You are on page 1of 3

‫ضوء مثل الماء‬

‫ترجمة‪:‬‬
‫صلح‬
‫علماني‬

‫في عيد الميلد‪ ،‬عاد الطفلن الى طلب زورق التجديف‪.‬‬


‫قال الب‪:‬‬
‫حسن‪ ،‬سنشتريه حين نعود الى كارتاخينا‪.‬‬
‫لكن توتو‪ ،‬في التاسعة من عمره‪ ،‬وجويل في السادسة‪ ،‬كانا أشد تصميما مما اعتقده أبواهما‪.‬‬
‫فقد قال معا‪:‬‬
‫‪-‬ل‪ .‬إننا نحتاجه الن وهنا‪.‬‬
‫قالت الم‪ :‬أولً ل يوجد ماء للبحار سوى الماء الذي ينزل من الدش‪.‬‬
‫وقد كانت هي وزوجها على حق‪ ،‬ففي بيتهم في كارتاخينا دي اندياس يوجد فناء فيه رصيف‬
‫على الخليج‪ ،‬ومكان يتسع ليختين كبيرين‪ ،‬أما هنا في مدريد فيعيشون محشورين في شقة في‬
‫الطابق الخامس من المبنى رقم «‪ »47‬في شارع باسيودي لكاستيانا‪ .‬ولكنهما في النهاية لم‬
‫يستطيعا هو أو هي‪ ،‬أن يرفضا‪ ،‬لنهما كانا قد وعدا الطفلين بزورق تجديف مع آلة سدس‬
‫وبوصلة‪ ،‬فإذا فازا بإكليل الغار في السنة الثالثة ابتدائية‪ ،‬وقد فازا به‪ .‬وهكذا اشترى الب كل‬
‫شيء‪ ،‬دون أن يخبر زوجته‪ ،‬وهي الكثر معارضة لتحمل ديون من أجل اللعاب‪ ،‬كان زورقا‬
‫بديعا من اللمونيوم‪ ،‬مزين بخط ذهبي عند حد الغطاس‪ .‬وقد كشف الب السر عند الغداء‪.‬‬
‫ـ الزورق موجود في الكراج‪.‬‬
‫المشكلة أنه ل يمكن الصعود به في المصعد أو على السلم‪ ،‬وفي الكراج ل يوجد مكان كاف‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬دعا الطفلن أصدقاءهما يوم السبت التالي للصعود بالزورق على السلم‪ ،‬وتمكنوا‬
‫من حمله الى غرفة المستودع في البيت‪.‬‬
‫قال لهم الب‪ :‬تهانينا‪ ..‬ثم ماذا الن؟‬
‫قال الطفال ‪ -‬الن ل شيء كل ما كنا نريده هو حمل الزورق الى الغرفة‪ ،‬وها هو ذا هنا‪.‬‬
‫يوم الربعاء ليلً‪ ،‬وكما في كل أربعاء‪ ،‬ذهب البوان الى السينما‪ ،‬أما الطفلن اللذان صاحبا‬
‫وسيدا البيت‪ ،‬فقد أغلقا البواب والنوافذ‪ ،‬وكسرا أحد مصابيح الصالة المضاءة‪ .‬فبدأ يتدفق تيار‬
‫من الضوء الذهبي والبارد من المصباح المكسور‪ ،‬وتركاه يسيل الى أن بلغ ارتفاعه أربعة‬
‫أشبار‪ .‬عندئذ أقفل التيار‪ ،‬وأخرجا الزورق وأبحرا بمتعة بين جزر البيت‪.‬‬
‫وقد كانت هذه المغامرة الخرافية نتيجة طيش مني حين شاركت في ندوة حول شعر الدوات‬
‫المنزلية‪ ،‬فقد سألني توتو كيف يضاء النور بمجرد ضغط الزر‪ ،‬ولم تكن لدي الشجاعة للتفكير‬
‫بالمر مرتين حين أجبته‪:‬‬
‫الضوء مثل الماء‪ :‬يفتح أحدنا الصنبور‪ ،‬فيخرج‪.‬‬
‫وهكذا واصل البحار كل أربعاء ليلً‪ ،‬وتعلما استخدام آلة السدس والبوصلة‪ ،‬وحين كان‬
‫البوان يرجعان من السينما يجداهما نائمين على اليابسة كملكين‪ .‬وبعد عدة شهور‪ ،‬كانا‬
‫يتحرقان للمضي الى ما هو أبعد من ذلك‪ ،‬فطلبا أجهزة للصيد تحت الماء‪ ،‬مجموعة كاملة‪،‬‬
‫أقنعة‪ ،‬أقدام زعنفية‪ ،‬أسطوانات أكسجين‪ ،‬وبنادق هواء مضغوط‪.‬‬
‫قال الب‪ :‬أمر سيء‪ .‬أن يكون لديكما في غرفة المستودع زورق تجديف ل يمكن استخدامه‬
‫في شيء‪ .‬ولكن السوأ من ذلك هو أن تطلبا حيازة أجهزة غوص‪.‬‬
‫قال جويل‪ :‬وإذا فزنا بالغار الذهبية في الفصل الول من السنة؟‬
‫فقالت الم مذعورة ‪ -‬ل ‪ -‬ل شيء آخر‪.‬‬
‫لمها الب على عدم تساهلها‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬المشكلة أن هذين الولدين ل يفوزان بقلمة ظفر لمجرد القيام بالواجب‪ ،‬أما من أجل‬
‫نزواتهما فإنهما مستعدان للفوز حتى بكرسي المعلم‪.‬‬
‫ولم يقل البوان في نهاية المر «نعم» ولم يقول «ل»‪ .‬ولكن توتو وجويل اللذين كان ترتيبهما‬
