You are on page 1of 10

‫النحو والمنطق الرسطوطاليسي ‪ -‬د‪ .

‬علي الوردي‬
‫رأين ا ف ي مقالة س ابقة كي ف أن البص رة كان ت أول مدين ة ف ي العالم الس لمي‬
‫تعن ي بعلم النح و وتضع أصوله‪ .‬ومما يجدر ذكره هنا أن البص رة كان ت كذلك‬
‫أول مدينة يترجم فيها المنطق الرسطوطاليسي‪.‬‬

‫يقال أن اب ن المقف ع كان أول م ن اشتغ ل بترجم ة كت ب أرس طو المنطقي ة ف ي‬


‫البص رة‪ .‬وق د ترجمه ا ع ن الفارس ية‪ .‬وكان منه ا كتاب المقولت )‬
‫قاطيغورياس(‪ ،‬وكتاب العبارة )باريمينياس(‪ ،‬وكتاب المدخ ل )إيس اغوجي(‪،‬‬
‫وكتاب المقارنة )أنالوطيقا(‪.‬‬

‫وقب ل ذلك بزم ن قلي ل نش أ ف ي البص رة مذه ب العتزال على ي د واص ل ب ن‬


‫عطاء‪ ،‬ونش أ مع ه علم الكلم‪ .‬فص ارت البص رة م ن جراء ذلك مباءة للجدل‬
‫المنطقي والبحث في أصول الدين‪.‬‬

‫وهذه ظاهرة اجتماعي ة تلف ت النظ ر فما ه و الس بب فيها؟ إنن ا ق د عرفنا فيما‬
‫مض ى الس بب الذي أدى إلى ظهور علم النح و ف ي البص رة‪ ،‬ونري د الن أن‬
‫نعرف الس بب الذي أدى إلى ترجم ة المنط ق ونشوء العتزال وعلم الكلم‬
‫فيها‪.‬‬

‫الجمل‪:‬‬ ‫معركة‬

‫ف ي اعتقادي أن نشوب معرك ة الجم ل ف ي البص رة كان م ن العوام ل الرئيس ية‬


‫ف ي ذلك‪ .‬وم ن المؤس ف أن نج د المؤرخي ن ليعنون بهذه الناحي ة م ن معرك ة‬
‫الجمل‪ .‬فهم يذكرونها كما يذكرون أية معركة أخرى في التاريخ‪ ،‬إذ ل يجدون‬
‫فيها غير جيشين يتقاتلن ثم ينتصر أحدهما على الخر‪.‬‬

‫الواق ع أن لهذه المعرك ة أهمي ة فكري ة واجتماعي ة تفوق ماله ا م ن أهمي ة‬


‫سياسية وعسكرية‪ .‬وسبب ذلك أنها كانت أول معركة تنشب بين المسلمين في‬
‫تاريخ السلم‪ ،‬حيث اقتتل فيها أناس يؤمنون بدين واحد ويتلون كتابا ‪ d‬واحدا‬
‫ويصلون إلى قبلة واحدة‪.‬‬
‫لق د كان المس لمون قب ل تلك المعرك ة يحاربون أقواما ‪ d‬م ن غي ر دينه م‪ ،‬وكانوا‬
‫في حربهم واثقين بأن الحق معهم وأن الباطل مع أعدائهم‪ .‬وعلى حين غرة‬
‫جاءت عائش ة إلى البص رة تقود جيشا ‪ d‬عرمرما‪ .‬ث م يأت ي علي ب ن أب ي طالب‬
‫بجيش آخر فيصطدم الجيشان اصطداما ‪ d‬مريرا‪ d‬أريقت فيه سيول من الدماء‪.‬‬

