Professional Documents
Culture Documents
الوضوع
مـقـدمـة عـامة
تت إشراف الستاذ إعداد الطالبان:
أشركي أفقي عبد ال جهاد دارعي -عدنان حوري
الوسم الامعي
2004-2005
2
باسم الله الرحمان الرحيم
يكتسي القانون الجنائي جانبا واسعا من اهتمام الدارسين وفقهاء القانون
الوضعي إذ يعتبر من أنجح الطرق التي تلجأ إليها المجتمعات النسانية منذ
القدم لمكافحة الظاهرة الجرامية التي تنال من وجودها وتقف حجر عثرة في
طريق سموها وتقدمها ،والقانون الجنائي داخل أي نظام قانوني يقوم على
مقاصد وأهداف ينشد تحقيقها تتمثل أساسا في :تحقيق الستقرار السياسي
والجتماعي والمني ،تحقيق العدالة موازاة مع حماية وضمان حقوق الفراد
والمجتمع .و تحقيقا لهذه الهداف السامية تلجأ الدول إلى وضع استراتيجية
عامة لبيان المبادئ التي تجب أن يقوم عليها التشريع الجنائي في مجال تجريم
الفعال أو العقاب عليها ،بالضافة إلى التدابير الحترازية التي تساعد على
التقليل من الجرائم ،فيما يصطلح على تسميته بالسياسة الجنائية .
والتجريم باعتباره أحد أهم العناصر المكونة للسياسة الجنائية ،ارتبط
ظهوره بتكون الجماعة البشرية الولى وتزايد أهمية المصالح المشتركة التي
تستدعي حمايتها الحفاظ عليها من كل اعتداء قد يطالها من الداخل أو الخارج،
وهو بذلك يعتبر من أقدم الوسائل التي تلجأ إليها التشريعات لحفظ كيان الجماعة
وتحقيق المن والستقرار لها ،واعتبارا لذلك فإن التجريم يعد من المواضيع
الحساسة التي تكتسي أهمية خاصة سواء في القانون الجنائي الوضعي أو
القانون الجنائي السلمي ،وقد كرست هذه هده الهمية مختلف المدارس الفقهية
التي عرفها القانون الوضعي .
3
ونظرا لخطورة التجريم باعتباره يشكل استثناء على الصل العام لقواعد
العدالة الجنائية التي تقتضي بأن الصل في الفعال الباحة فإن كل من
التشريعين الجنائيين قيداه بمبدأ عام ،هو مبدأ الشرعية الجنائية ،والذي يقتضي
بأن المشرع وحده الذي يتولى تحديد الجرائم والعقوبات المقررة لها ،بيد أن
الشكالية التي تطرح هنا هي تعيين الجهة التي ينعقد لها هذا الختصاص –
التجريم -وكذا الضوابط والمعايير التي ينبغي على هذه السلطة أن تتقيد بها
حينما ترفع الشرعية على الفعال وتجرمها ،وإذا كان القانون الجنائي السلمي
قد تجاوز مثل هذه الشكالت ،فإن القانون الجنائي المغربي ل يزال يتخبط
ذات اليمين وذات الشمال في هكذا عوائق .
والتجريم كما أسلفنا من قبل يعد خروجا عن المبدأ العام الذي يقضي بأن
الصل في الفعال الباحة ،وهو من هذا المنطلق يشكل تهديدا خطيرا ومباشرا
على حقوق الفراد وحرياتهم ،إن تم استغلله بشكل تعسفي وتسلطي من قبل
الدولة.
ولمزيد من إلقاء الضوء على موضوع سياسة التجريم في كل من القانون
الجنائي المغربي والقانون الجنائي السلمي ،والحاطة بمختلف عناصره،
سنعمل على دراسته من خلل الجابة على السئلة التالية:
-ماذا تعني السياسة التجريمية ؟ هل تبنت كل من السياسة التجريمية
المغربية والسياسة التجريمية السلمية أهم المبادئ التي تقوم عليها سياسة
التجريم ؟ وهل تعاملت معها بنفس الكيفية ؟
-وإذا كانت سياسة التجريم مقيدة بمبدأ الشرعية الجنائية فما هي السلطة
المخولة بالحق في التجريم ؟ وما هي الضوابط التي ينبغي أن تستند عليها في
ذلك ؟
4
-وإذا علمنا أن المجتمع المغربي هو مجتمع إسلمي وأن لكل سياسة
أهداف تسعى إلى تحقيقها فإلى أي حد يمكن القول أن المصالح التي تشغل بال
المشرع الجنائي المغربي هي نفس المصالح التي تسعى السياسة التجريمية
السلمية حمايتها ؟ وبمعنى آخر إلى أي حد يمكن القول أن سياسة التجريم
المغربية هي سياسة نابعة و منبثقة من واقع المجتمع المغربي وقناعة أفراده ؟
5
ا لمبحث الول :ما هية السياسة الجنائية وس ياسة
ا لتج ريم
سنحاول التطرق في هذا المبحث لمفهوم السياسة الجنائية وسياسة التجريم
في كل من الشريعة السلمية والقانون الوضعي .
المطلب الول :مفهوم السياسة الجنائية
نتعرض في هذا المطلب لمفهوم السياسة الجنائية في كل من التشريع
الجنائي الوضعي (الفقرة الولى) و التشريع الجنائي السلمي (الفقرة الثانية)
الفقرة الولى :المقصود بالسياسة الجنائية في القانون الوضعي
حظيت السياسة الجنائية بقدر كبير من الهتمام من قبل المهتمين بشؤون
الجريمة والوقاية منها والتصدي لها ،ويعتبر الفيلسوف اللماني فويرباخ أول
من استعمل تعبير السياسة الجنائية وذلك في بداية القرن التاسع عشر وكان
يقصد بها " مجموع الوسائل التي يمكن اتخاذها في وقت معين في بلد ما من
أجل مكافحة الجرام فيه" ويبقى هذا التعريف غامضا لنه ل يحدد نطاق هذه
1 السياسة
وقد ظهرت عدة اتجاهات فقهية في تعريف السياسة الجنائية وكانت هي
الخرى قاصرة لنها لم تعطي السياسة الجنائية دورها الحقيقي في تطوير
القانون الجنائي ومنها تعريف فون ليزت الذي عرفها بأنها "المجموعة المنظمة
من المبادئ التي تعتمدها الدولة لتنظيم عملية محاربة الجريمة ".2
واعتبر دونديو دوفايير " أن دور السياسة الجنائية يكمن في مواجهة
الجريمة بالجزاء والقمع" .3وقد تبلورت فكرة السياسة الجنائية أكثر فأكثر ببروز
مدرسة الدفاع الجتماعي بزعامة مارك انسيل والذي عرفها بأنها "علم وفن
غايتهما
___________________________
-1د .أحد فتحي سرور :أصول السياسة النائية .ص ، 11دار النهظة العربية ،طبعة . 1972
-2د .مصطفى العوجي :دروس ف العلم النائي .ص ، 123مؤسسة نوفل بيوت طبعة .1980
-3د .مصطفى العوجي :مرجع سابق .ص . 125
6
صياغة قواعد وضعية في ضوء معطيات العلوم الجنائية بغية التصدي
للجريمة". 1
___________________________
-1د .مصطفى العوجي :دروس ف العلم النائي .ص ، 126مؤسسة نوفل بيوت طبعة 1980
-2ا د .عبد السلم بن حدو :الوجيز ف القانون النائي الغرب ،ص ، 32الطبعة الرابعة .2000
-3عبد الرحان بن خلدون :مقدمة بن خلدون ،ص ، 156شرح و تعليق د .عبد الواحد وف دار الكتب العلمية طبعة .1996
الحاطة بالسياسة الشرعية بصفة عامة ،لن السياسة الجنائية جزء من السياسة
الشرعية ومعرفة العم تفضي إلى معرفة الخص ،وفيما يلي نستقصي معنى
7
السياسة الشرعية في الشريعة السلمية ،وقد ذكر الفقهاء تعاريف كثيرة
للسياسة الشرعية منها:
-1هو ما كان فعل يكون معه الناس أقرب إلى الصلح وأبعد عن الفساد وإن
لم يضعه الرسو ل صلى ال عليه وسلم ول نزل به وحي . 1 i
أو استفراغ لوسع وبذل الجهد للوصول إلى النظمة المناسبة زمانا ومكانا ،وفي
جميع المجالت القتصادية والسياسة والدارية والثقافية والخلقية
والجتماعية ،وفي حال الختيار والضطرار والسلم والحرب ،وتصريف
8
الشؤون اليومية بالتدبير والحكمة والتذرع بكافة الوسائل والطرق المادية
1 والفكرية والحسية والمعنوية في ضوء نصوص الشريعة وروحها ومقاصدها"
ثانيا :معنى السياسة الجنائية الشرعية
كانت الشريعة كما وصفها بحق ابن القيم الجوزية مبناها وأساسها على
الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ،وهي عدل ورحمة كلها ومصالح
كلها وحكمة كلها 2 .والسياسة الشرعية من ثم ل تخرج عن تحقيق هدفين
أساسيين أولهما :جلب المصالح أو بناء الكليات الخمس بإيجادها وإقامتها
وتنميتها ،وثانيهما :دفع المفاسد أو حماية البناء المقام للكليات الخمس بمنع
زوالها والخلل بها والعتداء عليها.
والسياسة الجنائية باعتبارها جزءا من السياسة الشرعية ،فإنها تعمل على
ترسيخ هذين الهدفين في جانبهما الجنائي ،وذلك بدفع المفاسد الناتجة عن
الجريمة أو المتوقع حصولها منها علوة على توفير المن للمة وصيانة
الحقوق والممتلكات ،والعمل على تحقيق ذلك بكافة الطرق والوسائل كاستصدار
النظمة المناسبة واتخاذ الجراءات الملئمة سواء أكانت مادية أم فكرية حسية
أم معنوية ،دون الخروج عن أسس الشريعة وقيمها ومقاصدها وأهدافها ،وهكذا
تدخل ضمنها سياسة التجريم وتغليظ العقوبات أو تخفيفها والتعازير بصفة
عامة ،لكنها ل تكون مرادفة للتعزيز على اعتبار أن السياسة الجنائية تشمل
اتخاذ الجراءات الوقائية والمنعية والتدابير الحترازية وغيرها من الوسائل
____________________
-1د .محمد بن المدني بوساق :اتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة و الشريعة السلمية ،ص ، 15الرياض أكاديمية نايف للعلوم المنية
. 2002
-2ابن القيم الوزية :أعلم الوقعي عن رب العالي ،ص ، 3الجلد الثالث دار الفكر بيوت الطبعة الثانية . 1977
التي تمنع العتداء والخلل بالمن وانتهاك الحرمات ونهب الموال وسفك
الدماء وغيره سواء اتصل ذلك بالجماعة أو بالفراد.
على ضوء ما تقدم ،فإن التعريف المختار للسياسة الجنائية في الشريعة
السلمية هو " :العمل على درء المفاسد الواقعة أو المتوقعة عن الفرد
والمجتمع بإقامة أحكام الحدود والقصاص وغيرها ،والتذرع لتحقيق المن iii
9
بكافة الوسائل والطرق الممكنة فكرية كانت أم مادية حسية أو معنوية في
2 ضوء مبادئ الشريعة السلمية ومقاصدها وروحها".1
المطلب الثاني :مفهوم سياسة التجريم
نتعرض في هذا المطلب إلى إبراز مفهوم سياسة التجريم في كل من القانون
الوضعي (فقرة الولى) والقانون الجنائي السلمي (الفقرة الثانية)
الفقرة الولى :مفهوم سياسة التجريم في القانون الوضعي
تتضمن سياسة التجريم بيان القيم والمصالح الجديرة بالحماية العقابية ومنع
إلحاق الضرر بها بإهدارها وتدميرها كليا أو جزئيا والتهديد بانتهاكها لن
الضرار الجنائية ما هي إل نشاط مخل بالحياة الجتماعية والذي يلحق
المصالح المحمية يحصيها المشرع ويبينها في نصوص تلحقها بالفعال
المتضمنة بالتجريم كما تشمل سياسة التجريم بيان العقوبات والتدابير المناسبة
لكل جريمة حسب نتائج العلم الحديث وكل ذلك ضمن نصوص القانون الجنائي
الذي يحدد النتائج الضارة التي تستوجب التجريم ومقابلتها بالجزاء الملئم
تحقيقا وتأكيدا للمبدأ المشهور " ل جريمة ول عقوبة إل بنص " وعليه فل يعد
كل ضرر اجتماعي ضررا جنائيا لن الضرار الجنائية محصورة والجتماعية
كثيرة وغير محصورة .3
_______________________
-1د .ممد بن الدن بوساق :مرجع سابق ،ص . 16
-2وقفنا على تعارف أخرى للسياسة النائية الشرعية منها تعريف الدكتور عبد ال بن عبد الحسن التركي " :السياسة النائية ف الشريعة السلمية هي عبارة عن نظرية
عامة ،شاملة تكم نظام الياة ف الجتمع ،و تعب عن مصاله الرئيسية و تنبن على مموع البادئ الت يقوم على دعائمها هدا الجتمع ،منظمة قواعد السؤولية و الزاء فيه
على أن يتول هدا الجتمع حاكم صال تكون وظيفته الخذ بده البادئ و الفاظ على أسسها ".
-3د .ممد بن الدن بوساق :مرجع سابق ،ص . 50
10
وتتعدد المصالح الجديرة بالحماية الجنائية وفقا لظروف واحتياجات كل مجتمع
وتتأثر بتقاليده ونظمه القتصادية والجتماعية والسياسية ،وعليه يعتبر التجريم
هو أقصى مراتب الحماية التي يضفيها التشريع على نوع معين من المصالح
التي تهم المجتمع.
ولما كانت المجتمعات بنظمها السياسية والقتصادية والجتماعية تتفاوت
فيما بينها في تحديد هذه المصالح فإنه ولبد تبعا لذلك من اختلف سياسة
التجريم فيمابينها .1
وإذا كانت القيم والمصالح ذات الهمية القصوى في المجتمع تحظى بحضر
انتهاكها والتهديد به تحت طائلة العقاب فإن القيم والمصالح القل أهمية ل
تعرى من الحماية بإطلق ،وإنما تترك في العادة للقانون المدني أو القانون
الداري أو للمربين أو للوعاظ والجمعيات الخاصة والنقابات للمحافظة عليها.
الفقرة الثانية :مفهوم سياسة التجريم في التشريع الجنائي السلمي
يقوم مفهوم التجريم في الشريعة السلمية على إضفاء الحماية الجنائية على
مجموعة من المصالح والقيم والمبادئ التي تعمل الشريعة السمحة على حفظها
باعتبار أهميتها في حفظ كيان المجتمع ،فالشريعة السلمية تعتبر الخلق
الفاضلة أولى الدعائم التي يقوم عليها المجتمع ،ولهذا فهي تحرص على حماية
هذه الخلق وتتشدد في هذه الحماية بحيث تكاد تعاقب على كل الفعال التي
تمس الخلق 2،والعلة في اهتمام الشريعة بالخلق على هذا الوجه ،أن
الشريعة السلمية تقوم على الدين الذي يأمر بمحاسن الخلق ويحث على
الفضائل ويهدف إلى تكوين الجماعة الصالحة .
فالنظام الجنائي السلمي جزء من الشريعة السلمية التي تقوم على أساس
الدين ،والدين بما له من قدسية وحرمة يكفل للنظام الجنائي السلمي قوة
_____________
-1د .أحد فتحي سرور :مرجع سابق ،ص 18و . 19
-2عبد القادر عودة :التشريع النائي السلمي مقارنا بالقواني الوضعية ،ص 69الزء الول مؤسسة الرسالة بيوت الطبعة العاشرة .
11
وفاعلية لرتباطه بعقيدة المسلم ووجدانه الديني،حيث ل يخفى أن تكوين الفرد
الصالح الذي يكون في مجموع تصرفاته نزاعا إلى الخير عزوفا عن الشر من
أهم مقاصد السلم ،وهو ما جعل المشرع السلمي في تجريمه للعديد من
التصرفات والفعال يهتم بالجانب الديني والعقائدي .
إلى جانب ذلك ،إن النظام التجريمي في الشريعة السلمية ينحو في
تجريمه لبعض السلوكات والفعال إلى حماية مصالح الفراد في مختلف
تجلياتها القتصادية والجتماعية ،فالمقاصد الرئيسية للشريعة السلمية تشتمل
على مصالح العباد ،فما من أمر شرعه السلم بالكتاب أو السنة إل كانت فيه
مصلحة حقيقية.
12
الساس ا لنظري لسياسة التجريم ا لمبحث الثاني:
في القانون
ال جنائي المغربي والشر يعة السل مية
تنبني سياسة التجريم على مجموعة من المبادئ والسس النظرية
والفلسفية التي تضع النموذج العام الذي تعتمده التشريعات الجنائية في
تجريم أفعال وسلوكات الفراد والجماعات .وقد عرفت هذه الفكار
والنظريات تطورات متلحقة منذ ظهور القانون الجنائي مع المجتمعات
القديمة التي كانت وراء انبعاث فكر جنائي جديد تمثل في بروز
مجموعة من المدارس الفقهية (المطلب الول) .وبالمقابل فإن فلسفة
التجريم في الشريعة السلمية ارتبطت أساسا بتحديد المسؤولية الجنائية
للفراد ،وهو ما أعطاها صبغة متميزة عن غيرها من التشريعات
الجنائية الوضعية (المطلب الثاني)
المطلب الول :مراحل تطور سياسة التجريم
في القوانين الوضعية
تتأثر قواعد التجريم بوصفها قواعد اجتماعية ،بالمتغيرات الجتماعية التي
تعكس ما ينشأ في المجتمع من تحول في القيم الخلقية والسياسية
والثقافية… ،وإذا ما استعرضنا التاريخ العام لسياسة التجريم نجده مر بمراحل
رئيسية ثلث :مرحلة السرة والعشيرة قبل تكون الجماعة السياسية ،ثم مرحلة
قيام الدولة الحديثة ،وأخيرا مرحلة البحث العلمي والدراسة الفلسفية .
الفقرة الولى :التجريم في المجتمعات القديمة
-1مجتمع اللتقاط
ارتبط مفهوم التجريم في هذه المرحلة بالحاجة إلى الطعام ،فظهرت جرائم
العتداء على الشخاص ،أما جرائم الموال والجرائم الخرى فلم تكن موجودة
لكون الملكية سواء الخاصة أو الجماعية لم يعطى لها أي أهمية.وفي غياب
13
قانون مكتوب اعتمدت المجتمعات البدائية على وسائل غيبية لحل مشاكلها ،ومع
مرور الوقت تركزت لدى النسان في تلك الفترة جملة من القواعد التي كان
عليه احترامها ،وإل تعرض لجزاء من طرف قوى غيبية ،فالمخالف لهذه
القواعد كان يذهب به الوهم إلى أن الجزاء الخفي قريب الحلول به فينتابه
الخوف الشديد الذي يؤدي إلى مرضه وموته ،وقد سمي هذا النوع من التجريم
" بالتابو".
-2مجتمع الصيد
في هذه المرحلة بدأ النسان ينظم نفسه في عشائر تحترف الصيد والعمل
بالرض ،فتولدت الحاجة إلى حماية رجالها من العتداء عليهم ،وإلى حماية
وذلك في صورة رد فعل جماعي تمثل في النتقام في 1 أرضها من الغتصاب
مرحلة أولى ليتطور بع ذلك إلى جرائم القصاص .
ولما تطور مجتمع الصيد إلى الرعي بدأت أهمية العامل القتصادي الناتج
عن تملك المواشي والبقار ،وحينها ظهرت أهمية جرائم الموال ،فتزايدت
الحاجة إلى تجريم كل اعتداء عليها.
-3مجتمع الزراعة
في هذه الفترة نشأت الملكية الخاصة ،وظهر مفهوم السرة التي أضحت
وهكذا فقد أدى ظهور الملكية 2 تملك قطعة أرضية تستغلها لشباع حاجاتها،
إلى انقسام المجتمع لطبقات اجتماعية ،الشيء الذي أدى إلى ارتفاع جرائم
العتداء على الموال ،وفي المراحل الولى لمجتمع الزراعة كانت سلطة
التجريم والعقاب كلها بيد الب ،فهو السيد والقاضي يأمر وينهى ويعاقب من
يخالفه .
3 -4الدولة الدينية
لما ظهر نظام الدولة الدينية ظهرت أهمية رجال الدين في مجال التجريم،
مما نتج عنه تعاظم الهمية الجنائية لجرائم انتهاك الديان وعلى وجه
14
الخصوص جرائم اللحاد والسحر وانتهاك المقدسات والتي أضحت أشنع
الجرائم وأبشعها .4
وفي عصر ملوك الحق اللهي تضخمت جرائم العتداء على الملك حفاظا
على شخصه وملكه وسلطته ،هذا إلى جانب ما نالته جرائم العتداء على
الشخاص والموال من أهمية خاصة .
_____________
-1د .الهدي السرسار :الثوابت و التغيات الساسية ف تطور الؤسسات و الوقائع الجتماعية ،ص ، 15مطبعة سبارطيل .2001/2002
-2د .الهدي السرسار :مرجع سابق ،ص 20و ما بعدها .
-3لن نتعرض ف هده الرحلة من الدولة الدينية للرسالت السماوية الثلت ،و على وجه التعيي الشريعة السلمية ،على أننا سنقف على دلك ف مواضع أخرى من هدا
البحث و خاصة ف فصله الثان .
-4أحد المليشي :شرح القانون النائي العام ،ص 18و ما بعدها ،مكتبة العارف الطبعة الول . 1985
15
الحديث ،وثورة بيضاء في مواجهة النظم التجريمية التقليدية وتفسير الظاهرة
الجرامية ،وهو ما تم تكريسه على صعيد مختلف المدارس الفقهية بدءا
بالمدرسة التقليدية الولى ومرورا بالمدرسة التقليدية الحديثة ،فالمدرسة
الوضعية وانتهاء بمدرسة الدفاع الجتماعي .
___________________
-1أحد المليشي :مرجع سابق ،ص . 23
1
أول :المدرسة التقليدية الولى
تقتضيه المصلحة سواء العامة أو الخاصة ،بحيث يكون ملزما دائما بالعمل على
التوفيق بين المصالح الفردية من جهة والمصالح الجماعية من جهة ثانية ،كما
أنه يتوجب على المشرع الجنائي أيضا أل يتجاوز ما تقتضيه العدالة ،وهو
الشرط الجوهري الذي يضمن للفراد حمايتهم من أي شطط أو تعسف من قبل
السلطة صاحبة الحق في التجريم ،فل يتسنى لها إذ ذاك التلويح بعصى التجريم
في وجوه الفراد كلما شاءت ذلك .وهكذا فإنه من الواضح بأن سياسة التجريم
18
عند المدرسة التقليدية الحديثة تنبني على معيارين أساسين لبد من تحقيقهما عند
ممارسة الدولة لحقها في التجريم هما :معيار المصلحة من جهة ،معيار العدالة
من جهة ثانية .
