Professional Documents
Culture Documents
السلمي ..
والفكر السلمي سبق الفكر الوربي المعاصر بقرون عديدة بتمييزه بين
السلم مندكّة بشخصية الحاكم ..ويُعتبر هذا التمييز انجازا ً حضاريا ً عظيماً
لقد فصل السلم بين شخصية المام أو الخليفة وبين الدولة ،واعتبر
ن حك َ ْ
متُم بي َ ه يأمركُم أن تُؤدّوا المانا َ
ت إلى أهْل ِها وإذا َ ن الل َ
قال تعالى ( :إ ّ
حك ُ ُ
موا بالعَدْل ) ( .النساء ) 58 / س أن ت َ ْ
النّا ِ
وورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)« :كُلّكُم راع وكُلّكُم
مسؤو ٌ
ل ع َن رعيّته»(.)29 َ
1ـ ال ُ ّ
مة 2 .ـ القانون .
سيادة .
سلطة 4 .ـ ال ِّ
3ـ ال ّ
ولم يعتبر الفكر السلمي الرض ركنا ً من أركان الدولة ،بل الدولة تُقام
وليتها وفق القانون .ول دخل للرض في تكوين شخصية الدولة ،بل
الرض شرط في قيام الدولة ،فل تُقام دولة إّل على أرض تملكها ال ُ ّ
مة ،
وتُقيم عليها .لذا يُقال قامت دولة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
في المدينة ،وقامت الدولة المويّة في الشام ،وقامت دولة الفراعنة في
من أركان تكوين الدولة ،جاء هذا البيان في قوله تعالى :
معَهُم ن وأنَْز َ مب ّ ِ حدَة ً فَبَعَ َ ُ
ل َ منذِري َ
نو ُ
شري َ ه النّبيِّين ُ
ث الل ُ ة وا ِ
م ً
سأ ّن النّا ُ
(كا َ
ضح
ضح في هذه الية نشأة الدولة على يد النبياء ،كما يُو ِّ
فالقرآن يُو ِّ
سيادة) 1ـ ال ُ ّ
مة2 ،ـ القانون (الكتاب) 3 ،ـ الحكومة (النبياء) 4 ،ـ الولية (ال ِّ
وهكذا يرتبط مفهوم السـلطة بالقانون والخلق الّذين حملهما الكتاب .
مختلفة .
والروايات وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) العمليّة وحديث
الرعاية والمسؤولية النف ذكره ،كلّها تؤ ِكّد هذا التفسير الفكري لقيام
الدولة ..
س أن
ن النّا ِ حك َ ْ
متُم بي َ مُركُم أن تُؤدّوا المانا َ
ت إلى أهْل ِها وإذا َ ه يأ ُ
ن الل َ
(إ ّ
حك ُ ُ
موا بالعَدْل ) ( .النساء ) 58 / تَ ْ
ق أنَزلْناه ُ وبالح ِ
قّ نََزل ( .) ...السراء ) 105 / (وبالح ِ ّ
ف
مُروا بالمعرو ِ
صلة َ وآتوا الّزكاة َ وأ َ
موا ال ّ مكّنّاهُم في الْر ِ
ض أقا ُ (الّذي َ
ن إن َ
( القصص ) 83 /
ل والن ِّساءِ
ن الّرِجا ِ
م َ
ن ِ
ضعَفي َ
ست َ ْ
م ْ
ل الله وال ُ
سبي ِ (وَما لَكُم لتُقاتِلو َ
ن في َ
) 75
وهكذا يتحدّد أمامنا حقيقة الدولة وموجب قيامها في المفهوم السلمي ..
والمبادئ .
ن
في السلم هو عنصر البيعة والشورى ..فالبيعة والشورى تعبير عن أ ّ
الخلفة في هذه الحالة ل يتمثّل عمليّا ً إّل في نطاق ضيِّق ،وضمن حدود
ما إذا حّررت لجتياز هذا القصور ،وتسلّم حقّها في الخلفة العا ّ
مة ،وأ ّ
مة نفسها فخ ّ
ط الخلفة ينتقل إليها ،فهي التي تُمارِس القيادة السياسية ال ُ ّ
والجتماعية في ال ُ ّ
مة بتطبيق أحكام الله ،وعلى أساس الركائز المتقدِّمة
ما َرَزقْناهُم
م ّ مُرهُم ُ
شوَرى بَيْنَهُم و ِ صلة َ َوأ ْ
موا ال ّ
ستَجابُوا لَِربِّهِم وَأقا ُ (والّذي َ
نا ْ
ن عَ ِ
ن ف ويَنْهُو َ
معْرو ِ
ن بال َ
مرو َ
ضهُم أوْل ِياءُ بَعْض يأ ُ
ت بَعْ ُ مؤ ْ ِ
منا ُ ن وَال ُ مؤ ْ ِ
منو َ (وَال ُ
ه أُولئِ َ
ك سول َ ُ
ه وََر ُ
ن الل َ صلة َ وَيُؤْتُو َ
ن الّزكاة َ وَيُطِيعُو َ منْكَرِ وَيُقيمو َ
ن ال ّ ال ُ
رأيها ..كما ويُثب ِّت القرآن مبدأ الشورى بين المسلمين في الحكم وفي
مة بقوله:
الحياة العا ّ
َ
مُرهُم شورى بينهم .) ...
