You are on page 1of 15

‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫الغبن‬
‫في الفقه السلمي‬

‫بقلم‬
‫للشيخ المحامي الدكتور‬
‫مسلم اليوسف‬

‫مدير معهد المعارف لتخريج الدعاة في الفلبين سابقا‬


‫و مدير مكتب جامعة سانت كلمنتس العالمية في حلب سورية‬
‫و الباحث في الدراسات الفقهية و القانونية‬

‫إن الحمد ل نحمده ‪ ،‬و نستعينه ‪ ،‬و نستغفره ‪ ،‬و نعوذ بال من‬
‫شرور أنفسنا ‪ ،‬و من سيئات أعمالنا ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫من يهده ال فل مضل له ‪ ،‬و من يضلل فل هادي له ‪ ،‬و أشهد أن‬


‫ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪.‬‬

‫و أ شهد أ ن محمدا عبدُه و رسولُه ‪.‬‬

‫] يَاأَيها الذين آ مَنُوا اتقُوا الَ حَق ُتقَا ته ولتموتن إل وأنتم‬


‫مُسلمُون [ ‪.‬‬

‫خلَقَ مِنْهَا‬
‫خَلقَكُمْ ِمنْ َنفْسٍ وَاحِدَةٍ وَ َ‬ ‫] يَا أَيّهَا النّا ُ‬
‫س ا ّتقُوا رَبّ ُكمْ الّذِي َ‬
‫ل الّذِي تَتَسَاءَلونَ بِهِ وَ‬
‫زَ ْوجَهَا وَ َبثّ مِنْهُمَا ِرجَالً كَثِيرا وَ نِسَاءً َو ا ّتقُوا ا َ‬
‫علَيْكُمْ َرقِيبا [ ‪.‬‬ ‫ن الَ كَانَ َ‬ ‫الَ ْرحَا َم إِ ّ‬

‫]يَا أ يها الذين آ منوا اتقوا ال و قولوا قَو لً سَديدا يُصلح لَكُم‬
‫أَعما لكم َو يَغفر لَكُم ذُ نُو بَكُم وَ مَن يُطع ال وَ َرسُولَ ُه َفقَد فَازَ‬
‫فَوزا عَظيما [ ‪.‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬

‫فهذا بحث في الغبن بينت فيه أقوال أهل العلم و اجتهاداتهم حيث‬
‫أن الغبن في الفقه السلمي تتنازعه للعتداد به كعيب مؤثر في العقود‬
‫عدة اجتهادات صنفتها إلى اجتهادين ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫الجتهاد الول ‪ :‬يرى أن الغبن المجرد موجب لفسخ العقد عند‬


‫تحققه ‪.‬‬
‫و الجتهاد الثاني ‪ :‬يرى ضرورة تزواج الغبن بالتغرير حتى يؤثر‬
‫في صحة العقد ‪.‬‬

‫و مما تقدم بقسم – بعون ال – هذه المبحث إلى عدة فروع ‪:‬‬

‫الفرع الول ‪ :‬الغبن المجرد موجب لفسخ العقد ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الغبن المقترن بالتغرير هو الموجب لفسخ العقد ‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬مناقشة أقوال و أدلة الفريقين و الترجيح بينهما ‪.‬‬

‫الفرع الول‬

‫‪3‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫الغب الجرد موجب لفسخ العقد‬

‫ذهب ثلة من فقهاء الشريعة السلمية إلى أن للغبن أثره في‬


‫إعطاء المتعاقد المغبون حق الخيار لفسخ العقد أو عدم فسخه ‪ ،‬و ذهب إلى‬
‫هذا الجتهاد ظاهر مذهب المام مالك‪ ، 1‬و ابن حزم الظاهري‪ 2‬و الحنفية‬
‫‪3‬في قول مرجوح و الحنابلة‪. 4‬‬
‫و استدل أصحاب الجتهاد الول بما يلي ‪:‬‬

