You are on page 1of 6

‫خصائص الدولة في السلم‬

‫كّل الدولة أبرز ظاهرة في الحياة الجتماعية المعاصرة ‪ ..‬وتتميّز بأ نّها‬


‫تُش ِ‬

‫ملزمة ‪ ..‬والدراسة الستقرائية للنصوص‬


‫سسة سياسية ذات سلطة ُ‬
‫مؤ ّ‬

‫ن الفكر السلمي اعتنى عناية‬


‫السلمية والسيرة العملية توصلنا إلى أ ّ‬

‫سلطة ‪ ،‬واعتبرها ركنا ً أساسيا ً من أركان البناء‬


‫صة بمسألة الدولة وال ّ‬
‫خا ّ‬

‫السلمي ‪..‬‬

‫والفكر السلمي سبق الفكر الوربي المعاصر بقرون عديدة بتمييزه بين‬

‫شخصية الدولة وشخصية الحاكم‪،‬فقد كانت شخصية الدولة قبل مجيء‬

‫السلم مندكّة بشخصية الحاكم‪ ..‬ويُعتبر هذا التمييز انجازا ً حضاريا ً عظيماً‬

‫في عالَم السياسة والعدالة والدولة واحترام حقوق النسان‪..‬‬

‫لقد فصل السلم بين شخصية المام أو الخليفة وبين الدولة ‪ ،‬واعتبر‬

‫مة لشؤون‬ ‫المامة منصبا ً يملؤه المام ‪ .‬كما اعتبر ال ّ‬


‫سلطة أمانة ورعاية عا ّ‬

‫ملها الحاكم ‪..‬‬ ‫ال ُ ّ‬


‫مة يتح ّ‬

‫ن‬ ‫حك َ ْ‬
‫متُم بي َ‬ ‫ه يأمركُم أن تُؤدّوا المانا َ‬
‫ت إلى أهْل ِها وإذا َ‬ ‫ن الل َ‬
‫قال تعالى ‪( :‬إ ّ‬

‫حك ُ ُ‬
‫موا بالعَدْل )‪ ( .‬النساء ‪) 58 /‬‬ ‫س أن ت َ ْ‬
‫النّا ِ‬

‫وورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)‪« :‬كُلّكُم راع وكُلّكُم‬

‫مسؤو ٌ‬
‫ل ع َن رعيّته»(‪.)29‬‬ ‫َ‬

‫وتتقوّم الدولة في المفهوم السلمي من العناصر التية ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ال ُ ّ‬
‫مة ‪ 2 .‬ـ القانون ‪.‬‬

‫سيادة ‪.‬‬
‫سلطة ‪ 4 .‬ـ ال ِّ‬
‫‪ 3‬ـ ال ّ‬

‫ولم يعتبر الفكر السلمي الرض ركنا ً من أركان الدولة ‪ ،‬بل الدولة تُقام‬

‫مة كلّها أو بعضها ‪ ،‬وتُمارس عليها السلطة‬


‫على الرض التي تُقيم عليها ال ُ ّ‬

‫وليتها وفق القانون ‪ .‬ول دخل للرض في تكوين شخصية الدولة ‪ ،‬بل‬

‫الرض شرط في قيام الدولة ‪ ،‬فل تُقام دولة إّل على أرض تملكها ال ُ ّ‬
‫مة ‪،‬‬

‫وتُقيم عليها ‪ .‬لذا يُقال قامت دولة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)‬

‫في المدينة ‪ ،‬وقامت الدولة المويّة في الشام ‪ ،‬وقامت دولة الفراعنة في‬

‫مصر ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬

‫ن القرآن اعتبر القانون ركنا ً أساساً‬


‫والمسألة الثانية في تكوين الدولة هي أ ّ‬

‫من أركان تكوين الدولة ‪ ،‬جاء هذا البيان في قوله تعالى ‪:‬‬
‫معَهُم‬ ‫ن وأنَْز َ‬ ‫مب ّ ِ‬ ‫حدَة ً فَبَعَ َ‬ ‫ُ‬
‫ل َ‬ ‫منذِري َ‬
‫نو ُ‬
‫شري َ‬ ‫ه النّبيِّين ُ‬
‫ث الل ُ‬ ‫ة وا ِ‬
‫م ً‬
‫سأ ّ‬‫ن النّا ُ‬
‫(كا َ‬

