تكونَ صادقةً·‬
‫وما دام العرّافون يُطالبون بابن بوياس‪،‬‬
‫ل تدمير طروادة‪ ،‬فل تُرسلوني إليه‪:‬‬ ‫لكي يُكم َ‬
‫ل منّي·‬‫ن تيلمون‪ ،‬بد ً‬ ‫خيرٌ أن يذهب اب ُ‬
‫فسيعرف ببلغته أن يُهدّئ هذا البطل‬
‫الذي يُضلّه المرضُ والغضب‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪700 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪701 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪771 :‬‬


‫أو سوف ترشده مهارته إلى خدْع ٍة لبيبةٍ‬
‫لنتشاله من عُزلتِه·‬
‫كلّ‪ ،‬سوف ترجعُ مياه سيمويس (‪)Simo)s‬‬
‫إلى ينابيعها‪ ،‬وتتعرّى ذروات إيدا‬
‫من ظللها‪ ،‬وتعدُ اليونان بنجدة طروادة‪،‬‬
‫قبلَ أن تقدّم براعة أجاكس الغبيّ‪،‬‬
‫خدمةً واحدةً إلى اليونانيين‪،‬‬
‫مُفترضاً أنّ غيرتي على مصالحكم قد انتهت·‬
‫أنت حرّ في أن تكره الحلفاءَ‪،‬‬
‫الملكَ وأنا نفسي‪ ،‬يا ابن بوياس‪،‬‬
‫يا فيلوكتيتيس الصّخريّ القلب‪،‬‬
‫ويُمكنك أن تلعنني‪ ،‬وتنذرَ رأسي‬
‫باستمرار إلى النتقام اللهيّ·‬
‫ج عذاباتكَ‪،‬‬ ‫يُمكنك أن تتمنّى‪ ،‬في أو ِ‬
‫ق دمي كلّه‬ ‫ظ بين يديكَ وأن تُري َ‬ ‫أن يرميني الح ّ‬
‫ع إرادتكَ‬ ‫وأكون طو َ‬
‫كما كنتَ طَ ْوعَ إرادتي‪،‬‬
‫ب إليك‪،‬‬ ‫لكن لن يحولَ شي ٌء دون أن أذه َ‬
‫وأقو َم بكلّ ما أستطيع‬
‫ك معي·‬ ‫لكي أعيد َ‬
‫وسوف أستحوذ على سهامك‬
‫ت مع هيلينوس (‪ ، )Hélénos‬العرّاف الدّاردانيّ‪،‬‬ ‫كما فعل ُ‬
‫وكما كشفتُ عن نبوءات اللهة وعن قدر طروادة‪،‬‬
‫ل مينيرفا الطّرواديّة‬ ‫ت تمثا َ‬‫وكما اختطف ُ‬
‫من أعماقِ هيكلها‪ ،‬في قلبِ العداء·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪701 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪702 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪772 :‬‬

‫ويُقارنُ أجاكس نفسه بي!‬


‫كلّ! لم تكن القدار لتُتيحَ لنا أن نأخذ طروادةَ‬
‫لو لم يكن هذا التّمثال في قبضتنا·‬
‫وأين كان آنذاك أجاكس الباسل ؟‬
‫وأين هي الخطب المتعجرفة لهذا البطل ؟‬
‫خفْتَ‪ ،‬ذلك اليوم‪ ،‬يا أجاكس ؟‬ ‫ولماذا إذن ِ‬
‫ولماذا كان يوليس هو الذي تجرّأ‬
‫فاجتاز خطوطَ الحرسِ‪ ،‬وخاطرَ‬
‫تحت جُنحِ الظّلم‬
‫واخترقَ‪ ،‬غير عابئٍ بالسّيوف المُريقة‪،‬‬
‫ل أسوار طروادة وحدها‪،‬‬
‫بل ذروة القلعة‪ ،‬كذلك‪،‬‬
‫وانتزع الله َة من هيكلها‪ ،‬وحملها إليكم‬
‫عبْرَ صفوف العدوّ ؟‬ ‫ِ‬
‫لو لم أنجح في ذلك‪ ،‬لكان عبثاً‬
‫أن يحم َل ابن تيلمون سبعة جلودٍ‬
‫من الثّيران على ذراعه اليُسرى·‬
‫في ذلك الليل‪،‬‬
‫حقّقت النتصار على طروادة·‬
‫فقد تغلّبت عليها‬
‫ت من النّصر أمرًا ممكناً·‬ ‫بعد أن جعل ُ‬
‫تعبس ؟ تتمتم‪":‬وماذا عن ديوميد ؟" يكفي هذا·‬
‫ن لبسالته حقّا في جز ٍء من النّصر المُنجزَ·‬ ‫نعم‪ ،‬إ ّ‬
‫ت كذلك‪ ،‬عندما كنت تدافع عن السطول الحليف‪،‬‬ ‫لكن أن َ‬
‫ل تُرسك‪ ،‬لم تكن وحيداً·‬ ‫حام ً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪702 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪703 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪773 :‬‬

‫كان لديكَ حش ٌد من رفقاء السّلح‪،‬‬


‫أمّا أنا فلم يكن لديّ إلّ رفيقٌ واحدٌ·‬
‫ولو لم يكن يعرف أنّ الشّجاع في الحرب‪،‬‬
‫ل قيمةً من الرّجل الذي حنّكته الخبرة‪،‬‬ ‫أق ّ‬
‫وأنّ البسالة دون كابحٍ‪،‬‬
‫ليست المعيا َر الفضلَ للمكافآت‪،‬‬
‫لكان هو نفسه سعى إليها·‬
‫ولكان سعى إليها كذلك أجاكس الخر‪18 ،‬‬
‫الكثر تواضعاً منكَ‪،‬‬
‫وأوريبيلوس (‪)Eurypylus‬‬
‫المِقدام‪،‬‬
‫وابن آندريمون الذائع الصّيت‪،‬‬
‫وإيدومينوس (‪ ، )Idoméneus‬مواطنه‪،‬‬
‫وميريونيس (‪)Mérionès‬‬
‫ومينيلس كذلك· ‪19‬‬
‫ذلك أنّ هؤلء محاربون شجعان‪،‬‬
‫ن الله مارس‪،‬‬ ‫ول يقلّون عنكَ في ف ّ‬
‫ومع ذلك أقرّوا في المجلس بتفوّقي·‬
‫ع مفيدة‪،‬‬‫لك في المعارك ذرا ٌ‬
‫ن فكرك يحتاج إلى قيادتي·‬ ‫لك ّ‬
‫لك أنتَ القوّة العمياء‪ ،‬ولي أنا هَمّ المستقبل·‬
‫تعرفُ أن تقاتل‪،‬‬
‫لكنّ ابن آتريوس يختار معيَ‬
‫ساعة القتال·‬
‫كلنا مُفيدٌ ـ أنتَ بجسمك وحده‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 18‬كان شخصان بالسم نفسه أوربيلوس‪ ،‬يُحاربان في طروادة مع اليونان‪ ،‬قائد تيسّالي‪ ،‬وملك كوس (‪ · )Cos‬ابن‬
‫أندريمون هو‪ :‬تواس (‪ )Thoas‬قائد وحدة إيوليّة· أندومينوس وميريونيس أميران كريتيّان·‬
‫‪ 19‬هياكنثا(‪ )Hyacinthe‬شابّ إسبارطيّ أحبّه أبوللون·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪703 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪704 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪774 :‬‬

‫وأنا بفطنتي·‬
‫بقدر ما يتفوّق دورُ ُربّان السّفينة على الجذّاف‪،‬‬
‫وبقدر ما هو القائد أعلى من الجنديّ‪،‬‬
‫فإنني أتفوّق عليك·‬
‫ول يكفي القولُ أنّ للقلب في جسم النسان أهميّة أكثرَ‬
‫من اليد‪ :‬فكلّ قوّتنا هي في القلب·‬
‫وأنتم‪ ،‬يا قادة اليونان‪ ،‬أعطوا الن‬
‫هذه السلحة إلى حارسكم اليَقِظ‪،‬‬
‫امنحوني هذا الشّرف مكافأةً‬
‫على خدماتي في هذه السّنوات العديدة‬
‫التي أمضيتها في القلق والهمّ·‬
‫ها هي مهمّتنا الجسيمة تصل إلى اكتمالها‪،‬‬
‫لقد تجنّبت العقبات التي كانت القدار‬
‫تضعها أمامنا‪ ،‬وسيطرتُ على قلعة‬
‫طروادة‪ ،‬مقدّماً لكم وسيلة هذه السّيطرة·‬
‫باس ِم المال المُشتركة بيننا جميعاً‬
‫من الن فصاعداً‪ ،‬وباسمِ أسوار‬
‫طروادة التي ستنهار‪،‬‬
‫وباسمِ اللهة التي انتزعتها من العدوّ‪،‬‬
‫باسمِ جميع ما تبقّى للعمل‬
‫ل حكمتنا‪،‬‬ ‫من أج ِ‬
‫وباسمِ كلّ ما يقتضي الجرأةَ والسّرعة‪،‬‬
‫تذكّروني‪ ،‬إن كنتم تعتقدون‬
‫أنّه لم يبقَ لطروادة من الحياة‬
‫إلّ وقتٌ قليل·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪704 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪705 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪775 :‬‬

‫وإذا لم تعطوني هذه السلحة‪،‬‬


‫فاعطوها إلى هذه اللهة‪"،‬‬
‫مُشيراً إلى تمثال مينيرفا‪ ،‬رمز القدَر·‬

‫موتُ أجاكس‬
‫تأثّر مجلسُ القياد َة تأثّراً عميقاً‪،‬‬
‫وشهد في هذه المناسبة لسلطة البلغة·‬
‫فقد كان خطيبًا ذلك الذي أخذ أسلحةَ المُحارب الباسل·‬
‫أمّا ذلك الذي قاوم هكتور‪،‬‬
‫وحده‪ ،‬مرارًا عديدةً‪،‬‬
‫وقاوم الحديدَ والنّار والله جوبيتر‪،‬‬
‫فلم يقدر أن يُقاو َم غضبه‪:‬‬
‫البطل الذي ل يُغلب‪،‬‬
‫غلبه غيظُه·‬
‫قال مُمسكاً بسيفه‪:‬‬
‫لي هذا السّيف‪ ،‬على القلّ·‬
‫فهل يطلبه كذلك يوليس ؟‬
‫عليّ أن أستخدمه ضدّ نفسي·‬
‫فهذا الحدّ الذي غُمسَ غالباً في دمِ الطّرواديين‪،‬‬
‫ف يُغمسُ اليوم في دمِ سيّده·‬ ‫سو َ‬
‫هكذا ل ينبغي أن يَغلبَ أجاكس‬
‫إلّ أجاكس·"‬
‫ثمّ غرز سيفه القاتل في المكان الجَروح‪،‬‬
‫ح من قبل·‬‫في صدره الذي لم يعرف الجرا َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪705 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪706 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪776 :‬‬


‫لم تكن في يديه القوّة لكي يسحبَ السّلح المستقرّ في الجرح·‬
‫الدّم نفسه أخرجه‬
‫والرض التي صبغها بالحمرة‬
‫ولّدت في وسط العشب الخضر‪،‬‬
‫تلك الزّهرة الرجوانيّة اللّون‪،‬‬
‫التي كانت تدين بولدتها سابقاً إلى جرح‬
‫ابن أوبالوس (‪: )Oebalus‬‬
‫زهرة الزّنبقة الياقوتيّة·‬
‫ف مشتركة بين الطّفل‬ ‫ثمّة حرو ٌ‬
‫والمحارب‪ ،‬مخطوطةٌ في قَ ْلبِ تويجاتها‪:‬‬
‫هي من الوّل اسمه‪،‬‬
‫ومن الثاني شكواه·‬

‫سقوط طروادة‬

‫أبح َر يوليس‪ ،‬بعد انتصاره‪ ،‬إلى ليمنوس (‪، )Lemnos‬‬


‫بلد الملكة هيبسيبيل (‪Hypsipyle( 20‬‬
‫وتواس (‪ ، )Thoas‬المشهور·‬
‫البلدُ التي شوّهت سمعتها مجزرةُ‬
‫الزواج الذين كانوا يسكنونها سابقاً·‬
‫كان يُريد أن يسترج َع منها سهام هرقل‪،‬‬
‫بطل تيرنْثا (‪· )Tirynthe‬‬
‫وعندما أعادها إلى اليونانيين‪ ،‬مع مالكيها‪،‬‬
‫وُضعَ الحدّ الخير لتلك الحرب الطّويلة·‬
‫في وقتٍ واحدٍ سقطت طروادة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 20‬هي ابنة تواس ملك ليمنوس· أوحت فينوس لزواج النّساء في ليمنوس أن يهجروهنّ‪ ،‬انتقامًا منهنّ لنّهنّ لم يكنّ‬
‫ن هيبسيبيلي أنقذت أباها من المجزرة· وفي ليمنوس بقي‬ ‫يمجّدنها كفايةً‪ ،‬فثارت النّساء وقرّرن قتْلَ أزواجهنّ· غير أ ّ‬
‫فيلوكتيتيس مع أسلحة هرقل·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪706 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪707 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪777 :‬‬

‫وسقط بريام·‬
‫فقدت التّاعسة زوج ُة بريام‬
‫شكلها النسانيّ‪ ،‬بعدَ أن فقدت‬
‫كلّ ما تبقّى‪،‬‬
‫وأخذت تُرعبُ بنباحها الجديد الفضاءَ‬
‫ضيّق‬‫فيما وراء بلدها‪ ،‬حتّى الممرّ ال ّ‬
‫الذي ينحص ُر فيه هيلّيسبونت (‪)Hellespont‬‬
‫على امتداده·‬
‫كانت طروادة تحترق‪،‬‬
‫ف بعد·‬‫ولم يكن عنف اللّهب قد خ ّ‬
‫ب الدّم القليلَ‬
‫وكان مذبح جوبيتر قد شر َ‬
‫ق بريام الشّيخ·‬ ‫الذي بقي في عرو ِ‬
‫وكانت كاهنة فوبوس‪ 21 ،‬تمدّ يديها‬
‫عبثاً نحو السّماء‪ ،‬فيما كانت تُجرّ من شعرها·‬
‫وكانت أمّهات العائلت الطّرواديّات‬
‫يعانقنَ‪ ،‬بقدر ما يسمح لهنّ الوقت‪،‬‬
‫تماثيلَ اللهة في بلدهنّ‪،‬‬
‫داخل الهياكل التي تحترق·‬
‫كان اليونانيون المنتصرون يجرّون هذه التّماثيل‬
‫غنائمَ يتنافسون عليها·‬
‫وقد تهاوى آستياناكس (‪Astyanax( 22‬‬
‫من أعلى البراج حيث كانت أمّه‬
‫ل من أجل‬ ‫تُريه غالباً أباه يُقات ُ‬
‫أن يُداف َع عنه‪ ،‬ويُنقذ مملكة أسلفهما·‬
‫ها هي الن ريح الشّمال تدعو إلى الرّحيل‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ل تُصدّق أبداً·‬
‫‪ 21‬هي كاسّاندر (‪ ، )Cassandre‬كاهنة أبوللّون (فوبوس)‪ ،‬المحكوم عليها بمعرفة المستقبل وأ ّ‬
‫أخرجها أجاكس بالقوّة من هيكل مينيرفا·‬
‫‪ 22‬هو ابن هكتور وأندروماك·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪707 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪708 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪778 :‬‬

‫وها هي الشرعة تصطفق في هبوب‬


‫الرّيح المؤاتية التي تحرّكها·‬
‫أعطى ال ّربّان المرَ لكي تُت َركَ‬
‫الشرعةُ إلى الرّيح·‬
‫وكانت الطّرواديّات يَصْرُخنَ‪:‬‬
‫"وداعاً طروادة!‬
‫إنّهم يقودوننا بعيدًا عنكِ·"‬
‫ت منازلَ‬ ‫ن يُقبّلن الرضَ‪ ،‬تاركا ٍ‬ ‫كّ‬
‫بلدهنّ‪ ،‬التي تحترق·‬
‫كانت هيكوبا (‪ ، )Hécube‬ويا للمشهد الكئيب‪،‬‬
‫آخر من صعد إلى السّفينة‪،‬‬
‫وقد عثروا عليها بين قبور أبنائها·‬
‫كانت تحضن بين ذراعيها قبورهم الفاجعة‪،‬‬
‫وتقبّل عظامهم‪،‬‬
‫عندما قادتها يدا يوليس· ‪23‬‬
‫وفي هذه الثناء‪ ،‬لم تُلملم‬
‫من الرض إلّ رمادَ هيكتور وحده‪،‬‬
‫وحملته معها في البراقع‬
‫التي تغطّي صدرَها‪،‬‬
‫تاركةً على قبر هيكتور‪ ،‬قُرباناً بائساً‪،‬‬
‫دموعاً وضفائر بيضاً من شعرها هي·‬

‫بوليكسينا وبوليدوروس (‪)Polyxena et Polydorus‬‬

‫ل فْريجية‪ ،‬حيث كانت طروادة‪،‬‬


‫تمتدّ‪ ،‬مُقاب َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 23‬كانت هيكوبا من نصيب يوليس‪ ،‬بين النساء السيرات·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪708 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪709 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪779 :‬‬

‫بلدُ تراقيا‪ ،‬وفيها ينهض القصر الباذخ‬


‫للملك بوليميستور (‪)Polymestor‬‬
‫الذي عَه َد إليه أبوك‪ ،‬يا بوليدوروس (‪)Polydoreus‬‬
‫بتربيتك سرّا‪ ،‬لكي يُبقيك بعيداً‬
‫ن من أخطار المعارك·‬ ‫عن فريجية‪ ،‬في مأم ٍ‬
‫كان ذلك احتياطاً حكيمًا منه‪،‬‬
‫لو أنّه لم يُرسل معك ثروةً ضخمةً‬
‫تحوّلت فأصبحت ثمناً لجريمةٍ‬
‫وإغراءً لنفسٍ جَشِعة·‬
‫فحالما غيّر حدثانُ الدّهر أحوال طروادة‪،‬‬
‫أمسك ملك تراسيا الشّرير‬
‫سيفاً وغرزه في عنقِ اليتيم القاصر·‬
‫وظنّا منه أنّ جريمته‬
‫ستختفي مع ضحيّته‪،‬‬
‫رمى الجثّة من أعلى صخرةٍ‬
‫في البحر الذي يتطاول قربها·‬
‫كانت سفن أجاممنون قد رست‬
‫على شاطئ تراسيا‪ ،‬تنتظر كي‬
‫يصبحَ البحرُ أكثر هدوءاً‪ ،‬والرّيح‬
‫أكثر مؤاتاةً·‬
‫فجأةً‪ ،‬يظهرُ آشيل من الرض المفتوحة رحبةً‪،‬‬
‫كبيراً كما كان في حياته‪،‬‬
‫ت مليئ ًة بالوعيد·‬
‫مُرسِلً نظرا ٍ‬
‫وكان لوجهه التّعبير ذاته الذي‬
‫كان له يوم هاجم أجاممنون‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪709 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪710 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪780 :‬‬

‫مدفوعاً بغضبٍ ظالمٍ·‬


‫قالَ‪ ،‬شاهرًا بيده سيفه‪:‬‬
‫"هكذا‪ ،‬أيّها اليونانيّون‪،‬‬
‫ترحلون دون أن تفكّروا فيّ ؟‬
‫أطُويَت‪ ،‬إذن‪ ،‬مع موتي‪ ،‬ذكرى‬
‫ل ما تَدينون به لبسالتي ؟‬‫كّ‬
‫قِفوا· ل تتركوا قبري دون تكريم‬
‫هدّئوا لشيل أرواحَ الموتى‬
‫وضحّوا بوليكسينا من أجلها·"‬
‫انتزعَ الحلفُ‪ ،‬إطاعةً لهذا الشّبح الفظّ‪،‬‬
‫من صدر أمّها‪،‬‬
‫تلك الوحيدة التي كانت ل تزال‬
‫تحيطها بالحنان·‬
‫واقتيدت هذه العذراء التّاعسة الحظّ‪،‬‬
‫التي تسمو بها شجاعتها فوق أنوثتها‪،‬‬
‫إلى قبر آشيل‪،‬‬
‫لكي تُذبحَ على هذا الضّريح المشؤوم·‬
‫غير أنّها لم تنسَ مقامها‪،‬‬
‫فعندما أخذت أمام المذبح الوحشيّ‪،‬‬
‫وأدركت أنّها ستكون ذبيحةَ‬
‫هذا القربان الغاشم الذي يُهيّأ‪،‬‬
‫ورأت نيوبوتوليما ‪)Néoptolème( 24‬واقفاً‪ ،‬والسّكين في يده‪،‬‬
‫قالت له‪ ،‬وعيناها تحدّقان في وجهه‪:‬‬
‫"عجّل· أرقْ دماً كريماً·‬
‫ل شيء يوق ُفكَ· اغرز سكّينك‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 24‬ابن آشيل‪ ،‬الذي لُقّب بيرّوس (‪· )Pyrrhus‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪710 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪711 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪781 :‬‬

‫في عنقيَ‪ ،‬أو في صدري·"‬


‫كاشفةً في آنٍ عن صدرها وعنقها·‬
‫"هل تفكّر حقّا‪ ،‬أنني أقبلُ‪ ،‬أنا بوليكسينا‪،‬‬
‫أن أكون عبدةً‪،‬‬
‫أو أنّكم ستهدّئون إلهًا بهذه التّضحية ؟‬
‫ل من أمّي‪،‬‬‫ي مجهو ً‬ ‫ت أتمنّى لو يظلّ موت َ‬ ‫لكن‪ ،‬كن ُ‬
‫ذلك أنّ تفكيري فيها يخضّني‬
‫ويُقلّل‪ ،‬بالنّسبة إليّ‪ ،‬فرحي بالموت·‬
‫مع أنّها يجب أن ترتعبَ من حياتها هي‪،‬‬
‫أكثر ممّا ترتعب من رؤية موتي·‬
‫وأنتم‪ ،‬ل أريد منكم إلّ أن تسمحوا لي‬
‫بالنّزول حرّة إلى أرواح الموتى‬
‫في العالم السفل·‬
‫فابتعدوا‪ ،‬إن كان هذا الطّلب عادلً‪،‬‬
‫ي ي ٌد منكم·‬
‫ول تلمسْ جسمي البتول ّ‬
‫أيّا كان هذا الذي تتهيّأون لتهدئته‬
‫بتضحيتي‪ ،‬فإنّ الدّم الح ّر سيكون أكثر إرضاءً له·‬
‫والن‪ ،‬إن كان بينكم من يمكن أن تؤثّر فيه كلماتي الخيرة‪،‬‬
‫فأصغوا إلى الرّجاء‬
‫الذي توجّهه إليكم‪ ،‬ل أسيرتكم‪،‬‬
‫بل ابنة الملك بريام‪:‬‬
‫سلّموا جسمي إلى أمّي‪،‬‬
‫دون مُطالب ٍة بفدية·‬
‫اسمحوا أن تدفع لكم‪ ،‬ل ذهباً‬
‫بل دموعاً‪ ،‬هي حقّها الحزين‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪711 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪712 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪782 :‬‬

‫في تهيئة قبر·‬


‫وكانت ستدفعه كذلك ذهباً‪،‬‬
‫يوم كانت في الماضي قادرةً·"‬
‫ف دمعةً واحدة‪،‬‬ ‫قالت ذلك‪ ،‬دون أن تذر َ‬
‫لكنّ الشّعب لم يقدر أن يحبسَ دموعه·‬
‫وفيما كان الكاهن يبكي‪ ،‬هو كذلك‪،‬‬
‫سكّين‪ ،‬كُرْهاً‪ ،‬في صدْر‬ ‫غرز ال ّ‬
‫منْ فتحته لطعناته·‬
‫التَوَتْ ساقا الفتاة‪ ،‬وانهارت على الرض‪،‬‬
‫غير أنّ وجهها احتفظ بتعبير البسالة‪،‬‬
‫إلى اللحظة الخيرة·‬
‫حتى آنذاكَ عُنيَتْ‪ ،‬وهي تسقط‪،‬‬
‫بتغطية أجزاء جسمها التي تريد أن تحجبها‬
‫عن العين‪ ،‬مُراعيةً اللّياقة التي‬
‫تفرضها الحِشْمةُ على امرأةٍ طاهرة·‬
‫ن يُحصينَ‬
‫أخذتها الطّرواديّات بين أذرعهنّ‪ ،‬فيما أخذ َ‬
‫أبناء بريام‪ ،‬الذين بك ْينَهم سابقاً‪،‬‬
‫والدّم الذي أريقَ من هذه العائلة‪ ،‬وحدها·‬
‫ن عليكِ‪ ،‬أيّتها الفتاة‪،‬‬‫ن ينتحب َ‬
‫إنّه ّ‬
‫ن يُسمّينك‬‫ت كذلك‪ ،‬يا من ك ّ‬ ‫وعليكِ أن ِ‬
‫فيما مضى‪ ،‬زوج َة ملكٍ‪ ،‬وأمّ أمراء‪،‬‬
‫وصورة آسيا النّضرة·‬
‫والتي لم تعد اليو َم بين السّلَبِ‪،‬‬
‫إلّ حصّة كئيب ًة ل يتمنّاها يوليس‬
‫المُنتصر لنفسه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪712 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪713 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪783 :‬‬

‫لو لم تكوني وََلدْتِ هكتور·‬


‫فهكتور هو الذي أوجد بصعوبةٍ لمّه سيّدا عليها!‬
‫حضنت المّ الجسمَ الذي خرجت منه‬
‫تلك الرّوح الشّجاعة‪،‬‬
‫وأعطت دموعَها لهذه الطّفلة‪،‬‬
‫مثلما أعطتها مرارًا عديدةً لوطنها‪،‬‬
‫ولبنائها‪ ،‬ولزوجها·‬
‫ح ابنتها‪،‬‬
‫ونثرت دموعَها على جرا ِ‬
‫مُقبّلةً شِفاهَ الجراح‪،‬‬
‫لطمةً صدرَها الذي أِلفَ اللّطم‪،‬‬
‫مُجفّفةً بشعرها البيض الدّم المتخثّر‪،‬‬
‫بعد نحيبٍ طويلٍ‪ ،‬ثمّ قالت فيما تُواصل‬
‫تمزيقَ صدرها‪:‬‬
‫ب أمّك الخير‬ ‫"يا ابنتي‪ ،‬يا عذا َ‬
‫(إذ ما العذابُ الذي بقي لكي أعرفه ؟)‪،‬‬
‫ها أنتِ‪ ،‬إذن‪ ،‬ميّتة!‬
‫حكِ الذي هو جرحي·‬ ‫وأرى جر َ‬
‫ها أنتِ‪ ،‬ولم أكن أقدر أن أفقد‬
‫ت عنيفٍ‪،‬‬ ‫أيّا من أبنائي‪ ،‬إلّ بمو ٍ‬
‫تموتين بعنفٍ كذلك·‬
‫ن أنّك‪ ،‬على القلّ‪ ،‬بوصفك امرأةً‪،‬‬ ‫كنتُ أظ ّ‬
‫ستكونين في منجى من القتل بالسّيف·‬
‫ت تموتين بالسّيف‪ ،‬مع أنّك امراة·‬ ‫وها أن ِ‬
‫هذا الذي قتلك‪ ،‬وقتل اخوتكِ جميعاً‪،‬‬
‫هو الرّجل نفسه‪ ،‬آشيل‪ ،‬آفةُ طروادة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪713 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪714 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪784 :‬‬

‫ومُسبّبُ فواجعي كلّها·‬


‫عندما تهاوى تحت سهام بّاريس‬
‫وفيبوس‪ ،‬قلتُ في نفسي‪:‬‬
‫الن أخيراً‪ ،‬ل خوفَ من آشيل‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬ها هو ل يزال يُخيفني·‬
‫فمنذ أن قُبرَ‪،‬‬
‫يُلحقُ رماده عائلتَنا·‬
‫وقد شعرت‪ ،‬من قبره‪ ،‬بآثار عداوته‪:‬‬
‫كنتُ وَلوداً لحفيد إياكوس·‬
‫ُهدّمتْ طروادة العظيمة‪،‬‬
‫وانتهت المصائب العامّة بكارثةٍ مُرعبة‪،‬‬
‫غير أنّها انتهت·‬
‫ل تزال طروادة حيّة بالنّسبة إليّ وحدي‪،‬‬
‫ول يزالُ عذابي يُتابعُ مجراه‪،‬‬
‫كنتُ فيما مضى‪ ،‬في ذروة العظَمة‪،‬‬
‫قويّة بأصهاري وأبنائي العديدين‪،‬‬
‫بزوجاتِ أبنائي وبزوجي‪،‬‬
‫والن أجَرّ إلى المنفى‪ ،‬محروم ًة من كلّ شيءٍ‪،‬‬
‫مُبعَدَ ًة عن قُبور أهلي‪،‬‬
‫لكي أقدّم هديّة إلى بينيلوبّ (‪· )Pénélope‬‬
‫ل كبّة الصّوف‬ ‫وعندما سأغز ُ‬
‫التي ستعهدُ بها إليّ‪،‬‬
‫ستعرضني على نساء إيتاكا‪ ،‬قائل ًة لهنّ‪:‬‬
‫"هذه هي أ ّم هكتور الذائعة الصّيت‪،‬‬
‫هذه هي زوجة بريام·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪714 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪715 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪785 :‬‬

‫ك الذين فقدتهم‪،‬‬‫بعد جميع أولئ َ‬


‫تقدّمين اليومَ‪ ،‬أنتِ التي كنتِ وحدك‬
‫تُلطّفين عذابي الموميّ‪،‬‬
‫قُربانَ اسْتغفار على قبْر عدوّنا‪،‬‬
‫فلقد أنجبتُ أضحيةً لرواحِ موتاه·‬
‫ي قدر نجا جسمي من الحديد ؟‬ ‫ل ّ‬
‫لماذا يطولُ بقائي ؟‬
‫ليّ مصيرٍ‪ ،‬تحتفظين بي أيّتها الشّيخوخة‬
‫التي أثقلتها السّنون ؟‬
‫س َتبْقُونَ‬
‫لمَ‪ ،‬أيّها اللهة القُساة‪ ،‬ت ْ‬
‫هذه المرأة العجوز الصّلبة‪،‬‬
‫إن لم يكن لكي تشهدَ مآت َم جديدة ؟‬
‫ن من الممكن أن‬ ‫من كان يعتقد أ ّ‬
‫يُسمّى بريام رجلً سعيداً‪ ،‬بعد تهديم طروادة ؟‬
‫نعم‪ ،‬هو سعيدٌ بموته‪،‬‬
‫فهو ل يرى‪ ،‬يا ابنتي‪ ،‬جثّتك الهامدة‬
‫وتركَ في الوقتِ نفسه‪ ،‬الحياة والعرش·‬
‫ت ابنةُ ملكٍ‪،‬‬ ‫ربّما‪ ،‬على القلّ‪ ،‬وأن ِ‬
‫سيُقامُ لكِ احتفالٌ مأتميّ‬
‫ف يُدفنُ جسمكِ في مقابر أسلفك·‬ ‫وسو َ‬
‫ق من أجل بيتنا·‬ ‫كلّ‪ ،‬فهذا الحظّ لم يُخل ْ‬
‫ستكونُ قرباناً لكِ‪،‬‬
‫دموعُ أمّك وحفنةٌ من رملٍ غريب·‬
‫لقد فقدتُ كلّ شيء‪،‬‬
‫ولم يبقَ لي لكي أقنِعَ نفسي بفكرة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪715 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪716 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪786 :‬‬


‫البقاء حيّة بعض الوقت‪،‬‬
‫ل ابنٌ عزيزٌ جدّا على قلبي الموميّ‪،‬‬ ‫إّ‬
‫وهو اليوم ابني الوحيد‪ ،‬الصغر سابقاً‬
‫بين إخوته جميعاً‪ ،‬بوليدوروس (‪)Polydorus‬‬
‫الذي كان قد أرسل إلى هذه الشواطئ‪،‬‬
‫إلى ملك تراسيا·‬
‫لكن لماذا هذا التّأخّر في غسْلِ‬
‫هذا الجرح الغاشم بالماء النّقيّ‪،‬‬
‫وغسل هذا الوجه الذي لطّخته بالدّم‬
‫يدٌ متوحّشة ؟"‬

‫أنهت كلمها وسارت بخطو ٍة أبْطأتْها الشّيخوخة‪،‬‬


‫نحو الشّاطئ‪ ،‬مقتلعةً شعرَها البيض‪،‬‬
‫وفيما كانت تقول‪":‬أعطينني جرّة‪ ،‬أيّتها الطّرواديّات‪"،‬‬
‫ظ لخذ الماء النّقيّ‪،‬‬ ‫وتتهيّأ التّاعسة الح ّ‬
‫لمحت جسم بوليدوروس‪ ،‬مطروحاً على الشّاطئ‪،‬‬
‫بجراحه الواسعة التي تركتها فيه أسلحة الملك التّراسيّ·‬
‫صرخت الطّرواديّات عالياً‪،‬‬
‫أمّا هي فقد أخْرسَها اللم·‬
‫ذلك أنّ ألمها قضى في آنٍ‬
‫على صوتها وعلى الدّموع التي كانت‬
‫تتفجّر في عينيها·‬
‫بقيت جامد ًة كمثلِ صخرةٍ ص ْلدَة·‬
‫طورًا تحدّق في الرض أمامها‪،‬‬
‫وطورًا تتأمّل وجه ابنها الممدّد هامداً‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪716 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪717 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪787 :‬‬

‫أو جراحه ـ خصوصاً جراحه·‬


‫كانت تتسلّح بالغضب وتتزوّد به·‬
‫ل به قلبها‪ ،‬قرّرت‬ ‫وعندما اشتع َ‬
‫كما لو أنّها ل تزال ملكةً‪،‬‬
‫أن تُعاقبَ الجريمة·‬
‫ولقد اسْتغرقَها كّليّا شكل العقاب‪،‬‬
‫كمثلِ لبؤةٍ خُطفَ شبلها الذي ل تزال تُرضعه‪،‬‬
‫فاستسلمت إلى هيجانها‪ ،‬وعندما رأت آثار‬
‫عدوّها‪ ،‬أخذت تُطارده‪ ،‬دون أن تراه·‬
‫هكذا جمعت هيكوبا (‪ )Hécuba‬في نفسها‬
‫بين الغضب واليأس‪ ،‬ناسيةً‪ ،‬ل حقدَها‪ ،‬بل عمرَها‪،‬‬
‫وذهبت إلى بوليمستور (‪ ، )Polymestor‬ملك تراسيا‬
‫صانع هذه الجريمة النّكراء‪ ،‬طالب ًة أن تُحادثه·‬
‫قالت إنّها تُريد أن تُريه الذّهب‬
‫الذي بقي مخبوءاً‪ ،‬وينبغي أن تسلّمه‬
‫إلى ابنها·‬
‫ن منعزلٍ‪،‬‬‫صدّقها ملك تراسيا‪ ،‬وذهب إلى مكا ٍ‬
‫مدفوعاً بجشعهِ المألوف·‬
‫ت متملّق‪:‬‬ ‫قال لها الغادرُ بصو ٍ‬
‫"أسرعي‪ ،‬هيكوبا‪ ،‬وأعطيني‬
‫هذا الذّهب لبنكِ·‬
‫سلّم إليه‪،‬‬‫ل ما تعطينني إيّاه سيُ َ‬‫كّ‬
‫كما سُلّم ما أعطيتني إيّاه سابقاً·‬
‫أقسم على ذلك بآلهة السّماء·"‬
‫عندما سمعت هذا القسَم الكاذب‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪717 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪718 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪788 :‬‬

‫جتْهُ بنظرةٍ رهيبةٍ‪ ،‬وفا َ‬


‫ض‬ ‫حد َ‬
‫في قلبها الغضبُ الذي يغلي‪،‬‬
‫فأمسكت به‪ ،‬ونادت لمساعدتها‬
‫شدَ المّهات السيرات‪ ،‬وغرزت‬ ‫حَ ْ‬
‫يديها في عيني الخائن‪،‬‬
‫مُقتلع ًة إيّاهما من مَحْجريهما·‬
‫لقد حوّلها هذا الهيجان إلى مذنبة‪،‬‬
‫فجوّفت الجرحَ بيديها‪،،‬‬
‫وأخذت تحفر‪ ،‬ملطّخة بد ٍم مُجرمٍ‪،‬‬
‫ق منهما شيء‪،‬‬ ‫ل العينين اللّتين لم يب َ‬
‫بل المكان الذي كانتا تشغلنه·‬
‫ثار التّراسيّون لحال ملكهم‪،‬‬
‫فأخذوا يرمون الطّرواديّة بالسّهام والحجارة‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬ها هي بنخيرٍ أصمّ‪،‬‬
‫تُلحقُ بأسنانها الحجرَ الذي تُرمى به·‬
‫وأخذ يخرج من فمها الذي فتحته واسعاً‬
‫لكي تتكلّم‪ ،‬نُباحٌ على الرّغم منها·‬
‫حتى الن يُشارُ إلى المكان الذي‬
‫يدين باسْمه لهذه العجوبة‪:‬‬
‫واستمرّت هيكوبا‪ ،‬زمناً طويلً‪،‬‬
‫تُصدرُ‪ ،‬مملوء ًة بذكرى مصائبها القديمة‪ ،‬نباحًا مُفجعاً‬
‫يُدوّي في سهولِ تراقيا·‬
‫ولقد حرّكت نكبتها شعورَ الطّرواديين‪ ،‬مواطنيها‪،‬‬
‫واليونانيين‪ ،‬أعدائها‪ ،‬وحتى اللهة جميعاً·‬
‫نعم‪ ،‬جميعاً·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪718 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪719 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪789 :‬‬

‫ذلك أنّ زوجة جوبيتر‬


‫وأخته‪ ،‬اعترفت هي كذلك‪،‬‬
‫ق مثلَ هذا البلء·‬
‫ن هيكوبا لم تكن تستح ّ‬
‫أّ‬

‫ميمنون (‪)Memnon‬‬

‫لم يكن للهة الفجر‪ ،‬النّفحة الحرّة‬


‫لكي تبكي على أنقاض طروادة‪،‬‬
‫ومصائب هيكوبا‪ ،‬مع أنّها شجّعت السلحة نفسها·‬
‫ن أكثر حميميّة‪ ،‬حِدادٌ عائليّ‬ ‫كان يَغمرها حز ٌ‬
‫يضغطُ على القلب‪ ،‬منذ أن فقدت‬
‫ابنها ميمنون·‬
‫رأته هذه اللهة ذات الضّوء البرتقاليّ‪،‬‬
‫يهلك في حقول طروادة بحربة آشيل·‬
‫ولحظة رأته‪ ،‬شحبَ‪ ،‬اللّون القرْمزيّ‬
‫الذي يُعلن الصّباح‪،‬‬
‫وتغطّت السّماء بالغيوم·‬
‫لم تقدر المّ التّاعسة أن تتحمّل‬
‫مشهدَ الجسم‪ ،‬موضوعاً في المحرقة المشؤومة·‬
‫غير أنّها لم تعتقد أنّ من غير اللّئق بها‬
‫أن تذهبَ‪ ،‬منفوشةَ الشّعر كما كانت‪،‬‬
‫وترتميَ على قدميْ جوبيتر العظيم‪،‬‬
‫موجّهة إليه هذا الخطاب‪ ،‬وهي تبكي‪:‬‬
‫"إنّني‪ ،‬بين جميع اللهات‬
‫اللئي يسكنّ مناطقَ الثير‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪719 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪720 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪790 :‬‬

‫الذهبيّة اللّون‪ ،‬اللهة الدّنيا‪ ،‬فليس لد ّ‬


‫ي‬
‫ن كلّه إلّ عددٌ ضئيلٌ من الهياكل·‬ ‫في الكو ِ‬
‫أنا إلهة‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬وها أنا أمامك·‬
‫ب منكَ هياكلَ‪،‬‬‫لم أجئ لطل َ‬
‫وأيّاما لتقديم القرابين‪ ،‬ومذابحَ‬
‫تُدفّئها النّيران المقدّسة·‬
‫ت تقدّر الخدماتِ‬‫لكن‪ ،‬إن كن َ‬
‫التي أقدّمها لك‪ ،‬أنا النثى‪،‬‬
‫عندما يمنعُ ضوئي المتجدّد اللّيل‬
‫من تخطّي حدوده‪،‬‬
‫فقد ترى أنني أستحقّ‬
‫ل هذه المكافآت·‬ ‫مث َ‬
‫ي اهتمامٍ‬
‫لكن ليس للهة الفجر أ ّ‬
‫بطلب المجاد التي هي من حقّها‪،‬‬
‫وليست في حال ٍة تهيّئها لمثلِ هذا الطّلب·‬
‫فإذا كنتُ أجيء إليك‪،‬‬
‫ت ابني العزيز ميمنون‪،‬‬ ‫فلنني فقد ُ‬
‫الذي بعد أن قاتل عبثاً بشجاعةٍ‬
‫ل عمّه‪،‬‬
‫من أج ِ‬
‫ت ذلك)‬
‫سقط وهو في زهرة العمر (لنّك أرد َ‬
‫تحت ضربات آشيل الباسل·‬
‫فامنحه‪ ،‬يا سيّد اللهة‪ ،‬أتوسّل إليك‪،‬‬
‫بعضَ علمات المجد‪،‬‬
‫التي تعزّيه عن موته‪ ،‬وتهدّئ‬
‫قلب أمّه الجريح·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪720 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪721 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪791 :‬‬

