You are on page 1of 242

‫الفــــوائد‬

‫ابن القيّم‬

‫النتفاع بالقرآن وشروطه‬


‫إذا أردت النتفاع بالقرآن فاج ع قل بك ع ند تلو ته و ساعه‪ ،‬وَألْ قِ سعك‪ ،‬واح ضر حضور‬
‫من ياطبه به من تكلم به سبحانه منه وإليه‪ ،‬فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله ‪ ،‬قال‬
‫تعال‪« :‬إن ف ذلك لذكرى لن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد» الية‪ 37 :‬من‬
‫سـورة ق‪ .‬وذلك أن تام التأثيـ لاـ كان موقوفا على مؤثـر مقتـض‪ ،‬وملـ قابـل‪ ،‬وشرط‬
‫لصول الثر‪ ،‬وانتفاء الانع الذي ينع منه‪ ،‬تضمنت الية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه‬
‫وأدله على الراد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فقوله تعال‪« :‬إن ف ذلك لذكرى» إشارة إل ما تقدم من أول ال سورة إل هاه نا‪ ،‬وهذا‬
‫هو الؤثر‪ ،‬وقوله تعال‪ « :‬لن كان له قلب» فهذا هو الحل القابل‪ ،‬والراد به القلب الي‬
‫الذي يعقل عن ال‪ ،‬كما قال تعال‪« :‬إن هو إل ذكر وقرآن مبي‪ .‬لينذر من كان حيّا»‬
‫اليتان‪ 70 .69 :‬من سورة يس‪ .‬أي حي القلب‪ .‬وقوله‪« :‬أو أل قى ال سمع» أي وجّ ه‬
‫ـ يقال له‪ ،‬وهذا شرط التأثـر بالكلم‪ .‬وقوله تعال «وهـو‬
‫سـعه وأصـغى حاسـة سـعه إل م ا‬
‫شهيـــــد» أي شاهـــــد القلب حاضـــــر غيـــــ غائب‪.‬‬

‫قال ا بن قتي بة ‪ :‬ا ستمع كتاب ال‪ ،‬و هو شا هد القلب والف هم‪ ،‬ل يس بغا فل ول ساه‪ ،‬و هو‬
‫إشارة إل الانع من حصول التأثي‪ ،‬وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له‪ ،‬والنظر‬
‫فيه وتأمله‪ ،‬فإذا حصل الؤثر وهو القرآن‪ ،‬والحل القابل وهو القلب الي‪ ،‬ووجد الشرط‬
‫وهو الصغاء‪ ،‬وانتفى الانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معن الطاب‪ ،‬وانصرافه عنه‬
‫إل شيـــء آخـــر‪ ،‬حصـــل الثـــر وهـــو النتفاع والتذكـــر‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬إذا كان التأثي إنا يتم بجموع هذه‪ ،‬فما وجه دخول أداة «أو» ف قوله تعال‪:‬‬
‫«أو ألقى السمع» والوضع موضع واو المع « يقصد واو العطف الت تمع بي شيئي‬
‫فحينما تقول‪ :‬جاء ممد وعلي‪ ،‬فقد اجتمع ميء كل منهما» ل موضع «أو» الت هي‬
‫لحـــــــــــــــــد الشيئيـــــــــــــــــ‪.‬‬

‫قيـل‪ :‬هذا سـؤال جيـد‪ ،‬والواب عنـه أن يقال‪ :‬خرج الكلم بــ «أو» باعتبار حال‬
‫الخا طب الد عو‪ ،‬فإن من الناس من يكون حي القلب و اعيه‪ ،‬تا مّ الفطرة‪ ،‬فإذا فكّ ر بقلبه‬
‫وجال بفكره‪ ،‬دله قلبه وعقله على صحة القرآن وأنه الق‪ ،‬وشهد قلبه با أخب به القرآن‪،‬‬
‫فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة‪ .‬وهذا وصف الذين قيل فيهم‪« :‬ويرى‬
‫الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الق» الية‪ 6 :‬من سورة سبأ‪ .‬وقال ف‬
‫حقهم‪ « :‬ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح الصباح ف زجاجة‬
‫الزجاجة كأنا كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها‬
‫يضيـء ولو ل تسـسه نار‪ ،‬نور على نور يهدي ال لنوره مـن يشاء» فهذا نور الفطرة على‬

‫‪2‬‬
‫نور الوحي‪ .‬وهذا حال صاحب القلب الي الواعي‪ .‬قال ابن القيم‪ :‬وقد ذكرنا ما تضمنت‬
‫هذه اليـة من ال سرار وال عب ف كتاب «اجتماع اليوش ال سلمية على غزو العطلة و‬
‫الهمية » فصاحب القلب يمع بي قلبه وبي معان القرآن فيجدها كأنا قد كتبت فيه‪،‬‬
‫فهـــــــو يقرأهـــــــا عـــــــن ظَهْـــــــر َقلْب‪.‬‬

‫ومن الناس من ل يكون تامّ الستعداد‪ ،‬واعي القلب‪ ،‬كامل الياة‪ ،‬فيحتاج إل شاهد ييز‬
‫له ب ي ال ق والبا طل‪ ،‬ول تبلغ حياة قل به ونوره و زكاء فطر ته مبلغ صاحب القلب ال ي‬
‫الواعي‪ ،‬فطريق حصول هدايته أن يفرغ سعه للكلم وقلبه لتأمله والتفكر فيه وتعقل معاينه‪،‬‬
‫فيعلم حينئذ أنـــــــــــــــه القـــــــــــــــ‪.‬‬
‫فالول حال من رأى بعينه ما دعي عليه وأخب به‪ .‬والثان حال من علم صدق الخب وتيقنه‬
‫وقال‪ « :‬يكفينــ خــبه» فهــو فــ مقام اليان‪ ،‬والول فــ مقام الحســان‪.‬‬

‫هذا و قد و صل إل علم اليق ي‪ ،‬وتر قى قل به م نه إل منلة ع ي اليق ي‪ ،‬وذاك م عه الت صديق‬


‫الازم الذي خرج به من الك فر ود خل به ف ال سلم‪ .‬فع ي اليق ي نوعان‪ :‬نوع ف الدن يا‬
‫ونوع ف الخرة‪ ،‬فالاصل ف الدنيا نسبته إل القلب كنسبة الشاهد إل العي‪ .‬وما أخبت‬
‫به الرسل من الغيب يعاين ف الخرة بالبصار‪ ،‬وف الدنيا بالبصائر‪ « ،‬البصائر‪ :‬من البصية‬
‫وهــي التعقــل والفطنــة والنتباه‪ ».‬فهــو عيــ يقيــ فــ الرتبتيــ‪.‬‬

‫سورة ق جامعة لصول اليان‬

‫‪3‬‬
‫وقد جعت هذه السورة من أصول اليان ما يكفي ويشفي‪ ،‬ويغن عن كلم أهل العقول‪،‬‬
‫فإناـ تضمنـت تقريـر البدأ والعاد والتوحيـد والنبوة واليان باللئكـة‪ ،‬وانقسـام الناس إل‬
‫هالك شقـي وفائز سـعيد‪ ،‬وأوصـاف هؤلء وهؤلء‪ .‬وتضمنـت إثبات صـفات الكمال ل‬
‫وتني هه ع ما يضاد كماله من النقائص والعيوب وذ كر في ها القيامت ي‪ :‬ال صغرى وال كبى‪،‬‬
‫والعال ي‪ :‬ال كب و هو عال الخرة‪ ،‬وال صغر و هو عال الدن يا‪ ،‬وذ كر في ها خلق الن سان‬
‫ووفاته وإعادته‪ ،‬وحاله عند وفاته ويوم معاده‪ ،‬وإحاطته سبحانه به من كل وجه حت علمه‬
‫بوساوس نفسه وإقامة الفظة عليه يصون عليه كل لفظة يتكلم با‪ ،‬وأنه يوافيه يوم القيامة‬
‫ومعه سائق يسوقه إليه‪ ،‬وشاهد يشهد عليه‪ ،‬فإذا أحضره السائق قال‪« :‬هذا ما لدي عتيد»‬
‫الية‪ 23 :‬من سورة ق‪ .‬أي هذا الذي أمرت بإحضاره قد أحضرته‪ .‬فيقال عند إحضاره‪:‬‬
‫« ألق يا ف جه نم كل كفار عن يد» ال ية‪ 24 :‬من سورة ق‪ .‬ك ما ي ضر الا ن إل حضرة‬
‫السلطان‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا فلن قد أحضرته فيقول‪ :‬اذهبوا به إل السجن وعاقبوه با يستحقه‪.‬‬

‫وتأ مل ك يف دلت ال سورة صريا على أن ال سبحانه يع يد هذا ال سد بعي نه الذي أطاع‬
‫وعصى‪ ،‬فينعمه ويعذبه كما ينعم الروح الت آمنت بعينها ويعذب الت كفرت بعينها‪ ،‬ل أنه‬
‫سـبحانه يلق روحا أخرى غيـ هذه فينعمهـا ويعذباـ‪ ،‬كمـا قاله مـن ل يعرف العاد الذي‬
‫أخبت به الرسل‪ ،‬حيث زعم أن ال سبحانه يلق بدنا غي هذا البدن من كل وجه عليه‬
‫ي قع النع يم والعذاب‪ ،‬والروح عنده عرض من أعراض البدن فيخلق روحا غ ي هذه الروح‬
‫وبدنـــــــــــــــا غيـــــــــــــــ هذا البدن‪.‬‬

‫وهذا غي ما اتفقت عليه الرسل‪ ،‬وذلك الذي عليه القرآن والسنة وسائر كتب ال تعال‪،‬‬
‫وهذا ف القيقة إنكار للمعاد‪ ،‬وموافقة لقول من أنكره من الكذب ي‪ ،‬فإنم ل ينكروا قدرة‬
‫ـــا‪.‬‬
‫ـــ وينعمهـ‬
‫ـــام يعذباـ‬
‫ـــ هذه الجسـ‬
‫ـــام غيـ‬
‫ال على خلق أجسـ‬
‫كيف وهم يشهدون النوع النسان يلق شيئا بعد شيء‪ ،‬فكل وقت يلق سبحانه أجساما‬
‫وأرواحا غي الجسام الت فنيت‪ ،‬فكيف يتعجبون من شيء يشاهدونه عيانا‪ ،‬وإنا تعجبوا‬
‫من عود هم بأعيان م ب عد أن مزق هم البلى و صاروا عظاما و رفاتا‪ ،‬فتعجبوا أن يكونوا هم‬
‫بأعيان م مبعوث ي للجزاء‪ ،‬ولذا قالوا‪« :‬أئذا مت نا وك نا ترابا وعظاما أئ نا لبعوثون» ال ية‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ 16‬من سورة ال صافات‪ .‬وقالوا‪« :‬ذلك ر جع بع يد» ‪ .‬ال ية‪ 3 :‬من سورة ق‪ .‬ولو كان‬
‫الزاء إنا هو لجسام غي هذه ل يكن ذلك بعثا ول رجعا بل يكون ابتداء ‪ ،‬ول يكن لقوله‬
‫«قد علمنا ما تنقص الرض منهم» كبي معن‪ ،‬فإنه سبحانه جعل هذا جوابا لسؤال مقدر‪،‬‬
‫و هو أ نه ي يز تلك الجزاء ال ت اختل طت بالرض وا ستحالت إل العنا صر ب يث ل تتم يز‪،‬‬
‫فأخب سبحانه أنه قد علم ما تنقصه الرض من لومهم وعظامهم وأشعارهم‪ ،‬وأنه كما هو‬
‫عال بتلك الجزاء ف هو قادر على ت صيلها وجع ها ب عد تفرق ها‪ ،‬وتأليف ها خلقا جديدا‪ .‬و هو‬
‫سبحانه يقرر العاد بذ كر كمال عل مه وكمال قدر ته وكمال حكم ته‪ ،‬فإن ُش به النكر ين له‬
‫كلهــــــــــــــا تعود إل ثلثــــــــــــــة أنواع‪:‬‬
‫«أحدها‪ »:‬اختلط أجزائهم بأجزاء الرض على وجه ل يتميز ول يصل معها تيز شخص‬
‫عـــــــــــــــــن شخـــــــــــــــــص‪.‬‬
‫«الثانــــــــــــــــــــــــ‪ »:‬أن القدرة ل تتعلق بذلك‪.‬‬
‫«الثالث‪ »:‬أن ذلك أ مر ل فائدة ف يه‪ ،‬وإن ا الك مة اقت ضت دوام هذا النوع الن سان شيئا‬
‫بعد شيء‪ ،‬هكذا أبدا كلما مات جيل آخر‪ ،‬فأما أن ييت النوع النسان كله ث يييه بعد‬
‫ذلك فل حكمــــــــــــــة فــــــــــــــ ذلك‪.‬‬

‫براهي العاد ف القرآن مبنية على أصول ثلثة‬


‫ـــول‪:‬‬
‫ـــة أصـ‬
‫ـــة على ثلثـ‬
‫ـــ القرآن مبنيـ‬
‫ـــ العاد فـ‬
‫فجاءت براهيـ‬
‫«أحدها‪ »:‬تقرير كمال علم الرب سبحانه‪ ،‬كما قال ف جواب من قال‪« :‬من ييي العظام‬
‫وهي رميم‪ .‬قل يييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم» اليتان‪ 79 ،78 :‬من‬
‫سورة يس‪ .‬وقال‪ « :‬وإن الساعة لتية فاصفح الصفح الميل‪ .‬إن ربك هو اللق العليم»‬

‫‪5‬‬
‫اليتان‪ 85،86:‬من سورة الجر‪ .‬وقال‪ « :‬قد علمنا ما تنقص الرض منهم» ‪.‬الية‪4 :‬‬
‫مـــــــــــــــــن ســـــــــــــــــورة ق‪.‬‬
‫«الثان‪ »:‬تقرير كمال قدرته‪ ،‬كقوله تعال‪ « :‬أو ليس الذي خلق السموات والرض بقادر‬
‫على أن يلق مثلهـم» اليـة‪ 18 :‬مـن سـورة يـس‪ .‬وقوله تعال‪ « :‬بلى قادريـن على أن‬
‫نسوي بنانه» الية‪ 4 :‬من سورة القيامة‪ .‬وقوله ‪ « :‬ذلك بأن ال هو الق وأنه ييي الوتى‬
‫وأنــه على كــل شيــء قديــر» ‪ .‬اليــة‪ 6 :‬مــن ســورة الجــ‪.‬‬
‫ويمع سبحانه بي المرين كما ف قوله تعال‪ « :‬أو ليس الذي خلق السماوات والرض‬
‫بقادر على أن يلق مثلهـم‪ .‬بلى وهـو اللق العليـم» اليـة‪ 81 :‬مـن سـورة يـس‪.‬‬
‫«الثالث‪ »:‬كمال حكمته‪ ،‬كقوله تعال «ما خلقنا السماوات والرض وما بينهما لعبي»‬
‫ال ية‪ 38 :‬من سورة الدخان‪ .‬وقوله‪« :‬و ما خلق نا ال سماء والرض و ما بينه ما باطلً»‬
‫وقوله‪ « :‬أيسـب النسـان أن يترك سـدى» اليـة‪ 36 :‬مـن سـورة القيامـة وقوله‪« :‬‬
‫أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ل ترجعون ‪ .‬فتعال ال اللك الق» الية‪115،1 :‬‬
‫‪ 16‬من سورة الؤمنون‪ .‬وقوله‪ « :‬أم ح سب الذ ين اجترحوا ال سيئات أن نعل هم كالذ ين‬
‫آمنوا وعملوا الصـــــالات ســـــواء مياهـــــم وماتمـــــ» ‪.‬‬
‫ولذا كان الصواب أن العاد معلوم بالعقل مع الشرع‪ ،‬وأن كمال الرب تعال وكمال أسائه‬
‫و صفاته تقتض يه وتوج به‪ ،‬وأ نه منه ع ما يقوله منكروه ك ما ينه كماله عن سائر العيوب‬
‫والنقائص‪.‬‬

‫ث أ خب أن النكر ين لذلك ل ا كذبوا بال ق اختلط علي هم أمر هم‪« :‬ف هم ف أ مر مر يج»‬
‫ال ية‪ 5 :‬من سورة ق‪ :‬متلط ل ي صلون م نه على ش يء‪ .‬ث دعا هم إل الن ظر ف العال‬
‫العلوي وبنائه‪ ،‬وارتفا عه وا ستوائه‪ ،‬وح سنه والتئا مه‪ .‬ث إل العال ال سفلي ؛و هو الرض‪،‬‬
‫وكيف بسطها وهيأها بالبسط لا يراد منها‪ ،‬وثبتها بالبال‪ ،‬وأودع فيها النافع‪ ،‬وأنبت فيها‬
‫من كل صنف ح سن من أ صناف النبات على اختلف أشكاله وألوا نه ومقاديره ومناف عه‪،‬‬
‫وأن ذلك تبصرة إذا تأملها العبد النيب وتبصر با‪ ،‬تذكر ما دلت عليه ما أخبت به الرسل‬
‫من التوح يد والعاد‪ ،‬فالنا ظر في ها يتب صر أول‪ ،‬ث يتذ كر ثان يا‪ ،‬وإن هذا ل ي صل إل لع بد‬
‫ـــــــــه‪.‬‬
‫ـــــــــه وجوارحـ‬
‫ـــــــــب ال بقلبـ‬
‫منيـ‬

‫‪6‬‬
‫ث دعا هم إل التف كر ف مادة أرزاق هم وأقوال م‪ ،‬وملب سهم ومراكب هم وجنات م‪ ،‬و هو الاء‬
‫الذي أنزله من السماء وبارك فيه‪ ،‬حت أثبت به جنات متلفة الثمار والفواكه‪ ،‬ما بي أبيض‬
‫وأسـود‪ ،‬وأحرـ وأصـفر‪ ،‬وحلو وحامـض‪ ،‬وبيـ الثمار اختلف منابعهـا وتنوع أجناسـها‪،‬‬
‫وأن بت به البوب كل ها على تنوع ها واختلف منافع ها و صفاتا‪ ،‬وأشكال ا ومقادير ها‪ .‬ث‬
‫أفرد النخل لا فيه من موضع العبة والدللة الت ل تفى على التأمل‪« :‬فأحيا به الرض‬
‫بعد موتا» الية‪ 164 :‬من سورة البقرة‪ .‬ث قال‪« :‬كذلك الروج» الية‪ 11 :‬من سورة‬
‫ق‪ .‬أي م ثل هذا الخراج من الرض الفوا كه والثمار والقوات والبوب‪ :‬خروج كم من‬
‫الرض بعدما غيبتم فيها‪ ،‬وقد ذكرنا هذا القياس وأمثاله من القاييس الواقعة ف القرآن ف‬
‫ــب‪.‬‬
‫ــرار والعـ‬
‫ــن السـ‬
‫ــا مـ‬
‫ــا فيهـ‬
‫ــض مـ‬
‫ــا بعـ‬
‫ــا العال وبينـ‬
‫كتابنـ‬
‫ث انت قل سبحانه وتعال إل تقر ير النبوة بأح سن تقر ير وأو جز ل فظ وأبعده عن كل شب هة‬
‫وشـك‪ ،‬فأخـب أنـه أرسـل إل قوم نوح وعاد وثود وقوم لوط وقوم فرعون _ رسـل؛‬
‫فكذبوهـم‪ ،‬فأهلكهـم بأنواع اللك‪ ،‬وصـدق فيهـم وعيده الذي أوعدتمـ بـه رسـله إن ل‬
‫يؤمنوا‪ ،‬وهذا تقرير لنبوة من أخب بذلك عنهم من غي أن يتعلم ذلك من معلم ول قرأه ف‬
‫كتاب‪ ،‬بــل أخــب بــه إخبارا مفصــل مطابقــا لاــ عنــد أهــل الكتاب‪.‬‬

‫ول يرد على هذا سؤال البهت ‪ ،‬قال تعال‪« :‬وبكفرهم وقولم على مري بتانا عظيما» ‪.‬‬
‫والكابرة على جحد الضروريات بأنه ل يكن شيء من ذلك‪ ،‬أو أن حوادث الدهر ونكباته‬
‫أصابتهم كما أصابت غيهم‪ .‬وصاحب هذا السؤال يعلم من نفسه أنه باهت مباهت «أي‬
‫كاذب» ‪ ،‬جاحـد لاـ شهـد بـه العيان وتناقله القرون قرنـا بعـد قرن‪ ،‬فإنكاره بنلة إنكار‬
‫وجود الشهوريــــــن مــــــن اللوك والعلماء والبلد النائيــــــة‪.‬‬
‫ث عاد سبحانه إل تقر ير العاد بقوله‪« :‬أفعيي نا باللق الول» ‪ .‬ال ية‪ 15 :‬من سورة ق‪.‬‬
‫يقال لكل من عجز عن شيء‪ :‬عيي به‪ ،‬وعيي فلن بذا المر‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬

‫عيوا بأمرهم كما * * * عييت ببيضتها المامة‬

‫‪7‬‬
‫ومنه قوله تعال‪« :‬ول يعي بلقهن» ‪ .‬الية‪33 :‬من سورة الحقاف‪ .‬قال ابن عباس « هو‬
‫عبد ال بن العباس بن عبد الطلب القرشي الاشي‪ ،‬حب المة‪ ،‬الصحاب الليل‪ ،‬ولد بكة‬
‫سـنة ‪03‬ق‪ 619 -‬ونشـأ فـ بدء عصـر النبوة‪ ،‬روى عـن النـب ‪ ،‬شهـد مـع علي المـل‬
‫و صفي‪ ،‬له ف ال صحيحي وغيه ا ما يز يد عن اللف حد يث‪ ».‬ير يد‪ :‬أفعجز نا‪ ،‬وكذلك‬
‫قال مقاتــــــــــــــــــــــــــــــــــل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا تفسي يلزم اللفظة‪ ،‬وحقيقتها أعم من ذلك‪ ،‬فإن العرب تقول‪ :‬أعيان أن أعرف‬
‫كذا‪ ،‬وعييـت بـه‪ :‬إذا ل تتـد لوجهـه ‪ ،‬ول تقدر على معرفتـه وتصـيله فتقول‪« :‬أعيانـ‬
‫دواؤك» إذا ل تتد له ول تقف عليه‪ .‬ولزم هذا العن العجز عنه‪ .‬والبيت الذي استشهدوا‬
‫به شا هد لذا الع ن‪ ،‬فإن المامة ل تع جز عن بيضت ها‪ ،‬ول كن أعيا ها إذا أرادت أن تبيض‪:‬‬
‫أين ترمي بالبيضة؟ فهي تدور وتول حت ترمي با‪ ،‬فإذا باضت أعياها أن تفظها وتودعها‬
‫حت ل تُنال‪ ،‬فهي تنقلها من مكان إل مكان‪ ،‬وتار أين تعل مقرها؟ كما هو حال من عيي‬
‫بأمره فلم يدر من أ ين يق صد له و من أ ين يأت يه؟ ول يس الراد بالعياء ف هذه ال ية الت عب‬
‫كما يظنه من ل يعرف تفسي القرآن‪ ،‬بل هذا العن هو الذي نفاه سبحانه عن نفسه ف آخر‬
‫الســورة بقوله‪ « :‬ومــا مســنا مــن لغوب» اليــة‪ 38 :‬مــن ســورة ق‪.‬‬

‫ث أخب سبحانه أنم « ف لبس من خلق جديد» الية‪ 15 :‬من سورة ق أي أنم التبس‬
‫علي هم إعادة اللق جديدا‪ ،‬ث نبه هم على ما هو من أع ظم آيات قدر ته وشوا هد ربوبي ته‬
‫ـد والعاد‪.‬‬
‫ـم الدلة على التوحيـ‬
‫ـن أعظـ‬
‫ـه مـ‬
‫ـان؛ فإنـ‬
‫ـو خلق النسـ‬
‫وأدلة العاد‪ ،‬وهـ‬
‫وأي دليل أوضح من تركيب هذه الصورة الدمية بأعضائها وقواها وصفاتا‪ ،‬وما فيها من‬
‫الل حم والع ظم‪ ،‬والعروق والع صاب‪ ،‬و الرباطات والنا فذ‪ ،‬واللت والعلوم‪ ،‬والرادات‬
‫وال صناعات‪ ،‬كل ذلك من نط فة ماء‪ ،‬فلو أن صف الع بد لكت فى بفكرة نف سه‪ ،‬وا ستدل‬
‫بوجوده على جيــع مــا أخــبت بــه الرســل عــن ال وأســائه وصــفاته‪.‬‬
‫ث أخب سبحانه عن إحاطة عمله به حت علم وساوس نفسه‪ ،‬ث أخب عن قربه إليه بالعلم‬
‫والحاطة‪ ،‬وأن ذلك أدن إليه من العرق الذي هو داخل بدنه‪ ،‬فهو أقرب إليه بالقدرة عليه‬

‫‪8‬‬
‫والعلم بــــــــــــــه مــــــــــــــن ذلك العرق‪.‬‬
‫وقال شيخ نا‪ :‬الراد بقوله‪« :‬ن ن» أي ملئكت نا‪ ،‬ك ما قال‪ « :‬فإذا قرأناه فات بع قرآ نه»‬
‫الية ‪ 18‬من سورة القيامة‪ .‬أي إذا قرأه عليك رسولنا جبيل‪ ،‬قال‪ :‬ويدل عليه قوله‪« :‬‬
‫إذ يتلقى التلقيان» الية‪ 17 :‬من سورة ق‪ .‬فقيد القرب الذكور بتلقي اللكي فل حجة‬
‫ـــــــــل‪.‬‬
‫ـــــــــة للول ول معطـ‬
‫ـــــــــ اليـ‬
‫فـ‬
‫ث أ خب سبحانه أ نه على يي نه وشاله ملكان يكتبان أعماله وأقواله‪ ،‬ون به بإح صاء القوال‬
‫وكتابت ها على كتا بة العمال ال ت هي أ قل وقوعا وأع ظم أثرا من القوال‪ ،‬و هي غايات‬
‫القوال ونايتهــــــــــــــــــــــــــــــــا‪.‬‬

‫القيامة قيامتان‪ -‬صغرى وكبى‬


‫ث أ خب عن القيا مة ال صغرى‪ ،‬و هي سكرة الوت‪ ،‬وأن ا ت يء بال ق‪ ،‬و هو لقاؤه سبحانه‪،‬‬
‫والقدوم عليه‪ ،‬وعرض الروح عليه‪ ،‬والثواب والعقاب الذي تعجل لا قبل القيامة الكبى‪.‬‬
‫ث ذكر القيامة الكبى بقوله‪ « :‬ونفخ ف الصور ذلك يوم الوعيد» الية ‪ 20‬من سورة ق‬
‫ث أخب عن أحوال اللق ف هذا اليوم‪ ،‬وأن كل أحد يأت ال سبحانه ذلك اليوم ومعه سائق‬
‫يســـــــوقه وشهيـــــــد يشهـــــــد عليـــــــه‪.‬‬
‫وهذا غي شهادة جوارحه وغي شهادة الرض الت كان عليها له وعليه وغي شهادة رسله‬
‫والؤمني‪ ،‬فإن ال سبحانه يستشهد على العباد الفظة والنبياء والمكنة الت عملوا عليها‬
‫ال ي وال شر‪ ،‬واللود ال ت ع صوه ب ا‪ ،‬ول ي كم بين هم بجرد عمله و هو أعدل العادل ي‬
‫وأحكم الاكمي‪ ،‬ولذا أخب نبيه أنه يكم بي الناس با سعه من إقرارهم وشهادة البينة ل‬
‫بجرد عمـل‪ ،‬فكيـف يسـوغ لاكـم أن يكـم بجرد عمله مـن غيـ بينـة ول إقرار‪.‬‬
‫ث أخب سبحانه أن النسان ف غفلة من هذا الشأن الذي هو حقيق بأل يغفل عنه وأل يزال‬

‫‪9‬‬
‫على ذكره وباله‪ ،‬وقال‪ « :‬ف غفلة من هذا» ال ية ‪ 22‬من سورة ق ول ي قل ع نه ك ما‬
‫قال‪ « :‬وإنم لفي شك منه مريب» الية‪ 110 :‬من سورة هود ول يقل ف شك فيه‪ ،‬وجاء‬
‫هذا ف ال صدر وإن ل ي ئ ف الف عل‪ ،‬فل يقال‪ :‬غفلت م نه ول شك كت م نه‪ ،‬كأن غفل ته‬
‫وشكه ابتداء منه فهو مبدأ غفلته وشكه‪ .‬وهذا أبلغ من أن يقال ف غفلة عنه‪ ،‬وشك فيه‪،‬‬
‫فإنـه جعـل مـا ينبغـي أن يكون مبدأ التذكرة واليقيـ ومنشؤهاـ مبدأ للغفلة والشـك‪.‬‬
‫ثـ أخـب أن غطاء الغفلة والذهول يكشـف عنـه ذلك اليوم كمـا يكشـف غطاء النوم عـن‬
‫القلب فيستيقظ‪ ،‬وعن العي فتنفتح‪ ،‬فنسبة كشف هذا الغطاء عن العبد عند العاينة كنسبة‬
‫كشــــــــف غطاء النوم عنــــــــه عنــــــــد النتباه‪.‬‬
‫ث أخب سبحانه أن قرينه وهو الذي قرن به ف الدنيا من اللئكة يكتب عمله وقوله‪ ،‬يقول‬
‫لا يضره‪ :‬هذا الذي كنت وكلتن به ف الدنيا قد أحضرته وأتيتك به‪ .‬هذا قول ماهد ‪.‬‬
‫وقال ابـن قتيبـة‪ :‬العنـ‪ :‬هذا مـا كتبتـه عليـه وأحصـيته مـن قوله وعمله حاضـر عندي‪.‬‬
‫والتحقيـق أن اليـة تتضمـن المريـن‪ .‬أي هذا الشخـص الذي وكلت بـه هذا عمله الذي‬
‫أح صيته عل يه؛ فحينئذ يقال‪ « :‬ألق يا ف جه نم‪ »...‬ال ية‪ 24 :‬من سورة ق وهذا إ ما أن‬
‫يكون خطابا للسـائق والشهيـد‪ ،‬أو خطابا للملك الوكـل بعذابـه وإن كان واحدا‪ .‬وهـو‬
‫مذ هب معروف من مذا هب العرب ف خطاب ا‪ ،‬أو تكون اللف منقل بة عن نون التأك يد‬
‫الفيــــــة ثــــــ أجرى الوصــــــل مرى الوقــــــف‪.‬‬

‫ثـــ ذكـــر صـــفات هذا اللقـــى فذكـــر له ســـت صـــفات‪:‬‬


‫«أحدهاـ‪ »:‬أنـه كفار لنعـم ال وحقوقـه‪ ،‬كفار بدينـه وتوحيده وأسـائه وصـفاته‪.‬‬
‫«الثانيــــة‪ »:‬أنــــه معانــــد للحــــق يدفعــــه جحدا وعنادا‪.‬‬
‫«الثالثة‪ »:‬أنه مناع للخي‪ ،‬وهذا يعلم منعه للخي الذي هو إحسان إل نفسه من الطاعات‬
‫والقرب إل ال‪ ،‬والي الذي هو إحسان إل الناس‪ ،‬فليس فيه خي لنفسه ول لبن جنسه‪،‬‬
‫ـــــــــر اللق ‪.‬‬
‫ـــــــــو حال أكثـ‬
‫ـــــــــا هـ‬
‫كمـ‬
‫«الرابعة‪ »:‬أنه مع منعه للخي معتد على الناس‪ ،‬ظلوم غشوم‪ ،‬معتد عليهم بيده ولسانه‪.‬‬
‫ــــة‪.‬‬
‫ــــاحب ريبـ‬
‫ــــب‪ ،‬أي صـ‬
‫ــــه مريـ‬
‫ــــة‪ »:‬أنـ‬
‫«الامسـ‬
‫«ال سادسة‪ »:‬أ نه مع ذلك مشرك بال قد ات ذ مع ال إلا آ خر يعبده وي به ويغ ضب له‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫ويرضى له ويلف باسه وينذر له‪ ،‬ويوال فيه ويعادي فيه‪ .‬فيختصم هو وقرينه من الشياطي‬
‫وييـل المـر عليـه‪ ،‬وأنـه هـو الذي أطغاه وأضله‪ ،‬فيقول قرينـه‪ :‬ل يكـن ل قوة أن أضله‬
‫وأطغيه‪ ،‬ولكن كان ف ضلل بعيد اختاره لنفسه‪ ،‬وآثره على الق‪ ،‬كما قال إبليس لهل‬
‫النار‪« :‬وما كان ل عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم ل» الية‪ 22 :‬من سورة‬
‫إبراهيم‪ ،‬وعلى هذا فالقرين هنا هو شيطانه يتصمان عند ال‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬بل قرينه هاهنا‬
‫هو اللك فيد عي عل يه أ نه زاد عل يه في ما كت به عل يه وط غى‪ ،‬وأ نه ل يف عل ذلك كله‪ ،‬وأ نه‬
‫أعجله بالكتابة عن التوبة ول يهله حت يتوب‪ ،‬فيقول اللك‪ :‬ما زدت ف الكتابة عن التوبة‬
‫«ول كن كان ف ضلل بع يد» ال ية‪ 27 :‬من سورة ق‪ ،‬فيقول الرب تعال‪« :‬ل تت صموا‬
‫لدي» الية‪ 28 :‬من سورة ق‪ ،‬وقد أخب سبحانه عن اختصام الكفار والشياطي بي يديه‬
‫ف سورة الصافات والعراف‪ ،‬وأخب عن اختصام الناس بي يديه ف سورة الزمر‪ ،‬وأخب‬
‫عــن اختصــام أهــل النار فيهــا فــ ســورة الشعراء وســورة ص ‪.‬‬

‫ث أخب سبحانه أنه ل يبدّل القول لديه‪ ،‬فقيل‪ :‬الراد بذلك قوله‪« :‬لملن جهنم من الِنّة‬
‫والناس أجعي» الية‪ 119 :‬من سورة هود‪ ،‬ووعده لهل اليان بالنة‪ ،‬وأن هذا ل يبدل‬
‫ول يلف‪.‬‬
‫ـيت‪.‬‬
‫ـل معصـ‬
‫ـ ول لهـ‬
‫ـل طاعتـ‬
‫ـد‪ :‬مــا لوعدي خلف لهـ‬
‫قال ابــن عباس‪ :‬يريـ‬
‫قال ماهــد‪ :‬قــد قضيــت مــا أنــا قاض‪ ،‬وهذا أصــح القوليــ فــ اليــة‪.‬‬
‫وفي ها قول آ خر‪ :‬أن الع ن‪ :‬ما يغ ي القول عندي بالكذب والتلب يس ك ما يغ ي ع ند اللوك‬
‫والكماء‪ ،‬فيكون الراد بالقول‪ :‬قول الختصـمي‪ ،‬وهـو اختيار الفراء ‪ ،‬وابـن قتيبـة‬
‫قال الفراء‪ :‬الع ن‪ :‬ما يكذب عندي لعل مي بالغ يب‪ ،‬وقال ا بن قتي بة‪ :‬أي ما يرف القول‬
‫عندي ول يزاد فيه ول ينقص منه‪ ،‬قال‪ :‬لنه قال‪ :‬القول عندي‪ ،‬ول يقل‪ :‬قول‪ .‬وهذا كما‬
‫يقال‪ :‬ل يكذب عندي‪ ،‬فعلى القول الول يكون قوله‪« :‬وما أنا بظلم للعبيد» الية‪29 :‬‬
‫من سورة ق‪ ،‬من تام قوله‪ « :‬ما يبدل القول لدي» ال ية‪ 29 :‬من سورة ق‪ ،‬ف الع ن؛‬
‫أي‪ :‬ما قل ته ووعدت به ل بد من فعله‪ ،‬و مع هذا ف هو عدل ل ظلم ف يه ول جور‪ ،‬وعلى‬
‫الثانـــــ يكون قـــــد وصـــــف نفســـــه بأمريـــــن‪:‬‬
‫«أحدها‪ »:‬أن كمال علمه واطلعه ينع من تبديل القول بي يديه وترويج الباطل عليه‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫وكمال عدله وغناه ينــــــع مــــــن ظلمــــــه لعــــــبيده‪.‬‬
‫ث أخب عن سعة جهنم وأنا كلما ألقى فيها تقول‪« :‬هل من مزيد» الية‪ 30 :‬من سورة‬
‫ق‪ ،‬وأخطـأ مـن قال‪ :‬إن ذلك للنفـي؛ أي ليـس مـن مزيـد‪ .‬والديـث الصـحيح يرد هذا‬
‫التأويــــــــــــــــــــــــــــــــــــل‪.‬‬

‫الصفات الربعة لهل النة‬


‫ث أخب عن تقريب النة من التقي‪ ،‬وأن أهلها هم الذين اتصفوا بذه الصفات الربع‪:‬‬
‫«الول‪ »:‬أن يكون أوابا أي رجّاعا إل ال مـن معصـيته إل طاعتـه ‪،‬ومـن الغفلة عنـه إل‬
‫ذكره‪.‬‬
‫قال عبيد بن عمي‪ :‬الواب‪ :‬الذي يتذكر ذنوبه ث يستغفر منها‪ ،‬وقال ماهد‪ :‬هو الذي إذا‬
‫ذكر ذنبه استغفر منه‪ .‬وقال سعيد بن السيب ‪ :‬هو الذي يذنب ث يتوب ث يذنب ث يتوب‪.‬‬

‫«الثانيـة‪ »:‬أن يكون حفيظا‪ .‬قال ابـن عباس‪ :‬لاـ ائتمنـه ال عليـه وافترضـه‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫حافــــظ لاــــ اســــتودعه ال مــــن حقــــه ونعمتــــه‪.‬‬
‫ولا كانت النفس لا قوتان‪ :‬قوة الطلب وقوة المساك‪ ،‬كان الواب مستعملً لقوة الطلب‬
‫ف رجوعه إل ال ومرضاته وطاعته‪ ،‬والفيظ مستعملً لقوة الفظ ف المساك عن معاصيه‬
‫ونواهيـه‪ ،‬فالفيـظ‪ :‬المسـك نفسـه عمـا حرم عليـه‪ ،‬والواب‪ :‬القبـل على ال بطاعتـه‪.‬‬
‫«الثال ثة‪ »:‬قوله‪ « :‬من خ شي الرح ن بالغ يب» ال ية‪ 33 :‬من سورة ق‪ ،‬يتض من القرار‬
‫بوجوده وربوبيته وقدرته‪،‬وعلمه واطلعه على تفاصيل أحوال العبد‪ ،‬ويتضمن القرار بكتبه‬
‫ورسله وأمره ونيه‪ ،‬ويتضمن القرار بوعده ووعيده ولقائه‪ ،‬فل تصح خشية الرحن بالغيب‬

‫‪12‬‬
‫إل بعــــــــــــــــــــــــــــــــد هذا كله‪.‬‬
‫«الراب عة‪ »:‬قوله‪« :‬وجاء بقلب من يب» ال ية‪ 33 :‬من سورة ق‪ ،‬قال ا بن عباس‪ :‬را جع‬
‫عن معا صي ال مق بل على طاعة ال‪ .‬وحقيقة النابة‪ :‬عكوف القلب على طا عة ال ومب ته‬
‫والقبال عليـــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬
‫ث ذكر سبحانه جزاء من قامت به هذه الوصاف بقوله‪« :‬ادخلوها بسلم ذلك يوم اللود‬
‫‪ .‬لم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد» اليتان‪ 35 ،34 :‬من سورة ق ث خوّفهم بأن يصيبهم‬
‫مـن اللك مـا أصـاب مـن قبلهـم‪ ،‬وأنمـ كانوا أشـد منهـم بطشا‪ ،‬ول يدفـع عنهـم اللكَـ‬
‫بطشُ هم‪ ،‬وأنم ع ند اللك تقلبوا وطافوا ف البلد‪ ،‬و هل يدون مي صا ومن جى من عذاب‬
‫ال؟!‬
‫قال قتادة‪ :‬حاص أعداء ال فوجدوا أمـر ال لمـ مدركـا‪ ،‬وقال الزجاج « الزجاج هـو‪:‬‬
‫إبراه يم بن ال سري بن سهل‪ ،‬أ بو إ سحاق الزجاج‪ ،‬عال بالن حو الل غة‪ ،‬ولد ومات ببغداد‪،‬‬
‫توفــ ســنة ‪311‬هـــ ‪923 -‬م‪ » .‬طوفوا وفتشوا فلم يروا ميصــا مــن الوت‪.‬‬
‫ـــــن الوت فلم يدوه‪.‬‬
‫ـــــ طلبوا الهرب مـ‬
‫ـــــة ذلك‪ :‬أنمـ‬
‫وحقيقـ‬
‫ث أ خب سبحانه أن ف هذا الذي ذ كر «لذكرى ل ن كان له قلب أو أل قى ال سمع و هو‬
‫شهيـــــــد» اليـــــــة‪ 37 :‬مـــــــن ســـــــورة ق‬

‫ث أخب أنه خلق السماوات والرض وما بينهما ف ستة أيام ول يسه من تعب ول إعياء‪،‬‬
‫تكذيبا لعدائه مــن اليهود حيــث قالوا‪ :‬إنــه اســتراح فــ اليوم الســابع‪.‬‬
‫ث أمر نبيه بالتأسي به سبحانه ف الصب على ما يقول أعداؤه فيه كما أنه سبحانه صب على‬
‫قول اليهود‪ :‬أنه استراح‪ ،‬ول أحد أصب على أذى يسمعه منه‪ ،‬ث أمره با يستعي به على‬
‫الصب‪ ،‬وهو التسبيح بمد ربه قبل طلوع الشمس وقبل غروبا‪ ،‬وبالليل وأدبار السجود‪،‬‬
‫فق يل‪ :‬هو الو تر‪ ،‬وق يل‪ :‬الركعتان ب عد الغرب‪ ،‬والول‪ :‬قول ا بن عباس‪ ،‬و عن ا بن عباس‬
‫روايـــة ثالثـــة‪ :‬أنـــه التســـبيح باللســـان أدبار الصـــلوات الكتوبات‪.‬‬
‫ث ختم السورة بذكر العاد ونداء النادي برجوع الرواح إل أجسادها للحشر‪ ،‬وأخب أن‬
‫هذا النداء من مكان قريب يسمعه كل أ حد‪« :‬يوم يسمعون الصيحة بال ق» الية‪42 :‬‬
‫من سورة ق‪ ،‬بالبعث ولقاء ال‪ ،‬يوم تشقق الرض عنهم كما تشقق عن النبات فيخرجون‬

‫‪13‬‬
‫ســراعا مــن غيــ مهلة ول بطــء‪ ،‬ذلك حشــر يســي عليــه ســبحانه‪.‬‬
‫ث أخب سبحانه أنه عال با يقول أعداؤه‪ ،‬وذلك يتضمن مازاته لم بقولم إذ ل يف عليه‪.‬‬
‫وهو سبحانه يذكر علمه وقدرته لتحقيق الزاء‪ ،‬ث أخبه أنه ليس بسلط عليهم ول قهار‪،‬‬
‫ول يبعث ليجبهم على السلم ويكرههم عليه‪ ،‬وأمره أن يذكر بكلمه من ياف وعيده‪،‬‬
‫فهو الذي ينتفع بالتذكي‪ ،‬وأما من ل يؤمن بلقائه ول ياف وعيده ول يرجو ثوابه فل ينتفع‬
‫بالتذكيـــــــــــــــــــــــــــــــــــ‪.‬‬

‫فضيلة لهل بدر‬


‫قول النب لعمر‪« :‬وما يدريك أن ال اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت‬
‫لكـــــــــــــــــــــــــــــــــــم» ‪.‬‬
‫أش كل على كث ي من الناس معناه فإن ظاهره إبا حة كل العمال ل م وتيي هم في ما شاءوا‬
‫منها‪ ،‬وذلك متنع‪ .‬فقالت طائفة _ منهم ابن الوزي_ ‪ :‬ليس الراد من قوله‪« :‬اعملوا»‬
‫ال ستقبال‪ ،‬وإن ا هو للما ضي‪ ،‬وتقديره‪ :‬أي ع مل كان ل كم ف قد غفر ته‪ .‬قال‪ :‬ويدل على‬
‫ذلك شيئان‪:‬‬
‫«أحدهاــ‪ »:‬أنــه لو كان للمســتقبل كان جوابــه قوله‪ :‬فأســتغفر لكــم‪.‬‬
‫ـــه لذلك‪.‬‬
‫ـــ الذنوب ول وجـ‬
‫ـــه كان يكون إطلقا فـ‬
‫ـــا‪ »:‬أنـ‬
‫«ثانيهمـ‬

‫وحقيقة هذا الواب‪ :‬أ ن قد غفرت لكم بذه الغزوة ما سلف من ذنوب كم‪ ،‬لكنه ضعيف‬
‫مـــــــــــــــــن وجهيـــــــــــــــــ‪:‬‬
‫«أحده ا‪ »:‬أن ل فظ «اعملوا» يأباه؛ فإ نه لل ستقبال دون الا ضي‪ .‬وقوله‪ « :‬قد غفرت‬
‫لكم» ل يوجب أن يكون «اعملوا» مثله‪ ،‬فإن قوله «قد غفرت» تقيق لوقوع الغفرة‬

‫‪14‬‬
‫ف الستقبل‪ ،‬كقوله‪« :‬أتى أمر ال» الية‪ 1 :‬من سورة النحل ‪« -‬وجاء ربك» الية‪:‬‬
‫‪ 22‬مـــــــــن ســـــــــورة الفجـــــــــر‪ ،‬ونظائره‪.‬‬
‫«ثانيهما‪ »:‬أن نفس الديث يرده‪ ،‬فإن سببه قصة حاطب وتسسه على النب وذلك ذنب‬
‫ـه قطعا‪.‬‬
‫ـو سـبب الديـث فهـو مراد منـ‬
‫ـا‪ ،‬وهـ‬
‫ـد غزوة بدر ‪ ،‬ل قبلهـ‬
‫ـع بعـ‬
‫واقـ‬
‫فالذي نظن ف ذلك ‪-‬وال أعلم‪ -‬أن هذا خطاب لقوم قد علم ال سبحانه أنم ل يفارقون‬
‫دين هم بل يوتون على ال سلم‪ ،‬وأن م قد يفارقون ب عض ما يقار فه غي هم من الذنوب ‪،‬‬
‫ولكن ل يتركهم سبحانه مصرّين عليها‪ ،‬بل يوفقهم لتوبة نصوح‪ ،‬واستغفار وحسنات تحو‬
‫أثر ذلك‪ ،‬ويكون تصيصهم بذا دون غيهم؛ لنه قد تقق ذلك فيهم وأنم مغفور لم‪.‬‬
‫ول ي نع ذلك كون الغفرة ح صلت بأ سباب تقوم ب م ل يقت ضي ذلك أن يعطلوا الفرائض‬
‫وثوقا بالغفرة‪ ،‬فلو كانت قد حصلت بدون الستمرار على القيام بالوامر لا احتاجوا بعد‬
‫ذلك إل صــــلة ول صــــيام ول حــــج ول زكاة ول جهاد‪ .‬وهذا مال‪.‬‬

‫و من أو جب الواجبات‪ :‬التو بة ب عد ذلك‪ .‬فضمان الغفرة ل يو جب تعط يل أ سباب الغفرة‪،‬‬


‫ونظي هذا‪ :‬قوله ف الديث الخر‪« :‬أذنب عبد ذنبا فقال‪ :‬أي رب أذنبت ذنبا فاغفر ل؛‬
‫فغ فر له‪ ،‬ث م كث ما شاء ال أن ي كث ث أذ نب ذنبا آ خر‪ ،‬فقال‪ :‬أي رب أ صبت ذنبا‬
‫فاغفر ل؛ فغفر له‪ .‬ث مكث ما شاء ال أن يكث ث أذنب ذنبا فقال‪ :‬أي رب أصبت ذنبا‬
‫فاغفره ل؛ فقال ال‪ :‬علم عبدي أن له ربّاـ يغفـر الذنـب ويأخـذ بـه‪ ،‬فقـد غفرت لعبدي‬
‫فليعمل ما شاء» رواه الشيخان ‪ ،‬فليس ف هذا إطلق وإذن منه سبحانه له ف الحرمات‬
‫ــب تاب‪.‬‬
‫ــا دام كذلك إذا أذنـ‬
‫ــر له مـ‬
‫ــه يغفـ‬
‫ــ يدل على أنـ‬
‫والرائم‪ ،‬وإناـ‬
‫واختصاص هذا العبد بذا لنه قد علم أنه ل يصر على ذنب‪ ،‬وأنه كلما أذنب تاب حكم‬
‫ي عم كل من كا نت حاله حاله‪ ،‬ل كن ذلك الع بد مقطوع له بذلك ك ما ق طع به ل هل بدر‪،‬‬
‫وكذلك كل من بشره رسول ال بالنة أو أخبه بأنه مغفور له‪ ،‬ل يفهم منه هو ول غيه‬
‫من ال صحابة إطلق الذنوب والعا صي له‪ ،‬وم سامته بترك الواجبات‪ ،‬بل كان هؤلء أ شد‬
‫اجتهادا وحذرا وخوفا بعـد البشارة منهـم قبلهـا العشرة الشهود لمـ بالنـة‪ ،‬وقـد كان‬
‫الصـديق شديـد الذر والخافـة‪ .‬وكذلك عمـر فإنمـ علموا أن البشارة الطلقـة مقيدة‬
‫بشروطها‪ ،‬والستمرار عليها إل الوت ومقيدة بانتفاء موانعها‪ ،‬ول يفهم أحد منهم من ذلك‬

‫‪15‬‬
‫إطلق الذن فيمــــــــــــا شاءوا مــــــــــــن العمال‪.‬‬

‫فائدة جليلة‬
‫قوله تعال‪ « :‬هو الذي ج عل ل كم الرض ذلولً فامشوا ف مناكب ها وكلوا من رز قه وإل يه‬
‫النشور» ال ية‪ 15 :‬من سورة اللك‪ .‬أ خب سبحانه أ نه ج عل الرض ذلول منقادة للو طء‬
‫علي ها وحفر ها وشق ها والبناء علي ها‪ ،‬ول يعل ها م ستصعبة متن عة على من أراد ذلك من ها‪،‬‬
‫وأخب سبحانه أنه جعلها مهادا وفرشا وبساطا وقرارا و كفاتا وأخب أنه دحاها و طحاها‪،‬‬
‫وأخرج منها ماءها ومرعاها‪ ،‬وثبّتها بالبال ونج فيها الفجاج والطرق‪ ،‬وأجرى فيها النار‬
‫والعيون‪ ،‬وبارك في ها وقدر في ها أقوات ا‪ ،‬و من بركت ها أن اليوانات كل ها وأرزاق ها وأقوات ا‬
‫ترج من ها‪ ،‬و من بركت ها أ نك تودع في ها ال ب فتخر جه لك من بطن ها أح سن الشياء‬
‫وأنفع ها فتوارى م نه كل قب يح وترج له كل مل يح‪ ،‬و من بركت ها أن ا ت ستر قبائح الع بد‬
‫وفضلت بد نه وتواري ها وتض مه وتؤو يه‪ ،‬وترج له طعا مه وشرا به ف هي أح ل ش يء للذى‬
‫وأعوده بالنفـع‪ .‬فل كان مـن التراب خيـ منـه وأبعـد مـن الذى وأقرب إل اليـ‪.‬‬
‫والق صود أ نه سبحانه ج عل ل نا الرض كال مل الذلول الذي كيف ما يقاد ينقاد‪ .‬وح سن‬
‫التعـبي بناكبهـا عـن طرقهـا وفجاجهـا؛ لاـ تقدم مـن وصـفها بكوناـ ذلولً‪.‬‬
‫فالاشـي عليهـا يطـأ على مناكبهـا وهـو أعلى شيـء فيهـا‪ ،‬ولذا فسـرت الناكـب بالبال‪،‬‬
‫كمناكـــــــب النســـــــان؛ وهـــــــي أعاليـــــــه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وذلك تنــــبيه على أن الشــــي فــــ ســــهولا أيســــر‪.‬‬
‫وقالت طائفـة‪ :‬بـل الناكـب‪ :‬الوانـب والنواحـي‪ ،‬ومنـه مناكـب النسـان‪ ،‬لوانبـه‪.‬‬
‫والذي يظ هر‪ :‬أن الراد بالنا كب العال‪ ،‬وهذا الو جه الذي ي شي عل يه اليوان هو العال‬
‫من الرض دون الو جه القا بل له‪ ،‬فإن سطح الكرة أعل ها‪ ،‬وال شي إن ا ي قع ف سطحها‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫وحســن التعــبي عنــه بالناكــب لاــ تقدم مــن وصــفها بأناــ ذلول‪.‬‬

‫ث أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها فذللها لم ووطأها وفتق فيها السبل والطرق‬
‫التـ يشون فيهـا وأودعهـا رزقهـم‪ ،‬فذكـر تيئة السـكن للنتفاع والتقليـب فيـه بالذهاب‬
‫والج يء وال كل م ا أودع ف يه لل ساكن‪ .‬ث ن به بقوله‪« :‬وإل يه النشور» على أ نا ف هذا‬
‫ال سكن غ ي م ستوطني ول مقيم ي‪ ،‬بل دخلناه عابري سبيل‪ ،‬فل ي سن أن نتخذه وطنا‬
‫وم ستقرّا‪ ،‬وإن ا دخلناه لنتزود م نه إل دار القرار‪ ،‬ف هو منل عبور ل م ستقر حبور‪ ،‬وم عب‬
‫ومرــــــــــ ل وطــــــــــن ومســــــــــتقر‪.‬‬
‫فتضمنـت اليـة الدللة على ربوبيتـه وقدرتـه وحكمتـه ولطفـه والتذكـر بنعمـه وإحسـانه‪،‬‬
‫والتحذ ير من الركون إل الدن يا واتاذ ها وطنا وم ستقرّا بل ن سرع في ها ال سي إل داره‬
‫وجنته‪ ،‬فلله ما ف ضمن هذه الية من معرفته وتوحيده والتذكي بنعمه‪ ،‬والث على السي‬
‫إليه‪ ،‬والستعداد للقائه والقدوم عليه‪ ،‬والعلم بأنه سبحانه يطوى هذه الدار كأن ل تكن‪،‬‬
‫وأنــــه ييــــي أهلهــــا بعدمــــا أماتمــــ وإليــــه النشور‪.‬‬

‫نظرة إل سورة الفاتة‬


‫للنسان قوتان‪ :‬قوة علمية نظرية‪ ،‬وقوة عملية إرادية‪ ،‬وسعادته التامة موقوفة على استكمال‬
‫قوتيه‪ :‬العلمية والرادية‪ ،‬واستكمال القوة العلمية إنا يكون بعرفة فاطره‪ ،‬وبارئه‪ ،‬ومعرفة‬
‫أسائه وصفاته‪ ،‬ومعرفة الطريق الذي توصل إليه‪ ،‬ومعرفة آفاتا ومعرفة نفسه ومعرفة عيوبا‪،‬‬
‫فبهذه العارف المسة يصل كمال قوته العلمية‪ ،‬وأعلم الناس أعرفهم با وأفقههم فيها‪.‬‬
‫واستكمال القوة العلمية الرادية ل تصل إل براعاة حقوقه سبحانه على العبد والقيام با‬
‫إخل صا وصدقا ون صحا وإحسانا ومتابعة وشهودا لنته عليه‪ ،‬وتق صيه هو ف أداء حقه‪،‬‬

‫‪17‬‬
‫فهو مستحي من مواجهته بتلك الدمة لعلمه أنا دون ما يستحقه عليه ودون ذلك‪ ،‬وأنه ل‬
‫سبيل له إل استكمال هاتي القوتي إل بعونته فهو يهديه الصراط إما الستقيم الذي هدي‬
‫إليه أولياؤه وخاصته‪ ،‬وأن ينبه الروج عن ذلك الصراط إما بفساد ف قوته العلمية فيقع‬
‫فـــ الضلل‪ ،‬وإمـــا قوتـــه العمليـــة فيوجـــب له الغضـــب‪.‬‬
‫فكمال النسـان وسـعادته ل تتـم إل بجموع هذه المور‪ ،‬وقـد تضمنتهـا سورة الفاتةـ و‬
‫انتظمتها أكمل انتظام فإن قوله‪« :‬المد ل رب العالي‪ ،‬الرحن الرحيم‪ ،‬مالك يوم الدين»‬
‫يتض من ال صل الول و هو معر فة الرب تعال‪ ،‬ومعر فة أ سائه و صفاته وأفعاله‪ ،‬وال ساء‬
‫الذكورة ف هذه ال سورة هي أ صول ال ساء ال سن‪ ،‬و هي‪ :‬ا سم ال والرب والرح ن‪.‬‬
‫فاسم ال متضمن الصفات اللوهية‪ ،‬واسم الرب متضمن لصفات الربوبية‪ ،‬واسم الرحن‬
‫متضمن لصفات الحسان والود والب‪ .‬ومعان أسائه تدور على هذا‪ .‬وقوله‪« :‬إياك نعبد‬
‫وإياك ن ستعي» يتض من معر فة الطر يق الو صلة إل يه وأن ا لي ست إل عباد ته وحده ب ا ي به‬
‫ويرضاه‪ ،‬واســـــــــــــتعانته على عبادتـــــــــــــه‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬اهدنـا الصـراط السـتقيم» يتضمـن بيان أن العبـد ل سـبيل له إل سـعادته إل‬
‫باستقامته على الصراط الستقيم‪ ،‬وأنه ل سبيل له إل الستقامة على الصراط إل بدايته‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬غ ي الغضوب علي هم ول الضال ي» يتض من بيان طر ف النراف عن ال صراط‬
‫السـتقيم‪ ،‬وأن النراف إل أحـد الطرفيـ انراف إل الضلل الذي هـو فسـاد العلم‬
‫والعتقاد‪ ،‬والنراف إل الطريـق الخـر انراف إل الغضـب الذي سـببه فسـاد القصـد‬
‫والعمـــــــــــــــــــــــــــــــــــل‪.‬‬
‫فأول الســـورة رحةـــ وأوســـطها هدايـــة وآخرهـــا نعمـــة‪.‬‬
‫و حظ الع بد من النع مة على قدر حظه من الدا ية‪ ،‬وح ظه من ها على قدر حظه من الرح ة‪.‬‬
‫فعاد ال مر كله إل نعم ته ورح ته‪ .‬والنع مة والرح ة من لوازم ربوبي ته‪ ،‬فل يكون إل رحيما‬
‫منعما وذلك من موجبات إليته فهو الله الق وإن جحده الاحدون وعدل به الشركون‪.‬‬
‫فمـن تقـق بعانـ الفاتةـ علما ومعرفـة وعملً وحالً فقـد فاز مـن كماله بأوفـر نصـيب‪،‬‬
‫وصارت عبوديته عبودية الاصة الذين ارتفعت درجتهم عن عوام التعبدين‪ ،‬وال الستعان‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫طريقان لعرفته تعال‬
‫الرب تعال يدعـــو عباده فـــ القرآن إل معرفتـــه مـــن طريقيـــ‪:‬‬
‫«أحدهاـــــــ‪ »:‬النظـــــــر فـــــــ مفعولتـــــــه‪.‬‬
‫«ثانيهما‪ »:‬التفكر ف آياته وتدبرها‪ ،‬فتلك آياته الشهودة‪ ،‬وهذه آياته السموعة العقولة‪.‬‬
‫فالنوع الول‪ :‬كقوله‪« :‬إن فـ خلق السـموات والرض واختلف الليـل والنهار والفلك‬
‫الت ترى ف البحر با ينفع الناس ‪ »...‬الية‪ 164 :‬من سورة البقرة‪ ،‬إل آخرها‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫«إن فـ خلق السـموات والرض واختلف الليـل والنهار ليات لول اللباب» اليـة‪:‬‬
‫‪ 190‬مــــن ســــورة آل عمران‪ ،‬وهــــو كثيــــ فــــ القرآن‪.‬‬
‫«والثانـ‪ »:‬كقوله‪« :‬أفل يتدبرون القرآن» اليـة‪ 82 :‬مـن سـورة النسـاء‪ ،‬وقوله‪« :‬أفلم‬
‫يدبروا القول» الية‪ 68 :‬من سورة الؤمنون‪ ،‬وقوله‪« :‬كتاب أنزلناه مباركا ليدبروا آياته»‬
‫ــــ أيضا‪.‬‬
‫ــــو كثيـ‬
‫ــــورة ص‪ ،‬وهـ‬
‫ــــن سـ‬
‫ــــة‪ 29 :‬مـ‬
‫اليـ‬
‫فأ ما الفعولت فإن ا دالة على الفعال‪ ،‬والفعال دالة على ال صفات‪ ،‬فإن الفعول يدل على‬
‫فاعـل فعله‪ ،‬وذلك يسـتلزم وجوده وقدرتـه ومشيئتـه وعلمـه لسـتحالة صـدور الفعـل‬
‫الختياري من معدوم أو موجود ل قدرة له ول حياة ول علم ول إرادة‪ .‬ث ما ف العلومات‬
‫من التخصيصات التنوعة دالّ على إرادة الفاعل وأن فعله ليس بالطبع بيث يكون واحدا‬
‫غيــــــــــــــــــــــــــــــــــ متكرر‪.‬‬
‫ومــا فيهــا مــن الصــال والكــم والغايات الحمودة دال على حكمتــه تعال‪.‬‬
‫ومـــا فيهـــا مـــن النفـــع والحســـان واليـــ دال على رحتـــه‪.‬‬
‫ومـــا فيهـــا مـــن البطـــش والنتقام والعقوبـــة دال على غضبـــه‪.‬‬
‫ومـــا فيهـــا مـــن الكرام والتقريـــب والعنايـــة دال على مبتـــه‪.‬‬
‫ــه‪.‬‬
‫ــه ومقتـ‬
‫ــة والبعاد والذلن دال على بغضـ‬
‫ــن الهانـ‬
‫ــا مـ‬
‫ــا فيهـ‬
‫ومـ‬
‫وما فيها من ابتداء الشيء ف غاية النقص والضعف ث سوقه إل تامه ونايته دال على وقوع‬

‫‪19‬‬
‫العاد‪.‬‬
‫ومــا فيهــا مــن أحوال النبات واليوان وتصــرف الياه دليــل على إمكان العاد‪.‬‬
‫ومـا فيهـا مـن ظهـر آثار الرحةـ والنعمـة على خلقـه دليـل على صـحة النبوات‪.‬‬
‫و ما في ها من الكمالت ال ت لو عدمت ها كا نت ناق صة دل يل على أن مع طي تلك الكمالت‬
‫أحــــــــــــــــــق باــــــــــــــــــ‪.‬‬
‫فمفعولتـه مـن أدل شيـء على صـفاته‪ ،‬وصـدق مـا أخـبت بـه رسـله عنـه‪.‬‬
‫فالصنوعات شاهدة تصدق اليات السموعات منبهة على الستدلل باليات الصنوعات‪.‬‬
‫قال تعال‪« :‬سنريهم آياتنا ف الفاق وف أنفسهم حت يتبي لم أنه الق» الية‪ 53 :‬من‬
‫سورة فصلت‪ ،‬أي أن القرآن حق‪ .‬فأخب أنه ل بد من أن يريهم من آياته الشهودة ما يبي‬
‫لمـ أن آياتـه التلوة حـق‪ .‬ثـ أخـب بكفايـة شهادتـه على صـحة خبه باـ أقام مـن الدلئل‬
‫والباهي على صدق رسوله‪ ،‬فآياته شاهدة بصدقه‪ ،‬وهو شاهد بصدق رسوله بآياته‪ ،‬فهو‬
‫الشاهـــــد والشهود له‪ ،‬وهـــــو الدليـــــل والدلول عليـــــه‪.‬‬
‫فهو الدليل بنفسه على نفسه كما قال بعض العارفي‪ :‬كيف أطلب الدليل على ما هو دليل‬
‫ل على كل شيء‪ ،‬فأي دليل طلبته عليه فوجوده أظهر منه‪ .‬لذا قال الرسل لقومهم‪« :‬أف‬
‫ال شك» الية‪ 10 :‬من سورة إبراهيم‪ ،‬فهو أعرف من كل معروف وأبي من كل دليل‪.‬‬
‫فالشياء عر فت به ف القي قة‪ ،‬وإن كان عرف ب ا ف الن ظر وال ستدلل بأفعاله وأحكا مه‬
‫عليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬

‫كيف يفعل من أصابه هم أو غم‬


‫ف السند وصحيح أب حات من حديث عبد ال بن مسعود قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم ‪ « :‬ما أ صاب عبدا هم ول حزن فقال‪ :‬الل هم إ ن عبدك ا بن عبدك ا بن أم تك نا صيت‬

‫‪20‬‬
‫بيدك‪ ،‬ماض فّ حكمك‪ ،‬عدل فّ قضاؤك‪ ،‬أسألك بكل اسم هو لك سيت به نفسك أو أنزلته‬
‫ف كتا بك أو علم ته أحدا من خل قك‪ ،‬أو ا ستأثرت به ف علم الغ يب عندك أن ت عل القرآن‬
‫العظيم ربيع قلب‪ ،‬ونور صدري‪ ،‬وجلء حزن‪ ،‬وذهاب هي وغمي‪ ،‬إل أذهب ال هه وغمه‬
‫وأبدله مكاننه فرحا‪ ».‬قالوا‪ « :‬ينا رسنول ال أفل نتعلمهنن؟ قال‪ :‬بلى ينبغني لنن سنعهن أن‬
‫يتعلمهننننننننننننننننننننننننننننننننننن » ‪.‬‬
‫فتضمن الديث العظيم أمورا من العرفة والتوحيد والعبودية‪ :‬منها أن الداعي به صدّر سؤاله‬
‫بقوله‪ :‬إن عبدك ابن عبدك ابن أمتك‪ .‬وهذا يتناول مَن فوقه من آبائه وأمهاته إل أبويه ‪ :‬آدم‬
‫وحواء‪ ،‬وف ذلك تلق له و استخزاء بي يديه‪ ،‬واعتراف بأنه ملوكه وآباؤه ماليكه‪ .‬وأن العبد‬
‫ليس له غي باب سيده وفضله وإحسانه‪ ،‬وأن سيده إن أهله وتلى عنه هلك ول يُؤوه أحد ول‬
‫يعطف عليه بل يضيع أعظم ضيعة‪ ،‬فتحت هذا العتراف أن ل غن ب عنك طرفة عي‪ ،‬وليس‬
‫ل منننن أعوذ بنننه وألوذ بنننه غيننن سنننيدي الذي أننننا عبده‪.‬‬
‫وف ضمن ذلك العتراف بأنه مربوب مدبر مأمور منهي‪ ،‬إنا يتصرف بكم العبودية ل بكم‬
‫الختيار لنف سه‪ ،‬فل يس هذا شأن الع بد‪ ،‬بل شأن اللوك والحرار‪ ،‬وأ ما العب يد فت صرفهم على‬
‫مض العبودية‪ ،‬فهؤلء عبيد الطاعة الضافون إليه سبحانه ف قوله‪« :‬إن عبادي ليس لك عليهم‬
‫سلطان» الية‪ 42 :‬من سورة الجر‪ ،‬وقوله‪« :‬وعباد الرحن الذين يشون على الرض هونا»‬
‫الية‪ 63 :‬من سورة الفرقان‪ ،‬ومن عداهم عبيد القهر والربوبية‪ ،‬فإضافتهم إليه كإضافة سائر‬
‫البيوت إل مل كه‪ ،‬وإضا فة أولئك كإضا فة الب يت الرام إل يه‪ .‬وإضا فة ناق ته إل يه وداره ال ت هي‬
‫ال نة إل يه‪ ،‬وإضا فة عبود ية ر سوله إل يه بقوله‪« :‬وأ نه ل ا قام ع بد ال يدعوه» ال ية‪ 19 :‬من‬
‫سنننننننننننننننننورة النننننننننننننننننن‪.‬‬

‫الفوائد_المام شس الدين أب عبد ال بن قيم الوزية‬

‫و‬

‫من معان العبودية‬

‫‪21‬‬
‫وفـ التحقيـق بعنـ قوله‪ « :‬إنـ عبدك » التزام عبوديتـه مـن الذل‪ ،‬وامتثال أمـر سـيده‬
‫واجتناب نيه‪ ،‬ودوام الفتقار إليه واللجوء إليه‪ ،‬والستعانة به والتوكل عليه‪ ،‬وعياذ العبد‬
‫بــــه و عياذه بــــه‪ ،‬وأل يتعلق قلبــــه بغيه مبــــة وخوفا ورجاء‪.‬‬
‫وفيه أيضا أن عبد من جيع الوجوه صغيا وكبيا‪ ،‬حيّا وميتا‪ ،‬مطيعا وعاصيا‪ ،‬معاف ومبتلى‬
‫القلب واللســــــــــــــــــــــــــــان والوارح‪.‬‬
‫وفيـــه أيضا أن مال ونفســـي ملك لك‪ ،‬فإن العبـــد ومـــا يلك لســـيده‪.‬‬
‫وفيه أيضا أنك أنت الذي مننت عليّ بكل ما أنا فيه من نعمة‪ ،‬فذلك كله من إنعامك على‬
‫عبدك‪.‬‬
‫وفيه أيضا أن ل أتصرف فيما خولتن من مال ونفسي إل بأمرك كما ل يتصرف العبد إل‬
‫بإذن سيده‪ ،‬وأ ن ل أملك لنف سي ضرّا ول نفعا ول موتا ول حياة ول نشورا‪ ،‬فإن صح له‬
‫شهود ذلك فقــــــــد قال إنــــــــ عبدك حقيقــــــــة‪.‬‬
‫ث قال‪ « ْ :‬ناصيت بيدك» ‪ ،‬أي أنت التصرف فّ‪ ،‬تصرفن كيف تشاء‪ ،‬لست أنا التصرف‬
‫ف نفسي‪ ،‬وكيف يكون له ف نفسه تصرف من نفسه بيد ربه وسيده وناصيته بيده وقلبه‬
‫بي أصبعي من أصابعه‪ ،‬وموته وحياته وسعادته وشقاوته وعافيته وبلؤه كله إليه سبحانه‬
‫ليس إل العبد منه شيء‪ ،‬بل هو ف قبضة سيده أضعف من ملوك ضعيف حقي ناصيته بيد‬
‫ــر فوق ذلك‪.‬‬
‫ــل المـ‬
‫ــرفه وقهره بـ‬
‫ــ تصـ‬
‫ــر مالك له تتـ‬
‫ــلطان قاهـ‬
‫سـ‬

‫ومت شهد العبد أن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد ال وحده يصرفهم كيف يشاء ل يفهم‬
‫ب عد ذلك ول يرج هم ول ينل م منلة الالك ي‪ ،‬بل منلة عب يد مقهور ين مربوب ي‪ ،‬الت صرف‬
‫فيهم سواهم‪ ،‬والدبر لم غيهم‪ ،‬فمن شهد نفسه بذا الشهد صار فقره وضرورته إل ربه‬
‫و صفا لزما له‪ ،‬م ت ش هد الناس كذلك ل يفت قر إلي هم ول يعلق أمله ورجاءه ب م‪ ،‬فا ستقام‬
‫توحيده وتوكله وعبوديته‪ ،‬ولذا قال هود لقومه‪« :‬إن توكلت على ال رب وربكم ما من‬
‫دابـة إل هـو آخـذ بناصـيتها إن ربـ على صـراط مسـتقيم» اليـة‪ 56 :‬مـن سـورة هود‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬ماض فّــ حكمــك عدل فــ قضاؤك» تضمــن هذا الكلم أمريــن‪:‬‬
‫«أحدهاــــــــ‪ »:‬مضاء حكمــــــــه فــــــــ عبده‪.‬‬
‫«ثانيه ما‪ »:‬يتض من حده وعدله‪ ،‬و هو سبحانه له اللك وله ال مد‪ .‬وهذا مع ن قول نبيه‬

‫‪22‬‬
‫هود‪ « :‬ما من دا بة إل هو آ خذ بنا صيتها» ال ية‪ 56 :‬من سورة هود‪ ،‬ث قال‪« :‬إن ر ب‬
‫على صراط مستقيم» الية‪ 56 :‬من سورة هود‪ ،‬أي مع كونه مالكا قاهرا متصرفا ف عباده‬
‫نواصـيهم بيده‪ ،‬فهـو على صـراط مسـتقيم‪ :‬فـ قوله وفعله‪ ،‬وقضاءه وقدره‪ ،‬وأمره ونيـه‪،‬‬
‫وثوابه وعقابه‪ ،‬فخبه كله صدق‪ ،‬وقضاؤه كله عدل‪ ،‬وأمره كله مصلحة‪ ،‬والذي نى عنه‬
‫كله مف سده‪ ،‬وثوا به ل ن ي ستحق الثواب بفضله ورح ته‪ ،‬وعقا به ل ن ي ستحق العقاب بعدله‬
‫ورحتــــــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬

‫القضاء والكم والفرق بينهما‬


‫وفرق بي الكم والقضاء وجعل الضاء للحكم والعدل للقضاء‪ ،‬فإن حكمه سبحانه يتناول‬
‫حك مه الدي ن الشر عي وحك مه الكو ن القدري‪ ،‬والنوعان نافذان ف الع بد‪ ،‬ماضيان ف يه‪،‬‬
‫وهو مقهور تت الكمي قد مضيا فيه ونفذا فيه‪ .‬شاء أم أب‪ ،‬لكن الكم الكون ل يكنه‬
‫مالفتــــه‪ ،‬وأمــــا الدينــــ الشرعــــي فقــــد يالفــــه‪.‬‬
‫ولا كان القضاء هو التام والكمال‪ ،‬وذلك إنا يكون بعد مضيه ونفوذه‪ ،‬قال‪« :‬عدل فّ‬
‫قضاؤك» أي الكم الذي أكملته وأتمته ونفذته ف عبدك عدل منك فيه‪ ،‬وأما الكم فهو‬
‫ما ي كم به سبحانه و قد يشاء تنفيذه و قد ل ينفذه‪ ،‬فإن كان حكما دينيّ ا ف هو ماض ف‬
‫العبد‪ ،‬وإن كان كونيّا‪ :‬فإن نفذه سبحانه مضى فيه‪ ،‬وإن ل ينفذه اندفع عنه‪ ،‬ف هو سبحانه‬
‫يقضي ما يقضي به‪ ،‬وغيه قد يقضي بقضاء ويقدر أمرا ول يستطيع تنفيذه‪ ،‬وهو سبحانه‬
‫يقضــــــــــــي ويضــــــــــــي‪ ،‬فله القضاء والمضاء‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬عدل فّ قضاؤك » يتض من ج يع أقضي ته ف عبده من كل الوجوه‪ :‬من صحة‬
‫وســقم‪ ،‬وغنــ وفقــر‪ ،‬ولذة وأل‪ ،‬وحياة وموت‪ ،‬وعقوبــة وتاوز وغيــ ذلك‪.‬‬
‫قال تعال‪« :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم» الية‪ 30 :‬من سورة الشورى‪،‬‬

‫‪23‬‬
‫وقال‪« :‬وإن ت صبهم سيئة ب ا قد مت أيدي هم فإن الن سان كفور» ال ية‪ 48 :‬من سورة‬
‫الشورى‪ ،‬فكـــل مـــا يقضـــي على العبـــد فهـــو عدل فيـــه‪.‬‬
‫«فإن ق يل» ‪ :‬فالع صية عند كم بقضائه وقدره‪ ،‬ف ما و جه العدل ف قضائ ها؟ فإن العدل ف‬
‫ـــــــر‪.‬‬
‫ـــــــ ظاهـ‬
‫ـــــــا غيـ‬
‫ـــــــة عليهـ‬
‫العقوبـ‬
‫قيل‪ :‬هذا سؤال له شأن ومن أجله زعمت طائفة أن العدل هو القدور والظلم متنع لذاته‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬لن الظلم هو التصرف ف ملك الغي وال له كل شيء‪ ،‬فل يكون تصرفه ف خلقه‬
‫إل عدلً‪.‬‬
‫وقالت طائ فة‪ :‬بل العدل أ نه ل يعا قب على ما قضاه وقدره‪ ،‬فل ما ح سن م نه العقو بة على‬
‫الذنب علم أنه ليس بقضائه وقدره فيكون العدل هو جزاؤه على الذنب بالعقوبة والذم إما‬
‫ـــــــ الخرة‪.‬‬
‫ـــــــا فـ‬
‫ـــــــا وإمـ‬
‫ـــــــ الدنيـ‬
‫فـ‬
‫و صعب على هؤلء ال مع ب ي العدل وب ي القدر‪ ،‬فزعموا أن من أث بت القدر ل يك نه أن‬
‫يقول بالعدل‪ .‬ومـن قال بالعدل ل يكنـه أن يقول بالقدر‪ ،‬كمـا صـعب عليهـم المـع بيـ‬
‫التوحيد وإثبات الصفات‪ ،‬فزعموا أنه ل يكنهم إثبات التوحيد إل بإنكار الصفات‪ ،‬فصار‬
‫توحيدهـــــــــــم تعطيلً وعدلمـــــــــــ تكذيبا بالقدر‪.‬‬
‫وأ ما أ هل ال سنة ف هم مثبتون للمر ين‪ ،‬والظلم عند هم هو و ضع الش يء ف غ ي موض عه‬
‫كتعذيب الطيع ومن ل ذنب له‪ ،‬وهذا قد نزه ال نفسه عنه ف غي موضع من كتابه‪ ،‬وهو‬
‫سبحانه وإن أضل من شاء وقضى بالعصية وألغى على من شاء فذلك مض العدل فيه لنه‬
‫وضع الضلل والذلن ف موضعه اللئق به‪ ،‬كيف ومن أسائه السن «العدل » الذي‬
‫كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب وحق‪ ،‬وهو سبحانه قد أوضح السبل‪ ،‬وأرسل الرسل‪،‬‬
‫وأنزل الكتـب‪ ،‬وأزاح العلل‪ ،‬ومكـن مـن أسـباب الدايـة والطاعـة بالسـاع والبصـار‬
‫والعقول‪ ،‬وهذا عدله‪ .‬وو فق من شاء بز يد عنا ية وأراد من نف سه أن يعي نه ويوف قه فهذا‬
‫فضله‪ ،‬وخذل من ل يس بأ هل لتوفي قه وفضله وخلى بي نه وب ي نف سه‪ ،‬ول يرد سبحانه من‬
‫نفســـه أن يوفقـــه‪ ،‬فقطـــع عنـــه فضله ول يرمـــه عدله‪ ،‬وهذا نوعان‪:‬‬
‫«أحده ا‪ »:‬ما يكون جزاء م نه للع بد على إعرا ضه ع نه‪ ،‬وإيثار عدوه ف الطا عة والواف قة‬
‫عليـــه وتناســـي ذكره وشكره فهـــو أهـــل أن يذله ويتخلى عنـــه‪.‬‬
‫«ثانيهما‪ »:‬أل يشاء له ذلك ابتداء لا يعلم منه أنه ل يعرف قدر نعمة الداية‪ ،‬ول يشكره‬

‫‪24‬‬
‫عليــه‪ ،‬ول يثنــ عليــه باــ ول يبهــا فل يشاؤهــا له لعدم صــلحيته مله‪.‬‬
‫قال تعال‪« :‬وكذلك فت نا بعض هم بب عض ليقولوا أهؤلء من ال علي هم من بين نا أل يس ال‬
‫بأعلم بالشاكرين» الية‪ 53 :‬من سورة النعام‪ ،‬وقال‪« :‬ولو علم ال فيهم خيا لسعهم»‬
‫الية‪ 23 :‬من سورة النفال‪ ،‬فإذا قضى على هذه النفوس بالضلل والعصية كان ف مض‬
‫العدل‪ ،‬كمـا إذا قضـى على اليـة بأن تقتـل وعلى العقرب وعلى الكلب العقور كان ذلك‬
‫عدلً فيــــــــــه‪ ،‬وإن كان ملوقا على هذه الصــــــــــفة‪.‬‬
‫وقــد اســتوفينا الكلم فــ هذا فــ كتابنــا الكــبي فــ القضاء والقدر‪.‬‬
‫والقصود‪ :‬أن قوله صلى ال عليه وسلم‪ « :‬ماض ف حكمك عدل ف قضاؤك » رد على‬
‫الطائفتي‪ :‬القدرية الذين ينكرون عموم أقضية ال ف عباده ويرجون أفعال العباد عن كونا‬
‫بقضائه وقدره‪ ،‬ويردون القضاء إل ال مر والن هي‪ ،‬وعلى الب ية الذ ين يقولون كل مقدور‬
‫عدل فل يبقـى لقوله‪« :‬عدل فـ قضاؤك» فائدة‪ ،‬فإن العدل عندهـم كـل مـا يكـن فعله‬
‫والظلم هــو الحال لذاتــه‪ ،‬فكأنــه قال‪ :‬ماض ونافــذ فّ ـ قضاؤك‪ ،‬وهذا هــو‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬أسألك بكل اسم ‪ »...‬إل آخره‪ ،‬توسل إليه بأسائه كلها ما علم العبد منها وما‬
‫ل يعلم‪ ،‬وهذه أ حب الو سائل إل يه‪ ،‬فإن ا و سيلة ب صفاته وأفعاله ال ت هي مدلول أ سائه‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬أن تعل القرآن ربيع قلب‪ ،‬ونور صدري» الربيع‪ :‬الطر الذي ييي الرض‪ .‬شبه‬
‫القرآن به لياة القلوب به‪ ،‬وكذلك شب هه ال بال طر وج ع ب ي الاء الذي ت صل به الياة‬
‫والنور الذي ت صل به الضاءة والشراق‪ ،‬ك ما ج ع بينه ما سبحانه ف قوله‪« :‬أنزل من‬
‫السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا وما يوقدون عليه ف النار ابتغاء‬
‫حل ية‪ »...‬ال ية‪ 17 :‬من سورة الر عد‪ ،‬ف قوله‪« :‬مثل هم كم ثل الذي ا ستوقد نارا فل ما‬
‫أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم» الية‪ 17 :‬من سورة البقرة‪ ،‬ث قال‪« :‬أو كصيب من‬
‫السماء» الية‪ 19 :‬من سورة البقرة‪ ،‬وف قوله‪« :‬ال نور السموات الرض مثل نوره‪»...‬‬
‫اليات ال ية‪ 35 :‬من سورة النور‪ ،‬ث قال‪« :‬أل تر أن ال يز جي سحابا ث يؤلف بي نه»‬
‫ــــــــورة النور‪.‬‬
‫ــــــــن سـ‬
‫ــــــــة‪ 43 :‬مـ‬
‫اليات اليـ‬
‫فتض من الدعاء أن ي يي قل به برب يع القرآن وأن ينور به صدره فتجت مع له الياة والنور‪.‬‬
‫وقال تعال‪« :‬أو مـن كان ميتا فأحييناه وجعلنـا له نورا يشـي بـه فـ الناس كمـن مثله فـ‬
‫الظلمات ليـــس بارج منهـــا» اليـــة‪ 122 :‬مـــن ســـورة النعام‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ول ا كان ال صدر أو سع من القلب كان النور الا صل له ي سري م نه إل القلب؛ ل نه قد‬
‫حصل لا هو أوسع منه‪ ،‬ولا كانت حياة البدن والوارح كلها بياة القلب تسري الياة منه‬
‫إل الصدر ث إل الوارح سأل الياة له بالربيع الذي هو مادتا‪ ،‬ولا كان الزن والم والغم‬
‫ـ إذا‬
‫يضاد حياة القلب واسـتنارته سـأل أن يكون ذهاباـ بالقرآن فإناـ أحرى أل تعود‪ .‬وأم ا‬
‫ذهبـت بغيـ القرآن مـن صـحة أو دنيـا أو جاه أو زوجـة أو ولد فإناـ تعود بذهاب ذلك‪.‬‬
‫والكروه الوارد على القلب إن كان مـن أمـر ماض أحدث الزن‪ ،‬وإن كان مـن مسـتقبل‬
‫أحدث المـــ‪ ،‬وإن كان مـــن أمـــر حاضـــر أحدث الغـــم‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫أنزه الوجودات وأشرفها‬