‫ختَلَفُوا فيه ‪ (.) ...‬البقرة ‪) 213 /‬‬


‫س فيما ا ْ‬
‫ن النا ِ‬ ‫حك ُ َ‬
‫م بي َ‬ ‫قّ ل ِي َ ْ‬
‫ب بالح ِ‬
‫الكِتا َ‬

‫ضح‬
‫ضح في هذه الية نشأة الدولة على يد النبياء ‪ ،‬كما يُو ِّ‬
‫فالقرآن يُو ِّ‬

‫عناصر تكوين الدولة الربعة ‪ ،‬وهي ‪:‬‬

‫سيادة)‬ ‫‪1‬ـ ال ُ ّ‬
‫مة‪2 ،‬ـ القانون (الكتاب)‪ 3 ،‬ـ الحكومة (النبياء)‪ 4 ،‬ـ الولية (ال ِّ‬

‫التي يُمارسها النبياء بالحكم بالكتاب ‪.‬‬

‫وهكذا يرتبط مفهوم السـلطة بالقانون والخلق الّذين حملهما الكتاب ‪.‬‬

‫فالدولة السلمية هي دولة قانونية وعقائدية تقوم على أساس القانون‬

‫السلمي وتخضع له ‪ ،‬وتبتني على أساس العقيدة السلمية ‪ ،‬وبذا تتميّز‬

‫هويّتها وشخصيّتها الفكرية ‪ ،‬وهي نتيجة طبيعية للمجتمع السلمي والداة‬

‫السياسية لتطبيق السلم ‪ .‬ولوجود الدولة في المجتمع تفاسير فكرية‬

‫مختلفة ‪.‬‬

‫ونستطيع أن نفهم التفسير السلمي لنشأة الدولة من خلل النصوص‬

‫مناطة بالدولة ‪ ،‬ومن ذلك‬


‫والمفاهيم والهداف السلمية والمسؤوليّات ال ُ‬

‫سر الدولة تفسـيرا ً أخلقيّا ً وعقائديّا ً ‪.‬‬


‫ن الفكر السلمي يُف ِّ‬
‫نستطيع القول أ ّ‬

‫فالدولة في مفهوم السلم تتقوّم ضرورة وجودها بالخلقيّة والعقائديّة ‪..‬‬

‫ن الدولة في نظر السلم قامت على أساس حماية الحق‬


‫وإيضاح ذلك أ ّ‬

‫والعدل والمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والصلح في الرض‬

‫وإعمارها‪،‬وتطوير الحياة وتنميتها; لتوفير خير البشرية وسعادتها‪،‬والدعوة‬

‫إلى توحيد الله وعبادته‪،‬وهداية النسان في طريق الهُدى‪.‬‬

‫وكل هذه الموجبات هي موجبات أخلقيّة وعقيديّة ‪ ..‬والعشرات من اليات‬

‫والروايات وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) العمليّة وحديث‬

‫الرعاية والمسؤولية النف ذكره ‪ ،‬كلّها تؤ ِكّد هذا التفسير الفكري لقيام‬

‫الدولة ‪..‬‬

‫نذكر من اليات قوله تعالى ‪:‬‬

‫س أن‬
‫ن النّا ِ‬ ‫حك َ ْ‬
‫متُم بي َ‬ ‫مُركُم أن تُؤدّوا المانا َ‬
‫ت إلى أهْل ِها وإذا َ‬ ‫ه يأ ُ‬
‫ن الل َ‬
‫(إ ّ‬

‫حك ُ ُ‬
‫موا بالعَدْل )‪ ( .‬النساء ‪) 58 /‬‬ ‫تَ ْ‬

‫ق أنَزلْناه ُ وبالح ِ‬
‫قّ نََزل ‪ ( .) ...‬السراء ‪) 105 /‬‬ ‫(وبالح ِ ّ‬

‫ف‬
‫مُروا بالمعرو ِ‬
‫صلة َ وآتوا الّزكاة َ وأ َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫مكّنّاهُم في الْر ِ‬
‫ض أقا ُ‬ ‫(الّذي َ‬
‫ن إن َ‬

