Professional Documents
Culture Documents
الفهرس
الجزء الول
بدء الرحلة والخروج من طنجة
ذكر سلطان تونس
ذكر أبوابها ومرساها
ذكر المنار
ذكر عمود السواري
ذكر بعض علماء السكندرية
ذكر مسجد عمرو بن العاص
ذكر قرافة مصر ومزاراتها
ذكر نيل مصر
ذكر الهرام والبرابي
ذكر سلطان مصر
ذكر بعض أمراء مصر
ذكر القضاة بمصر في عهد دخولي إليها
ذكر بعض علماء مصر وأعيانها
ذكر يوم المحمل
ذكر المسجد المقدس
ذكر قبة الصخرة
ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف
ذكر بعض فضلء القدس
ذكر جامع دمشق المعروف بجامع بني امية
ذكر الئمة بهذا المسجد
ذكر المدرسين والمعلمين به
ذكر قضاة دمشق
ذكر مدارس دمشق
ذكر أبواب دمشق
ذكر بعض المشاهد والمزارات بها
ذكر أرباض دمشق
ذكر قاسيون ومشاهده المباركة
ذكر الربوة والقرى التي تواليها
ذكر الوقاف بدمشق وبعض فضائل أهلها وعوائدهم
ذكر سماعي بدمشق ومن أجازني من أهلها
طيبة مدينة رسول ال صلى ال عليه وسلم وشرف وكرم
ذكر مسجد رسول ال وروضته الشريفة
ذكر ابتداء بناء المسجد الكريم
ذكر المنبر الكريم
ذكر الخطيب والمام بمسجد رسول ال
ذكر خدام المسجد الشريف والمؤذنين به
ذكر المجاورين بالمدينة الشريفة
ذكر أمير المدينة الشريفة
ذكر بعض المشاهد الكريم بخارج المدينة الشريفة
ذكر مدينة مكة المعظمة
ذكر المسجد الحرام شرفه ال وكرمه
ذكر الكعبة المعظمة الشريفة
ذكر الميزاب المبارك
ذكر الحجر السود
ذكر المقام الكريم
ذكر الحجر والمطاف
ذكر زمزم
ذكر أبواب المسجد الحرام
ذكر الصفا والمروة
ذكر الجبانة المباركة
ذكر بعض المشاهد خارج مكة
ذكر الجبال المطيفة بمكة
ذكر أميري مكة
ذكر أهل مكة وفضائلهم
ذكر قاضي مكة وخطيبها
ذكر المجاورين بمكة
ذكر عادة أهل مكة في صلواتهم ومواضع أئمتهم
ذكر عاداتهم في الخطبة وصلة الجمعة
ذكر عاداتهم في استهلل الشهور
ذكر عادتهم في شهر رجب
ذكر عمرة رجب
ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان
ذكر عادتهم في شهر رمضان المعظم
ذكر عادتهم في شوال
ذكر إحرام الكعبة
ذكر شعائر الحج وأعماله
ذكر كسوة الكعبة
ذكر النفصال عن مكة شرفها ال تعالى
ذكر الروضة والقبور التي بها
ذكر نقيب الشراف
مدينة واسط
مدينة البصرة
حكاية اعتبار
ذكر المشاهدة المباركة بالبصرة
ذكر ملك إيذج وتستر
ذكر سلطان شيراز
ذكر بعض المشاهد بشيراز
مدينة الكوفة
مدينة بغداد
ذكر الجانب الغربي من بغداد
ذكر الجانب الشرقي منها
ذكر قبور الخلفاء ببغداد
ذكر سلطان العراقين وخراسان
ذكر المتغلبين على الملك
مدينة الموصل
ذكر سلطان ماردين في عهد دخولي إليها
ذكر سلطانها
ذكر سلطان حلي
ذكر سلطان اليمن
ذكر سلطان مقديشو
ذكر سلطان كلوا
ذكر التنبول
ذكر النارجيل
ذكر سلطان ظفار
ذكر ولي لقيناه بهذا الجبل
ذكر سلطان عمان
ذكر سلطان هرمز
ذكر سلطان لر
ذكر مغاص الجوهر
ذكر سلطان العليا
ذكر الخية الفتيان
ذكر سلطان انطالية
ذكر سلطان أكريدور
ذكر سلطان قل حصار
ذكر سلطان لذق
ذكر سلطان ميلس?
ذكر سلطان اللرندة?
ذكر سلطان بركي
ذكر سلطان مغنيسية
ذكر سلطان برغمة
ذكر سلطان بلي كسري
ذكر سلطان برصا
ذكر سلطانها
ذكر سلطان قصطمونية
ذكر العجلت التي يسافر عليها بهذه البلد
ذكر السلطان المعظم محمد أوزبك خان
ذكر الخواتين وترتيبهن
ذكر الخاتون الكبرى
ذكر الخاتون التي تلي الملكة
ذكر الخاتون الثالثة
ذكر الخاتون الرابعة
ذكر بنت السلطان المعظم أوزبك
ذكر ولدي السلطان
ذكر سفري إلى مدينة بلغار
ذكر أرض الظلمة
ذكر ترتيبهم في العيد
ذكر سفري إلى القسطنطينية
ذكر سلطان القسطنطينية
ذكر المدينة
ذكر الكنيسة العظمى
ذكر المانستارات بقسطنطينية
ذكر الملك المترهب جرجيس
ذكر قاضي القسطنطينية
ذكر النصراف عن القسطنطينية
أمير خوارزم
حكاية ومكرمة لهذا القاضي والمير
ذكر بطيخ خوارزم
ذكر أولية التتر وتخريبهم بخارى وسواها
ذكر سلطان ما وراء النهر
ذكر سلطان هراة
حكاية الرافضة
حكاية
حكاية هي سبب قتل الفقيه نظام الدين المذكور
حكاية الشيخ شهاب الدين
الجزء الثاني
ذكر البريد
ذكر الكركدن
ذكر السفر في نهر السند وترتيب ذلك
ذكر غريبة رأيتها بخارج هذه المدينة
ذكر أمير ملتان وترتيب حاله
ذكر من اجتمعت به في هذه المدينة من الغرباء
ذكر أشجار بلد الهند وفواكهها
ذكر الحبوب التي يزرعها أهل الهند ويقتاتون بها
ذكر غزوة لنا بهذا الطريق
ذكر أهل الهند الذين يحرقون أنفسهم بالنار
ذكر وصفها
ذكر سور دهلي وأبوابها
ذكر جامع دهلي
ذكر الحوضين العظيمين بخارجها
ذكر بعض مزاراتها
ذكر بعض علمائها وصلحائها
ذكر فتح دهلي ومن تداولها من الملوك
ذكر السلطان شمس الدين للمش
ذكر السلطان ركن الدين ابن السلطان شمس الدين
ذكر السلطانة رضية
ذكر السلطان ناصر الدين ابن السلطان شمس الدين
ذكر السلطان غياث الدين بلبن
ذكر السلطان معز الدين بن ناصر
ذكر السلطان جلل الدين
ذكر السلطان علء الدين محمد شاه الخلجي
ذكر ابنه السلطان شهاب الدين
ذكر السلطان قطب الدين ابن السلطان علء الدين
ذكر السلطان خسروخان ناصر الدين
ذكر السلطان غياث الدين تغلق شاه
ذكر ما رامه ولده من القيام عليه فلم يتم له ذلك
ذكر مسير تغلق إلى بلد اللكنوتي
ذكر السلطان أبي المجاهد محمد شاه ابن السلطان
ذكر سلطان قندهار
ذكر ركوبنا البحر
ذكر سلطان قوقة
حكاية هذا الجوكي
ذكر سلطان هنور
ذكر ترتيب طعامه
ذكر الفلفل
ذكر سلطان فاكنور
ذكر سلطانها
ذكر سلطانها
ذكر الشجرة العجيبة الشأن التي بإزاء الجامع
ذكر سلطان قالقوط
ذكر مراكب الصين
ذكر أخذنا في السفر إلى الصين ومنتهى ذلك
ذكر القرفة والبقم
ذكر سلطان كولم
ذكر توجهنا إلى الغزو وفتح سندابور
ذكر سلطان سيلن
ذكر سلطان كنكار
ذكر سلطان بلد المعبر
ذكر وصولي إلى السلطان غياث الدين
ذكر سلطان بنجالة
ذكر الشيخ جلل الدين
ذكر سلطانهم
ذكر سلطان الجاوة
ذكر دخولنا إلى داره وإحسانه إلينا
ذكر انصرافه إلى داره وترتيب السلم عليه
ذكر خلف ابن أخيه وسبب ذلك
ذكر اللبان
ذكر الكافور
ذكر العود الهندي
ذكر القرنفل
ذكر سلطان مل جاوه
ذكر الفخار الصيني
ذكر دجاج الصين
ذكر بعض من أحوال أهالي الصين
ذكر دراهم الكاغد التي بها يبيعون ويشترون
ذكر التراب الذي يوقدونه مكان الفحم
ذكر ما خصوا به من إحكام الصناعات
ذكر عادتهم في تقييد ما في المراكب
ذكر عادتهم في منع التجار عن الفساد
ذكر حفظهم للمسافرين في الطرق
ذكر المير الكبير قرطي
حكاية المشعوذ
ذكر سلطان الصين والخطا الملقب بالقان
ذكر قصره
ذكر خروج القان لقتال ابن عمه وقتله
ذكر رجوعي إلى الصين ثم إلى الهند
ذكر الرخ
ذكر إعراس ولد الملك الظاهر
ذكر سلطان ظفار
ذكر سلطان العراق
ذكر سلطان مصر
ذكر سلطان تونس
ذكر بعض فضائل مولنا أيده ال
ذكر سلطان غرناطة
ذكر التكشيف
ذكر مسوفة الساكنين بأيوالتن
ذكر سلطان مالي
ذكر ضيافتهم التافهة وتعظيمهم لها
ذكر كلمي للسلطان بعد ذلك وإحسانه إلي
ذكر جلوسه بقبته
ذكر جلوسه بالمشور
ذكر تذلل السودان لملكهم
ذكر فعله في صلة العيد وأيامه
ذكر الضحوكة في إنشاد الشعراء للسلطان
ذكر ما استحسنته من أفعال السودان
ذكر سفري عن مالي
ذكر الخيل التي تكون بالنيل
ذكر معدن النحاس
ذكر سلطان تكدا
ذكر وصول المر الكريم إلي
الجزء الول
قال الشيخ الفقيه العالم الثقة الناسك البر وفد ال المعتمر شرف الدين المعتمد في سياحته
على رب العالمين أبو عبد ال محمد بن عبد ال بن محمد بن إبراهيم اللواتي ثم الطنجي
المعروف بابن بطوطة رحمه ال ورضي عنه وكرّمه آمين.
الحمد ل الذي ذلّل الرض لعباده ليسلكوا منها سبلً فجاجاً ،وجعل منها وإليها تاراتهم
الثلث نباتاً وإعادة وإخراجا .دحاها بقدرته فكانت مهاداً للعباد ،وأرساها بالعلم الراسيات
والطواد ،ورفع فوقها سمك السماء بغير عماد ،وأطلع الكواكب هداية في ظلمات البر
والبحر .وجعل القمر نوراً والشمس سراجاً ،ثم أنزل من السماء ماء فأحيا به الرض بعد
الممات .وأنبت فيها من كل الثمرات .وفطر أقطارها بصنوف النبات ،وفجر البحرين عذباً
فراتاً ،وملحاً أجاجاً ،وأكمل على خلقه النعام بتذليل مطايا النعام ،وتسخير المنشئات
كالعلم لتمتطوا من صهوة القفر ومتن البحر أثباجاً .وصلى ال على سيدنا ومولنا محمد
الذي أوضح للخلق منهاجاً .وطلع نور هدايته وهّاجا .بعثه ال تعالى رحمة للعالمين واختاره
خاتماً للنبيين وأمكن صوارمه من رقاب المشركين حتى دخل الناس في دين ال أفواجاً،
وأيده بالمعجزات الباهرات ،وأنطق بتصديقه الجمادات ،وأحيا بدعوته الذمم الباليات ،وفجر
من بين أنامله ماء ثجّاجا .ورضي ال تعالى عن المتشرفين بالنتماء إليه أصحاباً وآلً
وأزواجاً ،المقيمين تقاة الدين فل تخشى بعدهم اعوجاجاً ،فهم الذين آزروه على جهاد
العداء ،وظاهروه على إظهار الملة البيضاء ،وقاموا بحقوقها الكريمة من الهجرة
والنصرة واليواء ،واقتحموا دونه نار اليأس حامية ،وخاضوا بحر الموت عجاجاً،
ونستوهب ال تعالى لمولنا المام الخليفة أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين
المجاهد في سبيل ال المؤيد بنصر ال -أبي عنان فارس ابن موالينا الئمة المهتدين الخلفاء
الراشدين نصراً يوسع الدنيا وأهلها ابتهاجاً ،وسعداً يكون لزمانة الزمان علجاً ،كما وهبه
ال بأساً وجوداً لم يدع طاغياً ول محتاجاً ،وجعل بسيفه وسيبه لكل ضيقة انفراجاً .وبعد،
فقد قضت العقول ،وحكم المعقول والمنقول ،بأن هذه الخلفة العلية ،المجاهدة المتوكلة
الفاسية .هي ظل ال الممدود على النام ،وحبله الذي به العتصام ،وفي سلك طاعته يجب
النتظام ،فهي التي أبرأت الدين عند اعتلله ،وأغمدت سيف العدوان عند انسلله،
وأصلحت اليام بعد فسادها ،ونفقت سوق العلم بعد كسادها ،وأوضحت طرق البر عند
انتهاجها ،وسكنت أقطار الرض عند ارتجاجها ،وأحيت سنن المكارم بعد مماتها ،وأماتت
رسوم المظالم بعد حياتها ،وأخمدت نار الفتنة عند اشتعالها ،وأنقضت حكام البغي عند
استقللها ،وشادت مباني الحق على عماد التقوى ،واستمسكت من التوكل على ال بالسبب
القوى ،فلها العز الذي عقد تاجه على مفرق الجوزاء ،والمجد الذي جر أذياله على مجرة
السماء ،والسعد الذي رد على الزمان غض شبابه ،والعدل الذي على أهل اليمان مدّ يد
أطنابه ،والجود الذي قطر سحابه اللجين والنضار ،والبأس الذي فيه غمامة الدر الموار،
والنصر الذي تفض كتائبه الجل ،والتأييد الذي بعض غنائمه الدول ،والبطش الذي سبق
سيفه العذل ،والناة التي ل يمل عندها المل ،والحزم الذي يسد على العداء وجوه
المسارب ،والعزم الذي يفل جموعها قبل قراع الكتائب ،والحلم الذي يجني العفو من ثمر
الذنوب ،والرفق الذي جمع على محبته بنات القلوب ،والعلم الذي يجلو نوره دياجي
المشكلت والعمل المفيد بالخلص والعمال بالنيات.
ولمحا كانحت حضرتحه العليحة :مطمحح المال ،ومسحرح همحم الرجال ،ومححط رحال
الفضائل ،ومثابحة أمحن الخائف ،ومنيحة السحائل ،توخحى الزمان خدمتهحا ببدائع تحفحه،
ورائع طرفه ،فانثال عليها العلماء انثيال جودها على الصفات ،وتسابق إليها الدباء
تسححابق عزماتهححا إلى العداة ،وحححج العارفون حرمهححا الشريححف ،وقصححد السححائحون
اسححتطلع معناهححا المنيححف ،ولجححأ الخائفون إلى المتناع بعححز جنابهححا ،واسححتجارت
الملوك بخدمحة أبوابهحا ،فهحي القطحب الذي عليحه مدار العالم ،وفحي القطحع بتفضيلهحا
تسحاوت بديهحة عقحل الجاهحل والعالم ،وعحن مآثرهحا الفائقحة يسحند صححاح الثار كحل
مسلم ،وبإكمال محاسنها الرائقة يفصح كل معلم ،وكان ممن وفد على بابها السامي،
وتعدى أوشال البلد إلى بحرهحا الطامحي ،الشيحخ الفقيحه السحائح الثقحة الصحدوق ،جوال
الرض ،ومخترق القاليححم بالطول والعرض ،أبححو عبححد ال محمححد ابححن عبححد ال بححن
محمححد بححن إبراهيححم اللواتححي المعروف بابححن بطوطححة المعروف فححي البلد الشرقيححة
بشمحس الديحن ،وهحو الذي طاف الرض معتحبراً ،وطوى المصحار مختحبراً ،وباححث
فرق المحم ،وسحبر سحير العرب والعجحم ،ثحم ألقحى عصحا التسحيار بهذه الحضرة العليحا،
لمحا علم أن لهحا مزيحة الفضحل دون شرط ول ثنيحا ،وطوى المشارق إلى مطلع بدرهحا
بالغرب ،وآثرهحححا على القطار إيثار التحححبر على الترب ،اختياراً بعحححد طول اختبار
البلد والخلق ،ورغبحة اللحاق بالطائفحة المثلى ،التحي على الححق فغمره محن إحسحانه
الجزيححل ،وامتنانححه الحفححي الحفيححل ،مححا أنسححاه الماضححي بالحال ،وأغناه عححن طول
الترحال ،وحقحر عنده محا كان محن سحواه يسحتعظمه ،وحقحق لديحه محا كان محن فضله
يتوهمحه ،فنسحي محا كان ألفحه محن جولن البلد ،وظفحر بالمرعحى الخصحب بعحد طول
الرتياد ،ونفذت الشارة الكريمحة بأن يملي محا شاهده فحي رحلتحه محن المصحار ،ومحا
علق بحفظححه مححن نوادر الخبار ،ويذكححر مححن لقيححه مححن ملوك القطار ،وعلمائهححا
الخيار ،وأوليائهحا البرار ،فأملى محن ذلك محا فيحه نزهحة الخواطحر ،وبهجحة المسحامع
والنواظحر ،محن كحل غريبحة أفاد باجتلئهحا ،وعجيبحة أطرف بانتحائهحا .وصحدر المحر
العالي لعبحد مقامهحم الكريحم ،المنقطحع إلى بابهحم المتشرف بخدمحة جنابهحم .محمحد ابحن
محمحد بحن جزي الكلبحي ،أعانحه ال على خدمتهحم ،وأوزعحه شكحر نعمتهحم ،أن يضحم
مشتملً ،ولنيحححل مقاصحححده مكملً ،متوخياً تنقيحححح الكلم وتهذيبحححه ،معتمداً إيضاححححه
وتقريبححه ،ليقححع السححتمتاع بتلك الطرف ،ويعظححم النتفاع بدرّهححا عنححد تجريده مححن
الصحدف .فامتثحل محا أمحر بحه مبادراً ،وشرع فحي منهله ليكون بمعونحة ال عحن توفيحة
الغرض منحه صحادراً ،ونقلت معانحي كلم الشيحخ أبحي عبحد ال بألفاظ موفيحة للمقاصحد
التي قصدها ،موضحة للمناحي التي اعتمدها ،وربما أوردت لفظه على وضعه ،فلم
أخححل بأصححله ول فرعححه ،وأوردت جميححع مححا أورده مححن الحكايات والخبار ،ولم
أتعرض لبححث عحن حقيقحة ذلك ول اختبار ،على أنحه سحلك فحي إسحناد صححاحها أقوم
المسحالك ،وخرج عحن عهدة سحائرها بمحا يشعحر محن اللفاظ بذلك وقيدت المشكحل محن
أسححماء المواضححع والرجال بالشكححل والنقححط ،ليكون أنفححع فححي التصحححيح والضبححط،
وشرحت ما أمكنني شرحه من السماء العجمية ،لنها تلتبس بعجمتها على الناس،
ويخطحئ فحي فحك معماهحا معهود القياس ،وإنحا فنرجحو أن يقحع محا قصحدته محن المقام
العلي ،أيده ال بمححل القبول ،وأبلغ محن الغضاء عحن تقصحيره المأمول ،فعوائدهحم
في السماح جميلة ،ومكارمهم بالصفح عن الهفوات كفيلة ،وال تعالى يديم لهم عادة
قال الشيخ أبو عبد ال :كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من
شهر ال رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة ،معتمداً حج بيت ال الحرام ،وزيارة
قبر الرسول عليه أفضل الصلة والسلم .منفرداً عن رفيق آنس بصحبته ،وراكب أكون في
جملته ،لباعث على النفس شديد العزائم ،وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم.
فحزمت أمرى على هجر الحباب من الناث والذكور ،وفارقت وطني مفارقة الطيور
للوكور .وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصباً ،ولقيت كما لقيا من الفراق نصباً
وسني يومئذ اثنتان وعشرون سنة .قال ابن جزي :أخبرني أبو عبد ال بمدينة غرناطة أن
مولده بطنجة في يوم الثنين السابع عشر من رجب الفرد سنة ثلث وسبعمائة.
وكان ارتحالي في أيام أمير المؤمنين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين الذي
رويت أخبار جوده موصولة السناد بالسناد ،وشهرت آثار كرمه شهرة واضحة الشهاد،
وتحلت اليام بحلى فضله ،ورتع النام في ظل رفقه وعدله ،المام المقدس أبي سعيد ابن
مولنا أمير المؤمنين وناصر الدين الذي فل حد الشرك صدق عزائمه ،وأطفأت نار الكفر
جداول صارمه ،وفتكت بعباد الصليب كتائبه ،وكرمت في إخلص الجهاد مذاهبه ،المام
المقدس أبي يوسف ابن عبد الحق ،جدد ال عليهم رضوانه ،وسقى ضرائحهم المقدسة من
صوب الحيا طله وتهتانه ،وجزاهم أفضل الجزاء عن السلم والمسلمين ،وأبقى الملك في
عقبهم إلى يوم الدين .فوصلت مدينة تلمسان وسلطانها يومئذ أبو تاشفين عبد الرحمن بن
موسى بن عثمان بن يغمر أسن بن زيان .ووافقت بها رسولي ملك إفريقية السلطان أبي
يحيى رحمه ال ،وهما قاضي النكحة بمدينة تونس أبو عبد ال محمد بن أبي بكر علي بن
إبراهيم النفزاوي ،والشيخ الصالح أبو عبد ال محمد بن الحسين بن عبد ال القرشي
الزبيدي -بضم الزاي نسبة إلى قرية بساحل المهدية ،وهو أحد الفضلء وكانت وفاته عام
أربعين .وفي يوم وصولي إلى تلمسان ،خرج عنها الرسولن المذكوران ،فأشارعلي بعض
الخوان بمرافقتهما ،فاستخرت ال عز وجل في ذلك وأقمت بتلمسان ثلثًا في قضاء
مآربي ،وخرجت أجدّ السير في آثارهما ،فوصلت مدينة مليانة ،وأدركتهما بها ،وذلك في
إبان القيظ .فلحق الفقيهين مرض أقمنا بسببه عشراً ،ثم ارتحلنا وقد اشتد المرض بالقاضي
منهما ،فأقمنا ببعض المياه على مسافة أميال من مليانة ثلثًا وقضى القاضي نحبه ضحى
اليوم الرابع ،فعاد ابنه أبو الطيب ورفيقه أبو عبد ال الزبيدي إلى مليانة فقبروه بها.
وتركتهم هنالك ،وارتحلت مع رفقة من تجار تونس منهم الحاج مسعود بن المنتصر،
والحاج العدولي ،ومحمد بن الحجر ،فوصلنا مدينة الجزائر ،وأقمنا بخارجها أياماً ،إلى أن
قدم الشيخ أبو عبد ال وابن القاضي .فتوجهنا جميعاً على منبجة جبل الزان ،ثم وصلنا إلى
مدينة بجاية فنزل الشيخ أبو عبد ال بدار قاضيها أبي عبد ال الزواوي ،ونزل أبو الطيب
ابن القاضي بدار الفقيه أبي عبد ال المفسر ،وكان أمير بجاية إذ ذاك أبا عبد ال محمد بن
سيد الناس الحاجب ،وكان قد توفي من تجار تونس الذين صحبتهم من مليانة محمد بن
الحجر الذي تقدم ذكره .وترك ثلثة آلف دينار من الذهب ،وأوصى بها لرجل من أهل
الجزائر يعرف بابن حديدة ،ليوصلها إلى ورثته بتونس فانتهى خبره لبن سيد الناس
المذكور فانتزعها من يده ،وهذا أول ما شاهدته من ظلم عمال الموحدين وولتهم ،ولما
وصلنا إلى بجاية كما ذكرته ،أصابتني الحمى ،فأشار علي أبو عبد ال الزبيدي بالقامة فيها
حتى يتمكن البرء مني ،فأبيت وقلت إن قضى ال عز وجل بالموت فتكون وفاتي بالطريق
وأنا قاصد أرض الحجاز .فقال لي أما إن عزمت فبع دابتك وثقل المتاع ،وأنا أعيرك دابة
وخباء وتصحبنا خفيفاً ،فإننا نجدّ السير خوف غارة العرب في الطريق ،ففعلت هذا،
وأعارني ما وعد به ،جزاه ال خيراً وكان ذلك أول ما ظهر لي من اللطاف اللهية في تلك
الوجهة الحجازية .وسرنا إلى أن وصلنا مدينة قسنطينية ،فنزلنا خارجها وأصابنا مطر
جود فاضطررنا إلى الخروج عن الخبية ليلً إلى دور هنالك .فلما كان من الغد تلقانا حاكم
المدينة وهو من الشرفاء الفضلء يسمى بأبي الحسن ،فنظر إلى ثيابي وقد لوثها المطر،
فأمر بغسلها في داره ،وكان الحرام منها خلقاً ،فبعث مكانه إحراماً بعلبكياً وصرّ في أحد
طرفيه دينارين من الذهب .فكان ذلك أول ما فتح به على وجهتي ،ورحلنا إلى أن وصلنا
مدينة بونة ونزلنا بداخلها .وأقمنا بها أياماً ،ثم تركنا بها ما كان في صحبتنا من التجار لجل
الخوف في الطريق ،وتجردنا للسير ،وواصلنا الجد ،وأصابتني الحمى ،فكنت أشد نفسي
بعمامة فوق السرج خوف السقوط بسبب الضعف ،ول يمكنني النزول من الخوف ،إلى أن
وصلنا إلى مدينة تونس فبرز أهلها للقاء الشيخ أبي عبد ال الزبيدي ولقاء أبي الطيب ابن
القاضي أبي عبد ال النفزاوي ،فأقبل بعضهم على بعض بالسلم والسؤال ولم يسلّم علي
أحد ،لعدم معرفتي بهم ،فوجدت من ذلك النفس ما لم أملك معه سوابق العبرة واشتد بكائي،
فشعر بحالي بعض الحجاج فأقبل علي بالسلم
واليناس ،ومححا زال يؤنسححني بحديثححه حتححى دخلت المدينححة ونزلت منهححا بمدرسححة
الكتححبيين .قال ابححن جزي :أخححبرني شيخححي قاضححي الجماعححة أخطححب الخطباء أبححو
البركات محمحد بحن محمحد ابراهيحم السحلمي هحو ابحن الحاج البلفيقحي أنحه جرى له مثحل
هذه الحكايحة .قال قصحدت مدينحة بلش محن بلد الندلس فحي ليلة عيحد ،برسحم روايحة
الحديث المسلسل بالعيد عن أبي عبد ال ابن الكماد ،وحضرت المصلى مع الناس،
فلما فرغت الصلة والخطبة ،أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلم ،وأنا في ناحية
ل يسحلم واليناس ،وقال :نظرت إليحك ،فرأيتحك منتبذاً عحن الناس ،ل يسحلم عليحك أححد
فعرفحت أنحك غريحب فأحببحت إيناسحك جزاه ال خيراً.اس ،ومحا زال يؤنسحني بحديثحه
حتحى دخلت المدينحة ونزلت منهحا بمدرسحة الكتحبيين .قال ابحن جزي :أخحبرني شيخحي
قاضحي الجماعحة أخطحب الخطباء أبحو البركات محمحد بحن محمحد ابراهيحم السحلمي هحو
ابحن الحاج البلفيقحي أنحه جرى له مثحل هذه الحكايحة .قال قصحدت مدينحة بلش محن بلد
الندلس فحي ليلة عيحد ،برسحم روايحة الحديحث المسحلسل بالعيحد عحن أبحي عبحد ال ابحن
الكماد ،وحضرت المصححلى محع الناس ،فلمححا فرغحت الصححلة والخطبحة ،أقبححل الناس
بعضهحم على بعحض بالسحلم ،وأنحا فحي ناحيحة ل يسحلم واليناس ،وقال :نظرت إليحك،
فرأيتحك منتبذاً عحن الناس ،ل يسحلم عليحك أححد فعرفحت أنحك غريحب فأحببحت إيناسحك
جزاه ال خيراً.
وكان سحلطان تونحس عنحد دخولي إليهحا السحلطان أبحا يحيحى ابحن السحلطان أبحي زكريحا
يحيى ابن السلطان أبي إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد
بححن أبححي حفححص رحمححه ال .وكان بتونححس جماعححة مححن أعلم العلماء ،منهححم قاضححي
الجماعحة بهحا أبحو عبحد ال محمحد ابحن قاضحي الجماعحة أبحي العباس أحمحد بحن محمحد بحن
حسن بن محمد النصاري الخزرجي البلنسي الصل ،ثم التونسي هو ابن الغماز،
ومنهحم الخطيحب أبحو إسححاق إبراهيحم بحن حسحين بحن علي بحن عبحد الرفيحع ،وولي أيضاً
قضاء الجماعححة فححي خمححس دول ،ومنهححم الفقيححه أبححو علي عمححر بححن علي بححن قداح
الهواري ،وولي أيضاَ قضاءهحا وكان محن أعلم العلماء .ومحن عوائده أنحه يسحتند كحل
يوم جمعححة بعححد صححلتها إلى بعححض أسححاطين الجامححع العظححم المعروف بجامححع
الزيتونحة ،ويسحتفتيه الناس فحي المسحائل .فإذا أفتحى فحي أربعيحن مسحألة انصحرف عحن
مجلسححه ذلك ،وأظلنححي بتونححس عيححد الفطححر ،فحضرت المص حلّى ،وقححد احتفححل الناس
لشهود عيدهحم ،وبرزوا فحي أجمحل هيئة وأكمحل شارة .ووافحى المسحجد السحلطان أبحو
يحيحى المذكور راكباً وجميحع أقاربحه وخواصحه ،وخدم مملكتحه مشاة على أقدامهحم فحي
ترتيحب عجيحب ،وصحليت الصحلة ،وانقضحت الخطبحة ،وانصحرف الناس إلى منازلهحم.
وبعد مدة تعين لركب الحجاز الشريف شيخه ويعرف بأبي يعقوب السوسي من أهل
أقحل محن بلد إفريقيحة ،وأكثره المصحامدة .فقدمونحي قاضياً بينهحم ،وخرجنحا محن تونحس
فحي أواخحر شهحر ذي القعدة سحالكين طريحق السحاحل ،فوصحلنا إلى بلدة سحوسة ،وهحي
صحغيرة حسحنة مبنيحة على شاطىء البححر ،بينهحا وبيحن مدينحة تونحس أربعون ميلً ،ثحم
وصلنا إلى مدينة صفاقس وبخارج هذه البلدة قبر المام أبي الحسن اللخمي المالكي
مؤلف كتاب التبصرة في الفقه .قال ابن جزي في بلدة صفاقس :يقول علي بن حبيب
التنوخي:
المجيدين المكثرين:
ول سقى أرضها غيث إذا انسكحبحا صفاقس ل صفا عيش لساكحنحهحا
عانى بها العاديين الروم والعحربحا ناهيك من بلدة من حل ساححتحهحا
كم ضل في البر مسلوباً بضاعحتحه وبات في البحر يشكو السر والعطبا
قد عاين البحر من لؤم لقاطحنحهحا فكلما ه ّم أن يدنحو لحهحا هحربحا
ثم وصلنا إلى مدينة قابس ونزلنا بداخلها ،وأقمنا بها عشراً لتوالي نزول المطار،
نحو مائة فارس أو يزيد ،وكان بالركب قوم رماة فهابتهم العرب ،وتحامت مكانهم،
وعصحمنا ال منهحم ،وأظلنحا عيحد الضححى فحي بعحض تلك المراححل .وفحي الرابحع بعده
وصحلنا إلى مدينحة طرابلس ،فأقمنحا بهحا مدة وكنحت عقدت بصحفاقس على بنحت لبعحض
أمناء تونس ،فبنيت عليها بطرابلس ثم خرجت من طرابلس في أواخر شهر المحرم
محن عام سحتة وعشريحن ،ومعحي أهلي ،وفحي صححبتي جماعحة محن المصحامدة ،وقحد
رفعحت العلم ،وتقدمحت عليهحم ،وأقام الركحب فحي طرابلس خوفاً محن البرد والمطحر،
وتجاوزنحا مسحلتة ومسحراتة وقصحور سحرت .وهنالك أرادت طوائف العرب اليقاع
بنححا ثححم صححرفتهم القدرة ،وحالت دون مححا راموه مححن أذيتنححا ،ثححم توسححطنا الغابححة،
وتجاوزناها إلى قصر برصيصا العابد ،إلى قبة سلم ،وأدركنا هنالك الركب الذين
تخلفوا بطرابلس ،ووقحع بينحي وبيحن صحهري مشاجرة أوجبحت فراق بنتحه وتزوجحت
بنتاً لبعض طلبة فاس وبنيت بها بقصر الزعافية ،وأولمت وليمة حبست لها الركب
يوماً وأطعمتهحم ،ثحم وصحلنا فحي أول جمادى الولى إلى مدينحة السحكندرية حرسحها
ال ،وهي الثغر المحروس ،والقطر المأنوس العجيبة الشأن الصيلة البنيان ،بها ما
شئت محن تحسحين وتحصحين ،ومآثحر دنيحا وديحن ،كرمحت مغانيهحا ،ولطفحت معانيهحا،
وجمعحت بيحن الضخامحة والحكام مبانيهحا ،فهحي الفريدة فحي تجلي سحناها ،والخريدة
تجلى فحي حلهحا ،الزاهيحة بجمالهحا المُغرِب ،والجامعحة لمفترق المحاسحن ،لتوسحطها
بيحن المشرق والمغرب ،فكحل بديعحة بهحا اختلؤهحا ،وكحل طرفحة فإليهحا انتهاؤهحا .وقحد
وصحفها الناس فأطنبوا ،وصحنفوا فحي عجائبهحا فأغربوا وحسحب المشرف إلى ذلك محا
ولمدينحة السحكندرية أربعحة أبواب :باب السحدرة وإليحه يشرع طريحق المغرب ،وباب
رشيحد ،وباب البححر ،والباب الخضحر ،وليحس يفتحح إل يوم الجمعحة ،فيخرج الناس
منحه إلى زيارة القبور .ولهحا المرسحى العظيحم الشأن ولم أر فحي مراسحي الدنيحا مثله إل
ما كان من مرسى كولم وقاليقوط ببلد الهند ،ومرسى الكفار بسرادق ببلد التراك
ذكر المنار
قصحدت المنار فحي هذه الوجهحة فرأيحت أححد جوانبحه متهدماً .وصحفته أنحه بناء مربحع،
ذاهب في الهواء ،وبابه مرتفع على الرض وإزاء بابه بناء بقدر ارتفاعه ،وضعت
بينهمحا ألواح خشحب يعحبر عليهحا إلى بابحه ،فاذا أزيلت لم يكحن له سحبيل .وداخحل الباب
موضححع لجلوس حارس المنار .وداخححل المنار بيوت كثيرة .وعرض الممححر بداخله
تسعة أشبار ،وعرض الحائط عشرة أشبار ،وعرض المنار من كل جهة من جهاته
الربع مائة وأربعون شبراً وهو على تل مرتفع .ومسافة ما بينه وبين المدينة فرسخ
واححد فحي بر مسحتطيل يحيحط بحه البححر محن ثلث جهات إلى أن يتصحل البححر بسحور
البلد ،فل يمكحن التوصحل إلى المنار فحي البر إل محن المدينحة وفحي هذا البر المتصحل
بالمنار مقبرة السكندرية .وقصدت المنار عند عودي إلى بلد المغرب عام خمسين
وسبعمائة ،فوجدته قد استولى عليه الخراب ،بحيث ل يمكن دخوله ول الصعود إلى
بابه .وكان الملك الناصر رحمه ال قد شرع في بناء منار مثله بإزائه ،فعاقه الموت
من إتمامه.
ومححن غرائب هذه المدينححة عمود الرخام الهائل الذي بخارجهححا ،المسححمى عندهححم
بعمود السححواري وهححو متوسححط فححي غابححة نخححل .وقححد امتاز عححن شجراتهححا سححمواً
وارتفاعاً .وهحو قطعحة واحدة محكمحة النححت قحد أقيحم على قواعحد حجارة مربعحة أمثال
الدكاكيحن العظيمحة ول تعرف كيفيحة وضعحه هنالك ول يتحقحق محن وضعحه .قال ابحن
جزي :أخبرني بعض أشياخي الرحالين أن أحد الرماة بالسكندرية صعد إلى أعلى
ذلك العمود ومعحه قوسحه وكنانتحه واسحتقر هنالك وشاع خحبره ،فاجتمحع الجمحع الغفيحر
لمشاهدتحه ،وطال العجحب منحه ،وخفحي على الناس وجحه احتياله وأظنحه كان خائفاً ،أو
طالب حاجة ،فأنتج له فعله الوصول إلى قصده لغرابة ما أتى به .وكيفية احتياله في
صحعوده أنحه رمحى بنشابحة قححد عقحد بفوقهحا خيطاً طويلً ،وعقحد بطرف الخيحط حبلً
وثيقاً ،فتجاوزت النشابحة أعلى العمود معترضحة عليحه ،ووقعحت محن الجهحة الموازيحة
للرامحي ،فصحار الخيحط معترضاً على أعلى العمود ،فجذبحه حتحى توسحط الحبحل أعلى
العمود مكان الخيحط ،فأوثقحه محن إحدى الجهتيحن فحي الرض ،وتعلق بحه صحاعداً محن
الجهححة الخرى ،واسححتقر بأعله وجذب الحبححل ،واسححتصحب مححن احتمله ،فلم يهتححد
الناس لحيلتحه ،وعجبوا محن شأنحه .وكان أميحر السحكندرية فحي عهحد وصحولي إليهحا
يسحمى بصحلح الديحن وكان فيهحا أيضًا فحي ذلك العهحد سحلطان أفريقيحة المخلوع ،وهحو
زكرياء أبو يحيى بن أحمد بن أبي حفص المعروف باللحياني .وأمر الملك الناصر
بإنزاله بدار السحلطنة محن إسحكندرية ،وأجرى له مائة درهحم فحي كحل يوم .وكان معحه
أولده عبحد الواححد ومصحري واسحكندري وحاجبحه أبحو زكريا بن يعقوب ووزيره أبحو
عبحد ال بحن ياسحين .وبالسحكندرية توفحي اللحيانحي المذكور ،وولده السحكندري وبقحي
المصري بها .قال ابن جزي :من الغريب ما اتفق من صدق الزجر في اسمي ولدي
اللحيانحي السحكندري والمصحري فمات بهحا ،وعاش المصحري دهراً طويلً بهحا وهحي
من بلد مصر .وتحول عبد الواحد لبلد الندلس والمغرب وأفريقية ،وتوفي هنالك
بجزيرة جربة.
فمنهحم قاضيهحا عماد الديحن الكندي ،إمام محن أئمحة علم اللسحان .وكان يعتحم بعمامحة
خرقحت المعتاد للعمائم لم أر فحي مشارق الرض ومغاربهحا عمامحة أعظحم منهحا رأيتحه
يومًا قاعداً فححي صححدر محراب ،وقححد كادت عمامتححه أن تمل المحراب ومنهححم فخححر
يذكر أن جد القاضي فخر الدين الريغي من أهل ريغة ،واشتغل بطلب العلم ،ثم رحل إلى
الحجاز ،فوصل السكندرية بالعشي .وهو قليل ذات اليد ،فأحب أن ل يدخلها حتى يسمع
فالً حسناً فقعد قريباً من بابها ،إلى أن دخل جميع الناس .وجاء وقت سد الباب ولم يبق
هنالك سواه فاغتاظ الموكل بالباب من إبطائه ،وقال متهكمًا أدخل يا قاضي فقال :قاض إن
شاء ال ،ودخل إلى بعض المدارس ،ولزم القراءة وسلك طريق الفضلء ،فعظم صيته،
وشهر اسمه ،وعرف بالزهد والورع ،واتصلت أخباره بملك مصر .واتفق أن توفي قاضي
السكندرية وبها إذ ذاك الجم الغفير من الفقهاء والعلماء ،وكلهم متشوف للولية ،وهو من
بينهم ،ل يتشوف لذلك فبعث إليه السلطان بالتقليد ،وهو ظهير القضاء ،وأتاه البريد بذلك،
فأمر خديمه أن ينادى في الناس من كانت له خصومة فليحضر لها وقعد للفصل بين الناس.
فاجتمع الفقهاء وسواهم إلى رجل منهم كانوا يظنون أن القضاء ل يتعداه ،وتفاوضوا في
مراجعة السلطان في أمره ،ومخاطبته بأن الناس ل يرتضونه .وحضر لذلك أحد الحذاق من
المنجمين فقال لهم :ل تفعلوا ذلك فإني عدلت طالع وليته ،وحققته فظهر لي أنه يحكم
أربعين سنة .فأضربوا عما هموا به من المراجعة في شأنه .وكان أمره على ما ظهر
للمنجم .وعرف في وليته بالعدل والنزاهة .ومنهم وجيه الدين الصنهاجي من قضاتها
مشتهر بالعلم والفضل .ومنهم شمس الدين ابن بنت التنيسي فاضل شهير الذكر .ومن
الصالحين بها الشيخ أبو عبد ال الفاسي من كبار أولياء ال تعالى ،يذكر أنه كان يسمع رد
السلم عليه إذا سلم من صلته .ومنهم المام العالم الزاهد الخاشع الورع خليفة صاحب
المكاشفات.
كرامة له :أخبرني بعض الثقات من أصحابه قال رأى الشيخ خليفة رسول ال صلى ال
عليه وسلم في النوم .فقال يا خليفة :زرنا فرحل إلى المدينة الشريفة ،وأتى المسجد الكريم،
فدخل من باب السلم ،وحيا المسجد ،وسلم على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقعد
مستنداً إلى بعض سواري المسجد ،ووضع رأسه على ركبتيه ،وذلك يسمى عند المتصوفة
الترفيق .فلما رفع رأسه وجد أربعة أرغفة ،وآنية فيها لبن ،وطبقاً فيه تمر ،فأكل هو
وأصحابه وانصرف عائداً إلى السكندرية ولم يحج تلك السنة .ومنهم المام العالم الزاهد
الورع الخاشع برهان الدين العرج ،من كبار الزهاد وأفراد العباد ،لقيته أيام مقامي
بالسكندرية وأقمت في ضيافته ثلثاً.
ذكر كرامة له :دخلت عليه يوماً فقال لي :أراك تحب السياحة والجولن في البلد فقلت له:
نعم إني أحب ذلك .ولم يكن حينئذ بخاطري التوغل في البلد القاصية من الهند والصين.
فقال ل بد لك إن شاء ال من زيارة أخي فريد الدين بالهند ،وأخي ركن الدين زكرياء
بالسند ،وأخي برهان الدين بالصين .فإذا بلغتهم فأبلغهم مني السلم فعجبت من قوله وألقى
في روعي التوجه إلى تلك البلد ولم أزل أجول حتى لقيت الثلثة الذين ذكرهم ،وأبلغتهم
سلمه .ولما ودعته زودني دراهم لم تزل عندي محوطة .ولم أحتج بعد إلى إنفاقها ،إلى أن
سلبها مني كفار الهنود ،فيما سلبوه لي في البحر .ومنهم الشيخ ياقوت الحبشي ،من أفراد
الرجال .وهو تلميذ أبي العباس المرسي .وأبو العباس المرسي تلميذ ولي ال تعالى أبي
الحسن الشاذلي الشهير ذي الكرامات الجليلة والمقامات العالية.
كرامة لبي الحسن الشاذلي :أخبرني الشيخ ياقوت عن شيخه أبي العباس المرسي أن أبا
الحسن كان يحج في كل سنة ،ويجعل طريقه على صعيد مصر ،ويجاور بمكة شهر رجب
وما بعده إلى انقضاء الحج ،ويزور القبر الشريف ،ويعود على الدرب الكبير إلى بلده .فلما
كان في بعض السنين ،وهي آخر سنة خرج فيها ،قال لخديمه :استصحب فأساً وقفة
وحنوطاً ،وما يجهز به الميت .فقال له الخديم :ولم ذا يا سيدي ? فقال له :في حميثرا سوف
ترى .وحميثرا في صعيد مصر في صحراء عيذاب ،وبها عين ماء زعاق .وهي كثيرة
الضباع .فلما بلغا حميثرا اغتسل الشيخ أبو الحسن ،وصلى ركعتين ،وقبضه ال عز وجل
في آخر سجدة من صلته ،ودفن هناك .وقد زرت قبره وعليه تبرية مكتوب فيها اسمه
ونسبه متصلً بالحسن بن علي رضي ال عنه.
ذكحر حزب البححر المنسحوب إليحه :كان يسحافر فحي كحل عام كمحا ذكرناه على صحعيد
مصححر وبحححر جدة ،فكان إذا ركححب السححفينة يقرؤه فححي كححل يوم ،وتلمذتححه إلى الن
يقرؤنحه فحي كحل يوم ،وهحو هذا :يحا أل يحا علي يحا عظيحم ياحليحم يحا عليحم ،أنحت ربحي
وعليحك حسححبي ،فنعححم الرب ربحي ،ونعحم الحسححب حسحبي ،تنصححر مححن تشاء ،وأنحت
والخطرات محن الشكوك والظنون والوهام السحاترة للقلوب عحن مطالعحة الغيوب فقحد
وعدنحا ال ورسحوله إل غروراً ،فثبتنحا وانصحرنا وسحخر لنحا هذا البححر ،كمحا سحخرت
البححر لموسحى عليحه السحلم ،وسحخرت النار لبراهيحم عليحه السحلم ،وسحخرت الجبال
والحديححد لداوود عليححه السححلم ،وسححخرت الريححح والشياطيححن والجححن لسححليمان عليححه
السحلم ،وسحخر لنحا كحل بححر هحو لك فحي الرض والسحماء ،والملك والملكوت ،وبححر
الدنيحا وبححر الخرة ،وسحخر لنحا شيئاً يحا محن بيده ملكوت كحل شيحء .كهيعحص ححم
عسق ،انصرنا فإنك خير الناصرين ،وافتح لنا فإنك خير الفاتحين ،واغفر لنا فإنك
خير الغفارين ،وارحمنا فإنك خير الراحمين ،وارزقني فإنك خير الرازقين ،واهدنا
ونجنا من القوم الظالمين ،وهب لنا ريحاً طيبة كما هي في علمك ،انشرها علينا من
خزائن رحمتحك ،واحملنحا بهحا حمحل الكرامحة محع السحلمة والعافيحة فحي الديحن والدنيحا
والخرة ،إنك على كل شيء قدير .اللهم يسر لنا أمورنا مع الراحة لقلوبنا وأبداننا،
والسحلمة والعافيحة فحي ديننحا ودنيانحا ،وكحن لنحا صحاحبًا فحي سحفرنا ،وخليفحة فحي أهلنحا،
واطمحس على وجوه أعدائنحا ،وامسحخهم على مكانتهحم ،فل يسحتطيعون المضحي ول
المجيء إلينا " ،ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ولو
نشاء لمسححخناهم على مكانتهححم فمححا اسححتطاعوا مضياً ول يرجعون " " يححس " إلى "
فهحم ل يبصحرون " شاهحت الوجوه " وعنحت الوجوه للححي القيوم وقحد خاب محن حمحل
ظلماً " طحس طسحم ححم عسحق " مرج البحريحن يلتقيان بينهمحا برزخ ل يبغيان " ححم
ححم ححم ححم ححم ححم ححم ححم المحر ،وجاء النصحر فعلينحا ل ينصحرون " ححم تنزيحل
الكتاب محن ال العزيحز العليحم غافرالذنحب وقابحل التوب شديحد العقاب ذي الطول ل إله
إل هو إليه المصير " باسم ال بابنا ،تبارك حيطاننا يس سقفنا .كهيعص كفايتنا .حم
عسحق حمايتنحا " :فسحيكفيكهم ال وهحو السحميع العليحم " سحتر العرش مسحبول علينحا،
وعين ال ناظرة إلينا ،بحول ال ليقدر علينا " وال من ورائهم محيط بل هو قرآن
مجيحد فحي لوح محفوظ " " فال خيحر حافظاً وهحو أرححم الراحميحن " " إن وليّي ال
الذي نزّل الكتاب وهحو يتولّى الصحالحين " " فإن تولّوا فقحل حسحبي ال ل إله إل هحو
عليحه توكلت وهحو رب العرش العظيحم " بسحم ال الذي ل يضحر محع اسحمه شيحء فحي
الرض ول فحي السحماء وهوالسحميع العليحم ،ول حول ول قوة إل بال العلي العظيحم.
حكاية
وممحا جرى بمدينحة السحكندرية سحنة سحبع وعشريحن .وبلغنحا خحبر ذلك بمكحة شرفهحا
ال ،أنه وقع بين المسلمين وتجار النصارى مشاجرة .وكان والي السكندرية رجلً
يعرف بالكركي .فذهب إلى حماية الروم ،وأمر المسلمين فحضروا بين فصيلي باب
المدينححة .وأغلق دونهححم البواب نكالً لهححم .فأنكححر الناس ذلك وأعظموه ،وكسححروا
الباب ،وثاروا إلى منزل الوالي ،فتحصححن منهححم ،وقاتلهححم مححن أعله ،وطيححر الحمام
بالخححبر إلى الملك الناصححر ،فبعححث أميراً يعرف بالجمالي ،ثححم أتبعححه أميراً يعرف
بطوغان ،جباراً قاسححي القلب متهمًا فححي دينححه .يقال:إنححه كان يعبححد الشمححس .فدخل
إسححكندرية ،وقبضححا على كبار أهلهححا وأعيان التجار بهححا ،كأولد الكوبححك وسححواهم.
وأخذ منهم ألموال الطائلة وجعلت في عنق عماد الدين القاضي جامعة حديد .ثم أن
الميريححن قتل مححن أهححل المدينححة سححتة وثلثيححن رجلً .وجعلوا كححل رجححل قطعتيححن،
وصلبوهم صفين وذلك في يوم جمعة وخرج الناس على عادتهم من الصلة لزيارة
القبور وشاهدوا مصححارع القوم .فعظمححت حسححرتهم وتضاعفححت أحزانهححم .وكان فححي
جملة أولئك المصحلوبين تاجحر كحبير القدر يعرف بابحن رواححة .وكان له قاعحة معدة
للسحلح .فمتحى كان خوف أو قتال جهحز منهحا المائة والمائتيحن محن الرجال بمحا يكفيهحم
محن السحلحة .وبالمدينحة قاعات على هذه الصحورة لكثيحر محن أهلهحا .فزل لسحانه وقال
للميريححن أنححا أضمححن هذه المدينححة وكححل مححا يحدث فيهححا أطالب بححه ،وأحوط على
السحلطان مرتبات العسحاكر والرجال .فأنكحر الميران قوله ،وقال :إنمحا تريحد الثورة
على السحلطان وقتله .وإنمحا كان قصحده رحمحه ال إظهار النصحح والخدمحة للسحلطان
فكان فيه حتفه وكنت سمعت أيام إقامتي بالسكندرية بالشيخ الصالح العابد المنقطع
المنفحق محن الكون أبحي عبحد ال المرشدي ،وهحو محن كبار الولياء المكاشفيحن وأنحه
منقطحع بمنيحة بنحي مرشحد له هنالك زاويحة ،هحو منفرد فيهحا ،ل خديحم له ول صحاحب.
ويقصحده المراء والوزراء ،وتأتيحه الوفود محن طوائف الناس فحي كحل يوم ،فيطعمهحم
الطعام .وكحل واححد منهحم ينوي أن يأكحل عنده طعاماً أو فاكهحة أو حلوى فيأتحي لكحل
واححد بمحا نواه ،وربمحا كان ذلك فحي غيحر إبانحه .ويأتيحه الفقهاء لطلب الخطبحة ،فيولي
ويعزل ،وذلك كله أمر مستفيض متواتر .وقد قصده الملك الناصر مرات بموضعه.
فخرجت من مدينة السكندرية قاصداً هذا الشيخ نفعنا ال به ،ووصلت قرية تروجه
" وضبطها بفتح التاء الفوقية وواو وجيم مفتوحة " ،وهي على مسيرة نصف يوم
محن مدينحة السحكندرية .وهحي قريحة كحبيرة بهحا قاضٍح ووالٍ وناظحر ،ولهلهحا مكارم
أخلق ومروءة .صحبت قاضيها صفي الدين وخطيبها فخر الدين وفاضلً من أهلها
يسحمى بمبارك ،وينعحت بزيحن الديحن ونزلت بهحا على رجحل محن العباد الفضلء كحبير
القدر يسمى عبد الوهاب .وأضافني ناظرها زين الدين بن الواعظ وسألني عن بلدي
وعحن مجباه ،فأخحبرته أن مجباه نححو اثنحي عشحر ألفاً محن دينار الذهحب .فعجحب وقال
لي :رأيححت هذه القريححة فإن مجباهححا اثنان وسححبعون ألف دينار ذهباً .وإنمححا عظمححت
مجابححي ديار مصححر لن جميححع أملكهححا لبيححت المال .ثححم خرجححت مححن هذه القريححة،
فوصلت مدينة دمنهور ،وهي مدينة كبيرة ،جبايتها كثيرة ،ومحاسنها أثيرة ،أم مدن
البحيرة بأسححرها ،وقطبهححا الذي عليححه مدار أمرهححا " ،وضبطهححا بدال مهملة وميححم
مفتوحتيحن ونون سحاكنة وهاء مضمومحة بواو وراء " وكان قاضيهحا فحي ذلك العهحد
فخحر الديحن بحن مسحكين محن فقهاء الشافعيحة ،وتولى قضاء السحكندرية لمحا عزل عنهحا
عماد الديحن الكندي بسحبب الواقعحة التحي قصحصناها .وأخحبرني الثقحة أن ابحن مسحكين
أعطى خمسة وعشرين ألف درهم وصرفها من دنانير الذهب ألف دينار على ولية
القضاء بالسحكندرية .ثحم رحلنحا إلى مدينحة فوا .وهذه المدينحة عجيبحة المنظحر ،حسحنة
المخححبر ،بهححا البسححاتين الكثيرة ،والفوائد الخطيرة الثيرة " ،وضبطهححا بالفاء والواو
المفتوحيحن محع تشديحد الواو " .بهحا قحبر الشيحخ الولي أبحي النجاة الشهيحر السحم ،خحبير
تلك البلد ،وزاويحة الشيحخ أبحي عبحد ال المرشدي الذي قصحدته بمقربحة محن المدينحة.
يفصل بينها خليج هنالك .فلما وصلت ،تعديتها ،ووصلت إلى زاوية الشيخ المذكور
قبل صلة العصر ،وسلمت عليه ،ووجدت عنده المير سلف الدين يلملك ،وهو من
الخاصححكية .وأول اسححمه ياء وآخححر الحروف كاف ،ولمححه الولى مسححكنة ،والثانيححة
مفتوححة ،مثحل الميحم ،والعامحة تقول فيحه الملك فيخطئون .ونزل هذا ألميحر بعسحكره
خارج الزاويحة ولمحا دخلت على الشيحخ رحمحه ال قام إلي وعانقنحي ،وأحضحر طعاماً
فواكلني .وكانت عليه جبة صوف سوداء فلما حضرت صلة العصر قدمني للصلة
إماماً ،وكذلك لكل ما حضرني عنده حين إقامتي معه من الصلة .ولما أردت النوم
قال لي :إصعد إلى سطح الزاوية فنم هنالك وذلك أوان القيظ فقلت للمير :بسم ال.
فقال لي :ومححا منححا إل له مقام معلوم .فصححعدت السححطح ،فوجدت بححه حصححيراً ونطعاً
وآنيححة للوضوء ،وجرة ماء وقدحاً للشرب فنمححت هنالك.يححة ولمححا دخلت على الشيححخ
رحمححه ال قام إلي وعانقنححي ،وأحضححر طعامًا فواكلنححي .وكانححت عليححه جبححة صححوف
سحوداء فلمحا حضرت صحلة العصحر قدمنحي للصحلة إماماً ،وكذلك لكحل محا حضرنحي
عنده حيححن إقامتححي معححه مححن الصححلة .ولمححا أردت النوم قال لي :إصححعد إلى سححطح
الزاويحة فنحم هنالك وذلك أوان القيحظ فقلت للميحر :بسحم ال .فقال لي :ومحا منحا إل له
مقام معلوم .فصعدت السطح ،فوجدت به حصيراً ونطعاً وآنية للوضوء ،وجرة ماء
كرامة لهذا الشيخ :رأيت ليلتي تلك ،وأنا نائم بسطح الزاوية ،كأني على جناح طائر
عظيحم يطيحر بحي فحي سحمت القبلة .يتيامحن ثحم يشرق ،ثحم يذهحب فحي ناحيحة الجنوب ،ثحم
يبعحد الطيران فحي ناحيحة الشرق ،وينزل فحي أرض مظلمحة خضراء ،ويتركنحي بهحا.
فعجبحت محن هذه الرؤيا ،وقلت فحي نفسحي :إن كاشفنحي الشيحخ برؤياي فهحو كمحا يحكحى
عنححه .فلمححا غدوت لصححلة الصححبح قدمنححي إماماً لهححا .ثححم أتاه الميححر يلملك فوادعححه
كعيكات صحغاراً .ثحم سحبحت سحبحة الضححى .ودعانحي وكاشفنحي برؤياي ،فقصحصتها
عليحه فقال سحوف تححج وتزور النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ،وتجول فحي بلد اليمحن
والعراق وبلد الترك ،وتبقحى بهحا مدة طويلة ،وسحتلقى بحه دلشاد الهندي ،ويخلصحك
ممن شدة تقع فيها .ثم زودني كعيكات ودراهم ووادعته وانصرفت .ومنذ فارقته لم
ألق في أسفاري إل خيراً ،وظهرت علي بركاته .ثم لم ألق فيمن لقيته مثله إل الولي
سيدي محمداً الموله بأرض الهند .ثم رحلنا إلى مدينة النحرارية ،وهي رحبة الفناء،
حديثححة البناء ،أسححواقها حسححنة الرؤيححة " ،وضبطهححا بفتححح النون وحاء مهمححل مسححكن
وراءيححن " ،وأميرهححا كححبير القدر يعرف بالسححعدي ،وولده فححي خدمححة ملك الهنححد،
وسحنذكره .وقاضيهحا صحدر الديحن سحليمان المالكحي محن كبار المالكيحة سحفر عحن الملك
الناصححر إلى العراق ،وولي قضاء البلد الغربيححة ،وله هيئة جميلة وصححورة حسححنة.
وخطيبها شرف الدين السخاوي من الصالحين .ورحلت منها إلى مدينة أبيار ،وهي
قديمحة البناء ،أرجحة الرجاء كثيرة المسحاجد ،ذات حسحن زائد " وضبحط اسحمها بفتحح
الهمزة وإسحكان الباء الموحدة وياء آخحر الحروف والف وراء " ،وهحي بمقربحة محن
النحراريححة .ويفصححل بينهححا النيححل وتصححنع بأبيار ثياب حسححان تعلو قيمتهححا بالشام
والعراق ومصحر وغيرهحا .ومحن الغريحب قرب النحراريحة منهحا .والثياب التحي تصحنع
بهحا غيحر معتحبرة ول مسحتحسنة عنحد أهلهحا .ولقيحت بأبيار قاضيهحا عحز الديحن المليجحي
الشافعححي ،وهححو كريححم الشمائل كححبير القدر .حضرت عنده مرة يوم الركبححة ،وهححم
يسحححمون ذلك يوم ارتقاب هلل رمضان .وعادتهحححم فيحححه أن يجتمحححع فقهاء المدينحححة
ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي ،ويقف على
الباب نقيب المتعممين ،وهو ذو شارة وهيئة حسنة .فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه،
تلقاه ذلك النقيحب ،ومشحى بيحن يديحه قائلً :بسحم ال ،سحيدنا فلن الديحن فيسحمع القاضحي
ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به .فإذا تكاملوا هنالك ،ركب
القاضحي وركحب محن معحه أجمعون ،وتبعهحم جميحع محن بالمدينحة محن الرجال والنسحاء
والصحبيان وينتهون إلى موضحع مرتفحع خارج المدينحة ،وهحو مرتقحب الهلل عندهحم،
وقحد فرش ذلك الموضحع بالبسحط والفرش ،فينزل فيحه القاضحي ومحن معحه فيرتقبون
الهلل ،ثحم يعودون إلى المدينحة بعحد صحلة المغرب وبيحن أيديهحم الشمحع والمشاعحل
والفوانيحس .ويوقحد أهحل الحوانيحت بحوانيتهحم الشمحع ،ويصحل الناس محع القاضحي إلى
داره ،ثحم ينصحرفون هكذا فعلهحم فحي كحل سحنة .ثحم توجهحت إلى مدينحة المحلة الكحبيرة
وهي جليلة المقدار ،حسنة الثار ،كثير أهلها ،جامع بالمحاسن شملها ،واسمها بيّن.
ولهذه المدينحة قاضحي القضاة ووالي الولة وكان قاضحي قضاتهحا أيام وصحولي اليهحا
فحي فراش المرض ببسحتان له على مسحافة فرسحخين محن البلد ،وهحو عحز الديحن بحن
الشمريححن ،فقصححدت زيارتححه صحححبة نائبححه الفقيححه أبححي القاسححم ابححن بنون المالكححي
التونسححي ،وشرف الديححن الدميري قاضححي محلة منوف .وأقمنححا عنده يوماً ،وسححمعت
منحه ،وقحد جرى ذكحر الصحالحين أن على مسحيرة يوم محن المحلة الكحبيرة بلد البرلس
ونسححترو ،وهححي بلد الصححالحين ،وبهححا قححبر الشيححخ مرزوق صححاحب المكاشفات.
فقصحدت تلك البلد ،ونزلت بزاويحة الشيحخ المذكور وتلك البلد كثيرة النخحل والثمار
والطيححر البحري والحوت المعروف بالبوري ومدينتهححم تسححمى ملطيححن ،وهححي على
ساحل البحيرة المجتمعة من ماء النيل وماء البحر المعروفة ببحيرة تنيس .ونسترو
بمقربة منها .نزلت هنالك بزاويحة الشيخ شمس الدين القلوي من الصحالحين ،وكانت
تنيححس بلداً عظيماً شهيراً ،وهححي الن خراب .قال ابححن جزي " تنيححس بكسححر التاء
المثناة والنون المشددة وياء وسحين مهمحل " ،وإليحه ينسحب الشاعحر المجيحد أبحو الفتحح
موحدة وراء وآخره سحين مهملة ،وقيده بعضهحم بضحم حروفحه الول الثلث وتشديحد
اللم .وقيده أبو بكر بن نقطة بفتح الولين -وهو على البحر ومن غريب ما اتفق
بحه محا حكاه أبحو عبحد ال الرازي عحن أبيحه أن قاضحي البرلس ،وكان رجل صحالحاً،
خرج ليلة إلى النيحل .فبينمحا اسحبغ الوضوء ،وصحلى محا شاء ال أن يصحلي ،إذ سحمع
قائلً يقول:
فعلمحت أن ذلك زاجحر محن ال تعالى .ثحم سحافرت فحي أرض رملة إلى مدينحة دمياط.
وهحي مدينحة فسحيحة القطار ،متنوعحة الثمار ،عجيبحة الترتيحب ،آخذة محن كحل حسحن
بنصحيب والناس يضبطون اسحمها بإعجام الذال .وكذلك ضبطحه المام أبحو محمحد عبحد
ال بحن علي الرشاطحي .وكان شرف الديحن المام العلمحة أبحو محمحد عبحد المؤمحن بحن
خلف الدمياطححي إمام المحدّثيححن يضبطهححا بإهمال الدال ،ويتبححع ذلك بأن يقول خلف
الرشاطحي وغيره .وهحو أعرف بضبحط اسحم بلده .ومدينحة دمياط على شاطىء النيحل،
وأهحل الدور المواليحة يسحتقون منحه الماء بالدلء وكثيحر محن دورهحا بهحا دركات ينزل
فيها إلى النيل .وشجر الموز بها كثير ،يحمل ثمره إلى مصر في المراكب .وغنمها
سائمة هملً بالليل والنهار .ولهذا يقال في دمياط :سورها حلوى ،وكلبها غنم .وإذا
دخلهحا أححد ،لم يكحن له سحبيل إلى الخروج عنهحا إل بطابحع الوالي فمحن كان محن الناس
معتحبراً ،طبحع له فحي قطعحة كاغحد ،يسحتظهر بحه لحراس بابهحا .وغيرهحم يطبحع على
ذراعححه ،فيسححتظهر بححه .والطيححر البحري بهذه المدينححة كثيححر ،متناهححي السححمن .وبهححا
اللبان الجاموسحية التحي ل مثحل لهحا فحي عذوبحة الطعحم وطيحب المذاق .وبهحا الحوت
البوري يحمحل منهحا إلى الشام وبلد الروم ومصحر .وبخارجهحا جزيرة بيحن البحريحن
والنيحل تسحمى البرزخ .بهحا مسحجد وزاويحة ،لقيحت بهحا شيخهحا المعروف بابحن قفحل،
وحضرت عنده ليلة جمعححة ومعححه جماعححة مححن الفقراء الفضلء المتعبديححن الخيار.
قطعوا ليلتهحم صحلة وقراءة وذكراً .ودمياط هذه حديثحة البناء والمدينحة القديمحة هحي
التححي خربهححا الفرنححج على عهححد الملك الصححالح .وبهححا زاويححة الشيححخ جمال الديححن
السحاوي ،قدوة الطائفحة المعروفحة بالقلندريحة ،وهحم الذيحن يحلقون لحاهحم وحواجبهحم.
حكاية
يذكر أن السبب الداعي للشيخ جمال الدين الساوي إلى حلق لحيته وحاجبيه أنه كان
جميححل الصححورة حسححن الوجححه فعلقححت بححه امرأة مححن أهححل سححاوة ،وكانححت تراسححله
وتعارضحه فحي الطرق وتدعوه لنفسحها ،وهحو يمتنحع ويتهاون ،فلمحا أعياهحا أمره دسحت
له عجوزاً تصحدت له إزاء دار على طريقحه إلى المسحجد ،وبيدهحا كتاب مختوم .فلمحا
محر بهحا قالت له :يحا سحيدي أتحسحن القراءة ? قال :نعحم .قالت له :الكتاب وجهحه إليّح
ولدي ،وأححب أن تقرأه علي .فقال لهحا ،نعحم .فلمحا فتحح الكتاب ،قالت له :يحا سحيدي إن
لولدي زوجححة ،وهححي بأسححطوان الدار ،فلو تفضلت بقراءتححه بيححن بابححي الدار بحيححث
تسمعها .فأجابها لذلك .فلما توسط بين البابين غلقت العجوز الباب ،وأخرجت المرأة
حواريّها فتعلقن به .وأدخلنه إلى داخل الدار .وراودته المرأة عن نفسه ،فلما رأى أن
ل خلص له ،قال لهحا :إنحي حيحث تريديحن .فأرينحي بيحت الخلء .فأرتحه إياه .فأدخحل
معحححه الماء .وكانحححت عنده موسحححى جديدة ،فحلق لحيتحححه وحاجيبحححه ،وخرج عليهحححا،
فاسحتقبحت هيئتحه ،واسحتنكرت فعله ،وأمرت بإخراجحه وعصحمه ال بذلك ،فبقحى على
هيئتحه فيمحا بعحد ،وصحار كحل محن يسحلك طريقتحه أن يحلق رأسحه ولحيتحه و حاجحبيه.
كرامحة لهذا الشيحخ :يذكحر أنحه لمحا قصحد مدينحة دمياط لزم مقبرتهحا .وكان بهحا قاض
يعرف بابحن العميحد .فخرج يوماً إلى جنازة بعحض العيان ،فرأى الشيحخ جمال الديحن
بالمقحبرة فقال له :أنحت الشيحخ المبتدع .فقال له :وأنحت القاضحي الجاهحل ،تمحر بدابتحك
بين القبور ،وتعلم أن حرمة النسان ميتاً كحرمته حياً .فقال له القاضي :وأعظم من
ذلك حلقحك للحيتحك .فقال له :إياي تعنحي .وزعحق الشيحخ ،ثحم رفحع رأسحه ،فإذا هحو ذو
لحية سوداء ،عظيمة .فعجب القاضي ومن معه ،ونزل إليه عن بغلته .ثم زعق ثانياً
فإذا هحو ذو لحيحة بيضاء حسحنة ،ثحم زعحق ثالثاً ورفحع رأسحه .فإذا هحو بل لحيحة كهيئتحه
الولى فقبحل القاضحي يده ،وتتلمحذ له ،وبنحي له الزاويحة الحسحنة ،وصححبه أيام حياتحه
حتى مات الشيخ .فدفن بزاويته .ولما حضرت القاضي وفاته أوصى أن يدفن بباب
الزاويحة ،حتحى يكون كحل داخحل إلى زيارة الشيحخ يطحأ قحبره .وبخارج دمياط المزار
المعروف بشطححا " ،بفتححح الشيححن المعجمححة والطاء المهملة " ،وهححو ظاهححر البركححة،
يقصحده أهحل الديار المصحرية .وله أيام فحي السحنة معلومحة لذلك .وبخارجهحا أيضاً بيحن
بسحاتينها موضحع يعرف بالمنيحة ،فيحه شيحخ محن الفضلء يعرف بابحن النعمان .قصحدت
زاويتححه وبححت عنده .وكان بدمياط أيام إقامتححي بهححا والٍ يعرف بالمحسححني مححن ذوي
الحسحان والفضحل .بنحى مدرسحة على شاطىء النيحل بهحا .كان نزولي فحي تلك اليام.
وتأكدت بينحي وبينحه مودة .ثحم سحافرت إلى مدينحة فارسحكور ،وهحي مدينحة على سحاحل
النيحل " والكاف الذي فحي اسحمها مضموم " .ونزلت بخارجهحا .ولحقنحي هنالك فارس
وجّهه إل يّ المير المحسني ،فقال لي :إن المير سأل عنك ،وعرف بسيرتك ،فبعث
إليححك بهذه النفقححة .ودفححع إلي حّ جملة دراهححم ،جزاه ال خيراً .ثححم سححافرت إلى مدينححة
أشمون الرمان " ،وضبحط اسحمها بفتحح الهمزة وإسحكان الشيحن المعجحم " .ونسحبت إلى
الرمان لكثرته بها .ومنها يحمل إلى مصر .وهي مدينة عتيقة كبيرة على خليج من
خلج النيحل ولهحا قنطرة خشحب ترسحو المراكحب عندهحا فإذا كان العصحر رفعحت تلك
الخشحححب ،وجازت المراكحححب صحححاعدة ومنحدرة .وبهذا البلد قاضحححي القضاة ووالي
الولة .ثحم سحافرت عنهحا إلى مدينحة سحمنود ،وهحي على شاطحئ النيحل ،كثيرة المراكحب
حسنة السواق وبينها وبين المحلة الكبيرة ثلثة فراسخ " وضبط اسمها بفتح السين
المهملة والميحم وتشديححد النون وضمهححا وواو ودال مهمححل .ومحن هذه المدينححة ركبحت
النيل مصعداً إلى مصر ،ما بين مدائن وقرى منتظمة ،المتصل بعضها ببعض .ول
يفتقححر راكححب النيححل إلى اسححتصحاب الزاد .لنححه مهمححا أراد النزول بالشاطححئ ،نزل
الوضوء والصلة وشراء الزاد وغير ذلك .والسواق متصلة من مدينة السكندرية
إلى مصحر ،ومحن مصحر إلى مدينحة أسحوان محن الصحعيد .ثحم وصحلت إلى مدينحة مصحر
هحي أم البلد ،وقرارة فرعون ذي الوتاد ،ذات القاليحم العريضحة والبلد الريضحة،
المتناهيحة فحي كثرة العمارة المتناهيحة بالحسحن والنضارة ،ومجمحع الوارد والصحادر،
ومحل رحل الضعيف والقادر ،وبها ما شئت من عالم وجاهل ،وجاد وهازل ،وحليم
وسحفيه ،ووضيحع ونحبيه ،وشريحف ومشروف ،ومنكحر ومعروف ،تموج موج البححر
بسكانها ،وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها .شبابها يجد على طول العهد،
وكوكحب تعديلهحا ل يحبرح عحن منزل السحعد .قهرت قاهرتهحا المحم ،وتمكنحت ملوكهحا
من نواصي العرب والعجم .ولها خصوصية النيل الذي أجلّ خطرها ،وأغناها عن
أن يسحتمد القطحر قطرهحا ،وأرضهحا مسحيرة شهحر لمج ّد السحير .كريمحة التربحة ،مؤنسحة
ألف مكار ،وأن بنيلها من المراكب ستة وثلثين ألفاً للسلطان والرعية ،تمر صاعدة
إلى الصححعيد ،ومنحدرة إلى السححكندرية ودمياط بأنواع الخيرات والمرافححق .وعلى
ضفححة النيححل ممححا يواجححه مصححر الموضححع المعروف بالروضححة ،وهححو مكان النزهححة
والتفرج ،وبححه البسححاتين الكثيرة الحسححنة .وأهححل مصححر ذوو طرب وسححرور ولهححو.
شاهدت بها مرة فرجة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده .فزين كل أهل
سوق سوقهم ،وعلقوا بحوانيتهم الحلل والحلي وثياب الحرير وبقوا على ذلك أياماً.
ومسجد عمرو بن العاص مسجد شريف كبير القدر شهير الذكر ،تقام فيه الجمعة.
والطريق يعترضه من شرق إلى غرب وبشرقه الزاوية حيث كان يدرس المام أبو
عبححد ال الشافعححي .وأمححا المدارس بمصححر فل يحيححط أحححد بحصححرها لكثرتهححا :وأمححا
المارسحتان الذي بيحن القصحرين عنحد تربحة الملك المنصحور قلوون ،فيعجحز الواصحف
عحن محاسحنه .وقحد أعحد فيحه محن المرافحق والدويحة محا ل يحصحر .يذكحر أن مجباه ألف
دينار كححل يوم :وأمححا الزوايححا فكثيرة .وهححم يسححمونها الخوانححق .واحدتهححا خانقححة .
والمراء بمصحر يتنافسحون فحي بناء الزوايحا وكحل زاويحة بمصحر معينحة لطائفحة محن
الفقاء ،وأكثرهحم العاجحم .وهحم أهحل أدب ومعرفحة بطريقحة التصحوف .ولكحل زاويحة
شيحخ وحارس .وترتيحب أمورهحم عجيحب .ومحن عوائدهحم فحي الطعام أنحه يأتحي خديحم
الزاويحة إلى الفقراء صحباحاً ،فيعيحن له كحل واححد محا يشتهيحه محن الطعام .فإذا اجتمعوا
للكححل جعلوا لكححل إنسححان خبزه ومرقححه فححي إناء على حدة ل يشاركححه فيححه أحححد.
وطعامهحم مرتان فحي اليوم .ولهحم كسحوة الشتاء وكسحوة الصحيف ومرتحب شهري محن
ثلثيحن درهماً للواححد فحي الشهحر إلى عشريحن .ولهحم الحلوة محن السحكر فحي كحل ليلة
جمعة ،والصابون لغسل أثوابهم ،والجرة لدخول الحمام ،والزيت للستصباح .وهم
أعزاب .وللمتزوجيححن زوايححا على حدة .ومححن المشترط عليهححم حضور الصححلوات
الخمس ،والمبيت بالزاوية ،واجتماعهم بقبة داخل الزاوية .ومن عوائدهم أن يجلس
كل واحد منهم على سجادة مختصة به .وإذا صلوا صلة الصبح قرأوا سورة الفتح،
وسورة الملك ،وسورة عمّ ،ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظيم مجزأة ،فيأخذ كل فقير
جزءاً ،ويختمون القرآن ،ويذكرون ،ثححم يقرأ القراء على عادة أهححل المشرق .ومثححل
ذلك يفعلون بعد صلة العصر .ومن عوائدهم مع القادم أنه يأتي باب الزاوية فيقف
بححه مشدود الوسححط ،وعلى كاهله سححجادة ،وبيمناه العكاز ،وبيسححراه البريححق .فيعلم
البواب خديحم الزاويحة بمكانحه فيخرج إليحه ،ويسحأله محن أي البلد أتحى ،وبأي الزوايحا
نزل فححي طريقححه ومححن شيخححه ،فإذا عرف صحححة قوله أدخله الزاويححة ،وفرش له
سححجادته فححي موضححع يليححق بححه ،وأراه موضححع الطهارة ،فيجدد الوضوء ،ويأتححي إلى
سحجادته ،فيححل وسحطه ،ويصحلي ركعتين ،ويصافح الشيخ ومن حضر ويقعحد معهحم.
ومن عوائدهم أنهم إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جميع سجاجيدهم فيذهب بها إلى
المسحجد ويفرشهحا لهحم هنالك .ويخرجون مجتمعيحن ،ومعهحم شيخهحم فيأتون المسحجد،
ويصحلي كحل واححد على سحجادته .فإذا فرغوا محن الصحلة قرأوا القرآن على عادتهحم.
ولمصحرالقرافة العظيمحة الشأن فحي التحبرك بهحا .وقحد جاء فحي فضلهحا أثحر أخرجحه
القرطحبي وغيره ،لنهحا محن جملة الجبحل المقطحم الذي وعحد ال أن يكون روضحة محن
رياض الجنحة .وهحم يبنون بالقرافحة القباب الحسحنة ،ويجعلون عليهحا الحيطان فتكون
كالدور ،ويبنون بهحححححححا البيوت ،ويرتبون القراء يقرأون ليلً ونهاراً بالصحححححححوات
الحسحان .ومنهحم محن يبنحي الزاويحة والمدرسحة إلى جانحب التربحة ،ويخرجون كحل ليلة
جمعة إلى المبيت بأولدهم ونسائهم ،ويطوفون على السواق بصنوف المآكل .ومن
المزارات الشريفة المشهد المقدس العظيم الشأن حيث رأس الحسين بن علي عليهما
السلم ،وعليه رباط ضخم عجيب البناء ،على أبوابه حلق الفضة وصفائحها أيضاً.
كذلك ،وهو موفى الحق من الجلل والتعظيم .ومنها تربة السيدة نفيسة بنت الحسن
النور بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلم .وكانت مجابة الدعوة مجتهدة في
العبادة .وهذه التربحة أنيقحة البناء ،مشرقحة الضياء ،عليهحا رباط مقصحود .ومنهحا تربحة
المام أبحي عبحد ال محمحد بحن إدريحس الشافعحي رضحي ال عنحه ،وعليهحا رباط كحبير.
ولهحا جرايحة ضخمحة .وبهحا القبحة الشهيرة البديعحة التقان ،العجيبحة البنيان ،المتناهيحة
الحكام ،المفرطحة السحمو ،وسحعتها أزيحد محن ثلثيحن ذراعاً .وبقرافحة مصحر محن قبور
العلماء والصحالحين محا ل يضبطحه الحصحر .وبهحا عدد جحم محن الصححابة ،وصحدور
السلف والخلف رضي ال تعالى عنهم ،مثل عبد الرحمن بن القاسم ،وأشهب بن عبد
العزيحز ،وأصحبغ بحن الفرج ،وابنحي عبحد الحكحم ،وأبحي القاسحم بحن شعبان ،وأبحي محمحد
عبحد الوهاب .لكحن ليحس لهحم بهحا اشتهار ،ول يعرفهحم إل محن بهحم عنايحة .والشافعحي
رضي ال عنه ساعده الجد في نفسه وأتباعه وأصحابه في حياته ومماته ،فظهر من
ونيل مصر يفضل أنهار الرض عذوبة مذاق واتساع قطر وعظم منفعة .والمدن
والقرى بضفتيه منتظمة ،ليس في المعمور مثلها .ول يعلم نهر يزرع عليه ما يزرع
على النيحل .وليحس فحي الرض نهحر يسحمى بحراً غيره .قال ال تعالى " :فإذا خفحت
عليحه فألقيحه فحي اليمّح " فسحماه يمّا وهحو البححر .وفحي الحديحث الصححيح أن رسحول ال
صحلى ال عليحه وسحلم وصحل ليلة السحراء إلى سحدرة المنتهحى ،فإذا فحي أصحلها أربعحة
أنهار :نهران ظاهران ،ونهران باطنان .فسحأل عنهحا جبريحل عليحه السحلم فقال :أمحا
الباطنان ففححي الجنححة ،وأمححا الظاهران فالنيححل والفرات .وفححي الحديححث أيضاً النيححل
والفرات وسححيحون وجيحون كححل مححن أنهار الجنححة .ومجرى النيححل مححن الجنوب إلى
الشمال خلفاً لجميع النهار .ومن عجائبه أن ابتداء زيادته في شدة الحر عند نقص
النهار وجفوفهحا ،وابتداء نقصحه حيحن زيادة النهار وفيضهحا .ونهحر السحند مثله فحي
ذلك ،وسحيأتي ذكره .وأول ابتداء زيادتحه فحي حزيران وهحو يونيحه ،فإذا بلغحت زيادتحه
ستة عشر ذراعاً تم خراج السلطان .فإن زاد ذراعاً كان الخصب في العام والصلح
التام ،فإن بلغ ثمانيحة عشحر ذراعاً أضحر بالضياع ،وأعقحب الوباء .وإن نقحص ذراعاً
عحن سحتة عشحر نقححص خراج السحلطان ،وإن نقححص ذراعيحن اسحتسقى الناس ،وكان
الضرر الشديد .والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار ،وهي النيل والفرات والدجلة
وسحيحون وجيحون .وتماثلهحا أنهار خمسحة أيضاً :نهحر السحند ويسحمى ينحج اب ونهحر
الهنححد ويسححمى الكنححك ،وإليححه تحححج الهنود .وإذا حرقوا أمواتهححم رموا برمادهححم فيححه.
ويقولون هو من الجنة .ونهر الجون بالهند أيضاً ،ونهر اتل بصحراء قفجق ،وعلى
سححاحله مدينححة السححرا ،ونهححر السححرو بأرض الخطححا ،وعلى ضفتححه مدينححة خان بالق،
ومنهحا ينحدر إلى مدينحة الخنسحا ثحم إلى مدينحة الزيتون بأرض الصحين ،وسحيذكر ذلك
كله فحي مواضعحه ان شاء ال .والنيحل يفترق بعحد مسحافة محن مصحر على ثلثحة أقسحام
ول يعحبر نهحر منهحا إل فحي السحفن شتاء وصحيفاً .وأهحل كحل بلد لهحم خلجان تخرج محن
وهحي محن العجائب المذكورة على محر الدهور .وللناس فيهحا كلم كثيحر ،وخوض فحي
شأنهححا ،وأوليححة بنائهححا .ويزعمون أن العلوم التححي ظهرت قبححل الطوفان أخذت مححن
هرمححس الول السححاكن بصححعيد مصححر العلى ويسححمون اخنوخ وهححو ادريححس عليححه
السحلم .وأنحه أول محن تكلم فحي الحركات الفلكيحة ،والجواهحر العلويحة ،وأول محن بنحى
الهياكحححل ،ومجحححد ال تعالى فيهحححا ،وأنحححه أنذر الناس بالطوفان ،وخاف ذهاب العلم
ودروس الصححنائع فبنححى الهرام والبرابححي وصححور فيهححا جميححع الصححنائع واللت،
ورسححم العلوم فيهححا لتبقححى مخلدة .ويقال :إن دار العلم والملك بمصححر مدينححة منححف ،
وهي على بريد من الفسطاط .فلما بنيت السكندرية انتقل الناس إليها ،وصارت دار
العلم والملك .إلى أن أتححى السححلم فاختطحّ عمرو بحن العاص رضحي ال عنحه مدينححة
الفسحطاط ،فهحي قاعدة مصحر إلى هذا العهحد .والهرام بناء بالحجحر الصحلد المنحوت،
متناهحي السحمو مسحتدير متسحع السحفل ،ضيحق العلى كالشكحل المخروط ول أبواب
لهححا ،ول تعلم كيفيححة بنائهححا .وممححا يذكححر فححي شأنهححا أن ملكاً مححن ملوك مصححر قبححل
الطوفان رأى رؤيحا هالتحه ،وأوجبحت عنده أنحه بنحى تلك الهرام بالجانحب الغربحي محن
النيحل ،لتكون مسحتودعاً للعلوم ،ولجثحث العلوم ،ولجثحث الملوك ،وأنحه سحأل المنجميحن
هحل يفتحح منهحا موضحع ،فأخحبروه أنهحا تفتحح محن الجانحب الشمالي ،وعينوا له الموضحع
الذي تفتح منه ،ومبلغ النفاق في فتحه .فأمر أن يجعل بذلك الموضع من المال قدر
ما أخبروه أنه ينفق في فتحه ،واشتد في البناء ،فأتمه في ستين سنة .كتب عليها بنينا
هذه الهرام فحي سحتين سحنة فليهدمهحا محن يريحد ذلك فحي سحتمائة سحنة ،فإن الهدم أيسحر
محن البناء .فلمحا أفضحت الخلفحة إلى أميحر المؤمنين المأمون أراد هدمهحا ،فأشار عليحه
بعحض مشايحخ مصحر أن ل يفعحل فلجّح فحي ذلك ،وأمحر أن تفتحح محن الجانحب الشمالي
فكانوا يوقدون عليهحا النار ،ثحم يرشونهحا بالخحل ،ويرمونهحا بالمنجنيحق ،حتحى فتححت
الثلمححة التححي بهححا إلى اليوم ،ووجدوا بإزاء النقححب مالً أمححر أميححر المؤمنيححن بوزنححه
فحصحر محا أنفحق فحي النقحب ،فوجدهمحا سحواء .فطال عجبحه محن ذلك ووجدوا عرض
وكان سححلطان مصححر على عهححد دخولي إليهححا الملك الناصححر أبححا الفتححح محمححد بححن
المنصححور سححيف الديححن قلوون الصححالحي .وكان قلوون يعرف باللفححي لن الملك
الصالح اشتراه بألف دينار ذهباً وأصله من قفجق .وللملك الناصر رحمه ال السيرة
الكريمححة والفضائل العظيمححة .وكفاه شرفاً انتماؤه لخدمححة الحرميححن الشريفيححن ،ومححا
يفعله فحي كحل سحنة محن أفعال البر التحي تعيحن الحجاج محن الجمال التحي تحمحل الزاد
والماء للمنقطعيحن والضعفاء ،وتحمحل محن تأخحر أو ضعحف عحن المشحي فحي الدربيحن
المصري والشامي .وبنى زاوية عظيمة بسرياقص خارج القاهرة .لكن الزاوية التي
بناهحا مولنحا أميحر المؤمنيحن وناصحر الديحن وكهحف الفقراء والمسحاكين ،خليفحة ال فحي
أرضححه القائم مححن الجهاد بنفله وفرضححه أبححو عنان أيححد ال أمره ،وأظهره ،وس حنّى له
الفتح المبين ويسره ،بخارج حضرته العلية المدينة البيضاء حرسها ال ل نظير لها
في المعمور ،في إتقان الوضع وحسن البناء والنقش في الجص ،بحيث ل يقدر أهل
المشرق على مثله .وسيأتي ذكر ما عمره أيده ال من المدارس والمرستان والزوايا
منهم ساقي الملك الناصر ،وهو المير بكتمور " وضبط اسمها بضم الباء الموحدة
وكاف مسححكن وتاء معلوة مضمومححة وآخره راء " ،وهححو الذي قتله الملك الناصححر
بالسححم ،وسححيذكر ذلك ،ومنهححم نائب الملك الناصححر أرغون الدودار ،وهححو الذي يلي
بكتمور في المنزلة " ،وضبط اسمه بفتح الهمزة وإسكان الراء وضم الغين المعجمة
" ،ومنهحم طشحط المعروف بحمحص أخضحر " ،واسحمه بطاءيحن مهمليحن مضموميحن
وبينهمححا شيححن معجححم " .وكان مححن خيار المراء .وله الصححدقات الكثيرة على اليتام
محن كسحوة ونفقحة وأجرة لمحن يعلمهحم القرآن .وله الحسحان العظيحم للحرافيحش ،وهحم
طائفحة كحبيرة أهحل صحلبة وجاه ودعارة .وسحجنه الملك الناصحر مرة ،فاجتمحع محن
الحرافيحش آلف ،ووقفوا بأسحفل القلعحة ،ونادوا بلسحان واححد يحا أعرج النححس ،يعنون
الملك الناصحر ،أخرجحه فأخرجحه محن محبسحه ،وسحجنه مرة أخرى .ففعحل اليتام مثحل
ذلك فأطلقححه .ومنهححم وزيححر الملك الناصححر يعرف بالجمالي بفتححح الجيححم .ومنهححم بدر
الدين بن البابه .ومنهم جمال الدين نائب الكرك .ومنهم تقزدمور " واسمه بضم التاء
المعلوة وضححم القاف وزاء مسححكن ثححم دال مضموم وميححم مثله وآخره راء " ،ودمور
بالتركيحة الحديحد .ومنهحم بهادر الحجازي " واسحمه بفتحح والباء الموحدة وضحم الدال
المهملة وآخره راء " .ومنهم قوصون " واسمه بفتح القاف وصاد مهمل مضموم "
ومنهححم بشتححك " واسححمه بفتححح الباء الموحدة واسححكان الشيححن المعجححم و وتاء معلوة
مفتوحة " .وكل هؤلء يتنافسون في أفعال الخيرات وبناء المساجد والزوايا .ومنهم
ناظحر جيحش الملك الناصحر وكاتبحه فخحر الديحن القبطحي ،وكان نصحرانياً محن القبحط،
فأسححلم وحسححن إسححلمه ،وله المكارم العظيمححة والفضائل التامححة ودرجتححه مححن أعلى
الدرجات عنحد الملك الناصحر ،وله الصحدقات الكثيرة والحسحان الجزيحل .ومحن عادتحه
أن يجلس عشحي النهار فحي مجلس له بأسحطوان داره على النيحل ويليحه المسحجد ،فإذا
حضحر المغرب صحلى فحي المسحجد وعاد إلى مجلسحه وأوتحي بالطعام .ول يمنحع حينئذ
أححد محن الدخول كائناً محن كان .فمحن كان ذا حاجحة تكلم فيهحا فقضاهحا له ومحن كان
طالب صححدقة أمححر مملوكاً له يدعححى بدر الديححن ،واسححمه لؤلؤ ،يصحححبه إلى خارج
الدار ،وهنالك خازنحه معحه صحرر الدراهحم فيعطيحه محا قدر له .ويحضحر عنده فحي ذلك
الوقححت الفقهاء ويقرأ بيححن يديححه كتاب البخاري ،فإذا صححلى العشاء الخيرة انصححرف
الناس عنه.
فمنهححم قاضححي القضاة الشافعيححة ،وهححو أعلهححم منزلة وأكححبرهم قدراً ،وإليححه وليححة
القضاة بمصحر وعزلهم ،وهو القاضحي المام العالم بدر الدين بن جماعة .وابنه عز
الديحن هحو الن متولي ذلك .ومنهحم قاضحي القضاة المالكيحة المام الصحالح تقحي الديحن
الخنائي .ومنهحم قاضحي القضاة الحنفيحة المام العالم شمحس الديحن الحريري ،وكان
شديحد السحطوة ل تأخذه فحي ال لومحة لئم .وكانحت المراء تخافحه .ولقحد ذكحر لي أن
الملك الناصححر قال يوماً لجلسححائه .إنححي ل أخاف مححن أحححد إل مححن شمححس الديححن
الحريري .ومنهحم قاضحي القضاة الحنبليحة .ول أعرفحه الن إل أنحه كان يدعحى بعحز
الدين.
حكاية
كان الملك الناصحر رحمحه ال يقعحد للنظحر فحي المظالم ورفحع قصحص المتشكيحن كحل
يوم اثنيححن وخميححس .ويقعححد القضاة الربعححة عححن يسححاره وتقرأ القصححص بيححن يديححه،
ويعيحن محن يسحأل صحاحب القصحة عنهحا وقحد سحلك مولنحا أميحر المؤمنيحن ناصحر الديحن
أيده ال فحي ذلك مسحلكاً لم يسحبق إليحه ،ول مزيحد فحي العدل والتواضحع عليحه ،وهحو
سؤاله بذاته الكريمة لكحل متظلم ،وعرضه بين يديه المستقيمة أبى ال أن يحضرها
سححواه ،أدام ال أيامححه .وكان رسححم القضاة المذكوريححن أن يكون أعلهححم منزلة فححي
الجلوس :قاضحي الشافعيحة ثحم قاضحي الحنفيحة ثحم قاضحي المالكيحة ثحم قاضحي الحنبليحة.
فلما توفي شمس الدين الحريري ،وولي مكانه برهان الدين عبد الحق الحنفي أشار
المراء على الملك الناصحر بأن يكون مجلس المالكحي فوقحه وذكروا أن العادة جرت
بذلك قديماً إذ كان قاضحي المالكيحة زيحن الديحن بحن مخلوف يلي قاضحي الشافعيحة تقحي
الدين بن دقيق العيد ،فأمر الناصر بذلك .فلما علم به قاضي الحنفية غاب عن شهود
المجلس أنفة من ذلك ،فأنكر الملك الناصر مغيبه ،وعلم ما قصده ،فأمر بإحضاره.
فلما مثل بين يديه أخذ الحاجب بيده ،وأقعده حيث نفذ أمر السلطان ،مما يلي قاضي
فمنهححم شمححس الديححن الصححبهاني إمام الدنيححا فححي المعقولت ،ومنهححم شرف الديححن
الزواوي المالكحي ،ومنهحم برهان الديحن ابحن بنحت الشاذلي نائب قاضحي القضاة بجامحع
الصحالح ،ومنهحم ركحن الديحن بحن القوبحع التونسحي محن الئمحة فحي المعقولت ،ومنهحم
شمس الدين بن عدلن كبير الشافعية ،ومنهم بهاء الدين بن عقيل فقيه كبير ،ومنهم
أثيحر الديحن أبحو حيان محمحد بحن يوسحف بحن حيان الغرناطحي ،وهحو أعلمهحم بالنححو،
ومنهحم الشيحخ الصحالح بدر الديحن عبحد ال المنوفحي ،ومنهحم برهان الديحن الصحفاقسي،
ومنهم قوام الدين الكرماني ،وكان سكناه على سطح الجامع الزهر ،وله جماعة من
الفقهاء والقراء يلزمونحه ويدرسحون فنون العلم ،ويفتحي فحي المذاهحب ،ولباسحه عباءة
صوف خشنة ،وعمامة صوف سوداء ومن عاداته أن يذهب بعد صلة العصر إلى
موضحع الفرج والنزهات ،منفرداً عحن أصححابه ،ومنهحم السحيد الشريحف شمحس الديحن
ابحن بنحت الصحاحب تاج الديحن بحن حناء ،ومنهحم شيحخ شيوخ القراء بديار مصحر مجحد
الديحن القصحرائي ،نسحبة إلى أقصحرا ،محن بلد الروم ،ومسحكنه سحرياقص ،ومنهحم
الشيحخ جمال الديحن الحويزائي .والحويزا على مسحيرة ثلثحة أيام محن البصحرة ،ومنهحم
نقيحب الشراف بديار مصحر السحيد الشريحف المعظحم بدر الديحن الحسحيني محن كبار
الصححالحين ،ومنهححم وكيححل بيححت المال المدرس بقبححة المام الشافعححي مجححد الديححن بححن
حرمحي ،ومنهحم المحتسحب بمصحر نجحم الديحن السحهرتي محن كبار الفقهاء ،وله بمصحر
وهححو يوم دوران الجمححل يوم مشهود وكيفيححة ترتيبهححم فيححه أنححه يركححب فيححه القضاة
الربعحة ،ووكيحل بيحت المال والمحتسحب وقحد ذكرنحا جميعهحم ،ويركحب معهحم أعلم
الفقهاء وأمناء الرؤسحححاء وأرباب الدولة ،ويقصحححدون جميعاً باب القلعحححة ،دار الملك
الناصر ،فيخرج إليهم المحل على جمل ،وأمامه المير المعين لسفر الحجاز في تلك
السحنة ،ومعحه عسحكره والسحقاؤون على جمالهحم ،ويجتمحع لذلك أصحناف الناس محن
رجال ونسحاء ،ثحم يطوفون بالمحمحل وجميحع محن ذكرنحا معحه بمدينحة القاهرة ومصحر،
والحداة يحدون أمامهححم ،ويكون ذلك فححي رجححب فعنححد ذلك تهيححج العزمات ،وتنبعححث
الشواق ،وتتحرك البواعيث ،ويلقي ال تعالى العزيمة على الحج في قلب من يشاء
محن عباده ،فيأخذون فححي التأهحب لذلك والسحتعداد .ثحم كان سحفري محن مصحر على
طريحححق الصحححعيد برسحححم الحجاز الشريحححف .فبحححت ليلة خروجحححي بالرباط الذي بناه
الصححاحب تاج الديححن بححن حناء بديححر الطيححن ،وهححو رباط عظيححم بناء على مفاخححر
عظيمة ،وآثار كريمة ،أودعها فيه وهي قطعة من قصعة رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،والميل الذي كان يكتحل به ،والدرفش وهو الشفا الذي كان يخصف به نعله،
ومصححف أميحر المؤمنيحن علي بحن أبحي طالب الذي بخحط يده رضحي ال عنحه .ويقال:
إن الصحاحب اشترى محا ذكرناه محن الثار الكريمحة النبويحة بمائة ألف درهحم ،وبنحى
الرباط ،وجعححل فيححه الطعام للوارد والصححادر ،والجرايححة لخدام تلك الثار الشريفححة،
نفعححه ال تعالى بقصححده المبارك .ثححم خرجححت مححن الرباط المذكور ،ومررت بمنيححة
القائد ،وهححي بلدة صححغيرة على سححاحل النيححل .ثححم سححرت منهححا إلى مدينححة بوش "
وضبطهححا بضححم الباء الموحدة واحدة شيححن معجححم " وهذه المدينححة أكثححر بلد مصححر
كتاناً ،ومنهححا يجلب إلى سححائر الدنيححا المصححرية ،وإلى إفريقيححة .ثححم سححافرت منهححا،
فوصلت إلى مدينة دلص " وضبط اسمها بفتح الدال المهملة وآخره صاد مهملة "،
وهذه المدينحة كثيرة الكتان أيضاً ،كمثحل التحي ذكرناهحا قبلهحا .ويحمحل أيضاً منهحا إلى
ديار مصر وإفريقية .ثم سافرت منها إلى مدينة ببا " وضبط اسمها بباءين موحدتين
أولهما مكسورة " .ثم سافرت منها إلى مدينة البهنسا ،وهي مدينة كبيرة وبساتينها
كثيرة " ،وضبحط اسحمها بفتحح الموحدة وإسحكان الهاء وفتحح النون والسحين " وتصحنع
بهذه المدينة ثياب الصوف الجيدة .وممن لقيته بها قاضيها العالم شرف الدين ،وهو
كريححم النفححس فاضححل .ولقيححت بهححا الشيححخ الصححالح أبححا بكححر العجمححي ،ونزلت عنده
وأضافني .ثم سافرت منها إلى مدينة منية ابن خصيب ،وهي مدينة كبيرة الساحة
متسعة المساحة مبنية على شاطئ النيل .وحق حقيق لها على بلد الصعيد التفضيل.
بهححا المارس والمشاهححد والزوايححا والمسححاجد وكانححت فححي القديححم منيححة عامححل مصححر
الخصيب.
حكاية خصيب
يذكر أن أحد الخلفاء من بني العباس رضي ال عنهم غضب على أهل مصر .فآلى
أن يولي عليهحم أحقحر عحبيده ،وأصحغرهم شأناً ،قصحداً لرذالهحم والتنكيحل بهحم وكان
خصحيب أحقرهحم إذ كان يتولى تسحخين الحمّام فخلع عليحه ،وأمّره على مصحر ،وظنحه
أنحه يسحير فيهحم سحيرة سحوء ،ويقصحدهم بالذايحة ،حسحبما هحو المعهود ممحن ولي عحن
غيحر عهحد بالعحز .فلمحا اسحتقر خصحيب بمصحر ،سحار فحي أهلهحا أحسحن سحيرة .وشهحر
بالكرم واليثار .فكان أقرب الخلفاء وسحححححواهم يقصحححححدونه ،فيجزل العطاء لهحححححم،
ويعودون إلى بغداد شاكريحن لمحا أولهحم .وأن الخليفحة افتقحد بعحض العباسحيين وغاب
عنحه مدة ثحم أتاه ،فسحأله عحن مغيبحه ،فأخحبره أنحه قصحد خصحيباً .وذكحر له محا أعطاه
خصيب .وكان عطاء جزيلً .فغضب الخليفة ،وأمر بسمل عيني خصيب ،وإخراجه
من مصر إلى بغداد ،وأن يطرح في أسواقها .فلما ورد المر بالقبض عليه حيل بينه
وبين دخوله منزله وكانت بيده ياقوته عظيمة الشأن فخبأها عنده ،وخاطها في ثوب
له ليلً وسحملت عيناه ،وطرح فحي أسحواق بغداد .فمحر بحه بعحض الشعراء فقال له يحا
خصححيب " :إنححي كنححت قصححدتك مححن بغداد إلى مصححر مادحاً لك بقصححيدة فوافقححت
انصحرافك عنهحا ،وأححب أن تسحمعها .فقال :كيحف بسحماعها وأنحا على محا تراه ? فقال:
إنمحا قصحدي سحماعك لهحا .وأمحا العطاء فقحد أعطيحت الناس وأجزلت جزاك ال خيراً
فأبى ،فأقسم عليه أن يأخذها .فأخذها وذهب بها إلى سوق الجوهريين .فلما عرضها
عليهحم قالوا له إن هذه ل تصحلح إل للخليفحة .فرفعوا أمرهحا إلى الخليفحة ،فأمحر الخليفحة
بإحضار الشاعر واستفهمه عن شأن الياقوتة ،فأخبره بخبرها .فتأسف على ما فعله
بخصحيب وأمحر بمثوله بيحن يديحه ،وأجزل له العطاء ،وحكّمحه فيمحا يريحد .فرغحب أن
يعطيحه هذه المنيحة ،ففعحل ذلك ،وسحكنها خصحيب إلى أن توفحي وأورثهحا عقبحه إلى أن
انقرضوا .وكان قاضححي هذه المنيححة أيام دخولي إليهححا فخححر الديححن النويري المالكححي،
وواليهحا شمحس الديحن أميحر خيحر كريحم .دخلت يوماً الحمام بهذه البلدة ،فرأيحت الناس
بهححا ل يسححتترون .فعظححم ذلك علي وأتيتححه ،فأعلمتححه بذلك .فأمرنححي أل أبرح ،وأمححر
بإحضار المكتريحن للحمامات ،وكتبحت عليهحم العقود ،أنحه متحى دخحل أححد الحمام دون
مئزر فإنهححم يؤاخذون على ذلك .واشتححد عليهححم أعظححم الشتداد .ثححم انصححرفت عنححه
وسحافرت محن منيحة ابحن خصحيب إلى مدينحة منلوي وهحي صحغيرة مبنيحة على مسحافة
ميلين من النيل " وضبط اسمها بفتح الميم وإسكان النون وفتح الم وكسر الواو ".
وقاضيهحا الفقيحه شرف الديحن الدميري " بفتحح الدال المهمحل وكسحر الميحم " الشافعحي.
وكبارهحا قوم يعرفون ببنحي فضيحل بنحى أحدهحم جامعاً أنفحق فيحه صحميم ماله .وبهذه
المدينة إحدى عشرة معصرة للسكر -ومن عوائدهم أنهم ل يمنعون فقيراً من دخول
معصحرة منهحا فيأتحي الفقيحر بالخبزة الحارة ،فيطرحهحا فحي القدر التحي يطبحخ السحكر
فيهحا ،ثحم يخرجهحا ،وقحد امتلت سحكراً فينصحرف بهحا .وسحافرت محن منلوي المذكورة
إلى مدينة منفلوط وهي مدينة حسن رواؤها ،مؤنق بناؤها على ضفة النيل ،شهيرة
البركة " وضبط اسمها بفتح الميم وإسكان النون وفتح الفاء وضم الم وآخرها طاء
مهمل ".
حكاية:
أخبرني أهل هذه المدينة أن الملك الناصر رحمه ال ،أمر بعمل منبر عظيم ،محكم الصنعة
بديع النشاء ،برسم المسجد الحرام ،زاده ال شرفاً وتعظيماً .فلما تم عمله ،أمر أن يصعد به
في النيل ليجاز إلى بحر جدة ،ثم إلى مكة شرفها ال ،فلما وصل المركب الذي احتمله إلى
منفلوط ،وحاذى مسجدها الجامع وقف ،وامتنع من الجري مع مساعدة الريح .فعجب الناس
من شأنه أشد العجب ،وأقاموا أياماً ل ينهض بهم المركب .فكتبوا بخبره إلى الملك الناصر
رحمه ال ،فأمر أن يجعل ذلك المنبر بجامع مدينة منفلوط ،ففعل ذلك .وقد عاينته بها،
ويصنع في هذه المدينة شبه العسل ،يستخرجونه من القمح ويسمونه النيدا .يباع بأسواق
مصر .وسافرت من هذه المدينة إلى مدينة أسيوط .وهي مدينة رفيعة أسواقها بديعة "
وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وضم الياء آخر الحروف واو وطاء مهملة
" وقاضيها شرف الدين بن عبد الرحيم الملقب " بحاصل ما ثم " ،لقب اشتهر به وأصله أن
القضاة بديار مصر والشام بأيديهم الوقاف والصدقات لبناء السبيل ،فإذا أتى فقير لمدينة
من المدن قصد القاضي بها ،فيعطيه ما قدر له .فكان القاضي إذا أتاه الفقير يقول له حاصل
ما ثم أي لم يبق من المال الحاصل شيء فلقب بذلك ولزمه .وبها من المشايخ الفضلء
الصالح شهاب الدين بن الصباغ ،أضافني بزاويته .وسافرت منها إلى مدينة أخميم ،وهي
مدينة عظيمة أصيلة البنيان عجيبة الشان ،بها البربي المعروف باسمه ،وهو مبني
بالحجارة ،في داخله نقوش وكتابة للوائل ،ل تفهم في هذا العهد ،وصور الفلك
والكواكب .ويزعمون أنها بنيت والنسر الطائر ببرج العقرب .وبها صور الحيوانات
وسواها .وعند الناس في هذه الصور أكاذيب ل يعرج عليها .وكان بأخميم رجلٌ يعرف
بالخطيب ،أمر على هدم بعض هذه البرابي ،وابنتي بحجارتها مدرسة .وهو رجل موسر
معروف باليسار .ويزعم حساده أنه استفاد ما بيده من المال من ملزمته لهذه البرابي.
ونزلت من هذه المدينة بزاوية الشيخ أبي العباس بن عبد الظاهر ،وبها تربة جده عبد
الظاهر .وله من الخوة ناصر الدين ومجد الدين وواحد الدين .ومن عادتهم أن يجتمعوا
جميعاً بعد صلة الجمعة ،ومعهم الخطيب نور الدين المذكور وأولده ،وقاضي المدينة
الفقيه مخلص ،وسائر أهلها ،فيجتمعون للقرآن ،ويذكرون ال إلى صلة العصر .فإذا
صلوها ،قرأوا سورة الكهف ،ثم انصرفوا .وسافرت من أخميم إلى مدينة " هو " :مدينة
كبيرة بساحل النيل " وضبطها بضم الهاء " .نزلت منها بمدرسة تقي الدين ابن السراج.
ورأيتهم يقرأون بها في كل يوم بعد صلة الصبح حزباً من القرآن ،ثم يقرأون أوراد الشيخ
أبي الحسن الشاذلي وحزب البحر .وبهذه المدينة السيد الشريف أبو محمد عبد ال الحسني
من كبار الصالحين .كرامة له :دخلت إلى هذا الشريف متبركاً برؤيته والسلم عليه ،فسألني
عن قصدي ،فأخبرته أني أريد البيت الحرام على طريق جدة .فقال لي :ل يحصل لك هذا
في هذا الوقت ،فارجع .وإنما تحج أول حجة على الدرب الشامي .فانصرفت عنه ،ولم
أعمل على كلمه .ومضيت في طريقي حتى وصلت إلى عيذاب .فلم يتمكن لي السفر،
فعدت راجعاً إلى مصر ثم إلى الشام .وكان طريقي في أول حجاتي على الدرب الشامي،
حسبما أحبرني الشريف نفع ال به .ثم سافرت إلى مدينة قنا ،وهي صغيرة حسنة السواق
" وضبط اسمها بقاف مكسورة ونون" .وبها قبر الشريف الصالح الولي صاحب البراهين
العجيبة والكرامات الشهيرة عبد الرحيم القناوي رحمة ال عليه .ورأيت بالمدرسة السيفية
حفيده شهاب الدين أحمد.
وسحافرت محن هذا البلد إلى مدينحة قوص " وهحي بضحم القاف " .مدينحة عظيمحة لهحا
خيرات عميمة ،بساتينها مورقة ،وأسواقها مونقة ،ولها المساجد الكثيرة ،والمدارسة
الثيرة ،وهححي منزل ولة الصححعيد .وبخارجهححا زاويححة الشيححخ شهاب الديحن بححن عبححد
الغفار ،وزاويحة الفرم ،وبهحا اجتماع الفقراء المتجرديحن فحي شهحر رمضان محن كحل
سنة ،ومن علمائها القاضي جمال الدين بن السديد ،والخطيب بها فتح الدين بن دقيق
العيحد أححد الفصححاء البلغاء الذيحن حصحل لهحم السحبق فحي ذلك ،لم أر محن يماثله إل
خطيحب المسحجد الحرام بهاء الديحن الطحبري ،وخطيحب مدينحة خوارزم حسحام الديحن
المشاطحي ،وسحيقع ذكرهمحا ،ومنهحم الفقيحه بهحا ء الديحن عبحد العزيحز المدرس بمدرسحة
المالكيحة ،ومنهحم الفقيحه برهان الديحن إبراهيحم الندلسحي ،له زاويحة عاليحة .ثحم سحافرت
إلى مدينححة القصححر " وضبححط اسححمها بفتححح الهمزة وضححم الصححاد المهمححل " ،وهححي
ضغيرة حسححنة ،وبهححا قححبر الصححالح العابححد أبححي الحجاج القصححري .وعليححه زاويححة،
وسحافرت منهحا إلى مدينحة أرمنحت " وضبحط اسحمها بفتحح الهمزة وسحكون الراء وميحم
مفتوححة ونون سحاكنة وتاء فوقيحة " ،وهحي صحغيرة ذات بسحاتين مبنيحة على سحاحل
النيحل .أضافنحي قاضيهحا ،وأنسحيت اسحمه .ثحم سحافرت منهحا إلى مدينحة أسحنا " وضبحط
اسحمها بفتحح الهمزة وإسحكان السحين المهمحل ونون " ،مدينحة عظيمحة متسحعة الشوارع
ضخمة المنافع كثيرة الزوايا والمدارس والجوامع ،لها أسواق حسان ،وبساتين ذات
أفنان .قاضيها قاضي القضاة شهاب الدين بن مسكين .أضافني وأكرمني ،وكتب إلى
نوابه بإكرامي .وبها من الفضلء الشيخ صالح نور الدين علي ،والشيخ الصالح عبد
الواححد المكناسحي ،وهحو على هذا العهحد صحاحب زاويحة بقوص .ثحم سحافرت منهحا إلى
مدينة أدفو " وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الدال المهمل وضم الفاء " .وبينها
وبيحن مدينحة أسحنا مسحيرة يوم وليلة فحي صححراء ثحم جزنحا النيحل محن مدينحة أدفحو إلى
مدينة العطواني ،ومنها اكترينا الجمال .وسافرنا من طائفة من العرب تعرف بدغيم
" بالغيحن المعجمحة " فحي صححراء ل عمارة بهحا إل أنهحا آمنحة السحيل .وفحي بعحض
منازلها نزلنا حميثرا حيث قبر ولي ال أبي الحسن الشاذلي ،وقد ذكرنا كرامته في
أخباره أنححه يموت بهححا .وأرضهححا كثيرة الضباع .ولم نزل ليلة مبيتنححا بهححا نحارب
الضباع .ولقحد قصحدت رحلي ضبحع منهحا فمزقحت عدلً كان بحه ،واجتزت منحه جراب
تمر ،وذهبت به .فوجدناه لما أصبحنا ممزقاً مأكولً معظم ما كان فيه .ثم لما سرنا
خمسة عشر يوماً وصلنا إلى مدينة عيذاب ،وهي مدينة كبيرة كثيرة الحوت واللبن،
ويحمحل إليهحا الزرع والتمحر محن صحعيد مصحر .وأهلهحا البجاة ،وهحم سحود اللوان
يلتحفون بملححف صحفراء ،ويشدون على رؤوسحهم عصحائب يكون عرض العصحابة
أصحبعاً وهحم ل يورثون البنات .وطعامهحم ألبان البحل ويركبون المهاري ،ويسحمونها
الصحهب .وثلث المدينحة للملك الناصحر وثلثاهحا لملك البجاة ،وهحو يعرف بالحدربحي "
بفتحح الحاء المهمحل وإسحكان الدال وراء مفتوححة وباء موحدة وياء " وبمدينحة عيذاب
مسجد ينسب للقسطلني شهير البركة .رأيته وتبركت به .وبها الشيخ الصالح موسى
والشيحخ المسحن محمحد المراكشحي .زعحم أنحه ابحن المرتضحى ملك مراكحش ،وأن سحنه
خمس وتسعون سنة .ولما وصلنا إلى عيذاب وجدنا الحدربي سلطان البجاة يحارب
التراك ،وقحد خرق المراكحب ،وهرب الترك أمامحه فتعذر سحفرنا فحي البححر .فبعنحا ما
كنححا أعددناه مححن الزاد ،وعدنححا مححع العرب الذيححن اكترينححا الجمال منهححم إلى صححعيد
مصحر ،فوصحلنا إلى مدينحة قوص التحي تقدم ذكرهحا،وانحدرنحا منهحا فحي النيحل ،وكان
أوان مده ،فوصحبلنا بعحد مسحيرة ثمان محن قوص إلى مصحر ،فبحت بصحر ليلة واحدة،
وقصححدت بلد الشام .وذلك فححي منتصححف شعبان سححنة سححت وعشريححن فوصححلت إلى
مدينححة بلبيححس " ،وضبححط اسححمها بفتححح الموحدة الولى وفتحححو الثانيححة ثححم ياء آخححر
الحروف مسكنة وسين مهملة" ،وهي مدينة كبيرة ،ذات بساتين ،كثيرة ،ولم ألق بها
ثححم وصححلت إلى الصححالحية .ومنهححا دخلنححا الرمال ،ونزلنححا منازلهححا ،مثححل السححوادة
والورادة والمطيلب والعريش والخروبة .بكل منزل منها فندق .وهم يسمونه الخان.
ينزله المسحافرون بدوابهحم .وبخارج كحل خان سحاقية للسحبيل ،وحانوت يشتري منهحا
المسحافر محا يحتاجحه لنفسحه ودابتحه .ومحن منازلهحا قطيحا المشهورة وهحي " بفتحح القافحغ
وسكون الطاء وياء آخر الحروف مفتوحة وألف .والناس يبدلون ألفها هاء تأنيث ".
وبها تؤخذ الزكاة من التجار ،وتفتش أمتعتهم ،ويبحث عما لديهم أشد البحث .وفقيها
الدواويحن والعمال والكتاب ،والمشهود.ومجباهحا فحي كحل يوم ألف دينار محن الذهحب.
