Professional Documents
Culture Documents
بالتهمة
دراسة مقارنة فى الفقه السلمي
تأليف
دكتور /عبد ال مبروك النجار
الستاذ بكلية الشريعة و القانون
وعضو مجمع البحوث السلمية
المحامي بالنقض
تقديم
محمد على زارع المحامي
رئيس مجلس إدارة
جمعية حقوق النسان لمساعدة السجناء
-2-
-3-
-4-
-5-
حكم التعذيب للقرار بالتهمة
دراسة مقارنة فى الفقه السلمي
تأليف :دكتور عبد ال مبروك النجار
تقديم :محمد زارع المحامي
-6-
الناشر :جمعية حقوق النسان لمساعدة السجناء
تليفون )00202( 7121656: 9ش الحرية من ترعة السواحل -أرض عزيز عزت -امبابة -جيزة -مصر
فاكس 7127077 :موبايل 0106114621 :
Website: www.hrcap.org Email: hrcap@hrcap.org /
-7-
تقديم
الستاذ محمد زارع رئيس مجلس إدارة الجمعية
خلل عام وفكى ضوء انتشار ظاهرة التعذيكب داخكل اقتسكام الشرطكة وأماككن
الحتجاز الخرى وعلى هامش الحملة التى أطلقتها الجمعية ضد التعذيب فى مصر
ابتداء من ينا ير ،أ صدرت الجمع ية درا سة بعنوان " التعذ يب فى م صر -حقي قة
قضائية " حيث رصدت الجمعية ومن خلل هذه الدراسة حالة تعذيب مختلفة موثقة
بأحكام قضائيكة صكادرة بالتعويكض عكن وقائع التعذيكب المشار إليهكا وحرصكا مكن
الجمعية على تناول هذه القضية بشكل موضوعي ،قامت بتوزيع هذه الدراسة على
المئات من ضباط الشر طة ورجال النيا بة ورجال القضاء ،و فى بادرة إيجاب ية من
قبل وزارة الداخلية تلقت الجمعية ردا منها بخصوص هذه الدراسة ،وبغض النظر
عن تقييم هذا الرد ال انه وفى حد ذاته يعد موقف إيجابيا من الدولة بشكل عام او
من وزارة الداخلية على وجه الخصوص فى سبيل القضاء على هذه الظاهرة .
ويرجكع تفشكى ظاهرة التعذيكب للعديكد مكن السكباب منهكا افتقارنكا للتشريكع الرادع
لمرتكبي مثل هذه الجرائم فضل عن جهل المواطنين بحقوقهم الساسية التى أكدها
الد ستور والقانون الداخلي فضل عن العد يد من المواث يق الدول ية هذا الج هل الذى
يؤدي الى ن مو هذه الظاهرة وانتشار ها دا خل أق سام الشر طة وأما كن الحتجاز ،لذا
فان مواجهكة هذه الظاهرة يجكب ان تنظكر الى هذه السكباب والسكباب الخرى
والع مل على سد الق صور الوارد في ها وعلى و جه الخ صوص زيادة الو عي بالثقا فة
الحقوقية وخاصة البعد الديني منها والذي يؤكد على كرامة النسان واحترامه .
ويأتي حديثنا عن أهمية الدور الديني فى مواجهة انتشار ظاهرة التعذيب اثر واقعة
غريبة وقعت مع الستاذ أيهاب سلم المحامي بالجمعية وتتمثل فى اتصال تليفوني
تلقاه من أحد الضباط من محافظة قنا ,وكان متهما فى قضية تعذيب مواطن بان قام
-8-
بإلقاء الماء الساخن على جسده وتعذيبه بالضرب لدفعه على العتراف بارتكاب
جريمة سرقة ,والغريب فى المر ليس اتصال فى حد ذاته خاصة بعد قيام الجمعية
بتقديم بلغ إلى النيابة -بخصوص جريمة التعذيب المشار إليها -ولكن الغريب فى
المر هو عدم إنكار الضابط فى مكالمته التليفونية لواقعة التعذيب بل اقرها دون
تردد وما زاد المر غرابة هو تصريح الضابط لمحامى الجمعية بأنه غير نادم
بالمرة عما اقترفه ( سلخ جلد المجني عليه وتقيده وضربه ) وانه ازداد اطمئنانا بعد
ان اجري مقابلة مع أحد الشيوخ والذي آفتي له بشرعية ما اقترفه من تعذيب
لجبار المتهم على العتراف إذا كان متأكدا من ارتكابه للجريمة واستنادا على أحد
الحاديث النبوية الشريفة ! وبالرغم من تأكدنا من براءة الرسول (صلي ال عليه
وسلم ) أو السلم أو أي دين سماوي من مثل هذه الجرائم إل ان هذا الموقف كان
دافعا لنا لتأكيد نهى السلم والشريعة السلمية من هذه التهمة ومن خلل دراسة
تؤكد هذا المعنى وان يعدها شخصية قانونية وفقهيه مثل الدكتور عبد ال النجار
الستاذ بكلية الشريعة و القانون وعضو مجمع البحوث السلمية والمحامي بالنقض
والذي بذل جهدا مشكورا فى إعداد هذه الدراسة ويجب ان نؤكد أن الجمعية تشعر
بامتنان شديد على التعاون مع هذه الشخصية الفاضلة من اجل خروج هذا العمل
والذي نعتبره أضافه هامة للمكتبة المصرية والعربية وبل السلمية والدولية للتأكيد
على احترام الدين السلمي لكرامة النسان ونهيه على ما قد ينالها من اعتداء .
محمد زارع رئيس مجلس إدارة الجمعية
-9-
( تقديـــم )
الحمد ل وحده والصلة والسلم على من ل نبى بعده سيدنا ونبينا محمد بن
عبد ال الرحمة المهداة ،والنعمة المسداة ،وعلى آله وأصحابه ومن سار على منوال
شريعته واتبع منهاج دينه إلى يوم الدين.
وبعد،،،
فهذا بحث موجز في موضوع (حكم التعذيب للقرار بالتهمة – دراسة مقارنة
في الفقه السلمي) ،يتضمن دراسة هذا الموضوع في ضوء أحكام الفقه المقارن،
قصدا لتجلية حكمه ،وبيان الوصف الشرعى الصحيح له والرأى الفقهى الراجح فيه،
وذلك في إطار عرض موضوعى متجرد للراء التى قيلت فيه مقرونة بأدلتها ،مع
المناقشة الفقهية لتلك الدلة بأسلوب محايد يتوخى الوصول إلى الحق وفقا لقوة
الدليل وصحة الستدلل به دون أى أمر آخر.
ول شك لدينا أن هذا الموضوع يقتضى مثل ذلك التمحيص ،كما يقتضى حيدة
التناول حتى يتسنى إزالة الخلط الذى شاب حكمه بسبب الفهم المتباين للدلة
الشرعية المتعلقة به ،وحيدة التناول وإن كانت أساسا في إعداد أى بحث علمى
يعتريه من اختلف القوال ما يعترى هذا الموضوع ،إل أنه مع تلك الهمية العامة
يبقى ذو أهمية خاصة من جهة أن تعذيب المتهم قصدا للحصول على إقراره بما
يوجه إليه من اتهام يعد عملً مجافيا لحقوق النسان وهو في حالة ضعف تقتضى
التعاطف معه وأقل ما تقتضيه تلك الحقوق أن يتاح له القدر الكافى من الختيار فيما
-10-
يقر به على نفسه من تهمة قد تكون حياته أو حريته أو عرضه أو ماله ثمنا لها،
سيما وأن التهام وضع طارئ واستثناء على البراءة الصلية الثابتة يقينا لكل
إنسان ،وبمقتضاها يكون أبيض الصفحة نقى السريرة برئ الساحة ،ول يستساغ من
تلك البراءة الصلية الثابتة بيقين أن يرمى صاحبها بالتهام رميا ثم يحمل على
القرار به بالضرب والتعذيب ،إن مثل ذلك التوجه –فضلً عن مجافاته للصول
المقررة -ينطوى على إساءة بالغة للجهة التى تقره ،وللتشريع الذى يبيحه ،وذلك
بعد أن عمت البلوى به ،وأصبح سمة أساسية في النظمة الشمولية التى ل تحترم
القيم النسانية ،ول تكترث بالحكام الشرعية أو المبادئ القانونية ،وذلك كله من
شأنه أن يلقى ظللً كثيفة من الشك والرتياب حول القول بتقريره دون سند شرعى
كاف ،أو دون فهم صحيح للدلة التى يستند لها ،حتى ل نسيئ إلى السلم ونحن
نظن أننا نردد أحكامه ،وننشر مبادءه .وال من وراء القصد .وهو -سبحانه-
الموفق والمعين.
أ.د .عبد ال مبروك النجار
-11-
خطة دراسة الموضوع:
المبحث الول :أقوال الفقهاء في تعذيب المتهم للقرار بالتهمة .وفيه مطلبان:
-12-
تمهـــيد
القرار هو أحد وسائل الثبات ،بل هو من أهم تلك الوسائل ،لنه وإن كان
خبرا يحتمل الصدق والكذب إل أن الصدق فيه راجح ،لن النسان محب لنفسه
بطبعه حريص على حقوقه ،وهو مع ذلك الحب وهذا الحرص يستبعد أن يقر للغير
بأمر يجافيهما ،وهو ما للغير من حقوق قبله ،إذ من شأن ذلك أن يسلبه ما يحبه
ويأخذ منه ما ينافى طبعه من الحرص والثرة ،فالنسان قد يتهم في حق غيره ما
ل يتهم في حق نفسه ،لن العاقل ل يكذب على نفسه كذبا يضر بها.
والقرار لغة :مصدر للفعل أقر ،ومعناه الثبوت والتمكن والمضاء ومنه
القارورة التى تستقر فيها السوائل وتحفظ .والقرار معناه -كذلك -العتراف.
وفى هذا المعنى اللغوى يقول أبو الفضل مجد الدين الموصلى الحنفى:
حاشية قرة عيون الخيار تكملة رد المحتار على الدر المختار لنجل ابن عابدين –محمد علء الدين -جك -ص
،طبعة هجر ،تحقيق الدكتورين .طبعة الحلبى ،والمغنى لبن قدامة -جك -ص -الطبعة الثالثة
،طبعة المكتب السلمى. عبد ال التركى وعبد الفتاح الحلو ،والكافى -جك -ص
وما بعدها -طبعة دار الفكر. ،طبعة وزارة التربية والتعليم ،مختار الصحاح -ص المعجم الوجيز -ص
. ،طبعة المعاهد الزهرية سنة الختيار لتعليل المختار -جك -ص
-13-
عرفه الحنفية :بأنه إخبار بحق عليه للغير ،أو هو اعتراف صادر من المقر
يظهر به حق ثابت فيسكن قلب المقر له إلى ذلك.
وعرفه المالكية :بأنه العتراف بما يوجب حقا على قائله .أو هو خبر
يوجب حكما قاصرا على قائلة.
وعرفه الحنابلة :بأنه اعتراف المكلف بما عليه من الحق لفظا أو كتابة أو
إشارة من أخرس ،أو على موكله أو موليه بما يمكن إنشاؤه لهما أو على مورث بما
يمكن صدقه.
وعند الشيعة :عرفه صاحب البحر الزخار بأنه :العتراف بحق مالى أو
ومن خلل هذه التعريفات يتبين لنا أنها وإن اختلفت في معناها إل أنها غيره
متفقة فيما بينها على ما يلى:
أولً :أن القرار اعتراف من المقر بما عليه من حقوق للغير ،وأن ذلك
القرار لبد أن يصدر ممن هو أهل له ،وأن ل يقع من العوارض ما يكذبه فيما أقر
به.
ثانيا :أن ذلك القرار إذا صدر من أهله وسلم من القوادح والموانع المؤثرة
في قبوله ،فإنه يترتب عليه حكمه وهو إلزام المقر بما أقر به والحكم عليه بمقتضاه.
-14-
أدلة اعتبار القرار في الثبات:
وقد قامت الدلة على اعتبار القرار في الثبات من الكتاب والسنة والجماع
والمعقول:
أما الكتاب:
فبقوله -تعالى( -وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) إلى قوله تعالى( :قال
ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا) ،وقوله تعالى:
(وءاخرون اعترفوا بذنوبهم) ،وقوله تعالى( :ألست بربكم قالوا
بلى) ،وغير ذلك من اليات الكثيرة.
وهى تدل على اعتبار القرار في إثبات المقر به ،حيث وردت في سياق
الستفهام التقريرى الذى يفيد التقرير والثبات ،وفى هذا دللة على أن القرار قد
وضع للدللة على هذا.
ومن ذلك قول ال تعالى( :وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه
ول يبخس منه شيئاً) فقد دل هذا القول الكريم ،على طلب إقرار من عليه
الحق بما عليه ،ونهاه عن كتمان شيئ منه ،وهذا يدل على أن القرار حجة.
