Professional Documents
Culture Documents
ابن القيّم
1
فقوله تعال« :إن ف ذلك لذكرى» إشارة إل ما تقدم من أول ال سورة إل هاه نا ،وهذا
هو الؤثر ،وقوله تعال « :لن كان له قلب» فهذا هو الحل القابل ،والراد به القلب الي
الذي يعقل عن ال ،كما قال تعال« :إن هو إل ذكر وقرآن مبي .لينذر من كان حيّا»
اليتان 70 .69 :من سورة يس .أي حي القلب .وقوله« :أو أل قى ال سمع» أي وجّ ه
ـ يقال له ،وهذا شرط التأثـر بالكلم .وقوله تعال «وهـو
سـعه وأصـغى حاسـة سـعه إل م ا
شهيـــــد» أي شاهـــــد القلب حاضـــــر غيـــــ غائب.
قال ا بن قتي بة :ا ستمع كتاب ال ،و هو شا هد القلب والف هم ،ل يس بغا فل ول ساه ،و هو
إشارة إل الانع من حصول التأثي ،وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له ،والنظر
فيه وتأمله ،فإذا حصل الؤثر وهو القرآن ،والحل القابل وهو القلب الي ،ووجد الشرط
وهو الصغاء ،وانتفى الانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معن الطاب ،وانصرافه عنه
إل شيـــء آخـــر ،حصـــل الثـــر وهـــو النتفاع والتذكـــر.
فإن قيل :إذا كان التأثي إنا يتم بجموع هذه ،فما وجه دخول أداة «أو» ف قوله تعال:
«أو ألقى السمع» والوضع موضع واو المع « يقصد واو العطف الت تمع بي شيئي
فحينما تقول :جاء ممد وعلي ،فقد اجتمع ميء كل منهما» ل موضع «أو» الت هي
لحـــــــــــــــــد الشيئيـــــــــــــــــ.
قيـل :هذا سـؤال جيـد ،والواب عنـه أن يقال :خرج الكلم بــ «أو» باعتبار حال
الخا طب الد عو ،فإن من الناس من يكون حي القلب و اعيه ،تا مّ الفطرة ،فإذا فكّ ر بقلبه
وجال بفكره ،دله قلبه وعقله على صحة القرآن وأنه الق ،وشهد قلبه با أخب به القرآن،
فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة .وهذا وصف الذين قيل فيهم« :ويرى
الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الق» الية 6 :من سورة سبأ .وقال ف
حقهم « :ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح الصباح ف زجاجة
الزجاجة كأنا كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها
يضيـء ولو ل تسـسه نار ،نور على نور يهدي ال لنوره مـن يشاء» فهذا نور الفطرة على
2
نور الوحي .وهذا حال صاحب القلب الي الواعي .قال ابن القيم :وقد ذكرنا ما تضمنت
هذه اليـة من ال سرار وال عب ف كتاب «اجتماع اليوش ال سلمية على غزو العطلة و
الهمية » فصاحب القلب يمع بي قلبه وبي معان القرآن فيجدها كأنا قد كتبت فيه،
فهـــــــو يقرأهـــــــا عـــــــن ظَهْـــــــر َقلْب.
ومن الناس من ل يكون تامّ الستعداد ،واعي القلب ،كامل الياة ،فيحتاج إل شاهد ييز
له ب ي ال ق والبا طل ،ول تبلغ حياة قل به ونوره و زكاء فطر ته مبلغ صاحب القلب ال ي
الواعي ،فطريق حصول هدايته أن يفرغ سعه للكلم وقلبه لتأمله والتفكر فيه وتعقل معاينه،
فيعلم حينئذ أنـــــــــــــــه القـــــــــــــــ.
فالول حال من رأى بعينه ما دعي عليه وأخب به .والثان حال من علم صدق الخب وتيقنه
وقال « :يكفينــ خــبه» فهــو فــ مقام اليان ،والول فــ مقام الحســان.
3
وقد جعت هذه السورة من أصول اليان ما يكفي ويشفي ،ويغن عن كلم أهل العقول،
فإناـ تضمنـت تقريـر البدأ والعاد والتوحيـد والنبوة واليان باللئكـة ،وانقسـام الناس إل
هالك شقـي وفائز سـعيد ،وأوصـاف هؤلء وهؤلء .وتضمنـت إثبات صـفات الكمال ل
وتني هه ع ما يضاد كماله من النقائص والعيوب وذ كر في ها القيامت ي :ال صغرى وال كبى،
والعال ي :ال كب و هو عال الخرة ،وال صغر و هو عال الدن يا ،وذ كر في ها خلق الن سان
ووفاته وإعادته ،وحاله عند وفاته ويوم معاده ،وإحاطته سبحانه به من كل وجه حت علمه
بوساوس نفسه وإقامة الفظة عليه يصون عليه كل لفظة يتكلم با ،وأنه يوافيه يوم القيامة
ومعه سائق يسوقه إليه ،وشاهد يشهد عليه ،فإذا أحضره السائق قال« :هذا ما لدي عتيد»
الية 23 :من سورة ق .أي هذا الذي أمرت بإحضاره قد أحضرته .فيقال عند إحضاره:
« ألق يا ف جه نم كل كفار عن يد» ال ية 24 :من سورة ق .ك ما ي ضر الا ن إل حضرة
السلطان ،فيقول :هذا فلن قد أحضرته فيقول :اذهبوا به إل السجن وعاقبوه با يستحقه.
وتأ مل ك يف دلت ال سورة صريا على أن ال سبحانه يع يد هذا ال سد بعي نه الذي أطاع
وعصى ،فينعمه ويعذبه كما ينعم الروح الت آمنت بعينها ويعذب الت كفرت بعينها ،ل أنه
سـبحانه يلق روحا أخرى غيـ هذه فينعمهـا ويعذباـ ،كمـا قاله مـن ل يعرف العاد الذي
أخبت به الرسل ،حيث زعم أن ال سبحانه يلق بدنا غي هذا البدن من كل وجه عليه
ي قع النع يم والعذاب ،والروح عنده عرض من أعراض البدن فيخلق روحا غ ي هذه الروح
وبدنـــــــــــــــا غيـــــــــــــــ هذا البدن.
وهذا غي ما اتفقت عليه الرسل ،وذلك الذي عليه القرآن والسنة وسائر كتب ال تعال،
وهذا ف القيقة إنكار للمعاد ،وموافقة لقول من أنكره من الكذب ي ،فإنم ل ينكروا قدرة
ـــا.
ـــ وينعمهـ
ـــام يعذباـ
ـــ هذه الجسـ
ـــام غيـ
ال على خلق أجسـ
كيف وهم يشهدون النوع النسان يلق شيئا بعد شيء ،فكل وقت يلق سبحانه أجساما
وأرواحا غي الجسام الت فنيت ،فكيف يتعجبون من شيء يشاهدونه عيانا ،وإنا تعجبوا
من عود هم بأعيان م ب عد أن مزق هم البلى و صاروا عظاما و رفاتا ،فتعجبوا أن يكونوا هم
بأعيان م مبعوث ي للجزاء ،ولذا قالوا« :أئذا مت نا وك نا ترابا وعظاما أئ نا لبعوثون» ال ية:
4
16من سورة ال صافات .وقالوا« :ذلك ر جع بع يد» .ال ية 3 :من سورة ق .ولو كان
الزاء إنا هو لجسام غي هذه ل يكن ذلك بعثا ول رجعا بل يكون ابتداء ،ول يكن لقوله
«قد علمنا ما تنقص الرض منهم» كبي معن ،فإنه سبحانه جعل هذا جوابا لسؤال مقدر،
و هو أ نه ي يز تلك الجزاء ال ت اختل طت بالرض وا ستحالت إل العنا صر ب يث ل تتم يز،
فأخب سبحانه أنه قد علم ما تنقصه الرض من لومهم وعظامهم وأشعارهم ،وأنه كما هو
عال بتلك الجزاء ف هو قادر على ت صيلها وجع ها ب عد تفرق ها ،وتأليف ها خلقا جديدا .و هو
سبحانه يقرر العاد بذ كر كمال عل مه وكمال قدر ته وكمال حكم ته ،فإن ُش به النكر ين له
كلهــــــــــــــا تعود إل ثلثــــــــــــــة أنواع:
«أحدها »:اختلط أجزائهم بأجزاء الرض على وجه ل يتميز ول يصل معها تيز شخص
عـــــــــــــــــن شخـــــــــــــــــص.
«الثانــــــــــــــــــــــــ »:أن القدرة ل تتعلق بذلك.
«الثالث »:أن ذلك أ مر ل فائدة ف يه ،وإن ا الك مة اقت ضت دوام هذا النوع الن سان شيئا
بعد شيء ،هكذا أبدا كلما مات جيل آخر ،فأما أن ييت النوع النسان كله ث يييه بعد
ذلك فل حكمــــــــــــــة فــــــــــــــ ذلك.
5
اليتان 85،86:من سورة الجر .وقال « :قد علمنا ما تنقص الرض منهم» .الية4 :
مـــــــــــــــــن ســـــــــــــــــورة ق.
«الثان »:تقرير كمال قدرته ،كقوله تعال « :أو ليس الذي خلق السموات والرض بقادر
على أن يلق مثلهـم» اليـة 18 :مـن سـورة يـس .وقوله تعال « :بلى قادريـن على أن
نسوي بنانه» الية 4 :من سورة القيامة .وقوله « :ذلك بأن ال هو الق وأنه ييي الوتى
وأنــه على كــل شيــء قديــر» .اليــة 6 :مــن ســورة الجــ.
ويمع سبحانه بي المرين كما ف قوله تعال « :أو ليس الذي خلق السماوات والرض
بقادر على أن يلق مثلهـم .بلى وهـو اللق العليـم» اليـة 81 :مـن سـورة يـس.
«الثالث »:كمال حكمته ،كقوله تعال «ما خلقنا السماوات والرض وما بينهما لعبي»
ال ية 38 :من سورة الدخان .وقوله« :و ما خلق نا ال سماء والرض و ما بينه ما باطلً»
وقوله « :أيسـب النسـان أن يترك سـدى» اليـة 36 :مـن سـورة القيامـة وقوله« :
أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ل ترجعون .فتعال ال اللك الق» الية115،1 :
16من سورة الؤمنون .وقوله « :أم ح سب الذ ين اجترحوا ال سيئات أن نعل هم كالذ ين
آمنوا وعملوا الصـــــالات ســـــواء مياهـــــم وماتمـــــ» .
ولذا كان الصواب أن العاد معلوم بالعقل مع الشرع ،وأن كمال الرب تعال وكمال أسائه
و صفاته تقتض يه وتوج به ،وأ نه منه ع ما يقوله منكروه ك ما ينه كماله عن سائر العيوب
والنقائص.
ث أ خب أن النكر ين لذلك ل ا كذبوا بال ق اختلط علي هم أمر هم« :ف هم ف أ مر مر يج»
ال ية 5 :من سورة ق :متلط ل ي صلون م نه على ش يء .ث دعا هم إل الن ظر ف العال
العلوي وبنائه ،وارتفا عه وا ستوائه ،وح سنه والتئا مه .ث إل العال ال سفلي ؛و هو الرض،
وكيف بسطها وهيأها بالبسط لا يراد منها ،وثبتها بالبال ،وأودع فيها النافع ،وأنبت فيها
من كل صنف ح سن من أ صناف النبات على اختلف أشكاله وألوا نه ومقاديره ومناف عه،
وأن ذلك تبصرة إذا تأملها العبد النيب وتبصر با ،تذكر ما دلت عليه ما أخبت به الرسل
من التوح يد والعاد ،فالنا ظر في ها يتب صر أول ،ث يتذ كر ثان يا ،وإن هذا ل ي صل إل لع بد
ـــــــــه.
ـــــــــه وجوارحـ
ـــــــــب ال بقلبـ
منيـ
6
ث دعا هم إل التف كر ف مادة أرزاق هم وأقوال م ،وملب سهم ومراكب هم وجنات م ،و هو الاء
الذي أنزله من السماء وبارك فيه ،حت أثبت به جنات متلفة الثمار والفواكه ،ما بي أبيض
وأسـود ،وأحرـ وأصـفر ،وحلو وحامـض ،وبيـ الثمار اختلف منابعهـا وتنوع أجناسـها،
وأن بت به البوب كل ها على تنوع ها واختلف منافع ها و صفاتا ،وأشكال ا ومقادير ها .ث
أفرد النخل لا فيه من موضع العبة والدللة الت ل تفى على التأمل« :فأحيا به الرض
بعد موتا» الية 164 :من سورة البقرة .ث قال« :كذلك الروج» الية 11 :من سورة
ق .أي م ثل هذا الخراج من الرض الفوا كه والثمار والقوات والبوب :خروج كم من
الرض بعدما غيبتم فيها ،وقد ذكرنا هذا القياس وأمثاله من القاييس الواقعة ف القرآن ف
ــب.
ــرار والعـ
ــن السـ
ــا مـ
ــا فيهـ
ــض مـ
ــا بعـ
ــا العال وبينـ
كتابنـ
ث انت قل سبحانه وتعال إل تقر ير النبوة بأح سن تقر ير وأو جز ل فظ وأبعده عن كل شب هة
وشـك ،فأخـب أنـه أرسـل إل قوم نوح وعاد وثود وقوم لوط وقوم فرعون _ رسـل؛
فكذبوهـم ،فأهلكهـم بأنواع اللك ،وصـدق فيهـم وعيده الذي أوعدتمـ بـه رسـله إن ل
يؤمنوا ،وهذا تقرير لنبوة من أخب بذلك عنهم من غي أن يتعلم ذلك من معلم ول قرأه ف
كتاب ،بــل أخــب بــه إخبارا مفصــل مطابقــا لاــ عنــد أهــل الكتاب.
ول يرد على هذا سؤال البهت ،قال تعال« :وبكفرهم وقولم على مري بتانا عظيما» .
والكابرة على جحد الضروريات بأنه ل يكن شيء من ذلك ،أو أن حوادث الدهر ونكباته
أصابتهم كما أصابت غيهم .وصاحب هذا السؤال يعلم من نفسه أنه باهت مباهت «أي
كاذب» ،جاحـد لاـ شهـد بـه العيان وتناقله القرون قرنـا بعـد قرن ،فإنكاره بنلة إنكار
وجود الشهوريــــــن مــــــن اللوك والعلماء والبلد النائيــــــة.
ث عاد سبحانه إل تقر ير العاد بقوله« :أفعيي نا باللق الول» .ال ية 15 :من سورة ق.
يقال لكل من عجز عن شيء :عيي به ،وعيي فلن بذا المر .قال الشاعر:
7
ومنه قوله تعال« :ول يعي بلقهن» .الية33 :من سورة الحقاف .قال ابن عباس « هو
عبد ال بن العباس بن عبد الطلب القرشي الاشي ،حب المة ،الصحاب الليل ،ولد بكة
سـنة 03ق 619 -ونشـأ فـ بدء عصـر النبوة ،روى عـن النـب ،شهـد مـع علي المـل
و صفي ،له ف ال صحيحي وغيه ا ما يز يد عن اللف حد يث ».ير يد :أفعجز نا ،وكذلك
قال مقاتــــــــــــــــــــــــــــــــــل.
قلت :هذا تفسي يلزم اللفظة ،وحقيقتها أعم من ذلك ،فإن العرب تقول :أعيان أن أعرف
كذا ،وعييـت بـه :إذا ل تتـد لوجهـه ،ول تقدر على معرفتـه وتصـيله فتقول« :أعيانـ
دواؤك» إذا ل تتد له ول تقف عليه .ولزم هذا العن العجز عنه .والبيت الذي استشهدوا
به شا هد لذا الع ن ،فإن المامة ل تع جز عن بيضت ها ،ول كن أعيا ها إذا أرادت أن تبيض:
أين ترمي بالبيضة؟ فهي تدور وتول حت ترمي با ،فإذا باضت أعياها أن تفظها وتودعها
حت ل تُنال ،فهي تنقلها من مكان إل مكان ،وتار أين تعل مقرها؟ كما هو حال من عيي
بأمره فلم يدر من أ ين يق صد له و من أ ين يأت يه؟ ول يس الراد بالعياء ف هذه ال ية الت عب
كما يظنه من ل يعرف تفسي القرآن ،بل هذا العن هو الذي نفاه سبحانه عن نفسه ف آخر
الســورة بقوله « :ومــا مســنا مــن لغوب» اليــة 38 :مــن ســورة ق.
ث أخب سبحانه أنم « ف لبس من خلق جديد» الية 15 :من سورة ق أي أنم التبس
علي هم إعادة اللق جديدا ،ث نبه هم على ما هو من أع ظم آيات قدر ته وشوا هد ربوبي ته
ـد والعاد.
ـم الدلة على التوحيـ
ـن أعظـ
ـه مـ
ـان؛ فإنـ
ـو خلق النسـ
وأدلة العاد ،وهـ
وأي دليل أوضح من تركيب هذه الصورة الدمية بأعضائها وقواها وصفاتا ،وما فيها من
الل حم والع ظم ،والعروق والع صاب ،و الرباطات والنا فذ ،واللت والعلوم ،والرادات
وال صناعات ،كل ذلك من نط فة ماء ،فلو أن صف الع بد لكت فى بفكرة نف سه ،وا ستدل
بوجوده على جيــع مــا أخــبت بــه الرســل عــن ال وأســائه وصــفاته.
ث أخب سبحانه عن إحاطة عمله به حت علم وساوس نفسه ،ث أخب عن قربه إليه بالعلم
والحاطة ،وأن ذلك أدن إليه من العرق الذي هو داخل بدنه ،فهو أقرب إليه بالقدرة عليه
8
والعلم بــــــــــــــه مــــــــــــــن ذلك العرق.
وقال شيخ نا :الراد بقوله« :ن ن» أي ملئكت نا ،ك ما قال « :فإذا قرأناه فات بع قرآ نه»
الية 18من سورة القيامة .أي إذا قرأه عليك رسولنا جبيل ،قال :ويدل عليه قوله« :
إذ يتلقى التلقيان» الية 17 :من سورة ق .فقيد القرب الذكور بتلقي اللكي فل حجة
ـــــــــل.
ـــــــــة للول ول معطـ
ـــــــــ اليـ
فـ
ث أ خب سبحانه أ نه على يي نه وشاله ملكان يكتبان أعماله وأقواله ،ون به بإح صاء القوال
وكتابت ها على كتا بة العمال ال ت هي أ قل وقوعا وأع ظم أثرا من القوال ،و هي غايات
القوال ونايتهــــــــــــــــــــــــــــــــا.
9
على ذكره وباله ،وقال « :ف غفلة من هذا» ال ية 22من سورة ق ول ي قل ع نه ك ما
قال « :وإنم لفي شك منه مريب» الية 110 :من سورة هود ول يقل ف شك فيه ،وجاء
هذا ف ال صدر وإن ل ي ئ ف الف عل ،فل يقال :غفلت م نه ول شك كت م نه ،كأن غفل ته
وشكه ابتداء منه فهو مبدأ غفلته وشكه .وهذا أبلغ من أن يقال ف غفلة عنه ،وشك فيه،
فإنـه جعـل مـا ينبغـي أن يكون مبدأ التذكرة واليقيـ ومنشؤهاـ مبدأ للغفلة والشـك.
ثـ أخـب أن غطاء الغفلة والذهول يكشـف عنـه ذلك اليوم كمـا يكشـف غطاء النوم عـن
القلب فيستيقظ ،وعن العي فتنفتح ،فنسبة كشف هذا الغطاء عن العبد عند العاينة كنسبة
كشــــــــف غطاء النوم عنــــــــه عنــــــــد النتباه.
ث أخب سبحانه أن قرينه وهو الذي قرن به ف الدنيا من اللئكة يكتب عمله وقوله ،يقول
لا يضره :هذا الذي كنت وكلتن به ف الدنيا قد أحضرته وأتيتك به .هذا قول ماهد .
وقال ابـن قتيبـة :العنـ :هذا مـا كتبتـه عليـه وأحصـيته مـن قوله وعمله حاضـر عندي.
والتحقيـق أن اليـة تتضمـن المريـن .أي هذا الشخـص الذي وكلت بـه هذا عمله الذي
أح صيته عل يه؛ فحينئذ يقال « :ألق يا ف جه نم »...ال ية 24 :من سورة ق وهذا إ ما أن
يكون خطابا للسـائق والشهيـد ،أو خطابا للملك الوكـل بعذابـه وإن كان واحدا .وهـو
مذ هب معروف من مذا هب العرب ف خطاب ا ،أو تكون اللف منقل بة عن نون التأك يد
الفيــــــة ثــــــ أجرى الوصــــــل مرى الوقــــــف.
10
ويرضى له ويلف باسه وينذر له ،ويوال فيه ويعادي فيه .فيختصم هو وقرينه من الشياطي
وييـل المـر عليـه ،وأنـه هـو الذي أطغاه وأضله ،فيقول قرينـه :ل يكـن ل قوة أن أضله
وأطغيه ،ولكن كان ف ضلل بعيد اختاره لنفسه ،وآثره على الق ،كما قال إبليس لهل
النار« :وما كان ل عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم ل» الية 22 :من سورة
إبراهيم ،وعلى هذا فالقرين هنا هو شيطانه يتصمان عند ال .وقالت طائفة :بل قرينه هاهنا
هو اللك فيد عي عل يه أ نه زاد عل يه في ما كت به عل يه وط غى ،وأ نه ل يف عل ذلك كله ،وأ نه
أعجله بالكتابة عن التوبة ول يهله حت يتوب ،فيقول اللك :ما زدت ف الكتابة عن التوبة
«ول كن كان ف ضلل بع يد» ال ية 27 :من سورة ق ،فيقول الرب تعال« :ل تت صموا
لدي» الية 28 :من سورة ق ،وقد أخب سبحانه عن اختصام الكفار والشياطي بي يديه
ف سورة الصافات والعراف ،وأخب عن اختصام الناس بي يديه ف سورة الزمر ،وأخب
عــن اختصــام أهــل النار فيهــا فــ ســورة الشعراء وســورة ص .
ث أخب سبحانه أنه ل يبدّل القول لديه ،فقيل :الراد بذلك قوله« :لملن جهنم من الِنّة
والناس أجعي» الية 119 :من سورة هود ،ووعده لهل اليان بالنة ،وأن هذا ل يبدل
ول يلف.
ـيت.
ـل معصـ
ـ ول لهـ
ـل طاعتـ
ـد :مــا لوعدي خلف لهـ
قال ابــن عباس :يريـ
قال ماهــد :قــد قضيــت مــا أنــا قاض ،وهذا أصــح القوليــ فــ اليــة.
وفي ها قول آ خر :أن الع ن :ما يغ ي القول عندي بالكذب والتلب يس ك ما يغ ي ع ند اللوك
والكماء ،فيكون الراد بالقول :قول الختصـمي ،وهـو اختيار الفراء ،وابـن قتيبـة
قال الفراء :الع ن :ما يكذب عندي لعل مي بالغ يب ،وقال ا بن قتي بة :أي ما يرف القول
عندي ول يزاد فيه ول ينقص منه ،قال :لنه قال :القول عندي ،ول يقل :قول .وهذا كما
يقال :ل يكذب عندي ،فعلى القول الول يكون قوله« :وما أنا بظلم للعبيد» الية29 :
من سورة ق ،من تام قوله « :ما يبدل القول لدي» ال ية 29 :من سورة ق ،ف الع ن؛
أي :ما قل ته ووعدت به ل بد من فعله ،و مع هذا ف هو عدل ل ظلم ف يه ول جور ،وعلى
الثانـــــ يكون قـــــد وصـــــف نفســـــه بأمريـــــن:
«أحدها »:أن كمال علمه واطلعه ينع من تبديل القول بي يديه وترويج الباطل عليه،
11
وكمال عدله وغناه ينــــــع مــــــن ظلمــــــه لعــــــبيده.
ث أخب عن سعة جهنم وأنا كلما ألقى فيها تقول« :هل من مزيد» الية 30 :من سورة
ق ،وأخطـأ مـن قال :إن ذلك للنفـي؛ أي ليـس مـن مزيـد .والديـث الصـحيح يرد هذا
التأويــــــــــــــــــــــــــــــــــــل.
«الثانيـة »:أن يكون حفيظا .قال ابـن عباس :لاـ ائتمنـه ال عليـه وافترضـه .وقال قتادة :
حافــــظ لاــــ اســــتودعه ال مــــن حقــــه ونعمتــــه.
ولا كانت النفس لا قوتان :قوة الطلب وقوة المساك ،كان الواب مستعملً لقوة الطلب
ف رجوعه إل ال ومرضاته وطاعته ،والفيظ مستعملً لقوة الفظ ف المساك عن معاصيه
ونواهيـه ،فالفيـظ :المسـك نفسـه عمـا حرم عليـه ،والواب :القبـل على ال بطاعتـه.
«الثال ثة »:قوله « :من خ شي الرح ن بالغ يب» ال ية 33 :من سورة ق ،يتض من القرار
بوجوده وربوبيته وقدرته،وعلمه واطلعه على تفاصيل أحوال العبد ،ويتضمن القرار بكتبه
ورسله وأمره ونيه ،ويتضمن القرار بوعده ووعيده ولقائه ،فل تصح خشية الرحن بالغيب
12
إل بعــــــــــــــــــــــــــــــــد هذا كله.
«الراب عة »:قوله« :وجاء بقلب من يب» ال ية 33 :من سورة ق ،قال ا بن عباس :را جع
عن معا صي ال مق بل على طاعة ال .وحقيقة النابة :عكوف القلب على طا عة ال ومب ته
والقبال عليـــــــــــــــــــــــــــــــــه.
ث ذكر سبحانه جزاء من قامت به هذه الوصاف بقوله« :ادخلوها بسلم ذلك يوم اللود
.لم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد» اليتان 35 ،34 :من سورة ق ث خوّفهم بأن يصيبهم
مـن اللك مـا أصـاب مـن قبلهـم ،وأنمـ كانوا أشـد منهـم بطشا ،ول يدفـع عنهـم اللكَـ
بطشُ هم ،وأنم ع ند اللك تقلبوا وطافوا ف البلد ،و هل يدون مي صا ومن جى من عذاب
ال؟!
قال قتادة :حاص أعداء ال فوجدوا أمـر ال لمـ مدركـا ،وقال الزجاج « الزجاج هـو:
إبراه يم بن ال سري بن سهل ،أ بو إ سحاق الزجاج ،عال بالن حو الل غة ،ولد ومات ببغداد،
توفــ ســنة 311هـــ 923 -م » .طوفوا وفتشوا فلم يروا ميصــا مــن الوت.
ـــــن الوت فلم يدوه.
ـــــ طلبوا الهرب مـ
ـــــة ذلك :أنمـ
وحقيقـ
ث أ خب سبحانه أن ف هذا الذي ذ كر «لذكرى ل ن كان له قلب أو أل قى ال سمع و هو
شهيـــــــد» اليـــــــة 37 :مـــــــن ســـــــورة ق
ث أخب أنه خلق السماوات والرض وما بينهما ف ستة أيام ول يسه من تعب ول إعياء،
تكذيبا لعدائه مــن اليهود حيــث قالوا :إنــه اســتراح فــ اليوم الســابع.
ث أمر نبيه بالتأسي به سبحانه ف الصب على ما يقول أعداؤه فيه كما أنه سبحانه صب على
قول اليهود :أنه استراح ،ول أحد أصب على أذى يسمعه منه ،ث أمره با يستعي به على
الصب ،وهو التسبيح بمد ربه قبل طلوع الشمس وقبل غروبا ،وبالليل وأدبار السجود،
فق يل :هو الو تر ،وق يل :الركعتان ب عد الغرب ،والول :قول ا بن عباس ،و عن ا بن عباس
روايـــة ثالثـــة :أنـــه التســـبيح باللســـان أدبار الصـــلوات الكتوبات.
ث ختم السورة بذكر العاد ونداء النادي برجوع الرواح إل أجسادها للحشر ،وأخب أن
هذا النداء من مكان قريب يسمعه كل أ حد« :يوم يسمعون الصيحة بال ق» الية42 :
من سورة ق ،بالبعث ولقاء ال ،يوم تشقق الرض عنهم كما تشقق عن النبات فيخرجون
13
ســراعا مــن غيــ مهلة ول بطــء ،ذلك حشــر يســي عليــه ســبحانه.
ث أخب سبحانه أنه عال با يقول أعداؤه ،وذلك يتضمن مازاته لم بقولم إذ ل يف عليه.
وهو سبحانه يذكر علمه وقدرته لتحقيق الزاء ،ث أخبه أنه ليس بسلط عليهم ول قهار،
ول يبعث ليجبهم على السلم ويكرههم عليه ،وأمره أن يذكر بكلمه من ياف وعيده،
فهو الذي ينتفع بالتذكي ،وأما من ل يؤمن بلقائه ول ياف وعيده ول يرجو ثوابه فل ينتفع
بالتذكيـــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
وحقيقة هذا الواب :أ ن قد غفرت لكم بذه الغزوة ما سلف من ذنوب كم ،لكنه ضعيف
مـــــــــــــــــن وجهيـــــــــــــــــ:
«أحده ا »:أن ل فظ «اعملوا» يأباه؛ فإ نه لل ستقبال دون الا ضي .وقوله « :قد غفرت
لكم» ل يوجب أن يكون «اعملوا» مثله ،فإن قوله «قد غفرت» تقيق لوقوع الغفرة
14
ف الستقبل ،كقوله« :أتى أمر ال» الية 1 :من سورة النحل « -وجاء ربك» الية:
22مـــــــــن ســـــــــورة الفجـــــــــر ،ونظائره.
«ثانيهما »:أن نفس الديث يرده ،فإن سببه قصة حاطب وتسسه على النب وذلك ذنب
ـه قطعا.
ـو سـبب الديـث فهـو مراد منـ
ـا ،وهـ
ـد غزوة بدر ،ل قبلهـ
ـع بعـ
واقـ
فالذي نظن ف ذلك -وال أعلم -أن هذا خطاب لقوم قد علم ال سبحانه أنم ل يفارقون
دين هم بل يوتون على ال سلم ،وأن م قد يفارقون ب عض ما يقار فه غي هم من الذنوب ،
ولكن ل يتركهم سبحانه مصرّين عليها ،بل يوفقهم لتوبة نصوح ،واستغفار وحسنات تحو
أثر ذلك ،ويكون تصيصهم بذا دون غيهم؛ لنه قد تقق ذلك فيهم وأنم مغفور لم.
ول ي نع ذلك كون الغفرة ح صلت بأ سباب تقوم ب م ل يقت ضي ذلك أن يعطلوا الفرائض
وثوقا بالغفرة ،فلو كانت قد حصلت بدون الستمرار على القيام بالوامر لا احتاجوا بعد
ذلك إل صــــلة ول صــــيام ول حــــج ول زكاة ول جهاد .وهذا مال.
15
إطلق الذن فيمــــــــــــا شاءوا مــــــــــــن العمال.
فائدة جليلة
قوله تعال « :هو الذي ج عل ل كم الرض ذلولً فامشوا ف مناكب ها وكلوا من رز قه وإل يه
النشور» ال ية 15 :من سورة اللك .أ خب سبحانه أ نه ج عل الرض ذلول منقادة للو طء
علي ها وحفر ها وشق ها والبناء علي ها ،ول يعل ها م ستصعبة متن عة على من أراد ذلك من ها،
وأخب سبحانه أنه جعلها مهادا وفرشا وبساطا وقرارا و كفاتا وأخب أنه دحاها و طحاها،
وأخرج منها ماءها ومرعاها ،وثبّتها بالبال ونج فيها الفجاج والطرق ،وأجرى فيها النار
والعيون ،وبارك في ها وقدر في ها أقوات ا ،و من بركت ها أن اليوانات كل ها وأرزاق ها وأقوات ا
ترج من ها ،و من بركت ها أ نك تودع في ها ال ب فتخر جه لك من بطن ها أح سن الشياء
وأنفع ها فتوارى م نه كل قب يح وترج له كل مل يح ،و من بركت ها أن ا ت ستر قبائح الع بد
وفضلت بد نه وتواري ها وتض مه وتؤو يه ،وترج له طعا مه وشرا به ف هي أح ل ش يء للذى
وأعوده بالنفـع .فل كان مـن التراب خيـ منـه وأبعـد مـن الذى وأقرب إل اليـ.
والق صود أ نه سبحانه ج عل ل نا الرض كال مل الذلول الذي كيف ما يقاد ينقاد .وح سن
التعـبي بناكبهـا عـن طرقهـا وفجاجهـا؛ لاـ تقدم مـن وصـفها بكوناـ ذلولً.
فالاشـي عليهـا يطـأ على مناكبهـا وهـو أعلى شيـء فيهـا ،ولذا فسـرت الناكـب بالبال،
كمناكـــــــب النســـــــان؛ وهـــــــي أعاليـــــــه.
قالوا :وذلك تنــــبيه على أن الشــــي فــــ ســــهولا أيســــر.
وقالت طائفـة :بـل الناكـب :الوانـب والنواحـي ،ومنـه مناكـب النسـان ،لوانبـه.
والذي يظ هر :أن الراد بالنا كب العال ،وهذا الو جه الذي ي شي عل يه اليوان هو العال
من الرض دون الو جه القا بل له ،فإن سطح الكرة أعل ها ،وال شي إن ا ي قع ف سطحها،
16
وحســن التعــبي عنــه بالناكــب لاــ تقدم مــن وصــفها بأناــ ذلول.
ث أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها فذللها لم ووطأها وفتق فيها السبل والطرق
التـ يشون فيهـا وأودعهـا رزقهـم ،فذكـر تيئة السـكن للنتفاع والتقليـب فيـه بالذهاب
والج يء وال كل م ا أودع ف يه لل ساكن .ث ن به بقوله« :وإل يه النشور» على أ نا ف هذا
ال سكن غ ي م ستوطني ول مقيم ي ،بل دخلناه عابري سبيل ،فل ي سن أن نتخذه وطنا
وم ستقرّا ،وإن ا دخلناه لنتزود م نه إل دار القرار ،ف هو منل عبور ل م ستقر حبور ،وم عب
ومرــــــــــ ل وطــــــــــن ومســــــــــتقر.
فتضمنـت اليـة الدللة على ربوبيتـه وقدرتـه وحكمتـه ولطفـه والتذكـر بنعمـه وإحسـانه،
والتحذ ير من الركون إل الدن يا واتاذ ها وطنا وم ستقرّا بل ن سرع في ها ال سي إل داره
وجنته ،فلله ما ف ضمن هذه الية من معرفته وتوحيده والتذكي بنعمه ،والث على السي
إليه ،والستعداد للقائه والقدوم عليه ،والعلم بأنه سبحانه يطوى هذه الدار كأن ل تكن،
وأنــــه ييــــي أهلهــــا بعدمــــا أماتمــــ وإليــــه النشور.
17
فهو مستحي من مواجهته بتلك الدمة لعلمه أنا دون ما يستحقه عليه ودون ذلك ،وأنه ل
سبيل له إل استكمال هاتي القوتي إل بعونته فهو يهديه الصراط إما الستقيم الذي هدي
إليه أولياؤه وخاصته ،وأن ينبه الروج عن ذلك الصراط إما بفساد ف قوته العلمية فيقع
فـــ الضلل ،وإمـــا قوتـــه العمليـــة فيوجـــب له الغضـــب.
فكمال النسـان وسـعادته ل تتـم إل بجموع هذه المور ،وقـد تضمنتهـا سورة الفاتةـ و
انتظمتها أكمل انتظام فإن قوله« :المد ل رب العالي ،الرحن الرحيم ،مالك يوم الدين»
يتض من ال صل الول و هو معر فة الرب تعال ،ومعر فة أ سائه و صفاته وأفعاله ،وال ساء
الذكورة ف هذه ال سورة هي أ صول ال ساء ال سن ،و هي :ا سم ال والرب والرح ن.
فاسم ال متضمن الصفات اللوهية ،واسم الرب متضمن لصفات الربوبية ،واسم الرحن
متضمن لصفات الحسان والود والب .ومعان أسائه تدور على هذا .وقوله« :إياك نعبد
وإياك ن ستعي» يتض من معر فة الطر يق الو صلة إل يه وأن ا لي ست إل عباد ته وحده ب ا ي به
ويرضاه ،واســـــــــــــتعانته على عبادتـــــــــــــه.
وقوله« :اهدنـا الصـراط السـتقيم» يتضمـن بيان أن العبـد ل سـبيل له إل سـعادته إل
باستقامته على الصراط الستقيم ،وأنه ل سبيل له إل الستقامة على الصراط إل بدايته.
وقوله« :غ ي الغضوب علي هم ول الضال ي» يتض من بيان طر ف النراف عن ال صراط
السـتقيم ،وأن النراف إل أحـد الطرفيـ انراف إل الضلل الذي هـو فسـاد العلم
والعتقاد ،والنراف إل الطريـق الخـر انراف إل الغضـب الذي سـببه فسـاد القصـد
والعمـــــــــــــــــــــــــــــــــــل.
فأول الســـورة رحةـــ وأوســـطها هدايـــة وآخرهـــا نعمـــة.
و حظ الع بد من النع مة على قدر حظه من الدا ية ،وح ظه من ها على قدر حظه من الرح ة.
فعاد ال مر كله إل نعم ته ورح ته .والنع مة والرح ة من لوازم ربوبي ته ،فل يكون إل رحيما
منعما وذلك من موجبات إليته فهو الله الق وإن جحده الاحدون وعدل به الشركون.
فمـن تقـق بعانـ الفاتةـ علما ومعرفـة وعملً وحالً فقـد فاز مـن كماله بأوفـر نصـيب،
وصارت عبوديته عبودية الاصة الذين ارتفعت درجتهم عن عوام التعبدين ،وال الستعان.
18
طريقان لعرفته تعال
الرب تعال يدعـــو عباده فـــ القرآن إل معرفتـــه مـــن طريقيـــ:
«أحدهاـــــــ »:النظـــــــر فـــــــ مفعولتـــــــه.
«ثانيهما »:التفكر ف آياته وتدبرها ،فتلك آياته الشهودة ،وهذه آياته السموعة العقولة.
فالنوع الول :كقوله« :إن فـ خلق السـموات والرض واختلف الليـل والنهار والفلك
الت ترى ف البحر با ينفع الناس »...الية 164 :من سورة البقرة ،إل آخرها ،وقوله:
«إن فـ خلق السـموات والرض واختلف الليـل والنهار ليات لول اللباب» اليـة:
190مــــن ســــورة آل عمران ،وهــــو كثيــــ فــــ القرآن.
«والثانـ »:كقوله« :أفل يتدبرون القرآن» اليـة 82 :مـن سـورة النسـاء ،وقوله« :أفلم
يدبروا القول» الية 68 :من سورة الؤمنون ،وقوله« :كتاب أنزلناه مباركا ليدبروا آياته»
ــــ أيضا.
ــــو كثيـ
ــــورة ص ،وهـ
ــــن سـ
ــــة 29 :مـ
اليـ
فأ ما الفعولت فإن ا دالة على الفعال ،والفعال دالة على ال صفات ،فإن الفعول يدل على
فاعـل فعله ،وذلك يسـتلزم وجوده وقدرتـه ومشيئتـه وعلمـه لسـتحالة صـدور الفعـل
الختياري من معدوم أو موجود ل قدرة له ول حياة ول علم ول إرادة .ث ما ف العلومات
من التخصيصات التنوعة دالّ على إرادة الفاعل وأن فعله ليس بالطبع بيث يكون واحدا
غيــــــــــــــــــــــــــــــــــ متكرر.
ومــا فيهــا مــن الصــال والكــم والغايات الحمودة دال على حكمتــه تعال.
ومـــا فيهـــا مـــن النفـــع والحســـان واليـــ دال على رحتـــه.
ومـــا فيهـــا مـــن البطـــش والنتقام والعقوبـــة دال على غضبـــه.
ومـــا فيهـــا مـــن الكرام والتقريـــب والعنايـــة دال على مبتـــه.
ــه.
ــه ومقتـ
ــة والبعاد والذلن دال على بغضـ
ــن الهانـ
ــا مـ
ــا فيهـ
ومـ
وما فيها من ابتداء الشيء ف غاية النقص والضعف ث سوقه إل تامه ونايته دال على وقوع
19
العاد.
ومــا فيهــا مــن أحوال النبات واليوان وتصــرف الياه دليــل على إمكان العاد.
ومـا فيهـا مـن ظهـر آثار الرحةـ والنعمـة على خلقـه دليـل على صـحة النبوات.
و ما في ها من الكمالت ال ت لو عدمت ها كا نت ناق صة دل يل على أن مع طي تلك الكمالت
أحــــــــــــــــــق باــــــــــــــــــ.
فمفعولتـه مـن أدل شيـء على صـفاته ،وصـدق مـا أخـبت بـه رسـله عنـه.
فالصنوعات شاهدة تصدق اليات السموعات منبهة على الستدلل باليات الصنوعات.
قال تعال« :سنريهم آياتنا ف الفاق وف أنفسهم حت يتبي لم أنه الق» الية 53 :من
سورة فصلت ،أي أن القرآن حق .فأخب أنه ل بد من أن يريهم من آياته الشهودة ما يبي
لمـ أن آياتـه التلوة حـق .ثـ أخـب بكفايـة شهادتـه على صـحة خبه باـ أقام مـن الدلئل
والباهي على صدق رسوله ،فآياته شاهدة بصدقه ،وهو شاهد بصدق رسوله بآياته ،فهو
الشاهـــــد والشهود له ،وهـــــو الدليـــــل والدلول عليـــــه.
فهو الدليل بنفسه على نفسه كما قال بعض العارفي :كيف أطلب الدليل على ما هو دليل
ل على كل شيء ،فأي دليل طلبته عليه فوجوده أظهر منه .لذا قال الرسل لقومهم« :أف
ال شك» الية 10 :من سورة إبراهيم ،فهو أعرف من كل معروف وأبي من كل دليل.
فالشياء عر فت به ف القي قة ،وإن كان عرف ب ا ف الن ظر وال ستدلل بأفعاله وأحكا مه
عليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه.
20
بيدك ،ماض فّ حكمك ،عدل فّ قضاؤك ،أسألك بكل اسم هو لك سيت به نفسك أو أنزلته
ف كتا بك أو علم ته أحدا من خل قك ،أو ا ستأثرت به ف علم الغ يب عندك أن ت عل القرآن
العظيم ربيع قلب ،ونور صدري ،وجلء حزن ،وذهاب هي وغمي ،إل أذهب ال هه وغمه
وأبدله مكاننه فرحا ».قالوا « :ينا رسنول ال أفل نتعلمهنن؟ قال :بلى ينبغني لنن سنعهن أن
يتعلمهننننننننننننننننننننننننننننننننننن » .
فتضمن الديث العظيم أمورا من العرفة والتوحيد والعبودية :منها أن الداعي به صدّر سؤاله
بقوله :إن عبدك ابن عبدك ابن أمتك .وهذا يتناول مَن فوقه من آبائه وأمهاته إل أبويه :آدم
وحواء ،وف ذلك تلق له و استخزاء بي يديه ،واعتراف بأنه ملوكه وآباؤه ماليكه .وأن العبد
ليس له غي باب سيده وفضله وإحسانه ،وأن سيده إن أهله وتلى عنه هلك ول يُؤوه أحد ول
يعطف عليه بل يضيع أعظم ضيعة ،فتحت هذا العتراف أن ل غن ب عنك طرفة عي ،وليس
ل منننن أعوذ بنننه وألوذ بنننه غيننن سنننيدي الذي أننننا عبده.
وف ضمن ذلك العتراف بأنه مربوب مدبر مأمور منهي ،إنا يتصرف بكم العبودية ل بكم
الختيار لنف سه ،فل يس هذا شأن الع بد ،بل شأن اللوك والحرار ،وأ ما العب يد فت صرفهم على
مض العبودية ،فهؤلء عبيد الطاعة الضافون إليه سبحانه ف قوله« :إن عبادي ليس لك عليهم
سلطان» الية 42 :من سورة الجر ،وقوله« :وعباد الرحن الذين يشون على الرض هونا»
الية 63 :من سورة الفرقان ،ومن عداهم عبيد القهر والربوبية ،فإضافتهم إليه كإضافة سائر
البيوت إل مل كه ،وإضا فة أولئك كإضا فة الب يت الرام إل يه .وإضا فة ناق ته إل يه وداره ال ت هي
ال نة إل يه ،وإضا فة عبود ية ر سوله إل يه بقوله« :وأ نه ل ا قام ع بد ال يدعوه» ال ية 19 :من
سنننننننننننننننننورة النننننننننننننننننن.
و
21
وفـ التحقيـق بعنـ قوله « :إنـ عبدك » التزام عبوديتـه مـن الذل ،وامتثال أمـر سـيده
واجتناب نيه ،ودوام الفتقار إليه واللجوء إليه ،والستعانة به والتوكل عليه ،وعياذ العبد
بــــه و عياذه بــــه ،وأل يتعلق قلبــــه بغيه مبــــة وخوفا ورجاء.
وفيه أيضا أن عبد من جيع الوجوه صغيا وكبيا ،حيّا وميتا ،مطيعا وعاصيا ،معاف ومبتلى
القلب واللســــــــــــــــــــــــــــان والوارح.
وفيـــه أيضا أن مال ونفســـي ملك لك ،فإن العبـــد ومـــا يلك لســـيده.
وفيه أيضا أنك أنت الذي مننت عليّ بكل ما أنا فيه من نعمة ،فذلك كله من إنعامك على
عبدك.
وفيه أيضا أن ل أتصرف فيما خولتن من مال ونفسي إل بأمرك كما ل يتصرف العبد إل
بإذن سيده ،وأ ن ل أملك لنف سي ضرّا ول نفعا ول موتا ول حياة ول نشورا ،فإن صح له
شهود ذلك فقــــــــد قال إنــــــــ عبدك حقيقــــــــة.
ث قال « ْ :ناصيت بيدك» ،أي أنت التصرف فّ ،تصرفن كيف تشاء ،لست أنا التصرف
ف نفسي ،وكيف يكون له ف نفسه تصرف من نفسه بيد ربه وسيده وناصيته بيده وقلبه
بي أصبعي من أصابعه ،وموته وحياته وسعادته وشقاوته وعافيته وبلؤه كله إليه سبحانه
ليس إل العبد منه شيء ،بل هو ف قبضة سيده أضعف من ملوك ضعيف حقي ناصيته بيد
ــر فوق ذلك.
ــل المـ
ــرفه وقهره بـ
ــ تصـ
ــر مالك له تتـ
ــلطان قاهـ
سـ
ومت شهد العبد أن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد ال وحده يصرفهم كيف يشاء ل يفهم
ب عد ذلك ول يرج هم ول ينل م منلة الالك ي ،بل منلة عب يد مقهور ين مربوب ي ،الت صرف
فيهم سواهم ،والدبر لم غيهم ،فمن شهد نفسه بذا الشهد صار فقره وضرورته إل ربه
و صفا لزما له ،م ت ش هد الناس كذلك ل يفت قر إلي هم ول يعلق أمله ورجاءه ب م ،فا ستقام
توحيده وتوكله وعبوديته ،ولذا قال هود لقومه« :إن توكلت على ال رب وربكم ما من
دابـة إل هـو آخـذ بناصـيتها إن ربـ على صـراط مسـتقيم» اليـة 56 :مـن سـورة هود.
وقوله « :ماض فّــ حكمــك عدل فــ قضاؤك» تضمــن هذا الكلم أمريــن:
«أحدهاــــــــ »:مضاء حكمــــــــه فــــــــ عبده.
«ثانيه ما »:يتض من حده وعدله ،و هو سبحانه له اللك وله ال مد .وهذا مع ن قول نبيه
22
هود « :ما من دا بة إل هو آ خذ بنا صيتها» ال ية 56 :من سورة هود ،ث قال« :إن ر ب
على صراط مستقيم» الية 56 :من سورة هود ،أي مع كونه مالكا قاهرا متصرفا ف عباده
نواصـيهم بيده ،فهـو على صـراط مسـتقيم :فـ قوله وفعله ،وقضاءه وقدره ،وأمره ونيـه،
وثوابه وعقابه ،فخبه كله صدق ،وقضاؤه كله عدل ،وأمره كله مصلحة ،والذي نى عنه
كله مف سده ،وثوا به ل ن ي ستحق الثواب بفضله ورح ته ،وعقا به ل ن ي ستحق العقاب بعدله
ورحتــــــــــــــــــــــــــــــــــــه.
23
وقال« :وإن ت صبهم سيئة ب ا قد مت أيدي هم فإن الن سان كفور» ال ية 48 :من سورة
الشورى ،فكـــل مـــا يقضـــي على العبـــد فهـــو عدل فيـــه.
«فإن ق يل» :فالع صية عند كم بقضائه وقدره ،ف ما و جه العدل ف قضائ ها؟ فإن العدل ف
ـــــــر.
ـــــــ ظاهـ
ـــــــا غيـ
ـــــــة عليهـ
العقوبـ
قيل :هذا سؤال له شأن ومن أجله زعمت طائفة أن العدل هو القدور والظلم متنع لذاته،
قالوا :لن الظلم هو التصرف ف ملك الغي وال له كل شيء ،فل يكون تصرفه ف خلقه
إل عدلً.
وقالت طائ فة :بل العدل أ نه ل يعا قب على ما قضاه وقدره ،فل ما ح سن م نه العقو بة على
الذنب علم أنه ليس بقضائه وقدره فيكون العدل هو جزاؤه على الذنب بالعقوبة والذم إما
ـــــــ الخرة.
ـــــــا فـ
ـــــــا وإمـ
ـــــــ الدنيـ
فـ
و صعب على هؤلء ال مع ب ي العدل وب ي القدر ،فزعموا أن من أث بت القدر ل يك نه أن
يقول بالعدل .ومـن قال بالعدل ل يكنـه أن يقول بالقدر ،كمـا صـعب عليهـم المـع بيـ
التوحيد وإثبات الصفات ،فزعموا أنه ل يكنهم إثبات التوحيد إل بإنكار الصفات ،فصار
توحيدهـــــــــــم تعطيلً وعدلمـــــــــــ تكذيبا بالقدر.
وأ ما أ هل ال سنة ف هم مثبتون للمر ين ،والظلم عند هم هو و ضع الش يء ف غ ي موض عه
كتعذيب الطيع ومن ل ذنب له ،وهذا قد نزه ال نفسه عنه ف غي موضع من كتابه ،وهو
سبحانه وإن أضل من شاء وقضى بالعصية وألغى على من شاء فذلك مض العدل فيه لنه
وضع الضلل والذلن ف موضعه اللئق به ،كيف ومن أسائه السن «العدل » الذي
كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب وحق ،وهو سبحانه قد أوضح السبل ،وأرسل الرسل،
وأنزل الكتـب ،وأزاح العلل ،ومكـن مـن أسـباب الدايـة والطاعـة بالسـاع والبصـار
والعقول ،وهذا عدله .وو فق من شاء بز يد عنا ية وأراد من نف سه أن يعي نه ويوف قه فهذا
فضله ،وخذل من ل يس بأ هل لتوفي قه وفضله وخلى بي نه وب ي نف سه ،ول يرد سبحانه من
نفســـه أن يوفقـــه ،فقطـــع عنـــه فضله ول يرمـــه عدله ،وهذا نوعان:
«أحده ا »:ما يكون جزاء م نه للع بد على إعرا ضه ع نه ،وإيثار عدوه ف الطا عة والواف قة
عليـــه وتناســـي ذكره وشكره فهـــو أهـــل أن يذله ويتخلى عنـــه.
«ثانيهما »:أل يشاء له ذلك ابتداء لا يعلم منه أنه ل يعرف قدر نعمة الداية ،ول يشكره
24
عليــه ،ول يثنــ عليــه باــ ول يبهــا فل يشاؤهــا له لعدم صــلحيته مله.
قال تعال« :وكذلك فت نا بعض هم بب عض ليقولوا أهؤلء من ال علي هم من بين نا أل يس ال
بأعلم بالشاكرين» الية 53 :من سورة النعام ،وقال« :ولو علم ال فيهم خيا لسعهم»
الية 23 :من سورة النفال ،فإذا قضى على هذه النفوس بالضلل والعصية كان ف مض
العدل ،كمـا إذا قضـى على اليـة بأن تقتـل وعلى العقرب وعلى الكلب العقور كان ذلك
عدلً فيــــــــــه ،وإن كان ملوقا على هذه الصــــــــــفة.
وقــد اســتوفينا الكلم فــ هذا فــ كتابنــا الكــبي فــ القضاء والقدر.
والقصود :أن قوله صلى ال عليه وسلم « :ماض ف حكمك عدل ف قضاؤك » رد على
الطائفتي :القدرية الذين ينكرون عموم أقضية ال ف عباده ويرجون أفعال العباد عن كونا
بقضائه وقدره ،ويردون القضاء إل ال مر والن هي ،وعلى الب ية الذ ين يقولون كل مقدور
عدل فل يبقـى لقوله« :عدل فـ قضاؤك» فائدة ،فإن العدل عندهـم كـل مـا يكـن فعله
والظلم هــو الحال لذاتــه ،فكأنــه قال :ماض ونافــذ فّ ـ قضاؤك ،وهذا هــو.
وقوله « :أسألك بكل اسم »...إل آخره ،توسل إليه بأسائه كلها ما علم العبد منها وما
ل يعلم ،وهذه أ حب الو سائل إل يه ،فإن ا و سيلة ب صفاته وأفعاله ال ت هي مدلول أ سائه.
وقوله« :أن تعل القرآن ربيع قلب ،ونور صدري» الربيع :الطر الذي ييي الرض .شبه
القرآن به لياة القلوب به ،وكذلك شب هه ال بال طر وج ع ب ي الاء الذي ت صل به الياة
والنور الذي ت صل به الضاءة والشراق ،ك ما ج ع بينه ما سبحانه ف قوله« :أنزل من
السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا وما يوقدون عليه ف النار ابتغاء
حل ية »...ال ية 17 :من سورة الر عد ،ف قوله« :مثل هم كم ثل الذي ا ستوقد نارا فل ما
أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم» الية 17 :من سورة البقرة ،ث قال« :أو كصيب من
السماء» الية 19 :من سورة البقرة ،وف قوله« :ال نور السموات الرض مثل نوره»...
اليات ال ية 35 :من سورة النور ،ث قال« :أل تر أن ال يز جي سحابا ث يؤلف بي نه»
ــــــــورة النور.
ــــــــن سـ
ــــــــة 43 :مـ
اليات اليـ
فتض من الدعاء أن ي يي قل به برب يع القرآن وأن ينور به صدره فتجت مع له الياة والنور.
وقال تعال« :أو مـن كان ميتا فأحييناه وجعلنـا له نورا يشـي بـه فـ الناس كمـن مثله فـ
الظلمات ليـــس بارج منهـــا» اليـــة 122 :مـــن ســـورة النعام.
