You are on page 1of 6

‫‪ :‬تمهيد‬

‫لم تظهر الممالك المازيغية في شمال إفريقيا إل في القرن الثالث قبل الميلد‪ ،‬وقد استهدف‬
‫ملوكها الوائل وهم‪ :‬سيفاقس وماسينيسا وباگا وفيرمينا جمع شمل المازيغيين وتوحيد تامازغا‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يمكن الحديث عن ثلث سللت ملكية أمازيغية قديمة‪ .‬وهي السرة المازيلية ( أو‬
‫الماسيلية)‪ ،‬وموطنها نوميديا الشرقية‪ ،‬ومن أهم ملوكها‪ :‬أيليماس وزيللسان وگايا وأوزالكاس‬
‫وماسينيسا وكافوسا وميكيوسا وماستانابعل وگولوسا وأمفسال الول وأدربعل ويوغرطة وگوضا‬
‫وأمفسال الثاني ويوبا الول ويوبا الثاني وبطليموس‪ .‬والسرة الثانية وهي السرة الميسايسولية‬
‫( أو المازيسولية)‪ ،‬وموطنها نوميديا الغربية‪ ،‬ومن أهم ملوكها‪ :‬سيفاقس وفيرمينا‪ .‬أما السرة‬
‫الثالثة فهي السرة أو السر الموريطانية‪ ،‬ومن أهم ملوكها‪ :‬باگا‪ ،‬وبوكوس الول‪ ،‬وبوگود‬
‫‪ .‬وبوكوس الثاني وبوگود الثاني‬
‫وعلى أي حال يعتبر سيفاقس الملك المازيغي الول الذي أسس تامازغا وسعى جاهدا لتوحيدها‬
‫وجمع شمل أبنائها‪ .‬إذا‪ ،‬من هو سيفاقس؟ وما هي المراحل التي قطعتها ثورته؟ وماهي أهم‬
‫إنجازاته وما نتائج ثورته ؟ تلكم هي السئلة التي سنحاول كشف القناع عنها في موضوعنا‬
‫‪.‬المتواضع هذا‬

‫من هو سيفاقــــس؟‬

‫يعد الملك صيفاقس أو سيفاقس أو سيفاغس أو سفك عند ابن خلدون من الملوك المازيغيين‬
‫الوائل الذين عملوا على توحيد ساكنة تامازغا إلى جانب الملك ماسينيسا و الملك باگا والملك‬
‫فيرمينا ‪ .‬وقد عاش الملك سيفاقس في القرن الثالث قبل الميلد‪ .‬وينتمي إلى السرة المازيسولية‬
‫التي كان موطنها نوميديا الغربية‪ .‬وقد صار ملكا لها‪ ،‬واتخذ سيگا عاصمة له أو ما يسمى الن‬
‫في الجزائر بعين تيموشونت‪ .‬وهناك مملكة أخرى تقابلها في الشرق تسمى ماسولة التي ينتمي‬
‫إليها ماسينيسا ويفصلها عن الولى نهر شليف الحالي‪ ،‬وتمتد في حدودها الترابية حتى قرطاجنة‬
‫بتونس‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬هناك نوميديا الشرقية أو ماسولة‪ ،‬ونوميديا الغربية أو مازيسولة‪ .‬وسيدخل‬
‫سيفاقس في حروب طاحنة مع ملك ماسينيسا الموالي للروم ستنتهي بانتصار ماسينيسا وحلفائه‬
‫‪.‬الروم الذين قتلوه سنة ‪ 203‬قبل الميلد‬

