You are on page 1of 12

‫‪1‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫فتح القدير في‬


‫روائع التفسير‬
‫تفسير سورة عبسى‬

‫فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن‬


‫محمد المسيميري‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬


‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪2‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫مكية بالجماع‬
‫سبب النزول ‪:‬‬

‫قال ابن الجوزي ‪ :‬قال المفسرون‪1‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما يناجي‬
‫عتبة بن ربيعة ‪ ،‬وأبا جهل بن هشام‪ ,‬وأمية ‪ ،‬وأبيا ابني خلف ‪ ،‬ويدعوهم إلى ال‬
‫تعالى ‪ ،‬ويرجو إسلمهم ‪ ،‬فجاء ابن أم مكتوم العمى ؛ فقال ‪ :‬علمّني يا رسول ال‬
‫ممّا علّمك ال ‪ ،‬وجعل يناديه ‪ ،‬ويكرر النداء ‪ ،‬ول يدري أنّه مشتغل بكلم غيره ‪،‬‬
‫حتى ظهرت الكراهية في وجهه لقطعه كلمه ؛ فأعرض عنه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وأقبل على القوم يكلمهم ‪ ،‬فنزلت هذه اليات فكان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يكرمه بعد ذلك ‪ ،‬ويقول ‪ :‬مرحبا بمن عاتبني فيه ربي " ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫عمَى* َومَا ُيدْرِيكَ َلعَلّهُ َي ّزكّى* َأوْ َي ّذ ّكرُ َفتَن َفعَهُ‬
‫عبَسَ َو َتوَلّى* أَن جَاءهُ ا ْلَأ ْ‬
‫(( َ‬
‫ك أَلّا َي ّزكّى* وََأمّا مَن جَاءكَ‬
‫صدّى* َومَا عََل ْي َ‬
‫ستَ ْغنَى* َفأَنتَ َلهُ َت َ‬
‫ناْ‬
‫ال ّذكْرَى* َأمّا مَ ِ‬
‫عنْ ُه تََلهّى* كَلّا ِإ ّنهَا َت ْذ ِكرَةٌ * َفمَن شَاء َذ َكرَهُ * فِي‬
‫خشَى* َفأَنتَ َ‬
‫سعَى* وَ ُهوَ َي ْ‬
‫َي ْ‬
‫ط ّهرَةٍ * ِبَأ ْيدِي سَ َفرَةٍ * ِكرَامٍ َبرَرَ ٍة )) ‪.‬‬
‫عةٍ ّم َ‬
‫صحُفٍ ّم َك ّرمَةٍ * ّم ْرفُو َ‬
‫ُ‬
‫شرح الغريب ‪:‬‬

‫عبَسَ) ‪ :‬أي قطّب جبينه ‪ :‬والعابس هنا ‪ :‬هو الرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫(َ‬
‫( َوتَوَلّى) ‪ :‬أعرض ‪ ،‬أي أعرض رسول ال صلى ال عليه وسلم العمى ‪ ،‬واشتغل‬
‫بدعوة صناديق قريش ‪.‬‬
‫( َي ّزكّى) ‪ :‬أي ‪ :‬يتطهر من الذنوب ‪ ،‬ويتزود من الباقيات الصالحات ‪.‬‬

‫‪ -‬قال محقق زاد الميسر ‪ :‬وأخرج الترمذي وحسّنه ‪ ،‬والحاكم وصححه وابن حبان‬ ‫‪1‬‬

‫عن عائشة ‪ :‬قالت ‪ :‬أنزلت سورة ( عبس وتولى ) في ابن أم مكتوم العمى ‪ ...‬ثم‬
‫ساق نحو القصة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ورواه الطبراني في تفسيره بنصها ‪.‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬
‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪3‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫ستَ ْغنَى) ‪ :‬أي استكثر بماله عن اليمان بربه ‪.‬‬