ول يجوز عليهحا أححد محن الشام إل بحبراءة محن مصحر .ول إلى مصحر إل بحبراءة محن
الشام ،احتياطاً على أموال الناس ،وتوقياً مححن الجواسححيس العراقييححن .وطريقهححا فححي
ضمان العرب قحد وكلوا بحفظحه .فإذا كان اليحل مسححوا على الرمحل حتحى ل يبقحى بحه
أثححر ،ثححم يأتححي الميححر صححباحاً ،فينظححر إلى الرمححل فإن وجححد بححه أثراً طالب العرب
بإحضضار مؤثره ،فيذهبون فححي طلبححه ،فل يفوتهححم فيأتون بححه الميححر ،فيعاقبححه بمححا
شاء ،وكان بهححا فححي عهححد وصححولي إليهححا عححز الديححن أسححتاذ الداراقماري مححن خيار
المراء ،أضافنحي وأكرمنحبي وأباح الجواز لمحن كان معحي .وبيحن يديحه عبحد الجليحل
المغربححي والوقاف ،وهححو يعرف المغاربححة وبلدهححم ،فيسححأل مححن ورد منهححم محن أي
البلد هو لئل يلبس عليهم ،فإن المغاربة ل يعترضون جوازهم على قطيا .ثم سرنا
حتحى وصحلنا إلى مدينحة غزة ،وهحي أول بلد الشام ممحا يلي مصحر متسحعة القطار،
كثيرة العمارة حسنة السواق ،بها المساجد العديدة والسوار عليها .وكان بها جامع
حسحن والمسحجد الذس تقام الن بحه الجمعحة فيهحا بناه الميحر المعظحم الجاولي .وهحو
أنيححق البناء محكححم الصححنعة ومنححبره مححن الرخام البيححض وقاضححي غزة بدر الديححن
تالسحلختي الحورانحي ومدرسحها علم الديحن بحن سحالم .وبنحو سحالم كحبراء هذه المدينحة
ومنهحم شمحس الديحن قاضحي القدس .ثحم سحافرت محن غزة إلى مدينحة الخليحل صحلى ال
على نبينحا وعليحه وسحلم تسحليماً زهحي مدينحة صحغيرة السحاحة كحبيرة المقدار مشرقحة
النوار حسحنة المنظحر عجيبحة المخحبر ،فحي بطحن وادٍ ،ومسحجدها أنيحق الصحنعة محكحم
العمل بديع الحسن سامي الرتفاع ،مبني بالصخر المنحوت .في أحد أركانه صخرة
أححد أقطارهحا سحبعة وثلثون شحبراً .ويقال إن سحليمان عليحه السحلم امحر الجحن ببنائه
وفي داخل المسجد الغار المكرم المقدس .فيه قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلوات
ال على نبينا وعليهم .ويقابلهاو قبور ثلثة ،هي قبور أزواجهم .وعن يمين المنبر،
بلصححق جدار القبلة موضححع يهبححط منححه على درج رخام محكمححة العمححل إلى مسححلك
ضيحق ،يفضحي إلى سحاحة مفروشحة بالرخام ،فيهحا صحور القبور الثلثحة .ويقال :إنهحا
محاذيححة لهححا .وكان هنالك مسححلك إلى الغار المبارك ،وهححو الن مسححدود .وقححد نزلت
بهذا الموضححع مرات وممححا ذكره أهححل العلم دليلً على صحححة كون الققبور الثلثححة
الشريفة هنالك ،ما نقلهمن كتاب علي بن جعفر الرازيالي سماه :المسفر للقلوب عن
صحة قبر إبراهيم و إسحاق ويعقوب .أسند فيه إلى أبي هريرؤة قال :قال رسول ال
صحلى ال عليحه وسحلم " :لمحا أسحري بحي إلى بيحت المقدس محر بحي جبريحل على قحبر
إبراهيحم فقال :انزل فصحل ركعتيحن ،فإن هنحا قحبر أبيحك إبراهيحم .ثحم محر بحي على بيحت
لححم وقال :انزل فصحل ركعتيحن ،فإن هنحا ولد أخوك عيسحى عليحه السحلم .ثحم أتحى بحي
ولمححا لقيححت بهذه المدينححة المدرس تالصححالح المعمححر المام الخطيححب برهان الديححن
الجعبري ،أحد الصلحاء المرضيين ،والئمة المشهورين .سألته عن صحة كون قبر
الخليحل عليحه السحلم هنالك فقال لي :كحل محن لقيتحه محن أهحل العلنحم يصحححون أن هذه
القبور قبور إبراهيحم وإسححاق ويعقوب على نبينحا وعليهحم السحلم ،وقبور زوجاتهحم،
ول يطعن في ذلك إل أهل البدع وهو نقل الخلف عن السلف ل يشك فيه ،ويذكر أن
بعحض الئمحة دخحل إلى الغار ،ووقحف عنحد قحبر سحارة؛ فدخحل شيحخ فقال له :أي هذه
القبور هحو قحبر إبراهيحم ? فأشار له إلى قحبره المعروف ثحم دخحل شاب فسحأله كذلك،
فأشار له إليحه .ثحم دخحل صحبي فسحأله أيضاً فأشار له إليحه فقال الفقيحه أشهحد أن هذا قحبر
إبراهيحم عليحه السحلم ل شحك .ثحم دخحل إلى المسحجد فصحلى بحه وارتححل محن الغحد.
وبداخل هذا المسجد أيضاً قبر يوسف عليه السبلم .وبشرقي حرم الخليل تربة لوط
عليه السلم .وهي تل مرتفع ،يشرف منه غور الشام .وعلى قبره أبنية حسنة .وهو
فحي بيحت محه احسحن البناء محبيض ول سحتور عليحه .وهنالك بحيرة لوط ،هحي أجاج.
يقال أنهحا موضحع ديار قوم لوط وبمقربحة محن تربحة لوط مسحجد اليقحي ،وهحو على تحل
مرتفححع له نور وإشراق ليححس لسححواه ول يجاوره إل دار واحدة يسححكنها قيمححه .وفححي
المسحجد بمقربحة محن بابحه مخوضحع منخفحض فحي حجحر صحلد قحد هيحئ فيحه صحورة
محراب ،ل يسحع إل مصحلياً واحداً ،ويقال :إن إبراهيحم سحجد فحي ذلك الموضحع شكراً
ل تعالى عنححد هلك قوم لوط ،فتحرك موضححع سححجوده،وسححاخ فححي الرض قليلً.
وبالقرب من هذا المسجد مغارة فيها قبر فاطمة بنت الحسين بن علي عليهما السلم
وبأعلى القحبر وأسحفله لوحان محن الرخام فحي أحدهمحا مكتوب منقوش بخحط بديحع بسحم
ال الرحمحن الرحيحم ل العزة والبقاء وله محا ذرأ وبرأ وعلى خلقحه كتحب الفناء .وفحي
رسحول ال أسحوة .هذا قحبر أم سحلمة فاطمحة بنحت الحسحين رضحي ال عنحه .وفحي اللوح
الخر منقوش صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر .وتحت ذلك هذه البيات:
السحلم ،وعليهحا أبنيحة كحبيرة ومسحجد .وزرت أيضاً بيحت لححم ،موضحع ميلد عيسحى
عليحه السحلم ،وبحه أثحر جذع النخلة ،وعليحه عمارة كثيرة .والنصحارى يعظمونحه أشحد
التعظيححم ،ويضيفون مححن نزل بححه ،ثححم وصححلنا إلى بيححت المقدس ،شرفححه ال ،ثالث
المسجدين الشريفين في رتبة الفل ،ومصعد رسول ال عليه وسلم تسليماً ،ومعرجة
إلى السحماء .والبلدة الكحبيرة مبنيحة بالصحخر المنحوت .وكان الملك الصحالح الفاضحل
صحلح الديحن بحن أيوب جزاه ال عحن السحلم خيراً ،لمحا فتحح هذه المدينحة هدم بحض
سحورها .ثحم اسحتنقض الملك الظاهحر هدمحه خوفاً أن يقصحدها الروم فيتمنعوا بهحا .ولم
يكحن بهذه المدينحة نهحر فيمحا تقدم وجلب لهحا الماء فحي هذا العهحد الميحر سحيف الديحن
وهحو محن المسحاجد العجيبحة الرائقحة الفائقحة الحسحن ،يقال :إنحه ل يوجحد على وجحه
الرض مسجد أكبر منه ،وإن طوله من شرق إلى غربي سبعمائة واثنتان وخمسون
ذراعاً بالذراع المالكيحححة وعرضحححه محححن القبلة إلى الجوف أربعمائة ذراع وخمحححس
وثلثون ذراعاً في جهاته الثلث ،وأماالجهة القبلية منه فل علم بها إل باباً واحخداً،
وهو الذي يدخل منه المام ،والمسجد كله فضاء وغير مسقف في النهاية من إحكام
الفعحل وإتقان الصحنعة مموه لبالذهحب والصحبغة الرائقحة ،وفحي المسحجد مواضحع سحواه
مسقفة.
وهحي محن اعجحب المبانحي وأتقنهحا وأغربهحا شكلً .وقحد توفحر حظهحا محن المحاسحن،
وأخذت محن كحل بديعحة بطرف ،وهحي قائمحة على نشحز ي وسحط المسحجد ،يصحعد إليهحا
فححي درج رخام .ولهححا أبواب .والدائر بهححا مفروش بالرخام أيضاً محكححم الصححنعة،
وكذلك داخلهححا فححي ظاهرهححا وباطنهححا مححن أنواع الزواقححة ورائق الصححنعة مححا يعجححز
الواصحف .وأكثحر ذفحك مغشحى بالذهحب فهحي تتلل أنوارأص ،أو تلمحع لمعان البرق.
يحار بصر متأملها في محاسنها ،ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها .وفي وسط القبة
الصحخرة الكريمحة إلتحي جاء ذكرهحا فحي الثار .فإن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم عرج
منها إلى السماء .وهي صخرة صماء ،ارتفاعها نحو قامة .وتحتها مغارة مقدار بيت
صغير .ارتفاعها نحو قامة أيضاً ينزل إلها على درج .وهنالك شكل محراب .وعلى
الصخر شباكان اثنان محكما العمل ،يغلقان عليهما أحدهما ،وهو الذي يلي الصخرة
محن حديحد بديحع الصحنعة والثانحي الخشحب .وفحي القبحة درقحة كحبيرة محن حديحد ،معلقحة
هنالك .والناس يزعمون أنها درقة حمزة بن عبد المطلب رضي ال عنه.
ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف
فمنها بعدوة الوادي المعروف بزودي جهنم في شرقي البلد ،على تل مرتفع هنالك،
بنيححة يقال :إنهححا مصححعد عيسححى عليححه السححلم إلى السححماء .ومنهححا أيضًا قححبر رابعححة
البدويحة ،منسحوبة إلى الباديحة وهحي خلف رابعحة العدويحة الشهيرة .وفحي بطحن الوادي
المذكور كنيسة يعظمها النصارى ،ويقولون :إن قبر مريم عليها السلم بها .وهنالك
أيضاً كنيسحة أخرى معظمحة ،يحجهحا النصحارى ،وهحي التحي يكذبون عليهحا ،ويعتقدون
أن قحبر عيسحى عليحه السحلم بهحا .وعلى كحل محن يحجهحا ضريبحة معلومحة للمسحلمين.
وضروب محن الهانحة يتحملهحا على رغححم أنفححه .وهنالك موضحع مهحد عيسححى عليحه
فمنهحم قاضيحه العالم شمحس الديحن محمحد بحن سحالم الغزي " بفتحح الغيحن " ،وهحو محن
أهحل غزة وكبرائهحا .ونمهحم خطيبحه الصحالح الفاضحل عماد الديحن النابلسحي ،ومنهحم
المحدث المفتي شهاب الدين الطبري ،ومنهم مدرس المالكية وشيخ الخانقاه الكريمة
أبحو عبحد ال محمحد بحن مثبحت الغرناطحي نزيحل القدس ومنهحا الشيحخ الزاهحد أبحو علي
حسحن المعروف بالمحجوب محن كبار الصحالحين ،ومنهحم الشيحخ الصحالح العابحد أبحو
عبد الرحيم عبد الرحمن بن مصطفى من أهل أرز الروم ،وهو من تلمذة تاج الدين
الرفاعي .صحبته ولبست منه خرقة التصوف .ثم سافرت من القدس الشريف برسم
زيارة ثغر عسقلن ،وهو خراب .قد عاد رسوماً طامسة ،.وأطللً دارسة .وقل بلد
جمحع محن المحاسحن محا جمعتحه عسحقلن إتقاناً وحسحن وضحع ،وأصحالة مكان ،وجمعاً
بين مرافحق البر والبححر وبهحا المشهحد الشهيحر حيحث كان رأس الحسحين بحن علي عليحه
السحلم ،قبحل أن ينتقحل إلى القاهرة ،وهحو مسحجد عظيحم سحامي العلو ،فيحه جحب اللماء
أمححر ببنائه بعححض العبيححد ،وكتححب ذلك على بابححه وفححي قبلة هذا المزار مسححجد كححبير
يعؤف بمسجد عمر لم يبق منه إل حيطانه وفي أساطين رخام ل مثل لها في الحسن
وهحي محا بيحن قائم وحصحيد ومحن جملتهحا أسحطوانة حمراء عجيبحة ،يزعحم الناس أن
النصحارى احتملوهحا إلى بلدهحم ،ثحم فقدوهحا ،فوجدت فحي موضعهحا بعسحقلن .وفحي
القبلة مححن هذا المسححجد بئر يعرف ببئر إبراهيححم عليححه السححلم ،ينزل إليهححا فححي درج
متسعة ،ويدخل منها إلى بيوت ،وفي كل ناحية من جهاتها الربع تخرج من أسراب
مطويحة بالحجارة .ماؤهحا عذب ،وليحس بالغزيحر .ويذكحر الناس محن فضائلهحا كثيراً.
وبظاهححر عسححقلن وادي النمححل ،ويقال :إنححه المذكور فححي الكتاب العزيححز .وبجبانححة
عسقلرن من قبور الشهداء والولياء ما ل يحصر لكثرته ،أوقفنا عليهم قيم المزار
المذكور .وله جراية يجريها له ملك مصر ،ومع ما يصل إليه من صدقات الزوار.
ثحم سحافرت منهحا إلى مدينحة الرملة وهحي فحي فلسحطين مدينحة كحبيرة ،كثيرة الخيرات،
حسحنة السحواق .وبهحا جامحع البيحض ز ويقال :إن فحي قبلتحه ثلثمائة محن النحبياء،
مدفونين عليهحم السلم .وفيها من كبار الفقهاء مجد الديحن النابلسي .ثحم خرجت منهحا
إلى مدينححة مابلس ،وهححي مدينححة عظيمححة ،كثيرة الشجار مطردة النهار ،مححن أكثححر
البلد الشام زيتوناً .ومنهححا يحمححل الزيححت إلى مصححر ودمشححق .وبهححا تصححنع حلواء
الخروب ،وتجلب إلى دمشححححححححححححححححححححححححححححححححححق وغيرهححححححححححححححححححححححححححححححححححا.
وكيفية عملها :أن يطبخ الخروب ،ثم يعصر ،ويؤخذ ما يخرج منه من الرب فتصنع
منه الحلواء .ويجلب ذلك الرب أيضاً إلى مصر والشام .وبها البطيخ المنسوب إليها
وهو طيب عجيب .والمسجد الجامع في نهاية من التقان والحسن .وفي وسطه بركة
ماء عذب .ثحم سحافرت منهحا إلى مدينحة عجلون " وهحي بفتحح العيحن المهملة " ،وهحي
مدينحة حسحنة لهحا أسحواق كثيرة ،وقلعحة خطيرة .ويشقهحا نهحر ماؤه عذب .ثحم سحافرت
منهحا بقصحد اللذقيححة ،فمررت بالغور ،وهحو وادٍ بيحن تلل بحه قححبر أبححي عحبيدة ابحن
الجراح أميحن هذه الرض رضحي ال عنحه ،زرناه وعليحه زاويحة فيهحا الطعام لبناء
السحببيل .وبتنا هنالك ليلة ،ثحم وصحلنا إلى القصحير ،وبحه قحبر معاذ بحن جبحل رضحي ال
عنحه ،تحبركت أيضاً بزيارتحه .ثحم سحافرت على السحاحل ،فوصحلت إلى مدينحة عكحة ،
وهحححي خراب وكانحححت عكحححة قاعدة بلد الفرنحححج بالشام ،ومرسحححى سحححفنهم وتشبحححه
قسطنطينية العظمى ،وبشرقيها عين ماء عذب تعرف بعين البقر يقال :إن ال تعالى
أخرج منهحا البقحر لدم عليحه السحلم .وينزل إليهحا بفحي درج .وكان عليهحا مسحجد بقحي
من محرابه .وبهذه المدينة قبر صالح عليه السلم .ثم سافرت منها إلى مدينة صور،
وهي خراب وبخارجها قرية معمورة وأكثر أهلها أرفاض ولقد نزلت بها مرة على
بعض المياه أريد الوضوء .فأتى بعض أهل تلك القرية ليتوضأ فبدأ بغسل رجليه ،ثم
غسحل وجهحه ،ولم يتمضمحض ول اسحنتشق ،ثحم مسحح بعحض رأسحه ،فأخذت عليحه فحي
فعله فقال لي :إن البناء إنمححا يكون ابتداؤه مححن السححاس .ومدينححة صححور هححي التححي
يضرب بها المثل في الحصانة المنعة .لن البحر محيط بها من ثلث جهاتها .ولها
بابان أحدهمحا للبر ،والثانحي للبححر .ولبابهحا الذي يشرع للبر أربعحة فصحلت كلهحا فحي
ستائر محيطة بالباب ،وأما الباب الذي للبحر فهو بين برجين عظيمين .وبناؤها ليس
فحي بلد الدنيحا أعجحب ول أغرب شأناً منحه ،لن البححر محيحط بهحا محن ثلث جاتهحا.
وعلى الجهة الرابعة سور ،تدخل السفن تحت السور وترسو هنالك .وكان فيما تقدم
بيحن البرجيحن سحلسلة حديحد معترضحة ن ،ل سحبيل إلى الداخحل هنالك ،ول إلى الخارج
إل بعحد حطهحا ،وكان عليهحا الحراس والمناء ،فل يدخحل خارج ،إل على علم منهحم.
وكانت لعكة أيضاً ميناء مثلها ،ولكنها تحمل إل السفن الصغار ،ثم سافرتع منها إلى
مدينة صيدا ،وهي على ساحل البحر ،حسنة كثيرة الفواكه يحمل منها التين والزبيب
والزيحت إلى بلد مصحر :نزلت عنحد قاضيهحا مال الديحن الشمونحي المصحري ،وهحو
حسحن الخلق كريحم النفحس .ثحم سحافرت منهحا إلى مدينحة طبريحة .وكانحت فيمحا مضحى
مدينة كبيرة ضخمة ،ولم يبق منها إل رسوم تبنئ عن ضخامتها ،وعظم شأنها .وبها
الحمامات العجيبة؛ لها بيتان أحدهما للرجال ،والثاني للنساء .وماؤها شديد الحرارة.
ولهحا بحيرة الشهيرة ،طولهحا نححو سحتة فراسحخ ،وعرضهحا أزيحد محن ثلثحة فراسحخ.
وبطبريحة مسحجد يعرف بمسحجد النحبياء ،فيحه قحبر شعيحب عليحه السحلم ،وبنتحه زوج
موسحى الكليحم عليحه السحلم ،وقحبر سحليمان عليحه السحلم ،وقحبر يهودا ،وقحبر روبيحل
صححلوا ال وسححلمه على نبينححا وعليهححم .وقصححدنا منهححا زيارة الجححب الذي ألقححي فيححه
يوسحف عليحه السحلم ،وهحو فحي صححن مسحجد صحغير وعليحه زاويحة .والجحب كحبير
عميق ،شربنا من مائه المجتمع من ماء المطر وأخبرنا قمه أن الماء ينبع منه أيضاً.
ثحم سحرنا إلى مدينحة بيروت وهحي صحغيرة ،حسحنة السحواق ،وجامعهحا بديحع الحسحن
ويجلب منهحا إلى ديار مصحر الفواكحه .وقصحدنا منهحا زيارة أبحي يعقوب يوسحف الذي
يزعمون أنحه محن كلوك المغرب .وهحو بموضحع يعرف بكرك نوح محن بقاع العزيحز،
وعليححه زاويححة يطعححم بهححا الوارد .ويقال :إن السححلطان صححلح الديححن وقححف عليهححا
الوقاف .وقيححل السححلطان نور الديححن وكانوا مححن الصححالحين ،ويذكححر أنححه كان ينسححج
حكاية أبي يعقوب يوسف المذكور يحكي أنه دخل مدينة دمشق ،فمرض بها مرضاً
شديداً ،وأقام مطروحاً بالسححواق .فلمححا برئ مححن مرضححه ،خرج إلى ظاهححر دمشححق
ليلتمس بستاناً يكون حارساً له .فاستؤجر لحراسة بستان للملك نور الدين ،واقام في
حراسحته سحتة أشهحر فلمحا كان فحي أوان الفاكهحة أتحى السحلطان إلى ذلك البسحتان ،وأمحر
وكيححل البسححتان أبححا يعقوب أن يأتححي برمان يأكححل منححه السححلطان ،فأتاه برمان .فوجده
حامضاً ،فأمره أن يأتحححي بغيره ،ففعحححل ذلك .فوجده أيضاً حامضاً .فقال له الوكيحححل:
أتكون حراسة هذا البستان منذ ستة أشهر ول تعرف حلو من الحامض ? فقال :إنما
أسحتأجرتني على الحراسحة ل على الكحل ،فأتحى الوكيحل إلى الملك فأعلمحه بذلك بعحث
إليه الملك ،وكان قد رأى في المنام أنه يجمع مع أبي يعقوب ،وتحصل له منه فائدة،
فتفرس أنه هو .فقال له :أنت أبو يعقوب ? قال :نعم .فقام إليه ،وعانقه ،وأجلسه إلى
جانبه ،ثم احتمله إلى مجلسه ،فأضافه بضيافة من الحلل المكتسب بكد يمينه ،وأقام
عنده أياماً .ثحم خرج محن دمشحق فاراً بنفسحه فحي أوان البرد الشديحد ،فأتحى قريحة محن
قراهححا .وكان بهححا رجححل مححن الضعفاء فعرض عليححه النزول عنده ففعححل .وصححنع له
مرقة ،وذبح دجاجة فأتاه بها ،وبخبز شعير فأكل من ذلك ،ودعا اللرجل ،وكان عنده
جملة أولد ،منهحم بنحت قحد آن بناء زوجهحا عليهحا .ومحن عوائدهحم فحي تلك البلد أن
البنححت يجهزهححا أبوهححا ،ويكون معظححم الجهاز أوانححي النحاس ،وبححه يتفاخرون ،وبححه
يتبايعون .فقال أبححو يعقوب للرجححل :هححل عندك شيححء مححن النحاس .قال :نعححم .قححد
اشتريت منه لتجهيز هذه البنت ،قال ائتني به أتاه به .فقال له :استعر من جيرانك ما
أمكنحك منحه ،ففعحل ،وأحضحر ذلك بيحن يديحه فأوقحد عليحه النيران .وأخرج صحرة كانحت
عنده فيهحا الكسحير .فطرح منحه على النحاس فعاد كله ذهباً ،وتركحه فحي بيحت مقفحل
وكتححب كتاباً إلى نور الديححن ملك دمشححق يعلمححه بذلك .وينبهححه على بناء مارسححتان
للمرضححى مححن الغرباء ،ويوقححف عليححه الوقاف ،ويبنححي الزوايححا بالطرق ،ويرضححي
أصحاب النحاس ،ويعطي صاحب البيت كفايته ،وقال له في آخر الكتاب :وإن كان
إبراهيم بن أدهم قد خرج عن ملك خراسان فأنا قد خرجت من ملك المغرب ،وعن
هذه الصحنعة والسحلم ،وفحر محن حينحه ،وذهحب صحاحب البيحت بالكتاب إلى الملك نور
الديححن ،فوصححل الملك إلى تلك القريححة واحتمححل الذهححب ،بعححد أن أرضححى أصحححاب
النحاس ،وصحاحب البيحت .وطلب أبحا يعقوب فلم يجحد له أثراً ول وقحع له على خحبر.
فعاد إلى دمشق وبنى المارستان المعروف باسمه الذي ليس له في المعمور مثله .ثم
وصحلت إلى مدينحة طرابلس ،وهحي إحدى قواعحد الشام ،وبلدانهحا الضخام .تخترقهحا
النهار ،وتحفها البساتين والشجار ،ويكنفها البحر بمرافقه العميمة ،والبر بخييراته
المقيمحة .ولهحا السحواق العجيبحة ،والمسحارح الخصحيبة .والبححر ميليحن منهحا .وهحي
حديثة البناء .وأما طرابلس القديمة فكانت على ضفة البحر وتملكها الروم زمانًا فلما
استرجعها الملك الظاهر خربت ،واتخذت هذه الحديثة ز وبهذه المدينة نحو أربعين
محححن أرماء التراك .وأميرهحححا طيلن الحاجحححب المعروف بملك المراء .ومسحححكنه
بالدار المعروفحة بدار السحعادة .ومحن عوائده أن يركحب فحي كحل يوم اثنيحن وخميحس
ويركحب معحه المراء والعسحاكر .ويخرج إلى ظاهحر المدينحة .فإذا عاد إليهحا .وقارب
الوصول إلى منزله ،ترجل المراء ،ونزلوا عن دوابهم ،ومشوا بيه يده ،حتى يدخل
منزله ،وينصحرفون وتضرب الطبلخانحة عنحد دار كحل أميحر منهحم بعحد صحلة المغرب
من كحل يوم ،وتوقحد المشاعل .وممن كان بها من العلم كاتب السحر بهاء الدين بن
غانحم أححد الفضلء الحسحباء معروف بالسحخاء والكرم ،وأخوه حسحام الديحن هحو شيحخ
القدس الشريف ،وقد ذكرناه ،وأخوهما علء الدين كاتب السلر بدمشق .ومنهم وكيل
بيت المال قوام الدين بن مكين من أكابر الرجال .ومنهم قاضي قضاتها شمس الدين
بحن النقيحب محن أعلم علماء الشام .وبهذه المدينحة حمامات حسحان منهحا حمام القاضحي
القرمحي .وحمام سحندمور .وكان سحندمور أميحر هذه المدينحة .ويذكحر عنحه أخبار كثيرة
في الشدة على أهل الجنايات .منها امرأة شكت إليه بان أحد مماليكه الخواص تعدى
عليها في لبن كانت تبيعه فشربه ،ولم تكن لها بينة .فأمر به فوسط فخرج اللبن من
مصحرنه .وقحد اتفحق مثحل هذه الحكايحة للعتريحس أححد أمراء الملك الناصحر أيام إمارتحه
على عيذاب .واتفق مثلها للملك كبك سلطان تركستان .ثم سافرت من طرابلس إلى
حصن الكراد ،وهو بلد صغير كثير الشجار والنهار بأعلى تل .وبه زاوية تعرف
بزاويحة البراهيمحي نسحبة إلى بعحض كحبراء المراء .ونزلت عنحد قاضيهحا ول أحقحق
الن اسححمه .ثححم سححافرت إلى مدينححة حمححص وهححي مدينححة مليحححة ،أرجاؤهححا مونقححة،
بالحسحن الجامحع ،وفحي وسحطه ماء .وأهحل حمحص عرب لهحم فضحل وكرم .وبخارج
هذه المدينة قبر خالد بن الوليد سيف ال ورسوله ،وعليه زاوية ومسجد وعلى القبر
كسحوة سحوداء .وقاضحي هذه المدينحة جمال الديحن الشريشحي محن أجمحل الناس صحورة
وأحسححنهم سححيرة ز ثححم سححافرت منهححا إلى مدينححة حماة إحدى أمهات الشام الرفيعححة،
ومدائنهححا البديعححة ،ذات الحسححن الرائق ،والجمال الفائق ،تحفهححا البسححاتين والجنات،
عليهححا النواعيححر كالفلك الدائرات ،يشقهححا النهححر العظيححم المسححمى بالعاصححي .ولهححا
ربححض سححمي بالمنصححورية أعظححم مححن المدينححة ،فيححه السححواق الحافلة ،والحمامات
الحسحان ،وبحماة الفواكحه الكثيرة ومنهحا المشمحش اللوزي ،إذا كسحرت نواتحه وجدت
في داخلها لوزة حلوة .قال ابن جزي :وفي هذه المدينة ونهرها ونواعيرها وبساتينها
يقول الديححب الرحال نور الديححن أبححو الحسححن علي بححن موسححى بححن سححعيد العبسححي
العماري الغرناطححي نسححبة لعمار بححن ياسححر رضححي ال عنححه:غيححر كثيححر الشجار
والنهار بأعلى تحل .وبحه زاويحة تعرف بزاويحة البراهيمحي نسحبة إلى بعحض كحبراء
المراء .ونزلت عنحد قاضيهحا ول أحقحق الن اسحمه .ثحم سحافرت إلى مدينحة حمحص
وهي مدينة مليحة ،أرجاؤها مونقة ،وأشجارها مورقة ،وأنهارها متدفقة ،وأسواقها
فسحيحة الشوارع ،وجامعهحا متميحز بالحسحن الجامحع ،وفحي وسحطه ماء .وأهحل حمحص
عرب لهحم فضحل وكرم .وبخارج هذه المدينحة قحبر خالد بحن الوليحد سحيف ال ورسحوله،
وعليحه زاويحة ومسحجد وعلى القحبر كسحوة سحوداء .وقاضحي هذه المدينحة جمال الديحن
الشريشي من أجمل الناس صورة وأحسنهم سيرة ز ثم سافرت منها إلى مدينة حماة
إحدى أمهات الشام الرفيعحة ،ومدائنهحا البديعحة ،ذات الحسحن الرائق ،والجمال الفائق،
تحفهحا البسحاتين والجنات ،عليهحا النواعيحر كالفلك الدائرات ،يشقهحا النهحر العظيحم
المسحمى بالعاصحي .ولهحا ربحض سحمي بالمنصحورية أعظحم محن المدينحة ،فيحه السحواق
الحافلة ،والحمامات الحسححان ،وبحماة الفواكححه الكثيرة ومنهححا المشمححش اللوزي ،إذا
كسرت نواته وجدت في داخلها لوزة حلوة .قال ابن جزي :وفي هذه المدينة ونهرها
ونواعيرها وبساتينها يقول الديب الرحال نور الدين أبو الحسن علي بن موسى بن
سحواه محن الشعراء .قال ابحن جزي :إنمحا سحميت بمعرة النعمان لن النعمان بحن بشيحر
النصحاري صحاحب رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم توفحي له ولد أيام إمارتحه على
حمص ،فدفنه بالمعرة ،فعرفت به .وكانت قبل ذلك تسمى القصور .وقيل أن النعمان
جبل مطل عليها سميت به .والمعرة مدينة كبيرة حسنة ،أكثر شجرها التين والفستق
ومنها يحمل إلى مصر والشام .وبخارجها على فرسخ منها قبر أمير المؤمنين عمر
بن عبد العزيز .ول زاوية عليه ول خديم له .وسبب ذلك أنه وقع في بلد صنفٍ من
ويبغضون كل من اسمعه عمر وخصوصاً عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه لما
كان من فعله في تعظيم علي رضي ال عنه -ثم سرنا منها إلى مدينة سرمين .وهي
حسححنة كثيرة البسححاتين ،وأكثححر شجرهححا الزيتون .بهححا يصححنعون الصححابون الجري،
ويجلب إلى مصححر والشام .ويصححنع بهححا أيضاً الصححابون المطيححب لغسححل اليدي،
ويصحبغونه بالحمرة والصحفرة .ويصحنع بهحا ثياب قطحن حسحان تنسحب إليهحا .وأهلهحا
سحححبابون يبغضون العشرة .ومحححن العجحححب أنهحححم ل يذكرون لفحححظ العشرة وينادي
سحماسرتهم بالسحواق على السحلع ،فإذا بلغوا إلى العشرة قالوا تسحعة وواححد .وحضحر
بهحا بعحض التراك يومًا فسحمع سحمساراً ينادي تسحعة وواححد فضربحه بالدبوس على
رأسحه وقال :قحل عشرة بالدبوس .وبهحا المسحجد جامحع فيحه تسحع قباب .ولم يجعلوهحا
عشرة قياماً بمذهبهححم القبيححح -ثححم سححرنا إلى مدينححة حلب ،المدينححة الكححبرى والقاعدة
العظمى .قال أبو الحسين بن جبير في وصفها :قدرها خطير وذكرها في كل زمان
يطير خطابها من الملوك كثير ،ومحلها من النفوس أثير ،فكم هاجت من كفاح وسل
عليهحا محن بيحض الصحفاح قلعحة شهيرة المتناع ،بائنحة الرتفاع ،تنزهحت حصحانة محن
أن ترم أو تسححتطاع منحوتححة الجزاء ،موضوعححة على نسححبة اعتدال واسححتواء ،قححد
وشعراؤها ? فني جميعهم ،ولم يبق إل بناؤها .فيا عجباً لبلد تبقى ويذهب ملكها،
بأهون شيحء إدراكهحا .هذه حلب كحم أدخلت ملوكهحا فحي خحبر كان ،ونسحخت صحرف
الزمان بالمكان .أنحث اسحمها ،فتحلت بحليحة الغوان ،وأتحت بالعذر فيمحن دان وانجلت
عروساً بعد سيف دولتها ابن حمدان .هيهات سيهرم شبابها ،ويعدم خطابها ،ويسرع
فيهحا بعحد حيحن خرابهحا .وقلعحة حلب تسحمى الشهباء .بداخلهحا جبلن ينبحع منهمحا الماء،
فل تخاف الظمحأ ويطيحف بهحا سحوران .وعليهحا خندق عظيحم ينبحع منحه الماء .وسحورها
متدانحي البراج وقحد انتظمحت بهحا العللي العجيبحة المفتححة الطيقان .وكحل برج منهحا
مسحكون .والطعام ل يتغيحر بهذه القلعحة على طول العهحد .وبهحا مشهحد يقصحده بعحض
الناس ،يقال :إن الخليل عليه السلم كان يتعبد به .وهذه القلعة تشبه قلعة رحبة مالك
بن طوق التي على الفرات بين الشام والعراق .ولما قصحد قازان طاغية التتر مدينة
حلب حاصحر هذه القلعحة أياماً ،ونكحص عنهحا خائباً ،قال ابحن جزي :وفحي هذه القلعحة
يقول الخالدي شاعر سيف الدولة:
وعليه كان يسكنها .وكانت له الغنم الكثيرة .فكان يسقي الفقراء والمساكين ،والوارد
والصحادر محن ألبانها ،فكانوا يجتمعون ويسحألون :حلب إبراهيحم ،فسحميت بذلك ،وهحي
مححن أعححز البلد التححي ل نظيححر لهححا فححي حسححن الوضححع ،وإتقان الترتيححب ،واتسححاع
السحواق ،وانتظام بعضهحا ببعحض .وأسحواقها مسحقفة بالخشحب ،فأهلهحا دائمًا فحي ظحل
ممدود وقيسحاريتها ل تماثحل حسحناً وكحبراً ،وهحي تحيحط بمسحجدها وكحل سحماط منهحا
محاذٍ لباب من أبواب المسجد .ومسجدها الجامع من أجمل المساجد في صحنه بركة
ماء ،ويطيححف بححه بلط عظيححم التسححاع .ومنبرهححا بديححع العمححل ،مرصححع بالعاج
والبنوس .وبقرب جامعهحا مدرسحة مناسحبة له فحي حسحن الوضحع ،وإتقان الصحنعة.
تنسب لمراء بني حمدان ،وبالبلد سواها ،ثلث مدارس ،وبها مارستان .وأما خارج
المدينحة فهحو بسحيط أفيحح عريحض ،بحه المزارع العظيمحة ،وشجرات العناب منتظمحة
بحه ،والبسحاتين على شاطحئ نهرهحا .وهحو النهحر الذي يمحر بحماة ،ويسحمى العاصحي ،
وقيحل :إنحه سحمي بذلك لنحه يخيحل لناظره أن جريانحه محن أسحفل إلى علو .والنفحس تجحد
فحي خارج مدينحة حلب انشراحاً وسحروراً ونشاطهحا ل يكون فحي سحواها ،وهحي محن
المدن التي تصلح للخلفة .قال ابن جزي :أطنبت الشعراء في وصف محاسن حلب،
يا صاحبي إذا أعياكما سحقحمحي فلقياني نسيم الريح محن ححلحب
من البلد التي كان الصبا سكحنحًا فيها وكان الهوى العذري من أربي
وقال فيها أبو الفتح كشاجم:
موصححوف بالعدل ،لكنححه بخيححل .والقضاة بحلب أربعححة للمذاهححب الربعححة .فمنهححم
القاضي كمال الدين بن الزملكاني ،شافعي المذهب ،عالي الهمة ،كبير القدر ،كريم
النفححس ،حسححن الخلق ،متفنححن بالعلوم .وكان الناصححر قححد بعححث إليححه ليوليححه قضاء
القضاة بحضرة ملكه ،فلم يقض له ذلك ،وتوفي ببلبيس ،وهو متوجه إليها .ولما ولي
قضاء حلب ،قصحدته الشعراء محن دمشحق وسحواها .وكان فيمحن قصحده شاعحر الشام
شهاب الديحن أبحو بكحر محمحد بحن الشيحخ المحدث شمحس الديحن أبحي عبحد ال محمحد بحن
بلفحظ أسحفت .قال ابحن جزي :وليحس كلمحه فحي هذه القصحيدة بذاك وهحو فحي المقطعات
أجود منه في القصائد وإليه انتهت الرياسة في الشعر على هذا العهد ،في جميع بلد
المشرق .وهحو محن ذريحة الخطيحب أبحي يحيحى عبحد الرحيحم بحن نباتحه ،منشىء الخطحب
أيام البرد الشديحد ،فأوقدنحا ناراً عظيمحة ،وأحدقنحا بهحا .فقال بعحض الحاضريحن :يصحلح
لهذه النار محا يشوى فيهحا .فقال أححد الفقراء ممحن تزدريحه العيحن ول يعبحأ بحه :إنحي
كنت عند صلة العصر بمتعبد إبراهيم بن أدهم ،فرأيت بمقربة منه حمار وحش قد
أحدق الثلج بحه محن كحل جانحب ،وأظنحه ل يقدر على الحراك ،فلو ذهبتحم إليحه لقدرتحم
عليه وشويتم لحمه في هذه النار .قال :فقمنا إليه في خمسة رجال ،فلقيناه كما وصف
إلينا ،فقبضناه وأتينا به أصحابنا ،وذبحناه وشوينا لحمه في تلك النار ،وطلبنا الفقير
الذي نبه عليه فلم نجده ،ول وقعنا له على أثر ،فطال عجبنا منه .ثم وصلنا من جبل
لبنان إلى مدينحة بعلبحك .وهحي حسحنة قديمحة محن أطيحب مدن الشام ،تحدق بهحا البسحاتين
الشريفحة والجنات المنيفحة ،وتخترق أرضهحا النهار الجاريحة ،وتضاهحي دمشحق فحي
خيراتهحا المتناهيحة .وبهحا محن ححب الملوك محا ليحس فحي سحواها .وبهحا يصحنع الدبحس
المنسحوب إليهحا وهحو منوع محن الرب يصحنعونه محن العنحب ولهحم تربحة يضعونهحا فيحه
فيجمد وتكسر القلة التي يكون بها ،فيبقى قطعة واحدة ،وتصنع منه الحلواء ،ويجعل
فيهححا الفسححتق واللوز ويسححمونها حلواء بالملبححن ،ويسححمونها أيضاً بجلد الفرس .وهححي
كثيرة اللبان ،وتجلب منهححا إلى دمشححق ،وبينهمححا مسححيرة يوم للمجححد وأمححا الرفاق
فيخرجون من بعلبحك فيحبيتون ببلدة صحغيرة تعرف بالزبدانحي ،كثيرة الفواكحه ويغدون
منهحا إلى دمشحق ،ويصحنع ببعلبحك الثياب المنسحوبة إليهحا محن الحرام وغيره ،ويصحنع
بهحا أوانحي الخشحب ،وملعقحه التحي ل نظيحر لهحا فحي البلد ،وهحم يسحمون الصححاف
بالدسحوت .وربمحا صحنعوا الصححفة وصحنعوا صححفة أخرى تسحع فحي جوفهحا ،وأخرى
في جوفها ،إلى أن يبلغوا العشرة ،يخيل لرائيها أنها صحفة واحدة ،وكذلك الملعق
يصححنعون منهات عشرة ،واحدة فححي جوف واحدة ،ويصححنعون لهححا غشاء مححن جلد،
ويمسكها الرجل في حزامه ،وإذا حضر طعاماً مع أصحابه أخرج ذلك ،فيظن رائيه
أنهحا ملعقحة واحدة ،ثحم يخرج محن جوفهحا تسحعة ،وكان دخولي لبعلبحك عشيحة النهار.
وخرجحت منهحا بالغحد ،ولفرط اشتياقحي إلى دمشحق وصحلت يوم الخميحس التاسحع محن
شهححر رمضان المعظححم عام سححتة وعشريححن إلى مدينححة دمشححق الشام ،فنزلت منهححا
بمدرسحة المالكيحة المعروفحة بالشرابشيحة ،ودمشحق هحي التحي تفضحل جميحع البلد حسحناً
وتتقدمهحا جمالً ،وكحل وصحف ،وإن طال ،فهحو قاصحر عحن محاسحنها .ول أبدع ممحا
قاله أبحو الحسحين ابحن جحبير رحمحه ال تعالى فحي ذكرهحا قال :وأمحا دمشحق فهحي جنحة
المشرق ،ومطلع نورهحا المشرق ،وخاتمحة بلد السحلم متحى اسحتقريناها ،وعروس
المدن التححي اجتلبناهححا .قححد تحلت بأزاهيححر الرياحيححن وتجلت فححي حلل سححندسية مححن
البساتين ،وحلت موضع الحسن بالمكان المكين ،وتزينت في منصتها أجمل تزيين،
وتشرفحت بأن أوى المسحيح عليحه السحلم وأمحه منهحا إلى ربوة منهحا ذات قرار ومعيحن
وظل ظليل ،وماء سلسبيل :تنساب مذانبه انسياب الراقم بكل سبيل ،ورياض يحيي
النفوس نسحيمها العليحل ،تتحبرج لناظريهحا بمجتلى صحقيل ،وتناديهحم هلموا إلى معرس
للحسححن ومقيححل ،وقححد سححئمت أرضهححا كثرة الماء ،حتححى اشتاقححت إلى الظماء .فتكاد
تناديك بها الصم والصلب :اركض برجلك ،هذا مغتسل بارد وشراب .وقد أحدقت
البساتين بها إحداق الهالة بالقمر والكام بالثمر ،وامتدت بشرقيها غوطتها الخضراء
امتداد البصحر ،وكحل موضحع لحظحت بجهاتهحا الربحع نضرتحه اليانعحة قيحد البصحر ول
صدق القائلين عنها :إن كانت الجنة في الرض فدمشق ل شك فيها ،وإن كانت في
السحماء فهحي تسحاميها وتحاذيهحا .قال ابحن جزي :وقحد نظحم بعحض شعرائهحا فحي هذا
المعنى فقال:
القيسحي الوادي آشحي ،نزيحل تونحس :نحص كلم ابحن جحبير ،ثحم قال :ولقحد أحسحن فيمحا
وصف منها وأجاد .وتتوق النفس للتطلع على صورتها بما أفاد .هذا وإن لم تكن له
بهحا إقامحة .فيعرب عنهحا بحقيقحة وعلمحة .ول وصحف ذهحبيات أصحيلها .وقحد حان محن
الشمحس غروبهحا ول أزمان جفولهحا المنوعات .ول أوقات شرورهحا المنبهات ،وقحد
اختص من قال :ألفيتها كما تصف اللسن .وفيها ما تشتهيه النفس وتلذ العين .قال
ابحن جزي :والذي قالتحه الشعراء فحي وصحف محاسحن دمشحق ل يحصحر كثرة .وكان
والدي رحمححه ال كثيراً مححا ينشححد فححي وصححفها هذه البيات .وهححي لشرف الديححن بححن
الدين:
النهار ودوحات الشجار ،بين البساتين النضرة والمياه الجارية فيكونون بها يومهم
إلى الليحل ،وقحد طال بنحا الكلم فحي محاسحن دمشحق فلنرجحع إلى كلم الشيحخ أبحي عبحد
ال.
وهو أعظم مساجد الدنيا احتفالً ،وأتقنها صناعة ،وأبدعها حسناً وبهجة وكمالً ،ول يعلم له
نظير ،ول يوجد له شبيه ،وكان الذي تولى بناءه وإتقانه أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك
بن مروان .ووجه إلى ملك الروم بقسطنطينية يأمره أن يبعث إليه الصناع ،فبعث إليه اثني
عشر ألف صانع .وكان موضع المسجد كنيسة .فلما افتتح المسلمون دمشق دخل خالد بن
الوليد رضي ال عنه من إحدى جهاتها بالسيف ،فانتهى إلى نصف الكنيسة .ودخل أبو عبيدة
بن الجراح رضي ال عنه من الجهة الغربية صلحاً ،فانتهى إلى نصف الكنيسة .فصنع
المسلمون من نصف الكنيسة الذي دخلوه عنوة مسجداً ،وبقي النصف الذي صالحوا عليه
كنيسة .فلما عزم الوليد على زيادة الكنيسة في المسجد طلب من الروم أن يبيعوا له كنيستهم
تلك بما شاءوا من عوض ،فأبوا عليه .فانتزعها من أيديهم .وكانوا يزعمون أن الذي يهدمها
يجن ،فذكروا ذلك للوليد فقال :أنا اول من يجن في سبيل ال ،وأخذ الفأس وجعل يهدم
بنفسه .فلما رأس المسلمون ذلك تتابعوا على الهدم .وأكذب ال زعم الروم .وزين هذا
المسجد بفصوص الذهب المعروفة بالفسيفساء ،تخالطها أنواع الصبغة الغريبة الحسن،
وذرع المسجد في الطول من الشرق إلى الغرب مائتا خطوة ،وهي ثلثمائة ذراع ،وعرضه
من القبلة إلى الجوف مائة وخمس وثلثون خطوة ،وهي مائتا ذراع ،وعدد شمسات الزجاج
الملون الذي فيه أربع وسبعون .وبلطاته الثلثة مستطيلة من شرق إلى غرب ،سعة كل
بلط منها ثماني عشرة خطوة .وقد قامت على أربع وخمسين سارية ،وثماني أرجل
حصية ،تتخللها ،وست أرجل مرخمة مرصعة بالرخام الملون ،قد صور فيها أشكال
محاريب وسواها .وهي ثقل قبة الرصاص التي امام المحراب المسماة بقبة النسر كأنهم
شبهوا المسجد نسراً طائراً ،والقبة رأسه ،وهي من أعجب مباني الدنيا.
ومن أي جهة استقبلت المدينة بدت لك قبة النسر ذاهبة في الهواء منيفة على جميع مباني
البلد ،وتستدير بالصحن بلطات ثلثة من جهاته الشرقية والغربية والجوفية ،سعة كل بلط
منها عشر خطى .وبها من السواري ثلث وثلثون ،ومن الرجل أربع عشرة وسعة
الصحن مائة ذراع ،وهو من أجمل المناظر وأتمها حسناً ،وبها يجتمع أهل المدينة بالعشايا،
فمن قارئ ومحدث وذاهب .ويكون انصرافهم بعد العشاء الخيرة وإذا لقي أحد كبرائهم من
الفقهاء وسواهم صاحباً له أسرع كل منهما نحو صاحبه وقبل رأسه .وفي هذا الصحن ثلث
من القباب إحداها في غربيه ،وهي أكبرها وتسمى قبة عائشة أم المؤمنين .وهي قائمة على
ثماني سوارٍ من الرخام مزخرفة بالفصوص والصبغة الملونة مسقفة بالرصاص.
ويقال :إن مال الجامع كان يختزن بها .وذكر لي أن فوائد مستغلت الجامع وجبايته نحو
خمسة وعشرين ألف دينار ذهبًا في كل سنة .والقبة الثانية من شرقي الصحن على هيئة
الخرى ،إل أنها أصغر منها قائمة على ثمانٍ من سواري الرخام ،وتسمى قبة زين
العابدين .والقبة الثالثة في وسط الصحن ،وهي صغيرة مثمنة من رخام عجيب محكم
اللصاق ،قائمة على أربع سوارٍ من الرخام الناصع وتحتها شباك حديد في وسطه أنبوب
نحاس ،يمج الماء إلى علو ،فيرتفع ثم ينثني كأنه قضيب لجين .وهم يسمونهم قفص الماء.
ويستحسن الناس وضع أفواههم فيه للشرب .وفي الجانب الشرقي من الصحن باب يفضي
إلى مسجد بديع الوضع يسمى مشهد علي بن أبي طالب رضي ال عنه ،ويقابله من الجهة
الغربية حيث يلتقي البلطان الغربي والجوفي موضع يقال :إن عائشة رضي ال عنها
سمعت الحديث هنالك .وفي قبلة المسجد المقصورة العظمى التي يؤم فيها إمام الشافعية
وفي الركن الشرقي منها إزاء المحراب خزانة كبيرة فيه المصحف الكريم الذي وجهه أمير
المؤمنين عثمان بن عفان رضي ال عنه إلى الشام .وتفتح تلك الخزانة كل يوم جمعة بعد
الصلة فيزدحم الناس على لثم ذلك المصحف الكريم .وهنالك يحلف الناس غرماءهم ومن
ادعوا عليه شيئاً .وعن يسار المقصورة محراب الصحابة .ويذكر أهل التاريخ أنه أول
محراب وضع في السلم -وفيه يؤم إمام المالكية -وعن يمين المقصورة محراب الحنفية
وفيه يؤم إمامهم ،ويليه محراب الحنابلة وفيه يؤم إمامهم .ولهذا المسجد ثلث صوامع
إحداها بشرقيه ،وهي من بناء الروم .وبابها داخل المسجد ،وبأسفلها مطهرة وبيوت
للوضوء يغتسل فيها المعتكفون والملتزمون للمسجد ويتوضأون.
والصومعة الثانية بغربيه وهي أيضاً من بناء الروم.
والصححومعة الثالثححة بشماله ،وهححي مححن بناء المسححلمين .وعدد المؤذنيححن بححه سححبعون
مؤذناً .وفحي شرقحي المسحجد صحومعة كحبيرة فيهحا صحهريج ماء وهحي لطائفحة الزيالعحة
السحودان .وفحي وسحط المسحجد قحبر زكريحا عليحه السحلم ،وعليحه تابوت معترض بيحن
أسححطوانتين مكسححو بثوب حريححر أسححود معلم فيحه مكتوب بالبيححض " :يحا زكريحا إنحا
نبشرك بغلم اسحمه يحيحى " وهذا المسحجد شهيحر الفضحل .وقرأت فحي فضائل دمشحق
عن سفيان الثوري أن الصلة في مسجد دمشق بثلثين ألف صلة .وفي الثر عن
النحبي صحلى ال عليحه وسحلم أنحه قال " :يعبحد ال فيحه بعحد خراب الدنيحا أربعيحن سحنة ".
ويقال :إن الجدار القبلي منحه وضعحه نحبي ال هود عليحه السحلم ،وأن قحبره بحه .وقحد
رأيحت على مقربحة محن مدينحة ظفار اليمحن بموضحع يقال له :الحقاف بنيحة فيهحا قحبر
مكتوب عليحه هذا قحبر هود بحن عابر صحلى ال عليحه وسحلم .ومحن فضائل هذا المسحجد
أنحه ل يخلو عحن قراءة القرآن والصحلة إل قليلً محن الزمان ،كمحا سحنذكره .والناس
يجتمعون بحه كحل يوم إثحر صحلة الصحبح فيقرأون سحبعاً محن القرآن ويجتمعون بعحد
صححلة العصححر لقراءة تسححمى الكوثريححة ،يقرأون فيهححا مححن سححورة الكوثححر إلى آخححر
القرآن .وللمجتمعيحن على هذه القراءة مرتبات تجري لهحم وهحم نححو سحتمائة إنسحان.
ويدور عليهحم كاتحب الغيبحة ،فمحن غاب منهحم قطحع له عنحد دفحع المرتحب بقدر غيبتحه.
وفي هذا المسجد جماعة كبيرة من المجاورين ل يخرجون منه مقبلون على الصلة
والقراءة والذكحححر ،ل يفترون عحححن ذلك .ويتوضأون محححن المطاهحححر التحححي بداخحححل
الصحومعة الشرقيحة التحي ذكرناهحا .وأهحل البلد يعينونهحم بالمطاعحم والملبحس محن غيحر
أت يسححألوهم شيئاً مححن ذلك ،وفححي هذا المسححجد أربعححة أبواب :باب قبلي يعرف بباب
الزيادة ،وبأعله قطعحة محن الرمحح الذي كانحت فيحه رايحة خالد بحن الوليحد رضحي ال
عنه ،ولهذا الباب دهليز كبير متسع فيه حوانيت السقاطين وغيرهم ،ومنه يذهب إلى
دار الخيحل .وعحن يسحار الخارج منحه سحماط الصحفارين ،وهحي سحوق عظيمحة تمتحد محع
جدار المسححجد القبلي ،محن أحسححن أسحواق دمشحق .وبموضححع هذه السحوق كانحت دار
معاوية بن أبي سفيان رضي ال عنه ودور قومه ،وكانت تسمى الخضراء .فهدمها
بنحو العباس رضحي ال عنهحم وصحار مكانهحا سحوقاً .وباب شرقحي وهحو أعظحم أبواب
المسحجد ،ويسحمى بباب جيرون .وله دهليحز عظيحم يخرج منحه إلى بلط عظيحم طويحل
أمامه خمسة أبواب لها ستة أعمدة طوال .وفي جهة اليسار منه مشهد عظيم كان فيه
رأس الحسين رضي ال عنه .وبإزائه مسجد صغير ينسب إلى عمر بن عبد العزيز
رضحححي ال عنحححه ،وبحححه ماء جارٍ .وقحححد انتظمحححت أمام البلط درج ينحدر فيهحححا إلى
الدهليححز ،وهححو كالخندق العظيححم يتصححل بباب عظيححم الرتفاع تحتححه أعمدة كالجذوع
طوال وبجانححبي هذا الدهليححز أعمدة قححد قامححت عليهححا شوارع مسححتديرة فيهححا دكاكيححن
وصحناع أوانحي الزجاج العجيبحة .وفحي الرحبحة المتصحلة بالباب الول دكاكيحن لكبار
الشهود ،منهحا دكان للشافعيحة ،وسحائرها لصححاب المذاهحب .يكون فحي الدكان منهحا
الخمسححة والسححتة مححن العدول ،والعاقححد للنكحححة مححن قبححل القاضححي ،وسححائر الشهود
مفترقون في المدينة .وبمقربة من هذه الدكاكين سوق الوراقين الذين يبيعون الكاغد
والقلم والمداد .وفي الدهليز المذكور حوض من الرخام الكبير مستدير عليه قبة ل
سقف لها ،تقلها أعمدة رخام وفي وسط الحوض أنبوب نحاس يمج الماء بقوة فيرتفع
فححي الهواء أزيححد مححن قامححة النسححان يسححمونه الفوارة ،منظره عجيححب .وعححن يميححن
الخارج محن باب جيرون وهحو باب السحاعات ،غرفحة لهحا هيئة طاق كحبير فيحه طيقان
صحححغار مفتححححة لهحححا أبواب على عدد سحححاعات النهار .والبواب مصحححبوغ باطنهحححا
بالخضرة وظاهرهحا بالصحفرة ،فإذا ذهبحت سحاعة محن النهار انقلب الباطحن الخضحر
ظاهراً والظاهحر الصحفر باطناً .ويقال :إن بداخحل الغرفحة محن يتولى قلبهحا بيده عنحد
مضي الساعات .والباب الغربي يعرف بباب البريد ،وعن يمين الخارج منه مدرسة
الشافعيححة .وله دهليححز فيححه حوانيححت للشماعيححن ،وسححماط لبيححع الفواكححه .وبأعله باب
يصحعد إليحه فحي درج له أعمدة سحامية فحي الهواء .وتححت الدرج سحقايتان عحن يميحن
وشمال مستديرتان .والباب الجوفي يعرف بباب النطفانيين ،وله دهليز عظيم .وعن
يمين الخارج منه خانقاه تعرف بالشميعانية ،في وسطها صهريج ماء .ولها مطاهر
يجري فيها الماء .ويقال :إنها كانت دار عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه .وعلى
كل باب من أبواب المسجد الربعة دار وضوء يكون فيها نحو مائة بيت تجري فيها
المياه الكثيرة.نحه .وعلى كحل باب محن أبواب المسحجد الربعحة دار وضوء يكون فيهحا
وأئمته ثلثة عشر إماماً .أولهم الشافعية ،وكان في عهد دخولي إليها إمامهم قاضي
القضاة جلل الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني من كبار الفقهاء ،وهو الخطيب
بالمسجد ،وسكناه بدار الخطابة ،ويخرج من باب الحديد إزاء المقصورة وهو الباب
الذي كان يخرج منحه معاويحة .وقحد تولى جلل الديحن بعحد ذلك قضاء القضاة بالديار
المصححرية ،بعححد أن أدى عنححه الملك الناصححر نحححو مائة ألف درهححم كانححت ديناً عليححه
بدمشحق .وإذا سحلم إمام الشافعيحة محن صحلته أقام للصحلة إمام مشهحد علي ،ثحم إمام
مشهحد الحسحين ثحم إمام مشهحد الكلسحة ثحم إمام مشهحد أبحي بكحر ثحم إمام مشهحد عثمان
رضي ال عنهم أجمعين ،ثم إمام المالكية .وكان إمامهم في عهد دخولي إليها الفقيه
أبحو عمحر بحن الوليحد بحن الحاج التجيحبي ،القرطحبي الصحل ،الغرناطحي المولد ،نزيحل
دمشق .وهو يتناوب المامة مع أخيه رحمهما ال .ثم إمام الحنفية ،وكان إمامهم في
عهحد دخولي إليهحا الفقيحه عماد الديحن الحنفحي المعوف بابحن الرومحي ،وهحو محن كبار
الصححوفية .وله شياخحة الخانقاه الخاتونيححة؛ وله أيضاً خانقاه بالشرف العلى .ثحم إمام
الحنابلة وكان ذلك العهحد الشيحخ عبحد ال الكفيحف أححد شيوخ القراء بدمشحق .ثحم بعحد
هؤلء خمسحة أئمحة لقضاة الفوائت فل تزال الصحلة فحي هذا المسحجد محن أول النهار
إلى ثلث الليل ،وكذلك قراءة القرآن وهذا من مفاخر الجامع المبارك.
ولهذا المسححجد حلقات للتدريححس فححي فنون العلم .والمحدثون يقرأون كتححب الحديححث
على كراسي مرتفعة .وقراء القرآن يقرأون بالصوات الحسنة صباحاً ومساء .وبه
جماعة من المعلمين لكتاب ال يستند كل واحد منهم إلى سارية من سواري المسجد
يلقحن الصحبيان ويقرئهحم .وهحم ل يكتبون القرآن فحي اللواح تنزيهاً لكتاب ال تعالى،
وإنمححا يقرأون القرآن تلقيناً .ومعلم الخححط غيححر معلم القرآن ،يعلمهححم بكتححب الشعار
وسححواها ،فينصححرف الصححبي مححن التعليححم إلى التكتيححب ،وبذلك جاد خطححه لن المعلم
للخط ل يعلم غيره .ومن المدرسين بالمسجد المذكور العالم الصالح برهان الدين بن
الفركاح الشافعححي ،ومنهححم العالم الصححالح نور الديححن أبححو اليسححر بححن الصححائغ مححن
المشتهرين بالفضل والصلح .ولما ولي القضاء بمصر جلل الدين القزويني وجه
إلى أبحي اليسحر الخلعحة والمحر بقضاء دمشحق ،فامتنحع محن ذلك .ومنهحم المام العالم
شهاب الديحن بحن جهيحل محن كبار العلماء .هرب محن دمشحق لمحا امتنحع أبحو اليسحر محن
قضائهححا خوفاً مححن أن يقلد القضاء فاتصححل ذلك بالملك الناصححر فولى قضاء دمشححق
شيحخ الشيوخ بالديار المصحرية قطحب العارفيحن لسحان المتكلميحن علء الديحن القونوي
وهححو مححن كبار الفقهاء .ومنهححم المام الفاضححل بدر الديححن علي السححخاوي رحمححة ال
قد ذكرنا قاضي القضاة الشافعي بها جلل الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني.
وأمحا قاضحي المالكيحة فهحو شرف الديحن ،خطيحب الفيوم ،حسحن الصحورة والهيئة محن
كبار الرؤساء .وهو شيخ شيوخ الصوفية ،والنائب عنه في القضاء شمس الدين بن
القفصحي ،ومجلس حكمحه بالمدرسحة الصحمصامية .وأمحا قاضحي قضاة الحنفيحة فهحو
عماد الديحن الحورانحي .وكان شديحد السحطوة .وإليحه تحاكحم النسحاء وأزواجهحن .وكان
الرجل إذا سمع اسم القاضي الحنفي أنصف من نفسه قبل الوصول إليه .وأما قاضي
الحنابلة فهو المام الصالح عز الدين بن مسلم من خيار القضاة ينصرف على حمار
له ومات بمدينة رسول ال صلى ال عليه وسلم لما توجه للحجاز الشريف.
حكاية
وكان بدمشحق محن كبار الفقهاء الحنابلة تقحي الديحن بحن تيميحة كحبير الشام يتكلم فحي
الفنون .إل أن في عقله شيئاً .وكان أهل دمشق يعظمونه أشد التعظيم ،ويعظهم على
المنححبر .وتكلم مرة بأمححر أنكره الفقهاء ،ورفعوه إلى الملك الناصححر فأمححر بإشخاصححه
إلى القاهرة ،وجمححححع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصححححر ،وتكلم شرف الديححححن
الزواوي المالكي وقال :إن هذا الرجحل قال كذا وكذا ،وعدد ما أنكر على ابن تيمية،
وأحضححر العقود بذلك ووضعهححا بيححن يدي قاضححي القضاة وقال قاضححي القضاة لبححن
تيميحححة :محححا تقول ? قال :ل إله إل ال فأعاد عليحححه فأجاب بمثحححل قوله .فأمحححر الملك
الناصر بسجنه فسجن أعواماً .وصنف في السجن كتاباً في تفسير القرآن سماه البحر
المحيحط ،فحي نححو أربعيحن مجلداً .ثحم إن أمحه تعرضحت للملك الناصحر ،وشكحت إليحه،
فأمحر بإطلقحه إلى أن وقحع منحه مثحل ذلك ثانيحة .وكنحت إذ ذاك بدمشحق ،فحضرتحه يوم
الجمعحة وهحو يعحظ الناس على منحبر الجامحع ويذكرهحم .فكان من جملة كلمحه أن قال:
إن ال ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر فعارضه فقيه
مالكي يعرف بابن الزهراء ،وأنكر ما تكلم به .فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه
باليدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته ،وظهر على رأسه شاشية حرير،
فأنكروا عليحه لباسحها واحتملوه إلى دار عحز الديحن بحن مسحلم قاضحي الحنابلة ،لامحر
بسجنه وعزره بعد ذلك .فأنكر فقهاء المالكية والشافعية ما كان من تعزيره ،ورفعوا
المر إلى ملك المراء سيف الدين تنكيز ،وكان من خيار المراء وصلحائهم .فكتب
إلى الملك الناصحر بذلك ،وكتحب عقداً شرعياً على ابحن تيميحة بأمور منكرة ،منهحا أن
المطلق بالثلث فحي كلمحة واحدة ل تلزمحة إل طلقحة واحدة ومنهحا المسحافر الذي ينوي
بسحفره زيارة القحبر الشريحف زاده ال طيباً ل يقصحر الصحلة ،وسحوى ذلك محا يشبهحه،
وبعحث العقحد إلى الملك الناصحر فأمحر بسحجن ابحن تيميحة بالقلعحة ،فسحجن بهحا حتحى مات
في السجن.
اعلم أن للشافعيحة بدمشحق جملة محن المدارس ،أعظمهحا العادليحة وبهحا يحكحم قاضحي
القضاة .وتقابلهححا المدرسححة الظاهريححة ،وبهحا قححبر الملك الظاهححر ،وبهحا جلوس نواب
القاضحي .ومحن نوابحه فخحر الديحن القبطحي وكان والده محن كتاب القبحط وأسحلم.ومنهحم
جمال الدين بن جملة ،وقد تولى قضاء قضاة الشافعية بعد ذلك ،وعزل لمر أوجب
عزله.
حكاية
كان بدمشحق الشيحخ الصحالح ظهيحر الديحن العجمحي .وكان سحيف الديحن تنكيحز ملك
المراء يتتلمححذ له ويعظمححه .فحضححر يوماً بدار العدل عنححد ملك المراء ،وحضححر
القضاة الربعحة .فحكحى قاضحي القضاة جمال الديحن بحن جملة حكايحة .فقال له ظهيحر
الديححن :كذبححت .فأنححف القاضححي مححن ذلك وامتعححض له .فقال للميححر :كيححف يكذبنححي
بحضرتك ? فقال له المير :احكم عليه ،وسلمه إليه وظنه أنه يرضى بذلك فل يناله
بسحوء .فأحضره القاضحي بالمدرسحة العادليحة وضربحه مائتحي سحوط ،وطيحف بحه على
حمار فحي مدينحة دمشحق ،ومنادٍ ينادي عليحه ،فمتحى فرغ محن ندائه ضربحه على ظهره
ضربحة ،وهكذا العادة عندهحم .فبلغ ذلك ملك المراء ،فأنكره أشحد النكار ،وأحضحر
القضاة والفقهاء ،فاجمعوا على خطأ القاضي ،وحكمه بغير مذهبه .فإن التعزيز عند
الشافعي ل يبلغ به الحد .وقال قاضي المالكية شرف الدين :قد حكمت بتفسيقه فكتب
إلى الملك الناصحر بذلك ،فعزله .وللحنفيحه مدارس كثيرة .وأكبرهحا مدرسحة السحلطان
نور الديححن ،وبهححا يحكححم قاضححي الحنفيححه .وللمالكيححة بدمشححق ثلث مدارس إحداهححا
الصحمصامية ،وبهحا سحكن قاضحي قضاة المالكيحة وقعوده للحكام ،والمدرسحة النوريحة
عمرهحا السحلطان نور الديحن محمود بحن زنكحي ،والمدرسحة الشرابشيحة عمرهحا شهاب
ولمدينحة دمشحق ثمانيحة أبواب ،منهحا باب الفراديحس ،ومنهحا باب الجابيحة ومنهحا الباب
الصغير .وفيما بين هذين البابين مقبرة فيها العدد الجم من الصحابة والشهداء ،فمن
بعدهححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححم.
قال محمد بن جزي :لقد أحسن بعض المتأخرين من أهل دمشق في قوله:
فمنها بالمقبرة التي بين باب الجابية والباب الصغير قبر أم حبيبة بنت أبي سفيان
أم المؤمنيحن ،وقحبر أخيهحا أميحر المؤمنين معاويحة ،وقحبر بلل مؤذن رسحول ال صحلى
ال عليه وسلم ،ورضي ال عنهم أجمعين ،وقبر أويس القرني ،وقبر كعب الحبار
رضححي ال عنهمححا .ووجدت فححي كتاب المعلم فححي شرح صحححيح مسححلم للقرطححبي أن
جماعحة محن الصححابة صححبهم أويحس القرنحي محن المدينحة إلى الشام ،فتوفحي فحي أثناء
الطريحق فحي بريحة ل عمارة فيهحا ول ماء فتحيروا فحي أمره ،فنزلوا ،فوجدوا حنوطاً
وكفناً وماء ،فعجبوا محن ذلك ،وغسحلوه وكفنوه وصحلوا عليحه ودفنوه .ثحم ركبوا فقال
بعضهحم :كيحف نترك قحبره بغيحر علمحة فعادوا للموضحع فلم يجدوا للقحبر من أثحر .قال
ابن جزي :ويقال :إن أويساً قتل بصفين مع علي عليه السلم ،وهو الصح إن شاء
ال ويلي باب الجابية باب شرقي عنده جبانة فيها قبر أبي بن كعب صاحب رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،وفيها قبر العابد الصالح أرسلن المعروف بالباز الشهب.
يحكى أن الشيخ الولي أحمد الرفاعي رضي ال عنه كان مسكته بأم عبيدة بمقربة
محن مدينحة واسحط ،وكانحت بيحن ولي ال تعالى أبحي مديحن شعيحب بحن الحسحين وبينحه
مؤاخاة ومراسحلة .ويقال :إن كحل واححد منهمحا كان يسحلم على صحاحبه صحباحاً ومسحاء
فيرد عليححه الخححر .وكانححت للشيححخ أحمححد نخيلت عنححد زاويتححه ،فلمححا كان فححي إحدى
السحنين جذهحا على عادتحه وترك عذقاً منهحا وقال هذا برسحم أخحي شعيحب فححج الشيحخ
أبححو مديححن تلك السححنة واجتمعححا بالموقححف الكريححم بعرفححة .ومححع الشيححخ أحمححد خديمححه
أرسحلن ،فتفاوضحا الكلم .وحكحى الشيحخ حكايحة العذق فقال له أرسحلن عحن أمرك يحا
سحيدي آتيحه بحه .فأذن له .فذهحب فحي حينحه وأتاه بحه ووضعحه بيحن أيديهمحا ،فأخحبر أهحل
الزاويححة أنهححم رأوا عشيححة يوم عرفححة بازًا أشهححب قححد انقححض على النخلة فقطححع ذلك
العذق وذهحب بحه فحي الهواء .وبغربحي دمشحق جبانحة تعرف بقبور الشهداء .فيهحا قحبر
أبحي الدرداء وزجحة أم الدرداء ،وقحبر فضالة بحن عبيحد ،وقحبر وائلة بحن السحقع ،وقحبر
سحهل بحن حنظلة محن الذيحن بايعوا تححت الشجرة رضحي ال عنهحم أجمعيحن .وبقريحة
تعرف بالمنيحة شرقي دمشق وعلى أربعة أميال منها قبر سعد ابن عبادة رضي ال
عنه ،وعليه مسجد صغير حسن البناء ،وعلى رأسه حجر مكتوب عليه هذا قبر سعد
بن عبادة رأس الخزرج صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم تسليماً وبقرية قبلي
البلد وعلى فرسحخ منهحا مشهحد أم كلثوم بنحت علي بحن أبحي طالب محن فاطمحة عليهحم
السحلم .ويقال :إن اسحمها زينحب وكناهحا النحبي صحلى ال عليحه وسحلم أم كلثوم لشبههحا
بخالتهحا أم كلثوم بنحت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ،وعليحه مسحجد كحبير ،وحوله
مساكن ،وله أوقاف .ويسميه أهل دمشق قبر الست أم كلثوم .وقبر آخر يقال :إنه قبر
سحكينة بنت الحسحين بن علي عليحه السحلم .وبجامع النيرب محن قرى دمشحق فحي بيحت
بشرقيحه قحبر يقال :إنحه قحبر أم مريحم عليهحا السحلم .وبقريحة تعرف بداريحا ،غرب البلد
وعلى أربعة أميال منها قبر أبي مسلم الخولني ،وقبر أبي سليمان الداراني رضي
ال عنهما .ومن مشاهد دمشق الشهيرة البركة مسجد القدام ،وهو في قبلي دمشق،
على ميليحن منهحا ،على قارعحة الطريحق العظحم الخحذ إلى الحجاز الشريحف والبيحت
المقدس وديار مصر وهو مسجد عظيم كثير البركة وله أوقاف كثيرة ،ويعظمه أهل
دمشحق تعظيماً شديداً .والقدام التحي ينسحب إليهحا هحي أقدام مصحورة فحي حجحر هناك
يقال :إنهحا أثحر قدم موسحى عليحه السحلم .وفحي هذا المسحجد بيحت صحغير فيحه حجحر
مكتوب عليحه كان بعحض الصحالحين يرى المصحطفى صحلى ال عليحه وسحلم فحي النوم
فيقول له هحا هنحا قحبر أخحي موسحى عليحه السحلم .وبمقربحة محن هذا المسحجد موضحع
يعرف بالكثيب الخضر ،وبمقربة من بيت المقدس وأريحاء موضع يعرف بالكثيب
حكاية
شاهدت أيام الطاعون العظحم بدمشحق فحي أواخحر ربيحع الثانحي سحنة تسحع وأربعيحن
مححن تعظيححم أهححل دمشححق لهذا المسححجد مححا يعجححب منححه ،وهححو أن ملك المراء نائب
السحححلطان أرغون شاه أمحححر منادياً ينادي بدمشحححق أن يصحححوم الناس ثلثحححة أيام ،ول
يطبخون بالسححوق .فصححام الناس ثلثححة أيام متواليححة ،كان آخرهححا يوم الخميححس .ثححم
اجتمحححع المراء والشرفاء والقضاة والفقهاء وسحححائر الطبقات على اختلفهحححا فحححي
جميحع أهحل البلد ذكوراً وإناثاً ،صحغاراً وكباراً ،وخرج اليهود بتوراتهحم ،والنصحارى
وأنححبيائه ،وقصححدوا مسححجد القدام ،وأقاموا بححه فححي تضرعهححم ودعائهححم إلى قرب
الزوال ،وعادوا إلى البلد ،وصلوا الجمعة .وخفف ال تعالى عنهم عندما انتهى عدد
الموتحى إلى ألفيحن فحي اليوم الواححد -وقحد انتهحى عددهحم بالقاهرة ومصحر إلى أربعحة
وعشرين ألفاً باليوم الواحد -وبالباب الشرقي من دمشق منارة بيضاء يقال إنها التي
وتدور بدمشق من جهاتها ما عدا الشرقية أرباض فسيحة الساحات ،دواخلها أملح
محن داخحل دمشحق ،لجحل الضيحق الذي فحي سحككها .وبالجهحة الشماليحة منهحا ربحض
الصححالحية ،وهححي مدينححة عظيمححة لهححا سححوق ل نظيححر لحسححنه ،وفيهححا مسححجد جامححع
ومارسحتان ،وبهحا مدرسحة تعرف بمدرسحة ابحن عمحر موقوفحة على محن أراد أن يتعلم
القرآن الكريحم محن الشيوخ والكهول .وتجري لهحم ولمحن يعلمهحم كفايتهحم محن المآكحل
والملبححس وبداخححل البلد أيضاً مدرسححة مثححل هذه تعرف بمدرسححة ابححن منجححا وأهححل
وقاسحيون :جبحل فحي شمال دمشحق ،والصحالحية فحي سحفحه وهحو شهيحر البركحة ،لنحه
مصعد النبياء عليهم السلم .ومن مشاهده الكريمة الغار الذي ولد فيه إبراهيم عليه
السحلم وهحو غار مسحتطيل ضيحق ،عليحه مسحجد كحبير ،وله صحومعة عاليحة ،ومحن ذلك
الغار رأى الكوكب والقمر والشمس حسبما ورد في الكتاب العزيز وفي ظهر الغار
مقامححه الذي كان يخرج إليححه .وقححد رأيححت ببلد العراق قريححة تعرف بححبرص " بضححم
الباء الموحدة وآخرهححا صححاد مهمححل " ،مححا بيححن الحلة وبغداد يقال :إن مولد إبراهيححم
عليحه السحلم كان بهحا وهحي بمقربحة محن بلد ذي الكفحل عليحه السحلم ،وبهحا قحبره .ومحن
مشاهده بالغرب منحه ،مغارة الدم ،وفوقهحا بالجبحل دم هابيحل بحن آدم عليحه السحلم ،وقحد
أبقى ال منه فحي الحجارة أثراً محمراً وهحو الموضحع الذي قتله أخوه بحه ،واجتره إلى
المغارة .ويذكحر أن تلك المغارة صحلى فيهحا إبراهيحم وموسحى وعيسحى وأيوب ولوط
صلى ال عليهم أجمعين وعليها مسجد متقن البناء يصعد إليه على درج وفيه بيوت
ومرافق للسكنى ويفتح في كل يوم اثنين وخميس والشمع والسرج توقد في المغارة
ومنهحا كهحف بأعلى الجبحل ينسحب لدم عليحه السحلم وعليحه بناء وأسحفل منحه مغارة
تعرف بمغارة الجوع يذكحر أنحه أوى إليهحا سحبعون محن النحبياء عليهحم السحلم ،وكان
عندهحم رغيحف فلم يزل يدور عليهحم ،وكحل منهحم يؤثحر صحاحبه بحه ،حتحى ماتوا جميعاً
صلى ال عليهم ،وعلى هذه المغارة مسجد مبني والسرج توقد فيه ليلً ونهاراً ولكل
مسححجد مححن هذه المسححاجد أوقاف كثيرة معينححة ويذكححر أن فيمححا بيححن باب الفراديححس
وجامححع قاسححيون مدفححن سححبعمائة نححبي ،وبعضهححم يقول سححبعين ألفاً ،وخارج المدينححة
المقبرة العتيقة ،وهي مدفن النبياء والصالحين وفي طرفها مما يلي البساتين أرض
منخفضححة غلب عليهححا الماء يقال :إنهححا مدفححن سححبعين نححبياً وقححد عادت قراراً للماء
وفحححي آخحححر جبحححل قاسحححيون الربوة المباركحححة المذكورة فحححي كتاب ال ذات القرار
والمعيحن ،ومأوى المسحيح عيسحى وأمحه عليهمحا السحلم .وهحي محن أجمحل مناظحر الدنيحا
المبارك ،مغارة صغيرة في وسطها كالبيت الصغير ،وإزاءها بيت يقال :إنه مصلى
الخضححر عليححه السححلم يبادر الناس إلى الصححلة فيهححا .وللمأوى باب حديححد صححغير
والمسجد يدور به وله شوارع دائرة وساقية حسنة ،ينزل لها الماء من علو وينصب
فحي شاذروان فحي الجدار يتصحل بحوض محن رخام ،ويقحع فيحه الماء ول نظيحر له فحي
الحسحن وغرابحة الشكحل وبقرب ذلك مطاهحر للوضوء يجري فيهحا الماء وهذه الربوة
المباركحة هحي رأس بسحاتين دمشحق ،وبهحا منابحع مياههحا ،وينقسحم الماء الخارج منهحا
على سبعة أنهار ،كل نهر آخذ في جهة ،ويعرف ذلك الموضع بالمقاسم ،وأكبر هذه
النهار النهر المسمى بتورة وهو يشق تحت الربوة ،وقد نحت له مجرى في الحجر
الصحلد ،كالغار الكحبير ،وربمحا انغمحس ذو الجسحارة محن العواميحن فحي النهحر محن أعلى
الربوة واندفحع فحي الماء حتحى يشحق مجراه ويخرج محن أسحفل الربوة ،وهحي مخاطرة
عظيمححة وهذه الربوة تشرف على البسححاتين الدائرة بالبلد ،ولهححا محن الحسححن واتسححاع
مسرح البصار ما ليس لسواها .وتلك النهار السبعة تذهب في طرق شتى ،فتحار
العيحن فحي حسحن اجتماعهحا وافتراقهحا واندفاعهحا وانصحبابها .وجمال الربوة وحسحنها
التام أعظحم محن أن يحيحط بحه الوصحف .ولهحا الوقاف الكثيرة محن المزارع والبسحاتين
والرباع ،تقام منهحا وظائفهحا للمام والمؤذن والصحادر والوارد وبأسحفل الربوة قريحة
النيرب وقد تكاثرت بساتينها وتكاثفت ظللها وتدانت أشجارها فل يظهر من بنائها
إل محا سحما ارتفاعحه ولهحا حمام مليحح ولهحا جامحع بديحع مفروش صححنه بفصحوص
الرخام ،وفيحه سحقاية رائعحة الحسحن ومطهرة ،فيهحا بيوت عدة يجري فيهحا الماء وفحي
القبلي من هذه القرية قرية المزة وتعرف بمزة كلب نسبة إلى قبيلة كلب بن وبرة بن
ثعلب بحن حلوان بحن عمران بحن الحاف بحن قضاعحة وكانحت إقطاعاً لهحم وإليهحا ينسحب
المام حافحظ الدنيحا جمال الديحن يوسحف بحن الزكحي الكلبحي المزي وكثيحر سحواه محن
العلماء وهحي محن أعظحم قرى دمشحق بهحا جامحع كحبير عجيحب ،وسحقاية معينحة وأكثحر
قرى دمشحق فيهحا الحمامات والمسحاجد الجامعحة والسحواق وسحكانها كأهحل الحاضرة
في مناحيهم ،وفي شرقي البلد قرية تعرف ببيت الهبة وكانت فيها كنيسة يقال :إن
آزر كان يجلب فيهحا الصحنام فيكسحرها الخليحل عليحه السحلم ،وهحي الن مسحجد جامحع
بديع مزين بفصوص الرخام الملونة المنظمة بأعجب نظام وأزين التئام.
العاجزيحن عحن الححج ،يعطحى لمحن يححج عحن الرجحل منهحم كفايتحه ،ومنهحا أوقاف على
تجهيحز البنات إلى أوزواجهحن ،وهحن اللواتحي ل قدرة لهلهحن على تجهيزهحن ،ومنهحا
أوقاف لفكاك السحححارى ،ومنهحححا أوقاف لبناء السحححبيل ،يعطون منهحححا محححا يأكلون
ويلبسحون ويتزودون لبلدهحم ،ومنهحا أوقاف على تعديحل الطرق ورصحفها لن أزقحة
دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون ،ويمر الركبان بين
حكاية
مررت يوماً ببعححض أزقححة دمشححق فرأيححت بححه مملوكاً صححغيرًا قححد سححقطت مححن يده
صححفة محن الفخار الصحيني ،وهحم يسحمونها الصححن ،فتكسحرت واجتمحع عليحه الناس
فقال له بعضهم ،إجمع شقفها واحملها معك لصاحب أوقاف الواني فجمعها وذهب
الرجل معه إليه فأراه إياها فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن .وهذا من أحسن
العمال فإن سيد الغلم ل بد له أن يضربه على كسر الصحن ،أو ينهره وهو أيضاً
ينكسحر قلبحه ،ويتغيحر لجحل ذلك فكان هذا الوقحف جحبراً للقلوب جزى ال خيراً محن
تسحامت همتحه فحي الخيحر إلى مثحل هذا .وأهحل دمشحق يتنافسحون فحي عمارة المسحاجد
بالموال والهلين والولد وكل من انقطع بجهة من جهات دمشق ل بد أن يتأتى له
وجه من المعاش ،من إمامة مسجد ،أو قراءة بمدرسة أو ملزمة مسجد ،يجيء إليه
فيحه رزقحه أو قراءة القرآن ،أوخدمحة مشهحد محن المشاهحد المباركحة ،أو يكون كجملة
الصحوفية بالخوانحق ،تجري له النفقحة والكسحوة فمحن كان بهحا غريباً على خيحر لم يزل
مصححوناً عححن بذل وجهححه محفوظاً عمححا يزري بالمروءة ومححن كان مححن أهححل المهنححة
والخدمة فله أسباب أخر ،من حراسة بستان أو أمانة طاحونة أو كفالة صبيان يغدو
معهحم إلى التعليحم ويروح ومحن أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة وجحد العانحة التامحة
على ذلك .ومحن فضائل أهحل دمشحق أنحه ل يفطحر أححد منهحم فحي ليالي رمضان وحده
ألبتة فمن كان من المراء والقضاة والكبراء ،فإنه يدعو أصحابه والفقراء يفطرون
عنده ،ومحن كان محن التجار وكبار السحوقة صحنع مثحل ذلك ،ومحن كان محن الضعفاء
والباديحة فأنهحم يجتمعون كحل ليلة فحي دار أحدهحم أو فحي مسحجد ،ويأتحي كحل أححد بمحا
عنده فيفطرون جميعاً ،ولمحا وردت دمشحق وقعحت بينحي وبيحن نور الديحن السحخاوي
مدرس المالكية صحبة فرغب مني أن أفطر عنده في ليالي رمضان فحضرت عنده
أربحع ليالٍ ثحم أصحابتني الحمحى فغبحت عنحه ،فبعحث فحي طلبحي ،فاعتذرت بالمرض ،فلم
يسحعني عذراً فرجعحت إليحه وبحت عنده فلمحا أردت النصحراف بالغحد منعنحي محن ذلك
وقال لي :احسب داري كأنها دارك أو دار أبيك أو أخيك ،وأمر بإحضار طبيب وأن
يصنع لي بداره كل ما يشتهيه الطبيب من دواء أو غذاء ،وأقمت كذلك عنده إلى يوم
وقد كان ما عندي من النفقة نفد ،فعلم بذلك فاكترى لي جمالً وأعطاني الزاد وسواه
وزادنحي دراهحم وقال لي :تكون لمحا عسحى أن يعتريحك محن أمحر مهحم ،جزاه ال خيراً.
وكان بدمشححق فاضححل مححن كتاب الملك الناصححر يسححمى عماد الديححن القيصححراني مححن
عاداتحه أنحه متحى سحمع أن مغربياً وصحل إلى دمشحق بححث عنحه وأضافحه وأحسحن إليحه،
فإن عرف منه الدين والفضل أمره بملزمته .وكان يلزمه منهم جماعة .وعلى هذه
الطريقحححة أيضاً كاتحححب السحححر الفاضحححل علء الديحححن بحححن غانحححم وجماعحححة غيره.
وكان بهحا فاضحل محن كبرائهحا وهحو الصحاحب عحز الديحن القلنسحي ،له مآثحر ومكارم
وفضائل وإيثار ،وهححو ذو مال عريححض وذكروا أن الملك الناصححر لمححا قدم دمشححق
أضافحة وجميحع أهحل دولتحه ومماليكحه وخواصحه ثلثحة أيام فسحماه اذ ذاك بالصحاحب.
ومما يؤثر من فضائلهم أن أحد ملوكهم السالفين لما نزل به الموت أوصى أن يدفن
بقبلة الجامححع المكرم ،ويخفححى قححبره .وعيححن أوقافاً عظيمححة لقراء يقرأون سححبعاً مححن
القرآن الكريم في كل يوم إثر صلة الصبح بالجهة االشرقية من مقصورة الصحابة
رضحي ال عنهحم حيحث قحبره فصحارت قراءة القرآن على قحبره ل تنقطحع أبداً ،وبقحي
ذلك الرسم الجميل بعده مخلداً ومن عادة أهل دمشق وسائر تلك البلد أنهم يخرجون
بعحد صحلة العصحر محن يوم عرفحة ،فيقفون بصححون المسحاجد كحبيت المقدس وجامحع
بنحي أميحة وسحواها ،ويقحف بهحم أئمتهحم كاشفحي رؤوسحهم داعيحن خاضعيحن خاشعيحن
ملتمسححين البركححة ،ويتوخون السححاعة التححي يقححف فيهححا وفححد ال تعالى وحجاج بيتححه
بعرفات ،ول يزالون فحي خضوع ودعاء وابتهال وتوسحل إلى ال تعالى بحجاج بيتحه
إلى أن تغيححب الشمححس ،فينفرون كمححا ينفححر الحاج ،باكيححن على مححا حرموه مححن ذلك
الموقحف الشريحف بعرفات ،داعيحن إلى ال تعالى أن يوصحلهم إليهحا ول يخيبهحم محن
بركة القبول فيما فعلوه ،ولهم أيضاً في اتباع الجنائز رتبة عجيبة وذلك أنهم يمشون
أمام الجنازة ،والقراء يقرأون القرآن بالصوات الحسنة والتلحين المبكية التي تكاد
النفوس تطيحر لهحا رقحة ،وهحم يصحلون على الجنائز بالمسحجد الجامحع قبالة المقصحورة
فإن كان الميحت مححن أئمححة الجامححع أو مؤذنيححه أو خدامححه أدخلوه بالقراءة إلى موضححع
الصحلة عليحه ،وإن كان محن سحواهم قطعوا القراءة عنحد باب المسحجد وأدخلوا الجنازة
وبعضهحم يجتمحع له بالبلط الغربحي محن الصححن بمقربحة محن باب البريحد ،فيجلسحون
وأمامهم ربعات القرآن يقرأون فيها ويرفعون أصواتهم بالنداء لكل من يصل للعزاء
محن كبار البلدة وأعيانهحا ويقولون بسحم ال فلن الديحن محن كمال وجمال شمحس وبدر
وغير ذلك ،فإذا أتموا القراءة قام المؤذنون فيقولون افتكروا واعتحبروا صحلتكم على
فلن الرجحل الصحالح العالم ويصحفونه بصحفات من الخيحر ،ثحم يصحلون عليحه ويذهبون
به إلى مدفنة .ولهل الهند رتبة عجيبة في الجنائز أيضاً زائدة على ذلك ،وهي أنهم
يجتمعون بروضة الميت صبيحة الثالث من دفنه وتفرش الروضة بالثياب الرفيعة،
ويكسححى القححبر بالكسححية الفاخرة ،وتوضححع حوله الرياحيححن مححن الورد والنسححرين
والياسحمين وذلك النوار ل ينقطحع عندهحم ويأتون بأشجار الليمون والترج ،ويجعلون
فيهححا حبوبهححا إن لم تكححن فيهححا ،ويجعلون صححيواناً يظلل الناس نحوه ،ويأتححي القضاة
والمراء ومحن يماثلهحم فيقعدون ،ويقابلهحم القراء ويؤتحى بالربعات الكرام فيأخحذ كحل
واححد منهحم جزءاً ،فإذا تمحت القراءة محن القراء بالصحوات الحسحان يدعحو القاضحي
ويقوم قائماً ويخطححب خطبححة معدة لذلك ،ويذكححر فيهححا الميححت ويرثيححه بأبيات شعححر،
ويذكحر أقاربهحم ويعزيهحم عنحه ،ويذكحر السحلطان داعياً له ،وعنحد ذكحر السحلطان يقوم
الناس ويحطون رؤوسحهم إلى سحمت الجهحة التحي بهحا السحلطان ،ثحم يقعحد القاضحي،
ويأتون بماء الورد فيصحب على الناس صحباً يبدأ بالقاضحي ثحم محن يليحه كذلك إلى أن
يعححم الناس أجمعيححن ،ثححم يؤتححى بأوانححي السححكر وهححو الجلب محلولً بالماء فيسححقون
الناس منه ،ويبدأون بالقاضي ومن يليه ،ثم يؤتى بالتنبول ،وهم يعظمونه ويكرمون
من يأتي لهم به ،فإذا أعطى السلطان أحداً منه فهو أعظم من إعطاء الذهب والخلع.
وإذا مات الميحت لم يأكحل أهله التنبول إل فحي ذلك اليوم ،فيأخحذ القاضحي ،أو محن يقوم
مقامححه ،أوراقاً منححه فيعطيهححا لولي الميححت فيأكلهححا وينصححرفون حينئذٍ وسححيأتي ذكححر
سحمعت بجامحع بنحي أميحة ،عمره ال بذكره جميحع صححيح المام أبحي عبحد ال محمحد
بن إسماعيل الجعفي البخاري رضي ال عنه على الشيخ المعمر رحلة الفاق ملحق
الصاغر بالكابر ،شهاب الدين أحمد بن أبي طالب بن أبي النعم بن حسن بن علي
بن بيان الدين ،مقرئ الصالحي ،المعروف بابن الشحنة الحجازي ،في أربعة عشر
مجلسححاً ،أولهححا يوم الثلثاء منتصححف شهححر رمضان المعظححم سححنة سححت وعشريححن
وسحبعمائة وآخرهحا يوم الثنيحن الثامحن والعشريحن منحه ،بقراءة المام الحافحظ مؤرخ
الشام علم الديحن أبحي محمحد القاسحم بحن محمحد بحن يوسحف البرزالي ،الشحبيلي الصحل،
الدمشقي ،في جماعة كبيرة كتب أسماءهم محمد بن طغربل بن عبد ال بن الغزال
الصححيرفي ،سححماع الشيححخ أبححي العباس الحجازي لجميححع الكتاب ،مححن الشيححخ المام
سراج الدين أبي عبد ال الحسين ابن أبي بكر المبارك بن محمد بن يحيى بن علي
بحن المسحيح بحن عمران الربيعحي البغدادي الزبيدي الحنبلي ،فحي أواخحر شوال وأوائل
ذي القعدة محن سحنة ثلثيحن وسحتمائة بالجامحع المظفري بسحفح جبحل قاسحيون ظاهحر
دمشحق ،وبإجازتحه فحي جميحع الكتاب محن الشيخيحن :أبحي الحسحن محمحد بحن أحمحد بحن
عمحر بحن الحسحين بحن الخلف القطيعحي المؤرخ ،وعلي بحن أبحي بكحر بحن عبحد ال بحن
رؤبحة القلنسحي العطار البغدادي ومحن باب غيرة النسحاء ووجدهحن ،إلى آخحر الكتاب
محن أبحي المنجحا عبحد ال بن عمحر بن علي بحن زيحد الليثحي الخزاعحي البغدادي ،بسحماع
أربعتهم من الشيخ شديد الدين أبي الوقت عبد الول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم
السحجزي الهروي الصحوفي ،فحي سحنة ثلث وخمسحين وخمسحمائة ببغداد قال :أخبرنحا
المام جمال السلم أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود
بحن أحمحد بحن معاذ بحن سحهل بحن الحكحم الداودي قراءة عليحه ،وأنحا أسحمع ببوشنحج سحنة
خمحس وسحتين وأربعمائة ،قال :أخبرنحا أبحو محمحد عبحد ال بحن أحمحد بحن حوبحة بحن
يوسحف بحن أيمحن السحرخسي قراءة عليحه ،وأنحا أسحمع فحي صحفر سحنة إحدى وثمانيحن
وثلثمائة ،قال :أخبرنحا عبحد ال بحن يوسحف بحن مطحر بحن صحالح بحن بشحر بحن ابراهيحم
الفربري قراءة عليححه ،وأنححا أسححمع سححنة سححت عشرة وثلثمائة بفربر ،قال :أخبرنححا
المام أبحو عبحد ال محمحد بحن إسحماعيل البخاري ،رضحي ال عنحه سحنة ثمان وأربعيحن
ومائتيحن بفربر ،ومرة ثانيحة بعدهحا ،وبعدهحا سحنة ثلث وخمسحين .وممحن أجازنحي محن
أهحل دمشحق إجازة عامحة الشيحخ أبحو العباس الحجازي المذكور ،سحبق إلى ذلك وتلفحظ
لي بححه -ومنهححم الشيححخ المام شهاب الديححن أحمححد بححن عبححد ال بححن أحمححد بححن محمححد
المقدسي ،ومولده في ربيع الول سنة ثلث وخمسين وستمائة -ومنهم الشيخ المام
الصالح عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن النجدي -ومنهم
إمام الئمحة جمال الديحن أبحو المحاسحن يوسحف بحن الزكحي عبحد الرحمحن بحن يوسحف
المزني الكلي ،حافظ الحفاظ ،ومنهم المام علء الدين علي بن يوسف بن محمد بن
عبحد ال الشفاعحي ،والشيحخ المام الشريحف محيحي الديحن بحن يحيحى بحن علي العلوي،
ومنهم الشيخ المام المحدث مجد الدين القاسم بن عبد ال بن أبي عبد ال بن المعلى
الدمشقحي ،ومولده سحنة أربحع وخمسحين وسحتمائة .ومنهحم الشيحخ المام العالم شهاب
الديحن أحمحد بحن ابراهيحم بن فلح بحن محمحد السحكندري .ومنهحم الشيحخ المام ولي ال
تعالى شمس الدين بن عبد ال بن تمام والشيخان الخوان شمس الدين محمد وكمال
الدين عبد ال ،ابنا ابراهيم بن عبد ال بن أبي عمر المقدسي ،والشيخ العابد شمس
الديحن محمحد بحن أبحي الزهراء بحن سحالم الهكاري ،والشيخحة الصحالحة أم محمحد عائشحة
بنت محمد بن مسلم بن سلمة الحراني ،والشيخة الصالحة رحلة الدنيا زينب بنت
كمال الديحن أحمحد بحن عبحد الرحيحم بحن عبحد الواححد بحن أحمحد المقدسحي كححل هؤلء
أجازنحي إجازة عامحة فحي سحنة سحت وعشريحن بدمشحق .ولمحا اسحتهل شوال محن السحنة
المذكورة خرج الركححححب الحجازي إلى خارج دمشححححق ونزلوا القريححححة المعروفححححة
بالكسحوة ،فأخذت فحي الحركحة معهحم ،وكان أميحر الركحب سحيف الديحن الجوبان ،محن
كبار المراء وقاضيه شرف الدين الذرعي الحوراني ،وحج فحي تلك السنة مدرس
المالكية صدر الدين العماري ،وكان سفري مع طائفة من العرب تدعى العجارمة،
أميرهم محمد بن رافع كبير القدر في المراء وارتحلنا من الكسوة إلى قرية تعرف
بالصحنمين عظيمحة ثحم ارتحلنحا منهحا إلى بلدة زرعحة وهحي صحغيرة محن بلد حوران
نزلنا بالقرب منها ثم ارتحلنا إلى مدينة بصرى ،وهي صغيرة ومن عادة الركب أن
يقيحم بهحا أربعاً ليلححق بهحم محن تخلف بدمشحق لقضاء مآربحه -وإلى بصحرى وصحل
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قبحل البعحث فحي تجارة خديجحة ،وبهحا محبرك ناقتحه قحد
بنحبي عليحه مسحجد عظيحم ،ويجتمحع أهحل حوران بهبذه المدينحة ،ويتزود الحاج منهحا ثحم
يرحلون إلى بركححة زيرة " زيرا " ،ويقيمون عليهححا يوماً ،ثححم يرحلون إلى اللجون،
وبها الماء الجاري ثم يرحلون إلى حصن الكرك ،وهو من أعجب الحصون وأمنعها
والوادي يطيف به من جميع جهاته وله باب واحد قد نحت المدخل اليه في الحجر
الصححلد ،ومدخححل دهليزه كذلك وبهذا الحصححن يتحصححن الملوك ،وإليححه يلجؤون فححي
النوائب وله لجحأ الملك الناصحر ،لنحه ولي الملك وهحو صحغير السحن ،فاسحتولى على
التدبيحر مملوكحه سحلر النائب عنحه ،فأظهحر الملك الناصحر أنحه يريحد الححج ،ووافقحه
المراء على ذلك فتوجحه إلى الحج فلمحا وصحل عقبحة أيلة ،لجحأ إلى الحصحن ،وأقام بحه
أعواماً إلى أن قصححده أمراء الشام ،واجتمعححت عليححه المماليححك وكان الملك فححي تلك
المدة بيحبرس الششنكيحر ،وهحو أميحر الطعام وتسحمى بالملك المظفحر ،وهحو الذي بنحى
الخانقاه البيبرسية ،بمقربة من خانقاه سعيد السعداء التي بناها صلح الدين بن أيوب
فقصده الملك الناصر بالعساكر ،ففر بيبرس إلى الصحراء ،فتبعته العساكر وقبض
عليحه ،وأتحي بحه إلى الملك الناصحر فأمحر بقتله فقتحل.وقبحض على سحلر ،وحبحس فحي
جححب حتححى مات جوعاً .ويقال :إنححه أكححل جيفححة مححن الجوع نعوذ بال مححن ذلك .وأقام
الركب بخارج الكرك أربعة أيام بموضع يقال له الثنية ،وتجهزوا لدخول البرية .ثم
ارتحلنحا إلى معان ،وهحو آخحر بلد الشام ،ونزلنحا محن عقبحة الصحوان إلى الصححراء
التحي يقال فيهحا :داخلهحا مفقود وخارجهحا مولود .وبعحد مسحيرة يوميحن نزلنحا ذات ححج،
وهححي حسححيان ل عمارة بهححا ،ثححم إلى وادي بلدح ول ماء بححه ،ثححم إلى تبوك وهححو
الموضحع الذي غزاه رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم .وفيهحا عيحن ماء كانحت تبحض
بشيحء محن الماء .فلمحا نزلهحا رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم وتوضحأ منهحا ،جادت
بالماء المعيحن .ولم يزل إلى هذا العهحد ببركحة رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم .ومحن
عادة حجاج الشام إذا وصححححلوا منزل تبوك ،أخذوا أسححححلحتهم ،وجردوا سححححيوفهم،
وحملوا على المنزل ،وضربوا النخححل بسححيوفهم ،ويقولون :هكذا دخلهححا رسححول ال
صحلى ال عليحه وسحلم .وينزل الركحب العظيحم على هذه العيحن فيروي منهحا جميعهحم،
ويقيمون أربعحة أيام للراححة وإرواء الجمال واسحتعداد الماء للبريحة المخوفحة التحي بيحن
العل وتبوك .ومن عادة السقائين أنهم ينزلون على جوانب هذه العين ،ولهم أحواض
الروايا والقرب .ولكل أمير أو كبير حوض يسقي منه جماه وجمال أصحابه ،ويمل
رواياهم .وسواهم من الناس يتفق مع السقائين على سقي جمله وملء قربته ،بشيء
ثحم يرححل الركحب محن تبوك ،ويجدون السحير ليلً ونهاراً خوفاً محن هذه البريحة .وفحي
وسطها الوادي الخيضر :كأنه وادي جهنم ،أعاذنا ال منها .وأصاب الحجاج به في
بعحض السحنين مشقحة بسحبب ريحح السحموم التحي تهحب ،فانتشفحت المياه ،وانتهحت شربحة
الماء إلى ألف دينار ،ومات مشتريهحا وبائعهحا .وكتحب ذلك فحي بعحض صحخر الوادي.
ومن هنالك ينزلون بركة المعظم ،وهي ضخمة ،نسبتها إلى الملك المعظم من أولد
أيوب .ويجتمحع بهحا ماء المطحر فحي بعحض السحنين ،وربمحا جحف فحي بعضهحا ،وفحي
الخامحس محن أيام رحيلهحم عحن تبوك يصحلون البئر الحجحر حجحر ثمود ،وهحي كثيرة
الماء ،ولكن ل يردها أحد من الناس ،مع شدة عطشهم ،اقتداء بفعل رسول ال صلى
ال عليه وسلم حين مر بها في غزوة تبوك ،فأسرع براحلته وأمر أن ل يسقى منها
أحد .ومن عجن به أطعمه الجمال .وهنالك ديار ثمود في جبال من الصخر الحمر
منحوتحة ،لهحا عتحب منقوشحة يظحن رائيهحا أنهحا حديثحة الصحنعة ،وعظامهحم نخرة فحي
داخحل تلك البيوت .إن فحي ذلك لعحبرة ،ومحبرك ناقحة صحالح عليحه السحلم بيحن جبليحن
هنالك ،وبينهما أثر مسجد يصلي الناس فيه ،وبين الحجر والعل نصف يوم أو دونه.
والعل قريحة كحبيرة حسحنة لهحا بسحاتين النخحل والمياه المعينحة ،يقيحم بهحا الحجاج أربعاً،
يتزودون ويغسلون ثيابهم ويدعون بها ما يكون عندهم من فضل زاد ويستصحبون
قدر الكفايحة .وأهحل هذه القريحة أصححاب أمانحة ،وإليهحا ينتهحي تجار نصحارى الشام ،ل
يتعدونها ،ويبايعون الحجاج الزاد وسواه .ثم يرحل الركب من العل فينزلون في غد
رحيلهم الوادي المعروف بالعطاس ،وهو شديد الحر تهب فيه السموم المهلكة .هبت
السححنين على الركححب فمححل يخلص منهححا إل اليسححير .وتعرف تلك السححنة سححنة الميححر
الجالقحي ،ومنحه ينزلون هديحة ،وهحي حسحيان ماء بواد يحفرون بحه ،فيخرج الماء وهحو
وفحي عشحي ذلك اليوم دخلنحا الحرم الشريحف ،وانتهينحا إلى المسحجد الكريحم ،فوقفنحا
بباب السلم مسلمين ،وصلينا بالروضة الكريمة بين القبر والمنبر الكريم ،واستلمنا
القطعححة الباقيححة مححن الجذع الذي حححن إلى رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم ،وهححي
ملصقة بعمود قائم بين القبر والمنبر عن يمين مستقبل القبلة ،وأدينا حق السلم على
البطحححي محمححد صححلى ال عليححه وسححلم تسححليماً ،وشرف وكرم وحححق السححلم على
ضجيعيه وصاحبيه أبي بكر الصديق وأبي حفص عمر الفاروق رضي ال عنهما.
وانصحرفنا إلى رحلنحا مسحرورين بهذه النعمحة العظمحى ،مسحتبشرين بنيحل هذه المنحة
الكحححبرى ،حامديحححن ال تعالى على بالبلوغ إلى معاهحححد رسحححوله الشريفحححة ،ومشاهده
العظيمحة المنيفحة ،داعيحن أن ل يجعحل ذلك آخحر عهدنحا بهحا ،وأن يجعلنحا ممحن قبلت
المسجد المعظم مستطيل ،تحفه من جهاته الربع بلطات دائرة به ،ووسطه صحن
مفروش بالحصى والرمل ،ويدور بالمسجد الشريف شارع مبلط بالحجر المنحوت.
والروضححة المقدسححة صححلوات ال وسححلمه على سححاكنها فححي الجهححة القبليححة ممححا يلي
الشرق محن المسحجد الكريحم ،وشكلهحا عجيحب ل يتأتحى تمثيله .ووهحي منورة بالرخام
البديحع النححت الرائق النعحت ،قحد علهحا تضميحخ المسحك والطيحب محع طول الزمان.
وفحي الصحفة القبليحة منهحا مسحمار فضحة هحو قبالة الوجحه الكريحم .وهنالك يقحف الناس
مسحتقبلين الوجحه الكريحم مسحتدبرين القبلة ،فيسحلمون وينصحرفون يميناً إلى وجحه أبحي
بكحر الصحديق ،ورأس أبحي بكحر رضحي ال عنحه عنحد قدمحي رسحول ال صحلى ال عليحه
وسلم ،ثم ينصرفون إلى عمر بن الخطاب ،ورأس عمر عند كتفي أبي بكر رضي
ال عنهمححا .وفححي الجوفححي مححن الروضححة المقدسححة ،زادهححا ال طيباً ،حوض صححغير
مرخم ،وفي قبلته شكل محراب ،يقال :إنه كان بيت فاطمة بنت رسول ال صلى ال
عليه وسلم تسليماً ،ويقال أيضاً :هو قبرها ،وال أعلم .وفي وسط المسجد الكريم دفة
مطبقححة على وجححه الرض ،مقفلة على سححرداب له مدرج يفضححي إلى دار أبححي بكححر
رضحي ال عنحه خارج المسحجد ،وعلى ذلك السرداب كان طريق عائشحة أم المؤمنين
رضحي ال عنهحا إلى داره ،ول شحك أنحه هحو الخوخحة التحي ورد ذكرهحا فحي الحديحث،
وأمر النبي صلى ال عليه وسلم بإبقائها ،وسد ما سواها .وبإزاء دار أبي بكر رضي
ال عنحه دار عمحر ،ودار ابنحه عبحد ال بحن عمحر رضحي ال عنهمحا ،وبشرقحي المسحجد
الكريم دار إمام المدينة أبي عبد ال مالك بن أنس رضي ال عنه ،وبمقربة من باب
السحححلم سحححقاية ،ينزل إليهحححا على درج ،ماؤهحححا معيحححن ،وتعرف بالعيحححن الزرقاء.
ذكحر ابتداء بناء المسحجد الكريحم قدم رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم تسحليماً المدينحة
الشريفحة دار الهجرة يوم الثنيحن ليلة الثالث عشحر محن شهحر ربيحع الول ،فنزل على
بني عمرو بن عوف ،وأقام عندهم ثنتين وعشرين ليلة ،وقيل أربع عشرة ليلة ،وقيل
أربحع ليالٍ ،ثحم توجحه إلى المدينحة فنزل على بنحي النجار بدار أبحي أيوب النصحاري
رضحي ال عنحه ،وأقام عنده سحبعة أشهحر حتحى بنحى مسحاكنه ومسحجده .وكان موضحع
المسجد مربداً لسهل وسهيل ابني رافع أبي عمر بن عاند بن ثعلبة بن غانم بن مالك
بحن النجار .وهمحا يتيمان فحي حجحر أسحعد بحن زرارة رضحي ال عنهحم أجمعيحن .وقيحل:
كانا في حجر أبي أيوب رضي ال عنه ،فابتاع رسول ال صلى ال عليه وسلم ذلك
المربحد ،وقيحل بحل أرضاهمحا أبحو أيوب عنحه .وقيحل :إنهمحا وهباه لرسحول ال صحلى ال
عليحه وسحلم فبنحى رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم المسحجد ،وعمحل فيحه محع أصححابه،
وجعحححل عليحححه حائطاً ،ولم يجعحححل له سحححقفاً ول أسحححاطين ،وجعله مربعاً ،طوله مائة
ذراع ،وعرضحه مثحل ذلك .وقيحل :إن عرضحه كان دون ذلك .وجعحل ارتفاع حائطحه
قدر القامحة .فلمحا اشتحد الححر تكلم أصححابه فحي تسحقيفه ،فأقام له أسحاطين محن جذوع
النخحل ،وجعل سحقفه من جريدها .فلما أمطرت السماء وكف المسجد .فكلم أصححاب
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فحي عمله بالطيحن.
فقال :كل عريححش كعريححش موسححى ،أو ظله كظلة موسححى ،والمححر أقرب مححن ذلك.
قيحل :ومحا ظلة موسحى ? قال ال صحلى ال عليحه وسحلم :كان إذا قام أصحاب السحقف
رأسحححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححه.
وجعححل للمسححجد ثلثححة أبواب :ثححم سححد باب الجنوب منهححا حيححن حولت القبلة ،وبقححي
المسجد على حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم تسليماً ،وحياة أبي بكر رضي ال
عنحه .فلمحا كانحت أيام عمحر بحن الخطاب رضحي ال عنحه زاد فحي مسحجد رسحول ال
صحلى ال عليحه وسحلم .وقال :لول أنحي سحمعت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم يقول
ينبغحي أن نزيحد فحي المسحجد محا زدت فيحه .فأنزل أسحاطين الخشحب ،وجعحل مكانهحا
أساطين اللبن ،وجعل الساس حجارة إلى القامة ،وجعل البواب ستة ،منها في كل
جهحة محا عدا القبلة بابان ،وقال :فحي باب منهحا ينبغحي أن يترك هذا للنسحاء فمحا رئي
فيحه .حتحى لقحي ال عحز وجحل ،وقال :زدنحا فحي هذا المسحجد حتحى يبلغ الجبانحة ،لم يزل
مسحجد رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم وأراد عمحر أن يدخحل فحي المسحجد موضعاً
للعباس عحم رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ورضحي عنهمحا ،فمنعحه منحه .وكان فيحه
ميزاب يصحب فحي المسحجد ،فنزعحه عمحر .وقال :إنحه يؤذي الناس ،فنازعحه العباس،
وحكما بينهما أبي بن كعب رضي ال عنهما ،فأتيا داره فلم يأذن لهما إل بعد ساعة،
ثم دخل إليه ،فقال :كانت جاريتي تغسل رأسي ،فذهب عمر ليتكلم ،فقال له أبي :دع
أبحا الفضحل يتكلم لمكانحه محن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ،فقال العباس ،خطحة
خطهحا لي رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ،وبنيتهحا معحه ،ومحا وضعحت الميزاب إل
ورجلي على عاتقي رسول ال فجاء عمر فطرحه وأراد إدخالها في المسجد .فقال
أبححي :إن عندي مححن هذا علماً .سححمعت رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم يقول :أراد
داود عليحه السحلم أن يبنحي بيحت ال المقدس .وكان فيحه بيحت ليتيميحن فراودهمحا على
البيحع فأبيحا .ثحم راودهمحا فباعاه .ثحم قامحا بالغيحن فردا البيحع ،واشتراه منهمحا .ثحم رداه
كذلك .فاستعظم داود الثمن .فأوحى ال إليه إن كنت تعطي من شيء فهو لك؛ فأنت
أعلم .وإن كنحت تعطيهمحا نحم رزقنحا فأعطهمحا حتحى يرضيحا .وإن أغنحى البيوت عحن
قال :يححا رب فأعطححه سححليمان .فأعطاه سححليمان ليححه السححلم .فقال عمححر :مححن لي بأن
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قاله ? فخرج أبحي إلى قوم محن النصحار ،فأثبتوا له
ذالك .فقال عمححر رضححي ال عنححه أمححا إنححي لو لم أجححد غيرك أخذت قولك ،ولكننححي
أحببححت أن أثبححت .ثححم قال للعباس رضححي ال عنححه :وال ل ترد الميزاب إل وقدماك
على عاتقحي .ففعحل العباس ذلك .ثحم قال :أمحا إذا أثبتحت لي ،فهحي صحدقة ل ،فهدمهحا
عمحر ،وأدخلهحا فحي المسحجد .ثحم زاد فيحه عثمان رضحي ال عنحه ،وبناه بقوة وباشره
بنفسحه ،فكان يظحل فيحه نهاره ،وبيضحه وأتقحن محله بالحجارة المنقوشحة ،ووسحعه محن
جهاتححه إلى جهححة الشرق منهححا ،وجعححل له سححواري حجارة مثبتححة بأعمدة الحديححد
وقيحل :إن مروان هو أول من بنى المحراب .وقيحل :عمر بن عبحد العزيز في خلفحة
الوليحد -ثحم زاد فيحه الوليحد بحن عبحد الملك .تولى ذلك عمحر بحن عبحد العزيحز ،فوسحعه
وحسنه وبالغ في إتقانه ،وعمله بالرخام والساج المذهب .وكان الوليد بعث إلى ملك
الروم :أريد أن أبني مسجد نبينا صلى ال عليه وسلم ،فأعني فيه .فبعث إليه الفعلة،
وثمانيحن ألف مثقال محن الذهحب .وأمحر الوليحد بإدخال حجحر أزواج النحبي صحلى ال
عليحه وسحلم فيحه ،فاشترى عمحر محن الدور محا زاد فحي ثلث جهات محن المسحجد .فلمحا
صار إلى القبلة ،امتنع عبيد ال بن عبد ال بن عمر من بيع دار حفصة ،ودار بينهما
الكلم ،حتحى ابتاعهحا عمحر ،على أن له محا بقحي منهحا ،وعلى أن يخرجوا محن باقيهحا
طريقًا إلى السححجد ،وهححي الخوخححة التححي فححي المسححجد ،وجعححل عمححر للمسححجد أربححع
صحوامع فحي أربعحة أركانحه ،وكانحت إحداهحا مطلة على دار مروان .فلمحا ححج سحليمان
بحن عبحد الملك نزل بهحا ،فأطحل عليحه المؤذن حيحن الذان .فأمحر بهدمهحا ،وجعحل عمحر
للمسححجد محراباً .ويقال :هحو أول محن أحدث المحراب .ثححم زاد فيححه المهدي بحن أبححي
جعفر المنصور .وكان أمرهم بذلك ،ولم يقض له ،وكتب إليه الحسن بن زيد يرغبه
فحي الزيادة فيحه محن جهحة الشرق ،ويقول :إنحه إن زيحد فحي شرقيحه توسحطت الروضحة
الكريمحة المسحجد الكريحم .فاتهمحه أبحو جعفحر بأنحه إنمحا أراد هدم دار عثمان رضحي ال
عنه .فكتب إليه :إني قد عرفت الذي أردت ،فاكفف عن دار عثمان وأمر أبو جعفر
أن يطلل الصححن أيام القيحظ بسحتور تنشحر على حبال ممدودة على خشحب ،تكون فحي
الصححن ،لتكحن المصحلين محن الححر ،وكان طول المسحجد فحي بناء الوليحد مائتحي ذراع.
