You are on page 1of 15

‫كشف الشبهات‬

‫لشيخ السلم محمد بن عبدالوهاب‬


‫رحمه الله‬
‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫اعلم رحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة‪ ،‬وهو دين‬
‫الرسييل الذي أرسييلهم الله بييه إلى عباده‪ .‬فأولهييم نوح عليييه‬
‫السلم أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين ودا ً وسواعاً‬
‫ويغوث ويعوق ونسيراً‪ ،‬وآخير الرسيل محميد ‪ ،‬وهيو الذي كسير‬
‫صييييور هؤلء الصييييالحين‪ ،‬أرسييييله إلى قوم يتعبدون ويحجون‬
‫ويتصييييييدقون ويذكرون الله كثيراً‪ ،‬ولكنهييييييم يجعلون بعييييييض‬
‫المخلوقات وسائط بينهم وبين الله‪.‬‬
‫يقولون‪ :‬نريد منهم التقرب إلى الله ‪ ،‬ونريد شفاعتهم عنده؛‬
‫مثل الملئكة‪ ،‬وعيسى‪ ،‬ومريم‪ ،‬وأناس غيرهم من الصالحين‪.‬‬
‫فبعث الله إليهم محمدا ً يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه‬
‫السييلم‪ ،‬ويخييبرهم أن هذا التقرب والعتقاد محييض حييق الله ل‬
‫يصيلح منيه شيئ لغيير الله ل لملك مقرب‪ ،‬ول لنيبي مرسيل فضلً‬
‫عييين غيرهميييا‪ ،‬وإل فهؤلء المشركون مقرون ويشهدون أن الله‬
‫هيو الخالق وحده ل شرييك له وأنيه ل يرزق إل هيو‪ ،‬ول يحييي إل‬
‫هو‪ ،‬ول يميت إل هو‪ ،‬ول يدبر المر إل هو‪ ،‬وأن جميع السماوات‬
‫السبع ومن فيهن والراضين السبع ومن فيها كلهم عبيده وتحت‬
‫تصرفه وقهره‪.‬‬
‫فإذا أردت الدليل على أن هؤلء الذين قاتلهم رسول الله‬
‫ماءِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّيَ‬ ‫م َي‬ ‫من يَْرُزقُك ُيم ِّ‬ ‫ل َي‬ ‫يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى‪ :‬قُ ْ‬
‫ت‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مي ِّ ِ‬ ‫م َ‬‫ي ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خر ِ ُ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫صاَر و َ َ‬
‫َ‬
‫معَ والب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ك ال َّ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫ض أ َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫وَالَْر‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ه فَقُ ْ‬ ‫ن الل ّي ُ‬‫سيَقُولُو َ‬ ‫مَر فَي َ‬ ‫من يُدَبُِّر ال ْ‬ ‫ي وَي َ‬ ‫ح ِيّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َي‬ ‫ت ِ‬ ‫ج ال ْ َ‬
‫مي َّي َ‬ ‫خرِي ُ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من فِيهَيا إِن‬ ‫ضي وَي َ‬ ‫ن الْر ُ‬ ‫ِي‬ ‫ني [يونيس‪ ]31:‬وقوله‪ َ :‬قُيل ل ِ َ‬
‫م‬ ‫أفَل َ تَت ّقُو َ‬
‫َ‬ ‫كُنت م تعل َمو ن (‪ )84‬سيقُولُون لِل ّه قُ ْ َ‬
‫من‬ ‫ل ََ‬ ‫ن (‪ )85‬قُ ْ‬ ‫ل أفََل تَذ َك ُّرو َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ َْ ُ َ‬
‫ن لِل ّهِ‬ ‫سيَقُولُو َ‬ ‫ش الْعَظِيم ِ (‪َ )86‬‬ ‫ب العَْر ِ‬
‫سب ْع وََر ُّ ْ‬
‫ت ال َّ ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬‫ب ال َّ‬ ‫َّر ُّ‬
‫ملَكُو‬ ‫قُ ْ َ‬
‫جيُر‬ ‫يءٍ وَهُوَ ي ُ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫ل َ‬ ‫ت ك ُ ِّ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫من بِيَد ِيهِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ن (‪ )87‬قُ ْ‬ ‫ل أفََل تَتَّقُو َ ي‬
‫ل فَأَن ّ يَى‬ ‫ن لِل ّ يَهِ قُ ْ‬ ‫سيَقُولُو َ‬ ‫ن (‪ َ )88‬ي‬ ‫مو َ ي‬ ‫م تَعْل َ ُ‬ ‫جاُر ع َلَي ْ يهِ إِن كُنت ُ ي ْ‬ ‫وََل ي ُ َ‬
‫ن [المؤمنون‪ ]89-84:‬وغير ذلك من اليات‪.‬‬ ‫حُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫تُ ْ‬
‫فإذا تحققيت أنهيم مقرون بهذا وأنيه لم يدخلهيم فيي التوحييد‬
‫الذي دعاهييم إليييه رسييول الله ‪ ،‬وعرفييت أن التوحيييد الذي‬
‫جحدوه هييو توحيييد العبادة الذي يسييميه المشركون فييي زماننييا‬
‫(العتقاد) كما كانوا يدعون الله سبحانه ليل ً ونهاراً‪.‬‬
‫ثيم منهيم مين يدعيو الملئكية لجيل صيلحهم وقربهيم مين الله‬
‫ليشفعوا له‪ ،‬أو يدعوا رجل ً صالحا ً مثل اللت‪ :‬أو نبيا ً مثل عيسى‬
‫وعرفييت أن رسييول الله ‪ ،‬قاتلهييم على هذا الشرك ودعاهييم‬
‫َ‬ ‫إلى إخلص العبادة لله وحده كما قال تعالى‪ :‬وَأ َ َّ‬
‫جد َ لِل ّهِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ه دَع ْوَة ُ ال ْ‬ ‫حدا ً [الجيين‪ ]18:‬وقال‪ :‬ل َيي‬ ‫فََل تدع ُوا معيي الل ّييَه أ َ‬
‫قّيي‬‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬
‫يءٍ [الرعيد‪،]14:‬‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ن لهُيم ب ِ َ‬
‫جيبُو َ‬ ‫من دُون ِيهِ ل َ ي َي ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ني ِي‬ ‫وَال ّذِي نَي يَدْع ُو َ‬
‫وتحققيت أن رسيول الله قاتلهيم ليكون الدعاء كله لله‪ ،‬والنذر‬
‫كله لله‪ ،‬والذبيييح كله لله‪ ،‬والسيييتغاثة كلهيييا لله‪ ،‬وجمييييع أنواع‬
‫العبادات كلهييا لله‪ ،‬وعرفييت أن إقرارهييم بتوحيييد الربوبييية لم‬
‫يدخلهم في السلم‪ ،‬وأن قصدهم الملئكة أو النبياء‪ ،‬أو الولياء‪،‬‬
‫يريدون شفاعتهم‪ ،‬والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم‬
‫وأموالهيم‪ ،‬عرفيت حينئذ ٍ التوحييد الذي دعيت إلييه الرسيل‪ ،‬وأبيى‬
‫عين القرار بيه المشركون‪ ،‬وهذا التوحييد هيو معنيى قولك‪ :‬ل إله‬
‫إل الله‪ ،‬فإن الله هيو الذي يقصيد لجيل هذه المور‪ ،‬سيواء ملكاً‪،‬‬
‫أو نيبياً‪ ،‬أو ولياً‪ ،‬أو شجرة‪ ،‬أو قيبراً‪ ،‬أو جنيا ً لم يريدوا أن الله هيو‬
‫الخالق الرازق المدبر‪ ،‬فإنهييييم يعلمون أن ذلك لله وحده كمييييا‬
‫قدمييت لك‪ ،‬وإنمييا يعنون بالله مييا يعنييي المشركون فييي زماننييا‬
‫بلفظ السيد‪ .‬فأتاهم النبي يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي (ل‬
‫إله إل الله) والمراد من هذه الكلمة معناها ل مجرد لفظها‪.‬‬
‫والكفار الجهال يعلمون أن مراد النييبي بهذه الكلميية هييو‬
‫إفراد الله تعالى بالتعلق بيييه والكفييير بميييا يعبيييد مييين دون الله‬
‫والبراءة منه‪ ،‬فإنه لما قال لهم‪ { :‬قولوا‪ :‬ل إله إل الله }‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫ب [ص‪.]5:‬‬ ‫ن هَذ َا ل َ َ‬
‫حدا ً إ ِ َّ‬
‫ة إِلَها ً وَا ِ‬