‫أنزه الوجودات وأظهرها وأنورها وأشرفها وأعلها ذاتا وقدرا وأوسعها‪ :‬عرش الرحن جل‬
‫جلله‪ ،‬لذلك صلح لستوائه عليه‪ ،‬وكل ما كان أقرب إل العرش كان أنور وأنزه وأشرف‬
‫م ا ب عد ع نه‪ ،‬ولذا كا نت ج نة الفردوس أعلى النات وأشرف ها وأنور ها وأجل ها لقرب ا من‬
‫العرش إذ هو سقفها‪ ،‬و كل ما ب عد ع نه كان أظلم وأض يق‪ ،‬ولذا كان أ سفل سافلي شر‬
‫المكنـة وأضيقهـا وأبعدهـا مـن كـل خيـ‪ .‬وخلق ال القلوب وجعلهـا ملّ لعرفتـه ومبتـه‬
‫وإرادتــه فهــي عرش الثــل العلى الذي هــو معرفتــه ومبتــه وإرادتــه‪.‬‬
‫قال تعال‪« :‬للذ ين ل يؤمنون بالخرة م ثل ال سوء ول ال ثل العلى و هو العز يز الك يم»‬
‫الية‪ 60 :‬من سورة الن حل‪.‬وقال تعال‪« :‬وهو الذي يبدأ اللق ث يعيده و هو أهون عليه‬
‫وله ال ثل العلى ف ال سموات والرض و هو العز يز الك يم» ال ية‪ 27 :‬من سورة الروم‪،‬‬
‫وقال تعال‪« :‬ليس كمثله شيء» الية‪ 11 :‬من سورة الشورى‪ ،‬فهذا من الثل العلى وهو‬
‫مســــــتو على قلب الؤمــــــن فهــــــو عرشــــــه‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫وإن ل يكن أطهر الشياء وأنزهها وأطيبها وأبعدها من كل دنس وخبث ل يصلح لستواء‬
‫ال ثل العلى عل يه معر فة وم بة وإرادة فا ستوى عل يه م ثل الدن يا ال سفل ومبت ها وإرادت ا‬
‫والتعلق با‪ ،‬فضاق وأظلم وبعد من كماله وفلحه حت تعود القلوب على قلبي‪ :‬قلب هو‬
‫عرش الرحن‪ ،‬ففيه النور والياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الي‪ ،‬وقلب هو عرش‬
‫الشيطان فهناك الضيـق والظلمـة والوت والزن والغـم والمـ فهـو حزيـن على مـا مضـى‪،‬‬
‫مهموم باــــــــ يســــــــتقبل مغموم فــــــــ الال‪.‬‬
‫وقد روى الترمذي وغيه عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ « :‬إذا دخل النور القلب‬
‫انفسح وانشرح» ‪ ،‬قالوا‪ « :‬فما علمة ذلك يا رسول ال؟» قال‪« :‬النابة إل دار اللود و‬
‫التجاف عن دار الغرور والستعداد للموت قبل نزوله» ‪ ،‬والنور الذي يدخل القلب إنا هو‬
‫آثار الثل العلى‪ ،‬فلذلك ينفسح وينشرح‪ ،‬وإذا ل يكن فيه معرفة ال ومبته فحظه الظلمة‬
‫والضيـــــــــــــــــــــــــــــــــــق‪.‬‬

‫عظمته سبحانه وتعال‬


‫تأمـل خطاب القرآن تدـ ملكا له اللك كله وله المـد كله‪ ،‬أ ِزمّةـ المور كلهـا بيده‬
‫ومصدرها منه ومردّها إليه‪ ،‬مستويا على سرير ملكه‪ ،‬ل تفى عليه خافية ف أقطار ملكته‪،‬‬
‫عالا ب ا ف ن فس عبيده‪ ،‬مطلعا على أ سرارهم وعلنيت هم‪ ،‬منفردا بتدب ي المل كة‪ ،‬ي سمع‬
‫ويرى‪ ،‬ويع طي وي نع‪ ،‬ويث يب ويعا قب‪ ،‬ويكرم ويه ي‪ ،‬يلق ويرزق‪ ،‬وي يت وي يي‪ ،‬ويقدر‬
‫ويدبر‪ ،‬المور نازلة من عنده دقيقها و جليلها‪ ،‬وصاعدة إليه ل تتحرك ف ذرة إل بإذنه ول‬
‫تســــــــــقط ورقــــــــــة إل بعلمــــــــــه‪.‬‬
‫فتأمل كيف تده يثن على نفسه ويجد نفسه ويمد نفسه‪ ،‬وينصح عباده ويدلم على ما‬
‫ف يه سعادتم وفلح هم‪ ،‬ويرغب هم ف يه ويذر هم م ا ف يه هلك هم‪ ،‬ويتعرف إلي هم بأ سائه‬

‫‪27‬‬
‫و صفاته‪ ،‬ويتح بب إلي هم بنع مه وآلئه‪ .‬فيذكر هم بنع مه علي هم ويأمر هم ب ا ي ستوجبون به‬
‫تام ها ويذر هم من نق مه ويذكر هم با أ عد لم من الكرامة إن أطاعوه‪ ،‬وما أ عد ل م من‬
‫العقوبة إن عصوه ويبهم بصنعه ف أولياءه وأعدائه وكيف كانت عاقبة هؤلء‪ ،‬ويثن على‬
‫أوليائه بصـال أعمالمـ وأحسـن أوصـافهم‪ ،‬ويذم أعداءه بسـيئ أعمالمـ وقبيـح صـفاتم‪،‬‬
‫ويضرب المثال‪ ،‬وينوع الدلة والباهي‪ ،‬وييب عن شبه أعدائه أحسن الجوبة‪ ،‬ويصدق‬
‫ال صادق ويكذب الكاذب‪ ،‬ويقول ال ق ويهدي ال سبيل‪ ،‬ويد عو إل دار ال سلم‪ ،‬ويذ كر‬
‫أو صافها وح سنها ونعيم ها‪ ،‬ويذر من دار البوار ويذ كر عذاب ا وقبح ها وآلم ها‪ ،‬ويذ كر‬
‫عباده فقرهم إليه‪ ،‬وشدة حاجتهم إليه من كل وجه‪ ،‬أنم ل غن لم عنه طرفة عي‪ .‬ويذكر‬
‫غناه عنهم وعن جيع الوجودات وأنه الغن بنفسه عن كل ما سواه‪ ،‬وكل ما سواه فقي إليه‬
‫بنفسه‪ ،‬وأنه ل ينال أحد ذرة من الي فما فوقها إل بفضله ورحته‪ ،‬ول ذرة من الشر فما‬
‫فوقها إل بعدله وحكمته‪ ،‬ويشهد من خطابه عتابه لحبابه ألطف عتاب‪ ،‬وأنه مع ذلك مقيل‬
‫عثراتم‪ ،‬وغافر زلتم‪ ،‬ومقيم أعذارهم‪ ،‬ومصلح فسادهم‪ .‬والدافع عنهم‪ ،‬والحامي عنهم‪،‬‬
‫والناصر لم‪ ،‬والكفيل بصالهم‪ ،‬والنجي لم من كل كرب‪ ،‬والوف لم بوعده‪ ،‬وأنه وليهم‬
‫الذي ل ول لم سواه‪ ،‬فهو مولهم الق‪ ،‬ونصيهم على عدوهم‪ ،‬فنعم الول ونعم النصي‪.‬‬

‫فإذا شهدت القلوب مـن القرآن ملكا عظيما رحيما جيلً‪ ،‬هذا شأنـه‪ ،‬فكيـف ل تبـه‬
‫وتنافس ف القرب منه وتنفق أنفاسها ف التودد إليه‪ ،‬ويكون أحب إليها من كل ما سواه‪،‬‬
‫ورضاه آ ثر عند ها من ر ضا كل سواه‪ ،‬وك يف ل تل هج بذكره وي صي ح به والشوق إل يه‬
‫وال نس به هو غذاؤ ها وقوت ا وداؤ ها ب يث إن فقدت ذلك ف سدت وهل كت‪ ،‬ول تنت فع‬
‫بياتاــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‪.‬‬

‫قبول الحل لا يوضع مرهون بأن يفرغ من ضده‬


‫‪28‬‬
‫قبول ال حل ل ا يو ضع ف يه مشروط بتفري غه من ضده‪ ،‬وهذا ك ما أ نه ف الذوات والعيان‬
‫فكذلك هو ف العتقادات والرادات‪ ،‬فإذا كان القلب متلئا بالبا طل اعتقادا وم بة ل ي بق‬
‫ف يه لعتقاد ال ق ومب ته مو ضع‪ ،‬ك ما أن الل سان إذا اشت غل بالتكلم ب ا ل ين فع ل يتم كن‬
‫صاحبه من الن طق ب ا ينف عه إل إذا فرغ ل سانه من الن طق بالبا طل‪ ،‬وكذلك الوارح إذا‬
‫اشتغلت بغيـ الطاعـة ل يكـن شغلهـا بالطاعـة إل إذا فرغهـا مـن ضدهـا‪ .‬فكذلك القلب‬
‫الشغول بح بة غ ي ال وإراد ته والشوق إل يه وال نس به‪ ،‬ل ي كن شغله بح بة ال وإراد ته‬
‫وحبـه والشوق إل لقائه إل بتفريغـه مـن تعلقـه بغيه‪ .‬ول حركـة اللسـان بذكره والوارح‬
‫بدمته إل إذا فرغها من ذكر غيه وخدمته‪ ،‬فإذا امتل القلب بالشغل بالخلوق والعلوم الت‬
‫ل تنفـع ل يبـق فيهـا موضـع للشغـل بال ومعرفـة أسـائه وصـفاته وأحكامـه‪.‬‬
‫وسر ذلك‪ :‬أن صفاء القلب كإصغاء الذن‪ ،‬فإذا أصغى إل غي حديث ال ل يبق فيه إصغاء‬
‫ول فهم لديثه‪ .‬كما إذا مال إل غي مبة ال ل يبق فيه ميل إل مبته‪ .‬فإذا نطق القلب بغي‬
‫ذكره ل ي بق ف يه م ل للن طق بذكره كالل سان‪ .‬ولذا ف ال صحيح عن ال نب صلى ال عل يه‬
‫وسلم أنه قال‪ « :‬لن يتلئ جوف أحدكم قيحا حت يَ ِريَ هُ خي له من أن يل شعرا» فبي‬
‫أن الوف يتلئ بالشعـر فكذلك يتلئ بالشبـه والشكوك واليالت والتقديرات التـ ل‬
‫وجود ل ا‪ ،‬والعلوم ال ت ل تن فع‪ ،‬والفاكهات والضحكات والكايات‪ ،‬ونو ها‪ ،‬وإذا امتل‬
‫القلب بذلك جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته فلم تد فيه فراغا لا ول‬
‫قبولً فتعدتــــــه وجاوزتــــــه إل ملــــــ ســــــواه‪.‬‬
‫كما إذا بذلت النصيحة لقلب ملن من ضدها ل منفذ لا فيه فإنه ل يقبلها ول تلج فيه‪،‬‬
‫لكن تر متازة ل مستوطنة‪ ،‬ولذلك قيل‪:‬‬

‫نزه فؤادك من سوانا تلقنا * * * فجنابنا حل لكل منه‬

‫والصب طلسم لكن وصالنا * * * من حل ذا الطلسم فاز بكنه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــق‬
‫وبال التوفيـ‬

‫‪29‬‬
‫الكلم ف ألاكم التكاثر‪:‬‬
‫ـا‪.‬‬
‫ـر إل آخرهـ‬
‫ـورة التكاثـ‬
‫ـن سـ‬
‫ـة الول مـ‬
‫ـر» اليـ‬
‫ـم التكاثـ‬
‫قوله تعال‪ « :‬ألاكـ‬
‫أخلصت هذه السورة للوعد والوعيد والتهديد‪ ،‬وكفى با موعظة لن عقلها‪ .‬فقوله تعال‪:‬‬
‫«ألاكم» أي شغلكم على وجه ل تعذرون فيه‪ .‬فإن اللاء عن الشيء هو الشتغال عنه‪.‬‬
‫فإن كان بقصده فيه فهو مل التكليف‪ ،‬وإن كان بغي قصد كقوله صلى ال عليه وسلم ف‬
‫الميصة‪ « :‬إنا ألتن آنفا عن صلت» رواه الشيخان كان صاحبه معذورا وهو نوع من‬
‫النسيان‪ ،‬وف الديث « فلها صلى ال عليه وسلم عن الصب» أي ذهل عنه‪ ،‬ويقال‪ :‬لَهَا‬
‫بالشيـــء‪ :‬أي اشتغـــل بـــه‪ ،‬ولاـــ عنـــه‪ :‬إذا انصـــرف عنـــه‪.‬‬
‫واللهو للقلب‪ ،‬واللعب للجوارح؛ ولذا يمع بينهما‪ ،‬ولذا كان قوله‪ « :‬ألاكم التكاثر»‬
‫أبلغ ف الذم من شغلكم‪ ،‬فإن العامل قد يستعمل جوارحه با يعمل وقلبه غي له به‪ ،‬فاللهو‬
‫هو ذهول وإعراض‪ ،‬والتكا ثر تفا عل من الكثرة‪ ،‬أي مكاثرة بعض كم لب عض‪ ،‬وأعرض عن‬
‫ذ كر التكا ثر به إرادة لطل قه وعمو مه‪ ،‬وأن كل ما يكا ثر به الع بد غيه سوى طا عة ال‬
‫ورســوله ومــا يعود عليــه بنفــع معاده فهــو داخــل فــ هذه التكاثــر‪.‬‬
‫فالتكا ثر كل ش يء من مال أو جاه أو ريا سة أو ن سوة أو حد يث أو علم‪ ،‬ول سيما إذا ل‬
‫يتــــــــــــــــــج إليــــــــــــــــــه‪.‬‬
‫والتكاثــر فــ الكتــب‪ :‬التصــانيف وكثرة الســائل وتفريعهــا وتوليدهــا‪.‬‬
‫والتكا ثر‪ :‬أن يطلب الر جل أن يكون أك ثر من غيه‪ ،‬وهذا مذموم إل في ما يقرب إل ال‪.‬‬
‫فالتكاثر فيه منافسة ف اليات ومسابقة إليها‪ .‬وف صحيح مسلم من حديث عبد ال بن‬
‫الشخ ي أ نه انت هى إل ال نب صلى ال عل يه و سلم و هو يقرأ‪« :‬ألا كم التكا ثر» قال‪« :‬‬
‫يقول ابن آدم مال مال‪ ،‬وهل لك من مالك إل ما تصدقت فأمضيت‪ ،‬أو أكلت فأفنيت‪ ،‬أو‬

‫‪30‬‬
‫لبســــــــــــــــت فأبليــــــــــــــــت» ‪.‬‬

‫من ل ينتفع بعينه ل ينتفع بأذنه‬


‫من ل ينتفع بعينه ل ينتفع بأذنه‪ ،‬للعبد ستر بينه وبي ال وبينه وبي الناس‪ ،‬فمن هتك الستر‬
‫الذي بينـــه وبيـــ ال هتـــك ال الســـتر الذي بينـــه وبيـــ الناس‪.‬‬
‫للعبد رب هو ملقيه وبيت هو ساكنه‪ ،‬فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه‪ ،‬ويعمر بيته‬
‫قبــــــــــــــــل انتقاله إليــــــــــــــــه‪.‬‬
‫إضا عة الو قت أ شد من الوت؛ لن إضا عة الو قت تقط عك عن ال والدار الخرة‪ ،‬والوت‬
‫يقطعـــــــك عـــــــن الدنيـــــــا وأهلهـــــــا‪.‬‬
‫ـر‪.‬‬
‫ـم العمـ‬
‫ـف بغـ‬
‫ـاعة فكيـ‬
‫ـم سـ‬
‫ـاوي غـ‬
‫ـا ل تسـ‬
‫ـن أولا ـ إل آخرهـ‬
‫ـا مـ‬
‫الدنيـ‬
‫مبوب اليوم يعقـــــب الكروه غدا‪ ،‬ومكروه اليوم يعقـــــب الحبوب غدا‪.‬‬
‫أع ظم الر بح ف الدن يا أن تش غل نف سك كل الو قت با هو أول با وأن فع لا ف معاد ها‪.‬‬
‫كيـــف يكون عاقل مـــن باع النـــة باـــ فيهـــا بشهوة ســـاعة‪.‬‬
‫يرج العارف من الدن يا ول ي قض وطره من شيئ ي‪ :‬بكاؤه على نف سه‪ ،‬وثناؤه على ر به‪.‬‬
‫الخلوق إذا خف ته ا ستوحشت م نه وهر بت م نه‪ ،‬والرب تعال إذا خف ته أن ست به وقر بت‬
‫إليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬
‫لو نفع العلم بل عمل لا ذم ال سبحانه أحبار أهل الكتاب‪ ،‬ولو نفع العمل بل إخلص لا‬
‫ذم النافقيــــــــــــــــــــــــــــــــــ‪.‬‬
‫دافع الطرة‪ ،‬فإن ل تفعل صارت فكرة‪ ،‬فدافع الفكرة‪ ،‬فإن ل تفعل صارت شهوة‪ ،‬فحاربا‪،‬‬
‫ــارت فعل‪.‬‬
‫ــا صـ‬
‫ــ‪ .‬فإن ل تدافعهـ‬
‫ــ وهِمّةـ‬
‫ــارت عزيةـ‬
‫ــل صـ‬
‫فإن ل تفعـ‬

‫‪31‬‬
‫مراتب التقوى‬
‫«إحداهـــــا‪ » :‬حيـــــة القلب والوارح عـــــن الثار الحرمات‪.‬‬
‫ــــــــن الكروهات‪.‬‬
‫ــــــــا عـ‬
‫ــــــــة‪ »:‬حيتهـ‬
‫«الثانيـ‬
‫ــــ‪.‬‬
‫ــــا ل يعنـ‬
‫ــــن الفضول ومـ‬
‫ــــة عـ‬
‫ــــة‪ »:‬الميـ‬
‫«الثالثـ‬
‫فالول تع طى الع بد حيا ته‪ ،‬والثان ية تف يد صحته وقو ته‪ ،‬والثال ثة تك سيه سروره وفر حه‬
‫وبجته‪.‬‬

‫غموض الق حي تذب عنه * * * تضل عن الدقيق فهوم قوم‬

‫يقلل ناصر الصم الحق * * * فتقضى للمجل على الدق‬

‫بال أبلغ ما أسعى وأدركه * * * ل ب ول بشفيع ل من الناس‬

‫إذا أيست وكاد اليأس يقطعن * * * جاء الرجاء مسرعا من جانب اليأس‬

‫من خل قه ال للج نة ل تزل هدايا ها تأت يه من الكاره‪ ،‬و من خل قه للنار ل تزل هداياه من‬
‫الشهوات‪.‬‬
‫لاــ طلب آدم اللود فــ النــة مــن جانــب الشجرة عوقــب بالروج منهــا‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ول ا طلب يو سف الروج من ال سجن من ج هة صاحب الرؤ يا ل بث ف يه ب ضع سني‪.‬‬

‫مشاهد العبد إذا جرى عليه مقدور يكرهه‬

‫الول‪ -‬مشهد التوحيد‬


‫ـن‪.‬‬
‫ـأ ل يكـ‬
‫ـا شاء ال كان ومــا ل يشـ‬
‫ـه‪ ،‬ومـ‬
‫ـو الذي قدره وشاءه وخلقـ‬
‫وأن ال هـ‬

‫‪33‬‬
‫الثان‪ -‬مشهد العدل‬
‫وأنــــــه ماض فيــــــه حكمــــــه عدل فيــــــه قضاؤه‪.‬‬

‫الثالث‪-‬مشهد الرحة‬
‫ــه حشوه‪.‬‬
‫ــه ورحتـ‬
‫ــه وانتقامـ‬
‫ــة لغضبـ‬
‫ــ هذا القدور غالبـ‬
‫ــه فـ‬
‫وأن رحتـ‬

‫‪34‬‬
‫الرابع‪ -‬مشهد الكمة‬
‫وأن حكمتـــه ســـبحانه اقتضـــت ذلك‪ ،‬ل يقدره ســـدى ول قضاه عبثا‪.‬‬

‫الامس‪ -‬مشهد المد‬


‫ـــه‪.‬‬
‫ـــع وجوهـ‬
‫ـــن جيـ‬
‫ـــد التام على ذلك مـ‬
‫ـــبحانه المـ‬
‫وأن له سـ‬

‫‪35‬‬
‫السادس‪ -‬مشهد العبودية‬
‫وأنه عبد مض من كل وجه تري عليه أحكام سيده و أقضيته بكم كونه ملكه وعبده‪،‬‬
‫فيصـرفه تتـ أحكامـه القدريـة كمـا يصـرفه تتـ أحكامـه الدينيـة فهـو ملـ لريان هذه‬
‫الحكام عليـــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬

‫قلة التوف يق وف ساد الرأي‪ ،‬وخفاء ال ق وف ساد القلب‪ ،‬وخول الذ كر‪ ،‬وإضا عة الو قت‪ ،‬و‬
‫نفرة اللق والوحشة بي العبد وبي ربه‪ ،‬ومنع إجابة الدعاء‪ ،‬وقسوة القلب‪ ،‬ومق البكة‬
‫فـ الرزق والعمـر‪ ،‬وحرمان العلم ولباس الذل‪ ،‬و إهانـة العدو وضيـق الصـدر‪ ،‬والبتلء‬
‫بقرناء ال سوء الذين يف سدون القلب ويضيعون الو قت‪ ،‬وطول ال م وال غم‪ ،‬وض نك العي شة‬
‫وكسـف البال‪ :‬تتولد مـن العصـية والغفلة عـن ذكـر ال كمـا يتولد الزرع عـن الاء‪،‬‬
‫والحتراق عــــــن النار‪ ،‬وأضداد هذه تتولد عــــــن الطاعــــــة‪.‬‬

‫من معان النصاف له تعال‬


‫طوب لن أنصف ربه فأقر بالهل ف عمله والفات ف عمله والعيوب ف نفسه والتفريط ف‬
‫حقـه‪ ،‬والظلم فـ معاملتـه‪ ،‬فإن آخذه بذنوبـه رأى عدله وإن ل يؤخـذ باـ رأى فضله‪ ،‬وإن‬
‫عمل حسنة رآها من منته وصدقته عليه‪ ،‬فإن قبلها فمنة وصدقة ثانية‪ ،‬وإن ردها فلكون‬

‫‪36‬‬
‫مثل ها ل ي صلح أن يوا جه به‪ ،‬وإن ع مل سيئة رآ ها من تل يه ع نه‪ ،‬وخذل نه له‪ ،‬وإم ساك‬
‫عصمته عنه‪ ،‬وذلك من عدله فيه‪ ،‬فيى ف ذلك فقره إل ربه وظلمه ف نفسه‪ ،‬فإن غفر له‬
‫ــــــــه‪.‬‬
‫ــــــــانه وجوده وكرمـ‬
‫ــــــــض إحسـ‬
‫فبمحـ‬

‫ونك تة ال سألة و سرها‪ :‬أ نه ل يرى ر به إل م سنا‪ ،‬ول يرى نف سه إل م سيئا أو مفرطا أو‬
‫مق صرا فيى كل ما ي سره من ف ضل ر به عل يه وإح سانه إل يه‪ ،‬و كل ما ي سوءه من ذنو به‬
‫وعدل ال فيـــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬
‫الحبون إذا خربـت منازل أحبائهـم قالوا سـقيا لسـكانا‪ .‬وكذلك الحـب إذا أتـت عليـه‬
‫العوام تت التراب ذكر حينئذ حسن طاعته له ف الدنيا وتودده إليه وتدد ورحته وسقياه‬
‫لنـــــ كان ســـــاكنا فـــــ تلك الجســـــام الباليـــــة‪.‬‬

‫أنواع الغية‬
‫الغية غيتان‪ :‬غية على الش يء‪ ،‬وغية من الش يء‪ ،‬فالغية على الحبوب حر صك عل يه‪،‬‬
‫والغية من الكروه أن يزاح ك عل يه‪ ،‬فالغية على الحبوب ل ت تم إل بالغية من الزا حم‪،‬‬
‫وهذه تمــد حيــث يكون الحبوب تقبــح الشاركــة فــ حبــه كالخلوق‪.‬‬

‫وأما من تسن الشاركة ف حبه سبحانه فل يتصور غيه الزاحة عليه بل هو حسد‪ ،‬والغية‬
‫الحمودة ف حقه أن يغار الحب على مبته له أن ي صرفها إل غيه‪ ،‬أو يغار عليها أن يطلع‬
‫علي ها الغ ي فيف سدها عل يه‪ ،‬أو يغار على أعماله أن يكون في ها ش يء لغ ي مبو به‪ ،‬أو يغار‬
‫علي ها أن يشوب ا ما يكره مبو به من رياء أو إعجاب أو م بة لشراف غيه علي ها أو غيب ته‬

‫‪37‬‬
‫عـــــــن شهود منتـــــــه عليـــــــه فيهـــــــا‪.‬‬

‫وبالملة‪ :‬فغيته تقتضي أن تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها ل‪ ،‬وكذلك يغار على أوقاته‬
‫أن يذهب منها وقت ف غي رضا مبوبه‪ ،‬فهذه الغية من جهة العبد‪ ،‬وهي غية من الزاحم‬
‫له العوق القاطع له عن مرضاة مبوبه‪ .‬وأما غية مبوبه عليه فهي كراهية أن ينصرف قلبه‬
‫عن مبته إل مبة غية بيث يشاركه ف حبه‪ ،‬ولذا كانت غية ال أن يأت العبد ما حرم‬
‫عليه‪ ،‬ولجل غيته سبحانه حرم الفاحشة ما ظهر وما بطن؛ لن اللق عبيده وإماؤه فهو‬
‫يغار على إمائه كمـا يغار السـيد على جواريـه‪ -‬ول الثـل العلى‪ -‬ويغار على عـبيده أن‬
‫تكون مبتهـم لغيه بيـث تملهـم تلك الحبـة على عشـق الصـور ونيـل الفاحشـة منهـا‪.‬‬

‫مــن عظــم وقار ال فــ قلبــه أن يعصــيه وقره ال فــ قلوب اللق أن يذلوه‪.‬‬

‫إذا عل قت شروش العر فة ف أرض القلب نب تت ف يه شجرة الح بة‪ ،‬فإذا تك نت وقو يت‬
‫أثرت الطاعــة فل تزال الشجرة تؤتــ أكلهــا كــل حيــ بإذن رباــ‪.‬‬
‫أول منازل القوم‪« :‬اذكروا ال ذكرا كثيا وســبحوه بكرة وأصــيل » الحزاب‪، 42 :‬‬
‫وأوسطها‪« :‬هو الذي يصلي عليكم وملئكته ليخرجكم من الظلمات إل النور» الحزاب‬
‫‪ .43‬وآخرهــــا‪« :‬تيتهــــم يوم يلقونــــه ســــلم» الحزاب‪. 44 :‬‬

‫أرض الفطرة رح بة قابلة ل ا يغرس في ها‪ ،‬فإن غر ست شجرة اليان والتقوى أور ثت حلوة‬
‫البدان‪ ،‬وإن غرســـت شجرة الهـــل والوى فكـــل الثمـــر مـــر‪.‬‬
‫ارجع إل ال واطلبه من عينك وسعك وقلبك ولسانك‪ ،‬ول تشرد عنه من هذه الربعة فما‬
‫رجع من رجع إليه بتوفيقه إل منها‪ ،‬وما شرد من شرد عنه بذلنه إل منها‪ ،‬فالوفق يسمع‬
‫ويبصــر ويتكلم ويبطــش بوله‪ ،‬والخذول يصــدر ذلك عنــه بنفســه وهواه‪.‬‬

‫مثال تولد الطا عة ونو ها وتزايد ها كم ثل نواة غر ستها ف صارت شجرة ث أثرت فأكلت‬
‫ثر ها وغر ست نوا ها فكل ما أث ر من ها ش يء جن يت ثره وغر ست نواه‪ ،‬وكذلك تدا عي‬

‫‪38‬‬
‫العا صي‪ ،‬فليتدبر اللب يب هذا الثال‪ :‬ف من ثواب ال سنة ال سنة بعد ها‪ ،‬و من عقو بة ال سيئة‬
‫الســـــــــــــــــيئة بعدهـــــــــــــــــا‪.‬‬
‫ل يس الع جب من ملوك يتذلل ل ويتع بد له ول ي ل من خدم ته مع حاج ته وفقره إل يه‪ ،‬إن ا‬
‫العجب من مالك يتحبب إل ملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه‪.‬‬

‫كفى بك عزّا أنك له عبد * * * وكفى بك فخرا أنه لك رب‬

‫فوائد قيمة إياك والعاصي‬


‫إياك والعاصــي فإناــ أذلت عِزّ « اســجدوا» وأخرجــت إقطاع ‪ « :‬اســكن» ‪.‬‬
‫يا لا لظة أثرت حرارة القلق ألف سنة ما زال يكتب بدم الندم سطور الزن ف القصص‬
‫ــه» ‪.‬‬
‫ــ جاءه توقيع ــُ‪« :‬فتاب عليـ‬
‫ــف حتـ‬
‫ــع أنفاس السـ‬
‫ــلها مـ‬
‫ويرسـ‬
‫فرح إبليس بنول آدم من النة وما علم أن هبوط الغائص ف اللجة خلف الدر صعود‪ ،‬كم‬
‫بي قوله لدم‪« :‬إن جاعل ف الرض خليفة» وقوله لك‪ « :‬اذهب فمن تبعك منهم»‬
‫اليـة‪ 63 :‬مـن سـورة السـراء مـا جرى على آدم هـو الراد مـن وجوده لو ل تذنبوا‪.‬‬
‫ـا‪.‬‬
‫ـك خلقتهـ‬
‫ـال ذريتـ‬
‫ـا» فلك ولصـ‬
‫ـن قول لك‪« :‬اخرج منهـ‬
‫ـا آدم ل تزع مـ‬
‫يـ‬
‫يا آدم ك نت تد خل عليّ دخول اللوك على اللوك‪ ،‬اليوم تد خل عليّ دخول العب يد على‬
‫اللوك‪.‬‬
‫يـا آدم ل تزع مـن كأس زال كانـت سـبب كيسـك فقـد اسـتخرج منـك داء العجـب‪،‬‬
‫وألبسـت خلعـة العبوديـة « وعسـى أن تكرهوا‪ »...‬اليـة‪ 216 :‬مـن سـورة البقرة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫يا آدم ل أخرج أقطاعك إل غيك‪ ،‬وإنا نيتك عنه لكمل عمارته لك وليبعث إل العمال‬
‫نف قة « تتجا ف جنوبم» ال ية‪ 16 :‬من سورة ال سجدة تال ما نف عه عند مع صيته عز «‬
‫اسـجدوا» ول شرف « وعلم آدم» ول خصـيصة « لاـ خلقـت بيدي» ول فخـر «‬
‫ونفخت فيه من روحي» الية‪ 29 :‬من سورة الجر وإنا انتفع بذل «ربنا ظلمنا أنفسنا»‬
‫الية‪ 23 :‬من سورة العراف لا لبس درع التوحيد على بدن الشكر وقع سهم العدو منه‬
‫ف غي مقتل فجرحه‪ ،‬فوضع عليه جبار النكسار فعاد كما كان‪ ،‬فقام الريح كأن ل يكن‬
‫بــــــــــــــــــه قلبــــــــــــــــــة ‪.‬‬

‫نائب النجاة مهيأة للمراد‪ ،‬وأقدام الطرود موثوقة بالقيود‬


‫هبت عوا صف القدار ف بيداء الكوان فتقلب الوجود ونم الي فل ما ركدت الريح إذا‬
‫أ بو طالب غر يق ف ل ة اللك‪ .‬و سلمان على ساحل ال سلمة‪ .‬والول يد بن الغية يقدم‬
‫قومه ف التيه‪ ،‬وصهيب قد قدم بقافلة الروم‪ ،‬والنجاشي ف أرض البشة يقول‪ :‬لبيك اللهم‬
‫لبيـك‪ ،‬وبلل ينادي‪ :‬الصـلة خيـ مـن النوم‪ ،‬وأبـو جهـل فـ رقدة الخالفـة‪:‬‬
‫لا قضي ف القدم بسابقة سلمان عرض به دليل التوفيق عن طريق آبائه ف التمجس فأقبل‬
‫ـد‪.‬‬
‫ـن له جواب إل القيـ‬
‫ـا عله بالجــة ل يكـ‬
‫ـ ديــن الشرك‪ ،‬فلمـ‬
‫ـر أباه فـ‬
‫يناظـ‬

‫وهذا جواب يتداوله أهل الباطل من يوم حرفوه‪ ،‬و به أجاب فرعون موسى‪« :‬لئن اتذت‬
‫إلا غيي» الية‪ 29 :‬من سورة الشعراء و به أجاب الهمية المام أحد لا عرضوه على‬
‫السياط‪ ،‬و به أجاب أهل البدع شيخ السلم حي استودعوه السجن‪ ،‬وها نن على الثر‬
‫فنل به ضيف «و لنبلونكم» فنال بإكرامه مرتبة‪ « :‬سلمان منا أهل البيت» فسمع أن‬
‫ركبا على نية السفر فسرق نفسه من أبيه ول قطع فركب راحلة العزم يرجو إدراك مطلب‬

‫‪40‬‬
‫ال سعادة فغاص ف ب ر الب حث لي قع بدرة الوجود‪ ،‬فو قف نف سه على خد مه الدلء وقوف‬
‫الذلء‪ .‬فلمـا أحـس الرهبان بانقراض دولتهـم سـلموا إليـه أعلم العلم على نبوة نبينـا‪،‬‬
‫وقالوا إن زمانه قد أظل فاحذر أن تضل‪ ،‬فرحل مع رفقة ل يرفقوا به « وشروه بثمن بس‬
‫دارهم معدودة» الية‪ 20 :‬من سورة يوسف فابتاعه يهودي بالدينة‪ ،‬فلما رأى الرة توقد‬
‫حرا شو قه ول يعلم رب النل بو جد النازل‪ ،‬فبي نا هو يكا بد ساعات النتظار قدم البش ي‬
‫بقدوم البشي‪ ،‬وسلمان ف رأس نلة وكاد القلق يلقيه لول أن الزم أمسكه كما جرى يوم‬
‫« إن كادت لتبدي به لول أن ربط نا على قلب ها» ال ية‪ 10 :‬من سورة الق صص فع جل‬
‫النول لتلقي ركب البشارة ولسان حاله يقول‪:‬‬

‫خليليّ من ند قفا ب على الربا * * * قد هب من تلك الديار نسيم‬

‫فصاح به سيده‪ :‬ما لك‪ ،‬انصرف إل شغلك فقال‪ :‬كيف انصراف ول ف داركم شغلي ث‬
‫أخذ لسان حاله يترن لو سع الطروش «الطرش الذي ل يسمع» ‪:‬‬

‫خليليّ ل وال ما أنا منكما * * * إذا علم من آل ليلى بدائيا‬

‫فلما لقي الرسول عارض نسخة الرهبان بكتاب الصل فوافقه‪ ،‬يا ممد أنت تريد أبا طالب‬
‫وننـــــــــــ نريـــــــــــد ســـــــــــلمان‪.‬‬
‫أبـو طالب إذا سـئل عـن اسـه قال ‪ :‬عبـد مناف‪ .‬وإذا انتسـب افتخـر بالباء وإذا ذكرت‬
‫الموال عد البل‪ ،‬وسلمان إذا سئل عن اسه قال ‪ :‬عبد ال‪ ،‬وعن نسبه قال ابن السلم‪.‬‬
‫و عن ماله قال الف قر‪ ،‬و عن حانو ته قال ال سجد‪ .‬و عن ن سبه قال ال صب و عن لبا سه قال‬
‫التقوى والتواضع‪ .‬وعن وساده قال ال سهر‪ ،‬و عن فخره قال سلمان منا‪ ،‬و عن ق صده قال‬

‫‪41‬‬
‫يريدون وجهـه‪ ،‬وعـن سـيه قال إل النـة‪ .‬وعـن دليله فـ الطريـق قال إمام اللق وهادي‬
‫الئمة‪:‬‬

‫إذا نن أدلنا وأنت أمامنا * * * وإن نن أظللنا الطريق ول ند‬

‫كفى بالطايا طيب ذكراك حاديا * * * دليل كفانا نور وجهك هاديا‬

‫الذنوب جراحات‪ ،‬ورب جرح وقـع فـ مقتـل‪ .‬لو خرج عقلك مـن سـلطان هواك عادت‬
‫الدولة له‪ .‬دخلت دار الوى فقامرت بعمرك‪ .‬إذا عرضـت نظرة ل تلـ فاعلم أناـ مسـعر‬
‫حرب فاستتر منها بجاب «قل للمؤمني» الية‪ 30 :‬من سورة النور فقد سلمت من الثر‬
‫« وكفـــى ال الؤمنيـــ القتال» ‪.‬اليـــة‪ 25 :‬مـــن ســـورة الحزاب‬
‫بر الوى إذا مد أغرق‪ ،‬وأخوف النافذ على السابح فتح البصر ف الاء‪.‬‬

‫ما أحد أكرم من مفرد * * * منعما ف القب ف روضه‬

‫ف قبه أعماله تؤنســـه * * * ليس كعبد قبه مبســـــه‬

‫على قدر فضل الرء تأتى خطوبه * * * ويعرف عند الصب فيما يصيبه‬

‫ومن قل فيما يتقيه اصطبــــــــــــاره * * * فقد قل ما يرتيه‬


‫نصيبـــــــــــــه‬

‫‪42‬‬
‫كم ق طع زرع ق بل التمام ف ما ظن الزرع ال ستحصد‪ .‬اش تر نف سك فال سوق قائ مة والث من‬
‫موجود‪ .‬ل بد من سنة الغفلة ورقاد الوى ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون‪:‬‬
‫دنـــــــــــــــــا الصـــــــــــــــــباح‪.‬‬
‫نور العقل يضيء ف ليل الوى فتلوح جادة الصواب فيتلمح البصي ف ذلك النور عواقب‬
‫المور‪ .‬اخرج بالعزم مـن هذا الفناء الضيـق الحشـو بالفات إل ذلك الفناء الرحـب الذي‬
‫فيــــه مــــا ل عيــــ رأت فهناك ل يتعذر مطلوب ول يفقــــد مبوب‪.‬‬
‫يا بائعا نف سه بوى مَ نْ حُبّ ه ض ن وو صله أذى‪ ،‬وح سنه إل ف نا‪ ،‬ل قد ب عت أن فس الشياء‬
‫بثمن بس كأنك ل تعرف قدر السلعة ول خسة الثمن حت إذا قدمت يوم التغابن لك الغب‬
‫فـــــــــــ عقـــــــــــد التبايـــــــــــع‪.‬‬
‫ل إله إل ال‪ ،‬سلعة‪ :‬ال مشتريها وثنها النة والدلل الرسول‪ ،‬ترضى ببيعها بزء يسي ما‬
‫ـــــــــــــاوي كله جناح بعوضـــــــــــــة‪.‬‬
‫ل يسـ‬

‫إذا كان شيء ل يساوي جيعه * * * جناح بعوض عند من صرت عبده‬

‫ويلك جزء منه كلك ما الذي * * * يكون على ذا الال قدرك عنده‬

‫وبعت به نفسا قد استامها با * * * لديه من السن وقد زال وده‬

‫« ذا هنــا اســم إشارة منهــا هاء التنــبيه وليســت مــن الســاء المســة»‬

‫‪43‬‬
‫يا م نث العزم أ ين أ نت والطر يق‪ ،‬طر يق ت عب ف يه آدم‪ ،‬وناح لجله نوح‪ ،‬ور مي ف النار‬
‫الليل‪ ،‬واضطجع للذبح إساعيل‪ ،‬وبيع يوسف بثمن بس‪ ،‬ولبث ف السجن بضع سني‪،‬‬
‫ون شر بالنشار زكر يا‪ ،‬وذ بح ال سيد ال صور ي ي‪ ،‬وقا سى ال ضر أيوب‪ ،‬وزاد على القدار‬
‫بكاء داود‪ ،‬وسـار مـع الوحـش عيسـى‪ ،‬وعال الفقـر وأنواع الذى ممـد صـلى ال عليـه‬
‫وسلم‪ ،‬تزها أنت باللهو واللعب‪.‬‬

‫فيا دارها بالزن إن مزارها * * * قريب ولكن دون ذلك أهوال‬

‫الرب قائمة وأنت أعزل ف النظارة‪ ،‬فإن حركت ركابك فللهزية‪ .‬ومن ل يباشر حر الجي‬
‫ف طلب الجد ل َيقِل ف ظلل الشرف‪.‬‬

‫تقول سليمى لو أقمت بأرضنا * * * ول تدر أن للمقام أطوف‬

‫قيــل لبعــض العباد‪ :‬إل كــم تتعــب نفســك فقال‪ :‬راحتهــا أريــد‪.‬‬
‫يـا مكرما بلة اليان بعـد حلة العافيـة وهـو يلقهمـا‪ ،‬فـ مالفـة الالق ل تنكـر السـلب؛‬
‫يســـتحق مـــن اســـتعمل نعمـــة النعـــم فيمـــا يكره أن يســـلبها‪.‬‬
‫عرائس الوجودات قـد تزينـت للناظريـن ليبلوهـم أيهـم يؤثرهـن على عرائس الخرة فمـن‬
‫عرف قدر التفاوت آثر ما ينبغي إيثاره‪.‬‬

‫وحسان الكون لا أن بدت * * * أقبلت نوي وقالت ل‪ :‬إلـــي‬

‫فتعاميت كأن ل أرهــــــــــا * * * عندما أبصرت مقصودي لدي‬

‫‪44‬‬
‫كواكــب همــ العارفيــ فــ بروج عزائمهــم ســيارة ليــس فيهــا زحــل‪.‬‬
‫يا من انرف عن جادتم كن ف أواخر الركب‪ ،‬ون إذا نت على الطريق فالمي يراعي‬
‫الســــــــــــــــــــــــــــــــــــاقة‪.‬‬
‫قيـل للحسـن‪ :‬سـبقنا القوم على خيـل دهـم وننـ على حرـ معقرة‪ ،‬فقال‪ :‬إن كنـت على‬
‫طريقهـــــــم فمـــــــا أســـــــرع اللحاق بمـــــــ‪.‬‬

‫حقيقة الحب الصادق‬


‫الحــب الصــادق مــن وجــد أنســه بال بيــ الناس ووجده فــ الوحدة‬
‫من ف قد أن سه ب ي الناس ووجده ف الوحدة ف هو صادق ضع يف‪ .‬و من وجده ب ي الناس‬
‫وفقده ف اللوة فهو معلول‪ .‬ومن فقده بي الناس وف اللوة فهو ميت مطرود‪ ،‬ومن وجده‬
‫ف اللوة وف الناس فهو الحب الصادق القوي ف حاله‪ ،‬ومن كان فتحه ف اللوة ل يكن‬
‫مزيده إل منها‪ ،‬ومن كان فتحه بي الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم‪ ،‬ومن كان‬
‫فت حه ف وقو فه مع مراد ال ح يث أقا مه ف أي ش يء ا ستعمله كان مزيده ف خلو ته و مع‬
‫الناس‪ ،‬فأشرف الحوال أل تتار لنف سك حالة سوى ما يتاره لك ويقي مك ف يه ف كن مع‬
‫مراده منــــــك ول تكــــــن مــــــع مرادك منــــــه‪.‬‬

‫مصـابيح القلوب الطاهرة فـ أصـل الفطرة منية قبـل الشرائع «يكاد زيتهـا يضيـء ولو ل‬
‫تســــــسه نار» اليــــــة‪ 35 :‬مــــــن ســــــورة النور‪.‬‬
‫ـ ومـا رأى الرسـول‪ ،‬وكفـر ابـن أُبـ وقـد صـلى معـه فـ السـجد‪.‬‬
‫و ّحدَ قُس ّ‬

‫‪45‬‬
‫مـــع الصـــب ري ول ماء‪ ،‬وكـــم مـــن عطشان فـــ اللجـــة‪.‬‬
‫سبق العلم بنبوة موسى وإيان آسية فسيق تابوته إل بيتها فجاء طفل منفرد عن أم إل امرأة‬
‫خالية عن ولد! فلله كم ف هذه القصة من عبة‪ :‬كم ذبح فرعون ف طلب موسى من ولد‬
‫ولســـــــان القدر يقول‪ :‬ل تربيـــــــه إل فـــــــ حجرك!‬
‫كان ذو البجاد ين يتيما ف ال صغر فكفله ع مه فنازع ته نف سه إل اتباع الر سول صلى ال‬
‫عليه وسلم فهمّ بالنهوض فإذا بقية الرض مانعة فقعد ينتظر العم‪ ،‬فلما تكاملت صحته نفذ‬
‫الصب فناداه ضمي الوجد‪:‬‬

‫إل كم حبسها تشكو الضيقا * * * أثرها ربا وجدت طريقا‬

‫فقال‪ :‬يـا عـم طال انتظاري لسـلمك ومـا أرى منـك نشاطا‪ ،‬فقال‪ :‬وال لئن أسـلمت‬
‫لنتزعن كل ما أعطيتك‪ ،‬فصاح لسان الشوق‪ :‬نظرة من ممد أحب إل من الدنيا وما فيها‪.‬‬

‫ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها * * * تريد أم الدنيا وما ف طواياها‬

‫لقال ترابٌ من غبار نعالا * * * ألذ إل نفسي وأشفى لبلواها‬

‫فلما ترد للسي إل الرسول صلى ال عليه وسلم جرده من الثياب فناولته الم بادا فقطعه‬
‫لسـفر الو صل نصـفي ‪ :‬اتزر بأحدهاـ وارتدى بال خر‪ ،‬قنـع أن يكون ف سـاقة الحباب‪،‬‬
‫والحب ل يرى الطريق؛ لن القصود يعينه‪.‬‬

‫أل بلغ ال المى من يريده * * * وبلغ أكناف المى من يريدها‬

‫‪46‬‬
‫فلما قضى نبه نزل الرسول صلى ال عليه وسلم يهد له لده وجعل يقول‪ « :‬اللهم إن‬
‫أم سيت ع نه راضيا فارض ع نه» ‪ .‬ف صاح ا بن م سعود‪ « :‬يا ليت ن ك نت صاحب ال قب» ‪.‬‬
‫فيــا منــث العزم أقــل مــا فــ الرقعــة البيذق فلمــا نضــ تفرزن‪.‬‬
‫رأى بعـــض الكماء برذونا يســـقى عليـــه فقال لو هلج هذا لركـــب‪.‬‬
‫ــع‪.‬‬
‫ــد القواطـ‬
‫ــا سـ‬
‫ــ أيديهـ‬
‫ــن بيـ‬
‫ــع مـ‬
‫ــلوك اندفـ‬
‫إقدام العزم بالسـ‬
‫القوا طع م ن ي تبي ب ا ال صادق من الكاذب فإذا خضت ها انقل بت أعوانا لك تو صلك إل‬
‫القصـــــــــــــــــــــــــــــــــــود‪.‬‬

‫مثل الدنيا‬
‫الدن يا كامرأة بغ يّ ل تث بت مع زوج إناـ ت طب الزواج لي ستحسنوا علي ها‪ ،‬فل تر ضى‬
‫بالدياثة‪.‬‬

‫ميزت بي جالا وفعالــــا * * * فإذا اللحة بالقباحة ل تفي‬

‫حلفت لنا أل تون عهودنا * * * فكأنا حلفت لنا أل تفـــــي‬

‫‪47‬‬
‫ال سي ف طلب ها سي ف أرض م سبعة‪ ،‬وال سباحة في ها سباحة ف غد ير سباحة ف غد ير‬
‫التمساح‪ ،‬الفروح به هو عي الخزون عليه‪ ،‬آلمها متولدة من لذاتا وأحزانا من أفراحها‪:‬‬

‫مأرب كانت ف الشباب لهلها * * * عذابا فصارت ف الشيب عذابا‬

‫طائر الطبع يرى البة وعي العقل ترى الشرك‪ ،‬غي أن عي الوى عمياء‪:‬‬

‫وعي الرضا عن كل عيب كليلة * * * كما أن عي السخط تبدي الساويا‬

‫تزخر فت الشهوات لع ي الطباع ف غض ع نه الذ ين يؤمنون بالغ يب وو قع تابعو ها ف بيداء‬


‫ال سرات ف ـ «أولئك على هدى من رب م وأولئك هم الفلحون» ال ية‪ 5 :‬من سورة‬
‫البقرة‪ ،‬وهؤلء يقال لمـ‪« :‬كلوا وتتعوا قليلً إنكـم مرمون» اليـة‪ 46 :‬مـن سـورة‬
‫الرســـــــــــــــــــــــــــــــــــلت‪.‬‬
‫ل ا عرف الوفقون قدر الياة الدن يا وقلة الياة الدن يا وقلة القام في ها أماتوا في ها الوى طلبا‬
‫لياة البد لا استيقظوا من نوم الغفلة استرجعوا بالد ما انتهبه العدو منهم ف زمن البطالة‬
‫فلما طالت عليهم الطريق تلمحوا القصد فقرب عليهم البعيد‪ ،‬وكلما أمرت لم الياة حل‬
‫لم تذكر‪« :‬هذا يومكم الذي كنتم توعدون» الية‪ 103 :‬من سورة النبياء‪.‬‬

‫وركب سروا والليل ملق رواقه * * * على كل مغْبّ الطالع قائم‬

‫حدوا عزمات ضاعت الرض بينها * * * فصار سراهم ف ظهور العزائم‬

‫‪48‬‬
‫تريهم نوم الليل ما يتبعونه * * * على عاتق الشعرى وهام النعائم‬

‫إذا اطردت ف معرك الد قصفوا * * * رماح العطايا ف صدور الكارم‬

‫«رواق الليــــل‪ :‬الرواق مــــن الليــــل‪ :‬مقدمــــه‪ ،‬وجانبــــه»‬


‫« الشعرى‪ :‬كوكـــــــــــب يطلع بعـــــــــــد الوزاء »‬

‫من أعجب الشياء‬


‫من أعجب الشياء أن تعرفه ث ل تبه‪ ،‬وأن تسمع داعيه ث تتأخر عن الجابة‪ ،‬وأن تعرف‬
‫قدر الر بح ف معامل ته ث تعا مل غيه‪ ،‬وأن تعرف قدر غض به ث تتعرض له‪ ،‬وأن تذوق أل‬
‫الوح شة ف مع صيته ث ل تطلب ال نس بطاع ته‪ ،‬وأن تذوق ع صرة القلب ع ند الوض ف‬
‫غيـ حديثـه والديـث عنـه ثـ ل تشتاق إل انشراح الصـدر بذكره ومناجاتـه‪ ،‬وأن تذوق‬
‫ـه‪.‬‬
‫ـة إليـ‬
‫ـه والنابـ‬
‫ـم القبال عليـ‬
‫ـه بنعيـ‬
‫ـد تعلق القلب بغيه ول ترب منـ‬
‫العذاب عنـ‬
‫وأعجب من هذا علمك أنك ل بد لك منه وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض‪ ،‬وفيما‬
‫يبعدك عنــــــــــــــــه راغــــــــــــــــب‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ما أخذ العبد ما حرم عليه إل من جهتي‬
‫« إحداها‪ »:‬سوء ظنه بربه‪ ،‬وأنه لو أطاعه وآثره ل يعطه خيا منه حللً‪ ،‬و «الثانية‪ »:‬أن‬
‫يكون عالا بذلك‪ ،‬وأن من ترك ل شيئا أعاضه خيا منه‪ ،‬ولكن تغلب شهوته صبه وهواه‬
‫عقله‪ ،‬فالول مــن ضعــف علمــه والثانــ مــن ضعــف عقله وبصــيته‪.‬‬
‫قال ييــ بــن معاذ‪ :‬مــن جعــ ال عليــه قلبــه فــ الدعاء ل يرده‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إذا اجت مع عل يه قل به و صدقت ضرور ته وفاق ته وقوي رجاؤه فل يكاد يرد دعاؤه‪.‬‬

‫فصل‬
‫لا رأى التيقظون سطوة الدنيا بأهلها وخداع المل لربابه‪ ،‬وتلك الشيطان وقيادة النفوس‬
‫رأوا الدولة للن فس المارة لئوا إل ح صن التضرع واللتجاء ك ما يأوي الع بد الذعور إل‬
‫حرم ســــــــــــــــــــــــــــــــــيده‪.‬‬
‫شهوات الدن يا كل عب اليال‪ ،‬ون ظر الا هل مق صور على الظا هر‪ ،‬فأ ما ذو الع قل فيى ما‬
‫وراء الســــــــــــــــــــــــــــــــــتر‪.‬‬
‫لح ل م الشتهَى فل ما مدوا أيدي التناول بان لب صار الب صائر خ يط ال فخ فطاروا بأجن حة‬
‫الذر وصوبوا إل الرحيل الثان «يا ليت قومي يعلمون» الية‪ 26 :‬من سورة يس تلمح‬
‫القوم الوجود ففهموا الق صود فأجعوا الرح يل ق بل الرح يل وشروا لل سي ف سواء ال سبيل‬
‫فالناس مشتغلون بالفضلت وهـو فـ قطـع الفلوات وعصـافي الوى فـ وثاق الشبكـة‬
‫ينتظرون الذبــــــــــــــــــــــــــــــــح‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫و قع ثعلبان ف شب كة‪ ،‬فقال أحده ا لل خر‪ :‬أ ين اللت قى ب عد هذا؟ فقال‪ :‬ب عد يوم ي ف‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــة‪.‬‬
‫الدباغـ‬
‫تال مــا كانــت اليام إل مناما فاســتيقظوا وقــد حصــلوا على الظفــر‪.‬‬
‫مـا مضـى مـن الدنيـا أحلما ومـا بقـي منهـا أمانـ‪ ،‬والوقـت ضائع بينهمـا‪.‬‬
‫كيف يسلم من له زوجة ل ترحه وولد ل يعذره وجار ل يأمنه وصاحب ل ينصحه وشريك‬
‫ل ين صفه وعدو ل ينام عن معادا ته ون فس أمارة بال سوء ودن يا متزي نة وهوى مرد وشهوة‬
‫غالبـة له وغضـب قاهـر وشيطان مزيـن وضعـف مسـتول عليـه‪ ،‬فإن توله ال وجذبـه إليـه‬
‫انقهرت له هذه كلهـا‪ ،‬وإن تلى عنـه ووكله إل نفسـه اجتمعـت عليـه فكانـت اللكـة‪.‬‬

‫لا أعرض الناس عن تكيم الكتاب والسنة والحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الكتفاء بما‪،‬‬
‫وعدلوا إل الراء والقياس والسـتحسان وأقوال الشيوخ‪ ،‬عرض لمـ مـن ذلك فسـاد فـ‬
‫فطرهم وظلمة ف قلوبم وكدر ف أفهامهم ومق ف عقولم‪ ،‬وعمتهم هذه المور وغلبت‬
‫علي هم ح ت ر ب في ها ال صغي‪ ،‬وهرم علي ها ال كبي‪ ،‬فلم يرو ها منكرا‪ ،‬فجائت هم دولة أخرى‬
‫ـ البدع مقام السـنن‪ ،‬والنفـس مقام العقـل‪ ،‬والوى مقام الرشـد‪ ،‬والضلل مقام‬
‫قامـت فيه ا‬
‫الدى‪ ،‬والنكـر مقام العروف‪ ،‬والهـل مقام العلم‪ ،‬والرياء مقام الخلص‪ ،‬والباطـل مقام‬
‫الق‪ ،‬والكذب مقام الصدق‪ ،‬والداهنة مقام النصيحة‪ ،‬والظلم مقام العدل‪ ،‬فصارت الدولة‬
‫والغلبة لذه المور‪ ،‬وأهلها هم الشار إليهم‪ ،‬وكانت قبل ذلك لضدادها‪ ،‬وكان أهلها هم‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــم‪.‬‬
‫الشار إليهـ‬
‫فإذا رأت دولة هذه المور قد أقبلت‪ ،‬ورايات ا قد ن صبت‪ ،‬وجيوش ها قد رك بت‪ ،‬فب طن‬
‫الرض وال خ ي من ظهر ها‪ ،‬وقلل البال خ ي من ال سهول‪ ،‬ومال طة الو حش أ سلم من‬
‫مالطـــــــــــــــــــــــــــــــــة الناس‪.‬‬
‫اقشعرت الرض وأظلمت السماء‪ ،‬وظهر الفساد ف الب والبحر من ظلم الفجرة‪ ،‬وذهبت‬
‫البكات وقلت اليات وهُزلت الوحوش‪ ،‬وتكدرت الياة من ف سق الظل مة‪ ،‬وب كى ضوء‬
‫النهار وظلمة الليل من العمال البيثة والفعال الفظيعة‪ ،‬وشكا الكرام الكاتبون والعقبات‬
‫إل رب م من كثرة الفوا حش وغل بة النكرات والقبائح‪ ،‬وهذا وال منذر ب سيل عذاب قد‬
‫انعقد غمامه‪ ،‬ومؤذن بليل بلء قد ادلم ظلمه‪ ،‬فاعزلوا عن طريق السبيل بتوبة نصوح ما‬

‫‪51‬‬
‫دامت التوبة مكنة وبابا مفتوح‪ ،‬وكأنكم بالباب وقد أغلق‪ ،‬وبالرهن وقد غلق‪ ،‬وبالناح‬
‫وقـد علق «وسـيعلم الذيـن ظلموا أي منقلب ينقلبون» اليـة‪ 227 :‬مـن سـورة الشعراء‪.‬‬
‫اشتــر نفســك اليوم فإن الســوق قائمــة والثمــن موجود والبضائع رخيصــة‪.‬‬
‫وسيأت على تلك السوق والبضائع يوم ل تصل فيها إل قليل ول كثي‪ .‬ذلك يوم التغابن‪،‬‬
‫يوم يعض الظال على يديه‪:‬‬

‫إذا أنت ل ترحل بزاد من التقى * * * أبصرت يوم الشر من قد تزودا‬

‫ندمت على أل تكون كمثلـــــــه * * * وأنك ل ترصد كما كان أرصدا‬

‫العمـل بغيـ إخلص ول اقتداء كالسـافر يل جرابـه رملً يثقله ول ينفعـه‪ .‬إذا حلت على‬
‫القلب هوم الدنيا وأثقالا وتاونت بأوراده الت هي قوته وحياته كنت كالسافر الذي يمل‬
‫دابته فوق طاقتها ول يوفيها علفها فما أسرع ما تقف به‪:‬‬

‫ومشتت العزمات ينفق عمره * * * حيان ل ظفر ول إخفاق‬

‫هل السائق العجلن يلك أمره * * * فما كل سي اليعملت و خيذ‬

‫رويدا بأخفاف الطي فإنا * * * تداس جباه تتها وخدود‬

‫« اليعملت‪ :‬ج ع يعملة‪ ،‬و هي النا قة النجي بة‪ ،‬العتملة الطبو عة على الع مل‪ .‬و خ يذ‪ :‬خذ‬
‫البعيــــــــــ‪ :‬أســــــــــرع الطــــــــــى‪».‬‬

‫‪52‬‬
‫مــــن تلمــــح حلوة العافيــــة هان عليــــه مرارة الصــــب‪.‬‬
‫الغا ية أول ف التقد ير‪ ،‬آ خر ف الوجود‪ ،‬مبدأ ف ن ظر الع قل‪ ،‬منت هى ف منازل الو صول‪.‬‬
‫ـت لك أنوار العزائم‪.‬‬
‫ـ العال لحـ‬
‫ـك ربـ‬
‫ـك هتـ‬
‫ـز العادة فلو علت بـ‬
‫ـت عجـ‬
‫ألفـ‬
‫إناــــــــ تفاوت القوم بالمــــــــم ل بالصــــــــور‪.‬‬
‫تزول هةــــــ الكســــــاح دله فــــــ جــــــب العذرة‪.‬‬
‫بي نك وب ي الفائز ين ج بل الوى نزلوا ب ي يد يه ونزلت خل فه‪ ،‬فا طو ف ضل ما تنل تل حق‬
‫بالقوم‪.‬‬
‫الدنيـا مضمار سـباق وقـد انعقـد وخفـي السـباق‪ ،‬والناس فـ الضمار بيـ فارس وراجـل‪،‬‬
‫وأصحاب حر معقرة‪.‬‬

‫سوف ترى إذا انلى الغبار * * * أفرس تتك أم حار‬

‫ف الطبع شره والمية أوفق‪ .‬لص الرص ل يشي إل ف ظلم الوى‪ .‬حبة الشتهى تت فخ‬
‫التلف فتفكــــــر الذبــــــح وقــــــد هان الصــــــب‪.‬‬
‫قوة الطمـع فـ بلوغ المـل توجـب الجتهاد فـ الطلب وشدة الذر مـن فوت الأمول‪.‬‬
‫البخيـــــــــل فقيـــــــــ ل يؤجـــــــــر على فقره‪.‬‬
‫الصـــب على عطـــش الضـــر ول الشرب مـــن شرعـــة مـــن‪....‬‬
‫توع الرة ول تأكـــــــــــــل بثدييهـــــــــــــا‪.‬‬
‫ل تســأل ســوى مولك فســؤال العبــد غيــ ســيده تشنيــع عليــه‪.‬‬
‫غرس اللوة يثمــــــــــــــر النــــــــــــــس‪.‬‬
‫اســـتوحش ماـــ ل يدوم معـــك واســـتأنس بنـــ ل يفارقـــك‪.‬‬
‫ــقاؤها‪.‬‬
‫ــا و سـ‬
‫ــا حذاؤهـ‬
‫ــا عزلة العال فمعهـ‬
‫ــاد وأمـ‬
‫ــل فسـ‬
‫عزلة الاهـ‬
‫إذا اجتمع العقل واليقي ف بيت العزلة واستحضر الكفر جرت بينهم مناجاة‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫أتاك حديث ل يل ساعـــــــه * * * شهي إل نثره‬
‫ونظامـــــــــــــــــــه‬

‫إذا ذكرته النفس زال عناؤها * * * وزال عن القلب العن ظلمه‬

‫إذا خر جت من عدوك لف ظة سفه فل تلحق ها بثل ها تلقح ها ون سل ال صام ن سل مذموم‪.‬‬


‫حيتــك لنفســك أثــر الهــل باــ فلو عرفتهــا أعنــت الصــم عليهــا‪.‬‬
‫إذا اقتدحــــت نار النتقام مــــن نار الغضــــب ابتدأت بإحراق القادح‪.‬‬
‫أوثــــق غضبــــك بســــلسة اللم فإنــــه كلب إن أفلت أتلف‪.‬‬
‫مـــن ســـبقت له ســـابقة الســـعادة دل على الدليـــل قبـــل الطلب‪.‬‬
‫إذا أراد القدر شخ صا بذر ف أرض قل به بذر التوف يق ث سقاه باء الرغ بة والره بة ث أقام‬
‫عليــه بأطوار الراقبــة واســتخدم له حارس العلم‪ ،‬فإذا الزرع قائم على ســوقه‪.‬‬
‫إذا طلع نم المة ف ظلم ليل البطالة‪ ،‬وردفه قمر العزية أشرقت أرض القلب بنور ربا‪.‬‬
‫إذا جـن الليـل تغالب النور السـهر‪ ،‬فالوف والشوق فـ مقدم عسـكر اليقظـة‪ ،‬والكسـل‬
‫والتوانـ فـ كتيبـة الغفلة‪ ،‬فإذا العزم حلـ على اليمنـة وانزمـت جنود التفريـط فمـا يطلع‬
‫الفجـــر إل وقـــد قســـمت الســـهمان وردت الغنيمـــة لهلهـــا‪.‬‬
‫سفر الل يل ل يطي قه إل مض مر الجا عة‪ .‬النجائب ف الول وحاملت الزاد ف الخ ي‪.‬‬
‫ل تسـأم مـن الوقوف على الباب ولو طردت‪ ،‬ول تقطـع العتذار ولو رددت‪ ،‬فإن فتـح‬
‫الباب للمقبول ي دو نك فاه جم هجوم الكذاب ي واد خل دخول الطفيل ية واب سط كف‪« :‬‬
‫وتصــــدق علينــــا» اليــــة‪ 88 :‬مــــن ســــورة يوســــف‪.‬‬
‫يا مستفتحا باب العاش بغي إقليد التقوى كيف توسع طريق الطايا وتشكو ضيق الرزق‪.‬‬
‫لو وق فت ع ند مراد التقوى ل يف تك مراد العا صي سد ف باب الك سب وإن الع بد ليحرم‬
‫الرزق بالذنب يصيبه‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫تال ما جئتكم زائــــــــــرا * * * إل وجدت الرض تطوى ل‬

‫ل انثن عزمي عن بابكم * * * إل عثرت‬


‫بأذيـــــــــــــــــــــــــال‬

‫الرواح ف الشباح كالطيار ف البراج‪ ،‬وليس ما أعد للستفراخ كمن هيئ للسباق‪ .‬من‬
‫أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل يشغله‪.‬‬

‫كــن مــن أبناء الخرة ول تكــن مــن أبناء الدنيــا فإن الولد يتبــع الم‪.‬‬
‫ــا‪.‬‬
‫ــف تعدو خلفهـ‬
‫ــا فكيـ‬
‫ــك إليهـ‬
‫ــل أقدامـ‬
‫ــاوي نقـ‬
‫ــا ل تسـ‬
‫الدنيـ‬
‫الدنيـــــا جيفـــــة والســـــد ل يقـــــع على اليـــــف‪.‬‬
‫الدنيــــا ماز والخرة وطــــن و الوطار إناــــ تطلب فــــ الوطان‪.‬‬

‫أقسام الجتماع بالخوان‬


‫«أحده ا‪ »:‬اجتماع على مؤان سة الط مع وش غل الو قت‪ ،‬فهذا مضر ته أر جح من منفع ته‪،‬‬
‫وأقــــل مــــا فيــــه يفســــد القلب ويضيــــع الوقــــت‪.‬‬
‫«ثانيهما‪ »:‬الجتماع بم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالق‪ ،‬والصب‪ .‬فهذا‬
‫مـــن أعظـــم الغنيمـــة وأنفعهـــا‪ .‬ولكـــن فيـــه ثلث آفات‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫«الول‪ »:‬تزيـــــــــن بعضهـــــــــم لبعـــــــــض‪.‬‬
‫«الثانيــــة‪ »:‬الكلم واللطــــة أكثــــر مــــن الاجــــة‪.‬‬
‫ــود‪.‬‬
‫ــن القصـ‬
‫ــ عـ‬
‫ــع باـ‬
‫ــي ذلك شهوة وعادة ينقطـ‬
‫ــة‪ »:‬أن يصـ‬
‫«الثالثـ‬

‫وبالملة فالجتماع واللطة لقاح إما للنفس المارة وإما للقلب والنفس الطمئنة‪ ،‬والنتيجة‬
‫مستفادة من اللقاح‪ ،‬فمن طاب لقاحه طابت ثرته‪ ،‬وهكذا الرواح الطيبة لقاحها من اللك‬
‫والبي ثة لقاح ها من الشيطان‪ .‬و قد ج عل ال سبحانه برح ته الطيبات للط يبي‪ ،‬والط يبي‬
‫للطيبات‪ ،‬وعكـــــــــــــــــــــــــــــس ذلك‪.‬‬

‫السباب الشهودة والسباب الغائبة‬


‫ل يس ف الوجود الم كن سبب وا حد م ستقل بالتأث ي‪ ،‬بل ل يؤ ثر سبب ألب تة إل بانضمام‬
‫سبب آخر إليه وانتفاء مانع تأثيه‪ ،‬هذا ف السباب الشهودة بالعليان‪ ،‬وف السباب الغائبة‬
‫وال سباب العنو ية كتأث ي الش مس ف اليوان والنبات فإ نه موقوف على أ سباب أ خر من‬
‫وجود ملـــ قابـــل‪ ،‬وأســـباب أخـــر تنضـــم إل ذلك الســـبب‪.‬‬
‫ــل‪.‬‬
‫ــء الفحـ‬
‫ــ وطـ‬
‫ــباب غيـ‬
‫ــول الولد موقوف على عدة أسـ‬
‫وكذلك حصـ‬

‫وكذلك جيع السباب مع مسبباتا‪ ،‬فكل ما ياف ويرجى من الخلوقات فأعلى غاياته أن‬
‫يكون جزء سبب غي مستقل بالتأثي‪ ،‬ول يستقل بالتأثي وحده دون توقف تأثره على غيه‬
‫إل ال الوا حد القهار‪ ،‬فل ينب غي أن ير جى ول ياف غيه‪ ،‬هذا برهان قط عي على أن تعلق‬
‫الرجاء والوف بغيه باطـــــــــــــــــــــــــــل‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫فإنه لو فرض من أن ذلك سبب مستقل وحده بالتأثي لكانت سببيته من غيه ل منه فليس‬
‫له من نف سه قوة يف عل ب ا‪ ،‬فإ نه ل حول ول قوة إل بال ف هو الذي بيده الول كله والقوة‬
‫كلها فالول والقوة الت يرجى لجلها الخلوق وياف إنا ها ل وبيده ف القيقة‪ ،‬فكيف‬
‫ياف ويرجـى مـن ل حول له ول قوة‪ ،‬بـل خوف الخلوق ورجاؤه أحـد أسـباب الرمان‬
‫ونزول الكروه ب ن يرجوه ويا فه‪ ،‬فإ نه على قدر خو فك من غ ي ال ي سلط عل يك‪ ،‬وعلى‬
‫قدر رجائك لغيه يكون الرمان‪ ،‬وهذا حال اللق أجعـه‪ ،‬وإن ذهـب على أكثرهـم علما‬
‫وحالً‪.‬‬
‫ـة‪.‬‬
‫ـا ل يشــأ ل يكــن ولو اتفقــت عليــه الليقـ‬
‫ـد‪ ،‬ومـ‬
‫ـا شاء ال كان ول بـ‬
‫فمـ‬

‫التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه‬


‫فأما أعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها «فإذا ركبوا ف الفلك دعوا ال ملصي له‬
‫الديـن فلمـا ناهـم إل الب إذا هـم يشركون» اليـة‪ 65 :‬مـن سـورة العنكبوت‪.‬‬
‫وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والخرة وشدائدها ولذلك فزع إليه يونس فنجاه‬
‫ال من تلك الظلمات‪ ،‬وفزع إل يه أتباع الر سل فنجوا به م ا عذب به الشركون ف الدن يا‬
‫ـــــــ الخرة‪.‬‬
‫ـــــــ فـ‬
‫ـــــــد لمـ‬
‫ـــــــا أعـ‬
‫ومـ‬
‫ل ا فزع إل يه فرعون عند معاي نة اللك وإدراك الغرق له ل ينف عه؛ لن اليان ع ند العاي نة ل‬
‫يقبـــــــــل‪ .‬هذه ســـــــــنة ال فـــــــــ عباده‪.‬‬
‫فما دفعت شدائد الدنيا بثل التوحيد‪ ،‬ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون‬
‫الت ما دعا با مكروب إل فرج ال كربه بالتوحيد فل يلقى ف الكرب العظام إل الشرك‪،‬‬
‫ول ينجي منها إل التوحيد‪ ،‬فهو مفزع الليقة وملجؤها وحصنها و غياثها‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫اللذة تابعة للمحبة‬
‫اللذة تابعـة للمحبـة‪ ،‬تقوى بقوتاـ وتضعـف بضعفهـا‪ ،‬فكلمـا كانـت الرغبـة فـ الحبوب‬
‫والشوق إليه أقوى كانت اللذة بالوصول إليه أت‪ ،‬والحبة والشوق تابع لعرفته والعلم به‪،‬‬
‫فكلما كان العلم به أت كانت مبته أكمل‪ ،‬فإذا رجع كمال النعيم ف الخرة وكمال اللذة‬
‫إل العلم وال ب‪ ،‬ف من كان بال وأ سائه و صفاته ودي نه أعرف كان له أ حب وكا نت لذ ته‬
‫بالوصــول إليــه وماورتــه والنظــر إل وجهــه وســاع كلمــه أتــ‪.‬‬

‫وكل لذة ونعيم وسرور وبجة بالضافة إل ذلك كقطرة ف بر‪ ،‬فكيف يؤثر من له عقل‬
‫لذة ضعيفــة قصــية مشوبــة باللم على لذة عظيمــة دائمــة أبــد الباد‪.‬‬
‫وكمال الع بد ب سبب هات ي القوت ي‪ :‬العلم وال ب‪ ،‬وأف ضل العلم العلم بال وأعلى ال ب‬
‫البـــــ له وأكمـــــل اللذة بســـــبهما‪ ،‬وال الســـــتعان‪.‬‬

‫حبسان منجيان‬
‫طالب ال والدار الخرة ل يسـتقيم له سـيه وطلبـه إل ببسـي‪ :‬حبـس قلبـه فـ طلبـه و‬
‫مطلوبه‪ ،‬وحبسه عن اللتفات إل غيه‪ ،‬وحبس لسانه عما ل يفيد وحبسه على ما ذكر ال‬

‫‪58‬‬
‫ومـا يزيـد فـ إيانـه ومعرفتـه‪ .‬وحبـس جوارحـه عـن العاصـي والشهوات وحبسـها على‬
‫الواجبات والندوبات فل يفارق البس حت يلقى ربه فيخلصه من السجن إل أوسع فضاء‬
‫وأطيبه‪ .‬ومت ل يصب على هذين البسي وفر منهما إل فضاء الشهوات أعقبه ذلك البس‬
‫الفظيع عند خروجه من الدنيا فكل خارج من الدنيا إما متخلص من البس وأما ذاهب إل‬
‫البـــــــــــــــس‪ .‬وبال التوفيـــــــــــــــق‪.‬‬

‫التقوى‬
‫ودع ابن عون رجلً فقال‪ :‬عليك بتقوى ال‪ ،‬فإن التقي ليست عليه وحشة‪ .‬وقال زيد بن‬
‫أ سلم‪ :‬كان يقال‪ :‬من ات قى ال أح به الناس وإن كرهوا‪ .‬وقال الثوري ل بن أ ب ذئب‪ :‬إن‬
‫اتقيـت ال كفاك الناس‪ ،‬وإن اتق يت الناس لن يغنوا عنـك من ال شيئا‪ .‬وقال سليمان بن‬
‫داود ‪ :‬أوتينا ما أوت الناس وما ل يؤتوا وعلمنا ما علم الناس وما ل يعلموا‪ ،‬فلم ند شيئا‬
‫أف ضل من تقوى ال ف ال سر والعلن ية‪ ،‬والعدل ف الغ ضب والر ضا‪ ،‬والق صد ف الف قر‬
‫والغنــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‪.‬‬

‫وف الزهد للمام أحد أثر إلي‪ « :‬ما من ملوق اعتصم بخلوق دون إل قطعت أسباب‬
‫السماوات والرض دونه‪ ،‬فإن سألن ل أعطه‪ ،‬وإن دعان ل أجبه‪ ،‬وإن استغفرن ل أغفر له‪.‬‬
‫و ما من ملوق اعت صم ب دون خل قي إل ضم نت ال سماوات والرض رز قه‪ ،‬فإن سألن‬
‫أعطيتــــه‪ ،‬وإن دعانــــ أجبتــــه‪ ،‬وإن اســــتغفرن غفرت له » ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫حسن اللق من التقوى‬
‫ج ع ال نب صلى ال عل يه و سلم ب ي تقوى ال وح سن اللق؛ لن تقوى ال ت صلح ما ب ي‬
‫الع بد وب ي ر به‪ ،‬وح سن اللق ي صلح ما بي نه وب ي خل قه‪ .‬فتقوى ال تو جب له م بة ال‪،‬‬
‫وحســـــــــن اللق يدعـــــــــو إل مبتـــــــــه‪.‬‬

‫عب وعظات‬
‫بيـ العبـد وبيـ ال والنـة قنطرة تقطـع بطوتيـ‪ :‬خطوة عـن نفسـه‪ ،‬وخطوة عـن اللق‪،‬‬
‫فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبي الناس‪ ،‬ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبي ال‪ ،‬فل‬
‫يلتفـــت إل إل مـــن دله على ال وعلى الطريـــق الوصـــلة إليـــه‪.‬‬
‫صـاح بالصـحابة واعظـُ‪« :‬اقترب للناس حسـابم» سـورة النـبياء‪ ،‬اليـة‪.24 :‬‬
‫فجزعـت للخوف قلوبمـ فجرت مـن الذر العيون « فسـالت أوديـة بقدرهـا » ‪.‬‬
‫تزي نت الدن يا لعلي فقال‪ « :‬أ نت طالق ثل ثا ل رج عة ل ف يك » ‪ .‬وكا نت تكف يه واحدة‬
‫للسنة‪ ،‬لكنه جع الثلث لئل يتصور للهوى جواز الراجعة‪ .‬ودينه الصحيح وطبعه السليم‬
‫يأنفان مــن الحلل‪ ،‬كيــف وهــو أحــد رواة حديــث‪ « :‬لعــن ال الحلل» ؟‬

‫‪60‬‬
‫ما ف هذه الدار مو ضع خلوة فاتذه ف نف سك‪ ،‬ل بد أن تذ بك الواذب فاعرف ها و كن‬
‫من ها على حذر‪ ،‬ول ت صرفك الشوا غل إذا خلوت من ها وأ نت في ها‪ ,‬نور ال ق أضوأ من‬
‫الش مس‪ ،‬في حق لفاف يش الب صائر أن تع شو عنه الطر يق إل ال خال من أ هل ال شك و من‬
‫الذ ين يتبعون الشهوات‪ ،‬و هو معمور بأ هل اليق ي وال صب‪ ،‬و هم على الطر يق كالعلم «‬
‫وجعل نا من هم أئ مة يهدون بأمر نا ل ا صبوا وكانوا بآيات نا يوقنون» سورة ال سجدة‪ ،‬ال ية‪:‬‬
‫‪.24‬‬

‫تأثي ل إله إل ال عند الوت‬


‫لشهادة «أن ل إله إل ال» ع ند الوت تأث ي عظ يم ف تكف ي ال سيئات وإحباط ها؛ لن ا‬
‫شهادة من عبد موقن با عارف بضمونا‪ ،‬قد ماتت منه الشهوات ولنت نفسه التمردة‪،‬‬
‫وانقادت بعـد إبائهـا واسـتعصائها وأقبلت بعـد إعراضهـا وزالت بعـد عزهـا‪ ،‬وخرج منهـا‬
‫حرصها على الدنيا وفضولا‪ ،‬واستذلت بي يدي ربا وفاطرها ومولها الق أذل ما كانت‬
‫وأرجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحته‪ .‬وترد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وتقق‬
‫بطل نه‪ ،‬فزالت من ها تلك النازعات ال ت كا نت مشغولة ب ا‪ ،‬واجت مع ه ها على من أيق نت‬
‫بالقدوم عليه والصي إليه‪ ،‬فوجه العبد وجهه بكليته إليه‪ ،‬وأقبل بقلبه وروحه وهه عليه‪.‬‬
‫فاستسلم وحده ظاهرا وباطنا ‪ ،‬و استوى سره وعلنيته فقال ل اله إل ال ملصا من قلبه‪.‬‬
‫و قد تلص قل به من التعلق بغيه واللتفات إل ما سواه‪ .‬قد خر جت الدن يا كل ها من قل به‬
‫وشارف القدوم على ربـه‪ ،‬وخدت نيان شهوتـه‪ ،‬وامتل قلبـه مـن الخرة فصـارت نصـب‬
‫عين يه‪ ،‬و صارت الدن يا وراء ظهره‪ ،‬فكا نت تلك الشهادة الال صة خات ة عمله‪ ،‬فطهرته من‬
‫ذنوبه‪ ،‬وأدخلته على ربه؛ لنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة‪ ،‬وافق ظاهرها باطنها وسرها‬

‫‪61‬‬
‫علنيت ها‪ ،‬فلو ح صلت له الشهادة على هذا الو جه ف أيام ال صحة ل ستوحش من الدن يا‬
‫وأهل ها‪ ،‬و فر إل ال من الناس‪ ،‬وأ نس به دون ما سواه‪ ،‬لك نه ش هد ب ا بقلب مشحون‬
‫بالشهوات و حب الياة وأ سبابا ون فس ملوءة بطلب الظوظ واللتفات إل غ ي ال‪ .‬فلو‬
‫تردت كتجرد ها ع ند الوت لكان ل ا ن بأ آ خر وع يش آ خر سوى عيش ها البهي مي‪ ،‬وال‬
‫الســـــــــــــــــــــــــــــــــــتعان‪.‬‬

‫ماذا يلك من أمره من ناصيته بيد ال ونفسه بيده‪ ،‬وقلبه بي أصبعي من أصابعه يقلبه كيف‬
‫يشاء‪ ،‬وحياتـه بيده وموتـه بيده‪ ،‬وسـعادته بيده‪ ،‬وشقاوتـه بيده وحركاتـه وسـكناته وأقواله‬
‫وأفعاله بإذ نه و مشيئه‪ ،‬فل يتحرك إل بإذ نه‪ ،‬ول يف عل إل بشيئ ته‪ .‬إن و كل هو إل نف سه‬
‫وكل إل عجز وضيعة وتفريط وذنب وخطيئة‪ ،‬وإن وكله إل غيه وكله إل من ل يلك له‬
‫ضرّا ول نفعا‪ ،‬ول موتا ول حياة ول نشورا‪ .‬وإن تلى عنه استول عليه عدوه وجعله أسيا‬
‫له‪ .‬ف هو ل غ ن له ع نه طر فة ع ي‪ ،‬بل هو مض طر إل يه على مدى النفاس ف كل ذرة من‬
‫ذرا ته باطنا وظاهرا‪ .‬فاق ته تا مة إل يه‪ .‬و مع ذلك ف هو متخلف ع نه معرض ع نه‪ ،‬يتب غض إل يه‬
‫بع صيته‪ ،‬مع شدة الضرورة إل يه من كل و جه‪ ،‬قد صار لذكره ن سيّا واتذه وراءه ظهريّا‪،‬‬
‫هذا وإليـــــه مرجعـــــه وبيـــــ يديـــــه موقفـــــه‪.‬‬

