Professional Documents
Culture Documents
فالتجاه الول يذهــب إلى القول بعدم مشروعيــة مــا يحصــل عليــه المؤلف مــن مقابــل مالي لجهده
الذهنـي فـي مصـنفه وقـد اسـتدل أنصـار هذا التجاه بأن حبـس المؤلف لمصـنفه عـن الطبـع و التداول إل
بمقابل مالي يحصل عليه ،يعتبر من قبيل كتمان العلم وبالتالي يحق عليه قول الرسول(صلى ال عليه
وسـلم)"مـن كتـم علمـا جاء يوم القيامـة ملجمـا بلجام مـن نار"وهذا القول يفيـد حرمـة مـا يحصـل عليـه
المؤلف مـن مقابـل مالي ،إذ يؤكـد أصـحاب هذا التجاه على أن العلم قربـة وطاعـة وهـو ليـس مـن قبيـل
الصنعة أو الحرفة ويجب على المؤلف في هذا العصر القتداء بالسلف الصالح
ويرد على هذا التجاه بأن علة التحريم الواردة في الحديث هي الكتمان وليست المعاوضة فكتمان العلم
ينزل بمنزلة احتكار المنافـع إذ أوجـب الشرع بيـع المواد المحتكرة بأثمنـة معقولة تحفـظ لكـل ذي حـق
حقـه ويدخـل فـي هذا الطار مـا يأخذه المؤلف مـن مقابـل عـن جهده الذهنـي كمـا أن الفتراض الذي يقوم
على أن تأليف المصنفات وبيعها يعتبر من قبيل التجارة إل أن هذا الفتراض ل يتفق مع أي معيار من
معاير العمل التجاري الذي يقوم أساسا على عنصر المضاربة
أمـا التجاه الثانـي فيرى أنـه ليـس هناك مـا يمنـع شرعـا مـن حصـول المؤلف على مقابـل مالي لنتاجـه
الذهنـي وذالك نضرا لمـا يحتله النتاج الفكري مـن أهميـة فـي المجتمـع ،خاصـة أن المؤلف قـد يتحمـل
أعباء ماديـة مـن أجـل إعداد إنتاجـه الفكري ،كمكتبـة غنيـة بالمصـادر و المراجـع فضل عـن حاجتـه إلى
نفقات مـن أجـل طبـع المؤلف وإخراجـه إلى الوجود وهـل يمكـن القول بأن كسـب دور النشـر حلل أمـا
المؤلف فحرام عليه أن يناله من هذا الكسب نصيب .فمشروعية الحق المالي للمؤلف هو حق ثابت لن
النتاج الذهني يمثل أصل مـا ينتفع بـه النسان مـن وسائل العيـش التـي هي تطبيق لهذا النتاج الذهني
وثمرة لعطائه ،ولول هذا الجهـد الفكري فـي كـل مياديـن الحياة لبقيـت هذه المنافـع بدائيـة .كمـا أن الجهـد
المبذول فـي تصـنيع هذه الوسـائل ليـس كالجهـد المبذول فـي إبداع أصـلها الذهنـي ،خاصـة إذ تمثـل دور
البداع الذهني في تحويل ما ليس له قيمة في الواقع إلى شيء نافع وله أهمية بالغة في حياة البشرية
أو تحويل ما هو ضار إلى شيء نافع مثل اللقاحات و المصال التي هي عبارة عن بكتيريا ضارة.