‫‪ :‬تــطور مقاومة سيفاقس‬

‫اشتدت الحرب البونيقية الثانية بين الرومان والقرطاجنيين‪ ،‬فحاولت كل من روما وقرطاجنة أن‬
‫تجذب سيفاقس لصالحها كي يساعدها في حروبها الطويلة المد ضد منافستها اللدودة‪ .‬وتدخل‬
‫صيفاقس في البداية للصلح بين الطرفين‪ ،‬ولكن الحكومة الرومانية كانت متعنتة في مواقفها‬
‫المعادية للقرطاجنيين‪ .‬فمال سيفاقس إلى قرطاجنة وتزوج بالفينيقية “صوفونيسبا” ‪ .‬وأصبح‬
‫سيفاقس مواليا للقوات القرطاجنية بعد أن علم بنوايا روما الستعمارية وأطماعها في شمال‬
‫أفريقيا‪ .‬في حين‪ ،‬التجأت الحكومة الرومانية إلى شاب أمازيغي طموح أل وهو ماسينيسا فأغرته‬
‫بامتيازات عدة تتمثل في غرامات مالية والسماح له بالتوسع في أراضي القرطاجنيين التي‬
‫سيحصل عليها بمجرد القضاء على منافسه صيفاقس والتحالف مع الرومان للقضاء على القوات‬
‫‪www.mohamed46.webobo.com‬‬ ‫‪O.Mohamed‬‬ ‫‪Page 1‬‬
‫القرطاجنية‪ .‬وهكذا استطاع ماسينيسا” أن يهزم سيفاقس الماسايسولي؛ ثم مكّن الرومان من‬
‫النتصار على أمهر جنرال عرفه التاريخ القديم‪ ،‬أل وهو حنبعل القرطاجي؛ وذلك في معركة ”‬
‫زامّا” الشهيرة‪ ،‬سنة ‪ 202‬ق‪.‬م‪ .‬لقد كان سبب بغضه لقرطاجة هو تمسكه بمدإ”أفريقية للفارقة!”‬
‫ومما أثار حفيظته ضدها بشكل خاص‪ ،‬حسب ما روي‪ ،‬هو تزويج القرطاجيين صيفاقس‬
‫”‪ .‬مخطوبته”صوفونيسبا‬
‫والواقع أن جيرانه القرطاجنيين كانوا متواطئين مع خصمه الماسولوسي قصد القضاء على ملكه‪.‬‬
‫فلم يجد بدا من محالفة الرومان‪ ،‬مع إضمار غايته القصوى في نفسه‪ ،‬وهي إنشاء مملكة أمازيغية‬
‫موحدة مستقلة عن كل نفوذ أجنبي‪ ،‬ولسيما أن اتفاقية الصلح بين روما وقرطاجة (‪ 201‬ق‪.‬م)‬
‫كانت تنص على أن من حقه أن يعمل من أجل استرجاع جميع الراضي التي كانت بقبضة‬
‫‪ .‬أجداده‪ ،‬في غير تحديد لتلك الراضي‬
‫ومن المعلوم أيضا‪ ،‬أن سيفاقس قد تحالف في البداية مع الرومان إبان الحرب البونيقية الثانية‪،‬‬
‫وكان في نفس الوقت معارضا لگايا ملك نوميديا الشرقية وابنه ماسينيسا المتحالفين مع‬
‫‪ .‬القرطاجنيين‬
‫لكن سيفاقس سيتوسع في مملكة نوميديا الشرقية بعد وفاة ملكها گايا ‪ ،‬وسيتحالف مع القرطاجنيين‬
‫الذين قدّموا إليه يد العون في توسعه الترابي‪ ،‬وزوجوه حسناء قرطاجنة ‪ ،‬وهي من أعلى طبقة‬
‫اجتماعية وهي الفتاة “صوفونيسبا” بنت أزدربال جيسكو قائد قوات قرطاجنة‪ .‬وهكذا‪ ،‬نجد‬
‫سيفاقس يدخل في تحالف عسكري مع القرطاجنيين ضد الرومان من أجل أن يحظى برضى‬
‫عشيقته‪ .‬وبالتالي‪ ،‬سيخوض صراعا مريرا ضد أخيه المازيغي ملك ماسينيسا الذي كان في بداية‬
‫المر مواليا للفينيقيين‪ ،‬ولما رأى تهاون قرطاجنة وعدم مبالتها تجاه حقه في الولية على عرش‬
‫أبيه‪ ،‬خرج عن طاعة قرطاجنة عام ‪ 158‬قبل الميلد وتحالف مع الحكومة الرومانية وخاصة مع‬
‫القائد الروماني الكبر سيپيون الفريقي لمحاصرة قرطاجنة وتطويق ملك صيفاقس في مملكته‬
‫‪ .‬مازولة‬
‫ولقد استطاع القائد الروماني گايوس ليليوس أن ينتصر على سيفاقس وأن يوقعه أسيرا سنة ‪203‬‬
‫قبل الميلد بفضل مساعدة ماسينيسا قرب سيرتا أو ما يسمى حاليا قسنطينة بالجزائر‪ .‬وۥأرسل‬
‫سيفاقس بعد ذلك أسيرا إلى عاصمة إيطاليا من قبل الجنرال الروماني كورنيليوس سيپيون‬
‫الفريقي حيث مات فيها سنة ‪ 202‬أو ‪ 203‬قبل الميلد‪ .‬وقد تولى الحكم بعد سيفاقس ابنه فيرمينا‬
‫‪.‬الذي يعد آخر ملك مازوليسي قبل أن توحد مملكة نوميديا من قبل ماسينيسا‬