فبلغحه المهدي إلى ثلثمائة ذراع ،وسحوى المقصورة بالرض ،وكانت مرتفعحة عنها
بمقدار ذراعيحن ،وكتحب اسحمه على مواضحع محن المسحجد .ثحم أمحر الملك المنصحور
قلوون ببناء دار للوضوء عنححد باب السححلم -فتولى بناءهححا الميححر الصححالح علء
الديححن المعروف بالقمححر .وأقامهححا متسححعة الفناء تسححتدير بهححا البيوت ،وأجرى إليهححا
الماء .وأراد أن يبنححي بمكححة شرفهححا ال تعالى مثححل ذلك ،فلم يتححم له ،فبناه ابنححه الملك
الناصحر بيحن الصحفا والمروة .وسحيذكر إن شاء ال .قبلة مسحجد رسحول ال صحلى ال
عليحه وسحلم ،قبلة قطحع لنحه صحلى ال عليحه وسحلم أقامهحا .وقيحل :أقامهحا جبريحل عليحه
السحلم .وقيحل :كان يشيحر جبريحل له إلى سحمتها وهحو يقيمهحا .وروي أم جبريحل عليحه
السحلم أشار إلى الجبال ،فتولضعحت فتنححت حتحى بدت الكعبحة .فكان صحلى ال عليحه
وسححلم يبنححي وهححو ينظححر إليححه عياناً .وبكححل اعتبار فهححي قبلة قطححع وكانحت القبلة أول
ورود النبي صلى ال عليه وسلم المدينة إلى بيت المقدس .ثم حولت إلى الكعبة بعد
ذكحر المنحبر الكريحم وفحي الحديحث أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم تسحليماً كان
يخطحب إلى جزع نخلة بالمسحجد ،فلمحا صحنع له المنحبر وتحول إليحه حنّح الجذع حنيحن
الناقححة إلى حوارهححا .وروي :أن رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم تسححليماً نزل إليححه
فالتزمحه فسحكن .وقال :لو لم ألتزمحه لحنّ إلى يوم القيامحة .واختلفحت الروايات فيمحن
صحنع المنحبر الكريحم .فروي أن تميماً الداري رضحي ال عنحه هحو الذي صحنعه .وقيحل:
إن غلماً للعباس رضحي ال عنحه صحنعه ،وقيحل :غلم لمرأة محن النصحار ورد ذلك
فحي الحديحث الصححيح .وصحنع محن طرفاء الغابحة ،وقيححل محن الثحل .وكان له ثلث
درجات .فكان رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم يقعحد على علياهحن ،ويضحع رجليحه
الكريمتيححن فححي وسححطاهن .فلمححا ولي أبححو بكححر الصححديق رضححي ال عنححه قعححد على
وسحطاهن ،وجعحل رجليحه على أولهحن .فلمحا ولي عمحر رضحي ال عنحه جلس على
أولهحن وجعحل رجليحه على الرض ،وفعحل ذلك عثمان رضحي ال عنحه صحدراً محن
خلفتحه ،ثحم ترقحى إلى الثالثحة .ولمحا أن صحار المحر إلى معاويحة رضحي ال عنحه أراد
نقحل المنحبر إلى الشام ،فضحج المسحلمون .وعصحفت ريحح شديدة ،وخسحفت الشمحس،
وبدت النجوم نهاراً ،وأظلمحححت الرض ،فكان الرجحححل يصحححادم الرجحححل ول يتحححبين
مسحلكه ،فلمحا رأى ذلك معاويحة تركحه ،وزاد فيحه سحت درجات محن أسحفله ،فبلغ تسحع
درجات.
ذكححر الخطيحب والمام بمسحجد رسحول ال وكان المام بالمسححجد الشريححف فححي عهححد
دخولي إلى المدينحة بهاء الديحن بحن سحلمة محن كبار أهحل مصحر ،وينوب عنحه العالم
االصحالح الزاهحد بقيحة المشايحخ ،عحز الديحن الواسحطي ،نفحع ال بحه ،وكان يخطحب قبله
ويقضي بالمدينة الشريفة سراج الدين عمر المصري.
حكاية
يذكر أن سراج الدين هذا أقام في خطة القضاء بالمدينة والخطابة بها نحو أربعين
سنة ،ثم إنه أراد الخروج بعد ذلك إلى مصر ،فرأى رسول ال صلى ال عليه وسلم
فحي النوم ثلث مرات ،فحي كحل مرة ينهاه عحن الخروج منهحا ،وأخحبره باقتراب أجله،
فلم ينتححه عححن ذلك وخرج ،فمات بموضححع يقال له :سححويس ،على مسححيرة ثلث مححن
مصحر ،قبحل أن يصحل إليهحا ،نعوذ بال محن سحوء الخاتمحة .وكان ينوب عنحه الفقيحه أبحو
عبحد ال محمحد بحن فرحون رحمحه ال ،وأبناؤه الن بالمدينحة الشريفحة :أبحو محمحد عبحد
ال مدرس المالكيحة ،ونائب الحكحم ،وأبحو عبحد ال محمحد وأصحلهم محن مدينحة تونحس،
ولهحم بهحا حسحب وأصحالة .وتولي الخطابحة والقضاء بالمدينحة الشريفحة بعحد ذلك جمال
الديححححن السححححيوطي مححححن أهححححل مصححححر .وكان قبححححل ذلك قاضياً بحصحححن الكرك.
ذكحر خدام المسحجد الشريحف والمؤذنين بحه وخدام هذا المسحجد الشريحف وسحدنته محن
الحابيححش وسححواهم وهححم على هيئات حسححان ،وصححور نظاف ،وملبححس ظراف،
وكحبيرهم يعرف بشيحخ الخدام ،وهحو فحي هيئة المراء الكبار ،ولهحم المرتبات بديار
مصحر والشام ،ويؤتحى إليهحم بهحا فحي كحل سحنة ،ورئيحس المؤذنيحن بالحرم الشريحف
المام المحدث الفاضححل جمال الديححن المطري ،مححن مطريححة قريححة بمصححر ،وولده
الفاضل عفيف الدين عبد ال ،والشيخ المجاور الصالح أبو عبد ال محمد بن محمد
بحن محمحد الغرناطحي المعروف بالتراس قديحم المجاورة ،وهحو الذي جحب نفسحه خوفاً
من الفتنة.
حكاية
يذكحر أن أبحا عبحد ال الغرناطحي كان خديماً لشيحخ يسحمى عبحد الحميحد العجمحي ،وكان
الشيحخ حسحن الظحن بحه ،يطمئن إليحه بأهله ،ويتركحه متحى سحافر بداره ،فسحافر مرة،
وتركحه على عادتحه بمنزله ،فعلقحت بحه زوجحة الشيحخ عبحد الحميحد وراودتحه عحن نفسحه،
فقال :إنحححححي أخاف ال ول أخون محححححن ائتمننحححححي على أهله وماله .فلم تزل تراوده
وتعارضه حتى خاف على نفسه الفتنة فجبّ نفسه ،وغشي عليه ،ووجده الناس على
تلك الحالة ،فعالجوه حتحى برئ وصحار محن خدام المسحجد الكرام ،ومؤذناً بحه ،ورأس
منهم الشيخ الصالح الفاضل أبو العباس أحمد بن محمد مرزوق كثير العبادة والصوم
والصلة بمسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم تسليماً ،صابراً محتسباً ،وكان ربما جاور
بمكة المعظمة ،رأيته بها في سنة ثمانٍ وعشرين ،وهو أكثر الناس طوافاً وكنت أعجب من
ملزمته الطواف مع شدة الحر بالمطاف ،والمطاف مفروش بالحجارة السود :وتصير بحر
الشمس كأنها الصفائح المحماة .ولقد رأيت السقائين يصبون الماء عليها فما يجاوز الموضع
الذي يصب فيه إل ويلتهب الموضع من حينه .وأكثر الطائفين في ذلك الوقت يلبسون
الجوارب وكان أبو العباس بن مرزوق يطوف حافي القدمين ،ورأيته يوماً يطوف ،فأحببت
أن أطوف معه فوصلت المطاف ،وأردت استلم الحجر السود ،فلحقني لهب تلك الحجارة،
وأردت الرجوع بعد تقبيل الحجر ،فما وصلته إل بعد جهد عظيم ،ورجعت فلم أطف
ورجعت أجعل نجادي على الرض وأمشي عليه ،حتى بلغت الرواق .وكان في ذلك العهد
بمكة وزير غرناطة وكبيرها أبو القاسم محمد ابن محمد بن الفقيه أبي الحسن سهل بن مالك
الزدي .وكان يطوف كل اسبوع سبعين طوافاً ،ولم يكن يطوف في وقت القائلة لشدة الحر.
وكان ابن مرزوق يطوف في شدة القائلة زيادة عليه .ومن المجاورين بالمدينة كرمها ال
الشيخ الصالح العابد سعيد المراكشي الكفيف ،ومنهم أبو مهدي عيسى بن حزرون
المكناسي.
حكاية جاور الشيخ أبو مهدي بمكة سنة ثمان وعشرين ،وخرج إلى جبل حراء مع جماعة
من المجاورين ،فلما صعدوا الجبل ووصلوا لمتعبد النبي ال صلى ال عليه وسلم تسايماً
ونزلوا عنه ،تأخر أبو مهدي عن الجماعة ،ورأى طريقًا في الجبل ،فظنه قصيراً فسلك
عليه ،ووصل أصحابه إلى أسفل اجبل فانتظروه فلم يأت ،فتطلعوا فيما حولهم فلم يروا له
أثراً فظنوا أنه سبقهم ،فمضوا إلى مكة شرفها ال تعالى ،ومضى عيسى في طريقه ،فأفضى
به إلى جبل آخر ،وتاه عن الطريق ،وأجهده العطش والحر ،وتمزقت نعله ،فكان يقطع من
ثيابه ويلف على رجليه إلى أن ضعف عن المشي ،واستظل بشجرة أم غيلن .فبعث ال
أعرابياً على جمل ،حتى وقف عليه :فأعلمه بحاله ،فأركبه وأوصله إلى مكة ،وكان على
وسطه هيمان فيه ذهب فسلمه إليه ،وأقام نحو شهر ل يستطيع القيام على قدميه ،وذهبت
جلدتهما ونبتت لهما جلدة أخرى .وقد جرى مثل ذلك لصاحب لي أذكره إن شاء ال .ومن
المجاورين بالمدينة الشريفة أبو محمد الشروي من القراء المحسنين ،وجاور بمكة في السنة
المذكورة .وكان يقرأ بها كتاب الشفاء للقاضي عياض بعد الظهر ،وأ ّم في التراويح .وبها
من المجاورين الفقيه أبو العباس الفاسي مدرس المالكية بها ،وتزوج ببنت الشيخ الصالح
شهاب الدين الزرندي.
حكاية :يذكر أن أبا العباس الفاسي تكلم يوماً مع بعض الناس فانتهى به الكلم إلى
أن تكلم بعظيمححة ارتكححب فيهححا بسححبب جهله بعلم النسححب ،وعدم حفظححه للسححانه مركباً
صحعباً عفحا ال عنحه ،فقال الحسحين بحن علي بحن أبحي طالب عليهمحا السحلم لم يعقحب،
فرفحع كلمحه إلى أميحر المدينحة طفيحل بحن منصحور بحن جماز الحسحني ،فأنكحر كلمحه،
وبحق إنكاره ،وأراد قتله .فكلم فيه فنفاه عن المدينة .ويذكر أنه بعث من اغتاله وإلى
كان أمير المدينة كبيش بن منصور بن جماز .وكان قد قتل عمه مقبلً .ويقال :إنه
توضحأ بدمحه .ثحم إن كحبيشاً خرج سحنة سحبع وعشريحن إلى الفلة فحي شدة الححر ومعحه
أصحابه ،فأدركتهم القائلة في بعض اليام ،فتفرقوا تحت ظلل الشجار فما راعهم
إل وأبناء مقبحل فحي جماعحة محن عحبيدهم ينادون :يحا لثارات مقبحل ،فقتلوا كحبيش بحن
منصحور صحبراً ،ولعقوا دمحه .وتولى بعده أخوه طفيحل بحن منصحور ،الذي ذكرنحا أنحه
فمنها بقيع الغرقد ،وهو بشرقي المدينة المكرمة ،ويخرج إليه على باب يعرف بباب البقيع.
فأول ما يلقى الخارج إليه على يساره عند خروجه من الباب قبر صفية بنت عبد المطلب
رضي ال عنهما ،وهي عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم تسليماً ،وأم الزبير بن العوام
رضي ال عنه ،وأمامها قبر إمام المدينة أبي عبد ال مالك بن أنس رضي ال عنه ،وعليه
قبة صغيرة مختصرة البناء ،وأمامه قبر السللة الطاهرة المقدسة النبوية الكريم إبراهيم بن
رسول ال صلى ال عليه وسلم وعليه قبة بيضاء ،وعن يمينها تربة عبد الرحمن بن عمر
بن الخطاب رضي ال عنهما وهو المعروف بأبي شحمة ،وبإزائه قبر عقيل بن أبي طالب
رضي ال عنه ،وقبر عبد ال بن ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب رضي ال عنه،
وبإزائهم روضة فيها قبور أمهات المؤمنين رضي ال عنهن ،ويليها روضة فيها قبر
العباس بن عبد المطلب عم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقبر الحسن بن علي بن أبي
طالب عليهما السلم ،وهي قبة ذاهبة في الهواء بديعة الحكام ،عن يمين الخارج من باب
البقيع ،ورأس الحسن إلى رجلي العباس عليهما السلم ،وقبراهما مرتفعان عن الرض،
متسعان مغشيان بألواح بديعة اللتصاق ،مرصعة بصفائح الصفر البديعة العمل .وبالبقيع
قبور المهاجرين والنصار وسائر الصحابة رضي ال عنهم .إل أنها ل يعرف أكثرها .وفي
آخر البقيع قبر أمير المؤمنين أبي عمر عثمان بن عفان رضي ال عنه ،وعليه قبة كبيرة
وعلى مقربة منه قبر فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب رضي ال عنها وعن
ابنها.
ومن المشاهد الكريمة قباء ،وهو قبلي المدينة ،على نحو ميلين منها والطريق بينهما في
حدائق النخل ،وبه المسجد الذي أسس على التقوى والرضوان .وهو مسجد مربع فيه
صومعة بيضاء طويلة تظهر على البعد وفي وسطه مبرك الناقة بالنبي صلى ال عليه
وسلم ،يتبرك الناس بالصلة فيه ،وفي الجهة القبلية من صحنه محراب على مصطبة ،وهو
أول موضع ركع فيه النبي صلى ال عليه وسلم .وفي قبلي المسجد دار كانت لبي أيوب
النصاري .ويليها دور تنسب لبي بكر وعمر وفاطمة وعائشة رضي ال عنهم .وبإزائه
بئر أريس ،وهي التي عاد ماؤها عذباً لما تفل فيه النبي صلى ال عليه وسلم ،بعد أن كان
أجاجاً .وفيها وقع الخاتم الكريم من عثمان رضي ال عنه.
ومن المشاهد فيه حجر الزيوت بخارج المدينة الشريفة .يقال :إن الزيت رشح من
حجر هنالك للنبي صلى ال عليه وسلم .وإلى جهة الشمال منه بئر بضاعة .بإزائها
جبل الشيطان ،حيث صرخ يوم أحد وقال :قد قتلت نبيكم .وعلى شفير الخندق الذي
حفره رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم عنحد تخرب الحزاب ،حصحن خرب يعرف
بحصححن العزاب .يقال :إن عمححر بناه لعزاب المدينححة .وأمامححه إلى جهححة الغرب بئر
رومة التي اشترى أمير المؤمنين عثمان رضي ال عنه نصفها بعشرين ألفاً ،ومن
المشاهحد الكريمحة أححد ،وهحو الجبحل المبارك الذي قال فيحه رسحول اله صحلى ال عليحه
وسلم تسليماً " :إن أحداً جبل يحبنا ونحبه " وهو بجوار المدينة الشريفة ،على نحو
فرسححخ منهححا ،وبإزائه الشهداء المكرمون رضححي ال عنهححم .وهنالك قححبر حمزة عححم
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ورضحي ال عنحه ،وحوله الشهداء المسحتشهدون فحي
أححد رضحي ال عنهحم ،وقبورهحم لقبلي أححد .وفحي طريحق أححد مسحجد ينسحب لعلي بحن
أبححي طالب رضحي ال عنحه ،ومسحجد ينسححب إلى سححلمان الفارسححي رضححي ال عنححه،
ومسحجد الفتحح حيحث أنزلت سحورة الفتحح على رسحوله صحلى ال عليحه وسحلم .وكانحت
إقامتنحا بالمدينحة الشريفحة فحي هذه الوجهحة أربعحة أيام :وفحي كحل ليلة نحبيت بالمسحجد
الكريححم ،والناس قححد حلقوا فححي صحححنه حلقاً ،وأوقدوا الشمححع الكححبير .وبينهححم ربعات
القرآن الكريحم يتلونحه ،وبعضهحم يذكرون ال ،وبعضهحم فحي مشاهدة التربحة الطاهرة،
زادهحا ال طيباً ،والحداة بكحل جانحب يترنمون بمدح رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم.
وهكذا دأب الناس فححححي تلك الليالي المباركححححة ،ويجودون بالصححححدقات الكثيرة على
المجاوريحن والمحتاجيحن .وكان فحي صححبتي فحي هذه الوجهحة محن الشام إلى المدينحة
الشريفحة رجحل محن أهلهحا فاضحل يعرف بمنصحور بحن شكحل ،وأضافنحي بهحا .واجتمعنحا
بعحد ذلك بحلب وبخارى .وكان فحي صححبتي أيضاً قاضحي الزيديحة شرف الديحن قاسحم
بن شنان ،وصحبني أيضاً أحد الصلحاء الفقراء ،من أهل غرناطة ،يسمى بعلي بن
حجحححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححر الموي.
حكاية لما وصلنا إلى المدينة كرمها ال ،على ساكنها أفضل الصلة وأزكى السلم،
ذكححر لي علي بححن حجححر المذكور أنححه رأى تلك الليلة فححي النوم قائلً يقول له :اسححمع
ثم رحلنا منه ،ونزلنا ببدر حيث نصر ال رسوله صلى ال عليه وسلم ،وأنجز وعده
الكريحم ،واسحتأصل صحناديد المشركيحن .وهحي قريحة فيهحا حدائق نخحل متصحلة ،وبهحا
حصححن منيحع يدخححل إليححه مححن بطحن وادٍ بيحن جبال .وببدر عيحن فوارة يجري ماؤهححا
وموضححع القليححب الذي سححبح بححه أعداء ال المشركون .هححو اليوم بسححتان .وموضححع
الشهداء رضحي ال عنهحم خلفحه .وجبحل الرحمحة الذي نزلت بحه الملئكحة على يسحار
الداخححل منححه إلى الصححفراء ،وبإزائه جبححل الطبول ،وهححو شبححه كثيححب الرمححل ممتححد.
ويزعحم أهحل تلك البلدة أنهحم يسحمعون هنالك مثحل أصحوات الطبول فحي كحل ليلة جمعحة
وموضحع عريحش رسحول ال صحاى ال عليحه وسحلم الذي كان بحه يوم بدر ،يناشحد ربحه
جلّ وتعالى ،متصحل بسحفح جبحل الطبول ،وموضحع الواقعحة أمامحه ،وعنحد نخحل القليحب
مسجد يقال له مبرك ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم .وبين بدر والصفراء نحو
بريححححححد فححححححي وادٍ بيححححححن جبال تطرد فيححححححه العيون ،وتتصححححححل حدائق النخححححححل.
ورحلنا من بدر إلى الصحراء المعروفة بقاع البزواء ،وهي برية يضل بها الدليل،
ويذهحل عحن خليله الخليحل .مسحيرة ثلث وفحي منتهاهحا وادي رابحغ ،يتكون فيحه المطحر
غدراناً يبقحى بهحا الماء زماناً طويلً ،ومنحه يحرم حجاج مصحر والمغرب ،وهحو دون
الجحفة .وسرنا من رابغ ثلثاً إلى خليص ،ومررنا بعقبة السويق ،وهي على مسافة
نصححف يوم مححن خليححص ،كثيرة الرمححل والحجاج يقصححدون شرب السححويق بهححا،
ويسحححتصحبونه محححن مصحححر والشام برسحححم ذلك ،ويسحححقونه الناس مخلطاً بالسحححكر.
والمراء يملون منه الحواض ،ويسقونها الناس ويذكرون أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم مر بها .ولم يكن مع أصحابه طعام فأخذ من رملها فأعطاهم إياه فشربوه
سحويفاً .ثم نزلنا بركحة خليص وهي فحي بسحيط محن الرض ،كثيرة حدائق النخحل ،لهحا
حصحن مشيحد فحي قنحة جبحل .وفحي البسحيط حصحن خرب ،وبهحا عيحن فوارة صحنعت لهحا
أخاديحد فحي الرض ،وسحربت إلى الضياع .وصحاحب خليحص شريحف حسحني النسحب.
وعرب تلك الناحية يقيمون هنالك سوقاً عظيمة يجلبون إليها الغنم والتمر والدام .ثم
رحلنحا إلى عسحفان ،وهحي فحي بسحيط محن الرض ،بيحن جبال ،وبهحا آبار ماء معيحن،
تنسحب إحداهحا إلى عثمان بحن عفان رضحي ال عنحه .والمدرج المنسحوب إلى عثمان
أيضاً على مسافة نصف يوم من خليص ،وهو مضيق بين جبلين .وفي موضع منه
بلط على صحححورة درج ،وأثحححر عمارة قديمحححة .وهنالك بئر تنسحححب إلى علي عليحححه
السحلم .ويقال :إنحه أحدثهحا .وبعسحفان حصحن عتيحق وبرج مشيحد قحد أوهنحه الخراب،
وبه من شجر المقل كثير .ثم رحلنا من عسفان ،ونزلنا بطن مر ،ويسمى أيضاً مر
الظهران ،وهحو واد مخصحب كثيحر النخحل ،ذو عيحن فوارة سحيالة تسحقي تلك الناحيحة.
ومن هذا الوادي تجلب الفواكه والخضر إلى مكة شرفها ال تعالى .ثم أدلجنا من هذا
الوادي المبارك ،والنفوس مسحتبشرة ببلوغ آمالهحا مسحرورة بحالهحا ومآلهحا ،فوصحلنا
عنححد الصححباح إلى البلد الميححن مكححة شرفهححا ال تعالى ،فوردنححا منهححا على حرم ال
تعالى ،ومبوإ خليله إبراهيححم ،ومبعححث صححفية محمححد صححلى ال عليححه وسححلم .ودخلنححا
البيحت الحرام الشريحف الذي محن دخله كان آمناً محن باب بنحي شيبحة ،وشاهدنحا الكعبحة
الشريفحة ،زادهحا ال تعظيماً ،وهحي كالعروس تجلى على منصحة الجلل ،وترفحل فحي
برود الجمال ،محفوفححة بوفود الرحمححن ،موصححلة إلى جنححة الرضوان .وطفنححا بهححا
طواف القدوم ،واسححتلمنا الحجححر الكريححم ،وصححلينا ركعتيححن بمقام إبراهيححم ،وتعلقنححا
بأسححنار الكعبححة عنححد الملتزم بيححن الباب والحجححر السححود ،حيححث يسححتجاب الدعاء،
وشربنا من ماء زمزم ،وهو لما شرب له حسبما ورد عن النبي صلى ال عليه وسلم
تسليماً ،ثم سعينا بين الصفا والمروة ،ونزلنا هنالك بدار ،بمقربة من باب إبراهيم -
والحمححد ل الذي شرفنححا بالوفادة على هذا البيححت الكريححم ،وجعلنححا ممححن بلغنححا دعوة
الخليل عليه السلم والتسليم ،ومتع أعيننا بمشاهدة الكعبة الشريفة والمسجد العظيم
ومن عجائب صنع ال تعالى أنه طبع القلوب على النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة،
والشوق إلى المثول بمعاهدهحا الشريفحة ،وجعحل حبهحا متمكنًا فحي القلوب ،فل يحلهحا
أحد إل أخذت يمجاميع قلبه ،ول يفارقها إل أسفاً لفراقها ،متولهاً لبعاده عنها ،شديد
الحنين إليها ،ناوياً لتكرار الوفادة عليها ،فأرضها المباركة نصب العين ،ومحبتها
حشححححو القلوب .حمكححححة مححححن ال بالغححححة ،وتصححححديقاً لدعوة خليله عليححححه السححححلم.
والشوق يحضرها وهي نائية ،ويمثلها وهي غائبة ،ويهون على قاصدها ما يلقاه من
المشاق ويعانيه من العناء ،وكم من ضعيف يرى الموت عياناً دونها ،ويشاهد التلف
فححي طريقهححا .فإذا جمححع ال بهححا شمله ،تلقاهححا مسححرورًا مسححتبشراً ،كأنححه لم يذق لهححا
مرارة ول كابحد محنحة ول نصحباً .إنحه لمحر إلهحي ،وصحنع ربانحي ،ودللة ل يشوبهحا
لبحس ،ول تغشاها شبهة ،ول يطرقها تمويه .وتعز في بصيرة المسحتبصرين ،وتبدو
فححي فكرة المتفكريححن -ومححن رزقححه ال تعالى الحلول بتلك الرجاء ،والمثول بذلك
الفناء ،فقد أنعم ال عليه النعمة الكبرى ،وخوله خير الدارين :الدنيا والخرى .فحق
عليه أن يكثر الشكر على ما خوله ،ويديم الحمد على ما أوله .جعلنا ال تعالى ممن
قبلت زيارتحه ،وربححت فحي قصحدها تجارتحه ،وكتبحت فحي سحبيل ال آثاره ،ومحيحت
وهي مدينة كبيرة متصلة البنيان مستطيلة ،في بطن وادٍ تحف به الجبال ،فل يراها
قاصححدها حتححى يصححل إليهححا .وتلك الجبال الملطححة عليهححا ليسححت بمفرطححة الشموخ.
والخشبان محن جبالهحا همحا جبحل أبحي قحبيس ،وهحو فحي جهحة الجنوب والشرق منهحا،
وجبحل قعيقعان ،وهحو فحي جهحة الغرب منهحا ،وفحي الشمال منهحا الجبحل الحمحر .ومحن
جهحة أبحي قحبيس أجياد الكحبر ،وأجياد الصحغر ،وهمحا شعبان والخندمحة ،وهحي جبحل،
وستذكر " .والمناسك كلها :منى وعرفة والمزدلفة " بشرقي مكة شرفها ال .ولمكة
محن البواب ثلثحة :باب المعلى بأعلهحا ،وباب الشبيكحة محن أسحفلها ،ويعرف أيضاً
بباب العمرة ،وهو إلى جهة المغرب ،وعليه طريق المدينة الشريفة ،ومصر والشام
وجدة .ومنه يتوجه إلى التنعيم ،وسيذكر ذلك،وباب المسفل ،وهو من جهة الجنوب،
ومنه دخل خالد بن الوليد رضي ال عنه يوم فتح مكة شرفها ال ،كما أخبر ال في
كتابحه العزيحز حاكياً عحن نحبيه الخليحل بوادٍ غيحر ذي زرع .ولكحن سحبقت لهحا الدعوة
المباركحة ،فكحل طرفحة تجلب إليهحا ،وثمرات كحل شيحء تجحبى لهحا .ولقحد أكلت بهحا محن
الفواكحه العنحب والتيحن والخوخ والرطحب محا ل نظيحر له فحي الدنيحا ،وكذلك البطيحخ
المجلوب إليها ل يماثله سواه طيباً وحلوة ،واللحوم بها سمان لذيذات الطعوم .وكل
مححا يفترق فححي البلد مححن السححلع ،فيهححا اجتماعححه .وتجلب لهححا الفواكححه والخضححر مححن
الطائف ووادي نخلة وبطحن محر ،لطفاً محن ال بسحكان حرمحه الميحن ومجاوري بيتحه
العتيق.
والمسجد الحرام في وسط البلد .وهو متسع الساحة .طوله من شرق إلى غرب أزيد من
أربعمائة ذراع ،حكى ذلك الزرقي ،وعرضه يقرب من ذلك .والكعبة العظمى في وسطه.
ومنظره بديع .ومرآه جميل .ل يتعاطى اللسان وصف بدائعه ،ول يحيط الواصف بحسن
كماله .وارتفاع حيطانه نحو عشرين ذراعاً؛ وسقفه على أعمدة طوال مصطفة ثلثة
صفوف ،بأتقن صناعة وأجملها .وقد انتظمت بلطاته الثلثة انتظاماً عجيباً كأنها بلط
واحد وعدد سواريه الرخامية أربعمائة وإحدى وتسعون سارية ما عدا الجصية التي في دار
الندرة المزيدة في الحرم ،وهي داخلة في البلط الخذ في الشمال .ويقابلها المقام مع الركن
العراقي .وفضاؤها متصل ،يدخل من هذا البلط إليه ،ويتصل بجدار هذا البلط مساطب
تحت قسي " حنايا " يجلس بها المقرئون والنساخون والخياطون .وفي جدار البلط الذي
يقابله مساطب تماثلها .وسائر البلطات تحت جدرانها مساطب بدون حنايا .وعند باب
إبراهيم مدخل من البلط الغربي فيه سواري جصية .وللخليفة المهدي ابن الخليفة أبي
جعفر المنصور رضي ال عنهما آثار كريمة في توسيع المسجد الحرام وإحكام بنائه .وفي
أعلى جدار البلط الغربي مكتوب أمر عبد ال محمد المهدي أمير المؤمنين أصلحه ال
بتوسعة المسجد الحرام لحاج بيت ال وعمارته في سنة سبع وستين ومائة.
ذكر الكعبة المعظمة الشريفة زادها ال تعظيماً وتكريماً والكعبة مائلة في وسط المسجد،
وهي بنية مربعة ارتفاعها في الهواء من الجهات الثلث ثمانٍ وعشرون ذراعاً ،ومن الجهة
الرابعة التي بين الحجر السود والركن اليماني تسع وعشرون ذراعاً ،وعرض صفحتها
التي من الركن العراقي إلى الحجر السود أربعة وخمسون شبراً وكذلك عرض الصفحة
التي تقابلها من الركن اليماني إلى الركن الشامي ،وعرض صفحتها التي من الركن العراقي
إلى الركن الشامي من داخل الحجر ثمانية وأربعون شبراً ،وكذلك عرض الصفحة التي
تقابلها من الركن الشامي إلى الركن العراقي ،وأما خارج الحجر فإنه مائة وعشرون شبراً
والطواف إنما هو خارج الحجر وبناؤها بالحجر الصم السمر ،وقد ألصقت بأبدع اللصاق
وأحكمه وأشده ،فل تغيرها اليام ،ول تؤثر فيها الزمان وباب الكعبة المعظمة في الصفح
الذي بين الحجر السود والركن العراقي ،وبينه وبين الحجر السود عشرة أشبار ،وذلك
الموضع هو المسمى بالملتزم ،حيث يستجاب الدعاء .وارتفاع الباب عن الرض أحد عشر
شبراً ونصف شبر وسعته ثمانية أشبار ،وطوله ثلثة عشر شبراً وعرض الحائط الذي
ينطوي عليه خمسة أشبار ،وهو مصفح بصفائح الفضة ،بديع الصنعة وعضادتاه وعتبته
العليا مصفحات بالفضة ،وله نقارتان كبيرتان من فضة عليهما قفل ،ويفتح الباب الكريم في
كل يوم جمعة بعد الصلة ،ويفتح في يوم مولد النبي صلى ال عليه وسلم ورسمهم في فتحة
أنم يضعوا كرسياً شبه المنبر ،له درج وقوائم خشب ،لها أربع بكرات يجري الكرسي
عليها ،ويلصقونه إلى جدار الكعبة الشريفة ،فيكون درجه العلى متصلً بالعتبة الكريمة،
ثم يصعد كبير الشيبين وبيده المفتاح الكريم ومعه السدنة ،فيمسكون الستر المسبل على باب
الكعبة المسمى بالبرقع ،بخلل ما يفتح رئيسهم الباب ،فإذا فتحه قبل العتبة الشريفة ،ودخل
البيت وحده ،وسد الباب ،وأقام قدر ما يركع ركعتين ،ثم يدخل سائر الشيبين ،ويسدون
الباب أيضاً ،ويركعون ،ثم يفتح الباب ،ويبادر الناس بالدخول ،وفي أثناء ذلك يقفون
مستقبلين الباب الكريم بأبصار خاشعة وقلوب ضارعة وأيدٍ مبسوطة إلى ال ،فإذا فتح
كبروا ونادوا :اللهم افتح لنا أبواب رحمتك ومغفرتك يا أرحم الراحمين وداخل الكعبة
الشريفة مفروش بالرخام المجزع ،وحيطانه كذلك وله أعمدة ثلثة طوال مفرطة الطول من
خشب الساج ،بين كل عمود منها وبين ألخر أربع خطاً وهي متوسطة في الفضاء داخل
الكعبة الشريفة ،يقابل الوسط منها نصف عرض الصفح الذي بين الركنين العراقي
والشامي وستور الكعبة الشريفة من الحرير السود ،مكتوب فيها بالبيض ،وهي تلل
عليها نوراً وإشراقاً ،وتكسو جميعها من العلى إلى الرض .ومن عجائب اليات في
الكعبة الشريفة أن بابها يفتح ،والحرم غاص بأمم ل يحصيها إل ال الذي خلقهم ورزقهم،
فيدخلونها أجمعين ول تضيق عنهم ،ومن عجائبها أنها ل تخلو عن طائف أبداً ليلً ول
نهاراً ،ولم يذكر أحد أنه رآها قط دون طائف .ومن عجائبها أن حمام مكة وسواه من الطير،
ل ينزل عليها ول يعلوها في الطيران وتجد الحمام يطير على أعلى الحرم كله فإذا حاذى
الكعبة الشريفة عرج عنها إلى إحدى الجهات ولم يعلها ويقال ل ينزل عليها طائر إل إذا
كان به مرض فإما أن يموت لحينه أو يبرأ من مرضه فسبحان االذي خصها بالتشريف
والتكريم وجعل لها المهابة والتعظيم.
ذكر الميزاب المبارك والميزاب في اعلى الصفح الذي على الحجر ،وهو من الذهب،
وسعته شبر واحد ،وهو بارز بمقدار ذراعين .والموضع الذي تحت الميزاب مظنة استجابة
الدعاء .وتحت الميزاب في الحجر هو قبر إسيماعيل عليه السلم ،وعليه رخامة خضراء
مستطيلة على شكل محراب ،متصلة برخامة خضراء مستديرة ،وكلتاهما سعتها مقدار
شبر ،وكلتاهما غريبة الشكل رائقة المنظر .وإلى جانبه مما يلي الركن العراقي قبر أمه
هاجر عليها السلم ،وعلمته رخامة خضراء مستديرة سعتها مقدار شبر ونصف وبين
القبرين سبعة أشبار.
ذكر الحجر السود وأما الحجر السود فارتفاعه عن الرض ستة أشبار فالطويل من
الناس يتطامن لتقبيله ،والصغير يتطاول إليه وهو ملصق في الركن الذي إلى جهة المشرق،
وسعته ثلثا شبر ،وطوله شبر وعقد ،ول يعلم قدر ما دخل منه في الركن وفيه أربع قطع
ملصقة ويقال :إن القرمطي لعنه ال كسره وقيل :إن الذي كسره سواه ،ضربه بدبوس
فكسره ،وتبادر الناس إلى قتله وقتل بسببه جماعة من المغاربة .وجوانب الحجر مشدودة
بصفيحة من فضة ،يلوح بياضها على سواد الحجر الكريم ،فتنجلي منه العيون حسناً باهراً،
ولتقبيله لذة يتنعم بها الفم ،ويود لثمه أن ل يفارق لثمه ،خاصية مودعة فيه ،وعناية ربانية
به وكفى قول النبي صلى ال عليه وسلم إنه يمين ال في أرضه ،نفعنا ال باستلمه
ومصافحته ،وأوفد عليه كل شيق إليه .وفي القطعة الصحيحة من الحجر السود ،مما يلي
جانبه الموالي ليمين مستلمه ،نقطة بيضاء صغيرة مشرقة ،كأنها خال في تلك الصحيفة
البهية وترى الناس إذا طافوا بها يتساقط بعضهم على بعض ازدحاماً على تقبيله فقلما
يتمكن أحد من ذلك إل بعد المزاحمة الشديدة ،وكذلك يصنعون عند دخول الحرم ،ومن عند
الحجر السود ابتداء الطواف وهو أول الركان التي يلقاها الطائف ،فإذا استلمه تقهقر عنه
قليلً وجعل الكعبة الشريفة عن يساره ،ومضى في طوافه ،ثم يلقى بعده الركن العراقي،
وهو إلى جهة الشمال ،ثم يلقى الركن الشامي ،وهو إلى جهة الغرب ،ثم يلقى الركن
اليماني ،وهو إلى جهة الجنوب ،ثم يعود إلى الحجر السود ،وهو إلى جهة الشرق.
ذكر المقام الكريم إعلم أن بين باب الكعبة شرفها ال وبين الركن العراقي موضعاً طوله اثنا
عشر شبراً وعرضه نحو النصف من ذلك ،وارتفاعه نحو شبرين وهو موضع المقام في
مدة إبراهيم عليه السلم ثم صرفه النبي صلى ال عليه وسلم إلى الموضع الذي هو الن
مصلى ،وبقي ذلك الموضع شبه الحوض ،وإليه ينصب ماء البيت الحرام إذ غسل ،وهو
موضع مبارك يزدحم الناس للصلة فيه .وموضع المقام الشريف يقابل ما بين الركن
العراقي والباب الشريف ،وهو إلى الباب أميل ،وعليه قبة تحتها اشباك حديد ،متجافٍ عن
المقام الشريف قدر ما تصل أصابع النسان إذا أدخل يده من ذلك الشباك إلى الصندوق،
والشباك مقفل ومن ورائه موضع محوز قد جعل مصلى لركعتي الطواف .وفي الصحيح أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم لما دخل المسجد أتى البيت فطاف به سبعاً ،ثم أتى المقام
فقرأ " :واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " وركع خلفه ركعتين وخلف المقام مصلى إمام
الشافعية في الحطيم الذي هنالك.
ذكر الحجر والمطاف ودور جدار الحجر تسع وعشرون خطوة ،وهي أربعة وتسعون شبراً
من داخل الدائرة ،وهو بالرخام البديع المجزع المحكم اللصاق ،وارتفاعه خمسة أشبار
ونصف شبر ،وسعته أربعة أشبار ونصف شبر .وداخل الحجر بلط واسع مفروش بالرخام
المنظم المعجز الصنعة البديع التقان .وبين جدار الكعبة الشريفة الذي تحت الميزاب وبين
ما يقابله من جدار الحجر على خط استواء أربعون شبراً ،وللحجر مدخلن أحدهما بينه
وبين الركن العراقي ،وسعته ستة أذرع ،وهذا الموضع هو الذي تركته قريش من البيت
حين بنته ،كما جاءت الثار الصحاح ،والمدخل الخر عند الركن الشامي ،وسعته أيضًا
ستة أذرع وبين المدخلين ثمانية وأبعون شبراً وموضع الطواف مفروش بالحجارة السود
محكمة اللصاق ،وقد اتسعت عن البيت بمقدار تسع خطاً إل في الجهة التي تقابل المقام
الشريف ،فإنها امتدت إليه حتى أحاطت به وسائر الحرم مع البلطات مفروش برمل أبيض
وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة.
ذكر زمزم
وقبة بئر زمزم تقابل الحجر السود وبينهما أربع وعشرون خطوة والمقام الشريف
عن يمين القبة .ومن ركنها إليه عشر خطاً .وداخل القبة مفروش بالرخام البيض،
وتنور البئر المباركة في وسط القبة ،مائلً إلى الجدار المقابل للكعبة الشريفة .وهو
مححن الرخام البديححع اللصححاق مفروغ بالرصححاص .ودوره أربعون شححبراً ،وارتفاعححه
أربعحة أشبار ونصحف شحبر ،وعمحق البئر إحدى عشرة قامحة وهحم يذكرون أن ماءهحا
يتزايحد فحي كحل ليلة جمعحة وباب القبحة إلى جهحة الشرق وقحد اسحتدارات بداخحل سحقاية
سحعتها شحبر ،وعمقهحا مثحل لك ،وارتفاعهحا عحن الرض نححو خمسحة أشبار ،تمل ماء
للوضوء ،وحولهحا مسحطبة يقعحد الناس عليهحا للوضوء ويلي قبحة زمزم قبحة الشراب
المنسحوبة إلى العباس رضي ال عنه ،وبابها إلى جهة الشمال .وهحي الن يجعحل بها
ماء زمزم في قلل يسمونها الدوارق ،وكل دورق له مقبض واحد وتترك بها ليبرد
فيهححا الماء ،فيشربححه الناس وبهححا اختزان المصححاحف الشريفححة ،والكتححب التححي للحرم
الشريف وبها خزان تحتوي على تابوت مبسوط متسع ،فيه مصحف كريم بخط زيد
بحن ثابحت رضحي ال عنحه ،منتسحخ سحنة ثمانحي عشرة محن وفاة رسحول ال صحلى ال
عليححه وسححلم تسححليماً .وأهححل مكححة إذا أصححابهم قحححط أو شدة أخرجوا هذا المصحححف
الشريححف ،وفتحوا باب الكعبححة ،ووضعوه على العتبححة الشريفححة ،ووضعوه فححي مقام
إبراهيحم عليحه وسحلم ،واجتمحع الناس كاشفيحن رؤوسحهم ،داعيحن متضرعيحن متوسحلين
وتغمدهححم بلطفححه .ويلي قبححة العباس رضححي ال تعالى عنححه على انحراف منهححا القبححة
ذكر أبواب المسجد الحرام وما دار به من المشاهد الشريفة وأبواب المسجد الحرام
شرفححه ال تعالى تسححعة عشححر باباً ،وأكثرهححا مفتحححة على أبواب كثيرة ،فمنهححا باب
الصحفا ،وهحو مفتحح على خمسحة أبواب ،وكان قديماً يعرف بباب بنحي مخزوم ،وهحو
أكحبر أبواب المسحجد ،ومنحه يخرج إلى المسحعى ،ويسحتحب للوافحد على مكحة أن يدخحل
المسحجد الحرام شرفحه ال محن باب بنحي شيبحة ،ويخرج بعحد طوافحه محن باب الصحفا
جاعلً طريقحه بيحن السحطوانتين اللتيحن اقامهمحا أميحر المؤمنيحن المهدي رحمحه ال،
علماً على طريححق رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم إلى الصححفا ،ومنهححا باب أجياد
الصحغر مفتحح على بابيحن ومنهحا باب الخياطيحن مفتحح على بابيحن ومنهحا باب العباس
رضي ال عنه مفتح على ثلثة أبواب ،ومنها باب النبي صلى ال عليه وسلم مفتح
على بابيحن ،ومنهحا باب بنحي شيبحة ،وهحو فحي ركحن الجدار الشرقحي محن جهحة الشمال،
أمام باب الكعبحة الشريفحة متياسحراً ،وهحو مفتحح على ثلثحة أبواب ،وهحو باب بنحي عبحد
شمحس ،ومنحه كان دخول الخلفاء ،ومنهحا باب صحغير إزاء باب بنحي شيبحة ل اسحم له،
وقيحل :يسحمى باب الرباط ،لنحه يدخحل منحه لرباط السحدرة ،ومنهحا باب الندوة ويسحمى
بذلك ثلثحة أبواب :اثنان منتظمان ،والثالث فحي الركحن الغربحي محن دار الندوة ،ودار
الندوة قحد جعلت مسحجداً شارعاً فحي الحرم مضافاً إليحه ،وهحي تقابحل الميزاب ،ومنهحا
باب صغير لدار العجلة محدث ،ومنها باب السدرة واحد ،وباب العمرة واحد ،وهو
محن أجمحل أبواب الحرم ،وباب إبراهيحم واححد ،والناس مختلفون فحي نسحبته ،فبعضهحم
ينسبه إلى إبراهيم الخليحل عليه السحلم ،والصحيح أنه منسوب إلى إبراهيحم الخوزي
مححن العاجححم ،وباب الحزورة مفتححح على بابيححن ،وباب ثالث ينسححب إليححه مفتححح على
بابيحن ،ويتصحل لباب الصحفا ومحن الناس محن ينسحب البابيحن محن هذه الربعحة المنسحوبة
وصحوامع المسحجد الحرام خمحس :إحداهحن على ركحن أبحي قحبيس عنحد باب الصحفا،
والخرى على ركححن باب بنححي شيبححة ،والثالثححة على باب دار الندوة ،والرابعححة على
ركححن باب السححدرة ،والخامسححة على ركححن أجياد .وبمقربححة مححن باب العمرة مدرسححة
عمرها السلطان المعظم يوسف بن رسول ملك اليمن المعروف بالملك المظفر التي
تنسب إليه الدراهم المظفرية باليمن ،وهو كان يكسو الكعبة ،إلى أن غلبه على ذلك
الملك المنصحور قلوون -وبخارج باب إبراهيحم زاويحة كحبيرة فيهحا دار إمام المالكيحة
الصحالح أبحي عبحد ال محمحد بحن عبحد الرحمحن المدعحو بخليحل وعلى باب إبراهيحم قبحة
عظيمة مفرطة السمو ،قد صنع في داخلها من غرائب صنع الجص ما يعجز عنه
الوصف .وبإزاء هذا الباب عن يمين الداخل إليه كان يقعد الشيخ العابد جلل الدين
محمد بن أحمد الفشهري ،وخارج باب إبراهيم بئر تنسب كنسبته ،وعنده أيضاً دار
الشيخ الصالح دانيال العجمي الذي كانت صدقات العراق في أيام السلطان أبي سعيد
تأتحي على يديحه .وبمقربحة منحه رباط الموفحق ،وهحو محن أحسحن الرباطات ،سحكنته أيام
مجاورتححي بمكححة المعظمححة .وكان بححه فححي ذلك العهححد الشيححخ الصححالح الطيار سححعادة
الجرانححي ،ودخححل يوماً إلى بيتححه بعححد صححلة العصححر فوجححد سححاجداً مسححتقبل الكعبححة
الشريفة ميتاً من غير مرض كان به رضي ال عنه وسكن به الشيخ الصالح شمس
الدين محمد الشامي نحواً من أربعين سنة .وسكن به الشيخ الصالح شعيب المغربي
مححن كبار الصححالحين دخلت عليححه يومًا فلم يقححع بصححري فححي بيتححه على شيححء سححوى
حصحححححححححير فقلت له فحححححححححي ذلك فقال لي :أسحححححححححتر على محححححححححا رأيحححححححححت.
وحول الحرم الشريف دور كثيرة لها مناظر وسطوح يخرج منها إلى سطح الحرم،
وأهلهحا فحي مشاهدة البيحت الشريحف على الدوام ،ودور لهحا أبواب تفضحي إلى الحرم،
منهححا دار زبيدة زوجححة الرشيححد أميححر المؤمنيححن ،ومنهححا دار العجلة ،ودار الشرابححي
وسواها .ومن المشاهد المقدسة بمقربة من المسجد الحرام قبة الوحي وهي في دار
خديجحة أم المؤمنيحن رضحي ال عنهحا بمقربحة محن باب الرسحول صحلى ال عليحه وسحلم
وفي البيت قبة صغيرة حيث ولدت فاطمة عليها السلم ،وبمقربة منها دار أبي بكر
الصحديق رضحي ال عنحه ويقابلهحا جدار مبارك فيحه حجحر مبارك بارز ،طرفحه محن
الحائط يستلمه الناس ويقال :إنه كان يسلم على النبي صلى ال عليه وسلم ويذكر ان
النبي صلى ال عليه وسلم سأل عن رجل فنطق ذلك الحجر ،وقال :يا رسول ال إنه
ليححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححس بحاضححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححر.
ذكحر الصفا والمروة ومن باب الصفا الذي هو من أبواب المسحجد الحرام إلى الصحفا
سححت وسححبعون خطوة ،وسححعة الصححفا سححبع عشرة خطوة ،وله اربححع عشرة درجححة
علياهحن كأنهحا مسحطبة ،وبيحن الصحفا والمروة أربعمائة وثلث وتسحعون خطوة ،منهحا
مححن الصححفا إلى الميححل الخضححر ثلث وتسححعون خطوة ،ومححن الميححل الخضححر إلى
الميليححن الخضريححن خمححس وسححبعون خطوة ،ومححن الميليححن الخضريححن إلى المروة
ثلثمائة وخمححس وعشرون خطوة .وللمروة خمححس درجات ،وهححي ذات قوس واحححد
كبير وسعة المروة سبع عشرة خطوة .والميل الخضر هو سارية خضراء مثبتة مع
ركحن الصحومعة التحي على الركحن الشرقحي محن الحرم عحن يسحار السحاعي إلى المروة،
والميلن الخضران همحححا سحححاريتان خضراوان إزاء باب علي محححن أبواب الحرم،
أحدهما في جدار الحرم عن يسار الخارج من الباب ،والخرى تقابلها ،وبين الميل
الخضر والميلين الخضرين يكون الرمل ذاهباً وعائداً ،وبين الصفا والمروة مسيل
فيحه سحوق عظيمحة ،يباع فيهحا الحبوب واللححم والتمحر والسحمن وسحواها محن الفواكحه.
والسححاعون بيححن الصححفا والمروة ل يكادون يخلصححون لزدحام الناس على حوانيححت
الباعة ،وليس بمكة سوق منتظمة سوى هذه إل البزازون والعطارون عند باب شيبة
وبين الصفا والمروة دار العباس رضي ال عنه .وهي الن رباط يقطنه المجاورون
عمره الملك الناصر رحمه ال ،وبنى أيضاً دار وضوء فيما بين الصفا والمروة سنة
ثمان وعشرين ،وجعل لها بابين أحدهما في السوق المذكور والخر في العطارين.
وعليها ربع يسكنه خدامها ،وتولى بناء ذلك المير علء الدين بن هلل ،وعن يمين
المروة دار أميححححر مكححححة سححححيف الديححححن عطيفححححة بححححن أبححححي نمححححي وسححححنذكره.
ذكححر الجبانححة المباركححة وجبانححة مكححة خارجححة باب المعلى ،ويعرف ذلك الموضححع
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيسٌ ولم يسمر بمحكة سحامحر
والولياء ،إل أن مشاهدهحم دثرت ،وذهحب عحن أهحل مكحة علمهحا فل يعرف منهحا إل
القليحل ،فمحن المعروف منهحا قحبر أم المرمنيحن ،ووزيحر سحيد المرسحلين خديجحة بنحت
خويلد أم أولد النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ،كلهحم محا عدا إبراهيحم ،وجدة السحبطين
الكريميحن صحلوات ال وسحلمه على النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وعليهحم أجمعيحن.
وبمقربحة منحه قحبر الخليفحة أميحر المؤمنيحن أبحي جعفحر المنصحور عبحد ال بحن محمحد بحن
علي بن عبد ال بن العباس رضي ال عنهم أجمعين ،وفيها الموضع الذي صلب فيه
عبد ال بن الزبير رضي ال عنهما .وكان به بنية هدمها أهل الطائف غيرة منهم لما
كان يلححق حجاجهحم المحبير ،محن اللعحن وعحن يميحن مسحتقبل الجبانحة مسحجد خراب،
يقال إنحه المسحجد الذي بايعحت الجحن فيحه رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم وعلى هذه
الجبانة طريق الصاعد إلى عرفات وطريق الذاهب إلى الطائف وإلى العراق.
فمنها الحجون وقد ذكرناه ،ويقال أيضاً :إن الحجون هو الجبل المطل على الجبانة
ومنهحا المحصحب ،وهحو أيضاً البطحح ،وهحو يلي الجبانحة المذكورة ،وفيحه خيحف بنحي
كنانة الذي نزل به رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ومنها ذو الطوى وهو وادٍ يهبط
على قبور المهاجريحن التحي بالحصححاص دون ثنيحة كداء ،ويخرج منحه إلى العلم
الموضوعة حجزاً بين الحل والحرام .وكان عبد ال بن عمر رضي ال عنه إذا قدم
مكحة شرفهحا ال تعالى يحبيت بذي طوى ثحم يعتسحل منحه ويغدو إلى مكحة ،ويذكحر أن
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فعحل ذلك .ومنهحا ثنيحة كدي " بضحم الكاف " ،وهحي
بأعلى مكحة ،ومنهحا دخحل رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فحي حجحة الوداع إلى مكحة.
ومنها ثنية كداء " بفتح الكاف " ،ويقال لها الثنية البيضاء ،وهي بأسفل مكة ،ومنها
خرج رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم عام الوداع ،وهحي بيحن جحبيلين .وفحي مضيقهحا
كوم حجارة موضوع على الطريق ،وكل من يمر به يرجمه بحجر .ويقال :إنه قبر
أبي لهب وزوجه حمالة الحطب .وبين هذه الثنية وبين مكة بسيط سهل ينزله الركب
إذا صحدروا عحن منحى ،وبمقربحة محن هذا الموضحع على نححو ميحل محن مكحة شرفهحا ال
مسحجد بإزائه حجحر موضوع على الطريحق كأنحه مصحطبة يعلوه حجحر آخحر ،كان فيحه
نقحش فدثحر رسحمه .يقال :إن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قعحد بذلك الموضحع مسحتريحاً
عنحد مجيئه محن عمرتحه .فيتحبرك الناس بتقحبيله ويسحتندون إليحه .ومنهحا التنعيحم ،وهحو
على فرسحخ محن مكحة ،ومنحه يعتمحر أهحل مكحة ،وهحو أدنحى الححل إلى الحرام ،ومنحه
اعتمرت أم المرمنيحن عائشحة رضحي ال عنهحا حيحن بعثهحا رسحول ال صحلى ال عليحه
وسلم في حجة الوداع مع أخيها عبد الرحمن رضي ال عنه ،وأمره أن يعمرها من
التنعيحم .وبنيحت هنالك مسحاجد ثلثحة على الطريحق تنسحب كلهحا إلى عائشحة رضحي ال
عنهحا .وطريحق التنعيحم طريحق فسحيح ،والناس يتحرون كنسحه فحي كحل يوم رغبحة فحي
الجحر والثواب .لن محن المعتمريحن محن يمشحي فيحه حافياً .وفحي هذا الطريحق البار
العذبحة التحي تسحمى الشبيكحة ،ومنهحا الزاهحر ،وهحو على نححو ميليحن محن مكحة ،على
طريحق التنعيحم ،وهحو موضحع على جانحبي الطريحق فيحه أثحر دور وبسحاتين وأسحواق.
وعلى جانحب الطريحق دكان مسحتطيل تصحف عليحه كيزان الشرب وأوانحي الوضوء،
يملهحا خديحم ذلك الموضحع محن آبار الزاهحر ،وهحي بعيدة القعحر جداً .والخديحم محن
الفقراء المجاورين وأهل الخير يعينونه على ذلك لما فيه من المرفقة للمعتمرين من
فمنها جبل أبي قبيس وهو في جهة الجنوب والشسرق من مكة حرسها ال ،وهو
أححد الخشحبين ،وأدنحى الجبال محن مكحة شرفهحا ال ،ويقابحل ركحن الحجحر السحود.
وبأعله مسحجد وأثحر رباط وعمارة .وكان الملك الظاهحر رحمحه ال أراد أن يعمره.
وهو مطل على الحرم الشريف ،وعلى جميع البلد .ومنه يظهر حسن مكة شرفها ال
وجمال الحرم واتسحاعه والكعبحة المعظمحة .ويذكحر أن جبحل أبحي قحبيس هحو أول جبحل
خلقه ال ،وفيه استودع الحجر زمان الطوفان .وكانت قريش تسمية المين لنه أدى
الحجحر الذي اسحتودع فيحه إلى الخليحل إبراهيحم عليحه السحلم .ويقال :إن قحبر آدم عليحه
السلم به .وفي جبل أبي قبيس موضع موقف النبي صلى ال عليه وسلم حين انشق
له القمحر .ومنهحا قعيقان ،وهحو أححد الخشحبين ،ومنهحا الجبحل الحمحر ،وهحو فحي جهحة
الشمال من مكة شرفها ال ،ومنها الخندمة وهو جبل عند الشعبين المعروفين بأجياد
الكححبر وأجياد الصححغر ،ومنهححا جبححل الطيححر وهححو على أربعححة عححن جهتححي طريححق
التنعيم ،يقال إنها الجبال التي وضع عليها الخليل عليه السلم أجزاء الطير ثم دعاها
حسحبما نحص ال فحي كتابحه العزيحز ،عليحه أعلم محن حجارة ،ومنهحا جبحل حراء ،وهحو
في الشمال من مكة شرفها ال تعالى على نحو فرسخ منها ،وهو مشرف على منى،
ذاهحب فحي الهواء عالي القنحة .وكان رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم يتعبحد فيحه كثيراً
قبحل المبعحث ،وفيه أتاه الحق من ربه وبدأ الوححي ،وهو الذي اهتز تحت رسول ال
صحلى ال عليحه وسحلم فقال صحلى ال عليحه وسحلم :إثبحت فمحا عليحك إل نحبي وصحديق
وشهيححححححد ،واختلف فيكمححححححن كان معححححححه يومئذ .وروي أن العشرة كانوا معححححححه.
وقححد روي أيضاً أن جبححل ثححبير اهتححز تحتححه أيضاً ،ومنهححا جبححل ثور ،وهححو على قدر
فرسخ من مكة شرفها ال تعالى على طريق اليمن ،وفيه الغار الذي أوى إليه رسول
ال صحلى ال عليحه وسحلم حيحن خروجحه مهاجراً محن مكحة شرفهحا ال ،ومعحه الصحديق
رضحي ال عنحه ،حسحبما ورد فحي الكتاب العزيحز .ذكحر الزرقحي فحي كتابحه :أن الجبحل
قبلك سححبعين نححبياً .فلمححا دخححل رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم الغار واطمأن بححه
وصححاحبه الصححديق معححه ،نسححجت العنكبوت مححن حينهححا على باب الغار ،وصححنعت
الحمامحة عشاً وفرخحت فيحه بإذن ال تعالى ،فانتهحى المشركون ومعهحم قصحاص الثحر
إلى الغار ،فقالوا ها هنا انقطع الثر ورأوا العنكبوت قد نسج على فم الغار والحمام
مفرخحة ،فقالوا :محا دخحل أححد هنحا ،وانصحرفوا .فقال الصحديق :يحا رسحول ال لو لجوا
علينا منه ،قال :كنا نخرج من هنا .وأشار بيده المباركة إلى الجانب الخر ولم يكن
والناس يقصححدون زيارة هذا الغار المبارك ،فيرومون دخوله مححن الباب الذي دخححل
منحه النبي صلى ال عليحه وسلم تبركاً بذلك .فمنهحم من يتأتى له ،ومنهم من ل يتأتحى
له وينشححب فيححه ،حتححى يتناول بالجذب العنيححف ،ومححن الناس مححن يصححلي أمامححه ول
يدخله .وأهحل تلك البلد يقولون :إنحه محن كان لرشده دخله ،ومحن كان لزينحة لم يقدر
على دخوله .ولهذا يتحاماه كثيححر مححن الناس لنححه مخجححل فاضححح .قال ابححن جزي:
أخبرني بعض أشياخنا الحجاج الكياس أن سبب صعوبة الدخول إليه هو أن بداخله
ممحا يلي هذا الشحق الذي يدخحل منحه حجراً كحبيراً معترضاً .فمحن دخحل محن ذلك الشحق
منبطحاً على وجهحه وصحل راسحه إلى ذلك الحجحر ،فلم يمكنحه التولج ،ول يمكنحه أن
ينطوي إلى العلو ،ووجهحه وصحدره يليان الرض .فذلك هحو الذي ينشحب ول يخلص
إل بعحد الجهحد والجذب إلى خارج ومن دخحل منحه مستلقياً على ظهره أمكنحه ،لنحه إذا
وصحل رأسحه إلى الحجحر المعترض رفحع رأسحه ،واسحتوى قاعداً ،فكان ظهره مسحتنداً
إلى الحجححر المعترض وأوسححطه فححي الشححق ورجله مححن خارج الغار ثححم يقوم قائماً
بداخحححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححل الغار.
حكايحة وممحا اتفحق بهذا الجبحل لصحاحبين محن أصححابي :أحدهمحا الفقيحه المكرم أبحو
محمحد عبحد ال بحن فرحان الفريقحي التوزري ،والخحر أبحو العباس أحمحد الندلسحي
الوادي آشي ،أنهما قصدا الغار في حين مجاورتهما بمكة شرفها ال تعالى في سنة
ثمان وعشرين وسبعمائة ،وذهبا منفردين ،لم يستصحبا دليلً عارفاً بطريقه؛ فتاها.
وضل طريق الغار وسلكا طريقاً سواها منقطعة ،وذلك في أوان اشتداد الحر وحمى
القيظ ،فلما نفد ما كان عندهما من الماء ،وهما لم يصل إلى الغار ،أخذا في الرجوع
إلى مكحة شرفهحا ال تعالى ،فوجدا طريقاً فاتبعاه وكان يفضحي إلى جبحل آخحر ،واشتحد
بهمحا الححر ،وأجهدهمحا العطحش ،وعاينحا الهلك ،وعجحز الفقيحه أبحو محمحد عبحد ال بحن
فرحان عن المشي جملة ،والقى بنفسه إلى الرض ،ونجا الندلسي بنفسه .وكان فيه
فضحل قوة ،ولم يزل يسحلك تلك الجبال حتحى أفضحى بحه الطريحق إلى أجياد ،فدخحل إلى
مكحة شرفهحا ال تعالى ،وقصحدني ،واعلمنحي بهذه الحادثحة وبمحا كان محن أمحر عبحد ال
التورزي وانقطاعه في الجبل ،وكان في ذلك في آخر النهار .ولعبد ال المذكور ابن
عحم اسحمه حسحن ،وهحو محن سحكان وادي نخلة ،وكان إذ ذاك بمكحة ،فأعلمتحه بمحا جرى
على ابحن عمحه ،وقصحدت الشيحخ الصحالح المام أبحا عبحد ال محمحد بحن عبحد الرحمحن
المعروف بخليحل إمام ألمالكيحة نفحع ال بحه ،فأعلمتحه بخحبره ،فبعحث بجماعحة محن أهحل
مكة عارفين بتلك الجبال والشعاب في طلبه ،وكان من أمر عبد ال التوزري أنه لما
فارقحه رفيقحه ،لجحأ إلى حجحر كحبير ،فاسحتظل بظله ،وأقام على هذه الحالة محن الجهحد
والعطححش ،والغربان تطيححر فوق رأسححه ،وتنتظححر موتححه .فلمححا انصححرم النهار ،واتححى
الليحل ،وجحد فحي نفسحه قوة وأنعشحه برد الليحل ،فقام عنحد الصحباح على قدميحه ونزل محن
الجبحل إلى بطحن واد حجبحت الجبال عنحه الشمحس ،فلم يزل ماشياً إلى أن بدأت له دابحة
فقصد قصدها ،فوجد خيمة للعرب .فلما رآها وقع إلى الرض ولم يستطع النهوض،
فرأته صاحبة الخيمة ،وكان زوجها قد ذهب إلى ورد الماء فسقته ما كان عندها من
الماء فلم يرو ،وجاء زوجهححا فسححقاه قربححة ماء فلم يرو ،وأركبححه حماراً له ،وقدم بححه
مكة فوصلها عند صلة العصر من الثاني متغيراً كأنه قام من قبر.
وكانحت إمارة مكحة فحي عهحد دخولي إليهحا للشريفيحن الجليحن الخويحن :أسحد الديحن
رميثحة وسحيف الديحن عطيفحة أبنحي الميحر أبحي نمحي بحن أبحي سحعد بحن علي بحن قتادة
الحسحنيين .ورميثحة أكبرهمحا سحناً ،ولكنحه كان يقدم اسحم عطيفحة فحي الدعاء له بمكحة،
لعدله ولرميثة من الولد أحمد وعجلن ،وهو أمير مكة في هذا العهد ،وتقيه وسند
وأم قاسححم .ولعطيفححة مححن الولد محمححد ومبارك ومسححعود .ودار عطيفححة عححن يميححن
المروة ،ودار أخيححه رميثححة برباط الشرابححي عنححد باب بنححي شيبححة ،وتضرب الطبول
ولهحححل مكحححة الفعال الجميلة والمكارم التامحححة والخلق الحسحححنة واليثار إلى
الضعفاء والمنقطعين وحسحن الجوار للغرباء .ومحن مكارمهحم أنهحم متحى صحنع أحدهحم
وليمححة يبدأ فيهححا بإطعام الفقراء المنقطعيححن المجاوريححن ،ويسححتدعيهم بتلطححف ورفححق
وحسن خلق ،ثم يطعمهم .وأكثر المساكين المنقطعين يكونون بالفران ،حيث يطبخ
الناس أخبازهحم .فإذا طبحخ أحدهحم خبزه واحتمله إلى منزله فيتبعحه المسحاكين فيعطحي
لكل واحد منهم ما قسم له ،ول يردهم خائبين ،ولو كانت له خبزة واحدة فإنه يعطي
ثلثهحا أو نصحفها طيحب النفحس بذلك محن غيحر ضجحر .ومحن أفعالهحم الحسحنة أن اليتام
الصحغار يقعدون بالسحوق ،ومحع كحل واححد منهحم قفتان :كحبرى وصحغرى وهحم يسحمون
القفححة مكتلً فيأتححي الرجححل مححن أهححل مكححة إلى السححوق ،فيشتري الحبوب واللحححم
والخضر ،ويعطي ذلك الصبي فيجعل الحبوب في إحدى قفتيه ،واللحم والخضر في
الخرى ،ويوصححل ذلك إلى دار الرجححل ليهيححأ له طعامححه منهححا ،ويذهححب الرجححل إلى
طوافحه وحاجتحه ،فل يذكحر أن أحداً محن الصحبيان خان المانحة فحي ذلك قحط ،بحل يؤدي
ما حمل على ما أتم الوجوه .ولهم على ذلك أجرة معلومة من فلوس .وأهل مكة لهم
ظرف ونظافحة فحي الملبحس وأكثحر لباسحهم البياض فترى ثيابهحم أبداً ناصحعة سحاطعة.
ونسححاء مكححة فائقات الحسححن بارعات الجمال ذوات صححلح وعفاف .وهححن يكثرن
التطيب ،حتى إن إحداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيباً .وهن يقصدن الطواف
بالبيحت فحي كحل ليلة جمعحة ،فيأتيحن فحي أحسحن زي وتغلب على الحرم رائححة طيبهحن،
وتذهحب المرأة منهحن فيبقحى أثحر الطيحب بعحد ذهابهحا عبقاً .ولهحل مكحة عوائد حسحنة
قاضححي مكححة العالم الصححالح العابححد نجححم الديححن محمححد بححن إمام العالم محيححي الديححن
الطحبري ،وهحو فاضحل كثيحر الصحدقات والمواسحاة للمجاوريحن ،حسحن الخلق كثيحر
الطواف والمشاهدة للكعبححة الشريفححة ،يطعححم الطعام الكثيححر فححي المواسححم المعظمححة،
وخصحوصًا فحي مولد رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ،فإنحه يطعحم فيحه شرفاء مكحة
وكبراءهحا وفقراءهحا وخدام الحرم الشريحف وجميحع المجاوريحن .وكان سحلطان مصحر
الملك الناصر رحمه ال يعظمه كثيراً ،وجميع صدقاته وصدقات أمرائه تجرى على
يديحه .وولده شهاب الديحن فاضحل ،وهحو الن قاضحي مكحة شرفهحا ال .وخطيحب مكحة
المام بمقام إبراهيم عليه السلم الفصيح المصقع وحيد عصره بهاء الدين الطبري،
وهحو أححد الخطباء الذيحن ليحس بالمعمورة مثلهحم بلغحة وحسحن بيان .وذكحر لي أنحه
ينشئ لكل جمعة خطبحة ثم ل يكررها فيمحا بعحد .وإمام الموسم وإمام المالكيحة بالحرم
الشريف هو الشيخ الفقيه العالم الصالح الخاشع الشهير أبو عبد ال محمد ابن الفقيه
المام الصحالح الورع أبحي زيحد عبحد الرحمحن ،وهحو المشتهحر بخليحل نفحع ال بحه وأمتحع
ببقائه .وأهله محن بلد الجريحد محن إفريقيحة ،ويعرفون بهحا ببنحي حيون محن كبارهحا،
ومولده ومولد أبيححه بمكحة شرفهححا ال ،وهححو أحححد الكبار محن أهحل مكحة ،بحل واحدهححا
وقطبهحا بإجماع الطوائف على ذلك .مسحتغرق العبادة فحي جميحع أوقاتحه ،حيحي كريحم
النفحححححححس حسحححححححن الخلق كثيحححححححر الشفقحححححححة ،ل يرد محححححححن سحححححححأله خائباً.
حكايححة مباركححة رأيححت أيام مجاورتححي بمكححة شرفهححا ال ،وأنححا إذ ذاك سححاكن منهححا
بالمدرسححة المظفريححة ،والنححبي صححلى ال عليححه وسححلم فححي النوم ،وهححو قاعححد بمجلس
التدريحس فحي المدرسحة المذكورة بجانحب الشباك الذي تشاهحد منحه الكعبحة الشريفحة،
والناس يبايعونححه ،فكنححت أرى الشيححخ أبححا عبححد ال المدعححو بخليححل قححد دخححل وقعححد
القرفصحاء بيحن يدي رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ،وجعحل يده فحي يحد رسحول ال
صححلى ال عليححه وسححلم ،وقال :أبايعححك على كذا وكذا ،وعدد أشياء منهححا ،وأن ل أرد
محن بيتحي مسحكيناً خائباً ،وكان ذلك آخحر كلمحه ،فكنحت أعجحب محن قوله ،وأقول فحي
نفسحي كيحف يقول هذا ويقدر عليحه ،محع كثرة فقراء مكحة واليمحن والزيالعحة والعراق
والعجحم ومصحر والشام .وكنحت أراه حيحن ذلك لبسحاً جبحة بيضاء قصحيرة محن ثياب
القطن المدعوة بالقفطان .كان يلبسها في بعض الوقات ،فلما صليت الصبح غدوت
عليحه وأعلمتحه برؤياي فسحر بهحا وبكحى ،وقال لي تلك الجبحة أهداهحا بعحض الصحالحين
لجدي ،فأنحا ألبسحها تحبركاً .ومحا رأيتحه بعحد ذلك يرد سحائلً خائباً .وكان يأمحر خدامحه
يخبزون الخبححز ويطبخون الطعام ويأتون بححه إلي بعححد صححلة العصححر مححن كححل يوم.
وأهحل مكحة ل يأكلون فحي اليوم إل مرة واحدة بعحد العصحر ،ويقتصحرون عليهحا إلى
مثل ذلك الوقت .ومن أراد الكل في سائر النهار أكل التمر .ولذلك صحت أبدانهم،
وقلت فيهحم المراض والعاهات .وكان الشيحخ خليحل متزوجاً بنت القاضحي نجحم الدين
الطحبري ،فشحك فحي طلقهحا وفارقهحا .وتزوجهحا بعده الفقيحه شهاب الديحن النويري محن
كبار المجاورين ،وهو من صعيد مصر .وأقامت عنده أعواماً وسافر بها إلى المدينة
الشريفحة ومعهحا أخوهحا شهاب الديحن فحنحث فحي يميحن بالطلق ،ففارقهحا على ضنانتحه
بها ،وراجعها الفقيه خليل بعد سنين عدة .ومن أعلم مكة إمام الشافعية شهاب الدين
بححن البرهان ،ومنهححم إمام الحنفيححة شهاب الديححن أحمححد بححن علي مححن كبار أئمححة مكححة
وفضلئهحا ،يطعحم المجاوريحن وأبناء السحبيل .وهحو أكرم فقهاء مكحة .ويدان فحي كحل
سحنة أربعيحن ألف درهحم وخمسحين ألفاً ،فيؤديهحا ال عنحه .وأمراء التراك يعظمونحه
ويحسحنون الظحن بحه ،لنحه إمامهحم .ومنهحم إمام الحنابلة المحدث الفاضحل محمحد بحن
عثمان البغدادي الصل المكي المولد .وهو نائب القاضي نجم الدين ،والمحتسب بعد
حكايحة كان تقحي الديحن المصحري محتسحباً بمكحة ،وكان له دخول فيمحا يعنيحه وفيمحا ل
يعنيه .فاتفق في بعض السنين أن أتى أمير الحاج بصبي من ذوي الدعارة بمكة قد
سحرق بعحض الحجاج .فأمحر بقطحع يده فقال له تقحي الديحن :إن لم تقطعهحا بحضرتحك،
وإل غلب أهحل مكحة خدامحك عليحه .فاسحتنقذوه منهحم وخلصحوه ،فأمحر بقطحع يده فحي
حضرته فقطعت .وحقدها لتقي الدين .ولم يزل يتربص به الدوائر ،ول قدرة له عليه
لن له حسباً من الميرين رميثة وعطيفة والحسب عندهم أن يعطي أحدهم هدية من
عمامة أو شاشية بمحضر الناس تكون جواراً لمن أعطيته ،ول تزول حرمتها ،معه
حتحى يريحد الرحلة والتحول عحن مكحة .فأقام تقحي الديحن بمكحة أعواماً ،ثحم عزم على
الرحلة ،وودع الميريحححن ،وطاف طواف الوداع ،وخرج محححن باب الصحححفا .فلقيحححه
صحاحبه القطحع وتشكحى له ضعحف حاله ،وطلب منحه محا يسحتعين بحه على حاجتحه.
فانتهره تقي الدين وزجره ،فاستل خنجراً له يعرف عندهم بالجنبية ،وضربه ضربة
واحدة كان فيهحا حتفحه .ومنهحم الفقيحه الصحالح زيحن الديحن الطحبري ،شقيحق نجحم الديحن
المذكور محن أهحل الفضحل والحسحان للمجاوريحن ومنهحم الفقيحه المبارك محمحد بن فهحد
القرشي ،من فضلء مكة .وكان ينوب عن القاضي نجم الدين بعد وفاة الفقيه محمد
بححن عثمان الحنبلي ،ومنهححم العدل الصححالح محمححد بححن البرهان زاهححد ورع مبتلى
بالوسحواس .رأيتحه يوماً يتوضحأ محن بركحة المدرسحة المظفريحة ،فيغسحل ويكرر ،ولمحا
مسحح رأسحه أعاد مسححه مرات ،ثحم لم يقنعحه ذلك فغطحس رأسحه فحي البركحة .وكان إذا
أراد الصلة ربما صلى المام الشافعي ،وهو يقول :نويت نويت ،فيصلي من غيره
فمنهم المام العالم الصالح الصوفي المحقق العابد عفيف الدين عبد ال بن أسعد اليمني
الشافعي الشهير باليافعي ،كثير الطواف آناء الليل وأطراف النهار وكان إذا طاف من الليل
يصعد إلى سطح المدرسة المظفرية فيقعد مشاهداً للكعبة الشريفة ،إلى أن يغلبه النوم فيجعل
تحت رأسه حجراً ،أو ينام يسيراً ،ثم يجدد الوضوء ويعود لحاله من الطواف حتى يصلي
الصبح .وكان متزوجاً ببنت الفقيه العابد شهاب الدين بن برهان ،وكانت صغيرة السن .فل
تزال تشكو إلى أبيها حالها فيأمرها بالصبر ،فأقامت معه على ذلك سنين ثم فارقته .ومنهم
الصالح العابد نجم الدين الصفوني .كان قاضياً ببلد الصعيد فانقطع إلى ال تعالى ،وجاور
بالحرم الشريف .وكان يعتمر في كل يوم من التنعيم ،ويعتمر في رمضان :مرتين في اليوم
اعتماداً على ما في الخبر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ":عمرة في رمضان تعدل
حجة معي " .ومنهم الشيخ الصالح العابد شمس الدين محمد الحلبي ،كثير الطواف والتلوة
من قدماء المجاورين ،توفي بمكة ،ومنهم الصالح أبو بكر الشيرازي المعروف بالصامت،
كثير الطواف ،أقام بمكة أعواماً ل يتكلم فيها .ومنهم الصالح خضر العجمي ،كثير الصوم
والتلوة والطواف .والشيخ الصالح برهان الدين العجمي الواعظ ،كان ينصب له كرسي
تجاه الكعبة الشريفة فيعظ الناس ويذكرهم بلسان فصيح وقلب خاشع يأخذ بمجامع القلوب.
والصالح المجود برهان الدين إبراهيم المصري مقرىء مجيد ساكن رباط السدرة ،ويقصده
أهل مصر والشام بصدقاتهم ،ويعلم اليتام كتاب ال تعالى ،ويقوم بمؤنهم ويكسوهم.
والصالح العابد عز الدين الواسطي من أصحاب الموال الطائلة ،يحمل إليه من بلده المال
الكثير في كل سنة ،فيبتاع الحبوب والتمر ،ويفرقها على الضعفاء والمساكين ،ويتولى
حملها إلى بيوتهم بنفسه ،ولم يزل ذلك دأبه إلى أن توفي .والفقيه الصالح الزاهد أبو الحسن
علي بن رزق ال النجري من أهل قطر طنجة من كبار الصالحين جاور بمكة سنين وبها
وفاته .كانت بينه وبين والدي صحبة قديمة .ومتى أتى إلى بلدنا طنجة نزل عندنا .وكان له
بيت بالمدرسة المظفرية يعلم العلم فيها نهاراً ويأوي بالليل إلى مسكنه برباط ربيع ،وهو من
أحسن الرباطات بمكة ،بداخله بئر عذبة ل تماثلها بئر بمكة ،وسكانها الصالحون وأهل ديار
الحجاز يعظمون هذا الرباط تعظيمًا شديداً وينذرون له النذور ،وأهل الطائف يأتونه
بالفواكه .ومن عاداتهم أن كل من له بستان من النخيل والعنب والفرسك وهو الخوخ والتين
وهو يسمونه الخمط يخرج منه العشر لهذا الرباط .ويوصلون ذلك إليه على جمالهم ومسيرة
ما بين مكة والطائف يومان .ومن لم يف بذلك نقصت فواكهه في السنة التية وأصابتها
الجوائح.
حكاية في فضيلة أتي يوماً غلمان المير أبي نمي صاحب مكة إلى هذا الرباط ودخلوا بخيل
المير وسقوها من تلك البئر ،فلما عادوا بالخيل إلى مرابطها أصابتها الوجاع وضربت
بأنفسها الرض برؤوسها وأرجلها .واتصل الخبر بالمير أبي نمي ،فأتى باب الرباط
بنفسه ،واعتذر إلى المساكين الساكنين به ،واستصحب واحداً منهم فمسح على بطون
الدواب بيده فأراقت ما كان في أجوافها من ذلك الماء وبرئت مما أصابها ،ولم يتعرضوا
بعدها للرباط إل بالخير .ومنهم الصالح المبارك أبو العباس الغماري من أصحاب أبي
الحسن بن رزق ال .وسكن رباط ربيع ،ووفاته بمكة .ومنهم الصالح أبو يعقوب يوسف بن
بادية سبتة ،كان خديماً للشيخين المذكورين ،فلما توفيا صار شيخ الرباط بعدهما .ومنهم
الصالح السابح السالك أبو الحسن علي بن فرغوس التلمساني .ومنهم الشيخ سعيد الهندي
شيخ رباط كللة.
حكاية
كان الشيخ سعيد قد قصد ملك الهند محمد شاه ،فأعطاه مالً عظيمًا قدم به مكة .فسجنه
المير عطيفة ،وطلبه بأداء المال ،فامتنع فعذّب بعصر رجليه ،فأعطى خمسة وعشرين
ألف درهم نقرة ،وعاد إلى بلد الهند .ورأيته بها ،ونزل بدار المير سيف الدين غدا ابن
هبة ال بن عيسى بن مهنا أمير عرب الشام .وكان غدا ساكناً ببلد الهند متزوجاً بأخت
ملكها ،وسيذكر أمره .فأعطى ملك الهند للشيخ سعيد جملة مال ،وتوجه صحبة حاج يعرف
بوشل من ناس المير غدا ،وجّهه المير المذكور ليأتيه ببعض ناسه ،ووجه معه أموالً
وتحفاً منها الخلعة التي خلعها عليه ملك الهند ليلة زفافه بأخته ،وهي من الحرير الزرق
مزركشة بالذهب ،ومرصعة بالجوهر ،بحيث ل يظهر لونها لغلبة الجوهر عليها ،وبعث
معها خمسين ألف درهم ليشتري له الخيل العتاق .فسافر الشيخ سعيد صحبة وشل ،واشتريا
سلعاً بما عندهما من الموال .فلما وصل جزيرة سقطرة المنسوب إليها الصبر السقطري،
خرج عليهما لصوص الهند في مراكب كثيرة فقاتلوهم قتالً شديداً ،مات فيه من الفريقين
جملة .وكان وشل رامياً فقتل منهم جماعة ،ثم تغلب السراق عليهم وطعنوا وشل طعنة مات
منها بعد ذلك .وأخذوا ما كان عندهم ،وتركوا لهم مركبهم بآلة سفره وزاده .فذهبوا إلى
عدن ،ومات بها وشل .وعادة هؤلء السراق أنهم ل يقتلون أحداً إل حين القتال ول
يغرقونه ،وإنما يأخذون ماله وبتركونه يذهب بمركبه حيث شاء .ول يأخذون المماليك لنهم
من جنسهم .وكان الحاج سعيد قد سمع من ملك الهند أنه يريد إظهار الدعوة العباسية ببلده،
كمثل ما فعله ملوك الهند ممن تقدمه ،مثل السلطان شمس الدين للمش واسمه " بفتح اللم
الولى وإسكان الثانية وكسر الميم وشين معجم" ،وولده ناصر الدين .ومثل السلطان جلل
الدين فيروز شاه ،والسلطان غياث الدين بلين .وكانت الخلع تأتي إليهم من بغداد .فلما توفي
وشل قصد الشيخ سعيد إلى الخليفة أبي العباس ابن الخليفة أبي الربيع سليمان العباسي
بمصر ،وأعلمه بالمر .فكتب له كتاباً بخطه بالنيابة عنه ببلد الهند .فاستصحب الشيخ
سعيد الكتاب وذهب إلى اليمن واشترى بها ثلث خلع سوداً ،وركب البحر إلى الهند .فلما
وصل كنبايت ،وهي على مسيرة أربعين يوماً من دهلي حاضرة ملك الهند ،كتب صاحب
الخبر إلى الملك يعلمه بقدوم الشيخ سعيد ،وأن معه أمر الخليفة وكتابه .فورد المر ببعثه
إلى الحضرة مكرماً .فلما قرب من الحضرة بعث المراء والقضاة والفقهاء لتلقيه ،ثم خرج
هو بنفسه لتلقيه .فتلقاه وعانقه ودفع له المر ،فقبله ووضعه على رأسه ،ودفع له الصندوق
الذي فيه الخلع فاحتمله الملك على كاهله خطوات ولبس إحدى الخلع وكسا الخرى المير
غياث الدين محمد بن عبد القادر بن يوسف بن عبد العزيز ابن الخليفة المنتصر العباسي،
وكان مقيماً عنده ،وسيذكر خبره.
وكسا الخلعة الثالثة المير قبوله الملقب بالملك الكبير ،وهو الذي يقوم على رأسه ويشرد
عنه الذباب .وأمر السلطان فخلع على الشيخ سعيد ومن معه ،وأركبه على الفيل ،ودخل
المدينة كذلك ،والسلطان أمامه على فرسه ،وعن يمينه وشماله الميران اللذان كساهما
الخلعتين العباسيتين .والمدينة قد زينت بأنواع الزينة وصنع بها إحدى عشرة قبة من
الخشب .كل قبة منها أربع طبقات ،في كل طبقة طائفة من المغنين رجالً ونساء،
والراقصات ،وكلهم مماليك السلطان .والقبة مزينة بثياب الحرير المذهب أعلها وأسفلها
وداخلها وخارجها ،وفي وسطها ثلثة أحواض من جلود الجواميس مملوءة ماء قد حلّ فيه
الجلب ،يشربه كل وارد وصادر ،ل يمنع منه أحد .وكل من يشرب منه يعطى بعد ذلك
خمس عشرة ورقة من أوراق التنبول والفوفل والنورة ،فيأكلها فتطيب نكهته وتزيد في
حمرة وجهه ولثاته وتقمع عنه الصفراء وتهضم ما أكل من الطعام .ولما ركب الشيخ سعيد
على الفيل فرشت له ثياب الحرير بين يدي الفيل يطأ عليها الفيل من باب المدينة إلى دار
السلطان .وأنزل بدار تقرب من دار الملك .وبعث له أموالً طائلة .وجميع الثواب المعلقة
المفروشة بالقباب والموضوعة بين يدي الفيل ل تعود إلى السلطان بل يأخذها أهل الطرب
وأهل الصناعات الذين يصنعون القباب ،وخدام الحواض وغيرهم .وهكذا فعلهم من قدم
السلطان من سفر .وأمر الملك بكتاب الخليفة أن يقرأ على المنبر بين الخطبتين في كل يوم
جمعة ،وأقام الشيخ سعيداً شهراً ثم بعث معه الملك هدايا إلى الخليفة .فوصل كنبايت ،وأقام
بها حتى تيسرت أسباب حركته في البحر .وكان ملك الهند قد بعث أيضاً من عنده رسولً
إلى الخليفة وهو الشيخ رجب البرقعي ،أحد شيوخ الصوفية ،وأصله من مدينة القرم من
صحراء قفجق ،وبعث معه هدايا للخليفة منها حجر ياقوت قيمته خمسون ألف دينار .وكتب
له يطلب منه أن يعقد له النيابة عنه ببلد الهند والسند ،ويبعث له سواه من يظهر .هكذا نص
عليه كتابه اعتقاداً منه في الخلفة وحسن نية .وكان للشيخ رجب أخ بديار مصر يدعى
بالمير سيف الدين الكاشف .فلما وصل رجب إلى الخليفة أبى أن يقرأ الكتاب ويقبل الهدية
إل بمحضر الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر .فأشار سيف الدين على أخيه رجب
ببيع الحجر فباعه واشترى بثمنه ،وهو ثلثمائة ألف درهم ،أربعة أحجار .وحضر بين يدي
الملك الصالح ،ودفع له الكتاب ،وأحد الحجار ،ودفع سائرها لمرائه .واتفقوا على أن
يكتب لملك الهند بما طلب.
فوجهوا الشهود إلى الخليفة وأشهد على نفسه أنه قدمه نائباً عنه ببلد الهند وما يليها ،وبعث
الملك الصالح رسولً من قبله ،وهو شيخ الشيوخ بمصر ركن الدين العجمي ،ومعه الشيخ
رجب وجماعة من الصوفية ،وركبوا بحر فارس من البلة إلى هرمز ،وسلطانها يومئذ
قطب الدين تمتهن طوران شاه .فأكرم مثواهم ،وجهز لهم مركباً إلى بلد الهند فوصلوا
مدينة كنبايت والشيخ سعيد بها وأميرها يومئذ مقبول التلتكي ،أحد خواص ملك الهند فاجتمع
الشيخ رجب بهذا المير وقال له أن الشيخ سعيد إنما جاءكم بالتزوير .والخلع التي ساقها
إنما اشتراها بعدن ،فينبغي أن تثقفوه وتبعثوه إلى خوند عالم وهو السلطان .فقال له المير:
الشيخ سعيد معظم عند السلطان فما يفعل به هذا إل بأمره .ولكني أبعثه معك ليرى فيه
السلطان رأيه .وكتب المير بذلك كله إلى السلطان ،وكتب به أيضاً صاحب الخبار فوقع
في نفس السلطان تغير ،وانقبض عن الشيخ رجب لكونه تكلم بذلك على رؤوس الشهاد،
بعد ما صدر من السلطان للشيخ سعيد من الكرام ما صدر ،فمنع رجب من الدخول عليه،
وزاد إكرام الشيخ سعيد ،ولما دخل شيخ الشيوخ على السلطان قام إليه وعانقه وأكرمه
وكان متى دخل عليه يقوم إليه .وبقي الشيخ سعيد المذكور بأرض الهند معظماً مكرماً .وبها
تركته سنة ثمان وأربعين .وكان بمكة أيام مجاورتي بها حسن المغربي المجنون ،وأمره
غريب وشأنه عجيب .وكان قبل ذلك صحيح العقل خديماً لولي ال تعالى نجم الدين
الصبهاني أيام حياته.
حكاية
كان حسحن المجنون كثيحر الطواف بالليحل ،وكان يرى فحي طوافحه بالليحل فقيراً ،يكثحر
الطواف ،ول يراه بالنهار .فلقيه ذلك الفقير ليلة ،وسأله عن حاله ،وقال يا حسن :إن
أمك تبكي عليك ،وهي مشتاقة إلى رؤيتك ،وكانت من إماء ال الصالحات ،أفتحب
أن تراهحا قال له :نعحم ،ولكنحي ل قدرة لي على ذلك .فقال له :نجتمحع هحا هنحا فحي الليلة
المقبلة إن شاء ال تعالى -فلمحا كانحت الليلة المقبلة ،وهحي ليلة الجمعحة ،وجده حيحث
واعده -فطافحا بالبيحت محا شاء ال ،ثحم خرج ،وهحو فحي أثره ،إلى باب المعلى .فأمره
أن يسحد عينيحه ويمسحك بثوبحه ففعحل ذلك .ثحم قال :بعحد سحاعة :أتعرف بلدك ? قال نعحم.
قال :هحا هحو هذا .ففتحح عينيحه ،فإذا بحه على دار أمحه ،فدخحل عليهحا ،ولم يعلمهحا بشيحء
ممححا جرى ،وأقام عندهححا نصححف شهححر ،وأظححن أن بلده مدينححة أسححفي .ثححم خرج إلى
الجبانة ،فوجد الفقير صاحبه ،فقال له :كيف أنت ? فقال :يا سيدي ،إني اشتقت إلى
رؤيحة الشيحخ نجحم الديحن؛ وكنحت خرجحت على عادتحي ،وغبحت عنحه هذه اليام ،وأححب
أن تردنححي إليححه .فقال له :نعححم ،وواعده الجبانححة ليلً .فلمححا وافاه بهححا ،أمره أن يفعححل
كفعله في مكة شرفها ال ،من تغميض عينيه والمساك بذيله ففعل ذلك ،فإذا به في
مكحة شرفهحا ال .وأوصحاه أن ل يحدث نجحم الديحن بشيحء ممحا جرى ،ول يحدث بحه
غيره فلمحا دخحل على نجحم الديحن ،قال له :أيحن كنحت يحا حسحن فحي غيبتحك ? فأبحى أن
يخححبره .فعزم عليححه ،فأخححبره بالحكايححة .فقال :أرنححي الرجححل ،فأتححي معححه ليلً ،وأتححى
الرجحل على عادتحه .فلمحا محر بهمحا قال له :يحا سحيدي هحو هذا .فسحمعه الرجحل فضربحه
بيده على فمححه وقال اسححكت اسححكتك ال .فخرس لسححانه ،وذهححب عقله ،وبقححي بالحرم
مولهاً يطوف بالليحححل والنهار مححن غيححر وضوء ول صحححلة ،والناس يتحححبركون بححه
ويكسحونه ،وإذا جاع خرج إلى السحوق التحي بيحن الصحفا والمروة ،فيقصحد حانوتاً محن
الحوانيت ،فيأكل منها ما أحب ،ل يصده أحد ول يمنعه بل يسر كل من أكل له شيئاً،
وتظهر له البركة والنماء في بيعه وربحه .ومتى أتى السوق تطاول أهلها بأعناقهم
إليه ،كل منهم يحرص على أن يأكل من عنده ،لما جربوه من بركته .كذلك فعله مع
السحقائين ،متحى أححب أن يشرب .ولم يزل دأبحه كذلك إلى سحنة ثمانٍح وعشريحن ،فححج
فيهحا الميحر سحيف الديحن يلملك ،فاسحتصحبه معحه إلى ديار مصحر ،فانقطحع خحبره نفحع
فمن عاداتهم أن يصلي أول الئمة إمام الشافعية ،وهو المقدم من قبل أولي المر.
وصحلته خلف المقام الكريحم ،مقام إبراهيحم الخليحل عليحه السحلم فحي حطيحم له هنالك
بديحع .وجمهور الناس بمكحة على مذهبحه .والحطيحم خشبتان موصحول محا بينهحا بأذرع
شبححه السححلم ،تقابلهمححا خشبتان على صححفتهما ،وقححد عقدت على أرجححل مجصححصة،
وعرض على أعلى الخشححب خشبححة أخرى فيهححا خطاطيححف حديححد يعلق فيهححا قناديححل
زجاج .فإذا صحلى المام الشافعحي صحلى بعده إمام المالكيحة فحي محراب قبالة الركحن
اليمانحي ،ويصحلي إمام الحنبليحة معحه فحي وقحت واححد مقابلً محا بيحن الحجحر السحود
والركحن اليمانحي ،ثحم يصحلي إمام الحنفيحة قبال الميزاب المكرم تححت حطيحم له هنالك،
ويوضع بين يدي الئمة في محاربيهم الشمع .وترتيبهم هكذا في الصلوات الربع،
وأما صلة المغرب فإنهم يصلونها في وقت واحد ،كل إمام يصلي بطائفته ،ويدخل
على الناس من ذلك سهو تخليط ،فربما ركع المالكي بركوع الشافعي وسجد الحنفي
بسحجود الحنبلي .وتراهحم مصحيخين كحل واححد إلى صحوت المؤذن الذي يسحمع طائفتحه
وعادتهم في يوم الجمعة أن يلصق المنبر المبارك إلى صفح الكعبة الشريفة ،فيما
بيحن الحجحر السحود والركحن العراقحي ،ويكون الخطيحب مسحتقبلً المقام الكريحم .فإذا
خرج الخطيب ،أقبل لبساً ثوب سواد ،معتماً بعمامة سوداء ،وعليه طيلسان أسود.
كحل ذلك محن كسحوة الملك الناصحر .وعليحه الوقار والسحكينة ،وهحو يتهادى بيحن رايتيحن
سحوداوين ،يمسحكهما رجلن محن المؤذنيحن ،وبيحن يديحه أححد القومحه ،فحي يده الفرقعحة،
وهحي عود فحي طرفحه جلد رقيحق مفتول ،ينفضحه فحي الهواء فيسحمع له صحوت عال
يسحمعه محن بداخحل الحرم وخارجحه ،فيكون إعلماً بخروج الخطيحب .ول يزال كذلك
إلى أن يقرب مححن المنححبر فيقبححل الحجححر السححود ويدعححو عنده ،ثححم يقصححد المنححبر،
والمؤذن الزمزمي ،وهو رئيس المؤذنين بين يديه ،لبسًا السواد وعلى عاتقه السيف
ممسحكاً له بيده ،وتركحز الرايتان عحن جانحبي المنحبر .فإذا صحعد أول درج محن درج
المنححبر قلده المؤذن السححيف ،فيضرب بنصححل السححيف ضربححة فححي الدرج يسححمع بهححا
الحاضرين ،ثم يضرب في الدرج الثاني ضربة ،ثم في الثالث أخرى.فإذا استوى في
عليحا الدرجات ضرب ضربحة رابعحة ،ووقحف داعياً بدعاء خفحي ،مسحتقبل الكعبحة .ثحم
يقبححل على الناس فيسححلم عححن يمينححه وشماله ،ويرد عليححه الناس ،ثححم يقعححد .ويؤذن
المؤذنون في أعلى قبة زمزم في حين واحد .فإذا فرغ الذان ،خطب الخطيب خطبة
يكثر بها من الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم ،ويقول في أثنائها :اللهم صل
على محمحد وعلى آل محمحد محا طاف بهذا البيحت طائف ،ويشيحر بأصحبعه إلى البيحت
الكريحم :اللهحم صحل على محمحد وآل محمحد محا وقحف بعرفحة واقحف .ويترضحى عحن
الخلفاء الربعحة وعحن سحائر الصححابة وعحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وسحبطيه
وأمهما وخديجة جدتهما ،على جميعهم السلم .ثم يدعو للملك الناصر ،ثم للسلطان
المجاهد نور الدين علي ابن الملك المؤيد داود ابن الملك المظفر يوسف بن علي بن
رسول ،ثم للسيدين الشريفين الحسنيين أميري مكة .سيف الدين عطيفة ،وهو أصغر
الخوين ،ويقدم اسمه لعدله ،وأسد الدين رميثة ،ابني أبي نمي بن أبي سعيد بن علي
بححن قتادة .وقححد دعححا لسححلطان العراق مرة ،ثححم قطححع ذلك .فلمححا فرغ مححن خطبتححه
وانصرف ،والرايتان عن يمينه وشماله والفرقعة أمامه إشعاراً بانقضاء الصلة ،ثم
وعادتهحم فحي ذلك أن يأتحي أميحر مكحة فحي أول يوم محن الشهحر ،وقواده يحفون بحه،
وهححو لبححس البياض معتححم متقلد سححيفاً وعليححه السححكينة والوقار ،فيصححلي عنححد المقام
الكبير ركعتين ،ثم يقبل الحجر ،ويسرع في طواف اسبوع .ورئيس المؤذنين على
أعلى قبحة زمزم .فعنحد محا يكمحل الميحر شوطًا واحداً .ويقصحد الحجحر لتقحبيله ،يندفحع
رئيححس المؤذنيححن بالدعاء له ،والتهنئة بدخول الشهححر ،رافعًا بذلك صححوته ،ثححم يذكححر
شعراً في مدحه ومدح سلفه الكريم .ويفعل به هكذا في السبعة أشواط .فإذا فرغ منها
ركحع عنحد الملتزم ركعتيحن ،ثحم ركحع خلف المقام أيضاً ركعتيحن ،ثحم انصحرف .ومثحل
هذا سواء يفعل إذا أراد سفراً وإذا قدم من سفر أيضاً.
ذكر عادتهم في شهر رجب
وإذا هححل هلل رجححب أمححر أميححر مكححة بضرب الطبول والبوقات اشعاراً بدخول
الشهححر ،ثححم يخرج فححي أول يوم منححه راكباً .ومعححه أهححل مكححة فرسححاناً ورجالً ،على
ترتيحب عجيحب ،وكلهحم بالسحلحة ،يلعبون بيحن يديحه ،والفرسحان يجولون ويجرون،
والرجال يتواثبون ويرمون بحرابهحم إلى الهواء ،ويلقفونهحا ،والميحر رميثحة والميحر
عطيفة معهما أولدهما وقوادهما مثل محمد بن إبراهيم ،وعلي وأحمد ابني صبيح،
وعلي بححن يوسححف وشداد بححن عمححر وعامححر الشرق ومنصححور بححن عمححر وموسححى
المزرق ،وغيرهحححم محححن كبار أولد الحسحححن ووجوه القواد .وبيحححن أيديهحححم الرايات
والطبول والدبادب ،وعليهم السكينة والوقار .ويسيرون حتى ينتهوا إلى الميقات ،ثم
يأخذون فحححي الرجوع على معهود ترتيبهحححم إلى المسحححجد الحرام ،فيطوف الميحححر
بالبيت ،والمؤذن الزمزمي بأعلى قبة زمزم يدعو له عند كل شوط ،على ما ذكرناه
محن عادتحه ،فإذا طاف صحلى ركعتيحن عنحد الملتزم ،وصحلى عنحد المقام وتمسحح بحه،
وخرج إلى المسعى فسعى راكباً والقواد يحفون به ،والحرابة بين يديه ،ثم يسير إلى
منزله .وهذا اليوم عندهحم عيحد محن العياد يلبسحون فيحه أحسحن الثياب ويتنافسحون فحي
ذلك.
وأهحل مكحة يحتفلون لعمرة رجحب الحتفال الذي ل يعهحد مثله ،وهحي متصحلة ليلً
نهاراً .وأوقات الشهحر كله معمورة بالعبادة ،وخصحوصاً أول يوم منححه ،ويوم خمسححة
عشر ،والسابع والعشرين .فإنهم يستعدون لها قبل ذلك بأيام .شاهدتهم في ليلة السابع
والعشريححن منححه ،وشوارع مكححة قححد غصححت بالهوادج عليهححا كسححاء الحريححر والكتان
الرفيع ،كل واحد يفعل بقدر استطاعته ،والجمال مزينة مقلدة بقلئد الحرير ،وأستار
الهوادج ضافيحة تكاد تمحس الرض فهحي كالقباب المضروبحة .ويخرجون إلى ميقات
التنعيحم فتسحيل أباطحح مكحة بتلك الهوادج ،والنيران مشعلة بجنبتحي الطريحق ،والشمحع
والمشاعححل أمام الهوادج ،والجبال تجيححب بصححداها إهلل المهلليححن ،فترق النفوس،
وتنهمحل الدموع ،فإذا قضوا العمرة ،وطافوا بالبيحت ،خرجوا إلى السحعي بيحن الصحفا
والمروة بعحححد مضحححي شيحححء محححن الليحححل ،والمسحححعى متقحححد السحححرج غاص بالناس،
والسحاعيات على هوادجهحن ،والمسحجد الحرام يتلل نوراً .وهحم يسحمون هذه العمرة
بالعمرة الكميحة ،لنهحم يحرمون بهحا محن أكمحة مسحجد عائشحة رضحي ال عنهحا بمقدار
غلوة ،على مقربحة من المسحجد المنسحوب إلى علي رضحي ال عنحه .والصحل فحي هذه
العمرة أن عبحد ال بحن الزبيحر رضحي ال عنهمحا لمحا فرغ محن بناء الكعبحة المقدسحة
خرج ماشياً حافياً معتمراً ،ومعححه أهححل مكححة وذلك فححي اليوم السححابع والعشريححن مححن
رجححب ،وانتهححى إلى الكمححة فأحرم منهححا ،وجعححل طريقححه على ثنيححة الحجون إلى
المعلى ،محن حيحث دخحل المسحلمون يوم الفتحح .فبقيحت تلك العمرة سحنة عنحد أهحل مكحة
إلى هذا العهد ،وكان عهد عبد ال مذكوراً أهدى فيه بدناً كبيرة ،وأهدى أشراف مكة
وأهححل السححتطاعة منهححم .وأقاموا أياماً يطعمون ويطعمون شكراً ل على مححا وهبهححم
محن التيسحير والمعونحة فحي بناء بيتحه الكريحم ،على الصحفة التحي كانحت عليهحا فحي أيام
الخليحل صحلوات ال عليحه .ثحم لمحا قتحل ابحن الزبيحر نقحض الحجاج الكعبحة ،وردهحا إلى
بنائهحا فحي عهحد قريحش وكانوا قحد اقتصحروا فحي بنائهحا ،وأبقاهحا رسحول ال صحلى ال
عليه وسلم على ذلك ،لحدثان عهدهم بالكفر .ثم أراد الخليفة أبو جعفر المنصور أن
يعيدها إلى بناء ابن الزبير ،فنهاه مالك رحمه ال عن ذلك ،وقال :يا أمير المؤمنين،
ل تجعحل البيحت ملعبحة للملوك ،متحى أراد أحدهحم أن يغيحر فعحل .فتركحه على حاله سحداً
للذريعحة وأهحل البلد المواليحة لمكحة ،مثحل بجيله وزهران وغامحد ،يبادرون لحضور
عمرة رجحب ويجلبون إلى مكحة الحبوب والسحمن والعسحل والزبيحب والزيحت واللوز،
فترخحص السحعار بمكحة ويرغحد عيحش أهلهحا وتعمحم المرافحق ،ولول أهحل هذه البلد
لكان أهل مكة في شظف من العيش .ويذكر أنهم متى أقاموا ببلدهم ،ولم يأتوا بهذه
الميرة أجدبحت بلدهحم ووقحع الموت فحي مواشيهحم .ومتحى أوصحلوا الميرة أخصحبت
بلدهم وظهرت فيها البركة ونمت أموالهم .فهم إذا حان وقت ميرتهم وأدركهم كسل
عنهحا ،اجتمعحت نسحاؤهم فأخرجنهحم .وهذا محن لطائف صحنع ال تعالى وعنايتحه ببلده
المين وبلد السرو التي يسكنها بجيله وزهران وغامد وسواهم من القبائل مخصبة
كثيرة العناب وافرة الغلت ،وأهلها فصحاء اللسن ،لهم صدق نية وحسن اعتقاد.
وهم إذا طافوا بالكعبة يتطارحون عليها ،لئذين بجوارها ،متعلقين بأستارها ،داعين
بأدعيحة يتصحدع لرقتهحا القلوب :وتدمحع العيون الجامدة ،فترى الناس حولهحم باسحطي
أيديهم مؤمنين على أدعيتهم .ول يتمكن لغيرهم الطواف معهم ،ول استلم الحجر،
لتزاحمهححم على ذلك .وهححم شجعان أنجاد ،ولباسححهم الجلود .وإذا وردوا مكححة هابححت
اعراب الطريححق مقدمهححم ،وتجنبوا اعتراضهححم ،ومححن صحححبهم مححن الزوار حمححد
صححبتهم .وذكحر أن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ذكرهحم ،وأثنحى عليهحم خيراً وقال:
علموهحم الصححلة يعلموكحم الدعاء .وكفاهحم شرفًا دخولهححم فححي عموم قوله صححلى ال
عليه وسلم " اليمان يمان والحكمة يمانية " .وذكر أن عبد ال بن عمر رضي ال
عنهما كان يتحرى وقت طوافهم ويدخل في جملتهم تبركاً بدعائهم .وشأنهم عجيب
كله ،وقد جاء في أثر :زاحموهم في الطواف ،فإن الرحمة تنصبّ عليهم صبّا.
وهذه الليلة محن الليالي المعظمحة عنحد أهحل مكحة ،يبادرون فيهحا إلى أعمال البر محن
جماعححة ،لكححل جماعححة إمام .ويوقدون السححرج والمصححابيح والمشاعححل .ويقابححل ذلك
ضوء القمححر فتتلل الرض والسححماء نوراً ويصححلون مائة ركعححة ،يقرأون فححي كححل
ركعححة بأم القرآن وسححورة الخلص ،يكررونهححا عشراً وبعححض الناس يصححلون فححي
وإذا أهحل هلل رمضان تضرب الطبول والدبادب عنحد أميحر مكحة .ويقحع الحتفال
بالمسحجد الحرام ،محن تجديحد الحصحر ،وتكثيحر الشمحع والمشاعحل ،حتحى يتلل الحرم
نوراً ،ويسطع بهجحة وإشراقاً .وتتفرق الئمة فرقاً .وهم الشافعية والحنبليحة والحنفيحة
والزيدية ،وأما المالكية فيجتمعون على أربعة من القراء ،يتناوبون القراءة ويوقدون
الشمحع ول تبقحى فحي الحرم زاويحة ول ناحيحة إل وفيهحا قارئ يصحلي بجماعحة ،فيرتحج
المسجد لصوات القراء ،وترق النفوس وتحضر القلوب وتهمل العين .ومن الناس
مححن يقتصححر على الطواف والصححلة فححي الحجححر منفرداً .والشافعيححة أكثححر الئمححة
اجتهاداً ،وعاداتهحم أنهحم إذا أكملوا التراويحح المعتادة ،وهحي عشرون ركعحة ،يطوف
إمامهم وجماعته .فإذا فرغ من السبوع ضربت الفرقعة التي ذكرنا أنها تكون بين
يدي الخطيحب يوم الجمعحة ،كان ذلك إعلماً بالعودة إلى الصحلة .ثحم يصحلي ركعتيحن،
ثم يطوف أسبوعاً هكذا إلى أن يتم عشرين ركعة أخرى .ثم يصلون الشفع والوتر،
وينصححرفون .وسححائر الئمححة ل يزيدون على العادة شيئاً .وإذا كان وقححت السحححور
يتولى المؤذن الزمزمحي التسححير فحي الصحومعة التحي بالركحن الشرقحي محن الحرم،
فيقوم داعياً ومذكراً ومحرضاً على السحور ،وهكذا يفعلون في سائر الصوامع .فإذا
تكلم أححد منهحم أجابحه صحاحبه ،وقحد نصحبت فحي أعلى كحل صحومعة خشبحة على رأسحها
عود معترض ،قد علق فيه قنديلن من الزجاج كبيران يوقدان ،فإذا قرب الفجر وقع
اليذان بالقطححححع مرة بعححححد مرة ،وحححححط القنديلن ،وابتدأ المؤذنون بالذان .وأجاب
بعضهححم بعضاً .ولديار مكححة شرفهححا ال سححطوح .فمححن بعدت داره بحيححث ل يسححمع
الذان يبصر القنديلين المذكورين فيتسحر .حتى إذا لم يبصرها أقلع عن الكل .وفي
ليلة وتححر مححن ليالي العشححر الواخححر مححن رمضان يختمون القرآن ويحضححر الختححم
القاضحي والفقهاء والكحبراء .ويكون الذي يختحم بهحا أححد أبناء كحبراء أهحل مكحة .فإذا
ختحم ،نصحب له منحبر مزيحن بالحريحر ،وأوقحد الشمحع ،وخطحب .فإذا فرغ محن خطبتحه
اسحححححتدعى أبوه الناس إلى منزله فأطعمهحححححم الطعمحححححة الكثيرة والحلوات وكذلك
يصحنعون فحي جميحع ليالي الوتحر .واعظحم محن تلك الليالي عندهحم ليلة سحبع وعشريحن.
واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي .ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام
الكريحم .وتقام إزاء حطيحم الشافعيحة خشحب عظام ،توصحل بالحطيحم ،وتعرض بينهحا
ألواح طوال ،وتجعححل ثلث طبقات ،وعليهححا الشمححع وقنديححل الزجاج ،فيكاد يغشححى
البصححار شعاع النوار ،ويتقدم المام ،فيصححلي فريضححة العشاء الخرة ،ثححم يبتدئ
قراءة سحورة القدر .وإليهحا يكون انتهاء قراءة الئمحة فحي الليلة التحي قبلهحا وفحي تلك
السححاعة يمسححك جميححع الئمححة عححن التراويححح تعظيماً لختمححة المقام ،ويحضرونهححا
متحبركين ،فيختحم المام فحي تسحليمتين ،ثحم يقوم خطيباً مسحتقبل المقام ،فإذا فرغ محن
ذلك عاد الئمة إلى صلتهم ،وانفض الجميع .ثم يكون الختم ليلة تسع وعشرين في
المقام المالكي في منظر مختصر وعن المباهاة منزه موقر فيختم ويخطب.
وعادتهحم فحي شوال ،وهحو مفتتحح أشهحر الححج المعلومات ،أن يوقدوا المشاعحل ليلة
استهلله ،ويسرجون المصابيح والشمع ،على نحو فعلهم في ليلة سبع وعشرين من
رمضان .وتوقحد السحرج فحي الصحوامع محن جميحع جهاتهحا ،ويوقحد سحطح الحرم كله
وسطح المسجد الذي بأعلى أبي قبيس ،ويقيم المؤذنون ليلتهم تلك في تهليل وتكبير
وتسبيح ،والناس ما بين طواف وصلة وذكر ودعاء فإذا صلوا صلة الصبح أخذوا
فحي أهبحة العيحد ،ولبسحوا أحسحن ثيابهحم ،وبادروا لخحذ مجالسحهم بالحرم الشريحف ،بحه
يصحلون صحلة العيحد ،لنحه ل موضحع أفضحل منحه .ويكون أول محن يبكحر إلى المسحجد
الشيحبيون فيفتحون باب الكعبحة المقدسحة ،ويقعحد كحبيرهم فحي عتبتهحا ،وسحائرهم بيحن
يديحه ،إلى أن يأتحي أميحر مكحة فيتلقونحه ،ويطوف بالبيحت أسحبوعاً ،والمؤذن الزمزمحي
فوق سحطح قبحة زمزم على العادة ،رافعاً صحوته بالثناء عليحه والدعاء له ولخيحه كمحا
ذكر ،ثم يأتي الخطيب بين الرايتين السوداوين ،والفرقعة أمامه ،وهو لبس السواد،
فيصلي خلف المقام الكريم ،ثم يصعد المنبر ويخطب خطبة بليغة .ثم إذا فرغ منها
أقبحل الناس بعضهحم على بعحض بالسحلم والمصحافحة والسحتغفار ،ويقصحدون الكعبحة
الشريفحة فيدخلونهحا أفواجاً ،ثحم يخرجون إلى مقحبرة باب المعلى ،تحبركاً بمحن فيهحا محن
وفحي اليوم السحابع والعشريحن محن شهحر ذي القعدة تشمحر أسحتار الكعبحة ،زادهحا ال
تعظيماً ،إلى نححو ارتفاع قامحة ونصحف محن جهاتهحا الربحع صحوناً لهحا محن اليدي أن
تنتهبهححا .ويسححمون ذلك إحرام الكعبححة وهححو يوم مشهود بالحرم الشريححف .ول تفتححح
وإذا كان فحححي أول يوم شهحححر ذي الحجحححة ،تضرب الطبول والدبادب فحححي أوقات
الصلوات بكرة وعشية ،إشعارها بالموسم المبارك .ول تزال كذلك إلى يوم الصعود
إلى عرفات .فإذا كان اليوم السحابع محن ذي الحجحة خطحب الخطيحب إثحر صحلة الظهحر
خطبحة بليغحة ،يعلم الناس فيهحا مناسحكهم ،ويعلمهحم بيوم الوقفحة ،فإذا كان اليوم الثانحي
بكر الناس بالصعود إلى منى .وأمراء مصر والشام والعراق وأهل العلم يبتيون تلك
الليلة بمنى وتقع المباهاة والمفاخرة بين أهل مصر والشام والعراق في إيقاد الشمع.
ولكحن الفضحل فحي ذلك لهحل الشام دائماً .فإذا كان اليوم التاسحع رحلوا محن منحى بعحد
صححلة الصححبح إلى عرفححة .فيمرون فححي طريقهححم بوادي محسححر ،ويهرولون ،وذلك
سنة .ووادي محسر هو الحد ما بين مزدلفة ومنى ،ومزدلفة بسيط من الرض فسيح
بيحن جبليحن ،وحولهحا مصحانع وصحهاريج للماء ،ممحا بنتحه زبيدة ابنحة جعفحر بحن أبحي
جعفحر المنصحور زوجحة أميحر المؤمنيحن هارون الرشيحد .وبيحن منحى وعرفحة خمسحة
أميال ،وكذلك بيحن منحى ومكحة أيضاً خمسحة أميال .ولعرفحة ثلثحة أسحماء وهحي ،عرفحة
وجمححع والمشعحر الحرام ،وعرفات بسححيط محن الرض فسحيح أفيحح ،تحدق بحه جبال
كثيرة .وفحي آخحر بسحيط عرفات جبحل الرحمحة ،وفيحه الموقحف ،وفيمحا حوله ،والعلمان
قبله بنحو ميل ،وهما الحد ما بين الحل والحرم .وبمقربة منهما مما يلي عرفة بطن
عرنحة الذي أمحر النحبي صحلى ال عليحه وسحلم بالرتفاع عنحه ،ويجحب التحفحظ منحه،
ويجحب أيضاً المسحاك عحن النفور حتحى يتمكحن سحقوط الشمحس .فإن الجماليحن ربمحا
اسحتحثوا كثيراً محن الناس ،وحذروهحم الزحام فحي النفحر ،واسحتدرجوهم إلى أن يصحلوا
بهحم بطحن عرنحة ،فيبطحل حجهحم .وجبحل الرحمحة الذي ذكرناه قائم وسحط بسحيط جمحع
منقطع عن الجبال ،وهو من حجارة منقطع بعضها عن بعض .وفي أعله قبة تنسب
إلى أم سححلمة رضححي ال عنهمححا ،وفححي وسححطها مسححجد يتزاحححم الناس للصححلة فيححه،
وحوله سححطح فسححيح يشرف على بسححيط عرفات ،وفححي قبليححه جدار فيححه محاريححب
منصحوبة يصحلي فيحه الناس ،وفحي أسحٍفل هذا الجبحل عحن يسحار المسحتقبل للكعبحة دار
عتيقحة البناء تنسحب إلى آدم عليحه السحلم ،وعحن يسحارها الصحخرات التحي كان موقفحف
النبي صلى ال عليه وسلم عندها ،وحول ذلك صهاريج وجبات للماء ،وبمقربة منه
الموضحع الذي يقحف فحي المام ويخطحب ويجمحع بيحن الظهحر والعصحر ،وعحن يسحار
العلميححن للمسححتقبل أيضاً وادي الراك وبححه أراك اخضححر يمتححد فححي الرض امتداداً
طويلً ،وإذا حان وقت النفر أشار المام المالكي بيده ،ونزل عن موقفه ،فدفع الناس
بالنفححر دفعححة ترتححج لهححا الرض ،وترجححف الجبال .فياله موقفاً كريماً ومشهداً عظيماً
ترجححو النفوس حسححن عقباه ،وتطمححح المال إلى نفحات رحماه ،وجعلنححا ال ممححن
خصحه فيحه برضاه .وكانحت وقفتحي الولى يوم الخميحس سحنة سحت وعشريحن ،وأميحر
الركحب المصحري يومئذ أرغون الدوادار نائب الملك الناصحر .وحجحت فحي تلك السحنة
ابنحة الملك الناصحر وهحي زوجحة أبحي بكحر ابحن أرغون المذكور.وحجحت فيهحا زوجحة
الملك الناصحر والمسحماة بالخونده ،وهحي بنحت السحلطان المعظحم محمحد أوزبحك ملك
السحرا وخوارزم ،وأميحر الركحب الشامحي سحيف الديحن الجوبان .ولمحا وقحع النفحر بعحد
غروب الشمحس ،وصحلنا مزدلفحة عنحد العشاء الخرة ،فصحلينا بهحا المغرب والعشاء
جمعاً بينهمحا حسحبما جرت سنة رسحول ال صحلى ال عليه وسحلم .ولما صلينا الصحبح
بمزدلفحة غدونحا منهحا إلى منحى بعحد الوقوف والدعاء بالمشعحر الحرام .ومزدلفحة كلهحا
موقف إل وادي محسر ،ففيه تقع الهرولة حتى يخرج عنه .ومن مزدلفة يستصحب
أكثر الناس حصيات الجمار ،وذلك مستحب .ومنهم من يلقطها حول مسجد الخيف.