ومن ذلك قول ال تعالى( :يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين
بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) حيث أمرنا ال تعالى بأن نكون
قوامين له بالقسط ولو بشهادة على أنفسنا ،والشهادة على النفس هى القرار فدل
ذلك على مشروعيته.
-15-
ومن ذلك قول ال تعالى( :بل النسان على نفسه بصيرة) أى
شاهدة كما قال ابن عباس وغيره ،والشهادة على النفس هى القرار ،وفى هذا يقول
المام القرطبى :إن فيها دليلً على قبول إقرار المرء على نفسه.
وأما السنة:
فمنها ما روى أن ماعزا أقر بالزنا فرجمه النبى صلي ال عليه وسلم .وفى
هذا دللة على اعتبار القرار وأنه حجة في الثبات.
وأما الجماع:
فقد أجمع العلماء على أن القرار حجة وأنه وسيلة ومن وسائل الثبات ،ولم
يخالف في ذلك أحد من لدن رسول ال-صلي ال علي وسلم-إلى يومنا هذا ،وقد
-16-
حكى الجماع المام قاضى زاده في نتائج الفكار والمام الموصلى من الحنفية
في الختيار ،والمام ابن قدامة في المغنى وغيرهم.
وأما المعقول:
فإنه يدل على مشروعيته ،لن القرار إخبار على وجه ينفى عنه التهمة
والريبة فإن العاقل ل يكذب على نفسه كذبا يضر بها ،ولهذا كان آكد من الشهادة،
فإن المدعى عليه إذا اعترف ل تسمع عليه الشهادة ،وإنما تسمع إذا أنكر ،ولو كذب
المدعى ببينة لم تسمع؛ وإن كذب المقر ثم صدقه سمع ،وفى هذا يقول العز بن
عبد السلم :القرار مقدم على البينة لن الظن المستفاد منه أقوى من الظن المستفاد
من شهادة الشاهد ،لن وازع المقر عن الكذب طبعى ووازع الشاهد شرعى،
والوازع الطبعى أقوى من الوازع الشرعى .وفى هذا من المعقول ما يدل على
حجية القرار.
وقد قرر العلماء أن للقرار شروطا يجب أن تتوافر حتى يعتد به ،ويرتب
حكمه في الحتجاج على من نطق به وهذه الشروط تتمثل في:
فإذا كان المقر بالغا صح إقراره بل خلف بين أهل العلم إذا توافرت شروط
صحة القرار ،وإذا لم يكن بالغا فإنه ل يعتد بإقراره ،وإن كان بعض الفقهاء
يفرقون بين الصبى المميز وغير المميز ،وفى حالة المميز يفرقون بين القرار بما
يوجب عقوبة بدنية أو حقا ماليا ،فإذا كان المقر به يوجب عقوبة بدنية كما لو أقر
، تكملة فتح القدير ،المسماة نتائج الفكار فى كشف الرموز والسرار لشمس الدين قاضى زاده ،جك ،
طبعة الحلبى ،الختيار لتعليل المختار ،السابق.
. المغنى لبن قدامة ،السابق ،ص
المرجع السابق.
-طبعة دار الجيل -بيروت. قواعد الحكام فى مصالح النام للعز بن عبد السلم ،جك -ص
-17-
بقتل أو سرقة فل يعتد بإقراره باتفاق الفقهاء ،وإن كان المقر يوجب حقا ماليا،
فإنه يؤخذ بإقراره فيما أذن له بالتصرف فيه كالتجارة ونحوها ،وذلك لقوله تعالى:
(وابتلوا اليتامى) والبتلء ل يكون إل بالتصرف ،ومن ثم فإنه ل يصح إقراره
إذا لم يكن مأذونا له ول في غير ما أذن له فيه .
ودليل هذا الشرط ما رواه عليه الصلة والسلم قال" :رفع القلم عن ثلثة عن
الصبى حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ" ،فقد دل هذا
الحديث الشريف على أن الصبى قبل البلوغ مرفوع عنه القلم ،فل يكون مكلفا ومن
ثم ل يعتد بإقراره.
ويشترط أن يكون المقر عاقلً ،لنه لو لم يكن كذلك لكان مجنونا والمجنون
ل يؤخذ بإقراره ،للحديث السابق كما يشترط أن يكون رشيدا غير متهم في
إقراره.
والختيار يعنى أن يكون المقر حر الرادة فيما يقر به بحيث ل يقع على
إرادته ضغط يؤثر في مطابقة إقراره لحقيقة حاله ،فإذا لم يكن حرا في إرادته ،بأن
كان مكرها في إقراره ،فإنه ل يعتد به ،وذلك ما أجمع عليه أهل العلم ،وفى هذا
-18-
يقول ابن قدامة في المغنى :ول يصح القرار إل من عاقل مختار ل نعلم في هذا
خلفا.
والكراه هو الضغط على إرادة المقر بما يخيفه ،ومنه الذى المادى مثل
ضربه أو تعذيبه ،فإن التعذيب يعتبر من ضمن الوسائل التى يتحقق بها الكراه
ولذلك فإنه يندرج تحت هذا الشرط ويبطل القرار به ،بيد أن ذلك الحكم يحتاج إلى
تفصيل أوفى نستكمله في المباحث التالية.
-19-
المبحث الول
المطلب الول
وسوف نقوم في هذا المطلب بجمع ما قاله فقهاء المذاهب المختلفة في تعذيب
المتهم للقرار بالتهمة وذلك حتى يتسنى لنا استجلء الراء الفقهية في هذا
الموضوع .وذلك كالتالى:
يقول شمس الدين قاضى زاده :وإذا أقر الحر البالغ العاقل بحق مكرها فإنه
ل يلزمه ،فكان لبد من اشتراط الطائع لصحة القرار ،ول يقال إن تركه جائز
اعتمادا على ظهور كون الطوع والرضا من شروط صحة القرار.
وجاء في حاشية ابن عابد بن على الدر المختار( :ول يصح القرار مكرها،
وإنما لم يصح إقراره مكرها لقيام دليل الكذب ،وهو الكراه ،والقرار إخبار يحتمل
الصدق والكذب فيجوز تخلف مدلوله الوضعى عنه).
وقد نصت المادة () من كتاب مرشد الحيران ،على أنه" :ل يصح القرار
بالكراه ،فمن أكره إكراها معتبرا على القرار ،وعلم بدللة الحال أنه إن لم يقر
بما أكره عليه يوقع به المكره ما هدده به من إتلف أو حبس أو ضرب وهو قادر
-20-
على إيقاعه فأقر خائفا من وقوع ذلك ،فل يعتبر إقراره ول يلزمه شيئ مما أقر
به".
القسم الول :أن يكون المدعى بريئا ليس من أهل التهمة فهذا النوع ل تجوز
عقوبته اتفاقا.
القسم الثانى :وهو المتهم بالفجور كالسرقة وقطع الطريق والقتل والزنا،
وهذا القسم لبد أن يكشفوا ويستقصى عليهم بقدر تهمتهم وشهرتهم بذلك وربما كان
بالضرب والحبس .وبالضرب دون الحبس على قدر ما اشتهر عنهم .قال ابن قيم
الجوزية الحنبلى :ما علمت أحدا من أئمة المسلمين يقول إن هذا المدعى عليه بهذه
الدعاوى وما أشبهها يحلف ويرسل بل حبس ول غيره ،وليس تحليفه وإرساله
مذهبا لحد من الئمة الربعة ول غيرهم ،ولو حلفنا كل واحد منهم وأطلقناه وخلينا
سبيله مع العلم باشتهاره بالفساد في الرض وكثرة سرقاته ،وقلنا :إنا ل نؤاخذه إل
بشاهدى عدل ،كان ذلك الفعل مخالفا للسياسة الشرعية ،ومن ظن أن الشرع تحليفه
وإرساله فقد غلط غلطا فاحشا لنصوص رسول ال-صلي ال علي وسلم -ولجماع
الئمة ،ولجل هذا الغلط الفاحش تجرأ الولة على مخالفة الشرع ،وتوهموا أن
السياسة الشرعية قاصرة عن سياسة الخلق ومصلحة المة ،فتعدوا حدود ال،
وخرجوا عن الشرع إلى أنواع من الظلم والبدع في السياسة على وجه ل يجوز،
ونسب ذلك إلى الجهل بالشريعة وقد صح عن النبى-صلي ال علي وسلم -أن من
تمسك بالكتاب والسنة لن يضل ،وقد تقدم في أول الباب من أفعال رسول ال-صلي
-21-
ال علي وسلم -ما يدل على عقوبة المتهم وحبسه ،واعلم أن هذا النوع من المتهمين
يجوز ضربه وحبسه لما قام على ذلك من الدليل الشرعى.
وجاء في المقدمة السلطانية" :وإن ضربه ليقر لم يكن لقراره تحت الضرب
حكم".
ورد فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير" :ول يؤاخذ المكلف بإقراره إذا
اكره عليه لنه حال الكراه غير مكلف" ،ويقول فى باب أحكام السرقة" :وإذا أكره
على القرار من حاكم أو غيره ولو بسجن أو قيد فل يلزمه شيئ متهما أم ل عند
ابن القاسم ،ولو أخرج السرقة ،لحتمال وصول اسم المسروق إليه من غيره،
أوعيّن القتيل الذى أكره على القرار بقتله فأقر وأخرجه كما فى النقل ،لحتمال أن
غيره قتله ،فل يقطع ول يقتل إل أن يقر بعد الكراه آمنا كما فى المدونة ،وقال
سحنون :يعمل بإقرار المتهم بإكراهه وبه الحكم ،أى إن ثبت عند الحاكم أنه من
أهل التهم فيجوز سجنه وضربه ويعمل بإقراره.
وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير :جاء فى معين الحكام ومتن
التحفة لبن عاصم:
والذاعر ،بالذال المعجمة :الخائف وحمل ما فى المدونة على غير المتهم ،على أنه
وقع فيها محلن :أحدهما صريح فى عدم العمل بإقرار المكره ،ثانيهما حلف المتهم
الطرابلسى -معين الحكام -ص وما بعدها الطبعة الثانية هك ،شركة البابى الحلبى.
هك -تقديم وتحقيق الدكتور المقدمة السلطانية فى السياسة الشرعية لطوغان شيخ المحمدى الحنفى المتوفى
-مكتبة الزهراء بالقاهرة. عبد ال محمد عبد ال -ص
. –ص الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقى -ح
-22-
وتهديده وسجنه ،فاستشكله البرزلى بأنه ل فائدة فى سجنه لعدم العمل بإقرار المكره
كما هو مفاد المدونة أولً ،قال ويجمع بينهما بحمل أول كلمهما على غير المتهم
وآخره على المتهم كقول سحنون ،وجمع الغريانى أيضا بحمل أول كلمهما على ما
إذا كان المسروق ل يعرف بعينه لحتمال أن يأتى بشيئ غير المسروق من خوفه،
وحمل آخر كلمه على ما إذا كان المسروق يعرف بعينه فيهدد المتهم ويسجن
رجاء أن يقر ،وبهذا علم أن سحنون موافق للمدونة على أحد التأويلين ،فإذا أقر
مكرها على ما للمصنف وأخرج بعض المسروق أخذ بما أقر به من السرقة إن كان
مما يعرف بعينه بناء على تأويل الغريانى ،ويؤاخذ بما أقر به من السرقة مطلقا،
أى سواء كان مما يعرف بعينه أم ل ،إن كان متهما بناء على تأويل.
وجاء فى تبصره الحكام لبن فرحون" :قال ابن حبيب قال الماجشون :ومن شهدت
عليه بينة أنه سارق معروف بالسرقة متهم بها وقد سجن فيها غير مرة ،إل أنهم
حين شهدوا عليه لم يجدوا معه سرقة ،فقال :ل قطع عليه بهذه الشهادة ،ولكن عليه
الحبس الطويل ،وهذا حكم المتهم بالغصب والعدوان وقطع الطريق فى الكشف
والختبار لحالهم ،وما ادعى به عليهم ،ويضرب السارق حتى يخرج العيان التى
سرقها ،ومن اتهم رجل أنه غصبه مال فأنكر فإن كان مما يليق به ذلك هدد
وسجن ،فإن لم يخرج شيئا أطلق ،وفائدته لعله يخرج عين ما اغتصبه إن كان
يعرف بعينه ،وأما الذى ل يعرف بعينه فل فائدة من تهديده ،إذ لو أخرج شيئا بعد
تهديده ل يعرف بعينه لم يؤخذ منه حتى يقر به وهو آمن غير خائف.
