Professional Documents
Culture Documents
"حجه الوداع" هو السم الذي اطلق علي أخر حجة قام بها الرسول عليه
السلم قبل أن يتوفاه ال .وتذكر لنا كتب التاريخ والسيرة النبوية نص
الخطبة التي القاها الرسول في تلك الحجة.
وتجدر الشارة الي أن النص الذي نحن بصدده منقول بالكامل كما ورد في
احد اشهر واوثق المراجع في هذا المجال وهو كتاب " السيرة النبوية" لبن
هشام ويؤخذ في العتبار أن المؤلف -إبن هشام -قد توفي في مصر في
عام 213هجرية ،أي أنه قام بالتسجيل وكتابة ما ورد إليه من اخبار ظلت
1النص الكامل بنهاية المقال وماخوذ من الطبعة الثانية لدار المنار( 1993م) ،الجزء الثاني ص
.،438
في صدور الناس ومتداولة علي السنتهم علي مدي حوالي مائتي عام ،وهو
ما ل يقلل ،بل يزيد من قيمة ما قام به من جهد وعمل.
غني عن التوضيح ان الخطاب كان خطابا ذكوريا أي انه كان موجها الي
الرجال في المقام الول وذلك رغم استعمال كلمة " أيها الناس" في البداية،
إل انه يليها مباشرة المخاطبة الصريحة للرجال بقوله ..":لكم علي نسائكم
حقاً ولهن عليكم حقاً" .
فاما مخاطبة الحاضرين باستعمال لفظ "الناس" فإنه يحمل في طياته معان
كثيرة ،منها مثل أن الخطاب كان موجها إلي البشر جميعا – علي اختلف
الوانهم وحضاراتهم ومعتقداتهم -وذلك من خلل المجموعه الصغيرة نسبيا
والتي شرفت بحضور هذه الخطبة .الحتمال الخر أن الحديث كان موجها
إليهم كممثلين للمجتمع المحلي بالمدينة ومكة نظرا لمعرفة الرسول بهم
ودرايته باسلوب حياتهم ونمط تفكيرهم .ثم هناك الحتمال الضعيف من أنه
كان يتحدث إلي الحاضرين فقط دون اللتفات إلي الغائبين عن الخطبة سواء
كانوا من سكان وسط الجزيرة العربية او غيرهم من سكان الرض .وفي
جميع الحوال و نظرا لحتمال وجود بعض الفراد من غير المسلمين
والمؤمنين ضمن مجموعة الحاضرين ،فيكون الكلم في هذه الحالة موجها
إما إلي كل الحاضرين وإما إلي شريحة المسلمين فقط .وكل هذه المور
وغيرها كثير مما سياتي ذكره تستدعي التامل والتفكير لكل من شاء صحة
الفهم وصحة القتناع.
يستطرد الخطاب ليوضح اول حقوق الرجال علي نسائهم ،اما من هم " نساء
الرجل " فهذا ل يتضح مباشرة من الخطاب ،فقد تعني النساء الذين يحق
ويجوز للرجل ممارسة العملية الجنسية معهم مثل الزوجة (او الزوجات) او
الجارية (او الجاريات) وملك اليمين .هذا مع ملحظة ان بعض الراء تذهب
إلي مفهوم اشمل وأعم بحيث تضم كل الناث البالغات (بما فيهم الم والبنة
الخ) الواقعات بدرجة او اخري تحت حكم الرجل وسيطرته ومسؤليته.
ويوضح الخطاب ان علي "النساء" ان ":ل يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه" .
وهنا يحتاج المر الي وقفة تامل وتفكير .تأتي اول كلمة الوطء ،وهي شائعة
الستعمال في اللغة العربية بأكثر من معني ،فمنها معني الرتكاز والدهس
والضغط خاصة بالقدم أثناء السير مثل ما جاء في البيت المشهور لبي العلء
المعري :
ارض إل من هذه الجساد * خفف الوطء ما أظن أديم الـ
والمعني الشائع الثاني هو وطء النساء بمعني قيام الرجل بفعل الممارسة
الجنسية الكاملة مع إحدي النساء .واللفظ قاصر علي الممارسات الذكورية،
فل يجوز استعماله للتعبير عن تصرفات المرأة الجنسية مع الرجل.
وأما اللفظ الخر المستعمل فهو " فرشكم" وقد اختلفت الراء في معني
الفرش ،فالبعض يفسرها بمعني السرير أو المكان المخصص والمجهز للنوم
في حين يذهب البعض الخر إلي أن معناها أثاث البيت وخاصة ما يستعمل
منه للجلوس مثل الحصيرة أو الكرسي أو ال"كنبة" أو بعض الوسائد التي
تلقي علي الرض للجلوس أو النوم عليها.