‫(ا ْ‬
‫صدّى) ‪ :‬تقبل عليه بوجهك طامعا في إيمانه ‪.‬‬
‫( َت َ‬
‫(كَلّا ِإ ّنهَا َت ْذكِرَةٌ) ‪ :‬أي هذه العظة ‪ ،‬وهذه السورة تذكرة ‪.‬‬
‫صحُفٍ ّم َك ّرمَ ٍة ‪ :‬الصحف هي الكتب ‪ ،‬ولمراد بها إما ‪:‬‬
‫فِي ُ‬
‫‪ -1‬اللوح المحفوظ ‪ -2 .‬الكتب النبياء السابقة ‪.‬‬
‫ل دنس ورجس ‪ ،‬ومن كل زيادة ونقص ‪.‬‬
‫عةٍ ‪ :‬أي مطهرة من ك ّ‬
‫ّم ْرفُو َ‬
‫( ِبَأ ْيدِي سَ َفرَةٍ) ‪ :‬أي ‪ ،‬الملئكة ‪ ،‬والسفرة ‪ :‬هم الكتبة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الملئكة السفراء بين‬
‫ال ورسله بالوحي ‪.‬‬
‫( ِكرَامٍ َب َررَةٍ) ‪ :‬أي مكرمون عند ربهم ‪ ،‬وكرام عليه سبحانه ‪ ،‬والبررة ‪:‬‬
‫المطيعون ‪ ،‬جامع بار ‪ ،‬قال الفرّاء ‪ :‬واحد " البررة " في قياس العربية ‪ :‬بارٌ لنَ‬
‫العرب ل تقول ‪َ :‬فعَلَة ينوون به الجمع إل والواحد منه ‪ :‬فاعل ‪ ،‬مثل ‪ :‬كافر وكفرة‬
‫‪ ،‬وفاجر وفجرة ‪ ،‬قال ابن كثير ‪ " :‬كرام بررة " أي خُلقهم كريم ‪ ،‬حسن شريف ‪،‬‬
‫وأخلقهم وأفعالهم بارّة طاهرة كاملة ‪ ،‬ومن هاهنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في‬
‫أفعاله وأقواله على السداد والرشاد ‪.‬‬
‫هداية اليات ‪:‬‬

‫ل دقة ‪ ،‬ويُصوّر‬
‫في أول كلمة من هذه السورة الشريفة ‪ ،‬يسجل القرآن الكريم بك ّ‬
‫بكلّ وضوح‪ ،‬موقف النبي صلى ال عليه وسلم تجاه العمى القادم إليه طالبا للعلم ‪،‬‬
‫وساعيا وراء الفائدة ‪.‬‬
‫فيُظهر رسول ال صلى ال عليه وسلم عابس الجبين في وجه ابن أم مكتوم‬
‫العمى الضرير ‪ ،‬ويظل الموقف المُسجّل بدقة قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ليدرك‬
‫ن وظيفتهم ل تتجاوز حدود تبليغ‬
‫حملة الرسالت ‪ ،‬وأرباب الدعوات ‪ ،‬وأهل العلم أ ّ‬
‫رسالت ال إلى العالمين ‪ ،‬مع إعطاء الجميع فرصا متساوية في تلقي شريعة ال ‪،‬‬
‫ل فرق بين كبير وصغير ‪ ،‬وسيد ومملوك !!‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬


‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪4‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫وأن أولئك الكبراء والسادة ‪ ،‬وعليةّ القوم ‪ ،‬ورؤسائهم أحوج إلى نور السلم ‪،‬‬
‫وشريعة الرحمن من غيرهم وأن السلم ليس بحاجة إليهم ول إلى غيرهم !‬
‫لقد عبس نبينا الكريم صلى ال عليه وسلم في وجه العمى ‪ ،‬وما كان له أن يعبس‬
‫وأعرض عنه ‪ ،‬وما كان له أن يعرض ‪ ،‬لنّ حاجة العمى للسلم وللفقة في‬
‫شريعة ال ل تقل عن حاجة أبي جهل وعتبة بن ربيعة وغيرهما من سادة‬
‫سنّة سواء‬
‫المشركين ‪ ،‬فالكل محتاجون إلى الهداية و الستنارة بهدي القرآن وال ُ‬
‫بسواء !‬
‫وقد ذكر ال تعالى لنبيه الكريم صلى ال عليه وسلم أن الهتمام بشأن العمى ربما‬
‫كان سبب زكاة نفسه وصلحها وانتفاعها بالذكرى وفلحها‪ ،‬وهو سبب وجيه ل‬
‫يجوز إهماله ‪.‬‬
‫س َت ْغنَى)) فليس ثمة فائدة من في الحرص الشديد على‬
‫ناْ‬
‫ثم ذكر سبحانه ((َأمّا مَ ِ‬
‫إسلمه ‪ ،‬وهدايته ‪ ،‬لنّه هو الخاسر الوحد حين تفوته مصلحة السلم والهداية فل‬
‫داعي لحرمان الساعين إلى الهداية ‪ ،‬المقبلين عليها لحساب المعاندين والمستغنين !!‬
‫وأما من جاءك يسعى ‪ ...‬تلهى "‬
‫وهي عبارة أعيدت بصيغة أخرى للتأكيد على ما سبق وأنّ الساعي إلى الهداية‬
‫خشية لربه ورغبة في تزكية نفسه وإنقاذها من الضلل أحق بالهتمام وأجدر‬
‫بالتعليم والدعوة ‪.‬‬
‫ط ّهرَةٍ *‬
‫ع ٍة مّ َ‬
‫صحُفٍ ّم َك ّرمَ ٍة * ّمرْفُو َ‬
‫((كَلّا ِإ ّنهَا َت ْذ ِكرَةٌ * َفمَن شَاء َذ َكرَهُ * فِي ُ‬
‫ِبَأ ْيدِي سَ َفرَةٍ * ِكرَامٍ َبرَرَةٍ)) ‪.‬‬
‫أي هذه الموعظة البليغة أو هذه اليات المنزلة فيها تذكرة للرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم ولورثته في حمل الشريعة وتبليغ الرسالة ‪ ،‬بأن ل يحابوا أحدا ول يجاملوه‬
‫مهما بلغ شأنه ‪ ،‬وعل جاهه وأل يحرموا أحدا من العلم والدعوة مها صغر شأنه‬
‫ل قدره !‪.‬‬
‫وق ّ‬
‫وهذه الموعظة البليغة ‪.‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬
‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪5‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫ط ّهرَةٍ)) ‪.‬‬
‫عةٍ ّم َ‬
‫حفٍ ّم َك ّرمَةٍ * ّم ْرفُو َ‬
‫واليات الكريمة مدونة في ((فِي صُ ُ‬
‫أي في اللوح المحفوظ عالية القدر رفيعة المنزلة‬
‫وهي كذلك بأيدي ملئكته مكرمين يسعون بها بين ال ورسله فل تمسها يدٌ عابثة‬
‫ول يقربها شيطان مسترق للسمع ومن ثمّ فهي تصل إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بيضاء نقية ‪ ،‬طاهرة مرضية ‪ ،‬فلله الحمد والمنة‬
‫شيْءٍ خَلَقَ ُه * مِن ّنطْفَ ٍة خَلَقَ ُه فَ َقدّرَهُ‬
‫ي َ‬
‫ن مَا َأكْ َفرَ ُه * مِنْ َأ ّ‬
‫قوله تعالى ‪ُ (( :‬قتِلَ ا ْلإِنسَا ُ‬
‫سبِيلَ َيسّرَ ُه * ُثمّ َأمَاتَ ُه فََأ ْقبَرَ ُه * ُثمّ ِإذَا شَاء أَنشَرَ ُه * كَلّا َلمّا يَ ْقضِ مَا‬
‫* ُثمّ ال ّ‬
‫َأ َمرَهُ ))‪.‬‬
‫شرح الغريب ‪:‬‬

‫( ُقتِلَ ا ْلإِنسَانُ) ‪ :‬أي لُعن والمراد بالنسان ‪ :‬النسان المكذب الكافر الجاحد‬
‫(مَا َأكْ َفرَهُ) ‪ :‬أي ما أشد كفره! ويحتمل المعنى ‪ :‬ما الذي جعله يكفر؟‬
‫فالولى تعجبية ‪ ،‬والثانية استفهامية ‪.‬‬
‫شيْءٍ خَلَ َقهُ) ‪:‬أي من أي عنصر ومادة خلق ال النسان ؟‬
‫ن َأيّ َ‬
‫(مِ ْ‬
‫(مِن ّنطْفَ ٍة خَلَقَ ُه فَ َقدّرَهُ) ‪ :‬أجاب ال تعالى بنفسه عن السؤال السابق ‪ ،‬وبيّن أنّه خلق‬
‫النسان من نطفة ‪ ،‬فقدر أجله ورزقه وعمله وشقيا أو سعيدا ‪.‬‬
‫سرَهُ) ‪ :‬قيل ‪ :‬يسّر له الخروج من بطن أمه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بيّن له طريق‬
‫سبِيلَ َي ّ‬
‫( ُثمّ ال ّ‬
‫الحق وطريق الباطل ‪.‬‬
‫( ُثمّ ِإذَا شَاء أَنشَرَهُ) ‪:‬أي إذا شاء ال بعثه وخرج من قبره لرض المحشر ‪.‬‬
‫كَلّا َلمّا يَ ْقضِ مَا َأ َمرَ ُه ‪ :‬قال ابن كثر ‪ :‬كل لما يقض ما أمره‪ :‬معناه ل يفعله الن‬
‫حتى تنقضي المدة ويفرغ القدر من بني آدم‬
‫ة اليات ‪:‬‬
‫هداي ُ‬