وفى مواهب الجليل" :جاء فى المدونة :قلت أرأيت أن أقر بشيئ من الحدود بعد
التهديد أو القيد أو الوعيد أو الضرب أو السجن أيقام عليه الحد أم ل؟
-23-
فى قول مالك رضي ال عنه :قال :قال مالك :من أقر بعد التهديد أقيل ،فالوعيد
والقيد والتهديد والسجن والضرب تهديد عندى كله وأرى أن يقال ،وجاء أيضا،
قلت :فإن ضرب وهدد فأخرج القتيل أو أخرج المتاع الذى سرق يقام عليه الحد
فيما أقر به أم ل؟ وقد أخرج ذلك ،قال :ل أقيم عليه الحد إل إذا كان مع ذلك آمنا
ل يخاف شيئا.
وورد فى مغنى المحتاج ":ول يصح إقرار مكره بما أكره عليه لقوله تعالى:
(إل من أكره وقلبه مطمئن باليمان) ،حيث جعل الكراه مسقطا لحكم
الكفر ،فبالولى ما عداه ،وصورة إقراره أن يضرب ليقر ،فلو ضرب ليصدق فى
القضية ،فأقر حال الضرب أو بعده لزمه ما أقر به لنه ليس مكرها".
وجاء فى الحكام السلطانية" :فإن ضربه ليقر لم يكن لقراره تحت الضرب
حكم".
-24-
ورد فى المغنى لبن قدامة" :وأما المكره فل يصح إقراره بما أكره على
القرار به ،وهذا مذهب الشافعى لقول رسول ال صلي ال عليه وسلم" :رفع عن
أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ،ولنه قول أكره عليه بغير حق ،فلم
يصح كالبيع".
وجاء فى الكافى" :ول يصح إقرار المكره لحديث النبى صلي ال عليه وسلم:
"رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ،ولنه قول أكره عليه بغير
حق فلم يصح منه".
وجاء فى فتاوى ابن تيمية" :القسم الثالث :أن يكون المتهم معروفا بالفجور
مثل المتهم بالسرقة إذا كان معروفا بها قبل ذلك ،والمتهم بقطع طريق إذا كان
معروفا به ،والمتهم بالقتل إذا كان أحد هؤلء معروفا بما يقتضى ذلك ،فإذا جاز
حبس المجهول فحبس المعروف بالفجور يكون جائزا من باب أولى.
وأما المتحان بالضرب ونحوه فاختلف فيه هل يشرع للقاضى والوالى؟ ،أم
يشرع للوالى دون القاضى؟ ،أو يشرع الضرب لواحد منهما؟ ،وذلك على ثلثة
أقوال:
القول الول :أنه يضرب فيها القاضى والوالى ،وهذا قول طائفة من العلماء
من أصحاب مالك وغيرهم ،منهم أشهب قاضى مصر ،قال أشهب :يمتحن بالسجن
والدب ويضرب بالسوط مجردا.
القول الثانى :ل يضرب ،بل يحبس كما تقدم ،وهو قول أصبغ من أصحاب
مالك ،وقول كثير من الحنفية والشافعية وغيرهم.
-25-
القول الثالث :أنه يضربه الوالى دون القاضى ،وهذا القول ذكره طائفة من
أصحاب الشافعى وأحمد كالقاضى أبى الحسن الماوردى ،والقاضى أبى يعلى
وغيرهما ،وبسطوا القول فى ذلك فى كتب الحكام السلطانية.
وجاء فى الطرق الحكمية لبن القيم" :القسم الثالث :أن يكون المتهم معروفا
بالفجور كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك ،فإذا جاز حبس المجهول فحبس
هذا أولى .ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين ،كما أمر النبى-صلي ال علي
وسلم -الزبير بتعذيب المتهم الذى غيّب ماله حتى أقرّ به فى قصة ابن أبى
الحليق.
ثم ذكر ما قاله ابن تيمية فيمن يشرع له الضرب وهل هو الوالى أو القاضى،
إل أنه قال :القول الثانى :أنه يضربه الوالى دون القاضى ،ووجه هذا أن الضرب
المشروع هو ضرب الحدود والتعزيرات ،وذلك إنما يكون بعد ثبوت أسبابها
وتحققها.
ويقول أبو يعلى فى الحكام السلطانية" :فإن ضرب ليقر لم يصح القرار".
ورد فى المحلى" :ومن أقر بالسرقة تحت العذاب والتهديد فل قطع عليه،
وسواء أبرز السرقة أو لم يبرزها ،لنها قد تكون أودعت عنده وهو يدرى أنها
سرقة أو ل يدرى ،فل يكون على المودع فى ذلك قطع أصلً ،لن من أقر بسرقة
فل يخلو من أن يكون قد أقر بل تهديد ول عذاب أو أقر بتهديد وعذاب ،فإن أقرّ
ل أحضر السرقة أو لم يحضرها إذ قد يدرى
بتهديد وعذاب فل قطع عليه أص ً
-26-
موضعها أو جعلت عنده فل قطع عليه ،وإن كان أقر بل تهديد ول عذاب ،فالقطع
عليه أخرج السرقة أو يخرجها ،وأما قول ربيعه أنه ل يؤاخذ المكره باعتراف إل
أن يأتى وجه البينة والمعرفة أنه صاحب تلك السرقة فقول صحيح ل شك فيه".
جاء فى البحر الزخار" :ول يلزم المكره بإقراره إذا صدر منه تحت تأثير
الكراه.
وما بعدها -طبعة مكتبة دار التراث. -ص المحلى لبن حزم -جك
-طبعة وزارة الوقاف. المختصر النافع فى فقه المامية للشيخ أبى القاسم نجم الدين الحلى -ص
. البحر الزخار -جك -ص
-27-
المطلب الثانى
وهو التهام الخالص من الشوائب التى تضع صاحبها فى وضع يغلب على
الظن معه أنه قد ارتكب الفعل الذى اتهم بإتيانه ،وهذا النوع من التهام المجرد ،ل
يجوز فيه المساس بالمتهم ول أن يفعل به أدنى أذى يمكن أن يمس بإرادته ،أو يؤثر
على اختياره فى صدق الخبار بما يريد أن يقر به اعترافا بالحق وانتصافا للعدل
وإبراء للذمة أمام ال فى الدنيا اتقاء لفضيحة الخرة ،يوم يقوم الناس لرب العالمين،
ويوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ،وما عملت من سوء تود لو أن بينها
وبينه أمدا بعيدا ،وذلك لما قرره الفقهاء من أن المساس بإرادة المقر بما يفقده
اختياره مما يبطل القرار ويهدر حكمه ،وقد قامت الدلة على ذلك من كتاب ال
تعالى ،وسنة نبيه-صلي ال علي وسلم ،-وإجماع علماء أمته ،والمعقول ،وإذا كان
حكم القرار الذى فسد الختيار فيه بإلحاق التعذيب بالمقر باطلً وهدرا على نحو
ما قامت عليه الدلة الشرعية المعتبرة ،وقرره الفقهاء فى مذاهبهم فإنه يكون
حراما ،لما هو مقرر أن تعاطى التصرفات الباطلة يعد أمرا محروما لورودها على
غير المنوال الذى يقرره الشارع ،وسوف نبين ذلك فى دراسة أوفى ،في المبحث
التالى إن شاء ال.
-28-
ثانيا :التهام المبنى على قرينة:
وهذا النوع من التهام يختلف عن التهام المجرد ،فى اقترانه بدليل يرجح
جانبه ويجعل المتهم فى وضع يغلب على الظن معه أنه قد أتى بالفعل ،ولما كان
أمره كذلك -ونظرا لوجود القرينة الدالة على ترجيع جانب التهمة بحق من تدينه
تلك القرائن -فإنه قد وقع الخلف بشأنه بين أهل العلم ،بيد أننا قبل بيان تفصيل
ذلك الخلف ،يجدر بنا أن نشير إلى تعريف القرينة وأدلة العمل بها فنقول:
عّرفها بعض الفقهاء المحدثين بأنها :كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل
عليه ،وهذا التعريف قد عرف القرينة بأنها ظاهرة تقارن شيئا ،فكأنه قد عرفها
بنفسها ،ومن ثم يكون كمن فسّر الماء بالماء ،وفى هذا كما يقول العلماء :دور ،لن
فهم القرينة سيكون متوقفا على فهم تلك الظاهرة المقارنة الواردة فى التعريف،
وفهم الخيرة سيكون متوقفا على فهم الولى ،فيحدث الدور وهو باطل ،حيث
يستلزم أن يكون الشيئ سابقا ولحقا فى آن واحد معا وهذا ل يجوز.
وما بعدها. وما بعدها ،والمعجم الوجيز -ص مختار الصحاح -السابق -ص
. -طبعة دار الفكر سنة د .وهبه الزحيلى -الفقه السلمى وأدلته -جك -ص
-طبعة دار البيان. فى هذا المعنى :د .محمد رأفت عثمان -النظام القضائى فى السلم -ص
-29-
كما عرفها بعض الفقهاء بأنها :ما تدل على أمر خفى مصاحب لها بواسطة
نص أو اجتهاد أو فهم يفيضه ال تعالى على من يشاء من عباده".
ويلحظ أن هذا التعريف لم يسلم من القوادح ،لنه جعل القرينة دالة على ما
تدل عليه ل بواسطة ذاتها ،بل بواسطة نص أو اجتهاد أو فهم خاص للناظر فيها،
وهذا ينافى طبيعة القرينة وأنها أمارة بذاتها على ما تدل عليه.
كما أن هذا التعريف قد قام على معنى غير منضبط ،وهو الفهم الذى يفيضه
ال تعالى على من يتصدى للنظر فيها ،وهذا الفهم أمر ذوقى غير محدد ،ومن شأن
إيراده فى التعريف أن يجعل مضمون المعرف غير محدد ،حيث سيختلف معناه من
) من مجلة الحكام العدلية بأنها :المارة فهم إلى آخر ،وقد عرفتها المادة (
البالغة حد اليقين ،وهذا التعريف منتقد بما ورد على التعريف السابق ،لنه قد عرف
القرينة القاطعة ،بالمارة البالغة حد اليقين ،فلم يزد عن وصف المارة بالقطع البالغ
درجة اليقين ،دون أن يعرف حقيقتها ،وفى تفسير ذلك يقول شارح المجلة :مثلً إذا
خرج رجل من دار خالية خائفا مدهوشا فى يده سكين ملوثة بالدم ،فدخلت الدار فى
الحال وشاهدت فيها رجلً مذبوحا فى ذلك الوقت ،فل يشتبه فى أن قاتله هو ذلك
الرجل ول يلتفت إلى الحتمالت التى هى محض توهّم ،كظنّه أن الرجل ربما
يكون هو الذى قتل نفسه ،ومثل هذا التوضيح يخالف الموضح ،لنها تفيد الظن
الذى ل يصل إلى حد اليقين ،مع أن التعريف يقول :إنها المارة البالغة حد اليقين،
ومن ثم كان التعريف وشرحه غير سائغين.
ونحن نرى أن القرينة" :هى الحالة الدالة على الحكم بما يغلب على الظن
اقترانه بها".
وما بعدها مشار إليه فى: د .عبد العال عطوه -محاضرات فى علم القاضى والقرائن -باللة الضاربة -ص
،وقد رجح سيادته هذا التعريف وارتضاه. د .محمد رأفت عثمان -المرجع السابق -ص
-طبعة دار الكتب العلمية ببيروت. شرح مجلة الحكام العدلية -للستاذ سليم رستم الباز -جك -ص
-30-
دللة القرينة على الحكم:
ودللة القرينة على الحكم قد تصل إلى حد ل يمكن إنكاره ،بل وربما وصلت
دللتها إلى حد يقترب من اليقين ،فلو أن جماعة شهدوا على موت شخص أو قتله،
ثم ظهر المشهود عليه حيا ،فإن ذلك الظهور يعد قرينة قاطعة على خطأ الشهود أو
ل على كذبهم لنهم –ربما يكونوا قد شهدوا على قتله-
ظنية ما أخبروا به وليس دلي ً
بما غلب على ظنهم من مشاهدة حاله ،فل يكون ذلك كذبا منهم ،بل خطأ فى وصف
الحال وهو موته.
وكما لو وجدت امرأة حامل وليس لها زوج أو سيد –إذا كانت جارية -فإن
وجود الحمل يعد قرينة تفيد الزنا غالبا ،وكذلك المر فيما لو وجد شخص فى حالة
سكر وهو يتقيأ الخمر ،فإن هذه قرينة يغلب على الظن معها شرب المنكر متعمدا،
وهكذا.