‫ما دام الجل باقيا كان الرزق آتيا‬


‫نزع خاطرك لمـ باـ أمرت بـه ول تشغله باـ ضمـن لك‪ ،‬فإن الرزق والجـل قرينان‬
‫مضمونان‪ .‬ف ما دام ال جل باقيا كان الرزق آتيا‪ .‬وإذا سد عل يك بكم ته طريقا من طر قه‬
‫ف تح لك برح ته طريقا أن فع لك م نه‪ .‬فتأ مل حال الني يأت يه غذاؤه‪ ،‬و هو الدم‪ ،‬من طر يق‬

‫‪62‬‬
‫واحدة وهو السرة‪ ،‬فلما خرج من بطن الم وانقطعت الطريق فتح له طريقي اثني وأجرى‬
‫له فيهمـا رزقا أطيـب وألذ مـن الول وانقطعـت تلك الطريـق فإذا تتـ مدة الرضاع‬
‫ـــة أكمـــل منهـــا‪:‬‬
‫وانقطعـــت الطريقان بالفطام فتـــح طرقا أربعـ‬

‫طعامان و شرابان‪ ،‬فالطعامان من اليوان والنبات‪ ،‬و الشرابان من الياه واللبان وما يضاف‬
‫إليهمــا مــن النافــع واللذ‪ .‬فإذا مات انقطعــت عنــه هذه الطرق الربعــة‪.‬‬
‫لك نه سبحانه ف تح له ‪-‬إن كان سعيدا‪ -‬طرقا ثان ية‪ ،‬و هي أبواب ال نة الثمان ية يد خل من‬
‫أي ها شاء‪ .‬فهكذا الرب سبحانه ل ي نع عبده الؤ من شيئا من الدن يا إل ويؤت يه أف ضل م نه‬
‫وأنفـــــــــــــــــــــــــــــــــــع له‪.‬‬

‫ول يس ذلك لغ ي الؤ من‪ ،‬فإ نه ين عه ال ظ الد ن ال سيس ول ير ضى له به ليعط يه ال ظ‬


‫العلى النفيـس‪ ،‬والعبـد لهله بصـال نفسـه وجهله بكرم ربـه وحكمتـه ولطفـه ل يعرف‬
‫التفاوت بي ما منع منه وبي ما ذخر له‪ .‬بل هو مولع بب العاجل وإن كان دنيئا‪ ،‬وبقلة‬
‫الرغ بة ف ال جل وإن كان عل يا ولو أن صف الع بد ر به‪ ،‬وأ ن له بذلك‪ ،‬لعلم أن فضله عل يه‬
‫فيما منعه من الدنيا ولذاتا ونعيمها أعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلك‪ ،‬فما منعه إل‬
‫ليعطيه‪ ،‬ول ابتله إل ليعافيه‪ ،‬ول امتحنه إل ليصافيه‪ ،‬ول أماته إل ليحييه‪ ،‬ول أخرجه إل‬
‫هذه الدار إل ليتأهب منها للقدوم عليه وليسلك الطريق الوصلة إليه ف « وهو الذي جعل‬
‫الل يل والنهار خل فة ل ن أراد أن يذ كر أو أراد شكورا » سورة الفرقان‪ ،‬ال ية‪« 62 :‬وأ ب‬
‫الظالون إل كفورا» ‪ ،‬وال الســـــــــــــــــــــــتعان‪.‬‬
‫مــــن عرف نفســــه اشتغــــل بإصــــلحها مــــن عيوب الناس‪.‬‬
‫مــــن عرف ربــــه اشتغــــل بــــه عــــن هوى نفســــه‪.‬‬
‫أنفـع العمـل أن تغيـب فيـه عـن الناس بالخلص وعـن نفسـك بشهود النـة‪ ،‬فل ترى فيـه‬
‫نفســـــــــــــــــــــــــــــك ول ترى اللق‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫أبواب النار وأصول الطايا‬

‫أبواب النار‬
‫ــــــــة أبواب‪:‬‬
‫ــــــــن ثلثـ‬
‫ــــــــل الناس النار مـ‬
‫دخـ‬
‫‪ -1‬باب شبهـــــة أورثـــــت شكـــــا فـــــ ديـــــن ال‪.‬‬
‫‪ -2‬وباب شهوة أورثــــت تقديــــ الوى على طاعتــــه ومرضاتــــه‪.‬‬
‫‪ -3‬وباب غضــــــــــب أورث العدوان على خلقــــــــــه‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫أصول الطايا‬
‫ـــــــــــــــــة‬
‫ـــــــــــــــــا ثلثـ‬
‫كلهـ‬
‫‪ -1‬الكـــب‪ ،‬وهـــو الذي أصـــار إبليـــس إل مـــا أصـــاره‪.‬‬
‫‪ -2‬والرص‪ ،‬وهـــــــو الذي أخرج آدم مـــــــن النـــــــة‪.‬‬
‫‪ -3‬والسد‪ ،‬وهو الذي جرأ أحد ابن آدم على أخيه‪ .‬فمن وقي شر هذه الثلثة فقد وقي‬
‫الشـر‪ ،‬فالكفـر مـن الكـب‪ ،‬والعاصـي مـن الرص‪ ،‬والبغـي والظلم مـن السـد‪.‬‬

‫حكمة ال ف أجزاء النسان‬


‫ج عل ال بكم ته كل جزء من أجزاء ا بن آدم‪ ،‬ظاهره وباط نه‪ ،‬آلة لش يء إذا ا ستعمل ف يه‬
‫ف هو كماله‪ .‬فالع ي آلة للن ظر‪ .‬والذن آلة لل سماع‪ .‬وال نف آلة لل شم‪ .‬والل سان للن طق‪.‬‬
‫والفرج للنكاح‪ .‬واليـد للبطـش‪ .‬والرجـل للمشـي‪ .‬والقلب للتوحيـد والعرفـة‪ .‬والروح‬
‫للمحبة‪ .‬والعقل آلة للتفكي والتدبر لعواقب المور الدينية والدنيوية وإيثار ما ينبغي إيثاره‬
‫وإهال مـــــــــــــــا ينبغـــــــــــــــي إهاله‪.‬‬
‫أخسر الناس صفقة من اشتغل عن ال بنفسه‪ ،‬بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ف ال سنن من حد يث أ ب سعيد يرف عه‪« :‬إذا أ صبح ا بن آدم فإن العضاء كل ها تك فر‬
‫اللسان‪ ،‬تقول‪ :‬اتق فإنا نن بك‪ ،‬فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا» ‪ .‬قوله‪:‬‬
‫تك فر الل سان‪ ،‬ق يل‪ :‬معناه ت ضع له و ف الد يث‪ :‬أن ال صحابة ل ا دخلوا على النجا شي ل‬
‫يكفروا له‪ ،‬أي ل يسـجدوا ول يضعوا‪ .‬ولذلك قال عمرو بـن العاص‪ :‬أيهـا اللك‪ ،‬إنمـ ل‬
‫يكفرون لك‪ .‬وإنا خضعت للسان لنه بريد القلب وترجانه والواسطة بينه وبي العضاء‪.‬‬
‫وقول ا‪ :‬إن ا ن ن بك‪ ،‬أي نات نا بك وهلك نا بك‪ ،‬ولذا قالت‪ :‬فإن ا ستقمت ا ستقمنا وإن‬
‫اعوججـــــــــــــــت اعوججنـــــــــــــــا‪.‬‬

‫اتقوا ال وأجلوا ف الطلب‬


‫جع النب صلى ال عليه وسلم ف قوله‪« :‬فاتقوا ال وأجلوا ف الطلب» رواه ابن ماجه ف‬
‫التجارات ب ي م صال الدن يا والخرة‪ ،‬ونعيم ها ولذات ا إن ا ينال بتقوى ال‪ ،‬ورا حة القلب‬
‫والبدن وترك الهتمام والرص الشديد والتعب والعناد والكد والشقاء ف طلب الدنيا إنا‬
‫ينال بالجال فـ الطلب‪ ،‬فمـن اتقـى ال فاز بلذة الخرة ونعيمهـا‪ ،‬ومـن أجلـ فـ الطلب‬
‫استراح من نكد الدنيا وهومها‪ ،‬فال الستعان‪.‬‬

‫قد نادت الدنيا على نفسها * * * لو كان ف ذا اللق من يسمع‬

‫كم واثق بالعيش أهلكتـــــــــه * * * وجامع فرقت ما يمــــع‬

‫‪66‬‬
‫الأث والغرم‬
‫جع النب صلى ال عليه وسلم بي الأث والغرم ‪ ،‬فإن الأث يوجب خسارة الخرة‪ ،‬والغرم‬
‫يوجــــــــــب خســــــــــارة الدنيــــــــــا‪.‬‬

‫الهـــــــاد‬
‫قال تعال‪« :‬والذيـن جاهدوا فينـا لنهدينهـم سـبلنا» سـورة العنكبوت‪ ،‬اليـة‪.29 :‬علق‬
‫سبحانه الدا ية بالهاد‪ ،‬فأك مل الناس هدا ية أعظم هم جهادا‪ ،‬وأفرض الهاد جهاد الن فس‬
‫وجهاد الوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا‪ ،‬فممن جاهد هذه الربعة ف ال هداه ال سبل‬
‫رضاه الوصـلة إل جنتـه‪ ،‬ومـن ترك الهاد فاتـه مـن الدى بسـب مـا عطـل مـن الهاد‪.‬‬

‫قال النيد‪ :‬والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الخلص‪ ،‬ول يتمكن جهاد‬

‫‪67‬‬
‫عدوه ف الظاهر إل من جاهد هذه العداء باطنا‪ ،‬فمن نصر عليها نصر على عدوه‪ ،‬ومن‬
‫نصـــــــرت عليـــــــه نصـــــــر عليـــــــه عدوه‪.‬‬

‫عداوة العقل والوى‬


‫ألقى ال سبحانه العداوة بي الشيطان وبي اللك‪ ،‬والعداوة بي العقل وبي الوى والعداوة‬
‫ب ي الن فس المارة وب ي القلب ‪.‬وابتلى الع بد بذلك وج ع له ب ي هؤلء ‪،‬وأ مد كل حزب‬
‫بنود وأعوان‪ ،‬فل تزال الرب سـجال ودول بيـ الفريقيـ إل أن يسـتول أحدهاـ على‬
‫الخر ويكون الخر مقهورا معه‪ .‬فإذا كانت النوبة للقلب والعقل واللك فهنالك السرور‬
‫والنع يم واللذة والبه جة والفرح وقرة الع ي وط يب الياة وانشراح ال صدر والفوز بالغنائم‪.‬‬
‫وإذا كانـت النوبـة للنفـس والوى والشيطان فهنالك الغموم والموم والحزان وأنواع‬
‫الكارة وض يق ال صدر وح بس اللك‪ .‬ف ما ظ نك بلك ا ستول عل يه عدوه فأنزله عن سرير‬
‫مل كة وأ سره وحب سه وحال بي نه وب ي خزائ نه وذخائره وخد مه و صيها له‪ ،‬و مع هذا فل‬
‫يتحرك اللك لطلب ثأره ول ي ستغيث ب ن يغي ثه ول ي ستنجد ب ن ينجده‪ .‬وفوق هذا اللك‬
‫ملك قاهر ل يقهر وغالب ل يغلب وعزيز ل يذل‪ ،‬فأرسل إليه‪ :‬إن استنصرتن نصرتك وإن‬
‫اسـتغثت بـ أغثتـك وإن لأت إل أخذت بثأرك وإن هربـت إل وأويـت إل سـلطتك على‬
‫عدوك وجعلتـه تتـ أسـرك‪ .‬فان قال هذا اللك الأسـور‪ :‬قـد شـد عدوي وثاقـي وأحكـم‬
‫رباطي واستوثق من بالقيود ومنعن من النهوض إليك والفرار إليك والسي إل بابك‪ ،‬فإن‬
‫أر سلت جندا من عندك ي ل وثا قي وي فك قيودي ويرج ن من حب سة‪ ،‬أمكن ن أن أوا ف‬
‫بابــــك‪ ،‬وإل ل يكننــــ مفارقــــة مبســــي ول كســــر قيودي‪.‬‬

‫فإن قال ذلك احتجا جا على ذلك ال سلطان ودف عا لر سالته ور ضا ب ا هو ف يه ع ند عدوه‪،‬‬
‫خله الســـــــلطان العظـــــــم وحاله و وله مـــــــا تول‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫وإن قال ذلك افتقارا إل يه وإظهارا لعجزه وذله وأ نه أض عف وأع جز أن ي سي إل يه بنف سه‬
‫ويرج من حبس عدوه ويتخلص منه بوله وقوته‪ ،‬وأن من تام نعمته ذلك عليه كما أرسل‬
‫إل يه هذه الر سالة أن يده من جنده ومالي كه ب ن يعي نه على اللص ويك سر باب مب سه‬
‫ويفك قيوده‪ ،‬فإن فعل به ذلك فقد أت إنعامه عليه‪ ،‬وإن تلى عنه فلم يظلمه ول منعه حقا‬
‫هو له‪ .‬وإن حده وحكم ته اقت ضى من عه و تلي ته ف مب سه‪ ،‬ول سيما إذا علم أن ال بس‬
‫حبسـه وأن هذا العدو الذي حبسـه ملوك مـن ماليكـه وعبـد مـن عـبيده‪ ،‬ناصـيته بيده ل‬
‫يت صرف إل بإذ نه ومشيئ ته‪ ،‬ف هو غ ي ملت فت إل يه ول خائف م نه ول معت قد أن له شيئا من‬
‫المر ول بيده نفع ول ضر‪ ،‬بل هو ناظر إل مالكه ومتول أمره ومن ناصيته بيده قد أفرده‬
‫بالوف والرجاء والتضرع إليـه واللتجاء والرغبـة والرهبـة‪ ،‬فهناك تأتيـه جيوش النصـر‬
‫والظفــــــــــــــــــــــــــــــــــــر‪.‬‬

‫مراتب العلوم‬
‫أعلى ال مم ف طلب العلم طلب علم الكتاب وال سنة والف هم عن ال ور سوله ن فس الراد‬
‫وعلم حدود النل‪ .‬وأخس هم طلب العلم قصر هته على تتبع شواذ السائل وما ل ينل‬
‫ول هو وا قع‪ ،‬أو كا نت ه ته معر فة الختلف وتت بع أقوال الناس ول يس له ه ة إل معر فة‬
‫الصــحيح مــن تلك القوال‪ .‬وقــل أن ينتفــع واحــد مــن هؤلء بعلمــه‪.‬‬
‫وأعلى ال مم ف باب الرادة أن تكون ال مة متعل قة بح بة ال والوقوف مع مراده الدي ن‬
‫المري‪ .‬وأسفلها أن تكون المة واقفة مع مراد صاحبها من ال‪ ،‬فهو إنا يعبده لراده منه ل‬
‫لراد ال م نه‪ ،‬فالول ير يد ال وير يد مراده‪ ،‬والثا ن ير يد من ال و هو فارغ عن إراد ته‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫علماء السوء‬
‫علماء السوء جلسوا على باب النة يدعون إليها الناس بأقوالم ويدعونم إل النار بأفعالم‪،‬‬
‫فكلما قالت أقوالم للناس هلموا‪ ،‬قالت أفعالم ل تسمعوا منهم‪ .‬فلو كان ما دعوا إليه حقا‬
‫كانوا أول الســتجيبي له‪ ،‬فهــم فــ الصــورة أدلء وفــ القيقــة قطاع الطرق‪.‬‬
‫إذا كان ال وحده حظك ومرادك فالف ضل كله تا بع لك يزدلف إل يك‪ ،‬أي أنوا عه تبدأ به‪،‬‬
‫وإذا كان حظك ما تنال منه فالفضل بطريق الضمن و التبع‪ ،‬فإن كنت قد عرفته وأنست به‬
‫ثـ سـقطت إل طلب الفضـل حرمـك إياه عقوبـة لك ففاتـك ال وفاتـك الفضـل‪.‬‬

‫انتصار الرسول‬
‫ل ا خرج ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من ح صر العدو د خل ف ح صر الن صر‪ ،‬فعب ثت‬
‫أيدي سراياه بالنصر ف الطراف فطار ذكره ف الفاق‪ ،‬فصار اللق معه ثلثة أقسام‪ :‬مؤمن‬
‫به‪ ،‬ومسال له‪ ،‬وخائف منه‪ .‬ألقى بذر الصب ف مزرعة «فاصب كما صب أولوا العزم من‬
‫الرسـل» سـورة الحقاف‪ ،‬اليـة ‪ ،35‬فإذا أغصـان النبات تتـز بزامـى ‪« :‬والرمات‬
‫ق صاص» البقرة‪ ،194 :‬فد خل م كة دخول ما دخله أ حد قبله ول بعده‪ .‬حوله الهاجرون‬
‫والنصـار ل يـبي منهـم إل الدق‪ .‬والصـحابة على مراتبهـم‪ ،‬واللئكـة فوق رؤوسـهم‪،‬‬
‫وجبيل يتردد بينه وبي ربه‪ ،‬وقد أباح له حرمه الذي ل يله لحد سواه‪ ،‬فلما قايس بي‬
‫هذا اليوم وب ي يوم « وإذ ي كر بك الذ ين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك» النفال‪:‬‬
‫ــــــــــــــ‪.‬‬
‫ــــــــــــــ اثنيـ‬
‫‪ 30‬فأخرجوه ثانـ‬

‫‪70‬‬
‫دخل وذقنه تس قربوس سرجه خضوعا وذل لن ألبسه ثوب هذا العز الذي رفعت إليه فيه‬
‫الليقة رؤوسها ومدت إليه اللوك أعناقها‪ .‬فدخل مكة مالكا مؤيدا منصورا‪ .‬وعل كعب‬
‫بلل فوق الكع بة ب عد أن كان ي ر ف الرمضاء على ج ر الفت نة‪ ،‬فن شر بزا طوي عن القوم‬
‫من يوم قوله‪ « :‬أ حد أ حد» ‪ .‬ور فع صوته بالذان‪ ،‬فأجاب ته القبائل من كل ناح ية‪ ،‬فأقلبوا‬
‫يؤمون الصـوت‪ ،‬فدخلوا فـ ديـن ال أفواجـا وكانوا قبـل ذلك يأتون آحادا‪ .‬فلمـا جلس‬
‫الر سول على منب ال عز‪ ،‬وما نزل عنه قط‪ ،‬مدت اللوك أعناق ها بالضوع إليه‪ .‬فمن هم من‬
‫سلم إليه مفاتيح البلد‪ ،‬ومنهم من أخذ ف المع والتأهب للحرب‪ ،‬ول يدر أنه ل يزد على‬
‫ج ع الغنائم و سوق ال سارى إل يه‪ .‬فل ما تكا مل ن صره وبلغ الر سالة وأدى الما نة وجاءه‬
‫منشور‪ « :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا‪ ،‬ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته‬
‫عل يك ويهد يك صراطا م ستقيما وين صرك ال ن صرا عزيزا» سورة الف تح‪ :‬ال ية ‪ 1‬وبعده‬
‫توقيع‪ « :‬إذا جاء نصر ال والفتح ورأيت الناس يدخلون ف دين ال أفواجا» سورة النصر‪:‬‬
‫الية ‪ ، 1‬جاءه رسول ربه ييه بي القام ف الدنيا وبي لقائه‪ ،‬فاختار لقاء ربه شوقا إليه‪،‬‬
‫فتزينــت النان ليوم قدوم روحــه الكريةــ ل كزينــة الدينــة يوم قدوم اللك‪.‬‬
‫إذا كان عرش الرح ن قد اه تز لوت ب عض أتبا عه فر حا وا ستبشارا بقدوم رو حه‪ ،‬فك يف‬
‫ــرائر» ‪.‬‬
‫ــا « يوم تبلى السـ‬
‫ــريرة تكون عليهـ‬
‫ــر أي سـ‬
‫ــتعلم يوم الشـ‬
‫سـ‬

‫غرور المان‬
‫يا مغرور بالما ن‪ :‬ل عن إبل يس وأه بط من منل ال عز بترك سجدة واحدة أ مر ب ا‪ .‬وأخرج‬
‫آدم من النة بلقمة تناولا‪ .‬وحجب القاتل عنها بعد أن رآها عيانا بلء كف من دم‪ .‬وأمر‬
‫بقتل الزان أشنع القتلت بإيلج قدر النلة فيما ل يل‪ .‬وأمر بإيساع الظهر سياطا بكلمة‬

‫‪71‬‬
‫قذف أو بقطرة من مسكر‪.‬وأبان عضوا من أعضائك بثلثة دراهم فل تأمنه أن يبسك ف‬
‫النار بعصـية واحدة مـن معاصـيه « ول ياف عقباهـا» سـورة الشمـس‪ ،‬اليـة ‪.15‬‬

‫دخلت امرأة النار ف هرة‪ .‬وإن الر جل ليتكلم بالكل مة ل يل قي ل ا بال يهوي ب ا ف النار‬
‫أبعد ما بي الشرق والغرب‪ ،‬وإن الرجل ليعمل بطاعة ال ستي سنة‪ ،‬فإذا كان عند الوت‬
‫جار فـ الوصـية فيختـم له بسـوء عمله فيدخـل النار‪ .‬العمـر بآخره والعمـل باتتـه‪.‬‬

‫من أحدث ق بل ال سلم ب طل ما م ضى من صلته‪ ،‬و من أف طر ق بل غروب الش مس ذ هب‬


‫صيامه ضائعا‪ ،‬ومن أساء ف آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه‪ .‬لو قدمت لقمة وجدتا ولكن‬
‫يؤذيـــــــــــــــــــــــــــــــــك الشره‪.‬‬
‫كم جاء الثواب إليك فوقف بالباب فرده بواب‪ :‬سوف‪ ،‬ولعل‪ ،‬وعسى‪ .‬كيف الفلح بي‬
‫إيان ناقص‪ ،‬وأمل زائد‪ ،‬ومرض ل طيب له ول عائد‪ ،‬وهوى مستيقظ‪ ،‬وعقل راقد‪ ،‬ساهيا‬
‫ف غمرته‪ ،‬عمها ف سكرته‪ ،‬سابا ف لة جهله‪ ،‬مستوحشا من ربه‪ ،‬مستأنسا بلقه‪ ،‬ذكر‬
‫الناس فاكه ته وقوته‪ ،‬وذكر ال حب سه وموته‪ ،‬ال م نه جزء ي سي من ظاهره‪ ،‬وقلبه ويقينه‬
‫لغيه‪.‬‬

‫ل كان من لسواك فيه بقية * * * يد السبيل با إليه العدل‬

‫لاذا جعل آدم آخر الخلوقات‬

‫‪72‬‬
‫كان أول الخلوقات القلم ليكتب القادير قبل كونا‪ ،‬وجعل آدم آخر الخلوقات وف ذلك‬
‫حكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم‪:‬‬
‫« أحدهــــــا‪ »:‬تهيــــــد الدار قبــــــل الســــــاكن‪.‬‬
‫«الثانية‪ »:‬أنه الغاية الت خلق لجلها ما سواه من السماوات والرض والشمس والقمر‬
‫والب والبحـــــــــــــــــــــــــــــــــر‪.‬‬
‫«الثالثـة‪ »:‬أن أحذق الصـناع يتـم عمله بأحسـنه وغايتـه كمـا يبدؤه بأسـاسه ومبادئه‪.‬‬
‫«الراب عة‪ »:‬أن النفوس متطل عة إل النهايات والوا خر دائ ما‪ ،‬ولذا قال مو سى لل سحرة‬
‫أول‪« :‬ألقوا ما أنتم ملقون» سورة يونس‪ ،‬الية ‪ 80‬فلما رأى الناس فعلهم تطلعوا إل ما‬
‫يأ ت بعده‪ .‬الام سة‪ :‬أن ال سبحانه أ خر أف ضل الك تب وال نبياء وال مم إل آ خر الزمان‪،‬‬
‫وجعل الخرة خيا من الول‪ ،‬والنهايات أكمل من البدايات‪ ،‬فكم بي قول اللك للرسول‬
‫اقرأ فيقول ما أنا بقارئ‪ ،‬وبي قوله تعال‪« :‬اليوم أكملت لكم دينكم» سورة الائدة‪ ،‬الية‬
‫‪.3‬السادسة‪ :‬أنه سبحانه جع ما فرقه ف العال ف آدم‪ ،‬فهو العال الصغي وفيه ما ف العال‬
‫الكبي‪ .‬السابعة‪ :‬كرامته على خالقه أنه هيأ له مصاله وحوائ جه وآلت معيشته وأسباب‬
‫حياته‪ ،‬فما رفع رأسه إل وذلك كله حاضر عتيد‪ .‬التاسعة‪ :‬أنه سبحانه أراد أن يظهر شرفه‬
‫وفضله على سائر الخلوقات‪ ،‬فقدم ها عل يه ف اللق‪ ،‬ولذا قالت اللئ كة‪ :‬ليخلق رب نا ما‬
‫شاء فلن يلق خلقا أكرم عليه منا‪ .‬فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر فضله وشرفه‬
‫عليهم بالعلم والعرفة‪ ،‬فلما وقع ف الذنب ظنت اللئكة أن ذلك الفضل قد نسخ ول تطلع‬
‫على عبودية التوبة الكامنة‪ ،‬فلما تاب إل ربه وأتى بتلك العبودية علمت اللئكة أن ل ف‬
‫خل قه سرا ل يعل مه سواه‪ .‬العاشرة‪ :‬أ نه سبحانه ل ا افت تح خلق هذا العال بالقلم كان من‬
‫أحسن الناسبة أن يتمه بلق النسان‪ ،‬فإن القلم آلة العلم‪ ،‬والنسان هو العال‪ .‬ولذا أظهر‬
‫ســـبحانه فضـــل آدم على اللئكـــة بالعلم الذي خـــص بـــه دونمـــ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫حال إبليس مع آدم‬
‫وتأمل كيف كتب سبحانه عذر آدم قبل هبوطه إل الرض ونبه اللئكة على فضله وشرفه‬
‫ونوه با سه ق بل إياده بقوله‪« :‬إ ن جا عل ف الرض خلي فة» وتأ مل ك يف و سه بالل فة‬
‫وتلك ول ية له ق بل وجوده‪ ،‬وأقام عذره ق بل البوط بقوله‪ « :‬ف الرض» ‪ .‬وال حب يق يم‬
‫عذر الحبوب ق بل جناي ته‪ .‬فل ما صوره ألقاه على باب ال نة أربع ي سنة لن دأب ال حب‬
‫الوقوف على باب ال بيب‪ ،‬ورمـى بـه فـ طر يق ذل « ول يـك شيئا» لئل يع جب يوم «‬
‫اسجدوا» ‪ .‬وكان إبليس ير على جسده فيعجب منه ويقول‪ :‬لمر قد خلقت‪ ،‬ث يدخل من‬
‫فيه ويرج من دبره ويقول‪ :‬لئن سلطت عليك لهلكنك ولئن سلطت علي لعصينك‪ ،‬ول‬
‫يعلم أن هلكه على يده‪ .‬رأى طينا ممو عا فاحتقره‪ ،‬فل ما صور الط ي صورة دب فيه داء‬
‫السـد‪ ،‬فلمـا نفـخ فيـه الروح مات الاسـد‪ .‬فلمـا بسـط له بسـاط العـز عرضـت عليـه‬
‫الخلوقات فاستحضر مدعى «ونن نسبح» إل حاكم «أنبئون» ‪ .‬وقد أخفى الوكيل عنه‬
‫بينة «وعلم» فنكسوا رؤوس الدعاوى على صدور القرار‪ .‬فقام منادي التفضيل ف أندية‬
‫اللئ كة ينادي‪« :‬ا سجدوا» فتطهروا من حدث دعوى «ون ن» باء العذر ف آن ية «ل‬
‫علم لنا» ‪ ،‬فسجدوا على طهارة التسليم وقام إبليس ناحية ل يسجد؛ لنه خبث‪ ،‬وقد تلون‬
‫بنجاسة العتراض‪ .‬وما كانت ناسته تتلقى بالتطهي؛ لنا عينية‪ ،‬فلما ت كمال آدم قيل‪:‬‬
‫ل بد من خال جال على و جه «ا سجدوا» ‪ ،‬فجرى القدر بالذ نب لي تبي أ ثر العبود ية ف‬
‫الذل‪ .‬يا آدم لو عفا لك عن تلك اللقمة لقال الاسدون‪ :‬كيف فضل ذو شره ل يصب على‬
‫شجرة‪ .‬لول نزولك ما تصاعدت صعداء النفاس‪ ،‬ول نزلت رسائل‪ « :‬هل من سائل؟»‬
‫ول فا حت روائح‪ « :‬و للوف فم ال صائم» ‪ ،‬ف تبي حينئذ أن ذلك التنازل ل ي كن عن‬
‫شَرَهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــٍ‪.‬‬

‫يــا آدم‪ ،‬ضحكــك فــ النــة لك‪ ،‬وبكاؤك فــ دار التكليــف لنــا‪.‬‬
‫ما ضر من ك سره عزى إذا جبه فضلى‪ ،‬إن ا تل يق خل عة ال عز ببدن النك سار‪ .‬أ نا ع ند‬
‫النكسـرة قلوبمـ مـن أجلي‪ .‬مـا زالت تلك الكلة تعاده حتـ اسـتول داؤه على أولده‪،‬‬
‫فأرسل إليهم اللطيف البي الدواء على أيدي أطباء الوجود « فإما يأتينكم من هدى فمن‬

‫‪74‬‬
‫تبع هداي فل يضل ول يشقى» سورة طه‪ ،‬الية ‪.123‬فحماهم الطبيب بالتناهي‪ ،‬وحفظ‬
‫القوة بالوامـر‪ ،‬وأفرغ أخلطهـم الرديئة بالتوبـة‪ ،‬فجاءت العافيـة مـن كـل ناحيـة‪.‬‬

‫فيا من ضيع القوة ول يفظها‪ ،‬وخلط ف مرضه وما احتمى‪ ،‬ول صب على مرارة الستفراغ‬
‫ل تنكر قرب اللك‪ ،‬فالداء مترام إل الفساد‪ .‬لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك‬
‫بالم ية من شهوة خ سيسة ظفرت بأنواع اللذات وأ صناف الشتهيات‪ .‬ول كن بار الشهوة‬
‫غطى عي البصية‪ ،‬فظننت أن الزم بيع الوعد بالنقد‪ .‬يا لا بصية عمياء‪ ،‬جزعت من صب‬
‫ساعة واحتملت ذل البد‪ .‬سافرت ف طلب الدنيا وهي عنها زائلة‪ ،‬وقعدت عن السفر إل‬
‫الخرة وهــــــــــــــي إليهــــــــــــــا راحلة‪.‬‬
‫إذا رأيـت الرجـل يشتري السـيس بالنفيـس ويـبيع العظيـم بالقيـ‪ ،‬فاعلم بأنـه سـفيه‪.‬‬

‫تليات الرب‬
‫القرآن كلم ال وقـد تلى ال فيـه لعباده بصـفاته‪ ،‬فتارة يتجلى فـ جلباب اليبـة والعظمـة‬
‫واللل‪ ،‬فتخضع العناق‪ ،‬وتنكسر النفوس‪ ،‬وتشع الصوات ويذوب الكب كما يذوب‬
‫اللح ف الاء‪ ،‬وتارة يتجلى ف صفات المال والكمال‪ ،‬وهو كمال الساء وجال الصفات‬
‫وجال الفعال الدال على كمال الذات فيسـتنفد حبـه مـن قلب العبـد قوة البـ كلهـا‪،‬‬
‫بسب ما عرفه من صفات جاله ونعوت كماله‪ ،‬فيصبح فؤاد عبده فارغا إل من مبته‪ ،‬فإذا‬
‫أراد منه الغي أن يعلق تلك الحبة به أب قلبه وأحشاؤه ذلك كل الباء‪ ،‬كما قيل‪:‬‬

‫يراد من القلب نسيانكم * * * وتأب الطباع على الناقل‬

‫‪75‬‬
‫فتب قى الح بة له طبعا ل تكلفا‪ ،‬وإذا تلى ب صفات الرح ة والب والل طف والح سان انب عث‬
‫قوة الرجاء من الع بد وانب سط أمله وقوي طم عه و سار إل ر به وحادي الرجاء يدو ركاب‬
‫سيه‪ .‬وكلما قوي الرجاء جد ف العمل كما أن الباذر كلما قوي طمعه ف الغل غلق أرضه‬
‫بالبذر‪ ،‬وإذا ضعـــــــف رجاؤه قصـــــــر فـــــــ البذر‪.‬‬
‫وإذا تلى ب صفات العدل والنتقام والغ ضب وال سخط والعقو بة‪ ،‬انقم عت الن فس المارة‬
‫وبطلت أو ضع فت قوا ها من الشهوة والغ ضب والل هو والل عب والرص على الحرمات‪،‬‬
‫وانقبضـت أعنـة رعونتهـا‪ ،‬فأحضرت الطيـة حظهـا مـن الوف والشيـة والذر‪.‬‬
‫وإذا تلى ب صفات ال مر والن هي والع هد والو صية وإر سال الر سل وإنزال الك تب وشرع‬
‫الشرائع‪ ،‬انبعـــث منهـــا قوة المتثال والتنفيـــذ للطلب والجتناب للنهـــي‪.‬‬
‫وإذا تلى بصفات السمع والبصر والعلم‪ ،‬انبعث من العبد قوة الياء فيستحي من ربه أن‬
‫يراه على ما يكره‪ ،‬أو يسمع منه ما يكره‪ ،‬أو يفي ف سريرته ما يقته عليه‪ ،‬فتبقى حركاته‬
‫وأقواله وخواطره موزونة بيزان الشرع غي مهملة ول مرسلة تت حكم الطبيعة والوى‪.‬‬

‫وإذا تلى ب صفات الكفا ية وال سب والقيام ب صال العباد و سوق أرزاق هم إلي هم‪ ،‬ود فع‬
‫الصائب عنهم ونصره لوليائه وحايته لم ومعيته الاصة لم‪ ،‬انبعث من البعد قوة التوكل‬
‫عل يه والتفو يض إل يه والر ضا به وب كل ما ير يه على عبده ويقي مه ف يه م ا ير ضى به هو‬
‫سـبحانه‪ .‬والتوكـل معنـ يلتئم مـن علم البعـد بكفايـة ال وحسـن اختياره لعبده وثقتـه بـه‬
‫ورضاه باـــــــــــــ يفعله بـــــــــــــه ويتاره له‪.‬‬

‫وإذا تلى ب صفات ال عز وال كبياء أع طت نف سه الطمئ نة ما و صلت إل يه من الذل لعظم ته‬
‫والنكسار لعزته والضوع لكبيائه وخشوع القلب والوارح له فتعلو السكينة والوقار ف‬
‫قلبــه ولســانه وجوارحــه وســته‪ ،‬ويذهــب طيشــه وقوتــه وحدتــه‪.‬‬

‫وجاع ذلك‪ :‬أنـه سـبحانه يتعرف إل البعـد بصـفات إليتـه تارة‪ ،‬وبصـفات ربوبيتـه تارة‪،‬‬

‫‪76‬‬
‫فيوجـب له شهود صـفات الليـة الحبـة الاصـة‪ ،‬والشوق إل لقائه‪ ،‬والنـس والفرح بـه‪،‬‬
‫والسرور بدمته‪ ،‬والنافسة ف قربه‪ ،‬والتودد إليه بطاعته‪ ،‬و اللهج بذكره‪ ،‬والفرار من اللق‬
‫إليــــه‪ ،‬ويصــــي هــــو وحده ههــــ دون مــــا ســــواه‪.‬‬

‫ويوجـب له شهود صـفات الربوبيـة التوكـل عليـه والفتقار إليـه والسـتعانة بـه‪ ،‬والذل‬
‫والضوع والنكسار له‪ .‬وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته ف إليته‪ ،‬وإليته ف ربوبيته‪ ،‬وحده‬
‫ف مل كه‪ ،‬وعزه ف عفوه‪ ،‬وحكم ته ف قضائه وقدره‪ ،‬ونعم ته ف بلئه‪ ،‬وعطاؤه ف من عه‪،‬‬
‫وبره ولطفه وإحسانه ورحته ف قيوميته‪ ،‬وعدله ف انتقامه‪ ،‬وجوده وكرمه ف مغفرته وستره‬
‫وتاوزه‪ .‬ويش هد حكم ته ونعم ته ف أمره ون يه‪ ،‬وعزه ف رضاه وغض به‪ ،‬وحله ف إمهاله‪،‬‬
‫وكرمــــــه فــــــ إقباله‪ ،‬وغناه فــــــ إعراضــــــه‪.‬‬

‫وأنـت إذا تدبرت القرآن وأجرتـه مـن التحريـف وأن تقضـي عليـه بآراء التكلميـ وأفكار‬
‫التكلفي‪ ،‬أشهدك ملكا قيوما فوق ساواته على عرشه يدبر أمر عباده‪ ،‬يأمر وينهى‪ ،‬ويرسل‬
‫الرسـل وينل الكتـب‪ ،‬ويرضـى ويغضـب‪ ،‬ويثبـت ويعاقـب‪ ،‬ويعطـي وينـع‪ ،‬ويعـز ويذل‪،‬‬
‫ويفض ويرفع‪ ،‬يرى من فوق سبع ويسمع‪ ،‬ويعلم السر والعلنية‪ ،‬فعال لا يريد‪ ،‬موصوف‬
‫ب كل كمال‪ ،‬منه عن كل ع يب‪ ،‬ل تتحرك ذرة ف ما فوق ها إل بإذ نه‪ ،‬ول ت سقط ور قة إل‬
‫بعلمـه‪ ،‬ول يشفـع أحـد عنده إل بإذنـه‪ ،‬ليـس لعباده مـن دونـه ول ول شفيـع‪.‬‬

‫فضائل أب بكر‬
‫لا بايع الرسول صلى ال عليه وسلم أهل العقبة أمر الصحابة بالجرة إل الدينة‪ ،‬فعلمت‬
‫قريش أن أصحابه قد كثروا وأنم سيمنعونه‪ ،‬فأعملت الراء ف استخراج اليل‪ ،‬فمنهم من‬

‫‪77‬‬
‫رأى ال بس‪ ،‬ومن هم من رأى الن في‪ .‬ث اجت مع رأي هم على الق تل‪ ،‬فجاء الب يد بال ب من‬
‫صدّيق لرفقة السفر‪ .‬فلما فارقا‬
‫السماء وأمره أن يفارق الضجع‪ ،‬فبات على مكانه ونض ال ّ‬
‫بيوت م كة اش تد الذر بال صديق فج عل يذ كر الر صد في سي أما مه‪ ،‬وتارة يذ كر الطلب‬
‫فيتأخر وراءه ‪ ،‬وتارة عن يينه وتارة عن شاله إل أن انتهيا إل الغار‪ ،‬فبدأ الصديق بدخوله‬
‫ليكون وقا ية له إن كان ثَمّ مؤذ‪ .‬وأن بت ال شجرة ل ت كن ق بل‪ ،‬فأظلت الطلوب وأضلت‬
‫الطالب‪ ،‬وجاءت عنكبوت فحازت وجـه الغار فحاكـت ثوب نسـجها على منوال السـتر‪،‬‬
‫فأحك مت الش قة ح ت ع مي على القائف الطلب‪ ،‬وأر سل « ال » حامت ي فاتذ تا هناك‬
‫ع شا ج عل على أب صار الطالب ي غشاوة‪ ،‬وهذا أبلغ ف العجاز من مقاو مة القوم بالنود‪.‬‬

‫فلما وقف القوم على رؤوسهم وصار كلمهم بسمع الرسول والصديق‪ ،‬قال الصديق وقد‬
‫اش تد به القلق‪ :‬يا ر سول ال‪ ،‬لو أن أحد هم ن ظر إل ما ت ت قدم يه لب صرنا ت ت قدم يه‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ « :‬يا أبا بكر‪ ،‬ما ظنك باثني ال ثالثهما؟» لا رأى‬
‫الر سول حز نه قد اش تد‪ ،‬ل كن ل على نف سه‪ ،‬قوى قل به بشارة « ل تزن إن ال مع نا»‬
‫سورة التوبة‪ :‬الية ‪،40‬فظهر سر هذا القتران ف العية لفظا‪ ،‬كما ظهر حكما ومعن‪ ،‬إذ‬
‫يقال رسول ال وصاحب رسول ال‪ ،‬فلما مات صلى ال عليه وسلم قيل خليفة رسول ال‪،‬‬
‫ــ‪.‬‬
‫ــل أميـــ الؤمنيـ‬
‫ــة بوتـــه فقيـ‬
‫ــة اللفـ‬
‫ــت إضافـ‬
‫ــ انقطعـ‬
‫ثـ‬

‫فأقاما ف الغار ثلثا ث خرجا منه ولسان القدر يقول‪ :‬لتدخلنها دخولً ل يدخله أحد قبلك‬
‫ول ينب غي ل حد من بعدك‪ .‬فل ما ا ستقل على البيداء لقه ما سراقة بن مالك‪ ،‬فل ما شارف‬
‫الظ فر أر سل عل يه الر سول سهما من سهام الدعاء‪ ،‬ف ساخت قوائم فر سه ف الرض إل‬
‫بطن ها‪ ،‬فل ما عل ما أ نه ل سبيل له عليه ما أ خذ يعرض الال على من قد رد مفات يح الكنوز‬
‫ويقدم الزاد إل شبعان‪« ،‬أبيت عند رب يطعمن ويسقين» كانت تفة ثان اثني مدخرة‬
‫للصديق‪ ،‬دون الميع‪ ،‬فهو الثان ف السلم وف بذل النفس وف الزهد وف الصحبة وف‬
‫اللفة وف العمر‪ ،‬وف سبب الوت؛ لن الرسول صلى ال عليه وسلم مات عن أثر السم ‪،‬‬
‫وأبــــــــــو بكــــــــــر ســــــــــم فمات‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫أ سلم على يد يه من العشرة‪ :‬عثمان وطل حة والزب ي وع بد الرح ن بن عوف و سعد بن أ ب‬
‫وقاص‪ .‬وكان عنده يوم أسـلم أربعون ألف درهـم فأنفقهمـا أحوج مـا كان السـلم إليهـا‪،‬‬
‫فلهذا جلبت نفقته عليه «ما نفعن مال‪ ،‬ما نفعن مال أب بكر» ‪ .‬فهو خي من مؤمن آل‬
‫فرعون؛ لن ذلك كان يكتم إيانه والصديق أعلن به‪ .‬وخي من مؤمن آل ياسي؛ لن ذلك‬
‫جاهد ساعة والصديق جاهد سني‪ .‬عاين طائر الفاقة يوم حول حب اليثار ويصيح‪« :‬من‬
‫ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا» سورة البقرة‪ ،‬الية ‪ ،245‬فألقى له حب الال على روض‬
‫الرضا واستلقى على فراش الفقر‪ ،‬فنقل الطائر الب إل حوصلة الضاعفة ث عل على أفنان‬
‫شجرة الصدق يغرد بفنون الدح‪ ،‬ث قال ف ماريب السلم يتلو‪« :‬وسيجنبها التقى الذي‬
‫ــــــــل‪.17-18 :‬‬
‫ــــــــى» الليـ‬
‫ــــــــ ماله يتزكـ‬
‫يؤتـ‬

‫نط قت بفضله اليات والخبار‪ ،‬واجت مع على بيع ته الهاجرون والن صار‪ ،‬ف يا مبغض يه ف‬
‫قلوبكم من ذكره نار‪ ،‬كلما تليت فضائله على الصغار‪ ،‬أترى ل يسمع الروافض الكفار‪« :‬‬
‫ثا ن اثن ي إذ ه ا ف الغار» التو بة‪40 :‬؟ د عي إل ال سلم ف ما تلع ثم ول أ ب‪ ،‬و سار على‬
‫الحجة فما زل ول كبا‪ ،‬وصب ف مدته من مدى العدى على وقع الشبا‪ ،‬وأكثر ف النفاق‬
‫فمــــــــــا قلل حتــــــــــ تلل بالعبــــــــــا‪.‬‬

‫تال لقد زاد على السبك ف كل دينار دينار «ثان اثني إذ ها ف الغار» ‪ .‬من كان قرين‬
‫النب ف شبابه؟ من ذا الذي سبق إل اليان من أصحابه؟ من الذي أفت بضرته سريعا ف‬
‫جوابه؟ من أول من صلى معه؟ من آخر من صلى به؟ من الذي ضاجعه بعد الوت ف ترابه؟‬
‫فاعرفوا حـــــــــــــــــــــــــــــــق الار‪.‬‬

‫نضـ يوم الردة بفهـم واسـتيقاظ‪ ،‬وأبان مـن نـص الكتاب معنـ دق عـن حديـد اللاظ‪.‬‬
‫فالحب يفرح بفضائله والبغض يغتاظ‪ .‬حسرة الرافضي أن يفر من ملس ذكره‪ ،‬ولكن أين‬
‫الفرار؟‪.‬‬
‫كم وقى الرسول بالال والنفس‪ ،‬وكان أخص به ف حياته وهو ضجيعه ف الرمس‪ .‬فضائله‬
‫جليــــــة وهــــــي خليــــــة عــــــن اللبــــــس‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫يا عج با! من يغ طي ع ي ضوء الش مس ف ن صف النهار‪ ،‬ل قد دخل غارا ل ي سكنه ل بث‪،‬‬
‫فاستوحش الصديق من خوف الادث‪ .‬فقال الرسول‪ :‬ما ظنك باثني وال الثالث‪ .‬فنلت‬
‫ال سكينة فارت فع خوف الادث‪ ،‬فزال القلق وطاب ع يش الا كث‪ ،‬فقام مؤذن الن صر ينادي‬
‫على رءوس منائر المصـــار «ثانـــ اثنيـــ إذ هاـــ فـــ الغار» ‪.‬‬
‫حبه وال رأس النيفية‪ ،‬وبغضه يدل على خبث الطوية‪ .‬فهو خي الصحابة والقرابة والجة‬
‫على ذلك قوية‪ .‬لول صحة إمامته ما قيل ابن النفية‪ .‬مهل مهل‪ ،‬فإن دم الروافض قد فار‪.‬‬
‫وال ما أحببناه لوانا‪ ،‬ول نعتقد ف غيه هوانا‪ ،‬ولكن أخذنا بقول علي وكفانا‪« :‬رضيك‬
‫رسـول ال لديننـا‪ ،‬أفل نرضاك لدنيانـا» ‪ .‬تال لقـد أخذت مـن الروافـض بالثأر‪ .‬تال لقـد‬
‫وجب حب الصديق علينا‪ ،‬فنحن نقضي بدائحه ونقر با نقر به من السنا عينا‪ ،‬فمن كان‬
‫رافضيّاــــــ فل يعــــــد إلينــــــا وليقــــــل ل أعذار‪.‬‬

‫حكم متفرقة‬
‫ــرانه‪.‬‬
‫ــك خسـ‬
‫ــنة لئل يعديـ‬
‫ــل الكتاب والسـ‬
‫ــن يعادي أهـ‬
‫ــب مـ‬
‫اجتنـ‬
‫احترز من عدوين هلك بما أكثر اللق‪ :‬صادّ عن سبيل ال بشبهاته وزخرف قوله‪ ،‬ومفتون‬
‫بدنياه ورئاســــــــــــــــــــــــــــــــته‪.‬‬
‫من خلق فيه قوة واستعداد لشيء كانت لذته ف استعمال تلك القوة فيه‪ ،‬فلذة من خلقت‬
‫ف يه قوة وا ستعداد للجماع ا ستعمال قو ته ف يه‪ ،‬ولذة من خل قت ف يه قوة الغ ضب والتو ثب‬
‫ا ستعمال قو ته الغضب ية ف متعلق ها‪ ،‬و من خل قت ف يه قوة ال كل والشرب فلذ ته با ستعمال‬
‫قو ته فيه ما‪ .‬و من خل قت ف يه قوة العلم والعر فة فلذ ته با ستعمال قو ته و صرفها إل العلم‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫ومن خلقت فيه قوة الب ل والنابة إليه والعكوف بالقلب عليه والشوق إليه والنس به‬
‫فلذ ته ونعي مه ا ستعمال هذه القوة ف ذلك ‪ .‬و سائر اللذات دون هذه اللذة مضمحلة فان ية‬
‫وأحدــــــــ عاقبتهــــــــا أن يكون ل له ول عليــــــــه‪.‬‬

‫عب وعظات‬
‫يا أي ها العزل احذر فرا سة الت قي‪ ،‬فإ نه يرى عورة عملك من وراء ستر «اتقوا فرا سة‬
‫الؤمن» حديث شريف رواه الترمذي ف سننه‪ ،‬والفراسة ‪ -‬بكسر الفاء‪ -‬قال ف النهاية‪:‬‬
‫يقال بعني ي‪ :‬أحده ا‪ ،‬ما دل ظا هر هذا الد يث عل يه و هو ما يوق عه ال تعال ف قلوب‬
‫أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والدس‪ .‬والثان نوع‬
‫يتعلم بالدلئل والتجارب واللق والخلق فتعرف بـه أحوال الناس‪ .‬وللناس فيـه تصـانيف‬
‫قديةـــــــــــــــــ وحديثـــــــــــــــــة‪.‬‬

‫سـبحان ال‪ ،‬فـ النفـس‪ :‬كِب إبليـس وحسـد قابيـل وعتـو عاد وطغيان ثود وجرأة نرود‬
‫وا ستطالة فرعون‪ ،‬وب غي قارون‪ ،‬وق حة هامان وهوى بلعام وح يل أ صحاب ال سبت‪ ،‬وترد‬
‫الوليد ‪ ،‬وجهل أب جهل‪ .‬وفيها من أخلق البهائم‪ :‬حرص الغراب‪ ،‬وشره الكلب‪ ،‬ورعونة‬
‫الطاووس‪ ،‬ودناءة ال عل‪ ،‬وعقوق ال ضب‪ ،‬وح قد ال مل‪ ،‬ووثوب الف هد‪ ،‬و صولة ال سد‪،‬‬
‫وف سوق الفأرة‪ ،‬وخ بث ال ية‪ ،‬وع بث القرد‪ ،‬وج ع النملة‪ ،‬وم كر الثعلب‪ ،‬وخ فة الفراش‪،‬‬
‫ونوم الضبع‪ .‬غي أن الرياضة والجاهدة تذهب ذلك‪ .‬فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا‬
‫الند‪ ،‬ول تصلح سلعته لعقد‪« :‬إن ال اشترى من الؤمني أنفسهم ‪ »...‬سورة التوبة‪ ،‬الية‬
‫‪ 111‬فمـا اشترى إل سـلعة هذباـ اليان فخرجـت مـن طبعهـا إل بلد سـكانه التائبون‬

‫‪81‬‬
‫العابدون‪.‬‬

‫سلم البيع قبل أن يتلف ف يدك فل يقبله الشتري‪ ،‬قد علم الشتري بعيب السلعة قبل أن‬
‫ـــــــن الرد‪.‬‬
‫ـــــــلمها و لك المان مـ‬
‫ـــــــا‪ ،‬فسـ‬
‫يشتريهـ‬
‫قدر السـلعة يعرف بقدر مشتريهـا والثمـن البذول فيهـا والنادي عليهـا‪ ،‬فإذا كان الشتري‬
‫عظيما والثمن خطيا والنادي حائل كانت السلعة نفيسة‪.‬‬

‫يا بائعا نفسه بيع الوان لو اســـــــ * * * ـترجعت ذا البيع قبل الفوت ل تب‬

‫وبائعا طيب عيش ما له خطر * * * بطيف عيش من المال منتهب‬

‫غبنت وال غبنا فاحشا ولدى * * * يوم التغابن تلقى غاية الرب‬

‫وواردا صفو عيش كله كدر * * * أمامك الورد حقا ليس بالكذب‬

‫وحاطب الليل ف الظلماء منتصبا * * * لكل داهية تدن من العطب‬

‫ترجو الشفاء بأحداق با مرض * * * فهل سعت ببء جاء من عطب‬

‫ومفنيا نفسه ف أثر أقبحهم * * * وصفا للطخ جال فيه مستلب‬

‫‪82‬‬
‫وواهبا نفسه من مثل ذا سفها * * * لو كنت تعرف قدر النفس ل تب‬

‫شاب الصبا والتصاب بعد ل يشب * * * وضاع وقتك بي اللهو واللعب‬

‫وشس عمرك قد حان الغروب لا * * * والفيء ف الفق الشرقي ل يغب‬

‫وفاز بالوصل من قد جد وانقشعت * * * عن أفقه ظلمات الليل والسحب‬

‫كم ذا التخلف والدنيا قد ارتلت * * * ورسل ربك قد وافتك ف الطلب‬

‫ما ف الديار وقد سارت ركائب من * * * تواه للصب من شكر ول أرب‬

‫فافرش الد ذياك التراب وقل * * * ما قاله صاحب الشواق والقب‬

‫ما ربع مية مفوفا يطيف به * * * غيلن أشهى له من ربعك الرب‬

‫« اسم الرجل الذي كان يعشق مية‪».‬‬

‫منازل كان يهواها ويألفها * * * أيام كان منال الوصل عن كثب‬

‫‪83‬‬
‫ول الدود ولو أدمي من ضرج * * * أشهى إل ناظري من ربعك الرب‬

‫وكلما جليت تلك الربوع له * * * يهوى إليها هوى الاء ف الصبب‬

‫أحيي له الشوق تذكار العهود با * * * فلو دعي القلب للسلوان ل يب‬

‫هذا وكم منل ف الرض يألفه * * * وما له من سواها الدهر من رغب‬

‫ما ف اليام أخو وجد يريك إن * * * بثثته بعض شأن الب فاغترب‬

‫وأسر ف غمرات الليل مهتديا * * * بنفحة الطيب ل بالعود والطب‬

‫وعاد أخي جب ومعجزة * * * وحارب النفس ل تلقيك ف الرب‬

‫وخذ لنفسك نورا تستضيء به * * * يوم اقتسام الورى النوار بالرتب‬

‫إن كان يوجب صبي رحت فرضا * * * بسوء حال وحل الضنا بدن‬

‫‪84‬‬
‫منحتك الروح ل أبغي لا ثنا * * * إل رضاك و وافقري إل الثمن‬

‫أحن بأطراف النهار صبابة * * * وبالليل يدعون الوى فأجيب‬

‫وإذا ل يكن من العشق بد * * * فمن العجز عشق غي الميل‬

‫فلو أن ما أسعى لعيش معجل * * * كفان منه بعض ما أنا فيه‬

‫ولكنما أسعى للك ملد * * * فوا أسفا إن ل أكن بلقيه‬

‫يا من هو من أرباب الية‪ ،‬هل عر فت قي مة نف سك؟ إن ا خل قت الكوان كل ها لك‪.‬‬


‫يـا مـن غذي بلبان الب وقلب بأيدي اللطاف‪ ،‬كـل الشياء شجرة وأنـت الثمرة‪ ،‬وصـورة‬
‫ــد‪.‬‬
‫ــت الزبـ‬
‫ــض وأنـ‬
‫ــت الدر‪ ،‬و ميـ‬
‫ــدف وأنـ‬
‫ــ‪ ،‬وصـ‬
‫ــت العنـ‬
‫وأنـ‬
‫ــف‪.‬‬
‫ــتخراجك ضعيـ‬
‫ــن اسـ‬
‫ــ‪ ،‬ولكـ‬
‫ــح الطـ‬
‫ــا لك واضـ‬
‫منشور اختيارنـ‬
‫م ت ر مت طل ب فاطلب ن عندك‪ ،‬اطلب ن م نك تد ن قريبا ول تطلب ن من غيك فأ نا أقرب‬
‫إليــــــــــــــــــك منــــــــــــــــــه‬
‫لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالعاصي‪ ،‬إنا أبعدنا إبليس إذ ل يسجد لك‪ ،‬وأنت ف‬
‫صلب أبيك‪ ،‬فواعجبا كيف صالته وتركتنا! لو كان ف قلبك مبة لبان أثرها على جسدك‪.‬‬

‫ولا ادعيت الب قالت كذبتن * * * ألست أرى العضاء منك كواسيا‬

‫‪85‬‬
‫لو تغذى القلب بالحبة لذهبت عنه بطنة الشهوات‪.‬‬

‫ولو كنت عذري الصبابة ل تكن * * * بطينا وأنساك الوى كثرة الكل‬

‫لو صحت مبتك لستوحشت من ل يذكرك بالبيب‪ .‬واعجبا لن يدعى الحبة ويتاج إل‬
‫من يذكره بحبوبة‪ ،‬فل يذكره إل بذكر‪ .‬أقل ما ف الحبة أنا ل تنسيك تذكر الحبوب‪.‬‬

‫ذكرتك ل أن نسيتك ساعة * * * وأيسر ما ف الذكر ذكر لسان‬

‫إذا سافر الحبوب للقاء مبوبة ركبت جنوده معه‪ ،‬فكان الب ف مقدمة العسكر‪ ،‬والرجاء‬
‫يدو بال طي والشوق ي سوقها والوف يمع ها على الطر يق‪ ،‬فإذا شارف قدوم بلد الو صل‬
‫خرجت تقادم البيب باللقاء‪.‬‬

‫فداو سقما بسم أنت متلفه * * * وأبرد غراما بقلب أنت مضرمه‬

‫ول تكلن على بعد الديار إل * * * صبي الضعيف فصبي أنت تعلمه‬

‫تلق قلب فقد أرسلته عجل * * * إل لقائك والشواق تقدمه‬

‫‪86‬‬
‫فإذا دخل على البيب أفيضت عليه اللع من كل ناحية ليمتحن أيسكن إليها فتكون حظه‪،‬‬
‫أم يكون التفاتــــــه إل مــــــن ألبســــــه إياهــــــا‪.‬‬
‫ملئوا مرا كب القلوب متا عا ل تن فق إل على اللك‪ ،‬فل ما ه بت رياح ال سحر أقل عت تلك‬
‫الراكــــــب‪ ،‬فمــــــا طلع الفجــــــر إل وهــــــي باليناء‪.‬‬
‫قطعوا بادية الوى بأقدام الد‪ ،‬فما كان إل قليل حت قدموا من السفر فأعقبهم الراحة ف‬
‫طريـــق التلقـــي‪ ،‬فدخلوا بلد الوصـــل وقـــد حازوا ربـــح البـــد‪.‬‬

‫فرغ القوم قلوب م من الشوا غل فضر بت في ها سرادقات الح بة‪ ،‬فأقاموا العيون ترس تارة‬
‫وترش أخرى‪.‬‬
‫سرادق الحبة ل يضرب إل ف قاع نزه فارغ‪.‬‬

‫نزه فؤادك من سوانا والقنا * * * فجنابنا حل لكل منه‬

‫الصب طلسم لكن وصالنا * * * من حل ذا الطلسم فاز بكنه‬

‫اعرف قدر مـــــا ضاع وابـــــك بكاء مـــــن يدري مقدار الفائت‪.‬‬
‫لو تيلت قرب الحباب لقمـــــــــت الأتـــــــــ على بعدك‪.‬‬
‫ـــك الخمور‪.‬‬
‫ـــك قلبـ‬
‫ـــحار لفاق منـ‬
‫ـــح السـ‬
‫ـــتنشقت ريـ‬
‫لو اسـ‬
‫من استطال الطريق ضعف مشيه‪:‬‬

‫وما أنت بالشتاق أن قلت بيننا * * * طوال الليال أو بعيد الفاوز‬

‫« الفاوز‪ :‬جعــ مفازة‪ ،‬وهــي الصــحراء والرض القفــر التــ ل ماء فيهــا‪».‬‬

‫‪87‬‬
‫ــه‪.‬‬
‫ــه عزمـ‬
‫ــ عينيـ‬
‫ــى بيـ‬
‫ــم ألقـ‬
‫ــادق إذا هـ‬
‫ــت أن الصـ‬
‫ــا علمـ‬
‫أمـ‬
‫إذا نزل آب فــــــ القلب حــــــل آذار فــــــ العيــــــ‪.‬‬
‫ــــمع اللك‪.‬‬
‫ــــواتم بسـ‬
‫ــــ علموا أن أصـ‬
‫ــــهر الراس لاـ‬
‫هان سـ‬
‫مـــــــن لح له حال الخرة هان عليـــــــه فراق الدنيـــــــا‪.‬‬
‫ـــــف‪.‬‬
‫ـــــي مألوف الكـ‬
‫ـــــيد نسـ‬
‫ـــــق الصـ‬
‫إذا لح للباشـ‬
‫ــــــل‪.‬‬
‫ــــــي القليـ‬
‫ــــــب أجلي بقـ‬
‫ــــــا أقدام الصـ‬
‫يـ‬
‫تذكــــر حلوة الوصــــال يهــــن عليــــك مــــر الجاهدة‪.‬‬
‫قــــد علمــــت أيــــن النل فاحــــد لاــــ تســــر‪.‬‬
‫أعلى المـــم هةـــ مـــن اســـتعد صـــاحبها للقاء البـــيب‪.‬‬
‫وقدم التقادم بيـ يدي اللتقـى فاسـتبشر بالرضـا عنـد القدوم‪ « ،‬وقدموا لنفسـكم» ‪.‬‬
‫النة ترضى منك بأداء الفرائض‪ ،‬والنار تندفع عنك بترك العاصي‪ ،‬والحبة ل تقنع منك إل‬
‫ببذل الروح‪.‬‬
‫ل مـــا أحلى زمانـــا تســـعى فيـــه أقدام الطاعـــة على أرض الشتياق‪.‬‬
‫لاـ سـلم القوم النفوس إل رائض الشرع علمهـا الوفاق فـ خلف الطبـع فاسـتقامت مـع‬
‫الطاعة كيف دارت دارت معها‪.‬‬

‫وإن إذا اصطكت رقاب مطيهم * * * وثور حاد بالرفاق عجول‬

‫أخالف بي الراحتي على الشا * * * وأنظر أن ملثم فأميل‬

‫‪88‬‬
‫فصل‬
‫عل مت كل بك ف هو يترك شهو ته ف تناول ما صاده احترا ما لنعم تك وخو فا من سطوتك‪.‬‬
‫وكــــــم علمــــــك معلم الشرع وأنــــــت ل تقبــــــل‪.‬‬
‫حرم صـيد الاهـل والمسـك لنفسـه‪ ،‬فمـا ظـن الاهـل الذي أعماله لوى نفسـه‪.‬‬
‫ج ع ف يك ع قل اللك وشهوة البهي مة وهوى الشيطان وأ نت للغالب عل يك من الثل ثة‪ :‬إن‬
‫غلبت شهوتك وهواك زدت على مرتبة ملك‪ ،‬وإن غلبك هواك وشهوتك نقصت عن مرتبة‬
‫كلب‪.‬‬
‫لاـ صـاد الكلب لربـه أبيـح صـيده‪ ،‬ولاـ أمسـك على نفسـه حرم مـا صـاده‪.‬‬
‫مصدر ما ف العبد من الي والشر والصفات المدوحة والذمومة من صفة العطي الانع‪.‬‬
‫فهو سبحانه يصرف عباده بي مقتضى هذين السي‪ ،‬فحظ العبد الصادق من عبوديته بما‬
‫الشكر عند العطاء‪ ،‬والفتقار عند النع‪ ،‬فهو سبحانه يعطيه ليشكره‪ ،‬وينعه ليفتقر إليه‪ ،‬فل‬
‫يزال شكورا فقيا‪.‬‬

‫وكان الكافر على ربه ظهيا‬


‫قوله تعال‪« :‬وكان الكافـر على ربـه ظهيا» سـورة الفرقان‪ ،‬اليـة ‪ ،55‬هذا مـن ألطـف‬
‫خطاب القرآن وأشرف معان يه‪ ،‬وأن الؤ من دائ ما مع ال على نف سه وهواه وشيطا نه وعدو‬
‫ربه‪.‬وهذا معن كونه من حزب ال وجنده وأوليائه‪ ،‬فهو مع ال على عدوه الداخل فيه على‬
‫حرب أعدائه‪ ،‬يارب م ويعادي هم ويغضب هم له سبحانه‪ .‬ك ما يكون خواص اللك م عه على‬
‫حرب أعدائه‪ ،‬والبعيدون منه فارغون من ذلك‪ ،‬غي مهتمي به‪ ،‬والكافر مع شيطانه ونفسه‬
‫وهواه على ربـــــــــه‪ .‬وعبارات الســـــــــلف على هذا تدور‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫ذ كر ا بن أ ب حا ت عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبي قال‪ :‬عو نا للشيطان على ر به‬
‫بالعداوة والشرك‪ .‬وقال ليث عن ماهد قال‪ :‬يظاهر الشيطان على معصية ال يعينه عليها‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم‪« :‬ظهيا» أي مواليا‪ .‬والعن‪ :‬أنه يوال عدوه على معصيته والشرك به‪،‬‬
‫فيكون مـــــع عدوه معينـــــا له على مســـــاخط ربـــــه‪.‬‬

‫فالعية الاصة الت للمؤمن مع ربه وإله قد صارت لذا الكافر والفاجر الشيطان ومع نفسه‬
‫وهواه وقربانه‪ ،‬ولذا صدر الية بقوله‪« :‬ويعبدون من دون ال ما ل ينفعهم ول يضرهم»‬
‫سـورة الفرقان‪ ،‬اليـة ‪ ،55‬وهذه العبادة هـي الوالة والحبـة والرضـا بعبوديهـم التضمنـة‬
‫لعيتهم الاصة‪ ،‬فظاهروا أعداء ال على معاداته ومالفته و مساخطه‪ ،‬بلف وليه سبحانه‪،‬‬
‫فإ نه م عه على نف سه وشيطا نه وهواه‪ .‬وهذا الع ن من كنوز القرآن ل ن فه مه وعقله‪ ،‬وبال‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــق‪.‬‬
‫التوفيـ‬

‫والذين إذا ذكروا بآيات ربم‬


‫قوله تعال‪« :‬والذ ين إذا ذكروا بآيات رب م ل يروا علي ها صما وعميا نا » سورة الفرقان‬
‫الية ‪ 73‬قال مقاتل‪ :‬إذا وعظوا بالقرآن ل يقعوا عليه صما ل يسمعوه‪ ،‬وعميانا ل يبصروه‪،‬‬
‫ولكن هم سعوا وأب صروا وأيقنوا به‪ .‬وقال ا بن عباس‪ :‬ل يكونوا علي ها صما وعميا نا‪ ،‬بل‬
‫كانوا خائفيـ خاشعيـ‪ .‬وقال الكلبـ‪ :‬يرون عليهـا سـعا وبصـَرا‪ .‬وقال الفراء‪ :‬وإذا تلي‬
‫عليهم القرآن ل يقعدوا على حالم الول كأنم ل يسمعوه‪ ،‬فذلك الرور‪ .‬وسعت العرب‬
‫تقول‪ :‬قعد يشتمن ؛كقولك‪ :‬قام يشتمن‪ ،‬وأقبل يشتمن‪ ،‬والعن على ما ذكر‪ :‬ل يصيوا‬

‫‪90‬‬
‫عند ها صما وعميا نا‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬الع ن‪ :‬إذا تل يت علي هم خروا سجدا وبك يا سامعي‬
‫مبصرين كما أمروا به‪ .‬وقال ابن قتيبة‪ :‬أي ل يتغافلوا عنها كأنم صم ل يسمعوها وعمي ل‬
‫يروهــــــــــــــــــــــــــــــــــــا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ههنا أمران‪ :‬ذكر الرور وتسليط النفي عليه‪ ،‬وهل هو خرور القلب أو خرور البدن‬
‫للسجود؟ وهل العن‪ :‬ل يكن خرورهم عن صمم وعمه فلهم عليها خرور بالقلب خضوعا‬
‫أو بالبدن ســـجودا‪ ،‬أو ليـــس هناك خرور وعـــب بـــه عـــن القعود‪.‬‬

‫أصول العاصي‬
‫أصول العاصي كلها‪ ،‬كبارها وصغارها‪ ،‬ثلثة‪ :‬تعلق القلب بغي ال‪ ،‬وطاعة القوة الغضبية‪،‬‬
‫والقوة الشهوان ية‪ ،‬و هي الشرك والظلم والفوا حش‪ ،‬فغا ية التعلق بغ ي ال شرك وأن يد عى‬
‫معه إله آخر‪ .‬وغاية طاعة القوة الغضبية القتل‪ .‬وغاية طاعة القوة الشهوانية الزنا‪ .‬ولذا جع‬
‫ال سـبحانه وتعال بيـ الثلثـة فـ قوله‪« :‬والذيـن ل يدعون مـع ال إلاـ آخـر ول يقتلون‬
‫النفـس التـ حرم ال إل بالقـ ول يزنون» سـورة الفرقان اليـة ‪.68‬وهذه الثلثـة يدعـو‬
‫بعضها إل بعض‪ ،‬فالشرك يدعو إل الظلم والفواحش‪ .‬كما أن الخلص والتوحيد يصرفها‬
‫عن صاحبه‪ ،‬قال تعال‪« :‬كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا الخلصي »‬
‫يوسف‪.24:‬فالسوء‪ :‬العشق‪ ،‬والفحشاء‪ :‬الزنا‪ .‬وكذلك الظلم يدعو إل الشرك والفاحشة‪،‬‬
‫فإن الشرك أظلم الظلم‪ ،‬كما أن أعدل العدل التوحيد‪ .‬فالعدل قرين التوحيد‪ ،‬والظلم قرين‬
‫الشرك‪ ،‬ولذا يمـع سـبحانه بينهمـا‪ ،‬أمـا الول‪ ،‬ففـي قوله‪ « :‬شهـد ال أنـه ل إله إل هو‬
‫واللئكـة وأولوا العلم قائمـا بالقسـط» آل عمران‪.18:‬وأمـا الثانـ فكقوله تعال‪ « :‬إن‬
‫الشرك لظلم عظ يم» ‪ .‬والفاح شة تد عو إل الشرك والظلم‪ ،‬ول سيما إذا قو يت إرادت ا ول‬

‫‪91‬‬
‫تصــــل إل بنوع مــــن الظلم والســــتعانة بالســــحر والشيطان‪.‬‬

‫وقد جع سبحانه بي الزنا والشرك ف قوله‪ « :‬الزان ل ينكح إل زانية أو مشركة والزانية‬
‫ل ينكحهــا إل زان أو مشرك وحرم ذلك على الؤمنيــ» ســورة النور‪ ،‬اليــة ‪.3‬‬
‫فهذه الثل ثة ي ر بعض ها إل ب عض ويأ مر بعض ها بب عض‪ .‬ولذا كل ما كان القلب أض عف‬
‫توحيدا وأعظــم شركا كان أكثــر فاحشــة وأعظــم تعلقا بالصــور وعشقا لاــ‪.‬‬

‫ونظ ي هذا قوله تعال «ف ما أوتي تم من ش يء فمتاع الياة الدن يا و ما ع ند ال خ ي وأب قى‬
‫الذين آمنوا وعلى ربم يتوكلون‪ .‬والذين يتنبون كبائر الث والفواحش وإذا ما غضبوا هم‬
‫يغفرون» الشورى‪.36،37 :‬فأ خب أن ما عنده خ ي ل ن آ من به وتو كل عل يه‪ ،‬وهذا هو‬
‫التوح يد‪ ،‬ث قال‪« :‬والذ ين يتنبون كبائر ال ث والفوا حش » الشورى‪،37 :‬فهذا اجتناب‬
‫ـم يغفرون» الشورى‪.37 :‬‬
‫ـا غضبوا هـ‬
‫ـ قال‪ « :‬وإذا مـ‬
‫ـة‪ .‬ثـ‬
‫ـي القوة الشهوانيـ‬
‫داعـ‬
‫فهذا مال فة القوة الغضب ية‪ ،‬فج مع ب ي التوح يد والع فة والعدل ال ت هي جاع ال ي كله‪.‬‬

‫أنواع هجر القرآن والرج منه‬


‫هجـــــــــــــــــــــــــــــــر القرآن أنواع‪:‬‬
‫« أحدهـــا‪ »:‬هجـــر ســـاعه واليان بـــه والصـــغاء إليـــه‪.‬‬
‫«والثانـ‪ »:‬هجـر العمـل بـه والوقوف عنـد حلله وحرامـه وإن قرأه وآمـن بـه‪.‬‬
‫« والثالث‪ »:‬هجر تكيمه والتحاكم إليه ف أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه ل يفيد اليقي‬
‫وأن أدلتـــــــــه لفظيـــــــــة ل تصـــــــــل العلم‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫« والرابع‪ »:‬هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد التكلم به منه‪ .‬والامس‪ :‬هجر الستشفاء‬
‫و التداوي به ف جيع أمراض القلوب وأدوائها‪ ،‬فيطلب شفاء دائه من غيه ويهجر التداوي‬
‫به‪ ،‬وكل هذا داخل ف قوله‪ « :‬وقال الرسول يا رب إن قومي اتذوا هذا القرآن مهجورا‬
‫» ســورة الفرقان‪ ،‬اليــة ‪.30‬وإن كان بعــض الجــر أهون مــن بعــض‪.‬‬

‫وكذلك الرج الذي ف الصدور منه‪ ،‬فإنه تارة يكون حرجا من إنزاله وكونه حقا من عند‬
‫ال‪ .‬وتارة يكون من جهة التكلم به أو كونه ملوقا من بعض ملوقاته ألم غيه إن تكلم به‪،‬‬
‫وتارة يكون مـن جهـة كفايتـه وعدمهـا وأنـه ل يكفـي العباد‪ ،‬بـل هـم متاجون معـه إل‬
‫العقولت و القيسـة أو الراء أو السـياسات‪ .‬وتارة يكون مـن جهـة دللتـه ومـا أريـد بـه‬
‫حقائ قه الفهو مة م نه ع ند الطاب‪ ،‬أو أر يد به تأويل ها وإخراج ها عن حقائق ها إل تأويلت‬
‫مستكرهة مشتركة‪ .‬وتارة يكون من جهة كون تلك القائق وإن كانت مرادة‪ ،‬فهي ثابتة ف‬
‫نفـــس المـــر أو أوهـــم أناـــ مرادة لضرب مـــن الصـــلحة‪.‬‬

‫ف كل هؤلء ف صدورهم حرج من القرآن‪ ،‬و هم يعلمون ذلك من نفو سهم ويدو نه ف‬
‫صدورهم‪ .‬ول تد مبتدعا ف دينه قط إل وف قلبه حرج من اليات الت تالف بدعته كما‬
‫أنك ل تد ظالا فاجرا إل وف صدره حرج من اليات الت تول بينه وب ي إرادته‪ .‬فتدبر‬
‫هذا العنــــــ ثــــــ ارض لنفســــــك باــــــ تشاء‪.‬‬

‫كمال النفس‬
‫كمال النفــــــس الطلوب مــــــا تضمــــــن أمريــــــن‪:‬‬
‫«أحدهاـــ‪ »:‬أن يصـــي هيئة راســـخة وصـــفة لزمـــة لاـــ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫«الثا ن‪ »:‬أن يكون صفة كمال ف نفسه‪ .‬فإذا ل ي كن كذلك ل ي كن كمال‪ ،‬فل يل يق ب ن‬
‫ي سعى ف كمال نف سه الناف سة عل يه ول ال سف على فو ته‪ ،‬وذلك ل يس إل معر فة بارئ ها‬
‫وفاطر ها و معبود ها وإل ها ال ق الذي ل صلح ل ا ول نع يم ول لذة إل بعرف ته وإرادة‬
‫وج هه و سلوك الطر يق الو صلة إل يه وإل رضاه وكرام ته‪ .‬وأن تعتاد ذلك في صي ل ا هيئة‬
‫را سخة لز مة‪ .‬و ما عدا ذلك من العلوم والرادات والعمال ف هي ب ي ما ل ينفع ها ول‬
‫يكملها وما يعود بضرر ها ونق صها وألها‪ ،‬ول سيما إذا صار هيئة را سخة لا‪ ،‬فإنا تعذب‬
‫وتتأل بـــــــه بســـــــب لزومـــــــه لاـــــــ‪.‬‬
‫وأ ما الفضائل النف صلة عن ها كالل بس والرا كب وال ساكن والاه والال فتلك ف القي قة‬
‫عوار أعيتا مدة‪ ،‬ث يرجع فيها العي‪ ،‬فتتأل وتتعذب برجوعه فيها بسب تعلقها با‪ ،‬ول‬
‫سيما إذا كا نت هي غا ية كمال ا‪ ،‬فإذا سلبتها أحضرت أع ظم الن قص والل وال سرة‪.‬‬

‫فليتدبر من ير يد سعادة نف سه ولذت ا هذه النك تة‪ ،‬فأك ثر هذا اللق إن ا ي سعون ف حرمان‬
‫نفو سهم وأل ها وح سرتا ونق صها من ح يث يظنون أن م يريدون سعادتا ونعيم ها‪ .‬فلذت ا‬
‫بسب ما حصل لا من تلك العرفة والحبة والسلوك‪ .‬وألها وحسرتا بسب ما فاتا من‬
‫ذلك‪ .‬ومت عدم ذلك وخل منه ل يبق فيه إل القوى البدنية النفسانية الت با يأكل ويشرب‬
‫وينكح ويغضب وينال سائر لذاته ومرافق حياته‪ .‬ول يلحقه من جهتها شرف ول فضيلة‪،‬‬
‫بل خ ساسة ومنق صة؛ إذ كان إن ا ينا سب بتلك القوى البهائم ويت صل بن سها ويد خل ف‬
‫جلتها ويصي كأحدها‪ .‬وربا زادت ف تناولا عليه واختصت دونه بسلمة عاقبتها والمن‬
‫من جلب الضرر عليها‪ .‬فكمالٌ تشاركك فيه البهائم وتزيد عليك وتتص عنك فيه بسلمة‬
‫العاقبـة حقيـق أن تجره إل الكمال القيقـي الذي ل كمال سـواه‪ ،‬وبال التوفيـق‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫ثواب النشغال بال‬
‫إذا أصبح العبد وأمسى وليس هه إل ال وحده تمل ال سبحانه حوائجه كلها‪ ،‬وحل عنه‬
‫كل ما أه ه‪ ،‬وفرغ قل به لحب ته‪ ،‬ول سانه لذكره‪ ،‬وجوار حه لطاع ته‪ ،‬وإن أ صبح وأم سى‬
‫والدن يا ه ه حله ال هوم ها و غموم ها و أنكاد ها‪ ،‬ووكله إل نف سه‪ ،‬فش غل قل به عن مب ته‬
‫بح بة اللق‪ ،‬ول سانه عن ذكره بذكر هم‪ ،‬وجوار حه عن طاع ته بدمت هم وأشغال م‪ ،‬ف هو‬
‫يكدح كدح الوحش ف خدمة غيه كالكي ينفخ بطنه ويعصر أضلعه ف نفع غيه‪ .‬فكل‬
‫من أعرض عن عبودية ال وطاعته ومبته بلي بعبودية الخلوق ومبته وخدمته‪ .‬قال تعال‪« :‬‬
‫ومــن يعــش عــن ذكــر الرحنــ نقيــض له شيطانــا فهــو له قريــن» ‪.‬‬
‫قال سفيان بن عيينة‪ :‬ل تأتون بثل مشهور للعرب إل جئتكم به من القرآن‪ .‬فقال له قائل‪:‬‬
‫فأين ف القرآن « أعط أخاك ترة فإن ل يق بل فأعطه جرة؟ » فقال ف قوله‪ « :‬ومن يعش‬
‫عــــن ذكــــر الرحنــــ نقيــــض له شيطانــــا ‪ » ...‬اليــــة‪.‬‬

‫أقسام العلوم‬
‫العلم‪ :‬نقـــل صـــورة العلوم مـــن الارج وإثباتاـــ فـــ النفـــس‪.‬‬
‫والعمل‪ :‬نقل صورة علمية من النفس وإثباتا ف الارج‪ .‬فإن كان الثابت ف النفس مطابقا‬
‫للحقي قة ف نف سها ف هو علم صحيح‪ .‬وكثيا ما يث بت ويتراءى ف الن فس صور ل يس ل ا‬
‫وجود حقيقي‪ ،‬فيظنها الذي قد أثبتها ف نفسه علما‪ ،‬وإنا هي مقدرة ل حقيقة لا‪ .‬وأكثر‬
‫علوم الناس مـن هذا الباب‪ .‬ومـا كان منهـا مطابقـا للحقيقيـة فـ الارج فهـو نوعان‪ :‬نوع‬
‫تكمل النفس بإداركه والعلم به‪ ،‬وكان النب صلى ال عليه وسلم يستعيذ بال من علم ل‬

‫‪95‬‬
‫ينفع‪ .‬وهذا حال أكثر العلوم الصحيحة الطابقة الت ل يضر الهل با شيئا‪ ،‬كالعلم بالفلك‬
‫ودقائقه ودرجاته‪ ،‬وعدد الكواكب ومقاديرها‪ .‬والعلم بعدد البال وألوانا ومساحاتا ونو‬
‫ذلك‪.‬‬

‫فشرف العلم ب سب شرف معلو مه وشدة الا جة إل يه‪ .‬ول يس ذلك إل العلم بال وتوا بع‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وأما العلم فآفته عدم مطابقته لراد ال الدين الذي يبه ال ويرضاه‪ ،‬وذلك يكون من فساد‬
‫العلم تارة ومن فساد الرادة تارة‪ .‬ففساده من جهة العلم أن يعتقد أن هذا مشروع مبوب‬
‫ل وليس كذلك‪ ،‬أو يعتقد أنه يقربه إل ال وإن ل يكن مشروعا‪ ،‬فيظن أنه يتقرب إل ال‬
‫بذا العمــــــــــــل‪ ،‬وإن ل يعلم إنــــــــــــه مشروع‪.‬‬
‫وأ ما ف ساده من ج هة الق صد فأل يق صد به و جه ال والدار الخرة‪ ،‬بل يق صد به الدن يا‬
‫واللق‪.‬‬
‫وهاتان الفتان ف العلم والعمل ل سبيل إل السلمة منهما إل بعرفة ما جاء به الرسول ف‬
‫باب العلم والعر فة وإرادة و جه ال والدار الخرة ف باب الق صد والرادة‪ .‬فم ت خل من‬
‫هذه العرفـــــة وهذه الرادة فســـــد علمـــــه وعلمـــــه‪.‬‬

‫واليان واليقي يورثان صحة العرفة وصحة الرادة‪ ،‬وها يورثان اليان ويدانه‪ .‬ومن هنا‬
‫ي تبي انراف أك ثر الناس عن اليان لنراف هم عن صحة العر فة و صحة الرادة‪ ،‬ول ي تم‬
‫اليان إل بتلقـي العرفـة مـن مشكاة النبوة ‪ ،‬وتريـد الرادة عـن شوائب الوى وإرادة‬
‫اللق ‪ ،‬فيكون عل مه مقتب سا من مشكاة النبوة ‪ ،‬وتر يد الرادة عن شوائب الوى وإرادة‬
‫اللق ‪ ،‬فيكون عل مه مقتب سا من مشكاة الو حي ‪ ،‬وإراد ته ل والدار الخرة ‪ ،‬فهذا أ صح‬
‫الناس عل ما وعمل و هو من الئ مة الذ ين يهدون بأ مر ال و من خلفاء ر سوله ف أم ته‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫ظاهر اليان وباطنه‬
‫اليان له ظاهـر وباطـن‪ ،‬وظاهره قول اللسـان وعمـل الوارح‪ ،‬وباطنـه تصـديق القلب‬
‫وانقياده ومبته‪ .‬فل ينفع ظاهر ل باطن له وإن حقن به الدماء وعصم به الال والذرية‪ ،‬ول‬
‫يزئ باطن ل ظاهر له إل إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلك‪ .‬فتخلف العمل ظاهرا مع‬
‫عدم الانع دليل على فساد الباطن وخلوه من اليان‪ ،‬ونقصه دليل نقصه‪ ،‬وقوته دليل قوته‪.‬‬