‫استجابَ الله جوبيتر‪،‬‬


‫فانهارت‪ ،‬بعلوّها كلّه‪ ،‬محرقة ممنون الكبيرة‪،‬‬
‫التي كان لهبها يتصاعد نحو السّماء‪،‬‬
‫ت من الدّخان الكثيف‪،‬‬ ‫وعتّمت النّهار دوَاما ٌ‬
‫شبيهةٌ بالضّباب الذي يخرجُ من حضن النهار‪،‬‬
‫حاجبةً أشعّة الشّمس·‬
‫وتطاير رمادٌ أسودُ‪ ،‬ث ّم تراكم وتكثّف‬
‫حتّى شكّل جسماً يتلقّى من النّار‬
‫الدّفء والحياة·‬
‫أعطته خفّته أجنحةً‪ ،‬وبدا شكله‬
‫للوهلة الولى‪ ،‬شبيهًا بالطّير‪،‬‬
‫وبعد بُرهةٍ‪ ،‬بدا طيراً حقيقيّا‪،‬‬
‫يحرّك ريشه بضجّة كبيرة‪،‬‬
‫وتقلّده طيو ٌر ل تُحصى‪ ،‬إخوته‪،‬‬
‫يجمع بينه وبينها أصلٌ واحدٌ·‬
‫ثلث مرّات‪ ،‬دارت حول المحرقة‪،‬‬
‫وثلث مرّات دوّى الفضاء‬
‫بصدماتٍ كانت تتبادلها فيما بينها جميعاً·‬
‫وفي الدّورة الرّابعة‪ ،‬انفصلت إلى معسكرين‪،‬‬
‫وطارت· آنذاك‪ ،‬رؤي هذان‬
‫المعسكران الشّرسان‪ ،‬يُبادران‬
‫من الجهتين المتعارضتين‪،‬‬
‫إلى أن يُعلنَ أحدهما الحربَ على الخر·‬
‫كانت بمناقيرها‪ ،‬ومخالبها المقوّسة‬
‫تتبادل بعنفٍ الهجومَ‪ ،‬وتستبسلُ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪721 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪722 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪792 :‬‬

‫في التّصادم بين صدورها وأجنحتها·‬


‫أخيراً‪ ،‬سقط جميع هؤلء الطفال‬
‫الذين ينتمون إلى عائلةٍ واحدةٍ‪،‬‬
‫كمثلِ ما يسقط كثيرٌ من الضّحايا المحزنة‬
‫التي تَقدّم إلى رماد من ُدفِنَ لتوّه‪،‬‬
‫وتتذكّر أنّها ولدت من بطلٍ واحد·‬
‫هذه الطّيور التي وُلدت فجأةً‬
‫سمِها إلى مُنشئ أصلها‪ :‬ميمنون‪،‬‬ ‫تَدينُ با ْ‬
‫وتسمّى ميمنونيديس (‪· )Memnonides‬‬
‫عندما تجتاز الشمس فلكَ البروج‪،‬‬
‫ك فيما بينها‪،‬‬ ‫بأبراجه الثني عشر‪ ،‬تتعار ُ‬
‫مُمجّدة بصراخها‪ ،‬قبلَ أن تموت‪ ،‬قب َر أبيها·‬
‫لهذا‪ ،‬فيما يحزن بعضهم لسماع هيكوبا‪،‬‬
‫ابنة ديماس (‪ ، )Dymas‬تنبح‪،‬‬
‫ل تفكّر إلهة الفجر إلّ بألمها الخاصّ·‬
‫ولهذا‪ ،‬ل تزال هذه المّ الطيّبة‬
‫تذرف الدّموع حتى اليوم‪،‬‬
‫ض كلّها·‬
‫وتغمر بنداها الر َ‬

‫إينياس وآنيوس (‪)Aenéas et Anius‬‬

‫غير أنّ القدار لم تسمح‬


‫بأن تنهارَ آمالُ طروادة‬
‫مع انهيار أسوارها·‬
‫فالبطل الذي أنجبته فينوس‪25 ،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 25‬أنجبته فينوس من آنشيز (‪ )Anchise‬في جزيرة كيثيرا (‪ )Cythère‬التي حملها إليها عند ولدتها إله النّسيم‬
‫العليل· ولذلك كانت فينوس تُسمّى كيثيري (‪ ، )Cythérée‬نسبةً إلى الجزيرة·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪722 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪723 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪793 :‬‬

‫يحملُ على كتفيه عِبئاً جليلً‬


‫هو صورُ اللهة المقدّسة‪،‬‬
‫وصورة والده التي هي‪ ،‬كذلك‪،‬‬
‫مقدّسة‪ ،‬وعبءٌ جليل·‬
‫وقد اختارها وحدها إينياس الورع‪،‬‬
‫مع ابنه أسكانيوس (‪، )Ascanius‬‬
‫من بين الغنائم الوفيرة·‬
‫كان أسطوله الهارب يقوده‬
‫من آنتاندروس (‪ )Antandros‬عبر البحار·‬
‫غادرَ شواطئ تراقيا‪ ،‬المجرمة‬
‫والرض المندّاة بدم بوليدوروس·‬
‫ل مع رفقائه إلى مدينة أبوللون‪،‬‬ ‫ودخ َ‬
‫ح مؤاتيةٌ‪،‬‬ ‫تدفع سُفنه ريا ٌ‬
‫يُساندها الموج·‬
‫كان آنيوس يخدم فيها أبوللون‪ ،‬كاهناً‬
‫ويخدم الشّعب‪ ،‬ملكاً·‬
‫استقبله الملك في الهيكل وفي القصر·‬
‫طافَ به في المدينة‪،‬‬
‫زائرًا معه معابدها المشهورة‬
‫والشّجرتين اللّتين أبقتهما لتونا متعانقتين‪،‬‬
‫فيما كانت تضع مولوداً·‬
‫وبعد أن رميا بخوراً في النّار‪،‬‬
‫وسكبا خمراً على البخور‪،‬‬
‫وأشعل وفقاً للعادة‪،‬‬
‫أحشاء العِجلت المذبوحة أضحياتٍ‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪723 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪724 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪794 :‬‬

‫عادا إلى المقرّ الملكي·‬


‫جلسا فيه‪ ،‬في سريرين عاليين‪،‬‬
‫يُغطّيهما الدّيباج‪ ،‬وأخذا يتذوّقان‬
‫ِنعَمَ سيريس‪ ،‬وشرابَ باخوس·‬
‫آنذاك‪ ،‬قال آنشيزُ الورع‪:‬‬
‫"يا كاهن فوبوس‪ ،‬المختار بين الجميع‪،‬‬
‫هل أنا مُخطئ‪ ،‬أم لم يكن لك‪،‬‬
‫عندما زرت هذه الجدران‪ ،‬للمرّة الولى‪،‬‬
‫ابنٌ‪ ،‬وأربعُ بناتٍ‪ ،‬كما أتذكّر ؟"‬
‫هزّ آنيوس رأسه الملفوفَ بعصاباتٍ بيضاء‪،‬‬
‫وأجابه بحزنٍ‪:‬‬
‫ت مُخطئاً‪،‬‬ ‫"كلّ‪ ،‬لس َ‬
‫أيّها البطل الذائع الشّهرة·‬
‫فلقد رأيتني أباً لخمسة أولد‪،‬‬
‫واليوم (تلك هي التقلّبات التي‬
‫تخضّ حياة البشر!) تراني‬
‫دون أولدٍ تقريباً·‬
‫ن يُمكن أن يقدّمه لي‬ ‫وأيّ عو ٍ‬
‫ابنٌ‪ ،‬بعيدٌ عنّي‪،‬‬
‫ويُقيمُ في أرضٍ سمّاها باسمه‬
‫هي جزيرة أندروس (‪)Andros‬‬
‫ويُمارس فيها عن أبيه السّلطة الملكيّة ؟‬
‫منحهُ إل ُه ديلوس ملكَةَ التّنبّؤ بالمستقبل‪،‬‬
‫وتلقّت أخواته من الله باخوس امتيازاً آخر‬
‫تجاوز ما تمنّينه وما اعتقدْنَه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪724 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪725 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪795 :‬‬

‫فكلّ ما كانت تلمسه بناتي‪ ،‬كان‬


‫يتحوّل إلى قمحٍ‪ ،‬وإلى خمرٍ‪،‬‬
‫وإلى زيتٍ‪ ،‬هديّة من شجرة مينيرفا‪،‬‬
‫ذات الورق الشّاحب·‬
‫كان ذلك بالنّسبة إليّ مصدرَ ثروة عظيمة·‬
‫ومنذ أن عل َم بهذه العجوبة‪ ،‬ابن آتريوس‪،‬‬
‫الذي دمّر طروادة ـ أم لم نكن نحن كذلك‪،‬‬
‫صدّقني‪ ،‬عديمي الشّعور‬
‫بنتائج العاصفة التي ضربتكم ـ‬
‫انتزعهنّ بقوّة السّلح‪ ،‬غصبًا عنهنّ‪،‬‬
‫ن بأن يُطعمنَ‬‫من أذرع أبويهنّ‪ ،‬وأمره ّ‬
‫أسطول اليونانيين بفضل القدرة التي أعطتهنّ‬
‫إيّاها السّماء·‬
‫هربْنَ حيث استطعنَ·‬
‫ن ذهبتا للبحث عن ملجأٍ في أوبيا (‪)Euboea‬‬ ‫اثنتان منه ّ‬
‫وذهبت اثنتان إلى أندروس‪ ،‬حيث يملك أخوهما·‬
‫وصل جنو ٌد يهدّدونه بالحرب‬
‫إن لم يُسلّمهما‪ ،‬فتغلّب الخوف‬
‫على حنانه‪ ،‬وسلّم أختيه إلى العقاب‬
‫الذي ينتظرهما·‬
‫ربّما يُعذرُ ضعفُ هذا الخ‪ ،‬فلم يكن عنده‬
‫ليدافع عن أرضه‪،‬‬
‫ل إينيوس‪ ،‬ول بطلكم هكتور‪،‬‬
‫الذي جعل مقاومتكم تستمر عشرَ سنوات·‬
‫ل لذرع السيرتين‪،‬‬ ‫كانوا قد هيّأوا سلس َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪725 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪726 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪796 :‬‬

‫آنذاك رفعتا نحو السّماء هذه الذرع‬


‫التي كانت ل تزال حرّة‪ ،‬وصرختا‪:‬‬
‫"ساعدْنا‪،‬‬
‫يا باخوس الجليل·"‬
‫وجاء الله الذي أعطاهما ذلك المتياز‬
‫ليُساعدهما‪ ،‬إن كان تسبيبُ الموت بأعجوبةٍ‬
‫يُسمّى مساعدة·‬
‫كيف أضاعتا شكليْهما ؟‬
‫هذا ما لم أعرفه أبداً‪،‬‬
‫وما ل أقدر أن أقوله اليوم·‬
‫ل نتيجته‪:‬‬
‫لم أعرف من هذا التحوّل الشّقيّ إ ّ‬
‫نبتت لهما أجنحة‪،‬‬
‫وحُوّلتا إلى طائرين غاليين على زوجتكَ‪:‬‬
‫حمامتين بيضاوين كمثلِ الثلج·" ‪26‬‬

‫ابنتا أوريون‬

‫ملت هذه الحاديث وأخرى مشابهة‪،‬‬


‫الوقت الذي استغرقه تناول الطّعام·‬
‫ثم رفعت الموائد‪ ،‬وذهب الضّيوف إلى النّوم·‬
‫مضى الطّرواديّون‪ ،‬مستيقظين مع النّهار‪،‬‬
‫لستشارة كاهن فيبوس‪،‬‬
‫فأمرهم أن يعودوا إلى أمّهم القديمة‬
‫وإلى شواطئ أسلفهم·‬
‫رافقهم الملك في لحظة رحيلهم‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 26‬كان باخوس جدّهما الوّل‪ ،‬من جهة الم· ولهذا أعطاهما هذا المتياز·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪726 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪727 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪797 :‬‬

‫مقدّما لهم الهدايا‪:‬‬


‫صولجانًا لنشيز‪،‬‬
‫دثارًا وكنانةً لحفيده‪،‬‬
‫ولينياس باطيةً‬
‫قدّمها أحد ضيوف آنيوس‪ ،‬تيرسيس (‪)Thersès‬‬
‫الذي كان يُقيمُ على ضفاف إيسمينوس (‪، )Isménus‬‬
‫وجاء بها من طيبة·‬
‫تيرسيس هو الذي أتى بها‪،‬‬
‫لكن آلكون الهيليّ هو الذي صنعها‪،‬‬
‫ناقشًا عليها بإزميله عدداً كبيراً من الصّور والشكال·‬
‫نرى في النّقش مدينةً تمكن رؤية أبوابها السّبعة‬
‫ل محلّ اسمها‬ ‫التي كانت تح ّ‬
‫وتدلّ على أنّها هي· ‪27‬‬
‫كانت المآتم والقبور أمامَ جدرانها‪،‬‬
‫والنّيران‪ ،‬والمحارق‪ ،‬وربّات السر‪،‬‬
‫المشعّثات الشّعر‪ ،‬المكشوفات الصّدور‪،‬‬
‫تقدّم مشهدًا فاجعاً·‬
‫وكان يُخيّل أنّ ربّات ما ٍء يبكينَ‬
‫وينتحبْنَ على ينابيعَ نضبت·‬
‫وكانت أشجارٌ عاريةٌ من أوراقها‬
‫تُبرز جذوعَها العارية·‬
‫وكان الماعز يقضمُ الصّخور الجدْباء·‬
‫ولقد صوّر الفنّان في وسط طيبة‬
‫ابنتيْ أوريون‪ ،‬إحداهما مكشوفة العنق‪،‬‬
‫مطعونةً بضربةٍ ل تجدر بها امرأة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 27‬كانت عبارة "البواب السّبعة" تكفي لتدلّ على أنّ المقصود هو مدينة طيبة·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪727 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪728 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪798 :‬‬

‫والثانية التي ماتت من أجل شعبها‬


‫بفعلِ جرحٍ عميقٍ من سلحِها المُسالم‪28 ،‬‬
‫يسيرُ بجُثمانيهما موكبٌ مأتميّ بديعٌ‪،‬‬
‫ن يعُجّ بحشدٍ‬‫ويُحرَقان في مكا ٍ‬
‫كبي ٍر من الناس‪،‬‬
‫فيما يول ُد من رمادِ الفتاتين‪،‬‬
‫لكي ل تبيدَ سللتهما‪،‬‬
‫سمّيا‪ ،‬كما تقول السطورة‪،‬‬ ‫شابّان ُ‬
‫بالتّاجيْن‪ ،‬ونراهما يقودان موكب الرّماد الموميّ·‬
‫هنا تنتهي هذه الصّور البارعة‬
‫المنقوشة على البرونز القديم·‬
‫عدا أنّ ذروة الباطية كانت مزيّنة بأقنثَةٍ سُنبليّة الورق‪،‬‬
‫ذهبيّة بارزة·‬

‫قدّم الطّرواديّون‪ ،‬بدورهم‪،‬‬


‫ل قيمةً·‬‫للضّيوف هدايا ل تق ّ‬
‫أعطوا لكاهن أبوللون مَجْمرةً خاصّة‬
‫لحفظِ البخور‪ ،‬ومِشْجباً‪،‬‬
‫وتاجًا مُرصّعا بالذهب والحجارة الكريمة·‬

‫تذكّر الطّرواديون من هنا‪ ،‬في أندورس‪،‬‬


‫ب توسير (‪Teucer( 29‬‬ ‫أنّ أصلهم ينحدر من صُل ِ‬
‫فأرسوا في جزيرة كريت·‬
‫غير أنّهم لم يقدروا أن يتحمّلوا طويلً هواء البلد‪،‬‬
‫فغادروا مدنها المئة‪،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ن ابنتي أوريون‬
‫ن لنقاذ مدينتهنّ‪ ،‬ويُقال إ ّ‬
‫‪ 28‬كان هذا السّلح أداةً من أدوات النّسج· فقد كانت فتيات طروادة ينتحر َ‬
‫نجمتان خرجتا من جثّتيهما·‬
‫‪ 29‬توسير هو الجدّ الوّل للطّرواديين‪ ،‬ويُقال إنّه من كريت·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪728 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪729 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪799 :‬‬

‫ولم تبقَ لهم رغبةٌ إلّ الوصولُ‬


‫إلى مرافئ إيطاليا·‬
‫لكن‪ ،‬ثارت عاصفةٌ حوّلت هؤلء المحاربين‬
‫إلى دُمىً للموج·‬
‫وقد وجدوا ملجأً خادعاً في مرفأ ستروفاديس (‪، )Strophades‬‬
‫وملهم رُعباً الوحش المجنّح إيلّو (‪· )Aello‬‬
‫كانوا قد تجاوزوا مرفأ دوليشيوم (‪، )Dulichium‬‬
‫وتجاوزا إيتاكا‪ ،‬وساموس‪ ،‬وبيوت نيريتوس (‪، )Néritos‬‬
‫حيث كان يملك يوليس الماكر·‬
‫رأوا أمبراقيا (‪ )Ambracia‬التي تنا َزعَ‬
‫عليها آلهةٌ فيما مضى‪،‬‬
‫ورأوا الصّخرة التي اتّخذت‬
‫شكلَ قاضيهم‪ ،‬بعد تحوّله· ‪30‬‬
‫وهو مكانٌ أصبحَ الن مشهوراً بأبوللون‬
‫وهيكله في آكتيوم (‪· )Actium‬‬
‫ض دودونا (‪ )Dodona‬ببلّوطها النّاطق‪،‬‬ ‫ورأوا أر َ‬
‫وخليج شاونيا (‪ ، )Chaonia‬حيث نجا‬
‫أطفالُ الملك مونيشوز (‪ ، )Munichus‬الثلثة‬
‫من حريقٍ غاشمٍ‪ ،‬بفضلِ أجنحةٍ‬
‫حملتهم بعيداً في الفضاء·‬
‫وصلوا إلى السّهول المجاورة‪ ،‬حيث يُقيمُ‬
‫الفياسيّون (‪ ، )Phéaciens‬والتي تُغطّيها الشجار المُزدهرة·‬
‫ثمّ زاروا إيبيروس (‪)Epirus‬‬
‫وبوثروتوس (‪ )Buthrotos‬حيث يُهيمن‬
‫عرّاف طرواديّ‪ ،‬قدّم لهم صورةَ طروادة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ع بين أبوللون‪ ،‬وديانا‪ ،‬وهرقل· اتّخذوا حكَماً‪ ،‬شيخاً حكيماً‪ ،‬أعطى الحقّ لهرقل·‬
‫‪ 30‬كانت أمبراقيا موضوع تناز ٍ‬
‫فحوّله أبوللون إلى صخرة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪729 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪730 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪800 :‬‬

‫من هناك وصلوا إلى صقلية‪،‬‬


‫وقد زوّدتهم بمعرفة المستقبل التّنبّؤات‬
‫التي ل تُخطئ‪ ،‬والتي قدّمها هيلينوس (‪، )Hélénus‬‬
‫ابن بريام·‬
‫تتقدّم جزيرة صقليّة في البحر‪ ،‬بثلثة رؤوس‪:‬‬
‫أحدها‪ ،‬باشينوس (‪ ، )Pachynus‬يتّجه نحو الجنوب المُمطر‪،‬‬
‫وثانيها‪ ،‬ليليبايوم (‪ ، )Lilybaeum‬مُعرّضٌ لرياحِ الغرب النّاعمة‪،‬‬
‫والثالث‪ ،‬بيلوروس (‪، )Péloros‬‬
‫في مواجهة ريح الشّمال وبنات َنعْشٍ‪،‬‬
‫ن أبداً في البحر·‬
‫اللّئي ل يغتسلْ َ‬
‫من هناك حاول الطّرواديون أن يبلغوا الشّاطئ·‬
‫ومع اقتراب اللّيل‪ ،‬بلغوا‬
‫بقوّة التّجذيف‪ ،‬وحالة البحر المؤاتية‪،‬‬
‫شاطئ زانكلي (‪· )Zanclé‬‬
‫كانت سكيللّ (‪ )Scylla‬قد غزت الجهةَ اليُمنى‪،‬‬
‫وكانت خاريبديس (‪ )Charybdis‬التي ل تتعب‬
‫قد غزت الجهة اليُسرى·‬
‫وكانت هذه تقبض على السّفن وتلتهمها‬
‫ث ّم تلفظها حُطاماً·‬

‫كان لسكيللّ التي يحيط بكَشْحِها البَشعِ‬


‫حزا ٌم من الكلب الشّرسة‪،‬‬
‫وجهُ فتاةٍ‪،‬‬
‫والواقع أنّها كانت‪ ،‬سالفاً‪ ،‬فتاةً‬
‫إذا لم يكن توهّماً كلّ ما تركهُ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪730 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪731 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪801 :‬‬


‫لنا الشّعراء في شهاداتهم·‬
‫وكان حش ٌد من طالبي الزّواج يبحث عنها‪،‬‬
‫غير أنّها كانت تصدّهم جميعاً·‬
‫ثمّ التقت ربّات البحر‪ ،‬فأحببنها‪،‬‬
‫وقصّت عليهنّ قصص الفتيان‬
‫الذين أحبّوها‪ ،‬ورفضتهم·‬
‫وقد تحدّثت معها ربّة البحر غالتيا (‪)Galatéa‬‬
‫فيما كانت تعطيها شعرها لكي تزيّنه‪،‬‬
‫فقالت وهي تتنفّس الصّعداء‪:‬‬
‫"أنت مطلوبةٌ‪ ،‬على القلّ‪ ،‬أيّتها الفتاة‪،‬‬
‫من قِبلِ عُشّاق ينحدرون من عِرقٍ‪،‬‬
‫ش فيه‪ ،‬وتقدرين‪،‬‬‫ل توحّ َ‬
‫كما فعلتِ‪ ،‬أن ترفضيهم دون أن تُخاطري بأن يُلحقوكِ·‬
‫لكن أنا التي ولدتني دوريس (‪ )Doris‬ذات الجسم اللّزوردي‪،‬‬
‫من نيروس (‪ )Néreus‬أبي‪،‬‬
‫أنا التي يحميها عد ٌد كبيرٌ من الخوات‪،‬‬
‫ت من حبّ سيكلوب (‪)Cyclope‬‬ ‫لم أقدر أن أفل َ‬
‫إلّ بالموت·"‬

‫خنقت الدّموع صوتَها‪ ،‬فجفّفتها سكيللّ‬


‫بإبهامها البيض كالرّخام‪ ،‬وقالت مُعزّيةً اللهة‪:‬‬
‫"أخبريني أيّتها الغالية عليّ‪،‬‬
‫ل تُخفي عنّي سببَ اللم الذي تُعانينه‪،‬‬
‫فأنا جدير ٌة بثقتك·"‬
‫فأجابتها ربّة البحر غالتيا قائلةً‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪731 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪732 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪802 :‬‬

‫آسيس وغالتيا (‪)Acis et Galatea‬‬

‫"كان آسيس الذي ولدَ من فونوس (‪)Faunus‬‬


‫ومن ربّة البحر‪ ،‬ابنة سيميتوس (‪، )Syméthus‬‬
‫غبْط َة أبيه وأمّه‪،‬‬
‫ِ‬
‫وغبطتي أنا‪ ،‬على الخصّ·‬
‫ذلك أنّه الوحيد الذي قدرَ أن يفتنني·‬
‫كان جميلً‪ ،‬في السّادسة عشرة من عمره‪،‬‬
‫وكان قد بدأ زغبٌ خفيفٌ يرتسم‬
‫على خدّيه النّاعمين·‬
‫وكان سيكلوب (‪ )Cyclope‬يُلحقني·‬
‫ولئن سألتني ما الذي كان غالباً عليّ‬
‫كرهي لسيكلوب‪ ،‬أم حبّي لسيس‪،‬‬
‫لما عرفت أن أجيبك·‬
‫كانا متساويين· آه! ما أكبرَ سُلطتكِ‬
‫يا فينوس الحبيبة!‬
‫فهذا الوحش الشّرس‪،‬‬
‫الذي ل يوحي إلّ بالرّعب‬
‫حتى للغابات نفسها‪ ،‬والذي لم يره‬
‫أيّ غريب دون عاقبة سيّئة‪،‬‬
‫ب وآلهته‪،‬‬‫والذي يحتقر الولمب المَهي َ‬
‫كان يتحرّق‪ ،‬فريسة هيا ٍم عنيفٍ‪،‬‬
‫ناسيًا كهوفه وقُطعانه·‬
‫وها أنت الن‪ ،‬تهتمّ‪ ،‬يا بوليفيموس (‪ ، )Polyphemus‬بأن تبدو جميلً‪،‬‬
‫وتُثير العجاب·‬
‫الن تمشط شعركَ المتيبّس بالممشاط·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪732 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪733 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪803 :‬‬

‫ب أن تقصّ لحيتك الكثّة بالمنجل‪،‬‬ ‫الن تستطي ُ‬


‫وتتمرأى في الماء وتنظّم وجهك الفظّ·‬
‫ولقد كظمتَ حماسَتكَ للجريمة‪ ،‬ووحشيّتك‪،‬‬
‫وعطشكَ المُفرط للدّم النسانيّ‪،‬‬
‫وتأتي السّفن وتذهب دون خطر·‬

‫في هذه الثناء‪ ،‬أرسى تيليموس (‪)Télémus‬‬


‫في صقليّة‪ ،‬في سفح بركان إتنا‪،‬‬
‫تيليموس‪ ،‬ابن أوريموس (‪)Eurymus‬‬
‫الذي لم يخذل طائرٌ بصيرته أبداً‪،‬‬
‫وجاء إلى بوليفيموس الرّهيب‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫ف جبينك‪،‬‬ ‫"هذه العين الوحيدة في منتص ِ‬
‫سوفَ يقتلعها يوليس·"‬
‫ضحك سيكلوب‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"تخطئ أيّها العرّاف الغبيّ‪،‬‬
‫لقد سبقَ أن أخذ عيناً·"‬
‫هكذا سخ َر من نبوء ٍة ل تفيد‬
‫وإن تكن صحيحةً·‬
‫وكان أحياناً يجوبُ بخطواتِ عملقٍ‬
‫الشّاطئ الذي يُرهقه بثقله‪،‬‬
‫وأحياناً‪ ،‬عندما يكون مُتعباً‪،‬‬
‫يعود إلى كهفه المُظلم·‬
‫كانت هناك ربو ٌة تتقدّم في البحر كمثل رأسٍ طويلٍ‬
‫في شكلِ صليبٍ‪ ،‬تغسله المواج من جانبيه·‬
‫كان سيكلوب المتوحّش يصعد إليها‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪733 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪734 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪804 :‬‬

‫ويجلس بين المُنحدريْن·‬


‫وكانت حيواناته المكسوّة بالصّوف‪،‬‬
‫تسير وراءه من تلقائها‪،‬‬
‫ي دليل·‬‫دون أن يقودَها أ ّ‬
‫يضع عند قدميه صنوبرة‬
‫يستخدمها عصاً‪ ،‬ويمكن أن تدعّم‬
‫دواقلَ السّفن·‬
‫ومعه مزمارٌ‬
‫مكوّن من ألفِ قصب ٍة مُتضامنة·‬
‫الجبال كلّها تلتقط صفيرَ مزماره الرّعويّ‪،‬‬
‫والمواج كذلك تلتقطه·‬
‫كنت أختبئ تحت صخرةٍ‪،‬‬
‫أرتاحُ على صدرِ حبيبي آسيس‪،‬‬
‫ت من بعيدٍ هذه الكلمات‬ ‫عندما سمع ُ‬
‫التي حفرتُها في ذاكرتي‪:‬‬
‫"أنتِ‪ ،‬يا غلتيا‪ ،‬أكثر بياضاً‬
‫ج ْنبَةِ الرّباط‪،‬‬
‫من تويجات َ‬
‫البيضاء كالثّلج‪،‬‬
‫أكثر ازهرارًا من المروج‪،‬‬
‫أكثرُ رشاقةً من جار الماء‪،‬‬
‫أكثرُ تللؤًا من البلّور‪،‬‬
‫أكثرُ بطَرًا من الجدْي‪،‬‬
‫أكث ُر ملوس ًة من الصّدفة التي‬
‫تصقلها المواج بل توقّف‪،‬‬
‫أكثر عذوبةً من الشمس في الشتاء‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪734 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪735 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪805 :‬‬

‫ومن الظلّ في الصّيف‪،‬‬


‫أكثرُ طيبًا من الثّمر‪،‬‬
‫أكث ُر مهاب ًة من شجرة الدّلبِ الشّامخة‪،‬‬
‫أكثرُ سطوعًا من الثّلج‪،‬‬
‫أكثرُ حلو ًة من العنبِ النّاضج‪،‬‬
‫أكثرُ رهافةً من زغب التمّ‬
‫ومن اللّبن‪،‬‬
‫وإذا لم تهربي منّي‪،‬‬
‫ل من بستانٍ نديّ·‬ ‫ستكونين أكثر جما ً‬
‫ن غلتيا هذه أكثر توحّشا‬ ‫غير أ ّ‬
‫من الثّيران غير المروّضة‪،‬‬
‫أكثرُ صلب ًة من البلّوط العتيق‪،‬‬
‫أكثرُ هربًا من الموج‪،‬‬
‫أكث ُر تملّصا من براعم الصّفصاف وياسمين البرّ‪،‬‬
‫أكثرُ برود ًة من هذه الصّخور‪،‬‬
‫أكثرُ جموحًا من السّيل‪،‬‬
‫أكثرُ غطرسةً من الطّاووس الجميل‪،‬‬
‫أكث ُر عنفًا من اللّهب‪،‬‬
‫أكثرُ شوكاً من العوسج‪،‬‬
‫أكث ُر فظاظ ًة من الدبّة التي وََلدَتْ حديثاً‪،‬‬
‫صمَمًا من البحر‪،‬‬ ‫أكثرُ َ‬
‫أكث ُر هياجاً من الفعى التي وطئت بالقدم‪،‬‬
‫أخيراً (وهذا هو العيبُ الساسيّ الذي أودّ‬
‫أن أخلّصها منه)‬
‫أكثرُ سُرعةً في الهرب من اليّل‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪735 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪736 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪806 :‬‬

‫الذي يُحاصره النّباح المدوّي‪ ،‬بل من‬


‫هبوب الرّيح العاصفة·‬
‫ت تعرفينني جيّدا‬ ‫لكن‪ ،‬إن كن ِ‬
‫ف تندمين على هربكِ منّي‬ ‫فسو َ‬
‫وتغضبين على نفسك لجعلي أنتظركِ طويلً‪،‬‬
‫ف تجهدين أن تستبقيني·‬ ‫وسو َ‬
‫عندي في منحدر الجبل‪ ،‬كهفٌ‬
‫ي ُقبّته‪،‬‬
‫يُشكّل الصّخر الح ّ‬
‫ل مكان فيه للهَبِ الشمس في أوجِ الصّيف‪،‬‬
‫ول لصرامة الشّتاء·‬
‫ولديّ ثمارٌ تحني الغصانَ بثقلها‪،‬‬
‫وعلى أغصان كرومي‪ ،‬الطّويلة‬
‫ب يُشبه الذهب‪،‬‬‫عن ٌ‬
‫وعندي آخرُ بلون الرجوان·‬
‫سأدّخرها لك جميعاً·‬
‫أنتِ نفسك‪ ،‬ستقطفين بيديكِ‬
‫الفراولة النّاضجة‪ ،‬الطّالعة في ظلل الغابات‪،‬‬
‫وتقطفين ثِمارَ القرانية‪ ،‬في الخريف‪،‬‬
‫وثمار الخوخ‪ ،‬ل تلك التي يجعلها قاتمةً‬
‫عصيرها السود‪ ،‬وحدها‪،‬‬
‫بل كذلك‪ ،‬تلك التي تُشتهى كثيراً‪،‬‬
‫والتي تشبه الشّمع الحديثَ العهد·‬
‫وإن أخذتِني زوجاً‪،‬‬
‫طلَب·‬‫لن تنقصكِ الكستنا ُء ول ثِمار الق ْ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪736 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪737 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪807 :‬‬

‫ستكون في خدمتكِ أشجاري كلّها·‬


‫وهذا القطيع كلّه مُلكٌ لي‪،‬‬
‫وأملك حيواناتٍ أخرى تشرد في الودية‪،‬‬
‫وأخرى تختبئ في الغابات‪،‬‬
‫وأخرى أبقيها في الزّريبة‪ ،‬في مغاوري·‬
‫ولئن سألتني عن عددها‪ ،‬فلن أعرف الجواب‪،‬‬
‫فالفقراء وحدهم يعدّون نِعاجهم·‬
‫هل تريدين أن تعرفي كم هي نِعاجي جميلة ؟‬
‫ل تعتمدي عليّ في ذلك‪ ،‬تعالي إلى هنا‬
‫وسترين بنفسك كيف أن قوائمهنّ‬
‫تكادُ أن تعجز عن ضمّ ضروعهنّ الضّخمة‪،‬‬
‫ثمّ إنّ لديّ أجيالها الجديدة ـ الحملنَ‬
‫في زرائب دافئة‪ ،‬والجديان‬
‫التي هي من العمر نفسه‪ ،‬في زرائبَ أخرى·‬
‫ب أبيض كالثّلج‪،‬‬ ‫دائماً‪ ،‬يكون عندي حلي ٌ‬
‫آخذ منه قسماً أشربه‪،‬‬
‫وأخثّر ما تبقّى بالخميرة السّائلة·‬
‫ولن تكوني مشاركةً لي في لذائذ سهلة ـ‬
‫هدايا في متناول الجميع·‬
‫سأقدّم لك‪،‬‬
‫جيْ حمام‪،‬‬ ‫سمْراً‪ ،‬أرانبَ‪ ،‬جدياناً‪ ،‬زو َ‬ ‫أيائلَ ُ‬
‫ع من ِقمّة شجرة·‬ ‫عشّا انتُز َ‬
‫وُ‬
‫ورأيتُ على ذروة الجبل توأمين يُمكن‬
‫أن يلعبا معكِ‪ ،‬متشابهين‬
‫جدّا حتى أنّه سيتعذّر عليكِ التمييز بينهما‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪737 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪738 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪808 :‬‬

‫توأمين صغيرين ل ُدبّة وَبرَة·‬


‫عندما رأيتهما قلت في نفسي‪:‬‬
‫سأحتفظ بهما من أجل سيّدتي·‬
‫الن‪ ،‬ارفعي رأسك الجميل‪،‬‬
‫فوق البحر اللّزورديّ‪،‬‬
‫تعالي‪ ،‬الن‪ ،‬يا غلتيا‪ ،‬ول تحتقري هداياي·‬

‫أعرفُ‪ ،‬بالتّأكيد‪ ،‬نفسي جيّدا‪،‬‬


‫رأيت نفسي من فترةٍ قصير ٍة في انعكاس ماءٍ صافٍ‪ ،‬وأعجبني شكلي·‬
‫انظري كم أنا كبيرٌ‪،‬‬
‫ليس لجوبيتر في السّماء قامةٌ أكثر علوّا‬
‫(فأنتِ تقولين دائماً أنّ هناك من يُسمّى جوبيتر‬
‫يملك العالم)·‬
‫وينسدلَ على وجهي الخشن شعرٌ غامرٌ‬
‫ي كأنّه غابةٌ·‬‫يُظلّل كتف ّ‬
‫ولئن كان جسمي شاطئًا من الشّعر الخشن الكثيف‪،‬‬
‫فل تظنّي أنّه قبيح·‬
‫ل يكون لها ورقٌ‪،‬‬ ‫قبيحٌ للشّجرة أ ّ‬
‫ل يكون له عُرفٌ‬ ‫وقبيحٌ للحصان أ ّ‬
‫يُغطّي عنقه السمر·‬
‫والطّيور مكسوّة بالرّيش‪ ،‬والصّوف زينة النّعاج·‬
‫أمّا بالنّسبة إلى الرّجال‬
‫فل شيء يليق بهم كمثل اللّحية‪،‬‬
‫والشّعر الذي َيقُفّ على أبْدانهم·‬
‫ل عينٌ في وسطِ جبيني‪،‬‬ ‫ليس لي إ ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪738 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪739 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪809 :‬‬

‫غير أنّها تشبه تُرسًا كبيراً·‬


‫ماذا إذن ؟‬
‫أل تحتضن الشمس بنظرها‪ ،‬الكون كلّه‪،‬‬
‫من أعالي السّماء الهائلة ؟‬
‫مع ذلك ليس للشمس إلّ عينٌ واحدة·‬
‫أضيفُ أنّ أبي هو ملك البحار‬
‫التي تُقيمين فيها‪ ،‬وهو الذي سأقدّمه لكِ‬
‫بوصفه والدَ زوجك·‬
‫حنانيْكِ‪ ،‬ترأفي بي‪،‬‬
‫ع إليك‪،‬‬
‫أصْغي إلى صلواتِ ضار ٍ‬
‫ليس هناك إلّك من أحْني‬
‫أمامه ركبتي‪ ،‬فأنا الذي يحتقر جوبيتر‬
‫والسّماء والصّاعقة التي تزلزل كلّ شيء‪،‬‬

‫أرتجفُ أمامكِ‪ ،‬يا ابنة نيريوس·‬


‫غض ُبكِ أكثر رهبةً من الصّاعقة‪،‬‬
‫وكنت أتحمّل كذلك بصبرٍ أطولَ‬
‫ازْدراءاتكِ‪ ،‬لو أنّك تهربين من جميع الرّجال·‬
‫لكن‪ ،‬لماذا تصدّين سيكلوب‪،‬‬
‫وتعطين حبّك لسيس ؟‬
‫لماذا تفضّلين قُبلَ آسيس‬
‫على قُبلي ؟‬
‫س لذائذه الخاصّة‪ ،‬وليوفّرْ لك‪،‬‬‫حسناً‪ِ ،‬ليُمار ْ‬
‫وهذا بالتّأكيد ضدّ إرادتي‪ ،‬لذائذكِ أنتِ‪ ،‬يا غلتيا·‬
‫ل بأس· إنّما سيشعرُ في أوّل فُرصةٍ‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪739 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪740 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪810 :‬‬

‫أنّ قوّتي صدًى لقامتي·‬


‫ف أنتزعُ أحشاءه حيّة نابضةً‪،‬‬ ‫فسو َ‬
‫وسأقطّعه إرباً إرباً‪،‬‬
‫وأبعثرُ أعضاءه في الحقول وفي مياهكِ‬
‫(فهكذا أقبل أن يتّحد بك!)‬
‫ذلك أنني أحترق‪،‬‬
‫ص ّدكِ لي إلّ تأجيجَ النّار التي تُحرقني·‬ ‫ول يَفعل َ‬
‫ن بُركان إتْنا‬ ‫يُخيّل إليّ أ ّ‬
‫يَسيرُ فيّ بعُنفِ ِه كلّه‪،‬‬
‫وأنني أحمله في صدري·‬
‫وأنتِ‪ ،‬يا غالتيا‪،‬‬
‫تظلّين عديمةَ الشّعور!"‬

‫ض (ذلك أنني كنت‬‫بعدَ أن شكا وتأوّه‪ ،‬نه َ‬


‫أرى كلّ شيء)‪ ،‬ولم يقدر أن يقفَ حيث هو‪،‬‬
‫خطْفِ عِجلته·‬
‫كمثلِ ثور أطِْلقَ هياجه ب َ‬
‫كان يأتي ويذهب عِبرَ الغابات والجبال‬
‫التي ألفها· فجأةً‪ ،‬ودون أن يخط َر لنا ذلك‪،‬‬
‫ل هذا الخطر‪،‬‬
‫ولحظة كنّا بعيدين عن الخوف من مث ِ‬
‫رآني الوحش مع آسيس‪ ،‬فصرخ قائلً‪:‬‬
‫"إنني أراكما·‬
‫وسأعملُ لكي يكون لقاء حبّكما هذا‪،‬‬
‫لقاءكما الخير·"‬
‫ل ما يُنتظر‬
‫كان صوتُه رهيبًا كمث ِ‬
‫من سيكلوبٍ هائج·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪740 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪741 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪811 :‬‬

‫ف إتْنا من صراخِه‪،‬‬ ‫ارتج َ‬


‫وأخذني الرّعب‪ ،‬فغصتُ في البحر القريب‪،‬‬
‫ل سيميتوس‪،‬‬ ‫غير أنّ البطلَ سلي َ‬
‫هربَ قائلً‪:‬‬
‫"أنجديني‪ ،‬يا غالتيا‪ ،‬أتوسّل إليكِ‬
‫أنجداني‪ ،‬يا أبويّ‪،‬‬
‫سأموت إن لم تستقبلني في مملكتكما·"‬
‫كان سيكلوب يُطارده‪،‬‬
‫اقتلع من الجبل صخوراً ورماها أمامه‪،‬‬
‫صبْ إلّ بأطرافِ بعضها‪،‬‬ ‫ومع أنّ آسيس لم يُ َ‬
‫فقد سُحقَ سَحقًا تامّا·‬
‫آنذاك‪ ،‬فعلنا ما تسمح لنا القدار بفعله‪،‬‬
‫وأعطيناه طبيعةَ جدّه·‬
‫ل تحت الكتلة الضّخمة دمٌ بلونِ الرجوان‪،‬‬ ‫كان يسي ُ‬
‫وفي لحظةٍ‪ ،‬بدأ هذا اللون يشحبُ‪،‬‬
‫ن نه ٍر عكّرته العاصفة·‬ ‫ويُصبحُ شبيهاً بلو ِ‬
‫وشيئاً فشيئاً‪ ،‬تحوّل إلى نبعٍ صافٍ·‬
‫ثمّ تفتّحت الكتلة الصّخريّة التي انشقّتْ‪،‬‬
‫ت دقيقةٌ طويلة‪،‬‬ ‫وانبثقت من شُقوقها قصبا ٌ‬
‫وانفجرت المياه متدفّقة من تجاويفها·‬
‫ويا للعجوبة المُفاجئة! ظهر منها‬
‫حتى منتصف جسمه‪ ،‬شابّ‬
‫ج من السَلِ‪ ،‬ملتفّا‬ ‫على جبينه تا ٌ‬
‫ل قرنين نابتين·‬ ‫حو َ‬
‫ولو لم يكن أكبر‪ ،‬وله وجهٌ لزورديّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪741 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪742 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪812 :‬‬

‫ت إنّه آسيس نفسه·‬


‫لقل ُ‬
‫لكنّه‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬وفي صورته هذه ‪،‬‬
‫ل يزال هو نفسه آسيس‪ ،‬متحوّل إلى نهر‪،‬‬
‫واحتفظ هذا النّهر بالسم القديم للبطل·"‬