‫وهنا لبد لهل البصرة من أن يتجادلوا ويشتدوا في الجدال‪ .‬فقد كانوا حائرين‬
‫يتساءلون عن الحق في أي جانب يكون؟ أيكون الحق مع علي وبهذا تمسي‬
‫عائش ة أم المؤمني ن مبطلة‪ ،‬أم يكون الح ق م ع عائش ة فيمس ي علي أمي ر‬
‫المؤمنين مبطرا‪d‬؟‬

‫ومثل هذا الجدل ل يصل بالناس إلى نتيجة عقلية حاسمة‪ .‬فكل فريق يملك من‬
‫البراهين ما يؤيد بها موقفه‪ .‬فكان علي ينادي الناس من جهة‪ ،‬وكانت عائشة‬
‫تناديه م م ن الجه ة الخرى‪ .‬ووق ف كثي ر م ن الناس حائري ن ل يدرون أي ن‬
‫يذهبون‪.‬‬

‫وقد تمثلت الحيرة يومذاك في الزبير بأجلى مظاهرها‪ .‬يروي الطبري عنه أنه‬
‫قال‪” :‬ما كنت في موطن‪ ،‬منذ عقلت‪ ،‬إل وأنا أعرف فيه أمري‪ ،‬غير موطني‬
‫هذا“‪ .‬وق د أدت ب ه الحيرة إلى النس حاب م ن المعرك ة والذهاب ف ي الرض ل‬
‫يلوي على شيء‪.‬‬

‫والن بع د أن مض ى على المعرك ة ثلث ة عش ر قرنا‪ ،d‬ل يزال المس لمون‬


‫يتجادلون ويتخاصمون في أمرها دون أن يصلوا إلى نتيجة‪ .‬فكيف ياترى كان‬
‫حالهم يوم اشتداد القتل؟‬

‫جاء رج ل إلى علي ب ن أب ي طالب أثناء المعرك ة يس أله‪” :‬أيمك ن أن يجتم ع‬


‫الزبي ر وطلح ة وعائش ة على باط ل؟“ فأجاب ه المام‪“:‬ان ك لملبوس علي ك‪ .‬ان‬
‫الحق والباطل ل يعرفان بأقدار الرجال‪ .‬اعرف الحق تعرف أهله‪“.‬‬

‫وهذا يدل على مدى الحيرة التي أصابت عقول الناس آنذاك‪ .‬فلقد التبس المر‬
‫عليه م‪ ،‬وهاله م أن يجدوا عليا ‪ d‬ومع ه خيرة الص حابة ف ي جان ب‪ ،‬ث م يجدوا‬
‫عائشة ومعها طلحة والزبير في الجانب الخر‪ .‬فلبد أن يكون أحد الجانبين‬
‫على حق‪ ،‬وأن يكون الخر على باطل‪ .‬وهذا أمر يصعب عليهم تصوره‪ ،‬وقد‬
‫كان النبي يقول‪” :‬أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم أهديتم‪“.‬‬
‫الفكرية‪:‬‬ ‫النتائج‬

‫انتهت المعركة بانتصار علي بن أبي طالب‪ .‬ورجعت عائشة إلى المدينة‪ .‬ولكن‬
‫المعركة الفكرية لم تنته بالرغم من ذلك‪ .‬فقد بقى الناس يتجادلون ويتلومون‪.‬‬
‫ومم ا زاد ف ي الطي ن بلة انتص ار معاوي ة بعدئذ واس تيلئه على الخلف ة‪ .‬وكان‬
‫من سياسة معاوية أن ينتقص من شأن علي بن أبي طالب وأن يعلى من شأن‬
‫عائشة‪.‬‬

‫ص ارت عائش ة ف ي نظ ر معاوي ة رمزا‪ d‬يمث ل المطالب ة بدم عثمان‪ .‬ودم عثمان‬
‫‪-‬كما ليخفى ‪ -‬هو الساس الذي قامت عليه الدولة الموية‪.‬ولهذا أخذت الدولة‬
‫تقدس عائش ة وتشج ع الناس على تقديس ها ف ي ك ل س بيل‪ .‬فف ي الوق ت الذي‬
‫ص ار علي ب ن أب ي طالب يشت م على المنابر‪ ،‬أص بحت عائش ة س يدة نس اء‬
‫العالم‪ ،‬وتهافت الناس عليها ليسمعوا من فمها حديث زوجها رسول ا …‬

