You are on page 1of 22

‫ن ظرية ال نس اق ال عامة‪:‬‬

‫سة المهنية للخدمة الجتماعية‬ ‫فها في الممار‬ ‫إمكا نية تو ظي‬

‫ال ستاذ ا لد كت ور ‪ /‬سامي عب دا لعزيز ا لدامغ‬


‫أس تا ذ الخ دمة ال جت ماع ية بق سم الدرا سات ال جتم اعية‬
‫كل ية ال دا ب‪ -‬جا مع ة ا لم لك س عود‬

‫نظرية النساق العامة‪:‬‬


‫إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة‬
‫الجتماعية‬

‫مقدمة‬
‫تعد نظرية النساق العامة ‪ general systems theory‬أكثر النظريات‬
‫استخداما في حقل الخدمة الجتماعية (‪ ،)Rodway, 1986: 515‬فمعظم نماذج‬
‫الممارسة في الخدمة الجتماعية تستخدم مفاهيم مستمدة من نظرية النساق‬
‫العامة‪ .‬فلقد أصبحت "التغذية العكسية" ‪ feedback‬و "نسق العميل" ‪client‬‬
‫‪ system‬و "نسق المساعدة" ‪ ،helping system‬على سبيل المثال‪ ،‬من المفاهيم‬
‫الثابتة والمسيطرة في حقل الخدمة الجتماعية‪ .‬بالضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن نظرية‬
‫النساق العامة خدمت كإطار نظري العديد من نماذج الممارسة المستخدمة حاليا‪،‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬تعد مداخل العلج السري ‪ family therapy approaches‬من‬
‫النماذج القائمة أساسا على مفاهيم نظرية النساق العامة ويعود ذلك لكون هذه‬
‫المداخل تتعامل مع السرة التي تعد بدورها أكثر النساق الجتماعية وضوحا‪.‬‬
‫ول تقتصر إسهامات النظرية على ذلك‪ ،‬فاستخدامها من قبل الخصائيين‬
‫الجتماعيين أحدث نقلة من التركيز ضيق الفق المعمول به سابقا على‬
‫"الشخص‪ -‬في‪ -‬الموقف" ‪ ،person–in-situation‬إلى تركيز أعم وأشمل ويتمثل‬
‫في "الشخص‪ -‬في‪ -‬البيئة" ‪.person-in-environment‬‬

‫نظرية النساق العامة‬


‫تقوم نظرية النساق العامة على مجموعة من الفرضيات‪ ،‬فهي تفترض‬
‫بأن النساق الحية ‪ living systems‬وغير الحية ‪ ،non-living systems‬يمكن‬
‫النظر إليها والتعامل معها على أساس أنها أنساق لها مواصفاتها الخاصة والتي‬
‫تستحق الدراسة والتمعن‪ .‬ويرى قوردن هيرن (‪ )Gordon Hearn‬أن طبيعة‬
‫نظرية النساق العامة تشير إلى أنها تأخذ اتجاهين رئيسيين التجاه التحليلي‬
‫والتجاه الشامل‪ .‬ويأخذ التجاه التحليلي طبيعة العمل مع نسق ما على مستوى‬
‫معين ودراسته ليجاد ما إذا كان له خصائص معينة تحكمه والتعرف على طبيعة‬
‫العلقات بين أجزاء ذلك النسق‪ ،‬ومن ثم النتقال إلى نسق آخر على مستوى‬
‫آخر للتعرف على إذا ما كان له نفس الخصائص والسمات لذا فإن حقيقة ما أو‬
‫ظاهرة ما على مستوى معين قد تقود إلى تكوين فرضية أو مجموعة من‬
‫الفرضيات لتختبر في مستوى آخر‪ .‬وباستخدام التجاه التحليلي‪ ،‬من الممكن‬
‫اختبار مجموعة من الفرضيات والوصول إلى نظرية جديدة‪ .‬أما التجاه الشامل‬
‫فهو يختلف حيث أن هناك محاولة ليجاد نموذج عام‪ .‬فبدل من التركيز على‬

‫‪2‬‬
‫مستوى واحد فقط‪ ،‬يتم التعامل مع عدة مستويات في أنساق مختلفة في نفس‬
‫الوقت ومحاولة تقنينها داخل نموذجا نظريا موحدا قادرا على وصفها كل على‬
‫حده وكذلك على وصفها مجتمعة (‪.)Hearn, 1969: 2‬‬
‫وتنظر نظرية النساق العامة إلى العالم على أساس ترابطي‪ ،‬فكل كيان‬
‫قائم بذاته ينظر إليه من ناحية علقاته بالكيانات الخرى والتي تؤثر وتتأثر به‪،‬‬
‫ول ينظر إليه من ناحية الخصائص المكونة له (‪Hartman & Larid, 1983:‬‬
‫‪ .)63‬كما تفترض نظرية النساق العامة بأن الكل أكبر من مجموع الجزاء‬
‫المكونة له‪ ،‬وأن الرتباط القائم بين الجزاء المكونة لي نسق يؤدي إلى وجود‬
‫خصائص جديدة في النسق هي بالضرورة نتيجة لهذا الرتباط والعتمادية‬
‫المتبادلة بين الجزاء المكونة للنسق‪ .‬فالسرة كنسق اجتماعي قائم تتكون من‬
‫مجموعة من الفراد‪ .‬ولكن السرة تعني أكثر بكثير من مجرد مجموعة من‬
‫الفراد‪ .‬فالتفاعلت التي تحدث بين أفراد السرة من مودة ورحمة وحب وعطف‬
‫وتضحية هي أكثر بكثير من تلك التي تحدث بين مجموعة من الفراد‪ .‬ول تكون‬
‫كل مجموعة من الفراد أسرة‪ ،‬ولكن كل أسرة تتكون من مجموعة من الفراد‪.‬‬
‫وتفترض النظرية كذلك بأن أي تغيير يطرأ على أي من الجزاء المكونة‬
‫للنسق فإنه يؤدي بالضرورة إلى حدوث تغيير في النسق بصفة عامة‪ ،‬كما يؤدي‬
‫إلى حدوث تغيير في الجزاء الخرى المكونة لنفس النسق‪ .‬وتفترض نظرية‬
‫النساق العامة بأن لكل نسق يوجد هناك إطارا مرجعيا محددا‪ ،‬ويقصد بالطار‬
‫المرجعي مجموعة العادات والتقاليد والقيم وكل ما من شأنه أن يحدد سلوك‬
‫الفراد داخل النسق‪ ،‬لذا فإن تحديد الطار المرجعي يكون ضروريا لفهم النساق‪.‬‬

‫المفاهيم التي قدمتها نظرية النساق العامة‬


‫تحوي نظرية النساق العامة العديد من المفاهيم والتي تتفاوت في درجة‬
‫تجريدها وواقعيتها‪ ،‬وسنحاول فيما يلي تحديد بعض هذه المفاهيم وتعريفها‪:‬‬