‫إنجازات صيفاقس ‪:‬‬

‫من أهم إنجازات الملك المازيغي سيفاقس أنه أول من أسس مملكة أمازيغية واسعة وهي مملكة‬
‫مازيسولة التي كانت توجد في غرب الجزائر وتمتد إلى نهر ملوية غربا وعاصمتها الكبرى هي‬
‫سيگا‪ ،‬وانتقل سيفاقس من زعيم قبلي إلى ملك يحكم سلطنة أمازيغية شاسعة الطراف‪ ،‬ثم حمل‬
‫التاج والصولجان‪ ،‬وضرب العملة باسمه‪ ،‬ونظم الجيش المازيغي تنظيما محكما متأثرا في ذلك‬
‫بالتنظيمين‪ :‬القرطاجني والروماني‪ .‬واستعان كذلك بابنه فيرمينا في تسيير الشؤون الحربية‬
‫والعسكرية‪ ” .‬ومع أنه تأثر إلى حد بتقاليد اليونان السياسية‪ ،‬كان يعتمد في ممارسة سلطته على‬
‫مساعدة زعماء القبائل‪ .‬كانت له علقات دبلوماسية مع كل من قرطاجة وروما‪ .‬كانت لغة الحياة‬
‫‪www.mohamed46.webobo.com‬‬ ‫‪O.Mohamed‬‬ ‫‪Page 2‬‬
‫اليومية والتخاطب في مملكته هي المازيغية‪ ،‬وكانت لغة اسمه هو المقصود فيما كتبه ابن خلدون‬
‫عن أصل البربر إذ قال إن جدهم هو “سفك”؛ يعزز هذا الفرض أن بلوتارخوس زعم شيئا من‬
‫‪ .‬هذا القبيل‬
‫ويعد سيفاقس أيضا من الملوك المازيغيين الوائل الذين سعوا إلى توحيد البربر وجمع شملهم‬
‫تحت دولة واحدة وهي دولة تامازغا ( دولة المازيغيين )‪ .‬ويتضح هذا عندما أراد أن يوحد‬
‫مملكة نوميديا الشرقية مازيلة ( مسيلة) ومملكة نوميديا الغربية أل وهي مازيسولة في إطار دولة‬
‫‪ .‬أمازيغية كبرى في شمال أفريقيا تمتد من قرطاجنة التونسية شرقا إلى نهر ملوية غربا‬
‫هذا‪ ،‬ولم يتحالف سيفاقس مع القرطاجنيين عسكريا ونسبا إل من أجل محاربة الرومان والوقوف‬
‫في وجه قواتهم الغازية التي كانت تستهدف إذلل المازيغيين وتركيعهم خسفا وهوانا‪ ،‬وهذا ما لم‬
‫يقبله المازيغيون الحرار الشاوس الذين تربوا عبر تاريخهم الطويل على الحرية والكرامة‬
‫والنفة‪ .‬وكان سيفاقس يرى أن توحيد تامازغا لن يكون إل على يديه؛ بيد أن سلطانه السياسي‬
‫‪ .‬سينهار غدرا سنة ‪ 203‬قبل الميلد على يد منافسه المازيغي ماسينيسا‬
‫ويكشف لنا هذا المآل التاريخي التراجيدي صراع المازيغيين مع بعضهم البعض‪ ،‬وتطاحنهم‬
‫حول السلطة وتنافسهم حول المتيازات والمصالح الشخصية عن طريق التقرب من الرومان من‬
‫أجل الحصول على الجوائز والهبات والغنائم على حساب التنكيل بقرطاجنة وضرب حضارة‬