والمحر فحي ذلك واسحع .ولمحا انتهحى الناس إلى منحى بادروا لرمحي جمرة العقبحة ،ثحم
نحروا وذبحوا ،ثححم حلقوا وحلوا مححن كححل شيححء إل النسححاء والطيححب حتححى يطوفوا
طواف الفاضحة ورمحي هذه الجمرة عنحد طلوع الشمحس محن يوم النححر .لمحا رموهحا
توجححه أكثححر الناس بعححد أن ذبحوا وحلقوا إلى طواف الفاضححة .ومنهححم مححن أقام إلى
اليوم الثانحي .وفحي اليوم الثانحي رمحى الناس عنحد زوال الشمحس بالجمرة الولى سحبع
حصحيات ،وبالوسحطى كذلك ،ووقفوا للدعاء بهاتين الجمرتين اقتداء بفعحل رسحول ال
صحلى ال عليحه وسحلم .ولمحا كان اليوم الثالث تعجحل الناس النحدار إلى مكحة شرفهحا
ال ،بعحد أن كمحل لهحم رمحي تسحع وأربعيحن حصحاة .وكثيحر منهحم أقام اليوم الثالث بعحد
وفححي يوم النحححر بعثححت كسححوة الكعبححة الشريفححة مححن الركححب المصححري إلى البيححت
الكريم ،فوضعت في سطحه ،فلما كان اليوم الثالث بعد يوم النحر أخذ الشيبيون في
إسحبالها على الكعبحة الشريفحة .وهحي كسحوة سحوداء حالكحة محن الحريحر مبطنحة بالكتان
وفححي أعلهححا طراز مكتوب فيححه بالبياض " جعححل ال الكعبححة البيححت الحرام قياماً "
اليحة .وفحي سحائر جهاتهحا طراز مكتوب بالبياض فيهحا آيات محن القرآن ،وعليهحا نور
لئح مشرق محن سحوادها .ولمحا كيسحت شمرت أذيالهحا صحوناً محن أيدي الناس .والملك
الناصحر هحو الذي يتولى كسحوة الكعبحة الكريمحة ،ويبعحث مرتبات القاضحي والخطيحب
والئمحة والمؤذنيحن والفراشيحن والقومحة ،ومحا يحتاج له الحرم الشريحف محن الشمحع
والزيحت فحي كحل سحنة .وفحي هذه اليام تفتحح الكعبحة الشريفحة فحي كحل يوم للعراقييحن
والخراسحانين وسحواهم ممحن يصحل محع الركحب العراقحي ،وهحم يقيمون بمكحة بعحد سحفر
الركحبين الشامحي والمصحري أربعحة أيام ،فيكثرون فيهحا الصحدقات على المجاوريحن
وغيرهم .ولقد شاهدتهم يطوفون بالحرم ليلً ،فمن لقوه في الحرم من المجاورين أو
المكييحن أعطوه الفضحة والثياب ،وكذلك يعطون للمشاهديحن الكعبحة الشريفحة ،وربمحا
وجدوا إنسحاناً نائمًا فجعلوا فحي فيحه الذهحب والفضحة حتحى يفيحق .ولمحا قدمحت معهحم محن
العراق سنة ثمان وعشرين فعلوا من ذلك كثيراً ،وأكثروا الصدقة حتى رخص سوم
الذهب بمكة ،وانتهى صرف المثقال إلى ثمانية عشر درهماً نقرة ،لكثرة ما تصدقوا
به من الذهب .وفي هذه السنة ذكر اسم السلطان أبي السعيد ملك العراق على المنبر
وقبة زمزم.
وفححي الموفححي عشريححن لذي الحجححة خرجححت مححن مكححة صحححبة أميححر ركححب العراق
البهلوان محمحد الحويحح بحاءيحن مهمليحن ،وهحو محن أهحل الموصحل .وكان يلي إمارة
الحاج بعحد موت الشيحخ شهاب الديحن قلندر ،وكان شهاب الديحن سحخياً فاضلً عظيحم
الحرمة عند سلطانه ،يحلق لحيته وحاجبيه على طريقة القلندرية .ولما خرجت من
مكة شرفها ال تعالى في صحبة المير البهلوان المذكور اكترى لي شقة محارة إلى
بغداد ،ودفحع إجارتهحا محن ماله ،وأنزلنحي فحي جواره .وخرجنحا بعحد طواف الوداع إلى
بطحن محر ،فحي جمحع محن العراقييحن والخراسحانيين والفارسحيين والعاجحم ،ل يحصحى
عديدهم تموج بهم الرض موجاً ،ويسيرون سير السحاب المتراكم .فمن خرج عن
الركب لحاجة ،ولم تكن له علمة يستدل بها على موضعه ،ضل عنه لكثرة الناس.
وفي هذا الركب نواضح كثيرة لبناء السبيل يستقون منها الماء ،وجمال لرفع الراد
للصدقة ورفع الدوية والشربة والسكر لمن يصيبه مرض .وإذا نزل الركب طبخ
الطعام فحي قدور نحاس عظيمحة تسحمى الدسحوت ،وأطعحم منهحا أبناء السحبيل ومحن ل
زاد معه .وفي الركب جملة من الجمال يحمل عليها من ل قدرة له على المشي .كل
ذلك محن صحدقات السحلطان أبحي سحعيد ومكارمحه .قال ابحن جزي :كرم ال هذه الكنيحة
الشريفحة ،فمحا أعجحب أمرهحا فحي الكرم ،وحسحبك بمولنحا بححر المكارم ورافحع رايات
الجود الذي هحو آيحة الندى والفضحل أميحر المسحلمين أبحي سحعيد ابحن مولنحا قامحع الكفار
والخذ للسلم بالثار أمير المسلمين يوسف قدس ال أرواحهم الكريمة وأبقى الملك
وفي هذا الركب السواق الحافلة والمرافق العظيمة وأنواع الطعمة والفواكه وهم
يسحححيرون بالليحححل ويوقدون المشاعحححل أمام القطار والمحارات ،فترى الرض تلل
نوراً والليحل قحد عاد نهاراً سحاطعاً ثحم رحلنحا محن بطن محر إلى عسحفان ثحم إلى خليحص،
ثحم رحلنحا أربحع مراححل ،ونزلنا وادي السحمك ،ثحم رحلنا خمسحاً ،ونزلنا فحي بدر وهذه
المراححل ثنتان فحي اليوم :إحداهمحا بعحد الصحبح والخرى بالعشحي ،ثحم رحلنحا محن بدر
فنزلنحا الصححفراء ،وأقمنحا بهحا يوماً مسحتريحين ،ومنهحا إلى المدينحة الشريفححة مسحيرة
ثلث .ثحم رحلنحا فوصحلنا إلى طيبة مدينحة رسول ال صلى ال عليحه وسحلم ،وحصلت
لنا زيارة رسول ال صلى ال عليه وسلم ثانياً ،وأقمنا بالمدينة كرمها ال تعالى ستة
أيام ،واسحتصحبنا منهحا الماء لمسحيرة ثلث ،ورحلنحا عنهحا فنزلنحا فحي الثالثحة بوادي
العروس ،فتزودنحا منحه الماء محن حسحيات يحفرون عليهحا فحي الرض ،فينبطون ماء
عذباً معيناً ،ثم رحلنا من وادي العروس ودخلنا أرض نجد ،وهو بسيط من الرض
على محد البصحر ،فتنسحمنا نسحيمه الطيحب الرج ،ونزلنحا بعحد أربحع مراححل على ماء
يعرف بالعسحححيلة ثحححم رحلنحححا عنحححه ونزلنحححا ماء يعرف بالنقرة ،فيحححه آثار مصحححانع
كالصححهاريج العظيمححة ،ثححم رحلنححا إلى ماء يعرف بالقارورة ،وهححي مصححانع مملوءة
بماء المطر مما صنعته زبيدة ابنة جعفر رحمها ال ونفعها وهذا الموضع هو وسط
أرض نجحد فسحيح طيحب النسحيم صححيح الهواء نقحي التربحة معتدل فحي كحل فصحل ،ثحم
رحلنحا محن القاروروة ونزلنحا بالحاجحز ،وفيحه مصحانع للماء ،وربمحا جفحت فحفحر عحن
الماء فحي الجفار .ثحم رحلنحا ونزلنحا سحميرة ،وهحي أرض غائرة فحي بسحيط فيحه شبحه
حصن مسكون وماؤها كثير في آبار ،إل أنه زعاق ويأتي عرب تلك الرض بالغنم
والسحمن واللبحن فيحبيعون ذلك محن الحجاج بالثياب الخام ،ول يحبيعون بسحوى ذلك ثحم
رحلنحا ونزلنحا بالجبحل المخروق ،وهحو فحي بيداء محن الرض ،وفحي أعله ثقحب نافذة
تخرقحه الريحح ثحم رحلنحا منحه إلى وادي الكروش ول ماء بحه ثحم اسحرينا ليلً وصحبحنا
حصحن فيحد وهحو حصحن كحبير فحي بسحيط محن الرض يدور بحه سحور وعليحه ربحض،
وسحاكنوه عرب يتعيشون محع الحاج فحي البيحع والتجارة .وهنالك يترك الحجاج بعحض
أزوادهححم حيححن وصححولهم مححن العراق إلى مكححة شرفهححا ال تعالى ،فإذا عادوا وجدوه
وهو نصف الطريق من مكة إلى بغداد ،ومنه إلى الكوفة مسيرة اثني عشر يوماً في
طريحق سحهل بحه المياه فحي المصحانع ،ومحن عادة الركحب أن يدخلوا هذا الموضحع على
تعبئتحححه وأهبحححة للحرب ،ارهاباً للعرب االمجتمعيحححن هنالك ،وقطعاً لطناعهحححم عحححن
الركحححب وهنالك لقينحححا أميري العرب ،وهمحححا فياض وحيار واسحححمه " بكسحححر الحاء
واهماله وياء آخحر الحروف " ،وهمحا ابنحا الميحر مهنحا بحن عيسحى ،ومعهمحا محن خيحل
العرب ورجالهحم محن ل يحصحون كثرة فظهحر منهمحا المحافظحة على الحاج والرحال
والحوطحة لهحم ،وأتحى العرب بالجمال والغنحم وأشترى منهم الناس ما قدروا عليه ،ثم
رحلنحا ونهزلنحا الموضحع الجفحر ،ويشتهحر باسحم العاشقيحن :جميحل وبثينحة ثحم رحلنحا
ونزلنحا البيداء ،ثحم نزلنحا زرود ،وهحي بسحيط محن الرض فيحه رمال منهالة وبحه دور
صحغار ،قحد أدوارهحا شبحه الحصحن ،وهنالك آبار ماء ليسحت بالعذبحة ثحم رحلنحا ونزلنحا
الثعلبيحة ،ولهحا حصحن خرب بإزائه مصحنع هائل ينزل إليحه فحي درج ،وبحه محن ماء
ويجتمع من العرب بهذا الموضع جمع عظيم فيبيعون الجمال والغنم والسمن واللبن.
ومحن هذا الموضحع إلى الكوفحة ثلث مراححل ثحم رحلنحا فنزلنحا ببركحة المرجوم ،وهحو
مشهحد على الطريحق عليحه كوم عظيحم محن حجارة ،وكحل محن محر بحه رجمحه ويذكحر أن
هذا المرجوم كان رافضياً ،فسحافر محع الركحب يريحد الححج ،فوقعحت بينحه وبيحن أهحل
السحنة محن التراك مشاجرة ،فسحب بعحض الصححابة،فقتلوه بالحجارة .وبهذا الموضحع
بيوت كثيرة للعرب ،ويقصدون الركب بالسمن واللبن وسوى ذلك ،وبه مصنع كبير
يعم جميع الركب مما بنته زبيدة رحمة ال عليها ،وكل مصنع أو بركة أو بئر بهذا
الطريحق التحي بيحن مكحة وبغداد ،فهحي محن كريحم آثارهحا جزاهحا ال خيراً ،ووفحى لهحا
أجرهحا .ولول عنايتهحا بهذا الطريحق محا سحلكها أححد ،ثحم رحلنحا ونزلنحا موضعاً يعرف
بالمشقوق ،فيه مصنعان بهما الماء العذب الصافي ،وأراق الناس ما كان عندهم من
الماء وتزودوا منهمحا .ثحم رحلنحا ونزلنحا موضعاً يعرف بالتنانيحر ،وفيحه مصحانع تمتلئ
بالماء ،ثم أسرينا منه واجتزنا ضحوة بزمالة ،وهي قرية معمورة بها قصر للعرب
ومصنعان للماء وآبار كثيرة ،وهي من مناهل هذا الطريق ثم رحلنا فنزلنا الهيثمين،
وفيحه مصحنعان للماء ثحم رحلنحا فنزلنحا دون العقبحة المعروفحة بعقبحة الشيطان ،وصحعدنا
العقبة في اليوم الثاني وليس بهذا الطريق وعر سواها ،على أنها ليست بصعبة ول
طائلة ،ثححم نزلنححا موضعاً يسححمى واقصححة فيححه قصححر كححبير ومصححانع للماء ،معمور
بالعرب ،وهو آخر مناهل هذا الطريق ،وليس فيما بعده إلى الكوفة منهل مشهور ال
مشارع ماء الفرات ،وبه يتلقى كثير من أهل الكوفة الحاج ،ويأتون بالدقيق والخبز
والتمححر والفواكححه ،ويهنححئ الناس بعضهححم بعضاً بالسححلمة ثححم نزلنححا موضعاً يعرف
بلورة ،فيه مصنع كبير للماء ثم نزلنا موضعاً يعرف بالمساجد ،فيه ثلث مصانع ثم
نزلنحححا موضعاً يعرف بمنارة القرون ،وهحححي منارة فحححي بيداء محححن الرض بائنحححة
الرتفاع مجللة بقرون الغزلن ول عمارة حولها ،ثم نزلنا موضعاً يعرف بالعذيب،
وهححححو واد مخصححححب عليححححه عمارة وحوله فل خصححححبة فيهححححا مسححححرح للبصححححر.
ثحم نزلنحا القادسحية حيحث كانحت الوقعحة الشهيرة على الفرس التحي أظهحر ال فيهحا ديحن
السححلم وأذل المجوس عبدة النار فلم تقححم لهححم بعدهححا قائمححة واسححتأصل ال شأفتهححم،
وكان أميحر المسحلمين يومئذ سحعد بحن أبحي وقاص رضحي ال عنحه .وكانحت القادسحية
مدينة عظيمة افتتحها سعد رضي ال عنه ،وخربت فلم يبق منها الن ال مقدار قرية
كبيرة ،وفيها حدائق النخل وبها مشارع من ماء الفرات ،ثم رحلنا منها فنزلنا مدينة
مشهحد علي بحن أبحي طالب رضحي ال عنحه بالنجحف ،وهحي مدينحة حسحنة فحي أرض
فسحيحة صحلبة محن أحسحن مدن العراق وأكثرهحا ناسحاً وأتقنهحا بناء ولهحا أسحواق حسحنة
نظيفحة دخلناهحا محن باب الحضرة ،فاسحتقبلنا سحوق البقاليحن والطباخيحن والخبازيحن ،ثحم
سحوق الفاكهحة ثحم سحوق الخياطيحن والقيسحارية ثحم سحوق العطاريحن ثحم الحضرة حيحث
القبر الذي يزعمون أنه قبر علي عليه السلم ،وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق
معمورة أحسن عمارة ،وحيطانها بالقاشاني وهو شبه الزليج عندنا لكن لونه أشرق
ونقشه أحسن.
ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة
ولكحل وارد عليهحا ضيافحة ثلثحة أيام محن الخبحز واللححم والتمحر مرتيحن فحي اليوم ومحن
تلك المدرسحة يدخحل إلى باب القبحة ،وعلى بابهحا الحجاب والنقباء والطواشيحة فعندمحا
يصححل الزائر يقوم إليححه أحدهححم أو جميعححم وذلك على قدر الزائر ،فيقفون معححه على
العتبححة ويسححتأذنون له ،ويقولون عححن أمركححم يححا أميححر المؤمنيححن هذا العبححد الضعيححف
ل لذلك
يسحتأذن على دخوله الروضحة العليحة ،فإن أذنتحم له وإل رجحع ،وإن لم يكحن أه ً
فأنتححم أهححل المكارم والسححتر ثححم يأمرونححه بتقبيححل العتبححة وهححي مححن الفضححة ،وكذلك
العضادتان ،ثحم يدخحل القبحة وهحي مفروشحة بأنواع البسحط محن الحريحر وسحواه ،وبهحا
قناديححل الذهححب والفضححة ،منهححا الكبار والصححغار ،وفححي وسححط القبححة مسححطبة مربعححة
مكسحوة بالخشحب ،عليحه صحفائح الذهحب المنقوشحة المحكمحة العمحل ،مسحمرة بمسحامير
الفضحة ،قحد غلبحت على الخشحب بحيحث ل يظهحر منحه شيحء ،وارتفاعهحا دون القامحة،
وفوقها ثلثة من القبور ،يزعمون أن أحدها قبر آدم عليه الصحلة والسلم ،والثاني
قبر نوح عليه الصلة والسلم ،والثالث قبر علي رضي ال تعالى عنه وبين القبور
طسحوت ذهحب وفضحة فيهحا ماء الورد والمسحك وأنواع الطيحب يغمحس الزائر يده فحي
ذلك ويدهحن بحه وجهحه تحبركاً .وللقبحة باب آخحر عتبتحه أيضاً محن الفضحة وعليحه سحتور
الحريحر الملون يفضحي إلى مسحجد مفروش بالبسحط الحسحان ،مسحتورة حيطانحه وسحقفه
بسحتور الحريحر ،وله أربعحة أبواب ،عتباتهحا فضحة وعليهحا سحتور الحريحر ،وأهحل هذه
المدينة كلهم رافضية .وهذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم أن بها قبر
علي رضحي ال عنحه فمنهحا أن فحي ليلة السحابع والعشريحن محن رجحب وتسحمى عندهحم
ليلة المحيحا ،يؤتحى إلى تلك الروضحة بكحل مقعحد محن العراقيحن وخراسحان وبلد فارس
والروم ،فيجتمححع منهححم الثلثون والربعون ونحححو ذلك .فإذ كان بعححد العشاء الخرة
جعلوا فوق الضريحح المقدس ،والناس ينظرون قيامهحم ،وهحم محا بيحن مصحل وذاكحر
وتالٍ ومشاهد للروضة فإذا مضى من الليل نصفه ،أو ثلثاه أو نحو ذلك ،قام الجميع
أصححاء محن غيحر سحوء ،وهحم يقولون :ل إله إل ال محمحد رسحول ال علي ولي ال
وهذا أمحر مسحتفيض عندهحم سحمعته محن الثقات .ولم أحضحر تلك الليلة لكنحي رأيحت
بمدرسحة الضياف ثلثحة محن الرجال :أحدهحم محن أرض الروم والثانحي محن أصحبهان
والثالث مححن خراسححان ،وهححم مقعدون ،فاسححتخبرهم عححن شأنهححم ،فأخححبروني أنهححم لم
يدركوا ليلة المحيححا ،وأنهححم منتظرون أوانهححا مححن عام آخححر .وهذه الليلة يجتمححع لهححا
الناس من البلد ،ويقيمون سوقاً عظيمة مدة عشرة أيام وليس بهذه المدينة مغرم ول
مكاس ول والٍ ،وإنمححا يحكححم عليهححم نقيححب الشراف وأهلهححا تجار يسححافرون فححي
القطار ،وهحم أهحل شجاعحة وكرم ول يضام جارهحم .صححبتهم فحي السحفار فحمدت
صحبتهم ،لكنهم غلوا في علي رضي ال عنه ،ومن الناس في بلد العراق وغيرها
محن يصحيبه المرض فينذر للروضحة نذراً إذا برئ ،ومنهحم محن يمرض رأسحه فيصحنع
رأساً من ذهب أو فضحة ويأتي به إلى الروضة ،فيجعله النقيب في الخزانة ،وكذلك
يضبط لكثرته.
ونقيحب الشراف مقدم محن ملك العراق ،ومكانحه عنده مكيحن ،ومنزلتحه رفيعحة ،وله
ترتيححب المراء الكبار فححي سححفره ،وله العلم والطبال ،وتضرب الطبلخانححة عنححد
بابحه مسحاء وصحباحاً ،وإليحه حكحم هذه المدينحة ،ول والي بهحا سحواه ،ول مغرم فيهحا
للسحلطان ول لغيره .وكان النقيحب فحي عهحد دخولي إليهحا نظام الديحن حسحين بحن تاج
الدين الوي ،نسبة إلى بلده آوة من عراق العجم ،أهلها رافضة ،وكان قبله جماعة،
يلي كحل واححد منهحم بعحد صحاحبه ،منهحم جلل الديحن بحن الفقيحه ومنهحم قوام الديحن بحن
طاوس ومنهححم ناصححر الديححن بححن مطهححر بححن الشريححف الصححالح شمححس الديححن محمححد
الوهري من عراق العجم ،وهو الن بأرض الهند من ندماء ملكها ،ومنهم أبو غرة
بححححححن سححححححالم بححححححن مهنححححححا بححححححن جماز بححححححن شيحححححححة الحسححححححيني المدنححححححي.
حكايححة كان الشريححف أبححو غرة قحححد غلب عليححه فححي أول أمره العبادة وتعلم العلم
واشتهحر بذلك ،وكان بالمدينحة الشريفحة كرمهحا ال فحي جوار ابحن عمحه منصحور بحن
جماز أميحر المدينحة ،ثحم إنحه خرج عحن المدينحة واسحتوطن العراق وسحكن منهحا بالحلة،
فمات النقيححب قوام الديححن بححن طاوس فانفححق أهححل العراق على توليححة أبححي غرة نقابححة
الشراف ،وكتبوا بذلك إلى السلطان أبي سعيد فأمضاه ونفذ له اليرليغ ،وهو الظهير
بذلك ،وبعحححث له الخلعحححة والعلم والطبول على عادة النقباء ببلد العراق ،فغلبحححت
عليحه الدنيحا ،وترك العبادة والزهحد ،وتصحرف فحي الموال تصحرفا قحبيحاً فرفحع أمره
إلى السحلطان ،فلمحا علم بذلك أعمحل السحفر ،مظهراً أنحه يريحد خراسحان ،قاصحداً زيارة
قحبر علي بحن موسحى الرضحا بطوس ،وكان قصحده الفرار .فلمحا زار علي ابحن موسحى
قدم هراة ،وهححي آخححر بلد خراسححان ،وأعلم أصحححابه أنححه يريححد بلد الهنححد ،فرجححع
أكثرهححم عنححه ،وتجاوز هححو أرض خراسححان ،إلى السححند فلمححا جاوز وادي السححند
المعروف ببنحج آب ضرب طبوله وأنفاره فراع ذلك أهحل القرى وظنوا أن التتحر أتوا
للغارة عليهحم ،وأجفلوا إلى المدينحة المسحماة بأوجحا ،وأعلموا أميرهحا بمحا سحمعوه،
فركحب فحي عسحاكره واسحتعد للحرب وبعحث الطليحع ،فرأوا نححو عشرة محن الفرسحان
وجماعححة مححن التجار والرجال ممححن صحححب الشريححف فححي طريقححه ،معهححم الطبال
والعلم ،فسحألوهم عحن شأنهحم ،فأخحبروهم أن الشريحف نقيحب العراق أتحى وافداً على
ملك الهنححد ،فرجححع الطليححع إلى الميححر وأخححبروه بكيفيححة الحال فاسححتضعف عقححل
الشريف لرفعة العلمات وضربه الطبول في غير بلده .ودخل الشريف مدينة أوجا
وأقام بهححححا مدة ،تضرب الطبال على باب داره غدوة وعشيححححة ،وكان مولعاً بذلك.
ويذكر أنه كان في أيام نقابته بالعراق تضرب الطبال على رأسه ،فإذا أمسك النقار
عن الضرب يقول له زد نقرة يا نقار حتى لقب بذلك :وكتب صاحب مدينة اوجا إلى
ملك الهنححد يخححبر الشريححف وضربححه الطبال بالطريححق وعلى باب داره غدوة وعشياً
ورفعححه العلم وعادة أهححل الهنححد أن ل يرفححع علماً ول يضرب طبلً إل مححن أعطاه
الملك ذلك ،ول يفعله ال في السفر ،وأما في حال القامة فل يضرب الطبل إل على
باب الملك خاصححة ،بخلف مصححر والشام والعراق فإن الطبول تضرب على أبواب
المراء ،فلما بلغ خبره ملك الهنحد كره فعله وأنكره وفعحل في نفسحه ،ثحم خرج الميحر
إلى حضرة الملك ،وكان الميححر كشلي خان ،والخان عندهححم أعظححم المراء ،وهححو
السحاكن بملتان ،كرسحي بلد السحند ،وهحو عظيحم القدر عنحد ملك الهنحد ،يدعحو بالعحم،
لنحه كان ممحن أعان أباه السحلطان غياث الديحن تغلق شاه على قتال السحلطان ناصحر
الديححن خسححرو شاه ،قححد قدم على حضرة ملك الهنحد ،فخرج الملك إلى لقائه فاتفححق أن
كان وصول الشريف في ذلك اليوم ،وكان الشريف قد سبق المير بأميال وهو على
حاله مححن ضرب الطبال ،فلم يرعححه إل السححلطان فححي موكبححه ،فتقدم الشريححف إلى
السحلطان فسحلم عليحه وسحأله السحلطان عحن حاله ومحا الذي جاء بحه فأخحبره ،ومضحى
السحلطان حتحى لقحي الميحر كشلي خان وعاد إلى حضرتحه ،ولم يلتفحت إلى الشريحف
وكان الملك عازماً على السححفر إلى مدينححة دولة أباد ،وتسححمى أيضاً بالكتكححة " بفتححح
الكافيحن والتاء المعلوة التحي بينهمحا " وتسحمى أيضاً بالدونجحر " دوكيحر " ،وهحي على
مسيرة أربعين يوماً من مدينة دهلي حاضرة الملك .فلما شرع الملك في السفر بعث
إلى الشريححف بخمسححمائة دينار دراهححم ،وصححرفها مححن ذهححب المغرب مائة وخمسححة
وعشرون ديناراً ،وقال لرسححوله اليححه :قححل له إن أراد الرجوع إلى بلده فهذا زاده،
وإن أراد السحفر معنحا فهحي نفقتحه فحي الطريحق ،وان أراد القامحة بالحضرة فهحي نفقتحه
حتحى نرجحع ،فاغتحم الشريف لذلك ،وكان قصحده أن يجزل له العطاء ،كمحا هحي عادته
محع أمثاله واختار السحفر صححبة السحلطان ،وتعلق بالوزيحر أحمحد بحن أياس المدعحو
بخواجحة جهان وبذلك سحماه الملك ،وبحه يدعوه هحو ،وبحه بدعوة سحائر الناس ،فإن محن
عادتهم أنه متى سمى الملك أحداً باسم مضاف إلى الملك من عماد أو ثقة أو قطب،
أو باسحم مضاف إلى الجهان محن صحدر وغيره ،فبذلك يخاطبحه الملك وجميحع الناس،
ومححن خاطبححه ،بسححوى ذلك لزمتححه العقوبححة فتأكدت المودة بيححن الوزيححر والشريححف،
فأحسحن إليحه ورفحع قدره ولطحف الملك حتحى حسحن فيحه رأيحه ،وأمحر له بقريتيحن محن
قرى دور أباد ،وأمره أن تكون إقامتحححه بهحححا وكان هذا الوزيحححر محححن أهحححل الفضحححل
والمروءة ومكارم الخلق والمحبححة فححي الغرباء ،والحسححان إليهححم وفعححل الخيححر
وإطعام الطعام وعمارة الزوايحا فأقام الشريحف يسحتغل القريتيحن ثمانيحة أعوام وحصحل
محن ذلك مال عظيماً ،ثحم أراد الخروج ،فلم يمكنحه ،فإنحه محن خدم السحلطان ل يمكنحه
الخروج إل بإذنحه وهحو مححب فحي الغرباء ،فقليلً محا يأذن لحدهحم فحي السحراح ،فأراد
الفرار محن طريحق السحاحل فرد منحه ،وقدم الحضرة ،ورغحب محن الوزيحر أن يحاول
قضية انصرافه ،فتلطف الوزير في ذلك حتى أذن له السلطان في الخروج عن بلد
الهنحد ،وأعطاه عشرة آلف دينار محن دراهمهحم ،وصحرفها محن ذهحب المغرب ألفان
وخمسحمائة دينار ،فأتحى بهحا فحي بدرة ،فجعلهحا تححت فراشحه ونام عليهحا ،لمحبتحه فحي
الدنانير وفرحه بها وخوفه أن يتصل لحد من أصحابه شيء منها ،فإنه كان بخيلً،
فأصحابه وجحع فحي جنبحه بسحبب رقاده عليهحا ولم يزل يتزايحد بحه وهحو آخحذ فحي حركحة
سحفره إلى ان توفحي بعحد عشريحن يوماً محن وصحول البدرة إليحه .أوصحى بذلك المال
للشريف حسن الجراني ،فتصدق بجملته على جماعة من الشيعة المقيمين بدهلي من
أهحححل الحجاز والعراق وأهحححل الهنحححد ،ل يورثون بيحححت المال ول يتعرضون لمال
الغرباء ول يسححألون عنححه ،ولو بلغ مححا عسححى أن يبلغ وكذلك السححودان ل يتعرضون
لمال البيحض ول يأخذونحه ،إنمحا يكون عنحد الكبار محن أصححابه حتحى يأتحي مسحتحقه.
وهذا الشريححف أبححو غرة له أخ اسححمه قاسححم ،سححكن غرناطححة مدة ،وبهححا تزوج بنححت
الشريف أبي عبد ال بن إبراهيم الشهير بالمكي ،ثم انتقل إلى جبل طارق فسكنه إلى
ان استشهد بوادي كرة من نظر الجزيرة الخضراء وكان بهمة من البهم ل يصطلي
بناره ،خرق المعتاد فححي الشجاعححة وله فيهححا أخبار شهيرة عنححد الناس ،وترك ولديححن
همحا فحي كفالة ربيبهمحا الشريحف الفاضحل أبحي عبحد ال محمحد بحن أبحي القاسحم بحن نفيحس
الحسححيني الكربلئي الشهيححر ببلد المغرب وبالعراق ،وكان تزوج أمهمححا بعححد موت
ولمحا تحصحلت لنحا زيارة أميحر المؤمنيحن علي عليحه السحلم سحافر الركحب إلى بغداد،
وسحافرت إلى البصحرة صححبة رفقحة كحبيرة محن عرب خفاجحة ،وهحم أهحل تلك البلد،
ولهحم شوكحة عظيمحة وبأس شديحد ،ول سحبيل للسحفر فحي تلك القطار ال فحي صححبتهم
فاكتريت جملً على يد أمير تلك القافلة شامر بن دراج الخفاجي وخرجنا من مشهد
علي عليححه السححلم ،فنزلنححا الخورنححق ،موضححع سححكنى النعمان بححن المنذر وآبائه مححن
ملوك بنحي ماء السحماء ،وبحه عمارة وبقايحا قباب ضخمحة فحي قضاء فسحيح على نهحر
يخرج محن الفرات ثحم رحلنحا عنحه فنزلنحا موضعاً يعرف بقائم الواثحق ،وبحه أثحر قريحة
خربة ومسجد خرب لم يبق منه إل صومعته ،ثم رحلنا عنه آخذين مع جانب الفرات
بالموضححع المعروف بالعذار ،وهححو غابححة قصححب فححي وسححط الماء يسححكنها أعراب
يعرفون بالمعادي ،وهحم قطاع الطريحق رافضيحة المذهحب ،خرجوا على جماعحة محن
الفقراء تأخروا عحن رفقتنحا ،فسحلبوهم حتحى النعال والكشاكحل .وهحم يتحصحنون بتلك
الغابحة ويمتنعون بهحا ممحن يريدهحم ،والسحباع بهحا كثيرة .ورحلنحا محع هذا الغدار ثلث
وهحي حسحنة القطار كثيرة البسحاتين والشجار ،بهحا أعلم يهدى الخيحر شاهدهحم،
وتهدي العتبار مشاهدهححم ،وأهلهححا مححن خيار أهححل العراق ،بححل هححم خيرهححم على
وإليهححم يأتححي أهححل بلد العراق برسححم تعلم ذلك .وكان فححي القافلة التححي وصححلنا فيهححا
جماعحة محن الناس أتوا برسحم تجويحد القرآن على محن بهحا محن الشيوخ ،وبهحا مدرسحة
عظيمة حافلة وفيها نحو ثلثمائة خلوة ينزلها الغرباء القادمون لتعلم القرآن .عمرها
الشيخ تقي الدين عبد المحسن الواسطي ،وهو من كبار أهلها وفقهائها .ويعطي لكل
متعلم بهحا كسحوة فحي السحنة ،ويجري له نفقتحه كحل يوم ،ويقعحد هحو وإخوانحه وأصححابه
لتعليم القرآن بالمدرسة ،وقد لقيته وأضافني وزودني تمراً ودراهم .ولما نزلنا مدينة
واسحط أقامحت القافلة ثلثاً بخارجهحا للتجارة .فسحنح لي زيارة قحبر الولي أبحي العباس
أحمد الرفاعي ،وهو بقرية تعرف بأم عبيدة ،على مسيرة يوم من واسط .فطلبت من
الشيخ تقي الدين أن يبعث معي من يوصلني إليها .فبعث معي ثلثة من عرب بني
أسححد ،وهححم قطان تلك الجهححة .وأركبنححي فرس حاً له ،وخرجححت ظهراً ،فبححت تلك الليلة
بحوش بنحي أسحد ،ووصحلنا فحي ظهحر اليوم الثانحي إلى الرواق ،وهحو رباط عظيحم فيحه
آلف محن الفقراء .وصحادفنا بحه قدوم الشيحخ أحمحد كوجحك حفيحد ولي ال أبحي العباس
الرفاعححي الذي قصححدنا زيارتححه .وقححد قدم مححن موضححع سححكناه مححن بلد الروم برسححم
زيارته قبر جده ،وإليه انتهت الشياخة بالرواق .ولما انقضت صلة العصر ضربت
الطبول والدفوف ،وأخذ الفقراء في الرقص ،ثم صلوا المغرب وقدموا السماط ،وهو
خبحز الرز والسحمك واللبحن والتمحر ،فأكحل الناس ،ثحم صحلوا العشاء الخرة ،وأخذوا
في الذكر ،والشيخ أحمد قاعد على سجادة جده المذكور ،ثم أخذوا في السماع ،وقد
أعدوا أحمالً محن الحطحب فأججوهحا ناراً ،ودخلوا فحي وسحطها يرقصحون ومنهحم محن
يتمرغ فيهحا ومنهحم محن يأكلهحا بفمحه حتحى أطفأهحا جميعاً وهذا دأبهحم .وهذه الطائفحة
الحمديحة مخصحوصون بهذا ،وفيهحم محن يأخحذ الحيحة العظيمحة فيعحض بأسحنانه على
حكاية
كنححت مررت بموضححع يقال له ،أفقانبور ،مححن عمالة هزار أمروهححا ،وبينهححا وبيححن
دهلي حضرة الهنحد مسحيرة خمحس .وقحد نزلنحا بهحا على نهحر يعرف بنهحر السحرور،
وذلك فححي أوان الشكال ،والشكال عندهححم هححو المطححر ،وينزل فححي إبان القيححظ .وكان
السحيل ينحدر فحي هذا النهحر محن جبال قراجيحل .فكحل محن يشرب منحه محن إنسحان أو
بهيمة يموت لنزول المطر على الحشائش المسمومة .فأقمنا على النهر أربعة أيام ل
يقربحه أححد ،ووصحل إلى هنالك جماعحة محن الفقراء فحي أعناقهحم أطواق الحديحد وفحي
أيديهحم ،وكحبيرهم رجحل أسحود حالك اللون .وهحم محن الطائفحة المعروفحة بالحيدريحة.
فباتوا عندنا ليلة ،وطلب مني كبيرهم أن آتيه بالحطب ليوقدوه عند رقصهم ،فكلفت
والي تلك الجهحححة وهحححو عزيحححز المعروف بالخمار " ،وسحححيأتي ذكره " ،أن يأتحححي
بالحطب فوجه منه عشرة أحمال ،فأضرموا فيه النار بعد صلة العشاء الخرة حتى
صححارت جمراً ،وأخذوا فححي السححماع ،ثححم دخلوا فححي تلك النار .فمححا زالوا يرقصححون
ويتمرغون فيها ،وطلب مني كبيرهم قميصاً ،فأعطيته فقميصاً في النهاية من الرقة،
فلبسحه وجعحل يتمرغ به فحي النار ويضربها بأكمامه حتحى طفئت تلك النار ،وخمدت.
وجاء إلي بالقميحص ،والنار لم تؤثحر فيحه شيئاً البتحة .فطال عجحبي منحه .ولمحا حصحلت
لي زيارة الشيحخ أبحي العباس الرفاعحي نفحع ال بحه ،وعدت إلى مدينحة واسحط ،فوجدت
الرفقحة التحي كنحت فيهحا قحد رحلت ،فلحقتهحا فحي الطريحق ونزلنحا ماء يعرف بالهضيحب،
ثم رحلنا بوادي الكراع وليس به ماء ،ثم رحلنا ونزلنا موضعاً يعرف بالمشيرب .ثم
رحلنحا منحه ونزلنحا بالقرب محن البصحرة ،ثحم رحلنحا فدخلنحا ضحوة النهار إلى مدينحة
البصرة.
مدينة البصرة
فنزلنحا بهحا رباط مالك بحن دينار ،وكنحت رأيحت عنحد قدومحي عليهحا على نححو ميليحن
منهحا بناء عالياً مثحل الحصحن ،فسحألت عنحه ،فقيحل لي :هحو مسحجد علي بحن أبحي طالب
رضحي ال عنحه .وكانحت البصحرة محن اتسحاع الخطحة وانفسحاح السحاحة بحيحث كان هذا
المسححجد فححي وسححطها .وبينححه الن وبينهححا ميلن ،وكذلك بينححه وبيححن السححور الول
المحيححط بهحا نححو ذلك ،فهحو متوسححط بينهمححا .ومدينححة البصحرة إحدى أمهات العراق
الشهيرة الذكححر فححي الفاق الفسححيحة الرجاء المونقححة الفناء ،ذات البسححاتين الكثيرة
والفواكحه الثيرة ،توفحر قسحمها محن النضارة والخصحب ،لمحا كانحت مجمحع البحريحن:
الجاج والعذب ،وليحس فحي الدنيحا أكثحر نخلً منهحا ،فيباع التمحر فحي سحوقها بحسحاب
أربعة عشر رطلً عراقية بدرهم ،ودرهمهم ثلث النقرة .ولقد بعث إلى قاضيها حجة
الدين بقوصرة تمر ،يحملها الرجل على تكلف ،فأردت بيعها ،فبيعت بتسعة دراهم،
أخذ الحمال منها ثلثها عن أجرة حملها من المنزل إلى السوق .ويصنع بها من التمر
والبصرة ثلثة محلت :احداها محلة هذيل ،وكبيرها الشيخ الفاضل علء الدين بن
الثيححر ،مححن الكرماء الفضلء ،أضافنححي وبعححث إلي بثياب ودراهححم ،والمحلة الثانيححة
محلة بنححي حرام ،كبيرهححا السححيد الشريححف مجححد الديححن موسححى الحسححنى ،ذو مكارم
وفواضححل ،أضافنححي وبعححث إلي التمححر والسححيلن والدراهححم ،والمحلة الثالثححة محلة
العجحم ،كبيرهحا جمال الديحن ابحن اللوكحي .وأهحل البصحرة لهحم مكارم أخلق وإيناس
للغريب وقيام بحقه ،فل يستوحش فيما بينهم غريب .وهم يصلون الجمعة في مسجد
أميحر المؤمنيحن علي رضحي ال عنحه الذي ذكرتحه ،ثحم يسحد فل يأتونحه إل فحي الجمعحة.
وهذا المسحجد محن أحسحن المسحاجد ،وصححنه متناهحي النفسحاح مفروش بالحصحباء
الحمراء التحي يؤتحى بهحا محن وادي السحباع ،وفيحه المصححف الكريحم الذي كان عثمان
رضي ال عنه يقرأ فيه لما قتل ،وأثر تغييره الدم في الورقة التي فيها قوله تعالى" :
حكاية اعتبار
شهدت مرة بهذا المسحجد صحلة الجمعحة ،فلمحا قام الخطيحب إلى الخطبحة وسحردها،
لحن فيها لحناً كثيراً جلياً ،فعجبت من أمره ،وذكرت ذلك للقاضي حجة الدين .فقال
لي :إن هذا البلد لم يبق به من يعرف شيئاً من علم النحو .وهذه عبرة لمن تفكر فيها.
سححبحان مغيححر الشياء ومقلب المور .هذه البصححرة التححي إلى أهلهححا انتهححت رياسححة
النححو ،وفيهحا أصحله وفرعحه ،ومحن أهلهحا إمامحه الذي ل ينكحر سحبقه ،ل يقيحم خطيبهحا
خطبة الجمعة على دؤوبه عليها .ولهذا الجامع سبع صوامع ،إحداها الصومعة التي
تتحرك بزعمهحم ،عنحد ذكحر علي بحن أبحي طالب رضحي ال عنحه .صحعدت إليهحا محن
أعلى سححطح الجامححع ،ومعححي بعححض أهححل البصححرة ،فوجدت فححي ركححن مححن أركانهححا
مقبحض خشحب مسحمرًا فيهحا ،كأنحه مقبحض مملسحة البناء .فجعحل الرجحل الذي كان معحي
يده فححي ذلك المقبححض ،وقال :بحححق رأس أميححر المؤمنيححن علي رضححي ال عنححه،
تحركي ،وهز المقبض ،فتحركت الصومعة ،فجعلت أنا يدي في المقبض وقلت له،
وانحا أقول :بححق رأس أبحي بكحر خليفحة رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم تحركحي،
وهززت المقبحض فتحركحت الصحومعة فعجبوا محن ذلك .وأهحل البصحرة على مذهحب
السحنة والجماعحة ،ول يخاف محن يفعحل مثحل فعلي عندهحم ،ولو جرى مثحل هذا بمشهحد
الحسححين ،أو بالحلة ،أو بالبحريححن ،أو قححم ،أو قاشان ،أو سححاوة ،أو آوة ،أو طوس،
لهلك فاعله ،لنهم رافضة غالية .قال ابن جزي :قد عاينت بمدينة برشانة من وادي
المنصورة من بلد الندلس حاطها ال صومعة تهتز من غير أن يذكر لها أحد من
الخلفاء أو سحواهم ،وفحي صحومعة الجامحع العظحم بهحا ،وبناؤهحا ليحس بالقديحم .وهحي
كأحسن ما أنت راء من الصوامع ،حسن منظر واعتدالً وارتفاعاً ،ل ميل فيها ول
زيححغ .صححعدت إليهححا مرة ،ومعححي جماعححة مححن الناس ،فأخححذ بعححض مححن كان معححي
بجوانب جامورها وهزوها فاهتزت ،حتى أشرت إليهم أن يكفوا فكفوا عن هزها.
فمنهحا مشهحد طلححة بحن عبحد ال أححد العشرة رضحي ال عنهحم ،وهحو بداخحل المدينحة
وعليحه قبحة وجامحع وزاويحة فيهحا الطعام للوارد والصحادر .وأهحل البصحرة يعظمونحه
تعظيمًا شديداً وححق له ،ومنهحا مشهحد الزبيحر بحن العوام حواري رسحول ال صحلى ال
عليحه وسحلم وابحن عمتحه رضحي ال عنهمحا ،وهحو بخارج البصحرة ،ول قبحة عليحه ،وله
مسحجد وزاويحة فيهحا الطعام لبناء السحبيل .ومنهحا قحبر حليمحة السحعدية أم رسحول ال
صحلى ال عليحه وسحلم محن الرضاعحة رضحي ال عنهحا ،وإلى جانبهحا قحبر ابنهحا رضيحع
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ،ومنهحا قحبر أبحي بكحر صحاحب رسحول ال صحلى ال
عليه وسلم .وعليه قبة ،وعلى ستة أميال منها بقرب وادي السباع قبر أنس بن مالك
خادم رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ،ول سحبيل لزيارتحه إل فحي جمحع كثيحف لكثرة
السحباع وعدم العمران ،ومنهحا قحبر الحسحن ابحن أبحي الحسحن البصحري سحيد التابعيحن
رضحي ال عنحه ،وقحبر عتبحة الغلم رضحي ال عنحه ،وقحبر مالك ابحن دينار رضحي ال
عنحه ،وقحبر ححبيب العجمحي رضحي ال عنحه ،وقحبر سحهل بحن عبحد ال التسحتري رضحي
ال عنحه .وعلى كحل قحبر منهحا قبحة مكتوب فيهحا اسحم صحاحب القحبر ووفاتحه .وذلك كله
داخحل السحور القديحم .وهحي اليوم بينهحا وبيحن البلد نححو ثلثحة أميال .وبهحا سحوى ذلك
قبور الجححم الغفيححر مححن الصحححابة والتابعيححن والمسححتشهدين يوم الجمححل .وكان أميححر
البصرة حتى ورودي عليها يسمى بركن الدين العجمي التوريزي ،أضافني فأحسن
إلي .والبصحرة على سحاحل الفرات والدجلة ،وبهحا المحد والجزر ،كمثحل محا هحو بوادي
سحل ،محن بلد المغرب ،وسحواه ،والخليحج المالح الخارج محن بححر فارس على عشرة
أميال منهحا .فإذا كان المحد غلب الماء المالح على العذب ،وإذا كان الجزر غلب الماء
الحلو على الماء المالح ،فيسحتسقي أهحل البصحرة ماءً غيحر جيحد لدورهحم .ولذلك يقال:
إن ماءهحم زعاق .قال ابحن جزي ،وبسحبب ذلك كان هواء البصحرة غيحر جيحد ،وألوان
أهلهحا مصحفرة كاسحفة ،حتحى ضرب بهحم المثحل .وقال بعحض الشعراء وقحد أحضرت
وبيحن البصحرة عشرة أميال ،فحي بسحاتين متصحلة ونخيحل مظلة عحن اليميحن واليسحار.
والبياعحة فحي ظلل الشجار يحبيعون الخبحز والسحمك والتمحر واللبحن والفواكحه .وفيمحا
بين البصرة والبلة متعبد سهل بن عبد ال التستري .فإذا حاذاه الناس بالسفن تراهم
يشربون الماء مما يحاذيه من الوادي ،ويدعون عند ذلك تبركاً بهذا الولي رضي ال
عنححه .والنواتيححة يحرفون فححي هذا البلد ،وهححم قيام .وكانححت البلة مدينححة عظيمححة
يقصدها تجار الهند وفارس فخربت .وهي الن قرية بها آثار قصور وغيرها ،دالة
على عظمهحا :ثم ركبنحا فحي الخليج الخارج من بححر فارس فحي مركب صحغير لرجحل
من أهل البلة يسمى بمغامس ،وذلك فيما بعد المغرب ،فصبحنا عبادان ،وهي قرية
كبيرة في سبخة ،ل عمارة بها ،وفيها مساجد كثيرة ومتعبدات ورباطات للصالحين.
وبينهحا وبيحن السحاحل ثلثحة أميال .قال ابحن جزي :عبادان كانحت بلداً فيمحا تقدم ،وهحي
مجدبحة ل زرع بهحا ،وإنمحا يجلب إليهحا ،والماء أيضاً بهحا قليحل .وقحد قال فيهحا بعحض
الشعراء:
وعلى ساحل البحر منها رابطة ،تعرف بالنسبة إلى الخضر وإلياس عليهما السلم.
وبإزائهححا زاويححة يسححكنها أربعححة مححن الفقراء بأولدهححم يخدمون الرابطححة والزاويححة،
ويتعيشون محن فتوحات الناس وكحل محن يمحر بهحم يتصحدق عليهحم .وذكحر لي أهحل هذه
الزاويحة ،أن بعبادان عابداً كحبير القدر ول أنيحس له ،يأتحي هذا البححر مرة فحي الشهحر،
فيصطاد فيه ما يقوته شهراً ،ثم ليرى إل بعد تمام شهر .وهو على ذلك منذ أعوام.
فلمحا وصحلنا عبادان لم يكحن لي شأن إل طلبحه ،فاشتغحل محن كان معحي بالصحلة فحي
المسححاجد والمتعبدات ،وانطلقححت طالباً له .فجئت مسححجداً خربًا فوجدتححه يصححلي فيححه،
فجلست في جانبه ،فأوجز في صلته .ولما سلم أخذ بيدي وقال لي :بلغك ال مرادك
في الدنيا والخرة ،فقد بلغت بحمد ال مرادي في الدنيا ،وهو السياحة في الرض،
وبلغحت محن ذلك محا لم يبلغحه غيري فيمحا أعلمحه ،وبقيحت الخرى .والرجاء قوي فحي
رحمحة ال وتجاوزه وبلوغ المراد محن دخول الجنحة .ولمحا أتيحت أصححابي أخحبرتهم
خححبر الرجححل وأعلمتهححم بموضعححه ،فذهبوا إليححه فلم يجدوه ،ول وقعوا له على خححبر.
فعجبوا محن شأنحه ،وعدنحا بالعشحي إلى الزاويحة فبتنحا بهحا ،ودخحل علينحا أححد الفقراء
الربعحة بعحد صحلة العشاء الخرة .ومحن عادة ذلك الفقيحر أن يأتحي عبادان كحل ليلة
فيسحرج السحرج بمسحاجدها ،ثحم يعود إلى زاويتحه .فلمحا وصحل إلى عبادان وجحد الرجحل
العابد فأعطاه سمكة طرية وقال له :أوصل هذه إلى الضيف الذي قدم اليوم .فقال لنا
الفقير عند دخوله علينا :من رأى منكم الشيخ اليوم ? فقلت له :أنا رأيته .فقال :يقول
لك هذه ضيافتحك .فشكرت ال على ذلك ،وطبحخ لنحا الفقيحر تلك السحمكة ،فأكلنحا منهحا
أجمعون ،ومحا أكلت قحط سحمكاً أطيحب منهحا .وهجحس فحي خاطري القامحة بقيحة العمحر
فحي خدمحة ذلك الشيحخ ،ثحم صحرفتني النفحس اللجوج عحن ذلك ،ثحم ركبنحا البححر عنحد
الصبح بقصد بلدة ماجول .ومن عادتي في سفري أن ل أعود على طريق سلكتها ما
أمكنني ذلك .وكنت أحب قصد بغداد العراق ،فأشار علي بعض أهل البصرة بالسفر
إلى أرض اللور ،ثحححم إلى عراق العجحححم ،ثحححم إلى عراق العرب .فعملت بمقتضحححى
إشارته ،ووصلنا بعد أربعة ايام إلى بلدة ماجول ،على وزن فاعول وجيمها معقودة،
وهحي صحغيرة على سحاحل الخليحج الذي ذكرنحا أنحه يخرج محن بححر فارس ،وأرضهحا
سبخة ل شجر فيها ول نبات ،ولها سوق عظيمة من أكبر السواق .وأقمت بها يوماً
واحداً ،ثحم اكتريحت دابحة لركوبحي محن الذيحن يجلبون الحبوب محن رامحز إلى ماجول،
وسحرنا ثلثًا فحي صححراء يسحكنها الكراد فحي بيوت الشعحر .ويقال :إن اصحلهم محن
العرب ،ثححم وصححلنا إلى مدينححة رامححز ،وأول حروفهححا " راء وآخرهححا زاي وميمهححا
مكسورة " ،وهي مدينة حسنة ذات فواكه وأنهار نزلنا بها عند القاضي حسام الدين
محمود ،ولقيت عنده رجلً من أهل العلم والدين والورع ،هندي ألصل ،يدعى بهاء
الدين ،ويسمى إسماعيل ،وهو من أولد الشيخ بهاء الدين أبي زكريا الملتاني ،وقرأ
على مشايخ توريز وغيرها .وأقمت بمدينة رامز ليلة واحدة ،ثم رحلنا منها ثلثاً في
بسيط فيه قرى يسكنها الكراد .وفي كل مرحلة منها زاوية فيها للوارد الخبز واللحم
وفحي كحل زاويحة الشيحخ والمام والمؤذنون والخادم للفقراء والعبيحد يطبخون الطعام.
ثم وصلت مدينة تستر ،وهي آخر البسيط من بلد أتابك ،وأول الجبال مدينة كبيرة
رائقححة نضرة ،وبهححا البسححاتين الشريفححة والرياض المنيفححة ،ولهححا المحاسححن البارعححة
والسحواق الجامعحة ،وهحي قديمحة البناء افتتحهحا خالد بحن الوليحد .ووالي هذه المدينحة
ينسحب إلى سحهل بحن عبحد ال ويحيحط بهحا النهحر المعروف بالزرق ،وهحو عجيحب فحي
نهاية من الصفاء شديد البرودة في أيام الحر ،ولم أر كزرقته إل نهر بلخشان .ولها
باب واححد للمسحافرين يسحمى دراوزة دسحبول ،والدراوزة عندهحم الباب .ولهحا أبواب
غيحر شارعححة إلى النهححر .وعلى جانحبي النهححر البسححاتين والدواليححب .والنهححر عميححق،
وعلى باب المسحافرين منحه جسحر على القوارب كجسحر بغداد واحلة .قال ابحن جزي:
والفواكه بتستر كثيرة ،والخيرات متيسرة ،ول مثل لسواقها في الحسن وبخارجها
تربة معظمة يقصدها أهل تلك القطار للزيارة ،وينذرون لها النذور .ولها زاوية بها
جماعة من الفقراء .وهم يزعمون أنها تربة زين العابدين علي بن الحسين بن علي
بن أبي طالب ،وكان نزولي في مدينة تستر في مدرسة الشيخ المام الصالح المتفنن
شرف الديحن موسحى ابحن الشيحخ الصحالح المام العالم صحدر الديحن سحليمان ،وهحو محن
ذريححة سححهل بححن عبححد ال .وهذا الشيححخ ذو مكارم وفضائل ،جامححع بيححن العلم والديححن
والصححلح واليثار ،وله مدرسححة وزاويححة ،وخدامهححا فتيان ،له أربعححة أولد :سححنبل
وكافور وجوهححر وسححرور أحدهححم موكححل بأوقاف الزاويححة ،والثانححي متصححرف فيمححا
يحتاج إليه من النفقات في كل يوم ،والثالث خديم السماط بين أيدي الواردين ومرتب
الطعام لهم ،والرابع موكل بالطباخين والسقائين والفراشين .فأقمت عنده ستة عشر
يوماً ،فلم أر أعجب من ترتيبه ،ول أرغد من طعامه .يقدم بين يدي الرجل ما يكفي
الربعححة مححن الرز المفلفححل المطبوخ فححي السححمن والدجاج المقلي والخبححز واللحححم
والحلواء .وهذا الشيخ من أحسن الناس صورة وأقومهم سيرة ،وهو يعظ الناس بعد
صحلة الجمعحة بالمسحجد الجامحع .ولمحا شاهدت مجالسحه فحي الواعحظ صحغر لدي كحل
واعححححححظ رأيتححححححه قبله بالحجاز والشام ومصححححححر ،ولم ألق فيمححححححن لقيتححححححه مثله.
حضرت يوماً عنده ببسحححتان له على شاطحححئ النهحححر ،وقحححد اجتمحححع فقهاء المدينحححة
وكبراؤها ،وأتى الفقهاء من كل ناحية ،فأطعم الجميع ،ثم صلى بهم صلة الظهر،
وقام خطيباً وواعظاً ،بعحد أن قرأ القراء أمامحه بالتلحيحن المبكيحة والنغامحت المحركحة
المهيجة ،وخطب خطبة بسكينة ووقار ،وتصرف في فنون العلم من تفسير كتاب ال
وإيراد حديث رسول ال والتكلم على معانيه ،ثم ترامت عليه الرقاع من كل ناحية.
ومحن عادة العاجحم أن يكتبوا المسحائل فحي رقاع ،ويرموا بهحا إلى الواعحظ ،فيجيحب
عنها .فلما رمي إليه بتلك الرقاع جمعها في يده ،وأخذ يجيب عنها واحدة بعد واحدة
بأبدع جواب وأحسححنه .وحان وقححت صححلة العصححر فصححلى بالقوم وانصححرفوا .وكان
مجلسه مجلس علم ووعظ وبركة وتبادر التائبون فأخذ عليهم العهد وجز نواصيهم،
وكانوا خمسحة عشحر رجلً محن الطلبحة قدموا محن البصحرة برسحم ذلك ،وعشرة رجال
حكايحة لمحا دخلت هذه المدينحة أصحابني مرض الحمحى ،وهذه البلد يححم داخلهحا فحي
زمان الحححر ،كمححا يعرض فححي دمشححق وسححواها مححن البلد كثيرة المياه والفواكححه.
وأصححابت الحمححى أصحححابي أيضاً .فمات منهححم شيححخ اسححمه يحيححى الخراسححاني ،وقام
الشيخ بتجهيزه من كل ما يحتاج إليه الميت ،وصلى عليه .وتركت بها صاحباً يدعي
بهاء الدين الخشني ،فمات بعد سفري .وكنت حين مرضي ل أشتهي الطعمة التي
تصنع لي بمدرسته ،فذكر لي الفقيه شمس الدين السندي من طلبتها طعاماً فاشتهيته،
ودفعحت له دراهحم وطبحخ لي ذلك الطعام بالسحوق وأتحى بحه إلي فأكلت منحه .وبلغ ذلك
الشيحخ فشحق عليحه ،وأتحى إلي وقال لي :كيحف تفعحل هذا وتطبحخ الطعام فحي السحوق ?
وهل أمرت الخدم أن يصنعوا لك ما تشتهيه .ثم أحضر جميعهم وقال لهم :جميع ما
يطلب منكحم محن أنواع الطعام والسحكر وغيره فأتوه بحه ،واطبخوا له محا يشاء .وأكحد
ثم سافرنا من مدينة تستر ثلثاً في جبال شامخة .وبكل منزل زاوية ،كما تقدم ذكر
ذلك .ووصحلنا إلى مدينحة إيذج " وضبحط اسحمها بكسحر الهمزة وياء محد وذال معجحم
مفتوح وجيححم " ،وتسححمى أيضاً مال الميححر ،وهححي حضرة السححلطان أتابححك .وعنححد
وصولي إليها اجتمعت بشيخ شيوخ العالم الورع نور الدين الكرماني ،وله النظر في
كحل الزوايحا ،وهحي يسحمونها المدرسحة .والسحلطان يعظمحه وبقصحد زيارتحه ،وكذلك
أرباب الدولة وكبراء الحضرة ،يزورونه غدواً وعشياً ،فأكرمني وأضافني وأنزلني
زاويحة تعرف باسحم الدينوري ،وأقمحت بهحا أياماً ،وكان وصحولي فحي أيام القيحظ ،وكنحا
نصحلي صحلة الليحل ،ثحم ننام بأعلى سحطحها ،ثحم ننزل إلى الزاويحة ضحوة .وكان فحي
صحححبتي اثنححا عشححر فقيراً ،منهححم إمام وقارئان مجيدان وخادم ،ونحححن على أحسححن
ترتيب.
وملك إيذج فحي عهحد دخولي إليهحا السحلطان أتابحك افراسحياب بحن السحلطان أتابحك أحمحد
وأتابك عندهم سمة لجميع من يلي تلك البلد من ملك .وهي تسمى بلد اللور .وولي
هذا السححلطان بعححد أخيححه أتابححك يوسححف ،وولي يوسححف بعححد أبيححه أحمححد ،وكان احمححد
المذكور ملكاً صححالحاً ،سححمعت مححن الثقات ببلده أنححه عمححر أربعمائة وسححتين زاويححة
ببلده ،منهححا بحضرة إيذج أربححع وأربعون ،وقسححم الخراج أثلثاً :ثلث لنفقححة الزوايححا
والمدارس ،وثلث لمراتب العسكر ،وثلث لنفقته ونفقة عياله وعبيده وخدامه ،ويبعث
منحه هديحة لملك العراق فحي كحل سحنة ،وربمحا وفحد عليحه بنفسحه ،وشاهدت محن أثاره
الصححالحة ببلده أن أكثرهححا فححي جبال شامخححة ،وقححد نحتححت الطرق فححي الصححخور،
وسويت ووسعت ،بحيث تصعدها الدواب بأحمالها .وطول هذه الجبال مسيرة سبعة
عشححر فححي عرض عشرة ،وهححي شاهقححة متصححل بعضهححا ببعححض ،تشقهححا النهار،
وشجرها البلوط ،وهم يصنعون من دقيقه الخبز ،وفي كل منزل من منازلها زاوية
يسحمونها المدرسحة ،فإذا وصحل المسحافر إلى مدرسحة منهحا أتحي بمحا يكفيحه محن الطعام
والعلف لدابتحه سحواء طلب ذلك أو لم يطلبحه فإن عادتهحم أن يأتحي خادم المدرسحة فيعحد
محن نزل بهحا محن الناس ،ويعطحي كحل واححد منهحم قرصحين محن الخبحز ولحماً وحلواء،
وجميعحم محن أوقاف السحلطان عليهحا .وكان السحلطان أتابحك أحمحد زاهداً صحالحاً كمحا
حكاية
قدم السحلطان أتابحك أحمحد مرة على ملك العراق أبحي سحعيد ،فقال له بعحض خواصحه
إن أتابك أحمد يدخل عليك وعليه الدرع ،وظن ثوب الشعر الذي تحت ثيابه درعاً،
فأمره بإختبار ذلك على جهه من النبساط ليعرف حقيقته ،فدخل عليه يوماً فقام إليه
المير الجوبان عظيم المراء العراق ،والمير سويته أمير ديار بكر ،والشيخ حسن
الذي هو الن سلطان العراق ،وأمسوكوا بثيابه كأنهم يمازحونه ،فوجدوا تحت ثيابه
ثوب الشعحر ،ورآه السلطان أبو سعيد وقام إليه وعانقه وأجلسحه إلى جواره وقال له:
سححن أطححا بالتركيححة ،ومعناه أنححت أبححي ،وعوضححه عححن هديتححه بأضعافهححا ،وكتححب له
اليرليغ ،وهو الظهير ،أن ل يطالبه بهدية بعدها هو ول أولده وفي تلك السنة توفي
وولي ابنحه أتابحك يوسحف عشرة أعوام ،ثحم ولي أخوه افراسحياب .ولمحا دخلت مدينحة
إيذج أردت رؤيحة افراسحياب المذكور فلم يتأت لي ذلك ،بسحبب أنحه ل يخرج إلى يوم
الجمعحة لدمانحه على الخمحر وكان له ابحن هحو ولي عهده ،وليحس له سحواه فمرض فحي
تلك اليام ،وفي إحدى الليالي أتاني أحد خدامه ،وسألني عن حالي فعرفته ،وذهب،
ثححم جاء بعححد صححلة المغرب ،ومعححه طيفوران كححبيران :أحدهمححا بالطعام والخححر
بالفاكهحة ،وخريطحة فيهحا دراهحم ،ومعهحم أهحل السحماع بآلتهحم ،وقال :اعملوا السحماع
حتى يهزج الفقراء ،ويدعون لبن السلطان فقلت له :إن اصحابي ل يدرون بالسماع
ول بالرقححص ،ودعونححا للسححلطان ولولده وقسححمت الدراهححم على الفقراء .ولمححا كان
نصف الليل سمعنا الصراخ ،وقد مات المريض المذكور وفحي الغد دخحل علي شيخ
الزاويحححة وأهحححل البلد وقالوا :إن كحححبراء المدينحححة محححن القضاة والفقهاء والشراف
والمراء قد ذهبوا إلى دار السلطان للعزاء ،فينبغي لك أن تذهب في جملتهم فأبيت،
فعزموا علي ،فلم يكحححن لي بحححد محححن المسحححير ،وسحححرت معهحححم ،فوجدت مشوار دار
السحلطان ممتلئاً رجالً وصحبياناً محن المماليحك ،وأبناء الملوك والوزراء والجناد قحد
لبسوا التلبيس ،وجلل الدواب ،وجعلوا فوق رؤوسهم التراب والتبن ،وبعضهم قد
جز ناصيته وانقسموا فرقتين فرقة بأعلى المشور ،وفرقة بأسفله وتزحف كل فرقة
إلى الخرى ،وهححم ضاربون بأيديهححم على صححدورهم قائليححن خونححد كارمححا ،ومعنححا
مولي أنا ،فرأيت من ذلك أمراً هائلً ومنظراً فظيعاً لم أعهد مثله.
?حكاية
ومحن غريحب محا اتفحق لي يومئذ أنحي دخلت فرأيحت القضاة والخطباء والشرفاء ،قحد
استندوا إلى حيطان المشور ،وهو غاص بهم من جميع جهاته ،وهم بين باكٍ ومتباكٍ
ومطرق ،وقحد لبسحوا فوق ثيابهحم ثياباً خامحة محن غليحظ القطحن غيحر محكمحة الخياطحة
بطائنها إلى أعلى ووجوهها مما يلي أجسادهم ،وعلى رأس كل واحد منهم خرقة أو
مئزر أسحود ،وهكذا يكون فعلهحم إلى تمام أربعيحن يوماً وهحي نهايحة الحزن عندهحم،
فلمحححححا رأيحححححت جهات المشور غاصححححة بالناس نظرت يميناً وشمالً ،أرتاد موضعاً
لجلوسحي فرأيحت هنالك سحقيفة مرتفعحة محن الرض بمقدار شحبر ،وفحي إحدى زواياهحا
رجحل منفرد عحن الناس قاعحد ،عليحه ثوب صحوف مثحل اللبحد يلبسحه بتلك البلد ضعفاء
الناس أيام المطر والثلج وفي السفار ،فتقدمت منه ،وانقطع عني أصحابي لما رأوا
إقدامي نحوه ،وعجبوا مني وأنا ل علم لي بشيء من حاله فصعدت السقيفة وسلمت
على الرجحل ،فرد علي السحلم ،وارتفحع عحن الرض كأنحه يريحد القيام ،وهحم يسحمون
ذلك نصحف القيام وقعدت فحي الركحن المقابحل له ،ثحم نظرت إلى الناس ،وقحد رمونحي
بأبصحارهم جميعًا فعجبحت منهحم ،ورأيحت الفقهاء والمشايحخ وألشراف مسحتندين إلى
الحائط تححت السحقيفة ،وأشار إلي أححد القضاة أن أنححط إلى جانبحه فلم أفعحل ،وحينئذ
اسحتشعرت أنحه السحلطان فلمحا كان بعحد سحاعة أتحى شيحخ المشايحخ نور الديحن الكرمانحي
الذي ذكرناه قبحل ،فصحعد إلى السحقيفة وسحلم على الرجحل فقام إليحه وجلس فيمحا بينحي
ثحم جيحء بالجنازة ،وهحي بيحن أشجار الترج والليمون وقحد ملوا أغصحانها بثمارهحا،
وهي بأيدي الرجال فأكان الجنازة تمشي في بستان ،والمشاعل في رماح طوال بين
يديهححا ،والشمححع كذلك ،فصححلى عليهححا ،وذهححب الناس معهححا إلى مدفححن الملوك ،وهححو
بموضحع يقال له :هل فيجان ،على اربعحة أميال محن المدينحة ،وهنالك مدرسحة عظيمحة
يشقهحا نهحر ،وبداخلهحا مسحجد تقام فيحه الجمعحة وبخارجهحا حمام ،ويححف بهحا بسحتان
عظيحم وبهحا الطعام للوارد والصحادر ،ولم أسحتطع أن أذهحب معهحم إلى المدفحن لبعحد
فلمحا كان بعد ايام بعث إلي السلطان رسوله الذي أتاني بالضيافحة اولً يدعوني إليحه،
فذهبحت معحه إلى باب يعرف بباب السحر ،وصحعدنا فحي درج كثيرة إلى أن انتهينحا إلى
موضع ل فرش به ،لجل ما هم فيه من الحزن ،والسلطان جالس فوق مخدة ،وبين
يديحه آنيتان قحد غطيتحا ،إحداهمحا محن الذهحب وألخرى محن الفضحة ،وكانحت بالمجلس
سحجادة خضراء ،ففرشحت لي بالقرب منحه ،وقعدت عليهحا وليحس بالمجلس إل حاجبحه
الفقيححه محمود ،ونديححم له ل أعرف اسححمه فسححألني عححن حالي وبلدي ،وسححألني عححن
الملك الناصر ،وبلد الحجاز ،فأجبته عن ذلك ،ثم جاء فقيه كبير ،وهو رئيس فقهاء
تلك البلد ،فقال لي السححلطان ،هذا مولنحا فضيححل ،والفقيححه ببلد العاجححم كلهححا إنمحا
يخاطب بمولنا وبذلك يدعوه السلطان وسواه ،ثم أخذ في الثناء على الفقيه المذكور،
وظهحر لي أن السحكر غالب عليحه ،وكنحت قحد عرفحت إدمانحه على الخمحر ،ثحم قال لي
باللسحان العربحي ،وكان يحسحنه تكلم فقلت له :إن كنحت تسحمع منحي أقول لك :أنحت محن
أولد السححلطان أتابححك احمححد المشهور بالزهححد والصححلح ،وليححس فيححك مححا يقدح فححي
سحححلطنتك غيحححر هذا ،وأشرت إلى النيتيحححن فخجحححل محححن كلمحححي وسحححكت ،وأردت
النصححراف ،فأمرنححي بالجلوس ،وقال لي :الجتماع مححع أمثالك رحمححة ،ثححم رأيتححه
يتمايححل ويريححد النوم ،فانصححرفت وكنححت تركححت نعلي بالباب فلم أجده ،فنزل الفقيححه
محمود فحي طلبحه ،وصحعد الفقيحه فضحل يطلبحه فحي داخحل المجلس ،فوجده فحي طاق
هنالك فأتحى بحه فأخجلنحي بره واعتذرت إليحه ،فقبحل نعلي ووضعحه على رأسحه وقال
لي :بارك ال فيحك هذا الذي قلتحه لسحلطاننا ل يقدر أححد أن يقوله له غيرك ،وال أنحي
ثححم كان رحيلي مححن حضرة إيذج بعححد ايام ،فنزلت بمدرسححة السححلطين التححي بهححا
قبورهم ،وأقمت بها أياماً ،وبعث إلي السلطان بجملة دنانير ،وبعث بمثلها لصحابي
وسححافرنا فححي بلد هذا السححلطان عشرة ايام فححي جبال شامخححة ،وفححي كححل ليلة تنزل
بمدرسة فيها الطعام ،فمنها ما هو في العمارة ،ومنها ما ل عمارة حوله ولكن يجلب
إليهحا جميحع محا تحتاج إليحه .وفحي اليوم العاشحر نزلنحا بمدرسحة تعرف بمدرسحة كريحو
الرخ ،وهحي آخحر بلد الملك وسحافرنا منهحا فحي بسحيط محن الرض كثيحر المياه محن
وضححححم التاء المعلوة وإسححححكان الراء وآخره نون " وهححححي بلدة حسححححنة كثيرة المياه
والبساتين ،ولها مسجد بديع يشقه النهر .ثم رحلنا منها إلى مدينة فيروزان ،واسمها:
كأنحه تثنيحة فيروز ،وهحي مدينحة صحغيرة ذات أنهار وأشجار وبسحاتين وصحلناها بعحد
صححلة العصححر فرأينححا أهلهححا قححد خرجوا لتشييححع جنازة ،وقححد أوقدوا خلفهححا وأمامهححا
وبتنا بها ليلة .ومررنا بالغد بقرية يقال لها نبلن ،وهي كبيرة على نهر عظيم ،وإلى
جانبه مسجد على النهاية من الحسن ،تصعد إليه في درج ،وتحفه البساتين .وسرنا
يومنا فيما بين البساتين والمياه والقرى الحسان وأبراج الحمام ،ووصلنا بعد العصر
إلى مدينححة أصححفهان مححن عراق العجححم " واسححمها بقال بالفاء الخالصححة ويقال بالفاء
المعقودة المفخمة " ،ومدينة أصفهان من كبار المدن وحسانها إل أنها الن قد خرب
أكثرها بسحبب الفتنحة الي بين أهحل السحنة والروافحض ،وهحي متصحلة بينهحم حتحى الن،
فل يزالون في قتال وبها الفواكحه الكثيرة ،ومنهحا المشمحش الذي ل نظير له ،يسحمونه
بقمحر الديحن ،وهحم ييبسحونه ويدخرونحه ،ونواه ينكسحر عحن لوز حلو ،ومنهحا السحفرجل
الذي لمثيل له في طيب المطعم وعظم الجرم ،والعناب الطيبة ،والبطيخ العجيب
الشأن الذي ل مثيححل له فححي الدنيححا إل مححا كان مححن بطيححخ بخارى وخوارزم ،وقشره
أخضر ،وداخله أحمر ويدخر كما تدخر الشريحة بالمغرب ،وله حلوة شديدة ومن
لم يكححن ألف أكله فإنححه أول أمره يسححهله وكذلك أتفححق لي مححا أكلتححه بأصححفهان وأهححل
أصححفهان حسححان الصححور وألوانهححم بيححض زاهرة ،مشوبححة بالحمرة والغالب عليهححم
الشجاعة والنجدة ،وفيهم كرم وتنافس عظيم فيما بينهم فحي الطعمة تؤثر عنهم فيه
أخبار غريبحة ،وربمحا دعحا أحدهحم صحاحبه فيقول له :اذهحب معحي لنأكحل نان وماس،
والنان بلسححانهم الخبححز والماس اللبححن فإذا ذهححب معححه أطعمححه أنواع الطعام العجيححب
مباهياً له بذلك وأهححل كححل صححناعة يقدمون على أنفسححهم كححبيراً منهححم يسححمونه الكلو
وكذلك كبار المدينة من غير أهل الصناعات وتكون الجماعة من الشبان العزاب،
وتفاخححر تلك الجماعات ،ويضيححف بعضهححم بعضاً مظهريححن لمححا قدروا عليححه مححن
المكان ،محتفليحن فحي الطعمحة وسحواها الحتفال العظيحم ،ولقحد ذكحر لي أن طائفحة
منهححم أضافححت أخرى ،فطبخوا طعامهححم بنار الشمححع ثححم أضافتهححا الخرى فطبخوا
طعامهم بالحرير .وكان نزولي بأصفهان في زاوية تنسب للشيخ علي بن سهل تلميذ
الجنيحد ،وهحي معظمحة بقصحدها أهحل تلك الفاق ،ويتحبركون بزيارتهحا وفيهحا الطعام
للوارد والصححادر وبهححا حمام عجيححب مفروش بالرخام وحيطانححه بالقاشانححي وهححو
موقوف فحي السحبيل ل يلزم أحدًا فحي دخوله شيحء وشيحخ هذه الزاويحة الصحالح العابحد
الورع قطب الدين حسين ابن الشيخ الصالح ولي ال شمس الدين محمد بن محمود
ابححن علي المعروف بالرجاء ،وأخوه العالم المفتححي شهاب الديححن أحمححد أقمححت عنححد
الشيحخ قطحب الديحن بهذه الزاويحة أربعحة عشحر يوماً ،فرأيحت محن اجتهاده فحي العبادة
وحبه في الفقراء والمساكين وتواضعه لهم ما قضيت منه العجب وبالغ في إكرامي
وأحسحن ضيافتحي وكسحاني كسحوة حسحنة وسحاعة وصحولي الزاويحة بعحث إلي بالطعام
وبثلث بطيخات مححن البطيححخ الذي وصححفناه آنفاً ،ولم أكححن رأيتححه قبححل ول أكلتححه.
كرامة لهذا الشيخ :دخل علي يوماً بموضع نزولي من الزاوية ،وكان ذلك الموضع
يشرف على بسححتان للشيححخ ،وكانححت ثيابححه قححد غسححلت فححي ذلك اليوم ،ونشرت فححي
البسححتان ،ورأيححت فححي جملتهححا جبححة بيضاء مبطنححة ،تدعححى عندهححم هزرميخححي،
فأعجبتني ،وقلت في نفسي :مثل هذه كنت أريد فلما دخل علي الشيخ نظر في ناحية
البسحتان ،وقال لبعحض خدامحه ،ائتنحي بذلك الثوب الهزرميخحي ،فأتوا بحه فكسحاني إياه
فأهويت إلى قدميه أقبلهما ،وطلبت منه أن يلبسني طاقية من رأسه ويجيزني في ذلك
بما أجازه والده عن شيوخه ،فألبسني إياه في الرابع عشر لجمادى الخيرة سنة سبع
وعشرين وسبعمائة ،بزاويته المذكورة ،كما لبس من والده شمس الدين ،ولبس والده
محن أبيحه تاج الديحن محمود ،ولبحس محمود محن أبيحه شهاب الديحن علىالرجاء ،ولبحس
علي محن المام شهاب الديحن أبحي حفحص عمحر بحن محمحد بحن عبحد ال السحهروردي،
ولبحس عمحر محن الشيحخ الكحبير ضياء الديحن أبحي النجيحب السحهروردي ،ولبحس أبحو
النجيحب محن عمحه المام وحيحد الديحن عمحر ،ولبحس عمحر محن والده محمحد ابحن عبحد ال
المعروف بعمويه ،ولبس محمد من الشيخ أخي فرج الزنجاني ،ولبس أخو فرج من
الشيحخ أحمحد الدينوري ،ولبحس أحمحد محن المام ممشاد الدينوري ،ولبحس ممشاد محن
الشيحخ المحقحق علي بحن سحهل الصحوفي ،ولبحس علي بحن أبحي القاسحم الجنيحد ،ولبحس
الجنيحد محن سحري السحقطي ،ولبحس سحري السحقطي محن داود الطائي ،ولبحس داود محن
الحسحن ابن أبحي الحسن البصري ،ولبحس الحسن ابن أبي الحسحن البصحري من أمير
المؤمنيححن علي بححن أبححي طالب .قال ابححن جزي :هكذا أورد الشيححخ أبححو عبححد ال هذا
السند ،والمعروف فيه أن سرياً السقطي صحب معروفاً الكرخي ،وصحب معروف
داود الطائي ،وكذلك داود الطائي بينححه وبيححن الحسححن حححبيب العجمححي ،وأخوه فرج
الزنجانحي إنمحا المعروف أنحه صححب أبحا العباس النهاوندي ،وصححب النهاوندي أبحا
عبحد ال بحن خفيحف ،وصححب ابحن خفيحف أبحا محمحد وربمحا صححب روبحم أبحا القاسحم
الجنيححد وأمححا محمححد بححن عبححد ال عمويححه فهححو الذي صحححب الشيححخ أحمححد الدينوري
السود ،وليس بينهما أحد وال أعلم والذي صحب أخا فرج الزنجاني هو عبد ال بن
ثم سافرنا من أصفهان بقصد زيارة الشيخ مجد الدين بشيراز وبينهما مسيرة عشرة
ايام فوصحلنا إلى بلدة كليحل " ،وضبطهحا بفتحح الكاف وكسحر اللم وياء محد " وبينهحا
وبيحن أصحفهان مسحيرة ثلثحة وهحي بلدة صحغيرة ذات أنهار وبسحاتين وفواكحه ،ورأيحت
التفاح يباع في سوقها خمسة عشر رطلً عراقياً بدرهم ،ودرهمهم ثلث النقرة ونزلنا
منهحا بزاويحة عمرهحا كحبير هذه البلدة المعروف بخواجحه كافحي ،وله مال عريحض قحد
اعانحه ال على إنفاقحه فحي سحبيل الخيرات من الصحدقة وعمارة الزوايحا وإطعام الطعام
لبناء السحبيل ثحم سحرنا محن كليحل يوميحن ووصحلنا إلى قريحة كحبيرة تعرف بصحوماء،
وبهحا زاوبحة فيهحا الطعام للوارد والصحادر عمرهحا خواجحة كافحي المذكور ،ثحم سحرنا
منهحا إلى يزدخاص " وضبحط اسحمها بفتحح الياء آخحر الحروف واسحكان الزاي وضحم
الدال المهمحل وخاء معجحم والف وصحاد مهمحل " ،بلدة صحغيرة متقنحة العمارة حسحنة
السحوق :والمسحجد الجامحع بهحا عجيحب مبنحي بالحجارة مسحقف بهحا والبلدة على صحفة
خندق فيه بساتينها ومياهها ،وبخارجها رباط ينزل به المسافرون ،عليه باب حديد،
وهحو فحي النهايحة محن الحصحانة والمنعحة ،وبداخله حوانيحت يباع فيهحا كحل محا يحتاجحه
المسحافرون .وهذا الرباط عمره الميحر محمحد شاه ينجحو ،والد السحلطان أبحي إسححاق
ملك شيراز ،وفي يزدخاص يصنع الجبن اليزد خاصي ،ول نظير له في طيبه وزن
الجبنحة منحه محن أوقيتيحن إلى أربحع ،ثحم سحرنا منهحا على طريحق دشحت الروم ،وهحي
صححراء يسحكنها التراك .ثحم سحافرنا إلى ماييحن " واسحمها بياءيحن مسحفولتين أولهمحا
مكسححورة " وهححي بلدة صححغيرة كثيرة النهار والبسححاتين حسححنة السححواق ،وأكثححر
أشجارها الجوز .ثم سافرنا منها إلى مدينة شيراز ،وهي مدينة أصلية البناء فسيحة
الرجاء شهيرة الذكر منيفة القدر ،لها البساتين المونقة والنهار المتدفقة والسواق
البديعحة والشوارع الرفيعحة وهحي كثيرة العمارة متقنحة المبانحي عجيبحة الترتيحب وأهحل
كل صناعة في سوقها ل يخالطهم غيرهم حسان الصور نظاف الملبس وليس في
المشرق بلدة تداني مدينة دمشق في حسن أسواقها وبساتينها وأنهارها وحسن صور
سححاكنيها ال شيراز ،وهححي فححي بسححيط مححن الرض تحححف فيهححا البسححاتين مححن جميححع
الجهات ،وتشقهحا خمسحة أنهار ،أحدهحا النهحر المعروف بركحن آباد وهحو عذب الماء
شديحد البرودة فحي الصحيف ،سحخن فحي الشتاء فينبعحث محن عيحن فحي سحفح جبحل هنالك
يسحمى القليعحة ومسحجدها العظحم يسحمى بالمسحجد العتيحق ،وهحو أكحبر المسحاجد سحاحة
وأحسححنها بناء ،وصحححنه متسححع مفروش بالمرمححر ،ويغسححل فححي أوان الحححر كححل ليلة
ويجتمع فيه كبار أهل المدينة كل عشية ويصلون به المغرب والعشاء وبشماله باب
يعرف بباب حسحن ،يفضحي إلى سحوق الفاكهحة وهحي محن أبداع السحواق ،وأنحا أقول
بتفضيلهححا على باب البريححد مححن دمشححق .وأهححل شيراز أهححل صححلح وديححن وعفاف،
منهححم شيححء ولهححن الصححدقات واليثار ،ومحن غريححب حالهححن أنهححن يجتمعححن لسححماع
الواعحظ فحي كحل يوم اثنيحن وخميحس وجمعحة بالجامحع العظحم ،فربمحا اجتمحع منهحن
اللف واللفان بأيديهحن المراوح ،يروححن بهحا على أنفسحهن محن شدة الححر .ولم أر
اجتماع النساء في مثل عددهن في بلدة من البلد .وعند دخولي إلى مدينة شيراز لم
يكحن لي هحم ال قصحد الشيحخ القاضحي المام قطحب الولياء فريحد الدهحر ذي الكرامات
الظاهرة مجحد الديحن اسحماعيل بحن محمحد بحن خداد ،ومعنحى خداد عطيحة ال فوصحلت
إلى المدرسة المجدية المنسوبة إليه وبها سكناه ،وهي من عمارته ،فدخلت إليه رابع
أربعححة مححن أصحححابي ،ووجدت الفقهاء وكبار أهححل المدينححة فححي انتظاره فخرج إلى
صحلة العصحر ومعحه مححب الديحن وعلء الديحن ابنحا أخحي شقيقحه روح الديحن أحدهمحا
عحن يمينححه والخحر عحن شماله وهمحا نائباه فححي القضاء لضعححف بصحره وكحبر سحنه
فسلمت عليه وعانقني وأخذ بيدي إلى أن وصل إلى مصله ،فأرسل يدي وأومأ إلي
أن أصحلي إلى جانبحه ففعلت وصحلى العصحر ثحم قرئ بيحن يديحه محن كتاب المصحابيح
وشوارق النوار للصاغاني ،وطالعه نائباه بما جرى لديهما من القضايا ،وتقدم كبار
المدينة للسلم عليه ،وكذلك عادتهم معه صباحاً ومساء ثم سألني عن حالي وكيفية
قدومحي ،وسحألني عحن المغرب ومصحر والشام والحجاز فأخحبرته بذلك وأمحر خدامحه
فأنزلونححي بدويرة صححغيرة بالمدرسححة وفححي غححد ذلك اليوم وصححل إليححه رسححول ملك
العراق السحلطان أبحي سعيد وهحو ناصر الدين الدرقندي من كبار المراء ،خراساني
الصححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححل.
فعند وصوله إليه نزع شاشيته عن رأسه ،وهم يسمونها الكل ،وقبل رجل القاضي،
وقعحد بيحن يديحه ،ممسحكاً أذن نفسحه بيده ،وهكذا فعحل أمراء التتحر عنحد ملوكهحم .وكان
هذا الميحر قحد قدم فحي نححو خمسحمائة فارس محن مماليكحه وخدامحه وأصححابه ونزل
خارج المدينححة ،ودخححل إلى القاضححي فححي خمسححة نفححر ،ودخححل مجلسححه وحده منفرداً
متأدباً.فعنحد وصحوله إليحه نزع شاشيتحه عحن رأسحه ،وهحم يسحمونها الكل ،وقبحل رجحل
القاضي ،وقعد بين يديه ،ممسكاً أذن نفسه بيده ،وهكذا فعل أمراء التتر عند ملوكهم.
وكان هذا الميحر قحد قدم فحي نححو خمسحمائة فارس محن مماليكحه وخدامحه وأصححابه
ونزل خارج المدينة ،ودخل إلى القاضي في خمسة نفر ،ودخل مجلسه وحده منفرداً
متأدباً.
كان ملك العراق السحححلطان محمحححد خدابنده قحححد صححححبه فحححي حال كفره فقيحححه محححن
الروافححض الماميححة يسححمى جمال الديححن بححن مطهححر .فلمححا أسححلم السححلطان المذكور
وأسلمت بإسلمه التتر ،زاد في تعظيم هذا الفقيه .فزين له مذهب الروافض وفضله
فححي غيره .وشرح له حال الصحححابة والخلفححة ،وقرر لديححه أن أبححا بكححر وعمححر كانححا
وزيرين لرسول ال ،وأن علياً ابن عمه وصهره ،فهو وارث الخلفة ،ومثل له ذلك
بمحا هحو مألوف عنده محن أن الملك الذي بيده إنمحا هحو إرث عحن أجداده وأقاربحه محع
حداثة عهد السلطان بالكفر ،وعدم معرفته بقواعد الدين .فأمر السلطان بحمل الناس
على الرفحححض ،وكتحححب بذلك إلى العراقيحححن وفارس وأذربيجان وأصحححفهان وكرمان
وخراسححان ،وبعححث الرسححل إلى البلد ،فكان أول بلد وصححل إليهححا بغداد وشيراز
وأصفهان .فأما أهل بغداد فامتنع أهل باب الزج منهم وهم أهل السنة وأكثرهم على
مذهب المام أحمد بن حنبل ،وقالوا ل سمع ول طاعة .وأتوا المسجد الجامع في يوم
الجمعحة ومعهحم السحلح وبحه رسحول السحلطان ،فلمحا صحعد الخطيحب المنحبر قاموا إليحه
وهحم اثنحا عشحر ألفاً محن سحلحهم ،وهحم حماة بغداد والمشار إليهحم فيهحا .فحلفوا له أنحه
إن غيححر الخطبححة المعتادة ،إن زاد فيهححا أو نقححص منهححا ،فإنهححم قاتلوه ،وقاتلو رسححول
الملك ومسححتسلمون بعححد ذلك لمححا شاءه ال .وكان السححلطان أمححر بأن تسححقط أسححماء
الخلفاء وسائر الصحابة من الخطبة ،ول يذكر إل اسم علي ومن تبعه كعمار رضي
ال عنهحم .فخاف الخطيحب محن القتحل ،وخطحب الخطبحة المعتادة .وفعحل أهحل شيراز
وأصحفهان كفعحل أهحل بغداد .فرجعحت الرسحل إلى الملك فأخحبروه بمحا جرى فحي ذلك
فأمحر أن يؤتحى بقضاة المدن الثلث .فكان أول محن أتحي بحه منهحم القاضحي مجحد الديحن
قاضحي شيراز والسحلطان إذ ذاك فحي موضحع يعرف بقراباغ ،وهحو موضحع مصحيفه.
فلما وصل القاضي أمر أن يرمي به إلى الكلب التي عنده ،وهي كلب ضخام في
أعناقهحا السحلسل معدة لكحل بنحي آدم .فإذا أوتحي بمحن يسحلط عليحه الكلب جعحل فحي
رحبحة كحبيرة مطلقاً غيحر مقيحد ،ثحم بعثحت تلك الكتاب عليحه فيفحر أمامهحا ول مفحر له،
فتدركه فتمزقه ،وتأكل لحمه .فلما أرسلت الكلب على القاضي مجد الدين ووصلت
إليحه ،بصحبصت إليحه وحركحت أذنابهحا بيحن يديحه ،ولم تهجحم عليحه بشيحء ،فبلغ ذلك
السلطان ،فخرج من داره حافي القدمين فأكب على رجل القاضي يقبلهما ،وأخذ بيده
وخلع عليحه جميحع محا كان عليحه محن الثياب ،وهحي أعظحم كرامات السحلطان عندهحم،
وإذا خلع ثيابحه كذلك على أححد ،كانحت شرفاً له ولبنيحه وأعقابحه يتوارثونحه ،محا دامحت
تلك الثياب أو شيء منها ،وأعظمها في ذلك السراويل .ولما خلع السلطان ثيابه على
القاضحي مجحد الديحن أخحذ بيده وأدخله إلى داره وأمحر نسحاءه بتعظيمحه والتحبرك بحه.
ورجع السلطان عن مذهب الرفض ،وكتب إلى بلده ان يقر الناس على مذهب أهل
السحنة والجماعحة ،وأجزل العطاء للقاضحي وصحرفه إلى بلده مكرماً معظماً ،وأعطاه
فحي جملة عطاياه مائة قريحة محن قرى جمكان ،وهحو خندق بيحن جبليحن طوله أربعحة
وعشرون فرسحخاً ،يشقحه نهحر عظيحم .القرى منتظمحة بجانحبيه ،وهحو أححس موضحع
بشيراز .ومححن قراه العظيمححة التححي تضاهححي المدن قريححة ميمححن ،وهححي للقاضححي
المذكور .ومححن عجائب هذا الموضححع المعروف بجمكان أن نصححفه ممححا يلي شيراز
وذلك مسحافة اثنحي عشحر فرسحخاً شديحد البرد وينزل فيحه الثلج وأكثحر شجره الجوز،
والجزء الخر مما يلي بلد هنج وبال وبلد اللر في طريق هرمز شديد الحر وفيه
شجححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححر النخيححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححل.
وقحد تكرر لي لقاء القاضحي مجحد الديحن ثانيحة حيحن خروجحي محن الهنحد .قصحدته محن
هرمحز متحبركاً بلقائه ،وذلك سحنة ثمان وأربعيحن .وبيحن هرمحز وشيراز مسحيرة خمسحة
وثلثين يوماً .فدخلت عليحه وهو قحد ضعف عن الحركة ،فسحلمت عليه فعرفني وقام
إلي فعانقني ووقعحت يدي على مرفقه ،وجلده لصحق بالعظحم ل لححم بينهما .وأنزلني
بالمدرسححة حيححث أنزلنححي أول مرة .وزرتححه يوماً فوجدت ملك شيراز السححلطان أبححا
إسححاق ،وسحيقع ذكره ،قاعداً بيحن يديحه ،ممسحكاً بإذن نفسحه ،وذلك هحو غايحة الدب
عندهححم ،ويفعله الناس إذا قعدوا بيححن يدي الملك .وأتيححت مرة أخرى إلى المدرسححة،
فوجدت بابهحا مسحدوداً .فسحألت عحن سحبب ذلك فأخحبرت أن أم السحلطان وأختحه نشأت
بينهمحا خصحومة فحي ميراث ،فصحرفهما إلى القاضحي مجحد الديحن .فوصحلتا إليحه إلى
المدرسحة ،وتحاكمتحا عنده .وفصحل بينهمحا بواجحب الشرع .وأهحل شيراز ل يدعونحه
بالقاضي ،وإنما يقولون له مولنا أعظم .وكذلك يكتبون في التسجيلت والعقود التي
تفتقر إلى ذكر اسمه فيها .وكان آخر عهدي به في شهر ربيع الثاني من عام ثمانية
وسحلطان شيراز فحي عهحد قدومحي عليهحا الملك الفاضحل أبحو إسححاق بحن محمحد شاه
ينجحو سححماه أبوه باسححم الشيحخ أبحي إسحححاق الكازرونحي نفحع ال بححه .وهحو محن خيار
السحلطين ،حسحن الصحورة والسحيرة والهيئة ،كريحم النفحس جميحل الخلق متواضحع،
صححاحب قوة وملك كححبير .وعسححكره ينيححف على خمسححين ألفاً مححن الترك والعاجححم،
وبطانتححه الدنون إليححه أهححل أصححفهان .وهححو ل يأتمححن أهححل شيراز على نفسححه ،ول
يستخدمهم ول يقربهم ول يبيح لحد منهم حمل السلح ،لنهم أهل نجدة وبأس شديد
وجرأة على الملوك .ومحن وجحد بيده السحلح منهحم عوقحب .ولقحد شاهدت رجلً مرة
تجره الجنادرة ،وهحم الشرط إلى الحاكحم ،وقحد ربطوه فحي عنقحه .فسحألت عحن شأنحه،
فأخححبرت أنححه وجدت فححي يده قوس بالليححل .فذهححب السححلطان المذكور إلى قهححر أهححل
شيراز وتفضيحل الصحفهانيين عليهحم ،لنحه يخافهحم على نفسحه .وكان أبوه محمحد شاه
ينجحو والياً على شيراز محن قبحل ملك العراق ،وكان حسحن السحيرة محبباً إلى أهلهحا.
فلمحا توفحي ولى السحلطان أبحو سحعيد مكانحه الشيحخ حسحيناً ،وهحو ابحن الجويان أميحر
المراء ،وسححيأتي ذكره ،وبعححث معححه العسححاكر الكثيرة ،فوصححل إلى شيراز وملكهححا
ذكححر لي الحاج قوام الديححن الطمغجححي ،وهححو والي المجححبى بهححا ،أنححه ضمنهححا بعشرة
آلف دينار دراهحم فحي كحل يوم .وصحرفها محن ذهحب المغرب ألفان وخمسحمائة دينار
ذهباً .وأقام بهحا الميحر حسحين مدة ثحم أراد القدوم على ملك العراق ،فقبحض على أبحي
إسححاق بحن محمحد شاه ينجحو ،وعلى أخويحه ركحن الديحن ومسحعود بحك وعلى والدتحه
طاش خاتون ،وأراد حملهحم إلى العراق ليطالبوا بأموال أبيهحم فلمحا توسحطوا السحوق
بشيراز كشفحت طاش خاتون وجههحا وكانحت متبرقعحة حياء ان ترى فحي تلك الحال.
فإن عادة نسححاء التراك أن ل يغطيححن وجوههححن ،واسححتغاثت بأهححل شيراز ،وقالت:
أهكذا يححا أهححل شيراز أخرج مححن بينكححم وأنححا فلنححة زوجححة فلن ? فقام رجححل مححن
النجاريحن يسحمى بهلوان محمود ،قحد رأيتحه بالسحوق حيحن قدومحي على شيراز فقال :ل
نتركهحا تخرج محن بلدنحا ،ول نرضحى بذلك .فتابعحه الناس على قوله وثارت عامتهحم
ودخلوا فحححي السحححلح وقتلوا كثيراً محححن العسحححكر وأخذوا الموال وخلصحححوا المرأة
وأولدهححا .وفححر الميححر حسححين ومححن معححه وقدم على السححلطان أبححي سححعيد مهزوماً،
فأعطاه العسحاكر الكثيفحة وأمره بالعودة إلى شيراز والتحكحم فحي أهلهحا بمحا شاء .فلمحا
بلغ أهلها ذلك ،علموا أنهم ل طاقحة لهحم به فقصحدوا القاضي مجحد الدين ،وطلبوا منحه
أن يحقحن دماء الفريقيحن ويوقحع الصحلح ،فخرج إلى الميحر حسحين .فترجحل له الميحر
عحن فرسحه وسحلم عليحه ووقحع الصحلح .ونزل الميحر حسحين ذلك اليوم خارج المدينحة.
فلمححا كان مححن الغححد برز أهلهححا للقائه فححي أجمححل ترتيححب وزينوا البلد وأوقدوا الشمححع
الكثيحر ،ودخحل الميحر حسحين فحي أبهحة وحفحل عظيحم وسحار فيهحم بأحسحن سحيرة .فلمحا
مات السلطان أبو سعيد وانقرض عقبه ،وتغلب كل أمير على ما بيده ،خافهم المير
حسحين على نفسحه وخرج عنهحم ،وتغلب السحلطان أبحو اسححاق عليهحا وعلى أصحفهان
وبلد فارس ،وذلك مسحيرة شهحر ونصحف شهحر .واشتدت شوكتحه وطمححت همتحه إلى
تملك مححا يليححه مححن البلد ،فبدأ بالقرب منهححا وهححي مدينححة بزد ،مدينححة حسححنة نظيفححة
عجيبحة السحواق ذات أنهار مطردة وأشجار نضيرة وأهلهحا تجار شافعيحة المذهحب؛
فحاصرها وتغلب عليها وتحصن المير مظفر شاه ابن المير محمد شاه بن مظفر
بقلعة على ستة أميال منها منيعة ،تحدق بها الرمال فحاصره بها .فظهر من المير
مظفححر مححن الشجاعححة مححا خرق المعتاد ،ولم يسححمع بمثله .فكان يضرب على عسححكر
السلطان أبي إسحاق ليلً ،ويقتل ما شاء ،ويخرق المضارب والفساطيط ،ويعود إلى
قلعتحه فل يقدر على النيحل منحه .وضرب ليلة على دوار السحلطان وقتحل هنالك جماعحة
وأخحذ محن عتاق خيله عشرة وعاد إلى قلعتحه .فأمحر السحلطان أن تركحب فحي كحل ليلة
خمسحة آلف فارس ويصحنعون له الكمائن .وتلحقحت العسحاكر فقاتلهحم ،وخلص إلى
قلعتحه ولم يصحب محن أصححابه إل واحداً أتحى بحه إلى السحلطان أبحي إسححاق فخلع عليحه
وأطلقحه وبعحث معحه أماناً لمظفحر لينزل إليحه فأبحى ذلك .ثحم وقعحت بينهمحا المراسحلة
ووقعت له محبة في قلب السلطان أبي إسحاق لما رأى من شجاعته .فقال :أريد أن
أراه ،فإذا رأيتحه انصحرفت عنحه .فوقحف السحلطان فحي خارج القلعحة ووقحف هحو ببابهحا،
وسلم عليه فقال له السلطان :إنزل على المان .فقال له مظفر :إني عاهدت ال أن ل
أنزل إليحك حتحى تدخحل أنحت قلعتحي وحينئذ أنزل إليحك ،فقال له أفعحل ذلك .فدخحل إليحه
فلمحا وصحل باب القلعحة ترجحل مظفحر وقبحل ركابحه ومشحى بيحن يديحه مترجلً ،فأدخله
داره وأكححل مححن طعامححه ونزل معححه إلى المحلة راكباً ،فأجلسححه السححلطان إلى جانبححه،
وخلع عليحه ثيابحه وأعطاه مالً عظيماً ،ووقحع التفاق بينهمحا ان تكون الخطبحة باسحم
السحلطان أبحي إسححاق ،وتكون البلد لمظفحر وأبيحه .وعاد السحلطان إلى بلده .وكان
السلطان أبو إسحاق طمح ذات مرة إلى بناء إيوان كإيوان كسرى وأمر أهل شيراز
أن يتولوا حفحر أسحاسه .فأخذوا فحي ذلك .وكان أهحل كحل صحناعة يباهون محن عداهحم،
فانتهوا فححي المباهاة إلى ان صححنعوا القفاف لنقححل التراب مححن الجلد ،وكسححوها ثياب
الحريحر المزركحش ،وفعلوا نححو ذلك فحي براذع الدواب ،وإخراجهحا ،وصحنع بعضهحم
الفؤوس مححن الفضححة ،وأوقدوا الشمححع الكثيححر .وكانوا حيححن الحفححر يلبسححون أجمححل
له .وقد شاهدت هذا المبنى وقد ارتفع عن الرض نحو ثلثة أذرع .ولما بني أساسه
رفحع عحن أهحل المدينحة التخديحم فيحه ،وصحارت القعلة تخدم فيحه بالجرة ،ويحشحر لذلك
آلف منهحم .وسحمعت والي المدينحة يقول إن معظحم مجباهحا ينفحق فحي ذلك البناء .وقحد
كان الموكحل بحه الميحر جلل الديحن بحن الفلكحي التوريزي ،وهحو محن الكبار .كان أبوه
نائباً عن وزير السطان أبي سعيد المسمى علي شاه جيلن .ولهذا المير جلل الدين
الفلكي أخ فاضل اسمه هبة الّ ،ويلقب بهاء الملك ،وفد على ملك الهند حين وفودي
عليحه ،ووفحد معنحا شرف الملك أميحر يخحت ،فخلع ملك الهنحد علينحا جميعاً ،وقدم كحل
واحد في شغل يليق به ،وعين لنا المرتب والحسان ،وسنذكر ذلك .وهذا السلطان
أبحو إسححاق يريحد التشبحه بملك الهنحد المذكور فحي اليثار وإجزال العطايحا .ولكحن أيحن
الثريحا محن الثرى .وأظحم ماتعارفنحا محن أعطيات أبحي إسححاق أنحه اعطحى الشيحخ زاده
الخراسححاني الذي أتاه رسححولً عححن ملك هراة سححبعين ألف دينار .وأمححا ملك الهنححد فلم
يزل يعطي أضعاف ذلك لمن ل يحصى كثرة من أهل خراسان وغيرهم.
حكاية
ومن عجيب فعل ملك الهند مع الخراسانيين أنه قدم عليه رجل من فقهاء خراسان
هروي المولد ،محن سحكان خوارزم ،يسحمى بالميحر عبحد ال ،بعثتحه الخاتون ترابحك
زوج المير قطلود مور صاحب خوارزم بهدية إلى ملك الهند المذكور ،فقبلها وكافأ
عنهحا بأضعافهحا وبعحث ذلك إليهحا ،واختار رسحولها المذكور القامحة عنده فصحيره فحي
ندمائه فلمحا كان ذات يوم قال له :ادخحل إلى الخزانحة فارفحع منهحا قدر محا تسحتطيع أن
تحمله مححن الذهححب .فرجححع إلى داره فأتححى بثلث عشرة خريطححة ،وجعححل فححي كححل
خريطحة قدر محا وسحعته وربحط كحل خريطحة بعضحو محن أعضائه ،وكان صحاحب قوة
وقام بهحا ،فلمحا خرج محن الخزانحة وقحع ولم يسحتطع النهوض .فأمحر السحلطان بوزن محا
خرج بححه فكان جملتححه ثلثححة عشححر مناً بمنان دهلي ،والمححن الواحححد منهححا خمسححة
حكاية تناسبها
اشتكحى مرة أميحر يخحت الملقحب بشرف الديحن الخراسحاني ،وهحو الذي تقدم ذكره آنفاً
بحضرة ملك الهند ،فأتاه الملك عائداً .ولما دخل عليه أراد القيام ،فحلف له الملك أن
ل ينزل عححن كتححه والكحت :السححرير .ووضحع للسححلطان متكأة يسححمونها المورة ،فقعححد
عليهحا .ثحم دعحا بالذهحب والميزان فأحضرا .وأمحر المريحض أن يقعحد فحي إحدى كفتحي
الميزان ،فقال يا خونحد عالم لو علمت أنحك تفعحل هذا للبسحت علي ثياباً كثيرة .فقال له
البححس الن جميححع مححا عندك مححن الثياب .فلبححس ثيابححه المعدة للبرد المحشوة بالقطححن،
وقعحد فحي كفحة الميزان ،ووضحع الذهحب فحي الكفحة الخرى حتحى رجححه الذهحب ،وقال
حكاية تناسبها
وفحد عليحه الفقيحر عبحد العزيحز الردويلي ،وكان قحد قرأ علم الحديحث بدمشحق ،فتفقحه
فيه .فجعل مرتبه مائة دينار دراهم في اليوم ،وصرف ذلك خمسة وعشرون ديناراً
ذهباً .وحضحر مجلسحه يوماً ،فسحأله السحلطان عحن حديحث ،فسحرد له أحاديحث كثيرة فحي
ذلك المعنحى ،فأعجبحه حفظحه ،وحلف له برأسحه أنحه ل يزول محن مجلسحه حاى يفعحل
معه ما يراه ،ثم نزل الملك عن مجلسه ،فقبل قدميه وأمر بإحضار صينية من ذهب،
وهحي مثحل الطيفور الصحغير ،وأمحر أن يؤتحى فيهحا ألف دينار محن الذهحب ،وأخذهحا
السححلطان بيده ،فصححبها عليححه ،وقال :هححي لك مححع الصححينية .ووفححد عليححه مرة رجححل
خراسححاني يعرف بابححن الشيححخ عبححد الرحمححن السححفراييني ،وكان أبوه نزل بغداد،
فأعطاه خمسين ألف دينار دراهم وخيل وعبيداً وخلعاً ،وسنذكر كثيراً من أخبار هذا
الملك عنحد ذكحر بلد الهنحد .وإنمحا ذكرنحا هذا لمحا قدمناه محن أن السحلطان أبحا إسححاق
يريحد التشبحه بحه فحي العطايحا .وهحو وإن كان كريماً فاضلً فل يلححق بطبقحة ملك الهنحد
فمنهحا مشهد أحمد بن موسحى أخي علي الرضا بن موسحى بن جعفر بن محمحد بن
علي بحن الحسحين بحن علي بحن أبحي طالب رضحي ال تعالى عنهحم ،وهحو مشهحد معظحم
عنحد أهحل شيراز يتحبركون بحه ،ويتوسحلون إلى ال تعالى بفضله .وبنحت عليحه طاش
خاتون أم السحلطان أبحي إسححاق مدرسحة كحبيرة وزاويحة فيهحا الطعام للوارد والصحادر.
والقراء يقرأون القرآن على التربحححة دائماً .ومحححن عادة الخاتون أنهحححا تأتحححي إلى هذا
المشهد في كل ليلة اثنين .ويجتمع في تلك الليلة القضاة والفقهاء والشرفاء .وشيراز
محن أكثحر بلد ال شرفاء .سحمعت محن الثقات أن الذيحن لهحم بهحا المرتبات محن الشرفاء
ألف وأربعمائة ونيف بين صغير وكبير ،ونقيبهم عضد الدين الحسيني .فإذا حضر
القوم بالمشهحد المذكور ختموا القرآن قراءة فحي المصحاحف ،وقرأ القراء بالصحوات
الحسنة ،وأتي بالطعام والفواكه والحلواء .فإذا أكل القوم ،وعظ الواعظ .ويكون ذلك
كله بعحد صحلة الظهحر إلى العشحي والخاتون فحي غرفحة مطلة على المسحجد لهحا شباك.
ثم ضرب الطبول والنفار والبوقات على باب التربة ،كما يفعل عند أبواب الملوك.
ومن المشاهد بها مشهد المام القطب الولي أبي عبد ال ابن خفيف المعروف عندهم
بالشيخ .وهو قدوة بلد فارس كلها ،ومشهد معظم عندهم ،يأتون إليهم بكره وعشياً،
فيتمسحون به .وقد رأيت القاضي مجد الدين أتاه زائراً واستلمته .وتأتي الخاتون إلى
هذا المسحجد فحي كحل ليلة جمعحة ،وعليحه زاويحة ومدرسحة ويجتمحع بحه القضاة والفقهاء
ويفعلون بححه كفعلهححم فححي مشهححد أحمححد بححن موسححى وقححد حضرت الموضعيححن جميعاً.
وتربة المير محمد شاه ينجو والد السلطان أبي إسحاق متصلة بهذه التربة .والشيخ
أبو عبد ال بن خفيف كبير القدر في الولياء شهير الذكر ،وهو الذي أظهر طريق
الفقراء ،فأصحابتهم مجاعحة فحي طريحق الجيحل حيحث لعمارة ،وتاهوا عحن الطريحق
وطلبوا من الشيخ ان يأذن لهم في القبض على بعض الفيلة الصغار ،وهي في ذلك
المححل كثيرة جداً ،ومنحه تحمحل إلى حضرة ملك الهنحد .فنهاهحم الشيحخ عحن ذلك .فغلب
عليهححم الجوع ،فتعدوا قول الشيححخ ،وقبضوا على فيححل صححغير منهححا وذكوه وأكلوا
لحمحه ،وامتنحع الشيحخ عحن أكله ،فلمحا ناموا تلك الليلة اجتمعحت الفيلة محن كحل ناحيحة
وأتت إليهم .فكانت تشم الرجل منهم وتقتله ،حتى أتت على جميعهم .وشمت الشيخ
ولم تتعرض له .وأخذه فيل منها ،ولف عليه خرطومه ،ورمى به على ظهره ،وأتى
بححه الموضححع الذي فيححه العمارة فلمححا رآه أهححل تلك الناحيححة عجبوا منححه واسححتقبلوه
ليتعرفوا أمره .فلمححا قرب منهححم أمسححكه الفيححل بخرطومححه ووضعححه عححن ظهره إلى
الرض بحيث يرونه .فجاءوا إليه وتمسكوا به إلى ملكهم ،فعرفوه خبره وهم كفار،
وأقام عندهححم أياماً .وذلك الموضححع على خور يسححمى خور الخيزران ،والخور هححو
النهححر .وبذلك الموضححع مغاص الجوهححر .ويذكححر أن الشيححخ غاص فححي بعححض اليام
بمحضححر ملكهححم وخرج وقححد ضححم يديححه معاً ،وقال للملك :اختححر مالك فححي إحداهمححا.
فاختار محا فحي اليمنحى فرمحى إليحه بمحا فيهحا ،وكانحت ثلثحة أحجار محن الياقوت ل مثيحل
لهحا ،وهحي عنحد ملوكهحم فحي التاج يتوارثونهحا .وقحد دخلت جزيرة سحيلن هذه ،وهحم
مقيمون على الكفحححر ،إل أنهحححم يعظمون فقراء المسحححلمين ،ويؤونهحححم إلى دورهحححم،
ويطعمونهحم الطعام ،ويكونون فحي بيوتهحم وبيحن أهليهحم وأولدهحم ،خلفاً لسحائر كفار
الهنحد فإنهحم ل يقربون المسحلمين ،ول يطعمونهحم فحي آنيتهحم ،ول يسحقونهم فيهحا .محع
أنهم ل يؤذونهم ول يهجونهم .ولقد كنا نضطر إلى أن يطبخ لنا بعض اللحم ،فيأتون
به في قدورهم ،ويقعدون على بعد منا ،ويأتون بأوراق الموز فيجعلون عليها الرز
وهحو طعامهحم ،ويصحبون عليحه الكوشال وهحو الدام ،ويذهبون فنأكحل منحه .وما فضحل
علينححا تأكله الكلب والطيححر .وإن أكححل منححه الولد الصححغير الذي ل يعقححل ضربوه
وأطعموه روث البقحر ،وهحو الذي يطهحر ذلك فحي زعمهحم .ومحن المشاهحد بهحا مشهحد
الشيحخ الصحالح القطحب روزجهان القبلي محن كبار الولياء ،وقحبره فحي مسحجد جامحع
يخطحب فيحه ،وبذلك الجامحع يصحلي القاضحي مجحد الديحن الذي تقدم ذكره رضحي ال
عنحه .وبهذا الجامحع سحمعت عليحه كتاب مسحند المام أبحي عبحد ال محمحد بحن إدريحس
الشافعحي .قال :أخبرتنحا بحه وزيرة بنحت عمحر بحن المنجحا ،قالت :أخبرنحا أبحو عبحد ال
الحسحين بحن أبحي بكحر بحن المبارك الزبيدي ،قال :أخبرنحا زرعحة طاهحر بحن محمحد بحن
طاهحر المقدسحي ،قال :أخبرنحا أبحو الحسحن المكحي بحن محمحد بحن منصحور بحن علن
العرضي ،قال :أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي عن أبي عباس بن
يعقوب ألصحم عحن الربيحح بحن سحليمان المرادي عحن المام أبحي عبحد ال الشافعحي.
وسحمعت أيضاً عحن القاضحي مجحد الديحن بهذا الجامحع المذكور كتاب مشارق النوار
للمام رضحي ال أبحي الفضائل الحسحن بن محمحد بحن الحسحن الصحاغاني بححق سحماعه
له محن الشيحخ جلل الديحن أبحي هاشحم محمحد بحن محمحد بحن أحمحد الهاشمحي الكوفحي
بروايته عن المام نظام الدين محمود بن عمر الهراوي عن المصنف .ومن المشاهد
بهححححححا مشهححححححد الشيححححححخ الصححححححالح زركوب ،وعليححححححه زاويححححححة لطعام الطعام.
وهذه المشاهد كلها بداخل المدينة ،وكذلك معظم قبور أهلها ،فإن الرجل منهم يموت
ولده أو زوجتحه ،فيتخحذ له تربحة محن بعحض بيوت داره ،ويدفنحه هناك ،ويفرش البيحت
بالحصر والبسط ،ويجعل الشمع الكثير عند رأس الميت ورجليه ويصنع للبيت باباً
إلى ناحية الزقاق وشباك حديد ،فيدخل منه القراء يقرأون بالصوات الحسان .وليس
في معمور الرض أحسن أصواتاً بالقرآن من أهل شيراز .ويقوم أهل الدار بالتربة
ويفرشونهحا ويوقدون السحرج بهحا .فكأن الميحت لم يحبرح .وذكحر لي أنهحم يطبخون فحي
حكاية
مررت يوماً ببعحض أسحواق مدينحة شيراز ،فرأيحت بهحا مسحجداً متقحن البناء جميحل
الفرش ،وفيحه مصحاحف موضوعحة فحي خرائط حريحر موضوعحة فوق كرسحي ،وفحي
الجهحة الشماليحة محن المسحجد زاويحة فيهحا شباك مفتحح إلى جهحة السحوق وهنالك شيحخ
جميل الهيئة والباس ،وبين يديه مصحف يقرأ فيه فسلمت عليه وجلست إليه فسألني
عحن مقدمحي فأخحبرته ،وسحألته عحن شأن هذا المسحجد فأخحبرني أنحه هحو الذي عمره
ووقف عليه أوقافاً كثيرة للقراء وسواهم ،وأن تلك الزاوية ألتي جلست إليه فيها هي
موضع قبره إن قضى ال موته بتلك المدينة ،ثم رفع بسطاً كان تحته ،والقبر مغطى
عليححه ألواح خشححب ،وأرانححي صححندوقاً كان بإزائه ،فقال :فححي هذا الصححندوق كفنححي
وحنوطي ودراهم كنت استأجرت بها نفسي في حفر بئر لرجل صالح فدفع لي هذه
الدراهم ،فتركتها لتكون نفقة مواراتي وما فضل منها يتصدق بها فعجبت من شأنه
وأردت النصححراف فحلف علي وأضافنححي بذلك الموضححع .ومححن المشاهححد بخارج
شيراز قححبر الشيححخ الصححالح المعروف السححعدي وكان أشعححر أهححل زمانححه باللسححان
الفارسحي ،وربمحا ألمحع فحي كلمحه بالعربحي وله زاويحة كان قحد عمرهحا بذلك الموضحع
حسنة ،بداخلها بستان مليح وهي بقرب رأس النهر الكبير المعروف بركن أباد وقد
صححنع الشيححخ هنالك أحواضاً صححغاراً مححن المرمححر لغسححل الثياب فيخرج الناس مححن
المدينححة لزيارتححه ويأكلون مححن سححماطه ويغسححلون ثيابهححم بذلك النهححر ،وينصححرفون.