‫سكيللّ وجلوكوس (‪)Scylla et Glaucus‬‬

‫توقّفت غالتيا عن الكلم‪،‬‬


‫ن بها‪،‬‬‫ن يُحط َ‬ ‫وتفرّقت ربّات البحر اللّئي ك ّ‬
‫مُبتعداتٍ لكي يسبحنَ في المياه الهادئة·‬
‫لكن سكيللّ رجعت‪ ،‬لنّها لم تجرؤ‬
‫أن ترْكنَ إلى مدّ البحر·‬
‫كانت تار ًة تشرد بل ثيابٍ على الرّمل النّاعم‪،‬‬
‫وتارةً‪ ،‬عندما تتعب‪ ،‬ترطّب أعضاءها‬
‫في مغار ٍة منعزلةٍ حيث تنحسر المياه·‬
‫ف جديدٌ‬ ‫هوذا يجيء‪ ،‬شاقّا البحر‪ ،‬ضي ٌ‬
‫من المياه العميقة‪ ،‬كان منذ عهدٍ قريبٍ‬
‫تحوّل في آنتيدون(‪ ، )Anthédon‬قرب أوبيوس (‪· )Eubeus‬‬
‫عندما رأى الفتاة‪ ،‬دُهشَ‪،‬‬
‫واشتعلت فيه الرّغبة‪ ،‬وقال لها كلّ‬
‫ما كان يعتقد أنّه جديرٌ ب َمنْعها من الهرب·‬
‫غير أنّها هربت‪ ،‬وأعطاها الخوف أجنحةً‪،‬‬
‫ل يُشرف على الشّاطئ·‬ ‫فانطلقت إلى ذروة جب ٍ‬
‫كان هناك على شاطئ البحر‪ ،‬صخرةٌ هائلةٌ‬
‫تنتهي برأسٍ‪ ،‬وتشكّل قبّة مظلّلة‪ ،‬تنحني‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪742 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪743 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪813 :‬‬

‫بعيداً فوق الموج·‬


‫توقّفت عند الملجأ المين الذي توفّره‪،‬‬
‫ثمّ أخذت‪ ،‬غير عارفةٍ إن كانت ترى‬
‫وحشاً أو إلهاً‪ ،‬تتأمّل بدهشةٍ‬
‫لونه‪ ،‬وشعره الذي يُغطّي كتفيه‪،‬‬
‫مسترسلً حتى ظهره‪،‬‬
‫وذيله السّمكيّ الذي ينثني تحت حزامه·‬
‫عندما رآها جلوكوس‪ ،‬قال متّكئا على صخرة مُجاورة‪:‬‬
‫"كلّ‪ ،‬أيّتها الفتاة‪،‬‬
‫ت غولً‪ ،‬ول حيوانًا مُفترساً·‬ ‫لس ُ‬
‫أنا إلهٌ للمياه‪،‬‬
‫ول تقلّ سلطتي على البحار عن سلطة‬
‫بروتيوس (‪ ، )Proteus‬وتريتون (‪)Triton‬‬
‫وباليمون (‪ ، )Palaemon‬ابن آتاماس (‪· )Athamas‬‬
‫غيرَ أنني كنت فيما مضى فانياً‬
‫وعندما نُذرتُ للمياه العميقة‪،‬‬
‫ت مهنتي منذ تلك اللّحظة·‬ ‫احترْف ُ‬
‫كنت تارةً أشّد نحوي شِباكًا تج ّر معها‬
‫أسماكاً‪ ،‬وتارةً‪ ،‬فيما أجلسُ على الصّخر‪،‬‬
‫أحرّك خيطًا مُعلّقا بقصبة·‬
‫كان ثمّة‪ ،‬قُربَ حقلٍ أخضر‪،‬‬
‫ئ تحدّه المواج من جهةٍ‪،‬‬ ‫شاط ٌ‬
‫ويحدّه من الجهة الثانية عشبٌ لم تمسَسْ ُه أبداً‬
‫أسنان العِجْلتِ ذواتِ القرون الطّويلة‪،‬‬
‫ط ترعينه‪،‬‬‫ولم يركِ أحدٌ ق ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪743 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪744 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪814 :‬‬

‫ت أيّتها الماعز‬ ‫أيّتها النّعاج الوديعة‪ ،‬وأن ِ‬


‫الكثيفة الوبر·‬
‫ولم تَجْ ِرسِ النّحلة النّشطة مؤونتها من نسغِ أزهاره‪،‬‬
‫وما من يدٍ قَطعيّا أتت إليه لتبحثَ‬
‫عن أكاليل العياد‪ ،‬أو تحصد العشب بالمنجل·‬
‫كنت أوّل من جلس في هذا الحقل·‬
‫وذات يوم وضعتُ فيه شِباكي الرّطبة‬
‫عدّ السماكَ التي تصيّدتها·‬ ‫لكي تجفّ‪ ،‬فيما أ ُ‬
‫كنت أرتّب السماك على العشب‪،‬‬
‫تلك التي رماها الحظّ في شباكي‪ ،‬وتلك‬
‫التي جذبتها سذاجتها نحو صنّارتي المقوّسة·‬
‫آنذاك (يُمكنك الظّنّ أنني أختلق‪ ،‬لكن‬
‫ماذا يُجديني أن أختلق ؟)‬
‫لم تكد أسماكي السّجينة تُلمس الحقلَ‬
‫حتى أخذت تتحرّك وتتقلّب من جانبٍ‬
‫إلى آخر‪ ،‬وتشقّ طريقًا فوقَ التّراب‪،‬‬
‫كما لو أنّها تشقّها داخل الماء·‬
‫وفيما كنتُ أطيلُ التّأمّل أمام هذا المشهد الغريب‪،‬‬
‫كانت السماك تغور في الماء‪،‬‬
‫تاركةً سيّدها الجديد والشّاطئ·‬
‫ل مُعلّقا‪،‬‬
‫جمّدتني المفاجأة‪ ،‬فبقيت طوي ً‬
‫أتساءل هل سبب هذه العجوبة إلهٌ‪،‬‬
‫أم هو نُسغ العشب· وقلتُ في نفسي‪:‬‬
‫"لكن‪ ،‬ما العشب الذي يُمكن‬
‫أن يمتلك هذه الخاصّية ؟"‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪744 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪745 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪815 :‬‬

‫ت منه بعض الفروع‪ ،‬ووضعتها تحت أسناني‪،‬‬ ‫قطف ُ‬


‫ل نُسغها المجهول في حلقومي‪،‬‬ ‫ومذ سا َ‬
‫ت فجأةً أنّ قلبي يقفز في صدري‬ ‫شعر ُ‬
‫وأنّ فيّ رغبةً هائلةً لكي أتحوّل‬
‫وأتّخذ شكلً آخر·‬
‫وعجزت عن ص ّد هذه الرّغبة‪،‬‬
‫فصرخت‪:‬‬
‫"وداعاً‪ ،‬أيّتها الرض‪،‬‬
‫ك بعد الن أبداً·"‬‫لن أعودَ إلي ِ‬
‫ت مُرتمياً في الماء·‬‫واندفع ُ‬
‫تفضّلت آلهةُ البحر واستقبلتني‬
‫مُشركةً إيّاي في سُلطانها·‬
‫ودعَتْ أوسيانوس وتيتيس أن يطردا‬
‫ما كان فيّ من النسان الفاني·‬
‫فطهّراني من ذلك‪ ،‬مكرّرين تسعَ مرّات‬
‫ل دنسٍ‪،‬‬ ‫عبار ًة مقدّسة خلّصتني من ك ّ‬
‫ي في مئة نهر·‬ ‫وأمراني أن أغسلَ جسم َ‬
‫وفي الحال‪ ،‬صبّت أنهار البلد المتنوّعة‬
‫كُتلَ مياهها فوق رأسي·‬
‫هوذا كلّ ما أقدر أن أقصّه من مغامرتي‬
‫ق الذّكر·‬
‫عليكِ‪ ،‬ممّا يستح ّ‬
‫وهنا تنتهي ذكرياتي·‬
‫فلقد نسيتُ استخدامَ حواسّي‪،‬‬
‫وعندما أعودُ إلى نفسي‪ ،‬أجدني مع جسمٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪745 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪746 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪816 :‬‬

‫ح مختلفين كلّيا عمّا كانا سابقاً·‬


‫ورو ٍ‬
‫هكذا‪ ،‬منذ ذلك الوقت‪ ،‬أرى هذه اللّحية‬
‫بلونها الزّنجاريّ‪،‬‬
‫وهذا الشّعر الذي يكنس مدى الموج‪،‬‬
‫وهاتين الكتفين الضّخمتين‪ ،‬وهاتين الذّراعين‬
‫اللّزورديّتين‪ ،‬وهاتين الفخذين‬
‫اللّتين تنتهيان بذيلٍ مقوّس كذيلِ‬
‫السماك ذات الزّعانف·‬
‫لكن‪ ،‬لماذا هذا الشّكل الجديد ؟‬
‫ولم هذا الفضل الذي حباني به آلهة البحر ؟‬
‫ماذا يُجديني أن أكون أنا نفسي إلهاً‪،‬‬
‫إن كان هذا المر ل يهمّك في أيّ شيء ؟"‬
‫هكذا تكلّم الله‪،‬‬
‫وكان يُريد أن يُتابع كلمه‪،‬‬
‫عندما هربت سكيللّ·‬
‫فدخلَ ساخطاً‪ ،‬مُغتاظًا من استخفافها‪،‬‬
‫سائراً في اتّجاه القصْر‬
‫حيث تُمارس سيرسي (‪، )Circé‬‬
‫ابنةُ إله الشمس سِحرَ أعاجيبها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪746 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪747 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪821 :‬‬

‫الكتاب الرابع عشر‬

‫سكـــيللّ وســــيرســــي‬
‫أ ْينِياس‪ ،‬ديدون‪ ،‬سيـبيلّ‬
‫مكاريوس‪ ،‬يوليس‪ ،‬سيرسي‬
‫بيـــــــكــوس وكـــا َننْـس‬
‫رفقـــــــاء ديــــــومــــــيد‬
‫بــــــومونا وفيرتومنـوس‬
‫رومـــولوس وهيرسيــليا‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪747 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪748 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪823 :‬‬

‫سكيللّ وسيرسي‬

‫كان جلوكوس الله الوبيانيّ ‪ 1‬الذي يسكن المياه الثائرة‪،‬‬


‫قد تجاوز في سيره إتْنا الذي يتراكم‬
‫فوق حنجرة عملقٍ‪ ،‬وتجاوز أرضَ السّيكلوبات‪،‬‬
‫التي ل تعرفُ المشْطَ المُسنّن‪،‬‬
‫ول عمل المحراث‪ ،‬ول تدينُ بأيّ شيءٍ‬
‫للثيران المقرونة إلى النّير· ‪2‬‬
‫كان قد تجاوز كذلك زانكلي (‪)Zanclé‬‬
‫وأسوار مدينةِ ريجيوم (‪ )Rhégium‬التي تواجهها‪،‬‬
‫ن كثيرة‪،‬‬‫وذلك المضيقَ الذي تحطّمت فيه سف ٌ‬
‫والذي ينحصر بين الشاطئين التّوأمين ـ إيطاليا‬
‫وصقليّة‪ ،‬مشكّل حدّا يفصلُ بينهما·‬
‫من هنالك‪ ،‬بعد أن عبرَ أمواجَ البحر التّوسكانيّ‪،‬‬
‫شاقّا إيّاها بيديه القويّتين‪،‬‬
‫وصل إلى التلل التي يغطّيها العشب‪،‬‬
‫وإلى قصر ابنة الشمس‪،‬‬
‫ل نوع·‬‫سيرسي المليء بالحيوانات المتوحّشة‪ ،‬من ك ّ‬
‫ل معها التحيّة‪ ،‬حتى صرخ قائلً‪:‬‬ ‫لم يكد يلمحها‪ ،‬متباد ً‬
‫"أشْفِقي أيّتها اللهة‪ ،‬على إلهٍ‬
‫يتوسّل إليكِ·‬
‫فأنتِ وحدك تقدرين أن تُخفّفي عبء حبّي‪،‬‬
‫ق ذلك·‬
‫إن بدا لكِ أنني أستح ّ‬
‫كم هي عظيمةٌ فضائل النباتات‪،‬‬
‫يا ابنة الشمس‪ ،‬وما من أحدٍ يعرف ذلك‬
‫خيرًا منّي ـ فهي التي حوّلتني·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬نسبةً إلى أوبويا (‪ ، )Euboéa‬وطن السّيكلوب جلوكوس·‬


‫‪ 2‬في الوديسّة‪ ،‬أنّ السّيكلوبات لم تكن تزرع الرض‪ ،‬بل تأكل لحوم البشر·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪748 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪749 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪824 :‬‬

‫ولكي تكوني على عل ٍم بعلّة شرودي‪،‬‬


‫أخبرك بأنني رأيت سكيللّ‬
‫على ساحل إيطاليا‪ ،‬مقابل أسوار ميسّينا·‬
‫أخجل من أن أكرّر هنا وعودي‪،‬‬
‫وصلواتي‪ ،‬ومداعباتي‪ ،‬وحبّي‬
‫وكيف احتقرت هذا كلّه·‬
‫لكن إن كانت هناك سلط ٌة آمرةٌ‬
‫في تعزي ٍم تعرفينه‪،‬‬
‫فلينطق به فمك المقدّس‪،‬‬
‫وإذا كانت هناك نبتةٌ تتغلّب على‬
‫صدّ والمقاومة بشكلٍ أفضل‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫فاستعيني بالخاصّية المجرّبة لهذه النّبتة الفعّالة·‬
‫غير أنني ل أسألك أن تُعالجي دائي‪،‬‬
‫أو أن تَشْفي جرحي·‬
‫فليست المسألة أن أضع نهايةً لحبّي‪،‬‬
‫ل نصيبها من النّار‬ ‫بل أن يكون لسكيل ّ‬
‫التي تلتهمني·"‬
‫ما من امرأ ٍة تميل إلى الهتمام بمثل هذه العواطف‬
‫الملتهبة‪ ،‬اهتمامَ سيرسي‪،‬‬
‫سواءٌ عاد ذلك إلى طبيعتها الخاصّة‪،‬‬
‫أم ألهمتها إيّاه فينوس‬
‫حقداً على أبيها الذي وشى بها سابقاً·‬
‫هكذا قالت له‪:‬‬
‫"خي ٌر لك أن ترتبط بعشيقةٍ‬
‫تستجيبُ إرادتها ورغباتها لرادتك‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪749 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪750 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪825 :‬‬

‫ورغباتك‪ ،‬ويشتعل فيها هيا ٌم كمثل هيامك·‬


‫كنتَ جديراً بأن تكون أوّل من يُلتمس‪،‬‬
‫كنت قادراً‪ ،‬يقيناً‪ ،‬أن تكون كذلك·‬
‫وصدّقني أنّك بقليلٍ‬
‫من المل‪ ،‬ستكون الوّل·‬
‫ل تشكّ في نفسك‪ ،‬وثِقْ بجمالك·‬
‫انظر‪ ،‬أنا نفسي اللهة وابنة الشّمس السّاطعة‪،‬‬
‫أنا التي أمتلك قوّة رهيبةً بتعازيمي‪ ،‬وأعشابي السّحريّة‪،‬‬
‫ل أريد إلّ أن أكون لك·‬
‫احتقرْ تلك التي تحتقركَ‪،‬‬
‫ف بصنيع هذه التي تبحث عنك‪:‬‬ ‫واعتر ْ‬
‫هكذا يصيب انتقامك الواحدة‪ ،‬ويسُرّ الثانية·"‬
‫غير أن جلوكوس الذي فتنها‪،‬‬
‫ردّ عليها قائلً‪:‬‬
‫"سنرى أوراقَ الشجر تنبت في البحر‪،‬‬
‫والطّحالب في ذروات الجبال‪،‬‬
‫قبل أن ينتقل حبّي إلى امرأ ٍة ثانية‪،‬‬
‫ما دامت سكيللّ على قيد الحياة·"‬
‫غضبت اللهة‪ ،‬غير أنّها ل تقدر أن تهاجمَ‬
‫ل عن هذا فإنّ‬ ‫جلوكوس نفسه‪ ،‬وفض ً‬
‫حبّها له يحول دون ذلك· هكذا‬
‫انقلب غضبها فانصبّ على تلك التي فضّلها·‬
‫حبّها‪،‬‬‫وفي الحال‪ ،‬أخذت تدقّ‪ ،‬حانق ًة من صدّ ُ‬
‫أعشاباً سامّة‪،‬‬
‫وأخذت فيما كانت‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪750 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪751 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪826 :‬‬

‫تستخرج منها السّائل المُرعب‪،‬‬


‫تُنشد تراتيل تستدعي بها‬
‫هيكات (‪ ، )Hécate‬إلهة السّحر·‬
‫ثم لبست براقعها اللزورديّة‪،‬‬
‫وسارت وسط قطيع الحيوانات الوحشيّة‬
‫التي تُلطفها‪ ،‬خارج ًة من قصرها‪،‬‬
‫متّجهة نحو ريجيوم (‪، )Rhégium‬‬
‫مقابل صخور زانكلي‪ ،‬شاقّة طريقها‬
‫في المواج المُزبدة‪ ،‬سائرةً فوقها‬
‫كما لو أنها تسير على اليابسة‪ ،‬ملمسةً‬
‫سطحَ البحر‪ ،‬دون أن تتبلّل قدماها·‬
‫كان ثمّة خليجٌ صغيرٌ ضيّق‪ ،‬متعرّج الحدود‪،‬‬
‫تحبّ سكيللّ أن تستريح فيه·‬
‫ل ملجأً‬‫كانت تجد في هذا المُنعزَ ِ‬
‫ض ّد هيجان البحر‪ ،‬وضدّ نيران السّماء‪،‬‬
‫عندما تكون الشمس في منتصف طريقها وأوج التهابها‪،‬‬
‫وعندما تقلّص الظّلل إلى أدنى درجاتها في أعالي السّمت·‬
‫كانت اللهة قد أفسدت هذا الملجأ مسبّقا‪،‬‬
‫ملوّنة إيّاه بسمومها الشّنيعة·‬
‫فقد صبّت فيه السّوائل التي استخرجتها‬
‫من الجذور السّامّة‪ ،‬مؤلّفة‬
‫ض من الكلمات المجهولة‪،‬‬ ‫بخليطٍ غام ٍ‬
‫نشيداً سحريّا َتمْتمتْهُ شفتاها‬
‫سبعاً وعشرين مرّة· ‪4‬‬
‫ها هي سكيللّ تصل‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 4‬وصف أوفيد هذه الممارسة السّحريّة ـ التّعزيميّة في الكتاب السابع‪ ،‬عند ميديا (‪ )Médée‬أخت سيرسي·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪751 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪752 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪827 :‬‬

‫ولم تكد تنزل في الماء إلى خصْرها‪،‬‬


‫حتى لمحت حول ِث ْنيَتَيْ فخذيْها‪،‬‬
‫حزاماً بشعًا من الوحوش النّابحة·‬
‫أرادت أوّل أن تهربَ منها غير قادرةٍ‬
‫على التّصديق أنها جزءٌ من جسمها‪،‬‬
‫فدفعت عنها هذه الكلبَ التي تتوعّدها‪،‬‬
‫والتي أرعبتها أسنانها المعوجّة·‬
‫غير أنها عبثاً حاولت الهرب‪،‬‬
‫فقد التصقت بها·‬
‫تفحّصت جسمها‪ ،‬ناظرةً إلى ساقيها‪،‬‬
‫وفخذيها‪ ،‬وقدميها‪،‬‬
‫فلم تجد مكان هذه كلّها‬
‫إلّ الشْداقَ الفاغرة لكلبٍ‬
‫ثلثيّة الرؤوس‪ ،‬كمثلِ كلب الجحيم·‬
‫ل لنّ هذه الكلب الهائجة كانت تُمسك بها·‬ ‫ولم تبقَ واقفةً إ ّ‬
‫كان جسمها المشوّه‪ ،‬بدءًا من ِث ْنيَتَيْ فخذيها‪،‬‬
‫يسيطر بجذعه وحده على هذه الحيوانات الهائجة‪،‬‬
‫ويُبقيها بفضلِ ظهرها مجمّعة·‬
‫أخذ جلوكوس‪ ،‬حبيبها‪ ،‬يسكب الدّموع‬
‫متوارياً‪ ،‬هاربًا من الزّواج بسيرسي‬
‫التي استخدمت خصائصَ أعشابها‬
‫استخدامًا مُفرطاً في وحشيّته·‬
‫وظلّت سكيلّل في المكان ذاته‪،‬‬
‫وعندما كانت تسنح لها الفرصة‪،‬‬
‫كانت تخطف‪ ،‬كرهاً بسيرسي‪ ،‬رفقاءَ يوليس·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪752 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪753 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪828 :‬‬

‫ولو لم تتحوّل إلى صخرة‪،‬‬


‫ل تزال تعلو حتى اليوم فوق المواج‪،‬‬
‫لكانت ابتلعت السّفن الطّرواديّة·‬
‫هذه الصّخرة نفسها‬
‫خط ٌر يتجنّبه البحّارة جميعاً·‬

‫أ ْينِياس‪ ،‬ديدون‪ ،‬سيبيلّ‬

‫بعد أن نجتِ السّفن الطّرواديّة‪ ،‬بقوّة مجاذيفها‪،‬‬


‫من سكيلّل‪ ،‬ومن خاريبديس المفترسة‬
‫وفيما كانت تقترب من شاطئ إيطاليا‪،‬‬
‫دفعتها الرّياح نحو ضفاف ليبيا·‬
‫واستقبلت الملكة التي تنحدر من صيدون‪ ،‬أيْنياس‬
‫فاتحةً له قلبها وقصرها·‬
‫غير أنّها لم تكن قادرةً أن تتحمّل‬
‫انفصالها عن زوجها الطّرواديّ‪،‬‬
‫فرمت نفسها على حدّ سيفٍ‪،‬‬
‫في محرق ٍة هيّأتها‬
‫زاعمةً أنّها ستقدّم أضحيةً‪،‬‬
‫خادع ًة ذويها جميعاً هي التي خُدعت·‬
‫هرب أينياس‪ ،‬مرّة أخرى‪ ،‬من السوار‬
‫الجديدة المرفوعة على هذه الرض الرّمليّة‪،‬‬
‫عائداً في اتّجاه مدينة إريكس (‪، )Eryx‬‬
‫وإلى أرضِ آسيستيس (‪ )Acestes‬الوفيّة‪،‬‬
‫وهناك قدّم أضحيةً‪ ،‬تكريماً لقبر أبيه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪753 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪754 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪829 :‬‬

‫ثمّ أمرَ بأن تقلع السّفن‬


‫التي كادت إيريس‪ ،‬رسولة جونون‪،‬‬
‫أن تحوّلها إلى رماد‪ ،‬تاركاً وراءه‬
‫مملكة ابن هيبّوتيس (‪Hippotes(, 5‬‬
‫حيث يتصاعد من الرض دخانُ الكبريت الملتهب‪،‬‬
‫وصخور جنّيات البحر الثلث‪ ،‬بنات آشيلوس (‪· )Achélous‬‬
‫أمّا سفينته التي فقدت ربّانها ‪6‬‬
‫فقد حاذت إيناريما (‪ ، )Inarimé‬وبروشيتي (‪)Prochyté‬‬
‫وبيتيكوزا (‪ )Pithécusae‬التي تقع على تلّة‬
‫سكّانها·‬
‫عارية‪ ،‬وتأخذ اسمها من اسمِ ُ‬
‫ب أبو اللهة‬ ‫ذلك أنّه‪ ،‬فيما مضى‪ ،‬غض َ‬
‫من سوء نيّة السّيرْكوبيس (‪)Cercopes‬‬
‫وأيْمانِهم الكاذبة‪ ،‬وأراد أن يُعاقبَ‬
‫جرائ َم هذا العرقِ الخدّاع‪،‬‬
‫ت شنيعة‪،‬‬ ‫فحوّلهم من بشرٍ إلى حيوانا ٍ‬
‫تختلف عن النسان تمامًا فيما تشبهه·‬
‫خنِسَتْ‬
‫صغّر أجسامَهم‪ ،‬وسطّح أنوفَهم ف َ‬
‫تحت جباهِهم‪ ،‬وخطّط وجوههم بالتّجاعيد‪،‬‬
‫كما هي الحال في وجوه العجائز‪ ،‬مُغطّيا‬
‫شعْرٍ أصْهب اللّون·‬ ‫أجسامهم كلّها ب َ‬
‫ثمّ أرسلهم إلى هذه البلد‪ ،‬لكن بعد أن سلبهم‬
‫القدرة على استخدام الكلم وعطل ألسنتهم‬
‫ث باليمين·‬
‫التي وُلدت للحن ِ‬
‫لم يترك لهم إلّ القدرة على الشكوى‬
‫بصراخٍ ثاقبٍ‪ ،‬أجشّ· ‪7‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 5‬هو إيولوس‪ ،‬سيّد الجزر اليوليّة‪ ،‬التي تسمّى كذلك جزر ليبّاري (‪· )Lipari‬‬
‫‪ 6‬بسبب موته·‬
‫‪ 7‬السيركوب (‪ ، )Cercopes‬مجموعةٌ من قطّاع الطّرق‪ ،‬أسرهم هرقل‪ ،‬ثمّ أطلقهم‪ ،‬غير أنّهم واصلوا قطع الطّرق‪،‬‬
‫فحوّلهم جوبيتر إلى قرود‪ ،‬ناقلً إيّاهم إلى جزر تأخذ اسمها من هذا التحوّل‪ :‬جزر القرود (بيتيكوزا)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪754 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪755 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪830 :‬‬

‫عندما اجتاز أيْنياس هذه الجُزُر‬


‫تاركاً إلى يمينه جدران بارتينوبّا (‪)Parthénope‬‬
‫وإلى اليسار قبر ابن أيولوس (‪ ,)Aeolus‬ذي البوق المِرْنان‪،‬‬
‫وتلك النحاء التي تغمرها ميا ٌه مُسْتنقعيّة‪،‬‬
‫ووصلَ إلى شاطئ كوماي (‪ ، )Cumae‬ومغارة‬
‫سيبيل القديمة‪،‬‬
‫طلب منها السّماح له بالدّخول إلى العالم السفل‪،‬‬
‫وزيارة روح أبيه·‬
‫ثبّتت سيبيلّ نظراتها طويلً على الرض‪،‬‬
‫ثمّ رفعت رأسها مخطوفةً بتأثير الله الذي يزورها‪،‬‬
‫فقالت‪:‬‬
‫ب كبير‪ ،‬أيّها البطل الذي شهرته‬ ‫"هذا مطل ٌ‬
‫ت من أبرزت الحرب شجاعته‪ ،‬والنّار رأفته·‬ ‫مآثره العظيمة‪ ،‬أن َ‬
‫مع ذلك‪ ،‬دع عنكَ‪ ،‬يا ابن طروادة‪ ،‬كلّ قلقٍ‬
‫فما تطلبه‪ ،‬ستأخذه·‬
‫سأكون دليلتكَ‪ ،‬وسوفَ تعرف مُقامَ الليزيوم (‪)Elysium‬‬
‫القسم الخير من الممالك التي تتقاسم العالم·‬
‫وترى شبح والدك العزيز·‬
‫فمن سلك الطريق القويم ل تُسدّ أمامه طريقٌ·"‬
‫ثمّ أشارت إلى الغصنِ الذهبيّ المتللئ‬
‫في الغابة المنذورة للهة العالم السفل‪،‬‬
‫وأمرته بأن ينتزعه من الجذع الذي يحمله·‬
‫نفّذ إيْنياس أمرها‪،‬‬
‫ورأى حينذاك مملكة أوركوس (‪ ، )Orcus‬حيث يُهيمن الهول‪،‬‬
‫ورأى أسلفَه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪755 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪756 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪831 :‬‬

‫وشبحَ أبيه الشّيخ‪ ،‬آنخيزيس (‪ )Anchises‬الشّهم·‬


‫عرف كذلك القوانين التي تخضع لها هذه المكنة‪،‬‬
‫ب جديدة‪،‬‬
‫والخطار التي ينبغي عليه أن يُواجهها في حرو ٍ‬
‫ثم غادر صاعداً بخطوةٍ واهنة‪،‬‬
‫طريقاً في اتّجاه مُعاكس‪،‬‬
‫لهياً عن التّعب بحديثٍ‬
‫مع دليلته كاهنة كوماي·‬

‫فيما كان يعبُر هذا الممر المخيف‬


‫في عتم ٍة كثيفةٍ وغسقيّة‪،‬‬
‫قال يُخاطبها‪:‬‬
‫شخْصكِ‪،‬‬ ‫"سوا ٌء كنتِ إلهةً ب َ‬
‫أو مفضّلة عند اللهة‪،‬‬
‫فسوف تظلّين‪ ،‬بالنّسبة إليّ‪ ،‬رمزاً إلهيّا‪،‬‬
‫وسأعترف دائمًا أنني مَدينٌ لكِ‪،‬‬
‫أنتِ التي سمحتِ لي أن أزو َر مملكة الموت‪،‬‬
‫وأن أخرج منها‪ ،‬بعد زيارتها·‬
‫وعرفانًا بهذا الفضل‪ ،‬سأقيم لك هيكلً‪،‬‬
‫ق فيه البخور‪،‬‬ ‫وتكريماً لك سأحر ُ‬
‫عندما أبلغُ المكنة التي نتنفّس فيها هواءَ القاليم العالية·"‬
‫استدارت الكاهنة نحوه‪ ،‬مصعّدةً زفرةً عميقةً‪،‬‬
‫ثمّ أجابته قائلةً‪:‬‬
‫"لستُ إلهةً‪،‬‬
‫ول ينبغي عليكَ أن تحرقَ البخور المقدّس‬
‫تكريماً لكائنٍ فانٍ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪756 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪757 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪832 :‬‬

‫واعلم‪ ،‬لكي ل ترتكب خطأً عن جهل‪،‬‬


‫أنّ الضّوء البديّ الذي ل نهاية له‪،‬‬
‫كان من نصيبي‪،‬‬
‫لو أنني قدّمت بكارتي لفوبوس‬
‫الذي كان يُحبّني·‬
‫فعندما كان يأملُ أن يسلبني إيّاها‪،‬‬
‫مُغريًا إيّاي بهداياه‪،‬‬
‫قال لي‪:‬‬
‫"يا عذراء كوماي‪،‬‬
‫تمنّي‪ ،‬كما ترغبين‪ ،‬أمنيةً‪،‬‬
‫وسوف تتحقّق·"‬
‫فأخذت بيدي حفنةَ غبار‪ ،‬مشيرةً إليها‪،‬‬
‫وتمنّيت بل تبصّر‪ ،‬أن أرى يو َم مولدي‪،‬‬
‫وأعيدَ رؤيته مراراً‬
‫عددَ ذرَات هذا الغُبار‪،‬‬
‫ب أن تكون هذه كلّها سنوات فتوّة·‬ ‫ولم أطل ْ‬
‫ومع هذا كان الله سينعمُ عليّ في الوقت نفسه‬
‫ب أبديّ‪ ،‬لو أنّي استسلمتُ‬ ‫بشبا ٍ‬
‫لحبّه المضطرم·‬
‫هكذا ل أزال حيّة‪،‬‬
‫ت ما قدّمه لي فيبوس‪ ،‬وبقيت عذراء·‬ ‫لنني رفض ُ‬
‫والن‪ ،‬هربَ العمر السّعيد‪،‬‬
‫والشّيخوخة الكئيبة‬
‫التي عليّ أن أتحمّلها طويلً‪،‬‬
‫تجيء إليّ بخطواتٍ ترتجف·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪757 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪758 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪833 :‬‬

‫ت سبع َة قرون‪،‬‬ ‫الن‪،‬كما تراني‪ ،‬عش ُ‬


‫وحتى أكملَ عدد ذرَات الغبار‪ ،‬بقي عليّ‬
‫أن أرى الحصاد ثلثمئة سنةٍ‪،‬‬
‫وثلثمئة قطافٍ لخمر جديدة·‬
‫سيأتي يو ٌم يُقلّص فيه قامتي العالية‪،‬‬
‫هذا التّعاقب الطّويل من اليّام‪،‬‬
‫حيث تُصبحُ أعضائي التي استهلكتْها الشّيخوخة‪،‬‬
‫واهنةً‪ ،‬ل تزن شيئاً·‬
‫ولن يعتقد أحدٌ آنذاك‪ ،‬أنني كنت محبوبةً‪،‬‬
‫وأنني قدرتُ أن أغريَ إلهاً·‬
‫ومن يدري ؟ لن يعرفني فيبوس نفسه‪،‬‬
‫أو بالحرى‪ ،‬سينكر أنّه أحبّني·‬
‫وعند هذا الحدّ من التّغيّر‪،‬‬
‫أصلُ إلى نهايتي·‬
‫لكن عندما لن يتمكّن أحدٌ من رؤيتي‬
‫ل مع ذلك‪ ،‬معروفةً بصوتي·‬ ‫فسوف أظ ّ‬
‫ستترك لي القدار الصّوت·"‬
‫فيما كانت سيبيل تتكلّم‬
‫كان أيْنياس الطّرواديّ يخرج من مملكة الجحيم‪،‬‬
‫قرب مدينة كوماي·‬
‫وبعد أن أكملَ التّضحيات على وفق الطقوس‪،‬‬
‫جاء إلى الشاطئ الذي لم يكن بعد يحمل‬
‫اس َم مربيّته· ‪8‬‬
‫هنا توقّف كذلك‪ ،‬بعد ِمحَنٍ طويل ٍة ومُضْنية‪،‬‬
‫مكاريوس (‪ )Macareus‬النّيروتوسيّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 8‬اسمها كايّيتا (‪ .)Caiète‬ماتت وأعطت اسمها للشّاطئ الذي دفنت فيه· (انظر الكتاب السابع)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪758 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪759 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪834 :‬‬

‫رفيق يوليس الماهر·‬


‫وها هو يتعرّف على آخايمينيديس (‪)Achaemenides‬‬
‫الذي هُجرَ سابقاً في سفحٍ صخور إتْنا·‬
‫ش من العثور عليه‪ ،‬بغتةً‪،‬‬
‫وقد دُه َ‬
‫وهو ل يزال حيّا‪ ،‬فصرخَ قائلً‪:‬‬
‫"ليّ حظّ‪ ،‬أو ليّ إلهٍ‪ ،‬تدينُ بنجاتكَ‪،‬‬
‫يا آخايمينيديس ؟‬
‫كيف حدث أن يُبحرَ يونانيّ‬
‫في سفينةٍ طرواديّة ؟‬
‫ونحو أيّة بلدٍ تتّجه سفينتك ؟"‬
‫لم يعد آخايمينيدس‬
‫الذي وُجّهت إليه هذه السئلة‪،‬‬
‫يلبس الخرقَ القذرة‪،‬‬
‫فقد استعادَ شخصيّته السّابقة‪،‬‬
‫ولم تعد ثيابه تتدلّى مُعلّقة بالشّوك·‬

‫وقد ر ّد عليه قائلً‪:‬‬


‫"أقبلُ أن أرى بوليفيموس ثانيةً‬
‫وذلك الفم المفترس الذي يقطر منه الدّم النسانيّ‪،‬‬
‫إن كان بيتي وإيتاكا‪،‬‬
‫ي من هذه السّفينة‪،‬‬ ‫أعزّ عل ّ‬
‫وإن كنت أمجّد أيْنياس أقلّ مما أمجّد أبي!‬
‫كلّ‪ ،‬لن أقدر أبداً أن أكفيه حقّه من الشّكر‬
‫حتّى عندما أفعل كلّ شي ٍء من أجله·‬
‫ت أتكلّم‪ ،‬وأتنفّس‪ ،‬وأرى‬ ‫فلئن كن ُ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪759 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪760 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪835 :‬‬

‫السّماء‪ ،‬والشمسَ التي تُنيرنا‪،‬‬


‫فأنا في هذا كلّه مَدينٌ له·‬
‫هل يُمكن أن أكون كافرًا بالنّعمة‪،‬‬
‫وعديمَ المروءة إلى درجة أن أنساه ؟‬
‫بفضله‪ ،‬لم تنتهِ حياتي في فم السّيكلوب‪،‬‬
‫وبفضله‪ ،‬إن فارقتُ الن ضوء الحياة‪،‬‬
‫سيُدفنُ جسمي في قبرٍ‪ ،‬أو في مكانٍ آخر‪،‬‬
‫ل في أحشاء هذا الوحش·‬
‫وبماذا شعرت آنذاك ‪( ،‬هذا‪ ،‬إذا كان الرّعب‬
‫لم يسلبني الشّعور والفكرَ)‪،‬‬
‫عندما كنت متروكاً ورأيتك‪،‬تبحر مع مدّ البحر ؟‬
‫أردتُ أن أصرخَ‪ ،‬غير أنني خشيتُ‬
‫ف للعدوّ عن مكاني·‬ ‫أن أكش َ‬
‫حتّى صرخات يوليس نفسه‪،‬‬
‫كادت أن تؤدّي إلى تدمير سفينتكم·‬
‫فقد رأيت السّيكلوب يقتلع من الجبل صخرةً هائلةً‬
‫ويقذفُ بها إلى البحر‪،‬‬
‫رأيت كذلك ذراعيه الشّبيهتين بذراعيْ عملقٍ‬
‫تقذفان حجارةً ضخمةً‬
‫بقوّة تضاهي قوّة آلةٍ حربيّة‪،‬‬
‫وخفتُ على سفينتكم من أن تُغرقها المواج ودوّامات الرّيح‪،‬‬
‫ناسياً أنني لم أعد معكم في السّفينة·‬
‫ت أكيدٍ‪،‬‬
‫بعد أن أنقذكم الهرب من مو ٍ‬
‫ب التْنا كلّه‪ ،‬من جمي ٍع نواحيه‪ ،‬مُوَلولً‬ ‫أخذ السّيكلوب يجو ُ‬
‫مُصطدماً بالصّخور لنعدام بصره‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪760 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪761 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪836 :‬‬

‫فيما يجسّ بيده الشجارَ التي يُصادفها أمامه·‬


‫آنذاك‪ ،‬مدّ يديه الملطّختين بالدّم‪،‬‬
‫ي كلّه‪ ،‬صارخاً‪:‬‬‫صوبَ البحر‪ ،‬لعناً العرق اليونان ّ‬
‫"أوه! ليتَ الحظّ يقودُ نحوي يوليس‬
‫أو أحدَ رفقائه لجرّب فيه غضبي‪،‬‬
‫فألتهمَ أحشاءه‪ ،‬وأمزّق بيديّ‬
‫أعضاءه الحيّة‪ ،‬حيث يفيضُ دمُها من حُلقومي‪،‬‬
‫وينبض تحت أسناني لحمها المجروشُ·‬
‫وكم يهون عليّ آنذاك الذى‬
‫الذي حرمني الضّوء‪ ،‬أو يُصبح ل شيء!"‬
‫بهذه العبارات وبغيرها كذلك‪،‬‬
‫كان يزفر غضبه·‬
‫شَحُبَ وجهيَ‪ ،‬رُعباً‪،‬‬
‫فيما كنتُ أتأمّل وجهَه‬
‫ودمُ المجزرة ل يزال يتقطّر منه‪،‬‬
‫حجَر عينه الفارغ من الضّوء‪،‬‬ ‫ويديه الوحشيّتين‪ ،‬ومِ ْ‬
‫وأعضاءه الشّنيعة‪ ،‬ولحيته بوبرها‬
‫الذي ُيغَرّيه الدّم البشريّ·‬
‫كان الموت الذي أخشاه جاثماً هنالك‬
‫أما َم عينيّ‪ ،‬ولم يكن يُشكّل مع ذلك‬
‫ل ممّا أخشاه·‬ ‫إلّ الجزءَ القلّ ه ْو ً‬
‫ت مُقتنعًا أنّه سيقبض عليّ‬ ‫كن ُ‬
‫ويقذفُ بجسميَ في أحشائه·‬
‫وقد بقيت في ذهني صور ٌة ثابتة‬
‫هي صورة تلك اللحظة التي رأيته فيها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪761 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪762 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪837 :‬‬

‫ثلث أو أربع مرّات‪،‬‬


‫يطرح اثنين من رفقائي على الرض‪،‬‬
‫ث ّم يتمدّد فوق جسميهما‪،‬‬
‫كمثلِ أسدٍ غاضبٍ‪ ،‬ويغيّب‬
‫في بطنه الذي ل يشبع‪،‬‬
‫ب البيض‪،‬‬ ‫أحشاءهما‪ ،‬ولحمهما‪ ،‬وعظامهما المليئة بالّل ّ‬
‫وأعضاءهما النّابضة·‬
‫رجّتني بكاملي الرّعشة‪ ،‬وتوقّف دمي‬
‫في عروقي‪ ،‬ذهولً ورعباً·‬
‫وفيما كنت أراه يمضغ هذا الطّعام الدّامي‪،‬‬
‫ويتقيّأ منه ما يشاء من القِطعِ خِلطًا مِلْطاً‬
‫مازجاً إياها بالخمر‪،‬‬
‫كنتُ أتخيّل المصيرَ البائس الذي ينتظرني·‬
‫ت أيّاما طويلةً‪ ،‬كنت فيها‬ ‫اختبأ ُ‬
‫ل نأمةٍ‪،‬‬
‫أرتجفُ من أق ّ‬
‫خائفًا من الموت‪ ،‬راغباً فيه‪ ،‬في آن·‬
‫وكنت أهدّئ جوعي ببعض ثمار البلّوط‬
‫ب ممزوجًا بورق الشّجر·‬ ‫وبالعش ِ‬
‫كنتُ وحيداً‪ ،‬ل حيلةَ لي‪ ،‬ول أملَ‪،‬‬
‫ضحيّة متروكةً للموت‪ ،‬ولثأر الوحش‪،‬‬
‫ت بعد زمنٍ طويلٍ‪ ،‬ومن بعيد‪،‬‬ ‫عندما لمح ُ‬
‫هذه السّفينة·‬
‫توسّلت بإشاراتي‪ ،‬راكضاً على الشّاطئ‪ ،‬كي تُتاحَ لي وسيلة الهرب‪،‬‬
‫فأشفقوا عليّ‪،‬‬
‫وهكذا استُقبلَ يونانيّ في سفينةٍ طرواديّة·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪762 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪763 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪838 :‬‬

‫لكن أنتَ‪ ،‬بدوركَ‪ ،‬أيّها العزّ بين رفقائي‪،‬‬


‫أخبرني بمغامرتك‪ ،‬وما جرى لرئيسك‬
‫وللبحّارة الذين كانوا معكَ‬
‫تحت رحمة الموج·"‬

