You are on page 1of 71

‫حكم التعذيب للقرار‬

‫بالتهمة‬
‫دراسة مقارنة فى الفقه السلمي‬
‫تأليف‬
‫دكتور ‪/‬عبد ال مبروك النجار‬
‫الستاذ بكلية الشريعة و القانون‬
‫وعضو مجمع البحوث السلمية‬
‫المحامي بالنقض‬
‫تقديم‬
‫محمد على زارع المحامي‬
‫رئيس مجلس إدارة‬
‫جمعية حقوق النسان لمساعدة السجناء‬

‫جمعية حقوق النسان لمساعدة السجناء‬


‫‪The Human Rights Association for the‬‬

‫‪)Assistance of Prisoners (HRAAP‬‬

‫‪-2-‬‬
-3-
-4-
-5-
‫حكم التعذيب للقرار بالتهمة‬
‫دراسة مقارنة فى الفقه السلمي‬
‫تأليف ‪ :‬دكتور عبد ال مبروك النجار‬
‫تقديم ‪ :‬محمد زارع المحامي‬

‫رقم اليداع ‪/ :‬‬

‫‪-6-‬‬
‫الناشر ‪ :‬جمعية حقوق النسان لمساعدة السجناء‬

‫نسخة غير مخصصة للبيع‬

‫تليفون ‪)00202( 7121656:‬‬ ‫‪ 9‬ش الحرية من ترعة السواحل ‪ -‬أرض عزيز عزت ‪ -‬امبابة ‪ -‬جيزة ‪ -‬مصر‬
‫فاكس‪ 7127077 :‬موبايل ‪0106114621 :‬‬
‫‪Website: www.hrcap.org‬‬ ‫‪Email: hrcap@hrcap.org /‬‬

‫‪-7-‬‬
‫تقديم‬
‫الستاذ محمد زارع رئيس مجلس إدارة الجمعية‬

‫خلل عام وفكى ضوء انتشار ظاهرة التعذيكب داخكل اقتسكام الشرطكة وأماككن‬
‫الحتجاز الخرى وعلى هامش الحملة التى أطلقتها الجمعية ضد التعذيب فى مصر‬
‫ابتداء من ينا ير ‪ ،‬أ صدرت الجمع ية درا سة بعنوان " التعذ يب فى م صر ‪-‬حقي قة‬
‫قضائية " حيث رصدت الجمعية ومن خلل هذه الدراسة حالة تعذيب مختلفة موثقة‬
‫بأحكام قضائيكة صكادرة بالتعويكض عكن وقائع التعذيكب المشار إليهكا وحرصكا مكن‬
‫الجمعية على تناول هذه القضية بشكل موضوعي ‪ ،‬قامت بتوزيع هذه الدراسة على‬
‫المئات من ضباط الشر طة ورجال النيا بة ورجال القضاء ‪ ،‬و فى بادرة إيجاب ية من‬
‫قبل وزارة الداخلية تلقت الجمعية ردا منها بخصوص هذه الدراسة ‪ ،‬وبغض النظر‬
‫عن تقييم هذا الرد ال انه وفى حد ذاته يعد موقف إيجابيا من الدولة بشكل عام او‬
‫من وزارة الداخلية على وجه الخصوص فى سبيل القضاء على هذه الظاهرة ‪.‬‬

‫ويرجكع تفشكى ظاهرة التعذيكب للعديكد مكن السكباب منهكا افتقارنكا للتشريكع الرادع‬
‫لمرتكبي مثل هذه الجرائم فضل عن جهل المواطنين بحقوقهم الساسية التى أكدها‬
‫الد ستور والقانون الداخلي فضل عن العد يد من المواث يق الدول ية هذا الج هل الذى‬
‫يؤدي الى ن مو هذه الظاهرة وانتشار ها دا خل أق سام الشر طة وأما كن الحتجاز ‪ ،‬لذا‬
‫فان مواجهكة هذه الظاهرة يجكب ان تنظكر الى هذه السكباب والسكباب الخرى‬
‫والع مل على سد الق صور الوارد في ها وعلى و جه الخ صوص زيادة الو عي بالثقا فة‬
‫الحقوقية وخاصة البعد الديني منها والذي يؤكد على كرامة النسان واحترامه ‪.‬‬
‫ويأتي حديثنا عن أهمية الدور الديني فى مواجهة انتشار ظاهرة التعذيب اثر واقعة‬
‫غريبة وقعت مع الستاذ أيهاب سلم المحامي بالجمعية وتتمثل فى اتصال تليفوني‬
‫تلقاه من أحد الضباط من محافظة قنا ‪ ,‬وكان متهما فى قضية تعذيب مواطن بان قام‬

‫‪-8-‬‬
‫بإلقاء الماء الساخن على جسده وتعذيبه بالضرب لدفعه على العتراف بارتكاب‬
‫جريمة سرقة ‪ ,‬والغريب فى المر ليس اتصال فى حد ذاته خاصة بعد قيام الجمعية‬
‫بتقديم بلغ إلى النيابة ‪-‬بخصوص جريمة التعذيب المشار إليها‪ -‬ولكن الغريب فى‬
‫المر هو عدم إنكار الضابط فى مكالمته التليفونية لواقعة التعذيب بل اقرها دون‬
‫تردد وما زاد المر غرابة هو تصريح الضابط لمحامى الجمعية بأنه غير نادم‬
‫بالمرة عما اقترفه ( سلخ جلد المجني عليه وتقيده وضربه ) وانه ازداد اطمئنانا بعد‬
‫ان اجري مقابلة مع أحد الشيوخ والذي آفتي له بشرعية ما اقترفه من تعذيب‬
‫لجبار المتهم على العتراف إذا كان متأكدا من ارتكابه للجريمة واستنادا على أحد‬
‫الحاديث النبوية الشريفة ! وبالرغم من تأكدنا من براءة الرسول (صلي ال عليه‬
‫وسلم ) أو السلم أو أي دين سماوي من مثل هذه الجرائم إل ان هذا الموقف كان‬
‫دافعا لنا لتأكيد نهى السلم والشريعة السلمية من هذه التهمة ومن خلل دراسة‬
‫تؤكد هذا المعنى وان يعدها شخصية قانونية وفقهيه مثل الدكتور عبد ال النجار‬
‫الستاذ بكلية الشريعة و القانون وعضو مجمع البحوث السلمية والمحامي بالنقض‬
‫والذي بذل جهدا مشكورا فى إعداد هذه الدراسة ويجب ان نؤكد أن الجمعية تشعر‬
‫بامتنان شديد على التعاون مع هذه الشخصية الفاضلة من اجل خروج هذا العمل‬
‫والذي نعتبره أضافه هامة للمكتبة المصرية والعربية وبل السلمية والدولية للتأكيد‬
‫على احترام الدين السلمي لكرامة النسان ونهيه على ما قد ينالها من اعتداء ‪.‬‬
‫محمد زارع رئيس مجلس إدارة الجمعية‬

‫‪-9-‬‬
‫( تقديـــم )‬
‫الحمد ل وحده والصلة والسلم على من ل نبى بعده سيدنا ونبينا محمد بن‬
‫عبد ال الرحمة المهداة‪ ،‬والنعمة المسداة‪ ،‬وعلى آله وأصحابه ومن سار على منوال‬
‫شريعته واتبع منهاج دينه إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وبعد‪،،،‬‬
‫فهذا بحث موجز في موضوع (حكم التعذيب للقرار بالتهمة – دراسة مقارنة‬
‫في الفقه السلمي)‪ ،‬يتضمن دراسة هذا الموضوع في ضوء أحكام الفقه المقارن‪،‬‬
‫قصدا لتجلية حكمه‪ ،‬وبيان الوصف الشرعى الصحيح له والرأى الفقهى الراجح فيه‪،‬‬
‫وذلك في إطار عرض موضوعى متجرد للراء التى قيلت فيه مقرونة بأدلتها‪ ،‬مع‬
‫المناقشة الفقهية لتلك الدلة بأسلوب محايد يتوخى الوصول إلى الحق وفقا لقوة‬
‫الدليل وصحة الستدلل به دون أى أمر آخر‪.‬‬
‫ول شك لدينا أن هذا الموضوع يقتضى مثل ذلك التمحيص‪ ،‬كما يقتضى حيدة‬
‫التناول حتى يتسنى إزالة الخلط الذى شاب حكمه بسبب الفهم المتباين للدلة‬
‫الشرعية المتعلقة به‪ ،‬وحيدة التناول وإن كانت أساسا في إعداد أى بحث علمى‬
‫يعتريه من اختلف القوال ما يعترى هذا الموضوع‪ ،‬إل أنه مع تلك الهمية العامة‬
‫يبقى ذو أهمية خاصة من جهة أن تعذيب المتهم قصدا للحصول على إقراره بما‬
‫يوجه إليه من اتهام يعد عملً مجافيا لحقوق النسان وهو في حالة ضعف تقتضى‬
‫التعاطف معه وأقل ما تقتضيه تلك الحقوق أن يتاح له القدر الكافى من الختيار فيما‬

‫‪-10-‬‬
‫يقر به على نفسه من تهمة قد تكون حياته أو حريته أو عرضه أو ماله ثمنا لها‪،‬‬
‫سيما وأن التهام وضع طارئ واستثناء على البراءة الصلية الثابتة يقينا لكل‬
‫إنسان‪ ،‬وبمقتضاها يكون أبيض الصفحة نقى السريرة برئ الساحة‪ ،‬ول يستساغ من‬
‫تلك البراءة الصلية الثابتة بيقين أن يرمى صاحبها بالتهام رميا ثم يحمل على‬
‫القرار به بالضرب والتعذيب‪ ،‬إن مثل ذلك التوجه –فضلً عن مجافاته للصول‬
‫المقررة‪ -‬ينطوى على إساءة بالغة للجهة التى تقره‪ ،‬وللتشريع الذى يبيحه‪ ،‬وذلك‬
‫بعد أن عمت البلوى به‪ ،‬وأصبح سمة أساسية في النظمة الشمولية التى ل تحترم‬
‫القيم النسانية‪ ،‬ول تكترث بالحكام الشرعية أو المبادئ القانونية‪ ،‬وذلك كله من‬
‫شأنه أن يلقى ظللً كثيفة من الشك والرتياب حول القول بتقريره دون سند شرعى‬
‫كاف‪ ،‬أو دون فهم صحيح للدلة التى يستند لها‪ ،‬حتى ل نسيئ إلى السلم ونحن‬
‫نظن أننا نردد أحكامه‪ ،‬وننشر مبادءه‪ .‬وال من وراء القصد‪ .‬وهو ‪-‬سبحانه‪-‬‬
‫الموفق والمعين‪.‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبد ال مبروك النجار‬

‫‪-11-‬‬
‫خطة دراسة الموضوع‪:‬‬

‫وسوف نتناول دارسة الموضوع وفق الخطة التية ‪:‬‬

‫تمهيد‪ :‬يتضمن التعريف بالقرار كوسيلة من وسائل الثبات وشروطه‪.‬‬

‫المبحث الول‪ :‬أقوال الفقهاء في تعذيب المتهم للقرار بالتهمة‪ .‬وفيه مطلبان‪:‬‬

‫المطلب الول‪ :‬النقول الفقهية في الموضوع‪.‬‬

‫المطلب الثانى‪ :‬تحديد محل النزاع‪.‬‬

‫المبحث الثانى‪ :‬محل التفاق في التهمة المجردة وأدلته‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬اختلف الفقهاء في التهام المرتبط بالقرينة وأدلة كل قول‬


‫وبيان الرأى الراجح‪.‬‬

‫هذا وبال التوفيق‬

‫‪-12-‬‬
‫تمهـــيد‬

‫التعريف بالقرار وشروطه‬

‫القرار هو أحد وسائل الثبات‪ ،‬بل هو من أهم تلك الوسائل‪ ،‬لنه وإن كان‬
‫خبرا يحتمل الصدق والكذب إل أن الصدق فيه راجح‪ ،‬لن النسان محب لنفسه‬
‫بطبعه حريص على حقوقه‪ ،‬وهو مع ذلك الحب وهذا الحرص يستبعد أن يقر للغير‬
‫بأمر يجافيهما‪ ،‬وهو ما للغير من حقوق قبله‪ ،‬إذ من شأن ذلك أن يسلبه ما يحبه‬
‫ويأخذ منه ما ينافى طبعه من الحرص والثرة‪ ،‬فالنسان قد يتهم في حق غيره ما‬
‫ل يتهم في حق نفسه‪ ،‬لن العاقل ل يكذب على نفسه كذبا يضر بها‪.‬‬

‫والقرار لغة‪ :‬مصدر للفعل أقر‪ ،‬ومعناه الثبوت والتمكن والمضاء ومنه‬
‫القارورة التى تستقر فيها السوائل وتحفظ‪ .‬والقرار معناه ‪-‬كذلك‪ -‬العتراف‪.‬‬

‫وفى هذا المعنى اللغوى يقول أبو الفضل مجد الدين الموصلى الحنفى‪:‬‬

‫وهو في الصل‪ :‬التسكين والثبات‪ ،‬والقرار السكون والثبات يقال قر فلن‬


‫بالمنزل إذا سكن وثبت وقررت عنده كذا‪ ،‬أى أثبته عنده‪ .‬وقرار الوادى مطمئنه‬
‫الذى يثبت فيه الماء‪ .‬ويقال استقر المر على كذا‪ ،‬أى ثبت عليه‪ ،‬وسميت أيام منى‬
‫أيام القر‪ ،‬لنهم يثبتون بها ويسكنون عن سفرهم وحركتهم هذه اليام ومنه الدعاء‪:‬‬
‫أقر ال عينه إذا أعطاه ما يكفيه فسكنت نفسه ل تطمع إلى شيئ آخر‪.‬‬

‫وفى اصطلح الفقهاء‪:‬‬

‫حاشية قرة عيون الخيار تكملة رد المحتار على الدر المختار لنجل ابن عابدين –محمد علء الدين‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬طبعة هجر‪ ،‬تحقيق الدكتورين‬ ‫‪ .‬طبعة الحلبى‪ ،‬والمغنى لبن قدامة‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪ -‬الطبعة الثالثة‬
‫‪ ،‬طبعة المكتب السلمى‪.‬‬ ‫عبد ال التركى وعبد الفتاح الحلو‪ ،‬والكافى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫وما بعدها‪ -‬طبعة دار الفكر‪.‬‬ ‫‪ ،‬طبعة وزارة التربية والتعليم‪ ،‬مختار الصحاح‪ -‬ص‬ ‫المعجم الوجيز‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬طبعة المعاهد الزهرية سنة‬ ‫الختيار لتعليل المختار‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-13-‬‬
‫عرفه الحنفية‪ :‬بأنه إخبار بحق عليه للغير ‪ ،‬أو هو اعتراف صادر من المقر‬
‫يظهر به حق ثابت فيسكن قلب المقر له إلى ذلك‪.‬‬

‫وعرفه المالكية‪ :‬بأنه العتراف بما يوجب حقا على قائله ‪ .‬أو هو خبر‬
‫يوجب حكما قاصرا على قائلة‪.‬‬

‫وعرفه الشافعية‪ :‬بأنه إخبار بحق ثابت على المخبر‪.‬‬

‫وعرفه الحنابلة‪ :‬بأنه اعتراف المكلف بما عليه من الحق لفظا أو كتابة أو‬
‫إشارة من أخرس‪ ،‬أو على موكله أو موليه بما يمكن إنشاؤه لهما أو على مورث بما‬
‫يمكن صدقه‪.‬‬

‫وعند الشيعة‪ :‬عرفه صاحب البحر الزخار بأنه‪ :‬العتراف بحق مالى أو‬
‫ومن خلل هذه التعريفات يتبين لنا أنها وإن اختلفت في معناها إل أنها‬ ‫غيره‬
‫متفقة فيما بينها على ما يلى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬أن القرار اعتراف من المقر بما عليه من حقوق للغير‪ ،‬وأن ذلك‬
‫القرار لبد أن يصدر ممن هو أهل له‪ ،‬وأن ل يقع من العوارض ما يكذبه فيما أقر‬
‫به‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن ذلك القرار إذا صدر من أهله وسلم من القوادح والموانع المؤثرة‬
‫في قبوله‪ ،‬فإنه يترتب عليه حكمه وهو إلزام المقر بما أقر به والحكم عليه بمقتضاه‪.‬‬

‫وما بعدها‪.‬‬ ‫حاشية قرة عيون الخيار‪ -‬السابق‪ -‬ص‬


‫‪.‬‬ ‫الختيار لتعليل المختار‪ -‬السابق‪ ،‬والفتاوى الهندية‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫الشرح الصغير على أقرب المسالك‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪ -‬طبعة فيصل الحلبى‪.‬‬ ‫حاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫‪ -‬طبعة الحلبى سنة‬ ‫مغنى المحتاج للشربينى الخطيب‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫وما بعدها‪ -‬مكتبة النصر الحديثة بالرياض‪.‬‬ ‫كشاف القناع عن متن القناع‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫البحر الزخار‪ -‬جك ‪ -‬ص ‪.‬‬

‫‪-14-‬‬
‫أدلة اعتبار القرار في الثبات‪:‬‬

‫وقد قامت الدلة على اعتبار القرار في الثبات من الكتاب والسنة والجماع‬
‫والمعقول‪:‬‬

‫أما الكتاب‪:‬‬
‫فبقوله ‪-‬تعالى‪( -‬وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) إلى قوله تعالى‪( :‬قال‬
‫ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا) ‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫(وءاخرون اعترفوا بذنوبهم) ‪ ،‬وقوله تعالى‪( :‬ألست بربكم قالوا‬
‫بلى) ‪ ،‬وغير ذلك من اليات الكثيرة‪.‬‬

‫وهى تدل على اعتبار القرار في إثبات المقر به‪ ،‬حيث وردت في سياق‬
‫الستفهام التقريرى الذى يفيد التقرير والثبات‪ ،‬وفى هذا دللة على أن القرار قد‬
‫وضع للدللة على هذا‪.‬‬

‫ومن ذلك قول ال تعالى‪( :‬وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه‬
‫ول يبخس منه شيئاً) فقد دل هذا القول الكريم‪ ،‬على طلب إقرار من عليه‬
‫الحق بما عليه‪ ،‬ونهاه عن كتمان شيئ منه‪ ،‬وهذا يدل على أن القرار حجة‪.‬‬

‫ومن ذلك قول ال تعالى‪( :‬يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين‬
‫بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) حيث أمرنا ال تعالى بأن نكون‬
‫قوامين له بالقسط ولو بشهادة على أنفسنا‪ ،‬والشهادة على النفس هى القرار فدل‬
‫ذلك على مشروعيته‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫سورة آل عمران‪ -‬آية‬


‫‪.‬‬ ‫سورة التوبة‪ -‬آية‬
‫‪.‬‬ ‫سورة العراف‪ -‬آية‬
‫‪.‬‬ ‫سورة البقرة‪ -‬من الية‬
‫‪.‬‬ ‫سورة النساء‪ -‬من الية‬

‫‪-15-‬‬
‫ومن ذلك قول ال تعالى‪( :‬بل النسان على نفسه بصيرة) أى‬
‫شاهدة كما قال ابن عباس وغيره‪ ،‬والشهادة على النفس هى القرار‪ ،‬وفى هذا يقول‬
‫المام القرطبى‪ :‬إن فيها دليلً على قبول إقرار المرء على نفسه‪.‬‬

‫وأما السنة‪:‬‬

‫فمنها ما روى أن ماعزا أقر بالزنا فرجمه النبى صلي ال عليه وسلم ‪ .‬وفى‬
‫هذا دللة على اعتبار القرار وأنه حجة في الثبات‪.‬‬