ثالثا :المدرسة الوضعية أو الواقعية
lombroso نشأت هذه المدرسة على يد ثلث فقهاء إيطاليين هم لومبروزر
)(1836-1909وكان أستاذا للطب الشرعي وهو صاحب كتاب " النسان المجرم "
)ferriوكان أستاذا للقانون الجنائي وهو صاحب كتاب " الفاق (1856-1929 وفيري
الجديدة للعدالة الجنائية " الذي نشر فيما بعد تحت عنوان " السوسيولوجية
الذي كان قاضيا ونشر كتابه في علم carrofalo الجنائية " وأخيرا كاروفالو
الجرام سنة .1885
وقد استندت المدرسة الوضعية على المنهج العلمي في تنظيرها للسياسة
الجنائية الوضعية ،ففسرت الجريمة على ضوءه ،واستعانت به في تحديد رد
الفعل ضد الجريمة والتدابير المانعة لها ،ومن خلل هذا التفسير العلمي
للظاهرة الجرامية نشأ لول مرة علم الجرام ،وكانت نتائج هذا العلم هي
المصدر الذي تحددت على أساسه السياسة الجنائية .وهكذا فإن سياسة التجريم
باعتبارها عنصرا من عناصر السياسة الجنائية -تنبني عند المدرسة الوضعية
على إعطاء الولوية لحماية المجتمع والمصالح المرتبطة به وجعلها فوق جميع
العتبارات والمصالح الخرى ،ولتحقيق ذلك فإنه يجب على المشرع التوسع
في تجريم الفعال التي تهدد بالخطر مصلحة المجتمع دون انتظار وقوع
الضرر.
19
فالجريمة الطبيعية هي كل سلوك غير أخلقي يكون منافيا لمشاعر العدل
والخير والستقامة في المجتمع ،كالقتل والسرقة وهتك العراض ،وهذا النوع
من الجرائم يتميز بتوافق جميع المجتمعات على تجريمه منذ أولى التشريعات
التي عرفها النسان .2
أما الجريمة المصطنعة أو العتبارية :فهي التي تكون من صنع ووضع
المشرع وتختلف من مجتمع إلى آخر حسب الظروف الحضارية والتاريخية
لكل بلد ،ويتيح هذا النوع من الجرائم للمشرع بسط سلطته التجريمية على كل
فعل قد يرى في حدوثه مساسا بالمصالح العامة أو الخاصة التي يتولى حمايتها
بالنصوص والقواعد الجنائية ،وعليه فإنه يتوجب على المشرع –كما سبق –أن
يكون نشيطا وفعال وأل يتردد في إضفاء الصفة الجرمية على مثل هذه الفعال
الضارة والخطيرة حماية لمصالح المجتمع والفراد.
رابعا :مدرسة الدفاع الجتماعي
ظهرت مدرسة الدفاع الجتماعي كآخر مرحلة في تطور الفكر الجنائي
الحديث ،وهي تعتبر بحق الثورة الثالثة في مسيرة هذا الخير .وتضم هذه
المدرسة اتجاهان رئيسيان :الول وتمثله مدرسة جنوا للدفاع الجتماعي التي
-1د .عبد السلم بنحدو :مبادئ علم الجرام ص 101الطبعة و الوراقة الوطنية ،الطبعة الثانية . 1999
-2من هده التشريعات مثل ند القواني الفرعونية القديو ،قانون حاموراب ،قانون اللواح الثن عشر
تطرفت في مبادئها فانحسرت ،أما التجاه الثاني فجسدته مدرسة باريس للدفاع
الجتماعي التي دافعت عن القانون الجنائي ،وأعادت للشرعية الجنائية مكانتها
القانونية المعاصرة .
-1مدرسة جنوا للدفاع الجتماعي
gramaticaفي أسس هذه المدرسة المحامي اليطالي الشهير كراماتيكا
الربعينيات ،وقدم نظرياتها في كتابه " مبادئ الدفاع الجتماعي" وقد عرض
كراماتيكا تصورا جديدا للجريمة ،حيث اعتبرها عبارة عن حالة نفسية
20
وشخصية لدى بعض الشخاص نتيجة لما سماه بالضطراب أو الخلل
الجتماعي ،المتولد عن عدم قدرة المجتمع على توفير الظروف والوسائل التي
تجعل سلوك الفراد متلئما مع التعايش الجتماعي والطبيعي ،فالمجرم إذن ل
يعدو أن يكون إ نسانا ل اجتماعيا ،ولذلك يدعو كراماتيكا إلى جعل المجتمع iv
وليس الجريمة أو المجرم محور النظام القانوني ،ويمكن تجميع أفكار كراماتيكا
فيما يتعلق بالسياسة التجريمية للدول فيما يلي :
__________________
-1د .حسن صادق الرصفاوي :الدفاع الجتماعي ضد الرية و وضعه ف الجتمع العرب ،ص 45الجلة العربية للدفاع الجتماعي العدد 18 :مطبعة النجاح
الديدة . 1981
22
)2على نقيض كراماتيكا ،أكد مارك آنسل على أهمية وجود تشريعات جنائية
لمواجهة الجرائم داخل المجتمعات البشرية 1 ،ولضمان حقوق الفراد من أي
تعسف من قبل هذه التشريعات دعا مارك آنسل إلى احترام القوانين الجنائية
التي تضعها الدول لمبدأ الشرعية الجنائية ،والعمل ما أمكن على التقليص
من النصوص والحكام التجريمية مع توفير الضمانات اللزمة لحماية
حقوق ومصالح الفراد .وبذلك أعاد مارك آنسل للقانون الجنائي قيمته
النظرية والعملية في مواجهة الظاهرة الجرامية .
فلسفة التجريم في المطلب الثاني :
الشريعة السلمية
إن هدف المشرع من التجريم هو تبيين الفعل الشرير الذي على الفرد
اجتنابه .لكن بالضطلع على المذاهب الفقهية السلمية التي تعرضت
لموضوع المسؤولية الجنائية للجاني ،نجد أن هناك اتجاه ينفي أي جدوى
للتجريم لنه يعتبر الجاني مجبر فيما يقوم به من أفعال وغير مسؤول عنها
وهو مذهب الجبرية .
وبالمقابل يرى مذهب المعتزلة أن الجاني مسؤول مسؤولية مطلقة على ما
اقترفته يداه ،وعليه لبد من وجود نصوص شرعية تجريمية تحد من نتائج
أفعاله وتصرفاته وتقننها ويتوسط مذهب ثالث وهو مذهب الشاعرة المذهبين
السابقين .
الفقرة الول :مذهب البية
تعتبر الجبرية عند البعض بدعة وتنسب إلى اليهود فهي من قبيل
السرائيليات التي دست على السلم وقوامها أن النسان ل يخلق أفعاله،
وأصل ل إرادة له ول اختيار ذلك لن ال هو خالق الشياء و الرادات
والفعال فالفعل ل وحده ،وإنما تنسب الفعال للفراد على سبيل المجاز ونتيجة
لذلك ل يجوز تكليف النسان بعمل ل دخل له فيه ول يصح تواب النسان ول
________________________
-1د .حسن الصادق الرسفاوي :مرجع سابق ،ص . 49
23
عقابه تجاه شيء لم يفعله .ويستند مذهب الجبرية على أساسين :
-1-سبق علم ال بأفعال الناس وقد كتب عليهم هذه الفعال ول قدرة لهم على
تغيرها.
1 -2-أن ال هو خالق النسان
وقد تصدى لهم بعض العلماء في الرد على مذهبهم كالحسن البصري ،وقد قال
عنهم ابن تيمية ،هؤلء قوم من العلماء والعباد وأهل الكلم والتصوف أثبتوا
القدر وأمنوا بأن ال رب كل شيء ومليكه ،وأنه ما شاء كان وما لم يشاء لم
يكن ،وإنه خالق كل شيء ،وهذا حسن وصواب ،ولكنهم قصروا في المر
والنهي والوعد والوعيد وأفرطوا حتى غل بهم إلى اللحاد فصاروا من جنس
2. المشركين الذين قالوا " لو شاء ال ما أشركنا ول آباءنا ول حرمنا من شيء "
الفقرة الثانية :مذهب المعتزلة
نشأ المعتزلة في العراق واشتهروا بالقول أن ال خالق لكل شيء وقد
خلق في النسان قوة تمكنه من سلوك الطريق الذي يريده ومن ثم فإن أتى
بمعصية فهي مسندة أليه أي إلى إرادته ،فال سبحانه وتعالى ل يعاقب النسان
على أمور ليست من أفعاله ،ول يقبل أن يقدر عليه أمرا ثم يفرض عليه عقوبة
لرتكابه ،فللنسان إرادة حرة مطلقة في كل ما يفعله 3وبذلك فهو مخير في
أفعاله وله أن يختار بين الشر والخير والدليل قوله تعالى " أنا هديناه السبيل أما
أن يكون شاكرا إما كفورا " وكذاك " وهديناه النجدين " وسبق علم ال بأفعال
الناس ل يجوز أن يكون مانعا من اليمان ،وأن ال غير خالق لفعال الناس
وأن العامل الداعي أو الموجب لفعل النسان ليس من خلق ال بل من خلق
الشيطان والنفس المارة بالسوء . 4
وهكذا فإن توفر النسان على حرية اختيار يفرض توضيح وتحديد الفعال
________________________
-1ملة الدفاع الجتماعي ،ص 59العدد 20-19مطبعة النجاح الديدة الدار البيضاء . 1985
-2أحد فتحي بنسي :موقف الشريعة من الدفاع الجتماعي ص 23دار الشرق بيوت بدون طبعة .
-3الجلة العربية للدفاع الجتماعي :ص 52العدد 18مطبعة النجاح الديدة . 1982
-4الجلة العربية للدفاع الجتماعي :ص 60العدد . 20-19
ــــــــــ
-1سورة التكوير :الية .28-27
-2أحد فتحي بنسي :مرجع سابق ص .25
25
المطلب الول :خصائص التجريم في القانون
الجنائي المغربي
لقد ظلت سياسة التجريم المغربية موزعة مند بداية الستقلل وإلى الن بين
اتجاهين ،فهي سياسة وضعية من جهة وسياسة دينية من أخرى.
الفقرة الولى :سياسة وضعية
تتميز سياسة التجريم المغربية بكونها سياسة وضعية وهذا التوجه يبدوا من
خلل أنها مقتبسة في جزء منها من سياسة التجريم الفرنسية ،كما نجد أن
المشرع المغربي تأثر بأفكار المدرسة النيوكلسيكية 1فاشرط لقيام المسؤولية
الجنائية توافر الهلية الجنائية القائمة على الدراك والختيار ولم يستثني من
في -
)3(134 )2(132 دلك إل الحالت التي حددها القانون ،وهي التي تناولها الفصل
القانون الجنائي المغربي.
كما أخذ لمشرع بالعذار القانونية وهي إما أن تكون معفية من العقاب وإما
أن تكون مخففة .4
إضافة إلى ما سبق فإن المشرع المغربي تأثر بالمدرسة الوضعية فقسم
الجرائم إلى جرائم تقليدية وجرائم اصطناعية .5
الفقرة الثانية :سياسة دينية.
إن توجه سياسة التجريم المغربية توجه ديني لنها متأصلة من الدين ومستقاة
من الفلسفة الجنائية السلمية .
وهكذا نجد أن القانون الجنائي المغربي نص على الجرائم المتعلقة بالفطار
في رمضان 6وشرب الخمر 7والعلقات الجنسية غير الشرعية 8بالضافة
إلى جرائم أخرى .
ـــــــــــــــ
-1د .سامي النصراوي :النظرية العامة للقانون النائي الغرب ف الرية و السؤولية النائية ،ص ، 40الزء الول دار العارف الطبعة الثانية . 1986
-2و يتعلق بالطفل غي الميز .
-3يتعلق بالالت الت يستحيل معها الدراك للل ف القوى العقلية .
-4الفصل 143إل الفصل 145من القانون النائي الغرب .
-5د .عبد السلم بنحدو :مرجع سابق ،ص .101
-6الفصل 222من القانون النائي الغرب.
-7الرسوم اللكي رقم 724 – 66ف شعبان 1387ه الوافق ل 14نونب . 1967
-8الفصل 491من القانون النائي الغرب .
26
لكن بالتمعن في النصوص الجنائية التي قامت بتجريم هذه الفعال يتبين أن
المشرع قد تعامل مع هذه الجرائم معاملة نفاقية مما دفع بالبعض إلى نفي
1 التوجه الديني لسياسة التجريم المغربية .
المطلب الثاني :خصائص سياسة التجريم في
الشريعة السلمية
إن سياسة التجريم التي ينتهجها المشرع السلمي تتميز بخصائص
جوهرية تهدف أساسا إلى التأكيد على شموليتها وسموها عن باقي التشريعات
الخرى ،سواء السماوية منها أم الوضعية ،وتتجسد أهم هذه الخصائص في
تدرج لتشريع الجنائي السلمي من جهة واقتصاره على الكليات دون الجزئيات
والعموميات دون الخصوصيات من جهة ثانية.
الفقرة الولى :تدرج التشريع الجنائي السلمي
لقد تدرج التشريع الجنائي السلمي في وضعه للحكام التكليفية الجنائية،
وذلك تبعا لحاجة الزمان وقدرة الناس على استيعاب وتقبل ما فرض عليهم من
أوامر ونواهي ،ضمن المعلوم أن السلم قد جاء والعرب في إباحة مطلقة
استحكمت فيهم عادات منها ما هو صالح للبقاء ول ضرر منه ،ومنها ما هو
فاسد ل يصح السكوت عليه أو البقاء على وجوده .لذا اقتضت الحكمة اللهية
رحمة بالناس أل يفاجئوا بالحكام جملة واحدة ،فيعسر عليهم تقبلها والمتثال
لها .2ولهذا فقد نزل القرآن الكريم منجما وجاءت الحكام الشرعية متدرجة
حتى يكون السابق منها ممهدا للنفوس لقبول اللحق .
ولعل أهم مثال قد يستشهد به على تدرج التجريم في التشريع الجنائي
السلمي هو التدرج في تحريم الخمر 3،حيث إن المشرع السلمي قد وقف
موقفا حازما من شرب الحمر ،لكنه مع ذلك لم يجرمها جملة واحدة ،إذ لما كان
ـــــــــــــــ
-1سنوضح هده العاملة النفاقية ف الفصل الثان .
-2السياسة النائية ف ظل النظام العقاب السلمي :إعداد مموعة من طلبة كلية القوق بطنجة ،ص 5السنة الامعية . 2004-2003
-3مناع القطان :تاريخ التشريع السلمي ،ص 54مؤسسة الرسالة الطبعة السابعة و العشرون . 1998
27
العرب قبل السلم يدمنون شربها ويتغنون بها في أشعارهم ونثرهم لم يكن
قط من السهل تجريمها عليهم دفعة واحدة ،فلم يكن تحريمها كلية وإنما على
مراحل عدة :
•المرحلة الولى:
قال تعالى " ومن ثمرات النخيل والعناب تتخذون منه سكرا أو رزقا
حسنا ،إن في ذلك لية لقوم يعقلون" . 1جاءت هذه الية الكريمة للتفرقة بين
الرزق الحسن وهو الطعام الحلل والسكر ،وذلك ما يؤيده العطف الذي من
شأنه المغايرة بين المعطوف (السكر) والمعطوف عليه (الرزق الحسن) 2 ،كما
تتضمن هذه الية إشارة دقيقة وتوجيها إيحائيا لولى اللباب للتفكير في هذه
التفرقة .ومن ثم نجد بعض الصحابة رضوان ال عليهم وعلى رأسهم عمر بن
الخطاب أدركوا حرمة شرب الخمر انطلقا من الية المتقدمة .
•المرحلة الثانية:
قال تعالى " :يسألونك عن الخمر والميسر ،قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس
وإثمهما أكبر من نفعهما" . 3أثناء هذه المرحلة لم يكن الخمر محرما ،حيث
استمر شربها حتى بعد نزول هذه الية ،وقال الناس نشربها للمنفعة ل للثم،
وإثم الخمرة الذي ذكره العلماء هو ما يصدر عن شاربها من المخاصمة و
المشاتمة وقول الفحش والزور وزوال العقل وتعطيل فروض ال .4أما المنافع
التي عرفت عن الخمر فهي من قبيل ربح التجارة إذ كان العرب يجلبونها من
الشام بثمن زهيد ويبيعونها في الحجاز بربح وافر ،وقد قيل في منافعها أيضا
بأنها تهضم الطعام وتقوي الضعيف وتشجع الجبان وتصفي اللون ،إل أن ال
ـــــــــــــــ
-1سورة النحل :الية . 67
-2أحد فتحي بنسي :السياسة النائية ف الشريعة السلمية ،ص 20دار العروبة . 1965
-3سورة البقرة :الية .217
4أحد فتحي بنسي :مرجع سابق ص .22
28
عز وجل أكد مباشرة بعد ذلك بأن إثم شرب الخمر هو أكبر من نفعها ،فما فيها
من الضرار والوزار يفوق ما فيها من المنافع ،وهكذا فبنزول هذه الية كان
المسلمون بين شارب للخمر راغبا في منافعها ،وبين ممتنع عن شربها لما فيها
من آثام ومفاسد .
•المرحلة الثالثة :
قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا
.ذهب غالبية الفقهاء إلى أن هذه الية الكريمة أقرب دللة على 2-1 ما تقولون"
تحريم الخمر من الية الواردة في سورة البقرة وأشد منها إيعازا لذلك ،على
اعتبار أنها حرمت شرب الخمر في أغلب أوقات اليوم ،لن من يريد الصلة
يجب أن يمتنع عن شربها مدة كافية لزوال أثرها قبل دخول الصلة .وهكذا
كان المسلمون يشربونها بعد انتهاء صلة العشاء وقبل دخول وقت صلة الفجر
• المرحلة الرابعة :
قال تعالى " يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والنصاب و الزلم
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ،إنما يريد الشيطان أن يوقع
بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر ال وعن الصلة
فهل أنتم منتهون" 3.نزلت هذه الية لتقطع يقينا ونهائيا بحرمة الخمر على
اعتبارها رجسا من عمل الشيطان ،وبابا من أبوابه التي يتسلل منها إلى قلوب
وعقول شاربيها ليوسوس لهم ما يذكي بينهم نار العداوة والبغضاء والتشاحن
ويأججها ،فأراد الشارع الحكيم بتحريمه الصريح للخمر في هذه الية أن يسد
ـــــــــــــــ
-1سورة النساء :الية . 43
-2نزلت هده الية على ما رواه الترميدي عن على بن أب طالب قال :صنع لنا عبد الرحان بن عوف طعاما فدعانا و سقانا من المر ،فأخذت المر منا ،
وحضرت الصلت فقدمون فقرأت :قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما تعبدون ،و نن نعبد ما تعبدون ،قال فأنزل ال تعال " :يا أيها الدين آمنوا ل
تقربوا الصلة و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " .خرجه الترميدي و صححه /أحد فتحي بنسي مرجع سابق ،ص .23
-3سورة الائدة :اليتان . 93-92
1 هذا المنفذ الشيطاني لما يترتب عنه من مفاسد ومضار تلحق البلد والعباد.
وقد توالت بعد هده الية الحاديث النبوية التي أكدت في نفس التجاه على
تحريم الخمر منها قوله صلى ال عليه وسلم :ما أسكر كثيره فقليله حرام "
29
و ما روي عنه أيضا عليه الصلة والسلم من أنه لعن الخمر ولعن معها
عشرا :بائعها ومبتاعها والمشتراة له وعاصرها والمعصورة له وساقيها
وشاربها وحاملها والمحمولة له وآكل ثمنها.
الفقرة الثانية :القتصار على الكليات دون الجزئيات والعموميات دون
الخصوصيات
لقد أنزل ال الكتب وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على
ال حجة بعد الرسل ،وقد اقتضت الحكمة اللهية أن تكون رسالة السلم
خاتمة الرسالت السماوية 2.يقول الحق عز وجل " :قل يا أيها الناس إني
رسول ال إليكم جميعا 3 ".ويقول أيضا " :وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا
ونذيرا " 4ويقول أيضا " :ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال
5 وخاتم النبيين".
لذلك كان لزاما أن يتميز التشريع الجنائي السلمي عامة ومنهجه
التجريمي على وجه التعيين بنظام فريد وخصائص نوعية ،لعل أهمها كون
التشريع التجريمي السلمي يقتصر في وضعه للحكام على الكليات دون
الجزئيات والعموميات دون الخصوصيات .
ومقتضى ذلك ،أن الشارع الحكيم عمل عند تعيينه للجرائم والمحظورات
الشرعية على القتصار على وضع الصول الكلية والقواعد العامة والحكام
ـــــــــــــــ
-1تعددت الروايات ف أسباب نزول هده الية ندكر منها ما رواه الطبي و الترمدي و غيها بأن هده الية نزلت ف -ملحاة – جرت بي سعد بن أب وقاص و
رجل من النصار يدعى عتبة بن مالك و ها على شراب لما ،و قد انتشيا فتفاخرة النصار و قريش فأخد النصاري لى جل فضرب به أنف سعد فشقه ،فنلت
هده الية /أحد فتحي بنسي :مرجع سابق ،ص . 25
-2نزلت مناع قطان :مرجع سابق ص 16و ما بعدها .
-3سورة العراف :الية . 158
-4سورة سبأ :الية . 28
-5سورة الحزاب :الية . 40
30
أعداد ل تنحصر " ويقول ابن حزم في أصول الحكام " :فلم يبق في الدين
حكم إل وهو هاهنا منصوص جملة .
ـــــــــــــــ
-1د .عبد الالق أحدون :فصول ف الدخل ال دراسة الشريعة السلمية ص 34و مابعدها مطبعة سبطيبل 2001-2000
-2سورة الائدة الية . 38
-3المام ممد أبو زهرة :الرية و العقوبة ف الفقه السلمي ،ص 122الزء الثان دار الفكر العرب بدون تاريخ .