‫مكاريوس‪ ،‬يوليس‪ ،‬سيرسي‬

‫آنذاك‪ ،‬أخبره مكاريوس أنّ أيولوس (‪)Aeolus‬‬


‫ابن هيبّوتيس (‪ ، )Hippotès‬كان يُهيمن‬
‫على البحر التّوسكانيّ‪ ،‬وكان يحبس الرّياح‪،‬‬
‫وأنّ يوليس تلقّاها هديّة‪ ،‬تكريماً له‪،‬‬
‫مأسورةً في قرب ٍة من جلد ثور·‬
‫ح ملئمةٌ‬‫بعد أن دفعته ري ٌ‬
‫على مدى تسعة أيّام‪ ،‬وصل إلى حيث‬
‫أصبحت بلده التي يتلهّف إليها في مجال بصره·‬
‫وفي نهاية اليوم التّاسع‪ ،‬مع شروق الفجر‪،‬‬
‫لم يعد رفقاؤه يُقاومون شهوتهم وجشعهم‪،‬‬
‫ففكّوا الحبالَ التي كانت تحفظ الرّياح‬
‫في سِجْنها الجلديّ‪،‬‬
‫ن بينها ذهباً·‬
‫موقنين أ ّ‬
‫هكذا حرّروا الرياح‪ ،‬فدفعت سفينتهم في اتّجاه معاكسٍ‬
‫راجعةً بهم إلى المرفأ نفسه في مملكة أيولوس·‬
‫وأكملَ مكاريوس قائلً‪:‬‬
‫"من هناك‪ ،‬وصلنا إلى المدينة القديمة‪،‬‬
‫مدينة لموس‪ ،‬والليستريغوليين‪،‬‬
‫كان آنتيفاتيس (‪ )Antiphates‬آنذاك‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪763 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪764 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪839 :‬‬

‫ملكاً على هذه المنطقة·‬


‫ت إليه يُرافقني اثنان من المحاربين·‬‫بُعث ُ‬
‫لم نجد الخلص بهربنا‪ ،‬أحد رفيقيّ وأنا‪،‬‬
‫إلّ بمشقّة كبيرة‪ :‬أمّا الثالث فصبغ بدمه‬
‫ف َم ليستريغونيّ مفترس·‬
‫هربنا‪ ،‬يُطاردنا آنتيفاتيس‪ ،‬حاشداً‬
‫علينا فَوْجًا لمساعدته·‬
‫تجمّعوا وأخذوا يقذفوننا بقطعِ الصّخور والخشب‪،‬‬
‫مُغرقينَ المراكبَ و ُركّابها·‬
‫إلّ أنّ السّفينة التي كانت تقلّني مع يوليس‪،‬‬
‫نجت من الغرق‪ ،‬وتلك هي التي أبحرنا فيها·‬
‫بعد أن بكينا الرّفقاء الذين فقدناهم‪،‬‬
‫وانْتحبنا طويلً على مصيرهم‪،‬‬
‫وصلنا إلى هذه الرض التي تلمحها‪ ،‬بعيداً‪ ،‬من هنا·‬
‫صدّقني‪ ،‬الفضلُ رؤيتها من بعيدٍ‪،‬‬
‫تلك الجزيرة التي رأيتها عن كثب·‬
‫وأنتَ‪ ،‬يا أعدلَ أهل طروادة‪ ،‬يا ابن اللهة‬
‫(الن‪ ،‬وقد انتهت الحرب‪ ،‬يا أينياس‪ ،‬ل يجوز أن‬
‫نسمّيك عدوّنا)‪،‬‬
‫ب بعيداً عن شاطئ سيرسي·‬ ‫أنصحك أن تهر َ‬
‫نحن كذلك‪ ،‬عندما أرسينا سفينتنا النّاجية الوحيدة‪،‬‬
‫على شاطئ سيرسي‪ ،‬تذكّرنا آنتيفاتيس‪،‬‬
‫والسّيكلوب الوحشيّ‪،‬‬
‫ورفضنا أن ننزل إلى الرض‪،‬‬
‫أو أن ندخل إلى مساكن نجهلها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪764 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪765 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪840 :‬‬


‫اقْترعنا على المر‪،‬‬
‫وكان من نصيبي‪ ،‬أنا وبوليتيس (‪)Politès‬‬
‫صديقي المين‪،‬‬
‫وأوريلوكوس (‪ )Eurylochus‬وإيلبينور (‪)Elpenor‬‬
‫المُولع بالخمر‪ ،‬وثمانية عشر رفيقاً آخر‪،‬‬
‫أن نذهبَ نحو جدران سيرسي·‬
‫لم نكد‪ ،‬بعد وصولنا‪ ،‬أن نقف على عتبة القصر‪،‬‬
‫حتى أسرع نحونا ألف ذئبٍ‪ ،‬وبينها دببةٌ وأسودٌ‬
‫امتلنا رعبًا منها·‬
‫لكن‪ ،‬لم يكن أيّ من هذه الحيوانات‬
‫يبعثُ على الخوف‪،‬‬
‫ي منها يتهيّأ لكي يُصيبنا بأذىً‪،‬‬ ‫ولم يكن أ ّ‬
‫بل إنّها كانت‪ ،‬على العكس‪ ،‬تحرّك‬
‫بوداعةٍ ذيولها في الهواء‪،‬‬
‫وتواكب خطواتنا‪ ،‬مُداعبةً إيّانا‪،‬‬
‫حتى استقبلتنا خادماتٌ‪ ،‬وقادتنا‬
‫في ساحاتٍ يكسوها الرّخام‪،‬‬
‫إلى سيّدتهنّ·‬
‫كانت تجلسُ في صدر َبهْوٍ فخمٍ‬
‫على عرشٍ باذخ·‬
‫وكانت تلبس ثوباً أرجوانيّا فاتناً‬
‫وتلقي فوقه معطفًا مُرصّعا بالذهب·‬
‫وكانت حولها إلهاتُ بحرٍ وغابٍ‪،‬‬
‫ل يسحبْنَ الصّوف بأصابعهنّ الرّشيقات‬
‫ن الكتّان الطّيع·‬
‫ول يغزل َ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪765 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪766 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪841 :‬‬

‫ن يُرتّبن نباتا ٍ‬
‫ت‬ ‫كّ‬
‫ويُوزّعن في السّلل زهوراً مبعثرة‬
‫بل ترتيبٍ‪ ،‬وأعشابًا من ألوانٍ مختلفة·‬
‫كانت سيرسي هي نفسها تُراقب عملهنّ‪،‬‬
‫وهي وحدها تعرف كيف تُستخدمُ كلّ ورقةٍ‪،‬‬
‫وتعرفُ الخاصّيات التي تنشأ عن تمازجها·‬
‫وكانت تروزُ وتفحصُ بانتباهٍ‬
‫جمي َع هذه النّباتات·‬

‫عندما رأتنا‪ ،‬بادلتنا التحيّة‪،‬‬


‫ت يُمنٍ وخير·‬
‫بوج ٍه مُشرقٍ‪ ،‬وخاطبتنا بكلما ِ‬
‫وأعطت المر‪ ،‬دون أن تضيّع لحظةً واحدة‪،‬‬
‫بأن تُمزج معاً حبوب الشّعير المشويّ‬
‫والعسل‪ ،‬والنّبيذ المُسكر‪ ،‬واللّبن الرّائب‪،‬‬
‫مضيفةً إلى هذا كلّه‪ ،‬خفيةً‪،‬‬
‫نُسوغًا تموّهها حلوة الشّراب·‬
‫تناولنا الكؤوس التي قدمتها لنا‪،‬‬
‫من يدها الساحرة‪،‬‬
‫ولم تكد أفواهنا المتيبّسة من العطش‬
‫تُفرغها‪ ،‬ولم تكد اللهة القاسية‬
‫تلمس شَعرنا بعصاها‬
‫(ل أستطيع أن أفصح عن ذلك إلّ بخجلٍ)‪،‬‬
‫حتى امتل جسمي وبراً‪ ،‬ولم أعد قادراً على الكلم·‬
‫ق دَمْدماتٍ جشّاء·‬
‫وبدلً من الكلمات‪ ،‬صرتُ أطل ُ‬
‫انحنيتُ صوبَ الرض‪ ،‬ورأسي إلى المام‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪766 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪767 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪842 :‬‬

‫ن أنفي يتصلّب في شكل خطْمٍ‬ ‫وأحسستُ أ ّ‬


‫يشبه خطمَ الخنزير·‬
‫وانتفخت عضلتُ عنقي‪،‬‬
‫ويداي اللّتان تناولت بهما الكأس من هنيهةٍ‪،‬‬
‫صارتا قدمين· وسُجنتُ في إسطبلٍ‬
‫كمثلِ رفقائي الذين سُحروا معي السّحر نفسه‬
‫(فما أقوى خاصّية هذا الشّراب!)·‬

‫كان أوريلوكوس الشّخص الوحيد‬


‫الذي رأيناه ينجو من هذا التحوّل إلى خنزير‪،‬‬
‫فهو وحده الذي رفضَ الكأس التي ُقدّمت إليه·‬
‫ولو لم يتجنّبها‪ ،‬لكنت الن واحداً‬
‫من ذلك القطيع الذي يكسوه الوبر‪،‬‬
‫ولما كان أحدٌ أخبر يوليس بهذه البليّة الكبيرة‪،‬‬
‫لكي يجيء لرؤية سيرسي ويُخلّصنا·‬
‫كان إله سيللّينا‪ ،‬ميركور‪ ،‬رسول السّلم‪،‬‬
‫قد أعطى إلى ملكنا زهر ًة بيضاء يُسمّيها‬
‫سكّان السّماء مُولي‪ 9 ،‬ولها جذرٌ أسود·‬
‫دخل يوليس إلى قصر سيرسي‪،‬‬
‫بفضل هذا الطّلسم‪ ،‬وبفضل‬
‫إرشادات الله·‬
‫وعندما دعته لكي يشرب الكأس الخادعة‪،‬‬
‫وحاولت جاهد ًة أن تُلمس‬
‫شعره بعصاها‪ ،‬صدّها‪ ،‬شاهراً سيفه‪،‬‬
‫فارتعبت وارتدّت مُكرَهةً·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 9‬ميركور هو نفسه هرمس‪ ،‬أعطى يوليس زهر ًة بيضاء لها جذورٌ سوداء‪ ،‬اسمها مولي (‪ ، )Moly‬وهي غير مشتقّة‬
‫من أيّة لغةٍ إنسانيّة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪767 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪768 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪843 :‬‬

‫حينذاك تبادل حُسنَ النيّة‪ ،‬وتصافحا·‬


‫ثم استقبلته في سريرها‪ ،‬فطلب منها‬
‫مقابل ذلك‪ ،‬أن تعيد رفقاءه إلى أشكالهم الحقيقيّة‪،‬‬
‫هكذا سكبت علينا‬
‫ت مجهولٍ‪،‬‬‫العُصارة النّاجعة من نبا ٍ‬
‫ضارب ًة كلّ منا على رأسه بطرف عصاها‪،‬‬
‫ت مضادّة لتلك الكلمات‬ ‫متمتمةً بكلما ٍ‬
‫التي كانت قد تفوّهت بها·‬
‫وفيما كانت تمارس هذه التّعازيم‬
‫كنّا نتحوّل وننتصب على الرض‪،‬‬
‫فيما يتساقط وبَرنا‪ ،‬وتزول الشّقوق‬
‫التي كانت تقسم أقدامنا إلى نصفين‪،‬‬
‫وعادت إلينا أكتافنا ومرافقنا وأذرعنا·‬
‫كان رئيسنا يبكي‪ ،‬وبكينا نحن فيما نعانقه‬
‫متمسّكين بعنقه‪،‬‬
‫وكانت كلماتنا الولى‪ ،‬التّعبير عن عظيم شكرنا له·‬
‫بقينا هناك سنةً‪ ،‬وفي هذه الفترة الطّويلة‪،‬‬
‫ي الثنتين أعاجيب كثيرة‪،‬‬ ‫ت بعين ّ‬
‫رأي ُ‬
‫وسمعتُ أكثر منها·‬
‫بينها هذه العجوبة التي أخبرتني بها سرّا‬
‫إحدى الكاهنات الربع اللّئي يشاركنَ‬
‫في هذه الطّقوس الرّهيبة·‬

‫ذات يوم‪ ،‬فيما كانت سيرسي وحدها‬


‫مع ملكي‪ ،‬أرتني هذه الكاهنة تمثالً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪768 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪769 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪844 :‬‬

‫من المرمر البيض كالثلج‪ ،‬يمثّل شابّا‬


‫يحملُ على رأسه طائراً أخضر هو النقّار·‬
‫كان التمثال موضوعاً في هيكلٍ تزيّنه‬
‫أكاليل عديدة·‬
‫دفعني الفضول إلى السّؤال عمّن‬
‫يكون هذا الشّاب‪ ،‬ولماذا يُعبد في هيكلٍ‪،‬‬
‫ولماذا يضع على رأسه هذا الطّائر·‬
‫فأجابتني الكاهنة‪ ،‬ربّة الغاب‪ ،‬قائلةً‪:‬‬
‫"اسمع‪ ،‬يا مكاريوس‪ ،‬وسوف تعرف‬
‫من هذه المثولة الجديدة‪،‬‬
‫كم هو عظيمٌ سلطان سيّدتي‪،‬‬
‫فانتبه إلى كلمي·"‬

‫بيكوس وكا َننْس (‪)Picus et Canens‬‬

‫"كان بيكوس‪ ،‬ابن ساتورن (‪)Saturne‬‬


‫ملكاً على أوزونيا (‪ Ausonia(، 10‬فيما مضى‪،‬‬
‫وبطلً يعشق الخيول التي تُربّى من أجل الحرب·‬
‫تقدر أنت بنفسك أن تنظر إليه‪،‬‬
‫وترى كم كان جميلً‪،‬‬
‫وتستطيع أن تتبيّن من هذا التمثال نموذجه‪،‬‬
‫شخصَه الفاتن‪،‬‬
‫وجمال روحه الذي يضاهي جمال جسمه·‬
‫لم يكن قد تيسّر له آنذاك أن يشهد‬
‫أربعَ مرّات ألعابَ المصارعة التي تقيمها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬السم القديم ليطاليا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪769 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪770 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪845 :‬‬


‫اليونان في إيليس (‪، )Elis‬‬
‫كلّ خمس سنوات· ‪11‬‬
‫لكن ربّات الغابات المولودات في جبال لتيوم (‪)Latium‬‬
‫شاهدْنَ وجهه‪،‬‬
‫ت الينابيع كلّهنّ‪،‬‬
‫وعشقته إلها ُ‬
‫وجميع اللهات الّلئي أنجبهنّ آلبول (‪)Albula‬‬
‫ونوميسيوس (‪ ، )Numicius‬وآنيو (‪)Anio‬‬
‫وآلمو (‪ )Almo‬ذوالمجرى القصير‪،‬‬
‫ونار (‪ )Nar‬المُندفع‪ ،‬وفارفاروس(‪)Farfarus‬‬
‫ذو الظّلل الكثيفة‪12 ،‬‬
‫الّلئي يسكنّ وسط الغابات‪،‬‬
‫في غدير ديانا السّيثيّة‪ ،‬والبحيرات المجاورة· ‪13‬‬
‫غير أنّه كان يحتقرهنّ جميعاً‪،‬‬
‫ولم يكن يُحيّي إلّ إلهةً واحدةً‪ ،‬هي التي ولدت‪،‬‬
‫كما يقال‪ ،‬سابقاً‪ ،‬على جبل بالتينا (‪)Palatine‬‬
‫من حبّ نشأ بين فينيليا (‪)Venilia‬‬
‫وجانوس (‪ )Janus‬اليونيّ·‬
‫فمنذ أن بلغت السنّ التي أصبحت فيها‬
‫ناضجةً للزّواج‪ ،‬فضّلت بيكوس‬
‫على جميع الذين طلبوا الزّواج منها‪،‬‬
‫وأعطيت له زوجةً·‬
‫كانت نادرة الجمال‬
‫وأكثر ندر ًة فنّها في الغناء‬
‫ت منه اسمها كا َننْس‪،‬‬ ‫الذي أخذ ْ‬
‫جمال صوتها يجعل الشجار والصّخور تمشي‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 11‬هي اللعاب الولومبيّة التي كانت تُقام في إيليس·‬


‫‪ 12‬آلبول هو السم القديم لنهر التّيبر‪ ،‬ونوميسيوس نهرٌ في لتيوم· ويرفد التّيبر اثنان وأربعون نهراً‪ ،‬يُسمّي أوفيد‬
‫ثلثة منها· والكثر شهر ًة هو نهر آنيو·‬
‫‪ 13‬ديانا السّيثيّة (‪ )Diana Scythique‬هي آرتيميس التي نقلها أوريست إلى إيطاليا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪770 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪771 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪846 :‬‬

‫يروّض الحيوانات المتوحّشة‪،‬‬


‫ويوقف النهار في مجاريها الطّويلة‪،‬‬
‫والطّيور الجامحة الطّيران·‬

‫ذات يوم‪ ،‬فيما كانت المرأة الشّابة تغنّي‬


‫متنقّلة من نغمةٍ إلى أخرى·‬
‫خرج بيكوس من دارته ذاهباً‬
‫إلى الرّيف لكي يصيد بسهامه‬
‫الخنازير البرّية التي تتكاثر فيه‪،‬‬
‫ت متوثّب بَطِرٍ‪،‬‬ ‫يعتلي صهو َة كُمي ٍ‬
‫يحمل بيده اليسرى رُمحيْن·‬
‫وكان إبزي ٌم من الذهب الشقر‬
‫يمسك بدثار أرجوانيّ‪،‬‬
‫مشدوداً حول جسمه·‬
‫جاءت ابنة الشمس إلى الغابة ذاتها‬
‫التي ذهب إليها‪ ،‬لكي تجمع نباتاتٍ‬
‫جديدةٍ من تلك التّلل الخصبة‪،‬‬
‫وكانت قد تركت الحقول التي تُسمّى باسمها·‬
‫عندما لمحته‪ ،‬وقد خبّأتها الشّجيرات الصّغيرة النّامية‪،‬‬
‫ج َنتْها تفلت منهما‪،‬‬
‫ذُهلت· تركت يداها النباتات التي َ‬
‫خيّلَ إليها أنّ لهباً يسري في ُلبّ عظامها‪ ،‬جميعاً·‬ ‫وُ‬
‫وحالما أتاح لها عنف هذا الهيام الملتهب‪،‬‬
‫أن تصحو‪ ،‬بدت كأنّها على وشك‬
‫أن تصرّح بشهوتها·‬
‫كانت تريد أن تقترب من الملك‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪771 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪772 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪847 :‬‬

‫غير أنّ الحصان الذي يمتطيه‬


‫ط به الحرس‬ ‫كان قد انطلق يُحي ُ‬
‫من جميعِ الجهات‪ ،‬فلم تقدر أن تقترب·‬
‫حينذاك صرخت قائلةً‪:‬‬
‫"كلّ‪ ،‬لن تفلتَ حتى لو حملتكَ الرّياح·‬
‫إن كنت ل أزال أعرف نفسي‪،‬‬
‫ولم تبطُلْ خصائص نباتاتي‪،‬‬
‫وإذا لم تفقد تعازيمي في يديّ سُلطانها·"‬
‫ثمّ أظْهرت شبحاً في شكل خنزير‪،‬‬
‫ظلّ خاويًا ل جسمَ له‪،‬‬
‫مَرّ‪ ،‬بأم ٍر منها‪ ،‬أمام عيني الملك‬
‫وبدا كأنّه يتوغّل في الغابة الكثيفة‪،‬‬
‫حيث جذوع الشجار المتراصّة ل تسمح أبداً‬
‫لحصانٍ بأن يشقّ طريقه·‬
‫في اللّحظة نفسها‪ ،‬أخذ بيكوس‪ ،‬مخدوعاً‪،‬‬
‫يُلحقُ طريدته الوهميّة·‬
‫وقد قفز بحماس ٍة نازلً عن حصانه الهائج‪،‬‬
‫وأخذ يتشرّد سائرًا على قدميه‬
‫في أعماق الغابة‪ ،‬مجذوباً بأملٍ وهميّ·‬
‫كانت سيرسي تُردّد صلواتٍ‪،‬‬
‫وتنطق بكلماتٍ سحريّة‪،‬‬
‫وتبتهل للهةٍ غامضةٍ بنشيدٍ ل يقلّ غُموضاً‬
‫يُفيدها عادةً في تعتيم الوجه البيض‬
‫ب من الغيوم المُثقلة بالماء‪،‬‬ ‫من القمر‪ ،‬وفي نَسْجِ حجا ٍ‬
‫أمام رأس أبيها الله ـ الشمس· ‪14‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 14‬تحدّث أوفيد أكثر من مرّة عن تأثير السّاحرات على خسوف القمر وعلى ضوء الشمس‪ ،‬خصوصاً في الكتاب‬
‫السابع·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪772 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪773 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪848 :‬‬

‫في هذا اليوم كذلك‪ ،‬غطّت السّماء‪ ،‬بتأثير سحرها‪،‬‬


‫ظلمةٌ قويّة‪ ،‬وصعّدت الرض ضباباً كثيفاً‪،‬‬
‫فضاعَ رفقاء الملك في الظّلمات‪،‬‬
‫وتركه حرّاسه وحيداً·‬
‫وعندما وجدت اللهة‪ ،‬المكان المناسب‬
‫واللّحظة الملئمة‪ ،‬قالت له‪:‬‬
‫"بحقّ عينيك اللتين أسرتا عينيّ‪،‬‬
‫بحقّ تقاطيعك التي تجعلني‪ ،‬يا أجمل الرّجال‪،‬‬
‫أن آتي‪ ،‬أنا اللهة‪ ،‬متوسّلة إليك‪ ،‬فكّر بهذه النّار‬
‫التي تلتهمني‪ ،‬واقبل أن يكون الله الشمس‪،‬‬
‫الذي يرى كلّ شيء‪ ،‬أباً لزوجتك‪،‬‬
‫ول تكن قاسياً‪ ،‬تحتقر سيرسي ابنة الشّمس·"‬
‫غير أنّ الملك صدّها‪ ،‬برفعةٍ‪ ،‬هي‬
‫وتوسّلتها‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"أيّا كنتِ‪،‬ل أقدر أن أكون لك·‬
‫هناك أخرى تأسرني‪،‬‬
‫وأطلب من اللهة أن يطول أسري‬
‫ت عديدة·‬
‫سنوا ٍ‬
‫لن أدنّس أبداً بحبّ غير مشروعٍ‬
‫عهدَ زواجنا ما دامت القدارُ‬
‫تحفظ لي كاننس ابنة جانوس·"‬
‫عدّةً‬
‫وكرّرت ابنة الشمس مراراً ِ‬
‫توسّلتها‪ ،‬لكن عبثاً·‬
‫فصرخت قائلةً‪:‬‬
‫"لن تبقى بل عقاب‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪773 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪774 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪849 :‬‬

‫ولن تعود بعد الن إلى كاننس‪ ،‬أبداً·‬


‫سوف تعرف بالعمل‪،‬‬
‫ما تقدر أن تفعله امرأة عاشقةٌ أهينت·‬
‫واليوم‪ ،‬أكثر من أيّ وقتٍ مضى‪،‬‬
‫ذلك أنّ العاشقة‪ ،‬المرأة التي أهينت‪،‬‬
‫إنّما هي سيرسي·"‬
‫ث ّم أدارت وجهها مرّتين نحو المشرق‪،‬‬
‫ومرّتين نحو المغرب‪،‬‬
‫وقرأت ثلثة تعازيم·‬
‫ب بعصاها السّحريّة ثلث مرّات·‬ ‫ولمست الشّا ّ‬
‫حاول أن يهربَ‪،‬‬
‫ش هو نفسه من كونه‬ ‫غير أنّه دُه َ‬
‫أخذ يسير بسرع ٍة أكثر من العادة‪،‬‬
‫ورأى ريشاً على جسمه‪،‬‬
‫وها هو يصير طائرًا جديداً‪،‬‬
‫ل فجأةً ضيفاً على غابات لتيوم· ‪15‬‬ ‫ويح ّ‬

‫أغضبه هذا التّحوّل‪،‬‬


‫ب بمنقاره الصّلب‬‫فأخذ يضر ُ‬
‫الشجارَ البريّة ويجرحُ ساخطاً‪،‬‬
‫أغصانها الطّويلة‬
‫ن قميصه الرجوانيّ‪،‬‬ ‫واتّخذ ريشه لو َ‬
‫وتحوّل البزيم الذّهبيّ الذي يشبكُ ثيابه‬
‫ش يُشكّل أمام عنقه‬
‫إلى ري ٍ‬
‫حاشيةً من الذهب الشقر·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 15‬تحوّل بيكوس إلى طائرٍ كاسمه هو نقّار الشّجر·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪774 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪775 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪850 :‬‬


‫ق لبيكوس‪ ،‬من كلّ ما‬ ‫ولم يب َ‬
‫كان يملكه‪ ،‬إلّ السم·‬
‫في هذه الثناء‪ ،‬التقى رفقاء بيكوس‬
‫بسيرسي (كانت قد أضاءت الجوّ‪،‬‬
‫وسمحت للرّياح وللشمس بتبديد الغيوم)‪،‬‬
‫وطالما نادوه بصرخاتٍ عالية في مختلف الماكن‪،‬‬
‫ي مكان·‬ ‫دون أن يعثروا عليه في أ ّ‬
‫فعنّفوها‪ ،‬وكان تعنيفهم في مكانه‪،‬‬
‫وطلبوا منها ملكهم·‬
‫وتهيّأوا‪ ،‬لجئين إلى العنف‪،‬‬
‫لكي يقذفوها بسهامهم التي ل ترحم·‬
‫آنذاك نشرت حولها موا ّد نتنة‪،‬‬
‫وعصاراتٍ سامّة‪،‬‬
‫واستحضرت من أعماق العالم السفل‬
‫ومن أغوار العماء‬
‫اللّيل‪ ،‬وآلهة اللّيل‪ ،‬موجّهةً إلى هيكات‪،‬‬
‫صلواتٍ بعواءٍ طويل·‬
‫أخذت الغاباتُ (يا للعجوبة!) تقفز‬
‫خارج مواضعها‪ ،‬وها هي الرض تنتحب‬
‫والشجار المجاورة تصفرّ‪ ،‬وها هو العشب‬
‫ت من الدّم·‬‫يتبلّل بقطرا ٍ‬
‫وصعّدت الصّخور زفراتٍ جَشّاء‪ ،‬ونبحت الكلب‪،‬‬
‫ع شنيعة‪،‬‬ ‫وتلطّخ التراب بأفا ٍ‬
‫وحوّمت في الفضاء أرواحٌ خفيفة‬
‫لموتى صامتين·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪775 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪776 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪851 :‬‬

‫كان الرّعب‪ ،‬أمام هذه العاجيب‪،‬‬


‫يستولي على الصّيادين جميعاً‪،‬‬
‫ولمست سيرسي بعصاها السّحريّة‬
‫رؤوس هؤلء الفتيان المذعورين‪،‬‬
‫وسُرعان ما تحوّلوا كلّهم‪ ،‬بأعجوبةٍ أخرى‪،‬‬
‫ع متعدّدة‪،‬‬‫إلى حيواناتٍ وحشيّة من أنوا ٍ‬
‫ولم يحتفظ أيّ منهم بشكله الحقيقيّ·‬

‫كان إله الشمس قد أفاض قبلَ غروبه‪،‬‬


‫نورَه على شاطئ تارتيسّوس (‪، )Tartessus‬‬
‫وعبثاً ترقّبت كاننس بعينيها وبقلبها‬
‫عودة زوجها·‬
‫وقد جاب خدمُها والمواطنون‪ ،‬وفي أيديهم المشاعل‪،‬‬
‫الغابات كلّها بحثاً عن الملك·‬
‫لم تكْتفِ إلهة الماء بأن تبكي‪،‬‬
‫وأن تنتزع شعرها وتلطم صدرها‪،‬‬
‫ج قصرها‪،‬‬ ‫بل اندفعت كذلك تطوفُ خار َ‬
‫حتّى أصابها الجنون‪ ،‬وأخذت‬
‫تتشرّد هنا وهناك في حقول لتيوم·‬
‫ت ليالٍ وستّة أيّام‪،‬‬
‫س ّ‬
‫واصلوا ركضهم تحت نيران الشمس‪،‬‬
‫ثم رأوها بل نومٍ ول غذاءٍ‬
‫ل والوديةَ‬ ‫تجوبُ الجبا َ‬
‫حيث تقودها المصادفة·‬
‫كان التّيبر آخر من رآها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪776 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪777 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪852 :‬‬

‫وقد أنهكها الغمّ والسّير‬


‫متمدّدة على شاطئه الطّويل·‬
‫هناك‪ ،‬مجبول ًة بالدّمع‪ ،‬يائسةً‪،‬‬
‫كانت تصعّد بصوتٍ ضعيفٍ‬
‫نحيباً كان يشكّل‪ ،‬في ألمها ذاته‪ ،‬نغماً‬
‫كمثلِ أصواتِ الحداد التي تصدر أحياناً‬
‫عن طائرِ التمّ الذي يُشرف على الموت·‬
‫أخيراً‪ ،‬ذاب جسمها من العذاب‬
‫الضّارب فيها حتّى لبّ عظامها‪،‬‬
‫وتناثر وتلشى شيئاً فشيئاً‬
‫في الهواء الخفيف·‬
‫غير أنّ ذكراها ظلّت مرتبطةً بالمكان‬
‫الذي سمّاه الكامينيّون القُدامى‪،‬‬
‫كاننتا (‪ ، )Canente‬اشتقاقًا من اسمِ‬
‫هذه اللهة‪ :‬كاننس·‬

‫هذه هي إحدى العاجيب الكثيرة‬


‫التي سمعتها تُروى‪ ،‬أو التي رأيتها‬
‫بنفسي في أثناء هذه السنة الطّويلة جدّا·‬
‫كنّا‪ ،‬لنغماسنا الكامل في البطالة‪،‬‬
‫قد فقدنا مع الزّمن الرّغبة في‬
‫استئناف إبحارنا‪،‬‬
‫عندما تلقّينا المرَ بأن نرفع الشرعة‬
‫من جديد·‬
‫وقد قالت لنا ابنة الشمس إنّ مسافاتٍ‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪777 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪778 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪853 :‬‬

‫طويلةً ومخاطر رهيبة ومعاب َر مُريبة‬


‫ل تزال تنتظرنا بين المواج الغاضبة·‬
‫ف بذلك‪،‬‬
‫خفتُ‪ ،‬وأعتر ُ‬
‫وهكذا بقيتُ هنا لنني وجدت‬
‫ملجأً على هذا الشاطئ·"‬

‫رفقاء ديوميديس (‪)Diomède‬‬

‫بعد أن أنهى مكاريوس قصّته‬


‫وضع أينياس رماد مربيته في مرمدةٍ‬
‫ونقش على رخام قبرها هذه الشّاهدة الوجيزة‪:‬‬
‫"هنا أرقدُ‪ ،‬أنا كاييتا·‬
‫وهنا أشعلَ البطلُ الذي ربّيته‪،‬‬
‫البطلُ الذي اشته َر ببرّه‪،‬‬
‫النارَ الواجبة لبقاياي‪،‬‬
‫بعد أن خلّصني من نار اليونانيين·"‬
‫ثم أخذ الطّرواديون يفكّون الحبالَ‬
‫التي تربط سفنهم على امتداد الرّصيف المُعشب‪،‬‬
‫هاربين من مُقامِ اللهة ذات الشّهرة المُخيفة‬
‫ومن أحابيلها‪ ،‬متّجهين صوبَ الغابات‬
‫حيث يصبّ التّيبر‪ ،‬تحت ظللٍ كثيفة‪،‬‬
‫طمْيه الصفر·‬ ‫ل معه َ‬‫في البحر حام ً‬
‫حلّ أينياس ضيفاً على لتينوس ‪Latinus( 17(،‬‬
‫ابن فونوس (‪، )Faunus‬‬
‫وتزوّج ابنته‪ ،‬لكن ليس بل معارك·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 17‬لتينوس ملك من السّكان الصليين في لتيوم (في إيطاليا)· ومن زواج إينياس بابنته لفيتا ستبدأ‪ ،‬بحسب‬
‫السطورة‪ ،‬سللة اللتين·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪778 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪779 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪854 :‬‬

‫ب محاربٌ‪،‬‬ ‫فقد أعلن عليه الحرب شع ٌ‬


‫وأظهر تورنوس (‪ Turnus( 18‬غضبه كلّه‬
‫لكي يحصل على الزّوجة التي وُعدَ بها·‬
‫دخلت إيتروريا (‪)Etruria‬‬
‫ب مع لتيوم‪،‬‬
‫في حر ٍ‬
‫وظلّ جيشاهما طويلً‪ ،‬يتنافسان بضراوةٍ‬
‫على نصرٍ صعب·‬
‫استدعى كِل الطّرفين المتحاربين‪ ،‬لكي يرفع قوّته‪،‬‬
‫الجنبيّ لمساعدته‪ ،‬فجاء عددٌ من الحلفاء‬
‫للدفاع عن الرّوتول (‪، )Rutules‬‬
‫وجاء آخرون كثيرون لمؤازرة المعسكر الطّرواديّ·‬
‫وليس عبثاً أن يكون أينياس‬
‫قد زار أسوار إيفاندر (‪، )Evandre‬‬
‫لكن كان عبثاً أن يزور فينولوس (‪)Vénulus‬‬
‫مدينةَ ديوميديس المنفيّ·‬
‫فقد أسّس هذا مدينةً ذات أسوار عالية‪ ،‬بحماية‬
‫دونوس (‪ )Daunus‬اليابيجيّ‪،‬‬
‫وكان يملك على الرض التي تلقّاها‬
‫مَهراً لزوجته·‬
‫لكن عندما طلب فينولوس النّجدة‪،‬‬
‫تنفيذاً لوامر تورنوس‪،‬‬
‫فإنّ البطل اليتوليّ‬
‫اعتذر متعلّل بوضْعِ قوّاته·‬
‫لم يكن يريد أن يزجّ في المعركة‬
‫مواطني والد زوجته‪ ،‬ولم يكن لديه‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 18‬تورنوس ملك على شعب الروتول (‪ )Rotules‬في إتروريا (‪( )Etruria‬موقع توسكانا اليوم)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪779 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪780 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪855 :‬‬


‫ما يكفي من محاربي بلده لتسليحهم·‬
‫ثم أضاف‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"لكيل تعتقد أنّ هذه أعذا ٌر كاذبة‪،‬‬
‫وعلى الرّغم من أنّ استدعاء الذكريات‬
‫يوقظ ألماً كاوياً‪،‬‬
‫فسوف أجهد لكي أرويها لك·‬
‫لقد تفرّقنا في جميع الجهات‪،‬‬
‫ت قلع ُة إيليون (‪ )Ilion‬العالية‬ ‫بعد أن أسِْلمَ ْ‬
‫إلى الحريق‪ ،‬وأصبحت بيرغاموم (‪)Pergamum‬‬
‫فريسة النار التي أضرمها اليونانيون‪،‬‬
‫وبعد أن جعلنا أجاكس نتلقّى جميعاً العقابَ‬
‫الذي يستحقّه هو وحده‪ ،‬لنّه اختطف‬
‫عذرا َء من إلهة هي نفسها عذراء· ‪19‬‬
‫جرّتنا الرّياح صوبَ المياه العدوّة‪،‬‬
‫وكان علينا أن نواجه الصّواعق‬
‫والظّلمات والعواصف‪،‬‬
‫وغضب السّماء والبحر‪ ،‬وزيادةً في البلء‪،‬‬
‫رأس كافاروس (‪· )Caphareus‬‬
‫أخيراً‪ ،‬لكيل أتعبكَ بسردٍ طويلٍ‬
‫لمغامرتنا المُحزنة‪ ،‬كان يُمكن آنذاك‪،‬‬
‫أن تبدو اليونان حتى لبريام نفسه‪،‬‬
‫جدير ًة بالشّفقة·‬
‫نجوت‪ ،‬أنا‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬بفضلٍ‬
‫من مينيرفا‪ ،‬العذراء المسلّحة‪،‬‬
‫التي انتشلتْني من هياج المواج·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 19‬ديوميد‪ ،‬ابن تيديوس (‪ ، )Tydeus‬رفيق يوليس‪ ،‬عاد إلى بيته ليرى زوجته التي خانته مستبسل ًة من أجل إيذائه·‬
‫فكان عليه أن يهرب· وصل إلى إيطاليا‪ ،‬عند الملك دونوس‪ ،‬وتزوّج ابنته· تعود عبره‪ ،‬هنا‪ ،‬من جديد قصّة الحرب‬
‫الطّرواديّة‪ ،‬عندما خطف أجاكس العذراء كاسّاندر من هيكل اللهة العذراء مينيرفا· (راجع الكتاب الثالث عشر‪ ،‬حول‬
‫ديوميد وأجاكس)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪780 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪781 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪856 :‬‬

‫ت من جديدٍ‬
‫غير أنني طُرد ُ‬
‫بعيداً عن وطني‪ ،‬وجعلتني فينوس الطّيبة‬
‫أتحمّل عقاباً‪ ،‬ثأراً لجرحها القديم· ‪20‬‬
‫لقد عانيتُ آلماً أخرى كثيرة‪ ،‬في ميادين الحرب‪،‬‬
‫ت عن أولئك الذين ابتلعتهم‬
‫حتى أنني قل ُ‬
‫العاصفة ورأس كافاريوس المشؤوم‪،‬‬
‫بأنّهم جميعًا سعداء‪ ،‬وتأسّفت‬
‫لنّني لم أشاركهم المصير·‬

‫كان رفقائي الذين كابدوا المشقّات‬


‫في المعارك وبين المواج‪،‬‬
‫قد فقدوا الشّجاعة‪،‬‬
‫ويريدون أن ينتهي ترحالهم التّائه·‬
‫ن آكمون (‪ ، )Acmon‬وكان ذا مزاجٍ حادّ‬ ‫غير أ ّ‬
‫ن كثيرة‪،‬‬‫زادت في حدّته مح ٌ‬
‫قال يُخاطبهم‪:‬‬
‫"هل بقي شيءٌ يرفض صبرَكم‪،‬‬
‫أيّها المحاربون‪ ،‬أن يتحمّله ؟‬
‫ما المِحَن الكثر سوءاً‪،‬‬
‫التي ستجعلنا فينوس نعانيها‪،‬‬
‫على افتراض أنّها تريد ذلك ؟‬
‫ثم إننا ما دمنا نخشى السوأ‬
‫فسوف يبقى عندنا مكانٌ للجراح·‬
‫لكن عندما نكون قد عرفنا‬
‫قسوة القدر في أشكالها القُصوى‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 20‬كان ديوميد قد جرح فينوس في معركة‪ ،‬وخيانة زوجته له كانت انتقاماً لفينوس منه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪781 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪782 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪857 :‬‬

‫فإننا ندوس الخوف بأقدامنا·‬


‫وعندما نكون في قاع الحظّ العاثر‪،‬‬
‫ل يعود أمامنا همّ نحمله·‬
‫لتسمعني فينوس نفسها‪ ،‬فذلك ما أقول به‪،‬‬
‫ولتُلحق بحقدها‪ ،‬كما تفعل‪،‬‬
‫جميع من يرون في ديوميد قائداً لهم‪،‬‬
‫فنحن كلّنا نزدري حقدها‪،‬‬
‫وليس لقوّتها العظيمة أيّة سُلطةٍ علينا·"‬
‫كان آكمون بكلمه هذا‬
‫ب اللهة فينوس‪،‬‬ ‫يُثيرُ غض َ‬
‫ويوقظُ حقدها القديم·‬
‫وقد وافق بعضهم على قوله‪،‬‬
‫ن مُعظمهم وجّهوا إليه اللّوم كمثلي·‬ ‫لك ّ‬
‫كان يُريد أن يردّ علينا‪،‬‬
‫لكنّ صوته ض ُعفَ‪،‬‬
‫وضاقت قناة صوته في الوقت نفسه·‬
‫وتغيّر شعره فصار ريشاً‬
‫وكسا الرّيش عنقَه الذي اتّخذ شكلً جديداً‪،‬‬
‫وكسا صدره وظهره·‬
‫وغطّى ذراعيه ريشٌ أكثر طولً·‬
‫وانحنى مرفقاه وتحوّل إلى جناحين خفيفين·‬
‫واحتلّ أصاب َع قدميه غشاءٌ‪،‬‬
‫فيما قسا فمُه‪ ،‬وأصبحَ صُلباً كالقرن‪،‬‬
‫مُنتهياً برأسٍ حادّ·‬
‫إنّها أعجوبةٌ أذهلت ليكوس (‪)Lycus‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪782 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪783 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪858 :‬‬

‫وإيداس (‪ ، )Idas‬ونيكتوس (‪)Nycteus‬‬


‫وريكسينور (‪ )Rhéxénor‬وآباس (‪)Abas‬‬
‫وفيما كان الذّهول يأخذهم‪،‬‬
‫كانوا جميعاً يتحوّلون مثله·‬
‫جميع رفقائي في السّلح‬
‫تحوّلوا إلى طيور أخذت تحوّم‬
‫حول المجاذيف خفّاقة الجنحة·‬
‫ولئن سألتني عن أشكال هذه الطّيور‬
‫التي خُلقت فجأةً‪،‬‬
‫فهي ليست طيور التمّ ذوات الرّيش البيض‪،‬‬
‫وإنّما تُشابهها كثيراً·‬
‫أمّا أنا‪ ،‬فلم أستطع أن أبقى‬
‫مع عددٍ ضئيلٍ من جنودي‪ ،‬إلّ بعنا ٍء كبير‪،‬‬
‫على هذه الرض القاحلة‪،‬‬
‫أرض دونوس (‪)Daunus‬‬
‫الذي جعل منّي صهراً له·"‬

‫هنا تنتهي قصّة ديوميديس‪ ،‬حفيد أونيوس (‪· )Oeneus‬‬


‫ترك فينولوس (‪ )Vénulus‬مملكةَ الكاليدونيّ‪،‬‬
‫هاجراً خليجَ آبوليا (‪ Apulia( 21‬وحقولها·‬
‫ق كثيفة‪،‬‬
‫هناك رأى كهفاً تظلّله أورا ٌ‬
‫ويُموّهه قصبٌ ناعمٌ·‬
‫كان في ذلك الوقت يسكنه بّان (‪، )Pan‬‬
‫الله الذي نصفه تيسٌ·‬
‫في ما مضى‪،‬كانت تسكنه إلهات غابٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 21‬كان ديوميد من كاليدون (‪ )Calydon‬اليونانيّة‪ ،‬وكانت مملكته اليطاليّة في منطقة آبوليا (‪· )Apulia‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪783 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪784 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪859 :‬‬