ومع ذلك ،فإن الحالت التى قال المعاصرون من الفقهاء إنها تفيد اليقين ،مثل
حالة الشهادة على شخص ثم ظهوره حيا ،ووجود امرأة حامل دون أن يكون لها
زوج أو سيد ،ووجود شخص فى حالة سكر يتقيأ الخمر ،وخروج شخص مضطرب
يحمل سكينا تسيل منها الدماء مع وجود شخص ذبيح بجواره ،ووجود عين
المسروق لدى شخص ،فإن ذلك كله ل يقطع بإتيان هؤلء لما اتهموا به ،فربما كان
الشهود صادقين فيما شهدوا حسبما استبان لهم من شواهد حال المشهود عليه ،ومن
ثم ل تفيد قرينة ظهوره حيا بعد الشهادة بموته كذب الشهود يقينا ،بل تفيد ذلك بغلبة
الظن ،وكذلك المر فى حال حمل المرأة بدون زوج أو سيد ،حيث ل ترقى قرينة
الحمل لن تثبت الزنا عليها يقينا ،لحتمال أن لها زوجا غير معلوم ،أو أن أداة
،حيث قال القرينة هى وتعريف القرينة بالحالة مستفاد وبما ذكره ابن فرحون فى التبصرة -جك -ص
السيما الواردة فى قوله تعالى (تعرفهم بسيماهم) ،فدل على أن السيما هى الحال التى تظهر على الشخص ،فتدل على
ما هو فيه ،كوجود شخص عليه زنار وغير مختون فل يدفن فى مقابر المسلمين.
-31-
إثبات الزواج غير قائمة ،أو أنها قد أكرهت على الفعل ومن ثم فإنها ل تفيد الزنا
يقينا ،بل بغلبة الظن.
وفى هذا يقول المام الطوسى" :إذا وجدت امرأة حبلى ول زوج لها وأنكرت
أن يكون من زنا ل حد عليها" ،وبه قال أبو حنيفة والشافعى رضي ال عنهما،
وقال مالك رضي ال عنه :عليها الحد ،دليلنا :أن الصل براءة الذمة ،وإيجاب
الحد يحتاج إلى دليل ،وأيضا ،فإنه يحتمل أن يكون من زنا ،ويحتمل أن يكون من
وطء بشبهة ،ويحتمل أن تكون مكرهة ،ول حد مع الشبهة.
وكذلك المر فى حالة السكر وتقيؤ الخمر حيث يحتمل أنه قد سكر مضطرا
أو جاهلً.
ومن ثم فإن القرينة ل تكون قاطعة بإدانته ،بل تكون مما يغلب على ا لظن
معه ارتكابه للسكر عامدا ،وكذلك المر بالنسبة لوجود بصمة المتهم على أدوات
الجريمة أو السلح المستعمل فيها .فإن ذلك ل يفيد ارتكابه لها قطعا ،بل بناء على
غلبة الظن.
مؤسسة النشر السلمى. المام أبو جعفر الطوسى -كتاب الخلف -جك -ص
والشرح الكبير -نفس المكان ،حيث يقول :يعنى أن المرأة حاشية الدسوقى على الشرح الكبير -جك -ص
إذا ظهر بها حمل ولم يعرف لها زوج وكانت أمة وكان سيدها منكرا لوطئها فإنها تحد ،ول يقبل دعواها الغصب
على ذلك بل قرينة تشهد لها بذلك ،ول دعواها أن هذا الحمل من منى شربه فرجها فى الحمام ،ول من وطء جنى
. إل بقرينة مثل كونها عذراء وهى من أهل العفة ،بداية المجتهد -جك -ص
كتابة الخلف -السابق.
-32-
أولهما :لجمهور الفقهاء ،وهو ما ذهب إليه الحنفية ،والمالكية ،والحنابلة ،
وحاصل هذا القول :أن القرينة وسيلة إثبات وأنها حجة فى العمل بها.
ثانيهما :لبعض فقهاء المالكية ،وحاصل قولهم :أن العمل بالقرينة وإن كان
من الممكن أن يظهر الحق إل أن الشارع ألغى العمل به ،وفى ذلك يقول القرافى:
أخذ السراق المتهمين بالتهم وقرائن أحوالهم كما يفعله المراء اليوم ،دون القرار
الصحيح والبينات المعتبرة الغالب مصادقته للصواب والنادر خطأه ،ومع ذلك ألغاه
الشرع صونا للعراض والطراف عن القطع ،وأخذ الحاكم بقرائن الحوال من
التظلم وكثرة الشكوى والبكاء مع كون الخصم مشهورا بالفساد والعناد ،الغالب
مصادقته للحق والنادر خطأه ،ومع ذلك منعه الشارع منه وحرمه ،ول يضر الحاكم
ضياع حق ل بينة عليه ،والغالب أن من وجد بين فخذى امرأة وهو متحرك حركة
الواطئ ،وطال الزمان فى ذلك أنه قد أولج ،والنادر عدم ذلك ،فإذا شهد عليه بذلك
ألغى الشارع هذا الغالب سترا على عباده ولم يحكم بوطئه ول بعدمه.
وقبل أن نعرض لدلة كل فريق على رأيه ،أود أن أشير إلى أن رأى القرافى
وإن كان من الممكن قبوله فى مجال الحدود والقصاص تحوطا للدماء والعراض
ودرأ للحدود بالشبهة ،إل أنه يصعب قبوله فى غيرهما ،وذلك لمخالفته للدلة التى
-دار الفكر وما بعدها ،وأحكام القرآن للجصاص -جك -ص تكملة حاشية رد المحتار -جك -ص
،بل نقل الجماع على العمل بالراجح ،ومعين الحكام -ص ببيروت ،تبين الحقائق للزيلعى -جك -ص
،وفى الفقه منها وهو قوة التهمة ،فقال :ول خلف فى الحكم بها .وأحكام القرآن لبن العربى -جك -ص
وما بعدها والشرح الصغير مع حاشية الصاوى- المالكى ،راجع :تبصرة الحكام لبن فرحون -جك -ص
،وقواعد الحكام -طبعة دار المعارف وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير -جك -ص جك -ص
وما بعدها ،حيث يرى أن القرينة تنزل منزلة وما بعدها ،ص للعز بن عبد السلم -السابق -جك -ص
وما بعدها ،والحكام السلطانية لبى يعلى الحنبلى -ص القول الصريح -والحكام السلطانية للماوردى -ص
وما -ص مؤسسة الرسالة ،وابن تيمية -الفتاوى -جك وما بعدها .وزاد المعاد -جك -ص
بعدها -مكتب ابن تيمية.
وما بعدها -طبعة عالم الكتب ،وراجع :د .محمد رأفت عثمان -النظام الفروق للقرافى -جك -ص
وما بعدها ،والمراجع المشار إليها فى الحاشية. القضائى فى الفقه السلمى -ص
-33-
تفيد وجوب العمل بكل ما يوصل إلى الحق ،ويبقى أن نبين أدلة كل قول على ما
ذهب إليه.
استدل أصحاب القول الول لما ذهبوا إليه بالكتاب والسنة وآثار الصحابة
والجماع والمعقول وذلك كما يلى:
أن ال –تبارك وتعالى -قد حكى عن إخوة يوسف أنهم قد أقاموا قرينة على
قتل أخيهم ،وهى تلطيخ قميصه بالدم ،ليكون فى هذا العمل دليل على قبول ما
يزعمون من أن الذئب قد أكله ،كما تدل على أن أباهم قد اكتشف كذب ما يدعون
بقرينة أقوى ،وهى عدم تمزيق قميص يوسف ،حيث ل يقبل عقلً أن يأكله الذئب ثم
يبقى قميصه سليما خاليا من أى تمزيق ،فبقاء قميص يوسف سليما يعتبر قرينة على
الكذب ،وقد حكى القرآن الكريم ذلك للعتبار الدال على بقاء حكمه ،وهو ما يفيد
العمل بالقرينة.
وقد يقال :إن ذلك كان فى شرع من قبلنا ،لكنه من المعلوم لدى علماء
الصول والفقه ،أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد دليل ناسخ ،ولم يرد فى
،حيث يقول :لما أرادوا أن ،وراجع :الجامع لحكام القرآن للقرطبى -جك -ص سورة يوسف -آية
يجعلوا الدم علمة على صدقهم قرن ال بهذه العلمة علمة تعارضها وهى سلمة القميص من التمزيق ،إذ ل يمكن
افتراس الذئب ليوسف رضي ال عنه وهو لبس للقميص ثم يسلم القميص من التمزيق.
-34-
شرعنا ما ينسخ ذلك بل العمل فيه على وفقه ،وذلك من خلل الدلة القائمة على
مشروعيته من السنة والجماع والمعقول.
أنها قد تضمنت العمل بالقرينة فى موقف اتهام نبى ال يوسف بالتعدى على
امرأة العزيز ،وهذه القرينة تتمثل فى قدّ القميص :أى تمزيقه على نحو يفيد جذب
المشدود من جهة الفاعل ،فإن كان القدّ من أمام يكون فيه دليل على توجه المتهم
نحو المجنى عليه ،ويكون ذلك القد دليلً على مدافعة ضحيته له ،أما إن كان من
ل على فكاكه وهروبه من موطن الجريمة ،ويكون ذلك التمزيق
خلف ،فإنه يكون دلي ً
دليلً على جذب المدعى له ليقع فى الثم دون رغبة منه ،وفى ذلك دليل على براءة
المدعى عليه وهذا ما ظهر بحق نبى ال يوسف –عليه السلم -ففى الية الكريمة
دليل على العمل بالقرينة ،وهو دليل قائم إلى يوم الدين إذ لو بطل فى ديننا للزم منه
زوال دليل العصمة فى حق نبى نؤمن به ،كما نؤمن أنه يجب له كل كمال خلقى،
ويستحيل عليه كل نقص بشرى ،ولصبح ذلك البطال ماسا بعقيدة المسلمين .وهذا
مستحيل شرعا .فبطل ما يؤدى إليه وهو بطلن الحتجاج بالقرينة.
كما أن القرآن الكريم ،قد حكى ذلك للعتبار والعظة والعمل به ،قصدا لقامة
العدل ،والفصل بين الناس فى الخصومات ،وهذا واجب يجعل كل ما يؤدى إليه
على منوال حكمه بناء على أن ما يوصل إلى الواجب يكون واجبا وإذ قيل إن ذلك
كان فى شرع من قبلنا ،فرده :إن شرع ما قبلنا شرع لنا ما لم يرد دليل ناسخ ،ولم
. - سورة يوسف -اليات
-35-
يرد فى شرعنا ما ينسخه ،بل العمل فيه على وفقه وقامت الدلة على مشروعيته،
ونحن مأمورون بأن نقتدى بأهل الفضل والهدى فيما وفقوا له من الخير ،عملً
بقوله -تعالى( -أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده).
وقد قال بعض العلماء :إن قائل ذلك الذى حكاه القرآن الكريم أو الشاهد الذى
شهد به ،هو طفل تكلم فى المهد ،وذلك ما ذهب إليه ابن عباس وأبو هريرة وسعيد
بن جبير وهلل بن يسار ،وقد صحح ذلك السهيلى للحديث الوارد فيه عن النبى-
صلي ال علي وسلم : -أنه لم يتكلم فى المهد إل ثلثة ،وذكر فيهم شاهد يوسف.
وقيل أن ذلك الشاهد هو قدّ القميص ،رواه ابن أبى نجيح عن مجاهد ،وهو
مجاز صحيح من جهة اللغة ،فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال ،وقد تضيف
العرب الكلم إلى الجمادات وتخبر عنها بما هى عليه من الصفات ،وذلك كثير فى
أشعارها وكلمها ،ومن أحله قول بعضهم ،قال الحائط للوتد لم تشقنى ،قال" :سل
من يدقنى" ،إل أن قول ال –تعالى -بعد( :من أهلها) ،يبطل أن يكون الشاهد هو قدّ
القميص.
وقيل إنه رجل حكيم ذو عقل كان الوزير يستشيره فى أموره وكان من جملة
أهل المرأة وكان مع زوجها فقال :قد سمعت الجلبة والستبدار من وراء الباب
وشق القميص ،فل يدرى أيكما كان قدّام صاحبه ،فإن كان شق القميص من قدّامه
فأنت صادقة ،وإن كان من خلفه فهو صادق ،فنظروا إلى القميص فإذا هو مشقوق
من خلف ،وروى عن ابن عباس أنه كان رجلً من خاصّة الملك وقال عكرمة :لم
يكن بصبى ،ولكنه كان رجلً حكيما.
-36-
ل لما كان فى الية دليل على العمل بالقرينة ،لن
ولو كان المتحدث طف ً
شهادته تغنى عن العادة ،إذ هى فى ذاتها معجزة قاطعة بصدقه ،لن كلم الطفل
معجزة ،وهى أوضح على صدقه من الستدلل بالعادة وإذا كان رجلً فيصح
الستدلل بها على القرينة.
ل تكلم فى
وقد رد ابن فرحون على ما قاله القرطبى :أنه لو كان الشاهد طف ً
المهد لما كان فى الية دليل على العمل بالقرينة فقال :إنه حتى لو كان الشاهد طفلً
فإن الحجة قائمة منه بإذن ال تعالى ،لنه يرشدنا بها على لسانه إلى التفطن والتيقظ
والنظر إلى المارات والعلمات التى يعلم بها صدق المحق وبطلن قول المبطل،
ويكون ذلك أبلغ فى الحجة من قول الكبير ،لن قول الكبير اجتهاد ورأى منه،
ونطق الصغير من قبل ال تعالى".