‫أ – الكتاب ‪:‬‬

‫استدل أصحاب هذا الرأي على صحة اجتهادهم بقوله تعالى ‪ ( :‬يَا‬
‫عنْ‬
‫طلِ إِل َأنْ تَكُونَ ِتجَارَ ًة َ‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتأْ ُكلُوا أَ ْموَالَكُمْ َبيْنَكُمْ بِالْبَا ِ‬
‫تَرَاضٍ مِنْ ُك ْم وَل َتقْ ُتلُوا َأ ْنفُسَكُمْ ِإنّ الَ كَانَ بِكُمْ َرحِيماً ) ( النساء ‪) 29:‬‬
‫يخاطب البيان اللهي المؤمنين موجهًا إياهم بأل يأكلوا أموال بعضهم‬
‫البعض بالباطل ‪.‬‬
‫و لشك بأن الغبن هو أحد أوجه هذا الباطل المحرم أكله على‬
‫المؤمنين ‪.‬‬

‫ب – السنة ‪:‬‬

‫‪ -‬الموسوعة الفقهية ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬ج ‪.2/149‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المحلى ‪ ،‬لبن حزم ‪ ،‬ج ‪.8/442‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مجموعة رسائل ابن عابدين ‪ ،‬ج ‪.2/66‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬النصاف للمرداوي ‪ ،‬ج ‪. 4/394‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪4‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫‪-1‬عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي مرفوعاً ‪ :‬غبن‬


‫‪5‬‬
‫المسترسل ربا ) ‪.‬‬

‫‪-2‬عن عبادة بن الصامت أن رسول ال صلى ال عليه‬


‫‪6‬‬
‫وسلم قضى ‪ :‬أن ل ضرر و ل ضرار ) ‪.‬‬

‫و ل جرم أن الغبن نوع من أنواع الضرر الذي يجب إزالته إذا‬


‫وقع بكل أشكاله و درجاته ‪.‬‬

‫‪-3‬عن أبي أمامة ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬


‫‪ :‬من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه ‪ ،‬حرم ال عليه‬
‫الجنة ‪ ،‬و أوجب له النار ‪ .‬قالوا ‪ :‬و إن كان شيئاً‬
‫يسيراً يا رسول ال ؟ قال ‪ :‬و إن كان قضيباً من أراك ‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫و إن كان قضيب ًا من أراك ‪ .‬قالها ثلث مرات ‪.‬‬
‫وجه الستدلل بهذا الحديث ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بين‬
‫أن من اقتطع حق امرئ مسلم مهما كانت قيمته و إن كان قضيباً من‬
‫أراك فإن نصيبه النار ‪ ،‬و ل جرم أن الغبن من ضمن أحكام هذا‬
‫الحديث ‪.‬‬

‫‪-5‬الثر ‪:‬‬

‫‪ -‬مجمع الزوائد ‪ ،‬ج ‪ .4/79‬و قال عنه الشيخ ناصر الدين اللباني حديث ضعيف برقم ‪ 3908‬في ضعيف الجامع الصغير‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬كتاب الحكام – باب ذكر القضاة –برقم ‪ 2340‬وقال عنه الشيخ ناصر الدين حديث صحيح ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬رواه مالك في الموطأ‪ ،‬ص ‪ .399‬و قال عنه الشيخ ناصر الدين اللباني حديث صحيح ( صحيح الترغيب و الترهيب ‪ ،‬كتاب‬ ‫‪7‬‬

‫البيوع ) ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫‪-1‬روى ابن حزم عن ابن سيرين ‪ :‬أن رجلً قدم المدينة‬