‫ن كلّ كافر مكذب ‪ ،‬جاحد للبعث والنشور ‪ ،‬ويعجب من حاله‬


‫ل تعالى ‪ ،‬ويلع ُ‬
‫يمقتُ ا ُ‬
‫وتكذيبه واستبعاده للبعث وهو المخلوق أساسا من نطفة مهينة حقيرة ‪ ،‬فقدّر أجله‬
‫ورزقه وعمله وشقاوته وسعادته ‪ ،‬وهو الذي قد كان في بطن أمه ضعيفا أسيرا ل‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬
‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪6‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫يملك من أمره شيئا ‪ ..‬ثم أخرجه إلى دنياه الواسعة وأبقاه لجل مضروب ‪ ،‬وزمن‬
‫محدود ‪ ..‬ثم إذا حان أجله ُوسّد قبره ‪ ،‬ليبقى رهن التراب والدود حتى قيام‬
‫الساعة ‪ ،‬ويأذن ال له ولسائر الخلئق بالخروج حيث الوقوف بين يدي الملك‬
‫الديان!‬
‫فيا لحقارة الكافر‪ ،‬ويا لجرءته على ربه ‪ ،‬ويا لسوء ظنه بالخلّاق العظيم ‪،‬والقهار‬
‫المتين ! فما باله يستعظم ويستبعد إعادته إلى الحياة وهو المخلوق من العدم ؟!‬
‫ثم أين عقلُ هذا المغفل المغرور عن تلك السموات العاليات والرضين الواسعات ‪،‬‬
‫والجبال الشاهقات ‪ ،‬أفيكون خلقه أعسر على ال من هاتيك المخلوقات العجيبات ؟!‬
‫ومن هداية اليات الشارة إلى قضية التقدير التي فصّلها ابن مسعود في حديثه عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم المتفق عليه ‪.‬‬
‫فعن أبي عبد الرحمن عبد ال بن مسعـود رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا رسول ال‬
‫صلي ال عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ‪ (( :‬إن أحـدكم يجمع خلقه في بطن‬
‫أمه أربعين يوما نطفه ‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك ‪ ،‬ثم يكون مـضغـة مثل ذلك ‪،‬‬
‫ثم يرسل إليه الملك ‪ ،‬فينفخ فيه الروح ‪ ،‬ويـؤمر بأربع كلمات ‪ :‬بكتب رزقه ‪،‬‬
‫وأجله ‪ ،‬وعمله ‪ ،‬وشقي أم سعيد ؛ فوال الـذي ل إلــه غـيره إن أحــدكم‬
‫ليعـمل بعمل أهل الجنه حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع فيسبق عليه الكتاب‬
‫فيعـمل بعـمل أهــل النار فـيـدخـلها ‪ .‬وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار‬
‫حتي ما يكون بينه وبينها إل ذراع فــيسـبـق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل‬
‫الجنة فيدخلها )) رواه البخاري [ رقم ‪ ] 3208 :‬ومسلم [ رقم ‪.] 2643 :‬‬
‫وهذا التقدير ل ينبغي أن يحول بين النسان والعمل إذ كلّ ميسرٌ لما خُلقَ له كما‬
‫صح عنه عليه الصلة والسلم في حديث‪.‬‬
‫ل َيسّرَهُ )) ‪:‬‬
‫سبِي َ‬
‫(( ُث ّم ال ّ‬
‫وللسلف في الية معنيان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أي سهّلنا خروجه من بطن أمه ‪.‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬
‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪7‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫ثانيهما ‪ :‬أي بيّنا له طريق الحق والباطل ‪ ،‬والخير والشر ‪.‬‬