‫ومنها ما روى في قضية العسيف وفيها يقول النبى‪-‬صلي ال علي‬


‫وسلم‪"-‬واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ‪ ،‬فقد رتب النبى‪-‬صلي‬
‫ال علي وسلم‪-‬وجوب الحد بالقرار واعتراف من وقع منه الجرم‪ ،‬وفى هذا دللة‬
‫على اعتباره‪.‬‬

‫وأما الجماع‪:‬‬

‫فقد أجمع العلماء على أن القرار حجة وأنه وسيلة ومن وسائل الثبات‪ ،‬ولم‬
‫يخالف في ذلك أحد من لدن رسول ال‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬إلى يومنا هذا‪ ،‬وقد‬

‫‪.‬‬ ‫سورة القيامة‪ -‬الية‬


‫‪ -‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬ ‫‪-‬ص‬ ‫تفسير القرطبى‪ -‬جك‬
‫وما بعدها‪ ،‬سبل السلم للصنعانى‪ ،‬جك ‪ ،‬ص ‪.‬‬ ‫نيل الوطار للشوكانى‪ ،‬جك ‪ -‬ص‬
‫وما بعدها‪ :‬وتمام القصة كما‬ ‫‪ -‬سبل السلم للصنعانى‪ -‬جك ‪ ،‬ص‬ ‫نيل الوطار للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫روى عن أبى هريرة أن رجلً من العراب أتى رسول ال صلي ال عليه وسلم فقال يا رسول ال‪ :‬أنشدك ال أل‬
‫قضيت لى بكتاب ال فقال الخصم الخر وهو أفقه منه‪ :‬نعم فاقض بيننا بكتاب ال وائذن لي‪ ،‬فقال‪ :‬رسول ال صلي‬
‫ال عليه وسلم قل‪ :‬قال‪ :‬إن ابنى هذا كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وإنى أخبرت أن على ابنى الرجم فاقتديت‬
‫منه بمائة شاة ووليدة‪ ،‬فسألت أهل العلم فأخبرونى أن على ابنى جلد مائة وتغريب عام‪ ،‬وأن على امرأة هذا الرجم‪،‬‬
‫فقا رسول ال صلي ال عليه وسلم والذى نفسى بيده لقضين بينكما بكتاب ال‪ ،‬الوليدة والغنم رد‪ ،‬وعلى ابنك جلد‬
‫مائة وتغريب عام‪ ،‬واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها‪ ،‬قال‪ :‬فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول ال‬
‫وما بعدها‪،‬‬ ‫‪-‬ص‬ ‫صلي ال عليه وسلم فرجمت"‪ ،‬رواه الجماعة‪ ،‬وراجع‪ :‬صحيح مسلم بشرح النووى‪ ،‬جك‬
‫طبعة المكتبة المصرية ومطبعتها‪ .‬نيل الوطار‪ ،‬السابق‪ ،‬وسبل السلم‪ -‬السابق‪.‬‬

‫‪-16-‬‬
‫حكى الجماع المام قاضى زاده في نتائج الفكار والمام الموصلى من الحنفية‬
‫في الختيار‪ ،‬والمام ابن قدامة في المغنى وغيرهم‪.‬‬

‫وأما المعقول‪:‬‬

‫فإنه يدل على مشروعيته‪ ،‬لن القرار إخبار على وجه ينفى عنه التهمة‬
‫والريبة فإن العاقل ل يكذب على نفسه كذبا يضر بها‪ ،‬ولهذا كان آكد من الشهادة‪،‬‬
‫فإن المدعى عليه إذا اعترف ل تسمع عليه الشهادة‪ ،‬وإنما تسمع إذا أنكر‪ ،‬ولو كذب‬
‫المدعى ببينة لم تسمع؛ وإن كذب المقر ثم صدقه سمع ‪ ،‬وفى هذا يقول العز بن‬
‫عبد السلم‪ :‬القرار مقدم على البينة لن الظن المستفاد منه أقوى من الظن المستفاد‬
‫من شهادة الشاهد‪ ،‬لن وازع المقر عن الكذب طبعى ووازع الشاهد شرعى‪،‬‬
‫والوازع الطبعى أقوى من الوازع الشرعى ‪ .‬وفى هذا من المعقول ما يدل على‬
‫حجية القرار‪.‬‬

‫شروط اعتبار القرار‪:‬‬

‫وقد قرر العلماء أن للقرار شروطا يجب أن تتوافر حتى يعتد به‪ ،‬ويرتب‬
‫حكمه في الحتجاج على من نطق به وهذه الشروط تتمثل في‪:‬‬

‫أولً‪ :‬أن يكون المقر بالغا عاقلً‪:‬‬

‫فإذا كان المقر بالغا صح إقراره بل خلف بين أهل العلم إذا توافرت شروط‬
‫صحة القرار‪ ،‬وإذا لم يكن بالغا فإنه ل يعتد بإقراره‪ ،‬وإن كان بعض الفقهاء‬
‫يفرقون بين الصبى المميز وغير المميز‪ ،‬وفى حالة المميز يفرقون بين القرار بما‬
‫يوجب عقوبة بدنية أو حقا ماليا‪ ،‬فإذا كان المقر به يوجب عقوبة بدنية كما لو أقر‬
‫‪،‬‬ ‫تكملة فتح القدير‪ ،‬المسماة نتائج الفكار فى كشف الرموز والسرار لشمس الدين قاضى زاده‪ ،‬جك ‪،‬‬
‫طبعة الحلبى‪ ،‬الختيار لتعليل المختار‪ ،‬السابق‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫المغنى لبن قدامة‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‬
‫المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ -‬طبعة دار الجيل‪ -‬بيروت‪.‬‬ ‫قواعد الحكام فى مصالح النام للعز بن عبد السلم‪ ،‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-17-‬‬
‫بقتل أو سرقة فل يعتد بإقراره باتفاق الفقهاء ‪ ،‬وإن كان المقر يوجب حقا ماليا‪،‬‬
‫فإنه يؤخذ بإقراره فيما أذن له بالتصرف فيه كالتجارة ونحوها‪ ،‬وذلك لقوله تعالى‪:‬‬
‫(وابتلوا اليتامى) والبتلء ل يكون إل بالتصرف‪ ،‬ومن ثم فإنه ل يصح إقراره‬
‫إذا لم يكن مأذونا له ول في غير ما أذن له فيه ‪.‬‬

‫ودليل هذا الشرط ما رواه عليه الصلة والسلم قال‪" :‬رفع القلم عن ثلثة عن‬
‫الصبى حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ" ‪ ،‬فقد دل هذا‬
‫الحديث الشريف على أن الصبى قبل البلوغ مرفوع عنه القلم‪ ،‬فل يكون مكلفا ومن‬
‫ثم ل يعتد بإقراره‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن يكون المقر عاقلً‪:‬‬

‫ويشترط أن يكون المقر عاقلً‪ ،‬لنه لو لم يكن كذلك لكان مجنونا والمجنون‬
‫ل يؤخذ بإقراره‪ ،‬للحديث السابق كما يشترط أن يكون رشيدا غير متهم في‬
‫إقراره‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أن يكون المقر مختارا‪:‬‬

‫والختيار يعنى أن يكون المقر حر الرادة فيما يقر به بحيث ل يقع على‬
‫إرادته ضغط يؤثر في مطابقة إقراره لحقيقة حاله‪ ،‬فإذا لم يكن حرا في إرادته‪ ،‬بأن‬
‫كان مكرها في إقراره‪ ،‬فإنه ل يعتد به‪ ،‬وذلك ما أجمع عليه أهل العلم‪ ،‬وفى هذا‬

‫وما بعدها‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‬


‫وما بعدها‪ ،‬وقارن ما ذهب إليه الشافعية‬ ‫‪ ،‬وتكملة حاشية ابن عابدين‪ -‬السابق ص‬ ‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‬
‫‪ ،‬والشرح الكبير وحاشية الدسوقى‬ ‫والمالكية من (بطلن إقرار الصبى مطلقا)‪ ،‬مغنى المحتاج‪ -‬جك ‪ ،‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬جك ‪ ،‬ص‬
‫‪ ،‬وصححه اللبانى فى إرواء‬ ‫رقم‬ ‫‪ ،‬وأبو دواد فى السنن‪ -‬جك‬ ‫اخرجه أحمد فى مسنده‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫رقم‬ ‫‪ ،‬وراجع الجامع الصغير‪ -‬جك‬ ‫الغليل‪ -‬رقم‬
‫‪ -‬تكملة حاشية ابن عابدين‪ -‬السابق‪ ،‬مغنى‬ ‫راجع فى تفصيل ذلك‪ :‬الختيار لتعليل المختار‪ -‬السابق‪ -‬ص‬
‫المحتاج‪ -‬السابق‪ ،‬وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪ -‬السابق‪ ،‬والشرح الصغير‪ -‬السابق‪.‬‬

‫‪-18-‬‬
‫يقول ابن قدامة في المغنى‪ :‬ول يصح القرار إل من عاقل مختار ل نعلم في هذا‬
‫خلفا‪.‬‬

‫والكراه هو الضغط على إرادة المقر بما يخيفه‪ ،‬ومنه الذى المادى مثل‬
‫ضربه أو تعذيبه‪ ،‬فإن التعذيب يعتبر من ضمن الوسائل التى يتحقق بها الكراه‬
‫ولذلك فإنه يندرج تحت هذا الشرط ويبطل القرار به‪ ،‬بيد أن ذلك الحكم يحتاج إلى‬
‫تفصيل أوفى نستكمله في المباحث التالية‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫المغنى لبن قدامة‪ -‬السابق ص‬

‫‪-19-‬‬
‫المبحث الول‬

‫أقوال الفقهاء في تعذيب المتهم للقرار بالتهمة‬

‫المطلب الول‬

‫النقول الفقهية في الموضوع‬

‫وسوف نقوم في هذا المطلب بجمع ما قاله فقهاء المذاهب المختلفة في تعذيب‬
‫المتهم للقرار بالتهمة وذلك حتى يتسنى لنا استجلء الراء الفقهية في هذا‬
‫الموضوع‪ .‬وذلك كالتالى‪:‬‬

‫‪ -1‬في المذهب الحنفى‪:‬‬

‫يقول شمس الدين قاضى زاده‪ :‬وإذا أقر الحر البالغ العاقل بحق مكرها فإنه‬
‫ل يلزمه ‪ ،‬فكان لبد من اشتراط الطائع لصحة القرار‪ ،‬ول يقال إن تركه جائز‬
‫اعتمادا على ظهور كون الطوع والرضا من شروط صحة القرار‪.‬‬

‫وجاء في حاشية ابن عابد بن على الدر المختار‪( :‬ول يصح القرار مكرها‪،‬‬
‫وإنما لم يصح إقراره مكرها لقيام دليل الكذب‪ ،‬وهو الكراه‪ ،‬والقرار إخبار يحتمل‬
‫الصدق والكذب فيجوز تخلف مدلوله الوضعى عنه)‪.‬‬

‫وقد نصت المادة () من كتاب مرشد الحيران‪ ،‬على أنه‪" :‬ل يصح القرار‬
‫بالكراه‪ ،‬فمن أكره إكراها معتبرا على القرار‪ ،‬وعلم بدللة الحال أنه إن لم يقر‬
‫بما أكره عليه يوقع به المكره ما هدده به من إتلف أو حبس أو ضرب وهو قادر‬

‫‪.‬‬ ‫تكملة فتح القدير‪ -‬السابق‪ -‬ص‬


‫المرجع نفسه‪.‬‬
‫وكشف السرار على أصول البزدوى جك ‪ -‬ص‬ ‫تكملة حاشية ابن عابدين على الدر المختار‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬

‫‪-20-‬‬
‫على إيقاعه فأقر خائفا من وقوع ذلك‪ ،‬فل يعتبر إقراره ول يلزمه شيئ مما أقر‬
‫به"‪.‬‬

‫وجاء في معين الحكام للطرابلسى الحنفى‪" :‬الفصل الثالث في الدعاوى بالتهم‬


‫والعدوان والمدعى عليه ينقسم إلى ثلثة أقسام‪:‬‬

‫القسم الول‪ :‬أن يكون المدعى بريئا ليس من أهل التهمة فهذا النوع ل تجوز‬
‫عقوبته اتفاقا‪.‬‬

‫القسم الثانى‪ :‬وهو المتهم بالفجور كالسرقة وقطع الطريق والقتل والزنا‪،‬‬
‫وهذا القسم لبد أن يكشفوا ويستقصى عليهم بقدر تهمتهم وشهرتهم بذلك وربما كان‬
‫بالضرب والحبس‪ .‬وبالضرب دون الحبس على قدر ما اشتهر عنهم‪ .‬قال ابن قيم‬
‫الجوزية الحنبلى‪ :‬ما علمت أحدا من أئمة المسلمين يقول إن هذا المدعى عليه بهذه‬
‫الدعاوى وما أشبهها يحلف ويرسل بل حبس ول غيره‪ ،‬وليس تحليفه وإرساله‬
‫مذهبا لحد من الئمة الربعة ول غيرهم‪ ،‬ولو حلفنا كل واحد منهم وأطلقناه وخلينا‬
‫سبيله مع العلم باشتهاره بالفساد في الرض وكثرة سرقاته‪ ،‬وقلنا‪ :‬إنا ل نؤاخذه إل‬
‫بشاهدى عدل‪ ،‬كان ذلك الفعل مخالفا للسياسة الشرعية‪ ،‬ومن ظن أن الشرع تحليفه‬
‫وإرساله فقد غلط غلطا فاحشا لنصوص رسول ال‪-‬صلي ال علي وسلم‪ -‬ولجماع‬
‫الئمة‪ ،‬ولجل هذا الغلط الفاحش تجرأ الولة على مخالفة الشرع‪ ،‬وتوهموا أن‬
‫السياسة الشرعية قاصرة عن سياسة الخلق ومصلحة المة‪ ،‬فتعدوا حدود ال‪،‬‬
‫وخرجوا عن الشرع إلى أنواع من الظلم والبدع في السياسة على وجه ل يجوز‪،‬‬
‫ونسب ذلك إلى الجهل بالشريعة وقد صح عن النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪ -‬أن من‬
‫تمسك بالكتاب والسنة لن يضل‪ ،‬وقد تقدم في أول الباب من أفعال رسول ال‪-‬صلي‬

‫مرشد الحيران‪ -‬ص ‪ -‬مادة ‪.‬‬

‫‪-21-‬‬
‫ال علي وسلم‪ -‬ما يدل على عقوبة المتهم وحبسه‪ ،‬واعلم أن هذا النوع من المتهمين‬
‫يجوز ضربه وحبسه لما قام على ذلك من الدليل الشرعى‪.‬‬

‫وجاء في المقدمة السلطانية‪" :‬وإن ضربه ليقر لم يكن لقراره تحت الضرب‬
‫حكم"‪.‬‬

‫(‪ )2‬وفى المذهب المالكى‪:‬‬

‫ورد فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪" :‬ول يؤاخذ المكلف بإقراره إذا‬
‫اكره عليه لنه حال الكراه غير مكلف"‪ ،‬ويقول فى باب أحكام السرقة‪" :‬وإذا أكره‬
‫على القرار من حاكم أو غيره ولو بسجن أو قيد فل يلزمه شيئ متهما أم ل عند‬
‫ابن القاسم‪ ،‬ولو أخرج السرقة‪ ،‬لحتمال وصول اسم المسروق إليه من غيره‪،‬‬
‫أوعيّن القتيل الذى أكره على القرار بقتله فأقر وأخرجه كما فى النقل‪ ،‬لحتمال أن‬
‫غيره قتله‪ ،‬فل يقطع ول يقتل إل أن يقر بعد الكراه آمنا كما فى المدونة‪ ،‬وقال‬
‫سحنون‪ :‬يعمل بإقرار المتهم بإكراهه وبه الحكم‪ ،‬أى إن ثبت عند الحاكم أنه من‬
‫أهل التهم فيجوز سجنه وضربه ويعمل بإقراره‪.‬‬

‫وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪ :‬جاء فى معين الحكام ومتن‬
‫التحفة لبن عاصم‪:‬‬

‫فمالك بالسجن والضرب حكم‬ ‫وان يكن مطالبا من يتهم‬

‫من ذاعر بحبس لختبكككار‬ ‫وحكموا بصحة القكرار‬

‫والذاعر‪ ،‬بالذال المعجمة‪ :‬الخائف وحمل ما فى المدونة على غير المتهم‪ ،‬على أنه‬
‫وقع فيها محلن‪ :‬أحدهما صريح فى عدم العمل بإقرار المكره‪ ،‬ثانيهما حلف المتهم‬

‫الطرابلسى‪ -‬معين الحكام‪ -‬ص وما بعدها الطبعة الثانية هك‪ ،‬شركة البابى الحلبى‪.‬‬
‫هك‪ -‬تقديم وتحقيق الدكتور‬ ‫المقدمة السلطانية فى السياسة الشرعية لطوغان شيخ المحمدى الحنفى المتوفى‬
‫‪ -‬مكتبة الزهراء بالقاهرة‪.‬‬ ‫عبد ال محمد عبد ال‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫–ص‬ ‫الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقى‪ -‬ح‬

‫‪-22-‬‬
‫وتهديده وسجنه‪ ،‬فاستشكله البرزلى بأنه ل فائدة فى سجنه لعدم العمل بإقرار المكره‬
‫كما هو مفاد المدونة أولً‪ ،‬قال ويجمع بينهما بحمل أول كلمهما على غير المتهم‬
‫وآخره على المتهم كقول سحنون‪ ،‬وجمع الغريانى أيضا بحمل أول كلمهما على ما‬
‫إذا كان المسروق ل يعرف بعينه لحتمال أن يأتى بشيئ غير المسروق من خوفه‪،‬‬
‫وحمل آخر كلمه على ما إذا كان المسروق يعرف بعينه فيهدد المتهم ويسجن‬
‫رجاء أن يقر ‪ ،‬وبهذا علم أن سحنون موافق للمدونة على أحد التأويلين‪ ،‬فإذا أقر‬
‫مكرها على ما للمصنف وأخرج بعض المسروق أخذ بما أقر به من السرقة إن كان‬
‫مما يعرف بعينه بناء على تأويل الغريانى‪ ،‬ويؤاخذ بما أقر به من السرقة مطلقا‪،‬‬
‫أى سواء كان مما يعرف بعينه أم ل‪ ،‬إن كان متهما بناء على تأويل‪.‬‬

‫وجاء فى تبصره الحكام لبن فرحون‪" :‬قال ابن حبيب قال الماجشون‪ :‬ومن شهدت‬
‫عليه بينة أنه سارق معروف بالسرقة متهم بها وقد سجن فيها غير مرة‪ ،‬إل أنهم‬
‫حين شهدوا عليه لم يجدوا معه سرقة‪ ،‬فقال‪ :‬ل قطع عليه بهذه الشهادة‪ ،‬ولكن عليه‬
‫الحبس الطويل‪ ،‬وهذا حكم المتهم بالغصب والعدوان وقطع الطريق فى الكشف‬
‫والختبار لحالهم‪ ،‬وما ادعى به عليهم‪ ،‬ويضرب السارق حتى يخرج العيان التى‬
‫سرقها‪ ،‬ومن اتهم رجل أنه غصبه مال فأنكر فإن كان مما يليق به ذلك هدد‬
‫وسجن‪ ،‬فإن لم يخرج شيئا أطلق‪ ،‬وفائدته لعله يخرج عين ما اغتصبه إن كان‬
‫يعرف بعينه‪ ،‬وأما الذى ل يعرف بعينه فل فائدة من تهديده‪ ،‬إذ لو أخرج شيئا بعد‬
‫تهديده ل يعرف بعينه لم يؤخذ منه حتى يقر به وهو آمن غير خائف‪.‬‬