‫ب مفاج ٍ‬
‫ئ‬ ‫هربْنَ بعيدًا عنه من رع ٍ‬
‫ع من أبّوليا·‬
‫بعثه فيهنّ‪ ،‬في البداية‪ ،‬را ٍ‬
‫لكن سُرعانَ ما سيْطرنَ على هذا الرّعب‪،‬‬
‫مزدرياتٍ الرّاعي الذي كان يُلحقهنّ‪،‬‬
‫ل من الرّقص‬ ‫ن يُمارسْنَ أشكا ً‬
‫وبدأ َ‬
‫تتحرّك فيه أقدامهنّ على وفق إيقاع معيّن·‬
‫كان الرّاعي يسخر منهنّ‪،‬‬
‫مقلّدا إيّاهنّ بقفزاتٍ فظّة‪،‬‬
‫ت فاحشة·‬
‫مضيفاً إليها أقوالً ماجنةً‪ ،‬وإهانا ٍ‬
‫ن فمه لم يكد يصمت‪،‬‬ ‫غير أ ّ‬
‫حتى جاءت شجرةٌ وغطّت حَنجرته‪،‬‬
‫هكذا تحوّل بالفعل إلى شجرة‬
‫يُمكن التعرّف إلى خواصّها‪،‬‬
‫من العُصارة التي فيها·‬
‫فهي زيتونةٌ وحشيّة‬
‫تذكّر ثمارها المُرّة بلسانه الفاضح·‬
‫فقد دخلت مرارة كلمه في ثِمارها·‬

‫بعد أن عاد المبعوثون بالنّبأ الذي يؤكّد‬


‫أنّ اليونانيين يرفضون الحربَ‪،‬‬
‫أعلنها الرّوتيليّون الذين كانوا مستعدّين لها‪،‬‬
‫دون مساعدتهم·‬
‫ج من الدّم‪،‬‬ ‫سالت من الطّرفين أموا ٌ‬
‫وها هو تورنوس (‪ )Turnus‬يحملُ مشاعلَ شرهة‬
‫ضدّ الصّنوبر الذي يُشكّل لُحمَةَ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪784 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪785 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪860 :‬‬


‫ب العدوّة‪ ،‬فتهدّد النار ما نجا من المواج·‬ ‫المراك ِ‬
‫وكان مولسيبير (‪ ، )Mulciber‬إله النار‪ ،‬قد التهمَ‬
‫القطْرانَ‪ ،‬والشّمع‪ ،‬وجميع الموادّ الخرى‬
‫التي تضرمُ اللّهب‪ ،‬ووصلَ إلى الشرعة‬
‫متسلّقا الصّواري العالية‪،‬‬
‫وغطّى الدّخان هياكل السّفن المقوّسة‪،‬‬
‫عندما تذكّرت المقدّسة أ ّم اللهة‪22 ،‬‬
‫أنّ صنوبرَ السّفن قُط َع من ذروة‬
‫جبل إيدا (‪ Ida(، 23‬وملت الفضاءَ‬
‫برنين البرونز الذي يقرعه أتباعها‪ ،‬وبالنغام‬
‫الخافتة التي تصعد من مزامير البقْس التي ينفخون فيها·‬
‫وفيما كانت تعبر الفضاء بعربتها‬
‫التي تجرّها أسودٌ مروّضة‪ ،‬صرخت قائلة‪:‬‬
‫"عبثاً يا تورنوس‪ ،‬تقذف‬
‫يدك المدنّسة بهذه المشاعل المحرقة·‬
‫سأنتزعها منك‪،‬‬
‫ل أن يُحيل الّلهب الملتهمُ‬ ‫ولن أحتم َ‬
‫إلى رمادٍ‪ ،‬أشجاراً كانت تشكّل‬
‫أجزاء من أعضاء غاباتي·"‬
‫كان الرّعد يُواكبُ كلماتها‪،‬‬
‫ثمّ سكبت غيو ٌم كثيفةٌ‪ِ ،‬تبْعاً‬
‫لقصفِ الرّعد‪ ،‬مطراً ممزوجًا بب َردٍ متواثب·‬
‫وفجأةً أخذت الرّياح الخوةُ سليلة آستراوس (‪Astraeus(، 24‬‬
‫تنقضّ فتبلبل السّماء والبحرَ الهائجَ‪،‬‬
‫مُعلن ًة هي كذلك الحرب·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 22‬أم اللهة هي سيبيل (‪ · )Cybèle‬والسطورة ذات منشأ أناضوليّ‪ ،‬تبنّاها العالم اليونانيّ ـ الرّومانيّ· قدّست باسم‬
‫أ ّم اللهة الولمبيين· انتقلت طقوسها إلى روما· (معجم روبير)·‬
‫‪ 23‬إيدا (‪ ، )Ida‬أعلى جبلٍ في جزيرة كريت‪ ،‬يقترن بأسطورة مولد زوس·‬
‫‪ 24‬آستراوس هو أبو الرّياح‪ :‬زفير (‪ ، )Zéphyr‬وبورياس (‪( )Boréas‬ريح الشّمال)‪ ،‬ونوتوس (‪· )Notus‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪785 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪786 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪861 :‬‬

‫ب قويّ‬‫قطعت اللهة الخيّرة‪ ،‬بفضلِ هبو ٍ‬


‫وضعته إحدى الرّياح في خدمتها‪،‬‬
‫القلوسَ التي كانت تُمسك‬
‫بكواثل السّفن الطّرواديّة·‬
‫ودفعت بعيداً بالمراكب التي كانت مائلةً إلى المام‪،‬‬
‫غامر ًة إيّاها بالماء‪،‬‬
‫فتراخت ولنت أجزاؤها جميعاً‪،‬‬
‫وتحوّلت كتلُ أخشابها إلى أجسا ٍم كثيرة·‬
‫أخذت الكواثل المقوّسة‬
‫أشكالَ الرؤوس البشريّة‪،‬‬
‫وظهرت‪ ،‬حيث كانت المجاذيف‪ ،‬أصابعُ وأفخاذٌ‬
‫ق المواج·‬ ‫تش ّ‬
‫بقيت الجوانب كما كانت‪،‬‬
‫وتحوّل الصّالب الذي يسندُ‬
‫كلّ سفينةٍ من وسطها إلى عمودٍ فقريّ·‬
‫وها هي حبالُ السّفن تصبحُ شعراً ناعماً‪،‬‬
‫والدّواقل أذرعاً·‬
‫بقي اللّون لزورديّا‪،‬‬
‫وها هي الكائنات التي كانت تخشى‬
‫المواجَ‪ ،‬سابقاً‪ ،‬تتحوّل إلى عذارى‬
‫ت بحريّة·‬ ‫تحرّكها بألعابها ـ وتصبح إلها ٍ‬
‫لقد وُلدت على صخور الجبال الصّلدة‪،‬‬
‫وتُعاشرُ العنصرَ السّائل‪،‬‬
‫دون أن تهتمّ بأصلها·‬
‫غير أنّها ل تنسى الخطار الكثيرة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪786 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪787 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪862 :‬‬

‫التي جابهتها في البحار·‬


‫ن بأيديهنّ‬
‫هكذا كثيرًا ما سندْ َ‬
‫المراكبَ التي ترجّها العاصفة‪،‬‬
‫ل تلك التي تقلّ يونانيين·‬‫إّ‬
‫وهنّ يحتفظنَ عن مصائب الطّرواديين‬
‫بذكرى نابضة‪ ،‬تبقي كراهي َة اليونانيين‪،‬‬
‫حيّة في نفوسهنّ·‬
‫رأينَ بعيونٍ مُبتهجةٍ حطام السّفينة‬
‫ل ملك نيريتوس (‪ ، )Néritos‬يوليس‪،‬‬ ‫التي كانت تُق ّ‬
‫وبعيونٍ مبتهجةٍ رأينَ سفينة آلكينوس (‪، )Alcinous‬‬
‫تتحجّر‪ ،‬ورأينَ خشبها‬
‫يتحوّل إلى صخْرٍ· ‪25‬‬

‫عندما تحوّلت السّفن وأصبحت كائناتٍ حيّة‬


‫في أشكال إلهاتٍ بحريّة‪،‬‬
‫كان مؤمّل من روتول‬
‫الذي أرهبته هذه العجوبة‪،‬‬
‫أن ينصرف عن الحرب‪،‬‬
‫غير أنّه واصل إصراره عليها·‬
‫ل من الجانبين آلهته‪،‬‬‫كان لك ّ‬
‫وله بسالته التي تعدل اللهة·‬
‫صار النّصر هو موضعَ التّنازع‪،‬‬
‫ل المملكة الموعودة مهراً‪ ،‬ول صولجان والد الزّوجة‪،‬‬
‫ول شخصكِ‪ ،‬يا لفينيا(‪ )Lavinia‬الميرة الشّابّة·‬
‫ولم تعد الحرب تُمارَسُ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 25‬جاء في الوديسّة ‪ ، XII‬أنّ سفينة يوليس حطّمتها العاصفة· فأرسل ألكينوس‪ ،‬ملك الفياسيانيين (‪)Phéaciens‬‬
‫ووالد نوزيكا (‪ )Nausicaa‬سفينة لنقلِ يوليس إلى إيتاكا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪787 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪788 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪863 :‬‬

‫ل من التّراجع عنها·‬ ‫إلّ خج ً‬


‫أخيراً‪ ،‬رأت فينوس أسلحة ابنها تحقّق النّصر‪،‬‬
‫وانهزم تورنوس‪ ،‬وانهزمت في الوقت نفسه‪،‬‬
‫آرديا (‪ Ardéa( 26‬التي كانت تفتخر بقوّتها‬
‫في حياة تورنوس·‬
‫وعندما دمّرها سيفٌ أجنبيّ‪،‬‬
‫وتهدّمت السّقوف تحت رمادٍ‬
‫كان ل يزال ساخناً‪ ،‬طار من وسط أنقاضها‪،‬‬
‫طائرٌ مجهولٌ‪ ،‬بخفقات أجنحته‬
‫يضرب الرّماد ويُبعثره‪،‬‬
‫وقد أضاف إلى صرخاته‪ ،‬ونحوله‪ ،‬وشحوبه‬
‫وإلى كلّ ما يليق بحِدادِ مدين ٍة مُحتلّة‪،‬‬
‫اسم المدينة التي حرسها·‬
‫وتلك هي آرديا‪ ،‬نفسها تنوحُ لبلواها‪،‬‬
‫ضارب ًة نفسها بأجنحتها·‬
‫أجبرت بسالةُ أينياس‬
‫جميعَ اللهة‪ ،‬وجونون نفسها‪،‬‬
‫على نسيان أحقادهم القديمة·‬
‫وكانت سلطة يولوس(‪ Julus( 27‬المتعاظمة‬
‫س متين‪،‬‬
‫ترتكز إلى أسا ٍ‬
‫وبات البطل ابنُ فينوس‬
‫ناضجًا لكي يصعدَ إلى السّماء·‬
‫كانت فينوس قد التمست من اللهة‬
‫ق أبيها‪ ،‬قائلةً‪:‬‬
‫موافقتهم‪ ،‬فأحاطت بذراعيها عن َ‬
‫"يا أبي‪ ،‬يا من لم يكن قاسياً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 26‬يشير اسم آرديا إلى طائر البَلشُون‪ ،‬أو مالك الحزين·‬


‫‪ 27‬يولوس هو ابن أينياس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪788 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪789 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪864 :‬‬

‫ي أبداً‪ ،‬أتضرّع إليكَ‬


‫عل ّ‬
‫أن تمنحني اليومَ العلمةَ القُصوى‬
‫على رأفتك‪ ،‬أن تمنح ابني الغالي أينياس‪،‬‬
‫سليل دمي‪ ،‬والذي يرى فيك جدّا له‪،‬‬
‫أن تمنحه‪ ،‬يا خير الباء‪،‬‬
‫مُقامًا بين الخالدين‪ ،‬وإن يكن متواضعاً‬
‫كما تشاء‪ ،‬شرط أن يكون له مقام·‬
‫يكفيه أن يكون رأى مرّة واحدة‬
‫المملكة الكئيبة‪ ،‬وأن يكون عبَر مرّة‬
‫مياه ستيكس·"‬
‫وافقت اللهة على هذا الكلم‪،‬‬
‫حتى زوجة سيّدهم تأثّرت‪،‬‬
‫فأشارت بحُسنِ التفاتٍ‪،‬‬
‫إلى موافقتها‪ ،‬هي كذلك·‬
‫آنذاك‪ ،‬قال أبوهم جميعاً‪:‬‬
‫ل منكما جديرٌ بهذه المنّة السّماويّة‪،‬‬‫"ك ّ‬
‫أنتِ التي تطلبينها‪،‬‬
‫والبطل الذي تُطلب له·‬
‫فخذي يا ابنتي ما تتمنّين·"‬
‫فرحت فينوس‪ ،‬وشكرت والدها‪،‬‬
‫ف بعربتها‬ ‫ثمّ شقّت الهواء الخفي َ‬
‫التي يجرّها اليمام البيض‪ ،‬وهبطت على الشّاطئ اللّورنت ّ‬
‫ي‬
‫حيث يقود نهرُ نوميسيوس (‪، )Numicius‬‬
‫مختبئاً تحت القصب‪،‬‬
‫مياهه التي تنساب متعرّجة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪789 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪790 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪865 :‬‬

‫إلى البحر المجاور·‬


‫أمرتْه أن يغسلَ كلّ ما يخضع للموت‬
‫عند أينياس‪ ،‬وأن يأخذه تحت مياهه‬
‫إلى البحر‪ ،‬في مجراه الهادئ·‬
‫نفّذ النّهر ذو الجبين المقرّن‪،‬‬
‫أوامرَ فينوس‪ ،‬مخلّصا أينياس‪،‬‬
‫تحت المياه التي تبلّله‪،‬‬
‫ل ما فيه من عناصر الفناء‪،‬‬ ‫من ك ّ‬
‫ولم يترك له إلّ أفضل ما فيه·‬
‫سكبت والدة البطل على جسمه المطهّر‬
‫عِطرًا إلهيّا‪ ،‬ولمست شفتيه‬
‫بمزيجٍ سائغٍ من الرّحيق والكوثر‪،‬‬
‫صانعةً منه ذلك الله الذي يُسمّيه‬
‫الرّومانيّون آنديجيس (‪Indiges(، 28‬‬
‫ل ومذابح·‬ ‫وبنت له هيك ً‬

‫ثم خضعت آلبا (‪ )Alba‬ولتيوم (‪)Latium‬‬


‫لسْكانيوس (‪ )Ascanius‬ذي السم المزدوج· ‪29‬‬
‫وقد خلفه سيلفيوس (‪ )Silvius‬الذي تلقّى‬
‫ابنه لتينوس (‪ ، )Latinius‬إلى جانب الصّولجان‪،‬‬
‫اسماً كان قد حمله سلفٌ له·‬
‫وبعد لتينوس‪ ،‬ملكَ آلبا المشهور‪،‬‬
‫الذي كان إيبيتوس (‪ )Epytus‬وريثاً له·‬
‫ثم ملكَ كابيتوس (‪ )Capetus‬وكابيس (‪، )Capys‬‬
‫لكن كابيس‪ ،‬أوّل·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 28‬كان الرّومانيون يسمّون أقدم آلهتهم القوميّة‪ ،‬باسم (‪· )Indigètes‬‬


‫‪ 29‬كان أسكانيوس‪ ،‬ابن أينياس‪ ،‬يُلقّب بـ "جوبيتر الصّغير"‪ ،‬أي إيويلوس (‪ ، )Jouilus‬ومنه يولوس (‪ ، )Iulus‬الذي‬
‫يجيء منه اسم يوليوس (‪ )Julius‬قيصر·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪790 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪791 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪866 :‬‬

‫ونقل التاجَ إلى تيبيرينوس (‪)Tiberinus‬‬


‫الذي غرق في نهر توسكان (‪ )Toscan‬فأعطاه اسمه·‬
‫ومنه وُلدَ ريمولوس (‪)Rémulus‬‬
‫وآكروتا (‪ )Acrota‬المتغطرس·‬
‫وقد أراد ريمولوس الكبر سنّا‬
‫أن يُقلّد الصّاعقة‪ ،‬فمات مصعوقاً·‬
‫وورّث آكروتا الكثر حكمةً من أخيه‪،‬‬
‫الصّولجان إلى آفانتين (‪ )Avantine‬الباسل·‬
‫وقُبرَ هذا المير في الجبل‬
‫الذي كان ملكًا عليه‪،‬‬
‫والذي يحملُ اسمه· ‪30‬‬

‫بومونا وفيرتومنوس (‪)Pomona et Vertumnus‬‬

‫كان بروكاس (‪ )Procas‬ملكاً على‬


‫شعب بالتان (‪، )Palatin‬‬
‫ل حكمه·‬ ‫وقد عاشت بومونا في ظ ّ‬
‫لم تكن بين ربّات الشجار في لتيوم‬
‫واحدةٌ أكثر مهارةً منها في زراعة الحدائق‪،‬‬
‫ولم يكن ليّة منهنّ ذوقٌ برهاف ِة ذوقها‬
‫في الشجار المُثمرة‪،‬‬
‫ومن هنا جاء اسمها· ‪31‬‬
‫لم تكن تحبّ الغابات ول النهار‪،‬‬
‫بل الحقولَ والغصان المبتهجة بالثمار الوافرة·‬
‫ولم تحمل يدها رُمحاً‪ ،‬بل مشذّباً‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 30‬بين وصول أينياس والتاريخ الشّائع لتأسيس روما‪ ،‬سنة ‪ 537‬ق·م· فاصلٌ زمنيّ‪ ،‬حوالى أربعمئة سنة· لنّ التاريخ‬
‫التقليديّ الحكائيّ (بحسب اللياذة) لنتهاء حرب طروادة هو عام ‪ 8411‬قبل الميلد·‬
‫ق من كلمة (‪ ، )Pomun‬اسم الثمرة‪ ،‬واسم ربّة الشّجر بالفرنسيّة‪)Hamadryade( :‬‬ ‫‪ 31‬اسم بومونا ربّة الشّجر‪ ،‬مشت ّ‬
‫·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪791 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪792 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪867 :‬‬

‫صغيراً مقوّساً‪ ،‬كانت تستخدمه تارةً‬


‫في تقليم النبات الرهم‬
‫والسّيطرة على اندفاع النّموّ الغزير‪،‬‬
‫ع بُرعمٍ غريب‬ ‫وتارةً في شقّ القشرة لزَ ْر ِ‬
‫يتغذّى بنسغ جديد·‬
‫كانت دائمًا شديدة النتباه‪ ،‬ل تتركُ‬
‫ف المتعرّجة‬ ‫لمعاناة العطش الليا َ‬
‫في الجذور النّهمة‪ ،‬فترويها بالماء الجاري·‬
‫كان ذلك اهتمامها‪،‬‬
‫وكانت تلك لذّتها·‬
‫لم تكن تأبه لفينوس‪،‬‬
‫غير أنّها‪ ،‬لرتيابها بعنف آلهة الحقول‪،‬‬
‫كانت تُغلقُ حدائقها من الدّاخل‪،‬‬
‫مانع ًة من الدّخول إليها اللهة الذّكور‪،‬‬
‫هارب ًة منهم·‬
‫شبّان‪،‬‬
‫فما أكثر ما حاول إغراءها والظّفر بها‪ ،‬السّتير ال ّ‬
‫أصدقاء الرّقص‪،‬‬
‫وآلهة الغابات والحقول‬
‫ذوو القرون المتوّجة بالصّنوبر‪،‬‬
‫وسيلينوس (‪ )Silenus‬الذي يبدو‬
‫دائماً أكثر فتو ًة من عمره‪ ،‬والذي يُرعبُ‬
‫اللّصوص بمنجله أو بعضوه الرّجوليّ·‬

‫كان فيرتومنوس يتفوّق على هؤلء جميعاً‬


‫ف هيامه‪ ،‬دون أن يكون أكثرَ سعادةً·‬
‫بعن ِ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪792 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪793 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪868 :‬‬

‫أوه! كم مرّة حملَ لها السّنابل في سلّة‪،‬‬


‫لبساً رداءَ حصّادٍ خشن‪،‬‬
‫مُقدّماً هكذا نفسه في صورة حصّاد حقيقيّ·‬
‫أحياناً‪ ،‬عندما كان يُرى وعلى صدغيه ضفائر‬
‫عشبٍ جديد‪ ،‬كان يُخيّل أنّه آتٍ‬
‫من حراثة العشب المحصود·‬
‫وكان حينًا يمسك مهمازاً بيده القويّة‬
‫ن أنّه فكّ النّير‪ ،‬لتوّه‪،‬‬
‫فيُظَ ّ‬
‫عن ثيرانه المتعبة·‬
‫ل مِشذباً‪،‬‬
‫وحيناً‪ ،‬يُرى حام ً‬
‫فيكون مقلّما‪ ،‬مأخوذاً بتقليم الكروم·‬
‫وحيناً‪ ،‬يُرى واضعاً على كتفيه سُلّما‪،‬‬
‫فيُخيّل أنّه ذاهبٌ لقطفِ الثمار·‬
‫ويبدو كمثل جنديّ‪ ،‬عندما يحمل السّيف‪،‬‬
‫وكمثل صيّاد‪ ،‬عندما يُمسك بالقصبة·‬
‫ع كثير ٍة من التّمويه‪،‬‬ ‫فهو غالبًا يجد‪ ،‬بفضل أنوا ٍ‬
‫الوسيل َة التي تتيح له‬
‫أن يقترب من الجمال الذي يُحبّه‪،‬‬
‫وأن يحظى بسعادة الستغراق في تأمّله·‬
‫اتّخذ‪ ،‬يوماً‪ ،‬شكلَ امرأةٍ عجوز‪،‬‬
‫مُحيطاً رأسه بغطاءٍ ذي ألوان حادّة‪،‬‬
‫متّكئا على عصاً‪،‬‬
‫صدْغيه·‬ ‫والشّعر البيض يكسو َ‬
‫ودخل تلك الحدائق المحروثة جيّدا‪،‬‬
‫وأعجبَ بثمارها صارخاً‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪793 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪794 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪869 :‬‬


‫"يا للثّراء!"‪ ،‬طابعاً على وجه ربّة الشّجر‪،‬‬
‫فيما يُثني عليها‪ ،‬قُبلً لم تعرف أن تعطي مثلها‪،‬‬
‫أبداً‪ ،‬أيّة امرأةٍ عجوز حقيقيّة·‬
‫ثم جلس على الرض‪ ،‬منحنياً‪،‬‬
‫ناظراً فوقه إلى الغصان المائلة‬
‫تحت ثِقل الهدايا التي يقدّمها الخريف·‬
‫كانت هناك شجرةُ دردار تزيّنها‬
‫العناقيد المتللئة التي تتدلّى على خواصرها·‬
‫أعجب بهذه الشّجرة وبالدّالية التي‬
‫أعطيت لها كمثل رفيقة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ن هذا الجذع‬‫"جميل· غير أ ّ‬
‫جنَةِ‪،‬‬
‫ل يزال عزباً‪ ،‬محرومًا من الحَ َ‬
‫فليس لديه ما يُقدّمه لنا غير الورق·‬
‫كذلك هذه الدّالية التي تستند‬
‫إلى شجرة الدردار التي تُعانقها‪،‬‬
‫سوف تسقط‪ ،‬إن لم تُزَوّجْ‪ ،‬وتتشحّط على الرض·‬
‫ت ل تُحسّين‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬بهذا المثل‬ ‫وأن ِ‬
‫الذي تقدّمه لك هذه الشّجرة·‬
‫تتهرّبين من لذائذ الحبّ‪،‬‬
‫ول تريدين زوجاً·‬
‫آه‪ ،‬لو كنت تريدين!‬
‫إذن لرأيت نفسك مطلوبةً بإلحاحٍ‬
‫من طالبي زواجٍ لم يتيسّر مثلهم لهيلين‪،‬‬
‫أو لتلك التي كانت سبباً لحربٍ أعلنها الّلبيتيّون‪،‬‬
‫أو لزوجة يوليس‪ ،‬هذا المير الجبان ـ أو الشّجاع·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪794 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪795 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪870 :‬‬

‫وفي هذا الوقت بالذات‪ ،‬فيما تهربين من طالبي الزّواج‪،‬‬


‫أو تزدرينهم‪ ،‬يتشهّاك ألفُ زوجٍ وزوج‪،‬‬
‫أنصافُ آلهة‪ ،‬وآلهةٌ‪ ،‬وأعني باختصار جميعَ‬
‫اللهة الذين يُعبدون في جبال ألبان (‪· )Albains‬‬
‫ت حكيمة‪ ،‬إن أردتِ أن تحصلي‬ ‫لكن‪ ،‬إن كن ِ‬
‫ت أن تُصغي‬ ‫على زواجٍ طيّب‪ ،‬وإن شئ ِ‬
‫إلى عجوز تحبّك أكثر مما يُحبّك هؤلء جميعاً‪،‬‬
‫وأكثر ممّا تظنّين‪ ،‬فارفضي زواجاً عاديّا‪،‬‬
‫واختاري فيرتومنوس رفيقاً لك في سريرك·‬
‫إنني أجيب عنه‪ ،‬ذلك أنني أعرفه جيّدا‪،‬‬
‫كما يعرف نفسه‪ ،‬فهو ليس متقلّبا‬
‫شاردًا دائماً‪ ،‬هنا وهنالك عبْرَ العالم· ‪32‬‬
‫فهذا الحقل الكبير هو مسكنه الوحيد·‬
‫وهو على النّقيض من كثير من طالبي الزواج‪،‬‬
‫ل يتولّه بآخر امرأةٍ رآها‪،‬‬
‫فسوف تكونين حبّه الوّل والخير‪،‬‬
‫ولك وحدك ينذر حياته كلّها·‬
‫أضيف أنّه فتيّ‪ ،‬وأنّه تلقّى من الطّبيعة‬
‫ِهبَة الجمال‪ ،‬وأنّه يقدر أن يتجلّى‪،‬‬
‫عندما يشاء‪ ،‬في جميع الصّور·‬
‫ليس لك إلّ أن تأمري‪،‬‬
‫وتلبيةً لمرك‪ ،‬يصير الشّيء نفسه‬
‫الذي تريدينه·‬
‫ثم أليس لكما الذوق نفسه ؟‬
‫فهذه الثمار التي تتعهّدينها‪ ،‬أليس هو‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ق من الكلمة اللّتينيّة (‪ ، )Vertere‬أي دارَ أو طافَ· وهو يرمز إلى التّغيّر والتّحوّل· وكلمه‬
‫‪ 32‬اسم فيرتومنوس مشت ّ‬
‫الذي يُخاطب به بومونا‪ ،‬مليءٌ بكلماتٍ مزدوجة المعنى·‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪795 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪796 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪871 :‬‬

‫أوّل من يتلقّاها ؟‬
‫أل يأخذ بيديه‪َ ،‬فرِحاً‪،‬‬
‫جميع الهدايا التي تُوزّعينها ؟‬
‫لكن ما يُريده الن‪،‬‬
‫ليس الثمار التي تقطف من أشجارك‪،‬‬
‫وليس النباتات التي نضجت‬
‫نسوغها في حدائقك‪،‬‬
‫ول يريد منك شيئاً إلّ أنتِ نفسك·‬
‫ق يُضنيه لهبُ حبّه‪،‬‬ ‫ترأّفي بعاش ٍ‬
‫وتصوّري أنّ السّعادة التي يطمحُ إليها‬
‫يلتمسها شخصيّا بلساني·‬
‫خافي إلهة المنتقمين‪،‬‬
‫خافي إلهة إيداليا‪ ،‬فينوس‪،‬‬
‫التي تكره القلوب القاسية‪،‬‬
‫وإلهة رامنونت (‪ ، )Rhamnonte‬نيميزيس (‪)Nemesis‬‬
‫التي ل ينسى غضبها شيئًا أبداً·‬
‫ولكي أوحي لك بمزي ٍد من الخوف‪،‬‬
‫ص عليك (ذلك أنني تعلّمت الكثير في مجرى حياتي)‬ ‫سأق ّ‬
‫حكايةً مشهورةً جدّا في جزيرة قبرص كلّها‪،‬‬
‫ل أشكّ في أنّها ستؤثّر فيك‪،‬‬
‫وتُلطّف صرامتك‪:‬‬
‫"ينحدرُ إيفيس (‪ )Iphis‬من عائلةٍ بسيطةٍ‪،‬‬
‫وعندما شاهد النبيلة آناكزاريت (‪)Anaxarète‬‬
‫التي يجري فيها د ُم توسر (‪ )Teucer‬القديم‪،‬‬
‫التهبت أعماقه كلّها بنيران الحبّ·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪796 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪797 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪872 :‬‬

‫قاوم طويلً‪ ،‬غير أنّ عقله‬


‫لم يستطع أن يتغلّب على جنونه‪،‬‬
‫فجاء إلى عتبة الفتاة‬
‫يتوسّل حبّها·‬
‫كان طوراً يعترف‬
‫إلى المربيّة بحبّه الشّقيّ‪ ،‬ويتضرّع إليها‬
‫بالمال التي تضعها في هذه الطّفلة‪،‬‬
‫ألّ تظلّ قاسية القلب‪،‬‬
‫ل تأبه لتوسّلته·‬
‫وكان طورًا يتملّق الخادمات العديدات‬
‫ت قلقٍ‬‫كُلّ بدورها‪ ،‬طالبًا إليهنّ بصو ٍ‬
‫عطفهنّ ومساندتهنّ·‬
‫وكان غالباً يأتمن اللواح‬
‫على رسائل عذبة·‬
‫وأحيانًا يعلّق على الباب أكاليلَ‬
‫مبلّلة بندى دموعه‪ ،‬ممدّدا‬
‫جسمه الرّقيق على حج ِر العتبة الصّلد‪،‬‬
‫ويلعن القفل بصوتٍ حزين·‬
‫أمّا هي‪ ،‬فكانت أكثر صلف ًة من البحر الهائج‪،‬‬
‫عندما ينام كوكبُ الجدي‪33 ،‬‬
‫وأكثر قسوةً من الحديد المُحمّى‬
‫في أفران نوريكوم (‪Noricum( 34‬‬
‫ومن الصّخر الرّاسخ‪ ،‬العميق الجذور في الرض· ‪35‬‬
‫تسخر منه‪ ،‬وتزدريه‪،‬‬
‫مُضيفةً لسلوكها غير النسانيّ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ )Les Chevreaux( 33‬مجموع ٌة كوكبيّة ترافق العواصف ظهورها واختفاءها·‬


‫‪ )Le Norique( 34‬أو (‪ ، )Noricum‬على الدانوب‪ ،‬مشهورة بمناجم الحديد·‬
‫‪ 35‬كان يُعتقد في الماضي أنّ للصّخر جذوراً· (انظر الكتاب السابع)·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪797 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪798 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪873 :‬‬

‫ت متغطرسة ومتعجرفة‪،‬‬ ‫كلما ٍ‬


‫وكانت تمنع عنه حتى المل·‬
‫لم يكن ليفيس صبرٌ كافٍ لكي يتحمّل‬
‫اللم الذي يعذبه‪ ،‬فوجّه إلى الفتاة‬
‫أمام باب بيتها‪ ،‬هذه الكلمات الخيرة‪:‬‬
‫"انتصرت‪ ،‬يا آناكزاريت‪،‬‬
‫لن أزعجك بعد الن·‬
‫تهيّأي للحتفاء بنص ٍر سعيد‪،‬‬
‫ادعي بيان (‪ ، )Péan‬وتوّجي‬
‫جبهتك بغار متللئ·‬
‫نعم‪ ،‬انتصرت‪ ،‬وأموتُ بملء إرادتي·‬
‫هيّا‪ ،‬ابتهجْ أيّها القلب الحديديّ‪،‬‬
‫سيكون‪ ،‬على القلّ‪ ،‬في حبّي شيءٌ‬
‫يجبرك على امتداحي·‬
‫هكذا أكون قد عرفت كيف أسرّك‪،‬‬
‫وسوف تعترفين بأنني لست في عينيكِ‬
‫عارياً من المزايا·‬
‫لكن تذكّري أنّ حبّي لم ينتهِ‬
‫ل بنهاية حياتي‪ ،‬وأنّه كان عليّ‬ ‫إّ‬
‫أن أتخلّى عن ضيائين معاً‪،‬‬
‫كانا هما الّذينِ يمنحانني الحياة·‬
‫وليس الخبر الشّائع هو الذي‬
‫سيعلن لك موتي‪ ،‬وإنّما سأكون أنا نفسي‬
‫هنا لكي أقنعكِ·‬
‫سترين جسمي هامدًا أمامك‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪798 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪799 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪874 :‬‬

‫وسوف يُمكنك أن تملّي عينيك القاسيتين‬


‫من هذا المشهد·‬
‫لكن‪ ،‬أنتم أيّها اللهة‪ ،‬تذكّروني‪،‬‬
‫إن كانت أعمال الفانين ل تغيب عن أنظاركم‪،‬‬
‫(ليس للساني القوّة لكي أرفع لكم صلة أكثر طولً)‪،‬‬
‫اعملوا على أن أذكر في المستقبل البعيد‪،‬‬
‫وامنحوا لذكراي الوقت الذي‬
‫أخذتموه من حياتي·"‬
‫بعد أن أنهى كلمه‪،‬‬
‫رفع عينيه الباكيتين وذراعيه الشّاحبتين‬
‫نحو الباب الذي طالما زيّنه بالكاليل‬
‫وعلّق حبلً فوق مصراعيه‪ ،‬صارخاً‪:‬‬
‫"أتلك هي الكاليل التي تعجبكِ‬
‫أيّتها الفتاة القاسية‪ ،‬الفتاة الكافرة ؟"‬
‫ثمّ وضع رأسه في عقدة الحبل‪،‬‬
‫دائراً وجهه نحو تلك التي يُحبّها‪،‬‬
‫وتدلّى البائس ضاغطاً على العروة‬
‫التي تخنق عنقه·‬
‫كانت حركات قدميه تضرب الباب‪،‬‬
‫كما لو أنّ رعش ًة ترجّه‪،‬‬
‫باعثةً نواحاً طويلً‪ ،‬فانفتح‪،‬‬
‫كاشفاً عن المأساة·‬
‫صرخ الخدم‪ ،‬وعبثاً حاولوا أن يفكّوا‬
‫الحبلَ عن عنق إيفيس·‬
‫كان قد مات‪ ،‬فأخذوه إلى منزل أمّه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪799 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪800 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪875 :‬‬

‫ن والده ميّت·‬
‫ذلك أ ّ‬
‫وضعته أمّه على صدرها‪،‬‬
‫مطوّقة بذراعيها جس َم ابنها البارد·‬
‫وبعد أن زفرت النين‬
‫الذي ينتزعه اللم من البوين التاعسين‪،‬‬
‫وبعد أن أظهرت جميع دلئل اليأس‬
‫الطّبيعيّة عند المّهات التاعسات‪،‬‬
‫قادت الموكب المأتميّ‪ ،‬باكيةً‪ ،‬عبر المدينة‪،‬‬
‫تحمل الجسمَ الكابي النّقالةُ الخاصّة بالمحرقة·‬
‫وصادف أنّ بيت آناكزاريت مجاورٌ‬
‫للطّريق التي سلكها الموكب الحزين‪،‬‬
‫سمْعِ‬
‫فوصلت ضجّة البكاء إلى َ‬
‫الفتاة الشّرسة التي كان قد حرّكها‬
‫إلهٌ منتقم·‬
‫اضطربت مع ذلك‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫"مثل هذه المآتم الحزينة‪،‬‬
‫يثير كثيراً من الشّفقة·"‬
‫وأسرعت صاعدةً إلى الغرفة الكثر علوّا‪،‬‬
‫فاتحةً نوافذها‪ ،‬ولم تكد تلمح إيفيس‬
‫ممدّدا في النّقالة المأتميّة‪ ،‬حتى جمدت عيناها‪ ،‬وتلشت الحرارة‬
‫مع الدّم في جسمها الكامد·‬
‫أرادت أن تتراجعَ‪ ،‬أن تُديرَ رأسها‪،‬‬
‫لكنّها لم تقدر أن تقومَ حتى بهذه الحركة·‬
‫وشيئاً فشيئاً احتلّ أعضاءها كلّها‬
‫الحجر الذي كانت تحمله في قلبها منذ مدّة طويلة·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪800 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪801 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪876 :‬‬

‫ل تظنّي أنّ هذه الحكاية خرافةٌ‪،‬‬


‫فل يزال التّمثال الذي أخذ‬
‫شكل الحبيبة وصورتها محفوظاً في سالميس (‪· )Salamis‬‬
‫في هذه المدينة كذلك معبدٌ لفينوس‬
‫يُسمّى "فينوس الرّاصدة"·‬
‫تذكّري هذه الحكاية‪ ،‬يا ربّتي الغالية‪،‬‬
‫تخلّي عن عنادك واستخفافكِ‪،‬‬
‫اتّحدي بمن يُحبّك·‬
‫لعلّ الجليد الرّبيعيّ آنذاك ل يحرق ثمارَك الوليدة‪،‬‬
‫ولعلّ الرّياح‪ ،‬ل تأخذ‪ ،‬في هياجها‪،‬‬
‫زهور أشجارك·"‬

‫عندما رأى الله المختبئ في شكل‬


‫ن كلمه كلّه‬‫امرأةٍ عجوز‪ ،‬أ ّ‬
‫لم يُفدْهُ شيئاً‪ ،‬استعاد شكلَ شبابه·‬
‫طرحَ العدّة النافلة للشيخوخة‪،‬‬
‫وظهر للربّة كما تظهر الشمس السّاطعة‪،‬‬
‫عندما تخرج منتصرةً من الغيوم المتراكمة‬
‫أمامها‪ ،‬وتعطينا ضياءها متغلّبا‬
‫على جميع العراقيل·‬
‫أخذ يتهيّأ لممارسة العُنف‪،‬‬
‫ف ل يُجدي‪،‬‬ ‫لكنّ العن َ‬
‫فقد فُتنت ال ّربّة بجمال الله‪،‬‬
‫وأحسّت أنّها جُرحت هي كذلك‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪801 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪802 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪877 :‬‬

‫بالسّهام نفسها·‬

‫رومولوس وهيرسيليا (‪)Romulus et Hersilia‬‬

‫حالً‪ ،‬بعد بروكا‪ ،‬حكم أموليوس (‪)Amulius‬‬


‫الظّالم‪ ،‬بقوّة السّلح‪ ،‬أوزونيا (‪ )Ausonie‬الخصبة·‬
‫ثم جاء الشّيخ نوميتور (‪)Numitor‬‬
‫بفضل حفيده‪ ،‬واستردّ التّاج الذي فقده·‬
‫وأسّستْ أسوار روما‪،‬‬
‫في أثناء أعياد باليليس (‪Palilies(· 36‬‬
‫أعلن عليه الحرب تاتيوس (‪)Tatius‬‬
‫وزعماء السّابان (‪· )Sabins‬‬
‫هلكت بعقابٍ عادلٍ تحت دروعهم المكدّسة‪،‬‬
‫تاربييّا (‪ )Tarpeia‬التي فتحت للعدوّ‬
‫طريق القلعة·‬
‫حينذاك‪ ،‬انقضّ ابناء كوريس (‪)Cures‬‬
‫كمثل ذئابٍ صامتة‪ ،‬دون أن يفتحوا أفواههم‪،‬‬
‫على الرّجال الغارقين في نومهم‪،‬‬
‫وهاجموا البواب التي أغلقها أبناء إيليا (‪)Ilia‬‬
‫بحواجز منيعة· ‪37‬‬
‫غير أنّ ابنة ساتورن‪ ،‬فتحت مع ذلك‬
‫ث أيّة ضجّة·‬
‫أحد البواب‪ ،‬دون أن يُحد َ‬
‫وحدها فينوس لحظت أنّ الحواجزَ أزيلت‪،‬‬
‫ولو كان مسموحًا لللهة أن يدمّروا‬
‫عملَ إلهٍ ‪ ،‬لكانت أعادت الحواجز إلى محلّها ‪38 .‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 36‬طرد أموليوس أخاه نوميتور من الحكم· واستردّه بفضل حفيديه رومولوس وريموس‪ ،‬وكانت أعياد باليلييس تُقام‬
‫في مدينة باليس (‪ ، )Palès‬حامية القطعان‪ ،‬في ‪ 12‬نيسان‪ ،‬ذكرى تأسيس روما·‬
‫‪ 37‬أعطت تاربيا اسمها لصخر ٍة مشهورة· كان والدها قائد القلعة الرومانيّة إبّان الحرب التي شنّها السّابان على روما·‬
‫فطلبت منهم‪ ،‬مكافأةً على خيانتها‪ ،‬أن يعطوها ما يحملونه في أذرعهم اليُسرى‪ ،‬وكانت تعني أساورهم‪ ،‬فسحقوها تحت‬
‫دروعهم التي كانوا يحملونها كذلك في أذرعهم اليسرى· وكوريس هي عاصمة السّابان· وإيليا هي أمّ رومولوس·‬
‫‪ 38‬جونون‪ ،‬ابنة ساتورن‪ ،‬هي عدوّة طروادة‪ ،‬فيما كانت فينوس‪ ،‬على العكس‪ ،‬إلى جانب الطّرواديين· وطقس عبادة‬
‫جونون يعود إلى أصلٍ سابينيّ‪ ،‬وهي نفسها اللهة السّابينيّة فورتونا ـ فيرونيا (‪ ، )Fortuna - Feronia‬وفي هذا ما‬
‫يفسّر الرّسالة التي بعثتها جونون بوساطة إيريس (‪ )Iris‬إلى هرسيليا السّابينيّة‪ ،‬أرملة رومولوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪802 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪803 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪878 :‬‬