‫الخير في السنوات السابقة‪ ،‬فازا في يوليو بالغارونيتين الذهبيتين وثناء المدير العلني‪ .‬وفي‬
‫ذلك المساء بالذات‪ ،‬ودون أن يطلبا‪ ،‬وجدا في غرفة نومهما أجهزة الغوص في علبتها‬
‫الصلية‪ .‬وفي يوم الربعاء التالي‪ ،‬بينما كان البوان يشاهدان «التانغو الخير في باريس»‬
‫مل الطفلن الشقة الى ارتفاع ذراعين‪ ،‬وغاصا مثل سمكتي قرش وديعتين تحت الثاث‬
‫سرّة‪ ،‬وأخرجا من أعماق الضوء الشياء التي كانا قد فقداها منذ سنوات في الظلم‪ .‬وعند‬
‫وال ِ‬
‫منح الجوائز النهائية‪ ،‬أختير الخوان كتلميذين مثاليين في المدرسة‪ ،‬وقدمت لهما شهادات‬
‫امتياز‪ .‬وفي هذه المرة لم يطلبا شيئا‪ ،‬لن البوين سألهما عما يريدانه‪ ،‬وقد كانا عاقلين‬
‫لدرجة أنهما لم يرغبا إل في إقامة حفلة في البيت لتكريم زملئهم في الصف‪.‬‬
‫كان الب متألقا وهو يتحدث على انفراد مع زوجته‪.‬‬
‫ـ هذا دليل على نضجهما‪.‬‬
‫فقالت الم‪:‬‬
‫ـ ال يسمع منك‪.‬‬
‫وفي يوم الربعاء التالي وبينما البوان يشاهدان فيلم «معركة الجزائر» رأى الناس الذين كانوا‬
‫يمرون في شارع كاستيانا شللً من الضوء يهوي من عمارة قديمة مختفية بين الشجار‪ ،‬كان‬
‫يخرج من الشرفات‪ ،‬ويتدفق بغزارة على واجهة المبنى‪ ،‬ويجري في الجادة العريضة في سيل‬
‫ذهبي يضيء المدينة حتى غواداراما‪.‬‬
‫حطم رجال الطفاء الذين استدعوا على عجل باب الطابق الخامس‪.‬‬
‫ووجدوا البيت طافحا بالضوء حتى السقف‪ .‬كانت الريكة والمقاعد المغلفة بالجلد تطفو في‬
‫الصالة على مستويات متعددة ما بين زجاجات البارد والبيانو بشرشفه الذي صنع من المانيل‪،‬‬
‫والذي كان يتحرك وسط الماء مثل سمكة مانتاريا ذهبية‪ .‬وكانت الدوات المنزلية في أوج‬
‫شاعريتها‪ ،‬تطير بأجنحتها الخاصة في سماء المطبخ‪ .‬وأدوات الجوقة الحربية التي كان‬
‫الطفلن يستخدمانها للرقص‪ ،‬كانت تطفو على غير هدى بين السماك الملونة التي تحررت‬
‫من الحوض الذي تحبسها فيه ماما‪ .‬وكانت تلك السماك الملونة التي تحررت هي الوحيدة‬
‫التي تطفو حية وسعيدة في المستنقع الفسيح المضيء‪ .‬وفي الحمام كانت تطفو فراشي أسنان‬
‫الجميع وواقيات منع الحمل المطاطية التي يستخدمها بابا‪ .‬وأنابيب الكريمة وطقم أسنان ماما‬
‫الصطناعية‪ .‬وكان تلفزيون الصالة يطفو مائلً وهو ل يزال مفتوحا يبث الحلقة الخيرة من‬
‫فيلم منتصف الليل المحظور على الطفال‪.‬‬
‫وفي نهاية الممر‪ ،‬كان الصغيران يطفوان بين ماءين‪ ..‬توتو جالسا في مقدمة الزورق‪ ،‬متشبثا‬
‫بالمجدافين والقناع على وجهه‪ ،‬وهو يبحث عن فنار الميناء الى حيث سمح له الهواء الذي في‬
‫السطوانة‪ ،‬وجويل يطفو في مؤخرة المركب وهو ل يزال يبحث بآلة السدس عن موقع نجم‬
‫القطب‪ .‬وكان يطفو في جميع أرجاء البيت رفاقهم في الصف السبعة والثلثين وقد تخلدوا في‬
‫لحظة تبولهم في أصيص الجرانيوم‪ ،‬وغنائهم النشيد المدرسي بكلمات محورة من سخرية‬
‫المدير‪ ،‬أو تناولهم خفية كأس براندي من زجاجة بابا‪ .‬ذلك أنهم كانوا قد فتحوا أنوارا كثيرة‬
‫في وقت واحد جعلت البيت يطفح‪ ،‬وغرق جميع التلميذ‪ ..‬تلميذ الصف الرابع البتدائى في‬
‫مدرسة سان خوليان في الطابق الخامس من المبنى «‪ »47‬في باسيو دي كاستيانا في مدريد‬
‫بأسبانيا المدينة البعيدة عن الصياف الملتهبة والرياح المتجمدة‪ ،‬والتي ل بحر فيها ول نهر‪،‬‬
‫والتي لم يكن سكان يابستها يوما من اليام ماهرين في فنون البحار في الضوء‪.‬‬

You might also like