وكذلك فعلت عنده رحمححه ال .وبمقربححة مححن هذه الزاويححة زاويححة أخرى تتصححل بهححا
مدرسة مبنية على قبر شمس الدين السماني ،وكان من المراء الفقهاء ،ودفن هنالك
وبمدينحة شيراز من الفقهاء الشريحف مجحد الديحن وأمره فحي الكرم عجيحب ،وربمحا جاد
بكحل محا عنده وبالثياب التحي كانحت عليحه ،ويلبحس مرقعحة فيدخحل عليحه كحبراء المدينحة
فيجدونحه على تلك الحال فيكسحونه .ومرتبحه فحي كحل يوم محن السحلطان خمسحون ديناراً
دراهحم .ثحم كان خروجحي محن شيراز برسحم زيارة قحبر الشيحخ الصحالح أبحي إسححاق
الكازرونححي بكازرون ،وهححي على مسححيرة يوميحن محن شيراز ،فنزلنحا أول يوم ببلد
كرامحة لبعضهحم :كنحت يوماً ببعحض المسحاجد بشيراز ،وقحد قعدت أتلو كتاب ال عحز
وجحل إثحر صحلة الظهحر ،فخطحر بخاطري أنحه لو كان لي مصححف كريحم لتلوت فيحه،
فدخل علي في أثناء ذلك شاب وقال لي بكلم قوي خذ :فرفعت رأسي إليه فألقى في
حجري مصحفاً كريماً وذهب عني .فختمته ذلك اليوم قراءة وانتظرته لرده له ،فلم
يعد إلي ،فسألت عنه فقيل لي :ذلك بهلول الشولي ،ولم أره بعد .ووصلنا عشي اليوم
الثاني إلى كازرون ،فقصدنا زاوية الشيخ أبي إسحاق نفع ال به ،وبتنا بها تلك الليلة
ومححن عادتهححم أن يطعموا الوارد كائناً مححن كان مححن الهريسححة المصححنوعة مححن اللحححم
والسححمن وتؤكححل بالرقاق ول يتركون الوارد عليهححم للسححفر حتححى يقيححم فححي الضيافححة
ثلثحححة ،ويعرض على الشيحححخ الذي بالزاويحححة حوائجحححه ،ويذكرهحححا الشيحححخ للفقراء
الملزميححن للزاويححة ،وهححم يزيدون على مائة ،منهححم المتزوجون ومنهححم العزاب
المتجردون ،فيختمون القرآن ويذكرون الذكححر ويدعون له عنححد ضريححح الشيححخ أبححي
إسحححاق فتقضححى حاجتححه بإذن ال وهذا الشيححخ أبححو إسحححاق معظححم عنححد أهححل الهنححد
والصحين ومحن عادة الركاب فحي بححر الصحين أنهحم إذا تغيحر عليهحم الهواء ،وخافوا
اللصوص ،نذروا لبي إسحاق نذراً ،وكتب كل منهم على نفسه ما نذره فإذا وصلوا
بر السلمة ،صعد خادم الزاوية إلى المركب ،وأخذوا الزمام ،وقبضوا من كل ناذر
نذره ومحا محن مركحب يأتحي محن الصحين أو الهنحد إل وفيحه آلف محن الدنانيحر فيأتحي
الوكلء من جهة خادم الزاوية فيقبضون ذلك .ومن الفقراء ،ومن يأتي طالباً صدقة
الشيوخ ،فيكتححب له أمححر بهححا ،وفيححه علمححة الشيححخ منقوشححة فححي قالب مححن الفضححة،
فيضعون القالب فحي صحبغ أحمحر ويلصحقونه بالمحر ،فيبقحى أثحر الطابحع فيحه ويكون
مضمنححه أن مححن عنده نذر للشيححخ أبححي إسحححاق فليعححط منححه لفلن كذا فيكون المححر
باللف والمائة ومحا بيحن ذلك ودونحه على قدر الفقيحر ،فإذا وجحد محن عنحه شيحء محن
النذر قبحض منحه كتحب له رسحمًا فحي ظهحر المحر بمحا قبضحه .ولقحد نذر ملك الهنحد مرة
للشيحخ أبحي إسححاق بعشرة آلف دينار ،فبلغ خبرهحا إلى فقراء الزاويحة ،فأتحى أحدهحم
إلى الهنحد وقبضهحا وانصحرف بهحا إلى الزاويحة ،ثحم سحافرن محن كازرون إلى مدينحة
الزيديحن ،وسحميت بذلك لن فيهحا قحبر زيحد بحن ثابحت وقحبر زيحد بحن أرقحم النصحاريين
صحاحبي رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم تسحليماً ،ورضحي ال عنهمحا وهحي مدينحة
حسححنة كثيرة البسححاتين والمياه ،مليحححة السححواق عجيبححة المسححاجد ،ولهلهححا صححلح
وأمانحة وديانحة ،ومحن أهلهحا القاضحي نور الديحن الزيدانحي ،وكان ورد على أهحل الهنحد
فولي القضاء منهحا بذيبحة المهحل ،وهحي جزائر كثيرة ملكهحا جلل الديحن بحن صحلح
الديحن الصحالح ،وتزوجحت بأخحت هذا الملك وسحيأتي ذكره وذكحر بنتحه خديجحة التحي
تولت الملك بعده بهذه الجزائر ،وبهحا توفحي القاضحي نور الديحن المذكور .ثحم سحافرنا
منهحا إلى الحويزاء بالزاي ،وهحي مدينحة صحغيرة يسحكنها العجحم ،بينهحا وبيحن البصحرة
مسحيرة أربحع ،وبينهحا وبيحن الكوفحة مسحيرة خمحس ،ومحن أهلهحا الشيحخ الصحالح العابحد
جمال الديحن الحويزانحي شيحخ خانقاه سحعيد السحعداء بالقاهرة ثحم سحافرنا منهحا قاصحدين
الكوفحة فحي بريحة ل ماء بهحا إل فحي موضحع واححد يسحمى الطرفاوي ،وردناه فحي اليوم
الثالث من سفرنا ،ثم وصلنا بعد اليوم الثاني من ورودنا عليه إلى مدينة الكوفة.
مدينة الكوفة
وهحي إحدى أمهات البلد العراقيحة المتميزة فيهحا بفضحل المزيحة مثوى الصححابة،
والتابعيحن ومنزل العلماء والصحالحين ،وحضرة علي بحن أبحي طالب أميحر المؤمنيحن
إل أن الخراب قد استولى عليها بسبب أيدي العدوان التي امتدت إليها ،وفسادها من
عرب خفاجححة المجاوريححن لهححا ،فإنهححم يقطعون طريقهححا ول سححور عليهححا ،وبناؤهححا
بالجر ،وأسواقها حسان وأكثر ما يباع فيها التمر والسمك وجامعها العظم جامع
كحبير شريحف ،بلطاتحه سحبع قائمحة على سحواري حجارة ضخمحة منحوتحه ،قحد صحنعت
قطعاً ،ووضع بعضها على بعض ،وأفرغت بالرصاص وهي مفرطة الطول ،وبهذا
المسححجد آثار كريمححة ،فمنهححا بيححت إزاء المحراب عححن يميححن مسححتقبل القبلة يقال إن
الخليحل صحلوات ال عليحه كان له مصحلى بذلك الموضحع وعلى مقربحة منحه محراب
محلق عليه بأعواد السحاج مرتفحع ،وهحو محراب علي بن أبحي طالب رضي ال عنه،
وهنالك ضربحه الشقحي ابحن ملجحم والناس يقصحدون الصحلة بحه وفحي الزاويحة محن هذا
البلط مسحجد صحغير محلق عليحه أيضاً بأعواد السحاج ،يذكحر أنحه الموضحع الذي فار
منحه التنور حيحن طوفان نوح عليحه السحلم ،وفحي ظهره خارج المسحجد بيحت يزعمون
أنحه بيحت نوح عليحه السحلم ،وإزاءه بيحت يزعمون أنحه متعبحد إدريحس عليحه السحلم،
ويتصحل بذلك فضاء ،ويتصحل بالجدار القبلي للمسحجد ،يقال :إنحه موضحع إنشاء سحفينة
نوح عليحه السحلم .وفحي آخحر هذا الفضاء دار علي بحن أبحي طالب رضحي ال عنحه،
والبيحت الذي غسحل فيحه ويتصحل بحه بيحت يقال أيضاً ،إنحه بيحت نوح عليحه السحلم ،وال
أعلم بصححة ذلك كله .وفي الجهة الشرقية من الجامع بيت مرتفع ،يصحعد إليحه ،قبر
مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي ال عنه وبمقربة منه خارج المسجد قبر عاتكة
وسكينة بنتي الحسين عليه السلم .وأما قصر المارة بالكوفة الذي بناه سعد بن أبي
وقاص رضحي ال عنحه فلم يبحق إل أسحاسه ،والفرات محن الكوفحة على مسحافة نصحف
فرسخ في الجانب الشرقي منها ،وهو منتظم بحدائق النخل الملتفة المتصل بعضها
بعحض ،ورأيحت بغربحي جبانحة الكوفحة موضعاً مسحوداً شديحد السحواد فحي بسحيط أبيحض،
فأخحبرت أنحه قحبر الشقحي ابحن ملجحم ،وأن أهحل الكوفحة يأتون كحل سحنة بالحطحب الكثيحر
فيوقدون النار على موضع قبره سبعة أيام وعلى قرب منه قبة أخبرت أنها على قبر
ثحم رحلنحا ونزلنحا بئر ملححة ،وهحي بلدة حسحنة بيحن حدائق نخحل ،ونزلت بخارجهحا
وكرهحت دخولي لهحا ،لن أهلهحا روافحض ورحلنحا منهحا الصحبح فنزلنحا مدينحة الحلة
وهحي مدينحة كحبيرة مسحتطيلة محع الفرات وهحو بشرقيهحا ،ولهحا أسحواق حسحنة جامعحة
للمرافحححق والصحححناعات وهحححي كثيرة العمارة ،وحدائق النخحححل منتظمحححة بهحححا داخلً
وخارجاً ،ودورها بين الحدائق ولها جسر عظيم معقود على مراكب متصلة منتظمة
فيما بين الشطين ،تحف بها من جانبيها سلسل من حديد مربوطة في كل الشطين
إلى خشبحة عظيمحة مثبتحة بالسحاحل .وأهحل هذا المدينحة كلهحا إماميحة اثنحا عشريحة وهحم
طائفتان :إحداهمححا تعرف بالكراد والخرى تعرف بأهححل الجامعيححن والفتنححة بينهححم
متصحلة ،والقتال قائم بمقربحة محن السحوق العظحم .بهذه المدينحة مسحجد على بابحه سحتر
حرير مسدول ،وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ،ومن عاداتهم أن يخرج في كل
ليلة مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلم ،وبأيديهم سيوف مشهورة .فيأتون أمير
المدينحححة بعحححد صحححلة العصحححر يأخذون منحححه فرسحححًا مسحححرجاً ملجماً أو بغلة كذلك،
ويضربون الطبول والنفار والبوقات أمام تلك الدابحححة ،ويتقدمهحححا خمسحححون منهحححم
ويتبعهحا مثلهحم ويمشحي آخرون عحن يمينهحا وشمالهحا ،ويأتون مشهحد صحاحب الزمان،
فيقفون بالباب ،ويقولون :باسم ال يا صاحب الزمان باسم ال اخرج قد ظهر الفساد،
وكثر الظلم ،وهذا أوان خروجك فيفرق ال بك بين الحق والباطل ،ول يزالون كذلك
وهحححم يضربون البواق والطبال والنفار إلى صحححلة المغرب ،وهحححم يقولون :إن
محمحد بن الحسن العسحكري دخحل ذلك المسحجد وغاب فيه ،وأنه سحيخرج وهحو المام
المنتظر عندهم وقد كان غلب على مدينة الحلة بعد موت السلطان أبي سعيد المير
محمد بن رميثة بن أبي نمي أمير مكة ،وحكمها أعواماً ،وكان حسن السيرة يحمده
أهححل العراق ،إلى أن غلب عليححه الشيححخ حسححن سححلطان العراق فعذبححه وقتله وأخححذ
الموال والذخائر التي كانت عنده .ثحم سافرنا منهحا إلى مدينحة كربلء مشهحد الحسحين
بن علي عليهما السلم وهي مدينة صغيرة تحفها حدائق النخل ويسيقها ماء الفرات
والروضححة المقدسححة داخلهحا ،وعليهحا مدرسححة عظيمححة ،وزاويحة كريمححة فيهحا الطعام
للوارد والصادر وعلى باب الروضة الحجاب والقومة ،ل يدخل أحد إل عن إذنهم،
فيقبل العتبة الشريفة وهي من الفضة وعلى الضريح المقدس قناديل الذهب والفضة
وعلى البواب أسحتار الحريحر وأهحل هذه المدينحة طائفتان ،أولد رخيحك وأولد فائز،
وبينهمحا القتال أبداً وهحم جميعاً إماميحة يرجعون إلى أب واححد ،ولجحل فتنهحم تخربحت
مدينة بغداد
مدينحة دار السحلم ،وحضرة السحلم ،ذات القدر الشريحف ،والفضحل المنيحف ،مثوى
الخلفاء ،ومقححر العلماء ،وقال أبححو الحسححن بححن جححبير رضححي ال عنححه :وهذه المدينححة
العتيقحة وإن لم تزل حضرة الخلفحة العباسحية ،ومثابحة الدعوة الماميحة القرشيحة ،فقحد
ذهححب رسححمها .ولم يبححق إل اسححمها .وهححي بالضافححة إلى مححا كانححت عليححه قبححل إنحاء
الحوادث عليهححححا والتفات أعيححححن النوائب إليهححححا كالطلل الدارس ،أو تمثال الخيال
الشاخحص ،فل حسحن فيهحا يسحتوقف البصحر ،ويسحتدعي محن المسحتوفز الغفلة والنظحر،
إل دجلتهحا التحي هحي بيحن شرقيهحا وغربيهحا كالمرآة المجلوة بيحن صحفحتين ،أو العقحد
المنتظحم بيحن لبتيحن .فهحي تردهحا ول تظمحأ ونتطلع منهحا فحي مرآة صحقيلة ل تصحدأ،
والحسحن الحريمحي بيحن هوائهحا ومائهحا ينشحأ .قال ابحن جزي :وكان أبحا تمام ححبيب بحن
فأطالوا وأطابوا ،وفيها قال المام القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر
الحلة ،والناس يعبرونهمحا ليلً ونهاراً ،رجالً ونسحاء فهحم فحي ذلك فحي نزهحة متصحلة
ببغداد محن المسحاجد التحي يخطحب فيهحا ،وتقام فيهحا الجمعحة أححد عشحر مسحجداً ،منهحا
بالجانب الغربي ثمانية ،وبالجانب الشرقي ثلثة والمساجد سواها كثيرة جداً ،وكذلك
المدارس إل أنهحا خربحت .وحمامات بغداد كثيرة وهحي محن أبدع الحمامات ،وأكثرهحا
مطليحة بالقار مسحطحة بحه ،فيخيحل لرائيحه أنحه رخام أسحود ،وهذا القار يجلب محن عيحن
بيحن الكوفحة والبصحرة تنبحع أبداً بحه ،ويصحير فحي جوانبهحا كالصحلصال ،فيجرف منهحا،
ويجلب إلى بغداد .وفحي كحل حمام منهحا خلوات كثيرة كحل خلوة منهحا مفروشحة بالقار
مطلي نصف حائطها مما يلي الرض به ،والنصف العلى مطلي بالجص البيض
الناصحع ،فالضدان بهحا مجتمعان ،متقابحل حسحنهما وفحي داخحل كحل خلوة حوض محن
الرخام فيحه أنبوبان أحدهمحا يجري بالماء الحار والخحر بالماء البارد فيدخحل النسحان
الخلوة منهححا منفرداً ل يشاركححه أحححد إل إن أراد ذلك وفححي زاويححة كححل خلوة أيضاً
حوض آخحر للغتسحال فيحه أيضاً أنبوبان يجريان بالحار والبارد وكحل داخحل يعطحى
ثلثاً مححن الفوط إحداهمححا يتزر بهححا عنححد دخوله والخرى يتزر بهححا عنححد خروجححه،
والخرى ينشحف بهحا الماء عحن جسحده ولم أر هذا التقان كله فحي مدينحة سحوى بغداد،
الجانحب الغربحي منهحا هحو الذي عمحر أولً ،وهحو الن خراب أكثره وعلى ذلك فقحد
بقحي منحه ثلث عشرة محلة ،كحل محلة كأنهحا مدينحة بهحا الحمامان والثلثحة وفحي ثمانٍح
منها المساجد الجامعة ومن هذه المحلت محلة باب البصرة وبها جامع الخليفة أبي
جعفر المنصور رحمه ال ،والمارستان ،فيما بين محلة باب البصرة ومحلة الشارع
على الدجلة ،وهحو قصحر كحبير خرب بقيحت منحه الثار وفحي هذا الجانحب الغربحي محن
المشاهححد قححبر معروف الكرخححي رضححي ال عنححه ،وهححو فححي محلة باب البصححرة،
وبطريحق باب البصحرة مشهحد حافحل البناء فحي داخله قحبر متسحع السحنام ،عليحه مكتوب:
هذا قبر عون من أولد علي بن أبي طالب ،وفي هذا الجانب قبر موسى الكاظم بن
جعفحر الصحادق والد علي بحن موسحى الرضحا ،وإلى جانبحه قحبر الجواد والقحبران داخحل
وهذه الجهحة الشرقيحة محن بغداد حافلة السحواق عظيمحة الترتيحب ،وأعظحم أسحواقها
سححوق يعرف بسححوق الثلثاء ،كححل صححناعة فيهححا على حدة وفححي وسححط هذا السححوق
المدرسة النظامية العجيبة التي صارت المثال تضرب بحسنها وفي آخره المدرسة
المسححتنصرية ونسححبتها إلى أميححر المؤمنيححن المسححتنصر بال أبححي جعفححر ابححن أميححر
المؤمنين الظاهر ابن أمير المؤمنين الناصر وبها المذاهب الربعة لكل مذهب ايوان
فيحه المسحجد ،وموضحع التدريحس ،وجلوس المدرس فحي قبحة محن خشحب صحغيرة على
كرسحي ،عليحه البسحط ،ويقعحد المدرس ،وعليحه السحكينة والوقار ،لبسحاً ثياب السحواد
معتماً ،وعلى يمينه ويساره معيدان يعيدان كل ما يمليه ،هكذا ترتيب كل مجلس من
هذه المجالس الربعحة وفحي داخحل هذه المدرسحة الحمام للطلبحة ودار الوضوء وبهذه
الجهة الشرقية من المساجد التي تقام فيها الجمعة ثلثة :أحدها جامع الخليفة ،وهو
المتصحل بقصحور الخلفاء ودورهحم ،وهحو جامحع كحبير فحي سحقايات ومطاهحر مثيرة
للوضوء وللغسححل ،ولقيححت بهذا المسححجد الشيححخ المام العالم الصححالح مسححند العراق
سحراج الديحن أبحا حفحص عمحر بحن علي بحن عمحر القزوينحي ،وسحمعت عليحه فيحه جميحع
مسحند أبحي محمحد عبحد ال بحن عبحد الرحمحن بحن الفضحل بحن بهرام الدارمحي ،وذلك فحي
شهحر رجحب الفرد عام سحبعة وعشريحن وسحبعمائة قال :أخبرتنحا بحه الشيخحة الصحالحة
المسحندة بنحت الملوك فاطمحة بنحت العدل تاج الديحن أبحي الحسحن علي بحن علي بحن أبحي
البدر قالت :أخبرنا الشيخ أبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز ،الطبيب المارستاني
قال :أخبرنحا أبحو الوقحت عبحد الول بحن شعيحب السحنجري الصحوفي قال :أخبرنحا المام
أبو الحسن عبد الرحمن بن المظفر الداودي ،قال :أخبرنا أبو محمد عبد ال بن أحمد
بحن حمويحه السحرخسي عحن أبحي عمران عيسحى ابحن عمحر بحن العباس السحمرقندي عحن
أبحي محمحد عبحد ال بحن عبحد الرحمحن بحن الفضحل الدارمحي .والجامحع الثانحي جامحع
السلطان ،وهو خارج البلد وتتصل به قصور تنسب للسلطان ،والجامع الثالث جامع
وقبور الخلفاء العباسححيين رضححي ال عنهححم بالرصححافة .وعلى كححل قححبر منهححا اسححم
صحاحبه :قحبر المهدي وقحبر الهادي وقحبر الميحن وقحبر المعتصحم وقحبر الواثحق وقحبر
المتوكحل وقحبر المنتصحر وقحبر المسحتعين وقحبر المعتحز وقحبر المهتدي وقحبر المعتمحد
وقحبر المعتضد وقبر المكتفي وقحبر المقتذر وقحبر القاهر وقبر الراضحي وقبر المتقي
وقبر المستكفي وقبر المطيع ل وقبر الطائع وقبر القائم وقبر القادر وقبر المستظهر
وقحبر المسحترشد وقحبر الراشحد وقحبر المقتفحي وقحبر المسحتنجد وقحبر المسحتضيء وقحبر
الناصحر وقحبر الظاهحر وقحبر المسحتنصر وقحبر المسحتعصم وهحو آخرهحم ،وعليحه دخحل
التتحر ببغداد بالسحيف وذبحوه بعحد أيام محن دخولهحم ،وانقطحع محن بغداد اسحم الخلفحة
العباسحية ،وذلك فحي سحنة أربحع وخمسحين وسحتمائة .وبقرب الرصحافة قحبر المام أبحي
حنيفحة رضححي ال عنححه ،وعليححه قبحة عظيمححة وزاويححة فيهحا الطعام للوارد والصححادر.
وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ما عدا هذه الزاوية .فسبحان مبيد
الشياء ومغيرهحا .وبالقرب منهحا قحبر المام أبحي عبحد ال أحمحد بحن حنبحل رضحي ال
عنه ول قبة عليه .ويذكر أنها بنيت على قبره مراراً فتهدمت بقدرة ال تعالى .وقبره
عنحد أهحل بغداد معظحم ،وأكثرهحم على مذهبحه .وبالقرب منحه قحبر أبحي بكحر الشبلي محن
أئمة المتصوفة رحمه ال ،وقبر سري السقطي وقبر بشر الحافي وقبر داود الطائي
وقبر أبي القاسم الجنيد ،رضي ال عنهم أجمعين .وأهل بغداد لهم يوم في كل جمعة
لزيارة شيححخ مححن هؤلء المشايححخ ،ويوم لشيححخ آخححر يليححه ،هكذا إلى آخححر السححبوع.
وببغداد كثير من قبور الصالحين والعلماء رضي ال عنهم .وهذه الجهة الشرقية من
بغداد ليححس بهححا فواكححه ،وإنمححا تجلب إليهححا مححن الجهححة الغربيححة لن فيهححا البسححاتين
والحدائق ووافق وصولي إلى بغداد كون ملك العراق بها ،فلنذكره ها هنا.
وهو السلطان الجليل أبو سعيد بهادرخان ،وخان عندهم الملك " وبهادر بفتح الباء الموحدة
وضم الدال المهمل وآخره راء " ،ابن السلطان الجليل محمد خذابنده ،وهو الذي أسلم من
ملوك التتر -وضبط اسمه مختلف فيه ،فمنهم من قال إن اسمه خذابنده " بخاء معجمة
مضمومة وذال معجم مفتوح " وبنده لم يختلف فيه " وهو بباء موحدة مفتوحة ونون مسكنة
ودال مهمل مفتوح وهاء استراحة " ،وتفسيره على هذا القول عبد ال ،لن خذا بالفارسية
اسم ال عز وجل وبنده غلم أو عبد أو ما في معناهما .وقيل :إنما هو خربنده " بفتح الخاء
المعجم وضم الراء المهمل " ،وتفسير خر بالفارسية الحمار فمعناه على هذا غلم الحمار.
فشد ما بين القولين من الخلف على أن هذا الخير هو المشهور ،وكأن الول غيره إليه من
تعصب .وقيل :إن سبب تسميته بهذا الخير هو أن التتر يسمون المولود باسم أول داخل
على البيت عند ولدته .فلما ولد هذا السلطان كان أول داخل الزمال ،وهم يسمونه خربندة
فسمي به .وأخو خربنده هو قازغان الذي يقول فيه للناس :قازان ،وقازغان هو القدر .وقيل:
سمي بذلك لنه ولد لما دخلت الجارية ومعها القدر .وخذابنده هو الذي أسلم ،وقدمنا قصته
وكيف أراد أن يحمل الناس لما أسلم على الرفض ،وقصة القاضي مجد الدين معه ،ولما
مات ولي الملك ولده أبو سعيد بهادرخان ،وكان ملكاً فاضلً كريماً ملك وهو صغير السن،
ورأيته ببغداد ،وهو شامل أجمل خلق ال صورة ،ل نبات بعارضيه ووزيره إذ ذاك المير
غياث الدين محمد بن خواجه رشيد ،وكان أبوه من مهاجرة اليهود ،واستوزره السلطان
محمد خذابنده والد أبي سعيد .رأيته يوماً بحراقة في الدجلة ،وتسمى عندهم الشبارة ،وهي
شبه سلورة ،وبين يديه دمشق خواجه ابن المير جوبان المتغلب على أبي سعيد ،وعن يمينه
وشماله شبارتان فيهما أهل الطرب والغناء .ورأيت من مكارمه في ذلك اليوم أنه تعرض له
جماعة من العميان فشكوا ضعف حالهم ،فأمر لكل واحد منهم بكسوة وغلم يقوده ونفقة
تجري عليه ،ولما ولي السلطان أبو سعيد وهو صغير كما ذكرناه ،استولى على أمره أمير
المراء الجوبان ،وحجر عليه التصرفات ،حتى لم يكن بيده من الملك إل السم .ويذكر أنه
احتاج في بعض العياد إلى نفقة ينفقها ،فلم يكن له سبيل إليها ،فبعث إلى أحد التجار
فأعطاه من المال ما أحب ،ولم يزل كذلك إلى أن دخلت عليه يوماً زوجة أبيه دنيا خاتون
فقالت له :لو كنا نحن الرجال ما تركنا الجوبان وولده على ما هما عليه فاستفهمها عن
مرادها بهذا الكلم فقالت له :لقد انتهى أمر دمشق خواجه بن الجوبان أن يفتك بحرم أبيك،
وأنه بات البارحة عند طغى خاتون .وقد بعث إلي قال لي :الليلة أبيت عندك .وما الرأي إل
أن تجمع المراء والعساكر ،فإذا صعد إلى القلعة مختفياً برسم المبيت ،أمكنك القبض عليه.
وأبوه يكفي ال أمره .وكان الجوبان إذا ذاك غائباً بخراسان ،فغلبته الغيرة وبات يدبر أمره،
فلما علم أن دمشق خواجه بالقلعة أمر المراء والعساكر أن يطيفوا بها من كل ناحية ،فلما
كان بالغد ،وخرج دمشق ومعه جندي يعرف بالحاج المصري ،فوجد سلسلة معرضة على
باب القلعة وعليها قفل لم يمكنه الخروج راكباً .فضرب الحاج المصري السلسلة بسيفه
فقطعها وخرجا معاً ،فأحاطت بهما العساكر ،ولحق أمير من المراء الخاصكية يعرف
بمصر خواجه ،وفتى يعرف بلؤلؤ دمشق فقتله ،وأتيا الملك أبا سعيد برأسه فرموا به بين
يدي فرسه .وتلك عادتهم أن يفعلوا برأس كبار أعدائهم .وأمر السلطان بنهب داره وقتل من
قاتل من خدامه ومماليكه .واتصل الخبر بأبيه الجوبان وهو بخراسان ،ومعه أولده مير
حسن وهو الكبر وطالش وجلوخان وهو أصغرهم وهو ابن اخت السلطان أبي سعيد من
أمه ساطي بك بنت السلطان خذابنده ،ومعه عساكر التتر وحاميها .فاتفقوا على قتال
السلطان أبي سعيد وزحفوا إليه فلما التقى الجمعان هرب التتر إلى سلطانهم .وأفردوا
الجوبان .فلما رأى ذلك نكص على عقبيه ،وفر إلى صحراء سجستان ،وأوغل فيها ،وأجمع
على اللحاق بملك هراة غياث الدين مستجيراً به ومتحصناً بمدينته .وكانت له عليه أيادٍ
سابقة فلم يوافقه ولداه حسن وطالش على ذلك ،وقال له :إنه ل يفي بالعهد ،وقد غدر
بفيروزشاه بعد ان لجأ إليه وقتله .فأبى الجوبان إل أن يلحق به ففارقه ولداه وتوجه ومعه
ابنه الصغير جلوخان ،فخرج غياث الدين لستقباله وترجل له وأدخله المدينة على
المان ،ثم غدر به بعد أيام ،وقتله وقتل ولده ،وبعث برأسيهما إلى السلطان أبي سعيد .وأما
الحسن وطالش فإنهما قصدا خوارزم وتوجها إلى السلطان محمد أوزبك ،فأكرم مثواهما
وأنزلهما ،إلى أن صدر منهما ما أوجب قتلهما فقتلهما .وكان للجوبان ولد رابع اسمه
الدمرطاش فهرب إلى ديار مصر ،فأكرمه الملك الناصر وأعطاه السكندرية ،فأبى من
قبولها وقال :إنما أريد العساكر لقاتل أبا سعيد .وكان متى بعث إليه الملك الناصر بكسوة
أعطى هو للذي يوصلها إليه أحسن منها إزراء على الملك الناصر ،وأظهر أموراً أوجبت
قتله فقتله ،وبعث برأسه إلى أبي سعيد وقد ذكرنا قصته وقصة قراسنقور فيما تقدم .ولما قتل
الجوبان جيء به وبولده ميتين ،فوقف بهما على عرافات ،وحمل إلى المدينة ليدفنا في
التربة التي اتخذها الجوبان بالقرب من مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فمنع من ذلك
ودفن بالبقيع .والجوبان هو الذي جلب الماء إلى مكة شرفها ال تعالى.لستقباله وترجل له
وأدخله المدينة على المان ،ثم غدر به بعد أيام ،وقتله وقتل ولده ،وبعث برأسيهما إلى
السلطان أبي سعيد .وأما الحسن وطالش فإنهما قصدا خوارزم وتوجها إلى السلطان محمد
أوزبك ،فأكرم مثواهما وأنزلهما ،إلى أن صدر منهما ما أوجب قتلهما فقتلهما .وكان
للجوبان ولد رابع اسمه الدمرطاش فهرب إلى ديار مصر ،فأكرمه الملك الناصر وأعطاه
السكندرية ،فأبى من قبولها وقال :إنما أريد العساكر لقاتل أبا سعيد .وكان متى بعث إليه
الملك الناصر بكسوة أعطى هو للذي يوصلها إليه أحسن منها إزراء على الملك الناصر،
وأظهر أموراً أوجبت قتله فقتله ،وبعث برأسه إلى أبي سعيد وقد ذكرنا قصته وقصة
قراسنقور فيما تقدم .ولما قتل الجوبان جيء به وبولده ميتين ،فوقف بهما على عرافات،
وحمل إلى المدينة ليدفنا في التربة التي اتخذها الجوبان بالقرب من مسجد رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،فمنع من ذلك ودفن بالبقيع .والجوبان هو الذي جلب الماء إلى مكة شرفها
ال تعالى.
ولما استقل السلطان أبو سعيد بالملك أراد أن يتزوج بنت الجوبان ،وكانت تسمى بغداد
خاتون ،وهي من أجمل النساء ،وكانت تحت الشيخ حسن الذي تغلب بعد موت أبي سعيد
على الملك ،وهو ابن عمته ،فأمره فنزل عنها وتزوجها أبو سعيد ،وكانت أحظى النساء
لديه .والنساء لدى التراك والتتر لهن حظ عظيم .وهم إذا كتبوا أمراً يقولون فيه عن امر
السلطان والخواتين ولكل خاتون كثير من البلد والوليات والمجابي العظيمة ،وإذا سافرت
مع السلطان تكون في محلة على حدة .وغلبت هذه الخاتون على أبي سعيد ،وفضلها على
سواها ،وأقامت على هذه الحال مدة أيام .ثم تزوج امرأة تسمى بدلشاد فأحبها حبًا شديداً،
وهجر بغداد خاتون ،فغارت لذلك ،وسمته في منديل مسحته به بعد الجماع فمات وانقرض
عقبه وغلبت أمراؤه على الجهات كما سنذكره.
ولما عرف المراء أن بغداد خاتون هي التي سمته أجمعوا على قتلها وبدر لذلك الفتى
الرومي خواجة لؤلؤ ،وهو من كبار المراء .وقدمائهم ،فأتاها وهي في الحمام فضربها
بدبوسه وقتلها .وطرحت هنالك أياماً مستورة العورة بقطعة تليس ،واستقل الشيخ حسن
بملك عراق العرب ،وتزوج دلشاد امرأة السلطان أبي سعيد ،كمثل ما كان أبو سعيد فعله
من تزوج امرأته.
ذكر المتغلبين على الملك بعد موت السلطان أبي سعيد فمنهم الشيخ حسن ابن عمته الذي
ذكرناه آنفاً ،تغلب على عراق العرب جميعاً ،ومنهم إبراهيم شاه ابن المير سنيته ،تغلب
على الموصل وديار بكر ،ومنهم المير أرتنا ،تغلب على بلد التركمان المعروفة أيضًا
ببلد الروم ،ومنهم حسن خواجة بن الدمرطاش بن الجوبان ،تغلب على تبريز والسلطانية
وهمذان وقم وقاشان والري ورامين وفرغان والكرج ،ومنهم المير طغيتمور تغلب على
بعض بلد خراسان ،ومنهم المير حسن ابن المير غياث الدين تغلب على هراة ومعظم
بلد خراسان ،ومنهم ملك دينار تغلب على بلد مكران وبلد كبج ،ومنهم محمد شاه ابن
مظفر تغلب على يزد وكرمان وورقو ،ومنهم الملك قطب الدين تمهتن تغلب على هرمز
وكيش والقطيف والبحرين وقلهات ،ومنهم السلطان أبو إسحاق الذي تقدم ذكره تغلب على
شيراز وأصفهان وملك فارس ،وذلك مسيرة خمس وأربعين ،ومنهم السلطان أفراسياب
أتابك تغلب على إيذج وغيرها من البلد وقد تقدم ذكره " .ولنعد إلى ما كنا بسبيله " ثم
خرجت من بغداد في محلة السلطان أبي سعيد ،وغرضي أن أشاهد ترتيب ملك العراق في
رحيله ونزوله وكيفية تنقله وسفره .وعادتهم أنهم يرحلون عند طلوع الفجر ،وينزلون عند
الضحى وترتيبهم أنه يأتي كل أمير من المراء بعسكره وطبوله وأعلمه فيقف في موضع
ل يتعداه قد عين له ،إما في الميمنة أو الميسرة ،فإذا توافوا جميعاً وتكاملت صفوفهم ،ركب
الملك وضربت طبول الرحيل وبوقاته وأنفاره ،وأتى كل أمير منهم فسلم على الملك وعاد
إلى موقفه ،ثم يتقدم أمام الملك الحجاب والنقباء ،ثم يليهم أهل الطرب ،وهم نحو مائة رجل
عليهم الثياب الحسنة وتحتهم مراكب السلطان ،وأمام أهل الطرب عشرة من الفرسان قد
تقلدوا عشرة من الطبول ،وخمسة من الفرسان لديهم خمس صرنايات ،وهي تسمى عندنا
بالغيطات ،فيضربون تلك الطبال والصرنايات .ثم أمسكوا وغنى عشرة آخرون نوبتهم
هكذا ،إلى أن تتم عشر نوبات ،فعند ذلك يكون النزول ،ويكون عن يمين السلطان وشماله
حين سيره كبار المراء ،وهم نحو خمسين ،ومن ورائه أصحاب العلم والطبال والنفار
والبوقات ،ثم مماليك السلطان ثم المراء على مراتبهم ،وكل أمير له أعلم وطبول
وبوقات.
ويتولى ترتيب ذلك كله أمير جند وله جماعة كبيرة وعقوبة من تخلف عن فوجه وجماعته
أن يؤخذ تماقه فيمل رملً ،ويعلق في عنقه ،ويمشي على قدميه حتى يبلغ المنزل ،فيؤتى به
إلى المير ،فيبطح على الرض ويضرب خمساً وعشرين مقرعة على ظهره ،سواء كان
رفيعاً أو وضيعاً ،ل يحاشون من ذلك أحداً .وإذا نزلوا ينزل السلطان ومماليكه في محلة
على حدة ،وتنزل كل خاتون من خواتينه في محلة على حدة ،ولكل واحدة منهن المام
والمؤذن والقراء والسواق ،وينزل الوزراء والكتاب وأهل الشغال على حدة ،وينزل كل
أمير على حدةٍ ويأتون جميعًا إلى الخدمة بعد العصر ،ويكون انصرافهم بعد العشاء
الخيرة ،والمشاعل بين أيديهم.
فإذا كان الرحيل ضرب الطبل الكبير ،ثم يضرب طبل الخاتون الكبرى التي هي الملكة ،ثم
أطبال سائر الخواتين ،ثم طبل الوزير ،ثم أطبال الوزراء دفعة واحدة ،ثم يركب أمير
المقدمة في عسكره ،ثم يتبعه الخواتين ،ثم أثقال السلطان وزاملته ،وأثقال الخواتين ثم
أميرتان في عسكر له ،يمنع الناس من الدخول فيما بين الثقال والخواتين ،ثم سائر الناس.
وسافرت في هذه المحلة عشرة أيام صحبة المير علء الدين محمدٍ إلى بلدة تبريز ،وكان
من المراء الكبار الفضلء ،فوصلنا بعد عشرة أيام إلى مدينة تبريز ،ونزلنا بخارجها في
موضع يعرف بالشام .وهنالك قبر قازان ملك العراق ،وعليه مدرسة حسنة وزاوية فيها
الطعام للوارد والصادر من الخبز واللحم والرز المطبوخ بالسمن والحلواء .وأنزلني
المير بتلك الزاوية وهي ما بين أنهار متدفقة وأشجار مورقة.
وفحي غحد ذلك اليوم دخلت المدينحة على باب يعرف بباب بغداد ،ووصحلنا إلى سحوق
عظيمة تعرف بسوق قازان ،من أحسن أسواق بلد الدنيا كل صناعة فيها على حدة
ل تخالطهحا أخرى واجتزت بسحوق الجوهرييحن ،فحار بصحري ممحا رأيتحه محن أنواع
الجواهححر ،وهححي بأيدي مماليححك حسححان الصححور ،عليهححم الثياب الفاخرة وأوسححاطهم
مشدودة بمناديححل الحريححر ،وهححم بيححن أيدي التجار يعرضون الجواهححر على نسححاء
التراك ،وهحن يشترينحه كثيراً ،ويتنافسحن فيحه .فرأيحت محن ذلك كله فتنحة يسحتعاذ ال
منهحا .ودخلنحا سحوق العنحبر والمسحك فرأينحا مثحل ذلك وأعظحم ،ثحم وصحلنا إلى المسحجد
الجامع الذي عمره الوزير علي شاه المعروف بجيلن ،وبخارجه عن يمين مستقبل
القبلة مدرسحة ،وعحن يسحاره زاويحة .وصححنه مفروش بالمرمحر وحيطانحه بالقاشانحي،
وهححو شبححه الزليححج ،ويشقححه نهححر ماء ،وبححه أنواع الشجار ودوالي العنححب وشجححر
ياسمين .ومن عاداتهم أنهحم يقرأون بحه كل يوم سحورة يحس وسورة الفتح وسحورة عحم
بعحد صلة العصحر فحي صححن الجامحع ،ويجتمحع لذلك أهل المدينة .وبتنحا ليلة بتبريز،
ثحم وصل بالغحد أمر السلطان أبي سحعيد إلى الميحر علء الدين بأن يصحل إليحه فعدت
ثحم سحافرنا إلى أن وصحلنا محلة السحلطان ،فأعلمحه الميحر المذكور بمكانحي وأدخلنحي
عليحه ،فسحألني عحن بلدي وكسحاني وأركبنحي ،وأعلمحه الميحر أنحي أريحد السحفر إلى
الحجاز الشريحف فأمحر لي بالزاد والركوب فحي السحبيل محع المحمحل ،وكتحب لي بذلك
إلى أميحححر بغداد خواجحححه معروف ،فعدت إلى بغداد ،واسحححتوفيت محححا أمحححر لي بحححه
السلطان ،وكان قد بقي لوان سفر الركب أزيد من شهرين ،فظهر لي أن أسافر إلى
الموصحل وديار بكحر ،لشاهحد تلك البلد ،وأعود إلى بغداد فحي حيحن سحفر الركحب،
فأتوجحه إلى الحجاز الشريحف .فخرجحت محن بغداد إلى منزل على نهحر دجيحل ،وهحو
متفرع عن دجلة ،فيسقي قرى كثيرة .ثم نزلنا بعد يومين بقرية كبيرة تعرف بحربة،
مخصحبة فسحيحة .ثحم رحلنحا فنزلنحا موضعاً على شحط دجلة بالقرب محن حصحن يسحمى
المعشوق ،وهحو مبنحي على الدجلة .وفحي الجهحة الشرقيحة محن هذا الحصحن مدينحة سحر
من رأى وتسمى أيضاً سامرا .ويقال لها سام راه ،ومعناه بالفارسية طريق سام وراه
هحو الطريحق وقحد اسحتولى الخراب على هذه المدينحة ،فلم يبحق منهحا إل القليحل وهحي
معتدلة الهواء رائعة الحسن على بلئها ودروس معالمها ،وفيها أيضًا مشهد صاحب
الزمان كمحا بالحلة ،ثحم سحرنا منهحا مرحلة ووصحلنا إلى مدينحة تكريحت ،وهحي مدينحة
كححبيرة فسححيحة الرجاء مليحححة السححواق كثيححر الجوامححع وأهلهححا موصححوفون بحسححن
الخلق والدجلة مححن الجهححة الشماليححة منهححا ولهححا قلعححة حصححينة على شححط الدجلة
والمدينحة عتيقحة البناء عليهحا سحور يطيحف بهحا ثحم رحلنحا منهحا مرحلتيحن ووصحلنا قريحة
تعرف بالعقححر على شححط الدجلة وبأعلهححا ربوة كان بهححا حصححن وبأسححفلها الخان
المعروف بخان الحديححد له أبراج وبناؤه حافححل والقرى والعمارة متصححلة مححن هنالك
إلى الموصححل .ثححم رحلنححا ونزلنححا موضعاً يعرف بالقيارة بمقربححة مححن دجلة وهنالك
أرض سححوداء فيهححا عيون تنبححع بالقار ويصححنع له أحواض ويجتمححع فيهححا فتراه شبححه
الصحلصال على وجحه الرض حالك اللون صحقيلً رطباً وله رائححة طيبحة وحول تلك
العيون بركحة كحبيرة سحوداء يعلوهحا شبحه الطحلب الرقيحق فتقذفحه إلى جوانبهحا فيصحير
أيضاً قاراً .وبمقربحة محن هذا الموضحع عيحن كحبيرة فإذا أرادوا نقحل القار منهحا أوقدوا
عليها النار فتنشف النار ما هنالك رطوبة مائية ثم يقطعونه قطعاً وينقلونه .وقد تقدم
لنحا ذكحر العيحن التحي بيحن الكوفحة والبصحرة على هذا النححو ثحم سحافرنا محن هذه العيون
مدينة الموصل
وهحي مدينحة عتيقحة كثيرة الخصحب وقلعتهحا المعروفحة بالحدباء عظيمحة الشأن شهيرة
المتناع عليها سور محكم البناء مشيد البروج وتتصل بها دور السلطان وقد فصل
بينهحا وبيحن البلد شارع متسحع مسحتطيل محن أعلى البلد إلى أسحفله وعلى البلد سحوران
اثنان وثيقان أبراجهمحا كثيرة متقاربحة وفحي باطحن السحور بيوت بعضهحا على بعحض
مسحتديرة بجداره قحد تمكحن فتحهحا فيحه لسحعته ولم أر فحي أسحوار البلد مثله إل السحور
الذي على مدينححة دهلي حضرة ملك الهنححد .وللموصححل ربححض كححبير فيححه الجوامححع
والحمامات والفنادق والسحواق وبحه مسحجد جامحع على شحط الدجلة تدور بحه شبابيحك
حديحد وتتصحل بحه مسحاطب تشرف على دجلة فحي النهايحة محن الحسحن والتقان وامامحه
مارسحتان وبداخحل المدينحة جامعان أحدهمحا قديحم والخحر حديحث وفحي صححن الحديحث
منهما قبة في داخلها خصة رخام مثمنة مرتفعة على سارية رخام يخرج منها الماء
بقوة وانزعاج فيرتفححع مقدار القامححة ثححم ينعكححس فيكون له مرأى حسححن .وقيسححارية
الموصل مليحة لها أبواب حديد ويدور بها دكاكين وبيوت بعضها فوق بعض متقنة
البناء .وبهذه المدينحة مشهحد جرجيحس النحبي عليحه السحلم وعليحه مسحجد والقحبر فحي
زاويحة منحه عحن يميحن الداخحل إليحه وهحو فيمحا بيحن الجامحع الجديحد وباب الجسحر وقحد
حصلت لنا زيارته والصلة بمسجده والحمد ل تعالى وهنالك تل يونس عليه السلم
وعلى نحو ميل منه العين المنسوبة إليه يقال انه أمر قومه بالتطهر فيها ثم صعدوا
التححل ودعححا ودعوا فكشححف ال عنهححم العذاب وبمقربححة منححه قريححة كححبيرة يقرب منهححا
خراب يقال أنحه موضحع المدينحة المعروفحة بنينوى مدينحة يونحس عليحه السحلم وأثحر
السحور المحيحط بهحا ظاهحر ومواضحع البواب التحي هحي متبينحة .وفحي التحل بناء عظيحم
ورباط فيحه بيوت كثيرة ومقاصحر ومطاهحر وسحقايات يضحم الجميحع باب واححد ،وفحي
وسط الرباط بيت عليه ستر حرير وله باب مرصع يقال انه الموضع الذي به موقف
يونس عليه السلم ومحراب المسجد الذي بهذا الرباط يقال انه كان بيت متعبده عليه
السحلم .وأهحل الموصحل يخرجون فحي كحل ليلة جمعحة إلى هذا الرباط يتعبدون فيحه.
وأهل الموصل لهم مكارم أخلق ولين كلم وفضيلة ومحبة في الغريب وإقبال عليه
وكان أميرهحا حيحن قدومحي عليهحا السحيد الشريحف الفاضحل علء الديحن علي بحن شمحس
الديححن محمححد الملقححب بحيدر وهححو مححن الكرماء الفضلء أنزلنححي بداره وأجرى علي
وكان السحلطان أبحو سحعيد يعظمحه وفوض إليحه أمحر هذه المدينحة ومحا يليهحا ويركحب فحي
موكب عظيم من مماليكه وأجناده ووجوه أهل المدينة وكبراؤها يأتون للسلم عليه
غدواً وعشياً وله شجاعحة ومهابحة وولده فحي حيحن كتحب هذا فحي حضرة فاس مسحتقر
الغرباء ومأوى الفرق ومححححط رحال الوفود زادهحححا ال بسحححعادة أيام مولنحححا أميحححر
ثحم رحلنحا محن الموصحل ونزلنحا قريحة تعرف بعيحن الرصحد وهحي على نهحر عليحه جسحر
مبنحي وبها خان كحبير .ثحم رحلنا ونزلنا قريحة تعرف بالمويلححة ثحم رحلنا منهحا ونزلنحا
جزيرة ابحن عمحر وهحي مدينحة كحبيرة حسحنة محيحط بهحا الوادي ولذلك سحميت جزيرة
وأكثرهححا خراب ولهححا سححوق حسححنة ومسححجد عتيححق مبنححي بالحجارة محكححم العمححل
وسحورها مبنحي بالحجارة أيضاً وأهلهحا فضلء لهحم محبحة فحي الغرباء ويوم نزلنحا بهحا
رأينحا جبحل الجودي المذكور فحي كتاب ال عحز وجحل الذي اسحتوت عليحه سحفينة نوح
ثم رحلنا مرحلتين ووصلنا إلى مدينة نصيبين وهي مدينة عظيمة عتيقة متوسطة قد
خرب أكثرهححا وهححي فححي بسححيط أفيححح فسححيح فيححه المياه الجاريححة والبسححاتين الملتفححة
والشجار المنتظمححة والفواكححه الكثيرة وبهححا يصححنع ماء الورد الذي ل نظيححر له فححي
العطارة والطيب ويدور بها نهر ينعطف عليها انعطاف السوار منبعه من عيون في
جبل قريب منها وينقسم انقساماً فيتخلل بساتينها ويدخل منه نهر إلى المدينة فيجري
فحي شوارعهحا ودورهحا ويخترق صححن مسحجدها العظحم وينصحب فحي صحهريجيهن
أحدهمححا فححي وسححط الصحححن والخححر عنححد الباب الشرقححي وبهذه المدينححة مارسححتان
ومدرستان وأهلها أهل صلح ودين وصدق وأمانة ولقد صدق أبو نواس في قوله:
المطردة والنهار ،مبنيحة فحي سحفح جبحل ،تشبحه بدمشحق فحي كثرة أنهارهحا وبسحاتينها،
ومسحجدها الجامحع مشهور البركحة ،يذكحر ان الدعاء بحه مسحتجاب ،ويدور بحه نهحر ماء
ويشقحه .وأهحل سحنجار أكراد ،ولهحم شجاعحة وكرم ،وممحن لقيتحه بهحا الشيحخ الصحالح
العابد الزاهد عبد ال الكردي أحد المشايخ الكبار صاحب كرامات يذكر عنه أنه ل
يفطححر إل بعححد أربعيححن يوماً ويكون إفطاره على نصححف قرص مححن الشعيححر ،لقيتححه
برابطحة بأعلى جبحل سحنجار ودعحا لي وزودنحي بدراهحم ،لم تزل عندي إلى ان سحلبني
كفار الهنود .ثحم سحافرنا إلى مدينحة دارا ،وهحي عتيقحة كحبيرة بيضاء المنظحر ،لهحا قلعحة
مشرفححة ،وهححي الن خراب ل عمارة بهححا وفححي خارجهححا قريححة معمورة ،بهححا كان
نزولنا ،ثم رحلنا منها فوصلنا إلى مدينة ماردين ،وهي عظيمة في سطح جبل من
أحسحن مدن السحلم وأبدعهحا وأتقنهحا وأحسحنها أسحواقاً وبهحا تصحنع الثياب المنسحوبة
إليهحا محن الصحوف المعروف بالمرعحز ولهحا قلعحة شماء محن مشاهيحر القلع فحي قنحة
جبلهحا .قال ابحن جزي :قلعحة مارديحن هذه تسحمى الشهباء وإياهحا عنحى شاعحر العراق
سححلطان مارديححن ،وكان كريماً شهيححر الصححيت ولي الملك بهححا نحححو خمسححين سححنة،
وأدرك أيام قازان ملك التتر ،وصاهر السلطان خدابنده بابنته دنيا خاتون.
وهو الملك الصالح ابن الملك المنصور الذي ذكرناه آنفاً ،ورث الملك عن أبيه وله
المكارم الشهيرة .وليححس بأرض العراق والشام ومصححر أكرم منححه يقصححده الشعراء
والفقراء فيجزل لهحم العطايحا ،جرياً على سحنن أبيحه قصحده أبحو عبيحد ال محمحد ابحن
جابر الندلسحي المروي الكفيحف مادحاً ،فأعطاه عشريحن ألف درهحم .وله الصحدقات
والمدارس والزوايحا لطعام الطعام ،وله وزيحر كحبير القدر ،وهحو المام العالم وحيحد
الدهحر وفريحد العصحر جمال الديحن السحنجاوي ،وقرأ بمدينحة تحبريز ،وأدرك العلماء
الكبار ،وقاضححي قضاتححه المام الكامححل برهان الديححن الموصححلي ،وهححو ينتسححب إلى
الشيحخ الولي فتحح الموصحلي ،وهذا القاضحي محن أهحل الديحن والورع والفضحل ،يلبحس
الخشن من ثياب الصوف الذي ل تبلغ قيمته عشرة دراهم ،ويعتم بنحو ذلك ،وكثيراً
مححا يجلس للحكام بصحححن مسححجد خارج المدرسححة ،كان يتعبححد فيححه فإذا رآه مححن ل
حكاية
ذكر لي :أن امرأة أتت هذا القاضي ،وهو خارج من المسجد ،ولم تكن تعرفه ،فقالت له :يا
شيخ ،أين يجلس القاضي ? فقال لها :وما تريدين منه ? فقالت :إن زوجي ضربني ،وله
زوجة ثانية ،وهو ل يعدل بيننا في القسم وقد دعوته إلى القاضي فأبى وأنا فقيرة ليس عندي
ما أعطيه لرجال القاضي حتى يحضرونه بمجلسه ،فقال لها :وأين منزل زوجك ? فقالت:
بقرية الملحين خارج المدينة فقال لها :أنا أذهب معك إليه فقالت :وال ما عندي شيء
أعطيك إياه فقال لها :ل آخذ منك شيئاً ،ثم قال لها :اذهبي إلى القرية وانتظريني خارجها،
فإني على أثرك .فذهبت كما أمرها وانتظرته ،فوصل إليها وليس معه أحد ،وكانت عادته
أن ل يدع أحداً يتبعه فجاءت به إلى منزل زوجها فلما رآه قال :ما هذا الشيخ النحس الذي
معك ? فقال له :نعم وال أنا كذلك ،ولكن أرض زوجتك .فلما طال الكلم ،جاء الناس
فعرفوا القاضي وسلموا عليه وخاف ذلك الرجل وخجل فقال له القاضي :ل عليك أصلح ما
بينك وبين زوجتك فأرضاها الرجل من نفسه وأعطاهما القاضي نفقة ذلك اليوم وانصرف.
لقيت هذا القاضي وأضافني بداره ثم رحلت عائدًا إلى بغداد فوصلت إلى مدينة الموصل
التي ذكرناها ،فوجدت ركبها بخارجها متوجهين إلى بغداد ،وفيهم امرأة صالحة عابدة
تسمى بالست زاهدة ،وهي من ذرية الخلفاء ،حجت مراراً ،وهي ملزمة الصوم سلمت
عليها ،وكنت في جوارها ،ومعها جملة من الفقراء يخدمونها ،وفي هذه الوجهة توفيت
رحمة ال عليها وكانت وفاتها بزرود ،ودفنت هنالك ،ثم وصلنا إلى مدينة بغداد ،فوجدت
الحاج في أهبة الرحيل ،فقصدت أميرها معروف خواجة فطلبت منه ما أمر لي به السلطان.
فعين لي شقة محارة وزاد أربعة من الرجال وماءهم ،وكتب لي بذلك ووجه إلى أمير
الركب البهلوان محمد الحويح فأوصاه بي .وكانت المعرفة بيني وبينه متقدمة ،فزادها
تأكيداً ،ولم أزل في جواره وهو يحسن إلي ويزيدني على ما أمر به ،وأصابني عند خروجنا
من الكوفة إسهال فكانوا ينزلونني من أعلى المحمل مرات كثيرة في اليوم ،والمير يتفقد
حالي ويوصي بي ولم أزل مريضاً حتى وصلت مكة حرم ال تعالى ،زادها ال شرفاً
وتعظيماً ،وطفت بالبيت الحرام كرمه ال تعالى طواف القدوم ،وكنت ضعيفاً بحيث أؤدي
المكتوبة قاعداً فطفت وسعيت بين الصفا والمروة راكباً على فرس المير الحويح المذكور،
ووقفنا تلك السنة يوم الثنين فلما نزلنا منى أخذت في الراحة والستقلل من مرضي ،ولما
انقضى الحاج أقمت مجاوراً بمكة تلك السنة .وكان بها المير علء الدين بن هلل مشيد "
مشد " الدواوين مقيماً لعمارة دار الوضوء بظاهر العطارين من باب ابن شيبة وجاور في
تلك السنة من المصريين جماعة من كبرائهم منهم تاج الدين بن الكويك ونور الدين القاضي
وزين الدين بن الصيل وابن الخليلي وناصر الدين السيوطي .وسكنت تلك السنة بالمدرسة
المظفرية ،وعافاني ال من مرضي ،فكنت في أنعم عيش ،وتفرغت للطواف والعبادة
والعتمار ،وأتى في أثناء تلك السنة حجاج الصعيد ،وقدم معهم الشيخ الصالح نجم الدين
الصفهوني ،وهي أول حجة حجها ،والخوان علء الدين علي وسراج الدين عمر ابنا
القاضي الصالح نجم الدين البالسي قاضي مصر ،وجماعة غيرهم ،في منتصف ذي القعدة
وصل المير سيف الدين يلملك ،وهو من الفضلء ،ووصل في صحبته جماعة من أهل
طنجة بلدي حرسها ال ،منهم الفقيه أبو عبد ال بن عطاء ال والفقيه أبو محمد عبيد ال
الحضري والفقيه أبو عبد ال المرسي ،وأبو العباس ابن الفقيه أبي علي البلنسي وأبو محمد
ابن القابلة وأبو الحسن البياري وأبو العباس بن نافوت وأبو الصبر أيوب الفخار وأحمد بن
حكامه ومن أهل القصر المجاز الفقيه أبو زيد عبد الرحمن ابن القاضي أبي العباس بن
خلوف ومن أهل القصر الكبير الفقيه أبو محمد ابن مسلم وأبو إسحاق إبراهيم بن يحيى
وولده .ووصل في تلك السنة المير سيف الدين تقزدمور من الخاصكية والمير موسى بن
قرمان والقاضي فخر الدين ناظر الجيش وكاتب المماليك والتاج أبو إسحاق والست حدق
مربية الملك الناصر .وكانت لهم صدقات عميمة بالحرم الشريف ،وأكثرهم صدقة القاضي
فخر الدين ،وكانت وقفتنا في تلك السنة في يوم الجمعة من سنة ثمان وعشرين ،ولما
انقضى الحج أقمت مجاوراً بمكة حرسها ال سنة تسع وعشرين ،وفي هذه السنة وصل
أحمد بن المير رميثة ومبارك ابن المير عطيفة من العراق صحبة المير محمد الحويح
والشيخ زاده الحرباوي والشيخ دانيال ،وأتوا بصدقات عظيمة للمجاورين وأهل مكة من
قبل السلطان أبي سعيد ملك العراق ،وفي تلك السنة ذكر اسمه في الخطبة بعد ذكر الملك
الناصر ،ودعوا له بأعلى قبة زمزم ،وذكروا بعده سلطان اليمن الملك المجاهد نور الدين
ولم يوافق المير عطيفة على ذلك ،وبعث شقيقه منصورًا ليعلم الملك الناصر بذلك فأمر
رميثة برده فرد ،فبعثه ثانية على طريق جدة حتى أعلم الملك الناصر بذلك ووقفنا تلك
السنة ،وهي سنة تسع وعشرين يوم الثلثاء ،ولما انقضى الحج أقمت مجاوراً بمكة حرسها
ال سنة ثلثين .وفي موسمها وقعت الفتنة بين أمير مكة عطيفة وبين أيدمور أمير جندار
الناصري وسبب ذلك أن تجاراً من أهل اليمن سرقوا ،فتشكوا إلى أيدمور بذلك ،فقال
أيدمور لمبارك ابن المير عطيفة :إئت بهؤلء السراق ،فقال :ل أعرفهم فكيف نأتي بهم،
وبعد فأهل اليمن تحت حكمنا ول حكم لك عليهم ،إن سرق لهل مصر والشام شيء
فاطلبني به فشتمه أيدمور وقال له:
يححا قواد تقول لي هكذا ،وضربححه على صححدره فسححقط ،ووقعححت عمامتححه عححن رأسححه
وغضحب له عحبيدة وركحب أيدمور يريحد عسحكره ،فلحقحه مبارك وعحبيدة فقتلوه وقتلوا
ولده .ووقعحت الفتنحة بالحرم ،وكان بحه الميحر أحمحد ابحن عحم الملك الناصحر ،ورمحى
الترك بالنشاب ،فقتلوا امرأة قيحل :إنهحا كانحت تحرض أهحل مكحة على القتال ،وركحب
محححن ركحححب محححن التراك ،وأميرهحححم خاص ترك ،فخرج إليهحححم القاضحححي والئمحححة
فأخذوا محا لهحم بهحا وانصحرفوا إلى مصحر ،وبلغ الخحبر إلى الملك الناصحر فشحق عليحه،
وبعححث العسححاكر إلى مكححة ففححر الميححر عطيفححة وابنححه مبارك ،وخرج أخوه رميثححة
وأولده إلى وادي نخلة ،فلمحا وصل العسحكر إلى مكحة بعث الميحر رميثحة أحد أولده
يطلب له المان ،ولولده ،فأمنوا وأتحى رميثحة وكفنحه فحي يده إلى الميحر ،فخلع عليحه،
وسححلمت إليححه مكححة ،وعاد العسححكر إلى مصححر وكان الملك الناصححر رحمححه ال حليماً
فاضلً فخرجحت تلك اليام محن مكحة قاصحداً بلد اليمحن فوصحلت إلى حده " ،بالحاء
المهمححل المفتوح " وهححي نصححف الطريححق بيححن مكححة وجدة " بالجيححم المضموم " ثححم
وصحلت إلى جدة ،وهحي بلدة قديمحة على سحاحل البححر يقال :انهحا محن عمارة الفرس،
وبخارجها مصانع قديمة ،وبها جباب للماء منقورة في الحجر الصلد ،يتصل بعضها
ببعض ،تفوت الحصاء كثرة ،وكانت هذه السنة قليلة المطر ،وكان الماء يجلب إلى
جدة على مسححيرة يوم وكان الحجاج يسححألون الماء مححن أصحححاب البيوت.ا قواد تقول
لي هكذا ،وضربه على صدره فسقط ،ووقعت عمامته عن رأسه وغضب له عبيدة
وركب أيدمور يريد عسكره ،فلحقه مبارك وعبيدة فقتلوه وقتلوا ولده .ووقعت الفتنة
بالحرم ،وكان بحه الميحر أحمحد ابحن عحم الملك الناصحر ،ورمحى الترك بالنشاب ،فقتلوا
امرأة قيحل :إنها كانت تحرض أهل مكحة على القتال ،وركب من ركب من التراك،
وأميرهححم خاص ترك ،فخرج إليهححم القاضححي والئمححة والمجاوريححن وفوق رؤوسححهم
المصحاحف ،وحاولوا الصحلح ،ودخحل الحجاج مكحة فأخذوا محا لهحم بهحا وانصحرفوا إلى
مصححر ،وبلغ الخححبر إلى الملك الناصححر فشححق عليححه ،وبعححث العسححاكر إلى مكححة ففححر
المير عطيفة وابنه مبارك ،وخرج أخوه رميثة وأولده إلى وادي نخلة ،فلما وصل
العسححكر إلى مكححة بعححث الميححر رميثححة أحححد أولده يطلب له المان ،ولولده ،فأمنوا
وأتحى رميثحة وكفنحه في يده إلى الميحر ،فخلع عليه ،وسحلمت إليه مكحة ،وعاد العسحكر
إلى مصحر وكان الملك الناصحر رحمحه ال حليماً فاضلً فخرجحت تلك اليام محن مكحة
قاصححداً بلد اليمححن فوصححلت إلى حده " ،بالحاء المهمححل المفتوح " وهححي نصححف
الطريحق بيحن مكحة وجدة " بالجيحم المضموم " ثحم وصحلت إلى جدة ،وهحي بلدة قديمحة
على سحاحل البحححر يقال :انهحا محن عمارة الفرس ،وبخارجهحا مصحانع قديمحة ،وبهحا
جباب للماء منقورة في الحجر الصلد ،يتصل بعضها ببعض ،تفوت الحصاء كثرة،
وكانححت هذه السححنة قليلة المطححر ،وكان الماء يجلب إلى جدة على مسححيرة يوم وكان
حكاية
ومحن غريحب محا اتفحق لي بجدة أنحه وقحف على بابحي سحائل أعمحى يطلب الماء يقوده
غلم ،فسححلم علي وسححماني باسححمي وأخححذ بيدي ،ولم أكححن عرفتححه قححط ،ول عرفنححي
فعجبت من شأنه ثم أمسك أصبعي بيده وقال :أين الفتخة ? وهي الخاتم وكنت حين
خروجي من مكة لقيني بعض الفقراء وسألني ،ولم يكن عندي في ذلك الحين شيء
فدفعحت له خاتمحي .فلمحا سحألني عنحه هذا العمحى قلت له :أعطيتحه لفقيحر .فقال :ارجحع
في طلبه فإن فيه أسماء مكتوبة فيها سر من السرار فطال تعجبي منه ومن معرفته
بذلك ،وال أعلم بحاله ،وبجدة جامححححع يعرف بجامححححع البنوس ،معروف البركححححة
يستجاب به الدعاء ،وكان المير بها أبا يعقوب بن عبد الرزاق ،وقاضيها وخطيبها
الفقيحه عبحد ال محن أهحل مكحة شافعحي المذهحب ،وإذا كان يوم الجمعحة واجتمحع الناس
للصحلة أتحى المؤذن ،وعحد أهحل جدة المقيميحن بهحا فإن أكملوا أربعيحن خطحب وصحلى
بهحم الجمعحة ،وإن لم يبلغ عددهحم أربعيحن صحلى ظهراً أربعاً ،ول يعتحبر محن ليحس محن
أهلها وإن كانوا عدداً كثيراً .ثم ركبنا البحر من جدة في مركب يسمونه الجلبة وكان
لرشيد الدين اللفي اليمني الحبشي الصحل ،وركب الشريف منصور ابن أبي نمي
فحي جلبحة أخرى ،ورغحب منحي أن أكون معحه فلم أفعحل ،لكونحه كان معحه فحي جلبتحه
الجمال فخفت من ذلك ،ولم أكن ركبت البحر قبلها وكان هنالك جملة من أهل اليمن
حكاية
ولمحا ركبنحا البححر أمحر الشريحف منصحور أححد غلمانحه أن يأتيحه بعديلة دقيحق ،وهحي
نصحف حمحل وبطحة سحمن ،يأخذهمحا محن جلب أهحل اليمحن .فأخذهمحا وأتحى بهمحا إليحه،
فأتانحي التجار باكيحن ،وذكروا إلى أن فحي جوف تلك العديلة عشرة آلف درهحم نقرة،
ورغبوا مني أن أكلمه في ردها ،وأن يأخذ سواها ،فأتيته وكلمته في ذلك وقلت له:
إن للتجار فحي جوف هذه العديلة شيئاً ،فقال :إن كان سحكراً فل أرده إليهحم ،وإن كان
سححوى ذلك فهححو لهححم ،ففتحوهححا ووجدوا الدراهححم ،فردهححا عليهححم وقال لي :لو كان
عجلن محا ردهحا وعجلن هحو ابحن أخيحه رميثحة ،وكان قحد دخحل فحي تلك اليام دار
تاجحر محن أهحل دمشحق قاصحداً لليمحن ،فذهحب بمعظحم محا كان فيهحا ،وعجلن هحو أميحر
مكحة على هذا العهحد ،وقحد صحلح حاله ،وأظهحر العدل والفضحل .ثحم سحافرنا فحي هذا
البحححر بالريححح الطيبححة يوميححن ،وتغيرت الريححح بعححد ذلك وصححدتنا عححن السححبيل التححي
قصدناها ،ودخلت أمواج البحر معنا في المركب ،واشتد الميد بالناس ،ولم نزل في
أهوال حتى خرجنا في مرسى يعرف برأس دوائر ،فيما بين عيذاب وسواكن فنزلنا
به ،ووجدنا بساحله عريش قصب على هيئة مسجد ،وبه كثير من قشور بيض النعام
مملوءة ماء فشربنحا منحه ،وطبخنحا ورأيحت فحي ذلك المرسحى عجباً ،وهحو خور مثحل
الوادي يخرج محن البححر ،فكان الناس يأخذون الثوب ويمسحكون بأطرافحه ويخرجون
بححه ،وقححد امتل سحمكاً ،كحل سححمكة منهحا قدر الذراع ،ويعرفونحه بالبوري فطبحخ منحه
الناس كثيراً واشتروا وقصحدت إلينحا طائفحة محن البجاة ،وهحم سحكان تلك الرض سحود
اللوان ،لباسحهم الملححف الصحفر ،ويشدون على رؤوسحهم عصحائب حمراً ،عرض
الصبع ،وهم أهل نجدة وشجاعة ،وسلحهم الرماح والسيوف ،ولهم جمال يسمونها
الصحهب ،يركبونهحا بالسحروج فاكترينحا منهحم الجمال ،وسحافرنا معهحم فحي بريحة كثيرة
الغزلن ،والبجاة ل يأكلونهحا وهحي تأنحس بالدمحي ول تنفحر منحه .وبعحد يوميحن محن
مسيرنا وصلنا إلى حي من العرب يعرفون بأولد كاهل ،مختلطين بالبجاة ،عارفين
بلسحانهم ،وفحي ذلك اليوم وصحلنا إلى جزيرة سحواكن ،وهحي على نححو سحتة أميال محن
البر ،ول ماء بهحححا ول زرع ول شجحححر ،والماء يجلب إليهحححا فحححي القوارب ،وفيهحححا
صحهاريج يجتمحع بهحا ماء المطحر ،وهحي جزيرة كحبيرة ،وبهحا لحوم النعام والغزلن
وحمححر الوحححش ،والمعزى عندهححم كثيححر واللبان والسححمن ومنهححا يجلب إلى مكححة
وحبوبهم الجرجور ،وهو نوع من الذرة كبير الحب يجلب منها أيضاً إلى مكة.
ذكر سلطانها
وكان سحلطان جزيرة سحواكن حيحن وصحولي إليهحا الشريحف زيحد بن أبحي نمحي ،وأبوه
أمير مكة ،وأخواه أميراها بعده ،وهما عطيفة ورميثة اللذان تقدم ذكرهما وصارت
إليحه محن قبحل البجاة ،فإنهحم أخواله ومعحه عسحكر محن البجاة ،وأولده كاهحل وعرب
جهينة وركبنا البحر من جزيرة سواكن نريد أرض اليمن ،وهذا البحر ل يسافر فيه
بالليحل لكثرة أحجاره ،وإنمحا يسحافرون فيحه محن طلوع الشمحس إلى غروبهحا ويرسحون
وينزلون إلى البر فإذا كان الصباح صعدوا إلى المركب وهم يسمون رئيس المركب
الربان ول يزال أبدًا فحي مقدم المركحب ،ينبحه صحاحب السحكان على الحجار ،وهحم
يسحمونها النبات .وبعحد سحتة أيام محن خروجنحا عحن جزيرة سحواكن وصحلنا إلى مدينحة
حلي " وضبط اسمها بفتح الحاء المهمل وكسر اللم وتخفيفها " ،وتعرف باسم ابن
يعقوب وكان من سلطين اليمن ساكناً بها قديماً وهي كبيرة حسنة العمارة ،يسكنها
طائفتان مححن العرب ،وهححم بنححو حرام وبنححو كنانححة وجامححع هذه المدينححة مححن أحسححن
الجوامحع ،وفيحه جماعحة محن الفقراء المنقطعيحن إلى العبادة منهحم الشيحخ الصحالح العابحد
الزاهححد قبولة الهندي ،مححن كبار الصححالحين لباسححه مرقعححة وقلنسححوة لبححد ،وله خلوة
متصحلة بالمسحجد ،فرشهحا الرمحل ،ل حصحير بهحا ول بسحاط ،ولم أر بهحا حيحن لقائي له
شيئاً إل إبريق الوضوء ،وسفرة من خوص النخيل فيها كسر شعير يابسة ،وصحيفة
فيهحا ملح وسحعتر فإذا جاءه أححد قدم بيحن يديحه ذلك ،ويسحمع بحه أصححابه ،فيأتحي كحل
واححد منهحم بمحا حضحر محن غيحر تكلف شيحء وإذا صحلوا العصحر اجتمعوا للذكحر بيحن
يدي الشيخ إلى صلة المغرب وإذا صلوا المغرب أخذ كل واحد منهم موقفه للتنفل،
فل يزالون كذلك إلى صحححلة العشاء الخرة ،فإذا صحححلوا العشاء الخرة أقاموا على
الذكحححر إلى ثلث الليحححل ثحححم انصحححرفوا ويعودون فحححي أول الثلث الثالث إلى المسحححجد
فيتهجدون إلى الصحبح ،ثحم يذكرون إلى أن تحيحن صحلة الشراق ،فينصحرفون بعحد
صلتها ومنهم من يقيم إلى أن يصلي صلة الضحى بالمسجد وهذا دأبهم ،أبداً ،ولقد
كنحت أردت القامحة معهحم باقحي عمري ،ولم أوفحق لذلك وال تعالى يتداركنحا بلطفحه
وتوفيقه.
وسلطانها عامر بن ذؤيب من بنى كنانة ،وهو من الفضلء الدباء الشعراء .صحبته من
مكة إلى جدة ،وكان قد حج في سنة ثلثين .ولما قدمت مدينته أنزلني وأكرمني ،وأقمت في
ضيافته أياماً .وركبت البحر في مركب له فوصلت إلى بلدة السرجة " وضبط اسمها بفتح
السين المهمل وإسكان الراء وفتح الجيم " ،بلدة صغيرة يسكنها جماعة من أولد الهلبي،
وهم طائفة من تجار اليمن ،أكثرهم ساكنون بصنعاء ولهم فضل وكرم وإطعام لبناء
السبيل ،ويعينون الحجاج ،ويركبونهم في مراكبهم ،ويزودونهم من أموالهم .وقد عرفوا
بذلك واشتهروا به .وكثر ال أموالهم ،وزادهم من فضله ،وأعانهم على فعل الخير .وليس
بالرض من يماثلهم في ذلك إل الشيخ بدر الدين النقاش الساكن ببلدة القحمة ،فله مثل ذلك
من المآثر واليثار .وأقمنا بالسرجة ليلة واحدة في ضيافة المذكورين ،ثم رحلنا إلى مرسى
الحادث ولم ننزل به ،ثم إلى مرسى البواب ،ثم إلى مدينة زبيد ،مدينة عظيمة باليمن بينها
وبين صنعاء أربعون فرسخاً ،وليس باليمن بعد صنعاء أكبر منها ،ول أغنى من أهلها،
واسعة البساتين كثيرة المياه والفواكه من الموز وغيره .وهي برية ل شطية إحدى قواعد
بلد اليمن " وهي بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة " مدينة كبيرة كثيرة العمارة ،بها النخل
والبساتين والمياه ،أملح بلد اليمن وأجملها ،ولهلها لطافة الشمائل وحسن الخلق وجمال
الصور ،ولنسائها الحسن الفائق الفائت ،وهي وادي الخصيب الذي يذكر في بعض الثار
أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لمعاذ في وصيته " :يا معاذ إذا جئت وادي الخصيب
فهرول " ولهل هذه المدينة سبوت النخل المشهورة ،وذلك لنهم يخرجون في أيام البسر
والرطب في كل سبت إلى حدائق النخل ،ول يبقى بالمدينة أحد من اهلها ول من الغرباء،
ويخرج أهل الطرب أهل السواق لبيع الفواكه والحلوات ،وتخرج النساء ممتطيات
الجمال في المحامل ،ولهن مع ما ذكرناه من الجمال الفائق ،الخلق الحسنة والمكارم.
وللغريب عندهن مزية ،ول يمتعن من تزوجه كما يفعله نساء بلدنا .فإذا أراد السفر
خرجت معه وودعته ،وإن كان بينهما ولد فهي تكفله وتقوم بما يجب له إلى ان يرجع أبوه،
ول تطالبه في أيام الغيبة بنفقة ول كسوة ول سواها .وإذا كان مقيماً فهي تقنع منه بقليل
النفقة والكسوة .لكنهن ل يخرجن عن بلدهن أبداً ،ولو أعطيت إحداهن ما عسى أن تعطاه
على أن تخرج من بلدها لم تفعل .وعلماء تلك البلد وفقهاؤها أهل صلح ودين وأمانة
ومكارم وحسن خلق .لقيت بمدينة زبيد الشيخ العالم الصالح أبا محمد الصنعاني ،والفقيه
الصوفي المحقق أبا العباس البياني ،والفقيه المحدث أبا علي الزبيدي .ونزلت في جوارهم
فأكرموني وأضافوني ودخلت حدائقهم ،واجتمعت عند بعضهم بالفقيه القاضي العالم أبي
زيد عبد الرحمن الصوفي أحد فضلء اليمن .ووقع عنده ذكر العابد الزاهد الخاشع أحمد بن
العجيل اليمني ،وكان من كبار الرجال وأهل الكرامات.
كرامححة :ذكروا أن فقهاء الزيديححة وكححبراءهم أتوا مرة إلى زيارة الشيححخ أحمححد بححن
العجيححل ،فجلس لهححم خارج الزاويححة ،واسححتقبلهم أصحححابه .ولم يححبرح الشيححخ عححن
موضعه ،فسلموا عليه ،وصافحهم ورحب بهم .ووقع بينهم الكلم في مسألة القدر.
وكانوا يقولون أن ل قدر ،وأن المكلف يخلق أفعاله .فقال لهححم الشيحخ فإن كان المححر
على محا تقولون فقوموا عحن مكانكحم هذا .فأرادوا القيام فلم يسحتطيعوا .وتركهحم الشيحخ
على حالهحم ودخحل الزاويحة .وأقاموا كذلك ،واشتحد بهحم الححر ،ولحقهحم وهحج الشمحس،
وضجوا ممحا نزل بهحم .فدخحل أصححاب الشيحخ إليحه وقالوا له إن هؤلء القوم قحد تابوا
إلى ال ،ورجعوا عحن مذهبهحم الفاسحد ،فخرج عليهحم الشيحخ ،فأخحذ بأيديهحم وعاهدهحم
على الرجوع إلى الححق وترك مذهبهحم السحيء وأدخلهحم زاويتحه ،فأقاموا فحي ضيافتحه
ثلثاً وانصحرفوا إلى بلدهحم .وخرجحت لزيارة قحبر هذا الرجحل الصحالح ،وهحو بقريحة
يقال لها :غسانة خارج زبيد .ولقيت ولده الصالح أبا الوليد إسماعيل ،فأضافني وبت
عنده ،وزرت ضريححح الشيحخ ،وأقمححت معححه ثلثاً .وسحافرت فححي صحححبته إلى زيارة
الفقيحه أبحي الحسحن الزيلعحي ،وهحو محن كبار الصحالحين ،ويقدم عليحه حجاج اليمحن إذا
توجهوا للححج .وأهحل تلك البلد وأعرابهحا يعظمونحه ويحترمونحه .فوصحلنا إلى جبلة،
وهححي بلدة صححغيرة حسححنة ذات نخححل وفواكححه وأنهار .فلمححا سححمع الفقيححه أبححو الحسححن
الزيلعحي بقدوم الشيحخ أبحي الوليحد اسحتقبله وأنزله بزاويتحه وسحلمت عليحه معحه .وأقمنحا
عنده ثلثحة أيام فحي خيحر مقام ،ثحم انصحرفنا .وبعحث معنحا أححد الفقراء ،فتوجهنحا إلى
مدينححة تعححز حضرة ملك اليمححن " وضبححط اسححمها بفتححح التاء المعلوة وكسححر العيححن
المهملة وزاء " ،وهحي محن أحسحن مدن اليمحن وأعظمهحا ،وأهلهحا ذوو تجحبر وتكحبر
وفظاظة .وكذلك الغالب على البلد التي يسكنها الملوك .وهي ثلث محلت :إحداها
يسحكنها السحلطان ومماليكحه وحاشيتحه وأرباب دولتحه وتسحمى باسحم ل أذكره ،والثانيحة
يسحكنها المراء والجناد وتسحمى عدينحة ،والثالثحة يسحكنها عامحة الناس وبهحا السحوق
وهحو السحلطان المجاهحد نور الديحن علي ابحن السحلطان المؤيحد هزبر الديحن داود ابحن
السحلطان المظفحر يوسحف بحن علي بحن رسحول ،شهحر جده برسحول لن أححد خلفاء بنحي
العباس أرسله إلى اليمن ليكون بها أميراً ،ثم استقل أولده بالملك وله ترتيب عجيب
في قعوده وركوبه .وكنت لما وصلت هذه المدينة مع الفقير الذي يعثه الشيخ الفقيه
أبحو الحسحن الزيلعحي فحي صححبتي قصحد بحي إلى قاضحي القضاة المام المحدث صحفي
الديحن الطحبري المكحي ،فسحلمنا عليحه ورححب بنحا وأقمنحا بداره فحي ضيافتحه ثلثاً .فلمحا
كان اليوم الرابع وهو يوم الخميس وفيه يجلس السلطان لعامة الناس ،دخل بي عليه
فسلمت عليه ،وكيفية السلم عليه أن يمس النسان الرض بسبابته ،ثم يرفعها إلى
رأسه ،ويقول :أدام ال عزك .ففعلت كمثل ما فعله القاضي عن يمين الملك ،وأمرني
فقعدت بيحن يديحه .فسحألني عحن بلدي وعحن مولنحا أميحر المسحلمين جواد الجواد أبحي
سحعيد رضي ال عنحه ،وعن ملك مصحر وملك العراق وملك اللور ،فأجبته عما سحأل
مححن أحوالهححم ،وكان وزيره بيححن يديححه ،فأمره بإكرامححي وإنزالي .وترتيححب قعود هذا
الملك أنه يجلس فوق دكانه مفروشة مزينة بثياب الحرير ،وعن يمينه ويساره أهل
السلح ،ويليه منهم أصحاب السيوف والدرق ،ويليهم أصحاب القسي ،وبين أيديهم
في الميمنة والميسرة الحاجب وأرباب الدولة وكاتب السر وأمير جندار على رأسه،
والشاويشيحة ،وهحم محن الجنادرة وقوف على بعحد .فإذا قعحد السحلطان صحاحوا صحيحة
وحدة :بسححم ال .فإذا قاموا فعلوا مثححل ذلك ،فيعلم جميححع مححن بالمشور وقححت قيامححه
ووقت قعوده .فإذا استوى قاعداً كل من عادته أن يسلم عليه فسلم ووقف حيث رسم
له فحي الميمنحة أو الميسحرة ،ل يتعدى أححد موضعحه ،ول يقعحد إل محن أمحر بالقعود.
يقول السحلطان للميحر جندار محر فلناً يقعحد ،فيتقدم ذلك المأمور بالقعود عحن موقفحه
قليلً ،ويقعحد على بسحاط هناك بيحن أيدي القائميحن فحي الميمنحة والميسحرة ،ثحم يؤتحى
بالطعام ،وهحو طعامان طعام العامحة وطعام الخاصحة .فأمحا الطعام الخاص فيأكحل منحه
السحلطان وقاضحي القضاة والكبار محن الشرفاء ومحن الفقهاء والضيوف ،وأمحا الطعام
العام فيأكحل منحه سحائر الشرفاء والفقهاء والقضاة والمشايحخ والمراء ووجوه الجناد.
ومجلس كحل إنسحان للطعام معيحن ل يتعداه ول يزاححم أححد منهحم أحداً .وعلى مثحل هذا
الترتيحب سحواء هحو ترتيحب ملك الهنحد فحي طعامحه .فل أعلم أن سحلطين الهنحد أخذوا
ذلك عحن سحلطين اليمحن أم سحلطين اليمحن أخذوه عحن سحلطين الهنحد .وأقمحت فحي
ضيافحة سحلطان اليمحن أياماً ،وأحسحن إلي وأركبنحي ،وانصحرفت مسحافراً إلى مدينحة
صحنعاء ،وهحي قاعدة بلد اليمحن الولى .مدينحة كحبيرة حسحنة العمارة ،بناؤهحا بالجحر
والجحص ،كثيرة الشجار والفواكحه والزرع ،معتدلة الهواء طيبحة الماء ومحن الغريحب
أن المطر ببلد الهند واليمن والحبشة إنما ينزل في أيام القيظ ،وأكثر ما يكون نزوله
بعد الظهر من كل يوم في ذلك الوان .فالمسافرون عند الزوال لئل يصيبهم المطر
وأهحل المدينحة ينصحرفون إلى منازلهحم لن أمطارهحا وابلة متدفقحة ،والمدينحة مفروشحة
كلهححا .فإذا نزل المطححر غسححل جميححع أزقتهححا وأنقاهححا .وجامححع صححنعاء مححن أحسححن
الجوامع ،وفيه قبر نبي من النبياء عليهم السلم .ثم سافرت منها إلى مدينة عدن،
مرسى بلد اليمن ،على ساحل البحر العظم .والجبال تحف بها ول مدخل إليها إل
من جانب واحد؛ وهي مدينة كبيرة ،ول زرع بها ول شجر ول ماء ،وبها صهاريج
يجتمع فيها الماء أيام المطر .والماء على بعد منها ،فربما منعته العرب وحالوا بين
أهل المدينة وبينه حتى يصانعونهم بالمال والثياب .وهي شديدة الحر .وهي مرسى
أهحل الهنحد .تأتحي إليهحا المراكحب العظيمحة من كنبايحت وتانحه وكولم وقالقوط وفندراينحه
والشاليات ومنجرور وفاكنور وهنور وسندابور وغيرها ،وتجار الهند ساكنون بها،
وتجار مصحر أيضاً .وأهحل عدن محا بيحن تجار وحماليحن وصحيادين للسحمك .وللتجار
منهم أموال عريضة ،وربما يكون لحدهم المركب العظيم بجميع ما فيه ل يشاركه
فيه غيره لسعة ما بين يديه من الموال ،ولهم في ذلك تفاخر ومباهاة.
حكاية
ذكححر لي أن بعضهححم بعححث غلماً له ليشتري له كبشاً ،وبعححث آخححر منهححم غلماً له
برسحم ذلك أيضاً ،فاتفحق أنحه لم يكحن بالسحوق فحي ذلك اليوم إل كبحش واححد .فوقعحت
المزايدة فيحه بيحن الغلميحن ،فأنهحى ثمنحه إلى أربعمائة دينار .فأخذه أحدهمحا وقال :إن
رأس مالي أربعمائة دينار ،فإن أعطانحي مولي ثمنحه فحسحن ،وإل دفعحت فيحه رأس
مالي ونصححرت نفسححي وغلبححت صححاحبي ،وذهححب الكبححش إلى سححيده بالقضيححة أعتقححه
وأعطاه ألف دينار ،وعاد الخحححر إلى سحححيدة خائباً فضربحححه وأخحححذ ماله ونفاه عنحححه.
ونزلت في عدن عند تاجر يعرف بناصر الدين الفأري .فكان يحضر طعامه كل ليلة
نححو عشرين من التجار .وله غلمان وخدام أكثحر من ذلك .محع هذا كله فهحم أهحل دين
وتواضحع وصحلح ومكارم أخلق ،يحسحنون إلى الغريحب ويؤثرون الفقيحر ويعطون
ححق ال من الزكاة على ما يجب ،ولقيحت بهذه المدينحة قاضيها الصحالح سحالم بحن عبحد
ال الهندي ،وكان والده محن العبيحد الحماليحن .واشتغحل ابنحه بالعلم ،فرأس وسحاد .وهحو
محن خيار القضاة وفضلئهحم .أقمحت فحي ضيافتحه أياماً ،وسحافرت محن مدينحة عدن فحي
البححر أربعحة أيام ،ووصحلت إلى مدينحة زيلع وهحي مدينحة البرابرة ،وهحم طائفحة محن
السحودان شافعيحة المذهحب ،وبلدهحم صححراء مسحيرة شهريحن .أولهحا زيلع ،وآخرهحا
مقدشحو .ومواشيهحم الجمال ،وهحي أغنام مشهورة السحمن .وأهحل زيلع سحود اللوان،
وأكثرهححم رافضححة .وهححي مدينححة كححبيرة لهحا سححوق عظيمححة ،إل أنهححا أقذر مدينححة فححي
المعمور وأوحشهححا وأكثرهححا نتناً .وسححبب نتنهححا كثرة سححمكها ودماء البححل التححي
ينحرونهحا فحي الزقحة .ولمحا وصحلنا إليهحا اخترنحا المحبيت بالبححر على شدة هوله ،ولم
نبحت بهحا لقذرهحا .ثحم سحافرنا منهحا فحي البححر خمحس عشرة ليلة ووصحلنا مقدشحو "
وضبط اسمها بفتح الميم وإسكان القاف وفتح الدال المهمل والشين المعجم وإسكان
الواو " ،وهي مدينة متناهية في الكبر ،وأهلها لهم جمال كثيرة ينحرون منها المئين
فحي كحل يوم .ولهحم أغنام كثيرة ،وأهلهحا تجار أقوياء ،وبهحا تصحنع الثياب المنسحوبة
إليهحا التحي ل نظيحر لهحا .ومنحه تحمحل إلى ديار مصحر وغيرهحا .ومحن عادة أهحل هذه
المدينة أنه متى وصل مركب إلى المرسى تصعد الصنابق ،وهي القوارب الصغار
إليحه .ويكون فحي كحل صحنبوق جماعحة محن شبان أهلهحا ،فيأتحي كحل واححد منهحم بطبحق
مغطى فيه الطعام ،فيقدمه لتاجر من تجار المركب ،ويقول :هذا نزيلي .وكذلك يفعل
كل واحد منهم .ول ينزل التاجر من المركب إل إلى دار نزيله من هؤلء الشبان إل
محا كان كثيحر التردد إلى البلد ،وحصحلت له معرفحة أهله ،فإنحه ينزل حيحث شاء .فإذا
نزل عند نزيله باع له ما عنده واشترى له ،ومن اشترى منه ببخس أو باع منه بغير
حضور نزيله ،فذلك البيحع مردود عندهحم .ولهحم منتفعحة فحي ذلك .ولمحا صحعد الشبان
إلى المركححب الذي كنححت فيححه جاء إلي بعضهححم فقال له أصحححابي :ليححس هذا بتاجححر،
وإنمححا هححو فقيححه .فصححاح بأصحححابه وقال لهححم :هذا نزيححل القاضححي ،وكان فيهححا أحححد
أصححاب القاضحي فعرفحه بذلك ،فأتحى إلى سحاحل البححر فحي جملة محن الطلبحة ،وبعحث
إلي أحدهم .فنزلت أنا وأصحابي وسلمت على القاضي وأصحابه ،وقال لي :بسم ال
نتوجحه للسحلم على الشيحخ .فقلت :ومحن الشيحخ ? فقال :السحلطان .وعادتهحم أن يقولوا
للسلطان الشيخ .فقلت له :إذا نزلت توجهت إليه .فقال لي :إن العادة إذا جاء الفقيه أو
الشريف أو الرجل الصالح ل ينزل حتى يرى السلطان فذهبت معهم إليه كما طلبوا.
وسحلطان مقديشحو كمحا ذكرناه ،إنمحا يقولون له الشيحخ ،واسحمه أبحو بكحر ابحن الشيحخ
عمحر .وهحو فحي الصحل محن البرابرة ،وكلمحه بالمقدشحي ،ويعرف اللسحان العربحي.
ومحن عوائده أنححه متحى وصححل مركحب ،يصححعد إليحه صححنبوق السححلطان ،فيسحأل عحن
المركب من أين قدم ومن صاحبه ومن ربانه وهو الرئيس وما وسقه ومن قدم فيه
مححن التجار وغيرهححم ،فيعرف بذلك كله ،ويعرض على السححلطان .فمححن اسححتحق أن
ينزل عنده أنزله .ولمححا وصححلت مححع القاضححي المذكور ،وهححو يعرف بابححن البرهان،
المصحري الصحل ،إلى دار السحلطان ،خرج بعحض الفتيان فسحلم على القاضحي ،فقال
له :بلغ المانحة .وعرف مولنحا الشيحخ أن هذا الرجحل قحد وصحل محن أرض الحجاز.
فبلغ ،ثم عاد وأتى بطبق فيه أوراق التنبول والفوفل ،فأعطاني عشر أوراق مع قليل
من الفوفحل ،وأعطحى للقاضحي كذلك ،وأعطحى لصححابي ولطلبحة القاضحي ما بقي فحي
الطبحق ،وجاء بقمقحم محن ماء الورد الدمشقحي ،فسحكب علي وعلى القاضحي ،وقال :إن
مولنححا أمححر أن ينزل بدار الطلبححة ،وهححي دار معدة لضيافححة الطلبححة .فأخححذ القاضححي
بيدي ،وجئنحا إلى تلك الدار ،وهحي بمقربحة محن دار الشيحخ .مفروشحة مرتبحة بمحا تحتاج
إليحه .ثحم أتحي بالطعام محن دار الشيحخ ،ومعحه أححد وزرائه ،وهحو الموكحل بالضيوف،
فقال :مولنححا يسححلم عليكححم ،ويقول لكححم قدمتححم خيححر مقدم ،ثححم وضححع الطعام ،فأكلنححا.
وطعامهم الرز المطبوخ بالسمن ،يجعلونه في صفحة خشب كبيرة ،ويجعلون فوقه
صحاف الكوشان ،وهو الدام من الدجاج واللحم والحوت والبقول .ويطبخون الموز
قبحل نضجحه فحي اللبحن الحليحب ،ويجعلونحه فحي صححفة ،ويجعلون اللبحن المروب فحي
صححفة ،ويجعلون عليحه الليمون المصحبر وعناقيحد الفلفحل المصحبر المخلل والمملوح
والزنجبيحل الخضحر والعنحب ،وهحي مثحل التفاح ولكحن لهحا نواة ،وهحي إذا نضجحت
شديدة الحلوة ،وتؤكحل كالفاكهحة ،وقبحل نضجهحا حامضحة كالليمون يصحبرونها فحي
الخحححل .وهحححم إذا أكلوا لقمحححة محححن الرز أكلوا بعدهحححا محححن هذه الموالح والمخللت.
والواححد محن أهحل مقديشحو يأكحل قدر محا تأكله الجماعحة منحا عادة لهحم .وفحي نهايحة محن
ضخامحة الجسحام وسحمنها .ثحم لمحا طعمنحا انصحرف عنحا القاضحي .وأقمنحا ثلثحة أيام،
فلمححا كان اليوم الرابححع ،وهححو يوم الجمعححة ،جاءنححي القاضححي والطلبححة وأحححد وزراء
الشيححخ ،وأتونححي بكسححوة .وكسححوتهم فوطححة خححز يشدهححا النسححان فححي وسححطه عوض
السحراويل ،فإنهحم ل يعرفونهحا ،ودراعحة محن المقطحع المصحري معلمحة ،وفرجيحة محن
القدسحي مبطنحة ،وعمامحة مصحرية معلمحة .وأتوا لصححابي بكسحى تناسحبهم .وأتينحا
الجامع .فصلينا خلف المقصورة .فلما خرج الشيخ من باب المقصورة ،سلمت عليه
محع القاضحي فرححب وتكلم بلسحانهم محع القاضحي ،ثحم قال باللسحان العربحي :قدمحت خيحر
مقدم وشرفت بلدنا وآنستنا .وخرج إلى صحن المسجد فوقف على قبر والده ،وهو
مدفون هنالك ،فقرأ ودعحححححا .ثحححححم جاء المراء والوزراء ووجوه الجناد فسحححححلموا.
وعادتهحم فحي السحلم كعادة أهحل اليمحن .يضحع سحبابته فحي الرض ثحم يجعلهحا على
رأسحه ،ويقول :أدام ال عزك .ثحم خرج الشيحخ محن باب المسحجد ،فلبحس نعليحه ،وأمحر
القاضحي أن ينتعحل ،وأمرنحي أن أنتعحل ،وتوجحه إلى منزله ماشياً ،وهحو بالقرب محن
المسححجد ،ومشححى الناس كلهححم حفاة .ورفعححت فوق رأسححه أربححع قباب مححن الحريححر
الملون ،وعلى أعلى كححل قبححة صححورة طائر مححن ذهححب .وكان لباسححه فححي ذلك اليوم
فرجيححة قدسححي أخضححر ،وتحتهححا مححن ثياب مصححر وطروحاتهححا الحسححان .وهححو متقلد
بفوطححة حريححر .وهححو معتححم بعمامححة كححبيرة .وضربححت بيححن يديححه الطبول والبواق
والنفار .وأمراء الجناد أمامه وخلف .والقاضي والفقهاء والشرفاء معه .ودخل إلى
مشوره على تلك الهيئة .وقعححد الوزراء والمراء ووجوه الجناد فححي سححقيفة هنالك.
وفرش للقاضحي بسحاط ل يجلس معحه غيره عليحه ،والفقهاء والشرفاء معحه .ولم يزالوا
كذلك إلى صحلة العصحر .فلمحا صحلوا العصحر محع الشيحخ ،أتحى جميحع الجناد ،ووقفوا
صححفوفاً على قدر مراتبهححم .ثححم ضربححت الطبال والنفار والبواق والصححرنايات،
وعنحد ضربهحا ل يتحرك أححد ،ول يتزحزح محن مقامحه ،ومحن كان ماشيًا وقحف ،فلم
يتحرك إلى خلف ول إلى أمام ،فإذا فرغ من ضرب الطبلخانة سلموا بأصابعهم كما
ذكرناه ،وانصحرفوا .وتلك عادة لهحم فحي كحل يوم جمعححة .وإذا كان يوم السحبت يأتححي
الناس إلى باب الشيححخ فيقعدون فححي سححقائف خارج الدار ،ويدخححل القاضححي والفقهاء
والصححالحون والمشايححخ والحجاج إلى المشور الثانححي ،فيقعدون على دكاكيححن خشححب
معدة لذلك ،ويكون القاضحي على دكانحه وحده ،وكحل صحنف على دكانحه تخصحهم ،ل
يشاركهحم فيهحا سحواهم .ثحم يجلس الشيحخ بمجلسحه ،ويبعحث إلى القاضحي فيجلس عحن
يساره ،ثم يدخل الفقهاء فيقعد كبراؤهم بين يديه ،وسائرهم يسلمون وينصرفون ،ثم
يدخحل الشرفاء ،فيقعحد كحبراؤهم بيحن يديحه ،ويسحلم سحائرهم وينصحرفون .وإن كانوا
ضيوفًا جلسححوا عححن يمينححه ،ثححم يدخححل المشايححخ والحجاج ،فيجلس كححبراؤهم ويسححلم
سححائرهم وينصححرفون .ثححم يدخححل الوزراء ثححم المراء ثححم وجوه الجناد ،طائفححة بعححد
طائفة أخرى ،فيسلمون وينصرفون .ويؤتى بالطعام ،فيأكل بين يدي الشيخ القاضي
والشرفاء ومحن كان قاعداً بالمجلس ،ويأكحل الشيحخ معهحم .وإن أراد تشريحف أححد محن
كبار أمرائه بعححث إليححه فأكححل معهححم .ويأكححل سححائر الناس بدار الطعام ،وأكلهححم على
ترتيححب مثححل ترتيبهححم فححي الدخول على الشيححخ .ثححم يدخححل الشيححخ إلى داره ،ويقصححد
القاضحي والوزراء وكاتحب السحر وأربعحة محن كبار المراء للفصحل بيحن الناس وأهحل
الشكايات ،فمحا كان متعلقاً بالحكام الشرعيحة حكحم فيحه القاضحي ،ومحا كان محن سحوى
ذلك حكححم فيححه أهححل الشورى ،وهححم الوزراء والمراء .ومححا كان مفتقراً إلى مشاورة
السحلطان كتبوا إليحه ،فيخرج لهحم الجواب محن حينحه على ظهحر البطاقحة بمحا يقتضيحه
ثحم ركبحت محن مدينحة مقديشحو متوجهاً إلى بلد السحواحل قاصحداً مدينحة كلوا محن بلد
الزنوج .فوصحلنا إلى جزيرة منبسحى " وضبحط اسحمها ميحم مفتوح ونون مسحكن وباء
موحدة مفتوحة وسين مهمل مفتوح وياء " ،وهي كبيرة ،بينها وبين أرض السواحل
مسححيرة يوميححن فححي البحححر .ول بر لهححا .وأشجارهحا :الموز والليمون والترج .ولهححم
فاكهحححة يسحححمونها الجمون ،وهحححي شبحححه الزيتون ،ولهحححا نوى كنواه ،إل أنهحححا شديدة
الحلوة .ول زرع عنحد أهحل هذه الجزيرة ،وإنمحا يجلب اليهحم محن السحواحل .وأكثحر
طعامهم الموز والسمك .وهم شافعية المذهب أهل دين وعفاف وصلح ،ومساجدهم
من الخشب محكمة التقان ،وعلى كل باب من أبواب المساجد البئر والثنتان .وعمق
آبارهحم ذراع أو ذراعان ،فيسحتقون منهحا الماء بقدح خشحب ،قحد غرز فيحه عود رقيحق
فحي طول الذراع .والرض حول البئر والمسحجد مسحطحة ،فمحن أراد دخول المسحجد
غسحل رجليحه ودخحل .ويكون على بابحه قطعحة حصحير غليحظ يمسحح بهحا رجليحه .ومحن
أراد الوضوء أمسححك القدح بيححن فخذيححه وصححب على يديححه .ويتوضححأ .وجميححع الناس
يمشون حفاة القدام .وبتنا بهذه الجزيرة ليلة ،وركبنا البحر إلى مدينة كلوا " وضبط
اسحمها بضحم الكاف واسحكان اللم وفتحح الواو " ،وهحي مدينحة عظيمحة سحاحلية ،وأكثحر
أهلهحا الزنوج المسحتحكمو السحواد .ولهحم شرطات فحي وجوههحم ،كمحا هحي فحي وجوه
الليميين من جنادة .وذكر لي بعض التجار أن مدينة سفالة على مسيرة نصف شهر
محن مدينحة كلوا ،وأن بيحن سحفالة ويوفحي محن بلد الليمييحن مسحيرة شهحر ،ومحن يوفحي
يؤتى بالتبر إلى سفالة .ومدينة كلوا من أحسن المدن وأتقنها عمارة ،وكلها بالخشب.
وسحقف بيوتهحا الديحس .والمطار بهحا كثيرة .وهحم أهحل جهاد لنهحم فحي بر واححد محع
وكان سحلطانها فحي عهد دخولي إليها أبحو المظفر حسن .ويكنحى أيضاً أبا المواهب،
لكثرة مواهبحه ومكارمحه .وكان كثيحر الغزو إلى أرض الزنوج ،يغيحر عليهحم ويأخحذ
الغنائم ،فيخرج خمسحها ويصحرفه فحي مصحارفه المعينحة فحي كتاب ال تعالى ،ويجعحل
نصححيب ذوي القربححى فححي خزانححة على حدة .فإذا جاءه الشرفاء دفعححه إليهححم .وكان
الشرفاء يقصححدونه مححن العراق والحجاز وسححواها .ورأيححت عنده مححن شرفاء الحجاز
جماعة منهم محمد بن جماز ومنصور بن لبيدة ابن أبي نمي ومحمد بن شميلة ابن
أبحي نمحي .ولقيحت بمقديشحو أتيحل بحن كيحش بحن جماز ،وهحو يريحد القدوم عليحه .وهذا
السححلطان له تواضححع شديححد ،ويجلس مححع الفقراء ويأكححل معهححم ،ويعظححم أهححل الديححن
والشرف.
حكاية من مكارمه
حضرته يوم جمعة وقد خرج من الصلة قاصداً إلى داره ،فتعرض له أحد الفقراء
اليمنييحن فقال له :أبحا المواهحب ،فقال :لبيحك يحا فقيحر محا حاجتحك ? قال :أعطنحي هذه
الثياب التحي عليحك .فقال له :نعحم ،أعطيكهحا .قال :السحاعة ،قال :نعحم ،السحاعة .فرجحع
إلى المسحجد ودخحل بيحت الخطيحب فلبحس ثياباً سحواها ،وخلع تلك الثياب ،وقال للفقيحر:
أدخل فخذها ،فدخل الفقير وأخذها وربطها في منديل وجعلها فوق رأسه وانصرف.
فعظم شكر الناس للسلطان على ما ظهر من تواضعه وكرمه ،وأخذ ابنه ولي عهده
تلك الكسحوة محن الفقيحر وعوضحه عنهحا بعشرة محن العبيحد .وبلغ السحلطان محا كان محن
شكحر الناس له على ذلك فأمحر للفقيحر أيضاً بعشرة رؤوس محن الرقيحق وحمليحن محن
ولمحا توفحي هذا السحلطان الفاضحل الكريحم رحمحة ال عليحه ،ولي أخوه داود .فكان على
الضحد ،إذا أتاه سحائل يقول له :مات الذي كان يعطحي ،ولم يترك محن بعده محا يعطحي.
ويقيحم الوفود عنده الشهود الكثيرة ،وحينئذ يعطيهحم القليحل ،حتحى انقطحع الوافدون عحن
بابحححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححه.
وركبنا البحر من كلوا إلى مدينة ظفار الحموض " وضبط اسمها بفتح الظاء المعجم
والفاء وآخره راء مبنيححة على الكسححر " ،وهححي آخححر بلد اليمححن على سححاحل البحححر
الهندي ،ومنها تحمل الخيل العتاق إلى الهند .ويقطع البحر فيما بينها وبين بلد الهند
مع مساعدة الريح في شهر كامل ،قد قطعته مرة في قالقوط من بلد الهند إلى ظفار
في ثمانية وعشرين يوماً بالريح ،ولم ينقطع لنا جري بالليل ول بالنهار .وبين ظفار
وعدن فحي البر مسحيرة شهحر فحي صححراء .وبينهحا وبيحن حضرموت سحتة عشحر يوماً،
ومدين ظفار في صحراء ل قرية بها ول عمالة لها ،والسوق خارج المدينة بربض
يعرف بالحرجاء ،وهحي محن أقذر السحواق وأشدهحا تنتاً وأكثرهحا ذباباً ،لكثرة محا يباع
فيهحا محن الثمرات والسحمك .وأكثحر سحمكها النوع المعروف بالسحردين ،وهحو بهحا فحي
النهايحة محن السحمن .ومحن العجائب أن دوابهحم إنمحا علفهحا محن هذا السحردين وكذلك
غنمهحم .ولم أر ذلك فححي سححواها .وأكثحر باعتهحا الخدم ،وهحن يلبسحن السحواد .وزرع
أهلهحا الذرة ،وهحم يسحقونها محن آبار بعيدة الماء .وكيفيحة سحقيهم أنهحم يصحنعون دلواً
كححبيرة ،ويجعلون لهححا حبالً كثيرة ،ويتحزم بكححل حبححل عبححد أو خادم ،ويجرون الدلو
على عود كحبير مرتفحع عحن البئر ،ويصحبونها فحي صحهريج يسحقون منحه .ولهحم قمحح
يسمونه العلس وهو في الحقيقة نوع من السلت ،والرز يجلب إليهم من بلد الهند،
وهو أكثر طعامهم .ودراهم هذه المدينة من النحاس والقصدير ،ول تنفق في سواها.
وهحم أهحل تجارة ل عيحش لهحم إل منها ،ومن عاداتهحم أنحه إذا وصحل مركب محن الهنحد
أو غيرهحا خرج عبيحد السحلطان إلى السحاحل ،وصحعدوا فحي صحنبوق إلى المركحب،
ومعهم الكسوة الكاملة لصاحب المركب أو وكيله ،وللربان وهو الرئيس ،وللكراني
وهو كاتب المركب ،ويؤتى إليهم بثلثة أفراس فيركبونها ،وتضرب أمامهم الطبال
والبواق محن سحاحل البححر إلى دار السحلطان فيسحلمون على الوزيحر وأميحر الجنحد،
وتبعححث الضيافححة لكححل مححن بالمركححب ثلثاً ،وبعححد الثلث يأكلون بدار السححلطان.
وهححم يفعلون ذلك اسححتجلبًا لصحححاب المراكححب .وهححم أهححل تواضححع وحسححن أخلق
وفضيلة ومحبحة للغرباء ،ولباسحهم القطحن ،وهحو يجلب إليهحم محن بلد الهنحد.ويشدون
الفوط فحي أوسحاطهم عوضاً عحن السحروال ،وأكثرهحم يشحد فوطحة فحي وسحطه ،ويجعحل
فوق ظهره أخرى محححححححححن شدة الححححححححححر ،ويغتسحححححححححلون مرات فحححححححححي اليوم.
وهي كثير ة المساجد .ولهم في كل مسجد مطاهر كثيرة معدة للغتسال .ويصنع بها
والغالب على أهلها رجالً ونساء المرض المعروف بداء الفيل ،وهو انتفاخ القدمين.
وأكثحر رجالهحم مبتلون بالدر والعياذ بال ومحن عوايدم الحسحنة التصحافح فحي المسحجد
إثحر صحلة الصحبح والعصحر ،يسحتند أهحل الصحف الول إلى القبلة ،ويصحافحهم الذيحن
يلونهحم .وكذلك يفعلون بعحد صحلة الجمعحة ،يتصحافحون أجمعون .ومحن خواص هذه
المدينة وعجائبها أنه ل يقصدها أحد بسوء إل عاد عليه مكروه ،وحيل بينه وبينها.
وذكر لي أن السلطان قطب الدين تمتهن بن طوران شاه صاحب هرمز نازلها مرة
محن البر والبححر ،فأرسحل ال سحبحانه عليحه ريحاً عاصحفاً كسحرت مراكبحه ورجحع عحن
حصارها وصالح ملكها .وكذلك ذكر أن الملك المجاهد سلطان اليمن عين ابن عم له
بعسحكر كحبير ،برسحم انتزاعهحا محن يحد ملكهحا ،وهحو أيضاً ابحن عمحه ،فلمحا خرج ذلك
الميحر محن داره سحقط عليحه حائط وعلى جماعحة محن أصححابه فهلكوا جميعاً .ورجحع
الملك عحن رأيحه وترك حصحارها وطلبهحا .ومحن الغرائب أن أهحل هذه المدينحة أشبحه
الناس بأهححل المغرب فححي شؤونهححم .نزلت بدار الخطيححب بمسححجدها العظححم ،وهححو
عيسححى بححن علي ،كححبير القدر كريححم النفححس .فكان له جوا ٍر مسححميات بأسححماء خدام
المغرب ،إحداهحن اسحمها بخيتحة والخرى زاد المال .ولم أسحمع هذه السحماء فحي بلد
سحواها .وأكثحر أهلهحا رؤوسحهم مكشوفحة ،ل يجعلون عليهحا العمائم .وفحي كحل دار محن
دورهحم سحجادة الخوص ،معلقحة فحي البيحت ،يصحلي عليهحا صحاحب البيحت ،كمحا يفعحل
أهل المغرب .وأكلهم الذرة .وهذا التشابه كله مما يقوي القول بأن صنهاجة وسواهم
محن قبائل المغرب أصحلهم محن حميحر .وبقرب محن هذه المدينحة بيحن بسحاتينها زاويحة
الشيخ الصالح العابد أبي محمد بن أبي بكر بن عيسى ،من أهل ظفار .وهذه الزاوية
معظمحة عندهحم ،يأتون إليهحا غدواً وعيشاً ،ويسحتجيرون بهحا .فإذا دخلهحا المسحتجير لم
يقدر السححلطان عليححه .رأيححت بهححا شخصحاً ذكححر لي أن له بهحا مدة سححنين مسححتجيرًا لم
يتعرض له السحححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححلطان.
وفحي اليام التحي كنحت بهحا اسحتجار بهحا كاتحب السحلطان ،وأقام فيهحا حتحى وقحع بينهمحا
الصلح .أتيت هذه الزاوية ،فبت بها في ضيافة الشيخين أبي العباس أحمد وأبي عبد
ال محمحد ابنحي الشيحخ أبحي بكحر المذكور ،وشاهدت لهمحا فضلً عظيماً ،ولمحا غسحلنا
أيدينا من الطعام أخذ أبو العباس منهما ذلك الماء الذي غسلنا به فشرب منه ،وبعث
الخادم بباقيحه إلى أهله وأولده فشربوه .وكذلك يفعلون بمحن يتوسحمون فيحه الخيحر محن
الوارديحن عليهحم .وكذلك أضافنحي قاضيهحا الصحالح أبحو هاشحم عبحد ال الزبيدي ،وكان
يتولى خدمتحي وغسحل يدي بنفسحه ،ول يكحل ذلك إلى غيره .وبمقربحة محن هذه الزاويحة
تربحة سحلف السحلطان الملك المغيحث ،وهحي معظمحة عندهحم ،ويسحتجير بهحا محن طلب
حاجحة ،فتقضحى له .ومحن عادة الجنحد أنحه إذا تحم الشهحر ولم يأخذوا أرزاقهحم ،اسحتجار
وعلى مسيرة نصف يوم من هذه المدينة الحقاف ،وهي منازل عاد .وهنالك زاوية
ومسحجد على سحاحل البححر ،وحوله قريحة لصحيادي السحمك .وفحي الزاويحة قحبر مكتوب
عليحه :هذا قحبر هود بحن عابر عليحه أفضحل الصحلة والسحلم .وقحد ذكرت أن بمسحجد
دمشحححق موضعاً مكتوب عليحححه :هذا قحححبر هود بحححن عابر .والشبحححه أن يكون قحححبره
بالحقاف لنهحا بلده ،وال أعلم .ولهذه المدينحة بسحاتين فيهحا موز كثيحر كحبير الجرم.
وزنت بمحضري حبة منه فكان وزنها اثنتي عشرة أوقية .وهو طيب المطعم شديد
الحلوة .وبهححا أيضاً التنبول والنارجيححل المعروف بجوز الهنححد ،ول يكونان إل ببلد
الهند ،وبمدينة ظفار هذه ،لشبهها بالهند وقربها منه؛ اللهم إل أن في مدينة زبيد ،في
بسححتان السححلطان شجيرات مححن النارجيححل .وإذ قححد وقححع ذكححر التنبول و النارجيححل،
ذكر التنبول
والتنبول شجحر يغرس كمحا تغرس دوالي العنحب ،ويصحنع له معرشات محن القصحب،
كمحا تصحنع لدوالي العنحب ،أو يغرس فحي مجاورة النارجيحل ،فيصحعد فيهحا كمحا تصحعد
الدوالي ،وكما يصعد الفلفل .ول ثمر للتنبول .وإنما المقصود منه ورقه ،وهو يشبه
ورق العليحق .وأطيبحه الصحفر .وتجنحى أوراقحه فحي كحل يوم .وأهحل الهنحد يعظمون
التنبول تعظيمًا شديداً ،وإذا أتححى الرجححل دار صححاحبه فأعطاه خمححس ورقات منححه،
فكأنما أعطاه الدنيا وما فيها ،ل سيما إن كان أميراً أو كبيراً .وإعطاؤه عندهم أعظم
شأناً وأدل على الكرامحة محن إعطاء الفضحة والذهحب .وكيفيحة اسحتعماله أن يؤخحذ قبله
الفوفل ،وهو شبه جوز الطيب ،فيكسر حتى يصير أطرافاً صغاراً ،ويجعله النسان
فحي فمحه ويعلكحه ،ثحم يأخحذ ورق التنبول ،فيجعحل عليهحا شيئاً محن النورة ويمضغهحا محع
الفوفحل .وخاصحيته أنحه طيحب النكهحة ،ويذهحب بروائح الفحم ،ويهضحم الطعام ،ويقطحع
ضرر شرب الماء على الريححق ،ويفرح آكله ،ويعيححن على الجماع .ويجعله النسححان
عند رأسه ليلً فإذا استيقظ من نومه ،أو أيقظته زوجته أو جاريته أخذ منه ،فيذهب
بما في فمه من رائحة كريه .ولقد ذكر لي أن جواري السلطان والمراء ببلد الهند
ذكر النارجيل
وهححو جوز الهنححد ،وهذا الشجححر مححن أغرب الشجار شأناً وأعجبهححا أمراً ،وشجره
شبحه شجحر النخحل ل فرق بيهمحا ،إل أن هذه تثمحر جوزاً ،وتلك تثمحر ثمراً .وجوزهحا
يشبححه رأس ابححن آدم ،لن فيهححا شبححه العينيححن والفححم ،وداخلهححا شبححه الدماغ إذا كانححت
خضراء ،وعليهحا ليحف شبحه الشعحر ،وهحم يصحنعون بحه حبالً يخيطون بحه المراكحب
عوضاً عححن مسححامير الحديحححد ،ويصححنعون منححه الحبال للمراكححب .والجوزة منهححا
وخصححوصاً التححي بجزائر ذيبححة المهححل ،تكون بمقدار رأس الدمححي .ويزعمون أن
حكيماً من حكماء الهند في غابر الزمان كان متصلً بملك من الملوك ومعظمًا لديه،
وكان للملك وزيححر بينححه وبيححن هذا الحكيححم معاداة .فقال الحكيححم للملك :إن رأس هذا
الوزيحر إذا قطحع ودفحن تخرج منحه نخلة تثمحر بثمحر عظيحم ،يعود نفعحه على أهحل الهنحد
وسحواهم محن أهحل الدنيحا .فقال له الملك :فإن لم يظهحر محن رأس الوزيحر محا ذكرتحه،
قال :إن لم يظهحر ،فاصحنع برأسحي كمحا صحنعت برأسحه .فأمحر الملك برأس الوزيحر
فقطحع ،وأخذه الحكيحم ،وغرس نواة تمحر فحي دماغحه ،وعالجهحا حتحى صحارت شجرة،
وأثمرت بهذا الجوز .وهذه الحكايحة محن الكاذيحب ،ولكحن ذكرناهحا لشهرتهحا عندهحم.