31
إن الية السابقة عند تحريمها للسرقة ،قد جاءت بحكم تجريمي عام دون أن
تتعرض للتفاصيل والجزئيات .وعليه فإن أي فعل أو سلوك ينطبق عليه
التعريف السالف ذكره ،وتتحقق فيه الركان السابقة في أي عصر من
العصور وفي أي مصر من المصار يعد جريمة سرقة يعاقب عليها ،ولنا في
عصرنا هذا خير شهيد على مثل هذا القول ،بحيث ظهرت فيه بعض أنواع
السرقة التي لم تكن معروفة من قبل ،وذلك من قبيل ما يعرف بجرائم السرقة
عن طريق الحواسب وشبكات النترنت ،وجرائم سرقة التيار الكهربائي،
وجرائم سرقة براءات الختراع والعمال الفنية وما يعرف بجرائم الموال
بمختلف أنواعها وغيره مما استجد في عصرنا من أنواع السرقة التي لم يكن
لها وجود عند نزول آية السرقة ،والتي ما كان أمكن تجريمها لول هذا العموم
والمرونة التي وضعت به آية تجريم السرقة .
_________________
-1عبد الالق النواوي :جرائم السرقة ف الشريعة السلمية و القانون الوضعي ،ص 10الكتبة العصرية – بيوت لبنان – بدون تاريخ .
32
33
مب دأ الش رعية الجنائية ا لمبحث الول :
من المعروف أن سياسة التجريم الحديثة تقوم على مجموعة من الدعائم الساسية
التي تستهدف حماية حقوق الفراد و صيانة مصالحهم في ظل الحرص التام على
تحقيق التوازن والمن داخل المجتمع ،من أهمها مبدأ الشرعية الجنائية ،الذي يقضي
بضرورة تحديد الفعال التي تعد جرائم سلفا.
المطلب الول :مبدأ الشرعية في القانون
الجنائي المغربي
يقصد بمبدأ الشرعية " ضرورة خضوع الفعل أو المتناع لنص من نصوص
التجريم " انه لكي يكون أو يعتبر فعل ما أو امتناع ما جريمة فلبد من وجود نص
جنائي يجرم هذا الفعل أو المتناع ،ويضفي عليه صبغة عدم المشروعية ،وهذا
المبدأ هو ما يعبر عنه أحيانا بمبدأ (شرعية الجرائم و عقوباتها) ،وأحيانا بمبدأ (ل
جريمة و ل عقوبة إل بنص) ،أو مبدأ (النصية )الذي يعني حصر مصادر التجريم
و العقاب في مصدر واحد وهو النص القانوني الجنائي(.)1
وترجع هذه القاعدة في أصلها إلى تطور تاريخي طويل بدأ منذ العهد الجمهوري
للقانون الروماني وانتهى بإقرارها في إعلن حقوق النسان و المواطن الذي صدر
ثم في قانون 1793 عن الثورة الفرنسية عام1789،و في الدستور الفرنسي الصادر عام
نابليون الصادر عام .1810
لكن قبل الثورة الفرنسية كان هذا المبدأ مرادفا للتعسف ،خصوصا و أن القضاء
الجنائي كان قبل هذه الفترة محل انتقاد من طرف المفكرين و الفلسفة بسبب قساوة
التدابير التي كان يأخذ بها و بسب انعدام المساواة التي كان يقوم عليها ،و يعتبر
في هذا الطار ،أحد أهم المفكرين الذين نادوا بضرورة وضع قوانين MONTESQUIEU
_________________
-1د .عبد الواحد العلمي :البادئ العامة للقانون النائي الغرب ،ص ، 86الزء الول – دار النشر مطبعة النجاح الديدة . 1990
34
، C.BECCARIA لكن أحسن تعبير عن مبدأ الشرعية ،ورد في كتاب صدر لليطالي
ولقد تأثر هذا الخير بأفكار مونتسكيو بصفة خاصة وبأفكار فلسفة القرن الثامن
فإن ذلك 1764 عشر بصفة عامة.ولهذا فعندما نشر كتابه حول الجرائم والعقوبات سنة
الكتاب جاء كتعبير ممنهج ومنظم لتلك الفكار متضمنا في نفس الوقت أفكار جديدة
تقدم البديل للمبادئ والمؤسسات التي كانت محل انتقاد.
لنتقادات شديدة لكن ذلك لم يمنع انتشارها BECCARIA ورغم تعرض أفكار
وانتشار مبدأ الشرعية الذي جاءت به و الذي سارعت الكثير من القوانين الجنائية
إلى الخذ بمضمونه الجديد الذي تم تحديده بصفة نهائية في تصريح حقوق النسان
والمواطن (.)1
كما اكتسب هذا المبدأ إقرارا عالميا في العلن العالمي لحقوق النسان الصادر
،وبعد ذلك أصبح مبدأ 1948 ديسمبر عام 10 عن الجمعية العامة للمم المتحدة في
دستوريا تنص عليه مختلف الدساتير وتحترمه القوانين الجنائية (.)2
ويعتبر هذا المبدأ بمثابة الحجر الساسي للتشريع الجنائي ،فهو يقوم بحماية
مصالح متضاربة ،فمن جهة يهدف إلى حماية المصلحة الفردية عن طريق تحديد
الفعال الممنوعة ليتجنبها الفرد كما أنه يحمي الفرد من تحكم كل من المشرع
والقاضي ،فالمشرع ل يملك سوى سلطة التشريع الذي ل يسري على الماضي و
لذلك فكل فرد سيكون على علم بكل المحضورات فل يسعه إل أن يجتنبها ،أما
القاضي فل يستطيع معاقبة الشخاص إل على الفعال التي وصفها المشرع بأنها
جرائم (.)3
_________________
-1د .ممد الليان :دروس ف القانون النائي العام ،ص ، 110-109دار النشر السور الطبعة الول .1995
-2د .عبد السلم بنحدو :الوجيز ف القانون النائي الغرب ،ص 113الطبعة و الوراقة الوطنية . 2000
-3د .عبد السلم بنحدو :مرجع سابق ،ص .111
ومن جهة أخرى فهو يهدف إلى حماية مصلحة الجماعة ،إذ أن النصوص
الجنائية تتضمن مختلف القيم الجتماعية التي يجب احترامها ولو باللجوء إلى
العقوبة إذا اقتضى المر ذلك ،ووجود هذه النصوص يضمن احتراما لتلك القيم على
35
مستوى الجماعة ،وذلك على خلف ما إذا توقف أمر السهر على تأمين احترامها
على إرادة القاضي فقط ،لن المر في هذه الحالة الخيرة يصبح احتماليا وهو ما
يكون له تأثير على الجانب الردعي(.)1
وما يجب لفت النتباه إليه أن هناك أسس ل يقوم مبدأ الشرعية إل بها ولقد
حددها كل من بيكاريا ومشروع الثورة الفرنسية ،وتتمثل أهم هذه السس في
ضرورة جعل أمر وضع الجرائم والعقوبات من اختصاص القانون وحده ،وذلك في
إطار نظام يقوم على فصل السلطات كما نادى بذلك منتسكيو.
ويقصد بالقانون هو ما يصدر عن السلطة التشريعية دون باقي السلطات
كالسلطة التنفيذية والسلطة القضائية .
أما المقصود بالسلطة التشريعية بالنسبة لبيكاريا فهو الهيأة التي تمثل كل المجتمع
الذي يربط أفراده عقد اجتماعي وقد أصبحت هذه الهيئة تتمثل في البرلمان (.)2
كما يفرض مبدأ الشرعية أن تحصر مصادر القاعدة الجنائية في التشريع
المكتوب وحده دون غيره من الصادر غير المكتوبة ،كالعرف والشريعة السلمية
ومبادئ العدالة أو القانون الطبيعي(.)3
ولهمية هذا المبدأ فقد كرسه المشرع الجنائي المغربي على غرار أغلب
التشريعات في الدستور الذي ينص في فصله العاشر على أنه " ل يلقى القبض على
أحد ول يعتقل ول يعاقب إل في الحوال وحسب الجراءات المنصوص عليها في
القانون" وإلى جانب الدستور نجد أن القوانين بدورها تنص على هذا المبدأ ،فنص
الفصل الثالث من مجموعة القانون الجنائي المغربي على أنه "ل يسوغ مؤاخذة أحد
_________________
-1د .ممد الليان :مرجع سابق ،ص .111
-2د .ممد الليان :مرجع سابق ،ص .112
-3د .عبد الواحد العلمي :مرجع سابق ،ص .92-91
على فعل ل يعد جريمة بصريح القانون ول معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون"(.)1
وإذا كانت مزايا مبدأ الشرعية من الهمية كما سبق التنويه لذلك فإنه مع ذلك
تعرض للنقد من طرف خصومه ،ومن أهم النتقادات التي وجهت إليه أن الخذ به
36
يؤدي إلى جمود القانون الجنائي وهذا القصور يظهر في بعض الحيان من حماية
مصالح الجماعة .
كما أن عدم مرونة نصوص القانون الجنائي تؤدي إلى عجزها على مواجهة
التطور الذي يطرأ على النشاط الجرامي نتيجة تطور المجتمع (.)2
لكن إذا كانت القوانين الوضعية قد سادتها عدة نظريات ومبادئ عرفت تأرجحا
بين التبني والنقد ،فالشريعة السلمية قد تنزهت عن العيوب التي شابت النظريات
الوضعية وسلمت من النتقادات التي وجهت إليها.
ولعل مما يدهش الكثيرين أن التجريم والعقاب في الشريعة ل يأتيه النقد ،ذلك أن
القوانين الوضعية بالرغم مما وصلت إليه من تقدم ،إل أنها تبقى تسير في أثر
الشريعة وترتسم خطابها ،على اعتبار أنها هي أول من عرفت نصوصها المرونة
تماشيا مع الظروف المستجدة وتطور المجتمع.
المطلب الثاني :مبدأ الشرعية في التشريع
الجنائي السلمي
فإن 1789 خلفا لما هو شائع عن أن مبدأ الشرعية جاء بعد الثورة الفرنسية لسنة
أصل هذا المبدأ نجده في الشريعة السلمية التي عرفت هذه القاعدة من مدة تزيد
عن أربعة عشر قرنا.
والواقع أنه ليس في نصوص القرآن والسنة نص واضح الدللة على العمل بهذه
القاعدة في مجال التشريع الجنائي وبعبارة أخرى فإنه ليس هناك نص بعينه يفيد
الخذ بهذه القاعدة في التشريع الجنائي السلمي مع ذلك فإنه يمكن استنتاج القاعدة
من بعض النصوص القرآنية والسنة ومن بعض القواعد الصولية استنتاجا سائغا
_________________
-1د .عبد السلم بنحدو :مرجع سابق ،ص .114-113
-2عبد الواحد العلمي :مرجع سابق ،ص .99
فأما آيات القرآن الكريم فمنها قوله تعالى " :وما كنا معذبين حتى نبعث رسول
" سورة السراء –الية .15وقوله تعالى " :وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث
.وقوله تعالى مخاطبا 59 في أمها رسول يتلوا عليهم آياتنا " سورة القصص –الية
الرسول صلى ال عليه وسلم " :قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف "
37
،وقوله تعالى بعد النص على تحريم بعض صور السلوك: 38 سورة النفال –الية
" إل ما قد سلف " سورة النساء – الية ، 23-22وقوله تعالى " عفا ال عما سلف
. 95 ومن عاد فينتقم ال منه " سورة المائدة –الية
وأما أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم التي تقرر تطبيقا لمبدأ الشرعية منها
قوله في حجة الوداع " :ال وان دم الجاهلية موضوع وأول دم أبدأ به دم الحارث بن
عبد المطلب ،وأن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد
المطلب " ومنها قوله عليه الصلة والسلم لعمرو بن العاص " :السلم يهدم ما قبله
" 1.و من هذه اليات والحاديث استخرج الفقهاء القاعدتين الصوليتين اللتين تفيدان
أن مضمون قاعدة " ل جريمة ول عقوبة إل بنص " :قاعدة أنه ل تكليف قبل ورود
الشرع .وقاعدة أن الصل في الشياء الباحة وتطبيق هاتين القاعدتين في مجال
الفقه الجنائي يعني حضر العقاب على صور السلوك التي لم يرد نص بتجريمها ،
وقصر العقاب على صور السلوك المجرمة على حالت ارتكابها التي تقع بعد ورود
2 النص القاضي بالتجريم
غير أن الشريعة ل تطبق هذه القاعدة على إطلقها في كل الجرائم والعقوبات
بل غيرت في كيفية التطبيق بحسب ما إذا كانت الجريمة من جرائم الحدود ،وجرائم
القصاص ،والدية ،أو جرائم التعزير .3
فبالنسبة لجرائم الحدود فكل جريمة من هذه الجرائم نصوص خاصة بها في
القرآن الكريم والسنة تحدد الفعل المعاقب عليه والعقوبة المقدرة له وهذه الجرائم
تمثل اعتداء على المال والمن كجريمتي السرقة والحرابه ،وبعضها الخر ،يمثل
_________________
-1ممد سليم العوا :الجلة العربية للدفاع الجتماعي العدد 7مارس .1978
-2ممد سليم العوا :أصول النظام النائي السلمي ،ص 59-58دار العارف ا لطبعة الثانية .1983
-3هبة أحد :موجز أحكام الشريعة السلمية ف التجري ،ص . 28-27
38
والجرائم التي يعاقب عليها بالدية فهي جرائم القصاص إذا عفا عن القصاص أو
امتنع القصاص لسبب شرعي ،ثم القتل شبه العمد والقتل الخطأ ،وإتلف الطراف
خطأ والجرح خطأ .2
أما بالنسبة لجرائم التعزير فإن الصل فيها أن ينص على الجريمة دون العقوبة
التي يترك أمرها للسلطة المختصة في الدولة تفرضها إن كانت هي السلطة
التشريعية وتوقعها إن كانت السلطة الفضائية في إطار العقوبات المسوح بتوقيعها
في الشريعة السلمية .3
ونذكر بعض المثلة لجرائم التعازير التي جاءت في القرآن والسنة على سبيل
البيان والتمثيل :
.1تحريم بعض الطعمة :يقول ال تعالى " وإنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم
الخنزير وما أهل به لغيرال ،فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم عليه " سورة
البقرة –الية ،173ويقول في آية أخرى " :ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم
الخبائث ".
.2خيانة المانة :يقول ال تعالى " إنا عرضنا المانة على السماوات والرض
والجبال ،فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ،وحملها النسان إنه كان ظلوما جهول".
.3أكل الربا :يقول ال تعالى " وأحل ال البيع وحرم الربا " .4
ومن هنا يتبين أن تطبيق قاعدة ل جريمة ول عقوبة بغير نص يتم في الفقه الجنائي
السلمي في أحد إطارين :إطار محدد في جرائم الحدود والقصاص ،حيث يأتي
النص محدد للفعل المجرم و للعقوبة المقررة له ،وإطار مرن في جرائم التعزير
_________________
-1الجلة العربية للدفاع الجتماعي ،العدد ، 7ص .39
-2هبة أحد :مرجع سابق ،ص .30
-3ممد سليم العوا :مرجع سابق ،ص .60
. -4سورة البقرة :الية
حيث تبين النصوص الفعال التي تعتبر أو يمكن أن تعتبر جرائم تعزيرية وتترك
تحديد العقاب عليها للسلطة المختصة بذلك في الدولة السلمية تراعي في تقريره
وتوقيعه ظروف الزمان والمكان وشخص الجاني .1
39
ومن خلل نظام التعازير تمارس السلطة التشريعية في الدولة السلمية
المعاصرة واجبها في حماية المصالح الجتماعية المتجددة وذلك بتجريم الفعال التي
تشكل إخلل بهذه المصالح وتحديد العقوبات.
فقد انعقد إجماع الفقهاء المسلمين على أن كل ما يحدث للناس من وقائع في الحياة
له في الشريعة السلمية أحكام .فالقاعدة أن لكل فعل حكما شرعيا ،والحكام إما أن
تكون قد وردت صراحة في الكتاب أو السنة وإما أن تعرف من دلئل أخرى مثل
الجماع ،والقياس .والدلئل الخرى هذه أرشدت إليها الشريعة ليعرف حكم ما لم
يرد بحكمه نص في الكتاب أو السنة .
فالجرائم في التشريع السلمي معرفة سلفا ومحددة وليس للقاضي سلطة تجريم
الفعال وإنما له فقط حق الجتهاد والبحث عن حكم ال فيما هو معروض عليه
بتفسير ما ورد في الكتاب وفي السنة ،أو التماس الحكم من الدلة الشرعية الخرى.
فالنصوص الشرعية غالبا ما ترد مقترنة بذكر علة التجريم أو الحكم أو المصلحة
التي شرعت لجلها ،وهذا يدل على أن أحكام ال تدور مع مصالح العباد ،وإرشاد
المسلمين إلى قياس ما لم يرد فيه نص ،وعلى هذا اجتهد المجتهدون وتوصلوا إلى
حكم ال سبحانه وتعالى ،ولهذا فالحكم الذي يتوصل إليه المجتهد ل يعتبر شرعا
جديدا ،وإنما هو اهتداء إلى حكم ال في الواقعة.
ول شك أن أسلوب الشريعة في النص على بعض الحكام وتبيان عللها
والمصالح التي بنيت عليها وترك التفصيل هو أسلوب حكيم لن التفاصيل تتغير
بتغير الزمنة والمكنة والبيئات وترك التفاصيل للجتهاد أدعى إلى مسايرة التطور
وأهدى إلى إقامة العدل بين الناس ودفع الحرج عنهم وعلى هذه الصورة تختلف
الشريعة عن القانون ،فالقانون يحصر الجرائم بالنص عليها كتابة مع تحديد
_________________
-1ممد سليم العوا :مرجع سابق ،ص .60
عناصرها وأركانها ،وما لم يرد تجريمه بالنص في النصوص ل يمكن أبدا اعتباره
جريمة مهما كان قبيحا أو مستهجنا ،أما في الشريعة فقد استبان لنا أن لكل فعل
40
حكما ،فالشريعة إذن من هذه الناحية أوسع من القانون نطاقا وأقدر على ملءمة
الزمن ومسايرة التطور .1
إذا صح ذلك كله فإنه يبين مدى مجانبة الصواب للرأي القائل أن قاعدة ل
جريمة و ل عقوبة بغير نص قاعدة ل تعرفها الشريعة السلمية ،ول يمكن الخذ
بها في نظام جنائي مستمد من الفقه السلمي وأن أعمالها أو القول بوجوبها في مثل
هذا النظام يعد افتئاتا على نصوص الشارع السلمي.
وإذا كان الفقه الجنائي السلمي يأخذ بقاعدة ل جريمة ول عقوبة بغير نص فإنه
من العسير أن نقبل في ضل هذه القاعدة بأن بعض الفعال في الفقه السلمي ل
يمكن معرفة كونها جريمة إل بعد وقوعها ،ذلك أن مثل هذا القول يهدم القاعدة
المشار إليها من أساسها ،ويجعل من النصوص والقواعد الصولية المتقدم ذكرها
2 مجرد كلمات خاوية من كل معنى علمي .
وهكذا فإن القوانين الوضعية لم تأت بجديد وإنما أخذت النظرية التي ابتكرتها
الشريعة ولم تطورها وفقا لحكام الشريعة الغراء بل اتسمت بجمودها ،فهي تجعل
التشريع الجنائي نصوصا جامدة وتجرده من المرونة اللزمة لمواجهة الجرام
وتطوره تبعا لتقدم الحضارة وارتباط المصالح بين الناس وتعقد الحياة الجتماعية
مع ما يبديه المجرمون من التفنن في أساليب الجرام ،مما يجعلهم في كثير من
الحالت في منجاة من سلطان القانون الذي غالبا ما يكون قد وضع في ظروف
مختلفة ،وليس التشريع من المرونة بالقدر الكافي لمواجهة ذلك في الوقت المناسب
في كل الحوال المر الذي يقتضي ،على القل المرونة في تعزير القاعدة في كل
الحوال ونهج مسلك الشريعة في هذا الشأن فالدين السلمي الخالد من الخصائص
_________________
-1عبد الالق النواوي :مرجع سابق ،ص .11-10
-2ممد سليم العوا :مرجع سابق ،ص .60
الفذة ما تجعله يحمل بين ثناياه من العناصر والبذور الحية ما يمكنه من محاربة
الجرائم المنظورة والمستوردة للقضاء عليها فيوفر للمجتمع جو من الطمئنان
والصفاء .1
41
ا لمبحث الثاني :تص نيف الجرائم
عرف المشرع المغربي الجريمة في الفصل الول من القانون الجنائي والذي جاء
فيه " يحدد التشريع الجنائي أفعال النسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من
بأن " الجريمة هي الفعل المخالف 110 اضطراب اجتماعي ".وأضاف في الفصل
للقانون الجنائي والمعاقب عليه بمقتضاه " أما في الفقه السلمي فتتعدد التعريفات
المقدمة للجريمة من أهمها تعريف المواردي لها بأنها " محظورات شرعية زجر ال
عنها بحد أو تعزير "
فما هي مختلف التقسيمات التي قدمها القانون الجنائي والفقه السلمي للجريمة؟
المطلب الول :أنواع الجرائم في القانون
الجنائي المغربي
تتعدد المعايير التي تعتمدها التشريعات الجنائية في تقسيم الجرائم وتبويبها وذلك
بحسب المصالح والقيم التي يستهدف المشرع حمايتها بنص التجريم (الفقرة الولى)،
ويصنف المشرع المغربي الجرائم إلى أنواع يراعي فيها جانب الخطورة وهو يلحق
بكل جريمة من هذه الجرائم العقوبة التي تتناسب معها في نظره ويعتمدها كمعيار
لتقسيم الجرائم (الفقرة الثانية).
الفقرة الولى :المعايير المعتمدة في تقسيم الجرائم
إذا تصفحنا أغلب المعايير التي اعتمدتها التشريعات الجنائية نجدها مختلفة
ومتعددة ومنها :
_________________
-1خالد عبد الميد فراج :النهج الكيم ف التجري و التقوي ،ص ، 63-63منشأة العارف .1984
42
الجرائم الخاصة فهي التي يتطلب للمعاقبة عليها تقديم شكوى من المجني عليه ،هذا
وكانت الجرائم العامة تنقسم إلى عدة تقسيمات فرعية :
-تقسيم يعتمد على السلطة التقديرية للقاضي في الحكم بالعقوبة ،وعليه فإن
الجرائم إما عادية ل يستطيع القاضي أن يحكم بأكثر أو بأقل من العقوبة المقررة لها
في القوانين أو القرارات المبراطورية.وإما استثنائية يكون للقضاة سلطة التشديد
أو التخفيف في العقاب .
-تقسيم يعتمد على نوع العقوبة ،وهي جرائم ذات عقوبات قصوى كالعدام
والنفي وجرائم ذات عقوبات بدنية ،وقد اتبعت معظم التشريعات هذا السلوب في
تقسيم الجرائم ومن بينها القانون الفرنسي القديم .