‫البصرة‪:‬‬ ‫أهل‬

‫وإذ نرجع إلى أهل البصرة نجدهم منقسمين إلى فريقين‪ :‬عثمانيين وعلويين‪،‬‬
‫والجدل بينه م قائم على قدم وس اق‪ .‬والظاه ر أن البص رة فاق ت بانقس امها هذا‬
‫أي قط ر آخ ر‪ .‬ففيه ا وقع ت معرك ة الجم ل‪ ،‬ولب د أن يكون فيه ا أناس يذهبون‬
‫مذه ب عائش ة ف ي الحزن على عثمان‪ ،‬وآخرون يذهبون مذه ب علي ب ن أب ي‬
‫طالب في الثورة على عثمان وعلى قومه من بني أمية‪.‬‬

‫أم ا المص ار الس لمية الخرى فق د اتخذت ف ي الم ر طريقا ‪ d‬واضحا‪ ،d‬إلى هذا‬
‫الجان ب أو ذاك‪ ،‬وقلم ا نج د فيه ا م ا وجدن ا ف ي البص رة م ن انقس ام مذه بي‬
‫عنيف‪ .‬وهذا النقسام لبد أن يؤدي إلى الجدال في مفهوم الحق والباطل وفي‬
‫المقاييس المنطقية التي تفرق بينهما‪.‬‬

‫ول عج ب بع د أن يظه ر مذه ب العتزال وعلم الكلم‪ ،‬ث م يترج م المنط ق‪ .‬ف ي‬
‫البصرة قبل غيرها من المصار السلمية‪.‬‬

‫والمنطق‪:‬‬ ‫النحو‬
‫في مثل هذا الجو المشحون بالجدل المنطقي نشأ النحو العربي‪ .‬ومن الطبيعي‬
‫اذن أن يتأث ر النح و بالمنط ق على وج ه م ن الوجوه‪ .‬ومم ا تجدر الشارة إلي ه‬
‫في هذا الصدد ان ابن المقفع الذي ترجم المنطق كان صديقا ‪ u‬للخليل بن أحمد‬
‫الفراهيدي‪ .‬وكانت بينهما مودة وإعجاب متبادل‪ .‬ولعل هذا من أسباب مارأينا‬
‫في الخيل من ميل شديد للقياس حيث استخدمه في النحو استخداما ‪ d‬واسعا‪.‬‬

‫ومهم ا يك ن الحال فق د اشته ر نحاة البص رة بأنه م قياس ون‪ ،‬إذ جعلوا للقياس‬
‫المنطقي شأنا ‪ d‬كبيرا‪ d‬في وضع قواعدهم‪ ،‬حتى أطلق عليهم لقب أهل المنطق‪.‬‬
‫والمعروف عنه م انه م كانوا يضعون القواع د أول‪ ،d‬ثم يختارون من الشواه د‬
‫واللهجات ما يلئم تلك القواعد‪ .‬فإذا اس معوا اعرابيا‪ vَd‬ينطق بخلف اقيستهم‬
‫أهملوا كلم ه وعدوه ملحونا‪ .‬أم ا إذا وجدوا الخلف ف ي القرآن أو ف ي شاه د‬
‫ليمكن تخطئته لجأوا إلى التأويل والتعليل‪.‬‬