‫بجواري فنزل على ابن عمر فذكر الحديث ‪ ،‬وفيه أنه‬
‫باع جارية من ابن جعفر ‪ ،‬ثم جاء الرجل إلى ابن‬
‫عمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن غبنت بسبعمائة درهم‬
‫‪ .‬فأتى ابن عمر إلى عبد ال بن جعفر‪ ،‬فقال ‪ :‬أنه غبن‬
‫بسبعمائة درهم فإما أن تعطيها إياه و إما أن ترد عليه‬
‫‪8‬‬
‫بيعه ‪ ،‬فقال ابن جعفر ‪ ،‬بل نعطيها إياه ‪.‬‬
‫وجه دللة هذا الثر أن عبد ال بن جعفر و ابن عمر رأيا رد‬
‫هذا البيع بسبب إشابته بالغبن المجرد الذي لم يشوبه التغرير‬
‫أيضاً ‪.‬‬
‫‪-2‬عن أبي بن كعب أن عمر بن الخطاب ‪ ،‬والعباس بن‬
‫عبد المطلب تحاكما إليه في دار كانت للعباس إلى‬
‫جانب المسجد أراد عمر أخذها ليزيدها في المسجد و‬
‫أبى العباس ‪ ،‬فقال أبي ابن كعب لهما ‪ :‬لما أمر سليمان‬
‫بناء بيت المقدس كانت أرضه لرجل فاشتراها سليمان‬
‫منه فلما اشتراها قال له الرجل ‪ :‬الذي أخذت مني أم‬
‫الذي أعطيتني ؟ قال سليمان ‪ :‬بل الذي أخذت منك ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فإني ل أجيز البيع فرده ‪ ،‬فزاده ‪ ،‬ثم سأله ؟‬
‫‪9‬‬
‫فأخبره فأبى أن يجيزه ‪.‬‬
‫و جقه السقتدلل بهذا الثقر أن الغبقن المجرد موجقب لفسقخ العققد‬
‫على الرغم من عدم اقترافه بأي تغرير ‪.‬‬

‫د– المعقول ‪:‬‬

‫‪ -‬المحلى لبن حزم ‪ ،‬ج ‪.8/440‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪ -‬المحلى لبن حزم ‪ ،‬ج ‪.8/441‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪6‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫أن الغبن ظلم و ال قد حرم الظلم على نفسه و جعله محرماً بين عباده‬
‫‪ ،‬و الشريعة ‪.‬‬

‫عققن أبققي ذر ‪ ،‬عققن النققبي صققلى ال عليققه وسققلم ‪ ،‬عققن ال تبارك‬


‫و تعالى قال ‪ :‬يتتا عبادي ! إنتتي قتتد حرمتتت الظلم على نفستتي ‪ ،‬و جعلتتته‬
‫‪10‬‬
‫محرما بينكم فل تظالموا ‪.‬‬

‫فالشريعققة السققلمية حاربققت الظلم بكققل أنواعققه و أشكاله و جعلتققه‬


‫محرماً بين العباد ‪.‬‬

‫و الغبقن هقو إحدى الشكال التقي حاربهقا السقلم ‪ ،‬فدعقى المتعاقديقن‬


‫إلى عدم أكل أموال بعضهم البعض إل عن تراض ‪.‬‬

‫طلِ إِل‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬يَا أَيّهَا الّذِينَت آمَنُوا ل َتأْ ُكلُوا أَ ْموَالَكُمْت بَيْنَكُمْت بِالْبَا ِ‬
‫أَن تْ َتكُون تَ ِتجَارَ ًة عَن تْ تَرَاض تٍ مِنْكُم ْت وَل َتقْ ُتلُوا أَ ْنفُس َتكُمْ إِنّ الَت كَان تَ بِكُم تْ‬
‫َرحِيماً ) ( النساء ‪. ) 29 :‬‬

‫الفرع الثاني‬

‫الغبن المقترن بالتغرير موجب لفسخ العقد‬


‫‪ -‬صحيح الدب المفرد ‪ ( 377/490 ،‬قال عنه الشيخ ناصر الدين اللباني صحيح ) ‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪7‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫‪12‬‬
‫و‬ ‫ذهب إلى هذا الجتهاد رأي راجح عند الحنفية‪ 11‬و الشافعية‬
‫المالكية في رأي راحج ‪ 13‬و الحنابلة ‪.14‬‬

‫و استدل هؤلء الفقهاء بعدم العتداد بالغبن إل إذا كان مقترناً‬


‫بالتغرير بالحديث النبوي الشريف و العقل السليم ‪.‬‬

‫أ – الحديث النبوي الشريف ‪:‬‬


‫عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما أن رجلً أن رجلً ذكر للنبي‬
‫صلى ال عليه و سلم أنه يخدع في البيوع ‪ ،‬فقال ‪ :‬إذا تبايعتم فقل ‪ :‬ل‬
‫‪15‬‬
‫خلبة ‪.‬‬