.2معيار القانون الفرنسي
نصت المادة الولى من القانون الجنائي الفرنسي ،على أنه يتحدد نوع كل جريمة
بحسب العقوبة المقررة لها ،بحيث تقسم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات وهو
نفس اتجاه المشرع المغربي (الفصل 111ق.ج)
وقد قسمها المشرع الفرنسي إلى طائفتين : 1جرائم تعتدي على المصلحة العامة.
وجرائم ترتكب من الشخاص ،ثم قسم كل طائفة إلى مجموعات فرعية :الطائفة
الولى تضم جرائم ماسة بأمن الدولة وسلمتها وجرائم ضد المن العام ،بينما
الطائفة الثانية تضم جرائم ضد الشخاص وجرائم الموال.
_________________
-1نكب مني :تقنيات التجري ف التشريع النائي الغرب ،ص 15سنة ) 1996بث ناية التمرين ،معهد القضاء الرباط ( .
43
يعني أن الجرائم تقسم إلى مجموعات وكل مجموعة تضم جرائم مشتركة في وحدة
الحق والمال القانوني التي تعتدى عليه ،ومن ثم فهناك :
-الجرائم الطبيعية :وهي التي تمس حق الحياة والسلمة في جسم النسان
وشرفه ،والجرائم التي ترتكب ضد الملكية والسرة .
-الجرائم الجتماعية :وهي التي تعتدي على حقوق عامة في المجتمع وينتج
عنها إضرار بالعدالة والخلق والمن العام والصحة العامة والدين والجرائم
السياسية .1هذا المعيار أخذت به إيطاليا سنة 1889م.
.4معيار يعتمد الدوافع
ذهب بعض الفقه إلى الخذ بعين العتبار الدوافع في تصنيف الجرائم ،فطبقا
لنظرية الخطورة الجرامية ،تعتبر الجريمة وسيلة للكشف عن مدى خطورة
الجاني،وهذا ما دفع أنصار هذا التجاه إلى الحث على وجوب دراسة أنواع
المجرمين ،ومدى خطورة كل طائفة ثم تصنيف الجرائم على أساس ما يظهره
مرتكبوها من خطورة إجرامية.
أن يتضمن القسم العام من القانون الجنائي José peco هكذا يقترح الفقيه الرجنتيني
تصنيفا للجرائم طبقا لمدى خطورة الدافع إليها .ولعله يرمي من خلل ذلك إلى أن
المصلحة حين يكون المتناع عن الضرار بها سهل يكون مقدار هذا الضرر ثقيل
وجسيما .لهذا فالفراط في التجريم يسبب الضرار بمصالح ل تستهدف إل غاية
تنظيمية ،أو اقتصادية ،المر الذي يخرج القانون الجنائي عن إطاره العام وتحوله
2 إلى مجرد أداة للرعب .
_________________
-1نكب مني :مرجع سابق ،ص .17
-2أحد فتحي سرور :الجلة العربية للدفاع الجتماعي ،ص 85العدد 11سنة .1984
44
ومخالفات(أول) إل أن لهذا التقسيم القائم على هذا الساس بعض النقائص التي
ينبغي معرفتها(ثانيا).
1 أول :التقسيم الثلثي للقانون الجنائي المغربي
من القانون الجنائي على ما يلي " :الجرائم إما جنايات أو جنح 111 ينص الفصل
تأديبية أو جنح ضبطية أو مخالفات …" ثم ينطلق نفس الفصل من العقوبات
المخصصة لكل نوع من هذه الجرائم ليحدد المقصود منها ،فبنص على أن :
تعد 16 " الجريمة التي تدخل عقوبتها ضمن العقوبات المنصوص عليها في الفصل
جناية ،الجريمة التي يعاقب عليها القانون بالحبس الذي يزيد حده القصى عن سنتين
تعد جنحة تأديبية.
الجريمة التي يعاقب عليها القانون بالحبس حده القصى سنتان أو أقل أو غرامة
درهما تعد جنحة ضبطية. 200 تزيد عن
الجريمة التي يعاقب عليها القانون بإحدى العقوبات المنصوص عليها في الفصل
بأن القانون الجنائي يأخذ بتقسيم رباعي للجرائم 111 تعد مخالفة "وقد يوحي الفصل 18
2 (جنايات ،جنح تأديبية ،جنح ضبطية ،مخالفات) لكن الحقيقة أنه يأخذ بتقسيم ثلثي
(جنايات ،جنح ،مخالفات) وهو ما تؤكده الفصول ،18 ،17 ،16من القانون الجنائي
ذاته ،وبمقتضيات أخرى.
وهكذا فقد تم تقسيم الجنايات والجنح في القانون الجنائي المغربي وفق الشكل
التالي :
_________________
-1هناك تقسيمات عديدة يأخذ با الفقه ف تقسيم الرائم و تبويبها ،لعل أبوابا التقسيم الفقهي الشهي الذي يصنف الرائم إل جرائم تقليدية و جرائم قانونية .كما تقسم
الرائم بالنضر إل الركن الادي إل :الرائم الوقتية ،و الرائم الستمرة /و الرائم البسيطة ،و جرائم العتياد /الرائم البسيطة ،و الرائم الركبة /الرائم الادية ،و
الرائم الشكلية .كما تقسم الرائم بسب طبيعتها إل جرائم عادية و جرائم سياسية ) ...انظر عبد السلم بنحدو :مرجع سابق ،ص 213و ما بعدها ( .
-2هبة أحد :مرجع سابق ،ص .30
45
-جنايات وجنح ماسة بحرية المواطنين وحقوقهم ،وهي تتعلق بممارسة حقوق
المواطنة والعبادات (الفصل 232-219ق ج) كجريمة الفطار في رمضان ،وجرائم
العتداء على أماكن العبادات …
-جنايات وجنح يرتكبها الموظفون ضد النظام العام (ف 262-232ق ج) كجرائم
تواطؤ الموظفين ،وتجاوز الختصاص ،والختلس ،والرشوة ،واستغلل النفوذ…
-جنايات وجنح يرتكبها الفراد ضد النظام العام (ف 292-263ق ج) كجرائم تكوين
العصابات المسلحة ،وإخفاء المجرمين ،التسول…
-الجنايات والجنح ضد النظام العام (ف 333-293ق ج)
-جنايات وجنح تتعلق بحماية القتصاد الوطني ( ف 391-334ق ج) كجرائم
التزوير والتزييف والنتحال…
-جنايات العتداء على الشخاص (ف 448-392ق ج) كجرائم القتل والضرب
والجرح والتسميم ،وعدم تقديم المساعدة لمن كان في خطر…
-جنايات وجنح ضد نظام السرة والخلق العامة (ف 504-449ق ج) وتشمل
جرائم الجهاض ،إهمال السرة ،إهمال الطفال…
-جنايات وجنح متعلقة بالعتداء على الموال (ف 607-505ق ج) وتضم السرقة
1 بمختلف أنواعها وخيانة المانة…
وبقراءة متأنية لهذا التقسيم يتبين بوضوح بأن الفصول التي خصصت لحماية كل
ميدان من الميادين المذكورة سالفا ينعدم التوازن بينهما ،خاصة فيما يتعلق بالجنايات
فصل . 33 والجنح الماسة بحريات المواطنين وحقوقهم التي ل يخصص لها إل
_________________
-1نكب مني :مرجع سابق ،ص .21
فصل 163 وإذا أحصينا النصوص التي تحمي بها الدولة نفسها ،فإننا نجدها تغطي
(جرائم ضد أمن الدولة ،جرائم يرتكبها الموظفون ضد النظام العام ،الجرائم التي
يرتكبها الفراد ضد النظام العام…)
وربما قيل أن هذا التعارض ظاهري فقط ،خاصة وأن الظهائر المتعلقة بالحريات
قبل ظهور المجموعة الجنائية تغطي عددا وافرا من 1957 العامة التي صدرت سنة
46
النصوص .وهذا اعتراض غير مقبول 1لن الملحظة الكمية تلزمها ملحظة
كيفية حيث إن الهاجس المني ساد النصوص الجنائية بصورة واضحة على حساب
حماية حقوق الفراد وحرياتهم.
ثانيا :انتقادات التقسيم
يتعرض التقسيم الثلثي المبني على أساس العقوبات المخصصة لها لمجموعة من
النتقادات من أهمها:
•طابعه الصطناعي :
من بين أهم النتقادات الموجهة للتقسيم ،كونه يكتسي طابعا اصطناعيا ،فهناك
بعض الجرائم التي تنتمي لفئة معينة ،لكنها تعاقب بعقوبة فئة أخرى ،وهو ما يجعل
التقسيم المتبع تقسيما اصطناعيا ،مثل ذلك الجنح التي تطبق عليها عقوبة الجناية
إلى 514ق 507 عندما تقترن بظرف من ظروف التشديد (الفصل 505ق ج والفصول من
ج بخصوص جرائم الموال) أو الجنح التي ينص القانون الجنائي بشأنها على
عقوبة تفوق عقوبة الجنحة (الفصل 197ق ج بخصوص بعض جرائم أمن الدولة
الخارجي) ومثال ذلك بالمقابل الجنحة الضبطية التي قد تطبق عليها عقوبة المخالفة
عند اقترانها بظرف من ظروف التخفيف (ف )150وما يصلح بالنسبة لجنح يصلح
كذلك بالنسبة للجنايات التي يمكن أن تطبق عليها عقوبات جنحية ،تحت تأثير
ظروف التخفيف (147ق ج).
_________________
-1عبد السلم الرين :سياسة التجري ف القانون الغرب – تساؤلت الفاعلية و الشرعية – ص 38ملة الحاماة العدد 37السنة .2000
وأخيرا ،فإن الطابع الصطناعي للتقسيم يظهر على مستوى التمييز بين الجرائم
التي يتطلب فيها القصد الجنائي والجرائم التي ل يتطلب فيها ذلك(المخالفات).
والتقسيم الثلثي يقوم في هذا الطار على التمييز بين الجنايات والجنح ،في حين أن
عنصر القصد يتطلب في الجنايات وفي أغلبية الجنح .لهذا فهناك من يدعو للقيام
1 بتقسيم ثنائي فقط.
•عدم تناسبه مع المعطيات العلمية :
47
يرتكز التقسيم الثلثي للجرائم على معطيات تفترض وجود ثلثة أنواع من
المجرمين:المجرم الذي يجب أن تتخذ في حقه عقوبة مثالية ،والمجرم المتوسط
الخطورة الذي يكون فعله مجرد انحراف عن الطريق والذي يكون قابل للتقويم،
وأخيرا المجرم الذي يرتكب مخالفة بسيطة والذي يجب أن يتخذ في حقه عقوبة
ضبطية فقط ،ويتم تقدير خطورة الشخص من هذا المنظور ومن ثم العقوبة على
أساس الخطورة الموضوعية للجريمة التي يرتكبها ،لكن بينت المعطيات الحديثة لعلم
الجرام أن هناك علقة بعيدة بين خطورة الشخص على المجتمع والفعل الجرامي
الذي يرتكبه ،لنه قد يحصل أن يرتكب شخص فعل إجراميا خطيرا كالقتل في
ظروف معينة ،بدون أن يكون ذلك الشخص خطيرا على المجتمع ،كما أنه قد يوجد
أشخاص يحترفون ارتكاب بعض الفعال القل خطورة لكنهم يعتبرون خطيرين
على المجتمع ،لكونهم من ذوي الحتراف الجرامي .
•خلقه لصعوبات من الناحية العلمية:
يعتمد على العقوبات في التمييز بين الجرائم في التقسيم الثلثي ،وهو ما يؤدي
ق ج يسمح 150 إلى خلق بعض الصعوبات من الناحية العلمية ،فنجد مثل أن الفصل
بالنسبة للجنح الضبطية بالنزول بالعقوبة الحبسية إلى حدود ستة أيام وبالغرامة إلى
120درهما أو إلى 50دراهم ،أي إلى عقوبة المخالفة.فهل تطبق هنا أحكام الجنح أم
أحكام المخالفات؟
_________________
-1ممد الليان :مرجع سابق ،ص .175
كما أن المشرع وبالنسبة لبعض الجنح ،قد يأخذ تارة بعقوبة المخالفة (مثل
الفصل 325ق.ج بالنسبة للعقوبة السالبة للحرية ) وتارة أخرى بعقوبة الجناية (مثل
الفصل 197ق.ج) .
لكن رغم الصعوبات التي قد يخلقها اعتماد العقوبة في التقسيم ،فإن ذلك ل
يبرر التخلي عن مبدأ تقسيم الجرائم على أساس عقوبتها .
48
المطلب الثاني :اتجاه القانون الجنائي السلمي
في تقسيم الجرائم
ينطلق الفقهاء المسلمون من العقوبات المخصصة للجرائم في تقسيمهم لهذه
الخيرة ،وهو نفس التجاه الذي أخذ به المشرع المغربي كما رأينا ذلك سالفا ،وعلى
هذا الساس ،فإنهم يقسمون الجرائم إلى جرائم الحدود ( الفقرة الولى ) وجرائم
القصاص والدية ( الفقرة الثانية ) وأخيرا جرائم التعزير (الفقرة الثالثة ).
الفقرة الولى :جرائم الحدود
يعرف الفقهاء جرائم الحدود بأنها " محظورات شرعية زجر ال عنها بعقوبة
مقدرة تجب حقا ل تعالى" 1.وكلمة الحد في الفقه السلمي تطلق على الجرائم
وكذلك على عقوباتها .
فكون الحدود عقوبات تجب حقا ل تعالى ،فيعني أن منفعة توقيعها ترجع إلى
مجموع المة أو ما يسمي الن بالمصلحة العامة ،فكل جريمة تعود المصلحة في
العقاب عليها إلى مصلحة المة العامة تعتبر من جرائم الحدود .لهذا قدرها الشارع
مقدما من حد واحد ،بحيث ل يملك ولي المر ول القاضي إل أن ينزلها بالمذنب
كما هي بدون زيادة أو نقصان ،لن علة تشريعها حفظ الضروريات الخمس من
الدين والنفس والعقل والمال والنسل.
على أنه إذا كانت هذه العقوبات ل تقبل النزول عنها ،إل أنها تندرئ بالشبهات
لقوله عليه الصلة والسلم " إدرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم " ويؤخر استيفائها
_________________
-1ممد سليم العوا :أصول النظام النائي السلمي ،ص .127
فهذا النوع من الجرائم يتميز بثلث 1 لمصلحة وتسقط في حالت الضرورة،
عناصر أساسية هي :
1-وجوبها تحقيقا للمصلحة العامة
2-عدم جواز الزيادة فيها أو النقص منها
3-عدم جواز العفو عنها من قبل القاضي أو السلطة السياسية ول من قبل المجني
عليه.
49
•أما كونها محظورات شرعية فمعناه أن الخالق سبحانه وتعالى ،هو الذي أضفى
الصفة الجرمية على الفعال التي تكون هذا النوع من الجرائم ،واختص سبحانه
وتعالى نفسه بتجريمها ولم يترك الباب مفتوحا للجتهاد أو القياس لتحديدها.
وعليه فإنه ليس باستطاعة أي شخص مهما سمت مكانته وارتقت في العلم
مدارجه أن يضيف أو يدخل في جرائم الحدود المحددة العدد جريمة أخرى ويجعلها
منها .
•وأخيرا فإن معنى كون العقوبة فيها مقدرة ،أن ال سبحانه وتعالى قد نص عليها
في القرآن الكريم وحدد مقدارها بدقة ،كما هو الشأن في عقوبة السرقة والزنى
والقذف والحرابة وغيرها ،كما سنرى ذلك في أوانه .
وتجب الشارة إلى أن فقهاء الشريعة قد تواطؤ في اعتبار بعض أنواع الجرائم
من الحدود ،في حين اختلفوا في بعضها هل هي من جرائم الحدود أم ل وذلك على
الشكل التالي :
أول :الجرائم المتفق على كونها من الحدود
وهي جرائم السرقة والحرابة والقذف والزنى :
1جريمة الزنى :يرجع تجريم هذا الفعل للقرآن الكريم لقوله تعالى " :ول تقربوا
الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل " 2وقوله تعالى أيضا ":الزانية والزاني فاجلدوا كل
واحد منهما مائة جلدة " . 3
_________________
-1ابن القيم الوزية :أعلم الوقعي ،ص 8الزء الثالث.
-2سورة السراء :الية . 32
-3سورة النور الية . 2
ومن السنة النبوية لقوله (ص) " خذوا عني فقد جعل ال لهن سبيل ،البكر بالبكر
جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة "
5 2جريمة القذف :لهذه الجريمة بدورها سند في القرآن ،إذ جاء في اليتين 4و
من سورة النور ":والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهن
ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم شهادة أبدا أولئك هم الفاسقون إل الذين تابوا من بعد ذلك
50
وأصلحوا فإن ال غفور رحيم " فهذا النص يجرم القذف ويعاقب عليه ،فهو من ثم
من جرائم الحدود .
3جريمة السرقة :سند هذه الجريمة من الكتاب ،قوله تعالى ":والسارق
1والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من ال وال عزيز حكيم ".
والمقصود بالسرقة عند الفقهاء ،هو أخذ مال الغير خفية بنية التملك ،وهذا النص
صريح في تجريم السرقة .
4جريمة الحرابة :وتسمى أيضا بجريمة قطع الطريق وفي تجريمها جاء في
القرآن الكريم قوله تعالى " :إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله ويسعون في
الرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجهم من خلف أو ينفوا من
2الرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الخرة عذاب عظيم …"
ثانيا :الجرائم الغير متفق على كونها من الحدود
3 توجد بعض الجرائم لم يتفق الفقه السلمي على اعتبارها من جرائم الحدود،
وهذه الجرائم هي البغي وشرب الخمر والردة.
1جريمة البغي :ورد ذكر البغي في القرآن الكريم في قوله تعالى ":وإن
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ،فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا
التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال ،فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن ال
يحب المقسطين …"
_________________
-1سورة الائدة :الية . 38
-2سورة الائدة :اليتان . 34 – 33
-3ممد الليان :مرجع سابق ،ص . 69
استنادا إلى هذه الية يذهب أغلبية الفقهاء إلى اعتبار البغي من جرائم الحدود
مستندين كذلك على بعض الحاديث النبوية الشريفة 1،لكن هناك من الفقهاء من
يعتبر أن القتال الوارد في الية الكريمة يقصد به الصلح بين المختلفين من
المؤمنين ".وأنه حتى إذا اقتضى المر دفع البغاة بقتالهم ،فإن ذلك ل يسمح بالقول
بأنهم مجرمون وبأن قتالهم حدا .
51
2جريمة شرب الخمر :سندها من الكتاب قوله تعالى ":إنما الخمر والميسر
والنصاب و الزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " 2من هذه
الية يتأكد بأن شرب الخمر يعتبر جريمة في السلم ،ويلحق بالخمر كل مسكر
لقول النبي (ص) ":كل مسكر خمر وكل خمر حرام ".غير أن عقوبة هذه الجريمة
موضع اختلف ،هل هي عقوبة حدية أم ل ؟ فلم يرد في القرآن الكريم تحديد لعقوبة
شرب الخمر ،أما في السنة النبوية ،فإن هذه العقوبة لم تكن واحدة (الضرب بالنعال،
بالثياب ،باليد…) وليس هذا من خصائص العقوبات الحدية ،وهو ما يؤكد الطابع
4-3 التعزيري لعقوبة شرب الخمر ومن ثم طابع هذه الجريمة
3جريمة الردة :ورد تجريمها بنص صريح من الكتاب حيث قال تعالى":
ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة
وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 5".أما من السنة النبوية فقد روي عن النبي
(ص) أيضا ":ل يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ل إله إل ال وأني رسول ال إل
_________________
-1من هده الحاديث قوله صلى الله عليه و سلم " :من أتاكم و أمركم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم و يفرق
جماعتكم فاقتلوه " .وقوله صلى الله عليه و سلم أيضا " :ستكون هنات و هنات فمن أراد أن يفرق هده المة و هي
جمع فاضربوه بالسيف كائنا من كان "
-2سورة الائدة :الية .90
-3ممد الليان :مرجع سابق ،ص .60
-4ل نؤيد ما دهب إليه الستاذ ممد الليان ،حينما اعتب الطابع التعزيري لعقوبة شرب المر يرجها من دائرة جرائم الدود و يعلها من جرائم التعازير .و دلك
لعتبارين ،أولما :أن فقها ء الشريعة السلمية قد اتفقا غالبيتهم على الفتوة الشهية للمام علي رضي ال عنه ف تديد عقوبة شارب المر حينما أفت بأن شارب المر :
" إدا شرب سكر ،و إدا سكر هدا ،و إدا هدا قذف ،و حد القاذف ثانون جلدة " فاجتمع سلف المة و ف مقدمتهم جهابذة الصحابة و من بعدهم التابعي على هدا
الرأي ،و ل يعلم منهم مالف لدا القول إل قليل .أما ثانيهما :هو اللط الواضح الذي وقع فيه أصحاب هذا الرأي ) من يعتبون شرب المر من جرائم التعازير ( عند
التمييز بي جرائم التعزير و جرائم الدود ،إذ اعتبوا جرية شرب المر من جرائم التعزير ف حي أن هده الخية كما هو معلوم هي من وضع أول المر و أهل الل و
العقد من السلمي ،أي أن إضفاء الصفة الرمية على هذا النوع من الرائم يتص به من ذكرناهم آنفا .بينما يكون تقرير نص التجري ف جرائم الدود من وضع الالق
سبحانه و تعال .و تصيل ذلك أن جرية شرب المر و قد ت تريها بنصوص قطعية الدللة والثبوت من الكتاب و السنة ل يكن إل أن تكون من جرائم الدود .
-5سورة البقرة :الية . 127
بإحدى ثلث :النفس بالنفس والثيب الزاني ،والمارق من الدين التارك للجماعة".
فهذه النصوص تحرم الردة وتعاقب عليها بعقوبة حدية هي القتل.
لكن هناك من له رأي خاص في هذه الجريمة 2. 1.باعتبار أن هناك من القرائن
ما يبين أن صيغة الحديث الول ل تفيد الوجوب .وأن المقصود ب " المارق من
52
الدين التارك للجماعة" في الحديث الثاني هو "المحارب" الذي تطبق عليه عقوبة
الحرابة ،ويرى صاحب هذا الرأي بأن عقوبة الردة تعزيرية ،سواء كانت عقوبة
إعدام أو عقوبة أخرى.
الفقرة الثانية :جرائم القصاص والدية
القصاص –بالكسر-القود ،يقال :أقص المير فلنا من فلن اقتص له منه
فجرحه مثل جرحه أو قتله قودا ،وأقص الرجل من نفسه .مكن من القتصاص منه.