‫منْكَر )‪ ( .‬الحج ‪) 41 /‬‬


‫ونَهُوا عن ال ُ‬
‫ض كما‬
‫خلِفَنّهُم في الْر ِ‬ ‫ت لَي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ملُوا ال ّ‬
‫صالحا ِ‬ ‫منْكُم وعَ ِ‬
‫منُوا ِ‬ ‫ه الّذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫(وَعَد َ الل ُ‬

‫من قَبْل ِهِم ‪ ( .) ...‬النور ‪) 55 /‬‬ ‫ف الّذي َ‬


‫ن ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫ست َ ْ‬
‫ا ْ‬

‫ض وَل فَسادا ‪.) ...‬‬ ‫ن ع ُل ُ ّ ً‬ ‫جعَلها للّذِي َ‬ ‫(تِل ْ َ‬


‫وا في الْر ِ‬ ‫ن ل يُريدو َ‬ ‫خَرة َ ن َ ْ‬
‫ك الدّاَر ال ِ‬

‫( القصص ‪) 83 /‬‬

‫ل والن ِّساءِ‬
‫ن الّرِجا ِ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫ضعَفي َ‬
‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬
‫ل الله وال ُ‬
‫سبي ِ‬ ‫(وَما لَكُم لتُقاتِلو َ‬
‫ن في َ‬

‫من هذهِ القَْريَةِ الظّال ِم ِ أهْل ِها )‪ (.‬النساء ‪/‬‬


‫جنا ِ‬
‫خرِ ْ‬ ‫ن يَقولُو َ‬
‫ن َربّنا أ ْ‬ ‫والُولْدا ِ‬

‫‪) 75‬‬

‫س إّل ل ِيَعْبُدون )‪ ( .‬الذاريات ‪) 56 /‬‬ ‫ج َّ‬


‫ن والن ْ َ‬ ‫خلَقْ ُ‬
‫ت ال ِ‬ ‫(وَما َ‬
‫( ‪ ...‬يا قَوم اعبدوا الله ما لَك ُم من إله غَيره هُو الّذي أن َ َ‬
‫ض‬
‫ن الْر ِ‬ ‫شأكُم ِ‬
‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ ِ‬

‫مَركُم فيها ‪ ( .) ...‬هود ‪) 61 /‬‬


‫ستَعْ َ‬
‫وَا ْ‬

‫وهكذا يتحدّد أمامنا حقيقة الدولة وموجب قيامها في المفهوم السلمي ‪..‬‬

‫جز بالدولة السلمية هذا ‪ ،‬يجدر أن نُعّرِف بأبرز المبادئ‬


‫وفي تعريفنا المو َ‬

‫دّد سياسة الدولة وطبيعتها وعلقتها بال ُ ّ‬


‫مة وبالعالم غير السلمي ‪،‬‬ ‫التي تُح ِ‬

‫وهذه المبادئ هي ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ تتميّز شـخصيّة الدولة في السلم عن شـخصيّة الحاكم ‪ :‬فالدولة لها‬

‫مكلّف بأداء مسؤوليّته تجاه ال ُ ّ‬


‫مة‬ ‫مستقلّة ‪ ،‬والحاكم أمين و ُ‬
‫شخصية قانونية ُ‬

‫والمبادئ ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الشورى واحترام رأي ال ُ ّ‬


‫مة ‪ :‬والعنصر الساس الذي يعتمد عليه الحكم‬

‫ن‬
‫في السلم هو عنصر البيعة والشورى ‪ ..‬فالبيعة والشورى تعبير عن أ ّ‬

‫مة ‪ .‬كما يُعب ِّر عنها‬ ‫الُّمة هي صاحبة الحقّ في ال ّ‬


‫سلطة أو في الخلفة العا ّ‬

‫صدر بقوله ‪:‬‬


‫مد باقر ال ّ‬
‫الفقيه الشهيد مح ّ‬

‫ط الخلفة الّذي كان الشهيد(‪ )30‬المعصوم يُمارسه ‪ ،‬فما دامت‬


‫ما خ ّ‬
‫«وأ ّ‬

‫مة ‪ ،‬فهذا‬ ‫ال ُ ّ‬


‫مة محكومة للطاغوت ‪ ،‬ومقصيّة عن حقِّها في الخلفة العا ّ‬

‫جع(‪ ، )31‬ويندمج الخطّان حينئذ ـ الخلفة والشهادة في‬ ‫الخ ّ‬


‫ط يُمارسه المر ِ‬
‫نخ ّ‬
‫ط‬ ‫جع ـ ‪ ،‬وليس هذا الندماج متو ِقّفا ً على العصمة ; ل ّ‬
‫شخص المر ِ‬