ومــن هذا المنطلق يمكننــا أن نتفــق على مشروعيــة الحــق المالي للمؤلف بشرط أن يكون العوض
مناسبا وغير مبالغ فيه حتى يستفيد الجميع من هذا البداع الفكري
ثانيا :مشروعية الحق المالي في القانون الوضعي
رغـم أن بعـض الفقهاء و الدباء و الفلسـفة أمثال {مازنـي }قـد تصـدوا وبشدة لفكرة الملكيـة الدبيـة أي
مشروعيــة الحــق المالي للمؤلف .إل أن جــل القوانيــن الوضعيــة دافعــة عــن هذا الحــق واعتــبرته حــق
طبيعي ولصيقا بشخصية المؤلف وإنسانيته لذا فقد كفلته مختلف تشريعات العالمية إذ تمت بلورة كثير
مـــن المبادئ العامـــة المُنَضَمَــة فـــي هذه القوانيـــن والمســـتقاة مـــن المعاهدات والتفاقيات الدوليـــة و
الجتهادات الفقهيـة وكذا السـوابق القضائيـة داخـل نطاق قانونـي يحمـي حـق المؤلف لكـن التقدم التقنـي
المتسـارع والعولمـة التـي أصـبحت تفرض نفسـها كإطار اقتصـادي وثقافـي وسـياسي يربـط بيـن الدول
والشعوب فرض مبدأ مراجعــة القوانيــن المُنَضمَة لطار حمايــة الملكيــة الفكريــة هذا النشاط النســاني
المتميـز الذي تجمـع جميـع النظـم القوانيـن السـائدة فـي العالم على أن حمايـة هذه الملكيـة أمـر ضروري
يقتضي تطوير مفهوم وأساليب هذه الحماية في نطاق القانون الوطني أو الدولي خاصة وأن الجتهدات
وتعديلت القانونيــة مــا تلبــث أن تصــبح متجاوزة إذ حرصــت التشريعات و القوانيــن الخاصــة بحقوق
المؤلف وكذالك التفاقيات الدولية على كفالة الحماية اللزمة و الملئمة لحقوق المؤلف وذالك من أجل
ضمان حمايـة وسـلمة المصنفات المحمية من أية تحريفات أو أضرار،وكذا ضمان حقوق المؤلف على
هذه المصنفات .لذا يجب تعزيز هذه الحماية عبر تبسيط مساطر و إجراءات تلك الحماية وفرض رقابة
على عمل دور النشر
إل أن القانون لم يكـن يقوم بهذه المهمـة إل مـع بدايـة العصـور الحديثـة فبالرجوع إلى مؤسـسة الملكيـة
الفكريـة فـي التشريـع المغربـي فإنهـا ظهرت بشكـل بارز بعـد فرض الحمايـة إذ كان هناك تفشـي لظاهـر
القرصنة الدبية خاصة في مجال الصحافة إذ جرت العادة على استنساخ مقالت مع عدم ذكر مصدرها
أو أسـماء أصـحابها كمـا كان يقوم بعـض الصـحافيين على تنصـيب أنفسـهم أصـحاب الحقوق الشرعييـن
على أعمال انتحلوها من أعمال غيرهم ومن هنا كان اهتمام النقابة الفرنسية للملكية الفكرية بموضوع
حماية التأليف في منطقة الحماية خاصة مع زيادة التواجد الفرنسي في هذه المنطقة إل أنه ظهر خلف
حول الخطـة التشريعية الواجب إتباعها في هذا الطار إل أن ثم وضع مشروع القانون النموذجي الذي
أقره المؤتمر الدولي في باريس 1900ووضعه على محك الختبار الواقعي إذ وصف القانون المغربي
أنــا ذاك بكونــه أكثــر القوانيــن تقدمــا فــي مجال تنظيــم ملكيــة المصــنفات الذهنيــة فــي منطقــة الحمايــة
الجنوبيـة أمـا منطقـة طنجـة فإنهـا لم تجـد بديل عـن هذا القانون الذي تبنتـه فـي جملتـه فيمـا عدا بعـض
قواعــد الختصــاص التــي فرضهــا الدولي للمنطقــة أمــا فيمــا يخــص المنطقــة الخليفيــة فإن تعثــر آليــة
التشريــع طيلة الثورة الريفيــة أدى إلى عدم تنظيــم هذا المجال إلى حدود صــدور ظهيــر 16فــبراير
1927الذي جاء متأثرا بالمدرسة السبانية .
وبعد حصول المغرب على الستقلل أخذ التفكير يتجه إلى ضرورة سن قانون موحد يكون أكثر ملئمة
مــع العهــد الجديــد وأكثــر قدرة على اســتيعاب مــا أنجزه التقدم التقنــي مــن مبتكرات جديدة مــن إذاعــة
وتلفزيون مــن أجــل ذالك فقــد عرفــة ســنوات الســتينات تعاقــب مشاريــع قوانيــن متعددة ذات اتجاهات
ومشارب مختلفـة ومـن هنـا كانـت ضرورة التزام المشروع بضمان المصـلحة العامـة فيمـا يتصـل بالتقدم
الفكري والتنمية الثقافية إلى جانب رعاية المصالح الخاصة بالمؤلفين.
المحور الثاني :طبيعة الحق المالي للمؤلف و خصائصه.