أن ال –تبارك وتعالى -قد أرشد إلى إشهاد من نرتضيه من الشهود ،والرضا
معنى قائم فى نفس المرضى عنه ل يمكن الستدلل عليه إل من خلل ظهور
المارات والدلئل التى تجعل الشاهد محل رضا وتصديق أمام القاضى ،ولذلك
يقول ابن العربى :فى الية دليل على جواز الجتهاد والستدلل بالمارات على
خفى المعانى والحكام.
-37-
استدل القائلون لما ذهبوا إليه من حجية العمل بالقرينة بالسنة النبوية ،وذلك
بما يلى:
( ) بما روى أنه -صلى ال عليه وسلم -قضى باللوث فى القسامة ،فقد
روى أحمد ومسلم والنسائى رضي ال عنهم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن
وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبى-صلي ال علي وسلم -من النصار:
أن النبى-صلي ال علي وسلم -أقرّ القسامة على ما كانت عليه فى الجاهلية" ،وعن
سهل ابن أبى حثمة قال :انطلق عبد ال بن سهل ومحيّص بن مسعود إلى خيبر،
وهو يومئذ صلح فتفرقا ،فأتى محيّصة إلى عبد ال بن سهل وهو يتشحط فى دمه
قتيل ،فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيّصة وحويّصة ابنا
مسعود إلى النبى صلي ال عليه وسلم ،فذهب عبد الرحمن يتكلم ،فقال :كبّر كبّر،
وهو أحدث القوم فسكت فتكلما ،قال :أتحلفون وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم؟
فقالوا :وكيف نحلف ولم نشهد ،ولم نر ،قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا ،فقالوا:
كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ ،فعقله النبى-صلي ال علي وسلم-من عنده.
أن النبى-صلي ال علي وسلم-قد أقرّ القسامة وهى قائمة على القرينة الدالة
عليها والمتمثلة فى اللوث ،وهو (بفتح اللم وسكون الواو) بمعنى العداوة ،كما قال
الحنفية ،أو هو قرينة الحال التى توقع فى القلب صدق المدعى بأن يغلب على الظن
صدقه لوجود علمة القتل على واحد بعينه ،مثل وجود الدم على جسمه وملبسه أو
وجود شخص قتيل فرّ عنه جمع من الناس ،كانوا قد ازدحموا على بئر أو على باب
الكعبة ،أو لرؤية لعب يؤدى ألعابا سحرية فى ميدان عام ،أو قامت مظاهرة فى
أحد الشوارع بأعداد كبيرة من الناس ثم تفرقوا عن قتيل ،ول يشترط هنا كونهم
أعداء ،وقال الحنابلة :إن اللوث هو العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه،
-38-
كما كان بين النصار ويهود خيبر ،وما بين البغاة ،وأهل العدل ،وكل ضغينة تقوم
بين المقتول وغيره يغلب معها على الظن أنه قتله بسببها ،وفى رواية عن أحمد :أن
اللوث ما يغلب معه صدق المدعى.
( ) ومن السنة –أيضا -ما ورد فى الحديث الصحيح فى قضية السرى من
قريطة لمّا حكم فيهم سعد أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية ،فكان بعضهم يدعى عدم
البلوغ فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزرهم ،فيعلمون بذلك البالغ من غيره ،وهذا
من الحكم بالمارات.
( ) ومنها :أنه –صلى ال عليه وسلم -أمر الملتقط أن يدفع اللقطة إلى
واصفها وجعل وصفه لعفاصها ووكائها قائما مقام البينة.
-مكتبة الرياض الحديثة -وتبصرة الحكام لبن فرحون مع فتح العلى المغنى لبن قدامة -جك -ص
. المالك -جك -ص
. تبصرة الحكام لبن فرحون -ص
نفس المرجع السابق.
. المرجع السابق -ص
المرجع نفسه.
-39-
( ) ومنها أنه –صلى ال عليه وسلم -أمر الزبير بعقوبة الذى اتهمه بإخفاء
كنز ابن أبى الحقيق ،فلما ادعى أن النفقة والحروب أذهبته قال –صلى ال عليه
وسلم :-العهد قريب والمال أكثر.
( ) ومنها ما رواه ابن ماجة وغيره عن جابر عبد ال قال :أردت السفر إلى
خيبر ،فقال لى رسول ال-صلي ال علي وسلم-إذا جئت وكيلى فخذ منه خمسة
عشر وسقا ،فإذا طلب منك آية فضع يدك على ترقوتة "فأقام العلمة مقام الشهادة.
( ) ومنها قوله –صلى ال عليه وسلم :-اليم أحق بنفسها من وليها والبكر
تستأمر فى نفسها ،وإذنها صماتها ،فجعل صمت البكر قرينة على الرضا ،وتجوز
الشهادة عليها بأنها رضيت ،وهذا من أقوى الدللة على الحكم بالقرائن.
المرجع نفسه.
المرجع نفسه.
المرجع نفسه.
-40-
ثالثا :ومن آثار الصحابة والتابعين:
( ) بما روى أن عمر رضي ال عنه ومعه صحابة رسول ال-صلي ال
علي وسلم-قد تواتر عنهم الحكم برجم المرأة إذا ظهر بها حمل ول زوج لها ،وهو
ما ذهب إليه مالك وأحمد ابن حنبل ،وذلك اعتمادا على القرينة الظاهرة.
( ) ومنها ما حكم به عمر رضي ال عنه ،وابن مسعود وعثمان رضي ال
عنهما بوجوب الحد على من وجد فيه رائحة الخمر أوقاءها ،اعتمادا على القرينة
الظاهرة وهو مذهب مالك رحمه ال.
( ) وبما روى عن شريح وإياس بن معاوية أشياء نحو هذا ،فقد روى ابن
أبى نجيح عن مجاهد قال :اختصم إلى شريح امرأتان فى ولد هرة فقالت أحدهما
هذه ولد هرتى ،وقالت الخرى :كذلك ،فقال :ألقوها مع هذه فإن درت وفرت
واسبطرت فهى لها ،وان هرت وفرت ،وازبأرت فليس لها.
أن امرأتين ادعتا كّبة غزل ،فخل بإحداهما وقال :علم كببت غزلك؟
فقالت :على جوزة ،وخل بالخرى فقالت :على كسرة خبز ،فنقض الغزل
ودفعه إلى التى أصابت.
وهذا الذى كان يفعله شريح وإياس من نحو هذا لم يكن على وجه إمضاء
الحكم به وإلزام الخصم إياه ،وإنما كان على جهة الستدلل بما يغلب فى الظن
-41-
منه ،فيقرر بعد ذلك المبطل فيهما ،وقد يستحى النسان إذا ظهر مثل هذا من
القامة على الدعوى ،فيقر ،فيحكم عليه بالقرار.
فقد أجمع العلماء على حجية العمل بالقرينة ،وقد حكى هذا الجماع غير
واحد من أهل العلم ،منهم ابن فرحون فى التبصرة ،والمام القرطبى فى أحكام
القرآن ،والمام الجصاص فى أحكام القرآن ،والمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم
وذلك على نحو ما حكاه الطرابلسى فى معين الحكام.
أن للحق أمارات يدرك بها ويعرف من خللها ،فكان الوقوف على تلك
المارات لزما لمعرفة الحق والحكم به ،وهذا ما ل يمارى فيه أحد من أهل العلم،
وإذا كان أمرها كذلك يكون العمل بها حجة.
المرجع نفسه.
. تبصرة الحكام لبن فرحون -جك -ص
. الجامع لحكام القرآن للقرطبى -جك -ص
. أحكام القرآن للجصاص -جك -ص
. معين الحكام للطرابلسى -ص
-42-
أدلة القول الثانى:
وقد استدل أصحاب القول الثانى لما ذهبوا إليه من القرآن الكريم والسنة
والثار كما يلى:
أنها واضحة الدللة فى ذم الظن ،والقضاء بالقرينة قائم على الظن فيكون
مذموما ،وإذا كان كذلك يكون العمل بالقرينة غير جائز ،لنها ستكون نوعا من
أكذب الحديث كما جاء فى حديث النبى صلي ال عليه وسلم :إياكم والظن ،فإن
الظن أكذب الحديث.
وكما يقول أحد الفقهاء المعاصرين :يمكن صياغة الدليل على شكل قياس من
الشكل الول :فنقول :القرينة تفيد الظن ،والظن مذموم شرعا ،فالنتيجة أن القرينة
مذمومة شرعا ،وإذا كانت كذلك فل يصح أن تكون وسيلة للثبات.
-43-
مناقشة الستدلل بتلك اليات الكريمة:
ويرد على استدلل المانعين للحكم بالقرينة بتلك اليات الكريمة :أن الظن
المنهى عنه فيها ،هو الظن المذموم ،وهو الوارد فى مجال العقائد ،لنها ل تثبت
بالظن إجماعا ،وذلك مثل معرفة الله ومعرفة صفاته ،حيث يشترط فى كل ذلك أن
يكون مبنيا على العلم والعتقاد الجازم ،والظن المذموم ليس كذلك ،أو هو الظن
السيئ الذى يبنى الشخص حكمه عليه أو الشك الذى يدفع صاحبه للولوغ فى
أعراض الناس من غير حجة يستند إليها ظنه ،والعمل بالقرينة للوصول إلى الحق
ليس من هذا القبيل ،فل يكون داخلً فى إطار الذم المدلول عليه فيها.
() وبما رواه ابن ماجه عن ابن عباس –رضى ال عنه -أنه قال:
قال رسول ال صلي ال عليه وسلم" :لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت
فلنة ،فقد ظهر منها الريبة فى منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها".
أن النبى-صلي ال علي وسلم-لم يقم حد الرجم على امرأة رغم ظهور
القرائن الدالة على تورطها فى إثم الزنا ،وظهور التهمة فى منطقها ومنظرها ومن
يدخل عليها ،فدل ذلك على أنه ل يجوز العمل بالقرينة.
. فى هذا المعنى :العز بن عبد السلم -قواعد الحكام فى مصالح النام -جك -ص
. د .محمد رأفت عثمان -السابق ص
. نيل الوطار للشوكانى -جك -ص
-44-
بسبب هذا الضعف ،ومن ثم لم تصلح لثبات الحد ،إذ هو مما يدرأ بالشبهة عملً
بحديث النبى صلي ال عليه وسلم" :ادرءوا الحدود ما استطعتم ،فلن يخطئ المام
فى العفو خير من أن يخطئ فى العقاب ،وعن أبى هريرة رضي ال عنه أنه –
صلى ال عليه وسلم -قال :ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا.
( ) وبما روى عن ابن عباس -رضى ال عنه -قال :شرب رجل الخمر
فسكر فلقى يميل فى الفج ،فانطلق به إلى النبى-صلي ال علي وسلم ،-فلما حاذى
بدار العباس ،انفلت فدخل على العباس فالتزمه ،فذكر ذلك للنبى-صلي ال علي
وسلم ،-فضحك ،وقال :أفعلها؟ ،ولم يأمر فيه بشيئ.
أن الرسول-صلي ال علي وسلم-لم يقم الحد على من وجدت فيه قرينة
شرب الخمر ،ولكنه حين علم بأمره ،وأنه كان يتمايل من السكر ،ضحك ولم يأمر
فيه بشيئ ،فدل ذلك على عدم جواز العمل بالقرينة.
بأنه ربما لم يقم عليه الحد لضعف القرينة عن إثباته ،حيث إنه مما يدرأ
بالتهمة ،أو لنه لم يقر لديه بالشرب ،أو لنه قد علم بالجريمة ،والقاضى ل يحكم
بعلمه ،أو لنه لم يقم بحقه الشروط التى يجب أن تتوافر لقامة الحد عليه ومن
ثم ل يكون في عدم إقامة الحد عليه دليل على ترك العمل بالقرينة ،ول يكون
الحديث دالً على ما ذهبوا إليه ،ثم إن عجز القرينة عن إثبات الحد ل يمنع من
صلحيتها لثبات التعزير وهو المطلوب منها.
-45-
ثالثا :ومن المعقول:
إن القرائن ليست مضطردة في دللتها على الحكم ،كما أنها غير منضبطة
لنها تتفاوت قوة وضعفا فل تصلح لبناء الحكم عليها.
وقد أجيب عن هذا الستدلل بأن القرينة يجب أن تكون قوية الدللة في إفادة
الحكم ،وما لم تكن كذلك فإنها ل تصلح ،والعتبار في المشروعية للقرينة القوية،
فل يكون للحتجاج بالقرينة معنى لنها غير داخلة في الموضوع.