يترتب علي ذلك اثارة العديد من التساؤلت الهامة وكم غير بسيط من
الحتمالت ومكمن الخطورة هنا يتضح من تباين التفاسير واختلفها .فإذا
كان المقصود بالفرش هو السرير فيكون المعني علي شء من الغرابة،
خاصة وانه متلزم مع كلمة الوطء (الممارسة الجنسية) وعليه يصبح
المفهوم العام أن من حق الرجال نهي المرأة المقصودة عن ممارسة الجنس
الكامل مع من ل يرتضيه الرجل ول يرغب فيه .وبالسقاط المباشر فيكون
من حق النساء ممارسة الجنس مع أى من الرجال الذين يرتضيهم رجالهن
(أزواجهن) .ورغم ما في هذا المعني من حجة لغوية ،إل أن الثقافة السائدة
بوجه عام ترفض الخذ به.
المعني الخر يتلخص فى أن على النساء مراعاة عدم اتاحة أيا كان مما
يستعملونه في البيت من فرش ،سيان ما إذا كان مخصصا للجلوس أو النوم،
لمن يكرهه الرجل من رجال آخرين (مع اغفال ذكر من يكرهه الرجل من
نساء أُخريات) .وبمعني آخر أنه ل يجوز للنساء استضافة الذكور الذين ل
يرغب الرجل في زيارتهم.
جدير بالذكر ،أنه ل يجوز الفصل بين مضمون مفهوم اللفاظ وبين الفترة
الزمنية والعصر الذى استعملت فيه ونمط الثقافة السائدة آنذاك (من اكثر من
ألف واربعة مائة عام) ،مع مراعاة اختلف توصيف وتصنيف مجتمع المدينة
ومكة ونظرته إلى شتى أشكال الممارسات الجنسية حيث يلحظ أن المجتمع
كان على درجة عالية نسبيا من النفتاح والحرية .وعلى ذلك يكون لكل
المفهومين السابقين ما يساندهما بدرجة ما أو أخرى.
وعلى أية حال فمع متابعة سياق الجملة نجد . ":وعليهن أن ل ياتين
بفاحشة مبينة "..والفاحشة والفحش والفحشاء بصفة عامة هو القول او
الفعل المكروه والغير مقبول أخلقيا أو أدبيا حسب النمط الخلقى السائد في
مجتمع ما وفى عصر معين .ونجد أن كلمة الفحش ومشتقاتها قد استعملت
في ذلك الحين للتعبير عن شريحة عريضة من القوال والفعال والتى يكفى
للدللة على اتساعها أن ينظر النسان إلى ردود الفعال إزاء اقترافها ،فقد
تراوحت ردود الفعل ما بين مجرد التجاهل والستنكار إلى أشكال متفاوتة من
الردود الكلمية والى استعمال الضرب والعنف البدنى احيانا والى القتل أحيانا
أخرى ،فالكلمة إذا فضفاضة المعنى ،هلمية المضمون ،ولكل مستمع أو
قارئ أن يتصور ما يشاء مما قد يندرج تحت هذا اللفظ ،خاصة وأن المسألة
مسالة نسبية إلى أبعد الحدود .فالكذب مثل يعتبر فاحشة على وجه العموم،
ولكنه قد يسمح به ،بل يكون مرغوبا فيه اجتماعيا وسياسيا خاصة اذا ارتبط
باصلح الكيان السرى أو الجتماعى ول يعتبر من الفواحش في تلك
الحالت .أما كلمة "مبينة" فتحمل معنى الوضوح الشديد وقوة الفعل .وقد
ارتبط استعمال تعبير الـ فاحشة المبينة فى أكثر المواقف بالفعل الجنسى الغير
سوى (أى ممارسة الفعل الجنسى مع رجل غير الزوج) خاصة إذا تعلق
المر بتصرفات المرأة.
فهل المقصود من النص الذى نحن بصدده أن دخول رجل غير مرغوب فيه
من قبل الـ رجل (الـ زوج) إلى المنزل يعتبر "فاحشة مبينة" ؟ .قد يتبادر إلى
الذهن للوهلة الولى أن هذا التصور صحيح على اطلقه ،ولكن مع شئ من
التروى يتضح احتمال خطأ المعنى المقصود ،فاذا افترضنا على سبيل المثال
أن والد الزوجة أو أخوها على علقة غير طيبة مع الرجل ،فيجوز اعتبار
دخولهما البيت تصرفا غير لئق نسبيا مما قد يستوجب تنبيه الزوجة ولفت
نظرها ولكن يصعب اعتبار هذا التصرف مطابقا لمفهوم الـ فاحشة المبينة.
أما إذا كان هذا هو المقصود فعل ،فإنه يتمشى مع العقوبة المنصوص عليها
فى باقي النص من هجر في المضاجع (غير محدد المدة) والضرب الهين
وهى عقوبة أبعد ما تكون عن عقوبة الزنا والممارسة الجنسية غير
المشروعة .حيث يستطرد النص هكذا ..":فإن فعلن ،فإن ال قد أذن لكم أن
تهجروهن فى المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح" ..