‫الفينيقيين التي أسدت الكثير إلى الحضارة المازيغية‪ .‬وفي هذا الصدد يقول الستاذ العربي‬
‫أكنينح‪ ”:‬يتضح من تاريخ الممالك المازيغية‪ ،‬أن علقة البربر بفينيقيي قرطاجة‪ ،‬لم تكن تتسم‬
‫بالتصادم والجفاء‪ ،‬كما سيكون عليه الحال في عهد الرومان والوندال والبيزنطيين‪ ،‬فيما بعد‪ .‬فقد‬
‫تفاعل سكان شمال إفريقيا مع الفينيقيين‪ ،‬واندمجوا معهم لنهم كانوا يشعرون أنهم من أصل واحد‬
‫وتربطهم أكثر من رابطة‪ ،‬لذا تحالفوا معهم ضد روما‪ .‬وكان سيفاقس رئيس مملكة مازيسولة‬
‫وزوج صفان بعل ابنة هزدروبال‪،‬حليف قرطاجة …هو الوطني الذي ناضل وحارب دفاعا عن‬
‫‪.‬إمبراطورية شمال إفريقيا( قرطاجة ) ضد المبراطورية الغربية عن المنطقة والمتمثلة في روما‬
‫وهكذا نجد القائد الروماني سيپيون يستغل النواميد للقضاء على قرطاجة أول واحتلل نوميديا‬
‫ثانيا عن طريق ضرب ملكين ببعضهما البعض ملك صيفاقس وملك ماسينيسا وجرهما إلى‬
‫الصراع البونيقي والصراع المحتدم بين الرومان والقرطاجنيين‪ .‬لذلك كان مسينيسا شخصية‬
‫مفضلة بل ريب في كتابات المؤرخين الرومان؛ لكونه ساعد كثيرا القوات الرومانية على دك كل‬
‫معاقل القوات القرطاجنية‪ .‬بيد أن الرومان سينقلبون ضده ويوزعون تركته بين أولده الثلث‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول عبد ال العروي‪ ”:‬ثم يحتد الصراع بين روما وقرطاج أثناء الحربين‬
‫البونيقيتين الولى والثانية ويجتاز شيبو(سيپيون) إلى أفريقيا مبحرا من الجزيرة اليبيرية قصد‬
‫إيجاد حلفاء بربر ضد أعدائه‪ .‬فينتهزها المؤرخون فرصة ثالثة ويقدمون لنا الجماعات المقيمة‬
‫غرب التراب القرطاجي والتي كانت تسمى كلها آنذاك بالنواميد وتنقسم إلى قسمين‪ :‬المسيلة شرقا‬
‫والمزسيلة غربا‪ .‬تتلخص أخبار تلك الحقبة في سيرتي رجلين‪ ،‬يمثل كل واحد منهما أحدى‬
‫الجماعتين البربريتين‪ :‬ماسينيسا الزعيم المسيلي وسيفاقس الزعيم المزسيلي‪ .‬يسوق المؤرخون‬
‫القدامى أخبارا طويلة حول ماسينيسا‪ ،‬جاعلين منه بطل مغامرات شيقة‪ ،‬ليست في الواقع سوى‬
‫انعكاسات لسياسة روما في المغرب‪ ،‬بل يرويها پوليپ‪ ،‬المؤرخ اليوناني‪ ،‬ضمن تاريخ عائلة‬
‫شيبو( سيپيون) التي يعترف بالولء لها الزعيم الناميدي والمؤرخ اليوناني معا‪ .‬قد يتنازع‬
‫المؤرخون إلى ما لنهاية حول السؤال التالي‪ :‬هل استغلت روما ماسينيسا للقضاء على قرطاج أم‬