‫كانت ربّات الينابيع في أوزونيا يشغلنَ‬


‫ل يتدفّق‬‫قرب هيكل جانوس‪ ،‬حق ً‬
‫منه ينبوعٌ متجلّد‪ ،‬فطلبت فينوس منهنّ‬
‫أن يُساعدنها·‬
‫كان طلب اللهة عادلً جدّا‬
‫بحيث يتعذّر على الرّبات أن يرفضنه‪،‬‬
‫فدفّقن المياه من عروق ينبوعهنّ كلّها·‬
‫ل أنّهنّ لم يكنّ قادرات على قطْعِ الطّريق‬ ‫إّ‬
‫التي تؤدّي إلى باب جانوس‪39 ،‬‬
‫الذي كان مفتوحاً‪ ،‬فلم يكن الماء كافيًا لمنع المرور·‬
‫هكذا رميْنَ في هذا الينبوع الغزير‬
‫كبريتاً أصفر اللّون‪ ،‬وقطراناً‬
‫مدخّنا نشرا الحريقَ في أغوار أقنيتِه·‬
‫هذه الموادّ الفعّالة‪ ،‬إضافةً إلى موادِ أخرى‪،‬‬
‫ولّدت بُخاراً نفذ إلى أعماق الينبوع·‬
‫وأنتِ‪ ،‬أيّتها المياه التي كنتِ تتجرّئين سابقاً‬
‫على منافسة جليد اللب‪،‬‬
‫صرتِ تنافسين النارَ نفسَها·‬
‫غمر الدّخان بابي الهيكل اللذين سقاهما‬
‫ل من اللّهب‪،‬‬‫جدو ٌ‬
‫ودافع عن باب المدينة‪ ،‬الذي‬
‫وُع َد به السّابانيّون العنيدون‪،‬‬
‫ينبوعٌ جديدٌ سدّ المدخل‪ ،‬في انتظار‬
‫أن يحملَ السّلح الجنود الذين ينحدرون‬
‫من الله مارس· ‪40‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 39‬اسطورة جانوس رومانيّة محضة‪ ،‬ينسب إليه تحضير سكّان لتيوم الوائل· وكان يُعدّ حارس البواب· لمعبده‬
‫بابان يُغلقان أيّام السّلم ويُفتحان أيّام الحرب· (معجم روبير)·‬
‫‪ 40‬يعني الرومانيين· ورومولوس هو ابن مارس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪803 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪804 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪879 :‬‬

‫وها هو رومولوس يخوض الحربَ ض ّد العدوّ‪،‬‬


‫وها هي الرض الرّومانيّة تغمرها جثث السّابان‪،‬‬
‫تغمرها كذلك جثث أبنائها·‬
‫فقد امتزجت دماء الصهار وآباء الزّوجات‬
‫في مذبحةٍ كافرة·‬
‫آنذاك تقرّر إنهاء الحرب بمعاهدة سلمٍ‪،‬‬
‫وأن ل تترك للسّيف الكلمة الحاسمة‪،‬‬
‫وأن يكون لتاتيوس‬
‫نصيبٌ في السّلطة الملكيّة·‬
‫مات تاتيوس‪ ،‬وأخضعتَ‪ ،‬أنتَ‪ ،‬يا رومولوس‪،‬‬
‫الشّعبين لقوانين واحدة‪ ،‬عندما توجّه مارس‪،‬‬
‫ع خوذته‪ ،‬إلى أبي اللهة‪،‬‬ ‫وقد نز َ‬
‫والبشر‪ ،‬بهذه العبارات‪:‬‬
‫"حان الوقت‪،‬يا أبي‪ ،‬ما دامت القوّة الرّومانيّة‬
‫تستند إلى أساسٍ راسخٍ‪،‬‬
‫ولم تعد تابعةً لمن يُديرُ مقاديرها‪ ،‬منفرداً‪،‬‬
‫حان الوقت‪ ،‬وفا ًء بعهدكَ الذي أعطيناك إيّاه‪،‬‬
‫أنا وحفيدكَ‪ ،‬لكي تمنحه المكافأة التي يستحقّها‪،‬‬
‫أن ترفعه من الرض وتضعه في السّماء·‬
‫ذلك أنّك قلت لي‪ ،‬في حضور اللهة‬
‫كلّهم مجتمعين (اسمح لي أن أذكّرك بكلماتك‬
‫البويّة التي بقيت محفورةً في ذاكرتي)‪:‬‬
‫"سيكون لواحدٍ من أبنائكَ‪ ،‬أن تجعله‬
‫يصعد إلى السّماء اللزورديّة·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪804 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪805 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪880 :‬‬

‫وقد وافق الله الكلّيّ القدرة‪ ،‬حانياً رأسه·‬


‫ت العتمةَ في الفضاء‬ ‫وفي الحال نشر ِ‬
‫غيومٌ سودٌ‪ ،‬ونشرت الصّاعقة‬
‫والبروقُ الرّعب في العالم·‬
‫واتّضح لغراديفوس (‪Gradivus( 41‬‬
‫عند رؤية هذه الدّلئل التي ل تُخطئ‪،‬‬
‫أنه يستطيع أن يأخذ ابنه‬
‫كمثل ما جاء في العهد الذي تلقّاه·‬
‫صعد الله متّكئا على حربته‪،‬‬
‫إلى عربته التي يضغط‬
‫مقبضها المدمّى على أعناق‬
‫خيولها الجريئة‪ ،‬وأثارها بضربةٍ من سوطه‪،‬‬
‫وشقّ الفضاء‪ ،‬قاذفاً بها نحو الرض·‬
‫وسرعانَ ما توقّف وسطَ غاباتٍ‬
‫تتوّج قمّة بالتينوس (‪، )Palatinus‬‬
‫حيث كان ابن إيليا‪ ،‬رومولوس‪ ،‬يعترف‪،‬‬
‫كما ل يفعل الطّغاة أبداً‪،‬‬
‫بحقوق الرّومان‪ ،‬مواطنيه‪ ،‬واصطحبه معه·‬
‫ذاب الجسم الفاني للبطل‪ ،‬فيما كان‬
‫يعبر الفضاء اللّطيف‬
‫كما تذوب وسط الغيوم كرة الرّصاص‬
‫التي يقذفها مقلعٌ واسعٌ·‬
‫وظهر مكانه شكلٌ باهر ُ الجمال‬
‫أكثر جدارةً لمشاركة اللهة في مقامها العالي‪،‬‬
‫ل يشبه تماماً صورة كيرنيوس‬ ‫شك ٌ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 41‬غراديفوس‪ ،‬صفة من صفات مارس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪805 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪806 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪881 :‬‬

‫مرتديًا ثوبه الرجوانيّ·‬

‫بكت زوجة رومولوس غيابه‪،‬‬


‫فجاءت جونون‪ ،‬سيّدة السّماوات‪،‬‬
‫آمر ًة إيريس أن تهبط في طريقها المقوّسة‬
‫لرؤية هرسيليا‪ ،‬ناقلةً إلى‬
‫الرملة التاعسة‪ ،‬هذه الرّسالة‪:‬‬
‫"أيّتها السّيدة التي تشرّف‪ ،‬بين النّساء كلّهنّ‪،‬‬
‫لتيوم وشعب سابان‪ ،‬الكثر جدارةً‪،‬‬
‫ل بهذه العظمة‪،‬‬ ‫بأن تكون زوجة لرج ٍ‬
‫والتي هي اليوم زوجة كيرنيوس‪،‬‬
‫ضعي حدّا لدموعك‪ ،‬واتبعيني‪،‬‬
‫إذا شئتِ أن تري زوجك·‬
‫تعالي إلى الغابة التي تظلّل أغصانها الخضر‬
‫ذروة كيرنيوس‪ ،‬وهيكل ملك الرّومان·"‬
‫هبطت إيريس طائعةً‪ ،‬نحو الرض‬
‫بقوسها ذات اللوان البرّاقة‪،‬‬
‫ونقلت إلى هيرسيليا الرّسالة التي كُلّفت بها·‬
‫فأجابت بلهج ٍة موقّرة‪ ،‬وهي‬
‫ل تكاد أن تتجرّأ على رفع عينيها‪ ،‬قائلةً‪:‬‬
‫ت كما أرى‪ ،‬إلهة‪،‬‬ ‫"أيّتها اللهة (فأن ِ‬
‫وإن كنت ل أقدر أن أقول من هي)‪ ،‬قوديني‪ ،‬أوه‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬قوديني‪ ،‬أريني وجه زوجي·‬
‫إن سمحت لي القدا ُر برؤيته‪ ،‬ولو مرّة واحدة‪،‬‬
‫فسوف أعترف أنني أُعطيتُ السّماء·"‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪806 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪807 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪882 :‬‬

‫وفي الحال‪ ،‬صعدت مع العذراء‪ ،‬ابنة توماس (‪)Thoumas‬‬


‫تلّة رومولوس‪ ،‬وهناك سقط كوكبٌ‬
‫من أعالي السّماوات إلى الرض‪،‬‬
‫فأحرقَ ضياؤه شعرَ هرسيليا التي‬
‫طارت في الفضاء مع الكوكب·‬
‫استقبلها مؤسّس مدينة روما بين ذراعيه‬
‫اللتين تعرفهما جيّدا‪،‬‬
‫وأعطاها في آنٍ جسماً آخرَ‪،‬‬
‫واسماً آخر‪ :‬هورا (‪Hora(· 42‬‬
‫إنّها اللهة التي أضيفَ اليوم‬
‫طقس عبادتها إلى طقس كيرينوس·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 42‬هرسيليا سابينيّة· ولذلك حمتها جونون‪ ،‬وأرسلت إليها إيريس ابنة توماس· وكيرينوس إله سابيني كان يعبد على‬
‫تلّة كيرينوس وهي نفسها المشار إليها بتلّة رومولوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪807 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪808 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪887 :‬‬

‫الكتابُ الخامس عشر‬

‫نوما وتأسيس كروتونا‬


‫فيـــــــــثـــــاغــــــــورس‬
‫مــــــــــوت نــــــومــــــا‬
‫هيـــــــــبـوليـــــــــتـوس‬
‫تـاجـــــــيس‪ ،‬سيــبوس‬
‫آيــــــسكــــولبيــــوس‬
‫تألـــــيه يوليوس قيصر‬
‫خــــــــــــــــاتمــــــــــــــة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪808 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪809 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪889 :‬‬

‫نوما وتأسيس كروتونا (‪)Crotona‬‬

‫كانت المسألة‪ ،‬في أثناء ذلك‪،‬‬


‫البحثَ عن الشخص الذي يقدر‬
‫أن يحمل عبء مهمّة بهذه الخطورة‪،‬‬
‫وأن يخلفَ ملكًا بهذه العظمة·‬
‫وكانت إلهة الشّهرة السّباقة‬
‫إلى النّطق بالحقيقة‪ ،‬قد أشارت‬
‫إلى نوما (‪ Numa( 1‬الذائع الصّيت‪،‬‬
‫بأنّه هو الجدير بالمُلك·‬
‫لم يكن كافياً بالنّسبة إليه‬
‫أن يعرف مؤسّسات الشّعب السّابينيّ‪،‬‬
‫لهذا كانت عبقريّته تطمح إلى معرفة‬
‫ما هو أوسع وأشمل‪،‬‬
‫وإلى اكتناه أسرار الطّبيعة·‬
‫وقد دفعه الشّغف بهذه المعرفة‪،‬‬
‫إلى أن يهجرَ كوريس (‪ ، )Cures‬وطنه‪،‬‬
‫ويُقيم في المدينة التي استضافت‬
‫هرقل في الماضي·‬
‫هناك سأل عمّن رفع السوار اليونانيّة‬
‫على شطآن إيطاليا‪،‬‬
‫فأجابه شيخٌ ولد في المدينة‬
‫يعرف تماماً تاريخ الزّمن القديم‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"بعد رحل ٍة سعيدة‪،‬‬
‫وصل ابن جوبيتر إلى الشواطئ الّلسينيّة‬
‫آتيًا من المحيط‪ ،‬كما يُروى‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬نوما بومبيليوس (‪ ، )Numa Pompilius‬سابيني (‪ )Sabin‬خلفَ رومولوس (‪ ، )Romulus‬واشتهر بحكمته‬


‫وعلمه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪809 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪810 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪890 :‬‬

‫غنيّا بثيران إيبيريا· ‪2‬‬


‫وفيما كان قطيعه يشرد بين العشاب النّاعمة‬
‫دخل هو نفسه إلى مسكن كروتون العظيم·‬
‫استراح تحت هذا السّقف المضيافِ‬
‫من تعبه الطّويل‪،‬‬
‫وعندما استأنف سفره‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"ستنهض‪ ،‬في زمن أحفادنا‪،‬‬
‫مدينةٌ في هذا المكان·"‬
‫وقد تحقّق الوعد·‬
‫ففي الواقع‪ ،‬كان لليمون الرجيّ (‪)Alemon Argien‬‬
‫ن يُدعى ميسّيلوس (‪)Myscélos‬‬ ‫اب ٌ‬
‫تحبّه اللهة أكثر من أيّ شخصٍ‬
‫في زمانه·‬
‫ذات ليلةٍ‪ ،‬كان النّوم فيها يُرهقه‪،‬‬
‫انحنى فوقه الله المسلّح بالهراوة‪،‬‬
‫وقال له‪:‬‬
‫"هيّا‪ ،‬اهجر وطنك·‬
‫امضِ إلى إيزار (‪)Esar‬‬
‫التي تجري مياهها فوق سري ٍر من الحصى‬
‫في بل ٍد بعيدة·"‬
‫وهدّده هرقل بعددٍ من العقوبات الرّهيبة‬
‫إذا لم يُطعهُ‪،‬‬
‫ثمّ غابَ في اللحظة نفسها‪ ،‬معاً‪،‬‬
‫الله والنّوم·‬
‫نهض ابن أليمون من النّوم‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 2‬كانت مدينة كروتونا مجاورةً لرأس لسينيوم (‪ ، )Lacinium‬حيث كان يرتفع معبد هيرالسينيا (‪Héra‬‬
‫‪ ، )Lacinia‬والذي ل تزال أنقاضه موجودةً حتى الن· وإيبيريا اس ٌم قديمٌ لسبانيا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪810 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪811 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪891 :‬‬

‫واستعاد بصمتٍ في فكره‬


‫ما رآه وسمعه في نومه·‬
‫فكّر طويلً في القرار الذي ينبغي‬
‫عليه أن يتّخذه‪:‬‬
‫يأمره إلهٌ أن يترك وطنه‪،‬‬
‫والقوانين تمنع الهجرة‪،‬‬
‫ل من‬‫فهي تعاقب بالموت ك ّ‬
‫يترك وطنه إلى وطنٍ آخر·‬
‫كانت الشمس النّاصعة قد ألقت‬
‫رأسها السّاطع في المحيط‪،‬‬
‫ل قد رفع رأسه‪،‬‬ ‫وكان اللي ُ‬
‫وسط ظلمةٍ عميقةٍ‪ ،‬متوّجا بالنّجوم·‬
‫وظهر الله نفسه‪ ،‬مرّة ثانيةً‪ ،‬على ميسّيلوس‪،‬‬
‫مكرّرا عليه المر نفسه‪،‬‬
‫ت جديدةٍ أشدّ·‬‫مهدّدا إيّاه إن لم يُطعه‪ ،‬بعقوبا ٍ‬
‫ارتعب ميسّيلوس‪ ،‬وأخذ يتهيّأ‬
‫لكي ينقل مقام آبائه إلى بلدٍ آخر·‬
‫غير أنّ الخبر شاعَ في المدينة‪،‬‬
‫واتّهموه بانتهاك قوانينها·‬
‫وعندما انتهى القسم الوّل من المحاكمة‪،‬‬
‫و َث َبتَتِ الجريمة التي كانت واضحةً للعيان‪،‬‬
‫دون حاجةٍ إلى أيّ شاهد‪،‬‬
‫توجّه المتّهم‪ ،‬في ثيابه البائسة‪ ،‬إلى السماء‪،‬‬
‫رافعًا وجهه ويديه نحوها‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"يا هرقل‪ ،‬أنت‪ ،‬يا من أعطته‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪811 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪812 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪892 :‬‬

‫أعماله الثنا عشر‪ ،‬الحقّ في الصّعود‬


‫إلى السّماء‪ ،‬أتوسّل إليك أن‬
‫تأتي وتساعدني‪ ،‬فأنت منْ‬
‫دفعني إلى الجريمة·"‬
‫كانت تُستخدم‪ ،‬على وفق العادة القديمة‪،‬‬
‫ى بيضاء وسوداء ـ الولى‬ ‫حص ً‬
‫للتّبرئة‪ ،‬والثانية للدانة·‬
‫وكان القرار مشؤوماً‪:‬‬
‫الحصى التي ألقيت في صندوق القتراع‬
‫كانت كلّها سوداء·‬
‫لكن‪ ،‬عندما أفرغ الصّندوق لتعدادها‪،‬‬
‫تحوّلت هذه الحصى وأصبحت بيضاء‪،‬‬
‫وبرّأ القرار ابن أليمون‬
‫بفضل التّدخّل اللهيّ‬
‫الذي قام به هرقل·‬
‫شكر الله الحامي‪ ،‬ابنَ آمفيتريون (‪)Amphitryon‬‬
‫وواتته الرّياح فيما كان يعبر البحر اليونيّ‪،‬‬
‫تاركاً وراءه تارنتم (‪ )Tarentum‬التي‬
‫أسّسها الّلسيدوميّون‪ ،‬وسيباريس (‪)Sybaris‬‬
‫وفيريتوم (‪ ، )Veretum‬مدينة السّالنتيين (‪)Sallentins‬‬
‫وخليج سيريس (‪، )Siris‬‬
‫وكريميزا‪ ،‬وحقول إيابيجيا (‪· )Iapygia‬‬
‫واصل طريقه بيقظ ٍة مُشاطئاً الرضَ‬
‫التي تُساحل البحر‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪812 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪813 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪893 :‬‬

‫ووصل إلى مصبّ نهر أيْزار‬


‫الذي حدّده له القدر‪ ،‬ثم إلى‬
‫ص غير بعيد عنه‪،‬‬ ‫مكانٍ خا ّ‬
‫يضمّ رفات كروتون·‬
‫هنا‪ ،‬كما أمر بذلك‪ ،‬وضعَ‬
‫السسَ لسوار مدينةٍ جديدة‬
‫أخذت اسمها من اسم صاحب القبر·"‬
‫من هنا‪ ،‬كما تقول رواي ٌة أكيدة‪،‬‬
‫جاء أصل هذه المنطقة‪ ،‬وهذه المدينة‬
‫التي تنهض على أرض إيطاليا·‬

‫فيثاغورس (‪)Pythagore‬‬

‫وُلدَ فيثاغورس في ساموس‪،‬‬


‫غير أنه هجرها‪ ،‬هاربًا منها‬
‫ومن أسيادها‪ ،‬نافياً نفسه بإرادته كُرهاً للطّغيان·‬
‫لقد ارتقى بفكره إلى اللهة‪،‬‬
‫وهي البعيدة عنّا في الفضاءات السّماويّة·‬
‫ونفذ بعيْني العقل‬
‫إلى ما لم تكن الطّبيعة تتيحه لنظرات البشر·‬
‫وعندما توصّل إلى اكتناه أسرار الكون‬
‫بقوّة عبقريّته‪ ،‬وبجهده الذي ل يعرف الكلل‪،‬‬
‫نقلها إلى الخرين·‬
‫كان يتحدّث عن أصول الكون الواسع‪،‬‬
‫وعن مبادئ الشياء‪ ،‬وماهيّة الطّبيعة‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪813 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪814 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪894 :‬‬

‫واللوهة‪ ،‬وكيف يتشكّل الثلج‪،‬‬


‫وما الذي يسبّب الصّاعقة‪،‬‬
‫وما إذا كان جوبيتر أو الرّيح هو الذي‬
‫يُفلتُ الرّعد فيما يشقّ الغيوم‪،‬‬
‫وكيف تحدثُ الهزّات الرضيّة‪،‬‬
‫وما القانون الذي يدبّر ثورات الكواكب·‬
‫كان باختصار يتحدّث عن مُختلف‬
‫أنواع الحقائق الخفيّة‪،‬‬
‫يُحيط به تلمذةٌ صامتون‬
‫يملؤهم كلمه إكباراً له·‬
‫كان أوّل من رأى جريمةً في أن يقدّم‬
‫النسانُ لحومَ الحيوانات على مائدته‪،‬‬
‫وكان أوّل من تمسّك بهذه اللّغة‬
‫المليئة بالحكمة‪ ،‬والتي لم يُصغِ إليها‬
‫مع ذلك أحدٌ‪:‬‬
‫"حاذروا‪ ،‬أيّها الفانون‪ ،‬أن تدنّسوا‬
‫أجسامكم بأطعمةٍ تستهجنها اللهة·‬
‫عندكم حبوبٌ‪ ،‬وعندكم الثمار‬
‫التي تقوّس الغصون‪،‬‬
‫وعندكم في الكروم العنب الممتلئ بالعصير·‬
‫ت لذيذة‪،‬‬
‫عندكم نباتا ٌ‬
‫وأخرى يُمكن أن تجعلها النار عذبة ناعمة·‬
‫وليس محرّما عليكم اللّبن‬
‫أو العسل الذي تعطّره زهرة الصّعتر·‬
‫تقدّم لكم الرض السّخيّة بكنوزها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪814 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪815 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪895 :‬‬

‫أغذيةً طيّبة‪،‬‬
‫فهي توفّر لكم الطعمة التي ل تكون‬
‫الجريمة والدّم ثمناً لها·‬
‫الحيوانات هي وحدها التي تُشبع جوعها باللحم‪،‬‬
‫وبعضها ل كلّها‪،‬‬
‫ذلك أنّ الحصنة والخراف والثّيران‬
‫تتغذى بالعشب·‬
‫الحيوانات ذوات الطّبيعة الوحشيّة والمفترسة‪،‬‬
‫كنمور أرمينية‪ ،‬والسود الدائمة الغضب‪،‬‬
‫والذئاب والدّببة‪ ،‬هي وحدها‬
‫التي تحبّ الغذاء المدمّى·‬
‫أيّة جريمة‪ ،‬ويا للسف‪ ،‬أن يُغيّب النسان‬
‫في أحشائه أحشاء أخرى‪،‬‬
‫وأن يُسمّن جسمه الشّره بجس ٍم التهمه‪،‬‬
‫وأن يُحافظ على حياته‬
‫بموت كائنٍ آخر حيّ!‬
‫فلماذا إذن‪ ،‬في قلب الثروة الوافرة‬
‫التي تقدّمها الرض‪ ،‬أفضل المّهات‪،‬‬
‫ل تجد لذةً إلّ في أن تسحقَ‬
‫بأسنانكَ الوحشيّة أنقاض‬
‫ضحاياك‪ ،‬الشّنيعة التي تمل‬
‫بها فمك‪ ،‬على غرار السّيكلوبات ؟‬
‫ولماذا ل تقدر أن تهدّئ‬
‫شهواتك الدّاعرة في معدتك الجشعة‬
‫ل بتدمير كائنٍ آخر ؟‬‫إّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪815 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪816 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪896 :‬‬

‫لكن‪ ،‬في ذلك العصر القديم‬


‫الذي سمّيناه العصر الذهبيّ‪،‬‬
‫لم يكن النسان في حاجةٍ‪ ،‬لكي يكون سعيداً‪،‬‬
‫إلّ إلى ثمار الشجار والنباتات‬
‫التي تُنتجها الرض·‬
‫لم يكن الدّم يلوّث فمه أبداً·‬
‫كان الطّائر آنذاك‬
‫يضرب الهواء بجناحيه‪ ،‬آمناً·‬
‫وكان الرنب يشرد في الحقول‪،‬‬
‫دون أن يخشى أيّ شيء·‬
‫لم تكن هناك صنّارة للتقاط‬
‫السّمك البالغ السّذاجة·‬
‫كان العالم ل يعرف الخيانة‪،‬‬
‫ولم يكن لح ٍد فخّ أو شركٌ يخشاه‪،‬‬
‫والسّلم يهيمن على الرض·‬
‫أوّل من أعطى مثلً مشؤوماً‪،‬‬
‫مشتهياً طعام السود‪،‬‬
‫طاوياً اللحم في معدته النّهمة‪،‬‬
‫هذا الوّل‪ ،‬أيّا كان‪،‬‬
‫هو من فتح الطّريق إلى الجريمة·‬
‫ربّما كان قتل الحيوانات الوحشيّة‪،‬‬
‫هو البداية التي لطّخت الرّمح بدمٍ حارّ·‬
‫كان ذلك سيكفي‪،‬‬
‫وأعترف أنّه يُمكن‪ ،‬دون الخلل بقوانين السّماء‪،‬‬
‫قتلُ الحيوانات التي تحاول قتلنا·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪816 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪817 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪897 :‬‬


‫لكن‪ ،‬إن كان بوسعنا قتلها‬
‫فل ينبغي أن نأكلها·‬

‫فيما بعد‪ ،‬بُولغَ في القتل‪،‬‬


‫ويبدو أنّ الخنزير كان الضّحيّة الولى التي استحقّت الموت‪،‬‬
‫لنّه كان ينبش الزّروع‬
‫بخطمه المقوّس‪ ،‬ويقضي على رجاء السّنة·‬
‫ويُقال إنّ التّيس ذُبحَ أمام معبد باخوس‪،‬‬
‫انتقاماً‪ ،‬لنّه رعى الكرمة·‬
‫فقد هلك هذان الحيوانان‬
‫ل منهما·‬‫بالخطيئة التي ارتكبها ك ّ‬
‫لكن‪ ،‬ماذا كانت خطيئتك‪ ،‬أنتِ‪،‬‬
‫أيّتها النّعجة الوادعة‪ ،‬التي وُلدت‬
‫للحفاظ على حياة البشر‪،‬‬
‫أنت التي تحمل رحيقاً في ثدييها الممتلئين‪،‬‬
‫والتي يوفّر لنا صوفها ثيابًا ناعمة‪،‬‬
‫والتي تفيد بحياتها أكثر ممّا تفيد بموتها ؟‬
‫ما الشّرّ الذي ارتكبه الثور‪،‬‬
‫هذا الحيوان الذي ل يعرف الحيلة ول الخبث‪،‬‬
‫المسالم‪ ،‬البريء‪ ،‬المولود لكي يتحمّل المشقّات ؟‬
‫بلى‪ ،‬إنّه حقّا كافرٌ بالنّعمة‪،‬‬
‫وغير جدير بخيرات الرض‪،‬‬
‫ذلك الذي يقدر أن يذبح فلّحه‬
‫وهو ل يكاد يتحرّر من عبء المحراث المقوّس‪،‬‬
‫ويضرب بالفأس هذا العنق‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪817 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪818 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪898 :‬‬

‫الذي أرهقه العمل‪ ،‬بعد أن استخدمه‬


‫مرارًا عديدة لفلحة التّربة القاسية‬
‫في حقله‪ ،‬ولتهيئة الحصاد·‬
‫ولم يكن ارتكاب النسان جريم ًة كهذه كافياً‪،‬‬
‫بل إنّه عزاها إلى اللهة أنفسهم‪،‬‬
‫فقد ظنّ أنّ دم الثّور الكادح‬
‫سائغٌ للقوى السّماويّة·‬
‫ضحيّة بل شائبة‪ ،‬يميّزها جمالها‬
‫(ذلك أنّ شقاءها هو العجاب بها)‪،‬‬
‫مزيّنة بالذهب والشرطة‬
‫تُقادُ إلى المذابح‪،‬‬
‫ك بما يُهيّأ لها‪،‬‬
‫ل تش ّ‬
‫وتظن أنّها ستتلو الصّلوات‪،‬‬
‫وهي تنظر إلى ثمار الرض التي حرثتها‪،‬‬
‫توضع على جبهتها‪ ،‬بين قرنيها‪،‬‬
‫عندما تتلقّى الضّربة القاضية‪،‬‬
‫وتصبغ بدمها السّكين التي قد تكون لمحتها‪ ،‬لتوّها‪،‬‬
‫في الماء الصّافي·‬
‫وسُرعان ما تُنتزَع أمعاؤها‬
‫من باطنها الذي ل يزال يُواصل نبضه‪،‬‬
‫وتُفحص‪ ،‬بحثًا عن مشيئة اللهة·‬
‫بعد ذلك (تلك هي شهيّة النسان‬
‫إلى الطعمة المحرّمة!) تتجرّأون‪،‬‬
‫أيّها الفانون‪ ،‬لتجعلوا منها غذاءً لكم!‬
‫توقّفوا‪ ،‬أتوسّل إليكم· أصغوا إليّ‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪818 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪819 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪899 :‬‬

‫عندما تأكلون ثيرانكم المذبوحة‬


‫فاعلموا وافهموا‬
‫أنّكم تأكلون فلّحيكم·‬
‫ما دام يدعوني إلى الكلم إلهٌ‬
‫فسوف أطيعه‪ ،‬وسأتكلّم كما يُملي عليّ·‬
‫سأنشر على المل أسرار دِلْفي التي أحملها فيّ‪،‬‬
‫وأسرارَ السّماوات نفسها‬
‫وأكشفُ عن نبوءات الحكمة السّامية·‬
‫سأغنّي أسرارًا عظيمةً لم تحاول عبقريّة‬
‫آبائنا أن تنفذ إليها‪ ،‬وبقيت طويلً‬
‫في الظلّ· أريد أن أعلوَ إلى النّجوم‪،‬‬
‫تاركًا مقامي على الرض البليدة‪،‬‬
‫تحملني الغيوم‪ ،‬واطئاً بقدميّ كتفي‬
‫الله أطلس‪ ،‬القويّتين·‬

‫من العالي هناك‪ ،‬سأرى إلى البشر‬


‫يشردون على غير هدىً‪ ،‬دون أن يقودهم العقل‪،‬‬
‫أشدّد عزمهم فل يرتجفون خوفًا من الموت‪،‬‬
‫عارضاً أمامهم مجرى القدار‪:‬‬
‫"أيّها النوع النسانيّ‪ ،‬أنتَ يا من يشلّه‬
‫الخوف من أن يُجمّده الموت‪،‬‬
‫لماذا تخشى الجحيم‪،‬‬
‫وظلماتها‪ ،‬وهي اس ٌم بل مُسمّى‪،‬‬
‫مادّة للشّعر‪ ،‬ومخاطرُ عالمٍ خياليّ ؟‬
‫تأكّدوا أنّ الجسام التي أتلفتها‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪819 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪820 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪900 :‬‬

‫نار المحرقة‪ ،‬أو صيّرها الزّمن غباراً‪،‬‬


‫ل تعود قادرةً على الحساس بأيّ ألم·‬
‫أمّا الرواح فغير خاضعةٍ للموت‪،‬‬
‫وعندما تهجر مقامها الوّل‪،‬‬
‫ت جديدة‪،‬‬‫تظلّ حيّة في مقاما ٍ‬
‫ل القامة فيها منذ أن تدخل إليها·‬ ‫وتواص ُ‬
‫أتذكّر أنا نفسي‪ ،‬في زمن حرب طروادة‪،‬‬
‫أنني كنت ذلك الفتى أوفوربوس (‪)Euphorbus‬‬
‫ابن بانتوس (‪ ، )Panthous‬الذي اخترقت‬
‫صدره يوماً حربةُ خصمه الثّقيلة‪،‬‬
‫الصغر سنّا بين اليونانيين‪3 ،‬‬
‫ب كذلك في آرغوس‪،‬‬ ‫ومنذ عهدٍ قري ٍ‬
‫حيث كان يملك آباس (‪، )Abas‬‬
‫تعرّفت في هيكل جونون (‪)Junon‬‬
‫على الترس الذي كانت تحمله آنذاك‬
‫ذراعي اليُسرى·‬
‫كلّ شيء يتغيّر‪ ،‬ول شيء يفنى·‬
‫يطوفُ النّسمُ الحيّ‪ ،‬يذهب‬
‫هنا وهناك‪ ،‬ويحلّ كما يشاء‬
‫ت كثيرة تنوّعا واختلفاً·‬ ‫في مخلوقا ٍ‬
‫من أجسام الحيوانات‪،‬‬
‫ينتقل إلى أجسام البشر‪ ،‬ومن أجسام‬
‫هؤلء إلى أجسام تلك‪ ،‬ول يموت أبداً·‬
‫الشّمع الطيّع الذي يتلقّى من النّحّات‬
‫ت جديدة‪ ،‬فل يبقى أبداً كما كان‪،‬‬ ‫بصما ٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 3‬الشارة إلى مينيلس الذي بعد أن قتل الطّرواديّ أوفوربوس‪ ،‬وضع ترسه نذراً في هيكل اللهة هيرا (‪ )Héra‬في‬
‫آرغوس (‪· )Argos‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪820 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪821 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪901 :‬‬

‫ويتحوّل شكله باستمرار‪ ،‬يظلّ هو هو‬


‫الشّمع ذاته·‬
‫كذلك الرّوح‪ ،‬أقول لكم‪ ،‬تبقى هي ذاتها‬
‫في هجراتها المتوالية في مختلف الصور·‬
‫إذن‪ ،‬ل تتركوا للْبطْن ِة أن تتغلّب فيكم‬
‫على واجباتكم العائليّة‪،‬‬
‫حاذروا‪ ،‬إن كنتم تؤمنون بصوتي النبويّ‪،‬‬
‫أن تطردوا من بيوت عائلتكم‪،‬‬
‫باغتيالتٍ رهيبة‪،‬‬
‫أرواحًا قريب ًة من أرواحكم‪،‬‬
‫ول تُطعموا دمكم دماً آخر·‬
‫واعلموا كذلك‪ ،‬ما دمت محمولً على البحر الواسع‪،‬‬
‫مُسلِماً أشرعتي إلى الرّياح التي تملؤها‪،‬‬
‫ألّ شيء يثبت في الكون كلّه؛‬
‫الشياء جميعًا تنتهي‪ ،‬ولم تُخلقِ الشكال كلّها‬
‫إلّ لكي تذهب وتأتي·‬
‫الزّمن نفسه يجري بحركةٍ متواصلة‬
‫كمثل نهر ـ تماماً‪،‬‬
‫ذلك أنّ النّهر ل يقدر أن يتوقّف‪،‬‬
‫كما أنّ السّاعة السّريعة ل تقدر‬
‫أن تتوقّف هي كذلك·‬
‫تدفع الموجةُ الموجةَ‪،‬‬
‫والسّائر في المام يستعجله‬
‫السّائر في الوراء‪،‬‬
‫هكذا تهرب السّاعات‪ ،‬تتلوها‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪821 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪822 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪902 :‬‬

‫دائماً في مجرًى متشابه‪ ،‬ساعاتٌ أخرى‪،‬‬


‫في تجدّد ل يتوقّف·‬
‫ما كان يزول‪ ،‬وما لم يكن يأتي‬
‫إلى الوجود‪ ،‬وكلّ لحظ ٍة‬
‫تمضي لكي تحلّ محلّها لحظةٌ أخرى·‬

‫انظروا إلى الليل‪ ،‬كيف‬


‫بعد أن يكمل مسيرته‪ ،‬يسير إلى الصّباح‪،‬‬
‫وكيف تخلف الشمس المشعّة الليل المظلم·‬
‫وليس للسماء اللّون نفسه‪،‬‬
‫عندما تستسلم الكائنات المتعبة إلى النوم‬
‫في وسط الليل‪ ،‬وعندما يخرج كوكب الصّباح‬
‫من المواج‪ ،‬على جواده البيض·‬
‫وثمّة فرقٌ آخر‪ ،‬يبدو‬
‫عندما تلوّن ابنة بّالّس‪ 4 ،‬أورورا‪ ،‬ناقلة النّهار‪،‬‬
‫الكونَ الذي يتوجّب عليها أن‬
‫تُسلمه إلى فوبوس·‬
‫ص هذا الله نفسه‪ ،‬أحمر صباحاً‬ ‫إنّ قر َ‬
‫عندما ينهض في الفق‪ ،‬ويكون كذلك‬
‫أحمرَ عندما يغيب·‬
‫غير أنّه كاملُ البياض في قبّة السّماء‪،‬‬
‫لنّ الهواء فيها من نوعٍ أصفى‪،‬‬
‫تخلّص من عدوى الرض·‬
‫ول يستطيع كوكب ديانا‪ ،‬مِشعلُ الليالي‪،‬‬
‫أن يُحافظ أبداً على شكلٍ واحد‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ ، )Pallas( 4‬وأورورا ابنتها·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪822 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪823 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪903 :‬‬

‫يشابه نفسه دائماً·‬


‫فهو اليوم أكثر صغرًا من الغد‪،‬‬
‫إن كان القمر في تزايد‪،‬‬
‫وأكثر ِكبَراً إن كان القمر في تناقص·‬
‫وماذا ؟ أل ترون أنّ للسّنة‬
‫أربعَ مراحل متتابعة‪ ،‬تشبه مراحلَ حياتنا ؟‬
‫الرّبيع عندما يظهر‪ ،‬طفلٌ صغيرٌ ناعمٌ‬
‫يتغذى بالحليب؛ وآنذاك يكون العشب الجديد‬
‫نحيلً ومرهفاً‪ ،‬لكنّه يكون مليئاً بالنّسغ‪،‬‬
‫يسرّ الفلّحين الذين يرون فيه المل·‬
‫وكلّ شيءٍ يزهر ـ‬
‫وتُعطي الزهار من كلّ لونٍ للرض المّ‬
‫مظهراً ضاحكاً‪ ،‬فيما تكون الوراق‬
‫ل تزال ضعيفةً·‬
‫بعد الرّبيع‪ ،‬تدخل في الصّيف السّنة الكثر قوّة·‬
‫تتحوّل إلى شابّ في عنفوانه‪،‬‬
‫إذ ليس هناك فصلٌ أكثر بأساً‬
‫وخصوبةً واضطراماً·‬
‫يأتي بعد ذلك الخريف الذي فقدَ‬
‫نار الشباب‪ ،‬فهو بعد النّضج‪،‬‬
‫ف ويعتدل‪ ،‬وسطٌ‬ ‫ط َ‬‫وبعد أن يل ُ‬
‫بين الشباب والشيخوخة‪،‬‬
‫ن صدغيه يكونان قد‬ ‫غير أ ّ‬
‫ترصّعا بالشّعر البيض·‬
‫أخيراً‪ ،‬يجيء بخطواتٍ مرتجفة‪ ،‬كمثل شيخٍ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪823 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪824 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪904 :‬‬

‫الشتاء الكريه‪ ،‬وقد تساقط شعره‬


‫عن رأسه‪ ،‬أو أصبح رأسه متوّجا‬
‫بالشّعر البيض·‬
‫إنّ أجسامنا تتحوّل باستمرار هي كذلك‪،‬‬
‫ودون توقّف؛ فما كنّاه‪ ،‬وما نحن‪،‬‬
‫لن نكونه غداً·‬
‫ل بذرةً‪،‬‬
‫في وقتٍ سابقٍ‪ ،‬لم نكن إ ّ‬
‫ن يُعلن عن مجيئه‪،‬‬ ‫أو أملً بإنسا ٍ‬
‫مختبئين في أحشاء أمّهاتنا·‬
‫والطّبيعة هي التي قدّمت لنا‬
‫ن يديها الماهرتين·‬
‫عَوْ َ‬
‫لم تُردْ أن تبقى أجسامنا‬
‫سجينةً في أحشاء أمّهاتنا‪ ،‬المنتفخة‪،‬‬
‫فأخرجتنا من هذه المنازل الولى‪،‬‬
‫ووضعتنا في الهواء الطّلق·‬
‫وعندما يرى الطّفل الصّغير العالم‪،‬‬
‫يظ ّل ممدّدا‪ ،‬بل حوْل·‬
‫ثمّ يحبو على يديه وقدميه‬
‫كمثل الحيوانات ذوات القوائم الربع·‬
‫ورويداً رويداً‪ ،‬فيما يرتجف‪ ،‬ول يقوى على السّير‪،‬‬
‫ينهض يُساعد عضلته بأشياءَ يستندُ إليها·‬
‫وعندما يصبح قويّا‪ ،‬خفيف الحركة‪،‬‬
‫يعبر فضاء الشّباب·‬
‫أخيراً‪ ،‬عندما يبلغ الح ّد من عمره المتوسّط‪،‬‬
‫يهبط منحدرَ الشّيخوخة المتهافتة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪824 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪825 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪905 :‬‬

‫وهذه تتأكّل طاقات العمر السّابق‪،‬‬


‫وتقضي عليها·‬
‫شاخ ميلون (‪ ، )Milon‬وبكى‬
‫عندما رأى ذراعيه اللّتين تذكّران‬
‫ت وبأساً‪،‬‬‫بذراعي هرقل‪ ،‬عضل ٍ‬
‫تتدلّيان فارغتين‪ ،‬عائمتين·‬
‫بكت كذلك ابنة تيندار (‪Tyndare(، 5‬‬
‫يوم رأت في المرآة التّجاعيد التي‬
‫سبّبتها الشّيخوخة‪ ،‬وتساءلت في نفسها‬
‫كيف أمكن أن تُختطف مرّتين·‬
‫آه‪ ،‬أيّها الزّمن الجشعُ‪ ،‬أيّها الهرَمُ الغيور‪،‬‬
‫إنّك تدمّر كلّ شيء؛‬
‫ل ما تهاجمه أسنان العمر‪،‬‬ ‫فك ّ‬
‫يتلشى شيئاً فشيئاً بالموت البطيء‬
‫الذي تُرسله إليه·‬
‫وليس ما نسمّيه بالعناصر‪ ،‬أكثر ثباتاً·‬
‫أعيروني انتباهكم‪،‬‬
‫وسوف أقول لكم تقلّباتها·‬
‫يتضمّن الكون الخالد أربعة أجسام‬
‫هي التي تلد ما تبقّى‪،‬‬
‫اثنان ثقيلن يقودهما ثقلهما نفسه‬
‫إلى المناطق السّفليّة وهما التراب والماء·‬
‫وليس للخريْن ثِقلٌ‪ ،‬ول يمسك بهما شيءٌ‬
‫لذلك يذهبان نحو المناطق العلويّة‪،‬‬
‫هما الهواء‪ ،‬والنار الكثر نقا ًء منه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 5‬ابنة تندار هي هيلنة (‪ )Hélène‬التي خطفها تيسيوس (‪ ، )Thésée‬قبل أن يخطفها بّاريس (‪ · )Paris‬وميلون (‬
‫‪ )Milon‬من كروتونا هو صهر فيثاغوروس‪ ،‬وكان مصارعًا يلبس كما يلبس هرقل‪ :‬جلد أسدٍ· ويحمل مثله آلةً‬
‫رياضيّة بشكل هراوة·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪825 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪826 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪906 :‬‬