‫الخلفة في هذه الحالة ل يتمثّل عمليّا ً إّل في نطاق ضيِّق ‪ ،‬وضمن حدود‬

‫مة قاصرا ً عن‬


‫تصّرفات الشخاص ‪ ،‬وما دام صاحب الحق في الخلفة العا ّ‬

‫ممارسة حقِّه ‪ ،‬نتيجة لنظام جبّار ‪ ،‬فيتولّى المر ِ‬


‫جع رعاية هذا الحقّ في‬

‫ممكِنة ‪ ،‬ويكون مسؤول ً عن تربية هذا القاصر ‪ ،‬وقيادة ال ُ ّ‬


‫مة‬ ‫الحدود ال ُ‬

‫ما إذا حّررت‬ ‫لجتياز هذا القصور ‪ ،‬وتسلّم حقّها في الخلفة العا ّ‬
‫مة ‪ ،‬وأ ّ‬
‫مة نفسها فخ ّ‬
‫ط الخلفة ينتقل إليها ‪ ،‬فهي التي تُمارِس القيادة السياسية‬ ‫ال ُ ّ‬

‫والجتماعية في ال ُ ّ‬
‫مة بتطبيق أحكام الله ‪ ،‬وعلى أساس الركائز المتقدِّمة‬

‫للستخلف الربّاني ‪ ،‬وتُمارِس الُّمة دورها في الخلفة في الطار‬

‫التشريعي للقاعدتين القرآنيّتين التاليتين ‪:‬‬

‫ما َرَزقْناهُم‬
‫م ّ‬ ‫مُرهُم ُ‬
‫شوَرى بَيْنَهُم و ِ‬ ‫صلة َ َوأ ْ‬
‫موا ال ّ‬
‫ستَجابُوا لَِربِّهِم وَأقا ُ‬ ‫(والّذي َ‬
‫نا ْ‬

‫يُن ْ ِفقُون )‪ ( .‬الشورى ‪) 38 /‬‬

‫ن عَ ِ‬
‫ن‬ ‫ف ويَنْهُو َ‬
‫معْرو ِ‬
‫ن بال َ‬
‫مرو َ‬
‫ضهُم أوْل ِياءُ بَعْض يأ ُ‬
‫ت بَعْ ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫منا ُ‬ ‫ن وَال ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫منو َ‬ ‫(وَال ُ‬

‫ه أُولئِ َ‬
‫ك‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وََر ُ‬
‫ن الل َ‬ ‫صلة َ وَيُؤْتُو َ‬
‫ن الّزكاة َ وَيُطِيعُو َ‬ ‫منْكَرِ وَيُقيمو َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ال ُ‬