‫ل اْللِهَ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫جا ٌ‬‫يءٌ ع ُ َ‬
‫ش ْ‬ ‫أ َ‬
‫فإذا عرفيييت أن جهال الكفار يعرفون ذلك‪ ،‬فالعجيييب ممييين‬
‫يدعيي السيلم وهيو ل يعرف مين تفسيير هذه الكلمية ميا عرفيه‬
‫جهال الكفار‪ ،‬بييل يظيين أن ذلك هييو التلفييظ بحروفهييا ميين غييير‬
‫اعتقاد القلب لشئ من المعاني‪ ،‬والحاذق منهم يظن أن معناها‬
‫ل يخلق ول يرزق إل الله ‪ ،‬ول يدبر الميير إل الله‪ ،‬فل خييير فييي‬
‫رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى ل إله إل الله‪.‬‬
‫إذا عرفيت ميا ذكرت لك معرفية قلب‪ ،‬وعرفيت الشرك بالله‬
‫ن‬
‫ما دُو َ‬ ‫ه ل َ يَغْفُِر أَن ي ُ ْ‬
‫شَر َ‬
‫ك ب ِهِ َويَغْفُِر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫الذي قال الله فيه‪ :‬إ ِ َّ‬
‫شاءُ [النسياء‪ ]48:‬وعرفيت ديين الله الذي أرسيل بيه‬‫من ي َ َ‬ ‫ذَل ِي َ‬
‫ك ل ِي َ‬
‫الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي ل يقبل الله من أحد سواه‪،‬‬
‫وعرفييت مييا أصييبح غالب الناس عليييه ميين الجهييل بهذا أفادك‬
‫فائدتين‪:‬‬
‫ل‬‫الولى‪ :‬الفرح بفضيييل الله وبرحمتيييه‪ ،‬كميييا قال تعالى‪ :‬قُ ْ‬
‫ن‬
‫م ُعو َ ي‬ ‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ يَ‬‫خيٌْر ِّ‬ ‫حوا ْ هُوَ َ‬ ‫ك فَلْيَفَْر ُ‬ ‫مت ِ يهِ فَبِذَل ِ ي َ‬ ‫ح َ‬‫ل الل ّ يهِ َوبَِر ْ‬ ‫ض ِ‬‫بِفَ ْ‬
‫[يونس‪.]58:‬‬
‫وأفادك أيضا ً الخوف العظيييم‪ ،‬فإنييك إذا عرفييت أن النسييان‬
‫يكفر بكلمة يخرجها من لسانه‪ ،‬وقد يقولها وهو جاهل‪ ،‬فل يعذر‬
‫بالجهل‪ ،‬وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله تعالى كما كان‬
‫يفعيل الكفار المشركون‪ ،‬خصيوصا ً إن ألهميك الله ميا قيص عين‬
‫َ‬
‫جعَيل ل ّن َيا‬ ‫قوم موسيى ميع صيلحهم وعلمهيم‪ ،‬أنهيم أتوه قائليين‪ :‬ا ْ‬
‫ة [العراف‪ .]138:‬فحينئذ ٍ يعظييم حرصييك‬ ‫م آلِهَ ٌ‬ ‫ما لَهُيي ْ‬ ‫إِل َيييها ً ك َيي َ‬
‫وخوفك على ما يخلصك من هذا وأمثاله‪.‬‬
‫وأعلم أنيه سيبحانه مين حكمتيه لم يبعيث نيبيا ً بهذا التوحييد إل‬
‫ي عَدُوّاً‬ ‫ل نِب ِيي ٍ ّ‬ ‫جعَلْن َييا لِك ُ ِّ‬ ‫ك َ‬ ‫جعييل له أعداء كمييا قال تعالى‪ :‬وَكَذَل ِ ي َ‬
‫ل‬ ‫ف الْقَوْ ِ‬ ‫خُر َي‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫م إِلى بَعْي ٍ‬
‫ضهُي ْ َ‬ ‫حي بَعْ ُ‬ ‫ن يُو ِي‬ ‫ج ِيّ‬ ‫ن الِن سِي وَال ْ ِ‬ ‫شيَاطِي َي‬ ‫َ‬
‫غُُرورا ً [النعام‪.]112:‬‬
‫وقيد يكون لعداء التوحييد علوم كثيرة وكتيب وحجيج كميا قال‬
‫ن‬ ‫م َي‬ ‫عندَهُيم ِّ‬ ‫ما ِ‬ ‫حوا ب ِي َ‬ ‫ت فَرِ ُ‬ ‫سلُهُم بِالْبَيِّنَا ِي‬ ‫م ُر ُي‬ ‫جاءتْهُي ْ‬ ‫ما َ‬ ‫تعالى‪ :‬فَل َي َّ‬
‫ستَهْزِئُون [غافر‪.]83:‬‬ ‫ما كَانُوا بِهِ ي َ ْ‬ ‫حاقَ بِهِم َّ‬ ‫الْعِلْم ِ وَ َ‬
‫إذا عرفييت ذلك‪ ،‬وعرفييت أن الطريييق إلى الله ل بييد له ميين‬
‫حجج‪ ،‬فالواجب عليك أن‬ ‫أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم ٍ و ُ‬
‫تتعلم من دين الله ما يصير لك سلحا ً تقابل به هؤلء الشياطين‬
‫م‬ ‫ن لَهُ ي ْ‬ ‫الذييين قال إمامهييم ومقدمهييم لربييك عييز وجييل‪ :‬لَقْعُد َ ي َّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫خلْفِه ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن أيْدِيه ِ ْ‬ ‫من بَي ْ ِ‬ ‫م لتِيَنَّه ُم ِّ‬ ‫م (‪ )16‬ث ُ َّ‬ ‫ستَقِي َ‬‫م ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫صَراط َ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن [العراف‪:‬‬ ‫شاكِرِي َ‬ ‫م َ‬ ‫جد ُ أكْثََرهُ ْ‬ ‫م وَل َ ت َ ِ‬ ‫مآئِلِهِ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫م وَع َن َ‬ ‫مانِهِ ْ‬ ‫ن أي ْ َ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫‪.]17،16‬‬
‫ولكين إذا أقبلت على الله‪ ،‬وأصيغيت إلى حججيه وبيناتيه‪ ،‬فل‬
‫ضعِيفا ً [النسيياء‪،]76:‬‬ ‫ن كَيْد َ ال َّ‬
‫ن َ‬ ‫ن كَا َ ي‬ ‫شيْطَا ِ ي‬ ‫تخييف ول تحزن إ ِ ي َّ‬
‫والعاميي مين الموحديين يغلب ألفا ً مين علماء هؤلء المشركيين‪،‬‬
‫ن [الصييافات‪،]173:‬‬ ‫م الْغَالِبُو َ ي‬ ‫جندَن َ يا لَهُ ي ُ‬
‫ن ُ‬‫كمييا قال تعالى‪ :‬وَإ ِ ي َّ‬
‫فجنييد الله هييم الغالبون بالحجيية واللسييان ‪ ،‬كمييا أنهييم الغالبون‬
‫بالسييييف والسييينان‪ ،‬وإنميييا الخوف على الموحيييد الذي يسيييلك‬
‫الطريق وليس معه سلح‪ ،‬وقد من الله تعالى علينا بكتابه الذي‬
‫ن‬‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬
‫م ْييييييييي‬ ‫شَرى لِل ْ ُ‬
‫ة وَب ُ ْ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬
‫يءٍ وَهُدًى وََر ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫جعله تِبْيَانا ً ل ِّك ُ ِّ‬
‫[النحييل‪ ]89:‬فل يأتيي صياحب باطيل بحجية إل وفيي القرآن ميا‬
‫َ‬ ‫ينقضهييا ويييبين بطلنهييا‪ ،‬كمييا قال تعالى‪ :‬وََل يَأْتُون َيي َ‬
‫ل إ ِ ّل‬‫مث َ ٍ‬
‫ك بِ َ‬
‫سيرا ً [الفرقان‪ ،]33:‬قال بعيييض‬ ‫َ‬
‫ن تَفْييي ِ‬
‫س َ‬
‫ح َ يي‬‫قّييي وَأ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك بِال ْ َ‬ ‫جئْنَا َ يي‬
‫ِ‬
‫المفسيرين‪ :‬هذه اليية عامية فيي كيل حجية يأتيي بهيا أهيل الباطيل‬
‫إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وأنا أذكير لك أشياء مما ذكر الله فيي كتابيه جوابا ً لكلم احتيج‬
‫به المشركون في زماننا علينا فنقول‪:‬‬
‫جواب أهييل الباطييل ميين طريقييين‪ :‬مجمييل‪ ،‬ومفصييل‪ .‬أمييا‬
‫المجميل فهيو المير العظييم والفائدة الكيبيرة لمين عقلهيا‪ ،‬وذلك‬
‫ت هُ َّ‬
‫ن‬ ‫ما ٌ‬ ‫حك َ َ‬‫م ْ‬ ‫ت ُّ‬ ‫ه آيَا ٌ‬ ‫من ْ ُ‬‫ب ِ‬ ‫ك الْكِتَا َ‬ ‫ل ع َلَي ْ َ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬هُوَ الَّذِيَ أَنَز َ‬
‫َ َ َ َ‬
‫ني‬ ‫م َزي ْيغٌ فَيَتَّب ِ ُعو َ‬ ‫ن فيي قُلُوبِهِي ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ال ّذِي‬ ‫ت فأ ّ‬ ‫شابِهَا ٌ‬‫مت َ َ‬‫خُر ُ‬ ‫ب وَأ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫م الْكِتَا‬ ‫أ ُي ُّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه إِل ّ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م تَأ ِويل َ ُ‬ ‫ما يَعْل َ ُ‬ ‫ه ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأ ِويلِهِ وَ َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬‫شاب َ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫َ‬
‫[آل عمران‪ ،]7:‬وقييد صييح عيين رسييول الله ‪ ،‬أنييه قال‪ { :‬إذا‬
‫رأيتييم الذييين يتبعون مييا تشابييه منييه فأولئك الذييين سييمى الله‬
‫فاحذروهم }‪.‬‬
‫ن أَوْلِيَاء الل ّيهِ َ‬
‫ل‬ ‫مثال ذلك إذا قال لك بعيض المشركيين‪ :‬أَل إ ِي َّ‬
‫ن [يونس‪ ،]62:‬أو استدل بالشفاعة‬ ‫حَزنُو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫م وَل َ ه ُ ْ‬ ‫ف ع َلَيْه ِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫أنهيا حيق‪ ،‬وأن النيبياء لهيم جاه عنيد الله أو ذكير كلما ً للنيبي‬
‫يستدل به على شئ من باطله‪ ،‬وأنت ل تفهم معنى الكلم الذي‬
‫ذكره‪ ،‬فجاوبييه بقولك‪ :‬إن الله ذكيير أن الذييين فييي قلوبهييم زيييغ‬
‫يتركون المحكيم ويتبعون المتشابيه‪ ،‬وميا ذكرتيه لك مين أن الله‬
‫ذكير أن المشركيين يقرون بالربوبيية‪ ،‬وأن كفرهيم بتعلقهيم على‬
‫عند َ الل ّهِ‬ ‫شفَعَاؤ ُن َا ِ‬ ‫الملئكة والنبياء والولياء مع قولهم‪ :‬ه َيؤ ُلء ُ‬
‫[يونيس‪ ]18:‬هذا أمير محكيم بيين‪ ،‬ل يقدر أحيد أن يغييير معناه‪،‬‬
‫وما ذكرته لي أيها المشرك من القرآن أو كلم النبي ل أعرف‬
‫معناه‪ ،‬ولكين أقطيع أن كلم الله ل يتناقيض‪ ،‬وأن كلم النيبي ل‬
‫يخالف كلم الله عز وجل‪ ،‬وهذا جواب سديد‪ ،‬ولكن ل يفهمه إل‬
‫ما‬ ‫وفقيه َالله تعالى‪ ،‬فل تسيتهن بيه َ فإنيه كميا قال تعالى‪ :‬وَي َ‬ ‫مين‬
‫ّي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ظ عَظِيمي ٍ [فصيلت‪:‬‬ ‫ح ٍ‬ ‫ما يُل ّقاهَيا إ ِل ذ ُو َ‬ ‫صبَُروا وَي َ‬ ‫ن َي‬ ‫يُلَقّاهَيا إ ِل الذِي َي‬
‫ّ‬
‫‪.]35‬‬
‫صل‪ :‬فإن أعداء الله لهيم اعتراضات كثيرة‬
‫وأميا الجواب المف ّي‬
‫على دين الرسل يصدون بها الناس عنه‪.‬‬
‫منهيا قولهيم‪ :‬نحين ل نشرك بالله‪ ،‬بيل نشهيد أنيه ل يخلق ول‬
‫يرزق ول ينفيع ول يضير إل الله وحده ل شرييك له‪ ،‬وأن محمدا ً ل‬
‫يملك لنفسيه نفعا ً ول ضراً‪ ،‬فضل ً عين عبيد القادر أو غيره‪ ،‬ولكين‬
‫أنيا مذنيب والصيالحون لهيم جاه عنيد الله‪ ،‬وأطلب مين الله بهيم ‪،‬‬
‫مقّرِون بما‬
‫ُ‬ ‫فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قاتلهم رسول الله‬
‫مقّرِون بأن أوثانهيييييم ل تدبر شيئا ً وإنميييييا أرادوا الجاه‬
‫ذكرت‪ ،‬و ُ‬
‫والشفاعة‪ .‬واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬هؤلء اليات نزلت فيمييين يعبيييد الصييينام‪ ،‬كييييف‬
‫تجعلون الصالحين مثل الصنام أم كيف تجعلون النبياء أصناماً؟‬
‫فجاوبيه بميا تقدم فإنيه إذا أقير أن الكفار يشهدون بالربوبيية كلهيا‬
‫لله‪ ،‬وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إل الشفاعة‪.‬‬
‫ولكن إذا أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره‪ ،‬فاذكر له‬
‫أن الكفار منهيم مين يدعيو الصيالحين والصينام ومنهيم مين يدعيو‬
‫ُ َي َ َ‬
‫ني إِلَى‬ ‫ني يَبْتَغُو َ‬ ‫ك ال ّذِي نَي يَدْع ُو َ‬ ‫الولياء الذيين قال الله فيهيم‪ :‬أول يئ ِ‬
‫َ‬ ‫ربه م الْو سيل َ َ َ‬
‫ب [السيراء‪ ،]57:‬ويدعون عيسيى ابين‬ ‫م أقَْر ُي‬ ‫ة أيُّهُي ْ‬ ‫َ ِّ ِي ُ َي ِ‬
‫َ‬
‫ل قَدْ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م إِل ّ َر ُ‬
‫َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫مريم وأمه‪ ،‬وقد قال تعالى‪َّ :‬‬
‫م انظُْر‬ ‫ْ‬ ‫ل وَأ ُ ُّ‬
‫ن الط ّعَا َي‬ ‫ة كَان َيا يَأكُل َي ِ‬ ‫دّيقَ ٌ‬ ‫صي ِ‬‫م ُهي ِ‬ ‫س ُ‬ ‫من قَبْل ِيهِ الُّر ُي‬ ‫ت ِي‬ ‫خل َي ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ل أتَعْبُدُو َي‬ ‫ن (‪ )75‬قُ ْ‬ ‫م انظُْر أن َّيى يُؤْفَكُو َي‬ ‫ت ث ُي َّ‬ ‫م اليَا ِي‬ ‫ن لَهُي ُ‬ ‫ف نُبَي ّ ِي ُ‬ ‫كَي ْي َ‬
‫ميعُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال َّي‬ ‫ضّرا ً وَل َ نَفْعا ً وَالل ّي ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك لَك ُي ْ‬ ‫مل ِي ُ‬ ‫ما ل َ ي َ ْ‬ ‫ن الل ّيهِ َي‬ ‫من دُو ِي‬ ‫ِي‬
‫م‬ ‫شُرهُي ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫الْعَلِي ُمي [المائدة‪ ]76،75:‬واذكير له قوله تعالى‪ :‬وَيَوْي َ‬
‫ن (‪ )40‬قَالُوا‬ ‫َ‬
‫م كَانُوا يَعْبُدُو َيي‬ ‫مَلئِكَةِ أهَؤَُلء إِيَّاك ُيي ْ‬ ‫ل لِل ْ َ‬ ‫م يَقُو ُ‬ ‫ميعا ً ث ُيي َّ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أكْثَُره ُم بِه ِم‬ ‫ج َّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬‫ل كَانُوا يَعْبُدُو َ‬ ‫من دُونِه ِم ب َ ْ‬ ‫ت وَلِيُّن َا ِ‬ ‫ك أن َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ُ‬
‫سى‬ ‫عي َي‬ ‫ه ي َيا ِ‬ ‫ّي‬
‫ل الل ُ‬ ‫ن [سيبأ‪ ،]41،40:‬وقال تعالى‪ :‬وَإِذ ْ قَا َ‬ ‫منُو َي‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ َ‬
‫ي إِل يهَي ْ ِ‬ ‫خذ ُون ِي وَأ ِّ‬ ‫س ات َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت لِلنَّا‬ ‫ت قُل َ‬ ‫م أأن َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫اب ْ َ‬
‫َ‬ ‫َي‬
‫ق ّ [المائدة‪:‬‬ ‫ح ٍ‬ ‫س لِي ب ِ َ‬ ‫ما لَي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن أقُو َ‬ ‫ن لِي أ ْ‬ ‫ما يَكُو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ل ُي‬ ‫قَا َ‬
‫‪ ،]116‬اليية‪ ،‬فقيل له‪ :‬أعرفيت أن الله كفير مين قصيد الصينام‪،‬‬
‫وكفر من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله ‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬الكفار يريدون منهيم‪ :‬وأنيا أشهيد أن الله هيو النافيع‬
‫الضار ل أريد إل منه والصالحون ليس لهم من المر شئ ولكن‬
‫أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذا قول الكفار سيواء بسيواءٍ فاقرأ علييه قوله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِ ّل لِيُقَّرِبُونَا إِلَى‬
‫ما نَعْبُدُه ُ ْ‬
‫من دُونِهِ أوْلِيَاء َ‬ ‫ن ات َّ َ‬
‫خذ ُوا ِ‬ ‫تعالى‪ :‬وَال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫ني هَييؤ ُلء ُ‬
‫شفَعَاؤُن َيا‬ ‫الل ّيهِ ُزلْفَيى [الزمير‪ ،]3:‬وقوله تعالى‪ :‬وَيَقُولُو َ‬