‫وفى مواهب الجليل‪" :‬جاء فى المدونة‪ :‬قلت أرأيت أن أقر بشيئ من الحدود بعد‬
‫التهديد أو القيد أو الوعيد أو الضرب أو السجن أيقام عليه الحد أم ل؟‬

‫حاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪ -‬المكان نفسه‪.‬‬


‫‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪ -‬ص‬
‫‪-‬‬ ‫تبصرة الحكام لبن فرحون بهامش فتح العلى المالك فى الفتوى على مذهب المام مالك‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫طبعة الحلبى‪.‬‬

‫‪-23-‬‬
‫فى قول مالك رضي ال عنه ‪ :‬قال‪ :‬قال مالك‪ :‬من أقر بعد التهديد أقيل‪ ،‬فالوعيد‬
‫والقيد والتهديد والسجن والضرب تهديد عندى كله وأرى أن يقال‪ ،‬وجاء أيضا‪،‬‬
‫قلت‪ :‬فإن ضرب وهدد فأخرج القتيل أو أخرج المتاع الذى سرق يقام عليه الحد‬
‫فيما أقر به أم ل؟ وقد أخرج ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ل أقيم عليه الحد إل إذا كان مع ذلك آمنا‬
‫ل يخاف شيئا‪.‬‬

‫(‪ )3‬وفى المذهب الشافعى‪:‬‬

‫ورد فى الم للشافعى‪" :‬والكراه أن يصير الرجل فى يدى من ل يقدر على‬


‫المتناع منه من سلطان أو لص أو بتغلب على واحد من هؤلء ويكون المكره‬
‫يخاف خوفا عليه دللة أنه إذا امتنع من قول ما أمر به يبلغ به الضرب المؤلم أو‬
‫اكثر منه أو إتلف نفسه‪ ،‬فإذا خاف هذا سقط عنه حكم ما أكره عليه‪ ،‬وأى إقرار‬
‫وقع بشيئ وهو مكره لم يلزمه"‪.‬‬

‫وورد فى مغنى المحتاج ‪":‬ول يصح إقرار مكره بما أكره عليه لقوله تعالى‪:‬‬
‫(إل من أكره وقلبه مطمئن باليمان)‪ ،‬حيث جعل الكراه مسقطا لحكم‬
‫الكفر‪ ،‬فبالولى ما عداه‪ ،‬وصورة إقراره أن يضرب ليقر‪ ،‬فلو ضرب ليصدق فى‬
‫القضية‪ ،‬فأقر حال الضرب أو بعده لزمه ما أقر به لنه ليس مكرها"‪.‬‬

‫وجاء فى الحكام السلطانية‪" :‬فإن ضربه ليقر لم يكن لقراره تحت الضرب‬
‫حكم"‪.‬‬

‫(‪ )4‬وفى المذهب الحنبلى‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫مواهب الجليل للخطاب‪ -‬جك ‪ -‬ص‬


‫‪ -‬طبعة دار الشعب‪.‬‬ ‫كتاب الم‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫مغنى المحتاج‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫المكتبة التوفيقية‪.‬‬ ‫الحكام السلطانية‪ -‬للماوردى‪ -‬ص‬

‫‪-24-‬‬
‫ورد فى المغنى لبن قدامة‪" :‬وأما المكره فل يصح إقراره بما أكره على‬
‫القرار به‪ ،‬وهذا مذهب الشافعى لقول رسول ال صلي ال عليه وسلم‪" :‬رفع عن‬
‫أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"‪ ،‬ولنه قول أكره عليه بغير حق‪ ،‬فلم‬
‫يصح كالبيع"‪.‬‬

‫وجاء فى الكافى‪" :‬ول يصح إقرار المكره لحديث النبى صلي ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"‪ ،‬ولنه قول أكره عليه بغير‬
‫حق فلم يصح منه"‪.‬‬

‫وجاء فى فتاوى ابن تيمية‪" :‬القسم الثالث‪ :‬أن يكون المتهم معروفا بالفجور‬
‫مثل المتهم بالسرقة إذا كان معروفا بها قبل ذلك‪ ،‬والمتهم بقطع طريق إذا كان‬
‫معروفا به‪ ،‬والمتهم بالقتل إذا كان أحد هؤلء معروفا بما يقتضى ذلك‪ ،‬فإذا جاز‬
‫حبس المجهول فحبس المعروف بالفجور يكون جائزا من باب أولى‪.‬‬

‫وأما المتحان بالضرب ونحوه فاختلف فيه هل يشرع للقاضى والوالى؟‪ ،‬أم‬
‫يشرع للوالى دون القاضى؟‪ ،‬أو يشرع الضرب لواحد منهما؟‪ ،‬وذلك على ثلثة‬
‫أقوال‪:‬‬

‫القول الول‪ :‬أنه يضرب فيها القاضى والوالى‪ ،‬وهذا قول طائفة من العلماء‬
‫من أصحاب مالك وغيرهم‪ ،‬منهم أشهب قاضى مصر‪ ،‬قال أشهب‪ :‬يمتحن بالسجن‬
‫والدب ويضرب بالسوط مجردا‪.‬‬

‫القول الثانى‪ :‬ل يضرب‪ ،‬بل يحبس كما تقدم‪ ،‬وهو قول أصبغ من أصحاب‬
‫مالك‪ ،‬وقول كثير من الحنفية والشافعية وغيرهم‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫المغنى لبن قدامة‪ -‬جك ‪ -‬ص‬


‫‪.‬‬ ‫الكافى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-25-‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنه يضربه الوالى دون القاضى‪ ،‬وهذا القول ذكره طائفة من‬
‫أصحاب الشافعى وأحمد كالقاضى أبى الحسن الماوردى‪ ،‬والقاضى أبى يعلى‬
‫وغيرهما‪ ،‬وبسطوا القول فى ذلك فى كتب الحكام السلطانية‪.‬‬

‫وجاء فى الطرق الحكمية لبن القيم‪" :‬القسم الثالث‪ :‬أن يكون المتهم معروفا‬
‫بالفجور كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك‪ ،‬فإذا جاز حبس المجهول فحبس‬
‫هذا أولى ‪ .‬ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين‪ ،‬كما أمر النبى‪-‬صلي ال علي‬
‫وسلم‪ -‬الزبير بتعذيب المتهم الذى غيّب ماله حتى أقرّ به فى قصة ابن أبى‬
‫الحليق‪.‬‬

‫ثم ذكر ما قاله ابن تيمية فيمن يشرع له الضرب وهل هو الوالى أو القاضى‪،‬‬
‫إل أنه قال‪ :‬القول الثانى‪ :‬أنه يضربه الوالى دون القاضى‪ ،‬ووجه هذا أن الضرب‬
‫المشروع هو ضرب الحدود والتعزيرات‪ ،‬وذلك إنما يكون بعد ثبوت أسبابها‬
‫وتحققها‪.‬‬

‫ويقول أبو يعلى فى الحكام السلطانية‪" :‬فإن ضرب ليقر لم يصح القرار"‪.‬‬

‫(‪ )5‬وفى المذهب الظاهرى‪:‬‬

‫ورد فى المحلى‪" :‬ومن أقر بالسرقة تحت العذاب والتهديد فل قطع عليه‪،‬‬
‫وسواء أبرز السرقة أو لم يبرزها‪ ،‬لنها قد تكون أودعت عنده وهو يدرى أنها‬
‫سرقة أو ل يدرى‪ ،‬فل يكون على المودع فى ذلك قطع أصلً‪ ،‬لن من أقر بسرقة‬
‫فل يخلو من أن يكون قد أقر بل تهديد ول عذاب أو أقر بتهديد وعذاب‪ ،‬فإن أقرّ‬
‫ل أحضر السرقة أو لم يحضرها إذ قد يدرى‬
‫بتهديد وعذاب فل قطع عليه أص ً‬

‫وما بعدها‪.‬‬ ‫‪-‬ص‬ ‫فتاوى ابن تيمية‪ -‬جك‬


‫تحقيق د‪ .‬محمد جميل غازى‪ -‬مطبعة المدنى‪.‬‬ ‫الطرق الحكيمة فى السياسة الشرعية لبن القيم الجوزية‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪-‬‬
‫‪ -‬دار الكتب العلمية ببيروت‪.‬‬ ‫الحكام السلطانية لبى يعلى الفراء‪ -‬ص‬

‫‪-26-‬‬
‫موضعها أو جعلت عنده فل قطع عليه‪ ،‬وإن كان أقر بل تهديد ول عذاب‪ ،‬فالقطع‬
‫عليه أخرج السرقة أو يخرجها‪ ،‬وأما قول ربيعه أنه ل يؤاخذ المكره باعتراف إل‬
‫أن يأتى وجه البينة والمعرفة أنه صاحب تلك السرقة فقول صحيح ل شك فيه"‪.‬‬

‫(‪ )6‬وفى فقه المامية‪:‬‬

‫ورد فى المختصر النافع للحلى‪" :‬ويشترط فى المقر‪ :‬التكليف والحرية‬


‫والختيار فلو أقر بالضرب لم يقطع‪ ،‬نعم لو رد السرقة بعينها قطع‪ ،‬وقيل ل يقطع‬
‫لتطرق الحتمال وهو أشبه"‪.‬‬

‫(‪ )7‬وفى فقه الزيدية‪:‬‬

‫جاء فى البحر الزخار‪" :‬ول يلزم المكره بإقراره إذا صدر منه تحت تأثير‬
‫الكراه‪.‬‬

‫وما بعدها‪ -‬طبعة مكتبة دار التراث‪.‬‬ ‫‪-‬ص‬ ‫المحلى لبن حزم‪ -‬جك‬
‫‪ -‬طبعة وزارة الوقاف‪.‬‬ ‫المختصر النافع فى فقه المامية للشيخ أبى القاسم نجم الدين الحلى‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫البحر الزخار‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-27-‬‬
‫المطلب الثانى‬

‫تحرير محل النزاع‬

‫ويبدو من النقول الفقهية فى مسألة الكراه على القرار بالتهمة أن الفقهاء‬


‫يفرقون فى القرار بين حالتين‪ ،‬وأساس تلك التفرقة قائم على أن التهام قد يكون‬
‫مجردا‪ ،‬وقد يكون غير مجرد‪.‬‬

‫أولً‪ :‬التهام المجرد‪:‬‬

‫وهو التهام الخالص من الشوائب التى تضع صاحبها فى وضع يغلب على‬
‫الظن معه أنه قد ارتكب الفعل الذى اتهم بإتيانه‪ ،‬وهذا النوع من التهام المجرد‪ ،‬ل‬
‫يجوز فيه المساس بالمتهم ول أن يفعل به أدنى أذى يمكن أن يمس بإرادته‪ ،‬أو يؤثر‬
‫على اختياره فى صدق الخبار بما يريد أن يقر به اعترافا بالحق وانتصافا للعدل‬
‫وإبراء للذمة أمام ال فى الدنيا اتقاء لفضيحة الخرة‪ ،‬يوم يقوم الناس لرب العالمين‪،‬‬
‫ويوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا‪ ،‬وما عملت من سوء تود لو أن بينها‬
‫وبينه أمدا بعيدا‪ ،‬وذلك لما قرره الفقهاء من أن المساس بإرادة المقر بما يفقده‬
‫اختياره مما يبطل القرار ويهدر حكمه‪ ،‬وقد قامت الدلة على ذلك من كتاب ال‬
‫تعالى‪ ،‬وسنة نبيه‪-‬صلي ال علي وسلم‪ ،-‬وإجماع علماء أمته‪ ،‬والمعقول‪ ،‬وإذا كان‬
‫حكم القرار الذى فسد الختيار فيه بإلحاق التعذيب بالمقر باطلً وهدرا على نحو‬
‫ما قامت عليه الدلة الشرعية المعتبرة‪ ،‬وقرره الفقهاء فى مذاهبهم فإنه يكون‬
‫حراما‪ ،‬لما هو مقرر أن تعاطى التصرفات الباطلة يعد أمرا محروما لورودها على‬
‫غير المنوال الذى يقرره الشارع‪ ،‬وسوف نبين ذلك فى دراسة أوفى‪ ،‬في المبحث‬
‫التالى إن شاء ال‪.‬‬

‫‪-28-‬‬
‫ثانيا‪ :‬التهام المبنى على قرينة‪:‬‬

‫وهذا النوع من التهام يختلف عن التهام المجرد‪ ،‬فى اقترانه بدليل يرجح‬
‫جانبه ويجعل المتهم فى وضع يغلب على الظن معه أنه قد أتى بالفعل‪ ،‬ولما كان‬
‫أمره كذلك ‪ -‬ونظرا لوجود القرينة الدالة على ترجيع جانب التهمة بحق من تدينه‬
‫تلك القرائن‪ -‬فإنه قد وقع الخلف بشأنه بين أهل العلم‪ ،‬بيد أننا قبل بيان تفصيل‬
‫ذلك الخلف‪ ،‬يجدر بنا أن نشير إلى تعريف القرينة وأدلة العمل بها فنقول‪:‬‬

‫تعريف القرينة لغة واصطلحا‪:‬‬

‫والقرينة لغة‪ :‬تعنى المصاحبة والزوجة‪ ،‬يقال‪ :‬قارنته أى صاحبته وتسمى‬


‫الزوجة قرينة‪ ،‬فيقال‪ :‬فلنة قرينة فلن‪ ،‬بمعنى زوجته‪ ،‬وهى كذلك لنها تعاشر‬
‫زوجها وتصاحبه طوال حياتها‪ ،‬ومن معانيها الجمع‪ ،‬يقال قرن الحاج بين الحج‬
‫والعمرة‪ :‬أى جمع بينهما‪.‬‬

‫وفى اصطلح الفقهاء‪:‬‬

‫عّرفها بعض الفقهاء المحدثين بأنها‪ :‬كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل‬
‫عليه ‪ ،‬وهذا التعريف قد عرف القرينة بأنها ظاهرة تقارن شيئا‪ ،‬فكأنه قد عرفها‬
‫بنفسها‪ ،‬ومن ثم يكون كمن فسّر الماء بالماء‪ ،‬وفى هذا كما يقول العلماء‪ :‬دور‪ ،‬لن‬
‫فهم القرينة سيكون متوقفا على فهم تلك الظاهرة المقارنة الواردة فى التعريف‪،‬‬
‫وفهم الخيرة سيكون متوقفا على فهم الولى‪ ،‬فيحدث الدور وهو باطل‪ ،‬حيث‬
‫يستلزم أن يكون الشيئ سابقا ولحقا فى آن واحد معا وهذا ل يجوز‪.‬‬

‫وما بعدها‪.‬‬ ‫وما بعدها‪ ،‬والمعجم الوجيز‪ -‬ص‬ ‫مختار الصحاح‪ -‬السابق‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫‪ -‬طبعة دار الفكر سنة‬ ‫د‪ .‬وهبه الزحيلى‪ -‬الفقه السلمى وأدلته‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪ -‬طبعة دار البيان‪.‬‬ ‫فى هذا المعنى‪ :‬د‪ .‬محمد رأفت عثمان‪ -‬النظام القضائى فى السلم‪ -‬ص‬

‫‪-29-‬‬
‫كما عرفها بعض الفقهاء بأنها‪ :‬ما تدل على أمر خفى مصاحب لها بواسطة‬
‫نص أو اجتهاد أو فهم يفيضه ال تعالى على من يشاء من عباده"‪.‬‬

‫ويلحظ أن هذا التعريف لم يسلم من القوادح‪ ،‬لنه جعل القرينة دالة على ما‬
‫تدل عليه ل بواسطة ذاتها‪ ،‬بل بواسطة نص أو اجتهاد أو فهم خاص للناظر فيها‪،‬‬
‫وهذا ينافى طبيعة القرينة وأنها أمارة بذاتها على ما تدل عليه‪.‬‬

‫كما أن هذا التعريف قد قام على معنى غير منضبط‪ ،‬وهو الفهم الذى يفيضه‬
‫ال تعالى على من يتصدى للنظر فيها‪ ،‬وهذا الفهم أمر ذوقى غير محدد‪ ،‬ومن شأن‬
‫إيراده فى التعريف أن يجعل مضمون المعرف غير محدد‪ ،‬حيث سيختلف معناه من‬
‫) من مجلة الحكام العدلية بأنها ‪:‬المارة‬ ‫فهم إلى آخر‪ ،‬وقد عرفتها المادة (‬
‫البالغة حد اليقين‪ ،‬وهذا التعريف منتقد بما ورد على التعريف السابق‪ ،‬لنه قد عرف‬
‫القرينة القاطعة‪ ،‬بالمارة البالغة حد اليقين‪ ،‬فلم يزد عن وصف المارة بالقطع البالغ‬
‫درجة اليقين‪ ،‬دون أن يعرف حقيقتها‪ ،‬وفى تفسير ذلك يقول شارح المجلة‪ :‬مثلً إذا‬
‫خرج رجل من دار خالية خائفا مدهوشا فى يده سكين ملوثة بالدم‪ ،‬فدخلت الدار فى‬
‫الحال وشاهدت فيها رجلً مذبوحا فى ذلك الوقت‪ ،‬فل يشتبه فى أن قاتله هو ذلك‬
‫الرجل ول يلتفت إلى الحتمالت التى هى محض توهّم‪ ،‬كظنّه أن الرجل ربما‬
‫يكون هو الذى قتل نفسه ‪ ،‬ومثل هذا التوضيح يخالف الموضح‪ ،‬لنها تفيد الظن‬
‫الذى ل يصل إلى حد اليقين‪ ،‬مع أن التعريف يقول‪ :‬إنها المارة البالغة حد اليقين‪،‬‬
‫ومن ثم كان التعريف وشرحه غير سائغين‪.‬‬

‫ونحن نرى أن القرينة‪" :‬هى الحالة الدالة على الحكم بما يغلب على الظن‬
‫اقترانه بها"‪.‬‬

‫وما بعدها مشار إليه فى‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبد العال عطوه‪ -‬محاضرات فى علم القاضى والقرائن‪ -‬باللة الضاربة‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬وقد رجح سيادته هذا التعريف وارتضاه‪.‬‬ ‫د‪ .‬محمد رأفت عثمان‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‬
‫‪ -‬طبعة دار الكتب العلمية ببيروت‪.‬‬ ‫شرح مجلة الحكام العدلية‪ -‬للستاذ سليم رستم الباز‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-30-‬‬
‫دللة القرينة على الحكم‪:‬‬

‫ودللة القرينة على الحكم قد تصل إلى حد ل يمكن إنكاره‪ ،‬بل وربما وصلت‬
‫دللتها إلى حد يقترب من اليقين‪ ،‬فلو أن جماعة شهدوا على موت شخص أو قتله‪،‬‬
‫ثم ظهر المشهود عليه حيا‪ ،‬فإن ذلك الظهور يعد قرينة قاطعة على خطأ الشهود أو‬
‫ل على كذبهم لنهم –ربما يكونوا قد شهدوا على قتله‪-‬‬
‫ظنية ما أخبروا به وليس دلي ً‬
‫بما غلب على ظنهم من مشاهدة حاله‪ ،‬فل يكون ذلك كذبا منهم‪ ،‬بل خطأ فى وصف‬
‫الحال وهو موته‪.‬‬