صلة وأ ْ
موا ال ّ
سـتَجابُوا لربِّهم وأقا ُ (والّذي َ
نا ْ
(ال ّ
شورى) 38/
مة .
ومصالحها العا ّ
ن السلطة أمانة بيد الحاكم ورعاية لشؤون الُّمة ،فهو أمين وراع
أ ّ
ن
سأ ْ
ن النّا ِ حك َ ْ
متُم بي َ ه يأمركُم أن تُؤدّوا المانا َ
ت إلى أهْل ِها وإذا َ ن الل َ
(إ ّ
حك ُ ُ
موا بالعَدْل ) ( .النساء ) 58 / تَ ْ
وكُلّكُم مسؤو ٌ
ل عن رعيّته»(. )32
ص وفي العشرات من النصوص التي
مثبّت في هذا الن ّ
ومبدأ المسؤولية ال ُ
للسلطة ،أو انحرافه عن المبادئ كما هو مسؤول أمام الله سبحانه يوم
سياسة وإدارة وسلطة للقانون ،يحكم سلوكها ،ويُنظ ِّم بنيتها ،ويُقاضيها
حين التقصير ،كما يحكم سـلوك الفراد ويُقاضيهم حين التقصير ..
ي المر
فالرسالة السلمية ثبّتت مبدأ ولية المر (السلطة) ،وأعطت ول ّ
..
ن الولية في السلم
ضح لنا أ ّ
والتحليل العلمي لمعنى الولية في السلم يُو ِّ
; ليتمكّن من أداء مهامه .لذا فهي ولية تسلّط أو امتلك ،ول ولية من
:
ن ل يَعْل َ ُ
مون ). مرِ فاتّبِعْها ول تَتَّبِع أهواءَ الّذي َ
ن ال ْ
م َ جعَلْنا َ
ك على شريعة ِ (ثُ ّ
م َ
( الجاثية ) 18 /
ُ
من ت ِلقاءِ نَفْسي ( ) ...يونس ) 15 / ( ...قُل ما يكون لي أن أبدِّل ُ
ه ِ
متّبع
منفِّذ و ُ
ن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ُ
ضح القرآن أ ّ
وهكذا يُو ِّ
ن الدولة
للشريعة والقانون والوامر اللهية،وليس فوقهما..ومن ذلك نفهم أ ّ
منفِّذة
السلمية هي دولة خاضعة للقانون وليست فوق القانون ،بل هي ُ
س أن
ن النا ِ حك َ ْ
متُم بَي َ مُركُم أن تُؤدّوا المانا َ
ت إلى أهْل ِها وإذا َ ه يأ ُ
ن الل َ
(إ ّ
حرمة
ومن المزايا الساسية في الدولة السلمية والمجتمع السلمي هو ُ
المستق ّ
ل الذي تُعاطي الفراد والسلطة على حدٍّ سواء ،وفق معايير الحقّ
ضر ..
والعدل ،لهو من أبرز مظاهر الدولة الحضارية والمجتمع المتح ِّ
مستق ّ
ل وشمول سلطته التي ل يُستثنى منها أحد مهما كان فالقضاء ال ُ
خذ ُ فيها لل ّ
ضعيف من القوي حقّه غير متعتع» . «ل تُقدّس ا ُ ّ
مة ل يُؤ َ
ويؤكِّد القرآن ُ
حرمة التحاكم إلى الطاغوت ،وهو الحاكم الظالم الذي ل
يقضي بالحق ول يعمل بأحكام الشريعة العادلة ..جاء ذلك في قوله تعالى
:
ل إلَي ْ َ ُ
ن أن يَتَحاكَمو َ
ن ك يُريدو َ نز َ
منوا بما أ ِ
ن أ نّهُم آ َ (ألَم تََر إلى الّذي َ
ن يَْزعمو َ
ت وقد أ ُ ِ
مروا أن يَكْفُروا بِه ) ( .النساء ) 60 / إلى الطّاغو ِ
ي القائم على
جز بالدولة السلمية وبالمجتمع المدن ّ
ن هذا التعريف المو َ
إ ّ
ي عندما
دّين الله ّ
السلم ،وستكتشف أجيال البشريّة القادمة عظمة هذا ال ِ
(النبياء)105/