‫مهما تكن هذه العناصر منفصلةً في المكان‪،‬‬


‫فكلّ شيء يصدر عنها‪ ،‬وكلّ شي ٍء يعود إليها·‬
‫ل ماءً سائلً‪،‬‬
‫يذوبُ التّراب وينح ّ‬
‫والما ُء يتبخّر ويصير هواءً وريحاً‪،‬‬
‫وإذ يزداد الهواء خفّة‪ ،‬ويُختَزَلُ إلى جوهره الصفى‪،‬‬
‫يتصاعد نحو النار في العالي·‬
‫ثم تعود هذه العناصر إلى الوراء‪،‬‬
‫ق معاكس‪:‬‬ ‫وتتكوّن من جديدٍ في نس ٍ‬
‫إذ تتكثّف النار‪ ،‬تنتقل بكثافتها إلى حالة الهواء‪،‬‬
‫وينتقل الهواء إلى حالة الماء‪،‬‬
‫والماء المتجمّد يشكّل التّراب·‬
‫ل شيء يحافظ على مظهره الوّليّ‪،‬‬
‫فالطّبيعة التي تجدّد الكون باستمرار‪،‬‬
‫ل مازجةً الواحد بالخر·‬ ‫تجدّد الشكا َ‬
‫ل شيء يَبيد في الكون‪ ،‬صدّقوني‪،‬‬
‫لكن كلّ شيء يتنوّع‪ ،‬وتتجدّد صورته·‬
‫ما نسمّيها ولدةً‪ ،‬إنّما هي بداية وجود‬
‫يختلف عن سابقه‪،‬‬
‫وما نسمّيه موتاً‪ ،‬إنّما هو نهايته·‬
‫قد يحدث أن تنتقل الجزاء هنا وهناك‪،‬‬
‫غير أنّ مجموعها يظلّ ثابتاً·‬
‫أعتقد من جهتي ألّ شيء يدوم طويلً‬
‫في الشّكل الواحد نفسه‪،‬‬
‫هكذا انتقلتِ‪ ،‬أيّتها العصورُ‬
‫من الذهب إلى الحديد‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪826 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪827 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪907 :‬‬

‫وهكذا تغيّرت مراراً أحوال بلدانٍ مختلفة·‬


‫ل محلّ يابسةٍ‬‫رأيت أنا نفسي بحراً ح ّ‬
‫كانت سابقاً صُلبةً‪،‬‬
‫ورأيت يابسةً حلّت محلّ البحر·‬
‫لقد عُثرَ في الرض‪ ،‬بعيداً جدّا عن الموج‪،‬‬
‫ف بحريّة‪،‬‬‫على أصدا ٍ‬
‫س قديمة·‬
‫وعُثرَ في أعالي الجبال على مرا ٍ‬
‫ما كان حقلً‪،‬‬
‫حوّله الطّوفان أحياناً إلى وادٍ‪،‬‬
‫وكثيراً ما أجبر السّيل العارم‬
‫جبلً على الهبوط إلى السّهل·‬
‫وثمّة مكانٌ كان مستنقعاً‪،‬‬
‫ل قاحلٌ‪،‬‬
‫أصبح اليوم جافّا‪ ،‬يُغطّيه رم ٌ‬
‫وثمّة أمكنة أخرى كانت تكابد العطش‬
‫تنتشر فيها اليوم مياه الغدران·‬
‫هنا فجّرت الطّبيعة ينابيعَ جديدة‪،‬‬
‫وهنالك طمستها·‬
‫وما أكثر النهار التي انبجست من الرض‬
‫بفعل الهزّات الرضيّة القديمة‪،‬‬
‫بينما غارت فيها أنهارٌ أخرى‪،‬‬
‫تاركةً مجاريها بل ماء·‬
‫هكذا نهر ليكوس (‪)Lycus‬‬
‫ابتلعته الرض المنشقّة‪ ،‬فخرج منها‬
‫على مساف ٍة بعيدة من مجراه الصليّ‪،‬‬
‫متدفّقا من فتحةٍ أخرى·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪827 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪828 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪908 :‬‬

‫وهكذا نهر إيراسينوس (‪ )Erasinus‬الكبير‬


‫جرْيه‬‫الذي بعد أن شربته الرض‪ ،‬وبعد َ‬
‫في مهوًى عميق تحتها‪،‬‬
‫أعيدَ أخيراً إلى حقول آرغوس·‬
‫ويُقال إنّ نهر كايكوس (‪ )Caicus‬في ميزوس (‪)Mysus‬‬
‫غيّر اتّجاهه‪ ،‬لنّه اشمأ ّز من منبعه ومن ضفافه الولى·‬
‫وها هو نهر أمينانوس (‪)Aménanus‬‬
‫يُسرع تارةً جارفًا في تدفّقه رمال صقلّية‪،‬‬
‫وتار ًة تنضب ينابيعه‪ ،‬فيترك مجراه بل ماء·‬
‫فيما مضى‪ ،‬كانت تُشربُ المياه‬
‫التي يصبّها بعيداً نهر آنيغروس (‪)Anigrus‬‬
‫ومنذ أن غسلت فيها المسوخ المزدوجة الشكال‪6 ،‬‬
‫جراحها التي أحدثتها قوس هرقل‪ ،‬البطل‬
‫المسلّح بالهراوة‪،‬‬
‫لم يعد أحدٌ‪ ،‬هذا إذا كان ينبغي أن نصدّق‬
‫الشعراء‪ ،‬يريد أن يلمسها·‬
‫وماذا! هيبانيس (‪ )Hypanis‬كذلك‬
‫الذي يتحدّر من جبال سيثيا (‪، )Scythia‬‬
‫والذي لم يكن يتدفّق إلّ بالماء العذب‪،‬‬
‫ألم تُفسده الملح المرّة ؟‬
‫وكانت المواج تُحيط بآنتيسّا (‪)Antissa‬‬
‫وفاروس (‪ )Pharos‬وصور الفينيقيّة‪،‬‬
‫فلم تعد اليوم جزرًا كما كانت·‬
‫وكانت لوكاس (‪ )Leucas‬جزءًا من القارّة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 6‬الشارة هنا إلى السّناطير التي جرحتها سهام هرقل المغموسة بدم هيدرة ليرنا [أفعوان ليرنا] والتي غسلت جراحها‬
‫في مياه أنيغروس (‪· )Anigrus‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪828 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪829 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪909 :‬‬

‫في زمن سكّانها البدائيين‪،‬‬


‫واليوم يطوّقها البحر·‬
‫وزانكليه (‪ ، )Zanclé‬هي كذلك‪ ،‬كانت‪ ،‬كما يُقال‪،‬‬
‫ملتصقةً بإيطاليا‪ ،‬قبل أن تجرف المواج‬
‫حدود هذه المدينة‪ ،‬ويفصل الماء أرضها‬
‫من جميع النّواحي·‬
‫وإذا بحثتم عن هيليسه (‪)Hélicé‬‬
‫وبوريس (‪ ، )Buris‬اللتين كانتا من مدن آشايا (‪)Achaea‬‬
‫فسوف تعثرون عليهما تحت المواج·‬
‫ول يزال البحّارة يُشيرون إلى أنقاضهما‬
‫التي تحيط بها أسوارهما المغمورة·‬
‫قرب تروزين (‪ ، )Troezen‬مدينة بيتوس (‪، )Pitteus‬‬
‫تعلو تلّة ل شجر فيها‪:‬‬
‫كانت سابقاً‪ ،‬أرضًا مستويةً وفي سهلٍ‪،‬‬
‫ثم تحوّلت هذه الرض إلى تلّة·‬
‫ذلك أنّ الرّياح المسجونة في كهوفٍ مظلمة تحت الرض‪،‬‬
‫شاءت ـ وتلك أعجوبة مخيفة ـ‬
‫أن تجد لهبوبها مخرجاً‪ ،‬لكنّها بعد جهودٍ فاشلة‪،‬‬
‫لكي تتحقّق من اندفاعها‬
‫بشكلٍ أكثر ح ّريّة‪ ،‬وبعد عجزها‬
‫عن العثور على أيّ شقّ في سجونها‬
‫يمكن أن تم ّر منه‪،‬‬
‫شبّ عنفُها الرّهيب‪ ،‬ممدّدا الرض‬
‫نافخاً سطحها‪ ،‬كما تنفخ أنفاسُنا‬
‫قرْب ًة من جلد َتيْسٍ أقرن·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪829 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪830 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪910 :‬‬

‫ومذّاك‪ ،‬احتفظ هذا المكان‬


‫بالنتفاخ الذي اتّخذ شكل تلّة عالية‪،‬‬
‫وترسّخ مع مرور الزّمن·‬
‫تخطر لي أمثلة كثيرة سمعتها أو لحظتها بنفسي‪،‬‬
‫وسوف اتابع فأذكر بعضها·‬
‫أل نرى الماء يُعطي ويستقبل أشكالً جديدة ؟‬
‫نبعك يا أمّون (‪ ، )Ammon‬أيّها الله‪ ،‬يا ذا القرنين‪،‬‬
‫مثلّج في منتصف النّهار‪،‬‬
‫حا ّر عندما يستيقظ‪ ،‬وعندما يمضي·‬
‫يُروى أنّ التامان (‪ )Athamanes‬يُشعلون الخشب‬
‫بتغطيسه في الماء‪ ،‬عندما يبلغ قرص القمر الفل‬
‫حجمه القلّ·‬
‫وللسّيكون (‪ )Cicones‬نه ٌر يُجمّد ماؤه‬
‫أحشاء من يشربه‪،‬‬
‫ويُلقي طبق ًة من الرّخام على الشياء التي يلمسها·‬
‫ونهر كراتيس (‪ )Crathis‬ونهر سيباريس (‪)Sybaris‬‬
‫الذي يُجاور منطقتنا‪ ،‬يُعطيان كلهما‬
‫للشّعر لون العنبر والذهب·‬
‫وثمّة شيء أكثر إدهاشًا كذلك‪،‬‬
‫فهناك ميا ٌه تمتلك خاصّية‬
‫ل تغيّر الجسام وحدَها‪ ،‬وإنّما تغيّر الرواح كذلك·‬
‫ومن لم يسمع ما يُقال عن نبع سالماكيس (‪)Salmacis‬‬
‫المشؤوم وعن تلك البحيرات في أثيوبيا‬
‫التي تجنّن من يشرب منها‪ ،‬أو تغرقه في‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪830 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪831 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪911 :‬‬

‫نومٍ ثقيلٍ عجيبٍ ؟‬


‫والذي يروي ظمأه من نبع كليتور (‪)Clitor‬‬
‫يشمئزّ من الخمر‪ ،‬ول يعود يشربه‪،‬‬
‫مستمتعاً بالماء النّقيّ‪،‬‬
‫إمّا لنّ ماء هذا النّبع يمتلك خاصّية تجعله متنافراً‬
‫مع حرارة الخمر‪،‬‬
‫وإمّا لنّ ابن آميتون (‪Amythaon(، 7‬‬
‫كما يروي السكّان الصليون‪،‬‬
‫ألقى في النبع شراب المحبّة‪ ،‬وخلّص‬
‫من الهذيان بنات بريتوس (‪ )Prétus‬الّلئي أصبنَ بالجنون‬
‫وشفى عقولهنّ‪،‬‬
‫بفضل التّعازيم‪ ،‬وبفضل نباتاتٍ سحريّة‪،‬‬
‫وربّما لهذا احتفظ ماء النّبع بخاصيّة النّفور من الخمر·‬
‫للمياه التي يُجريها نهر لنسيست (‪)Lynceste‬‬
‫تأثيرٌ معاكسٌ تماماً‪ ،‬فمن روّى حلقومه منها‬
‫بغير اعتدالٍ‪ ،‬يترنّح كما لو أنّه شربَ خمرةً صافيةً·‬
‫وفي أركاديا بحيرة‪ ،‬سمّاها القدامى فينيوس (‪)Phéneos‬‬
‫تجعل منها طبيعة مياهها الغامضة موضع ارتياب·‬
‫اجتنبوا هذه المياه في اللّيل‪،‬‬
‫فهي قاتل ٌة إذا شُربت في الليل‪،‬‬
‫أمّا في النّهار فيمكن الشّرب منها دون أيّ خطر·‬
‫ل من النهار والبحيرات خصائص مختلفة·‬ ‫هكذا لك ّ‬
‫كانت أورتيجيا (‪ )Ortygia‬في وقتٍ ما‬
‫تعوم على البحر‪ ،‬وهي اليوم ثابتة·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ت بعد‬
‫ن يعتقدْنَ أنّهنّ أصبحنَ عِجْل ٍ‬
‫‪ 7‬هو ميلمبوس (‪ )Mélampus‬الذي شفى بنات بريتوس‪ ،‬ملك آرغوس· ك ّ‬
‫ن ينكرن ألوهته·‬
‫عقاب ديونيزوس لهنّ‪ ،‬لنّه ّ‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪831 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪832 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪912 :‬‬

‫وكانت السّفينة آرجو (‪ )Argo‬تخشى‬


‫الجزيرتين‪ ،‬الدميتين الموجيتين‪ ،‬اللتين‬
‫كانتا تتحطّمان عندما تتلقيان‪،‬‬
‫واليوم ثبتت هاتان الجزيرتان‪ ،‬فهما راسختان‬
‫وتقاومان الرّياح·‬
‫وبركان إتنا (‪ )Etna‬بسعيره الكبريتيّ المشتعل‪،‬‬
‫لن يكون مشتعلً دائماً‪ ،‬لنّه في الواقع‬
‫لم يكن دائمًا مشتعلً·‬
‫لنّه‪ ،‬إمّا أنّ الرض كائنٌ حيّ‪ ،‬يتنفّس‬
‫ويتجلّى نفَسُه في أماكن عدّة بتبخّرات ملتهبة‪،‬‬
‫وحينذاك تقدر أن تغيّر المخار َ‬
‫ج‬
‫التي تتنفّس منها‪ ،‬وعندما تتحرّك‬
‫تُغلق بعض المنافذ في أمكنة‪،‬‬
‫فاتحةً غيرها في أماكن أخرى·‬
‫وإمّا أنّ رياحاً خفيفةً مضغوطةً‬
‫في أعماقها تقذف بالحجارة بعضها فوق بعض‪،‬‬
‫وتقذف معها مادّة تحتوي على عناصر‬
‫قابلة للشتعال‪ ،‬تشتعل بتأثير الصّدمات التي تتلقّاها‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة‪ ،‬تبقى العماق باردةً‪،‬‬
‫عندما تهدأ الرّياح·‬
‫وإمّا أنّه القار الذي تشتعل عناصره‪،‬‬
‫أو الكبريت الصفر الذي يحترق مولّدا دخاناً خفيفاً·‬
‫فعندما ل تعود الرض تقدّم هذه الغذية الغنيّة‬
‫التي تحافظ على اللّهب‪ ،‬وعندما تُستنفد طاقاتها‬
‫بتتابع العصور‪ ،‬الطّويل‪ ،‬ول يجد اللّهب‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪832 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪833 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪913 :‬‬

‫الشّره بطبيعته‪ ،‬ما يتغذى به‪،‬‬


‫فلن يقدر أن يُقاوم الجوع‪،‬‬
‫آنذاك سوف تهجر النار هذه المكنة المقفرة·‬
‫يُروى أنّ في القاليم الشّماليّة‪ ،‬في بالين (‪، )Pallène‬‬
‫أشخاصاً يغطّي أجسامهم ريشٌ خفيف‪،‬‬
‫عندما يغوصون تسع مرّات في بحيرة تريتون (‪· )Triton‬‬
‫غير أنني ل أصدّق ذلك·‬
‫كذلك نساء سكيثيا (‪ ، )Scythia‬كما يؤكّد بعضهم‪،‬‬
‫يفعلنَ العجوبة ذاتها‪،‬‬
‫ي يسكبنه على أعضائهنّ·‬ ‫بوساطة عصيرٍ سحر ّ‬

‫مع ذلك‪ ،‬إن كان ينبغي تصديق الوقائع الثابتة‪،‬‬


‫أفل ترون أجساماً‪ ،‬ذوّبها عملُ الزّمن‪،‬‬
‫أو ذوّبتها الحرارة‪ ،‬وتفكّكت‪ ،‬وتحوّلت إلى حيوانات صغيرة ؟‬
‫اختاروا حفرةً‪ ،‬اذبحوا فيها ثيراناً‪،‬‬
‫وأهيلوا عليها التراب‪ ،‬وسوف يولد‬
‫هنا وهناك من لحمها المتفسّخ‪،‬‬
‫وتلك ظاهرة تؤكّدها التّجربة‪،‬‬
‫نحلٌ ينطلق ليجمّع مؤونته من الزّهر·‬
‫ومثل تلك الثيران التي أعطتها الحياة‪،‬‬
‫ب العمل‪ ،‬وتتعب آملةً بالقطاف·‬ ‫تروقُ لها الحقول‪ ،‬وتح ّ‬
‫ومن حصان الحرب‪ ،‬بعد أن يُغمرَ بالتّراب‪،‬‬
‫تولد الزّنابير·‬
‫وإذا نزعت من السّرطان‪ ،‬صديق الشّواطئ‪،‬‬
‫ذراعيه المقوّستين‪ ،‬وغطّيت ما تبقّى بالتّراب‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪833 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪834 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪914 :‬‬

‫يخرج من هذا الجزء المدفون عقربٌ‬


‫يهدّدك بذيله العقف·‬
‫والساريع التي نراها‪ ،‬في الرياف‪،‬‬
‫تنسج حول الوراق خيوطها البيض‪،‬‬
‫تترك أشكالها لكي تتّخذ‪ ،‬كما لحظ المزارعون‪،‬‬
‫أشكال الفراشات الميّتة·‬
‫وفي الطّمي بذو ٌر تولد منها الضّفادع الخُضر‪،‬‬
‫وهو يولّدها أوّل بل أرجلٍ‪،‬‬
‫ثم يعطيها ساقين للسّباحة‪،‬‬
‫ولكي تكون قادرةً في الوقت نفسه‬
‫على القيام بقفزاتٍ طويلة‪ ،‬فإنّ رجليها الخلفيتين‬
‫ل من الماميّتين·‬ ‫تكونان أكثر طو ً‬
‫والدّب الطّفل الذي وضعته الدّبّة حديثاً‪،‬‬
‫ل يكون إلّ لحمًا ل يكاد أن يكون حيّا‪،‬‬
‫لكن لكثرة ما تلحسه أمّه تشكّله بطريقةٍ‬
‫تظهر أعضاءه‪ ،‬وتعطيه شكلً شبيهاً بشكلها هي·‬
‫أل ترون عند جماعات النّحل‪ ،‬عاملت العسل‪،‬‬
‫كيف أنّ اليرقانات في أسفل النّخاريب الشّمعيّة السّداسيّة‪،‬‬
‫تولدُ أجسامًا دون أعضاء‪ ،‬ثم تتلقّى فيما بعد‬
‫أرجلً وأجنحة ؟‬
‫وطائر جونون (‪ ، )Junon‬الذي يتزيّن ذيله بالنّجوم‪،‬‬
‫وذلك الذي يحمل سلح جوبيتر‪،‬‬
‫وحمائم كيثيريا (‪ ، )Cytherea‬والنّسل المجنّح بكامله‪،‬‬
‫تولد جميعًا من وسط بيضة ؟‬
‫مَن إذن يمكن أن يصدّق هذا كلّه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪834 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪835 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪915 :‬‬

‫إن لم يكن يعرف أنّ هذه هي الحقيقة ؟‬


‫والعمود الفقريّ‪ ،‬على وفق رأي له أنصاره‪،‬‬
‫عندما يتعفّن في أسفل القبر المُغلق‪،‬‬
‫ن لبّه يتحوّل إلى أفعوان·‬ ‫فإ ّ‬
‫جميع هذه الحيوانات‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬مدينةٌ‬
‫بأصول حياتها إلى غيرها·‬
‫غير أنّ هناك طائراً‪ ،‬ل ثاني له‪،‬‬
‫ق نفسه‪،‬‬ ‫يتجدّد‪ ،‬ويُعيد خل َ‬
‫يُسمّيه الشوريون باسم فينيق(‪· )Phénix‬‬
‫إنّه طائ ٌر ل يعيش على الحبوب‪ ،‬ول على العشب‪،‬‬
‫وإنّما يتغذى من دموع البخور ومن نُسغ الهال·‬
‫ومنذ أن يُكمل القرون الخمسة‪ ،‬وهي عمره المقدّر له‪،‬‬
‫يبني‪ ،‬مستقرّا على الغصون‪ ،‬أو على ذروة نخل ٍة تتأرجح‪،‬‬
‫ي من كلّ دنس·‬ ‫عُشّا بمخالبه ومنقاره النّق ّ‬
‫هناك يجمع القِ ْرفَةَ وسنابل النّردين وقطعاً‬
‫من الكافور‪ ،‬ومن المرّ الشقر اللّون‪،‬‬
‫وينام فوقها مُنهياً حياته في قلب الرّوائح العطرة·‬
‫ثم يولد كما يُروى من هذا الجسد البويّ‪،‬‬
‫فينيقُ طفلٌ مقدّر له أن يعيش‬
‫عدد السّنوات التي عاشها الب·‬
‫ل الثقال‬ ‫وعندما يعطيه العمر القوّة الكافية لحم ِ‬
‫حمْلَ عشّه من أغصان الشّجرة الكبيرة‬ ‫يخلّص ِ‬
‫وينقل بورعٍ مهدَه هذا‪ ،‬الذي هو كذلك لح ُد أبيه·‬
‫وعندما يصل به عِبرَ الجواء الخفيفة‪،‬‬
‫إلى مدينة هيبريون (‪Hypérion( 9‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 9‬هيبيريون هو أبو إله الشمس‪ ،‬والذي يمتزج هنا مع الشمس ـ الكوكب· والمعبد الذي يقصده أوفيد هنا هو معبد‬
‫هيليوبوليس (‪ ، )Héliopolis‬في مصر· وقد تحدّث هيرودوتوس عن أسطورة الفينيق‪ ،‬وكان القدمون يذكرونها‬
‫دائماً‪ ،‬ويرمزون بها الى الستمرار والتّجدّد الدائم·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪835 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪836 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪916 :‬‬

‫يضعه أمام الباب المقدّس لمعبده·‬


‫لكن‪ ،‬إن كان في هذه القصّة‬
‫شيءٌ من الغرابة ومن العجوبة‪،‬‬
‫فثمّة أعجوبة ل تقلّ عنها‪ ،‬هي أنّ الضّبع‬
‫يغيّر جنسه دوريّا‪ ،‬فطَوْرًا يتأنّث‬
‫ويستقبل الذكر على ظهره‪،‬‬
‫وطوراً يتحوّل إلى ذكرٍ·‬
‫وهناك حيوانٌ آخر يقتات بالهواء والرّيح‪،‬‬
‫يتلوّن فوراً بألوان جميع الشياء التي يلمسها· ‪10‬‬
‫والهند المغلوبة أعطت الوَشَقَ إلى باخوس‪،‬‬
‫الله الذي تتوّجه عناقيد العنب‪،‬‬
‫فك ّل ما ينبعث من مثانة هذا الحيوان‪،‬‬
‫يتخثّر‪ ،‬كما يُروى‪ ،‬ويتحوّل إلى حج ٍر عندما يتماسّ بالهواء·‬
‫كذلك يتصلّب المرجان‪ ،‬عندما يحتكّ بجوّنا‪،‬‬
‫ت يتمايل دائماً·‬ ‫بينما هو تحت المياه نبا ٌ‬

‫سينتهي النّهار‪ ،‬ويقود الله فوبوس‬


‫في أعماق المياه‪ ،‬بأفراسه الّلهثة‪،‬‬
‫قبل أن أتمكّن من وصفِ كلّ ما يتحوّل‪،‬‬
‫آخذاً مظهراً جديداً·‬
‫هكذا يتغيّر كلّ شي ٍء أمام أعيننا‪،‬‬
‫فنرى بلدانًا تزداد قوّة‪ ،‬وبلدانًا تتهدّم·‬
‫هكذا كانت طروادة كبيرةً بثروتها وأبطالها‬
‫وأراقت الكثير من الدّماء طوال عشر سنواتٍ‪،‬‬
‫وهي الن متّضعة‪ ،‬لم تعد قادرة أن تقدّم‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 10‬هذا الحيوان هو الحرباء·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪836 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪837 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪917 :‬‬

‫ل أنقاضها البالية‬ ‫لمن ينظر إليها إ ّ‬


‫ول تعرض من كنوزها كلّها‪ ،‬إلّ قبور أسلفها·‬
‫كانت إسبارطة فيما مضى مدين ًة بهيّة‪،‬‬
‫وكانت ميسينا (‪ )Mycenae‬قويّة وعظيمة‪،‬‬
‫كمثل قلعة سيكروبس (‪ )Cycrops‬وقلعة آمفيون (‪Amphion(· 11‬‬
‫لم تعد إسبارطة إلّ مكانًا بائساً‪،‬‬
‫وسقطت ميسينا الشّامخة·‬
‫وطيبة‪ ،‬وطنُ أوديب (‪، )Oedipus‬‬
‫هل بقي منها شيءٌ آخر غير السم ؟‬
‫وأثينا‪ ،‬وطن بانديون (‪، )Pandion‬‬
‫ماذا بقي منها‪ ،‬هي كذلك‪ ،‬غير اسمها ؟‬

‫لكن‪ ،‬يُقال الن أنّ مدينة روما تصعد‬


‫بفضلٍ من شعب داردانوس (‪، )Dardanus‬‬
‫وأنّها تضع على ضفاف التّيبر (‪)Tibre‬‬
‫المتدفّق من آبينّينيس (‪، )Apennines‬‬
‫أسس إمبراطوريّة جبّارة·‬
‫إنّها مدينةٌ تتحوّل فيما تتضخّم‪،‬‬
‫وسيأتي يو ٌم تُصبح فيه عاصم ًة للكون بأجمعه·‬
‫فهذا ما يُعلنه‪ ،‬كما يُقال‪ ،‬المتنبئون والكهّان‪،‬‬
‫مفسّرو القدار·‬
‫ت أتذكّر جيّدا‪ ،‬فإنّ هيلينوس (‪، )Hélénus‬‬ ‫إن كن ُ‬
‫ابن بريام (‪ )Priam‬قال لينياس (‪)Aeneas‬‬
‫عندما تهاوى حظّ طروادة‪ ،‬ورآه يبكي شاكّا بالخلص‪:‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 11‬مدينة آمفيون هي نفسها مدينة طيبة· وقلعة سيكروبس هي أثينا·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪837 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪838 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪918 :‬‬

‫ت تثقُ ‪ ،‬أنت يا ابن اللهة‪ ،‬بنبوءاتي‪،‬‬


‫"إن كن َ‬
‫فأيقن أنّ طروادة لن تسقط بكاملها‪،‬‬
‫ذلك أنّك ستظلّ حيّا·‬
‫سيفتح لك الحديد واللّهب طريقاً‪،‬‬
‫وسوف تمضي مصطحباً معك بيرغاموم (‪Pergamum( 12‬‬
‫ناجيةً من الكارثة‪ ،‬إلى أن تحظيا معًا‬
‫ض غريب ٍة ستكون أكثر صداقةً لك ولطروادة‬ ‫بأر ٍ‬
‫من أرض أسلفك·‬
‫أرى كذلك أنّ أحفاد الفرّيجيين ُقدّرَ لهم‬
‫أن يؤسّسوا مدين ًة ل ن ّد لها‪ ،‬أبداً‪،‬‬
‫ولن يكون لها‪ ،‬ولم يكن لمثلها شبيهٌ في الماضي كلّه·‬
‫وسيعمل قادتها من أجل قوّتها‪ ،‬على امتداد قرون طويلة·‬
‫وسيجعل منها شخصٌ‪ ،‬يتحدّر من دم إيول (‪، )Iule‬‬
‫سيّدة على العالم· وعندما سيمل الرضَ‬
‫بمآثره‪ ،‬فإنّ المنازل الثيريّة ستزدهي‬
‫بحضوره‪ ،‬ذلك أنّ السّماء ستكون مقرّه الخير·" ‪13‬‬
‫تلك هي الكلمات النّبوئيّة التي وجّهها‬
‫هيلينوس إلى أينياس‪ ،‬عندما أخذ معه أربابَ مساكننا‪،‬‬
‫وأنا أكرّرها كما حفظتها ذاكرتي·‬
‫إنني سعيدٌ بكون هذه المدينة النّسيبة لمدينتنا‪،‬‬
‫تتعاظم‪ ،‬وبأنّ النّصر الذي حققه اليونانيون‪،‬‬
‫ينقلب ويصبح نصراً للطّرواديين·‬

‫ل نتركْ‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬مجال كلمنا يذهب بعيدًا‬


‫عن ميدانه‪ ،‬وراء الح ّد الذي ينبغي أن يبلغه·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 12‬بيرغاموم هي قلعة طروادة· وأحيانًا تسمّى طروادة كلّها باسم قلعتها·‬


‫‪ 13‬الشارة هنا إلى أوغست (‪ )Auguste‬الذي يُعلن أوفيد تأليهه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪838 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪839 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪919 :‬‬

‫السّماء‪ ،‬تغيّر شكلها‪ ،‬وكلّ ما تحت السّماء يغيّر شكله‪،‬‬


‫كذلك الرض وكلّ ما تحتوي عليه·‬
‫نحن الذين نندرج في عداد الكون‪،‬‬
‫لنّنا لسنا مجرّد أجسامٍ‪ ،‬بل نحن‬
‫كذلك أرواحٌ خفيفة‪،‬‬
‫يمكن أن نقيم في أشكال حيواناتٍ وحشيّة‪،‬‬
‫وأن نختبئ في أجسام حيوانات أليفة·‬
‫وتلك الجسام التي تقدر أن تشارك في استقبال‬
‫أرواح آبائنا وإخوتنا‪ ،‬أو بشرٍ‬
‫تجمعنا بهم روابط الدّم‪ ،‬وأرواحٌ إنسانيّة في كلّ حال‪،‬‬
‫لنترك تلك الجسام تعش هادئ ًة وموقّرة·‬
‫ل نمل موائدنا بلحمها في طعامٍ‬
‫يليق بتييستيس (‪· )Thyestes‬‬
‫ي استعداد لراقة الدّم النسانيّ‬ ‫أيّة عاد ٍة مجرمة‪ ،‬أ ّ‬
‫يكتسبه هذا النسان العاقّ‪ ،‬الذي يفتح بحدّ السكّين‬
‫عنق ثور فتيّ‪ ،‬ويسمع أنينه دون أيّ انفعال!‬
‫ي فيما‬ ‫والذي يتجرّأ على ذبح جد ٍ‬
‫يُطلقُ صراخاً كصراخ الطّفل‪،‬‬
‫أو يأكل طائرًا غذّاه بيديه!‬
‫ل كهذا العمل ؟‬ ‫ق بين الجريمة الكاملة وعم ٍ‬ ‫أيّ فر ٍ‬
‫ليّ شيءٍ يفتح الطّريق مثل هذا العمل ؟‬
‫اتركوا الثورَ للفلحة‪ ،‬أو دعوه يمت موت الشّيخوخة‪،‬‬
‫واتركوا النّعجة تقدّم لنا وقاءً‬
‫ضدّ الهبوب الجليديّ لريح الشّمال‪،‬‬
‫واتركوا للماعز الشّبعان أن يعطي أثداءه ل ْيدٍ تحلبها·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪839 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪840 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪920 :‬‬

‫ولتزُلِ الشّباكُ والفخاخ والشراك والمصايد الغادرة·‬


‫توقّفوا عن مخادعة الطّائر بقضبان الدّبق‪،‬‬
‫ومخاتلة اليائل بفزّاعات من الرّيش‪،‬‬
‫وإخفاء الصّنارات المقوّسة وراء طعومٍ خادعة·‬
‫اقتلوا الحيوانات الضّارّة‪،‬‬
‫لكن حتّى هذه‪ ،‬اكتفوا بقتلها‪،‬‬
‫ولتمتنع أفواهكم عن تناول لحومها‪،‬‬
‫ل من الطّعام الذي‬‫ول تقتربْ إ ّ‬
‫تحصلون عليه دون أيّ عنف·"‬

‫موت نوما‬

‫تلك هي المثولت التي كوّنت‪ ،‬كما يُقال‪،‬‬


‫ِفكْ َر نوما‪ ،‬عندما عاد إلى بلده وطلب‬
‫ي أن يُمسك بأعنّة الدّولة‪،‬‬ ‫منه الشّعب اللتين ّ‬
‫ويقود المملكة·‬
‫علّم‪ ،‬هو الزّوج السّعيد لربّة ماءٍ‪،‬‬
‫جهُه ربّات الماء ـ علّم مواطنيه‬ ‫وتو ّ‬
‫طقوس التّضحيات‪ ،‬ووجّه بلدًا تعوّدت على الحرب وشراستها‪،‬‬
‫نحو فنون السّلم·‬
‫وعندما مات‪ ،‬مُثقلً بالسّنين‪،‬‬
‫بعد ملكٍ طويلٍ وحياة طويلة‪،‬‬
‫بكته سيّدات الشّعب‪ ،‬وبكاه الشّعب‪ ،‬ومجلس الشّيوخ·‬
‫أمّا زوجته فهجرت المدينة‬
‫وذهبت تُخبّئ ألمها تحت الظلل الكثيفة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪840 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪841 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪921 :‬‬

‫في وادي أريسيا (‪ ، )Aricia‬حيث شوّشت‬


‫تأوّهاتها ونحيبها عبادة ديانا (‪)Diana‬‬
‫التي أنشأها أوريستيس (‪· )Orestes‬‬
‫آه! كم مرّة دعتها ربّات الغاب والماء‬
‫إلى أن تستعيد رباطة جأشها‪ ،‬موجّهة‬
‫إليها عبارات التّعزية! كم مرّة‪،‬‬
‫قال لها البطل ابن تيزيوس (‪)Theseus‬‬
‫وهو يراها غارقةً في دموعها‪:‬‬
‫"أنهي حِدادكِ· لستِ الوحيدة‬
‫التي تشكو قدرَها· تأمّلي‬
‫المصائب تُصيب الخرين مجتمعةً‪،‬‬
‫وسوف تتحمّلين مصائبك بخضوعٍ أكثر·‬
‫أشكر ال لنني أستطيع أن أخفّف‬
‫ألمك بأمثلةٍ أخرى غير مثَلي‪،‬‬
‫لكنّه مع ذلك‪ ،‬يمكن أن يسهم في هذا التّخفيف·‬

‫هيبّوليتوس (‪)Hippolytus‬‬

‫ك عن هيبّوليتوس‬
‫"سمعتِ دون ش ّ‬
‫كيف ذهب ضحيّة لسذاجة أبيه‬
‫ولمكر زوجته الدّنيئة·‬
‫سيفاجئك المر‪ ،‬ولن يكون سهلً عليّ‬
‫أن أقدّم لكِ البراهين·‬
‫ن هيبّوليتوس هذا‪ ،‬هو أنا‪،‬‬ ‫لك ّ‬
‫وفي الماضي‪ ،‬بعد أن دفعتني عبثاً‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪841 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪842 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪922 :‬‬

‫ابن ُة بّاسيفائي (‪ )Pasiphaé‬لكي أدنّس‬


‫سريرَ أبي‪ ،‬اتّهمتني تهمةً باطلةً‬
‫أنني أردتُ ما كانت تُريده هي نفسها·‬
‫وسواءٌ كان الخوف من الفضيحة هو الذي‬
‫رجح عندها‪ ،‬أو غيظها من رفضي دعوتها‪،‬‬
‫فقد حصلتْ على إدانتي‪ ،‬وطردني أبي من المدينة‪،‬‬
‫على الرّغم من براءتي‪ ،‬كارهًا إيّاي‬
‫صابّا على رأسي‪ ،‬فيما كنت أبتعد‪ ،‬لعناتٍ رهيبة·‬
‫هربت في عربتي إلى تروزين (‪، )Troezen‬‬
‫مدينة الملك بيتيوس (‪· )Pittheus‬‬
‫كنت قد بلغتُ شطآن كو َر ْنثْة (‪)Corinth‬‬
‫عندما هاج البحر‪ ،‬وانتفخت كتلة ضخمة من الماء‪،‬‬
‫شبيهةٌ بالجبل‪ ،‬وتعاظمت فيما تهدر‪،‬‬
‫وانشقّت من ذروتها· ثم طلع‪،‬‬
‫من أحشاء الموج المفتوحة ثورٌ مقرّن‪،‬‬
‫أخذ يتقيّأ ماء البحر من منخريه‪،‬‬
‫شدْقه الواسع‪ ،‬فيما كان‬
‫ومن َ‬
‫ينتصب حتى صدره وسط الهواء الخفيف·‬
‫ارتعب رفقائي‪ ،‬ووحدي احتفظتُ برباطة جأشي‪،‬‬
‫لنّ فكري مأخو ٌذ كلّه بمنفاي·‬
‫غير أنّ أفراسي الجامحة أدارت أعناقها‬
‫صوبَ الموج‪،‬متنبّهة‪ ،‬مرتعشةً‪،‬‬
‫ف من الوحش‪ ،‬وأطاحت‬ ‫فقد أضلّها الخو ُ‬
‫بعربتي في وجه صخور عالية·‬
‫كافحت بيدي العاجزتين لكي أشدّ العنّة‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪842 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪843 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪923 :‬‬

‫التي ابيضّت من الزّبد‪ ،‬وانحنيت إلى الوراء‬


‫ساحباً نحوي العنّة اللّينة‪،‬‬
‫وعلى الرّغم من كلّ شيء‪ ،‬فإنّ هيجان‬
‫أفراسي لم يكن ليتغلّب على قواي‪،‬‬
‫لو أنّ إحدى عَجَلتي لم تصطدم‪ ،‬حيث كانت‬
‫تدور بل نهاية حول محورها‪ ،‬بجذع شجرةٍ‬
‫حطّمها وأدّى بها إلى أن تتطاير شظايا·‬
‫هويتُ تحت عربتي‪ ،‬مرتبكًا بين العنّة·‬

‫كان يمكنكِ آنذاك أن تنظري إلى أحشائي‬


‫تتجرجرُ حيّة على التّراب‪ ،‬وإلى عضلتي‬
‫معلّقة في جذع الشّجرة‪ ،‬وإلى جز ٍء من أعضائي‬
‫مجروفٍ إلى المام‪ ،‬بينما الجزء الخر مشدودٌ إلى الوراء‬
‫وإلى عظامي تتكسّر مُدوّية‪،‬‬
‫وأنفاسي الخيرة تتصاعدُ مع روحي المُنهكة·‬
‫كان يمكنك الّ تري في جسمي ما يمكن أن يُرتق‪،‬‬
‫فلم يكن جسمي كلّه إلّ جُرحاً·‬
‫كيف تقدرينَ‪ ،‬أيّتها ال ّربّة‪،‬‬
‫كيف تجرؤينَ أن تقارني شقاءك بشقائي ؟‬
‫لقد رأيت حتى مملكة الظّلمات‪،‬‬
‫وغسلت جسمي الممزّق في أمواج فليجيتون (‪)Phlégéthon‬‬
‫وما كنتُ لستعيدَ الحياة أبداً‪،‬‬
‫لول ابن أبوللون وأدويته القويّة‪،‬‬
‫فقد أعيدت إليّ‪ ،‬على الرّغم من اعتراضات ديس (‪، )Dis‬‬
‫ن بّايون (‪Paion(. 16‬‬ ‫بفضل النباتات الشافية‪ ،‬وف ّ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 16‬أعيدت الحياة إلى هيبوليتوس بفضل آسكولبيوس (‪ ، )Aesculapius‬ابن أبوللون وكورونيس· وبايون هو‪ ،‬كما‬
‫يقول هوميروس‪ ،‬طبيب اللهة· ثم اختلط بأبوللون‪ ،‬تحت اسم (‪ )Paion‬أو (‪ · )Paian‬أما ديس (‪ )Dis‬فهو المرادف‬
‫اللتيني لبـــلوتون (‪( ،)Pluton‬هـــــاديـــــس ‪ Hadès‬اليونانيّة)· وقد احتجّت هاديس على إحياء هيبوليتوس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪843 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪844 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪924 :‬‬

‫ثم غطّتني إلهة سنثيا (‪ )Cynthia‬بغيمةٍ كثيفة‪،‬‬


‫خوفًا من أن يزيد حضوري في الغيرة‬
‫التي يمكن أن يولّدها مثل هذا الفضل·‬
‫وزادت عمري‪ ،‬وغيّرت قسماتي‬
‫لكي تجنّبني كلّ خطر‪ ،‬ولكي يُتاح لي‬
‫أن أظهر دون أن يلحق بي الذى·‬
‫وقد تساءلتْ طويلً إن كانت تخصّص مقاماً لي‬
‫في كريت أوديلوس‪ ،‬وأخيراً عدلت عنهما كليهما‬
‫ونقلتني إلى هذا المكان·‬
‫أرادت أن أتخلّى عن اس ٍم يمكن‬
‫أن يسترجع ذكرى أفراسي‪ ،‬قائلةً‪:‬‬
‫"كان اسمك هيبوليتوس‪،‬‬
‫فليُصبح الن فيربيوس (‪"· )Virbius‬‬
‫مذّاك أعيش في هذه الغابة‪،‬‬
‫مختبئاً في حماية إلهتي‪ ،‬مساعداً لها‪،‬‬
‫فأنا أحد اللهة الصغرين·"‬

‫تاجيس ( ‪ ،)Tages‬سيبوس(‪)Cipus‬‬

‫غير أنّ سرد مصائب الخرين‬


‫لم يقدر أن يخفّف ألم إيجيريا (‪)Egiria‬‬
‫التي كانت ترقد في سفح الجبل‬
‫ف دموعها·‬
‫مواصلةً ذر َ‬
‫لكن‪ ،‬في النّهاية‪ ،‬أثّر في أخت فيبوس‬
‫الحبّ الزّوجي الذي يوحي به مثل هذا اللم‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪844 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪845 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪925 :‬‬