25
ول ا كان ال صدر أو سع من القلب كان النور الا صل له ي سري م نه إل القلب؛ ل نه قد
حصل لا هو أوسع منه ،ولا كانت حياة البدن والوارح كلها بياة القلب تسري الياة منه
إل الصدر ث إل الوارح سأل الياة له بالربيع الذي هو مادتا ،ولا كان الزن والم والغم
ـ إذا
يضاد حياة القلب واسـتنارته سـأل أن يكون ذهاباـ بالقرآن فإناـ أحرى أل تعود .وأم ا
ذهبـت بغيـ القرآن مـن صـحة أو دنيـا أو جاه أو زوجـة أو ولد فإناـ تعود بذهاب ذلك.
والكروه الوارد على القلب إن كان مـن أمـر ماض أحدث الزن ،وإن كان مـن مسـتقبل
أحدث المـــ ،وإن كان مـــن أمـــر حاضـــر أحدث الغـــم ،وال أعلم.
26
وإن ل يكن أطهر الشياء وأنزهها وأطيبها وأبعدها من كل دنس وخبث ل يصلح لستواء
ال ثل العلى عل يه معر فة وم بة وإرادة فا ستوى عل يه م ثل الدن يا ال سفل ومبت ها وإرادت ا
والتعلق با ،فضاق وأظلم وبعد من كماله وفلحه حت تعود القلوب على قلبي :قلب هو
عرش الرحن ،ففيه النور والياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الي ،وقلب هو عرش
الشيطان فهناك الضيـق والظلمـة والوت والزن والغـم والمـ فهـو حزيـن على مـا مضـى،
مهموم باــــــــ يســــــــتقبل مغموم فــــــــ الال.
وقد روى الترمذي وغيه عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال « :إذا دخل النور القلب
انفسح وانشرح» ،قالوا « :فما علمة ذلك يا رسول ال؟» قال« :النابة إل دار اللود و
التجاف عن دار الغرور والستعداد للموت قبل نزوله» ،والنور الذي يدخل القلب إنا هو
آثار الثل العلى ،فلذلك ينفسح وينشرح ،وإذا ل يكن فيه معرفة ال ومبته فحظه الظلمة
والضيـــــــــــــــــــــــــــــــــــق.
27
و صفاته ،ويتح بب إلي هم بنع مه وآلئه .فيذكر هم بنع مه علي هم ويأمر هم ب ا ي ستوجبون به
تام ها ويذر هم من نق مه ويذكر هم با أ عد لم من الكرامة إن أطاعوه ،وما أ عد ل م من
العقوبة إن عصوه ويبهم بصنعه ف أولياءه وأعدائه وكيف كانت عاقبة هؤلء ،ويثن على
أوليائه بصـال أعمالمـ وأحسـن أوصـافهم ،ويذم أعداءه بسـيئ أعمالمـ وقبيـح صـفاتم،
ويضرب المثال ،وينوع الدلة والباهي ،وييب عن شبه أعدائه أحسن الجوبة ،ويصدق
ال صادق ويكذب الكاذب ،ويقول ال ق ويهدي ال سبيل ،ويد عو إل دار ال سلم ،ويذ كر
أو صافها وح سنها ونعيم ها ،ويذر من دار البوار ويذ كر عذاب ا وقبح ها وآلم ها ،ويذ كر
عباده فقرهم إليه ،وشدة حاجتهم إليه من كل وجه ،أنم ل غن لم عنه طرفة عي .ويذكر
غناه عنهم وعن جيع الوجودات وأنه الغن بنفسه عن كل ما سواه ،وكل ما سواه فقي إليه
بنفسه ،وأنه ل ينال أحد ذرة من الي فما فوقها إل بفضله ورحته ،ول ذرة من الشر فما
فوقها إل بعدله وحكمته ،ويشهد من خطابه عتابه لحبابه ألطف عتاب ،وأنه مع ذلك مقيل
عثراتم ،وغافر زلتم ،ومقيم أعذارهم ،ومصلح فسادهم .والدافع عنهم ،والحامي عنهم،
والناصر لم ،والكفيل بصالهم ،والنجي لم من كل كرب ،والوف لم بوعده ،وأنه وليهم
الذي ل ول لم سواه ،فهو مولهم الق ،ونصيهم على عدوهم ،فنعم الول ونعم النصي.
فإذا شهدت القلوب مـن القرآن ملكا عظيما رحيما جيلً ،هذا شأنـه ،فكيـف ل تبـه
وتنافس ف القرب منه وتنفق أنفاسها ف التودد إليه ،ويكون أحب إليها من كل ما سواه،
ورضاه آ ثر عند ها من ر ضا كل سواه ،وك يف ل تل هج بذكره وي صي ح به والشوق إل يه
وال نس به هو غذاؤ ها وقوت ا وداؤ ها ب يث إن فقدت ذلك ف سدت وهل كت ،ول تنت فع
بياتاــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــق
وبال التوفيـ
29
الكلم ف ألاكم التكاثر:
ـا.
ـر إل آخرهـ
ـورة التكاثـ
ـن سـ
ـة الول مـ
ـر» اليـ
ـم التكاثـ
قوله تعال « :ألاكـ
أخلصت هذه السورة للوعد والوعيد والتهديد ،وكفى با موعظة لن عقلها .فقوله تعال:
«ألاكم» أي شغلكم على وجه ل تعذرون فيه .فإن اللاء عن الشيء هو الشتغال عنه.
فإن كان بقصده فيه فهو مل التكليف ،وإن كان بغي قصد كقوله صلى ال عليه وسلم ف
الميصة « :إنا ألتن آنفا عن صلت» رواه الشيخان كان صاحبه معذورا وهو نوع من
النسيان ،وف الديث « فلها صلى ال عليه وسلم عن الصب» أي ذهل عنه ،ويقال :لَهَا
بالشيـــء :أي اشتغـــل بـــه ،ولاـــ عنـــه :إذا انصـــرف عنـــه.
واللهو للقلب ،واللعب للجوارح؛ ولذا يمع بينهما ،ولذا كان قوله « :ألاكم التكاثر»
أبلغ ف الذم من شغلكم ،فإن العامل قد يستعمل جوارحه با يعمل وقلبه غي له به ،فاللهو
هو ذهول وإعراض ،والتكا ثر تفا عل من الكثرة ،أي مكاثرة بعض كم لب عض ،وأعرض عن
ذ كر التكا ثر به إرادة لطل قه وعمو مه ،وأن كل ما يكا ثر به الع بد غيه سوى طا عة ال
ورســوله ومــا يعود عليــه بنفــع معاده فهــو داخــل فــ هذه التكاثــر.
فالتكا ثر كل ش يء من مال أو جاه أو ريا سة أو ن سوة أو حد يث أو علم ،ول سيما إذا ل
يتــــــــــــــــــج إليــــــــــــــــــه.
والتكاثــر فــ الكتــب :التصــانيف وكثرة الســائل وتفريعهــا وتوليدهــا.
والتكا ثر :أن يطلب الر جل أن يكون أك ثر من غيه ،وهذا مذموم إل في ما يقرب إل ال.
فالتكاثر فيه منافسة ف اليات ومسابقة إليها .وف صحيح مسلم من حديث عبد ال بن
الشخ ي أ نه انت هى إل ال نب صلى ال عل يه و سلم و هو يقرأ« :ألا كم التكا ثر» قال« :
يقول ابن آدم مال مال ،وهل لك من مالك إل ما تصدقت فأمضيت ،أو أكلت فأفنيت ،أو
30
لبســــــــــــــــت فأبليــــــــــــــــت» .
31
مراتب التقوى
«إحداهـــــا » :حيـــــة القلب والوارح عـــــن الثار الحرمات.
ــــــــن الكروهات.
ــــــــا عـ
ــــــــة »:حيتهـ
«الثانيـ
ــــ.
ــــا ل يعنـ
ــــن الفضول ومـ
ــــة عـ
ــــة »:الميـ
«الثالثـ
فالول تع طى الع بد حيا ته ،والثان ية تف يد صحته وقو ته ،والثال ثة تك سيه سروره وفر حه
وبجته.
إذا أيست وكاد اليأس يقطعن * * * جاء الرجاء مسرعا من جانب اليأس
من خل قه ال للج نة ل تزل هدايا ها تأت يه من الكاره ،و من خل قه للنار ل تزل هداياه من
الشهوات.
لاــ طلب آدم اللود فــ النــة مــن جانــب الشجرة عوقــب بالروج منهــا.
32
ول ا طلب يو سف الروج من ال سجن من ج هة صاحب الرؤ يا ل بث ف يه ب ضع سني.
33
الثان -مشهد العدل
وأنــــــه ماض فيــــــه حكمــــــه عدل فيــــــه قضاؤه.
الثالث-مشهد الرحة
ــه حشوه.
ــه ورحتـ
ــه وانتقامـ
ــة لغضبـ
ــ هذا القدور غالبـ
ــه فـ
وأن رحتـ
34
الرابع -مشهد الكمة
وأن حكمتـــه ســـبحانه اقتضـــت ذلك ،ل يقدره ســـدى ول قضاه عبثا.
35
السادس -مشهد العبودية
وأنه عبد مض من كل وجه تري عليه أحكام سيده و أقضيته بكم كونه ملكه وعبده،
فيصـرفه تتـ أحكامـه القدريـة كمـا يصـرفه تتـ أحكامـه الدينيـة فهـو ملـ لريان هذه
الحكام عليـــــــــــــــــــــــــــــــــه.
قلة التوف يق وف ساد الرأي ،وخفاء ال ق وف ساد القلب ،وخول الذ كر ،وإضا عة الو قت ،و
نفرة اللق والوحشة بي العبد وبي ربه ،ومنع إجابة الدعاء ،وقسوة القلب ،ومق البكة
فـ الرزق والعمـر ،وحرمان العلم ولباس الذل ،و إهانـة العدو وضيـق الصـدر ،والبتلء
بقرناء ال سوء الذين يف سدون القلب ويضيعون الو قت ،وطول ال م وال غم ،وض نك العي شة
وكسـف البال :تتولد مـن العصـية والغفلة عـن ذكـر ال كمـا يتولد الزرع عـن الاء،
والحتراق عــــــن النار ،وأضداد هذه تتولد عــــــن الطاعــــــة.
36
مثل ها ل ي صلح أن يوا جه به ،وإن ع مل سيئة رآ ها من تل يه ع نه ،وخذل نه له ،وإم ساك
عصمته عنه ،وذلك من عدله فيه ،فيى ف ذلك فقره إل ربه وظلمه ف نفسه ،فإن غفر له
ــــــــه.
ــــــــانه وجوده وكرمـ
ــــــــض إحسـ
فبمحـ
ونك تة ال سألة و سرها :أ نه ل يرى ر به إل م سنا ،ول يرى نف سه إل م سيئا أو مفرطا أو
مق صرا فيى كل ما ي سره من ف ضل ر به عل يه وإح سانه إل يه ،و كل ما ي سوءه من ذنو به
وعدل ال فيـــــــــــــــــــــــــــــــــه.
الحبون إذا خربـت منازل أحبائهـم قالوا سـقيا لسـكانا .وكذلك الحـب إذا أتـت عليـه
العوام تت التراب ذكر حينئذ حسن طاعته له ف الدنيا وتودده إليه وتدد ورحته وسقياه
لنـــــ كان ســـــاكنا فـــــ تلك الجســـــام الباليـــــة.
أنواع الغية
الغية غيتان :غية على الش يء ،وغية من الش يء ،فالغية على الحبوب حر صك عل يه،
والغية من الكروه أن يزاح ك عل يه ،فالغية على الحبوب ل ت تم إل بالغية من الزا حم،
وهذه تمــد حيــث يكون الحبوب تقبــح الشاركــة فــ حبــه كالخلوق.
وأما من تسن الشاركة ف حبه سبحانه فل يتصور غيه الزاحة عليه بل هو حسد ،والغية
الحمودة ف حقه أن يغار الحب على مبته له أن ي صرفها إل غيه ،أو يغار عليها أن يطلع
علي ها الغ ي فيف سدها عل يه ،أو يغار على أعماله أن يكون في ها ش يء لغ ي مبو به ،أو يغار
علي ها أن يشوب ا ما يكره مبو به من رياء أو إعجاب أو م بة لشراف غيه علي ها أو غيب ته
37
عـــــــن شهود منتـــــــه عليـــــــه فيهـــــــا.
وبالملة :فغيته تقتضي أن تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها ل ،وكذلك يغار على أوقاته
أن يذهب منها وقت ف غي رضا مبوبه ،فهذه الغية من جهة العبد ،وهي غية من الزاحم
له العوق القاطع له عن مرضاة مبوبه .وأما غية مبوبه عليه فهي كراهية أن ينصرف قلبه
عن مبته إل مبة غية بيث يشاركه ف حبه ،ولذا كانت غية ال أن يأت العبد ما حرم
عليه ،ولجل غيته سبحانه حرم الفاحشة ما ظهر وما بطن؛ لن اللق عبيده وإماؤه فهو
يغار على إمائه كمـا يغار السـيد على جواريـه -ول الثـل العلى -ويغار على عـبيده أن
تكون مبتهـم لغيه بيـث تملهـم تلك الحبـة على عشـق الصـور ونيـل الفاحشـة منهـا.
مــن عظــم وقار ال فــ قلبــه أن يعصــيه وقره ال فــ قلوب اللق أن يذلوه.
إذا عل قت شروش العر فة ف أرض القلب نب تت ف يه شجرة الح بة ،فإذا تك نت وقو يت
أثرت الطاعــة فل تزال الشجرة تؤتــ أكلهــا كــل حيــ بإذن رباــ.
أول منازل القوم« :اذكروا ال ذكرا كثيا وســبحوه بكرة وأصــيل » الحزاب، 42 :
وأوسطها« :هو الذي يصلي عليكم وملئكته ليخرجكم من الظلمات إل النور» الحزاب
.43وآخرهــــا« :تيتهــــم يوم يلقونــــه ســــلم» الحزاب. 44 :
أرض الفطرة رح بة قابلة ل ا يغرس في ها ،فإن غر ست شجرة اليان والتقوى أور ثت حلوة
البدان ،وإن غرســـت شجرة الهـــل والوى فكـــل الثمـــر مـــر.
ارجع إل ال واطلبه من عينك وسعك وقلبك ولسانك ،ول تشرد عنه من هذه الربعة فما
رجع من رجع إليه بتوفيقه إل منها ،وما شرد من شرد عنه بذلنه إل منها ،فالوفق يسمع
ويبصــر ويتكلم ويبطــش بوله ،والخذول يصــدر ذلك عنــه بنفســه وهواه.
مثال تولد الطا عة ونو ها وتزايد ها كم ثل نواة غر ستها ف صارت شجرة ث أثرت فأكلت
ثر ها وغر ست نوا ها فكل ما أث ر من ها ش يء جن يت ثره وغر ست نواه ،وكذلك تدا عي
38
العا صي ،فليتدبر اللب يب هذا الثال :ف من ثواب ال سنة ال سنة بعد ها ،و من عقو بة ال سيئة
الســـــــــــــــــيئة بعدهـــــــــــــــــا.
ل يس الع جب من ملوك يتذلل ل ويتع بد له ول ي ل من خدم ته مع حاج ته وفقره إل يه ،إن ا
العجب من مالك يتحبب إل ملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه.
39
يا آدم ل أخرج أقطاعك إل غيك ،وإنا نيتك عنه لكمل عمارته لك وليبعث إل العمال
نف قة « تتجا ف جنوبم» ال ية 16 :من سورة ال سجدة تال ما نف عه عند مع صيته عز «
اسـجدوا» ول شرف « وعلم آدم» ول خصـيصة « لاـ خلقـت بيدي» ول فخـر «
ونفخت فيه من روحي» الية 29 :من سورة الجر وإنا انتفع بذل «ربنا ظلمنا أنفسنا»
الية 23 :من سورة العراف لا لبس درع التوحيد على بدن الشكر وقع سهم العدو منه
ف غي مقتل فجرحه ،فوضع عليه جبار النكسار فعاد كما كان ،فقام الريح كأن ل يكن
بــــــــــــــــــه قلبــــــــــــــــــة .
وهذا جواب يتداوله أهل الباطل من يوم حرفوه ،و به أجاب فرعون موسى« :لئن اتذت
إلا غيي» الية 29 :من سورة الشعراء و به أجاب الهمية المام أحد لا عرضوه على
السياط ،و به أجاب أهل البدع شيخ السلم حي استودعوه السجن ،وها نن على الثر
فنل به ضيف «و لنبلونكم» فنال بإكرامه مرتبة « :سلمان منا أهل البيت» فسمع أن
ركبا على نية السفر فسرق نفسه من أبيه ول قطع فركب راحلة العزم يرجو إدراك مطلب
40
ال سعادة فغاص ف ب ر الب حث لي قع بدرة الوجود ،فو قف نف سه على خد مه الدلء وقوف
الذلء .فلمـا أحـس الرهبان بانقراض دولتهـم سـلموا إليـه أعلم العلم على نبوة نبينـا،
وقالوا إن زمانه قد أظل فاحذر أن تضل ،فرحل مع رفقة ل يرفقوا به « وشروه بثمن بس
دارهم معدودة» الية 20 :من سورة يوسف فابتاعه يهودي بالدينة ،فلما رأى الرة توقد
حرا شو قه ول يعلم رب النل بو جد النازل ،فبي نا هو يكا بد ساعات النتظار قدم البش ي
بقدوم البشي ،وسلمان ف رأس نلة وكاد القلق يلقيه لول أن الزم أمسكه كما جرى يوم
« إن كادت لتبدي به لول أن ربط نا على قلب ها» ال ية 10 :من سورة الق صص فع جل
النول لتلقي ركب البشارة ولسان حاله يقول:
فصاح به سيده :ما لك ،انصرف إل شغلك فقال :كيف انصراف ول ف داركم شغلي ث
أخذ لسان حاله يترن لو سع الطروش «الطرش الذي ل يسمع» :
فلما لقي الرسول عارض نسخة الرهبان بكتاب الصل فوافقه ،يا ممد أنت تريد أبا طالب
وننـــــــــــ نريـــــــــــد ســـــــــــلمان.
أبـو طالب إذا سـئل عـن اسـه قال :عبـد مناف .وإذا انتسـب افتخـر بالباء وإذا ذكرت
الموال عد البل ،وسلمان إذا سئل عن اسه قال :عبد ال ،وعن نسبه قال ابن السلم.
و عن ماله قال الف قر ،و عن حانو ته قال ال سجد .و عن ن سبه قال ال صب و عن لبا سه قال
التقوى والتواضع .وعن وساده قال ال سهر ،و عن فخره قال سلمان منا ،و عن ق صده قال
41
يريدون وجهـه ،وعـن سـيه قال إل النـة .وعـن دليله فـ الطريـق قال إمام اللق وهادي
الئمة:
كفى بالطايا طيب ذكراك حاديا * * * دليل كفانا نور وجهك هاديا
الذنوب جراحات ،ورب جرح وقـع فـ مقتـل .لو خرج عقلك مـن سـلطان هواك عادت
الدولة له .دخلت دار الوى فقامرت بعمرك .إذا عرضـت نظرة ل تلـ فاعلم أناـ مسـعر
حرب فاستتر منها بجاب «قل للمؤمني» الية 30 :من سورة النور فقد سلمت من الثر
« وكفـــى ال الؤمنيـــ القتال» .اليـــة 25 :مـــن ســـورة الحزاب
بر الوى إذا مد أغرق ،وأخوف النافذ على السابح فتح البصر ف الاء.
على قدر فضل الرء تأتى خطوبه * * * ويعرف عند الصب فيما يصيبه
42
كم ق طع زرع ق بل التمام ف ما ظن الزرع ال ستحصد .اش تر نف سك فال سوق قائ مة والث من
موجود .ل بد من سنة الغفلة ورقاد الوى ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون:
دنـــــــــــــــــا الصـــــــــــــــــباح.
نور العقل يضيء ف ليل الوى فتلوح جادة الصواب فيتلمح البصي ف ذلك النور عواقب
المور .اخرج بالعزم مـن هذا الفناء الضيـق الحشـو بالفات إل ذلك الفناء الرحـب الذي
فيــــه مــــا ل عيــــ رأت فهناك ل يتعذر مطلوب ول يفقــــد مبوب.
يا بائعا نف سه بوى مَ نْ حُبّ ه ض ن وو صله أذى ،وح سنه إل ف نا ،ل قد ب عت أن فس الشياء
بثمن بس كأنك ل تعرف قدر السلعة ول خسة الثمن حت إذا قدمت يوم التغابن لك الغب
فـــــــــــ عقـــــــــــد التبايـــــــــــع.
ل إله إل ال ،سلعة :ال مشتريها وثنها النة والدلل الرسول ،ترضى ببيعها بزء يسي ما
ـــــــــــــاوي كله جناح بعوضـــــــــــــة.
ل يسـ
إذا كان شيء ل يساوي جيعه * * * جناح بعوض عند من صرت عبده
ويلك جزء منه كلك ما الذي * * * يكون على ذا الال قدرك عنده
« ذا هنــا اســم إشارة منهــا هاء التنــبيه وليســت مــن الســاء المســة»
43
يا م نث العزم أ ين أ نت والطر يق ،طر يق ت عب ف يه آدم ،وناح لجله نوح ،ور مي ف النار
الليل ،واضطجع للذبح إساعيل ،وبيع يوسف بثمن بس ،ولبث ف السجن بضع سني،
ون شر بالنشار زكر يا ،وذ بح ال سيد ال صور ي ي ،وقا سى ال ضر أيوب ،وزاد على القدار
بكاء داود ،وسـار مـع الوحـش عيسـى ،وعال الفقـر وأنواع الذى ممـد صـلى ال عليـه
وسلم ،تزها أنت باللهو واللعب.
الرب قائمة وأنت أعزل ف النظارة ،فإن حركت ركابك فللهزية .ومن ل يباشر حر الجي
ف طلب الجد ل َيقِل ف ظلل الشرف.
قيــل لبعــض العباد :إل كــم تتعــب نفســك فقال :راحتهــا أريــد.
يـا مكرما بلة اليان بعـد حلة العافيـة وهـو يلقهمـا ،فـ مالفـة الالق ل تنكـر السـلب؛
يســـتحق مـــن اســـتعمل نعمـــة النعـــم فيمـــا يكره أن يســـلبها.
عرائس الوجودات قـد تزينـت للناظريـن ليبلوهـم أيهـم يؤثرهـن على عرائس الخرة فمـن
عرف قدر التفاوت آثر ما ينبغي إيثاره.
44
كواكــب همــ العارفيــ فــ بروج عزائمهــم ســيارة ليــس فيهــا زحــل.
يا من انرف عن جادتم كن ف أواخر الركب ،ون إذا نت على الطريق فالمي يراعي
الســــــــــــــــــــــــــــــــــــاقة.
قيـل للحسـن :سـبقنا القوم على خيـل دهـم وننـ على حرـ معقرة ،فقال :إن كنـت على
طريقهـــــــم فمـــــــا أســـــــرع اللحاق بمـــــــ.
مصـابيح القلوب الطاهرة فـ أصـل الفطرة منية قبـل الشرائع «يكاد زيتهـا يضيـء ولو ل
تســــــسه نار» اليــــــة 35 :مــــــن ســــــورة النور.
ـ ومـا رأى الرسـول ،وكفـر ابـن أُبـ وقـد صـلى معـه فـ السـجد.
و ّحدَ قُس ّ
45
مـــع الصـــب ري ول ماء ،وكـــم مـــن عطشان فـــ اللجـــة.
سبق العلم بنبوة موسى وإيان آسية فسيق تابوته إل بيتها فجاء طفل منفرد عن أم إل امرأة
خالية عن ولد! فلله كم ف هذه القصة من عبة :كم ذبح فرعون ف طلب موسى من ولد
ولســـــــان القدر يقول :ل تربيـــــــه إل فـــــــ حجرك!
كان ذو البجاد ين يتيما ف ال صغر فكفله ع مه فنازع ته نف سه إل اتباع الر سول صلى ال
عليه وسلم فهمّ بالنهوض فإذا بقية الرض مانعة فقعد ينتظر العم ،فلما تكاملت صحته نفذ
الصب فناداه ضمي الوجد:
فقال :يـا عـم طال انتظاري لسـلمك ومـا أرى منـك نشاطا ،فقال :وال لئن أسـلمت
لنتزعن كل ما أعطيتك ،فصاح لسان الشوق :نظرة من ممد أحب إل من الدنيا وما فيها.
فلما ترد للسي إل الرسول صلى ال عليه وسلم جرده من الثياب فناولته الم بادا فقطعه
لسـفر الو صل نصـفي :اتزر بأحدهاـ وارتدى بال خر ،قنـع أن يكون ف سـاقة الحباب،
والحب ل يرى الطريق؛ لن القصود يعينه.
46
فلما قضى نبه نزل الرسول صلى ال عليه وسلم يهد له لده وجعل يقول « :اللهم إن
أم سيت ع نه راضيا فارض ع نه» .ف صاح ا بن م سعود « :يا ليت ن ك نت صاحب ال قب» .
فيــا منــث العزم أقــل مــا فــ الرقعــة البيذق فلمــا نضــ تفرزن.
رأى بعـــض الكماء برذونا يســـقى عليـــه فقال لو هلج هذا لركـــب.
ــع.
ــد القواطـ
ــا سـ
ــ أيديهـ
ــن بيـ
ــع مـ
ــلوك اندفـ
إقدام العزم بالسـ
القوا طع م ن ي تبي ب ا ال صادق من الكاذب فإذا خضت ها انقل بت أعوانا لك تو صلك إل
القصـــــــــــــــــــــــــــــــــــود.
مثل الدنيا
الدن يا كامرأة بغ يّ ل تث بت مع زوج إناـ ت طب الزواج لي ستحسنوا علي ها ،فل تر ضى
بالدياثة.
47
ال سي ف طلب ها سي ف أرض م سبعة ،وال سباحة في ها سباحة ف غد ير سباحة ف غد ير
التمساح ،الفروح به هو عي الخزون عليه ،آلمها متولدة من لذاتا وأحزانا من أفراحها:
طائر الطبع يرى البة وعي العقل ترى الشرك ،غي أن عي الوى عمياء:
48
تريهم نوم الليل ما يتبعونه * * * على عاتق الشعرى وهام النعائم
49
ما أخذ العبد ما حرم عليه إل من جهتي
« إحداها »:سوء ظنه بربه ،وأنه لو أطاعه وآثره ل يعطه خيا منه حللً ،و «الثانية »:أن
يكون عالا بذلك ،وأن من ترك ل شيئا أعاضه خيا منه ،ولكن تغلب شهوته صبه وهواه
عقله ،فالول مــن ضعــف علمــه والثانــ مــن ضعــف عقله وبصــيته.
قال ييــ بــن معاذ :مــن جعــ ال عليــه قلبــه فــ الدعاء ل يرده.
قلت :إذا اجت مع عل يه قل به و صدقت ضرور ته وفاق ته وقوي رجاؤه فل يكاد يرد دعاؤه.
فصل
لا رأى التيقظون سطوة الدنيا بأهلها وخداع المل لربابه ،وتلك الشيطان وقيادة النفوس
رأوا الدولة للن فس المارة لئوا إل ح صن التضرع واللتجاء ك ما يأوي الع بد الذعور إل
حرم ســــــــــــــــــــــــــــــــــيده.
شهوات الدن يا كل عب اليال ،ون ظر الا هل مق صور على الظا هر ،فأ ما ذو الع قل فيى ما
وراء الســــــــــــــــــــــــــــــــــتر.
لح ل م الشتهَى فل ما مدوا أيدي التناول بان لب صار الب صائر خ يط ال فخ فطاروا بأجن حة
الذر وصوبوا إل الرحيل الثان «يا ليت قومي يعلمون» الية 26 :من سورة يس تلمح
القوم الوجود ففهموا الق صود فأجعوا الرح يل ق بل الرح يل وشروا لل سي ف سواء ال سبيل
فالناس مشتغلون بالفضلت وهـو فـ قطـع الفلوات وعصـافي الوى فـ وثاق الشبكـة
ينتظرون الذبــــــــــــــــــــــــــــــــح.
50
و قع ثعلبان ف شب كة ،فقال أحده ا لل خر :أ ين اللت قى ب عد هذا؟ فقال :ب عد يوم ي ف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــة.
الدباغـ
تال مــا كانــت اليام إل مناما فاســتيقظوا وقــد حصــلوا على الظفــر.
مـا مضـى مـن الدنيـا أحلما ومـا بقـي منهـا أمانـ ،والوقـت ضائع بينهمـا.
كيف يسلم من له زوجة ل ترحه وولد ل يعذره وجار ل يأمنه وصاحب ل ينصحه وشريك
ل ين صفه وعدو ل ينام عن معادا ته ون فس أمارة بال سوء ودن يا متزي نة وهوى مرد وشهوة
غالبـة له وغضـب قاهـر وشيطان مزيـن وضعـف مسـتول عليـه ،فإن توله ال وجذبـه إليـه
انقهرت له هذه كلهـا ،وإن تلى عنـه ووكله إل نفسـه اجتمعـت عليـه فكانـت اللكـة.
لا أعرض الناس عن تكيم الكتاب والسنة والحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الكتفاء بما،
وعدلوا إل الراء والقياس والسـتحسان وأقوال الشيوخ ،عرض لمـ مـن ذلك فسـاد فـ
فطرهم وظلمة ف قلوبم وكدر ف أفهامهم ومق ف عقولم ،وعمتهم هذه المور وغلبت
علي هم ح ت ر ب في ها ال صغي ،وهرم علي ها ال كبي ،فلم يرو ها منكرا ،فجائت هم دولة أخرى
ـ البدع مقام السـنن ،والنفـس مقام العقـل ،والوى مقام الرشـد ،والضلل مقام
قامـت فيه ا
الدى ،والنكـر مقام العروف ،والهـل مقام العلم ،والرياء مقام الخلص ،والباطـل مقام
الق ،والكذب مقام الصدق ،والداهنة مقام النصيحة ،والظلم مقام العدل ،فصارت الدولة
والغلبة لذه المور ،وأهلها هم الشار إليهم ،وكانت قبل ذلك لضدادها ،وكان أهلها هم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــم.
الشار إليهـ
فإذا رأت دولة هذه المور قد أقبلت ،ورايات ا قد ن صبت ،وجيوش ها قد رك بت ،فب طن
الرض وال خ ي من ظهر ها ،وقلل البال خ ي من ال سهول ،ومال طة الو حش أ سلم من
مالطـــــــــــــــــــــــــــــــــة الناس.
اقشعرت الرض وأظلمت السماء ،وظهر الفساد ف الب والبحر من ظلم الفجرة ،وذهبت
البكات وقلت اليات وهُزلت الوحوش ،وتكدرت الياة من ف سق الظل مة ،وب كى ضوء
النهار وظلمة الليل من العمال البيثة والفعال الفظيعة ،وشكا الكرام الكاتبون والعقبات
إل رب م من كثرة الفوا حش وغل بة النكرات والقبائح ،وهذا وال منذر ب سيل عذاب قد
انعقد غمامه ،ومؤذن بليل بلء قد ادلم ظلمه ،فاعزلوا عن طريق السبيل بتوبة نصوح ما
51
دامت التوبة مكنة وبابا مفتوح ،وكأنكم بالباب وقد أغلق ،وبالرهن وقد غلق ،وبالناح
وقـد علق «وسـيعلم الذيـن ظلموا أي منقلب ينقلبون» اليـة 227 :مـن سـورة الشعراء.
اشتــر نفســك اليوم فإن الســوق قائمــة والثمــن موجود والبضائع رخيصــة.
وسيأت على تلك السوق والبضائع يوم ل تصل فيها إل قليل ول كثي .ذلك يوم التغابن،
يوم يعض الظال على يديه:
العمـل بغيـ إخلص ول اقتداء كالسـافر يل جرابـه رملً يثقله ول ينفعـه .إذا حلت على
القلب هوم الدنيا وأثقالا وتاونت بأوراده الت هي قوته وحياته كنت كالسافر الذي يمل
دابته فوق طاقتها ول يوفيها علفها فما أسرع ما تقف به:
« اليعملت :ج ع يعملة ،و هي النا قة النجي بة ،العتملة الطبو عة على الع مل .و خ يذ :خذ
البعيــــــــــ :أســــــــــرع الطــــــــــى».
52
مــــن تلمــــح حلوة العافيــــة هان عليــــه مرارة الصــــب.
الغا ية أول ف التقد ير ،آ خر ف الوجود ،مبدأ ف ن ظر الع قل ،منت هى ف منازل الو صول.
ـت لك أنوار العزائم.
ـ العال لحـ
ـك ربـ
ـك هتـ
ـز العادة فلو علت بـ
ـت عجـ
ألفـ
إناــــــــ تفاوت القوم بالمــــــــم ل بالصــــــــور.
تزول هةــــــ الكســــــاح دله فــــــ جــــــب العذرة.
بي نك وب ي الفائز ين ج بل الوى نزلوا ب ي يد يه ونزلت خل فه ،فا طو ف ضل ما تنل تل حق
بالقوم.
الدنيـا مضمار سـباق وقـد انعقـد وخفـي السـباق ،والناس فـ الضمار بيـ فارس وراجـل،
وأصحاب حر معقرة.
ف الطبع شره والمية أوفق .لص الرص ل يشي إل ف ظلم الوى .حبة الشتهى تت فخ
التلف فتفكــــــر الذبــــــح وقــــــد هان الصــــــب.
قوة الطمـع فـ بلوغ المـل توجـب الجتهاد فـ الطلب وشدة الذر مـن فوت الأمول.
البخيـــــــــل فقيـــــــــ ل يؤجـــــــــر على فقره.
الصـــب على عطـــش الضـــر ول الشرب مـــن شرعـــة مـــن....
توع الرة ول تأكـــــــــــــل بثدييهـــــــــــــا.
ل تســأل ســوى مولك فســؤال العبــد غيــ ســيده تشنيــع عليــه.
غرس اللوة يثمــــــــــــــر النــــــــــــــس.
اســـتوحش ماـــ ل يدوم معـــك واســـتأنس بنـــ ل يفارقـــك.
ــقاؤها.
ــا و سـ
ــا حذاؤهـ
ــا عزلة العال فمعهـ
ــاد وأمـ
ــل فسـ
عزلة الاهـ
إذا اجتمع العقل واليقي ف بيت العزلة واستحضر الكفر جرت بينهم مناجاة.
53
أتاك حديث ل يل ساعـــــــه * * * شهي إل نثره
ونظامـــــــــــــــــــه
54
تال ما جئتكم زائــــــــــرا * * * إل وجدت الرض تطوى ل
الرواح ف الشباح كالطيار ف البراج ،وليس ما أعد للستفراخ كمن هيئ للسباق .من
أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل يشغله.
كــن مــن أبناء الخرة ول تكــن مــن أبناء الدنيــا فإن الولد يتبــع الم.
ــا.
ــف تعدو خلفهـ
ــا فكيـ
ــك إليهـ
ــل أقدامـ
ــاوي نقـ
ــا ل تسـ
الدنيـ
الدنيـــــا جيفـــــة والســـــد ل يقـــــع على اليـــــف.
الدنيــــا ماز والخرة وطــــن و الوطار إناــــ تطلب فــــ الوطان.
55
«الول »:تزيـــــــــن بعضهـــــــــم لبعـــــــــض.
«الثانيــــة »:الكلم واللطــــة أكثــــر مــــن الاجــــة.
ــود.
ــن القصـ
ــ عـ
ــع باـ
ــي ذلك شهوة وعادة ينقطـ
ــة »:أن يصـ
«الثالثـ
وبالملة فالجتماع واللطة لقاح إما للنفس المارة وإما للقلب والنفس الطمئنة ،والنتيجة
مستفادة من اللقاح ،فمن طاب لقاحه طابت ثرته ،وهكذا الرواح الطيبة لقاحها من اللك
والبي ثة لقاح ها من الشيطان .و قد ج عل ال سبحانه برح ته الطيبات للط يبي ،والط يبي
للطيبات ،وعكـــــــــــــــــــــــــــــس ذلك.
وكذلك جيع السباب مع مسبباتا ،فكل ما ياف ويرجى من الخلوقات فأعلى غاياته أن
يكون جزء سبب غي مستقل بالتأثي ،ول يستقل بالتأثي وحده دون توقف تأثره على غيه
إل ال الوا حد القهار ،فل ينب غي أن ير جى ول ياف غيه ،هذا برهان قط عي على أن تعلق
الرجاء والوف بغيه باطـــــــــــــــــــــــــــل.
56
فإنه لو فرض من أن ذلك سبب مستقل وحده بالتأثي لكانت سببيته من غيه ل منه فليس
له من نف سه قوة يف عل ب ا ،فإ نه ل حول ول قوة إل بال ف هو الذي بيده الول كله والقوة
كلها فالول والقوة الت يرجى لجلها الخلوق وياف إنا ها ل وبيده ف القيقة ،فكيف
ياف ويرجـى مـن ل حول له ول قوة ،بـل خوف الخلوق ورجاؤه أحـد أسـباب الرمان
ونزول الكروه ب ن يرجوه ويا فه ،فإ نه على قدر خو فك من غ ي ال ي سلط عل يك ،وعلى
قدر رجائك لغيه يكون الرمان ،وهذا حال اللق أجعـه ،وإن ذهـب على أكثرهـم علما
وحالً.
ـة.
ـا ل يشــأ ل يكــن ولو اتفقــت عليــه الليقـ
ـد ،ومـ
ـا شاء ال كان ول بـ
فمـ
57
اللذة تابعة للمحبة
اللذة تابعـة للمحبـة ،تقوى بقوتاـ وتضعـف بضعفهـا ،فكلمـا كانـت الرغبـة فـ الحبوب
والشوق إليه أقوى كانت اللذة بالوصول إليه أت ،والحبة والشوق تابع لعرفته والعلم به،
فكلما كان العلم به أت كانت مبته أكمل ،فإذا رجع كمال النعيم ف الخرة وكمال اللذة
إل العلم وال ب ،ف من كان بال وأ سائه و صفاته ودي نه أعرف كان له أ حب وكا نت لذ ته
بالوصــول إليــه وماورتــه والنظــر إل وجهــه وســاع كلمــه أتــ.
وكل لذة ونعيم وسرور وبجة بالضافة إل ذلك كقطرة ف بر ،فكيف يؤثر من له عقل
لذة ضعيفــة قصــية مشوبــة باللم على لذة عظيمــة دائمــة أبــد الباد.
وكمال الع بد ب سبب هات ي القوت ي :العلم وال ب ،وأف ضل العلم العلم بال وأعلى ال ب
البـــــ له وأكمـــــل اللذة بســـــبهما ،وال الســـــتعان.
حبسان منجيان
طالب ال والدار الخرة ل يسـتقيم له سـيه وطلبـه إل ببسـي :حبـس قلبـه فـ طلبـه و
مطلوبه ،وحبسه عن اللتفات إل غيه ،وحبس لسانه عما ل يفيد وحبسه على ما ذكر ال
58
ومـا يزيـد فـ إيانـه ومعرفتـه .وحبـس جوارحـه عـن العاصـي والشهوات وحبسـها على
الواجبات والندوبات فل يفارق البس حت يلقى ربه فيخلصه من السجن إل أوسع فضاء
وأطيبه .ومت ل يصب على هذين البسي وفر منهما إل فضاء الشهوات أعقبه ذلك البس
الفظيع عند خروجه من الدنيا فكل خارج من الدنيا إما متخلص من البس وأما ذاهب إل
البـــــــــــــــس .وبال التوفيـــــــــــــــق.
التقوى
ودع ابن عون رجلً فقال :عليك بتقوى ال ،فإن التقي ليست عليه وحشة .وقال زيد بن
أ سلم :كان يقال :من ات قى ال أح به الناس وإن كرهوا .وقال الثوري ل بن أ ب ذئب :إن
اتقيـت ال كفاك الناس ،وإن اتق يت الناس لن يغنوا عنـك من ال شيئا .وقال سليمان بن
داود :أوتينا ما أوت الناس وما ل يؤتوا وعلمنا ما علم الناس وما ل يعلموا ،فلم ند شيئا
أف ضل من تقوى ال ف ال سر والعلن ية ،والعدل ف الغ ضب والر ضا ،والق صد ف الف قر
والغنــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
وف الزهد للمام أحد أثر إلي « :ما من ملوق اعتصم بخلوق دون إل قطعت أسباب
السماوات والرض دونه ،فإن سألن ل أعطه ،وإن دعان ل أجبه ،وإن استغفرن ل أغفر له.
و ما من ملوق اعت صم ب دون خل قي إل ضم نت ال سماوات والرض رز قه ،فإن سألن
أعطيتــــه ،وإن دعانــــ أجبتــــه ،وإن اســــتغفرن غفرت له » .
59
حسن اللق من التقوى
ج ع ال نب صلى ال عل يه و سلم ب ي تقوى ال وح سن اللق؛ لن تقوى ال ت صلح ما ب ي
الع بد وب ي ر به ،وح سن اللق ي صلح ما بي نه وب ي خل قه .فتقوى ال تو جب له م بة ال،
وحســـــــــن اللق يدعـــــــــو إل مبتـــــــــه.
عب وعظات
بيـ العبـد وبيـ ال والنـة قنطرة تقطـع بطوتيـ :خطوة عـن نفسـه ،وخطوة عـن اللق،
فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبي الناس ،ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبي ال ،فل
يلتفـــت إل إل مـــن دله على ال وعلى الطريـــق الوصـــلة إليـــه.
صـاح بالصـحابة واعظـُ« :اقترب للناس حسـابم» سـورة النـبياء ،اليـة.24 :
فجزعـت للخوف قلوبمـ فجرت مـن الذر العيون « فسـالت أوديـة بقدرهـا » .
تزي نت الدن يا لعلي فقال « :أ نت طالق ثل ثا ل رج عة ل ف يك » .وكا نت تكف يه واحدة
للسنة ،لكنه جع الثلث لئل يتصور للهوى جواز الراجعة .ودينه الصحيح وطبعه السليم
يأنفان مــن الحلل ،كيــف وهــو أحــد رواة حديــث « :لعــن ال الحلل» ؟
60
ما ف هذه الدار مو ضع خلوة فاتذه ف نف سك ،ل بد أن تذ بك الواذب فاعرف ها و كن
من ها على حذر ،ول ت صرفك الشوا غل إذا خلوت من ها وأ نت في ها ,نور ال ق أضوأ من
الش مس ،في حق لفاف يش الب صائر أن تع شو عنه الطر يق إل ال خال من أ هل ال شك و من
الذ ين يتبعون الشهوات ،و هو معمور بأ هل اليق ي وال صب ،و هم على الطر يق كالعلم «
وجعل نا من هم أئ مة يهدون بأمر نا ل ا صبوا وكانوا بآيات نا يوقنون» سورة ال سجدة ،ال ية:
.24
61
علنيت ها ،فلو ح صلت له الشهادة على هذا الو جه ف أيام ال صحة ل ستوحش من الدن يا
وأهل ها ،و فر إل ال من الناس ،وأ نس به دون ما سواه ،لك نه ش هد ب ا بقلب مشحون
بالشهوات و حب الياة وأ سبابا ون فس ملوءة بطلب الظوظ واللتفات إل غ ي ال .فلو
تردت كتجرد ها ع ند الوت لكان ل ا ن بأ آ خر وع يش آ خر سوى عيش ها البهي مي ،وال
الســـــــــــــــــــــــــــــــــــتعان.
ماذا يلك من أمره من ناصيته بيد ال ونفسه بيده ،وقلبه بي أصبعي من أصابعه يقلبه كيف
يشاء ،وحياتـه بيده وموتـه بيده ،وسـعادته بيده ،وشقاوتـه بيده وحركاتـه وسـكناته وأقواله
وأفعاله بإذ نه و مشيئه ،فل يتحرك إل بإذ نه ،ول يف عل إل بشيئ ته .إن و كل هو إل نف سه
وكل إل عجز وضيعة وتفريط وذنب وخطيئة ،وإن وكله إل غيه وكله إل من ل يلك له
ضرّا ول نفعا ،ول موتا ول حياة ول نشورا .وإن تلى عنه استول عليه عدوه وجعله أسيا
له .ف هو ل غ ن له ع نه طر فة ع ي ،بل هو مض طر إل يه على مدى النفاس ف كل ذرة من
ذرا ته باطنا وظاهرا .فاق ته تا مة إل يه .و مع ذلك ف هو متخلف ع نه معرض ع نه ،يتب غض إل يه
بع صيته ،مع شدة الضرورة إل يه من كل و جه ،قد صار لذكره ن سيّا واتذه وراءه ظهريّا،
هذا وإليـــــه مرجعـــــه وبيـــــ يديـــــه موقفـــــه.
62
واحدة وهو السرة ،فلما خرج من بطن الم وانقطعت الطريق فتح له طريقي اثني وأجرى
له فيهمـا رزقا أطيـب وألذ مـن الول وانقطعـت تلك الطريـق فإذا تتـ مدة الرضاع
ـــة أكمـــل منهـــا:
وانقطعـــت الطريقان بالفطام فتـــح طرقا أربعـ
طعامان و شرابان ،فالطعامان من اليوان والنبات ،و الشرابان من الياه واللبان وما يضاف
إليهمــا مــن النافــع واللذ .فإذا مات انقطعــت عنــه هذه الطرق الربعــة.
لك نه سبحانه ف تح له -إن كان سعيدا -طرقا ثان ية ،و هي أبواب ال نة الثمان ية يد خل من
أي ها شاء .فهكذا الرب سبحانه ل ي نع عبده الؤ من شيئا من الدن يا إل ويؤت يه أف ضل م نه
وأنفـــــــــــــــــــــــــــــــــــع له.
63
أبواب النار وأصول الطايا
أبواب النار
ــــــــة أبواب:
ــــــــن ثلثـ
ــــــــل الناس النار مـ
دخـ
-1باب شبهـــــة أورثـــــت شكـــــا فـــــ ديـــــن ال.
-2وباب شهوة أورثــــت تقديــــ الوى على طاعتــــه ومرضاتــــه.
-3وباب غضــــــــــب أورث العدوان على خلقــــــــــه.
64
أصول الطايا
ـــــــــــــــــة
ـــــــــــــــــا ثلثـ
كلهـ
-1الكـــب ،وهـــو الذي أصـــار إبليـــس إل مـــا أصـــاره.
-2والرص ،وهـــــــو الذي أخرج آدم مـــــــن النـــــــة.
-3والسد ،وهو الذي جرأ أحد ابن آدم على أخيه .فمن وقي شر هذه الثلثة فقد وقي
الشـر ،فالكفـر مـن الكـب ،والعاصـي مـن الرص ،والبغـي والظلم مـن السـد.
65
ف ال سنن من حد يث أ ب سعيد يرف عه« :إذا أ صبح ا بن آدم فإن العضاء كل ها تك فر
اللسان ،تقول :اتق فإنا نن بك ،فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا» .قوله:
تك فر الل سان ،ق يل :معناه ت ضع له و ف الد يث :أن ال صحابة ل ا دخلوا على النجا شي ل
يكفروا له ،أي ل يسـجدوا ول يضعوا .ولذلك قال عمرو بـن العاص :أيهـا اللك ،إنمـ ل
يكفرون لك .وإنا خضعت للسان لنه بريد القلب وترجانه والواسطة بينه وبي العضاء.
وقول ا :إن ا ن ن بك ،أي نات نا بك وهلك نا بك ،ولذا قالت :فإن ا ستقمت ا ستقمنا وإن
اعوججـــــــــــــــت اعوججنـــــــــــــــا.
66
الأث والغرم
جع النب صلى ال عليه وسلم بي الأث والغرم ،فإن الأث يوجب خسارة الخرة ،والغرم
يوجــــــــــب خســــــــــارة الدنيــــــــــا.
الهـــــــاد
قال تعال« :والذيـن جاهدوا فينـا لنهدينهـم سـبلنا» سـورة العنكبوت ،اليـة.29 :علق
سبحانه الدا ية بالهاد ،فأك مل الناس هدا ية أعظم هم جهادا ،وأفرض الهاد جهاد الن فس
وجهاد الوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا ،فممن جاهد هذه الربعة ف ال هداه ال سبل
رضاه الوصـلة إل جنتـه ،ومـن ترك الهاد فاتـه مـن الدى بسـب مـا عطـل مـن الهاد.
قال النيد :والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الخلص ،ول يتمكن جهاد
67
عدوه ف الظاهر إل من جاهد هذه العداء باطنا ،فمن نصر عليها نصر على عدوه ،ومن
نصـــــــرت عليـــــــه نصـــــــر عليـــــــه عدوه.
فإن قال ذلك احتجا جا على ذلك ال سلطان ودف عا لر سالته ور ضا ب ا هو ف يه ع ند عدوه،
خله الســـــــلطان العظـــــــم وحاله و وله مـــــــا تول.
68
وإن قال ذلك افتقارا إل يه وإظهارا لعجزه وذله وأ نه أض عف وأع جز أن ي سي إل يه بنف سه
ويرج من حبس عدوه ويتخلص منه بوله وقوته ،وأن من تام نعمته ذلك عليه كما أرسل
إل يه هذه الر سالة أن يده من جنده ومالي كه ب ن يعي نه على اللص ويك سر باب مب سه
ويفك قيوده ،فإن فعل به ذلك فقد أت إنعامه عليه ،وإن تلى عنه فلم يظلمه ول منعه حقا
هو له .وإن حده وحكم ته اقت ضى من عه و تلي ته ف مب سه ،ول سيما إذا علم أن ال بس
حبسـه وأن هذا العدو الذي حبسـه ملوك مـن ماليكـه وعبـد مـن عـبيده ،ناصـيته بيده ل
يت صرف إل بإذ نه ومشيئ ته ،ف هو غ ي ملت فت إل يه ول خائف م نه ول معت قد أن له شيئا من
المر ول بيده نفع ول ضر ،بل هو ناظر إل مالكه ومتول أمره ومن ناصيته بيده قد أفرده
بالوف والرجاء والتضرع إليـه واللتجاء والرغبـة والرهبـة ،فهناك تأتيـه جيوش النصـر
والظفــــــــــــــــــــــــــــــــــــر.
مراتب العلوم
أعلى ال مم ف طلب العلم طلب علم الكتاب وال سنة والف هم عن ال ور سوله ن فس الراد
وعلم حدود النل .وأخس هم طلب العلم قصر هته على تتبع شواذ السائل وما ل ينل
ول هو وا قع ،أو كا نت ه ته معر فة الختلف وتت بع أقوال الناس ول يس له ه ة إل معر فة
الصــحيح مــن تلك القوال .وقــل أن ينتفــع واحــد مــن هؤلء بعلمــه.
وأعلى ال مم ف باب الرادة أن تكون ال مة متعل قة بح بة ال والوقوف مع مراده الدي ن
المري .وأسفلها أن تكون المة واقفة مع مراد صاحبها من ال ،فهو إنا يعبده لراده منه ل
لراد ال م نه ،فالول ير يد ال وير يد مراده ،والثا ن ير يد من ال و هو فارغ عن إراد ته.
69
علماء السوء
علماء السوء جلسوا على باب النة يدعون إليها الناس بأقوالم ويدعونم إل النار بأفعالم،
فكلما قالت أقوالم للناس هلموا ،قالت أفعالم ل تسمعوا منهم .فلو كان ما دعوا إليه حقا
كانوا أول الســتجيبي له ،فهــم فــ الصــورة أدلء وفــ القيقــة قطاع الطرق.
إذا كان ال وحده حظك ومرادك فالف ضل كله تا بع لك يزدلف إل يك ،أي أنوا عه تبدأ به،
وإذا كان حظك ما تنال منه فالفضل بطريق الضمن و التبع ،فإن كنت قد عرفته وأنست به
ثـ سـقطت إل طلب الفضـل حرمـك إياه عقوبـة لك ففاتـك ال وفاتـك الفضـل.
انتصار الرسول
ل ا خرج ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من ح صر العدو د خل ف ح صر الن صر ،فعب ثت
أيدي سراياه بالنصر ف الطراف فطار ذكره ف الفاق ،فصار اللق معه ثلثة أقسام :مؤمن
به ،ومسال له ،وخائف منه .ألقى بذر الصب ف مزرعة «فاصب كما صب أولوا العزم من
الرسـل» سـورة الحقاف ،اليـة ،35فإذا أغصـان النبات تتـز بزامـى « :والرمات
ق صاص» البقرة ،194 :فد خل م كة دخول ما دخله أ حد قبله ول بعده .حوله الهاجرون
والنصـار ل يـبي منهـم إل الدق .والصـحابة على مراتبهـم ،واللئكـة فوق رؤوسـهم،
وجبيل يتردد بينه وبي ربه ،وقد أباح له حرمه الذي ل يله لحد سواه ،فلما قايس بي
هذا اليوم وب ي يوم « وإذ ي كر بك الذ ين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك» النفال:
ــــــــــــــ.
ــــــــــــــ اثنيـ
30فأخرجوه ثانـ
70
دخل وذقنه تس قربوس سرجه خضوعا وذل لن ألبسه ثوب هذا العز الذي رفعت إليه فيه
الليقة رؤوسها ومدت إليه اللوك أعناقها .فدخل مكة مالكا مؤيدا منصورا .وعل كعب
بلل فوق الكع بة ب عد أن كان ي ر ف الرمضاء على ج ر الفت نة ،فن شر بزا طوي عن القوم
من يوم قوله « :أ حد أ حد» .ور فع صوته بالذان ،فأجاب ته القبائل من كل ناح ية ،فأقلبوا
يؤمون الصـوت ،فدخلوا فـ ديـن ال أفواجـا وكانوا قبـل ذلك يأتون آحادا .فلمـا جلس
الر سول على منب ال عز ،وما نزل عنه قط ،مدت اللوك أعناق ها بالضوع إليه .فمن هم من
سلم إليه مفاتيح البلد ،ومنهم من أخذ ف المع والتأهب للحرب ،ول يدر أنه ل يزد على
ج ع الغنائم و سوق ال سارى إل يه .فل ما تكا مل ن صره وبلغ الر سالة وأدى الما نة وجاءه
منشور « :إنا فتحنا لك فتحا مبينا ،ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته
عل يك ويهد يك صراطا م ستقيما وين صرك ال ن صرا عزيزا» سورة الف تح :ال ية 1وبعده
توقيع « :إذا جاء نصر ال والفتح ورأيت الناس يدخلون ف دين ال أفواجا» سورة النصر:
الية ، 1جاءه رسول ربه ييه بي القام ف الدنيا وبي لقائه ،فاختار لقاء ربه شوقا إليه،
فتزينــت النان ليوم قدوم روحــه الكريةــ ل كزينــة الدينــة يوم قدوم اللك.
إذا كان عرش الرح ن قد اه تز لوت ب عض أتبا عه فر حا وا ستبشارا بقدوم رو حه ،فك يف
ــرائر» .
ــا « يوم تبلى السـ
ــريرة تكون عليهـ
ــر أي سـ
ــتعلم يوم الشـ
سـ
غرور المان
يا مغرور بالما ن :ل عن إبل يس وأه بط من منل ال عز بترك سجدة واحدة أ مر ب ا .وأخرج
آدم من النة بلقمة تناولا .وحجب القاتل عنها بعد أن رآها عيانا بلء كف من دم .وأمر
بقتل الزان أشنع القتلت بإيلج قدر النلة فيما ل يل .وأمر بإيساع الظهر سياطا بكلمة
71
قذف أو بقطرة من مسكر.وأبان عضوا من أعضائك بثلثة دراهم فل تأمنه أن يبسك ف
النار بعصـية واحدة مـن معاصـيه « ول ياف عقباهـا» سـورة الشمـس ،اليـة .15
دخلت امرأة النار ف هرة .وإن الر جل ليتكلم بالكل مة ل يل قي ل ا بال يهوي ب ا ف النار
أبعد ما بي الشرق والغرب ،وإن الرجل ليعمل بطاعة ال ستي سنة ،فإذا كان عند الوت
جار فـ الوصـية فيختـم له بسـوء عمله فيدخـل النار .العمـر بآخره والعمـل باتتـه.