‫وكما لو وجدت امرأة حامل وليس لها زوج أو سيد –إذا كانت جارية‪ -‬فإن‬
‫وجود الحمل يعد قرينة تفيد الزنا غالبا‪ ،‬وكذلك المر فيما لو وجد شخص فى حالة‬
‫سكر وهو يتقيأ الخمر‪ ،‬فإن هذه قرينة يغلب على الظن معها شرب المنكر متعمدا‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإن الحالت التى قال المعاصرون من الفقهاء إنها تفيد اليقين‪ ،‬مثل‬
‫حالة الشهادة على شخص ثم ظهوره حيا‪ ،‬ووجود امرأة حامل دون أن يكون لها‬
‫زوج أو سيد‪ ،‬ووجود شخص فى حالة سكر يتقيأ الخمر‪ ،‬وخروج شخص مضطرب‬
‫يحمل سكينا تسيل منها الدماء مع وجود شخص ذبيح بجواره‪ ،‬ووجود عين‬
‫المسروق لدى شخص‪ ،‬فإن ذلك كله ل يقطع بإتيان هؤلء لما اتهموا به‪ ،‬فربما كان‬
‫الشهود صادقين فيما شهدوا حسبما استبان لهم من شواهد حال المشهود عليه‪ ،‬ومن‬
‫ثم ل تفيد قرينة ظهوره حيا بعد الشهادة بموته كذب الشهود يقينا‪ ،‬بل تفيد ذلك بغلبة‬
‫الظن‪ ،‬وكذلك المر فى حال حمل المرأة بدون زوج أو سيد‪ ،‬حيث ل ترقى قرينة‬
‫الحمل لن تثبت الزنا عليها يقينا‪ ،‬لحتمال أن لها زوجا غير معلوم‪ ،‬أو أن أداة‬

‫‪ ،‬حيث قال القرينة هى‬ ‫وتعريف القرينة بالحالة مستفاد وبما ذكره ابن فرحون فى التبصرة‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫السيما الواردة فى قوله تعالى (تعرفهم بسيماهم)‪ ،‬فدل على أن السيما هى الحال التى تظهر على الشخص‪ ،‬فتدل على‬
‫ما هو فيه‪ ،‬كوجود شخص عليه زنار وغير مختون فل يدفن فى مقابر المسلمين‪.‬‬

‫‪-31-‬‬
‫إثبات الزواج غير قائمة‪ ،‬أو أنها قد أكرهت على الفعل ومن ثم فإنها ل تفيد الزنا‬
‫يقينا‪ ،‬بل بغلبة الظن‪.‬‬

‫وفى هذا يقول المام الطوسى‪" :‬إذا وجدت امرأة حبلى ول زوج لها وأنكرت‬
‫أن يكون من زنا ل حد عليها" ‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والشافعى رضي ال عنهما‪،‬‬
‫وقال مالك رضي ال عنه‪ :‬عليها الحد ‪ ،‬دليلنا‪ :‬أن الصل براءة الذمة‪ ،‬وإيجاب‬
‫الحد يحتاج إلى دليل‪ ،‬وأيضا‪ ،‬فإنه يحتمل أن يكون من زنا‪ ،‬ويحتمل أن يكون من‬
‫وطء بشبهة‪ ،‬ويحتمل أن تكون مكرهة‪ ،‬ول حد مع الشبهة‪.‬‬

‫وكذلك المر فى حالة السكر وتقيؤ الخمر حيث يحتمل أنه قد سكر مضطرا‬
‫أو جاهلً‪.‬‬

‫ومن ثم فإن القرينة ل تكون قاطعة بإدانته‪ ،‬بل تكون مما يغلب على ا لظن‬
‫معه ارتكابه للسكر عامدا‪ ،‬وكذلك المر بالنسبة لوجود بصمة المتهم على أدوات‬
‫الجريمة أو السلح المستعمل فيها‪ .‬فإن ذلك ل يفيد ارتكابه لها قطعا‪ ،‬بل بناء على‬
‫غلبة الظن‪.‬‬

‫ونظرا لن القرينة فى معظم أحوالها ل تؤدى إلى اليقين فى إثبات الفعل‬


‫لفاعلة فقد أثارت خلفا فى الرأى بين الفقهاء وذلك على قولين‪:‬‬

‫مؤسسة النشر السلمى‪.‬‬ ‫المام أبو جعفر الطوسى‪ -‬كتاب الخلف‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫والشرح الكبير‪ -‬نفس المكان‪ ،‬حيث يقول‪ :‬يعنى أن المرأة‬ ‫حاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫إذا ظهر بها حمل ولم يعرف لها زوج وكانت أمة وكان سيدها منكرا لوطئها فإنها تحد‪ ،‬ول يقبل دعواها الغصب‬
‫على ذلك بل قرينة تشهد لها بذلك‪ ،‬ول دعواها أن هذا الحمل من منى شربه فرجها فى الحمام‪ ،‬ول من وطء جنى‬
‫‪.‬‬ ‫إل بقرينة مثل كونها عذراء وهى من أهل العفة‪ ،‬بداية المجتهد‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫كتابة الخلف‪ -‬السابق‪.‬‬

‫‪-32-‬‬
‫أولهما‪ :‬لجمهور الفقهاء‪ ،‬وهو ما ذهب إليه الحنفية‪ ،‬والمالكية‪ ،‬والحنابلة ‪،‬‬
‫وحاصل هذا القول‪ :‬أن القرينة وسيلة إثبات وأنها حجة فى العمل بها‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬لبعض فقهاء المالكية‪ ،‬وحاصل قولهم‪ :‬أن العمل بالقرينة وإن كان‬
‫من الممكن أن يظهر الحق إل أن الشارع ألغى العمل به‪ ،‬وفى ذلك يقول القرافى‪:‬‬
‫أخذ السراق المتهمين بالتهم وقرائن أحوالهم كما يفعله المراء اليوم‪ ،‬دون القرار‬
‫الصحيح والبينات المعتبرة الغالب مصادقته للصواب والنادر خطأه‪ ،‬ومع ذلك ألغاه‬
‫الشرع صونا للعراض والطراف عن القطع‪ ،‬وأخذ الحاكم بقرائن الحوال من‬
‫التظلم وكثرة الشكوى والبكاء مع كون الخصم مشهورا بالفساد والعناد‪ ،‬الغالب‬
‫مصادقته للحق والنادر خطأه‪ ،‬ومع ذلك منعه الشارع منه وحرمه‪ ،‬ول يضر الحاكم‬
‫ضياع حق ل بينة عليه‪ ،‬والغالب أن من وجد بين فخذى امرأة وهو متحرك حركة‬
‫الواطئ‪ ،‬وطال الزمان فى ذلك أنه قد أولج‪ ،‬والنادر عدم ذلك‪ ،‬فإذا شهد عليه بذلك‬
‫ألغى الشارع هذا الغالب سترا على عباده ولم يحكم بوطئه ول بعدمه‪.‬‬

‫وقبل أن نعرض لدلة كل فريق على رأيه‪ ،‬أود أن أشير إلى أن رأى القرافى‬
‫وإن كان من الممكن قبوله فى مجال الحدود والقصاص تحوطا للدماء والعراض‬
‫ودرأ للحدود بالشبهة‪ ،‬إل أنه يصعب قبوله فى غيرهما‪ ،‬وذلك لمخالفته للدلة التى‬

‫‪ -‬دار الفكر‬ ‫وما بعدها‪ ،‬وأحكام القرآن للجصاص‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫تكملة حاشية رد المحتار‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬بل نقل الجماع على العمل بالراجح‬ ‫‪ ،‬ومعين الحكام‪ -‬ص‬ ‫ببيروت‪ ،‬تبين الحقائق للزيلعى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬وفى الفقه‬ ‫منها وهو قوة التهمة‪ ،‬فقال‪ :‬ول خلف فى الحكم بها‪ .‬وأحكام القرآن لبن العربى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫وما بعدها والشرح الصغير مع حاشية الصاوى‪-‬‬ ‫المالكى‪ ،‬راجع‪ :‬تبصرة الحكام لبن فرحون‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬وقواعد الحكام‬ ‫‪ -‬طبعة دار المعارف وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫جك ‪ -‬ص‬
‫وما بعدها‪ ،‬حيث يرى أن القرينة تنزل منزلة‬ ‫وما بعدها‪ ،‬ص‬ ‫للعز بن عبد السلم‪ -‬السابق‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫وما بعدها‪ ،‬والحكام السلطانية لبى يعلى الحنبلى‪ -‬ص‬ ‫القول الصريح‪ -‬والحكام السلطانية للماوردى‪ -‬ص‬
‫وما‬ ‫‪-‬ص‬ ‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬وابن تيمية‪ -‬الفتاوى‪ -‬جك‬ ‫وما بعدها‪ .‬وزاد المعاد‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫بعدها‪ -‬مكتب ابن تيمية‪.‬‬
‫وما بعدها‪ -‬طبعة عالم الكتب‪ ،‬وراجع‪ :‬د‪ .‬محمد رأفت عثمان‪ -‬النظام‬ ‫الفروق للقرافى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫وما بعدها‪ ،‬والمراجع المشار إليها فى الحاشية‪.‬‬ ‫القضائى فى الفقه السلمى‪ -‬ص‬

‫‪-33-‬‬
‫تفيد وجوب العمل بكل ما يوصل إلى الحق‪ ،‬ويبقى أن نبين أدلة كل قول على ما‬
‫ذهب إليه‪.‬‬

‫أدلة أصحاب القول الول‪:‬‬

‫استدل أصحاب القول الول لما ذهبوا إليه بالكتاب والسنة وآثار الصحابة‬
‫والجماع والمعقول وذلك كما يلى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬من الكتاب‪:‬‬

‫( ) بقول ال تعالى فى سورة يوسف‪( :‬وجاءوا على قميصه بدم‬


‫كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ً فصبر جميل والله‬
‫المستعان على ما تصفون)‪.‬‬

‫ووجه الدللة فى الية الكريمة على المطلوب‪:‬‬

‫أن ال –تبارك وتعالى‪ -‬قد حكى عن إخوة يوسف أنهم قد أقاموا قرينة على‬
‫قتل أخيهم‪ ،‬وهى تلطيخ قميصه بالدم‪ ،‬ليكون فى هذا العمل دليل على قبول ما‬
‫يزعمون من أن الذئب قد أكله‪ ،‬كما تدل على أن أباهم قد اكتشف كذب ما يدعون‬
‫بقرينة أقوى‪ ،‬وهى عدم تمزيق قميص يوسف‪ ،‬حيث ل يقبل عقلً أن يأكله الذئب ثم‬
‫يبقى قميصه سليما خاليا من أى تمزيق‪ ،‬فبقاء قميص يوسف سليما يعتبر قرينة على‬
‫الكذب‪ ،‬وقد حكى القرآن الكريم ذلك للعتبار الدال على بقاء حكمه‪ ،‬وهو ما يفيد‬
‫العمل بالقرينة‪.‬‬

‫وقد يقال‪ :‬إن ذلك كان فى شرع من قبلنا‪ ،‬لكنه من المعلوم لدى علماء‬
‫الصول والفقه‪ ،‬أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد دليل ناسخ‪ ،‬ولم يرد فى‬

‫‪ ،‬حيث يقول‪ :‬لما أرادوا أن‬ ‫‪ ،‬وراجع‪ :‬الجامع لحكام القرآن للقرطبى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫سورة يوسف‪ -‬آية‬
‫يجعلوا الدم علمة على صدقهم قرن ال بهذه العلمة علمة تعارضها وهى سلمة القميص من التمزيق‪ ،‬إذ ل يمكن‬
‫افتراس الذئب ليوسف رضي ال عنه وهو لبس للقميص ثم يسلم القميص من التمزيق‪.‬‬

‫‪-34-‬‬
‫شرعنا ما ينسخ ذلك بل العمل فيه على وفقه‪ ،‬وذلك من خلل الدلة القائمة على‬
‫مشروعيته من السنة والجماع والمعقول‪.‬‬

‫(‪ )2‬ويقول ال تعالى‪:‬‬


‫(وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت‬
‫وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من‬
‫الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن‬
‫كيدكن عظيم)‪.‬‬

‫ووجه الدللة فى الية الكريمة على المطلوب‪:‬‬

‫أنها قد تضمنت العمل بالقرينة فى موقف اتهام نبى ال يوسف بالتعدى على‬
‫امرأة العزيز‪ ،‬وهذه القرينة تتمثل فى قدّ القميص‪ :‬أى تمزيقه على نحو يفيد جذب‬
‫المشدود من جهة الفاعل‪ ،‬فإن كان القدّ من أمام يكون فيه دليل على توجه المتهم‬
‫نحو المجنى عليه‪ ،‬ويكون ذلك القد دليلً على مدافعة ضحيته له‪ ،‬أما إن كان من‬
‫ل على فكاكه وهروبه من موطن الجريمة‪ ،‬ويكون ذلك التمزيق‬
‫خلف‪ ،‬فإنه يكون دلي ً‬
‫دليلً على جذب المدعى له ليقع فى الثم دون رغبة منه‪ ،‬وفى ذلك دليل على براءة‬
‫المدعى عليه وهذا ما ظهر بحق نبى ال يوسف –عليه السلم‪ -‬ففى الية الكريمة‬
‫دليل على العمل بالقرينة‪ ،‬وهو دليل قائم إلى يوم الدين إذ لو بطل فى ديننا للزم منه‬
‫زوال دليل العصمة فى حق نبى نؤمن به‪ ،‬كما نؤمن أنه يجب له كل كمال خلقى‪،‬‬
‫ويستحيل عليه كل نقص بشرى‪ ،‬ولصبح ذلك البطال ماسا بعقيدة المسلمين‪ .‬وهذا‬
‫مستحيل شرعا‪ .‬فبطل ما يؤدى إليه وهو بطلن الحتجاج بالقرينة‪.‬‬

‫كما أن القرآن الكريم‪ ،‬قد حكى ذلك للعتبار والعظة والعمل به‪ ،‬قصدا لقامة‬
‫العدل‪ ،‬والفصل بين الناس فى الخصومات‪ ،‬وهذا واجب يجعل كل ما يؤدى إليه‬
‫على منوال حكمه بناء على أن ما يوصل إلى الواجب يكون واجبا وإذ قيل إن ذلك‬
‫كان فى شرع من قبلنا‪ ،‬فرده‪ :‬إن شرع ما قبلنا شرع لنا ما لم يرد دليل ناسخ‪ ،‬ولم‬
‫‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫سورة يوسف‪ -‬اليات‬

‫‪-35-‬‬
‫يرد فى شرعنا ما ينسخه‪ ،‬بل العمل فيه على وفقه وقامت الدلة على مشروعيته‪،‬‬
‫ونحن مأمورون بأن نقتدى بأهل الفضل والهدى فيما وفقوا له من الخير‪ ،‬عملً‬
‫بقوله ‪-‬تعالى‪( -‬أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)‪.‬‬

‫وقد قال بعض العلماء‪ :‬إن قائل ذلك الذى حكاه القرآن الكريم أو الشاهد الذى‬
‫شهد به‪ ،‬هو طفل تكلم فى المهد‪ ،‬وذلك ما ذهب إليه ابن عباس وأبو هريرة وسعيد‬
‫بن جبير وهلل بن يسار ‪ ،‬وقد صحح ذلك السهيلى للحديث الوارد فيه عن النبى‪-‬‬
‫صلي ال علي وسلم‪ : -‬أنه لم يتكلم فى المهد إل ثلثة‪ ،‬وذكر فيهم شاهد يوسف‪.‬‬

‫وقيل أن ذلك الشاهد هو قدّ القميص‪ ،‬رواه ابن أبى نجيح عن مجاهد‪ ،‬وهو‬
‫مجاز صحيح من جهة اللغة‪ ،‬فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال‪ ،‬وقد تضيف‬
‫العرب الكلم إلى الجمادات وتخبر عنها بما هى عليه من الصفات‪ ،‬وذلك كثير فى‬
‫أشعارها وكلمها‪ ،‬ومن أحله قول بعضهم‪ ،‬قال الحائط للوتد لم تشقنى‪ ،‬قال‪" :‬سل‬
‫من يدقنى"‪ ،‬إل أن قول ال –تعالى‪ -‬بعد‪( :‬من أهلها)‪ ،‬يبطل أن يكون الشاهد هو قدّ‬
‫القميص‪.‬‬

‫وقيل إنه رجل حكيم ذو عقل كان الوزير يستشيره فى أموره وكان من جملة‬
‫أهل المرأة وكان مع زوجها فقال‪ :‬قد سمعت الجلبة والستبدار من وراء الباب‬
‫وشق القميص‪ ،‬فل يدرى أيكما كان قدّام صاحبه‪ ،‬فإن كان شق القميص من قدّامه‬
‫فأنت صادقة‪ ،‬وإن كان من خلفه فهو صادق‪ ،‬فنظروا إلى القميص فإذا هو مشقوق‬
‫من خلف‪ ،‬وروى عن ابن عباس أنه كان رجلً من خاصّة الملك وقال عكرمة‪ :‬لم‬
‫يكن بصبى‪ ،‬ولكنه كان رجلً حكيما‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫سورة النعام‪ -‬آية‬


‫‪.‬‬ ‫أحكام القرآن للجصاص‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫القرطبى‪ -‬الجامع لحكام القرآن‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫القرطبى‪ -‬السابق ص‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪-36-‬‬
‫ل لما كان فى الية دليل على العمل بالقرينة‪ ،‬لن‬
‫ولو كان المتحدث طف ً‬
‫شهادته تغنى عن العادة‪ ،‬إذ هى فى ذاتها معجزة قاطعة بصدقه‪ ،‬لن كلم الطفل‬
‫معجزة‪ ،‬وهى أوضح على صدقه من الستدلل بالعادة وإذا كان رجلً فيصح‬
‫الستدلل بها على القرينة‪.‬‬

‫ل تكلم فى‬
‫وقد رد ابن فرحون على ما قاله القرطبى‪ :‬أنه لو كان الشاهد طف ً‬
‫المهد لما كان فى الية دليل على العمل بالقرينة فقال‪ :‬إنه حتى لو كان الشاهد طفلً‬
‫فإن الحجة قائمة منه بإذن ال تعالى‪ ،‬لنه يرشدنا بها على لسانه إلى التفطن والتيقظ‬
‫والنظر إلى المارات والعلمات التى يعلم بها صدق المحق وبطلن قول المبطل‪،‬‬
‫ويكون ذلك أبلغ فى الحجة من قول الكبير‪ ،‬لن قول الكبير اجتهاد ورأى منه‪،‬‬
‫ونطق الصغير من قبل ال تعالى"‪.‬‬

‫(‪ )3‬ويقول ال تعالى‪:‬‬


‫(واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل‬
‫وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)‪.‬‬

‫ووجه الدللة فى الية الكريمة على المطلوب‪:‬‬

‫أن ال –تبارك وتعالى‪ -‬قد أرشد إلى إشهاد من نرتضيه من الشهود‪ ،‬والرضا‬
‫معنى قائم فى نفس المرضى عنه ل يمكن الستدلل عليه إل من خلل ظهور‬
‫المارات والدلئل التى تجعل الشاهد محل رضا وتصديق أمام القاضى‪ ،‬ولذلك‬
‫يقول ابن العربى‪ :‬فى الية دليل على جواز الجتهاد والستدلل بالمارات على‬
‫خفى المعانى والحكام‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ومن السنة النبوية‪:‬‬