ومن خواص هذا الجوز تقوية البدن وإسراع السمن والزيادة في حمرة الوجه .وأما
العانة على الباءة ففعله فيها عجيب .ومن عجائبه إنه يكون في ابتداء أمره أخضر.
فمن قطع بالسكين قطعة من قشره وفتح رأس الجوزة شرب منها ماء في النهاية من
الحلوة والبرودة .ومزاجححه حار معيححن على الباءة .فاذا شرب ذلك الماء أخححذ قطعححة
القشرة وجعلها شبه الملعقة وجرد بها ما في داخل الجوزة من الطعم ،فيكون طعمه
كطعحم البيضحة إذا شربحت ولم يتحم نضجهحا كحل التمام ،ويتغذى بحه .ومنحه كان غذائي
أيام إقامتي بجزائر ذيبة المهل مدة عام ونصف عام .وعجائبه أن يصنع منه الزيت
والحليححب والعسححل.فأمحا كيفيححة صححناعة العسححل منححه فإن خدام النخححل منححه ،ويسححمون
الفازانية ،يصعدون إلى النخلة غدواً وعشيًا إذا أرادوا أخذ مائها الذي يصنعون منه
العسححل ،وهححم يسححمونه الطواق ،فيقطعون العذق الذي يخرج منححه الثمححر ،ويتركون
منحه مقدار إصحبعين ،ويربطون عليحه قدراً صحغيرة فيقطحر فيهحا الماء الذي يسحيل محن
العذق .فإذا ربطهحا غدوة ،صحعد إليهحا عشياً ومعحه قدحان محن قشحر الجوز المذكور،
أحدهمحا مملوء ماء فيصحب محا اجتمحع محن ماء العذق فحي أححد القدحيحن ويغسحله بالماء
الذي في القدح الخر ،وينجر من العذق قليلً ويربط عليه القدر ثانية ،ثم يفعل غدوة
كفعله عشياً ،فإذا اجتمع له الكثير من ذلك الماء طبخه كما يطبخ ماء العنب إذا صنع
منحه الرب ،فيصحير عسحلً عظيحم النفحع طيباً ،يشتريحه تجار الهنحد واليمحن والصحين،
ويحملونه إلى بلدهم ،ويصنعون منه الحلواء .وأما كيفية صنع الحليب منه فإن بكل
دار شبحه الكرسحي ،تجلس فوقحه المرأة ،ويكون بيدهحا عصحا ،فحي أححد طرفيهحا حديدة
مشرفحة ،فيفتحون فحي الجوزة مقدار محا تدخحل تلك الحديحد ،ويجرشون محا فحي باطحن
الجوزة ،وكل ما ينزل منها يجتمع في صحفة ،حتى ل يبقى في داخل الجوزة شيء،
ثحم يمرس ذلك الجريحش بالماء ،فيصحير كلون الحليحب بياضاً ،ويكون طعمحه كطعحم
الحليحب ،ويأتدم بحه الناس .وأمحا كيفيحة صحنع الزيحت فإنهحم يأخذون الجوز بعحد نضجحه
وسحقوطه عحن شجره ،فيزيلون قشره ويقطعونحه قطعاً ويجعحل فحي الشمحس ،فإذا ذبحل
وهحو السحلطان الملك المغيحث بحن الملك الفائز ابحن عحم ملك اليمحن .وكان أبوه أميراً
على ظفار محن قبحل صحاحب اليمحن .وله عليحه هديحة يبعثهحا له فحي كحل سحنة .ثحم اسحتبد
الملك المغيحث بملكهحا ،وامتنحع محن إرسحال الهديحة .وكان محن عزم ملك اليمحن على
محاربتححه ،وتعييححن ابححن عمححه ووقوع الحائط عليححه مححا ذكرناه آنفاً .وللسححلطان قصححر
بداخل المدينة يسمى الحصن ،عظيم فسيح ،والجامع بإزائه .ومن عادته أن تضرب
الطبول والبوقات والنفار والصحرنايات على بابحه كحل يوم بعحد صحلة العصحر؛ وفحي
كحححل يوم إثنيحححن وخميحححس تأتحححي العسحححاكر إلى بابحححه فيقفون خارج المشور سحححاعة
وينصحرفون ،والسحلطان ل يخرج ول يراه أححد إل فحي يوم الجمعحة ،فيخرج للصحلة
ثحم يعود إلى داره .ول يمنحع أححد محن دخول المشور ،وأميحر جندار قاعحد على بابحه،
وإليححه ينتهححي كححل صححاحب حاجححة أو شكايححة ،وهححو يطالع السححلطان ،ويأتيححه الجواب
للحيحن .وإذا أراد السحلطان الركوب خرجحت مراكبحه محن القصحر وسحلحه ومماليكحه
إلى خارج المدينحة ،وأتحى بجمحل عليحه محمحل مسحتور بسحتر أبيحض منقوش بالذهحب،
فيركحب السحلطان ونديمحه فحي المحمحل بحيحث ل يرى .وإذا خرج إلى بسحتانه وأححب
ركوب الفرس ركبحه ونزل عحن الجمحل .وعادتحه أن ل يعارضحه أححد فحي طريقحه ول
يقحف لرؤيتحه ول لشكايحة ول لغيرهحا ،ومحن تعرض لذلك ضرب أشحد الضرب .فتجحد
الناس إذا سمعوا بخروج السلطان فروا عن الطريق وتحاموها .ووزير هذا السلطان
الفقيه محمد العدني ،وكان معلم صبيان ،فعلم هذا السلطان القراءة والكتابة ،وعاهده
على أن يسححتوزره إن ملك .فلمححا ملك اسححتوزره ،فلم يكححن يحسححنها ،فكان السححم له
والحكحم لغيره .ومحن هذه المدينحة ركبنحا البححر نريحد عمان فحي مركحب صحغير لرجحل
يعرف بعلي بحن إدريحس المصحيري محن أهحل جزيرة مصحيرة .وفحي الثانحي لركوبنحا
نزلنححا بمرسححى حاسححك وبححه ناس مححن العرب ،صححيادون للسححمك ،سححاكنون هنالك،
وعندهحم شجحر الكندر ،وهحو رقيحق الورق .وإذا شرطحت الورقحة منحه قطحر منهحا ماء
شبه اللبن ،ثم عاد صمغاً .وذلك الصمغ هو اللبان وهو كثير جداً هنالك .ول معيشة
لهل ذلك المرسى إل من صيد السمك ،وسمكهم يعرف باللخم " بخاء معجم مفتوح
" ،وهحو شحبيه كلب البححر .يشرح ويقدد ويقتات بحه .وبيوتهحم محن عظام السحمك،
وسحقفها محن جلود الجمال .وسحرنا محن مرسحى حاسحك أربعحة أيام ووصحلنا إلى جبحل
لمعان " بضم اللم " ،وهو في وسط البحر ،وبأعله رابطة مبنية بالحجارة وسقفها
ولما أرسينا تحت هذا الجبل صعدناه إلى هذه الرابطة ،فوجدنا بها شيخاً نائماً ،فسلمنا عليه
فاستيقظ ،وأشار برد السلم فكلمناه فلم يكلمنا ،وكان يحرك رأسه .فأتاه أهل المركب بطعام،
فأبى أن يقبله .فطلبنا منه الدعاء فكان يحرك شفتيه ول نعلم ما يقول ،وعليه مرقعة وقلنسوة
لبد ،وليس معه ركوة ول إبريق ول عكاز ول نعل .وقال أهل المركب :إنهم ما رأوه قط
بهذا الجبل .وأقمنا تلك الليلة بساحل الجبل ،وصلينا معه العصر والمغرب ،وجئناه بطعام
فرده ،وأقام يصلي إلى العشاء الخرة .ثم أذن وصلينا معه .وكان حسن الصوت بالقراءة
مجيداً لها ،ولما فرغ من صلة العشاء الخرة أومأ إلينا بالنصراف ،فودعناه وانصرفنا
ونحن نعجب من أمره .ثم إني أردت الرجوع إليه لما انصرفنا ،فلما دنوت منه غلب علي
الخوف ،ورجعت إلى أصحابي وانصرفت معهم ،وركبنا البحر ،ووصلنا بعد يومين إلى
جزيرة الطير ،وليست بها عمارة .فأرسينا وصعدنا إليها ،فوجدناها ملنة بطيور تشبه
الشقاشق ،إل أنها أعظم منها .وجاءت الناس ببيض تلك الطيور فطبخوها وأكلوها،
واصطادوا جملة من تلك الطيور فطبخوها دون ذكاة وأكلوها .وكان يجالسني تاجر من أهل
جزيرة مصيرة ساكن بظفار اسمه مسلم ،ورأيته يأكل معهم تلك الطيور ،فأنكرت ذلك
عليه ،فاشتد خجله وقال لي :ظننت أنهم ذبحوها .وانقطع عني بعد ذلك من الخجل ،فكان ل
يقربني حتى أدعو به .وكان طعامي في تلك اليام بذلك المركب التمر والسمك .وكانوا
يصطادون بالغدو والعشي سمكاً يسمى بالفارسية شير ماهي ،ومعناه أسد السمك ،لن شير
هو السد ،وماهي السمك .وهو يشبه الحوت المسمى عندنا بتارزت ،وهم يقطعونه قطعاً
ويشوونه ويعطون كل من في المركب قطعة ،ل يفضلون أحداً على أحد ول صاحب
المركب ول سواه ،ويأكلونه بالتمر .وكان عندي خبز وكعك استصحبتهما من ظفار ،فلما
نفدا ،كنت أقتات من ذلك السمك في جملتهم .وعيدنا عيد الضحى على ظهر البحر ،وهبت
علينا في يومه ريح عاصف بعد طلوع الفجر ،ودامت إلى طلوع الشمس ،وكادت تغرقنا.
كرامة :وكان معنا في المركب حاج من أهل الهند يسمى بخضر ،ويدعى بمولنا ،لنه
يحفظ القرآن ويحسن الكتابة ،فلما رأى هول البحر لف رأسه بعباءة كانت له وتناوم ،فلما
فرج ال ما نزل بنا قلت له :يا مولنا خضر كيف رأيت ? قال :كنت عند الهول أفتح عيني
أنظر ،هل أرى الملئكة الذين يقبضون الرواح جاءوا ،فل أراهم ،فأقول الحمد ل لو كان
الغرق لتوا لقبض الرواح .ثم أغلق عيني ثم أفتحهما ،فأنظر كذلك ،إلى أن فرج ال عنا.
وكان قد تقدمنا مركب لبعض التجار فغرق ،ولم ينج منه إل رجل واحد خرج عوماً بعد
جهد شديد .وأكلت في ذلك المركب نوعاً من الطعام لم أذقه قبل ول بعد ،صنعه بعض تجار
عمان وهو من الذرة طبخها من غير طحن ،وصب عليه السيلن ،وهو عسل التمر،
وأكلناه .ثم وصلنا إلى جزيرة مصيرة التي منها صاحب المركب الذي كنا فيه ،وهي على
لفظ مصير وزيادة تاء التأنيث ،جزيرة كبيرة ،ل عيش لهلها إل من السمك .ولم ننزل إليها
لبعد مرساها عن الساحل .وكنت قد كرهتهم لما رأيتهم يأكلون الطير من غير ذكاة .وأقمنا
بها يوماً ،وتوجه صاحب المركب إلى داره وعاد إلينا ،ثم سرنا يوماً وليلة ،ووصلنا إلى
مرسى قرية كبيرة على ساحل البحر تعرف بصور ،ورأينا منها مدينة قلهات ،في سفح
جبل ،فخيل لنا أنها قريبة .وكان وصولنا إلى المرسى وقت الزوال أو قبله .فلما ظهرت لنا
المدينة أحببت المشي إليها والمبيت بها ،وكنت قد كرهت صحبة أهل المركب ،فسألت عن
طريقها ،فأخبرت أني أصل إليها العصر .فاكتريت أحد البحريين ليدلني على طريقها،
وصحبني خضر الهندي الذي تقدم ذكره ،وتركت أصحابي مع ما كان لي بالمركب ليلحقوا
بي في غد ذلك اليوم ،وأخذت أثواباً كانت لي ،فدفعتها للدليل ليكفيني مؤونة حملها ،وحملت
في يدي رمحاً .فإذا ذلك الدليل يحب أن يستولي على أثوابي ،فأتى بنا إلى خليج يخرج من
البحر فيه المد والجزر ،فأراد عبوره بالثياب ،فقلت له :إنما تعبر وحدك وتترك الثياب
عندنا ،فإن قدرنا الجواز جزنا ،وإل صعدنا نطلب المجاز فرجع .ثم رأينا رجالً جازوه
عوماً فتحققنا أنه كان قصده أن يغرقنا ويذهب بالثياب .فحينئذ أظهرت النشاط وأخذت
بالحزم وشددت وسطي وكنت أهز الرمح ،فهابني ذلك الدليل وصعدنا حتى وجدنا مجازاً،
ثم خرجنا إلى صحراء ل ماء بها ،واشتد المر ،فبعث ال لنا فارسًا في جماعة من أصحابه
وبيد أحدهم ركوة ماء فسقاني وسقى صاحبي .وذهبنا نحسب المدينة قريبة منا ،وبيننا وبينها
خنادق نمشي فيها الميال الكثيرة .فلما جاء العشي أراد الدليل أن يميل بنا إلى ناحية البحر،
وهو ل طريق له ،لن ساحله حجارة .فأراد أن ننشب فيها ويذهب بالثياب .فقلت له :إنما
نمشي على هذه الطريق التي نحن عليها ،وبينها وبين البحر نحو ميل .فلما أظلم الليل قال
لنا ،إن المدينة قريبة ،فتعالوا نمشي حتى نبيت بخارجها إلى الصباح .فخفت أن يتعرض لنا
أحد في الطريق ،ولم أحقق مقدار ما بقي ،إليها ،فقلت له :إنما الحق أن نخرج عن الطريق
فننام ،فإذا أصبحنا أتينا المدينة إن شاء ال .وكنت قد رأيت جملة من الرجال في سفح جبل
هنالك ،فخفت أن يكونوا لصوصاً ،وقلت التستر أولى .وغلب العطش على صاحبي فلم
يوافق على ذلك .فخرجت عن الطريق ،وقصدت شجرة من شجر أم غيلن ،وقد أعييت
وأدركني الجهد ،لكني أظهرت قوة وتجلداً ،خوف الدليل .وأما صاحبي فمريض ل قوة له.
فجعلت الدليل بيني وبين صاحبي ،وجعلت الثياب بين ثوبي وجسدي ،وأمسكت الرمح بيدي
ورقد صاحبي ورقد الدليل ،وبقيت ساهراً .فكلما تحرك الدليل كلمته وأريته أني مستيقظ،
ولم نزل كذلك حتى الصبح.
ثحم خرجنحا إلى الطريحق فوجدنحا الناس ذاهحبين بالمرافحق إلى المدينحة ،فبعثحت الدليحل
ليأتينححا بماء ،وأخححذ صححاحبي الثياب .وكان بيننححا وبيححن المدينححة مهاوٍ وخنادق .فأتان
بالماء فشربنحا ،وذلك أوان الححر ،ثحم وصحلنا إلى مدينحة قلهات " وضبحط اسحمها بفتحح
القاف واسحكان اللم وآخره تاء مثناة " ،فأتيناهحا ونححن فحي جهحد عظيحم .وكنحت قحد
ضاقحت نعلي على رجلي حتحى كاد الدم يخرج محن تححت أظفارهحا ،فلمحا وصحلنا باب
المدينحة كان ختام المشقحة ،أن قال لنحا الموكحل بالباب :ل بحد لك أن تذهحب معحي إلى
أمير المدينة ليعرف قضيتك ،ومن أين قدمت .فذهبت معه إليه فرأيته فاضلً حسن
الخلق ،وسحألني عحن حالي وأنزلنحي ،وأقمحت عنده سحتة أيام ،ل قدرة لي فيهحا على
ومدينة قلهات على الساحل ،وهي حسنة السواق ،ولها مسجد من أحسن المساجد.
حيطانه بالقاشاني ،وهو شبه الزليج .وهو مرتفع ،ينظر منه إلى البحر ،والمرسى،
وهو من عمارة الصالحة بيبي مريم ،ومعنى بيبي عندهم الحرة .وأكلت بهذه المدينة
سحمكاً لم آكحل مثله فحي إقليحم محن القاليحم ،وكنحت أفضله على جميحع اللحوم ،فل آكحل
سححواه .وهححم يشوونححه على ورق الشجححر ،ويجعلونححه على الرز ،ويأكلونححه .والرز
يجلب إليهحم محن أرض الهنحد .وهحم أهحل تجارة ،ومعيشتهحم ممحا يأتحي إليهحم فحي البححر
الهندي .وإذا وصحل إليهحم مركحب فرحوا بحه أشحد الفرح .وكلمهحم ليحس بالفصحيح محع
أنهحم عرب .وكحل كلمحة يتكلمون بهحا يصحلونها بل .فيقولون مثل :تأكحل ل ،تمشحي ل،
تفعحل كذا ل .وأكثرهحم خوارج .لكنهحم ل يقدرون على إظهار مذهبهحم ،لنهحم تححت
طاعحة السحلطان قطحب الديحن تمتهحن ملك هرمحز ،وهحو محن أهحل السحنة .وبمقربحة محن
قلهات قرية طيبي ،واسمها على نحو اسم الطيب إذ أضافه المتكلم لنفسه .وهي من
أجمححل القرى وأبدعهححا حسححناً ،ذات أنهار جاريححة وأشجار ناضرة وبسححاتين كثيرة.
ومنهححا تجلب الفواكححه إلى قلهات .وبهححا الموز المعروف بالمرواري بالفارسححية هححو
الجوهري " المروار الجوهحر " ،وهحو كثيحر بهحا ،وجلب منهحا إلى هرمحز وسحواها.
وبها أيضاً التنبول ،لكن ورقته صغيرة .والتمر يجلب إلى هذه الجهات من عمان .ثم
قصححدنا بلد عمان ،فسححرنا سححتة أيام فححي صحححراء ،ثححم وصححلنا بلد عمان فححي اليوم
السححابع .وهححي خصححبة ذات أنهار وأشجار وبسححاتين وحدائق ونخححل وفاكهححة كثيرة
مختلفحة الجناس .ووصحلنا إلى قاعدة هذه البلد وهحي مدينحة نزوا " وضبحط اسحمها
بنون مفتوح وزاي مسحكن وواو مفتوح " ،مدينحة فحي سحفح جبحل ،تححف بهحا البسحاتين
والنهار .يأتحي كحل إنسحان بمحا عنده ،ويجتمعون للكحل فحي صححن المسحجد ،ويأكحل
معهحم الوارد والصحادر .ولهحم نجدة وشجاعحة .والحرب قائمحة فيمحا بينهحم أبداً .وهحم
أباضية المذهب .ويصلون الجمعة ظهراً أربعاً ،فإذا فرغوا منها قرأ المام أيات من
القرآن ،ونثحر كلماً شبحه الخطبحة يرضحى فيحه عحن أبحي بكحر وعمحر ،ويسحكت عحن
عثمان وعلي .وهححم أرادوا ذكححر علي رضححي ال عنححه كنوا عنححه ،فقالوا :ذكححر عححن
الرجحل أو قال الرجحل .ويرضون عحن الشقحي اللعيحن ابحن ملجحم ،ويقولون فيحه :العبحد
الصححالح قامححع الفتنححة .ونسححاؤهم يكثرن الفسححاد ،ول غيرة عندهححم ،ول إنكار لذلك.
وسحلطانها عربحي محن قحبيلة الزد بحن الغوث ،ويعرف بأبحي محمحد ابحن نبهان .وأبحو
محمحد عندهحم سحمة لكحل سحلطان يلي عمان ،كمحا هحي أتابحك عنحد ملوك اللور .وعادتحه
أن يجلس خارج باب داره فححي مجلس هنالك ،ول حاجححب له ول وزيححر ،ول يمنححع
أحداً من الدخول إليه من غريب أو غيره ،ويكرم الضيف على عادة العرب ،ويعين
له الضيافحة ،ويعطيحه على قدره .وله أخلق حسحنة .ويؤكحل على مائدتحه لححم الحمار
النسي ،ويباع بالسوق ،لنهم قائلون بتحليله ،ولكنهم يخفون ذلك عن الوارد عليهم،
ول يظهرونحه بمحضره .ومحن مدن عمان مدينحة زكحي لم أدخلهحا ،وهحي على محا ذكحر
لي ،مدينحة عظيمحة منهحا القريات وشبحا وكلبحا وخورفكان وصححار ،وكلهحا ذات أنهار
حكاية
كنححت يوماً عنححد السححلطان أبححي محمححد بححن نبهان فأتتححه امرأة صححغيرة السححن حسححنة
الصحورة باديحة الوجحه ،فوقفحت بيحن يديحه وقالت له :يحا أبحا محمحد طغحا الشيطان فحي
رأسي .فقال لها :اذهبي واطردي الشيطان .فقالت له :ل أستطيع وأنا في جوارك يا
أبا محمد .فقال لها :اذهبي فافعلي ما شئت .فذكر لي لما انصرفت عنه أن هذه ومن
فعحل مثحل فعلهحا تكون فحي جوار السحلطان ،وتذهحب للفسحاد ،ول يقدر أبوهحا ول ذوو
قرابتها أن يغيروا عليها ،وإن قتلوها قتلوا بها ،لنها في جوار السلطان .ثم سافرت
من بلد عمان إلى بلد هرمز ،وهرمز مدينة على ساحل البحر ،وتسمى أيضاً موغ
أسحتان ،وتقابلها فحي البحر هرمز الجديدة ،وبينهما فحي البحر ثلثة فراسحخ .ووصحلنا
إلى هرمز الجديدة ،وهي جزيرة مدينتها تسمى جرون " بفتح الجيم والراء وآخرها
نون " ،وهي مدينة حسنة كبيرة لها أسواق حافلة ،وهي مرسى الهند والسند ،ومنها
تحمحل سحلع الهنحد إلى العراقيحن وفارس وخراسحان .وهذه المدينحة سحكنى السحلطان،
والجزيرة التححي فيهححا المدينححة مسححيرة يوم ،وأكثرهححا سححباخ وجبال ملح ،وهححو الملح
الدارانحي ،ومنحه يصحنعون الوانحي المزينحة والمنارات التحي يضعون السحرج عليهحا.
وطعامهححم السححمك والتمححر المجلوب إليهححم مححن البصححرة وعمان .ويقولون بلسححانهم:
خرما وما هي لوت بادشاهي ،معناه بالعربي التمر والسمك طعام الملوك .وللماء في
الجزيرة قيمحة ،وبهحا عيون ماء وصحهاريج مصحنوعة ،يجتمحع فيهحا ماء المطحر .وهحي
على بعحد محن المدينحة ،ويأتون إليهحا بالقرب فيملونهحا ويرفعونهحا على ظهورهحم إلى
البحر ،يوسقونها في القوارب ويأتون بها إلى المدينة .ورأيت من العجائب عند باب
الجامحع فيمحا بينحه وبيحن السحوق رأس سحمكة كأنحه رابيحة وعيناه كأنهمحا بابان ،فترى
الناس يدخلون فححي إحداهمححا ،ويخرجون مححن الخرى .ولقيححت بهذه المدينححة الشيححخ
الصحالح السحائح أبحا الحسحن القطارانحي ،وأصحله محن بلد الروم ،فأضافنحي وزارنحي
وألبسني ثوباً ،وأعطاني كمر الصحبة ،وهو يحتبي به ،فيعين الجالس ،فيكون كأنه
مسحتند .وأكثحر فقراء العجحم يتقلدونحه .وعلى سحتة أميال محن هذه المدينحة مزار ينسحب
إلى الخضحر والياس عليهمحا السحلم .يذكحر أنهمحا يصحليان فيحه ،وظهرت له بركات
وبراهين .وهنالك زاوية يسكنها أحد المشايخ يخدم بها الوارد والصادر ،وأقمنا عنده
يوماً ،وقصدنا من هنالك زيارة رجل صالح منقطع في آخر هذه الجزيرة ،قد نحت
غاراً لسكناه .فيه زاوية ومجلس ودار صغيرة له .فيها جارية وله عبيد خارج الغار
يرعون بقراً له وغنماً .وكان هذا الرجحل محن كبار التجار فححج البيحت وقطحع العلئق
وانقطحع هنالك للعبادة ،ودفحع ماله لرجحل محن إخوانحه يتجحر له بحه .وبتنحا عنده ليلة،
فأحسن القرى وأجمل ،رضي ال تعالى عنه ،وسيمة الخير والعبادة لئحة عليه.
ذكر سلطان هرمز
وهححو السححلطان قطححب الديححن تمتهححن طوران شاه " وضبححط اسححمه بفتححح التاءيححن
المعلوتيحححن وبينهمحححا ميحححم مفتوح وهاء مسحححكنة وآخره نون " ،وهحححو محححن كرماء
السلطين ،كثير التواضع حسن الخلق ،وعادته أن يأتي لزيارة كل من يقدم عليه
محن فقيحه أو صحالح أو شريحف ويقوم بحقحه ،ولمحا دخلنحا جزيرتحه وجدناه مهيحأ للحرب
مشغولً بهححا مححع ابنححي أخيححه نظام الديححن .فكان فححي كححل ليلة يتيسححر للقتال .والغلء
مسحتولٍ على الجزيرة ،فأتحى إلينحا وزيره شمحس الديحن محمحد بحن علي وقاضيحه عماد
وأقمنحا عندهحم سحتة عشحر يوماً .فلمحا أردنحا النصحراف قلت لبعحض الصححاب :كيحف
ننصرف ول نرى هذا السلطان ? فجئنا على الوزير وكانت داره في جوار الزاوية
التححي نزلت بهححا ،فقلت له ،إنححي أريححد السححلم على الملك .فقال بسححم ال ،وأخححذ بيدي
فذهحب بحي إلى داره ،وهحي على سحاحل البححر ،والجفان مجلسحة عندهحا .فإذا شيحخ
عليه أقبية ضيقة دنسة ،وعلى رأسه عمامة ،وهو مشدود الوسط بمنديل ،فسلم عليه
الوزير وسلمت عليه ولم أعرف انه الملك .وكان إلى جانبه ابن اخته ،وهو علي شاه
ابن جلل الدين الكيجي ،وكانت بيني وبينه معرفة ،فأنشأت أحادثه ،وأنا ل أعرف
الملك ،فعرفنححي الوزيححر بذلك .فخجلت منححه لقبالي بالحديححث على ابححن أختححه دونححه
واعتذرت ،ثحم قام فدخحل داره ،وتبعحه المراء والوزراء وأرباب الدولة .ودخلت محع
الوزير ،فوجدناه قاعداً على سرير ملكه وثيابه عليه لم يبدلها وفي يده سبحة جوهر،
لم تححر العيون مثلهححا لن مغاصححات الجوهححر تحححت حكمححه .فجلس أحححد المراء إلى
جانبه ،وجلست إلى جانب ذلك المير ،وسألني عن حالي ومقدمي وعمن لقيته من
الملوك فأخححبرته بذلك .وحضححر الطعام فأكححل الحاضرون ولم يأكححل معهححم ،ثححم قام
فودعتحه وانصحرفت .وسحبب الحرب التحي بينحه وبيحن ابنحي أخيحه أنحه ركحب البححر مرة
محن مدينتحه الجديدة برسحم النزهحة فحي هرمحز القديمحة وبسحاتينها ،وبينهمحا فحي البححر
ثلثحة فراسحخ كمحا قدمناه .فخالف عليحه أخوه نظام الديحن ،ودعحا لنفسحه وبايعحه أهحل
الجزيرة وبايعتحه العسحاكر ،فخاف قطحب الديحن على نفسحه وركحب البححر إلى مدينحة
قلهات التححي تقدم ذكرهححا ،وهححي مححن جملة بلده ،فأقام بهححا شهوراً وجهححز المراكححب
وأتحى الجزيرة ،فقاتله أهلهحا محع أخيحه وهزموه .وعاد إلى قلهات ،وفعحل ذلك مراراً.
فلم تكن له حيلة إل أن يراسل بعض نساء أخيه فسمته ومات .وأتى هو إلى الجزيرة
فدخلها ،وفر ابنا أخيه بالخزائن والموال والعساكر إلى جزيرة قيس ،حيث مغاص
الجوهر ،وصاروا يقطعون الطريق على من يقصد الجزيرة من أهل الهند والسند،
ويغيرون على بلده البحريححة ،حتححى تخرب معظمهححا .ثححم سحافرنا محن مدينححة جرون
برسم لقاء رجل صالح ببلد خنج بال .فلما عدينا البحر اكترينا دواب من التركمان،
وهم سكان تلك البلد ،ول يسافر فيها إل معهم لشجاعتهم ومعرفتهم بالطرق .وفيها
صحححراء مسححيرة أربححع ،يقطححع بهححا الطريححق لصححوص العراب ،وتهححب فيهححا ريححح
السموم في شهري تموز وحزيران ،فمن صادفته فيها قتلته .ولقد ذكر لي أن الرجل
إذا قتلته تلك الريح وأراد أصحابه غسله ينفصل كل عضو منه عن سائر العضاء.
وبهحا قبور كثيرة للذيحن ماتوا فيهحا بهذه الريحح ،وكنحا نسحافر فيهحا بالليحل ،فإذا طلعحت
الشمحس نزلنحا تححت ظلل الشجار محن أم غيلن ،ونرححل بعحد العصحر إلى طلوع
الشمحس .وفحي هذه الصححراء ومحا والهحا كان يقطحع الطريحق بهحا جمال اللك الشهيحر
السم هنالك.
حكاية
كان جمال اللك مححن أهححل سححجستان أعجمححي الصححل " واللك بضححم اللم " معناه
القطحع .وكانحت يده قطعحت فحي بعحض حروبحه .وكانحت له جماعحة كثيرة محن فرسحان
العراب والعاجحم يقطحع بهحم الطرق .وكان يبنحي الزوايحا ،ويطعحم الوارد والصحادر
من الموال التي يسلبها من الناس .ويقال :إنه كان يدعو أن ل يسلط إل على من ل
يزكححي ماله ،وأقام على ذلك دهراً .وكان يغيححر هححو وفرسححانه ويسححلكون براري ل
يعرفهحا سحواهم ،ويدفنون بهحا قرب الماء ورواياه .فإذا تبعهحم عسحكر السحلطان دخلوا
الصحححراء واسحتخرجوا المياه ،ويرجححع العسححكر عنهححم خوفاً محن الهلك .وأقام على
هذه الحالة مدة ل يقدر عليحه ملك العراق ول غيره ،ثحم تاب وتعبحد حتحى مات ،وقحبره
يزار ببلده .وسلكنا هذه الصحراء إلى أن وصلنا إلى كوراستان " وضبط اسمه بفتح
الكاف واسححكان الواو وراء " ،وهححو بلد صححغير فيححه النهار والبسححاتين وهححو شديححد
الحر .ثم سرنا منه ثلثة أيام في صحراء مثل التي تقدمت ووصلنا إلى مدينة لر "
وآخححر اسححمها راء " ،مدينححة كححبيرة كثيرة العيون والمياه المطردة والبسححاتين .ولهححا
أسحواق حسحان ،ونزلنحا منهحا بزاويحة الشيحخ العابحد أبحي دلف محمحد وهحو الذي قصحدنا
زيارتححه بخنححج بال .وبهذه الزاويححة ولده أبححو زيححد عبححد الرحمححن ،ومعححه جماعححة مححن
الفقراء .ومحن عادتهحم أنهحم يجتمعون بالزاويحة بعحد صحلة العصحر محن كحل يوم ،ثحم
يطوفون على دور المدينة فيعطاهم من كل دار الرغيف والرغيفان ،فيطعمون منها
الوارد والصحادر .وأهحل الدور قحد ألفوا ذلك فهحم يجعلونحه فحي جملة قوتهحم ،ويعدونحه
لهحم إعانحة على إطعام الطعام .وفي كل ليلة جمعحة يجتمع بهذه الزاوية فقراء المدينة
وصحلحاؤها ،ويأتحي كحل منهحم بمحا تيسحر له محن الدراهحم ،فيجمعونهحا وينفقونهحا تلك
الليلة ،ويححبيتون فححي عبادة مححن الصححلة والذكححر والتلوة ،وينصححرفون بعححد صححلة
الصبح.
وبهذه المدينة سلطان يسمى بجلل الدين ،تركماني الصل ،بعث إلينا بضيافة .ولم
نجتمحع بحه ول رأيناه .ثحم سحافرنا إلى مدينحة خنحج بال " وضبحط اسحمها بضحم الخاء
المعجحم وقحد يعوض منحه هاء وإسحكان النون وضحم الجيحم وباء معقودة وألف ولم "،
وبهححا سححكنى الشيححخ أبححي دلف الذي قصححدنا زيارتححه ،وبزاويتححه نزلنححا .ولمححا دخلت
الزاويحة ،رأيتحه قاعداً بناحيحة منهحا على التراب ،وعليحه جبحة صحوف خضراء باليحة،
وعلى رأسه عمامة صوف سوداء ،فسلمت عليه ،فأحسن الرد ،وسألني عن مقدمي
وبلدي وأنزلنحي .وكان يبعحث إلي الطعام والفاكهحة محع ولد له محن الصحالحين ،كثيحر
الخشوع والتواضحع صحائم الدهحر كثيحر الصحلة .ولهذا الشيحخ أبحي دلف شأن عجيحب
وأمر غريب ،فإن نفقته في هذه الزاوية عظيمة .وهو يعطي العطاء الجزيل ،ويكسو
الناس ،ويركبهحم الخيحل ،ويحسحن لكحل وارد وصحادر .ولم أر فحي تلك البلد مثله ،ول
يعلم له جهحة إل محا يصحله محن الخوان والصححاب ،حتحى زعحم كثيحر محن الناس أنحه
ينفق من الكون .وفي زاويته المذكورة قبر الشيخ الولي الصالح القطب دانيال ،وله
اسم بتلك البلد شهير .وشأن في الولية كبير .وعلى قبره قبة عظيمة بناها السلطان
قطححب الديححن تمتهححن بححن طوران شاه .وأقمححت عنححد الشيححخ أبححي دلف يومًا واحداً،
لسحتعجال الرفقحة التحي كنحت فحي صححبتها .وسحمعت أن بالمدينحة خنحج بال المذكورة
زاويححة فيهححا جملة مححن الصححالحين المتعبديححن ،فرحححت إليهححا بالعشححي ،وسححلمت على
شيخهحم وعليهحم ،ورأيحت جماعحة مباركحة قحد أثرت فيهحم العبادة ،فهحم صحفر اللوان
نحاف الجسحوم كثيرو البكاء غزيرو الدموع ،وعنحد وصحولي إليهحم أتوا بالطعام .فقال
كحبيرهم :ادعوا إلي ولدي محمداً وكان معتزلً فحي بعحض نواححي الزاويحة .فجاء إلينحا
الولد ،وهو كأنما خرج من قبر مما نهكته العبادة ،فسلم وقعد .فقال له أبوه :يا بني،
شارك هؤلء الوارديحن فحي الكحل تنحل محن بركاتهحم ،وكان صحائماً فأفطحر معنحا ،وهحم
شافعية المذهب ،فلما فرغنا من أكل الطعام دعوا لنا وانصرفنا .ثم سافرنا منها إلى
مدينة قيس .وتسمى أيضاً بسيراف ،وهي على ساحل بحر الهند المتصل ببحر اليمن
وفارس ،وعدادها في كور فارس مدينة لها انفساح وسعة ،طيبة البقعة ،في دورها
بسحاتين عجيبحة ،فيهحا الرياحيحن والشجار الناضرة .وشرب أهلهحا محن عيون منبعثحة
من جبالها ،وهم عجم من الفرس أشراف ،وفيهم طائفة من عرب بني سفاف ،وهم
ومغاص الجوهحر فيمحا بيحن سحيراف والبحريحن فحي خور راكحد مثحل الوادي العظيحم،
فإذا كان شهر إبريل ،وشهر مايو تأتي إليه القوارب الكثيرة فيها الغواصون وتجار
فارس والبحريحن والقطيحف ويجعحل الغواص على وجهحه مهمحا أراد أن يغوص شيئاً
يكسححوه مححن عظححم الغيلم ،وهححي السححلحفاة ويصححنع مححن هذا العظححم أيضاً شكلً شبححه
المقراض ،يشده على أنفححه ،ثححم يربححط حبلً فححي وسححطه ،ويغوص ،ويتفاوتون فححي
الصحبر فحي الماء ،فمنهحم محن يصحبر السحاعة والسحاعتين فمحا دون ذلك فإذا وصحل إلى
قعحر البححر يجحد الصحدف هنالك فيمحا بيحن الحجار الصحغار .مثبتًا فحي الرمحل ،فيقتلعحه
بيده ،أو يقطعحه بحديدة عنده ،معدة لذلك ،ويجعلهحا فحي مخلة جلد منوطحة بعنقحه ،فإذا
ضاق نفسه ،حرك الحبل فيحس به الرجل الممسك للحبل على الساحل ،فيرفعه إلى
القارب ،فتؤخحذ منحه المخلة ،ويفتحح الصحدف فيوجحد فحي أجوافهحا قطحع اللححم تقطحع
بحديدة ،فإذا باشرت الهواء جمدت فصححارت جواهححر ،فيجمححع جميعهححا مححن صححغير
وكححبير ،فيأخححذ السححلطان خمسححه والباقححي يشتريححه التجار الحاضرون بتلك القوارب
وأكثرهم يكون له الدين على الغواصين ،فيأخذ الجوهر في دينه أو ما وجب له منه،
ثحم سحافرنا محن سحيراف إلى مدينحة البحريحن ،وهحي مدينحة كحبيرة حسحنة ذات بسحاتين
وأشجار وأنهار ،وماؤهححا قريححب المؤونححة يحفححر عليححه باليدي فيوجححد ،وبهححا حدائق
النخحل والرمان والترج ،يزرع بهحا القطحن وهحي شديدة الححر كثيرة الرمال وربمحا
غلب الرمحل على بعحض منازلهحا وكان فيمحا بينهحا وبيحن عمان طريحق اسحتولت عليحه
الرمال وانقطححع ،فل يوصححل مححن عمان إليهححا إل فححي البحححر ،وبالقرب منهححا جبلن
عظيمان يسحمى أحدهمحا بكسحير ،وهحو فحي غربيهحا ،ويسحمى الخحر يعويحر وهحو فحي
شرقيهحا وبهمحا ضرب المثحل فقيحل " كسحير وعويحر وكحل غيحر خيحر ،ثحم سحافرنا إلى
مدينحة القطيحف " ،وضبحط اسحمها بضحم القاف " ،كأنحه تصحغير قطحف ،وهحي مدينحة
كحبيرة حسحنة ذات نخحل كثيحر يسحكنها طوائف العرب ،وهحم رافضيحة غلة ،يظهرون
الرفض جهاراً ل يبقون أحداً ،ويقول مؤذنهم في أذانه بعد الشهادتين :أشهد أن علياً
ولي ال ويزيد بعد الحيعلتين :حي على خير العمل ،ويزيد بعد التكبير الخير محمد
وعلي خيحر البشحر ،ومحن خالفهمحا فقحد كفحر .ثحم سحافرنا منهحا إلى مدينحة هجحر وتسحمى
الن بالحسحا " بفتحح الحاء والسحين واهمالهمحا " وهحي التحي يضرب المثحل بهحا ،فيقال:
كجالب التمحر إلى هجحر ،وبهحا محن النخيحل محا ليحس ببلد سحواها ومنحه يعلفون دوابهحم،
وأهلهحا عرب ،وأكثرهحم محن قحبيلة عبحد القيحس بحن أفصحى .ثحم سحافرنا منهحا إلى مدينحة
اليمامححة وتسححمى أيضاً بحجححر " بفتححح الحاء المهمححل واسححكان الجيححم " مدينححة حسححنة
خصحبة ذات أنهار وأشجار ،يسحكنها طوائف محن العرب ،وأكثرهحم محن بنحي حنيفحة،
وهحي بلدهحم قديماً ،وأميرهحم طفيحل بحن غانحم ،ثحم سحافرت منهحا فحي صححبة هذا الميحر
برسحم الححج وذلك فحي سحنة اثنتيحن وثلثيحن فوصحلت إلى مكحة شرفهحا ال تعالى .وححج
فحي تلك السحنة الملك الناصحر سحلطان مصحر رحمحه ال وجملة محن أمرائه ،وهحي آخحر
حجة حجها ،وأجزل الحسان لهل الحرمين الشريفين وللمجاورين وفيها قتل الملك
الناصر أمير أحمد الذي يذكر أنه ولده ،وقتل أيضاً كبير أمرائه بكتمور الساقي.
حكاية
ذكر أن الملك الناصر وهب لبكتمور الساقي جارية ،فلما أراد الدنو منها قالت له:
إنحي حامحل محن الملك الناصحر فاعتزلهحا وولدت ولداً سحماه بأميحر أحمحد ،ونشحأ فحي
حجره ،فظهرت نجابتحه واشتهحر بابحن الملك الناصحر ،فلمحا كان فحي هذه الحجحة تعاهحد
على الفتحححك بالملك الناصحححر ،وأن يتولى أميحححر أحمحححد الملك ،وحمحححل بكتمور معحححه
العلمات والطبول والكسحوات والموال ،فنمحي الخحبر إلى الملك الناصحر ،فبعحث إلى
أميحر أحمحد فحي يوم شديحد الححر ،فدخحل عليحه ،وبيحن يديحه أقداح الشرب ،فشرب الملك
الناصحر قدحاً ،وناول أميحر أحمحد قدحاً ثانياً فيحه السحم فشربحه ،وأمحر بالرحيحل فحي تلك
السححاعة ليشغححل الوقححت فرحححل الناس ،ولم يبلغوا المنزل حتححى مات أميححر أحمححد،
فاكترث بكتمور لموتحه ،وقطحع أثوابحه ،وامتنحع محن الطعام والشراب وبلغ خحبره إلى
الملك الناصحر فأتاه بنفسحه ولطفحه وسحله ،وأخحذ قدحاً فيحه سحم فناوله إياه وقال له:
بحياتي عليك إل شربت فبردت نار قلبك ،فشربه ومات من حينه ،ووجد عنده الخلع
السحلطنة والموال فتحقحق محا نسحب محن الفتحك بالملك الناصحر .ولمحا انقضحى الححج
توجهحت إلى جدة برسحم ركوب البححر إلى اليمحن والهنحد فلم يقحض لي ذلك ،ول تأتحى
لي رفيحق ،وأقمحت بجدة نححو أربعيحن يوماً وكان بهحا مركحب لرجحل يعرف بعبحد ال
التونسحي يروم السحفر إلى القصحير ،محن عمالة قوص فصحعدت إليحه لنظحر حاله فلم
يرضني ،ول طابت نفسي بالسفر فيه وكان ذلك لطفاً من ال تعالى .فإنه سافر ،فلما
توسط البحر غرق بموضع يقال له :رأس أبي محمد ،فخرج صاحبه وبعض التجار
فحي العشاري بعحد جهحد عظيحم ،واشرفوا على الهلك ،وهلك بعضهحم ،وغرق سحائر
الناس وكان فيه نحو سبعين من الحجاج ،ثم ركبت البحر بعد ذلك في صنبوق برسم
عيذاب ،فردتنا الريح إلى جبل يعرف برأس دواير وسافرنا منه في البر مع البجاة.
ووردنحا ماء كثيرة النعام والغزلن ،فيهحا عرب جهينحة وبنحي كاهحل وطاعتهحم للبجاة.
ووردنحا ماء يعرف بمفرور ،وماء يعرف بالجديحد .ونفحذ زادنحا فاشترينحا محن قوم محن
البجاة وجدناهحم بالفلة أغناماً وتزودنحا لحومهحا ورأيحت بهذه الفلة صحبياً محن العرب
كلمنححي باللسححان العربححي وأخححبرني أن البجاة أسححروه ،وزعححم أنححه منححذ عام لم يأكححل
طعاماً .وإنما يقتات بلبن البل ونفد منا بعد ذلك اللحم الذي اشتريناه ،ولم يبق لنا زاد
وكان عندي نحو حمل من التمر الصيحاني والبرني برسم الهدية لصحابي ففرقته
على الرفقححة ،وتزودناه ثلثاً وبعححد مسححيرة تسححعة أيام مححن رأس دوايححر ،وصححلنا إلى
عيذاب وكان قد تقدم إليها بعض الرفقة ،فتلقانا أهلها بالخبز والتمر والماء وأقمنا بها
أياماً واكترينحا الجمال وخرجنحا صحححبة طائفححة مححن عرب دغيححم ووردنححا ماء يعرف
بالجنيحب ولعله " الخحبيب " ،وحللنحا بحميثرا ،حيحث قحبر ولي ال تعالى أبحي الحسحن
الشاذلي ،وحصلت لنا زيارته ثانية ،وبتنا في جواره ثم وصلنا إلى قرية العطواني،
وهحي على ضفحة النيحل ،مقابلة لمدينحة إدفحو محن الصحعيد العلى .وأجزنحا النيحل إلى
مدينة أسنا ثم إلى مدينة أرمنت ثم إلى القصر ،وزرنا الشيخ أبا الحجاج القصري
ثانية ثم إلى مدينة قوص ثم إلى مدينة قنا وزرنا الشيخ عبد الرحيم القناوي ثانية ،ثم
إلى مدينة هو ثم إلى مدينة أخميم ثم إلى مدينة أسيوط ،ثم إلى منفلوط ،ثم إلى مدينة
منلوى ،ثححم إلى مدينححة الشمونيححن ،ثححم إلى مدينححة منيححة بححن الخصححيب ثححم إلى مدينححة
البهنسحة ثحم إلى مدينحة بوش ثحم إلى مدينحة منيحة القائد .وقحد تقدم لنا ذكحر هذه البلد ،ثحم
إلى مصحر وأقمحت بهحا أياماً وسحافرت على طريحق بلبيحس إلى الشام ورافقنحي الحاج
عبححد ال بححن أبححي بكححر بححن الفرحان النوزري ،ولم يزل فححي صحححبتي سححنين ،إلى أن
خرجنحا محن بلد الهنحد ،فتوفحي بسحندابور ،وسحنذكر ذلك ،فوصحلنا إلى مدينحة غزة ثحم
إلى مدينحة الخليحل عليحه السحلم ،وتكررت لنحا زيارتحه ،ثحم إلى بيحت المقدس ثحم إلى
مدينححة الرملة ثححم إلى مدينححة عكححا ثححم إلى مدينححة طرابلس ثححم إلى مدينححة جبلة وزرنححا
إبراهيحم بحن أدهحم رضحي ال عنحه ثانيحة ،ثحم إلى مدينحة اللذقيحة ،وقحد تقدم لنحا ذكحر هذه
البلد كلهحا ومحن اللذقيحة ركبنحا البححر فحي قرقورة كحبيرة للجنوييحن يسحمى صحاحبها
بمرتلميحن ،وقصحدنا بر التركيحة المعروف ببلد الروم ،وإنمحا نسحبت إلى الروم لنهحا
كانت بلدهم في القديم ،ومنها الروم القدمون واليونانية ثم استفتحها المسلمون وبها
الن كثيحر محن النصحارى تححت ذمحة المسحلمين محن التركمان وسحرنا فحي البححر عشراً
بريحح طيبحة ،وأكرمنحا النصحراني ولم يأخحذ منحا نولً .وفحي العاشحر وصحلنا إلى مدينحة
العليححا ،وهححي أول بلد الروم وهذا القليححم المعروف ببلد الروم مححن أحسححن أقاليححم
الدنيحا وقحد جمحع ال فيحه محا تفرق محن المحاسحن فحي البلد فأهله أجمحل الناس صحوراً
وأنظفهم ملبس وأطيبهم مطاعم وأكثر خلق ال شفقة ولذلك يقال البركة في الشام،
والشفقة في الروم وإنما عنى به أهل هذه البلد .وكنا متى نزلنا بهذه البلد زاوية أو
داراً ،يتفقحد أحوالنحا جيراننحا محن الرجال والنسحاء ،وهحن ل يحتجبحن فإذا سحافرنا عنهحم
ودعونا كأنهم أقاربنا وأهلنا وترى النساء باكيات لفراقنا متأسفات ومن عادتهم بتلك
البلد أن يخبزوا الخبز في يوم واحد من الجمعة ،يعدون فيه ما يفوتهم سائرها فكان
رجالهم يأتون إلينا بالخبز الحار في يوم خبزه ،ومعه الدام الطيب إطرافاً لنا بذلك،
ويقولن لنحا :إن النسحاء بعثحن هذا إليكحم وهحن يطلبحن منكحم الدعاء ،وجميحع أهحل هذه
البلد على مذهب المام أبي حنيفة رضي ال عنه ،مقيمين على السنة ل قدري فيهم
ول رافضحي ول معتزلي ول خارجحي ول مبتدع وتلك فضيلة خصحهم ال تعالى بهحا.
إل أنهحم يأكلون الحشيحش ول يعيبون ذلك .ومدينحة العليحا التحي ذكرناهحا كحبيرة على
ساحل البحر ،يسكنها التركمان ،وينزلها تجار مصر وإسكندرية والشام وهي كثيرة
الخشحب ،ومنهحا يحمحل إلى اسحكندرية ودمياط ،ويحمحل منهحا إلى سحائر بلد مصحر،
ولها قلعة بأعلها عجيبة منيعة ،بناها السلطان المعظم علء الدين الرومي ،ولقيت
بهذه المدينحة قاضيهحا جلل الديحن أرزنجانحي ،وصحعد معحي إلى القلعحة يوم الجمعحة
فصحلينا بهحا .وأضافنحي وأكرمنحي ،وأضافنحي أيضاً بهحا شمحس الديحن ابحن الرجيحانحي
الذي توفحي أبوه علء الديحن بمالي محن بلد السحودان .وأكرمنحا النصحراني ولم يأخحذ
منحا نولً .وفحي العاشحر وصحلنا إلى مدينحة العليحا ،وهحي أول بلد الروم وهذا القليحم
المعروف ببلد الروم من أحسن أقاليم الدنيا وقد جمع ال فيه ما تفرق من المحاسن
في البلد فأهله أجمل الناس صوراً وأنظفهم ملبس وأطيبهم مطاعم وأكثر خلق ال
شفقة ولذلك يقال البركة في الشام ،والشفقة في الروم وإنما عنى به أهل هذه البلد.
وكنا متى نزلنا بهذه البلد زاوية أو داراً ،يتفقد أحوالنا جيراننا من الرجال والنساء،
وهن ل يحتجبن فإذا سافرنا عنهم ودعونا كأنهم أقاربنا وأهلنا وترى النساء باكيات
لفراقنا متأسفات ومن عادتهم بتلك البلد أن يخبزوا الخبز في يوم واحد من الجمعة،
يعدون فيحه محا يفوتهحم سحائرها فكان رجالهحم يأتون إلينحا بالخبحز الحار فحي يوم خبزه،
ومعححه الدام الطيححب إطرافاً لنححا بذلك ،ويقولن لنححا :إن النسححاء بعثححن هذا إليكححم وهححن
يطلبن منكم الدعاء ،وجميع أهحل هذه البلد على مذهب المام أبحي حنيفحة رضحي ال
عنححه ،مقيميحن على السححنة ل قدري فيهححم ول رافضححي ول معتزلي ول خارجححي ول
مبتدع وتلك فضيلة خصحهم ال تعالى بهحا .إل أنهحم يأكلون الحشيحش ول يعيبون ذلك.
ومدينحة العليحا التحي ذكرناهحا كحبيرة على سحاحل البححر ،يسحكنها التركمان ،وينزلهحا
تجار مصححر وإسححكندرية والشام وهححي كثيرة الخشححب ،ومنهححا يحمححل إلى اسححكندرية
ودمياط ،ويحمحل منهحا إلى سحائر بلد مصحر ،ولهحا قلعحة بأعلها عجيبحة منيعحة ،بناهحا
السححلطان المعظححم علء الديححن الرومححي ،ولقيححت بهذه المدينححة قاضيهححا جلل الديححن
أرزنجانحي ،وصحعد معحي إلى القلعحة يوم الجمعحة فصحلينا بهحا .وأضافنحي وأكرمنحي،
وأضافنحي أيضاً بهحا شمحس الديحن ابحن الرجيحانحي الذي توفحي أبوه علء الديحن بمالي
وفحي يوم السحبت ركحب معحي القاضحي جلل الديحن ،وتوجهنحا إلى لقاء ملك العليحا
وهحو يوسحف بحك ومعنحى بحك الملك ابحن قرمان " ،بفتحح القاف والراء " ومسحكنه على
عشرة أميال محححن المدينحححة فوجدناه قاعداً على السحححاحل وحده فوق رابيحححة هنالك،
والمراء والوزراء أسحفل منحه ،والجناد عحن يمينحه ويسحاره ،وهحو مخضوب الشعحر
بالسحواد ،فسحلمت عليحه ،وسحألني عحن مقدمحي ،فأخحبرته عمحا سحأل ،وانصحرفت عنحه
وبعححث إلي إحسححاناً ،وسححافرت مححن هنالك إلى مدينححة أنطاليححا " وضبححط اسححمها بفتححح
الهمزة واسحكان النون وفتحح الطاء المهمحل والف ولم مكسحور وياء آخحر الحروف "
وأما التي بالشام فهي أنطاكية على وزنها ،إل أن الكاف عوض عن اللم ،وهي من
أحسن المدن ،متناهية في اتساع الساحة والضخامة ،أجمل ما يرى من البلد وأكثره
عمارة وأحسحنه ترتيباً ،وكحل فرقحة محن سحكانها منفردة بأنفسحها عحن الفرقحة الخرى
فتجار النصارى ماكثون منها بالموضع المعروف بالميناء ،وعليهم سور تسد أبوابه
عليهم ليلً وعند صلة الجمعة .والروم الذين كانوا أهلها قديماً ساكنون بموضع آخر
منفرديحن بحه ،وعليهحم أيضاً سحور .واليهود فحي موضحع آخحر ،وعليهحم سحور ،والملك
وأهحل دولتحه ومماليكحه يسحكنون ببلدة عليهحا أيضاً سحور يحيحط بها ،ويفرق بينهحا وبيحن
محا ذكرناه محن الفرق وسحائر الناس محن المسحلمين يسحكنون المدينحة العظمحى ،وبهحا
مسجد جامع ومدرسة وحمامات كثيرة وأسواق ضخمة مرتبة بأبدع ترتيب ،وعليها
سححور عظيححم يحيححط بهححا وبجميححع المواضححع التححي ذكرناهححا ،وفيهححا البسححاتين الكثيرة
والفواكحه الطيبحة والمشمحش العجيحب المسحمى عندهحم بقمحر الديحن وفحي نواتحه لوز حلو
وهحو ييبحس ويحمحل إلى ديار مصحر وهحو بهحا مسحتظرف وفيهحا عيون الماء الطيحب
العذب الشديححد البرودة فححي أيام الصححيف نزلنححا مححن هذه المدينححة بمدرسححتها وشيخهححا
شهاب الدين الحموي ،ومن عادتهم أن يقرأ جماعة من الصبيان بالصوات الحسان
بعد العصر من كل يوم في المسجد الجامع ،وفي المدرسة أيضاً سورة الفتح وسورة
واححد الخيحة أخحي على لفحظ الخ إذا أضافحه المتكلم إلى نفسحه ،وهحم بجميحع البلد
التركمانيحة الروميحة فحي كحل بلد ومدينحة وقريحة ول يوجحد فحي الدنيحا مثلهحم أشحد احتفالً
بالغرباء مححن الناس ،وأسححرع إلى إطعام الطعام وقضاء الحوائج ،والخححذ على أيدي
الظلمة وقتل الشرط ،ومن ألحق بهم من أهل الشر .والخي عندهم رجل يجتمع أهل
صحناعته وغيرهحم محن الشبان العزاب والمتجرديحن ،ويقدمونحه على أنفسحهم ،وتلك
هححي الفتوة أيضاً .ويبنححي زاويححة ويجعححل فيهححا الفرش والسححرج ومححا يحتاج إليححه مححن
اللت ويخدم أصحابه بالنهار في طلب معايشهم ويأتون إليه بعد العصر بما يجتمع
لهحم ،فيشترون بحه الفواكحه والطعام إلى غيحر ذلك ممحا ينفحق فحي الزاويحة فإن ورد فحي
ذلك اليوم مسافر على البلد أنزلوه عندهم ،وكان ذلك ضيافته لديهم ،ول يزال عندهم
حتححى ينصححرف وإن لم يرد وارد ،اجتمعوا على طعامهححم فأكلوا وغنوا ورقصححوا،
وانصححرفوا إلى صححناعتهم بالغدو ،وأتوا بعححد العصححر إلى مقدمهححم بمححا اجتمححع لهححم
ويسحمون بالفتيان ويسحمى مقدمهحم كمحا ذكرنحا الخحي ولم أر فحي الدنيحا أجمحل أفعالً
منهححم ويشبههححم فححي أفعالهححم أهححل شيراز وأصححفهان إل أن هؤلء أحححب فححي الوارد
والصححادر ،وأعظححم إكراماً له وشفقححة عليححه .وفححي الثانححي مححن يوم وصححولنا إلى هذه
المدينحة أتحى أححد هؤلء الفتيان إلى الشيحخ شهاب الديحن الحموي وتكلم معحه باللسحان
التركحي ،ولم أكحن يومئذ أفهمحه ،وكان عليحه أثواب خلقحة ،وعلى رأسحه قلنسحوة لبحد،
فقال لي الشيخ أتعلم ما يقول هذا الرجل ? فقلت ل أعلم ما قال :فقال لي :إنه يدعوك
إلى ضيافتحه أنحت وأصححابك فعجبحت منحه ،وقلت له :نعحم .فلمحا انصحرف قلت للشيحخ
هذا رجل ضعيف ول قدرة له على تضييفنا ،ول نريد أن نكلفه .فضحك الشيخ وقال
لي هذا أحد شيوخ الفتيان الخية هو من الخرازين ،وفيه كرم نفس وأصحابه نحو
مائتين من أهل الصناعات قد قدموه على أنفسهم ،وبنوا زاوية للضيافة ،وما يجتمع
لهحم بالنهار انفقوه بالليحل .فلمحا صحليت المغرب عاد إلينحا ذلك الرجحل وذهبنحا معحه إلى
زاويتحه ،فوجدناهحا زاويحة حسحنة مفروشحة بالبسحط الروميحة الحسحان ،وبهحا الكثيحر محن
ثريات الزجاج العراقي ،وفي المجلس خمسة من البياسيس ،والبيسوس شبه المنارة
مححن النحاس له أرجححل ثلث ،وعلى رأسححه شبححه جلس مححن النحاس ،وفححي وسححطه
أنبوب للفتيلة ويمل محن الشححم المذاب ،وإلى جانبحه آنيحة نحاس ملنحة بالشححم ،وفيهحا
مقراض لصلح الفتيل ،وأحدهم موكل بها ،ويسمى عندهم الجراجي " الجراغجي
" وقد اصطف في المجلس جماعة من الشبان ولباسهم القبية وفي أرجلهم الخفاف
وكححل واحححد منهححم متحزم ،على وسححطه سححكين فححي طول ذراعيححن ،وعلى رؤوسححهم
قلنحس بيحض محن الصحوف ،بأعلى كحل قلنسحوة قطعحة موصحلة بهحا فحي طول ذراع،
وعرض إصبعين فإذا استقر بهم المجلس نزع كل واحد منهم قلنسوة ،ووضعها بين
يديحه .وتبقحى على رأسحه قلنسحوة أخرى محن الزردخانحي وسحواه حسحنة المنظحر ،وفحي
وسحط مجلسحهم شبحه مرتبحة موضوعحة للوارديحن .ولمحا اسحتقر بنحا المجلس عندهحم أتوا
بالطعام الكثير والفاكهة والحلواء ،ثم أخذوا في الغناء والرقص فراقنا حالهم ،وطال
عجبنا من سماحهم ،وكرم أنفسهم وانصرفنا عنهم آخر الليل ،وتركناهم بزاويتهم.
وسلطانها خضر بك ابن يونس بك ،وجدناه عند وصولنا إليها عليلً ،فدخلنا عليه
بداره ،وهحو فحي فراش المرض ،فكلمنحا بألطحف كلم وأحسحنه وودعناه ،وبعحث الينحا
بإحسان .وسافرنا إلى بلدة بردور " وضبط اسمها بضم الباء الموحدة وإسكان الراء
وضحم الدال المهمحل وواو وراء " ،وهحي بلدة صحغير كثيرة البسحاتين والنهار ،ولهحا
قلعحة فحي رأس جبحل شاهحق نزلنحا بدار خطيبهحا ،واجتمعحت الخيحة ،وأرادوا نزولنحا
عندهم فأبى عليهم الخطيب ،فصنعوا لنا ضيافة في بستان لحدهم وذهبوا بنا إليها
فكان مححن العجائب إظهارهححم السححرور بنححا ،والسححتبشار والفرح ،وهححم ل يعرفون
لساننا ،ونحن ل نعرف لسانهم ،ول ترجمان فيما بيننا .وأقمنا عندهم يوماً وانصرفنا
ثحم سحافرنا محن هذه البلدة إلى بلدة سحبرنا " وضبحط اسحمها بفتحح السحين المهمحل والباء
الموحدة وإسححححكان الراء وفتححححح التاء المعلوة والف " وهححححي بلدة حسححححنة العمارة
والسحواق كثيرة البسحاتين والنهار ،لهحا قلعحة فحي جبحل شامحخ وصحلنا إليهحا بالعشحي،
ونزلنحا عنحد قاضيهحا وسحافرنا منهحا إلى مدينحة أكريدور " وضبحط اسحمها بفتحح الهمزة
وسححكون الكاف وكسححر الراء وياء مححد ودال مهمححل مضموم وواو مححد وراء " مدينححة
عظيمحة كثيرة العمارة حسحنة السحواق ذات أنهار وبسحاتين ،ولهحا بحيرة عذبحة الماء
يسحافر المركحب فيهحا يومين إلى أقشهحر وبقشهحر وغيرهمحا محن البلد والقرى ،ونزلنحا
منها بمدرسة تقابل الجامع العظم بها المدرس العام الحاج المجاور الفاضل مصلح
الدين قرأ بالديار المصرية والشام وسكن بالعراق .وهو فصيح اللسان حسن البيان،
أطروفة من طرف الزمان ،أكرمنا غاية الكرام وقام بحقنا أحسن قيام.
وسلطانها أبو إسحاق بك ابن الدندار بك ،من كبار سلطين تلك البلد ،سكن ديار
مصحر أيام أبيحه وححج ،وله سحيرة حسحنة ،ومحن عادتحه أنحه يأتحي كحل يوم إلى صحلة
العصحر بالمسحجد الجامحع ،فإذا قضيحت صحلة العصحر اسحتند إلى جدار القبلة ،وقعحد
القراء بيححن يديححه على مصححطبة خشححب عاليححة ،فقرأوا سححورة الفتححح والملك وعححم
بأصحوات حسحان فعالة فحي النفوس تخشحع لهحا القلوب وتقشعحر الجلود وتدمحع العيون،
ثحم ينصحرف إلى داره .وأظلنحا عنده شهحر رمضان فكان يقعحد فحي كحل يوم ليلة منحه
على فراش لصق بالرض من غير سرير ،ويستند إلى مخدة كبيرة ،ويجلس الفقيه
مصلح الدين إلى جانبه ،وأجلس إلى جانب الفقيه ويلينا أرباب دولته أمراء حضرته
ثحم يؤتحى بالطعام ،فيكون أول محا يفطحر عليحه ثريحد فحي قحفحة صحغيرة ،عليحه العدس
مسحقي بالسحمن والسحكر ،ويقدمون الثريحد تحبركاً ،ويقولون أن النحبي صحلى ال عليحه
وسلم فضله على سائر الطعام فنحن نبدأ به لتفضيل النبي له ثم يؤتى بسائر الطعمة
وتوفحي فحي بعحض تلك اليام ولد السحلطان ،فلم يزيدوا على بكاء الرحمحة ،كمحا يفعله
أهل مصر والشام ،خلفاً لما قدمناه من فعل أهل اللور حين مات ولد سلطانهم فلما
دفن أقام السلطان والطلبة ثلثة أيام يخرجون إلى قبره بعد صلة الصبح .وثاني يوم
من دفنه خرجت مع الناس فرآني السلطان ماشياً برجلي ،فبعث لي بفرس واعتذر،
فلما وصلت المدرسة بعثت الفرس فرده وقال :إنما أعطيته عطية ل عارية ،وبعث
إلي بكسحوة ودراهحم فانصحرفنا إلى مدينحة قحل حصحار " وضبحط اسحمها بضحم الكاف
وإسحكان اللم ثحم حاء مهمحل مكسحور وصحاد مهمحل وآخره راء " مدينحة صحغيرة بهحا
المياه محن كحل جانحب ،قحد نبحت فيهحا القصحب ،فل طريحق لهحا إل طريحق كالجسحر مهيحأ
بيححن القصححب والمياه ،ل يسححع إل فارسحاً واحداً ،والمدينححة على تححل فححي وسححط المياه
وسحلطانها محمحد جلبحي وجلبحي " بجيحم معقود ولم مفتوحيحن وباء موحدة وياء "،
وتفسحيره بلسحان الروم سحيدي ،وهحو أخحو السحلطان أبحي إسححاق ملك أكريدور ،ولمحا
وصحلنا إلى مدينتحه كان غائباً عنهحا فأقمنحا بهحا أياماً ثحم قدم فأكرمنحا وأركبنحا وزودنحا،
وانصحرفنا على طريحق قرا أغاج وقرا " بفتحح القاف " وتفسحيره أسحود " وأغاج بفتحح
الهمزة والغين المعجم وآخره جيم " تفسيره الخشب وهي صحراء خضراء يسكنها
التركمان .وبعححث معنححا السححلطان فراسححاناً يبلغوننححا إلى مدينححة لذق .بسححبب أن هذه
الصحراء يقطع الطريق فيها طائفة يقال لها الجرميان يذكر أنهم من ذرية يزيد بن
معاوية ،ولهم مدينة يقال لها :كوتاهية فعصمنا ال منهم ،ووصلنا إلى مدينة لذق" ،
وهحححي بكسحححر الذال المعجحححم وبعده قاف " وتسحححمى أيضاً دون غزله وتفسحححيره بلد
الخنازير ،وهي من أبدع المدن وأضخمها وفيها سبعة من المساجد لقامة الجمعة،
ولهحا البسحاتين الرائقحة والنهار المطردة والعيون المنبعحة ،وأسحواقها حسحان ،وتصحنع
بهحا ثياب قطحن معلمحة بالذهحب ل مثحل لهحا تطول أعمارهحا لصححة قطنهحا وقوة غزلهحا
وهذه الثياب معروفحة بالنسحبة إليهحا ،وأكثحر الصحناع بهحا نسحاء الروم ،وبهحا محن الروم
كثيحر تححت الذمحة ،وعليهحم وظائف للسحلطان محن الجزيحة وسحواها وعلمحة الروم بهحا
القلنححس الطوال ،منهححا الحمححر والبيححض .ونسححاء الروم لهححن عمائم كبار وأهححل هذه
المدينحة ل يغيرون المنكحر ،بحل كذلك أهحل هذا القليحم كلهحم وهحم يشترون الجواري
الروميات الحسحان ويتركونهحن للفسحاد وكحل واحدة عليهحا وظيحف لمالكهحا تؤديحه له.
وسححمعت هنالك أن الجواري يدخلن الحمام مححع الرجال ،فمححن أراد الفسححاد فعححل ذلك
بالحمام محن غيحر منكحر عليحه .وذكحر لي أن القاضحي بهحا له جوارٍ على هذه الصحورة.
وعنحد دخولنحا لهذه المدينحة تقدم إلينحا رجال محن حوانيتهحم حتحى سحل بعضهحم السحكاكين
وأخذوا بأعنحة الخيحل ونازعهحم آخرون على بعحض ،ونححن ل نعلم محا يقولون ،فخفنحا
منهحم وظننحا أنهحم الجرميان الذيحن يقطعون الطرق ،وأن تلك مدينتهحم ،وحسحبنا أنهحم
يريدون نهبنحا .ثحم بعحث ال لنحا رجلً حاجاً يعرف اللسحان العربحي فسحألته عحن مرادهحم
منحا فقال :إنهحم محن الفتيان ،وإن الذيحن سحبقوا إلينحا أولً هحم أصححاب الفتحى أخحي سحنان
والخرون أصحاب الفتى أخي طومان ،وكل طائفة ترغب أن يكون نزولكم عندهم.
فعجبنا من كرم نفوسهم .ثم وقع بينهم الصلح على المقارعة ،فمن كانت قرعته نزلنا
عنده أولً ،فوقعحت قرعحة أخحي سحنان وبلغحه ذلك ،فأتحى إلينحا فحي جماعحة محن أصححابه
فسحلموا علينحا ونزلنحا بزاويحة له .وأتحي بأنواع الطعام ،ثحم ذهحب بنحا إلى الحمام ودخحل
معنحا ،وتولى خدمتحي بنفسحه ،وتولى أصححابه خدمحة أصححابي يخدم الثلثحة والربعحة
الواححد منهحم .ثحم خرجنحا محن الحمام فأتحو بطعام عظيحم وحلواء وفاكهحة كثيرة .وبعحد
الفراغ من الكل قرأ القراء آيات من القرآن العزيز ،ثم أخذوا في السماع والرقص.
وأعلموا السلطان بخبرنا .فلما كان من الغد بعث في طلبنا بالعشي فتوجنا إليه وإلى
ولده كمحا نذكره ،ثحم عدنحا إلى الزاويحة فألفينحا الخحي طومان وأصححابه فحي انتظارنحا،
فذهبوا بنحا إلى زاويتهحم ،ففعلوا فحي الطعام والحمام مثحل أصححابهم ،وزادوا عليحه أن
صحبوا علينحا ماء الورد صحباً بعحد خروجنحا محن الحمام ،ثحم مضوا بنحا إلى الزاويحة،
ففعلوا أيضاً محن الحتفال فحي الطعمحة والحلواء والفاكهحة وقراءة القرآن بعحد الفراغ
محن الكحل ثحم السحماع والرقحص كمثحل محا فعله أصححابهم أو أحسحن .وأقمنحا عندهحم
بالزاوية أياماً.
وهو السلطان يننج بك " واسمه بياء آخر الحروف مفتوحة ثم نونين أولهما مفتوحة
والثانية مسكنة وجيم " ،وهو من كبار سلطين بلد الروم .ولما نزلنا بزاوية أخي سنان كما
قدمناه ،بعث إلينا الواعظ المذكور العالم علء الدين القسطموني ،واصطحب معه خيلً
بعددنا ،وذلك في شهر رمضان ،فتوجهنا إليه وسلمنا عليه.
ومن عادة ملوك هذه البلد التواضع لواردين ولين الكلم وقلة العطاء .فصلينا معه
المغرب وحضحر طعامحه فأفطرنحا عنده وانصحرفنا .وبعحث إلينحا بدراهحم ،ثحم بعحث إلينحا
ولده مراد بحك ،وكان ساكناً فحي بسحتان خارج المدينحة ،وذلك فحي إبان الفاكهة ،وبعحث
أيضاً خيلً على عددنحا ،كمحا فعله أبوه فأتينحا بسحتانه وأقمنحا عنده تلك الليلة .وكان له
فقيه يترجم بيننا وبينه .ثم انصرفنا غدوة ،وأظلنا عيد الفطر بهذه البلدة ،فخرجنا إلى
المصحلى ،وخرج السحلطان فحي عسحاكره ،والفتيان الخيحة كلهحم بالسحلحة .ولهحل كحل
صححناعة العلم والبوقات والطبول والنفار ،وبعضهححم يفاخححر بعضاً ويباهيححه فححي
حسححن الهيئة وكمال الشكححة ،ويخرج أهححل كححل صححناعة معهححم البقححر والغنححم وأحمال
الخبحز ،فيذبحون البهائم بالمقابر ويتصحدقون بهحا وبالخبحز ? .ويكون خروجهحم أولً
ولمححا صححلينا صححلة العيححد ،دخلنححا مححع السححلطان إلى منزله ،وحضححر الطعام .فجعححل
للفقهاء والمشايححخ والفتيان سححماط على حدة ،وجعححل للفقراء والمسححاكين سححماط على
حدة .ول يرد على بابحه فحي ذلك اليوم فقيحر ول غنحي ،وأقمنحا بهذه البلدة مدة بسحبب
مخاوف الطريححق .ثححم تهيأت رفقححة فسححافرنا معهححم يوماً وبعححض ليلة ،ووصححلنا إلى
حصن طواس واسمه " بفتح الطاء وتخفيف الواو وآخره سين مهمل" ،وهو حصن
كحبير .يذكحر أن صحهيباً صحاحب رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ،ورضحي ال عنحه،
من أهل هذا الحصن .وكان مبيتنا بخارجه .ووصلنا بالغد إلى بابه ،فسألنا أهله من
أعلى السححور عححن مقدمنححا فأخححبرناهم .وحينئذ خرج أميححر الحصححن ميناس بححك فححي
عسحكره ليختحبر نواححي الحصحن والطريحق ،خوفاً محن إغارة السحراق على الماشيحة.
فلمحا طافوا بجهاتحه خرجحت مواشيههحم ،وهكذا فعلهحم أبداً .ونزلنحا محن هذا الحصحن
بربضحة فحي زاويحة رجحل فقيحر وبعحث إلينا أميحر الحصحن بضيافحة وزاد ،وسحافرنا منحه
إلى مغلة " وضبحط اسحمها بضحم الميحم واسحكان الغيحن المعجحم وفتحح اللم " ،ونزلنحا
بزاوية أحد المشايخ بها ،وكان من الكرماء والفضلء ،يكثر الدخول علينا بزاويته،
ول يدخححل إل بطعام أو فاكهححة أو حلواء .ولقينححا بهذه البلدة إبراهيححم بححك ولد سححلطان
مدينحة ميلس ،وسحنذكره ،فأكرمنحا وكسحانا ،ثحم سحافرنا إلى مدينحة ميلس " وضبحط
اسححمها بكسححر الميححم وياء مححد وآخره سححين مهمححل " ،وهححي مححن أحسححن بلد الروم
وأضخمهحا ،كثيرة الفواكحه والبسحاتين والمياه .نزلنحا منهحا بزاويحة أححد الفتيان الخيحة،
ففعححل مححا فعله مححن قبله مححن الركاء والضيافححة ودخول الحمام وغيححر ذلك مححن حميححد
الفعال وجميححل العمال .ولقينححا بمدينححة ميلس رجلً صححالحاً معمراً يسححمى بأبححي
الششتري ،وذكروا أن عمره يزيحد على مائة وخمسحين سحنة ،وله قوة وحركحة وعقله
وهحو السحلطان المكرم شجاع الديحن أرخان بحك ابحن المنتشحا " وضبحط اسحمه بضحم
الهمزة وإسححكان الراء وخاء معجححم وآخره نون " ،وهححو مححن خيالي الملوك ،حسححن
الصحورة والسحيرة ،جلسحاؤه الفقهاء وهحم معظمون لديحه ،وببابحه منهحم جماعحة منهحم
الفقيححه الخوارزمححي عارف بالفنون فاضححل .وكان السححلطان فححي أيام لقائي له واجداً
عليححه .بسححبب رحلتححه إلى مدينححة أياسححلوق ووصححوله إلى سححلطانها وقبول مححا أهداه.
فسألني هذا الفقيه أن أتكلم عند الملك في شأنه بما يذهب ما في خاطره ،فأثنيت عليه
عنحد السحلطان ،وذكرت محا علمتحه محن علمحه وفضله ،ولم أزل بحه حتحى ذهحب محا كان
يجده فيه .وأحسن إلينا هذا السلطان وأركبنا وزودنا .وسكناه في مدينة برجين ،وهي
قريبحة محن ميلس ،بينهمحا ميلن " وضبحط اسحمها بفتحح الموحدة واسحكان الراء وجيحم
وياء مححححد وآخره نون " ،وهححححي جديدة على تححححل هنالك ،بهححححا العمارات الحسححححان
والمسححاجد .وكان قححد بنححى بهححا مسححجداً جامعاً ،لم يتححم بناؤه بعححد .وبهذه البلدة لقيناه،
ونزلنحا منهحا بزاويحة الفتحى أخحي علي .ثحم انصحرفنا بعحد محا أحسحن إلينحا كمحا قدمناه إلى
مدينحة قونيحه " وضبحط اسحمها بضحم القاف وواو محد ونون مسحكن مكسحور ويار آخحر
الحروف " ،مدينحة عظيمحة حسحنة العمارة كثيرة المياه والنهار والبسحاتين والفواكحة،
وبها المشمش المسمى بقمر الدين .وقد تقدم ذكره ،ويحمل منه أيضاً إلى ديار مصر
والشام .وشوارعهحا متسحعة جداً ،وأسحواقها بديعحة الترتيحب .وأهحل كحل صحناعة على
حدة ويقال :إن هذه المدينة من بناء السكندر ،وهي من بلد السلطان بدر الدين بن
قرمان ،وسحنذكره .وقحد تغلب عليهحا صحاحب العراق فحي بعحض الوقات لقربهحا محن
بلده التحي بهذا القليحم .نزلنحا منهحا بزاويحة قاضيهحا ،ويعرف بابحن قلم شاه وهحو محن
الفتيان ،وزاويتحه محن أعظحم الزوايحا .وله طائفحة كحبيرة محن التلميحذ ،ولهحم فحي الفتوة
سحند يتصحل إلى أميحر المؤمنيحن علي بحن أبحي طالب عليحه السحلم .ولباسحها عندهحم
السححراويل كمححا تلبححس الصححوفية الخرقححة .وكان صححنيع هذا القاضححي فححي إكرامنححا
وضيافتنا أعظم صنيع من قبله وأجمل .وبعث ولده عوضاً عنه لدخول الحمام معنا.
وبهذه المدينححة تربححة الشيححخ المام الصححالح القطححب جلل الديححن المعروف بمولنححا،
وكان كبير القدر .وبأرض الروم طائفة ينتمون ويعرفون باسمه ،فيقال لهم الجللية،
كما تعرف الحمدية بالعراق ،والحيدرية بخراسان ،وعلى تربته زاوية عظيمة فيها
الطعام للوارد.
?حكاية
يذكحر أنحه كان فحي ابتداء أمره فقيهاً مدرسحاً ،يجتمحع إليحه الطلبحة بمدرسحته بقونيحه،
فدخحل يوماً إلى المدرسحة رجحل يحبيع الحلواء ،وعلى رأسحه طبحق منهحا ،وهحي مقطعحة
قطعاً ،يحبيع القطعحة منهحا بفلس .فلمحا أتحى مجلس التدريحس قال له الشيحخ :هات طبقحك.
فأخححذ الحلوانححي قطعححة منححه وأعطاهححا للشيححخ ..فأخذهححا الشيححخ بيده ،وأكلهححا .فخرج
الحلوانحي ،ولم يطعحم أحداً سحوى الشيحخ .فخرج الشيحخ فحي اتباعحه ،وترك التدريحس،
فأبطحأ على الطلبحة .طال انتظارهحم إياه ،فخرجوا فحي طلبحه فلم يعرفوا له مسحتقراً .ثحم
إنه عاد إليهم بعد أعوام ،وصار ل ينطق إل بالشعر الفارسي المتعلق الذي ل يفهم.
فكان الطلبة يتبعونه ويكتبون ما يصدر عنه من ذلك الشعحر ،وألفوا منه كتاباً سموه
المثنوي .وأهححححل تلك البلد يعظمون ذلك الكتاب ويعتححححبرون كلمححححه ،ويعلمونححححه
ويقرأونه بزواياهم في ليالي الجمعات .وفي هذه المدينة أيضاً قبر الفقيه أحمد ،الذي
يذكر أنه كان معلم جلل الدين المذكور .ثم سافرنا إلى مدينة اللرندة ،وهي " بفتح
الراء التي بعد اللف واللم واسكان النون وفتح الدال المهمل " ،مدينة حسنة كثيرة
المياه والبساتين.
وسلطانها الملك بدر الدين بن قرمان " وبفتح القاف والراء " ،وكانت قبله لشقيقه
موسححى ،فنزل عنهححا للملك الناصححر ،وعوضححه عنهححا بعوض ،وبعححث إليهححا أميراً
وعسحكراً ،ثحم تغلب عليهحا السحلطان بدر الديحن ،وبنحى بهحا دار مملكتحه ،واسحتقام أمره
بها .ولقيت هذا السلطان خارج المدينة ،وهو عائد من تصيده ،فنزلت له عن دابتي،
فنزل هحو عحن دابتحه ،وسحلمت عليحه .وأقبحل علي ،ومحن عادة ملوك هذه البلد أنحه إذا
نزل لهححم الوارد عححن دابتححه نزلوا له ،وأعجبهححم فعله وزادوا فححي إكرامححه .وإن سححلم
عليهححم راكباً سححاءهم ذلك ولم يرضهححم ،ويكون سححبباً لحرمان الوارد .وقححد جرى لي
ذلك محع بعضهحم وسحأذكره .وولمحا سحلمت عليحه وركحب وركبحت ،سحألني عحن حالي
وعحن مقدمحي ،ودخلت معحه المدينحة ،فأمحر بإنزالي أحسحن نزل ،وكان يبعحث الطعام
الكثيحر والفواكهحة والحلواء فحي طيافيحر الفضحة والشمحع ،وكسحا وأركحب وأحسحن ،ولم
يطححل مقامنحا عنده .وانصححرفنا إلى مدينححة أقصححرا " وضبطهححا بفتححح الهمزة وسححكون
القاف وفتحح الصحاد المهمحل والراء " ،وهحي محن أحسحن بلد الروم وأتقنهحا .تححف بهحا
العيون الجاريحة والبسحاتين محن كحل ناحيحة ،ويشحق المدينحة ثلثحة أنهار ،ويجري الماء
بدورهحا ،وفيهحا الشجار ودوالي العنحب ،وداخلهحا بسحاتين كثيرة ،وتصحنع بهحا البسحط
المنسوبة اليها من صوف الغنم ل مثل لها في بلد من البلد ،ومنها تحمل إلى الشام
ومصحححر والعراق والهنحححد والصحححين وبلد التراك .وهذه المدينحححة فحححي طاعحححة ملك
العراق .ونزلنا منها بزاوية الشريف حسين النائب بها عن المير أرتنا ،وأرتنا هو
النائب عحن ملك العراق ،فيمحا تغلب عليحه محن بلد الروم .وهذا الشريحف محن الفتيان
وله طائفحححححححة كثيرة وأكرمنحححححححا إكراماً متناهياً وفعحححححححل أفعال محححححححن تقدمحححححححه.
ثحم رحلنحا إلى مدينحة نكدة " وضبحط اسحمها بفتحح النون وإسحكان الكاف ودال مهمحل
مفتوح " ،وهحححي محححن بلد ملك العراق ،مدينحححة كحححبيرة كثيرة العمارة ،قحححد تخرب
بعضهحا ،ويشقهحا النهحر المعروف بالنهحر السحود ،وهحو محن كبار النهار ،عليحه ثلث
قناطحر :إحداهحا بداخحل المدينحة واثنتان بخارجهحا ،وعليحه النواعيحر بالداخحل والخارج،
منهحا تسحقى البسحاتين ،والفواكحه كثيرة .ونزلنحا منهحا بزاويحة الفتحى أخحي جاروق ،وهحو
وسرنا منها بعد ذلك إلى مدينة قيسارية ،وهي من بلد صاحب العراق ،وهي إحدى
المدن العظام بهذا القليم ،بها عسكر أهل العراق وإحدى خواتين المير علء الدين
أرتنححا المذكور .وهححي مححن أكرم الخواتيححن وأفضلهححن ولهححا نسححبة مححن ملك العراق،
وتدعى أغا " بفتح الهمزة والغين المعجم " ،ومعنى أغا الكبير ،وكل من بينه وبين
السحلطان نسحبة يدعحى بذلك ،واسحمها طغحى خاتون ،ودخلنحا إليهحا فقامحت وأحسحنت
السححلم والكلم ،وأمرت بإحضار الطعام فأكلنححا ،ولمححا انصححرفنا بعثححت إلينححا بفرس
مسحرج ملجحم وخلعحة ودراهحم محع أححد غلمانهحا واعتذرت .ونزلنحا محن هذه المدينحة
بزاويحة الفتحى الخحي أميحر علي وهحو أميحر كحبير محن كبار الخيحة بهذه البلد ،وله
طائفحة تتبعحه محن وجوه المدينحة وكبرائهحا ،وزاويتحه محن أحسحن الزوايحا فرشاً وقناديحل
وطعاماً كثيراً وإتقاناً .والكحححبراء محححن أصححححابه وغيرهحححم يجتمعون كحححل ليلة عنده،
ويفعلون فححي إكرام الوارد أضعاف مححا يفعله سححواهم .ومححن عوائد هذه البلد أنححه مححا
كان منها ليس به سلطان ،فالخي هو الحاكم به ،وهو يركب الوارد ويكسوه ويحسن
إليححححححه على قدره وترتيبححححححه فححححححي أمره ونهيححححححه وركوبححححححه ترتيححححححب الملوك.
ثحم سحافرنا إلى مدينحة سحيواس " وضبحط اسحمها بكسحر السحين المهمحل وياء محد وآخره
سين مهمل " وهي من بلد العراق ،وأعظم ما له بهذا القليم من البلد ،وبها منزل
أمرائه وعماله .مدينحة حسحنة العمارة واسحعة الشوارع أسحواقها غاصحة بالناس ،وبهحا
دار مثححل المدرسححة تسححمى دار السححيادة ،ل ينزلهححا إل الشرفاء ،ونقيبهححم سححاكن بهححا.
وتجري لهم فيها مدة مقامهم الفرش والطعام والشمع وغيره فيزودون إذا انصرفوا.
ولمححا قدمنححا هذه المدينححة خرج إلى لقائنحا أصحححاب الفتححى بجقجححي ،وبحححق بالتركيححة
السححكين ،وهذا منسححوب إليححه ،والجيمان منححه معقودان بينهمححا قاف ،وباؤه مكسححورة
وكانوا جماعحة ،منهحم الركبان والمشاة .ثحم لقينحا بعدهحم أصححاب الفتحى أخحي جلبحي،
وهو من كبار الخية .وطبقته أعلى من طبقة أخي بجقجي ،فطلبوا أن ينزل عندهم،
فلم يمكن لنا ذلك لسبق الولين .ودخلنا المدينة معهم جميعاً ،وهم يتفاخرون .والذي
سحبقوا إلينحا قحد فرحوا أشحد الفرح بنزولنحا عندهحم .ثحم كان محن صحنيعهم فحي الطعام
والحمام والمبيت مثل صنيع من تقدم .وأقمنا عندهم ثلثة في أحسن ضيافة .ثم أتانا
القاضي وجماعة من الطلبة ،ومعهم خيل المير علء الدين أرتنا نائب ملك العراق
ببلد الروم ،فركبنححا معححه ،واسححتقبلنا الميححر إلى دهليححز داره ،فسححلم علينححا ورحححب،
وكان فصحيح اللسحان بالعربيحة .وسحألني عحن العراقيحن وأصحبهان وشيراز وكرمان،
وعححن السححلطان أتابححك ،وبلد الشام ومصححر ،وسححلطين التركمان .وكان مراده أن
أشكحر الكريحم منهحم وأذم البخيحل ،فلم أفعحل ذلك ،بحل شكرت الجميحع .فسحر بذلك منحي
وشكرنحي عليحه .ثحم أحضحر الطعام وأكلنحا ،وقال :تكونون فحي ضيافتحي .فقال له الفتحى
أخحي جلبحي :إنهحم لم ينزلوا بعحد بزاويتحي ،فليكونوا عندي ،وضيافتحك تصحلهم .فقال:
أفعحل .فانتقلنحا إلى زاويتحه ،وأقمنحا بهحا سحتًا فحي ضيافتحه وفحي ضيافحة الميحر .ثحم بعحث
المير بفرس وكسوة ودراهم ،وكتب لنوابه بالبلد أن يضيفونا ويكرمونا ويزودونا.
وسحافرنا إلى مدينحة أماصحية " وضبط اسحمها بفتح الهمزة والميحم والف وصاد مهمحل
مكسححور وياء آخححر الحروف مفتوحححة " ،مدينححة كححبيرة حسححنة ذات أنهار وبسححاتين
وأشجار وفواكححه ،وعلى أنهارهححا النواعيححر تسححقي جناتهححا ودورهححا .وهححي فسححيحة
الشوارع والسحواق .وملكهحا صحاحب العراق .ويقرب منهحا بلدة سحونسى " وضبحط
اسحمها بضحم السحين المهمحل وواو محد ونون مضموم وسحين مهمحل مفتوح " ،وهحي
لصاحب العراق أيضاً .وبها سكنى أولد ولي ال تعالى أبي العباس أحمد الرفاعي.
منهحم الشيحخ عحز الديحن وهحو الن شيحخ الرواق وصحاحب سحجادة الرفاعحي ،وإخوتحه
الشيخ علي والشيخ إبراهيم والشيخ يحيى أولد الشيخ أحمد كوجك ومعناه الصغير
ابححن تاج الديححن الرفاعححي .ونزلنححا بزاويتهححم ورأينححا لهححم الفضححل على مححن سححواهم.
ثم سافرنا إلى مدينة كمش " وضبط اسمها بضم الكاف وكسر الميم وشين معجم "،
وهححي مححن بلد ملك العراق ،مدينححة كححبيرة عامرة يأتيهححا التجار مححن العراق والشام،
وبهحا معادن الفضحة .وعلى مسحيرة يوميحن منهحا جبال شامخحة وعرة لم أصحل إليهحا
ونزلنحا منهحا بزاويحة الخحي مجحد الديحن ،وأقمنحا بهحا ثلثًا فحي ضيافتحه وفعحل أفعال محن
قبله .وجاء إلينحا نائب الميحر أرتنحا ،وبعحث بضيافحة وزاد .وانصحرفنا محن تلك البلد،
فوصححلنا إلى أرزنجان " وضبححط اسححمها بفتححح الهمزة وإسححكان الراء وفتححح الزاي
وسححكون النون وجيححم والف ونون " ،وهححي مححن بلد صححاحب العراق .مدينححة كححبيرة
عامرة ،وأكثر سكانها الرمن .والمسلمون يتكلمون بها التركية .ولها أسواق حسنة
الترتيب .ويصنع بها ثياب حسان تنسب اليها .وفيها معادن النحاس ،ويصنعون منه
الواني والبياسيس التي ذكرناها ،وهي شبه المنار عندنا .ونزلنا منها بزاوية الفتى
أخحي نظام الديحن ،وهحي محن أحسحن الزوايحا ،وهحو أيضاً محن خيار الفتيان وكبارهحم،
أضافنحا أحسحن ضيافحة .وانصحرفنا إلى مدينحة أرز الروم ،وهحي محن بلد ملك العراق،
كححبيرة السححاحة ،خرب أكثرهححا بسححبب فتنححة وقعححت بيححن طائفتيححن مححن التركمان بهححا.
ويشقهحا ثلثحة أنهار .وفحي أكثحر دورهحا بسحاتين فيهحا الشجار والدوالي .ونزلنحا منهحا
بزاوية الفتى أخي طومان ،وهو كبير السن ،يقال :إنه أناف على مائة وثلثين سنة.
ورأيتحه ينصحرف على قدميحه متوكئاً على عصحا ،ثابحت الذهحن ،مواظبًا للصحلة فحي
أوقاتها ،لم ينكر من نفسه شيئاً ،إل أنه ل يستطيع الصوم .وخدمنا بنفسه في الطعام
وخدمنا أولده في الحمام ،وأردنا النصراف عنه ثاني يوم نزولنا ،فشق عليه ذلك،
وأبحى منه وقال :إن فعلتحم نقصحتم حرمتي ،وإن أقحل الضيافحة ثلث .فأقمنا لديحه ثلثاً.
ثحم انصحرفنا إلى مدينحة بركحي " وضبحط اسحمها بباء موحدة مكسحورة وكاف معقود
مكسحور بينهمحا راء مسحكن " ،ووصحلنا إليهحا بعحد العصحر ،فلقينحا رجلً محن أهلهحا،
فسألناه عن زاوية الخي بها فقال :أنا أدلكم عليها ،فاتبعناه فذهب بنا إلى منزله نفسه
فحي بسحتان له ،فأنزلنحا بأعلى سحطح بيتحه ،والشجار مظللة ،وذلك أوان الححر الشديحد،
وأتى إلينا بأنواع الفاكهة ،وأحسن فحي ضيافته .وعلف دوابنا ،وبتنا عنده تلك الليلة.
وكنحا قحد تعرفنحا أن بهذه المدينحة مدرسحاً فاضلً يسحمى بمحيحي الديحن ،فأتحى بنحا ذلك
الرجحل الذي بتنحا عنده ،وكان محن الطلبحة إلى المدرسحة وإذا بالمدرس قحد أقبحل راكباً
على بغلة فارهحة ،ومماليكحه وخدامحه عحن جانحبيه ،والطلبحة بيحن يديحه ،وعليحه ثياب
مفرجحة حسحان مطرزة بالذهحب .فسحلمنا عليحه ،فرححب بنحا وأحسحن السحلم والكلم،
وأمسححك بيدي وأجلسححني إلى جانبححه .ثححم جاء القاضححي عححز الديححن فرشتححي ،ومعنححى
فرشتحي الملك .لقحب بذلك لدينحه وعفافحه وفضله .فقعحد عحن يميحن المدرس ،وأخحذ فحي
تدريحس العلوم الصحلية والفرعيحة .ثحم لمحا فرغ محن ذلك أتحى دويرة بالمدرسحة فأمحر
بفرشهحا ،وأنزلنحي فيهحا .وبعحث ضيافحة حافلة ،ثحم وجحه إلينحا بعحد المغرب ،فمضيحت
إليه ،فوجدته في مجلس ببستان له ،وهنالك صهريج ماء ينحدر اليه الماء من خصة
رخام أبيححض يدور بهححا القاشانححي ،وبيححن يديححه جملة مححن الطلبححة ،ومماليكححه وخدامححه
وقوف محن جانحبيه ،وهحو قاعحد على مرتبحة عليهحا أقطاع منقوشحة حسحنة ،فخلتحه لمحا
شاهدتحه ملكاً محن الملوك .فقام إلي واسحتقبلني وأخحذ بيدي وأجلسحني إلى جانبحه على
مرتبتحه ،وأتحى بالطعام فأكلنحا وانصحرفنا إلى المدرسحة .وذكحر لي بعحض الطلبحة أن
جميحع محن حضحر تلك الليلة محن الطلبحة عنحد المدرس ،فعادتهحم الحضور لطعامحه كحل
ليلة ،وكتحب هذا المدرس إلى السحلطان بخبرنحا وأثنحى فحي كتابحه ،والسحلطان فحي جبحل
هنالك يصيف فيه لجل شدة الحر ،وذلك الجبل بارد .وعادته أن يصيف فيه.
ذكر سلطان بركي
وهحو السحلطان محمحد بحن آيديحن محن خيار السحلطين وكرمائهحم وفضلئهحم ،ولمحا
بعحث إليحه المدرس يعلمحه بخحبري ،وجحه نائبحه إلي لتيحه ،فأشار علي المدرس أن أقيحم
حتحى يبعحث إلي ثانيحة ،وكان المدرس إذ ذاك قحد خرجحت برجله قرححة ،ل يسحتطيع
الركوب بسحببها ،وانقطحع عحن المدرسحة ،ثحم إن السحلطان بعحث فحي طلبحي ثانيحة ،فشحق
ذلك على المدرس فقال :أنحا ل أسحتطيع الركوب ،ومحن غرضحي التوجحه معحك ،لقرر
لدى السحلطان محا يجحب لك .ثحم إنحه تحامحل ولف على رجله خرقاً ،وركحب ولم يضحع
رجله فحي الركاب .وركبحت أنحا وأصححابي وصحعدنا إلى الجبحل ،فحي طريحق قحد نحتحت
وسويت ،فوصلنا إلى موضع السلطان عند الزوال ،فنزلنا على نهر ماء تحت ظلل
شجححر الجوز ،وصححادفنا السححلطان فححي قلق وشغححل بال ،بسححبب فرار ابنححه الصححغر
سحليمان عنحه إلى صحهره السحلطان أرخان بحك ،فلمحا بلغحه خحبر وصحولنا بعحث إلينحا
ولديحه :خضحر بحك وعمحر بحك ،فسحلما على الفقيحه ،وأمرهمحا بالسحلم علي ففعل ذلك،
وسحألني عحن حالي ومقدمحي وانصحرفا .وبعحث إلي بحبيت يسحمى عندهحم الخرقحة "
خركاه" ،وهو عصي من الخشب تجمع شبه القبة ،وتجعل عليها اللبود ،ويفتح أعله
لدخول الضوء والريححح ،مثححل البادهنححج .ويسححد متححى احتيححج إلى شده .وأتوا بالفرش
ففرشوه ،وقعححد الفقيححه ،وقعدت معححه أصحححابه وأصحححابي خارج البيححت تحححت ظلل
شجحر الجوز ،وذلك الموضحع شديدة البرد ،ومات لي تلك الليلة فرس محن شدة البرد.
ولما كان من الغد ركب المدرس إلى السلطان وتكلم في شأني بما اقتضته فضائله،
ثم عاد إلي وأعلمني بذلك .وبعد ساعة وجه السلطان في طلبنا معاً ،فجئنا إلى منزله
ووجدناه قائماً ،فسحلمنا عليحه ،وقعحد الفقيحه عحن يمينحه وأنحا ممحا يلي الفقيحه .فسحألني عحن
حالي ومقدمحححي ،وسحححألني عحححن الحجاز ومصحححر والشام واليمحححن والعراقيحححن وبلد
العاجححم .ثححم حضححر الطعام فأكلنححا وانصححرفنا ،وبعححث الرز والدقيححق والسححمن فححي
كروش الغنام ،وكذلك فعل الترك .وأقمنا على تلك الحال أياماً ،يبعث إلينا كل يوم،
فنحضر طعامه ،وأتى يوماً إلينا بعد الظهر ،وقعد الفقيه في صدر المجلس ،وأنا عن
يسحاره ،وقعحد السحلطان عحن يميحن الفقيحه ،وذلك لعزة الفقهاء عنحد الترك ،وطلب منحي
أن أكتحب له أحاديحث محن حديحث رسحول صحلى ال عليحه وسحلم فكتبتهحا له ،وعرضهحا
الفقيه عليه في تلك الساعة فأمره أن يكتب له شرحها باللسان التركي ،ثم قام فخرج،
ورأى الخدام يطبخون لنححا الطعام تحححت ظلل الجوز بغيححر إدام ول خضححر .فأمححر
بعقاب صححاحب خزانتححه ،وبعححث بالبزار والسححمن .وطالت إقامتنححا بذلك الجبححل،
فأدركني الملل وأردت النصراف .وكان الفقيه أيضاً قد مل من المقام هنالك ،فبعث
إلى السلطان يخبره أني أريد السفر .فلما كان من الغد بعث السلطان نائبه ،فتكلم مع
المدرس بالتركيحة ،ولم أكحن إذ ذاك أفهمهحا ،فأجابحه عحن كلمحه وانصحرف .فقال لي
المدرس :أتدري ماذا قال ?:قلت :ل أعرف مححححا قال .قال :إن السححححلطان بعححححث إلي
ليسألني ماذا يعطيك .فقلت له :عنده الذهب والفضة والخيل والعبيد فليعطه ما أحب
من ذلك .فذهب إلى السلطان ثم عاد إلينا .فقال :إن السلطان يأمر أن تقيما هنا اليوم،
وتنزل معحه غداً إلى داره بالمدينحة .ولمحا كان محن الغحد بعحث فرسحاً جيداً محن مراكبحه،
ونزل ونححن معحه إلى المدينحة .فخرج الناس لسحتقباله ،وفيهحم القاضحي المذكور آنفاً
وسحواه ،ودخحل السحلطان ونححن معحه ،فلمحا نزل بباب داره ذهبحت محع المدرس إلى
ناحية المدرسة ،فدعا بنا وأمرنا بالدخول معه إلى داره .ولما وصلنا إلى دهليز الدار
وجدنححا مححن خدامححه نحححو عشريححن ،صححورهم فائقححة الحسححن وعليهححم ثياب الحريححر
وشعورهححم مفروقححة وألوانهححم سححاطعة البياض مشربححة بحمرة .فقلت للفقيححه :مححا هذه
الصور الحسان ? قال :هؤلء فتيان روميون .وصعدنا مع السلطان درجاً كثيرة إلى
أن انتهينحا إلى مجلس حسحن فحي وسحطه صحهريج ماء ،وعلى كحل ركحن محن أركانحه
صحححورة سحححبع نحاس يمحححج ماء محححن فيحححه ،وتدور بهذا المجلس مصحححاطب متصحححلة
مفروشة ،وفوق إحداها مرتبة السلطان .فلما انتهينا إليها نحى السلطان مرتبته بيده،
وقعحد معنحا على القطاع ،وقعحد الفقيحه عحن يمينحه ،والقاضحي ممحا يلي الفقيحه ،وأنحا مما
يلي القاضححي ،وقعححد القراء أسححفل المصححطبة ،والقراء ل يفارقونححه حيححث كان مححن
مجالسححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححه.
ثم جاءوا بصحاف من الذهب والفضة مملوءة بالجلب المحلول ،قد عصر فيه ماء
الليمون ،وجعحل فيحه كعكات صحغار مقسحومة ،وفيهحا ملعحق ذهحب وفضحة ،وجاءوا
معهحا بصححاف صحيني فيهحا مثحل ذلك ،وفيهحا ملعحق خشحب ،فمحن تورع اسحتعمل
صححاف الصحيني وملعحق الخشحب .وتكلمحت بشكحر السحلطان وأثنيحت على الفقيحه،
وفحي أثناء قعودنحا محع السحلطان أتحى شيحخ على رأسحه عمامحة لهحا ذؤابحة فسحلم عليحه،
وقام له القاضححي والفقيححه ،وقعححد أمام السححلطان فوق المصححطبة ،والقراء أسححفل منححه.
فقلت للفقيححه :مححن هذا الشيححخ ? فضحححك وسححكت .ثححم أعدت السححؤال ،فقال لي :هذا
يهودي طبيب ،وكلنا محتاج إليه .فلجل هذا فعلنا ما رأيت من القيام له .فأخذني ما
حدث وأبديححت المتعاض .فقلت لليهودي :يححا ملعون ابححن ملعون ،كيححف تجلس فوق
قراء القرآن ،وأنحت يهودي ? وشتمتحه ورفعحت صحوتي ،فعجحب السحلطان وسحأل عحن
معنى كلمي فأخبره الفقيه به .وغضب اليهودي فخرج عن المجلس في أسوأ حال.
ولمحا انصحرفنا قال لي الفقيحه :أحسحنت بارك ال فيحك .إن أحداً سحواك ل يتجاسحر على
حكاية آخرى
وسححألني السححلطان فححي هذا المجلس ،فقال لي هححل رأيححت حجراً نزل مححن السححماء ?
فقلت :ما رأيت ذلك ول سمعت بحه .فقال لي :إنحه قد نزل بخارج بلدنا هذا حجر من
السححماء .ثححم دعححا رجالً وأمرهححم أن يأتوا بالحجححر ،فأتوا بحجححر أسححود أصححم شديححد
الصحلبة ،له بريحق .قدرت أن زنتحه تبلغ قنطاراً .وأمحر السحلطان بإحضار القطاعيحن،
فحضحر أربعحة منهحم فأمرهحم أن يضربوه ،فضربوا عليحه ضربحة رجحل واححد أربحع
مرات بمطارق الحديد ،فلم يؤثروا فيه شيئاً ،فعجبت من أمره .وأمر برده إلى حيث
كان .وفي ثالث يوم من دخولنا إلى المدينة مع السلطان ،صنع صنيعاً عظيماً ،ودعا
الفقراء والمشايحخ وأعيان العسحكر ووجوه أهحل المدينحة ،فطعموا وقرأ القراء القرآن
بالصححوات الحسححان ،وعدنححا إلى منزلنححا بالمدرسححة .وكان يوجححه الطعام والفاكهححة
والحلواء والشمع في كل ليلة .ثم بعث إلي مائة مثقال ذهباً وألف درهم وكسوة كاملة
وفرساً ومملوكاً رومياً يسمى ميخائيل ،وبعث لكل من أصحابي كسوة ودراهم .كل
هذا بمشاركححة المدرس محيححي الديححن ،جزاه ال تعالى خيراً ،وودعنححا ،وانصححرفنا.
وكانحت مدة مقامنحا عنده بالجبحل والمدينحة أربعحة عشحر يوماً .ثحم قصحدنا مدينحة تيرة
وهحي محن بلد هذا السحلطان " ،وضبحط اسحمها بكسحر التاء المعلوة وياء محد وراء "
مدينحة حسحنة ذات انهار وبسحاتين فواكحه .نزلنحا منهحا بزاويحة الفتحى محمحد ،وهحو محن
كبار الصالحين ،صائم الدهر ،وله أصحاب على طريقته .فأضافنا ودعا لنا .وسرنا
إلى مدينحة أياسحلوق " وضبحط اسحمها بفتحح الهمزة والياء آخحر الحروف وسحين مهمحل
مضموم ولم مضموم وآخره قاف " مدينحة كحبيرة قديمحة معظمحة عنحد الروم ،وفيهحا
كنيسحة كحبيرة مبنيحة بالحجارة الضخمحة ،ويكون طول الحجحر منهحا عشرة أذرع فمحا
دونهحا ،منحوتحة أبدع نححت .والمسحجد الجامحع بهذه المدينحة محن أبدع مسحاجد الدنيحا ،ل
نظيحر له فحي الحسحن ،وكان كنيسحة للروم معظمحة عندهحم يقصحدونها محن البلد ،فلمحا
فتحححت هذه المدينححة جعلهححا المسححلمون مسححجداً جامعاً ،وحيطانححه مححن الرخام الملون،
وفرشه الرخام البيض ،وهو مسقف بالرصاص ،وفيه إحدى عشرة قبة منوعة ،في
وسحط كحل قبحة صحهريج ماء ،والنهحر يشقحه ،وعلى جانحبي النهحر الشجار المختلفحة
الجناس ودوالي العنححب ومعرشات الياسححمين .وله خمسححة عشححر باباً .وأميححر هذه
المدينة خضر بك ابن السلطان محمد بن آيدين ،وقد كنت رأيته عند أبيه ببركي ثم
لقيتحه بهذه المدينحة خارجهحا .فسحلمت عليحه ،وأنحا راكحب ،فكره ذلك منحي ،وكان سحبب
حرماني لديه .فإن عادتهم إذا نزل لهم الوارد نزلوا وأعجبهم ذلك .ولم يبعث إلي إل
ثوباً واحداً من الحرير المذهب يسمونه النخ " بفتح النون وخاء معجم " .واشتريت
بهذه المدينحة جاريحة روميحة بكراً بأربعيحن ديناراً ذهباً ،ثحم سحرنا إلى المدينحة يزميحر "
وضبط اسمها بياء آخر الحروف مفتوحة وزاي مسكن وميم مكسورة وياء مد وراء
" مدينة كبيرة على ساحل البحر ،معظمها خراب .ولها قلعة متصلة بأعلها .نزلنا
منها بزاوية الشيخ يعقوب ،وهو من الحمدية ،صالح فاضل .ولقينا بخارجها الشيخ
عحز الديحن بحن أحمحد الرفاعحي ،ومعحه زاده الخلطحي محن كبار المشايحخ ،ومعحه مائة
فقيحر محن المولهيحن .وقحد ضرب لهحم الميحر الخيحة ،وصحنع الشيحخ يعقوب ضيافحة،
وحضرتها ،واجتمعت بهم .وأمير هذه المدينة عمر بك ابن السلطان محمد بن آيدين
المذكور آنفاً ،وسحكناه بقلعتهحا ،وكان حيحن قدومنحا عليهحا عنحد أبيحه ،ثحم قدم بعحد خمحس
محن نزولنحا بهحا .فكان محن مكارمحه أن أتحى إلي بالزاويحة فسحلم علي واعتذر ،وبعحث
ضيافحة عظيمحة ،وأعطانحي بعحد ذلك مملوكاً رومياً خماسحياً اسحمه نقوله ،وثوبيحن محن
الكمخا ،وهي ثياب حرير تصنع ببغداد وتبريز ونيسابور وبالصين ،وذكر لي الفقيه
الذي يؤم بححه أن الميححر لم يبححق له مملوك سححوى ذلك المملوك الذي أعطانححي بسححبب
كرمحه رحمحه ال ،وأعطحى أيضاً للشيحخ عحز الديحن ثلثحة أفراس مجهزة ،وآنيحة فضيحة
كحبيرة تسحمى عندهحم المشربحة مملوءة دراهحم ،وثياباً محن الملف والمرعحز والقسحي
والكمخححا وجواري وغلماناً .وكان هذا الميححر كريماً صححالحاً كثيححر الجهاد ،له أجفان
غزويحة يضرب بهحا على نواححي القسحطنطينية العظمحى فيسحبي ويغنحم ،ويفنحي ذلك
كرماً وجوداً ،ثححم يعود إلى الجهاد ،إلى أن اشتدت على الروم وطأتححه فرفعوا أمرهححم
إلى البابحا فأمحر نصحارى جنوة وإفرانسحة بغزوه .وجهحز جيشاً محن روميحة ،وطرقوا
مدينتححه ليلً فححي عدد كثيححر مححن الجفان ،وملكوا المرسححى والمدينححة .ونزل إليهححم
الميحر عمحر محن القلعحة فقاتلهحم واسحتشهد هحو وجماعحة محن ناسحه ،واسحتقر النصحارى
بالبلد ،ولم يقدروا على القلعحة لمنعتها .ثحم سافرنا من هذه المدينحة إلى مدينة مغنيسحية
" وضبحط اسحمها بميحم مفتوححة وغيحن معجمحة نسحكنة ونون مكسحورة وياء محد وسحين
مهملة مكسورة وياء آخر الحروف مشددة " نزلنا بها عشي يوم عرفة بزاوية رجل
من الفتيان ،وهي مدينة كبيرة حسنة ،في سفح جبل ،وبسيطها كثير النهار والعيون
والبسحاتين والفواكحه.أميحر عمحر محن القلعحة فقاتلهحم واسحتشهد هحو وجماعحة محن ناسحه،
واسحتقر النصحارى بالبلد ،ولم يقدروا على القلعحة لمنعتهحا .ثحم سحافرنا محن هذه المدينحة
إلى مدينححة مغنيسححية " وضبححط اسححمها بميححم مفتوحححة وغيححن معجمححة نسححكنة ونون
مكسورة وياء مد وسين مهملة مكسورة وياء آخر الحروف مشددة " نزلنا بها عشي
يوم عرفححة بزاويححة رجححل مححن الفتيان ،وهححي مدينححة كححبيرة حسححنة ،فححي سححفح جبححل،
وسلطانها يسمى صاروخان ،ولما وصلنا إلى هذه البلدة ،وجدناه بتربة ولده ،وكان
قد توفي منذ أشهر ،فكان هو وأم الولد ليلة العيد وصبيحتها بتربته ،والولد قد صبر،
وجعحل فحي تابوت خشحب مغشحى بالحديحد المقزدر ،وعلق فحي قبحة ل سحقف لهحا لتذهحب
رائحته ،وحينئذ تسقف القبة ،ويجعل تابوته ظاهراً على وجه الرض ،وتجعل ثيابه
عليه .وهكذا رأيت غيره أيضاً من الملوك فعل ،وسلمنا عليه بذلك الموضع ،وصلينا
معحه صلة العيحد ،وعدنا إلى الزاوية .فأخذ الغلم الذي كان لي أفراسحنا ،وتوجه مع
غلم لبعحض الصححاب برسحم سحقيها ،فأبطحأ .ثحم لمحا كان العشحي لم يظهحر لهمحا أثحر.
وكان بهذه المدينحة الفقيحه المدرس الفاضحل مصحلح الديحن ،فركحب معحي إلى السحلطان
وأعلمناه بذلك .فبعث في طلبهما ،فلم يوجدا ،واشتغل الناس في عيدهم وقصدا مدينة
للكفار على سحاحل البححر تسحمى فوجحة على مسحيرة يوم محن مغنيسحية .وهؤلء الكفار
في بلد حصين .وهم يبعثون هدية في كل سنة إلى سلطان مغنيسية فيقنع منهم بها،
لحصحانة بلدهحم .فلمحا كان بعحد الظهحر أتحى بهمحا بعحض التراك وبالفراس ،وذكروا
أنهما اجتازا بهم عشية النهار ،فأنكروا أمرهما واشتدوا عليهما حتى أقرا بما عزما
عليحه محن الفرار .ثحم سحافرنا محن مغنيسحية ،وبتنحا ليلة عنحد قوم محن التركمان قحد نزلوا
فححي مرعححى لهححم ،ولم نجححد عندهححم مححا نعلف بححه دوابنححا تلك الليلة ،وبات أصحححابنا
يحترسححون مداولة بينهححم خوف السححرقة .فأتححت نوبححة الفقيححه عفيححف الديححن التوزري.
فسحمعته يقرأ سحورة البقرة فقلت له :إذا أردت النوم فأعلمنحي لنظحر محن يحرس ،ثحم
نمت ،فما أيقظني إل الصباح .وقد ذهب السراق بفرس لي كان يركبه عفيف الدين
بسرجه ولجامه ،وكان من جياد الخيل اشتريته بأياسلوق .ثم رحلنا من الغد فوصلنا
إلى مدينحة ،برغمحة " وضبحط اسحمها بباء موحدة مفتوححة وراء مسحكنة وغيحن معجمحة
مفتوحة وميم مفتوحة " مدينة خربة ،لها قلعة عظيمة منيعة بأعلى جبل .ويقال :إن
أفلطون الحكيحم محن أهحل هذه المدينحة ،وداره تشتهحر باسحمه إلى الن .ونزلنحا منهحا
بزاوية فقير من الحمدية .ثم جاء أحد كبراء المدينة فنقلنا إلى داره وأكرمنا إكراماً
كثيراً.
وسحلطانها يسحمى يخشحي خان بكسحر الشيحن ،وخان عندهحم هحو السحلطان ويخشحي "
بباء آخحر الحروف وخاء معجحم وشيحن مكسحور " ومعناه جيحد ،صحادفناه فحي مصحيف
له ،فأعلم بقدومنحا فبعحث بضيافحة وثوب قدسحي ،ثحم اكترينحا محن يدلنحا على الطريحق،
وسححرنا فححي جبال شامخححة وعرة ،إلى أن وصححلنا إلى مدينححة بلي كسححري " وضبححط
اسحمها باء موحدة مفتوححة ولم مكسحورة وياء محد وكاف مفتوح وسحين مهمحل مسحكن
وراء مكسحور وياء " مدينحة حسحنة كثيرة العمارات مليححة السحواق ،ول جامحع لهحا
يجمع فيه .وأرادوا بناء جامع خارجها متصل بها ،فبنوا حيطانه ولم يجعلوا له سقفاً.
وصاروا يصلون به ويجتمعون تحت ظلل الشجار ،ونزلنا من هذه المدينة بزاوية
الفتى أخي سنان وهو من أفاضلهم ،وأتى إلينا قاضيها وخطيبها الفقيه موسى.