‫فحوّلت جسم إيجيريا إلى نبعٍ بارد‪،‬‬


‫وحوّلت كلّ عض ٍو من أعضائها إلى دفقٍ من ماءٍ ل ينضب·‬
‫دُهشت ربّات الماء من هذا التحوّل‬
‫ش كذلك هيبوليتوس‬‫ودُه َ‬
‫كمثل ذلك الفلّح التروسكيّ‬
‫عندما شاهد في حقله‪ ،‬مرتفعًا ترابيّا‬
‫أطاع القدرَ‪ ،‬وتحرّك من تلقائه‪،‬‬
‫دون أن يدفعه أحدٌ‪ ،‬ث ّم اتّخذ هيئة إنسانٍ‬
‫خالعاً هيئة التّراب‪ ،‬وفتح فمه الوليد‪،‬‬
‫لكي يُنبئ بأحداثِ المستقبل·‬
‫سمّى الفلّحون هذا الرّجل تاجيس (‪)Tagès‬‬
‫الذي كان أوّل من علّم الشّعب التروسكيّ‬
‫فنّ النّفاذ إلى أسرار الزمنة المقبلة·‬
‫وهكذا كانت دهشة رومولوس (‪)Romulus‬‬
‫عندما رأى رمحه المغروس في جبل بالتينوس (‪)Palatinus‬‬
‫يكتسي فجأةً بالورق‪ ،‬وينهض قائماً على جذر جديدٍ‪،‬‬
‫ل على حديده المغروز في التراب‪ ،‬فقد تحوّل السّلح‬
‫إلى شجرةٍ بأغصانٍ متحرّكة‪،‬‬
‫تقدّم ظلّ غير منتظرٍ‪،‬‬
‫للمشاهدين المذهولين‪17 .‬‬
‫ل دهشةً‬ ‫ولم يكن سيبوس (‪ )Cipus‬بأق ّ‬
‫عندما رأى قرنيْه في ماء النّهر ـ‬
‫وظنّ‪ ،‬فيما ينظر إليهما‪ ،‬أنّه ضحيّة صورةٍ خادعة‪،‬‬
‫فرفع يديه إلى جبهته مراراً‪،‬‬
‫حتى لمس ما رآه·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 17‬تحوّل الرّمح إلى شجرة قرانية·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪845 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪846 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪926 :‬‬

‫هكذا تراجع عن اتّهام عينيه‪،‬‬


‫وفيما كان يعود منتصراً على عدوّ أصبح خاضعاً له‪،‬‬
‫توقّف‪ ،‬رافعاً يديه إلى السّماء‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"ل أعرف أيّتها اللهة‪ ،‬بماذا تُنبئ هذه العجوبة؛‬
‫أرجو إن كان خيراً‪ ،‬أن يكون لوطني‪ ،‬ولشعب‬
‫كيرينيوس (‪ ، )Quirenius‬وإن كان شرّا‬
‫أن يسقط عليّ وحدي·"‬
‫ثم رفع هياكل من العشب الخضر‬
‫وأشعل نارًا يُعطّرها البخور‪،‬‬
‫ابتغاء َمرْضا ِة اللهة‪ ،‬ساكباً الخمرة‪،‬‬
‫ذابحاً النّعاج‪ ،‬باحثاً في أحشائها‬
‫النابضة عن علمات المشيئة اللهيّة·‬
‫ولم يكد يراها عرّاف إتروسكيّ‪ ،‬حتى تعرّف فيها‬
‫ث عظيم ٍة آتية‪،‬‬ ‫على إشاراتٍ عن أحدا ٍ‬
‫لكن دون أن يحدّدها بشكلٍ يقينيّ·‬
‫آنذاك رفع بصره الذي اخترق أحشاء الضحياتِ‪،‬‬
‫صوب قَرْني سيبوس‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫"سلماً‪ ،‬أيّها الملك‪ ،‬نعم‪ ،‬سوف تطيعك‬
‫وتطيع قرن ْيكَ‪ ،‬هذه البلد وقلعة لتيوم·‬
‫ل من البواب‬ ‫إنّما ل تتأخّر· أسرعْ وادخ ْ‬
‫المُشرعة أمامك·‬
‫تلك هي مشيئة القدر·‬
‫وعندما تستقبلك المدينة‪ ،‬ستصبح ملكاً‪،‬‬
‫وتحتفظ بالصّولجان دائماً‪ ،‬دون أن‬
‫تخشى من أيّ شيء·"‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪846 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪847 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪927 :‬‬

‫تراجع سيبوس‪ ،‬مُشيحًا بوجهه النّفورِ‬


‫عن أسوار روما‪ ،‬قائلً‪:‬‬
‫"أل فل ُتبْع ِد اللهة هذه التّنبّؤات!‬
‫ستكون العدالة أكثر اطمئناناً‬
‫إن أمضيتُ حياتي في المنفى‬
‫منها‪ ،‬لو صرت ملكاً على هذه المدينة!"‬
‫وفي الحال استدعى الشعب‪ ،‬ومجلس الشّيوخ المعظّم‪،‬‬
‫وكان قد غطّى قرنيه بورق الغار الذي يرمز إلى السّلم·‬
‫ثم جلس على مُرتف ٍع هيّأه جنوده الشّجعان‪،‬‬
‫وبعد أن صلّى للهةِ السلف‪،‬‬
‫على وفق الطقوس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"هنا‪ ،‬بينكم رجلٌ سيصبح ملكاً‬
‫إن لم تطردوه من المدينة·‬
‫مَن هذا الرّجل ؟‬
‫سأعرّفكم عليه بالشارة‪ ،‬ل باسْمه·‬
‫إنّ له قرنين في جبينه·‬
‫وتنذرنا النّبوءة أنّه إذا دخل روما‬
‫فسوف يفرض عليكم قوانين وُضعت للعبيد·‬
‫البواب مفتوحةٌ‪،‬‬
‫وهو قادرٌ على الدّخول منها‪،‬‬
‫ن بيني وبينه روابط حميمة‬ ‫غير أنني عارضته‪ ،‬مع أ ّ‬
‫أكثر ممّا بيني وبين أيّ شخصٍ آخر·‬
‫لكم الن أن تحولوا دون أن يدخل المدينة‪،‬‬
‫أو قيّدوه بسلسل ثقيلة‪ ،‬إن كان يستحقّها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪847 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪848 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪928 :‬‬

‫أو تخلّصوا من خوفكم بموت الطّاغية‬


‫الذي يشير إليه القدر·"‬
‫أخذت تتعالى بين الشعب ه ْينَمة أصوا ٍ‬
‫ت‬
‫تشبه الهينمة التي تنبعث من أشجار الصّنوبر‬
‫ذوات الغصان العالية‪ ،‬عندما تضربها‬
‫الرّيح الشّرقيّة العاصفة‪ ،‬أو تشبه الهدي َر البعيد‬
‫لمواج البحر·‬
‫لكن‪ ،‬في وسط هذا الصّخب المُبهم‪،‬‬
‫كان الصّراخ المهيمن هو‪" :‬من هذا الرّجل ؟"‪،‬‬
‫وفيما كان الناس ينظرون إلى الجباه‪،‬‬
‫باحثين عن القرنين اللذين أشيرَ إليهما·‬
‫استأنف سيبوس الكلم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫"ها هو الرّجل الذي تبحثون عنه‪"،‬‬
‫وخلع‪ ،‬على الرّغم من معارضة الشعب‪،‬‬
‫التّاج الذي يغطّي رأسه‪،‬‬
‫مشيراً إلى قرنيْه اللذين يعرّفان به·‬
‫غضّ الجميع أبصارهم‪ ،‬مطلقين تحسّرا‬
‫(من كان يقدر على تصديق ذلك ؟)‪ ،‬ولم ينظروا‪،‬‬
‫إلّ على مضض‪ ،‬إلى ذلك الرأس المُشهّر‬
‫بمثل هذين القرنين·‬
‫أجبروه على وضع تاجه العيديّ من جديد‪،‬‬
‫لنهم لم يكونوا قادرين على أن يتحمّلوا طويلً تجريده‬
‫من شعار العظمة·‬
‫أمّا قادة المدينة‪ ،‬فقد منحوك يا سيبوس‪،‬‬
‫لنّك مُنعتَ من عبور أسوارها‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪848 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪849 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪929 :‬‬

‫مكافأةً‪ ،‬جميعَ الحقول التي تقدر أن تحرثها‬


‫ضاغطاً على سكّة المحراث الذي تجرّه الثيران‪،‬‬
‫من مشرق الشمس إلى غروبها·‬
‫وأمروا بأن يُنقش على الباب البرونزيّ‬
‫قرنان يُشبهان هذين القرنين العجيبين‪،‬‬
‫تخليداً لذكرى المعجزة‪،‬‬
‫على امتداد الزمنة· ‪18‬‬

‫آيسكولبيوس (‪)Aesculapius‬‬

‫والن‪ ،‬قُلْنَ لي‪ ،‬يا ربّات الوحي‪،‬‬


‫يا شفيعات الشّعراء (فأنتنّ العارفات‬
‫وليس في الماضي البعيد ما يخفى عليكنّ)‬
‫كيف استقبل ابن كورونيس في الجزيرة‬
‫التي يحيطها نهر التيبر بمياهه العميقة‪،‬‬
‫عدّ بين آلهة روما·‬
‫وكيف ُ‬
‫كان طاعونٌ رهيب قد سمّم في الماضي‬
‫هواء لتيوم· وكان للجسام‬
‫التي أفرغت من دمائها‪ ،‬واصفرّت‬
‫من جرّاء الوبأ‪ ،‬مشهدٌ شنيع·‬
‫وعندما أُحبط الرّومانيون من كثرة الموتى‬
‫ورأوا عجزَ البشر وفنونِ الطبّاء‪،‬‬
‫توجّهوا لطلب العون من السّماء·‬
‫أرسلوا إلى دلفي‪ ،‬مركز العالم‪ ،‬من يستشير‬
‫وحي فيبوس‪ ،‬متوسّلين إليه كي يساعدهم‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 18‬يمثل سيبوس رمز الفكر الجمهوري الدّيمقراطيّ·‬


‫التحولت أوفيد الصفحة ‪849 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪850 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪930 :‬‬

‫في محنتهم‪ ،‬بجوابٍ ينقذهم‪ ،‬ويُنهي ويلت هذه المدينة العظيمة·‬


‫ارتجف الهيكل والغار والكنانة‬
‫التي يحملها الله نفسه‪ ،‬كلّها معاً‪،‬‬
‫س َمعَتِ الرّكيزة الثلثيّة القوائم‪،‬‬
‫وأ ْ‬
‫من أعماق الهيكل‪،‬‬
‫هذه الكلمات‪ ،‬صاعقةً القلوبَ التي يُمسكُ بها الخوف‪:‬‬
‫"كان يُمكنك أيّها الرّومانيّ‪،‬‬
‫أن تطلب في مكانٍ أقرب‪،‬‬
‫ما جئت تطلبه هنا·‬
‫فأنتم لستم في حاجةٍ إلى أبوللون‬
‫ل عدداً‪،‬‬‫لكي يجعل موتاكم أق ّ‬
‫وإنّما تحتاجون إلى ابنه·‬
‫فامْضوا‪ ،‬في طال ٍع سعيد‪،‬‬
‫واطلبوا عون ابني·"‬
‫عندما علم مجلس الشّيوخ الحكيم بأوامر الله‪،‬‬
‫سأل عن المدينة التي يسكن فيها ابن فيبوس‪،‬‬
‫وفوّض إليه رُسلً قادتهم الرّياح‬
‫إلى مرفأ إيبّيدوروس (‪· )Epidaurus‬‬
‫وفي الحال‪ ،‬بعد أن أرسوا بسفينتهم‬
‫ذات الجوانب المقوّسة‪ ،‬ذهبوا إلى‬
‫مجلس شيوخ المدينة اليونانيّة‪ ،‬طالبين إليه‬
‫أن يُعطيهم الله الذي سيضع حضوره بينهم‬
‫حدّا لفواجع الشعب الرومانيّ‪ ،‬كما‬
‫أكّد ذلك الوحي الذي ل يُخطئ·‬
‫ش هذا الطّلب‪ ،‬واختلفت الراء‪،‬‬ ‫نوق َ‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪850 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪851 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪931 :‬‬

‫بعضهم قال ل يمكن رفض العون‪،‬‬


‫ونصح آخرون كثيرون بالرّفض‪ ،‬قائلين‬
‫إنّهم ل يستطيعون أن يستغنوا عن‬
‫حضوره الشّفيع بينهم·‬
‫في أثناء تردّدهم هذا‪،‬‬
‫طرد الغسق ضوء الغروب‪،‬‬
‫وغمر الليل الرض بظلماته·‬
‫آنذاك‪ ،‬تجلّى لك الله المُعين‪،‬‬
‫أمام سريرك‪ ،‬أيّها الرّومانيّ‪ ،‬واقفاً‪،‬‬
‫ل بيده اليُسرى‬ ‫لكن مثلما هو في هيكله دائماً‪ ،‬حام ً‬
‫عصاً ريفيّة‪ ،‬واضعًا يده اليُمنى على لحيته الطّويلة‪،‬‬
‫وبدا أنه ينطق بسلمٍ‪ ،‬هذه الكلمات‪:‬‬
‫"ل تخشَ أيّ شيء·‬
‫سوف أجيء‪ ،‬مغيّرا صورتي·‬
‫ف بعُقَده على عصاي·‬
‫انظرْ جيّدا إلى هذا الفعوان الذي يلت ّ‬
‫تأمّله مليّا لكي تقدر أن تتعرّف عليه·‬
‫سأظهر في صورته‪ ،‬غير أنني سأكون أكبر منه‪،‬‬
‫وستكون لي قامةٌ عاليةٌ تلئم الجسام‬
‫السّماويّة عندما تتحوّل·"‬
‫وسُرعان ما غاب الصّوت والله معاً‪،‬‬
‫وانتهى النّوم‪ ،‬وتراءى الصّباح الخيّر·‬
‫كان فجر النّهار الجديد قد طرد نيران النّجوم‪،‬‬
‫وكان قادة المدينة‪ ،‬الحائرون في اتّخاذ القرار‪،‬‬
‫يتوافدون إلى الهيكل الجميل للله الذي يُطالب الرومان‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪851 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪852 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪932 :‬‬

‫بحضوره بينهم‪ ،‬لنقاذهم·‬


‫ت إلهيّة‪،‬‬
‫توسّلوا إليه أن ينبئهم بإشارا ٍ‬
‫محدّدا لهم المكان الذي يريد هو أن يُقيم فيه·‬
‫وحالما أنهوا توسّلتهم‪ ،‬تجلّى لهم الله‬
‫ن ذهبيّ‪ ،‬بقنزعةٍ عالية‪،‬‬ ‫في هيئة أفعوا ٍ‬
‫مُعلناً عن حضوره‪ ،‬بهسيسٍ يخصّه·‬
‫وعندما وصل‪ ،‬اهتزّ التّمثال‪،‬‬
‫والمذبح‪ ،‬والباب‪ ،‬والبلطُ الرّخاميّ·‬
‫واهتزّ رأس الهيكل‪ ،‬المكس ّو بالذهب·‬
‫انتصب حتى صدره‪ ،‬في وسط الهيكل‪،‬‬
‫وأدار في ما حوله نظراتٍ تتطاير شرراً·‬
‫استولى الرّعب على الحشد‪،‬‬
‫لكنّ الكاهن الذي تلفّ شعره المطهّر‬
‫عصّابة بيضاء‪ ،‬عرف الله‪ ،‬فصرخ قائلً‪:‬‬
‫"هوذا الله! هوذا الله!‬
‫ساعدوني‪ ،‬أيّها الحضور‪ ،‬أنتم جميعاً‪،‬‬
‫بأفكاركم وبكلماتكم·‬
‫لعلّ ظهورك‪ ،‬أيّها الله الجميل القدير‪،‬‬
‫أن يكون فأل خيرٍ لنا‪،‬‬
‫ي لعبادتك·"‬‫وأن يكون لحماية شعبٍ وف ّ‬
‫تعبّد جميع الحضور للله الذي تراءى لهم‪،‬‬
‫وردّدوا جميعاً صلة الكاهن‪ ،‬وانضمّ إليهم‬
‫بخشوعٍ‪ ،‬فكراً وصوتاً‪ُ ،‬رسُلُ الشعب الرّومانيّ·‬
‫حرّك الله قنزعته‪ ،‬علمةً على رضاه‪،‬‬
‫ودلل ًة أكيدةً على عطفه‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪852 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪853 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪933 :‬‬

‫وأطلق لسانُه المتهزهزُ هسيسًا متكرّرا·‬


‫ثم انساب على الدّرجات المتللئة‪،‬‬
‫مديراً رأسه إلى الوراء‪ ،‬وألقى‪ ،‬قبل أن يغادره‬
‫نظرةً أخيرةً على المذبح القديم‪ ،‬محيّيا‬
‫مُقامه الليف‪ ،‬والهيكل الذي سكن فيه·‬
‫بعد ذلك‪ ،‬زحف بجسمه الهائل على الطّريق‬
‫المفروشة أزهاراً أمامه‪،‬‬
‫في سيره عِب َر المدينة‪ ،‬وتابع سيره‬
‫مُنساباً نحو المرفأ الذي يحميه‬
‫ف من جميع الجوانب·‬ ‫رصي ٌ‬
‫هنا توقّف‪ ،‬وبدا أنّه يودّع‪ ،‬بشكلٍ كريم‪،‬‬
‫موكبه والحشد الذي يُرافقه تعظيماً له·‬
‫أخيراً‪ ،‬أخذ مكانه في السّفينة الرّومانيّة‪،‬‬
‫فمالت من الثّقل شاعر ًة أنها تُقلّ إلهاً·‬

‫فرح الرومانيون‪ ،‬وضحّوا ثوراً على الشّاطئ‪،‬‬


‫ثم فكّوا الحبال المفتولة التي تُمسك بالسّفينة‬
‫المزدانة بأكاليل الزّهر·‬
‫حرّكت السّفينة ريحٌ خفيفة‪،‬‬
‫وكان الله المُهيمن بعلوّه عليها‪،‬‬
‫يسند رأسه على كوْثلها المقوّس‬
‫ويتأمّل المياه الزّرقاء·‬
‫بعد أن أشرقت ابنة بّالّس‪ 19 ،‬للمرّة السّادسة‬
‫وصلت السّفينة إلى إيطاليا‪،‬‬
‫يدفعها نسيمٌ عليلٌ في البحر اليونيّ·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 19‬أي إلهة الفجر = الشمس·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪853 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪854 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪934 :‬‬

‫مرّت أمام شطآن لسينيوم (‪، )Lacinium‬‬


‫التي تُشته ُر بهيكل إلهتها‪،‬‬
‫وأمام شطآن سيلسيوم (‪، )Scylaceum‬‬
‫مخلّفة وراءها يابيجيا (‪· )Iapygia‬‬
‫تجنّبت مجاذيفها صخور آمفريزيا (‪)Amphrisia‬‬
‫إلى اليسار‪ ،‬وشطآن كوكنثوس (‪)Cocinthus‬‬
‫الوعرة‪ ،‬إلى اليمين‪ ،‬مُحاذيةً روميثيوم (‪)Romethium‬‬
‫وكولون (‪ )Caulon‬وناريسيا (‪· )Narycia‬‬
‫وتغلّبت على مخاطر البحر‪ ،‬عابرةً مضيقَ بيلوروس (‪، )Pelorus‬‬
‫قُبالة الرأس الصّقّليّ‪ ،‬ومقام‬
‫الملك هيبوتاديس (‪)Hippotades‬‬
‫ومناجم تيميزا (‪ ، )Temesa‬وصولً‬
‫إلى لوكوزيا (‪ ، )Leucosia‬ومزارع الورد‬
‫في بّايستوم (‪· )Paestum‬‬
‫ث ّم تجاوزت كابري (‪، )Capri‬‬
‫ورأس مينيرفا (‪ ، )Minerva‬وتلل سورنتوم (‪)Sorrentum‬‬
‫بكرومها السّخيّة‪ ،‬ومدينة هرقل‪،‬‬
‫وستابيا (‪ )Stabiae‬وبارتينوب (‪)Parthenope‬‬
‫التي خُلقت لمتعة الحياة‪،‬‬
‫وبلغت هيكل سيبيلّ في كوما (‪· )Cumae‬‬
‫من هناك‪ ،‬وصلت إلى ساحل الينابيع الدّافئة‪،‬‬
‫ليتيرنوم (‪ )Liternum‬الخصبة بشجر المُصطكاء‪،‬‬
‫وفولتورنوس (‪ )Volturnus‬التي تج ّر دوّامات مياهها‬
‫رمالً كثيرة‪ ،‬وسينويسّا (‪)Sinuessa‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪854 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪855 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪935 :‬‬

‫المليئة بالحمام البيض‪ ،‬ومنتورنا (‪)Minturnae‬‬


‫الملوّثة الهواء‪ ،‬وقبر كاييتا (‪)Caieta‬‬
‫ومقام آنتيفاتيس (‪، )Antiphates‬‬
‫سبْخاتها‪،‬‬
‫وتراشاس (‪ )Trachas‬التي تحاصرها َ‬
‫وأرض سيرسي‪ ،‬وآنتيوم (‪)Antium‬‬
‫ذات الشّاطئ المكين·‬
‫وعندما وجّه البحّارة إلى هذه الجهة‪،‬‬
‫السّفينة المنشورة الشرعة‪،‬‬
‫ـ ذلك أنّ البحر كان شديد التموّج ـ‬
‫أخذ الله يبسط جسده متلوّيا‪،‬‬
‫ثمّ دخل زاحفاً إلى هيكل أبيه‪،‬‬
‫الذي يُلصق الشّاطئ الذهبيّ الرّمال·‬
‫وعندما هدأت المواج‪،‬‬
‫خرج الله من الهيكل البويّ‪ ،‬حيث نزل ضيفاً‬
‫على الله الذي تجمعه به أواصر الدّم‪،‬‬
‫تاركاً على الشّاطئ أثر خطّ طويل لحراشفه المخشخشة‪،‬‬
‫ثمّ استند إلى الدّفة‪ ،‬واضعًا من جديدٍ‬
‫رأسه على كوثل السّفينة العالي‪،‬‬
‫حتى وصلت إلى كاستروم (‪، )Castrum‬‬
‫وحقول لفينيوم (‪ ، )Lavinium‬المقدّسة‪،‬‬
‫ب التيبر·‬
‫ودخلت في مص ّ‬
‫هنالك‪ ،‬تدافع لستقبال الله جمهورٌ‪:‬‬
‫أعضاء مجلس الشّيوخ‪ ،‬وعامّة الناس‪ ،‬والسّيدات‪،‬‬
‫وحتى اللئي يسهرنَ على ناركِ‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪855 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪856 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪936 :‬‬

‫يا فيستا (‪ )Vesta‬الطّرواديّة‪،‬‬


‫وكان جميعهم يُحيّونه بصرخات الفرح·‬
‫وعلى امتداد الطّريق التي سلكتها السّفينة السّريعة‪،‬‬
‫ل ناحية‪،‬‬‫ماخرةً مياه النّهر‪ ،‬من ك ّ‬
‫على ضفّتيه‪ ،‬حيث تتوالى الهياكل التي رفعت‪،‬‬
‫كان البخور يلتهب ويُعطّر الهواء بدخانه‪،‬‬
‫فيما كانت الضاحي تروي بدمائها الحارّة‬
‫السّكاكين التي تذبحها·‬
‫وها هم الن يدخلون إلى عاصمة العالم‪ ،‬إلى روما·‬
‫نهض الله ـ الفعوان‪ ،‬محرّكا عنقه الذي يستند‬
‫إلى ذروة الصّارية‪ ،‬ونظر حوله ليرى المكان‬
‫الذي يلئمه للمقام فيه·‬
‫كان ثمّة‪ ،‬حيث ينقسم مجرى النّهر إلى قسمين‪،‬‬
‫ن يُسمّى الجزيرة‪ ،‬وكان النّهر يمدّ‬ ‫مكا ٌ‬
‫ذراعيه المتساويتين على الجهتين‬
‫اللّتين تمتدّ بينهما أرض الجزيرة·‬
‫إلى هناك توجّه الفعوان ابن فيبوس‪،‬‬
‫هابطاً من السّفينة اللتينيّة·‬
‫وآنذاك استعاد صورته اللهيّة‬
‫ووضع حدّا للطّاعون·‬
‫فقد كان حضوره إلى المدينة شفاءً لها·‬

‫تاليه يوليوس قيصر‬

‫مع هذا كلّه‪ ،‬لم يكن إلّ أجنبيّا‬


‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪856 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪857 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪937 :‬‬

‫ذلك الذي أفسحنا له مكاناً في معابدنا·‬


‫أمّا قيصر فهو إلهٌ في وطنه‪،‬‬
‫شهيرٌ في الحرب وفي السّلم·‬
‫غير أنّه ل يدين بتللئه بين الكواكب‬
‫في شكل مُذنّب جديد‪،‬‬
‫للحروب التي انتهت بانتصاره‪،‬‬
‫ولسلوكه في أثناء السّلم‪،‬‬
‫أو للمجد الذي حقّقته له مآثره‪،‬‬
‫وإنّما يدين بالخصّ إلى ابنه· ‪20‬‬
‫إذ ليس في كلّ ما أنجزه قيصر أعظم من كونه أبًا لمثل هذا البن·‬
‫هل يكون‪ ،‬حقّا‪ ،‬إخضاعه البروتون (‪ )Bretons‬في وسط البحار‪،‬‬
‫وقيادته سفناً مظفّرة في النّهر ذي المصبّات السّبعة‪،‬‬
‫في النّيل الذي يغطّيه البّابيروس‪،‬‬
‫وانتصاره على شعب كيرينوس (‪، )Quirinus‬‬
‫ثوّار نوميديا (‪، )Numidia‬‬
‫وعلى جوبا (‪ ، )Juba‬وبونتوس (‪)Pontus‬‬
‫الذي يزدهي بأسماء ملوكه‪،‬‬
‫أو تحقيقه النتصارات الكثيرة‪،‬‬
‫واحتفاؤه بعددٍ منها‪،‬‬
‫هل يكون هذا كلّه‬
‫ل بهذه العظمة ؟‬ ‫أعظ َم من أن يلد رج ً‬
‫ولقد صنعتِ خيراً عظيماً‪ ،‬أيّتها اللهة‪،‬‬
‫للنّوع النسانيّ‪،‬‬
‫بإعطائك إيّاه مملكة العالم·‬
‫ولكيل يكون هذا البن سليل بذر ٍة فانية‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ي كمثل البنوّة· في السّنة ‪ 44‬ق·م· ظهر‬ ‫‪ 20‬تبنّى قيصر ابن أخيه الذي ُلقّب بأوغست· والتبنّي في القانون الرّومان ّ‬
‫ن المذنّب هو الشّكل الكوكبيّ‬
‫ب مذنّب في سماء روما‪ ،‬وبعد النقاشات التي دارت بين الفلكيين‪ ،‬انتهوا إلى القبول بأ ّ‬ ‫كوك ٌ‬
‫لقيصر المؤلّه·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪857 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪858 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪938 :‬‬

‫فقد جعلتِ من الب إلهاً·‬


‫عندما رأت أمّ آينياس (‪ ، )Aeneas‬فينوس المزيّنة بالذهب‪،‬‬
‫خاتمة قيصر‪ ،‬ورأت كذلك المتآمرين يهيّئون‬
‫موتاً شنيعاً للسّيد العظم‪،‬‬
‫ويُشهرون عليه السّلح‪،‬‬
‫قالت‪ ،‬شاحبةً من الرّعب‪ ،‬لكلّ واحدٍ‬
‫من اللهة الذين التقتهم‪:‬‬
‫"انظ ْر بأيّة ضراوة تُدبّر المكائد ضدّي‪،‬‬
‫وأيّة مؤامرةٍ للطاحة بالرّأس‬
‫الذي لم يبقَ لي غيره من عائلة يولوس (‪ )Iulus‬الطّرواديّ·‬
‫هل أكون إذن أنا وحدي‬
‫فريسةً لل ٍم مشروعة ؟‬
‫يوماً‪ ،‬جرحتني حرب ُة ديوميد‪،‬‬
‫وفي يومٍ آخر‪ ،‬سقطت أسوار طروادة‬
‫دون أن أقدر‪ ،‬وا خجلي‪ ،‬أن أدافع عنها·‬
‫ثم رأيت ابني يتوه سنواتٍ طويلةً‪،‬‬
‫تتقاذفه البحار‪ ،‬ورأيته يدخل إلى‬
‫مقرّ الموتى الصّامتين‪ ،‬مُعلناً الحربَ‬
‫على تورنوس (‪ ، )Turnus‬أو بالحرى‪،‬‬
‫لكي يقول الحقيقة لجونون·‬
‫لكن‪ ،‬لماذا أذكّر اليوم بالمصائب‬
‫التي كابدتْها سللتي في الماضي ؟‬
‫إن الخوف الذي أعيشه يسيطر‬
‫على هذه الذكريات·‬
‫ترون السّيوف الغادرة تُسنّ ضدّي‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪858 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪859 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪939 :‬‬


‫فأوقفوها‪ ،‬أتوسّل إليكم·‬
‫تداركوا الجريمة‪ ،‬ول تطفئوا نيران فيستا‬
‫حبْر العظم·"‬ ‫في دم هذا ال َ‬
‫تلك هي الشّكاوى التي ملت بها فينوس‪،‬‬
‫في قلقها‪ ،‬فضاء السّماوات‪ ،‬مستثيرةً‪ ،‬عبثاً‪،‬‬
‫رحمة اللهة· فلم يكن هؤلء قادرين‬
‫على تغيير الحكام الفاصلة التي اتّخذتها‬
‫الخوات الثلث الجليلت· ‪21‬‬
‫ت أكيدة‬
‫غير أنهم أعطوا علما ٍ‬
‫على الشّقاء الذي يتهيّأ·‬
‫فقد كان صليل السلحة‬
‫في قلب الغيوم السّوداء‪ ،‬والصّخب الرّهيب‬
‫الطّالع من البواق التي تدوّي بها السّماء‪،‬‬
‫ينذران كما يُقال‪ ،‬بوقوع المؤامرة·‬
‫وكانت صورة الشمس مُغمّة ل تنشر‬
‫على الرض القلقة إلّ الضّوء الكامد·‬
‫وكانت تُرى غالباً مشاعل تلتهب‬
‫تحت الكواكب المجاورة·‬
‫ت من الدّم تسقط غالبًا مع المطر·‬ ‫وكانت قطرا ٌ‬
‫أظلم ألق نجمة الفجر‬
‫وغمر وجهها لون الصّدأ‪ ،‬فيما كانت‬
‫عربة القمر تصطبغ بالدّم·‬
‫ل مكانٍ‪ ،‬كانت البومة‪ ،‬طائر ستيكس‪،‬‬ ‫وفي ك ّ‬
‫تقدّم ُنذُراً مشؤومة·‬
‫ت منذرة‬ ‫وقيل إنّ أغاني وكلما ٍ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 21‬هنّ إلهات القدر الثلث·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪859 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪860 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪940 :‬‬

‫سُمعت في الغابات المقدّسة·‬


‫ي فألٍ سعيد‪،‬‬‫ولم تعد الضحيات تقدّم أ ّ‬
‫كانت أحشاؤها تشير إلى اقتراب‬
‫قلقل عظيمة‪ ،‬وكان يُرى‬
‫رأس الكبد مقطوعاً في المعاء·‬
‫وتؤكّد كذلك الرّواية المتواترة أنّ الكلب‬
‫كانت تنبح في الليل‪ ،‬حول البيوت‪،‬‬
‫وهياكل اللهة‪ ،‬وفي ميدان روما·‬
‫وكانت ترى أشباحٌ تطوف‪،‬‬
‫وظلل موتى صامتين‪ ،‬وضُربت روما‬
‫بزلزالٍ أرضيّ·‬
‫ولم تقدر نذُرُ اللهة أن تتغلّب‬
‫على الخيانة‪ ،‬وعلى القدر‪:‬‬
‫أُدخلت سيوفٌ مجرّدة من أغمادها‬
‫ن مقدّس‪ ،‬كأنما لم يكن ثمة مكانٌ في المدينة‬ ‫إلى مكا ٍ‬
‫أكثر ملءمةً لرتكاب هذه الجريمة النّكراء‬
‫من مقرّ مجلس الشّيوخ·‬
‫حينئذٍ‪ ،‬لطمت فينوس صدرها بيديها الثنتين‪،‬‬
‫وفكّرت أن تخبّئ سليل أينياس في الغيمة‬
‫التي خبّأت باريس في الماضي من عنفِ‬
‫مينيلوس (‪، )Menelaus‬‬
‫والتي أتاحت لينياس أن ينجو‬
‫من سيف ديوميد·‬
‫غير أنّ والدها خاطبها قائلً‪:‬‬
‫"هل تعنين أنّك‪ ،‬وحدك‪ ،‬يا ابنتي‪،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪860 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪861 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪941 :‬‬

‫تغيّرين القدر الذي ل يتغيّر ؟‬


‫أسمح لك أن تدخلي إلى مقام الخوات الثلث!‬
‫سترين فيه سجلّت العالم‪،‬‬
‫تلك الكتلة الضّخمة من البرونز‪،‬‬
‫ومن الحديد الصّلب‪،‬‬
‫البديّة‪ ،‬العصيّة على التّلف‪،‬‬
‫ل تخشى اصطدامات السّماء‬
‫ول هياج الصّاعقة‪ ،‬ول أيّة‬
‫ي نوع·‬
‫زلزلةٍ من أ ّ‬
‫سترين هناك أقدار سللتك‬
‫محفورةً على الفولذ الذي ل يفنى‪،‬‬
‫ولقد قرأتها أنا نفسي وحفظتها في ذاكرتي·‬
‫سأكشف لك عنها‪ ،‬لكيل تجهلي‪ ،‬منذ الن‪،‬‬
‫أيّ شيء ممّا يخبّئ المستقبل·‬
‫هذا الذي تتألمين‪ ،‬أيّتها اللهة‪ ،‬من أجله‪،‬‬
‫أكم َل وقته‪ ،‬وانتهت سنواته على الرض·‬
‫سوف يصبحُ إلهاً يصعد إلى السّماء‪،‬‬
‫وسيكون له طقسه الخاصّ في المعابد‪،‬‬
‫وتلك هي مهمّة تعود إليك‪ ،‬وإلى ابنه‬
‫وارثِ اسمه الذي سيحمل وحده العبء المُلقى عليه‪،‬‬
‫والمنتقم الشّجاع لمقتل أبيه‪،‬‬
‫ولسوف يجدنا في المعارك إلى جانبه·‬
‫تحت رعاية هذا الرّجل العظيم‪،‬‬
‫سوف تندحر أسوار موتينا (‪ )Mutina‬المُحاصرة‬
‫وتنفتح طالبةً السّلم·‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪861 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪862 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪942 :‬‬

‫س فارساليا (‪ )Pharsalia‬بوطأة قوّته‬ ‫ستح ّ‬


‫وسيروي الدّم‪ ،‬م ّر َة ثانية‪ ،‬فيليبّي (‪، )Philippi‬‬
‫وينهزم في المياه الصّقليّة‪،‬‬
‫اس ٌم كبير· ‪22‬‬
‫وسوف تسقط الزوجة المصريّة لحد القادة‬
‫الرومانيين‪ ،‬مخدوعةً بالمل الذي ولّده زواجها‪،‬‬
‫بعد تهديدها عبثاً بإخضاع عاصمتنا‬
‫لكانوبوس (‪ ، )Canopus‬مركزها الدّينيّ· ‪23‬‬
‫ماذا يجدي أن أعدّد لك الشّعوب المتوحّشة‬
‫التي تنتشر على ضفاف المحيطين ؟‬
‫كلّ ما تقلّه الرض المعمورة سيكون‬
‫ملكاً لهذا البطل·‬
‫البحر نفسه سيكون عبداً له·‬
‫وعندما سيمنح السّلم إلى العالم‬
‫سيتّجه فكره إلى الحقّ المدنيّ‪،‬‬
‫وسوف يُرسي قوانينَ تفيض بالعدالة‪،‬‬
‫يضعها هو نفسه·‬
‫وسوف يصبح النّموذج الذي يقدّمه‬
‫قاعدةً للخلق والعادات·‬
‫وسوف يأمر‪ ،‬مستشرفاً الزمنة المقبلة‪،‬‬
‫وأحفاد شعبه‪ ،‬أن يحمل ابن زوجته‬
‫الفاضلة‪ ،‬اسمه وعبء الحكم‪ ،‬في آن·‬
‫أخيراً‪ ،‬لكن بعد أن تساوي سنوات عمره‪،‬‬
‫سنوات الملك نيسطور (‪، )Nestor‬‬
‫سيدخل إلى المقام الثيريّ‪ ،‬بين كواكب عائلته· ‪24‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ 22‬الشارة هنا إلى سيكستوس (‪ ، )Sextus‬البن الثاني لبومباي (‪ ، )Pompey‬وقد هزمه آغريبا (‪· )Agrippa‬‬
‫‪ 23‬كانت كانوبوس‪ ،‬القريبة من السكندريّة‪ ،‬مركزًا دينيّا مهمّا معارضاً للمركز الدّينيّ الرومانيّ المهمّ‪ ،‬الذي هو‬
‫روما· والزوجة هي كيلوباترا‪ ،‬والزّوج هو أنطونيوس‪ ،‬وقد هزما معاً في معركة آكتيوم (‪ ، )Actium‬سنة ‪ 13‬ق·م·‬
‫‪ 24‬هذه الكواكب هي نجمة فينوس‪ ،‬ونجمة قيصر·‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪862 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪863 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪943 :‬‬

‫لكن‪ ،‬خذي معكِ هذه الرّوح‬


‫التي تفلت من جسمها الذّبيح‪،‬‬
‫وحوّليها إلى نجم ٍة متللئة‪:‬‬
‫أريد أن يظلّ قيصر اللهيّ‪،‬‬
‫مثبّتا عينيه دائماً‪ ،‬من أعالي مقامه الجديد‪،‬‬
‫على عاصمتي‪ ،‬وعلى ميدانها·"‬
‫لم يكد ينهي كلمه‪،‬‬
‫حتى كانت فينوس الخيّرة‬
‫تقف في قلب مجلس الشيوخ‪،‬‬
‫ل يراها أحد·‬
‫رفعت من جسم قيصر الثير عليها‪،‬‬
‫الرّوح التي انفصلت عنه‪،‬‬
‫وأخذتها إلى كواكب السّماء‪،‬‬
‫ل دون تشتّتها في الفضاء·‬ ‫لكي تحو َ‬
‫ن هذه الرّوح‬ ‫في أثناء ذلك‪ ،‬رأت أ ّ‬
‫تشتعل وتضيء·‬
‫تركتها تفلت من صدرها‪،‬‬
‫فطارت فوق القمر‪ ،‬ساحبةً وراءها‪،‬‬
‫عبْرَ الفضاء‪ ،‬جديلةً من اللّهب‪،‬‬
‫ِ‬
‫آخذةً شكل نجم ٍة ل معة·‬
‫وعندما رأت من العالي مآثر ابنها‪،‬‬
‫اعترفت بأنّها تتجاوز مآثرها‬
‫وسُرّت بأن يتفوّق ابنها عليها·‬
‫أمّا البن فقد منع أن توضعَ‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪863 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪864 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪944 :‬‬


‫أعماله الكبرى فوق أعمال أبيه·‬
‫غير أنّ إلهة الشّهرة‪ ،‬الحرّة‪،‬‬
‫ي نظامٍ‪ ،‬وضعته‬ ‫والتي ل تخضع ل ّ‬
‫رغمًا عنه‪ ،‬فوق والده‪ ،‬ولم تقاومه‬
‫إلّ في هذه النقطة·‬
‫هكذا سلّم مجد أتريوس (‪)Atreus‬‬
‫بمجد أجاممنون العظيم‪،‬‬
‫وهكذا تغلّب تيزيوس على إيجيوس‪،‬‬
‫وآخيل على بيليوس·‬
‫هكذا‪ ،‬أخيراً‪ ،‬لكي آخذ أمثلةً تليق بأبطالي‪،‬‬
‫يتفوّق جوبيتر على ساتورن‪،‬‬
‫ويحكم جوبيتر أعالي الثير وممالك العالم الثلث؛‬
‫أمّا الرض فخاضع ٌة لوغسطس (‪)Augustus‬‬
‫ب لمملكته وسيّد عليها·‬‫وكلهما أ ٌ‬

‫أتوسّل إليك أيّتها اللهة‪،‬‬


‫يا من قدتِ أينياس سالماً عبر الحريق وطعن السّيوف‪،‬‬
‫يا آلهة موطننا‬
‫كيرنوس‪ ،‬ربّ مدينتنا‪،‬‬
‫غراديفوس‪ ،‬والد كرينوس الذي ل غالب له‪،‬‬
‫فيستا التي يُمارَس طقسُها المقدّس‬
‫بين أرباب مقامات قيْصر‪،‬‬
‫وأنت يا فيبوس السّاكن مع فيستا‪،‬‬
‫مقامات قيصر‪،‬‬
‫وأنت يا جوبيتر الذي تشغل‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪864 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪865 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪945 :‬‬

‫من قلعة تاربيا (‪ )Tarpeia‬ذروتها‪،‬‬


‫أنتم جميعاً‪ ،‬أيّها اللهة الذين يحقّ للشاعر‬
‫وينبغي عليه‪ ،‬أن يبتهل إليكم‪،‬‬
‫أخّروا‪ ،‬أجّلوا‬
‫إلى ما وراء الحدود‬
‫التي وضعت لحياتي‪ ،‬شروق النهار الذي‬
‫سيصعد فيه أغسطس إلى السّماء‪،‬‬
‫بعد أن يُغادر العالم الذي يسوده‪،‬‬
‫ويستجيب من بعيدٍ إلى صلوات الفانين·‬

‫خاتمة‬

‫ت عملً‬‫الن أكمل ُ‬
‫لن يقدرَ على هدمه غضب جوبيتر‪،‬‬
‫ول اللّهب‪ ،‬ول الحديد‪ ،‬ول الزّمن الذي ل يشبع·‬
‫فليأتِ‪ ،‬متى شاء‪ ،‬اليومُ المحتوم‬
‫الذي ل حقوق له إلّ على جسمي‪،‬‬
‫وليضعْ حدّا لمجرى حياتي‪ ،‬الغامض‪:‬‬
‫الجز ُء النبل فيّ سينطلق‪ ،‬خالداً‪،‬‬
‫إلى ما فوق المنطقة العالية للكواكب‪،‬‬
‫وسيكون اسمي عصيّا على الفناء·‬
‫وأينما توغّلتِ القوّة الرّومانيّة‪،‬‬
‫بعيداً في الرض التي تسودها‪،‬‬
‫سوف تقرؤني الشعوب‪،‬‬
‫أنا الذي أصبحت ذائع الصّيت·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫التحولت أوفيد الصفحة ‪865 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪866 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬

‫رقم صفحة الكتاب الورقي‪946 :‬‬

‫ولئن صدق حدسُ الشّعراء‪،‬‬


‫فإنني‪ ،‬على مدى العصور‪،‬‬
‫سأظلّ حيّا·‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫التحولت أوفيد الصفحة ‪866 :‬‬


‫تحقيق‪ :‬الناشر‪ :‬المجمع الثقافي الطبعة‪1 :‬‬
‫منتدى حديث المطابع‬
‫موقع الساخر‬
‫‪www.alsakher.com‬‬

You might also like