‫حكِيم )‪ ( .‬التّوبة ‪) 71 /‬‬


‫ه ع َزِيٌز َ‬
‫ن الل َ‬
‫هإ ّ‬
‫م الل ُ‬
‫مهُ ُ‬
‫ح ُ‬
‫سيَْر َ‬
‫َ‬

‫ي (عليه السلم) عن الحق الذي تصنعه البيعة بين ال ُ ّ‬


‫مة‬ ‫ويتحدّث المام عل ّ‬

‫ن لي عليكم حقّا ً ‪ ،‬ولكم عل َّ‬


‫ي‬ ‫والحاكم ‪ ،‬حين بويِعَ بالخلفة ‪ ،‬فيقول ‪« :‬إ ّ‬

‫ما حقِّي عليكم فالوفاء بالبيعة»() ‪.‬‬ ‫ما حقّكم عل َّ‬


‫ي ‪ ...‬وأ ّ‬ ‫حقّ ‪ ،‬فأ ّ‬

‫مد (صلى الله‬


‫ويُثبِّت القرآن مبدأ الشورى في خطابه للرسول الكريم مح ّ‬

‫ت فتوكّل على الله )‪.‬‬


‫مر ‪ ،‬فإذا ع َزم َ‬
‫عليه وآله وسلم)‪( :‬وَشاوِْرهُم في ال ْ‬

‫ي الكريم يُستفاد مبدأ مشاورة الحاكم لل ُ ّ‬


‫مة واحترام‬ ‫ص القرآن ّ‬
‫ومن هذا الن ّ‬

‫رأيها ‪ ..‬كما ويُثب ِّت القرآن مبدأ الشورى بين المسلمين في الحكم وفي‬

‫مة بقوله‪:‬‬
‫الحياة العا ّ‬
‫َ‬
‫مُرهُم شورى بينهم ‪.) ...‬‬
‫صلة وأ ْ‬
‫موا ال ّ‬
‫سـتَجابُوا لربِّهم وأقا ُ‬ ‫(والّذي َ‬
‫نا ْ‬

‫(ال ّ‬
‫شورى‪) 38/‬‬

‫قط الفكر السياسى السلمي الستبداد السياسي ‪ ،‬ويعطي ال ُ ّ‬


‫مة‬ ‫وبذا يُس ِ‬

‫دورا ً فعّال ً في الحياة السياسية وتصحيح حياتها الجتماعية وفق مبادئها‬

‫مة ‪.‬‬
‫ومصالحها العا ّ‬

‫ما ً ‪ ،‬وهو‬ ‫ً‬


‫ن السلطة أمانة ومسؤولية ‪ :‬ويُثبِّت القرآن مبدأ سياسيّا ً ها ّ‬
‫‪3‬ـإ ّ‬

‫ن السلطة أمانة بيد الحاكم ورعاية لشؤون الُّمة ‪ ،‬فهو أمين وراع‬
‫أ ّ‬

‫مة ول تسليطا ً عليها ‪ ..‬يتصّرف فيها‬


‫ومسؤول ‪ ،‬وليست السلطة تملّكا ً لل ُ ّ‬

‫متسل ِّط ‪ ..‬يو ِّ‬


‫ضح ذلك قوله تعالى ‪:‬‬ ‫مل ال ُ‬
‫تصّرف المالك ‪ ،‬ويعاملها تعا ُ‬

‫ن‬
‫سأ ْ‬
‫ن النّا ِ‬ ‫حك َ ْ‬
‫متُم بي َ‬ ‫ه يأمركُم أن تُؤدّوا المانا َ‬
‫ت إلى أهْل ِها وإذا َ‬ ‫ن الل َ‬
‫(إ ّ‬

‫حك ُ ُ‬
‫موا بالعَدْل )‪ ( .‬النساء ‪) 58 /‬‬ ‫تَ ْ‬

‫مد (صلى الله عليه وآله وسلم) ‪« :‬كُلّكُم راع‬


‫وقول الرسول الكريم مح ّ‬

‫وكُلّكُم مسؤو ٌ‬
‫ل عن رعيّته»(‪. )32‬‬
‫ص وفي العشرات من النصوص التي‬
‫مثبّت في هذا الن ّ‬
‫ومبدأ المسؤولية ال ُ‬

‫منكر وعن النصيحة والمحاسبة‪،‬‬


‫تتحدّث عن المر بالمعروف والنّهي عن ال ُ‬

‫مساءلة الحاكم عن تقصيره‪ ،‬وسوء إدارته ‪ ،‬أو استغلله‬ ‫يعطي ال ُ ّ‬


‫مة حقّ ُ‬

‫للسلطة ‪ ،‬أو انحرافه عن المبادئ كما هو مسؤول أمام الله سبحانه يوم‬

‫يقوم الشهاد ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ الدولة السلمية دولة قانونيّة ‪ :‬قبل الحديث عن قانونيّة الدولة‬