‫فاليان قلب السـلم ولبـه‪ .‬واليقيـ قلب اليان ولبـه‪ .‬وكـل علم وعمـل ل يزيـد اليان‬
‫واليقيـــ قوة فمدخول‪ ،‬وكـــل إيان ل يبعـــث على العمـــل فمدخول‪.‬‬

‫التوكل على ال‬


‫التوكـــــــــــــــــــــــــــــل على ال نوعان‪:‬‬
‫«أحدهاـ‪ »:‬توكـل عليـه فـ جلب حوائج العبـد وحظوظـه الدنيويـة‪ ،‬أو دفـع مكروهاتـه‬
‫ومصائبه الدنيوية‪« .‬والثان‪ »:‬التوكل عليه ف حصول ما يبه هو ويرضاه من اليان واليقي‬
‫والهاد والدعوة إليه‪ .‬وبي النوعي من الفضل ما ل يصيه إل ال‪ .‬فمت توكل عليه العبد‬
‫ف النوع الثان حق توكله كفاه النوع الول تام الكفاية‪ .‬ومت توكل عليه ف النوع الول‬
‫ـه ويرضاه‪.‬‬
‫ـا يبـ‬
‫ـل فيمـ‬
‫ـة التوكـ‬
‫ـن ل يكون له عاقبـ‬
‫ـا‪ ،‬لكـ‬
‫دون الثان ـ كفاه أيضـ‬
‫فأعظم التوكل عليه التوكل ف الداية وتريد التوحيد ومتابعة الرسول وجهاد أهل الباطل‪،‬‬
‫فهذا توكــــــل الرســــــل وخاصــــــة أتباعهــــــم‪.‬‬

‫والتوكل تارة يكون تو كل اضطرار وإلاء‪ ،‬ب يث ل ي د الع بد ملجأ ول وزرا إل التو كل‪،‬‬

‫‪97‬‬
‫كما إذا ضاقت عليه السباب وضاقت عليه نفسه وظن أل ملجأ من ال إل إليه‪ ،‬وهذا ل‬
‫يتخلف عنـه الفرج والتيسـي ألبتـة‪ .‬وتارة يكون توكـل اختيار‪ ،‬وذلك التوكـل مـع وجود‬
‫السبب الفضي إل الراد‪ ،‬فإن كان السبب مأمورا به ذم على تركه‪ .‬وإن قام بالسبب وترك‬
‫التو كل ذم على تر كه أي ضا‪ ،‬فإ نه وا جب باتفاق ال مة و نص القرآن‪ ،‬والوا جب القيام ب ما‬
‫والمع بينهما‪ .‬وإن كان السبب مرما حرم عليه مباشرته وتوحد السبب ف حقه ف التوكل‬
‫فلم يبق سبب سواه‪ ،‬فإن التوكل من أقوى السباب ف حصول الراد ودفع الكروه‪ ،‬بل من‬
‫أقوى السباب على الطلق‪ .‬وإن كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل‬
‫أو ل يضع فه؟ فإن أضع فه وفرق عل يك وش تت ه ك فتر كه أول‪ ،‬وإن ل يضع فه فمباشر ته‬
‫أول؛ لن حكمة أحكم الاكمي اقتضت ربط السبب به فل تعطل حكمته مهما أمكنك‬
‫القيام ب ا‪ ،‬ول سيما إذا فعل ته عبود ية‪ ،‬فتكون قد أت يت بعبود ية القلب بالتو كل وعبود ية‬
‫الوارح بال سبب النوي به القر بة‪ .‬والذي ي قق التو كل القيام بال سباب الأمور ب ا‪ ،‬ف من‬
‫عطلها ل يصح توكله كما أن القيام بالسباب الفضية إل حصول الي يقق رجاءه‪ ،‬فمن ل‬
‫يقـم باـ كان رجاؤه تنيـا‪ ،‬كمـا أن مـن عطلهـا يكون توكله عجزا وعجزه توكل‪.‬‬

‫و سر التوكـل وحقيقتـه هو اعتماد القلب على ال وحده‪ ،‬فل يضره مباشرة ال سباب مـع‬
‫خلو القلب من العتماد علي ها والركون إلي ها‪ ،‬ك ما ل ينف عه قوله‪ :‬توكلت على ال‪ ،‬مع‬
‫اعتماده على غيه وركونه إليه وثقته به‪ ،‬فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء‪ ،‬كما أن‬
‫توبة اللسان مع إصرار القلب شيء‪ ،‬وتوبة القلب وإن ل ينطق اللسان شيء‪ .‬فقول العبد‪:‬‬
‫توكلت على ال‪ ،‬مـع اعتماد قلبـه على غيه‪ ،‬مثـل قوله‪ :‬تبـت إل ال‪ ،‬وهـو مصـر على‬
‫ــــــــــ‪.‬‬
‫معصــــــــــيته مرتكــــــــــب لاـ‬

‫شكوى الاهل‬
‫‪98‬‬
‫الاهل يش كو ال إل الناس‪ ،‬وهذا غاية الهل بالش كو والش كو إليه فإنه لو عرف ربه لا‬
‫شكاه‪ ،‬ولو عرف الناس ل ا ش كا إلي هم‪ .‬ورأى ب عض ال سلف رجل يش كو إل ر جل فاق ته‬
‫وضرورته‪ ،‬فقال‪ :‬يا هذا‪ ،‬وال ما زدت على أن شكوت من يرحك إل من ل يرحك‪ ،‬وف‬
‫ذلك قيل‪:‬‬

‫وإذا شكوت إل ابن آدم إنا * * * تشكو الرحيم إل الذي ل يرحم‬

‫والعارف إنا يشكو إل ال‪ ،‬وأعرف العارفي من جعل شكواه إل ال من نفسه ل من الناس‬
‫‪،‬ف هو يش كو من موجبات ت سليط الناس عل يه‪ ،‬نا ظر إل قول ال تعال‪« :‬و ما أ صابكم من‬
‫م صيبة فب ما ك سبت أيدي كم» سورة الشورى‪ ،‬ال ية ‪ ،30‬وقوله «و ما أ صابكم من سيئة‬
‫فمن نفسك» النساء‪ ،79 :‬وقوله‪« :‬أو لا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أن هذا‬
‫قل هو من عند أنفسكم» آل عمران‪ 165 :‬فالراتب ثلثة ‪:‬أخسها أن تشكو ال إل خلقه‪،‬‬
‫وأعلهــا أن يشكــو نفســك إليــه‪ ،‬وأوســطها أن تشكــو خلقــه إليــه‪.‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللرسول‬


‫قال ال تعال‪« :‬يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللرسول إذا دعاكم لا يييكم واعلموا أن‬
‫ال يول بيـ الرء وقلبـه وأنـه إليـه تشرون» النفال‪ 24 :‬فتضمنـت هذه اليـة أمورا‪:‬‬
‫« أحدها ‪ »:‬ن الياة النافعة إنا تصل بالستجابة ل ورسوله‪ ،‬فمن ل تصل له الستجابة‬
‫فل حياة له‪ ،‬وإن كا نت له حياة بيم ية مشتر كة بي نه وب ي أرذل اليوانات ‪.‬فالياة الطي بة‬
‫هي حياة من ا ستجاب ل والر سول ظاهرا وباط نا ‪.‬فهؤلء هم الحياء وإن ماتوا‪،‬وغي هم‬

‫‪99‬‬
‫أموات وإن كانوا أحياء البدان‪.‬ولذا كان أكمـل الناس حياة أكملهـم اسـتجابة لدعوة‬
‫الرسول‪،‬فإن كل ما دعا إليه ففيه الياة‪ ،‬فمن فاته جزء منه فاته جزء من الياة ‪،‬وفيه من‬
‫الياة بســــــب مــــــا اســــــتجاب للرســــــول‪.‬‬

‫قال ماهد ‪« :‬لا يييكم» يعن للحق‪ .‬وقال قتادة‪:‬هو هذا القرآن فيه الياة والثقة والنجاة‬
‫والعصمة ف الدنيا والخرة‪ .‬وقال السدي‪ :‬هو السلم أحياهم به بعد موتم بالكفر ‪ .‬وقال‬
‫ابن إسحق وعروة بن الزبي‪ :‬واللفظ له «لا يييكم» يعن للحرب الت أعزكم ال با بعد‬
‫الذل‪،‬وقوا كم ب عد الض عف ‪ ،‬ومنع كم ب ا من عدو كم ب عد الق هر من هم ل كم‪ .‬و كل هذه‬
‫عبارات عـن حقيقـة واحدة وهـي القيام باـ جاء بـه الرسـول ظاهرا وباطنـا‪ .‬قال الواحدي‬
‫والكثرون على أن معن قوله «لا يييكم» هو الهاد ‪،‬وهو قول ابن إسحق واختيار أكثر‬
‫أهل العان ‪.‬قال الفراء‪ :‬إذا دعاكم إل إحياء أمركم بهاد عدوكم يريد أن أمرهم إنا يقوى‬
‫بالرب والهاد ‪،‬فلو تركوا الهاد ضعــف أمرهــم واجترأ عليهــم عدوهــم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬الهاد مـن أعظـم مـا يييهـم بـه فـ الدنيـا وفـ البزخ وفـ الخرة ‪:‬‬
‫أ ما ف الدن يا فإن قوت م وقهر هم لعدو هم بالهاد ‪.‬وأ ما ف البزخ ف قد قال تعال‪« :‬ول‬
‫ت سب الذ ين قتلوا ف سبيل ال أموا تا بل أحياء ع ند رب م يرزقون» آل عمران‪.169 :‬‬
‫وأما ف الخرة فإن حظ الجاهدين والشهداء من حياتم ونعيمها أعظم من حظ غيهم‪.‬‬
‫ولذا قال ابن قتيبة ‪« :‬لا يييكم» يعن الشهادة‪ .‬وقال بعض الفسرين‪« :‬لا يييكم» يعن‬
‫النـــة‪ .‬فإناـــ الياة الدائمـــة الطيبـــة ‪.‬حكاه أبـــو علي الرجانـــ‪.‬‬

‫وال ية تتناول هذا كله‪ ،‬فإن اليان وال سلم والقرآن والهاد ت يي القلوب الياة الطي بة‪.‬‬
‫وكمال الياة ف ال نة‪ ،‬والر سول داع إل اليان وإل ال نة‪ ،‬ف هو داع إل الياة ف الدن يا‬
‫والخرة‪ .‬والن سان مض طر إل نوع ي من الياة‪ :‬حياة بد نه ال ت ب ا يدرك النا فع والضار‬
‫ويؤ ثر ما ينف عه على ما يضره‪ .‬وم ت نق صت ف يه هذه الياة ناله من الل والض عف ب سب‬
‫ذلك‪ .‬ولذلك كا نت حياة الر يض والحزون و صاحب ال م وال غم والوف والف قر والذل‬
‫دون حياة من هو معاف من ذلك‪.‬وحياة قلبه وروحه الت با ييز بي الق والباطل والغي‬

‫‪100‬‬
‫والرشاد والوى والضلل‪ ،‬فيختار الق على ضده‪ .‬فتفيده هذه الياة قوة التمييز بي النافع‬
‫والضار فـ العلوم والرادات والعمال‪ .‬وتفيده قوة اليان والرادة والبـ للحـق‪ ،‬وقوة‬
‫البغض والكراهة للباطل‪ .‬فشعوره وتييزه وحبه ونفرته بسب نصيبه من هذه الياة‪ ،‬كما‬
‫أن البدن الي يكون شعوره وإحساسه بالنافع والؤل أت‪ ،‬ويكون ميله إل النافع ونفرته عن‬
‫الؤل أعظـم‪ .‬فهذا بسـب حياة البدن‪ ،‬وذاك بسـب حياة القلب‪ .‬فإذا بطلت حياتـه بطـل‬
‫تييزه‪ .‬وإن كان له نوع تييــز ل يكــن فيــه قوة يؤثــر باــ النافــع على الضار‪.‬‬
‫ك ما أن الن سان ل حياة له ح ت ين فخ ف يه اللك‪ ،‬الذي هو ر سول ال‪ ،‬من رو حه ‪،‬في صي‬
‫ــــن جلة الموات‪.‬‬
‫ــــل ذلك مـ‬
‫ــــخ‪ ،‬وكان قبـ‬
‫ــــا بذلك النفـ‬
‫حيـ‬

‫وكذلك ل حياة لروحه وقلبه حت ينفخ فيه الرسول صلى ال عليه وسلم من الروح الذي‬
‫ألقي إليه‪ ،‬قال تعال «ينل اللئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده» النحل‪،2 :‬‬
‫وقال‪« :‬يلقـي الروح مـن أمره على مـن يشاء مـن عباده» غافـر‪ ،15 :‬وقال‪« :‬وكذلك‬
‫أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليان ولكن جعلناه نورا ندي‬
‫بـه مـن نشاء مـن عبادنـا» الشورى‪ 52 :‬فأخـب أن وحيـه روح ونور ‪،‬فالياة والسـتنارة‬
‫موقوفة على نفخ الرسول اللكي‪ ،‬فمن أصابه نفخ الرسول اللكي ونفخ الرسول البشري‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــلت له الياتان‪.‬‬
‫حصـ‬
‫و من ح صل له ن فخ اللك دون ن فخ الر سول ح صلت له إحدى اليات ي وفات ته الخرى‪.‬‬

‫وقال تعال‪« :‬أومـن كان ميتا فأحييناه وجعلنـا له نورا يشـي بـه فـ الناس كمـن مثله فـ‬
‫الظلمات ليس بارج منها» النعام‪ ، 122 :‬فجمع له بي النور والياة كما جع لن أعرض‬
‫عن كتا به ب ي الوت والظل مة‪ .‬قال ا بن عباس وج يع الف سرين‪ :‬كان كافرا ضالّ فهديناه‪.‬‬

‫وقوله‪« :‬وجعلنــا له نورا يشــي بــه فــ الناس» النعام‪ 122 :‬يتضمــن أمورا‪:‬‬
‫«أحدها‪ »:‬أنه يشي ف الناس بالنور وهم ف الظلمة‪ ،‬فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم‬
‫الليل فضلوا ول يهتدوا للطريق‪ ،‬وآخر معه نور يشي به ف الطريق ويراها ويرى ما يذره‬
‫فيهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫ـم إل النور‪.‬‬
‫ـه لاجتهـ‬
‫ـون منـ‬
‫ـم يقتبسـ‬
‫ـم بنوره فهـ‬
‫ـي فيهـ‬
‫ـه يشـ‬
‫ـا‪ » :‬أنـ‬
‫«ثانيهـ‬
‫«ثالثها‪ » :‬أنه يشي بنوره يوم القيامة على الصراط إذا بقي أهل الشرك والنفاق ف ظلمات‬
‫شركهــــــــــــــــم ونفاقهــــــــــــــــم‪.‬‬

‫قوله‪« :‬واعلموا أن ال يول بيـ الرء وقلبـه» اليـة‪ 24 :‬مـن سـورة النفال الشهور فـ‬
‫الية أنه يول بي الؤمن وبي الكفر‪ ،‬وبي الكافر وبي اليان‪ ،‬ويول بي أهل طاعته وبي‬
‫معصـيته‪ ،‬وبيـ أهـل معصـيته وبيـ طاعتـه‪ ،‬وهذا قول ابـن عباس وجهور الفسـرين‪.‬‬

‫وف الية قول آخر‪ :‬أن العن‪ :‬أنه سبحانه قريب من قلبه ل تفى عليه خافية فهو بينه وبي‬
‫قلبه‪ ،‬ذكره الواحدي عن قتادة‪ ،‬وكان هذا أنسب بالسياق؛ لن الستجابة أصلها بالقلب‪،‬‬
‫فل تن فع ال ستجابة بالبدن دون القلب‪ ،‬فإن ال سبحانه ب ي الع بد وب ي قل به‪ ،‬فيعلم هل‬
‫اســـتجاب له قلبـــه وهـــل أضمـــر ذلك أو أضمـــر خلفـــه؟‬

‫وعلى القول الول فوجه الناسبة أنكم إن تثاقلتم عن الستجابة وأبطأت عنها فل تأمنوا أن‬
‫ال يول بينكم وبي قلوبكم فل يكنكم بعد ذلك الستجابة عقوبة لكم على تركها بعد‬
‫وضوح ال ق وا ستبانته؛ فيكون كقوله‪« :‬ونقلب أفئدت م وأب صارهم ك ما ل يؤمنوا به أول‬
‫مرة» ال ية‪ 110 :‬من سورة النعام‪ ،‬وقوله‪« :‬فل ما زاغوا أزاغ ال قلوب م» ال ية‪ 5 :‬من‬
‫سورة الصف‪ ،‬وقوله‪ « :‬وما كانوا ليؤمنوا با كذبوا به من ق بل» الية‪ 101 :‬من سورة‬
‫العراف‪ ،‬ففـي اليـة تذيـر عـن ترك السـتجابة بالقلب وإن اسـتجاب بالوارح‪.‬‬

‫و ف ال ية سر آ خر و هو أ نه ج ع ل م ب ي الشرع وال مر به و هو ال ستجابة‪ ،‬وب ي القدر‬


‫واليان به‪ ،‬فهي كقوله‪« :‬لن شاء منكم أن يستقيم‪ .‬وما تشاءون إل أن ال رب العالي»‬
‫اليتان‪ 29 ،28 :‬من سورة التكوير‪ ،‬وقوله‪« :‬فمن شاء ذكره‪ .‬وما يذكرون إل أن يشاء‬
‫ال» اليتان‪ 56 ،55 :‬مــــــن ســــــورة الدثــــــر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم‬
‫قوله تعال‪« :‬ك تب علي كم القتال و هو كره ل كم وع سى أن تكرهوا شيئا و هو خ ي ل كم‬
‫وع سى أن تبوا شيئا و هو شر ل كم وال يعلم وأن تم ل تعلمون» ال ية‪ 216 :‬من سورة‬
‫البقرة‪ ،‬وقوله عـز وجـل‪« :‬وإن كرهتموهـن فعسـى أن تكرهوا شيئا ويعـل ال فيـه خيا‬
‫كثيا» الية‪ 19 :‬من سورة النساء‪ ،‬فالية الول ف الهاد الذي هو كمال القوة الغضبية‪،‬‬
‫والثانيـة فـ النكاح الذي هـو كمال القوة الشهوانيـة‪ ،‬فالعبـد يكره مواجهـة عدوه بقوتـه‬
‫الغضب ية خش ية على نف سه م نه‪ ،‬وهذا الكروه خ ي له ف معا شه ومعاده‪ ،‬وي ب الواد عة و‬
‫التاركة‪ ،‬وهذا الحبوب شر له ف معاشه ومعاده‪ ،‬وكذلك يكره الرأة لوصف من أوصافها‪،‬‬
‫وله ف إمساكها خي كثي ل يعرفه‪ ،‬ويب الرأة لوصف من أوصافها‪ ،‬وله ف إمساكها شر‬
‫كثي ل يعرفه‪ ،‬فالنسان كما وصفه خالقه‪ :‬ظلوم جهول فل ينبغي أن يعل العيار على ما‬
‫يضره وينفعه وميله وحبه‪ ،‬ونفرته وبغضه‪ ،‬بل العيار على ذلك ما اختاره ال له بأمره ونيه‪.‬‬

‫فأنفع الشياء له على الطلق طاعة ربه بظاهره وباطنه‪ .‬وأضر الشياء عليه على الطلق‬
‫مع صيته بظاهره وباط نه‪ ،‬فإذا قام بطاع ته وعبودي ته مل صا له ف كل ما يري عل يه م ا يكرهه‬
‫يكون خيا له‪ ،‬وإذا تلى عن طاعته وعبوديته فكل ما هو فيه من مبوب هو شر له‪ ،‬فمن‬
‫صحت له معرفة ربه والفقه ف أسائه وصفاته علم يقينا أن الكروهات الت تصيبه والحن‬
‫الت تنل به فيها ضروب من الصال والنافع الت ل يصيها علمه ول فكرته‪ ،‬بل مصلحة‬
‫العبــــد فيمــــا يكره أعظــــم منهــــا فيمــــا يبــــ‪.‬‬

‫فعا مة م صال النفوس ف مكروهات ا‪ ،‬ك ما أن عا مة مضار ها وأ سباب هلكت ها ف مبوبات ا‪،‬‬

‫‪103‬‬
‫فانظر إل غارس جنة من النات‪ ،‬خبي بالفلحة‪ ،‬غرس جنة وتعاهدها بالسقي والصلح‬
‫حت أثرت أشجارها فأقبل عليها يفصل أوصالا ويقطع أغصانا؛ لعلمه أنا لو خليت على‬
‫حالا ل تطب ثرتا فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة‪ ،‬حت إذا التحمت با واتدت وأعطت‬
‫ثرت ا أق بل يقلم ها ويق طع أغ صانا الضعي فة ال ت تذ هب قوت ا ويذيق ها أل الق طع والد يد‬
‫ل صلحتها وكمال ا لت صلح ثرت ا أن تكون بضرة اللوك‪ ،‬ث ل يدع ها ودوا عي طبع ها من‬
‫الشرب كل وقت بل يعطشها وقتا ويسقيها وقتا ول يترك الاء عليها دائما‪ ،‬وإن كان ذلك‬
‫أنضر لورقها وأسرع لنباتا‪ ،‬ث يعمد إل الزينة الت زينت با من الوراق فيلقي عنها كثيا‬
‫منها؛ لن تلك الزينة تول بي ثرتا وبي كمال نضجها واستوائها‪ ،‬كما ف شجر العنب‬
‫ونوه‪ ،‬ف هو يقطع أعضاء ها بالديد‪ .‬ويل قي عن ها كثيا من زينت ها‪ ،‬وذلك ع ي م صلحتها‪،‬‬
‫فلو أنا ذات تييز وإدراك كاليوان لتوهت أن ذلك إفساد لا وإضرار با‪ ،‬وإنا هو عي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــلحتها‪.‬‬
‫مصـ‬

‫وكذلك الب الشف يق على ولده ب صلحته‪ ،‬إذا رأى م صلحته ف إخراج الدم الفا سد ع نه‬
‫بضع جلده وقطع عروقه‪ ،‬وأذاقه الل الشديد‪ .‬وإن رأى شفاءه ف قطع عضو من أعضائه‬
‫أبانه عنه‪ ،‬كل ذلك رحة به وشفقة عليه‪ ،‬وإن رأى مصلحته ف أن يسك عنه العطاء ل يعطه‬
‫ول يوسع عليه؛ لعلمه أن ذلك أكب السباب إل فساده وهلكه‪ ،‬وكذلك ينعه كثيًا من‬
‫شهوا ته حا ية له وم صلحة ل بلً عل يه‪ ،‬فأح كم الاكم ي وأر حم الراح ي وأعلم العال ي‬
‫الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم‪ ،‬ومن آبائهم وأمهاتم إذا أنزل بم ما يكرهون كان‬
‫خيا لم من أل ينله بم‪ ،‬نظرا منه لم وإحسانا إليهم ولطفا بم‪ .‬ولو مكنوا من الختيار‬
‫لنفسهم لعجزوا عن القيام بصالهم علما وإرادة وعملً‪ ،‬لكنه سبحانه تول تدبي أمورهم‬
‫بو جب عل مه وحكم ته ورح ته‪ ،‬أحبوا أم كرهوا فعرف ذلك الوقنون بأ سائه و صفاته‪ ،‬فلم‬
‫يتهموه ف شيء من أحكامه وخفي ذلك على الهال به‪ ،‬وبأسائه وصفاته‪ ،‬فتنازعوا تدبيه‬
‫وقدحوا ف حكم ته ول ينقادوا لك مه وعارضوا حك مه بعقول م الفا سدة وآرائ هم الباطلة‬
‫وســياساتم الائرة‪ ،‬فل لربمــ عرفوا‪ ،‬ول لصــالهم حصــلوا‪ ،‬وال الوفــق‪.‬‬

‫ومت ظفر العبد بذه العرفة سكن ف الدنيا قبل الخرة ف جنة ل يشبه نعيمها إل نعيم جنة‬

‫‪104‬‬
‫الخرة‪ ،‬فإنه ل يزال راضيا عن ربه والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفي‪ ،‬فإنه طيب النفس‬
‫با يري عليه من القادير الت هي عي اختيار ال له‪ ،‬وطمأنينتها إل أحكامه الدينية‪ ،‬وهذا‬
‫هـــو الرضـــا بال ربّاـــ وبالســـلم دينا وبحمـــد رســـولً‪.‬‬

‫ومـا ذاق طعـم اليان مـن ل يصـل له ذلك‪ ،‬وهذا الرضـا هـو بسـب معرفتـه بعدل ال‬
‫وحكم ته ورح ته وح سن اختياره‪ .‬فكل ما كان بذلك أعرف كان به أر ضى‪ ،‬فقضاء الرب‬
‫سبحانه ف عبده دائر بي العدل والصلحة والكمة والرحة‪ ،‬ل يرج عن ذلك ألبتة‪ ،‬كما‬
‫قال صلى ال عل يه و سلم ف الدعاء الشهور‪ « :‬الل هم إ ن عبدك ا بن عبدك ا بن أم تك‬
‫ناصيت بيدك ماض ف حكمك عدل ف قضاؤك‪ .‬أسألك بكل اسم هو لك سيت به نفسك‬
‫أو أنزلته ف كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به ف علم الغيب عندك أن تعل‬
‫القرآن رب يع قل ب ونور صدري وجلء حز ن وذهاب ه ي وغ مي‪ .‬ما قال ا أ حد قط إل‬
‫أذهب ال هه وغمه وأبدله مكانه فرحا » قالوا‪ « :‬أفل نتعلمهن يا رسول ال؟» قال‪« :‬بلى‬
‫ــــــن» ‪.‬‬
‫ــــــمعهن أن يتعلمهـ‬
‫ــــــ يسـ‬
‫ــــــي لنـ‬
‫ينبغـ‬

‫والقصود‪ :‬قوله «عدل ف قضاؤك» وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو‬
‫أل‪ .‬وسبب ذلك فهو الذي قضى بالسبب وقضى بالسبب‪ ،‬وهو عدل ف هذا القضاء‪ ،‬وهذا‬
‫القضاء خيـ للمؤمـن كمـا قال صـلى ال عليـه وسـلم‪ « :‬والذي نفسـي بيده يقضـي ال‬
‫للمؤمـــــن قضاء إل كان خيا له‪ ،‬وليـــــس ذلك إل للمؤمـــــن» ‪.‬‬
‫قال العلمـة ا بن الق يم‪ :‬ف سألت شيخ نا‪ :‬هل يد خل ف ذلك قضاء الذ نب؟ فقال‪ :‬ن عم؛‬
‫بشرطه‪ ،‬فأجل ف لفظه « بشرطه » ما يترتب على الذنب من الثار الحبوبة ل من التوبة‬
‫والنكســــــــار والندم والضوع والذل والبكاء وغيــــــــ ذلك‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الرغبة ف الخرة تقتضي الزهد بالدنيا‬
‫ل ت تم الرغ بة ف الخرة إل بالز هد ف الدن يا‪ ،‬ول ي ستقيم الز هد ف الدن يا إل ب عد نظر ين‬
‫صحيحي‪ :‬ن ظر ف الدن يا و سرعة زوال ا‪ ،‬وفنائ ها‪ ،‬واضمحلل ا‪ ،‬ونق صها‪ ،‬وخ ستها‪ ،‬وأل‬
‫الزاح ة علي ها والرص علي ها‪ ،‬و ما ف ذلك من الغ صص و الن غص و النكاد‪ ،‬وآ خر ذلك‬
‫الزوال والنقطاع مع ما يعقب من السرة والسف‪ ،‬فطالبها ل ينفك من هم قبل حصولا‬
‫وهــم فــ حال الظفــر باــ‪ ،‬وغــم الزن بعــد فواتاــ فهذا أحــد النظريــن‪.‬‬

‫«النظر الثان‪ »:‬النظر ف الخرة وإقبالا وميئها ول بد‪ ،‬ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من‬
‫اليات والسـرات‪ ،‬والتفاوت الذي بينـه وبيـ مـا ههنـا‪ .‬فهـي كمـا قال ال سـبحانه‪« :‬‬
‫والخرة خي وأبقى» الية‪ 17 :‬من سورة العلى فهي خيات كاملة دائمة‪ .‬وهذه خيالت‬
‫ناقصة متقط عة مضمحلة‪ .‬فإذا ت له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره‪ ،‬وزهد في ما‬
‫يقتضي الزهد فيه‪ ،‬فكل أحد مطبوع على أن يترك النفع العاجل واللذة الاضرة إل النفع‬
‫ال جل واللذة الغائ بة النتظرة إل إذا تبي له ف ضل ال جل على العا جل وقو يت رغب ته ف‬
‫العلى الفضل‪ ،‬فإذا آثر الفان الناقص كان ذلك إما لعدم تبي الفضل له‪ ،‬وإما لعدم رغبته‬
‫ف الفضل‪ ،‬وكل واحد من المرين يدل على ضعف اليان وضعف العقل والبصية‪ ،‬فإن‬
‫الراغب ف الدنيا الريص عليها الؤثر لا‪ :‬إما أن يصدق بأن ما هناك أشرف وأفضل وأبقى‬
‫وإ ما أل ي صدق‪ ،‬فإن ل ي صدق ذلك كان عادما لليان رأ سا‪ ،‬وإن صدق بذلك ول يؤثره‬
‫كان فاســــــد العقــــــل ســــــيئ الختيار لنفســــــه‪.‬‬

‫وهذا تقسيم حاضر ل ينفك العبد من أحد القسمي منه‪ ،‬فإيثار الدنيا على الخرة إما فساد‬
‫ف اليان وإما من فساد ف العقل‪ .‬وما أكثر ما يكون منهما؛ ولذا نبذها رسول ال صلى‬
‫ال عليـه وسـلم وراء ظهره هـو وأصـحابه وصـرفوا عنهـا قلوبمـ واطرحوهـا ول يألفوهـا‪،‬‬
‫وهجروها ولو ييلوا إليها‪ ،‬وعدوها سجنا ل جنة؛ فزهدوا فيها حقيقة الزهد‪ ،‬ولو أرادوها‬
‫لنالوا منها كل مبوب‪ ،‬ولوصلوا منها إل كل مرغوب‪ ،‬فقد عرضت عليه مفاتيح كنورها‬
‫فردوها‪ ،‬وفاضت على أصحابه فآثروا با ول يبيعوا حظهم من الخرة با‪ .‬وعلموا أنا معب‬

‫‪106‬‬
‫وم ر ل دار مقام وم ستقر‪ ،‬وأن ا دار سرور‪ .‬وأن ا سحابة صيف تنق شع عن قل يل‪ ،‬وخيال‬
‫طيـــــف مـــــا اســـــتتم الزيارة حتـــــ أذن بالرحيـــــل‪.‬‬

‫قال النب صلى ال عليه وسلم‪ « :‬ما ل وللدنيا إنا أنا كراكب قال ف ظل شجرة ث راح‬
‫وتركها» رواه البخاري ومسلم وقال‪ « :‬ما الدنيا ف الخرة إل كما يدخل أحدكم أصبعه‬
‫فــــــ اليــــــم فلينظــــــر باــــــ رجــــــع» ‪.‬‬

‫وقال خالقه ما سبحانه‪« :‬إن ا م ثل الياة الدن يا كماء أنزلناه من ال سماء فاختلط به نبات‬
‫الرض م ا يأ كل الناس والنعام ح ت إذا أخذت الرض زخرف ها وازي نت و ظن أهل ها أن م‬
‫قادرون علي ها أتا ها أمر نا ليلً أو نارا فجعلنا ها ح صيدا كأن ل ت غن بال مس كذلك نف صل‬
‫اليات لقوم يتفكرون‪ .‬وال يد عو إل دار ال سلم ويهدي من يشاء إل صراط م ستقيم»‬
‫اليتان ‪ 25 ،24‬من سورة يونس فأخب عن خسة الدنيا وزهّد فيها وأخب عن دار السلم‬
‫ودعـــــــــــــــــا إليهـــــــــــــــــا‪.‬‬

‫وقال تعال‪ « :‬واضرب لمـ مثـل الياة الدنيـا كماء أنزلناه مـن السـماء فاختلط بـه نبات‬
‫الرض فأصـبح هشيما تذروه الرياح وكان ال على كـل شيـء مقتدرا الال والبنون زينـة‬
‫الياة الدنيـا والباقيات الصـالات خيـ عنـد ربـك ثوابا وخيـ أمل» اليتان ‪ 45،46‬مـن‬
‫ســـــــــــــــــورة الكهـــــــــــــــــف‪.‬‬

‫وقال تعال‪ « :‬اعلموا أن ا الياة الدن يا ل عب ول و وزي نة وتفا خر بين كم وتكا ثر ف الموال‬
‫والولد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ث يهيج فتراه مصفرّا ث يكون حطاما وف الخرة‬
‫عذاب شديـد ومغفرة مـن ال ورضوان ومـا الياة الدنيـا إل متاع الغرور» اليـة ‪ 20‬مـن‬
‫ســـــــــــــــــورة الديـــــــــــــــــد‪.‬‬

‫وقال تعال‪ « :‬زين للناس حب الشهوات من النساء والبني والقناطي القنطرة من الذهب‬
‫والف ضة وال يل ال سومة والنعام والرث ذلك متاع الياة الدن يا وال عنده ح سن الآب‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫قل أؤنبئكم بي من ذلكم للذين اتقوا عند ربم جنات تري من تتها النار خالدين فيها‬
‫وأزواج مطهرة ورضوان من ال وال بصي بالعباد» اليتان ‪ 14،15‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫وقال تعال‪ « :‬وفرحوا بالياة الدن يا و ما الياة الدن يا ف الخرة إل متاع» ال ية ‪ 26‬من‬
‫ســـــــــــــــــورة الرعـــــــــــــــــد‪.‬‬

‫وقد توعد سبحانه أعظم الوعيد لن رضي بالياة الدنيا واطمأن با وغفل عن آياته ول يرج‬
‫لقاءه فقال‪« :‬إن الذين ل يرجون لقاءنا ورضوا بالياة الدنيا واطمأنوا با والذين هم عن‬
‫آياتنـا غافلون أولئك مأواهـم النار باـ كانوا يكسـبون» اليتان ‪ 7،8‬مـن سـورة الشعراء‪.‬‬

‫وعي سبحانه من رضي بالياة الدنيا من الؤمني فقال‪ « :‬يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا‬
‫قيل لكم انفروا ف سبيل ال اثاقلتم إل الرض أرضيتم بالياة الدنيا من الخرة فما متاع‬
‫الياة الدنيــا فــ الخرة إل قليــل» اليــة ‪ 38‬مــن ســورة التوبــة‪.‬‬

‫وعلى قدر رغبـة فـ الدنيـا ورضاه باـ يكون تثاقله عـن طاعـة ال وطلب الخرة‪.‬‬
‫ويك في ف الز هد ف الدن يا قوله تعال « أفرأ يت إن متعنا هم سني‪ .‬ث جاء هم ما كانوا‬
‫يوعدون‪ .‬مـا أغنـ عنهـم مـا كانوا يتعون» اليتان ‪ 207-205‬مـن سـورة الشعراء‪.‬‬

‫وقوله‪ « :‬ويوم يشر هم كأن ل يلبثوا إل ساعة من النهار يتعارفون بين هم» ال ية ‪ 45‬من‬
‫ســـــــــــــــــورة يونـــــــــــــــــس‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬كأنم يوم يرون ما يوعدون ل يلبثوا إل ساعة من نار بلغ فهل يهلك إل القوم‬
‫الفاســــــقون» اليــــــة ‪ 35‬مــــــن ســــــورة الحقاف‪.‬‬

‫وقوله تعال‪ « :‬يسألونك عن الساعة أيان مرساها‪ .‬فيم أنت من ذكراها‪ .‬إل ربك منتهاها‪.‬‬
‫إنا أنت منذر من يشاها‪ .‬كأنم يوم يرونا ل يلبثوا إل عشية أو ضحاها» اليات ‪46-42‬‬
‫ـــــــــــــــورة النازعات‪.‬‬
‫ـــــــــــــــن سـ‬
‫مـ‬

‫‪108‬‬
‫وقوله‪ « :‬ويوم تقوم السـاعة يقسـم الجرمون مـا لبثوا غيـ سـاعة» اليـة ‪ 35‬مـن سـورة‬
‫الروم‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬قال كم لبثتم ف الرض عدد سني‪ .‬قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادّين‪.‬‬
‫قال إن لبثتـم إل قليل لو أنكـم كنتـم تعلمون» اليتان ‪ 114-112‬مـن سـورة الؤمنون‪.‬‬

‫وقوله‪ « :‬يوم ين فخ ف ال صور ون شر الجرم ي يومئذ زرقا‪ .‬يتخافتون بين هم إن لبث تم إل‬
‫عشرا‪ .‬نن أعلم با يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إل يوما» اليتان ‪104 ، 103‬‬
‫مـــــــــــن ســـــــــــورة طـــــــــــه‪.‬‬
‫ـــــــــــــه التكلن‪.‬‬
‫ـــــــــــــتعان وعليـ‬
‫وال السـ‬

‫أساس الي اليان با شاءه تعال‬


‫أ ساس كل خ ي أن تعلم أن ما شاء ال كان وما ل ي شأ ل ي كن‪ ،‬فتتي قن حينئذ أن السنات‬
‫من نعمه فتشكره عليها‪ .‬وتتضرع إليه أل يقطعان عنك‪ ،‬وأن السيئات من خذلنه وعقوبته‪،‬‬
‫فنبتهل إليه أن يول بينك وبينها‪ ،‬ول يكلك ف فعل السنات وترك السيئات إل نفسك‪.‬‬

‫و قد أج ع العارفون على أن كل خ ي فأ صله بتوف يق ال للع بد‪ .‬و كل شر فأ صله خذل نه‬
‫لعبده‪ .‬وأجعوا أن التوفيـق أل يكلك ال نفسـك وأن الذلن هـو أن يلي بينـك وبيـ‬
‫نفسك‪ .‬فإذا كان كل خي فأصله التوفيق وهو بيد العبد فمفتاحه الدعاء والفتقار وصدق‬
‫اللجئ والرغبة والرهبة إليه‪ ،‬فمت أعطي العبد هذا الفتاح فقد أراد أن يفتح له‪ ،‬ومت أضله‬
‫ــــا دونـــــه‪.‬‬
‫عـــــن الفتاح بقـــــي باب اليـــــ مُرْتَجًـ‬

‫‪109‬‬
‫قال أم ي الؤمن ي ع مر بن الطاب‪ :‬إ ن ل أح ل هم الجا بة ول كن هم الدعاء فإن الجا بة‬
‫م عه‪ .‬وعلى قدر ن ية الع بد وه ته ومراده ورغب ته ف ذلك يكون توفي قه سبحانه وإعان ته‪،‬‬
‫فالعونـة مـن ال تنل على العباد على قدرهـم وثباتمـ ورغبتهـم ورهبتهـم‪ ،‬والذلن ينل‬
‫علي هم على ح سب ذلك‪ ،‬فال سبحانه أح كم الاكم ي وأعلم العال ي‪ ،‬ي ضع التوف يق ف‬
‫مواضعـه اللئقـة بـه والذلن فـ مواضعـه اللئقـة بـه‪ ،‬وهـو العليـم الكيـم‪.‬‬
‫وما أت من أت إل من قِبَل إضاعة الشكر وإهال الفتقار والدعاء‪ ،‬ول ظفر من ظفر بشيئة‬
‫ال وعو نه إل بقيا مه بالش كر و صدق الفتقار والدعاء‪ .‬وملك ذلك ال صب فإ نه من اليان‬
‫بنله الرأس مــــن الســــد‪ ،‬فإذا قطــــع الرأس فل بقاء لســــد‪.‬‬

‫مــا ضرب عبــد بعقوبــة أعظــم مــن قســوة القلب والبعــد عــن ال‪.‬‬
‫خلقــــــــت النار لذابــــــــة القلوب القاســــــــية‪.‬‬
‫أبعــــــــد القلوب مــــــــن ال القلب القاســــــــي‪.‬‬
‫إذا قســـــــــا القلب قحطـــــــــت العيـــــــــ‪.‬‬
‫ق سوة القلب من أرب عة أشياء إذا جاوزت قدر الا جة‪ :‬ال كل والنوم والكلم والخاط بة‪.‬‬
‫ك ما أن البدن إذا مرض ل ين فع ف يه الطعام والشراب‪ .‬فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات‬
‫ل تنجــــــــــح فيــــــــــه الواعــــــــــظ‪.‬‬

‫ــــه‪.‬‬
‫ــــر ال على شهوتـ‬
‫ــــه فليؤثـ‬
‫ــــفاء قلبـ‬
‫ــــن أراد صـ‬
‫مـ‬
‫القلوب التعلقـــة بالشهوات مجوبـــة عـــن ال بقدر تعلقهـــا باـــ‪.‬‬
‫القلوب آنيــة ال فــ أرضــه‪ ،‬فأحبهــا إليــه أرقهــا وأصــلبها وأصــفاها‪.‬‬

‫شغلوا قلوبمـ بالدنيـا‪ ،‬ولو شغلوهـا بال والدار الخرة لالت فـ معانـ كلمـه وآياتـه‬
‫ــــم وظرف الفوائد‪.‬‬
‫ــــحابا بغرائب الكـ‬
‫ــــت إل أصـ‬
‫الشهودة ورجعـ‬
‫إذا غذي القلب بالتذ كر و سقي بالتف كر ون قي من الد غل‪ ،‬رأى العجائب وأل م الك مة‪.‬‬
‫ليس كل من تلى بالعرفة والكمة وانتحلها كان من أهلها‪ ،‬بل أهل العرفة والكمة الذين‬
‫أحيوا قلوب م بق تل الوى‪ .‬وأ ما من ق تل قل به فأح يا الوى‪ ،‬فالعر فة والك مة عار ية على‬

‫‪110‬‬
‫لســــــــــــــــــــــــــــــــــــانه‪.‬‬
‫ــر‪.‬‬
‫ــة والذكـ‬
‫ــن الشيـ‬
‫ــه مـ‬
‫ــن والغفلة‪ ،‬وعمارتـ‬
‫ــن المـ‬
‫خراب القلب مـ‬
‫إذا زهدت القلوب فـ موائد الدنيـا قعدت على موائد الخرة بيـ أهـل تلك الدعوة‪ ،‬وإذا‬
‫رضيــــــــت بوائد الدنيــــــــا فاتتهــــــــا تلك الوائد‪.‬‬

‫الشوق إل ال ولقائه نســيم يهــب على القلب يروح عنــه وهــج الدنيــا‪.‬‬
‫من وطن قل به عند ربه سكن واستراح‪ ،‬و من أر سله ف الناس اضطرب واشتد به القلق‪.‬‬
‫ل تدخـل مبـة ال فـ قلب فيـه حـب الدنيـا إل كمـا يدخـل المـل فـ سـم البرة‪.‬‬
‫إذا أ حب ال عبدا ا صطنعه لنف سه واجتباه لحب ته وا ستخلصه لعباد ته فش غل ه ته بدم ته‪.‬‬

‫مرض القلب‬
‫والقلب يرض كمـا يرض البدن وشفاؤه فـ التوبـة والميـة‪ ،‬ويصـدأ كمـا تصـدأ الرآة‬
‫وجلؤه بالذكر‪ .‬ويعرى كما يعرى السم وزينته التقوى‪ ،‬ويوع ويظمأ كما يوع البدن‪،‬‬
‫وشرابـــه العرفـــة والحبـــة والتوكـــل والنابـــة والدمـــة‪.‬‬
‫إياك والغفلة عمن جعل لياتك أجل وليامك وأنفاسك أمدا‪ ،‬ومن كل ما سواه بد ول بد‬
‫لك منـــــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ترك الختيار‬
‫من ترك الختيار والتدبي ف طلب زيادة دنيا أو جاه أو ف خوف نقصان أو ف التخلص من‬
‫عدو؛ توكل على ال وثقة بتدبيه له وحسن اختياره له‪ ،‬فألقى كنفه بي يديه وسلم المر‬
‫إليه ورضي با يقضيه له‪ ،‬استراح من الموم و الغموم والحزان‪ .‬ومن أب إل بتدبيه لنفسه‬
‫وقع ف النكد والنصب وسوء الال والتعب‪ ،‬فل عيش يصفو‪ ،‬ول قلب يفرح‪ ،‬ول عمل‬
‫يزكــــــــو‪ ،‬ول أمــــــــل يقوم‪ ،‬ول راحــــــــة تدوم‪.‬‬
‫وال سبحانه سهل لل قه ال سبيل إل يه‪ ،‬وحجب هم ع نه بالتدب ي‪ ،‬ف من ر ضي بتدب ي ال له‬
‫و سكن إل اختياره و سلم لك مه‪ ،‬أزال ذلك الجاب فأف ضى القلب إل ر به واطمأن إل يه‬
‫وســــــــــــــــــــــــــــــــــــكن‪.‬‬

‫التوكـــل ل يســـأل غيـــ ال ول يرد على ال ول يدخـــر مـــع ال ‪.‬‬


‫ـه‪.‬‬
‫ـن نفسـ‬
‫ـل عـ‬
‫ـه شغـ‬
‫ـل بربـ‬
‫ـن شغـ‬
‫ـن غيه‪ ،‬ومـ‬
‫ـل عـ‬
‫ـه شغـ‬
‫ـل بنفسـ‬
‫ـن شغـ‬
‫مـ‬
‫الخلص هو ما ل يعل مه ملك فيكت به‪ ،‬ول عدو فيف سده‪ ،‬ول يع جب به صاحبه فيبطله‪.‬‬
‫الرضـــــــا ســـــــكون القلب تتـــــــ ماري الحكام‪.‬‬
‫الناس فــــــ الدنيــــــا معذبون على قدرهــــــم باــــــ‪.‬‬

‫للقلب ستة مواطن يول فيها ل سابع لا‪ :‬ثلثة سافلة وثلثة عالية‪ :‬فالسافلة‪ :‬دنيا تتزين له‪،‬‬
‫ون فس تد ثه‪ ،‬وعدو يو سوس له‪ .‬فهذه موا طن الرواح ال سافلة ال ت ل تزال تول في ها‪.‬‬
‫والثلثة العالية‪ :‬علم يتبي له‪ ،‬وعقل يرشده‪ ،‬وإله يعبده‪ .‬والقلوب جوالة ف هذه الواطن‪.‬‬
‫اتباع الوى وطول ال مل مادة كل فساد‪ ،‬فإن اتباع الوى يع مي عن الق معرفة وقصدا‪.‬‬
‫وطول المـــل ينســـي الخرة ويصـــد عـــن الســـتعداد لاـــ‪.‬‬
‫ــن غيه‪.‬‬
‫ــه أو يداهـ‬
‫ــن نفسـ‬
‫ــدق ويداهـ‬
‫ــة الصـ‬
‫ــد رائحـ‬
‫ــم عبـ‬
‫ل يشـ‬
‫إذا أراد ال بعبد خيا جعله معترفا بذنبه مسكا عن ذنب غيه‪ ،‬جوادا با عنده‪ ،‬زاهدا فيما‬
‫عنـــــد غيه‪ ،‬متمل لذى غيه‪ ،‬وإن أراد بـــــه شرا عكـــــس ذلك‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫المـة العليـة ل تزال حائمـة حول ثلثـة أشياء‪ :‬تعرف الصـفة مـن الصـفات العليـا ؛ تزداد‬
‫بعرفتها مبة وإرادة‪ ،‬وملحظة النة ؛ تزداد بلحظتها شكرا وطاعة‪ ،‬وتذكّر الذنب ؛ تزداد‬
‫بتذكره توبـة وخشيـة‪ ،‬فإذا تعلقـت المـة بسـوى هذه الثلثـة جالت فـ أوديـة الوسـاوس‬
‫والطرات‪.‬‬

‫من ع شق الدن يا نظرت إل قدر ها عنده ف صيته من خدم ها وعبيد ها وأذل ته‪ ،‬و من أعرض‬
‫عنهـــــــا نظرت إل كـــــــب قدره فخدمتـــــــه وذلت له‪.‬‬
‫إنا يقطع السفر ويصل السافر بلزوم الادة وسي الليل‪ ،‬فإذا حاد السافر عن الطريق ونام‬
‫ـــــــــده؟‬
‫ـــــــــل مقصـ‬
‫ـــــــــف يصـ‬
‫كله فكيـ‬

‫قبول فتوى العال الزاهد ف دنياه‬


‫كل من آ ثر الدن يا من أ هل العلم وا ستحبها‪ ،‬فل بد أن يقول على ال غ ي ال ق ف فتواه‬
‫وحك مه ‪ ،‬و ف خبه وإلزا مه؛ لن أحكام الرب سبحانه كثيا ما تأ ت على خلف أغراض‬
‫الناس ول سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشبهات فإنم ل تتم لم أغراضهم إل بخالفة‬
‫القــــــــــــــــ ودفعــــــــــــــــه كثيا‪.‬‬

‫فإذا كان العال والاكم مبي للرياسة متبعي للشهوات ل يتم لما ذلك إل بدفع ما يضاده‬
‫من الق ول سيما إذا قامت له شبهة فتتفق الشبهة والشهوة ويثور الوى فيخفى الصواب‬
‫وينطمس وجه الق‪ ،‬وإن كان الق ظاهرا ل خفاء به ول شبهة فيه أقدم على مالفته وقال‪:‬‬
‫ل مرج بالتوبـة‪ ،‬وفـ هؤلء وأشباههـم قال تعال‪« :‬فخلف مـن بعدهـم خلف أضاعوا‬

‫‪113‬‬
‫الصلة واتبعوا الشهوات» الية ‪ 59‬من سورة مري‪ .‬وقال ال تعال فيهم أيضا‪ « :‬فخلف‬
‫من بعد هم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الد ن ويقولون سيغفر ل نا وإن يأت م‬
‫عرض مثله يأخذوه أل يؤ خذ علي هم ميثاق الكتاب أن يقولوا على ال إل ال ق ودر سوا ما‬
‫ف يه والدار الخرة خ ي للذ ين يتقون أفل تعقلون» ال ية ‪ 169‬من سورة العراف‪ .‬فأ خب‬
‫سبحانه أنم أخذوا العرض الدن مع علمهم بتحريه عليهم وقالوا سيغفر لنا‪ ،‬وإن عرض‬
‫لم عرض آخر أخذوه‪ ،‬فهم مصرون على ذلك‪ ،‬وذلك هو الامل لم على أن يقولوا على‬
‫ال غ ي ال ق‪ ،‬فيقولون‪ :‬هذا حك مه وشر عه ودي نه‪ ،‬و هم يعلمون أن دي نه وشر عه وحك مه‬
‫خلف ذلك‪ ،‬أو ل يعلمون أن ذلك دينـه وشرعـه وحكمـه‪ ،‬فتارة يقولون على ال مـا ل‬
‫يعلمون وتارة يقولون عليـــــــه مـــــــا يعلمون بطلنـــــــه‪.‬‬

‫وأما الذين يتقون فيعلمون أن الدار الخرة خي من الدنيا فل يملهم حب الرياسة والشهوة‬
‫على أن يؤثروا الدن يا على الخرة‪ .‬وطر يق ذلك أن يتم سكوا بالكتاب وال سنة وي ستعينوا‬
‫بالصب والصلة‪ ،‬ويتفكروا ف الدنيا وزوالا وخستها‪ ،‬والخرة وإقبالا ودوامها‪ ،‬وهؤلء ل‬
‫بد أن يبتدعوا ف الدين مع الفجور ف العمل‪ ،‬فيجتمع لم المران‪ ،‬فإن اتباع الوى يعمي‬
‫عي القلب فل ييز بي السنة والبدعة‪ ،‬أو ينكسه فيى البدعة سنة والسنة بدعة‪ ،‬فهذه آفة‬
‫العلماء إذا آثروا الدنيا واتبعوا الرياسات والشهوات‪ .‬وهذا اليات فيهم إل قوله‪ « :‬واتل‬
‫عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين‪ .‬ولو شئنا لرفعناه‬
‫ب ا ولك نه أخلد إل الرض وات بع هواه فمثله كم ثل الكلب إن ت مل عل يه يل هث أو تتر كه‬
‫يل هث» اليتان ‪ 176 ،175‬من سورة العراف فهذا م ثل عال ال سوء الذي يع مل بلف‬
‫عمله‪.‬‬

‫وتأمـــل مـــا تضمنتـــه هذه اليـــة مـــن ذمـــه وذلك مـــن وجوه‪:‬‬
‫«أحدهــا‪ » :‬أنــه ضــل بعــد العلم واختار الكفــر على اليان عمدا ل جهلً‪.‬‬
‫«ثانيها‪ » :‬أنه فارق اليان مفارقة من ل يعود إليه أبدا فإنه انسلخ من اليات بالملة كما‬
‫ـا‪.‬‬
‫ـلخ منهـ‬
‫ـء ل ينسـ‬
‫ـا شيـ‬
‫ـه منهـ‬
‫ـي معـ‬
‫ـا‪ ،‬ولو بقـ‬
‫ـن قشرهـ‬
‫ـة مـ‬
‫ـلخ اليـ‬
‫تنسـ‬
‫«ثالثها‪ » :‬أن الشيطان أدركه ولقه بيث ظفر به وافترسه‪ ،‬ولذا قال‪« :‬فأتبعه الشيطان»‬

‫‪114‬‬
‫ول يقل‪ :‬يتبعه‪ ،‬فإن ف معن «أتبعه» ‪ :‬أدركه ولقه‪ ،‬وهو أبلغ من «تبعه» لفظا ومعن‪.‬‬
‫«رابع ها‪ » :‬أ نه غوي ب عد الر شد‪ ،‬وأل فى الضلل ف العلم والق صد‪ .‬و هو أ خص بف ساد‬
‫القصد والعمل‪ ،‬كما أن الضلل أخص بفساد العلم والعتقاد‪ ،‬فإذا أُفرد أحدها دخل فيه‬
‫الخــــــر‪ ،‬وإن اقترنــــــا فالفرق مــــــا ذكــــــر‪.‬‬
‫«خامسها‪ » :‬أنه سبحانه ل يشأ أن يرفعه بالعلم فكان سبب هلكه؛ لنه ل يرفع به فصار‬
‫وبالً عليــــه‪ ،‬فلو ل يكــــن عالا كان خيا له وأخــــف لعذابــــه‪.‬‬
‫« سادسها‪ » :‬أ نه سبحانه أ خب عن خ سة ه ته وأ نه اختار ال سفل الد ن على الشرف‬
‫العلى‪.‬‬
‫«سابعها‪ » :‬أن اختياره للدن ل يكن عن خاطر وحديث نفس‪ ،‬ولكنه كان عن إخلد إل‬
‫الرض وميل بكليته إل ما هناك‪ .‬وأصل الخلد‪ :‬اللزوم على الدوام كأنه قيل لزم اليل إل‬
‫الرض‪ .‬ومن هذا يقال‪ :‬أخلد فلن بالكان إذا لزم القامة به‪ ،‬قال مالك بن نويرة‪:‬‬

‫بأبناء حي من قبائل مالك * * * وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا‬

‫وعب عن ميله إل الدنيا بإخلده إل الرض؛ لن الدنيا هي الرض وما فيها وما يستخرج‬
‫مــــــــــــــــن الزينــــــــــــــــة والتاع‪.‬‬
‫«ثامنهـا‪ » :‬أنـه رغـب عـن هداه واتبـع هواه فجعـل هواه إماما له يقتدي بـه ويتبعـه‪.‬‬
‫«تاسـعها‪ » :‬أنـه شبهـه بالكلب الذي هـو أخـس اليوانات هةـ‪ ،‬وأسـقطها نفسـا وأبلهـا‬
‫وأشدهـــــــــــــا كلبا؛ ولذا ســـــــــــــي كلبا‪.‬‬
‫«عاشرهـا‪ » :‬أنـه شبـه لثـه على الدنيـا وعدم صـبه عنهـا وجزعـه لفقدهـا وحرصـه على‬
‫تصيلها بلهث الكلب ف حالت تركه والمل عليه بالطرد وهكذا‪ .‬هذا إن ترك فهو لثان‬
‫على الدنيا‪ ،‬وإن وعظ وزجر فهو كذلك‪ ،‬فاللهث ل يفارقه ف كل حال كلهث الكلب‪.‬‬

‫قال ا بن قتي بة‪ :‬كل ش يء يل هث فإن ا يل هث من إعياء أو ع طش إل الكلب فإ نه يل هث ف‬


‫الكلل وحال الراحـة‪ ،‬وحال الري وحال العطـش‪ ،‬فضربـه ال مثل لذا الكافـر فقال‪ :‬إن‬

‫‪115‬‬
‫وعظته فهو ضال‪ ،‬وإن تركته فهو ضال كالكلب إن طردته لث وإن تركته على حاله لث‪.‬‬
‫وهذا التمثيل ل يقع بكل كلب وإنا وقع بالكلب اللهث‪ .‬وذلك أسوأ ما يكون وأشنعه‪.‬‬

‫احذروا فتنة العال الفاجر وفتنة العابد الاهل‬


‫فهذا حال العال الؤ ثر الدن يا على الخرة‪ .‬وأ ما العا بد الا هل فآف ته من إعرا ضه عن العلم‬
‫وأحكا مه وغل بة خياله وذو قه ووجده و ما تواه نف سه‪ .‬ولذا قال سفيان بن عيي نة وغيه‪:‬‬
‫احذروا فت نة العال الفا جر‪ ،‬وفت نة العا بد الا هل فإن فتنته ما فت نة ل كل مفتون‪ ،‬فهذا بهله‬
‫ـــو إل الفجور‪.‬‬
‫ـــه يدعـ‬
‫ـــه‪ ،‬وذاك بغيـ‬
‫ـــن العلم وموجبـ‬
‫ـــد عـ‬
‫يصـ‬

‫وقد ضرب ال سبحانه وتعال مثل النوع الخر بقوله‪ « :‬كمثل الشيطان إذ قال للنسان‬
‫اكفر فلما كفر قال إن بريء منك إن أخاف ال رب العالي‪ .‬فكان عاقبتهما أنما ف النار‬
‫خالدين فيها وذلك جزاء الظالي» اليتان‪ 16،17 :‬من سورة الشر وقصته معروفة فإنه‬
‫بنـ أسـاس أمره على عبادة ال بهـل فأوقعـه الشيطان بهله‪ ،‬وكفره بهله‪ .‬فهذا إمام كـل‬
‫عابد جاهل يكفر ول يدري‪ .‬وذاك إمام كل عال فاجر يتار الدنيا على الخرة‪ ،‬وقد جعل‬
‫سبحانه رضا العبد بالدنيا وطمأنينته وغفلته عن معرفة آياته وتدبرها والعمل با سبب شقائه‬
‫وهلكه‪ .‬ول يتمع هذان _ أعن‪ :‬الرضا بالدنيا والغفلة عن آيات الرب _ إل ف قلب من‬
‫ل يؤ من بالعاد ول ير جو لقاء رب العباد‪ ،‬وإل فلو ر سخ قد مه ف اليان بالعاد ل ا ر ضي‬
‫الدنيــــــا ول اطمئن إليهــــــا‪ ،‬ول أعرض عــــــن آيات ال‪.‬‬

‫وأنـت إذا تأملت أحوال الناس وجدت هذا الضرب هـو الغالب على الناس وهـم عمار‬
‫الدنيا‪ ،‬وأقل الناس عددا من هو خلف ذلك‪ ،‬وهو من أشد الناس غربة بينهم‪ ،‬لم شأن وله‬

‫‪116‬‬
‫شأن‪ ،‬علمه غي علومهم وإرادته غي إرادتم‪ .‬وطريقه غي طريقهم‪ ،‬فهو ف واد وهم ف‬
‫واد‪ ،‬قال تعال‪ « :‬إن الذين ل يرجون لقاءنا ورضوا بالياة الدنيا واطمأنوا با والذين هم‬
‫عن آياتنا غافلون‪ .‬أولئك مأواهم النار با كانوا يكسبون» اليتان ‪ 7،8‬من سورة يونس‪.‬‬

‫ثـ ذكـر وصـف ضـد هؤلء ومآلمـ وعاقبتهـم بقوله‪ « :‬الذيـن آمنوا وعملوا الصـالات‬
‫يهدي هم رب م بإيان م تري من تت هم النار ف جنات النع يم» ال ية ‪ 9‬من سورة يو نس‬
‫فهؤلء إيانمـ بلقاء ال أورثهـم عدم الرضـا بالدنيـا والطمأنينـة إليهـا ودوام ذكـر آياتـه‪.‬‬
‫فهذه مواريـــث اليان بالعاد وتلك مواريـــث عدم اليان بـــه والغفلة عنـــه‪.‬‬

‫العلم واليان أفضل ما تكسبه النفس ويصله القلب‬


‫أفضل ما تكسبه النفوس وحصلته القلوب‪ ،‬ونال به العبد الرفعة ف الدنيا والخرة هو العلم‬
‫واليان‪ ،‬ولذا قرن بينهما سبحانه ف قوله‪ « :‬وقال الذين أوتوا العلم واليان لقد لبثتم ف‬
‫كتاب ال إل يوم البعث» الية ‪ 56‬من سورة الروم وقوله‪ « :‬يرفع ال الذين آمنوا منكم‬
‫والذين أوتوا العلم درجات» الية ‪ 11‬من سورة الجادلة وهؤلء هم خلصة الوجود ولبه‬
‫الؤهلون للمراتب العالية‪ ،‬ولكن أكثر الناس غالطون ف حقيقة مسمى العلم واليان اللذين‬
‫بما السعادة والرفعة وف حقيقتهما‪ ،‬حت أن كل طائفة تظن أن ما معها من العلم واليان‬
‫هو الذي به تنال السعادة‪ ،‬وليس كذلك بل أكثرهم ليس معهم إيان ينجي ول علم يرفع‪،‬‬
‫بل قد سدوا على نفو سهم طرق العلم واليان اللذ ين جاء ب ما الر سول صلى ال عل يه‬
‫و سلم ود عا إليه ما ال مة‪ ،‬وكان عليه ما هو أ صحابه من بعده وتابعو هم على منهاج هم‬
‫وآثارهـــــــــــــــــــــــــــــــــــم‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫فكل طائفة اعتقدت أن العلم ما معها وفرحت به‪« ،‬فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب‬
‫ب ا لدي هم فرحون» ال ية ‪ 53‬من سورة الؤمنون وأك ثر ما عند هم كلم وآراء و خرص‪،‬‬
‫والعلم وراء الكلم‪ ،‬ك ما قال حاد بن ز يد‪ :‬قلت ليوب‪ :‬العلم اليوم أك ثر أو في ما تقدم؟‬
‫فقال‪ :‬الكلم اليوم أكثــــــر‪ ،‬والعلم فيمــــــا تقدم أكثــــــر‪.‬‬
‫ففرق هذا الراسخ بي العلم بعزل عن أكثرها‪ ،‬وهو ما جاء به الرسول عن ال قال تعال‪:‬‬
‫« فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم» الية ‪ 61‬من سورة آل عمران وقال ‪« :‬‬
‫ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم» الية ‪ 120‬من سورة البقرة وقال القرآن‪:‬‬
‫«أنزله بعلمــه» اليــة ‪ 166‬مــن ســورة النســاء أي وفيــه علمــه‪.‬‬
‫ولا بعد العهد بذا العلم آل المر بكثي من الناس إل أن اتذوا هواجس الفكار و سوانح‬
‫الواطـر والراء علما‪ ،‬ووضعوا فيهـا الكتـب وأنفقوا فيهـا النفاس فضيعوا فيهـا الزمان‪،‬‬
‫وملئوا ب ا ال صحف مدادا‪ ،‬والقلوب سوادا‪ ،‬ح ت صرح كث ي من هم أن م ل يس ف القرآن‬
‫وال سنة علم وأن أدلت هم لفظ ية ل تف يد يقينا ول علما‪ ،‬صرخ الشيطان بذه الكل مة في هم‬
‫وأذّن با بي أظهرهم حت أسعها دانيهم لقاصيهم‪ ،‬فانسخلت با القلوب من العلم واليان‬
‫ـــه‪.‬‬
‫ـــن لبسـ‬
‫ـــا والثوب عـ‬
‫ـــن قشرهـ‬
‫ـــة مـ‬
‫ـــلخ اليـ‬
‫كانسـ‬
‫قال المام العل مة ش س الد ين ا بن الق يم‪ :‬أ خبن ب عض أ صحابنا عن ب عض أتباع تلم يذ‬
‫هؤلء أ نه رآه يشت غل ف ب عض كتب هم ول ي فظ القرآن فقال له‪ :‬لو حف ظت القرآن أولً‬
‫كان أول‪ ،‬فقال‪ :‬وهل ف القرآن علم؟ قال ابن القيم‪ :‬وقال ل بعض أئمة هؤلء‪ :‬إنا نسمع‬
‫الديث لجل البكة ل لنستفيد منه العلم؛ لن غينا قد كفانا هذه الؤنة‪ ،‬فعمدتنا على ما‬
‫فهموه وقرروه‪ ،‬ول شك أن من كان هذا مبلغه من العلم فهو كما قال القائل‪:‬‬

‫نزلوا بكة ف قبائل هاشم * * * ونزلت بالبطحاء أبعد منل‬

‫قال‪ :‬وقال ل شيخ نا مرة ف و صف هؤلء‪ :‬إن م طافوا على أرباب الذا هب ففازوا بأ خس‬
‫الطالب‪ ،‬ويكف يك دليلً على أن هذا عند هم ل يس من ع ند ال ما ترى ف يه من التنا قض‬
‫والختلف و م صادمة بع ضه للب عض‪ ،‬قال تعال‪« :‬ولو كان من ع ند غ ي ال لوجدوا ف يه‬

‫‪118‬‬
‫اختلفا كثيا» الية ‪ 82‬من سورة النساء وهذا يدل على أن ما كان من عنده سبحانه ل‬
‫يتلف‪.‬‬
‫وأن ما اختلف وتنا قض فل يس من عنده وك يف تكون الراء واليارات و سوانح الفكار‬
‫دينـــــا يدان بـــــه ويكـــــم بـــــه على ال ورســـــوله؟‬
‫سـبحانك هذا بتان عظيـم وقـد كان علم الصـحابة الذي يتذاكرون فيـه غيـ علوم هؤلء‬
‫الختلف ي الرا صي ك ما ح كى الا كم ف ترج ة أ ب ع بد ال البخاري قال‪ :‬كان أ صحاب‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إذا اجتمعوا إن ا يتذاكرون كتاب رب م و سنة نبيهم ل يس‬
‫بينهــــــــــــــم رأي ول قياس‪ .‬ولقــــــــــــــد‬

‫أحسن القائل‪:‬‬

‫العلم قال ال قــال رسولـه * * * قال الصحابة وليس بالتمويه‬

‫ما العلم نصبك للخلف سفاهة * * * بي الرسول وبي رأى فقيه‬

‫كل ول جحد الصفات ونفيها * * * حذرا من التمثيل والتشبيه‬

‫اليان الفصــــــــل معرفــــــــة وعلم وإقرار ومبــــــــة‬


‫وأ ما اليان فأك ثر الناس أو كل هم يدعو نه « وما أك ثر الناس ولو حر صت بؤمن ي» ال ية‬
‫‪ 103‬من سورة يوسف وأكثر الؤمني إنا عندهم إيان ممل‪ ،‬وأما اليان الفصل با جاء به‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم معرفة وعلما وإقرارا ومبة‪ ،‬ومعرفة بضده وكراهيته وبغضه‪،‬‬
‫فهذا إيان خواص المــة وخاصــة الرســول‪ ،‬وهــو إيان الصــديق وحزبــه‪.‬‬
‫وكثيـ مـن الناس حظهـم مـن اليان القرار بوجود الصـانع‪ ،‬وأنـه وحده هـو الذي خلق‬

‫‪119‬‬
‫السـموات والرض ومـا بينهمـا‪ ،‬وهذا ل يكـن ينكره عباد الصـنام مـن قريـش ونوهـم‪.‬‬
‫وآخرون اليان عند هم هو التكلم بالشهادت ي‪ ،‬سواء كان م عه ع مل أو ل ي كن‪ ،‬و سواء‬
‫وافـــــــــق تصـــــــــديق القلب أو خالفـــــــــه‪.‬‬
‫وآخرون عند هم اليان مرد ت صديق القلب بأن ال سبحانه خالق ال سموات والرض وأن‬
‫ممدا عبده ور سوله‪ ،‬وإن ل يقـر بلسـانه ول يع مل شيئا‪ ،‬بـل ولو سب ال ور سوله وأتـى‬
‫ــن‪.‬‬
‫ــو مؤمـ‬
‫ــوله فهـ‬
‫ــة ال ونبوة رسـ‬
‫ــد وحدانيـ‬
‫ــو يعتقـ‬
‫ــه‪ ،‬وهـ‬
‫عظمتـ‬

‫وآخرون عندهم اليان هو جحد صفات الرب تعال من علوه على عرشه وتكلمه بكلماته‬
‫وكتبه وسعه وبصره ومشيئته وقدرته وإرادته وحبه وبغضه وغي ذلك ما وصف به نفسه‪،‬‬
‫ووصفه به رسوله‪ ،‬فاليان عندهم إنكار حقائق ذلك كله‪ ،‬وجحده والوقوف مع ما تقتضيه‬
‫آراء التهوكيـ وأفكار الخرصـي الذيـن يرد بعضهـم على بعـض‪ ،‬وينتقـض بعضهـم قول‬
‫بعـض‪ ،‬الذيـن هـم كمـا قال عمـر بـن الطاب والمام أحدـ‪ :‬متلفون فـ الكتاب مالفون‬
‫للكتاب‪ ،‬متفقون على مفارقـــــــــــــــــــــــة الكتاب‪.‬‬
‫وآخرون عند هم اليان عبادة ال ب كم أذواق هم و مواجيد هم و ما تواه نفو سهم من غ ي‬
‫تقييـــد باـــ جاء بـــه الرســـول صـــلى ال عليـــه وســـلم‪.‬‬
‫وآخرون اليان عندهم ما وجدوا عليه آباءهم وأسلفهم بكم التفاق كائنا ما كان‪ ،‬بل‬
‫إيانمــــــــــ مبنــــــــــ على مقدمتيــــــــــ‪:‬‬
‫« إحداهاـ‪ » :‬أن هذا قول أسـلفنا وآبائنـا ‪ ،‬و «الثانيـة‪ »:‬أن مـا قالوه فهـو القـ‪.‬‬
‫وآخرون عندهم اليان مكارم الخلق وحسن العاملة وطلقة الوجه وإحسان الظن بكل‬
‫أحـــــــــد‪ ،‬و تليـــــــــة الناس و غفلتمـــــــــ‪.‬‬

‫وآخرون عندهم اليان‪ :‬التجرد من الدنيا وعلئقها وتفريغ القلب منها والزهد فيها‪ ،‬فإذا‬
‫رأوا رجلً هكذا جعلوه من سادات أهل اليان وإن كان منسلخا من اليان علما وعملً‪.‬‬
‫وأعلى من هؤلء من ج عل اليان هو مرد العلم وإن ل يقار نه ع مل و كل هؤلء ل يعرف‬
‫حقيقة اليان ول قاموا به ول قام بم وهم أنواع‪ :‬منهم من جعل اليان ما يضاد اليان‪،‬‬
‫ومنهم من جعل اليان ما ل يعتب ف اليان‪ ،‬ومنهم من جعله ما هو شرط فيه ول يكفي ف‬

‫‪120‬‬
‫حصوله‪ ،‬ومنهم من اشترط ف ثبوته ما يناقضه و يضاده‪ ،‬ومنهم من اشترط فيه ما ليس منه‬
‫بوجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬

‫اليان‬
‫واليان وراء ذلك كله‪ ،‬و هو حقي قة مرك بة من‪ :‬معر فة ما جاء به الر سول صلى ال عليه‬
‫وسلم علما‪ ،‬والتصديق به عقدا‪ ،‬والقرار به نطقا‪ ،‬والنقياد له مبة وخضوعا‪ ،‬والعمل به‬
‫باطنــــــا وظاهرا وتنفيذه والدعوة إليــــــه بســــــب المكان‪.‬‬

‫وكماله‪ :‬ف ال ب ف ال والب غض ف ال والعطاء ل وال نع ل وأن يكون ال وحده إل ه و‬


‫معبوده‪.‬‬
‫والطريق إليه‪ :‬تريد متابعة رسوله ظاهرا وباطنا‪ ،‬وتغميض عي القلب عن اللتفات إل ما‬
‫ــــــــق‪.‬‬
‫ــــــــوله‪ ،‬وبال التوفيـ‬
‫ــــــــوى ال ورسـ‬
‫سـ‬
‫ومن اشتغل بال عن نفسه كفاه ال مؤونة نفسه‪ ،‬ومن اشتغل بال عن الناس كفاه ال مؤونة‬
‫الناس ‪ ،‬ومن اشتغل بنفسه عن ال وكله ال إل نفسه‪ ،‬ومن اشتغل بالناس عن ال وكله ال‬
‫إليهــــــــــــــــــــــــــــــــــــم‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫أصول السعادة‬
‫إنا يد الشقة ف ترك الألوفات والعوائد من تركها لغي ال‪ ،‬أما من تركها صادقا ملصا من‬
‫قلبه ل فإنه ل يد ف تركها مشقة إل ف أول وهلة ليمتحن أصادق هو ف تركها أم كاذب‪،‬‬
‫فإن صب على تلك الشقة قليل استحالت لذة‪ :‬قال ابن سيين‪ :‬سعت شريا يلف بال ما‬
‫ترك ع بد ل شيئا فو جد فقده‪ .‬وقول م ‪ « :‬من ترك ل شيئا عو ضه ال خيا م نه » حق‪،‬‬
‫والعوض أنواع متل فة ‪ ،‬وأجلّ ما يعوض به‪ :‬ال نس بال ومب ته وطمأني نة القلب به وقو ته‬
‫ونشاطــــــه وفرحــــــه ورضاه عــــــن ربــــــه تعال‪.‬‬

‫أغـــب الناس مـــن ضـــل فـــ آخـــر ســـفره وقـــد قارب النل‪.‬‬
‫العقول الؤيدة بالتوف يق ترى أن ما جاء به الر سول صلى ال عل يه و سلم هو ال ق الوا فق‬
‫للعقل والكمة‪ .‬والعقول الضروبة بالذلن ترى العارضة بي العقل والنقل وبي الكمة و‬
‫الشرع‪.‬‬
‫أقرب الو سائل إل ال ملز مة ال سنة والوقوف مع ها ف الظا هر والبا طن ودوام الفتقار إل‬
‫ال وإرادة وج هه وحده بالقوال والفعال‪ ،‬و ما و صل أ حد إل ال إل من هذه الثل ثة و ما‬
‫انقطـــع عنـــه أحـــد إل بانقطاعـــه عنهـــا أو عـــن أحدهـــا‪.‬‬
‫الصول الت انبن عليها سعادة العبد ثلثة‪ ،‬ولكل واحد منها ضد‪ ،‬فمن فقد ذلك الصل‬
‫حصـل على ضده‪ :‬التوحيـد وضده الشرك‪ ،‬والسـنة وضدهـا البدعـة‪ ،‬والطاعـة وضدهـا‬
‫العصية‪ .‬ولذه الثلثة ضد واحد وهو خلو القلب من الرغبة ف ال وفيما عنده ومن الرهبة‬
‫منـــــــــــــــــه وماـــــــــــــــــ عنده‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫أهل الدى وأهل الضلل‬
‫قال تعال‪ « :‬وكذلك نفصل اليات ولتستبي سبيل الجرمي» سورة النعام ‪ ،‬الية‪55 :‬‬
‫‪ ،‬وقال ‪ « :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبي له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نوله ما‬
‫تول‪ » ...‬سورة الن ساء ‪ ،‬ال ية‪ 115 :‬ال ية ‪ ،‬وال تعال قد ب ي ف كتا به سبيل الؤمن ي‬
‫مفصلة وسبيل الجرمي مفصلة‪ ،‬وعاقبة هؤلء مفصلة وعاقبة هؤلء مفصلة‪ ،‬وأعمال هؤلء‬
‫وأعمال هؤلء‪ ،‬وأولياء هؤلء وأولياء هؤلء‪ ،‬وخذلنـه لؤلء وتوفيقـه لؤلء‪ ،‬والسـباب‬
‫التـ وفـق باـ هؤلء والسـباب التـ خذل باـ هؤلء‪ ،‬و جلى سـبحانه المريـن فـ كتابـه‬
‫وكشفهما وأوضحهما وبينهما غاية البيان حت شاهدتما البصائر كمشاهدة البصار الضياء‬
‫والظلم‪.‬‬

‫فالعالون بال وكتا به ودي نه عرفوا سبيل الؤمن ي معر فة تف صيلية‪ ،‬و سبيل الجرم ي معر فة‬
‫تفصـيلية ‪ ،‬فاسـتبانت لمـ السـبيلن كمـا يسـتبي للسـالك الطريـق الوصـل إل مقصـوده‬
‫والطريق الوصل إل اللكة ‪ .‬فهؤلء أعلم اللق وأنفعهم للناس وأنصحهم لم وهم الدلء‬
‫الداة ‪ ،‬وبذلك برز ال صحابة على ج يع من أ تى بعد هم إل يوم القيا مة ‪ ،‬فإن م نشئوا ف‬
‫سبيل الضلل والك فر والشرك وال سبل الو صلة إل اللك وعرفو ها مف صلة ‪ ،‬ث جاء هم‬
‫الر سول فأخرج هم من تلك الظلمات إل سبيل الدى و صراط ال ال ستقيم ‪ ،‬فخرجوا من‬
‫الظلمة الشديدة إل النور التام ومن الشرك إل التوحيد ‪ ،‬ومن الهل إل العلم ‪ ،‬ومن الغي‬
‫إل الرشاد ‪ ،‬ومن الظلم إل العدل‪ ،‬ومن الية والعمى إل الدى والبصائر ‪ ،‬فعرفوا مقدار‬
‫ما نالوه وظفروا به ‪ ،‬ومقدار ما كانوا ف يه ‪ .‬فإن ال ضد يظ هر ح سنه ال ضد ‪ ،‬وإن ا ت تبي‬
‫الشياء بأضداد ها ‪ .‬فازدادوا رغ بة وم بة في ما انتقلوا إل يه ‪ ،‬و نفرة وبغ ضا ل ا انتقلوا ع نه‪،‬‬
‫وكانوا أحب الناس ف التوحيد واليان والسلم وأبغض الناس ف ضده ‪ ،‬عالي بال سبيل‬
‫على التفصــــــــــــــــــــــــــــــــيل ‪.‬‬

‫وأما من جاء بعد الصحابة ‪ ،‬فمنهم من نشأ ف السلم غي عال تفصيل ضده فالتبس عليه‬
‫بعض تفاصيل سبيل الؤمني بسبيل الجرمي‪ ،‬فإن اللبس إنا يقع إذا ضعف العلم بالسبيلي‬

‫‪123‬‬
‫أو أحده ا ك ما قال ع مر بن الطاب ‪ :‬إن ا تن قض عرى ال سلم عروة عروة إذا ن شأ ف‬
‫السـلم مـن ل يعرف الاهليـة ‪ ،‬وهذا مـن كمال عمـر رضـي ال عنـه ‪ ،‬فإنـه إذا ل يعرف‬
‫الاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى ال عليه فإنه من الاهلية ‪،‬‬
‫فإناــ منســوبة إل الهــل ‪ ،‬وكــل مــا خالف الرســول فهــو مــن الهــل ‪.‬‬

‫فمن ل يعرف سبيل الجرم ي ول ت ستب له أوشك أن يظن ف بعض سبيلهم أن ا من سبيل‬
‫الؤمن ي ‪ ،‬ك ما و قع ف هذه ال مة من أمور كثية ف باب العتقاد والعلم والع مل هي من‬
‫سبيل الجرم ي والكفار وأعداء الر سل ‪ ،‬أدخل ها من ل يعرف أن ا من سبيلهم ف سبيل‬
‫الؤمني ودعا إليه وكفر من خالفها واستحل منه ما حرمه ال ورسوله كما وقع لكثر أهل‬
‫البدع من الهم ية والقدر ية والوارج و الروا فض وأشباه هم م ن ابتدع بد عة ود عا إلي ها‬
‫وكفـــــــــــر مـــــــــــن خالفهـــــــــــا ‪.‬‬

‫الناس ف هذا الوضع أربع فرق‬


‫«الفرقـة الول ‪ » :‬مـن اسـتبان له سـبيل الؤمنيـ وسـبيل الجرميـ على التفصـيل علمـا‬
‫وعمل ‪ ،‬وهؤلء أعلم اللق‪.‬‬
‫«الفر قة الثان ية ‪ » :‬من عم يت ع نه ال سبيلن من أشباه النعام‪ ،‬وهؤلء ب سبيل الجرم ي‬
‫ــــــــــلك ‪.‬‬
‫ــــــــــ أسـ‬
‫ــــــــــر ولاـ‬
‫أحضـ‬
‫«الفرقة الثالثة ‪ » :‬من صرف عنايته إل معرفة سبيل الؤمني دون ضدها فهو يعرف ضدها‬
‫من حيث الملة والخالفة‪ ،‬وأن كل ما خالف سبيل الؤمني فهو باطل وإن ل يتصوره على‬
‫التفصيل ‪ ،‬بل إذا سع شيئا ما خالف سبيل الؤمني صرف سعه عنه ول يشغل نفسه بفهمه‬

‫‪124‬‬
‫ومعر فة و جه بطل نه‪ ،‬و هو بنلة من سلمت نف سه من إرادة الشهوات فلم ت طر بقل به ول‬
‫تدعه إليها نفسه‪ ،‬بلف الفرقة الول‪ ،‬فإنم يعرفونا وتيل إليها نفوسهم وياهدونا على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــا ال‪.‬‬
‫تركهـ‬
‫و قد كتبوا إل ع مر بن الطاب ي سألونه عن هذه ال سألة أيه ما أف ضل‪ :‬ر جل ل ت طر له‬
‫الشهوات ول تر بباله‪ ،‬أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها ل؟ فكتب عمر‪ :‬إن الذي تشتهي‬
‫نف سه العا صي ويترك ها ل عز و جل من الذ ين امت حن ال قلوب م للتقوى ل م مغفرة وأ جر‬
‫عظيــــــــــــــــــــــــــــــــــــم‪.‬‬

‫وهكذا من عرف البدع والشرك والبا طل وطر قه فأبغض ها ل وحذر ها وحذر من ها ودفع ها‬
‫عن نفسه ول يدعها تدش وجه إيانه ول تورثه شبهة ول شكا‪ ،‬بل يزداد بعرفتها بصية ف‬
‫ال ق ومبة له‪ ،‬وكراهة لا و نفرة عنها‪ ،‬أف ضل من ل ت طر بباله ول تر بقلبه‪ .‬فإنه كل ما‬
‫مرت بقلبه وتصورت له ازداد مبة للحق ومعرفة بقدره وسرورا به‪ ،‬فيقوى إيانه به‪ .‬كما‬
‫أن صاحب خوا طر الشهوات والعا صي كل ما مرت به فر غب عن ها إل ضد ها ازداد م بة‬
‫لضدها ورغبة فيه وطلبا له وحرصا عليه‪ ،‬فما ابتلى ال سبحانه عبده الؤمن بحبة الشهوات‬
‫والعاصي وميل نفسه إليها إل ليسوقه با إل مبة ما هو أفضل منها وخي له وأنفع وأدوم ‪،‬‬
‫وليجاهد نفسه على تركها له سبحانه فتورثه تلك الجاهدة الوصول إل الحبوب العلى ‪.‬‬