ومن خلل بيان أدلة كل قول وما ورد عليها من مناقشات يستبين لنا أن
القول الول هو الراجح ،ومن ثم يكون العمل بالقرينة هو الحكم الذى يتعين المصير
إليه ،سيما وأن الجماع قد انعقد على ذلك ،فيكون القول به هو القوى والرجح،
وذلك ما نميل إليه ونقرره.
ويبدو مما ذكره الفقهاء أن القرينة ظاهرة أو علمة تدل على وجود أمر
يقتضى حكما ،وذلك مثل اشتهار أحد من الناس بالجرام في نوع معين من الجرائم
كالسرقة ،أو تسلق المواقع بقصد اقتحام المنازل ،أو وجود رائحة الخمر في فم
سكران يترنح في مشيته ،أو طروء الثراء الكبير على شخص ل يعلم له مورد أو
عمل يدر عليه مالً وفيرا ،وذلك مثل من اتهم بإخفاء كنز أبى الحقيق وظهرت عليه
،مشار إليه فى ،د .محمد رأفت عثمان -السابق- د .عبد العال عطوة -محاضرات فى علم القاضى -ص
. ص
. فى هذا المعنى :د .محمد رأفت عثمان -السابق -ص
-46-
علمات الثراء ،ولما سئل عن نقص الكنز قال :أذهبته الحروب والنفقات :فقال له
–صلى ال عليه وسلم( :-العهد قريب والمال أكثر) ،لن قرب العهد وكثرة المال
تدل على كذب دعواه وإدانته بتطاول يده على المال الذى في حوزته ،كوجود
الدم على السيف فإنه يعتبر قرينة دالة على حدوث القتل من حامله ،وهو ما فعله
النبى-صلي ال علي وسلم-مع بنى عفراء حين تداعيا قتل أبى جهل يوم بدر ،
ومن ذلك سكوت البكر عند خطبتها فإن سكوتها قرينة على رضاها بالخاطب،
وكظهور الحمل على المرأة دون أن يكون لها زوج أو سيد ،فإن هذه القرائن
وغيرها إنما هى علمات ظاهرة تدل بما يغلب على الظن معه وجود الحكم
المقترن بها دللة ظنية راجحة.
فإذا اقترن التهام بأحد تلك الظواهر المرجحة لحصول الظن بوقوع الفعل
المتهم به من المتهم ،فإن ذلك من شأنه أن يرتب حكما حاصله جواز إيقاع العقاب
الملئم به ،ويكون ذلك العقاب بناء على الدليل الذى قام عليه وهو القرينة ،وليس
بهدف إرغامه على القرار بالتهمة.
القرينة دليل ظنى يترجح معه صدق التهمة بحق من وقعت به ،وبناء عليه
فإنها ل تصلح دليلً على عقوبة حدية ،كما ل تصلح كذلك للقصاص من المتهم،
وذلك لن الحدود يحتاط فيها ما ل يحتاط في غيرها ،ولنها عقوبات مقدرة وجبت
حقا ل –تعالى -وجانب العفو فيها أرجح من جانب العقاب ،ولهذا تدرأ بالشبهة قدر
المستطاع ،ول توقع على المتهم إل إذا استوفت كافة شرائطها ومنها استيفاء نصاب
الشهادة وشروطها أو عدد مرات القرار وثباته على نحو محقق يعصمه من
الرجوع فيه ،ولن تلك العقوبات مما يتعلق بالدماء والعراض وفواتهما مما
-47-
يصعب تداركه ،ولهذا يجب التثبت التام من قيام التهمة بجانب المتهم ،والقرينة
علمة ظنية ل تصلح لهذا التثبت ،وإذا كان القصاص يتجاذبه مع حق ال ،حق
العبد فإن ذلك التمحيص الدارئ للقصاص ل يصادم حق العبد ،لنه سيئول إلى
الضمان المالى أو الدية ،ومن ثم فإن التحوط في الحدود أو القصاص ل ينافى ما
للعبد من حقوق مالية ناشئة عن التهمة.
وإذا كانت القرينة ل تصلح دليلً على ثبوت العقاب في الحدود والقصاص،
لم يبق إل أن تكون صالحة لثبوت العقوبات التعزيرية ،ومعلوم أن تلك العقوبات
مما يترك أمر تقديرها للحاكم ،يوقعها حسبما يرى من الظروف ما يلئم تحقيق
المقاصد الشرعية المرجوة من تقرير العقوبة.
شبهة وردها:
وما روى عنه في ثبوت حد الخمر برائحته ،وذلك فيما رواه المام مالك أن
عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال :إنى وجدت من فلن ريح شراب ،فزعم أنه
شراب الطلء ،وأنا سائل عما شرب ،فإن كان يسكر جلدته ،فجلده عمر الحد
تاما ،وقيل إن ذلك هو رأى المالكية.
. ،ونيل الوطار للشوكانى -جك -ص -ص فتح البارى بشرح صحيح البخارى -جك
. ،وتنوير الحوالك -جك -ص -طبعة وزارة الوقاف بمصر سنة موطأ المام مالك -ص
-48-
توجيه رأى عمر بن الخطاب والمالكية:
وما ورد عن عمر بن الخطاب والمالكية فى ثبوت الحد بالقرينة لم يسلم من
المناقشة وتوجيه أهل العلم ،وذلك كما يلى:
ما ورد عن عمر رضي ال عنه في ثبوت حد الزنا بقرينة الحمل مردود بما
فعله مخالفا لذلك ،فقد روى الحاكم وغيره أن عمر بن الخطاب قال لرجل أقعد
جاريته وقد اتهمها بالفاحشة على النار حتى احترق فرجها :هل رأيت ذلك عليها؟
قال :ل ،قال هل اعترفت؟ قال :ل ،فضربه وقال :لول أنى سمعت رسول ال-
صلي ال علي وسلم-يقول :ل يقاد لمملوك من مالكه لقدتها منك .قال الحاكم :إنه
صحيح السناد.
لقد دل ذلك الثر على أن عمر لم يسأل عن القرائن ،وإنما سأل عن البينة
والعتراف ،ولو كان مذهبه العمل بالقرينة في الحدود لسأل عنها ،لكنه لم يسأل،
فدل ذلك على أن العمل بها ليس مذهبا له.
وما روى عنه في ثبوت حد الخمر بالرائحة ،مردود بما ذكره ابن قدامة –
رحمه ال -إن الحد ل يجب بالرائحة عند عمر رضي ال عنه ،بدليل أنه لم يقم
الحد على المتهم حتى سأله عن الشراب الذى شربه ،فدّل ذلك على أن علة الحد
هى الشراب المسكر ،وليست الرائحة وحدها ،ثم إن ما روى عنه في المسألتين إنما
هو قول صحابى ل حجة فيه ول يثبت به مثل هذا المر العظيم الذى يفضى إلى
هلك النفوس ،وكونه قاله في مجتمع من الصحابة ولم ينكر عليه ل يستلزم أن
يكون إجماعا ،لن النكار في مسائل الجتهاد غير لزم للمخالف ،ول سيما والقائل
بذلك عمر ،وهو بمنزلة من المهابة في صدور الصحابة وغيرهم ،وقد أجاب
-49-
الطحاوى بتأويل المراد من ذلك على أن الحمل إذا كان من زنا وجب فيه الرجم،
ل للبينة والعتراف ،
ولبد من ثبوت كونه من زنا ،وذلك يأبى جعل الحبل مقاب ً
ولن الحدود مما تدرأ بالشبهة ،لقوله –صلى ال عليه وسلم( :-ادرءوا الحد عن
المسلمين ما استطعتم).
وقد روى ابن أبى شيبة من طريق إبراهيم النخعى عن عمر بلفظ :لن
أخطئ في الحدود بالشبهات أحب إلى من أقيمها بالشبهات.
وأخرج البيهقى وعبد الرازق عن عمر رضي ال عنه أنه عزر رجلً زنى
في الشام وادعى الجهل بتحريم الزنا ،وكذا روى عنه وعن عثمان أنهما عزرا
جارية زنت وهى أعجمية ،وادعت أنها لم تعلم بالتحريم.
وأما عن توجيه رأى المالكية فإن من يتأمل رأيهم يجد أنهم لم يجعلوا الحبل
مقارنا للبينة والقرار في ثبوت حد الزنا ،بل قرروا :أنه الحبل الخالى من كافة
القرائن الدافعة لثبوت الزنا على الحامل ،فدّل ذلك على أن الزنا الثابت بطرقه
الشرعية هو علّة الحد ،وليس الحمل ،أو أن الحمل في ذاته ليس صالحا لثبوت الحد
إل إذا خل من القرائن الدالة على نفى ثبوت الزنا ،ومنها القرار به أو ثبوته على
الحامل بالشهادة ،أو عدم نفى الكراه على الزنا ،وفى ذلك يقول الدسوقى في
حاشيتة على الشرح الكبير( :المرأة إذا ظهر بها حمل ولم يعرف لها زوج فإنها
تحد ،ول يقبل دعواها بنفى الزنا عنها إل إذا قامت قرينة تشهد على صدقها مثل
-50-
كونها عذراء وهى من أهل العفة) ،وكما يقول المام الطوسى :الصل براءة
الذمة ،وإيجاب الحد يحتاج إلى دليل ،وأيضا فإنه يحتمل أن يكون من زنا ،أو من
وطء بشبهة ،ويحتمل أن تكون مكرهة ،ول حد مع الشبهة.
وأما العقاب بالتهمة في الموال فإنه جائز ،وقد ثبت جوازه بالسنة والجماع،
والمعقول كما يلى:
فبما روى أنه –صلى ال عليه وسلم -قال" :لى الواجد يحل عرضه
وعقوبته".
-51-
( )2أما الجماع:
فقد انعقد إجماع المسلمين على أن الغنى المماطل يجوز عقابه بالحبس وغيره
مما يحمله على الوفاء وقد حكى المام الشوكانى الجماع في ذلك فقال :يجب حبس
من عليه الحق لليفاء إجماعا إن طلب.
ويقول المام ابن تيمية" :وأما عقوبة من عرف أن الحق عنده وقد جحده ،أو
منعه فمتفق عليها بين العلماء ،ول أعلم منازعا في أن من وجب عليه حق من دين
أو عين وهو قادر على وفائه ويمتنع فإنه يعاقب حتى يؤديه ،وقد نصوا على
عقوبته بالضرب ،ذكر ذلك المالكية ،والشافعية والحنبلية وغيرهم" ،وقال ابن
القيم :ذكر ذلك الفقهاء من الطوائف الربعة بعد أن نقل ما قاله شيخه ابن تيمية.
وقد اتخذ عمر رضي ال عنه سجنا للتأديب واستيفاء الحقوق ،كما فعل
عثمان وعلى ،دون أن ينكر عليهم أحد من الصحابة ،وكذلك الدّرة والسوط ،لفعل
عمر وعثمان.
فإن قيام التهمة مما يخدش العرض ويجعل عصمته محل شك وريبة ومن ثم
يجوز إلحاق العقاب به.
المرجع السابق.
. ،وابن القيم الطرق الحكمية -ص -ص فتاوى ابن تيمية -جك
ابن القيم -المرجع نفسه.
. نيل الوطار للشوكانى -جك -ص
-52-
المبحث الثانى
اتفق الفقهاء على أنه إذا كان اتهام الشخص مجردا على القرائن التى تدينه
وترجح جانب إدانته ،فإنه ل يجوز تعذيبه أو إلحاق أدنى ضرر به بهدف التأثير
على إرادته ،أو إرغامه على العتراف بتهمة لم يرتكبها ،أو جريمة لم يفعلها،
والتهام المجرد هو الخالى من القرائن التى يغلب على الظن معها ارتكابه لما نسب
إليه ،أو ترجح جانب الدانة فيما حامت الشبهات حوله ،وقد قامت الدلة على ذلك
من الكتاب ،والسنة ،وآثار الصحابة ،والجماع والمعقول ،وذلك كما يلى:
أن ال تبارك وتعالى قد نفى أثر الكراه على اليمان وهو أ صل ،فلن
يكون أثره منفيا في غير اليمان من الفروع يكون ذلك من باب أولى ،وهذا واضح
من استثناء الكراه على اليمان مع اطمئنان القلب من الكفر ،ومعلوم أن المستثنى
يخالف المستثنى منه في حكمه ،وهو هنا الكفر فيكون المستثنى مناقضا له ،وهو
اليمان في هذا يقول صاحب مغنى المحتاج :جعل الكراه مسقطا لحكم الكفر
فبالولى ما عداه.
-53-
ثانيا :من السنة النبوية الشريفة:
أن النبى-صلي ال علي وسلم-قد حكم برفع أثر الكراه على الكفر ،وبين انه
ل قيمة له معه ،بل أمر عمارا أن يعود لجريان كلمة الكفر على لسانه إذا كره
عليها ،ولو كان لها تأثير مع الكراه ما أمره بها ،فدل ذلك على أن الكراه إذا كان
ذلك شأنه في اليمان وهو أصل ،فلن يكون ذلك الثر ثابتا في غير اليمان من
باب أولى.