وأقصه الموت وقصه أي دنا منه ،وضربه حتى أقصه من الموت وقصه على
3الموت أي أدناه منه ،ويقال أيضا :تقاص القوم أي قاص كل واحد منهم صاحبه.
أما الدية فهي المال الذي يقوم الجاني بدفعه للمجني عليه أو لوليائه كعوض عن
الجناية التي ارتكبها ،سواء كانت الجناية على النفس أو على ما دون النفس ،إل أن
الفقهاء اصطلحوا على أن يطلقوا "الدية " على العوض الذي يدفعه الجاني بدل عن
4 الجناية على النفس ،والرش على العوض الذي يدفعه الجاني بدل عن الجروح .
أما الجرائم التي يعاقب عليها بالقصاص هي :القتل العمد ،وإتلف الطراف
عمدا ،والجرح العمد.
أما الجرائم التي يعاقب عليها بالدية فهي ،جرائم القصاص إذا عفي عن القصاص أو
امتنع القصاص لسبب شرعي ،ثم القتل شبه العمد والقتل الخطاء ،وإتلف الطراف
خطاء ،والجرح الخطاء.
_________________
-1ممد سليم العوا :مرجع سابق ،ص . 146
-2نستغرب هذا الرأي الذي ذهب إليه د .ممد سليم العوا ،مع أن منطوق الديث صريح قاطع ف قتل الرتد .فلما و الالة هذه الجتهاد ف تفسي معن الديث و القول بأن "
الارق من الدين التارك للجماعة " الذي ورد ف الديث الثان هو " الحارب " إذا كانت جرية الرابة و قطع الطريق لا أحكامها الاصة الت تيزها عن جرية الردة .
-3ممد فاروق النبهان :مباحث ف التشريع النائي السلمي ،ص 63دار القلم . 1977
-4ممد فاروق النبهان :مرجع سابق ،ص . 144
53
بالعبد ،والنثى بالنثى ،فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه
2 بإحسان ".
ومن السنة المطهرة قوله الرسول (ص) ":من اعتبط مؤمنا بقتل فهو قود به إل إن
رضي ولي المقتول ".ويقول (ص) أيضا ":من قتل قتيل فأهله بين خيرتين :إن
أحبوا فالقود-القصاص-وإن أحبوا فالعقل-الدية."-
2جريمتي إتلف الطراف عمدا والجرح العمد :
يقول تعالى ":ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب لعلكم تتقون 3ويقول أيضا":
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ،والنف بالنف والذن بالذن،
والسن بالسن ،والجروح قصاص ،فمن تصدق به فهو كفارة له ،ومن لم يحكم بما
أنزل ال فأولئك هم الظالمون 4".ويضيف في سورة أخرى ":فمن اعتدى عليكم
فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " 1فهذه النصوص صريحة في تحريم إتلف
الطراف والجراح ،وفي جعل عقاب الجريمة القصاص في حالة العمد.
ثانيا :الجرائم التي يعاقب عليها بالدية
حدد الفقهاء هذه الجرائم في أربع أنواع هي:
1جريمة القتل شبه العمد :يقول الرسول صلى ال عليه وسلم ":أل إن
في قتيل عمد الخطاء قتيل السوط والعصا والحجر مائة من البل " فهذا النص يحرم
القتل شبه العمد ،ويعاقب عليه بالدية .
_________________
-1سورة السراء :الية . 33
-2سورة البقرة :الية . 178
-3سورة البقرة :الية . 179
-4سورة الائدة :الية . 45
2جريمة القتل الخطاء :يقول ال تعالى ":وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا
إل خطاء و من قتل مؤمنا خطاء فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إل أن
يصدقوا فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة
1 مؤمنة ،فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من ال ،وكان ال عليما حكيما ".
ويقول رسول ال (ص) ":وفي دية الخطاء عشرون حقة ،وعشرون جدعة،
54
وعشرون بنت مخاض ،وعشرون بنت لبنون ،وعشرون بنو مخاض " فهذه
النصوص تحرم القتل الخطاء وتعاقب عليه بالدية وتبين مقدارها وأوصافها.
3جريمة قطع الطراف خطاء :حدد الرسول (ص) العقوبة على أساس ما
كان في الجسم منه عضو واحد كالنف والذكر واللسان ففيه الدية كاملة ،وما
كان في الجسم منه عضوان ففيه نصف الدية قال صلى ال عليه وسلم ":في
النف إذا أوعب ما رنه جدعا الدية" وقال أيضا ":وفي اللسان الدية ،وفي
الذكر الدية ".وفي حديث آخر " :في اليدين الدية وفي الرجلين الدية ".
4جريمة الجرح خطأ :حدد النبي (ص) عقوبة بعض هذه الجرائم ،فجعل أرش
الموضحة خمسا من البل ،وأرش الهاشمية عشرا من البل ،وفي المة
والدامغة ثلث الدية وجعل في كل جرح يصل إلى الجوف ثلث الدية .
والقاعدة العامة في الشريعة :أن كل تلف أو جرح لم يحدد له الرسول صلى ال
عليه وسلم دية أو أرشا فيه حكومة :وهي ما يحكم به القاضي بناء على تقدير أهل
الخبرة بحيث ل يمكن أن تصل الحكومة إلى الدية أو الرش الذي عينه الرسول
(ص) للتلف أو الجرح الذي يليه في الشدة .
الفقرة الثالثة :جرائم التعزير
أول :تعريف التعزير في الفقه الجنائي السلمي
ل يختلف كثيرا مفهوم التعزير في اللغة عنه في اصطلح الفقهاء:
فالتعزير في اللغة مأخوذ من عزر وعزر بمعنى منع وأدب ووقر ،فهو من ألفاظ
_________________
-1سورة البقرة :الية . 194
الضداد ،ويستعمل كذلك بمعنى النصرة قال تعالى ":لتعزروه وتوقروه " ومن المنع
1 سميت العقوبة غير المقدرة تعزيرا ،لنها تمنع من معاودة الفعل المعاقب عليه .
أما التعزير في اصطلح الفقهاء فيطلق على كل " عقوبة غير مقدرة تجب حقا
2 ل تعالى أو لدمي في كل معصية ليس فيها حد ول كفارة "
وقد تختلف عبارة بعض الفقهاء في تعريف التعزير اختلفا يسيرا منها أن
التعزير "عقوبة" تكون في كل معصبة ل حد فيها ول كفارة وفي كل حد لم تتكامل
55
أركانه تجب حقا ل تعالى أو لدمي 3 ".ولفض الحد الوارد في التعريفين يأتي
بمعنى التقدير وليس بمعناه الصطلحي كعقوبة محددة لفعال معينه وردت بتحديد
عقوباتها نصوص القرآن والسنة.
وبناء على التعريفين السالفين ،يتبين بأنه يعاقب بالتعزير في صنفين من
الجرائم:
1-الجرائم المعاقب عليها بالحد أو بالقصاص إن تخلف ركن من أركانها ،ففي
السرقة مثل يعزر من يسرق من غير حرز أو من يسرق دون النصاب ،وفي الزنى
يعاقب بالتعزير من يجامع دون الفرح ،وفي القذف يعزر من يقذف بالسب والشتم
دون الزنى وهكذا.
2-الجرائم التي ل حد فيها ول قصاص وهي غالبية الجرائم ،وقد ساق ابن
تيمية 4طائفة من جرائم التعزير بقوله " المعاصي التي ليس فيها حد مقدر ول
كفارة ،كالذي يقبل الصبيان ويقبل المرأة الجنبية ،أو يباشر بل جماع ،أو يأكل ما
ل يحل كالدم والميتة …كالذين يغشون في الطعمة والشباب ونحو ذلك أو يطفف
المكيال والميزان ،أو يشهد بالزور ،أو يرتشي في حكمه…فهؤلء يعاقبون تعزيرا
وتنكيل وتأديبا بقدر ما يراه الوالي".
_________________
-1أمي عبد العزيز :الفقه النائي ف السلم ،ص 417دار السلم الطبعة الول . 1997
-2ممد سليم العوا :مرجع سابق ،ص . 259
-3عبد العزيز عامر :التعزير ف الشريعة السلمية ،ص 36الطبعة الثالثة . 1956
-4عبد القادر عودة :مرجع سابق ،ص . 687
56
تحديدها وتقريرها لولى المر من أهل الحل والعقد ،فإن ذلك أتاح لهؤلء سلطة
تقديرية واسعة ،كانت سببا في تعسفهم وشططهم وتحكيم الهواء عند وضع
نصوص وأحكام ومقتضيات هذا النوع من الجرائم.
وقد رد الفقهاء على هذه الدعاءات مؤكدين بأن الشريعة السلمية قد طبقت
قاعدة ل جريمة ول عقوبة إل بنص ذلك أن الشريعة وإن تركت لولى المر في
المة أن يحرموا ما يرون أنه ضار بمصالح الجماعة أو أمنها أو نظامها ،وأن
يعاقبوا على مخالفتها إل أنها لم تترك لهم حرية مطلقة فيما يحلون أو يحرمون ،بل
أوجبت وقيدت ذلك بأن يكون متفقا مع أحكام الشريعة ومبادئها العامة ومقاصدها
الجليلة وروحها السمحة .
فيما ذهب البعض الخر 2إلى الخلوص إلى أنه ل مناضاة ول تعارض بين
نضام التعزير في الشريعة السلمية ،وبين قاعدة شرعية التجريم والعقاب ،فإذا كان
مقتض القاعدة الخيرة أن ل جريمة ول عقوبة إل بنص فإن جرائم التعزير لم تحد
عن هذا النهج على اعتبار أن نص التجريم في هذه الجرائم هو ذلك المر أو النهي
الذي خالفه مرتكب المعصية مع التقرير بأن كل معصية في نظر الفقه الجنائي
السلمي تعتبر جريمة موجبة للعقاب.
_________________
-1جيل عبد الباقي الصغي :الشرعية النائية ،دراسة تاريية و فلسفية .ص 38دار النهضة العربية . 1993
-2ممد سليم العوا :مرجع سابق ،ص . 231
ومن ثم فليس هناك خروج عن قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات ،بل إن المر
يتعلق فقط بتطبيق مرن يتيح توفير الحماية القانونية للمصالح الجتماعية المحمية
بحيث ل تقف محدودية النصوص حائل دون العقاب على الخلل بهذه المصالح.
وفي تأصيل جرائم التعزير في القانون الجنائي السلمي ،فينبغي الشارة إلى
ورود العديد من النصوص سواء في الكتاب أو السنة والتي تناولت هذا النظام
التجريمي الفريد نورد بعضها كالتي :
-فمن الكتاب الكريم :يقول تعالى ":واللتي تخافون نشوزهن فعظوهن
واهجروهن في المضاجع ،فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيل " . 1وقد اعتبر بعض
الفقهاء هذه الية هي الصل في التعزير ،وهم يؤسسون هذا النظر على قياس
57
الحاكم أو أولى المر في الدولة المسلمة على الزوج في البيت المسلم ،فكما أعطي
2الزوج حق القوامة في بيته أعطي أولى المر حق القوامة في المجتمع كله.
كما نجد في سورة النساء أيضا تطبيقا آخر من تطبيقات التعزير ،وذلك في قوله
تعالى بعد أن ذكر عقاب النساء اللتي يأتين الفاحشة " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما
فإن تابا أو أصلحا فأعرضوا عنهما إن ال كان توابا رحيما 3".فهذه الية تقرر
عقوبة إتيان الرجال أو الشذوذ الجنسي ،والمر بالعقوبة هنا موجه إلى أولي المر
في الدولة المسلمة ،وليس في الية الكريمة بيان نوع العقوبة ول مقدارها ول كيفية
تنفيذها ،وهي من ثم عرضة للتباين والختلف من زمان إلى زمان ،ومن مكان إلى
مكان .
-أما السنة النبوية :فقد تعددت النصوص المؤصلة لبعض جرائم التعزير في
الشريعة السلمية ،بحيث تتضمن تطبيقات كثيرة لهذا النوع من الجرائم نذكر منها:
58
ل يعد كل نص متضمن لمقتضيات جنائية نصا تشريعيا جنائيا تلتزم المحاكم
بتطبيقه وإنما ينبغي زيادة على ذلك أن يكون صادرا من الجهة أو السلطة المخول
1 إليها التشريع في الميدان الجنائي دستوريا
ويقضي مبدأ الشرعية في الميدان الجنائي بأن تكون قواعد القانون الجنائي من
مستوى القانون ،أي أن تصدر عن السلطة التشريعية الممثلة في مجلس النواب،
ويسير الدستور المغربي في هذا التجاه ،إذ أن الفصل 46منه ينص صراحة في
فقرته الثالثة على أن مجلس النواب يختص في " تحديد الجرائم والعقوبات الجارية
عليها والمسطرة الجنائية " ويمكننا هذا من تحديد الجهة المختصة في وضع قواعد
القانون الجنائي في مجلس النواب وحده ،عمل بمبدأ الشرعية الذي ينص عليه
.2 10 الدستور في فصله
ولكن مع ذلك فإن هناك بعض الستثناءات التي يجوز للسلطة التنظيمية بموجبها
ممارسة صلحية التشريع على أساس تفويض إداري من السلطة التشريعية أو على
أساس تفويض تلقائي وبقوة القانون.
وبناء على الستثناء الول ،فإنه " يمكن للبرلمان أن يأذن للحكومة أن تتخذ في
ظرف من الزمن محدود ولغاية معينة بمقتضى مراسيم تدبيرية يختص القانون عادة
باتخاذها.
_________________
-1د .عبد الواحد العلمي :مرجع سابق ،ص . 93
-2د .ممد الليان :مرجع سابق ،ص . 123
وبناء على الستثناء الثاني يمكن للحكومة بين الدورات البرلمانية ودونما حاجة
إلى إذن من البرلمان ،ممارسة صلحية التشريعية بواسطة مراسيم قوانين( الفصل
من الدستور) إل أن رقابة السلطة التشريعية تبقى قائمة على مراسيم القوانين هذه 55
التي يتعين الحصول بشأنها على موافقة اللجان البرلمانية المعنية من جهة وعلى
مصادقة البرلمان عليها في أول دوراته العادية التالية لخر مرسوم قانون ،من جهة
أخرى.
59
وترتيبا على ذلك ،يسوغ الستنتاج من خلل تحليل الفصول الدستورية أن
الحكومة أو السلطة التنظيمية ل تتمتع ،خارج التفويض المشار إليه بأي اختصاص
أصيل في التشريع ،وبالتالي في التجريم والعقاب.
إل أن هذا الستنتاج ل يستقيم تماما والمقتضيات المنصوص عليها في الفصل
درهما ،من يخالف مرسوما 120 و 10 الذي يسمح بالعقاب بغرامة تتراوح ما بين 609
أو قرارا صدر من السلطة الدارية بصورة قانونية إذا كان هذا المرسوم أو القرار
لم ينص على عقوبات خاصة (الفقرة )11أي أنه يسمح للسلطة الدارية بالقيام بعملية
1التجريم.
الفقرة 609 ومع هذه الوضعية نتساءل عن جدوى التنصيص على عقوبة (الفصل
)11منه التي تشكل تناقضا لمضمون الفصل 45من الدستور مما يستوجب معه تدخل
2المشرع لتنسيق نصوص القانون الجنائي مع الدستور .
ومن جهة أخرى قد يتولى ملك المغرب التشريع في الميدان الجنائي بظهائر في
الحالت التية :
من الدستور ،ذلك أن إعلن حالة الستثناء 35 •في حالة الستثناء طبقا للفصل
تسمح للملك -كما هو معلوم -بممارسة التشريع رغم وجود أي نص مخالف ،في
جميع الميادين و من ضمنها الميدان الجنائي.
_________________
-1ممد الليان :مرجع سابق ،ص . 124-123
-2د.عبد السلم بنحدوت :مرجع سابق ،ص . 110
حيث يخول للملك تلفيا للفراغ الذي يحصل نتيجة 71 •حالة النيابة طبقا للفصل
لحل مجلس النواب ،وفي انتظار انتخاب مجلس نيابي جديدا أن يمارس السلطة
التي يختص بها مجلس النواب ضمن جملتها التشريع في النطاق الجنائي.
من الدستور التي تخول للملك وإلى أن يتم 102 •في حالة النتقال طبقا للمادة
تنصيب مجلس النواب المنصوص عليه في الدستور أن يتخذ كل الجراءات
التشريعية اللزمة لقامة المؤسسات الدستورية ويسير السلطات العمومية وتدبير
1 شؤون الدولة ويدخل ضمنها بطبيعة الحال التشريع في الميدان الجنائي.
60
الفقرة الثانية :مصادر التجريم في التشريع الجنائي السلمي
تعددت المصادر التشريعية التي بها تعرف الحكام منها ما هو مختلف فيه
ومنها ما هو متفق عليه ،فل خلف على مصادر ثلث ،القرآن ،السنة ،والجماع
أما باقي المصادر وهي القياس والمصلحة – وتشمل الستحسان والمصلحة وسد
الذرائع والعرف –والستصحاب فمختلف عليها.
وسنقتصر في هذه الفقرة على القرآن والسنة والجماع والقياس
.1القرآن :هو مصدر هذه الشريعة الول ،ومرجع كل أدلتها والصل الذي تفرع
عنه كل ما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم .نصوصه قطعية الورود كما
أنزلت على الرسول من ربه ،حجة على كل مسلم ومسلمة واجبة التباع أيا كان
نوعها وهي على نوعين :أحكام يراد بها إقامة الذين وتشمل أحكام العقائد
والعبادات ،وأحكام يراد بها تنظيم الجماعة السلمية وتنظيم علقات الفراد فيما
بينهم وتشكل أحكام المعاملت والعقوبات وغيرها.
وقد ذكر القرآن بعض الجرائم وبين عقوبتها وهي تلك التي يعد العتداء فيها
أكبر اعتداء على الجماعة والفراد ،لنه اعتداء على ما هو ضروري في المصالح
التي أوجب السلم حمايتها وهي :حفظ النفس والدين والمال والنسل والعقل،
فالعتداء بالقتل والردة وقطع الطريق والزنا والقذف والشرب ،اعتداء على ما هو
_________________
-1عبد الواحد العلمي :مرجع سابق ،ص . 94
ضروري للحياة السلمية الكريمة بالنسبة لهذه المور الخمسة ،فنص فيه على أكبر
عقوبة لكبر جريمة ثم يكون التدرج النزولي لمن يقيس على ما نص القرآن على
عقوبته.
وقد ذكر القرآن في مواضع النهي جمل من المعاصي النسانية التي تعتبر
رؤوسها ،وبعض هذه المعاصي ذكره بالنص ،وهي تلك التي تمس مصلحة الجماعة
مباشرة ،ونص على بعض آخر بالتعميم ،عبر عنه بالفواحش والبغي في قوله تعالى
في آية جامعة لمعاني السلم " إن ال يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى
1 وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ويعضكم لعلكم تذكرون ".
61
.2السنة :يطلق لفظ السنة على ما جاء منقول عن النبي صلى ال عليه وسلم
على الخصوص ،مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز ،بل إنما نص عليه من
جهته عليه الصلة والسلم ،كان بيان لما في الكتاب أول.
ويطلق أيضا في مقابلة البدعة ،يقال " فلن على بدعة " إذ عمل على خلف ما
عمل عليه صلى ال عليه وسلم . 2
وتنقسم السنة من حيث ذاتها إلى قولية وفعلية وتقريرية ول خلف بين علماء
المسلمين الذين يعتد برائيهم في أن السنة أصل من أصول التشريع ومصدر من
مصادر الفقه ،يجب الخذ بها والعمل بمقتضاها وإنها متى صحت نسبتها إلى
الرسول (ص) كانت كالقرآن في تحليل الحلل والحرام وقد دل على حجية السنة ما
جاء في القرآن الكريم من المر بطاعة رسول ال (ص) ثم ما ورد من الوعيد
الشديد لمن خالفه يقول تعالى " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهون "
إلى غير 79 سورة الحشر آية " 7من يطع الرسول فقد أطاع ال " سورة النساء الية
ذلك من اليات الكثيرة التي تدل دللة قاطعة على حجية السنة في الجملة ووجوب
3 العمل بها واعتبارها مصدرا من مصادر الشريعة
_________________
-1هبة أحد مرجع سابق :ص . 21-20
-2الشاطب " موافقة ،ص 4-3الزء الرابع دار العرفة بيوت الطبعة الول بدون تاريخ .
-3د .عبد الالق أحدون و د .مرزوق آيت الاج :مباحث ف أصول الفقه ،ص 55-54مطبعة سبارطيل . 2003
والسنة قد تكون مفصلة تبين المراد من القرآن وتقيد مطلقه وتفصل مجمله ..ذلك
أن حد النصاب في السرقة مجمل في قوله تعالى " والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما جزاءا بما كسبا نكل من ال " مجمل في النصاب الذي يقطع به ،وشروط
النصاب وشروط القطع ،فجاءت السنة وبينت كل ذلك.
وإما قد تكون سنة متضمنة حكما سكت عنه القرآن وذلك مثل دية الجنين ومثل
كون الديات تورث أو تكون للعصبة.
والسنة هي التي بينت طريق إثبات الجرائم الخاصة بالقصاص ،فهي التي بينت
أن القصاص يثبت بالقرار ويثبت بشهادة رجلين ،ولم يثبت أن الرسول (ص)
سوغ شهادة رجل وامرأتين.
62
والسنة هي التي بينت حد الشرب ،وهي التي بينت طريقة إثبات الحدود في
الجملة وطريق درئها بالشبهة ،وماهية الجريمة فيها .
وبالجملة فإن النبي (ص) قد تركنا بعد أن بلغ رسالة ربه ،وترك فينا ما أن
أخذنا به ل نضل من بعده أبدا ،ترك فينا كتاب ال وسنته التي أصبحت مصدرا
تشريعيا واجب التباع في قوله تعالى " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا"
1 سورة الحشر
.3الجماع :هو اتفاق مجتهدي أمة محمد (ص) بعد وفاته في عصر من
العصور ،على حكم شرعي والمراد بالتفاق الوارد في التعريف الشتراك في
العتقاد أو القول أو الفعل.
وأساس الجماع هو القرآن والسنة واعتباره مصدرا تشريعيا مرده إلى
نصوصهما ففي قوله تعالى " يأيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي
المر منكم " وقال الرسول (ص) " ل تجتمع أمتي على خطأ " وقال " لم يكن ال
2 ليجمع أمتي على ضللة "
_________________
-1هبة أحد مرجع سابق :ص . 22
-2د .عبد الالق أحدون و د .مرزوق أيت الاج :مرجع سابق ،ص . 64
وقد ثبتت بعض العقوبات بإجماع الصحابة ،فحد الشارب قد أجمعوا عليه وثبت
بإجماعهم ،ومن المسائل أيضا التي ثبتت بالجماع قتال المرتدين واعتبار مانع
الزكاة إن كان من جماعة لها قوة ومنعة من المرتدين ،وأجمع الصحابة على أن
القتل بالسوط أو ما يشبهه مما ل يقتل به عادة ل قصاص فيه.