إهتـم الفقـه السـلمي والفقـه القانونـي بتحديـد طبيعـة الحـق المالي للمؤلف،إل أن هذا الخيـر إتخذه مـن
طبيعـة هذا الحـق أرضيـة آهلة وصـالحة للختلف ل على صـعيد الفقـه السـلمي فحسـب،بـل حتـى داخـل
المذهب نفسه .وانطلقا من المشار إليه أعله فإننا سنتحدث عن:
ينبنئ التأمل في هدا الحق أنه من قبيل الحقوق العينية المالية الواردة على شيء معنوي.فمن حيث أنه
حـق عينـي :فلن علقـة المؤلف بإنتاجـه الذهنـي إنمـا هـي علقـة مباشرة بحسـب أن اسـتقاءه لهـا ل
يتوقـف على تدخـل أحـد.و مـن حيـث أنـه حـق مالي :فذلك لن الحـق المالي للمؤلف يمكـن تقويمـه بالمال
عرفـا مـع عدم المانـع الشرعـي مـن ذلك.و مـن حيـث أنـه وارد على شيـء معنوي :فذلك لنـه وارد على
الصـورة الذهنيـة التـي تمثـل آثار الملكيـة الراسـخة فـي ذات المفكـر.ومحـل هذا الحـق يتمثـل فـي شيـء
معنوي ذا نفـع متقدم بالمال عرفـا ،ويبدو لنـا أن هذا الحـق فيـه خصـائص الملكيـة فـي الفقـه السـلمي
وذلك بدليل ما يلي:
أنـه حـق يختـص بـه المؤلف دون سـواه و مادام المؤلف يختـص وحده بالحـق المالي على مصـنعفه فإنـه
يكون مملوكا له ،و يستطيع بمقتضى هذا الختصاص أن يمنع الغير من العتداء عليه أو التصرف فيه
كما هو مسلم.
إنه ل يوجد مانع شرعي يحول دون شرعية هذه الملكية طالما كانت واردة على إنتاج فكري مشروع.
اختلف الفقـه القانونـي اختلفـا بينـا حول تحديـد طبيعـة الحـق المالي للمؤلف ،و تمخـض عـن ذلك بروز
اتجاهات فقهية متعددة كل منها حاول إبراز طبيعة الحق المالي للمؤلف بما يراه ويطمئن إليه.
المر الول :أن الحق المالي للمؤلف تتكامل فيه العناصر المكونة لحق الملكية و هي تلك التي تتمثل
في الستعمال و الستغلل و التصرف ،و من خلل ما سبق يبدو أن هذا التجاه يذهب إلى ما ذهب إليه
الفقه السلمي.
المر الثاني :أن حق الملكية و الحق المالي للمؤلف يَنْ ُبعَانِ من أساس واحد هو العمل ،فكما أن هناك
عمال يعملون بأيديهم فهناك آخرون يعملون بأفكارهم.
- 1أن طبيعـة حـق الملكيـة يفترض ورودهـا على شيـء مادي حتـى يكون قابل للحيازة و مـن ثـم
يكون قابل للتملك و ل يصـدق ذلك على الحـق المالي للمؤلف بحسـب أنـه يرد على شيـء معنوي و مـن
ثم يكون غير قابل للحيازة.
- 2أن حق الملكية حق دائم ل يزول إل بزوال محله و ذلك خلفا للحق المالي للمؤلف الذي يتميز
بكونه حقا مؤقتا بمدة معينة يسقط بعد انقضائها في الملك العام.
أن حقيقة التأقيت الذي يتميز به الحق المالي للمؤلف يرجع أساسا إلى زوال المحل الذي يرد
عليـه هذا الحـق ،و مـن المعلوم أن الملكيـة تزول بزوال محلهـا ،و الهدف مـن تأقيـت هذا الحـق إنمـا هـو
ضمان مدة معقولة يسـتفيد خللهـا المؤلف مـن ثمار نتاجـه الفكري على أن يؤول بعدهـا للملك العام لمـا
في غير ذلك من الضرار بالمجتمع و الحضارة النسانية.
* التجاه الثانــي :يرى أن الحــق المالي للمؤلف هــو حــق عينــي أصــلي وارد على منقول و يتزعمــه
السـتاذ السـنهوري رحمـه ال حيـث يرى أن الحـق المالي للمؤلف و إن كان حقـا كسـائر الحقوق إل أنـه
يتميـز بخصـوصية ،بحيـث أنـه يقـع على شيـء غيـر مادي و ينتهـي إلى القول بأن الحـق المالي للمؤلف
ليـس حـق ملكيـة و إنمـا هـو حـق عينـي أصـلي يسـتقل عـن حـق الملكيـة بمقوماتـه الخاصـة ،و ترجـع هذه
المقومات إلى أنه يقع على شيء غير مادي.
- 1أن الحقوق العينية الصلية واردة في القانون على سبيل الحصر و ليس من بينها الحق المالي
للمؤلف.
- 2أن الحق المالي للمؤلف ل ينصب على أموال مادية وإنما يتمثل محله في شيء معنوي.
و خلصة القول أن الرأي الذي اعتبر راجحا في الفقه القانوني إزاء طبيعة الحق المالي للمؤلف يتفق
و ما تراه قواعد الفقه السلمي من إسباغ صفة الملكية على هذا الحق.