‫‪www.mohamed46.webobo.com‬‬ ‫‪O.Mohamed‬‬ ‫‪Page 3‬‬


‫بالعكس استخدم ماسينيسا روما لبناء دولة ناميدية قوية بقصد توحيد شمال أفريقيا بعد استيعاب‬
‫الحضارة البونيقية؟ لكن المر المحقق هو أن كل المبادرات كانت بيد مشيخة روما‪ ،‬بعد انتهاء‬
‫الحرب البونيقية الثالثة سنة ‪ 202‬قبل الميلد‪ .‬كان الرومان يستطيعون في أي وقت توقيف أي‬
‫حركة يشمون فيها خطرا على مصلحتهم‪.‬وعليه‪ ،‬فقد أوشك سيفاقس أن يؤسس دولة أمازيغية‬
‫كبرى تمتد شرقا وغربا‪ ،‬وتستطيع أن تقف في وجه القوات الرومانية المتوحشة لول ماسينيسا‬
‫الذي خيب طموحات سيفاقس السياسية والعسكرية حيث أدخله في حروب استنزافية أدت‬
‫‪.‬بسيفاقس إلى مقتله في العاصمة الرومانية غدرا وخيانة‬

‫‪ :‬نتائج ثورة سيفاقس‬

‫من أهم النتائج التي ترتبت عن مقاومة سيفاقس الرغبة الكيدة والطموحة في توحيد المازيغيين‬
‫وتنظيم مملكة مازيسولة وتوسيع نوميديا ‪ ،‬ولكن هذا الطموح لم يتحقق ميدانيا بسبب تحالف‬
‫ماسينيسا ملك ماسولة مع قائد القوات الرومانية سيپيون للتنكيل بالقرطاجنيين والقضاء نهائيا على‬
‫أحفاد الفينيقيين في قرطاجنة‪ .‬ولكن الرومان تعاملوا مع قضية شمال أفريقيا بكل ذكاء واستطاعت‬
‫أن ۥتدخل الخوة المازيغيين في حرب قرطاجنة الضروس‪ ،‬لناقة لهم فيها ولجمل‪ .‬وتمكن‬
‫الرومان بعد ذلك من التخلص من صيفاقس أول‪ ،‬والملك ماسينيسا ثانيا عندما أحسوا بنواياه‬
‫التوسعية على حساب أراضي القرطاجنيين الذين كانوا حسب ما يقوله ماسينيسا‪ ”:‬أجانب في‬
‫بلدنا‪ ،‬فقد استولوا غصبا على أملك أجدادنا‪ ،‬ولذلك يجب أن نسترد منهم بجميع الوسائل ما‬
‫‪.‬انتزعوه منا بالقوة‬
‫وإذا كان ماسينيسا قد استنزف قوة سيفاقس وأضعفها ميدانيا وعسكريا وتوسع في مملكته‬
‫وعاصمته لحساب الروم‪ ،‬فإن الرومان استطاعوا أن يحتالوا عليه وأن يوقفوا توسعه أيضا في‬
‫شمال إفريقيا‪ ،‬لذا لم يكن تدخل القوات الرومانية في قرطاجنة مابين ‪149‬ق‪.‬م و ‪146‬ق‪.‬م إل‬
‫لضرب مملكة ماسينيسا ومنع هذا المقاوم من السيطرة على المدينة ( قرطاجنة)‪ ،‬ومن ثم إجهاض‬
‫‪ .‬تطور كان يتجه نحو بروز دولة أمازيغية نوميدية لها وزنها في غرب المتوسط‬
‫يؤكد ذلك أن روما أدركت خطورة نمو هذه الدولة‪ ،‬فأصبح التدخل في شؤونها ومراقبتها أحد‬
‫مشاغل الساسة الرومان‪ .‬ففي سنة ‪148‬ق‪.‬م توفي ماسينيسا تاركا مملكة شاسعة الطراف‬