وقد سلم الفقهاء بإجماع الصحابة خصوصا في عهد عمر رضي ال عنه ،فقد
منع الصحابة من الخروج إلى المصار لينتفع من علمهم ولكيل يفتن الناس بهم
فكان الجماع ممكنا،أما بعد الصحابة فكان الجماع بعيد الحصول لنه ل ينعقد إل
بعلماء المة المجتهدون في عصر من العصور مهما تباعدت المصار ،ولهذا أنكر
1 الشافعي وأحمد وقوعه .
63
.4القياس :هو المصدر الرابع من مصادر التشريع ،أرشد إليه القرآن في
مواضع كثيرة تارة دل عليه بوجوب العمل به ،وتارة بذكر علل للحكام وتارة
بضرب المثال كما أرشدت إليه السنة الكريمة ،وقد ثبت أن الرسول (ص) قاس
حتى بلغت أقسيته ما يزيد على المائة ،ويعتبر القياس أهم مصادر التشريع
السلمي
والقياس هو إلحاق أمر لم ينص على حكمه في كتاب أو سنة أو الجماع ،بأمر
2 نص عليه في إحداها لشتراكهما في علة الحكم
وكما سبق وأشرنا فالنصوص الشرعية غالبا ما ترد مقترنة بذكر علة الحكم أو
المصلحة التي شرعت لجلها مما يدل على أن أحكام ال تدور مع مصالح العباد
وإرشاد المسلمين إلى قياس ما لم يرد فيه نص بما ورد فيه.
وثبوت التعزير بالقياس أمر ل خلف عليه ،لنه كله مبنى على تقدير ولى
المر أو تقدير القاضي الذي يفوض إليه ذلك …ولكن الخلف في جواز القياس في
الحدود والقصاص … فمن قائل بجوازها لن القياس من طرق الستنباط الصحيح
وطرق القضاء العادل ومن قائل أن الحدود والقصاص ل تثبت في جرائم بالقياس
3 لن المور المقدرة ل يدخل فيها القياس .
_________________
-1هبة أحد مرجع سابق :ص . 23
-2د .عبد الالق أحدون و د .مرزوق آيت الاج :مرجع سابق ،ص . 73-72
-3د .هبة أحد :مرجع سابق ،ص . 24
و من أمثلة القياس:
-تحريم النبيذ قياسا على الخمر وذلك لشتراكهما في العلة وهي السكار
-وقد حكم أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي ال عنه بقتل الجماعة الذين
قتلوا واحد ،إذ توقف عمر في قتل الجماعة بالواحد قال له علي أرأيت يا أمير
المؤمنين لو أن جماعة اشتركوا في سرقة جزور و ذبحوه فأخذ هذا عضوا وهذا
عضوا أكنت قاطعهم؟ قال نعم ،فكذا لك هذا فأمر بقتلهم .
-قول علي في شرب الخمر أنه إذا شرب سكر وإذ سكر هذى وإذ هذى
افترى ،فحده حد المفترين
64
-قياس عمر الخمر على الشحم ،وأن تحريمها تحريم لثمنها.
وهذه بعض المثلة التي تدل دللة قاطعة على العمل بالقياس
إن نصوص القرآن والسنة محدودة متناهية لنتهاء الوحي ،وحوادث الناس
وأقضيتهم غير محدودة ول متناهية والمتناهي ل يفي بأحكام غير المتناهي ،فل
سبيل إلى إعطاء الوقائع الجديدة حكمها في ضل الشريعة السلمية التي جعلها ال
خاتمة الشرائع السماوية ،وتعهد بها البشر إلى يوم القيامة ،إل عن طريق القياس
وبذلك تكون الشريعة صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان وفية بحاجات الناس
1 المتجددة ومستجيبة لمطالب المم المختلفة ومحققة لسعادتها على أكمل وجه
وهكذا إذا كانت القوانين الوضعية توضع من طرف النسان الذي تغلب عليه
الهواء والشهوات فإن واضع أحكام الشريعة السلمية هو خالق هذا الكائن
النساني ،العليم بما يصلحه ويصلح له ،وهو المطلع على خفايا تكوينه وتركيبه،
وخفايا الملبسات الرضية والكونية كلها في مدى الحياة البشرية كذلك.
فإذا وضع له منهجا كان ملحوظ في هذا المنهج كل هذه العوامل التي يستحيل
على البشر أفرادا ومجتمعين في جيل من الجيال وفي جميع الجيال كذلك أن
يطلعوا عليها لن بعضها في حاجة إلى استحضار جميع التجارب والظواهر للحياة
البشرية في جميع أجيالها السابقة والحاضرة والمستقبلية التي لم توجد بعد.
_________________
-1د .عبد الالق أحدون و د .مرزوق أيت الاج :مرجع سابق ،ص . 79
وهذا مستحيل وبعضها في حاجة إلى الطلع على كل خفايا الكون المحيط بالنسان
،وهذا مستحيل كذلك وذلك إلى قصور الدراك البشري ذاته عن الحكم الصحيح
المطلق حتى على ما يمكن أن تستحضر فيه التجارب والظواهر ،لنه محكوم
بطبيعته الجزئية -غير المطلقة -ومحكوم بالهوى والضعف ومن ثم يقول ال (ولو
اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات ولرض) ويقول جل قدرته (ثم جعلناك على
1 شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون)
كما أن الحكام التي جاء بها الرسول (ص) الذي ل ينطق عن الهوى ما هي إل
وحي يوحى.
أما الجماع فقد أكد الرسول (ص) على عدم اجتماع أمته على خطأ .
65
ويبقى القياس أهم اختلف بين الشريعة السلمية والقانون الجنائي المغربي
الذي يحرم القياس في المادة الجنائية هو بدوره –أي القياس-تحكمه قواعد وضوابط
فقهية دقيقة حتى ل يخضع القياس لهواء المجتهدين مما يترتب عليه الخروج عن
مقاصد الشريعة.
إن الحكام الفقهية السلمية بالضافة إلى كونها أحكام قانونية تحكم علقات
الناس بعضهم مع بعض ،هي أحكام دينية تستمد من الوحي مباشرة أو من طرق
الستنباط ارشد الوحي إلى جواز العمل بها ولعتماد عليها ،وتستوي في ذلك
2 الحكام الجنائية في الفقه السلمي مع الحكام غير الجنائية فيه
المطلب الثاني :ضوابط التجريم
كيف يتحدد تجريم فعل من الفعال وعلى أي أساس ؟ هل هناك شيء في
الطبيعة الداخلية للفعل تمكن من الجزم بأن المر يتعلق بجريمة أو ل ؟ أو بمعنى
أوضح ما هي الضوابط التي على المشرع مراعاتها.
_________________
-1خالد عبد الميد فراج :مرجع سابق ،ص . 65 - 64
-2ممد سليم العوا :مرجع سابق ،ص . 49-48
تعددت الجوبة الفقهية على هذه السئلة ،ويمكن حصرها في فكرتين أساسيتين
أولهما :الضرورة وثانيهما :العدل.
الفقرة الولى :الضرورة
ينصرف مفهوم الضرورة إلى ما يفيد أن المشرع يجب أن أل يجرم سلوكا أو
يؤثم تصرفا إل إذا كانت هناك ضرورة تقتضيه ،بحيث ل تمتد يد المشرع
التجريمية إل على الفعال التي تمثل بغيا واعتداء على المصالح والقيم الجتماعية
والسياسية والقتصادية التي يستهدف حمايتها نص التجريم.
ومن هنا كانت الضرورة في التجريم إحدى الضوابط الشرعية في مجال الحماية
1الجنائية لحقوق النسان.
وعلى هذا النحو إذا كان ارتباط التجريم بالضرورة يمثل أحد أسس وضوابط
شرعيته ،فإن هذه الخيرة تستلزم توافر أمرين :
66
•أن تكون المصلحة جديرة بالحماية الجنائية .
•ضرورة أن يمثل السلوك المؤثم بغيا حقيقيا وجسيما على المصلحة المحمية
جنائيا .
إل أن عنصر الضرورة وعلى رغم أهميته فإنه ل يكفي دائما لرسم الخط
الفاصل بين الممنوع والمباح لذلك فقد تعرض لمجموعة من النتقادات من عدة
أوجه :
-فمن جهة ،يرتبط مضمون الضرورة بالزمان ،وليست ضرورة المس هي
ضرورة اليوم ،فإذا كانت هناك أفعال نتفق مع أسلفنا على ضرورة تجريمها ،فإننا
2 نختلف معهم حول تجريم أفعال أخرى.
_________________
-1خيي أحد الكباش :الماية النائية لقوق النسان ) دراسة مقارنة ( ص 388طبعة . 2002
-2مي الدين أمزازي :العقوبة ،ص . 229
-ومن جهة أخرى ،تفتقر فكرة الضرورة لعناصر مضبوطة ومحددة تجعل الجماع
عليها في زمان معين ممكنا ،فإذا ما أخذنا مثل جريمة الجهاض فإننا نجد تداخل
العديد من العتبارات التي تتباين من مجتمع إلى آخر ومن زمان إلى آخر ،فمن
الواضح أن تجريم كل أشكال الجهاض يجد في العتبارات الخلقية والدينية سندا
له ،لكنه ينتج في نفس الوقت آثار سلبية على مفهوم الحرية الفردية ول يراعي
ضرورة المحافظة على صحة وحياة الم كما ذهب إلى ذلك العديد من التشريعات
الجنائية الحديثة.
وأخيرا فإنه ل يمكن القبول بفكرة الضرورة كمعيار للتجريم ،إل إذا تبين
بوضوح أن تحديد الضرورة يقوم على مقياس مقبول .
إن كل هذه العتبارات دفعت بالعديد من التشريعات الجنائية الحديثة إلى
الستعاضة عن المعيار السابق بمعيار آخر هو معيار العدل .
الفقرة الثانية :العدل
67
فرضت فكرة العدل نفسها كمعيار وضابط للتجريم إثر بروز سلبيات وحدود
معيار الضرورة ،ومؤدى هذه الفكرة :أن المشرع عليه أل يجرم سوى الفعال التي
تقوي معاقبتها الحساس الجماعي بالعدل 1.وقد عرف التنظير لهذا المعيار تطورا
جعله يبتعد تدريجيا عن المجال الخلقي ليلتحم بفكرة الديمقراطية وحقوق النسان.
وهكذا فقد كانت النظرية الولى ترى في القانون الجنائي صياغة متطورة
لقواعد الخلق ،بالنظر إلى العلقة الوطيدة التي تجمع بين التشريع الجنائي
والخلق والدين ،هذا الخير شكل مبادئ وقيم من قبل العدل إحدى أهم مرتكزاته
وتوجهات إصلحية.
فإذا ما سلمنا بالمكانة الخاصة التي يتبوؤها السلم باعتباره الدين الرسمي
للدولة ،وكمرجع دائم للقانون وكمنبع ينهل منه المجتمع والفراد ،الضوابط الفاصلة
بين الحلل والحرام ،فإننا نجد بأن فكرة العدل بمختلف تجلياتها شكلت قبلى للمشرع
الجنائي عند وضعه للقواعد الجنائية ،وهاجسا ذا أهمية بالغة في تجريمه لفعال
_________________
-1مي الدين أمزازي :مرجع سابق ،ص . 231
وسلوكات الفراد والجماعات على القل بالنسبة للجرائم التقليدية ،أو هذا ما قد يبدوا
في ظاهر المر.
أما النظرية الثانية ،فقد اعتمد أصحابها على تبرير العدل كمعيار للتجريم انطلقا
إما من مفهوم الديمقراطية أو من مفهوم حقوق النسان .
فبالنسبة للتيار الول الذي يربط بين العدل والديمقراطية ،فقد ظهر كنتيجة لفصل
الدولة عن الدين وفشل معيار الضرورة في تحقيق العدل وحماية الحقوق والحريات
وينطلق أصحاب هذا التيار من اعتبار الديمقراطية الساس الذي يسمح بالتعبير عن
مفهوم العدل وتحديده ،لذلك فهم يؤكدون بأن أي مجتمع ديمقراطي ل يمكن أن يقبل
سوى بتجريم الفعال والتصرفات التي تشكل اعتداء على القيم المعتبرة أساسية من
طرف أغلبية المواطنين ،وليس تلك القيم أو المصالح التي كان يرى سلفهم ضرورة
الحفاظ عليها ،وهو ما يعني إمكانية تنظيم مراجعة منتظمة لمضمون القانون الجنائي
والسهر على مسايرته للحساس الجماعي بالعدل.
68
أما التيار الثاني الذي يربط فكرة العدل بحقوق النسان ،فقد ظهر كرد فعل ضد
التجاوزات والتعسفات التي شهدها القانون الجنائي في بعض الدول حيث استغلت
القانون لفرض سلطتها وحماية مصالح الطبقة المهيمنة ،وتذرعت بالضرورة لبسط
يدها التجريمية على حقوق وحريات الفراد.لذلك نادى أصحاب هذا التيار بمراعاة
حقوق النسان وضمانها وحمايتها من خلل مراقبة دستورية القوانين الجنائية من
جهة ،وإلزام المشرع بما تنص عليه المواثيق الدولية من جهة ثانية.
المحمية بالتجريم ا لمبحث الرابع :المصال ح
يشكل حفظ المصالح والقيم الساسية التي يتعلق بها المجتمع أو تلك التي يحددها
المشرع أهم أهداف سياسة التجريم ،سواء في القانون الجنائي المغربي (المطلب
الول ) أو في الشريعة السلمية (المطلب الثاني) .على أن حفظ النظام العام يعتبر
من أهم هذه الهداف ،بالرغم من تباين مقوماته وأسسه بين النظام الجنائي السلمي
من جهة والنظام الجنائي المغربي من جهة ثانية (المطلب الثالث ) ولوضع اليد على
هذا التباين ندرج بعض النماذج التجريمية المبنية لذلك (المطلب الرابع).
المطلب الول :أهداف التجريم في القانون
الجنائي المغربي
تتيح سياسة التجريم للدولة السيطرة على إنتاج القواعد الجنائية التي تحكم أفعال
النسان ،وذلك بهدف حماية المصالح المشتركة بين جميع أفراد المجتمع ،تجنبا لي
صراع بين هؤلء بسبب تباين القيمة الحقيقية لمصالحهم الخاصة بالنظر إلى
1 المصلحة العامة.
وانطلقا من هذا العتبار ،فإن الدولة تراقب دائما سلوك الفراد إزاء المصالح
المحمية قانونا 2 ،ما إذا كان هذا السلوك يستحق العقاب فترفع الصفة الشرعية عليه
لتجريمه ،أو ل يستحق العقاب فترفع صفة التجريم عليه وتجعله مباحا.
والمشرع يلجئ إلى تجريم أفعال وسلوكات معينة بغية حماية مجموعة من
المصالح والقيم السياسية والقتصادية والجتماعية .
بالنسبة للمصالح السياسية :يمكن إجمالها عموما في حماية النظام السياسي
القائم بمختلف عناصره ومرتكزاته ،باعتباره أهم الركائز التي تعبر عن سيادة الدولة
69
واستقللها .ولحماية هذه المصالح جرم المشرع كل اعتداء يطالها وهو ما تجسده
جرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي بصفة عامة ،فالمشرع حين جرمها أخذ في
اعتباره البعاد الخطيرة لهذا النوع من الجرائم ،ومن ثم كانت العقوبات المخصصة
لها هي الخرى جد قاسية قد تصل إلى العدام.
أما المصالح القتصادية ،فتتمثل في كل مصلحة يؤدي العتداء عليها إلى
المساس بالقتصاد الوطني ،كما هو الشأن بالنسبة لجرائم التهريب الجمركي،
وتزييف النقود ،والتملص الضريبي ،فالعامل القتصادي كان حاضرا بقوة لدى
المشرع المغربي أثناء إضفاءه الحماية الجنائية على هذا النوع من المصالح ،ففي
جريمة تزييف النقود مثل من شأنها أن تؤدي إلى التضخم القتصادي وإلى عدم ثقة
الجمهور في العملة الوطنية ،و تدهور قيمتها النقدية ،وهو ما يؤثر بشكل سلبي على
القتصاد الوطني وعلى استقرار المجتمع ككل.
_________________
-1د .ممد التغدوين :إشكالية التجري ف التشريع النائي الغرب ،ص 1مطبعة فاس بريس . 2002
-2د .ممد التغدون :مرجع سابق ،ص 1و . 2
وأخيرا ،فإن المصالح الجتماعية مما تمثله من مفاهيم ثقافية وتاريخية وفلسفية،
تمارس هي الخرى تأثيرا ملحوظا على المشرع عند وضعه لسياسة التجريم،
ويتضح ذلك من خلل تجريم العديد من الفعال الماسة بهذا النوع من المصالح مثل
جرائم الجهاض وإهمال السرة ،وجرائم الخلق العامة وجرائم المساعدة على
النتحار وعدم تقديم المساعدة لمن كان في خطر ،وغيرها من الجرائم.
وعلى العموم ،فإن الدوافع والعوامل الموجبة للتجريم ،تختلف باختلف طبيعة
المصالح المستوجبة للحماية الجنائية ،فالمشرع حين يقوم بعملية التجريم يكون متأثرا
بثلث عوامل تشكل محاور أساسية هي المحور السياسي والمحور القتصادي
والمحور الجتماعي.
المطلب الثاني :مقاصد التجريم في التشريع
الجنائي السلمي
70
لم يضع الشارع الحكيم الحكام الشرعية التجريمية اعتباطا ،وإنما قصد بها
تحقيق مقاصد عديدة ،ومقاصد التجريم في الشريعة السلمية تدخل ضمن المقاصد
الشرعية العامة.
ومقاصد الشريعة كما يعرفها الفقهاء هي " المعاني والهداف الملحوظة للشرع
في جميع أحكامه أو معظمها ،أو هي الغايات من الشريعة ،والسرار التي وضعها
1الشارع عند كل حكم من أحكامها ".
وقد حصر علماء الصول مقاصد الشارع العامة من التشريع في ثلثة أصناف هي:
حفظ الضروريات ،وتوفير الحاجيات ،وتحقيق التحسينات.
وترتبط مقاصد التجريم وأهدافه في الشريعة السلمية بالصنف الول من هذه
المقاصد وهو حفظ الضروريات وإقامتها.
والضروريات كما يعرفها بعض الفقه هي " :كل أمر ضروري تقوم عليه حياة
الناس ولبد منه لستقامة مصالحهم ،فإذا فقد اختل نظام حياتهم وعمت الفوضى
وانتشر الفساد " 2أو هي " :ما لبد منها في قيام مصالح الدين والدنيا ،بحيث إذا
_________________
-1د .عبد الالق أحدون :مرجع سابق ،ص . 126
-2عبد القادر عودا :مرجع سابق ،ص . 203
فقدت لم تجري مصالح الدنيا على استقامة ،بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي
1الخرى فوت النجاة والنعيم ،والرجوع بالخسران المبين".
وتنسحب الضروريات إلى حفظ خمس مصالح أساسية تشكل في مجموعها
مقاصد التجريم وأهدافه ،فيما يعرف عند الفقهاء بالكليات الخمس وهي تشمل:
•حفظ الدين
•حفظ النفس
•حفظ العقل
•حفظ النسل
•حفظ المال
إن حفظ هذه العتبارات الخمس تشكل فلسفة التجريم وغاياته في التشريع
الجنائي السلمي ،وهي تشكل مجتمعة مختلف المصالح والقيم التي عملت
71
التشريعات الجنائية الحديثة الوطنية والمقارنة على حفظها وحمايتها ،بل إنها تزيد
عليها في بعض العناصر ،بحيث تقدم مفهوما راقيا ومتطورا لحفظ بعض هذه
المصالح خاصة ما يتعلق بالجانب الخلقي والتربوي والجتماعي.
وحاصل القول هنا ،أن مختلف المصالح والقيم المستهدفة بالحماية في التشريعات
الجنائية الحديثة سواء تعلق المر بالمصالح السياسية أو القتصادية ،أو الجتماعية،
قد شملها المشرع السلمي بالحفظ والحماية من خلل عنايته بترسيخ العناصر
الخمس السالفة وحمايتها.
فحفظ الدين باعتباره أهم مقوم في حياة الناس وركيزة الركائز في كيان
2 المجتمع ،هو ما يعبر عنه اليوم بالمصالح السياسية ،وقد شرع لحفظه أمور عديدة
منها تجريم كل اعتداء قد يطاله ،فكانت جرائم الردة ،وجرائم الحرابة ،وجرائم نشر
البدع وتشكيك الناس في عقيدتهم ،وجرائم الخروج عن الجماعة و شق عصا الطاعة
وموالة أعداء المسلمين وغيرها من الجرائم التي وجدت لحفظ الدين وصونه.
_________________
-1الشاطب :الوافقات ،ص 8الزء الثان دار العرفة بيوت لبنان بدون طبعة .
-2الشاطب :مرجع سابق ،ص .9-8
أما حفظ النفس ،والعقل والنسل ،فهي ما يعرف بالمصالح الجتماعية وقد شرع
لحفظ الولى ،جرائم القتل والجرح عمدا وخطأ ،وشرع لحفظ العقل ،جرائم شرب
الخمر وتناول المخدرات .فيما شرع لحفظ النسل ،جرائم القذف وجرائم الجهاض
وجرائم الزنى والشذوذ.
وأخيرا ،فإن حفظ المال ،يمثل ما يعرف في التشريعات الجنائية الحديثة
بالمصالح القتصادية ،وقد وجد لحفظه جرائم السرقة والختلس وجرائم أكل مال
الغير وجرائم إتلف أموال الناس .
وخلصة القول فيما تقدم ،أن نظام التجريم في الشريعة السلمية ،وجد لتحقيق
مجموعة من المقاصد والهداف ،تجسدت في حماية المصالح السياسية والقتصادية
والجتماعية داخل الدولة المسلمة.
المطلب الثالث :موقع النظام العام في التشريعين
السلمي الجنائيين المغربي و
72
ترددت فكرة النظام العام كثيرا على ألسنة رجال القانون وفي كتابات الفقهاء،
ورغم شيوع هذا اللفظ وكثرة استخدامه ،استعصى أمر تعريفه على من قام
بمحاولت في هذا الباب 1 ،إل أن بعض الفقه حاول تقريب هذا المفهوم إلى الذهان
وعرف النظام العام بأنه" مجموعة من السس السياسية والقتصادية والجتماعية
والخلقية التي يقوم عليها كيان المجتمع ".