72
كان أول الخلوقات القلم ليكتب القادير قبل كونا ،وجعل آدم آخر الخلوقات وف ذلك
حكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم:
« أحدهــــــا »:تهيــــــد الدار قبــــــل الســــــاكن.
«الثانية »:أنه الغاية الت خلق لجلها ما سواه من السماوات والرض والشمس والقمر
والب والبحـــــــــــــــــــــــــــــــــر.
«الثالثـة »:أن أحذق الصـناع يتـم عمله بأحسـنه وغايتـه كمـا يبدؤه بأسـاسه ومبادئه.
«الراب عة »:أن النفوس متطل عة إل النهايات والوا خر دائ ما ،ولذا قال مو سى لل سحرة
أول« :ألقوا ما أنتم ملقون» سورة يونس ،الية 80فلما رأى الناس فعلهم تطلعوا إل ما
يأ ت بعده .الام سة :أن ال سبحانه أ خر أف ضل الك تب وال نبياء وال مم إل آ خر الزمان،
وجعل الخرة خيا من الول ،والنهايات أكمل من البدايات ،فكم بي قول اللك للرسول
اقرأ فيقول ما أنا بقارئ ،وبي قوله تعال« :اليوم أكملت لكم دينكم» سورة الائدة ،الية
.3السادسة :أنه سبحانه جع ما فرقه ف العال ف آدم ،فهو العال الصغي وفيه ما ف العال
الكبي .السابعة :كرامته على خالقه أنه هيأ له مصاله وحوائ جه وآلت معيشته وأسباب
حياته ،فما رفع رأسه إل وذلك كله حاضر عتيد .التاسعة :أنه سبحانه أراد أن يظهر شرفه
وفضله على سائر الخلوقات ،فقدم ها عل يه ف اللق ،ولذا قالت اللئ كة :ليخلق رب نا ما
شاء فلن يلق خلقا أكرم عليه منا .فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر فضله وشرفه
عليهم بالعلم والعرفة ،فلما وقع ف الذنب ظنت اللئكة أن ذلك الفضل قد نسخ ول تطلع
على عبودية التوبة الكامنة ،فلما تاب إل ربه وأتى بتلك العبودية علمت اللئكة أن ل ف
خل قه سرا ل يعل مه سواه .العاشرة :أ نه سبحانه ل ا افت تح خلق هذا العال بالقلم كان من
أحسن الناسبة أن يتمه بلق النسان ،فإن القلم آلة العلم ،والنسان هو العال .ولذا أظهر
ســـبحانه فضـــل آدم على اللئكـــة بالعلم الذي خـــص بـــه دونمـــ.
73
حال إبليس مع آدم
وتأمل كيف كتب سبحانه عذر آدم قبل هبوطه إل الرض ونبه اللئكة على فضله وشرفه
ونوه با سه ق بل إياده بقوله« :إ ن جا عل ف الرض خلي فة» وتأ مل ك يف و سه بالل فة
وتلك ول ية له ق بل وجوده ،وأقام عذره ق بل البوط بقوله « :ف الرض» .وال حب يق يم
عذر الحبوب ق بل جناي ته .فل ما صوره ألقاه على باب ال نة أربع ي سنة لن دأب ال حب
الوقوف على باب ال بيب ،ورمـى بـه فـ طر يق ذل « ول يـك شيئا» لئل يع جب يوم «
اسجدوا» .وكان إبليس ير على جسده فيعجب منه ويقول :لمر قد خلقت ،ث يدخل من
فيه ويرج من دبره ويقول :لئن سلطت عليك لهلكنك ولئن سلطت علي لعصينك ،ول
يعلم أن هلكه على يده .رأى طينا ممو عا فاحتقره ،فل ما صور الط ي صورة دب فيه داء
السـد ،فلمـا نفـخ فيـه الروح مات الاسـد .فلمـا بسـط له بسـاط العـز عرضـت عليـه
الخلوقات فاستحضر مدعى «ونن نسبح» إل حاكم «أنبئون» .وقد أخفى الوكيل عنه
بينة «وعلم» فنكسوا رؤوس الدعاوى على صدور القرار .فقام منادي التفضيل ف أندية
اللئ كة ينادي« :ا سجدوا» فتطهروا من حدث دعوى «ون ن» باء العذر ف آن ية «ل
علم لنا» ،فسجدوا على طهارة التسليم وقام إبليس ناحية ل يسجد؛ لنه خبث ،وقد تلون
بنجاسة العتراض .وما كانت ناسته تتلقى بالتطهي؛ لنا عينية ،فلما ت كمال آدم قيل:
ل بد من خال جال على و جه «ا سجدوا» ،فجرى القدر بالذ نب لي تبي أ ثر العبود ية ف
الذل .يا آدم لو عفا لك عن تلك اللقمة لقال الاسدون :كيف فضل ذو شره ل يصب على
شجرة .لول نزولك ما تصاعدت صعداء النفاس ،ول نزلت رسائل « :هل من سائل؟»
ول فا حت روائح « :و للوف فم ال صائم» ،ف تبي حينئذ أن ذلك التنازل ل ي كن عن
شَرَهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــٍ.
يــا آدم ،ضحكــك فــ النــة لك ،وبكاؤك فــ دار التكليــف لنــا.
ما ضر من ك سره عزى إذا جبه فضلى ،إن ا تل يق خل عة ال عز ببدن النك سار .أ نا ع ند
النكسـرة قلوبمـ مـن أجلي .مـا زالت تلك الكلة تعاده حتـ اسـتول داؤه على أولده،
فأرسل إليهم اللطيف البي الدواء على أيدي أطباء الوجود « فإما يأتينكم من هدى فمن
74
تبع هداي فل يضل ول يشقى» سورة طه ،الية .123فحماهم الطبيب بالتناهي ،وحفظ
القوة بالوامـر ،وأفرغ أخلطهـم الرديئة بالتوبـة ،فجاءت العافيـة مـن كـل ناحيـة.
فيا من ضيع القوة ول يفظها ،وخلط ف مرضه وما احتمى ،ول صب على مرارة الستفراغ
ل تنكر قرب اللك ،فالداء مترام إل الفساد .لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك
بالم ية من شهوة خ سيسة ظفرت بأنواع اللذات وأ صناف الشتهيات .ول كن بار الشهوة
غطى عي البصية ،فظننت أن الزم بيع الوعد بالنقد .يا لا بصية عمياء ،جزعت من صب
ساعة واحتملت ذل البد .سافرت ف طلب الدنيا وهي عنها زائلة ،وقعدت عن السفر إل
الخرة وهــــــــــــــي إليهــــــــــــــا راحلة.
إذا رأيـت الرجـل يشتري السـيس بالنفيـس ويـبيع العظيـم بالقيـ ،فاعلم بأنـه سـفيه.
تليات الرب
القرآن كلم ال وقـد تلى ال فيـه لعباده بصـفاته ،فتارة يتجلى فـ جلباب اليبـة والعظمـة
واللل ،فتخضع العناق ،وتنكسر النفوس ،وتشع الصوات ويذوب الكب كما يذوب
اللح ف الاء ،وتارة يتجلى ف صفات المال والكمال ،وهو كمال الساء وجال الصفات
وجال الفعال الدال على كمال الذات فيسـتنفد حبـه مـن قلب العبـد قوة البـ كلهـا،
بسب ما عرفه من صفات جاله ونعوت كماله ،فيصبح فؤاد عبده فارغا إل من مبته ،فإذا
أراد منه الغي أن يعلق تلك الحبة به أب قلبه وأحشاؤه ذلك كل الباء ،كما قيل:
75
فتب قى الح بة له طبعا ل تكلفا ،وإذا تلى ب صفات الرح ة والب والل طف والح سان انب عث
قوة الرجاء من الع بد وانب سط أمله وقوي طم عه و سار إل ر به وحادي الرجاء يدو ركاب
سيه .وكلما قوي الرجاء جد ف العمل كما أن الباذر كلما قوي طمعه ف الغل غلق أرضه
بالبذر ،وإذا ضعـــــــف رجاؤه قصـــــــر فـــــــ البذر.
وإذا تلى ب صفات العدل والنتقام والغ ضب وال سخط والعقو بة ،انقم عت الن فس المارة
وبطلت أو ضع فت قوا ها من الشهوة والغ ضب والل هو والل عب والرص على الحرمات،
وانقبضـت أعنـة رعونتهـا ،فأحضرت الطيـة حظهـا مـن الوف والشيـة والذر.
وإذا تلى ب صفات ال مر والن هي والع هد والو صية وإر سال الر سل وإنزال الك تب وشرع
الشرائع ،انبعـــث منهـــا قوة المتثال والتنفيـــذ للطلب والجتناب للنهـــي.
وإذا تلى بصفات السمع والبصر والعلم ،انبعث من العبد قوة الياء فيستحي من ربه أن
يراه على ما يكره ،أو يسمع منه ما يكره ،أو يفي ف سريرته ما يقته عليه ،فتبقى حركاته
وأقواله وخواطره موزونة بيزان الشرع غي مهملة ول مرسلة تت حكم الطبيعة والوى.
وإذا تلى ب صفات الكفا ية وال سب والقيام ب صال العباد و سوق أرزاق هم إلي هم ،ود فع
الصائب عنهم ونصره لوليائه وحايته لم ومعيته الاصة لم ،انبعث من البعد قوة التوكل
عل يه والتفو يض إل يه والر ضا به وب كل ما ير يه على عبده ويقي مه ف يه م ا ير ضى به هو
سـبحانه .والتوكـل معنـ يلتئم مـن علم البعـد بكفايـة ال وحسـن اختياره لعبده وثقتـه بـه
ورضاه باـــــــــــــ يفعله بـــــــــــــه ويتاره له.
وإذا تلى ب صفات ال عز وال كبياء أع طت نف سه الطمئ نة ما و صلت إل يه من الذل لعظم ته
والنكسار لعزته والضوع لكبيائه وخشوع القلب والوارح له فتعلو السكينة والوقار ف
قلبــه ولســانه وجوارحــه وســته ،ويذهــب طيشــه وقوتــه وحدتــه.
وجاع ذلك :أنـه سـبحانه يتعرف إل البعـد بصـفات إليتـه تارة ،وبصـفات ربوبيتـه تارة،
76
فيوجـب له شهود صـفات الليـة الحبـة الاصـة ،والشوق إل لقائه ،والنـس والفرح بـه،
والسرور بدمته ،والنافسة ف قربه ،والتودد إليه بطاعته ،و اللهج بذكره ،والفرار من اللق
إليــــه ،ويصــــي هــــو وحده ههــــ دون مــــا ســــواه.
ويوجـب له شهود صـفات الربوبيـة التوكـل عليـه والفتقار إليـه والسـتعانة بـه ،والذل
والضوع والنكسار له .وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته ف إليته ،وإليته ف ربوبيته ،وحده
ف مل كه ،وعزه ف عفوه ،وحكم ته ف قضائه وقدره ،ونعم ته ف بلئه ،وعطاؤه ف من عه،
وبره ولطفه وإحسانه ورحته ف قيوميته ،وعدله ف انتقامه ،وجوده وكرمه ف مغفرته وستره
وتاوزه .ويش هد حكم ته ونعم ته ف أمره ون يه ،وعزه ف رضاه وغض به ،وحله ف إمهاله،
وكرمــــــه فــــــ إقباله ،وغناه فــــــ إعراضــــــه.
وأنـت إذا تدبرت القرآن وأجرتـه مـن التحريـف وأن تقضـي عليـه بآراء التكلميـ وأفكار
التكلفي ،أشهدك ملكا قيوما فوق ساواته على عرشه يدبر أمر عباده ،يأمر وينهى ،ويرسل
الرسـل وينل الكتـب ،ويرضـى ويغضـب ،ويثبـت ويعاقـب ،ويعطـي وينـع ،ويعـز ويذل،
ويفض ويرفع ،يرى من فوق سبع ويسمع ،ويعلم السر والعلنية ،فعال لا يريد ،موصوف
ب كل كمال ،منه عن كل ع يب ،ل تتحرك ذرة ف ما فوق ها إل بإذ نه ،ول ت سقط ور قة إل
بعلمـه ،ول يشفـع أحـد عنده إل بإذنـه ،ليـس لعباده مـن دونـه ول ول شفيـع.
فضائل أب بكر
لا بايع الرسول صلى ال عليه وسلم أهل العقبة أمر الصحابة بالجرة إل الدينة ،فعلمت
قريش أن أصحابه قد كثروا وأنم سيمنعونه ،فأعملت الراء ف استخراج اليل ،فمنهم من
77
رأى ال بس ،ومن هم من رأى الن في .ث اجت مع رأي هم على الق تل ،فجاء الب يد بال ب من
صدّيق لرفقة السفر .فلما فارقا
السماء وأمره أن يفارق الضجع ،فبات على مكانه ونض ال ّ
بيوت م كة اش تد الذر بال صديق فج عل يذ كر الر صد في سي أما مه ،وتارة يذ كر الطلب
فيتأخر وراءه ،وتارة عن يينه وتارة عن شاله إل أن انتهيا إل الغار ،فبدأ الصديق بدخوله
ليكون وقا ية له إن كان ثَمّ مؤذ .وأن بت ال شجرة ل ت كن ق بل ،فأظلت الطلوب وأضلت
الطالب ،وجاءت عنكبوت فحازت وجـه الغار فحاكـت ثوب نسـجها على منوال السـتر،
فأحك مت الش قة ح ت ع مي على القائف الطلب ،وأر سل « ال » حامت ي فاتذ تا هناك
ع شا ج عل على أب صار الطالب ي غشاوة ،وهذا أبلغ ف العجاز من مقاو مة القوم بالنود.
فلما وقف القوم على رؤوسهم وصار كلمهم بسمع الرسول والصديق ،قال الصديق وقد
اش تد به القلق :يا ر سول ال ،لو أن أحد هم ن ظر إل ما ت ت قدم يه لب صرنا ت ت قدم يه.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم « :يا أبا بكر ،ما ظنك باثني ال ثالثهما؟» لا رأى
الر سول حز نه قد اش تد ،ل كن ل على نف سه ،قوى قل به بشارة « ل تزن إن ال مع نا»
سورة التوبة :الية ،40فظهر سر هذا القتران ف العية لفظا ،كما ظهر حكما ومعن ،إذ
يقال رسول ال وصاحب رسول ال ،فلما مات صلى ال عليه وسلم قيل خليفة رسول ال،
ــ.
ــل أميـــ الؤمنيـ
ــة بوتـــه فقيـ
ــة اللفـ
ــت إضافـ
ــ انقطعـ
ثـ
فأقاما ف الغار ثلثا ث خرجا منه ولسان القدر يقول :لتدخلنها دخولً ل يدخله أحد قبلك
ول ينب غي ل حد من بعدك .فل ما ا ستقل على البيداء لقه ما سراقة بن مالك ،فل ما شارف
الظ فر أر سل عل يه الر سول سهما من سهام الدعاء ،ف ساخت قوائم فر سه ف الرض إل
بطن ها ،فل ما عل ما أ نه ل سبيل له عليه ما أ خذ يعرض الال على من قد رد مفات يح الكنوز
ويقدم الزاد إل شبعان« ،أبيت عند رب يطعمن ويسقين» كانت تفة ثان اثني مدخرة
للصديق ،دون الميع ،فهو الثان ف السلم وف بذل النفس وف الزهد وف الصحبة وف
اللفة وف العمر ،وف سبب الوت؛ لن الرسول صلى ال عليه وسلم مات عن أثر السم ،
وأبــــــــــو بكــــــــــر ســــــــــم فمات.
78
أ سلم على يد يه من العشرة :عثمان وطل حة والزب ي وع بد الرح ن بن عوف و سعد بن أ ب
وقاص .وكان عنده يوم أسـلم أربعون ألف درهـم فأنفقهمـا أحوج مـا كان السـلم إليهـا،
فلهذا جلبت نفقته عليه «ما نفعن مال ،ما نفعن مال أب بكر» .فهو خي من مؤمن آل
فرعون؛ لن ذلك كان يكتم إيانه والصديق أعلن به .وخي من مؤمن آل ياسي؛ لن ذلك
جاهد ساعة والصديق جاهد سني .عاين طائر الفاقة يوم حول حب اليثار ويصيح« :من
ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا» سورة البقرة ،الية ،245فألقى له حب الال على روض
الرضا واستلقى على فراش الفقر ،فنقل الطائر الب إل حوصلة الضاعفة ث عل على أفنان
شجرة الصدق يغرد بفنون الدح ،ث قال ف ماريب السلم يتلو« :وسيجنبها التقى الذي
ــــــــل.17-18 :
ــــــــى» الليـ
ــــــــ ماله يتزكـ
يؤتـ
نط قت بفضله اليات والخبار ،واجت مع على بيع ته الهاجرون والن صار ،ف يا مبغض يه ف
قلوبكم من ذكره نار ،كلما تليت فضائله على الصغار ،أترى ل يسمع الروافض الكفار« :
ثا ن اثن ي إذ ه ا ف الغار» التو بة40 :؟ د عي إل ال سلم ف ما تلع ثم ول أ ب ،و سار على
الحجة فما زل ول كبا ،وصب ف مدته من مدى العدى على وقع الشبا ،وأكثر ف النفاق
فمــــــــــا قلل حتــــــــــ تلل بالعبــــــــــا.
تال لقد زاد على السبك ف كل دينار دينار «ثان اثني إذ ها ف الغار» .من كان قرين
النب ف شبابه؟ من ذا الذي سبق إل اليان من أصحابه؟ من الذي أفت بضرته سريعا ف
جوابه؟ من أول من صلى معه؟ من آخر من صلى به؟ من الذي ضاجعه بعد الوت ف ترابه؟
فاعرفوا حـــــــــــــــــــــــــــــــق الار.
نضـ يوم الردة بفهـم واسـتيقاظ ،وأبان مـن نـص الكتاب معنـ دق عـن حديـد اللاظ.
فالحب يفرح بفضائله والبغض يغتاظ .حسرة الرافضي أن يفر من ملس ذكره ،ولكن أين
الفرار؟.
كم وقى الرسول بالال والنفس ،وكان أخص به ف حياته وهو ضجيعه ف الرمس .فضائله
جليــــــة وهــــــي خليــــــة عــــــن اللبــــــس.
79
يا عج با! من يغ طي ع ي ضوء الش مس ف ن صف النهار ،ل قد دخل غارا ل ي سكنه ل بث،
فاستوحش الصديق من خوف الادث .فقال الرسول :ما ظنك باثني وال الثالث .فنلت
ال سكينة فارت فع خوف الادث ،فزال القلق وطاب ع يش الا كث ،فقام مؤذن الن صر ينادي
على رءوس منائر المصـــار «ثانـــ اثنيـــ إذ هاـــ فـــ الغار» .
حبه وال رأس النيفية ،وبغضه يدل على خبث الطوية .فهو خي الصحابة والقرابة والجة
على ذلك قوية .لول صحة إمامته ما قيل ابن النفية .مهل مهل ،فإن دم الروافض قد فار.
وال ما أحببناه لوانا ،ول نعتقد ف غيه هوانا ،ولكن أخذنا بقول علي وكفانا« :رضيك
رسـول ال لديننـا ،أفل نرضاك لدنيانـا» .تال لقـد أخذت مـن الروافـض بالثأر .تال لقـد
وجب حب الصديق علينا ،فنحن نقضي بدائحه ونقر با نقر به من السنا عينا ،فمن كان
رافضيّاــــــ فل يعــــــد إلينــــــا وليقــــــل ل أعذار.
حكم متفرقة
ــرانه.
ــك خسـ
ــنة لئل يعديـ
ــل الكتاب والسـ
ــن يعادي أهـ
ــب مـ
اجتنـ
احترز من عدوين هلك بما أكثر اللق :صادّ عن سبيل ال بشبهاته وزخرف قوله ،ومفتون
بدنياه ورئاســــــــــــــــــــــــــــــــته.
من خلق فيه قوة واستعداد لشيء كانت لذته ف استعمال تلك القوة فيه ،فلذة من خلقت
ف يه قوة وا ستعداد للجماع ا ستعمال قو ته ف يه ،ولذة من خل قت ف يه قوة الغ ضب والتو ثب
ا ستعمال قو ته الغضب ية ف متعلق ها ،و من خل قت ف يه قوة ال كل والشرب فلذ ته با ستعمال
قو ته فيه ما .و من خل قت ف يه قوة العلم والعر فة فلذ ته با ستعمال قو ته و صرفها إل العلم.
80
ومن خلقت فيه قوة الب ل والنابة إليه والعكوف بالقلب عليه والشوق إليه والنس به
فلذ ته ونعي مه ا ستعمال هذه القوة ف ذلك .و سائر اللذات دون هذه اللذة مضمحلة فان ية
وأحدــــــــ عاقبتهــــــــا أن يكون ل له ول عليــــــــه.
عب وعظات
يا أي ها العزل احذر فرا سة الت قي ،فإ نه يرى عورة عملك من وراء ستر «اتقوا فرا سة
الؤمن» حديث شريف رواه الترمذي ف سننه ،والفراسة -بكسر الفاء -قال ف النهاية:
يقال بعني ي :أحده ا ،ما دل ظا هر هذا الد يث عل يه و هو ما يوق عه ال تعال ف قلوب
أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والدس .والثان نوع
يتعلم بالدلئل والتجارب واللق والخلق فتعرف بـه أحوال الناس .وللناس فيـه تصـانيف
قديةـــــــــــــــــ وحديثـــــــــــــــــة.
سـبحان ال ،فـ النفـس :كِب إبليـس وحسـد قابيـل وعتـو عاد وطغيان ثود وجرأة نرود
وا ستطالة فرعون ،وب غي قارون ،وق حة هامان وهوى بلعام وح يل أ صحاب ال سبت ،وترد
الوليد ،وجهل أب جهل .وفيها من أخلق البهائم :حرص الغراب ،وشره الكلب ،ورعونة
الطاووس ،ودناءة ال عل ،وعقوق ال ضب ،وح قد ال مل ،ووثوب الف هد ،و صولة ال سد،
وف سوق الفأرة ،وخ بث ال ية ،وع بث القرد ،وج ع النملة ،وم كر الثعلب ،وخ فة الفراش،
ونوم الضبع .غي أن الرياضة والجاهدة تذهب ذلك .فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا
الند ،ول تصلح سلعته لعقد« :إن ال اشترى من الؤمني أنفسهم »...سورة التوبة ،الية
111فمـا اشترى إل سـلعة هذباـ اليان فخرجـت مـن طبعهـا إل بلد سـكانه التائبون
81
العابدون.
سلم البيع قبل أن يتلف ف يدك فل يقبله الشتري ،قد علم الشتري بعيب السلعة قبل أن
ـــــــن الرد.
ـــــــلمها و لك المان مـ
ـــــــا ،فسـ
يشتريهـ
قدر السـلعة يعرف بقدر مشتريهـا والثمـن البذول فيهـا والنادي عليهـا ،فإذا كان الشتري
عظيما والثمن خطيا والنادي حائل كانت السلعة نفيسة.
يا بائعا نفسه بيع الوان لو اســـــــ * * * ـترجعت ذا البيع قبل الفوت ل تب
غبنت وال غبنا فاحشا ولدى * * * يوم التغابن تلقى غاية الرب
وواردا صفو عيش كله كدر * * * أمامك الورد حقا ليس بالكذب
82
وواهبا نفسه من مثل ذا سفها * * * لو كنت تعرف قدر النفس ل تب
83
ول الدود ولو أدمي من ضرج * * * أشهى إل ناظري من ربعك الرب
ما ف اليام أخو وجد يريك إن * * * بثثته بعض شأن الب فاغترب
إن كان يوجب صبي رحت فرضا * * * بسوء حال وحل الضنا بدن
84
منحتك الروح ل أبغي لا ثنا * * * إل رضاك و وافقري إل الثمن
ولا ادعيت الب قالت كذبتن * * * ألست أرى العضاء منك كواسيا
85
لو تغذى القلب بالحبة لذهبت عنه بطنة الشهوات.
ولو كنت عذري الصبابة ل تكن * * * بطينا وأنساك الوى كثرة الكل
لو صحت مبتك لستوحشت من ل يذكرك بالبيب .واعجبا لن يدعى الحبة ويتاج إل
من يذكره بحبوبة ،فل يذكره إل بذكر .أقل ما ف الحبة أنا ل تنسيك تذكر الحبوب.
إذا سافر الحبوب للقاء مبوبة ركبت جنوده معه ،فكان الب ف مقدمة العسكر ،والرجاء
يدو بال طي والشوق ي سوقها والوف يمع ها على الطر يق ،فإذا شارف قدوم بلد الو صل
خرجت تقادم البيب باللقاء.
فداو سقما بسم أنت متلفه * * * وأبرد غراما بقلب أنت مضرمه
ول تكلن على بعد الديار إل * * * صبي الضعيف فصبي أنت تعلمه
86
فإذا دخل على البيب أفيضت عليه اللع من كل ناحية ليمتحن أيسكن إليها فتكون حظه،
أم يكون التفاتــــــه إل مــــــن ألبســــــه إياهــــــا.
ملئوا مرا كب القلوب متا عا ل تن فق إل على اللك ،فل ما ه بت رياح ال سحر أقل عت تلك
الراكــــــب ،فمــــــا طلع الفجــــــر إل وهــــــي باليناء.
قطعوا بادية الوى بأقدام الد ،فما كان إل قليل حت قدموا من السفر فأعقبهم الراحة ف
طريـــق التلقـــي ،فدخلوا بلد الوصـــل وقـــد حازوا ربـــح البـــد.
فرغ القوم قلوب م من الشوا غل فضر بت في ها سرادقات الح بة ،فأقاموا العيون ترس تارة
وترش أخرى.
سرادق الحبة ل يضرب إل ف قاع نزه فارغ.
اعرف قدر مـــــا ضاع وابـــــك بكاء مـــــن يدري مقدار الفائت.
لو تيلت قرب الحباب لقمـــــــــت الأتـــــــــ على بعدك.
ـــك الخمور.
ـــك قلبـ
ـــحار لفاق منـ
ـــح السـ
ـــتنشقت ريـ
لو اسـ
من استطال الطريق ضعف مشيه:
« الفاوز :جعــ مفازة ،وهــي الصــحراء والرض القفــر التــ ل ماء فيهــا».
87
ــه.
ــه عزمـ
ــ عينيـ
ــى بيـ
ــم ألقـ
ــادق إذا هـ
ــت أن الصـ
ــا علمـ
أمـ
إذا نزل آب فــــــ القلب حــــــل آذار فــــــ العيــــــ.
ــــمع اللك.
ــــواتم بسـ
ــــ علموا أن أصـ
ــــهر الراس لاـ
هان سـ
مـــــــن لح له حال الخرة هان عليـــــــه فراق الدنيـــــــا.
ـــــف.
ـــــي مألوف الكـ
ـــــيد نسـ
ـــــق الصـ
إذا لح للباشـ
ــــــل.
ــــــي القليـ
ــــــب أجلي بقـ
ــــــا أقدام الصـ
يـ
تذكــــر حلوة الوصــــال يهــــن عليــــك مــــر الجاهدة.
قــــد علمــــت أيــــن النل فاحــــد لاــــ تســــر.
أعلى المـــم هةـــ مـــن اســـتعد صـــاحبها للقاء البـــيب.
وقدم التقادم بيـ يدي اللتقـى فاسـتبشر بالرضـا عنـد القدوم « ،وقدموا لنفسـكم» .
النة ترضى منك بأداء الفرائض ،والنار تندفع عنك بترك العاصي ،والحبة ل تقنع منك إل
ببذل الروح.
ل مـــا أحلى زمانـــا تســـعى فيـــه أقدام الطاعـــة على أرض الشتياق.
لاـ سـلم القوم النفوس إل رائض الشرع علمهـا الوفاق فـ خلف الطبـع فاسـتقامت مـع
الطاعة كيف دارت دارت معها.
88
فصل
عل مت كل بك ف هو يترك شهو ته ف تناول ما صاده احترا ما لنعم تك وخو فا من سطوتك.
وكــــــم علمــــــك معلم الشرع وأنــــــت ل تقبــــــل.
حرم صـيد الاهـل والمسـك لنفسـه ،فمـا ظـن الاهـل الذي أعماله لوى نفسـه.
ج ع ف يك ع قل اللك وشهوة البهي مة وهوى الشيطان وأ نت للغالب عل يك من الثل ثة :إن
غلبت شهوتك وهواك زدت على مرتبة ملك ،وإن غلبك هواك وشهوتك نقصت عن مرتبة
كلب.
لاـ صـاد الكلب لربـه أبيـح صـيده ،ولاـ أمسـك على نفسـه حرم مـا صـاده.
مصدر ما ف العبد من الي والشر والصفات المدوحة والذمومة من صفة العطي الانع.
فهو سبحانه يصرف عباده بي مقتضى هذين السي ،فحظ العبد الصادق من عبوديته بما
الشكر عند العطاء ،والفتقار عند النع ،فهو سبحانه يعطيه ليشكره ،وينعه ليفتقر إليه ،فل
يزال شكورا فقيا.
89
ذ كر ا بن أ ب حا ت عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبي قال :عو نا للشيطان على ر به
بالعداوة والشرك .وقال ليث عن ماهد قال :يظاهر الشيطان على معصية ال يعينه عليها.
وقال زيد بن أسلم« :ظهيا» أي مواليا .والعن :أنه يوال عدوه على معصيته والشرك به،
فيكون مـــــع عدوه معينـــــا له على مســـــاخط ربـــــه.
فالعية الاصة الت للمؤمن مع ربه وإله قد صارت لذا الكافر والفاجر الشيطان ومع نفسه
وهواه وقربانه ،ولذا صدر الية بقوله« :ويعبدون من دون ال ما ل ينفعهم ول يضرهم»
سـورة الفرقان ،اليـة ،55وهذه العبادة هـي الوالة والحبـة والرضـا بعبوديهـم التضمنـة
لعيتهم الاصة ،فظاهروا أعداء ال على معاداته ومالفته و مساخطه ،بلف وليه سبحانه،
فإ نه م عه على نف سه وشيطا نه وهواه .وهذا الع ن من كنوز القرآن ل ن فه مه وعقله ،وبال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــق.
التوفيـ
90
عند ها صما وعميا نا .وقال الزجاج :الع ن :إذا تل يت علي هم خروا سجدا وبك يا سامعي
مبصرين كما أمروا به .وقال ابن قتيبة :أي ل يتغافلوا عنها كأنم صم ل يسمعوها وعمي ل
يروهــــــــــــــــــــــــــــــــــــا.
قلت :ههنا أمران :ذكر الرور وتسليط النفي عليه ،وهل هو خرور القلب أو خرور البدن
للسجود؟ وهل العن :ل يكن خرورهم عن صمم وعمه فلهم عليها خرور بالقلب خضوعا
أو بالبدن ســـجودا ،أو ليـــس هناك خرور وعـــب بـــه عـــن القعود.
أصول العاصي
أصول العاصي كلها ،كبارها وصغارها ،ثلثة :تعلق القلب بغي ال ،وطاعة القوة الغضبية،
والقوة الشهوان ية ،و هي الشرك والظلم والفوا حش ،فغا ية التعلق بغ ي ال شرك وأن يد عى
معه إله آخر .وغاية طاعة القوة الغضبية القتل .وغاية طاعة القوة الشهوانية الزنا .ولذا جع
ال سـبحانه وتعال بيـ الثلثـة فـ قوله« :والذيـن ل يدعون مـع ال إلاـ آخـر ول يقتلون
النفـس التـ حرم ال إل بالقـ ول يزنون» سـورة الفرقان اليـة .68وهذه الثلثـة يدعـو
بعضها إل بعض ،فالشرك يدعو إل الظلم والفواحش .كما أن الخلص والتوحيد يصرفها
عن صاحبه ،قال تعال« :كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا الخلصي »
يوسف.24:فالسوء :العشق ،والفحشاء :الزنا .وكذلك الظلم يدعو إل الشرك والفاحشة،
فإن الشرك أظلم الظلم ،كما أن أعدل العدل التوحيد .فالعدل قرين التوحيد ،والظلم قرين
الشرك ،ولذا يمـع سـبحانه بينهمـا ،أمـا الول ،ففـي قوله « :شهـد ال أنـه ل إله إل هو
واللئكـة وأولوا العلم قائمـا بالقسـط» آل عمران.18:وأمـا الثانـ فكقوله تعال « :إن
الشرك لظلم عظ يم» .والفاح شة تد عو إل الشرك والظلم ،ول سيما إذا قو يت إرادت ا ول
91
تصــــل إل بنوع مــــن الظلم والســــتعانة بالســــحر والشيطان.
وقد جع سبحانه بي الزنا والشرك ف قوله « :الزان ل ينكح إل زانية أو مشركة والزانية
ل ينكحهــا إل زان أو مشرك وحرم ذلك على الؤمنيــ» ســورة النور ،اليــة .3
فهذه الثل ثة ي ر بعض ها إل ب عض ويأ مر بعض ها بب عض .ولذا كل ما كان القلب أض عف
توحيدا وأعظــم شركا كان أكثــر فاحشــة وأعظــم تعلقا بالصــور وعشقا لاــ.
ونظ ي هذا قوله تعال «ف ما أوتي تم من ش يء فمتاع الياة الدن يا و ما ع ند ال خ ي وأب قى
الذين آمنوا وعلى ربم يتوكلون .والذين يتنبون كبائر الث والفواحش وإذا ما غضبوا هم
يغفرون» الشورى.36،37 :فأ خب أن ما عنده خ ي ل ن آ من به وتو كل عل يه ،وهذا هو
التوح يد ،ث قال« :والذ ين يتنبون كبائر ال ث والفوا حش » الشورى،37 :فهذا اجتناب
ـم يغفرون» الشورى.37 :
ـا غضبوا هـ
ـ قال « :وإذا مـ
ـة .ثـ
ـي القوة الشهوانيـ
داعـ
فهذا مال فة القوة الغضب ية ،فج مع ب ي التوح يد والع فة والعدل ال ت هي جاع ال ي كله.
92
« والرابع »:هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد التكلم به منه .والامس :هجر الستشفاء
و التداوي به ف جيع أمراض القلوب وأدوائها ،فيطلب شفاء دائه من غيه ويهجر التداوي
به ،وكل هذا داخل ف قوله « :وقال الرسول يا رب إن قومي اتذوا هذا القرآن مهجورا
» ســورة الفرقان ،اليــة .30وإن كان بعــض الجــر أهون مــن بعــض.
وكذلك الرج الذي ف الصدور منه ،فإنه تارة يكون حرجا من إنزاله وكونه حقا من عند
ال .وتارة يكون من جهة التكلم به أو كونه ملوقا من بعض ملوقاته ألم غيه إن تكلم به،
وتارة يكون مـن جهـة كفايتـه وعدمهـا وأنـه ل يكفـي العباد ،بـل هـم متاجون معـه إل
العقولت و القيسـة أو الراء أو السـياسات .وتارة يكون مـن جهـة دللتـه ومـا أريـد بـه
حقائ قه الفهو مة م نه ع ند الطاب ،أو أر يد به تأويل ها وإخراج ها عن حقائق ها إل تأويلت
مستكرهة مشتركة .وتارة يكون من جهة كون تلك القائق وإن كانت مرادة ،فهي ثابتة ف
نفـــس المـــر أو أوهـــم أناـــ مرادة لضرب مـــن الصـــلحة.
ف كل هؤلء ف صدورهم حرج من القرآن ،و هم يعلمون ذلك من نفو سهم ويدو نه ف
صدورهم .ول تد مبتدعا ف دينه قط إل وف قلبه حرج من اليات الت تالف بدعته كما
أنك ل تد ظالا فاجرا إل وف صدره حرج من اليات الت تول بينه وب ي إرادته .فتدبر
هذا العنــــــ ثــــــ ارض لنفســــــك باــــــ تشاء.
كمال النفس
كمال النفــــــس الطلوب مــــــا تضمــــــن أمريــــــن:
«أحدهاـــ »:أن يصـــي هيئة راســـخة وصـــفة لزمـــة لاـــ.
93
«الثا ن »:أن يكون صفة كمال ف نفسه .فإذا ل ي كن كذلك ل ي كن كمال ،فل يل يق ب ن
ي سعى ف كمال نف سه الناف سة عل يه ول ال سف على فو ته ،وذلك ل يس إل معر فة بارئ ها
وفاطر ها و معبود ها وإل ها ال ق الذي ل صلح ل ا ول نع يم ول لذة إل بعرف ته وإرادة
وج هه و سلوك الطر يق الو صلة إل يه وإل رضاه وكرام ته .وأن تعتاد ذلك في صي ل ا هيئة
را سخة لز مة .و ما عدا ذلك من العلوم والرادات والعمال ف هي ب ي ما ل ينفع ها ول
يكملها وما يعود بضرر ها ونق صها وألها ،ول سيما إذا صار هيئة را سخة لا ،فإنا تعذب
وتتأل بـــــــه بســـــــب لزومـــــــه لاـــــــ.
وأ ما الفضائل النف صلة عن ها كالل بس والرا كب وال ساكن والاه والال فتلك ف القي قة
عوار أعيتا مدة ،ث يرجع فيها العي ،فتتأل وتتعذب برجوعه فيها بسب تعلقها با ،ول
سيما إذا كا نت هي غا ية كمال ا ،فإذا سلبتها أحضرت أع ظم الن قص والل وال سرة.
فليتدبر من ير يد سعادة نف سه ولذت ا هذه النك تة ،فأك ثر هذا اللق إن ا ي سعون ف حرمان
نفو سهم وأل ها وح سرتا ونق صها من ح يث يظنون أن م يريدون سعادتا ونعيم ها .فلذت ا
بسب ما حصل لا من تلك العرفة والحبة والسلوك .وألها وحسرتا بسب ما فاتا من
ذلك .ومت عدم ذلك وخل منه ل يبق فيه إل القوى البدنية النفسانية الت با يأكل ويشرب
وينكح ويغضب وينال سائر لذاته ومرافق حياته .ول يلحقه من جهتها شرف ول فضيلة،
بل خ ساسة ومنق صة؛ إذ كان إن ا ينا سب بتلك القوى البهائم ويت صل بن سها ويد خل ف
جلتها ويصي كأحدها .وربا زادت ف تناولا عليه واختصت دونه بسلمة عاقبتها والمن
من جلب الضرر عليها .فكمالٌ تشاركك فيه البهائم وتزيد عليك وتتص عنك فيه بسلمة
العاقبـة حقيـق أن تجره إل الكمال القيقـي الذي ل كمال سـواه ،وبال التوفيـق.
94
ثواب النشغال بال
إذا أصبح العبد وأمسى وليس هه إل ال وحده تمل ال سبحانه حوائجه كلها ،وحل عنه
كل ما أه ه ،وفرغ قل به لحب ته ،ول سانه لذكره ،وجوار حه لطاع ته ،وإن أ صبح وأم سى
والدن يا ه ه حله ال هوم ها و غموم ها و أنكاد ها ،ووكله إل نف سه ،فش غل قل به عن مب ته
بح بة اللق ،ول سانه عن ذكره بذكر هم ،وجوار حه عن طاع ته بدمت هم وأشغال م ،ف هو
يكدح كدح الوحش ف خدمة غيه كالكي ينفخ بطنه ويعصر أضلعه ف نفع غيه .فكل
من أعرض عن عبودية ال وطاعته ومبته بلي بعبودية الخلوق ومبته وخدمته .قال تعال« :
ومــن يعــش عــن ذكــر الرحنــ نقيــض له شيطانــا فهــو له قريــن» .
قال سفيان بن عيينة :ل تأتون بثل مشهور للعرب إل جئتكم به من القرآن .فقال له قائل:
فأين ف القرآن « أعط أخاك ترة فإن ل يق بل فأعطه جرة؟ » فقال ف قوله « :ومن يعش
عــــن ذكــــر الرحنــــ نقيــــض له شيطانــــا » ...اليــــة.
أقسام العلوم
العلم :نقـــل صـــورة العلوم مـــن الارج وإثباتاـــ فـــ النفـــس.
والعمل :نقل صورة علمية من النفس وإثباتا ف الارج .فإن كان الثابت ف النفس مطابقا
للحقي قة ف نف سها ف هو علم صحيح .وكثيا ما يث بت ويتراءى ف الن فس صور ل يس ل ا
وجود حقيقي ،فيظنها الذي قد أثبتها ف نفسه علما ،وإنا هي مقدرة ل حقيقة لا .وأكثر
علوم الناس مـن هذا الباب .ومـا كان منهـا مطابقـا للحقيقيـة فـ الارج فهـو نوعان :نوع
تكمل النفس بإداركه والعلم به ،وكان النب صلى ال عليه وسلم يستعيذ بال من علم ل
95
ينفع .وهذا حال أكثر العلوم الصحيحة الطابقة الت ل يضر الهل با شيئا ،كالعلم بالفلك
ودقائقه ودرجاته ،وعدد الكواكب ومقاديرها .والعلم بعدد البال وألوانا ومساحاتا ونو
ذلك.
فشرف العلم ب سب شرف معلو مه وشدة الا جة إل يه .ول يس ذلك إل العلم بال وتوا بع
ذلك.
وأما العلم فآفته عدم مطابقته لراد ال الدين الذي يبه ال ويرضاه ،وذلك يكون من فساد
العلم تارة ومن فساد الرادة تارة .ففساده من جهة العلم أن يعتقد أن هذا مشروع مبوب
ل وليس كذلك ،أو يعتقد أنه يقربه إل ال وإن ل يكن مشروعا ،فيظن أنه يتقرب إل ال
بذا العمــــــــــــل ،وإن ل يعلم إنــــــــــــه مشروع.
وأ ما ف ساده من ج هة الق صد فأل يق صد به و جه ال والدار الخرة ،بل يق صد به الدن يا
واللق.
وهاتان الفتان ف العلم والعمل ل سبيل إل السلمة منهما إل بعرفة ما جاء به الرسول ف
باب العلم والعر فة وإرادة و جه ال والدار الخرة ف باب الق صد والرادة .فم ت خل من
هذه العرفـــــة وهذه الرادة فســـــد علمـــــه وعلمـــــه.
واليان واليقي يورثان صحة العرفة وصحة الرادة ،وها يورثان اليان ويدانه .ومن هنا
ي تبي انراف أك ثر الناس عن اليان لنراف هم عن صحة العر فة و صحة الرادة ،ول ي تم
اليان إل بتلقـي العرفـة مـن مشكاة النبوة ،وتريـد الرادة عـن شوائب الوى وإرادة
اللق ،فيكون عل مه مقتب سا من مشكاة النبوة ،وتر يد الرادة عن شوائب الوى وإرادة
اللق ،فيكون عل مه مقتب سا من مشكاة الو حي ،وإراد ته ل والدار الخرة ،فهذا أ صح
الناس عل ما وعمل و هو من الئ مة الذ ين يهدون بأ مر ال و من خلفاء ر سوله ف أم ته.
96
ظاهر اليان وباطنه
اليان له ظاهـر وباطـن ،وظاهره قول اللسـان وعمـل الوارح ،وباطنـه تصـديق القلب
وانقياده ومبته .فل ينفع ظاهر ل باطن له وإن حقن به الدماء وعصم به الال والذرية ،ول
يزئ باطن ل ظاهر له إل إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلك .فتخلف العمل ظاهرا مع
عدم الانع دليل على فساد الباطن وخلوه من اليان ،ونقصه دليل نقصه ،وقوته دليل قوته.
فاليان قلب السـلم ولبـه .واليقيـ قلب اليان ولبـه .وكـل علم وعمـل ل يزيـد اليان
واليقيـــ قوة فمدخول ،وكـــل إيان ل يبعـــث على العمـــل فمدخول.
والتوكل تارة يكون تو كل اضطرار وإلاء ،ب يث ل ي د الع بد ملجأ ول وزرا إل التو كل،
97
كما إذا ضاقت عليه السباب وضاقت عليه نفسه وظن أل ملجأ من ال إل إليه ،وهذا ل
يتخلف عنـه الفرج والتيسـي ألبتـة .وتارة يكون توكـل اختيار ،وذلك التوكـل مـع وجود
السبب الفضي إل الراد ،فإن كان السبب مأمورا به ذم على تركه .وإن قام بالسبب وترك
التو كل ذم على تر كه أي ضا ،فإ نه وا جب باتفاق ال مة و نص القرآن ،والوا جب القيام ب ما
والمع بينهما .وإن كان السبب مرما حرم عليه مباشرته وتوحد السبب ف حقه ف التوكل
فلم يبق سبب سواه ،فإن التوكل من أقوى السباب ف حصول الراد ودفع الكروه ،بل من
أقوى السباب على الطلق .وإن كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل
أو ل يضع فه؟ فإن أضع فه وفرق عل يك وش تت ه ك فتر كه أول ،وإن ل يضع فه فمباشر ته
أول؛ لن حكمة أحكم الاكمي اقتضت ربط السبب به فل تعطل حكمته مهما أمكنك
القيام ب ا ،ول سيما إذا فعل ته عبود ية ،فتكون قد أت يت بعبود ية القلب بالتو كل وعبود ية
الوارح بال سبب النوي به القر بة .والذي ي قق التو كل القيام بال سباب الأمور ب ا ،ف من
عطلها ل يصح توكله كما أن القيام بالسباب الفضية إل حصول الي يقق رجاءه ،فمن ل
يقـم باـ كان رجاؤه تنيـا ،كمـا أن مـن عطلهـا يكون توكله عجزا وعجزه توكل.
و سر التوكـل وحقيقتـه هو اعتماد القلب على ال وحده ،فل يضره مباشرة ال سباب مـع
خلو القلب من العتماد علي ها والركون إلي ها ،ك ما ل ينف عه قوله :توكلت على ال ،مع
اعتماده على غيه وركونه إليه وثقته به ،فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء ،كما أن
توبة اللسان مع إصرار القلب شيء ،وتوبة القلب وإن ل ينطق اللسان شيء .فقول العبد:
توكلت على ال ،مـع اعتماد قلبـه على غيه ،مثـل قوله :تبـت إل ال ،وهـو مصـر على
ــــــــــ.
معصــــــــــيته مرتكــــــــــب لاـ
شكوى الاهل
98
الاهل يش كو ال إل الناس ،وهذا غاية الهل بالش كو والش كو إليه فإنه لو عرف ربه لا
شكاه ،ولو عرف الناس ل ا ش كا إلي هم .ورأى ب عض ال سلف رجل يش كو إل ر جل فاق ته
وضرورته ،فقال :يا هذا ،وال ما زدت على أن شكوت من يرحك إل من ل يرحك ،وف
ذلك قيل:
والعارف إنا يشكو إل ال ،وأعرف العارفي من جعل شكواه إل ال من نفسه ل من الناس
،ف هو يش كو من موجبات ت سليط الناس عل يه ،نا ظر إل قول ال تعال« :و ما أ صابكم من
م صيبة فب ما ك سبت أيدي كم» سورة الشورى ،ال ية ،30وقوله «و ما أ صابكم من سيئة
فمن نفسك» النساء ،79 :وقوله« :أو لا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أن هذا
قل هو من عند أنفسكم» آل عمران 165 :فالراتب ثلثة :أخسها أن تشكو ال إل خلقه،
وأعلهــا أن يشكــو نفســك إليــه ،وأوســطها أن تشكــو خلقــه إليــه.
99
أموات وإن كانوا أحياء البدان.ولذا كان أكمـل الناس حياة أكملهـم اسـتجابة لدعوة
الرسول،فإن كل ما دعا إليه ففيه الياة ،فمن فاته جزء منه فاته جزء من الياة ،وفيه من
الياة بســــــب مــــــا اســــــتجاب للرســــــول.
قال ماهد « :لا يييكم» يعن للحق .وقال قتادة:هو هذا القرآن فيه الياة والثقة والنجاة
والعصمة ف الدنيا والخرة .وقال السدي :هو السلم أحياهم به بعد موتم بالكفر .وقال
ابن إسحق وعروة بن الزبي :واللفظ له «لا يييكم» يعن للحرب الت أعزكم ال با بعد
الذل،وقوا كم ب عد الض عف ،ومنع كم ب ا من عدو كم ب عد الق هر من هم ل كم .و كل هذه
عبارات عـن حقيقـة واحدة وهـي القيام باـ جاء بـه الرسـول ظاهرا وباطنـا .قال الواحدي
والكثرون على أن معن قوله «لا يييكم» هو الهاد ،وهو قول ابن إسحق واختيار أكثر
أهل العان .قال الفراء :إذا دعاكم إل إحياء أمركم بهاد عدوكم يريد أن أمرهم إنا يقوى
بالرب والهاد ،فلو تركوا الهاد ضعــف أمرهــم واجترأ عليهــم عدوهــم.
قلت :الهاد مـن أعظـم مـا يييهـم بـه فـ الدنيـا وفـ البزخ وفـ الخرة :
أ ما ف الدن يا فإن قوت م وقهر هم لعدو هم بالهاد .وأ ما ف البزخ ف قد قال تعال« :ول
ت سب الذ ين قتلوا ف سبيل ال أموا تا بل أحياء ع ند رب م يرزقون» آل عمران.169 :
وأما ف الخرة فإن حظ الجاهدين والشهداء من حياتم ونعيمها أعظم من حظ غيهم.
ولذا قال ابن قتيبة « :لا يييكم» يعن الشهادة .وقال بعض الفسرين« :لا يييكم» يعن
النـــة .فإناـــ الياة الدائمـــة الطيبـــة .حكاه أبـــو علي الرجانـــ.
وال ية تتناول هذا كله ،فإن اليان وال سلم والقرآن والهاد ت يي القلوب الياة الطي بة.
وكمال الياة ف ال نة ،والر سول داع إل اليان وإل ال نة ،ف هو داع إل الياة ف الدن يا
والخرة .والن سان مض طر إل نوع ي من الياة :حياة بد نه ال ت ب ا يدرك النا فع والضار
ويؤ ثر ما ينف عه على ما يضره .وم ت نق صت ف يه هذه الياة ناله من الل والض عف ب سب
ذلك .ولذلك كا نت حياة الر يض والحزون و صاحب ال م وال غم والوف والف قر والذل
دون حياة من هو معاف من ذلك.وحياة قلبه وروحه الت با ييز بي الق والباطل والغي
100
والرشاد والوى والضلل ،فيختار الق على ضده .فتفيده هذه الياة قوة التمييز بي النافع
والضار فـ العلوم والرادات والعمال .وتفيده قوة اليان والرادة والبـ للحـق ،وقوة
البغض والكراهة للباطل .فشعوره وتييزه وحبه ونفرته بسب نصيبه من هذه الياة ،كما
أن البدن الي يكون شعوره وإحساسه بالنافع والؤل أت ،ويكون ميله إل النافع ونفرته عن
الؤل أعظـم .فهذا بسـب حياة البدن ،وذاك بسـب حياة القلب .فإذا بطلت حياتـه بطـل
تييزه .وإن كان له نوع تييــز ل يكــن فيــه قوة يؤثــر باــ النافــع على الضار.
ك ما أن الن سان ل حياة له ح ت ين فخ ف يه اللك ،الذي هو ر سول ال ،من رو حه ،في صي
ــــن جلة الموات.
ــــل ذلك مـ
ــــخ ،وكان قبـ
ــــا بذلك النفـ
حيـ
وكذلك ل حياة لروحه وقلبه حت ينفخ فيه الرسول صلى ال عليه وسلم من الروح الذي
ألقي إليه ،قال تعال «ينل اللئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده» النحل،2 :
وقال« :يلقـي الروح مـن أمره على مـن يشاء مـن عباده» غافـر ،15 :وقال« :وكذلك
أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليان ولكن جعلناه نورا ندي
بـه مـن نشاء مـن عبادنـا» الشورى 52 :فأخـب أن وحيـه روح ونور ،فالياة والسـتنارة
موقوفة على نفخ الرسول اللكي ،فمن أصابه نفخ الرسول اللكي ونفخ الرسول البشري
ــــــــــــــــــــــــــــــلت له الياتان.
حصـ
و من ح صل له ن فخ اللك دون ن فخ الر سول ح صلت له إحدى اليات ي وفات ته الخرى.
وقال تعال« :أومـن كان ميتا فأحييناه وجعلنـا له نورا يشـي بـه فـ الناس كمـن مثله فـ
الظلمات ليس بارج منها» النعام ، 122 :فجمع له بي النور والياة كما جع لن أعرض
عن كتا به ب ي الوت والظل مة .قال ا بن عباس وج يع الف سرين :كان كافرا ضالّ فهديناه.
وقوله« :وجعلنــا له نورا يشــي بــه فــ الناس» النعام 122 :يتضمــن أمورا:
«أحدها »:أنه يشي ف الناس بالنور وهم ف الظلمة ،فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم
الليل فضلوا ول يهتدوا للطريق ،وآخر معه نور يشي به ف الطريق ويراها ويرى ما يذره
فيهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا.
101
ـم إل النور.
ـه لاجتهـ
ـون منـ
ـم يقتبسـ
ـم بنوره فهـ
ـي فيهـ
ـه يشـ
ـا » :أنـ
«ثانيهـ
«ثالثها » :أنه يشي بنوره يوم القيامة على الصراط إذا بقي أهل الشرك والنفاق ف ظلمات
شركهــــــــــــــــم ونفاقهــــــــــــــــم.
قوله« :واعلموا أن ال يول بيـ الرء وقلبـه» اليـة 24 :مـن سـورة النفال الشهور فـ
الية أنه يول بي الؤمن وبي الكفر ،وبي الكافر وبي اليان ،ويول بي أهل طاعته وبي
معصـيته ،وبيـ أهـل معصـيته وبيـ طاعتـه ،وهذا قول ابـن عباس وجهور الفسـرين.
وف الية قول آخر :أن العن :أنه سبحانه قريب من قلبه ل تفى عليه خافية فهو بينه وبي
قلبه ،ذكره الواحدي عن قتادة ،وكان هذا أنسب بالسياق؛ لن الستجابة أصلها بالقلب،
فل تن فع ال ستجابة بالبدن دون القلب ،فإن ال سبحانه ب ي الع بد وب ي قل به ،فيعلم هل
اســـتجاب له قلبـــه وهـــل أضمـــر ذلك أو أضمـــر خلفـــه؟
وعلى القول الول فوجه الناسبة أنكم إن تثاقلتم عن الستجابة وأبطأت عنها فل تأمنوا أن
ال يول بينكم وبي قلوبكم فل يكنكم بعد ذلك الستجابة عقوبة لكم على تركها بعد
وضوح ال ق وا ستبانته؛ فيكون كقوله« :ونقلب أفئدت م وأب صارهم ك ما ل يؤمنوا به أول
مرة» ال ية 110 :من سورة النعام ،وقوله« :فل ما زاغوا أزاغ ال قلوب م» ال ية 5 :من
سورة الصف ،وقوله « :وما كانوا ليؤمنوا با كذبوا به من ق بل» الية 101 :من سورة
العراف ،ففـي اليـة تذيـر عـن ترك السـتجابة بالقلب وإن اسـتجاب بالوارح.