‫يقول الس تاذ أحم د أمي ن ع ن نحاة البص رة‪” :‬فه م ق د فضلوا القياس وأمنوا‬
‫بس لطانه وجروا علي ه وأهدروا ماعداه‪ ،‬وإذا رأوا لغتي ن‪ :‬لغ ة تس ير م ع‬
‫القياس‪ ،‬ولغ ة لتس ير علي ه‪ ،‬فضلوا الت ي تس ير علي ه‪ ،‬وأضعفوا م ن قيم ة‬
‫غيرها‪ .‬فهم في الواقع أرادوا أن ينظموا اللغة ولو بإهدار بعضها‪ .‬وأرادوا أن‬
‫يكون ماس مع م ن العرب مخالفا ‪ d‬لهذا التنظي م مس ائل شخص ية جزئي ة‬
‫يتسامحون فيها نفسها ول يتسامحون في مثلها والقياس عليها حتى ل تكثر‬
‫فتفس د القواع د والتنظيم‪ ،‬هذا إذا لم يتمكنوا من أن يؤولوا الشاذ تأويل‪ d‬يتفق‬
‫وقواعدهم ولو بنوع تكلف‪.‬‬

‫الكوفة‪:‬‬ ‫النحو في‬

‫بع د أن نش أ النح و ف ي البص رة وترعرع‪ ،‬تناوله أه ل الكوف ة‪ .‬وهناك ظهرت‬


‫مدرسة في النحو لها طابع خاص‪ .‬فقد أخذ نحاة الكوفة يعترضون على نحاة‬
‫البص رة ف ي إخضاع النح و للقياس‪ ،‬وص اروا يناقشونه م ف ي ذلك نقاشا ‪ d‬عنيفا‬
‫أدى في بعض الحيان إلى الخصومة وسفك الدماء‪.‬‬

‫يقول أه ل الكوف ة إن القضاي ا النحوي ة س بيلها الس ماع والس تقراء ل المعان‬
‫المنطق ي ف ي القياس‪ .‬فه م يريدون أن يخضعوا ف ي أحكام النح و للذوق‬
‫الط بيعي‪ ،‬ويطرحون م ا يحول دون إحس اسهم بالطبيع ة اللغوي ة م ن أحكام‬
‫عقلية وأقيسة منطقية‪.‬‬
‫إذا س مع الكوفيون م ن أح د العراب مثال‪ d‬شاذا‪ v‬أخذوا ب ه‪ ،‬إذ ه و يمث ل ف ي‬
‫نظرهم لهجة بعينها وينبغي أن يحسب حسابها‪ .‬فإهدار هذا المثال الشاذ إنما‬
‫هو إهدار لجانب لغوي ل تتم الدراسة إل به‪.‬‬

‫ان مدرسة الكوفة كانت تجري في تطوير النحو على أساس الحترام المتبادل‬
‫التام لكل ما يصدر من بادية العرب‪ ،‬كأنها تحسب أهل البادية معصومين من‬
‫الخطأ‪ .‬أما مدرسة البصرة فكانت تنظر إلى أهل البادية نظرة التقاط واختيار‪،‬‬
‫وه ي ل تنزهه م م ن الخط أ واللح ن‪ .‬وكان ت تس تخرج القواع د بالقياس على‬
‫العم الغلب من لغة العراب‪ .‬فإذا وجدت فيه شذوذا‪ d‬أهدرته ولم تقس عليه‪.‬‬

‫النزاع‪:‬‬ ‫نتيجة‬

‫أخذ النزاع بين أهل البصرة والكوفة يخمد تدريجيا ‪ d‬بمرور اليام‪ .‬والظاهر ان‬
‫المدرس تين تداخلت إحداهم ا بالخرى وامتزجت ا‪ ،‬فأص بحتا مدرس ة واحدة‪.‬‬
‫وكان هذا من سوء حظ النحو العربي‪.‬‬

‫لق د كان الجدي ر بالنحاة المتأخري ن أن يتبعوا إحدى المدرس تين ويهملوا‬
‫الخرى‪ .‬ولكنن ا رأيناه م يأخذون بآرائهم ا معا ‪ d‬ويعدون أس اتذتهما أئم ة ف ي‬
‫النح و بل تفري ق‪ .‬فضيعوا على النح و بذلك فرص ة ك بيرة كان المفروض فيه ا‬
‫أن تنقذ النحو من الورطة التي وقع فيها أخيرا‪.‬‬