‫قال ابن حجر ‪ :‬كأنه أشار بهذه الترجمة – أي المام البخاري – إلى‬
‫أن الخداع في البيع مكروه و لكنه ل يفسخ البيع إل إذا شرط المشتري‬
‫الخيار على ما تشعر به القصة المذكورة في الحديث ‪ ..‬و استدل بهذا‬
‫الحديث لحمد و أحمد في قولي مالك أنه يرد بالغبن الفاحش لمن لم يعرف‬
‫قيمة السلعة و تعقب بأنه صلى ال عليه وسلم إنما جعل له الخيار لضعف‬
‫‪16‬‬
‫عقله و لو كان يملك به الفسخ لما احتاج إلى شرط الخيار ‪.‬‬

‫‪ -‬مجموعة رسائل ابن عابدين ‪ ،‬ج ‪. 2/66‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪ -‬نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ‪ ،‬ج ‪.4/75‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪ -‬الخرشي على مختصر سيد خليل و بهامشه حاشية الشيخ علي العدوي ‪ ،‬ج ‪.5/152‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪ -‬مصادر الحق للسنهوري ‪ ،‬ج ‪.2/136‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪ -‬صحيح البخاري بشرح الكرماني ‪ ،‬كتاب البيوع و صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب البيوع ‪ ،‬ج ‪.5/4‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪ -‬فتح الباري ‪ ،‬ابن حجر العسقلني ‪ ،‬ج ‪.4/377‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪8‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫و قال الشوكاني ‪ :‬استدل بهذه القصة على ثبوت الخيار لمن قال ل‬
‫خلبة سواء غبن أم ل ‪ ،‬و سواء وجد غشاً أم ل ‪ ......‬و الظاهر أنه ل يثبت‬
‫‪17‬‬
‫الخيار إل إذا وجدت خلبة ‪.‬‬

‫ب – الثر ‪:‬‬

‫عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬بعت من أمير المؤمنين‬


‫عثمان بن عفان رضي ال عنه بالوادي بمال له بخيبر فلما تبايعنا رجعت‬
‫على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يرادني البيع ‪ ،‬و كانت السنة‬
‫أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا ‪ ،‬قال عبد ال ‪ :‬فلما وجب بيعي و بيعه‬
‫رأيت أني قد غبنته بأني سقته إلى أرض ثمود بثلث ليال ‪ ،‬وساقني إلى‬
‫‪18‬‬
‫المدينة بثلث ليال ‪.‬‬

‫وجه الستدلل بهذا الثر أن ابن عمر قد غبن عثمان رضي ال عنه‬
‫و مع ذلك لم يفسخ العقد لما يدل على أن الغبن المجرد ليس له أثر إل إذا‬
‫اقترن بالتغرير ‪.‬‬

‫ج‪ -‬المعقول ‪:‬‬

‫‪ -1‬قال ابن عابدين ‪ :‬إذ الرد مطلقاً ليس أرفق بالناس بل خلف‬
‫الرفق ‪ ،‬لنه يؤدي إلى كثرة المخاصمة و المنازعة في كثير‬
‫من البيوع إذ لم تزل أصحاب التجارة يربحون في بيوعهم‬
‫الربح الوفير ‪ ،‬و يجوز بيع القليل بالكثير و عكسه(‪. )19‬‬
‫‪ -‬نيل الوطار ‪ ،‬للشوكاني ‪ ،‬ج ‪.5/287‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪.‬‬ ‫()‪ -‬فتح الباري ‪ ،‬ج ‪4/334‬‬ ‫‪18‬‬

‫مموعة رسائل ابن عابدين ‪ ،‬ج ‪. 2/78‬‬ ‫()‬ ‫‪19‬‬

‫‪9‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫‪ -2‬ليس من مهمة المشرع أن يمنع التغابن المجرد عن الغش‬


‫و الخديعة إنما مهمته أن يقيم المتعاقدين على قدم المساواة في‬
‫الهلية و الحرية كما أن على كل إن يحمي نفسه من الغبن و‬
‫(‪)20‬‬
‫إن قصر في فتبعة المهمل أن تكون على حسابه ‪.‬‬

‫الفرع الثالث‬

‫مناقشة الدلة و الترجيح‬

‫الدخل الفقهي العام ‪ ،‬مصطفى أحد الزرقا ‪ ،‬ج ‪.1/418‬‬ ‫()‬ ‫‪20‬‬

‫‪10‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫في ضوء ما تقدم نرى أن كلً من الفريقين – يرحمهم ال تعالى – قد‬