ذكر سلطان بلي كسري
ويسمى دمورخان ،ول خير فيه .وأبوه هو الذي بنى هذه المدينة ،وكثرت عمارتها
بمن ل خير فيه ،في مدة ابنه هذا ،والناس على دين الملك ،ورأيته .وبعث إلي ثوب
حريحر .واشتريحت بهذه المدينحة جاريحة روميحة تسحمى محر غليظحة ،ثحم سحرنا إلى مدينحة
برصحا " وضبحط اسحمها بضحم الباء الموحدة وإسحكان الراء وفتحح الصحاد المهمحل "
مدينحة كحبيرة عظيمحة حسحنة السحواق فسحيحة الشوارع ،تحفهحا البسحاتين محن جميحع
جهاتها والعيون الجارية .وبخارجها نهر شديد الحرارة يصب في بركة عظيمة ،وقد
بنحي عليهحا بيتان :أحدهمحا للرجال والخحر للنسحاء ،والمرضحى يسحتشفون بهذه الحمحة،
ويأتون إليهحا محن أقاصحي البلد .وهنالك زاويحة للوارديحن ينزلون بهحا ويطعمون مدة
مقامهححم وهححي ثلثححة أيام .عمّر هذه الزاويححة أحححد ملوك التركمان .ونزلنححا فححي هذه
المدينة بزاوية الفتى أخي شمس الدين من كبار الفتيان .ووافقنا عنده يوم عاشوراء.
فصححنع طعاماً كثيراً ،ودعحا وجوه العسححكر وأهححل المدينححة ليلً ،وأفطروا عنده ،وقرأ
القراء بالصوات الحسنة ،وحضر الفقيه الواعظ مجد الدين القونوي .ووعظ وذكر
وأحسن ،ثم أخذوا في السماع والرقص .وكانت ليلة عظيمة الشأن .وهذا الواعظ من
الصحالحين يصحوم الدهحر ول يفطحر إل فحي كحل ثلثحة أيام ،ول يأكحل إل محن كدّ يمينحه.
ويقال :إنه لم يأكل طعام أحد قط ،ول منزل له ول متاع إل ما يستتر به ،ول ينام إل
في المقبرة .ويعظ في المجالس ويذكر فيتوب على يديه في كل مجلس الجماعة من
الناس .وطلبته بعد هذه الليلة فلم أجده ،وأتيت الجبانة فلم أجده .ويقال :إنه يأتيها بعد
هجوع الناس.
حكاية
لمحا حضرنحا ليلة عاشوراء بزاويحة شمحس الديحن ،وعحظ بهحا مجحد الديحن آخحر الليحل.
فصاح أحد الفقراء صيحة غشي عليه منها .فصبوا عليه ماء الورد فلم يفق ،فأعادوا
عليحه ذلك فلم يفحق ،واختلفحت الناس فيحه ،فمحن قائل إنحه ميحت ،ومحن قائل إنحه مغشحي
عليحه .وأتحم الواعحظ كلمحه وقرأ القراء وصحلينا الصحبح وطلعحت الشمحس ،فاختحبروا
حال الرجحل فوجدوه فارق الدينحا رحمحه ال .فاشتغلوا بغسحله وتكفينحه .وكنحت فيمحن
حضحر الصحلة عليحه ودفنحه .وكان هذا الفقيحر يسحمى الصحياح .وذكروا أنحه كان يتعبحد
بغار هنالك فحي جبحل .فمتى علم أن الواعحظ مجد الدين يعظ قصحده ،وحضحر وعظحه،
ولم يأكحل طعام أححد .فإذا وعحظ مجحد الديحن يصحيح ويغشحى عليحه ثحم يفيحق ،فيتوضحأ
ويصححلي ركعتيححن .ثححم إذا سححمع الواعححظ صححاح يفعححل ذلك مرارًا فححي الليلة وسححمي
الصححياح لجححل ذلك .وكان أعذر اليححد والرجححل ،ل قدرة له على الخدمححة ،وكانححت له
والدة تقوتحه محن غزلهحا .فلمححا توفيححت اقتات محن نبات الرض .ولقيحت بهذه المدينححة
الشيخ الصالح عبد ال المصري السائح وهو من الصالحين ،جال الرض ،إل أنه لم
سلطانها اختيار الدين أرخان بك ،وأرخان " بضم الهمزة وخاء معجم " ابن السلطان عثمان
جوق " وجوق بجيم معقود مضموم وآخره قاف " وتفسيره بالتركية الصغير .وهذا السلطان
أكبر ملوك التركمان وأكثر مالً وبلداً وعسكراً ،له من الحصون ما يقارب مائة حصن.
وهو في أكثر أوقاته ل يزال يطوف عليها ،ويقيم بكل حصن منها أيامًا لصلح شؤونه
وتفقد حاله .ويقال :إنه لم يقم قط شهراً كاملً ببلد ،ويقاتل الكفار ويحاصرهم .وواله هو
الذي استفتح مدينة برصا من أيدي الروم ،وقبره بمسجدها .وكان مسجدها كنيسة للنصارى.
ويذكر أنه حاصر مدينة برتيك نحو عشرين سنة ومات قبل فتحها ،فحاصرها ولده هذا الذي
ذكرناه اثني عشرة سنة وافتتحها .وبها كان لقائي له .وبعث إلي بدراهم كثيرة .ثم سافرنا
إلى مدينة يزنيك " وضبط اسمها بفتح الياء آخر الحروف وإسكان الزاي وكسر النون وياء
مد وكاف " وبتنا قبل الوصول إليها ليلة بقرية تدعى كرله ،بزاوية فتى من الخية .ثم سرنا
ل في أنهار ماء على جوانبها أشجار الرمان الحلو والحامض ،ثم من هذه القرية يوماً كام ً
وصلنا إلى بحيرة ماء تنبت القصب ،على ثمانية أميال من يزنيك .ل يستطاع دخولها إل
على طريق واحد مثل الجسر ،ل يسلك عليها إل فارس واحد .وبذلك امتنعت هذه المدينة،
والبحيرة محيطة بها من جميع الجهات ،وهي خاوية على عروشها .ل يسكن بها إل أناس
قليلون من خدام السلطان ،وبها زوجته بيون خاتون ،وهي الحاكمة عليهم امرأة صالحة
فاضلة ،وعلى المدينة أسوار أربعة .بين كل سورين خندق وفيه الماء ،ويدخل إليها على
جسور خشب ،متى أرادوا رفعها رفعوها .وبداخل المدينة البساتين والدور والرض
والمزارع ،فلكل إنسان داره ومزرعته وبستانه مجموعة .وشربها من آبار قريبة ،وبها من
جميع أصناف الفواكه والجوز .والقسطل عندهم كثير جداً رخيص الثمن .ويسمون القسطل
قسطنة بالنون .والجوز القوز بالقاف .وبها العنب العذاري لم أر مثله في سواها ،متناهي
الحلوة وعظيم الجرم .صافي اللون رقيق القشر ،للحبة منه نواة واحدة .أنزلنا بهذه المدينة
الفقيه المام الحاج المجاور علء الدين السلطانيوكي ،وهو شيخ الفضلء الكرماء ،ما جئت
قط لزيارته إل أحضر الطعام ،وصورته حسنة وسيرته أحسن .وتوجه معي إلى الخاتون
المذكورة ،فأكرمت وأضافت وأحسنت .وبعد قدومنا بأيام وصل إلى هذه المدينة السلطان
أرخان بك الذي ذكرناه .وأقمت بهذه المدينة نحو أربعين يوماً بسبب مرض فرس لي .فلما
طال علي المكث تركته وانصرفت ،ومعي ثلثة من أصحابي وجارية وغلمان .وليس
معنا من يحسن اللسان التركي ويترجم عنا .وكان لنا ترجمان فارقنا بهذه المدينة .ثم خرجنا
منها فبتنا بقرية يقال لها مكجا " بفتح الميم والكاف والجيم " بتنا عند فقيه أكرمنا وأضافنا.
وسافرنا من عنده وتقدمتنا امرأة من الترك على فرس ومعها خديم لها ،وهي قاصدة مدينة
ينجا ،ونحن في اتباع أثرها ،فوصلت إلى وادٍ كبير يقال له سقري كأنه نسب إلى سقر،
أعاذنا ال منها ،فذهبت تجوز الوادي فلما توسطته ،كادت الدابة تغرق بها ورمتها عن
ظهرها ،وأراد الخديم الذي كان معها استخلصها ،فذهب الوادي بهما معاً .وكان في عدوة
الوادي قوم رموا بأنفسهم في أثرها سباحة ،فأخرجوا المرأة وبها من الحياة رمق ،ووجدوا
الرجل قد قضى نحبه رحمه ال .وأخبرنا أولئك الناس أن المعدية أسفل من ذلك الموضع.
توجهنا إليها ،وهي أربع خشبات مربوطة بالحبال ،يجعلون عليها سروج الدواب والمتاع،
ويجذبها الرجال من العدوة الخرى ،ويركب عليها الناس .وتجاز الدواب سباحة وكذلك
فعلنا .ووصلنا تلك الليلة إلى كاوية واسمها على مثال فاعلة من الكي نزلنا منها بزاوية أحد
الخية فكلمناه بالعربية فلم يفهم عنا ،وكلمنا بالتركية فلم نفهم عنه ،فقال :اطلبوا الفقيه فإنه
يعرف العربية .فأتى الفقيه فكلمنا بالفارسية وكلمناه بالعربية فلم يفهمها منا فقال :للفتى
ايشان عربي كهنا ميقوان ميكو يندو من عربي نوميدانم .وايشان معناه هؤلء ،وكهنا قديم،
وميقوان يقولون ،ومن أنا ،ونو جديد ،وميدانم تعرف .وإنما أراد الفقيه بهذا الكلم ستر
نفسه عن الفضيحة حين ظنوا أنه يعرف اللسان العربي وهو ل يعرفه .فقال لهم :هؤلء
يتكلمون بالكلم العربي القديم ،وأنا ل أعرف إل العربي الجديد فظن الفتى أن المر على ما
قاله الفقيه .ونفعنا ذلك عنده وبالغ في إكرامنا وقال :هؤلء تجب كرامتهم ،لنهم يتكلمون
باللسان العربي القديم وهو لسان النبي صلى ال عليه وسلم تسليماً وأصحابه .ولم نفهم كلم
الفقيه إذ ذاك لكنني حفظت لفظه .فلما تعلمت اللسان الفارسي فهمت مراده .وبتنا تلك الليلة
بالزاوية ،وبعث معنا دليلً إلى ينجا وضبط اسمها " بفتح الياء آخر الحروف وكسر النون
وجيم " بلدة كبيرة حسنة .بحثنا بها عن زاوية الخي فوجدنا بها أحد الفقراء المولهين ،فقلت
له :هذه زاوية الخي ،فقال لي :نعم .فسرت عند ذلك إذ وجدت من يفهم اللسان العربي .فلما
اختبرته أبرز الغيب أنه ل يعرف من اللسان العربي إل كلمة نعم خاصة .ونزلنا بالزاوية
وجاء إلينا أحد الطلبة بطعام .ولم يكن الخي حاضراً ،وحصل النس بهذا الطالب ،ولم يكن
يعرف اللسان العربي ،ولكنه تفضل وتكلم مع نائب البلدة فأعطاني فارساً من أصحابه،
وتوجه معنا إلى كبنوك " وضبط اسمها بفتح الكاف وسكون الباء وضم النون " وهي بلدة
صغيرة يسكنها كفار الروم تحت ذمة المسلمين ،وليس بها غير بيت واحد من المسلمين،
وهم الحكام عليهم .وهي من بلد السلطان أرخان بك ،فنزلنا بدار عجوز كافرة ،وذلك إبان
الثلج والشتاء ،فأحسنا إليها وبتنا عندها تلك الليلة ،وهذه البلدة ل شجر بها ول دوالي العنب
ول يزرع بها إل الزعفران ،وأتتنا هذه العجوز بزعفران كثير ،وظنت أننا تجار نشتريه
منها .ولما كان الصباح ركبنا وأتانا الفارس الذي بعثه الفتى معنا من كاوية ،فبعث معنا
فارساً غيره ليوصلنا إلى مدينة مطرني .وقد وقع في تلك الليلة ثلج كثير عفى عن الطريق ،
فتقدمنا ذلك الفارس فاتبعنا أثره إلى أن وصلنا في نصف النهار إلى قرية للتركمان ،فأتوا
بطعام فأكلنا منه ،وكلمهم ذلك الفارس فركب معنا أحدهم ،وسلك بنا أوعاراً وجبالً ومجرى
ماء تكرر لنا جوازه أزيد من الثلثين مرة .فلما خلصنا من ذلك قال لنا ذلك الفارس:
أعطوني شيئاً من الدراهم .فقلنا له :إذا وصلنا إلى المدينة نعطيك ونرضيك فلم يرض ذلك
منا ،أو لم يفهم عنا .فأخذ قوساً لبعض أصحابي ومضى غير بعيد ثم رجع فرد إلينا القوس
فأعطيته شيئاً من الدراهم ،فأخذها وهرب عنا وتركنا ل نعرف أين نقصد ول طريق لنا،
فكنا نتلمح أثر الطريق تحت الثلج ونسلكه ،إلى أن بلغنا عند غروب الشمس إلى جبل يظهر
الطريق به لكثرة الحجارة ،فخفت الهلك علي ومن معي وتوقعت نزول الثلج ليلً ول
عمارة هنالك .فإن نزلنا عن الدواب هلكنا ،وإن سرينا ليلتنا ل نعرف أين نتوجه .وكان لي
فرس من الجياد فعملت على الخلص ،وقلت في نفسي :إذا سلمت لعلي أحتال في سلمة
أصحابي ،فكان كذلك .واستودعتهم ال تعالى وسرت .وأهل تلك البلد يبنون على القبور
بيوتاً من الخشب يظن رائيها أنها عمارة ،فيجدها قبوراً .فظهر لي منها كثير .فلما كان بعد
العشاء وصلت إلى البيوت فقلت :اللهم اجعلها عامرة ،فوجدتها عامرة ،ووفقني ال تعالى
إلى باب دار ،فرأيت عليها شيخًا فكلمته بالعربي فكلمني بالتركي ،وأشار إلي بالدخول.
فأخبرته بشأن أصحابي فلم يفهم عني ،وكان من لطف ال أن تلك الدار زاوية للفقراء،
والواقف بالباب شيخها .فلما سمع الفقراء الذين بداخل الزاوية كلمي مع الشيخ خرج
بعضهم .وكانت بيني وبينه معرفة فسلم علي ،وأخبرته خبر أصحابي وأشرت إليه بأن
يمضي مع الفقراء لستخلص الصحاب ،ففعلوا ذلك وتوجهوا معي إلى أصحابي ،وجئنا
جميعاً إلى الزاوية وحمدنا ال تعالى على السلمة ،وكانت ليلة جمعة ،فاجتمعوا أهل القرية
وقطعوا ليلتهم بذكر ال تعالى .وأتى كل منهم بما تيسر له من الطعام وارتفعت المشقة.
ورحلنا عند الصباح فوصلنا مدينة مطرني عند صلة الجمعة " وضبط اسمها بضم الميم
والطاء المكهملة واسكان الراء وكسر النون وياء مد " ،فنزلنا بزاوية أحد الفتيان الخية،
وبها جماعة من المسافرين ،ولم نجد مربطاً للدواب .فصلينا الجمعة ونحن في قلق لكثرة
الثلج والبرد وعدم المربط ،فلقينا أحد الحجاج من أهلها فسلم علينا ،وكان يعرف اللسان
العربي فسررت برؤيته ،وطلبت منه أن يدلنا على مرابط للدواب بالكراء .فقال :أما ربطها
فهي في منزل فل يتأتى ،لن أبواب دور هذه البلدة صغار ،ل تدخل منها الدواب ،ولكنني
أدلكم على سقيفة بالسوق يربط فيهم المسافرون دوابهم ،والذين يأتون لحضور السوق،
فدلنحا عليها وربطنا بهحا دوابنحا ،ونزل أححد الصححاب بحانوت خال إزاءهحا ليحرس
الدواب.ا عليهححا وربطنححا بهححا دوابنححا ،ونزل أحححد الصحححاب بحانوت خال إزاءهححا
ليحرس الدواب.
?حكاية
وكان محن غريحب محا اتفحق لنحا أنحي بعثحت أححد الخدام ليشتري التبحن للدواب ،وبعثحت
أحدهححم يشتري السححمن .فأتححى أحدهمححا بالتبححن ،والخححر دون شيححء ،وهححو يضحححك.
فسألناه عن سبب ضحكه فقال :إنا وقفنا على دكان بالسوق فطلبنا منه السمن ،فأشار
إلينحا بالوقوف .وكلم والده فدفعنحا له الدراهحم ،فأبطحأ سحاعة وأتحى بالتبحن فأخذناه منحه،
وقلنحا له :إنحا نريحد السحمن ،فقال :هذا السحمن ،وأبرز الغيحب أنهحم يقولون للتبحن سحمن
بلسحان الترك .أمحا السحمن فيسحمى عندهحم رباغ .ولمحا اجتمعنحا بهذا الحاج الذي يعرف
اللسحان العربحي رغبنحا منحه أن يسحافر معنحا إلى قصحطومنية ،وبينهحا وبيحن هذه البلدة
عشرة ،وكسوته ثوباً مصرياً من ثيابي ،وأعطيته نفقه تركها لعياله ،وعينت له دابة
لركوبه ،ووعدته الخير .وسافر معنا ،فظهر لنا من حاله أنه صاحب مال كثير ،وله
ديون على الناس ،غيحر أنحه سحاقط الهمحة خسحيس الطبحع سحيء الفعال وكنحا نعطيحه
الدارهححم لنفقتنححا فيأخححذ مححا يفضححل مححن الخبححز ويشتري بححه البراز والخضححر والملح
ويمسحك ثمحن ذلك لنفسحه .وذكحر لي أنحه كان يسحرق محن دارهحم النفقحة دون ذلك ،وكنحا
نحتمله لمحا كنحا نكابده محن عدم المعرفحة بلسحان الترك ،وانتهحت حاله إلى أن فضحناه،
وكنححا نقول له فححي آخححر النهار يححا حاج ،كححم سححرقت اليوم مححن النفقححة ? فيقول :كذا
فنضحححك منححه ونرضححى بذلك .ومححن أفعله الخسححيسة أنححه مات لنححا فرس فححي بعححض
المنازل ،فتولى سحلخ جلده بيده وباعحه .ومنهحا أنحا نزلنحا ليلة عنحد أخحت له فحي بعحض
القرى فجاءت بطعام وفاكهحة محن الجاص والتفاح والمشمحش والخوخ ،كلهحا ميبسحة
وتجعحل فحي الماء حتحى ترطحب فتؤكحل ويشرب ماؤهحا .فأردنحا أن نحسحن إليهحا فعلم
بذلك فقال :ل تعطوهحا شيئاً ،وأعطوا ذلك لي فأعطيناه إرضاء له ،وأعطيناه إحسحاناً
في خفية بحيث لم يعلم بذلك .ثم وصلنا إلى مدينة بولي " وضبط اسمها بياء موحدة
مضموة وكسححر اللم " ،ولمححا انتهينححا إلى قريححب منهححا وجدنححا وادياً يظهححر فححي رأي
العيحن صحغيراً ،فلمحا دخله بعحض أصححابنا وجدوه شديحد الجريحة والنزعاج ،فجاوزه
جميعاً .وبقيحت جاريحة صحغيرة خافوا فحي تجويزهحا ،وكان فرسحي خيراً محن أفراسحهم
فأردفتهحا ،وأخذت فحي جواز الوادي فلمحا توسحطته وقحع بحي الفرس ووقعحت الجاريحة،
فأخرجها أصحابي وبها رمق وخلصت أنا .ودخلنا المدينة فقصدنا زاوية أحد الفتيان
الخية ،ومن عوائدهم أنه ل تزال النار موقودة في زواياهم أيام الشتاء أبداً .يجعلون
فحي كحل ركحن محن أركان الزاويحة موقحد النار ،ويصحنعون لهحا منافحس يصحعد منهحا
الدخان ،ول يؤذي الزاوية .ويسمونها البخاري واحدها بخيري .قال ابن جزي :وقد
أحسن صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلي في قوله في التورية ،وتذكرته بذكر
البخيري:
واصححطليت بالنار .وأتححى الخححي بالطعام والفاكهححة أكثححر مححن ذلك .فلله درهححم مححن
طائفة ! ما أكرم نفوسهم وأشد إيثارهم وأعظم سفقتهم على الغريب وألطفهم بالوارد
وأحبهحم فيحه وأجملهحم أحتفالً بأمره .فليحس قدوم النسحان الغريحب عليهحم إل كقدومحه
على أححب أهله إليحه .وبتنحا تلك الليلة بحال مرضيحة ،ثحم رحلنحا بالغداة فوصحلنا إلى
مدينة كردي بولي " وضبط اسمها بكاف معقودة وفتح الراء والدال المهمل وسكون
الياء وباء موحدة مضمومحة وواو محد ولم مكسحورة وياء " ،وهحي مدينحة كحبيرة فحي
بسححيط مححن الرض حسححنة ،متسححعة الشوارع وألسححواق ،مححن أشححد البلد برداً .وهححي
وهو السلطان شاه بك ،من متوسطي سلطين هذه البلد ،حسن الصورة ،والسيرة
جميل الخلق قليل العطاء .صلينا بهذه المدينة صلة الجمعة ونزلنا منها ،ولقيت بها
الخطيحب الفقيحه شمحس الديحن الدمشقحي الحنبلي ،وهحو محن مسحتوطنيها محن سحنين ،وله
بهحا أولد .وهحو فقيحه هذا السحلطان وخطيبحه ،ومسحموع الكلم عنده .ودخحل علينحا هذا
الفقيحه بالزاويحة ،فأعلمنحا أن السحلطان قحد جاء لزيارتنحا .فشكرتحه على فعله ،واسحتقبلت
السححلطان فسححلمت عليححه وجلس .فسححألني عححن حالي وعححن مقدمححي وعمححن لقيتححه مححن
السلطين ،فأخبرته بذلك كله .وأقام ساعة ثم انصرف ،وبعث بدابة مسرجة وكسوة
وانصحرفنا إلى مدينحة برلو " وضبحط اسحمها بضحم الباء الموححد وإسحكان الراء وضحم
اللم " ،وهحي مدينحة صحغيرة على تحل ،تحتهحا خندق ،ولهحا قلعحة بأعلى شاهحق .نزلنحا
منها بمدرسة .وكان الحاج الذي سافر معنا يعرف مدرستها وطلبتها ،ويحضر معهم
الدرس .وهو على علته من الطلبة حنفي المذهب .ودعانا أمير هذه البلدة وهو علي
بك ابن السلطان المكرم سليمان باد شاه ملك قصطمونية وسنذكره ،فصعدنا إليه إلى
القلعحة ،فسحلمنا عليحه ،فرححب بنحا وأكرمنحا ،وسحألني عحن أسحفاري وحالي ،فأجبتحه عحن
ذلك ،وأجلسني إلى جانبه .وحضر قاضيه وكاتبه الحاج علء الدين محمد وهو من
كبار الكتاب ،وحضححر الطعام فأكلنححا ثححم قرأ القراء بأصححوات مبكيححة وألحان عجيبححة
وانصرفنا .وسافرنا بالغد إلى مدينة قصطمونية " وضبط اسمها بقاف مفتوح وصاد
مهمحل مسحكن وطاء مهمحل مسحكن وطاء مهمحل مفتوح وميحم مضمومحة وواو ونون
مكسححور وياء آخححر الحروف " ،وهححي مححن أعظححم المدن وأحسححنها ،كثيرة الخيرات،
رخيصة السعار .نزلنا منها بزاوية شيخ يعرف الطروش لثقل سمعه .ورأيت منه
عجباً ،وهححو أن أحححد الطلبححة كان يكتححب له فححي الهواء ،وتارة فححي الرض بإصححبعه،
فيفهححم عنححه ويجيبححه ،ويحكححي له بذلك ،الحكايات فيفهمهححا .وأقمنححا بهذه المدينححة نحححو
أربعيححن يوماً فكنححا نشتري طابححق اللحححم الغنمححي السححمين بدرهميححن ،ونشتري خبزاً
بدرهميححن فيكفينححا ليومنححا ،ونحححن عشرة .ونشتري حلواء العسححل بدرهميححن ،فتكفينححا
أجمعين .ونشتري جوزاً بدرهم وقشطلً بمثله ،فنأكل منها أجمعون ،ويفضل باقيها.
ونشتري حمححل الحطححب بدرهححم واحححد ،وذلك أوان البرد الشديححد ،ولم أر فححي البلد
مدينة أرخص أسعاراً منها .ولقيت بها الشيخ المام العالم المفتي المدرس تاج الدين
السلطانيوكي من كبار العلماء ،قرأ بالعراقين وتبريز واستوطنها مدة ،وقرأ بدمشق،
وجاور بالحرميحن قديماً .ولقيحت بهحا العلم المدرس صحدر الديحن سحليمان الفنيكحي محن
أهحل فنيكة من بلد الروم ،وأضافني بمدرسحته التي بسحوق الخيل ،ولقيت بهحا الشيحخ
المعمر الصالح دادا أمير علي ،دخلت عليه بزاويته بمقربة من سوق الخيل ،فوجده
ملقى على ظهره ،فأجلسه بعض خدامه ،ورفع بعضهم حاجبيه عن عينيه ففتحهما،
وكلمني بالعربي الفصيح ،وقال :قدمت خير مقدم ،وسألته عن عمره فقال :كنت من
أصححاب الخليفحة المسحتنصر بال ،وتوفحي وأنحا ابحن ثلثيحن سحنة .وعمري الن مائة
وهو السلطان المكرم سليمان بادشاه " واسمه بباء معقود وألف ودال مسكن " ،وهو
كبير السن ينيف على سبعين سنة ،حسن الوجه طويل اللحية صاحب وقار وهيبة،
يجالسحه الفقهاء والصحلحاء .دخلت عليحه بمجلسحه فأجلسحني إلى جانبحه وسحألني عحن
حالي ومقدمحي وعحن الحرميحن الشريفيحن ومصحر والشام فأجبتحه ،وأمحر بإنزالي على
قرب منحه ،وأعطانحي ذلك اليوم فرسحاً عتيقاً قرطاسحي اللون وكسحوة ،وعيحن لي نفقحة
وعلفاً ،وأمححر لي بعححد ذلك بقمححح وشعيححر نفححذ لي فححي قريححة مححن قرى المدينححة ،على
مسيرة نصف يوم منها ،فلم أجد من يشتريه ،لرخص السعار ،فأعطيته للحاج الذي
كان فحي صححبتنا .ومحن عادة هذا السحلطان أن يجلس كحل يوم بمجلسحه ،بعحد صحلة
العصححر ،ويؤتححى بالطعام فتفتححح البواب ،ول يمنححع أحححد مححن حضري أو بدوي أو
غريب أو مسافر من الكل .ويجلس في أول النهار جلوساً خاصاً ،ويأتي ابنه فيقبل
يديحه ،وينصحرف إلى مجلس له ويأتحي أرباب الدولة فيأكلون عنده وينصحرفون .ومحن
عادته في يوم الجمعة أن يركب إلى المسجد ،وهو بعيد عن داره .والمسجد المذكور
هحو ثلث طبقات محن الخشحب .فيصحلي السحلطان وأرباب دولتحه والقاضحي والفقهاء
ووجوه الجناد فحي الطبقحة السحفلى ،ويصحلي الفندي ،وهحو أخحو السحلطان وأصححابه
وأخدامحه وبعحض أهحل المدينحة فحي الطبقحة الوسحطى ،ويصحلي ابحن السحلطان ولي عهده
وهحو أصحغر أولده ،ويسحمى الجواد ،وأصححابه ومماليكحه وخدامحه وسحائر الناس فحي
الطبقحة العليحا ،ويجتمحع القراء فيقعدون حلقحة أمام المحراب ،ويقعحد معهحم الخطيحب
حسحان ،ويكررون اليات بترتيحب عجيحب .فإذا فرغوا محن قراءتهحا صحعد الخطيحب
المنبر فخطب ثم صلى ،فإذا فرغوا من الصلة تنفلوا وقرأ القارئ بين يدي السلطان
عشراً ،وانصحرف السحلطان ومحن معحه .ثحم يقرأ القارئ بيحن يدي أخحي السحلطان ،فإذا
أتحم قراءته انصحرف هو ومن معحه ،ثحم يقرأ القارئ بين يدي ابن السلطان ،فإذا فرغ
مححن قراءتححه قام المعرف ،وهححو المذكححر ،فيمدح السححلطان بشعححر تركححي ويمدح ابنححه
ويدعو لهما وينصرف .ويأتي ابن الملك إلى دار أبيه بعد أن يقبل يد عمه في طريقه
واقفًا فحي انتظاره ،ثحم يدخلن إلى السحلطان فيتقدم اخوه ويقبحل يده ويجلس بيحن يديحه،
ثحم يأتحي ابنحه فيقبحل يده وينصحرف إلى مجلسحه فيقعحد بحه محع ناسحه .فإذا حانحت صحلة
العصر صلوها جميعاً .وقبل أخو السلطان يده ،وانصرف عنه فل يعود إليه إل في
الجمعحة الخرى .وأمحا الولد فإنحه يأتحي كحل يوم غدوة كمحا ذكرناه .ثحم سحافرنا محن هذه
المدينحة ونزلنحا فحي زاويحة عظيمحة بإحدى القرى محن أحسحن زاويحة رأيتهحا فحي تلك
البلد ،بناهحا أميحر كحبير تاب إلى ال تعالى يسححمى فخحر الديححن ،وجعحل النظحر فيهحا
لولده ،والشراف لمحن أقام بالزاويحة محن الفقراء .وفوائد القريحة وقحف عليهحا .وبنحى
بإزاء الزاويححة حماماً للسحبيل يدخله الوارد والصحادر محن غيحر شيححء يلزمححه ،وبنححى
سحوقاً بالقريحة ووقفحه على المسحجد الجامحع .وعيحن محن أوقاف هذه الزاويحة لكحل فقيحر
يرد مححن الحرميححن الشريفيححن أو مححن الشام ومصححر والعراقيححن وخراسححان وسححواهما
كسحوة كاملة ومائة درهحم يوم قدومحه ،وثلثمائة درهحم يوم سحفره .والنفقحه أيام مقامحه
وهحي الخبحز واللححم والرز المطبوخ بالسحمن والحلواء .ولكحل فقيحر محن بلد الروم
عشرة دراهم وضيافة ثلثة أيام ،ثم انصرفنا وبتنا ليلة ثانية بزاوية في جبل شامخ
ل عمارة فيحححه عمرهحححا بعحححض الفتيان الخيحححة ،ويعرف بنظام الديحححن محححن أهحححل
قصحطمونية ،ووقحف عليهحا قريحة ينفحق خراجهحا على الوارد والصحادر بهذه الزاويحة.
وسافرنا من هذه الزاوية إلى مدينة صنوب " وضبط اسمها بفتح الصاد وضم النون
وآخره باء " ،وهحي مدينحة حافلة جمعحت بيحن التحصحين والتحسحين ،يحيحط بهحا البححر
محن جميحع جهاتهحا إل واحدة وهحي الشرق ،ولهحا هنالك باب واححد ل يدخحل إليهحا أححد
إل بإذن أميرها ،وأميرها إبراهيم بك ابن السلطان سليمان بادشاه الذي ذكرناه .ولما
اسحتؤذن لنحا عليحه دخلنحا البلد ونزلنحا بزاويحة عحز الديحن أخحي جلبحي ،وهحي خارج باب
البحححر ،ومححن هنالك يصححعد إلى جبححل داخححل فححي البحححر ،كميناء سححبتة فححي البسححاتين
والمزارع والمياه،وأكثر فواكهحه التين والعنب ،وهو جبحل مانحع ل يسحتطاع الصعود
إليححه .وفيححه إحدى عشرة قريححة يسححكنها كحفار الروم تحححت ذمححة المسححلمين .وبأعله
رابطة تنسب للخضر والياس عليهما السلم ،ل تخلو عن متعبد ،وعندها عين ماء.
والدعاء فيهححا مسححتجاب .وبسححفح هذه الجححبر قححبر الوالي الصححالح الصحححابي بلل
الحبشحي ،وعليحه زاويحة فيهحا الطعام للوارد والصحادر .والمسحجد بمدينحة صحنوب محن
أحسن المساجد .وفي وسطه بركة ماء عليها قبة تثقلها أربع أرجل ،ومع كل رجل
سحاريتان محن الرخام ،وفوقهحا مجلس يصحعد له على درج خشحب ،وذلك محن عمارة
السحلطان بروانحه ابحن السحلطان علء الديحن الرومحي ،وكان يصحلي الجمعحة بأعلى تلك
القبة .وملك بعد ابنه غازي جلبي ،فلما مات تغلب عليها السلطان سليمان المذكور.
وكان غازي جلبي المذكور شجاعاً مقداماً ،ووهبه ال خاصية في الصبر تحت الماء
وفي قوة السباحة ،وكان يسافر في الجفان الحربية لحرب الروم ،فإذا كانت الملقاة
واشتغحل الناس بالقتال غاص تححت الماء وبيده آلة حديحد يخرق بهحا أجفان العدو ،فل
يشعرون بمحا ححل بهحم حتحى يدهمهحم الغرق .وطرقحت مرسحى بلده مرة أجفان العدو
فخرقهحا وأي محن كان فيهحا .وكانحت فيحه كفايحة ل كفاء لهحا إل أنهحم يذكرون أنحه كان
يكثر أكل الحشيش وبسببه مات .فإنه خرج يوماً للتصيد وكان مولعاً به ،فاتبع غزالة
ودخلت له بيحن الشجار ،وزاد فحي ركحض فرسحه فعارضتحه شجرة فضربحت رأسحه
فخدشته فمات .وتغلب السلطان سليمان على البلد وجعل به ابنه ابراهيم .ويقال :إنه
أيضاً كان يأكل صاحبه ،على أن أهل بلد الروم كلها ل ينكرون أكلها .ولقد مررت
يوماً على باب الجامحع بصحنوب ،وبخارجحه دكاكيحن يقعحد الماس عليهحا ،فرأيحت نفراً
مححن كبار الجناد وبيححن أيديهححم خديححم لهححم بيده شكارة مملوءة بشيححء يشبححه الحناء،
وأحدهحم يأخحذ منهحا بملعقحة ويأكحل ،وأنحا أنظحر إليحه ول أعلم بمحا فحي الشكارة .فسحألت
من كان معي فأخبرني أنه الحشيش .وأضافنا بهذه المدينة قاضيها ونائب المير بها
ومعلمحه ويعرف بابحن عبحد الرزاق.ر قحبر الوالي الصحالح الصححابي بلل الحبشحي،
وعليححه زاويححة فيهححا الطعام للوارد والصححادر .والمسححجد بمدينححة صححنوب مححن أحسححن
المساجد .وفي وسطه بركة ماء عليها قبة تثقلها أربع أرجل ،ومع كل رجل ساريتان
محن الرخام ،وفوقهحا مجلس يصحعد له على درج خشحب ،وذلك محن عمارة السحلطان
بروانحه ابحن السحلطان علء الديحن الرومحي ،وكان يصحلي الجمعحة بأعلى تلك القبحة.
وملك بعحد ابنحه غازي جلبحي ،فلمحا مات تغلب عليها السحلطان سحليمان المذكور .وكان
غازي جلبي المذكور شجاعاً مقداماً ،ووهبه ال خاصية في الصبر تحت الماء وفي
قوة السححباحة ،وكان يسححافر فححي الجفان الحربيححة لحرب الروم ،فإذا كانححت الملقاة
واشتغحل الناس بالقتال غاص تححت الماء وبيده آلة حديحد يخرق بهحا أجفان العدو ،فل
يشعرون بمحا ححل بهحم حتحى يدهمهحم الغرق .وطرقحت مرسحى بلده مرة أجفان العدو
فخرقهحا وأي محن كان فيهحا .وكانحت فيحه كفايحة ل كفاء لهحا إل أنهحم يذكرون أنحه كان
يكثر أكل الحشيش وبسببه مات .فإنه خرج يوماً للتصيد وكان مولعاً به ،فاتبع غزالة
ودخلت له بيحن الشجار ،وزاد فحي ركحض فرسحه فعارضتحه شجرة فضربحت رأسحه
فخدشته فمات .وتغلب السلطان سليمان على البلد وجعل به ابنه ابراهيم .ويقال :إنه
أيضاً كان يأكل صاحبه ،على أن أهل بلد الروم كلها ل ينكرون أكلها .ولقد مررت
يوماً على باب الجامحع بصحنوب ،وبخارجحه دكاكيحن يقعحد الماس عليهحا ،فرأيحت نفراً
مححن كبار الجناد وبيححن أيديهححم خديححم لهححم بيده شكارة مملوءة بشيححء يشبححه الحناء،
وأحدهحم يأخحذ منهحا بملعقحة ويأكحل ،وأنحا أنظحر إليحه ول أعلم بمحا فحي الشكارة .فسحألت
من كان معي فأخبرني أنه الحشيش .وأضافنا بهذه المدينة قاضيها ونائب المير بها
لمحا دخلنحا هذه المدينحة رآنحا أهلهحا ونححن نصحلي مسحبلي أيدينحا وهحم حنفيحة ل يعرفون
مذهححب مالك ول كيفيححة صححلته ،والمختار مححن مذهبححه وهححو إسححبال اليديححن .وكان
بعضهم يرى الروافض بالحجاز والعراق مسبلي أيديهم ،فاتهمونا بمذهبهم ،وسألونا
عحن ذلك فأخحبرناهم أننحا على مذهحب مالك ،فلم يقنعوا بذلك منحا واسحتقرت التهمحة فحي
نفوسحهم حتحى بعحث إلينحا نائب السحلطان بأرنحب ،وأوصحى بعحض خدامحه أن يلزمنحا
حتى يرى ما نفعل له ،فذبجناه وطبخناه وأكلناه وانصرف الخديم إليه وأعلمه بذلك.
فحينئذ زالت عنحا التهمحة ،وبعثوا لنحا بالضيافحة .والروافحض ل يأكلون الرانحب .وبعحد
أربعحة أيام محن وصحولنا إلى صحنوب توفيحت أم الميحر إبراهيحم بهحا ،فخرجححت فحي
جنازتهححا وخرج ابنهححا على قدميححه ،كاشفاً شعره ،وكذلك المراء والمماليححك وثيابهححم
مقلوبة .وأما القاضي والخطيب والفقهاء .فإنهم قلبوا ثيابهم ولم يكشفوا رؤوسهم بل
جعلوا عليهححا مناديححل مححن الصححوف السححود عوضاً عححن العمائم .وأقاموا يطعمون
الطعام أربعين يوماً وهي مدة العزاء عندهم .وكانت إقامتنا بهذه المدينة نحو أربعين
يوماً ننتظر تيسير السفر في البحر إلى مدينة القرم فاكترينا مركبًا للروم ،وأقمنا أحد
عشحر يوماً ننتظحر مسحاعدة الريحح ،ثحم ركبنحا البححر ،فلمحا توسحطناه بعحد ثلث ،هال
علينحا واشتحد بنحا المحر ورأينحا الهلك عياناً ،وكنحت بالطارمحة ومعحي رجحل محن أهحل
المغرب ،يسحمى أبحا بكحر ،فأمرتحه أن يصحعد إلى أعلى المركحب لينظحر كيحف البححر،
ففعحل ذلك وأتانحي بالطارمحة فقال لي :اسحتودعكم ال ،ودهمنحا محن الهول محا لم يعهحد
مثله ،ثم تغيرت الريح وردتنا إلى مقربة من مدينة صنوب التي خرجنا منها .وأراد
بعحض التجار النزول إلى مرسحاها .فمنعحت صحاحب المركحب محن إنزاله ثحم اسحتقامت
الريحح وسحافرنا ،فلمحا توسحطنا البححر هال علينحا ،وجرى لنحا مثحل المرة الولى .ثحم
سحاعدت الريحح ،ورأينحا جبال البر ،وقصحدنا مرسحى يسحمى الكرش ،فأردنحا دخوله،
فأشار إلينا أناس كانوا بالجبل أن ل تدخلوا ،فخفنا على أنفسنا وظننا أن هنالك أجفاناً
للعدو ،فرجعنحا محع البر ،فلمحا قربناه قلت لصحاحب المركحب ،أريحد أن أنزل هحا هنحا.
فأنزلنححي بالسححاحل .ورأيححت كنيسححة فقصححدتها ،فوجدت بهححا راهباً ،ورأيححت فححي أحححد
حيطان الكنيسحة صحورة رجحل عربحي عليحه عمامحة متقلد سحيفاً وبيده رمحح ،وبيحن يديحه
سراج يوقد ،فقلت للراهب ما هذه الصورة فقال هذه صورة النبي علي فأعجبت من
قوله .وبتنحححا تلك الليلة بالكنيسحححة وطبخنحححا دجاجًا فلم نسحححتطع أكلهحححا إذ كانحححت ممحححا
اسحححتصحبناه فحححي المركحححب ورائححححة البححححر قحححد غلبحححت على كحححل محححا كان فيحححه.
وهذا الموضحع الذي نزلنحا بحه هحو محن الصححراء المعروفحة بدشحت قفجحق " والدشحت
بالشيحن المعجحم والتاء المثناة " بلسحان الترك هحو الصححرا .وهذه الصححراء خضرة
نضرة ل شجحر بهحا ول جبحل ول تحل ول أبنيحة ول حطحب ،وإنمحا يوقدون الرواث
ويسمونها التزك ،فترى كبراءهم يلقطونها ويجعلونها في أطراف ثيابهم ،ول يسافر
فححي هذه الصحححراء إل فححي العجححل ،وهححي مسححيرة سححتة أشهححر ،ثلثححة منهحا فححي بلد
من بهذه الصحراء من الطائفة المعروفة بقفجق ،وهم على دين النصرانية .فاكترى
منهحم عجلة يجرهحا الفرس فركبناهحا ووصحلنا إلى مدينحة الكفحا "واسحمها بكاف وفاء
مفتوحيحن " ،وهحي مدينحة عظيمحة مسحتطيلة على ضفحة البححر ،يسحكنها النصحارى،
وأكثرهم الجنويون ولهم أمير يعرف بالدندير ،ونزلنا منها بمسجد المسلمين.
حكاية
ولمحا نزلنحا بهذا الجامحع أقمنحا بحه سحاعة ثحم سحمعنا أصحوات النواقيحس محن كحل ناحيحة،
ولم أكحن سحمعتها قحط فهالنحي ذلك ،وأمرت أصححابي أن يصحعدوا الصحومعة ويقرأوا
القرآن ويذكروا ال ويؤذنوا ففعلوا ذلك .فإذا برجححل قححد دخححل علينححا وعليححه الدرع
والسلح فسلم علينا واستفهمناه عن شأنه فأخبرنا أنه قاضي المسلمين هنالك وقال:
لما سمعت القراءة والذان خفت عليكم فجئت كما ترون .ثم انصرف عنا وما رأينا
إل خيراً .ولمحا كان الغحد جاء إلينحا الميحر وصحنع طعاماً فأكلنحا عنده ،وطفنحا بالمدينحة
فرأيناهحا حسحنة السحواق .وكلهحم كفار ونزلنحا إلى المرسحى ،فرأينحا مرسحىً عجيباً بحه
نححو مائتحي مركحب محا بيحن حربحي وسحفري ،صحغيراً وكحبيراً ،وهحو محن مراسحي الدنيحا
الشهيرة ،ثم اكترينا عجلة وسافرنا إلى مدينة القرم وهي "بكسر القاف وفتح الراء "
مدينحة كحبيرة حسحنة محن بلد السحلطان المعظحم محمحد أوزبحك خان ،وعليهحا أميحر محن
قبله اسحمه تلكتمور وضبحط اسحمه " بتاء مثناة مضمومحة ولم مضموم وكاف مسحكن
وتاء كالولى مضمومة وميم مضمومة وواو وراء " ،وكان أحد خدام هذا المير قد
صححبنا فحي طريقنحا فعرفحه بقدومنحا .فبعحث إلي محع إمامحه سحعد الديحن بفرس ،ونزلنحا
بزاويحة شيخهحا زاده الخراسحاني ،فأكرمنحا هذا الشيحخ ورححب بنحا وأحسحن إلينحا ،وهحو
معظحم عندهحم .ورأيحت الناس يأتون للسحلم عليحه محن قاض وخطيحب وفقيحه وسحواهم.
وأخحبرني هذا الشيحخ زاده أن بخارج هذه المدينحة راهباً محن النصحارى فحي ديحر يتعبحد
به ،ويكثر الصوم .وأنه انتهى إلى أن يواصل أربعين يوماً ثم يفطر على حبة فول.
وأنه يكاشف بالمور .ورغب مني أن أصحبه في التوجه إليه .فأبيت ثم ندمت بعد
ذلك على أن لم أكن رأيته وعرفت حقيقة أمره .ولقيت بهذه المدينة قاضيها العظم
شمس الدين السائل قاضي الحنفية ،ولقيت بها قاضي الشافعية ،وهو يسمى بخضر،
والفقيحه المدرس علء الديحن الصحي ،وخطيحب الشافعيحة أبحا بكحر ،وهحو الذي يخطحب
بالمسحجد الجامحع الذي عمره الملك الناصحر رحمحه ال بهذه المدينحة ،والشيحخ الحكيحم
الصحالح مظفحر الديحن وكان محن الروم فأسحلم وحسحن إسحلمه ،والشيحخ الصحالح العابحد
مظهر الدين وهو من الفقهاء المعظمين .وكان المير تلكتمور مريضاً ،فدخلنا عليه،
فأكرمنحا وأحسحن إلينحا .وكان علي التوجحه إلى مدينحة السحرا حضرة السحلطان محمحد
وهحم يسحمون العجلة عربحة " بعيحن مهملة وراء موحدة مفتوحات " ،وهحي عجلت
تكون للواحدة منهن أربع بكرات كبار ،ومنها ما يجره فرسان ،ومنها ما يجره أكثر
محن ذلك ،وتجرهحا أيضاً البقحر والجمال على حال العربحه فحي ثقلهحا أو خفتهحا .والذي
يخدم العربحة يركحب إحدى الفراس التحي تجرها .ويكون عليحه سحرج ،وفحي يده سحوط
يحركها للمشي ،وعود كبير يصوبها به إذا عاجت عن القصد ،ويجعل على العربة
شبه قبة من قضبان خشبة مربوط بعضها إلى بعض بسيور جلد رقيق ،وهي خفيفة
الحمححل ،وتكسحى باللبحد أو بالملف ،ويكون فيهحا طيقان مشبكحة ،ويرى الذي بداخلهحا
الناس ول يرونحه .ويتقلب فيهحا كمحا يححب وينام ويأكحل ويقرأ ويكتحب وهحو فحي حال
سيره .والتي تحمل الثقال والزواد وخزائن الطعمة من هذه العربات يكون عليها
شبحه البيحت كمحا ذكرنحا .وعليهحا قفحل .وجهزت لمحا أردت السحفر عربحة لركوبحي مغشاة
باللبحد ومعحي بهحا جاريحة لي ،وعربحة صحغيرة لرفيقحي عفيحف الديحن التوزري ،وعجلة
كبيرة لسائر الصحاب :يجرها ثلثة من الجمال ،يركب أحدها خادم العربة ،وسرنا
فحي صححبة الميحر تلكتمور وأخيحه عيسحى وولديحه قطلود مور وصحارر بحك ،وسحار
أيضاً معه في هذه الوجهة إمامه سعد الدين والخطيب أبو بكر والقاضي شمس الدين
والفقيححه شرف الديححن موسححى ،والمعرف علء الديححن .وخطححة هذا المعرف أن يكون
بيحن يدي الميحر فحي مجلسحه .فإذا أتحى القاضحي يقحف له هذا المعرف ويقول بصحوت
عال :بسم ال سيدنا ومولنا قاضي القضاة والحكام مبين الفتاوى والحكام ،بسم ال.
وإذا أتحى فقيحه معظحم أو رجحل مشار إليحه قال بسحم ال سحيدنا ومولنحا فلن الديحن بسحم
ال ،فيتهيحأ محن كان حاضرًا لدخول الداخحل ويقوم إليحه ويفسحح له فحي المجلس .وعادة
التراك أن يسححيروا فححي هذه الصحححراء .سححيراً كسححير الحجاج فححي درب الحجاز.
يرحلون بعحد صحلة الصحبح وينزلون ضححى ويرحلون بعحد الظهحر وينزلون عشياً.
وإذا حلوا الخيححل والبححل والبقححر عححن العربات ،سححرحوها للرعححي ليلً ونهاراً .ول
يعلف أحححد دابححة السححلطان ول غيره .وخاصححية هذه الصحححراء أن نباتهححا يقوم مقام
الشعيحر للدواب ،وليحس لغيرهحا محن البلد هذه الخاصحية ،ولذلك كثرت الدواب بهحا.
ودوابهم ل رعاة لها ول حراس ،وذلك لشدة أحكامهم في السرقة ،وحكمهم فيها أنه
من وجد عنده فرس مسروق كلف أن يرده إلى صاحبه ويعطيه معه تسعة مثله ،فإن
لم يقدر على ذلك أخححذ أولده فححي ذلك ،فإن لم يكححن له أولد ذبححح كمححا تذبححح الشاة.
وهؤلء التراك ل يأكلون الخبز ول الطعام الغليظ ،وإنما يصنعون طعاماً من شيء
شبححه التلي يسححمونه الدوقححي " بدال مهمححل مضموم وواو وقاف مكسححور معقود "،
يجعلون على النار الماء فإذا غلى صبوا عليه شيئاً من الدوقي ،وإن كان عندهم لحم
قطعوه قطعاً صحغاراً وطبخوه .ثحم يجعحل لكحل رجحل نصحيبه فحي صححفة ،ويصحبون
عليه اللبن الرائب ويشربونه ،ويشربون عليه لبن الخل ،وهم يسمونه القمز " بكسر
القاف والميحم والزاي المشددة " وهحم أهحل قوة وشدة وحسحن مزاج .ويسحتعملون فحي
بعحض الوقات طعاماً يسحمونه البورخانحي ،وهحو عجيحن يقطعونحه قطعيات صحغاراً،
ويثقبون أوسححاطها ويجعلونهححا فححي قدرة ،فإذا طبخححت صححبوا عليهححا اللبححن الرائب
وشربوهحا .ولهحم نحبيذ يصحنعونه محن ححب الدوقحي الذي تقدم ذكره .وهحم يرون أكحل
الحلواء عيباً.
ولقد حضرت يوماً عند السلطان أوزبك في رمضان ،فأحضرت لحوم الخيل وهي
أكثر ما يأكلون من اللحم ولحوم الغنام والرشتا وهو شبة الطرية ،يطبخ ويشرب
باللبن ،وأتيته تلك الليلة بطبق حلواء صنعها بعض أصحابي فقدمتها بين يديه فجعل
إصحبعه عليها وجعله على فيه ،ولم يزد على ذلك ،وأخحبرني الميحر تلكتمور أن أححد
الكبار من مماليك هذا السلطان وله من أولده ،وأولد أولده نحو أربعين ولداً ،قال
له السحلطان يوماً :كحل الحلواء وأعتقكحم جميعاً ،فأبحى وقال :لو قتلتنحي محا أكلتهحا .ولمحا
خرجنحا محن مدينحة القرم نزلنحا بزاويحة الميحر تلكتمور ،فحي موضحع يعرف بسحجاف
فبعحث إلي أن أحضحر عنده .فركبحت إليحه .وكان لي فرس معحد لركوبحي يقوده خديحم
العربة ،فإذا أردت ركوبه ركبته وأتيت الزاوية ،فوجدت المير قد وضع بها طعاماً
كثيراً فيحه الخبحز ،ثحم أتوا بماء أبيحض فحي صححاف صحغار فشرب القوم منحه .وكان
الشيخ مظفر الدين يلي المير في مجلسه ،وأنا أليه فقلت له :ما هذا ? فقال هذا ماء
الدهحن .فلم أفهحم محا قال .فذقتحه فوجدت له حموضحة فتركتحه .فلمحا خرجحت سحألت عنحه
فقال هحو نحبيذ يصحنعونه محن ححب الدوقحي وهحم حنفيحة المذهحب ،والنحبيذ عندهحم حلل
ويسححمون هذا النححبيذ المصححنوع مححن الدوقححي البوزة " بضححم الباء الموحدة وواو مححد
وزاي مفتوح " .وإنمححا قال لي الشيححخ مظفححر الديححن :ماء الدخححن ولسححانه فيححه اللكنححة
العجميحة فظننحت أنحه يقول ماء الدهحن .وبعحد مسحيرة ثمانيحة عشحر منزلً محن مدينحة
القرم ،وصلنا إلى ماء كثير نخوضه يوماً كاملً ،وإذا كثر خوض الدواب والعربات
في هذا الماء اشتد وحله ،وزاد صعوبة .فذهب المير إلى راحلتي وقدمني أمامه مع
بعحض خدامحه ،وكتحب لي كتاباً إلى الميحر أزاق يعلمحه أنحي أريحد القدوم على الملك،
ويحضحه على إكرامحي .وسحرنا حتحى انتهينحا إلى ماء آخحر نخوضحه نصحف يوم .ثحم
سرنا بعده ثلثاً ووصلنا إلى مدينة أزاق " وضبط اسمها بفتح الهمزة والزاي وآخره
قاف " ،وهحححي على سحححاحل البححححر حسحححنة العمارة ،يقصحححدها الجنويون وغيرهحححم
بالتجارات .وبها من الفتيان أخي بجقجي ،وهو من العظماء ،يطعم الوارد والصادر.
ولمحا وصحل كتاب القاضحي تلكتمور إلى أميحر أزاق وهحو محمحد خواجحة الخوارزمحي،
خرج إلى اسحتقبالي ،معحه القاضحي والطلبحة ،وأخرج الطعام ،فلمحا سحلمنا عليحه .نزلنحا
بموضحع أكلنحا فيحه ،ووصحلنا إلى المدينحة ونزلنحا بخارجهحا بمقربحة محن رابطحة هنالك،
تنسب للخضر والياس عليهما السلم .وخرج شيخ من أهل أزاق يسمى برجب النهر
ملكحي نسحبة إلى قريحة بالعراق ،فأضافنحا بزاويحة له ضيافحة حسحنة .وبعحد يوميحن محن
قدومنححا قدم الميححر تلكتمور ،وخرج الميححر محمححد للقائه ،ومعححه القاضححي والطلبححة
وأعدوا له الضيافة ،وضربوا ثلث قباب متصلً بعضها ببعض ،إحداها من الحرير
الملون عجيبة والثنتان من الكتان .وأداروا عليها سراجة وهي المسماة عندنا أفراج،
وخارجهحا الدهليحز وهحو على هيئة البرج عندنحا .ولمحا نزل الميحر بسحطت بيحن يديحه
شقاق الحريحر يمشحي عليهحا ،فكان محن مكارمحه وفضله أن قدمنحي أمامحه ليرى ذلك
الميححر منزلتححي عنده ،ثححم وصححلنا إلى الخباء الولى ،وهححي المعححد لجلوسححه ،وفححي
صحدرها كرسحي محن الخشحب لجلوسحه كحبير ،مرصحع ،وعليحه مرتبحة حسحنة ،فقدمنحي
الميحر أمامحه ،وقدم الشيحخ مظفحر الديحن ،وصحعد هحو فجلس فيمحا بيننحا ،ونححن جميعاً
على المرتبححة ،وجلس قاضيححه وخطيبححه وقاضححي هذه المدينححة وطلبتهححا عححن يسححار
الكرسحححي على فرش فاخرة ،ووقحححف ولدا الميحححر تلكتمور وأخوه والميحححر محمحححد
وأولده فحي الخدمحة ،ثحم أتوا بالطعمحة محن لحوم الخيحل وسحواها ،وأتوا بألبان الخيحل،
ثحم أتوا بالبوزة ،وبعحد الفراغ محن الطعام قرأ القراء بالصحوات الحسحان .ثحم نصحب
منحبر وصحعده الواعحظ وجلس القراء بيحن يديحه وخطحب خطبحة بليغحة ودعحا للسحلطان
وللميحر وللحاضريحن ،يقول ذلك بالعربحي ،ثحم يفسحره لهحم بالتركحي وفحي أثناء ذلك
يكرر القراء آيات محن القرآن بترجيحع عجيحب ،ثحم أخذوا فحي الغناء يغنون بالعربحي
ويسححمونه القول ثححم بالفارسححي والتركححي ،يسححمونه الملمححع ،ثححم أتوا بطعام آخححر ،ولم
يزالوا على ذلك إلى العشحي .وكلمحا أردت الخروج منعنحي الميحر ثحم جاءوا بكسحوة
للمير وكساوى لولديه وأخيه وللشيخ مظفر الدين ولي ،وأتوا بعشرة أفراس للمير
ولخيحه ولولديحه بسحتة أفراس .ولكحل كحبير محن أصححابه بفرس ولي بفرس .والخيحل
بهذه البلد كثيرة جداً ،وثمنهحا نزر ،قيمحة الجيحد منهحا خمسحون درهماً أو سحتون محن
دراهمهحم .وذلك صحرف دينار محن دنانيرنحا أو نحوه .وهذه الخيحل هحي التحي تعرف
بمصحر بالكاديحش ومنهحا معاشهحم .وهحي ببلدهحم كالغنحم ببلدنحا بحل أكثحر ،فيكون
للتركحي منهحم آلف منهحا .ومحن عادة الترك المسحتوطنين تلك البلد أصححاب الخيحل
أنهححم يضعون فححي العربات التححي تركححب فيهححا نسححاؤهم قطعححة لبححد فححي طول الشححبر،
مربوطحة إلى عود رقيحق فحي طول الذراع ،فحي ركحن العربحة ،يجعحل لكحل ألف فرس
قطعحة .ورأيحت منهحم محن يكون له عشحر قطحع ومحن له دون ذلك .وتحمحل هذه الخيحل
إلى بلد الهنحد ،فيكون فحي الرفقحة منهحا سحتة آلف ومحا فوقهحا ومحا دونهحا ،لكحل تاجحر
المائة والمائتان فمحا دون ذلك ومحا فوقحه ،ويسحتأجر التاجحر لكحل خمسحين منهحا راعياً
يقوم عليها ويرعاها كالغنم ويسمى عندهم القشي ،ويركب أحدها وبيده عصا طويلة
فيها حبل ،فإذا أراد أن يقبض على فرس منها حاذاه بالفرس الذي هو راكبه ورمى
الحبحل فحي عنقحه وجذبحه ،فيركبحه ويترك الخحر للرعحي .وإذا وصحلوا بهحا إلى أرض
السحند أطعموهحا العلف لن نبات أرض السحند ل يقوم مقام الشعيحر ،ويموت لهحم منهحا
الكثيححر ويسححرق ،ويغرمون عليهححا بأرض السححند سححبعة دنانيححر فضححة على الفرس
بموضححع يقال ششقنار ،ويغرمون عليهححا بملتان قاعدة بلد السححند وكانوا فيمححا تقدم
يغرمون ربحع محا يجلبونحه ،فرفحع ملك الهنحد إلى السحلطان محمحد ذلك ،وأمحر أن يؤخحذ
من تجار المسلمين الزكاة ،ومن تجار الكفار العشر ومع ذلك يبقى للتجار فيها فضل
كحبير ،لنهحم يحبيعون الرخيحص منهحا ببلد الهنحد بمائة دينار دراهحم ،وصحرفها محن
الذهححب المغربححي خمسححة وعشرون ديناراً ،وربمححا باعوهححا بضعححف ذلك وضعفححه
وضعفيححه والجياد منهححا تسححاوي خمسححمائة دينار .وأكثححر مححن ذلك وأهححل الهنححد ل
يبتاعونهحا للجري والسحبق لنهحم يلبسحون فحي الحرب الدروع ويدرعون الخيحل وإنمحا
يبتغون قوة الخيل واتساع خطاها والخيل التي يبتغونها للسبق تجلب إليهم من اليمن
وعمان وفارس ويباع الفرس منهححا بألف دينار إلى أربعححة آلف ولمححا سححافر الميححر
تلكتمور عحن هذه المدينحة أقمحت بعده ثلثحة أيام حتحى جهحز لي الميحر محمحد خواجحه
آلت سحححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححفري.
وسحافرت إلى مدينحة الماجحر ،وهحي " بفتحح الميحم والف وجيحم مفتوح معقود وراء "
مدينة كبرى من أحسن مدن الترك ،على نهر كبير ،وبها البساتين والفواكه الكثيرة،
نزلنحا منهحا بزاويحة الشيحخ الصحالح العابحد المعمحر محمحد البطائححي محن بطائح العراق،
وكان خليفة الشيخ أحمد الرفاعي رضي ال عنه ،وفي زاويته نحو سبعين من فقراء
العرب والفرس والترك والروم ،منهححححم المتزوج والعزب ،وعيشهححححم مححححن الفتوح.
ولهحل تلك البلد اعتقاد حسحن فحي الفقراء ،وفحي كحل ليلة يأتون إلى الزاويحة بالخيحل
والبقححر والغنححم ،ويأتححي السححلطان والخواتيححن لزيارة الشيححخ والتححبرك بححه ،ويجزلون
ويتحريحن أفعال الخيحر .وصحلينا بمدينحة الماجحر صحلة الجمعحة ،فلمحا قضيحت الصحلة
صحعد الواعحظ عحز الديحن المنحبر ،وهحو محن فقهاء بخارى وفضلئهحا ،وله جماعحة محن
الطلبة والقراء يقرأون بين يديه ،ووعظ وذكر ،وأمير المدينة حاضر وكبراؤها فقام
الشيحخ محمحد البطائححي فقال :إن الفقيحه الواعحظ يريحد السحفر ونريحد له زوادة ثحم خلع
فرجيحة مرعحز كانحت عليحه وقال :هذه منحي إليحه فكان الحاضرون بيحن محن خلع ثوبحه
ومن أعطي فرساً ومن أعطى دراهم واجتمع له كثير من ذلك كله ،ورأيت بقيسارية
هذه المدينحة يهودياً سحلم علي وكلمنحي بالعربحي ،فسحألته عحن بلده ،فذكحر أنحه محن بلد
الندلس ،وأنححه قدم منهححا فححي البر ولم يسححلك بحراً ،وأتححى على طريححق القسححطنطينية
العظمحى وبلد الروم وبلد الجرجحس ،وذكحر أن عهده بالندلس منحذ أربعحة أشهحر،
وأخبرني التجار المسافرون الذين لهم المعرفة بذلك بصحة مقاله ورأيت بهذه البلد
عجباً من تعظيم النساء عندهم وهن أعلى شأناً من الرجال .فأما نساء المراء فكانت
أول رؤيتحي لهحن عنحد خروجحي محن القرم رؤيحة الخاتون زوجحة الميحر سحلطية فحي
عربحة لهحا ،وكلهحا مجللة بالملف الزرق الطيحب ،وطيقان البيحت مفتوححة ،وأبوابحه،
وبيحن يديهحا أربحع جوارٍ ،فاتنات الحسحن بديعات اللباس ،وخلفهحا جملة محن العربات
فيها جوار يتبعنها ولما قربت من منزل المير نزلت عن العربة إلى الرض ،ونزل
معهحا نححو ثلثيحن محن الجواري يرفعحن أذيالهحا ،ولثوابهحا عرًى تأخحذ كحل جاريحة
بعروة ،وويرفعحن الذيال عحن الرض محن كحل جانحب ،ومشحت كذلك متبخترة فلمحا
وصحلت إلى الميحر قام إليهحا وسحلم عليهحا وأجلسحها إلى جانبحه ،ودار بهحا جواريهحا
وجاءوا بروايححا القمححز ،فصححبت منححه فححي قدح وجلسححت على ركبتيهححا قدام الميححر،
وناولتححه القدح فشرب ،ثححم سححقت أخاه وسححقاها الميححر ،وحضححر الطعام فأكلت معححه
وأعطاهحا كسحوة وانصحرفت .وعلى هذا الترتيحب نسحاء المراء ،وسحنذكر نسحاء الملك
فيمحا بعحد .وأمحا نسحاء الباعحة والسحوقة فرأيتهحن ،وإحداهحن تكون فحي العربحة والخيحل
تجرهححا ،وبيححن يديهححا الثلث والربححع مححن الجواري ،يرفعححن أذيالهححا .وعلى رأسححها
البغطاق ،وهو أقروف مرصع بالجوهر ،وفي أعله ريش الطواويس وتكون طيقان
البيحت مفتححة ،وهحي باديحة الوجحه ،لن نسحاء التراك ل يحتجبحن وتأتحي إحداهحن على
هذا الترتيحب ومعهحا عبيدهحا بالغنحم واللبحن فتحبيعه محن الناس بالسحلع العطريحة ،وربمحا
كان محع المرأة منهحن زوجهحا فيظنحه محن يراهحا بعحض خدامهحا ،ول يكون عليحه محن
الثياب إل فروة من جلد الغنم ،وفي رأسه قلنسوة تناسب ذلك يسمونها الكل وتجهزنا
من مدينة الماجر نقصد معسكر السلطان ،وكان على أربعة أيام من الماجر بموضع
يقال له بحش دغ ومعنحى بحش عندهحم خمسحة وهحو" بكسحر الباء وشيحن معجحم " ومعنحى
دغ الجبل ،وهو " بفتح الدال المهمل وغين معجم " وبهذه الجبال الخمسة عين ماء
حار يغتسحل منهحا التراك ،ويزعمون أنحه محن اغتسحل منهحا لم تصحبه عاهحة مرض،
وارتحلنا إلى موضع المحلة فوصلناه أول يوم من رمضان ،فوجدنحا المحلة قحد خلت
فعدنححا إلى الموضححع الذي رحلنححا منححه ،لن المحلة تنزل بالقرب منححه فضربحت بيتححي
على تلة هنالك ،وركزت العلم أمام البيححححت ،وجعلت الخيححححل والعربات وراء ذلك،
وأقبلت المحلة ،وهحم يسحمونها الرد بضحم الهمزة ،فرأينحا مدينحة عظيمحة تسحير بأهلهحا
فيهحا المسحاجد والسحواق ،ودخان المطبحخ صحاعد فحي الهواء وهحم يطبخون فحي حال
رحيلهم ،والعربات تجرها الخيل بهم ،فإذا بلغوا المنزل أنزلوا البيوت عن العربات،
وجعلوها على الرض ،وهي خفيفة المحمل ،وكذلك يصنعون بالمساجد والحوانيت.
واجتاز بنا خواتين السلطان ،كل واحدة بناسها على حدة ولما اجتازت الرابعة منهن
وهحي بنحت الميحر عيسحى بحك وسحنذكرها ،رأت البيحت بأعلى التحل والعلم أمامحه ،وهحو
علمححة الوارد فبعثححت الفتيان والجواري فسححلموا علي ،وبلغوا سححلمها إلي ،وهححي
واقفحة تنتظرهحم فبعثحت إليهحا هديحة محع بعحض أصححابي ،ومحع معرف الميحر تلكتمور
فقبلتهحا تحبركاً وأمرت أن أنزل فحي جوارهحا وانصحرفت ،وأقبحل السحلطان فنزل فحي
محلته على حدة.سنذكرها ،رأت البيت بأعلى التل والعلم أمامه ،وهو علمة الوارد
فبعثححت الفتيان والجواري فسححلموا علي ،وبلغوا سححلمها إلي ،وهححي واقفححة تنتظرهححم
فبعثحت إليهحا هديحة محع بعحض أصححابي ،ومحع معرف الميحر تلكتمور فقبلتهحا تحبركاً
وأمرت أن أنزل في جوارها وانصرفت ،وأقبل السلطان فنزل في محلته على حدة.
ذكر السلطان المعظم محمد أوزبك خان
واسححمه محمححد أوزبححك " بضححم الهمححز وواو وزاي مسححكن وباء موحدة مفتوحححة ".
ومعنحى خان عندهحم السحلطان .وهذا السحلطان عظيحم المملكحة شديحد القوة كحبير الشأن
رفيع المكان .قاهر لعداء ال أهل قسطنطينية العظمى ،مجتهد في جهادهم ،وبلده
متسححعة ومدنححه عظيمححة منهححا التكفار والقرم والماجححر وأزاق وسححرداق " سححوداق "
وخوارزم وحضرته السرا وهو أحد الملوك السبعة الذين هم كبراء الدنيا وعظماؤها
وهحم مولنحا أميحر المؤمنيحن ظحل ال فحي أرضحه ،إمام الطائفحة المنصحورة الذيحن ل
يزالون ظاهريحن على الححق إلى قيام السحاعة ،أيحد ال أمره وأعحز نصحره ،وسحلطان
مصر والشام ،وسلطان العراق ،والسلطان أوزبك هذا ،وسلطان بلد تركستان وما
وراء النهحر ،وسحلطان الهنحد ،وسحلطان الصحين .ويكون هذا السحلطان إذا سحافر فحي
محلة على حدة ،معحه مماليكحه وأرباب دولتحه ،وتكون كحل خاتون محن خواتينحه على
حدة فححي محلتهححا ،وإذا أراد أن يكون عنده واحدة منهححن ،بعححث إليهححا يعلمهححا بذلك،
فتتهيحأ له .وله فحي مححل قعوده وسحفره وأموره ترتيحب عجيحب بديحع .ومحن عادتحه أن
يجلس يوم الجمعحة بعحد الصحلة فحي قبحة تسحمى قبحة الذهحب مزينحة بديعحة ،وهحي محن
قضبان خشحب مكسحوة بصحفائح الذهحب ،وسحطها يسحرير محن خشحب ،مكسحوة بصحفائح
السحلطان على السحرير ،وعلى يمينحه الخاتون طيطغلي ،وتليهحا الخاتون كبحك ،وعلى
يساره الخاتون بيلون ،وتليها الخاتون أردوجا ،ويقف أسفل السرير على اليمين ولد
السحلطان تيحن بحك ،وعحن الشمال ولده الثانحي جان بحك وتجلس بيحن يديحه ابنتحه إيحت
كجحك .وإذا أتحت إحداهحن ،قام لهحا السحلطان ،وأخحذ بيدهحا حتحى تصحعد على السحرير،
وأمححا طيطغلي ،وهححي الملكححة وأحظاهححن عنده ،فإنححه يسححتقبلها إلى باب القبححة ،فيسححلم
عليهحا ويأخحذ بيدهحا فإذا صحعدت على السحرير وجلسحت ،حينئذ يجلس السحلطان وهذا
ويأتي بعد ذلك كبار المراء ،فتنصب لهم كراسيهم عن اليمين والشمال وكل إنسان
منهحم إذا اتحى مجلس السحلطان ،يأتحي معحه غلم بكرسحيه ،ويقحف بيحن يدي السحلطان
أبناء الملوك محن بنحي عمحه وإخوتحه وأقاربحه ،ويقحف مقابلتهحم عنحد باب القبحة أولد
المراء الكبار ،ويقحف خلفهحم وجوه العسحاكر عحن يميحن وعحن شمال ،ثحم يدخحل الناس
للسحلم بالمثحل فالمثحل ثلثحة ثلثحة ،فيسحلمون وينصحرفون ،فيجلسحون على بعحد ،فإذا
كان بعد صلة العصر انصرفت الملكة من الخواتين ،ثم ينصرف سائرهن ،فيتبعها
إلى محلتها فإذا دخلت اليها انصرفت كل واحدة إلى محلتها راكبة عربتها ،ومع كل
واحدة نحححو خمسححين جاريحة ،راكبات على الخيحل وأمام العربات نحححو عشريحن محن
قواعحد النسحاء ،راكبات على الخيحل ،فيمحا بيحن الفتيان والعربحة ،وخلف الجميحع نححو
مائة مملوك من الصبيان ،وأمام الفتيان نحو مائة من المماليك الكبار ،ركباناً ومثلهم
مشاة ،بأيديهحححم القضبان ،والسحححيوف مشدودة على أوسحححاطهم وهحححم بيحححن الفرسحححان
والفتيان ،وهكذا ترتيحب كحل خاتون منهحن فحي انصحرافها ومجيئهحا .وكان نزولي محن
المحلة فحي جوار ولد السحلطان جان بحك ،الذي يقحع ذكره فيمحا بعحد وفحي الغحد محن يوم
وصولي دخلت إلى السلطان بعد صلة العصر ،وقد جمع المشايخ والقضاة والفقهاء
والشرفاء والفقراء ،وقد صنع طعاماً كثيراً ،وأفطرنا بمحضره وتكلم السيد الشريف
نقيحب الشرفاء ابحن عبحد الحميحد ،والقاضحي حمزة فحي شأنحي بالخيحر ،وأشاروا على
السلطان بإكرامي ،وهؤلء التراك ل يعرفون إنزال الوارد ول إجراء النفقة ،وإنما
يبعثون له الغنحم والخيحل للذبحح وروايحا القمحز ،وتلك كرامتهحم وبعحد هذا بأيام صحليت
صلة العصر مع السلطان ،فلما أردت النصراف أمرني بالقعود ،وجاءوا بالطعام،
من المشروبات كما يصنع من الدوقي ،ثم باللحوم المسلوقة من الغنم والخيل .وفي
تلك الليلة أتيت السلطان بطبق حلواء ،فجعل إصبعه عليه وجعله على فيه ،ولم يزد
على ذلك.
وكحل خاتون منهحن تركحب فحي عربحة للبيحت ،وللبيحت الذي تكون فيحه قبحة محن الفضحة
المموهحة بالذهحب أو محن الخشحب المرصحع وتكون الخيحل التحي تجحر عربتهحا مجللة
بأثواب الحريحر المذهحب ،وخديحم العربحة الذي يركحب أححد الخيحل فتحى يدعحي القشحي،
والخاتون قاعدة فحي عربتهحا ،وعحن يمينهحا امرأة محن القواعحد تسحمى أولو خاتون "
بضححم الهمزة واللم " ومعنححى ذلك الوزيرة وعححن شمالهححا امرأة مححن القواعححد أيضاً
تسحمى كجحك خاتون " بضحم الكاف والجيحم " ومعنحى ذلك الحاجبحة ،وبيحن يديهحا سحت
محححن الجواري الصحححغار ،يقال لهحححن البنات ،فائقات الجمال متناهيات الكمال ،ومحححن
ورائهححا اثنتان منهححن ،تسححتند إليهححن ،وعلى رأس الخاتون البغطاق ،وهححو مثححل التاج
الصحغير مكلل بالجواهحر ،ولعلهحا ريحش الطواويحس ،وعليهحا ثياب حريحر مرصحعة
بالجواهحححر شبحححه المنوت " الملوطحححة " التحححي يلبسحححها الروم وعلى رأس الوزيرة
والحاجبة مقنعة حرير مزركشة الحواشي بالذهب والجوهر ،وعلى رأس كل واحدة
محن البنات الكل ،وهحو شبحه القروف ،وفحي أعلهحا دائرة ذهحب مرصحعة بالجوهحر،
وريحش الطواويحس محن فوقهحا وعلى كحل واحدة ثوب محن الحريحر مذهحب يسحمى النحخ
ويكون بين يدي الخاتون عشرة أو خمسة عشر من الفتيان الروميين والهنديين ،وقد
لبسوا ثياب الحرير المذهب ،المرصعة بالجواهر ،وبيد كل واحد منهم عمود ذهب
أو فضة ،أو يكون من عود ملبس بهما وخلف عربة الخاتون نحو مائة عربة في كل
عربححة الثلث و الربححع مححن الجواري الكبار والصححغار ،وثيابهححن الحريححر ،وعلى
رؤوسححهن الكل وخلف هذه العربات نحححو ثلثمائة عربححة تجرهححا الجمال والبقححر،
وتحمل خزائن الخاتون وأموالها وثيابها وأثاثها وطعامها ومع كل عربة غلم موكل
بهحا متزوج بجاريحة محن الجواري التحي ذكرناهحا فإن العادة عندهحن أن ل يدخحل بيحن
الجواري محححن الغلمان إل محححن كان له بينهحححن زوجحححة وكحححل خاتون فهحححي على هذا
ذكر الخاتون الكبرى والخاتون الكبرى هي الملكة أو ولدي السلطان جان بك وتين
بحك ،وسحنذكرهما وليسحت أم ابنتحه إيحت كجحك وأمهحا كانحت الملكحة قبحل هذه واسحم هذه
الخاتون طيطغلي " بفتححح الطاء المهملة الولى واسححكان الياء آخححر الحروف وضححم
الطاء الثانيحة وسحكان الغيحن المعجمحة وكسحر اللم وياء محد " ،وهحي أحظحى نسحاء هذا
السلطان عنده وعندها يبيت أكثر لياليه ويعظمها الناس بسبب تعظيمه لها ،وإل فهي
أبخحل الخواتيحن ،وحدثنحي محن أعتمده محن العارفيحن بأخبار هذه الملكحة ،أن السحلطان
يحبهحا للخاصحية التحي فيهحا ،وهحي أنحه يجدهحا كحل ليلة كأنهحا بكحر .وذكحر لي غيره أنهحا
من سللة المرأة التي يذكر ان الملك زال عن سليمان عليه السلم بسببها ولما عاد
إليحه ملكحه أمحر أن توضحع بصححراء ل عمارة فيهحا فوضعحت بصححراء قفجحق .وان
رحم هذه الخاتون شبه الحلقة خلقة وكذلك كل من هو من نسل المرأة المذكورة .ولم
أر بصححراء قفجحق ول غيرهحا محن أخحبر أنحه رأى امرأة على هذه الصحورة ول سحمع
بهحا إل هذه الخاتون اللهحم إل أن بعحض أهحل الصحين أخحبرني أن بالصحين صحنفاً محن
نسححائها على هذه الصححورة ول يقححع بيدي ذلك ،ول عرفححت له حقيقحححة ،وفحححي غححد
اجتماعحي بالسحلطان دخلت إلى هذه الخاتون ،وهحي قاعدة فيمحا بيحن عشحر محن النسحاء
القواعد كأنهن خديمات لها ،وبين يديها نحو خمسين جارية صغاراً يسمون البنات،
وبيحن أيديهحن طيافيحر الذهحب والفضحة مملوءة بححب الملوك وهحن ينقينحه ،وبيحن يدي
الخاتون صححينية ذهححب مملوءة منححه ،وهححي تنقيححه ،فسححلمنا عليهححا .وكان فححي جملة
أصحححابي قارئ يقرأ القرآن على طبقححة المصحريين بطريقحة حسححنة وصحوت طيحب،
فقرأ ،ثم أمرت أن يؤتى بالقمز ،فأتي به في أقداح خشب لطاف خفاف فأخذت القدح
بيدها وناولتني إياه وتلك نهاية الكرامة عندهم ،ولم أكن شربت القمز ،قبلها ولكن لم
يمكنحي ال قبوله وذقتحه ول خيحر فيحه ،ودفعتحه لححد أصححابي وسحألتني عحن كثيحر محن
حال سفرنا ،فأجبناها ثم انصرفنا عنها وكان ابتداؤنا بها لجل عظمتها عند الملك.
ذكحر الخاتون التحي تلي الملكحة واسحمها كبحك خاتون " بفتحح الكاف الولى وكسحر الباء
الموحدة " ومعناهحا بالتركيحة النخالة وهحي بنحت الميحر نغطحي " واسحمه بنون وغيحن
معجمحة وطاء مهملة مفتوحات وياء مسحكنة " ،وأبوهحا ححي مبتلى بعلة النقرس ،وقحد
رأيته في غد دخولنا على الملكة .دخلنا على هذه الخاتون فوجدناها على مرتبة تقرأ
في المصحف الكريم ،وبين يديها نحو عشر من النساء القواعد ،ونحو عشرين من
البنات يطرزن ثياباً ،فسحححلمنا عليهحححا ،وأحسحححنت فحححي السحححلم والكلم وقرأ قارئنحححا
فاسحتحسنته ،وأمرت بالقمحز فأحضحر وناولتنحي القدح بيدهحا كمثحل محا فعلتحه الملكحة
وانصححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححرفنا عنهححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححا.
ذكر الخاتون الثالثة واسمها بيلون " بياء موحدة وآخر الحروف كلهما مفتوح ولم
مضموم وواو مححد ونون " وهححي بنححت ملك القسححطنطينية العظمححى السححلطان تكفور
ودخلنا على هذه الخاتون ،وهي قاعدة على سرير مرصع ،قوائمه فضة وبين يديها
نحو مائة جارية روميات وتركيات ونوبيات ،منهن قائمات وقاعدات ،والفتيان على
رأسححها ،والحجاب بيححن يديهححا مححن رجال الروم فسححألت عححن حالنححا ومقدمنححا وبعححد
أوطاننحا ،وبكحت ومسححت وجههحا بمنديحل كان بيحن يديهحا ،رقحة منهحا وشفقحة وأمرت
بالطعام فأحضر وأكلنا بين يديها ،وهي تنظر إلينا .ولما أردنا النصراف قالت :ل
تنقطعوا عنا ،وترددوا إلينا وطالبونا بحوائجكم وأظهرت مكارم الخلق وبعثت في
أثرنحا بطعام وخبحز كثيحر وسحمن وغنحم ودراهحم وكسحوة جيدة وثلثحة محن جياد الخيحل
وعشرة محن سحائرها ومحع هذه الخاتون كان سحفري إلى القسحطنطينية العظمحى ،كمحا
نذكره بعححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححد.
ذكححر الخاتون الرابعححة واسححمها أردجححا " بضححم الهمزة واسححكان الراء وضححم الدال
المهمل وجيم وألف " وأردو بلسانهم المحلة وسميت بذلك لولدتها في المحلة ،وهي
بنححت الميححر الكححبير عيسححى بححك أميححر اللوس " بضححم الهمححز واللم " ومعناه أميححر
المراء وأدركتححه حياً ،وهححو متزوج ببنححت السححلطان إيححت كجححك وهذه الخاتون مححن
أفضحل الخواتيحن وألطفهحن شمائل وأشفقهحن وهحي التحي بعثحت إلي لمحا رأت بيتحي على
التححل عنححد جواز المحلة كمححا قدمناه ،ودخلنححا عليهححا ،فرأينححا مححن حسححن خلقهححا وكرم
نفسحها ،محا ل مزيحد عليحه ،وأمرت بالطعام فأكلنحا بيحن يديهحا ،ودعحت بالقمحز فشرب
أصححابنا وسحألت عحن حالنحا فأجبناهحا ودخلنحا أيضاً الى أختهحا زوجحة الميحر علي بحن
أرزق.
واسححمها إيححت كجححك وإيححت " بكسححر الهمزة وياء مححد وتاء مثناة وكجححك بضححم الكاف
وضم الجيم " ومعنى اسمها الكلب الصغير ،فإن إيت هو الكلب وكجك هو الصغير،
ةقد قدمنا ان الترك يسمون بالفأل ،كما تفعل العرب ،وتوجهنا إلى هذه الخاتون بنت
الملك ،وهي في محلة منفردة على نحو ستة أميال من محلة والدها فأمرت بإحضار
الفقهاء والقضاة والسححيد الشريححف ابححن عبححد الحميححد وجماعححة مححن الطلبححة والمشايححخ
والفقهاء وحضحر زوجهحا الميحر عيسحى الذي بنتحه زوجحة السحلطان فقعحد معهحا على
فراش واحححد وهححو معتححل بالنقرس ،فل يسححتطيع التصححرف على قدميححه ،ول ركوب
الفرس ،وإنمحا يركحب العربحة ،وإذا أراد الدخول على السحلطان أنزله خدامحه وأدخلوه
إلى المجلس محمولً ،وعلى هذه الصححورة رأيححت أيضاً الميححر نغطححي ،وهححو أبححو
الخاتون الثانيححة وهذه العلة فاشيححة فححي هؤلء التراك ورأينححا مححن هذه الخاتون بنححت
السححلطان مححن المكارم وحسححن الخلق مححا لم نره مححن سححواها وأجزلت الحسححان
وهمحا شقيقان ،وأمهمحا جميعاً الملكحة طيطغلي التحي قدمنحا ذكرهحا ،والكحبر منهمحا
اسححمه تيححن بححك " بتاء معلوة مكسححورة وياء مححد ونون مفتوح " ،وبححك معناه الميححر،
وتين معناه الجسد .فكأن اسمه أمير الجسد ،واسم أخيه جان بك " بفتح الجيم وكسر
النون " ،ومعنحى جان الروح ،فكأنحه يسحمى أميحر الروح ،وكحل واححد منهمحا له محلة
على حدة ،وكان تين بك من أجمل خلق ال صورة .وعهد له أبوه بالملك .وكانت له
الحظوة والتشريحف عنده ،ولم يرد ال ذلك ،فإنحه لمحا مات أبوه ولي يسحيراً ،ثحم قتحل
لمور قبيححة جرت له .وولي أخوه جان بحك ،وهحو خيحر منحه وأفضحل .وكان السحيد
الشريحف ابحن عبحد الحميحد هحو الذي تولى تربيحة جان بحك .وأشار علي هحو والقاضحي
حمزة والمام بدر الدين القوامي والمام المقري حسام الدين البخاري وسواهم حين
وكنت سمعت بمدينة بلغار فأردت التوجه إليها لرى ما ذكر عنها من انتهاء قصر
الليححل بهححا وقصححر النهار أيضاً ،فححي عكححس ذلك الفصححل .وكان بينهححا وبيححن محلة
السلطان مسيرة عشر .فطلبت منه من يوصلني إليها فبعث معي من أوصلني اليها
وردني إليه .ووصلتها في رمضان ،فلما صلينا المغرب ،أفطرنا .وأذن بالعشاء في
أثناء إفطارنحا ،فصحليناها وصحلينا التراويحح والشفحع والوتحر .وطلع الفجحر إثحر ذلك.
وكذلك يقصر النهار بها في فصل قصره أيضاً .وأقمت بها ثلثاً.
وكنحت أردت الدخول إلى أرض الظلمحة ،والدخول إليهحا محن بلغار ،وبينهمحا أربعون
يوماً .ثم أضربت عن ذلك لعظم المؤونة فيه وقلة الجدوى .والسفر إليها ل يكون إل
فحي عجلت صحغار تجرهحا كلب كبار .فإن تلك المفازة فيهحا الجليحد ،فل يثبحت قدم
الدمحي ول حافحر الدابحة فيهحا .والكلب لهحا الظفار ،فتثبحت أقدامهحا فحي الجليحد .ول
يدخلهححا إل القوياء مححن التجار الذيححن يكون لحدهححم مائة عجلة أو نحوهححا ،موقرة
بطعامححه وشرابححه وحطبححه .فإنهححا ل شجححر فيهححا ول حجححر ول مدر .والدليححل بتلك
الرض هححو الكلب الذي قححد سححار فيهححا مراراً كثيرة ،وتنتهححي قيمتححه إلى ألف دينار
ونحوها ،وتربط العربة إلى عنقه ،ويقرن معه ثلثة من الكلب .ويكون هو المقدم،
تتبعحه سحائر الكلب بالعربات .فإذا وقحف وقفحت .وهذا الكلب ل يضربحه صحاحبه ول
ينهره ،وإذا حضحر الطعام أطعحم الكلب أولً قبحل بنحي آدم ،وإل غضحب الكلب وفحر
وترك صححاحبه للتلف .فإذا كملت للمسححافرين بهذه الفلة أربعون مرحلة ،نزلوا عنححد
الظلمححة ،وترك كححل واحححد منهححم مححا جاء بححه مححن المتاع هنالك ،وعادوا إلى منزلهححم
المعتاد .فإذا كان من الغد عادوا لتفقد متاعهم ،فيجدون بإزائه من السمور والسنجاب
والقاقم ،فإن أرضى صاحب المتاع ما وجده إزاء متاعه أخذه ،وإن لم يرضه تركه،
فيزيدونححه ،وربمححا رفعوا متاعهححم ،أعنححي أهححل الظلمححة ،وتركوا متاع التجار .وهكذا
بيعهحم وشراؤهحم .ول يعلم الذيحن يتوجهون إلى هنالك محن يبايعهحم ويشاريهحم ،أمحن
الجن هو أم النس .ول يرون أحداً .والقاقم هو أحسن أنواع الفراء .وتساوي الفروة
منححه ببلد الهنححد ألف دينار ،وصححرفها مححن ذهبنححا مائتان وخمسححون .وهححي شديدة
البياض ،محن جلد حيوان صحغير فحي طول الشحبر ،وذنبحه طويحل يتركونحه فحي الفروة
على حاله .والسحمور دون ذلك .تسحاوي الفروة منحه أربعمائة دينار فمحا دونهحا .ومحن
خاصحية هذه الجلود أنحه ل يدخلهحا القمحل .وأمراء الصحين وكبارهحا يجعلون منحه الجلد
الواحد متصلُ بفرواتهم عند العنق .وكذلك تجار فارس والعراقين .وعدت من مدينة
بلغار مححع الميححر الذي بعثححه السححلطان فححي صحححبتي ،فوجدت محلة السححلطان على
الموضحع المعروف ببحش دغ ،وذلك فحي الثامحن والعشريحن محن رمضان .وحضرت
ولما كان صباح يوم العيد ركب السلطان في عساكره العظيمة ،وركبت كل خاتون
عربتهحا ومعهحا عسحاكرها ،وركبحت بنحت السحلطان والتاج على رأسحها ،إذ هحي الملكحة
على الحقيقحة ،ورثت الملك من أمها ،وركب أولد السحلطان ،كل واحد فحي عسحكره.
وكان قحد قدم لحضور العيحد قاضحي القضاة شهاب الديحن السحايلي ،ومعحه جماعحة محن
الفقهاء والمشايحححخ .فركبوا وركحححب القاضحححي حمزة والمام بدر الديحححن القوامحححي
والشريححف ابححن عبححد الحميححد .وكان ركوب هؤلء الفقهاء مححع تيححن بححك ولي عهححد
السلطان ،ومعهم الطبال والعلم .فصلى بهم القاضي شهاب الدين وخطب أحسن
خطبحة .وركحب السحلطان ،وانتهحى إلى برج خشحب يسحمى عندهحم الكشحك ،فجلس فيحه
ومعحه خواتينحه ،ونصحب برج ثان دونحه ،فجلس فيحه ولي عهده وابنتحه صحاحبة التاج.
ونصحب برجان دونهمحا عحن يمينحه وشماله ،فيهمحا أبناء السحلطان وأقاربحه .ونصحبت
الكراسححي للمراء وأبناء الملوك ،وتسححمى الصححندليات ،عححن يميححن البرج وشماله،
فجلس كحل واححد على كرسحيه .ثحم نصحبت طبلت للرمحي ،لكحل أميحر طومان طبلة
مختصة به ،وأمير طومان عندهم هو الذي يركب له عشرة آلف .فكان الحاضرون
محن أمراء طومان سحبعة عشحر ،يقودون مائة وسحبعون ألفاً ،وعسحكره أكثحر محن ذلك.
ونصب لكل أمير شبه منبر فقعد عليه ،وأصحابه يلعبون بين يديه .فكانوا على ذلك
سحاعة .ثحم أتحي بالخلع ،فخلعحت على كحل أميحر خلعحة ،وعندمحا يلبسحها يأتحي إلى أسحفل
برج السحلطان فيخدم ،وخدمتحه أن يمحس الرض بركبتحه اليمنحى ،ويمحد رجله تحتهحا،
والخرى قائمحة ،ثحم يؤتحى بفرس مسحرح ملجحم ،فيرفحع حافره ،ويقبحل فيحه الميحر،
ويقوده بنفسه إلى كرسيه .وهنالك يرتبه ويقف مع عسكره .ويفعل هذا الفعل مع كل
أميححر منهححم .ثححم ينزل السححلطان على البرج ويركححب الفرس ،وعححن يمينححه ابنححه ولي
العهحد ،وتليحه بنتحه الملكحة إيحت كجحك ،وعحن يسحاره ابنحه الثانحي ،وبيحن يديحه الخواتيحن
الربححع فححي عربات مكسححوة بأثواب الحريححر المذهححب ،والخيححل التححي تجرهححا مجللة
بالحريححر المذهححب .وينزل جميححع المراء الكبار والصححغار وأبناء الملوك والوزراء
والحجاب وأرباب الدولة ،فيمشون بيححن يدي السححلطان على أقدامهححم ،إلى أن يصححل
الوطاق ،والوطاق " بكسحر الواو " هحو إفراج .وقحد نصحبت هنالك باركحة " باركاه "
عظيمحة ،والباركحة عندهحم بيحت عظيحم له أربعحة أعمدة محن الخشحب مكسحوة بصحفائح
الفضحة المموهحة بالذهحب ،وفحي أعلى كحل عمود جامور محن الفضحة المذهبحة له بريحق
وشعاع ،وتظهحر هذه الباركحة على البعحد كأنهحا ثنيحة .ويوضحع عحن يمينهحا ويسحارها
سححقائف مححن القطححن والكتان ،ويفرش ذلك كله بفرش الحريححر ،وينصححب فححي وسححط
الباركحة السحرير العظحم ،وهحم يسحمونه التخحت ،وهحو محن خشحب مرصحع ،وأعواده
مكسحوة بصحفائح فضحة مذهبحة ،وقوائمحه محن الفضحة الخالصحة المموهحة ،وفوقحه فرش
عظيححم وفححي وسححط هذا السححرير العظححم مرتبححة يجلس السححلطان والخاتون الكححبرى،
وعن يمينحه مرتبحة جلسحت بها ابنتحه إيت كجحك ومعها الخاتون أردوجا ،وعن يساره
مرتبحة جلسحت بهحا الخاتون بيلون ومعهحا الخاتون كبحك ،ونصحب عحن يميحن السحرير
كرسي قعد عليه تين بك ولد السلطان ،ونصب عن شماله كرسي قعد عليه جان بك
ولده الثانحي ،ونصحبت كراسحي عحن اليميحن والشمال جلس فوقهحا أبناء الملوك الكبار،
ثم المراء الصغار ،مثل أمراء هزارة ،وهم الذين يقودون ألفاً .ثم أتي بالطعام على
موائد الذهحب والفضحة ،وكحل مائدة يحملهحا أربعحة رجال وأكثحر محن ذلك .وطعامهحم
لحوم الخيحل والغنحم مسحلوقة ،وتوضحع بيحن يدي كحل أميحر مائدة ،ويأتحي الباروجحي،
وهحو مقطحع اللححم ،وعليحه ثياب حريحر ،وقحد ربحط عليهحا فوطحة حريحر ،وفحي حزامحه
جملة سحكاكين فحي أغمادهحا .ويكون لكحل أميحر باروجحي .فإذا قدمحت المائدة قعحد بيحن
يدي أميره .ويؤتحى بصحفحة صحغيرة محن الذهحب أو الفضحة فيهحا ملح محلول بالماء،
فيقطحع البروجحي اللححم قطعاً صحغاراً ولهحم فحي ذلك صحنعة فحي قطحع اللححم مختلطاً
بالعظحم ،فإنهحم ل يأكلون منحه إل محا أختلط بالعظحم .ثحم يؤتحى بأوانحي الذهحب والفضحة
للشرب ،وأكثحر شربهحم نحبيذ العسحل .وهحم حنفيحة المذهحب ،يحللون شرب النحبيذ .فإذا
أراد السحلطان أن يشرب ،أخذت ابنته القدح بيدها ،وخدمحت برجلهحا ،ثم ناولتحه القدح
فشرب .ثحم تأخحذ قدحاً آخحر فتناوله للخاتون الكحبرى ،فتشرب منحه .ثحم تناول لسحائر
الخواتيحححن على ترتيبهحححن ،ثحححم ولي العهحححد القدح ،ويخدم ويناوله إياه فيشرب .ثحححم
الخواتيحن ثحم أختحه ،ويخدم جميعهحن .ثحم يقوم الولد الثانحي فيأخحذ القدح ويسحقي أخاه
ويخدم له .ثحم يقوم المراء الكبار ،فيسحقي كحل واححد منهحم ولي العهحد ويخدم له ،ثحم
يقوم أبناء الملوك ،ويغنون أثناء ذلك بالمواليحة .وكانحت قحد نصحبت قبحة كحبيرة أيضاً
إزاء المسححجد للقاضححي والخطيححب والشريححف وسححائر الفقهاء والمشايححخ وأنححا معهححم،
فأوتينححا بموائد الذهححب والفضححة يحمححل كححل واحدة أربعححة مححن كبار التراك .ول
يتصححرف فححي ذلك اليوم بيححن يدي السححلطان إل الكبار ،فيأمرهححم برفححع مححا أراد مححن
الموائد إلى محن أراد .فكان محن الفقهاء محن أكحل ،ومنهحم محن تورع عحن الكححل فحي
موائد الفضحة والذهحب .ورأيحت محد البصحر عحن اليميحن والشمال محن العربات عليهحا
روايحا القمحز .فأمحر السحلطان بتفريقهحا على الناس .فأتوا إلي بعربحة منهحا ،فأعطيتهحا
لجيرانحي محن التراك .ثحم أتينحا المسحجد تنتظحر صحلة الجمعحة ،فأبطحأ السحلطان .فمحن
قائل :إنحه ل يأتحي .لن السحكر قحد غلب عليحه ،ومحن قائل :إنحه ل يترك الجمعحة .فلمحا
كان بعحد تمكحن الوقحت أتحى وهحو يتمايحل ،فسحلم على السحيد الشريحف ،وتبسحم له ،وكان
يخاطبحه بآطحا ،وهحو الب بلسحان التركيحة .ثحم صحلينا الجمعحة ،وانصحرف الناس إلى
منازلهحم .وانصحرف السحلطان إلى الباركحة ،فبقحى على حاله إلى صحلة العصحر .ثحم
انصححححححرف الناس أجمعون وبقححححححي مححححححع الملك تلك الليلة خواتينححححححه وبنتححححححه.
ثحم كان رحيلنحا محع السحلطان والمحلة لمحا انقضحى العيحد ،فوصحل إلى المدينحة الحاج
ترخان ،ومعنحى ترخان عندهحم الموضحع المحرر محن المغارم " ،وهحو بفتحح المثناة
وسحكون الراء وبفتحح الخاء المعجحم وآخره نون " ،والمنسحوب إليحه هذه المدينحة .هحو
حاج من الصالحين تركحي نزل بموضعهحا ،وحرر له السحلطان ذلك الموضع .فصار
قرية عظمت وتمدنت .وهي من أحسن المدن عظيمة السواق مبنية على نهر أتل،
وهو من أنهار الدنيا الكبار .وهنالك يقيم السلطان حتى يشتد البرد ويجمد هذا النهر
وتجمحد المياه المتصحلة بحه ،ثحم يأمحر أهحل تلك البلد فيأتون باللف محن أحمال التبحن،
فيجعلونهحححا على الجليحححد المنعقحححد فوق النهحححر .والتبحححن هنالك ل تأكله الدواب لنحححه
يضرهحححا ،وكذلك ببلد الهنحححد ،وإنمحححا أكلهحححا الحشيحححش الخضحححر لخصحححب البلد.
ويسافرون بالعربات فوق هذا النهر والمياه المتصلة به ثلث مراحل ،وربما جازت
القوافحل فوقحه محع آخحر فصحل الشتاء ،فيغرقون ويهلكون .ولمحا وصحلنا مدينحة الحاج
ترخان رغبححت الخاتون بيلون ابنححة ملك الروم مححن السححلطان أن يأذن لهححا فححي زيارة
أبيهحا لتضحع حملهحا عنده وتعود إليحه ،فأذن لهحا .ورغبحت منحه أن يأذن لي فحي التوجحه
صححبتها لمشاهدة القسحطنطينية العظمحى فمنعنحي خوفاً علي .فلطفتحه وقلت له :إنمحا
أدخلهحا فحي حرمتحك وجوارك ،فل أخاف محن أححد .فأذن لي وودعناه .ووصحلني بألف
وخمسحمائة دينار وخلعحة وأفراس كثيرة .وأعطتنحي كحل خاتون منهحن سحبائك الفضحة،
وهحم يسحمونها بصحوم " بفتحح الصحاد المهمحل " ،واحدتهحا صحومة .وأعطت ابنتحه أكثر
والسمور جملة.
وسحافرنا فحي العاشحر محن شوال فحي صححبة الخاتون بيلون وتححت حرمتهحا ،ورححل
السلطان في تشييعها مرحلة ،ورجع هو والملكة وولي عهده ،وسافر سائر الخواتين
فحي صححبتها مرحلة ثانيحة ثحم رجعحن ،وسحافر صححبتها الميحر بيدره فحي خمسحة آلف
من عسكره .وكان عسكر الخاتون نحو خمسمائة فارس ،منهم خدامها من المماليك
والروم نحححو مائتيححن ،والباقون مححن الترك .وكان معهححا مححن الجواري نحححو مائتيححن،
وأكثرهحن روميات .وكان لهحا محن العربات نححو أربعمائة عربحة ،ونححو ألفحي فرس
لجرهحا وللركوب ،ونححو ثلثمائة محن البقحر ،ومائتيحن محن الجمال لجرهحا .وكان معهحا
مححن الفتيان الرومييحن عشرة ،ومححن الهندييحن مثلهححم .وقائدهححم الكححبر يسححمى بسححنبل
الهندي ،وقائد الرومييحححن ويسحححمى بميخائيحححل ،ويقول له التراك لؤلؤ ،وهحححو محححن
الشجعان الكبار .وتركت أكثر جواريها وأثقالها بمحلة السلطان إذ كانت قد توجهت
وتوجهنا إلى مدينة أكك .وهي " بضم الهمزة وفتح الكاف الولى " مدينة متوسطة
حسححنة العمارة كثيححر الخيرات شديححد البرد .وبينهمححا وبيححن السححرا حضرة السححلطان
مسحيرة عشحر؛ وعلى مسحيرة يوم محن هذه المدينحة جبال الروس ،وهحم نصحارى شقحر
الشعور زرق العيون قباح الصحور أهحل غدر ،وعندهحم معادن الفضحة .ومحن بلدهحم
يؤتححى بالصححوم ،وهححي سححبائك الفضححة التححي يباع ويشتري فححي هذه البلد ،ووزن
ثم وصلنا بعد عشر من هذه المدينة إلى مدينة سردق " وضبط اسمها بضم السين
المهمل وسكون الراء وفتح الدال المهمل وآخره قاف " .وهي من مدن دشت قفجق
على سحاحل البححر ،ومرسحاها محن أعظحم المراسحي وأحسحنها ،وبخارجهحا البسحاتين
والمياه .وينزلهحا الترك .وطائفحة محن الروم تححت ذمتهحم ،وهحم أهحل الصحنائع .وأكثحر
بيوتهحا خشحب .وكانحت هذه المدينحة كحبيرة .فخرب معظمهحا بسحبب فتنحة وقعحت بيحن
الروم والترك .وكانححت الغلبححة للروم .فانتصححر للترك أصحححابهم ،وقتلوا الروم شححر
قتلة ،ونفوا أكثرهحم ،وبقحي بعضهحم تححت الذمحة إلى الن .وكانحت الضيافحة تحمحل إلى
الخاتون في كل منزل من تلك البلد من الخيل والغنم والبقر والدوقي والقمز وألبان
البقر والغنم .والسفر في هذه البلد مضحي ومعشي .وكل أمير بتلك البلد يصحب
الخاتون بعسححاكره إلى آخححر حححد بلده ،تعظيماً لهححا ،ل خوفاً عليهححا ،لن تلك البلد
آمنحة .ثحم وصحلنا إلى البلدة المعروفححة باسحم بابحا سحلطوق ،وبابحا عندهحم بمعناه عنحد
البربر سحواء ،إل أنهحم يفخمون الباء وسحلطوق " بفتحح السحين المهمحل واسحكان اللم
وضححم الطاء المهمححل وآخره قاف " ،ويذكرون أن سححلطوق هذا كان مكاشفاً ،لكححن
يذكححر عنححه أشياء ينكرهححا الشرع .وهذه البلد آخححر بلد التراك ،بينهححا وبيححن أول
عمالة الروم ثمانيحة عشحر يومًا فحي بريحة غيحر معمورة ،منهحا ثمانيحة أيام ل ماء بهحا
يتزود لهحا الماء ،ويحمحل فحي الروايحا والقرب على العربات ،وكان دخولنحا إليهحا فحي
أيام البرد ،فلم نحتحححج إلى كثيحححر محححن الماء .والتراك يرفعون اللبان فحححي القرب،
ويخلطونهححا بالدوقححي المطبوخ ويشربونهححا فل يعطشون .وأخذنححا مححن هذه البلدة فححي
الستعداد للبرية ،واحتجت إلى زيادة أفراس ،فأتيت الخاتون ،فأعلمتها بذلك .وكنت
أسحلم عليهحا صحباحاً ومسحاء ومتحى أتتهحا ضيافحة تبعحث إلي بالفرسحين والثلثحة وبالغنحم.
فكنت أترك الخيل لذبحها .وكان من معي من الغلمان ،والخدم يأكلون مع أصحابنا
التراك ،فاجتمحع لي نححو خمسحين فرسحاً .وأمرت لي الخاتون بخمسحة عشحر فرسحاً،
وأمرت وكيلهحا سحاروجة الرومحي أن يختارهحا سحماناً محن خيحل المطبحخ .وقالت :ل
تخحف ،فإن احتجحت إلى غيرهحا زدناك .ودخلنحا البريحة فحي منتصحف ذي القعدة .فكان
سححيرنا مححن يوم فارقنححا السححلطان إلى أول البريححة تسححعة عشححر يوماً وإقامتنححا خمسححة.
ورحلنححا مححن هذه البريححة ثمانيححة عشححر يوماً مضحححى ومعشححى ،ومححا رأينححا إل خيراً
والحمححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححد ل.
ثحم وصحلنا بعحد ذلك إلى حصحن مهتولي ،وهحو أول عمالة الروم " وضبحط اسحمه بفتحح
الميحم وسحكون الهاء وضحم التاء المعلوة وواو محد ولم مكسحور وياء " وكانحت الروم
قحد سحمعت بقدوم هذه الخاتون على بلدهحا ،فوصحلنا إلى هذا الحصحن فاسحتقبلنا كفالي
نقوله الرومحي ،فحي عسحكر عظيحم وضيافحة عظيمحة .وجاءت الخواتيحن والدايات محن
دار أبيهححا ملك القسححطنطينية .وبيححن مهتولي والقسححطنطينية مسححيرة اثنيححن وعشريححن
يوماً ،منهحا سحتة عشحر يوماً إلى الخليحج ،وسحتة منحه إلى القسحطنطينية .ول يسحافر محن
هذا الحصححن إل بالخيحل والبغال ،وتترك العربات بححه ،لجححل الوعحر والجبال .وجاء
كفالي المذكور ببغال كثيرة ،وبعثححت إلي الخاتون بسححتة منهححا ،وأوصححت أميححر ذلك
الحصحن بمحن تركتحه محن أصححابي وغلمانحي محع العربات والثقال ،فأمحر لهحم بدار.
ورجع المير بيدرة بعساكره ،لم يسافر مع الخاتون إل ناسها ،وتركت مسجدها بهذا
الحصححن ،وارتفححع حكححم الذان .وكان يؤتححى إليهححا بالخمور فححي الضيافححة فتشربهححا
وبالخنازيحر ،وأخحبرني بعحض خواصحها أنهحا أكلتهحا .ولم يبحق معهحا محن يصحلي إل
بعحض التراك كان يصحلي معنحا .وتغيرت البواطحن لدخولنحا فحي بلد الكفحر ،ولكحن
الخاتون أوصت المير كفالي بإكرامي .ولقد ضرب مرة بعض مماليكه لما ضحك
محن صحلتنا .ثحم وصحلنا حصحن مسحلمة بحن عبحد الملك ،وهحم بسحفح جبحل على نهحر
زخار ،يقال له :اصححطقيلي ،ولم يبححق مححن هذا الحصححن إل آثاره ،وبخارجححه قريححة
كحبيرة .ثحم سحرنا يوميحن ،ووصحلنا إلى الخليحج ،وعلى سحاحله قريحة كحبيرة فوجدنحا فيحه
المحد ،فأقمنحا حتحى كان الجزر ،وخضناه ،وعرضحه نححو ميليحن .ومشينحا أربعحة أميال
فحي رمال ،ووصحلنا الخليحج الثانحي ،فخضناه ،وعرضحه نححو ثلثحة أميال ،ثحم مشينحا
نححو ميليحن فحي حجارة ورمحل ،ووصحلنا الخليحج الثالث ،وقحد ابتدأ المحد ،فتبعنحا فيحه،
وعرضحه ميحل واححد .فعرض الخليحج كله مائيحه ويابسحه اثنحا عشحر ميلً ،وتصحير ماء
وعلى سحاحل هذا الخليحج الثالث مدينحة الفنيكحة " واسحمها بفاء مفتوححة ونون وياء محد
وكاف مفتوح " ،وهححي صححغيرة ،لكنهححا حسححنة مانعححة ،وكنائسححها وديارهححا حسححان،
والنهار تخرقهحا والبسحاتين تحفهحا ،ويدخحر بهحا العنحب والجاص والتفاح والسحفرجل
محن السحنة إلى الخرى .وأقمنحا بهذه المدينحة ثلثاً .والخاتون فحي قصحر لبيهحا هنالك،
ثم قدم أخوها شقيقها اسمه كفالي قراس في خمسة آلف فارس شاكي السلح ،ولما
أرادوا لقاء الخاتون ركحب أخوهحا المذكور فرسحًا أشهحب ،ولبحس ثياباً بيضاء ،وجعحل
على رأسحه مظللً مكللً بالجواهحر ،وجعحل عحن يمينحه خمسحة محن أبناء الملوك ،وعحن
يساره مثلهم ،لبسين البياض أيضاً ،وعليهم مظللت مزركشة بالذهب ،وجعل بين
يديحه مائة محن المشائيحن ومائة فارس ،قحد أسحبغوا الدروع على أنفسحهم وخيلهحم ،وكحل
واحححد منهححم يقود فرس حًا مسححرجًا مدرعاً ،عليححه شكححة فارس مححن البيضححة المجوهرة
والدروع والتركحش والقوس والسحيف ،وبيده رمحح فحي طرف رأسحه رايحة .وأكثحر تلك
الرماح مكسححوة بصححفائح الذهححب والفضححة .وتلك الخيححل المقودة هححي مراكححب ابححن
السلطان .وقسم فرسانه على أفواج ،كل فوج فيه مائتا فارس ،لهم أمير قد قدم أمامه
عشر من الفرسان شاكين في السلح ،وكل واحد منهم يقود فرساً ،وخلفه عشرة من
العلمات ملونحححة بأيدي عشرة محححن الفرسحححان ،وعشرة أطبال يتقلدهحححا عشرة محححن
وركبحت الخاتون فحي مماليكهحا وجواريهحا وفتيانهحا وخدامهحا ،وهحم نححو خمسحمائة،
عليهححم ثياب الحريححر المزركشححة بالذهححب المرصححعة ،وعلى الخاتون حلة يقال لهححا:
النححخ ،ويقال لهححا أيضاً :النسححيج ،مرصححعة بالجوهححر ،وعلى رأسححها تاج مرصححع،
وفرسها مجلل حرير مزركش بالذهب ،وفي يده ورجليه خلخل الذهب ،وفي عنقه
قلئد مرصحعة .وعظحم السحرج مكسحو ذهباً ،مكلل جوهراً .وكان التقاؤهمحا فحي بسحيط
من الرض على نحو ميل من البلد .وترجل لها أخوها لنه أصغر سناً منها ،وقبل
ركابهححححا ،وقبلت رأسححححه .وترجححححل المراء وأولد الملوك ،وقبلوا جميعاً ركابهححححا،
وانصرفت مع أخيها .وفي غد ذلك اليوم وصلنا إلى مدينة كبيرة على ساحل البحر،
ل نثبت الن اسمها ،ذات أنهار وأشجار ،نزلنا بخارجها .ووصل أخو الخاتون ولي
العهحد فحي ترتيحب عظيحم وعسحكر ضخحم محن عشرة آلف مدرع ،وعلى رأسحه تاج،
وعحن يمينحه نححو عشريحن محن أبناء الملوك ،وعحن يسحاره مثلهحم ،وقحد رتحب فرسحانه
على ترتيحب أخيحه سحواء ،إل أن الحفحل أعظحم ،والجمحع أكثحر .وتلقحت معحه أختحه فحي
مثححل زيهححا الول ،وترجل جميعاً .وأتححي بخباء حريححر فدخل فيححه .فل أعلم كيفيححة
سحلمها ،ونزلنحا على عشرة أميال محن القسحطنطينية .فلمحا كان بالغحد خرج أهلهحا محن
رجال مححن رجال ونسححاء وصححبيان ،ركباناً ومشاة فححي أحسححن زي وأجمححل لباس،
السححححلطان وزوجتححححه أم هذه الخاتون وأرباب الدولة والخواص ،وعلى رأس الملك
رواق يحمله جملة محن الفرسحان ،ورجال بأيديهحم عصحي طوال ،فحي أعلى كحل عصحا
شبه كرة من جلد يرفعون بها الرواق ،وفي وسط الرواق مثل القبة يرفعها الفرسان
بالعصي .ولما أقبل السلطان اختلطت العساكر وكثر العجاج ،ولم أقدر على الدخول
فيمحا بينهحم ،فلزمحت أثقال الخاتون وأصححابها ،خوفاً على نفسحي .وذكحر لي أنهحا لمحا
قربححت مححن أبويهححا ترجلت وقبلت الرض بيححن أيديهمححا ،ثححم قبلت حافري فرسححيهما.
وفعححل كبار أصحححابها مثححل فعلهححا فححي ذلك .وكان دخولنححا عنححد الزوال أو بعده إلى
القسطنطينية العظمى ،وقد ضربوا نواقيسهم حتى ارتجت الفاق لختلط أصواتها.
ولما وصلنا الباب الول من أبواب قصر الملك وجدنا به مائة رجل ،معهم قائد لهم
فوق دكانحه .وسحمعتهم يقولون :سحراكنوا سحراكنوا ،ومعناه المسحلمون .ومنعونحا محن
الدخول .فقال لهححم أصحححاب الخاتون :إنهححم مححن جهتنححا .فقالوا :ل يدخلون إل بإذن.
فأقمنحا بالباب ،وذهحب بعحض أصححاب الخاتون ،فبعحث محن أعلمهحا بذلك ،وهحي بيحن
يدي والدها ،فذكرت له شأننا فأمر بدخولنا .وعين لنا داراً بمقربة من دار الخاتون،
وكتحححب لنحححا أمراً بأن ل نعترض حيحححث نذهحححب محححن المدينحححة ،ونودي بذلك فحححي
السحواق.وأقمنحا بالدار ثلثاً ،فبعحث إلينحا الضيافحة محن الدقيحق والخبحز والغنحم والدجاج
والسمن والفاكهة والحوت والدراهم والفرش .وفي اليوم الرابع دخلنا على السلطان.
واسححمه تكفور " بفتححح التاء المثناة وسححكون الكاف وضححم الفاء وواو وراء " ابححن
السلطان جرجيس .وأبوه السلطان جرجيس بقيد الحياة ،لكنه تزهد وترهب وانقطع
للعبادة في الكنائس ،وترك الملك لولده وسنذكره .وفحي اليوم الرابع من وصولنا إلى
القسحححطنطينية بعثححت إلي الخاتون الفتححى سحححنبل الهندي ،فأخحححذ بيدي وأدخلنححي إلى
القصر ،فجزنا أربعة أبواب ،في كل باب سقائف بها رجال وأسلحتهم وقائدهم على
دكانحة مفروشحة .فلمحا وصحلنا إلى الباب الخامحس تركنحي الفتحى سحنبل ودخحل ،ثحم أتحى
ومعحه أربعحة محن الفتيان الرومييحن ،ففتشونحي لئل يكون معحي سحكين ،وقال لي القائد:
تلك عادة لهحم ،ل بحد محن تفتيحش كحل محن يدخحل على الملك محن خاص أو عام ،غريحب
أو بلدي ،وكذلك الفعحل بأرض الهنحد .ثحم لمحا فتشونحي قام الموكحل بالباب ،فأخحذ بيدي
وفتححح الباب وأحاط بححي أربعححة مححن الرجال أمسححك اثنان بكمححي ،واثنان مححن ورائي
فدخلوا بحي إلى مشور كحبير ،حيطانحه بالفسحيفساء قحد نقحش فيهحا صحور المخلوقات محن
الحيوانات والجماد ،وفححي وسححطه سححاقيه ماء ،ومححن جهتهححا الشجار والناس واقفون
يميناً ويسححاراً سححكوتاً ل يتكلم أحححد منهححم ،وفححي وسححط المشور ثلثححة رجال وقوف.