102
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم
قوله تعال« :ك تب علي كم القتال و هو كره ل كم وع سى أن تكرهوا شيئا و هو خ ي ل كم
وع سى أن تبوا شيئا و هو شر ل كم وال يعلم وأن تم ل تعلمون» ال ية 216 :من سورة
البقرة ،وقوله عـز وجـل« :وإن كرهتموهـن فعسـى أن تكرهوا شيئا ويعـل ال فيـه خيا
كثيا» الية 19 :من سورة النساء ،فالية الول ف الهاد الذي هو كمال القوة الغضبية،
والثانيـة فـ النكاح الذي هـو كمال القوة الشهوانيـة ،فالعبـد يكره مواجهـة عدوه بقوتـه
الغضب ية خش ية على نف سه م نه ،وهذا الكروه خ ي له ف معا شه ومعاده ،وي ب الواد عة و
التاركة ،وهذا الحبوب شر له ف معاشه ومعاده ،وكذلك يكره الرأة لوصف من أوصافها،
وله ف إمساكها خي كثي ل يعرفه ،ويب الرأة لوصف من أوصافها ،وله ف إمساكها شر
كثي ل يعرفه ،فالنسان كما وصفه خالقه :ظلوم جهول فل ينبغي أن يعل العيار على ما
يضره وينفعه وميله وحبه ،ونفرته وبغضه ،بل العيار على ذلك ما اختاره ال له بأمره ونيه.
فأنفع الشياء له على الطلق طاعة ربه بظاهره وباطنه .وأضر الشياء عليه على الطلق
مع صيته بظاهره وباط نه ،فإذا قام بطاع ته وعبودي ته مل صا له ف كل ما يري عل يه م ا يكرهه
يكون خيا له ،وإذا تلى عن طاعته وعبوديته فكل ما هو فيه من مبوب هو شر له ،فمن
صحت له معرفة ربه والفقه ف أسائه وصفاته علم يقينا أن الكروهات الت تصيبه والحن
الت تنل به فيها ضروب من الصال والنافع الت ل يصيها علمه ول فكرته ،بل مصلحة
العبــــد فيمــــا يكره أعظــــم منهــــا فيمــــا يبــــ.
فعا مة م صال النفوس ف مكروهات ا ،ك ما أن عا مة مضار ها وأ سباب هلكت ها ف مبوبات ا،
103
فانظر إل غارس جنة من النات ،خبي بالفلحة ،غرس جنة وتعاهدها بالسقي والصلح
حت أثرت أشجارها فأقبل عليها يفصل أوصالا ويقطع أغصانا؛ لعلمه أنا لو خليت على
حالا ل تطب ثرتا فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة ،حت إذا التحمت با واتدت وأعطت
ثرت ا أق بل يقلم ها ويق طع أغ صانا الضعي فة ال ت تذ هب قوت ا ويذيق ها أل الق طع والد يد
ل صلحتها وكمال ا لت صلح ثرت ا أن تكون بضرة اللوك ،ث ل يدع ها ودوا عي طبع ها من
الشرب كل وقت بل يعطشها وقتا ويسقيها وقتا ول يترك الاء عليها دائما ،وإن كان ذلك
أنضر لورقها وأسرع لنباتا ،ث يعمد إل الزينة الت زينت با من الوراق فيلقي عنها كثيا
منها؛ لن تلك الزينة تول بي ثرتا وبي كمال نضجها واستوائها ،كما ف شجر العنب
ونوه ،ف هو يقطع أعضاء ها بالديد .ويل قي عن ها كثيا من زينت ها ،وذلك ع ي م صلحتها،
فلو أنا ذات تييز وإدراك كاليوان لتوهت أن ذلك إفساد لا وإضرار با ،وإنا هو عي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــلحتها.
مصـ
وكذلك الب الشف يق على ولده ب صلحته ،إذا رأى م صلحته ف إخراج الدم الفا سد ع نه
بضع جلده وقطع عروقه ،وأذاقه الل الشديد .وإن رأى شفاءه ف قطع عضو من أعضائه
أبانه عنه ،كل ذلك رحة به وشفقة عليه ،وإن رأى مصلحته ف أن يسك عنه العطاء ل يعطه
ول يوسع عليه؛ لعلمه أن ذلك أكب السباب إل فساده وهلكه ،وكذلك ينعه كثيًا من
شهوا ته حا ية له وم صلحة ل بلً عل يه ،فأح كم الاكم ي وأر حم الراح ي وأعلم العال ي
الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ،ومن آبائهم وأمهاتم إذا أنزل بم ما يكرهون كان
خيا لم من أل ينله بم ،نظرا منه لم وإحسانا إليهم ولطفا بم .ولو مكنوا من الختيار
لنفسهم لعجزوا عن القيام بصالهم علما وإرادة وعملً ،لكنه سبحانه تول تدبي أمورهم
بو جب عل مه وحكم ته ورح ته ،أحبوا أم كرهوا فعرف ذلك الوقنون بأ سائه و صفاته ،فلم
يتهموه ف شيء من أحكامه وخفي ذلك على الهال به ،وبأسائه وصفاته ،فتنازعوا تدبيه
وقدحوا ف حكم ته ول ينقادوا لك مه وعارضوا حك مه بعقول م الفا سدة وآرائ هم الباطلة
وســياساتم الائرة ،فل لربمــ عرفوا ،ول لصــالهم حصــلوا ،وال الوفــق.
ومت ظفر العبد بذه العرفة سكن ف الدنيا قبل الخرة ف جنة ل يشبه نعيمها إل نعيم جنة
104
الخرة ،فإنه ل يزال راضيا عن ربه والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفي ،فإنه طيب النفس
با يري عليه من القادير الت هي عي اختيار ال له ،وطمأنينتها إل أحكامه الدينية ،وهذا
هـــو الرضـــا بال ربّاـــ وبالســـلم دينا وبحمـــد رســـولً.
ومـا ذاق طعـم اليان مـن ل يصـل له ذلك ،وهذا الرضـا هـو بسـب معرفتـه بعدل ال
وحكم ته ورح ته وح سن اختياره .فكل ما كان بذلك أعرف كان به أر ضى ،فقضاء الرب
سبحانه ف عبده دائر بي العدل والصلحة والكمة والرحة ،ل يرج عن ذلك ألبتة ،كما
قال صلى ال عل يه و سلم ف الدعاء الشهور « :الل هم إ ن عبدك ا بن عبدك ا بن أم تك
ناصيت بيدك ماض ف حكمك عدل ف قضاؤك .أسألك بكل اسم هو لك سيت به نفسك
أو أنزلته ف كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به ف علم الغيب عندك أن تعل
القرآن رب يع قل ب ونور صدري وجلء حز ن وذهاب ه ي وغ مي .ما قال ا أ حد قط إل
أذهب ال هه وغمه وأبدله مكانه فرحا » قالوا « :أفل نتعلمهن يا رسول ال؟» قال« :بلى
ــــــن» .
ــــــمعهن أن يتعلمهـ
ــــــ يسـ
ــــــي لنـ
ينبغـ
والقصود :قوله «عدل ف قضاؤك» وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو
أل .وسبب ذلك فهو الذي قضى بالسبب وقضى بالسبب ،وهو عدل ف هذا القضاء ،وهذا
القضاء خيـ للمؤمـن كمـا قال صـلى ال عليـه وسـلم « :والذي نفسـي بيده يقضـي ال
للمؤمـــــن قضاء إل كان خيا له ،وليـــــس ذلك إل للمؤمـــــن» .
قال العلمـة ا بن الق يم :ف سألت شيخ نا :هل يد خل ف ذلك قضاء الذ نب؟ فقال :ن عم؛
بشرطه ،فأجل ف لفظه « بشرطه » ما يترتب على الذنب من الثار الحبوبة ل من التوبة
والنكســــــــار والندم والضوع والذل والبكاء وغيــــــــ ذلك.
105
الرغبة ف الخرة تقتضي الزهد بالدنيا
ل ت تم الرغ بة ف الخرة إل بالز هد ف الدن يا ،ول ي ستقيم الز هد ف الدن يا إل ب عد نظر ين
صحيحي :ن ظر ف الدن يا و سرعة زوال ا ،وفنائ ها ،واضمحلل ا ،ونق صها ،وخ ستها ،وأل
الزاح ة علي ها والرص علي ها ،و ما ف ذلك من الغ صص و الن غص و النكاد ،وآ خر ذلك
الزوال والنقطاع مع ما يعقب من السرة والسف ،فطالبها ل ينفك من هم قبل حصولا
وهــم فــ حال الظفــر باــ ،وغــم الزن بعــد فواتاــ فهذا أحــد النظريــن.
«النظر الثان »:النظر ف الخرة وإقبالا وميئها ول بد ،ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من
اليات والسـرات ،والتفاوت الذي بينـه وبيـ مـا ههنـا .فهـي كمـا قال ال سـبحانه« :
والخرة خي وأبقى» الية 17 :من سورة العلى فهي خيات كاملة دائمة .وهذه خيالت
ناقصة متقط عة مضمحلة .فإذا ت له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره ،وزهد في ما
يقتضي الزهد فيه ،فكل أحد مطبوع على أن يترك النفع العاجل واللذة الاضرة إل النفع
ال جل واللذة الغائ بة النتظرة إل إذا تبي له ف ضل ال جل على العا جل وقو يت رغب ته ف
العلى الفضل ،فإذا آثر الفان الناقص كان ذلك إما لعدم تبي الفضل له ،وإما لعدم رغبته
ف الفضل ،وكل واحد من المرين يدل على ضعف اليان وضعف العقل والبصية ،فإن
الراغب ف الدنيا الريص عليها الؤثر لا :إما أن يصدق بأن ما هناك أشرف وأفضل وأبقى
وإ ما أل ي صدق ،فإن ل ي صدق ذلك كان عادما لليان رأ سا ،وإن صدق بذلك ول يؤثره
كان فاســــــد العقــــــل ســــــيئ الختيار لنفســــــه.
وهذا تقسيم حاضر ل ينفك العبد من أحد القسمي منه ،فإيثار الدنيا على الخرة إما فساد
ف اليان وإما من فساد ف العقل .وما أكثر ما يكون منهما؛ ولذا نبذها رسول ال صلى
ال عليـه وسـلم وراء ظهره هـو وأصـحابه وصـرفوا عنهـا قلوبمـ واطرحوهـا ول يألفوهـا،
وهجروها ولو ييلوا إليها ،وعدوها سجنا ل جنة؛ فزهدوا فيها حقيقة الزهد ،ولو أرادوها
لنالوا منها كل مبوب ،ولوصلوا منها إل كل مرغوب ،فقد عرضت عليه مفاتيح كنورها
فردوها ،وفاضت على أصحابه فآثروا با ول يبيعوا حظهم من الخرة با .وعلموا أنا معب
106
وم ر ل دار مقام وم ستقر ،وأن ا دار سرور .وأن ا سحابة صيف تنق شع عن قل يل ،وخيال
طيـــــف مـــــا اســـــتتم الزيارة حتـــــ أذن بالرحيـــــل.
قال النب صلى ال عليه وسلم « :ما ل وللدنيا إنا أنا كراكب قال ف ظل شجرة ث راح
وتركها» رواه البخاري ومسلم وقال « :ما الدنيا ف الخرة إل كما يدخل أحدكم أصبعه
فــــــ اليــــــم فلينظــــــر باــــــ رجــــــع» .
وقال خالقه ما سبحانه« :إن ا م ثل الياة الدن يا كماء أنزلناه من ال سماء فاختلط به نبات
الرض م ا يأ كل الناس والنعام ح ت إذا أخذت الرض زخرف ها وازي نت و ظن أهل ها أن م
قادرون علي ها أتا ها أمر نا ليلً أو نارا فجعلنا ها ح صيدا كأن ل ت غن بال مس كذلك نف صل
اليات لقوم يتفكرون .وال يد عو إل دار ال سلم ويهدي من يشاء إل صراط م ستقيم»
اليتان 25 ،24من سورة يونس فأخب عن خسة الدنيا وزهّد فيها وأخب عن دار السلم
ودعـــــــــــــــــا إليهـــــــــــــــــا.
وقال تعال « :واضرب لمـ مثـل الياة الدنيـا كماء أنزلناه مـن السـماء فاختلط بـه نبات
الرض فأصـبح هشيما تذروه الرياح وكان ال على كـل شيـء مقتدرا الال والبنون زينـة
الياة الدنيـا والباقيات الصـالات خيـ عنـد ربـك ثوابا وخيـ أمل» اليتان 45،46مـن
ســـــــــــــــــورة الكهـــــــــــــــــف.
وقال تعال « :اعلموا أن ا الياة الدن يا ل عب ول و وزي نة وتفا خر بين كم وتكا ثر ف الموال
والولد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ث يهيج فتراه مصفرّا ث يكون حطاما وف الخرة
عذاب شديـد ومغفرة مـن ال ورضوان ومـا الياة الدنيـا إل متاع الغرور» اليـة 20مـن
ســـــــــــــــــورة الديـــــــــــــــــد.
وقال تعال « :زين للناس حب الشهوات من النساء والبني والقناطي القنطرة من الذهب
والف ضة وال يل ال سومة والنعام والرث ذلك متاع الياة الدن يا وال عنده ح سن الآب.
107
قل أؤنبئكم بي من ذلكم للذين اتقوا عند ربم جنات تري من تتها النار خالدين فيها
وأزواج مطهرة ورضوان من ال وال بصي بالعباد» اليتان 14،15من سورة آل عمران.
وقال تعال « :وفرحوا بالياة الدن يا و ما الياة الدن يا ف الخرة إل متاع» ال ية 26من
ســـــــــــــــــورة الرعـــــــــــــــــد.
وقد توعد سبحانه أعظم الوعيد لن رضي بالياة الدنيا واطمأن با وغفل عن آياته ول يرج
لقاءه فقال« :إن الذين ل يرجون لقاءنا ورضوا بالياة الدنيا واطمأنوا با والذين هم عن
آياتنـا غافلون أولئك مأواهـم النار باـ كانوا يكسـبون» اليتان 7،8مـن سـورة الشعراء.
وعي سبحانه من رضي بالياة الدنيا من الؤمني فقال « :يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا
قيل لكم انفروا ف سبيل ال اثاقلتم إل الرض أرضيتم بالياة الدنيا من الخرة فما متاع
الياة الدنيــا فــ الخرة إل قليــل» اليــة 38مــن ســورة التوبــة.
وعلى قدر رغبـة فـ الدنيـا ورضاه باـ يكون تثاقله عـن طاعـة ال وطلب الخرة.
ويك في ف الز هد ف الدن يا قوله تعال « أفرأ يت إن متعنا هم سني .ث جاء هم ما كانوا
يوعدون .مـا أغنـ عنهـم مـا كانوا يتعون» اليتان 207-205مـن سـورة الشعراء.
وقوله « :ويوم يشر هم كأن ل يلبثوا إل ساعة من النهار يتعارفون بين هم» ال ية 45من
ســـــــــــــــــورة يونـــــــــــــــــس.
وقوله « :كأنم يوم يرون ما يوعدون ل يلبثوا إل ساعة من نار بلغ فهل يهلك إل القوم
الفاســــــقون» اليــــــة 35مــــــن ســــــورة الحقاف.
وقوله تعال « :يسألونك عن الساعة أيان مرساها .فيم أنت من ذكراها .إل ربك منتهاها.
إنا أنت منذر من يشاها .كأنم يوم يرونا ل يلبثوا إل عشية أو ضحاها» اليات 46-42
ـــــــــــــــورة النازعات.
ـــــــــــــــن سـ
مـ
108
وقوله « :ويوم تقوم السـاعة يقسـم الجرمون مـا لبثوا غيـ سـاعة» اليـة 35مـن سـورة
الروم.
وقوله « :قال كم لبثتم ف الرض عدد سني .قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادّين.
قال إن لبثتـم إل قليل لو أنكـم كنتـم تعلمون» اليتان 114-112مـن سـورة الؤمنون.
وقوله « :يوم ين فخ ف ال صور ون شر الجرم ي يومئذ زرقا .يتخافتون بين هم إن لبث تم إل
عشرا .نن أعلم با يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إل يوما» اليتان 104 ، 103
مـــــــــــن ســـــــــــورة طـــــــــــه.
ـــــــــــــه التكلن.
ـــــــــــــتعان وعليـ
وال السـ
و قد أج ع العارفون على أن كل خ ي فأ صله بتوف يق ال للع بد .و كل شر فأ صله خذل نه
لعبده .وأجعوا أن التوفيـق أل يكلك ال نفسـك وأن الذلن هـو أن يلي بينـك وبيـ
نفسك .فإذا كان كل خي فأصله التوفيق وهو بيد العبد فمفتاحه الدعاء والفتقار وصدق
اللجئ والرغبة والرهبة إليه ،فمت أعطي العبد هذا الفتاح فقد أراد أن يفتح له ،ومت أضله
ــــا دونـــــه.
عـــــن الفتاح بقـــــي باب اليـــــ مُرْتَجًـ
109
قال أم ي الؤمن ي ع مر بن الطاب :إ ن ل أح ل هم الجا بة ول كن هم الدعاء فإن الجا بة
م عه .وعلى قدر ن ية الع بد وه ته ومراده ورغب ته ف ذلك يكون توفي قه سبحانه وإعان ته،
فالعونـة مـن ال تنل على العباد على قدرهـم وثباتمـ ورغبتهـم ورهبتهـم ،والذلن ينل
علي هم على ح سب ذلك ،فال سبحانه أح كم الاكم ي وأعلم العال ي ،ي ضع التوف يق ف
مواضعـه اللئقـة بـه والذلن فـ مواضعـه اللئقـة بـه ،وهـو العليـم الكيـم.
وما أت من أت إل من قِبَل إضاعة الشكر وإهال الفتقار والدعاء ،ول ظفر من ظفر بشيئة
ال وعو نه إل بقيا مه بالش كر و صدق الفتقار والدعاء .وملك ذلك ال صب فإ نه من اليان
بنله الرأس مــــن الســــد ،فإذا قطــــع الرأس فل بقاء لســــد.
مــا ضرب عبــد بعقوبــة أعظــم مــن قســوة القلب والبعــد عــن ال.
خلقــــــــت النار لذابــــــــة القلوب القاســــــــية.
أبعــــــــد القلوب مــــــــن ال القلب القاســــــــي.
إذا قســـــــــا القلب قحطـــــــــت العيـــــــــ.
ق سوة القلب من أرب عة أشياء إذا جاوزت قدر الا جة :ال كل والنوم والكلم والخاط بة.
ك ما أن البدن إذا مرض ل ين فع ف يه الطعام والشراب .فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات
ل تنجــــــــــح فيــــــــــه الواعــــــــــظ.
ــــه.
ــــر ال على شهوتـ
ــــه فليؤثـ
ــــفاء قلبـ
ــــن أراد صـ
مـ
القلوب التعلقـــة بالشهوات مجوبـــة عـــن ال بقدر تعلقهـــا باـــ.
القلوب آنيــة ال فــ أرضــه ،فأحبهــا إليــه أرقهــا وأصــلبها وأصــفاها.
شغلوا قلوبمـ بالدنيـا ،ولو شغلوهـا بال والدار الخرة لالت فـ معانـ كلمـه وآياتـه
ــــم وظرف الفوائد.
ــــحابا بغرائب الكـ
ــــت إل أصـ
الشهودة ورجعـ
إذا غذي القلب بالتذ كر و سقي بالتف كر ون قي من الد غل ،رأى العجائب وأل م الك مة.
ليس كل من تلى بالعرفة والكمة وانتحلها كان من أهلها ،بل أهل العرفة والكمة الذين
أحيوا قلوب م بق تل الوى .وأ ما من ق تل قل به فأح يا الوى ،فالعر فة والك مة عار ية على
110
لســــــــــــــــــــــــــــــــــــانه.
ــر.
ــة والذكـ
ــن الشيـ
ــه مـ
ــن والغفلة ،وعمارتـ
ــن المـ
خراب القلب مـ
إذا زهدت القلوب فـ موائد الدنيـا قعدت على موائد الخرة بيـ أهـل تلك الدعوة ،وإذا
رضيــــــــت بوائد الدنيــــــــا فاتتهــــــــا تلك الوائد.
الشوق إل ال ولقائه نســيم يهــب على القلب يروح عنــه وهــج الدنيــا.
من وطن قل به عند ربه سكن واستراح ،و من أر سله ف الناس اضطرب واشتد به القلق.
ل تدخـل مبـة ال فـ قلب فيـه حـب الدنيـا إل كمـا يدخـل المـل فـ سـم البرة.
إذا أ حب ال عبدا ا صطنعه لنف سه واجتباه لحب ته وا ستخلصه لعباد ته فش غل ه ته بدم ته.
مرض القلب
والقلب يرض كمـا يرض البدن وشفاؤه فـ التوبـة والميـة ،ويصـدأ كمـا تصـدأ الرآة
وجلؤه بالذكر .ويعرى كما يعرى السم وزينته التقوى ،ويوع ويظمأ كما يوع البدن،
وشرابـــه العرفـــة والحبـــة والتوكـــل والنابـــة والدمـــة.
إياك والغفلة عمن جعل لياتك أجل وليامك وأنفاسك أمدا ،ومن كل ما سواه بد ول بد
لك منـــــــــــــــــــــــــــــــــــه.
111
ترك الختيار
من ترك الختيار والتدبي ف طلب زيادة دنيا أو جاه أو ف خوف نقصان أو ف التخلص من
عدو؛ توكل على ال وثقة بتدبيه له وحسن اختياره له ،فألقى كنفه بي يديه وسلم المر
إليه ورضي با يقضيه له ،استراح من الموم و الغموم والحزان .ومن أب إل بتدبيه لنفسه
وقع ف النكد والنصب وسوء الال والتعب ،فل عيش يصفو ،ول قلب يفرح ،ول عمل
يزكــــــــو ،ول أمــــــــل يقوم ،ول راحــــــــة تدوم.
وال سبحانه سهل لل قه ال سبيل إل يه ،وحجب هم ع نه بالتدب ي ،ف من ر ضي بتدب ي ال له
و سكن إل اختياره و سلم لك مه ،أزال ذلك الجاب فأف ضى القلب إل ر به واطمأن إل يه
وســــــــــــــــــــــــــــــــــــكن.
للقلب ستة مواطن يول فيها ل سابع لا :ثلثة سافلة وثلثة عالية :فالسافلة :دنيا تتزين له،
ون فس تد ثه ،وعدو يو سوس له .فهذه موا طن الرواح ال سافلة ال ت ل تزال تول في ها.
والثلثة العالية :علم يتبي له ،وعقل يرشده ،وإله يعبده .والقلوب جوالة ف هذه الواطن.
اتباع الوى وطول ال مل مادة كل فساد ،فإن اتباع الوى يع مي عن الق معرفة وقصدا.
وطول المـــل ينســـي الخرة ويصـــد عـــن الســـتعداد لاـــ.
ــن غيه.
ــه أو يداهـ
ــن نفسـ
ــدق ويداهـ
ــة الصـ
ــد رائحـ
ــم عبـ
ل يشـ
إذا أراد ال بعبد خيا جعله معترفا بذنبه مسكا عن ذنب غيه ،جوادا با عنده ،زاهدا فيما
عنـــــد غيه ،متمل لذى غيه ،وإن أراد بـــــه شرا عكـــــس ذلك.
112
المـة العليـة ل تزال حائمـة حول ثلثـة أشياء :تعرف الصـفة مـن الصـفات العليـا ؛ تزداد
بعرفتها مبة وإرادة ،وملحظة النة ؛ تزداد بلحظتها شكرا وطاعة ،وتذكّر الذنب ؛ تزداد
بتذكره توبـة وخشيـة ،فإذا تعلقـت المـة بسـوى هذه الثلثـة جالت فـ أوديـة الوسـاوس
والطرات.
من ع شق الدن يا نظرت إل قدر ها عنده ف صيته من خدم ها وعبيد ها وأذل ته ،و من أعرض
عنهـــــــا نظرت إل كـــــــب قدره فخدمتـــــــه وذلت له.
إنا يقطع السفر ويصل السافر بلزوم الادة وسي الليل ،فإذا حاد السافر عن الطريق ونام
ـــــــــده؟
ـــــــــل مقصـ
ـــــــــف يصـ
كله فكيـ
فإذا كان العال والاكم مبي للرياسة متبعي للشهوات ل يتم لما ذلك إل بدفع ما يضاده
من الق ول سيما إذا قامت له شبهة فتتفق الشبهة والشهوة ويثور الوى فيخفى الصواب
وينطمس وجه الق ،وإن كان الق ظاهرا ل خفاء به ول شبهة فيه أقدم على مالفته وقال:
ل مرج بالتوبـة ،وفـ هؤلء وأشباههـم قال تعال« :فخلف مـن بعدهـم خلف أضاعوا
113
الصلة واتبعوا الشهوات» الية 59من سورة مري .وقال ال تعال فيهم أيضا « :فخلف
من بعد هم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الد ن ويقولون سيغفر ل نا وإن يأت م
عرض مثله يأخذوه أل يؤ خذ علي هم ميثاق الكتاب أن يقولوا على ال إل ال ق ودر سوا ما
ف يه والدار الخرة خ ي للذ ين يتقون أفل تعقلون» ال ية 169من سورة العراف .فأ خب
سبحانه أنم أخذوا العرض الدن مع علمهم بتحريه عليهم وقالوا سيغفر لنا ،وإن عرض
لم عرض آخر أخذوه ،فهم مصرون على ذلك ،وذلك هو الامل لم على أن يقولوا على
ال غ ي ال ق ،فيقولون :هذا حك مه وشر عه ودي نه ،و هم يعلمون أن دي نه وشر عه وحك مه
خلف ذلك ،أو ل يعلمون أن ذلك دينـه وشرعـه وحكمـه ،فتارة يقولون على ال مـا ل
يعلمون وتارة يقولون عليـــــــه مـــــــا يعلمون بطلنـــــــه.
وأما الذين يتقون فيعلمون أن الدار الخرة خي من الدنيا فل يملهم حب الرياسة والشهوة
على أن يؤثروا الدن يا على الخرة .وطر يق ذلك أن يتم سكوا بالكتاب وال سنة وي ستعينوا
بالصب والصلة ،ويتفكروا ف الدنيا وزوالا وخستها ،والخرة وإقبالا ودوامها ،وهؤلء ل
بد أن يبتدعوا ف الدين مع الفجور ف العمل ،فيجتمع لم المران ،فإن اتباع الوى يعمي
عي القلب فل ييز بي السنة والبدعة ،أو ينكسه فيى البدعة سنة والسنة بدعة ،فهذه آفة
العلماء إذا آثروا الدنيا واتبعوا الرياسات والشهوات .وهذا اليات فيهم إل قوله « :واتل
عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين .ولو شئنا لرفعناه
ب ا ولك نه أخلد إل الرض وات بع هواه فمثله كم ثل الكلب إن ت مل عل يه يل هث أو تتر كه
يل هث» اليتان 176 ،175من سورة العراف فهذا م ثل عال ال سوء الذي يع مل بلف
عمله.
وتأمـــل مـــا تضمنتـــه هذه اليـــة مـــن ذمـــه وذلك مـــن وجوه:
«أحدهــا » :أنــه ضــل بعــد العلم واختار الكفــر على اليان عمدا ل جهلً.
«ثانيها » :أنه فارق اليان مفارقة من ل يعود إليه أبدا فإنه انسلخ من اليات بالملة كما
ـا.
ـلخ منهـ
ـء ل ينسـ
ـا شيـ
ـه منهـ
ـي معـ
ـا ،ولو بقـ
ـن قشرهـ
ـة مـ
ـلخ اليـ
تنسـ
«ثالثها » :أن الشيطان أدركه ولقه بيث ظفر به وافترسه ،ولذا قال« :فأتبعه الشيطان»
114
ول يقل :يتبعه ،فإن ف معن «أتبعه» :أدركه ولقه ،وهو أبلغ من «تبعه» لفظا ومعن.
«رابع ها » :أ نه غوي ب عد الر شد ،وأل فى الضلل ف العلم والق صد .و هو أ خص بف ساد
القصد والعمل ،كما أن الضلل أخص بفساد العلم والعتقاد ،فإذا أُفرد أحدها دخل فيه
الخــــــر ،وإن اقترنــــــا فالفرق مــــــا ذكــــــر.
«خامسها » :أنه سبحانه ل يشأ أن يرفعه بالعلم فكان سبب هلكه؛ لنه ل يرفع به فصار
وبالً عليــــه ،فلو ل يكــــن عالا كان خيا له وأخــــف لعذابــــه.
« سادسها » :أ نه سبحانه أ خب عن خ سة ه ته وأ نه اختار ال سفل الد ن على الشرف
العلى.
«سابعها » :أن اختياره للدن ل يكن عن خاطر وحديث نفس ،ولكنه كان عن إخلد إل
الرض وميل بكليته إل ما هناك .وأصل الخلد :اللزوم على الدوام كأنه قيل لزم اليل إل
الرض .ومن هذا يقال :أخلد فلن بالكان إذا لزم القامة به ،قال مالك بن نويرة:
وعب عن ميله إل الدنيا بإخلده إل الرض؛ لن الدنيا هي الرض وما فيها وما يستخرج
مــــــــــــــــن الزينــــــــــــــــة والتاع.
«ثامنهـا » :أنـه رغـب عـن هداه واتبـع هواه فجعـل هواه إماما له يقتدي بـه ويتبعـه.
«تاسـعها » :أنـه شبهـه بالكلب الذي هـو أخـس اليوانات هةـ ،وأسـقطها نفسـا وأبلهـا
وأشدهـــــــــــــا كلبا؛ ولذا ســـــــــــــي كلبا.
«عاشرهـا » :أنـه شبـه لثـه على الدنيـا وعدم صـبه عنهـا وجزعـه لفقدهـا وحرصـه على
تصيلها بلهث الكلب ف حالت تركه والمل عليه بالطرد وهكذا .هذا إن ترك فهو لثان
على الدنيا ،وإن وعظ وزجر فهو كذلك ،فاللهث ل يفارقه ف كل حال كلهث الكلب.
115
وعظته فهو ضال ،وإن تركته فهو ضال كالكلب إن طردته لث وإن تركته على حاله لث.
وهذا التمثيل ل يقع بكل كلب وإنا وقع بالكلب اللهث .وذلك أسوأ ما يكون وأشنعه.
وقد ضرب ال سبحانه وتعال مثل النوع الخر بقوله « :كمثل الشيطان إذ قال للنسان
اكفر فلما كفر قال إن بريء منك إن أخاف ال رب العالي .فكان عاقبتهما أنما ف النار
خالدين فيها وذلك جزاء الظالي» اليتان 16،17 :من سورة الشر وقصته معروفة فإنه
بنـ أسـاس أمره على عبادة ال بهـل فأوقعـه الشيطان بهله ،وكفره بهله .فهذا إمام كـل
عابد جاهل يكفر ول يدري .وذاك إمام كل عال فاجر يتار الدنيا على الخرة ،وقد جعل
سبحانه رضا العبد بالدنيا وطمأنينته وغفلته عن معرفة آياته وتدبرها والعمل با سبب شقائه
وهلكه .ول يتمع هذان _ أعن :الرضا بالدنيا والغفلة عن آيات الرب _ إل ف قلب من
ل يؤ من بالعاد ول ير جو لقاء رب العباد ،وإل فلو ر سخ قد مه ف اليان بالعاد ل ا ر ضي
الدنيــــــا ول اطمئن إليهــــــا ،ول أعرض عــــــن آيات ال.
وأنـت إذا تأملت أحوال الناس وجدت هذا الضرب هـو الغالب على الناس وهـم عمار
الدنيا ،وأقل الناس عددا من هو خلف ذلك ،وهو من أشد الناس غربة بينهم ،لم شأن وله
116
شأن ،علمه غي علومهم وإرادته غي إرادتم .وطريقه غي طريقهم ،فهو ف واد وهم ف
واد ،قال تعال « :إن الذين ل يرجون لقاءنا ورضوا بالياة الدنيا واطمأنوا با والذين هم
عن آياتنا غافلون .أولئك مأواهم النار با كانوا يكسبون» اليتان 7،8من سورة يونس.
ثـ ذكـر وصـف ضـد هؤلء ومآلمـ وعاقبتهـم بقوله « :الذيـن آمنوا وعملوا الصـالات
يهدي هم رب م بإيان م تري من تت هم النار ف جنات النع يم» ال ية 9من سورة يو نس
فهؤلء إيانمـ بلقاء ال أورثهـم عدم الرضـا بالدنيـا والطمأنينـة إليهـا ودوام ذكـر آياتـه.
فهذه مواريـــث اليان بالعاد وتلك مواريـــث عدم اليان بـــه والغفلة عنـــه.
117
فكل طائفة اعتقدت أن العلم ما معها وفرحت به« ،فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب
ب ا لدي هم فرحون» ال ية 53من سورة الؤمنون وأك ثر ما عند هم كلم وآراء و خرص،
والعلم وراء الكلم ،ك ما قال حاد بن ز يد :قلت ليوب :العلم اليوم أك ثر أو في ما تقدم؟
فقال :الكلم اليوم أكثــــــر ،والعلم فيمــــــا تقدم أكثــــــر.
ففرق هذا الراسخ بي العلم بعزل عن أكثرها ،وهو ما جاء به الرسول عن ال قال تعال:
« فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم» الية 61من سورة آل عمران وقال « :
ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم» الية 120من سورة البقرة وقال القرآن:
«أنزله بعلمــه» اليــة 166مــن ســورة النســاء أي وفيــه علمــه.
ولا بعد العهد بذا العلم آل المر بكثي من الناس إل أن اتذوا هواجس الفكار و سوانح
الواطـر والراء علما ،ووضعوا فيهـا الكتـب وأنفقوا فيهـا النفاس فضيعوا فيهـا الزمان،
وملئوا ب ا ال صحف مدادا ،والقلوب سوادا ،ح ت صرح كث ي من هم أن م ل يس ف القرآن
وال سنة علم وأن أدلت هم لفظ ية ل تف يد يقينا ول علما ،صرخ الشيطان بذه الكل مة في هم
وأذّن با بي أظهرهم حت أسعها دانيهم لقاصيهم ،فانسخلت با القلوب من العلم واليان
ـــه.
ـــن لبسـ
ـــا والثوب عـ
ـــن قشرهـ
ـــة مـ
ـــلخ اليـ
كانسـ
قال المام العل مة ش س الد ين ا بن الق يم :أ خبن ب عض أ صحابنا عن ب عض أتباع تلم يذ
هؤلء أ نه رآه يشت غل ف ب عض كتب هم ول ي فظ القرآن فقال له :لو حف ظت القرآن أولً
كان أول ،فقال :وهل ف القرآن علم؟ قال ابن القيم :وقال ل بعض أئمة هؤلء :إنا نسمع
الديث لجل البكة ل لنستفيد منه العلم؛ لن غينا قد كفانا هذه الؤنة ،فعمدتنا على ما
فهموه وقرروه ،ول شك أن من كان هذا مبلغه من العلم فهو كما قال القائل:
قال :وقال ل شيخ نا مرة ف و صف هؤلء :إن م طافوا على أرباب الذا هب ففازوا بأ خس
الطالب ،ويكف يك دليلً على أن هذا عند هم ل يس من ع ند ال ما ترى ف يه من التنا قض
والختلف و م صادمة بع ضه للب عض ،قال تعال« :ولو كان من ع ند غ ي ال لوجدوا ف يه
118
اختلفا كثيا» الية 82من سورة النساء وهذا يدل على أن ما كان من عنده سبحانه ل
يتلف.
وأن ما اختلف وتنا قض فل يس من عنده وك يف تكون الراء واليارات و سوانح الفكار
دينـــــا يدان بـــــه ويكـــــم بـــــه على ال ورســـــوله؟
سـبحانك هذا بتان عظيـم وقـد كان علم الصـحابة الذي يتذاكرون فيـه غيـ علوم هؤلء
الختلف ي الرا صي ك ما ح كى الا كم ف ترج ة أ ب ع بد ال البخاري قال :كان أ صحاب
ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إذا اجتمعوا إن ا يتذاكرون كتاب رب م و سنة نبيهم ل يس
بينهــــــــــــــم رأي ول قياس .ولقــــــــــــــد
أحسن القائل:
119
السـموات والرض ومـا بينهمـا ،وهذا ل يكـن ينكره عباد الصـنام مـن قريـش ونوهـم.
وآخرون اليان عند هم هو التكلم بالشهادت ي ،سواء كان م عه ع مل أو ل ي كن ،و سواء
وافـــــــــق تصـــــــــديق القلب أو خالفـــــــــه.
وآخرون عند هم اليان مرد ت صديق القلب بأن ال سبحانه خالق ال سموات والرض وأن
ممدا عبده ور سوله ،وإن ل يقـر بلسـانه ول يع مل شيئا ،بـل ولو سب ال ور سوله وأتـى
ــن.
ــو مؤمـ
ــوله فهـ
ــة ال ونبوة رسـ
ــد وحدانيـ
ــو يعتقـ
ــه ،وهـ
عظمتـ
وآخرون عندهم اليان هو جحد صفات الرب تعال من علوه على عرشه وتكلمه بكلماته
وكتبه وسعه وبصره ومشيئته وقدرته وإرادته وحبه وبغضه وغي ذلك ما وصف به نفسه،
ووصفه به رسوله ،فاليان عندهم إنكار حقائق ذلك كله ،وجحده والوقوف مع ما تقتضيه
آراء التهوكيـ وأفكار الخرصـي الذيـن يرد بعضهـم على بعـض ،وينتقـض بعضهـم قول
بعـض ،الذيـن هـم كمـا قال عمـر بـن الطاب والمام أحدـ :متلفون فـ الكتاب مالفون
للكتاب ،متفقون على مفارقـــــــــــــــــــــــة الكتاب.
وآخرون عند هم اليان عبادة ال ب كم أذواق هم و مواجيد هم و ما تواه نفو سهم من غ ي
تقييـــد باـــ جاء بـــه الرســـول صـــلى ال عليـــه وســـلم.
وآخرون اليان عندهم ما وجدوا عليه آباءهم وأسلفهم بكم التفاق كائنا ما كان ،بل
إيانمــــــــــ مبنــــــــــ على مقدمتيــــــــــ:
« إحداهاـ » :أن هذا قول أسـلفنا وآبائنـا ،و «الثانيـة »:أن مـا قالوه فهـو القـ.
وآخرون عندهم اليان مكارم الخلق وحسن العاملة وطلقة الوجه وإحسان الظن بكل
أحـــــــــد ،و تليـــــــــة الناس و غفلتمـــــــــ.
وآخرون عندهم اليان :التجرد من الدنيا وعلئقها وتفريغ القلب منها والزهد فيها ،فإذا
رأوا رجلً هكذا جعلوه من سادات أهل اليان وإن كان منسلخا من اليان علما وعملً.
وأعلى من هؤلء من ج عل اليان هو مرد العلم وإن ل يقار نه ع مل و كل هؤلء ل يعرف
حقيقة اليان ول قاموا به ول قام بم وهم أنواع :منهم من جعل اليان ما يضاد اليان،
ومنهم من جعل اليان ما ل يعتب ف اليان ،ومنهم من جعله ما هو شرط فيه ول يكفي ف
120
حصوله ،ومنهم من اشترط ف ثبوته ما يناقضه و يضاده ،ومنهم من اشترط فيه ما ليس منه
بوجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه.
اليان
واليان وراء ذلك كله ،و هو حقي قة مرك بة من :معر فة ما جاء به الر سول صلى ال عليه
وسلم علما ،والتصديق به عقدا ،والقرار به نطقا ،والنقياد له مبة وخضوعا ،والعمل به
باطنــــــا وظاهرا وتنفيذه والدعوة إليــــــه بســــــب المكان.
121
أصول السعادة
إنا يد الشقة ف ترك الألوفات والعوائد من تركها لغي ال ،أما من تركها صادقا ملصا من
قلبه ل فإنه ل يد ف تركها مشقة إل ف أول وهلة ليمتحن أصادق هو ف تركها أم كاذب،
فإن صب على تلك الشقة قليل استحالت لذة :قال ابن سيين :سعت شريا يلف بال ما
ترك ع بد ل شيئا فو جد فقده .وقول م « :من ترك ل شيئا عو ضه ال خيا م نه » حق،
والعوض أنواع متل فة ،وأجلّ ما يعوض به :ال نس بال ومب ته وطمأني نة القلب به وقو ته
ونشاطــــــه وفرحــــــه ورضاه عــــــن ربــــــه تعال.
أغـــب الناس مـــن ضـــل فـــ آخـــر ســـفره وقـــد قارب النل.
العقول الؤيدة بالتوف يق ترى أن ما جاء به الر سول صلى ال عل يه و سلم هو ال ق الوا فق
للعقل والكمة .والعقول الضروبة بالذلن ترى العارضة بي العقل والنقل وبي الكمة و
الشرع.
أقرب الو سائل إل ال ملز مة ال سنة والوقوف مع ها ف الظا هر والبا طن ودوام الفتقار إل
ال وإرادة وج هه وحده بالقوال والفعال ،و ما و صل أ حد إل ال إل من هذه الثل ثة و ما
انقطـــع عنـــه أحـــد إل بانقطاعـــه عنهـــا أو عـــن أحدهـــا.
الصول الت انبن عليها سعادة العبد ثلثة ،ولكل واحد منها ضد ،فمن فقد ذلك الصل
حصـل على ضده :التوحيـد وضده الشرك ،والسـنة وضدهـا البدعـة ،والطاعـة وضدهـا
العصية .ولذه الثلثة ضد واحد وهو خلو القلب من الرغبة ف ال وفيما عنده ومن الرهبة
منـــــــــــــــــه وماـــــــــــــــــ عنده.
122
أهل الدى وأهل الضلل
قال تعال « :وكذلك نفصل اليات ولتستبي سبيل الجرمي» سورة النعام ،الية55 :
،وقال « :ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبي له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نوله ما
تول » ...سورة الن ساء ،ال ية 115 :ال ية ،وال تعال قد ب ي ف كتا به سبيل الؤمن ي
مفصلة وسبيل الجرمي مفصلة ،وعاقبة هؤلء مفصلة وعاقبة هؤلء مفصلة ،وأعمال هؤلء
وأعمال هؤلء ،وأولياء هؤلء وأولياء هؤلء ،وخذلنـه لؤلء وتوفيقـه لؤلء ،والسـباب
التـ وفـق باـ هؤلء والسـباب التـ خذل باـ هؤلء ،و جلى سـبحانه المريـن فـ كتابـه
وكشفهما وأوضحهما وبينهما غاية البيان حت شاهدتما البصائر كمشاهدة البصار الضياء
والظلم.
فالعالون بال وكتا به ودي نه عرفوا سبيل الؤمن ي معر فة تف صيلية ،و سبيل الجرم ي معر فة
تفصـيلية ،فاسـتبانت لمـ السـبيلن كمـا يسـتبي للسـالك الطريـق الوصـل إل مقصـوده
والطريق الوصل إل اللكة .فهؤلء أعلم اللق وأنفعهم للناس وأنصحهم لم وهم الدلء
الداة ،وبذلك برز ال صحابة على ج يع من أ تى بعد هم إل يوم القيا مة ،فإن م نشئوا ف
سبيل الضلل والك فر والشرك وال سبل الو صلة إل اللك وعرفو ها مف صلة ،ث جاء هم
الر سول فأخرج هم من تلك الظلمات إل سبيل الدى و صراط ال ال ستقيم ،فخرجوا من
الظلمة الشديدة إل النور التام ومن الشرك إل التوحيد ،ومن الهل إل العلم ،ومن الغي
إل الرشاد ،ومن الظلم إل العدل ،ومن الية والعمى إل الدى والبصائر ،فعرفوا مقدار
ما نالوه وظفروا به ،ومقدار ما كانوا ف يه .فإن ال ضد يظ هر ح سنه ال ضد ،وإن ا ت تبي
الشياء بأضداد ها .فازدادوا رغ بة وم بة في ما انتقلوا إل يه ،و نفرة وبغ ضا ل ا انتقلوا ع نه،
وكانوا أحب الناس ف التوحيد واليان والسلم وأبغض الناس ف ضده ،عالي بال سبيل
على التفصــــــــــــــــــــــــــــــــيل .
وأما من جاء بعد الصحابة ،فمنهم من نشأ ف السلم غي عال تفصيل ضده فالتبس عليه
بعض تفاصيل سبيل الؤمني بسبيل الجرمي ،فإن اللبس إنا يقع إذا ضعف العلم بالسبيلي
123
أو أحده ا ك ما قال ع مر بن الطاب :إن ا تن قض عرى ال سلم عروة عروة إذا ن شأ ف
السـلم مـن ل يعرف الاهليـة ،وهذا مـن كمال عمـر رضـي ال عنـه ،فإنـه إذا ل يعرف
الاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى ال عليه فإنه من الاهلية ،
فإناــ منســوبة إل الهــل ،وكــل مــا خالف الرســول فهــو مــن الهــل .
فمن ل يعرف سبيل الجرم ي ول ت ستب له أوشك أن يظن ف بعض سبيلهم أن ا من سبيل
الؤمن ي ،ك ما و قع ف هذه ال مة من أمور كثية ف باب العتقاد والعلم والع مل هي من
سبيل الجرم ي والكفار وأعداء الر سل ،أدخل ها من ل يعرف أن ا من سبيلهم ف سبيل
الؤمني ودعا إليه وكفر من خالفها واستحل منه ما حرمه ال ورسوله كما وقع لكثر أهل
البدع من الهم ية والقدر ية والوارج و الروا فض وأشباه هم م ن ابتدع بد عة ود عا إلي ها
وكفـــــــــــر مـــــــــــن خالفهـــــــــــا .
124
ومعر فة و جه بطل نه ،و هو بنلة من سلمت نف سه من إرادة الشهوات فلم ت طر بقل به ول
تدعه إليها نفسه ،بلف الفرقة الول ،فإنم يعرفونا وتيل إليها نفوسهم وياهدونا على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــا ال.
تركهـ
و قد كتبوا إل ع مر بن الطاب ي سألونه عن هذه ال سألة أيه ما أف ضل :ر جل ل ت طر له
الشهوات ول تر بباله ،أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها ل؟ فكتب عمر :إن الذي تشتهي
نف سه العا صي ويترك ها ل عز و جل من الذ ين امت حن ال قلوب م للتقوى ل م مغفرة وأ جر
عظيــــــــــــــــــــــــــــــــــــم.
وهكذا من عرف البدع والشرك والبا طل وطر قه فأبغض ها ل وحذر ها وحذر من ها ودفع ها
عن نفسه ول يدعها تدش وجه إيانه ول تورثه شبهة ول شكا ،بل يزداد بعرفتها بصية ف
ال ق ومبة له ،وكراهة لا و نفرة عنها ،أف ضل من ل ت طر بباله ول تر بقلبه .فإنه كل ما
مرت بقلبه وتصورت له ازداد مبة للحق ومعرفة بقدره وسرورا به ،فيقوى إيانه به .كما
أن صاحب خوا طر الشهوات والعا صي كل ما مرت به فر غب عن ها إل ضد ها ازداد م بة
لضدها ورغبة فيه وطلبا له وحرصا عليه ،فما ابتلى ال سبحانه عبده الؤمن بحبة الشهوات
والعاصي وميل نفسه إليها إل ليسوقه با إل مبة ما هو أفضل منها وخي له وأنفع وأدوم ،
وليجاهد نفسه على تركها له سبحانه فتورثه تلك الجاهدة الوصول إل الحبوب العلى .
فكلما نازعته نفسه إل تلك الشهوات واشتدت إرادته لا وشوقه إليها ،صرف ذلك الشوق
والرادة والحبـة إل النوع العال الدائم ،فكان طلبـه له أشـد وحرصـه عليـه أتـ ،بلف
النفس الباردة الالية من ذلك ،فإنا وإن كانت طالبة للعلى لكن بي الطلبي فرق عظيم.
أل ترى أن مـن مشـى إل مبوبـه على المـر والشوك أعظـم منـ مشـى إليـه راكبـا على
النجائب فليس من آثر مبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها إل غيه ،فهو
سـبحانه يبتلي عبده بالشهوات ،إمـا حجابـا له عنـه ،أو حاجبـا له يوصـله إل رضاه وقربـه
وكرامتـــــــــــــــــــــــــــــــــــه.
«الفرقة الرابعة »:فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة ،وسبيل الؤمني مملة ،
125
وهذا حال كث ي م ن اعت ن بقالت ال مم ومقالت أ هل البدع ،فعرف ها على التف صيل ول
يعرف ما جاء به الر سول كذلك ،بل عر فه معر فة مملة وإن تف صلت له ف ب عض الشياء
ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عيانا .وكذلك من كان عارفا بطرق الشر والظلم والفساد على
التفصيل سالكا لا ،إذا تاب ورجع عنها إل سبيل البرار يكون علمه با ممل غي عارف
باــ على التفصــيل معرفــة مــن أفنــ عمره فــ تصــرفها وســلوكها.
126
فيما ل ينفع ،وخدمة من ل تقربك خدمته إل ال ول تعود عليك بصلح دنياك ،وخوفك
ورجاؤك لن ناصيته بيد ال وهو أسي ف قبضته ول يلك لنفسه ضرا ول نفعا ول موتا ول
حياة ول نشورا.
وأع ظم هذه الضاعات إضاعتان ه ا أ صل كل إضا عة :إضا عة القلب وإضا عة الو قت،
فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الخرة ،وإضاعة الوقت من طول المل ،فاجتمع الفساد
كله فـ اتباع الوى وطول المـل ،والصـلح كله فـ اتباع الدى والسـتعداد للقاء ال ،
وال الســـــــــــــــــــــــــــــــــتعان.
الع جب م ن تعرض له حا جة في صرف رغب ته وه ته في ها إل ال ليقضي ها له ول يت صدى
للسؤال لياة قلبه من موت الهل والعراض وشفائه من داء الشهوات والشبهات ،ولكن
إذا مات القلب ل يشعـــــــــــــر بعصـــــــــــــيته.
حق العبودية
ل سبحانه على عبده أمر أمره به ،وقضاء يقضيه عليه ،ونعمة ينعم با عليه فل ينفك عن
هذه الثل ثة .والقضاء نوعان :إ ما م صائب وإ ما معا يب ،وله عل يه عبود ية ف هذه الرا تب
كلها ،فأحب اللق إليه من عرف عبوديته ف هذه الراتب ووفاها حقها ،فهذا أقرب اللق
إليه .وأبعدهم منه من جهل عبوديته ف هذه الراتب فعطلها علما وعمل .فعبوديته ف المر:
امتثاله إخل صا واقتداء بر سول ال صلى ال عل يه و سلم .و ف الن هي :اجتنا به خو فا م نه
وإجلل ومبة .وعبودي ته ف قضاء الصائب :ال صب علي ها ث الر ضا ب ا و هو أعلى م نه ،ث
الشكر عليها وهو أعلى من الرضا ،وهذا إنا يتأتى منه إذا تكن حبه من قلبه وعلم حسن
127
اختياره له وبره بــه ولطفــه بــه وإحســانه إليــه بالصــيبة وإن كره الصــيبة.
وعبودي ته ف قضاء العا يب :البادرة إل التو بة من ها والتن صل ،والوقوف ف مقام العتذار
والنك سار ،عال ا بأ نه ل يرفع ها ع نه إل هو ،ول يق يه شر ها سواه ،وأن ا إن ا ستمرت
أبعد ته من قر به وطرد ته من با به ،فيا ها من ال ضر الذي ل يكش فه غيه ،ح ت أ نه ليا ها
أعظــــــــــم مــــــــــن ضــــــــــر البدن.
فهو عائذ برضاه من سخطه ،وبعفوه من عقوبته ،و به منه ،مستجي وملتجئ ،منه إليه ،
يعلم أ نه إن تلى ع نه وخلى بي نه وب ي نف سه فعنده أمثال ا و شر من ها ،وأ نه ل سبيل له إل
القلع والتوبـة إل بتوفيقـه وإعانتـه ،وأن ذلك بيده سـبحانه ل بيـد العبـد ،فهـو أعجـز
وأض عف وأ قل من أن يو فق نف سه أو يأ ت برضاة سيده بدون إذ نه ومشيئ ته وإعان ته ،ف هو
ملتجئ إليه متضرع ذليل مسكي ،مُلْقٍ نفسه بي يديه ،طريح ببابه ،مستخز له أذل شيء
وأك سره له ،وأفقره وأحو جه إل يه ،وأرغ به ف يه وأح به له ،بد نه مت صرف ف أشغاله ،وقل به
ساجد بي يديه ،يعلم يقينا أنه ل خي فيه ول له ول به ول منه ،وأن الي كله ل وف يديه
و به ومنه ،فهو ول نعمته ،ومبتدئه با من غي استحقاق ومربا عليه مع تقته إليه بإعراضه
وغفلتـه ومعصـيته ،فحظـه سـبحانه المـد والشكـر والثناء ،وحـظ العبـد الذم والنقـص
والعيب ،قد استأثر بالحامد والدح والثناء ،وول العبد اللمة والنقائص والعيوب ،فالمد
كله له ،وال ي كله ف يده ،والف ضل كله له والثناء له وال نة كل ها له ،فم نه الح سان و من
العبد الساءة ،ومنه التودد إل العبد بنعمه ومن العبد التبغض إليه بعاصيه ,ومنه النصح
لعبده ومـــــن العبـــــد الغـــــش له فـــــ معاملتـــــه.
وأمـا عبوديـة النعـم فمعرفتهـا والعتراف باـ أول ،ثـ العياذ بـه أن يقـع فـ قلبـه نسـبتها
وإضافتها إل سواه وإن كان سببا من السباب فهو مسببه ومقيمه ،فالنعمة منه وحده بكل
وجـه واعتبار ثـ الثناء باـ عليـه ومبتـه عليهـا وشكره بأن يسـتعملها فـ طاعتـه.
و من لطائف التع بد بالن عم أن ي ستكثر قليل ها عل يه ،وي ستقل كث ي شكره علي ها ،ويعلم أن ا
وصلت إليه من سيده من غي ثن بذله فيها ول وسيلة منه توسل با إليه ول استحقاق منه
لا ،وأنا ل ف القيقة ل للعبد فل تزيده النعم إل انكسارا وذل وتواضعا ومبة للمنعم .
128
وكل ما جدد له نع مة ر ضي ،وكل ما أحدث ذن با أحدث له تو بة وانك سارا واعتذارا .فهذا
هـــو العبـــد الكيـــس ،والعاجـــز بعزل عـــن ذلك ،وبال التوفيـــق.