‫جاء بأدلة قوية لتدعيم اجتهاده القائلون بوجوب اقتران التغرير بالغبن حتى‬
‫يكون للغبن مفعوله لفسخ العقد استدلوا فيما اجتهدوا به بالحديث و الثر‬
‫و المعقول ‪.‬‬

‫بالنسبة للحديث فهو حديث صحيح رواه البخاري و مسلم ‪ -‬رضوان‬


‫ال عليهما – و غيرهما و وجه الستدلل بهذا الحديث ربما يدل على‬
‫وجوب اقتران التغرير بالغبن لثبوت الخيار ‪ ،‬و لكن أيضاً يمكن أن يستدل‬
‫على أن الغبن وحده كاف لثبوت خيار الغبن لن الخلبة تعني الخديعة ومن‬
‫الخديعة الغبن في السعر ‪.‬‬

‫أما بالنسبة للثر المروي عن ابن عمر رضي ال عنهما فهو صحيح‬
‫أيضاً بيد أنه يمكن أن يفسر بطريقة ثانية ‪ ،‬وهي أن ابن عمر قد ظن أنه‬
‫غبن عثمان بن عفان ‪ ،‬و هذا الظن قد تولد بعد خروج ابن عمر من المجلس‬
‫لقوله ‪ :‬فلما وجب بيعي رأيت أني قد غبنته " فعبد ال قد ظن بالغبن بعد‬
‫(‪)21‬‬
‫خروجه من المجلس و ما ثبت بيقين ل يرتفع إل بيقين ‪.‬‬

‫فعبد ال بن عمر و عثمان بن عفان قد تبايعا بعد أن تساوما و تماكسا‬


‫و علم كل واحد منهما أنه غير مغبون في بيعه أو شرائه ثم تولد الشك‬
‫بالغبن عند ابن عمر ‪ ،‬بيد أن عثمان بن عفان ظل على يقينه بأنه لم يغبن ‪،‬‬
‫ولو كان غير ذلك لطلب فسخ العقد ‪ ،‬وال سبحانه أعلم ‪.‬‬

‫أما بالنسبة لما أورده ابن عابدين من حجج ‪ ،‬فيكم الرد عليها بما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫انظر الشباه و النظائر لبن نيم النفي و باشيته نزهة النواظر على الشباه و النظائر لبن‬ ‫()‬ ‫‪21‬‬

‫عابدين ‪ ،‬ص ‪ .64‬و انظر الشباه و النظائر للسيوطي ‪ ،‬ص ‪.125‬‬

‫‪11‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫أن قول ابن عابدين أن التجارة مبنية على الربح و الخسارة فهذا‬
‫القول صحيح ل غبار عليه أبداً ‪.‬‬

‫أما قوله أن هذا الربح يمكن جنايته عن طريق التغابن فهذا ل يصح‬
‫على الطلق ‪ .‬فالغبن سواء أكان يسيرًا أو فاحشاً فهو سحت ل يجوز‬
‫أكله ‪ ،‬بيد أن قيده بالغبن الفاحش ليكون له أثر في العقود لكثرة وقوع الغبن‬
‫اليسير و عدم أهميته بالمقارنة مع ما يثيره من مشاكل أما القضاء المزدحم‬
‫بالقضايا الكثر أهمية و خطراً منه أي الغبن الفاحش المعتبر أمام القضاء‬
‫لهميته و خطورته على السوق و أهله ‪ ،‬فالربح ل يحل للتاجر المسلم ‪ ،‬إل‬
‫إذا سلمت معاملته التجارية من الحرام ‪ .‬أما إذا اشتملت على محرم‬
‫كالتجارة بالعيان المحرمة مثل الخنازير و الخمور ‪ ....‬إلخ أو التعامل‬
‫الربا أو الحتكار أو الغش أو التدليس ‪ ،‬أو إخفاء سعر الوقت أو التطفيف‬
‫و نحوها فإن ترتب عليها من الربح يكون حراماً (‪ )22‬فالربح الحلل ل يكون‬
‫عن طريق الغبن الفاحش أو اليسير ذلك أن الربح شئ و الغبن شئ آخر و‬
‫ل تلزم بينهما أبداً ‪.‬‬