‫ضح معنى الدولة القانونيّة ‪ ..‬فمعنى الدولة القانونية‬


‫السلمية‪ ،‬ينبغي أن نُو ِّ‬

‫ن الدولة بما هي شخصيّة قانونيّة ‪ ،‬فانّها تخضع بكل ما فيها من‬


‫بايجاز هو أ ّ‬

‫سياسة وإدارة وسلطة للقانون ‪ ،‬يحكم سلوكها ‪ ،‬ويُنظ ِّم بنيتها ‪ ،‬ويُقاضيها‬

‫حين التقصير ‪ ،‬كما يحكم سـلوك الفراد ويُقاضيهم حين التقصير ‪..‬‬

‫ي المر‬
‫فالرسالة السلمية ثبّتت مبدأ ولية المر (السلطة) ‪ ،‬وأعطت ول ّ‬

‫صلحيات الولية ‪ ،‬وبيّنت ما له وما عليه من الحقوق والواجبات تجاه ال ُ ّ‬


‫مة‬

‫‪..‬‬

‫ن الولية في السلم‬
‫ضح لنا أ ّ‬
‫والتحليل العلمي لمعنى الولية في السلم يُو ِّ‬

‫مكلّف بتنفيذ أحكام الشريعة وقيمها‬


‫ن الشخص ال ُ‬
‫هي ولية تنفيذيّة ‪ ،‬أي أ ّ‬

‫ودعوتها وحفظ مصالحها ‪ ،‬يحتاج في كثير من الحيان إلى صلحيّات اللزام‬

‫من يلي اُمور المسلمين هذه الولية (صلحية اللزام)‬ ‫ُ‬


‫ي َ‬
‫(الولية) ‪ .‬لذا أعط ِ َ‬

‫; ليتمكّن من أداء مهامه ‪ .‬لذا فهي ولية تسلّط أو امتلك ‪ ،‬ول ولية من‬

‫صغار ‪ .‬وحتى ولية الب في الشريعة السلمية‬


‫نوع ولية الب على أبنائه ال ِّ‬

‫حسن تصّرف الب وحرصه على مصلحة البناء ‪ ،‬ولذا يفقد‬


‫فانّها منوطة ب ُ‬

‫وليته الفعليّة بفقده الُّرشد وتصّرفه تصّرفا ً ضرريّا ً بأبنائه ‪.‬‬

‫ضح القرآن قانونيّة الدولة وسيادة القانون في خطابه للرسول (صلى‬


‫ويُو ِّ‬

‫ممث ِّل للولية والسلطة الشرعية ‪ ،‬يو ِّ‬


‫ضح ذلك بقوله‬ ‫الله عليه وآله وسلم) ال ُ‬

‫‪:‬‬

‫(إن أتّبِعُ إّل ما يُوحى إل َّ‬


‫ي )‪ ( .‬يونس ‪) 15 /‬‬

‫ن ل يَعْل َ ُ‬
‫مون )‪.‬‬ ‫مرِ فاتّبِعْها ول تَتَّبِع أهواءَ الّذي َ‬
‫ن ال ْ‬
‫م َ‬ ‫جعَلْنا َ‬
‫ك على شريعة ِ‬ ‫(ثُ ّ‬
‫م َ‬

‫( الجاثية ‪) 18 /‬‬
‫ُ‬
‫من ت ِلقاءِ نَفْسي ‪ ( ) ...‬يونس ‪) 15 /‬‬ ‫( ‪ ...‬قُل ما يكون لي أن أبدِّل ُ‬
‫ه ِ‬

‫ل بَيْنَكُم ‪ ( .) ...‬الشورى ‪) 15 /‬‬


‫ت لعْد ِ َ‬ ‫( ‪ ...‬وَأ ُ ِ‬
‫مْر ُ‬

‫متّبع‬
‫منفِّذ و ُ‬
‫ن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ُ‬
‫ضح القرآن أ ّ‬
‫وهكذا يُو ِّ‬
‫ن الدولة‬
‫للشريعة والقانون والوامر اللهية‪،‬وليس فوقهما‪..‬ومن ذلك نفهم أ ّ‬

‫منفِّذة‬
‫السلمية هي دولة خاضعة للقانون وليست فوق القانون ‪ ،‬بل هي ُ‬

‫للقانون وقائمة على حماية المصالح ودرء المفاسد ‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ استقلل القضاء ‪:‬‬