وحل كله وحوائجه وم صاله ومن ل يبال بملها ول يثقله ول يكترث ب ا ،فتولها دونه
وأراه لط فه وبره ورح ته وإح سانه في ها من غ ي ت عب من الع بد ول ن صب ول اهتمام م نه؛
ل نه قد صرف اهتما مه كله إل يه وجعله وحده ه ه ف صرف ع نه اهتما مه بوائ جه وم صال
دنياه وفرغ قلبه منها ،فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه .وإن أب إل
تدبيه لنفسه واختياره لا واهتمامه بظه ،دون حق ربه ،خله وما اختاره و وله ما تول،
فحضره ال م وال غم والزن والن كد والوف والت عب وك سف البال و سوء الال ،فل قلب
129
يصفو ول عمل يزكو ول أمل يصل ول راحة يفوز با ول لذة يتهن با ،بل قد حيل بينه
وبي مسرته وفرحه وقرة عينه ،فهو يكدح ف الدنيا كدح الوحش ول يظفر منها بأمل ول
يتزود من ها لعاد ،وال سبحانه قد أ مر الع بد بأ مر وض من له ضما نا ،فإن قام بأمره بالن صح
والصدق والخلص والجتهاد ،فإنه سبحانه ضمن الرزق لن عبده ،والنصر لن توكل عليه
واستنصر به ،والكفاية لن كان هو هه ومراده ،والغفرة لن استغفره ،وقضاء الوائج لن
صدَقَه ف طلبها ووثق به وقوي رجاؤه وطمعه ف فضله وجوده .فالفطن الكيس إنا يهتم
َ
بأمره وإقامتـه وتوفيقـه ل بضمانـه ،فإنـه الوفـ الصـادق ،ومـن أوفـ بعهده مـن ال .فمـن
علمات السعادة صرف اهتمامه إل أمر ال دون ضمانه .ومن علمات الرمان فراغ قلبه
مــن الهتمام بأمره وحبــه وخشيتــه والهتمام بضمانــه ،وال الســتعان.
الشاقة و الحادة
إذا كان ال ورسـوله فـ جانـب فاحذر أن تكون فـ الانـب الخـر ،فإن ذلك يفضـي إل
الشاقة و الحادة ،وهذا أصلها ومنه اشتقاقها ،فإن الشاقة أن يكون ف شق ومن يالفه ف
شق ،و الحادة أن يكون ف حد و هو ف حد ،ول ت ستسهل هذا فإن مبادئه ت ر إل غاي ته،
وقليله يد عو إل كثيه ،و كن ف الا نب الذي ف يه ال ور سوله وإن كان الناس كل هم ف
الانب الخر ،فإن لذلك عواقب هي أحد العواقب وأفضلها ،وليس للعبد أنفع من ذلك
ف دنياه قبل آخرته ،وأكثر اللق إنا يكونون ف الانب الخر ،ول سيما إذا قويت الرغبة
130
والرهبة ،فهناك ل تكاد تد أحدا ف الانب الذي فيه ال ورسوله ،بل يعده الناس ناقص
العقل سيئ الختيار لنفسه ،وربا نسبوه إل النون ،وذلك من مواريث أعداء الرسل فإنم
نسبوهم إل النون لا كانوا ف شق وجانب والناس ف شق وجانب آخر ،ولكن من وطن
نف سه على ذلك فإ نه يتاج إل علم را سخ ب ا جاء به الر سول يكون يقي نا له ل ر يب عنده
فيه ،وإل صب تام على معاداة من عاداه و لومة من لمه ،ول يتم له ذلك إل برغبة قوية ف
ال والدار الخرة ،ب يث تكون الخرة أ حب إل يه من الدن يا وآ ثر عنده من ها ،ويكون ال
ورسوله أحب إليه ما سواها ،وليس شيء أصعب على النسان من ذلك ف بادئ المر،
فإن نف سه وهواه وطب عه وشيطا نه وإخوانه ومعاشرته من ذلك الا نب يدعو نه إل العا جل،
فإذا خالفهم تصدوا لربه ،فإن صب وثبت جاءه العون من ال وصار ذلك الصعب سهل،
وذلك الل لذة ،فإن الرب شكور ،فل بـد أن يذيقـه لذة تيزه إل ال وإل رسـوله ويريـه
كرامة ذلك فيشتد به سروره وغبطته ويبتهج به قلبه ويظفر بقوته وفرحه وسروره ويبقى
من كان ماربا له على ذلك بي هائب له ومسال له ومساعد وتارك ،ويقوى جنده ويضعف
جنــــــــــــــــــــــــــــــــــد العدو.
ول ت ستصعب مالفة الناس والتح يز إل ال ور سوله ولو ك نت وحدك فإن ال م عك وأ نت
بعينه و كلءته وحفظه لك ،وإنا امتحن يقينك وصبك .وأعظم العوان لك على هذا _
بعد عون ال _ التجرد من الطمع والفزع ،فمت تردت منهما هان عليك التحيز إل ال
ورسوله ،وكنت دائما ف الانب الذي فيه ال ورسوله ،ومت قام بك الطمع والفزع فل
تط مع ف هذا ال مر ول تدث نف سك به .فإن قلت :فبأي ش يء أ ستعي على التجرد من
الطمع ومن الفزع ؟ قلت :بالتوحيد والتوكل والثقة بال وعلمك بأنه ل يأت بالسنات إل
هـو ،ول يذهـب بالسـيئات إل هـو ،وأن المـر كله ل ليـس لحـد مـع ال شيـء.
131
كيف تصلح حالك ؟
هلم إل الدخول على ال وماورته ف دار السلم بل نصب ول تعب ول عناء بل من أقرب
الطرق وأ سهلها .وذلك أ نك ف و قت ب ي وقت ي و هو ف القي قة عمرك ،و هو وق تك
الاضر بي ما مضى وما يستقبل ،فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والستغفار ،وذلك
شيء ل تعب عليك فيه ول نصب ول معاناة عمل شاق ،إنا هو عمل قلب .وتتنع فيما
يستقبل من الذنوب ،وامتناعك ترك وراحة ليس هو عمل بالوارح يشق عليك معاناته،
وإن ا هو عزم ون ية جاز مة تر يح بد نك وقل بك و سرك ،ف ما م ضى ت صلحه بالتو بة ،و ما
ي ستقبل ت صلحه بالمتناع والعزم والن ية ،ول يس ف الوارح ف هذ ين ن صب ول ت عب ،
ولكـن الشأن فـ عمرك وهـو وقتـك الذي بيـ الوقتيـ ،فإن أضعتـه أضعـت سـعادتك
وناحك ،وإن حفظته مع إصلح الوقتي اللذين قبله وبعده با ذكر نوت وفزت بالراحة
واللذة والنعيم .وحفظه أشق من إصلح ما قبله وما بعده ،فإن حفظه أن تلزم نفسك با
هو أول با وأنفع لا وأعظم تصيل لسعادتا .وف هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت ،فهي
وال أيا مك الال ية ال ت ت مع في ها الزاد لعادك ،إ ما إل ال نة وإ ما إل النار ،فإن اتذت
إليها سبيل إل ربك بلغت السعادة العظمى والفوز الكب ف هذه الدة اليسية الت ل نسبة
ل ا إل ال بد ،وإن آثرت الشهوات و الراحات والل هو والل عب انق ضت ع نك ب سرعة و
أعقبتك الل العظيم الدائم الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصب عن
مارم ال والصــــــب على طاعتــــــه ومالفتــــــه الوى لجله .
132
علمة صحة الرادة أن يكون هم الريد رضا ربه واستعداده للقائه وحزنه على وقت مر ف
غي مرضاته وأسفه على قربة والنس به .وجاع ذلك أن يصبح ويسي وليس له هم غيه.
الزهد ف الدنيا
إذا استغن الناس بالدنيا فاستغن أنت بال ،وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بال ،وإذا أنسوا
بأحبابم فاجعل أنسك بال ،وإذا تعرفوا على ملوكهم وكبائهم وتقربوا إليهم لينالوا بم
ـة.
ـز والرفعـ
ـة العـ
ـل بذلك غايـ
ـه تنـ
ـت إل ال وتودد إليـ
ـة فتعرف أنـ
العزة والرفعـ
قال ب عض الزهاد :ما عل مت أن أحدا سع بال نة والنار تأ ت عل يه ساعة ل يط يع ال في ها
بذكـر أو صـلة أو قراءة أو إحسـان ،فقال له رجـل :إنـ أكثـر البكاء ،فقال :إنـك إن
تض حك وأ نت م قر بطيئ تك خ ي من أن تب كي وأ نت مدل بعملك ،وإن الدل ل ي صعد
عمله فوق رأسـه ،فقال :أوصـن ،فقال :دع الدنيـا لهلهـا كمـا تركوا هـم الخرة
لهلهـا ،وكـن فـ الدنيـا كالنحلة إن أكلت أكلت طيبـا وإن أطعمـت أطعمـت طيبـا وإن
ســــــقطت على شيــــــء ل تكســــــره ول تدشــــــه .
133
أقسام الزهد
الز هد أق سام :ز هد ف الرام و هو فرض ع ي .وز هد ف الشبهات و هو ب سب مرا تب
الشبهة ،فإن التحقن بالواجب وإن ضعفت كان مستحبا .وزهد ف الفضول .وزهد فيما ل
يع ن من الكلم والن ظر والسؤال واللقاء وغيه .وزهد ف الناس .وز هد ف النفس بيث
تون عل يه نف سه ف ال .وز هد جا مع لذلك كله و هو الز هد في ما سوى ال و ف كل ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــه .
شغلك عنـ
وأفضل الزهد إخفاء الزهد ،وأصعبه الزهد ف الظوظ .والفرق بينه وبي الورع أن الزهد
ترك مـا ل ينفـع فـ الخرة ،والورع ترك مـا يشـى ضرره فـ الخرة .والقلب العلق
بالشهوات ل يصــــــــــــح له زهــــــــــــد ول ورع.
قال ي ي بن معاذ :عج بت من ثلث :ر جل يرائي ف عمله ملو قا مثله ويترك أن يعمله
ل ،ورجل يبخل باله وربه يستقرضه منه ول يقرضه منه شيئا ،ورجل يرغب ف صحبة
الخلوقيــــ ومودتمــــ ،وال يدعوه إل صــــحبته ومودتــــه .
134
«الثا ن »:أن ذ نب ارتكاب الن هي م صدره ف الغالب الشهوة والا جة ،وذ نب ترك ال مر
مصدره ف الغالب الكب والعزة ،ول يدخل النة من ف قلبه مثقال ذرة من كب ،ويدخلها
مــــــن مات على التوحيــــــد وإن زنــــــا وســــــرق.
«الثالث »:أن فعـل الأمور أحـب إل ال مـن ترك النهـي ،كمـا دل على ذلك النصـوص
كقوله صلى ال عليه وسلم « :أحب العمال إل ال الصلة على وقتها» رواه مسلم ف
كتاب اليان وقوله « :أل أنبئكم بي أعمالكم عند مليككم وأرفعها ف درجاتكم وخي
لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا « :بلى يا رسول ال
» ،قال « :ذكر ال» .وقوله « :واعلموا أن خي أعمالكم الصلة» رواه ابن ماجة ف
كتاب الدب الباب . 53ورواه الترمذي :الدعوات . 6 /والنسـائي :اليان.1 /وغيـ
ـــــــــــــــوص.
ـــــــــــــــن النصـ
ذلك مـ
وترك النا هي ع مل فإ نه كف الن فس عن الف عل ،ولذا علق سبحانه الح بة بف عل الوا مر
كقوله« :إن ال ي ب الذ ين يقاتلون ف سبيله صفا» سورة ال صف ،ال ية ر قم « 4وال
يب الحسني» آل عمران . 134 :وقوله «وأقسطوا إن ال يب القسطي» الجرات
« 9 :وال يبـــــــــ الصـــــــــابرين» آل عمران 146 :
وأما ف جانب الناهي فأكثر ما جاء النفي للمحبة كقوله « :وال ل يب الفساد» البقرة :
205وقوله« :وال ل يبـــ كـــل متال فخور» الديـــد 23 :ونظائره.
وأخيا ف موضع آخر أنه يكرهها ويسخطها ،كقوله « :كل ذلك كان سيئه عند ربك
مكروهـا» البقرة 190 :وقوله « :ذلك بأنمـ اتبعوا مـا أسـخط ال» النسـاء 36 :
إذا عرف هذا ففعـل مـا يبـه سـبحانه مقصـود بالذات .ولذا يقدر مـا يكرهـه ويسـخطه
لفضائه إل ما يب ،كما قدر العاصي والكفر والفسوق لا ترتب على تقديرها ما يبه من
لوازم ها من الهاد واتاذ الشهداء وح صول التوبـة مـن العبـد والتضرع إليـه وال ستكانة
وإظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه ،وحصول الوالة والعاداة لجله ،وغي ذلك من الثار
الت وجودها بسبب تقديره ما يكره أحب إليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابا ،وهو سبحانه
135
ل يقدر ما يب لفضائه إل حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لفضائه إل ما
يبـــه ،فعلم أن مـــا يبـــه أحـــب إليـــه ماـــ يكرهـــه.
«يوض حه الو جه الرا بع »:أن ف عل الأمور مق صود لذا ته وترك الن هي مق صود لتكم يل ف عل
الأمور ،ف هو من هي ع نه ل جل كو نه ي ل بف عل الأمور أو يضع فه وينق صه ،ك ما ن به سبحانه
على ذلك ف النهي عن المر واليسر بكونما يصدان عن ذكر ال وعن الصلة .فالنهيات
قوا طع وموا نع صادة عن ف عل الأمورات أو عن كمال ا ،فالن هي عن ها من باب الق صود
لغيه ،والمـــــر بالواجبات مـــــن باب القصـــــود لنفســـــه.
«يوضحه الوجه الامس »:أن فعل الأمورات من باب حفظ اليان وبقائها وترك النهيات
مـن باب الميـة عمـا يشوش قوة اليان ويرجهـا عـن العتدال ،وحفـظ القوة مقدم على
الم ية ،فإن القوة كل ما قو يت دف عت الواد الفا سدة وإذا ضع فت غل بت الواد الفا سدة ،
فالمية مرادة لغيها وهو حفظ القوة وزيادتا وبقاؤها ،ولذا كلما قويت قوة اليان دفعت
الواد الرديئة ومنعت من غلبتها وكثرتا بسب القوة وضعفها ،وإذا ضعفت غلبت الواد
الفاســـــــــدة ،فتأمـــــــــل هذا الوجـــــــــه.
«الوجـه السـادس »:أن فعـل الأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينتـه وسـروره وقوة عينـه
ولذتـه ونعيمـه ،وترك النهيات بدون ذلك ل يصـل له شيئا مـن ذلك ،فإنـه لو ترك جيـع
النهيات ول يأت باليان والعمال الأمور با ل ينفعه ذلك الترك شيئا وكان خالدا ملدا ف
النار.
وهذا ي تبي بالو جه ال سابع :أن من ف عل الأمورات والنهيات ف هو إ ما ناج مطل قا إن غل بت
حسناته سيئاته ،وإما ناج بعد أن يؤخذ منه الق ويعاقب على سيئاته فمآله إل النجاة وذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــل الأمور.
بفعـ
ومن ترك الأمورات والنهيات فهو هالك غي ناج ول ينجو إل بفعل الأمور هو التوحيد.
فإن ق يل :ف هو إن ا هلك بارتكاب الحظور و هو الشرك ،ق يل :يك في ف اللك ترك ن فس
136
التوحيد الأمور به وإن ل يأت بضد وجودي من الشرك ،بل مت خل قلبه من التوحيد رأسا
فلم يوحـد ال فهـو هالك وإن ل يعبـد معـه غيه ،فإذا انضاف إليـه عبادة غيه عذب على
ترك التوحيــــد الأمور بــــه وفعــــل الشرك النهــــي عنــــه.
«يوض حه الو جه الثا من »:أن الد عو إل اليان إذا قال :ل أ صدق ول أكذب ول أ حب
ول أبغـض ول أعبده ول أعبـد غيه ،كان كافرا بجرد الترك والعراض ،بلف مـا إذا
قال :أ نا أ صدق الر سول وأح به وأؤ من به وأف عل ما أمرن ،ول كن شهو ت وإراد ت وطب عي
حاكمة علي ل تدعن أترك ما نان عنه وأنا أعلم أنه قد نان وكره ل فعل النهي ولكن ل
صب ل ع نه ،فهذا ل ي عد كافرا بذلك ،ول حك مه ح كم الول ،فإن هذا مط يع من و جه،
وتارك الأمور جلة ل يعــــــــد مطيعــــــــا بوجــــــــه.
«يوضحه الوجه التاسع »:أن الطاعة والعصية إنا تتعلق بالمر أصل وبالنهي تبعا ،فالطيع
متثـل الأمور ،والعاصـي تارك الأمور .قال تعال« :ل يعصـون ال مـا أمرهـم » سـورة
التحري ،الية رقم 6ـ وقال موسى لخيه« :ما منعك إذ رأيتهم ضلوا إل تتبعن أفعصيت
أمري» طه ،93 :وقال عمرو بن العاص عند موته :أنا الذي أمرتن فعصيت ،ولكن ل
إله إل أنـــت .وقال الشاعـــر :أمرتـــك أمرا جازمـــا فعصـــيتن.
والقصود من إرسال الرسل طاعة الرسل ول تصل إل بامتثال أوامره واجتناب الناهي من
تام امتثال الوامر ولوازمه .ولذا لو اجتنب الناهي ول يفعل ما أمر به ل يكن مطيعا وكان
عاصيا ،بلف ما لو أتى بالأمورات وارتكب الناهي .فإنه وإن عد عاصيا مذنبا فإنه مطيع
بامتثال المر عاص بارتكاب النهي ،بلف تارك المر فإنه ل يعد مطيعا باجتناب النهيات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــة .
خاصـ
«الوجه العاشر »:أن امتثال المر عبودية وتقرب وخدمة ،وتلك العبادة الت خلق لجلها
اللق كما قال تعال « :وما خلقت الن والنس إل ليعبدون» سورة الذاريات ،الية:
،56فأ خب سبحانه أ نه أ ت خلق هم للعبادة ،وكذلك إن ا أر سل إلي هم ر سله وأنزل علي هم
137
كت به ليعبدوه .فالعبادة هي الغا ية ال ت خلقوا ل ا ول يلقوا لجرد الترك فإ نه أ مر عد مي ل
كمال فيه من حيث هو عدم ،بلف امتثال الأمور فإنه أمر وجودي مطلوب الصول .
«وهذا يتبي بالوجه الادي عشر »:وهو أن الطلوب بالنهي عدم الفعل وهو أمر عدمي ،
والطلوب بال مر إياد ف عل و هو أ مر وجودي ،ومتعلق الن هي العدام أو العدم و هو أ مر ل
كمال فيـه إل إذا تضمـن أمرا وجوديـا ،فإن العدم مـن حيـث هـو عدم ل كمال فيـه ول
مصـلحة إل إذا تضمـن أمرا وجوديـا مطلقـا ،وذلك المـر الوجودي مطلوب مأمور بـه
فعادت حقي قة الن هي إل ال مر ،وأن الطلوب به ما ف ض من الن هي من ال مر الوجودي
الطلوب بـــــــــــــــــــــــــــــــــه .
«وهذا يتضح بالوجه الثان عشر »:وهو أن الناس اختلفوا ف الطلوب بالنهي على أقوال:
«أحدها »:أن الطلوب به كف النفس عن الفعل وحبسها عنه وهو أمر وجودي ،قالوا:
لن التكليــف إناــ يتعلق بالقدور ،والعدم الحــض غيــ ،وهذا قول المهور .
وقال أبو هاشم وغيه :بل الطلوب عدم الفعل ،ولذا يصل القصود من بقائه على العدم
وإن ل يطر بباله الفعل ،فضل أن يقصد الكف عنه .ولو كان الطلوب الكف لكان عاصيا
إذا ل يأت به ،ولن الناس يدحون بعدم ف عل القب يح من ل ي طر بباله فعله وال كف ع نه .
وهذا أ حد قول القا ضي أ ب ب كر ولجله التزم أن عدم الف عل مقدور للع بد ودا خل ت ت
الك سب ،قال :والق صود بالن هي البقاء على العدم ال صلي و هو مقدور .وقالت طائ فة :
الطلوب بالنهي فعل الضد فإنه هو القدور وهو القصود للناهي ،فإنه إنا ناه عن الفاحشة
طل با للع فة و هي الأمور ب ا ،وناه عن الظلم طل با للعدل الأمور به ،و عن الكذب طل با
للصدق الأمور به ،وهكذا جيع النهيات ،فعند هؤلء أن حقيقة النهي الطلب لضد النهي
ــــل الأمور .
ــــ تعلق بفعـ
ــــر إل أن الطلب إناـ
ــــه فعاد المـ
عنـ
والتحق يق :أن الطلوب نوعان :مطلوب لنف سه و هو الأمور به ،ومطلوب إعدا مه لضاد ته
الأمور به وهو النهي عنه ،لا فيه من الفسدة الضادة للمأمور به .فإذا ل يطر ببال الكلف
138
ول دعته نفسه إليه بل استمر على العدم الصلي ل يثبت على تركه ،وإن خطر بباله وكف
نفسه عنه ل وتركه اختيارا أثيب على كف نفسه وامتناعه ،فإنه فعل وجودي والثواب إنا
ي قع على ال مر الوجودي دون العدم الح ضي وإن تر كه مع عز مه الازم على فعله ل كن
تركه عجزا ،فهذا وإن ل يعاقب عقوبة الفاعل لكن يعاقب على عزمه وإرادته الازمة الت
إناــــــــــــــ تلف مرادهــــــــــــــا عجزا .
وقد دلت على ذلك النصوص الكثية فل يلتفت إل ما خلفها ،كقوله تعال « :وإن تبدو
ما ف أنفسكم أو تفوه ياسبكم به ال فيغفر لن يشاء ويعذب من يشاء» سورة البقرة ،
ال ية 284 :وقوله ف كا ت الشهادة « :فإ نه آ ث قل به» البقرة ،283 :وقوله« :ول كن
يؤاخذكم با كسبت قلوبكم» سورة البقرة ،الية 283وقوله « :يوم تبلى السرائر»
الطارق ،9 :وقوله صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم « :إذا تواجه السلمان بسيفيهما
فالقاتـل والقتول فـ النار » ،قالوا « :هذا القاتـل ،فمـا بال القتول ؟ » قال « :إنـه أراد
قتـل صـاحبه» رواه البخاري ومسـلم والنسـائي وابـن حنبـل بألفاظ متلفـة .وقوله فـ
الد يث ال خر « :ور جل قال لو أن ل مال لعملت بع مل فلن ف هو بني ته وه ا ف الوزر
ـــة .
ـــ بألفاظ متلفـ
ـــة وأحدـ
ـــن ماجـ
ـــواء» رواه الترمذي وابـ
سـ
وقول مـن قال :إن الطلوب بالنهـي فعـل الضـد ليـس كذلك ،فإن القصـود عدم الفعـل
والتلبس بالضدين ،فإن ما ل يتم الواجب إل به فهو غي مقصود بالقصد الول ،وإن كان
الق صود بالق صد الول الأمور الذي ن ي ع ما ين عه ويضع فه ،فالن هي ع نه مطلوب إعدا مه
طلب الوســائل والذرائع ،والأمور بــه مطلوب إياده طلب القاصــد والغايات .
وقول أب هاشم :إن تارك القبائح يمد وإن ل يطر بباله كف النفس ،فإن أراد بمده أنه
ل يذم فصحيح ،وإن أراد أن يثن عليه بذلك ويب عليه ويستحق الثواب فغي صحيح .
فإن الناس ل يمدون الحبوب على ترك الزنا ول الخرس على عدم الغيبة وال سب ،وإنا
يمدون القادر المتنــــــع عــــــن قدرة وداع إل الفعــــــل .
وقول القاضي :البقاء على العدم الصلي مقدور ،فإن أراد به كف النفس ومنعها فصحيح
،وإن أراد مرد العدم فليـــــــــــــــــــــــس كذلك .
139
وهذا ي تبي بالو جه الثالث ع شر :و هو أن ال مر بالش يء ن ي عن ضده عن طر يق اللزوم
العقلي ل الق صد الطل ب ،فإن ال مر إن ا مق صوده ف عل الأمور .فإذا كان من لواز مه ترك
الضد صار تركه مقصودا لغيه ،وهذا هو الصواب ف مسألة المر بالشيء هل هو ني عن
ضده أم ل؟ فهو ني عنه من جهة اللزوم ل من جهة القصد والطلب .وكذلك النهي عن
الشيء ،مقصود الناهي بالقصد الول النتهاء عن النهي عنه وكونه مشغل بضده جاء من
ج هة اللزوم العقلي ،ل كن إن ا ن ي ع ما يضاد ما أ مر به ك ما تقدم ،فكان الأمور به هو
القصــــــود بالقصــــــد الول فــــــ الوضعيــــــ.
وحرف ال سألة أن طلب الش يء طلب له بالذات ول ا هو من ضرور ته باللزوم والن هي عن
الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورة الترك باللزوم والطلوب ف الوضوعي
فعــــــل وكــــــف ،وكلهاــــــ أمــــــر وجودي .
«الوجه الرابع عشر »:أن المر والنهي ف باب الطلب نظي النفي والثبات ف باب الب ،
والدح والثناء ل يصلن بالنفي الحض إن ل يتضمن ثبوتا ،فإن النفي كاسه عدم ل كمال
فيه ول مدح ،فإذا تضمن ثبوتا صح الدح به كنفي النسيان الستلزم لكمال العلم وبيانه ،
ونفي اللغوب والعياء والتعب الستلزم لكمال القوة والقدرة .ونفي السنة والنوم الستلزم
لكمال الياة و القيوم ية .ون في الولد وال صاحبة ال ستلزم لكمال الغ ن واللك والربوب ية .
ونفـي الشريـك والول والشفيـع بدون الذن السـتلزم لكمال التوحيـد والتفرد بالكمال
واللية واللك .ونفي الظلم التضمن لكمال العدل ونفي إدراك البصار له التضمن لعظمته
وأ نه أجلّ من أن يدرك وإن رأ ته الب صار .وإل فل يس ف كو نه ل يرى ،مدح بو جه من
الوجوه ،فإن العدم الحــــــــــــــــــــــــض كذلك.
وإذا عرف هذا فالنهـي عنـه إن ل يتضمـن أمرا وجوديـا ثبوتيـا ل يدح بتركـه ول يسـتحق
ـي.
ـف العدمـ
ـتحق الدح والثناء بجرد الوصـ
ـا ل يسـ
الثواب والثناء بجرد الترك كمـ
«الو جه الا مس ع شر »:أن ال سبحانه ج عل جزاء الأمورات عشرة أمثال فعل ها ،وجزاء
النهيات مثل واحد ،وهذا يدل على أن فعل ما أَمَر به أحب إليه من ترك ما نى عنه ولو
140
كان المــر بالعكــس لكانــت الســيئة بعشرة والســنة بواحدة أو تســاويا .
«الوجه السادس عشر » :أن النهي عنه القصود إعدامه ،وأل يدخل ف الوجود ،سواء نوى
ذلك أو ل ينوه ،وسواء خطر بباله أو ل يطر .فالقصود أل يكون ،وأما الأمور به فالقصود
كونــــــــه وإياده والتقرب بــــــــه نيــــــــة وفعل.
وسر السألة :أن وجود ما طلب إياده أحب إليه من عدم ما طلب إعدامه ،وعدم ما أحبه
أكره إليه من وجود ما يبغضه ،فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراهته لفعل ما نى عنه.
«يوضحه الوجه السابع عشر »:أن فعل ما يبه والعانة عليه وجزاؤه وما يترتب عليه من
الدح والثناء من رحته وفعل ما يكرهه وجزاؤه وما يترتب عليه من الذم والل والعقاب من
غضبه .ورحته سابقة على غضبه غالبة له ،وكل ما كان من صفة الرحة فهو غالب لا كان
من صفة الغضب ،فإنه سبحانه ل يكون إل رحيما ،ورحته من لوازم ذاته كعلمه وقدرته
وحياته وسعه وبصره وإحسانه ،فيستحيل أن يكون غضبان دائما غضبا ل يتصور انفكاكه
،بل يقول رسله وأعلم اللق به يوم القيامة« :إن رب قد غضب اليوم غضبا ل يغضب قبله
مثله ولن يغ ضب بعده مثله» رواه البخاري ف ال نبياء ،والترمذي ف القيا مة ،وم سلم ف
اليان .ورحته وسعت كل شيء وغضبه ل يسع كل شيء .وهو سبحانه كتب على نفسه
الرح ة ول يك تب على نف سه الغ ضب ،وو سع كل ش يء رح ة وعل ما ول ي سع كل ش يء
غضبـــــــــــــــــــــــــــــــــا وانتقاما.
فالرح ة وما كان با ولوازمها وآثارها غالبة على الغ ضب وما كان منه وآثاره .فوجود ما
كان بالرحة أحب إليه من وجود ما كان من لوازم الغضب .ولذا كانت الرحة أحب إليه
من العذاب والعفو أحب إليه من النتقام .فوجود مبوبه أحب إليه من فوات مكروهه ،ول
سيما إذا كان ف فوات مكرو هه فوات ما ي به من لواز مه ،فإ نه يكره فوات تلك اللوازم
الحبوبــــــــــة كمــــــــــا يكره وجود ذلك اللزوم الكروه.
«الوجه الثامن عشر »:أن آثار ما يكرهه وهو النهيات أسرع زوال با يبه من زوال آثار
ما يبه با يكرهه ،فآثار كراهته سريعة الزوال وقد يزيلها سبحانه بالعفو والتجاوز ،وتزول
141
بالتوبـة والسـتغفار والعمال الصـالة والصـائب الكفرة والشفاعـة والسـنات يذهبـ
السيئات ،لو بلغت ذنوب العبد عنان السماء ث استغفره غفر له ولو لقيه بقراب الرض
خطايـا ،ثـ لقيـه ل يشرك بـه شيئا لتاه بقراباـ مغفرة ،وهـو سـبحانه يغفـر الذنوب وإن
تعاظمت ول يبال ،فيبطلها ويبطل آثارها بأدن سعي من العبد وتوبة نصوح وندم على ما
ف عل ،و ما ذاك إل لوجود ما ي به من تو بة الع بد وطاع ته وتوحيده ،فدل على أن وجود
ذلك أحـــــــــب إليـــــــــه وأرضـــــــــى له.
«يوض حه الو جه التا سع ع شر » :و هو أ نه سبحانه قدر ما يبغ ضه ويكر هه من النهيات ل ا
يتر تب علي ها م ا ي به ويفرح به من الأمورات .فإ نه سبحانه أفرح بتو بة عبده من الفا قد
الواجـد ،والعقيـم الوالد ،والظمآن الوارد ،وقـد ضرب رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم
لفرحه بتوبة العبد مثل ليس ف الفروح به أبلغ منه ،وهذا الفرح العظيم الذي وجوده أحب
إليه من فواته ،ووجوده بدون لزمه متنع ،فدل على أن وجود ما يب أحب إليه من فوات
كل فرد ما يكره حت تكون ركعتا الضحى أحب إليه من فوات قتل السلم ،وإنا الراد أن
ج نس ف عل الأمور أف ضل من ج نس ترك الحظورات ،ك ما إذا ف ضل الذ كر على الن ثى
ــــــــس ل عموم العيان.
ــــــــي على اللك ،فالراد النـ
والنسـ
والقصـود أن هذا الفرح الذي ل فرح يشبهـه بفعـل مأمور التوبـة يدل على أن هذا الأمور
أحــب إليــه مــن فوات الحظور الذي تفوت بــه التوبــة وأثرهــا ومقتضاهــا.
فإن ق يل :إن ا فرح بالتو بة لن ا ترك للمن هي فكان الفرح بالترك ،ق يل :ل يس كذلك ،فإن
الترك ال حض ل يو جب هذا الفرح بل ول الثواب ول الدح ،ولي ست التو بة تر كا ،وإن
كان الترك من لوازم ها ،وإن ا هي ف عل وجودي يتض من إقبال التائب على ر به وإناب ته إل يه
والتزام طاعته ،ومن لوازم ذلك ترك ما ني عنه ولذا قال تعال« :وأن استغفروا ربكم ث
توبوا إل يه» سورة هود :ال ية ر قم . 3:فالتو بة رجوع م ا يكره إل ما ي ب ولي ست مرد
الترك ،فإن من ترك الذ نب تر كا مردا ول ير جع م نه إل ما ي به الرب تعال ل ي كن تائ با ،
فالتوبـــــــة رجوع وإقبال وإنابـــــــة ل ترك مضـــــــ.
142
«الو جه العشرون »:أن الأمور به إذا فات فا تت الياة الطلو بة للع بد ،و هي ال ت قال تعال
فيها« :يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللر سول إذا دعاكم لا يييكم» النفال :الية
رقم ،24 :وقال « :أو من كان ميتا فأحييناه وجعلناه له نورا يشي به ف الناس كمن مثله
ف الظلمات » النعام :ال ية ر قم ،122 :وقال ف حق الكفار« :أموات غ ي أحياء»
الن حل :الية ر قم 21 :وقال« :إنك ل تسمع الوتى» سورة النمل :الية رقم ، 80
وأمـا النهـي عنـه فإذا وجـد فغايتـه أن يوجـد الرض ،وحياة مـع السـقم خيـ مـن موت.
فإن ق يل :و من الن هي ع نه ما يو جب اللك و هو الشرك ،ق يل :اللك إن ا ح صل بعدم
التوح يد الأمور به الذي به الياة ،فل ما ف قد ح صل اللك ،ف ما هلك إل من عدم إتيا نه
بالأمور بــــــــــــــــــــــــــــــــــه.
«الوجه الثان والعشرون »:أن فعل الأمور يقتضي ترك النهي عنه إذا فعل على وجهه من
الخلص والتاب عة والن صح ل ف يه .قال تعال « :إن ال صلة تن هى عن الفحشاء والن كر»
ــتلزمه .
ــل الأمور ول يسـ
ــي فعـ
ــي ل يقتضـ
العنكبوت .45 :ومرد ترك النهـ
النهيات شرور وتفضـي إل الشرور ،والأمورات خيـ وتفضـي إل اليات واليـ بيديـه
سبحانه والشر ليس إليه ،فإن الشر ل يدخل ف صفاته ول ف أفعاله ول ف أسائه ،وإنا هو
ف الفعولت مع أ نه شر بالضا فة والن سبة إل الع بد ،وإل من ح يث إضاف ته ون سبته إل
الالق سبحانه فليس بشر من هذه الهة .فغاية ارتكاب النهي أن يوجب شرا بالضافة إل
العبد مع أنه نفسه ليس بشر .وأما فوات الأمور فيفوت به الي الذي بفواته يصل ضده
مـن الشـر ،وكلمـا كان الأمور أحـب إل ال سـبحانه كان الشـر بفواتـه أعظـم كالتوحيـد
143
واليان.
و سر هذه الو جه أن الأمور به مبو به ،والن هي مكرو هه ،ووقوع مبو به أ حب إل يه من
وفوات مكروهــه ،وفوات مبوبــة أكره إليــه مــن وقوع مكروهــه وال أعلم.
الذكر والشكر
مبن الدين على قاعدتي :الذكر والشكر ،قال تعال «فاذكرون أذكركم واشكروا ل ول
تكفرون» سورة البقرة ،ال ية ،152 :وقال ال نب صلى ال عل يه و سلم لعاذ « :وال إ ن
لحبـك فل تنـس أن تقول دبر كـل صـلة :اللهـم أعنّيـ على ذكرك وشكرك وحسـن
عبادتك» ،وليس الراد بالذكر مرد ذكر اللسان بل القلب واللسان ،وذكره يتضمن ذكر
أسائه وصفاته وذكر أمره ونيه وذكره بكلمه ،وذلك يستلزم معرفته واليان به وبصفات
كماله ونعوت جلله والثناء عل يه بأنواع الدح .وذلك ل ي تم إل بتوحيده .فذكره القي قي
يســتلزم ذلك كله ويســتلزم ذكــر نعمــه وآلئه وإحســانه إل خلقــه.
وأ ما الش كر ف هو القيام له بطاع ته والتقرب إل يه بأنواع ما به ظاهرا وباط نا ،وهذان المران
ه ا جاع الد ين ،فذكره م ستلزم لعرف ته ،وشكره متض من لطاع ته ،وهذان ه ا الغا ية ال ت
خلق لجل ها ال ن وال نس وال سموات والرض وو ضع لجل ها الثواب والعقاب ،وأنزل
الكتب وأرسل الرسل ،وهي الق الذي به خلقت السموات والرض وما بينهما وضدها
هو البا طل والع بث الذي يتعال ويتقدس ع نه ،و هو ظن أعدائه به قال تعال «و ما خلق نا
السماء والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا» سورة :ص الية رقم ،27:وقال
« :وما خلقنا السموات والرض وما بينهما لعبي ما خلقناها إل بالق» الدخان :الية
رقم .38:وقال « :وما خلقنا السموات والرض وما بينهما إل بالق وإن الساعة لتية»
144
سورة الجر :الية رقم ،85:قال بعد ذكر آياته ف أول سورة يونس « :ما خلق ال
ذلك إل بالق » يونس :الية رقم .5:وقال « :أيسب النسان أن يترك سدى» القيامة
:اليــــــــــــــة رقــــــــــــــم ،36:وقال :
«أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ل ترجعون» الؤمنون :الية رقم ،115:وقال:
«وما خلقت الن والنس إل ليعبدون» الذارايات :الية رقم « .56:ال الذي خلق سبع
سوات ومن الرض مثلهن يتنل المر بينهن لتعلموا أن ال على كل شيء قدير وأن ال قد
أحاط بكل شيء علما» الطلق :الية رقم ،12:وقال « :جعل ال الكعبة البيت الرام
قيا ما للناس والش هر الرام والدي والقلئد ذلك لتعلموا أن ال يعلم ما ف ال سموات و ما
ف الرض وأن ال بكل شيء عليم» سورة الائدة :الية رقم .97:فثبت با ذكر أن غاية
اللق والمر أن يذكر وأن يشكر .يذكر فل ينسى ويشكر فل يكفر .وهو سبحانه ذاكر
لن ذكره ،شاكر لن شكره ،فذكره سبب لذكره ،وشكره سبب لزيادته من فضله .فالذكر
للقلب واللسـان ،والشكـر للقلب مبـة وإنابـة ،وللسـان ثناء وحدـ ،وللجوارح طاعـة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــة.
وخدمـ
145
وأي ضا فإ نه الب وي ب أ هل الب فيقرب قلوب م م نه ب سب ما قاموا به من الب ،ويب غض
الفجور وأهله فيبعد قلوبم منه بسب ما اتصفوا به من الفجور ،فمن الصل قوله تعال « :
ال .ذلك الكتاب ل ريـب فيـه هدى للمتقيـ » البقرة 1-2 :وهذا يتضمـن أمريـن :
«أحدها » :أنه يهدي به من اتقى مساخطه قبل نزول الكتاب .فإن الناس على اختلف
مللهم ونلهم قد استقر عندهم أن ال سبحانه يكره الظلم والفواحش والفساد ف الرض
ويقت فاعل ذلك ،ويب العدل والحسان والود والصدق والصلح ف الرض ويب
فاعل ذلك ،فلما نزل الكتاب أثاب سبحانه أهل الب بأن وفقهم لليان به جزاء لم على
برهم وطاعتهم ،وخذل أهل الفجور والفحش والظلم بأن حال بينهم وبي الهتداء به .
مراتب الداية
والمر الثان :أن العبد إذا آمن بالكتاب واهتدى به ممل وقبل أوامره وصدق بأخباره ،
كان ذلك لداية أخرى تصل له على التفصيل .فإن الداية ل ناية لا ولو بلغ العبد فيها
ما بلغ .ففوق هداي ته هدا ية أخرى وفوق تلك الدا ية هدا ية أخرى إل غ ي غا ية .فكل ما
اتقى العبد ربه ارتقى إل هداية أخرى ،فهو ف مزيد هداية ما دام ف مزيد من التقوى ،
وكلما فوّت حظا من التقوى فاته حظ من الداية بسبه ،فكلما اتقى زاد هداه ،وكلما
اهتدى زادت تقواه .قال تعال « :قد جاءكم من ال نور وكتاب مبي ،يهدي به ال من
اتبـع رضوانـه سـبل السـلم ويرجهـم مـن الظلمات إل النور بإذنـه ويهديهـم إل صـراط
مستقيم » سورة الائدة ،الية 16 - 15وقال تعال « :ال يتب إليه من يشاء ويهدي
إليـه مـن ينيـب » الشورى . 13 :وقال تعال « :سـيذكر مـن يشـى » العلى ، 10 :
وقال « :ومـا يتذكـر إل مـن ينيـب» غافـر ، 13 :وقال « :إن الذيـن آمنوا وعملوا
146
ــة 9
ــس ،اليـ
ــورة يونـ
ــ » سـ
ــ بإيانمـ
ــم ربمـ
ــالات يهديهـ
الصـ
فهداهم أول لليان ،فلما آمنوا هداهم لليان هداية بعد هداية ،ونظي هذا قوله تعال «
ويزيد ال الذين اهتدوا هدى » مري ، 76 :وقوله تعال « :يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا
ال يعل لكم فرقانا » النفال ، 29 :ومن الفرقان ما يعطيهم من النور الذي يفرقون به
ب ي ال ق والبا طل والن صر وال عز الذي يتمكنون به من إقا مة ال ق وك سر البا طل ،ف سر
القرآن بذا وبذا .وقال تعال « :إن ف ذلك لية لكل عبد منيب » سبأ 9 :وقال :
« إن ف ذلك ليات لكل صبار شكور» سبأ 19 :ف سورة لقمان وسورة إبراهيم وسبأ
والشورى .
فأخب عن آياته الشهودة العيانية أنا إنا ينتفع با أهل الصب والشكر ،كما أخب عن آياته
اليان ية القرآن ية أن ا إن ا ينت فع ب ا أ هل التقوى والش ية والنا بة و من كان ق صده اتباع
رضوانه ،وأنا إنا يتذكر با من يشاه سبحانه كما قال « :طه .ما أنزلنا القرآن لتشقى.
إل تذكرة ل ن ي شى» طه ، 1-3 :وقال ف ال ساعة « :إن ا أ نت منذر من يشا ها»
النازعات . 45 :
وأما من ل يؤمن با ول يرجوها ول يشاها فل تنفعه اليات العيانية ول القرآنية .لذا لا
ذ كر سبحانه ف سورة هود عقوبات ال مم الكذب ي للر سل و ما حل ب م ف الدن يا من
الزي ،قال بعـد ذلك « :إن فـ ذلك ليات لنـ خاف عذاب الخرة » سـورة هود ،
ـبة لن ـ خاف عذاب الخرة .
ـه للمكذبي ـ عـ
ـب أن ف ـ عقوباتـ
ـة 27فأخـ
اليـ
وأما من ل يؤمن با ول ياف عذابا يكون ذلك عبة وآية ف حقه ،وإذا سع ذلك قال :
ل يزل ف الد هر ال ي وال شر والنع يم والبؤس وال سعادة والشقاوة .ورب ا أحال ذلك على
أ سباب فلك ية وقوى نف سانية .وإن ا كان ال صب والش كر سببا لنتفاع صاحبها باليات ؛
لن اليان ينبن على الصب والشكر ،فنصفه صب ونصفه شكر ،فعلى حسب صب العبد
وشكره تكون قوة إيا نه .وآيات ال إنا ينتفع با من آمن بال وآياته ،ول يتم له اليان
147
إل بال صب والش كر ،فإن رأس الش كر التوح يد ،ورأس ال صب ترك إجا بة دا عي الوى .
فإذا كان مشركـا متبعـا هواه ل يكـن صـابرا ول شكورا ،فل تكون اليات نافعـة له ول
مؤثرة فيــــــــــــــــه إيانــــــــــــــــا .
148
ران على قلوبمـــــ مـــــا كانوا يكســـــبون» الطففيـــــ24 :
فأخب سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبم وحال بينها وبي اليان بآياته ،فقالوا أساطي
الوليــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
وقال تعال ف النافقي « :نسوا ال فنسيهم» سورة التوبة ،67 :فجازاهم على نسيانم
له أن ن سيهم فلم يذكر هم بالدى والرح ة ،وأ خب أ نه أن ساهم أنف سهم فلم يطلبوا كمال ا
بالعلم النا فع والع مل ال صال وه ا الدى ود ين ال ق .فأن ساهم طلب ذلك ومب ته ومعرف ته
والرص عليه عقوبة لنسيانم له وقال تعال ف حقهم« :أولئك الذين طبع ال على قلوبم
واتبعوا أهواء هم .والذ ين اهتدوا زاد هم هدى وآتا هم تقوا هم » م مد .16-17 :فج مع
لمـ بيـ اتباع الوى والضلل الذي هـو ثرتـه وموجبـه كمـا جعـ للمهتديـن بيـ التقوى
والدى.
149
الذي بي يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحة لقوم يؤمنون» سورة يوسف :الية رقم :
،111وقال « :و ما أنزل نا عل يك الكتاب إل ل تبي ل م الذي اختلفوا ف يه وهدى ورح ة
لقوم يؤمنون» الن حل :ال ية ر قم 64 :وقال« :ونزل نا عل يك الكتاب تبيا نا ل كل ش يء
وهدى ورح ة وبشرى للم سلمي» الن حل :ال ية ر قم ،89 :وقال « :يا أي ها الناس قد
جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لا ف الصدور ورحة للمؤمني» يونس :الية رقم ،57 :
ث أعاد سبحانه ذكره ا فقال « :قل بف ضل ال وبرح ته فبذلك فليفرحوا» يو نس :ال ية
رقــــــــــــــــــــــــــــــــــم .58 :
وقد تنوعت عبارات السلف ف تفسي الفضل والرحة ،والصحيح أنما الدى والنعمة ،
ففضله هداه ،ورحته نعمته ،ولذلك يقرن بي الدى والنعمة كقوله ف سورة الفاتة« :
اهدنـا الصـراط السـتقيم صـراط الذيـن أنعمـت عليهـم» الفاتةـ :اليـة رقـم .6 :
ومـن ذلك قوله لنـبيه يذكره بنعمـه عليـه« :أل يدك يتيمـا فآوى ووجدك ضال فهدى،
ووجدك عائل فأغن» الضحى :الية رقم 8 ،7 ،6:فجمع له بي هدايته له وإنعامه عليه
بإيوائه و إغنائه .و من ذلك قول نوح « :يا قوم أرأي تم إن ك نت على بي نة من ر ب وآتا ن
رحة من عنده» هود :الية رقم : ،28 :وقول شعيب « :أرأيتم إن كنت على بينة من
رب ورزقن منه رزقا حسنا» هود :الية رقم ،88 :وقال عن الضر« :فوجدا عبدا من
عباد نا آتيناه رح ة من عند نا وعلمناه من لد نا عل ما» الك هف :ال ية ر قم ،65 :وقال
لرسوله« :إنا فتحنا لك فتحا مبينا ،ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته
عليك ويهديك صراطا مستقيما ،وينصرك ال نصرا عزيزا» الفتح :الية رقم 3 ،2 ،1:
،وقال « :وأنزل ال عليـك الكتاب والكمـة وعلمـك مـا ل تكـن تعلم وكان فضـل ال
عليك عظيما» النساء :الية رقم ،113 :وقال «ولول فضل ال عليكم ورحته ما زكى
منكم من أحد أبدا» النور :الية رقم ،21 :ففضله هدايته ورحته إنعامه وإحسانه إليهم
وبره ب م .وقال « :فإ ما يأتين كم م ن هدى ف من ات بع هداي فل ي ضل ول يش قى» طه :
ال ية ر قم ،123 :والدى من عة من الضلل ،والرح ة من عة من الشقاء ،وهذا هو الذي
ذكره ف أول السورة ف قوله« :طه ،ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» طه :الية رقم :
150
،1فجمع له بي إنزال القرآن عليه ونفي الشقاء عنه ،كما قال ف آخرها ف حق أتباعه« :
فل يضـــــــــــــــل ول يشقـــــــــــــــى» .
ومن هذا أنه سبحانه يمع بي الدى وانشراح الصدر والياة الطيبة وبي الضلل وضيق
الصدر والعيشة والضنك ،قال تعال « :فمن يرد ال أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن
يرد أن يضله يعل صدره ضيقا حرجا» النعام :الية رقم 125 :وقال « :أفمن شرح
ال صدره لل سلم ف هو على نور من ر به» الز مر :ال ية ر قم ،22 :وكذلك ي مع ب ي
الدى والنا بة وب ي الضلل وق سوة القلب ،قال تعال« :ال ي تب إل يه من يشاء ويهدي
إليه من ينيب» الشورى :الية رقم ،13 :وقال تعال « :فويل للقاسية قلوبم من ذكر
ال أولئك فــــ ضلل مــــبي» الزمــــر :اليــــة رقــــم .22 :
العطاء والنع
151
والدى والرح ة وتوابعه ما من الف ضل والنعام كله من صفة العطاء ،والضلل والعذاب
وتوابعهما من صفة النع ،وهو سبحانه يصرف خلقه بي عطائه ومنعه وذلك كله صادر عن
حكمــــــة بالغــــــة ،وملك تام ،وحدــــــ تام ،فل إله إل ال .
مفاسد الكذب
152
إياك والكذب فإنه يفسد عليك تصور العلومات على ما هي عليه ،ويفسد عليك تصويرها
وتعليمهـا للناس ،فإن الكذب يصـور العدوم موجودا والوجود معدومـا ،والقـ باطل
والباطل حقا ،والي شرا والشر خيا ،فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له .ث يصور ذلك
ف نفس الخاطب الغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه .ونفس الكاذب معرضة
عن القيقة الوجودة نزا عة إل العدم مؤثرة للبا طل .وإذا ف سدت عل يه قوة ت صوره وعل مه
الت هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الفعال وسرى حكم الكذب إليها فصار
ـانه ول بأعماله.
ـع بلسـ
ـان ،فل ينتفـ
ـن اللسـ
ـدر الكذب عـ
ـه كمصـ
ـدورها عنـ
صـ
ولذا كان الكذب أسـاس الفجور كمـا قال النـب صـلى ال عليـه وسـلم « :إن الكذب
يهدي إل الفجور وإن الفجور يهدي إل النار» ورد الديث ف البخاري ومسلم وسنن أب
داود والترمذي بألفاظ متل فة ،ولف ظه ع ند مالك :إن ع بد ال بن م سعود كان يقول« :
علي كم بال صدق فإن ال صدق يهدي إل الب ،والب يهدي إل ال نة ،وإيا كم والكذب ،فإن
الكذب يهدي إل الفجور ،والفجور يهدي إل النار ،أل ترى أنــه يقال :صــدق وبر ،
وكذب وف جر» .الو طأ -الد يث -1814طب عة دار النفائ س.وأول ما ي سري الكذب
من النفس إل اللسان فيفسده ث يسري إل الوارح فيفسد عليها أعمالا كما أفسد على
اللسان أقواله ،فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله ،فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه
إل اللكـــة إن ل يتدراكـــه ال بدواء الصـــدق يقلع الادة مـــن أصـــلها.
ولذا كان أصـل أعمال القلوب كلهـا الصـدق ،وأضدادهـا مـن الرياء والعجـب والكـب
والفخر واليلء والبطر والشر والعجز والكسل والب والهانة وغيها أصلها الكذب ،
فكل عمل صال ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق .وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه
الكذب .وال تعال يعاقب الكذاب بأن يقعده و يثبطه عن مصاله ومنافعه ويثيب الصادق
بأن يوفقه للقيام بصال دنياه وآخرته ،فما استجلبت مصال الدنيا والخرة بثل الصدق ،
ول مفا سدها ومضاره ا ب ثل الكذب .وقال تعال « :يا أي ها الذ ين آمنوا اتقوا ال وكونوا
مع الصادقي» سورة التوبة :الية رقم ، 119:وقال تعال « :هذا يوم ينفع الصادقي
صدقهم» الائدة :الية ر قم ، 119:وقال « :فإذا عزم ال مر فلو صدقوا ال لكان خيا
153
لمـ» ممـد :اليـة رقـم ، 21:وقال « :وجاء العذرون مـن العراب ليؤذن لمـ وقعـد
الذين كذبوا ال ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم» التوبة :الية رقم 90:
.
ف هذه ال ية عدة ح كم وأ سرار وم صال للع بد ،فإن الع بد إذا علم أن الكروه قد يأ ت
بالحبوب ،والحبوب قد يأ ت بالكروه ،ل يأ من أن تواف يه الضرة من جا نب ال سرة ،ول
ييأس أن تأتيه السرة من جانب الضرة لعدم علمه بالعاقب ،فإن ال يعلم منها ما ل يعلمه
العبــــــــــــد « وِ» أوجــــــــــــب له ذلك أمورا:
154
الذاق م فض إل العاف ية والشفاء ،وكل ما ناه كر هه مذا قه عن تناوله أمره نف عه بالتناول.
ولكن هذا يتاج إل فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها وقوة صب يوطن به نفسه على
ت مل مش قة الطر يق ل ا يؤ مل ع ند الغا ية ،فإذا ف قد اليق ي وال صب تعذر عل يه ذلك ،وإذا
قوي يقي نه و صبه هان عل يه كل مش قة يتحمل ها ف طلب ال ي الدائم واللذة الدائ مة.
ومن أسرار هذه الية أنا تقتضي من العبد التعويض إل من يعلم عواقب المور والرضا با
يتاره له ويقضيـــه له لاـــ يرجـــو فيـــه مـــن حســـن العاقبـــة.
ومن ها :أ نه ل يقترح على ربه ول يتار عل يه ول ي سأله ما ل يس له به علم ،فل عل مضر ته
وهلكه فيه وهو ل يعلم ،فل يتار على ربه شيئا بل يسأله حسن الختيار له وأن يرضيه
باـــــــــ يتاره فل أنفـــــــــع له مـــــــــن ذلك.
ومن ها :أ نه إذا فوض إل ر به ور ضي ب ا يتاره له أمده في ما يتاره له بالقوة عل يه والعزي ة
وال صب و صرف ع نه الفات ال ت هي عر ضة اختيار الع بد لنف سه وأراه من ح سن عوا قب
اختياره له مــا ل يكــن ليصــل إل بعضــه ،باــ يتاره هــو لنفســه .
ومنهـا :أنـه يريهـ مـن الفكار التعبـة فـ أنواع الختيارات ،ويفرغ قلبـه مـن التقديرات
والتدبيات ال ت ي صعد من ها ف عق بة وينل ف أخرى ،و مع هذا فل خروج له ع ما قدر
عل يه ،فلو ر ضي باختيار ال أ صابه القدر و هو ممود مشكور ملطوف به ف يه ،وإل جرى
عل يه القدر و هو مذموم غ ي ملطوف به ف يه؛ ل نه مع اختياره لنف سه ،وم ت صح تفوي ضه
ورضاه ،اكتنفه ف القدور العطف عليه واللطف به فيصي بي عطفه ولطفه ،فعطفه يقيه ما
يذره ،ولطفــــــــه يهون عليــــــــه مــــــــا قدره.
إذا نفذ القدر ف العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تيله ف رده ،فل أنفع له من الستسلم
وإلقاء نفسـه بيـ يدي القدر طرياـ كاليتـة ،فإن السـبع ل يرضـى بأكـل اليـف.