‫فالغبن هو ما نقص أو زاد على سعر السلعة في السوق أما الربح ‪،‬‬
‫فقد يتحقق و يزيد على سعر السلعة أضعافاً من دون أن يكون هناك أي غبن‬
‫كأن ياتي أحد التجار بسولع بسعر رخيص من خارج بلدته ُمن يبيعها بسعر‬
‫السوق مما قد يحقق ربحاً و قدره أكثر من ‪ %100‬أو ربما أكثر من‬
‫‪ %200‬و دون أن تعتبر ذلك غبنا فاحشاً ‪.‬‬

‫ذلك أن السلم لم يضع أي حد للربح بل ترك المر مفتوحاً حسب‬


‫ظروف السوق و أحواله بشرط عدم الغش والغرر و الظلم بين المتعاقدين ‪.‬‬
‫هل للربح حد أعلى ‪ ،‬د ‪ .‬يوسف القرضاوي ‪ ،‬ملة الجمع الفقهي السلمي العدد الرابع ‪،‬‬ ‫()‬ ‫‪22‬‬

‫السنة الثانية ‪ .1989‬ص ‪.81‬‬

‫‪12‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫أما بالنسبة لقول ابن عابدين ‪ :‬ليس من مهمة المشرع أن يمنع التغابن‬
‫المجرد عن الغش والخديعة ‪. ) ...‬‬

‫فإن هذا القول يمكن رده بأن المشرع يمنع كل أنواع الضرر الواقع‬
‫على السوق السلمية و أهله ‪ ،‬لذلك نرى الشارع الحكيم حرم الربا بكل‬
‫أنزاعه و أشكاله و درجاته و ما الربا حقيقة إل نوع من أنواع الغبن ‪.‬‬

‫أما بالنسبة للرد على القول القائل بأن على النسان أن يحمي نفسه‬
‫من الغبن و عن قصر في ذلك فتبعة المهمل يجب أن تكون على حسابه ‪.‬‬

‫فهذه الحجة من السهل الرد عليها ذلك أن الشريعة السلمية عادلة‬


‫تحمي الضعيف من القوي كما تحمي القوي من أكل أموال الناس ‪ .‬لذلك‬
‫نراها قد حرمت تلقي الركبان ‪ ،‬و بيع الحاضر للبادي و ‪ ،‬بيع المسترسل‬
‫حماية للضعيف من ظلم السوق ‪.‬‬

‫أما بالنسبة عن الحجة التي تقول أن قبول الغبن المجرد يؤدي إلى‬
‫كثرة المخاصمات و المنازعات ‪.‬‬

‫فأقول ‪ :‬أن عدم قبول المنازعات قد تؤدي إلى غرس روح الفتنة‬
‫والعدائية بين المتعاقدين الذين يحاولون أخذ حقوقهم بطرق غير شرعية‬
‫بعيدا عن القضاء و أساليبه الوقائية و العلجية ‪.‬‬

‫هذا بالنسبة للرد على حجج أصحاب الجتهاد القائل بعدم فعالية الغبن‬
‫إل إذا كان مقترناً بالتغرير ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫أما بالنسبة لمناقشة حجج القائلين بفعالية الغبن المجرد و لو لم يكن‬


‫مقترنا بالتغرير ‪ ،‬فالحجة التي ليست بصالحهم هي استنادهم على حديث‬
‫ضعيف جداً هو ‪ :‬غبن المستلرسل ربا )(‪ )23‬الذي قال عنه أهل العلم بأنه‬
‫ضعيف جدا ل يصح العتماد عليه في استنباط الحكام ‪.‬‬

‫بيد أنهم استندوا أيضا فيما اجتهدوا به إلى أحاديث صحيحة كثيرة‬
‫بالضافة إلى ما رواه ابن حزم من آثار تبين فعالية الغبن المجرد و لو لم‬
‫يكن مقترناً بالتغرير ‪.‬‬

‫و أخيراً و مما تقدم يتبين لنا أن الراجح من الجتهادين هو الجتهاد‬


‫القائل ‪ :‬بفعالية الغبن المجرد و لو لم يكن مقترنا بالتغرير ‪ .‬لقوة أدلته التي‬
‫استند إليها ‪ ،‬ولن هذا القول يحقق مصالح حسنة للسوق و أهله‬
‫و للمتعاملين معهم و لما له من دور فعال في مقاومة الظلم و أشكاله ‪.‬‬