‫ص ار النحاة م ن جه ة يقلدون مدرس ة الكوف ة ف ي عنايته ا بك ل م ا يروى ع ن‬


‫اعراب البادي ة‪ ،‬وص اروا م ن الجه ة الخرى يقلدون مدرس ة البص رة ف ي‬
‫عنايتها بالقياس‪ .‬انهم‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬أخذوا يهتمون بكل مايردهم من البادية‬
‫من شواهد شاذة وغير شاذة‪ ،‬فيقيسون عليها‪ .‬وبهذا صارت القواعد النحوية‬
‫ف ي وضعه ا النهائي معقدة ومتشبع ة جدا‪ ،d‬فابتعدت عم ا تقتضي ه الس ليقة‬
‫الفطرية من بساطة ووضوح‪.‬‬

‫والذي يدرس القواع د النحوي ة الموجودة بي ن أيدين ا‪ ،‬دراس ة موضوعي ة‪،‬‬


‫يشعر بأنها قواعد اصطناعية غير طبيعية‪ ،‬وليس من المعقول أن يتكلم بها‬
‫بشر على هذه الرض‪.‬‬
‫نحوية‪:‬‬ ‫انتفاضات‬

‫لم يخل تاريخ النحو‪ ،‬على كل حال‪ ،‬من انتفاضات صغيرة تنهج نهج الكوفة‬
‫في العتراض على استعمال القياس المنطقي في النحو‪.‬‬

‫يحدثنا أبو حيان التوحيدي في كتاب ”المقابسات“ عن بعض المناظرات التي‬


‫كان ت تعرض ف ي القرن الراب ع الهجري ويدور النقاش فيه ا حول المنط ق‬
‫والنح و‪ .‬ونكاد نتلم ح ف ي ثناي ا تلك المناظرات ص راعا ‪ d‬فكريا ‪ d‬يشب ه الص راع‬
‫الذي نش ب بي ن البص رة والكوف ة قب ل قرني ن‪ .‬فق د كان بع ض المشتركي ن فيه ا‬
‫يريدون أن يص بوا أس اليب اللغ ة العربي ة ف ي قوالب المنط ق الغريق ي‪ ،‬بينم ا‬
‫كان البعض الخر يريد العتزاز بخصائص اللغة العربية ويستنكر إخضاعها‬
‫لمنطق غريب عنها‪.‬‬

‫وف ي المغرب‪ ،‬ف ي عه د الموحدي ن‪ ،‬ظه ر أعظ م ثائر على النح و العرب ي‪ ،‬ه و‬
‫اب ن مضاء القرط بي‪ .‬وق د كت ب هذا الرج ل ثلث ة كت ب ه ي‪ (1) :‬المشرق ف ي‬
‫النح و‪ (2) ،‬تنزي ه القرآن عم ا ل يلي ق بالبيان‪ (3) ،‬الرد على النحاة‪ .‬وق د حاول‬
‫بهذه الكتب أن يهدم نحو سيبويه وأقيسته‪.‬‬

‫والظنون أن هناك شبها ‪ d‬كبيرا‪ d‬بين رأي مضاء ورأي الستاذ ابراهيم مصطفى‬
‫الذي أشرن ا إلي ه ف ي مقالة ماضي ة‪ .‬ولك ن رأي اب ن مضاء لم يقدر له النجاح‪.‬‬
‫فق د كان الناس مشغوفي ن بنح و س يبويه‪ ،‬فلم يس تطع اب ن مضاء أو غيره أن‬
‫يثنيهم عنه‪.‬‬