‫‪ .1‬النسق ‪:System‬‬

‫‪3‬‬
‫لقد ظهرت العديد من المحاولت لتعريف النسق وهي محاولت تفاوتت في‬
‫دقتها ووضوحها‪ .‬ولعل أفضل هذه التعاريف هو ذلك الذي قدمه هارتمان ولريد‬
‫(‪ .)Hartman & Larid‬فالنسق استنادا إليهما هو "ذلك الكل والذي يتكون من‬
‫أجزاء متداخلة فيما بينها ومعتمدة على بعضها البعض" (‪Hartman & Larid,‬‬
‫‪.)1983: 62‬‬

‫‪ .2‬الحدود ‪:Boundaries‬‬
‫يتم تحديد النساق عن طريق الحدود‪ ،‬وتعرف الحدود على أنها خط يكمل‬
‫امتداده دائرة كاملة حول مجموعة من المتغيرات بحيث يكون تبادل الطاقة‬
‫والتفاعل داخل الدائرة بين هذه المتغيرات أكثر من ذلك الموجود بين المتغيرات‬
‫الموجودة داخل الدائرة وخارجها عبر حدود النسق‪ .‬والحدود خطوط وهمية ل‬
‫وجود لها وهي تستخدم لتحديد نسق ما وتعريفها يتم حسب المحكات والمعايير‬
‫المستخدمة من قبل الخصائي الجتماعي (‪.)Rodway, 1986: 516‬‬

‫‪ .3‬التغذية العكسية ‪:Feedback‬‬


‫تحدث التغذية العكسية عن طريق عمليتي استيراد وتصدير الطاقة والتي‬
‫عن طريقها يتم تفاعل النساق مع البيئة الخارجية‪ .‬وتعتمد النساق على عملية‬
‫التغذية العكسية لتقويم أدائها وتعديل مسارها‪.‬‬
‫‪ .4‬فقدان الطاقة ‪:Entropy‬‬
‫تتفاعل النساق مع البيئة المحيطة بها عن طريق عمليتي استيراد‬
‫وتصدير الطاقة والمعلومات‪ .‬ويرمز لعملية الستيراد بالطاقة الداخلة‪ ،‬ويقصد بها‬
‫كل ما يأتي إلى النسق من البيئة الخارجية من معلومات وطاقة‪ .‬ويرمز لعملية‬
‫التصدير بالطاقة الخارجة‪ ،‬ويقصد بها كل ما يصدر من النسق من معلومات‬
‫وطاقة إلى البيئة الخارجية‪ .‬وبالتالي من الممكن القول بأن كل نسق لديه مستوى‬
‫معين من الطاقة‪ .‬وبعبارة أخرى فإن كل نسق لديه مخزون معين من الطاقة‬
‫يستخدمه في تفاعلته مع البيئة الخارجية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وتصل النساق مرحلة فقدان الطاقة إذا بدأت بتصدير طاقة أكثر من تلك‬
‫التي تستوردها‪ ،‬فمرحلة فقدان الطاقة يقصد بها النقص في مخزون النسق من‬
‫الطاقة والناتج عن تصديره طاقة أكثر من تلك التي يستوردها‪.‬‬

‫‪ .5‬تخزين الطاقة ‪:Negentropy‬‬


‫باستخدام نفس التعبيرات عن استيراد وتصدير الطاقة‪ ،‬تصل النساق إلى‬
‫مرحلة تخزين الطاقة إذا بدأت تستورد طاقة أكثر من تلك التي تصدرها‪ ،‬فعملية‬
‫تخزين الطاقة هي الزيادة في مخزون النسق من الطاقة والناتج عن ميل النسق‬
‫للخذ من البيئة الخارجية أكثر مما يقدم لها‪.‬‬

‫‪ .6‬التوازن ‪:Equilibrium‬‬
‫تسعى النساق الحية سعيا حثيثا من خلل عمليتي استيراد وتصدير‬
‫الطاقة إلى الوصول إلى مستوى التوازن بحيث ل تصدر ول تستورد طاقة أكثر‬
‫مما يجب‪.‬‬

‫طبيعة وخصائص النساق الحية‬


‫تصور نظرية النساق العامة النساق الحية على أنها أنساق مفتوحة‬
‫دائما‪ ،‬أي أنها ل تصل إلى مرحلة النغلق التام أبدا‪ .‬فعلى الرغم من وجود‬
‫حدود لهذه النساق إل أن هذه الحدود يجب أن تكون مرنة إلى حد ما بحيث‬
‫تسمح بمرور المعلومات والطاقة‪ .‬ويجب أن تستورد النساق الحية‪ ،‬إذا ما‬
‫أرادت المحافظة على وضعها والستمرار في الوجود‪ ،‬المعلومات والطاقة من‬
‫خارج محيطها‪ ،‬أي من البيئة المحيطة بها وهو ما يسمى بالطاقة الداخلة‪.‬‬
‫فالنساق الحية بتفاعلها مع البيئة المحيطة بها تتكون عندها القابلية للنمو‬
‫‪ growth‬وزيادة معدل الفروق الفردية ‪ differentiation‬وزيادة التخصصية‬
‫‪ specialization‬داخل النسق‪ .‬فعلى حد تعبير هارتمان ولريد (& ‪Hartman‬‬
‫‪ )Larid‬إن عدم قدرة النساق الحية على المحافظة على وجود الحدود المفتوحة‬
‫يؤدي بالضرورة إلى العشوائية ‪ randomness‬داخل النساق ومن ثم إلى نهاية‬
‫هذه النساق (‪ .)Hartman & Larid, 1983: 64-65‬والنساق الحية ل تستورد‬