يخول صـاحبه سـيادة مطلقـة على المصـنف سـواء مـن حيـث تقريـر النشـر مـن عدمـه ،ومـن حيـث تحديـد
الشروط المادية وغيرها من الساليب التي يريد اتباعها في عملية النشر ،ويتم استغلل حق المؤلف
على مصــنفه بنقله إلى الجمهور ســواء كان ذلك مباشرة أو بطريقــة غيــر مباشرة ،كمــا هــو الحال فــي
إلقاء المحاضرات أو عرض الفرق الموسيقية.
ويعرف هذا الحــق المادي عادة بحــق الداء العلنــي ،ويراد بــه القراءة والعزف والداء بطريقــة مــا
للمصـنف.أمـا نقـل المصـنف إلى الجمهور بطريقـة غيـر مباشرة فيحدث عادة بطبـع المصـنف ونشره فـي
الكتب أو عن طريق رسومات مطبوعة ،أو غير ذلك.
إن الحـق المالي للمؤلف قابـل للنتقال للورثـة ،حيـث يبقـى للورثـة الحـق فـي جميـع التصـرفات فيمـا
يخــص الحــق المالي ،ســواء بعوض أو بغيــر عوض وفــي حدود أنصــبة كــل وارث ،هذا فيمــا يخــص
الجانب المادي دون الدبي الذي ينتقل إلى الورثة بالقيود المنصوص عليها سلفا ،وينتقل الحق المادي
للورثة في حدود المدة المخولة قانونا لستغلل هذا الحق.
أنه حق مؤقت و يعني ذلك أنه ينتهي بانتهاء المدة الزمنية المحددة للستفادة منه ،و قد حددت معظم
التفاقيات العالمية و الدولية بالضافة إلى القوانين الوطنية و المحلية الفترة الزمنية للستفادة من
المصنف و هي تختلف بحسب نوع المصنف فالمصنفات الكتابية ذات مدة أطول من الحماية منها
للمصنفات التصويرية والتشكيلية فحسب المادة 25التي تنص على أنه تحمى الحقوق المادية لمؤلف
مصنف ما طيلة حياته وخلل سبعين سنة بعد وفاته.
إن الحـق المالي للمؤلف يخول صـاحبه الحـق فـي السـتئثار بثمرة جهده الذهنـي ,وذالك بالوسـيلة التـي
تتفق مـع طبيعة المصنف.وهـو ما أبانـت عليـه المادة 31مـن قانون رقـم 34_05التي تنص على :ان
المؤلف هــو المالك الول للحقوق المعنويــة والماديــة لمصــنفه.وســنتطرق مــن خلل هذا المحور إلى
إستغلل الحق المالي للمؤلف (أول )ثم على إجراءات الحماية لحق المؤلف( ثانيا )
ممـا لشـك فيـه ان وسـيلة إسـتغلل المصـنف قـد تكون مباشرة وغيـر مباشرة,أي ان إسـتغلل المصـنفات
العلمية والدبية لن تكون إل عن طريق وسائل غير مباشرة.و التي تتمثل في عقد النشر و الترجمة و
عن طريق إظهاره في حلة جديدة .
يتوقــف تحديــد طبيعــة هذا العقــد على المضمون الذي يتمثــل فيــه إتفاق المؤلف مــع الناشــر فــي الحــق
لسـتغلل المصـنف لعدة طبعات أو لطبعـة معينـة ،مقابـل مبلغ معيـن يؤديـه الناشـر إلى المؤلف مـع إلتزام
الول بطبـع المصـنف على نفقتـه الخاصـة وتوزيعـه .فإن المؤلف بذالك يكون قـد تنازل عـن حقـه فـي
إسـتغلل مصـنفه لمدة معينـة مقابـل المبلغ المتفـق عليـه .و ل يعدو العقـد فـي تلك الحالة أن يكون بيعـا
من المؤلف لحقه في إستغلل مصنفه ،و ثم فإن الناشر يملك جميع النسخ التي تم التفاق على طبعها
نظيـر مـا قدمـه للمؤلف مـن مقابـل نقدي .و يسـتوي فـي تلك الصـورة أن يكون نزول المؤلف عـن حقـه
نزول محددا أو غير محدد .
و حينمـــا يتمثـــل ذالك المضمون فـــي إتفاق المؤلف مـــع الناشـــر على أن يلتزم بعرض المصـــنف على
الجمهور مقابل أجر يحصل عليه من المؤلف بعد طبع المصنف على نفقته .فإنه يمكن القول بأن العقد
فـي هذه الحالة يكون عقـد مقاولة ،نظرا لقيام الناشـر بعمـل لحسـاب المؤلف و هـو عرض الكتاب على
الجمهور و قبـض ثمنـه مقابـل ذالك الجـر المتفـق عليـه .و الذي يتمثـل فـي نسـبة معينـة مـن ثمـن كـل
نســخة يتولى الناشــر بيعهــا لحســاب المؤلف .و يكون دور الناشــر فــي هذه الحالة كدور المقاول ،كمــا
يكون دور المؤلف كدور رب العمـل .أمـا إذا كان دور الناشـر ل يقتصـر على مجرد التوزيـع ،بـل يتعدى
إلى قبض الثمن .ففي هذه الحالة يكون هذا العقد عقد مقاولة مقترنا بوكالة ،حيث أن الناشر يقوم بعمل
قانوني لحساب الموكل و هو قبض الثمن لحساب المؤلف .