‫عند َ اللّهِ [يونس‪.]18:‬‬ ‫ِ‬
‫واعلم أن هذه الشبه الثلث هي أكبر ما عندهم‪ ،‬فإذا عرفت‬
‫أن الله وضحهيا فيي كتابيه‪ ،‬وفهمتهيا فهما ً جيدا ً فميا بعدهيا أيسير‬
‫منها‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬أنيييا ل أعبيييد إل الله وهذا اللتجاء إلى الصيييالحين‪،‬‬
‫ودعاءهم ليس بعبادةٍ‪.‬‬
‫فقيل له‪ :‬أنيت تقير أن الله فرض علييك إخلص العبادة وهيو‬
‫حقييه عليييك؟ فإذا قال‪ :‬نعييم‪ ،‬فقييل له‪ :‬بييين له هذا الذي فرض‬
‫علييك وهيو إخلص العبادة لله وحده وهيو حقيه علييك فإن كان ل‬
‫يعرف العبادة ول أنواعهييييا فبينهييييا له بقولك‪ :‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫ن [العراف‪.]55:‬‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫معْتَدِي َ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ة إِن َّ ُ‬
‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ضُّرعا ً وَ ُ‬
‫خفْي َ ً‬ ‫ادْع ُوا ْ َربَّك ُ ْ‬
‫م تَ َ‬
‫فإذا أعلمتيه بهذا فقيل له‪ :‬هيل علميت هذا عبادة لله؟ فل بيد‬
‫أن يقول لك‪ :‬نعيم‪ ،‬والدعاء ميخ العبادة‪ ،‬فقيل له‪ :‬إذا أقررت أنيه‬
‫عبادة لله ودعوت الله ليل ً ونهارا ً خوفا ً وطمعاً‪ ،‬ثيييم دعوت فيييي‬
‫تلك الحاجة نبيا ً أو غيره هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فل بد‬
‫أن يقول‪ :‬نعيييم‪ ،‬فقييل له‪ :‬فإذا عملت بقول الله تعالى‪ :‬فَييي َ‬
‫ص ِّ‬
‫ل‬
‫حْر [الكوثر‪ ،]2:‬وأطعت الله ونحرت له هل هذا عبادة‪،‬‬ ‫ك وَان ْ َ‬ ‫لَِرب ِّ َ‬
‫فل بيد أن يقول‪ :‬نعيم‪ ،‬فقيل له‪ :‬فإذا نحرت لمخلوق نيبي أو جنيي‬
‫أو غيرهمييا‪ ،‬هييل أشركييت فييي هذه العبادة غييير الله؟ فل بييد أن‬
‫يقيير‪ ،‬ويقول نعييم‪ ،‬وقييل له أيضاً‪ :‬المشركون الذييين نزل فيهييم‬
‫القرآن‪ ،‬هل كانوا يعبدون الملئكة والصالحين واللت وغير ذلك؟‬
‫فل بد أن يقول‪ :‬نعم‪ ،‬فقل له‪ :‬وهل كانت عبادتهم إياهم إل في‬
‫الدعاء والذبيح واللتجاء ونحيو ذلك‪ ،‬وإل فهيم مقرون أنهيم عبييد‬
‫الله وتحييت قهره‪ ،‬وأن الله هييو الذي يدبر الميير ولكيين دعوهييم‪،‬‬
‫والتجئوا إليهم للجه والشفاعة‪ ،‬وهذا ظاهر جدا‪.‬‬
‫فإن قال أتنكيير شفاعيية رسييول الله وتييبرأ منهييا فقييل‪ :‬ل‬
‫أنكرها ول أتبرأ منها‪ ،‬بل هو الشافع والمشفع وأرجو شفاعته‪،‬‬
‫ميعاً‬‫ج ِ‬
‫ة َ‬ ‫شفَاع َ ُ‬ ‫ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى‪ :‬قُل ل ِّلَّهِ ال َّ‬
‫[الزمير‪ ]44:‬ول تكون إل مين بعيد إذن الله كميا قال عيز وجيل‪:‬‬
‫عنْد َيه ُ إِل َّ بِإِذ ْن ِيهِ [البقرة‪ ،]255:‬ول يشفيع فيي‬ ‫شفَيعُ ِ‬ ‫من ذ َا الَّذِي ي َ ْ‬ ‫َي‬
‫أحييد إل ميين بعييد أن يأذن الله فيييه كمييا قال عييز وجييل‪ :‬وَلَ‬
‫َ‬
‫ضى [النبياء‪ ،]28:‬وهو ل يرضى إل التوحيد‬ ‫ن اْرت َ َ‬
‫م ِ‬‫ن إ ِ ّل ل ِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫شفَعُو َ‬
‫ه [آل‬ ‫من ْي ُ‬
‫ل ِ‬ ‫سلَم ِ دِينا ً فَلَن يُقْب َ َ‬
‫من يَبْت َيِغ غَيَْر ال ِي ْ‬ ‫كميا قال تعالى‪ :‬وَي َ‬
‫عمران‪ ،]85:‬فإذا كانيت الشفاعية كلهيا لله ول تكون إل بعيد إذنيه‬
‫ول يشفع النبي ول غيره في أحد ٍ حتى ياذن الله فيه‪ ،‬ول يأذن‬
‫إل لهييل التوحيييد بييين لك أن الشفاعيية كلهييا لله‪ ،‬وأطلبهييا منييه‪،‬‬
‫وأقول‪ :‬اللهم ل تحرمني شفاعته‪ ،‬اللهم شفعه في‪ ،‬وأمثال هذا‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬النيبي أعطيي الشفاعية وأنيا أطلبيه مميا أعطاه‬
‫الله‪ ،‬فالجواب أن الله أعطاه الشفاعيية ونهاك عيين هذا فقال‪:‬‬
‫حدا ً [الجن‪.]18:‬‬ ‫َ َ‬
‫معَ الل ّهِ أ َ‬
‫فََل تَدْع ُوا َ‬
‫فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك‪ ،‬فأطعه في قوله فََل‬
‫حدا ً [الجن‪ ]18:‬وأيضا ً فإن الشفاعة أعطيها غير‬ ‫َ َ‬
‫م عَ الل ّهِ أ َ‬
‫تَدْع ُوا َ‬
‫النييييبي ‪ ،‬فصييييح أن الملئكيييية يشفعون والفراط يشفعون‬
‫والولياء يشفعون‪ ،‬أتقول‪ :‬إن الله أعطاهييم الشفاعيية وأطلبهييا‬
‫منهيم؟ فإن قلت هذا رجعيت إلى عبادة الصيالحين التيي ذكير الله‬
‫فييي كتابييه‪ ،‬وإن قلت ل‪ ،‬بطييل قولك أعطاه الله الشفاعيية وأنييا‬
‫أطلبييه ممييا أعطاه الله‪ .‬فإن قال أنييا ل أشرك بالله شيئا ً حاشييا‬
‫وكل ولكن اللتجاء إلى الصالحين ليس بشرك‪ ،‬فقل له‪ :‬إذا كنت‬
‫تقير ان الله حرم الشرك أعظيم من تحريم الزنيا وتقير أن الله ل‬
‫يغفره‪ ،‬فميييا الذي حرميييه الله وذكييير أنيييه ل يغفره‪ ،‬فإن كان ل‬
‫يدري‪ ،‬فقيل له‪ :‬كييف تيبرئ نفسيك مين الشرك وأنيت ل تعرفيه؟‬
‫أم كييف يحرم الله علييك هذا ويذكير أنيه ل يغفره ول تسيأل عنيه‬
‫ول تعرفه‪ ،‬أتظن أن الله يحرمه ول يبينه لنا؟؟‬
‫فإن قال‪ :‬الشرك عبادة الصينام ونحين ل نعبيد الصينام فقيل‪:‬‬
‫ميا معنيى عبادة الصينام؟ أتظين أنهيم يعتقدون أن تلك الخشاب‬
‫والحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن‪،‬‬
‫َ‬ ‫من يَْرُزقُك ُيم ِّ‬
‫ض‬
‫ماءِ وَالْر ِي‬ ‫ن ال َّي‬
‫س َ‬ ‫م َي‬ ‫كميا فيي قوله تعالى‪ :‬قُ ْ‬
‫ل َي‬
‫[يونس‪ ]31:‬الية‪.‬‬
‫وإن قال هييو ميين قصييد خشبيية أو حجرا ً أو بنييية على قييبر أو‬
‫غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون‪ ،‬إنييييه يقربنييييا إلى الله‬
‫زلفى ويدفع عنا ببركته ويعطينا ببركته‪.‬‬
‫فقيل صيدقت‪ ،‬وهذا فعلكيم عنيد الحجار والبنايات التيي على‬
‫القبور وغيرهيا‪ ،‬فهذا أقير أن فعلهيم هذا هيو عبادة الصينام‪ ،‬وهيو‬
‫المطلوب ويقال له أيضا ً قولك‪" :‬الشرك عبادة الصييينام"‪ ،‬هيييل‬
‫مرادك أن الشرك مخصييوص بهذا‪ ،‬وأن العتماد على الصييالحين‬
‫ودعاءهم ل يدخل في هذا؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من‬
‫كفير مين تعلق على الملئكية أو عيسيى أو الصيالحين فل بيد أن‬
‫يقير لك أن مين أشرك فيي عبادة الله أحدا ً مين الصيالحين فهيو‬
‫الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب‪.‬‬
‫وسير المسيألة أنيه إذا قال‪ :‬أنيا ل أشرك بالله‪ ،‬فقيل له‪ :‬وميا‬
‫الشرك بالله؛ فسره لي؟ فإن قال‪ :‬هو عبادة الصنام‪ ،‬فقل‪ :‬وما‬
‫معنييى عبادة الصيينام فسييرها لي ؟ فإن قال أنييا ل أعبييد إل الله‬