‫‪5‬‬
‫الطاقة فقط بل تصدرها أيضا عن طريق عملية يطلق عليها الطاقة الخارجة‬
‫وتشمل جميع ما يصدر من النسق إلى خارج حدوده‪ .‬وعن طريق الطاقة الداخلة‬
‫والخارجة يتم التفاعل بين النساق الحية وبين البيئة الخارجية‪ .‬ويمثل تفاعل‬
‫النسق مع البيئة الخارجية عن طريق عمليتي استيراد وتصدير الطاقة‬
‫والمعلومات عملية تغذية عكسية ‪ feedback‬والتي عن طريقها تُقوم النساق‬
‫أدائها في المحيط والبيئة التي تعيش فيها‪.‬‬
‫ويجب أن تصل النساق الحية إلى مستوى التوازن ‪ equilibrium‬في‬
‫عمليتي استيراد وتصدير الطاقة والمعلومات‪ ،‬فإذا بدأ النسق بتصدير طاقة أكثر‬
‫من تلك التي يستوردها يصل إلى مرحة يطلق عليها مرحلة فقدان الطاقة‬
‫‪ entropy‬واستمرار هذه المرحلة يؤدي بالضرورة إلى ذبول ونهاية النسق‪.‬‬
‫وتتحاشى النساق الحية وبطريقة تلقائية هذه المرحلة وذلك عن طريق عملية‬
‫تخزين الطاقة ‪ ،negentropy‬وتعني ميل النساق الحية لستيراد طاقة (الطاقة‬
‫الداخلة) أكثر من تلك التي تصدرها (الطاقة الخارجة)‪ .‬وكلما استطاعت النساق‬
‫الحية البقاء على طاقة أكثر من تلك التي تفقدها‪ ،‬كلما كان باستطاعتها أن تنمو‬
‫وتتطور (‪.)Hearn, 1979: 346‬‬
‫وتكون النساق المغلقة ونظرا لقلة تفاعلها مع البيئة الخارجية في حالة‬
‫السكون بينما تكون النساق المفتوحة في حالة تفاعل مستمر مع البيئة‪ .‬وقد‬
‫تعطي النساق الحية المفتوحة النطباع أنها في حالة سكون بينما هي في الواقع‬
‫تكون في حالة حركة وتفاعل مستمر‪ .‬والواقع أن كل جزء من أجزاء النسق له‬
‫مستوى سكون وحركة خاص به‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬فإن السرة كنسق اجتماعي‬
‫قائم تتكون من مجموعة من الفراد (أجزاء النسق)‪ .‬ويمكن النظر إلى كل فرد‬
‫من أفراد السرة على أنه نسق قائم بذاته‪ ،‬وبالتالي فإن كل فرد من أفراد‬
‫السرة‪ ،‬كنسق قائم بذاته وكجزء من نسق‪ ،‬له مستوى حركة وسكون وتفاعل‬
‫مع البيئة الخارجية (‪.)Rodway, 1986: 517‬‬
‫ولقد ظل توظيف نظرية النساق العامة في ممارسة الخدمة الجتماعية‬
‫محدودا‪ ،‬إلى وقت قريب‪ ،‬وذلك لفتقادها لحلقة الوصل بينها وبين الممارسة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ويمثل نموذج النساق اليكولوجية ‪ ecological systems model‬محاولة لسد‬
‫النقص الكامن في نظرية النساق العامة‪ ،‬حيث يتواءم هذا النموذج مع محاولة‬
‫الخدمة الجتماعية للوصول إلى إطار شامل واضح المعالم يساعد في تحديد‬
‫مفهوم الكل الديناميكي ‪ gestalt‬والذي يضم المشكلة والبيئة والحالة النسانية‬
‫لحالة أو وحدة للخدمة‪.‬‬
‫وينطلق نموذج النساق اليكولوجية أساسا من نظرية النساق العامة‬
‫ويكمن اختلفه عنها في كونه ل يركز على مراحل التفاعل القائم بين الفراد‬
‫وبيئتهم كما هو الحال في نظرية النساق العامة (‪.)Germain, 1973: 326‬‬
‫فالهتمام في نموذج النساق اليكولوجية ينصب على قدرة الفراد على التكيف‬
‫مع بيئتهم (‪ .)Hall & Fagin, 1968: 84‬فنموذج النساق اليكولوجية يركز على‬
‫ذلك التوازن الحساس القائم بين النساق الحية وبين البيئة وعلى الطريقة التي‬
‫يمكن المحافظة بها على ذلك التوازن ودعمه (‪.)Hartman & Larid, 1983: 69‬‬
‫ويؤكد هذا النموذج على التفاعل المتبادل بين الشخاص والبيئات التي يصنعها‬
‫النسان بنفسه‪ ،‬ومن ثم فهو يهتم بالعلقات التي تنشأ بين النساق والنساق‬
‫الفرعية‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن نموذج النساق اليكولوجية قدم الخاصية الديناميكية‬
‫التي كانت نظرية النساق العامة تفتقدها‪ ،‬إل أن نموذج النساق اليكولوجية‬
‫نفسه تضمن العديد من السلبيات والقصور‪ ،‬فهو ليس نموذجا أو مدخلً‬
‫للمساعدة في حد ذاته‪ ،‬وظل تطوره قاصرا فلم يقدم ما يساعد على تفسير أو‬
‫التنبؤ بظاهرة التفاعل بصورة قاطعة محددة‪ ،‬وهو في جوهره إطار عام للعديد‬
‫من النظريات أكثر من أن يكون مدخل أو نموذجا للممارسة‪ .‬وحتى الوقت‬
‫الراهن لم يصل نموذج النساق اليكولوجية في صياغته إلى أبعد من مستوى‬
‫التصورات العامة ول يزال يفتقر إلى المبادئ أو الجراءات اللزمة لعمليات‬
‫الممارسة (محمد‪.)72 :1983 ،‬‬

‫ملئمة نظرية النساق العامة مع مهنة الخدمة‬


‫الجتماعية‬

‫‪7‬‬
‫من الممكن استنباط بعض المفاهيم من نظرية النساق العامة والتي تم‬
‫اختيارها لقابليتها للتطبيق خلل ممارسة مهنة الخدمة الجتماعية من ناحية‬
‫ولصلحيتها وتلئمها مع مبادئ الخدمة الجتماعية من ناحية أخرى‪ .‬وهذه‬
‫المفاهيم هي‪:‬‬

‫‪ .1‬حساسيتها للقليات‪:‬‬
‫لقد انتقدت هيرد تريدر (‪ )Harrid Trader‬معظم النظريات والنماذج‬
‫النظرية المستخدمة في الخدمة الجتماعية بصفة عامة وفي خدمة الفرد بصفة‬
‫خاصة وذلك لكونها غير حساسة لوضع القليات في المجتمعات بصفة عامة‬
‫ولكونها قامت على أسس ودراسات بنيت من خلل قيم وتجارب الغلبية في‬
‫المجتمعات (‪ .)Trader, 1977: 10‬وتعتبر نظرية النساق العامة استثناء للقاعدة‬
‫التي ذكرتها تريدر (‪ )Trader‬في مقالها حيث أنها تعتبر بالفعل حساسة لوضع‬
‫القليات في المجتمع‪ .‬فنظرية النساق العامة تضم ضمن مقوماتها الفرضية التي‬
‫تقول أن لكل نسق قائم إطار مرجعي‪ ،‬ويقصد بالطار المرجعي هنا مجموعة‬
‫العادات والتقاليد والقيم والنظمة الخاصة بنسق ما والتي على أساسها ينهج‬
‫أفراد ذلك النسق سلوك معين‪ .‬وهذا الطار المرجعي يختلف بطبيعة الحال من‬
‫نسق اجتماعي لخر‪ ،‬وبالتالي فإن القيم والعادات والتقاليد وكل ما هو محدد‬
‫لسلوك الفراد يختلف تبعا لختلف النسق الجتماعي الذي ينتمي إليه هؤلء‬
‫الفراد‪ .‬لذا يجب عند دراسة أي نسق اجتماعي أو جزء من نسق (أي الفراد)‬
‫أن يقوم الخصائي الجتماعي بدراسة وتحليل العادات والتقاليد والعرف والقيم‬
‫والتي تشكل في مجموعها الطار المرجعي لوحدة الدراسة حتى يتسنى الفهم‬
‫التام لسلوك الفرد أو الفراد وحدة الدراسة‪ .‬وينطبق ذلك تماما وبنفس الدرجة‬
‫على عضو أو أعضاء جماعات القليات إذا ما كانوا وحدة الدراسة‪ .‬وترجع‬
‫أهمية هذا المفهوم المستمد من نظرية النساق العامة إلى أنه ل يجوز أن يقوم‬
‫الخصائي الجتماعي بالتعامل مع فرد أو مجموعة من الفراد والذين ينتمون إلى‬
‫جماعة القليات في المجتمع ويحكم عليهم وفقا للمعايير المستخدمة للحكم على‪،‬‬
‫أو للتعامل مع‪ ،‬الكثرية في ذلك المجتمع‪ .‬بتطبيق هذا المفهوم في التعامل مع‬