‫المرجع نفسه‪.‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬ ‫تبصرة الحكام لبن فرحون‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫سورة البقرة‪ -‬آية‬
‫‪.‬‬ ‫أحكام القرآن لبن العربى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-37-‬‬
‫استدل القائلون لما ذهبوا إليه من حجية العمل بالقرينة بالسنة النبوية‪ ،‬وذلك‬
‫بما يلى‪:‬‬

‫( ) بما روى أنه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬قضى باللوث فى القسامة ‪ ،‬فقد‬
‫روى أحمد ومسلم والنسائى رضي ال عنهم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن‬
‫وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪ -‬من النصار‪:‬‬
‫أن النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪ -‬أقرّ القسامة على ما كانت عليه فى الجاهلية"‪ ،‬وعن‬
‫سهل ابن أبى حثمة قال‪ :‬انطلق عبد ال بن سهل ومحيّص بن مسعود إلى خيبر‪،‬‬
‫وهو يومئذ صلح فتفرقا‪ ،‬فأتى محيّصة إلى عبد ال بن سهل وهو يتشحط فى دمه‬
‫قتيل‪ ،‬فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيّصة وحويّصة ابنا‬
‫مسعود إلى النبى صلي ال عليه وسلم‪ ،‬فذهب عبد الرحمن يتكلم‪ ،‬فقال‪ :‬كبّر كبّر‪،‬‬
‫وهو أحدث القوم فسكت فتكلما‪ ،‬قال‪ :‬أتحلفون وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم؟‬
‫فقالوا‪ :‬وكيف نحلف ولم نشهد‪ ،‬ولم نر‪ ،‬قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟‪ ،‬فعقله النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬من عنده‪.‬‬

‫ووجه الدللة فى الحديث الشريف على المطلوب‪:‬‬

‫أن النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬قد أقرّ القسامة وهى قائمة على القرينة الدالة‬
‫عليها والمتمثلة فى اللوث‪ ،‬وهو (بفتح اللم وسكون الواو) بمعنى العداوة‪ ،‬كما قال‬
‫الحنفية‪ ،‬أو هو قرينة الحال التى توقع فى القلب صدق المدعى بأن يغلب على الظن‬
‫صدقه لوجود علمة القتل على واحد بعينه‪ ،‬مثل وجود الدم على جسمه وملبسه أو‬
‫وجود شخص قتيل فرّ عنه جمع من الناس‪ ،‬كانوا قد ازدحموا على بئر أو على باب‬
‫الكعبة‪ ،‬أو لرؤية لعب يؤدى ألعابا سحرية فى ميدان عام‪ ،‬أو قامت مظاهرة فى‬
‫أحد الشوارع بأعداد كبيرة من الناس ثم تفرقوا عن قتيل‪ ،‬ول يشترط هنا كونهم‬
‫أعداء‪ ،‬وقال الحنابلة‪ :‬إن اللوث هو العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه‪،‬‬

‫‪.‬‬ ‫نيل الوطار للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-38-‬‬
‫كما كان بين النصار ويهود خيبر‪ ،‬وما بين البغاة‪ ،‬وأهل العدل‪ ،‬وكل ضغينة تقوم‬
‫بين المقتول وغيره يغلب معها على الظن أنه قتله بسببها‪ ،‬وفى رواية عن أحمد‪ :‬أن‬
‫اللوث ما يغلب معه صدق المدعى‪.‬‬

‫( ) ومن السنة –أيضا‪ -‬ما ورد فى الحديث الصحيح فى قضية السرى من‬
‫قريطة لمّا حكم فيهم سعد أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية‪ ،‬فكان بعضهم يدعى عدم‬
‫البلوغ فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزرهم‪ ،‬فيعلمون بذلك البالغ من غيره‪ ،‬وهذا‬
‫من الحكم بالمارات‪.‬‬

‫( ) ومنها‪ :‬أنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أمر الملتقط أن يدفع اللقطة إلى‬
‫واصفها وجعل وصفه لعفاصها ووكائها قائما مقام البينة‪.‬‬

‫( ) ومنها‪ :‬حكم رسول ال‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬وخلفائه من بعده بالقافة‪.‬‬


‫وجعلها دليلً على ثبوت النسب‪ ،‬وليس فيها إل مجرد العلمات والمارات‪.‬‬

‫( ) ومنها ما قضى به رسول ال‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬لبنى عفراء حين‬


‫تداعيا قتل أبى جبل يوم بدر‪ .‬فقال لهما رسول ال‪ -‬صلي ال عليه وسلم‪ -‬مسحتما‬
‫سيفكما؟‪ .‬قال‪ :‬ل‪ ،‬فقال – صلى ال عليه وسلم‪" : -‬أريانى سيفيكما‪ ،‬فلما نظر فيهما‬
‫قال لحدهما‪ :‬هذا قتله وحكم له بسلبه‪.‬‬

‫‪ -‬مكتبة الرياض الحديثة‪ -‬وتبصرة الحكام لبن فرحون مع فتح العلى‬ ‫المغنى لبن قدامة‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫المالك‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫تبصرة الحكام لبن فرحون‪ -‬ص‬
‫نفس المرجع السابق‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪ -‬ص‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪-39-‬‬
‫( ) ومنها أنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أمر الزبير بعقوبة الذى اتهمه بإخفاء‬
‫كنز ابن أبى الحقيق‪ ،‬فلما ادعى أن النفقة والحروب أذهبته قال –صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ :-‬العهد قريب والمال أكثر‪.‬‬

‫( ) ومنها ما رواه ابن ماجة وغيره عن جابر عبد ال قال‪ :‬أردت السفر إلى‬
‫خيبر‪ ،‬فقال لى رسول ال‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬إذا جئت وكيلى فخذ منه خمسة‬
‫عشر وسقا‪ ،‬فإذا طلب منك آية فضع يدك على ترقوتة "فأقام العلمة مقام الشهادة‪.‬‬

‫( ) ومنها قوله –صلى ال عليه وسلم‪ :-‬اليم أحق بنفسها من وليها والبكر‬
‫تستأمر فى نفسها‪ ،‬وإذنها صماتها‪ ،‬فجعل صمت البكر قرينة على الرضا‪ ،‬وتجوز‬
‫الشهادة عليها بأنها رضيت‪ ،‬وهذا من أقوى الدللة على الحكم بالقرائن‪.‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪-40-‬‬
‫ثالثا‪ :‬ومن آثار الصحابة والتابعين‪:‬‬

‫( ) بما روى أن عمر رضي ال عنه ومعه صحابة رسول ال‪-‬صلي ال‬
‫علي وسلم‪-‬قد تواتر عنهم الحكم برجم المرأة إذا ظهر بها حمل ول زوج لها‪ ،‬وهو‬
‫ما ذهب إليه مالك وأحمد ابن حنبل‪ ،‬وذلك اعتمادا على القرينة الظاهرة‪.‬‬

‫( ) ومنها ما حكم به عمر رضي ال عنه ‪ ،‬وابن مسعود وعثمان رضي ال‬
‫عنهما بوجوب الحد على من وجد فيه رائحة الخمر أوقاءها‪ ،‬اعتمادا على القرينة‬
‫الظاهرة وهو مذهب مالك رحمه ال‪.‬‬

‫( ) وبما روى عن شريح وإياس بن معاوية أشياء نحو هذا‪ ،‬فقد روى ابن‬
‫أبى نجيح عن مجاهد قال‪ :‬اختصم إلى شريح امرأتان فى ولد هرة فقالت أحدهما‬
‫هذه ولد هرتى‪ ،‬وقالت الخرى‪ :‬كذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ألقوها مع هذه فإن درت وفرت‬
‫واسبطرت فهى لها‪ ،‬وان هرت وفرت‪ ،‬وازبأرت فليس لها‪.‬‬

‫() وروى حماد بن سلمة قال‪ :‬أخبرنى مخبر عن إياس بن معاوية‪:‬‬

‫أن امرأتين ادعتا كّبة غزل‪ ،‬فخل بإحداهما وقال‪ :‬علم كببت غزلك؟‬

‫فقالت‪ :‬على جوزة‪ ،‬وخل بالخرى فقالت‪ :‬على كسرة خبز‪ ،‬فنقض الغزل‬
‫ودفعه إلى التى أصابت‪.‬‬

‫وهذا الذى كان يفعله شريح وإياس من نحو هذا لم يكن على وجه إمضاء‬
‫الحكم به وإلزام الخصم إياه‪ ،‬وإنما كان على جهة الستدلل بما يغلب فى الظن‬

‫‪.‬‬ ‫تبصرة الحكام لبن فرحون‪ -‬ص‬


‫المرجع نفسه‪.‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬ ‫أحكام القرآن للجصاص‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪-41-‬‬
‫منه‪ ،‬فيقرر بعد ذلك المبطل فيهما‪ ،‬وقد يستحى النسان إذا ظهر مثل هذا من‬
‫القامة على الدعوى‪ ،‬فيقر‪ ،‬فيحكم عليه بالقرار‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬ومن الجماع‪:‬‬

‫فقد أجمع العلماء على حجية العمل بالقرينة‪ ،‬وقد حكى هذا الجماع غير‬
‫واحد من أهل العلم‪ ،‬منهم ابن فرحون فى التبصرة ‪ ،‬والمام القرطبى فى أحكام‬
‫القرآن ‪ ،‬والمام الجصاص فى أحكام القرآن ‪ ،‬والمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم‬
‫وذلك على نحو ما حكاه الطرابلسى فى معين الحكام‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬ومن المعقول‪:‬‬

‫أن للحق أمارات يدرك بها ويعرف من خللها‪ ،‬فكان الوقوف على تلك‬
‫المارات لزما لمعرفة الحق والحكم به‪ ،‬وهذا ما ل يمارى فيه أحد من أهل العلم‪،‬‬
‫وإذا كان أمرها كذلك يكون العمل بها حجة‪.‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫تبصرة الحكام لبن فرحون‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫الجامع لحكام القرآن للقرطبى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫أحكام القرآن للجصاص‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫معين الحكام للطرابلسى‪ -‬ص‬

‫‪-42-‬‬
‫أدلة القول الثانى‪:‬‬

‫وقد استدل أصحاب القول الثانى لما ذهبوا إليه من القرآن الكريم والسنة‬
‫والثار كما يلى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬من القرآن الكريم‪:‬‬

‫يقول ال –تعالى‪( :-‬إن يتبعون إل الظن وما تهوى النفس) ‪،‬‬


‫وقوله تعالى‪( :‬وإن الظن ل يغنى من الحق شيئا) ‪ ،‬وقوله تعالى‪( :‬ما‬
‫لهم به من علم إل اتباع الظن)‪.‬‬

‫ووجه الدللة فى هذه اليات الكريمة على المطلوب‪:‬‬

‫أنها واضحة الدللة فى ذم الظن‪ ،‬والقضاء بالقرينة قائم على الظن فيكون‬
‫مذموما‪ ،‬وإذا كان كذلك يكون العمل بالقرينة غير جائز‪ ،‬لنها ستكون نوعا من‬
‫أكذب الحديث كما جاء فى حديث النبى صلي ال عليه وسلم‪ :‬إياكم والظن‪ ،‬فإن‬
‫الظن أكذب الحديث‪.‬‬

‫وكما يقول أحد الفقهاء المعاصرين‪ :‬يمكن صياغة الدليل على شكل قياس من‬
‫الشكل الول‪ :‬فنقول‪ :‬القرينة تفيد الظن‪ ،‬والظن مذموم شرعا‪ ،‬فالنتيجة أن القرينة‬
‫مذمومة شرعا‪ ،‬وإذا كانت كذلك فل يصح أن تكون وسيلة للثبات‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫سورة النجم‪ -‬آية‬


‫‪.‬‬ ‫سورة النجم‪ -‬آية‬
‫‪.‬‬ ‫سورة النساء‪ -‬آية‬
‫‪.‬‬ ‫‪-‬ص‬ ‫وما بعدها‪ ،‬صحيح مسلم بشرح النووى‪ -‬جك‬ ‫سبل السلم للصنعانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫وما بعدها‪.‬‬ ‫د‪ .‬محمد رأفت عثمان‪ -‬النظام القضائى فى السلم‪ -‬ص‬

‫‪-43-‬‬
‫مناقشة الستدلل بتلك اليات الكريمة‪:‬‬

‫ويرد على استدلل المانعين للحكم بالقرينة بتلك اليات الكريمة‪ :‬أن الظن‬
‫المنهى عنه فيها‪ ،‬هو الظن المذموم‪ ،‬وهو الوارد فى مجال العقائد‪ ،‬لنها ل تثبت‬
‫بالظن إجماعا‪ ،‬وذلك مثل معرفة الله ومعرفة صفاته‪ ،‬حيث يشترط فى كل ذلك أن‬
‫يكون مبنيا على العلم والعتقاد الجازم‪ ،‬والظن المذموم ليس كذلك ‪ ،‬أو هو الظن‬
‫السيئ الذى يبنى الشخص حكمه عليه أو الشك الذى يدفع صاحبه للولوغ فى‬
‫أعراض الناس من غير حجة يستند إليها ظنه ‪ ،‬والعمل بالقرينة للوصول إلى الحق‬
‫ليس من هذا القبيل‪ ،‬فل يكون داخلً فى إطار الذم المدلول عليه فيها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ومن السنة‪:‬‬

‫() وبما رواه ابن ماجه عن ابن عباس –رضى ال عنه‪ -‬أنه قال‪:‬‬

‫قال رسول ال صلي ال عليه وسلم‪" :‬لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت‬
‫فلنة‪ ،‬فقد ظهر منها الريبة فى منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها"‪.‬‬

‫ووجه الدللة فى هذا الحديث الشريف على المطلوب‪:‬‬

‫أن النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬لم يقم حد الرجم على امرأة رغم ظهور‬
‫القرائن الدالة على تورطها فى إثم الزنا‪ ،‬وظهور التهمة فى منطقها ومنظرها ومن‬
‫يدخل عليها‪ ،‬فدل ذلك على أنه ل يجوز العمل بالقرينة‪.‬‬

‫مناقشة الستدلل بالحديث‪:‬‬

‫ويجاب عن هذا الستدلل بأن الرسول‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬لم يقم برجم‬


‫تلك المرأة لضعف القرينة التى قامت بها عن إثبات الحد‪ ،‬فاستحكمت فيها الشبهة‬

‫‪.‬‬ ‫فى هذا المعنى‪ :‬العز بن عبد السلم‪ -‬قواعد الحكام فى مصالح النام‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫د‪ .‬محمد رأفت عثمان‪ -‬السابق ص‬
‫‪.‬‬ ‫نيل الوطار للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-44-‬‬
‫بسبب هذا الضعف‪ ،‬ومن ثم لم تصلح لثبات الحد‪ ،‬إذ هو مما يدرأ بالشبهة عملً‬
‫بحديث النبى صلي ال عليه وسلم‪" :‬ادرءوا الحدود ما استطعتم‪ ،‬فلن يخطئ المام‬
‫فى العفو خير من أن يخطئ فى العقاب ‪ ،‬وعن أبى هريرة رضي ال عنه أنه –‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ :‬ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا‪.‬‬

‫( ) وبما روى عن ابن عباس‪ -‬رضى ال عنه‪ -‬قال‪ :‬شرب رجل الخمر‬
‫فسكر فلقى يميل فى الفج‪ ،‬فانطلق به إلى النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪ ،-‬فلما حاذى‬
‫بدار العباس‪ ،‬انفلت فدخل على العباس فالتزمه‪ ،‬فذكر ذلك للنبى‪-‬صلي ال علي‬
‫وسلم‪ ،-‬فضحك‪ ،‬وقال‪ :‬أفعلها؟‪ ،‬ولم يأمر فيه بشيئ‪.‬‬

‫ووجه الدللة فى هذا الحديث الشريف على المطلوب‪:‬‬

‫أن الرسول‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬لم يقم الحد على من وجدت فيه قرينة‬
‫شرب الخمر‪ ،‬ولكنه حين علم بأمره‪ ،‬وأنه كان يتمايل من السكر‪ ،‬ضحك ولم يأمر‬
‫فيه بشيئ‪ ،‬فدل ذلك على عدم جواز العمل بالقرينة‪.‬‬

‫ويمكن أن يجاب عن ذلك‪:‬‬

‫بأنه ربما لم يقم عليه الحد لضعف القرينة عن إثباته‪ ،‬حيث إنه مما يدرأ‬
‫بالتهمة‪ ،‬أو لنه لم يقر لديه بالشرب‪ ،‬أو لنه قد علم بالجريمة‪ ،‬والقاضى ل يحكم‬
‫بعلمه ‪ ،‬أو لنه لم يقم بحقه الشروط التى يجب أن تتوافر لقامة الحد عليه ومن‬
‫ثم ل يكون في عدم إقامة الحد عليه دليل على ترك العمل بالقرينة‪ ،‬ول يكون‬
‫الحديث دالً على ما ذهبوا إليه‪ ،‬ثم إن عجز القرينة عن إثبات الحد ل يمنع من‬
‫صلحيتها لثبات التعزير وهو المطلوب منها‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫فى هذا المعنى‪ :‬د‪ .‬محمد رأفت عثمان‪ -‬السابق ص‬


‫‪ ،‬وما بعدها‪.‬‬ ‫رواه ابن ماجه‪ ،‬راجع‪ :‬نيل الوطار للشوكانى‪ -‬السابق‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫رواه أحمد وأبو دواد وقال‪ :‬هذا مما تفرد به أهل المدينة‪ ،‬راجع‪ :‬نيل الوطار للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫فى هذا المعنى‪ :‬الشوكانى فى نيل الوطار‪ -‬السابق‪ -‬ص‬

‫‪-45-‬‬
‫ثالثا‪ :‬ومن المعقول‪:‬‬

‫استدل القائلون بعدم الحكم بالقرينة من المعقول فقالوا‪:‬‬

‫إن القرائن ليست مضطردة في دللتها على الحكم‪ ،‬كما أنها غير منضبطة‬
‫لنها تتفاوت قوة وضعفا فل تصلح لبناء الحكم عليها‪.‬‬

‫مناقشة الستدلل بالمعقول‪:‬‬

‫وقد أجيب عن هذا الستدلل بأن القرينة يجب أن تكون قوية الدللة في إفادة‬
‫الحكم‪ ،‬وما لم تكن كذلك فإنها ل تصلح‪ ،‬والعتبار في المشروعية للقرينة القوية‪،‬‬
‫فل يكون للحتجاج بالقرينة معنى لنها غير داخلة في الموضوع‪.‬‬

‫الرأى الراجح في الموضوع‪:‬‬

‫ومن خلل بيان أدلة كل قول وما ورد عليها من مناقشات يستبين لنا أن‬
‫القول الول هو الراجح‪ ،‬ومن ثم يكون العمل بالقرينة هو الحكم الذى يتعين المصير‬
‫إليه‪ ،‬سيما وأن الجماع قد انعقد على ذلك‪ ،‬فيكون القول به هو القوى والرجح‪،‬‬
‫وذلك ما نميل إليه ونقرره‪.‬‬

‫مضمون القرينة في القرار بالتهمة‪:‬‬

‫ويبدو مما ذكره الفقهاء أن القرينة ظاهرة أو علمة تدل على وجود أمر‬
‫يقتضى حكما‪ ،‬وذلك مثل اشتهار أحد من الناس بالجرام في نوع معين من الجرائم‬
‫كالسرقة‪ ،‬أو تسلق المواقع بقصد اقتحام المنازل‪ ،‬أو وجود رائحة الخمر في فم‬
‫سكران يترنح في مشيته‪ ،‬أو طروء الثراء الكبير على شخص ل يعلم له مورد أو‬
‫عمل يدر عليه مالً وفيرا‪ ،‬وذلك مثل من اتهم بإخفاء كنز أبى الحقيق وظهرت عليه‬