‫ومنظمة لبنائه الثلثة‪ ،‬فتقاسموا السلط فيما بينهم‪ ،‬إذ تولى أكبرهم مسيبسا السلطة الدارية‪،‬‬
‫وتكلف مستنبعل بالشؤون القضائية‪ ،‬بينما اهتم غولوسن بالشؤون العسكرية‪ .‬والجدير بالملحظة‬
‫أن عملية توزيع السلط تمت بحضور سيپيون اليميلي‪ ،‬قائد الجيوش الرومانية لمحاصرة‬
‫قرطاج‪ ،‬مما يدل على إرادة روما في فرض وصايتها على المراء‪ ،‬ويظهر ذلك بجلء في‬
‫استعانتها بإمكانيات الدولة النوميدية العسكرية‪ ،‬بإسهام جيشها بقيادة المير غولوسن في تحطيم‬
‫‪ .‬قرطاج‬
‫ويتبين لنا من كل هذا أن الحكومة الرومانية لم تقض على القوات الفينيقية والقرطاجنية في شمال‬
‫أفريقيا إل بالقوات المازيغية القوية الشرسة‪ ،‬إذ كانت تضعها في مقدمة المواجهة وفي الصفوف‬
‫الولى من الفيالق العسكرية لكي يصفو الجو للقوات الرومانية لتتدخل في الوقت المناسب‬
‫وخاصة حينما يضعف الفريقان المتناحران في ساحة المعركة‪ .‬وهذا ما وقع بالفعل عسكريا‪،‬‬
‫فحينما أحست القيادة الرومانية بضعف القوتين القرطاجنية والمازيغية ‪ ،‬تدخلت في الوقت‬
‫‪www.mohamed46.webobo.com‬‬ ‫‪O.Mohamed‬‬ ‫‪Page 4‬‬
‫الملئم للقضاء على مملكة قرطاجنة والقضاء على كل الممالك المازيغية المناهضة للحكم‬
‫‪ .‬الروماني‬
‫ومن هنا‪ ،‬نسجل بكل صراحة وموضوعية تاريخية أن الحسد والصراع حول السلطة والتناحر‬
‫حول المتيازات المادية والمعنوية والتهافت وراء بريق ولمعان المصالح الشخصية من السباب‬
‫التي أودت بمملكة تامازغا‪ ،‬وجعلتها طوال تاريخها فريسة سهلة للتكالب الجنبي‪ :‬القرطاجني‬
‫‪ .‬والروماني والوندالي والبيزنطي‪ ،‬وأرضا قابلة للنهب والغتصاب‬
‫وفي الخير‪ ،‬يمكن أن ۥنحمل الملك المازيغي ماسينيسا المسؤولية الولى في إدخال القوات‬
‫الجنبية الرومانية إلى شمال أفريقيا بعد أن مهد لها الطريق وعبد لها السبل للقضاء على أكبر‬
‫قوة منافسة للرومان أل وهي دولة قرطاجنة‪ ،‬والدليل على ذلك ما أظهره الجنرال القرطاجني‬
‫المناضل الوطني حنبعل من شجاعة وقوة في محاصرة الرومان في عقر دارهم‪ .‬ولكن ماسينيسا‬
‫الذي كان يبحث عن مصالحه الشخصية لم يفهم سياسة الرومان أو يقدرها جيدا‪ ،‬ولم يكن ذكيا‬
‫فعل كما كنا نعتقد ذلك في بعض حلقاتنا التي خصصناها للملك ماسينيسا؛ لنه كان السبب‬
‫المباشر لتعجيل تدخل القوات الرومانية في تونس القرطاجنية لتخريبها وبناء قاعدة عسكرية‬
‫‪.‬فيها‪ ،‬وتقسيم مملكة ماسينيسا الموحدة بين الولد الثلثة‬