‫فكلما نازعته نفسه إل تلك الشهوات واشتدت إرادته لا وشوقه إليها‪ ،‬صرف ذلك الشوق‬
‫والرادة والحبـة إل النوع العال الدائم‪ ،‬فكان طلبـه له أشـد وحرصـه عليـه أتـ‪ ،‬بلف‬
‫النفس الباردة الالية من ذلك‪ ،‬فإنا وإن كانت طالبة للعلى لكن بي الطلبي فرق عظيم‪.‬‬
‫أل ترى أن مـن مشـى إل مبوبـه على المـر والشوك أعظـم منـ مشـى إليـه راكبـا على‬
‫النجائب فليس من آثر مبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها إل غيه ‪ ،‬فهو‬
‫سـبحانه يبتلي عبده بالشهوات‪ ،‬إمـا حجابـا له عنـه‪ ،‬أو حاجبـا له يوصـله إل رضاه وقربـه‬
‫وكرامتـــــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬

‫«الفرقة الرابعة‪ »:‬فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة‪ ،‬وسبيل الؤمني مملة ‪،‬‬

‫‪125‬‬
‫وهذا حال كث ي م ن اعت ن بقالت ال مم ومقالت أ هل البدع‪ ،‬فعرف ها على التف صيل ول‬
‫يعرف ما جاء به الر سول كذلك‪ ،‬بل عر فه معر فة مملة وإن تف صلت له ف ب عض الشياء‬
‫ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عيانا‪ .‬وكذلك من كان عارفا بطرق الشر والظلم والفساد على‬
‫التفصيل سالكا لا‪ ،‬إذا تاب ورجع عنها إل سبيل البرار يكون علمه با ممل غي عارف‬
‫باــ على التفصــيل معرفــة مــن أفنــ عمره فــ تصــرفها وســلوكها‪.‬‬

‫والقصود أن ال سبحانه يب أن تعرف سبيل أعدائه لتجتنب وتبغض ‪ ،‬كما يب أن تعرف‬


‫سبيل أوليائه لتحب وتسلك‪ .‬وف هذه العرفة من الفوائد والسرار ما ل يعلمه إل ال من‬
‫معر فة عموم ربوبي ته سبحانه‪ ،‬وحكم ته وكمال أ سائه و صفاته وتعلق ها بتعلقات ا واقتفائ ها‬
‫لثارها وموجباتا‪ .‬وذلك من أعظم الدللة على ربوبيته وملكه وإليته وحبه وبغضه وثوابه‬
‫وعقابـــــــــــــــــــــــــــــــه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫أرباب الوائج على باب اللك يسـألون قضاء حوائجهـم‪ ،‬وأولياؤه الحبون له الذيـن هـو‬
‫ههـم ومرادهـم جلسـاؤه وخواصـه‪ ،‬فإذا أراد قضاء حاجـة واحـد مـن أولئك أذن لبعـض‬
‫جلسائه وخاصته أن يشفع فيه رحة له وكرامة للشافع‪ ،‬وسائر الناس مطرودون عن الباب‬
‫ــــــــــــــد‪.‬‬
‫ــــــــــــــياط البعـ‬
‫مضروبون بسـ‬

‫عشرة ل ينتفع با‬


‫عشرة أشياء ضائعة ل ينتفع با‪ :‬علم ل يعمل به‪ ،‬وعمل ل إخلص فيه ول اقتداء‪ ،‬ومال ل‬
‫ينفق منه فل يستمتع به جامعه ف الدنيا ول يقدمه أمامه إل الخرة‪ ،‬وقلب فارغ من مبة‬
‫ال والشوق إليـه والنـس بـه‪ ،‬وبدن معطـل مـن طاعتـه وخدمتـه‪ ،‬ومبـة ل تتقيـد برضاء‬
‫الحبوب وامتثال أوامره‪ ،‬ووقت معطل عن استدراك فارط أو اغتنام بر وقربة‪ ،‬وفكر يول‬

‫‪126‬‬
‫فيما ل ينفع‪ ،‬وخدمة من ل تقربك خدمته إل ال ول تعود عليك بصلح دنياك‪ ،‬وخوفك‬
‫ورجاؤك لن ناصيته بيد ال وهو أسي ف قبضته ول يلك لنفسه ضرا ول نفعا ول موتا ول‬
‫حياة ول نشورا‪.‬‬

‫وأع ظم هذه الضاعات إضاعتان ه ا أ صل كل إضا عة‪ :‬إضا عة القلب وإضا عة الو قت‪،‬‬
‫فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الخرة‪ ،‬وإضاعة الوقت من طول المل‪ ،‬فاجتمع الفساد‬
‫كله فـ اتباع الوى وطول المـل‪ ،‬والصـلح كله فـ اتباع الدى والسـتعداد للقاء ال ‪،‬‬
‫وال الســـــــــــــــــــــــــــــــــتعان‪.‬‬
‫الع جب م ن تعرض له حا جة في صرف رغب ته وه ته في ها إل ال ليقضي ها له ول يت صدى‬
‫للسؤال لياة قلبه من موت الهل والعراض وشفائه من داء الشهوات والشبهات ‪ ،‬ولكن‬
‫إذا مات القلب ل يشعـــــــــــــر بعصـــــــــــــيته‪.‬‬

‫حق العبودية‬
‫ل سبحانه على عبده أمر أمره به‪ ،‬وقضاء يقضيه عليه‪ ،‬ونعمة ينعم با عليه فل ينفك عن‬
‫هذه الثل ثة‪ .‬والقضاء نوعان‪ :‬إ ما م صائب وإ ما معا يب‪ ،‬وله عل يه عبود ية ف هذه الرا تب‬
‫كلها‪ ،‬فأحب اللق إليه من عرف عبوديته ف هذه الراتب ووفاها حقها‪ ،‬فهذا أقرب اللق‬
‫إليه‪ .‬وأبعدهم منه من جهل عبوديته ف هذه الراتب فعطلها علما وعمل‪ .‬فعبوديته ف المر‪:‬‬
‫امتثاله إخل صا واقتداء بر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ .‬و ف الن هي‪ :‬اجتنا به خو فا م نه‬
‫وإجلل ومبة‪ .‬وعبودي ته ف قضاء الصائب‪ :‬ال صب علي ها ث الر ضا ب ا و هو أعلى م نه‪ ،‬ث‬
‫الشكر عليها وهو أعلى من الرضا‪ ،‬وهذا إنا يتأتى منه إذا تكن حبه من قلبه وعلم حسن‬

‫‪127‬‬
‫اختياره له وبره بــه ولطفــه بــه وإحســانه إليــه بالصــيبة وإن كره الصــيبة‪.‬‬
‫وعبودي ته ف قضاء العا يب‪ :‬البادرة إل التو بة من ها والتن صل‪ ،‬والوقوف ف مقام العتذار‬
‫والنك سار ‪ ،‬عال ا بأ نه ل يرفع ها ع نه إل هو ‪ ،‬ول يق يه شر ها سواه ‪ ،‬وأن ا إن ا ستمرت‬
‫أبعد ته من قر به وطرد ته من با به‪ ،‬فيا ها من ال ضر الذي ل يكش فه غيه‪ ،‬ح ت أ نه ليا ها‬
‫أعظــــــــــم مــــــــــن ضــــــــــر البدن‪.‬‬

‫فهو عائذ برضاه من سخطه‪ ،‬وبعفوه من عقوبته‪ ،‬و به منه ‪ ،‬مستجي وملتجئ‪ ،‬منه إليه ‪،‬‬
‫يعلم أ نه إن تلى ع نه وخلى بي نه وب ي نف سه فعنده أمثال ا و شر من ها‪ ،‬وأ نه ل سبيل له إل‬
‫القلع والتوبـة إل بتوفيقـه وإعانتـه‪ ،‬وأن ذلك بيده سـبحانه ل بيـد العبـد‪ ،‬فهـو أعجـز‬
‫وأض عف وأ قل من أن يو فق نف سه أو يأ ت برضاة سيده بدون إذ نه ومشيئ ته وإعان ته‪ ،‬ف هو‬
‫ملتجئ إليه متضرع ذليل مسكي ‪ ،‬مُلْقٍ نفسه بي يديه ‪ ،‬طريح ببابه ‪ ،‬مستخز له أذل شيء‬
‫وأك سره له‪ ،‬وأفقره وأحو جه إل يه‪ ،‬وأرغ به ف يه وأح به له‪ ،‬بد نه مت صرف ف أشغاله‪ ،‬وقل به‬
‫ساجد بي يديه‪ ،‬يعلم يقينا أنه ل خي فيه ول له ول به ول منه‪ ،‬وأن الي كله ل وف يديه‬
‫و به ومنه‪ ،‬فهو ول نعمته‪ ،‬ومبتدئه با من غي استحقاق ومربا عليه مع تقته إليه بإعراضه‬
‫وغفلتـه ومعصـيته‪ ،‬فحظـه سـبحانه المـد والشكـر والثناء ‪ ،‬وحـظ العبـد الذم والنقـص‬
‫والعيب‪ ،‬قد استأثر بالحامد والدح والثناء‪ ،‬وول العبد اللمة والنقائص والعيوب‪ ،‬فالمد‬
‫كله له‪ ،‬وال ي كله ف يده‪ ،‬والف ضل كله له والثناء له وال نة كل ها له‪ ،‬فم نه الح سان و من‬
‫العبد الساءة ‪ ،‬ومنه التودد إل العبد بنعمه ومن العبد التبغض إليه بعاصيه‪ ,‬ومنه النصح‬
‫لعبده ومـــــن العبـــــد الغـــــش له فـــــ معاملتـــــه‪.‬‬

‫وأمـا عبوديـة النعـم فمعرفتهـا والعتراف باـ أول ‪ ،‬ثـ العياذ بـه أن يقـع فـ قلبـه نسـبتها‬
‫وإضافتها إل سواه وإن كان سببا من السباب فهو مسببه ومقيمه ‪ ،‬فالنعمة منه وحده بكل‬
‫وجـه واعتبار ثـ الثناء باـ عليـه ومبتـه عليهـا وشكره بأن يسـتعملها فـ طاعتـه‪.‬‬
‫و من لطائف التع بد بالن عم أن ي ستكثر قليل ها عل يه‪ ،‬وي ستقل كث ي شكره علي ها‪ ،‬ويعلم أن ا‬
‫وصلت إليه من سيده من غي ثن بذله فيها ول وسيلة منه توسل با إليه ول استحقاق منه‬
‫لا‪ ،‬وأنا ل ف القيقة ل للعبد فل تزيده النعم إل انكسارا وذل وتواضعا ومبة للمنعم ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫وكل ما جدد له نع مة ر ضي ‪ ،‬وكل ما أحدث ذن با أحدث له تو بة وانك سارا واعتذارا‪ .‬فهذا‬
‫هـــو العبـــد الكيـــس‪ ،‬والعاجـــز بعزل عـــن ذلك‪ ،‬وبال التوفيـــق‪.‬‬

‫حلوة التوكل على ال‬


‫من ترك الختيار والتدبي ف رجاء زيادة أو خوف نقصان أو طلب صحة أو فرار من سقم‪،‬‬
‫وعلم أن ال على كل شيء قدير‪ ،‬وأنه التفرد بالختيار والتدبي‪ ،‬وأن تدبيه لعبده خي من‬
‫تدبي العبد لنفسه‪ ،‬وأنه أعلم بصلحته من العبد وأقدر على جلبها وتصيلها منه‪ ،‬وأنصح‬
‫للعبد منه لنفسه‪ ،‬وأرحم به منه بنفسه ‪ ،‬وأبر به منه بنفسه‪ .‬وعلم مع ذلك أنه ل يستطيع‬
‫أن يتقدم بي يدي تدبيه خطوة واحدة ول يتأخر عن تدبيه له خطوة واحدة‪ ،‬فل متقدم له‬
‫بي يدي تدبيه خطوة واحدة ول يتأخر عن تدبيه له خطوة واحدة‪ ،‬فل متقدّم له بي يدي‬
‫قضائه وقدره ول متأخّ ر‪ ،‬فأل قى نف سه ب ي يد يه و سلم ال مر كله إل يه‪ ،‬و انطرح ب ي يد يه‬
‫انطراح عبد ملوك ضعيف بي يدي ملك عزيز قاهر‪ ،‬له التصرف ف عبده بكل ما يشاء ‪،‬‬
‫وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه‪ ،‬فاستراح حينئذ من الموم و الغموم و النكاد‬
‫والســــــــــــــــــــــــــــــــــرات‪.‬‬

‫وحل كله وحوائجه وم صاله ومن ل يبال بملها ول يثقله ول يكترث ب ا‪ ،‬فتولها دونه‬
‫وأراه لط فه وبره ورح ته وإح سانه في ها من غ ي ت عب من الع بد ول ن صب ول اهتمام م نه؛‬
‫ل نه قد صرف اهتما مه كله إل يه وجعله وحده ه ه ف صرف ع نه اهتما مه بوائ جه وم صال‬
‫دنياه وفرغ قلبه منها‪ ،‬فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه‪ .‬وإن أب إل‬
‫تدبيه لنفسه واختياره لا واهتمامه بظه‪ ،‬دون حق ربه‪ ،‬خله وما اختاره و وله ما تول‪،‬‬
‫فحضره ال م وال غم والزن والن كد والوف والت عب وك سف البال و سوء الال‪ ،‬فل قلب‬

‫‪129‬‬
‫يصفو ول عمل يزكو ول أمل يصل ول راحة يفوز با ول لذة يتهن با‪ ،‬بل قد حيل بينه‬
‫وبي مسرته وفرحه وقرة عينه‪ ،‬فهو يكدح ف الدنيا كدح الوحش ول يظفر منها بأمل ول‬
‫يتزود من ها لعاد‪ ،‬وال سبحانه قد أ مر الع بد بأ مر وض من له ضما نا‪ ،‬فإن قام بأمره بالن صح‬
‫والصدق والخلص والجتهاد‪ ،‬فإنه سبحانه ضمن الرزق لن عبده‪ ،‬والنصر لن توكل عليه‬
‫واستنصر به‪ ،‬والكفاية لن كان هو هه ومراده‪ ،‬والغفرة لن استغفره‪ ،‬وقضاء الوائج لن‬
‫صدَقَه ف طلبها ووثق به وقوي رجاؤه وطمعه ف فضله وجوده‪ .‬فالفطن الكيس إنا يهتم‬
‫َ‬
‫بأمره وإقامتـه وتوفيقـه ل بضمانـه‪ ،‬فإنـه الوفـ الصـادق‪ ،‬ومـن أوفـ بعهده مـن ال‪ .‬فمـن‬
‫علمات السعادة صرف اهتمامه إل أمر ال دون ضمانه ‪ .‬ومن علمات الرمان فراغ قلبه‬
‫مــن الهتمام بأمره وحبــه وخشيتــه والهتمام بضمانــه ‪ ،‬وال الســتعان‪.‬‬

‫وصـدّيق ‪ ،‬فالعابـد يعبـد ال مـع‬


‫قال بشـر بـن الارث‪ :‬أهـل الخرة ثلثـة‪ :‬عابـد وزاهـد ِ‬
‫العلئق ‪ ،‬والزا هد يعبده على ترك العلئق ‪ ،‬والصديق يعبده على الر ضا والواف قة ‪ ،‬إن أراه‬
‫أخـــــذ الدنيـــــا أخذهـــــا وإن أراه تركهـــــا تركهـــــا‪.‬‬

‫الشاقة و الحادة‬
‫إذا كان ال ورسـوله فـ جانـب فاحذر أن تكون فـ الانـب الخـر‪ ،‬فإن ذلك يفضـي إل‬
‫الشاقة و الحادة‪ ،‬وهذا أصلها ومنه اشتقاقها‪ ،‬فإن الشاقة أن يكون ف شق ومن يالفه ف‬
‫شق‪ ،‬و الحادة أن يكون ف حد و هو ف حد‪ ،‬ول ت ستسهل هذا فإن مبادئه ت ر إل غاي ته‪،‬‬
‫وقليله يد عو إل كثيه ‪ ،‬و كن ف الا نب الذي ف يه ال ور سوله وإن كان الناس كل هم ف‬
‫الانب الخر‪ ،‬فإن لذلك عواقب هي أحد العواقب وأفضلها‪ ،‬وليس للعبد أنفع من ذلك‬
‫ف دنياه قبل آخرته ‪ ،‬وأكثر اللق إنا يكونون ف الانب الخر‪ ،‬ول سيما إذا قويت الرغبة‬

‫‪130‬‬
‫والرهبة ‪ ،‬فهناك ل تكاد تد أحدا ف الانب الذي فيه ال ورسوله ‪ ،‬بل يعده الناس ناقص‬
‫العقل سيئ الختيار لنفسه‪ ،‬وربا نسبوه إل النون ‪ ،‬وذلك من مواريث أعداء الرسل فإنم‬
‫نسبوهم إل النون لا كانوا ف شق وجانب والناس ف شق وجانب آخر‪ ،‬ولكن من وطن‬
‫نف سه على ذلك فإ نه يتاج إل علم را سخ ب ا جاء به الر سول يكون يقي نا له ل ر يب عنده‬
‫فيه‪ ،‬وإل صب تام على معاداة من عاداه و لومة من لمه‪ ،‬ول يتم له ذلك إل برغبة قوية ف‬
‫ال والدار الخرة‪ ،‬ب يث تكون الخرة أ حب إل يه من الدن يا وآ ثر عنده من ها‪ ،‬ويكون ال‬
‫ورسوله أحب إليه ما سواها ‪ ،‬وليس شيء أصعب على النسان من ذلك ف بادئ المر‪،‬‬
‫فإن نف سه وهواه وطب عه وشيطا نه وإخوانه ومعاشرته من ذلك الا نب يدعو نه إل العا جل‪،‬‬
‫فإذا خالفهم تصدوا لربه‪ ،‬فإن صب وثبت جاءه العون من ال وصار ذلك الصعب سهل‪،‬‬
‫وذلك الل لذة‪ ،‬فإن الرب شكور‪ ،‬فل بـد أن يذيقـه لذة تيزه إل ال وإل رسـوله ويريـه‬
‫كرامة ذلك فيشتد به سروره وغبطته ويبتهج به قلبه ويظفر بقوته وفرحه وسروره ويبقى‬
‫من كان ماربا له على ذلك بي هائب له ومسال له ومساعد وتارك‪ ،‬ويقوى جنده ويضعف‬
‫جنــــــــــــــــــــــــــــــــــد العدو‪.‬‬

‫ول ت ستصعب مالفة الناس والتح يز إل ال ور سوله ولو ك نت وحدك فإن ال م عك وأ نت‬
‫بعينه و كلءته وحفظه لك‪ ،‬وإنا امتحن يقينك وصبك ‪ .‬وأعظم العوان لك على هذا _‬
‫بعد عون ال _ التجرد من الطمع والفزع ‪ ،‬فمت تردت منهما هان عليك التحيز إل ال‬
‫ورسوله‪ ،‬وكنت دائما ف الانب الذي فيه ال ورسوله‪ ،‬ومت قام بك الطمع والفزع فل‬
‫تط مع ف هذا ال مر ول تدث نف سك به‪ .‬فإن قلت‪ :‬فبأي ش يء أ ستعي على التجرد من‬
‫الطمع ومن الفزع ؟ قلت‪ :‬بالتوحيد والتوكل والثقة بال وعلمك بأنه ل يأت بالسنات إل‬
‫هـو‪ ،‬ول يذهـب بالسـيئات إل هـو‪ ،‬وأن المـر كله ل ليـس لحـد مـع ال شيـء‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫كيف تصلح حالك ؟‬
‫هلم إل الدخول على ال وماورته ف دار السلم بل نصب ول تعب ول عناء بل من أقرب‬
‫الطرق وأ سهلها ‪ .‬وذلك أ نك ف و قت ب ي وقت ي و هو ف القي قة عمرك ‪ ،‬و هو وق تك‬
‫الاضر بي ما مضى وما يستقبل ‪ ،‬فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والستغفار ‪ ،‬وذلك‬
‫شيء ل تعب عليك فيه ول نصب ول معاناة عمل شاق ‪ ،‬إنا هو عمل قلب ‪ .‬وتتنع فيما‬
‫يستقبل من الذنوب ‪ ،‬وامتناعك ترك وراحة ليس هو عمل بالوارح يشق عليك معاناته‪،‬‬
‫وإن ا هو عزم ون ية جاز مة تر يح بد نك وقل بك و سرك ‪ ،‬ف ما م ضى ت صلحه بالتو بة ‪ ،‬و ما‬
‫ي ستقبل ت صلحه بالمتناع والعزم والن ية ‪ ،‬ول يس ف الوارح ف هذ ين ن صب ول ت عب ‪،‬‬
‫ولكـن الشأن فـ عمرك وهـو وقتـك الذي بيـ الوقتيـ‪ ،‬فإن أضعتـه أضعـت سـعادتك‬
‫وناحك ‪ ،‬وإن حفظته مع إصلح الوقتي اللذين قبله وبعده با ذكر نوت وفزت بالراحة‬
‫واللذة والنعيم ‪ .‬وحفظه أشق من إصلح ما قبله وما بعده ‪ ،‬فإن حفظه أن تلزم نفسك با‬
‫هو أول با وأنفع لا وأعظم تصيل لسعادتا ‪ .‬وف هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت ‪ ،‬فهي‬
‫وال أيا مك الال ية ال ت ت مع في ها الزاد لعادك ‪ ،‬إ ما إل ال نة وإ ما إل النار ‪ ،‬فإن اتذت‬
‫إليها سبيل إل ربك بلغت السعادة العظمى والفوز الكب ف هذه الدة اليسية الت ل نسبة‬
‫ل ا إل ال بد ‪ ،‬وإن آثرت الشهوات و الراحات والل هو والل عب انق ضت ع نك ب سرعة و‬
‫أعقبتك الل العظيم الدائم الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصب عن‬
‫مارم ال والصــــــب على طاعتــــــه ومالفتــــــه الوى لجله ‪.‬‬

‫علمة صحة الرادة‬

‫‪132‬‬
‫علمة صحة الرادة أن يكون هم الريد رضا ربه واستعداده للقائه وحزنه على وقت مر ف‬
‫غي مرضاته وأسفه على قربة والنس به ‪ .‬وجاع ذلك أن يصبح ويسي وليس له هم غيه‪.‬‬

‫الزهد ف الدنيا‬
‫إذا استغن الناس بالدنيا فاستغن أنت بال ‪ ،‬وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بال ‪ ،‬وإذا أنسوا‬
‫بأحبابم فاجعل أنسك بال ‪ ،‬وإذا تعرفوا على ملوكهم وكبائهم وتقربوا إليهم لينالوا بم‬
‫ـة‪.‬‬
‫ـز والرفعـ‬
‫ـة العـ‬
‫ـل بذلك غايـ‬
‫ـه تنـ‬
‫ـت إل ال وتودد إليـ‬
‫ـة فتعرف أنـ‬
‫العزة والرفعـ‬
‫قال ب عض الزهاد ‪ :‬ما عل مت أن أحدا سع بال نة والنار تأ ت عل يه ساعة ل يط يع ال في ها‬
‫بذكـر أو صـلة أو قراءة أو إحسـان ‪ ،‬فقال له رجـل‪ :‬إنـ أكثـر البكاء ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنـك إن‬
‫تض حك وأ نت م قر بطيئ تك خ ي من أن تب كي وأ نت مدل بعملك ‪ ،‬وإن الدل ل ي صعد‬
‫عمله فوق رأسـه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أوصـن ‪ ،‬فقال ‪ :‬دع الدنيـا لهلهـا كمـا تركوا هـم الخرة‬
‫لهلهـا ‪ ،‬وكـن فـ الدنيـا كالنحلة إن أكلت أكلت طيبـا وإن أطعمـت أطعمـت طيبـا وإن‬
‫ســــــقطت على شيــــــء ل تكســــــره ول تدشــــــه ‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫أقسام الزهد‬
‫الز هد أق سام ‪ :‬ز هد ف الرام و هو فرض ع ي ‪ .‬وز هد ف الشبهات و هو ب سب مرا تب‬
‫الشبهة ‪ ،‬فإن التحقن بالواجب وإن ضعفت كان مستحبا‪ .‬وزهد ف الفضول‪ .‬وزهد فيما ل‬
‫يع ن من الكلم والن ظر والسؤال واللقاء وغيه‪ .‬وزهد ف الناس ‪ .‬وز هد ف النفس بيث‬
‫تون عل يه نف سه ف ال ‪ .‬وز هد جا مع لذلك كله و هو الز هد في ما سوى ال و ف كل ما‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــه ‪.‬‬
‫شغلك عنـ‬
‫وأفضل الزهد إخفاء الزهد ‪ ،‬وأصعبه الزهد ف الظوظ ‪ .‬والفرق بينه وبي الورع أن الزهد‬
‫ترك مـا ل ينفـع فـ الخرة ‪ ،‬والورع ترك مـا يشـى ضرره فـ الخرة ‪ .‬والقلب العلق‬
‫بالشهوات ل يصــــــــــــح له زهــــــــــــد ول ورع‪.‬‬
‫قال ي ي بن معاذ ‪ :‬عج بت من ثلث ‪ :‬ر جل يرائي ف عمله ملو قا مثله ويترك أن يعمله‬
‫ل ‪ ،‬ورجل يبخل باله وربه يستقرضه منه ول يقرضه منه شيئا ‪ ،‬ورجل يرغب ف صحبة‬
‫الخلوقيــــ ومودتمــــ ‪ ،‬وال يدعوه إل صــــحبته ومودتــــه ‪.‬‬

‫مالفة المر أعظم من عمل النهي عنه‬


‫قال سهل بن عبد ال ‪ :‬ترك المر عند ال أعظم من ارتكاب النهي؛ لن آدم ني عن أكل‬
‫الشجرة فأ كل من ها فتاب عل يه‪ ،‬وإبل يس أ مر أن ي سجد لدم فلم ي سجد فلم ي تب عل يه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه مسألة عظيمة لا شأن وهي أن ترك الوامر أعظم عند ال من ارتكاب الناهي‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــن وجوه عديدة‪:‬‬
‫وذلك مـ‬
‫«أحدهـــا ‪ » :‬مـــا ذكره ســـهل مـــن شأن آدم وعدو ال إبليـــس‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫«الثا ن‪ »:‬أن ذ نب ارتكاب الن هي م صدره ف الغالب الشهوة والا جة‪ ،‬وذ نب ترك ال مر‬
‫مصدره ف الغالب الكب والعزة‪ ،‬ول يدخل النة من ف قلبه مثقال ذرة من كب‪ ،‬ويدخلها‬
‫مــــــن مات على التوحيــــــد وإن زنــــــا وســــــرق‪.‬‬
‫«الثالث‪ »:‬أن فعـل الأمور أحـب إل ال مـن ترك النهـي ‪ ،‬كمـا دل على ذلك النصـوص‬
‫كقوله صلى ال عليه وسلم ‪« :‬أحب العمال إل ال الصلة على وقتها» رواه مسلم ف‬
‫كتاب اليان وقوله‪ « :‬أل أنبئكم بي أعمالكم عند مليككم وأرفعها ف درجاتكم وخي‬
‫لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا‪ « :‬بلى يا رسول ال‬
‫» ‪ ،‬قال‪ « :‬ذكر ال» ‪ .‬وقوله‪ « :‬واعلموا أن خي أعمالكم الصلة» رواه ابن ماجة ف‬
‫كتاب الدب الباب ‪ . 53‬ورواه الترمذي ‪ :‬الدعوات ‪ . 6 /‬والنسـائي ‪ :‬اليان‪.1 /‬وغيـ‬
‫ـــــــــــــــوص‪.‬‬
‫ـــــــــــــــن النصـ‬
‫ذلك مـ‬

‫وترك النا هي ع مل فإ نه كف الن فس عن الف عل‪ ،‬ولذا علق سبحانه الح بة بف عل الوا مر‬
‫كقوله‪« :‬إن ال ي ب الذ ين يقاتلون ف سبيله صفا» سورة ال صف ‪ ،‬ال ية ر قم ‪« 4‬وال‬
‫يب الحسني» آل عمران ‪ . 134 :‬وقوله «وأقسطوا إن ال يب القسطي» الجرات‬
‫‪« 9 :‬وال يبـــــــــ الصـــــــــابرين» آل عمران ‪146 :‬‬

‫وأما ف جانب الناهي فأكثر ما جاء النفي للمحبة كقوله ‪« :‬وال ل يب الفساد» البقرة ‪:‬‬
‫‪ 205‬وقوله‪« :‬وال ل يبـــ كـــل متال فخور» الديـــد‪ 23 :‬ونظائره‪.‬‬
‫وأخيا ف موضع آخر أنه يكرهها ويسخطها ‪ ،‬كقوله ‪« :‬كل ذلك كان سيئه عند ربك‬
‫مكروهـا» البقرة ‪190 :‬وقوله ‪« :‬ذلك بأنمـ اتبعوا مـا أسـخط ال» النسـاء ‪36 :‬‬

‫إذا عرف هذا ففعـل مـا يبـه سـبحانه مقصـود بالذات‪ .‬ولذا يقدر مـا يكرهـه ويسـخطه‬
‫لفضائه إل ما يب‪ ،‬كما قدر العاصي والكفر والفسوق لا ترتب على تقديرها ما يبه من‬
‫لوازم ها من الهاد واتاذ الشهداء وح صول التوبـة مـن العبـد والتضرع إليـه وال ستكانة‬
‫وإظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه ‪ ،‬وحصول الوالة والعاداة لجله‪ ،‬وغي ذلك من الثار‬
‫الت وجودها بسبب تقديره ما يكره أحب إليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابا ‪ ،‬وهو سبحانه‬

‫‪135‬‬
‫ل يقدر ما يب لفضائه إل حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لفضائه إل ما‬
‫يبـــه‪ ،‬فعلم أن مـــا يبـــه أحـــب إليـــه ماـــ يكرهـــه‪.‬‬

‫«يوض حه الو جه الرا بع‪ »:‬أن ف عل الأمور مق صود لذا ته وترك الن هي مق صود لتكم يل ف عل‬
‫الأمور‪ ،‬ف هو من هي ع نه ل جل كو نه ي ل بف عل الأمور أو يضع فه وينق صه‪ ،‬ك ما ن به سبحانه‬
‫على ذلك ف النهي عن المر واليسر بكونما يصدان عن ذكر ال وعن الصلة‪ .‬فالنهيات‬
‫قوا طع وموا نع صادة عن ف عل الأمورات أو عن كمال ا‪ ،‬فالن هي عن ها من باب الق صود‬
‫لغيه ‪ ،‬والمـــــر بالواجبات مـــــن باب القصـــــود لنفســـــه‪.‬‬

‫«يوضحه الوجه الامس‪ »:‬أن فعل الأمورات من باب حفظ اليان وبقائها وترك النهيات‬
‫مـن باب الميـة عمـا يشوش قوة اليان ويرجهـا عـن العتدال‪ ،‬وحفـظ القوة مقدم على‬
‫الم ية‪ ،‬فإن القوة كل ما قو يت دف عت الواد الفا سدة وإذا ضع فت غل بت الواد الفا سدة ‪،‬‬
‫فالمية مرادة لغيها وهو حفظ القوة وزيادتا وبقاؤها‪ ،‬ولذا كلما قويت قوة اليان دفعت‬
‫الواد الرديئة ومنعت من غلبتها وكثرتا بسب القوة وضعفها ‪ ،‬وإذا ضعفت غلبت الواد‬
‫الفاســـــــــدة ‪ ،‬فتأمـــــــــل هذا الوجـــــــــه‪.‬‬

‫«الوجـه السـادس‪ »:‬أن فعـل الأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينتـه وسـروره وقوة عينـه‬
‫ولذتـه ونعيمـه‪ ،‬وترك النهيات بدون ذلك ل يصـل له شيئا مـن ذلك ‪ ،‬فإنـه لو ترك جيـع‬
‫النهيات ول يأت باليان والعمال الأمور با ل ينفعه ذلك الترك شيئا وكان خالدا ملدا ف‬
‫النار‪.‬‬

‫وهذا ي تبي بالو جه ال سابع‪ :‬أن من ف عل الأمورات والنهيات ف هو إ ما ناج مطل قا إن غل بت‬
‫حسناته سيئاته‪ ،‬وإما ناج بعد أن يؤخذ منه الق ويعاقب على سيئاته فمآله إل النجاة وذلك‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــل الأمور‪.‬‬
‫بفعـ‬
‫ومن ترك الأمورات والنهيات فهو هالك غي ناج ول ينجو إل بفعل الأمور هو التوحيد‪.‬‬
‫فإن ق يل‪ :‬ف هو إن ا هلك بارتكاب الحظور و هو الشرك ‪ ،‬ق يل‪ :‬يك في ف اللك ترك ن فس‬

‫‪136‬‬
‫التوحيد الأمور به وإن ل يأت بضد وجودي من الشرك‪ ،‬بل مت خل قلبه من التوحيد رأسا‬
‫فلم يوحـد ال فهـو هالك وإن ل يعبـد معـه غيه ‪ ،‬فإذا انضاف إليـه عبادة غيه عذب على‬
‫ترك التوحيــــد الأمور بــــه وفعــــل الشرك النهــــي عنــــه‪.‬‬

‫«يوض حه الو جه الثا من‪ »:‬أن الد عو إل اليان إذا قال ‪ :‬ل أ صدق ول أكذب ول أ حب‬
‫ول أبغـض ول أعبده ول أعبـد غيه‪ ،‬كان كافرا بجرد الترك والعراض‪ ،‬بلف مـا إذا‬
‫قال‪ :‬أ نا أ صدق الر سول وأح به وأؤ من به وأف عل ما أمرن‪ ،‬ول كن شهو ت وإراد ت وطب عي‬
‫حاكمة علي ل تدعن أترك ما نان عنه وأنا أعلم أنه قد نان وكره ل فعل النهي ولكن ل‬
‫صب ل ع نه‪ ،‬فهذا ل ي عد كافرا بذلك‪ ،‬ول حك مه ح كم الول‪ ،‬فإن هذا مط يع من و جه‪،‬‬
‫وتارك الأمور جلة ل يعــــــــد مطيعــــــــا بوجــــــــه‪.‬‬

‫«يوضحه الوجه التاسع‪ »:‬أن الطاعة والعصية إنا تتعلق بالمر أصل وبالنهي تبعا‪ ،‬فالطيع‬
‫متثـل الأمور‪ ،‬والعاصـي تارك الأمور ‪ .‬قال تعال‪« :‬ل يعصـون ال مـا أمرهـم » سـورة‬
‫التحري ‪ ،‬الية رقم ‪6‬ـ وقال موسى لخيه‪« :‬ما منعك إذ رأيتهم ضلوا إل تتبعن أفعصيت‬
‫أمري» طه ‪،93 :‬وقال عمرو بن العاص عند موته ‪ :‬أنا الذي أمرتن فعصيت ‪ ،‬ولكن ل‬
‫إله إل أنـــت‪ .‬وقال الشاعـــر‪ :‬أمرتـــك أمرا جازمـــا فعصـــيتن‪.‬‬

‫والقصود من إرسال الرسل طاعة الرسل ول تصل إل بامتثال أوامره واجتناب الناهي من‬
‫تام امتثال الوامر ولوازمه ‪ .‬ولذا لو اجتنب الناهي ول يفعل ما أمر به ل يكن مطيعا وكان‬
‫عاصيا ‪ ،‬بلف ما لو أتى بالأمورات وارتكب الناهي ‪ .‬فإنه وإن عد عاصيا مذنبا فإنه مطيع‬
‫بامتثال المر عاص بارتكاب النهي‪ ،‬بلف تارك المر فإنه ل يعد مطيعا باجتناب النهيات‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــة ‪.‬‬
‫خاصـ‬

‫«الوجه العاشر‪ »:‬أن امتثال المر عبودية وتقرب وخدمة ‪ ،‬وتلك العبادة الت خلق لجلها‬
‫اللق كما قال تعال ‪ « :‬وما خلقت الن والنس إل ليعبدون» سورة الذاريات ‪ ،‬الية‪:‬‬
‫‪ ،56‬فأ خب سبحانه أ نه أ ت خلق هم للعبادة ‪ ،‬وكذلك إن ا أر سل إلي هم ر سله وأنزل علي هم‬

‫‪137‬‬
‫كت به ليعبدوه ‪ .‬فالعبادة هي الغا ية ال ت خلقوا ل ا ول يلقوا لجرد الترك فإ نه أ مر عد مي ل‬
‫كمال فيه من حيث هو عدم ‪ ،‬بلف امتثال الأمور فإنه أمر وجودي مطلوب الصول ‪.‬‬

‫«وهذا يتبي بالوجه الادي عشر ‪ »:‬وهو أن الطلوب بالنهي عدم الفعل وهو أمر عدمي ‪،‬‬
‫والطلوب بال مر إياد ف عل و هو أ مر وجودي ‪،‬ومتعلق الن هي العدام أو العدم و هو أ مر ل‬
‫كمال فيـه إل إذا تضمـن أمرا وجوديـا ‪ ،‬فإن العدم مـن حيـث هـو عدم ل كمال فيـه ول‬
‫مصـلحة إل إذا تضمـن أمرا وجوديـا مطلقـا ‪ ،‬وذلك المـر الوجودي مطلوب مأمور بـه‬
‫فعادت حقي قة الن هي إل ال مر ‪ ،‬وأن الطلوب به ما ف ض من الن هي من ال مر الوجودي‬
‫الطلوب بـــــــــــــــــــــــــــــــــه ‪.‬‬

‫«وهذا يتضح بالوجه الثان عشر ‪ »:‬وهو أن الناس اختلفوا ف الطلوب بالنهي على أقوال‪:‬‬
‫«أحدها ‪ »:‬أن الطلوب به كف النفس عن الفعل وحبسها عنه وهو أمر وجودي‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫لن التكليــف إناــ يتعلق بالقدور‪ ،‬والعدم الحــض غيــ‪ ،‬وهذا قول المهور ‪.‬‬

‫وقال أبو هاشم وغيه ‪ :‬بل الطلوب عدم الفعل ‪ ،‬ولذا يصل القصود من بقائه على العدم‬
‫وإن ل يطر بباله الفعل‪ ،‬فضل أن يقصد الكف عنه ‪ .‬ولو كان الطلوب الكف لكان عاصيا‬
‫إذا ل يأت به ‪ ،‬ولن الناس يدحون بعدم ف عل القب يح من ل ي طر بباله فعله وال كف ع نه ‪.‬‬
‫وهذا أ حد قول القا ضي أ ب ب كر ولجله التزم أن عدم الف عل مقدور للع بد ودا خل ت ت‬
‫الك سب ‪ ،‬قال ‪ :‬والق صود بالن هي البقاء على العدم ال صلي و هو مقدور‪ .‬وقالت طائ فة ‪:‬‬
‫الطلوب بالنهي فعل الضد فإنه هو القدور وهو القصود للناهي ‪ ،‬فإنه إنا ناه عن الفاحشة‬
‫طل با للع فة و هي الأمور ب ا ‪ ،‬وناه عن الظلم طل با للعدل الأمور به ‪ ،‬و عن الكذب طل با‬
‫للصدق الأمور به ‪ ،‬وهكذا جيع النهيات‪ ،‬فعند هؤلء أن حقيقة النهي الطلب لضد النهي‬
‫ــــل الأمور ‪.‬‬
‫ــــ تعلق بفعـ‬
‫ــــر إل أن الطلب إناـ‬
‫ــــه فعاد المـ‬
‫عنـ‬

‫والتحق يق‪ :‬أن الطلوب نوعان ‪ :‬مطلوب لنف سه و هو الأمور به ‪ ،‬ومطلوب إعدا مه لضاد ته‬
‫الأمور به وهو النهي عنه ‪ ،‬لا فيه من الفسدة الضادة للمأمور به ‪ .‬فإذا ل يطر ببال الكلف‬

‫‪138‬‬
‫ول دعته نفسه إليه بل استمر على العدم الصلي ل يثبت على تركه‪ ،‬وإن خطر بباله وكف‬
‫نفسه عنه ل وتركه اختيارا أثيب على كف نفسه وامتناعه ‪ ،‬فإنه فعل وجودي والثواب إنا‬
‫ي قع على ال مر الوجودي دون العدم الح ضي وإن تر كه مع عز مه الازم على فعله ل كن‬
‫تركه عجزا ‪ ،‬فهذا وإن ل يعاقب عقوبة الفاعل لكن يعاقب على عزمه وإرادته الازمة الت‬
‫إناــــــــــــــ تلف مرادهــــــــــــــا عجزا ‪.‬‬

‫وقد دلت على ذلك النصوص الكثية فل يلتفت إل ما خلفها ‪ ،‬كقوله تعال ‪« :‬وإن تبدو‬
‫ما ف أنفسكم أو تفوه ياسبكم به ال فيغفر لن يشاء ويعذب من يشاء» سورة البقرة ‪،‬‬
‫ال ية‪ 284 :‬وقوله ف كا ت الشهادة ‪« :‬فإ نه آ ث قل به» البقرة ‪ ،283 :‬وقوله‪« :‬ول كن‬
‫يؤاخذكم با كسبت قلوبكم» سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪ 283‬وقوله ‪« :‬يوم تبلى السرائر»‬
‫الطارق ‪ ،9 :‬وقوله صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا تواجه السلمان بسيفيهما‬
‫فالقاتـل والقتول فـ النار » ‪ ،‬قالوا ‪« :‬هذا القاتـل‪ ،‬فمـا بال القتول ؟ » قال ‪ « :‬إنـه أراد‬
‫قتـل صـاحبه» رواه البخاري ومسـلم والنسـائي وابـن حنبـل بألفاظ متلفـة ‪ .‬وقوله فـ‬
‫الد يث ال خر‪ « :‬ور جل قال لو أن ل مال لعملت بع مل فلن ف هو بني ته وه ا ف الوزر‬
‫ـــة ‪.‬‬
‫ـــ بألفاظ متلفـ‬
‫ـــة وأحدـ‬
‫ـــن ماجـ‬
‫ـــواء» رواه الترمذي وابـ‬
‫سـ‬
‫وقول مـن قال ‪ :‬إن الطلوب بالنهـي فعـل الضـد ليـس كذلك ‪ ،‬فإن القصـود عدم الفعـل‬
‫والتلبس بالضدين ‪ ،‬فإن ما ل يتم الواجب إل به فهو غي مقصود بالقصد الول ‪ ،‬وإن كان‬
‫الق صود بالق صد الول الأمور الذي ن ي ع ما ين عه ويضع فه ‪ ،‬فالن هي ع نه مطلوب إعدا مه‬
‫طلب الوســائل والذرائع ‪ ،‬والأمور بــه مطلوب إياده طلب القاصــد والغايات ‪.‬‬

‫وقول أب هاشم ‪ :‬إن تارك القبائح يمد وإن ل يطر بباله كف النفس ‪ ،‬فإن أراد بمده أنه‬
‫ل يذم فصحيح ‪ ،‬وإن أراد أن يثن عليه بذلك ويب عليه ويستحق الثواب فغي صحيح ‪.‬‬
‫فإن الناس ل يمدون الحبوب على ترك الزنا ول الخرس على عدم الغيبة وال سب ‪ ،‬وإنا‬
‫يمدون القادر المتنــــــع عــــــن قدرة وداع إل الفعــــــل ‪.‬‬
‫وقول القاضي‪ :‬البقاء على العدم الصلي مقدور ‪ ،‬فإن أراد به كف النفس ومنعها فصحيح‬
‫‪ ،‬وإن أراد مرد العدم فليـــــــــــــــــــــــس كذلك ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫وهذا ي تبي بالو جه الثالث ع شر ‪ :‬و هو أن ال مر بالش يء ن ي عن ضده عن طر يق اللزوم‬
‫العقلي ل الق صد الطل ب ‪ ،‬فإن ال مر إن ا مق صوده ف عل الأمور‪ .‬فإذا كان من لواز مه ترك‬
‫الضد صار تركه مقصودا لغيه ‪ ،‬وهذا هو الصواب ف مسألة المر بالشيء هل هو ني عن‬
‫ضده أم ل؟ فهو ني عنه من جهة اللزوم ل من جهة القصد والطلب ‪ .‬وكذلك النهي عن‬
‫الشيء ‪ ،‬مقصود الناهي بالقصد الول النتهاء عن النهي عنه وكونه مشغل بضده جاء من‬
‫ج هة اللزوم العقلي ‪ ،‬ل كن إن ا ن ي ع ما يضاد ما أ مر به ك ما تقدم‪ ،‬فكان الأمور به هو‬
‫القصــــــود بالقصــــــد الول فــــــ الوضعيــــــ‪.‬‬
‫وحرف ال سألة أن طلب الش يء طلب له بالذات ول ا هو من ضرور ته باللزوم والن هي عن‬
‫الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورة الترك باللزوم والطلوب ف الوضوعي‬
‫فعــــــل وكــــــف ‪ ،‬وكلهاــــــ أمــــــر وجودي ‪.‬‬

‫«الوجه الرابع عشر ‪ »:‬أن المر والنهي ف باب الطلب نظي النفي والثبات ف باب الب ‪،‬‬
‫والدح والثناء ل يصلن بالنفي الحض إن ل يتضمن ثبوتا ‪ ،‬فإن النفي كاسه عدم ل كمال‬
‫فيه ول مدح ‪ ،‬فإذا تضمن ثبوتا صح الدح به كنفي النسيان الستلزم لكمال العلم وبيانه ‪،‬‬
‫ونفي اللغوب والعياء والتعب الستلزم لكمال القوة والقدرة‪ .‬ونفي السنة والنوم الستلزم‬
‫لكمال الياة و القيوم ية ‪ .‬ون في الولد وال صاحبة ال ستلزم لكمال الغ ن واللك والربوب ية ‪.‬‬
‫ونفـي الشريـك والول والشفيـع بدون الذن السـتلزم لكمال التوحيـد والتفرد بالكمال‬
‫واللية واللك‪ .‬ونفي الظلم التضمن لكمال العدل ونفي إدراك البصار له التضمن لعظمته‬
‫وأ نه أجلّ من أن يدرك وإن رأ ته الب صار ‪ .‬وإل فل يس ف كو نه ل يرى‪ ،‬مدح بو جه من‬
‫الوجوه‪ ،‬فإن العدم الحــــــــــــــــــــــــض كذلك‪.‬‬
‫وإذا عرف هذا فالنهـي عنـه إن ل يتضمـن أمرا وجوديـا ثبوتيـا ل يدح بتركـه ول يسـتحق‬
‫ـي‪.‬‬
‫ـف العدمـ‬
‫ـتحق الدح والثناء بجرد الوصـ‬
‫ـا ل يسـ‬
‫الثواب والثناء بجرد الترك كمـ‬

‫«الو جه الا مس ع شر‪ »:‬أن ال سبحانه ج عل جزاء الأمورات عشرة أمثال فعل ها‪ ،‬وجزاء‬
‫النهيات مثل واحد‪ ،‬وهذا يدل على أن فعل ما أَمَر به أحب إليه من ترك ما نى عنه ولو‬

‫‪140‬‬
‫كان المــر بالعكــس لكانــت الســيئة بعشرة والســنة بواحدة أو تســاويا ‪.‬‬

‫«الوجه السادس عشر‪ » :‬أن النهي عنه القصود إعدامه‪ ،‬وأل يدخل ف الوجود‪ ،‬سواء نوى‬
‫ذلك أو ل ينوه‪ ،‬وسواء خطر بباله أو ل يطر ‪ .‬فالقصود أل يكون‪ ،‬وأما الأمور به فالقصود‬
‫كونــــــــه وإياده والتقرب بــــــــه نيــــــــة وفعل‪.‬‬
‫وسر السألة ‪ :‬أن وجود ما طلب إياده أحب إليه من عدم ما طلب إعدامه‪ ،‬وعدم ما أحبه‬
‫أكره إليه من وجود ما يبغضه ‪ ،‬فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراهته لفعل ما نى عنه‪.‬‬

‫«يوضحه الوجه السابع عشر‪ »:‬أن فعل ما يبه والعانة عليه وجزاؤه وما يترتب عليه من‬
‫الدح والثناء من رحته وفعل ما يكرهه وجزاؤه وما يترتب عليه من الذم والل والعقاب من‬
‫غضبه‪ .‬ورحته سابقة على غضبه غالبة له‪ ،‬وكل ما كان من صفة الرحة فهو غالب لا كان‬
‫من صفة الغضب‪ ،‬فإنه سبحانه ل يكون إل رحيما ‪ ،‬ورحته من لوازم ذاته كعلمه وقدرته‬
‫وحياته وسعه وبصره وإحسانه ‪ ،‬فيستحيل أن يكون غضبان دائما غضبا ل يتصور انفكاكه‬
‫‪ ،‬بل يقول رسله وأعلم اللق به يوم القيامة‪« :‬إن رب قد غضب اليوم غضبا ل يغضب قبله‬
‫مثله ولن يغ ضب بعده مثله» رواه البخاري ف ال نبياء ‪ ،‬والترمذي ف القيا مة ‪ ،‬وم سلم ف‬
‫اليان ‪.‬ورحته وسعت كل شيء وغضبه ل يسع كل شيء ‪ .‬وهو سبحانه كتب على نفسه‬
‫الرح ة ول يك تب على نف سه الغ ضب ‪ ،‬وو سع كل ش يء رح ة وعل ما ول ي سع كل ش يء‬
‫غضبـــــــــــــــــــــــــــــــــا وانتقاما‪.‬‬
‫فالرح ة وما كان با ولوازمها وآثارها غالبة على الغ ضب وما كان منه وآثاره‪ .‬فوجود ما‬
‫كان بالرحة أحب إليه من وجود ما كان من لوازم الغضب‪ .‬ولذا كانت الرحة أحب إليه‬
‫من العذاب والعفو أحب إليه من النتقام ‪ .‬فوجود مبوبه أحب إليه من فوات مكروهه‪ ،‬ول‬
‫سيما إذا كان ف فوات مكرو هه فوات ما ي به من لواز مه ‪ ،‬فإ نه يكره فوات تلك اللوازم‬
‫الحبوبــــــــــة كمــــــــــا يكره وجود ذلك اللزوم الكروه‪.‬‬

‫«الوجه الثامن عشر‪ »:‬أن آثار ما يكرهه وهو النهيات أسرع زوال با يبه من زوال آثار‬
‫ما يبه با يكرهه ‪ ،‬فآثار كراهته سريعة الزوال وقد يزيلها سبحانه بالعفو والتجاوز‪ ،‬وتزول‬

‫‪141‬‬
‫بالتوبـة والسـتغفار والعمال الصـالة والصـائب الكفرة والشفاعـة والسـنات يذهبـ‬
‫السيئات ‪ ،‬لو بلغت ذنوب العبد عنان السماء ث استغفره غفر له ولو لقيه بقراب الرض‬
‫خطايـا ‪ ،‬ثـ لقيـه ل يشرك بـه شيئا لتاه بقراباـ مغفرة‪ ،‬وهـو سـبحانه يغفـر الذنوب وإن‬
‫تعاظمت ول يبال ‪ ،‬فيبطلها ويبطل آثارها بأدن سعي من العبد وتوبة نصوح وندم على ما‬
‫ف عل ‪ ،‬و ما ذاك إل لوجود ما ي به من تو بة الع بد وطاع ته وتوحيده ‪ ،‬فدل على أن وجود‬
‫ذلك أحـــــــــب إليـــــــــه وأرضـــــــــى له‪.‬‬

‫«يوض حه الو جه التا سع ع شر‪ » :‬و هو أ نه سبحانه قدر ما يبغ ضه ويكر هه من النهيات ل ا‬
‫يتر تب علي ها م ا ي به ويفرح به من الأمورات ‪ .‬فإ نه سبحانه أفرح بتو بة عبده من الفا قد‬
‫الواجـد‪ ،‬والعقيـم الوالد‪ ،‬والظمآن الوارد‪ ،‬وقـد ضرب رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫لفرحه بتوبة العبد مثل ليس ف الفروح به أبلغ منه‪ ،‬وهذا الفرح العظيم الذي وجوده أحب‬
‫إليه من فواته‪ ،‬ووجوده بدون لزمه متنع‪ ،‬فدل على أن وجود ما يب أحب إليه من فوات‬
‫كل فرد ما يكره حت تكون ركعتا الضحى أحب إليه من فوات قتل السلم‪ ،‬وإنا الراد أن‬
‫ج نس ف عل الأمور أف ضل من ج نس ترك الحظورات ‪ ،‬ك ما إذا ف ضل الذ كر على الن ثى‬
‫ــــــــس ل عموم العيان‪.‬‬
‫ــــــــي على اللك‪ ،‬فالراد النـ‬
‫والنسـ‬
‫والقصـود أن هذا الفرح الذي ل فرح يشبهـه بفعـل مأمور التوبـة يدل على أن هذا الأمور‬
‫أحــب إليــه مــن فوات الحظور الذي تفوت بــه التوبــة وأثرهــا ومقتضاهــا‪.‬‬

‫فإن ق يل‪ :‬إن ا فرح بالتو بة لن ا ترك للمن هي فكان الفرح بالترك ‪ ،‬ق يل ‪ :‬ل يس كذلك‪ ،‬فإن‬
‫الترك ال حض ل يو جب هذا الفرح بل ول الثواب ول الدح‪ ،‬ولي ست التو بة تر كا‪ ،‬وإن‬
‫كان الترك من لوازم ها‪ ،‬وإن ا هي ف عل وجودي يتض من إقبال التائب على ر به وإناب ته إل يه‬
‫والتزام طاعته‪ ،‬ومن لوازم ذلك ترك ما ني عنه ولذا قال تعال‪« :‬وأن استغفروا ربكم ث‬
‫توبوا إل يه» سورة هود ‪ :‬ال ية ر قم ‪. 3:‬فالتو بة رجوع م ا يكره إل ما ي ب ولي ست مرد‬
‫الترك‪ ،‬فإن من ترك الذ نب تر كا مردا ول ير جع م نه إل ما ي به الرب تعال ل ي كن تائ با ‪،‬‬
‫فالتوبـــــــة رجوع وإقبال وإنابـــــــة ل ترك مضـــــــ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫«الو جه العشرون‪ »:‬أن الأمور به إذا فات فا تت الياة الطلو بة للع بد‪ ،‬و هي ال ت قال تعال‬
‫فيها‪« :‬يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللر سول إذا دعاكم لا يييكم» النفال ‪ :‬الية‬
‫رقم ‪ ،24 :‬وقال ‪« :‬أو من كان ميتا فأحييناه وجعلناه له نورا يشي به ف الناس كمن مثله‬
‫ف الظلمات » النعام ‪ :‬ال ية ر قم ‪ ،122 :‬وقال ف حق الكفار‪« :‬أموات غ ي أحياء»‬
‫الن حل ‪ :‬الية ر قم ‪ 21 :‬وقال‪« :‬إنك ل تسمع الوتى» سورة النمل ‪ :‬الية رقم ‪، 80‬‬
‫وأمـا النهـي عنـه فإذا وجـد فغايتـه أن يوجـد الرض‪ ،‬وحياة مـع السـقم خيـ مـن موت‪.‬‬
‫فإن ق يل‪ :‬و من الن هي ع نه ما يو جب اللك و هو الشرك ‪ ،‬ق يل‪ :‬اللك إن ا ح صل بعدم‬
‫التوح يد الأمور به الذي به الياة ‪ ،‬فل ما ف قد ح صل اللك ‪ ،‬ف ما هلك إل من عدم إتيا نه‬
‫بالأمور بــــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬

‫«وهذا و جه حاد وعشرون ف ال سألة ‪ »:‬و هو أن ف الأمورات ما يو جب فوا ته اللك‬


‫ــــي ذلك‪.‬‬
‫ــــا يقتضـ‬
‫ــــس فـــــ النهيات مـ‬
‫والشقاء الدائم‪ ،‬وليـ‬

‫«الوجه الثان والعشرون‪ »:‬أن فعل الأمور يقتضي ترك النهي عنه إذا فعل على وجهه من‬
‫الخلص والتاب عة والن صح ل ف يه‪ .‬قال تعال ‪« :‬إن ال صلة تن هى عن الفحشاء والن كر»‬
‫ــتلزمه ‪.‬‬
‫ــل الأمور ول يسـ‬
‫ــي فعـ‬
‫ــي ل يقتضـ‬
‫العنكبوت ‪.45 :‬ومرد ترك النهـ‬

‫«الو جه الثالث والعشرون‪ »:‬أن ما ي به من الأمورات ف هو متعلق ب صفاته و ما يكر هه من‬


‫النهيات فمتعلق بفعولتــــه‪ ،‬وهذا وجــــه دقيــــق يتاج إل بيان فنقول‪:‬‬

‫النهيات شرور وتفضـي إل الشرور ‪ ،‬والأمورات خيـ وتفضـي إل اليات واليـ بيديـه‬
‫سبحانه والشر ليس إليه‪ ،‬فإن الشر ل يدخل ف صفاته ول ف أفعاله ول ف أسائه ‪ ،‬وإنا هو‬
‫ف الفعولت مع أ نه شر بالضا فة والن سبة إل الع بد ‪ ،‬وإل من ح يث إضاف ته ون سبته إل‬
‫الالق سبحانه فليس بشر من هذه الهة‪ .‬فغاية ارتكاب النهي أن يوجب شرا بالضافة إل‬
‫العبد مع أنه نفسه ليس بشر‪ .‬وأما فوات الأمور فيفوت به الي الذي بفواته يصل ضده‬
‫مـن الشـر‪ ،‬وكلمـا كان الأمور أحـب إل ال سـبحانه كان الشـر بفواتـه أعظـم كالتوحيـد‬

‫‪143‬‬
‫واليان‪.‬‬
‫و سر هذه الو جه أن الأمور به مبو به ‪ ،‬والن هي مكرو هه‪ ،‬ووقوع مبو به أ حب إل يه من‬
‫وفوات مكروهــه ‪ ،‬وفوات مبوبــة أكره إليــه مــن وقوع مكروهــه وال أعلم‪.‬‬

‫الذكر والشكر‬
‫مبن الدين على قاعدتي‪ :‬الذكر والشكر‪ ،‬قال تعال «فاذكرون أذكركم واشكروا ل ول‬
‫تكفرون» سورة البقرة‪ ،‬ال ية‪ ،152 :‬وقال ال نب صلى ال عل يه و سلم لعاذ‪ « :‬وال إ ن‬
‫لحبـك فل تنـس أن تقول دبر كـل صـلة ‪ :‬اللهـم أعنّيـ على ذكرك وشكرك وحسـن‬
‫عبادتك» ‪ ،‬وليس الراد بالذكر مرد ذكر اللسان بل القلب واللسان‪ ،‬وذكره يتضمن ذكر‬
‫أسائه وصفاته وذكر أمره ونيه وذكره بكلمه ‪ ،‬وذلك يستلزم معرفته واليان به وبصفات‬
‫كماله ونعوت جلله والثناء عل يه بأنواع الدح‪ .‬وذلك ل ي تم إل بتوحيده‪ .‬فذكره القي قي‬
‫يســتلزم ذلك كله ويســتلزم ذكــر نعمــه وآلئه وإحســانه إل خلقــه‪.‬‬

‫وأ ما الش كر ف هو القيام له بطاع ته والتقرب إل يه بأنواع ما به ظاهرا وباط نا‪ ،‬وهذان المران‬
‫ه ا جاع الد ين‪ ،‬فذكره م ستلزم لعرف ته‪ ،‬وشكره متض من لطاع ته‪ ،‬وهذان ه ا الغا ية ال ت‬
‫خلق لجل ها ال ن وال نس وال سموات والرض وو ضع لجل ها الثواب والعقاب ‪ ،‬وأنزل‬
‫الكتب وأرسل الرسل ‪ ،‬وهي الق الذي به خلقت السموات والرض وما بينهما وضدها‬
‫هو البا طل والع بث الذي يتعال ويتقدس ع نه‪ ،‬و هو ظن أعدائه به قال تعال «و ما خلق نا‬
‫السماء والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا» سورة‪ :‬ص الية رقم ‪،27:‬وقال‬
‫‪« :‬وما خلقنا السموات والرض وما بينهما لعبي ما خلقناها إل بالق» الدخان‪ :‬الية‬
‫رقم ‪.38:‬وقال ‪« :‬وما خلقنا السموات والرض وما بينهما إل بالق وإن الساعة لتية»‬

‫‪144‬‬
‫سورة الجر ‪ :‬الية رقم ‪ ،85:‬قال بعد ذكر آياته ف أول سورة يونس ‪ « :‬ما خلق ال‬
‫ذلك إل بالق » يونس ‪ :‬الية رقم ‪.5:‬وقال ‪« :‬أيسب النسان أن يترك سدى» القيامة‬
‫‪ :‬اليــــــــــــــة رقــــــــــــــم ‪ ،36:‬وقال ‪:‬‬

‫«أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ل ترجعون» الؤمنون ‪ :‬الية رقم ‪ ،115:‬وقال‪:‬‬
‫«وما خلقت الن والنس إل ليعبدون» الذارايات ‪ :‬الية رقم ‪« .56:‬ال الذي خلق سبع‬
‫سوات ومن الرض مثلهن يتنل المر بينهن لتعلموا أن ال على كل شيء قدير وأن ال قد‬
‫أحاط بكل شيء علما» الطلق ‪ :‬الية رقم ‪،12:‬وقال ‪« :‬جعل ال الكعبة البيت الرام‬
‫قيا ما للناس والش هر الرام والدي والقلئد ذلك لتعلموا أن ال يعلم ما ف ال سموات و ما‬
‫ف الرض وأن ال بكل شيء عليم» سورة الائدة ‪ :‬الية رقم ‪ .97:‬فثبت با ذكر أن غاية‬
‫اللق والمر أن يذكر وأن يشكر ‪ .‬يذكر فل ينسى ويشكر فل يكفر ‪ .‬وهو سبحانه ذاكر‬
‫لن ذكره‪ ،‬شاكر لن شكره‪ ،‬فذكره سبب لذكره‪ ،‬وشكره سبب لزيادته من فضله‪ .‬فالذكر‬
‫للقلب واللسـان ‪ ،‬والشكـر للقلب مبـة وإنابـة ‪ ،‬وللسـان ثناء وحدـ‪ ،‬وللجوارح طاعـة‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــة‪.‬‬
‫وخدمـ‬

‫الداية تر الداية والضلل ير الضلل‬


‫تكرر فـ القرآن جعـل العمال القائمـة بالقلب والوارح سـبب الدايـة والضلل فيقوم‬
‫بالقلب والوارح أعمال تقتضـي الدى اقتضاء السـبب لسـببه والؤثـر لثره‪ ،‬وكذلك‬
‫الضلل‪ ،‬فأعمال الب تث مر الدى‪ ،‬وكل ما ازداد من ها ازداد هدى‪ ،‬وأعمال الفجور بال ضد‪،‬‬
‫وذلك أن ال سـبحانه يبـ أعمال الب فيجازي عليهـا بالدى والفلح ويبغـض أعمال‬
‫الفجور ويازي عليهــــــــــــــــــــــا بالضلل والشقاء‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫وأي ضا فإ نه الب وي ب أ هل الب فيقرب قلوب م م نه ب سب ما قاموا به من الب ‪ ،‬ويب غض‬
‫الفجور وأهله فيبعد قلوبم منه بسب ما اتصفوا به من الفجور‪ ،‬فمن الصل قوله تعال ‪« :‬‬
‫ال ‪ .‬ذلك الكتاب ل ريـب فيـه هدى للمتقيـ » البقرة ‪ 1-2 :‬وهذا يتضمـن أمريـن ‪:‬‬
‫«أحدها ‪ » :‬أنه يهدي به من اتقى مساخطه قبل نزول الكتاب ‪ .‬فإن الناس على اختلف‬
‫مللهم ونلهم قد استقر عندهم أن ال سبحانه يكره الظلم والفواحش والفساد ف الرض‬
‫ويقت فاعل ذلك ‪ ،‬ويب العدل والحسان والود والصدق والصلح ف الرض ويب‬
‫فاعل ذلك ‪ ،‬فلما نزل الكتاب أثاب سبحانه أهل الب بأن وفقهم لليان به جزاء لم على‬
‫برهم وطاعتهم ‪ ،‬وخذل أهل الفجور والفحش والظلم بأن حال بينهم وبي الهتداء به ‪.‬‬

‫مراتب الداية‬
‫والمر الثان ‪ :‬أن العبد إذا آمن بالكتاب واهتدى به ممل وقبل أوامره وصدق بأخباره ‪،‬‬
‫كان ذلك لداية أخرى تصل له على التفصيل ‪ .‬فإن الداية ل ناية لا ولو بلغ العبد فيها‬
‫ما بلغ ‪ .‬ففوق هداي ته هدا ية أخرى وفوق تلك الدا ية هدا ية أخرى إل غ ي غا ية ‪ .‬فكل ما‬
‫اتقى العبد ربه ارتقى إل هداية أخرى ‪ ،‬فهو ف مزيد هداية ما دام ف مزيد من التقوى ‪،‬‬
‫وكلما فوّت حظا من التقوى فاته حظ من الداية بسبه ‪ ،‬فكلما اتقى زاد هداه ‪ ،‬وكلما‬
‫اهتدى زادت تقواه ‪ .‬قال تعال ‪ « :‬قد جاءكم من ال نور وكتاب مبي ‪ ،‬يهدي به ال من‬
‫اتبـع رضوانـه سـبل السـلم ويرجهـم مـن الظلمات إل النور بإذنـه ويهديهـم إل صـراط‬
‫مستقيم » سورة الائدة ‪ ،‬الية ‪ 16 - 15‬وقال تعال‪ « :‬ال يتب إليه من يشاء ويهدي‬
‫إليـه مـن ينيـب » الشورى ‪. 13 :‬وقال تعال ‪ « :‬سـيذكر مـن يشـى » العلى ‪، 10 :‬‬
‫وقال ‪ « :‬ومـا يتذكـر إل مـن ينيـب» غافـر ‪ ، 13 :‬وقال ‪ « :‬إن الذيـن آمنوا وعملوا‬

‫‪146‬‬
‫ــة ‪9‬‬
‫ــس ‪ ،‬اليـ‬
‫ــورة يونـ‬
‫ــ » سـ‬
‫ــ بإيانمـ‬
‫ــم ربمـ‬
‫ــالات يهديهـ‬
‫الصـ‬

‫فهداهم أول لليان ‪ ،‬فلما آمنوا هداهم لليان هداية بعد هداية‪ ،‬ونظي هذا قوله تعال «‬
‫ويزيد ال الذين اهتدوا هدى » مري ‪ ، 76 :‬وقوله تعال ‪ « :‬يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا‬
‫ال يعل لكم فرقانا » النفال ‪ ، 29 :‬ومن الفرقان ما يعطيهم من النور الذي يفرقون به‬
‫ب ي ال ق والبا طل والن صر وال عز الذي يتمكنون به من إقا مة ال ق وك سر البا طل ‪ ،‬ف سر‬
‫القرآن بذا وبذا ‪ .‬وقال تعال ‪ « :‬إن ف ذلك لية لكل عبد منيب » سبأ ‪ 9 :‬وقال ‪:‬‬
‫« إن ف ذلك ليات لكل صبار شكور» سبأ ‪ 19 :‬ف سورة لقمان وسورة إبراهيم وسبأ‬
‫والشورى ‪.‬‬

‫فأخب عن آياته الشهودة العيانية أنا إنا ينتفع با أهل الصب والشكر ‪ ،‬كما أخب عن آياته‬
‫اليان ية القرآن ية أن ا إن ا ينت فع ب ا أ هل التقوى والش ية والنا بة و من كان ق صده اتباع‬
‫رضوانه ‪ ،‬وأنا إنا يتذكر با من يشاه سبحانه كما قال ‪ « :‬طه ‪ .‬ما أنزلنا القرآن لتشقى‪.‬‬
‫إل تذكرة ل ن ي شى» طه ‪ ، 1-3 :‬وقال ف ال ساعة ‪ « :‬إن ا أ نت منذر من يشا ها»‬
‫النازعات ‪. 45 :‬‬

‫وأما من ل يؤمن با ول يرجوها ول يشاها فل تنفعه اليات العيانية ول القرآنية ‪ .‬لذا لا‬
‫ذ كر سبحانه ف سورة هود عقوبات ال مم الكذب ي للر سل و ما حل ب م ف الدن يا من‬
‫الزي ‪ ،‬قال بعـد ذلك ‪ « :‬إن فـ ذلك ليات لنـ خاف عذاب الخرة » سـورة هود ‪،‬‬
‫ـبة لن ـ خاف عذاب الخرة ‪.‬‬
‫ـه للمكذبي ـ عـ‬
‫ـب أن ف ـ عقوباتـ‬
‫ـة ‪ 27‬فأخـ‬
‫اليـ‬

‫وأما من ل يؤمن با ول ياف عذابا يكون ذلك عبة وآية ف حقه ‪ ،‬وإذا سع ذلك قال ‪:‬‬
‫ل يزل ف الد هر ال ي وال شر والنع يم والبؤس وال سعادة والشقاوة ‪ .‬ورب ا أحال ذلك على‬
‫أ سباب فلك ية وقوى نف سانية ‪ .‬وإن ا كان ال صب والش كر سببا لنتفاع صاحبها باليات ؛‬
‫لن اليان ينبن على الصب والشكر ‪ ،‬فنصفه صب ونصفه شكر ‪ ،‬فعلى حسب صب العبد‬
‫وشكره تكون قوة إيا نه ‪ .‬وآيات ال إنا ينتفع با من آمن بال وآياته ‪ ،‬ول يتم له اليان‬

‫‪147‬‬
‫إل بال صب والش كر ‪ ،‬فإن رأس الش كر التوح يد ‪ ،‬ورأس ال صب ترك إجا بة دا عي الوى ‪.‬‬
‫فإذا كان مشركـا متبعـا هواه ل يكـن صـابرا ول شكورا ‪ ،‬فل تكون اليات نافعـة له ول‬
‫مؤثرة فيــــــــــــــــه إيانــــــــــــــــا ‪.‬‬

‫الصل الثان ‪ -‬وهو اقتضاء الفجور والكب والكذب‬


‫للضلل‬
‫فكث ي أي ضا ف القرآن كقوله تعال ‪ « :‬ي ضل به كثيا ويهدي به كثيا و ما ي ضل به إل‬
‫الفاسـقي ‪ ،‬الذيـن ينقضون عهـد ال مـن بعـد ميثاقـه ويقطعون مـا أمـر ال بـه أن يوصـل‬
‫ويف سدون ف الرض أولئك هم الا سرون » البقرة ‪ ، 27 - 26 :‬وقال تعال « يث بت‬
‫ال الذين آمنوا ف الياة الدنيا وف الخرة ويضل ال الظالي ويفعل ال ما يشاء » سورة‬
‫إبراهيم ‪ ،‬الية ‪ ، 27‬وقال تعال ‪ « :‬فما لكم ف النافقي فئتي وال أركسهم با كسبوا »‬
‫النساء ‪ ، 88 :‬وقال تعال ‪ « :‬وقالوا قلوبم غلف بل لعنهم ال بكفرهم فقليل ما يؤمنون‬
‫» البقرة ‪ ، 88 :‬وقال تعال ‪ « :‬ونقلب أفئدت م وأب صارهم ك ما ل يؤمنوا به أول مرة»‬
‫النعام ‪. 110 :‬‬
‫فأخب أنه عاقبهم على تلفهم عن اليان لن جاءهم وعرفوه وأعرضوا عنه بأن قلب أفئدتم‬
‫وأب صارهم وحال بين هم وب ي اليان‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ « :‬يا أي ها الذ ين آمنوا ا ستجيبوا ل‬
‫وللرسـول إذا دعاكـم لاـ يييكـم واعلموا أن ال يول بيـ الرء وقلبـه » النفال ‪24 :‬‬
‫فأمر هم بال ستجابة له ولر سوله ح ي يدعو هم إل ما ف يه حيات م ‪ ،‬ث حذر هم من التخلف‬
‫والتأخر عن الستجابة الذي يكون سببا لن يول بينهم وبي قلوبم‪ .‬وقال تعال ‪« :‬فلما‬
‫أزاغوا أزاغ ال قلوبم وال ل يهدي القوم الفاسقي» الصف ‪.5 :‬وقال تعال ‪« :‬كل بل‬

‫‪148‬‬
‫ران على قلوبمـــــ مـــــا كانوا يكســـــبون» الطففيـــــ‪24 :‬‬

‫فأخب سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبم وحال بينها وبي اليان بآياته ‪ ،‬فقالوا أساطي‬
‫الوليــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‪.‬‬
‫وقال تعال ف النافقي ‪« :‬نسوا ال فنسيهم» سورة التوبة ‪ ،67 :‬فجازاهم على نسيانم‬
‫له أن ن سيهم فلم يذكر هم بالدى والرح ة ‪ ،‬وأ خب أ نه أن ساهم أنف سهم فلم يطلبوا كمال ا‬
‫بالعلم النا فع والع مل ال صال وه ا الدى ود ين ال ق‪ .‬فأن ساهم طلب ذلك ومب ته ومعرف ته‬
‫والرص عليه عقوبة لنسيانم له وقال تعال ف حقهم‪« :‬أولئك الذين طبع ال على قلوبم‬
‫واتبعوا أهواء هم‪ .‬والذ ين اهتدوا زاد هم هدى وآتا هم تقوا هم » م مد ‪.16-17 :‬فج مع‬
‫لمـ بيـ اتباع الوى والضلل الذي هـو ثرتـه وموجبـه كمـا جعـ للمهتديـن بيـ التقوى‬
‫والدى‪.‬‬

‫الدى قرين الرحة والضلل قرين الشقاء‬


‫وك ما يقرن سبحانه ب ي الدى والت قى والضلل وال غي‪ ،‬فكذلك يقرن ب ي الدى والرح ة‬
‫والضلل والشقاء ‪ ،‬فمن الول قوله ‪« :‬أولئك على هدى من ربم وأولئك هم الفلحون»‬
‫البقرة ‪ :‬اليـة رقـم ‪ ،5 :‬وقال ‪« :‬أولئك عليهـم صـلوات مـن ربمـ ورحةـ وأولئك هـم‬
‫الهتدون» البقرة ‪ :‬اليـة رقـم ‪ .157 :‬وقال عـن الؤمنيـ‪« :‬ربنـا ل تزغ قلوبنـا بعـد إذ‬
‫هديتنا وهب لنا من لدنك رحة إنك أنت الوهاب» آل عمران ‪ :‬الية رقم ‪ ،8:‬وقال أهل‬
‫الكهف‪« :‬ربنا آتنا من لدنك رحة وهيئ لنا من أمرنا رشدا» الكهف‪ :‬الية رقم ‪،10 :‬‬
‫وقال ‪« :‬ل قد كان ف ق صصهم عبة لول اللباب ما كان حدي ثا يفترى ول كن ت صديق‬

‫‪149‬‬
‫الذي بي يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحة لقوم يؤمنون» سورة يوسف ‪ :‬الية رقم ‪:‬‬
‫‪ ،111‬وقال ‪ « :‬و ما أنزل نا عل يك الكتاب إل ل تبي ل م الذي اختلفوا ف يه وهدى ورح ة‬
‫لقوم يؤمنون» الن حل ‪ :‬ال ية ر قم ‪ 64 :‬وقال‪« :‬ونزل نا عل يك الكتاب تبيا نا ل كل ش يء‬
‫وهدى ورح ة وبشرى للم سلمي» الن حل‪ :‬ال ية ر قم ‪ ،89 :‬وقال ‪ « :‬يا أي ها الناس قد‬
‫جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لا ف الصدور ورحة للمؤمني» يونس ‪ :‬الية رقم ‪،57 :‬‬
‫ث أعاد سبحانه ذكره ا فقال ‪ « :‬قل بف ضل ال وبرح ته فبذلك فليفرحوا» يو نس ‪ :‬ال ية‬
‫رقــــــــــــــــــــــــــــــــــم ‪.58 :‬‬

‫وقد تنوعت عبارات السلف ف تفسي الفضل والرحة ‪ ،‬والصحيح أنما الدى والنعمة ‪،‬‬
‫ففضله هداه ‪ ،‬ورحته نعمته ‪ ،‬ولذلك يقرن بي الدى والنعمة كقوله ف سورة الفاتة‪« :‬‬
‫اهدنـا الصـراط السـتقيم صـراط الذيـن أنعمـت عليهـم» الفاتةـ‪ :‬اليـة رقـم ‪.6 :‬‬

‫ومـن ذلك قوله لنـبيه يذكره بنعمـه عليـه‪« :‬أل يدك يتيمـا فآوى ووجدك ضال فهدى‪،‬‬
‫ووجدك عائل فأغن» الضحى ‪ :‬الية رقم ‪ 8 ،7 ،6:‬فجمع له بي هدايته له وإنعامه عليه‬
‫بإيوائه و إغنائه‪ .‬و من ذلك قول نوح‪ « :‬يا قوم أرأي تم إن ك نت على بي نة من ر ب وآتا ن‬
‫رحة من عنده» هود ‪ :‬الية رقم ‪ : ،28 :‬وقول شعيب ‪ « :‬أرأيتم إن كنت على بينة من‬
‫رب ورزقن منه رزقا حسنا» هود ‪ :‬الية رقم ‪ ،88 :‬وقال عن الضر‪« :‬فوجدا عبدا من‬
‫عباد نا آتيناه رح ة من عند نا وعلمناه من لد نا عل ما» الك هف ‪ :‬ال ية ر قم ‪ ،65 :‬وقال‬
‫لرسوله‪« :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا‪ ،‬ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته‬
‫عليك ويهديك صراطا مستقيما‪ ،‬وينصرك ال نصرا عزيزا» الفتح ‪ :‬الية رقم ‪3 ،2 ،1:‬‬
‫‪ ،‬وقال ‪« :‬وأنزل ال عليـك الكتاب والكمـة وعلمـك مـا ل تكـن تعلم وكان فضـل ال‬
‫عليك عظيما» النساء ‪ :‬الية رقم ‪ ،113 :‬وقال «ولول فضل ال عليكم ورحته ما زكى‬
‫منكم من أحد أبدا» النور ‪ :‬الية رقم ‪ ،21 :‬ففضله هدايته ورحته إنعامه وإحسانه إليهم‬
‫وبره ب م‪ .‬وقال ‪« :‬فإ ما يأتين كم م ن هدى ف من ات بع هداي فل ي ضل ول يش قى» طه ‪:‬‬
‫ال ية ر قم ‪ ،123 :‬والدى من عة من الضلل‪ ،‬والرح ة من عة من الشقاء ‪ ،‬وهذا هو الذي‬
‫ذكره ف أول السورة ف قوله‪« :‬طه ‪ ،‬ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» طه ‪ :‬الية رقم ‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫‪ ،1‬فجمع له بي إنزال القرآن عليه ونفي الشقاء عنه‪ ،‬كما قال ف آخرها ف حق أتباعه‪« :‬‬
‫فل يضـــــــــــــــل ول يشقـــــــــــــــى» ‪.‬‬

‫فالدى والف ضل والنع مة والرح ة متلزمان ل ين فك بعضه ما عن ب عض ‪ ،‬ك ما أن الضلل‬


‫والشقاء متلزمان ل ينفك أحدها عن الخر‪ ،‬قال تعال‪« :‬إن الجرمي ف ضلل وسعر»‬
‫القمر ‪ :‬الية رقم ‪ ،47 :‬والسعر‪ :‬جع سعي ‪ ،‬وهو العذاب الذي هو غاية الشقاء ‪ ،‬وقال‬
‫تعال‪« :‬ول قد ذرأ نا له نم كثيا من ال ن وال نس ل م قلوب ل يفقهون ب ا ول م أع ي ل‬
‫يب صرون ب ا ول م آذان ي سمعون ب ا أولئك كالنعام بل هم أ ضل أولئك هم الغافلون»‬
‫العراف ‪ :‬الية رقم ‪ ،179 :‬وقال تعال عنهم‪« :‬وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا ف‬
‫ـــــم ‪.10 :‬‬
‫ـــــة رقـ‬
‫ـــــعي» اللك ‪ :‬اليـ‬
‫ـــــحاب السـ‬
‫أصـ‬

‫ومن هذا أنه سبحانه يمع بي الدى وانشراح الصدر والياة الطيبة وبي الضلل وضيق‬
‫الصدر والعيشة والضنك ‪ ،‬قال تعال ‪« :‬فمن يرد ال أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن‬
‫يرد أن يضله يعل صدره ضيقا حرجا» النعام ‪ :‬الية رقم ‪ 125 :‬وقال ‪« :‬أفمن شرح‬
‫ال صدره لل سلم ف هو على نور من ر به» الز مر ‪ :‬ال ية ر قم ‪ ،22 :‬وكذلك ي مع ب ي‬
‫الدى والنا بة وب ي الضلل وق سوة القلب ‪ ،‬قال تعال‪« :‬ال ي تب إل يه من يشاء ويهدي‬
‫إليه من ينيب» الشورى ‪ :‬الية رقم ‪ ،13 :‬وقال تعال ‪« :‬فويل للقاسية قلوبم من ذكر‬
‫ال أولئك فــــ ضلل مــــبي» الزمــــر ‪ :‬اليــــة رقــــم ‪.22 :‬‬

‫العطاء والنع‬

‫‪151‬‬
‫والدى والرح ة وتوابعه ما من الف ضل والنعام كله من صفة العطاء‪ ،‬والضلل والعذاب‬
‫وتوابعهما من صفة النع‪ ،‬وهو سبحانه يصرف خلقه بي عطائه ومنعه وذلك كله صادر عن‬
‫حكمــــــة بالغــــــة‪ ،‬وملك تام‪ ،‬وحدــــــ تام ‪ ،‬فل إله إل ال ‪.‬‬

‫العاقل ل يتعلق بالعال السفلي‬


‫إذا رأ يت النفوس البطلة الفار غة من الرادة والطلب لذا الشأن قد تش بث ب ا هذا العال‬
‫السفلي وقد تشبثت به فكلها إليه‪ ،‬فإنه اللئق با لفساد تركيبها ول تنقش عليها ذلك فإنه‬
‫سريع النلل عن ها ويب قى تشبث ها به مع انقطا عه عن ها عذا با علي ها ب سب ذلك التعلق ‪،‬‬
‫فتب قى شهوت ا وإرادت ا في ها‪ .‬و قد ح يل بين ها وب ي ما تشت هي على و جه يئ ست م عه من‬
‫حصول شهوتا ولذتا ‪ .‬فلو تصور العاقل ما ف ذلك من الل والسرة لبادر إل قطع هذا‬
‫التعلق ك ما يبادر إل ح سم مواد الف ساد ‪ ،‬و مع هذا فإ نه ينال ن صيبه من ذلك وقل به وه ه‬
‫متعلق بالطلب العلى وال الســـــــــــــــــــــــتعان‪.‬‬