‫س أن‬
‫ن النا ِ‬ ‫حك َ ْ‬
‫متُم بَي َ‬ ‫مُركُم أن تُؤدّوا المانا َ‬
‫ت إلى أهْل ِها وإذا َ‬ ‫ه يأ ُ‬
‫ن الل َ‬
‫(إ ّ‬

‫حكُموا بالعَدْل ‪ ( .) ...‬النساء ‪) 58 /‬‬


‫تَ ْ‬

‫حرمة‬
‫ومن المزايا الساسية في الدولة السلمية والمجتمع السلمي هو ُ‬

‫القضاء وقُدسيّته واستقلله وحمايته من تأثير أي سلطة ‪ ..‬ووجود القضاء‬

‫المستق ّ‬
‫ل الذي تُعاطي الفراد والسلطة على حدٍّ سواء ‪ ،‬وفق معايير الحقّ‬

‫ضر ‪..‬‬
‫والعدل ‪ ،‬لهو من أبرز مظاهر الدولة الحضارية والمجتمع المتح ِّ‬

‫مستق ّ‬
‫ل وشمول سلطته التي ل يُستثنى منها أحد مهما كان‬ ‫فالقضاء ال ُ‬

‫موقعه في الدولة والمجتمع ‪ ،‬لهو الحصانة الكُبرى لحفظ المن وحماية‬

‫سف السلطوي ضد ّ الفراد والجماعات والهيئات ‪.‬‬


‫الحقوق ‪ ،‬وردع التع ّ‬

‫مد (صلى الله عليه وآله وسلم) ‪:‬‬


‫وكم هو عظيم قول الرسول الكريم مح ّ‬

‫خذ ُ فيها لل ّ‬
‫ضعيف من القوي حقّه غير متعتع» ‪.‬‬ ‫«ل تُقدّس ا ُ ّ‬
‫مة ل يُؤ َ‬

‫ويؤكِّد القرآن ُ‬
‫حرمة التحاكم إلى الطاغوت ‪ ،‬وهو الحاكم الظالم الذي ل‬

‫يقضي بالحق ول يعمل بأحكام الشريعة العادلة ‪ ..‬جاء ذلك في قوله تعالى‬

‫‪:‬‬

‫ل إلَي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن أن يَتَحاكَمو َ‬
‫ن‬ ‫ك يُريدو َ‬ ‫نز َ‬
‫منوا بما أ ِ‬
‫ن أ نّهُم آ َ‬ ‫(ألَم تََر إلى الّذي َ‬
‫ن يَْزعمو َ‬

‫ت وقد أ ُ ِ‬
‫مروا أن يَكْفُروا بِه )‪ ( .‬النساء ‪) 60 /‬‬ ‫إلى الطّاغو ِ‬

‫ي القائم على‬
‫جز بالدولة السلمية وبالمجتمع المدن ّ‬
‫ن هذا التعريف المو َ‬
‫إ ّ‬

‫ضح لنا سموّ الفكر السلمي وقوّته الفائقة على‬


‫هدي القيم السلمية يُو ِّ‬

‫قيادة البشريّة في مراحلها المتتالية ‪.‬‬

‫جه الدعوة إلى العالَم لكي يتّخذ‬


‫وفي الختام يجدر بنا نحن المسلمين أن نو ِّ‬

‫منقِذ غير‬ ‫من السلم دينا ً ودول ً‬


‫ة وحضارة ‪ .‬فليس أمام البشريّة من ُ‬

‫ي عندما‬
‫دّين الله ّ‬
‫السلم ‪ ،‬وستكتشف أجيال البشريّة القادمة عظمة هذا ال ِ‬

‫يسود العلم والعقل ‪ .‬وعندها ينطبق قول الله الحق ‪:‬‬

‫صال ِحون )‪.‬‬


‫عبادي ال ّ‬
‫ض يَرِثُها ِ‬
‫ن الْر َ‬
‫ذّكرِ أ ّ‬ ‫(وَلَقَد كَتَبْنا في الّزبورِ ِ‬
‫من بعد ال ِ‬

‫(النبياء‪)105/‬‬

You might also like