‫‪8‬‬
‫عملء الخدمة الجتماعية يكون الخصائي الجتماعي قد أظهر بالفعل نوعا من‬
‫الحساسية المطلوبة لوضع القليات وتفهم وضعهم من وجهة نظرهم ل من‬
‫وجهة نظره الشخصية أو وجهة النظر السائدة في المجتمع‪.‬‬

‫‪ .2‬قابليتها للتطبيق في الثقافات الخرى‪:‬‬


‫لقد ذكرنا أن نظرية النساق العامة هي غربية المصدر ونتاج للفكر‬
‫الغربي وهذا قد يجعل البعض يتساءل عن مدى قابليتها للتطبيق وصلحيتها‬
‫للمجتمعات العربية‪ .‬وتكمن أهمية مثل هذه التساؤلت في ضوء التركيز المتزايد‬
‫مؤخرا على تأصيل العلوم الجتماعية بصفة عامة والخدمة الجتماعية بصفة‬
‫خاصة (رجب‪ .)1991 ،‬والجدير بالذكر أن نظرية النساق العامة ترتكز كما ذكرنا‬
‫آنفا على الفرضية التي تدعو إلى ضرورة اللجوء إلى الطار المرجعي للنساق‬
‫وحدة الدراسة حتى يتسنى للخصائي الجتماعي فهم أعمق لهذه النساق‪ .‬وهذه‬
‫الفرضية‪ ،‬كما شرحنا سابقا‪ ،‬ل تجعل أساس التعامل مع العملء في الخدمة‬
‫الجتماعية الثقافة الم للنظرية أو مشتقاتها‪ ،‬بل الطار المرجعي وما يحويه من‬
‫عادات وقيم وثقافة خاصة بالنسق وحدة الدراسة‪ .‬لذا فإن نظرية النساق العامة‬
‫يمكن تطبيقها بالفعل في أي مجتمع بدون إهدار لقيمه وثقافته ودينه وبدون‬
‫اللجوء إلى تلك الموجودة في الثقافة الم والتي ولدت فيها النظرية‪.‬‬

‫مراحل التدخل المهني المستند على نظرية النساق‬


‫العامة‬
‫تتقلص فائدة النظرية وقيمتها في مهنة الخدمة الجتماعية إذا لم تربطها‬
‫بالممارسة المهنية حلقة وصل‪ ،‬ويقصد بذلك النماذج النظرية والتي تمثل عملية‬
‫التدخل المهني‪ .‬فمن الهمية بمكان تحديد التدخل المهني وتعريفه تعريفا إجرائيا‬
‫دقيقا (‪ ،)Gambrill & Barth, 1980: 16; Nelson, 1985: 3‬وذلك يعود لسببين‪،‬‬
‫أولهما‪ :‬أنه إذا لم يتم تعريف التدخل المهني تعريفا دقيقا واضحا فلن يكون‬
‫باستطاعة الخرين من ممارسين أو باحثين إعادة استخدام نفس التدخل المهني‬
‫مع عملء آخرين مما يقلل من قيمة التدخل المهني أي كان نوعه‪ ،‬وثانيهما‪ :‬أنه‬
‫بدون التعريف الواضح الدقيق للتدخل المهني لن يكون باستطاعة الممارس‬

‫‪9‬‬
‫المهني تقديم نتيجة جازمة لمدى فعالية تدخله المهني (‪Polster & Lynch,‬‬
‫‪.)1985: 387‬‬
‫ولقد توصلت الكتابات التي اجتهدت لتضع أسس لنموذج نظري مبني على‬
‫مفاهيم نظرية النساق العامة في مجملها إلى سبع خطوات أو مراحل للتدخل‬
‫المهني في الخدمة الجتماعية (‪.)Rodway, 1986: 519-526‬‬

‫التحديد الدقيق لمشكلة العميل‪:‬‬


‫يقوم الخصائي الجتماعي في هذه المرحلة بتحديد مشكلة العميل والتأكد‬
‫من التي‪:‬‬
‫‪.1‬أن يكون هناك مشكلة يعاني منها العميل‪ ،‬فقد يتوهم العميل مشكلة ل‬
‫وجود لها ودور الخصائي الجتماعي هنا هو التأكد من ذلك‪.‬‬
‫‪.2‬أن تقع مشكلة العميل في نطاق الخدمات التي تقدمها المؤسسة التابع‬
‫لها الخصائي الجتماعي‪ .‬وقد تحدث هذه الحالة نتيجة لجهل العميل‬
‫بنوعية المؤسسات الجتماعية القائمة وطبيعة التخصص فيها ونوع‬
‫الخدمات التي تقدمها‪.‬‬
‫حيث أن تحديد مشكلة العميل هي أول الخطوات نحو حلها من الهمية‬
‫بمكان تحديد المشكلة أو السلوك الذي يتفق العميل والخصائي الجتماعي على‬
‫ضرورة تغييره أو تعديله‪ .‬هذه المشكلة قد تكون سلوك ظاهر‪ ،‬عملية عقلية‪،‬‬
‫شعور معين‪ ،‬أو معوقات بيئية أو أي من هذه مجتمعة مع بعضها أو مع غيرها‬
‫من النشطة الخرى (‪ .)Bloom & Fischer, 1982: 54-56‬إذ أن ترك المشكلة‬
‫غامضة أو معرفة تعريفا عاما يعتبر معوقا رئيسيا لحداث تدخل مهني ناضج‬
‫(الدامغ‪ .)8 :1994 ،‬بعد ذلك يقوم الخصائي الجتماعي بالتأكد من وجود الرغبة‬
‫الصادقة لدى العميل في إيجاد حل للمشكلة التي يعاني منها‪ ،‬ويمكن التأكد من‬
‫ذلك عن طريق السئلة المباشرة أو غير المباشرة أو عن طريق الملحظة‬
‫المتمرسة للعميل وردود فعله خلل المقابلة‪.‬‬