‫مالك‪:‬‬ ‫ابن‬

‫وف ي القرن الس ابع ظه ر اب ن مالك‪ .‬وق د اشته ر هذا الرج ل ف ي النح و شهرة‬
‫سيبويه‪ ،‬وإليه يرجع الفضل في تجميد النحو وصبه في قالبه الخير‪ .‬فقد نظم‬
‫ابن مالك نحو سيبويه ووضحه وفصله وقربه إلى أذهان الناس‪.‬‬

‫وم ن أعمال اب ن مالك أن ه نظ م ف ي النح و أرجوزة تبلغ ألف بي ت‪ ،‬جم ع فيه ا‬


‫قواع د النح و‪ .‬واشتهرت ألفي ة اب ن مالك هذه شهرة واس عة ونالت حظوة‬
‫ك بيرة‪ ،‬حت ى حفظه ا أكث ر المتعلمي ن ف ي الشرق والغرب‪ ،‬وص ارت مرجعا‬
‫لطلب النحو فيما يختلفون فيه‪ ،‬وكثرت عليها الشروح المستفيضة‪.‬‬
‫ول تزال المدارس الدينية واللغوية حتى يومنا هذا تعتبر ألفية ابن مالك جزءا‬
‫مهما ‪ d‬م ن مناهجه ا الدراس ية‪ .‬يكف ي الطالب أن يحف ظ اللفي ة حت ى يص عر خده‬
‫للناس ويع د نفس ه علم ة ف ي النح و‪ .‬فل يكاد يعترض معترض حت ى يشه ر‬
‫عليه ”العلمة“ بيتا ‪ d‬من اللفية فيفخمه به‪.‬‬

‫كان النحاة قب ل ظهور اللفي ة يس تطيعون أن يبحثوا ويتجادلوا ف ي بع ض‬


‫مبادئ النحو وقواعده‪ ،‬ولكنهم لم يكادوا يرون القواعد النحوية قد قيدت في‬
‫أبيات من الشعر حتى رضخوا وسكنوا‪ .‬واستطيع أن أعد ألفية ابن مالك بداية‬
‫العهد الذي بدا فيه النحو العربي يدخل في طور الجمود‪.‬‬

‫النهائية‪:‬‬ ‫الصيغة‬

‫لح ظ الباحثون المحدثون ان الص يغة النهائي ة الت ي جم د فيه ا النح و العرب ي‬
‫متأثرة بالمنط ق الرس طوطاليسي تأثرا‪ d‬ك بيرا‪ .‬يقول الدكتور ابراهي م بيوم ي‬
‫مدكور ان النح و العرب ي تأث ر‪ ،‬ع ن قرب أو بع د‪ ،‬بم ا ورد على لس ان أرس طو‬
‫ف ي كتب ه المنطقي ة من قواع د نحوي ة‪ ،‬وأن المنط ق الرس طوطاليسي أث ر ف ي‬
‫النحو من جانبين‪ :‬أحدهما موضوعي والخر منهجي‪ .‬وأريد بالقياس النحوي‬
‫أن يحدد ويوضع على نحو ماحدده القياس المنطقي‪.‬‬

‫ومما يلفت النظر في كتب النحاة المتأخرين انهم يسلكون في بحوثهم مسلك‬
‫المناطقة‪ .‬وكثيرا‪ d‬مانجد القوانين المنطقية التي جاء بها أرسطو مسيطرة على‬
‫عقوله م‪ ،‬كأنه م يتص ورون القواع د النحوي ة تجري على نف س النم ط الذي‬
‫تجري عليه ظواهر الكون‪.‬‬

‫وم ن الجدي ر بالذك ر هن ا أن القواني ن المنطقي ة القديم ة ظه ر بطلنه ا أخيرا‪،d‬‬