155
ل ينتفع بنعمة ال باليان والعلم إل من عرف نفسه
ل ينتفع بنعمة ال باليان والعلم إل من عرف نفسه ووقف با عند قدرها ول يتجاوزه إل
ما ليس له ول يتعد طوره ول يقل هذا ل ،وتيقن أنه ال ومن ال وبال فهو الانّ به ابتداء
وإدامة بل سبب من الع بد ول ا ستحقاق م نه ،فتذله ن عم ال عل يه وتك سره ك سرة من ل
يرى لنف سه ول في ها خيا ألب تة ،وأن ال ي الذي و صل إل يه ف هو ل و به وم نه فتحدث له
النعـم ذل وانكسـارا عجيبـا ل يعـب عنـه .فكلمـا جدد له نعمـة ازداد له ذل وانكسـارا
وخشوعا ومبة وخوفا ورجاء ،وهذا نتيجة علمي شريفي :علمه بربه وكماله وبره وغناء
وجودة وإحسانه ورحته ،وأن الي كله ف يديه وهو ملكه يؤت منه من يشاء وينع منه من
يشاء ،وله ال مد على هذا ،وهذا أك مل ح د وأت ه .وعل مه بنف سه ووقو فه على حد ها
وقدرها ونقصها وظلمها وجهلها ،وأنا ل خي فيها ألبتة ول لا ول با ول منها وأنا ليس
لا من ذاتا إل العدم فكذلك من صفاتا وكمالا ليس لا إل العدم الذي ل شيء أحقر منه
ـ.
ـس لاـ ول باـ
ـا الذي ليـ
ـع لوجودهـ
ـن اليـ تابـ
ـا مـ
ـا فيهـ
ـص ،فمـ
ول أنقـ
فإذا صـار هذان العلمان صـبغة لاـ ل صـبغة على لسـانا علمـت حينئذ أن المـد كله ل
والمر كله والي كله ف يديه ،وأنه هو الستحق للحمد والثناء والدح دونا ،وأنا هي
أول بالذم والعيـب واللوم .ومـن فاتـه التحقيـق بذيـن العلميـ تلونـت بـه أقواله وأعماله
وأحواله وتبطـت عليـه ول يهتـد إل الصـراط السـتقيم الوصـل له إل ال .فإيصـال العبـد
بتحقيق هاتي العرفتي علما وحال ،وانقطاعه بفواتما .وهذا معن قولم :من عرف نفسه
عرف ر به ،فإ نه من عرف نف سه بال هل والظلم والع يب والنقائص والا جة والف قر والذل
والسكنة والعدم ،عرف ربه بضد ذلك فوقف بنفسه عند قدرها ول يتعد با طورها وأثن
على ربه ببعض ما هو أهله ،وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وإنابته وتوكله إليه وحده،
وكان أحـب شيـء إليـه وأخوف شيـء عنده وأرجاه له ،وهذا هـو حقيقـة العبوديـة ،وال
الســـــــــــــــــــــــــــــــــــتعان.
وي كى أن ب عض الكماء ك تب على باب بي ته :إ نه لن ينت فع بكمت نا إل من عرف نف سه
156
وو قف ب ا ع ند قدر ها ،ف من كان كذلك فليد خل وإل فلي جع ح ت يكون بذه ال صفة.
مساوئ الشهوات
الصـب عـن الشهوة أسـهل مـن الصـب على مـا توجبـه الشهوة ،فإناـ إمـا أن توجـب ألاـ
وعقوبة ،وإما أن تقطع لذة أكمل منها ،وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة ،وإما
أن تثلم عر ضا توفيه أن فع للع بد من ثل مه ،وإما أن تذ هب مال بقاؤه خ ي له من ذها به ،
وإما أن تضيع قدرا وجاها قيامه خي من وضعه ،وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب
من قضاء الشهوة ،وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا ل يكن يدها قبل ذلك ،وإما أن تلب
هاـ وغمـا وحزنـا وخوفـا ل يقارب لذة الشهوة ،وإمـا أن تنسـى علمـا ذكره ألذ مـن نيـل
الشهوة ،وإما أن تشمت عدوا وتزن وليا وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة ،وإما أن
تدث عيبــا يبقــى صــفة ل تزول ،فإن العمال تورث للصــفات والخلق.
حدود الخلق
للخلق حـد متـ جاوزتـه صـارت عدوانـا ،ومتـ قصـرت عنـه كان نقصـا ومهانـة :
فللغ ضب حد و هو الشجا عة الحمودة والن فة من الرذائل والنقائص ،وهذا كماله ،فإذا
ـف مــن الرذائل.
ـ ول يأنـ
ـه جبـ
ـاحبه وجار ،وإن نقــص عنـ
جاوز حده تعدى صـ
157
وللحرص حد و هو الكفا ية ف أمور الدن يا وح صول البلغ من ها ،فم ت ن قص تعدى ذلك
صار بغيا وظلما يتمن معه زوال النعمة عن الحسود ويرص على إيذائه ،ومت نقص عن
ذلك كان دناءة وضعف هة وصغر نفس .قال النب صلى ال عليه وسلم « :ل حسد إل
ف اثنت ي :ر جل آتاه ال مال ف سلطة على هلك ته ف ال ق ،ور جل آتاه ال الك مة ف هو
يق ضي ب ا ويعلم ها الناس» رواه أح د بن حن بل والبخاري ولف ظه ع ند البخاري ف باب
التمنـ « :ل تاسـد إل فـ اثنتيـ رجـل آتاه ال القرآن ،فهـو يتلوه آناء الليـل والنهار
يقول :لو أوت يت م ثل ما أو ت هذا لفعلت ك ما يف عل :ور جل آتاه ال مال ينف قه ف ح قه
فيقول :لو أوتيت ،مثل ما أوت لفعلت كما يفعل» ،.فهذا حسد منافسة يطالب الاسد
به نف سه أن يكون م ثل الح سود ل ح سد مها نة يتم ن به زوال النع مة عن الح سود.
وللراحـة حـد وهـو إجاع النفـس والقوى الدركـة والفعالة للسـتعداد للطاعـة واكتسـاب
الفضائل وتوفرها على ذلك بيث ل يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها ،فمت زاد على
ذلك صار توانيا وكسل وإضاعة وفات به أكثر مصال العبد ،ومت نقص عنه صار مضرا
بالقوى موهنـا لاـ ورباـ انقطـع بـه كالنبتّـ الذي ل أرضـا قطـع ول ظهرا أبقـى.
والود له حد بي طرفي ،فمت جاوز حده صار إسرافا وتبذيرا .ومت نقص عنه كان بل
وتقتيا.
وللشجاعة حد مت جاوزته صارت تورا ،ومت نقصت عنه صارت جبنا وخورا ،وحدها
القدام ف موا ضع القدام والحجام ،ك ما قال معاو ية لعمرو بن العاص :أعيا ن أن أعرف
أشجاع أنت أم جبان تقدم حت أقول من أشجع الناس ،وتب حت أقول من أجب الناس،
158
فقال:
والغية لا حد إذا جاوزته صارت تمة وظنا سيئا بالبيء ،وإذا قصرت عنه كانت تغافلً
ومبادئ دياثـــــــــــــــــــــــــــــــــة.
وللتواضـع حـد إذا جاوزه كان ذل ومهانـة ،ومتـ قصـر عنـه انرف إل الكـب والفخـر.
ولل عز حد إذا جاوزه كان كبا وخلقا مذموما ،وإن ق صر ع نه انرف إل الذل والها نة.
ف من أشرف العلوم وأنفع ها علم الدود ،ول سيما حدود الشروع الأمور والن هي .فأعلم
الناس أعلمهم بتلك الدود ،حت ل يدخل فيها ما ليس منها ول يرج منها ما هو داخل
159
فيهـا .قال تعال« :العراب أشـد كفرا ونفاقـا وأجدر أل يعلموا حدود مـا أنزل ال على
ر سوله» سورة التو بة :ال ية ر قم .97:فأعدل الناس من قام بدود الخلق والعمال
والشروعات معرفـــــــــــة وفعل ،وبال التوفيـــــــــــق.
التقوى ف القلوب
قال أبـو الدرداء رضـي ال عنـه :يـا حبذا نوم الكياس وفطرهـم كيـف يغبنون بـه قيام
الم قى و صومهم ،والذرة من صاحب تقوى أف ضل من أمثال البال عبادة من الغتر ين.
وهذا من جوا هر الكلم وأدله على كمال ف قه ال صحابة وتقدم هم على من بعد هم ف كل
خيــــــــــ ،رضــــــــــي ال عنهــــــــــم.
فاعلم أن العبد إنا يقطع منازل السي إل ال بقلبه وهته ل ببدنه .والتقوى ف القيقة تقوى
القلوب ل تقوى الوارح .قال تعال «ذلك ومن يعظم شعائر ال فإنا من تقوى القلوب»
سورة الج :الية رقم ، 32:وقال « :لن ينال ال لومها ول دماؤها ولكن يناله التقوى
منكم» الج :الية رقم ، 37:وقال النب صلى ال عليه وسلم « التقوى ههنا :وأشار
إل صــــــدره» رواه الترمذي وأحدــــــ بــــــن حنبــــــل.
فالكيس يقطع من السافة بصحة العزية وعلو المة وتريد القصد وصحة النية مع العمل
القليل ،أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثي والسفر الشاق ،فإن
العزية والحبة تذهب الشقة وتطيب السي ،والقدم والسبق إل ال سبحانه إنا هو بالمم
وصدق الرغبة والعزية ،فيتقدم صاحب المة مع سكونه صاحب العمل الكثي براحل،
فإن سـاواه ف ه ته تقدم عل يه بعمله ،وهذا موضـع يتاج إل تفصـيل يوا فق ف يه ال سلم
160
الحســـــــــــــــــــــــــــــــــــان.
أكمل الدي
فأكمل الدي هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكان موفيا كل واحد منهما حقه ،
فكان مـع كماله وإرادتـه وأحواله مـع ال حتـ تَرِم قدماه ،ول يترك شيئا مـن النوافـل
والوراد لتلك الواردات الت تعجز عن حلها قوى البشر .وال تعال أمر عباده أن يقوموا
بشرائع ال سلم على ظواهر هم وحقائق اليان على بواطن هم ،ول يق بل واحدا منه ما إل
بصــــــــــــــــاحبه وقرينــــــــــــــــه.
قسم صرفوا ما فضل من أوقاتم بعد الفرائض إل النوافل البدنية وجعلوها دأبم من غي
حرص منهم على تقيق أعمال القلوب ومنازلا وأحكامها ،وإن ل يكونوا خالي من أصلها
ولكــــن همهــــم مصــــروفة إل الســــتكثار مــــن العمال .
161
وقسم صرفوا ما فضل من الفرائض والسنن إل الهتمام بصلح قلوبم و عكفوها على ال
وحده والمعية عليه وحفظ الواطر والرادات معه .وجعلوا قوة تعبدهم بأعمال القلوب
من تصحيح الحبة والوف والرجاء والتوكل والنابة ورأوا أن أيسر نصيب من الواردات
الت ترد على قلبه من ال أحب إليهم من كثي من التطوعات البدنية ،فإذا حصل لحدهم
جعية ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو انكسار وذل ،ل يستبدل به شيئا سواه ألبتة ،إل
أن ي يء ال مر فيبادر إل يه بذلك الوارد إن أمك نه ،وإل بادر إل ال مر ولو ذ هب الوارد .
فإذا جاءت النوافل فههنا معترك التردد ،فإن أمكن القيام با فذاك وإل نظر ف الرجح .
والحـب إل ال هـل هـو القيام إل تلك النافلة ولو ذهـب وارده كإغاثـة اللهوف وإرشاد
ضال وجب مكسور واستفادة إيان ونو ذلك ،فههنا ينبغي تقدي النافلة الراجحة ،ومت
قدمها ل رغبة فيه وتقربا إليه فإنه يرد عليه ما فات من وارده أقوى ما كان ف وقت آخر ،
وإن كان الوارد أرجح من النافلة فالزم له الستمرار ف وارده حت يتوارى عنه فإنه يفوت
والنافلة ل تفوت.
وهذا موضع يتاج إل فضل فقه ف الطريق ومراتب العمال وتقدي الهم منها فالهم ،
ــــــــــواه.
ــــــــــق لذلك ل إله غيه ول رب سـ
وال الوفـ
162
وأمـا الكذب والسـة واليانـة والرياء والكـر والديعـة والطمـع والفزع والبـ والبخـل
والعجز والكسل والذل لغي ال واستبدال الذي هو أدن بالذي هو خي ونو ذلك ،فإنا
مــــــن الهانــــــة والدناءة وصــــــغر النفــــــس .
وأ ما الخلق الفاضلة كال صب والشجا عة والعدل والروءة والع فة وال صيانة والود واللم
والعفو والصفح والحتمال واليثار وعزة النفس عن الدناءات والتواضع والقناعة والصدق
والخلص والكافأة على الحسان بثله أو أفضل والتغافل عن زلت الناس وترك الشتغال
با ل يعنيه وسلمة القلب من تلك الخلق الذمومة ونو ذلك ،فكلها ناشئة عن الشوع
وعلو ال مة .وال سبحانه أ خب عن الرض بأن ا تكون خاش عة ث ينل علي ها الاء فته تز
وتربـو وتأخـذ زينتهـا وبجتهـا ،فكذلك الخلوق منهـا إذا أصـابه حظـه مـن التوفيـق.
وأما النار فطبعها العلو والفساد ث تمد فتصي أحقر شيء وأذله ،وكذلك الخلوق منها ،
ف هي دائ ما ب ي العلو إذا ها جت واضطر بت ،وب ي ال سة والدناءة إذا خدت و سكنت ،
والخلق الذمومـة تابعـة للنار والخلوق منهـا ،والخلق الفاضلة تابعـة للرض والخلوق
من ها .ف من علت ه ته وخش عت نف سه ات صف ب كل خلق ج يل ،و من د نت ه ته وط غت
نفســـــــه اتصـــــــف بكـــــــل خلق رذيـــــــل.
163
فإذا تو حد مطلو به والطر يق الو صلة إل يه كان الو صول غاي ته ،وإذا كا نت ه ته سافلة
تعلقت بالسفليات ول تتعلق بالطلب العلى ،وإذا كانت النية غي صحيحة كانت طريقه
غي موصلة إليه ،فمدار الشأن هل هة العبد ونيته وها مطلوبه وطريقه ول يتم له إل بترك
«ثلثـــة أشياء »:العوائد والرســـوم والوضاع التـــ أحدثهـــا الناس .
ـا .
ـه وقطعهـ
ـه وطريقـ
ـن إفراد مطلوبـ
ـه عـ
ـر العوائق التـ تعوقـ
«الثان ـ » :هجـ
«الثالث » :قطع علئق القلب الت تول بينه وبي تريد التعلق بالطلوب .والفرق بينهما
أن العوائق هي الوادث الارج ية والعلئق هي التعلقات القلب ية بالباحات ونو ها .وأ صل
ذلك ترك الفضول الت تشغل عن القصود من الطعام والشراب والنام واللطة ،فيأخذ من
ذلك ما يعي نه على طل به وير فض م نه ما يقط عه ع نه أو يض عف طل به ،وال ال ستعان .
وخرج ذات يوم فاتبعـه ناس فقال لمـ :ألكـم حاجـة ؟ قالوا ل ،ولكـن أردنـا أن نشـي
معــــك ،قال :ارجعوا ،فإنــــه ذلة للتابــــع وفتنــــة للمتبوع.
وقال :لو تعلمون منــ مــا أعلم مــن نفســي لثوتــ على رأســي التراب.
وقال :حبذا الكروهان :الوت والفقر ،و أي ال إن هو إل الغن والفقر وما أبال بأيهما
بليت ،أرجو ال ف كل واحد منهما ،إن كان الغن أن فيه العطف ،وإن كان الفقر أن فيه
164
الصــــــــــــــــــــــــــــــــــــب .
وقال :إن كم ف م ر الل يل والنهار ف آجال منقو صة وأعمال مفو ظة ،والوت يأ ت بغ تة ،
فمن زرع خيا فيوشك أن يصد رغبة ،ومن زرع شرا فيوشك أن يصد ندامة ،ولكل
ـا ل يقدر له.
ـص مـ
ـه ول يدرك حريـ
ـء بظـ
ـبق بطيـ
ـا زرع ،ل يسـ
ـل مـ
زارع مثـ
مــــن أعطــــي خيا فال أعطاه ،ومــــن وقــــي شرا فال وقاه .
التقون ســــــــــادة والفقهاء قادة ومالســــــــــتهم زيادة .
إنا ها اثنتان :الدي والكلم ،فأفضل الكلم كلم ال ،وأفضل الدي هدي ممد صلى
ال عليه وسلم ،وشر المور مدثاتا وكل مدثة بدعة فل يطولن عليكم المد ول يلهينكم
المل فإن كل ما هو آت قريب ،أل وإن البعيد ما ليس آتيا ،أل وإن الشقي من شقي ف
بطن أمه ،وإن السعيد من وعظ بغيه ،إل وإن قتال السلم كفر وسبابه فسوق ،ول يل
ل سلم أن يه جر أخاه فوق ثل ثة أيام ح ت ي سلم عل يه إذا لق يه ويي به إذا دعاه ويعوده إذا
مرض .أل وإن شر الروايا روايا الكذب ،أل وإن الكذب ل يصلح منه جد ول هزل ول
أن يعد الرجل صبيه شيئا ث ل ينجزه أل وإن الكذب يهدي إل الفجور والفجور يهدي إل
النار ،والصدق يهدي إل الب والب يهدي إل النة ،وإنه يقال للصادق صدق وبر ،ويقال
للكاذب كذب وفجـر ،وإن ممدا صـلى ال عليـه وسـلم حدثنـا أن الرجـل ليصـدق حتـ
يكتــب عنــد ال صــديقا ،ويكذب حتــ يكتــب عنــد ال كذابــا.
إن أصدق الديث كتاب ال ،وأوثق العرى كلمة التقى ،وخي اللة ملة إبراهيم ،وأحسن
السنن سنة ممد صلى ال عليه وسلم وخي الدي هدي النبياء ،وأشرف الديث ذكر
ال وخي القصص القرآن وخي المور عواقبها وشر المور مدثاتا ،وما قل وكفى خي ما
كثر وألى ،ونفس تنجيها خي من نفس أمارة ل تصبها ،وشر العذرة حي يضر الوت،
وشر الندامة ندامة يوم القيامة ،وشر الضللة الضللة بعد الدى ،وخي الغن غن النفس،
وخي الزاد التقوى ،وخي ما ألقي ف القلب اليقي ،والريب من الكفر ،وشر العمى عمى
القلب ،وال مر جاع الث ،والنساء حبائل الشيطان ،والشباب شع بة من النون ،والنوح
مـــــــــــن عمـــــــــــل الاهليـــــــــــة.
165
من الناس من ل يأت المعة إل دبرا ول يذكر ال إل هجرا .وأعظم الطايا الكذب ،ومن
ي عف ي عف ال ع نه ،و من يكظم الغ يظ يأجره ال ،ومن يغ فر يغ فر ال له ،و من ي صب على
الرزية يعقبه ال ،وشر الكاسب كسب الربا ،وشر الآكل مال اليتيم ،وإنا يكفي أحدكم
ما قن عت به نف سه ،وإن ا ي صي إل أرب عة أذرع وال مر إل آخره ،وملك الع مل خوات ه ،
وأشرف الوت قتـل الشهداء ،ومـن يسـتكب يضعـه ال ،ومـن يعـص ال يطـع الشيطان.
ينبغـي لامـل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ،وبنهاره إذا الناس مفطرون ،وبزنـه
إذا الناس يفرحون ،وببكائه إذا الناس يضحكون ،وبصـمته إذا الناس يوضون ،وبشوعـه
إذا الناس يتالون .وينب غي لا مل القرآن أن يكون باك يا مزو نا حكي ما حلي ما سكينا .ول
ينبغـي لامـل القرآن أن يكون جافيـا ول غافل ول سـخابا ول صـياحا ول حديدا.
من تطاول تعظما حطه ال ومن تواضع تشعا رفعه ال .وإن للملك لة وللشيطان لة ،فلمة
اللك إيعاد بال ي وت صديق بال ق ،فإذا رأي تم ذلك فاحدوا ال .و ل ة الشيطان إيعاد بال شر
وتكذيـــــــب بالقـــــــ ،فإذا رأيتـــــــم ذلك فتعوذوا بال.
إن الناس قد أحسنوا القول ،فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه ،ومن خالف قوله
ـــــــــه.
ـــــــــخ نفسـ
ـــــــــ يوبـ
فعله فذاك إناـ
ل ألفي أحدكم جيفة ليل قطرب نار ،إن لبغض الرجل أن أراه فارغا ليس ف شيء من
ع مل الدن يا ول ع مل الخرة ،و من ل تأمره ال صلة بالعروف وتن هه عن الن كر ل يزدد ب ا
مــــــــــــــــــــــــــــــــن ال إل بعدا.
من اليق ي أل تر ضي الناس ب سخط ال ،ول ت مد أحدا على رزق ال ،ول تلوم أحدا على
مـا ل يؤتـك ال ،فإن رزق ال ل يسـوقه حرص حريـص ول يرده كراهـة كاره ،وإن ال
بقسطه وحلمه وعدله جعل الروح والفرح ف اليقي والرضا ،وجعل الم والزن ف الشك
والســـــــــــــــــــــــــــــــــــخط.
مـا دمـت فـ صـلة فأنـت تقرع باب اللك ،ومـن يقرع باب اللك ،يفتـح له.
166
إنـــ لحســـب الرجـــل ينســـى العلم كان يعلمـــه بالطيئة يعملهـــا.
كونوا ينابيـع العلم ،مصـابيح الدى ،أحلس البيوت سـرج الليـل ،جدد القلوب ،خلقان
الثياب ،تعرفون فــــــ الســــــماء وتفون على أهــــــل الرض.
إن للقلوب شهوة وإدبارا فاغتنمو ها ع ند شهوت ا وإقبال ا ودعو ها ع ند فترت ا وإدبار ها.
ليـــــس العلم بكثرة الروايـــــة ولكـــــن العلم الشيـــــة.
إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسما وأمرضه قلبا ،وتلقون الؤمن من أصح الناس قلبا
وأمرضه جسما ،و أي ال لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على ال من
العلن.
ل يبلغ العبد حقيقة اليان حت يل بذروته ،ول يل بذروته حت يكون الفقر أحب إليه من
الغن والتواضع أحب إليه من الشرف ،وحت يكون حامده و ذامه عنده سواء ،وإن الرجل
ليخرج من بي ته وم عه دي نه في جع و ما م عه م نه ش يء ،يأ ت الر جل ول يلك له ول لنف سه
ضرا ول نفعـا ،فيقسـم له بال إنـك لذيـت و ذيـت ،فيجـع ومـا حـب مـن حاجتـه بشيـء
ويســــــــــــــــخط ال عليــــــــــــــــه.
167
إذا ظهــــر الزنــــا والربــــا فــــ قريــــة أذن بلكهــــا.
من استطاع منكم أن يعل كنه ف السماء حيث ل يأكله السوس ول يناله السراق فليفعل
ـــــــــــــع كنه .
ـــــــــــــل مـ
،فإن قلب الرجـ
ل يقلدن أحدكم دينه رجل ،فإن آمن آمن وإن كفر كفر ،وإن كنتم ل بد مقتدين فاقتدوا
باليـــــت ،فإن اليـــــ ل تؤمـــــن عليـــــه الفتنـــــة.
ل ي كن أحد كم إم عة ،قالوا و ما الم عة؟ قال :يقول أ نا مع الناس إن اهتدوا اهتد يت وإن
ضلوا ضللت ،أل ليوطــن أحدكــم نفســه على أنــه إن كفــر الناس ل يكفــر.
وقال له رجـل :علمنـ كلمات جوامـع نوافـع ،فقال اعبـد ال ل تشرك بـه شيئا وزل مـع
القرآن حيث زال ،ومن جاءك بالق فاقبل منه وإن كان بعيدا بغيضا ،ومن جاءك بالباطل
فاردد عليـــــــــه وإن كان حبيبـــــــــا قريبـــــــــا.
يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له أد أمانتك فيقول يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا فتمثل
على هيئتها يوم أخذها ف قعر جهنم ،فينل فيأخذها فيضعها على عاتقه فيصعد با ،حت
ــن.
ــد البديـ
ــا أبـ
ــ أثرهـ
ــ هوت وهوى فـ
ــه خارج باـ
ــن أنـ
إذا ظـ
اطلب قل بك ف ثل ثة موا طن :ع ند ساع القرآن ،و ف مالس الذ كر و ف أوقات اللوة ،
ـك بقلب فإنــه ل قلب لك.
ـ عليـ
ـ هذه الواطــن فســل ال أن ينـ
فإن ل تده فـ
قال النيد دخلت على شاب فسـألن عن التوبة فأجبته ،فسألن عن حقيقتها ،فقلت :
أن تنصب ذنبك بي عينيك حت يأتيك الوت ،فقال ل :مه ،ما هذا حقيقة التوبة ،فقلت
له ف ما حقي قة التو بة عندك يا ف ت؟ قال :أن تن سى ذن بك ،وترك ن وم ضى .فك يف هو
عندك يا أبا القاسم؟ فقلت :القول ما قال الفت قال :كيف قلت إذا كنت معه ف حال ث
ـا.
ـا جفـ
ـا ف ـ حال الوفـ
ـا ،فذكري للجفـ
ـا إل حال الوفـ
ـن حال الفـ
نقلن ـ مـ
168
الخلص وحب الثناء ل يتمعان
ل يتمع الخلص ف القلب ومبة الدح والثناء والطمع فيما عند الناس إل كما يتمع الاء
والنار والضـب والوت .فإذا حدثتـك نفسـك بطلب الخلص فأقبـل على الطمـع أول
فاذب ه ب سكي اليأس ،وأق بل على الدح والثناء فاز هد فيه ما ز هد عشاق الدن يا ف الخرة،
فإذا اسـتقام لك ذبـح الطمـع والزهـد فـ الثناء والدح سـهل عليـك الخلص.
فإن قلت :و ما الذي ي سهل علي ذ بح الط مع ،والز هد ف الثناء والدح؟ قلت :أ ما ذ بح
الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إل وبيد ال وحده خزائنه ل
يلك ها غيه ول يؤ ت الع بد من ها شيئا سواه .وأ ما الز هد ف الثناء والدح في سهله عل يك
عل مك أ نه ل يس أ حد ين فع مد حه ويز ين وي ضر ذ مه ويش ي إل ال وحده ،ك ما قال ذلك
العراب للنب صلى ال عليه وسلم :إن مدحي زين وذمي شَيْن ،فقال :ذلك ال عز وجل
.فازهد ف مدح من ل يزينك مدحه وف ذم من ل يشينك ذمه ،وارغب ف مدح من كل
الزين ف مدحه وكل الشي ف ذمه ،ولن يقدر على ذلك إل بالصب واليقي فمت فقدت
ال صب واليق ي ك نت ك من أراد ال سفر ف الب حر ف غ ي مر كب .قال تعال « :فا صب إن
وعد ال حق ول يستخفنك الذين ل يوقنون» سورة الروم :الية رقم ، 60:وقال تعال
« :وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون» السجدة :الية رقم
24:
169
لذة كل أ حد على ح سب قدره وه ته وشرف نف سه ،فأشرف الناس نف سا وأعل هم ه ة
وأرفعهم قدرا من لذته ف معرفة ال ومبته والشوق إل لقائه والتودد إليه با يبه ويرضاه
فلذته ف إقباله عليه وعكوف هته عليه ودون ذلك مراتب ل يصيها إل ال ،حت تنتهي
إل من لذته ف أ خس الشياء من القاذورات والفوا حش ف كل ش يء من الكلم والفعال
والشغال .فلو عرض عل يه ما يل تذ به الول ل ت سمح نف سه بقبوله ول التف تت إل يه ورب ا
تألت من ذلك ،كما أن الول إذا عرض عليه ما يلتذ به هذا ل تسمح نفسه به ول تلتفت
إليــــــــــه ونفرت نفســــــــــه منــــــــــه.
وأكمل الناس لذة من جع له بي لذة القلب والروح ولذة البدن ،فهو يتناول لذاته الباحة
على وجه ل ينقص حظه من الدار الخرة ول يقطع عليه لذة العرفة والنس بربه فهذا من
قال تعال فيه« :قل من حرم زينة ال الت أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين
آمنوا ف الياة الدن يا خال صة يوم القيا مة» سورة العراف :ال ية ر قم ، 22:وأن سهم
ح ظا من اللذة من تناولا على و جه يول بي نه وب ي لذات الخرة فيكون م ن يقال لم يوم
استيفاء اللذات « :أذهبتم طيباتكم ف حياتكم الدنيا واستمتعتم با» الحقاف :الية رقم
، 20:فهؤلء تتعوا بالطيبات وأولئك تتعوا بالطيبات .وافترقوا ف و جه التم تع ،فأولئك
تتعوا با على الوجه الذي آذن لم فيه فجمع لم بي لذة الدنيا والخرة وهؤلء تتعوا با
على الوجه الذي دعاهم إليه الوى والشهوة وسواء أذن لم فيه أم ل ،فانقطعت عنهم لذة
الدنيا و فاتتهم لذة الخرة فل لذة الدنيا دامت لم ول لذة الخرة حصلت لم ،فمن أحب
اللذة ودوامها والعيش الطيب فليجعل لذة الدنيا موصل له إل لذة الخرة بأن يستعي با
على فراغ قلبه ل إرادته وعبادته ،فيتناولا بكم الستعانة والقوة على طلبه ل بكم مرد
الشهوة والوى ،وإن كان من زويت عنه لذات الدنيا وطيباتا فليجعل ما نقص منها زيادة
ف لذة الخرة ،و ي م نف سه هه نا بالترك لي ستوفيها كاملة هناك ،فطيبات الدن يا ولذات ا
نعم العون لن صح طلبه ل والدار الخرة وكانت هته لا هناك ،و بئس القاطع لن كانت
هي مقصوده وهته ،وحولا يدندن ،وفواتا ف الدنيا نعم العون لطالب ال والدار الخرة ،
و بئس القا طع النازع من ال والدار الخرة .ف من أ خذ منا فع الدن يا على و جه ل ين قص
حظـــه مـــن الخرة ظفـــر بمـــا جيعـــا وإل خســـرها جيعـــا.
170
آثار ترك العاصي
سـبحان ال رب العاليـ .لو ل يكـن فـ ترك الذنوب والعاصـي إل إقامـة الروءة وصـون
العرض وح فظ الاه وصيانة الال الذي جعله ال قوا ما لصال الدن يا والخرة ،وم بة اللق
وجواز القول بين هم و صلح العاش ورا حة البدن وقوة القلب وط يب الن فس ونع يم القلب
وانشراح ال صدر ،وال من من ماوف الف ساق والفجار ،وقلة ال م وال غم والزن ،و عز
النفس عن احتمال الذل ،وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة العصية ،وحصول الخرج له
ما ضاق على الفساق والفجار ،وتيسي الرزق عليه من حيث ل يتسب ،وتيسي ما عسر
على أرباب الف سوق والعا صي ،وت سهيل الطاعات عل يه ،وتي سي العلم والثناء ال سن ف
الناس ،وكثرة الدعاء له ،واللوة ال ت يكت سبها وج هه ،والها بة ال ت تل قى له ف قلوب
الناس ،وانتصـارهم وحيتهـم له إذا أوذي وظلم ،وذبمـ عـن عرضـه إذا اغتابـه مغتاب ،
وسرعة إجابة دعائه ،وزوال الوحشة الت بينه وبي ال ،وقرب اللئكة منه ،وبعد شياطي
النس والن منه ،وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه ،وخطبتهم لودته وصحبته،
وعدم خوفه من الوت ،بل يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيه إليه ،وصغر الدنيا
ف قلبه ،وكب الخرة عنده ،وحرصه على اللك الكبي ،والفوز العظيم فيها ،وذوق حلوة
الطاعة ووجد حلوة اليان ،ودعاء حلة العرش ومن حوله من اللئكة له ،وفرح الكاتبي
به ودعاؤهم له كل وقت ،والزيادة ف عقله وفهمه وإيانه ومعرفته ،وحصول مبة ال له
وإقباله عليـه وفرحـه بتوبتـه ،وهكذا يازيـه بفرح وسـرور ل نسـبة له إل فرحـه وسـروره
ـــــــــن الوجوه.
ـــــــــه مـ
ـــــــــية بوجـ
بالعصـ
171
فهذه ب عض آثار ترك العا صي ف الدن يا فإذا مات تلق ته اللئ كة بالبشرى من ر به بال نة ،
وبأنه ل خوف عليه ول حزن ،وينتقل من سجن الدنيا وضيقها إل روضة من رياض النة
ين عم في ها إل يوم القيا مة فإذا كان يوم القيا مة كان الناس ف ال ر والعرق ،و هو ف ظل
العرش ،فإذا انصـرفوا مـن بيـ يدي ال أخـذ بـه ذات اليميـ مـع أوليائه التقيـ وحزبـه
الفلحيــ و «ذلك فضــل ال يؤتيــه مــن يشاء وال ذو الفضــل العظيــم» .
172
انتفاعه ،ويتولد له منه مفاسد شت بسب غيبته عن ملحظة التوفيق والنة ورؤية نفسه وإن
القول والفعــــــــــــــــل بــــــــــــــــه.
من هذا الو ضع ي صلح ال سبحانه أقوال عبده وأعماله ويع ظم له ثرت ا أو يف سدها عل يه
وين عه ثرت ا فل ش يء أف سد للعمال من الع جب ورؤ ية الن فس ،فإذا أراد ال بعبده خيا
أشهده منته وتوفيقه وإعانته له ف كل ما يقوله ويفعله فل يعجب به .ث أشهده تقصيه فيه
وأ نه ل ير ضى لر به به فيتوب إل يه م نه وي ستغفره ،وي ستحي أن يطلب عل يه أجرا وإذا ل
يشهده ذلك وغيبه عنه فرأى نفسه ف العمل ورآه بعي الكمال والرضا ،ل يقع ذلك العمل
م نه مو قع القبول والر ضا والح بة ،فالعارف يع مل الع مل لوج هه مشاهدا ف يه من ته وفضله
وتوفيقه ،معتذرا منه إليهن مستحييا منه إذ ل يوفه حقه ،والاهل يعمل العمل لظه وهواه
ناظرا فيه إل نفسه ين به على ربه راضيا بعمله ،فهذا لون وذاك لون آخر.
الوصـول إل الطلوب موقوف على هجـر العوائد وقطـع العوائق .فالعوائد السـكون إل
الد عة والرا حة و ما أل فه الناس واعتادوه من الر سوم والوضاع ال ت جعلو ها بنلة الشرع
الت بع ،بل هي عند هم أع ظم من الشرع فإن م ينكرون على من خرج عن ها وخالف ها ما ل
ـ كفروه أو بدعوه وضللوه ،أو هجروه
ـريح الشرع ،ورباـ
ـن خالف صـ
ينكرون على مـ
وعاقبوه لخال فة تلك الر سوم ،وأماتوا ل ا ال سنن ،ون صبوها أندادا للر سول يوالون علي ها
ويعادون ،فالعروف عندهـــم مـــا وافقهـــا والنكـــر مـــا خالفهـــا.
وهذه الوضاع والرسـوم قـد اسـتولت على طوائف بنـ آدم مـن اللوك والولة والفقهاء
والصوفية والفقراء والطوعي والعامة .فرب فيها الصغي ونشأ عليها الكبي واتذت سننا بل
هي أع ظم ع ند أ صحابا من ال سنن .الوا قف مع ها مبوس والتق يد ب ا منق طع .عم ب ا
الصاب ،وهجر لجلها السنة والكتاب .من استنصر با فهو عند ال مذول ،ومن اقتدى
173
با دون كتاب ال وسنة رسوله فهو عند ال غي مقبول ،وهذه أعظم الجب والوانع بي
ــــــــوله.
ــــــــ النفوذ إل ال ورسـ
ــــــــد وبيـ
العبـ
العوائق
وأ ما العوائق ف هي أنواع الخالفات ظاهر ها وباطن ها ،فإن ا تعوق القلب عن سيه إل ال
وتقطـع عليـه طريقـه ،وهـي ثلثـة أمور :شرك ،وبدعـة ،ومعصـية ،فيزول عائق الشرك
بتجر يد التوح يد ،وعائق البد عة بتحق يق ال سنة ،وعائق الع صية بت صحيح التو بة .وهذه
العوائق ل تـبي للعبـد حتـ يأخـذ فـ أهبـة السـفر ويتحقـق بالسـي إل ال والدار الخرة.
فحينئذ تظهر له هذه العوائق ويسن بتعويقها له بسب قوة سيه وترده للسفر ،وإل فما
دام قاعدا ل يظهــــــــر له كوامنهــــــــا وقواطعهــــــــا.
العلئق
وأمـا العلئق فهـي كـل مـا تعلق بـه القلب دون ال ورسـوله مـن ملذ الدنيـا وشهواتاـ و
ريا ساتا و صحبة الناس والتعلق ب م ،ول سبيل له إل ق طع هذه المور الثل ثة ورف ضه إل
بقوة التعلق بالطلب العلى ،وإل فقطع ها عل يه بدون تعل قه بطلو به مت نع .فإن الن فس ل
تترك مألوفها و مبوبا إل لحبوب هو أحب إليها منه وآثر عندها منه .وكلما قوي تعلقه
بطلوبه ضعف تعلقه بغيه ،وكذا بالعكس .والتعلق بالطلوب هو شدة الرغبة فيه .وذلك
174
على قدر معرفتـــــه وشرفـــــه وفضله على مـــــا ســـــواه.
175
وعلمات الشقاوة أنه كلما زيد ف علمه زيد ف كبه وتيهه ،وكلما زيد ف عمله زيد فخره
واحتقاره للناس وح سن ظنه بنف سه ،وكل ما زيد ف عمره زيد ف حرصه ،وكلما زيد ف
ماله ز يد ف بله وإم ساكه ،وكل ما زيد ف قدره وجا هه زيد ف كبه وتي هه ،وهذه المور
ابتلء مــن ال وامتحان يبتلي باــ عباده فيســعد باــ أقوام ويشقــى باــ أقوام.
وكذلك الكرامات امتحان وابتلء ،كاللك وال سلطان والال .قال تعال عن نبيه سليمان
لا رأى عرش بلقيس عنده« :هذا من فضل رب ليبلون أأشكر أم أكفر» سورة النمل :
الية رقم 40 :فالنعم ابتلء من ال وامتحان يظهر با شكر الشكور وكفر الكفور .كما
أن ال حن بلوى م نه سبحانه ،ف هو يبتلي بالن عم ك ما يبتلي بال صائب ،قال تعال « :فأ ما
الن سان إذا ما ابتله ر به فأكر مه ونع مه فيقول ر ب أكر من ،وأ ما إذا ما ابتله فقدر عل يه
رزقه فيقول رب أهانن كل »....الفجر :الية رقم 17 -15:أي ليس كل من وسعت
عل يه وأكرم ته ونعم ته يكون ذلك إكرا ما م ن له ،ول كل من ضي قت عل يه رز قه وابتلي ته
يكون ذلك إهانــــــــــــــة منــــــــــــــ له.
فالعارف هته ت صحيح الساس فل يلبث بنيانه أن يسقط .قال تعال« :أفمن أ سس بنيانه
176
على تقوى من ال ورضوان خ ي أم من أ سس بنيا نه على ش فا جرف هار فانار به ف نار
جهنم» سورة التوبة :الية رقم . 109:فالساس لبناء العمال كالقوة لبدن النسان فإذا
كانـت القوة قويـة حلت البدن ودفعـت عنـه كثيا مـن الفات ،وإذا كانـت القوة ضعيفـة
ضعـــف حلهـــا للبدن وكانـــت الفات إليـــه أســـرع شيـــء.
فاحلـ بنيانـك على قوة أسـاس اليان ،فإذا تشعـث شيـء مـن أعال البناء وسـطحه كان
تداركــه أســهل عليــك مــن خراب الســاس .وهذا الســاس أمران:
«الول »:صحة العرفة بال وأمره وأسائه وصفاته ،و «الثان »:تريد النقياد له ولرسوله
دون ما سواه ،فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه وبسبه يعتلي البناء ما شاء .فأحكم
الساس و احفظ القوة ودم على المية و استفرغ إذا زاد بك اللط ،والقصد القصد وقد
بلغت الراد ،وإل فما دامت القوة ضعيفة والادة الفاسدة موجودة و الستفراغ معدوما:
فإذا كمـل البناء فـبيضه بسـن اللق والحسـان إل الناس ،ثـ حطـه بسـور مـن الذر ل
يقتحمـه عدو ول تبدو منـه العورة ،ثـ أرخ السـتور على أبوابـه ،ثـ اقفـل الباب العظـم
بال سكوت ع ما ت شى عاقب ته ،ث ركب له مفتا حا من ذ كر ال تفتحه وتغلقه .فإن فت حت
فتحت بالفتاح وإن أغلقت الباب أغلقته به ،فتكون حينئذ قد بنيت حصنا تصنت فيه من
أعانك إذا أطاف به العدو ل يد منه مدخل فييأس منك .ث تعاهد بناء الصن كل وقت،
فإن العدو إذا ل يطمع ف الدخول من الباب نقب عليك النقوب من بعيد بعاول الذنوب،
فإن أهلت أمره و صل إل يك الن قب ،فإذا العدو م عك ف دا خل ال صن في صعب عل يك
إخراجه ،وتكون معه على ثلثة خلل :إما أن يغلبك على الصن ويستول عليه ،وأما أن
يساكنك فيه ،وإما أن يشغلك بقابلته عن تام مصلحتك ،وتعود إل سد النقب ول شعت
الصن .وإذا دخل نقبة إليك نالك منه ثلث آفات :إفساد الصن والغارة على حواصله
حواصله وذخائره ،ودللة السراق من بن جنسه على عورته ،فل تزال تبلى منه بغارة بعد
177
غارة حتـ يضعفوا قواك ويوهنوا عزمـك فتتخلي عـن الصـن وتلي بينهـم وبينـه.
وهذه حال أك ثر النفوس مع العدو ،ولذا ترا هم ي سخطون رب م بر ضا أنف سهم ،بل بر ضا
ملوق مثلهم ل يلك لم ضرا ول نفعا ،ويضيعون كسب الدين بكسب المال ،ويهلكون
أنفسهم با ل يبقى لم ،ويرصون على الدنيا وقد أدبرت عنهم ،ويزهدون ف الخرة وقد
هج مت علي هم ،ويالفون رب م باتباع أهوائ هم ،ويتكلون على الياة ول يذكرون الوت ،
ويذكرون شهواتم وحظوظهم وينسون ما ع هد ال إلي هم ،ويهتمون ب ا ضمنه ال ل م ول
يهتمون ب ا أمر هم به ،ويفرحون بالدن يا ويزنون على فوات حظ هم من ها ول يزنون على
فوات النـة ومـا فيهـا ول يفرحون باليان فرحهـم بالدرهـم والدينار ،ويفسـدون حقهـم
بباطلهم وهداهم بضللم ومعروفهم بنكرهم ،ويلبسون إيانم بظنونم ،ويلطون حللم
برام هم ،ويترددون ف حية آرائ هم وأفكارهـم ،ويتركون هدى ال الذي أهداه إلي هم .
ومـن العجـب أن هذا العدو يسـتعمل صـاحب الصـن فـ هدم حصـنه بيديـه.
أركان الكفر
أركان الكفر أربعة :الكب والسد والغضب والشهوة فالكب ينعه النقياد ،والسد ينعه
قبول النصـيحة وبذلاـ ،والغضـب ينعـه العدل ،والشهوة تنعـه التفرغ للعبادة .فإذا اندم
ر كن ال كب سهل عل يه النقياد ،وإذا اندم ر كن ال سد سهل عل يه قبول الن صح وبذله ،
وإذا اندم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع ،وإذا اندم ركن الشهوة سهل عليه
الصب والعفاف والعبادة .وزوال البال عن أماكنها أيسر من زوال هذه الربعة عمن بلي
ب ا ،ول سيما إذا صارت هيئات را سخة وملكات و صفات ثاب تة ،فإ نه ل ي ستقيم له مع ها
عمل ألبتة ول تزكو نفسه مع قيامها با .وكلما اجتهد ف العمل أفسدته عليه هذه الربعة،
178
وكل الفات متولدة منها .وإذا استحكمت ف القلب أرته الباطل ف صورة الق والق ف
صورة البا طل ،والعروف ف صورة الن كر والن كر ف صورة العروف ،وقر بت م نه الدن يا
وبعدت م نه الخرة ،وإذا تأملت ك فر المم رأيته ناشئا من ها وعلي ها يقع العذاب ،وتكون
خف ته وشدته ب سب خفت ها وشدتا ف من فتح ها على نف سه فتح عليه أبواب الشرور كل ها
عاجل وآجل ،ومـن أغلقهـا على نفسـه أغلق عنـه أبواب الشرور ،فإناـ تنـع النقياد
والخلص والتوبـة والنابـة وقبول القـ ونصـيحة السـلمي والتواضـع ل وللقـة.
ومن شأ هذه الرب عة من جهله بنف سه ،فإ نه لو عرف ر به ب صفات الكمال ونعوت اللل،
وعرف نف سه بالنقائص والفات ،ل يت كب ول يغ ضب ل ا ول ي سد أحدا على ما آتاه ال .
فإن ال سد ف القي قة نوع من معاداة ال ،فإ نه يكره نع مة ال على عبده و قد أحب ها ال ،
ويب زوالا عنه وال يكره ذلك .فهو مضاد ل ف قضائه وقدره ومبته وكراهته ،ولذلك
كان إبل يس عدوه حقي قة لن ذن به كان عن كب وح سد ،فقلع هات ي ال صفتي بعر فة ال
وتوحيده والر ضا به وع نه والنا بة إل يه .وقلع الغ ضب بعر فة الن فس وأن ا ل ت ستحق أن
يغضب لا وينتقم لا ،فإن ذلك إيثار لا بالرضا والغضب على خالقها وفاطرها ،وأعظم ما
تد فع به هذه ال فة أن يعود ها أن تغ ضب له سبحانه وتر ضى له ،فكل ما دخل ها ش يء من
الغضـب والرضـا له خرج منـه مقابلة مـن الغضـب والرضـا لاـ ،وكذا بالعكـس.
أما الشهوة فدواؤها صحة العلم والعرفة بأن إعطاءها شهواتا أعظم أسباب حرمانا إياها
ومنعها منها .وحيتها أعظم أسباب اتصالا إليها ،فكلما فتحت عليها باب الشهوات كنت
ساعيا ف حرمانا إياها وكلما أغلقت عنها ذلك الباب ك نت ساعيا ف إيصالا إليها على
أكمـــــــــــــــــــــــــــــــــل الوجوه.
فالغ ضب م ثل ال سبع إذا أفل ته صاحب بدأ بأكله ،والشهوة م ثل النار إذا أضرم ها صاحبها
بدأت بإحرا قه وال كب بنلة مناز عة اللك مل كه فإن ل يهل كك طردك ع نه ،وال سد بنلة
معاداة من هو أقدر منك ،والذي يغلب شهوته وغضبه يفرق الشيطان من ظله ،ومن تغلبه
شهوتـــــــــه وغضبـــــــــه يفرق مـــــــــن خياله.
179
صفات الهال بال
الهال بال وأسـائه وصـفاته العطلون لقائقهـا يبغضون ال إل خلقـه ،ويقطعون عليهـم
طر يق مب ته ،والتودد إل يه بطاع ته من ح يث ل يعلمون ون ن نذ كر من ذلك أمثلة تتذي
عليهــــــــــــــــــــــــــــــــــــا.
فمن ها :أن م يقررون ف نفوس الضعفاء أن ال سبحانه ل تن فع م عه طا عة ،وإن طال زمان ا
وبالغ العبد وأتى با بظاهره وباطنه .وأن العبد ليس على ثقة ول أمن من مكره ،بل شأنه
سبحانه أن يأخذ الطيع التقي من الحراب إل الاخور ،ومن التوحيد والسبحة إل الشرك
والزمار .ويقلب قلبـه مـن اليان الالص إل الكفـر .ويروون فـ ذلك آثارا صـحيحة ل
يفهمو ها ،وباطلة ل يقل ها الع صوم ،ويزعمون أن هذا حقي قة التوح يد ،ويتلون على ذلك
قوله تعال « :ل يسأل عما يفعل » ،وقوله « :أفأمنوا مكر ال فل يأمن مكر ال إل القوم
الاسـرون» سـورة العراف :اليـة رقـم 99:وقوله « :واعلموا أن ال يول بيـ الرء
وقل به» النفال :ال ية ر قم ، 24:ويقيمون إبل يس ح جة ل م على هذه العر فة وأ نه كان
طاووس اللئ كة وأ نه ل يترك ف ال سماء رق عة ف الرض ول بق عة إل وله في ها سجدة أو
ركعة ،لكن جن عليه جان القدر وسطا عليه الكم فقلب عينه الطيبة وجعلها أخبث شيء
حت قال بعض عارفيهم :إنك ينبغي أن تاف ال كما تاف السد الذي يثب عليك بغي
جرم منك ول ذنب أتيته إليه .ويتجون بقول النب صلى ال عليه وسلم « :إن أحدكم
ليع مل بع مل أ هل ال نة ح ت ما يكون بي نه وبين ها إل ذراع ،في سبق عل يه الكتاب فيع مل
بعمـــــــــل أهـــــــــل النار فيدخلهـــــــــا» .
180
ويروون عـن بعـض السـلف :أكـب الكبائر المـن مـن مكـر ال والقنوط مـن رحةـ ال .
وذكـر المام أحدـ عـن عون بـن عبـد ال أو غيه أنـه سـع رجل يدعـو :اللهـم ل تؤمنـ
مكرك ،فأن كر ذلك وقال :قل الل هم ل تعل ن م ن يأ من مكرك .و بنوا هذا على أ صلهم
الباطل وهو إنكار الكمة والتعليل والسباب ،وأن ال ل يفعل لكمة ول بسبب إنا يفعل
بشيئته مردة من الكمة والتعليل والسبب ،فل يفعل لشيء ول بشيء ،وأنه يوز عليه
أن يعذب أهـل طاعتـه أشـد العذاب ،وينعـم أعداءه أهـل معصـيته بزيـل الثواب ،وأن
المرين بالنسبة إليه سواء ول يعلم امتناع ذلك إل بب من الصادق أنه ل يفعله .فحينئذ
يعلم امتناعه لوقوع الب بأنه ل يكون ،ل لنه ف نفسه باطل وظلم ،فإن الظلم ف نفسه
مستحيل فإنه غي مكن بل هو بنلة جعل السم الواحد ف مكاني ف آن واحد ،والمع
بي الليل والنهار ف ساعة واحدة وجعل الشيء موجودا ومعدوما معا ف آن واحد ،فهذا
حقيقة الظلم عندهم فإذا رجع العامل إل نفسه قال :من ل يستقر له أمر ول يؤمن له مكر
،ك يف يو ثق بالتقرب إل يه؟ وك يف يعول على طاع ته و اتباع أوامره ول يس ل نا سوى هذه
الدة اليسية؟! فإذا هجرنا فيها اللذات وتركنا الشهوات وتكلفنا أثقال العبادات وكنا مع
ذلك غي ثقة منه أن يقلب علينا اليان كفرا والتوحيد شركا والطاعة معصية والب فجورا
ويديـــ علينـــا العقوبات ،كنـــا خاســـرين فـــ الدنيـــا والخرة.
فإذا استحكم هذا العتقاد ف قلوبم وتمر ف نفوسهم صاروا إذا أمروا بالطاعات وهجر
اللذات بنلة إنسان جعل يقول لولده :معلمك إن كتبت وأحسنت وتأدبت ول تعصه ربا
أقام لك حجـة وعاقبـك ،وإن كسـلت وبطلت وتعطلت وتركـت مـا أمرك بـه رباـ قربـك
وأكر مك فيودع بذا القول قلب ال صب ما ل ي ثق بعده إل وع يد العلم على ال ساءة ول
وعده على الح سان .وإن كب ال صب و صلح للمعاملت والنا صب قال به هذا سلطان
بلد نا يأ خذ اللص من ال بس فيجعله وزيرا أميا ويأ خذ الك يس الح سن لشغله فيخلده ف
البس ويقتله ويصلبه .فإذا قال له ذلك أوحشه من سلطانه وجعله على غي ثقة من وعده
ووعيده ،وأزال مبته من قلبه وجعله ياف مافة الظال الذي يأخذ الحسن بالعقوبة والبيء
بالعذاب ،فأفلس هذا السـكي مـن اعتقاد كون العمال نافعـة أو ضارة ،فل بفعـل اليـ
ي ستأنس ،ول بف عل ال شر ي ستوحش ،و هل ف التنف ي عن ال وتبغي ضه إل عباده أك ثر من
181
هذا؟ ولو اجتهـد اللحدة على تبغيـض الديـن والتنفيـ عـن ال لاـ أتوا بأكثـر مـن هذا.
وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر ويرد على أهل البدع وينصر الدين،
ولعمر ال العدو العاقل أقل ضررا من الصديق الاهل .وكتب ال النلة كلها ورسله كلهم
شاهدة ب ضد ذلك ول سيما القرآن .فلو سلك الدعاة ال سلك الذي د عا ال ور سوله به
الناس إليه لصح العال صلحا ل فساد معه ،فال سبحانه أخب وهو الصادق الوف أنه إنا
يعامل الناس بكسبهم ويازيهم بأعمالم ول ياف الحسن لديه ظلما ول هضما ،ول ياف
بسا ول رهقا ،ول يضيع عمل مسن أبدا ،ول يضيع على العبد مثقال ذرة ول يظلمها «
وإن تك ح سنة يضاعف ها ويؤت من لد نه أجرا عظيما» ،وإن كان مثقال ح بة من خردل
جازاه ب ا ول يضيع ها عل يه .وأ نه يزي بال سيئة مثل ها ويبط ها بالتو بة والندم وال ستغفار
والسـنات والصـائب ،ويزي بالسـنة عشـر أمثالاـ ويضاعفهـا إل سـبعمائة ضعـف إل
أضعاف كثية.