‫وحده فقيل‪ :‬ميا معنيى عبادة الله وحده فسيرها لي؟ فإن فسيرها‬
‫بما بينه القرآن فهو المطلوب ‪ ،‬وإن لم يعرفه فكيف يدعي شيئاً‬
‫وهيييو ل يعرفيييه‪ ،‬وإن فسييير ذلك بغيييير معناه بينيييت له اليات‬
‫الواضحات فيي معنيى الشرك بالله وعبادة الوثان‪ ،‬وأنيه يفعلونيه‬
‫فييي هذا الزمان بعينييه‪ ،‬وأن عبادة الله وحده ل شريييك له هييي‬
‫التيي ينكرونهيا علينيا ويصييحون كميا صياح إخوانهيم حييث قالوا‪:‬‬
‫ب [ص‪.]5:‬‬ ‫ن هَذ َا ل َ َ‬
‫حدا ً إ ِ َّ‬ ‫ل اْللِهَ َ‬
‫ة إِلَها ً وَا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫جا ٌ‬
‫يءٌ ع ُ َ‬
‫ش ْ‬ ‫أ َ‬
‫فإن قال‪ :‬إنهييم ل يكفرون بدعاء الملئكيية والنييبياء‪ ،‬وإنمييا‬
‫يكفرون لميا قالوا‪ :‬الملئكية بنات الله؛ فإنيا لم نقيل‪ :‬عبيد القادر‬
‫ابيييين الله ول غيره‪ .‬فالجواب‪ :‬إن نسييييبة الولد إلى الله كفيييير‬
‫َ‬ ‫ل هُو الل ّييَ َ‬
‫مد ُ‬ ‫ه ال ّييَ‬
‫ص َ‬ ‫حد ٌ (‪ )1‬الل ّيي ُ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫مسييتقل؛ قال الله تعالى‪ :‬قُ ْ َ‬
‫[الخلص‪ ،]2،1:‬والحيد الذي ل نظيير له‪ ،‬والصيمد المقصيود فيي‬
‫الحوائج‪ ،‬فمين جحيد هذا؛ فقيد كفير‪ ،‬ولو لم يجحيد السيورة‪ .‬وقال‬
‫َ‬
‫م نْي إِل َيهٍ [المؤمنون‪:‬‬ ‫ه ِ‬ ‫معَي ُ‬ ‫ني َ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫من وَلَد ٍ و َ َ‬ ‫ه ِ‬‫خذ َ الل ّ ُ‬‫ما ات َّ َ‬‫تعالى‪َ :‬‬
‫‪ ،]91‬ففرق بيين النوعيين‪ ،‬وجعيل كل منهميا كفرا ً مسيتقلً‪ .‬وقال‬
‫ت‬‫ن وَبَنَا ٍ‬ ‫ه بَنِي َ‬ ‫خَرقُوا ْ ل َ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خلَقَه ُ ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫ج َّ‬‫شَركَاء ال ْ ِ‬‫جعَلُوا ْ لِل ّهِ ُ‬ ‫تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫عل ْيم ٍ [النعام‪ ،]100:‬ففرق بيين كفريين‪ .‬والدلييل على هذا‬ ‫بِغَيْرِ ِ‬
‫أيضا ً أن الذييين كفروا بدعاء اللت‪ ،‬مييع كونييه رجل ً صييالحاً؛ لم‬
‫يجعلوه ابين الله‪ ،‬والذيين كفروا بعبادة الجين لم يجعلوهيم كذلك‪،‬‬
‫وكذلك أيضا ً العلماء فييي جميييع المذاهييب الربعيية؛ يذكرون فييي‬
‫باب حكيم المرتيد أن المسيلم إذا زعيم أن لله ولداً؛ فهيو مرتيد‪،‬‬
‫ويفرقون بين النوعين‪ ،‬وهذا في غاية الوضوح‪.‬‬
‫ن‬
‫حَزنُو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫م وَل َ ه ُ ْ‬ ‫ف ع َلَيْه ِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬‫ن أَوْلِيَاء الل ّهِ ل َ َ‬‫وإن قال‪ :‬أَل إ ِ َّ‬
‫[يونييس‪ .]62:‬فقييل‪ :‬هذا هييو الحييق‪ ،‬ولكيين ل يُعبدُون‪ ،‬ونحيين لم‬
‫نذكير إل عبادتهيم ميع الله‪ ،‬وشركهيم معيه‪ ،‬وإل؛ فالواجيب علييك‬
‫حبهيم واتباعهيم والقرار بكرامتهيم‪ ،‬ول يجحيد كرامات الولياء إل‬
‫أهل البدع والضلل‪ . . .‬إلخ‪ ،‬ودين الله وسط بين طرفين‪ ،‬وهدى‬
‫بين ضللتين‪ ،‬وحق بين باطلين‪.‬‬
‫فإذا عرفيت أن هذا الذي يسيميه المشركون فيي زماننيا هذا‬
‫"العتقاد"‪ ،‬هيو الشرك الذي أنزل الله فيي القرآن وقاتيل رسيول‬
‫الله الناس عليه‪ ،‬فاعلم أن شرك الولين أخف من شرك أهل‬
‫زماننا بأمرين‪:‬‬
‫أحدهميا‪ :‬أن الوليين ل يشركون ول يدعون الملئكية والولياء‬
‫والوثان ميع الله إل فيي الرخاء‪ ،‬وأميا فيي الشدة فيخلصيون لله‬
‫ض َّ‬ ‫ضُّر فِ يي الْب َ ْ‬
‫م ال ْ ُّ‬
‫من‬‫ل َي‬ ‫حرِ َ‬ ‫سك ُ ُ‬
‫م ّ يَ‬
‫الدييين‪ ،‬كمييا قال تعالى‪ :‬وَإِذ َا َ‬
‫َ‬ ‫ن إِل َّ إِيَّاه ي ُ فَل َ ي َّ‬
‫ن‬ ‫سا ُ‬ ‫ن الِن ْ ي َ‬ ‫م وَكَا َ ي‬ ‫ضت ُ ي ْ‬‫م إِلَى الْبَّرِ أعَْر ْ‬ ‫جاك ُ ي ْ‬ ‫ما ن َ َّ‬ ‫تَدْع ُو َ ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب الل ّيهِ‬ ‫م عَذ َا ُي‬ ‫ن أتَاك ُي ْ‬ ‫ل أَرأيْتُك ُيم إ ِي ْ‬ ‫كَفُورا ً [السيراء‪ ،]67:‬وقوله‪ :‬قُ ْ‬
‫ساع َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ل إِيَّاهُ‬ ‫ن (‪ )40‬ب َ ْ‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫م َ‬‫ن إِن كُنت ُ ْ‬ ‫ة أغَيَْر اللّهِ تَدْعُو َ‬ ‫م ال َّ‬ ‫أوْ أتَتْك ُ ُ‬
‫شرِكُو َ‬
‫ني‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫ن َي‬ ‫سو َ‬ ‫شاء وَتَن َي ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ني إِلَي ْيهِ إ ِي ْ‬ ‫ما تَدْع ُو َ‬ ‫ف َي‬ ‫ش ُي‬ ‫ني فَيَك ْ ِ‬ ‫تَدْع ُو َ‬
‫منِيبا ً إِلَي ْيهِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ضٌّر دَع َيا َرب َّي ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫سّي اْلِن َي‬
‫سا َ‬ ‫م َ‬ ‫[النعام‪ ،]41:‬وقوله‪ :‬وَإِذ َا َ‬
‫َ َّ‬
‫جعَل لِلهِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ن يَدْع ُو إِلَيْهِ ِ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ي َ‬ ‫س َ‬‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ة ِّ‬ ‫م ً‬ ‫ه نِعْ َ‬ ‫خوَّل َ ُ‬‫م إِذ َا َ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫َي‬ ‫ك قَلِيل ً إِن َّي َ‬ ‫مت َّيعْ بِكُفْرِي َ‬ ‫ض َّ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫حا َ ِ‬ ‫ص َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْي‬ ‫ك ِ‬ ‫َ‬ ‫ل تَ‬‫سبِيلِهِ قُ ْ‬ ‫ل ع َين َي‬ ‫أندَادا ً ل ِّي ُ ِ‬
‫ُ‬
‫ه‬ ‫ل دَع َوُا الل ّي َ‬ ‫ج كَالظ ّل َ ِ‬ ‫موْي ٌ‬‫شيَهُيم َّ‬ ‫النَّارِ [الزميير‪ ،]8:‬وقوله‪ :‬وَإِذ َا غَ ِ‬
‫ن [لقمان‪ ،]32:‬فمين فهيم هذه المسيألة التيي‬ ‫ه الدِّي َي‬ ‫ن ل َي ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِي ِ‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وضحهيا الله فيي كتابيه وهيي أن المشركيين الذيين قاتلهيم رسيول‬
‫الله يدعون الله ويدعون غيره فييي الرخاء‪ ،‬وأمييا فييي الضيير‬
‫والشدة فل يدعون إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وينسون ساداتهم‪،‬‬
‫تيبين له الفرق بيين شرك أهيل زماننيا وشرك الوليين‪ ،‬ولكين أيين‬
‫من يفهم قلبه هذه المسألة فهما ً راسخاً؟ والله المستعان‪.‬‬
‫والمير الثانيي‪ :‬أن الوليين يدعون ميع الله أناسيا ً مقربيين عنيد‬
‫الله‪ :‬إمييا أنييبياء وإمييا أولياء وإمييا ملئكيية‪ ،‬ويدعون أشجارا ً أو‬