و ليس ثمـة ما يمنع من تبادل المراكـز القانونيـة بين المؤلف و الناشـر ،فيصبح المؤلف هو المقاول و
يكون الناشر هو رب العمل.و يتحقق ذالك حينما يتكفل الناشر بطبع مؤلف يضم مجموعة من البحوث
أو المقالت نظير أجر يقدمه الناشر لمن ساهم في هذا العمل .
و قـد يكون مضمون التفاق بيـن المؤلف و الناشـر بإلتزام الناشـر بتحمـل نفقات الطبـع مقابـل مسـاهمة
المؤلف بجهده الذهني على أن تكون نسخ الكتاب ملكا لهما ،ويكون لكل منهما نسبة يتفقان عليها في
الربـح و الخسـارة .و فـي هذه الحالة يكون هذا العقـد عقـد شركـة بيـن المؤلف و الناشـر .و يمكـن أن
يكون عقــد عمــل كمــا لو تــم التفاق بيــن الناشـر و مجموعــة مـن المؤلفيــن على إنتاج المصــنف تحــت
إشراف الول و رقابتـه و توجيهـه مقابـل مـا يقدمـه لهـم مـن أجـر على ذالك ،و تتحقـق هذه الصـورة فـي
المصنفات الجماعية التي تتم بإسم شخص معنوي عاما كان أو خاصا.
و لعل التعريف الذي يصدق إلى حد كبير على هذه الصور .هو ما أشار إليه بعض الفقهاء من أن عقد
النشر هو "' العقد الذي يرتبط به المؤلف أو خلفاؤه مع شخص يقوم بنشر مصنف علمي أو أدبي أو
فني نظير مقابل أو بغير مقابل'".و المشرع المغربي لم يخرج عن هذا التعريف ،حيث نص في المادة
44من قانون 34_05على أن عقد النشر هو '" العقد الذي يتخلى بموجبه المؤلف أو خلفه لفائدة
شخــص يدعــى الناشــر و طبــق شروط معينــة عــن الحــق فــي أن يخرج أو يعمــل على إخراج عدد مــن
النسخ بشرط أن يتولى نشرها و توزيعها '".
بحيث كيفما كان التفاق بين المؤلف و الناشر ،فإنه يلزم لصحته توافر التراضي على هذا المضمون .
و يتحقق ذالك بإتفاق اليجاب مع القبول على ما إتجهت إليه إرادة المتعاقدين .و لصحة هذا التراضي
يجـب أن يكون خال مـن عيوب الرادة ،مـع ضرورة توفـر الهليـة اللزمـة لصـداره .و قـد أكـد المشرع
المغربي في الفقرة الثانية من المادة 45بقولها '" و تكتسي موافقة المؤلف الشخصية صبغة إجبارية
حتـى لو تعلق المـر بمؤلف قاصـر بحكـم القانون ،مـا عدا فـي حالة عدم قدرة بدنيـة ،على ان تراعـى
فــي ذالك مقتضيات النصــوص الجاريــة على العقود التــي يبرمهــا القاصــرون و المحجور عليهــم ،و ل
يطبق مقتضيات الفقرة الثانية من هذه المادة إذا أبرم عقد النشر من طرف خلف المؤلف '".
يعتبر عقد النشر من العقود التبادلية ،فالمؤلف يلتزم بتقديم أصول مؤلفه إلى الناشر ،كما يلتزم الناشر
بنشـر المصـنف.إذ يعتـبر تحديـد هذه اللتزامات مـن البيانات الجوهريـة التـي ل يكون العقـد صـحيحا دون
النص عليها .ومن ثم فإنه لبد من أن يتضمن هذا العقد ،النص على نوعية المصنف الذي قام المؤلف
بإنتاجـه و جعله محل للنشـر ،سـواء كان عمل علميا أو أدبيا أو فنيـا ،فضل عن ضرورة تحديد طريقـة
استغلله .
يشترط لقيام التصـرف أن يكون مكتوبـا ،و تعتــبر الكتابـة هنــا ركنـا فـي انعقاد العقــد ل مجرد وسـيلة
لثباتـه و مـن ثـم يترتـب على تخلفهـا بــطلن العقـد .حيـث نـص المشرع المغربـي فـي الفقرة الولى مـن
المادة 45على ما يلي '" :يجب تحت طائلة البطلن أن يبرم العق كتابة '" ،و مفاد ذالك أن المشرع
يشترط لصحة هذا العقد ضرورة إفراغه في محرر مكتوب .