‫‪ ،‬مشار إليه فى‪ ،‬د‪ .‬محمد رأفت عثمان‪ -‬السابق‪-‬‬ ‫د‪ .‬عبد العال عطوة‪ -‬محاضرات فى علم القاضى‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫ص‬
‫‪.‬‬ ‫فى هذا المعنى‪ :‬د‪ .‬محمد رأفت عثمان‪ -‬السابق‪ -‬ص‬

‫‪-46-‬‬
‫علمات الثراء‪ ،‬ولما سئل عن نقص الكنز قال‪ :‬أذهبته الحروب والنفقات‪ :‬فقال له‬
‫–صلى ال عليه وسلم‪( :-‬العهد قريب والمال أكثر)‪ ،‬لن قرب العهد وكثرة المال‬
‫تدل على كذب دعواه وإدانته بتطاول يده على المال الذى في حوزته ‪ ،‬كوجود‬
‫الدم على السيف فإنه يعتبر قرينة دالة على حدوث القتل من حامله‪ ،‬وهو ما فعله‬
‫النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬مع بنى عفراء حين تداعيا قتل أبى جهل يوم بدر ‪،‬‬
‫ومن ذلك سكوت البكر عند خطبتها فإن سكوتها قرينة على رضاها بالخاطب‪،‬‬
‫وكظهور الحمل على المرأة دون أن يكون لها زوج أو سيد‪ ،‬فإن هذه القرائن‬
‫وغيرها إنما هى علمات ظاهرة تدل بما يغلب على الظن معه وجود الحكم‬
‫المقترن بها دللة ظنية راجحة‪.‬‬

‫فإذا اقترن التهام بأحد تلك الظواهر المرجحة لحصول الظن بوقوع الفعل‬
‫المتهم به من المتهم‪ ،‬فإن ذلك من شأنه أن يرتب حكما حاصله جواز إيقاع العقاب‬
‫الملئم به‪ ،‬ويكون ذلك العقاب بناء على الدليل الذى قام عليه وهو القرينة‪ ،‬وليس‬
‫بهدف إرغامه على القرار بالتهمة‪.‬‬

‫طبيعة العقاب الناشئ عن القرينة‪:‬‬

‫القرينة دليل ظنى يترجح معه صدق التهمة بحق من وقعت به‪ ،‬وبناء عليه‬
‫فإنها ل تصلح دليلً على عقوبة حدية‪ ،‬كما ل تصلح كذلك للقصاص من المتهم‪،‬‬
‫وذلك لن الحدود يحتاط فيها ما ل يحتاط في غيرها‪ ،‬ولنها عقوبات مقدرة وجبت‬
‫حقا ل –تعالى‪ -‬وجانب العفو فيها أرجح من جانب العقاب‪ ،‬ولهذا تدرأ بالشبهة قدر‬
‫المستطاع‪ ،‬ول توقع على المتهم إل إذا استوفت كافة شرائطها ومنها استيفاء نصاب‬
‫الشهادة وشروطها أو عدد مرات القرار وثباته على نحو محقق يعصمه من‬
‫الرجوع فيه‪ ،‬ولن تلك العقوبات مما يتعلق بالدماء والعراض وفواتهما مما‬

‫‪.‬‬ ‫تبصرة الحكام لبن فرحون‪ -‬ص‬


‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪-47-‬‬
‫يصعب تداركه‪ ،‬ولهذا يجب التثبت التام من قيام التهمة بجانب المتهم‪ ،‬والقرينة‬
‫علمة ظنية ل تصلح لهذا التثبت‪ ،‬وإذا كان القصاص يتجاذبه مع حق ال‪ ،‬حق‬
‫العبد فإن ذلك التمحيص الدارئ للقصاص ل يصادم حق العبد‪ ،‬لنه سيئول إلى‬
‫الضمان المالى أو الدية‪ ،‬ومن ثم فإن التحوط في الحدود أو القصاص ل ينافى ما‬
‫للعبد من حقوق مالية ناشئة عن التهمة‪.‬‬

‫وإذا كانت القرينة ل تصلح دليلً على ثبوت العقاب في الحدود والقصاص‪،‬‬
‫لم يبق إل أن تكون صالحة لثبوت العقوبات التعزيرية‪ ،‬ومعلوم أن تلك العقوبات‬
‫مما يترك أمر تقديرها للحاكم‪ ،‬يوقعها حسبما يرى من الظروف ما يلئم تحقيق‬
‫المقاصد الشرعية المرجوة من تقرير العقوبة‪.‬‬

‫شبهة وردها‪:‬‬

‫وقد يعترض على ما تقرر من أن القرينة ل تصلح إل لثبات التعزير ما‬


‫روى عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه قد أثبت حد الزنا بقرينة الحمل‪،‬‬
‫وذلك فيما رواه البخارى وغيره‪ ،‬أنه –رضى ال عنه‪ -‬قال‪ :‬خشيت أن يطول‬
‫بالناس زمان حتى يقول قائل‪ :‬ل نجد الرجم في كتاب ال‪ ،‬فيضلوا بترك فريضة‬
‫أنزلها ال‪ ،‬أل وإن الرجم حق على من زنا وقد أحصن‪ ،‬إذا قامت البيئة أو كان‬
‫الحمل أو العتراف‪.‬‬

‫وما روى عنه في ثبوت حد الخمر برائحته‪ ،‬وذلك فيما رواه المام مالك أن‬
‫عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال‪ :‬إنى وجدت من فلن ريح شراب‪ ،‬فزعم أنه‬
‫شراب الطلء‪ ،‬وأنا سائل عما شرب‪ ،‬فإن كان يسكر جلدته‪ ،‬فجلده عمر الحد‬
‫تاما ‪ ،‬وقيل إن ذلك هو رأى المالكية‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬ونيل الوطار للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪-‬ص‬ ‫فتح البارى بشرح صحيح البخارى‪ -‬جك‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬وتنوير الحوالك‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪ -‬طبعة وزارة الوقاف بمصر سنة‬ ‫موطأ المام مالك‪ -‬ص‬

‫‪-48-‬‬
‫توجيه رأى عمر بن الخطاب والمالكية‪:‬‬

‫وما ورد عن عمر بن الخطاب والمالكية فى ثبوت الحد بالقرينة لم يسلم من‬
‫المناقشة وتوجيه أهل العلم‪ ،‬وذلك كما يلى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬توجيه رأى عمر بن الخطاب‪:‬‬

‫ما ورد عن عمر رضي ال عنه في ثبوت حد الزنا بقرينة الحمل مردود بما‬
‫فعله مخالفا لذلك‪ ،‬فقد روى الحاكم وغيره أن عمر بن الخطاب قال لرجل أقعد‬
‫جاريته وقد اتهمها بالفاحشة على النار حتى احترق فرجها‪ :‬هل رأيت ذلك عليها؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬قال هل اعترفت؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬فضربه وقال‪ :‬لول أنى سمعت رسول ال‪-‬‬
‫صلي ال علي وسلم‪-‬يقول‪ :‬ل يقاد لمملوك من مالكه لقدتها منك ‪ .‬قال الحاكم‪ :‬إنه‬
‫صحيح السناد‪.‬‬

‫لقد دل ذلك الثر على أن عمر لم يسأل عن القرائن‪ ،‬وإنما سأل عن البينة‬
‫والعتراف‪ ،‬ولو كان مذهبه العمل بالقرينة في الحدود لسأل عنها‪ ،‬لكنه لم يسأل‪،‬‬
‫فدل ذلك على أن العمل بها ليس مذهبا له‪.‬‬

‫وما روى عنه في ثبوت حد الخمر بالرائحة‪ ،‬مردود بما ذكره ابن قدامة –‬
‫رحمه ال‪ -‬إن الحد ل يجب بالرائحة عند عمر رضي ال عنه ‪ ،‬بدليل أنه لم يقم‬
‫الحد على المتهم حتى سأله عن الشراب الذى شربه ‪ ،‬فدّل ذلك على أن علة الحد‬
‫هى الشراب المسكر‪ ،‬وليست الرائحة وحدها‪ ،‬ثم إن ما روى عنه في المسألتين إنما‬
‫هو قول صحابى ل حجة فيه ول يثبت به مثل هذا المر العظيم الذى يفضى إلى‬
‫هلك النفوس‪ ،‬وكونه قاله في مجتمع من الصحابة ولم ينكر عليه ل يستلزم أن‬
‫يكون إجماعا‪ ،‬لن النكار في مسائل الجتهاد غير لزم للمخالف‪ ،‬ول سيما والقائل‬
‫بذلك عمر‪ ،‬وهو بمنزلة من المهابة في صدور الصحابة وغيرهم‪ ،‬وقد أجاب‬

‫‪.‬‬ ‫‪-‬ص‬ ‫فتح البارى‪ -‬جك‬


‫‪.‬‬ ‫المغنى لبن قدامة‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-49-‬‬
‫الطحاوى بتأويل المراد من ذلك على أن الحمل إذا كان من زنا وجب فيه الرجم‪،‬‬
‫ل للبينة والعتراف ‪،‬‬
‫ولبد من ثبوت كونه من زنا‪ ،‬وذلك يأبى جعل الحبل مقاب ً‬
‫ولن الحدود مما تدرأ بالشبهة‪ ،‬لقوله –صلى ال عليه وسلم‪( :-‬ادرءوا الحد عن‬
‫المسلمين ما استطعتم)‪.‬‬

‫وقد روى ابن أبى شيبة من طريق إبراهيم النخعى عن عمر بلفظ‪ :‬لن‬
‫أخطئ في الحدود بالشبهات أحب إلى من أقيمها بالشبهات‪.‬‬

‫وأخرج البيهقى وعبد الرازق عن عمر رضي ال عنه أنه عزر رجلً زنى‬
‫في الشام وادعى الجهل بتحريم الزنا‪ ،‬وكذا روى عنه وعن عثمان أنهما عزرا‬
‫جارية زنت وهى أعجمية‪ ،‬وادعت أنها لم تعلم بالتحريم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬توجيه رأى المالكية‪:‬‬

‫وأما عن توجيه رأى المالكية فإن من يتأمل رأيهم يجد أنهم لم يجعلوا الحبل‬
‫مقارنا للبينة والقرار في ثبوت حد الزنا‪ ،‬بل قرروا‪ :‬أنه الحبل الخالى من كافة‬
‫القرائن الدافعة لثبوت الزنا على الحامل‪ ،‬فدّل ذلك على أن الزنا الثابت بطرقه‬
‫الشرعية هو علّة الحد‪ ،‬وليس الحمل‪ ،‬أو أن الحمل في ذاته ليس صالحا لثبوت الحد‬
‫إل إذا خل من القرائن الدالة على نفى ثبوت الزنا‪ ،‬ومنها القرار به أو ثبوته على‬
‫الحامل بالشهادة‪ ،‬أو عدم نفى الكراه على الزنا ‪ ،‬وفى ذلك يقول الدسوقى في‬
‫حاشيتة على الشرح الكبير‪( :‬المرأة إذا ظهر بها حمل ولم يعرف لها زوج فإنها‬
‫تحد‪ ،‬ول يقبل دعواها بنفى الزنا عنها إل إذا قامت قرينة تشهد على صدقها مثل‬

‫‪.‬‬ ‫نيل الوطار للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬


‫‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪ -‬ص‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬والشرح الكبير‪ -‬نفس المكان وبداية المجتهد‪ -‬جك ‪-‬‬ ‫حاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫ص‬

‫‪-50-‬‬
‫كونها عذراء وهى من أهل العفة) ‪ ،‬وكما يقول المام الطوسى‪ :‬الصل براءة‬
‫الذمة‪ ،‬وإيجاب الحد يحتاج إلى دليل‪ ،‬وأيضا فإنه يحتمل أن يكون من زنا‪ ،‬أو من‬
‫وطء بشبهة‪ ،‬ويحتمل أن تكون مكرهة‪ ،‬ول حد مع الشبهة‪.‬‬

‫العقاب بالتهمة في الموال‪:‬‬

‫وأما العقاب بالتهمة في الموال فإنه جائز‪ ،‬وقد ثبت جوازه بالسنة والجماع‪،‬‬
‫والمعقول كما يلى‪:‬‬

‫(‪ )1‬أما السنة‪:‬‬

‫فبما روى أنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬لى الواجد يحل عرضه‬
‫وعقوبته"‪.‬‬

‫ووجه الدللة في هذا الحديث الشريف على المطلوب‪:‬‬

‫أن الرسول‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬قد أحلّ عرض وعقوبة الواجد المماطل‪،‬‬


‫ل على‬
‫لن في امتناعه عن وفاء الديون الواجبة عليه مع قدرته على السداد دلي ً‬
‫ظلمه‪ ،‬وهذا الظلم يجيز استحلل عرضه فيذكر بما يشين‪ ،‬مثل أنه آكل لحقوق‬
‫الناس‪ ،‬كما يجيز عقوبته بما يؤلمه ويدفعه لوفاء ما عليه‪ ،‬ومن ثم يكون امتناعه عن‬
‫الوفاء مع القدرة عليه قرينة تجيز عقابه‪ ،‬فدل ذلك على العمل بالقرينة في الموال‪.‬‬

‫حاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪ -‬المكان السابق‪.‬‬


‫‪.‬‬ ‫كتاب الخلف‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫نيل الوطار للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-51-‬‬
‫(‪ )2‬أما الجماع‪:‬‬

‫فقد انعقد إجماع المسلمين على أن الغنى المماطل يجوز عقابه بالحبس وغيره‬
‫مما يحمله على الوفاء وقد حكى المام الشوكانى الجماع في ذلك فقال‪ :‬يجب حبس‬
‫من عليه الحق لليفاء إجماعا إن طلب‪.‬‬

‫ويقول المام ابن تيمية‪" :‬وأما عقوبة من عرف أن الحق عنده وقد جحده‪ ،‬أو‬
‫منعه فمتفق عليها بين العلماء‪ ،‬ول أعلم منازعا في أن من وجب عليه حق من دين‬
‫أو عين وهو قادر على وفائه ويمتنع فإنه يعاقب حتى يؤديه‪ ،‬وقد نصوا على‬
‫عقوبته بالضرب‪ ،‬ذكر ذلك المالكية‪ ،‬والشافعية والحنبلية وغيرهم" ‪ ،‬وقال ابن‬
‫القيم‪ :‬ذكر ذلك الفقهاء من الطوائف الربعة بعد أن نقل ما قاله شيخه ابن تيمية‪.‬‬

‫وقد اتخذ عمر رضي ال عنه سجنا للتأديب واستيفاء الحقوق‪ ،‬كما فعل‬
‫عثمان وعلى‪ ،‬دون أن ينكر عليهم أحد من الصحابة‪ ،‬وكذلك الدّرة والسوط‪ ،‬لفعل‬
‫عمر وعثمان‪.‬‬

‫(‪ )3‬وأما المعقول‪:‬‬

‫فإن قيام التهمة مما يخدش العرض ويجعل عصمته محل شك وريبة ومن ثم‬
‫يجوز إلحاق العقاب به‪.‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬وابن القيم الطرق الحكمية‪ -‬ص‬ ‫‪-‬ص‬ ‫فتاوى ابن تيمية‪ -‬جك‬
‫ابن القيم‪ -‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫نيل الوطار للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-52-‬‬
‫المبحث الثانى‬

‫اتفاق الفقهاء على حكم التهام المجرد وأدلتهم‬

‫اتفق الفقهاء على أنه إذا كان اتهام الشخص مجردا على القرائن التى تدينه‬
‫وترجح جانب إدانته‪ ،‬فإنه ل يجوز تعذيبه أو إلحاق أدنى ضرر به بهدف التأثير‬
‫على إرادته‪ ،‬أو إرغامه على العتراف بتهمة لم يرتكبها‪ ،‬أو جريمة لم يفعلها‪،‬‬
‫والتهام المجرد هو الخالى من القرائن التى يغلب على الظن معها ارتكابه لما نسب‬
‫إليه‪ ،‬أو ترجح جانب الدانة فيما حامت الشبهات حوله‪ ،‬وقد قامت الدلة على ذلك‬
‫من الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وآثار الصحابة‪ ،‬والجماع والمعقول‪ ،‬وذلك كما يلى‪:‬‬

‫أول ‪ :‬من الكتاب الكريم‪:‬‬

‫يقول ال تعالى‪( :‬من كفر بالله من بعد إيمانه إل من أكره وقلبه‬


‫مطمئن باليمان ولكن من شرح بالكفر صدًرا فعليهم غضب من‬
‫الله)‪.‬‬

‫ووجه الدللة في هذا القول الكريم‬

‫أن ال تبارك وتعالى قد نفى أثر الكراه على اليمان وهو أ صل‪ ،‬فلن‬
‫يكون أثره منفيا في غير اليمان من الفروع يكون ذلك من باب أولى‪ ،‬وهذا واضح‬
‫من استثناء الكراه على اليمان مع اطمئنان القلب من الكفر‪ ،‬ومعلوم أن المستثنى‬
‫يخالف المستثنى منه في حكمه‪ ،‬وهو هنا الكفر فيكون المستثنى مناقضا له‪ ،‬وهو‬
‫اليمان في هذا يقول صاحب مغنى المحتاج‪ :‬جعل الكراه مسقطا لحكم الكفر‬
‫فبالولى ما عداه‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫سورة النحل‪ -‬آية‬


‫‪.‬‬ ‫مغنى المحتاج‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-53-‬‬
‫ثانيا‪ :‬من السنة النبوية الشريفة‪:‬‬

‫( ) بما روى أن المشركين أخذوا عمارا فأرادوه على الشرك‪ ،‬فأعطاهم‪،‬‬


‫فانتهى إليه النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬وهو يبكى‪ ،‬فجعل يمسح الدموع عن عينه‬
‫ويقول‪ :‬أخذك المشركون فغطوك في الماء وأمروك أن تشرك بال ففعلت‪ ،‬فإن‬
‫أخذوك مرة أخرى‪ ،‬فافعل ذلك بهم‪.‬‬

‫ووجه الدللة في هذا الحديث على المطلوب‪:‬‬

‫أن النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬قد حكم برفع أثر الكراه على الكفر‪ ،‬وبين انه‬
‫ل قيمة له معه‪ ،‬بل أمر عمارا أن يعود لجريان كلمة الكفر على لسانه إذا كره‬
‫عليها‪ ،‬ولو كان لها تأثير مع الكراه ما أمره بها‪ ،‬فدل ذلك على أن الكراه إذا كان‬
‫ذلك شأنه في اليمان وهو أصل‪ ،‬فلن يكون ذلك الثر ثابتا في غير اليمان من‬
‫باب أولى‪.‬‬

‫() وبما روى أنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬خطب الناس يوم النحر فقال‪ :‬أل‬
‫تدرون أى يوم هذا؟ قالوا ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‬
‫فقال‪ :‬أليس يوم النحر؟‪ ،‬قلنا‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬أى بلد هذا؟‪ ،‬أليست بالبلدة‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬بلى يا رسول ال‪ :‬قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام‬
‫كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في شهركم هذا في بلدكم هذا‪ ،‬أل هل بلغت‪ ،‬قلنا‪ :‬نعم قال‪ :‬اللهم‬
‫أشهد‪ ،‬فليبلغ الشاهد الغائب‪.‬‬