وتحظى فكرة النظام العام بمركز متميز في سياسة التجريم سواء في القانون
الجنائي المغربي ،أو في الشريعة السلمية.إل أن تعامل التشريعين الجنائيين
السلمي والمغربي مع هذا المفهوم تباين بشكل واضح ،فما يعتبر من صميم النظام
العام في الشريعة السلمية ،قد ل يعتبر كذلك من منظور القانون الجنائي المغربي.
ومقتضى ذلك ،أن التشريع الجنائي السلمي جاء بمفهوم متميز لفكرة النظام
_________________
-1بقراءة الفصول النصوص عليها ف الباب الثالث و الرابع الزء الول من الكتاب الثالث من القانون النائي الغرب ،و أيضا الفصل 609من نفس القانون التعلق بالرائم
الرتكبة ضد النظام العام ل نلمس أية إشارة تفيد القصود من هذا النظام ف التشريع النائي الغرب ،بل إنه كثيا ما ت اللط بينه و بي المن العام من جهة أو بينه و بي التقة
العامة من جهة أخرى ) د .ممد التغدوين :إشكالية التجري ،ص ( 155 – 154و على الرغم من أن التعريفات هي ليست غالبا من عمل الشرع ،بل من وضع و
اجتهاد الفقه و القضاء فإنه كان لزاما على الشرع النائي الغرب أن يدد و بدقة القصود من النظام العام ظ ،نضرا لطورة للجرائم الدرجة ضمنه على حريات و حقوق
الفراد من جهة و منعا لكل تعسف أو توسع ف تديد مفهومه من قبل السلطة التنفيذية من جهة أخرى .
العام عند تجريمه لفعال وسلوكات المكلفين ،حيث يرتبط النظام العام في القانون
الجنائي السلمي بحماية مصالح الجماعة وحفظ كيانها ،وصيانة دعائم وأسس
المجتمع السلمي من كل اعتداء عليها ،فالجرائم المعتبرة من النظام العام في
الشريعة يأمر بها أو ينهى عنها لن في إتيانها أو تركها ضرر بنظام الجماعة ،أو
عقائدها أو بحياة أفرادها ،أو بأموالها ،أو بأعراضهم أو بغير ذلك من شتى
1 العتبارات التي تستوجب حال الجماعة صيانتها وعدم التفريط فيها.
ولذلك شرعت جرائم الحدود وتشدد الشارع الحكيم في العقاب عليها ،لما يمثله
هذا النوع من الجرائم من مساس مباشر بكيان المجتمع ،وخرقا فادحا لسسه
الخلقية والجتماعية بل وحتى السياسية ،ومن ثم كان العقاب عليها حقا ل تعالى،
لنه لم يقصد به نفع فرد معين ،وليس للفراد حكاما أو محكومين حق إسقاطه أو
العفو عنه.
73
وقد ل يحيد مفهوم النظام العام عند المشرع الجنائي المغربي عن هذا المعنى،
إذ ينطوي مفهوم النظام العام في القانون الجنائي المغربي على حماية نظام الجماعة
وحفظ مقوماتها .إل أن البين بين التشريعين الجنائيين في هذا الطار يتمثل في
تحديد مضمون النظام العام ،أو بمعنى آخر تحديد الجرائم المعتبرة من النظام العام
في كل التشريعين ،وكذا نوع المصالح والقيم التي تحميها جرائم النظام العام.
فإذا كان الشارع السلمي قد وازن عند وضعه لجرائم النظام العام بين حماية
المصالح السياسية (جرائم البغي مثل ) والجانب الخلقي (جرائم الزنى
والقذف… ) والجانب الجتماعي (شرب الخمر والقذف …) فلم يرجح بالحماية
الجنائية إحدى هذه العتبارات الثلث دون الخرى ،فإننا نجد بأن المشرع المغربي
مال في تحديد الجرائم الماسة بالنظام العام إلى حماية العتبار السياسي بالدرجة
الولى .وهو ما أتاح للسلطة التنفيذية التلويح بعصا النظام العام في وجه الفراد في
كل صغيرة وكبيرة ،خاصة فيما يعرف بالجرائم الماسة بالنظام العام من طرف
2 الفراد.
_________________
-1عبد القادر عودة :مرجع سابق ،ص . 68
-2تتمثل الرائم الاسة بالنظام العام من طرف الفراد ف صورتي :أ – جرائم اعتداء الفراد على الرافق العامة
ب – جرائم اعتداء الفراد على النظام العام القتصادي .
أما اختلف التشريعين في تحديد الجرائم المعتبرة من النظام العام ،فإننا نجد بأن
هناك العديد من الجرائم التي أدرجها القانون الجنائي السلمي في خانة جرائم
النظام العام كجرائم الزنى وشرب الخمر وجرائم الردة ،أي الجرائم المرتبطة
خصوصا بالجانب الخلقي والديني ،هي ليست كذلك في القانون الجنائي المغربي،
حيث تهاون هذا الخير في التجريم والعقاب على هذا النوع من الجرائم رغم
خطورته الواضحة على كيان المجتمع واستقراره ،فكان كنتيجة حتمية لذلك أن تزايد
معدل هذا النوع من الجرائم في المجتمع المغربي بشكل مخيف.
المطلب الرابع :نماذج تجريمية لختلف المصالح
المحمية في القانون الجنائي المغربي
و الشريعة السلمية
74
سنحاول أن نبين في هذا المطلب الختلف الواضح بين الشريعة السلمية
والقانون الجنائي المغربي من خلل جريمة الزنا وجريمة الخمر.
الفقرة الولى :جريمة الخمر في التشريعين الجنائيين السلمي والمغربي
أول :جريمة الخمر في القانون الجنائي المغربي
14 الموافق 1378 في شعبان ينص الفصل الول من المرسوم الملكي رقم -
724 66
بمثابة قانون يتعلق بالمعاقبة على السكر العلني على أنه " يعاقب بالحبس 1967 نونبر
درهم -
500 150 لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة يتراوح قدرها بين
أو بإحدى هاتين العقوبتين ،فقط كل شخص وجد في حالة سكر في الزقة والطرق
أو المقاهي أو الكبريات أو في أماكن أخرى عمومية أو يغشاها العموم"
ويمكن أن تضاعف العقوبتان إذا تسبب الشخص الموجود بحالة سكر في
ضوضاء تقلق راحة العموم.
ويفهم من هذا أن المشرع المغربي يشترط لقيام جريمة السكر أن يكون علنيا وفي
1 مكان عمومي حتى يعاقب عليه القانون .
_________________
-1د .حسون قدور أبو موسى :القانون النائي الغرب و الشريعة السلمية – تطابق و اختلف – ص 183مطبعة الطلل وجدة . 1986
كما أن الشخص إذا تناول شرابا مسكر في منزله أو في متجره ،وكان سكره بينا
فل جريمة ول عقوبة.
إن من يجيل النظر في تشريعات الخمور بالمغرب سيلحظ أن المشرع حاول
الظهور بمظهر الممتثل للشريعة السلمية من خلل تجريم بيع الخمور للمغاربة
المسلمين وسكت في نفس الوقت عن شرب الخمور فلم يمنعها ولم يعاقب عليها إل
إذا بلغ الشرب حد السكر البين الظاهر والعلني ،ونظم صناعة الخمور وترويجها
ووضع قواعد لتقطيرها واحتكارها والترخيص لترويجها.
إن السياسة الجنائية في مجال الخمور غير واضحة في المغرب ،وإنها موسومة
بالغموض والتذبذب ،ويحكمها منهج الملوذة والحيلة ،فل يمكن القول أن المشرع
في مصالحة مع الخمور لن هناك نصوصا تنقض هذا القول فالمشرع المغربي لم
يبح بصورة صريحة ومباشرة تقديم الخمور وبيعها للمغاربة المسلمين كما فعلت
تشريعات عربية أخرى كالتشريع المصري المتعلق بالخمور الذي أباح تقديم وتناول
75
المشروبات الكحولية أو الروحية أو المخمرة في الفنادق والمنشآت السياحية والندية
ذات الطابع السياحي.
كما أن التشريع المغربي عاقب على السكر العلني البين وجعل السكر ظرفا
مشددا في بعض الجرائم ولم يعف السكران الذي يسكر باختياره من المسؤولية
الجنائية أو المدنية ل بشكل كامل ول بشكل ناقص ،كما منع أيضا إشهار الخمور .
وفي نفس الوقت ل يمكن القول أن المشرع اتخذ موقف المخاصمة مع الخمور
فقد سمح ببيع الخمور لغير المسلمين ورخص لذلك ولم يحدد كميات الخمور
المسموح برواجها بما يلئم عدد الجانب الموجودين في البلد ،كما أنه لم يعاقب
المغاربة المسلمين على شرب الخمور أو حيازتها أو استهلكها أو السياقة تحت
تأثيرها…
إن المشرع تغاضى عن سلبيات تعاطي الخمور وتسهيل استهلكها وترويجها
والتجار فيها والترخيص لذلك ،مع ما يعني هذا من تكاثر المحلت الخاصة ببيع
الخمور وتناسلها وصعوبة مراقبتها ووفرة الكميات المتداولة وعلقة ذلك بتنامي
الجرام بمختلف أشكاله ،فضل عما يخلفه من مآسي اجتماعية وحالت إدمان
وتسممات وخراب بيوت وحوادث طرق مميتة وجرائم بشعة ومقيتة.
فأغلب المتابعات التي تسطرها النيابات العامة في المملكة ل تخلوا من العبارات
التالية :السكر العلني البين والقتل العمد .السكر العلني البين الغتصاب السكر
العلني البين والسرقة ،السكر العلني البين والهانة ،السكر العلني البين والضرب
والجرح بواسطة السلح…،الخ فإلى متى سيستمر المشرع في موقف الحياد
1 واللمبالة في غياب سياسة تجريمية ناجعة؟.
ثانيا :جريمة الخمر في التشريع الجنائي السلمي
لقد وقفت الشريعة السلمية موقفا صلب من شرب الخمر سواء كان قليل أو
كثيرا ،وقد كان تحريم الخمر على مراحل مختلفة لحكمة عظيمة ابتغاها الشارع
الحكيم إلى أن نزلت الية في سورة المائدة " يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر
والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " ثم جاءت
السنة النبوية وقضت بتحريم الخمر في قوله (ص) " كل مسكر خمر وكل خمر
76
حرام " وقال (ص) " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وقوله (ص) "من شرب فاجلدوه
" .فالتشريع السلمي حرم شرب الخمر سواء أسكر أو لم يسكر.
وتعتبر جريمة الخمر من الحدود ويعاقب عليها بالحد ثمانين جلدة بإجماع
الفقهاء فيها ما عدا أبو حنيفة وأصحابه على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام سواء
سمي خمرا و أن كان له اسم آخر ،وإن ،شرب القليل من أي مسكر معاقب ولو لم
يسكر.
فالشريعة السلمية حرمته تحريما نهائيا لنها تعتبر الخمر أم الخبائث وتراها
مضيعة للنفس والعقل والصحة والمال 2.وهذا ما لم ينتبه له المشرع المغربي.
_________________
-1يوسف وهاب :خريات القانون الغرب ،ص 43-42مطبعة النجاح الديدة . 2003
-2عبد الالق النواوي :مرجع سابق ص .171
وهكذا فالقانون الجنائي المغربي إذا كان ل يعاقب على مجرد شرب الخمر وإنما
يشترط أن يكون شارب الخمر في حالة سكر بين طافح في مكان عمومي فإن
الشريعة السلمية حرمت شرب الخمر لذاته سواء أكان قليل أم كثيرا وسواء أسكر
1 أم لم يسكر .
كما أن الشريعة اعتبرت شرب الخمر من جرائم الحدود أي من الجرائم
الخطيرة وعاقبت عليها بالجلد كما ثبت عن الرسول (ص) ،فعن أبي داود عن
قبيصة بن دؤيب رضي ال عنه أن النبي (ص) قال " :من شرب الخمر فاجلدوه
فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فأن عاد فاقتلوه ".
أما العقوبة في التشريع الجنائي المغربي ل تتعدى في بعض الحيان غرامة
درهما يؤديها المتهم ،وهذا يدفعنا إلى إبداء الملحظة التالية : 150 قدرها
-أن هذه العقوبة ليست رادعة بحجة أن شارب الخمر في غالب الحيان يكون
من الطبقة الغنية أو على القل من الطبقة المتوسطة وبالتالي يستطيع أداء الغرامة
الهزيلة مقابل إعفائه من عقوبة السجن ولو لم تكن له أموال لما شرب الخمر ولما
2دخل إلى محل شربه .
77
لهذا فأن الجلد يعد رادعا قويا في جريمة السكر أما الغرامة فإنها تجعل النص
القانوني عاجزا عن أداء وظيفته.
-إن بالتمحص في المرسوم المتعلق بالسكر العلني يتبين أنه ينص على معاقبة
كل شخص وجد في حالة سكر بين في الكبريات،إل أن الكبريات هي أماكن
مرخص لها لبيع الخمور وتنظيم حفلت للرقص وللهو في الليل والنهار .
فمن الطبيعي ومن البديهي أن كل من يدخل إلى الكبريات يتناول الخمر في
غالب الحيان ،ذلك أن وجود الشخص في حالة سكر بين في الكبريات ل يمس
بشعور المجتمع مادام المر محصور بين أشخاص كلهم يتعاطون لشرب الخمر
_________________
-1حسون قدور أبو موسى :مرجع سابق ،ص .189
-2حسون قدور أبو موسى :مرجع سابق ،ص .190
داخل محل مرخص له ول يتعداهم إلى الشارع ومادام الكباري مكان مخصص
أصل لشرب الخمر فإن عقاب من وجد فيه سكرانا يعد تناقضا صريحا بين الواقع
1والقانون .
-أن من حسن سياسة التجريم أن يعيد المشرع المغربي النظر في طريقة تعامله
مع مادة الخمور في إطار نظرة شمولية تأخذ بعين العتبار علقة الخمور بالجرام
2 وموقف الشريعة السلمية.
الفقرة الثانية :جريمة الزنى في التشريعين الجنائيين المغربي و السلمي
أول :جريمة الزنى في القانون الجنائي المغربي
من القانون الجنائي المغربي على أن " كل علقة جنسية بين 490 ينص الفصل
رجل وامرأة ل تربط بينهما علقة زوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها
بالحبس من شهر إلى ستة "
ينص على أنه " يعاقب 491 أما فيما يتعلق بجريمة الخيانة الزوجية فإن الفصل
بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ول
تجوز المتابعة في هذه الحالة إل بناء على شكوى من الزوج أو الزوجة المجني
عليه.
78
إل أنه في حالة غياب الزوج خارج المملكة فإن زوجته التي تتعاطى الفساد
بصفة ظاهرة يمكن للنيابة العامة متابعتها ".
ينص على أن" تنازل أحد الزوجين عن شكا يته يضع حدا 492 إل أن الفصل
3لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها عن جريمة الخيانة الزوجية ".
ثانيا :جريمة الزنا في التشريع الجنائي السلمي
الزنى جريمة من الجرائم الجتماعية التي حرمتها الشرائع السماوية والقوانين
الوضعية والعراف الجتماعية لمنافاتها لبسط المبادئ الخلقية لنها تتضمن
انتهاكا للعراض وتؤدي إلى اللتباس في النسان.
_________________
-1حسون قدور أبو موسى :مرجع سابق ،ص . 190
-2يوسف وهاب :مرجع سابق ،ص .43
– 3حسون قدور أبو موسى :مرجع سابق ،ص . 157
والشريعة السلمية لم تكتف بتجريم الزنى وإنما فرضت عقوبة قاسية على كل من
يرتكب هذه الجريمة بحيث تكون هذه العقوبة مانعة ورادعة لكل من تسول له نفسه
القدام على هذه الجريمة
قال تعالى ":الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و ل تأخذكم بهم
رأفة في دين ال إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر وليشهد عذابهما طائفة من
المؤمنين "
وقال عمر بن الخطاب في هذا الشأن ":إن ال بعث محمد بالحق وأنزل عليه
الكتاب فكان ما أنزل ال عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول ال (ص)
ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمن أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب ال
فيضلوا بترك فريضة أنزلها ال في كتابه فإن الرجم في كتاب ال الحق على من
1 زنى "
وهكذا وانطلقا من الفصول ( )492-491-490والية الكريمة وقول عمر رضي ال
عنه يمكن أن نبدي الملحظات التية :
•تعتبر جريمة الزنا في الشريعة السلمية من جرائم الحدود مما يعني أنها من
الجرائم الخطيرة على
79
المجتمع ،أما في التشريع الجنائي المغربي فل تعتبر كذلك حيث نص كل من
على عقوبة تافهة مقارنة مع خطورة هذه الجريمة . -
491 490 الفصل
فتفاهة العقوبة تفتح باب الفساد لكل جامح وتعرض السلعة لكل راغب فتنتشر
الباحية والفساد الخلقي وتعم الفوضى وتشيع الفاحشة .
تتنافى مع الشريعة السلمية إذ أنه ل تسامح في حدود ال، 491 •إن أحكام الفصل
والفساد
المحرم بمقتضى الكتاب والسنة وحد الزينة فريضة ل يجوز تركها .
_________________
-1حسون قدور موسى :مرجع سابق ،ص . 159
يعد مخالفا لحكام الشريعة السلمية أيضا عندما أعطى لحد 492 •كما أن الفصل
الزوجين
الحق في التنازل عن شكايته وجعل حدا للمتابعة الجنائية لن الزن وفقا للية
القرآنية فعل حرمه السلم والرجم فريضة أنزلها ال في كتابه وهو حق على من
زنى ول يجوز ترك هذه الفريضة .
إل أن المر الخطير والذي يتنافى مع أحكام الشريعة السلمية ومع الواقع هو
عدم متابعة المتهم المتزوج الذي ضبط مع امرأة مطلقة أو ليس لها زوج لعدم وجود
شكاية ضده من طرف زوجته كما أنه ل يمكن متابعته بجريمة الفساد نظرا لكونه
1 متزوجا .
ربما يقول قائل على أن الرابطة الزوجية قائمة على أساس عقد مبرم بين
الزوجين قائم على رضى الطرفين وأن العقد شريعة المتعاقدين وعلى هذا الساس
ل يجوز لحد التدخل في الشؤون الزوجية الداخلية وبالتالي فإن تنازل أحد الزوجين
عن شكايته ضد الخر من حقهما وحدهما ما دامت العلقة الزوجية قائمة ول يمكن
للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية ضد أحدهما .
وهذا الفهم خاطئ وهو مخالف للواقع والقانون لسببين :
80
-إن الحق الشخصي عندما يتعدى حدود نطاقه فإنه يصبح اعتداء على حقوق
الخرين وحرياتهم،
ذلك أن تعاطي الفساد يعد مساسا بحريات الخرين ويعد اعتداء على الشعور العام
للمجتمع وبالتالي ل يجوز للنيابة العامة أن تتنازل عن متابعتها في حالة عدم وجود
شكاية من أحد الزوجين أو تنازل أحدهما عن شكايته ضد لطرف الخر .
-إن سكوت النيابة العامة عن متابعة أحد الزوجين عند عدم تقديم شكاية من
أحدهما يعني التسامح فيحد من حدود ال وهو حد الزنى ويعني كذلك ترك فريضة
2أنزلها ال وهي عقاب الزانية والزاني .
_________________
-1حسون قدور أبو موسى :مرجع سابق ،ص . 162
-2حسون قدور :مرجع سابق ،ص .164
وهكذا يتبين التناقض الواضح بين واقع المجتمع المغربي باعتباره مجتمعا مسلما
وبين القانون الجنائي المغربي المستمد في معظمه من القانون الجنائي الفرنسي وهذا
التناقض يؤثر سلبا على فعالية سياسة التجريم المغربية في سعيها للحد من الجريمة.
فالزنى مثل تنظر إليها المجتمعات السلمية كجريمة تخص مجتمع بأسره ولهذا
نجد أن كثيرا من الناس يبتعدون عن اللجوء إلى القانون المطبق لعدم قناعتهم
بحكمه ،وهذا ما يؤدي إلى ارتكاب جرائم تعرف بجرائم الشرف كتعبير عن قصور
القوانين في معالجة هذه المشكلة وعدم وضع الحكام المنسجمة مع واقع المجتمع .
ا لمبحث الخامس :سياسة التجريم والح قوق والحر يات
ا لفر دية
يعتبر التجريم خروجا عن المبدأ العام الذي يقضي بان الصل في الفعال
الباحة ،وهو من هذا المنطلق يشكل تهديدا خطيرا ومباشرا على حقوق الفراد
وحرياتهم ،إن تم استغلله بشكل تعسفي وتسلطي من قبل الدولة.إن التجريم سيف
ذو حدين ،فكما يمكن استعماله في هدر حقوق الفراد وحرياتهم يمكن توجيهه
لحماية هذه الحقوق وحفظها وصيانتها.
المطلب الول :سياسة التجريم المغربية
والحقوق والحريات الفردية
81
إن أي مشرع في سعيه لوضع مدونة جنائية بغية الحد من الجريمة يجب أن
يأخذ بين العتبار الحقوق والحريات الفردية التي يكفلها الدستور إذ أن المساس بهذه
الخيرة تعبيرا أو دليل على عدم مشروعية هذه المدونة .
ومن هذا المنطلق إلى أي حد يمكن القول أن المشرع المغربي كان واضعا
نصب عينيه هذه الحقوق والحريات عند وضعه للمدونة الجنائية ؟ أو بمعنى آخر
هل القوانين الجنائية المغربية تتمتع بالمشروعية ؟
إن المطلع على المدونة الجنائية المغربية وعلى غيرها من القوانين الجنائية
سيتبين له بوضوح أن هناك مساس كبير بالحريات والحقوق الفردية التي يكفلها
وذلك سواء من خلل التنصيص على بعض القوانين 1996 الدستور المغربي لسنة
الجنائية أو عن طريق عدم إضفاء الصفة الجرامية على بعض الفعال التي تشكل
خطورة على هذه الحقوق والحريات.
فل يكفي لكي تتحقق المشروعية في عملية التجريم مجرد وجود نص قانوني
المتعلق بمكافحة الرهاب نص غير شرعي 0303 يجرم فعل من الفعال .فالقانون
لنه مخالف لمقتضيات الدستور من عدة جوانب وليس أقلها أنه يفتح باب التحكم
واسعا لدانة الشخاص من أجل كل فعل وكل حركة وكل كلمة .