() وبما روى أنه –صلى ال عليه وسلم -خطب الناس يوم النحر فقال :أل
تدرون أى يوم هذا؟ قالوا ال ورسوله أعلم ،قال :حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه
فقال :أليس يوم النحر؟ ،قلنا :بلى يا رسول ال ،قال :أى بلد هذا؟ ،أليست بالبلدة،
قلنا :بلى يا رسول ال :قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام
كحرمة يومكم هذا ،في شهركم هذا في بلدكم هذا ،أل هل بلغت ،قلنا :نعم قال :اللهم
أشهد ،فليبلغ الشاهد الغائب.
،وابن سعد فى الطبقات الكبرى -جك رواه أبو حفص بإسناده ،وأخرجه الحاكم فى المستدرك -جك -ص
. -ص
-54-
بشرته ،وتعذيبه بقصد الحصول على إقرار منه باقتراف التهمة فيه مساس ببشرته
كما أن فيه مساسا بعرضه فل يجوز ،وإذا صدر القرار منه في مثل هذا الحال
فإنه يكون باطلً ول يعتد به ،وذلك ما قرره الفقهاء في المذاهب المختلفة.
( ) وبما روى على أبى هريرة :قال جاء ماعز السلمى إلى رسول ال-
صلي ال علي وسلم-فقال :إنه قد زنى ،فأعرض عنه ،ثم جاء من شقه الخر ،فقال
إنه قد زنى فأعرض عنه .ثم جاء من شقة الخر فقال يا رسول ال :إنه قد زنى،
فأمر به في الرابعة؟ ،فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة ،فلما وجد مس الحجارة فرّ
يشتد ،حتى مرّ رجل معه لحى جمل فضربه به ،وضربه الناس حتى مات ،فذكر
ذلك لرسول ال -صلي ال عليه وسلم -أنه فرّ حين وجد مس الحجارة ،ومس
ل تركتموه.
الموت ،فقال رسول ال صلي ال عليه وسلم :ه ّ
وفى رواية عن أبى هريرة –أيضا -أنه بعد أن أقر على نفسه أربعا ،دعاه
رسول ال-صلي ال علي وسلم-فقال :أبك جنون؟ قال :ل ،قال :فهل أحصنت؟،
قال :نعم ،فقال :النبى-صلي ال علي وسلم"-اذهبوا فارجموه".
وفى حديث بريدة أنه قال :أشربت خمرا؟ قال :ل ،وأنه قام رجل يستنكهه فلم
يجد فيه ريحا ،وفى حديث ابن عباس :لعلك قبّلت أو غمزت ،وفى رواية :هل
ضاجعتها :قال :نعم ،قال :فهل باشرتها؟ قال :نعم ،قال :هل جامعتها؟ قال نعم،
، ،والمقدمة السلطانية -ص ،ومعين الحكام للطرابلسى -ص راجع :تكملة القدير -جك -ص
، ،وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير -جك -ص حاشية ابن عابدين على الدر المختار -جك -ص
،ومواهب الجليل للحطاب -جك ،تبصرة الحكام لبن فرحون -جك -ص والشرح الصغير جك -ص
،والحكام السلطانية للماوردى- ،مغنى المحتاج -جك -ص ،الم للشافعى -جك -ص -ص
،والحكام السلطانية لبى يعلى- ،والكافى -جك -ص ،والمغنى لبن قدامة -جك -ص ص
والمختصر النافع -ص ،والبحر الزخار -جك -ص -ص ،والمحلى لبن حزم -جك ص
.
وما بعدها. رواه أحمد وابن ماجة والترمذى ،وراجع :نيل الوطار للشوكانى -جك -ص
سبل السلم للصنعانى -جك -ص .
-55-
قال :دخل ذلك منك ،فى ذلك منها؟ قال :نعم ،قال :كما يغيب المرود في المكحلة
والرشا في البئر؟ ،قال نعم ،قال :تدرى ما الزنا؟ قال :نعم ،أتيت منها حراما ،ما
يأتى الرجل من امرأته حللً ،قال :فماذا تريد بهذا القول؟ قال :تطهرنى ،فأمر به
فرجم".
أنه قد أفاد برواياته المختلفة ،أن القرار ل يكون صالحا لترتيب أثره عليه
إل إذا أتى بعد تمحيص يدل على كمال اختيار المقر ،وما لم يكن كذلك فإنه ل يعتد
به ،ما روى عن ابن عباس –رضى ال عنهما -أن النبى-صلي ال علي وسلم-
قال :إن ال وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
وعن أبى ذر الغفارى قال :قال رسول ال صلي ال عليه وسلم" :إن ال
تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
ول يتصور في دليل صحيح من السنة النبوية الشريفة يفيد التحوط للقرار
إلى الحد الذى يلقن المقر فيه الرجوع عما أقر به من التهمة الملتصقة به ،أن يجبر
بالكراه على ذلك القرار بالضغط والتعذيب ،فالحديث بجميع رواياته يفيد عدم
جواز ذلك ،وأنه إذا حدث فإن أثره ل يترتب عليه.
المرجع السابق.
رواه الحاكم فى المستدرك -باب الطلق -وقال صحيح على شرط الشيخين ،راجع :نصب الراية -جك -ص
-طبعة دار الحديث بالقاهرة.
-دار العلوم النسانية بدمشق. مختصر سنن ابن ماجة -للدكتور مصطفى البغا -ص
-56-
ثالثا :من آثار الصحابة:
ومما يدل على عدم جواز الكراه في حالة القرار المجرد من آثار الصحابة
ما يلى:
( ) ما روى عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه قال :ليس الرجل أمينا
على نفسه إذا أجعته أو ضربته أو أوثقته.
أنه قد دلّ على أن المساس بالشخص على نحو يؤلمه أو يعذبه يتنافى مع أمنه
على نفسه ،فل يصلح ما يصدر منه من القرار معه ،لنه لن يكون مختارا،
والختيار شرط لصحة القرار.
( ) وما رواه أبو دواد والنسائى عن أزهر بن عبد ال ،أن قوما سرق لهم
متاع ،فاتهموا أناسا من الحاكمة ،فأتوا النعمان بن بشير ،صاحب رسول ال-صلي
ال علي وسلم-فحبسهم أياما ثم خلى سبيلهم ،فأتوه ،فقالوا :خليت سبيلهم بغير
ضرب ول امتحان؟ ،فقال :ما شئتم ،إن شئتم أن أضربهم ،فإن خرج متاعكم فذاك،
وإل أخذت من ظهوركم مثل الذى أخذت من ظهورهم .فقالوا :هذا حكمك؟ فقال:
حكم ال وحكم رسوله.
هك ،وقد أخرجه عبد الرازق ،طبعة دار المعارف العثمانية سنة راجع :سنن البيهقى -جك -ص
-ص عن الثورى عن الشيبانى عن حنظلة عن أبيه عن عمر بن الخطاب ،راجع :مصنف عبد الرازق -جك
،طبعة ص هك .وراجع :المغنى لبن قدامة- تحقيق حبيب العظمى -طبعة بيروت سنة
هجر.
وما بعدها، ،والثر أخرجه أبو دواد ،راجع :سنن أبى دواد -جك -ص زاد المعاد -جك -ص
،مختصر سنن النسائى ،د .مصطفى طبعة الحلبى ،والنسائى ،باب امتحان السارق بالضرب والحبس ،حديث
طبعة دار العلوم النسانية بدمشق. البغا -ص
-57-
ووجه الدللة في هذا الحديث على المطلوب:
أنه قد دلّ على أن التعذيب المشروع ،هو ضرب الحدود والتعزير .وذلك إنما
يكون بعد إثبات أسبابها وتحققها ،وإذا لم توجد هذه السباب فل يجوز ضرب
النسان وتعذيبه ،يقول أبو دواد :إنما أرهبتم بهذا القول فل يجب الضرب إل بعد
العتراف.
وبما روى عن ابن شهاب أنه قال في رجل اعترف بعد إقراره :إنه ليس
لن إقراره لم يصدر عن اختيار كامل حتى يكون صالحا لن يرتب عليه حد
أثره في حق المقر.
فقد أجمع الفقهاء على أنه ل يصح القرار من المكره ،فلو ضرب رجل ليقر
بالزنى لم يجب عليه الحد ول تثبت عليه الجريمة ،وقد حكى الجماع ابن قدامة
فقال :ول نعلم خلفا في أن إقرار المكره ل يجب به حد ،كما حكاه السرخسى
الحنفى فقال :لم ينقل عن أحد من أصحابنا صحة القرار مع التهديد بالضرب أو
غيره.
-58-
خامسا :ومن المعقول:
أولها :أن القرار خبر يحتمل الصدق والكذب ،وبالكراه يترجح جانب
الكذب فيه ،فل يعتد به ول يترتب عليه أثر.
ثانيهما :أن القرار إنما يثبت المقر به لوجود الداعى إلى الصدق ،وانتقاء
التهمة عنه ،فإن العاقل ل يتهم بقصد الضرار بنفسه ،ومع القرار يغلب على
الظن أنه قصد بإقراره دفع الكراه ،فانتفى ظن الصدق عنه ،فلم يقبل.
ويبدو مما سبق أن التهمة المجردة عن القرائن التى ترجح جانب الدانة في
المتهم ل يجوز أن يمارس معها عليه ما يؤثر على صحة إقراره ،وإذا حدث ذلك،
فإن القرار يكون هدرا ،وقد قام الدليل على ذلك من الكتاب ،والسنة ،وآثار
الصحابة ،والجماع ،والمعقول ،فيكون ذلك الحكم ثابتا على نحو ل يعتريه شك أو
ارتياب.
-59-
المبحث الثالث
استبان لنا مما سبق أن الفقهاء متفقون على أن التهمة إذا كانت مجردة من
القرينة المرجحة لجانب الدانة في المتهم ،فإنه ل يجوز ممارسة أدنى قدر من
التعذيب معه ،وإذا حدث وصدر القرار تحت وطأة الضغط أو الكراه أو التعذيب،
فإنه يكون هدرا ول يعتد به ،بل ول يترتب عليه أثر من جهة الحكم بالعقوبة
المقررة أو الحكم اللزم ،أما إذا كانت التهمة مرتبطة بقرينة ترجح جانب الدانة،
فقد اختلف الفقهاء في ذلك إلى ثلثة أقوال:
ثانيها :لفقهاء الشافعية ،وحاصل قولهم :إنه يعتد بتعذيب المتهم ليصدق في
قضية اتهم فيها ويلزمه ما أقر به.
وحاشية الدسوقى وحاشية ابن عابدين على الدر المختار -جك -ص تكملة فتح القدير -جك -ص
،وتبصرة الحكام لبن فرحون -جك ،والشرح الصغير -جك -ص على الشرح الكبير -جك -ص
، ،وكتاب الم للمام الشافعى -جك -ص ،ومواهب الجليل للحطاب -جك -ص -ص
،والمغنى لبن قدامة -جك -ص ومغنى المحتاج -جك -ص والحكام السلطانية للماوردى -ص
- والمحلى لبن حزم -جك ،والحكام السلطانية لبى يعلى الفراء -ص ،والكافى -ج ك -ص
،وكتاب الخلف للطوسى -جك -ص والبحر الزخار -جك -ص ،والمختصر النافع -ص ص
.
. مغنى المحتاج -جك -ص
-60-
ثالثها :للطرابلسى وابن نجيم والحسن بن زياد من الحنفية ،وسحنون من
المالكية ،وابن تيمية وتلميذه ابن القيم من الحنابلة ،وبعض المامية ،وحاصل قولهم:
إن المتهم إذا قامت قرينة على إدانته فإنه يجوز تعذيبه ليقر بالتهمة.
استدل أصحاب القول الول لما ذهبوا إليه بالدلة التى أوردوها على عدم
جواز الكراه على القرار بالتهمة في حالة خلوها من القرائن المرجحة لجانب
الدانة فيها ،وهى من الكتاب والسنة وآثار الصحاب والجماع والمعقول من
وجوهه الثلثة ،وقد وجهوا تلك الدلة للستدلل على ما ذهبوا إليه في حالة التهام
المقترن بالقرينة .وأنه ل يجوز إكراه المتهم فيه للقرار بالتهمة فقالوا:
أولً :إن عموم تلك الدلة يشمل تحريم التعذيب للقرار بالتهمة مطلقا،
وسواء كان التهام مجردا من القرائن المرجحة له أو مقترنا بها ،حيث لم يرد ما
يخصص تلك الدلة بالتهام المجرد دون غيره ،ومع ذلك فإن قصرها عليه دون
غيره تخصيص بل مخصص وهو ل يجوز.