‫بناء العلقة المهنية‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫بعد تحديد المشكلة والتأكد من وجود الرغبة لدى العميل في حلها‪ ،‬يبدأ‬
‫الخصائي الجتماعي في بناء العلقة المهنية مع العميل‪ .‬والعلقة المهنية في‬
‫الخدمة الجتماعية ليست علقة عادية بين شخصين‪ ،‬بل إنها محكومة بمبادئ‬
‫الخدمة الجتماعية (عبدالرحمن وآخرون‪103 :1992 ،‬؛ غباري‪.)97 :1982 ،‬‬
‫وهذه العلقة يتم بنائها تدريجيا عن طريق تطبيق وممارسة مبادئ الخدمة‬
‫الجتماعية من قبل الخصائي الجتماعي (الصادي وعجوبة‪ .)49 :1983 ،‬ويتم‬
‫تطبيق مبادئ الخدمة الجتماعية كلها عن طريق ممارسة بعض الخطوات‪ ،‬إل أن‬
‫العلقة المهنية والتي يتم تطبيقها عن طريق التطبيق السليم للمبادئ الخرى‬
‫(الصادي وعجوبة‪ .)49 :1983 ،‬والعلقة المهنية هنا هي علقة هادفة وعلقة‬
‫تغيير يسعى أطرافها (الخصائي الجتماعي والعميل) إلى تحقيق تغيير مقصود‬
‫في نسق العميل بهدف حل المشكلة التي يعاني منها العميل (عبدالرحمن‪:1992 ،‬‬
‫‪99‬؛ غباري‪.)97 :1982 ،‬‬
‫ويتوقف نجاح التدخل المهني‪ ،‬إلى حد كبير‪ ،‬على هذه المرحلة وعلى‬
‫قدرة الخصائي الجتماعي في بناء علقة مهنية سليمة‪ .‬فممارسة الخصائي‬
‫الجتماعي لمبدأ السرية تجعل العميل يتقبله‪ ،‬وتقبل العميل الخصائي يعني الثقة‬
‫في الخصائي‪ ،‬والثقة تعني توطد العلقة المهنية بين الخصائي الجتماعي‬
‫والعميل‪ .‬والعلقة المهنية السليمة كفيلة بأن تجعل العميل يدلي بالمعلومات‬
‫الضرورية لدراسة الحالة (عبدالرحمن وآخرون‪.)108-107 :1992 ،‬‬
‫وتمثل هذه المرحلة مع المرحلة السابقة عملية الدراسة والتي يقوم فيها‬
‫الخصائي الجتماعي بجمع الحقائق عن مشكلة العميل ودراستها دراسة وافية‬
‫مستخدما بذلك مهاراته وقدراته التي تعلمها واكتسبها‪.‬‬

‫تشخيص مشكلة العميل‪:‬‬


‫تعتبر عملية التشخيص أكثر عمليات خدمة الفرد حساسية (عثمان‪،‬‬
‫‪ ،)211 :1982‬حيث تقوم على البيانات أو المعلومات التي جمعها الخصائي‬
‫الجتماعي في مرحة الدراسة من ناحية‪ ،‬ويعتمد عليها التدخل المهني من ناحية‬

‫‪11‬‬
‫أخرى‪ .‬لذا فهي المرحلة الوسيطة التي تربط عملية الدراسة بالعملية العلجية‬
‫(غباري‪ .)207-206 :1982 ،‬ومما ل شك فيه أن التشخيص السليم للمشكلة‬
‫يؤدي إلى تدخل مهني سليم والذي يقود إلى إزالة المشكلة التي يعاني منها‬
‫العميل‪ .‬ومن هنا تتجلى أهمية أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬خبرة الخصائي الجتماعي وقدرته‪ ،‬إلى حد كبير‪ ،‬على تحديد المشكلة‬
‫التي يعاني منها العميل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أهمية اللجوء إلى إطار نظري يقود الخصائي الجتماعي إلى ماذا يبحث‬
‫وعلى ماذا يركز وأين يقع مكمن الخلل في حياة العميل‪.‬‬
‫وحيث أن الخصائي الجتماعي هنا يعتمد على نظرية النساق العامة‪،‬‬
‫فإنه يبدأ أولً بتحديد "نسق العميل" والذي يعرف بأنه ذلك النسق المحدد والذي‬
‫يتلقى المساعدة‪ .‬هذا النسق قد يكون الفرد نفسه‪ ،‬السرة‪ ،‬الصدقاء‪ ،‬زملء‬
‫العمل‪ .‬بعد ذلك يقوم الخصائي الجتماعي بدراسة العلقات داخل النسق‪،‬‬
‫ويحاول سبر غور طبيعة العلقات بين العميل وبقية أجزاء النسق أو النساق‬
‫التي ينتمي إليها العميل من أجل الوصول إلى فهم أعمق لنسق العميل والذي‬
‫يؤدي بدوره إلى الوصول إلى تشخيص سليم للمشكلة التي يعاني منها العميل‬
‫والعوامل المسببة لها والمرتبطة بها‪.‬‬

‫تحديد البدائل العلجية وطرق تحقيقها‪:‬‬


‫تتبنى نظرية النساق العامة النظرة الشمولية متعددة البعاد في النظر إلى‬
‫المشكلة‪ ،‬حيث يتم التعامل مع العميل والمشكلة والموقف في نفس الوقت‪.‬‬
‫وتعتبر عملية تحديد الهداف الساسية والهداف الفرعية عملية حساسة جدا في‬
‫عملية المساعدة‪ .‬فالخصائي الجتماعي يجب عليه تحديد الهداف بدقة ومن ثم‬
‫ترتيبها حسب أولويتها في حل المشكلة‪.‬‬
‫وتكمن أهمية تحديد الهداف في أنه يملي على الخصائي الجتماعي‬
‫المهارات التي يوظفها من خلل التدخل المهني المستخدم مع العميل للوصول به‬
‫إلى هذه الهداف (‪.)Nelson, 1984: 5‬‬

‫‪12‬‬
‫ويتطلب تحديد الهداف بالضرورة التعاون بين الخصائي الجتماعي‬
‫والعميل‪ ،‬فالعميل كما تصوره نظرية النساق العامة متفاعل ومساهم في العملية‬
‫العلجية‪ .‬يبدأ الخصائي الجتماعي عملية تحديد الهداف باستعراض جميع‬
‫البدائل العلجية المتاحة والتي من الممكن أن تنهي المشكلة التي يعاني منها‬
‫العميل‪ .‬كما يقوم الخصائي بمناقشة العميل في هذه البدائل وسبل تحقيق كل‬
‫منها‪ .‬والصعوبات التي قد تعترض تحقيقها‪ .‬وهذا يتطلب بطبيعة الحال استعدادا‬
‫تاما من قبل الخصائي الجتماعي لمناقشة تلك الهداف واحدا بعد الخر مع‬
‫العميل واستعراض المميزات والعيوب المتوقعة في كل هدف‪ .‬بعد ذلك يشترك‬
‫الخصائي الجتماعي مع العميل في تحديد واختيار هدف علجي أو أكثر حسب‬
‫طبيعة المشكلة وقدرات العميل ورغباته‪ .‬وبعد تحديد الهداف يقوم الخصائي‬
‫الجتماعي بترتيب هذه الهداف حسب أولويتها في حل المشكلة كما يقوم بتحديد‬
‫أفضل السبل لتحقيقها‪ ،‬وبهذا يكون الخصائي الجتماعي بالشتراك مع العميل قد‬
‫وضعا الخطة العلجية واستعدا للمرحلة القادمة‪.‬‬