‫وكل المعنيين صالح لتفسير الية ‪ ،‬فإنّ ال تعالى يسّر على الحامل وضع جنينها ‪،‬‬
‫وسهل خروجه من رحهما برحمته ومنته ‪ ،‬وفضله وكرمه ‪ ..‬ولول تيسير ال‬
‫لستحال خروجه ‪ ،‬وبقي عبئا ثقيلً في بطنها فما أعظم منة ال على نساء العالمين‬
‫!!‬
‫ن التيسير المذكور قد يكون بمعنى تبيين طريق الحق والباطل ‪ ،‬وطريق الخير‬
‫كما أ ّ‬
‫والشر ‪ ،‬وهو نعمة أجل من سابقتها وكرم من ال وفضل لوله لبقي كل أحد متخبط‬
‫في دياجير الضللة ‪ ،‬والظلم ‪ ،‬ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا ‪.‬‬
‫بيد أنّ الكثرين استخفوا بهذه النعمة ‪ ،‬وجحدوا فضلها وأهميتها فتنكروا لها فإذا بهم‬
‫ضُلّالً حائرين وفي أودية الكفر والفجور تائهين وغارقين ‪.‬‬
‫(( ُث ّم َأمَاتَهُ َفأَ ْق َبرَهُ )) ‪:‬‬
‫وهي آية تنطق بالمصير المحتوم الذي يؤول إليه كل مخلوق حي فما الحياة الدنيا‬
‫إل فترة قصيرة ‪ ،‬ورحلة عابرة يهجم بعدها الموت فيضع حدّا سريعا وحاسما‬
‫لحياة النسان ‪ ،‬لينتقل إلى قبره الموحش المظلم وحيدا فريدا فأما عمل صالح يأنس‬
‫به ويزيل وحشته وينير قبره ‪ ،‬وإما عمل سيء يزيده رهقا ويكبله عناءً وشقا ًء !‬
‫شرَهُ)) ‪:‬‬
‫(( ُث ّم ِإذَا شَاء أَن َ‬
‫ل ل يعلم مداه إل ال حتى إذا أذن ال‬
‫فيظل النسان مقبورا مأسورا في حفرته أج ً‬
‫للقيامة أن تقوم ‪ ،‬وللخلئق أن تقف بين يديه ‪ ،‬نفخ الملك الموكل بالصور في بوقه‬
‫ضرُونَ)) ‪.‬‬
‫ح َ‬
‫جمِيعٌ ّل َد ْينَا ُم ْ‬
‫(( َفِإذَا ُهمْ َ‬
‫وهي نفخة عظيمة ‪ ،‬دالة على عظمة قدرة ال حيث أعاد الرواح إلى أجسادها‬
‫عدّا )) (سورة مريم‪:‬‬
‫عدّ ُهمْ َ‬
‫حصَاهُمْ وَ َ‬
‫وبعث الجميع بل نقص ول فوت (( َل َقدْ َأ ْ‬
‫‪. ) 94‬‬
‫ب ال علم الساعة عن الخلئق كلهم فل يحيط‬
‫حجَ َ‬
‫ن ال تعالى قد َ‬
‫وفي الية دللة بأ ّ‬
‫ن مُ ْرسَاهَا قُلْ ِإ ّنمَا‬
‫ن السّاعَ ِة َأيّا َ‬
‫سأَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫بعلمها ملك مقرب ‪ ،‬ول نبي مرسل ‪َ (( :‬ي ْ‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬
‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪8‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫ض لَ َت ْأتِيكُمْ ِإلّ‬
‫لرْ ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َ‬
‫ت فِي ال ّ‬
‫ل هُ َو ثَقُلَ ْ‬
‫عِ ْل ُمهَا عِندَ َربّي لَ ُيجَلّيهَا ِل َوقْ ِتهَا ِإ ّ‬
‫ل َيعَْلمُونَ‬
‫ع ْنهَا قُلْ ِإ ّنمَا عِ ْل ُمهَا عِندَ اللّ ِه وَلَـكِنّ َأ ْك َثرَ النّاسِ َ‬
‫سأَلُو َنكَ َكَأ ّنكَ حَ ِفيّ َ‬
‫َب ْغتَ ًة َي ْ‬
‫)) (سورة العراف‪. )187 :‬‬
‫ض مَا َأ َمرَهُ ))‬
‫(( كَلّا َلمّا يَقْ ِ‬
‫ن ال تعالى قد قضى في سابق علمه وقدره أنه سيوجد خلئق‬
‫وهذه الية تشيرُ إلى أ ّ‬
‫وأمما متتابعة من الناس ‪ ،‬وأنه لن يكون ثَمة بعث إل بعد أن يمضي قضاؤه في‬
‫إيجادهم وخلقهم ‪ ،‬ويستوفي لهم آجالهم وأعمارهم حتى إذا تحقق أمره ‪ ،‬وتم مراده‬
‫جرت مقادير ال بزوال الدنيا وقدوم الخرة ‪ ،‬بأهوالها وأحداثها العظام ‪.‬‬
‫صبَ ْبنَا ا ْلمَاء صَبّا * ُثمّ شَ َق ْقنَا ا ْلَأرْضَ شَقّا*‬
‫طعَامِهِ * َأنّا َ‬
‫ظرِ ا ْلإِنسَانُ إِلَى َ‬
‫(( فَ ْليَن ُ‬
‫حدَائِقَ غُلْبا * َوفَا ِكهَةً وََأبّا *‬
‫عنَبا َوقَضْبا * َو َزيْتُونا َو َنخْلً * َو َ‬
‫حبّا * وَ ِ‬
‫َفأَن َب ْتنَا فِيهَا َ‬
‫ّمتَاعا ّل ُكمْ وَِلَأ ْنعَا ِم ُكمْ ))‬
‫شرح الغريب ‪:‬‬