‫ومن هنا‪ ،‬فسيفاقس مات شهيدا وفيا للمقاومة المازيغية وحارب مع القرطاجنيين ضد الشرف‬
‫الفريقي‪ ،‬على عكس ماسينيسا الذي ضحى بالقوة المازيغية من أجل إرضاء حلفائه الرومان‬
‫الذين خدعوه سياسيا وعسكريا ووضعوا حدا لمقاومته الصاعدة على حساب جيرانه القرطاجنيين‬
‫‪.‬الذين لم يكونوا أعداء بالدرجة التي كان عليها الرومان المتوحشون‬
‫ومن هنا‪ ،‬فتاريخ المازيغيين كان في الحقيقة تاريخ الخيانات والتحالفات البراگماتية الواهمة‬
‫والواهية‪ ،‬والتي كانت كلها لصالح الحكومة الرومانية‪ .‬ولم يستفد المازيغيون من تاريخهم إلى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬فالتاريخ دائما يعيد نفسه ويكرر أحداثه في صور مختلفة‪ ،‬ولكن ليس هناك من يستفيد‬
‫أو يعتبر أو يتعظ‪ .‬ومازال الغرب يتعامل مع الدول العربية السلمية بنفس الطريقة التي كانت‬
‫‪.‬تتعامل بها الحكومة الرومانية مع الممالك المازيغية في القرون الميلدية الولى‬
‫ونستحضر في هذا المجال قولة دالة وصائبة وموحية فبينما كانت كل مملكة من هذه الممالك‬
‫الثلث( مملكة ماسينيسا ومملكة صيفاقس ومملكة باگا) تحاول جمع الشمل في المنطقة الخاضعة‬
‫لنفوذها‪ ،‬كانت الحروب تتوالى بين روما وقرطاجة‪ ،‬فنتج من ذلك أن كل الطرفين المتحاربين‬
‫صار يغري المازيغيين بالتحالف معه‪ ،‬ويستغل التنافس الذي يطبع علقات الملوك بعضهم‬
‫ببعض‪ .‬وفي أثناء الحرب البونية الثانية استطاعت روما‪ ،‬بفضل معرفتها لمعطيات المجال‬
‫السياسي الفريقي‪ ،‬أن تكسب صداقة أشد الملوك حنقا على قرطاجة‪ ،‬وهو ماسينيسا‪ ،‬وأن تتحالف‬
‫معه‪ .‬فكانت تلك المحالفة هي الثلمة الولى التي تسربت منها الهيمنة السياسية الرومانية‪ ،‬شيئا‬
‫فشيئا إلى مراكز الحكم في أقطار المغرب كلها؛ ذلك أن روما اتخذت جميع أساليب الترغيب‬
‫والترهيب منهجية لها لغراء الملوك المازيغيين بعضهم ببعض‪ ،‬في مرحلة أولى‪ ،‬ثم أزالت‬
‫القناع عن وجهها في مرحلة ثانية وحاربت كل من امتنع أن يكون عميل لها‪ ،‬واستمرت على تلك‬
‫الخطة ما يقرب من قرنين‪ ،‬موسعة نطاق سيطرتها في اتجاه الغرب إلى أن قضت على الممالك‬
‫كلها؛ ولم تبق بصورة شكلية‪ ،‬إل على عرش موريتانيا‪ .‬فأجلست عليه المير المازيغي الشاب‬
‫يوبا بن يوبا الذي كانت قد أسرته‪ ،‬وهو صبي‪ ،‬بعد التخلص من أبيه‪ .‬فظل يوبا لها عميل إلى أن‬
‫توفي‪ .‬فسار ابنه بطليموس على نهجه‪ ،‬إلى أن استدرجه ابن خالته‪ ،‬المبراطور الروماني‬