‫ترجمة الخطط العلجية إلى واقع‪:‬‬


‫وتتجلى في هذه المرحلة مهارات الخصائي الجتماعي والتي يوظفها‬
‫توظيفا أمثل لخدمة عملئه حيث يعتمد نجاح الخطة العلجية بشكل كبير على‬
‫كيفية توظيف تلك المهارات‪ .‬وتتطلب هذه المرحلة عملية يطلق عليها "إبرام‬
‫العقد"‪ .‬وهي عملية يقوم الخصائي الجتماعي من خللها بالنتقال من مرحلة‬
‫التفاق الغير رسمي والشفهي مع العميل إلى مرحلة التفاق الرسمي والمكتوب‬
‫حول مهام كل من الخصائي الجتماعي والعميل نحو حل المشكلة‪ .‬وتتطلب هذه‬
‫العملية مهارة خاصة من الخصائي الجتماعي‪ ،‬حيث أن معظم العملء لديهم‬
‫ميل للتكالية على الخصائي الجتماعي للقيام بجميع المسئوليات التي من شأنها‬
‫أن تحل المشكلة‪ .‬وهنا يقوم الخصائي الجتماعي بممارسة بعض المهارات‪ ،‬فقد‬
‫يلجأ إلى الضغط على العميل تارة وإقناعه تارة أخرى للقيام بمهامه والعتماد‬
‫على نفسه والخذ بزمام المور لحل مشكلته‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وتلعب عناصر خدمة الفرد (العميل‪ ،‬الخصائي الجتماعي‪ ،‬المؤسسة‪،‬‬
‫عملية المساعدة)‪ ،‬خلل هذه المرحلة‪ ،‬دورا هام في حل المشكلة (العنصر‬
‫المتبقي من عناصر خدمة الفرد) (أحمد‪ .)80-73 :1991 ،‬فكل عنصر من هذه‬
‫العناصر يلعب دورا معينا لحل المشكلة‪ .‬ولكل حقوق وواجبات والتي تتحكم‬
‫وتحدد المهام المناطة بكل دور‪.‬‬
‫لذا فإن على الخصائي الجتماعي أن يكون مدركا وواعيا بالمور التالية‪:‬‬
‫‪.1‬قدرات العميل أو نسق العميل الذي يتعامل معه وإمكانياته وحدوده‪.‬‬
‫‪.2‬قدرات الخصائي الجتماعي نفسه وإمكانياته وحدوده‪.‬‬
‫‪.3‬مكانة المؤسسة التي ينتمي إليها الخصائي الجتماعي ودورها‬
‫ووظيفتها وإمكانياتها وحدودها‪.‬‬
‫‪.4‬حدود التدخل المهني المتبع ومزاياه وعيوبه‪.‬‬
‫حيث أن إدراك الخصائي الجتماعي لهذه المور يمكنه من الستفادة‬
‫منها وتوظيفها توظيفا أمثل‪ .‬المر الذي يؤدي بدوره إلى تسهيل عملية‬
‫المساعدة وجعل التغيير المطلوب إحداثه في مشكلة العميل أو سلوكه أكثر قابلية‬
‫للتحقيق‪.‬‬

‫تعميم وتثبيت التغير‪:‬‬


‫يهدف التدخل المهني في الخدمة الجتماعية إلى إحداث تغيير مقصود في‬
‫حياة العميل‪ ،‬سواء كان ذلك في شخصية العميل (ذاتي) أو في المحيط الذي‬
‫يعيش فيه العميل (بيئي) أو كلهما (ذاتي‪ -‬بيئي)‪ .‬وبما أن العميل يتم التعامل‬
‫معه هنا على أنه جزء من نسق اجتماعي‪ ،‬فإن الخصائي الجتماعي يدرك أن‬
‫هذا التغيير الحاصل للعميل سيؤثر على بقية أجزاء النسق‪ .‬ولنأخذ هنا‪ ،‬على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬حالة مدمن الكحول الذي توقف تماما عن تعاطي الكحول‪ ،‬فهذا‬
‫التوقف التام عن الكحول يعتبر تغييرا مقصودا في حالة العميل كما أنه يعتبر‬
‫تغييرا غير مستقر‪ .‬فمدمن الكحول دائما عرضة للنتكاسة (العودة إلى تعاطي‬
‫الكحول) (‪ )Mooney, Eisenberg & Eisenberg, 1992: 541‬إذا لم يتم تدعيم‬

‫‪14‬‬
‫وتثبيت هذا التغيير لدى العميل من ناحية وتهيئة البيئة الخارجية لستقبال العميل‬
‫والتعامل معه ل بصفته مدمن للكحول ولكن بصفته متوقف عن تعاطيها (‬
‫‪.)Littrell, 1991: 213- 216‬‬
‫فالدور الذي كان يقوم به العميل في نسق السرة‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬قد‬
‫تغير‪ ،‬فبعد أن كان عالة على أسرته ومصدر شقاء لهم‪ ،‬مما جعل الم على سبيل‬
‫المثال تقوم بدور الم والب معا‪ ،‬بدأ العميل ممارسة دوره الطبيعي في السرة‪.‬‬
‫وقد يحتاج الخصائي الجتماعي إلى تدريب العميل على بعض المهارات‬
‫التي تساعده على الحفاظ على النتائج اليجابية الناتجة عن مرحلة التدخل‬
‫المهني الول بدون مساعدة الخصائي الجتماعي المر الذي يجعله العميل أكثر‬
‫اعتمادا على نفسه من ناحية‪ ،‬ويضمن‪ ،‬إلى حد كبير‪ ،‬عدم عودته إلى وضع‬
‫المشكلة السابق من ناحية أخرى (‪.)Bloom & Fischer, 1982: 355‬‬