‫فهي ل تصلح اليوم لتفس ير ظواهر الكون‪ .‬ولكن أصحابنا ل يزالون مصرين‬
‫على التمسك بهاز وهم ل يكتفون بالعتماد عليها من الناحية الميتافيزيقية‪،‬‬
‫ب ل نراه م يعتمدون عليه ا ف ي تعلي ل قواعده م النحوي ة أيضا‪ .‬وهذا دلي ل على‬
‫اننا نسير متخلفين عن الركب العالمي بمراحل عديدة‪.‬‬

‫النحو‪:‬‬ ‫نظرية العامل في‬


‫م ن قواني ن المنط ق القدي م‪ :‬أن لك ل شي ء س ببا ‪ d‬وأن لك ل حادث محدثا ‪ .d‬وهذا‬
‫مايعرف لدى المناطق ة بقانون الس ببية‪ .‬وق د شغ ف ب ه النحاة وجعلوه أس اسا‬
‫لعلمهم‪ .‬ومن هنا نشأت عندهم نظرية العامل‪ .‬وهي نظرية تشغل حيزا‪ d‬كبيرا‬
‫من كتبهم‪ ،‬وتعد أهم موضوع عندهم‪.‬‬

‫ونظرية العامل هذه تدور حول السبب الذي يجعل الكلمة مرفوعة أو منصوبة‬
‫أو مجرورة‪ .‬فالنحاة يرون الحركات العرابي ة تتبدل ف ي الكلم ة مرة بع د مرة‬
‫على نظام مطرد‪ .‬فقالوا أن هذا التبدل عرض حادث وه و لب د له م ن محدث‬
‫كما يقول المناطقة‪ .‬فما هو هذا المحدث؟ وفي البحث وراء هذا المحدث صار‬
‫النحاة يخلطون ويخبطون خبط عشواء‪.‬‬

‫ث م ذهبوا إلى القول بأن اجتماع عاملي ن على معمول واح د غي ر ممك ن‪ .‬وه م‬
‫يستندون في ذلك على قانون عدم التناقض الذي جاء في المنطق القديم‪ .‬فهم‬
‫يقولون‪ :‬إذا اتفق العاملن في العمل لزم تحصيل الحاصل وهو محال‪ ،‬أما إذا‬
‫اختلف ا فالنقيضان يجتمعان ف ي المعمول‪ ،‬حي ث يكون مثل‪ d‬منص وبا ‪ d‬ومرفوعا‬
‫في آن واحد‪ ،‬وهذا محال أيضا‪.‬‬

‫العامل‪:‬‬ ‫طبيعة‬

‫لو أنهم جعلوا العامل معنويا ‪ d‬لهان المر وصار لبحثهم قيمة‪ .‬ولكنهم استهانوا‬
‫بالعامل المعنوي وآثروا عليه العامل اللفظي‪ .‬فهم يعزون رفع الفاعل مثل‪ u‬إلى‬
‫الفع ل الذي يس بقه‪ .‬وكان الولى به م أن يعزوه إلى الفاعلي ة أو الس ناد‪ ،‬كم ا‬
‫يصنع النحاة في اللغات الحديثة‪.‬‬

‫مرفوعي ن‪.‬‬ ‫نش ب جدل بينه م ذات مرة حول العام ل الذي جع ل المبتدأ والخ بر‬
‫قال الكوفيون‪ :‬ان عامل رفع المبتدأ هو الخبر‪ ،‬وعامل رفع الخبر هو المبتدأ‪.‬‬
‫فاحت ج عليه م البص ريون قائلي ن‪ :‬ان الكلمتي ن ل تتبادلن العم ل إذ يكون ك ل‬
‫منهما عامل‪ d‬ومعمول‪ d‬في آن واحد‪ .‬وحجة البصريين في هذا الشيء ل يمكن‬
‫أن يكون سببا ‪ d‬ونتيجة في الوقت ذاته‪ .‬وقد أخذوا ذلك من المناطقة طبعا ‪.d‬‬