يتوجــب على المؤلف تســليم العمــل للناشــر ضمــن المدة المتفــق عليهــا ،و كذالك إجراء التعديلت
الضروريـة و تصـحيح الخطاء فـي المهلة المحددة .كمـا يتوجـب عليـه أن يضمـن للناشـر تنفيـذ العمـل
بصـورة سـهلة و بسـيطة و بشكـل ل ينازعـه فيـه أحـد .و يتوجـب عليـه أيضـا اللتزام بضمان التعرض ،
فيكون ضامنا لية عملية تنازل مستقبلية قد تحصل عل العمل ،أو عملية تنازل سابقة لي ناشر آخر .
و يجب عليه ليس فقط ضمان الفعل الشخصي ،و إنما في حال حصول تقليد للعمل وجب عليه التدخل
من أجل مساعدة الناشر في ملحقة صاحب الفعل .و هذا ما نص عليه المشرع المغربي في المادة 46
من قانون . 34_05
التزام الناشـر بطبـع المصـنف و نشره :و هـو يمثـل جوهـر اللتزامات التـي تقـع على عاتقـه فـي هذا
العقـد لمـا يمثله ذالك مـن مصـلحة أدبيـة للمؤلف .و مـن ثـم فإن إخلل الناشـر بهذا اللتزام يمثـل إخلل
بإلتزام أساسي نشأ في ذمته بموجب هذا العقد .و هو ما يسمح للمؤلف بطلب فسخ العقد مع التعويض
عما أصابه من ضرر .
إلتزام الناشـر بالوفاء بالحقوق الماليـة للمؤلف :قـد يقضـي التفاق بدفـع المبلغ المتفـق عليـه جملة
واحدة أو على دفعات أو فــي ميعاد كــل طبعــة مــن طبعات المصــنف ’ و كيفمــا كان التفاق على طريقــة
تحديد المبلغ و كيفية دفعه ،فإن الناشر يلتزم بالوفاء بما هو متفق عليه .
التزام الناشـر بعدم إجراء أي تعديـل على المصـنف :إحترامـا للحقوق الدبيـة للمؤلف ،فإن الناشـر
يلتزم بعدم إجراء أي تعديل في العمل العلمي أو الدبي الذي إلتزم الناشر بنشره .و من ثم فإن الناشر
يلتزم بطبــع المصــنف الذي ســلمه له المؤلف بشكله و مضمونــه بمــا فــي ذالك عنوانــه و إســم المؤلف
سواء أكان إسما حقيقيا أم كان إسما مستعارا.
إلتزام الناشـر بطبـع عدد النسـخ المتفـق عليـه :إذا تـم التفاق بيـن المؤلف و الناشـر على طبـع عدد
معين من نسخ المصنف المتفق على نشره ،فل ريب في حتمية إلتزام الناشر بذالك .و يترتب الخلل
بهذا اللتزام حق المؤلف في التعويض .
إلتزام الناشـر بالسـعر المتفـق عليـه لكـل نسـخة :إذا تضمـن عقـد النشـر نصـا يقضـي بتحديـد سـعر
معين للنسخة الواحدة من المصنف المتفق على نشره ،فل شك في ضرورة إلتزام الناشر بذالك .
إلتزام الناشـر بعدم إسـتخدام المصـنف لغيـر الغرض المتعاقـد عليـه :بحيـث إذا إقتصـر تنازل المؤلف
على صورة من صور الستغلل المالي لمصنفه ،فإنه ل يجوز للناشر تجاوز تلك الصورة إلى غيرها
و ذالك بحسـب أن تنازل المؤلف عـن بعـض أوجـه السـتغلل المالي لمصـنفه ل يعنـي البتـة تنازله عـن
بعضهـا الخـر .و مـن ثـم فإن نزول المؤلف عـن الحـق فـي ترجمـة مصـنفه مثل إلى لغـة معينـة ،ل يعنـي
نزوله عـن الحـق فـي ترجمـة هذا المصـنف إلى لغـة أخرى غيـر اللغـة المتفـق عليهـا ،إذ يجوز أن تكون
الترجمـة إلى اللغـة الخرى محل لعقـد نشـر جديـد.و تأكيدا لمـا سـبق ،فالمشرع المغربـي نـص على هذه
اللتزامات التي تقع على عاتق الناشر في عقد النشر ،و ذالك في المادة 47من قانون . 34_05
ل شك ان الترجمة تمثل إحدى صور الستغلل المالي للمصنف ,إذ هي تمثل مصدرا لربح كبير سواء
تمت هذه الترجمة عن طريق المؤلف ذاته او عن طريق الغير .و ما دامت الترجمة تمثل إحدى صور
السـتغلل المالي للمصـنف ,فإنهـا بذالك تعتـبر حقـا مـن حقوق المؤلف ,فله وحده ان يمارس هذا الحـق
اوان يصرح للغير بذالك .وإذا كان المشرع المغربي لم ينص صراحة على ضرورة إستئذان المؤلف في
ترجمـة مصـنفه الصـلي .لكـن يمكـن إسـتنتاج ذالك مـن مقتضيات المادة 10مـن قانون 34_05ان" :
للمؤلف وحده الحق في ترجمة مصنفه إلى لغة أخرى أو التصريح بذالك للغير ,و من ثم فإنه ل يجوز
لغير المؤلف مباشرة هذا الحق إل بإذن من المؤلف نفسه أو ممن يخلفه " .