أسحلمني أولئك الربعحة إليهحم فأمسحكوا بثيابحي كمحا فعحل الخرون ،وأشار إليهحم رجحل
فتقدموا بي ،وكان أحدهم يهودياً فقال لي بالعربي :ل تخف ،فهكذا عادتهم أن يفعلوا
بالوارد ،وأنا الترجماني ،وأصلي من بلد الشام .فسألته كيف أسلم .فقال :قل السلم
عليكحم.ثحم وصحلت إلى قبحة عظيمحة ،والسحلطان على سحريره ،وزوجتحه أم هذا الخاتون
بيحن يديحه ،وأسحفل السحرير الخاتون وإخوتهحا ،وعحن يمينحه سحتة رجال ،وعحن يسحاره
اربعححة ،وكلهححم بالسححلح .فأشار إلي قبححل السححلم والوصححول إليححه بالجلوس هنيهححة،
ليسحكن روعحي ،ففعلت ذلك ،ثحم وصحلت إليحه فسحلمت عليحه ،وأشار إلى أن أجلس فلم
أفعحل .وسحألني عحن بيحت المقدس ،وعحن الصحخرة المقدسحة ،وعحن القمامحة ،وعحن مهحد
عيسحى ،وعحن بيحت لححم ،وعحن مدينحة الخليحل عليحه السحلم ،ثحم عحن دمشحق ومصحر
والعراق وبلد الروم ،فأجبتحه عحن ذلك كله ،واليهودي يترجحم بينحي وبينحه .فأعجبحه
كلمي وقال لولده :أكرموا هذا الرجل وأمنوه .ثم خلع علي خلعة ،وأمر لي بفرس
مسرج ملجم ،ومظلة من التي يجعلها الملك فوق رأسه ،وهي علمة المان .وطلبت
منحه أن يعيحن محن يركحب معحي بالمدينحة فحي كحل يوم ،حتحى أشاهحد عجائبهحا وغرائبهحا،
وأذكرهحا فحي بلدي .فعيحن لي ذلك .ومحن العوائد عندهحم ان الذي يلبحس خلعحة الملك
ويركحب فرسحه يطاف بحه فحي أسحواق المدينحة بالبواق والنفار والطبال ليراه الناس
وأكثر ما يفعل ذلك بالتراك الذين يأتون من بلد السلطان أوزبك لئل يؤذوا فطافوا
بي في السواق.
ذكر المدينة
وهي متناهية في الكبر ،منقسمة بقسمين بينهما نهر عظيم المد والجزر ،على شكل
وادي سحل محن بلد المغرب .وكانحت عليحه فيمحا تقدم قنطرة مبنيحة فخربحت .وهحو الن
يعححبر فححي القوارب .واسححم هذا النهححر أبسححمي " بفتححح الهمزة واسححكان الباء الموحدة
وضححم السححين المهمححل وكسححر الميححم وياء مححد " .وأحححد القسححمين مححن المدينححة يسححمى
أصطنبول " بفتح الهمزة واسكان الصاد وفتح الطاء المهملتين وسكون النون وضم
الباء الموحدة وواو مد ولم " ،وهو بالعدوة الشرقية من النهر ،وفيه سكنى السلطان
وأرباب دولتحه وسحائر الناس .وأسحواقه وشوارعحه مفروشحه بالصحفاح متسحعة .وأهحل
كحل صحناعة على حدة ل يشاركهحم شواهحم ،وعلى كحل سحوق أبواب تسحد عليحه بالليحل
وأكثر الصناع والباعة به النساء .والمدينة في سفح جبل داخل في البحر نحو تسعة
أميال ،وعرضححه مثححل ذلك أو أكثححر ،وفححي أعله قلعححة صححغيرة وقصححر السححلطان.
والسحور يحيحط بهذا الجبحل ،وهحو مانحع ل سحبيل لححد إليحه محن جهحة البححر .وفيحه نححو
ثلث عشرة قرية عامرة والكنيسة العظمى هي في وسط هذا القسم من المدينة .وأما
القسحم الثانحي منهحا فيسحمى الغلطحة " بغيحن معجمحة ولم وطحا مهمحل مفتوحات " وهحو
بالعدوة الغربيحة محن النهر ،شحبيه برباط الفتحح فحي قربحه من النهحر .وهذا القسحم خاص
بنصحارى الفرنحج يسحكنونه .وهحم أصحناف ،فمنهحم الجنويون والبنادقحة وأهحل روميحة
وأهححل إفرانسححة .وحكمهححم إلى ملك القسححطنطينية ،يقدم عليهححم منهححم مححن يرتضونححه
ويسحمونه القمحص ،وعليهحم وظيفحة فحي كحل عام لملك القسحطنطينية .وربمحا اسحتعصوا
عليه ،فيحاربهم حتى يصلح بينهم البابا .وجميعها أهل تجارة ،ومرساهم من أعظم
المراسي ،رأيت به نحو مائة جفن من القراقر وسواها من الكبار ،وأما الصغار فل
تحصحى كثرة .وأسحواق هذا القسحم حسحنة ،إل أن القذار غالبحة عليهحا ،ويشقهحا نهحر
وإنما نذكر خارجها ،وأما داخلها فلم أشاهده .وهي تسمى عندهم أياصوفيا " بفتح الهمزة
والياء آخر الحروف والف وصاد مضموم وواو مد وفاء مكسورة وياء كالولى والف ".
ويذكر أنها من بناء آصف بن بريخاء ،وهو ابن خالة سليمان عليه السلم .وهي من أعظم
كنائس الروم ،وعليها سور يطيف به فكأنها مدينة .وأبوابها ثلثة عشر باباً ،ولها حرم هو
نحو ميل ،عليه باب كبير ،ول يمنع أحد من دخوله .وقد دخلته مع والد الملك الذي يقع
ذكره ،وهو شبه مشور مسطح بالرخام وتشقه ساقية تخرج من الكنيسة ،لها حائطان
مرتفعان نحو ذراع ،مصنوعان بالرخام المجزع المنقوش بأحسن صنعة ،والشجار
منتظمة عن جهتي الساقية .ومن باب الكنيسة إلى باب هذا المشور معرش من الخشب
مرتفع ،عليه دوالي العنب ،وفي أسفله الياسمين والرياحين ،وخارج باب هذا المشور قبة
خشب كبيرة فيها طبلت خشب ،يجلس عليها خدام ذلك الباب .وعن يمين القبة مساطب
وحوانيت أكثرها من الخشب ،يجلس بها قضاتهم وكتاب دواوينهم .وفي وسط تلك الحوانيت
قبة خشب يصعد إليها على درج خشب ،وفيها كرسي كبير مطبق بالملف ،يجلس فوقه
قاضيهم وسنذكره ،وعن يسار القبة التي على باب هذا المشور سوق العطارين .والساقية
التي ذكرناها تنقسم قسمين أحدهما يمر بسوق العطارين ،والخر يمر بالسوق حيث القضاة
والكتاب ،وعلى باب الكنيسة سقائف يجلس بها خدامها الذين يقمون طرقها ويوقدون
سرجها ويغلقون أبوابها ،ول يدعون أحداً بداخلها حتى يسجد للصليب العظم عندهم الذي
يزعمون أنه بقية من الخشبة التي صلب عليها شبيه عيسى عليه السلم ،وهو على باب
الكنيسة ،مجعول في جعبة ذهب طولها نحو عشرة أذرع ،وقد عرضوا عليها جعبة ذهب
مثلها ،حتى صارت صليباً .وهذا الباب مصفح بصفائح الفضة والذهب ،وحلقتاه من الذهب
الخالص .وذكر لي أن عدد من بهذه الكنيسة من الرهبان والقسيسين ينتهي إلى آلف ،وأن
بعضهم من ذرية الحواريين .وأن بداخلها كنيسة مختصة بالنساء فيها من البكار
المنقطعات للعبادة أزيد من ألف .وأما القواعد من النساء فأكثر من ذلك كله .ومن عادة
الملك وأرباب دولته وسائر الناس أن يأتوا كل يوم صباحاً إلى زيارة هذه الكنيسة ،ويأتي
إليها البابا مرة في السنة ،وإذا كان على مسيرة أربع من البلد ،يخرج الملك إلى لقائه
ويترجل له .وعند دخول المدينة يمشي بين يديه على قدميه ،ويأتيه صباحاً ومساء للسلم
طوال مقامه بالقسطنطينية حتى ينصرف.
ذكر المانستارات بقسطنطينية
والمانسححتار على مثححل لفححظ المارسححتان إل أن نونححه متقدمححة وراءه متأخرة ،وهححو
عندهم شبه الزاوية عند المسلمين ،وهذه المانستارات بها كثيرة فمنها مانستار عمره
الملك جرجيححس وااد ملك القسححطنطينية وسححنذكره ،وهححو بخارج اصححطنبول مقابححل
الغلطحة .ومنهحا مانسحتاران خارج الكنيسحة العظمحى عحن يميحن الداخحل إليهحا ،وهمحا فحي
داخل بستان يشقهما نهر ماء .وأحدهما للرجال والخر للنساء .وفي كل واحد منهما
كنيسحة ،ويدور بهمحا البيوت للمتعبديحن والمتعبدات ،وقحد حبحس على كحل واححد منهمحا
أحباس لكسحوة المتعبديحن ونفقتهحم ،بناهمحا أححد الملوك .ومنهحا مانسحتاران عحن يسحار
الداخحل إلى الكنيسة العظمحى على مثل هذين الخرين ،ويطيحف بها بيوت .وأحدهمحا
يسكنه العميان ،والثاني يسكنه الشيوخ الذين ل يستطيعون الخدمة ،ممن بلغ الستين
أو نحوهحا .ولكحل واححد منهحم كسحوته ونفقتحه محن أوقاف معينحة لذلك .وفحي داخحل كحل
مانسححتار منهححا دويرة لتعبححد الملك الذي بناه .وأكثححر هؤلء الملوك إذا بلغ السححتين أو
السبعين بنى مانستاراً أو لبس المسوح ،وهي ثياب الشعر ،وقلد ولده الملك ،واشتغل
بالعبادة حتححى يموت .وهححم يحتفلون فححي بناء هذه المانسححتارات ،ويعملونهححا بالرخام
والفسحيفساء ،وهحي كثيرة بهذه المدينحة ودخلت محع الرومحي الذي عينحه الملك للركوب
معحي إلى مانسحتار يشقحه نهحر ،وفيحه كنيسحة فيهحا نححو خمسحمائة بكحر ،عليهحن المسحوح
ورؤوسحهن محلوقحة فيهحا قلنيحس اللبحد ،ولهحن جمال فائق ،وعليهحن أثحر العبادة .وقحد
قعحد صحبي على منحبر يقرأ لهحن النجيحل بصحوت لم أسحمع قحط أحسحن منحه ،وحوله
ثمانية من الصبيان على منابر ،ومعهم قسيسهم .فلما قرأ هذا الصبي قرأ صبي آخر.
وقال لي الرومححي :إن هؤلء البنات مححن بنات الملوك ،وهبححن أنفسححهن لخدمححة هذه
الكنيسححة ،وكذلك الصححبيان القراء ،ولهححم كنيسححة أخرى خارج تلك الكنيسححة .ودخلت
أيضاً إلى كنيسحة فحي بسحتان فوجدنحا بهحا نححو خمسحمائة بكحر أو أزيحد وصحبياً يقرأ لهحن
على منحبر ،وجماعحة صحبيان معحه على منابر مثحل الوليحن ،فقال لي الرومحي :هؤلء
بنات الوزراء والمراء يتعبدن بهذه الكنيسحححة .ودخلت إلى كنائس فيهحححا أبكار محححن
وجوه أهحل البلد ،وإلى كنائس فيهحا العجائز والقواعحد محن النسحاء ،وإلى كنائس فيهحا
الرهبان ،يكون في الكنيسة منه مائة رجل أو أكثر أو أقل ،وأكثر هذه المدينة رهبان
ومتعبدون وقسححيسون .وكنائسححها ل تحصححى كثرة .وأهححل المدينححة مححن جندي وغيره
صححغير وكححبير يجعلون على رؤوسححهم المظلت الكبار شتاء وصححيفاً ،والنسححاء لهححن
عمائم كبار.
وهذا الملك ولى الملك لبنححه ،وانقطححع للعبادة ،وبنححى مانسححتاراً كمححا ذكرناه خارج
المدينحة على سحاحلها .وكنحت يوماً محع الرومحي المعيحن للركوب معحي فإذا بهذا الملك
ماشٍح على قدميحه ،وعليحه المسحوح وعلى رأسحه قلنسحوة لبحد ،وله لحيحة بيضاء طويلة
ووجهحه حسحن عليحه أثحر العبادة ،وخلفحه وأمامحه جماعحة محن الرهبان ،وبيده عكاز،
وعلى عنقحه سحبحة .فلمحا رآه الرومحي نزل وقال لي :انزل فهذا والد الملك .فلمحا سحلم
عليححه الرومححي سححأله عنححي ،ثححم وقححف وبعححث لي فجئت إليححه فأخححذ بيدي وقال لذلك
الرومحي ،وكان يعرف اللسحان العربحي :قحل لهذا السحراكنوا ،يعنحي المسحلم أنحا أصحافح
اليد التي دخلت بيت المقدس ،والرجل التي مشت داخل الصخرة والكنيسة العظمى
التحي تسحمى قمامحة وبيحت لححم ،وجعحل يده على قدمحي ومسحح بهحا وجهحه ،فعجبحت محن
اعتقادهم فيمن دخل تلك المواضع من غير ملتهم ،ثم أخذ بيدي ومشيت معه فسألني
عحن بيحت المقدس ومحن فيحه محن النصحارى ،وأطال السحؤال ،ودخلت معحه إلى حرم
الكنيسحة الذي وصحفناه آنفاً .ولمحا قارب الباب العظحم خرجحت جماعحة محن القسحيسين
والرهبان للسحلم عليحه ،وهحو محن كبارهحم فحي الرهبانيحة .ولمحا رآهحم أرسحل يدي فقلت
له :أريحد الدخول معحك إلى الكنيسحة .فقال للترجمان :قحل له :لبحد لداخلهحا محن السحجود
للصححليب العظححم ،فإن هذا ممححا سححنته الوائل ،ول يمكححن خلفححه ،فتركتححه ،ودخححل
ولمحا فارقحت الملك المترهحب المذكور دخلت سحوق الكتاب ،فرآنحي القاضحي فبعحث
إلي أحد أعوانه ،فسأل الرومي الذي معي ،فقال له :إنه من طلبة المسلمين .فلما عاد
إليحه وأخحبره بذلك بعحث إلي أححد أعوانحه ،وهحم يسحمون القاضحي النجشحي كفالي ،فقال
لي :النجشحي كفالي يدعوك ،فصحعدت إليحه ،إلى القبحة التحي تقدم ذكرهحا ،فرأيحت شيخاً
حسن الوجه واللمة ،عليه لباس الرهبان وهو الملف السود ،وبين يديه نحو عشرة
محن الكتاب يكتبون .فقام إلي وقام أصححابه ،وقال :أنحت ضيحف الملك ،ويجحب علينحا
إكرامحححك .وسحححألني عحححن بيحححت المقدس والشام ومصحححر وأطال الكلم وكثحححر عليحححه
الزدحام ،وقال لي :لبحد لك أن تأتحي إلى داري فأضيفحك .فانصحرفت عنحه ،ولم ألقحه
بعد.
ذكر النصراف عن القسطنطينية
ولما ظهر لمن كان في صحبة الخاتون من التراك أنها على دين أبيها وراغبة في المقام
معه ،طلبوا منها الذن في العودة إلى بلدهم ،فأذنت لهم ،وأعطتهم عطاء جزيلً ،وبعثت
معهم من يوصلهم إلى بلدهم أميراً يسمى ساروجة الصغير في خمسمائة فارس ،وبحثت
عني فأعطتني ثلثمائة دينار من ذهبهم يسمونه البربرة وليس بالطيب ،وألفي درهم بندقية
وشقة ملف من عمل البنات ،وهو أجود أنواعه ،وعشرة أثواب من حرير وكتان وصوف،
وفرسين ،وذلك من عطاء أبيها ،وأوصت بي ساروجة وودعتها وانصرفت .وكانت مدة
مقامي عندهم شهراً وستة أيام .وسافرنا صحبة ساروجة ،فكان يكرمني ،حتى وصلنا إلى
آخر بلدهم ،حيث تركنا أصحابنا وعرباتنا ،فركبنا العربات ودخلنا البرية ،ووصل
ساروجة معنا إلى مدينة بابا سلطوق ،وأقام بها ثلثًا في الضيافة ،وانصرف إلى بلده،
وذلك في اشتداد البرد ،وكنت ألبس ثلث فروات وسروالين أحدهما مبطن ،وفي رجلي
خف من صوف ،وفوقه خف مبطن بثوب كتان ،وفوقه خف من البرغالي وهو جلد الفرس
مبطن بجلد ذئب ،وكنت أتوضأ بالماء الحار بمقربة من النار ،فما تقطر من الماء قطرة إل
جمدت لحينها .وإذا غسلت وجهي بالماء إلى لحيتي فيجمد فأحركها فيسقط منها شبه الثلج،
والماء الذي ينزل من النف يجمد على الشارب ،وكنت ل أستطيع الركوب لكثرة ما علي
من الثياب حتى يركبني أصحابي.
ثم وصلت إلى مدينة الحاج ترخان حيث فارقنا السلطان أوزبك ،فوجدناه قد رحل واستقر
بحضرة ملكه؛ فسافرنا على نهر أتل وما يليه من المياه ثلثاً وهي جامدة .وكنا إذا احتجنا
الماء قطعنا قطعاً من الجليد وجعلناه في القدرة حتى يصير ماء ،فنشرب منه ونطبخ به.
ووصلنا إلى مدينة السرا " وضبط اسمها بسين مهمل وراء مفتوحة والف " ،وتعرف بسرا
بركة ،وهي حضرة السلطان أوزبك .ودخلنا على السلطان فسألنا عن كيفية سفرنا ،وعن
ملك الروم ومدينته ،فأعلمناه .وأمر بإجراء النفقة علينا ،وأنزلنا.
ومدينة السرا ،من أحسن المدن ،متناهية الكبر ،في بسيط من الرض ،تغص بأهلها كثرة،
حسنة السواق ،متسعة الشوارع.
وركبنا يوماً مع بعض كبرائها ،وغرضنا التطوف عليها ومعرفة مقدارها ،وكان منزلنا في
طرف منها ،فركبنا منه غدوة .فما وصلنا لخرها إل بعد الزوال ،فصلينا الظهر ،وأكلنا
طعامنا .فما وصلنا إلى المنزل إل عند المغرب ومشينا يوماً في عرضها ذاهبين راجعين
في نصف يوم ،وذلك في عمارة متصلة الدور ل خراب فيها ول بساتين .وفيها ثلثة عشر
مسجداً لقامة الجمعة أحدها للشافعية ،وأما المساجد سوى ذلك فكثيرة جداً .وفيها طوائف
من الناس .منهم المغل ،وهم أهل البلد والسلطين ،وبعضهم مسلمون ،ومنهم الص ،وهم
مسلمون ،ومنهم القفجق والجركس والروس والروم ،وهم نصارى؛ وكل طائفة تسكن محلة
على حدة فيها ،أسواقها والتجار والغرباء من أهل العراقين ومصر والشام وغيرها،
ساكنون بمحلة عليها سور ،احتياطاً على أموال التجارة.
وقصر السلطان بها يسمى ألطون طاش ،وألطون " بفتح الهمزة وسكون اللم وضم الطاء
المهمل وواو مد ونون " ومعناه الذهب وطاش " بفتح الطاء المهمل وشين معجم " ومعناه
حجر وقاضي هذه الحضرة بدر الدين العرج من خيار القضاة.
وبها من مدرسي الشافعية الفقيه المام الفاضل صدر الدين سليمان اللكزي ،أحد الفضلء،
وبها من المالكية شمس الدين المصري ،وهو ممن يطعن في ديانته .وبها زاوية الصالح
الحاج نظام الدين ،أضافنا بها وأكرمنا ،وبها زاوية الفقيه المام العالم نعمان الدين
الخوارزمي ،رأيته بها ،وهو من فضلء المشايخ ،حسن الخلق كريم النفع شديد التواضع
شديد السطوة على أهل الدنيا ،يأتي إليه السلطان أوزبك زائراً في كل جمعة فل يستقبله ول
يقوم إليه ،ويقعد السلطان بين يديه ويكلمه ألطف كلم ويتواضع له ،والشيخ بضد ذلك.
وفعله مع الفقراء والمساكين والواردين خلف فعله مع السلطان ،فإنه يتواضع لهم ويكلمهم
بألطف كلم ويكرمهم ،وأكرمني جزاه ال خيراً ،وبعث إلي بغلم تركي ،وشاهدت له
بركة.
كرامة له :كنت أردت السفر من السرا إلى خوارزم ،فنهاني عن ذلك ،وقال لي :أقم أياماً
وحينئذ نسافر فنازعتني النفس ،ووجدت رفقة كبيرة آخذة في السفر .فيهم تجار أعرفهم،
فاتفقت معهم على السفر في صحبتهم ،وذكرت له ذلك فقال لي :ل بد لك من القامة.
فعزمت على السفر فأبق لي الغلم ،وأقمت بسببه .وهذه الكرامات الظاهرة.
ولمحا كان بعحد ثلث وجحد بعحض أصححابي ذلك الغلم البحق بمدينحة الحاج ترخان،
فجاء به إلي فحينئذ سافرت إلى خوارزم وبينها وبين حضرة السرا صحراء مسيرة
أربعين يوماً ،ل تسافر فيها الخيل لقلة الكل ،وإنما تجر العربات بها الجمال ،فسرنا
من السرا عشرة أيام فوصلنا إلى مدينة سراجوق وجوق " بضم الجيم المعقود وواو
وقاف " ،ومعنحى جوق صحغير .فكأنهحم قالوا :سحرا الصحغيرة ،وهحي على شاطحئ نهحر
كحبير زخار ،يقال له :ألوصحو " بضحم الهمحز واللم وواو وضحم الصحاد المهمحل وواو
" ،ومعناه الماء الكححبير ،وعليححه جسححر مححن قوارب كجسححر بغداد .وإلى هذه المدينححة
انتهى سفرنا بالخيل التي تجر العربات ،وبعناها بحساب أربعة دنانير دراهم للفرس
وأقل من ذلك لجل ضعفها ورخصها بهذه المدينة ،واكترينا الجمال لجر العربات.
وبهذه المدينة زاوية لرجل صالح معمر من الترك يقال له أطا " بفتح الهمز والطاء
المهمحل " ،ومعناه الوالد ،أضافنحا بهحا ودعحا لنحا .وأضافنحا أيضاً قاضيهحا ،ول أعرف
اسححمه .ثححم سححرنا منهححا ثلثيححن يوماً سححيراً جاداً ل ننزل إل سححاعتين :إحداهمححا عنححد
الضحححححى ،والخرى عنححححد المغرب .وتكون القامححححة قدر مححححا يطبخون الدوقححححي
ويشربونحه ،وهحو يطبحخ محن غليحة واحدة ،ويكون معهحم الخليحع محن اللححم ،يجعلونحه
عليحه ،ويصحبون عليحه اللبحن .وكحل إنسحان إنمحا ينام أو يأكحل فحي عربتحه حال السحير.
وكان لي فححي عربتححي ثلث مححن الجواري .ومححن عادة المسححافرين فححي هذه البريححة
السراع ،لقلة أعشابها .والجمال التي تقطعها يهلك معظمها ،وما يبقى منها ل ينتفع
بحه إل فحي سحنة أخرى ،بعحد أن يسحمن .والماء فحي هذه البريحة فحي مناهحل معلومحة بعحد
اليومين والثلثة ،وهو ماء المطر والحسيان .ثم لما سلكنا هذه البرية وقطعناها كما
ذكرناه ،وصلنا إلى خوارزم ،وهي أكبر مدن التراك وأعظمها وأجملها وأضخمها،
لهحا السحواق المليححة والشوارع الفسحيحة والعمارة الكثيرة والمحاسحن الثيرة .وهحي
ترتححج بسححكانها لكثرتهححم ،وتموج بهححم موج البحححر .ولقححد ركبححت بهححا يوماً ودخلت
السوق ،فلما توسطته وبلغت منتهى الزحام في موضع يقال له الشهور " بفتح الشين
المعجحم وإسحكان الواو " ،لم أسحتطع أن أجوز ذلك الموضحع لكثرة الزدحام ،وأردت
الرجوع فمحا أمكننحي لكثرة الناس فبقيحت متحيراً ،وبعحد جهحد شديحد رجعحت .وذكحر لي
بعض الناس ان تلك السوق يخف زحامها يوم الجمعة .وتوجهت إلى المسجد الجامع
والمدرسحة .وهذه المدينحة تححت إمرة السحلطان أوزبحك .وله فيهحا أميحر كحبير يدعحى
قطلودمور ،وهحو الذي عمحر هذه المدرسحة ومحا معهحا محن المواضحع المضافحة .وأمحا
الجامحع فعمرتحه زوجتحه الخاتون الصحالحة ترابحك " بضحم التاء المعلوة وفتحح والف "
وبحك " بفتحح الباء الموحدة والكاف " ،وبخوارزم مارسحتان له طحبيب شامحي يعرف
بالصحهيوني ،نسحبة إلى صحهيون محن بلد الشام .ولم أر فحي بلد الدنيحا أحسحن أخلقاً
مححن أهححل خوارزم ،ول أكرم نفوس حاً ،ول أحححب فححي الغرباء .ولهححم عادة جميلة فححي
الصحلة لم أرهحا لغيرهحم .وهحي أن المؤذنيحن بمسحاجدها يطوف كحل واححد منهحم على
دور جيران مسجده معلماً لهم بحضور الصلة ،فمن لم يحضر الصلة مع الجماعة
ضربه المام بمحضر الجماعة .وفي كل جامع درة معلقة برسم ذلك ،ويغرم خمسة
دنانيححر تنفححق فححي مصححالح الجامححع ،أو تطعححم للفقراء والمسححاكين .ويذكرون أن هذه
العادة عندهحم مسحتمرة على قديحم الزمان .وبخارج خوارزم نهحر جيحون أححد النهار
الربعحة التحي محن الجنحة وهحو يجمحد فحي أوان البرد كمحا يجمحد نهحر أتحل .ويسحلك الناس
عليحه ،وتبقحى مدة جموده خمسححة أشهححر .وربمحا سحلكوا عليحه عنحد أخذه فححي الذوبان
فهلكوا .ويسافر فيه أيام الصيف بالمراكب إلى ترمذ ،ويجلبون منها القمح والشعير،
وهحي مسحيرة عشحر للمنحدر .وبخارج خوارزم زاويحة مبنيحة على تربحة الشيحخ نجحم
الديحن الكحبري ،وكان محن كبار الصحالحين .وفيهحا الطعام للوارد والصحادر ،وشيخهحم
المدرس سحيف الديحن بحن عضبحة ،محن كبار أهحل خوارزم ،وبهحا أيضاً زاويحة شيخهحا
الصححالح المجاور جلب الديححن السححمرقندي ،مححن كبار الصححالحين ،أضافنححا بهححا.
وبخارجهحا قحبر المام العلمحة أبحي القاسحم محمود بحن عمحر الزمخشري ،وعليحه قبحة.
وزمخشحر قريحة على مسحافة أربعة أميال من خوارزم .ولما أتيت بهذه المدينحة نزلت
بخارجهحا ،وتوجحه بعحض أصححابي إلى القاضحي الصحدر أبحي حفحص عمحر البكري،
فبعث إلي نائبه نور السلم فسلم علي ،ثم عاد إليه .ثم أتى القاضي في جماعة من
أصححابه فسحلم علي ،وهحو فتحي السحن ،كحبير الفعال ،وله نائبان :أحدهمحا نور السحلم
المذكور .والخحر نور الديحن الكرمانحي محن كبار الفقهاء ،وهحو الشديحد فحي أحكامحه،
ولمححا حصححل الجتماع بالقاضححي قال لي :إن هذه المدينححة كثيرة الزحام ،ودخولكححم
نهاراً ل يتأتحى ،وسحيأتي إليكحم نور السحلم لتدخلوا معحه فحي آخحر الليحل ،ففعلنحا ذلك.
ونزلنحا بمدرسحة جديدة ليحس بهحا أححد .ولمحا كان بعحد صحلة الصحبح أتحى إلينحا القاضحي
المذكور ،ومعحه محن كبار المدينحة جماعحة منهحم ،مولنحا همام الديحن ،ومولنحا زيحن
الديحن المقدسحي ،ومولنحا رضحي الديحن يحيحى ،ومولنحا فضحل ال الرضوي ،ومولنحا
جلب الدين العمادي ،ومولنحا شمحس الديحن السحنجري إمام أميرها .وهحم أهل مكارم
وفضائل ،والغالب على مذهبهحم العتزال ،لكنهحم ل يظهرونحه ،لن السحلطان أوزبحك
وأميره على هذه المدينحة قطلودمور محن أهحل السحنة .وكنحت أيام إقامتحي بهحا أصحلي
الجمعحة محع القاضحي أبحي حفحص عمحر المذكور بمسحجده ،فإذا فرغحت الصحلة ذهبحت
معحه إلى داره ،وهحي قريبحة محن المسحجد ،فأدخحل معحه إلى مجلسحه ،وهحو محن أبدع
المجالس فيحه الفرش الحافلة ،وحيطانحه مكسحوة بالملف ،وفيحه طيقان كثيرة ،وفحي كحل
طاق منهحا أوانحي الفضحة المموهحة بالذهحب ،والوانحي العراقيحة .وكذلك عادة أهحل تلك
البلد أن يصنعوا في بيوتهم ،ثم يأتي بالطعام الكثير ،وهو من أهل الرفاهية والمال
الكثيحر والرباع .وهحو سحلف الميحر قطلودمور ،متزوج بأخحت امرأتحه ،واسحمها جيجحا
أغححا .وبهذه المدينححة جماعححة مححن الوعاظ والمذكريححن ،أكححبرهم مولنححا زيححن الديححن
المقدسحي ،والخطيحب مولنحا حسحام الديحن المشاطحي الخطيحب المصحقع أححد الخطباء
الم " ،ودمور " بضضضم الدال المهمضضل والميضضم وواو مضضد وراء " ،ومعنضضى اسضضمه
الحديضد المبارك .لن قطلو هضو المبارك ودمور هضو الحديضد .وهذا الميضر ابضن خالة
السضلطان المعظضم محمضد أوزبضك ،وأكضبر أمرائه ،وهضو واليضه على خراسضان .وولده
هارون بضضك متزوج بابنضضة السضضلطان المذكور التضضي أمهضضا الملكضضة طيطغلي المتقدم
ولمضا أتانضي القاضضي مسضلماً علي كمضا ذكرتضه ،قال لي :إن الميضر قضد علم بقدومضك،
وبضه بقيضة مرض يمنعضه مضن التيان إليضك .فركبضت مضع القاضضي إلى زيارتضه وأتينضا
داره ،فدخلنضا مشوراً كضبيراً أكثضر بيوتضه خشضب ،ثضم دخلنضا مشوراً صضغيراً فيضه قبضة
خشضب مزخرفضة ،قضد كسضيت حيطانهضا بالملف الملون ،وسضقفها بالحريضر المذهضب،
والميضر على فرش له مضن الحريضر ،وقضد غطضى رجليضه لمضا بهمضا مضن النقرس ،وهضي
علة فاشية في الترك ،فسلمت عليه ،وأجلسني إلى جانبه ،وقعد القاضي والفقهاء.
وسألني عن سلطانه الملك محمد أوزبك ،وعن الخاتون بيلون ،وعن أبيها ،وعن
مدينضة القسضطنطينية ،فأعلمتضه بذلك كله .ثضم أتضي بالموائد فيهضا الطعام مضن الدجاج
المشوي والكراكضي وأفراخ الحمام وخبضز معجون بالسضمن يسضمونه الكليجضا والكعضك
والحلوى ،ثم أتي بموائد أخرى فيها الفواكه من الرمان المحبب في أواني الذهب
والفضضة ،ومعضه ملعضق الذهضب .وبعضضه فضي أوانضي الزجاج العراقضي ومعضه ملعضق
الخشب ،ومن العنب والبطيخ العجيب .ومن عوائد هذا المير أن يأتي القاضي في
كضضل يوم إلى مشوره ،فيجلس بمجلس معضضد له ومعضضه الفقهاء وكتابضضه ،ويجلس فضضي
مقابلة أحد المراء الكبار ،ومعه ثمانية من كبراء أمراء الترك وشيوخهم ،يسمون
الرغجيضة " بارغوجضي " ،ويتحاكضم الناس إليهضم .فمضا كان مضن القضايضا الشرعيضة
حكضضم فيهضضا القاضضضي ،ومضضا كان مضضن سضضواها حكضضم فيهضضا أولئك المراء .وأحكامهضضم
مضبوطة عادلة .لنهم ل يتهمون بميل ول يقبلون رشوة ،ولما عدنا إلى المدرسة
بعضضد الجلوس مضضع الميضضر بعضضث إلينضضا الرز وزالدقيضضق والسضضمن والبزار وأحمال
الحطب .وتلك البلد كلها ل يعرف بها الفحم ،وكذلك الهند وخراسان وبلد العجم.
وأمضا الصضين فيوقدون فيهضا حجارة تشتعضل فيهضا النار كمضا تشتعضل فضي الفحضم ،ثضم إذا
صضضضارت رماداً عجنوه بالماء وجففوه بالشمضضضس وطبخوا بهضضضا ثانيضضضة كذلك حتضضضى
صحليت فحي بعحض أيام الجمحع على عادتحي بمسحجد أبحي حفحص ،فقال لي :إن الميحر
أمر لك بخمسمائة درهم ،وأمر أن يصنع لك دعوة ينفق فيها خمسمائة درهم أخرى.
يحضرها المشايخ والفقهاء والوجوه .فلما أمر بذلك قلت له :أيها المير تصنع دعوة
يأكحل محن حضرهحا لقمحة أو لقمتيحن ،لو جعلت له جميحع المال كان أحسحن له للنفحع.
فقال :أفعحل ذلك .وقحد أمحر لك باللف كاملة ،ثحم بعثهحا الميحر صححبة إمامحه شمحس
الديحن السحنجري فحي خريطحة يحملهحا غلمحه ،وصحرفها محن الذهحب المغربحي ثلثمائة
دينار .زوكنت قد اشتريت ذلك اليوم فرسًا أدهم اللون بخمسة وثلثين ديناراً دراهم،
وركبته في ذهابي الى المسجد ،فما اعطيت ثمنه إل من تلك اللف .وتكاثرت عندي
الخيل بعد ذلك ،حتى انتهت إلى عدد ل أذكره خيفة مكذب يكذب به ،ولم تزل حالي
فحي الزيادة حتحى دخلت أرض الهنحد .وكانحت عندي خيحل كثيرة ،،لكنحي كنحت أفضحل
هذا الفرس وأوثره وأربطحه امام الخيحل .وبقحي عندي إلى انقضاء ثلث سحنين .ولمحا
هلك تغيرت حالي ،وبعثحت إلي الخاتون جيجحا أغحا امرأة القاضحي مائة دينار دراهحم.
وصحنعت لي أختهحا ترابحك زوجحة الميحر دعوة جمعحت لهحا الفقهاء ووجوه المدينحة
بزاويتها التي بنتها ،وفيها الطعام للوارد والصادر ،وبعثت إلي بفروة سمور وفرس
حكاية
ولمححا انفصححلت مححن الدعوة التححي صححنعت لي هذه الخاتون وخرجححت عححن الزاويححة،
تعرضحت لي بالباب امرأة عليهحا ثياب دنسحة ،وعلى رأسحها مقنعحة ،ومعهحا نسحوة ل
أذكحر عددهحن .فسحلمت علي ،فرددت عليهحا السحلم ،ولم أقحف معهحا ول التفحت إليهحا.
فلمححا خرجححت أدركنححي بعححض الناس وقال لي :إن المرأة التححي سححلمت عليححك هححي
الخاتون .فخجلت عنححد ذلك ،وأردت الرجوع إليهححا فوجدتهححا قححد انصححرفت .فأبلغححت
إليها السلم مع بعض خدامها واعتذرت عما كان مني لعدم معرفتي بها.
وبطيحخ خوارزم ل نظيحر له فحي بلد الدنيحا شرقاً ول غرباً ،إل محا كان محن بطيحخ
بخارى ،ويليه بطيخ أصفهان ،وقشره أخضر ،وباطنه أحمر .وهو صادق الحلوة،
وفيه صلبة .ومن العجائب أنه يقدد وييبس في الشمس .ويجعل في القواصر ،كما
يصحنع عندنحا بالشريححة وبالتيحن المالقحي .ويحمحل محن خوارزم إلى أقصحى بلد الهنحد
والصحين .وليحس فحي جميحع الفواكحه اليابسحة أطيحب منحه .وكنحت أيام إقامتحي بدهلي محن
بلد الهنحد متحى قدم المسحافرون بعثحت محن يشتري لي منهحم قديحد البطيحخ .وكان ملك
الهنحد إذا أتحي اليحه بشيحء منحه بعحث إلي بحه لمحا يعلم محن محبتحي فيحه .ومحن عادتحه أن
حكاية
كان قد صحبني من مدينة السرا إلى خوارزم شريف من أهل كربلء يسمى علي
بححن منصححور ،وكان مححن التجار ،فكنححت أكلفححه أن يشتري لي الثياب وسححواها ،فكان
ويدفححع الديناريححن مححن ماله ،وأنححا ل علم لي بفعله ،إلى أن تعرفححت ذلك على ألسححنة
الناس ،وكان مع ذلك قد أسلفني دنانير .فلما وصل إلي إحسان أمير خوارزم رددت
اليحه محا أسحلفنيه ،وأردت أن أحسحن بعده إليحه مكأفاة لفعاله الحسحنة فأبحى ذلك ،وحلف
أن ل أفعل .وأردت أن أحسن إلى فتى كان له اسمه كافور ،فحلف أن ل أفعل ،وكان
أكرم محن لقيتحه محن العراقييحن .وعزم على السحفر معحي إلى بلد الهنحد .ثحم إن جماعحة
محن أهحل بلده وصحلوا إلى خوارزم برسحم السحفر إلى الصحين ،فأخحذ فحي السحفر معهحم.
فقلت له في ذلك .فقال :هؤلء أهل بلدي ،يعودون إلى أهلي وأقاربي ،ويذكرون أني
سحافرت إلى الهنحد برسحم الكديحة ،فيكون سحبة علي ،ل أفعحل ذلك ،وسحافر معهحم إلى
الصين فبلغني بعد ،وأنا بأرض الهند أنه لما بلغ إلى مدينة المالق ،وهي آخر البلد
التحي محن عمالة محا وراء النهحر وأول بلد الصحين ،أقام بهحا ،وبعحث فتحى له بمحا كان
عنده محن المتاع ،فأبطحأ الفتحى عليحه .وفحي أثناء ذلك وصحل محن بلده بعحض التجار،
ونزل معحه فحي فندق واححد .فطلب منحه الشريحف أن يسحلفه شيئاً بخلل محا يصحل فتاه،
فلم يفعل ،ثم أكد قبح ما صنع في عدم التوسعة على الشريف بأن أراد الزيادة عليه
في المسكن الذي كان له في الفندق ،فبلغ ذلك الشريف ،فاغتم منه ،ودخل إلى بيته،
فذبح نفسه ،فأدرك وبه رمق ،واتهموا غلماً كان له بقتله .فقال :ل تظلموه ،فإني أنا
وكان قحد حكحى لي عحن نفسحه أنحه أخحذ مرة محن بعحض تجار دمشحق سحتة آلف درهحم
قراضاً ،فلقيه ذلك التاجر بمدينة حماة من أرض الشام ،فطلبه بالمال ،وكان قد باع
ما اشترى به من المتاع بالدين ،فاستحيا من صاحب المال ،ودخل إلى بيته ،وربط
عمامته بسقف البيت ،وأراد أن يخنق نفسه .وكان في أجله تأخير ،فتذكر صاحباً له
محححن خوارزم اكتريحححت جمالً واشتريحححت محارة ،وكان عديلي بهحححا عفيحححف الديحححن
التوزري ،وركب الخدام بعض الخيل ،وجللنا باقيها لجل البرد ،ودخلنا البرية التي
بيحن خوارزم وبخارى ،وهحي مسحيرة ثمانيحة عشحر يومًا فحي رمال ل عمارة بهحا إل
بلدة واحدة .فودعحححت الميحححر قطلودمور ،وخلع علي خلعحححة ،وخلع على القاضحححي
أخرى ،وخرج مححع الفقهاء لوداعححي .وسححرنا أربعححة أيام ووصححلنا إلى مدينححة ألكات،
وليس بهذه الطريق عمارة سواها " ،وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون اللم وفتح
الكاف وآخره تاء مثناة " ،وهححي صححغيرة حسححنة .نزلنححا خارجهححا على بركححة ماء قححد
جمدت مححن البرد .فكان الصححبيان يلعبون فوقهححا ،ويزلقون عليهححا .وسححمع بقدومححي
قاضحي ألكات ،ويسحمى صحدر الشريعحة ،وكنحت قحد لقيتحه بدار قاضحي خوارزم .فجاء
إلي مسحلماً مع الطلبة وشيحخ المدينحة الصالح العابحد محمود الخيوفحي .ثحم عرض على
القاضحي الوصحول إلى أميحر تلك المدينحة .فقال له الشيحخ محمود :القادم ينبغحي له أن
يزار ،وإن كانت لنا همة نذهب إلى أمير المدينة ونأتي به ،ففعلوا ذلك .وأتى المير
بعحد سحاعة فحي أصححابه ،وخدامحه فسحلمنا عليحه .وكان غرضنحا تعجيحل السحفر ،فطلب
منا القامة وصنع دعوة ،جمع لها الفقهاء ووجوه العساكر وسواهم ،ووقف الشعراء
يمدحونه .وأعطاني كسوة وفرساً جيداً ،وسرنا على الطريق المعروفة بسيباية .وفي
ووصحلنا بعحد ذلك إلى بلدة وبكنحة " وضبحط اسحمها بفتحح الواو وإسحكان الباء الموحدة
وكاف ونون " ،وهحححي على مسحححيرة يوم واححححد محححن بخارى بلدة حسحححنة ذات أنهار
وبسحاتين .وهحم يدخرون العنحب محن سحنة إلى سحنة ،وعندهحم فاكهحة يسحمونها العلو "
اللو " بالعيححن المهملة وتشديححد اللم فييبسححونه ،ويجلبححه الناس إلى الهنححد والصححين،
ويجعحل عليحه الماء ،ويشرب ماؤه .وهحو أيام كونحه أخضحر حلو ،فإذا يبحس صحار فيحه
ثم سرنا في بساتين متصلة وأنهار وأشجار وعمارة يوماً كاملً ،ووصلنا إلى مدينة
بخارى التحي ينسحب إليهحا إمام المحدثيحن أبحو عبحد ال محمحد بحن إسحماعيل البخاري.
وهذه المدينحة كانحت قاعدة محا وراء نهحر جيحون محن البلد ،وخربهحا اللعيحن تنكيحز
التتري ،جححد ملوك العراق .فمسححاجدها الن ومدارسححها وأسححواقها خربححة إل القليححل،
الباطحل وإنكار الححق .وليحس بهحا اليوم محن الناس محن يعلم شيئاً محن العلم ول محن له
عناية به.
كان تنكيحز خان حداداً بأرض الخطحا ،وكان له كرم نفحس وقوة وبسحطة فحي الجسحم،
وكان يجمع الناس ويطعمهم .ثم صارت له جماعة فقدموه على أنفسهم ،وغلب على
بلده وقوي واشتدت شوكتححه واسححتفحل أمره ،فغلب على ملك الخطححا ،ثححم على ملك
الصححين .وعظمححت جيوشححه ،وتغلب على بلد الختححن وكاشغححر والمالق ،وكان جلل
الديححن سححنجر بححن خوارزم شاه ملك خوارزم وخراسححان ومححا وراء النهححر ،له قوة
عظيمة وشوكة ،فهابه تنكيز وأحجم عنه ولم يتعرض له .فاتفق أن بعث تنكيز تجاراً
بأمتعحة الصحين والخطحا محن الثياب الحريريحة وسحواها إلى بلدة أطرار " بضحم الهمزة
" ،وهحي آخحر عمالة جلل الديحن .فبعحث إليحه عامله عليهحا ،معلمًا بذلك ،واسحتأذنه محا
يفعحل فحي أمرهحم ،فكتحب إليحه يأمره أن يأخحذ موالهحم ويمثحل بهحم ويقطحع أعضائهحم
ويردهحم إلى بلدهحم ،لمحا أراد ال تعالى محن شقاء أهحل بلد المشرق ومحنتهحم رأياً
فائلً وتدبيراً سيئاً مشئوماً .فلما فعل ذلك ،تجهز تنكيز بنفسه في عساكر ل تحصى
كثرة برسححم غزو بلد السححلم .فلمححا سححمع عامحل أطرار بحركتحه بعحث الجواسححيس
ليأتوه بخحبره ،فذكحر أن أحدهحم دخحل محلة بعحض أمراء تنكيحز فحي صحورة سحائل ،فلم
يجد من يطعمه .ونزل إلى جانب رجل منهم فلم ير عنده زاداً ،ول أطعمه شيئاً .فلما
أمسحى أخرج مطراناً يابسحة عنده ،فبلهحا بالماء ،وفصحد فرسحه وملهحا بدمحه وعقدهحا
وشواهحا بالنار ،فكانحت طعامحه .فعاد إلى أطرار ،فأخحبر عاملهحا بأمرهحم ،وأعلمحه أن
ل طاقة لحد بقتالهم .فاستمد مليكه جلل الدين ،فأمده بستين ألفاً زيادة على من كان
عنده من العساكر .فلما وقع القتال هزمهم تنكيز ،ودخل مدينة أطرار بالسيف ،فقتل
الرجال وسحبى الذراري ،وأتحى جلل الديحن بنفسحه لمحاربتحه ،فكانحت بينهحم وقائع ل
يعلم في السلم مثلها .وآل المر إلى أن تملك تنكيز ما وراء النهر ،وخرب بخارى
وسحمرقند وترمحذ ،وعحبر النهحر ،وهحو نهحر جيحون ،إلى مدينحة بلخ فتملكهحا ،ثحم إلى
الياميان " الباميان " فتملكهحا ،وأوغحل فحي بلد خراسحان وعراق العجحم .فثار عليحه
المسحلمون فحي بلخ ،وفحي محا وراء النهحر .فكحر عليهحم ،ودخحل بلخ بالسحيف ،وتركهحا
ثم فعل مثل ذلك في ترمذ ،فخربت ،ولم تعمر بعد ،لكن بنيت مدينة على ميلين منها
هححي التححي تسححمى اليوم ترمححذ .وقتححل أهححل الياميان " الباميان " وهدمهححا بأسححرها إل
صحومعة جامعهحا ،وعفحا عحن أهحل بخارى وسحمرقند ،ثحم عاد بعحد ذلك إلى العراق.
وانتهحى أمحر التتحر حتحى دخلوا حضرة السحلم ودار الخلفحة بغداد بالسحيف ،وذبحوا
قال ابحن جزي :أخبرنحا شيخنحا قاضحي القضاة أبحو البركات ابحن الحاج أعزه ال قال:
سحمعت الخطيحب أبحا عبحد ال ابحن رشيحد يقول :لقيحت بمكحة نور الديحن بحن الزجاج محن
علماء العراق ،ومعححه ابحن أخ له ،فتفاوضنححا الحديححث ،فقال لي :هلك فححي فتنححة التتححر
بالعراق أربعة وعشرون ألف رجل من أهل العلم ،ولم يبق منهم غيري وغير ذلك،
قال ،ونزلنحا محن بخارى بربضهحا المعروف بفتحح أباد حيحث قحبر الشيحخ العالم العابحد
الزاهحد سحيف الديحن الباخرزي ،وكان محن كبار الولياء .وهذه الزاويحة المنسحوبة لهذا
الشيخ حيث نزلنا عظيمة ،لها أوقاف ضخمة يطعم منها الوارد والصادر ،وشيخها
محن ذريتحه ،وهحو الحاج السحياح يحيحى الباخرزي .وأضافنحي هذا الشيحخ بداره ،وجمحع
وجوه أهل المدينة وقرأ القراء بالصوات الحسان ،ووعظ الواعظ ،وغنوا بالتركي
والفارسي على طريقة حسنة .ومرت لنا هنالك ليلة بديعة من أعجب الليالي ،ولقيت
بهحا الفقيحه العالم الفاضحل صحدرالشريعة ،وكان قحد قدم محن هراة ،وهحو محن الصحلحاء
الفضلء .وزرت ببخارى قححبر المام العالم أبححي عبححد ال البخاري مصححنف الجامححع
الصحيح ،شيخ المسلمين رضي ال عنه ،وعليه مكتوب :هذا قبر محمد بن إسماعيل
البخاري ،وقد صنف من الكتب كذا وكذا .وأيضاً على قبور علماء بخارى أسماؤهم
وأسحماء تصحانيفهم .وكنحت قيدت محن ذلك كثيراً ،وضاع منحي فحي جملة محا ضاع لي،
ثححم سححافرنا مححن بخارى قاصححدين معسححكر السححلطان الصححالح المعظححم علء الديححن
طرمشيرين ،وسنذكره .فمررنا على نخشب ،البلدة التي ينسب إليها الشيخ أبو تراب
النخشبي .وهي صغيرة ،تحف بها البساتين والمياه .فنزلنا بخارجها ،بدار لميرها،
وعندي جاريحة قحد قاربحت الولدة ،وكنحت أردت حملهحا إلى سحمرقند لتلد بهحا .فاتفحق
أنها كانت في المحمل ،فوضع المحمل على الجمل ،وسافر أصحابنا من الليل ،وهي
معهحم والزاد وغيره محن أسحبابي .وأقمحت أنحا حتحى أرتححل نهاراً محع بعحض محن معحي.
فسححلكوا طريقاً ،وسححلكت طريقاً سححواها .فوصححلنا عشيححة النهار إلى محلة السححلطان
المذكور ،وقحد جعنحا ،فنزلنحا على بعحد محن السحوق ،واشترى بعحض أصححابنا محا سحد
جوعتنا .وأعارنا بعض التجار خباء بتنا به تلك الليلة .ومضى أصحابنا من الغد في
البححث عحن الجمال وباقحي الصححاب ،فوجدوهحم عشياً ،وجاءوا بهحم .وكان السحلطان
غائباً عحن المحلة فحي الصحيد ،فاجتمعحت بنائبحه الميحر تقبغحا ،فأنزلنحي بقرب مسحجده،
وأعطانحي خرقحة " خركاه " وهحي شبحه الخباء ،وقحد ذكرنحا صحفتها فيمحا تقدم ،فجعلت
الجارية في تلك الخرقة ،فولدت تلك الليلة مولوداً ،وأخبروني أنه ولد ذكر .ولم يكن
كذلك ،فلما كان بعد العقيقة ،أخبرني بعض الصحاب أن المولد بنت .فاستحضرت
الجواري فسألتهن فأخبروني بذلك .وكانت هذه البنت مولودة في طالع سعد ،فرأيت
كححل محا يسحرني ويرضينحي منحذ ولدت .وتوفيحت بعحد وصححولي إلى الهنححد بشهريحن،
وسحيذكر ذلك .واجتمعت بهذه المحلة بالشيحخ الفقيه العابد مولنحا حسام الدين الياغحي
" بالياء آخححر الحروف والغيححن المعجمححة " ،ومعناه بالتركيححة الثائر .وهححو مححن أهححل
وهحو السحلطان المعظحم علء الديحن طرمشيريحن " وضبحط اسحمه بفتحح الطاء المهمحل
وسكون الراء وفتح الراء وكسر الشين المعجم وياء مد وراء مكسور وياء مد ثانية
ونون " ،وهححو عظيححم المقدار كثيححر الجيوش والعسححاكر ضخححم المملكححة شديححد القوة
عادل الحكحم ،وبلده متوسحطه بيحن أربعحة محن ملوك الدنيحا الكبار ،وهحم ملك الصحين
وملك الهنححد وملك العراق والملك أوزبححك .وكلهححم يهابونححه ،ويعظمونححه ويكرمونححه.
وولي الملك بعد أخيه الجكطي " وضبط اسمه بفتح الجيم المعقودة له الكاف والطاء
المهمححل وسححكون الياء " .وكان الجكطححي هذا كافراً ،وولي بعححد أخيححه الكححبر كبححك،
وكان كبك هذا كافر أيضاً ،لكنه كان عادل الحكم منصفًا للمظلومين ،يكرم المسلمين
ويعظمهم.
حكاية
يذكر أن هذا الملك كبك كان تكلم يوماً مع الفقيه الواعظ المذكر بدر الدين الميداني
فقال له :أنحت تقول :إن ال ذكحر كحل شيحء فحي كتابحه العزيحز .قال :نعحم .فقال :أيحن
اسمي فيه ? فقال هو في قوله تعالى " في أي صورةٍ ما شاء ركبك " فأعجبه ذلك.
وقال :يخشحححي ،ومعناه بالتركيحححة جيحححد .فأكرمحححه إكراماً كثيراً ،وزاد فحححي تعظيحححم
المسلمين.
حكاية
ومحن أحكام كبحك محا ذكحر أن امرأة شكحت له بأححد المراء ،وذكرت أنهحا فقيرة ذات
أولد وكان لها لبن تقوتهم بثمنه ،فاغتصبه ذلك المير وشربه .فقال لها :أنا أوسطه.
فإن خرج اللبحن محن جوفحه مضحى لسحبيله ،وإل وسحطتك بعده .فقالت المرأة :قحد حللتحه
ول أطلبححه بشيححء .فأمححر بححه فوسححط فخرج اللبححن مححن بطنححه .ولنعححد لذكححر السححلطان
طرمشيريحن ،ولمحا أقمحت بالمحلة ،وهحم يسحمونها الردوا أياماً ،ذهبحت يوماً لصحلة
الصححبح بالمسححجد على عادتححي ،فلمححا صححليت ذكححر لي بعححض الناس أن السححلطان
بالمسجد .فلما قام عن الصلة تقدمت للسلم عليه ،وقام الشيخ حسن ،والفقيه حسام
الدين الياغي ،وأعلمه بحالي وقدومي منذ أيام .فقال لي بالتركية :خش ميسن يخشي
ميسحن قطلو يوسحن ،ومعنحى خحش ميسحن فحي عافيحة أنحت ،ومعنحى يخشحي ميسحن جيحد
أنححت ،ومعنححى قطلو يوسححن مبارك قدومححك .وكان عليححه فححي ذلك الحيححن قباء قدسححي
أخضحححر ،وعلى رأسحححه شاشيحححة مثله .ثحححم انصحححرف إلى مجلسحححه راجلً ،والناس
يتعرضون له بالشكايات ،فيقحف لكحل مشتكٍح منهحم صحغيراً أو كحبيراً ذكراً او انثحى .ثحم
بحث عني فوصلت إليه وهو في خرقة ،والناس خارجها ميمنة وميسرة ،والمراء
منهم على الكراسي ،وأصحابهم وقوف على رؤوسهم ،وبين أيديهم ،وسائر الجند قد
جلسحوا صحفوفاً ،وأمام كحل واححد منهحم سحلحه .وهحم أهحل النوبحة يقعدون هنالك إلى
العصر ،ويأتي آخرون فيقعدون إلى آخر الليل .وقد صنعت هنالك سقائف من ثياب
القطن يكونون بها .ولما دخلت إلى الملك بداخل الخرقة ،وجدته جالساً على كرسي
شبه المنبر ،مكسوٍ بالحرير المزركش بالذهب ،وداخل الخرقة ملبس بثياب الحرير
المذهحب ،والتاج المرصحع بالجوهحر واليواقيحت معلق فوق رأس السحلطان ،بينحه وبيحن
رأسحه قدر ذراع .والمراء الكبار على الكراسحي عحن يمينحه ويسحاره ،وأولد الملوك
بأيديهحم المذاب بيحن يديحه ،وعنحد باب الخرقحة النائب والوزيحر والحاجحب وصحاحب
العلمة .وهم يسمون آل طمغى وآل " بفتح الهمزة " معناه الحمر وطمغى " بفتح
الطاء المهمححل وسححكون الميححم والغيححن المعجححم المفتوح " ومعناه العلمححة .وقام إلي
أربعتهم حين دخولي ودخلوا معي ،فسحلمت عليحه وسألني ،وصاحب العلمة يترجحم
بيني وبينه ،عن مكة والمدينحة والقدس شرفهحا ال ،وعن مدينة الخليحل عليه السحلم،
وعحن دمشحق ومصحر والملك الناصحر ،وعحن العراقيحن وملكهمحا ،وبلد العاجحم .ثحم
أذن المؤذن بالظهحر فانصحرفنا .وكنحا نحضحر معحه الصحلوات ،وذلك أيام البرد الشديحد
المهلك .فكان ل يترك صلة الصبح والعشاء في الجماعة ،ويقعد للذكر بالتركية بعد
صلة الصبح إلى طلوع الشمس .ويأتي إليه كل من في المسجد فيصافحه ويشد بيده
على يده .وكذلك يفعلون في صلة العصر .وكان إذا أوتي بهدية من زبيب أو تمر،
والتمر عزيز عندهم ،وهم يتبركون به ،يعطي منها بيده لكل من في المسجد.
حكاية
ومن فضائل هذا الملك أنه حضرت صلة العصر يوماً ،ولم يحضر السلطان .فجاء
أحححد فتيانححه بسححجادة ووضعهححا قبالة المحراب حيححث جرت عادتححه أن يصححلي ،وقال
للمام حسحام الديحن الياغحي :إن مولنحا يريحد أن تنتظره بالصحلة قليلً ريثمحا يتوضحأ.
فقام المام المذكورة وقال :نماز ،ومعناهحا الصحلة ،براي ححد او براي طرمشيريحن،
أي الصلة ل أو لطرمشيرين .ثم أمر المؤذن بإقامة الصلة .وقد جاء السلطان ،وقد
صحلي منهحا ركعتيحن ،فصحلى الركعتيحن الخرييحن حيحث انتهحى بحه القيام ،وذلك فحي
الموضحع الذي تكون فيحه أنعلة الناس عنحد باب المسحجد ،وقضحى محا فاتحه ،وقام إلى
المام ليصافحه وهو يضحك ،وجلس قبالة المحراب ،والشيخ المام إلى جانبه ،وأنا
إلى جانب المام .فقال لي :إذا مشيت إلى بلدك ،فحدث أن فقيراً من فقراء العاجم
يفعحل هكذا محع سحلطان الترك .وكان هذا الشيحخ يعحظ الناس فحي كحل جمعحة ،ويأمحر
السحلطان بالمعروف ،وينهاه عحن المنكحر وعحن الظلم ،ويغلظ عليحه القول ،والسحلطان
ينصحت لكلمحه ويبكحي .وكان ل يقبحل محن عطاء السحلطان شيئاً ،ولم يأكحل قحط محن
طعامه ،ول لبس من ثيابه .وكان هذا الشيخ من عباد ال الصالحين .وكنت كثيراً ما
أرى عليه قباء قطن مبطن بالقطن محشواً به ،وقد بلي وتمزق ،وعلى رأسه قلنسوة
لبحد يسحاوي مثلهحا قيراطاً ،ول عمامحة عليحه .فقلت له فحي بعحض اليام :يحا سحيدي ،محا
هذا القباء الذي أنحت لبسحه ? إنحه ليحس بجيحد .فقال لي :يحا ولدي ليحس هذا القباء لي،
وإنمححا هححو لبنتححي ،فرغبححت منححه أن ياخححذ بعححض ثيابححي ،فقال لي :عاهدت ال منححذ
خمسححين سححنة أن ل أقبححل مححن أحححد شيئاً ،ولو كنححت اقبححل مححن أحححد لقبلت منححك.
ولما عزمت على السفر بعد مقامي عند هذا السلطان أربعة وخمسين يوماً ،أعطاني
السحلطان سحبعمائة دينار دراهحم ،وفروة سحمور تسحاوي مائة دينار ،طلبتهحا منحه لجحل
البرد .ولمحا ذكرتهحا له أخحذ أكمامحي وجعحل يقبلهحا بيده تواضعاً منحه وفضلً وحسحن
خلق ،وأعطانحي فرسحين وجمليحن .ولمحا اردت وداعحه أدركتحه فحي أثناء طريقحه إلى
متصححيده .وكان اليوم شديححد البرد جداً .فححو ال مححا قدرت على أن أنطححق بكلمححة لشدة
البرد ،ففهحم ذلك وضححك ،وأعطانحي يده وانصحرفت .وبعحد سحنتين محن وصحولي إلى
أرض الهند بلغنا الخبر بأن المل من قومه وأمرائه اجتمعوا بأقصى بلده المجاورة
للصين ،وهنالك معظم عساكره ،وبايعوا ابن عم له اسمه بوزن أغلي وكل من كان
محن أبناء الملوك فهحم يسحمونه أغلي " بضحم الهمزة وسحكون الغيحن المعجمحة وكسحر
اللم " وبوزن " بضم الباء الموحدة وضم الزاي " ،وكان مسلماً إل أنه فاسد الدين
جدهحم تنكيحز اللعيحن الذي خرب بلد السحلم ،وقحد تقدم ذكره .وكان تنكيحز ألف كتاباً
فحي أحكامحه يسحمى عندهحم اليسحاق " بفتحح الياء آخحر الحروف والسحين المهمحل وآخره
قاف " ،وعندهحم أنحه محن خالف أحكام هذا الكتاب فخلعحه واجحب .ومحن جملة أحكامحه
أنهم يجتمعون يوماً في السنة يسمونه الطوى ومعناه يوم الضيافة ويأتي أولد تنكيز
والمراء من أطراف البلد ،ويحضر الخواتين وكبار الجناد ،وإن كان سلطانهم قد
غيححر شيئاً مححن تلك الحكام يقوم إليححه كححبراؤهم فيقولون له :غيرت كذا وغيرت كذا
وفعلت كذا ،وقحد وجحب خلعحك .ويأخذون بيده ويقيمونحه عحن سحرير الملك ،ويقعدون
غيره محن أبناء تنكيحز ،وإن كان أححد المراء الكبار أذنحب ذنباً فحي بلده حكموا عليحه
بمححا يسححتحقه .وكان السححلطان طرمشيريححن قححد أبطححل حكححم هذا اليوم ،ومحححا رسححمه،
فأنكروه عليححه أشححد النكار ،وأنكروا عليححه أيضاً كونححه أقام أربححع سححنين فيمححا يلي
خراسان من بلده ،ولم يصل إلى الجهة التي توالي الصين .والعادة أن الملك يقصد
تلك الجهحة فحي كحل سحنة ،فيختحبر أحوالهحا وحال الجنحد بهحا ،لن أصحل ملكهحم منهحا.
ودار الملك هححي مدينححة المالق .فلمححا بايعوا بوزن أتححى فححي عسححكر عظيححم ،وخاف
طرمشيرين على نفسه من أمرائه ،ولم يأمنهم ،فركب في خمسة عشر فارساً ،يريد
بلد غزنحة ،وهحي محن عمالتحه ،وواليهحا كحبير أمرائه ،وصحاحب سحره برنطيحه؛ وهذا
الميحر مححب فحي السحلم والمسحلمين ،قحد عمحر فحي عمالتحه نححو أربعيحن زاويحة ،فيهحا
الطعام للوارد والصحادر .وتححت يده العسحاكر العظيمحة ،ولم أر قحط فيمحن رأيتحه محن
الدميين بجميع بلد الدنيا أعظم خلقه منه .فلما عبر نهر جيحون وقصد طريق بلخ،
رآه بعحض التراك محن أصححاب ينقحي ابحن أخيحه كبحك .وكان السحلطان طرمشيريحن
المذكور قتل أخاه كبك المذكور ،وبقي ابنه ينقي ببلخ .فلما أعلمه التركي بخبره قال:
ما فر إل لمر حدث عليه .فركب في أصحابه وقبض عليه وسجنه .ووصل بوزن
إلى سحمرقند وبخارى فبايعحه الناس ،وجاءه ينقحي بطرمشيريحن ،فيذكحر أنحه لمحا وصحل
إلى نسحف ،بخارج سحمرقند ،قتحل هنالك ودفحن بهحا ،وخدم تربتحه الشيحخ شمحس الديحن
كردن بريدا .وقيحل :إنحه لم يقتحل ،كمحا سحنذكره .وكردن " بكاف معقودة وراء مسحكن
ودال مهمحل مفتوح ونون " ومعناه العنحق ،وبريدا " بضحم الباء الموحدة وكسحر الراء
وياء محد ودال مهمحل " معناه المقطوع .ويسحمى بذلك لضربحة كانحت فحي عنقحه ،وقحد
رأيتححه بأرض الهنححد ،ويقححع ذكره فيمححا بعححد .ولمححا ملك بوزن هرب ابححن السححلطان
طرمشيريححن ،وهححو بشاي أغححل " أغلي " ،وأختححه وزوجهححا فيروز إلى ملك الهنححد،
فعظمهم وأنزلهم منزلة عليه بسبب ما كان بينه وبين طرمشيرين من الود والمكاتبة
والمهاداة ،وكان يخاطبحه بالخ .ثحم بعحد ذلك أتحى رجحل محن أرض السحند ،وادعحى أنحه
هححو طرمشيريححن ،واختلف الناس فيححه .فسححمع بذلك عماد الملك سححرتيز غلم ملك
الهنحد ،ووالي بلد السحند ،ويسحمى ملك عرض .وهحو الذي تعرض بيحن يديحه عسحاكر
الهنحد ،وإليحه أمرهحا ،ومقره بملتان قاعدة السحند .فبعحث إليحه بعحض التراك العارفيحن
بحه ،فعادوا إليحه وأخحبروه أنحه هحو طرمشيريحن حقاً .فأمحر له بالسحراجة ،وهحي أفراج.
فضرب خارج المدينة ،ورتب له ما يرتب لمثله ،وخرج لستقباله ،وترجل له وسلم
عليحه ،وأتحى فحي خدمتحه إلى السحراجة ،فدخلهحا راكباً كعادة الملوك .ولم يشحك أححد أنحه
هو .وبعث إلى ملك الهند يخبره ،فبعث إليه المراء يستقبلونه بالضيافات .وكان في
خدمحة ملك الهنحد حكيحم ممحن خدم طرمشيريحن فيمحا تقدم ،وهحو كحبير الحكماء بالهنحد.
فقال للملك :أنحا أتوجحه إليحه ،وأعرف حقيقحة أمره ،فإنحي كنحت عالجحت له دملً تححت
فأتى إليه ذلك الحكيم ،واستقبله مع المراء ،ودخل عليه ولزمه لسابقته عنده ،وأخذ
يغمحز رجليحه ،وكشحف عحن الثحر فشتمحه .وقال له :تريحد أن تنظحر إلى الدمحل الذي
عالجته ? ها هو ذا وأراه أثره .فتحقق أنه هو ،وعاد إلى ملك الهند فأعلمه بذلك .ثم
إن الوزيحر خواجحه جهان أحمحد بحن إياس وكحبير المراء قطلوخان معلم السحلطان أيام
صحغره دخل على ملك الهنحد ،وقال له :يحا خونحد عالم ،هذا السحلطان طرمشيريحن قحد
وصل .وصح أنه هو .وها هنا من قومه نحو أربعين ألفاً وولده وصهره .أرأيت إن
اجتمعوا عليحه محا يكون محن العمحل ? فوقحع هذا الكلم بموقحع منحه عظيحم .وأمحر أن
يؤتى بطرمشيرين معجلً .فلما دخل عليه أمر بالخدمة كسائر الواردين ،ولم يعظم.
وقال له السححلطان :بامادر كانححي ،وهححي شتمححة قبيحححة ،كيححف تكذب وتقول :إنححك
طرمشيريححن ? وطرمشيريححن قححد قتححل .وهذا خادم تربتححه عندنححا .وال لول المعرة
لقتلتححك .ولكححن أعطوه خمسححة آلف دينار .واذهبوا بححه إلى دار بشاي أغلي وأختححه
ولدي طرمشيريححن ،وقولوا لهححم :إن هذا الكاذب يزعححم أنححه والدكححم .فدخححل عليهححم
فعرفوه .وبات عندهححم والحراس يحرسححونه وأخرج بالغححد .وخافوا أن يهلكوا بسححببه
فأنكروه.
ونفححي عححن بلد الهنححد والسححند .فسححلك طريححق كبححج ومكران ،وأهححل البلد يكرمونححه
ويضيفونحه ويهادونحه ،ووصحل إلى شيراز ،فأكرمحه سحلطانها أبحو إسححاق ،وأجرى له
كفايتحه .ولمحا دخلت عنحد وصحولي محن الهنحد إلى مدينحة شيراز .ذكحر لي أنحه باق بهحا.
وأردت لقاءه ،ولم أفعحل ،لنحه كان فحي دار ل يدخحل إليحه أححد إل بإذن محن السحلطان
أبي إسحق .فخفت مما يتوقع بسبب ذلك ،ثم ندمت على عدم لقائه .رجع الحديث إلى
بوزن :وذلك أنححه لمححا ملك ،ضيححق على المسححلمين ،وظلم الرعيححة ،وأباح للنصححارى
واليهود عمارة كنائسحهم ،فضحج االمسحلمون محن ذلك وتربصحوا بحه الدوائر ،واتصحل
خحبره بخليحل ابحن السحلطان اليسحور المهزوم على خراسحان ،فقصحد ملك هراة ،وهحو
السحلطان حسحن ابن السحلطان غياث الديحن الغوري ،فأعلمحه بما كان فحي نفسه ،وسأل
منححه العانححة بالعسححاكر والمال على أن يشاطره الملك إذا اسححتقام .فبعححث معححه الملك
حسين عسكراً عظيماً .وبين هراة وترمذ تسعة أيام .فلما سمع أمراء السلطان بقدوم
خليححل تلقوه بالسححمع والطاعححة والرغبححة فححي جهاد العدو .وكان أول قادم عليححه علء
الملك خداونحد زاده صحاحب ترمحذ ،وهحو أميحر كحبير شريحف حسحيني النسحب .فأتاه فحي
أربعحة آلف محن المسحلمين ،فسحر بحه ووله وزارتحه ،وفوض إليحه أمره ،وكان محن
البطال .وجاء المراء من كحل ناحية واجتمعوا على خليل والتقحى محع بوزن .فمالت
العسحاكر إلى خليحل ،وأسحلموا بوزن وأتوا بحه أسحيراً .فقتله خنقاً وبأوتار القسحي .وتلك
عادة لهححم أنهححم ل يقتلون مححن كان مححن أبناء الملوك إل خنقاً .واسححتقام الملك لخليححل،
وعرض عساكره بسمرقند ،فكانوا ثمانين ألفاً ،عليهم وعلى خيلهم الدروع .فصرف
العسححكر الذي جاء بححه مححن هراة ،وقصححد بلد المالق .فقدم التتححر على أنفسححهم واحداً
منهحم ،ولقوه على مسحيرة ثلث محن المالق ،وبمقربحة محن أطراز " طراز " .وحمحي
القتال ،وصححبر الفريقان .فحمححل الميححر خداونححد زاده وزيره فححي عشريححن ألفاً مححن
المسحلمين حملة لم يثبحت لهحا التتحر ،فانهزموا واشتحد فيهحم القتحل .وأقام خليحل بالمالق
ثلثاً .وخرج إلى اسحتئصال محن بقحي محن التتحر ،فأذعنوا له بالطاعحة .وجاز إلى تخوم
الخطحا والصحين ،وفتحح مدينحة قراقرم ومدينحة بحش بالغ .وبعحث إليحه سحلطان الخطحا
بالعسحاكر ،ثحم وقحع بينهمحا الصحلح .وعظحم أمحر خليحل ،وهابتحه الملوك .وأظهحر العدل،
ورتححب العسححاكر بالمالق ،وترك بهححا وزيره خداونححد زاده .وانصححرف إلى سححمرقند
وبخارى .ثم إن الترك أرادوا الفتنة ،فسعوا إلى خليل بوزيره المذكور ،وزعموا أنه
يريد الثورة ،ويقول ،إنه أحق بالملك ،لقرابته من النبي صلى ال عليه وسلم وكرمه
وشجاعتحه .فبعحث والياً إلى المالق عوضاً عنحه ،وأمره أن يقدم عليحه نفحر يسحير محن
أصححابه .فلمحا فدم عليحه قتله عنحد وصحوله محن غيحر تثبحت .فكان ذلك شبحب خراب
ملكه .وكان خليل ،لما عظم أمره ،بغى على صاحب هراة الذي أورثه الملك وجهزه
بالعسحاكر والمال .فكتحب إليحه أن يخطحب فحي بلد باسحمه ،ويضرب الدنانير والدراهحم
على سحكته ،فغاظ ذلك الملك حسحيناً ،وأنحف منحه وأجابحه بأقبحح جواب .فتجهحز خليحل
لقتاله ،فلم توافقححه عسححاكر السححلم ورأوه باغياً عليححه .وبلغ خححبره إلى الملك حسححين
فجهحز العسحاكر محع ابحن عمحه ملك رونحا ،والتقحى الجمعان .فانهزم خليحل وأتحى بحه إلى
الملك حسين أسيراً ،فمن عليه بالبقاء ،وجعله في دار ،وأعطاه جارية ،وأجرى عليه
النفقحة .وعلى هذا الحال تركتحه عنده ،وفحي أواخحر سحنة سحبع وأربعيحن عنحد خروجحي
محححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححن الهنحححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححد.
ولنعد إلى ما كنا بسبيله :لما عاد السلطان طرمشيرين ،سافرت إلى مدينة سمرقند.
وهحي محن أكحبر المدن وأحسحنها وأتمهحا جمالً .مبنيحة على شاطحئ وادٍ يعرف بوادي
القصارين ،عليه النواعير تسقى البساتين .وعنده يجتمع أهل البلد بعد صلة العصر
للنزهححة والتفرج .ولهححم عليححه مسححاطب ومجالس يقعدون عليهححا ،ودكاكيححن تباع بهححا
الفاكهحة وسحائر المأكولت .وكانحت على شاطئه قصحور عظيمحة ،وعمارة تنبحئ عحن
علو همحم أهلهحا .فدثحر أكثحر ذلك .وكذلك المدينحة خرب كثيحر منهحا ،ول سحور لهحا ول
أبواب عليهحا .وفحي داخلهحا البسحاتين .وأهحل سحمرقند لهحم مكارم وأخلق ومحبحة فحي
الغريحب .وهحم خيحر محن أهحل بخارى .وبخارج سحمرقند قحبر .قثحم بحن العباس بحن عبحد
المطلب ،رضي ال عن العباس وعن ابنه ،وهو المستشهد حين فتحها .ويخرج أهل
سمرقند كل ليلة اثنين وجمعة إلى زيارته .والتتر يأتون لزيارته ،وينذرون له النذور
العظيمة ،ويأتون إليه بالبقر والغنم والدراهم والدنانير ،فيصرف ذلك في النفقة على
الوارد والصادر .ولخدام الزاوية والقبر المبارك .وعليه قبة قائمة على أربع أرجل،
ومع كل رجل ساريتان من الرخام ،منه الخضر والسود والبيض والحمر .وحيطان
القبحة بالرخام المجزع المنقوش بالذهحب ،وسحقفها مصحنوع بالرصحاص .وعلى القحبر
خشحب البنوس المرصحع ،مكسحو الركان بالفضحة .وفوقحه ثلثحة محن قناديحل الفضحة.
وفرش القبحة بالصحوف والقطحن .وخارجهحا نهحر كحبير يشحق الزاويحة التحي هنالك ،على
والصححادر .ولم يغيححر التتححر أيام كفرهححم شيئاً مححن حال هذا الموضححع المبارك .كانوا
يتحبركون بحه ،لمحا يرون له محن اليات .وكان الناظحر فحي كحل حال محن هذا الضريحح
المبارك ومحا يليحه حيحن نزولنحا بحه الميحر غياث الديحن محمحد بحن عبحد القادر ابحن عبحد
العزيححز بححن يوسححف ابححن الخليفححة المسححتنصر بال العباسححي ،قدمححه لذلك السححلطان
طرمشيريححن لمححا قدم عليححه مححن العراق ،وهححو الن عنححد ملك الهنححد ،وسححيأتي ذكره.
ولقيححت بسححمرقند قاضيهححا المسححمى عندهححم صححدر الجهان ،وهححو مححن الفضلء ذوي
المكارم .وسحافر إلى بلد الهنحد بعحد سحفري إليهحا فأدركتحه منيتحه بمدينحة ملتان قاعدة
بلد السند.
حكاية
لمححا مات هذا القاضححي بملتان كتححب صححاحب الخححبر بأمره إلى ملك الهنححد ،وأنححه قدم
برسم بابه ،فاخترم دون ذلك فلما بلغ الخبر إلى الملك ،أمر أن يبعث إلى أولده عدد
محن آلف الدنانيحر ،ل أذكره الن ،وأمحر أن يعطحى لصححابه محا كان يعطحى لهحم لو
وصلوا معه وهو بقيد الحياة .ولملك الهند في كل بلد من بلده ،صاحب الخبر يكتب
له بكحل محا يجري فحي ذلك البلد محن المور ،وممحن يرد عليحه محن الوارديحن .وإذا أتحى
الوارد كتبوا من أي البلد ورد ،وكتبوا اسمه ونعته وثيابه وأصحابه وخيله وخدامه
وهيئتحه محن الجلوس والمأكحل ،وجميحع شؤونحه وتصحرفاته ومحا يظهحر منحه محن فضيلة
أو ضدهحا ،فل يصحل الوارد إلى الملك إل وهحو عارف بجميحع حاله ،فتكون كرامتحه
على مقدار محا يسحتحقه .وسحافرنا محن سحمرقند فاجتزنحا ببلدة نسحف .وإليهحا ينسحب أبحو
حفححص عمححر النسححفي ،مؤلف كتاب المنظومححة فححي المسححائل الخلفيححة بيححن الفقهاء
الربعحة رضحي ال عنهحم ،ثحم وصحلنا إلى مدينحة ترمحذ التحي ينسحب إليهحا المام أبحو
عيسحى محمحد بحن عيسحى بحن سحورة الترمذي مؤلف الجامحع الكحبير فحي السحنن .وهحي
مدينححة كححبيرة حسححنة العمارة والسححواق تخترقهححا النهار .وبهححا البسححاتين الكثيرة
والعنحب ،والسحفرجل بهحا متناهحي الطيحب ،واللحوم بهحا كثيرة ،وكذلك اللبان .وأهلهحا
يغسلون رؤوسهم في الحمام باللبن عوضاً عن الطفل .ويكون عند كل صاحب حمام
أوعيحة كبار مملوءة لبناً .فإذا دخحل الرجحل الحمام أخحذ منهحا فحي إناء صحغير فغسحل
رأسه ،وهو يرطب الشعر ويصقله .وأهل الهند يجعلون في رؤوسهم زيت السمسم،
ويسححمونه الشيرج ،ويغسححلون الشعححر بعده بالطفححل ،فينعححم الجسححم ،ويصححقل الشعححر
ويطيله .وبذلك طالت لححى أهحل الهنحد ومحن سحكن معهحم .وكانحت مدينحة ترمحذ القديمحة
مبنيحة على شاطحئ جيحون ،فلمحا خربهحا تنكيحز ،بنيحت هذه الحديثحة على ميليحن محن
النهر .وكان نزولنا بها بزاوية الشيخ الصالح عزيزان ،من كبار المشايخ وكرمائهم،
كثيحر المال والرباع والبسحاتين ،ينفحق على الوارد والصحادر محن ماله .واجتمعحت قبحل
وصحححولي إلى هذه المدينحححة بصحححاحبها علء الملك خداونحححد زاده .وكتحححب لي إليهحححا
بالضيافحة ،فكانحت تحمحل إلينحا أيام مقامنحا بهحا فحي كحل يوم .ولقيحت أيضاً قاضيهحا قوام
الدين ،وهو متوجه لرؤية السلطان طرمشيرين ،وطالب للذن له في السفر إلى بلد
الهنحد ،وسحيأتي ذكحر لقائي له بعحد ذلك .ولخويحه ضياء الديحن وبرهان الديحن بملتان،
وسحفرنا جميعاً إلى الهنحد ،وذكحر أخويحه الخريحن عماد الديحن وسحيف الديحن ،ولقائي
لهمحا بحضرة ملك الهنحد ،وذكحر ولديحه وقدومهمحا على ملك الهنحد بعحد قتحل أبيهمحا،
وتزويجهمحا ابنتحي الوزيحر خواجحه جهان ،ومحا جرى فحي ذلك كله إن شاء ال تعالى.
ثحم جزنحا نهحر جيحون إلى بلد خراسحان .وسحرنا بعحد انصحرافنا محن ترمحذ وإجازة
الوادي يوماً ونصححف يوم فححي صحححراء ورمال ل عمارة بهححا إلى مدينححة بلخ ،وهححي
خاويححة على عروشهححا غيححر عامرة .ومححن رآهححا ظنهححا عامرة لتقان بنائهححا .وكانححت
ضخمة فسيحة ومساجدها ومدارسها باقية الرسوم حتى الن ،ونقوش مبانيها مدخلة
بأصحبغة اللزورد .والناس ينسحبون اللزورد إلى خراسحان ،وإنمحا يجلب محن جبال
بدخشان التححي ينسححب إليهححا الياقوت البدخشححي ،والعامححة يقولون :البلخححش ،وسححأتي
ذكرهحا إن شاء ال تعالى .وخرب هذه المدينحة تنكيحز اللعيحن ،وهدم محن مسحجدها نححو
الثلث ،بسبب كنز ذكر له أنه تحت سارية من سواريه .وهو من أحسن مساجد الدنيا
وأفسحها .ومسجد رباط الفتح بالمغرب يشبهه في عظم سواريه .ومسجد بلخ أجمل
حكاية
ذكحر لي بعحض أهحل التاريحخ ،أن مسحجد بلخ بنتحه امرأة كان زوجهحا أميراً ببلخ لبنحي
العباس ،يسححمى داود بححن علي .فاتفححق أن الخليفححة غضحب مرة على أهححل بلخ لحادث
أحدثوه .فبعحححث إليهحححم محححن يغرمهحححم مغرماً فادحاً .فلمحححا بلغ إلى بلخ أتحححى نسحححاؤها
وصحبيانها إلى تلك المرأة التحي بنحت المسحجد ،وهحي زوج أميرهحم ،وشكوا حالهحم ومحا
لحقهم من هذا المغرم .فبعثت إلى المير الذي قدم برسم تغريمهم بثوب لها مرصع
بالجوهر قيمته أكثر مما أمر بتغريمه ،فقالت له :اذهب بهذا الثوب إلى الخليفة ،فقد
أعطيتحه صحدقة عحن أهحل بلخ لضعحف حالهحم .فذهحب بحه إلى الخليفحة وألقحى الثوب بيحن
يديه وقص عليه القصة ،فخجل الخليفة وقال :أتكون المراة أكرم منا ? وأمره برفع
المغرم عحن أهحل بلخ ،وبالعودة إليهحا ليرد للمرأة ثوبهحا ،وأسحقط عحن أهحل بلخ خراج
سحنة .فعاد الميحر إلى بلخ ،وأتحى منزل المرأة وقحص عليهحا مقالة الخليفحة ورد عليهحا
الثوب .فقالت له :أوقع بصر الخليفة على هذا الثوب ? قال :نعم .قالت :ل ألبس ثوباً
وقحع عليحه بصحر غيحر ذي محرم منحي ،وأمرت بحبيعه .فبنحي منحه المسحجد والزاويحة
ورباط فحي مقابلتحه مبنحي بالكذان ،وهحو عامحر حتحى الن .وفضحل محن ثمحن الثوب
مقدار ثلثححه .فذكححر أنهححا أمرت بدفنححه تحححت بعححض سححواري المسححجد ،ليكون هنالك
متيسراً إن احتيج إليه .خرج فأخبر تنكيز بهذه الحكاية ،فأمر بهدم سواري المسجد،
فهدم منها نححو الثلث ،ولم يجحد شيئاً ،فترك الباقحي على حاله .وبخارج بلخ قحبر يذكر
أنه قبر عكاشة بن محصن السدي صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم تسليماً،
الذي يدخل الجنة بل حساب .وعليه زاوية معظمة بها كان نزولنا ،وبخارجها بركة
ماء عجيبحة ،عليهحا شجرة جوز عظيمحة .ينزل الواردون فحي الصحيف تححت ظللهحا.
وشيحخ هذه الزاويحة يعرف بالحاج خرد ،وهحو الصحغير محن الفضلء ،وركحب معنحا
وأرانا مزارات هذه المدينة .منها قبر حزوقيل النبي عليه السلم ،وعليه قبة حسنة.
وزرنحا بهحا أيضاً قبوراً كثيرة محن قبور الصحالحين ،ل أذكرهحا الن .ووقفنحا على دار
إبراهيحم بحن أدهحم رضحي ال عنحه ،وهحي دار ضخمحة مبنيحة بالصحخر البيحض الذي
يشبححه الكذان .وكان زرع الزاويححة مقترناً بهححا ،وقححد سححدت عليححه فلم ندخلهححا ،وهححي
بمقربحة محن المسحجد الجامحع .ثحم سحافرنا محن مدينحة بلخ ،فسحرنا فحي جبال قوةاسحتان "
قهسحتان " سحبعة أيام .وهحي قرى كثيرة عامرة بهحا المياه الجاريحة والشجار المورقحة
وأكثرهحا شجحر التيحن ،وبهحا زوايحا كثيرة فيهحا الصحالحون المنقطعون إلى ال تعالى.
وبعحد ذلك كان وصحولنا إلى مدينحة هراة ،وهحي أكحبر المدن العامرة بخراسحان .ومدن
خراسان العظيمة أربع :اثنتان عامرتان وهما هراة ونيسابور ،واثنتان خربتان وهما
بلخ ومرو .ومدينححة هراة كححبيرة عظيمححة كثيرة العمارة ،ولهلهححا صححلح وعفاف
وديانة .وهم على مذهب المام أبي حنيفة رضي ال عنه ،وبلدهم طاهر من الفساد.
وهو السلطان المعظم حسين ابن السلطان غياث الدين الغوري ،صاحب الشجاعة
المأثورة .والتأييحد والشجاعحة ظهحر له محن إنجاد ال تعالى وتأييده فحي موطنيحن اثنيحن
محا يقضحي منحه العجحب ،أحدهمحا عنحد ملقاة جيشحه للسحلطان خليحل الذي بغحى عليحه،
وكان منتهحى أمره حصحوله أسحيراً فححي يديحه ،والموطحن الثانحي عنحد ملقاتحه بنفسحه
لمسححعود ،سححلطان الرافضححة .وكان منتهححى أمره تبديده وفراره وذهاب ملكححه .وولي
السلطان حسين الملك بعد أخيه المعروف بالحافظ ،وولي أخوه بعد أبيه غياث الدين.
حكاية الرافضة
كان بخراسحان رجلن :أحدهمحا يسحمى بمسحعود والخحر يسحمى بمحمحد .وكان لهمحا
خمسحححة مححن الصححححاب ،وهحححم مححن الفتاك ،ويعرفون بالعراق بالشطار ،ويعرفون
بخراسحان بسحرابداران " سحربداران " ،ويعرفون بالعراق بالصحقور .فاتفحق سحبعتهم
على الفساد وقطع الطرق وسلب الموال ،وشاع خبرهم ،وسكنوا جبلً منيعاً بمقربة
محن مدينحة بيهحق ،وتسحمى أيضاً مدينحة سحيزار " سحيزوار " .فكانوا يكمنون بالنهار.
الموال .وانثال عليهححم أشباههححم مححن أهححل الشححر والفسححاد ،فكثححر عددهححم واشتدت
شوكتهحم وهابهحم الناس ،وضربوا على مدينحة بيهحق فملكوهحا ،ثحم ملكوا سحواها محن
المدن ،واكتسحبوا الموال وجندوا الجنود وركبوا الخيحل ،وتسحمى مسحعود بالسحلطان.
وصار العبيد يفرون عن مواليهم إليه .فكل عبد فر منهم يعطيه الفرس والمال .وإن
ظهرت له شجاعحة أمره على جماعة ،فعظحم جيشه واسحتفحل أمره وتمذهحب جميعهحم
بمذهحب الرفحض ،وطمحوا إلى اسحتئطال أهحل السحنة بخراسحان ،وأن يجعلوهحا كلمحة
واحدة رافضيحة .وكان بمشهحد طوس شيحخ محن الرافضحة يسحمى بحسحن ،وهحو عندهحم
محن الصحلحاء ،فوافقهحم على ذلك ،وسحموه بالخليفحة وأمرهحم بالعدل فأظهروه .حتحى
كانححت الدراهححم والدنانيححر تسححقط فححي معسححكرهم فل يلتقطهححا أحححد حتححى يأتححي ربهححا
فيأخذهحا .وغلبوا على نيسحابور ،وبعحث إليهحم السحلطان طغيتمور بالعسحاكر فهزموه،
ثحم بعحث إليهحم نائبحه أرغون شاه فهزموه وأسحروه ومنوا عليحه ،ثحم غزاهحم طغيتمور
بنفسححه فححي خمسححين ألفاً مححن التتححر فهزموه ،وملكوا البلد ،وتغلبوا على سححرخس
والزاوه وطوس ،وهحي محن أعظحم بلد خراسحان .وجعلوا خليفتهحم بمشهحد علي بحن
موسححى الرضححا ،وتغلبوا على مدينححة الجام ،ونزلوا بخارجهححا وهححم قاصححدون مدينححة
هراة ،وبينها وبينهم مسيرة ست .فلما بلغ ذلك الملك حسيناً جمع المراء والعساكر
وأهل المدينة واستشارهم ،هل يقيمون حتى يأتي القوم أو يمضوا إليهم فيناجزوهم.
فوقحع إجماعهحم على الخروج إليهحم ،وهحم قحبيلة واحدة يسحمون الغوريحة .ويقال :إنهحم
ينسبون على غور الشام ،وإن أصلهم منه .فتجهزوا أجمعون ،واجتمعوا من أطراف
البلد ،وهحم سحاكنون بالقرى ،وبصححراء مرغيحس " بدغيحس " ،وهحي مسحيرة أربحع،
ل يزال عشبهحا أخضحر .ترعحى منحه ماشيتهحم وخيلهحم .وأكثحر شجرهحا الفسحتق ،ومنهحا
يحمل إلى أرض العراق .وعضدهم أهل مدينة سمنان ،ونفروا جميعًا إلى الرافضة،
وهحم مائة وعشرون ألفاً محا بيحن رجاله وفرسحان ،يقودهحم الملك حسحين .واجتمعحت
الرافضححة فححي مائة وخمسححين ألفاً مححن الفرسححان .وكانححت الملقاة بصحححراء بوشنححج.
وصحبر الفريقان معاً .ثحم كانحت الدائرة على الرافضحة ،وفحر سحلطانهم مسحعود ،وثبحت
خليفتهحم حسحن فحي عشريحن ألفاً حتحى قتحل ،وقتحل أكثرهحم ،وأسحر منهحم نححو أربعحة
آلف .وذكر لي بعض من حضر هذه الوقعة أن ابتداء القتال كان في وقت الضحى،
وكانحت الهزيمحة عنحد الزوال .ونزل الملك حسحين بعحد الظهحر فصحلى ،وأتحي بالطعام،
فكان هححو وكححبراء أصحححابه يأكلون ،وسححائرهم يضربون أعناق السححرى .وعاد إلى
حضرتحه بعحد هذا الفتحح العظيحم ،وقحد نصحر ال السحنة على يديحه ،وأطفحأ نار الفتنحة.
وكانت هذه الوقعة بعد خروجي من الهند عام ثمانية وأربعين .ونشأ بهراة رجل من
الزهاد والصححلحاء الفضلء واسححمه نظام الديححن مولنححا ،وكان أهححل هراة يحبونححه،
ويرجعون إلى قوله .وكان يعظهححم ويذكرهححم ،وتوافقوا معححه على تغييححر المنكححر،
وتعاقحد معهحم على ذلك خطيحب المدينحة المعروف بملك ورنحا ،وهحو ابحن عحم الملك
حسين ،ومتزوج بزوجة والده ،وهي من أحسن الناس صورة وسيرة .والملك يخافه
على نفسه ،وسنذكر خبره .وكانوا متى علموا بمنكر ،ولو كان عند الملك غيروه.
حكاية
ذكحر لي انهحم تعرفوا يوماً أن بدار الملك حسحين منكراً ،فاجتمعوا لتغييره ،وتحصحن
منهم بداخل داره .فاجتمعوا على الباب في ستة آلف رجل .فخاف منهم .فاستحضر
الفقيه وكبار البلد ،وكان قد شرب الخمر فأقاموا عليه الحد بداخل قصره ،وانصرفوا
عنه.
كانت التراك المجاورون لمدينة هراة الساكنون بالصحراء ،وملكهم غيتمور الذي
محر ذكره .وهحم نححو خمسحين ألفاً ،يخافهحم الملك حسحين ،ويهدي لهحم الهدايحا فحي كحل
سنة ،ويداريهم .وذلك قبل هزيمته للرافضة .وأما بعد هزيمته للرافضة تغلب عليهم.
ومحن عادة هؤلء التراك التردد إلى مدينحة هراة ،وربمحا شربوا بهحا الخمحر ،وأتاهحا
بعضهم وهو سكران .فكان نظام الدين يحد من وجد منهم سكران .وهؤلء التراك
أهححل نجدة وبأس ،ول يزالون يضربون على بلد الهنححد ،فيسححبون ويقتلون ،وربمححا
سبوا بعض المسلمات اللتي يكن بأرض الهند ما بين الكفار ،فإذا خرجوا بهن إلى
خراسححان يطلق نظام الديححن المسححلمات مححن أيدي الترك .وعلمححة النسححوة المسححلمات
بأرض الهنحد ترك ثقحب الذن .والكافرات آذانهحن مثقوبات .فاتفحق مرة أن أميراً محن
أمراء الترك يسحمى تمور ألطحي سحبى امرأة ،وكلف بهحا شديداً ،فذكرت أنهحا مسحلمة،
فانتزعهحا الفقيحه محن يده .فبلغ ذلك محن التركحي مبلغاً عظيماً ،وركحب فحي آلف محن
أصحابه ،وأغار على خيل هراة ،وهي في مرعاها بصحراء مرغيس " بدغيس "،
واحتملوها .فلم يتركوا لهل هراة ما يركبون ول ما يحلبون ،وصعدوا بها إلى جبل
هنالك ل يقدر عليهم فيه .ولم يجد السلطان ول جنده خيلً يتبعونهم بها ،فبعث إليهم
رسحولً يطلب منهحم رد محا أخذوه محن الماشيحة والخيحل ،ويذكرهحم العهحد الذي بينهحم.
فأجابوا بأنهححم ل يردون ذلك حتححى يمكنوا مححن الفقيححه نظام الديححن .فقال السححلطان :ل
سححبيل إلى هذا .وكان الشيححخ أبححو أحمححد الجسححتي حفيححد الشيححخ مودود الجسححتي له
بخراسحان شأن عظيحم ،وقوله معتحبر لديهحم ،فركحب فحي جماعحة خيحل محن أصححابه
ومماليكحه .فقال :أنحا أحمحل الفقيحه نظام الديحن معحي إلى الترك ليرضوا بذلك ثحم أرده.
فكأن الناس مالوا إلى قوله .ورأى الفقيححه نظام الديححن اتفاقهححم على ذلك .فركححب مححع
الشيخ أبي أحمد ووصل الى الترك .فقام إليه المير تمور ألطي وقال له :أنت أخذت
امرأتحي منحي ،وضربحه بدبوسحه فكسحر دماغحه ،فخحر ميتاً .فسحقط فحي أيدي الشيحخ أبحي
أحمحححد ،وانصحححرف محححن هنالك إلى بلده ،ورد الترك محححا كانوا أخذوه محححن الخيحححل
والماشيحة .وبعحد مدة قدم ذلك التركحي الذي قتحل الفقيحه على مدينحة هراة ،فلقيحه جماعحة
من أصحاب الفقيه ،فتقدموا إليه كأنهم مسلمون عليه ،وتحت ثيابهم السيوف فقتلوه.
وفحر أصححابه .ولمحا كان بعحد هذا ،بعحث الملك حسحين ابحن عمحه ملك ورنحا الذي كان
رفيحق الفقيحه نظام الديحن فحي تغييحر المنكحر رسحولً إلى ملك سحجستان .فلمحا حصحل بهحا
بعث إليه أن يقيم هنالك ول يعود إليه .فقصد بلد الهند ولقيته وانا خارج منها بمدينة
سحيوستان محن السحند ،وهحو أححد الفضلء .وفحي طبعحه ححب الرياسحة والصحيد والبراز
والخيل والمماليك والصحاب واللباس الملوكي الفاخر ،ومن كان على هذا الترتيب
فإنححه ل يصححلح حاله بأرض الهنححد .فكان مححن أمره أن ملك الهنححد وله بلداً صححغيراً.
وقتله بحه بعحض أهحل هراة المقيميحن بالهنحد بسحبب جاريحة .وقيحل :إن ملك الهنحد دس
عليحه محن قتله بسحعي الملك حسحين فحي ذلك ،ولجله خدم الملك حسحين ملك الهنحد بعحد
موت ملك ورنححا المذكور ،وهاداه ملك الهنححد ،وأعطاه مدينححة بكار مححن بلد السححند.
ومجباهحا خمسحون ألفاً محن دنانيحر الذهحب فحي كحل سحنة " .ولنعحد إلى محا كان بسحبيله
فنقول " سححافرنا مححن هراة إلى مدينححة الجام ،وهححي متوسححطة حسححنة ،ذات بسححاتين
وأشجار وعيون كثيرة وأنهار ،وأكثرها التوت .والحرير بها كثير .وهي تنسب إلى
الولي العابد الزاهد شهاب الدين أحمد الجامي ،وسنذكر حكايته ،وحفيده الشيخ أحمد
المعروف بزاده الذي قتله ملك الهنحد .والمدينحة الن لولده ،وهحي محررة محن قبحل
السحلطان .ولهحم بهحا نعمحة وثروة .وذكحر لي محن اثحق بحه أن السحلطان أبحا سحعيد ملك
العراق قدم خراسان مرة ونزل على هذه المدينة وبها زاوية الشيخ ،فأضافه ضيافة
عظيمحة ،وأعطحى لكحل خباء بمحلتحه رأس غنحم ،ولكحل أربعحة رجال رأس غنحم ،ولكحل
دابة بالمحلة من فرس وبغل وحمار علف ليلة ،فلم يبق في المحلة حيوان إل وصلته
ضيافته.
يذكحر أنحه كان صحاحب راححة مكثراً محن الشراب ،وكان له محن الندماء نححو سحتين،
وكانححت لهححم عادة أن يجتمعوا يومًا فححي منزل كححل واحححد منهححم ،فتدور النوبححة على
أحدهم بعد شهرين ،وبقوا على ذلك مدة .ثم إن النوبة وصلت يومًا إلى الشيخ شهاب
الدين ،فعقد التوبة ليلة النوبة ،وعزم على إصلح حاله مع ربه ،وقال في نفسه :إن
قلت لصححابي إنحي قحد تبحت قبحل اجتماعهحم عندي ،ظنوا ذلك عجزاً عحن مؤونتهحم.
فأحضحر محا كان يحضحر مثله قبلً محن مأكولت ومشرب ،وجعحل الخمحر فحي الزقاق،
وحضحر أصححابه .فلمحا أرادوا الشرب فتحوا زقاً ،فذاقحه أحدهحم فوجده حلواً ثحم فتحح
ثانيًا فوجده كذلك ثحم ثالثًا فوجده كذلك .فكلموا الشيحخ فحي ذلك ،فخرج لهحم عحن حقيقحة
أمره وصحدقهم سحر فكره ،وعرفهحم بتوبتحه ،وقال لهحم :وال محا هذا إل الشراب الذي
كنتححم تشربونححه فيمححا تقدم .فتابوا جميعاً إلى ال تعالى ،وبنوا تلك الزاويححة ،وانقطعوا
بهحا لعبادة ال تعالى .وظهحر لهذا الشيحخ كثيحر محن الكرامات والمكاشفات ،ثحم سحافرنا
محن الجام إلى مدينحة طوس ،وهحي أكحبر بلد خراسحان ،وأعظمهحا بلد المام الشهيحر
بأبي حامد الغزالي رضي ال عنه وبها قبره .ورحلنا منها إلى مدينة مشهد الرضا،
وهححو علي بححن موسححى الكاظححم بححن جعفححر الصححادق بححن محمححد الباقححر بححن علي زيححن
العابدين بن الحسين الشهيد ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي ال عنهم.
وهحي أيضاً مدينحة كحبيرة ضخمحة كثيرة الفواكحه والمياه والرجاء الطاحنحة .وكان بهحا
الطاهر محمد شاه ،والطاهر عندهم بمعنى النقيب عند أهل مصر والشام والعراق،
وأهحل الهنحد والسحند وتركسحتان يقول السحيد الجحل .وكان أيضاً بهذا المشهحد القاضحي
الشريححف جلل الديححن ،لقيتححه بأرض الهنححد والشريححف علي وولداه أميححر هندو ودولة
شاه ،وصحححبوني مححن ترمححذ إلى بلد الهنححد .وكانوا مححن الفضلء ،والمشهححد المكرم
عليحه قبحة عظيمحة فحي داخحل زاويحة ،تجاورهحا مدرسحة ومسحجد .وجميعهحا مليحح البناء
مصنوع الحيطان بالقاشاني .وعلى القبر دكانة خشب ملبسة بصفائح الفضة ،وعليه
قناديحل فضحة معلقحة ،وعتبحة باب القبحة فضحة .وعلى بابهحا سحتر حريحر مذهحب .وهحي
مبسحوطة بأنواع البسحط .وإزاء هذا القحبر قحبر هارون الرشيحد أميحر المؤمنيحن رضحي
ال عنه ،وعليه دكانة يضعون عليها الشمعدانات التي يعرفها أهل المغرب بالحسك
والمنائر .وإذا دخل الرافضي للزيارة ضرب قبر الرشيد برجله ،وسلم على الرضا.
ثحم سحافرنا إلى مدينحة سحرخس ،وإليهحا ينسحب الشيحخ الصحالح لقمان السحرخسي رضحي
ال عنحه .ثحم سحافرنا منهحا إلى مدينحة زاوة ،وهحي مدينحة الشيحخ الصحالح قطحب الديحن
حيدر ،وإليحه تنسب طائفة الحيدريحة من الفقراء ،وهم الذين يجعلون حلق الحديحد فحي
أيديهحم وأعناقهحم وآذانهحم ،ويجعلون أيضاً فحي ذكورهحم حتحى ل يتأتحى لهحم النكاح .ثحم
رحلنحا منهحا فوصحلنا إلى مدينحة نيسحابور ،وهحي إحدى المدن الربحع التحي هحي قواعحد
خراسحان .ويقال لهحا :دمشحق الصحغيرة ،لكثرة فواكههحا وبسحاتينها ومياههحا وحسحنها.
السحوق ،ويليحه أربحع محن المدارس يجري بهحا الماء الغزيحر ،وفيهحا محن الطلبحة خلق
كثير ،يقرأون القرآن والفقه .وهي من حسان مدارس تلك البلد ،ومدارس خراسان
والعراقيححن ودمشححق وبغداد ومصححر .وإن بلغححت الغايححة مححن التقان والحسححن ،فكلهححا
تقصر عن المدرسة التي عمرها مولنا أمير المؤمنين المتوكل على ال المجاهد في
سححبيل ال عالم الملوك واسححطة عقححد الخلفاء العادليححن أبححو عنان ،وصححل ال سححعده
ونصحر جنده ،وهحي التحي عنحد القصحبة محن حضرة فاس حرسحها ال تعالى ،فإنهحا ل
نظيحر لهحا سحعة وارتفاعاً ونقحش الجحص بهحا ل قدرة لهحل المشرق عليحه .ويصحنع
بنيسابور ثياب الحرير من النخ والكمخاء وغيرها .وتحمل منها إلى الهند .وفي هذه
المدينة زاوية الشيخ المام العالم القطب العابد قطب الدين النيسابوري أحد الوعاظ
العلماء الصالحين :نزلت عنده فأحسن القرى وأكرم ،ورأيت له البراهين والكرامات
العجيبححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححة.
كرامة له :كنت قد اشتريت بنيسابور غلماً تركياً ،فرآه معي فقال لي:هذا الغلم ل
يصححلح لك ،فبعححه .فقلت له :نعححم ،وبعححت الغلم فححي غححد ذلك اليوم ،واشتراه بعححض
التجار .وودعححت الشيححخ وانصححرفت .فلمححا حللت بمدينححة بسححطام كتححب إلي بعححض
أصححابي محن نيسحابور ،وذكحر أن الغلم المذكور قتحل بعحض أولد التراك وقتحل بحه.
وهذه كرامحة واضححة لهذا الشيحخ رضحي ال عنحه .وسحافرت محن نيسحابور الى مدينحة
بسطام التي ينسب إليها الشيخ العارف أبو يزيد البسطامي الشهير ،رضي ال عنه.
وبهذه المدينحة قحبره ،ومعحه فحي قبحة واحدة أححد أولد جعفحر الصحادق رضحي ال عنحه.
وببسطام أيضاً قبر الشيخ الصالح الولي أبي الحسن الخرقاني .وكان نزولي من هذه
المدينة بزاوية الشيخ أبي يزيد البسطامي رضي ال عنه .ثم سافرت من هذه المدينة
على طريحق هندخيحر إلى قندوس وبغلن .وهحي قرى فيهحا مشايحخ وصحالحون ،وبهحا
البسحاتين والنهار .فنزلنحا بقندوس على نهحر ماء بحه زاويحة لححد شيوخ الفقراء محن
أهحل مصحر ،يسحمى بشيحر سحياه ،ومعنحى ذلك السحد السحود ،وأضافنحا بهحا والي تلك
وأقمنا بخارج هذه القرية نحو أربعين يوماً لرعي الجمال والخيل ،وبها مرا عٍ طيبة
وأعشاب كثيرة ،والمحن بهحا شامحل بسحبب شدة أحكام الميحر برنطيحة .وقحد قدمنحا أن
أحكام الترك في من سرق فرساً أن يعطي معه تسعة مثله ،فإن لم يجد ذلك أخذ فيها
والناس يتركون دوابهحم مهملة دون راع ،بعدو أن يسحم كحل واححد دوابحه فحي أفخاذهحا.
وكذلك فعلنا في هذه البلد .واتفق أن تفقدنا خيلنا بعد عشر من نزولنا بها ففقدنا منها
ثلثحححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححة أفراس.
ولما كان بعد نصف شهر جاءنا التتر بها إلى منزلنا ،خوفاً من أنفسهم من الحكام.
وكنا نربط في كل ليلة إزاء أخبيتنا فرسين ،لما عسى أن يقع بالليل .ففقدنا الفرسين
ذات ليلة ،وسحافرنا محن هنالك .وبعحد اثنتيحن وعشريحن ليلة جاءوا بهمحا إلينحا فحي أثناء
طريقنحا .وكان أيضاً محن أسحباب إقامتنحا خوف الثلج .فإن بأثناء الطريحق جبلً يقال له
هندو كوش ،ومعناه قاتل الهنود .لن العبيد والجواري الذين يؤتى بهم من بلد الهند
يموت هنالك الكثير منهم لشدة البرد وكثرة الثلج وهو مسيرة يوم كامل .وأقمنا حتى
تمكنا من دخول الحر ،وقطعنا ذلك الجبل من آخر الليل ،وسلكنا به جميع نهارنا إلى
الغروب .وكنححا نضححع اللبود بيححن أيدي الجمال تطححأ عليهححا ،لئل تغرق فححي الثلج .ثححم
سافرنا إلى موضع يعرف بأندر .وكانت هنالك فيما تقدم مدينة عفي رسمها .ونزلنا
بقريححة عظيمححة فيهححا زاويححة لحححد الفضلء ويسححمى بمحمححد المهروي ،ونزلنححا عنده
وأكرمنحا .وكان متحى غسحلنا أيدينحا محن الطعام يشرب الماء الذي غسحلناها بحه لحسحن
اعتقاده وفضله .وسححححححافر معنححححححا إلى أن صححححححعدنا جبححححححل هندو كوش المذكور.
ووجدنحا بهذا الجبحل عيحن ماء حارة فغسحلنا منهحا وجوهنحا فتقشرت وتألمنحا لذلك ،ثحم
نزلنحا بموضحع يعرف ببنحج هيحر ،ومعنحى بنحج خمسحة وهيحر هحو الجبحل ،فمعناه خمسحة
جبال ،وكانحت هنالك مدينحة حسحنة كثيرة العمارة على نهحر عظيحم أزرق ،كأنحه بححر
ينزل مححن جبال بدخشان .وبهذه الجبال يوجححد الياقوت الذي يعرفححه الناس بالبلخححش،
وخرب هذه البلد تنكيحز ملك التتحر ،فلم تعمحر بعده .وبهذه المدينحة مزار الشيحخ سحعيد
المكحي ،وهحو معظحم عندهحم ،ووصحلنا إلى جبحل بشاي " وضبطحه بفتحح الباء المعقودة
والشيحن المعجحم والف وياء سحاكنة " ،وبحه زاويحة الشيحخ الصحالح أطحا أولياء وأطحا "
بفتححح الهمزة " ،معناه بالتركيححة الب وأولياء باللسححان العربححي ،فمعناه أبححو الولياء،
ويسحمى أيضاً سحيصد صحاله ،وسحيصد " بسحين مهمحل مكسحور وياء محد وصحاد مهمحل
مفتوح ودال مهمححل " ،ومعناه بالفارسححية ثلثمائة ،وصححاله " بفتححح الصححاد المهمححل
واللم " معناه عام .وهم يذكرون أن عمره ثلثمائة وخمسون عاماً .ولهم فيه اعتقاد
حسحن ويأتون لزيارتحه محن البلد والقرى .ويقصحده السحلطين والخواتيحن .وأكرمنحا
وأضافنا ،ونزلنا على نهر عند زاويته ،ودخلنا إليه فسلمت عليه ،وعانقني ،وجسمه
رطب لم أر ألين منه ،ويظن رائيه أن عمره خمسون سنة .وذكر لي أنه في كل مائة
سنة ينبت له الشعر ،والسنان ،وأنه رأى أباهم الذي قبره بملتان من السند .وسألته
عححن روايححة حديححث فأخححبرني بحكايات ،وشككححت فححي حاله ،وال أعلم بصححدقه .ثححم
سحافرنا إلى برون " وضبطها بفتح الباء المعقودة وسحكون الراء وفتح الواو وآخرها
نون " ،وفيهحا لقيحت الميحر برنطيحة " وضبحط اسحمها بضحم الباء وضحم الراء وسحكون
النون وفتح الطاء المهمل وياء آخر الحروف مسكن وهاء " ،وأحسن إلي وأكرمني،
وكتحب إلى نوابحه بمدينحة غزنحة فحي إكرامحي ،وقحد تقدم ذكره ،وذكحر محا أعطحي محن
البسطة في الجسم ،وكان عنده جماعة من المشايخ والفقراء أهل الزوايا .ثم سافرنا
إلى قريحة الجرخ " وضبحط اسحمها بفتحح الجيحم المعقود وإسحكان الراء وخاء معجحم "،
وهي كبيرة ،لها بساتين كثيرة ،وفواكهها طيبة .قدمناها في أيام الصيف ووجدنا بها
جماعحة محن الفقراء والطلبحة ،وصحلينا بهحا الجمعحة .وأضافنحا أميرهحا محمحد الجرخحي،
ولقيته بعد ذلك بالهند .ثم سافرنا إلى مدينة غزنة ،وهي بلد السلطان المجاهد محمود
بن سبكتكين الشهير السم ،وكان من كبار السلطين يلقب بيمين الدولة وكان كثير
الغزو إلى بلد الهنحد ،وفتحح بهحا المدائن والحصحون .وقحبره بهذه المدينحة عليحه زاويحة
وقححد خرب معظححم هذه البلدة .ولم يبححق منهححا إل يسححير ،وكانححت كححبيرة .وهححي شديدة
البرد ،والسححاكنون بهححا يخرجون عنهححا أيام البرد إلى مدينححة القندهار ،وهححي كححبيرة
مخصحبة ،ولم أدخلهحا ،وبينهمحا مسحيرة ثلث .ونزلنحا بخارج غزنحة فحي قريحة هنالك
على نهححر ماء تحححت قلعتهححا ،وأكرمنححا أميرهححا مرذك أغححا " ومرذك " بفتححح الميححم
وسحكون الراء وفتحح الذال المعجحم " ،ومعناه الصحغير ،وأغحا " بفتحح الهمزة والغيحن
المعجححم " ومعناه الكححبير الصححل ،ثححم سححافرنا إلى كابححل ،وكانححت فيمححا سححلف مدينححة
عظيمحة ،وبهحا الن قريحة يسحكنها طائفحة محن العاجحم يقال لهحم الفغان .ولهحم جبال
وشعاب وشوكحة قويحة ،وأكثرهحم قطاع الطريحق ،وجبلهحم الكحبير يسحمى كوه سحليمان.
يذكر أن نبي ال سليمان عليه السلم صعد ذلك الجبل ،فنظر إلى أرض الهند وهي
مظلمحة فرجحع ولم يدخلهحا ،فسحمي الجبحل بحه .وفيحه يسحكن ملك الفغان .وبكابحل زاويحة
الشيححخ إسححماعيل الفغانححي تلميححذ الشيحخ عباس مححن كبار الولياء .ومنهحا رحلنحا إلى
كرماش .وهحي حصحن بيحن جبليحن تقطحع بحه الفغان .وكنحا حيحن جوازنحا عليحه نقاتلهحم
وهم بسفح الجبل ونرميهم بالنشاب فيفرون .وكانت رفقتنا مخفة ومعهم نحو أربعة
آلف فرس ،وكانت لي جمال انقطعت عن القافلة لجلها ،ومعي جماعة بعضهم من
الفغان ،وطرحنا بعحض الزاد ،وتركنا أحمال الجمال التي أعيت بالطريق ،وعادت
إليهححا خيلنححا بالغححد فاحتملتهححا ،ووصححلنا إلى القافلة بعححد العشاء الخرة ،فبتنححا بمنزل
ششنغار ،وهحي آخحر العمارة ممحا يلي بلد الترك .ومحن هنحا دخلنحا البريحة الكحبرى،
وهححي مسححيرة خمححس عشرة ،ل تدخححل إل فححي فصححل واحححد وهححو بعححد نزول المطححر
بأرض السند والهند ،وذلك في أوائل شهر يوليه .وتهب في هذه البرية ريح السموم
القاتلة التحي تعفحن الجسحوم .حتحى أن الرجحل إذا مات تتفسحخ أعضاؤه .وقحد ذكرنحا أن
هذه الريحح تهحب أيضًا فحي البريحة بيحن هرمحز وشيراز .وكانحت تقدمحت أمامنحا رفقحة
كبيرة فيها خداوند زاده قاضي ترمذ ،فمات لهم جمال وخيل كثيرة .ووصلت رفقتنا
سححالمة بحمححد ال تعالى إلى بنححج آب وهححو ماء السححند ،وبنححج " بفتححح الباء الموحدة
وسحكون النون والجيحم " ومعناه خمسحة وآب " بهمزة مفتوححة ممدودة وباء موحدة "
ومعناه الماء ،فمعنحى ذلك الوديحة الخمسحة ،وهحي تصحب فحي النهحر العظحم ،وتسحقي
تلك النواحححي ،وسححنذكرها إن شاء ال تعالى .وكان وصححولنا لهذا النهححر سححلخ ذي
الحجححة .واسححتهل علينححا تلك الليلة هلل المحرم مححن عام أربعححة وثلثيححن وسححبعمائة.
ومحن هنالك كتحب المخحبرون بخبرنحا إلى أرض الهنحد ،وعرفوا ملكهحا بكيفيحة أحوالنحا.
وهحا هنحا ينتهحي بنحا الكلم فحي هذا السحفر .والحمحد ل رب العالميحن.ا رفقحة كحبيرة فيهحا
خداونحد زاده قاضحي ترمحذ ،فمات لهحم جمال وخيحل كثيرة .ووصحلت رفقتنحا سحالمة
بحمححد ال تعالى إلى بنححج آب وهححو ماء السححند ،وبنححج " بفتححح الباء الموحدة وسححكون
النون والجيححم " ومعناه خمسححة وآب " بهمزة مفتوحححة ممدودة وباء موحدة " ومعناه
الماء ،فمعنححى ذلك الوديحة الخمسحة ،وهحي تصحب فححي النهحر العظحم ،وتسحقي تلك
النواححي ،وسحنذكرها إن شاء ال تعالى .وكان وصحولنا لهذا النهحر سحلخ ذي الحجحة.
واستهل علينا تلك الليلة هلل المحرم من عام أربعة وثلثين وسبعمائة .ومن هنالك
كتحب المخحبرون بخبرنحا إلى أرض الهنحد ،وعرفوا ملكهحا بكيفيحة أحوالنحا .وهحا هنحا