‫إنهاء العلقة المهنية‪:‬‬


‫تختلف استجابة نسق العميل‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬نحو عملية إنهاء العلقة‬
‫المهنية تبعا لساليب التدخل المهني المستخدمة‪ ،‬فالتدخل المهني السريع أو‬
‫قصير المدى يولد استجابات أقل عمقا وتعقيدا من تلك المصاحبة لتدخل مهني‬
‫استمر لفترة طويلة من الزمن (محمد‪ .)366-365 :1983 ،‬ونموذج الممارسة‬
‫المبني على نظرية النساق العامة يصور إنهاء العلقة المهنية مع العميل على‬
‫أنها عملية حساسة‪ ،‬حيث أنها تعتبر نهاية مرحلة من حياة العميل وبداية مرحلة‬
‫أخرى (‪ .)Rodway, 1986: 525-526‬ومن هنا كانت عملية إبرام العقد والتي‬
‫ذكرناها سابقا مهمة‪ ،‬حيث أن إبرام عقد بالتدخل المهني وأهدافه ومتى يبدأ‬
‫ومتى ينتهي بين الخصائي الجتماعي والعميل تجعل الخير يتوقع خدمات معينة‬
‫منطقية وواقعية من عملية التدخل المهني والخصائي الجتماعي على حد‬
‫السواء‪ .‬كما أنها تهيئ العميل لعملية إنهاء العلقة المهنية‪ .‬فالعميل منذ بداية‬
‫التدخل المهني قد تهيأ نفسيا لنهاء العلقة المهنية مع الخصائي الجتماعي‬
‫حالما يحصل على الخدمات والمساعدات التي ذكرت في العقد‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫تعليق‬
‫ترتكز الخدمة الجتماعية على عدد كبير من النظريات ونماذج الممارسة‬
‫والتي انتقلت إليها خلل الستينات والسبعينات من العديد من التخصصات وثيقة‬
‫الصلة بها (محمد‪ .)51 :1983 ،‬ومما ل شك فيه أن كثرة هذه النظريات والنماذج‬
‫النظرية تجعل الخصائيون الجتماعيون في حيرة من أمرهم فيما يتعلق بعملية‬
‫تحديد النظرية أو النموذج النظري المناسب لطبيعة تدخلتهم المهنية (محمد‪،‬‬
‫‪ .)59 :1983‬ولعل ذلك يوضح ما توصل إليه ثاير (‪ )Thyer‬حين وجد أن الغالبية‬
‫العظمى من الخصائيين الجتماعيين (الذين درسهم) ل يوظفون نظرية بعينها في‬
‫الممارسة وأنهم يصفون توجهاتهم النظرية على أنها انتقائية (‪Thyer, 1987:‬‬
‫‪.)150‬‬
‫وتقدم نظرية النساق العامة تصورا معينا هو في الواقع مناسب جدا‬
‫للعلوم الجتماعية والعلوم الطبيعية على حد سواء‪ ،‬فهي تبدو وكأنها تنطبق على‬
‫الظواهر الجتماعية منها وغير الجتماعية‪ .‬ولكن كما استخدمها المهتمون في‬
‫العلوم النسانية بما فيهم الخصائيون الجتماعيون‪ ،‬فإنها تركز على التفاعل‬
‫القائم بين الفراد وبيئتهم‪ .‬كما أنها تركز بشكل أكبر على قدرة الفراد على تبادل‬
‫المعلومات والطاقة وبقية المصادر المتاحة لديهم مع بيئتهم من خلل الحدود‬
‫المرنة لنساقهم الجتماعية‪ ،‬لذا فإنهم يتغيرون كما أنهم يحدثون تغيرا في بيئتهم‬
‫في الوقت نفسه‪.‬‬
‫ولعل أهم إسهامات نظرية النساق العامة هي أنها وضحت دور العوامل‬
‫البيئية وأثرها على مشاكل الفراد عملء الخدمة الجتماعية مما جعل البيئة تأخذ‬
‫مكانا متقدما من اهتمامات الممارسون المهنيون بعد أن كانت ينظر إليها على‬
‫أنها تمثل عامل ثانويا في مشاكل العملء (‪ .)Rodway, 1986: 533‬كما أسهمت‬
‫النظرية في إبراز شبكة العلقات النسانية المعقدة والتي يتقلص دور الفرد فيها‬
‫تبعا لدوره وموقعه‪.‬‬
‫ويرى مارتن بلوم (‪ )Martin Bloom‬بأن المراجع العلمية وثيقة الصلة‬
‫بالعلوم الجتماعية بوجه عام والخدمة الجتماعية بوجه خاص مليئة بكم هائل‬

‫‪16‬‬
‫مما ل يفيد الخصائيين الجتماعيين من المعرفة العلمية‪ .‬وأنه يجب أن يكون‬
‫هناك أسس ومعايير لختيار ما يفيد من هذه المعرفة العلمية‪ .‬على هذا الساس‬
‫حدد بلوم (‪ )Bloom‬معيارين أساسيين والتي يرى ضرورة توفرهما في النظرية‬
‫المثالية‪ .‬فالنظرية يجب أن تساعد أول على الفهم وثانيا على التنبؤ (‪Bloom,‬‬
‫‪ .)1969: 15-17‬ونظرية النساق العامة توفر في الواقع أداة قوية لفهم النساق‪،‬‬
‫فهي تمكن الخصائي الجتماعي الممارس من فهم المشكلت الجتماعية على‬
‫أساس ترابطي وليس بمعزل عما يحيط بها من بيئة وتفاعلت وعلقات‬
‫اجتماعية‪ .‬فالمشكلة الجتماعية‪ ،‬على هذا الساس‪ ،‬تعتبر عرض أو أحد أعراض‬
‫مشكلة أخرى متمثلة في مجموعة معقدة من العلقات والتفاعلت بين الفراد‬
‫وثيقي الصلة بالمشكلة وليست قاصرة على الفرد أو الفراد أصحاب المشكلة‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬فإن الطالب الذي يعاني من التأخر الدراسي وسوء التكيف مع‬
‫بقية زملئه في المدرسة (المشكلة الحاضرة الخصائي الجتماعي في المجال‬
‫المدرسي)‪ ،‬قد يكون عرضا أو أحد أعراض مشكلة أخرى وهي عدم توافق‬
‫الوالدين في المنزل وكثرة الشجار بينهما (المشكلة الساسية)‪ .‬لذا فإن الخصائي‬
‫الجتماعي لن يتمكن من مساعدة هذا الطالب وحل مشكلته ما لم يتسنى له فهم‬
‫المشكلة الساسية والمساعدة في إيجاد حل لها‪ .‬ومن هذا المنطلق فنظرية‬
‫النساق العامة تمكن الخصائي الجتماعي من التفكير بقدر هائل من المعلومات‬
‫وكم معقد من العلقات الجتماعية وفهمها عن طريق ربط المور ببعضها وفهم‬
‫العلقات المكونة لها (‪.)Hartman & Larid, 1983: 63‬‬
‫أما عن مساعدتها على التنبؤ‪ ،‬فنظرية النساق العامة ل تقدم الكثير‪ ،‬فهي‬
‫وإن بدت أنها قد تساعد على التنبؤ من خلل أحد قوانينها (أي تغيير يطرأ على‬
‫أحد الجزاء المكونة للنسق‪ ،‬يؤدي إلى تغيير في النسق ككل)‪ ،‬إلى أنها في‬
‫الواقع غير ذلك‪ .‬فهذا القانون يعتبر عام جدا‪ ،‬فنظرية النساق العامة وإن كانت‬
‫تنبئنا بأن هناك تغيير سيطرأ على النسق إذا حدث تغير في أحد الجزاء المكونة‬
‫له‪ ،‬إل أنها ل تنبئنا بمكان هذا التغيير (أي جزء من أجزاء النسق سيطرأ عليه‬
‫التغيير)‪ ،‬ول متى سيحدث التغير‪ ،‬أو مدى حجم هذا التغير أو حتى اتجاهه‪ .‬لذا‬