‫ووجه الدللة في هذا الحديث على المطلوب‪:‬‬

‫أن النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬قد حرّم أعراض الناس وأبشارهم‪ ،‬والبشار‬


‫جمع بشر وهى جلد النسان وبشرته‪ ،‬ومن ثم فإنه ل يجوز المساس به بما يؤلم‬

‫‪ ،‬وابن سعد فى الطبقات الكبرى‪ -‬جك‬ ‫رواه أبو حفص بإسناده‪ ،‬وأخرجه الحاكم فى المستدرك‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫‪-‬ص‬

‫‪-54-‬‬
‫بشرته‪ ،‬وتعذيبه بقصد الحصول على إقرار منه باقتراف التهمة فيه مساس ببشرته‬
‫كما أن فيه مساسا بعرضه فل يجوز‪ ،‬وإذا صدر القرار منه في مثل هذا الحال‬
‫فإنه يكون باطلً ول يعتد به‪ ،‬وذلك ما قرره الفقهاء في المذاهب المختلفة‪.‬‬

‫( ) وبما روى على أبى هريرة‪ :‬قال جاء ماعز السلمى إلى رسول ال‪-‬‬
‫صلي ال علي وسلم‪-‬فقال‪ :‬إنه قد زنى‪ ،‬فأعرض عنه‪ ،‬ثم جاء من شقه الخر‪ ،‬فقال‬
‫إنه قد زنى فأعرض عنه‪ .‬ثم جاء من شقة الخر فقال يا رسول ال‪ :‬إنه قد زنى‪،‬‬
‫فأمر به في الرابعة؟‪ ،‬فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة‪ ،‬فلما وجد مس الحجارة فرّ‬
‫يشتد‪ ،‬حتى مرّ رجل معه لحى جمل فضربه به‪ ،‬وضربه الناس حتى مات‪ ،‬فذكر‬
‫ذلك لرسول ال‪ -‬صلي ال عليه وسلم‪ -‬أنه فرّ حين وجد مس الحجارة‪ ،‬ومس‬
‫ل تركتموه‪.‬‬
‫الموت‪ ،‬فقال رسول ال صلي ال عليه وسلم‪ :‬ه ّ‬

‫وفى رواية عن أبى هريرة –أيضا‪ -‬أنه بعد أن أقر على نفسه أربعا‪ ،‬دعاه‬
‫رسول ال‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬فقال‪ :‬أبك جنون؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل أحصنت؟‪،‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪"-‬اذهبوا فارجموه"‪.‬‬

‫وفى حديث بريدة أنه قال‪ :‬أشربت خمرا؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬وأنه قام رجل يستنكهه فلم‬
‫يجد فيه ريحا‪ ،‬وفى حديث ابن عباس‪ :‬لعلك قبّلت أو غمزت‪ ،‬وفى رواية‪ :‬هل‬
‫ضاجعتها‪ :‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فهل باشرتها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬هل جامعتها؟ قال نعم‪،‬‬

‫‪،‬‬ ‫‪ ،‬والمقدمة السلطانية‪ -‬ص‬ ‫‪ ،‬ومعين الحكام للطرابلسى‪ -‬ص‬ ‫راجع‪ :‬تكملة القدير‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪،‬‬ ‫‪ ،‬وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫حاشية ابن عابدين على الدر المختار‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬ومواهب الجليل للحطاب‪ -‬جك‬ ‫‪ ،‬تبصرة الحكام لبن فرحون‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫والشرح الصغير جك ‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬والحكام السلطانية للماوردى‪-‬‬ ‫‪ ،‬مغنى المحتاج‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪ ،‬الم للشافعى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪-‬ص‬
‫‪ ،‬والحكام السلطانية لبى يعلى‪-‬‬ ‫‪ ،‬والكافى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪ ،‬والمغنى لبن قدامة‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫ص‬
‫والمختصر النافع‪ -‬ص‬ ‫‪ ،‬والبحر الزخار‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪-‬ص‬ ‫‪ ،‬والمحلى لبن حزم‪ -‬جك‬ ‫ص‬
‫‪.‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬ ‫رواه أحمد وابن ماجة والترمذى‪ ،‬وراجع‪ :‬نيل الوطار للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫سبل السلم للصنعانى‪ -‬جك ‪ -‬ص ‪.‬‬

‫‪-55-‬‬
‫قال‪ :‬دخل ذلك منك‪ ،‬فى ذلك منها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬كما يغيب المرود في المكحلة‬
‫والرشا في البئر؟‪ ،‬قال نعم‪ ،‬قال‪ :‬تدرى ما الزنا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أتيت منها حراما‪ ،‬ما‬
‫يأتى الرجل من امرأته حللً‪ ،‬قال‪ :‬فماذا تريد بهذا القول؟ قال‪ :‬تطهرنى‪ ،‬فأمر به‬
‫فرجم"‪.‬‬

‫ووجه الدللة في هذا الحديث على المطلوب‪:‬‬

‫أنه قد أفاد برواياته المختلفة‪ ،‬أن القرار ل يكون صالحا لترتيب أثره عليه‬
‫إل إذا أتى بعد تمحيص يدل على كمال اختيار المقر‪ ،‬وما لم يكن كذلك فإنه ل يعتد‬
‫به‪ ،‬ما روى عن ابن عباس –رضى ال عنهما‪ -‬أن النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬‬
‫قال‪ :‬إن ال وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‪.‬‬

‫وعن أبى ذر الغفارى قال‪ :‬قال رسول ال صلي ال عليه وسلم‪" :‬إن ال‬
‫تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"‪.‬‬

‫ووجه الدللة في هذا الحديث على المطلوب‪:‬‬

‫أن النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬قد وضع عن أمته ما تكره عليه‪ ،‬ووضع‬


‫الكراه في ذاته غير وارد بدليل وقوعه حسا‪ ،‬فلم يبق إل أن يكون الوضع لحكمه‪،‬‬
‫وفى هذا دللة على أن الكراه ل أثر له‪.‬‬

‫ول يتصور في دليل صحيح من السنة النبوية الشريفة يفيد التحوط للقرار‬
‫إلى الحد الذى يلقن المقر فيه الرجوع عما أقر به من التهمة الملتصقة به‪ ،‬أن يجبر‬
‫بالكراه على ذلك القرار بالضغط والتعذيب‪ ،‬فالحديث بجميع رواياته يفيد عدم‬
‫جواز ذلك‪ ،‬وأنه إذا حدث فإن أثره ل يترتب عليه‪.‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬
‫رواه الحاكم فى المستدرك‪ -‬باب الطلق‪ -‬وقال صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬راجع‪ :‬نصب الراية‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪ -‬طبعة دار الحديث بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬دار العلوم النسانية بدمشق‪.‬‬ ‫مختصر سنن ابن ماجة‪ -‬للدكتور مصطفى البغا‪ -‬ص‬

‫‪-56-‬‬
‫ثالثا‪ :‬من آثار الصحابة‪:‬‬

‫ومما يدل على عدم جواز الكراه في حالة القرار المجرد من آثار الصحابة‬
‫ما يلى‪:‬‬

‫( ) ما روى عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه قال‪ :‬ليس الرجل أمينا‬
‫على نفسه إذا أجعته أو ضربته أو أوثقته‪.‬‬

‫ووجه الدللة في هذا الحديث على المطلوب‪:‬‬

‫أنه قد دلّ على أن المساس بالشخص على نحو يؤلمه أو يعذبه يتنافى مع أمنه‬
‫على نفسه‪ ،‬فل يصلح ما يصدر منه من القرار معه‪ ،‬لنه لن يكون مختارا‪،‬‬
‫والختيار شرط لصحة القرار‪.‬‬

‫( ) وما رواه أبو دواد والنسائى عن أزهر بن عبد ال‪ ،‬أن قوما سرق لهم‬
‫متاع‪ ،‬فاتهموا أناسا من الحاكمة‪ ،‬فأتوا النعمان بن بشير‪ ،‬صاحب رسول ال‪-‬صلي‬
‫ال علي وسلم‪-‬فحبسهم أياما ثم خلى سبيلهم‪ ،‬فأتوه‪ ،‬فقالوا‪ :‬خليت سبيلهم بغير‬
‫ضرب ول امتحان؟‪ ،‬فقال‪ :‬ما شئتم‪ ،‬إن شئتم أن أضربهم‪ ،‬فإن خرج متاعكم فذاك‪،‬‬
‫وإل أخذت من ظهوركم مثل الذى أخذت من ظهورهم‪ .‬فقالوا‪ :‬هذا حكمك؟ فقال‪:‬‬
‫حكم ال وحكم رسوله‪.‬‬

‫هك‪ ،‬وقد أخرجه عبد الرازق‬ ‫‪ ،‬طبعة دار المعارف العثمانية سنة‬ ‫راجع‪ :‬سنن البيهقى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪-‬ص‬ ‫عن الثورى عن الشيبانى عن حنظلة عن أبيه عن عمر بن الخطاب‪ ،‬راجع‪ :‬مصنف عبد الرازق‪ -‬جك‬
‫‪ ،‬طبعة‬ ‫ص‬ ‫هك‪ .‬وراجع‪ :‬المغنى لبن قدامة‪-‬‬ ‫تحقيق حبيب العظمى‪ -‬طبعة بيروت سنة‬
‫هجر‪.‬‬
‫وما بعدها‪،‬‬ ‫‪ ،‬والثر أخرجه أبو دواد‪ ،‬راجع‪ :‬سنن أبى دواد‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫زاد المعاد‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬مختصر سنن النسائى‪ ،‬د‪ .‬مصطفى‬ ‫طبعة الحلبى‪ ،‬والنسائى‪ ،‬باب امتحان السارق بالضرب والحبس‪ ،‬حديث‬
‫طبعة دار العلوم النسانية بدمشق‪.‬‬ ‫البغا‪ -‬ص‬

‫‪-57-‬‬
‫ووجه الدللة في هذا الحديث على المطلوب‪:‬‬

‫أنه قد دلّ على أن التعذيب المشروع‪ ،‬هو ضرب الحدود والتعزير‪ .‬وذلك إنما‬
‫يكون بعد إثبات أسبابها وتحققها‪ ،‬وإذا لم توجد هذه السباب فل يجوز ضرب‬
‫النسان وتعذيبه‪ ،‬يقول أبو دواد‪ :‬إنما أرهبتم بهذا القول فل يجب الضرب إل بعد‬
‫العتراف‪.‬‬

‫وبما روى عن ابن شهاب أنه قال في رجل اعترف بعد إقراره‪ :‬إنه ليس‬
‫لن إقراره لم يصدر عن اختيار كامل حتى يكون صالحا لن يرتب‬ ‫عليه حد‬
‫أثره في حق المقر‪.‬‬

‫ووجه الدللة في هذا الحديث على المطلوب‪:‬‬

‫أنه قد دلّ على أن الكراه ل يرتب أثره في حق المكره‪ ،‬ومن الكراه‬


‫التعذيب فل يعتد به ول يجوز في حقه‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬ومن الجماع‪:‬‬

‫فقد أجمع الفقهاء على أنه ل يصح القرار من المكره‪ ،‬فلو ضرب رجل ليقر‬
‫بالزنى لم يجب عليه الحد ول تثبت عليه الجريمة‪ ،‬وقد حكى الجماع ابن قدامة‬
‫فقال‪ :‬ول نعلم خلفا في أن إقرار المكره ل يجب به حد ‪ ،‬كما حكاه السرخسى‬
‫الحنفى فقال‪ :‬لم ينقل عن أحد من أصحابنا صحة القرار مع التهديد بالضرب أو‬
‫غيره‪.‬‬

‫سنن أبى دواد‪ -‬السابق‪.‬‬


‫‪ ،‬طبعة هجر‪.‬‬ ‫‪-‬ص‬ ‫المغنى لبن قدامة‪ -‬جك‬
‫‪.‬‬ ‫‪-‬ص‬ ‫المغنى لبن قدامة‪ -‬جك‬
‫هك‪.‬‬ ‫‪ ،‬مطبعة السعادة سنة‬ ‫‪-‬ص‬ ‫المبسوط للسرخسى‪ -‬جك‬

‫‪-58-‬‬
‫خامسا‪ :‬ومن المعقول‪:‬‬

‫كما استدل الفقهاء على ما أجمعوا عليه من المعقول بوجوه‪:‬‬

‫أولها‪ :‬أن القرار خبر يحتمل الصدق والكذب‪ ،‬وبالكراه يترجح جانب‬
‫الكذب فيه‪ ،‬فل يعتد به ول يترتب عليه أثر‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬أن القرار إنما يثبت المقر به لوجود الداعى إلى الصدق‪ ،‬وانتقاء‬
‫التهمة عنه‪ ،‬فإن العاقل ل يتهم بقصد الضرار بنفسه‪ ،‬ومع القرار يغلب على‬
‫الظن أنه قصد بإقراره دفع الكراه‪ ،‬فانتفى ظن الصدق عنه‪ ،‬فلم يقبل‪.‬‬

‫ل أكره عليه بغير حق فلم يثبت‬


‫ثالثهما‪ :‬أن القرار مع الكراه يكون قو ً‬
‫حكمه‪.‬‬

‫خلصة هذه الدلة‪:‬‬

‫ويبدو مما سبق أن التهمة المجردة عن القرائن التى ترجح جانب الدانة في‬
‫المتهم ل يجوز أن يمارس معها عليه ما يؤثر على صحة إقراره‪ ،‬وإذا حدث ذلك‪،‬‬
‫فإن القرار يكون هدرا‪ ،‬وقد قام الدليل على ذلك من الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وآثار‬
‫الصحابة‪ ،‬والجماع‪ ،‬والمعقول‪ ،‬فيكون ذلك الحكم ثابتا على نحو ل يعتريه شك أو‬
‫ارتياب‪.‬‬

‫المغنى لبن قدامة‪ -‬المكان السابق‪.‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪-‬ص‬ ‫المغنى لبن قدامة‪ -‬جك‬

‫‪-59-‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫اختلف الفقهاء في التهام المرتبط بالقرينة وأدلة كل قول‬

‫استبان لنا مما سبق أن الفقهاء متفقون على أن التهمة إذا كانت مجردة من‬
‫القرينة المرجحة لجانب الدانة في المتهم‪ ،‬فإنه ل يجوز ممارسة أدنى قدر من‬
‫التعذيب معه‪ ،‬وإذا حدث وصدر القرار تحت وطأة الضغط أو الكراه أو التعذيب‪،‬‬
‫فإنه يكون هدرا ول يعتد به‪ ،‬بل ول يترتب عليه أثر من جهة الحكم بالعقوبة‬
‫المقررة أو الحكم اللزم‪ ،‬أما إذا كانت التهمة مرتبطة بقرينة ترجح جانب الدانة‪،‬‬
‫فقد اختلف الفقهاء في ذلك إلى ثلثة أقوال‪:‬‬

‫أولها‪ :‬لجمهور أهل العلم في مذاهب الحنفية والمالكية والحنابلة والزيدية‪،‬‬


‫وقول عند المامية‪ ،‬وحاصل قولهم‪ :‬إنه ل يجوز تعذيب المتهم ليقر بالتهمة حتى‬
‫ولو ارتبط ذلك التهام بالقرينة المرجحة له‪ ،‬وهو قول الشافعية إذا أكره على شيئ‬
‫واحد‪.‬‬

‫ثانيها‪ :‬لفقهاء الشافعية‪ ،‬وحاصل قولهم‪ :‬إنه يعتد بتعذيب المتهم ليصدق في‬
‫قضية اتهم فيها ويلزمه ما أقر به‪.‬‬

‫وحاشية الدسوقى‬ ‫وحاشية ابن عابدين على الدر المختار‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫تكملة فتح القدير‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬وتبصرة الحكام لبن فرحون‪ -‬جك‬ ‫‪ ،‬والشرح الصغير‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫على الشرح الكبير‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪،‬‬ ‫‪ ،‬وكتاب الم للمام الشافعى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪ ،‬ومواهب الجليل للحطاب‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪-‬ص‬
‫‪ ،‬والمغنى لبن قدامة‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫ومغنى المحتاج‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫والحكام السلطانية للماوردى‪ -‬ص‬
‫‪-‬‬ ‫والمحلى لبن حزم‪ -‬جك‬ ‫‪ ،‬والحكام السلطانية لبى يعلى الفراء‪ -‬ص‬ ‫‪ ،‬والكافى‪ -‬ج ك ‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬وكتاب الخلف للطوسى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫والبحر الزخار‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪ ،‬والمختصر النافع‪ -‬ص‬ ‫ص‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫مغنى المحتاج‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-60-‬‬
‫ثالثها‪ :‬للطرابلسى وابن نجيم والحسن بن زياد من الحنفية‪ ،‬وسحنون من‬
‫المالكية‪ ،‬وابن تيمية وتلميذه ابن القيم من الحنابلة‪ ،‬وبعض المامية‪ ،‬وحاصل قولهم‪:‬‬
‫إن المتهم إذا قامت قرينة على إدانته فإنه يجوز تعذيبه ليقر بالتهمة‪.‬‬

‫ولكل قول أدلته‬

‫أدلة أصحاب القول الول‪:‬‬

‫استدل أصحاب القول الول لما ذهبوا إليه بالدلة التى أوردوها على عدم‬
‫جواز الكراه على القرار بالتهمة في حالة خلوها من القرائن المرجحة لجانب‬
‫الدانة فيها‪ ،‬وهى من الكتاب والسنة وآثار الصحاب والجماع والمعقول من‬
‫وجوهه الثلثة‪ ،‬وقد وجهوا تلك الدلة للستدلل على ما ذهبوا إليه في حالة التهام‬
‫المقترن بالقرينة‪ .‬وأنه ل يجوز إكراه المتهم فيه للقرار بالتهمة فقالوا‪:‬‬

‫أولً‪ :‬إن عموم تلك الدلة يشمل تحريم التعذيب للقرار بالتهمة مطلقا‪،‬‬
‫وسواء كان التهام مجردا من القرائن المرجحة له أو مقترنا بها‪ ،‬حيث لم يرد ما‬
‫يخصص تلك الدلة بالتهام المجرد دون غيره‪ ،‬ومع ذلك فإن قصرها عليه دون‬
‫غيره تخصيص بل مخصص وهو ل يجوز‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن وجود القرينة المرجحة لجانب التهمة فيه كفاية لن يترتب عليها‬
‫حكمها‪ .‬وهو جواز إيقاع التعزير بالقرينة‪ ،‬لنها دليل صالح في ذاته لذلك وفقا لما‬