‫ومن المبادئ التي نادى بها ابن مضاء القرطبي في إصلح النحو هو إلغاء‬
‫نظري ة العام ل م ن أس اسها‪ .‬ولك ن ص يحته لم تلق أذنا ‪ d‬ص اغية‪ ،‬فمات ت ف ي‬
‫مهدها مع السف‪.‬‬
‫العامل‪:‬‬ ‫تقدير‬

‫كان م ن الص عب على النحاة أن يجدوا لك ل حرك ة إعرابي ة عامل‪ d‬لفظيا ‪ d‬يأت ي‬
‫قبله ا‪ .‬ولهذا لجأوا إلى التقدي ر‪ ،‬ووص ل به م الم ر ف ي هذا المجال إلى درج ة‬
‫من السخف ل تطاق‪.‬‬

‫فإذا جئت له م على س بيل المثال بجملة “ زيدا‪ d‬رأيت ه“ وس ألتهم ع ن العام ل‬
‫الذي نص ب ”زيدا‪ “d‬أجابوك ان ه فع ل مس تتر تقديره ”رأي ت“ز وبهذا تص بح‬
‫الجملة عندهم‪” :‬رأيت زيدا‪ d‬رأيته“‪.‬‬

‫اس تجارك…‪“.‬‬ ‫وإذا ذكرت له م الي ة القرآني ة‪” :‬وإن أح د م ن المشركي ن م ن‬


‫وس ألتهم ع ن العام ل الذي رف ع كلم ة ”أح د“ أجابوك ان ه فع ل مس تتر تقديره‬
‫”استجارك“ فتصبح الية‪” :‬وان استجارك أحد من المشركين استجارك…“‪.‬‬

‫النحاة‪:‬‬ ‫دكتاتورية‬

‫وص ار النحاة حكاما ‪ d‬بأمره م يفترضون العام ل كم ا يشاؤون‪ ،‬فل يعترض‬


‫عليهم أحد‪.‬‬

‫ر‪.‬‬‫يحك ى أن الكس ائي كان ف ي مجلس الرشي د ذات يوم فقرأ أبياتا ‪ d‬م ن الشع‬
‫وكان الص معي حاضرا‪ d‬فأراد أن يناف س الكس ائي ف ي علم ه بالنح و فاعترض‬
‫على كلم ة جاء به ا الكس ائي مرفوع ة‪ .‬فانتهره الكس ائي وقال له‪” :‬اس كت‪،‬‬
‫ماأنت وهذا‪ “..‬ثم أخذ يتباهى على الصمعي ويأتي بالكلمة مرفوعة ومنصوبة‬
‫ومجرورة‪ .‬وكان قادرا‪ d‬أن يخترع ف ي س بيل ذلك ماشاء م ن العوام ل‪ .‬فس كت‬
‫الصمعي‪ ،‬وهبطت مكانته في عين أمير المؤمنين‪.‬‬

‫ويحك ى أيضا ‪ :d‬ان أح د أمراء بن ي بوي ه س أل نحويا ‪ d‬ع ن العام ل الذي جع ل‬


‫المس تثنى منص وبا ‪ d‬ف ي نح و ”قام القوم إل زيدا‪“d‬ز فقال النحوي أن عام ل‬
‫النص ب محذوف تقديره ”اس تثنى زيدا‪ ،“d‬وهن ا اعترض المي ر فقال‪” :‬لماذا ل‬
‫يمك ن تقدي ر عام ل آخ ر غي ر ذلك العام ل الناص ب‪ ،‬حي ث يقدر ”امتن ع زي د“‪،‬‬
‫وبهذا يصبح زيد مرفوعا‪ .‬فسكت النحوي…‬
‫ويبدو ان النحوي سكت لن المعترض عليه كان سلطانا ‪ d‬يجلد ويقتل‪ .‬ولو كان‬
‫المعترض رجل‪ d‬مستضعفا ‪ d‬كالصمعي لنتهره النحوي وقال له‪ :‬اسكت‪ ،‬ماأنت‬
‫وهذا!‬

You might also like