و بالتالي يجب على المترجم الذي سيقوم بترجمة المصنف الصلي للمؤلف ،أن يكون على دراية تامة
بمبادئ الترجمة و على علم بقدر كبير من المعرفة ،ليس فقط بالغتين المنقولة إليها و المنقولة عنها .
ولكـن أيضـا بموضوع المادة المراد ترجمتهـا .و مـن المعلوم أن الذن بالترجمـة للغيـر يمثـل صـورة مـن
صور التصرف في الحق المالي للمؤلف .فهو من ثم يصدق عليه ما يصدق على صحة التصرف في
الحــق المالي ،حتميــة إفراغ هذا التفاق فــي محرر مكتوب .و ان يتضمــن ذالك المحرر تحديدا دقيقــا
لمدى الحق المتصرف فيه .إذ لبد من أن يتضمن التفاق النص على اللغة التي يتم ترجمة المصنف
إليهـا ،و كذالك يلتزم بإظهار إسـم المؤلف و عنوان المصـنف .و كمـا يلزم الذن بالترجمـة مـن المؤلف
فإنه يلزم الذن من المترجم بترجمته إلى لغة ثالثة .
و إذا كانـت آثار عقـد الترجمـة تتفـق مـع آثار عقـد النشـر مـن حيـث كونهمـا يمثلن وسـيلة للسـتغلل
المالي للمصنف ،إل أن عقد الترجمة يختلف عن عقد النشر في بعض الثار .
إذ ان الناشر في عقد النشر يلتزم بطبع المصنف و نشره دون إجراء أي تعديل عليه .إل ان المر على
خلف ذالك بالنسبة لعقد الترجمة ,حيث راعى المقنن ما يجب ان يتوفر للمترجم من حرية حركة في
الترجمة ,حتى يتمكن من إخراج العمل المترجم على صورة صحيحة يمكن ان تؤدي إلى الهدف منها .
ولن يكون ذالك إل إذا أجيز للمترجم حذف أو تعديل بعض العبارات الواردة في المصنف الصلي .فإذا
حصـل الحذف أو التغيـر فـي ترجمـة المصـنف مـع ذكـر ذالك ،فل يكون للمؤلف الحـق فـي منعـه ،إل إذا
أغفل المترجم الشارة إلى مواقع الحذف أو التغيير أو يترتب على الترجمة مساس بسمعة المؤلف و
مكانته العلمية و الدبية .
وفضل عما تقدم فإن المترجم يلتزم بإظهار إسم المؤلف و عنوان المصنف ,مع ان الصل العام يقضي
بأن المؤلف وحده هو صاحب الحق في السماح للغير بترجمة مصنفه .
ممــا ل شــك فيــه ان ضمان أي حمايــة يقرهــا القانون لي حــق مــن الحقوق ,تجــد ســندها و دعامتهــا
الســاسية فــي ســبل و إجراءات فــض أي نزاع قــد يثار بشأن هذا الحــق .و هذه الحمايــة تتمثــل فــي
نوعين’حماية مدنية و جنائية.
و يقصد بالحماية المدنية حماية الحق المالي للمؤلف ,و هي حماية يمكن تحقيقها باللجوء إلى القضاء
المدنـي مباشرة فـي شأن العتداءات الواقعـة على حـق المؤلف .ووفقـا للقواعـد العامـة فإنـه يلزم لقيام
هذه المسـؤولية توفـر عناصـرها المتمثلة فـي الخطـأ والضرر و علقـة السـببية بينهمـا .و قـد نصـت
المادة 61مـن قانون " 34_05أحقية صاحب حق المؤلف ة أصحاب الحقوق المجاورة بالتقدم إلى
المحكمـة المختصـة فـي النظـر فـي القضايـا المدنيـة بطلب مـن اجـل الحصـول على أمـر بإتخاذ التدابيـر و
الجراءات التحفظيـة وهـي إصـدار حكـم بمنـع أو أمـر بإنهاء خرق أي حـق محمـي بموجـب هذا القانون
"...و لقد أفصحت المادة 62من نفس القانون " في حالة خرق حق معترف به لصاحب حقوق محمية
بموجـب هذا القانون ,يحـق لصـاحب الحقوق الحصـول مـن مقترف الخرق على تعويضات عـب الضرر
الذي تعرض له بسبب فعل الخرق ".