‫أحجارا ً مطيعية لله ليسيت عاصيية‪ ،‬وأهيل زماننيا يدعون ميع الله‬
‫أناسيا ً مين أفسيق الناس‪ ،‬والذيين يدعونهيم هيم الذيين يحلون لهيم‬
‫الفجور ميين الزنييا‪ ،‬والسييرقة‪ ،‬وترك الصييلة‪ ،‬وغييير ذلك والذي‬
‫يعتقيد فيي الصيالح أو الذي ل يعصيي مثيل الخشيب والحجير أهون‬
‫ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به‪.‬‬
‫إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله أصح عقول ً وأخف‬
‫شركا ً مين هؤلء فاعلم أن لهؤلء شبهية يوردونهيا على ميا ذكرنيا‪،‬‬
‫وهي من أعظم شبههم فاصغ سمعك لجوابها‪.‬‬
‫وهييي إنهييم يقولون‪ :‬إن الذييين نزل فيهييم القرآن ل يشهدون‬
‫أن ل إله إل الله ويكذبون الرسيييول‪ ،‬وينكرون البعيييث‪ ،‬ويكذبون‬
‫القرآن ويجعلونيييه سيييحراً‪ ،‬ونحييين نشهيييد أن ل إله إل الله وأن‬
‫محمدا ً رسييول الله‪ ،‬ونصييدق القرآن‪ ،‬ونؤميين بالبعييث‪ ،‬ونصييلي‪،‬‬
‫ونصيوم‪ ،‬فكييف تجعلوننيا مثيل أولئك؟ فالجواب‪ :‬أنيه ل خلف بيين‬
‫العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله في شئ وكذبه‬
‫في شئ أنه كافر لم يدخل في السلم‪.‬‬
‫وكذلك إذا آميين ببعييض القرآن وجحييد بعضييه‪ ،‬كميين أقيير‬
‫بالتوحييد‪ ،‬وجحيد وجوب الصيلة‪ ،‬أو أقير بالتوحييد والصيلة‪ ،‬وجحيد‬
‫وجوب الزكاة‪ ،‬أو أقيير بهذا كله وجحييد الصييوم‪ ،‬أو أقيير بهذا كله‬
‫وجحيد الحيج‪ ،‬ولميا لم ينقيد أناس فيي زمين النيبي للحيج‪ ،‬أنزل‬
‫ستَطَاع َ إِلَي ْي ِ‬
‫ه‬ ‫ن ا ْي‬
‫م ِي‬ ‫ج الْبَي ْي ِ‬
‫ت َ‬ ‫ح ُّي‬‫س ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّي‬
‫الله فيي حقهيم وَلِل هِ ع َلى الن ّا ِي‬
‫ن [آل عمران‪.]97:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن الْعَال َ ِ‬‫ي عَ ِ‬‫ن الله غَن ِ ٌّ‬ ‫من كَفََر فَإ ِ َّ‬
‫سبِيل ً َو َ‬
‫َ‬
‫وميين أقيير بهذا كله وجحييد البعييث كفيير بالجماع وحييل دمييه‬
‫َ َ‬
‫سلِهِ‬‫ن بِالل ّ يهِ وَُر ُ ي‬ ‫ن يَكْفُُرو َ ي‬ ‫ن ال ّذِي َ ي‬‫وماله‪ ،‬كمييا قال جييل جلله‪ :‬إ ِ ي ّ‬
‫ويريدو َ‬
‫ض وَنَكْفُُر‬ ‫ن بِب َ ُعْ ٍ‬‫م ُ‬ ‫سلِهِ وَيقُولُو َ‬
‫ن نُؤْ ِ‬ ‫ن اللّهِ وَُر ُ‬ ‫ن أن يُفَّرِقُوا ْ بَي ْ َ‬ ‫َُ ِ ُ َ‬
‫سبِيل ً (‪ )150‬أوْل َييئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ك هُ ي ُ‬ ‫ك َي‬ ‫ن ذَل ِي َ‬ ‫خذ ُوا ْ بَي ْي َ‬‫ن أن يَت َّ ِ‬ ‫ض وَيُرِيدُو َي‬ ‫بِبَعْي ٍ‬
‫مهِينا ً [النسياء‪151،15:‬‬ ‫ن عَذ َابا ً ُّ‬ ‫َ‬
‫حقّا ً وَأع ْتَدْن َيا لِلْكَافِرِي َي‬ ‫ن َ‬ ‫الْكَافُِرو َي‬
‫ض فهيو‬ ‫‪ ،]0‬فإذا كان الله قيد صيرح فيي كتابيه أن مين آمين ببع ٍي‬
‫الكافير حقاً‪ ،‬وأنيه يسيتحق ميا ذكير‪ .‬زالت هذه الشبهية‪ ،‬وهذه هيي‬
‫التي ذكرها بعض أهل الحساء في كتابه الذي أرسل إلينا‪.‬‬
‫ويقال أيضاً‪ :‬إذا كنت تقر أن من صدق الرسول في كل شئ‬
‫وجحيد وجوب الصيلة‪ ،‬أنيه كافير حلل الدم بالجماع‪ ،‬وكذلك إذا‬
‫أقر بكل شئ إل البعث ‪ ،‬وكذلك إذا جحد وجوب صوم رمضان ل‬
‫يجحد هذا‪ ،‬وصدق بذلك كله ول تختلف المذاهب فيه‪ ،‬وقد نطق‬
‫به القرآن كما قدمنا‪ ،‬فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء‬
‫بهيا النيبي محميد ‪ ،‬وهيو أعظيم مين الصيلة والزكاة والصيوم‬
‫والحيج‪ ،‬فكييف إذا جحيد النسيان شيئا ُ مين هذه المور كفير؟ ولو‬
‫عميل بكيل ميا جاء بيه الرسيول‪ ،‬وإذا جحيد التوحييد الذي هيو ديين‬
‫الرسل كلهم ل يكفر‪ ،‬سبحان الله! ما أعجب هذا الجهل‪.‬‬
‫ويقال أيضاً‪ :‬هؤلء أصيحاب رسيول الله قاتلوا بنيي حنيفية‬
‫وقيد أسيلموا ميع النيبي ‪ ،‬وهيم يشهدون أن ل إله إل الله وأن‬
‫محمدا ً رسييول الله‪ ،‬ويصييلون ويؤذنون‪ ،‬فإن قال‪ :‬إنهييم يقولون‪:‬‬
‫أن مسييلمة نيبي‪ ،‬قلنيا‪ :‬هذا هيو المطلوب‪ ،‬إذا كان مين رفيع رجل‬
‫إلى رتبية النيبي ‪ ،‬كفير وحيل ماله ودميه‪ ،‬ولم تنفعيه الشهادتان‬
‫ول الصيلة‪ ،‬فكييف بمين رفيع شمسيان أو يوسيف‪ ،‬أو صيحابيا‪ ،‬أو‬
‫نبييا‪ ،‬إلى مرتبية جبار السيموات والرض؟ سيبحان الله ميا أعظيم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن [الروم‪:‬‬ ‫مو َي‬ ‫ن َل يَعْل َ ُ‬‫ب ال ّذِي َي‬ ‫ه ع َلَى قُلُو ِي‬ ‫ك يَطْب َيعُ الل ّي ُ‬ ‫شأنيه كَذَل ِي َ‬
‫‪.]59‬‬
‫ويقال أيضاً‪ :‬الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار‪ ،‬كلهم‬
‫يدعون السييلم‪ ،‬وهييم ميين أصييحاب علي وتعلموا العلم ميين‬
‫الصييحابة ولكيين اعتقدوا فييي علي‪ ،‬مثييل العتقاد فييي يوسييف‬
‫وشمسان وأمثالهما‪ ،‬فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟‬
‫أتظنون أن الصيحابة يكفرون المسيلمين؟ أم تظنون أن العتقاد‬
‫فيي تا ٍيج وأمثاله ل يضير‪ ،‬والعتقاد فيي علي بين أبيي طالب‬
‫يكفر؟‬
‫ويقال أيضاً‪ :‬بنو عبيد ٍ القدا ِح الذين ملكوا المغرب ومصر في‬
‫زمان بنييي العباس‪ ،‬كلهييم يشهدون أن ل إله إل الله وأن محمداً‬
‫رسيول الله‪ ،‬ويدعون السيلم‪ ،‬ويصيلون الجمعية والجماعية فلميا‬
‫أظهروا مخالفيية الشريعيية فييي أشياء دون مييا نحيين فيييه‪ ،‬أجمييع‬
‫العلماء على كفرهييم وقتالهييم‪ ،‬وأن بلدهييم بلد حرب‪ ،‬وغزاهييم‬
‫المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين‪.‬‬
‫ويقال أيضاً‪ :‬إذا كان الولون لم يكفروا إل لنهييم جمعوا بييين‬
‫الشرك وتكذييب الرسيول والقران‪ ،‬وإنكار البعيث‪ ،‬وغيير ذلك‪،‬‬
‫فميا معنيى الباب الذي ذكير العلماء فيي كيل مذهيب "باب حكيم‬
‫المرتيد" وهيو المسيلم الذي يكفير بعيد إسيلمه‪ ،‬ثيم ذكروا أنواعاً‬
‫كثيرة كييل نو ٍيع منهيا يكفير ويحيل دم الرجيل وماله‪ ،‬حتييى أنهيم‬
‫ذكروا أشياء يسييرة عنيد مين فعلهيا‪ ،‬مثيل كلمية يذكرهيا بلسيانه‬
‫دون قلبه أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب‪.‬‬
‫ما قَالُواْ‬
‫ن بِالل ّيهِ َي‬
‫حلِفُو َي‬‫ويقال أيضاً‪ :‬الذييين قال الله فيهييم‪ :‬ي َ ْ‬
‫م [التوبيية‪ ]74:‬أمييا‬ ‫مهِ ْ‬‫سل َ ِ‬‫ة الْكُفْرِ وَكَفَُروا ْ بَعْد َ إ ِيي ْ‬ ‫م َ‬‫وَلَقَد ْ قَالُوا ْ كَل ِ َ‬
‫سمعت أن الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله‬
‫يجاهدون معيه ويصيلون معيه ويزكون ويحجون ويوحدون‪ ،‬وكذلك‬
‫الذين قال الله فيهم‪ :‬قُ ْ َ‬