و هو الذي أ صلح الفا سدين وأق بل بقلوب العرض ي وتاب على الذ نبي ،وهدى الضال ي
وأن قذ الالك ي ،وعلم الاهل ي ،وب صر التحي ين وذ كر الغافل ي ،وآوى الشارد ين .وإذا
أوقـع عقابـا أوقعـه بعـد شدة التمرد والعتـو عليـه ،ودعوة العبـد إل الرجوع إليـه والقرار
بربوبيته وحقه مرة بعد مرة ،حت إذا أيس من استجابته والقرار بربوبيته ووحدانيته أخذه
ببعض كفره وعتوه وترده بيث يعذر العبد من نفسه و يعترف بأنه سبحانه ل يظلمه وأنه
هو الظال لنفسه كما قال تعال عن أهل النار« :فاعترفوا بذنبهم فسحقا لصحاب السعي»
سورة اللك ،ال ية ، 11وقال ع من أهلك هم ف الدن يا إن م ل ا رأوا آيا ته وأح سوا بعذا به
قالوا « :يا ويل نا إ نا ك نا ظال ي .فمازالت تلك دعوا هم ح ت جعلنا هم ح صيدا خامد ين»
النبياء ،14-15 :وقال أصحاب النة الت أفسدها عليهم لا رأوها« :قالوا سبحان ال
إ نا ك نا ظال ي» القلم ،29 :قال ال سن ل قد دخلوا النار وإن حده ل في قلوب م ما وجدوا
عليـه حجـة ول سـبيل .ولذا قال تعال« :فقطـع دابر القوم الذيـن ظلموا والمـد ل رب
العال ي» النعام.45 :فهذه الملة ف مو ضع الال أي ق طع دابر هم حال كو نه سبحانه
ممودا على ذلك فق طع دابر هم قط عا م صاحبا لمده ،ف هو ق طع وإهلك ي مد عل يه الرب
182
تعال لكمال حكمته وعدله ووضعه العقوبة ف موضعها الذي ل يليق به غيها .فوضعها ف
الوضع الذي يقول من علم الال :ل تليق العقوبة إل بذا الحل ،ول يليق به إل العقوبة،
ولذا قال عق يب إخباره عن ال كم ب ي عباده ومصي أهل السعادة إل ال نة وأهل الشقاء
إل النار« :وق ضى بين هم بال ق وق يل ال مد ل رب العال ي» الز مر ،75 :فحذف فا عل
القول إشعارا بالعموم وأن الكون كله قال« :المد ل رب العالي» لا شهدوا من حكمه
القـ وعدله وفضله .ولذا قال فـ حـق أهـل النار« :قيـل ادخلوا أبواب جهنـم» الزمـر:
،72كأن الكون كله يقول ذلك حت تقوله أعضاؤهم وأرواحهم وأرضهم وساؤهم ،وهو
سـبحانه يبـ أنـه إذا أهلك أعداءه أنىـ أولياءه ول يعمـه باللك بحـض الشيئة.
ولا سأله نوح ناة ابنه أخب أنه يغرقه بسوء عمله وكفره ،ول يقل إن أغرقه بحض مشيئت
وإرادت بل سبب ول ذنب ،وقد ضمن سبحانه زيادة الداية للمجاهدين ف سبيله ول يب
أنـــــــه يضلهـــــــم ويبطـــــــل ســـــــعيهم.
وكذلك ضمن زيادة الداية للمتقي الذين يتبعون رضوانه ،وأخب أنه ل يضل إل الفاسقي
الذ ين ينقضون عهده من ب عد ميثا قه ،وأ نه إن ا ي ضل من آ ثر الضلل واختاره على الدى
فيطبـع حينئذ على سـعه وقلبـه ،وأنـه يقلب قلب مـن ل يرض بداه إذا جاءه ول يؤمـن بـه
ودفعه ورده فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده ودفعه لا تققه وعرفه ،وأنه سبحانه لو
علم ف تلك الحال ال ت ح كم علي ها بالضلل والشقاء خيا لفهم ها وهدا ها ،ولكن ها ل
تصلح لنعمته ول تليق با كرامته .وقد أزاح سبحانه العلل وأقام الجج ومكن من أسباب
الداية ل يضل إل الفاسقي والظالي ول يطبع إل على قلوب العتدين ول يركس ف الفتنة
إل النافقي بكسبهم وأن الرين الذي غطى به قلوب الكفار هو عي كسبهم وأعمالم كما
قال « :كل بل ران على قلوبم ما كانوا يكسبون» سورة الطففي :الية رقم 14:وقال
عن أعدائه من اليهود« :وقولم قلوب نا غلف بل طبع ال عليها بكفرهم» النساء :الية
رقم 155:وأخب أنه ل يضل من هداه حت يبي له ما يتقى ،فيختار لشقوته وسوء طبيعته
الضلل على الدى والغـي على الرشاد ،ويكون مـع نفسـه وشيطانـه وعدو ربـه عليـه.
183
مكر ال عز وجل
وأما الكر الذي وصف به نفسه فهو مازاته للماكرين بأوليائه ورسله ،فيقابل مكره السيئ
بكره السن ،فيكون الكر منهم أقبح شيء ومنه أحسن شيء لنه عدل ومازاة .وكذلك
الخادعـة منـه جزاء على مادعـة رسـله وأوليائه ،فل أحسـن مـن تلك الخادعـة والكـر.
وأما شأن إبليس :فإن ال سبحانه قال للملئكة« :إن أعلم ما ل تعلمون» سورة البقرة :
الية 30 :فالرب تعال كان يعلم ما ف قلب إبليس من الكفر والكب والسد ما ل يعلمه
اللئ كة ،فل ما أمروا بال سجود ظ هر ما ف قلوب م من الطا عة والح بة والش ية والنقياد
فبادروا إل المتثال ،وظهر ما ف قلب عدوه من الكب والغش والسد فأب واستكب وكان
مـــــــــــــــــن الكافريـــــــــــــــــن.
أما خوف أوليائه من مكره فحق ،فإنم يافون أن يذلم بذنوبم وخطاياهم فيصيون إل
184
الشقاء ،فخوفهـم مـن ذنوبمـ ورجاؤهـم لرحتـه ،وقوله « :أفأمنوا مكـر ال» سـورة
العراف ،الية رقم 99إنا هو ف حق الفجار والكفار .ومعن الية :فل يعصي و يأمن
مقابلة ال له على م كر ال سيئات بكره به إل القوم الا سرون .والذي يا فه العارفون بال
مـن مكره أن يؤخـر عنهـم عذاب الفعال فيحصـل منهـم نوع اغترار فيأنسـوا بالذنوب
فيجيئهـــــــــــــــــــــــــم العذاب على غرة وفترة.
وأ مر آ خر :و هو أن يغفلوا ع نه وين سوا ذكره فيتخلى عن هم إذا تلوا عن ذكره وطاع ته
فيســـرع إليهـــم البلء والفتنـــة فيكون مكره بمـــ تليـــة عنهـــم.
وأمر آخر :أن يعلم من ذنوبم وعيوبم ما ل يعلمونه من نفوسهم ،فيأتيهم الكر من حيث
ل يشعرون.
وأمـر آخـر :أن يتحنهـم ويبتليهـم باـ ل صـب لمـ عليـه ،فيفتنون بـه ،وذلك مكـر.
شجرة الخلص
ال سنة شجرة والشهور فروع ها واليام أغ صانا وال ساعات أوراق ها والنفاس ثر ها .ف من
كانت أنفاسه ف طاعة فثمرة شجرته طيبة ،ومن كانت ف معصية فثمرته حنظل .وإنا يكون
الداد يوم العاد ،فعنــــد الداد يتــــبي حلو الثمار مــــن مرهــــا.
والخلص والتوحيد شجرة ف القلب فروعها العمال وثرها طيب الياة ف الدنيا والنعيم
القيم ف الخرة .وكما أن ثار النة ل مقطوعة ول منوعة ،فثمرة التوحيد والخلص ف
الدنيـــــــــــــــــــــــــــــــــا كذلك.
185
والشرك والكذب والرياء شجرة فـ القلب ثرهـا فـ الدنيـا الوف والمـ ،والغـم وضيـق
الصـدر وظلمـة القلب ،وثرهـا فـ الخرة الزقوم والعذاب القيـم .وقـد ذكـر ال هاتيـ
الشجرتيـــــــ فـــــــ ســـــــورة إبراهيـــــــم.
مراتب السعادة
إذا بلغ العبد أعطى عهده الذي عهد إليه خالقه ومالكه ،فإذا أخذ عهده بقوة وقبول وعزم
على تنفيذ ما فيه صلح للمراتب والناصب الت يصلح لا الوفون بعهودهم ،فإذا هز نفسه
عند أخذ العهد و انتحاها وقال قد أُهّلْت لعهد رب فمن أول بقبوله وفهمه وتنفيذه من؟
فحرص أول على فهم عهده وتدبره وتعرفه وصايا سيده له ،ث وطن نفسه على امتثال ما ف
عهده والع مل به وتنفيذه ح سبما تضم نه عهده ،فأب صر بقل به حقي قة الع هد و ما تضم نه،
فا ستحدث ه ة أخرى وعزي ة غ ي العزية ال ت كان في ها و قت ال صبا ،ق بل و صول الع هد،
فاستقال من ظلمة غرة الصبا والنقياد للعادة والنشأ ،وصب على شرف المة وهتك ستر
الظلمـة إل نور اليقيـ ،فأدرك بقدر صـبه وصـدق اجتهاده مـا وهبـه ال له مـن فضله.
فأول مرا تب سعادته أن تكون له أذن واع ية ،وقلب يع قل ما تع يه الذن .فإذا سع وع قل
واستبانت له الادة ورأى عليها تلك العلم ،ورأى أكثر الناس منحرفي عنها يينا وشال
فلزمها ول ينحرف مع النحرفي الذين كان سبب انرافهم عدم قبول العهد أو قبلوه بكره
ول يأخذوه بقوة ول عزية ول حدثوا أنفسهم بفهمه وتدبره والعمل با فيه وتنفيذ وصاياه،
بل عرض عليهم العهد ومعهم ضراوة الصبا ودين العادة وما ألفوا عليه الباء والمهات،
فتلقوا العهد تلقي من هو مكتف با وجد عليه آباءه وسلفه ،وعادتم ل تكفي من يمع هه
وقلبه على فهم العهد والعمل به ،حت كأن ذلك العهد أتاه وحده وقيل له تأمل ما فيه ث
اعمل بوجبه فإذا ل يتلق عهده هذا التلقي أخلد إل سية القرابة وما ا ستمرت عليه عادة
أهله وأصحابه وجيانه وأهل بلده ،فإن علت هته أخلد إل ما عليه سلفه ومن تقديه من
186
غيـ التفات إل تدبر العهـد وفهمـه فرضـي لنفسـه أن يكون دينـه ديـن العادة ،فإذا شامـه
الشيطان ورأى هذا مبلغ ه ته وعزي ته ،رماه بالع صبية والم ية للباء و سلفه وز ين له أن
هذا هو ال ق و ما خال فه با طل ،وم ثل له الدى ف صورة الضلل ،والضلل ف صورة
الدى ،بتلك الع صبية والم ية ال ت أ سست على غيـ علم ،فرضاه أن يكون مـع عشيتـه
وقومه له ما لم وعليه ما عليهم ،فخذل عن الدى و وله ال ما تول ،فلو جاءه كل هدى
يالف قومـــــــــــه وعشيتـــــــــــه ل يره إل ضللة .
وإذا كا نت ه ته أعلى من ذلك ونف سه أشرف وقدره أعلى ،أق بل على ح فظ عهده وفه مه
وتدبره ،وعلم أن ل صاحب الع هد شأ نا ل يس كشأن غيه ،فأ خذ نف سه بعرف ته من ن فس
الع هد ،فوجده قد تعرف إل يه وعر فه نف سه و صفاته وأ ساءه وأفعاله وأحكا مه ،فعرف من
ذلك العهد قيما بنفسه مقيما لغيه غنيا عن كل ما سواه وكل ما سواه فقي إليه مستو على
عر شه فوق ج يع خلقه ،يرى وي سمع ويرضى ويغ ضب وي ب ويب غض ويدبر أمر ملك ته ،
وهو فوق عرشه متكلم آمر ناه يرسل رسله إل أقطار ملكته بكلمه الذي يسمعه من يشاء
مـن خلقـه ،وأنـه قائم بالقسـط مُجاز بالحسـان وال ساءة ،وأنـه حليـم غفور شكور جواد
مسن موصوف بكل كمال منه عن كل عيب ونقص وأنه ل مثل له .ويشهد حكمته ف
تدبي ملكته وكيف يقدر مقاديره بشيئته غي مضادة لعدله وحكمته ،وتظاهر عنده العقل و
الشرع والفطرة ف صدق كل منه ما صاحبيه وف هم عن ال سبحانه ما و صف به نف سه ف
كتا به من حقائق أ سائه ال ت ب ا نزل الكتاب و ب ا ن طق ول ا أث بت وح قق ،و ب ا تعرف إل
عباده حتـــــ أقرت بـــــه العقول وشهدت بـــــه الفطـــــر.
فإذا عرف بقلبـه وتيقـن صـفات صـاحب العهـد أشرقـت أنوارهـا على قلبـه فصـارت له
كالعاي نة ،فرأى حينئذ تعلقها باللق والمر وارتباطهما با وسريان آثارها ف العال السي
والعال الروحي ،ورأى ت صرفها ف اللئق ك يف ع مت وخ صت وقر بت وأبعدت وأعطت
ومنعت ،فشاهد بقلبه مواقع عدله سبحانه وقسطه وفضله ورحته ،واجتمع له اليان بلزوم
حجته مع نفوذ أقضيته وكمال قدرته مع كمال عدله وحكمته وناية علوه على جيع خلقه
مع إحاطته ومعيته وعظمته وجلله وكبيائه وبطشه وانتقامه مع رحته وبره ولطفه وجوده
187
وعفوه وحل مه .ورأى لزوم ال جة مع ق هر القاد ير ال ت ل خروج لخلوق عن ها .وك يف
اصطحاب الصفات وتوافقها وشهادة بعضها لبعض ،وانعطاف الكمة الت هي ناية وغاية
على القادير الت هي أول بداية .ورجوع فروعها إل أصولا ومبادئها إل غاياتا حت كأنه
مشاهـد مبادئ الكمـة ،وتأسـيس القضايـا على وفـق الكمـة والعدل والصـلحة والرحةـ
والحسان ،ول ترج قضية عن ذلك إل انقضاء الكوان وانفصال الحكام يوم الفضل بي
العباد وظهور عدله وحكمتـه وصـدق رسـله ومـا أخـبت بـه عنـه لميـع الليقـة ،إنسـها
وجنهــــــــــا ،مؤمنهــــــــــا وكافرهــــــــــا.
وحينئذ ي تبي من صفات جلله ونعوت كماله للخلق ما ل يكونوا يعرفو نه ق بل ذلك ،ح ت
أن أعرف خل قه به ف الدن يا يث ن عل يه يومئذ من صفات كماله ونعوت جلله ما ل ي كن
ي سنه ف الدن يا ،وك ما يظ هر ذلك لل قه تظ هر ل م ال سباب ال ت ب ا زاغ الزائغون و ضل
الضالون وانقطع النقطعون ،فيكون الفرق بي العلم يومئذ بقائق الساء والصفات والعلم
باـ فـ الدنيـا كالفرق بيـ العلم بالنـة والنار ومشاهدتمـا وأعظـم مـن ذلك.
وكذلك يف هم من الع هد ك يف اقت ضت أ ساؤه و صفاته لوجود النبوة والشرائع وأل يترك
خل قه سدى ،وك يف اقت ضت ما تضمن ته من الوا مر والنوا هي ،وك يف اقت ضت وقوع
الثواب والعقاب والعاد ،وأن ذلك من موجبات أسائه وصفاته بيث ينه عما زعم أعداؤه
مـن إنكار ذلك ،ويرى شول القدرة وإحاطتهـا بميـع الكائنات حتـ ل يشـذ عنهـا مثقال
ذرة ،ويرى أنه لو كان معه إله آخر لفسد هذا العال فكانت تفسد السموات والرض ومن
في هن ،وأ نه سبحانه لو جاز عل يه النوم أو الوت لتدكدك هذا العال بأ سره ول يث بت طر فة
عي .ويرى مع ذلك السلم واليان اللذين تعبد ال بما جيع عباده كيف انبعاثهما من
الصـفات القدسـة ،وكيـف اقتضيـا الثواب والعقاب عاجل وآجل .ويرى مـع ذلك أنـه ل
ي ستقيم قبول هذا الع هد والتزا مه ل ن ج حد صفاته وأن كر علوه على خل قه وتكل مه بكت به
وعهوده ،ك ما ل ي ستقيم قبوله ل ن أن كر حقيقة سعه وب صره وحياته وإراد ته وقدرته ،وأن
هؤلء هـم الذيـن ردوا عهده وأبوا قبوله ،وأن مـن قبله منهـم ل يقبله بميـع مـا فيـه ،وال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــق.
التوفيـ
188
السد والروح
خلق بدن ابن آدم من الرض وروحه من ملكوت السماء وقرن بينهما .فإذا أجاع بدنه و
أ سهره وأقا مه ف الد مة وجدت رو حه خ فة ورا حة فتا قت إل الو ضع الذي خلت م نه،
واشتاقت إل عالها العلوي .وإذا أشبعه ونعمه ونومه واشتغل بدمته وراحته ،أخلد البدن
إل الوضع الذي خلق منه فانذبت الروح معه فصارت ف السجن ،فلول أنا ألفت السجن
ل ستغاثت من أل مفارقت ها وانقطاع ها عن عال ها الذي خل قت م نه ك ما ي ستغيث العذب.
وبالملة فكلما خف البدن لطفت الروح وخفت وطلبت عالها العلوي وكلما ثقل وأخلد
إل الشهوات والراحـة ثقلت الروح وهبطـت مـن عالهـا وصـارت أرضيـة سـفلية ،فترى
الرجل :رو حه ف الرف يق العلى وبد نه عندك ،فيكون نائ ما على فرا شه ورو حه ف ال سفل
تول حول ال سفليات .فإذا فار قت الروح البدن التح قت برفيق ها العلى أو الد ن ،فع ند
الرف يق العلى كل قرة ع ي و كل نع يم و سرور وب جة ولذة وحياة طي بة ،وع ند الرف يق
السفل كل هم وغم وضيق وحزن وحياة نكدة ومعيشة ضنك ،قال تعال« :ومن أعرض
عن ذكري فإن له معي شة ضن كا» سورة طه ،ال ية 124ف ِذكْره كل مه الذي أنزله على
رسوله والعراض عنه ترك تدبره والعمل به .والعيشة الضنك ،فأكثر ما جاء ف التفسي:
أنا عذاب القب ،قاله ابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الدري وابن عباس ،وفيه حديث
مرفوع.
وأ صل الض نك ف الل غة :الض يق والشدة ،و كل ما ضاق ف هو ض نك ،يقال :منل ض نك
وعيـش ضنـك ،فهذه العيشـة الضنـك فـ مقابلة التوسـيع على النفـس والبدن بالشهوات
189
واللذات والرا حة ،فإن الن فس كل ما و سعت علي ها ضي قت على القلب ح ت ت صي معي شة
ضنكا ،وكلما ضيقت عليها وسعت على القلب حت ينشرح و ينفسح .فضنك العيشة ف
الدنيا بوجب التقوى سعتها ف البزخ والخرة ،وسعة العيشة ف الدنيا بكم الوى ضنكها
ف البزخ والخرة ،فآثر أحسن العيشت ي وأطيبهما و أدومهما ،وأشق البدن بنعيم الروح
ول تشق الروح بنعيم البدن ،فإن نعيم الروح وشقاءها أعظم وأدوم ،ونعيم البدن وشقاؤه
أقصــــــــــــــر وأهون ,وال الســــــــــــــتعان.
فكيف يؤمر بالفضيلة من ل يقم الفريضة ! فإن صعب عليهم ترك الذنوب فاجتهد أن تبب
ال إليهم بذكر آلئه وإنعامه وإحسانه وصفات كماله ونعوت جلله ،فإن القلوب مفطورة
على مبته .فإذا تعلقت ببه هان عليها ترك الذنوب والصرار عليها والستقلل منها .وقد
ـ».
ـل لاـ
ـن ترك الاهـ
ـ مـ
ـا خيـ
ـل للدنيـ
ـن معاذ « :طلب العاقـ
قال يي ـ بـ
العارف يد عو الناس إل ال من دنيا هم فت سهل علي هم الجا بة ،والزا هد يدعو هم إل ال
بترك الدن يا فت شق علي هم الجا بة .فإن الفطام عن الثدي الذي ما ع قل الن سان نف سه إل
وهو يرتضع منه ،شديد ،ولكن تي من الرضعات أزكاهن وأفضلهن ،فإن للب تأثيا ف
طبيعـة الرتضـع ،ورضاع الرأة المقـى يعود بمـق الولد .وأنفـع الرضاعـة مـا كان مـن
الجامعـة ،فإن قويـت على مرارة الفطام وإل فارتضـع بقدر فإن مـن البشـم مـا يقتـل.
190
ثلث فوائد
بيــ رعايــة القوق مــع الضــر ورعايتهــا مــع العافيــة بون بعيــد.
إن عبدي كل عبدي الذي يذكر ن و هو ملق قر نه « قرن الن سان :هو الذي يكافئه ف
القدرة والشجاعة » « :يا أي ها الذ ين آمنوا إذا لقي تم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيا لعل كم
تفلحون» ســــــــــــورة النفال ،اليــــــــــــة 45
ل يس الع جب من صحيح فارغ وا قف مع الد مة ،إن ا الع جب من ضع يف سقيم تعتوره
الشغال وتتلف عليـه الحوال وقلبـه واقـف فـ الدمـة غيـ متخلف باـ يقدر عليـه.
معرفة ال
معرفــــــــــــــة ال ســــــــــــــبحانه نوعان :
« الول » :معرفـة إقرار وهـي التـ اشترك فيهـا الناس الب والفاجـر والطيـع والعاصـي.
« والثان »:معرفة توجب الياء منه والحبة له وتعلق القلب به والشوق إل لقائه وخشيته
والنابة إليه والنس به والفرار من اللق إليه .وهذه هي العرفة الاصة الارية على لسان
القوم وتفاوتم فيها ل يصيه إل الذي عرفهم بنفسه وكشف لقلوبم من معرفته ما أخفاه
191
عن سواهم و كل أشار إل هذه العر فة ب سب مقام و ما ك شف له من ها .و قد قال أعرف
اللق به « :ل أح صي ثناء عل يك أ نت ك ما أثن يت على نف سك» ،وأ خب أ نه سبحانه
يفتـــح عليـــه يوم القيامـــة مـــن مامده باـــ ل يســـنه الن.
192
باكتسـابه .وكذلك يسـأل عـن مسـتخرجه ومصـروفه مـن أيـن اكتسـبه وفيمـا أنفقـه.
مواساة الؤمني
الواساة للمؤمني أنواع :مواساة بالال ،ومواساة بالاه ،ومواساة بالبدن والدمة ،ومواساة
بالن صيحة والرشاد ،وموا ساة بالدعاء وال ستغفار ل م ،وموا ساة بالتو جع ل م .وعلى قدر
اليان تكون هذه الوا ساة .فكل ما ض عف اليان ضع فت الوا ساة ،وكل ما قوي قو يت.
وكان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أع ظم الناس موا ساة ل صحابه بذلك كله ،فلتبا عه
مـــــــن الواســـــــاة بســـــــب اتباعهـــــــم له.
ودخلوا على ب شر الا ف ف يوم شد يد البد و قد ترد و هو ينت فض ،فقالوا :ما هذا يا أ با
نصر؟ فقال :ذكرت الفقراء وبردهم وليس ل ما أواسيهم ،فأحببت أن أواسيهم ف بردهم.
193
الرحلة إل ال وما يعترضها
إذا عزم العبد على السفر إل ال تعال وإرادته عرضت له الوادع والقواطع ،فينخدع أول
بالشهوات و الريا سات واللذ و النا كح والل بس .فإن و قف مع ها انق طع وإن رفض ها ول
يقف معها وصدق ف طلبه ابتلي بوطء عقبه وتقبيل يده والتوسعة له ف الجلس والشارة
إليه بالدعاء ورجاء بركته ،ونو ذلك فإن وقف معه انقطع به عن ال وكان حظه منه ،وإن
قطعـه ول يقـف معـه ابتلي بالكرامات و الكشوفات ،فإن وقـف معهـا انقطـع باـ عـن ال
وكانـت حظـه ،وإن ل يقـف معهـا ابتلي بالتجريـد والتخلي ولذة المعيـة وعزة الوحدة
والفراغ من الدنيا .فإن وقف مع ذلك انقطع به عن القصود ،وإن ل يقف معه وسار ناظرا
إل مراد ال م نه و ما ي به م نه ب يث يكون عبده الوقوف على ما به ومراض يه أ ين كا نت
وكيف كانت ،تعب با أو استراح ،تنعم أو تأل ،أخرجته إل الناس أو عزلته عنهم ،ل يتار
لنفسه غي ما يتاره له وليه وسيده ،واقف مع أمره ينفذه بسب المكان ،ونفسه عنده
أهون عليه أن يقدم راحتها ولذتا على مرضاة سيده وأمره .فهذا هو العبد الذي قد وصل
ونفـــذ ول يقطعـــه عـــن ســـيده شيـــء ألبتـــة ،وبال التوفيـــق.
أنواع النعم
النعم ثلثة :نعمة حاصلة يعلم با العبد ،ونعمة منتظرة يرجوها ،ونعمة هو فيها ل يشعر با
،فإذا أراد ال إتام نعمته على عبده عرفه نعمته الاضرة وأعطاه من شكره قيدا يقيدها به
194
حت ل تشرد،فإنا تشرد بالعصية وتقيد بالشكر .ووفقه لعمل يستجلب به النعمة النتظرة
وب صّره بالطرق الت تسدها وتقطع طريقها ووفقه لجتنابا .وإذا با قد وافت إليه على أت
الوجوه ،وعرفـــه النعـــم التـــ هـــو فيهـــا ول يشعـــر باـــ.
ويكى أن أعرابيا دخل على الرشيد ،فقال :يا أمي الؤمني ثبت ال عليك النعم الت أنت
في ها بإدا مة شكر ها ،وح قق لك النعم ال ت ترجو ها ب سن ال ظن به ودوام طاعته ،وعرفك
الن عم ال ت أ نت في ها ول تعرف ها لتشكر ها .فأعج به ذلك م نه وقال :ما أح سن تق سيمه.
فم ت أنزل ربه هذه النلة م نه رف عه وقر به منه ،وأكر مه واجتباه وواله ،وبقدر ذلك يبعد
195
عن الوساخ و الدناءات والواطر الرديئة والفكار الدنيئة .كما أنه كلما بعد منه وأعرض
ع نه قرب من الو ساخ و الدناءات والقذار ،ويق طع عن ج يع الكمالت ويت صل بم يع
النقائص.
فالن سان خ ي الخلوقات إذا تقرب من بارئه والتزم أوامره ونواه يه وع مل برضا ته وآثره
على هواه .و شر الخلوقات إذا تبا عد ع نه ول يتحرك قل به لقر به وطاع ته وابتغاء مرضا ته.
فم ت اختار التقرب إل يه وآثره على نف سه وهواه ف قد ح كم قل به وعقله وإيا نه على نف سه
وشيطا نه ،وح كم رشده على غ يه وهداه على هواه .وم ت اختار التبا عد م نه ف قد ح كم
نفســـــــه وهواه وشيطانـــــــه على عقله وقلبـــــــه ورشده.
الطرات والوساوس
واعلم أن الطرات والوسـاوس تؤدي متعلقاتاـ إل الفكـر فيأخذهـا الفكـر فيؤديهـا إل
التذكر .فيأخذها الذ كر فيؤدي ها إل الرادة فتأخذ ها الرادة فتؤدي ها إل الوارح والع مل،
فتسـتحكم فتصـي عادة ،فردهـا مـن مبادئهـا أسـهل مـن قطعهـا بعـد قوتاـ وتامهـا.
ومعلوم أنـه ل يعـط النسـان أمانـة الواطـر ول القوة على قطعهـا فإناـ تجـم عليـه هجوم
الن فس ،إل أن قوة اليان والع قل تعي نه على قبول أح سنها ورضاه به وم ساكنته له ،وعلى
دفع أقبحها وكراهته له ونفرته منه كما قال الصحابة « :يا رسول ال ،إن أحدنا يد ف
نفسه ما إن يترق حت يصي حمة أحب إليه من أن يتكلم به ،فقال :أوقد وجدتوه ؟ قالوا
:نعـم ،قال :ذلك صـريح اليان» أخرجـه مسـلم فـ باب اليان ،وأبـو داود فـ كتاب
196
الدب وفيـــــــــــــــــــــــــــــــه قولن:
«أحدهاـــــــ »:أن رده وكراهتـــــــه صـــــــريح اليان.
«والثان »:أن وجوده وإلقاء الشيطان له ف النفس صريح اليان ،فإنه إنا ألقاه ف النفس
طلبـــــــا لعارضـــــــة اليان وإزالتـــــــه بـــــــه.
وقد خلق ال سبحانه النفس شبيهة بالرحى الدائرة الت ل تسكن ول بد لا من شيء تطحنه
،فإن وضع فيها حب طحنته ،وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته ،فالفكار والواطر
الت تول ف النفس هي بنلة الب الذي يوضع ف الرحى ،ول تبقى تلك الرحى معطلة
قط ،بل ل بد لا من شيء يوضع فيها ،فمن الناس من تطحن رحاه حبا يرج دقيقا ينفع به
نفسه وغيه ،وأكثرهم يطحن رمل وحصى وتبنا ونو ذلك فإذا جاء وقت العجن والبز
تــــــــــبي له حقيقــــــــــة طحينــــــــــه.
197
أحق شيء بإصلحه من نفسك ،فإن هذه خاصتك وحقيقتك الت ل تبتعد با أو تقرب من
إل ك و معبودك الذي ل سعادة لك إل ف قر به ورضاه ع نك ،و كل الشقاء ف بعدك ع نه
وسخطه عليك ،ومن كان ف خواطره ومالت فكره دنيئا خسيسا ل يكن ف سائر أمره إل
كذلك.
وإياك أن تكـن الشيطان مـن بيـت أفكارك وإرادتـك فإنـه يفسـدها عليـك فسـادا يصـعب
تدراكـه ،ويلقـي إليـك أنواع الوسـاوس والفكار الضرة ،ويول بينـك وبيـ الفكـر فيمـا
ينفعـك ،وأنـت الذي أعنتـه على نفسـك بتمكينـه مـن قلبـك وخواطرك فملكهـا عليـك.
فمثالك م عه مثال صاحب ر حى يط حن في ها ج يد البوب ،فأتاه ش خص م عه ح ل تراب و
ب عر وف حم وغثاء ليطح نه ف طاحون ته ،فإن طرده ول يك نه من إلقاء ما م عه ف الطاحون
ا ستمر على ط حن ما ينف عه وإن مك نه من إلقاء ذلك ف الطاحون أف سد ما في ها من ال ب
وخرج الطحيــــــــــــــ كله فاســــــــــــــدا.
وجاع إ صلح ذلك :أن تش غل فكرك ف باب العلوم والت صورات بعر فة ما يلز مك من
التوح يد وحقو قه ،و ف الوت و ما بعده إل دخول ال نة والنار .و ف آفات العمال وطرق
التحرز منها .وف باب الرادات و العزوم أن تشغل نفسك بإرادة ما ينفعك إرادته وطرح
إرادة ما يضرك إرادته .وعند العارفي أن تن اليانة وإشغال الفكر والقلب با أضر على
القلب من نفس اليانة ،ول سيما إذا فرغ قلبه منها بعد مباشرتا ،فإن تنيها يشغل القلب
ويلؤه منهـــــــــا ويعلهـــــــــا ههـــــــــ ومراده.
198
وأنت تد ف الشاهد أن اللك من البشر إذا كان ف ب عض حاشي ته وخدمه من هو متمن
ليانته مشغول القلب والفكر با متلئ منها ،و هو مع ذلك ف خدمته وقضاء أشغاله ،فإذا
اطلع على سره وقصده مقته غاية القت وأبغضه وقابله با يستحقه ،وكان أبغض إليه من
رجل بعيد عنه جن بعض النايات وقلبه وسره مع اللك غي منطو على تن اليانة ومبتها
والرص علي ها ،فالول يترك ها عجزا واشتغال ب ا هو ف يه وقل به متلئ ب ا ،والثا ن يفعل ها
وقلبه كاره لا ليس فيه إضمار اليانة ول الصرار عليها ،فهذا أحسن حال وأسلم عاقبة
مــــــــــــــــــــــــــــــــــن الول.
وبالملة ،فالقلب ل يلو قط من الفكر إما ف واجب آخرته ومصالها ،وإما ف مصال
دنياه ومعاشـه ،وإمـا فـ الوسـاوس والمانـ الباطلة والقدرات الفروضـة ،وقـد تقدم أن
النفس مثلها كمثل رحى تدور با يلقى فيها ،فإن ألقيت فيها حبا دارت به وإن ألقيت فيها
زجاجا وحصى و بعرا دارت به ،وال سبحانه هو قيم تلك الرحى ومالكها ومصرفها وقد
أقام لا ملكا يلقي فيها ما ينفعها فتدور به ،وشيطانا يلقي فيها ما يضرها فتدور به ،فاللك
يلم با مرة والشيطان يلم با مرة ،فالب الذي يلقيه اللك إيعاد بالي وتصديق بالوعد ،
والبـ الذي يلقيـه الشيطان إيعاد بالشـر وتكذيـب بالوعـد والطحيـ على قدر البـ،
وصاحب الب الضر ل يتمكن من إلقائه إل إذا وجد الرحى فارغة من الب وقيمها قد
أهلهـــا وأعرض عنهـــا ،فحينئذ يبادر إل إلقاء مـــا معـــه فيهـــا.
199
شرف النفس
قال شقيــق بــن إبراهيــم :أغلق باب التوفيــق عــن اللق مــن ســتة أشياء:
اشتغال م بالنع مة عن شكر ها ،ورغبت هم ف العلم وترك هم الع مل ،وال سارعة إل الذ نب
وتأخي التوبة ،والغترار بصحبة الصالي وترك القتداء بفعالم ،وإدبار الدنيا عنهم وهم
يتبعوناـــــ ،وإقبال الخرة عليهـــــم وهـــــم معرضون عنهـــــا.
قلت :وأ صل ذلك عدم الرغ بة والره بة ،وأ صله ض عف اليق ي ،وأ صله ض عف الب صية ،
وأصله مهانة النفس ودناءتا واستبدال الذي هو أدن بالذي هو خي .وإل فلو كانت النفس
شري فة كبية ل ترض بالدون .فأ صل ال ي كله بتوف يق ال ومشيئ ته وشرف الن فس ونبل ها
وكبها« .وقد خاب من دساها» سورة الشمس ،الية رقم ،10-9أي أفلح من كبها
وكثرهــا وناهــا بطاعــة ال ،وخاب مــن صــغرها وحقرهــا بعاصــي ال.
فالنفوس الشريفة ل ترضى من الشياء إل بأعلها وأفضلها وأحدها عاقبة ،والنفوس الدنيئة
توم حول الدناءات وت قع علي ها ك ما ي قع الذباب على القذار .فالن فس الشري فة العل ية ل
تر ضى بالظلم ول بالفوا حش ول بال سرقة واليا نة؛ لن ا أ كب من ذلك وأجلّ ،والن فس
الهنية القية السيسة بالضد من ذلك .فكل نفس تيل إل ما يناسبها و يشاكلها ،وهذا
معنـ قوله تعال« :قـل كـل يعمـل على شاكلتـه» السـراء ،84 :أي على مـا يشاكله
ويناسبه فهو يعمل على طريقته الت تناسب أخلقه وطبيعته ،وكل إنسان يري على طريقته
ومذه به وعاداته ال ت ألف ها وجبل علي ها .فالفا جر يعمل با يشبه طريق ته من مقابلة النعم
بالعاصي والعراض عن النعم والؤمن يعمل با يشاكله من شكر النعم ومبته والثناء عليه
والتودد إليــــه والياء منــــه والراقبــــة له وتعظيمــــه وإجلله.
200
ل يعرف خالقة من ل يعرف نفسه
من ل يعرف نفسه كيف يعرف خالقه؟ فاعلم أن ال تعال خلق ف صدرك بيتا وهو القلب ،
ووضع ف صدره عرشا لعرفته يستوي عليه الثل العلى فهو مستو على عرشه بذاته بائن
مـن خلقـه .والثـل العلى مـن معرفتـه ومبتـه وتوحيده مسـتوى على سـرير القلب وعلى
السرير بساط من الرضا .ووضع عن يينه وشاله مرافق شرائعه وأوامره وفتح إليه بابا من
ج نة رح ته وال نس به والشوق إل لقائه ،وأمطره من وا بل كل مه ما أن بت ف يه أ صناف
الرياح ي والشجار الثمرة من أنواع الطاعات والتهل يل والت سبيح والتحم يد والتقد يس ،
وج عل ف و سط الب ستان شجرة معر فة ،ف هي تؤ ت أكل ها كل ح ي بإذن رب ا من الح بة
والنابة والشية والفرح به والبتهاج بقربه .وأجرى إل تلك الشجرة ما يسقيها من تدبر
كلمـــــــه وفهمـــــــه والعمـــــــل بوصـــــــاياه .
وعلق ف ذلك الب يت قنديل أ سرجه بضياء معرف ته واليان به وتوحيده ف هو ي ستمد من
شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو ل تسسه نار .ث أحاط عليه
حائطا ينعه من دخول الفات والفسدين ومن يؤذي البستان فل يلحقه أذاهم .وأقام عليه
حرسا من اللئكة يفظونه ف يقظته ومنامه ،ث أعلم صاحب البيت والبستان بالساكن فيه
فهو دائما هه إصلح السكن ول شعثه ليضاه الساكن منل .وإذا أحس بأدن شعث ف
ال سكن بادر إل إ صلحه ول ه خش ية انتقال ال ساكن م نه ،فن عم ال ساكن ون عم ال سكن.
فسبحان ال رب العالي ،كم بي هذا البيت وبيت قد استول عليه الراب وصار مأوى
للحشرات والوام ومل للقاء النتان والقاذورات فيـه .فمـن أراد التخلي وقضاء الاجـة
201
و جد خر بة ل ساكن في ها ول حا فظ ل ا و هي معدة لقضاء الا جة مظل مة الرجاء منت نة
الرائ حة قد عم ها الراب وملت ا القاذورات ،فل يأ نس ب ا ول ينل في ها إل من ينا سبه
سكناها من الشرات والديدان والوام .الشيطان جالس على سريرها وعلى السرير بساط
من الهل وتفق فيه أهواء وعن يينه وشاله مرافق الشهوات .وقد فتح إليه باب من حقل
الذلن والوح شة والركون إل الدن يا والطمأني نة ب ا والز هد ف الخرة ،وأم طر من وا بل
الهـل والوى والشرك والبدع مـا أثبـت فيـه أصـناف الشوك والنظـل والشجار الثمرة
بأنواع العاصــي والخالفات مــن الزوائد و التنديبات والنوادر والزليات والضحكات
والشعار الغزليات والمريات التـ تيـج على ارتكاب الحرمات وتزهـد فـ الطاعات .
وج عل ف و سط ال قل شجرة ال هل به والعراض ع نه ،ف هي تؤ ت أكل ها كل ح ي من
الفسوق والعاصي واللهو واللعب والجون والذهاب مع كل ريح و اتباع كل شهوة ،ومن
ثر ها الموم و الغموم والحزان واللم .ولكن ها متوار ية باشتغال الن فس بلهو ها ولعب ها،
فإذا أفا قت من سكرها أحضرت كل هم و غم وحزن وقلق ومعي شة ض نك ،وأجري إل
تلك الشجرة مـــا يســـقيها مـــن اتباع الوى وطول المـــل والغرور.
سئل سهل التستري :الرجل يأكل ف اليوم أكلة؟ قال :أكل الصديقي ،قيل له :فأكلتي؟
قال :أكــل الؤمنيــ ،قيــل له :فثلث أكلت؟ فقال :قــل لهله يبنوا له معلفــا.
قال السود بن سال :ركعتي أصليهما ل أحب إل من النة با فيها .فقيل له :هذا خطأ،
فقال :دعونا من كلمكم ،النة رضا نفسي والركعتان رضا رب ،ورضا رب أحب إل من
رضـــــــــــــــــا نفســـــــــــــــــي.
العارف فـ الرض ريانـة مـن رياحيـ النـة ،إذا شهـا الريـد اشتاقـت نفسـه إل النـة .
قلب الحب موضوع ب ي جلل مبوبه وجاله فإذا لحظ جلله هابه وعظمه ،وإذا لحظ
202
جاله أحبـــــــــــــــه واشتاق إليـــــــــــــــه.
203
النعمـة ،ويعذره بهله وسـوء اختياره لنفسـه ،حتـ إذا ضاق ذرعـا بتلك النعمـة وسـخطها
وتبم با واستحكم ملله لا سلبه ال إيا ها .فإذا انتقل إل ما طلبه ورأى التفاوت ب ي ما
كان فيه وما صار إليه ،اشتد قلقه وندمه وطلب العودة إل ما كان فيه ،فإذا أراد ال بعبده
خيا ورشدا أشهده أن ما هو فيه نعمة من نعمة عليه ورضاه به وأوزعه شكره عليه ،فإذا
حدثته نفسه بالنتقال عنه استخار ربه استخارة جاهل بصلحته عاجز عنها ،مفوض إل ال
طالب منــــــــــــــه حســــــــــــــن اختياره له.
وليس على العبد أضر من ملله لنعم ال ،فإنه ل يراها نعمة ول يشكره عليها ول يفرح با،
وليس على العبد أضر من ملله لنعم ال ،فإنه ل يراها نعمة ول يشكره عليها ول يفرح با،
بل ي سخطها ويشكو ها ويعد ها م صيبة .هذا و هي من أع ظم ن عم ال عل يه ،فأك ثر الناس
أعداء ن عم ال علي هم ول يشعرون بف تح ال علي هم نع مة ،و هم متهدون ف دفع ها ورد ها
جهل وظلما .فكم سعت إل أحدهم من نعمة وهو ساع ف ردها بهده ،وكم وصلت إليه
وهـو سـاع فـ دفعهـا وزوالاـ بظلمـه وجهله ،قال تعال« :ذلك بأن ال ل يـك مغيا نعمـة
أنعمها على قوم حت يغيوا ما بأنفسهم» سورة النفال :الية رقم ، 53:وقال تعال:
«إن ال ل يغ ي ما بقوم ح ت يغيوا ما بأنف سهم» الر عد :ال ية ر قم 11:فل يس للن عم
أعدى من ن فس الع بد ،ف هو مع عدوه ظه ي على نف سه ،فعدوه يطرح النار ف نع مة و هو
ينفخ فيها ،فهو الذي مكنه من طرح النار ث أعانه بالنفخ ،فإذا اشتد ضرامها استغاث من
الريق وكان غايته معاتبة القدار:
204
جال ال عز وجل
من أ عز أنواع العر فة معر فة الرب سبحانه بالمال ،و هي معر فة خواص اللق ،وكل هم
عرفه بصفة من صفاته وأتهم معرفة من عرفه بكماله وجلله وجاله سبحانه ،ليس كمثله
شيـء فـ سـائر صـفاته ،ولو فرضـت اللق كلهـم على أجلهـم صـورة وكلهـم على تلك
الصورة ،ونسبت جالم الظاهر والباطن إل جال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج
ضع يف إل قرص الش مس ،ويك في ف جاله أ نه لو ك شف الجاب عن وج هه لحر قت
سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه .ويكفي ف جاله أن كل جال ظاهر وباطن ف الدنيا
والخرة فمــن آثار صــنعته ،فمــا الظــن بنــ صــدر منــه هذا المال.
ويكفـي فـ جاله أنـه له العزة جيعـا والقوة جيعـا والود كله والحسـان كله والعلم كله
والفضل كله ،ولنور وجهه أشرقت الظلمات كما قال النب صلى ال عليه وسلم ف دعاء
الطائف « :أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والخرة »
وقال ع بد ال بن م سعود :ل يس ع ند رب كم ل يل ول نار ،نور ال سموات والرض من نور
وجهـه ،ف هو سبحانه نور السـموات والرض ،ويوم القيامـة إذا جاء لف صل القضاء تشرق
الرض بنوره.
ومن أسائه السن « الميل» وف الصحيح عنه صلى ال عليه وسلم « :إن ال جيل
ــل
ــن حنبـ
ــ بـ
ــة ،وأحدـ
ــن ماجـ
ــلم ،وابـ
ــ المال» رواه مسـ
يبـ
وجاله سـبحانه على أربـع مراتـب :جال الذات ،وجال الصـفات ،وجال الفعال ،وجال
ال ساء ،فأ ساؤه كل ها ح سن ،و صفاته كله صفات كمال ،وأفعاله كل ها حك مة وم صلحة
وعدل ورحة .وأما جال الذات وما هو عليه فأمر ل يدركه سواه ول يعلمه غيه ،وليس
عند الخلوقي منه إل تعريفات تعرف با إل من أكرمه من عباده ،فإن ذلك المال مصون
عن الغيار مجوب ب ستر الرداء والزار ك ما قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في ما
يكى عن « :الكبياء ردائي والعظمة إزاري» .ولا كانت الكبياء أعظم وأوسع كانت
أحـق باسـم الرداء ،فإنـه سـبحانه الكـبي التعال فهـو سـبحانه العلي العظيـم.
قال ابـن عباس :حجـب الذات بالصـفات وحجـب الصـفات بالفعال ،فمـا ظنـك بمال
205
حجــــب بأوصــــاف الكمال وســــتر بنعوت العظمــــة واللل.
ومن هذا العن يفهم بعض معان جال ذاته ،فإن العبد يترقى من معرفة الفعال إل معرفة
الصفات ،ومن معرفة الصفات إل معرفة الذات .فإذا شاهد شيئا من جال الفعال استدل
ــفات على جال الذات.
ــتدل بمال الصـ
ــ اسـ
ــفات ثـ
ــه على جال الصـ
بـ
ومن هنا يتبي أنه سبحانه له المد كله وأن أحدا من خلقه ل يصي ثناء عليه ،بل هو كما
أثن على نفسه ،وأنه يستحق أن يعبد لذاته ويب لذاته ويشكر لذاته ،وأنه سبحانه يب
نفسـه ويثنـ على نفسـه ويمـد نفسـه ،وأن مبتـه لنفسـه وحده لنفسـه وثناءه على نفسـه
وتوحيده لنفسه هو ف القيقة المد والثناء والب والتوحيد ،فهو سبحانه كما أثن على
نفسه وفوق ما يثن به عليه خلقه ،وهو سبحانه كما يب ذاته يب صفاته وأفعاله ،فكل
أفعاله حسن مبوب وإن كان ف مفعولته ما يبغضه ويكرهه ،فليس ف أفعاله ما هو مكروه
مسخوط ،وليس ف الوجود ما يب لذاته ويمد لذاته إل هو سبحانه ،وكل ما يب سواه
فإن كانت مبته تابعة لحبته سبحانه بيث يب لجله فمحبته صحيحة وإل فهي مبة باطلة،
وهذا هو حقيقة اللية ،فإن الله الق هو الذي يب لذاته ويمد لذاته .فكيف إذا انضاف
ـــه؟!
ـــه وحلمـــه وتاوزه وعفوه وبره ورحتـ
ـــانه وإنعامـ
إل ذلك إحسـ
فعلى الع بد أن يعلم أ نه ل إله إل ال فيح به ويمده لذا ته وكماله ،وأن يعلم أ نه ل م سن
على القي قة بأ صناف الن عم الظاهرة و الباط نة إل هو فيح به لح سانه وإنعا مه ويمده على
ذلك فيحبه من الوجهي جيعا ،وكما أنه ليس كمثله شيء فليس كمحبته مبة .والحبة مع
الضوع هي العبودية الت خلق اللق لجلها،فإنا غاية الب بغاية الذل ،ول يصلح ذلك
إل له سبحانه ،والشراك به ف هذا هو الشرك الذي ل يغفره ال ول يقبل لصاحبه عمل.
وحده يتضمـن أصـلي :الخبار بحامده وصـفات كماله ،والحبـة له عليهـا ،فمـن أخـب
بحاسن غيه من غي مبة له ل يكن حامدا ،ومن أحبه من غي إخبار بحاسنه ل يكن حامدا
ح ت ي مع المر ين ،و هو سبحانه ي مد نف سه بنف سه ،وي مد نف سه ب ا ير يه على أل سنة
الامدين له من ملئكته وأنبيائه ورسله وعباده الؤمني ،فهو الامد لنفسه بذا وهذا ،فإن
حدهم له بشيئته وإذنه وتكوينه ،فإنه هو الذي جعل الامد حامدا والسلم مسلما والصلي
206
مصليا والتائب تائبا ،فمنه ابتدات النعم وإليه انتهت فابتدأت بمده وانتهت إل حده ،وهو
الذي أل م عبده التو بة وفرح ب ا أع ظم فرح ،و هي من فضله وجوده .وأل م عبده الطا عة
وأعانه عليها ث أثابه عليها وهي من فضله وجوده وهو سبحانه غن عن كل ما سواه بكل
وجه ،وما سواه فقي إليه بكل وجه ،والعبد مفتقر إليه لذاته ف السباب والغايات ،فإن ما
ل يكون بـــــــه ل يكون ،ومـــــــا ل يكون له ل ينفـــــــع.
فهو سبحانه يب ظهور أثر نعمته على عبده ،فإنه من المال الذي يبه ،وذلك من شكره
على نعمـه ،وهـو جال باطـن فيحـب أن يرى على عبده المال الظاهـر بالنعمـة والمال
الباطن بالشكر عليها .ولحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تمل ظواهرهم
،وتقوى تمل بواطنهم فقال« :يا بن آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا
ولباس التقوى ذلك خ ي » العراف :ال ية ، 26وقال ف أ هل ال نة « :ولقا هم نضرة
207
وسرورا ،و جزاهم با صبوا جنة وحريرا» النسان :الية ،12 -11فجعل وجوههم
بالنضرة وبواطن هم بال سرور وأبدان م بالر ير ،و هو سبحانه ك ما ي ب المال ف القوال
والفعال واللباس واليئة ،يبغـض القبيـح مـن القوال والفعال والثياب واليئة ،فيبغـض
القبيح وأهله ويب المال وأهله .ولكن ضل ف هذا الوضوع فريقان :فريق قالوا كل ما
خلقه جيل فهو يب كل ما خلقه ونن نب جيع ما خلقه فل نبغض منه شيئا ،قالوا :ومن
رأى الكائنات منه رآها كلها جيلة .وأنشد منشدهم:
واحتجوا بقوله تعال« :الذي أحسن كل شيء خلقه» السجدة :الية رقم ، 7 :وقوله« :
صنع ال الذي أت قن كل ش يء» الن مل :ال ية ر قم ، 88 :وقوله « :ما ترى ف خلق
الرحنـ مـن تفاوت» اللك :اليـة رقـم 3 :والعارف عندهـم هـو الذي يصـرح بإطلق
المال ول يرى ف الوجود قبيحا .وهؤلء قد عد مت الغية ل من قلوبم والبغض ف ال
والعاداة فيه وإنكار النكر والهاد ف سبيله وإقا مة حدوده ويرى جال ال صور من الذكور
والناث مـن المال الذي يبـه ال ،فيتعبدون بفسـقهم ورباـ غل بعضهـم حتـ يزعـم أن
معبوده يظهر ف تلك الصورة ويل فيها .وإن كان اتاديا قال هي مظهر من مظاهر الق
ويســــــــــميها الظاهــــــــــر الماليــــــــــة.
أنواع المال
208
وقابلهم الفريق الثان فقالوا :قد ذم ال سبحانه جال الصور وتام القامة واللقة ،فقال عن
النافق ي « :وإذا رأيت هم تعج بك أج سامهم» النافقون :ال ية ر قم ، 4:وقال « :و كم
أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا» مري :الية رقم ، 74:أي أموال ومناظر ،
قال السن :هو الصور ،وف صحيح مسلم عنه صلى ال عليه وسلم « :إن ال ل ينظر
إل صوركم وأموالكم وإنا ينظر إل قلوبكم وأعمالكم» ،قالوا :ومعلوم أنه ل ينف نظر
الدراك وإنا نفى نظر الحبة .قالوا :وقد حرم علينا لباس الرير والذهب وآنية الذهب
والف ضة ،وذلك من أع ظم جال الدن يا ،وقال « :ول تدن عين يك إل ما متع نا به أزوا جا
منهم زهرة الياة الدنيا لنفتنهم فيه» طه :الية رقم ، 131:وف الديث « :البذاذة من
اليان» ،وقـد ذم ال السـرفي .و السـرف كمـا يكون فـ الطعام والشراب يكون فـ
اللباس.
وفصل الناع أن يقال :المال ف الصورة واللباس واليئة ثلثة أنواع :منه ما يمد ،ومنه
ما يذم ،وم نه ما ل يتعلق به مدح ول ذم ،فالحمود م نه ما كان ل وأعان على طا عة ال
وتنف يذ أوامره وال ستجابة له ك ما كان ال نب صلى ال عل يه و سلم يتج مل للوفود .و هو
نظيـ لباس آلة الرب للقتال ولباس الريـر فـ الرب واليلء فيـه .فإن ذلك ممود إذا
تضمـن إعلء كلمـة ال ونصـر دينـه وغيـظ عدوه ،والذموم منـه مـا كان للدنيـا والرياسـة
والفخـر واليلء والتوسـل إل الشهوات ،وأن يكون هـو غايـة العبـد وأقصـى مطلبـه .فإن
كثيا من النفوس ليس لا هة ف سوى ذلك .وأما ما ل يمد ول يذم هو ما خل عن هذين
القصـــــــــدين وترد عـــــــــن الوصـــــــــفي.
والق صود أن هذا الد يث الشر يف مشت مل على أ صلي عظيم ي :فأوله معر فة ،وآخره
سلوك .فيعرف ال سبحانه بالمال الذي ل ياثله فيه شيء ،ويعبد بالمال الذي يبه من
القوال والعمال والخلق .في حب من عبده أن يمل ل سانه بال صدق ،وقل به بالخلص
والحبة والنابة والتوكل ،وجوارحه بالطاعة ،وبدنه بإظهار نعمه عليه ف لباسه وتطهيه له
مـن الناس والحداث والوسـاخ والشعور الكروهـة والتان وتقليـم الظفار ،فيعرفـه
بصـفات المال ويتعرف إليـه بالفعال والقوال والخلق الميلة ،فيعرفـه بالمال الذي
209
هـو وصـفه ،ويعبده بالمال الذي هـو شرعـه ودينـه ،فجمـع الديـث قاعدتيـ :العرفـة
والســـــــــــــــــــــــــــــــــــلوك.
210
وم سنا وشكورا وتق يا وبرا ،ون و ذلك .وهذا أ مر زائد على مرد كو نه إن سانا وإراد ته
صالة ،ولكن ل يكفي مرد صلحيتها إن ل تؤيد بقدر زائد على ذلك وهو التوفيق ،كما
أنه ل يكفي ف الرؤية مرد صلحية العي للدراك إن ل يصل سبب آخر من النور النفصل
عنهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا .
وقار ال
من أعظم الظلم والهل أن تطلب التعظ يم والتوق ي لك من الناس وقل بك خال من تعظ يم
ال وتوقيه ،فإ نك تو قر الخلوق وتله أن يراك ف حال ل تو قر ال أن يراك علي ها ،قال
تعال « :ما ل كم ل ترجون ل وقارا» سورة نوح :ال ية ر قم 13:أي ل تعاملو نه معاملة
من توقرو نه ،والتوق ي :العظ مة .وم نه قوله تعال « :وتوقروه» ،قال ال سن :ما ل كم ل
تعرفون ل حقا ول تشكرونه؟! قال ماهد :ل تبالون عظمة ربكم وقال ابن زيد :ل ترون
ــــه.