و يتــم تحديــد مبالغ التعويــض عــن الضرر طبقــا لمقتضيات القانون المدنــي مــع مراعاة حجــم الضرر
المادي و المعنوي الذي تعرض له صـاحب الحـق ,و كذا حجـم الرباح التـي حصـل عليهـا مقترف الخرق
مـن فعله .و يجوز لصـاحب الحقوق الختيار بيـن التعويـض عـن الضرار التـي لحقـت بـه فعل بالضافـة
إلى كل الرباح المترتبة عن النشاط الممنوع والتي لم تؤخذ بعين العتبار في حساب التعويض المحدد
فـي ( 5000درهـم)على القـل و (25000درهـم) كحـد أقصـى حسـب مـا تعتـبره المحكمـة عادل لجـبر
الضرر الحاصل.
و هكذا فإن الحكم على المعتدي بالتعويض يمثل جزءا مدنيا لثبوت تلك المسؤولية عما وقع من ضرر
تسبب فيه للمضرور ,و ل ريب ان تقديم ذالك التعويض بحسب القواعد العامة إنما يتحدد على أساس
مــا لحــق المضرور مــن ضرر .و بالضافــة إلى مــا تقدم فإن رفــع قيمــة التعويــض تحول دون إســتفادة
المعتدي من إعتدائه ’ و ذالك من شأنه ان يثنيه عن معاودة التفكير في مثل هذا العتداء .
الفقرة الثانية :الحماية الجنائية
لم يكتــف المقنــن بمــا اســبقه مــن حمايــة مدنيــة على حقوق المؤلف .ولكنــه شاء ان يســبغ على تلك
الحقوق مـن الحماية الجنائية مـا يجعلها أكثر أمنـا من العتداء عليها ,بحسـب ما يمثله الجزاء الجنائي
مـن قوة فـي ردعـه و جزره .و ذالك بخلف التعويـض الذي قـد يمثـل فـي بعـض الحيان إغراء بمعاودة
هذا العتداء طالمـا ان المعتدي يشعـر بأن المـر سـيؤول فـي النهايـة إلى دفـع مبلغ مـن المال قـد يربـو
عليه ما جناه من أرباح غير مشروعة .في حين ان هذا الحق مصون بالحماية الجنائية كذالك فل ريب
ان ذالك يمثل وسيلة للحد من وقوع تلك الجريمة .
فالمشرع المغربــي شدد مــن العقوبات الجنائيــة فــي مجال حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة بمقتضــى
قانون 34_05الجديـد ,حيـث نـص فـي المادة " 64يعاقـب بالحبـس مـن شهريـن غلى سـتة أشهـر ’
وبغرامة تتراوح بين (10000درهم) و(100000درهم) أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ,كل من قام
بطريقة غير مشروعة و بأي وسيلة كانت بقصد الستغلل التجاري بخرق متعمد".
خــــــاتــمة
إن مــا انتهــت إليــه دراســتنا مــن خلل فحــص العناصــر التكوينيــة التــي يتحلل إليهــا الحــق المادي
لمؤلف،سـواء مـن جهـة موضوعـه أو مـن جهـة طـبيعته الذاتيـة كأداة للتعـبير عـن مجمـل المضاميـن التـي
أضحــت تزخــر بهــا مؤســسة حــق المؤلف و الحاطــة بأبعادهــا الحقيقيــة ســيما بعدمــا طرأ على هذه
المؤسـسة مـن تطور حثيـث ومتسـارع الوثيرة خلل الحقبـة المعاصـرة .وبالتالي فالحـق المالي للمؤلف
يعـبر عـن الصـلة الماليـة القائمـة بيـن المؤلف صـاحب الحـق الذهنـي وبيـن مصـنفه ،فهذا الحـق يعطـي
صـاحبه إمتيازا باسـتغلل مصـنفاته على أيـة صـورة مـن صـور السـتغلل .إذ ان المكافئات التـي تكفلهـا
حقوق المؤلف للفراد المبدعيـن للمصـنفات فنيـة أو علميـة أو أدبيـة تشكـل حافزا على البداع فـي شتـى
مجالت الحياة النسانية و باعثا على التقدم والتطور ورفع صرح الحضارة البشرية