‫ستَهْزِئُو َ‬
‫ن‬ ‫سولِهِ كُنت ُ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ل أبِالل ّهِ وَآيَات ِهِ وََر ُ‬
‫م [التوبية‪ ]66،65:‬فهؤلء‬ ‫مانِك ُي ْ‬ ‫(‪ )65‬ل َ تَعْتَذُِروا ْ قَد ْ كَفَْرت ُيم بَعْد َ إِي َ‬
‫الذين صرح الله أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله‬
‫في غزوة تبوك‪ ،‬قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح‪.‬‬
‫فتأمييل هذه الشبهيية وهييي قولهييم‪ :‬تكفرون ميين المسييلمين‬
‫أناسا ً يشهدون أن ل إله إل الله ويصلون ويصومون‪ ،‬تأمل جوابها‬
‫فإنه من أنفع ما في هذه الوراق‪.‬‬
‫ومين الدلييل على ذلك أيضا ً حكيى الله عين بنيي إسيرائيل ميع‬
‫جعَيل لَّن َيا إِل َييهاً‬
‫إسيلمم وعلمهيم وصيلحهم أنهيم قالوا لموسيى‪ :‬ا ْ‬
‫س مييين الصيييحابة‪:‬‬ ‫ة [العراف‪ ،]138:‬وقول نا ٍييي‬ ‫ما لَهُييي ْ‬
‫م آلِهَ ٌ‬ ‫ك َييي َ‬
‫{ اجعيييل لنيييا ذات أنواط } فحلف أن هذا نظيييير قول بنيييي‬
‫إسرائيل اجعل لنا إلهاً‪.‬‬
‫ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة وهي أنهم‬
‫يقولون‪ :‬فإن بنيي إسيرائيل لم يكفروا بذلك‪ ،‬وكذلك الذيين قالوا‪:‬‬
‫{ اجعل لنا ذات أنواط } لم يكفروا‪.‬‬
‫فالجواب أن تقول‪ :‬إن بنييي إسييرائيل لم يفعلوا ذلك وكذلك‬
‫الذيين سيألوا النيبي لم يفعلوا‪ ،‬ول خلف فيي أن بنيي إسيرائيل‬
‫لم يفعلوا ذلك‪ ،‬ولو فعلوا ذلك لكفروا‪ ،‬وكذلك ل خلف فييييي أن‬
‫الذين نهاهم النبي لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه‬
‫لكفروا‪ ،‬وهذا هو المطلوب‪.‬‬
‫ولكين هذه القصية تفييد أن المسيلم بيل العالم قيد يقيع فيي‬
‫أنواع من الشرك ل يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن‬
‫قول الجاهييل التوحيييد فهمناه أن هذا ميين أكييبر الجهييل وكايييد‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫"وتفيييد" أيضا ً أن المسييلم إذا تكلم بكلم ك ُ يفر وهييو ل يدري‬
‫فنبييه على ذلك فتاب ميين سيياعته‪ ،‬أنييه ل يكفيير‪ ،‬كمييا فعييل بنييو‬
‫إسيرائيل والذيين سيألوا النيبي ‪" ،‬وتفييد" أيضا ً أنيه لو لم يكفير‬
‫فإنه يغلظ عليه الكلم تغليظا ً شديدا ً كما فعل رسول الله ‪.‬‬
‫وللمشركييين شبهيية أخرى يقولون‪ :‬إن النييبي أنكيير على‬
‫أسيامة قتيل مين قال‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬وقال له‪ { :‬أقتلتيه بعيد ميا‬
‫قال ل إله إل الله؟ } وكذلك قوله‪ { :‬أمرت أن أقاتييييييل الناس‬
‫حتييى يقولوا ل إله إل الله }‪ ،‬وأحاديييث أخرى فييي الكييف عميين‬
‫قالها‪ ،‬ومراد هؤلء الجهلة أن من قالها ل يكفر ول يقتل ولو فعل‬
‫ما فعل‪.‬‬
‫فيقال لهؤلء الجهلة‪ :‬معلوم أن رسيييول الله قاتيييل اليهود‬
‫وسباهم وهو يقولون‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬وأن أصحاب رسول الله‬
‫قاتلوا بنييي حنيفيية وهييم يشهدون أن ل إله إل الله‪ ،‬وأن محمداً‬
‫رسول الله ويصلون ويدعون السلم‪ ،‬وكذلك الذين حرقهم على‬
‫بن أبي طالب بالنار‪.‬‬
‫وهؤلء الجهلة يقولون‪ :‬إن ميين أنكيير البعييث كفيير وقتييل ولو‬
‫قال‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬وأن مين جحيد شيئا ً مين أركان السيلم كفير‬
‫وقتييل ولو قالهييا‪ ،‬فكيييف ل تنفعييه إذا جحييد فرعا ً ميين الفروع؟‬
‫وتنفعيه إذا جحيد التوحييد الذي هيو أسياس ديين الرسيل ورأسيه‪،‬‬
‫ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الحاديث‪ ،‬ولن يفهموا‪.‬‬
‫فأميا حدييث أسيامة فإنيه قتيل رجل ً ادعيى السيلم بسيبب أنيه‬
‫ظين أنيه ميا ادعيى السيلم إل خوفا ً على دميه وماله‪ ،‬والرجيل إذا‬
‫أظهير السيلم وجيب الكيف عنيه حتيى يتيبين منيه ميا يخالف ذلك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م فِيي‬ ‫منُوا ْ إِذ َا َ‬
‫ضَربْت ُي ْ‬ ‫وأنزل الله تعالى فيي ذلك‪ :‬ي َيا أيُّهَيا ال ّذِي َي‬
‫نآ َ‬
‫ل الل ّيهِ فَتَبَيَّنُوا ْ [النسياء‪ ]94:‬أي تثبتوا‪ ،‬فاليية تدل على أنيه‬ ‫سبِي ِ‬
‫َي‬
‫يجييب الكييف عنييه والتثبييت‪ ،‬فإذا تييبين منييه بعييد ذلك مييا يخالف‬
‫السيلم قتيل لقوله تعالى‪ :‬فَتَبَيَّنُوا ولو كان ل يقتيل إذا قالهيا لم‬
‫يكن للتثبيت معنى‪ ،‬وكذلك الحديث الخر وأمثاله‪.‬‬
‫معنى ما ذكرناه إن من أظهر التوحيد والسيلم وجب الكف‬
‫عنه إل أن يتبين منه ما يناقض ذلك‪.‬‬
‫والدلييل على هذا أن رسيول الله هيو الذي قال‪ { :‬أقتلتيه‬
‫بعييد مييا قال‪ :‬ل إله إل الله؟ }‪ ،‬وقال‪ { :‬أمرت أن أقاتييل الناس‬
‫حتى يقولون ل إله إل الله } هو الذي قال في الخوارج‪ { :‬أينما‬
‫لقيتومهيم فاقتلوهيم لئن أدركتهيم لقتلنهيم قتيل عاد ٍ } ميع كونهيم‬
‫أكثيير الناس عبادةً‪ ،‬وتهليل ً وتسييبيحاً‪ ،‬حتييى أن الصييحابة يحقرون‬
‫صيلتهم عندهيم‪ ،‬وهيم تعلموا العلم مين الصيحابة فلم تنفعهيم "ل‬
‫إله إل الله" ول كثرة العبادة‪ ،‬ول ادعاء السييلم لمييا ظهيير منهييم‬
‫مخالفة الشريعة‪.‬‬
‫وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة‪،‬‬
‫وكذلك أراد أن يغزو بنييي المصييطلق لمييا أخييبره رجييل منهييم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جاءك ُي ْ‬
‫م‬ ‫أنهيم منعوا الزكاة حتيى أنزل الله ي َيا أيُّهَيا ال ّذِي نَي آ َ‬
‫منُوا إِن َ‬
‫سقٌ بِنَبَأ ٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات‪ ،]6:‬وكان الرجل كاذبا ً عليهم‪ ،‬وكل‬ ‫فَا ِ‬
‫هذا يدل على أن مراد النبي في الحاديث التي احتجوا بها ما‬
‫ذكرناه‪.‬‬
‫ولهييم شبهيية أخرى وهييي مييا ذكيير النييبي أن الناس يوم‬
‫القيامية يسيتغيثون بآدم‪ ،‬ثيم بنوح‪ ،‬ثيم بإبراهييم‪ ،‬ثيم بموسيى‪ ،‬ثيم‬
‫بعيسيى‪ ،‬فكلهيم يعتذر حتيى ينتهوا إلى رسيول الله قالوا فهذا‬
‫يدل على أن الستغاثة بغير الله ليست شركاً‪.‬‬
‫والجواب أن تقول‪ :‬سبحان من طبع على قلوب أعدائه‪ ،‬فإن‬
‫السييتغاثة بالمخلوق فيمييا يقدر عليييه ل ننكرهييا‪ ،‬كمييا قال تعالى‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬
‫م ْي‬‫شيعَت ِيهِ ع َلَى ال ّذِي ِ‬ ‫ه ال ّذِي ِي‬
‫من ِ‬ ‫فييي قصيية موسييى فَا ْي‬
‫ستَغَاث ُ‬
‫عَدُوّييِهِ [القصييص‪ ]15:‬وكمييا يسييتغيث النسييان بأصييحابه فييي‬
‫الحرب أو غيره فييي أشياء يقدر عليهييا المخلوق‪ ،‬ونحيين أنكرنييا‬