‫مفاسد الكذب‬

‫‪152‬‬
‫إياك والكذب فإنه يفسد عليك تصور العلومات على ما هي عليه‪ ،‬ويفسد عليك تصويرها‬
‫وتعليمهـا للناس ‪ ،‬فإن الكذب يصـور العدوم موجودا والوجود معدومـا ‪ ،‬والقـ باطل‬
‫والباطل حقا‪ ،‬والي شرا والشر خيا‪ ،‬فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له‪ .‬ث يصور ذلك‬
‫ف نفس الخاطب الغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه ‪ .‬ونفس الكاذب معرضة‬
‫عن القيقة الوجودة نزا عة إل العدم مؤثرة للبا طل‪ .‬وإذا ف سدت عل يه قوة ت صوره وعل مه‬
‫الت هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الفعال وسرى حكم الكذب إليها فصار‬
‫ـانه ول بأعماله‪.‬‬
‫ـع بلسـ‬
‫ـان‪ ،‬فل ينتفـ‬
‫ـن اللسـ‬
‫ـدر الكذب عـ‬
‫ـه كمصـ‬
‫ـدورها عنـ‬
‫صـ‬

‫ولذا كان الكذب أسـاس الفجور كمـا قال النـب صـلى ال عليـه وسـلم ‪ « :‬إن الكذب‬
‫يهدي إل الفجور وإن الفجور يهدي إل النار» ورد الديث ف البخاري ومسلم وسنن أب‬
‫داود والترمذي بألفاظ متل فة ‪ ،‬ولف ظه ع ند مالك‪ :‬إن ع بد ال بن م سعود كان يقول‪« :‬‬
‫علي كم بال صدق فإن ال صدق يهدي إل الب‪ ،‬والب يهدي إل ال نة‪ ،‬وإيا كم والكذب ‪ ،‬فإن‬
‫الكذب يهدي إل الفجور‪ ،‬والفجور يهدي إل النار‪ ،‬أل ترى أنــه يقال ‪ :‬صــدق وبر ‪،‬‬
‫وكذب وف جر» ‪ .‬الو طأ ‪ -‬الد يث ‪ -1814‬طب عة دار النفائ س‪.‬وأول ما ي سري الكذب‬
‫من النفس إل اللسان فيفسده ث يسري إل الوارح فيفسد عليها أعمالا كما أفسد على‬
‫اللسان أقواله ‪ ،‬فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله‪ ،‬فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه‬
‫إل اللكـــة إن ل يتدراكـــه ال بدواء الصـــدق يقلع الادة مـــن أصـــلها‪.‬‬

‫ولذا كان أصـل أعمال القلوب كلهـا الصـدق‪ ،‬وأضدادهـا مـن الرياء والعجـب والكـب‬
‫والفخر واليلء والبطر والشر والعجز والكسل والب والهانة وغيها أصلها الكذب ‪،‬‬
‫فكل عمل صال ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق ‪ .‬وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه‬
‫الكذب‪ .‬وال تعال يعاقب الكذاب بأن يقعده و يثبطه عن مصاله ومنافعه ويثيب الصادق‬
‫بأن يوفقه للقيام بصال دنياه وآخرته‪ ،‬فما استجلبت مصال الدنيا والخرة بثل الصدق ‪،‬‬
‫ول مفا سدها ومضاره ا ب ثل الكذب‪ .‬وقال تعال‪ « :‬يا أي ها الذ ين آمنوا اتقوا ال وكونوا‬
‫مع الصادقي» سورة التوبة ‪ :‬الية رقم ‪ ، 119:‬وقال تعال ‪ « :‬هذا يوم ينفع الصادقي‬
‫صدقهم» الائدة ‪ :‬الية ر قم ‪ ، 119:‬وقال ‪« :‬فإذا عزم ال مر فلو صدقوا ال لكان خيا‬

‫‪153‬‬
‫لمـ» ممـد ‪ :‬اليـة رقـم ‪ ، 21:‬وقال ‪« :‬وجاء العذرون مـن العراب ليؤذن لمـ وقعـد‬
‫الذين كذبوا ال ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم» التوبة ‪ :‬الية رقم ‪90:‬‬
‫‪.‬‬

‫وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم‬


‫ف قوله تعال‪« :‬وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم وعسى أن تبوا شيئا وهو شر لكم‬
‫ـــــم ‪216:‬‬
‫ـــــة رقـ‬
‫ـــــم ل تعلمون» البقرة ‪ :‬اليـ‬
‫وال يعلم وأنتـ‬

‫ف هذه ال ية عدة ح كم وأ سرار وم صال للع بد ‪ ،‬فإن الع بد إذا علم أن الكروه قد يأ ت‬
‫بالحبوب ‪ ،‬والحبوب قد يأ ت بالكروه ‪ ،‬ل يأ من أن تواف يه الضرة من جا نب ال سرة ‪ ،‬ول‬
‫ييأس أن تأتيه السرة من جانب الضرة لعدم علمه بالعاقب ‪ ،‬فإن ال يعلم منها ما ل يعلمه‬
‫العبــــــــــــد « وِ» أوجــــــــــــب له ذلك أمورا‪:‬‬

‫من ها‪ :‬أ نه ل أن فع له من امتثال ال مر وإن شق عل يه ف البتداء؛ لن عواق به كل ها خيات‬


‫وم سرات ولذات وأفراح ‪ ،‬وإن كره ته نف سه ف هو خ ي ل ا وأن فع‪ ،‬وكذلك ل ش يء أ ضر‬
‫عليه من ارتكاب النهي وإن هويته نفسه ومالت إليه‪ ،‬فإن عواقبه كلها آلم وأحزان وشرور‬
‫وم صائب ‪ ،‬وخا صة الع قل ت مل الل الي سي ل ا يعق به من اللذة العظي مة وال ي الكث ي‪،‬‬
‫واجتناب اللذة الي سية ل ا يعقب ها من الل العظ يم وال شر الطو يل ‪ ،‬فن ظر الا هل ل ياوز‬
‫البادئ إل غاياتا‪ ،‬والعاقل الكيس دائما ينظر إل الغايات من وراء ستور مبادئها فيى ما‬
‫وراء تلك ال ستور من الغابات الحمودة والذمومة‪ .‬فيى الناهي كطعام لذيذ قد خلط فيه‬
‫سم قا تل ‪ ،‬فكل ما دع ته لذ ته إل تناوله ناه ما ف يه من ال سم ويرى الوا مر كدواء كر يه‬

‫‪154‬‬
‫الذاق م فض إل العاف ية والشفاء ‪ ،‬وكل ما ناه كر هه مذا قه عن تناوله أمره نف عه بالتناول‪.‬‬
‫ولكن هذا يتاج إل فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها وقوة صب يوطن به نفسه على‬
‫ت مل مش قة الطر يق ل ا يؤ مل ع ند الغا ية ‪ ،‬فإذا ف قد اليق ي وال صب تعذر عل يه ذلك ‪ ،‬وإذا‬
‫قوي يقي نه و صبه هان عل يه كل مش قة يتحمل ها ف طلب ال ي الدائم واللذة الدائ مة‪.‬‬

‫ومن أسرار هذه الية أنا تقتضي من العبد التعويض إل من يعلم عواقب المور والرضا با‬
‫يتاره له ويقضيـــه له لاـــ يرجـــو فيـــه مـــن حســـن العاقبـــة‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أ نه ل يقترح على ربه ول يتار عل يه ول ي سأله ما ل يس له به علم ‪ ،‬فل عل مضر ته‬
‫وهلكه فيه وهو ل يعلم ‪ ،‬فل يتار على ربه شيئا بل يسأله حسن الختيار له وأن يرضيه‬
‫باـــــــــ يتاره فل أنفـــــــــع له مـــــــــن ذلك‪.‬‬

‫ومن ها‪ :‬أ نه إذا فوض إل ر به ور ضي ب ا يتاره له أمده في ما يتاره له بالقوة عل يه والعزي ة‬
‫وال صب و صرف ع نه الفات ال ت هي عر ضة اختيار الع بد لنف سه وأراه من ح سن عوا قب‬
‫اختياره له مــا ل يكــن ليصــل إل بعضــه ‪ ،‬باــ يتاره هــو لنفســه ‪.‬‬

‫ومنهـا‪ :‬أنـه يريهـ مـن الفكار التعبـة فـ أنواع الختيارات ‪ ،‬ويفرغ قلبـه مـن التقديرات‬
‫والتدبيات ال ت ي صعد من ها ف عق بة وينل ف أخرى ‪ ،‬و مع هذا فل خروج له ع ما قدر‬
‫عل يه‪ ،‬فلو ر ضي باختيار ال أ صابه القدر و هو ممود مشكور ملطوف به ف يه‪ ،‬وإل جرى‬
‫عل يه القدر و هو مذموم غ ي ملطوف به ف يه؛ ل نه مع اختياره لنف سه ‪ ،‬وم ت صح تفوي ضه‬
‫ورضاه‪ ،‬اكتنفه ف القدور العطف عليه واللطف به فيصي بي عطفه ولطفه‪ ،‬فعطفه يقيه ما‬
‫يذره ‪ ،‬ولطفــــــــه يهون عليــــــــه مــــــــا قدره‪.‬‬
‫إذا نفذ القدر ف العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تيله ف رده‪ ،‬فل أنفع له من الستسلم‬
‫وإلقاء نفسـه بيـ يدي القدر طرياـ كاليتـة ‪ ،‬فإن السـبع ل يرضـى بأكـل اليـف‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ل ينتفع بنعمة ال باليان والعلم إل من عرف نفسه‬
‫ل ينتفع بنعمة ال باليان والعلم إل من عرف نفسه ووقف با عند قدرها ول يتجاوزه إل‬
‫ما ليس له ول يتعد طوره ول يقل هذا ل ‪ ،‬وتيقن أنه ال ومن ال وبال فهو الانّ به ابتداء‬
‫وإدامة بل سبب من الع بد ول ا ستحقاق م نه ‪ ،‬فتذله ن عم ال عل يه وتك سره ك سرة من ل‬
‫يرى لنف سه ول في ها خيا ألب تة‪ ،‬وأن ال ي الذي و صل إل يه ف هو ل و به وم نه فتحدث له‬
‫النعـم ذل وانكسـارا عجيبـا ل يعـب عنـه‪ .‬فكلمـا جدد له نعمـة ازداد له ذل وانكسـارا‬
‫وخشوعا ومبة وخوفا ورجاء ‪ ،‬وهذا نتيجة علمي شريفي ‪ :‬علمه بربه وكماله وبره وغناء‬
‫وجودة وإحسانه ورحته‪ ،‬وأن الي كله ف يديه وهو ملكه يؤت منه من يشاء وينع منه من‬
‫يشاء ‪ ،‬وله ال مد على هذا ‪ ،‬وهذا أك مل ح د وأت ه ‪ .‬وعل مه بنف سه ووقو فه على حد ها‬
‫وقدرها ونقصها وظلمها وجهلها‪ ،‬وأنا ل خي فيها ألبتة ول لا ول با ول منها وأنا ليس‬
‫لا من ذاتا إل العدم فكذلك من صفاتا وكمالا ليس لا إل العدم الذي ل شيء أحقر منه‬
‫ـ‪.‬‬
‫ـس لاـ ول باـ‬
‫ـا الذي ليـ‬
‫ـع لوجودهـ‬
‫ـن اليـ تابـ‬
‫ـا مـ‬
‫ـا فيهـ‬
‫ـص ‪ ،‬فمـ‬
‫ول أنقـ‬

‫فإذا صـار هذان العلمان صـبغة لاـ ل صـبغة على لسـانا علمـت حينئذ أن المـد كله ل‬
‫والمر كله والي كله ف يديه‪ ،‬وأنه هو الستحق للحمد والثناء والدح دونا ‪ ،‬وأنا هي‬
‫أول بالذم والعيـب واللوم‪ .‬ومـن فاتـه التحقيـق بذيـن العلميـ تلونـت بـه أقواله وأعماله‬
‫وأحواله وتبطـت عليـه ول يهتـد إل الصـراط السـتقيم الوصـل له إل ال‪ .‬فإيصـال العبـد‬
‫بتحقيق هاتي العرفتي علما وحال‪ ،‬وانقطاعه بفواتما‪ .‬وهذا معن قولم‪ :‬من عرف نفسه‬
‫عرف ر به‪ ،‬فإ نه من عرف نف سه بال هل والظلم والع يب والنقائص والا جة والف قر والذل‬
‫والسكنة والعدم‪ ،‬عرف ربه بضد ذلك فوقف بنفسه عند قدرها ول يتعد با طورها وأثن‬
‫على ربه ببعض ما هو أهله‪ ،‬وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وإنابته وتوكله إليه وحده‪،‬‬
‫وكان أحـب شيـء إليـه وأخوف شيـء عنده وأرجاه له‪ ،‬وهذا هـو حقيقـة العبوديـة‪ ،‬وال‬
‫الســـــــــــــــــــــــــــــــــــتعان‪.‬‬
‫وي كى أن ب عض الكماء ك تب على باب بي ته ‪ :‬إ نه لن ينت فع بكمت نا إل من عرف نف سه‬

‫‪156‬‬
‫وو قف ب ا ع ند قدر ها ‪ ،‬ف من كان كذلك فليد خل وإل فلي جع ح ت يكون بذه ال صفة‪.‬‬

‫مساوئ الشهوات‬
‫الصـب عـن الشهوة أسـهل مـن الصـب على مـا توجبـه الشهوة ‪ ،‬فإناـ إمـا أن توجـب ألاـ‬
‫وعقوبة ‪ ،‬وإما أن تقطع لذة أكمل منها‪ ،‬وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة ‪ ،‬وإما‬
‫أن تثلم عر ضا توفيه أن فع للع بد من ثل مه ‪ ،‬وإما أن تذ هب مال بقاؤه خ ي له من ذها به ‪،‬‬
‫وإما أن تضيع قدرا وجاها قيامه خي من وضعه ‪ ،‬وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب‬
‫من قضاء الشهوة‪ ،‬وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا ل يكن يدها قبل ذلك‪ ،‬وإما أن تلب‬
‫هاـ وغمـا وحزنـا وخوفـا ل يقارب لذة الشهوة‪ ،‬وإمـا أن تنسـى علمـا ذكره ألذ مـن نيـل‬
‫الشهوة ‪ ،‬وإما أن تشمت عدوا وتزن وليا وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة‪ ،‬وإما أن‬
‫تدث عيبــا يبقــى صــفة ل تزول ‪ ،‬فإن العمال تورث للصــفات والخلق‪.‬‬

‫حدود الخلق‬
‫للخلق حـد متـ جاوزتـه صـارت عدوانـا‪ ،‬ومتـ قصـرت عنـه كان نقصـا ومهانـة ‪:‬‬
‫فللغ ضب حد و هو الشجا عة الحمودة والن فة من الرذائل والنقائص ‪ ،‬وهذا كماله‪ ،‬فإذا‬
‫ـف مــن الرذائل‪.‬‬
‫ـ ول يأنـ‬
‫ـه جبـ‬
‫ـاحبه وجار‪ ،‬وإن نقــص عنـ‬
‫جاوز حده تعدى صـ‬

‫‪157‬‬
‫وللحرص حد و هو الكفا ية ف أمور الدن يا وح صول البلغ من ها‪ ،‬فم ت ن قص تعدى ذلك‬
‫صار بغيا وظلما يتمن معه زوال النعمة عن الحسود ويرص على إيذائه‪ ،‬ومت نقص عن‬
‫ذلك كان دناءة وضعف هة وصغر نفس ‪ .‬قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل حسد إل‬
‫ف اثنت ي ‪ :‬ر جل آتاه ال مال ف سلطة على هلك ته ف ال ق ‪ ،‬ور جل آتاه ال الك مة ف هو‬
‫يق ضي ب ا ويعلم ها الناس» رواه أح د بن حن بل والبخاري ولف ظه ع ند البخاري ف باب‬
‫التمنـ‪ « :‬ل تاسـد إل فـ اثنتيـ رجـل آتاه ال القرآن ‪ ،‬فهـو يتلوه آناء الليـل والنهار‬
‫يقول‪ :‬لو أوت يت م ثل ما أو ت هذا لفعلت ك ما يف عل‪ :‬ور جل آتاه ال مال ينف قه ف ح قه‬
‫فيقول ‪ :‬لو أوتيت ‪ ،‬مثل ما أوت لفعلت كما يفعل» ‪ ،.‬فهذا حسد منافسة يطالب الاسد‬
‫به نف سه أن يكون م ثل الح سود ل ح سد مها نة يتم ن به زوال النع مة عن الح سود‪.‬‬

‫وللشهوة حد و هو را حة القلب والع قل من كد الطا عة واكت ساب الفضائل وال ستعانة‬


‫بقضائ ها على ذلك‪ ،‬فم ت زادت على ذلك صارت ن مة وشب قا والت حق صاحبها بدر جة‬
‫اليوان ‪ ،‬وم ت نق صت ع نه ول ي كن فراغا ف طلب الكمال والف ضل كا نت ضع فا وعجزا‬
‫ومهانــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‪.‬‬

‫وللراحـة حـد وهـو إجاع النفـس والقوى الدركـة والفعالة للسـتعداد للطاعـة واكتسـاب‬
‫الفضائل وتوفرها على ذلك بيث ل يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها‪ ،‬فمت زاد على‬
‫ذلك صار توانيا وكسل وإضاعة وفات به أكثر مصال العبد‪ ،‬ومت نقص عنه صار مضرا‬
‫بالقوى موهنـا لاـ ورباـ انقطـع بـه كالنبتّـ الذي ل أرضـا قطـع ول ظهرا أبقـى‪.‬‬

‫والود له حد بي طرفي ‪ ،‬فمت جاوز حده صار إسرافا وتبذيرا‪ .‬ومت نقص عنه كان بل‬
‫وتقتيا‪.‬‬
‫وللشجاعة حد مت جاوزته صارت تورا‪ ،‬ومت نقصت عنه صارت جبنا وخورا‪ ،‬وحدها‬
‫القدام ف موا ضع القدام والحجام‪ ،‬ك ما قال معاو ية لعمرو بن العاص‪ :‬أعيا ن أن أعرف‬
‫أشجاع أنت أم جبان تقدم حت أقول من أشجع الناس‪ ،‬وتب حت أقول من أجب الناس‪،‬‬

‫‪158‬‬
‫فقال‪:‬‬

‫شجاع إذا أمكنتن فرصة * * * فإن ل تكن ل فرصة فجبان‬

‫والغية لا حد إذا جاوزته صارت تمة وظنا سيئا بالبيء‪ ،‬وإذا قصرت عنه كانت تغافلً‬
‫ومبادئ دياثـــــــــــــــــــــــــــــــــة‪.‬‬
‫وللتواضـع حـد إذا جاوزه كان ذل ومهانـة‪ ،‬ومتـ قصـر عنـه انرف إل الكـب والفخـر‪.‬‬
‫ولل عز حد إذا جاوزه كان كبا وخلقا مذموما‪ ،‬وإن ق صر ع نه انرف إل الذل والها نة‪.‬‬

‫خي المور الوسط‬


‫وضابط هذا كله العدل‪ ،‬وهو الخذ بالوسط الوضوع بي طرف الفراط والتفريط‪ ،‬وعليه‬
‫بناء مصال الدنيا والخرة‪ ،‬بل ل تقوم مصلحة البدن إل به‪ ،‬فإنه مت خرج بعض أخلطه‬
‫عن العدل وجاوزه أو ن قص ع نه ذ هب من صحته وقو ته ب سب ذلك‪ ،‬وكذلك الفعال‬
‫الطبيع ية كالنوم وال سهر وال كل والشرب والماع والر كة والريا ضة واللوة والخال طة‬
‫وغ ي ذلك‪ ،‬إذا كا نت و سطا ب ي الطرف ي الذموم ي كا نت عدل وإن انر فت إل أحده ا‬
‫ـــــــــا‪.‬‬
‫ـــــــــا وأثرت نقصـ‬
‫ـــــــــت نقصـ‬
‫كانـ‬

‫ف من أشرف العلوم وأنفع ها علم الدود‪ ،‬ول سيما حدود الشروع الأمور والن هي ‪ .‬فأعلم‬
‫الناس أعلمهم بتلك الدود‪ ،‬حت ل يدخل فيها ما ليس منها ول يرج منها ما هو داخل‬

‫‪159‬‬
‫فيهـا ‪ .‬قال تعال‪« :‬العراب أشـد كفرا ونفاقـا وأجدر أل يعلموا حدود مـا أنزل ال على‬
‫ر سوله» سورة التو بة ‪ :‬ال ية ر قم ‪ .97:‬فأعدل الناس من قام بدود الخلق والعمال‬
‫والشروعات معرفـــــــــــة وفعل‪ ،‬وبال التوفيـــــــــــق‪.‬‬

‫التقوى ف القلوب‬
‫قال أبـو الدرداء رضـي ال عنـه ‪ :‬يـا حبذا نوم الكياس وفطرهـم كيـف يغبنون بـه قيام‬
‫الم قى و صومهم‪ ،‬والذرة من صاحب تقوى أف ضل من أمثال البال عبادة من الغتر ين‪.‬‬
‫وهذا من جوا هر الكلم وأدله على كمال ف قه ال صحابة وتقدم هم على من بعد هم ف كل‬
‫خيــــــــــ ‪ ،‬رضــــــــــي ال عنهــــــــــم‪.‬‬

‫فاعلم أن العبد إنا يقطع منازل السي إل ال بقلبه وهته ل ببدنه‪ .‬والتقوى ف القيقة تقوى‬
‫القلوب ل تقوى الوارح‪ .‬قال تعال «ذلك ومن يعظم شعائر ال فإنا من تقوى القلوب»‬
‫سورة الج‪ :‬الية رقم ‪ ، 32:‬وقال ‪« :‬لن ينال ال لومها ول دماؤها ولكن يناله التقوى‬
‫منكم» الج ‪ :‬الية رقم ‪ ، 37:‬وقال النب صلى ال عليه وسلم « التقوى ههنا‪ :‬وأشار‬
‫إل صــــــدره» رواه الترمذي وأحدــــــ بــــــن حنبــــــل‪.‬‬

‫فالكيس يقطع من السافة بصحة العزية وعلو المة وتريد القصد وصحة النية مع العمل‬
‫القليل ‪ ،‬أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثي والسفر الشاق‪ ،‬فإن‬
‫العزية والحبة تذهب الشقة وتطيب السي‪ ،‬والقدم والسبق إل ال سبحانه إنا هو بالمم‬
‫وصدق الرغبة والعزية ‪ ،‬فيتقدم صاحب المة مع سكونه صاحب العمل الكثي براحل‪،‬‬
‫فإن سـاواه ف ه ته تقدم عل يه بعمله‪ ،‬وهذا موضـع يتاج إل تفصـيل يوا فق ف يه ال سلم‬

‫‪160‬‬
‫الحســـــــــــــــــــــــــــــــــــان‪.‬‬

‫أكمل الدي‬
‫فأكمل الدي هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكان موفيا كل واحد منهما حقه ‪،‬‬
‫فكان مـع كماله وإرادتـه وأحواله مـع ال حتـ تَرِم قدماه ‪ ،‬ول يترك شيئا مـن النوافـل‬
‫والوراد لتلك الواردات الت تعجز عن حلها قوى البشر ‪ .‬وال تعال أمر عباده أن يقوموا‬
‫بشرائع ال سلم على ظواهر هم وحقائق اليان على بواطن هم ‪ ،‬ول يق بل واحدا منه ما إل‬
‫بصــــــــــــــــاحبه وقرينــــــــــــــــه‪.‬‬

‫و ف ال سند مرفو عا ‪« :‬ال سلم علن ية واليان ف القلب » ف كل إ سلم ظا هر ل ين فذ‬


‫صاحبه منه إل حقيقة اليان الباطنة فليس بنافع حت يكون معه شيء من اليان الباطن ‪،‬‬
‫وكل حقيقة باطنة ل يقوم صاحبها بشرائع السلم الظاهرة ل تنفع ولو كانت ما كانت ‪.‬‬
‫فلو تزق القلب بالحبـة والوف ول يتعبـد بال مر وظا هر الشرع ل ينجـه ذلك مـن النار‪.‬‬

‫وإذا عرف هذا ‪ ،‬فالصـــادقون الســـائرون إل ال والدار الخرة قســـمان ‪:‬‬

‫قسم صرفوا ما فضل من أوقاتم بعد الفرائض إل النوافل البدنية وجعلوها دأبم من غي‬
‫حرص منهم على تقيق أعمال القلوب ومنازلا وأحكامها ‪،‬وإن ل يكونوا خالي من أصلها‬
‫ولكــــن همهــــم مصــــروفة إل الســــتكثار مــــن العمال ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫وقسم صرفوا ما فضل من الفرائض والسنن إل الهتمام بصلح قلوبم و عكفوها على ال‬
‫وحده والمعية عليه وحفظ الواطر والرادات معه ‪.‬وجعلوا قوة تعبدهم بأعمال القلوب‬
‫من تصحيح الحبة والوف والرجاء والتوكل والنابة ورأوا أن أيسر نصيب من الواردات‬
‫الت ترد على قلبه من ال أحب إليهم من كثي من التطوعات البدنية ‪ ،‬فإذا حصل لحدهم‬
‫جعية ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو انكسار وذل ‪ ،‬ل يستبدل به شيئا سواه ألبتة ‪ ،‬إل‬
‫أن ي يء ال مر فيبادر إل يه بذلك الوارد إن أمك نه ‪ ،‬وإل بادر إل ال مر ولو ذ هب الوارد ‪.‬‬
‫فإذا جاءت النوافل فههنا معترك التردد ‪ ،‬فإن أمكن القيام با فذاك وإل نظر ف الرجح ‪.‬‬
‫والحـب إل ال هـل هـو القيام إل تلك النافلة ولو ذهـب وارده كإغاثـة اللهوف وإرشاد‬
‫ضال وجب مكسور واستفادة إيان ونو ذلك ‪ ،‬فههنا ينبغي تقدي النافلة الراجحة ‪ ،‬ومت‬
‫قدمها ل رغبة فيه وتقربا إليه فإنه يرد عليه ما فات من وارده أقوى ما كان ف وقت آخر ‪،‬‬
‫وإن كان الوارد أرجح من النافلة فالزم له الستمرار ف وارده حت يتوارى عنه فإنه يفوت‬
‫والنافلة ل تفوت‪.‬‬
‫وهذا موضع يتاج إل فضل فقه ف الطريق ومراتب العمال وتقدي الهم منها فالهم ‪،‬‬
‫ــــــــــواه‪.‬‬
‫ــــــــــق لذلك ل إله غيه ول رب سـ‬
‫وال الوفـ‬

‫أصل الخلق المدوحة والذمومة‬


‫أصـل الخلق الذمومـة كلهـا الكـب والهانـة والدناءة ‪ ،‬وأصـل الخلق الحمودة كلهـا‬
‫الشوع وعلو ال مة ‪ ،‬فالف خر والب طر وال شر والع جب وال سد والب غي واليلء والظلم‬
‫والقسـوة والتجـب والعراض وإباء قبول النصـيحة والسـتئثار وطلب العلو وحـب الاه‬
‫والرئاســة وأن يمــد باــ ل يفعــل وأمثال ذلك كلهــا ناشئة مــن الكــب ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫وأمـا الكذب والسـة واليانـة والرياء والكـر والديعـة والطمـع والفزع والبـ والبخـل‬
‫والعجز والكسل والذل لغي ال واستبدال الذي هو أدن بالذي هو خي ونو ذلك ‪ ،‬فإنا‬
‫مــــــن الهانــــــة والدناءة وصــــــغر النفــــــس ‪.‬‬

‫وأ ما الخلق الفاضلة كال صب والشجا عة والعدل والروءة والع فة وال صيانة والود واللم‬
‫والعفو والصفح والحتمال واليثار وعزة النفس عن الدناءات والتواضع والقناعة والصدق‬
‫والخلص والكافأة على الحسان بثله أو أفضل والتغافل عن زلت الناس وترك الشتغال‬
‫با ل يعنيه وسلمة القلب من تلك الخلق الذمومة ونو ذلك ‪ ،‬فكلها ناشئة عن الشوع‬
‫وعلو ال مة ‪ .‬وال سبحانه أ خب عن الرض بأن ا تكون خاش عة ث ينل علي ها الاء فته تز‬
‫وتربـو وتأخـذ زينتهـا وبجتهـا ‪ ،‬فكذلك الخلوق منهـا إذا أصـابه حظـه مـن التوفيـق‪.‬‬

‫وأما النار فطبعها العلو والفساد ث تمد فتصي أحقر شيء وأذله ‪ ،‬وكذلك الخلوق منها ‪،‬‬
‫ف هي دائ ما ب ي العلو إذا ها جت واضطر بت ‪ ،‬وب ي ال سة والدناءة إذا خدت و سكنت ‪،‬‬
‫والخلق الذمومـة تابعـة للنار والخلوق منهـا ‪،‬والخلق الفاضلة تابعـة للرض والخلوق‬
‫من ها ‪ .‬ف من علت ه ته وخش عت نف سه ات صف ب كل خلق ج يل ‪ ،‬و من د نت ه ته وط غت‬
‫نفســـــــه اتصـــــــف بكـــــــل خلق رذيـــــــل‪.‬‬

‫مستلزمات الطالب العليا‬


‫الطلب العلى موقوف حصـوله على هةـ عاليـة ونيـة صـحيحة ‪ ،‬فمـن فقدهاـ تعذر عليـه‬
‫الو صول إل يه ‪ ،‬فإن ال مة إذا كا نت عال ية تعل قت به وحده دون غيه ‪ .‬وإذا كا نت الن ية‬
‫صحيحة سلك العبد الطريق الوصلة إليه ‪ ،‬فالنية تفرد له الطريق والمة تفرد له الطلوب ‪،‬‬

‫‪163‬‬
‫فإذا تو حد مطلو به والطر يق الو صلة إل يه كان الو صول غاي ته ‪ ،‬وإذا كا نت ه ته سافلة‬
‫تعلقت بالسفليات ول تتعلق بالطلب العلى ‪ ،‬وإذا كانت النية غي صحيحة كانت طريقه‬
‫غي موصلة إليه ‪ ،‬فمدار الشأن هل هة العبد ونيته وها مطلوبه وطريقه ول يتم له إل بترك‬
‫«ثلثـــة أشياء ‪ »:‬العوائد والرســـوم والوضاع التـــ أحدثهـــا الناس ‪.‬‬
‫ـا ‪.‬‬
‫ـه وقطعهـ‬
‫ـه وطريقـ‬
‫ـن إفراد مطلوبـ‬
‫ـه عـ‬
‫ـر العوائق التـ تعوقـ‬
‫«الثان ـ ‪ » :‬هجـ‬
‫«الثالث ‪ » :‬قطع علئق القلب الت تول بينه وبي تريد التعلق بالطلوب ‪ .‬والفرق بينهما‬
‫أن العوائق هي الوادث الارج ية والعلئق هي التعلقات القلب ية بالباحات ونو ها‪ .‬وأ صل‬
‫ذلك ترك الفضول الت تشغل عن القصود من الطعام والشراب والنام واللطة ‪ ،‬فيأخذ من‬
‫ذلك ما يعي نه على طل به وير فض م نه ما يقط عه ع نه أو يض عف طل به ‪ ،‬وال ال ستعان ‪.‬‬

‫من حكم ابن مسعود‬


‫مــــن كلم عبــــد ال بــــن مســــعود رضــــي ال عنــــه ‪:‬‬
‫قال رجل عنده ‪ :‬ما أحب أن أكون من أصحاب اليمي ‪ ،‬أحب أن أكون من القربي‪ .‬فقال‬
‫عبــد ال ‪ :‬لكــن ههنــا رجــل وَدّ أنــه إذا مات ل يبعــث ؛ يعنــ نفســه ‪.‬‬

‫وخرج ذات يوم فاتبعـه ناس فقال لمـ ‪ :‬ألكـم حاجـة ؟ قالوا ل ‪ ،‬ولكـن أردنـا أن نشـي‬
‫معــــك ‪ ،‬قال ‪ :‬ارجعوا ‪ ،‬فإنــــه ذلة للتابــــع وفتنــــة للمتبوع‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬لو تعلمون منــ مــا أعلم مــن نفســي لثوتــ على رأســي التراب‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬حبذا الكروهان ‪ :‬الوت والفقر ‪ ،‬و أي ال إن هو إل الغن والفقر وما أبال بأيهما‬
‫بليت ‪ ،‬أرجو ال ف كل واحد منهما ‪ ،‬إن كان الغن أن فيه العطف‪ ،‬وإن كان الفقر أن فيه‬

‫‪164‬‬
‫الصــــــــــــــــــــــــــــــــــــب ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬إن كم ف م ر الل يل والنهار ف آجال منقو صة وأعمال مفو ظة ‪ ،‬والوت يأ ت بغ تة ‪،‬‬
‫فمن زرع خيا فيوشك أن يصد رغبة ‪ ،‬ومن زرع شرا فيوشك أن يصد ندامة ‪ ،‬ولكل‬
‫ـا ل يقدر له‪.‬‬
‫ـص مـ‬
‫ـه ول يدرك حريـ‬
‫ـء بظـ‬
‫ـبق بطيـ‬
‫ـا زرع ‪ ،‬ل يسـ‬
‫ـل مـ‬
‫زارع مثـ‬

‫مــــن أعطــــي خيا فال أعطاه ‪،‬ومــــن وقــــي شرا فال وقاه ‪.‬‬
‫التقون ســــــــــادة والفقهاء قادة ومالســــــــــتهم زيادة ‪.‬‬
‫إنا ها اثنتان ‪ :‬الدي والكلم ‪ ،‬فأفضل الكلم كلم ال ‪ ،‬وأفضل الدي هدي ممد صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وشر المور مدثاتا وكل مدثة بدعة فل يطولن عليكم المد ول يلهينكم‬
‫المل فإن كل ما هو آت قريب ‪ ،‬أل وإن البعيد ما ليس آتيا ‪ ،‬أل وإن الشقي من شقي ف‬
‫بطن أمه ‪ ،‬وإن السعيد من وعظ بغيه ‪ ،‬إل وإن قتال السلم كفر وسبابه فسوق ‪ ،‬ول يل‬
‫ل سلم أن يه جر أخاه فوق ثل ثة أيام ح ت ي سلم عل يه إذا لق يه ويي به إذا دعاه ويعوده إذا‬
‫مرض‪ .‬أل وإن شر الروايا روايا الكذب ‪ ،‬أل وإن الكذب ل يصلح منه جد ول هزل ول‬
‫أن يعد الرجل صبيه شيئا ث ل ينجزه أل وإن الكذب يهدي إل الفجور والفجور يهدي إل‬
‫النار ‪ ،‬والصدق يهدي إل الب والب يهدي إل النة ‪ ،‬وإنه يقال للصادق صدق وبر‪ ،‬ويقال‬
‫للكاذب كذب وفجـر‪ ،‬وإن ممدا صـلى ال عليـه وسـلم حدثنـا أن الرجـل ليصـدق حتـ‬
‫يكتــب عنــد ال صــديقا ‪ ،‬ويكذب حتــ يكتــب عنــد ال كذابــا‪.‬‬

‫إن أصدق الديث كتاب ال‪ ،‬وأوثق العرى كلمة التقى‪ ،‬وخي اللة ملة إبراهيم ‪ ،‬وأحسن‬
‫السنن سنة ممد صلى ال عليه وسلم وخي الدي هدي النبياء ‪ ،‬وأشرف الديث ذكر‬
‫ال وخي القصص القرآن وخي المور عواقبها وشر المور مدثاتا‪ ،‬وما قل وكفى خي ما‬
‫كثر وألى‪ ،‬ونفس تنجيها خي من نفس أمارة ل تصبها‪ ،‬وشر العذرة حي يضر الوت‪،‬‬
‫وشر الندامة ندامة يوم القيامة‪ ،‬وشر الضللة الضللة بعد الدى‪ ،‬وخي الغن غن النفس‪،‬‬
‫وخي الزاد التقوى‪ ،‬وخي ما ألقي ف القلب اليقي‪ ،‬والريب من الكفر‪ ،‬وشر العمى عمى‬
‫القلب ‪ ،‬وال مر جاع الث ‪ ،‬والنساء حبائل الشيطان‪ ،‬والشباب شع بة من النون‪ ،‬والنوح‬
‫مـــــــــــن عمـــــــــــل الاهليـــــــــــة‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫من الناس من ل يأت المعة إل دبرا ول يذكر ال إل هجرا‪ .‬وأعظم الطايا الكذب ‪ ،‬ومن‬
‫ي عف ي عف ال ع نه‪ ،‬و من يكظم الغ يظ يأجره ال‪ ،‬ومن يغ فر يغ فر ال له‪ ،‬و من ي صب على‬
‫الرزية يعقبه ال ‪ ،‬وشر الكاسب كسب الربا‪ ،‬وشر الآكل مال اليتيم‪ ،‬وإنا يكفي أحدكم‬
‫ما قن عت به نف سه ‪ ،‬وإن ا ي صي إل أرب عة أذرع وال مر إل آخره‪ ،‬وملك الع مل خوات ه ‪،‬‬
‫وأشرف الوت قتـل الشهداء‪ ،‬ومـن يسـتكب يضعـه ال ‪ ،‬ومـن يعـص ال يطـع الشيطان‪.‬‬

‫ينبغـي لامـل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون‪ ،‬وبنهاره إذا الناس مفطرون‪ ،‬وبزنـه‬
‫إذا الناس يفرحون ‪ ،‬وببكائه إذا الناس يضحكون ‪ ،‬وبصـمته إذا الناس يوضون‪ ،‬وبشوعـه‬
‫إذا الناس يتالون ‪ .‬وينب غي لا مل القرآن أن يكون باك يا مزو نا حكي ما حلي ما سكينا‪ .‬ول‬
‫ينبغـي لامـل القرآن أن يكون جافيـا ول غافل ول سـخابا ول صـياحا ول حديدا‪.‬‬

‫من تطاول تعظما حطه ال ومن تواضع تشعا رفعه ال‪ .‬وإن للملك لة وللشيطان لة‪ ،‬فلمة‬
‫اللك إيعاد بال ي وت صديق بال ق‪ ،‬فإذا رأي تم ذلك فاحدوا ال‪ .‬و ل ة الشيطان إيعاد بال شر‬
‫وتكذيـــــــب بالقـــــــ ‪ ،‬فإذا رأيتـــــــم ذلك فتعوذوا بال‪.‬‬
‫إن الناس قد أحسنوا القول‪ ،‬فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه‪ ،‬ومن خالف قوله‬
‫ـــــــــه‪.‬‬
‫ـــــــــخ نفسـ‬
‫ـــــــــ يوبـ‬
‫فعله فذاك إناـ‬
‫ل ألفي أحدكم جيفة ليل قطرب نار‪ ،‬إن لبغض الرجل أن أراه فارغا ليس ف شيء من‬
‫ع مل الدن يا ول ع مل الخرة ‪ ،‬و من ل تأمره ال صلة بالعروف وتن هه عن الن كر ل يزدد ب ا‬
‫مــــــــــــــــــــــــــــــــن ال إل بعدا‪.‬‬

‫من اليق ي أل تر ضي الناس ب سخط ال‪ ،‬ول ت مد أحدا على رزق ال‪ ،‬ول تلوم أحدا على‬
‫مـا ل يؤتـك ال‪ ،‬فإن رزق ال ل يسـوقه حرص حريـص ول يرده كراهـة كاره‪ ،‬وإن ال‬
‫بقسطه وحلمه وعدله جعل الروح والفرح ف اليقي والرضا‪ ،‬وجعل الم والزن ف الشك‬
‫والســـــــــــــــــــــــــــــــــــخط‪.‬‬
‫مـا دمـت فـ صـلة فأنـت تقرع باب اللك‪ ،‬ومـن يقرع باب اللك ‪ ،‬يفتـح له‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫إنـــ لحســـب الرجـــل ينســـى العلم كان يعلمـــه بالطيئة يعملهـــا‪.‬‬
‫كونوا ينابيـع العلم‪ ،‬مصـابيح الدى‪ ،‬أحلس البيوت سـرج الليـل‪ ،‬جدد القلوب ‪ ،‬خلقان‬
‫الثياب‪ ،‬تعرفون فــــــ الســــــماء وتفون على أهــــــل الرض‪.‬‬

‫إن للقلوب شهوة وإدبارا فاغتنمو ها ع ند شهوت ا وإقبال ا ودعو ها ع ند فترت ا وإدبار ها‪.‬‬
‫ليـــــس العلم بكثرة الروايـــــة ولكـــــن العلم الشيـــــة‪.‬‬
‫إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسما وأمرضه قلبا‪ ،‬وتلقون الؤمن من أصح الناس قلبا‬
‫وأمرضه جسما‪ ،‬و أي ال لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على ال من‬
‫العلن‪.‬‬

‫ل يبلغ العبد حقيقة اليان حت يل بذروته‪ ،‬ول يل بذروته حت يكون الفقر أحب إليه من‬
‫الغن والتواضع أحب إليه من الشرف‪ ،‬وحت يكون حامده و ذامه عنده سواء ‪ ،‬وإن الرجل‬
‫ليخرج من بي ته وم عه دي نه في جع و ما م عه م نه ش يء‪ ،‬يأ ت الر جل ول يلك له ول لنف سه‬
‫ضرا ول نفعـا‪ ،‬فيقسـم له بال إنـك لذيـت و ذيـت‪ ،‬فيجـع ومـا حـب مـن حاجتـه بشيـء‬
‫ويســــــــــــــــخط ال عليــــــــــــــــه‪.‬‬

‫لو ســـــخرت مـــــن كلب لشيـــــت أن أحول كلبـــــا‪.‬‬


‫الثــــــــــــــــــــــــــــــ جَوّاز القلوب ‪.‬‬
‫ـــــا‪.‬‬
‫ـــــا مطمعـ‬
‫ـــــن نظرة فإن للشيطان فيهـ‬
‫ـــــا كان مـ‬
‫مـ‬
‫مع كل فرحة ترحة وما ملئ بيت حبة إل ملئ عبة‪ ،‬وما منكم إل ضيف وما له عارية‪،‬‬
‫فالضيــــــف مرتلــــــ والعاريــــــة مؤداة إل أهلهــــــا‪.‬‬
‫يكون فــ آخــر الزمان أقوام أفضــل أعمالمــ التلوم بينهــم يســمون النتان‪.‬‬
‫إذا أحـب الرجـل أن ينصـف مـن نفسـه فليأت إل الناس الذي يبـ أن يؤتـى إليـه‪.‬‬
‫القــــ ثقيــــل مريــــء والباطــــل خفيــــف وبءــــ‪.‬‬
‫رب شهوة تورث حزنــــــــــــــــــــــــــا طويل‪.‬‬
‫ــان ‪.‬‬
‫ــن لسـ‬
‫ــجن مـ‬
‫ــء أحوج إل طول سـ‬
‫ــه الرض شيـ‬
‫ــا على وجـ‬
‫مـ‬

‫‪167‬‬
‫إذا ظهــــر الزنــــا والربــــا فــــ قريــــة أذن بلكهــــا‪.‬‬
‫من استطاع منكم أن يعل كنه ف السماء حيث ل يأكله السوس ول يناله السراق فليفعل‬
‫ـــــــــــــع كنه ‪.‬‬
‫ـــــــــــــل مـ‬
‫‪ ،‬فإن قلب الرجـ‬
‫ل يقلدن أحدكم دينه رجل‪ ،‬فإن آمن آمن وإن كفر كفر‪ ،‬وإن كنتم ل بد مقتدين فاقتدوا‬
‫باليـــــت‪ ،‬فإن اليـــــ ل تؤمـــــن عليـــــه الفتنـــــة‪.‬‬

‫ل ي كن أحد كم إم عة‪ ،‬قالوا و ما الم عة؟ قال‪ :‬يقول أ نا مع الناس إن اهتدوا اهتد يت وإن‬
‫ضلوا ضللت ‪ ،‬أل ليوطــن أحدكــم نفســه على أنــه إن كفــر الناس ل يكفــر‪.‬‬
‫وقال له رجـل‪ :‬علمنـ كلمات جوامـع نوافـع‪ ،‬فقال اعبـد ال ل تشرك بـه شيئا وزل مـع‬
‫القرآن حيث زال‪ ،‬ومن جاءك بالق فاقبل منه وإن كان بعيدا بغيضا ‪ ،‬ومن جاءك بالباطل‬
‫فاردد عليـــــــــه وإن كان حبيبـــــــــا قريبـــــــــا‪.‬‬

‫يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له أد أمانتك فيقول يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا فتمثل‬
‫على هيئتها يوم أخذها ف قعر جهنم ‪ ،‬فينل فيأخذها فيضعها على عاتقه فيصعد با‪ ،‬حت‬
‫ــن‪.‬‬
‫ــد البديـ‬
‫ــا أبـ‬
‫ــ أثرهـ‬
‫ــ هوت وهوى فـ‬
‫ــه خارج باـ‬
‫ــن أنـ‬
‫إذا ظـ‬
‫اطلب قل بك ف ثل ثة موا طن‪ :‬ع ند ساع القرآن ‪ ،‬و ف مالس الذ كر و ف أوقات اللوة ‪،‬‬
‫ـك بقلب فإنــه ل قلب لك‪.‬‬
‫ـ عليـ‬
‫ـ هذه الواطــن فســل ال أن ينـ‬
‫فإن ل تده فـ‬

‫قال النيد دخلت على شاب فسـألن عن التوبة فأجبته‪ ،‬فسألن عن حقيقتها ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫أن تنصب ذنبك بي عينيك حت يأتيك الوت ‪ ،‬فقال ل ‪ :‬مه ‪ ،‬ما هذا حقيقة التوبة ‪ ،‬فقلت‬
‫له ف ما حقي قة التو بة عندك يا ف ت؟ قال ‪ :‬أن تن سى ذن بك‪ ،‬وترك ن وم ضى ‪ .‬فك يف هو‬
‫عندك يا أبا القاسم؟ فقلت ‪ :‬القول ما قال الفت قال ‪ :‬كيف قلت إذا كنت معه ف حال ث‬
‫ـا‪.‬‬
‫ـا جفـ‬
‫ـا ف ـ حال الوفـ‬
‫ـا ‪ ،‬فذكري للجفـ‬
‫ـا إل حال الوفـ‬
‫ـن حال الفـ‬
‫نقلن ـ مـ‬

‫‪168‬‬
‫الخلص وحب الثناء ل يتمعان‬
‫ل يتمع الخلص ف القلب ومبة الدح والثناء والطمع فيما عند الناس إل كما يتمع الاء‬
‫والنار والضـب والوت ‪ .‬فإذا حدثتـك نفسـك بطلب الخلص فأقبـل على الطمـع أول‬
‫فاذب ه ب سكي اليأس‪ ،‬وأق بل على الدح والثناء فاز هد فيه ما ز هد عشاق الدن يا ف الخرة‪،‬‬
‫فإذا اسـتقام لك ذبـح الطمـع والزهـد فـ الثناء والدح سـهل عليـك الخلص‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬و ما الذي ي سهل علي ذ بح الط مع ‪ ،‬والز هد ف الثناء والدح؟ قلت‪ :‬أ ما ذ بح‬
‫الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إل وبيد ال وحده خزائنه ل‬
‫يلك ها غيه ول يؤ ت الع بد من ها شيئا سواه ‪ .‬وأ ما الز هد ف الثناء والدح في سهله عل يك‬
‫عل مك أ نه ل يس أ حد ين فع مد حه ويز ين وي ضر ذ مه ويش ي إل ال وحده‪ ،‬ك ما قال ذلك‬
‫العراب للنب صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إن مدحي زين وذمي شَيْن‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك ال عز وجل‬
‫‪ .‬فازهد ف مدح من ل يزينك مدحه وف ذم من ل يشينك ذمه‪ ،‬وارغب ف مدح من كل‬
‫الزين ف مدحه وكل الشي ف ذمه ‪ ،‬ولن يقدر على ذلك إل بالصب واليقي فمت فقدت‬
‫ال صب واليق ي ك نت ك من أراد ال سفر ف الب حر ف غ ي مر كب ‪ .‬قال تعال ‪« :‬فا صب إن‬
‫وعد ال حق ول يستخفنك الذين ل يوقنون» سورة الروم ‪ :‬الية رقم ‪ ، 60:‬وقال تعال‬
‫‪« :‬وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون» السجدة ‪ :‬الية رقم‬
‫‪24:‬‬

‫اللذة حسب المة‬

‫‪169‬‬
‫لذة كل أ حد على ح سب قدره وه ته وشرف نف سه‪ ،‬فأشرف الناس نف سا وأعل هم ه ة‬
‫وأرفعهم قدرا من لذته ف معرفة ال ومبته والشوق إل لقائه والتودد إليه با يبه ويرضاه‬
‫فلذته ف إقباله عليه وعكوف هته عليه ودون ذلك مراتب ل يصيها إل ال ‪ ،‬حت تنتهي‬
‫إل من لذته ف أ خس الشياء من القاذورات والفوا حش ف كل ش يء من الكلم والفعال‬
‫والشغال ‪ .‬فلو عرض عل يه ما يل تذ به الول ل ت سمح نف سه بقبوله ول التف تت إل يه ورب ا‬
‫تألت من ذلك‪ ،‬كما أن الول إذا عرض عليه ما يلتذ به هذا ل تسمح نفسه به ول تلتفت‬
‫إليــــــــــه ونفرت نفســــــــــه منــــــــــه‪.‬‬

‫وأكمل الناس لذة من جع له بي لذة القلب والروح ولذة البدن‪ ،‬فهو يتناول لذاته الباحة‬
‫على وجه ل ينقص حظه من الدار الخرة ول يقطع عليه لذة العرفة والنس بربه فهذا من‬
‫قال تعال فيه‪« :‬قل من حرم زينة ال الت أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين‬
‫آمنوا ف الياة الدن يا خال صة يوم القيا مة» سورة العراف ‪ :‬ال ية ر قم ‪ ، 22:‬وأن سهم‬
‫ح ظا من اللذة من تناولا على و جه يول بي نه وب ي لذات الخرة فيكون م ن يقال لم يوم‬
‫استيفاء اللذات ‪« :‬أذهبتم طيباتكم ف حياتكم الدنيا واستمتعتم با» الحقاف ‪ :‬الية رقم‬
‫‪ ، 20:‬فهؤلء تتعوا بالطيبات وأولئك تتعوا بالطيبات ‪ .‬وافترقوا ف و جه التم تع ‪ ،‬فأولئك‬
‫تتعوا با على الوجه الذي آذن لم فيه فجمع لم بي لذة الدنيا والخرة وهؤلء تتعوا با‬
‫على الوجه الذي دعاهم إليه الوى والشهوة وسواء أذن لم فيه أم ل ‪ ،‬فانقطعت عنهم لذة‬
‫الدنيا و فاتتهم لذة الخرة فل لذة الدنيا دامت لم ول لذة الخرة حصلت لم‪ ،‬فمن أحب‬
‫اللذة ودوامها والعيش الطيب فليجعل لذة الدنيا موصل له إل لذة الخرة بأن يستعي با‬
‫على فراغ قلبه ل إرادته وعبادته ‪ ،‬فيتناولا بكم الستعانة والقوة على طلبه ل بكم مرد‬
‫الشهوة والوى ‪ ،‬وإن كان من زويت عنه لذات الدنيا وطيباتا فليجعل ما نقص منها زيادة‬
‫ف لذة الخرة ‪ ،‬و ي م نف سه هه نا بالترك لي ستوفيها كاملة هناك ‪ ،‬فطيبات الدن يا ولذات ا‬
‫نعم العون لن صح طلبه ل والدار الخرة وكانت هته لا هناك ‪ ،‬و بئس القاطع لن كانت‬
‫هي مقصوده وهته‪ ،‬وحولا يدندن‪ ،‬وفواتا ف الدنيا نعم العون لطالب ال والدار الخرة ‪،‬‬
‫و بئس القا طع النازع من ال والدار الخرة ‪ .‬ف من أ خذ منا فع الدن يا على و جه ل ين قص‬
‫حظـــه مـــن الخرة ظفـــر بمـــا جيعـــا وإل خســـرها جيعـــا‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫آثار ترك العاصي‬
‫سـبحان ال رب العاليـ ‪ .‬لو ل يكـن فـ ترك الذنوب والعاصـي إل إقامـة الروءة وصـون‬
‫العرض وح فظ الاه وصيانة الال الذي جعله ال قوا ما لصال الدن يا والخرة‪ ،‬وم بة اللق‬
‫وجواز القول بين هم و صلح العاش ورا حة البدن وقوة القلب وط يب الن فس ونع يم القلب‬
‫وانشراح ال صدر ‪ ،‬وال من من ماوف الف ساق والفجار ‪ ،‬وقلة ال م وال غم والزن ‪ ،‬و عز‬
‫النفس عن احتمال الذل‪ ،‬وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة العصية ‪ ،‬وحصول الخرج له‬
‫ما ضاق على الفساق والفجار ‪ ،‬وتيسي الرزق عليه من حيث ل يتسب ‪ ،‬وتيسي ما عسر‬
‫على أرباب الف سوق والعا صي ‪ ،‬وت سهيل الطاعات عل يه‪ ،‬وتي سي العلم والثناء ال سن ف‬
‫الناس ‪ ،‬وكثرة الدعاء له‪ ،‬واللوة ال ت يكت سبها وج هه‪ ،‬والها بة ال ت تل قى له ف قلوب‬
‫الناس ‪ ،‬وانتصـارهم وحيتهـم له إذا أوذي وظلم‪ ،‬وذبمـ عـن عرضـه إذا اغتابـه مغتاب ‪،‬‬
‫وسرعة إجابة دعائه ‪ ،‬وزوال الوحشة الت بينه وبي ال ‪ ،‬وقرب اللئكة منه‪ ،‬وبعد شياطي‬
‫النس والن منه ‪ ،‬وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه‪ ،‬وخطبتهم لودته وصحبته‪،‬‬
‫وعدم خوفه من الوت ‪ ،‬بل يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيه إليه‪ ،‬وصغر الدنيا‬
‫ف قلبه‪ ،‬وكب الخرة عنده‪ ،‬وحرصه على اللك الكبي ‪ ،‬والفوز العظيم فيها‪ ،‬وذوق حلوة‬
‫الطاعة ووجد حلوة اليان ‪ ،‬ودعاء حلة العرش ومن حوله من اللئكة له‪ ،‬وفرح الكاتبي‬
‫به ودعاؤهم له كل وقت ‪ ،‬والزيادة ف عقله وفهمه وإيانه ومعرفته‪ ،‬وحصول مبة ال له‬
‫وإقباله عليـه وفرحـه بتوبتـه‪ ،‬وهكذا يازيـه بفرح وسـرور ل نسـبة له إل فرحـه وسـروره‬
‫ـــــــــن الوجوه‪.‬‬
‫ـــــــــه مـ‬
‫ـــــــــية بوجـ‬
‫بالعصـ‬

‫‪171‬‬
‫فهذه ب عض آثار ترك العا صي ف الدن يا فإذا مات تلق ته اللئ كة بالبشرى من ر به بال نة ‪،‬‬
‫وبأنه ل خوف عليه ول حزن‪ ،‬وينتقل من سجن الدنيا وضيقها إل روضة من رياض النة‬
‫ين عم في ها إل يوم القيا مة فإذا كان يوم القيا مة كان الناس ف ال ر والعرق‪ ،‬و هو ف ظل‬
‫العرش ‪ ،‬فإذا انصـرفوا مـن بيـ يدي ال أخـذ بـه ذات اليميـ مـع أوليائه التقيـ وحزبـه‬
‫الفلحيــ و «ذلك فضــل ال يؤتيــه مــن يشاء وال ذو الفضــل العظيــم» ‪.‬‬

‫ورع عمر بن عبد العزيز‬


‫ذكر ابن سعد ف الطبقات عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا خطب على النب فخاف‬
‫على نفسه العجب قطعه‪ ،‬وإذا كتب كتابا فخاف فيه العجب مزقه ويقول‪ :‬اللهم إن أعوذ‬
‫بــــــــك مــــــــن شــــــــر نفســــــــي ‪.‬‬

‫اعلم أن الع بد إذا شرع ف قول أو ع مل يبت غي به مرضاة ال مطال عا ف يه م نة ال عل يه به‬


‫وتوفي قه له ف يه وأ نه بال ل بنف سه ول بعرف ته وفكره وحوله وقو ته ‪ ،‬بل هو الذي أن شأ له‬
‫الل سان والقلب والع ي والذن ‪ ،‬فالذي من عل يه بذلك هو الذي من عل يه بالقول والف عل‬
‫فإذا ل يغب ذلك عن ملحظته ونظر قلبه ل يضره العجب الذي أصله رؤية نفسه وغيبته‬
‫عن شهود منة ربه وتوفيقه قلبه ل يضره العجب الذي أصله رؤية نفسه وغيبت عن شهود‬
‫منـه ربـه وتوفيقـه وإعانتـه ‪ .‬فإذا غاب عـن تلك اللحظـة وثبـت النفـس وقامـت فـ مقام‬
‫الدعوى ‪ ،‬فوقع العجب ففسد عليه القول والعمل‪ ،‬تارة يال بينه وبي تامه ويقطع عليه‬
‫ويكون ذلك رحة به حت ل يغيب عن مشاهدة النة والتوفيق ‪ .‬وتارة يتم له ولكن ل يكون‬
‫له ثرة‪ ،‬وإن أثرـ ثرة ضعيفـة غيـ مصـلة للمقصـود‪ .‬وتارة يكون ضرره عليـه أعظـم مـن‬

‫‪172‬‬
‫انتفاعه‪ ،‬ويتولد له منه مفاسد شت بسب غيبته عن ملحظة التوفيق والنة ورؤية نفسه وإن‬
‫القول والفعــــــــــــــــل بــــــــــــــــه‪.‬‬

‫من هذا الو ضع ي صلح ال سبحانه أقوال عبده وأعماله ويع ظم له ثرت ا أو يف سدها عل يه‬
‫وين عه ثرت ا فل ش يء أف سد للعمال من الع جب ورؤ ية الن فس ‪ ،‬فإذا أراد ال بعبده خيا‬
‫أشهده منته وتوفيقه وإعانته له ف كل ما يقوله ويفعله فل يعجب به‪ .‬ث أشهده تقصيه فيه‬
‫وأ نه ل ير ضى لر به به فيتوب إل يه م نه وي ستغفره‪ ،‬وي ستحي أن يطلب عل يه أجرا وإذا ل‬
‫يشهده ذلك وغيبه عنه فرأى نفسه ف العمل ورآه بعي الكمال والرضا‪ ،‬ل يقع ذلك العمل‬
‫م نه مو قع القبول والر ضا والح بة ‪ ،‬فالعارف يع مل الع مل لوج هه مشاهدا ف يه من ته وفضله‬
‫وتوفيقه ‪ ،‬معتذرا منه إليهن مستحييا منه إذ ل يوفه حقه‪ ،‬والاهل يعمل العمل لظه وهواه‬
‫ناظرا فيه إل نفسه ين به على ربه راضيا بعمله‪ ،‬فهذا لون وذاك لون آخر‪.‬‬

‫فوائد هجر العوائد‬

‫الوصـول إل الطلوب موقوف على هجـر العوائد وقطـع العوائق ‪ .‬فالعوائد السـكون إل‬
‫الد عة والرا حة و ما أل فه الناس واعتادوه من الر سوم والوضاع ال ت جعلو ها بنلة الشرع‬
‫الت بع‪ ،‬بل هي عند هم أع ظم من الشرع فإن م ينكرون على من خرج عن ها وخالف ها ما ل‬
‫ـ كفروه أو بدعوه وضللوه‪ ،‬أو هجروه‬
‫ـريح الشرع‪ ،‬ورباـ‬
‫ـن خالف صـ‬
‫ينكرون على مـ‬
‫وعاقبوه لخال فة تلك الر سوم‪ ،‬وأماتوا ل ا ال سنن‪ ،‬ون صبوها أندادا للر سول يوالون علي ها‬
‫ويعادون ‪،‬فالعروف عندهـــم مـــا وافقهـــا والنكـــر مـــا خالفهـــا‪.‬‬

‫وهذه الوضاع والرسـوم قـد اسـتولت على طوائف بنـ آدم مـن اللوك والولة والفقهاء‬
‫والصوفية والفقراء والطوعي والعامة‪ .‬فرب فيها الصغي ونشأ عليها الكبي واتذت سننا بل‬
‫هي أع ظم ع ند أ صحابا من ال سنن‪ .‬الوا قف مع ها مبوس والتق يد ب ا منق طع ‪ .‬عم ب ا‬
‫الصاب‪ ،‬وهجر لجلها السنة والكتاب ‪ .‬من استنصر با فهو عند ال مذول ‪ ،‬ومن اقتدى‬
‫‪173‬‬
‫با دون كتاب ال وسنة رسوله فهو عند ال غي مقبول‪ ،‬وهذه أعظم الجب والوانع بي‬
‫ــــــــوله‪.‬‬
‫ــــــــ النفوذ إل ال ورسـ‬
‫ــــــــد وبيـ‬
‫العبـ‬

‫العوائق‬
‫وأ ما العوائق ف هي أنواع الخالفات ظاهر ها وباطن ها ‪ ،‬فإن ا تعوق القلب عن سيه إل ال‬
‫وتقطـع عليـه طريقـه ‪ ،‬وهـي ثلثـة أمور‪ :‬شرك‪ ،‬وبدعـة ‪ ،‬ومعصـية‪ ،‬فيزول عائق الشرك‬
‫بتجر يد التوح يد ‪ ،‬وعائق البد عة بتحق يق ال سنة ‪ ،‬وعائق الع صية بت صحيح التو بة‪ .‬وهذه‬
‫العوائق ل تـبي للعبـد حتـ يأخـذ فـ أهبـة السـفر ويتحقـق بالسـي إل ال والدار الخرة‪.‬‬
‫فحينئذ تظهر له هذه العوائق ويسن بتعويقها له بسب قوة سيه وترده للسفر‪ ،‬وإل فما‬
‫دام قاعدا ل يظهــــــــر له كوامنهــــــــا وقواطعهــــــــا‪.‬‬

‫العلئق‬
‫وأمـا العلئق فهـي كـل مـا تعلق بـه القلب دون ال ورسـوله مـن ملذ الدنيـا وشهواتاـ و‬
‫ريا ساتا و صحبة الناس والتعلق ب م‪ ،‬ول سبيل له إل ق طع هذه المور الثل ثة ورف ضه إل‬
‫بقوة التعلق بالطلب العلى ‪ ،‬وإل فقطع ها عل يه بدون تعل قه بطلو به مت نع‪ .‬فإن الن فس ل‬
‫تترك مألوفها و مبوبا إل لحبوب هو أحب إليها منه وآثر عندها منه‪ .‬وكلما قوي تعلقه‬
‫بطلوبه ضعف تعلقه بغيه‪ ،‬وكذا بالعكس ‪ .‬والتعلق بالطلوب هو شدة الرغبة فيه ‪ .‬وذلك‬

‫‪174‬‬
‫على قدر معرفتـــــه وشرفـــــه وفضله على مـــــا ســـــواه‪.‬‬

‫منلة الرسول صلى ال عليه وسلم‬


‫لا كمل الرسول صلى ال عليه وسلم مقام الفتقار إل ال سبحانه أحوج اللئق كلها إليه‬
‫فـ الدنيـا والخرة‪ ،‬أمـا حاجتهـم إليـه فـ الدنيـا فأشـد مـن حاجتهـم إل الطعام والشراب‬
‫والنفس الذي به حياة أبدانم‪ .‬وأما حاجتهم إليه ف الخرة فإنم يستشفعون بالرسل إل ال‬
‫حت يريهم من ضيق مقامهم ‪ .‬فكلهم يتأخر عن الشفاعة فيشفع هو لم وهو الذي يستفتح‬
‫لمـــــــــــــــــ باب النـــــــــــــــــة‪.‬‬

‫علمات السعادة والشقاوة‬


‫من علمات السعادة والفلح أن العبد كلما زيد ف علمه زيد ف تواضعه ورحته وكلما زيد‬
‫ف عمله زيد ف خوفه وحذره ‪.‬وكلما زيد ف عمره نقص من حرصه‪ .‬وكلما زيد ف ماله‬
‫زيد ف سخائه وبذله ‪ .‬وكلما زيد ف قدره وجاهه زيد ف قربه من الناس وقضاء حوائجهم‬
‫والتواضـــــــــــــــــع لمـــــــــــــــــ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫وعلمات الشقاوة أنه كلما زيد ف علمه زيد ف كبه وتيهه‪ ،‬وكلما زيد ف عمله زيد فخره‬
‫واحتقاره للناس وح سن ظنه بنف سه ‪ ،‬وكل ما زيد ف عمره زيد ف حرصه‪ ،‬وكلما زيد ف‬
‫ماله ز يد ف بله وإم ساكه‪ ،‬وكل ما زيد ف قدره وجا هه زيد ف كبه وتي هه‪ ،‬وهذه المور‬
‫ابتلء مــن ال وامتحان يبتلي باــ عباده فيســعد باــ أقوام ويشقــى باــ أقوام‪.‬‬

‫وكذلك الكرامات امتحان وابتلء ‪ ،‬كاللك وال سلطان والال ‪ .‬قال تعال عن نبيه سليمان‬
‫لا رأى عرش بلقيس عنده‪« :‬هذا من فضل رب ليبلون أأشكر أم أكفر» سورة النمل ‪:‬‬
‫الية رقم ‪ 40 :‬فالنعم ابتلء من ال وامتحان يظهر با شكر الشكور وكفر الكفور ‪ .‬كما‬
‫أن ال حن بلوى م نه سبحانه ‪ ،‬ف هو يبتلي بالن عم ك ما يبتلي بال صائب‪ ،‬قال تعال ‪« :‬فأ ما‬
‫الن سان إذا ما ابتله ر به فأكر مه ونع مه فيقول ر ب أكر من ‪ ،‬وأ ما إذا ما ابتله فقدر عل يه‬
‫رزقه فيقول رب أهانن كل‪ »....‬الفجر ‪ :‬الية رقم ‪ 17 -15:‬أي ليس كل من وسعت‬
‫عل يه وأكرم ته ونعم ته يكون ذلك إكرا ما م ن له‪ ،‬ول كل من ضي قت عل يه رز قه وابتلي ته‬
‫يكون ذلك إهانــــــــــــــة منــــــــــــــ له‪.‬‬

‫العمال بنيان أساسه اليان‬


‫من أراد علو بنيانه فعليه بتوفيق أساسه وإحكامه وشدة العتناء به فإن علو البنيان على قدر‬
‫توث يق ال ساس وأحكا مه فالعمال والدرجات بنيان وأ ساسها اليان‪ ،‬وم ت كان ال ساس‬
‫وثيقا حل البنيان واعتلى عليه‪ ،‬وإذا تدم شيء من البنيان سهل تداركه ‪ ،‬وإذا كان الساس‬
‫غ ي وث يق ل يرت فع البنيان ول يث بت ‪ ،‬وإذا تدم ش يء من ال ساس سقط البنيان أو كاد‪.‬‬

‫فالعارف هته ت صحيح الساس فل يلبث بنيانه أن يسقط‪ .‬قال تعال‪« :‬أفمن أ سس بنيانه‬

‫‪176‬‬
‫على تقوى من ال ورضوان خ ي أم من أ سس بنيا نه على ش فا جرف هار فانار به ف نار‬
‫جهنم» سورة التوبة ‪ :‬الية رقم ‪. 109:‬فالساس لبناء العمال كالقوة لبدن النسان فإذا‬
‫كانـت القوة قويـة حلت البدن ودفعـت عنـه كثيا مـن الفات‪ ،‬وإذا كانـت القوة ضعيفـة‬
‫ضعـــف حلهـــا للبدن وكانـــت الفات إليـــه أســـرع شيـــء‪.‬‬

‫فاحلـ بنيانـك على قوة أسـاس اليان‪ ،‬فإذا تشعـث شيـء مـن أعال البناء وسـطحه كان‬
‫تداركــه أســهل عليــك مــن خراب الســاس ‪ .‬وهذا الســاس أمران‪:‬‬
‫«الول‪ »:‬صحة العرفة بال وأمره وأسائه وصفاته‪ ،‬و «الثان‪ »:‬تريد النقياد له ولرسوله‬
‫دون ما سواه ‪ ،‬فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه وبسبه يعتلي البناء ما شاء‪ .‬فأحكم‬
‫الساس و احفظ القوة ودم على المية و استفرغ إذا زاد بك اللط‪ ،‬والقصد القصد وقد‬
‫بلغت الراد‪ ،‬وإل فما دامت القوة ضعيفة والادة الفاسدة موجودة و الستفراغ معدوما‪:‬‬

‫فأقر السلم على الياة فإنا * * * قد آذنتك بسرعة التوديع‬

‫فإذا كمـل البناء فـبيضه بسـن اللق والحسـان إل الناس‪ ،‬ثـ حطـه بسـور مـن الذر ل‬
‫يقتحمـه عدو ول تبدو منـه العورة‪ ،‬ثـ أرخ السـتور على أبوابـه‪ ،‬ثـ اقفـل الباب العظـم‬
‫بال سكوت ع ما ت شى عاقب ته‪ ،‬ث ركب له مفتا حا من ذ كر ال تفتحه وتغلقه‪ .‬فإن فت حت‬
‫فتحت بالفتاح وإن أغلقت الباب أغلقته به ‪ ،‬فتكون حينئذ قد بنيت حصنا تصنت فيه من‬
‫أعانك إذا أطاف به العدو ل يد منه مدخل فييأس منك‪ .‬ث تعاهد بناء الصن كل وقت‪،‬‬
‫فإن العدو إذا ل يطمع ف الدخول من الباب نقب عليك النقوب من بعيد بعاول الذنوب‪،‬‬
‫فإن أهلت أمره و صل إل يك الن قب ‪ ،‬فإذا العدو م عك ف دا خل ال صن في صعب عل يك‬
‫إخراجه‪ ،‬وتكون معه على ثلثة خلل‪ :‬إما أن يغلبك على الصن ويستول عليه‪ ،‬وأما أن‬
‫يساكنك فيه‪ ،‬وإما أن يشغلك بقابلته عن تام مصلحتك‪ ،‬وتعود إل سد النقب ول شعت‬
‫الصن ‪ .‬وإذا دخل نقبة إليك نالك منه ثلث آفات‪ :‬إفساد الصن والغارة على حواصله‬
‫حواصله وذخائره‪ ،‬ودللة السراق من بن جنسه على عورته‪ ،‬فل تزال تبلى منه بغارة بعد‬

‫‪177‬‬
‫غارة حتـ يضعفوا قواك ويوهنوا عزمـك فتتخلي عـن الصـن وتلي بينهـم وبينـه‪.‬‬

‫وهذه حال أك ثر النفوس مع العدو‪ ،‬ولذا ترا هم ي سخطون رب م بر ضا أنف سهم‪ ،‬بل بر ضا‬
‫ملوق مثلهم ل يلك لم ضرا ول نفعا‪ ،‬ويضيعون كسب الدين بكسب المال ‪ ،‬ويهلكون‬
‫أنفسهم با ل يبقى لم‪ ،‬ويرصون على الدنيا وقد أدبرت عنهم‪ ،‬ويزهدون ف الخرة وقد‬
‫هج مت علي هم‪ ،‬ويالفون رب م باتباع أهوائ هم ‪ ،‬ويتكلون على الياة ول يذكرون الوت ‪،‬‬
‫ويذكرون شهواتم وحظوظهم وينسون ما ع هد ال إلي هم‪ ،‬ويهتمون ب ا ضمنه ال ل م ول‬
‫يهتمون ب ا أمر هم به‪ ،‬ويفرحون بالدن يا ويزنون على فوات حظ هم من ها ول يزنون على‬
‫فوات النـة ومـا فيهـا ول يفرحون باليان فرحهـم بالدرهـم والدينار ‪ ،‬ويفسـدون حقهـم‬
‫بباطلهم وهداهم بضللم ومعروفهم بنكرهم‪ ،‬ويلبسون إيانم بظنونم‪ ،‬ويلطون حللم‬
‫برام هم‪ ،‬ويترددون ف حية آرائ هم وأفكارهـم ‪ ،‬ويتركون هدى ال الذي أهداه إلي هم ‪.‬‬
‫ومـن العجـب أن هذا العدو يسـتعمل صـاحب الصـن فـ هدم حصـنه بيديـه‪.‬‬

‫أركان الكفر‬
‫أركان الكفر أربعة‪ :‬الكب والسد والغضب والشهوة فالكب ينعه النقياد‪ ،‬والسد ينعه‬
‫قبول النصـيحة وبذلاـ ‪ ،‬والغضـب ينعـه العدل‪ ،‬والشهوة تنعـه التفرغ للعبادة‪ .‬فإذا اندم‬
‫ر كن ال كب سهل عل يه النقياد‪ ،‬وإذا اندم ر كن ال سد سهل عل يه قبول الن صح وبذله ‪،‬‬
‫وإذا اندم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع ‪ ،‬وإذا اندم ركن الشهوة سهل عليه‬
‫الصب والعفاف والعبادة‪ .‬وزوال البال عن أماكنها أيسر من زوال هذه الربعة عمن بلي‬
‫ب ا‪ ،‬ول سيما إذا صارت هيئات را سخة وملكات و صفات ثاب تة‪ ،‬فإ نه ل ي ستقيم له مع ها‬
‫عمل ألبتة ول تزكو نفسه مع قيامها با‪ .‬وكلما اجتهد ف العمل أفسدته عليه هذه الربعة‪،‬‬

‫‪178‬‬
‫وكل الفات متولدة منها ‪ .‬وإذا استحكمت ف القلب أرته الباطل ف صورة الق والق ف‬
‫صورة البا طل‪ ،‬والعروف ف صورة الن كر والن كر ف صورة العروف ‪ ،‬وقر بت م نه الدن يا‬
‫وبعدت م نه الخرة‪ ،‬وإذا تأملت ك فر المم رأيته ناشئا من ها وعلي ها يقع العذاب ‪ ،‬وتكون‬
‫خف ته وشدته ب سب خفت ها وشدتا ف من فتح ها على نف سه فتح عليه أبواب الشرور كل ها‬
‫عاجل وآجل‪ ،‬ومـن أغلقهـا على نفسـه أغلق عنـه أبواب الشرور‪ ،‬فإناـ تنـع النقياد‬
‫والخلص والتوبـة والنابـة وقبول القـ ونصـيحة السـلمي والتواضـع ل وللقـة‪.‬‬

‫ومن شأ هذه الرب عة من جهله بنف سه‪ ،‬فإ نه لو عرف ر به ب صفات الكمال ونعوت اللل‪،‬‬
‫وعرف نف سه بالنقائص والفات ‪ ،‬ل يت كب ول يغ ضب ل ا ول ي سد أحدا على ما آتاه ال ‪.‬‬
‫فإن ال سد ف القي قة نوع من معاداة ال‪ ،‬فإ نه يكره نع مة ال على عبده و قد أحب ها ال ‪،‬‬
‫ويب زوالا عنه وال يكره ذلك‪ .‬فهو مضاد ل ف قضائه وقدره ومبته وكراهته ‪ ،‬ولذلك‬
‫كان إبل يس عدوه حقي قة لن ذن به كان عن كب وح سد‪ ،‬فقلع هات ي ال صفتي بعر فة ال‬
‫وتوحيده والر ضا به وع نه والنا بة إل يه‪ .‬وقلع الغ ضب بعر فة الن فس وأن ا ل ت ستحق أن‬
‫يغضب لا وينتقم لا‪ ،‬فإن ذلك إيثار لا بالرضا والغضب على خالقها وفاطرها‪ ،‬وأعظم ما‬
‫تد فع به هذه ال فة أن يعود ها أن تغ ضب له سبحانه وتر ضى له‪ ،‬فكل ما دخل ها ش يء من‬
‫الغضـب والرضـا له خرج منـه مقابلة مـن الغضـب والرضـا لاـ‪ ،‬وكذا بالعكـس‪.‬‬

‫أما الشهوة فدواؤها صحة العلم والعرفة بأن إعطاءها شهواتا أعظم أسباب حرمانا إياها‬
‫ومنعها منها‪ .‬وحيتها أعظم أسباب اتصالا إليها‪ ،‬فكلما فتحت عليها باب الشهوات كنت‬
‫ساعيا ف حرمانا إياها وكلما أغلقت عنها ذلك الباب ك نت ساعيا ف إيصالا إليها على‬
‫أكمـــــــــــــــــــــــــــــــــل الوجوه‪.‬‬
‫فالغ ضب م ثل ال سبع إذا أفل ته صاحب بدأ بأكله‪ ،‬والشهوة م ثل النار إذا أضرم ها صاحبها‬
‫بدأت بإحرا قه وال كب بنلة مناز عة اللك مل كه فإن ل يهل كك طردك ع نه‪ ،‬وال سد بنلة‬
‫معاداة من هو أقدر منك‪ ،‬والذي يغلب شهوته وغضبه يفرق الشيطان من ظله‪ ،‬ومن تغلبه‬
‫شهوتـــــــــه وغضبـــــــــه يفرق مـــــــــن خياله‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫صفات الهال بال‬
‫الهال بال وأسـائه وصـفاته العطلون لقائقهـا يبغضون ال إل خلقـه ‪ ،‬ويقطعون عليهـم‬
‫طر يق مب ته‪ ،‬والتودد إل يه بطاع ته من ح يث ل يعلمون ون ن نذ كر من ذلك أمثلة تتذي‬
‫عليهــــــــــــــــــــــــــــــــــــا‪.‬‬

‫فمن ها‪ :‬أن م يقررون ف نفوس الضعفاء أن ال سبحانه ل تن فع م عه طا عة‪ ،‬وإن طال زمان ا‬
‫وبالغ العبد وأتى با بظاهره وباطنه ‪ .‬وأن العبد ليس على ثقة ول أمن من مكره ‪ ،‬بل شأنه‬
‫سبحانه أن يأخذ الطيع التقي من الحراب إل الاخور‪ ،‬ومن التوحيد والسبحة إل الشرك‬
‫والزمار ‪ .‬ويقلب قلبـه مـن اليان الالص إل الكفـر ‪ .‬ويروون فـ ذلك آثارا صـحيحة ل‬
‫يفهمو ها ‪ ،‬وباطلة ل يقل ها الع صوم‪ ،‬ويزعمون أن هذا حقي قة التوح يد‪ ،‬ويتلون على ذلك‬
‫قوله تعال ‪« :‬ل يسأل عما يفعل » ‪ ،‬وقوله ‪« :‬أفأمنوا مكر ال فل يأمن مكر ال إل القوم‬
‫الاسـرون» سـورة العراف ‪ :‬اليـة رقـم ‪ 99:‬وقوله ‪« :‬واعلموا أن ال يول بيـ الرء‬
‫وقل به» النفال ‪ :‬ال ية ر قم ‪ ، 24:‬ويقيمون إبل يس ح جة ل م على هذه العر فة وأ نه كان‬
‫طاووس اللئ كة وأ نه ل يترك ف ال سماء رق عة ف الرض ول بق عة إل وله في ها سجدة أو‬
‫ركعة ‪ ،‬لكن جن عليه جان القدر وسطا عليه الكم فقلب عينه الطيبة وجعلها أخبث شيء‬
‫حت قال بعض عارفيهم‪ :‬إنك ينبغي أن تاف ال كما تاف السد الذي يثب عليك بغي‬
‫جرم منك ول ذنب أتيته إليه ‪ .‬ويتجون بقول النب صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إن أحدكم‬
‫ليع مل بع مل أ هل ال نة ح ت ما يكون بي نه وبين ها إل ذراع ‪ ،‬في سبق عل يه الكتاب فيع مل‬
‫بعمـــــــــل أهـــــــــل النار فيدخلهـــــــــا» ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫ويروون عـن بعـض السـلف‪ :‬أكـب الكبائر المـن مـن مكـر ال والقنوط مـن رحةـ ال ‪.‬‬
‫وذكـر المام أحدـ عـن عون بـن عبـد ال أو غيه أنـه سـع رجل يدعـو‪ :‬اللهـم ل تؤمنـ‬
‫مكرك ‪ ،‬فأن كر ذلك وقال ‪ :‬قل الل هم ل تعل ن م ن يأ من مكرك‪ .‬و بنوا هذا على أ صلهم‬
‫الباطل وهو إنكار الكمة والتعليل والسباب‪ ،‬وأن ال ل يفعل لكمة ول بسبب إنا يفعل‬
‫بشيئته مردة من الكمة والتعليل والسبب ‪ ،‬فل يفعل لشيء ول بشيء ‪ ،‬وأنه يوز عليه‬
‫أن يعذب أهـل طاعتـه أشـد العذاب ‪ ،‬وينعـم أعداءه أهـل معصـيته بزيـل الثواب ‪ ،‬وأن‬
‫المرين بالنسبة إليه سواء ول يعلم امتناع ذلك إل بب من الصادق أنه ل يفعله ‪ .‬فحينئذ‬
‫يعلم امتناعه لوقوع الب بأنه ل يكون‪ ،‬ل لنه ف نفسه باطل وظلم ‪ ،‬فإن الظلم ف نفسه‬
‫مستحيل فإنه غي مكن بل هو بنلة جعل السم الواحد ف مكاني ف آن واحد‪ ،‬والمع‬
‫بي الليل والنهار ف ساعة واحدة وجعل الشيء موجودا ومعدوما معا ف آن واحد‪ ،‬فهذا‬
‫حقيقة الظلم عندهم فإذا رجع العامل إل نفسه قال ‪ :‬من ل يستقر له أمر ول يؤمن له مكر‬
‫‪ ،‬ك يف يو ثق بالتقرب إل يه؟ وك يف يعول على طاع ته و اتباع أوامره ول يس ل نا سوى هذه‬
‫الدة اليسية؟! فإذا هجرنا فيها اللذات وتركنا الشهوات وتكلفنا أثقال العبادات وكنا مع‬
‫ذلك غي ثقة منه أن يقلب علينا اليان كفرا والتوحيد شركا والطاعة معصية والب فجورا‬
‫ويديـــ علينـــا العقوبات ‪ ،‬كنـــا خاســـرين فـــ الدنيـــا والخرة‪.‬‬

‫فإذا استحكم هذا العتقاد ف قلوبم وتمر ف نفوسهم صاروا إذا أمروا بالطاعات وهجر‬
‫اللذات بنلة إنسان جعل يقول لولده‪ :‬معلمك إن كتبت وأحسنت وتأدبت ول تعصه ربا‬
‫أقام لك حجـة وعاقبـك‪ ،‬وإن كسـلت وبطلت وتعطلت وتركـت مـا أمرك بـه رباـ قربـك‬
‫وأكر مك فيودع بذا القول قلب ال صب ما ل ي ثق بعده إل وع يد العلم على ال ساءة ول‬
‫وعده على الح سان‪ .‬وإن كب ال صب و صلح للمعاملت والنا صب قال به هذا سلطان‬
‫بلد نا يأ خذ اللص من ال بس فيجعله وزيرا أميا ويأ خذ الك يس الح سن لشغله فيخلده ف‬
‫البس ويقتله ويصلبه‪ .‬فإذا قال له ذلك أوحشه من سلطانه وجعله على غي ثقة من وعده‬
‫ووعيده‪ ،‬وأزال مبته من قلبه وجعله ياف مافة الظال الذي يأخذ الحسن بالعقوبة والبيء‬
‫بالعذاب‪ ،‬فأفلس هذا السـكي مـن اعتقاد كون العمال نافعـة أو ضارة‪ ،‬فل بفعـل اليـ‬
‫ي ستأنس‪ ،‬ول بف عل ال شر ي ستوحش‪ ،‬و هل ف التنف ي عن ال وتبغي ضه إل عباده أك ثر من‬