‫‪17‬‬
‫فإن نظرية النساق العامة ل تساعد على التنبؤ وتتأهل فقط للمعيار الول من‬
‫معايير بلوم (‪.)Bloom‬‬
‫ولقد تعرضت نظرية النساق العامة إلى العديد من النتقادات‪ ،‬فهي لم‬
‫تحاول أن تقدم أي تفسير لسبب حدوث المشاكل التي يعاني منها عملء الخدمة‬
‫الجتماعية‪ ،‬فلقد اقتصرت النظرية على تقديم ما يساعد على فهم طبيعة هذه‬
‫المشاكل وكيفية التعامل معها‪ .‬كما يعاب على نظرية النساق العامة أنها تحوي‬
‫الكثير من المفاهيم المجردة والتي يصعب توظيف بعضها خلل ممارسة الخدمة‬
‫الجتماعية وذلك يعود بطبيعة الحال لكون النظرية أساسا من النظريات ذوات‬
‫الوحدات الكبرى ‪ macro theory‬المر الذي يجعل تطبيقها يتطلب جهدا إضافيا‪.‬‬
‫والواقع أن التغيرات التي طرأت على نظرية النساق العامة والمتمثلة في الجهود‬
‫التي بذلت حتى الن للنزول بها لرض الممارسة وجعلها نموذجا نظريا قائما‬
‫بذاته تعتبر جهودا إيجابية إل أنها ل تزال قاصرة‪ .‬فل يزال هناك الكثير مما يجب‬
‫عمله لتقنين النظرية كنموذج للممارسة وجعلها أكثر قابلية للتطبيق من قبل‬
‫ممارسي الخدمة الجتماعية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المصادر العربية‬

‫الدامغ‪ ،‬سامي عبدالعزيز‬


‫‪" 1994‬تصميمات النسق المفرد" بحث مقبول للنشر بتاريخ ‪ 1994-2-8‬في مجلة‬
‫العلوم الجتماعية‪.‬‬

‫الصادي‪ ،‬أحمد فوزي وعجوبة‪ ،‬مختار إبراهيم‬


‫‪ 1983‬الخدمة الجتماعية وقضايا التنمية في الدول النامية‪ .‬الرياض‪ :‬دار اللواء‬
‫للنشر والتوزيع‪.‬‬

‫أحمد‪ ،‬محمد مصطفى‬


‫‪ 1991‬خدمة الفرد (النظرية والتطبيق)‪ .‬السكندرية‪ :‬المكتب الجامعي الحديث‪.‬‬

‫رجب‪ ،‬إبراهيم عبدالرحمن‬


‫‪" 1991‬المنهج العلمي للبحث من وجهة إسلمية في نطاق العلوم الجتماعية‬
‫ومهن المساعدة النسانية" بحث مقدم إلى ندوة التأصيل السلمي‬
‫للخدمة الجتماعية‪ .‬القاهرة‪ :‬المعهد العالمي للفكر السلمي‪.‬‬

‫عبدالرحمن‪ ،‬ابتسام وعبد السميع‪ ،‬فاطمة ومنصور‪ ،‬حمدي ومحمد‪ ،‬جمال‬


‫‪ 1992‬مقدمة في خدمة الفرد‪ .‬حلوان‪ :‬جامعة حلوان‪ -‬كلية الخدمة الجتماعية‪.‬‬

‫عثمان‪ ،‬عبدالفتاح‬
‫‪ 1982‬خدمة الفرد في المجتمع النامي‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة النجلو المصرية‪.‬‬
‫غباري‪ ،‬محمد سلمة‬
‫‪ 1982‬المدخل إلى علج المشكلت الجتماعية الفردية "خدمة الفرد"‪.‬‬
‫السكندرية‪ :‬المكتب الجامعي الحديث‪.‬‬
‫محمد‪ ،‬محمود حسن‬
‫‪"1983‬ممارسة خدمة الفرد"‪ .‬بيروت‪ :‬دار النهضة العربية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المصادر الجنبية‬

Bloom, M.
1969 The Selection of Knowledge From Behavioral Sciences
and its Integration in The Social Work Curriculum.
Journal of Education for Social Work 5 (Spring): 15-27.

Bloom, M. & Fischer, J.


1982 Evaluating Practice: Guidelines for the accountable
Professional.
Englewood Cliffs, NJ: Practice Hall, Inc.

Gambrill, E. & Barth, R.

20
1980 "Single-Case Study Designs Revisited" Social Work
Research and Abstracts 16 (March): 15-29.

Germain, C .
1973 "An Ecological Perspective in Casework Practice" Social
Casework 54 (June): 323-330.

Hall, A. D. & Fagen, R. E.


1968 "Definition of a System", pp 62-84 in W. Buckley (Ed.)
Modern Systems Research for the Behavioral Scientist: A
Sourcebook. Chicago: Aldine.

Hartman, A. & Larid, J.


1983 Family-Centered Social Work Practice. New York: The
Free Press.

Hearn, G.
1969 "The General Systems Approach: Contribution Toward
an Holistic Conception of Social Work". New York:
Council of Social Work Education.

Hearn, G.
1979 "General Systems Theory and Social Work", pp 334-365
in F. J. Turner (Ed.) Social Work Treatment. New York:
The Free Press.

Littrell, J.
1991 Understanding and Treating Alcoholism. Volume 2.
Hillsdale, New Jersey: Lawrence Erlbaum Associates,
Publishers.

Mooney, A., Eisenberg, A. & Eisenberg, H.


1992 The Recovery Book. New York: Workman Publishing.

Nelson, J. C.
1985 "verifying the Independent Variable in Single-Subject
Research "Social Work Research and Abstracts 21
(February): 3-8.

Polster, R. A. & Lynch, M.

21
1985 "Single Subject Designs", pp 381-422 in R. M. Grinnell
(Ed.) Social Work Research and Evaluation. Itasca, II: F.
E. Peacock Publishers.

Rodway, M. R.
1986 Systems Theory. In F. J. Turner (Ed.). Social work
Treatment. New York: The Free Press.

Thyer, B.
1987 "Contingency Analysis: Toward a Unified Theory for
Social Work Practice" Social Work 32 (March-April):
150-155.

22

You might also like