‫صبّا)‪ :‬أي أنزلناه من ا لسحاب ‪.‬‬


‫صبَ ْبنَا ا ْلمَاء َ‬
‫(َأنّا َ‬
‫(شَ َق ْقنَا ا ْلَأرْضَ شَقّا)‪ :‬أي تفتقت الرض بخروج النبات ‪.‬‬
‫( َو َقضْبا) ‪ :‬هو طعام نابت من الرض تأكله الدواب يقال له ‪ :‬القت وقيل ‪ :‬العلف ‪.‬‬
‫حدَا ِئقَ غُلْبا)‪ :‬أي بساتين ذوات أشجار طويلة وغليظة ‪.‬‬
‫( َو َ‬
‫(وََأبّا) ‪ :‬قيل طعام آخر نابت في الرض تأكله الدواب كالحشيش ونحوه ‪.‬‬
‫( ّمتَاعا ّل ُكمْ وَِلَأ ْنعَا ِم ُكمْ) ‪ :‬أي هذه الزروع والنباتات الخارجة من شقوق الرض إنما‬
‫هي بمثابة المتاع الدنيوي لبني النسان وما تحت أيديهم من البهائم ‪.‬‬
‫هداية اليات ‪:‬‬

‫ل مناسبة هذه اليات لسابقتها ظاهر بجلء فإنّ العلقة وثيقة بين قضية البعث ‪،‬‬
‫لع ّ‬
‫وإحياء الرض الموات بالمطر ‪ ،‬وكثيرا ما يمثل القرآن الكريم للبعث بإنزال‬
‫المطر وإحياء الرض لما بينهما من التماثل العظيم والتشابه الوطيد ‪.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬


‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪9‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫ولو تأمل الجاحدون للبعث والنشور هذه التشابه الدقيق لما تحيروا في إمكانية إعادة‬
‫الخلئق وبعث الموات فما ذلك على ال بعزيز ‪.‬‬
‫طعَامِه))‬
‫ن إِلَى َ‬
‫(( فَ ْليَنظُرِ ا ْلإِنسَا ُ‬
‫أي فليتأمل النسان بتدبر وتعقل غذاءه الذي يتغذي به ‪ ،‬من خلقه ؟ وكيف خلقه ؟‬
‫ن ال أمر السحاب فحملت الماء ثم أمرها ثانية فصبّت ماءها في‬
‫وحقيقة المر أ ّ‬
‫تضاعيف الرض فتشققت حدائق غناء ودوحات فيحاء فإذا بالحبوب تمل أركانها‬
‫وعروش العنب تزين أطرافها ‪.‬‬
‫وإذا بأشجار الزيتون أنواعا وألوانا وإذا بالنخيل الباسقات تشدو بأعذب‬
‫اللحان‪,‬وتلهج بأجمل التسبيح بحمد الخالق المدبر ‪. ..‬‬
‫وإذا بالفواكه اللذيذات بُرتقالً وتُفاحا ‪ ،‬ورُمانا وتينا قد صبغت البساتين بألوان‬
‫متنوعات وصور زاهيات ناطقة بعظمة اللطيف الخبير ‪ .‬وهي رغم ذلك مجرد‬
‫متاع مؤقت إلى أجل قريب تعود بعدها الجنات اليافعات والبساتين اليانعات بلقع‬
‫يابسات ‪ ،‬وهشيما غابرات !‬
‫قال القرطبي ‪ :‬وهذا ضرب مثل ضربه ال تعالى لبعث الموتى من قبورهم كنبات‬
‫الزرع بعد دثوره !‬
‫ن َأخِيهِ * وَُأمّهِ وََأبِيهِ * َوصَاحِ َبتِهِ َو َبنِيهِ‬
‫ت الصّاخّ ُة * يَ ْو َم يَ ِفرّ ا ْل َمرْءُ مِ ْ‬
‫(( َفِإذَا جَاء ِ‬
‫شرَةٌ‬
‫س َتبْ ِ‬
‫حكَةٌ ّم ْ‬
‫ن ُي ْغنِيهِ * ُوجُوهٌ َي ْو َم ِئذٍ ّمسْفِرَ ٌة * ضَا ِ‬
‫شأْ ٌ‬
‫ل ا ْمرِئٍ ّم ْن ُهمْ يَ ْو َم ِئذٍ َ‬
‫* ِلكُ ّ‬
‫جرَةُ))‬
‫غ َبرَ ٌة * َترْهَ ُقهَا َقتَرَ ٌة * أُوَْل ِئكَ ُه ُم ا ْلكَ َفرَةُ ا ْل َف َ‬
‫* َو ُوجُو ٌه يَ ْو َم ِئذٍ عََل ْيهَا َ‬
‫شرح الغريب ‪:‬‬

‫سمّيت بذلك ؛ لنها‬


‫(الصّاخّة)ُ‪ :‬اسمٌ من أسماء القيامة ‪ ،‬وقيل هي صيحة القيامة ُ‬
‫خ السماع ‪ ،‬أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد ُتصّمها ‪.‬‬
‫تض ّ‬
‫حبَتِهِ) ‪ :‬زوجته ‪.‬‬
‫( َوصَا ِ‬
‫( ّمسْ ِفرَةٌ) ‪ :‬مستنيرة ومشرقة ‪.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬


‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪10‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫غ َبرَةٌ) ‪ :‬أي ‪ :‬غبار يعلو الوجوه ‪.‬‬


‫(َ‬
‫( َترْهَ ُقهَا) ‪ :‬تغشاها وتعلوها ‪.‬‬
‫( َق َترَةٌ)‪ :‬أي ‪ :‬سواد ‪ ،‬وقيل ‪ ،‬دخان ‪ ،‬وقيل ‪ ،‬ظلمة ‪ ،‬وكلها حق ‪,‬‬
‫جرَةُ) ‪ :‬جمع فاجر ‪ :‬وهو الفاسق ‪.‬‬
‫(الْ َف َ‬
‫هداية اليات ‪:‬‬

‫في هذه اليات الكريمات يُصوّر القرآن الكريم حالة الذهول والهلع التي تصيب‬
‫الناس حال النفخ في الصور وقيام الساعة ‪ ،‬فيفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ‪،‬‬
‫ل منهم بنفسه عن غيره وسعيه للخلص من هول‬
‫وزوجته وبنيه لنشغال ك ّ‬
‫الموقف وكرب الحشر ‪ ،‬فل أخ يلتفت لخيه ‪ ،‬ول ولد يفكر بأمه وأبيه ول زوج‬
‫يراعي زوجته أو أبناءه فرحماك يا إلهي !‬
‫فهل تفكر في هول تلك الساعات ‪ ،‬وشدة هاتيك اللحظات من أسرفوا على أنفسهم ‪،‬‬
‫وأكبوا على المعاصي والذنوب واستكثروا من الفواحش والثام ‪ ،‬وظلموا البلد‬
‫والعباد ؟!‬
‫فوائد السورة ‪:‬‬