‫‪181‬‬
‫هذا؟ ولو اجتهـد اللحدة على تبغيـض الديـن والتنفيـ عـن ال لاـ أتوا بأكثـر مـن هذا‪.‬‬

‫وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر ويرد على أهل البدع وينصر الدين‪،‬‬
‫ولعمر ال العدو العاقل أقل ضررا من الصديق الاهل‪ .‬وكتب ال النلة كلها ورسله كلهم‬
‫شاهدة ب ضد ذلك ول سيما القرآن‪ .‬فلو سلك الدعاة ال سلك الذي د عا ال ور سوله به‬
‫الناس إليه لصح العال صلحا ل فساد معه‪ ،‬فال سبحانه أخب وهو الصادق الوف أنه إنا‬
‫يعامل الناس بكسبهم ويازيهم بأعمالم ول ياف الحسن لديه ظلما ول هضما‪ ،‬ول ياف‬
‫بسا ول رهقا‪ ،‬ول يضيع عمل مسن أبدا‪ ،‬ول يضيع على العبد مثقال ذرة ول يظلمها «‬
‫وإن تك ح سنة يضاعف ها ويؤت من لد نه أجرا عظيما» ‪ ،‬وإن كان مثقال ح بة من خردل‬
‫جازاه ب ا ول يضيع ها عل يه‪ .‬وأ نه يزي بال سيئة مثل ها ويبط ها بالتو بة والندم وال ستغفار‬
‫والسـنات والصـائب‪ ،‬ويزي بالسـنة عشـر أمثالاـ ويضاعفهـا إل سـبعمائة ضعـف إل‬
‫أضعاف كثية‪.‬‬

‫و هو الذي أ صلح الفا سدين وأق بل بقلوب العرض ي وتاب على الذ نبي‪ ،‬وهدى الضال ي‬
‫وأن قذ الالك ي‪ ،‬وعلم الاهل ي‪ ،‬وب صر التحي ين وذ كر الغافل ي‪ ،‬وآوى الشارد ين‪ .‬وإذا‬
‫أوقـع عقابـا أوقعـه بعـد شدة التمرد والعتـو عليـه‪ ،‬ودعوة العبـد إل الرجوع إليـه والقرار‬
‫بربوبيته وحقه مرة بعد مرة‪ ،‬حت إذا أيس من استجابته والقرار بربوبيته ووحدانيته أخذه‬
‫ببعض كفره وعتوه وترده بيث يعذر العبد من نفسه و يعترف بأنه سبحانه ل يظلمه وأنه‬
‫هو الظال لنفسه كما قال تعال عن أهل النار‪« :‬فاعترفوا بذنبهم فسحقا لصحاب السعي»‬
‫سورة اللك‪ ،‬ال ية ‪ ، 11‬وقال ع من أهلك هم ف الدن يا إن م ل ا رأوا آيا ته وأح سوا بعذا به‬
‫قالوا‪ « :‬يا ويل نا إ نا ك نا ظال ي‪ .‬فمازالت تلك دعوا هم ح ت جعلنا هم ح صيدا خامد ين»‬
‫النبياء‪ ،14-15 :‬وقال أصحاب النة الت أفسدها عليهم لا رأوها‪« :‬قالوا سبحان ال‬
‫إ نا ك نا ظال ي» القلم‪ ،29 :‬قال ال سن ل قد دخلوا النار وإن حده ل في قلوب م ما وجدوا‬
‫عليـه حجـة ول سـبيل‪ .‬ولذا قال تعال‪« :‬فقطـع دابر القوم الذيـن ظلموا والمـد ل رب‬
‫العال ي» النعام‪.45 :‬فهذه الملة ف مو ضع الال أي ق طع دابر هم حال كو نه سبحانه‬
‫ممودا على ذلك فق طع دابر هم قط عا م صاحبا لمده‪ ،‬ف هو ق طع وإهلك ي مد عل يه الرب‬

‫‪182‬‬
‫تعال لكمال حكمته وعدله ووضعه العقوبة ف موضعها الذي ل يليق به غيها‪ .‬فوضعها ف‬
‫الوضع الذي يقول من علم الال‪ :‬ل تليق العقوبة إل بذا الحل‪ ،‬ول يليق به إل العقوبة‪،‬‬
‫ولذا قال عق يب إخباره عن ال كم ب ي عباده ومصي أهل السعادة إل ال نة وأهل الشقاء‬
‫إل النار‪« :‬وق ضى بين هم بال ق وق يل ال مد ل رب العال ي» الز مر‪ ،75 :‬فحذف فا عل‬
‫القول إشعارا بالعموم وأن الكون كله قال‪« :‬المد ل رب العالي» لا شهدوا من حكمه‬
‫القـ وعدله وفضله‪ .‬ولذا قال فـ حـق أهـل النار‪« :‬قيـل ادخلوا أبواب جهنـم» الزمـر‪:‬‬
‫‪ ،72‬كأن الكون كله يقول ذلك حت تقوله أعضاؤهم وأرواحهم وأرضهم وساؤهم‪ ،‬وهو‬
‫سـبحانه يبـ أنـه إذا أهلك أعداءه أنىـ أولياءه ول يعمـه باللك بحـض الشيئة‪.‬‬

‫ولا سأله نوح ناة ابنه أخب أنه يغرقه بسوء عمله وكفره‪ ،‬ول يقل إن أغرقه بحض مشيئت‬
‫وإرادت بل سبب ول ذنب‪ ،‬وقد ضمن سبحانه زيادة الداية للمجاهدين ف سبيله ول يب‬
‫أنـــــــه يضلهـــــــم ويبطـــــــل ســـــــعيهم‪.‬‬

‫وكذلك ضمن زيادة الداية للمتقي الذين يتبعون رضوانه‪ ،‬وأخب أنه ل يضل إل الفاسقي‬
‫الذ ين ينقضون عهده من ب عد ميثا قه‪ ،‬وأ نه إن ا ي ضل من آ ثر الضلل واختاره على الدى‬
‫فيطبـع حينئذ على سـعه وقلبـه‪ ،‬وأنـه يقلب قلب مـن ل يرض بداه إذا جاءه ول يؤمـن بـه‬
‫ودفعه ورده فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده ودفعه لا تققه وعرفه‪ ،‬وأنه سبحانه لو‬
‫علم ف تلك الحال ال ت ح كم علي ها بالضلل والشقاء خيا لفهم ها وهدا ها‪ ،‬ولكن ها ل‬
‫تصلح لنعمته ول تليق با كرامته‪ .‬وقد أزاح سبحانه العلل وأقام الجج ومكن من أسباب‬
‫الداية ل يضل إل الفاسقي والظالي ول يطبع إل على قلوب العتدين ول يركس ف الفتنة‬
‫إل النافقي بكسبهم وأن الرين الذي غطى به قلوب الكفار هو عي كسبهم وأعمالم كما‬
‫قال ‪« :‬كل بل ران على قلوبم ما كانوا يكسبون» سورة الطففي ‪ :‬الية رقم‪ 14:‬وقال‬
‫عن أعدائه من اليهود‪« :‬وقولم قلوب نا غلف بل طبع ال عليها بكفرهم» النساء ‪ :‬الية‬
‫رقم ‪ 155:‬وأخب أنه ل يضل من هداه حت يبي له ما يتقى‪ ،‬فيختار لشقوته وسوء طبيعته‬
‫الضلل على الدى والغـي على الرشاد ‪ ،‬ويكون مـع نفسـه وشيطانـه وعدو ربـه عليـه‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫مكر ال عز وجل‬
‫وأما الكر الذي وصف به نفسه فهو مازاته للماكرين بأوليائه ورسله‪ ،‬فيقابل مكره السيئ‬
‫بكره السن ‪ ،‬فيكون الكر منهم أقبح شيء ومنه أحسن شيء لنه عدل ومازاة‪ .‬وكذلك‬
‫الخادعـة منـه جزاء على مادعـة رسـله وأوليائه ‪ ،‬فل أحسـن مـن تلك الخادعـة والكـر‪.‬‬

‫وأ ما كون الر جل يع مل بع مل أ هل ال نة ح ت ما يكون بي نه وبين ها إل ذراع في سبق عل يه‬


‫الكتاب‪ ،‬فإن هذا عمل أهل النة فيما يظهر للناس‪ ،‬ولو كان عمل صالا مقبول للجنة قد‬
‫أحبـه ال ورضيـه ل يبطله عليـه‪ .‬وقوله‪« :‬ل يبـق بينـه وبينهـا إل ذراع» يشكـل على هذا‬
‫التأويل ‪ ،‬فيقال ‪ :‬لا كان العمل بآخره وخاتته ل يصب هذا العامل على عمله حت يتم له‪،‬‬
‫بل كان فيه آفة كامنة ونكتة خذل با ف آخر عمره فخانته تلك الفة والداهية الباطنة ف‬
‫و قت الا جة فر جع إل موجب ها وعملت عمل ها‪ ،‬ولو ل ي كن هناك غش وآ فة ل يقلب ال‬
‫إيانه‪ .‬لقد أورده مع صدقه فيه وإخلصه بغي سبب منه يقتضي إفساده عليه‪ ،‬وال يعلم من‬
‫ســــائر العباد مــــا ل يعلمــــه بعضهــــم مــــن بعــــض‪.‬‬

‫وأما شأن إبليس‪ :‬فإن ال سبحانه قال للملئكة‪« :‬إن أعلم ما ل تعلمون» سورة البقرة ‪:‬‬
‫الية ‪ 30 :‬فالرب تعال كان يعلم ما ف قلب إبليس من الكفر والكب والسد ما ل يعلمه‬
‫اللئ كة‪ ،‬فل ما أمروا بال سجود ظ هر ما ف قلوب م من الطا عة والح بة والش ية والنقياد‬
‫فبادروا إل المتثال ‪ ،‬وظهر ما ف قلب عدوه من الكب والغش والسد فأب واستكب وكان‬
‫مـــــــــــــــــن الكافريـــــــــــــــــن‪.‬‬

‫أما خوف أوليائه من مكره فحق ‪ ،‬فإنم يافون أن يذلم بذنوبم وخطاياهم فيصيون إل‬

‫‪184‬‬
‫الشقاء ‪ ،‬فخوفهـم مـن ذنوبمـ ورجاؤهـم لرحتـه ‪ ،‬وقوله ‪« :‬أفأمنوا مكـر ال» سـورة‬
‫العراف ‪ ،‬الية رقم ‪ 99‬إنا هو ف حق الفجار والكفار‪ .‬ومعن الية ‪ :‬فل يعصي و يأمن‬
‫مقابلة ال له على م كر ال سيئات بكره به إل القوم الا سرون ‪ .‬والذي يا فه العارفون بال‬
‫مـن مكره أن يؤخـر عنهـم عذاب الفعال فيحصـل منهـم نوع اغترار فيأنسـوا بالذنوب‬
‫فيجيئهـــــــــــــــــــــــــم العذاب على غرة وفترة‪.‬‬

‫وأ مر آ خر‪ :‬و هو أن يغفلوا ع نه وين سوا ذكره فيتخلى عن هم إذا تلوا عن ذكره وطاع ته‬
‫فيســـرع إليهـــم البلء والفتنـــة فيكون مكره بمـــ تليـــة عنهـــم‪.‬‬
‫وأمر آخر‪ :‬أن يعلم من ذنوبم وعيوبم ما ل يعلمونه من نفوسهم ‪ ،‬فيأتيهم الكر من حيث‬
‫ل يشعرون‪.‬‬
‫وأمـر آخـر‪ :‬أن يتحنهـم ويبتليهـم باـ ل صـب لمـ عليـه‪ ،‬فيفتنون بـه ‪ ،‬وذلك مكـر‪.‬‬

‫شجرة الخلص‬
‫ال سنة شجرة والشهور فروع ها واليام أغ صانا وال ساعات أوراق ها والنفاس ثر ها ‪ .‬ف من‬
‫كانت أنفاسه ف طاعة فثمرة شجرته طيبة‪ ،‬ومن كانت ف معصية فثمرته حنظل‪ .‬وإنا يكون‬
‫الداد يوم العاد‪ ،‬فعنــــد الداد يتــــبي حلو الثمار مــــن مرهــــا‪.‬‬

‫والخلص والتوحيد شجرة ف القلب فروعها العمال وثرها طيب الياة ف الدنيا والنعيم‬
‫القيم ف الخرة ‪ .‬وكما أن ثار النة ل مقطوعة ول منوعة‪ ،‬فثمرة التوحيد والخلص ف‬
‫الدنيـــــــــــــــــــــــــــــــــا كذلك‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫والشرك والكذب والرياء شجرة فـ القلب ثرهـا فـ الدنيـا الوف والمـ‪ ،‬والغـم وضيـق‬
‫الصـدر وظلمـة القلب‪ ،‬وثرهـا فـ الخرة الزقوم والعذاب القيـم‪ .‬وقـد ذكـر ال هاتيـ‬
‫الشجرتيـــــــ فـــــــ ســـــــورة إبراهيـــــــم‪.‬‬

‫مراتب السعادة‬
‫إذا بلغ العبد أعطى عهده الذي عهد إليه خالقه ومالكه‪ ،‬فإذا أخذ عهده بقوة وقبول وعزم‬
‫على تنفيذ ما فيه صلح للمراتب والناصب الت يصلح لا الوفون بعهودهم ‪ ،‬فإذا هز نفسه‬
‫عند أخذ العهد و انتحاها وقال قد أُهّلْت لعهد رب فمن أول بقبوله وفهمه وتنفيذه من؟‬
‫فحرص أول على فهم عهده وتدبره وتعرفه وصايا سيده له‪ ،‬ث وطن نفسه على امتثال ما ف‬
‫عهده والع مل به وتنفيذه ح سبما تضم نه عهده‪ ،‬فأب صر بقل به حقي قة الع هد و ما تضم نه‪،‬‬
‫فا ستحدث ه ة أخرى وعزي ة غ ي العزية ال ت كان في ها و قت ال صبا‪ ،‬ق بل و صول الع هد‪،‬‬
‫فاستقال من ظلمة غرة الصبا والنقياد للعادة والنشأ‪ ،‬وصب على شرف المة وهتك ستر‬
‫الظلمـة إل نور اليقيـ‪ ،‬فأدرك بقدر صـبه وصـدق اجتهاده مـا وهبـه ال له مـن فضله‪.‬‬

‫فأول مرا تب سعادته أن تكون له أذن واع ية ‪ ،‬وقلب يع قل ما تع يه الذن‪ .‬فإذا سع وع قل‬
‫واستبانت له الادة ورأى عليها تلك العلم ‪ ،‬ورأى أكثر الناس منحرفي عنها يينا وشال‬
‫فلزمها ول ينحرف مع النحرفي الذين كان سبب انرافهم عدم قبول العهد أو قبلوه بكره‬
‫ول يأخذوه بقوة ول عزية ول حدثوا أنفسهم بفهمه وتدبره والعمل با فيه وتنفيذ وصاياه‪،‬‬
‫بل عرض عليهم العهد ومعهم ضراوة الصبا ودين العادة وما ألفوا عليه الباء والمهات‪،‬‬
‫فتلقوا العهد تلقي من هو مكتف با وجد عليه آباءه وسلفه‪ ،‬وعادتم ل تكفي من يمع هه‬
‫وقلبه على فهم العهد والعمل به ‪ ،‬حت كأن ذلك العهد أتاه وحده وقيل له تأمل ما فيه ث‬
‫اعمل بوجبه فإذا ل يتلق عهده هذا التلقي أخلد إل سية القرابة وما ا ستمرت عليه عادة‬
‫أهله وأصحابه وجيانه وأهل بلده‪ ،‬فإن علت هته أخلد إل ما عليه سلفه ومن تقديه من‬

‫‪186‬‬
‫غيـ التفات إل تدبر العهـد وفهمـه فرضـي لنفسـه أن يكون دينـه ديـن العادة ‪ ،‬فإذا شامـه‬
‫الشيطان ورأى هذا مبلغ ه ته وعزي ته ‪ ،‬رماه بالع صبية والم ية للباء و سلفه وز ين له أن‬
‫هذا هو ال ق و ما خال فه با طل‪ ،‬وم ثل له الدى ف صورة الضلل ‪ ،‬والضلل ف صورة‬
‫الدى‪ ،‬بتلك الع صبية والم ية ال ت أ سست على غيـ علم‪ ،‬فرضاه أن يكون مـع عشيتـه‬
‫وقومه له ما لم وعليه ما عليهم‪ ،‬فخذل عن الدى و وله ال ما تول‪ ،‬فلو جاءه كل هدى‬
‫يالف قومـــــــــــه وعشيتـــــــــــه ل يره إل ضللة ‪.‬‬

‫وإذا كا نت ه ته أعلى من ذلك ونف سه أشرف وقدره أعلى‪ ،‬أق بل على ح فظ عهده وفه مه‬
‫وتدبره‪ ،‬وعلم أن ل صاحب الع هد شأ نا ل يس كشأن غيه‪ ،‬فأ خذ نف سه بعرف ته من ن فس‬
‫الع هد‪ ،‬فوجده قد تعرف إل يه وعر فه نف سه و صفاته وأ ساءه وأفعاله وأحكا مه‪ ،‬فعرف من‬
‫ذلك العهد قيما بنفسه مقيما لغيه غنيا عن كل ما سواه وكل ما سواه فقي إليه مستو على‬
‫عر شه فوق ج يع خلقه‪ ،‬يرى وي سمع ويرضى ويغ ضب وي ب ويب غض ويدبر أمر ملك ته ‪،‬‬
‫وهو فوق عرشه متكلم آمر ناه يرسل رسله إل أقطار ملكته بكلمه الذي يسمعه من يشاء‬
‫مـن خلقـه‪ ،‬وأنـه قائم بالقسـط مُجاز بالحسـان وال ساءة‪ ،‬وأنـه حليـم غفور شكور جواد‬
‫مسن موصوف بكل كمال منه عن كل عيب ونقص وأنه ل مثل له‪ .‬ويشهد حكمته ف‬
‫تدبي ملكته وكيف يقدر مقاديره بشيئته غي مضادة لعدله وحكمته‪ ،‬وتظاهر عنده العقل و‬
‫الشرع والفطرة ف صدق كل منه ما صاحبيه وف هم عن ال سبحانه ما و صف به نف سه ف‬
‫كتا به من حقائق أ سائه ال ت ب ا نزل الكتاب و ب ا ن طق ول ا أث بت وح قق‪ ،‬و ب ا تعرف إل‬
‫عباده حتـــــ أقرت بـــــه العقول وشهدت بـــــه الفطـــــر‪.‬‬

‫فإذا عرف بقلبـه وتيقـن صـفات صـاحب العهـد أشرقـت أنوارهـا على قلبـه فصـارت له‬
‫كالعاي نة‪ ،‬فرأى حينئذ تعلقها باللق والمر وارتباطهما با وسريان آثارها ف العال السي‬
‫والعال الروحي‪ ،‬ورأى ت صرفها ف اللئق ك يف ع مت وخ صت وقر بت وأبعدت وأعطت‬
‫ومنعت‪ ،‬فشاهد بقلبه مواقع عدله سبحانه وقسطه وفضله ورحته‪ ،‬واجتمع له اليان بلزوم‬
‫حجته مع نفوذ أقضيته وكمال قدرته مع كمال عدله وحكمته وناية علوه على جيع خلقه‬
‫مع إحاطته ومعيته وعظمته وجلله وكبيائه وبطشه وانتقامه مع رحته وبره ولطفه وجوده‬

‫‪187‬‬
‫وعفوه وحل مه ‪ .‬ورأى لزوم ال جة مع ق هر القاد ير ال ت ل خروج لخلوق عن ها ‪ .‬وك يف‬
‫اصطحاب الصفات وتوافقها وشهادة بعضها لبعض‪ ،‬وانعطاف الكمة الت هي ناية وغاية‬
‫على القادير الت هي أول بداية ‪ .‬ورجوع فروعها إل أصولا ومبادئها إل غاياتا حت كأنه‬
‫مشاهـد مبادئ الكمـة‪ ،‬وتأسـيس القضايـا على وفـق الكمـة والعدل والصـلحة والرحةـ‬
‫والحسان‪ ،‬ول ترج قضية عن ذلك إل انقضاء الكوان وانفصال الحكام يوم الفضل بي‬
‫العباد وظهور عدله وحكمتـه وصـدق رسـله ومـا أخـبت بـه عنـه لميـع الليقـة‪ ،‬إنسـها‬
‫وجنهــــــــــا ‪ ،‬مؤمنهــــــــــا وكافرهــــــــــا‪.‬‬

‫وحينئذ ي تبي من صفات جلله ونعوت كماله للخلق ما ل يكونوا يعرفو نه ق بل ذلك‪ ،‬ح ت‬
‫أن أعرف خل قه به ف الدن يا يث ن عل يه يومئذ من صفات كماله ونعوت جلله ما ل ي كن‬
‫ي سنه ف الدن يا‪ ،‬وك ما يظ هر ذلك لل قه تظ هر ل م ال سباب ال ت ب ا زاغ الزائغون و ضل‬
‫الضالون وانقطع النقطعون ‪ ،‬فيكون الفرق بي العلم يومئذ بقائق الساء والصفات والعلم‬
‫باـ فـ الدنيـا كالفرق بيـ العلم بالنـة والنار ومشاهدتمـا وأعظـم مـن ذلك‪.‬‬

‫وكذلك يف هم من الع هد ك يف اقت ضت أ ساؤه و صفاته لوجود النبوة والشرائع وأل يترك‬
‫خل قه سدى‪ ،‬وك يف اقت ضت ما تضمن ته من الوا مر والنوا هي‪ ،‬وك يف اقت ضت وقوع‬
‫الثواب والعقاب والعاد‪ ،‬وأن ذلك من موجبات أسائه وصفاته بيث ينه عما زعم أعداؤه‬
‫مـن إنكار ذلك‪ ،‬ويرى شول القدرة وإحاطتهـا بميـع الكائنات حتـ ل يشـذ عنهـا مثقال‬
‫ذرة‪ ،‬ويرى أنه لو كان معه إله آخر لفسد هذا العال فكانت تفسد السموات والرض ومن‬
‫في هن‪ ،‬وأ نه سبحانه لو جاز عل يه النوم أو الوت لتدكدك هذا العال بأ سره ول يث بت طر فة‬
‫عي ‪ .‬ويرى مع ذلك السلم واليان اللذين تعبد ال بما جيع عباده كيف انبعاثهما من‬
‫الصـفات القدسـة‪ ،‬وكيـف اقتضيـا الثواب والعقاب عاجل وآجل‪ .‬ويرى مـع ذلك أنـه ل‬
‫ي ستقيم قبول هذا الع هد والتزا مه ل ن ج حد صفاته وأن كر علوه على خل قه وتكل مه بكت به‬
‫وعهوده‪ ،‬ك ما ل ي ستقيم قبوله ل ن أن كر حقيقة سعه وب صره وحياته وإراد ته وقدرته‪ ،‬وأن‬
‫هؤلء هـم الذيـن ردوا عهده وأبوا قبوله‪ ،‬وأن مـن قبله منهـم ل يقبله بميـع مـا فيـه‪ ،‬وال‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــق‪.‬‬
‫التوفيـ‬

‫‪188‬‬
‫السد والروح‬
‫خلق بدن ابن آدم من الرض وروحه من ملكوت السماء وقرن بينهما‪ .‬فإذا أجاع بدنه و‬
‫أ سهره وأقا مه ف الد مة وجدت رو حه خ فة ورا حة فتا قت إل الو ضع الذي خلت م نه‪،‬‬
‫واشتاقت إل عالها العلوي ‪ .‬وإذا أشبعه ونعمه ونومه واشتغل بدمته وراحته‪ ،‬أخلد البدن‬
‫إل الوضع الذي خلق منه فانذبت الروح معه فصارت ف السجن‪ ،‬فلول أنا ألفت السجن‬
‫ل ستغاثت من أل مفارقت ها وانقطاع ها عن عال ها الذي خل قت م نه ك ما ي ستغيث العذب‪.‬‬

‫وبالملة فكلما خف البدن لطفت الروح وخفت وطلبت عالها العلوي وكلما ثقل وأخلد‬
‫إل الشهوات والراحـة ثقلت الروح وهبطـت مـن عالهـا وصـارت أرضيـة سـفلية ‪ ،‬فترى‬
‫الرجل‪ :‬رو حه ف الرف يق العلى وبد نه عندك‪ ،‬فيكون نائ ما على فرا شه ورو حه ف ال سفل‬
‫تول حول ال سفليات‪ .‬فإذا فار قت الروح البدن التح قت برفيق ها العلى أو الد ن‪ ،‬فع ند‬
‫الرف يق العلى كل قرة ع ي و كل نع يم و سرور وب جة ولذة وحياة طي بة‪ ،‬وع ند الرف يق‬
‫السفل كل هم وغم وضيق وحزن وحياة نكدة ومعيشة ضنك‪ ،‬قال تعال‪« :‬ومن أعرض‬
‫عن ذكري فإن له معي شة ضن كا» سورة طه ‪ ،‬ال ية ‪ 124‬ف ِذكْره كل مه الذي أنزله على‬
‫رسوله والعراض عنه ترك تدبره والعمل به ‪ .‬والعيشة الضنك ‪ ،‬فأكثر ما جاء ف التفسي‪:‬‬
‫أنا عذاب القب‪ ،‬قاله ابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الدري وابن عباس‪ ،‬وفيه حديث‬
‫مرفوع‪.‬‬

‫وأ صل الض نك ف الل غة‪ :‬الض يق والشدة‪ ،‬و كل ما ضاق ف هو ض نك‪ ،‬يقال‪ :‬منل ض نك‬
‫وعيـش ضنـك‪ ،‬فهذه العيشـة الضنـك فـ مقابلة التوسـيع على النفـس والبدن بالشهوات‬

‫‪189‬‬
‫واللذات والرا حة‪ ،‬فإن الن فس كل ما و سعت علي ها ضي قت على القلب ح ت ت صي معي شة‬
‫ضنكا‪ ،‬وكلما ضيقت عليها وسعت على القلب حت ينشرح و ينفسح‪ .‬فضنك العيشة ف‬
‫الدنيا بوجب التقوى سعتها ف البزخ والخرة‪ ،‬وسعة العيشة ف الدنيا بكم الوى ضنكها‬
‫ف البزخ والخرة‪ ،‬فآثر أحسن العيشت ي وأطيبهما و أدومهما‪ ،‬وأشق البدن بنعيم الروح‬
‫ول تشق الروح بنعيم البدن‪ ،‬فإن نعيم الروح وشقاءها أعظم وأدوم ‪ ،‬ونعيم البدن وشقاؤه‬
‫أقصــــــــــــــر وأهون‪ ,‬وال الســــــــــــــتعان‪.‬‬

‫ترك الذنوب أول‬


‫العارف ل يأمـر الناس بترك الدنيـا فإنمـ ل يقدرون على تركهـا ‪ ،‬ولكـن يأمرهـم بترك‬
‫الذنوب مــع إقامتهــم على دنياهــم‪ ،‬فترك الدنيــا فضيلة وترك الذنوب فريضــة‪.‬‬

‫فكيف يؤمر بالفضيلة من ل يقم الفريضة ! فإن صعب عليهم ترك الذنوب فاجتهد أن تبب‬
‫ال إليهم بذكر آلئه وإنعامه وإحسانه وصفات كماله ونعوت جلله‪ ،‬فإن القلوب مفطورة‬
‫على مبته‪ .‬فإذا تعلقت ببه هان عليها ترك الذنوب والصرار عليها والستقلل منها‪ .‬وقد‬
‫ـ»‪.‬‬
‫ـل لاـ‬
‫ـن ترك الاهـ‬
‫ـ مـ‬
‫ـا خيـ‬
‫ـل للدنيـ‬
‫ـن معاذ‪ « :‬طلب العاقـ‬
‫قال يي ـ بـ‬

‫العارف يد عو الناس إل ال من دنيا هم فت سهل علي هم الجا بة‪ ،‬والزا هد يدعو هم إل ال‬
‫بترك الدن يا فت شق علي هم الجا بة ‪ .‬فإن الفطام عن الثدي الذي ما ع قل الن سان نف سه إل‬
‫وهو يرتضع منه ‪،‬شديد ‪،‬ولكن تي من الرضعات أزكاهن وأفضلهن ‪ ،‬فإن للب تأثيا ف‬
‫طبيعـة الرتضـع‪ ،‬ورضاع الرأة المقـى يعود بمـق الولد‪ .‬وأنفـع الرضاعـة مـا كان مـن‬
‫الجامعـة‪ ،‬فإن قويـت على مرارة الفطام وإل فارتضـع بقدر فإن مـن البشـم مـا يقتـل‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫ثلث فوائد‬
‫بيــ رعايــة القوق مــع الضــر ورعايتهــا مــع العافيــة بون بعيــد‪.‬‬
‫إن عبدي كل عبدي الذي يذكر ن و هو ملق قر نه « قرن الن سان‪ :‬هو الذي يكافئه ف‬
‫القدرة والشجاعة » ‪« :‬يا أي ها الذ ين آمنوا إذا لقي تم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيا لعل كم‬
‫تفلحون» ســــــــــــورة النفال ‪ ،‬اليــــــــــــة ‪45‬‬
‫ل يس الع جب من صحيح فارغ وا قف مع الد مة‪ ،‬إن ا الع جب من ضع يف سقيم تعتوره‬
‫الشغال وتتلف عليـه الحوال وقلبـه واقـف فـ الدمـة غيـ متخلف باـ يقدر عليـه‪.‬‬

‫معرفة ال‬
‫معرفــــــــــــــة ال ســــــــــــــبحانه نوعان ‪:‬‬
‫« الول ‪ » :‬معرفـة إقرار وهـي التـ اشترك فيهـا الناس الب والفاجـر والطيـع والعاصـي‪.‬‬
‫« والثان‪ »:‬معرفة توجب الياء منه والحبة له وتعلق القلب به والشوق إل لقائه وخشيته‬
‫والنابة إليه والنس به والفرار من اللق إليه‪ .‬وهذه هي العرفة الاصة الارية على لسان‬
‫القوم وتفاوتم فيها ل يصيه إل الذي عرفهم بنفسه وكشف لقلوبم من معرفته ما أخفاه‬

‫‪191‬‬
‫عن سواهم و كل أشار إل هذه العر فة ب سب مقام و ما ك شف له من ها‪ .‬و قد قال أعرف‬
‫اللق به ‪« :‬ل أح صي ثناء عل يك أ نت ك ما أثن يت على نف سك» ‪ ،‬وأ خب أ نه سبحانه‬
‫يفتـــح عليـــه يوم القيامـــة مـــن مامده باـــ ل يســـنه الن‪.‬‬

‫ولذه العرفــــــــــــــة بابان واســــــــــــــعان‪:‬‬


‫«الباب الول‪ »:‬التفكر والتأمل ف آيات القرآن كلها‪ ،‬والفهم الاص عن ال ورسوله‪.‬‬
‫«والباب الثا ن‪ »:‬التف كر ف آيا ته الشهودة وتأ مل حكم ته في ها وقدر ته ولط فه وإح سانه‬
‫وعدله وقيامـة بالقسـط على خلقـه‪ .‬وجاع ذلك‪ :‬الفقـه فـ معانـ أسـائه السـن وجللاـ‬
‫وكمال ا وتفرده بذلك وتعلق ها باللق وال مر‪ ،‬فيكون فقي ها ف أوامره ونوا هي‪ ،‬فقي ها ف‬
‫قضائه وقدره ‪ ،‬فقي ها ف أ سائه و صفاته‪ ،‬فقي ها ف ال كم الدي ن الشر عي وال كم الكو ن‬
‫القدري ‪ ،‬و «ذلك فضــل ال يؤتيــه مــن يشاء وال ذو الفضــل العظيــم» ‪.‬‬

‫أفضل الكسب وشره‬


‫الدرا هم أرب عة‪ :‬در هم اكت سب بطا عة ال وأخرج ف حق ال فذاك خ ي الدرا هم‪ ،‬ودر هم‬
‫اكتسب بعصية ال وأخرج ف معصية ال فذاك شر الدراهم‪ ،‬ودرهم اكتسب بأذى مسلم‬
‫وأخرج ف أذى مسلم فهو كذلك‪ ،‬ودرهم اكتسب بباح وأنفق ف شهوة مباحة فذاك ل له‬
‫ول عليـــــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬
‫هذه أصول الدراهم‪ ،‬ويتفرع عليها دراهم أخر‪ :‬منها درهم اكتسب بق وأنفق ف باطل ‪،‬‬
‫ودرهم اكتسب بباطل وأنفق ف حق فإنفاقه كفارته‪ ،‬ودرهم اكتسب من شبهة فكفارته أن‬
‫ين فق ف طا عة‪ ،‬وك ما يتعلق الثواب والعقاب والدح والذم بإخراج الدر هم فكذلك يتعلق‬

‫‪192‬‬
‫باكتسـابه ‪ .‬وكذلك يسـأل عـن مسـتخرجه ومصـروفه مـن أيـن اكتسـبه وفيمـا أنفقـه‪.‬‬

‫مواساة الؤمني‬
‫الواساة للمؤمني أنواع‪ :‬مواساة بالال‪ ،‬ومواساة بالاه‪ ،‬ومواساة بالبدن والدمة‪ ،‬ومواساة‬
‫بالن صيحة والرشاد ‪ ،‬وموا ساة بالدعاء وال ستغفار ل م‪ ،‬وموا ساة بالتو جع ل م‪ .‬وعلى قدر‬
‫اليان تكون هذه الوا ساة ‪ .‬فكل ما ض عف اليان ضع فت الوا ساة ‪ ،‬وكل ما قوي قو يت‪.‬‬
‫وكان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أع ظم الناس موا ساة ل صحابه بذلك كله‪ ،‬فلتبا عه‬
‫مـــــــن الواســـــــاة بســـــــب اتباعهـــــــم له‪.‬‬
‫ودخلوا على ب شر الا ف ف يوم شد يد البد و قد ترد و هو ينت فض‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما هذا يا أ با‬
‫نصر؟ فقال‪ :‬ذكرت الفقراء وبردهم وليس ل ما أواسيهم‪ ،‬فأحببت أن أواسيهم ف بردهم‪.‬‬

‫الهل يوجب التعب‬


‫الهل بالطريق وآفاتا والقصود يوجب التعب الكثي مع الفائدة القليلة‪ ،‬فإن صاحبه إما أن‬
‫يتهـد فـ نافلة مـع إضافـة الفرض أو فـ عمـل بالوارح ل يواطئه عمـل القلب‪ ،‬أو عمـل‬
‫بالباطن والظاهر ل يتقيد بالقتداء ‪ ،‬أو هة إل عمل ل ترق بصاحبها إل ملحظة القصود ‪،‬‬
‫أو عمل ل يترز من آفاته الفسدة له حال العمل وبعده‪ ،‬أو عمل غفل فيه عن مشاهدة النة‬
‫فلم يتجرد عن مشار كة الن فس ف يه‪ ،‬أو ع مل ل يش هد تق صيه ف يه فيقوم ف مقام العتذار‬
‫م نه‪ ،‬أو ع مل ل يو فه ح قه من الن صح والح سان و هو ي ظن أ نه وفاه‪ ،‬فهذا كله م ا ين قص‬
‫الثمرة مــــــــع كثرة التعــــــــب‪ ،‬وال الوفــــــــق‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫الرحلة إل ال وما يعترضها‬
‫إذا عزم العبد على السفر إل ال تعال وإرادته عرضت له الوادع والقواطع‪ ،‬فينخدع أول‬
‫بالشهوات و الريا سات واللذ و النا كح والل بس‪ .‬فإن و قف مع ها انق طع وإن رفض ها ول‬
‫يقف معها وصدق ف طلبه ابتلي بوطء عقبه وتقبيل يده والتوسعة له ف الجلس والشارة‬
‫إليه بالدعاء ورجاء بركته‪ ،‬ونو ذلك فإن وقف معه انقطع به عن ال وكان حظه منه‪ ،‬وإن‬
‫قطعـه ول يقـف معـه ابتلي بالكرامات و الكشوفات ‪ ،‬فإن وقـف معهـا انقطـع باـ عـن ال‬
‫وكانـت حظـه‪ ،‬وإن ل يقـف معهـا ابتلي بالتجريـد والتخلي ولذة المعيـة وعزة الوحدة‬
‫والفراغ من الدنيا‪ .‬فإن وقف مع ذلك انقطع به عن القصود ‪ ،‬وإن ل يقف معه وسار ناظرا‬
‫إل مراد ال م نه و ما ي به م نه ب يث يكون عبده الوقوف على ما به ومراض يه أ ين كا نت‬
‫وكيف كانت‪ ،‬تعب با أو استراح‪ ،‬تنعم أو تأل‪ ،‬أخرجته إل الناس أو عزلته عنهم ‪،‬ل يتار‬
‫لنفسه غي ما يتاره له وليه وسيده ‪ ،‬واقف مع أمره ينفذه بسب المكان ‪ ،‬ونفسه عنده‬
‫أهون عليه أن يقدم راحتها ولذتا على مرضاة سيده وأمره‪ .‬فهذا هو العبد الذي قد وصل‬
‫ونفـــذ ول يقطعـــه عـــن ســـيده شيـــء ألبتـــة‪ ،‬وبال التوفيـــق‪.‬‬

‫أنواع النعم‬
‫النعم ثلثة‪ :‬نعمة حاصلة يعلم با العبد‪ ،‬ونعمة منتظرة يرجوها ‪ ،‬ونعمة هو فيها ل يشعر با‬
‫‪ ،‬فإذا أراد ال إتام نعمته على عبده عرفه نعمته الاضرة وأعطاه من شكره قيدا يقيدها به‬

‫‪194‬‬
‫حت ل تشرد‪،‬فإنا تشرد بالعصية وتقيد بالشكر‪ .‬ووفقه لعمل يستجلب به النعمة النتظرة‬
‫وب صّره بالطرق الت تسدها وتقطع طريقها ووفقه لجتنابا‪ .‬وإذا با قد وافت إليه على أت‬
‫الوجوه‪ ،‬وعرفـــه النعـــم التـــ هـــو فيهـــا ول يشعـــر باـــ‪.‬‬
‫ويكى أن أعرابيا دخل على الرشيد‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أمي الؤمني ثبت ال عليك النعم الت أنت‬
‫في ها بإدا مة شكر ها‪ ،‬وح قق لك النعم ال ت ترجو ها ب سن ال ظن به ودوام طاعته‪ ،‬وعرفك‬
‫الن عم ال ت أ نت في ها ول تعرف ها لتشكر ها‪ .‬فأعج به ذلك م نه وقال‪ :‬ما أح سن تق سيمه‪.‬‬

‫مبدأ كل علم وعمل‬


‫مبدأ كـل علم نظري وعمـل اختياري هـو الواطـر والفكار‪ ،‬فإناـ توجـب التصـورات ‪،‬‬
‫والتصورات تدعو إل الرشادات ‪ ،‬والرشادات تقتضي وقوع الفعل‪ ،‬وكثرة تكراره تعطي‬
‫العادة‪ .‬فصـلح هذه الراتـب بصـلح الواطـر والفكار‪ ،‬وفسـادها بفسـادها ‪ .‬فصـلح‬
‫الواطر بأن تكون مراقبة لوليها وإلها صاعدة إليه دائرة على مرضاته و مابه‪ ،‬فإنه سبحانه‬
‫به كل صلح‪ ،‬ومن عنده كل هدى‪ ،‬ومن توفيقه كل رشد‪ ،‬ومن توليه لعبده كل حفظ‪،‬‬
‫و من تول يه وإعرا ضه ع نه كل ضلل وشقاء ‪ .‬فيظ فر الع بد ب كل خ ي وهدى ور شد بقدر‬
‫إثبات عي فكرته ف آلئه ونعمه وتوحيده وطرق معرفته وطرق عبوديته وإنزاله إياه حاضرا‬
‫معه مشاهدا له ناظرا إليه رقيبا عليه مطلعا على خواطره وإرادته وهه‪ .‬فحينئذ يستحيي منه‬
‫ويله أن يطلعه منه على عورة يكره أن يطلع عليه ملوق مثله أو يرى ف نفسه خاطرا يقته‬
‫عليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه‪.‬‬

‫فم ت أنزل ربه هذه النلة م نه رف عه وقر به منه‪ ،‬وأكر مه واجتباه وواله ‪ ،‬وبقدر ذلك يبعد‬

‫‪195‬‬
‫عن الوساخ و الدناءات والواطر الرديئة والفكار الدنيئة‪ .‬كما أنه كلما بعد منه وأعرض‬
‫ع نه قرب من الو ساخ و الدناءات والقذار‪ ،‬ويق طع عن ج يع الكمالت ويت صل بم يع‬
‫النقائص‪.‬‬

‫فالن سان خ ي الخلوقات إذا تقرب من بارئه والتزم أوامره ونواه يه وع مل برضا ته وآثره‬
‫على هواه ‪ .‬و شر الخلوقات إذا تبا عد ع نه ول يتحرك قل به لقر به وطاع ته وابتغاء مرضا ته‪.‬‬
‫فم ت اختار التقرب إل يه وآثره على نف سه وهواه ف قد ح كم قل به وعقله وإيا نه على نف سه‬
‫وشيطا نه‪ ،‬وح كم رشده على غ يه وهداه على هواه ‪ .‬وم ت اختار التبا عد م نه ف قد ح كم‬
‫نفســـــــه وهواه وشيطانـــــــه على عقله وقلبـــــــه ورشده‪.‬‬

‫الطرات والوساوس‬
‫واعلم أن الطرات والوسـاوس تؤدي متعلقاتاـ إل الفكـر فيأخذهـا الفكـر فيؤديهـا إل‬
‫التذكر‪ .‬فيأخذها الذ كر فيؤدي ها إل الرادة فتأخذ ها الرادة فتؤدي ها إل الوارح والع مل‪،‬‬
‫فتسـتحكم فتصـي عادة ‪ ،‬فردهـا مـن مبادئهـا أسـهل مـن قطعهـا بعـد قوتاـ وتامهـا‪.‬‬

‫ومعلوم أنـه ل يعـط النسـان أمانـة الواطـر ول القوة على قطعهـا فإناـ تجـم عليـه هجوم‬
‫الن فس‪ ،‬إل أن قوة اليان والع قل تعي نه على قبول أح سنها ورضاه به وم ساكنته له‪ ،‬وعلى‬
‫دفع أقبحها وكراهته له ونفرته منه كما قال الصحابة ‪ « :‬يا رسول ال‪ ،‬إن أحدنا يد ف‬
‫نفسه ما إن يترق حت يصي حمة أحب إليه من أن يتكلم به‪ ،‬فقال‪ :‬أوقد وجدتوه ؟ قالوا‬
‫‪ :‬نعـم ‪ ،‬قال‪ :‬ذلك صـريح اليان» أخرجـه مسـلم فـ باب اليان ‪ ،‬وأبـو داود فـ كتاب‬

‫‪196‬‬
‫الدب وفيـــــــــــــــــــــــــــــــه قولن‪:‬‬
‫«أحدهاـــــــ‪ »:‬أن رده وكراهتـــــــه صـــــــريح اليان‪.‬‬
‫«والثان‪ »:‬أن وجوده وإلقاء الشيطان له ف النفس صريح اليان‪ ،‬فإنه إنا ألقاه ف النفس‬
‫طلبـــــــا لعارضـــــــة اليان وإزالتـــــــه بـــــــه‪.‬‬

‫وقد خلق ال سبحانه النفس شبيهة بالرحى الدائرة الت ل تسكن ول بد لا من شيء تطحنه‬
‫‪ ،‬فإن وضع فيها حب طحنته‪ ،‬وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته‪ ،‬فالفكار والواطر‬
‫الت تول ف النفس هي بنلة الب الذي يوضع ف الرحى‪ ،‬ول تبقى تلك الرحى معطلة‬
‫قط‪ ،‬بل ل بد لا من شيء يوضع فيها‪ ،‬فمن الناس من تطحن رحاه حبا يرج دقيقا ينفع به‬
‫نفسه وغيه ‪ ،‬وأكثرهم يطحن رمل وحصى وتبنا ونو ذلك فإذا جاء وقت العجن والبز‬
‫تــــــــــبي له حقيقــــــــــة طحينــــــــــه‪.‬‬

‫القلب ل يلو من الفكار‬


‫فإذا دفعت الاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده‪ ،‬وإن قبلته صار فكرا جوال فاستخدم‬
‫الرادة فتساعدك هي والفكر على استخدام الوارح فإن تعذر استخدامها رجعا إل القلب‬
‫بالتمن والشهوة وتوجهه إل جهة الراد‪ ،‬ومن العلوم أن إصلح الواطر أسهل من إصلح‬
‫الفكار ‪ ،‬وإ صلح الفكار أ سهل من إ صلح الرادات ‪ ،‬وإ صلح الرادات أ سهل من‬
‫تدارك فساد العمل‪ ،‬وتداركه أسهل من قطع العوائد‪.‬فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر‬
‫فيما يعنيك دون ما ل يعنيك‪ ،‬فالفكر فيما ل يعن باب كل شر‪ ،‬ومن فكر فيما ل يعنيه فاته‬
‫ما يعنيه واشتغل عن أنفع الشياء له با ل منفعة له فيه‪ ،‬فالفكر والواطر والرادة والمة‬

‫‪197‬‬
‫أحق شيء بإصلحه من نفسك‪ ،‬فإن هذه خاصتك وحقيقتك الت ل تبتعد با أو تقرب من‬
‫إل ك و معبودك الذي ل سعادة لك إل ف قر به ورضاه ع نك‪ ،‬و كل الشقاء ف بعدك ع نه‬
‫وسخطه عليك‪ ،‬ومن كان ف خواطره ومالت فكره دنيئا خسيسا ل يكن ف سائر أمره إل‬
‫كذلك‪.‬‬

‫وإياك أن تكـن الشيطان مـن بيـت أفكارك وإرادتـك فإنـه يفسـدها عليـك فسـادا يصـعب‬
‫تدراكـه‪ ،‬ويلقـي إليـك أنواع الوسـاوس والفكار الضرة‪ ،‬ويول بينـك وبيـ الفكـر فيمـا‬
‫ينفعـك ‪ ،‬وأنـت الذي أعنتـه على نفسـك بتمكينـه مـن قلبـك وخواطرك فملكهـا عليـك‪.‬‬
‫فمثالك م عه مثال صاحب ر حى يط حن في ها ج يد البوب‪ ،‬فأتاه ش خص م عه ح ل تراب و‬
‫ب عر وف حم وغثاء ليطح نه ف طاحون ته‪ ،‬فإن طرده ول يك نه من إلقاء ما م عه ف الطاحون‬
‫ا ستمر على ط حن ما ينف عه وإن مك نه من إلقاء ذلك ف الطاحون أف سد ما في ها من ال ب‬
‫وخرج الطحيــــــــــــــ كله فاســــــــــــــدا‪.‬‬

‫والذي يلق يه الشيطان ف الن فس ل يرج عن الف كر في ما كان ود خل ف الوجود لو كان‬


‫على خلف ذلك‪ ،‬وفيمـا ل يكـن لو كان كيـف كان يكون‪ ،‬أو فيمـا يلك الفكـر فيـه مـن‬
‫أنواع الفواحش والرام أو ف خيالت وهية ل حقيقة لا أو ف باطل أو فيما ل سبيل إل‬
‫إدراكه من أنواع ما طوى عنه علمه فيلقيه ف تلك الواطر الت ل يبلغ منها غاية ول يقف‬
‫ـــ‪.‬‬
‫ـــرح وههـ‬
‫ـــل ذلك مال فكره ومسـ‬
‫ـــة فيجعـ‬
‫ـــا على نايـ‬
‫منهـ‬

‫وجاع إ صلح ذلك‪ :‬أن تش غل فكرك ف باب العلوم والت صورات بعر فة ما يلز مك من‬
‫التوح يد وحقو قه‪ ،‬و ف الوت و ما بعده إل دخول ال نة والنار‪ .‬و ف آفات العمال وطرق‬
‫التحرز منها‪ .‬وف باب الرادات و العزوم أن تشغل نفسك بإرادة ما ينفعك إرادته وطرح‬
‫إرادة ما يضرك إرادته ‪ .‬وعند العارفي أن تن اليانة وإشغال الفكر والقلب با أضر على‬
‫القلب من نفس اليانة‪ ،‬ول سيما إذا فرغ قلبه منها بعد مباشرتا ‪ ،‬فإن تنيها يشغل القلب‬
‫ويلؤه منهـــــــــا ويعلهـــــــــا ههـــــــــ ومراده‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫وأنت تد ف الشاهد أن اللك من البشر إذا كان ف ب عض حاشي ته وخدمه من هو متمن‬
‫ليانته مشغول القلب والفكر با متلئ منها‪ ،‬و هو مع ذلك ف خدمته وقضاء أشغاله‪ ،‬فإذا‬
‫اطلع على سره وقصده مقته غاية القت وأبغضه وقابله با يستحقه ‪ ،‬وكان أبغض إليه من‬
‫رجل بعيد عنه جن بعض النايات وقلبه وسره مع اللك غي منطو على تن اليانة ومبتها‬
‫والرص علي ها‪ ،‬فالول يترك ها عجزا واشتغال ب ا هو ف يه وقل به متلئ ب ا‪ ،‬والثا ن يفعل ها‬
‫وقلبه كاره لا ليس فيه إضمار اليانة ول الصرار عليها‪ ،‬فهذا أحسن حال وأسلم عاقبة‬
‫مــــــــــــــــــــــــــــــــــن الول‪.‬‬

‫وبالملة ‪ ،‬فالقلب ل يلو قط من الفكر إما ف واجب آخرته ومصالها‪ ،‬وإما ف مصال‬
‫دنياه ومعاشـه ‪ ،‬وإمـا فـ الوسـاوس والمانـ الباطلة والقدرات الفروضـة ‪ ،‬وقـد تقدم أن‬
‫النفس مثلها كمثل رحى تدور با يلقى فيها ‪ ،‬فإن ألقيت فيها حبا دارت به وإن ألقيت فيها‬
‫زجاجا وحصى و بعرا دارت به‪ ،‬وال سبحانه هو قيم تلك الرحى ومالكها ومصرفها وقد‬
‫أقام لا ملكا يلقي فيها ما ينفعها فتدور به‪ ،‬وشيطانا يلقي فيها ما يضرها فتدور به‪ ،‬فاللك‬
‫يلم با مرة والشيطان يلم با مرة ‪،‬فالب الذي يلقيه اللك إيعاد بالي وتصديق بالوعد ‪،‬‬
‫والبـ الذي يلقيـه الشيطان إيعاد بالشـر وتكذيـب بالوعـد والطحيـ على قدر البـ‪،‬‬
‫وصاحب الب الضر ل يتمكن من إلقائه إل إذا وجد الرحى فارغة من الب وقيمها قد‬
‫أهلهـــا وأعرض عنهـــا‪ ،‬فحينئذ يبادر إل إلقاء مـــا معـــه فيهـــا‪.‬‬

‫وبالملة‪ ،‬فق يم الر حى إذا تلى عن ها و عن إ صلحها وإلقاء ال ب النا فع في ها و جد العدو‬


‫السـبيل إل إفسـادها وإدارتاـ باـ معـه‪ .‬وأ صل صـلح هذه الرحـى بالشتغال باـ يعنيـك‪،‬‬
‫وفسادها كله ف الشتغال با ل يعنيك‪ ،‬وما أحسن ما قال بعض العقلء‪ :‬لا وجدت أنواع‬
‫الذخائر من صوبة غر ضا للمتألف ‪ ،‬ورأ يت الزوال حاك ما علي ها مدر كا ل ا‪ ،‬ان صرفت عن‬
‫جيعها إل ما ل ينازع فيه ذو الجا أنه أنفع الذخائر وأفضل الكاسب وأربح التاجر‪ ،‬وال‬
‫الســـــــــــــــــــــــــــــــــــتعان‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫شرف النفس‬
‫قال شقيــق بــن إبراهيــم‪ :‬أغلق باب التوفيــق عــن اللق مــن ســتة أشياء‪:‬‬
‫اشتغال م بالنع مة عن شكر ها ‪ ،‬ورغبت هم ف العلم وترك هم الع مل‪ ،‬وال سارعة إل الذ نب‬
‫وتأخي التوبة‪ ،‬والغترار بصحبة الصالي وترك القتداء بفعالم‪ ،‬وإدبار الدنيا عنهم وهم‬
‫يتبعوناـــــ‪ ،‬وإقبال الخرة عليهـــــم وهـــــم معرضون عنهـــــا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وأ صل ذلك عدم الرغ بة والره بة ‪ ،‬وأ صله ض عف اليق ي ‪ ،‬وأ صله ض عف الب صية ‪،‬‬
‫وأصله مهانة النفس ودناءتا واستبدال الذي هو أدن بالذي هو خي‪ .‬وإل فلو كانت النفس‬
‫شري فة كبية ل ترض بالدون‪ .‬فأ صل ال ي كله بتوف يق ال ومشيئ ته وشرف الن فس ونبل ها‬
‫وكبها‪« .‬وقد خاب من دساها» سورة الشمس ‪ ،‬الية رقم ‪ ،10-9‬أي أفلح من كبها‬
‫وكثرهــا وناهــا بطاعــة ال‪ ،‬وخاب مــن صــغرها وحقرهــا بعاصــي ال‪.‬‬

‫فالنفوس الشريفة ل ترضى من الشياء إل بأعلها وأفضلها وأحدها عاقبة‪ ،‬والنفوس الدنيئة‬
‫توم حول الدناءات وت قع علي ها ك ما ي قع الذباب على القذار‪ .‬فالن فس الشري فة العل ية ل‬
‫تر ضى بالظلم ول بالفوا حش ول بال سرقة واليا نة؛ لن ا أ كب من ذلك وأجلّ ‪ ،‬والن فس‬
‫الهنية القية السيسة بالضد من ذلك‪ .‬فكل نفس تيل إل ما يناسبها و يشاكلها ‪ ،‬وهذا‬
‫معنـ قوله تعال‪« :‬قـل كـل يعمـل على شاكلتـه» السـراء ‪ ،84 :‬أي على مـا يشاكله‬
‫ويناسبه فهو يعمل على طريقته الت تناسب أخلقه وطبيعته‪ ،‬وكل إنسان يري على طريقته‬
‫ومذه به وعاداته ال ت ألف ها وجبل علي ها ‪ .‬فالفا جر يعمل با يشبه طريق ته من مقابلة النعم‬
‫بالعاصي والعراض عن النعم والؤمن يعمل با يشاكله من شكر النعم ومبته والثناء عليه‬
‫والتودد إليــــه والياء منــــه والراقبــــة له وتعظيمــــه وإجلله‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ل يعرف خالقة من ل يعرف نفسه‬
‫من ل يعرف نفسه كيف يعرف خالقه؟ فاعلم أن ال تعال خلق ف صدرك بيتا وهو القلب ‪،‬‬
‫ووضع ف صدره عرشا لعرفته يستوي عليه الثل العلى فهو مستو على عرشه بذاته بائن‬
‫مـن خلقـه‪ .‬والثـل العلى مـن معرفتـه ومبتـه وتوحيده مسـتوى على سـرير القلب وعلى‬
‫السرير بساط من الرضا ‪ .‬ووضع عن يينه وشاله مرافق شرائعه وأوامره وفتح إليه بابا من‬
‫ج نة رح ته وال نس به والشوق إل لقائه‪ ،‬وأمطره من وا بل كل مه ما أن بت ف يه أ صناف‬
‫الرياح ي والشجار الثمرة من أنواع الطاعات والتهل يل والت سبيح والتحم يد والتقد يس ‪،‬‬
‫وج عل ف و سط الب ستان شجرة معر فة ‪ ،‬ف هي تؤ ت أكل ها كل ح ي بإذن رب ا من الح بة‬
‫والنابة والشية والفرح به والبتهاج بقربه‪ .‬وأجرى إل تلك الشجرة ما يسقيها من تدبر‬
‫كلمـــــــه وفهمـــــــه والعمـــــــل بوصـــــــاياه ‪.‬‬

‫وعلق ف ذلك الب يت قنديل أ سرجه بضياء معرف ته واليان به وتوحيده ف هو ي ستمد من‬
‫شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو ل تسسه نار‪ .‬ث أحاط عليه‬
‫حائطا ينعه من دخول الفات والفسدين ومن يؤذي البستان فل يلحقه أذاهم ‪ .‬وأقام عليه‬
‫حرسا من اللئكة يفظونه ف يقظته ومنامه‪ ،‬ث أعلم صاحب البيت والبستان بالساكن فيه‬
‫فهو دائما هه إصلح السكن ول شعثه ليضاه الساكن منل‪ .‬وإذا أحس بأدن شعث ف‬
‫ال سكن بادر إل إ صلحه ول ه خش ية انتقال ال ساكن م نه‪ ،‬فن عم ال ساكن ون عم ال سكن‪.‬‬

‫فسبحان ال رب العالي ‪ ،‬كم بي هذا البيت وبيت قد استول عليه الراب وصار مأوى‬
‫للحشرات والوام ومل للقاء النتان والقاذورات فيـه‪ .‬فمـن أراد التخلي وقضاء الاجـة‬

‫‪201‬‬
‫و جد خر بة ل ساكن في ها ول حا فظ ل ا و هي معدة لقضاء الا جة مظل مة الرجاء منت نة‬
‫الرائ حة قد عم ها الراب وملت ا القاذورات ‪ ،‬فل يأ نس ب ا ول ينل في ها إل من ينا سبه‬
‫سكناها من الشرات والديدان والوام‪ .‬الشيطان جالس على سريرها وعلى السرير بساط‬
‫من الهل وتفق فيه أهواء وعن يينه وشاله مرافق الشهوات‪ .‬وقد فتح إليه باب من حقل‬
‫الذلن والوح شة والركون إل الدن يا والطمأني نة ب ا والز هد ف الخرة ‪ ،‬وأم طر من وا بل‬
‫الهـل والوى والشرك والبدع مـا أثبـت فيـه أصـناف الشوك والنظـل والشجار الثمرة‬
‫بأنواع العاصــي والخالفات مــن الزوائد و التنديبات والنوادر والزليات والضحكات‬
‫والشعار الغزليات والمريات التـ تيـج على ارتكاب الحرمات وتزهـد فـ الطاعات ‪.‬‬
‫وج عل ف و سط ال قل شجرة ال هل به والعراض ع نه‪ ،‬ف هي تؤ ت أكل ها كل ح ي من‬
‫الفسوق والعاصي واللهو واللعب والجون والذهاب مع كل ريح و اتباع كل شهوة‪ ،‬ومن‬
‫ثر ها الموم و الغموم والحزان واللم ‪ .‬ولكن ها متوار ية باشتغال الن فس بلهو ها ولعب ها‪،‬‬
‫فإذا أفا قت من سكرها أحضرت كل هم و غم وحزن وقلق ومعي شة ض نك ‪ ،‬وأجري إل‬
‫تلك الشجرة مـــا يســـقيها مـــن اتباع الوى وطول المـــل والغرور‪.‬‬

‫ث ترك ذلك الب يت وظلما ته وخراب حيطا نه ب يث ل ي نع م نه مف سد ول حيوان ول مؤذ‬


‫ول قذر‪ ،‬فسبحان خالق هذا البيت وذلك البيت‪ ،‬فمن عرف بيته وقدر ما فيه من الكنوز‬
‫والذخائر واللت انتفع بياته ونفسه‪ ،‬ومن جهل ذلك جهل نفسه وأضاع سعادته‪ ،‬وبال‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــق‪.‬‬
‫التوفيـ‬

‫سئل سهل التستري‪ :‬الرجل يأكل ف اليوم أكلة؟ قال‪ :‬أكل الصديقي ‪ ،‬قيل له‪ :‬فأكلتي؟‬
‫قال‪ :‬أكــل الؤمنيــ‪ ،‬قيــل له‪ :‬فثلث أكلت؟ فقال‪ :‬قــل لهله يبنوا له معلفــا‪.‬‬
‫قال السود بن سال‪ :‬ركعتي أصليهما ل أحب إل من النة با فيها‪ .‬فقيل له‪ :‬هذا خطأ‪،‬‬
‫فقال‪ :‬دعونا من كلمكم‪ ،‬النة رضا نفسي والركعتان رضا رب ‪ ،‬ورضا رب أحب إل من‬
‫رضـــــــــــــــــا نفســـــــــــــــــي‪.‬‬
‫العارف فـ الرض ريانـة مـن رياحيـ النـة‪ ،‬إذا شهـا الريـد اشتاقـت نفسـه إل النـة ‪.‬‬
‫قلب الحب موضوع ب ي جلل مبوبه وجاله فإذا لحظ جلله هابه وعظمه ‪ ،‬وإذا لحظ‬

‫‪202‬‬
‫جاله أحبـــــــــــــــه واشتاق إليـــــــــــــــه‪.‬‬

‫مراتب معرفة ال‬


‫مـن الناس مـن يعرف ال بالود و الفضال والحسـان‪ ،‬ومنهـم مـن يعرفـه بالعفـو واللم‬
‫والتجاوز‪ ،‬ومنهم من يعرفه بالبطش والنتقام‪ ،‬ومنهم من يعرفه بالعلم والكمة‪ ،‬ومنهم من‬
‫يعر فه بالعزة وال كبياء‪ ،‬ومن هم من يعر فه بالرح ة والب والل طف ومن هم من يعر فه بالق هر‬
‫واللك‪ ،‬ومنهــم مــن يعرفــه بإجابــة دعوتــه وإغاثــة لفتــه وقضاء حاجتــه‪.‬‬
‫وأ هم هؤلء معر فة من عر فه من كل مه‪ ،‬فإ نه يعرف ر با قد اجتم عت له صفات الكمال‬
‫ونعوت اللل‪ ،‬منه عـن الثال‪ ،‬بريـء مـن النقائص والعيوب‪ ،‬له كـل اسـم حسـن وكـل‬
‫وصف كمال‪ ،‬فعال لا يريد‪ ،‬فوق كل شيء ومع كل شيء‪ ،‬وقادر على كل شيء ‪ ،‬ومقيم‬
‫ل كل ش يء ‪ ،‬آمر ناه متكلم بكلماته الدينية والكونية‪ ،‬أ كب من كل شيء وأج ل من كل‬
‫ش يء‪ ،‬أر حم الراح ي وأقدر القادر ين وأح كم الاكم ي‪ .‬فالقرآن أنزل لتعر يف عباده به‬
‫وبصــراطه الوصــول إليــه وبال الســالكي بعــد الوصــول إليــه‪.‬‬

‫إن ال ل يغي ما بقوم حت يغيوا ما بأنفسهم‬


‫من الفات الف ية العا مة أن يكون الع بد ف نع مة أن عم ال ب ا عل يه واختار ها له‪ ،‬فيمل ها‬
‫ويطلب النتقال من ها إل ما يز عم لهله أ نه خ ي له من ها‪ ،‬ور به برح ته ل ير جه من تلك‬

‫‪203‬‬
‫النعمـة‪ ،‬ويعذره بهله وسـوء اختياره لنفسـه‪ ،‬حتـ إذا ضاق ذرعـا بتلك النعمـة وسـخطها‬
‫وتبم با واستحكم ملله لا سلبه ال إيا ها ‪ .‬فإذا انتقل إل ما طلبه ورأى التفاوت ب ي ما‬
‫كان فيه وما صار إليه‪ ،‬اشتد قلقه وندمه وطلب العودة إل ما كان فيه‪ ،‬فإذا أراد ال بعبده‬
‫خيا ورشدا أشهده أن ما هو فيه نعمة من نعمة عليه ورضاه به وأوزعه شكره عليه‪ ،‬فإذا‬
‫حدثته نفسه بالنتقال عنه استخار ربه استخارة جاهل بصلحته عاجز عنها‪ ،‬مفوض إل ال‬
‫طالب منــــــــــــــه حســــــــــــــن اختياره له‪.‬‬

‫وليس على العبد أضر من ملله لنعم ال‪ ،‬فإنه ل يراها نعمة ول يشكره عليها ول يفرح با‪،‬‬
‫وليس على العبد أضر من ملله لنعم ال‪ ،‬فإنه ل يراها نعمة ول يشكره عليها ول يفرح با‪،‬‬
‫بل ي سخطها ويشكو ها ويعد ها م صيبة ‪ .‬هذا و هي من أع ظم ن عم ال عل يه‪ ،‬فأك ثر الناس‬
‫أعداء ن عم ال علي هم ول يشعرون بف تح ال علي هم نع مة‪ ،‬و هم متهدون ف دفع ها ورد ها‬
‫جهل وظلما‪ .‬فكم سعت إل أحدهم من نعمة وهو ساع ف ردها بهده‪ ،‬وكم وصلت إليه‬
‫وهـو سـاع فـ دفعهـا وزوالاـ بظلمـه وجهله‪ ،‬قال تعال‪« :‬ذلك بأن ال ل يـك مغيا نعمـة‬
‫أنعمها على قوم حت يغيوا ما بأنفسهم» سورة النفال ‪ :‬الية رقم ‪ ، 53:‬وقال تعال‪:‬‬
‫«إن ال ل يغ ي ما بقوم ح ت يغيوا ما بأنف سهم» الر عد ‪ :‬ال ية ر قم ‪ 11:‬فل يس للن عم‬
‫أعدى من ن فس الع بد‪ ،‬ف هو مع عدوه ظه ي على نف سه ‪ ،‬فعدوه يطرح النار ف نع مة و هو‬
‫ينفخ فيها‪ ،‬فهو الذي مكنه من طرح النار ث أعانه بالنفخ‪ ،‬فإذا اشتد ضرامها استغاث من‬
‫الريق وكان غايته معاتبة القدار‪:‬‬

‫وعاجز الرأي مضياع لفرصته * * * حت إذا فات أمر عاتب القدرا‬

‫‪204‬‬
‫جال ال عز وجل‬
‫من أ عز أنواع العر فة معر فة الرب سبحانه بالمال‪ ،‬و هي معر فة خواص اللق ‪ ،‬وكل هم‬
‫عرفه بصفة من صفاته وأتهم معرفة من عرفه بكماله وجلله وجاله سبحانه‪ ،‬ليس كمثله‬
‫شيـء فـ سـائر صـفاته‪ ،‬ولو فرضـت اللق كلهـم على أجلهـم صـورة وكلهـم على تلك‬
‫الصورة ‪ ،‬ونسبت جالم الظاهر والباطن إل جال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج‬
‫ضع يف إل قرص الش مس‪ ،‬ويك في ف جاله أ نه لو ك شف الجاب عن وج هه لحر قت‬
‫سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه‪ .‬ويكفي ف جاله أن كل جال ظاهر وباطن ف الدنيا‬
‫والخرة فمــن آثار صــنعته ‪ ،‬فمــا الظــن بنــ صــدر منــه هذا المال‪.‬‬

‫ويكفـي فـ جاله أنـه له العزة جيعـا والقوة جيعـا والود كله والحسـان كله والعلم كله‬
‫والفضل كله‪ ،‬ولنور وجهه أشرقت الظلمات كما قال النب صلى ال عليه وسلم ف دعاء‬
‫الطائف‪ « :‬أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والخرة »‬
‫وقال ع بد ال بن م سعود‪ :‬ل يس ع ند رب كم ل يل ول نار‪ ،‬نور ال سموات والرض من نور‬
‫وجهـه‪ ،‬ف هو سبحانه نور السـموات والرض‪ ،‬ويوم القيامـة إذا جاء لف صل القضاء تشرق‬
‫الرض بنوره‪.‬‬
‫ومن أسائه السن « الميل» وف الصحيح عنه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إن ال جيل‬
‫ــل‬
‫ــن حنبـ‬
‫ــ بـ‬
‫ــة ‪ ،‬وأحدـ‬
‫ــن ماجـ‬
‫ــلم ‪ ،‬وابـ‬
‫ــ المال» رواه مسـ‬
‫يبـ‬
‫وجاله سـبحانه على أربـع مراتـب‪ :‬جال الذات‪ ،‬وجال الصـفات ‪ ،‬وجال الفعال ‪ ،‬وجال‬
‫ال ساء‪ ،‬فأ ساؤه كل ها ح سن‪ ،‬و صفاته كله صفات كمال‪ ،‬وأفعاله كل ها حك مة وم صلحة‬
‫وعدل ورحة‪ .‬وأما جال الذات وما هو عليه فأمر ل يدركه سواه ول يعلمه غيه‪ ،‬وليس‬
‫عند الخلوقي منه إل تعريفات تعرف با إل من أكرمه من عباده ‪ ،‬فإن ذلك المال مصون‬
‫عن الغيار مجوب ب ستر الرداء والزار ك ما قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في ما‬
‫يكى عن‪ « :‬الكبياء ردائي والعظمة إزاري» ‪ .‬ولا كانت الكبياء أعظم وأوسع كانت‬
‫أحـق باسـم الرداء ‪ ،‬فإنـه سـبحانه الكـبي التعال فهـو سـبحانه العلي العظيـم‪.‬‬
‫قال ابـن عباس ‪ :‬حجـب الذات بالصـفات وحجـب الصـفات بالفعال ‪ ،‬فمـا ظنـك بمال‬

‫‪205‬‬
‫حجــــب بأوصــــاف الكمال وســــتر بنعوت العظمــــة واللل‪.‬‬
‫ومن هذا العن يفهم بعض معان جال ذاته‪ ،‬فإن العبد يترقى من معرفة الفعال إل معرفة‬
‫الصفات ‪ ،‬ومن معرفة الصفات إل معرفة الذات‪ .‬فإذا شاهد شيئا من جال الفعال استدل‬
‫ــفات على جال الذات‪.‬‬
‫ــتدل بمال الصـ‬
‫ــ اسـ‬
‫ــفات ثـ‬
‫ــه على جال الصـ‬
‫بـ‬
‫ومن هنا يتبي أنه سبحانه له المد كله وأن أحدا من خلقه ل يصي ثناء عليه‪ ،‬بل هو كما‬
‫أثن على نفسه‪ ،‬وأنه يستحق أن يعبد لذاته ويب لذاته ويشكر لذاته‪ ،‬وأنه سبحانه يب‬
‫نفسـه ويثنـ على نفسـه ويمـد نفسـه‪ ،‬وأن مبتـه لنفسـه وحده لنفسـه وثناءه على نفسـه‬
‫وتوحيده لنفسه هو ف القيقة المد والثناء والب والتوحيد‪ ،‬فهو سبحانه كما أثن على‬
‫نفسه وفوق ما يثن به عليه خلقه ‪ ،‬وهو سبحانه كما يب ذاته يب صفاته وأفعاله‪ ،‬فكل‬
‫أفعاله حسن مبوب وإن كان ف مفعولته ما يبغضه ويكرهه‪ ،‬فليس ف أفعاله ما هو مكروه‬
‫مسخوط ‪ ،‬وليس ف الوجود ما يب لذاته ويمد لذاته إل هو سبحانه‪ ،‬وكل ما يب سواه‬
‫فإن كانت مبته تابعة لحبته سبحانه بيث يب لجله فمحبته صحيحة وإل فهي مبة باطلة‪،‬‬
‫وهذا هو حقيقة اللية‪ ،‬فإن الله الق هو الذي يب لذاته ويمد لذاته‪ .‬فكيف إذا انضاف‬
‫ـــه؟!‬
‫ـــه وحلمـــه وتاوزه وعفوه وبره ورحتـ‬
‫ـــانه وإنعامـ‬
‫إل ذلك إحسـ‬

‫فعلى الع بد أن يعلم أ نه ل إله إل ال فيح به ويمده لذا ته وكماله‪ ،‬وأن يعلم أ نه ل م سن‬
‫على القي قة بأ صناف الن عم الظاهرة و الباط نة إل هو فيح به لح سانه وإنعا مه ويمده على‬
‫ذلك فيحبه من الوجهي جيعا‪ ،‬وكما أنه ليس كمثله شيء فليس كمحبته مبة‪ .‬والحبة مع‬
‫الضوع هي العبودية الت خلق اللق لجلها‪،‬فإنا غاية الب بغاية الذل‪ ،‬ول يصلح ذلك‬
‫إل له سبحانه ‪ ،‬والشراك به ف هذا هو الشرك الذي ل يغفره ال ول يقبل لصاحبه عمل‪.‬‬

‫وحده يتضمـن أصـلي‪ :‬الخبار بحامده وصـفات كماله‪ ،‬والحبـة له عليهـا‪ ،‬فمـن أخـب‬
‫بحاسن غيه من غي مبة له ل يكن حامدا‪ ،‬ومن أحبه من غي إخبار بحاسنه ل يكن حامدا‬
‫ح ت ي مع المر ين‪ ،‬و هو سبحانه ي مد نف سه بنف سه‪ ،‬وي مد نف سه ب ا ير يه على أل سنة‬
‫الامدين له من ملئكته وأنبيائه ورسله وعباده الؤمني ‪ ،‬فهو الامد لنفسه بذا وهذا ‪ ،‬فإن‬
‫حدهم له بشيئته وإذنه وتكوينه‪ ،‬فإنه هو الذي جعل الامد حامدا والسلم مسلما والصلي‬

‫‪206‬‬
‫مصليا والتائب تائبا‪ ،‬فمنه ابتدات النعم وإليه انتهت فابتدأت بمده وانتهت إل حده‪ ،‬وهو‬
‫الذي أل م عبده التو بة وفرح ب ا أع ظم فرح‪ ،‬و هي من فضله وجوده‪ .‬وأل م عبده الطا عة‬
‫وأعانه عليها ث أثابه عليها وهي من فضله وجوده وهو سبحانه غن عن كل ما سواه بكل‬
‫وجه‪ ،‬وما سواه فقي إليه بكل وجه‪ ،‬والعبد مفتقر إليه لذاته ف السباب والغايات‪ ،‬فإن ما‬
‫ل يكون بـــــــه ل يكون‪ ،‬ومـــــــا ل يكون له ل ينفـــــــع‪.‬‬

‫ال جيل يب المال‬


‫وقوله ف الد يث ‪ « :‬إن ال ج يل ي ب المال » يتناول جال الثياب ال سؤول ع نه ف‬
‫نفس الديث ‪ .‬ويدخل فيه بطريق العموم المال من كل شيء كما ف الديث الخر‪« :‬‬
‫إن ال نظيف يب النظافة » ‪ .‬وف الصحيح ‪ « :‬إن ال طيب ل يقبل إل طيبا » ‪ .‬وف‬
‫السنن ‪ « :‬إن ال يب أن يرى أثر نعمته على عبده» ‪.‬وفيها عن أب الحوص الشمي‪،‬‬
‫قال ‪ « :‬رآن صلى ال عليه وسلم وعليّ أطمار‪ ،‬فقال‪ :‬هل لك من مال؟ قلت نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫من أي الال؟ قلت‪ :‬من كل ما آ تى ال من ال بل و الشاء ‪ ،‬قال ‪ :‬فل تر نعم ته وكرام ته‬
‫عليـــــــــــــــــــــــــــــــــــك» ‪.‬‬

‫فهو سبحانه يب ظهور أثر نعمته على عبده‪ ،‬فإنه من المال الذي يبه‪ ،‬وذلك من شكره‬
‫على نعمـه‪ ،‬وهـو جال باطـن فيحـب أن يرى على عبده المال الظاهـر بالنعمـة والمال‬
‫الباطن بالشكر عليها‪ .‬ولحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تمل ظواهرهم‬
‫‪ ،‬وتقوى تمل بواطنهم فقال‪« :‬يا بن آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا‬
‫ولباس التقوى ذلك خ ي » العراف ‪ :‬ال ية ‪ ، 26‬وقال ف أ هل ال نة ‪« :‬ولقا هم نضرة‬

‫‪207‬‬
‫وسرورا‪ ،‬و جزاهم با صبوا جنة وحريرا» النسان ‪ :‬الية ‪ ،12 -11‬فجعل وجوههم‬
‫بالنضرة وبواطن هم بال سرور وأبدان م بالر ير‪ ،‬و هو سبحانه ك ما ي ب المال ف القوال‬
‫والفعال واللباس واليئة ‪ ،‬يبغـض القبيـح مـن القوال والفعال والثياب واليئة‪ ،‬فيبغـض‬
‫القبيح وأهله ويب المال وأهله‪ .‬ولكن ضل ف هذا الوضوع فريقان‪ :‬فريق قالوا كل ما‬
‫خلقه جيل فهو يب كل ما خلقه ونن نب جيع ما خلقه فل نبغض منه شيئا‪ ،‬قالوا‪ :‬ومن‬
‫رأى الكائنات منه رآها كلها جيلة ‪ .‬وأنشد منشدهم‪:‬‬

‫وإذا رأيت الكائنات بعينهم * * * فجميع ما يوي الوجود مليح‬

‫واحتجوا بقوله تعال‪« :‬الذي أحسن كل شيء خلقه» السجدة‪ :‬الية رقم ‪ ، 7 :‬وقوله‪« :‬‬
‫صنع ال الذي أت قن كل ش يء» الن مل ‪ :‬ال ية ر قم ‪ ، 88 :‬وقوله ‪ « :‬ما ترى ف خلق‬
‫الرحنـ مـن تفاوت» اللك ‪ :‬اليـة رقـم ‪ 3 :‬والعارف عندهـم هـو الذي يصـرح بإطلق‬
‫المال ول يرى ف الوجود قبيحا‪ .‬وهؤلء قد عد مت الغية ل من قلوبم والبغض ف ال‬
‫والعاداة فيه وإنكار النكر والهاد ف سبيله وإقا مة حدوده ويرى جال ال صور من الذكور‬
‫والناث مـن المال الذي يبـه ال‪ ،‬فيتعبدون بفسـقهم ورباـ غل بعضهـم حتـ يزعـم أن‬
‫معبوده يظهر ف تلك الصورة ويل فيها ‪ .‬وإن كان اتاديا قال هي مظهر من مظاهر الق‬
‫ويســــــــــميها الظاهــــــــــر الماليــــــــــة‪.‬‬

‫أنواع المال‬

‫‪208‬‬
‫وقابلهم الفريق الثان فقالوا‪ :‬قد ذم ال سبحانه جال الصور وتام القامة واللقة ‪ ،‬فقال عن‬
‫النافق ي ‪« :‬وإذا رأيت هم تعج بك أج سامهم» النافقون‪ :‬ال ية ر قم ‪ ، 4:‬وقال ‪« :‬و كم‬
‫أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا» مري ‪ :‬الية رقم ‪ ، 74:‬أي أموال ومناظر ‪،‬‬
‫قال السن ‪ :‬هو الصور‪ ،‬وف صحيح مسلم عنه صلى ال عليه وسلم ‪« :‬إن ال ل ينظر‬
‫إل صوركم وأموالكم وإنا ينظر إل قلوبكم وأعمالكم» ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ومعلوم أنه ل ينف نظر‬
‫الدراك وإنا نفى نظر الحبة ‪ .‬قالوا ‪ :‬وقد حرم علينا لباس الرير والذهب وآنية الذهب‬
‫والف ضة‪ ،‬وذلك من أع ظم جال الدن يا‪ ،‬وقال ‪« :‬ول تدن عين يك إل ما متع نا به أزوا جا‬
‫منهم زهرة الياة الدنيا لنفتنهم فيه» طه ‪ :‬الية رقم ‪ ، 131:‬وف الديث ‪ « :‬البذاذة من‬
‫اليان» ‪ ،‬وقـد ذم ال السـرفي ‪ .‬و السـرف كمـا يكون فـ الطعام والشراب يكون فـ‬
‫اللباس‪.‬‬

‫وفصل الناع أن يقال‪ :‬المال ف الصورة واللباس واليئة ثلثة أنواع‪ :‬منه ما يمد‪ ،‬ومنه‬
‫ما يذم‪ ،‬وم نه ما ل يتعلق به مدح ول ذم‪ ،‬فالحمود م نه ما كان ل وأعان على طا عة ال‬
‫وتنف يذ أوامره وال ستجابة له ك ما كان ال نب صلى ال عل يه و سلم يتج مل للوفود ‪ .‬و هو‬
‫نظيـ لباس آلة الرب للقتال ولباس الريـر فـ الرب واليلء فيـه‪ .‬فإن ذلك ممود إذا‬
‫تضمـن إعلء كلمـة ال ونصـر دينـه وغيـظ عدوه‪ ،‬والذموم منـه مـا كان للدنيـا والرياسـة‬
‫والفخـر واليلء والتوسـل إل الشهوات‪ ،‬وأن يكون هـو غايـة العبـد وأقصـى مطلبـه‪ .‬فإن‬
‫كثيا من النفوس ليس لا هة ف سوى ذلك‪ .‬وأما ما ل يمد ول يذم هو ما خل عن هذين‬
‫القصـــــــــدين وترد عـــــــــن الوصـــــــــفي‪.‬‬

‫والق صود أن هذا الد يث الشر يف مشت مل على أ صلي عظيم ي ‪ :‬فأوله معر فة ‪ ،‬وآخره‬
‫سلوك‪ .‬فيعرف ال سبحانه بالمال الذي ل ياثله فيه شيء ‪ ،‬ويعبد بالمال الذي يبه من‬
‫القوال والعمال والخلق ‪ .‬في حب من عبده أن يمل ل سانه بال صدق‪ ،‬وقل به بالخلص‬
‫والحبة والنابة والتوكل‪ ،‬وجوارحه بالطاعة‪ ،‬وبدنه بإظهار نعمه عليه ف لباسه وتطهيه له‬
‫مـن الناس والحداث والوسـاخ والشعور الكروهـة والتان وتقليـم الظفار‪ ،‬فيعرفـه‬
‫بصـفات المال ويتعرف إليـه بالفعال والقوال والخلق الميلة ‪ ،‬فيعرفـه بالمال الذي‬

‫‪209‬‬
‫هـو وصـفه ‪ ،‬ويعبده بالمال الذي هـو شرعـه ودينـه‪ ،‬فجمـع الديـث قاعدتيـ‪ :‬العرفـة‬
‫والســـــــــــــــــــــــــــــــــــلوك‪.‬‬

‫صدق العزية والفعل‬


‫ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه ف جيع أموره مع صدق العزية ‪ ،‬فصدقه ف عزمه وف‬
‫فعله ‪ ،‬قال تعال‪ « :‬فإذا عزم ال مر فلو صدقوا ال لكان خيا ل م» سورة م مد ‪ :‬ال ية‬
‫ر قم ‪ 21:‬ف سعادته ف صدق العزي ة و صدق الف عل ‪ ،‬ف صدق العزية جع ها وجزم ها وعدم‬
‫التردد فيها بل تكون عزية ل يشوبا تردد ول تلوم‪ ،‬فإذا صدقت عزيته بقي عليه صدق‬
‫الفعل ‪ ،‬وهو استفراغ الوسع وبذل الهد فيه ‪ ،‬وأل يتخلف عنه بشيء من ظاهره وباطنه ‪،‬‬
‫فعزي ة الق صد تن عه من ض عف الرادة وال مة ‪ ،‬و صدق الف عل ين عه من الك سل والفتور ‪.‬‬
‫ومن صدق ال ف جيع أموره صنع ال له فوق ما يصنع لغيه‪ .‬وهذا الصدق معن يلتئم من‬
‫صـحة الخلص وصـدق التوكـل‪ ،‬فأصـدق الناس مـن صـح إخلصـه وتوكله‪.‬‬