ــــق عظمتـ
ــــن عباس :ل تعرفون حـ
ــــة .وقال ابـ
ل طاعـ
ومن وقاره أل تعدل به شيئا من خلقه ،ل ف اللفظ ،بيث تقول :وال وحياتك ،ما ل
إل ال وأ نت ،و ما شاء ال وشئت .ول ف ال ب والتعظ يم والجلل ،ول ف الطا عة ،
فتطيع الخلوق ف أمره ونيه كما تطيع ال ،بل أعظم ،كما عليه أكثر الظلمة والفجرة ،
211
ول ف الوف والرجاء .ويعله أهون الناظر ين إل يه ،ول ي ستهي ب قه ويقول :هو مب ن
على ال سامة ،ول يعله على الفضلة ،ويقدم حق الخلوق عل يه ،ول يكون ال ور سوله
ف حد وناحية ،والناس ف ناحية وحد ،فيكون ف الد والشق الذي فيه الناس دون الد
والشق الذي فيه ال ورسوله ،ول يعطي الخلوق ف ماطبته قلبه ولبه ويعطي ال ف خدمته
بدنـه ولسـانه دون قلبـه وروحـه ،ول يعـل مراد نفسـه مقدمـا على مراد ربـه.
فهذا كله من عدم وقار ال ف القلب ،ومن كان كذلك فإن ال ل يلقي له ف قلوب الناس
وقارا ول هيبة ،بل يسقط وقاره وهيبته من قلوبم ،وإن وقروه مافة شره فذاك وقار بغض
ل وقار حب وتعظيم .ومن وقار ال أن يستحي من اطلعه على سره وضميه فيى فيه ما
يكره .ومـن وقاره أن يسـتحي منـه فـ اللوة أعظـم ماـ يسـتحي مـن أكابر الناس.
والق صود أن من ل يو قر ال وكل مه و ما آتاه من العلم والك مة ك يف يطلب من الناس
توقيه وتعظيمــــــــــــــــــــــــــــــــه؟!
القرآن والعلم وكلم الرسول صلى ال عليه وسلم صلت من الق وتنبيهات و روادع و
زواجر واردة إليك ،والشيب زاجر ورادع وموقظ قائم بك ،فل ما ورد إليك وعظك! ول
ما قام بك نصحك! ومع هذا تطلب التوقي والتعظيم من غيك! فأنت كمصاب ل تؤثر فيه
مصيبته وعظا و انزجارا ،وهو يطلب من غيه أن يتعظ و ينجر بالنظر إل مصابه .فالضرب
ــه.
ــر إل ضربـ
ــ نظـ
ــد النزجار منـ
ــو يريـ
ــه زجرا وهـ
ــر فيـ
ل يؤثـ
من سع بالثلت والعقوبات واليات ف حق غيه ليس كمن رآها عيانا ف غيه ،فكيف بن
وجد ها ف نف سه؟ « سنريهم آيات نا ف الفاق و ف أنف سهم» سورة ف صلت :ال ية ر قم :
، 53فآياته ف الفاق مسموعة معلومة ،وآياته ف النفس مشهودة مرئية ،فعياذا بال من
الذلن.
قال تعال« :إن الذين حقت عليهم كلمة ربك ل يؤمنون ،ولو جاءتم كل آية حت يروا
العذاب الليم» سورة يونس :الية رقم ، 96-97:وقال « :ولو أننا نزلنا إليهم اللئكة
212
وكلمهم الوتى وحشرنا عليهم كل شيء قبل ما كانوا ليؤمنوا إل أن يشاء ال » النعام :
اليــــــــــــــــة رقــــــــــــــــم . 111:
والعاقل الؤيد بالتوفيق يعتب بدون هذا ويتمم نقائص خلقته بفضائل أخلقه وأعماله ،فكلما
امتحى من جثمانه أثر زاد إيانه أثر ،وكلما نقص من قوى بدنه زاد ف قوة إيانه ويقينه ف
ال والدار الخرة ،وإن ل ي كن هكذا فالوت خ ي له؛ ل نه ي قف به على حد مع ي من الل
والفسـاد ،بلف العيوب والنقائص مـع طول العمـر ،فإناـ زيادة فـ ألهـ وههـ وغمـه
وحسـرته ،وإناـ حسـن طول العمـر ونفـع ليحصـل التذكـر والسـتدراك واغتنام الغرض
والتوبة النصوح كما قال تعال« :أول نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر» فاطر :الية رقم :
37ف من ل يور ثه التعم ي وطول البقاء إ صلح معاي به وتدارك فار طه واغتنام بق ية أنفا سه
فيعمل على حياة قلبه وحصول النعيم القيم ،وإل فل خي له ف حياته ،فإن العبد على جناح
سفر إما إل النة وإما إل النار .فإذا طال عمره وحسن عمله كان طول سفره زيادة له ف
حصول النعيم واللذة ،فإنه كلما طال السفر إليها كانت الصبابة أجل وأفضل ،وإذا طال
عمره و ساء عمله كان طول سفره زيادة ف أل ه وعذا به ونزول له إل أ سفل .فال سافر إ ما
صاعد وإما نازل ،وف الديث الرفوع« :خيكم من طال عمره وحسن عمله ،وشركم
ــل .
ــن حنبـ
ــي وابـ
ــح عمله» رواه الترمذي و الدارمـ
ــن طال عمره وقبـ
مـ
فالطالب ال صادق ف طل به كل ما خرب ش يء من ذا ته جعله عمارة لقل به ورو حه ،وكل ما
نقص شيء من دنياه جعله زيادة ف آخرته ،وكلما منع شيئا من لذات دنياه جعله زيادة ف
لذات آخر ته ،وكل ما ناله هم أو حزن أو غم جعله ف أفراح آخر ته .فنق صان بد نه ودنياه
ولذته وجاهه ورئاسته أن زاد ف حصول ذلك وتوفيه عليه ف معاده ،كان رحة به وخيا
له وإل كان حرمانا وعقوبة على ذنوب ظاهرة أو باطنة أو ترك واجب ظاهر أو باطن ،فإن
ــق.
ــة ،وبال التوفيـ
ــب على هذه الربعـ
ــا والخرة مرتـ
ــ الدنيـ
حرمان خيـ
213
الياة طريق مسافر
الناس م نذ خلقوا ل يزالوا م سافرين ،ول يس ل م حط عن رحال م إل ف ال نة أو النار،
والعاقل يعلم أن السفر مبن على الشقة وركوب الخطار .ومن الحال عادة أن يطلب فيه
نعيم ولذة وراحة ،إنا ذلك بعد انتهاء السفر .ومن العلوم أن كل وطأة قدم أو كل آن من
آنات السفر غي واقفة ،ول الكلف واقف ،وقد ثبت أنه مسافر على الال الت يب أن
يكون السافر عليها من تيئة الزاد الوصل ،وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الستعداد
للســــــــــــــــــــــــــــــــــــي.
الشاهدة
ع ند العارف ي أن الشتغال بالشاهدة عن الب ف ال سي ف ال سر وقوف ؛ ل نه ف ز من
الشاهدة لو كان صاحب عمل ظاهر أو باطن أو ازدياد من معرفة وإيان مفصل كان أول
به ،فإن اللطيفة النسانية تشر على صورة عملها ومعرفتها وهتها وإرادتا ،والبدن يشر
على صورة عمله السن أو القبيح .وإذا انتقلت من هذه الدار شاهدت حقيقة ذلك .وعلى
قدر قرب قل بك من ال تب عد من ال نس بالناس و م ساكنتهم ،وعلى قدر صيانتك ل سرك
وإرادتك يكون حفظه .وملك ذلك صحة التوحيد ث صحة العلم بالطريق ث صحة الرادة
ث صحة الع مل .والذر كل الذر من ق صد الناس لك وإقبال م عل يك وأن يعثروا على
موضـــــع غرضـــــك،فإناـــــ الفـــــة العظمـــــى.
214
مداخل الشيطان
ــن ثلث جهات:
ــه إل مـ
ــق للشيطان عليـ
ــه ل طريـ
ــل ذي لب يعلم أنـ
كـ
«أحدهـا »:التزيـد والسـراف ،فيزيـد على قدر الاجـة فتصـي فضلة وهـي حـظ الشيطان
ومدخله إل القلب ،وطريق الحتراز من إعطاء النفس تام مطلوبا من غذاء أو نوم أو لذة
أو راحــة .فمتــ أغلقــت هذا الباب حصــل المان مــن دخول العدو منــه.
«الثانية »:الغفلة ،فإن الذاكر ف حصن الذكر ،فمت غفل فتح باب الصن فوله العدو
فيعســـــــر عليـــــــه أو يصـــــــعب إخراجـــــــه.
«الثالثــــة »:تكلف مــــا ل يعنيــــه مــــن جيــــع الشياء.
طريق النجاح
طالب النفوذ إل ال والدار الخرة بل وإل كل علم وصناعة ورئاسة بيث يكون رأسا ف
ذلك مقتدى به ف يه ،يتاج أن يكون شجا عا مقدا ما حاك ما على وه ه ،غ ي مقهور ت ت
سلطان تيله ،زاهدا ف كل ما سوى مطلوبه ،عاشقا لا توجه إليه ،عارفا بطريق الوصول
إليه والطرق القواطع عنه ،مقدام المة ثابت الأش ل يثنيه عن مطلوبه لوم لئم ول عذل
عاذل ،كثي السكون دائم الفكر غي مائل مع لذة الدح ول أل الذم ،قائما با يتاج إليه
مـن أسـباب معونتـه ل تسـتفزه العارضات ،شعاره الصـب وراحتـه التعـب ،مبـا لكارم
الخلق ،حافظـا لوقتـه ،ل يالط الناس إل على حذر كالطائر الذي يلتقـط البـ بينهـم،
قائما على نفسه بالرغبة والرهبة ،طامعا ف نتائج الختصاص على ب ن جنسه ،غي مرسل
215
شيئا مـن حواسـه عبثـا ول مسـرحا خواطره فـ مراتـب الكون .وملك ذلك هجـر العوائد
وقطع العلئق الائلة بينك وبي الطلوب ،وعند العوام أن لزوم الدب مع الجاب خي من
اطراح الدب مــــــــــــــع الكشــــــــــــــف.
أفضل الذكر
من الذاكرين من يبتدئ بذكر اللسان وإن كان على غفلة ،ث ل يزال فيه حت يضر قلبه
فيتوا طأ على الذ كر .ومن هم من ل يرى ذلك ول يبتدئ على غفلة بل ي سكن ح ت ي ضر
قلبه فيشرع ف الذكر بقلبه فإذا قوي استتبع لسانه فتواطئا جيعا .فالول ينتقل الذكر من
لسانه إل قلبه .والثان ينتقل من قلبه إل لسانه ،من غي أن يلو قلبه منه ،بل يسكن أول
حت يس بظهور الناطق فيه .فإذا أحس بذلك نطق قلبه ث انتقل النطق القلب إل الذكر
اللســان ثــ يســتغرق فــ ذلك حتــ يدــ كــل شيــء منــه ذاكرا.
وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان وكان من الذكار النبوية وشهد الذاكر
معانيــــــــــــــــه ومقاصــــــــــــــــده.
216
اللذة الحرمة
اللذة الحر مة مزو جة بالق بح حال تناول ا مثمرة للل ب عد انقضائ ها ،فإذا اشتدت الداع ية
منك إليها ففكر ف انقطاعها وبقاء قبحها وألها ث وازن بي المرين وانظر ما بينهما من
التفاوت.
والتعب بالطاعة مزوج بالسن مثمر للذة والراحة ،فإذا ثقلت على النفس ففكر ف انقطاع
تعبها وبقاء حسنها ولذتا وسرورها ،ووازن بي المرين وآثر الراجح على الرجوح ،فإن
تألت بالسبب فانظر إل ما ف السبب من الفرحة والسرور واللذة يهن عليك مقاساته ،وإن
تألتــ بترك اللذة الحرمــة فانظــر إل الل الذي يعقبــه ووازن بيــ الليــ.
وخاصية العقل تصيل أعظم النفعتي بتفويت أدناها واحتمال أصغر اللي لدفع أعلها.
وهذا يتاج إل علم بالسباب ومقتضياتا ،وإل عقل يتار به الول والنفع له منها ،فمن
وفر قسمه من العقل والعلم اختار الفضل وآثره ،ومن نقص حظه منهما أو من أحدها
اختار خلفه ،ومن فكر ف الدنيا والخرة علم أنه ل ينال واحدا منهما إل بشقة فليتحمل
الشقــــــــــة ليهاــــــــــ وأبقاهاــــــــــ.
217
ف كل عضو أمر وني
ل على العبد ف كل عضو من أعضائه أمر ،وله عليه فيه ني ،وله فيه نعمة ،وله به منفعة
ولذة .فإن قام ل ف ذلك الع ضو بأمره واجت نب ف يه ن يه ف قد أدى ش كر نعم ته عل يه ف يه
وسعى ف تكميل انتفاعه ولذته به ،وإن عطل أمر ال ونيه فيه عطله ال من انتفاعه بذلك
العضــــو وجعله مــــن أكــــب أســــباب ألهــــ ومضرتــــه.
وله عل يه ف كل و قت من أوقا ته عبود ية تقد مه إل يه وتقر به م نه ،فإن ش غل وق ته بعبود ية
الوقت تقدم إل ربه ،وإن شغله بوى أو راحة وبطالة تأخر ،فالعبد ل يزال ف تقدم أو تأخر
ول وقوف ف الطريق ألبتة .قال تعال « :لن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر» سورة الدثر
:اليــــــــــــــــة رقــــــــــــــــم . 37:
218
فان ظر مع من ت يل منه ما و مع من تقا تل إذ ل يك نك الوقوف ب ي اليش ي ،فأ نت مع
إحداهاـ ل مالة .فالفريـق الول اسـتغشوا الوى واسـتنصحوا العقـل فشاوروه ،وفرغوا
قلوبم للفكر فيما خلقوا له ،وجوارحهم للع مل با أمروا به ،وأوقاتم لعمارتا با يعمر
منازلمـ فـ الخرة ،واسـتظهروا على سرعة ال جل بالبادرة إل العمـل ،وسـكنوا الدنيـا
وقلوب م م سافرة عن ها ،وا ستوطنوا الخرة ق بل انتقال م إلي ها ،واهتموا بال وطاع ته على
قدر حاجت هم إل يه ،وتزودوا للخرة على قدر مقام هم في ها ،فع جل ل م سبحانه من نع يم
ال نة وروح ها إن آن سهم بنف سه وأق بل بقلوب م إل يه وجع ها على مب ته وشوق هم إل لقائه
ونعم هم بقر به وفرغ قلوب م م ا مل قلوب غي هم من م بة الدن يا وال م والزن على فوت ا
والغـم مـن خوف ذهاباـ ،فاسـتلنوا مـا اسـتوعره الترفون ،وأنسـوا باـ اسـتوحش منـه
الاهلون ،صــــحبوا الدنيــــا بأبدانمــــ ،والل العلى بأرواحهــــم.
219
ولكـن مـن الناس مـن يكون توحيده كـبيا عظيمـا ،ينغمـر فيـه كثيـ مـن تلك الثار ،
ويستحيل فيه بنلة الاء الكثي الذي يالطه أدن ناسة أو وسخ فيغتر به صاحب التوحيد
الذي هـو دونـه ،فيخلط توحيده الضعيـف باـ خلط بـه صـاحب التوحيـد العظيـم الكثيـ
توحيده ،فيظهــر مــن تأثيه فيــه مــا ل يظهــر فــ التوحيــد الكثيــ.
وأيضا فإن الحل الصاف جدا يظهر لصاحبه ما يدنسه ما ل يظهر ف الحل الذي ل يبلغ ف
الصـــفاء مبلغـــه فيتدراكـــه بالزالة دون هذا فإنـــه ل يشعـــر بـــه.
وأي ضا فإن قوة اليان والتوح يد إذا كا نت قو ية جدا أحالت الواد الرديئة وقهرت ا بلف
القوة الضعيفـــــــــــــــــــــــــــــــــة.
وأيضا فإن صاحب الحاسن الكثية والغامرة للسيئات ليسامح با ل يسامح به من أتى مثل
تلك السيئات وليست له مثل تلك الحاسن ،كما قيل:
وأيضـا فإن صـدق الطلب وقوة الرادة وكمال النقياد ييـل تلك العوارض والغواشـي
الغري بة إل مقتضاه وموج به ،ك ما أن الكذب وف ساد الق صد وض عف النقياد ي يل القوال
والفعال المدوحـة إل مقتضاه وموجبـه ،كمـا يشاهـد ذلك فـ الخلط الغالبـة وإحالتهـا
لصــــــــــال الغذيــــــــــة إل طبعهــــــــــا.
النابة والعتكاف
النابة هي عكوف القلب على ال عز وجل كاعتكاف البدن ف السجد ل يفارقه .وحقيقة
ذاك عكوف القلب على مبتـه وذكره بالجلل والتعظيـم ،وعكوف الوارح على طاعتـه
بالخلص له والتابعـة لرسـوله ،ومـن ل يعكـف قلبـه على ال وحده عكـف على التماثيـل
التنوعـة كمـا قال إمام النفاء لقومـه« :مـا هذه التماثيـل التـ أنتـم لاـ عاكفون» سـورة
النبياء :الية رقم ، 52:فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف ،فكان حظ قومه العكوف
على التماث يل ،وكان ح ظه العكوف على الرب الل يل .والتماث يل ج ع تثال ،و هي ال صور
المثلة .فتعلق القلب بغي ال واشتغاله به والركون إليه عكوف منه على التماثيل الت قامت
بقلبـه ،وهـو نظيـ العكوف على تاثيـل الصـنام ،ولذا كان شرك عباد الصـنام بالعكوف
بقلوب م وهم هم وإرادات م على تاثيل هم ،فإذا كان ف القلب تاث يل قد ملك ته وا ستعبدته
بيث يكون عاكفا عليها ،فهو نظي عكوف الصنام عليها ،ولذا ساه النب صلى ال عليه
وسـلم عبدا لاـ ودعـا عليـه بالتعـس و النكـس فقال « :تعـس عبـد الدينار ،تعـس عبـد
الدرهم ،تعس وانتكس وإذا شيك فل انتقش» رواه البخاري ف كتاب الهاد .وابن ماجه
فــــــــــــــــــ الزهــــــــــــــــــد
221
الناس ف هذه الدار على جناح سفر كلهم ،وكل مسافر فهو ظاعن إل مقصده ونازل على
من ي سر بالنول عل يه ،وطالب ال والدار والخرة إن ا هو ظا عن إل ال ف حال سفره
ونازل عليه عند القدوم عليه ،فهذه هته ف سفره وف انقضائه« :يا أيتها النفس الطمئنة
ارجعي إل ربك راضية مرضية فادخلي ف عبادي وادخلي جنت» سورة الفجر :الية رقم
، 30 -27:وقالت امرأة فرعون « :رب ابن ل عندك بيتا ف النة» التحري الية رقم :
11فطلبـت كون البيـت عنده قبـل طلبهـا أن يكون فـ النـة ،فإن الار قبـل الدار.
222
الشهقة عند ساع القرآن
الشهقـــة التـــ تعرض عنـــد ســـاع القرآن أو غيه لاـــ أســـباب:
«أحدها » :أن يلوح له عند السماع درجة ليست له فيتاح إليها فتحدث له الشهقة فهذه
شهقــــــــــــــــــــــــــــــــــة شوق.
«وثانيها » :أن يلوح له ذنب ارتكبه فيشهق خوفا وحزنا على نفسه ،وهذه شهقة خشية.
«وثالث ها » :أن يلوح له ن قص ف يه ل يقدر على دف عه ع نه فيحدث له ذلك حز نا فيش هق
شهقــــــــــــــــــــــــــــــــــة حزن.
«و رابعها » :أن يلوح له كمال مبوبه ويرى الطريق إليه مسدودة عنه فيحدث ذلك شهقة
آســـــــــــــــــــــــــــــــــف وحزن.
«و خامسها » :أن يكون قد توارى عنه مبوبه واشتغل بغيه فذكره السماع مبوبه ،فلح
له جاله ورأى الباب مفتوحـا والطريـق ظاهرة ،فشهـق فرحا.وسـرورا باـ لح له.
وبكل حال :فسبب الشهقة قوة الوارد وضعف الحل عن الحتمال .والقوة أن يعمل ذلك
الوارد عمله داخل ول يظهـر عليـه ،وذلك أقوى له وأدوم ،فإنـه إذا أظهره ضعـف أثره
وأوشك انقطاعه .هذا حكم الشهقة من الصادق ،فإن الشاهق إما صادق وإما سارق وإما
منافــــــــــــــــــــــــــــــــــــق.
أنواع الفكر
223
أصـل اليـ والشـر مـن قبـل التفكـر ،فإن الفكـر مبدأ الرادة والطلب فـ الزهـد والترك
والب والبغض .وأنفع الفكر الفكر ف مصال العاد وف طرق اجتلبا وف دفع مفاسد
العاد وف طرق اجتنابا ،فهذه أربعة أفكار هي أجل الفكار .ويليها أربعة :فكر ف مصال
الدن يا وطرق ت صيلها ،وف كر ف مفا سد الدن يا وطرق الحتزاز من ها ،فعلى هذه الق سام
الثمان ية دارت أفكار العقلء .ورأس الق سم الول الف كر ف آلء ال ونع مه وأمره ون يه
وطرق العلم به وبأسائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وما والها ،وهذا الفكر يثمر لصاحبه
الحبة والعرفة.فإذا فكر ف الخرة وشرفها ودوامها وف الدنيا وخستها وفنائها أثر له ذلك
الرغبة ف الخرة والزهد ف الدنيا ،وكلما فكر ف قصر المل وضيق الوقت أورثه ذلك
الدـــــ والجتهاد وبذل الوســـــع فـــــ اغتنام الوقـــــت.
وهذه الفكار تعلي ه ته وتيي ها ب عد موت ا و سفولا وتعله ف واد والناس ف واد .وبإزاء
هذه الفكار الفكار الرديئة التـ تول فـ قلوب أكثـر هذا اللق كالفكـر فيمـا ل يكلف
الف كر ف يه ول أع طي الحا طة به من فضول العلم الذي ل ين فع ،كالف كر ف كيف ية ذات
الرب وصـــــفاته ،ماـــــ ل ســـــبيل للعقول إل إدراكـــــه.
ومنها الفكر ف الصناعات الدقيقة الت ل تنفع بل تضر ،كالفكر ف الشطرنج والوسيقى
وأنواع الشكال و التصــــــــــــــــــــــــــاوير.
ومنها الفكر ف العلوم الت لو كانت صحيحة ل يعط الفكر فيها النفس كمال ول شرفا،
كالفكـر فـ دقائق النطـق والعلم الرياضـي والطـبيعي ،وأكثـر علوم الفلسـفة التـ لو بلغ
النســـــان غاياتاـــــ ل يكمـــــل بذلك ول يزك نفســـــه.
ومنها الفكر ف الشهوات واللذات وطرق تصيلها ،وهذا وإن كان للنفس فيه لذة لكن ل
عاقبــة له ومضرتــه فــ عاقبــة الدنيــا قبــل الخرة أضعاف مســرته.
ومن ها الف كر في ما ل ي كن لو كان ك يف كان يكون ،كالف كر في ما إذا صار مل كا أو و جد
كنا أو ملك ضيعة ماذا يصنع وكيف يتصرف ويأخذ ويعطي وينتقم ونو ذلك من أفكار
الســــــــــــــــــــــــــــــــــــفل.
ومنها الفكر ف جزئيات أحوال الناس وما جراياتم ومداخلهم ومارجهم وتوابع ذلك من
224
فكــــر النفوس البطلة الفارغــــة مــــن ال ورســــوله والدار الخرة.
ومن ها الف كر ف دقائق ال يل وال كر ال ت يتو صل ب ا إل أغرا ضه وهواه مبا حة كا نت أو
مرمــــــــــــــــــــــــــــــــــــة.
ومن ها الف كر ف أنواع الش عر و صروفه و فاني نه ف الدح والجاء والغزل والرا ثي ونو ها،
فإنــه يشغــل النســان عــن الفكــر فيمــا فيــه ســعادته وحياتــه الدائمــة.
ومنها الفكر ف القدرات الذهنية الت ل وجود لا ف الارج ول بالناس حاجة إليها ألبتة،
وذلك موجود ف كل علم حت ف علم الفقه والصول والطب ،فكل هذه الفكار مضرتا
أرجح من منفعتها ،ويكفي ف مضرتا شغلها عن الفكر فيما هو أول به وأعود عليه بالنفع
عاجل وآجل.
الطلب والصب
ـــال.
ـــل الصـ
ـــع اليان والطلب أثرا العمـ
الطلب لقاح اليان ،فإذا اجتمـ
وحسـن الظـن بال لقاح الفتقار والضطرار إليـه ،فإذا اجتمعـا أثرا إجابـة الدعاء.
والشيـة لقاح الحبـة ،فإذا اجتمعـا أثرا امتثال الوامـر واجتناب الناهـي .والصـب لقاح
اليقي ،فإذا اجتمعا أورثا المامة ف الدين ،قال تعال « :وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا
لا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون» سورة السجدة :الية رقم . 24:وصحة القتداء بالرسول
لقاح الخلص ،فإذا اجتمعـــــا أثرا قبول العمـــــل والعتداد بـــــه .
والع مل لقاح العلم ،فإذا اجتم عا كان الفلح وال سعادة ،وإن انفرد أحده ا عن ال خر ل
يفـــــــــــــــــــــــــــــــــــد شيئا.
225
واللم لقاح العلم ،فإذا اجتمعا حصلت سيادة الدنيا والخرة وحصل النتفاع بعلم العال ،
ــــع والنتفاع .
ــــاحبه فات النفـ
ــــن صـ
ــــ عـ
وإن انفرد أحدهاـ
والعزية لقاح البصية ،فإذا اجتمعا نال صاحبهما خي الدنيا والخرة وبلغت به هته من
العلياء كـل مكان ،فتخلف الكمالت إمـا مـن عدم البصـية وإمـا مـن عدم العزيةـ .
وحسـن القصـد لقاح لصـحة الذهـن ،فإذا فقدا فقـد اليـ كله ،وإذا اجتمعـا أثرا أنواع
اليات .
وصحة الرأي لقاح الشجاعة ،فإذا اجتمعا كان النصر والظفر ،وإن فقدا فالذلن واليبة،
وإن وجـد الرأي بل شجاعـة فالبـ والعجـز ،وإن حصـلت الشجاعـة بل رأي فالتهور
والعطب ،والصب لقاح البصية ،فإذا اجتمعا فالي ف اجتماعهما .قال السن :إذا شئت
أن نرى ب صيا ل صب له رأي ته ،وإذا شئت أن ترى صابرا ل ب صية له رأي ته ،فإذا رأ يت
ـــــــــــــــيا فذاك.
ـــــــــــــــابرا بصـ
صـ
والنصــيحة لقاح العقــل ،فكلمــا قويــت النصــيحة قوى العقــل واســتنار.
والتذ كر والتف كر كل منه ما لقاح ال خر ،إذا اجتم عا أنت جا الز هد ف الدن يا والرغ بة ف
الخرة .والتقوى لقاح التو كل ،فإذا اجتم عا ا ستقام القلب .ولقاح أ خذ أه بة ال ستعداد
للقاء ق صر ال مل ،فإذا اجتم عا فال ي كله ف اجتماعه ما وال شر ف فرقته ما .ولقاح ال مة
العاليـــة النيـــة الصـــحيحة ،فإذا اجتمعـــا بلغ العبـــد غايـــة الراد.
226
للعبد بي يدي ال موقفان :موقف بي يديه ف الصلة ،وموقف بي يديه يوم لقائه ،فمن قام
ب ق الو قف الول هون عل يه الو قف ال خر ،و من ا ستهان بذا الو قف ول يو فه ح قه شدد
عليه ذلك الوقف .قال تعال «ومن الليل فاسجد له وسبحه ليل طويل ،إن هؤلء يبون
العاجلة ويذرون وراءهـم يومـا ثقيل» سـورة النسـان :اليـة رقـم . 27 -26:
227
مناداة أيوب ربه
قوله تعال « :وأيوب إذ نادى ربه أن مسن الضر وأنت أرحم الراحي » سوره النبياء ،
الية 83جع ف هذا الدعاء بي حقيقة التوحيد وإظهار الفقر والفاقة إل ربه ووجود طعم
الح بة ف التملق له ،والقرار له ب صفة الرح ة وأ نه أر حم الراح ي والتو سل إل يه ب صفاته
سبحانه وشدة حاجته هو وفقره ،ومت وجد البتلى هذا كشفت عنه بلواه .وقد جرب أنه
مــن قالاــ ســبع مرات ول ســيما مــع هذه العرفــة كشــف ال ضره.
دعاء يوسف
قوله تعال عن يوسف نبيه أنه قال « :أنت وليي ف الدنيا والخرة توفن مسلما وألقن
بالصـالي » يوسـف . 101 :جعـت هذه الدعوة القرار بالتوحيـد والسـتسلم للرب
وإظهار الفتقار إليـه والباءة مـن موالة غيه سـبحانه ،وكون الوفاة على السـلم أجـل
غايات الع بد وأن ذلك ب يد ال ل ب يد الع بد ،والعتراف بالعاد وطلب مراف قة ال سعداء .
228
وإن من شيء إل عندنا خزائنه
قوله تعال « :وإن من ش يء إل عند نا خزائ نه » ال جر 21 :متضمن لك ن من الكنوز
وهو أن كل شيء ل يطلب إل من عنده خزائنه ومفاتيح تلك الزائن بيده .وأن طلبه من
غيه طلب منـ ليـس عنده ول يقدر عليـه .وقوله « :وأن إل ربـك النتهـى » سـوره
النجم ،ال ية 42متضمن لكن عظيم ،وهو أن كل مراد إن ل يرد لجله ويت صل به فهو
مضمحل منقطع فإنه ليس إل يه النتهى وليس النتهى إل إل الذي انتهت إليه المور كلها
فانتهت إل خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه ،فهو غاية كل مطلوب ،وكل مبوب ل يب
لجله فمحبته عناء وعذاب .وكل عمل ل يراد لجله فهو ضائع وباطل .وكل قلب ل إليه
فهو شقي مجوب عن سعادته وفلحه ،فاجتمع ما يراد منه كله ف قوله «وإن من شيء
إل عند نا خزائ نه» ،واجت مع ما يراد له كله ف قوله « :وأن إل ر بك النت هى» ،فل يس
ــى.
ــا النتهـ
ــة إليهـ
ــه غايـ
ــس دونـ
ــة تطلب وليـ
ــبحانه غايـ
وراءه سـ
229
الخلوقات من اثني ،فمن كان انتهاء مبته ورغبته وإرادته وطاعته إل غيه بطل عليه ذلك
وزال ع نه وفار قه أحوج ما كان إل يه .و من كان انتهاء مب ته ورغب ته ورهب ته وطل به هو
ســـبحانه ظفـــر بنعيمـــه ولذاتـــه وبجتـــه وســـعادته أبـــد الباد.
العبد دائما متقلب بي أحكام الوامر وأحكام النوازل ،فهو متاج بل مضطر إل العون عند
الوا مر ،وإل الل طف ع ند النوازل ،وعلى قدر قيا مه بالوا مر ي صل له من الل طف ع ند
النوازل ،فإن كمل القيام بالوامر ظاهرا وباطنا ناله اللطف ظاهرا وباطنا ،وإن قام بصورها
دون حقائقهـا وبواطنهـا ناله اللطـف فـ الظاهـر وقـل نصـيبه مـن اللطـف فـ الباطـن.
فإن قلت :وما اللطف الباطن؟ فهو ما يصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة
وزوال القلق والضطراب والزع ،في ستخذى ب ي يدي سيده ذليل له م ستكينا ناظرا إل يه
بقلبه ساكنا إليه بروحه وسره ،قد شغله مشاهدة لطفه به عن شدة ما هو فيه من الل ،وقد
غي به عن شهود ذلك معرف ته ب سن اختياره له وأ نه ع بد م ض يري عل يه سيده أحكا مه
رضي أو سخط ،فإن رضي نال الرضا وإن سخط فحظه السخط ،فهذا اللطف الباطن ثرة
تلك العاملة الباطنــــة يزيــــد بزيادتاــــ وينقــــص بنقصــــانا.
مبة ال
ل يزال العبد منقطعا عن ال حت تصل إرادته ومبته بوجهه العلى .والراد بذا التصال
أن تف ضي الح بة إل يه وتتعلق به وحده فل يجب ها ش يء دو نه ،وأن تت صل العر فة بأ سائه
وصفاته وأفعاله فل يطمس نورها ظلمة التعطيل ،كما ل يطمس نور الحبة ظلمة الشرك،
230
وأن يت صل ذكره به سبحانه فيزول ب ي الذا كر والذكور حجاب الغفلة والتفا ته ف حال
الذ كر إل غ ي مذكوره .فحينئذ يت صل الذ كر به ويت صل الع مل بأوامره ونواه يه فيف عل
الطاعـة لنـه أمـر باـ و أحبهـا ،ويترك الناهـي لكونـه نيـ عنهـا وأبغضهـا.
فهذا مع ن ات صال الع مل بأمره ون يه ،وحقي قة زوال العلل الباع ثة على الف عل والترك من
الغراض والظوظ العاجلة ،ويتصل التوكل والب به بيث يصي واثقا به سبحانه مطمئنا
إل يه راض يا ب سن تدبيه له غ ي مت هم له ف حال من الحوال ،ويت صل فقره وفاق ته به
سبحانه دون من سواه ،ويت صل خو فه ورجاؤه وفر حه و سروره وابتها جه به وحده ،فل
ياف غيه ول يرجوه ول يفرح بــه كــل الفرح ول يســر بــه غايــة الســرور.
وإن ناله بالخلوق بعـض الفرح والسـرور فليـس الفرح التام والسـرور الكامـل والبتهاج
والنع يم وقرة الع ي و سكون القلب إل به سبحانه ،و ما سواه إن أعان على هذا الطلوب
فرح به و سر به ،وإن حجب ع نه فهو بالزن به والوح شة م نه واضطراب القلب ب صوله
أحق منه بأن يفرح به ،فل فرحة ول سرور إل به أو با أوصل إليه أعان على مرضاته .وقد
أخب سبحانه أنه ل يب الفرحي بالدنيا وزينتها ،وأمر بالفرح بفضله ورحته وهو السلم
واليان والقرآن ،كمــــــا فســــــره الصــــــحابة والتابعون.
والقصود أن من اتصلت له هذه المور بال سبحانه فقد وصل ،وإل فهو مقطوع عن ربه
متصــل بظــه ونفســه ملبــس عليــه فــ معرفتــه وإرادتــه وســلوكه.
231
قد فكرت ف هذا المر فإذا أصله أن تعلم أن النعم كلها من ال وحده ،نعم الطاعات ونعم
اللذات ،فترغب إليه أن يلهمك ذكرها ويوزعك شكرها ،قال تعال « :وما بكم من نعمة
فمـن ال ثـ إذا مسـكم الضـر فإليـه تأرون» سـورة النحـل :اليـة رقـم ، 53:وقال «
واشكروا نعمـة ال إن كنتـم إياه تعبدون » العراف :اليـة رقـم ، 69 :وكمـا أن تلك
النعــم منــه ومــن مرد فضله فذكرهــا وشكرهــا ل ينال إل بتوفيقــه.
التوفيق والذلن
ث فكرت هل للتوفيق والذلن سبب أم ها بجرد الشيئة ل سبب لما؟ فإذا سببهما أهلية
ال حل وعدم ها ،ف هو سبحانه خالق الحال متفاو تة ف ال ستعداد والقبول أع ظم تفاوت،
فالمادات ل تقبـل مـا بقلبـه اليوان ،وكذلك النوعان كـل منهمـا متفاوت فـ القبول .
فاليوان النا طق يق بل ما ل يقبله البه يم ،و هو متفاوت ف القبول أع ظم تفاوت ،وكذلك
232
اليوان البهيم متفاوت ف القبول ،لكن ليس بي النوع الواحد من التفاوت كما بي النوع
النســـــــــــــــــــــــــــــــــــان.
فإذا كان ال حل قابل للنع مة ب يث يعرف ها ويعرف قدر ها وخطر ها ويش كر النعم ب ا ويث ن
عليه با ويعظمه عليها ،ويعلم أنا من مض الود وعي النة ،من غي أن يكون هو مستحقا
ل ا ول هي له ول به ،وإن ا هي ال وحده و به وحده .فوحده بنعم ته إخل صا و صرفها ف
مبتـه شكرا ،وشهدهـا مـن مضـ جوده منـه ،وعرف فذلك وتقصـيه فـ شكرهـا عجزا
وضعفا وتفريطا ،وعلم أنه إن أدامها عليه فذلك مض صدقته وفضله وإحسانه ،وإن سلبه
ــــــتحق له.
ــــــل لذلك مسـ
ــــــو أهـ
ــــــا فهـ
إياهـ
وكل ما زاده من نع مة ازداد ذل له وانك سارا وخضو عا ب ي يد يه وقيا ما بشكره وخش ية له
سبحانه أن يسلبه إياها لعدم توفيته شكرها كما سلب نعمته عمن ل يعرفها ول يرعها حق
رعايتها ،فإن ل يشكر نعمته وقابلها بضد ما يليق أن يقابل به سلبه إياها ول بد ،قال تعال :
«وكذلك فتنـا بعضهـم ببعـض ليقولوا أهؤلء منّ ال عليهـم مـن بيننـا أليـس ال بأعلم
بالشاكر ين » النعام :ال ية ر قم ، 53:و هم الذ ين عرفوا قدر النع مة وقبلو ها وأحبو ها
وأثنوا على الن عم ب ا وأحبوه وقاموا بشكره وقال تعال « :وإذا جاءت م آ ية قالوا لن نؤ من
حت نؤتى مثل ما أوت رسل ال ،ال أعلم حيث يعل رسالته» النعام :الية رقم . 124:
أسباب الذلن
233
و سبب الذلن عدم صلحية ال حل وأهلي ته وقبوله للنع مة ب يث لو واف ته الن عم لقال هذا
ل ،وإن ا أوتي ته ل ن أهله وم ستحقه ك ما قال تعال « :قال إن ا أوتي ته على علم عندي»
سورة القصص :الية رقم ، 78:أي على علم علمه ال عندي أستحق به ذلك وأستوجبه
وأ ستأهله .قال الفراء :أي على ف ضل عندي أ ن ك نت أهله وم ستحقا له إذ أعطي ته وقال
ـــــــه ال عندي.
ـــــــ علمـ
ـــــــل :يقول على خيـ
مقاتـ
وذكر عبد ال بن الارث بن نوفل سليمان بن داود فيما أوت من اللك ،ث قرأ قوله تعال
« :هذا من فضل رب ليبلون أأشكر أم أكفر» سورة النمل :الية رقم 40:ول يقل هذا
من كرامت ،ث ذكر قارون وقوله« :إنا أوتيته على علم عندي» القصص :الية رقم :
78يعن أن سليمان رأى ما أوتيه من فضل ال عليه ومنته وأنه ابتلي به فشكره ،وقارون
رأى ذلك من نف سه وا ستحقاقه وكذلك قوله سبحانه « :ولئن أذقناه رح ة م نا من ب عد
ضراء مسته ليقولن هذا ل » فصلت :الية رقم ، 50:أي أنا أهله وحقيق به فاختصاصي
بـــــــــه كاختصـــــــــاص الالك بلكـــــــــه.
والؤمن يرى ذلك ملكا لربه وفضل منه من به على عبده من غي استحقاق منه بل صدقة
تصـدق ب ا على عبده ،وله أل يت صدق باـ .فلو منعـه إياهـا ل ي كن قـد من عه شيئا هو له
ي ستحقه عل يه ،فإذا ل يش هد ذلك رأى ف يه أهل وم ستحقا فأعجب ته نف سه وط غت بالنع مة
وعلت ب ا وا ستطالت على غي ها ،فكان حظ ها من ها الفرح والف خر ،ك ما قال تعال« :
ولئن أذقنا النسان منا رحة ث نزعناها منه إنه ليؤوس كفور ،ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء
م سته ليقولن ذ هب ال سيئات ع ن إ نه لفرح فخور» سورة هود :ال ية ر قم ، 10 -9:
فذ مه باليأس والك فر ع ند المتحان بالبلء وبالفرح والف خر ع ند البتلء بالنعماء وا ستبدل
بمد ال وشكره والثناء عليه إذ كشف عنه البلء قوله « :ذهب السيئات عن» ،ولو أنه
قال :أذهب ال السيئات عن برحته ومنه لا ذم على ذلك ،بل كان ممودا عليه ،ولكنه
غفــل عــن النعــم بكشفهــا ونســب الذهاب إليهــا وفرح وافتخــر.
فإذا علم ال سبحانه هذا من قلب ع بد فذلك من أع ظم أ سباب خذل نه وتل يه ع نه ،فإن
234
مله ل تنا سبه النع مة الطلقة التامة ك ما قال تعال « إن شر الدواب عند ال ال صم الب كم
الذيـن ل يعقلون ولو علم ال فيهـم خيا لسـعهم ولو أسـعهم لتولوا وهـم معرضون »
النفال 22-23:فأخب سبحانه أن ملهم غي قابل لنعمته ،ومع عدم القبول ففيهم مانع
ينـع آخـر ينـع وصـولا إليهـم وهـو توليهـم وإعراضهـم إذا عرفوهـا وتققوهـا.
وم ا ينب غي أن يعلم أن أ سباب الذلن من بقاء الن فس على مـا خل قت عل يه فـ ال صل
وإهال ا و تليت ها ،فأ سباب الذلن من ها وفي ها وأ سباب التوف يق من ج عل ال سبحانه لا
قابلة للنعمـة .فأسـباب التوفيـق منـه ومـن فضله وهـو الالق لذه وهذه ،كمـا خلق أجزاء
الرض ،هذه قابلة للنبات وهذه غيـ قابلة له ،وخلق الشجـر ،هذه تقبـل الثمرة وهذه ل
تقبل ها ،وخلق النحلة قابلة لن يرج م نه بطون ا شراب متلف ألوا نه ،و الزنبور غ ي قا بل
لذلك .وخلق الرواح الطيبـة قابلة لذكره وشكره وحجتـه وإجلله وتعظيمـه وتوحيده
ون صيحة عباده وخلق الرواح البي ثة غ ي قابلة لذلك بل لضده ،و هو الك يم العل يم .
235
آمنا بال فإذا أوذي ف ال جعل فتنة الناس كعذاب ال ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا
كنا معكم أو ليس ال بأعلم با ف صدور العالي وليعلمن ال الذين آمنوا وليعلمن النافقي
» ســــــــــــورة العنكبوت ،اليــــــــــــة . 11-1
وقال ال تعال « :أم حسـبتم أن تدخلوا النـة ولاـ يأتكـم مثـل الذيـن خلوا مـن قبلكـم
مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال أل إن
نصر ال قريب » البقرة ،214:قال ال تعال لا ذكر الرتد والكره بقوله« :من كفر بال
من بعد إيانه» النحل ،106:قال بعد ذلك « ث إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ث
جاهدوا وصــبوا إن ربــك مــن بعدهــا لغفور رحيــم» النحــل 110
فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بي أمرين :إما أن يقول أحدهم آمنا وإما أل يقول آمنا ،بل
ي ستمر على ع مل ال سيئات .ف من قال آم نا امتح نه الرب عز و جل وابتله وألب سه البتلء
والختبار ليبي الصادق من الكذاب ،ومن ل يقل آمنا فل يسب أنه يسبق الرب لتجربته ،
فإن أحدا لن يعجـز ال تعال هذه سـنته تعال يرسـل اللق فيكذبمـ الناس ويؤذونمـ ،قال
تعال« :وكذلك جعلنا لكل نب عدوا شياطي النس والن» ،وقال تعال « :كذلك ما أتى
الذ ين من قبل هم من ر سول إل قالوا ساحر أو منون » الذاريات 52:وقال تعال « :ما
يقال لك إل ما قد قيل للرسل من قبلك» فصلت 43:ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه
وآذوه فابتلي ب ا يؤل ه،وإن ل يؤ من ب م عو قب فح صل ما يؤل ه أع ظم وأدوم ،فل بد من
حصول الل لكل نفس سواء آمنت أم كفرت ،لكن الؤمن يصل له الل ف الدنيا ابتداء ث
تكون له العاقبـة فـ الدنيـا والخرة،والكافـر تصـل له النعمـة ابتداء ثـ يصـي فـ الل.
236
رأي الشافعي ف البتلء والتمكن
سأل ر جل الشاف عي فقال :يا أ با ع بد ال ،أي ا أف ضل للر جل أن يكّ ن أو يبتلى ؟ فقال
الشافعي :ل يكّن حت يبتلى فإن ال ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وممدا صلوات
ال وسلمه عليهم أجعي ،فلما صبوا مكنهم ،فل يظن أحد أن يلص من الل ألبتة .
ومن اختب أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئا كثيا كقوم يريدون الفواحش والظلم
ولمـ أقوال باطلة فـ الديـن أو شرك ،فهـم مرتكبون مـا ذكره ال مـن الحرمات فـ قوله
تعال « :قل إن ا حرم ر ب الفوا حش ما ظ هر من ها و ما ب طن وال ث والب غي بغ ي ال ق وأن
تشركوا بال ما ل ينل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون » سورة العراف :
اليـة ،33وهـم فـ مكان مشترك كدار جامعـة أو خان أو قيسـرية أو مدرسـة أو رباط أو
237
قريـة أو درب أو مدينـة فيهـا غي هم ،هـم ل يتمكنون ماـ يريدون إل بوافقـة أولئك ،أو
بسـكوتم عـن النكار عليهـم فيطلبون مـن أولئك الوافقـة أو السـكوت ،فإن وافقهـم أو
سكتوا سلموا من شر هم ف البتلء ،ث قد يت سلطون هم أنف سهم على أولئك يهينون م
ويعاقبون م أضعاف ما كان أولئك يافون ابتداء ك من يطلب من هم شهادة الزور أو الكلم
ف الدين بالباطل ،إما ف الب وإما ف المر أو العاونة على الفاحشة والظلم ،فإن ل يبهم
آذوه وعادوه ،وإن أجابم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما كان
يافــــــــــــــه وإل عذب بغيهــــــــــــــم .
فالواجب ما ف حديث عائشة الذي بعثت به إل معاوية ،ويروى موقوفا ومرفوعا « :من
أرضى ال بسخط الناس كفاه ال مؤونة الناس » وف لفظ « رضي ال عنه وأرضى عنه
الناس ،ومن أرضى الناس بسخط ال ل يغنوا عنه من ال شيئا » وف لفظ « عاد حامده
مــــــــــــــــن الناس ذامــــــــــــــــا » .
وهذا يري في من يع ي اللوك والرؤ ساء على أغراض هم الفا سدة وفي من يع ي أ هل البدع
النتسبي إل العلم والدين على بدعهم ،فمن هداه ال وأرشده امتنع من فعل الحرم وصب
على أذاهم وعداوتم ،ث تكون له العاقبة ف الدنيا والخرة كما جرى للرسل وأتباعهم مع
من آذاهم وعاداهم ،مثل الهاجرين ف هذه المة ومن ابتلي من علمائها وعبادها وتارها
وولتاــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
ل بد من البتلء
238
وقـد يوز فـ بعـض المور إظهار الوافقـة وإبطان الخالفـة كالكره على الكفـر كمـا هـو
مبسوط ف غي هذا الوضع ،إذ القصود هنا :أنه ل بد من البتلء با يؤذي الناس ،فل
خلص لحد ما يؤذيه ألبتة ؛ ولذا ذكر ال تعال ف غي موضع أنه ل بد أن يبتلي الناس ،
والبتلء يكون بال سراء والضراء ،ول بد أن يبتلي الن سان ب ا ي سره و ما ي سوءه ،ف هو
متاج إل أن يكون صابرا شكورا ،قال تعال « :إنا جعلنا ما على الرض زينة لا لنبلوهم
أيهـم أحسـن عملً » سـورة الكهـف :اليـة ،7وقال تعال « :و بلوناهـم بالسـنات
وال سيئات لعل هم يرجعون » ،وقال تعال « :فإما يأتين كم م ن هدى فمن ات بع هداي فل
يضل ول يشقى ،ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونشره يوم القيامة أعمى »
طه ،123-124 :وقال تعال « :أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يعلم ال الذين جاهدوا
منكــــــــــم ويعلم الصــــــــــابرين» آل عمران .142 :
هذا ف آل عمران .وقد قال قبل ذلك ف البقرة _ فإن البقرة نزلت أكثرها قبل آل عمران
_« :أم ح سبتم أن تدخلوا ال نة ول ا يأت كم م ثل الذ ين خلوا من قبل كم م ستهم البأ ساء
والضراء وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال أل إن نصر ال قريب»
سـورة البقرة :اليـة ،214وذلك أن النفـس ل تزكـو وتصـلح حتـ تحـص بالبلء ،
كالذهب الذي ل يلص جيده من رديئه حت يفت ف كبي المتحان إذا كانت النفس ظالة
و هي من شأ شر ي صل للع بد ،فل ي صل له شر إل من ها ،قال تعال « :و ما أ صابك من
ح سنة ف من ال و ما أ صابك من سيئة ف من نف سك» الن ساء ،79 :وقال تعال « :أول ا
أ صابتكم م صيبة قد أ صبتم مثلي ها قل تم أ ن هذا قل هو من ع ند أنف سكم » آل عمران :
،165وقال « :وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثي » الشورى
، 30 :وقال « :ذلك بأن ال ل يك مغيا نعمة أنعمها على قوم حت يغيوا ما بأنفسهم»
النفال « ، 53 :وإذا أراد ال بقوم سوءا فل مرد له وما لم من دونه من وال » الرعد
. 11 :
وقد ذكر عقوبات المم من آدم إل آخر وقت ،وف كل ذلك يقول إنم ظلموا أنفسهم
فهم الظالون ل الظلومون ،وأول من اعترف بذلك أبواهم « ،قال ربنا ظلمنا أنفسنا وإن
239
ل تغ فر ل نا وترح نا لنكو نن من الا سرين » سورة العراف :ال ية 23وقال لبل يس « :
لملن جهنم منك ومن تبعك منهم أجعي » ،وإبليس إنا اتبعه الغواة منهم كما قال « :
فبما أغويتن لزينن لم ف الرض ولغوينهم أجعي إل عبادك منهم الخلصي » ،وقال
تعال « إن عبادي ل يس لك علي هم سلطان إل من اتب عك من الغاو ين » ،وال غي إتباع
هوى النفس ،وما زال السلف معترفي بذلك كقول أب بكر وعمر وابن مسعود :أقول
في ها برأ يي فإن كان صوابا ف من ال ،وإن ي كن خ طأ فم ن و من الشيطان وال ور سوله
بريئان منــــــــــــــــــــــــــــــــــه .
وف الديث اللي حديث أب ذر الذي يرويه الرسول عن ربه عز وجل « :يا عبادي إنا
هي أعمالكم أحصيها لكم ث أوفيكم إياها ،فمن وجد خيا فليحمد ال ومن وجد غي
ـــــــــــــه »
ـــــــــــــن إل نفسـ
ذلك فل يلومـ
سيد الستغفار
وف الديث الصحيح ،حديث سيد الستغفار ،أن يقول العبد « :اللهم أنت رب ل إله
إل أ نت خلقت ن وأ نا عبدك ،وأ نا على عهدك ووعدك ما ا ستطعت أعوذ بك من شر ما
صنعت أبوء لك بنعمتك علي و أبوء بذنب فاغفر ل إنه ل يغفر الذنوب إل أنت .من قالا
إذا أ صبح موقنا ب ا فمات من يو مه د خل ال نة ،و من قال ا إذا أم سى موقنا ب ا فمات من
ليلتـه دخـل النـة » .رواه البخاري والترمذي والنسـائي وابـن حنبـل بألفاظ متلفـة
وف حديث أب بكر الصديق من طريق أب هريرة وعبد ال بن عمرو :أن رسول ال صلى
ال عل يه و سلم عل مه ما يقوله إذا أ صبح وإذا أم سى وإذا أ خذ مضج عه « :الل هم فا طر
240
السماوات والرض عال الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه ،أشهد أل إله إل أنت ،
أعوذ بك من شر نف سي و شر الشيطان وشر كه وأن أقترف على نف سي سوءا أو أجره إل
مســـلم ،قله إذا أصـــبحت وإذا أمســـيت وإذا أخذت مضجعـــك » .
وكان النب صلى ال عليه وسلم يقول ف خطبته« :المد ل نستعينه ونستغفره ونعوذ بال
من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا» .وقد قال النب صلى ال عليه وسلم« :إن آخذ
بجز كم عن النار وأن تم تتهافتون تا فت الفراش» رواه البخاري والترمذي والن سائي وا بن
حنبل بألفاظ متلفة ،شبههم بالفراش لهله وخفة حركته ،وهي صغية النفس ،فإنا جاهلة
ــــــــــــــــة.
ــــــــــــــــريعة الركـ
سـ
وف الديث« :مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فلة» .وف حديث آخر« :للقلب أشد
تقلبا من القدر إذا ا ستجمعت غليا نا» .ومعلوم سرعة حر كة الري شة والقدر مع ال هل،
ولذا يقال ل ن أطاع من يغو يه :إ نه ا ستخفه .قال عن فرعون إ نه ا ستخف قو مه فأطاعوه.
وقال تعال« :فاصب إن وعد ال حق ول يستخفنك الذين ل يوقنون» سورة الروم الية
60فإن الف يف ل يثبت بل يطيش ،وصاحب اليقي ثابت ،يقال :أيقن إذا كان مستقرّا،
واليق ي :ا ستقرار اليان ف القلب علما وعملً ،ف قد يكون علم الع بد جيدا ل كن نف سه ل
ـــــش.
ـــــل تطيـ
ـــــائب بـ
ـــــد الصـ
ـــــب عنـ
تصـ
أصل الغضب
241
قال السن البصري :إذا شئت أن ترى بصيا ل صب له رأيته ،وإذا شئت أن ترى صابرا ل
ب صية له رأي ته ،فإذا رأ يت ب صيا صابرا فذاك :قال تعال« :وجعل نا من هم أئ مة يهدون
بأمر نا ل ا صبوا وكانوا بآيات نا يوقنون» سورة ال سجدة ،ال ية ، 24ولذا تش به الن فس
بالنار فـ سـرعة حركتهـا وإفسـادها وغضبهـا ،وشهوتاـ مـن النار والشيطان مـن النار.
وف السنن عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال« :الغضب من الشيطان ،والشيطان من
النار ،وإن ا تط فأ النار بالاء فإذا غ ضب أحد كم فليتو ضأ» رواه أح د ف م سنده ،4/226
و ف الد يث ال خر« :الغ ضب جرة تو قد ف جوف ا بن آدم» ،أل ترى إل حرة عين يه
وانتفاخ أوداجه ،وهو غليان دم القلب لطلب النتقام .وف الديث التفق على صحته« :
الشيطان يري مـــــــــــن ابـــــــــــن آدم مرى الدم»
242