‫حيث يقول‪ :‬إذا أقرّ‬ ‫والشباه والنظائر‪ -‬ص‬ ‫الطبعة الثانية سنة‬ ‫معين الحكام للطرابلسى‪ -‬ص‬
‫‪ ،‬وقد جاء فيه أن أحد‬ ‫‪-‬ص‬ ‫السارق مكرها فقد أفتى بعض المتأخرين بصحته‪ ،‬والمبسوط للسرخسى‪ -‬جك‬
‫المراء أرسل رسالة إلى المام الحسن بن زياد‪ ،‬يسأل فيها عن ضرب السارق ليقر بالسرقة‪ ،‬فقال‪ :‬إذا لم يقطع اللحم‬
‫أو يبين العظم‪ ،‬ثم ندم على هذه المقالة‪ ،‬ثم ذهب إلى مجلس المير ليمنعه من ذلك فوجده قد ضرب السارق حتى‬
‫اعترف وجاء بالمال‪ ،‬ولما رأى المال موضوعا بين يدى المير قال‪ :‬ما رأيت ظلما أشبه بالحق من هذا‪ ،‬وراجع‪:‬‬
‫وما بعدها‪ -‬مكتبة‬ ‫‪-‬ص‬ ‫‪ ،‬والفتاوى لبن تيمية‪ -‬جك‬ ‫حاشية الدسوقى على الشرح الكبير‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬والمختصر النافع‪ -‬ص‬ ‫‪ ،‬وجك ‪ -‬ص‬ ‫ابن تيمية‪ ،‬وزاد المعاد‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-61-‬‬
‫ظهر من أدلة العمل بالقرينة‪ ،‬ومن ثم يكون الكراه معها للحمل على العتراف‬
‫بالتهمة تزيدا ل معنى له‪ ،‬حيث سيؤدى ذلك إلى أن يعاقب الشخص على الفعل‬
‫الواحد مرتين‪ .‬مرة بالقرينة‪ .‬ومرة أخرى بالقرار الذى أكره عليه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أن التعذيب بدون سبب مشروع يعتبر عملً محرما‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫يكون ذلك العمل المحرم وسيلة لظهار الحق إذا تعين له‪ ،‬فما بالنا إذا كان وسيلة‬
‫لما ل يتحقق وجه الحق فيه وهو القرار بتهمة كرها‪ ،‬وربما ل يكون المقر قد‬
‫اقترفها‪ .‬كما أنه خطأ‪ ،‬ول يجوز أن يكون الخطأ مقدمة لما يظن فيه الصواب‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬أنه لو أبيح التعذيب للحمل على القرار بالتهمة‪ ،‬لتخذه الذين ل‬
‫يكترثون بحرمة الدمى‪ ،‬ول يحترمون حقوق النسان ذريعة للتخوض في تلك‬
‫الحرمات وانتهاك تلك الحقوق‪ ،‬ولصبح أداة لتلفيق التهم والزج بالبرياء في أتون‬
‫السجون‪ ،‬أو إيقاع الذى بهم دون أن تقوم بهم السباب الشرعية الموجبة للعقاب‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬أن حرمة عرض الدمى وبدنه ثابتة ثبوتا يقينيا‪ ،‬وما ثبت بيقين ل‬
‫يزول بالشك‪ ،‬والعقاب إذا جاء نتيجة إقرار غير حر‪ ،‬فإنه يكون محل شك وريبة‪،‬‬
‫والمشكوك فيه ل يصلح لزالة المتيقن‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬أن الجنايات قد كثرت في عهود الصحابة ولم ينقل عنهم قط إل‬
‫الحكم بالقرار أو بالحجة أو باليمين‪ ،‬أما التعذيب‪ ،‬فلم يصر إليه منهم صائر‪ ،‬مع‬
‫كثرة الوقوع‪ ،‬وذلك يدل على أنهم فهموا من موارد الشرع ومصادره أن ل –‬
‫تعالى‪ -‬سرا في تضييق سبل الكشف عن الفواحش‪.‬‬

‫هك‪.‬‬ ‫تحقيق أحمد الكبيسى‪ ،‬طبع الرشاد ببغداد سنة‬ ‫شفاء الغليل‪ -‬المام الغزالى‪ -‬ص‬

‫‪-62-‬‬
‫أدلة أصحاب القول الثانى‪:‬‬

‫استدل أصحاب القول الثانى لما ذهبوا إليه من المعقول فقالوا‪:‬‬

‫إن المدعى عليه إذا سئل عن المدعى به فسكت ولم يجب بشيئ ل إثباتا ول‬
‫نفيا‪ ،‬أى لم يقل عندى أو ليس عندى‪ ،‬فضرب ليصدق في القضية ويأتى بأحد‬
‫الشيئين‪ :‬فمتى أجاب بشيئ ولو نفيا فإن بعض فقهاء الشافعية يرى أن إقراره‬
‫صحيح لنه حينئذ‪ -‬ليس مكرها إذ المكره من أكره على شيئ واحد‪ .‬وهذا إنما‬
‫ضرب ليصدق‪ ،‬أى يقول الصدق من الحالين‪ ،‬والصدق ليس منحصرا في‬
‫القرار‪.‬‬

‫مناقشة هذا الستدلل‪:‬‬

‫وهذا الستدلل مردود من وجهين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬أن قبول إقراره حال الضرب مشكل لنه سيكون مثل المكره‪ ،‬وإن‬
‫كان ليس مكرها ‪ .‬وقبول إقراره بعد الضرب فيه نظر –أيضا‪ -‬إن غلب على‬
‫ظنه إعادة الضرب إن لم يقر‪ .‬وقد صرح الذرعى الشافعى‪ :‬أن الوصف الحقيقى‬
‫لذلك‪ :‬أنه إكراه‪ ،‬سواء أقر في حال الضرب أم بعده وعلم أنه إن لم يقر لضرب‬
‫ثانيا‪ .‬وإذا كان إكراها فإنه ل يترتب عليه حكمه وفقا لما ذكره الفقهاء‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬أنه إذا كان الضرب إكراها في الحالتين‪ ،‬وهما حالة ما إذا ضرب‬
‫ليصدق في القضية‪ ،‬أو ضرب ليقر بما ادعاه خصمه‪ ،‬فإنه يكون حراما بل إن‬
‫الضرب سيكون حراما حتى ولو كان ضربا خفيفا ‪ ،‬وإذا كان حراما فل يترتب‬
‫عليه أثره‪ ،‬ومن ثم يكون هذا الرأى مردودا لذلك‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫مغنى المحتاج‪ -‬جك ‪ -‬ص‬


‫المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬مطبعة مصطفى محمد‬ ‫‪ ،‬وراجع‪ :‬حاشية الجمل على شرح المنهج‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫المرجع نفسه‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫بمصر‪ ،‬وفى هذا المعنى‪ :‬د‪ .‬محمد رأفت عثمان‪ -‬النظام القضائى فى الفقه السلمى‪ -‬ص‬

‫‪-63-‬‬
‫أدلة أصحاب القول الثالث‪:‬‬

‫استدل أصحاب القول الثالث لما ذهبوا إليه‪ ،‬بالسنة‪ ،‬والمعقول‪.‬‬

‫أولً‪ :‬أدلتهم من السنة الشريفة‪:‬‬

‫( ) ما روى عن ابن عمر رضي ال عنه أن رسول ال‪-‬صلي ال علي‬


‫وسلم‪-‬لما صالح أهل خيبر على الصفراء والبيضاء اشترط عليهم أل يغيبوا شيئا‬
‫ول يكتموه‪ ،‬فإن فعلوا‪ ،‬فل ذمة لهم ول عهد‪ ،‬فغيبوا مسكا فيه مال وحلى لحييى بن‬
‫أخطب‪ ،‬كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير‪ ،‬فقال رسول ال‪-‬صلي ال‬
‫علي وسلم‪-‬لعم حييى ابن أخطب‪ :‬ما فعل مسك حييى الذى جاء به من النضير؟‪،‬‬
‫قال‪ :‬أذهبته النفقات والحروب‪ .‬فقال‪ :‬العهد قريب والمال أكثر من ذلك‪ ،‬فدفعه‬
‫الرسول‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬إلى الزبير فمسّه بعذاب‪ ،‬وقد كان قبل ذلك دخل‬
‫خربة فقال‪ :‬قد رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا‪ ،‬فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في‬
‫الخربة‪.‬‬

‫ووجه الدللة في هذا الحديث على المطلوب‪:‬‬

‫يقول الشوكانى فى نيل الوطار‪ :‬فيه دليل على جواز تعذيب من امتنع عن‬
‫تسليم شيئ يلزمه تسليمه وأنكر وجوده إذا غلب فى ظن المام كذبه – وذلك نوع‬
‫من السياسة الشرعية‪.‬‬

‫رد هذا الستدلل‪:‬‬

‫وهذا الستدلل مردود من وجوه‪:‬‬

‫وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ ،‬ونيل الوطار‪ -‬للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫زاد المعاد‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫نيل الوطار للشوكانى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬

‫‪-64-‬‬
‫أولها‪ :‬أن فى الحديث دللة على جواز العمل بالقرينة ‪ ،‬وإذا كان كذلك فإنه‬
‫ل يدل على جواز التعذيب للقرار بالتهمة‪ ،‬حيث كانت قد ثبتت بالقرينة وجرى‬
‫حكم تعذيبه بمقتضاها‪ .‬وقد قامت الدلة على ذلك‪.‬‬

‫ثانيها‪ :‬أن عبارة (فمسّه بعذاب) هذه غير ثابتة فى كل روايات الحديث‪ ،‬وقد‬
‫رواه أبو دواد فى سننه ولم يوردها ‪ ،‬وإذا كان أمر تلك العبارة مترددا بين الثبوت‬
‫وعدمه‪ ،‬فإن عدم الثبوت هو الذى يترجّح لنه هو الذى تعضده أدلة عدم جواز‬
‫تعذيب المتهم للقرار بالتهمة‪.‬‬

‫ثالثها‪ :‬أن ما فعل به نوع من عقوبة شخص يعرف أن الحق عنده وقد جحده‬
‫أو منعه والفقهاء يتفقون على عقابه‪.‬‬

‫( ) وما روى عن على‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬قال‪ :‬بعثنى رسول ال‪-‬صلي‬


‫ال علي وسلم‪-‬أنا والزبير بن العوام والمقداد بن السود فقال‪ :‬انطلقوا حتى تأتوا‬
‫روضة خاخ ‪ .‬فإن بها ظعينة ومعها كتاب‪ ،‬فانطلقنا تعادى بنا خيلنا‪ ،‬فإذا نحن‬
‫بالظعينة‪ .‬فقلنا أخرجى الكتاب‪ .‬فقالت‪ :‬ما معى من كتاب‪ ،‬فقلنا لتخرجن الكتاب أو‬
‫لنلقين الثياب‪ ،‬فأخرجته من عقاصها‪.‬‬

‫ووجه الدللة على المطلوب‪:‬‬

‫أنه قد دل على جواز تهديد المتهم بما يحمله على تسليم ما معه‪ ،‬والتسليم‬
‫كالقرار وأكثر‪ ،‬كما أن التهديد بالتعذيب نوع من التعذيب فيجوز استعماله مع‬

‫‪.‬‬ ‫راجع تبصرة الحكام لبن فرحون‪ -‬مع فتح العلى المالك‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫وما بعدها‪.‬‬ ‫سنن أبى دواد‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬والطرق الحكمية لبن القيم‪ -‬ص‬ ‫‪-‬ص‬ ‫فتاوى ابن تيمية‪ -‬جك‬
‫روضة خاخ‪ :‬مكان بين مكة والمدينة‪.‬‬
‫‪ ،‬إدارة الطباعة المنيرية‪ ،‬وسنن البيهقى‪ -‬جك ‪ -‬ص‬ ‫‪-‬ص‬ ‫صحيح البخارى مع عمدة القارى‪ -‬جك‬
‫وما بعدها‪ ،‬المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة‬ ‫‪ ،‬وسنن أبى دواد مع شرح عون المعبود‪ -‬جك ‪ -‬ص‬
‫‪.‬‬

‫‪-65-‬‬
‫المتهم إذا قامت قرينة على اتهامه وذلك لحمله على العتراف كما حدث من‬
‫الظعينة‪.‬‬

‫مناقشة هذا الستدلل‪:‬‬

‫وهذا الستدلل مردود من وجوه‪:‬‬

‫أولها‪ :‬ليس في الحديث دللة على جواز التعذيب للقرار بالتهمة‪ .‬لن التهمة‬
‫كانت ثابتة على الظعينة بعلم النبى‪-‬صلي ال علي وسلم‪-‬فتدخل في باب المعجزة‪،‬‬
‫ويكون العمل فيها بالوحى وهو ل يتخلف ول يسوغ ترك العمل به أو بالقرينة‬
‫القوية الصالحة لترتيب أثرها‪ ،‬ويكون العمل في تلك الحالة بالعلم النبوى أو‬
‫بالقرينة‪ ،‬وليس بالكراه على القرار‪.‬‬

‫ثانيها‪ :‬ما حدث من الظعينة ليس نوعا من التعذيب أو الكراه‪ ،‬وإنما هو نوع‬
‫من اللزام بفعل ما هو حق‪ ،‬وما كان كذلك ل يسمى تعذيبا حتى يقال إنه للتوصل‬
‫إلى القرار بالتهمة‪.‬‬

‫ثالثها‪ :‬أن ما حدث مع الظعينة قد تم بناء على قيام القرينة بحملها للكتاب‬
‫والقرينة دليل صالح لترتيب الحكم كما قامت الدلة على ذلك‪ ،‬وإذا كان الحديث‬
‫دليلً على العمل بالقرينة‪ ،‬فإنه ل يكون دالً على جواز التعذيب لتعاضد الدلة على‬
‫تحريم ذلك‪.‬‬

‫رابعها‪ :‬أن ما حدث مع الظعينة نوع من العقاب لمن عرف أن الحق عنده‬
‫ولما سئل عنه جحده‪ ،‬ومعلوم أن الفقهاء مجمعون على أن من كان كذلك يعاقب‬
‫حتى يؤدى ما عليه ‪ ،‬وقد سبق بيان ذلك‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬والطرق الحكمية‪ -‬ص‬ ‫‪-‬ص‬ ‫فتاوى ابن تيمية‪ -‬جك‬

‫‪-66-‬‬
‫ثانيا‪ :‬أدلتهم من المعقول‪:‬‬

‫وقد استدل أصحاب هذا القول لما ذهبوا إليه من المعقول بوجهين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬أن الهدف من ضرب المتهم هو إيصال الحق إلى مستحقه فيجوز‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬انه إذا لم يجز الضرب للقرار بالتهمة في حال قيام القرائن‬
‫المرجحة لها تعذر استخلص الحقوق من المعتدين عليها‪ ،‬فكانت المصلحة في‬
‫التعذيب بالضرب لنه وسيلة إلى التحصيل باليقين والقرار‪.‬‬

‫مناقشة هذا الستدلل‪:‬‬

‫وهذا الستدلل مردود بما يلى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬ما قيل من أن الهدف من ضرب المتهم هو إيصال الحق لمستحقه‪،‬‬


‫مردود بأن تلك المصلحة لم تسلم من المعارضة بمصلحة تتفوق عليها وحق هو‬
‫أرجح منها‪ ،‬ويتمثل ذلك في عصمة الموال والنفوس‪ ،‬فإن من مقتضى عصمتها‬
‫الصون عن الضياع وأن ل يعاقب جان إل إذا ثبتت عليه الجناية بالحجة‪ ،‬فكان في‬
‫المصير إليه نوع من الفساد‪ ،‬فل يصلح إيصال الحق لمستحقه على حساب انتهاك‬
‫حرمته الولى‪ ،‬دون دليل محقق‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن التعذيب محرم بالدلة الدالة عليه‪ ،‬ول يجوز أن يكون المر المحرم‬
‫وسيلة للوصول إلى الحق‪ ،‬لن الخطأ ل يوصل إلى صواب‪ ،‬ول يجوز أن يتوصل‬
‫إلى ما هو مشروع بما ليس بمشروع‪ ،‬ومن ثم يكون هذا القول مردودا‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪-‬ص‬ ‫فتاوى ابن تيمية جك‬

‫‪-67-‬‬
‫القول الراجح‪:‬‬

‫ومن خلل بيان أدلة كل قول وما ورد عليها من مناقشات يستبين لنا رجحان‬
‫ما ذهب إليه رأى الجمهور القائل‪ :‬بأنه ل يجوز تعذيب المتهم للقرار بالتهمة‪ ،‬وهو‬
‫ما نرجحه ونطمئن إليه‪ ،‬وال أعلم‪ ،‬وهو سبحانه وتعالى الموفق والمعين‪ ،‬والهادى‬
‫إلى سواء السبيل‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عبد ال مبروك النجار‬

‫عضو مجمع البحوث السلمية‬

‫بالزهر الشريف‬

‫‪-68-‬‬
‫محتويات البحث‬
‫تقديم الجمعية ‪---------------------------------------‬‬
‫تقديم المؤلف‪----------------------------------------‬‬
‫خطة دراسة الموضوع‪---------------------------------.‬‬
‫تمهيد‪ :‬التعريف بالقرار وشروطه‪--------------------------.‬‬
‫تعريف القرار لغة‪.‬‬
‫تعريف القرار اصطلحا‪.‬‬
‫أدلة اعتبار القرار فى الثبات‪.‬‬
‫شروط اعتبار القرار‪.‬‬
‫أولً‪ :‬أن يكون المقر بالغا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن يكون عاقلً‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن يكون مختارا‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫أقوال الفقهاء فى تعذيب المتهم للقرار بالتهمة‪-------------------‬‬
‫المطلب الول‪ :‬النقول الفقهية فى الموضوع‪--------------------.‬‬
‫() فى المذهب الحنفى‪.‬‬
‫() وفى المذهب الملكى‪.‬‬
‫() وفى المذهب الشافعى‪.‬‬
‫() وفى المذهب الحنبلى‪.‬‬
‫() وفى المذهب الظاهرى‪.‬‬
‫() وفى فقه المامية‪.‬‬
‫() وفى فقه الزيدية‪.‬‬
‫المطلب الثانى‪ :‬تحرير محل النزاع‪-------------------------.‬‬
‫أولً‪ :‬التهام المجرد‪.‬‬

‫‪-69-‬‬
‫ثانيا‪ :‬التهام المبنى على قرينة‪.‬‬
‫تعريف القرينة لغة واصطلحا‪.‬‬
‫دللة القرينة على الحكم‪.‬‬
‫آراء الفقهاء فى حجية العمل بالقرينة‪.‬‬
‫أدلة أصحاب القول الول‪.‬‬
‫أولً‪ :‬من الكتاب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من السنة النبوية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬من آثار الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬من الجماع‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬من المعقول‪.‬‬
‫أدلة القول الثانى‪:‬‬
‫أولً‪ :‬من الكتاب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ومن السنة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ومن المعقول‪.‬‬
‫الرأى الراجح فى الموضوع‪.‬‬
‫مضمون القرينة فى القرار بالتهمة‪.‬‬
‫طبيعة العقاب الناشئ عن القرينة‪.‬‬
‫شبهة وردها‪.‬‬
‫توجيه رأى عمر بن الخطاب والمالكية‪.‬‬
‫أولً‪ :‬توجيه رأى عمر بن الخطاب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬توجيه رأى المالكية‪.‬‬
‫العقاب بالتهمة فى الموال وأدلة جوازه‪.‬‬
‫() من السنة النبوية‪.‬‬
‫() من الجماع‪.‬‬

‫‪-70-‬‬
‫() من المعقول‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫اتفاق الفقهاء على حكم التهام المجرد وأدلتهم‪-------------------‬‬
‫أولً‪ :‬من الكتاب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من السنة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬من آثار الصحابة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬من الجماع‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬ومن المعقول‪.‬‬
‫خلصة هذه الدلة‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫اختلف الفقهاء فى التهام المرتبط بالقرينة وأدلة كل قول‪------------‬‬
‫أدلة أصحاب القول الول‪.‬‬
‫أدلة أصحاب القول الثانى‪.‬‬
‫مناقشة ما استدل به أصحاب القول الثانى‪.‬‬
‫أدلة أصحاب القول الثالث‪.‬‬
‫أولً‪ :‬من السنة‪.‬‬
‫رد هذا الستدلل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أدلتهم من المعقول‪.‬‬
‫مناقشة هذا الستدلل‬

‫رجحان القول بعدم جواز تعذيب المتهم للقرار بالتهمة‪.‬‬

‫هذا وبال التوفيق‬

‫‪-71-‬‬

You might also like