فبالرغم من كون الترسانة الجنائية المغربية تتسع لكل الفعال التي يمكن
0303 اعتبارها جرائم إرهابية فإن الحكومة المغربية أعدت مشروع قانون رقم
المتعلق بمكافحة الرهاب ،هذا القانون الذي لقي معارضة قوية نظرا لما يشكله من
تراجعات خطيرة للحريات ومس خطير بضمانات احترام حقوق النسان ،إل أن
بالدار البيضاء كانت فرصة سانحة لتمرير هذا 2003 ماي 16 الحداث الرهابية ليوم
المشروع في البرلمان وإقراره في مدة زمنية وجيزة وقياسية.
ويقترح هذا المشروع إدخال تعديلت خطيرة على كل من القانون الجنائي
والمسطرة الجنائية.
-القانون الجنائي :إن أول ملحظة يمكن إبداءها تتعلق بتعريف الجرائم
الرهابية ،حيث جاء هذا التعريف فضفاضا بكل معنى الكلمة وهكذا فإن القانون
يحدد العناصر التالية :
82
•علقة الفعال المعنية بالجنايات والجنح المذكورة عمدا بمشروع فردي أو
جماعي.
•كون هذه الفعال تهدف إلى المس بالمن العام.
•تحديد الوسائل في التخويف أو القوة أو العنف أو الترويع أو الترهيب
ومن البديهي أن هذا التعريف يتميز بالغموض وعدم الدقة في تحديد عناصر
الفعل الجرامي ،الشيء الذي يفتح الباب للتحكم على مستوى البحث والتحقيق
والحكم.
وهذا التعريف المقتبس في جوهره من التفاقية المناهضة للرهاب يخضع
أساسا للهاجس المني للنظم العربية ،وهو ما تجلى بصفة خاصة في جناية المس
بأمن الدولة ضمن العمال الرهابية ،وهي جناية تطبق عليها عقوبات شديدة
القسوة ،كما اختلف جذريا هذا التعريف عن التعريفات الواردة ضمن تشريعات عدد
من البلدان ذات التقاليد الديمقراطية.
فهذه التشريعات تعرف الجريمة الرهابية تعريفا دقيقا ،دون أن تمس إطلقا
1 بالضمانات الساسية للحرية الفرية ولعدالة المحاكمة.
كما أن هذا التعريف -المطاط -يعتبر مخالفا لمبدأ الشرعية الذي يتطلب أن يكون
التعريف دقيقا وواضحا.
العقوبة :يلحظ التشديد من قسوة العقوبات السجنية سواء بالنسبة للفاعلين أو
المشاركين أو الذين لم يبلغوا مع تثبيت عقوبة العدام التي ما فتئت الحركة الحقوقية
تناضل من أجل إلغائها من القوانين المغربية ،ويضاف إلى العدام العقوبة السجنية
المشددة ،المنع من القامة في أماكن محددة أو القامة الجبارية في أماكن معينة
والمنع من مزاولة الوظائف والخدمات العمومية ومصادرة الممتلكات والحرمان من
2الحق في المعاش .
الجرائم :إن الغلبية الساحقة في الجرائم المعتبرة بمثابة أعمال إرهابية تقع
وإما تحت قانون 1962 بالفعل إما تحت طائلة القانون الجنائي الجاري به العمل منذ
83
الصحافة فيما يتعلق بالتحريض على القتل والنهب والحريق …وإن صياغة الفصل
ومضمونه ينمان عن جهل أو تجاهل المقتضى القانوني المذكور ،أما -
218 12
اعتبار الدعاية والشهار للفعال الجرامية المعينة فعل إرهابيا ،فإن من شأنه أن
يبرر المس بالحق في الخبر وفي العلم ،وهذا الذي يدخل في صميم رسالة
3الصحافة .
التعديلت المتعلقة بالمسطرة الجنائية :
_________________
-1عبد العزيز بنان :رئيس النظمة الغربية لقوق النسان سابقا ،المعية الغربية لقوق النسان /الرهاب و حقوق النسان /مركز العلم و التوثيق ،مارس 2004
– اليوم الدراسي حول مشروع قانون الرهاب – الرباط 12أبريل – 2002التشريع التعلق لحاربة الرهاب بي الرتال و الس بالكتسبات القوقية .
-2كلمة منسق الشبكة الوطنية ف اليوم الدراسي لجلس النواب 12أبريل ، 2003ص -11يوم دراسي حول مشروع قانون الرهاب .
-3عبد العزيز بنان :مرجع سابق ،ص . 38
يرفعان في حالة وجود جريمة إرهابية 80.66 -الحراسة النظرية :إن الفصلين
بشكل جد مبالغ فيه من الحراسة النظرية تزيد عن ثلثة مرات عن مدة الحراسة
العادية وذلك من أجل احتفاظ الشرطة القضائية بأي شخص مفيد في التحريات،
لضرورة البحث دون أن تكون له علقة بأي جريمة أو تعلق المر بجناية أو حجة
يعاقب عليها بالحبس ،وكانت هناك ضرورة للبحث التمهيدي كما ضاعف التمديد
1 ثمان مرات ،بإذن غير مكتوب ول معلل من طرف النيابة العامة .
-فيما يتعلق بالتفتيش :يوسع القانون من صلحية الشرطة والنيابة العامة
في مجال التفتيش وهكذا فإنه
•يبيح الدخول إلى المنازل وتفتيشها وحجز ما بها من أدوات حتى في حالة امتناع
صاحب المنزل عن
إعطاء موافقته أو في حالة تعذر الحصول على هذه الموافقة وذلك بإذن من النيابة
العامة (المادة )70
•يؤهل قاضي التحقيق في أن ينتدب قاضيا أو ضابطا أو أكثر من ضباط الشرطة
القضائية لجراء
) 120 تفتيش خارج الساعات القانونية (المادة
84
-مراقبة المكالمات والتصالت :ينص القانون على السماح للوكيل العام
بصفة استثنائية أو بأمر كتابي بالتقاط المكالمات الهاتفية أو التصالت المنجزة
بوسائل التصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها وحجزها متى كانت ضرورة
البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الثبات (المادة .)108
فكل هذه المقتضيات تمس بالضمانات القانونية التي تكفل حرمة المنازل وسرية
2 المراسلت المكرستين من لدن الدستور .
_________________
-1عبد ال :رئيس النظمة الغربية لقوق النسان ،يوم دراسي مشروع قانون الرهاب ،مرجع سابق ،ص . 81-80
-2عبد العزيز بنان :مرجع سابق ،ص .36
-فيما يتعلق بحق المشتبه فيه بمؤازرة محامي :منع المحامي من التصال
من القانون :لممثل النيابة العامة إمكانية 80 بموكله إذ منحت الفقرة الثالثة من المادة
تأخير اتصال المحامي بموكله بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية إذا
من 108 اقتضت ذلك ضرورة البحث كلما تعلق المر بالجرائم المشار إليها في المادة
هذا القانون .ويمكن لممثل النيابة العامة منع التصال بالمحامي وتأخيره إذا تعلق
المر بجريمة إرهابية ،وهذا حسب الهيئات يمس بحق الدفاع كأحد الحقوق الهامة
1 للمتهم.
كما أن هذا القانون يضرب مبدأ احترام السر البنكي عبر فتح المجال للطلع
بشكل قانوني على الحسابات البنكية للمواطنين المشتبه في إرهابيتهم وفتح المجال
2 أمام التصرف فيها .
ومن جهة أخرى فإن هذا القانون يأتي ومدونة القانون الجنائي لم تواكب
التطورات التي يعرفها الميدان الجنائي وطنيا ودوليا ،كمثال على ذلك عدم ملئمة
هذا القانون مع التفاقية الدولية ضد التعذيب التي صادق عليها المغرب في شهر
1993 يونيو من سنة
فالمساس بالحريات والحقوق الفردية ل يتحقق فقط من خلل التجريم وإنما قد
يتم ذلك عن طريق عدم إضفاء الصفة الجرامية ،على بعض الفعال التي تشكل
85
خطورة بالغة على هذه الحقوق والحريات ومن بين هذه الفعال التعذيب وغيرها من
ضروب المعاملة اللإنسانية .
فالمغرب بمصادقته على التفاقية السابقة الذكر يكون ملزم باحترام ما جاءت به
بنود هذه الخيرة وعلى الخصوص ما جاءت به المادة الرابعة التي تنص على أنه "
تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي
الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن مدى وفاء المشرع الجنائي المغربي
باللتزامات المترتبة عن المصادقة على هذه التفاقية .أو بصيغة أخرى هل القانون
_________________
-1د .متار مطيع - :ملة :دراسات و وقائع دستورية و سياسية – العدد . 2003 - 5
-2كلمة منسق الشبكة الوطنية :مرجع سابق ،ص .10
86
438 الشخاص الذين يمارسون سلطة عامة هم أيضا يمكن متابعتهم بناء على الفصل
بما أن هذا الخير يسري على جميع الحالت المنصوص عليهم في الفصول السابقة
ومن ضمنها الفصل .436
" يعاقب بالسجن المؤبد على الفعال المنصوص عليها في الفصل 499 -الفصل
إذا ارتكب بواسطة التعذيب وأعمال وحشية " 499 1والفصل - 499
:يعاقب الموظف العمومي الذي يستعمل أثناء قيامه بوظيفته و 231 -الفصل
بسبب قيامه بها العنف ضد الشخاص أو يأمر باستعماله بدون مبرر شرعي ،إل أن
_________________
-1ينص الفصل " 399يعاقب بالعدام من يستعمل وسائل التعذيب أو يرتكب أعمال وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية. .
العنف المقصود بهذا النص ليس مرادفا للتعذيب ،كما أن هذا النص ل يتفق مع
مفهوم التعذيب المحرم دوليا والذي يعتبر من المحظورات المطلقة وغير القابلة
للنصاف بصفة المشروعية ،تحت أي ذريعة كانت .
من خلل تحليل النصوص الجنائية السابقة ،يتضح لنا مدى الفراغ القانوني الذي
يعرفه القانون المغربي ،فيما يخص تجريم التعذيب ،فرغم أن هذا الخير يجرم
بعض أشكال استخدام التعذيب ،إل أنه ل يحدد مفهوم هذا الجرم ول طبيعته استنادا
إلى ما ورد في التفاقيات الدولية المعمول بها في هذا الشأن ،كما أنه ل يجعل
التعذيب جريمة في جميع الظروف .
ويلحظ أيضا أن القانون الجنائي ل يعاقب على جريمة التعذيب كجريمة قائمة
بذاتها مع ترتيب الجزاء بالنسبة للشخاص الذين يمكن أن يمارسوه بحكم مهامهم أو
الوظيفة المسندة إليهم ،كما تسعى إلى ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب ،بل يقتصر على
بعض جوانب التعذيب الممارس من الفراد العاديين أو كظرف مشدد.
ويتضح لنا جليا ،أن مصادقة المغرب على التفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره
من ضروب المعاملت أو العقوبات القاسية واللإنسانية أو المهينة لم تترجم إلى
المجال التشريعي العلمي ،طالما لم يتم تجريم هذه الممارسة في القانون الجنائي .1
87
وهكذا يظهر أن القانون الجنائي المغربي ل يوفر الحماية اللزمة لحقوق وحرية
الفراد .فإذا ما أحصينا النصوص التي تحمي بها الدولة نفسها فإننا نجدها تغطي
فصل مخصص لحماية المواطنين وحقوقهم . 33 مقابل 163
_________________
-1عبد اللطيف البيب :وقائع و آفاق تري التعذيب بالغرب ،جريدة العلم العدد 19976الميس 3فباير . 2005
88
من قبل الفراد أو السلطات الحاكمة ،كما وضعت مجموعة من العقوبات الشديدة
زجرا للمعتدين.
وإذا ما حاولنا تعداد حقوق النسان التي عمل المشرع الحكيم على إقرارها
وحمايتها في التشريع الجنائي السلمي نجدها كثيرة ومتعددة نذكر منها على سبيل
المثال ل الحصر :حق النسان في الحياة ،حق النسان في حمايته من التعذيب أو
العقوبة اللإنسانية أو الحاطة بالكرامة ،حق النسان في حمايته من السترقاق
والعبودية ،حق النسان في صيانة أسراره وحرمة مسكنه وعرضه ،حق النسان في
_________________
-1أحد خيي الكباش :مرجع سابق ،ص . 33
حماية ممتلكاته وأمواله … وغيرها من الحقوق التي أضفى عليها الشارع الحكيم
الحماية الجنائية من خلل نصوص من الكتاب والسنة.
والنصوص الدالة على الهمية الممنوحة لهذه الحقوق كثيرة ،نورد هنا نصا
عاما هو "العلن " 1الذي أصدره الرسول (ص)في حجة الوداع حيث قال فيه " :
إن ال تبارك وتعالى قد حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إل بحقها كحرمة يومكم
هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " ) رواه البخاري( .وقوله أيضا عليه الصلة
والسلم " :كل مسلم على مسلم حرام دمه وعرضه وماله …".
فهذين النصين صريحين في تحريم كل اعتداء قد يطال حق النسان في الحياة،
ويعضدهما نصوص من الكتاب حيث قال تعالى " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه
جهنم خالدا فيها ،وغضب ال عليه ولعنه…" وقوله تعالى أيضا " :من أجل ذلك
كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن
أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا " .فحق النسان في الحياة ،حق مقدس ل يسمح
لحد فردا كان أو سلطة إهداره أو العتداء عليه إل بحق ،ومن أجل ذلك شرعت
جرائم القصاص والدية.
أما حق النسان في حمايته من التعذيب بكل ألوانه وأشكاله والحط من كرامته
فهو حق مصون مضمون في الشريعة السمحة ،وهو يدرج ضمن حق النسان في
سلمة جسده وسكينة نفسه ،الذي جرم الشارع الحكيم العتداء عليه بنصوص
صريحة قاطعة ،وشرع لحمايته عقوبة القصاص والدية وعقوبة التعازير.
89
إن النسان في الشريعة السلمية هو قدس المقدسات ،وحرمة الحرمات وإن
كل اعتداء عليه بتعريضه للتعذيب سواء في جسده أو في نفسيته ،هو هدر سافر
لهذه القدسية ،يقول تعالى في الحديث القدسي " :يا عبادي إني حرمت الظلم على
نفسي وجعلته بينكم محرما فل تظالموا " فإذا كان ال عز وجل وهو خالق النسان
ورازقه قد حرم على نفسه سبحانه أن يظلم النسان ،فل يعذبه في الدنيا ول في
_________________
-1ممد العساكر :ضمانات حقوق الفراد ف التشريع النائي السلمي ،ص 161ملة الدفاع الجتماعي ،العدد 16مطبعة النجاح الديدة يوليوز . 1983
الخرة إل إذا قامت عليه الحجة وسطعت عليه البينة ،يقول تعالى " :وما ربك
بظلم للعبيد " .فكيف يسمح إنسان أيا كانت ،سلطته أن يعذب أخاه النسان دون
وجب حق أو سلطان ،يقول تعالى " :إن ال ل يحب كل معتد أثيم " ويقول أيضا :
90
وهكذا وانطلقا من هذه المقارنة بين السياسة التجريمية السلمية والسياسة
التجريميـة المغربيـة يتـبين بوضوح أن هناك اختلفات عميقـة وكثيرة بيـن
السياستين وذلك من عدة جوانب:
-فبالر غم من أ خد كل من التشر يع الجنائي ال سلمي
والقانون الجنائي المغربــي بمبدأ الشرعيــة ال أن
الطريقـة التـي تعاملت بهـا الشريعـة مـع هذا المبدأ
جعلت أحكام ها تتلءم مع كل زمان ومكان وتوا كب
كل التطورات في ح ين أف ضى ال سلوب الذي تعا مل
بـه المشرع المغربـي مـع هذا المبدأ إلى التضخـم
والجمود.
-وإذا كان البرلمان هو الذي له ال حق في التجر يم في
القانون الجنائي المغر بي فان م صدر التشر يع الجنائي
ال سلمي هو ال الحك يم العل يم ب ما ي صلح ول ي صلح
لقوله تعالى " أليس ال بأحكم الحاكمين ".
-و من ج هة أخرى إذا كا نت الشري عة ال سلمية تهدف
إلى حما ية الضروريات – الد ين – الن فس -الع قل –
91
النسب و المال من إطار الموازنة بين جميع المصالح
فان القانون الجنائي و ضع أ ساسا لحما ية الدولة أك ثر
من أي شيء آخر.
-كمـا يلحـظ أن الهاجـس المنـي للمشرع المغربـي
وتركيزه على حما ية الدولة جعله يه مل حقوق الفراد
وحريات هم بش كل فا ضح ,أ ما الشري عة ال سلمية ف قد
كرمت النسان أحسن تكريم .
فهذا التباعـد بيـن السـياسيتين يؤثـر سـلبا على فعاليـة التجريـم المغربيـة فـي
سعيها لل حد من الجري مة إذ أن فعال ية أي سياسة تجريم ية ترت بط أ ساسا بمدى
انبثاق هذه ال سياسة من وا قع المجت مع وقنا عة أفراده ح تى ت قل فرص الجرام
مما يمكن أن تكون عليه فيما لو جاءت هذه السياسة من سلطة متسلطة ل تقيم
لمعتقدات المجتمع وقناعة أفراده وزنا .
ومن جهة أخرى أن فعالية سياسة التجريم ليس معناها توسيع ميدان التجريم
إلى أقصـى حـد وفتـح الباب للقاعدة الزجريـة للتدخـل فـي كـل مياديـن النشاط
الجتما عي ( الش يء الذي ين تج ع نه تض خم القانون الجنائي) ف سياسة التجر يم
ومهما كانت متطورة فإنها لن تستطيع الحد من الجريمة دون محاربة السباب
التي تؤدي إلى ارتكابها وإذ كيف يمكن محاربة العديد من الجرائم مثل التشرد
والتسول والسرقة والغتصاب والقتل دون القضاء على السباب التي تؤدي إلى
ارتكاب ها وب صفة خا صة ما يتعلق بالبطالة وقلة الو عي الثقا في والدي ني والم ية
والفقر والتهميش ،ومن ثم فان القانون الجنائي في هذه الحالة ما هو ال ادات
قسر تحت التهديد بالعقاب فقط كما قال الشاعر:
92
تم بعون الله و توفيقه
« الــكــتــب »
-ابن القيم الوزية :أعلم الوقعي عن رب العالي ،الزء الثالث ،دار الفكر بيوت
-ابن القيم الوزية :الطرق الكمية ف السياسة الشرعية ،تقيق ممد حامد الفقي ،دار
-أحد فتحي سرور :أصول السياسة النائية ،دار النهضة العربية ،طبعة . 1972
-أحد المليشي :شرح القانون النائي العام ،مكتبة العارف ،الطبعة الول . 1985
-أحد فتحي بنسي :السياسة النائية ف الشريعة السلمية ،دار العروبة ،طبعة .1965
-أحد حصري :السياسة الزائية ف فقه العقوبات السلمي القارن ،الجلد الول ،دار
-أمي عبد العزيز :الفقه النائي ف السلم ،دار السلم ،الطبعة الول . 1997
-جيل عبد الباقى الصغي :الشرعية النائية ،دراسة تاريية و فلسفية ،دار النهضة
93
-حسون قدور أبو موسى :القانون النائي الغرب و الشريعة السلمية – تطابق و
-خالد عبد الميد فراج :النهج الكيم ف التجري و التقوي ،منشأة العارف ،طبعة
. 1989
-خيي أحد الكباش :الماية النائية لقوق النسان ،دراسة مقارنة ،طبعة . 2002
-عبد السلم بنحدو :الوجيز ف القانون النائي الغرب – القدمة و النظرية و العامة –
-عبد السلم بنحدو :مبادئ علم الجرام – الطبعة و الوراقة الوطنية – الطبعة الثانية
-عبد الالق أحدون :فصول ف الدخل إل دراسة الشريعة السلمية ،مطبعة اسبارطيل
-عبد الالق أحدون و آيت الاج مرزوق :مباحث ف أصول الفقه ،مطبعة اسبارطيل ،
-عبد القادر عودة :التشريع النائي السلمي مقارنا بالقانون الوضعي ،الزء الول ،
-عبد الالق النواوي :جرائم السرقة ف الشريعة السلمية و القانون الوضعي ،الكتبة
-عوض حسن الكنور :حقوق النسان ف الجال النائي ،دار الشرق ،طبعة . 1965
-عبد الالق النواوي :التشريع النائي ف الشريعة السلمية و القانون الوضعي ،
-عبد الواحد العلمي :البادئ العامة للقانون النائي الغرب – الزء الول ،دار النشر
94
-سامي النصراوي :النظرية العامة للقانون النائي الغرب ف الرية و السؤولية
-الشاطب :الوافقات ،الزء الثان و الرابع ،دار العرفة ،بيوت لبنان ،بدون طبعة .
-ممد أبو زهرة :الرية و العقوبة ف الفقه السلمي ،الزء الثان ،دار الفكر العرب .
-ممد التغدوين :إشكالية التجري ف التشريع النائي الغرب ،فاس بريس ،طبعة
. 2002
-ممد سليم العوا :أصول النظام النائي السلمي ،دار العارف ،الطبعة الثانية . 1983
. -ممد مليان :دروس ف القانون النائي العام ،دار النشر السور ،الطبعة الول
-ممد الدن بوساق :إتاهات السياسة النائية العاصرة و الشريعة السلمية ،الرياض .
-مصطفى العوجي :دروس ف العلم النائي ،مؤسسة نوفل ،بيوت ،طبعة . 1980
. -مني نكب :تقنية التجري ف التشريع النائي الغرب " بث ناية التمرين ،معهد
-ممد فاروق النبهان :مباحث ف التشريع النائي السلمي ،دار القلم طبعة . 1977
. -مناع القطان :تاريخ التشريع السلمي ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة السابعة و العشرون
-يوسف وهاب :خريات القانون الغرب ،مطبعة النجاح الديدة طبعة . 2003
« الـمجلت و الرائد »
95
-جريدة العلم :عبد اللطيف لبيب ،و قائع و آفاق تري التعذيب بالغرب ،العدد . 1997
-أحد فتحي سرور :الجلة العربية للدفاع الجتماعي ،العدد ، 11مطبعة النجاح الديدة . ،
-ممد سليم العوا :الجلة العربية للدفاع الجتماعي ،العدد ، 7مارس . 1978
-حسن صادق الرصفاوي :الجلة العربية للدفاع الجتماعي ،العدد ، 18مطبعة النجاح
-متار مطيع :ملة :دراسة وقائع دستورية و سياسية ،العدد ، 5طبعة . 2003
. -الرهاب و حقوق النسان :اليوم الدراسي حول مشروع قانون الرهاب ،المعية
96
i
ii
iii
iv