‫‪ -1‬أنّ ال تعالى ل يُحابي أحدا على حساب الحق حتى لو كان أحب عباده إليه ‪،‬‬
‫وهو محمد صلى ال عليه وسلم فحين عبس في وجه العمى عاتبه ال ‪ ،‬وأرشده‬
‫إلى الصواب ‪.‬‬
‫فل ينبغي – بعد هذا – أن يغتر أحد بعلمه أو جاهه فيخالف الحق ويقتحم الباطل‪,‬أو‬
‫ن ال مطلع عليه عالم به ‪.‬‬
‫يتقدم بين يدي ال ورسوله؛ فإ ّ‬
‫‪ -2‬وجوب العدل في معاملة الخلق سيما في حقوقهم الدعوية وإتاحة الفرصة لهم‬
‫في العلم وتلقي الدعوة ول يسوغ تقديم ذوي الجاه والمنصب على الضعفاء‬
‫والمساكين ‪.‬‬
‫‪ -3‬يلزم الدعاة والعلماء الحتفاء بكل مقبل على سماع الحق وتقديم كلّ ما يمكن‬
‫في سبيل تزكيته وتعليمه وتذكيره ‪.‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬
‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪11‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫‪ -4‬ل ينبغي السف على إعراض المعاندين واستكبار المتجبرين إذ ل يضرون‬


‫إل أنفسهم ‪ ،‬والسلم غني عنهم ‪.‬‬
‫‪ -5‬إنّ في قصة العمى خاصة ‪ ،‬وفي القرآن عامة أعظم تذكرة لمن أراد النجاة‬
‫في الخرة والسعادة في الدنيا وأراد معرفة المنهجية السليمة في التعامل مع الخلق‬
‫دعوة وتعليما ‪.‬‬
‫ق الختيار بين طريقي الخير والباطل وبين اليمان والكفر ولكنه‬
‫‪ -6‬أن للنسان ح ّ‬
‫يتحمل نتيجة اختياره يوم القيامة ‪.‬‬
‫‪ -7‬أن القرآن واليات المنزلة محفوظة في أصلها في اللوح المحفوظ في صحف‬
‫مكرمة ‪ ،‬مرفوعة مطهرة ‪ ،‬وأنها تكتب وتحفظ بأيدي الملئكة الكرام البررة ‪.‬‬
‫‪ -8‬قبح طوية النسان الكافر وغروره ‪ ،‬وشدّ عناده واستكباره وجحوده لقدرة ال‬
‫على البعث مع ضعفه وحقارة أصله ‪.‬‬
‫ن أصل خلق النسان ‪ ،‬وأنّه من نطفة مهينة ضعيفة حقيرة !‬
‫‪ -9‬بيا ُ‬
‫‪ -10‬أن ال تعالى قدّر بسابق علمه وكتابه مصير كل إنسان ورزقه وأجله ‪،‬‬
‫وسعادته ‪ ،‬أو شقاوته منذ كان في بطن أمه ‪.‬‬
‫‪ -11‬عظم منّة ال على النسان حيث يسّر له الخروج من بطن أمه بقدرته ويسّر‬
‫له معرفة طريق الحق بمنه وكرمه !‬
‫‪ -12‬إثبات البعث والنشور وأنه حقيقة كائنة ل محالة ‪.‬‬
‫امتنان ال تعالى على النسان بإطعامه أنواع الطعام والشراب بل حول منه ول‬
‫قوة‪.‬‬
‫أنّ هذه البساتين الغناء والثمار اليانعة والنهار الجارية متاع لبني النسان ودوابه‬
‫ل يلبث أن يحول ويزول ! !‬
‫إثبات النفخ في الصور للصعقة والموت ومن ثم للبعث والحياء ‪.‬‬
‫شدة أهوال القيامة بحيث يفر كل قريب من قريبه وكل حبيب من حبيبه !!‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬


‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬
‫‪12‬‬ ‫تفسير سورة عبسى‬

‫بيان حال أهل السعادة وما هم عليه من نضارة الوجوه وإسفارها ‪ ،‬وضحكها‬
‫واستبشارها ‪.‬‬
‫بيان حال أهل الشقاوة وما هم عليه من اغبرار الوجوه وإسودادها ‪ ،‬وقبحها‬
‫وظلمها ! ‪.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬رياض بن محمد المسيميري‬


‫‪www.almosimiry.islamlight.net‬‬

You might also like