ثانيا :أن وجود القرينة المرجحة لجانب التهمة فيه كفاية لن يترتب عليها
حكمها .وهو جواز إيقاع التعزير بالقرينة ،لنها دليل صالح في ذاته لذلك وفقا لما
حيث يقول :إذا أقرّ والشباه والنظائر -ص الطبعة الثانية سنة معين الحكام للطرابلسى -ص
،وقد جاء فيه أن أحد -ص السارق مكرها فقد أفتى بعض المتأخرين بصحته ،والمبسوط للسرخسى -جك
المراء أرسل رسالة إلى المام الحسن بن زياد ،يسأل فيها عن ضرب السارق ليقر بالسرقة ،فقال :إذا لم يقطع اللحم
أو يبين العظم ،ثم ندم على هذه المقالة ،ثم ذهب إلى مجلس المير ليمنعه من ذلك فوجده قد ضرب السارق حتى
اعترف وجاء بالمال ،ولما رأى المال موضوعا بين يدى المير قال :ما رأيت ظلما أشبه بالحق من هذا ،وراجع:
وما بعدها -مكتبة -ص ،والفتاوى لبن تيمية -جك حاشية الدسوقى على الشرح الكبير -جك -ص
. ،مؤسسة الرسالة ،والمختصر النافع -ص ،وجك -ص ابن تيمية ،وزاد المعاد -جك -ص
-61-
ظهر من أدلة العمل بالقرينة ،ومن ثم يكون الكراه معها للحمل على العتراف
بالتهمة تزيدا ل معنى له ،حيث سيؤدى ذلك إلى أن يعاقب الشخص على الفعل
الواحد مرتين .مرة بالقرينة .ومرة أخرى بالقرار الذى أكره عليه.
ثالثا :أن التعذيب بدون سبب مشروع يعتبر عملً محرما ،ول يجوز أن
يكون ذلك العمل المحرم وسيلة لظهار الحق إذا تعين له ،فما بالنا إذا كان وسيلة
لما ل يتحقق وجه الحق فيه وهو القرار بتهمة كرها ،وربما ل يكون المقر قد
اقترفها .كما أنه خطأ ،ول يجوز أن يكون الخطأ مقدمة لما يظن فيه الصواب.
رابعا :أنه لو أبيح التعذيب للحمل على القرار بالتهمة ،لتخذه الذين ل
يكترثون بحرمة الدمى ،ول يحترمون حقوق النسان ذريعة للتخوض في تلك
الحرمات وانتهاك تلك الحقوق ،ولصبح أداة لتلفيق التهم والزج بالبرياء في أتون
السجون ،أو إيقاع الذى بهم دون أن تقوم بهم السباب الشرعية الموجبة للعقاب.
خامسا :أن حرمة عرض الدمى وبدنه ثابتة ثبوتا يقينيا ،وما ثبت بيقين ل
يزول بالشك ،والعقاب إذا جاء نتيجة إقرار غير حر ،فإنه يكون محل شك وريبة،
والمشكوك فيه ل يصلح لزالة المتيقن.
سادسا :أن الجنايات قد كثرت في عهود الصحابة ولم ينقل عنهم قط إل
الحكم بالقرار أو بالحجة أو باليمين ،أما التعذيب ،فلم يصر إليه منهم صائر ،مع
كثرة الوقوع ،وذلك يدل على أنهم فهموا من موارد الشرع ومصادره أن ل –
تعالى -سرا في تضييق سبل الكشف عن الفواحش.
هك. تحقيق أحمد الكبيسى ،طبع الرشاد ببغداد سنة شفاء الغليل -المام الغزالى -ص
-62-
أدلة أصحاب القول الثانى:
إن المدعى عليه إذا سئل عن المدعى به فسكت ولم يجب بشيئ ل إثباتا ول
نفيا ،أى لم يقل عندى أو ليس عندى ،فضرب ليصدق في القضية ويأتى بأحد
الشيئين :فمتى أجاب بشيئ ولو نفيا فإن بعض فقهاء الشافعية يرى أن إقراره
صحيح لنه حينئذ -ليس مكرها إذ المكره من أكره على شيئ واحد .وهذا إنما
ضرب ليصدق ،أى يقول الصدق من الحالين ،والصدق ليس منحصرا في
القرار.
أولهما :أن قبول إقراره حال الضرب مشكل لنه سيكون مثل المكره ،وإن
كان ليس مكرها .وقبول إقراره بعد الضرب فيه نظر –أيضا -إن غلب على
ظنه إعادة الضرب إن لم يقر .وقد صرح الذرعى الشافعى :أن الوصف الحقيقى
لذلك :أنه إكراه ،سواء أقر في حال الضرب أم بعده وعلم أنه إن لم يقر لضرب
ثانيا .وإذا كان إكراها فإنه ل يترتب عليه حكمه وفقا لما ذكره الفقهاء.
ثانيهما :أنه إذا كان الضرب إكراها في الحالتين ،وهما حالة ما إذا ضرب
ليصدق في القضية ،أو ضرب ليقر بما ادعاه خصمه ،فإنه يكون حراما بل إن
الضرب سيكون حراما حتى ولو كان ضربا خفيفا ،وإذا كان حراما فل يترتب
عليه أثره ،ومن ثم يكون هذا الرأى مردودا لذلك.
-63-
أدلة أصحاب القول الثالث:
يقول الشوكانى فى نيل الوطار :فيه دليل على جواز تعذيب من امتنع عن
تسليم شيئ يلزمه تسليمه وأنكر وجوده إذا غلب فى ظن المام كذبه – وذلك نوع
من السياسة الشرعية.
وما بعدها. ،ونيل الوطار -للشوكانى -جك -ص زاد المعاد -جك -ص
. نيل الوطار للشوكانى -جك -ص
-64-
أولها :أن فى الحديث دللة على جواز العمل بالقرينة ،وإذا كان كذلك فإنه
ل يدل على جواز التعذيب للقرار بالتهمة ،حيث كانت قد ثبتت بالقرينة وجرى
حكم تعذيبه بمقتضاها .وقد قامت الدلة على ذلك.
ثانيها :أن عبارة (فمسّه بعذاب) هذه غير ثابتة فى كل روايات الحديث ،وقد
رواه أبو دواد فى سننه ولم يوردها ،وإذا كان أمر تلك العبارة مترددا بين الثبوت
وعدمه ،فإن عدم الثبوت هو الذى يترجّح لنه هو الذى تعضده أدلة عدم جواز
تعذيب المتهم للقرار بالتهمة.
ثالثها :أن ما فعل به نوع من عقوبة شخص يعرف أن الحق عنده وقد جحده
أو منعه والفقهاء يتفقون على عقابه.
أنه قد دل على جواز تهديد المتهم بما يحمله على تسليم ما معه ،والتسليم
كالقرار وأكثر ،كما أن التهديد بالتعذيب نوع من التعذيب فيجوز استعماله مع
. راجع تبصرة الحكام لبن فرحون -مع فتح العلى المالك -جك -ص
وما بعدها. سنن أبى دواد -جك -ص
. ،والطرق الحكمية لبن القيم -ص -ص فتاوى ابن تيمية -جك
روضة خاخ :مكان بين مكة والمدينة.
،إدارة الطباعة المنيرية ،وسنن البيهقى -جك -ص -ص صحيح البخارى مع عمدة القارى -جك
وما بعدها ،المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة ،وسنن أبى دواد مع شرح عون المعبود -جك -ص
.
-65-
المتهم إذا قامت قرينة على اتهامه وذلك لحمله على العتراف كما حدث من
الظعينة.
أولها :ليس في الحديث دللة على جواز التعذيب للقرار بالتهمة .لن التهمة
كانت ثابتة على الظعينة بعلم النبى-صلي ال علي وسلم-فتدخل في باب المعجزة،
ويكون العمل فيها بالوحى وهو ل يتخلف ول يسوغ ترك العمل به أو بالقرينة
القوية الصالحة لترتيب أثرها ،ويكون العمل في تلك الحالة بالعلم النبوى أو
بالقرينة ،وليس بالكراه على القرار.
ثانيها :ما حدث من الظعينة ليس نوعا من التعذيب أو الكراه ،وإنما هو نوع
من اللزام بفعل ما هو حق ،وما كان كذلك ل يسمى تعذيبا حتى يقال إنه للتوصل
إلى القرار بالتهمة.
ثالثها :أن ما حدث مع الظعينة قد تم بناء على قيام القرينة بحملها للكتاب
والقرينة دليل صالح لترتيب الحكم كما قامت الدلة على ذلك ،وإذا كان الحديث
دليلً على العمل بالقرينة ،فإنه ل يكون دالً على جواز التعذيب لتعاضد الدلة على
تحريم ذلك.
رابعها :أن ما حدث مع الظعينة نوع من العقاب لمن عرف أن الحق عنده
ولما سئل عنه جحده ،ومعلوم أن الفقهاء مجمعون على أن من كان كذلك يعاقب
حتى يؤدى ما عليه ،وقد سبق بيان ذلك.
-66-
ثانيا :أدلتهم من المعقول:
وقد استدل أصحاب هذا القول لما ذهبوا إليه من المعقول بوجهين:
أولهما :أن الهدف من ضرب المتهم هو إيصال الحق إلى مستحقه فيجوز.
ثانيهما :انه إذا لم يجز الضرب للقرار بالتهمة في حال قيام القرائن
المرجحة لها تعذر استخلص الحقوق من المعتدين عليها ،فكانت المصلحة في
التعذيب بالضرب لنه وسيلة إلى التحصيل باليقين والقرار.
ثانيا :أن التعذيب محرم بالدلة الدالة عليه ،ول يجوز أن يكون المر المحرم
وسيلة للوصول إلى الحق ،لن الخطأ ل يوصل إلى صواب ،ول يجوز أن يتوصل
إلى ما هو مشروع بما ليس بمشروع ،ومن ثم يكون هذا القول مردودا.
-67-
القول الراجح:
ومن خلل بيان أدلة كل قول وما ورد عليها من مناقشات يستبين لنا رجحان
ما ذهب إليه رأى الجمهور القائل :بأنه ل يجوز تعذيب المتهم للقرار بالتهمة ،وهو
ما نرجحه ونطمئن إليه ،وال أعلم ،وهو سبحانه وتعالى الموفق والمعين ،والهادى
إلى سواء السبيل.
بالزهر الشريف
-68-
محتويات البحث
تقديم الجمعية ---------------------------------------
تقديم المؤلف----------------------------------------
خطة دراسة الموضوع---------------------------------.
تمهيد :التعريف بالقرار وشروطه--------------------------.
تعريف القرار لغة.
تعريف القرار اصطلحا.
أدلة اعتبار القرار فى الثبات.
شروط اعتبار القرار.
أولً :أن يكون المقر بالغا.
ثانيا :أن يكون عاقلً.
ثالثا :أن يكون مختارا.
المبحث الول
أقوال الفقهاء فى تعذيب المتهم للقرار بالتهمة-------------------
المطلب الول :النقول الفقهية فى الموضوع--------------------.
() فى المذهب الحنفى.
() وفى المذهب الملكى.
() وفى المذهب الشافعى.
() وفى المذهب الحنبلى.
() وفى المذهب الظاهرى.
() وفى فقه المامية.
() وفى فقه الزيدية.
المطلب الثانى :تحرير محل النزاع-------------------------.
أولً :التهام المجرد.
-69-
ثانيا :التهام المبنى على قرينة.
تعريف القرينة لغة واصطلحا.
دللة القرينة على الحكم.
آراء الفقهاء فى حجية العمل بالقرينة.
أدلة أصحاب القول الول.
أولً :من الكتاب.
ثانيا :من السنة النبوية.
ثالثا :من آثار الصحابة والتابعين.
رابعا :من الجماع.
خامسا :من المعقول.
أدلة القول الثانى:
أولً :من الكتاب.
ثانيا :ومن السنة.
ثالثا :ومن المعقول.
الرأى الراجح فى الموضوع.
مضمون القرينة فى القرار بالتهمة.
طبيعة العقاب الناشئ عن القرينة.
شبهة وردها.
توجيه رأى عمر بن الخطاب والمالكية.
أولً :توجيه رأى عمر بن الخطاب.
ثانيا :توجيه رأى المالكية.
العقاب بالتهمة فى الموال وأدلة جوازه.
() من السنة النبوية.
() من الجماع.
-70-
() من المعقول.
المبحث الثاني
اتفاق الفقهاء على حكم التهام المجرد وأدلتهم-------------------
أولً :من الكتاب.
ثانيا :من السنة.
ثالثا :من آثار الصحابة.
رابعا :من الجماع.
خامسا :ومن المعقول.
خلصة هذه الدلة.
المبحث الثالث
اختلف الفقهاء فى التهام المرتبط بالقرينة وأدلة كل قول------------
أدلة أصحاب القول الول.
أدلة أصحاب القول الثانى.
مناقشة ما استدل به أصحاب القول الثانى.
أدلة أصحاب القول الثالث.
أولً :من السنة.
رد هذا الستدلل.
ثانيا :أدلتهم من المعقول.
مناقشة هذا الستدلل
-71-