‫‪www.mohamed46.webobo.com‬‬ ‫‪O.Mohamed‬‬ ‫‪Page 5‬‬


‫كاليگول إلى حضور احتفالت رسمية بمدينة ليون الغالية‪ ،‬حيث أمر باغتياله سنة ‪40‬م‪ .‬وبموته‬
‫‪.‬انقرضت الممالك المازيغية القديمة‬
‫وعلى أي‪ ،‬فبعد وفاة الملك المناضل سيفاقس‪ ،‬تولى ابنه فيرمينا وراثة الحكم وتابع مسيرة أبيه‬
‫السياسية والعسكرية والدارية والقتصادية في تسيير مملكة أبيه وإدارتها‪،‬وعاش بعد أبيه بضع‬
‫سنوات‪ ،‬والدليل على حكم فيرمينا بعد أبيه هو عثور علماء الحفريات والمؤرخين على عملة‬
‫‪.‬فضية تحمل اسمه‬
‫ومن أهم نتائج ثورة سيفاقس اندلع ثورات أمازيغية مضادة للرومان اتخذت صبغة عسكرية‬
‫كمقاومة يوغرطة ومقاومة تاكفاريناس ومقاومة أيديمون‪ ،‬وصبغة دينية كمقاومة دوناتوس‪،‬‬
‫‪.‬وصبغة اجتماعية كمقاومة الدوارين الفقراء‬

‫‪ :‬خــــاتمة‬

‫ونستكشف مما سبق ذكره أن سيفاقس كان ملكا أمازيغيا وفيا ومناضل مات شهيد القضية‬
‫المازيغية؛ لنه دافع عن مملكة تامازغا ‪ ،‬وساعد جيرانه القرطاجنيين على المواجهة والتحدي‬
‫والصمود في وجه القوات الرومانية الغازية التي كانت ل تستهدف إخضاع قرطاجنة فحسب ‪ ،‬بل‬
‫كانت ترمي إلى السيطرة الكلية على أفريقيا الشمالية لتحقيق مصالحها التوسعية واسترقاق‬
‫المازيغيين ونهب ممتلكاتهم وخيراتهم واغتصاب أراضيهم‪ ،‬وتجويع ساكنة تامازغا وطردها‬
‫إلى الصحراء نحو الفيافي والمفاوز والكهوف الجبلية خارج خط الليمس الخضر أو السد المني‪.‬‬
‫ويعني هذا أن سيفاقس لم يمت خائنا مغفل كما كان شأن ماسينيسا‪ ،‬بل مات موتة النبلء الشرفاء‬
‫‪.‬الذين دافعوا عن الهوية المازيغية‬
‫وقد رفض سيفاقس كل أنواع المساومة مع الرومان التي تكون على حساب وحدة تامازغا‪،‬كما‬
‫رفض بشكل قاطع سياسة الرومنة والستيطان الروماني والتمدين اللتيني في كل شبر من أشبار‬
‫نوميديا‪ .‬وكان أيضا من الوطنيين الغيورين على وطنهم الذين ضحوا من أجل الرض وتوحيد‬
‫نوميديا وجمع شمل المازيغيين في مملكة أمازيغية موحدة‪ .‬ولكن الحتيال الروماني وتعدد أقنعة‬
‫حكومة روما هي التي أسقطت مملكة سيفاقس وأمجادها الطموحة في التوسع والوحدة المازيغية‬
‫‪.‬الشاملة‬

‫‪www.mohamed46.webobo.com‬‬ ‫‪O.Mohamed‬‬ ‫‪Page 6‬‬

You might also like