‫ن وَ َمنْ ُيؤْ ِمنْ‬ ‫قال تعالى ‪َ (:‬يوْمَ َيجْمَ ُعكُ ْم لِ َيوْمِ ا ْلجَ ْمعِ َذ ِلكَ َيوْمُ التّغَا ُب ِ‬
‫خلْ ُه جَنّاتٍ َتجْرِي ِمنْ َتحْ ِتهَا‬ ‫سيّئَاتِ ِه وَيُ ْد ِ‬‫ل وَيَ ْع َملْ صَالِحاً يُ َكفّ ْر عَنْهُ َ‬
‫بِا ِ‬
‫الَ ْنهَا ُر خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً َذ ِلكَ ا ْل َفوْزُ الْ َعظِيمُ ) ( التغابن ‪. ) 9 :‬‬

‫فقد استدل أهل العلم بهذه الية على أنه ‪ ( :‬ل يجوز الغبن في‬
‫المعاملة الدنيوية ‪ ،‬لن ال تعالى خصص التغابن بيوم القيامة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ذلك‬
‫يوم التغابن ) و هذا الختصاص يفيد أنه ل غبن في الدنيا ‪ ،‬فكل من اطلع‬
‫على غبن في مبيع ‪ ،‬فإنه مردود ) (‪ 0 )24‬و ال أعلم ‪.‬‬
‫ضعيف الامع الصغي و زيادته الفتح الكبي للشيخ ناصر الدين اللبان ‪ ،‬ج ‪ ، 4/77‬رقم‬ ‫()‬ ‫‪23‬‬

‫‪.3912‬‬
‫الامع لحكام القرآن للقرطب ‪ ،‬ج ‪ .18/138‬و انظر التفسي الني ف العقيدة و‬ ‫()‬ ‫‪24‬‬

‫‪14‬‬
‫الجمهورية العربية السورية ‪ /‬حلب ‪ 0096395453111‬جوال‬

‫قال ال تعالى ‪ ( :‬آ َمنَ الرّسُولُ ِبمَا أُنْ ِزلَ ِإلَيْهِ ِمنْ رَبّ ِه وَالْ ُمؤْمِنُونَ ُكلّ‬
‫سلِ ِه وَقَالُوا‬ ‫سلِهِ ل ُنفَ ّرقُ بَ ْينَ َأحَدٍ ِمنْ ُر ُ‬‫ل وَمَلئِكَ ِت ِه وَكُتُبِ ِه وَ ُر ُ‬‫آ َمنَ بِا ِ‬
‫غفْرَا َنكَ رَبّنَا وَِإلَ ْيكَ الْ َمصِيرُ * ل يُ َكّلفُ الُ َنفْساً إِل‬ ‫سمِعْنَا وََأطَعْنَا ُ‬‫َ‬
‫علَ ْيهَا مَا ا ْكتَسَبَتْ رَبّنَا ل ُتؤَاخِذْنَا ِإنْ نَسِينَا َأوْ‬ ‫ت َو َ‬ ‫وُسْ َعهَا َلهَا مَا َكسَبَ ْ‬
‫علَى الّذِينَ ِمنْ قَ ْبلِنَا‬‫علَيْنَا إِصْراً كَمَا حَ َملْتَ ُه َ‬ ‫طأْنَا رَبّنَا وَل َتحْ ِم ْل َ‬
‫خَ‬ ‫َأ ْ‬
‫عفُ عَنّا وَاغْفِ ْر لَنَا وَا ْرحَمْنَا أَنْتَ‬ ‫ح ّملْنَا مَا ل طَاقَ َة لَنَا بِ ِه وَا ْ‬ ‫رَبّنَا وَل ُت َ‬
‫علَى ا ْل َقوْمِ الْكَافِرِينَ) ( البقرة ‪)286 - 285 :‬‬ ‫َموْلنَا فَا ْنصُرْنَا َ‬

‫و الحمد ل رب العالمين‬

‫الشريعة و النهج ‪ ،‬للزحيلي ‪ ،‬ج ‪.28/242‬‬

‫‪15‬‬

You might also like