‫القدر‪ -‬إرادة العبد‬


‫رب ذو إرادة أ مر عبدا ذا إرادة ‪ ،‬فإن وف قه وأراد من نف سه أن يعي نه ويله مه ف عل ما أ مر‬
‫به ‪ ،‬وإن خذله وخله وإرادته ونفسه‪ ،‬وهو من هذه اليثية ل يتار إل ما تواه نفسه وطبعه‬
‫‪ ،‬ف هو من ح يث هو إن سان ل ير يد على تلك اليث ية‪ ،‬و هو كو نه م سلما ومؤم نا و صابرا‬

‫‪210‬‬
‫وم سنا وشكورا وتق يا وبرا ‪ ،‬ون و ذلك ‪ .‬وهذا أ مر زائد على مرد كو نه إن سانا وإراد ته‬
‫صالة‪ ،‬ولكن ل يكفي مرد صلحيتها إن ل تؤيد بقدر زائد على ذلك وهو التوفيق ‪ ،‬كما‬
‫أنه ل يكفي ف الرؤية مرد صلحية العي للدراك إن ل يصل سبب آخر من النور النفصل‬
‫عنهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ‪.‬‬

‫وقار ال‬
‫من أعظم الظلم والهل أن تطلب التعظ يم والتوق ي لك من الناس وقل بك خال من تعظ يم‬
‫ال وتوقيه ‪ ،‬فإ نك تو قر الخلوق وتله أن يراك ف حال ل تو قر ال أن يراك علي ها‪ ،‬قال‬
‫تعال‪ « :‬ما ل كم ل ترجون ل وقارا» سورة نوح ‪ :‬ال ية ر قم ‪ 13:‬أي ل تعاملو نه معاملة‬
‫من توقرو نه‪ ،‬والتوق ي‪ :‬العظ مة‪ .‬وم نه قوله تعال ‪« :‬وتوقروه» ‪ ،‬قال ال سن‪ :‬ما ل كم ل‬
‫تعرفون ل حقا ول تشكرونه؟! قال ماهد‪ :‬ل تبالون عظمة ربكم وقال ابن زيد ‪ :‬ل ترون‬
‫ــــه‪.‬‬
‫ــــق عظمتـ‬
‫ــــن عباس ‪ :‬ل تعرفون حـ‬
‫ــــة ‪ .‬وقال ابـ‬
‫ل طاعـ‬

‫وهذه القوال تر جع إل مع ن وا حد‪ ،‬و هو أن م لو عظموا ال وعرفوا حق عظم ته وحدوه‬


‫وأطاعوه وشكروه‪ ،‬فطاعته سبحانه واجتناب معاصيه والياء منه بسب وقاره ف القلب ‪.‬‬
‫ولذا قال ب عض ال سلف ‪ :‬ليع ظم وقار ال ف قلب أحد كم أن يذكره عند ما ي ستحي من‬
‫ذكره ‪ ،‬فيقرن ا سه به ك ما تقول ‪ :‬ق بح ال الكلب والن ير والن ت ون و ذلك ‪ ،‬فهذا من‬
‫وقار ال‪.‬‬

‫ومن وقاره أل تعدل به شيئا من خلقه ‪ ،‬ل ف اللفظ ‪ ،‬بيث تقول ‪ :‬وال وحياتك ‪ ،‬ما ل‬
‫إل ال وأ نت ‪ ،‬و ما شاء ال وشئت ‪ .‬ول ف ال ب والتعظ يم والجلل ‪ ،‬ول ف الطا عة ‪،‬‬
‫فتطيع الخلوق ف أمره ونيه كما تطيع ال ‪ ،‬بل أعظم ‪ ،‬كما عليه أكثر الظلمة والفجرة ‪،‬‬

‫‪211‬‬
‫ول ف الوف والرجاء ‪ .‬ويعله أهون الناظر ين إل يه ‪ ،‬ول ي ستهي ب قه ويقول‪ :‬هو مب ن‬
‫على ال سامة ‪ ،‬ول يعله على الفضلة ‪ ،‬ويقدم حق الخلوق عل يه ‪ ،‬ول يكون ال ور سوله‬
‫ف حد وناحية ‪ ،‬والناس ف ناحية وحد ‪ ،‬فيكون ف الد والشق الذي فيه الناس دون الد‬
‫والشق الذي فيه ال ورسوله ‪ ،‬ول يعطي الخلوق ف ماطبته قلبه ولبه ويعطي ال ف خدمته‬
‫بدنـه ولسـانه دون قلبـه وروحـه ‪ ،‬ول يعـل مراد نفسـه مقدمـا على مراد ربـه‪.‬‬

‫فهذا كله من عدم وقار ال ف القلب ‪ ،‬ومن كان كذلك فإن ال ل يلقي له ف قلوب الناس‬
‫وقارا ول هيبة‪ ،‬بل يسقط وقاره وهيبته من قلوبم‪ ،‬وإن وقروه مافة شره فذاك وقار بغض‬
‫ل وقار حب وتعظيم ‪ .‬ومن وقار ال أن يستحي من اطلعه على سره وضميه فيى فيه ما‬
‫يكره ‪ .‬ومـن وقاره أن يسـتحي منـه فـ اللوة أعظـم ماـ يسـتحي مـن أكابر الناس‪.‬‬
‫والق صود أن من ل يو قر ال وكل مه و ما آتاه من العلم والك مة ك يف يطلب من الناس‬
‫توقيه وتعظيمــــــــــــــــــــــــــــــــه؟!‬

‫القرآن والعلم وكلم الرسول صلى ال عليه وسلم صلت من الق وتنبيهات و روادع و‬
‫زواجر واردة إليك‪ ،‬والشيب زاجر ورادع وموقظ قائم بك‪ ،‬فل ما ورد إليك وعظك! ول‬
‫ما قام بك نصحك! ومع هذا تطلب التوقي والتعظيم من غيك! فأنت كمصاب ل تؤثر فيه‬
‫مصيبته وعظا و انزجارا‪ ،‬وهو يطلب من غيه أن يتعظ و ينجر بالنظر إل مصابه‪ .‬فالضرب‬
‫ــه‪.‬‬
‫ــر إل ضربـ‬
‫ــ نظـ‬
‫ــد النزجار منـ‬
‫ــو يريـ‬
‫ــه زجرا وهـ‬
‫ــر فيـ‬
‫ل يؤثـ‬

‫من سع بالثلت والعقوبات واليات ف حق غيه ليس كمن رآها عيانا ف غيه‪ ،‬فكيف بن‬
‫وجد ها ف نف سه؟ « سنريهم آيات نا ف الفاق و ف أنف سهم» سورة ف صلت ‪ :‬ال ية ر قم ‪:‬‬
‫‪ ، 53‬فآياته ف الفاق مسموعة معلومة ‪ ،‬وآياته ف النفس مشهودة مرئية ‪ ،‬فعياذا بال من‬
‫الذلن‪.‬‬

‫قال تعال‪« :‬إن الذين حقت عليهم كلمة ربك ل يؤمنون‪ ،‬ولو جاءتم كل آية حت يروا‬
‫العذاب الليم» سورة يونس ‪ :‬الية رقم ‪ ، 96-97:‬وقال ‪« :‬ولو أننا نزلنا إليهم اللئكة‬

‫‪212‬‬
‫وكلمهم الوتى وحشرنا عليهم كل شيء قبل ما كانوا ليؤمنوا إل أن يشاء ال » النعام ‪:‬‬
‫اليــــــــــــــــة رقــــــــــــــــم ‪. 111:‬‬

‫والعاقل الؤيد بالتوفيق يعتب بدون هذا ويتمم نقائص خلقته بفضائل أخلقه وأعماله‪ ،‬فكلما‬
‫امتحى من جثمانه أثر زاد إيانه أثر‪ ،‬وكلما نقص من قوى بدنه زاد ف قوة إيانه ويقينه ف‬
‫ال والدار الخرة‪ ،‬وإن ل ي كن هكذا فالوت خ ي له؛ ل نه ي قف به على حد مع ي من الل‬
‫والفسـاد‪ ،‬بلف العيوب والنقائص مـع طول العمـر ‪ ،‬فإناـ زيادة فـ ألهـ وههـ وغمـه‬
‫وحسـرته ‪ ،‬وإناـ حسـن طول العمـر ونفـع ليحصـل التذكـر والسـتدراك واغتنام الغرض‬
‫والتوبة النصوح كما قال تعال‪« :‬أول نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر» فاطر ‪ :‬الية رقم ‪:‬‬
‫‪ 37‬ف من ل يور ثه التعم ي وطول البقاء إ صلح معاي به وتدارك فار طه واغتنام بق ية أنفا سه‬
‫فيعمل على حياة قلبه وحصول النعيم القيم‪ ،‬وإل فل خي له ف حياته‪ ،‬فإن العبد على جناح‬
‫سفر إما إل النة وإما إل النار‪ .‬فإذا طال عمره وحسن عمله كان طول سفره زيادة له ف‬
‫حصول النعيم واللذة‪ ،‬فإنه كلما طال السفر إليها كانت الصبابة أجل وأفضل ‪ ،‬وإذا طال‬
‫عمره و ساء عمله كان طول سفره زيادة ف أل ه وعذا به ونزول له إل أ سفل ‪ .‬فال سافر إ ما‬
‫صاعد وإما نازل ‪ ،‬وف الديث الرفوع‪« :‬خيكم من طال عمره وحسن عمله‪ ،‬وشركم‬
‫ــل ‪.‬‬
‫ــن حنبـ‬
‫ــي وابـ‬
‫ــح عمله» رواه الترمذي و الدارمـ‬
‫ــن طال عمره وقبـ‬
‫مـ‬

‫فالطالب ال صادق ف طل به كل ما خرب ش يء من ذا ته جعله عمارة لقل به ورو حه‪ ،‬وكل ما‬
‫نقص شيء من دنياه جعله زيادة ف آخرته‪ ،‬وكلما منع شيئا من لذات دنياه جعله زيادة ف‬
‫لذات آخر ته‪ ،‬وكل ما ناله هم أو حزن أو غم جعله ف أفراح آخر ته‪ .‬فنق صان بد نه ودنياه‬
‫ولذته وجاهه ورئاسته أن زاد ف حصول ذلك وتوفيه عليه ف معاده‪ ،‬كان رحة به وخيا‬
‫له وإل كان حرمانا وعقوبة على ذنوب ظاهرة أو باطنة أو ترك واجب ظاهر أو باطن‪ ،‬فإن‬
‫ــق‪.‬‬
‫ــة‪ ،‬وبال التوفيـ‬
‫ــب على هذه الربعـ‬
‫ــا والخرة مرتـ‬
‫ــ الدنيـ‬
‫حرمان خيـ‬

‫‪213‬‬
‫الياة طريق مسافر‬
‫الناس م نذ خلقوا ل يزالوا م سافرين ‪ ،‬ول يس ل م حط عن رحال م إل ف ال نة أو النار‪،‬‬
‫والعاقل يعلم أن السفر مبن على الشقة وركوب الخطار‪ .‬ومن الحال عادة أن يطلب فيه‬
‫نعيم ولذة وراحة‪ ،‬إنا ذلك بعد انتهاء السفر‪ .‬ومن العلوم أن كل وطأة قدم أو كل آن من‬
‫آنات السفر غي واقفة‪ ،‬ول الكلف واقف ‪ ،‬وقد ثبت أنه مسافر على الال الت يب أن‬
‫يكون السافر عليها من تيئة الزاد الوصل‪ ،‬وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الستعداد‬
‫للســــــــــــــــــــــــــــــــــــي‪.‬‬

‫الشاهدة‬
‫ع ند العارف ي أن الشتغال بالشاهدة عن الب ف ال سي ف ال سر وقوف ؛ ل نه ف ز من‬
‫الشاهدة لو كان صاحب عمل ظاهر أو باطن أو ازدياد من معرفة وإيان مفصل كان أول‬
‫به‪ ،‬فإن اللطيفة النسانية تشر على صورة عملها ومعرفتها وهتها وإرادتا‪ ،‬والبدن يشر‬
‫على صورة عمله السن أو القبيح‪ .‬وإذا انتقلت من هذه الدار شاهدت حقيقة ذلك‪ .‬وعلى‬
‫قدر قرب قل بك من ال تب عد من ال نس بالناس و م ساكنتهم ‪ ،‬وعلى قدر صيانتك ل سرك‬
‫وإرادتك يكون حفظه‪ .‬وملك ذلك صحة التوحيد ث صحة العلم بالطريق ث صحة الرادة‬
‫ث صحة الع مل‪ .‬والذر كل الذر من ق صد الناس لك وإقبال م عل يك وأن يعثروا على‬
‫موضـــــع غرضـــــك‪،‬فإناـــــ الفـــــة العظمـــــى‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫مداخل الشيطان‬
‫ــن ثلث جهات‪:‬‬
‫ــه إل مـ‬
‫ــق للشيطان عليـ‬
‫ــه ل طريـ‬
‫ــل ذي لب يعلم أنـ‬
‫كـ‬
‫«أحدهـا‪ »:‬التزيـد والسـراف‪ ،‬فيزيـد على قدر الاجـة فتصـي فضلة وهـي حـظ الشيطان‬
‫ومدخله إل القلب‪ ،‬وطريق الحتراز من إعطاء النفس تام مطلوبا من غذاء أو نوم أو لذة‬
‫أو راحــة ‪ .‬فمتــ أغلقــت هذا الباب حصــل المان مــن دخول العدو منــه‪.‬‬
‫«الثانية‪ »:‬الغفلة ‪ ،‬فإن الذاكر ف حصن الذكر‪ ،‬فمت غفل فتح باب الصن فوله العدو‬
‫فيعســـــــر عليـــــــه أو يصـــــــعب إخراجـــــــه‪.‬‬
‫«الثالثــــة‪ »:‬تكلف مــــا ل يعنيــــه مــــن جيــــع الشياء‪.‬‬

‫طريق النجاح‬
‫طالب النفوذ إل ال والدار الخرة بل وإل كل علم وصناعة ورئاسة بيث يكون رأسا ف‬
‫ذلك مقتدى به ف يه‪ ،‬يتاج أن يكون شجا عا مقدا ما حاك ما على وه ه‪ ،‬غ ي مقهور ت ت‬
‫سلطان تيله ‪ ،‬زاهدا ف كل ما سوى مطلوبه‪ ،‬عاشقا لا توجه إليه ‪ ،‬عارفا بطريق الوصول‬
‫إليه والطرق القواطع عنه‪ ،‬مقدام المة ثابت الأش ل يثنيه عن مطلوبه لوم لئم ول عذل‬
‫عاذل ‪ ،‬كثي السكون دائم الفكر غي مائل مع لذة الدح ول أل الذم‪ ،‬قائما با يتاج إليه‬
‫مـن أسـباب معونتـه ل تسـتفزه العارضات ‪ ،‬شعاره الصـب وراحتـه التعـب‪ ،‬مبـا لكارم‬
‫الخلق‪ ،‬حافظـا لوقتـه‪ ،‬ل يالط الناس إل على حذر كالطائر الذي يلتقـط البـ بينهـم‪،‬‬
‫قائما على نفسه بالرغبة والرهبة‪ ،‬طامعا ف نتائج الختصاص على ب ن جنسه‪ ،‬غي مرسل‬

‫‪215‬‬
‫شيئا مـن حواسـه عبثـا ول مسـرحا خواطره فـ مراتـب الكون‪ .‬وملك ذلك هجـر العوائد‬
‫وقطع العلئق الائلة بينك وبي الطلوب‪ ،‬وعند العوام أن لزوم الدب مع الجاب خي من‬
‫اطراح الدب مــــــــــــــع الكشــــــــــــــف‪.‬‬

‫أفضل الذكر‬
‫من الذاكرين من يبتدئ بذكر اللسان وإن كان على غفلة ‪ ،‬ث ل يزال فيه حت يضر قلبه‬
‫فيتوا طأ على الذ كر‪ .‬ومن هم من ل يرى ذلك ول يبتدئ على غفلة بل ي سكن ح ت ي ضر‬
‫قلبه فيشرع ف الذكر بقلبه فإذا قوي استتبع لسانه فتواطئا جيعا‪ .‬فالول ينتقل الذكر من‬
‫لسانه إل قلبه‪ .‬والثان ينتقل من قلبه إل لسانه‪ ،‬من غي أن يلو قلبه منه‪ ،‬بل يسكن أول‬
‫حت يس بظهور الناطق فيه ‪ .‬فإذا أحس بذلك نطق قلبه ث انتقل النطق القلب إل الذكر‬
‫اللســان ثــ يســتغرق فــ ذلك حتــ يدــ كــل شيــء منــه ذاكرا‪.‬‬
‫وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان وكان من الذكار النبوية وشهد الذاكر‬
‫معانيــــــــــــــــه ومقاصــــــــــــــــده‪.‬‬

‫أنفع الناس وأضرهم‬


‫أنفع الناس لك رجل مكنك من نفسه حت تزرع فيه خيا أو تصنع إليه معروفا ‪ ،‬فإنه نعم‬
‫العون لك على منفعتك وكمالك‪ .‬فانتفاعك به ف القيقة مثل انتفاعه بك أو أكثر ‪ .‬وأضر‬
‫الناس عليك من مكن نفسه منك حت تعصي ال فيه فإنه عون لك على مضرتك ونقصك‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫اللذة الحرمة‬
‫اللذة الحر مة مزو جة بالق بح حال تناول ا مثمرة للل ب عد انقضائ ها‪ ،‬فإذا اشتدت الداع ية‬
‫منك إليها ففكر ف انقطاعها وبقاء قبحها وألها ث وازن بي المرين وانظر ما بينهما من‬
‫التفاوت‪.‬‬
‫والتعب بالطاعة مزوج بالسن مثمر للذة والراحة‪ ،‬فإذا ثقلت على النفس ففكر ف انقطاع‬
‫تعبها وبقاء حسنها ولذتا وسرورها‪ ،‬ووازن بي المرين وآثر الراجح على الرجوح‪ ،‬فإن‬
‫تألت بالسبب فانظر إل ما ف السبب من الفرحة والسرور واللذة يهن عليك مقاساته‪ ،‬وإن‬
‫تألتــ بترك اللذة الحرمــة فانظــر إل الل الذي يعقبــه ووازن بيــ الليــ‪.‬‬
‫وخاصية العقل تصيل أعظم النفعتي بتفويت أدناها واحتمال أصغر اللي لدفع أعلها‪.‬‬
‫وهذا يتاج إل علم بالسباب ومقتضياتا ‪ ،‬وإل عقل يتار به الول والنفع له منها‪ ،‬فمن‬
‫وفر قسمه من العقل والعلم اختار الفضل وآثره ‪ ،‬ومن نقص حظه منهما أو من أحدها‬
‫اختار خلفه ‪ ،‬ومن فكر ف الدنيا والخرة علم أنه ل ينال واحدا منهما إل بشقة فليتحمل‬
‫الشقــــــــــة ليهاــــــــــ وأبقاهاــــــــــ‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫ف كل عضو أمر وني‬
‫ل على العبد ف كل عضو من أعضائه أمر‪ ،‬وله عليه فيه ني‪ ،‬وله فيه نعمة‪ ،‬وله به منفعة‬
‫ولذة ‪ .‬فإن قام ل ف ذلك الع ضو بأمره واجت نب ف يه ن يه ف قد أدى ش كر نعم ته عل يه ف يه‬
‫وسعى ف تكميل انتفاعه ولذته به‪ ،‬وإن عطل أمر ال ونيه فيه عطله ال من انتفاعه بذلك‬
‫العضــــو وجعله مــــن أكــــب أســــباب ألهــــ ومضرتــــه‪.‬‬
‫وله عل يه ف كل و قت من أوقا ته عبود ية تقد مه إل يه وتقر به م نه‪ ،‬فإن ش غل وق ته بعبود ية‬
‫الوقت تقدم إل ربه‪ ،‬وإن شغله بوى أو راحة وبطالة تأخر‪ ،‬فالعبد ل يزال ف تقدم أو تأخر‬
‫ول وقوف ف الطريق ألبتة ‪ .‬قال تعال ‪« :‬لن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر» سورة الدثر‬
‫‪ :‬اليــــــــــــــــة رقــــــــــــــــم ‪. 37:‬‬

‫فريقا النة والنار‬


‫أقام ال سبحانه هذا اللق ب ي ال مر والن هي والعطاء وال نع ‪ .‬فافترقوا فرقت ي‪ :‬فر قة قابلت‬
‫أمره بالترك ونيه بالرتكاب وعطاءه بالغفلة عن الشكر‪ ،‬ومنعه بالسخط‪ ،‬وهؤلء أعداؤه ‪،‬‬
‫وفي هم من العداوة ب سب ما في هم من ذلك‪ .‬وق سم قالوا‪ :‬إن ا ن ن عبيدك ‪ ،‬فإن أمرت نا‬
‫سارعنا إل الجابة ‪ ،‬وإن نيتنا أمسكنا نفوسنا وكففناها عما نيتنا عنه‪ ،‬وإن أعطيتنا حدناك‬
‫وشكرناك‪ ،‬وإن منعت نا تضرع نا إل يك وذكرناك‪ .‬فل يس ب ي هؤلء وب ي ال نة إل ستر الياة‬
‫الدن يا‪ ،‬فإذا مز قه علي هم الوت صاروا إل النع يم الق يم وقرة الع ي ‪ .‬ك ما أن أولئك ل يس‬
‫ـرة والل ‪.‬‬
‫ـاروا إل السـ‬
‫ـه الوت صـ‬
‫ـتر الياة ‪ ،‬فإذا مزقـ‬
‫ـم وبي ـ النار إل سـ‬
‫بينهـ‬

‫فإذا ت صادمت جيوش الدن يا والخرة ف قل بك ‪ ،‬وأردت أن تعلم من أي الفريق ي أ نت ‪،‬‬

‫‪218‬‬
‫فان ظر مع من ت يل منه ما و مع من تقا تل إذ ل يك نك الوقوف ب ي اليش ي ‪ ،‬فأ نت مع‬
‫إحداهاـ ل مالة ‪ .‬فالفريـق الول اسـتغشوا الوى واسـتنصحوا العقـل فشاوروه ‪ ،‬وفرغوا‬
‫قلوبم للفكر فيما خلقوا له ‪ ،‬وجوارحهم للع مل با أمروا به ‪ ،‬وأوقاتم لعمارتا با يعمر‬
‫منازلمـ فـ الخرة ‪ ،‬واسـتظهروا على سرعة ال جل بالبادرة إل العمـل ‪ ،‬وسـكنوا الدنيـا‬
‫وقلوب م م سافرة عن ها ‪ ،‬وا ستوطنوا الخرة ق بل انتقال م إلي ها ‪ ،‬واهتموا بال وطاع ته على‬
‫قدر حاجت هم إل يه ‪ ،‬وتزودوا للخرة على قدر مقام هم في ها ‪ ،‬فع جل ل م سبحانه من نع يم‬
‫ال نة وروح ها إن آن سهم بنف سه وأق بل بقلوب م إل يه وجع ها على مب ته وشوق هم إل لقائه‬
‫ونعم هم بقر به وفرغ قلوب م م ا مل قلوب غي هم من م بة الدن يا وال م والزن على فوت ا‬
‫والغـم مـن خوف ذهاباـ ‪ ،‬فاسـتلنوا مـا اسـتوعره الترفون ‪ ،‬وأنسـوا باـ اسـتوحش منـه‬
‫الاهلون ‪ ،‬صــــحبوا الدنيــــا بأبدانمــــ ‪ ،‬والل العلى بأرواحهــــم‪.‬‬

‫من صفات التوحيد‬


‫التوحيد ألطف شيء وأنزهه أنظفه وأصفاه ‪ ،‬فأدن شيء يدشه ويدنسه ويؤثر فيه ‪ ،‬فهو‬
‫كأبيض ثوب يكون يؤثر فيه أدن أثر ‪ ،‬وكالرآة الصافية جدا أدن شيء يؤثر فيها ‪ .‬ولذا‬
‫تشو شه اللح ظة واللف ظة والشهوة الف ية ‪ .‬فإن بادر صاحبه وقلع ذلك ال ثر بضده ‪ ،‬وإل‬
‫اســــتحكم وصــــار طبعــــا يتعســــر عليــــه قلعــــه ‪.‬‬
‫وهذه الثار و الطبوع الت تصل فيه ‪ :‬منها ما يكون سريع الصول سريع الزوال ‪ ،‬ومنها‬
‫ما يكون سريع ال صول بط يء الزوال ‪ ،‬ومن ها ما يكون بط يء ال صول سريع الزوال ‪،‬‬
‫ومنهــــا مــــا يكون بطيــــء الصــــول بطيــــء الزوال‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫ولكـن مـن الناس مـن يكون توحيده كـبيا عظيمـا ‪ ،‬ينغمـر فيـه كثيـ مـن تلك الثار ‪،‬‬
‫ويستحيل فيه بنلة الاء الكثي الذي يالطه أدن ناسة أو وسخ فيغتر به صاحب التوحيد‬
‫الذي هـو دونـه ‪ ،‬فيخلط توحيده الضعيـف باـ خلط بـه صـاحب التوحيـد العظيـم الكثيـ‬
‫توحيده ‪ ،‬فيظهــر مــن تأثيه فيــه مــا ل يظهــر فــ التوحيــد الكثيــ‪.‬‬

‫وأيضا فإن الحل الصاف جدا يظهر لصاحبه ما يدنسه ما ل يظهر ف الحل الذي ل يبلغ ف‬
‫الصـــفاء مبلغـــه فيتدراكـــه بالزالة دون هذا فإنـــه ل يشعـــر بـــه‪.‬‬
‫وأي ضا فإن قوة اليان والتوح يد إذا كا نت قو ية جدا أحالت الواد الرديئة وقهرت ا بلف‬
‫القوة الضعيفـــــــــــــــــــــــــــــــــة‪.‬‬
‫وأيضا فإن صاحب الحاسن الكثية والغامرة للسيئات ليسامح با ل يسامح به من أتى مثل‬
‫تلك السيئات وليست له مثل تلك الحاسن ‪ ،‬كما قيل‪:‬‬

‫وإذا البيب أتى بذنب واحد * * * جاءت ماسنه بألف شفيع‬

‫وأيضـا فإن صـدق الطلب وقوة الرادة وكمال النقياد ييـل تلك العوارض والغواشـي‬
‫الغري بة إل مقتضاه وموج به‪ ،‬ك ما أن الكذب وف ساد الق صد وض عف النقياد ي يل القوال‬
‫والفعال المدوحـة إل مقتضاه وموجبـه‪ ،‬كمـا يشاهـد ذلك فـ الخلط الغالبـة وإحالتهـا‬
‫لصــــــــــال الغذيــــــــــة إل طبعهــــــــــا‪.‬‬

‫ل يمع ال ذخائره ف قلب فيه سواه‬


‫‪220‬‬
‫ترك الشهوات ل‪ ،‬وإن أنىـ مـن عذاب ال وأو جب الفوز برحتـه‪ ،‬فذخائر ال وكنوز الب‬
‫ولذة ال نس والشوق إل يه والفرح والبتهاج به‪ ،‬ل ت صل ف قلب ف يه غيه‪ ،‬وإن كان من‬
‫أ هل العبادة والز هد والعلم فإن ال سبحانه أ ب أن ي عل ذخائره ف قلب ف يه سواه وه ته‬
‫متعلقـة بغيه‪ ،‬وإناـ يودع ذخائره ف قلب يرى الف قر غ ن مع ال‪ ،‬والغ ن فقرا دون ال‪،‬‬
‫والعـز ذل دونـه ‪ ،‬والذل عزا معـه‪ ،‬والنعيـم عذابـا دونـه‪ ،‬والعذاب نعيمـا معـه‪.‬‬
‫وبالملة ‪ ،‬فل يرى الياة إل به ومعه ‪ ،‬والوت والل والم والغم والزن‪ ،‬إذا ل يكن معه‪،‬‬
‫فهذا له جنتان‪ :‬جنـــة فـــ الدنيـــا معجلة‪ ،‬وجنـــة يوم القيامـــة ‪.‬‬

‫النابة والعتكاف‬
‫النابة هي عكوف القلب على ال عز وجل كاعتكاف البدن ف السجد ل يفارقه‪ .‬وحقيقة‬
‫ذاك عكوف القلب على مبتـه وذكره بالجلل والتعظيـم‪ ،‬وعكوف الوارح على طاعتـه‬
‫بالخلص له والتابعـة لرسـوله‪ ،‬ومـن ل يعكـف قلبـه على ال وحده عكـف على التماثيـل‬
‫التنوعـة كمـا قال إمام النفاء لقومـه‪« :‬مـا هذه التماثيـل التـ أنتـم لاـ عاكفون» سـورة‬
‫النبياء ‪ :‬الية رقم ‪ ، 52:‬فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف‪ ،‬فكان حظ قومه العكوف‬
‫على التماث يل‪ ،‬وكان ح ظه العكوف على الرب الل يل‪ .‬والتماث يل ج ع تثال‪ ،‬و هي ال صور‬
‫المثلة‪ .‬فتعلق القلب بغي ال واشتغاله به والركون إليه عكوف منه على التماثيل الت قامت‬
‫بقلبـه‪ ،‬وهـو نظيـ العكوف على تاثيـل الصـنام‪ ،‬ولذا كان شرك عباد الصـنام بالعكوف‬
‫بقلوب م وهم هم وإرادات م على تاثيل هم ‪ ،‬فإذا كان ف القلب تاث يل قد ملك ته وا ستعبدته‬
‫بيث يكون عاكفا عليها‪ ،‬فهو نظي عكوف الصنام عليها‪ ،‬ولذا ساه النب صلى ال عليه‬
‫وسـلم عبدا لاـ ودعـا عليـه بالتعـس و النكـس فقال ‪ « :‬تعـس عبـد الدينار‪ ،‬تعـس عبـد‬
‫الدرهم ‪ ،‬تعس وانتكس وإذا شيك فل انتقش» رواه البخاري ف كتاب الهاد‪ .‬وابن ماجه‬
‫فــــــــــــــــــ الزهــــــــــــــــــد‬

‫‪221‬‬
‫الناس ف هذه الدار على جناح سفر كلهم‪ ،‬وكل مسافر فهو ظاعن إل مقصده ونازل على‬
‫من ي سر بالنول عل يه‪ ،‬وطالب ال والدار والخرة إن ا هو ظا عن إل ال ف حال سفره‬
‫ونازل عليه عند القدوم عليه‪ ،‬فهذه هته ف سفره وف انقضائه‪« :‬يا أيتها النفس الطمئنة‬
‫ارجعي إل ربك راضية مرضية فادخلي ف عبادي وادخلي جنت» سورة الفجر ‪ :‬الية رقم‬
‫‪، 30 -27:‬وقالت امرأة فرعون ‪« :‬رب ابن ل عندك بيتا ف النة» التحري الية رقم ‪:‬‬
‫‪ 11‬فطلبـت كون البيـت عنده قبـل طلبهـا أن يكون فـ النـة‪ ،‬فإن الار قبـل الدار‪.‬‬

‫من كلم الشيخ علي‬


‫قيـل ل فـ نوم كاليقظـة أو يقظـة كالنوم‪ :‬ل تبـد فاقـة إل غيي فأضاعفهـا عليـك مكافأة‬
‫لروجك عن حدك ف عبوديتك‪ .‬ابتليتك بالفقر لتصي ذهبا خالصا فل تزيفن بعد السبك‪.‬‬
‫حك مت لك بالف قر ولنف سي بالغ ن‪ ،‬فإن و صلتها ب و صلتك بالغ ن وإن و صلتها بغيي‬
‫حسمت عنك مواد معونت طردا لك عن باب ‪ .‬ل تر كن إل ش يء دوننا فإنه وبال عليك‬
‫وقاتل لك‪ ،‬إن ركنت إل العمل رددناه عليك‪ ،‬وإن ركنت إل العرفة ذكرناها عليك‪ ،‬وإن‬
‫ــــــه‪.‬‬
‫ــــــتدرجناك فيـ‬
‫ــــــد اسـ‬
‫ــــــت إل الوجـ‬
‫ركنـ‬
‫وإن ركنت إل العلم أوقفناك معه‪ ،‬وإن ركنت إل الخلوقي وكلناك إليهم‪ ،‬ارضنا لك ربا‬
‫نرضاك لنــــــــــــــــــــــــــــــــا عبدا‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫الشهقة عند ساع القرآن‬
‫الشهقـــة التـــ تعرض عنـــد ســـاع القرآن أو غيه لاـــ أســـباب‪:‬‬
‫«أحدها ‪ » :‬أن يلوح له عند السماع درجة ليست له فيتاح إليها فتحدث له الشهقة فهذه‬
‫شهقــــــــــــــــــــــــــــــــــة شوق‪.‬‬
‫«وثانيها‪ » :‬أن يلوح له ذنب ارتكبه فيشهق خوفا وحزنا على نفسه‪ ،‬وهذه شهقة خشية‪.‬‬
‫«وثالث ها‪ » :‬أن يلوح له ن قص ف يه ل يقدر على دف عه ع نه فيحدث له ذلك حز نا فيش هق‬
‫شهقــــــــــــــــــــــــــــــــــة حزن‪.‬‬
‫«و رابعها‪ » :‬أن يلوح له كمال مبوبه ويرى الطريق إليه مسدودة عنه فيحدث ذلك شهقة‬
‫آســـــــــــــــــــــــــــــــــف وحزن‪.‬‬
‫«و خامسها‪ » :‬أن يكون قد توارى عنه مبوبه واشتغل بغيه فذكره السماع مبوبه‪ ،‬فلح‬
‫له جاله ورأى الباب مفتوحـا والطريـق ظاهرة ‪ ،‬فشهـق فرحا‪.‬وسـرورا باـ لح له‪.‬‬
‫وبكل حال‪ :‬فسبب الشهقة قوة الوارد وضعف الحل عن الحتمال ‪ .‬والقوة أن يعمل ذلك‬
‫الوارد عمله داخل ول يظهـر عليـه‪ ،‬وذلك أقوى له وأدوم‪ ،‬فإنـه إذا أظهره ضعـف أثره‬
‫وأوشك انقطاعه ‪ .‬هذا حكم الشهقة من الصادق ‪ ،‬فإن الشاهق إما صادق وإما سارق وإما‬
‫منافــــــــــــــــــــــــــــــــــــق‪.‬‬

‫أنواع الفكر‬

‫‪223‬‬
‫أصـل اليـ والشـر مـن قبـل التفكـر ‪ ،‬فإن الفكـر مبدأ الرادة والطلب فـ الزهـد والترك‬
‫والب والبغض ‪ .‬وأنفع الفكر الفكر ف مصال العاد وف طرق اجتلبا وف دفع مفاسد‬
‫العاد وف طرق اجتنابا ‪ ،‬فهذه أربعة أفكار هي أجل الفكار‪ .‬ويليها أربعة‪ :‬فكر ف مصال‬
‫الدن يا وطرق ت صيلها ‪ ،‬وف كر ف مفا سد الدن يا وطرق الحتزاز من ها‪ ،‬فعلى هذه الق سام‬
‫الثمان ية دارت أفكار العقلء ‪ .‬ورأس الق سم الول الف كر ف آلء ال ونع مه وأمره ون يه‬
‫وطرق العلم به وبأسائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وما والها‪ ،‬وهذا الفكر يثمر لصاحبه‬
‫الحبة والعرفة‪.‬فإذا فكر ف الخرة وشرفها ودوامها وف الدنيا وخستها وفنائها أثر له ذلك‬
‫الرغبة ف الخرة والزهد ف الدنيا‪ ،‬وكلما فكر ف قصر المل وضيق الوقت أورثه ذلك‬
‫الدـــــ والجتهاد وبذل الوســـــع فـــــ اغتنام الوقـــــت‪.‬‬

‫وهذه الفكار تعلي ه ته وتيي ها ب عد موت ا و سفولا وتعله ف واد والناس ف واد‪ .‬وبإزاء‬
‫هذه الفكار الفكار الرديئة التـ تول فـ قلوب أكثـر هذا اللق كالفكـر فيمـا ل يكلف‬
‫الف كر ف يه ول أع طي الحا طة به من فضول العلم الذي ل ين فع‪ ،‬كالف كر ف كيف ية ذات‬
‫الرب وصـــــفاته‪ ،‬ماـــــ ل ســـــبيل للعقول إل إدراكـــــه‪.‬‬

‫ومنها الفكر ف الصناعات الدقيقة الت ل تنفع بل تضر‪ ،‬كالفكر ف الشطرنج والوسيقى‬
‫وأنواع الشكال و التصــــــــــــــــــــــــــاوير‪.‬‬
‫ومنها الفكر ف العلوم الت لو كانت صحيحة ل يعط الفكر فيها النفس كمال ول شرفا‪،‬‬
‫كالفكـر فـ دقائق النطـق والعلم الرياضـي والطـبيعي ‪ ،‬وأكثـر علوم الفلسـفة التـ لو بلغ‬
‫النســـــان غاياتاـــــ ل يكمـــــل بذلك ول يزك نفســـــه‪.‬‬
‫ومنها الفكر ف الشهوات واللذات وطرق تصيلها ‪ ،‬وهذا وإن كان للنفس فيه لذة لكن ل‬
‫عاقبــة له ومضرتــه فــ عاقبــة الدنيــا قبــل الخرة أضعاف مســرته‪.‬‬
‫ومن ها الف كر في ما ل ي كن لو كان ك يف كان يكون‪ ،‬كالف كر في ما إذا صار مل كا أو و جد‬
‫كنا أو ملك ضيعة ماذا يصنع وكيف يتصرف ويأخذ ويعطي وينتقم ونو ذلك من أفكار‬
‫الســــــــــــــــــــــــــــــــــــفل‪.‬‬
‫ومنها الفكر ف جزئيات أحوال الناس وما جراياتم ومداخلهم ومارجهم وتوابع ذلك من‬

‫‪224‬‬
‫فكــــر النفوس البطلة الفارغــــة مــــن ال ورســــوله والدار الخرة‪.‬‬
‫ومن ها الف كر ف دقائق ال يل وال كر ال ت يتو صل ب ا إل أغرا ضه وهواه مبا حة كا نت أو‬
‫مرمــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‪.‬‬
‫ومن ها الف كر ف أنواع الش عر و صروفه و فاني نه ف الدح والجاء والغزل والرا ثي ونو ها‪،‬‬
‫فإنــه يشغــل النســان عــن الفكــر فيمــا فيــه ســعادته وحياتــه الدائمــة‪.‬‬
‫ومنها الفكر ف القدرات الذهنية الت ل وجود لا ف الارج ول بالناس حاجة إليها ألبتة‪،‬‬
‫وذلك موجود ف كل علم حت ف علم الفقه والصول والطب ‪ ،‬فكل هذه الفكار مضرتا‬
‫أرجح من منفعتها‪ ،‬ويكفي ف مضرتا شغلها عن الفكر فيما هو أول به وأعود عليه بالنفع‬
‫عاجل وآجل‪.‬‬

‫الطلب والصب‬
‫ـــال‪.‬‬
‫ـــل الصـ‬
‫ـــع اليان والطلب أثرا العمـ‬
‫الطلب لقاح اليان‪ ،‬فإذا اجتمـ‬
‫وحسـن الظـن بال لقاح الفتقار والضطرار إليـه‪ ،‬فإذا اجتمعـا أثرا إجابـة الدعاء‪.‬‬
‫والشيـة لقاح الحبـة ‪ ،‬فإذا اجتمعـا أثرا امتثال الوامـر واجتناب الناهـي‪ .‬والصـب لقاح‬
‫اليقي‪ ،‬فإذا اجتمعا أورثا المامة ف الدين ‪ ،‬قال تعال ‪« :‬وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا‬
‫لا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون» سورة السجدة‪ :‬الية رقم ‪. 24:‬وصحة القتداء بالرسول‬
‫لقاح الخلص‪ ،‬فإذا اجتمعـــــا أثرا قبول العمـــــل والعتداد بـــــه ‪.‬‬

‫والع مل لقاح العلم‪ ،‬فإذا اجتم عا كان الفلح وال سعادة ‪ ،‬وإن انفرد أحده ا عن ال خر ل‬
‫يفـــــــــــــــــــــــــــــــــــد شيئا‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫واللم لقاح العلم‪ ،‬فإذا اجتمعا حصلت سيادة الدنيا والخرة وحصل النتفاع بعلم العال ‪،‬‬
‫ــــع والنتفاع ‪.‬‬
‫ــــاحبه فات النفـ‬
‫ــــن صـ‬
‫ــــ عـ‬
‫وإن انفرد أحدهاـ‬
‫والعزية لقاح البصية ‪ ،‬فإذا اجتمعا نال صاحبهما خي الدنيا والخرة وبلغت به هته من‬
‫العلياء كـل مكان‪ ،‬فتخلف الكمالت إمـا مـن عدم البصـية وإمـا مـن عدم العزيةـ ‪.‬‬

‫وحسـن القصـد لقاح لصـحة الذهـن ‪ ،‬فإذا فقدا فقـد اليـ كله‪ ،‬وإذا اجتمعـا أثرا أنواع‬
‫اليات ‪.‬‬
‫وصحة الرأي لقاح الشجاعة‪ ،‬فإذا اجتمعا كان النصر والظفر ‪ ،‬وإن فقدا فالذلن واليبة‪،‬‬
‫وإن وجـد الرأي بل شجاعـة فالبـ والعجـز‪ ،‬وإن حصـلت الشجاعـة بل رأي فالتهور‬
‫والعطب ‪ ،‬والصب لقاح البصية ‪ ،‬فإذا اجتمعا فالي ف اجتماعهما‪ .‬قال السن‪ :‬إذا شئت‬
‫أن نرى ب صيا ل صب له رأي ته‪ ،‬وإذا شئت أن ترى صابرا ل ب صية له رأي ته‪ ،‬فإذا رأ يت‬
‫ـــــــــــــــيا فذاك‪.‬‬
‫ـــــــــــــــابرا بصـ‬
‫صـ‬
‫والنصــيحة لقاح العقــل‪ ،‬فكلمــا قويــت النصــيحة قوى العقــل واســتنار‪.‬‬

‫والتذ كر والتف كر كل منه ما لقاح ال خر‪ ،‬إذا اجتم عا أنت جا الز هد ف الدن يا والرغ بة ف‬
‫الخرة‪ .‬والتقوى لقاح التو كل ‪ ،‬فإذا اجتم عا ا ستقام القلب ‪ .‬ولقاح أ خذ أه بة ال ستعداد‬
‫للقاء ق صر ال مل‪ ،‬فإذا اجتم عا فال ي كله ف اجتماعه ما وال شر ف فرقته ما‪ .‬ولقاح ال مة‬
‫العاليـــة النيـــة الصـــحيحة ‪ ،‬فإذا اجتمعـــا بلغ العبـــد غايـــة الراد‪.‬‬

‫موقف العبد بي يدي ال‬

‫‪226‬‬
‫للعبد بي يدي ال موقفان‪ :‬موقف بي يديه ف الصلة‪ ،‬وموقف بي يديه يوم لقائه‪ ،‬فمن قام‬
‫ب ق الو قف الول هون عل يه الو قف ال خر‪ ،‬و من ا ستهان بذا الو قف ول يو فه ح قه شدد‬
‫عليه ذلك الوقف ‪ .‬قال تعال «ومن الليل فاسجد له وسبحه ليل طويل‪ ،‬إن هؤلء يبون‬
‫العاجلة ويذرون وراءهـم يومـا ثقيل» سـورة النسـان ‪ :‬اليـة رقـم ‪. 27 -26:‬‬

‫لذة الخرة أبقى‬


‫اللذة من ح يث هي مطلو بة للن سان بل ول كل حي فل تذم من ج هة كون ا لذة وإن ا تذم‬
‫ويكون تركها خيا من نيلها وأنفع إذا تضمنت فوات لذة أعظم منها وأكمل ‪ ،‬أو أعقبت‬
‫ألا حصوله أعظم من أل فواتا ‪ .‬فههنا يظهر الفرق بي العاقل الفطن والحق الاهل‪ .‬فمت‬
‫عرف الع قل التفاوت ب ي اللذت ي و الل ي وأ نه ل ن سبة لحده ا إل ال خر هان عل يه ترك‬
‫أدنــ اللذتيــ لتحصــيل أعلهاــ‪ ،‬واحتمال أيســر الليــ لدفــع أعلهاــ‪.‬‬
‫وإذا تقررت هذه القاعدة فلذة الخرة أعظم وأدوم ‪ ،‬ولذة الدنيا أصغر وأقصر‪ ،‬وكذلك أل‬
‫الخرة وأل الدنيا‪ ،‬والعول ف ذلك على اليان واليقي ‪ ،‬فإذا قوي اليقي وباشر القلب آثر‬
‫العلى على الد ن ف جا نب اللذة واحت مل الل ال سهل على ال صعب ‪ ،‬وال ال ستعان‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫مناداة أيوب ربه‬
‫قوله تعال ‪ « :‬وأيوب إذ نادى ربه أن مسن الضر وأنت أرحم الراحي » سوره النبياء ‪،‬‬
‫الية ‪ 83‬جع ف هذا الدعاء بي حقيقة التوحيد وإظهار الفقر والفاقة إل ربه ووجود طعم‬
‫الح بة ف التملق له ‪ ،‬والقرار له ب صفة الرح ة وأ نه أر حم الراح ي والتو سل إل يه ب صفاته‬
‫سبحانه وشدة حاجته هو وفقره ‪ ،‬ومت وجد البتلى هذا كشفت عنه بلواه ‪ .‬وقد جرب أنه‬
‫مــن قالاــ ســبع مرات ول ســيما مــع هذه العرفــة كشــف ال ضره‪.‬‬

‫دعاء يوسف‬
‫قوله تعال عن يوسف نبيه أنه قال ‪ « :‬أنت وليي ف الدنيا والخرة توفن مسلما وألقن‬
‫بالصـالي » يوسـف ‪ . 101 :‬جعـت هذه الدعوة القرار بالتوحيـد والسـتسلم للرب‬
‫وإظهار الفتقار إليـه والباءة مـن موالة غيه سـبحانه ‪ ،‬وكون الوفاة على السـلم أجـل‬
‫غايات الع بد وأن ذلك ب يد ال ل ب يد الع بد ‪ ،‬والعتراف بالعاد وطلب مراف قة ال سعداء ‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫وإن من شيء إل عندنا خزائنه‬
‫قوله تعال ‪ « :‬وإن من ش يء إل عند نا خزائ نه » ال جر ‪ 21 :‬متضمن لك ن من الكنوز‬
‫وهو أن كل شيء ل يطلب إل من عنده خزائنه ومفاتيح تلك الزائن بيده ‪ .‬وأن طلبه من‬
‫غيه طلب منـ ليـس عنده ول يقدر عليـه‪ .‬وقوله ‪ « :‬وأن إل ربـك النتهـى » سـوره‬
‫النجم ‪ ،‬ال ية ‪ 42‬متضمن لكن عظيم‪ ،‬وهو أن كل مراد إن ل يرد لجله ويت صل به فهو‬
‫مضمحل منقطع فإنه ليس إل يه النتهى وليس النتهى إل إل الذي انتهت إليه المور كلها‬
‫فانتهت إل خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه ‪ ،‬فهو غاية كل مطلوب ‪ ،‬وكل مبوب ل يب‬
‫لجله فمحبته عناء وعذاب‪ .‬وكل عمل ل يراد لجله فهو ضائع وباطل‪ .‬وكل قلب ل إليه‬
‫فهو شقي مجوب عن سعادته وفلحه ‪ ،‬فاجتمع ما يراد منه كله ف قوله «وإن من شيء‬
‫إل عند نا خزائ نه» ‪ ،‬واجت مع ما يراد له كله ف قوله ‪« :‬وأن إل ر بك النت هى» ‪ ،‬فل يس‬
‫ــى‪.‬‬
‫ــا النتهـ‬
‫ــة إليهـ‬
‫ــه غايـ‬
‫ــس دونـ‬
‫ــة تطلب وليـ‬
‫ــبحانه غايـ‬
‫وراءه سـ‬

‫من أسرار التوحيد‬


‫وتت هذا سر عظيم من أسرار التوحيد‪ ،‬وهو أن القلب ل يستقر ول يطمئن ويسكن إل‬
‫بالو صول إل يه‪ ،‬و كل ما سواه م ا ي ب ويراد فمراد لغيه‪ .‬ول يس الراد الحبوب لذا ته إل‬
‫واحـد إليـه النتهـى ويسـتحيل أن يكون النتهـى إل اثنيـ كمـا يسـتحيل أن يكون ابتداء‬

‫‪229‬‬
‫الخلوقات من اثني ‪ ،‬فمن كان انتهاء مبته ورغبته وإرادته وطاعته إل غيه بطل عليه ذلك‬
‫وزال ع نه وفار قه أحوج ما كان إل يه‪ .‬و من كان انتهاء مب ته ورغب ته ورهب ته وطل به هو‬
‫ســـبحانه ظفـــر بنعيمـــه ولذاتـــه وبجتـــه وســـعادته أبـــد الباد‪.‬‬

‫العبد دائما متقلب بي أحكام الوامر وأحكام النوازل‪ ،‬فهو متاج بل مضطر إل العون عند‬
‫الوا مر‪ ،‬وإل الل طف ع ند النوازل‪ ،‬وعلى قدر قيا مه بالوا مر ي صل له من الل طف ع ند‬
‫النوازل ‪ ،‬فإن كمل القيام بالوامر ظاهرا وباطنا ناله اللطف ظاهرا وباطنا‪ ،‬وإن قام بصورها‬
‫دون حقائقهـا وبواطنهـا ناله اللطـف فـ الظاهـر وقـل نصـيبه مـن اللطـف فـ الباطـن‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬وما اللطف الباطن؟ فهو ما يصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة‬
‫وزوال القلق والضطراب والزع‪ ،‬في ستخذى ب ي يدي سيده ذليل له م ستكينا ناظرا إل يه‬
‫بقلبه ساكنا إليه بروحه وسره‪ ،‬قد شغله مشاهدة لطفه به عن شدة ما هو فيه من الل‪ ،‬وقد‬
‫غي به عن شهود ذلك معرف ته ب سن اختياره له وأ نه ع بد م ض يري عل يه سيده أحكا مه‬
‫رضي أو سخط‪ ،‬فإن رضي نال الرضا وإن سخط فحظه السخط‪ ،‬فهذا اللطف الباطن ثرة‬
‫تلك العاملة الباطنــــة يزيــــد بزيادتاــــ وينقــــص بنقصــــانا‪.‬‬

‫مبة ال‬
‫ل يزال العبد منقطعا عن ال حت تصل إرادته ومبته بوجهه العلى ‪ .‬والراد بذا التصال‬
‫أن تف ضي الح بة إل يه وتتعلق به وحده فل يجب ها ش يء دو نه‪ ،‬وأن تت صل العر فة بأ سائه‬
‫وصفاته وأفعاله فل يطمس نورها ظلمة التعطيل‪ ،‬كما ل يطمس نور الحبة ظلمة الشرك‪،‬‬

‫‪230‬‬
‫وأن يت صل ذكره به سبحانه فيزول ب ي الذا كر والذكور حجاب الغفلة والتفا ته ف حال‬
‫الذ كر إل غ ي مذكوره‪ .‬فحينئذ يت صل الذ كر به ويت صل الع مل بأوامره ونواه يه فيف عل‬
‫الطاعـة لنـه أمـر باـ و أحبهـا‪ ،‬ويترك الناهـي لكونـه نيـ عنهـا وأبغضهـا‪.‬‬

‫فهذا مع ن ات صال الع مل بأمره ون يه‪ ،‬وحقي قة زوال العلل الباع ثة على الف عل والترك من‬
‫الغراض والظوظ العاجلة‪ ،‬ويتصل التوكل والب به بيث يصي واثقا به سبحانه مطمئنا‬
‫إل يه راض يا ب سن تدبيه له غ ي مت هم له ف حال من الحوال ‪ ،‬ويت صل فقره وفاق ته به‬
‫سبحانه دون من سواه ‪ ،‬ويت صل خو فه ورجاؤه وفر حه و سروره وابتها جه به وحده‪ ،‬فل‬
‫ياف غيه ول يرجوه ول يفرح بــه كــل الفرح ول يســر بــه غايــة الســرور‪.‬‬

‫وإن ناله بالخلوق بعـض الفرح والسـرور فليـس الفرح التام والسـرور الكامـل والبتهاج‬
‫والنع يم وقرة الع ي و سكون القلب إل به سبحانه‪ ،‬و ما سواه إن أعان على هذا الطلوب‬
‫فرح به و سر به‪ ،‬وإن حجب ع نه فهو بالزن به والوح شة م نه واضطراب القلب ب صوله‬
‫أحق منه بأن يفرح به‪ ،‬فل فرحة ول سرور إل به أو با أوصل إليه أعان على مرضاته ‪ .‬وقد‬
‫أخب سبحانه أنه ل يب الفرحي بالدنيا وزينتها ‪ ،‬وأمر بالفرح بفضله ورحته وهو السلم‬
‫واليان والقرآن ‪ ،‬كمــــــا فســــــره الصــــــحابة والتابعون‪.‬‬
‫والقصود أن من اتصلت له هذه المور بال سبحانه فقد وصل ‪ ،‬وإل فهو مقطوع عن ربه‬
‫متصــل بظــه ونفســه ملبــس عليــه فــ معرفتــه وإرادتــه وســلوكه‪.‬‬

‫النعم كلها من ال‬

‫‪231‬‬
‫قد فكرت ف هذا المر فإذا أصله أن تعلم أن النعم كلها من ال وحده‪ ،‬نعم الطاعات ونعم‬
‫اللذات ‪ ،‬فترغب إليه أن يلهمك ذكرها ويوزعك شكرها‪ ،‬قال تعال ‪« :‬وما بكم من نعمة‬
‫فمـن ال ثـ إذا مسـكم الضـر فإليـه تأرون» سـورة النحـل ‪ :‬اليـة رقـم ‪ ، 53:‬وقال «‬
‫واشكروا نعمـة ال إن كنتـم إياه تعبدون » العراف ‪ :‬اليـة رقـم ‪ ، 69 :‬وكمـا أن تلك‬
‫النعــم منــه ومــن مرد فضله فذكرهــا وشكرهــا ل ينال إل بتوفيقــه‪.‬‬

‫والذنوب من خذل نه وتل يه عن عبده و تلي ته بي نه وب ي نف سه‪ ،‬وإن ل يك شف ذلك عن‬


‫عبده فل سبيل له إل كشفه عن نفسه فإذا هو مضطر إل التضرع والبتهال إليه أن يدفع‬
‫عنه أسبابا حت ل تصدر منه ‪ ،‬وإذا وقعت بكم القادير ومقتضى البشرية فهو مضطر إل‬
‫التضرع والدعاء أن يد فع ع نه موجبات ا وعقوبات ا فل ين فك الع بد عن ضرور ته إل هذه‬
‫الصـول الثلثـة‪ ،‬ول فلح له إل باـ‪ :‬الشكـر ‪ ،‬وطلب العافيـة‪ ،‬والتوبـة النصـوح‪.‬‬
‫ثـ فكرت فإذا مدار ذلك على الرغبـة والرهبـة‪ ،‬وليسـا بيـد العبـد بـل بيـد مقلب القلوب‬
‫ومصـرفها كيـف يشاء ‪ ،‬فإن وفـق عبده بقلبـه إليـه ومله رغبـة ورهبـة ‪ ،‬وإن خذله تركـه‬
‫ونفسـه ول يأخـذ بقلبـه إليـه ول يسـأله ذلك‪ ،‬ومـا شاء ال كان ومـا ل يشـأ ل يكـن‪.‬‬

‫التوفيق والذلن‬
‫ث فكرت هل للتوفيق والذلن سبب أم ها بجرد الشيئة ل سبب لما؟ فإذا سببهما أهلية‬
‫ال حل وعدم ها‪ ،‬ف هو سبحانه خالق الحال متفاو تة ف ال ستعداد والقبول أع ظم تفاوت‪،‬‬
‫فالمادات ل تقبـل مـا بقلبـه اليوان‪ ،‬وكذلك النوعان كـل منهمـا متفاوت فـ القبول ‪.‬‬
‫فاليوان النا طق يق بل ما ل يقبله البه يم‪ ،‬و هو متفاوت ف القبول أع ظم تفاوت‪ ،‬وكذلك‬

‫‪232‬‬
‫اليوان البهيم متفاوت ف القبول‪ ،‬لكن ليس بي النوع الواحد من التفاوت كما بي النوع‬
‫النســـــــــــــــــــــــــــــــــــان‪.‬‬

‫فإذا كان ال حل قابل للنع مة ب يث يعرف ها ويعرف قدر ها وخطر ها ويش كر النعم ب ا ويث ن‬
‫عليه با ويعظمه عليها‪ ،‬ويعلم أنا من مض الود وعي النة‪ ،‬من غي أن يكون هو مستحقا‬
‫ل ا ول هي له ول به‪ ،‬وإن ا هي ال وحده و به وحده‪ .‬فوحده بنعم ته إخل صا و صرفها ف‬
‫مبتـه شكرا‪ ،‬وشهدهـا مـن مضـ جوده منـه ‪ ،‬وعرف فذلك وتقصـيه فـ شكرهـا عجزا‬
‫وضعفا وتفريطا ‪ ،‬وعلم أنه إن أدامها عليه فذلك مض صدقته وفضله وإحسانه ‪ ،‬وإن سلبه‬
‫ــــــتحق له‪.‬‬
‫ــــــل لذلك مسـ‬
‫ــــــو أهـ‬
‫ــــــا فهـ‬
‫إياهـ‬

‫وكل ما زاده من نع مة ازداد ذل له وانك سارا وخضو عا ب ي يد يه وقيا ما بشكره وخش ية له‬
‫سبحانه أن يسلبه إياها لعدم توفيته شكرها كما سلب نعمته عمن ل يعرفها ول يرعها حق‬
‫رعايتها‪ ،‬فإن ل يشكر نعمته وقابلها بضد ما يليق أن يقابل به سلبه إياها ول بد‪ ،‬قال تعال ‪:‬‬
‫«وكذلك فتنـا بعضهـم ببعـض ليقولوا أهؤلء منّ ال عليهـم مـن بيننـا أليـس ال بأعلم‬
‫بالشاكر ين » النعام ‪ :‬ال ية ر قم ‪ ، 53:‬و هم الذ ين عرفوا قدر النع مة وقبلو ها وأحبو ها‬
‫وأثنوا على الن عم ب ا وأحبوه وقاموا بشكره وقال تعال ‪« :‬وإذا جاءت م آ ية قالوا لن نؤ من‬
‫حت نؤتى مثل ما أوت رسل ال‪ ،‬ال أعلم حيث يعل رسالته» النعام ‪ :‬الية رقم ‪. 124:‬‬

‫أسباب الذلن‬

‫‪233‬‬
‫و سبب الذلن عدم صلحية ال حل وأهلي ته وقبوله للنع مة ب يث لو واف ته الن عم لقال هذا‬
‫ل‪ ،‬وإن ا أوتي ته ل ن أهله وم ستحقه ك ما قال تعال ‪« :‬قال إن ا أوتي ته على علم عندي»‬
‫سورة القصص‪ :‬الية رقم ‪ ، 78:‬أي على علم علمه ال عندي أستحق به ذلك وأستوجبه‬
‫وأ ستأهله ‪ .‬قال الفراء ‪ :‬أي على ف ضل عندي أ ن ك نت أهله وم ستحقا له إذ أعطي ته وقال‬
‫ـــــــه ال عندي‪.‬‬
‫ـــــــ علمـ‬
‫ـــــــل ‪ :‬يقول على خيـ‬
‫مقاتـ‬

‫وذكر عبد ال بن الارث بن نوفل سليمان بن داود فيما أوت من اللك ‪ ،‬ث قرأ قوله تعال‬
‫‪« :‬هذا من فضل رب ليبلون أأشكر أم أكفر» سورة النمل ‪ :‬الية رقم ‪ 40:‬ول يقل هذا‬
‫من كرامت ‪ ،‬ث ذكر قارون وقوله‪« :‬إنا أوتيته على علم عندي» القصص ‪ :‬الية رقم ‪:‬‬
‫‪ 78‬يعن أن سليمان رأى ما أوتيه من فضل ال عليه ومنته وأنه ابتلي به فشكره‪ ،‬وقارون‬
‫رأى ذلك من نف سه وا ستحقاقه وكذلك قوله سبحانه ‪« :‬ولئن أذقناه رح ة م نا من ب عد‬
‫ضراء مسته ليقولن هذا ل » فصلت ‪ :‬الية رقم ‪ ، 50:‬أي أنا أهله وحقيق به فاختصاصي‬
‫بـــــــــه كاختصـــــــــاص الالك بلكـــــــــه‪.‬‬

‫والؤمن يرى ذلك ملكا لربه وفضل منه من به على عبده من غي استحقاق منه بل صدقة‬
‫تصـدق ب ا على عبده ‪ ،‬وله أل يت صدق باـ‪ .‬فلو منعـه إياهـا ل ي كن قـد من عه شيئا هو له‬
‫ي ستحقه عل يه‪ ،‬فإذا ل يش هد ذلك رأى ف يه أهل وم ستحقا فأعجب ته نف سه وط غت بالنع مة‬
‫وعلت ب ا وا ستطالت على غي ها ‪ ،‬فكان حظ ها من ها الفرح والف خر ‪ ،‬ك ما قال تعال‪« :‬‬
‫ولئن أذقنا النسان منا رحة ث نزعناها منه إنه ليؤوس كفور‪ ،‬ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء‬
‫م سته ليقولن ذ هب ال سيئات ع ن إ نه لفرح فخور» سورة هود ‪ :‬ال ية ر قم ‪، 10 -9:‬‬
‫فذ مه باليأس والك فر ع ند المتحان بالبلء وبالفرح والف خر ع ند البتلء بالنعماء وا ستبدل‬
‫بمد ال وشكره والثناء عليه إذ كشف عنه البلء قوله ‪« :‬ذهب السيئات عن» ‪ ،‬ولو أنه‬
‫قال ‪ :‬أذهب ال السيئات عن برحته ومنه لا ذم على ذلك ‪ ،‬بل كان ممودا عليه‪ ،‬ولكنه‬
‫غفــل عــن النعــم بكشفهــا ونســب الذهاب إليهــا وفرح وافتخــر‪.‬‬

‫فإذا علم ال سبحانه هذا من قلب ع بد فذلك من أع ظم أ سباب خذل نه وتل يه ع نه‪ ،‬فإن‬

‫‪234‬‬
‫مله ل تنا سبه النع مة الطلقة التامة ك ما قال تعال « إن شر الدواب عند ال ال صم الب كم‬
‫الذيـن ل يعقلون ولو علم ال فيهـم خيا لسـعهم ولو أسـعهم لتولوا وهـم معرضون »‬
‫النفال ‪ 22-23:‬فأخب سبحانه أن ملهم غي قابل لنعمته ‪ ،‬ومع عدم القبول ففيهم مانع‬
‫ينـع آخـر ينـع وصـولا إليهـم وهـو توليهـم وإعراضهـم إذا عرفوهـا وتققوهـا‪.‬‬

‫وم ا ينب غي أن يعلم أن أ سباب الذلن من بقاء الن فس على مـا خل قت عل يه فـ ال صل‬
‫وإهال ا و تليت ها ‪ ،‬فأ سباب الذلن من ها وفي ها وأ سباب التوف يق من ج عل ال سبحانه لا‬
‫قابلة للنعمـة‪ .‬فأسـباب التوفيـق منـه ومـن فضله وهـو الالق لذه وهذه ‪،‬كمـا خلق أجزاء‬
‫الرض‪ ،‬هذه قابلة للنبات وهذه غيـ قابلة له ‪،‬وخلق الشجـر ‪،‬هذه تقبـل الثمرة وهذه ل‬
‫تقبل ها ‪،‬وخلق النحلة قابلة لن يرج م نه بطون ا شراب متلف ألوا نه‪ ،‬و الزنبور غ ي قا بل‬
‫لذلك ‪.‬وخلق الرواح الطيبـة قابلة لذكره وشكره وحجتـه وإجلله وتعظيمـه وتوحيده‬
‫ون صيحة عباده وخلق الرواح البي ثة غ ي قابلة لذلك بل لضده‪ ،‬و هو الك يم العل يم ‪.‬‬

‫تفسي أول سورة العنكبوت‬


‫قال ال تعال « أل أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون‪.‬ولقد فتنا الذين‬
‫من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبي‪ .‬أم حسب الذين يعملون السيئات‬
‫أن يسبقونا ساء ما يكمون‪ .‬من كان يرجو لقاء ال فإن أجل ال لت وهو السميع العليم‬
‫‪.‬و من جا هد فإن ا يا هد لنف سه إن ال لغ ن عن العال ي ‪.‬والذ ين آمنوا وعملوا ال صالات‬
‫لنكفرن عن هم سيئاتم و لنجزين هم أح سن الذي كانوا يعملون‪ .‬وو صينا الن سان بوالد يه‬
‫إح سانا وإن جاهداك لتشرك ب ما ل يس لك به علم فل تطعم ها إل مرجع كم فأنبئ كم ب ا‬
‫كنتم تعملون‪.‬والذين آمنوا وعملوا الصالات لندخلنهم ف الصالي ‪.‬ومن الناس من يقول‬

‫‪235‬‬
‫آمنا بال فإذا أوذي ف ال جعل فتنة الناس كعذاب ال ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا‬
‫كنا معكم أو ليس ال بأعلم با ف صدور العالي وليعلمن ال الذين آمنوا وليعلمن النافقي‬
‫» ســــــــــــورة العنكبوت ‪،‬اليــــــــــــة ‪. 11-1‬‬

‫وقال ال تعال ‪ « :‬أم حسـبتم أن تدخلوا النـة ولاـ يأتكـم مثـل الذيـن خلوا مـن قبلكـم‬
‫مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال أل إن‬
‫نصر ال قريب » البقرة ‪،214:‬قال ال تعال لا ذكر الرتد والكره بقوله‪« :‬من كفر بال‬
‫من بعد إيانه» النحل ‪،106:‬قال بعد ذلك « ث إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ث‬
‫جاهدوا وصــبوا إن ربــك مــن بعدهــا لغفور رحيــم» النحــل ‪110‬‬

‫فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بي أمرين ‪ :‬إما أن يقول أحدهم آمنا وإما أل يقول آمنا ‪،‬بل‬
‫ي ستمر على ع مل ال سيئات ‪.‬ف من قال آم نا امتح نه الرب عز و جل وابتله وألب سه البتلء‬
‫والختبار ليبي الصادق من الكذاب ‪،‬ومن ل يقل آمنا فل يسب أنه يسبق الرب لتجربته ‪،‬‬
‫فإن أحدا لن يعجـز ال تعال هذه سـنته تعال يرسـل اللق فيكذبمـ الناس ويؤذونمـ ‪،‬قال‬
‫تعال‪« :‬وكذلك جعلنا لكل نب عدوا شياطي النس والن» ‪،‬وقال تعال‪ « :‬كذلك ما أتى‬
‫الذ ين من قبل هم من ر سول إل قالوا ساحر أو منون » الذاريات ‪ 52:‬وقال تعال‪ « :‬ما‬
‫يقال لك إل ما قد قيل للرسل من قبلك» فصلت ‪ 43:‬ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه‬
‫وآذوه فابتلي ب ا يؤل ه‪،‬وإن ل يؤ من ب م عو قب فح صل ما يؤل ه أع ظم وأدوم ‪،‬فل بد من‬
‫حصول الل لكل نفس سواء آمنت أم كفرت ‪،‬لكن الؤمن يصل له الل ف الدنيا ابتداء ث‬
‫تكون له العاقبـة فـ الدنيـا والخرة‪،‬والكافـر تصـل له النعمـة ابتداء ثـ يصـي فـ الل‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫رأي الشافعي ف البتلء والتمكن‬
‫سأل ر جل الشاف عي فقال ‪ :‬يا أ با ع بد ال ‪ ،‬أي ا أف ضل للر جل أن يكّ ن أو يبتلى ؟ فقال‬
‫الشافعي ‪ :‬ل يكّن حت يبتلى فإن ال ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وممدا صلوات‬
‫ال وسلمه عليهم أجعي ‪ ،‬فلما صبوا مكنهم ‪ ،‬فل يظن أحد أن يلص من الل ألبتة ‪.‬‬

‫من أرضى ال وأسخط الناس‬


‫وهذا أصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه ‪ ،‬وهذا يصل لكل أحد فإن النسان مدن بالطبع‬
‫ل بد له من أن يع يش مع الناس ‪ ،‬والناس ل م إرادات وت صورات يطلبون م نه أن يوفق هم‬
‫عليها وإن ل يوافقهم آذوه وعذبوه‪ ،‬وإن وافقهم حصل له الذى والعذاب تارة منهم وتارة‬
‫مـــــــــــــــــن غيهـــــــــــــــــم‪.‬‬

‫ومن اختب أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئا كثيا كقوم يريدون الفواحش والظلم‬
‫ولمـ أقوال باطلة فـ الديـن أو شرك ‪ ،‬فهـم مرتكبون مـا ذكره ال مـن الحرمات فـ قوله‬
‫تعال‪ « :‬قل إن ا حرم ر ب الفوا حش ما ظ هر من ها و ما ب طن وال ث والب غي بغ ي ال ق وأن‬
‫تشركوا بال ما ل ينل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون » سورة العراف ‪:‬‬
‫اليـة ‪ ،33‬وهـم فـ مكان مشترك كدار جامعـة أو خان أو قيسـرية أو مدرسـة أو رباط أو‬

‫‪237‬‬
‫قريـة أو درب أو مدينـة فيهـا غي هم ‪ ،‬هـم ل يتمكنون ماـ يريدون إل بوافقـة أولئك ‪ ،‬أو‬
‫بسـكوتم عـن النكار عليهـم فيطلبون مـن أولئك الوافقـة أو السـكوت ‪ ،‬فإن وافقهـم أو‬
‫سكتوا سلموا من شر هم ف البتلء ‪ ،‬ث قد يت سلطون هم أنف سهم على أولئك يهينون م‬
‫ويعاقبون م أضعاف ما كان أولئك يافون ابتداء ك من يطلب من هم شهادة الزور أو الكلم‬
‫ف الدين بالباطل ‪ ،‬إما ف الب وإما ف المر أو العاونة على الفاحشة والظلم ‪ ،‬فإن ل يبهم‬
‫آذوه وعادوه ‪ ،‬وإن أجابم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما كان‬
‫يافــــــــــــــه وإل عذب بغيهــــــــــــــم ‪.‬‬

‫فالواجب ما ف حديث عائشة الذي بعثت به إل معاوية ‪ ،‬ويروى موقوفا ومرفوعا‪ « :‬من‬
‫أرضى ال بسخط الناس كفاه ال مؤونة الناس » وف لفظ « رضي ال عنه وأرضى عنه‬
‫الناس ‪ ،‬ومن أرضى الناس بسخط ال ل يغنوا عنه من ال شيئا » وف لفظ « عاد حامده‬
‫مــــــــــــــــن الناس ذامــــــــــــــــا » ‪.‬‬

‫وهذا يري في من يع ي اللوك والرؤ ساء على أغراض هم الفا سدة وفي من يع ي أ هل البدع‬
‫النتسبي إل العلم والدين على بدعهم ‪ ،‬فمن هداه ال وأرشده امتنع من فعل الحرم وصب‬
‫على أذاهم وعداوتم ‪ ،‬ث تكون له العاقبة ف الدنيا والخرة كما جرى للرسل وأتباعهم مع‬
‫من آذاهم وعاداهم ‪ ،‬مثل الهاجرين ف هذه المة ومن ابتلي من علمائها وعبادها وتارها‬
‫وولتاــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‪.‬‬

‫ل بد من البتلء‬

‫‪238‬‬
‫وقـد يوز فـ بعـض المور إظهار الوافقـة وإبطان الخالفـة كالكره على الكفـر كمـا هـو‬
‫مبسوط ف غي هذا الوضع ‪ ،‬إذ القصود هنا ‪ :‬أنه ل بد من البتلء با يؤذي الناس ‪ ،‬فل‬
‫خلص لحد ما يؤذيه ألبتة ؛ ولذا ذكر ال تعال ف غي موضع أنه ل بد أن يبتلي الناس ‪،‬‬
‫والبتلء يكون بال سراء والضراء ‪ ،‬ول بد أن يبتلي الن سان ب ا ي سره و ما ي سوءه ‪ ،‬ف هو‬
‫متاج إل أن يكون صابرا شكورا ‪ ،‬قال تعال ‪« :‬إنا جعلنا ما على الرض زينة لا لنبلوهم‬
‫أيهـم أحسـن عملً » سـورة الكهـف ‪ :‬اليـة ‪ ،7‬وقال تعال ‪ « :‬و بلوناهـم بالسـنات‬
‫وال سيئات لعل هم يرجعون » ‪ ،‬وقال تعال ‪« :‬فإما يأتين كم م ن هدى فمن ات بع هداي فل‬
‫يضل ول يشقى ‪ ،‬ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونشره يوم القيامة أعمى »‬
‫طه ‪ ،123-124 :‬وقال تعال ‪« :‬أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يعلم ال الذين جاهدوا‬
‫منكــــــــــم ويعلم الصــــــــــابرين» آل عمران ‪.142 :‬‬

‫هذا ف آل عمران ‪ .‬وقد قال قبل ذلك ف البقرة _ فإن البقرة نزلت أكثرها قبل آل عمران‬
‫_‪« :‬أم ح سبتم أن تدخلوا ال نة ول ا يأت كم م ثل الذ ين خلوا من قبل كم م ستهم البأ ساء‬
‫والضراء وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال أل إن نصر ال قريب»‬
‫سـورة البقرة ‪ :‬اليـة ‪ ،214‬وذلك أن النفـس ل تزكـو وتصـلح حتـ تحـص بالبلء ‪،‬‬
‫كالذهب الذي ل يلص جيده من رديئه حت يفت ف كبي المتحان إذا كانت النفس ظالة‬
‫و هي من شأ شر ي صل للع بد ‪ ،‬فل ي صل له شر إل من ها ‪ ،‬قال تعال‪ « :‬و ما أ صابك من‬
‫ح سنة ف من ال و ما أ صابك من سيئة ف من نف سك» الن ساء ‪ ،79 :‬وقال تعال ‪ « :‬أول ا‬
‫أ صابتكم م صيبة قد أ صبتم مثلي ها قل تم أ ن هذا قل هو من ع ند أنف سكم » آل عمران ‪:‬‬
‫‪ ،165‬وقال ‪ « :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثي » الشورى‬
‫‪ ، 30 :‬وقال ‪« :‬ذلك بأن ال ل يك مغيا نعمة أنعمها على قوم حت يغيوا ما بأنفسهم»‬
‫النفال ‪ « ، 53 :‬وإذا أراد ال بقوم سوءا فل مرد له وما لم من دونه من وال » الرعد‬
‫‪. 11 :‬‬

‫وقد ذكر عقوبات المم من آدم إل آخر وقت ‪ ،‬وف كل ذلك يقول إنم ظلموا أنفسهم‬
‫فهم الظالون ل الظلومون ‪ ،‬وأول من اعترف بذلك أبواهم ‪« ،‬قال ربنا ظلمنا أنفسنا وإن‬

‫‪239‬‬
‫ل تغ فر ل نا وترح نا لنكو نن من الا سرين » سورة العراف ‪ :‬ال ية ‪23‬وقال لبل يس ‪« :‬‬
‫لملن جهنم منك ومن تبعك منهم أجعي » ‪ ،‬وإبليس إنا اتبعه الغواة منهم كما قال ‪« :‬‬
‫فبما أغويتن لزينن لم ف الرض ولغوينهم أجعي إل عبادك منهم الخلصي » ‪ ،‬وقال‬
‫تعال « إن عبادي ل يس لك علي هم سلطان إل من اتب عك من الغاو ين » ‪ ،‬وال غي إتباع‬
‫هوى النفس ‪ ،‬وما زال السلف معترفي بذلك كقول أب بكر وعمر وابن مسعود ‪ :‬أقول‬
‫في ها برأ يي فإن كان صوابا ف من ال ‪ ،‬وإن ي كن خ طأ فم ن و من الشيطان وال ور سوله‬
‫بريئان منــــــــــــــــــــــــــــــــــه ‪.‬‬
‫وف الديث اللي حديث أب ذر الذي يرويه الرسول عن ربه عز وجل‪ « :‬يا عبادي إنا‬
‫هي أعمالكم أحصيها لكم ث أوفيكم إياها ‪ ،‬فمن وجد خيا فليحمد ال ومن وجد غي‬
‫ـــــــــــــه »‬
‫ـــــــــــــن إل نفسـ‬
‫ذلك فل يلومـ‬

‫سيد الستغفار‬
‫وف الديث الصحيح ‪ ،‬حديث سيد الستغفار ‪ ،‬أن يقول العبد ‪« :‬اللهم أنت رب ل إله‬
‫إل أ نت خلقت ن وأ نا عبدك ‪ ،‬وأ نا على عهدك ووعدك ما ا ستطعت أعوذ بك من شر ما‬
‫صنعت أبوء لك بنعمتك علي و أبوء بذنب فاغفر ل إنه ل يغفر الذنوب إل أنت‪ .‬من قالا‬
‫إذا أ صبح موقنا ب ا فمات من يو مه د خل ال نة ‪ ،‬و من قال ا إذا أم سى موقنا ب ا فمات من‬
‫ليلتـه دخـل النـة » ‪ .‬رواه البخاري والترمذي والنسـائي وابـن حنبـل بألفاظ متلفـة‬

‫وف حديث أب بكر الصديق من طريق أب هريرة وعبد ال بن عمرو ‪ :‬أن رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم عل مه ما يقوله إذا أ صبح وإذا أم سى وإذا أ خذ مضج عه ‪« :‬الل هم فا طر‬

‫‪240‬‬
‫السماوات والرض عال الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه ‪ ،‬أشهد أل إله إل أنت ‪،‬‬
‫أعوذ بك من شر نف سي و شر الشيطان وشر كه وأن أقترف على نف سي سوءا أو أجره إل‬
‫مســـلم ‪ ،‬قله إذا أصـــبحت وإذا أمســـيت وإذا أخذت مضجعـــك » ‪.‬‬

‫وكان النب صلى ال عليه وسلم يقول ف خطبته‪« :‬المد ل نستعينه ونستغفره ونعوذ بال‬
‫من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا» ‪ .‬وقد قال النب صلى ال عليه وسلم‪« :‬إن آخذ‬
‫بجز كم عن النار وأن تم تتهافتون تا فت الفراش» رواه البخاري والترمذي والن سائي وا بن‬
‫حنبل بألفاظ متلفة ‪ ،‬شبههم بالفراش لهله وخفة حركته‪ ،‬وهي صغية النفس‪ ،‬فإنا جاهلة‬
‫ــــــــــــــــة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــريعة الركـ‬
‫سـ‬

‫وف الديث‪« :‬مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فلة» ‪ .‬وف حديث آخر‪« :‬للقلب أشد‬
‫تقلبا من القدر إذا ا ستجمعت غليا نا» ‪ .‬ومعلوم سرعة حر كة الري شة والقدر مع ال هل‪،‬‬
‫ولذا يقال ل ن أطاع من يغو يه‪ :‬إ نه ا ستخفه‪ .‬قال عن فرعون إ نه ا ستخف قو مه فأطاعوه‪.‬‬
‫وقال تعال‪« :‬فاصب إن وعد ال حق ول يستخفنك الذين ل يوقنون» سورة الروم الية‬
‫‪ 60‬فإن الف يف ل يثبت بل يطيش‪ ،‬وصاحب اليقي ثابت‪ ،‬يقال‪ :‬أيقن إذا كان مستقرّا‪،‬‬
‫واليق ي‪ :‬ا ستقرار اليان ف القلب علما وعملً‪ ،‬ف قد يكون علم الع بد جيدا ل كن نف سه ل‬
‫ـــــش‪.‬‬
‫ـــــل تطيـ‬
‫ـــــائب بـ‬
‫ـــــد الصـ‬
‫ـــــب عنـ‬
‫تصـ‬

‫أصل الغضب‬

‫‪241‬‬
‫قال السن البصري‪ :‬إذا شئت أن ترى بصيا ل صب له رأيته‪ ،‬وإذا شئت أن ترى صابرا ل‬
‫ب صية له رأي ته‪ ،‬فإذا رأ يت ب صيا صابرا فذاك ‪ :‬قال تعال‪« :‬وجعل نا من هم أئ مة يهدون‬
‫بأمر نا ل ا صبوا وكانوا بآيات نا يوقنون» سورة ال سجدة‪ ،‬ال ية ‪ ، 24‬ولذا تش به الن فس‬
‫بالنار فـ سـرعة حركتهـا وإفسـادها وغضبهـا‪ ،‬وشهوتاـ مـن النار والشيطان مـن النار‪.‬‬

‫وف السنن عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪« :‬الغضب من الشيطان‪ ،‬والشيطان من‬
‫النار‪ ،‬وإن ا تط فأ النار بالاء فإذا غ ضب أحد كم فليتو ضأ» رواه أح د ف م سنده ‪،4/226‬‬
‫و ف الد يث ال خر‪« :‬الغ ضب جرة تو قد ف جوف ا بن آدم» ‪ ،‬أل ترى إل حرة عين يه‬
‫وانتفاخ أوداجه‪ ،‬وهو غليان دم القلب لطلب النتقام‪ .‬وف الديث التفق على صحته‪« :‬‬
‫الشيطان يري مـــــــــــن ابـــــــــــن آدم مرى الدم»‬

‫و ف ال صحيحي‪« :‬أن رجل ي ا ستبا ع ند ال نب صلى ال عل يه و سلم و قد اش تد غ ضب‬


‫أحده ا‪ ،‬فقال ال نب صلى ال عل يه‪ :‬إ ن لعلم كل مة لو قال ا لذ هب ع نه ما ي د‪ ،‬لو قال‪:‬‬
‫أعوذ بال مـن الشيطان الرجيـم» رواه أحدـ ‪ ،5/240‬وقـد قال تعال‪« :‬ادفـع بالتـ هـي‬
‫أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ول حيم‪ ،‬وما يلقاها إل الذين صبوا وما يلقاها‬
‫إل ذو حظ عظ يم‪ ،‬وإ ما ينغ نك من الشيطان نزغ فا ستعذ بال إ نه هو ال سميع العل يم»‬
‫فصلت ‪ ،36-34 :‬وقال تعال‪« :‬ادفع بالت هي أحسن السيئة نن أعلم با يصفون‪ ،‬وقل‬
‫رب أعوذ بـك مـن هزات الشياطيـ وأعوذ بـك رب أن يضرون» الؤمنون‪.98 - 96 :‬‬

‫‪242‬‬

You might also like