‫اسيتغاثة العبادة التيي يفعلونهيا عنيد قبور الولياء أو فيي غيبتهيم‬
‫في الشياء التي ل يقدر عليها إل الله‪.‬‬
‫إذا ثبيت ذلك فاسيتغاثتهم بالنيبياء يوم القيامية يريدون منهيم‬
‫أن يدعوا الله أن يحاسيب الناس حتيى يسيتريح أهيل الجنية مين‬
‫كرب الموقف‪ ،‬وهذا جائز في الدنيا والخرة‪ ،‬وذلك أن تأتي عند‬
‫رجيل صيالح حيي يجالسيك ويسيمع كلميك وتقول له‪ :‬ادع الله لي‬
‫كما كان أصحاب رسول الله يسألونه ذلك في حياته‪ ،‬وأما بعد‬
‫موتيه‪ ،‬فحاشيا وكل أنهيم سيألوا ذلك عنيد قيبره‪ ،‬بيل أنكير السيلف‬
‫على من قصد دعاء الله عند قبره‪ ،‬فكيف بدعائه نفسه ؟‬
‫ولهيم شبهية أخرى وهيي قصية إبراهييم لميا ألقيي فيي النار‬
‫اعترض له جبريل في الهواء فقال له‪ :‬ألك حاجة؟ فقال إبراهيم‬
‫أما إليك فل‪ ،‬فقالوا‪ :‬فلو كانت الستغاثة شركا لم يعرضها على‬
‫إبراهيم‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذا مييين جنيييس الشبهييية الولى فإن جبرييييل‬
‫عرض علييه أن ينفعيه بأمير يقدر علييه‪ ،‬فإنيه كميا قال الله تعالى‬
‫شدِيد ُ الْقُوَى [النجيم‪ ]5:‬فلو أذن له أن يأخيذ نار إبراهييم‬
‫فييه‪َ :‬‬
‫وميا حولهيا مين الرض والجبال ويقلبهيا فيي المشرق أو المغرب‬
‫لفعيل‪ ،‬ولو أمره الله أن يضيع إبراهييم فيي المشرق أو المغرب‬
‫ن بعيد‬‫لفعل‪ ،‬ولو أمره الله أن يضع براهيم عليه السلم في مكا ٍ‬
‫عنهم لف عل‪ ،‬ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل‪ ،‬وهذا كرجل‬
‫غنيي له مال كثيير يرى رجل ً محتاجا ً فيعرض علييه أن يقرضيه أو‬
‫أن يهبييه شيئا ً يقضييي بييه حاجتييه فيأبييى ذلك المحتاج أن يأخييذ‬
‫ويصيبر إلى أن يأتييه الله برزق ل منية فييه لحيد‪ ،‬فأيين هذا مين‬
‫استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟‬
‫ولنختيم الكلم بمسيألة عظيمية مهمية تفهيم مميا تقدم ولكين‬
‫نفرد لها الكلم لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول‪:‬‬
‫ل خلف أن التوحييد ل بيد أن يكون بالقلب واللسيان والعميل‬
‫فإن اختييل شييئ ميين هذا لم يكيين الرجييل مسييلماً‪ ،‬فإن عرف‬
‫التوحيييد ولم يعمييل بييه فهييو كافيير مرتييد معانييد ككفيير فرعون‬
‫وإبلييس وأمثالهميا‪ ،‬وهذا يغلط فييه كثيير مين الناس يقولون‪ :‬أن‬
‫هذا حييق ونحيين نفهييم هذا ونشهييد أنييه حييق‪ ،‬ولكننييا ل نقدر أن‬
‫نفعله‪ ،‬ول يجوز عنيد أهيل بلدنيا إل مين وافقهيم‪ ،‬أو غيير ذلك مين‬
‫العذار‪ ،‬ولم يدر المسيكين أن غالب أئمية الكفير يعرفون الحيق‪،‬‬
‫ت‬ ‫شتََروْا ْ بِآيَا ِي‬ ‫ولم يتركوه إل لشيئ مين العذار كميا قال تعالى‪ :‬ا ْ‬
‫منا ً قَلِيل ً [التوبة‪ ]9:‬وغير ذلك من اليات‪ ،‬كقوله‪ :‬يَعْرِفُون َ ُ‬
‫ه‬ ‫اللّهِ ث َ َ‬
‫م [البقرة‪.]146:‬‬ ‫ك َما يعرفُو َ‬
‫ن أبْنَاءهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ َْ ِ‬
‫فإن عمييل بالتوحيييد عمل ً ظاهرا ً وهييو ل يفهمييه ول يعتقده‬
‫منَافِقِي نَي‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫بقلبيه‪ ،‬فهيو منافيق‪ ،‬وهيو شير مين الكافير الخالص إ ِي َّ‬
‫ن النَّارِ [النساء‪.]145:‬‬ ‫فِي الد َّر ِ َ‬
‫م َ‬
‫ل ِ‬‫سفَ ِ‬
‫ك ال ْ‬ ‫ْ‬
‫وهذه المسيألة مسيألة طويلة تيبين لك إذا تأملتهيا فيي ألسينة‬
‫الناس ترى مين يعرف الحيق ويترك العميل بيه‪ ،‬لخوف نقيص دنييا‬
‫أو جاه أو مداراة لحيد‪ ،‬وترى مين يعميل بيه ظاهرا ً ل باطناً‪ ،‬فإذا‬
‫سيألته عميا يعتقده بقلبيه فإذا هيو ل يعرفيه‪ .‬ولكين علييك بفهيم‬
‫آيتين من كتاب الله‪:‬‬
‫أولهميييا‪ ،‬قوله تعالى‪ :‬ل َ تَعْتَذُِروا ْ قَد ْ كَفَْرت ُيييم بَعْد َ إِي َ‬
‫مانِك ُييي ْ‬
‫م‬
‫[التوبة‪ ]66:‬فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع‬
‫رسييول الله ‪ ،‬كفروا بسييبب كلميية قالوهييا على وجييه اللعييب‬
‫والمزح‪ ،‬تييبين لك أن الذي يتكلم بالكفيير ويعمييل بييه خوفا ً ميين‬
‫ل‪ ،‬أو جاه يٍ أو مداراة لحييد‪ ،‬أعظييم مميين يتكلم بكلميية‬ ‫نقييص ما ٍ‬
‫يمزح بها‪.‬‬
‫واليية الثانيية قوله تعالى‪ :‬من كَفَر بالل ّيه من بعد إيمان ِيه إلَّ‬
‫ِ ِي َ ْ ِ َ ِ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َي‬
‫ُ‬
‫صدْراً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫شَر َحي بِالكفْرِ َ َ‬ ‫من َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن وَل يكِن ّ‬ ‫ما ِ‬‫ن بِالِي َ‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ِ ٌّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن أكْر ِه َ وَقَلْب ُ ُ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ك بِأن ّهُي ُ‬ ‫م (‪ )106‬ذَل ِي َ‬ ‫ب عَظِي ٌي‬ ‫م عَذ َا ٌي‬ ‫َ‬ ‫ّي‬
‫ن الل هِ وَلهُي ْ‬ ‫م َي‬‫ب ِّ‬ ‫ض ٌي‬ ‫م غَ َ‬ ‫َ‬
‫فَعَليْهِي ْ‬
‫يي‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫ه ل َ يَهْدِي الْقَوْييي َ‬
‫م‬ ‫ن الل ّييي َ‬ ‫خَرةِ وَأ َّ‬ ‫حيَاة َ الْدُّنْي َيييا ع َلَى ال ِ‬ ‫حبُّوا ْ ال ْ َ‬
‫ست َ َ‬
‫ا ْيي‬
‫ن [النحييل‪ ]107،106:‬فلم يعذر الله ميين هؤلء إل ميين‬ ‫الْكَافِرِي َ ي‬
‫أكره ميع كون قلبيه مطمئنا ً باليمان‪ ،‬وأميا غيير هذا فقيد كفير بعيد‬
‫ة بوطنييه أو أهله أو‬ ‫إيمانييه سييواء فعله خوفا ً أو مداراة‪ ،‬أو مشح ً‬
‫عشيرتييه أو ماله‪ ،‬أو فعييل على موجييه المزح أو لغييير ذك ميين‬
‫الغراض إل المكره‪.‬‬
‫فالية تدل على هذا من وجهين‪:‬‬
‫ن أُكْرِيه َ ‪ ،‬فلم يسيتثن الله تعالى إل‬ ‫َ‬
‫الول قوله تعالى‪ :‬إِل ّ َ‬
‫م ْي‬
‫المكره‪ ،‬ومعلوم أن النسيييان ل يكره إل على الكلم أو الفعيييل‪،‬‬
‫وأما عقيدة القلب فل يكره أحد عليها‪ ،‬والثاني قوله تعالى‪ :‬ذَل ِ َ‬
‫ك‬
‫َ‬
‫خَرةِ فصيرح أن هذا الكفير‬ ‫حيَاة َ الْدُّنْي َيا ع َلَى ال ِ‬
‫حبُّوا ْ ال ْ َ‬
‫ست َ َ‬ ‫بِأنَّهُي ُ‬
‫م ا ْي‬
‫والعذاب لم يكين بسيبب العتقاد والجهيل والبغيض للديين ومحبية‬
‫الكفير‪ ،‬وإنميا سيببه أن له فيي ذلك حظيا مين حظوظ الدنييا فآثره‬
‫على الديين‪ ،‬والله سيبحانه وتعالى أعلم وأعيز وأكرم‪ ،‬وصيلى الله‬
‫على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫تمت والحمد لله رب العالمين‪.‬‬

You might also like